المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌حرف السين ‌ ‌(ساحل سيلين) بالتركيب الإضافى، والجزء الثانى بسين - الخطط التوفيقية الجديدة - جـ ١٢

[علي مبارك]

فهرس الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

‌حرف السين

(ساحل سيلين)

بالتركيب الإضافى، والجزء الثانى بسين مكسورة فياء تحتية فلام فتحتية فنون، كذا فى بعض الاستعمالات، وفى بعضها بفتح السين بلا ياء بينها وبين اللام وفى آخره ميم، وربما يقال الساحل بدون إضافة، وهى قرية من مديرية أسيوط بقسم أبى تيج واقعة على يمين النيل بينها وبينه نحو نصف ميل تجاه مدينة أبى تيج، وهى أعظم خطة يقال لها (شرق سيلين) مشتملة على عدة قرى، وفى تلك القرية أبنية حسنة ومساجد عامرة أحدها بمنارة، وكان بها عصارات بطلت الآن وسوقها كل يوم خميس، ويكتنفها فيما عدا جهتها البحرية حدائق ذات بهجة فيها النخل الكثير والكرم والرمان الطائفى وغيره من الفواكه وأكثر أهلها مسلمون ذوو ثروة لخصوبة أرضهم، ويزرع بها قصب السكر والذرة النيلية والصيفية وكافة الأصناف المعتادة لتلك الجهات، ويزرع فى المنخفض منها المقاثئ من بطيخ وعجور إذا ترك يكبر ويصير حرشا تزن الواحدة عشرين رطلا.

وفيها عائلة مشهورة يقال لهم (أولاد عبد العال) لهم بها آثار كثيرة من قصور مشيدة عديدة ومناظر مفروشة بالرخام والبلاط ومضايف متسعة ومسجد مزخرف ذو منارة وجنات وزرع كثير فى جهات، وكان أكبرهم (عبد العال

ص: 7

عتمان) صالحا كريما مهيبا شفيقا على الناس، ورزق من الأولاد الذكور أربعة أكبرهم (همام بك) تعلم القراءة والكتابة وعرف ما افترض الله عليه وتعلم اللغة التركية وشيئا من العربية، وهو من أول من دخل فى ميادين التمدن من أولاد الفلاحين من حيث الزى والمعارف، لأن الأهالى وإن توظف بعضهم قبله بالوظائف الديوانية لكن كانوا بهيئتهم الأصلية، فلذا كان يقال له-من دونهم- (همام أفندى) وفى زمن المرحوم عباس باشا جعل معاونا فى مديرية أسيوط ثم جعل ركبدارا بمحروسة مصر مع جماعة من مشاهير الصعيد؛ كأحمد أغا أبى مناع وعثمان أغا أبى ليلى من الريانية (بلدة فى شرق النيل فى شمال أخميم) وأحمد أغا الدقيشى من ناحية نزه بجوار الجبل الغربى من أعمال طهطا، ثم فى زمن المرحوم سعيد باشا أنعم عليه برتبة أمير ألاى وجعل عضوا فى مجلس الأحكام بالمحروسة مع جماعة من مشاهير الصعيد أيضا؛ كمحمد بك أبى حمادى وحسن بك الشندويلى وأحمد بك أبى مناع، وفى مدة الخديوى إسماعيل جعل عضوا فى مجلس الاستئناف بمدينة أسيوط ثم توفى إلى رحمة الله تعالى سنة ألف ومائتين وثمان وثمانين وله من العمر أكثر من سبعين سنة، وكان من العقل وحسن التدبير والبشاشة بمكان، وكان ديدنه السعى فى حوائج الناس والشفاعة لهم عند الأمراء، وهو صاحب الصيت والشهرة فى هذه العائلة، ولم يعقب ذكورا.

ويليه سنا أخوه (تمام) كان رجلا متواضعا دينا محسنا مقبلا على شأنه، لم يتول منصبا إلى أن مات بالحجاز عقب الحج والزيارة سنة إحدى وثمانين ومائتين وألف.

ويليه أخوه (أبو زيد أغا) كان ناظر قسم ببلاد الشروق من مديرية أسيوط زمن العزيز إلى أن توفى سنة خمس وستين تقريبا، وترك ولدا يقال له صالح وتولى نظارة قسم أبى تيج.

ص: 8

وأصغرهم (سليمان بك عبد العال) كان حاكما على جملة قرى من شرق سيلين زمنا ثم أنعم عليه الخديوى إسماعيل برتبة أمير ألاى سنة سبع وثمانين، وجعل مدير مديرية قنا نحو سنتين ثم مدير مديرية سوهاج نحو سنة ثم أعفى، وقد رزق من الأولاد الذكور أربعة، أكبرهم محمود بك وكيل مديرية أسيوط، تعلم القراءة والكتابة وشيئا من النحو والحساب، وجعل أولا ناظر قسم أبى تيج فى سنة ثمانين، ثم ترقى إلى رتبة بيكباشى، وجعل وكيل مديرية جرجا ثم أسيوط.

ويتبع هذه القرية نزلتان: إحداهما يسكنها الأقباط، والأخرى يسكنها المسلمون وينسج فيها حصر الحلفاء وثياب الصوف وعندها مرسى للمراكب.

وأطيان هذه البلدة مختلطة بأطيان قرية الشامية التى فى شرقيها بنحو ثلث ساعة، وهى قرية نحو نصف أهلها أقباط وبها جامع وكنيسة، وأبنيتها من اللبن والآجر، ولأهلها خبرة فى فن الزراعة، وفيهم أرباب ثروة، ونخيلها كثير؛ فإن فيها نحو عشرين بستانا على تجاه واحد من الشمال إلى الجنوب، وفى شرقى الشامية بسفح الجبل قرية أصغر منها يقال لها الخوالد أكثر أهلها مسلمون وفيها بيت مشهور لرجل كريم يقال له (الشيخ يوسف فتح الباب)، وفى أرضها مقاثئ، وعلى جنوبها نزلة يقال لها (المستجدة) ويقال لها أيضا (الوادى) لوقوعها فى منخفض تحت طريق فى الجبل وكانت أراضى تلك القرى وما جاورها تحرم من النيل فى سنة قلة زيادته، فكانوا يحفرون الآبار ويزرعون عليها قمحا وشعيرا يسمى (بالشتوى) يعطى محصولا قليلا؛ فكان أكثرهم فى فقر وفاقة، فلما قام (المرحوم محمد على) بأعباء ولاية الديار المصرية وشرع فى عمل الطرق التى بها رى البلاد وصلاح حالها بأفكاره السنية وهندسته الطبيعية نالت تلك الجهات من ذلك حظا وافرا وأمنت أراضيها من الشرق وصارت تكسى بساطا من الماء الأحمر كل سنة وقت زيادة النيل، وإذا نزل عنها خلّف طميا راسبا عليها يبلغ فى بعض الأماكن ثلث متر فأخصبت أرضها وأثرى أهلها.

ص: 9

وأرض الساحل والشامية بعضها جزيرة خلفها البحر تزرع قمحا وشعيرا ولابد من حرثها-أى إثارة أرضها بالمحراث-كما بينا ذلك فى مواضع وبعضها داخل فى الحيضان ويسمى (بلاد قوق) وأكثره يزرع من غير إثارة للأرض بل يلوق بألواح الخشب، وبعضه تزرع فيه الذرة النيلية، وبعد حصادها يزرع فى مكانها الشعير والعدس والحلبة ونحو ذلك ويسمى (العقر)، والعادة أن زرع الحرث أكثر محصولا من زرع اللوق، وزرع اللوق يأخذ بذرا أكثر من زرع الحرث كما ذكرنا ذلك غير مرة.

وفى زمن كثرة الفتن قبل استيلاء (العزيز محمد على) على هذه الديار كانت الأهالى مضطربة يحارب بعضهم بعضا؛ فكانت هذه البلاد منقسمة قسمين: أحدهما وهو الجنوبى يقال له (قسم البدارى) تسمية باسم بلدة هناك، والآخر وهو الشمالى يسمى (قسم سيلين)، وكان التناوش والحرب يحصل بينهما كثيرا ويقتل من الجانبين قتلى كثيرون، كما كان فى بلاد جرجا فرقة يقال لها (الصوامعة) وفرقة يقال لها (الوناتنة) لا ينقطع بينهم القتال والقتل والغارات وهكذا فى كل جهة، فمحا ذلك كله العزيز وعائلته من بعده؛ فصارت المرأة تمشى فى الطريق وحدها بزينتها وحليها، والرجل يمشى فى الليل بلا سلاح وهو فى غاية الأمن.

ومن عوائد هذه الجهة فى الأفراح أن ينصبوا كل يوم بعد العصر ميدانا يضرب فيه الدف ويتسابقون بالخيول إلى قرب المغرب، وبعد العشاء يستعملون الغناء ورقص النساء وضرب آلات الملاهى إلى نحو نصف الليل، وفى آخر يوم تركب الخيالة خيولهم والنساء الهوادج، وتجعل العروس فى هودج مزخرف مغطى بأحسن ما عندهم من المنسوجات النفيسة، ويطوفون هكذا حول البلد مع ضرب الدف ورمح الخيل وغناء النساء، وبعد كل قليل من الزمن يقفون برهة حتى يصلوا إلى بيت صاحب الفرح فيمد لهم سماطا ويرمون عليه نقودا تسمى (النقوط) يقيدها عنده فى دفتر ليردّها مع زيادة عليها عند الاقتضاء.

ص: 10

وفى جنائزهم يشيعون الجنازة ثم يرجعون إلى بيوتهم فيصنعون طعاما يهدونه لأهل الميت، ويبيتون معهم سبع ليال أو أكثر، الرجال مع الرجال والنساء مع النساء، وأكثر ذلك جار فى كثير من الجهات.

(ساقية أبى شعرة)

قرية من قسم سبك بمديرية المنوفية واقعة على الشاطئ الغربى للبحر الشرقى فى جنوب بير شمس بنحو ساعة ونصف، وفى شمال كفر الحمى على نحو ربع ساعة، وبها (جامع سيدى على الفرماوى) وهو مدفون به، وله مولد سنوى فى شهر بؤونة تجتمع فيه الزوار ويقيمون ثلاثة أيام، وبها معمل دجاج وأسواق على البحر الأعظم، ورى أطيانها من رياح المنوفية والبحر الأعظم.

‌ترجمة أبى السعود الشعرانى

وفى «خلاصة الأثر» أن منها أبا السعود عبد الرحيم بن عبد المحسن بن عبد الرحمن بن على المصرى قاضى القضاة الشعرانى، أحد أفراد الدهر فى المعارف الإلهية، وكان فى هذا العصر الأخير من محاسنه الباهرة جمع بين العلم والعمل، وكان لأهل الروم فيه اعتقاد عظيم، وهو من بيت الولاية والصلاح، وعم والده العارف الكبير عبد الوهاب صاحب العهود والطبقات والميزان وغيرها، وفضله أشهر من أن يذكر، انظر ترجمته فى الكلام على قلقشنده.

ولد المترجم بمصر ودخل الروم مع والده وهو صغير، وذكر الشيخ إبراهيم الخيارى المدنى فى رحلته عند ترجمته له أنه أخذ عن الشمس الرملى والنور الزيادى وأطبق أهل عصره على ديانته وعفته، وكان له فى الأدب والفنون يد طولى وله شعر، منه قوله:

أقول للقلب لا تجزع لفائتة

إن الزمان مطيع أمر من أمره

قد يسكن الدار حقا غير ساكنها

ويسكن البيت حقا غير من عمره

وقوله:

اصبر فإن الصبر مفتاح الصعاب

واشكر فإن الشكر مدرار السحاب

واعلم بأن الله يولى عبده

أنواع لطف وهو لا يدرى الصواب

ص: 11

ثم قال صاحب الخلاصة: وقد ذكره والدى المرحوم وأطنب فى ترجمته، ثم قال: لازم شيخ الإسلام صنع الله بن جعفر المفتى ودرس بمدارس قسطنطينية إلى أن وصل إلى إحدى مدارس السلطان سليمان وولى منها قضاء القضاة بالشام خمسة وأربعين يوما ثم عزل، ثم بعد زمن ولى قضاء القدس، ثم بعد ذلك ولى قضاء بروسة وأدرنه وقسطنطينية، وأعطى أخيرا رتبة قضاء العسكر باناطولى ثم قال: قال والدى: وقد تشرفت به فى سفرتى الثانية إلى الروم سنة ثلاث وسبعين وألف ثم لزمته، وكنت إذا اجتمعت به يتنور باطنى وظاهرى من مخاطبته وينشرح لسماع فوائده صدرى من محاضرته، وأنشدته مرة قولى وأنا فى شدة من الحال:

الحال غدا يكلّ عنه الشّرح

من سكرته متى زمانى يصحو

أبواب مطالبى جميعا سدّت

مولاى عسى يكون منك الفتح

فأنشدنى لنفسه قوله:

فلا تحزن إذا ما سدّ باب

فإنّ الله يفتح ألف باب

وله تخميس مشهور فى صاحب البهجة والنور أوله:

يا حادى العيس إن حفّت بك الكرب

الحق هديت بركب ساقه الطرب

وقل لصبّ غدا بالشوق يلتهب

لمهبط الوحى حقا ترحل النّجب

وعند هذا المرجّى ينتهى الطلب

أعنى الرسول الذى قد شرّف الأمما

ونال سائله فوق السما فسما

يلقى العفاة بما يرجون مبتسما

به تحطّ رحال السائلين فما

لسائل الدمع ما يقضيه ما يجب

إن رمت كشف العنا والحوب والنّوب

كذا الخلاص من الأكدار والنّصب

وكنت حقا سعيدا غير مكتئب

قف وقفة الذلّ والإطراق ذا أدب

فعند حضرته يستلزم الأدب

ص: 12

ثم قال: وهذا التخميس جيد جدا، وأظن أن الأصل أيضا له، وله بقية اكتفينا عنها بنبذة نقية، وكانت وفاته فى سنة ثمان وثمانين وألف بقسطنطينية، فالشعرانى نسبة إلى ساقية أبى شعرة هذه.

ومن البلدة المذكورة محمد أفندى زهران الصاغقول أغاسى حكيم بالمدارس الملكية، ومنها أيضا عبيد أفندى محمد بيكباشى، دخل العسكرية فى زمن المرحوم عباس باشا وترقى فى زمن المرحوم سعيد باشا إلى رتبة اليوزباشى، وفى زمن الخديوى إسماعيل ترقى إلى رتبة البيكباشى، يقرأ ويكتب وليس له أسفار، ثم دخل بالألايات.

(ساقية قلتة)

قرية من مديرية دجرجا بقسم سوهاج فى شرقى النيل بقليل، وفى بحرى أخميم بنحو ساعتين وفى الجنوب الغربى لناحية السقطية بنحو نصف ساعة وتجاهها فى البر الغربى ناحية بصونه وشندويل، وبيوتها من الآجر واللبن وفيها غرف ومضايف ومساجد ونخيل، وفيها أشراف يقال إنهم من ذرية السرى السقطى.

‌ترجمة السرى السقطى

وهو كما فى «ابن خلكان» أبو الحسن سرى بن المغلس السقطى أحد رجال الطريقة وأرباب الحقيقة، كان أوحد أهل زمانه فى الورع وعلوم التوحيد، وهو خال أبى القاسم الجنيد وأستاذه، ومن كلامه: المتصوّف اسم لثلاثة معان، وهو الذى لا يطفئ نور معرفته نور ورعه، ولا يتكلم بباطن فى علم ينقضه عليه ظاهر الكتاب، ولا تحمله الكرامات على هتك محارم الله تعالى. وكان كثيرا ما ينشد:

إذا ما شكوت الحب قال كذبتنى

فما لى أرى الأعضاء منك كواسيا

توفى رحمه الله تعالى يوم الأربعاء لست خلون من رمضان بعد الفجر سنة ستّ وقيل سنة سبع وخمسين ومائتين ببغداد ودفن بالشونيزية وقبره ظاهر وإلى

ص: 13

جنبه قبر الجنيد رضي الله عنهما والمغلس بضم الميم وفتح الغين المعجمة وكسر اللام المشددة وسين مهملة، انتهى من ابن خلكان باختصار.

وفى رسالة «البيان والإعراب» للمقريزى أن بهذه البلدة جماعة من بنى عمر وبطن من بنى هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن، ينتهى نسبه إلى مضر بن نزار جد النبى صلى الله عليه وسلم.

قال: وببلاد الصعيد عدة قبائل من العرب، ففى بلاد أسوان وما تحتها بنو هلال، وفى بلاد أخميم وما تحتها بلىّ، وفى بلاد منفلوط وأسيوط جهينة، وفى بلاد الأشمونين قريش، وفى معظم بلاد البهنسالواته، ومنهم طوائف بالجيزة والمنوفية وبالبحيرة، وببلاد الفيوم بنو هلال، وفى بنى هلال عدة بطون منهم بنو رفاعة وبنو حجير وبنو عزيز وباسفون، وإسنا بنو عقبة وبنو حمليه؛ انتهى.

والعامة يقولون إن قبر أبى يزيد البسطامى فى ناحية ساقية قلتة، والظاهر أن هذا مجرد زعم ولم أقف له على موضع دفن.

‌ترجمة أبى يزيد البسطامى

والذى فى «ابن خلكان» أن البسطامى نسبة إلى بسطام بفتح الموحدة وسكون السين المهملة وفتح الطاء المهملة وبعد الألف ميم؛ بلدة مشهورة من أعمال قومس، ويقال إنها أول بلاد خراسان من جهة العراق، وقد ترجمه فقال: هو أبو يزيد طيفور بن عيسى بن آدم بن عيسى بن على البسطامى الزاهد المشهور كان جده مجوسيا ثم أسلم، وكان له أخوان زاهدان عابدان أيضا: آدم وعلى، وكان أبو يزيد أجلهم، وسئل: بأى شئ وجدت هذه المعرفة؟ قال:

ببطن جائع وبدن عار، وقيل له: ما أشد ما لقيته فى سبيل الله تعالى؟ فقال:

لا يمكن وصفه، فقيل له: ما أهون ما لقيت نفسك منك؟ فقال: أما هذا فنعم دعوتها إلى شئ من الطاعات فلم تجبنى طوعا فمنعتها الماء سنة، وكان يقول: لو نظرتم إلى رجل أعطى من الكرامات حتى يرتفع فى الهواء فلا تغترّوا

ص: 14

به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهى وحفظ الحدود وأداء الشريعة، وله مقالات كثيرة ومجاهدات مشهورة وكرامات ظاهرة.

وكانت وفاته سنة إحدى وستين، وقيل أربع وستين ومائتين رحمه الله تعالى، وطيفور بفتح الطاء المهمله وسكون المثناة من تحت وضم الفاء وبعد الواو الساكنة راء اه، ولم يذكر موضع دفنه.

(سبرباى)

هذه القرية من مديرية الغربية بقسم أبيار فى شمال طندتا بنحو ساعة ونصف وفى شرقى ترعة الجعفرية، وبها جامع بمنارة، وكان عندها أورمان (غيضة) سنط أنشأها العزيز (محمد على) فى محل مستنقع مياه مساحته نحو ثلاثة آلاف فدان، كان معدا لتصفية المياه عن أطيان تلك النواحى.

وفى زمن المرحوم (عباس باشا) أعطى إنعامات فأخذ منه (أدهم باشا) خمسين فدانا وثمانمائة فدان (وصالح باشا) خمسين فدانا وسبعمائة فدان و (خورشيد باشا) خمسين فدانا وثلثمائة فدان و (حمزة باشا) كذلك، وأعطى الباقى غيرهم، ثم قلعت الأشجار وزرع مكانها أصناف المزروعات؛ لكثرة فوائد الزرع عن فوائد الشجر، ثم باع كثير منهم أرضه؛ فاشترى منه المرحوم (إسماعيل باشا) المفتش جزءا عظيما، وأراضيها من أجود الأراضى، وريها من ترعة الجعفرية التى كان فمها من بحر شبين بجهة الجعفرية، والآن فمها من ترعة القاصد التى فمها من بحر شبين قبلى ناحية مليج، وليس بها سوق.

‌ترجمة أدهم باشا

ثم إن (أدهم باشا) المذكور كان من أشهر رجال الحكومة، صادقا فى القيام بوظائفه مع الاجتهاد، وأصله من القسطنطينية وحضر إلى الديار المصرية فى زمن المرحوم (محمد على) أوائل إنشاء العساكر النظامية فوظّف بوظيفة ضابطان فى العساكر الطوبجية، وكان له معرفة باللغة الفرنساوية والتركية

ص: 15

والعربية والترتيبات العسكرية وإنشاء المهمات الحربية، ثم جعل ناظر المهمات الحربية فبذل فيها جهده وحمدت مساعيه، وأقام بهذه الوظيفة زمنا ثم ترقى إلى رتبة أمير ألاى، وكان يأخذ عنه الهندسة جماعة من رجال الحكومة مثل المرحوم (إبراهيم بيك رأفت) و (مصطفى أفندى راسم) معلم الهندسة بالقصر العينى و (حسن أفندى الغورى) خوجة الهندسة بمدرسة طرا، ثم فى سنة تسع وأربعين ومائتين وألف ألقى فى حقه (عبد الرحمن بيك) فتنة وحرك عليه رؤساء مصلحته؛ فرفع من تلك الوظيفة وأقيمت عليه قضية استمرت نحو ثمانية أشهر، وظهرت براءته وخلوّ ساحته مما رمى به.

وكان المعلمون فى الورش يحضرون إليه بمنزله ويستفهمون منه عن العمل فى البنادق والمدافع ونحو ذلك وهو يفيدهم بجد واجتهاد؛ رغبة منه فى خدمة الديار المصرية، ولما قدم المرحوم سر عسكر (إبراهيم باشا) من الديار الشامية سنة خمسين مدحه عند العزيز وذكر نصحه واجتهاده فى خدمته فأنعم عليه برتبة أمير لواء وأعيد إلى المصلحة، وبعد موت (مختار باشا) أضيفت إليه مصلحة المدارس؛ فصار مدير المدارس المصرية ومفتش المهمات الحربية، وفى زمن المرحوم (عباس باشا) جعل له نظر أوقاف الحرمين الشريفين مع المهمات الحربية وأنعم وعليه بأرض سبرباى، وفى زمن المرحوم (سعيد باشا) جعل محافظ مصر المحروسة وأنعم عليه برتبة أمير ميران وأحيل عليه قلم الهندسة مع المهمات الحربية، وفى زمن الخديو إسماعيل باشا عوفى من الخدمة وسافر إلى القسطنطينية ومات بها سنة ست وثمانين ومائتين وألف.

وكان رقيق القلب رحيما كثير الصدقة، يباشر المصالح بنفسه بلا تعاظم ولا تكبر، ويلاطف أصحاب الحاجات حتى يقف على حقيقة شكواهم، ويقوم بنصر المظلوم، واعتنى بالمدارس واجتهد فى أسباب الرغبة فيها، فكان يجل المجدّين من التلامذة والمعلمين ويسعى فى ترقّيهم ليجتهد غيرهم؛ فظهرت النجابة فى جميعهم أو أكثرهم وحصّلوا فى وقته تحصيلا جما، ومن إنشائه

ص: 16

مكتب السيدة زينب-رضي الله عنها-ومكتب بولاق ومكاتب أخر، وبالجملة فكان كالوالد لأبناء المدارس، وله إصلاحات أيضا بالجامع الأزهر زمن نظارته على الأوقاف رحمه الله تعالى.

وذكر «الجبرتى» فى (حوادث سنة عشر ومائتين وألف) أنه ولد بهذه القرية الحافظ الأديب والماهر النجيب شمس الدين بن عبد الله بن فتح الفرغلى المحمدى الشافعى السبرباوى، نسبه يرجع إلى القطب الفرغلى صاحب قرية أبى تيج، وهو من ذرية سيدى محمد بن الحنفية، تفقه المترجم على علماء عصره وأنجب فى المعارف، وعانى الفنون فأدرك منها اللطائف، ومال إلى فن الميقات والتقاويم فنال من ذلك الحظ الجسيم، ثم ألف فى هذه الفنون وصنف، فدلّت تاليفه على أنه بها من غيره أعرف، ثم نهج مسلك الأدب والتاريخ ففاق فيه الأقران، ومدح الأعيان.

مؤلفاته كثيرة جدا، منها:«الضوابط الجلية فى الأسانيد العلية» ألفها سنة ست وسبعين ومائة وألف، وذكر فيها سنده عن الشيخ نور الدين أبى الحسن سيدى على ابن الشيخ الفاضل أبى عبد الله سيدى محمد المغربى الفاسى الشهير بالسقاط، وصنف زايرجة مختصرة تدل على رسوخه فى المعارف، وصنف جملة أراجيز منها «أرجوزة فى تاريخ وقائع على بيك الكبير ومحمد بيك أبى الذهب» ، وله قصيدة من بحر الطويل ضمنها ما وقع للأمير (مصطفى بيك) مولى (محمد بيك) فى طريق الحجاز حينما ولى إمارة الحاج سنة أربع وتسعين سماها «تغريد حمام الأيك فيما وقع لأمير اللوا مصطفى بيك» مطلعها:

إمارة حج البيت فى سالف العصر

هى المنصب الأعلى وحقك فى مصر

وخدمة وفد الله جل جلاله

هى النعمة العظمى لمغتنم الأجر

تنافس فيها الأولون وعظّموا

إمارتها فى الخادمين مدا الدّهر

ص: 17

وهى قصيدة طويلة.

توفى المترجم فى شهر ربيع الأول من السنة المذكورة ببلده ودفن هناك رحمة الله تعالى عليه.

(سبك) من هذا الاسم بلدتان:

إحداهما

(سبك العويضات)

وهى قرية من مديرية المنوفية بقسم سبك الضحاك، واقعة في بحرى ترعة النعناعية بمسافة أربعمائة قصبة تقريبا، ويتفرع منها كفر يقال له كفر العويضات وآخر يقال له كفر المرازقة، به أضرحة أولاد سيدى مرزوق الكفافى، وحصة يقال لها حصة سبك الأقباط موضوعة بجوار كفر العويضات بها كنيسة للأقباط، وبالقرية المذكورة جامعان أحدهما يعرف بجامع سيدى غازى بداخله ضريح، والآخر يعرف بجامع خطاب؛ باسم منشئه محمد خطاب؛ من مشاهيرها، وجملة زوايا للصلاة، والجميع بدون منارات.

وبها صناعة قلانس الصوف والزكائب الشعر، وتكسّب أهلها من ذلك ومن التجارة والزراعة، ورى أرض الجميع من ترعة النعناعية وزمام كل منها على حدة.

والأخرى

(سبك الضحاك)

وهى بلدة من مديرية المنوفية وتسمى أيضا سبك التلات، وهى رأس قسم واقعة شرقى بحر شيبين على بعد أربعمائة قصبة، وفى غربى ترعة العطف على نحو ألف متر، والخارج منها إلى شيبين يسير على ترعة سبك الخارجة من النيل التى فمها شرقى بحر القرينين بقرب فم ترعة العطف من الجهة الجنوبية، ويمر بقرية مناوهل الواقعة على الشاطى الشرقى لبحر شيبين ثم يتبع جسر ذلك البحر إلى أن يصل إلى كفر مناوهل وناحيتى الدلتون والعالية وكفر المصيلحة، ثم يجوز البحر إلى البر الغربى فيجد ناحية شبين قبالة ناحية المنيتين.

ص: 18

وأغلب أبنية ناحية سبك باللبن وعلى دورين ثانيهما يشتمل على أود تسمى مقاعد، وفيها مساجد منها واحد بمنارة فى وسطها، ومسجد بلا منارة فى الجهة البحرية، به مقام سيدى على المغازى وهو ولى له شهرة ويعمل له مولد فى الصيف يستمر يومين ويحضره خلق كثيرون، ومسجد فى بحريها أيضا فيه مقام سيدى عبيد، وقد جدد له فى هذه الأزمان خادم الجامع-محمد العفش-مولدا، وكانت سبك سابقا على تل مرتفع نحو عشرة أمتار عن أرض المزارع فاستولت عليه الأيدى بأخذ السباخ، ولم يبق منه الآن إلا نحو ربعه فى جهتها القبلية، وبالحفر فيه وجد أربعة أعمدة من الرخام هى إلى الآن فى الجامع البحرى، ويقال أنها كانت فى كنيسة وزمامها ألف فدان، وريها من ترعتها التى أنشئت فى عهد المرحوم (محمد على باشا) ومن ترعة العطف وبحر شبين، وبها سواق معينة يزرع عليها فى غير وقت النيل، وبعد مائها وقت التحاريق تسعة أمتار، ويزرع على الساقية خمسة فدادين ويديرها ثوران من البقر، وبها أربع نخلات مثمرة لورثة المرحوم (سليمان الحبشى)، وبها جملة بساتين ذات رمان وبرتقان وليمون مالح وأضالية وتين برشومى ومشمش وخوخ وقليل عنب، وكان بها عصارة لقصب السكر قد تركت الآن، وصار ما يزرع بها من القصب يباع للمص.

‌ترجمة تقى الدين السبكى

وقد أطلع الله سعد هذه البلدة بين البلدان وانتشر ذكرها فى جميع الأزمان بأن أوجد منها الإمام تقى الدين السبكى وابنه الإمام عبد الوهاب، فقد عدهما الجلال السيوطى فى «حسن المحاضرة» من الأئمة المجتهدين فقال: هو الإمام تقى الدين أبو الحسن على بن عبد الكافى بن تمام بن حماد بن يحيى ابن عثمان بن على بن سوار بن سليم الأنصارى الفقيه المحدث الحافظ المفسر الأصولى المتكلم النحوى اللغوى الأديب الجدلى الخلافى النظار شيخ

ص: 19

الإسلام بقية المجتهدين المجتهد المطلق، ولد بسبك من أعمال المنوفية فى صفر سنة ثلاث وثمانين وستمائة وتفقه على ابن الرفعة وأخذ الحديث عن الشرف الدمياطى والتفسير على العلم العراقى والقراءات على التقى بن الرفيع والأصول والمعقول على العلاء الباجى والنحو عن أبى حيان، وصحب فى التصوّف الشيخ تاج الدين بن عطاء الله، وانتهت إليه رئاسة العلم بمصر.

قال الإسنوى: كان أنظر من رأيناه من أهل العلم ومن أجمعهم للعلوم وأحسنهم كلاما فى الأشياء الدقيقة وأجلدهم على ذلك.

وقال الصلاح الصفدى: الناس يقولون ما جاء بعد الغزالى مثله، وعندى أنهم يظلمونه بهذا، وما هو عندى إلا مثل سفيان الثورى.

وقال ابنه فى «الترشيح» : قال الشيخ شهاب الدين بن النقيب صاحب «مختصر الكفاية» وغيرها من المصنفات: جلست بمكة بين طائفة من العلماء وقعدنا نقول: لو قدر الله تعالى بعد الأئمة الأربعة فى هذا الزمان مجتهدا عارفا بمذاهبهم أجمعين يركب لنفسه مذهبا من الأربعة بعد اعتبار هذه المذاهب المختلفة كلها لازدان الزمان به وانقاد الناس له فاتفق رأينا على أن هذه الرتبة لا تعدو الشيخ تقى الدين السبكى ولا ينتهى لها سواه.

وله مصنفات جليلة فائقة حقها أن تكتب بماء الذهب لما فيها من النفائس البديعة والتدقيقات النفيسة منها «الدر النظيم فى تفسير القرآن العظيم» و «تكملة شرح المهذب» للنووى، و «الابتهاج فى شرح المنهاج» ، وصل فيه إلى الطلاق، و «الرقم الإبريزى شرح مختصر التبريزى» ، و «التحقيق فى مسألة التعليق» ، و «رفع الشقاق فى مسألة الطلاق» ، «وأحكام كل وما عليه تدل» و «بيان حكم الربط فى اعتراض الشرط على الشرط» و «شفاء السقام في زيارة خير الأنام» و «السيف المسلول على من سب الرسول» و «التعظيم والمنة

ص: 20

فى لتؤمنن به ولتنصرنه»، و «منية الباحث عن حكم دين الوارث» ، و «الرياض الأنيقة فى قسمة الحريقة» ، و «الاقناع فى إفادة لو للامتناع» و «السهم الصائب فى قضاء دين الغائب» و «الغيث المغرق فى ميراث ابن المعتق» ، و «فصل المقال فى هدايا العمال» ، و «القول الصحيح فى تعيين الذبيح» ، و «القول المحمود فى تنزيه داود» ، و «الجد الاغريض فى الفرق بين الكناية والتعريض» ، و «تفسير يا أيها الرسل كلوا من الطيبات الآية» ، و «كشف الدسائس فى هدم الكنائس» ، و «الطريقة النافعة فى المساقاة والمخابرة والمزارعة» ، و «غيرة الإيمان الجلى فى أبى بكر وعمر وعثمان وعلى» وغير ذلك، وله فتاوى كثيرة جمعها ولده فى ثلاثة مجلدات.

توفى بجزيرة الفيل على شاطئ النيل يوم الاثنين رابع جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وسبعمائة، ورثاه شاعر العصر الأديب جمال الدين بن نباتة بقصيدة طويلة مطلعها:

نعاه للفضل والعلياء والنسب

ناعيه للأرض والأفلاك والشهب

ندب رأينا وجوب الندب حين مضى

فأىّ حزن وقلب فيه لم يجب

نعم إلى الأرض ينعى والسماء علىّ

فقيدكم يا سراة المجد والحسب

بالعلم والعمل المبرور قد ملئت

أرض بكم وسماء عن أب فأب

مقدما ذكر ماضيكم ووارثه

فى الوقت تقديم بسم الله فى الكتب

ورثاه الصلاح الصفدى بقصيدة مبدؤها:

أى طود من الشريعة مالا

زعزعت ركنه المنون فمالا

أىّ ظل قد قلّصته المنايا

حين أعيا على الملوك انتقالا

أىّ بحر قد فاض بالعلم حتّى

كان منه بحر البسيطة آلا

أىّ حبر مضى وقد كان بحرا

فاض للواردين عذبا زلالا

ص: 21

أىّ شمس قد كوّرت فى ضريح

ثم أبقت بدرا يضى وهلالا

إلى أن قال:

وحباه الصبر الجميل ووافا

هـ ثوابا يزجى سحابا ثقالا

ليفيد العدا جلادا ويعدو

فيعيد الندى ويبدى الجدالا

والقصيدتان فى «حسن المحاضرة» فارجع إليهما إن شئت.

‌ترجمة تاج الدين بن السبكى

وأما ابنه فهو قاضى القضاة تاج الدين أبو النصر عبد الوهاب، ولد بمصر سنة تسع وعشرين وسبعمائة، ولازم الاشتغال بالفنون على أبيه وغيره حتى مهر وهو شاب، وصنف كتبا نفيسة وانتشرت فى حياته وألف وهو فى حدود العشرين، كتب مرة ورقة إلى نائب الشام يقول فيها: وأنا اليوم مجتهد الدنيا على الإطلاق لا يقدر أحد يرد علىّ هذه الكلمة. وهو مقبول فيما قال على نفسه.

ومن تصانيفه: «جمع الجوامع ومنع الموانع» ، و «شرح مختصر ابن الحاجب» ، و «شرح منهاج البيضاوى» ، و «التوشيح والترشيح» ، و «الطبقات» ، و «مفيد النعم» وغير ذلك.

توفي فى عشية يوم الثلاثاء سابع ذى الحجة سنة إحدى وسبعين وسبعمائة رحمهما الله تعالى.

ومن أبنائه أيضا بهاء الدين أبو حامد أحمد بن الشيخ تقى الدين السبكى ولد فى جمادى الآخرة سنة تسع عشرة وسبعمائة وأخذ عن أبيه، وأبى حيان، والأصبهانى، وابن القماح، والزنكلونى، والتقى الصائغ وغيرهم، وبرع وهو شاب وساد وهو ابن عشرين سنة وولى تدريس الشافعى، والشيخونية أول ما فتحت، وله تصانيف منها «شرح الحاوى» ، و «تكملة شرح المنهاج لأبيه» ، و «عروس الأفراح فى شرح تلخيص المفتاح» .

ص: 22

مات بمكة فى رجب سنة ثلاث وسبعين، وقال البرهان القيراطى يرثيه:

ستبكيك عينى أيها البحر بالبحر

فيومك قد أبكى الورى من ورا النهر

لقد كنت بحرا للشريعة لم تزل

تجود علينا بالنفيس من الدر

لقد كنت فى كلّ الفضائل أمة

مقالة صدق لا تقابل بالنّكر

إليك يردّ الأمر فى كلّ معضل

إلى أن أتى ما لا يرد من الأمر

تعزى بك الأمصار مصر لعلمها

بأنك مازلت العزيز على مصر

إلى آخرها.

وأخوه جمال الدين الحسين أبو الطيب بن الشيخ تقى الدين السبكى، ولد فى رجب سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، وأخذ عن أبيه والأصبهانى والزنكلونى وأبى حيان وفضل، ودرس بعدة أماكن، وألف كتابا فيمن اسمه الحسين بن على، مات فى حياة أبيه فى رمضان سنة خمس وخمسين.

ومنها قاضى القضاة بهاء الدين أبو البقاء محمد بن عبد البر بن الصدر يحيى بن على بن تمام السبكى، ولد سنة ثمان وسبعمائة وأخذ عن القطب السنباطى والزنكلونى والكتنانى وأبى حيان والقونوى، وكان إماما فى علوم شتى، وله «شرح الحاوى» واختصر قطعة من «المطلب» ، وولى قضاء الديار المصرية وتدريس الشافعى، مات فى ربيع الأول سنة سبع وسبعين.

وولده بدر الدين محمد ولى قضاء الديار المصرية مرارا وتدريس الشافعى، وكان ماهرا فى الفنون منصفا فى البحث، مات سنة اثنتين وثمانمائة.

ومنها أبو الفتح السبكى تقى الدين محمد بن عبد اللطيف، كان فقيها أصوليا أديبا شاعرا، تفقه على قريبه العلامة تقى الدين السبكى وألف تاريخا، مات في ذى القعدة سنة أربع وأربعين وسبعمائة اه من «حسن المحاضرة» .

وفى «خلاصة الأثر» أن منها الشيخ أحمد بن خليل بن إبراهيم بن ناصر الدين الملقب شهاب الدين المصرى الشافعى السبكى، نزيل المدرسة الباسطية بمصر، وقف المرحوم القاضى عبد الباسط وخطيبها وإمامها، ذكره

ص: 23

الشيخ مدين القوصونى فيمن ترجم من علماء عصره، وقال فى حقه: الفاضل العلامة الفقيه المفيد، أخذ عن الشيخ الفاضل محمد شمس الدين الصوفى المقدسى الشافعى نزيلها بجامع الحاكم، وهو الذى رباه من صغره وزوجه ببنته، واستمر تابعا له آخذا عنه إلى حين وفاته، وأخذ عن الشمس محمد الرملى وكان ملازما للمدرسة المذكورة نهارا ولمنزله بها ليلا، وحج المرة بعد المرة برا ومرة بحرا وجاور، وله من المؤلفات «حاشية على الشفاء» للقاضى عياض، وشرح على منظومة الجلال السيوطى التى تتعلق بالبرزخ سماه «فتح المغيث فى شرح التشبيث عند التبييت» وهو قولات، وشرح آخر عليها سماه «فتح الغفور» وهو مزج، وله أيضا شرح على منظومة ابن العماد التى فى النجاسات سماه «فتح المبين بشرح منظومة ابن عماد الدين» ، وله رسالة سماها «هدية الإخوان فى مسائل الإسلام والاستئذان» ، وله «مناسك حج كبيرة وأخرى صغيرة» وله «الفتاوى» التى جمعها من خط شيخه شيخ الإسلام الشمس الرملى فى مجلد ضخم، انتهى ما قاله الشيخ مدين.

ورأيت فى تعاليق أخينا الفاضل مصطفى بن فتح الله ترجمته، وذكر أنه أخذ عن النجم الغيطى ومن في طبقته من علماء وقته، وأخذ عنه الشيخ سلطان المزاحى، والشمس محمد البابلى وغيرهما، وكان له مهارة فى علوم الحديث والعلوم النظرية وفقهه بتكلف، واتفق للشيخ سلطان معه أنه حصل له يوما صلاة الجمعة فى مسجد كان صاحب الترجمة إماما فيه، وكان من عادته أن يقيم ولده للخطبة ويصلى الجمعة هو بنفسه، فلما فرغ ولده من الخطبة تقدم للصلاة على عادته، فأمسك بيده الشيخ سلطان وقال له: يا سيدى قد قالوا إن من شرط إمام الجمعة إن يكون خطيبا أو سمع الخطبة، وكان المترجم عرض له ثقل فى سمعه فقدم ولده حينئذ للصلاة بدله، انتهى.

وكانت وفاته فى الثالث والعشرين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وثلاثين وألف عن ثلاث وتسعين سنة، ودفن بفسقية أحدثها بجوار الإيوان الصغير الغربى من المدرسة المذكورة رحمه الله تعالى.

ص: 24

‌ترجمة أحمد بك السبكى

ومن هذه البلدة أيضا الأمير أحمد بيك السبكى ابن أحمد بن سليمان عجيلة من عائلة تسمى العجايلة، يقال إن أصلهم من بيت عجيل من مديرية الشرقية، دخل صغيرا مكتب منوف سنة تسع وأربعين ومائتين وألف هجرية من ضمن أولاد المكاتب الذين جلبهم العزيز المرحوم (محمد على باشا) من البلاد، ثم نقل إلى قصر العينى، ثم إلى أبى زعبل، ثم إلى المهندسخانة، ثم سافر مع الأنجال إلى بلاد فرنسا فأقام بباريس سنتين، ثم دخل مدرسة السوارى، وبعد تمام تعليمه حضر إلى مصر فى عهد سرعسكر المرحوم (إبراهيم باشا) فجعل ضابط خيالة برتبة ملازم أول، بمرتب ثلثمائة قرش فى برنجى ألاى سنة أربع وستين ومائتين وألف، وجعل خوجة فى ذلك الألاى، وبعد سبع سنين خرج من الألاى وألحق بالمهندسين الذين ندبوا لرسم الترعة المالحة التى بين البحر الرومى والأحمر برتبة يوزباشى أول بماهية سبعمائة وخمسين قرشا، غير الضميمة التى هى ثلث الماهية، وبعد انتهاء هذه العملية تعين مع الأمير (محمود باشا الفلكى) لرسم خرطة الأقاليم البحرية فى زمن المرحوم (سعيد باشا)، وبعد انتهائها أنعم عليه برتبة صاغقول أغاسى، وفى مبدأ حكومة الخديوى السابق (إسماعيل باشا) أخذ رتبة بيكباشى فى المصلحة المذكورة، ثم صار من رجال هندسة ديوان الأشغال العمومية برتبة قائمقام، وقد تعين فى جملة مأموريات شريفة فسار بمعية المرحوم (محمود باشا) إلى دنقلة؛ لأجل رصد الكسوف الكلى للشمس الذى حصل سنة ست وسبعين ومائتين وألف، وكان قد طلب ذلك علماء المملكة الفرنساوية من المرحوم (سعيد باشا)، وسافر مرة إلى سواكن بمعية (إسماعيل باشا الفلكى) لاستكشاف محل يوافق عمل سكة الحديد من سواكن الواقعة على ساحل البحر الأحمر إلى شندى الواقعة على بحر النيل بين بربر والخرطوم التى بها مات المرحوم (إسماعيل باشا) ابن المرحوم (العزيز محمد على باشا)، فأقاموا فى تلك المأمورية نحو أربعة أشهر فى عمل الرسومات، ثم اتضح لهم عدم

ص: 25

إمكان ذلك، بسبب ما كان فى الطريق من الصوان والأودية الكثيرة، وتعين مرة أخرى مأمور خرطة الصعيد من أسيوط إلى القاهرة فاستوفاها رسما وميزانية، ومرة فى استكشاف ترعة تخرج من القناطر الخيرية إلى أن تصب فى بحيرة مريوط بجوار سراى المكس، وعملت لها الرسومات والميزانيات ولم يجر فيها حفر إلى الآن.

ومن أهالى الناحية أيضا إسماعيل أفندى سيد برتبة يوزباشى، كان بألاى المحافظين بمعية الخديوى السابق (إسماعيل باشا).

(السجاعية)

بضم السين المهملة وفتح الجيم بعدها ألف فعين مهملة مكسورة فتحتية مشددة فهاء تأنيث؛ قرية من مديرية الغربية بمركز المحلة الكبرى، واقعة فى الشمال الغربى لناحية دنوشر بنحو ثلاثة آلاف وسبعمائة متر، وفى الشمال الشرقى لناحية نشيل بنحو أربعة آلاف وثلثمائة متر، وبها مسجدان أحدهما بمنارة، وبعض منازلها مشيد كمنازل البنادر، وبها جنينة وقليل من النخيل وبها أشجار جميز بكثرة وجملة من السواقى المعينة، وفيها ضريحان لبعض الصالحين، وزراعة أهلها كمعتاد الأرياف وتكسبهم منها ومن غيرها.

‌ترجمة الأستاذ الشيخ أحمد السجاعى

وإليها ينسب الشيخ أحمد السجاعى المشهور، وقد رأيت فى ترجمته رسالة مستقلة لتلميذه الشيخ على ابن الشيخ سعد بن سعد البيسوسى السطوحى الشافعى قال فيها: هو شيخنا الإمام، القائم فى ديوان ملاحظة ربه ومراقبته، من طهرت سريرته فحسنت بين العارفين سيرته، الساعى فى حياته أحسن المساعى، ملاذنا الشيخ أحمد السجاعى ابن شيخ الإسلام وكهف الأنام العارف بالله تعالى الشيخ أحمد بن محمد بن محمد السجاعى الشافعى البدراوى.

ص: 26

وقد توفى إلى رحمة الله تعالى والده شيخنا الكبير يوم الأربعاء بعد الظهر لليلتين بقيتا من ذى القعدة سنة تسعين بتقديم المثناة علي المهملة ومائة وألف، ودفن يوم الخميس بالقرافة الكبرى بتربة المجاورين.

وقد أشار بعض الفضلاء إلى هذا التاريخ بقوله:

حور جنان النعيم مرت

به وقت للاجتماع

واستقبلته وعظمته

وعانقته بلا قناع

وآنسته وأرخته

بشراك آنست يا سجاعى

وتوفى إلى رحمة الله تعالى ابنه المترجم شيخنا وقرة العيون ومحرز الفنون ليلة الاثنين وقت السحر، ودفن يوم الاثنين سادس عشر صفر سنة سبع-بتقديم المهملة على الموحدة-وتسعين-بتقديم المثناة الفوقية على السين المهملة- ومائة وألف، ودفن بجوار والده وكان له مشهد عظيم، وإلى تاريخه أشار الفاضل الشيخ محمد البحرسى فى قصيدة رثاه بها بقوله:

غاص بحر العلوم واستخرج الدر

فأنواره لنا تتوقد

ثم لما دعاه رب البرايا

لنعيم بدار عدن مخلد

وأجاب الندا له أرخوه

ودنت جنة النعيم لأحمد

وله رحمه الله تعالى مؤلفات جمة، منها «حاشية على شرح العلامة الخطيب الشربينى على متن أبى شجاع» ، ومنها شرح لطيف على خطبة الشارح المذكور، ومنها ختم لطيف على الشرح، ومنها شرح على نظم المعفوّات للشيخ الشرنبلالى يسمى «الفوائد المزهرة بشرح الدرة المنتضرة» ، ومنها منظومته التى فى شروط الإمام والمأموم، ومنها شرحه الكبير على هذه المنظومة المسمى «فتح اللطيف القيوم بما يتعلق بصلاة الإمام والمأموم» ،

ص: 27

ومنها الشرح الصغير عليها أيضا، ومنها شرحه على الستين مسألة للعارف بالله تعالى سيدى أحمد الزاهد، ومنها شرح نظمه لشروط تكبيرة الإحرام نصف كراسة، ومنها منظومة فى أحكام الاستحاضة، ومنها شرح عليها، ومنها شرح نظمه لأحكام الخلع يسمى «القول النفيس فيما يتعلق بالخلع على مذهب الإمام الشافعى بن إدريس» ، ومنها نظمه المتعلق بالعقود التى تكون من شخصين أو من شخص واحد مع بيان الجائز واللازم منهما، ومنها «رسالة فى الرد على بعض أهل العصر القائل بطهارة الفسيخ» ، ومنها «رسالة فى الرد على المحقق الشيخ عمر الطحلاوى حين كفر شيخنا فى مجلس إمام الواصلين أستاذنا الشمس الحفناوى وغيره من محققى العصر» ، ومنها «مناسك الحج» ، ومنها «رسالة فى آداب الحمام» ، ومنها شرح نظمه المتعلق بدخول المسلم فى ملك الكافر نصف كراسة، ومنها شرح نظمه لأقسام الشبه الثلاثة نصف كراسة، ومنها شرح نظمه المتعلق بأصول المكفرات، ومنها فى التوحيد منظومته التى أولها:

الحمد لله وصلى ربى

ومنها شرحه الصغير عليها المسمى «فتح المجيد شرح فريدة التوحيد» ، ومنها شرحه الكبير عليها أيضا، ومنها شرح منظومة أخرى أولها:

لله قد وجبت حياة قدرة

ومنها «شرح الحفيدة» للإمام السنوسى، ومنها رسالة تتعلق بكرامات الأولياء تسمى «السهم القوى فى نحر كل غبى وغوى» .

ومن مؤلفاته فى علم الميراث «حاشية على شرح العلامة الشنشورى على متن الرحبية» ومنها حاشية على رسالة الدردير فى مخرج القيراط تسمى «فتح القادر المعيد بما يتعلق بقسمة التركة على العبيد» ، ومنها «شرح نظم لبعضهم فى كيفية العمل بالكسور» ، ومنها شرح نظمه لذوى الأرحام المسمى «تحفة

ص: 28

الأنام بتوريث ذوى الأرحام»، ومنها «شرح نظمه فى معنى الكلالة» نصف كراسة.

ومن مؤلفاته فى علم الحديث وما يتعلق به «شرح مختصر البخارى للإمام العارف بالله تعالى عبد الله بن أبى حمزة» ، ومنها «حاشية على شرح دلائل الخيرات للإمام الجزولى» ، ومنها «حاشية على شرح العلامة المناوى على الشمائل» ، ومنها «حاشية على الحصن الحصين للإمام ابن الجزرى» ، ومنها «حاشية على مولد النبى صلى عليه وسلم لشيخه العلامة المدابغى» ، ومنها منظومة فى المحال التى تطلب فيها الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم المسماة «بالجوهرة السنية» ، ومنها شرحها المسمى «فتح ذى الصفات العلية شرح الجوهرة السنية» ومنها «شرح نظمه لأولاد المصطفى صلى الله عليه وسلم» ، ومنها «رسالة فى قوله صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته

الحديث» نصف كراسة، ومنها «رسالة فى قوله صلى الله عليه وسلم فى كل أرض نبى كنبيكم» الحديث، ومنها «رسالة فى قوله عليه الصلاة والسلام العينان وكاء السه فمن نام فليتوضأ» نصف كراسة ومنها مختصر الأذكار النووية المسمى «فتح الغفار بمختصر الأذكار» ، ومنها «منظومة فى الخلاف فى اسم الله الأعظم» اشتملت على ثلاثين قولا، ومنها شرحه عليها ومنها «منظومته فى أسماء الله الحسنى» ، ومنها شرحه عليها المسمى «بالمقصد الأسنى» ، ومنها شرح الأسماء الحسنى منثورة، ومنها «منظومة فى أسماء النبى صلى الله عليه وسلم» وشرحه عليها المسمى «فتح الرحيم الغفار بشرح نظم أسماء حبيبه المختار» ، ومنها رسالة تسمى «تحفة ذوى الألباب فيما يتعلق بالآل والأصحاب» ، ومنها رسالة تسمى «فتح رب البريات بتفسير وخواص الآيات السبع المنجيات» ، ومنها «رسالة تتعلق بأذكار المساء والصباح» وغيرهما ومنها «شرح نظمه لأسماء مكة المشرفة، ومنها «شرحه الكبير على صلاة القطب سيدى عبد السلام بن مشيش وشرحه الصغير

ص: 29

عليها»، ومنها «شرح صلاة القطب النبوى سيدى أحمد البدوى» ، ومنها «شرح الحزب لسيدى أحمد البدوى» ، ومنها «شرح ورد قطب الوجود سيدى الإمام الشافعى رضي الله عنه» ، ومنها شرح الوظيفة الزروقية المسمى «بالفوائد اللطيفة بشرح ألفاظ الوظيفة» ومنها «شرح حزب الإمام النووى» ، ومنها رسالة تسمى «مختصر التحفة السنية بأجوبة الأسئلة المرضية» ، ومنها «رسالة فى جواز الاقتباس من القرآن أو الحديث» ، ومنها «شرح منظومته التى فى «أسماء الرسل التى فى القرآن وترتيبهم» ، و «رسالة فى استخراج عدة الأنبياء والرسل من اسم نبيه محمد صلى الله عليه وسلم» نصف كراسة، ومنها «رسالة فى السؤال والرد» نصف كراسة ومنها رسالة تتعلق بالمحشر تسمى «القول الأزهر فيما يتعلق بالمحشر» ، ومنها «قصيدة كافية فى مدح المصطفى خير البرية» ، ومنها «رسالة فى الرسم العثمانى» .

ومن مؤلفاته فى النحو وما يتبعه «حاشية على شرح ابن عقيل لألفية ابن مالك» ، «وحاشية على شرح القطر للمصنف ابن هشام» ، ومنها «شرح منظومته فى الأسماء والأفعال والحروف» ، ومنها «شرح منظومته التى فى إعراب فواتح السور» ، «ورسالة فى إعراب أرأيت» نصف كراسة، ومنها «شرح شواهد التلخيص» ، ومنها «شرح متن الكافى» ، ومنها «مجموع فى العروض» ، ومنظومة فيه أيضا تسمى «قلائد النحور فى نظم البحور» ، و «منظومة فى مهملات البحور» ، و «رسالة فى إعراب قول الإمام الشافعى رضي الله عنه قل من جن إلا وأنزل» نصف كراسة، ومنها «شرح نظمه المتعلق بأقسام الاسم المسعد» ، ومنها «شرح قصيدة امرئ القيس» ، و «شرح قصيدة السموأل» ، و «شرح على قصيدة ابن جابر فيما يقرأ بالضاد والظاء» ، و «شرح قصيدة فيما يقرأ بالواو والياء» ، و «شرح قول الناس أبو قردان زرع فدان» ، ومنها «شرح لغز لبعض الأفاضل» ، ومنها «منظومة فى معانى العين» ، و «شرح متن الياسمينية» ، و «شرح منظومته التى فى أصول الأوفاق» ، «ومنظومته فى

ص: 30

المثلث» وشرحه على القصيدة المسماة «بالدر والترياق فى علوم الأوفاق» ومنها «شرح نظمه لأحكام لا سيما» دون الكراسة، و «شرح نظمه فى معنى الورود فى قوله تعالى: {وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها» دون الكراسة، و «رسالة فى آداب السفر» ، و «منظومة فى المقولات» ، وشرح عليها، ومنها «شرح على بيتى المقولات لبعضهم» نصف كراسة، «ومنظومة في آداب البحث وشرحه عليها» ، ومنها «شرح نظمه لأشكال المنطق» ، ومنها شرح نظمه المتعلق بالإخبار بظرف الزمان والمكان» نصف كراسة، ومنها رسالة تسمى «فتح المالك بقول الناس وهو كذلك» ، و «رسالة في البئر» ، و «رسالة فى تصريف أشياء» نصف كراسة، و «شرح منظومته التى فى أنواع المنافيات» ، و «منظومة فى أنواع المجاز» ، و «شرح نظمه لعلاقات المجاز» دون الكراسة، ومنها شرح منظومته فى الأعضاء التى يجوز فيها التذكير والتأنيث المسمى «فتح المنان بشرح ما يذكر ويؤنث من أعضاء الإنسان» ، ومنها «شرح نظم العلامة الفارضى المتعلق بالمصدر واسم الزمان والمكان» ، ومنها «شرح القصيدة المسماة بالزينبية» ، ومنها «منظومته التى فى حكم صحبة النساء والمردان» ، ومنها «منظومته التي فى صفات حروف المعجم» ، وشرح منظومة العارف بالله تعالى سيدى أحمد عباد المسمى «هداية أولى البصائر والأبصار بمعرفة أجزاء الليل والنهار» ، ومنها «شرح لقط الجواهر فى الخطوط والدوائر» للعلامة السبط، ومنها «منظومة ضبط أسماء منازل القمر وشرحه عليها» ، و «شرح منظومة أخرى فى أسماء منازل القمر» ، و «شرح نظمه فى الموجهات» نصف كراسة، و «رسالة فى الفرق بين الثور بالمثلثة والتور بالمثناة الفوقية والطور بالطاء المهملة» نصف كراسة، و «شرح نظمه المتعلق باعتراض الشرط على الشرط» ، ومنها «المنهج الحنيف فى خواص اسمه تعالى اللطيف» ، و «رسالة ملخصة من الصلة والفوائد» للعلامة الشرجى، و «رسالة ملخصة من شمس المعارف الكبرى» للإمام البونى، و «رسالة ملخصة من المدخل» للشيخ ابن الحاج المالكى و «رسالة تتعلق بأدعية أول السنة وآخرها ويوم عرفة ويوم عاشوراء» ، و «شرح الخصائص»

ص: 31

للسيوطى، و «حاشية على الجامع الصغير» ، و «شرح لامية الأفعال» لابن مالك، و «شرح الحزب الصغير» للقطب الدسوقى، و «شرح نظم فى أشراط الساعة» للعلامة الإخنائى، و «شرح على الأزهرية» ، ومنها غير ذلك. انتهى.

(سجين)

قرية من مديرية الغربية بقسم محلة منوف، واقعة على الشاطئ الغربى لبحر النظام، وفى الشمال الغربى لناحية محلة روح بنحو أربعة آلاف وخمسمائة متر، وغربى ناحية الهياتم بنحو ثلاثة آلاف وثلثمائة متر، وأغلب أبنيتها بالآجر واللبن، وبها جامع بمنارة وبدائرها أشجار، وتكسب أهلها من الفلاحة وغيرها.

‌ترجمة الأستاد عبد الوهاب السجينى

وقد ولد بها كما فى «الضوء اللامع» ، للسخاوى عبد الوهاب بن عبيد الله ابن محمد بن أحمد التاج السجينى القاهرى الأزهرى الشافعى أخو الشهاب أحمد، ولد فى سنة عشرين وثمانمائة بسجين من الغربية، وتحول منها قرب البلوغ فقطن الجامع الأزهر وجوّد القرآن وتعلم اللسان التركى، ثم سمع على الزين الزركشى وابن الفرات والحافظ ابن حجر، وأخذ العربية على نظام الحنفى والسنهورى، وقرأ على الشريف النسابة وغيره، وكان عالى الهمة.

مات يوم الأربعاء سابع عشر ذى الحجة سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة، ودفن خارج باب البرقية رحمه الله وعفى عنه، انتهى.

وإليها ينسب كما فى الجبرتى الأستاذ العلامة شيخ المشايخ محمد السجينى الشافعى الضريرى، أخذ عن الشيخ الشرنبلالى ولازمه ملازمة كلية، وأخذ أيضا عن الشيخ الخليل عبد ربه الدوّى وأهل طبقته، وكان إماما عظيما فقيها نحويا أصوليا، أخذ عنه كثير من فضلاء الوقت وعلمائه.

توفى سنة ثمان وخمسين ومائة وألف، انتهى.

ص: 32

‌ترجمة العلامة شيخ الإسلام الشيخ عبد الرءوف السجينى

وإليها ينسب أيضا كما فى الجبرتى الإمام الفقيه والعلامة النبيه شيخ الإسلام وعمدة الأنام الشيخ عبد الرءوف بن محمد بن عبد الرحمن بن أحمد السجينى الشافعى الأزهرى، أخذ عن عمه الشمس السجينى ولازمه، وبعد وفاته درس فى موضعه، وتولى مشيخة الأزهر بعد الشيخ الحفنى وسار فيها بشهامة وصرامة، إلا أنه لم تطل مدته وتوفى رابع عشر شوال سنة سبع وثمانين بعد المائة والألف، وصلى عليه بالأزهر ودفن بجوار عمه بأعلى البستان.

واتفق أنه وقعت له حادثة قبل مشيخته على الجامع بمدة وهى التى كانت سببا لاشتهار ذكره بمصر، وذلك أن تاجرا من تجار خان الخليلى تشاجر مع رجل خادم فضربه ذلك الخادم وفر من أمامه، فتبعه هو واثنان من أبناء جنسه، فدخل الرجل بيت الشيخ المترجم، فدخل التاجر خلفه وضربه برصاصة فأصابت رجلا من أقارب الشيخ يسمى السيد أحمد فمات، وهرب الضارب فطلبوه فامتنع عليهم، وتعصب معه أهل خطته وأبناء جنسه، فاهتم الشيخ المترجم وجمع المشايخ والقاضى، وحضر إليهم جماعة من أمراء الوجاقية، وانضم إليهم الكثير من العامة، وثارت الفتنة وأغلقت الناس الأسواق والحوانيت، واعتصم أهل خان الخليلى بدائرتهم وأحاط الناس بهم من كل جهة، وحضر أهل بولاق ومصر القديمة، وقتل بين الفريقين عدة أشخاص، واستمر الحال على ذلك أسبوعا، ثم حضر على بيك أيضا فى مبادى أمره وذلك قبل خروجه منفيا، واجتمعوا بالمحكمة الكبرى، وامتلأ حوش القاضى بالغوغاء والعامة، وانحط الأمر على الصلح، ونودى فى صبيحتها بالأمان وفتحت الحوانيت والأسواق، انتهى.

(سحيم)

قرية من مديرية الغربية بقسم الجعفرية على شط بحر شيبين الغربى، وفى شمال الجعفرية بنحو ألف متر، وفى جنوب شبرى بلوله بنحو ألف متر

ص: 33

ومائتين، وبها ثلاثة مساجد بلا منارات، أحدها مسجد الشيخ السحيمى وبه ضريحه عليه قبة، والثانى مسجد الشيخ جمال الدين وبه ضريحه عليه قبة، والثالث مسجد الشيخ خليفة وبه ضريحه وعليه قبة أيضا، وفيها معمل فراريج، وبها ثلاث حدائق لبعض الأهالى ووابور على بحر شيبين لأحد عمدها متولى بن على، وبدائرها قليل نخيل، ولها على بحر شيبين جملة توابيت تأخذ من البحر.

‌ترجمة الشيخ أحمد السحيمى

وإليها ينسب الفاضل الشهير والعالم النحرير صاحب التآليف المفيدة والتصانيف العديدة الشيخ أحمد بن محمد السحيمى الشافعى نزيل قلعة الجبل، كان يدرس بجامع سيدى سارية وحضر دروس الأشياخ، ولازم الشيخ عيسى البراوى، وبه انتفع الناس، وعمر بقرب منزله زاوية، وحفر ساقية بذل بعض الأمراء على حفرها بإشارته مالا جزيلا فنبع الماء، وعد ذلك من كراماته فإنهم كانوا قبل ذلك يتعبون كثيرا من قلة الماء، واشتغل الناس عليه بالعلم والذكر والمراقبة، وصنف التصانيف المفيدة فى علمى التوحيد والفقه وصارت مقبولة ومرغوبة عند الناس، منها «حاشية على شرح الشيخ عبد السلام على الجوهرة» وجعله متنا وشرحه مزجا، وله حال مع الله، وتؤثر عنه كرامات اعتنى بعض أصحابه بجمعها، واشتهر بينهم بأنه يعرف الاسم الأعظم، وبالجملة فلم يكن فى عصره من يدانيه فى الصلاح والخير وحسن السلوك على قدم السلف.

توفى فى ثامن شعبان سنة ثمان وثمانين ومائة وألف ودفن بباب الوزير، اهـ جبرتى.

(سخا)

قال فى «مشترك البلدان» هى بفتح السين المهملة والخاء المعجمة بعدها ألف، مدينة قديمة من مدائن خط سبنيته (سمنود) من الوجه البحرى، وفى

ص: 34

القاموس: سخا كورة بمصر منها المقرئ المشهور وآخرون اهـ، وكانت سابقا تعرف بسخو كلمة قبطية وكان اليونان واللاتينيون يسمونها اكسويس، وقيل إنها كانت قاعدة إقليم يقال له اجيطياق عدد قراه نحو مائة وخمس عشرة قرية ما بين صغيرة وكبيرة، ومعنى اجيطياق المصرى، وقيل إن كلمة سخا كانت تطلق على نفس المدينة وعلى الجزيرة التى هى فيها المحصورة بين فرعى سبنيته وفتنيقه، وكانت من كراسى النصرانية، وكان فيها أسقفية، وفى دفاتر التعداد أن سخا من مديرية الغربية.

وقال خليل الظاهرى: إن كثيرا من الناس يقولون إن خط سخا معدود مديرية مستقلة، ووصف ابن حوقل والمقريزى الطريق من منوف إلى رشيد فقالا: إنها تمر بمحلة سرد ثم سخا وشيرامياه ومسير وسنهور ونجوم ونستروه، وإن سخا فى منتصف المسافة بين منوف ومسير، وجعلها بعض مؤلفى الفرنج فى النصف بين محلة أبى على والمحلة الكبرى.

وقال بطليموس: إن مدينة اكسويس (سخا) واقعة بين فرعى فرموتياك واتربيتك، فى طول ستين درجة وأربعين دقيقة، وعرض ثلاثين درجة وخمس وأربعين دقيقة ا. هـ.

وحيث إن بطليموس ذكر أن فرع موتياك أو ترموتياك كان من فروع النيل يخرج من بحر الغرب، وبعد أن يقطع الدلتا يصب فى المالح من فرع بسنيته أى فرع سمنود وفرع اتربيتك وهو فرع دمياط الذى يصب فى بحر الروم من مصب مخصوص يسمى بينتيمى-فهذا يدل على أن هذه المدينة كانت قريبة من مدينة نيكيوس، التى جعل بطليموس طولها إحدى وستين درجة وثلاثين دقيقة وعرضها ثلاثين درجة وعشرين دقيقة، ويكون البعد بين المدينتين ليس كبيرا؛ لأن فرق الطولين عشر دقائق وفرق العرضين خمس وعشرون دقيقة.

ص: 35

وقال مرييت: إن فراعنة العائلة الرابعة عشر تنسب إلى هذه المدينة ومدتهم مائة وأربع وثمانون سنة، وفى آخر زمن فراعنتها استولت العرب العمالقة على أرض مصر وأقاموا بها خمسمائة وإحدى وعشرين سنة قبل المسيح بألفين ومائتين وأربع عشرة سنة، ونقل كترمير عن بعض مؤلفى الإفرنج أنه وجدت بها مداليات مضروبة فى السنة الحادية عشرة، من زمن القيصر ادريان، وأخرى مضروبة فى تلك المدة وعليها صورة جمل. ا. هـ.

وقال ابن حوقل: كان القمح الناتج من أرضها فى غاية الجودة، وكان الناتج بها من الكتان مقدارا عظيما، وكان فيها حمامات وأسواق وكثير من معاصر زيت السلجم، وهى مسقط رؤوس جماعة من علماء الإسلام. انتهى.

وفى «خطط المقريزى» فى فتح إسكندرية عن يزيد بن حبيب أن أهل بلهيب وسلطيس وقرطيا وسخا نقضوا العهد وخرجوا عن الطاعة فسباهم عمرو ابن العاص، فلما بلغ خبرهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عمرو بردّهم فرد من وجد منهم، انتهى.

وفيما نقله ابن حوقل والمقريزى أن مدينة سخا كانت فى صدر الإسلام قاعدة إقليم عظيم، ودار إقامة حاكم يصحبه فرقة من العساكر.

وفى «خطط المقريزى» أيضا أن القبط خرجوا فى سنة خمسين ومائة على يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبى صفرة أمير مصر بناحية سخا ونابذوا العمال وأخرجوهم، وصاروا إلى شبرى سنباط وانضم إليهم أهل البشر ودوالاوسية والنجوم، فأتى الخبر يزيد بن حاتم فعقد لنصر بن حبيب المهلبى على أهل الديوان ووجوه أهل مصر فخرجوا إليهم، ولقيهم القبط ليلا وقتلوا جماعة من المسلمين وهزموا باقيهم، فألقى المسلمون النار فى عسكر القبط واشتد البلاء على النصارى واحتاجوا إلى أكل الجيف، وهدمت الكنائس المحدثة بمصر فهدمت كنيسة مريم المجاورة لأبى شنودة بمصر، وهدمت

ص: 36

كنائس محارس قسطنطين، فبذل النصارى لأمير مصر فى تركها خمسين ألف دينار فأبى، فلما ولى موسى بن عيسى أذن لهم فى بنائها فبنيت كلها بمشورة الليث بن سعد وعبد الله بن لهيعة قاضي مصر، واحتجا بأن بنائها من عمارة البلاد، وبأن الكنائس التى بمصر لم تبن إلا فى الإسلام فى زمن الصحابة والتابعين.

وفى سنة ست عشرة ومائتين انتقض أسفل الأرض بأسره عرب البلاد وقبطها، وأخرجوا العمال وخلعوا الطاعة؛ لسوء سيرة أعمال السلطان فيهم، وكانت بينهم وبين عساكر السلطان حروب امتدت إلى أن قدم الخليفة عبد الله أمير المؤمنين المأمون إلى مصر لعشر خلون من المحرم سنة سبع عشرة ومائتين، فسخط على عيسى بن منصور الرافقى وكان على إمارة مصر، وأمر بحل لوائه وأخذه بلباس من البياض عقوبة له، وقال: لم يكن هذا الحدث العظيم إلا عن فعلك وفعل عمالك، حملتم الناس ما لا يطيقون، وكتمتنى الخبر حتى تفاقم الأمر، ثم بعث بجيش إلى الصعيد وارتحل هو إلى سخا، وبعث بالإفشين إلى القبط فأوقع بهم فى ناحية البشرود، وحصرهم حتى نزلوا على حكم أمير المؤمنين، فحكم فيهم المأمون بقتل الرجال وبيع النساء والأطفال فسبى أكثرهم، وتتبع كل من يومى إليه بخلاف، فقتل ناسا كثيرا ورجع إلى الفسطاط فى صفر ومضى إلى حلوان، وعاد فارتحل لثمان عشرة خلون من صفر، وكان مقامه بالفسطاط وسخا وحلوان وقفط تسعة وأربعين يوما، وكان خراج مصر قد بلغ أيام المأمون على حكم الإنصاف فى الجباية أربعة آلاف ومائتى ألف دينار وسبعة وخمسين ألف دينار.

وفى سنة إحدى وخمسين وستمائة حصل بعد وقعة دروط اجتماع العرب من بنى سنبس ولواته وتحاربوا مع الأتراك عند هذه البلدة، فكانت الدائرة على العرب؛ فقتلت رجالهم وسبيت نسائهم ونهبت أموالهم، ومن حينئذ ذلت سنبس وقلت وتفرقت بالغربية. انتهى.

ص: 37

ونقل كترمير عن كتاب «السلوك» أنه لما كان يوم الخميس ثالث عشر شهر ذى الحجة، سنة سبعمائة وستين هجرية-حصل عند صلاة الصبح زلزلة عظيمة، انزعجت لها الناس وذهلت لها المراضع وأسقط كثير من الحوامل، ووقع الراكب من على مركوبه وانحنى الماشى وكثر العويل والصياح، وظنوا أن القيامة قد قامت، وانهدمت من مصر والقاهرة بيوت كثيرة ومنارات ومدارس غير ما تشقق، واستمرت الزلزلة خمس درجات، ومات كثير من الناس تحت الهدم، وخرج أكثر أهل مصر من بيوتهم وخيموا بين بولاق وجزيرة الروضة، وجاءت ريح عاصف من ريح السموم واستمرت جملة أيام، وكان ذلك فى فصل الصيف، وخرج ماء النيل عن مجراه حتى رمى المراكب فى البر قدر رمى القوس، وبعد رجوعه بقيت المراكب على البر، وسطا اللصوص على بيوت من خرجوا من بيوتهم فسرقوها، وتلف للناس شئ كثير، ووردت الأخبار من الغربية بأن مدينة سخا تهدمت عن آخرها، وحصل مثل ذلك لقرى كثيرة من الشرقية، وأنه انهدم من منار إسكندرية جزء كبير، وأن ماء البحر ركب الأرض حتى وصل باب البحر ورمى كثيرا من مراكب الإفرنج على البر، وانهدمت قطعة كبيرة من السور.

وفى الجهات التى فى قبلى مصر هبت ريح سوداء مظلمة لا يبصر الرجل فيها أخاه، واستمرت نحو ساعة، وانشقت الأرض فى مواضع وظهر فى بعض شقوقها رمال ما بين بيضاء وحمراء، وانكشفت مبان كثيرة كانت مغطاة بالرمل من زمن مديد، وهدمت منازل مدينة قوص، ويقال إن رجلا بها كان يحلب بقرة وقت الزلزلة فارتفع هو والبقرة والمحلب على الأرض ورجعوا ولم ينكب اللبن، وأن منازل دمنهور الوحش قد انهدمت أيضا.

ووردت أخبار أيضا أنه وقع من حصن مدينة صفد جزء عظيم، وأن البحر بعد عن مدينة عكا بقدر فرسخين حتى ظهر فى قاعه بضائع كثيرة، وأنه انهدم

ص: 38

جزء عظيم من الجامع الأموى بدمشق، وبقيت الأرض مرتجة عشرين يوما، وقد تكلم على هذه الزلزلة أبو المحاسن أيضا وابن إياس.

ومما انهدم فى مصر جامع عمرو بن العاص ثم رممه النائب سلار، والجامع الأزهر ورممه سلار أيضا بالاشتراك مع سنقر الأعسر، وجامع الصالح طلائع خارج باب زويلة ثم عمره السلطان، ومئذنة جامع المدرسة المنصورية ثم أعيدت من ربيع الوقف، ومئذنة جامع الفاكهانى.

قال: وفى كتاب «السلوك» أيضا أنه حصلت فى الشام ومصر زلزلة سنة ستمائة، اتصل تأثيرها بالجزيرة المسماة عند الإفرنج الميزبوتامى، وبلاد الروم وجزيرة صقلية وقبرص وبلاد الموصل والعراق، وامتدت إلى سبتة من بلاد المغرب، وبعدها بثمان سنين حلت زلزلة تهدم بها مبان كثيرة بالقاهرة والفسطاط.

ومن هذا القبيل ما نقله كترمير أيضا عن كتاب «السلوك» أن فى يوم الخميس رابع عشر صفر من سنة أربع وثمانين وستمائة ظهر بناحية العسولية -وهى قرية من قرى حمص-فى السماء سحابة مظلمة معها رعد كثير، وظهر منها دخان امتد إلى الأرض، وكان فى شكل الثعبان لكنه غليظ لا يستطيع أن يحيط به جماعة من الناس ورأسه فى السماء وذنبه يلعب على الأرض كالزوبعة، فكانت ترفع الحجارة الكبيرة أكثر من رمية سهم ويسمع لها عند سقوطها فرقعة عظيمة، وتقع فى مكان بعيد عن محلها الأصلى وترفع الجمل قدر رمح، وأخربت جهات كثيرة وأتلفت حيوانات وأبنية، وكان بقرب موضعها جيش من العساكر المصرية نحو ألفى فارس، فأخذت منهم السروج والدروع وآلات الحرب والملابس، وكانت تأخذ من العسكر جملة في دفعة، وبعد قليل أخذت مشرقة فى الصحراء ثم اضمحلت وعقبها مطر كثير.

وفيه أيضا أن خبرا ورد من حماة فى سنة ست وسبعمائة مصدقا عليه من القاضى أنه حصل فى قرية باريم الواقعة بين جبلين قرقعة عظيمة ليلا وصوت

ص: 39

مزعج فى الجبلين، وفى الصباح ذهب أهل البلد إلى محل القرقعة لكشف الخبر فوجدوا أحد الجبلين قد انتقل من مكانه، وقطع عرض الوادى الذى بينهما حتى اتصل بعضه بالجبل الآخر، والماء مستمر على جريه، ولم ينكسر من الجبل المنتقل شئ، وكان طوله مائتى ذراع، وكان عرض الوادى مائة ذراع، انتهى.

وتكلم أيضا أحمد العسقلانى وابن إياس على زلزلة عظيمة حصلت سنة ثمان وعشرين وثمانمائة، وذكر المقريزى أن زلزلة أخرى حصلت بعد ذلك بعشر سنين، انتهى.

‌ترجمة الفاضل الشيخ على السخاوى

وإلى هذه البلدة ينسب الإمام الفاضل الشيخ على السخاوى، وقد ترجمه ابن خلكان فقال: هو أبو الحسن على بن محمد بن عبد الصمد بن عبد الأحد ابن عبد الغالب المهدانى المصرى السخاوى المقرئ النحوى الملقب علم الدين، كان قد اشتغل بالقاهرة على الشيخ أبى محمد القاسم الشاطبى المقرئ وأتقن عليه علم القراءات والنحو واللغة، وعلى أبى الجود غياث بن فارس بن مكى المقرئ، وسمع بالإسكندرية من السلف وابن عوف، وبمصر من البوصيرى وابن ياسين، ثم انتقل إلى مدينة دمشق وتقدم بها على علماء فنونه واشتهر، وكان للناس فيه اعتقاد عظيم، وشرح «المفصل» للزمخشرى فى أربع مجلدات، وشرح القصيدة الشاطبية فى القراءات وكان قد قرأها على ناظمها، وله خطب وأشعار، وكان متعينا فى وقته، ورأيته بدمشق والناس يزدحمون عليه فى الجامع لأجل القراءة، ولا يصح لواحد منهم نوبة إلا بعد زمان، ورأيته مرارا يركب بهيمة وهو يصعد إلى جبل الصالحية وحوله اثنان أو ثلاثة، وكل واحد يقرأ ميعاده فى موضع غير الآخر والكل فى دفعة واحدة، وهو يرد على الجميع، ولم يزل مواظبا على وظيفته إلى أن توفى بدمشق ليلة الأحد ثانى

ص: 40

عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين وستمائة، وقد أناف على تسعين سنة رحمه الله تعالى، ولما حضرته الوفاة أنشد لنفسه:

قالوا غدا نأتى ديار الحمى

وينزل الركب بمغناهم

وكلّ من كان مطيعا لهم

أصبح مسرورا بلقياهم

قلت فلى ذنب فما حيلتى

بأى وجه أتلقاهم

فقالوا أليس العفو من شأنهم

لا سيما عمن ترجّاهم

ثم ظفرت بتاريخ مولده فى سنة ثمان وخمسين وخمسمائة بسخا ا. هـ.

‌ترجمة الحافظ الشيخ محمد شمس الدين السخاوى

وإليها أيضا ينسب الحافظ الشهير محمد شمس الدين السخاوى، وقد ترجم نفسه فى كتابه «الضوء اللامع فى أهل القرن التاسع» فقال: إنه محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبى بكر بن عثمان بن محمد الملقب شمس الدين أبو الخير وأبو عبد الله ابن الزين أو الجلال أبى الفضل وأبى محمد السخاوى الأصل القاهرى الشافعى ويعرف بالسخاوى، وربما يقال له ابن البارد شهرة لجده بين أناس مخصوصين، ولذا لم يشتهر بها أبوه بين الجمهور ولا هو، بل يكرهها، ولا يذكره بها إلا من يحتقره.

ولد فى ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة، بحارة بهاء الدين علو الدرب المجاور لمدرسة البلقينى محل أبيه وجده، ثم تحول مع أبويه لملك اشتراه أبوه مجاور سكن شيخه ابن حجر، وأدخله المكتب بالقرب من الميدان عند المؤدب عيسى المقسى، ثم نقله بعد يسير لزوج أخته حسين الأزهرى، فقرأ عنده القرآن وصلى للناس التراويح فى رمضان بزاوية أبى أمه شمس الدين العدوى، ثم توجه به أبوه للشيخ محمد النحريرى فانتفع به فى آداب التجويد، وعلق عنه فوائد ونوادر، ثم انتقل إلى ابن أسد فحفظ «التنبيه» كتاب عمه،

ص: 41

و «المنهاج الأصلى» ، و «ألفية ابن مالك» ، وقرأ عليه القراءات إفرادا وجمعا، وتدرب به فى المطالعة، وكلما انتهى حفظه لكتاب عرضه على شيوخ عصره، ثم حفظ «الفية العراقى» ، وشرح «النخبة» ، و «الشاطبية» ، وبعض «جامع المختصرات» ، وسمع للعشر على الزين رضوان العقبى وغيره، وأخذ العربية عن الجمال بن هشام الحنبلى وغيره، وحضر عند الشمس الونائى الدروس الطنانة التى أقرأها فى الروضة، وأخذ الفقه عن العلم البلقينى وغيره، وكذا التفسير والعروض، وأخذ الفرائض والحساب والميقات والأصول والمعانى والبيان والصرف والمنطق واللغة والتصوف وغير ذلك-عن الشرف المناوى والكمال ابن إمام الكاميلية والشمنى وغيرهم.

وقبل ذلك كله سمع مع والده الحديث الكثير عن شيخه الشهاب بن حجر، وأوقع الله فى قلبه محبته فلازم مجلسه وعادت عليه بركته فى هذا الشأن، الذى باد حماله وحاد عن السنن المعتبر عماله، فأقبل عليه بكليته بحيث تقلل مما عداه؛ لقول الحافظ الخطيب: إنه علم لا يعلق إلا بمن قصر نفسه عليه، وقول الإمام الشافعى لبعض أصحابه: أتريد أن تجمع بين الفقه والحديث هيهات. وكثير من أئمة الحديث وحفاظه وصفوا باللحن، والمراد أن ذلك بالنسبة للخليل وسيبويه ونحوهما دون خلوهم أصلا منه.

وداوم الملازمة لشيخه حتى حمل عنه علما جما، وقرأ عليه الاصطلاح بتمامه وعلوم الحديث، وسمع عليه أكثر تصانيفه فى الرجال وغيرها، و «اللسان» بتمامه، و «مشتبه النسبة» ، و «تخريج الرافعى» ، و «بذل الماعون» ، وأماليه الحلبية والدمشقية، و «بلوغ المرام» ، و «العشرة العشاريات» وما يقال فى الصباح والمساء وأشياء يطول إيرادها وأذن له فى الإفادة والتصنيف، وصلى به إماما التراويح فى بعض ليالى رمضان، وتخرج بغيره أيضا حتى بلغ عدة من أخذ عنهم بالقاهرة وضواحيها كالجيزة وإنبابة وعلو الأهرام وسرياقوس والخانقاه

ص: 42

وبلبيس وسفط الحناء ومنية الرودينى وغيرها-زيادة على أربعمائة نفس، كل ذلك وشيخه يمده بالفوائد التى لا تنحصر.

وبعد وفاة شيخه سافر دمياط فسمع بها، ثم سافر للحج فلقى بالطور والينبع وجدة غير واحد فأخذ عنهم، وقرأ بمكة الكتب الكبار والصغار، حتى قرأ داخل البيت المعظم وبالحجر وعلو غار ثور وجبل حرا والجعرانة ومنى ومسجد الخيف-على خلق كثير، وقرأ بالمدينة الشريفة تجاه الحجرة النبوية على البدر بن فرحون وبرابغ وخليص وأيلة، ثم توجه لمنوف العليا فسمع بها وبفيشة الصغرى، وارتحل إلى ثغر الإسكندرية فأخذ بها وبأم دينار ودسوق وفوّه، ورشيد والمحلة وسمنود ومنية عشاش ومنية نابت، والمنصورة وفارس كور ودنجيه والطويلة ومسجد الحضر ودمياط -عن نحو خمسين نفسا، ثم ارتحل إلى حلب، وسمع فى توجهه إليها بسرياقوس والخانقاه وبلبيس وقطبا، وغزة والمجدل والرملة وبيت المقدس والخليل ونابلس ودمشق وصالحيتها، والزبدانى وبعلبك وحمص وحماة وحلب وجبرين، ثم بالمعرة وطرابلس وبرزة وكفر بطنا والمره وداريا وصالحية مصر والخطارة وغيرها-عن نحو مائة نفس.

واجتمع له من المرويات بالسماع والقراءة ما يفوق الوصف على أنواع شتى، قال: ولعمرى إن المرء لا ينبل حتى يأخذ عمن فوقه ومثله ودونه. ولما صارت مجالس الحديث آنسة عامرة منضبطة أملى بمنزله يسيرا، ثم تحول لسعيد السعداء وغيرها، ثم توجه بعياله ووالديه إلى الحج فحجوا وجاوروا، وحدث فى المسجد الحرام بأشياء، وتوجه لزيارة ابن عباس بالطائف فسمع هناك بعض الأجزاء، ولما رجع إلى القاهرة شرع فى إملاء «تكميله» وغيره بحيث بلغت مجالس الإملاء ستمائة مجلس، وحج ثانيا وأقام أشهرا بالمدينة وجاور نحو ثلاث سنين، ولما عاد إلى القاهرة تزايد انجماعه عن الناس وامتنع عن الإملاء، وترك الإفتاء حين تزاحم الصغار على ذلك، واستوى الماء والخشب.

ص: 43

وشرع فى التصنيف قبل الخمسين، فكان مما خرجه من المشيخات «العقد الثمين فى مشيخة خطيب المسلمين» ، و «الفتح القربى في مشيخة الشهاب العقبى» ، و «الأربعينيات» ، و «المسلسلات» ، و «البلدانيات» ، و «بغية الراوى فيمن أخذ عنه السخاوى» فى ثلاثة مجلدات، وفهرسة مروياته فى ثلاثة أسفار ضخمة، و «عشاريات الشيوخ» فى عدة كراريس، و «الرحلة الإسكندرية مع تراجمها» ، و «الرحلة الحلبية مع تراجمها» و «الرحلة المكية» ، و «الثبت المصرى» فى ثلاثة مجلدات، و «التذكرة» فى مجلدات، و «تخريج الأربعين النووية» فى مجلد لطيف، و «القول البار تكملة تخريج الأذكار» ، و «تخريج أحاديث العادلين» لأبى نعيم، و «تخريج الأربعين الصوفية» للسلمى، والغنية المنسوبة للشيخ عبد القادر ويسمى «البغية» ، وتخريج طرق: إن الله لا يقبض العلم انتزاعا، و «التحفة المنيفة في أحاديث أبى حنيفة» ، و «الأمالى المطلقة» ، و «فتح المغيث بشرح ألفية الحديث» فى مجلد ضخم مع السبك البديع وتوضيح لها حاذى به المتن، و «الغاية فى شرح الهداية» لابن الجزرى فى مجلد لطيف، و «الإيضاح فى شرح نظم الاقتراح» فى مجلد لطيف، و «النكت على الألفية» فى مجلد، و «شرح التقريب» فى مجلد، و «بلوغ الأمل بتلخيص كتاب العلل» للدارقطنى كتب منه الربع، و «تكملة تلخيص المتفق والمفترق» لابن حجر، و «تكملة شرح الترمذى» للعراقى كتب منه أكثر من مجلدين، و «حاشية في أماكن من شرح البخارى» لابن حجر، وشرح الشمائل النبوية للترمذى ويسمى «أقرب الوسائل» كتب منه نحو مجلد، و «القول المفيد فى إيضاح شرح العمدة» لابن دقيق العيد، «وشرح ألفية السيرة» للعراقى و «الجمع بين شرحى الألفية» لابن المصنف وابن عقيل، وله فى التاريخ «الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التواريخ» ، و «التبر المسبوك فى تذييل كتاب السلوك» للمقريزى يشتمل على الحوادث والوفيات فى نحو أربعة أسفار، و «الضوء اللامع لأهل القرن التاسع» فى ستة مجلدات، و «الذيل على قضاة مصر» لشيخه فى مجلد، و «الذيل على طبقات القراء» لابن الجزرى فى مجلد، و «الذيل على

ص: 44

دول الإسلام» للذهبى نافع جدا والوفيات فى القرن الثامن والتاسع على السنين فى مجلدات واسمه «الشافى من الألم في وفيات الأمم» ، و «التحصيل والبيان فى قصة السيد سليمان» ، و «المنهل العذب الروى في ترجمة النووى» ، و «الاهتمام بترجمة ابن هشام» ، و «القول المبين فى ترجمة عضد الدين» ، و «الجواهر والدرر» فى ترجمة شيخه ابن حجر فى مجلد ضخم و «الاهتمام بترجمة ابن الهمام» ، و «تاريخ المدنيين» فى مجلدين، و «التاريخ المحيط» فى نحو ثلثمائة رزمة، وتجريد حواشى شيخه على الطبقات الوسطى للسبكى، وتقفيص قطعة من طبقات الحنفية، و «طبقات المالكية» فى أربعة أسفار، و «ترتيب طبقات المالكية» لابن فرحون، وتقفيص ما اشتمل عليه الشفاء من الرجال ونحوهم، و «القول المنبى فى ترجمة ابن عربى» فى مجلد حافل، و «الكفاية فى طريق الهداية» فى كراسة نافعة جدا، و «أحسن المساعى فى إيضاح حواشى البقاعى» ، و «الفرجة بكائنة الكاملية التى ليس فيها للمعارض حجة» ، و «دفع التلبيس ورفع التنجيس عن الذيل الطاهر النفيس» ، و «تلخيص تاريخ اليمن» ، و «طبقات القراء» لابن الجزرى، و «منتقى تاريخ مكة» للفاسى و «عمدة الأصحاب فى معرفة الألقاب» ، وترتيب شيوخ الطبرانى، وترتيب شيوخ أبى اليمن الكندى، وترتيب شيوخ جماعة من شيوخ الشيوخ، و «عمدة القارئ والسامع فى ختم الصحيح الجامع» ، و «غنية المحتاج فى ختم صحيح مسلم بن الحجاج» ، و «بذل المجهود فى ختم سنن أبى داود» ، و «اللفظ النافع في ختم كتاب الترمذى الجامع» ، و «القول المعتبر فى ختم النسائى» رواية ابن الأحمر، و «بغية الراغب المتمنى فى ختم سنن النسائى» رواية ابن السنى، و «عجالة الضرورة والحاجة فى ختم سنن ابن ماجة» ، و «القول المرتقى فى ختم دلائل النبوة للبيهقى» ، و «الانتهاض فى ختم الشفا لعياض» ، والرياض كذلك، و «الإلمام فى ختم السيرة النبوية لابن هشام» ، و «دفع الإلباس فى ختم سيرة ابن سيد الناس» ، و «الجوهرة المزهرة فى ختم التذكرة» ، و «القول البديع فى الصلاة على الحبيب الشفيع» ، و «الفوائد الجلية فى الأسماء النبوية» ،

ص: 45

و «المقاصد الحسنة فى الأحاديث المشتهرة على الألسنة» ، و «الابتهاج بأذكار المسافر الحاج» ، و «القول النافع في المساجد والجوامع» ، و «الاحتفال بجمع أولى الظلال» ، و «الإيضاح والتبين فى مسألة التلقين» ، و «وارتياح الأكباد بأرباح فقد الأولاد» ، و «قرة العين بالثواب الحاصل للميت والأبوين» ، و «البستان في مسألة الاختتان» ، و «القول التام فى فضل الرمى بالسهام» ، و «استجلاب ارتقاء الغرف بحب آل الرسول وذوى الشرف» ، و «الإيناس بمناقب العباس» ، و «الفخر العلوى فى المولد النبوى» ، و «عمدة المحتج فى حكم الشطرنج» ، و «التماس السعد فى الوفاء بالوعد» ، و «الأصل الأصيل فى تحريم النقل من التوراة والإنجيل» ، و «القول المألوف فى الرد على منكر المعروف» و «الأحاديث الصالحة فى المصافحة» ، و «القول الأتم فى الاسم الأعظم» ، و «السر المكتوم فى المال المحمود والمذموم» ، و «القول المعهود فيما على أهل الذمة من العهود» ، والكلام على حديث الخاتم، والكلام على قص الظفر، والكلام على الميزان، و «القناعة بما تحسن الإحاطة به من أشراط الساعة» ، و «تحرير المقال فى حديث كل أمر ذى بال» ، و «القول المتين فى تحسين الظن بالمخلوقين» ، والكلام على كل الصيد فى جوف الفرا، والكلام على حديث إن الله يكره الحبر السمين والكلام على حديث المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى، والكلام على حديث تنزل الرحمات على البيت المعظم، الإيضاح المرشد من الغىّ فى حديث حبب من دنياكم إلىّ، المستجاب دعاؤهم، «تجديد الذكر فى سجود الشكر» ، «نظم اللآل فى حديث الأبدال» ، «انتقاد مدعى الاجتهاد» ، «الأسئلة الدمياطية» ، «الاتعاظ بالجواب عن مسائل بعض الوعاظ» ، «تحرير الجواب عن مسألة ضرب الدواب» ، «المقاصد المباركة في إيضاح الفرق الهالكة» ، «بذل الهمة فى أحاديث الرحمة» ، «السير القوى فى الطب النبوى» ، «رفع الشكوك فى مفاخر الملوك» ، «الإيثار بنبذة من حقوق الجار» ، «الكنز المدخر فى فتاوى ابن حجر» ، «الرأى

ص: 46

المصيب فى المرور على الترغيب»، «الحث على تعلم النحو» ، «الأجوبة العلية عن المسائل النثرية» فى مجلدين، «الاحتفال بالأجوبة عن مائة سؤال» ، «التوجه للرب بدعوات الكرب» ، «ما فى البخارى من الأذكار» ، «الإرشاد والموعظة لزاعم رؤية النبى بعد موته فى اليقظة» ، «جامع الأمهات والمسانيد» ، كتب منه مجلدا ولو تم لكان فى مائة مجلد بل أزيد، جمع الكتب الستة كتب منه أيضا مجلدا، إلى غير ذلك من كتب لم تكمل، وقرّظ أشياء من تصانيفه غير واحد من أئمة المذاهب، ومدحوه مدحا بليغا نثرا ونظما من ذلك:

تلقّف العلم من أفواه مشيخة

نصوا الحديث بلا مين ولا كذب

فما دفاتره إلا خواطره

يمليك منها بلا ريب ولا نصب

ومن كلام ابن الشحنة فيه:

وقف المحب على الذى

رقم الحبيب فراقه

فسخا ولم يسمع به

من وصف الإشاقه

وقال فيه ابن القطان أيضا:

وغير عجيب من محب بديهة

سخا بالمعانى فى مديح سخاوى

روى عطشا بالعلم عند رواية

فأكرم برىّ من رواية راوى

ومن كلام المليجى من قصيدة فيه:

أولاك فضلا فى حديث نبيه

تبدّى جميل الوصف من أنبائه

تملى ارتجالا فيه وصف رجاله

وتذيع ما قد شاع من أسمائه

يا شمس دين الله حسبك ما تجد

من خير خلق الله عند لقائه

يجزيك فضلا وهو أكرم سيد

أغنى الورى بنواله وسخائه

والفضل فضلك فى الحديث وغيره

عجز المفيد الوصف عن إحصائه

ص: 47

ومن كلام ابن الحمصى فيه:

يا خادما أخبار أشرف مرسل

وسخا فنسبته إليه سخاوى

وحوى السياسة والرياسة ناهجا

منهاج حبر للمكارم حاوى

وقال أيضا:

أحببتكم من قبل رؤياكم

لحسن وصف عنكم فى الورى

وهكذا الجنة محبوبة

لأهلها من قبل أن تنظروا

ومن كلام الطويلى:

بهذا العيد قد جئنا نهنى

إمام العصر شيخ الناس طرا

أطال الله عمرك فى ازدياد

من الخيرات للدنيا وأخرى

وللزين الأشليمى:

يا سيدا أضحى فريد زمانه

ودليل ما قد قلته الإجماع

عندى حديث مرسل ومسلسل

يرويه ذو الإتقان لا الوضاع

ما فى الزمان سواك يلفى عالما

صحت بذاك إجازة وسماع

الخير فيك تواترت أخباره

وهو الصحيح وليس فيه نزاع

يا من إذا ما قد أتاه ممرض

يشكو يزول الضر والأوجاع

إلى غير ذلك.

واستقر فى تدريس الحديث بدار الحديث الكاملية عقب موت الكمال، وكذا استقر فى تدريس الحديث فى الصرغتمشية عقب الأمين الأقصراى، وناب قبل ذلك فى تدريس الحديث بالظاهرية القديمة، ثم فى تدريس الحديث بالبرقوقية عقب موت البهاء المشهدى، وقرره المناوى فى تدريس الحديث بالفاضلية، وعين لمشيخة الحديث بالمنسكوتمرية، وسأله الأمير يشبك الدوادار فى المبيت عند الطاهر خشقدم ليلتين فى الأسبوع ليقرأ له نخبا من التاريخ فبالغ فى التنصل، كما تنصل من مطلق التردد على السلطان تمربغا وغيره، وعرض عليه الأتابك قضاء مصر فاعتذر له فسأله فى تعيين من يرضاه

ص: 48

فقال له: لا أنسب من السيوطى قاضيك، إلى غير ذلك مما يرجو به الخير، مع أن الذى له من الجهات لا يسمن ولا يغنى من جوع، وكان يتمثل بقول الطغرائى:

تقدمتنى أناس كان شوطهم

وراء خطوى لو أمشى على مهل

وإن علانى من دونى فلا عجب

لى أسوة بانحطاط الشمس عن زجل

وكان ينشد:

فلا تك مغرورا تعلل بالمنى

فعلك مدعوّ غدا فتجيب

ألم تر أن الدهر أسرع ذاهب

وأن غدا للناظرين قريب

هذا كله وهو عارف بنفسه، معترف بالتقصير فى يومه وأمسه، خبير بعيوبه، مثقل بذنوبه، لكن أكثر الهذيان طمعا فى صفح الإخوان، والله يسأل أن يجعله كما يظنّون، وأن يغفر له ما لا يعلمون، ولله در القائل:

لئن كان هذا الدمع يجرى صبابة

على غير ليلى فهو دمع مضبع

انتهى باختصار كثير، وقد ترجم قبل ذلك أباه وجده، وترجم بعده جماعة ممن نشأ من هذه المدينة فانظره.

(سد منت)

قرية من مديرية بنى سويف بقسم النويرة، واقعة فى الجنوب الغربى للاهوث بنحو ساعتين فى طريق بالجبل، وهى فى أرض ذات رمل، وفيها نخيل كثيرة وأبراج حمام ومساجد.

(سدود)

قرية من مديرية المنوفية بقسم أشمون جريس، فى الشمال الشرقى لترعة النعناعية، أبنيتها بالآجر واللبن، وبها جامع قديم بمنارة وبعض زوايا للصلاة وجنينة لعلى عباد-عمدتها-وأخرى لإبراهيم مخلوف أحد مشايخها، وتكسب أهاليها من الزراعة وغيرها، ورىّ أرضها من ترعة النعناعية والسرساوية.

ص: 49

(سرس الليانة)

بالياء المثناة المشددة بلدة كبيرة من أعمال منوف بمديرية المنوفية، لها شبه بالمدن، واقعة شرقى ترعة السرساوية على نحو أربعة وعشرين مترا، وأبنيتها بالآجر واللبن ومنازلها على دور ودورين وما على ثلاثة قليل جدا، وأكثر أهلها مسلمون، وبها من الأقباط نحو مائة نفس، وبها جماعة من الإفرنج لهم فيها بنوكات، وفيها مساجد كثيرة وبعضها جامع وبعضها غير جامع*مسجد الأربعين هو جامع كبير بمنارة هدم وجدد سنة 1245 ناظره «السيد أحمد نصار» *مسجد سيدى عبد القادر الكردى بمنارة هدم وجدد سنة 1213 بمعرفة الشيخ عمر حسام الدين من أهلها*جامع سيدى يوسف الكورانى بمنارة تخرب وجدد سنة ألف ومائتين وإحدى وسبعين*جامع درب الفوله رمم سنة 1275 وله منارة*جامع درب السوق رمم سنة 1280*جامع الزهارنة جدد سنة 1240 بنظر الحاج سليم زهران الكبير من أهلها*جامع الضرايبة بمنارة، وهى فجدده حسين غراب وإخوته سنة 1265*جامع التين بمنارة جدده حسين التين وأقاربه سنة 1255*جامع سيدى محمد أبى البركات، وهى فجدد سنة 1280*جامع الأستاذ محمد بن أبى الروس بنى سنة 1265* مسجد محمد الظاهر، وهو زاوية بنيت سنة 1285*مسجد حسام الدين، وهو زاوية بنيت سنة 1287*مسجد على الإبيارى، وهو أيضا زاوية بناها إبراهيم خالد سنة 1250، وفيها ضريحه.

وفى البلد خمس حدائق، يشتمل أغلبها على أنواع الفواكه والرياحين والخضر؛ مثل الليمون الحلو والمالح والبرتقال ويوسف أفندى، والمشمش والنفاش والعنب البناتى والبلدى والرومى، والموز والتين والزيتون والكباد والنخل، والفلفل والورد والنعناع والسذاب، منها جنينة على شاطئ الباجورية الشرقى، وجنينة فى جهتها البحرية، وجنينة فى جهتها الغربية، وجنينة فى جهتها الشرقية، وجنينة فى هذه الجهة أيضا، وفيها سبع عشرة ساقية معينة كثيرة الماء العذب، وأطيانها أربعة آلاف فدان وثلثمائة وأحد وعشرون فدانا

ص: 50

وكسر، جميعها مأمونة الرى جيدة المتحصل، ويزرع فيها الزرع المعتاد والقطن وقصب السكر، وأنواع الخضر مثل القلقاس والباذنجان بنوعيه، وينسج فيها الثياب السرساوية من القطن الفرنجى والصوف الجيد، ولأهلها معرفة تامة بتربية دود الحرير.

وعدد أهلها ذكورا وإناثا ثمانية آلاف نفس واثنان وثلاثون نفسا، ومنهم أرباب حرف كالنجار والحداد والحائك والتاجر، وترقى منها فى المعارف والرتب الديوانية جماعة كثيرون، منهم حسن أفندى رأفت يوزباشى فى هندسة الطوبجية، ومثله محمد أفندى أنور ووالده إبراهيم أفندى على يوزباشى بوظيفة حكيم فى سلخانة مصر، وإسماعيل أفندى فائز، ويقتنى فيها جياد الخيل والبغال والحمير والأنعام.

وفيها مقامات كثير من الأولياء كمقام سيدى محمد الأمير يقولون إنه وزير أمير الجيش السلطان محمد شبل، ومقام أبى البركات صاحب الجامع المتقدم، وسليمان الكورانى، ويوسف الكورانى وسيدى محمد الظاهر وغيرهم.

ومنها جماعة من أفاضل العلماء، منهم الشيخ موسي السرسى أحد أعضاء المجلس الكبير، الذى كان رتبه بونونبرت بمصر للنظر فى الدعاوى وجعل رئيسه الشيخ عبد الله الشرقاوى، وكاتم سره وباش كاتبه الشيخ محمد المهدى، ومن أعضائه الشيخ خليل البكرى نقيب السادة الأشراف، والشيخ مصطفى الصاوى، والشيخ سليمان الفيومى المالكى، والشيخ محمد الدواخلى الشافعى، والشيخ محمد الأمير مفتى السادة المالكية والشيخ محمد العريشى، والشيخ مصطفى الدمنهورى، والمترجم، والشيخ موسى السرسى الشافعى، ومنها الشيخ محمد السرسى المشهور بالقراءات السبع فى الجامع الأزهر، توفى سنة ثلاث وثمانين من القرن الثالث عشر، وتلقى عنه علم القراءات خلق كثيرون، وكان مكفوف البصر.

ص: 51

ومن هذه القرية إلى منوف أقل من ساعة، وإلى شيبين الكوم نحو ساعتين، وإلى طنتدا نحو ثمان ساعات، وسوقها كل يوم أربعاء، ومن هذه البلدة فرج أفندى الملقب بالدكر بالدال المهملة والكاف المفتوحتين وراء مهملة، دخل العسكرية البيادية زمن المرحوم عباس باشا، وفى زمن المرحوم سعد باشا تعلم القوانين العسكرية والقراءة والكتابة، واستحق التقدم فترقى فى زمنه إلى رتبة البيكباشى، وسافر فى حرب الحبشة ورجع سالما وأقام بالالايات.

(سرسنا)

قرية من مديرية المنوفية من أعمال منوف، فى بحرى قرية الشهداء على نحو أربعمائة وتسعين مترا، وأكثر أبنيتها باللبن على دور أو دورين، وبها نخل كثير، وجامع بمنارة يقال له جامع سيدى معاذ تخرب فجدد سنة ست ومائتين وألف وله فيه ضريح يزار، وفيها عدة من الزوايا: زاوية خضر وزاوية الأعور وزاوية شهاب الدين، وزاوية الحسانية وزاوية إدريس وزاوية على فايد الخضرجى، وأهلها مسلمون، وممن تربى منهم فى ظل ساحة العائلة المحمدية وترقى فى الخدمات الميرية حضرة فرج أفندى عبد العال برتبة بيكباشى، وجماعة يوزباشية وملازمون، وأطيانها تروى من النيل وقدرها ألف فدان ومائتا فدان وثمانية وستون فدانا وكسر، ويزرع فيها الزرع المعتاد، وفيها سواق معينة ملحة الماء، وينسج فيها خرق الكتان.

وبها مقامات جماعة معتقدين مثل الأستاذ على قائد جيش فى الجهة الغربية، والسيدة نفيسة وعبد الله الضبار وغيرهم، وسوقها كل يوم اثنين، ويتوصل منها إلى طنتدا بطريق من غربيها على نحو أربع ساعات.

(سرسنا الفيومية)

قرية من مديرية الفيوم قديمة من قسم المدينة، وهى واقعة على تلول عالية، وبعض الأهالى يقول لها سرس الذهب وهى فى غربى البطس بنحو ربع

ص: 52

ساعة، وفى شرقى مطرطارس مع ميل إلى الشمال بنحو ساعة، وغربى سيلة أيضا، وهى بلدة مجردة عن النخيل والأشجار، ولها شهرة بنسج ثياب الصوف الجيدة كعدة قرى من بلاد الفيوم مثل شكيبة الواقعة فى آخر بلاد الفيوم من الجهة الغربية، وقنبشة التى هى فى جنوب المدينة بنحو ساعتين، وقلمشاه، ومثل هذه القرية قرية بوقرقاص من بلاد المنية، بل صنعتها فى ذلك أدق؛ فإنه ينسج فيها الغزل الرفيع جدا المتخذ من الصوف الناعم، ويجعل قمصانا بدل القطن والكتان، وله شبه بالقماش المعروف بالفانيليا.

(سرمون)

مدينة قديمة كانت فى الصحراء فى الوجه البحرى، بين مدينة صان ومدينة الطينة، وقال كترمير أنه كان يقال لها سريون، وقد محيت الآن آثارها والظاهر أنها كانت جليلة الشأن فى عصر اليونان، ولعلها هى المدينة التى سماها أصطوفان مدينة ستروم، وأخبر أنها كانت قاعدة إقليم يسمى الإقليم السترومى، وهى التى سماها بطليموس بمدينة هيراقل يوبوليس أو هرقلينة بيرو، وقال إنها فى الجهة الشرقية من فرع النيل المنسوب لبو بسطة أو بيلوذه؛ أى الطينة.

والظاهر أن كلمة ستروم محرفة عن كلمة سرمون أو سريون، خلافا لبعض الفرنج الزاعم أن ستروم، أو هيراقل يوبوليس مدينة أخرى على شاطئ بركة تنيس، إذ كلام بطليموس المصرى فى بيان موضعها مقدم؛ لأن صاحب الدار أدرى بما فيها؛ فلا تغلطه فى جغرافية بلاده.

وأما ما نقله استرابون عن الجغرافى أرتيميدور؛ أن إقليم ستروم من جملة الأقاليم العشرة التى كانت فى داخل دلتا (جزيرة الغربية والمنوفية) -فيمكن أن الخلاف بينه وبين كلام بطليموس ظاهرى لا حقيقى؛ لأنه لا مانع من أن الأقاليم المذكورة كانت على الشاطئ الغربى من النيل، وقاعدتها كانت على الشاطئ المقابل لها، بل لا مانع من أن تكون النسخة المنسوبة لا سترابون

ص: 53

محرفة فى هذا الموضع ويكون إقليم ستروم خارجا عن إقليم دلتا؛ كما يفهم ذلك من عبارة أرتميدور ومن حكاية سترابون فى شأن البرك والبحيرات التى فى إقليم ستروم، فإن كلامهما صريح فى كونها خارج أقاليم دلتا، وكونها فى الجهة الشرقية من فرع النيل الذى كانت عليه بيلوذه، فلا تكون من جملة البرك والبحيرات الموجودة بين ذلك الفرع ومدينة تنيس التى تسمى الآن ببحيرة المنزلة، بعد أن صرح أرتيميدور بأنها فى البرية التى تتصل ببلاد العرب، أو فى بلاد العرب نفسها؛ لأن القدماء كانوا يجعلونها من جملة بلاد العرب التى فى آسيا، ويعتبرون بيلوذه حدا بينها وبين أرض مصر.

وبالجملة فكانت مدينة هيراقليوبوليس قاعدة إقليم ستروم موضوعة بين بيلوذه وتانيس-صان-فى منتصف المسافة تقريبا، ولا مانع من أن السياحين من القدماء كانوا يسافرون من بيلوذه ويركبون سفن النيل إلى هيراقليوبوليس ثم منها إلى تنيس، إما برا أو بحرا بواسطة خليج كان واصلا بين فرعى النيل؛ أعنى فرع بيلوذة وفرع تنيس.

وكان اليونان يسمون إقليم ستروم باسم ستروبيطيس، وهو كثير الذكر فى كتب السير الرهبانية والآثار العتيقة، ثم إن أرتيمدور جغرافى يونانى كان قبل المسيح بمائة سنة، وله بيربل (جغرافية) كان يرغب فيه القدماء.

(سرياقوس)

هى قرية من قسم الخانقاه بمديرة القليوبية، موضوعة على الشاطئ الشرقى للترعة الإسماعيلية، وفى غربى الخليج المصرى بنحو مائتى متر وفى غربى الخانقاه، مائلة إلى الجنوب بنحو ثلاثة آلاف متر وخمسمائة، وفى جنوب كفر حمزة كذلك، وأغلب أبنيتها بالآجر، وبها جامع بمنارة، وفيها من الجهة البحرية دوّار أوسية للخديو إسماعيل باشا، وفى مقابلتها قنطرة على الترعة الإسماعيلية، ويزرع فى أراضيها صنف البصل والتنباك بكثرة، وكذا

ص: 54

قصب السكر وله فيها عصارات، والعسل السرياقوسى مشهور فى مصر بالجودة، فلذا ينادى على أى عسل بهذه النسبة فى أسواق مصر للترغيب.

ومن هذه القرية حسن أفندى السروجى بيكباشى بياده، دخل العسكرية فى زمن المرحوم سعيد باشا، وترقى لغاية رتبة بيكباشى فى زمن الخديوى إسماعيل، وله دراية بالقراءة والكتابة، وتوجه فى محاربة الحبش وعاد سالما وأقام بالألايات.

وهى من البلاد القديمة، وكان بها فى أيام النصرانية دير كان يعرف بدير أبى هور كان فيه خلق من النصارى، وذكره المقريزى فى الأديرة وقال: إنه كان له عيد يجتمع فيه الناس، وكان فيه أعجوبة ذكرها الشابسطى؛ وهى أن من كان به داء الخنازير أخذه رئيس هذا الدير وأضجعه وجاء بخنزير فلحس موضع الوجع الذى فيه، فلا يتعدى ذلك إلى الموضع الصحيح، فإذا نطف الموضع ذرّ عليه رئيس الدير رماد خنزير فعل هذا الفعل ودهنه بزيت قنديل البيعة فإنه يبرأ، ثم يؤخذ ذلك الخنزير الذى أكل خنازير العليل فيذبح ويحرق ويعدّ رماده لمثل هذه الحالة، فكان لهذا الدير دخل عظيم ممن يبرأ من هذه العلة، انتهى.

ثم إن هذه البلدة كانت يستطيب هواءها الملوك والأمراء ويترددون إليها ويقيمون بها، ففى خطط المقريزى عند الكلام على سرياقوس والميدان الناصرى أن السلطان الناصر محمد بن قلاوون كان يتردد إلى سرياقوس كثيرا، وأنشأ فى شرقيها ميدانا بالقرب من الخانقاه، وكان إنشاؤه سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة، وبنى فيه قصورا جليلة وعدة منازل للأمراء، وعمل فيه بستانا أحضر له ولبستانه الذى أنشأه بجزيرة الفيل من دمشق الشام سائر أصناف الشجر، وأحضر معها خولة الشام والمطعمين فغرسوها فيهما وطعموها، ومنهم تعلم الناس بمصر تطعيم الأشجار، وجعل السلطان فواكه هذا البستان مع فواكه بستان جزيرة الفيل تحمل بأسرها إلى الشرابخانه السلطانية بقلعة الجبل، ولا

ص: 55

يباع منها شئ البتة، وتصرف كلفهما من الأموال الديوانية، فجادت فواكه هذين البستانين وكثرت، حتى حاكت بحسنها فواكه الشام؛ لشدة الخدمة والعناية بهما.

ثم اختار أن يحفر خليجا من بحر النيل؛ لتمر فيه المراكب إلى ناحية سرياقوس؛ لحمل ما يحتاج إليه من الغلال، وجعل فمه من موردة البلاط، ويمر بالميدان الظاهرى إلى بركة قرموط إلى ظاهر باب البحر، ويمر من هناك على أرض الطبالة فيصب فى الخليج الكبير، وكان الشروع فيه سنة خمس وعشرين وسبعمائة، وانتهى العمل فيه فى سلخ جمادى الآخرة على رأس شهرين، وجرى الماء فيه عند زيادة النيل، فأنشأ الناس فوقه عدة أسواق، وجرت فيه السفن بالغلال وغيرها، فسرّ السلطان بذلك وجعل عليه قنطرتين؛ قنطرة الأميرية وقنطرة سرياقوس، وحصل للناس رفق وقويت رغبتهم فيه، فاشتروا عدة أراض من بيت المال، غرسوا فيها الأشجار وصارت بساتين جليلة، وأخذ الناس فى العمارة على حافتى الخليج، فعمر ما بين المقس وساحل النيل ببولاق، وكثرت العمائر على الخليج حتى اتصلت من أوله بموردة البلاط إلى حيث يصب فى الخليج الكبير، وصارت البساتين من وراء الأملاك المطلة على الخليج، وتنافس الناس فى السكنى هناك وأنشأوا الحمامات والأسواق والمساجد، وصار هذا الخليج مواطن أفراح ومنازل لهو ومغنى صبابات، وملعب أتراب ومحل تيه، وقصف فيما يمر فيه من المراكب وفيما عليه من الدور، وما برحت مراكب النزهة تمر فيه بأنواع الناس على سبيل اللهو إلى أن منعت المراكب منه بعد قتل الأشرف.

ولما كمل الميدان وما اشتمل عليه فى سنة خمس وعشرين خرج السلطان ومعه الأمراء والأعيان ونزل القصور التى هناك، ونزل الأمراء والأعيان على منازلهم فى الأماكن التى بنيت لهم، واستمر يتوجه إليه فى كل سنة ويقيم به الأيام ويلعب فيه بالكرة إلى أن مات، فعمل ذلك أولاده الذين ملكوا من بعده، فكان السلطان يخرج فى كل سنة من قلعة الجبل بعد ما تنقضى أيام

ص: 56

الركوب إلى الميدان الكبير الناصرى على النيل، ومعه جميع أهل الدولة من الأمراء والكتاب وقاضى العسكر وسائر أرباب الرتب، ويسير إلى السرحة بناحية سرياقوس وينزل القصور، ويركب إلى الميدان هناك للعب الكرة، انتهى. ويسمى لعب الصولجان، وهى لعبة من أعظم ألعاب السلاطين كما نقله كترمير عن سناموس البيزنتى، قال: كان الشبان ينقسمون فى تلك اللعبة فرقتين ويركبون جياد الخيل، ويكون بيد كل واحد منهم عصا متوسطة الطول، بطرفها جزء عريض مع استدارة، بداخل دورته حشو بهيئة الشبكة، ويضرب كل فرقة وهم على ظهور الخيل كرة من الجلد قدر التفاحة، ويكون ذلك فى أرض مستوية مع إجراء الخيل بغاية السرعة، وقد حددوا نقطة معلومة، فكل من أوصل الكرة إلى النقطة فهو الغالب.

وقال أيضا: إن هذه اللعبة من أخطر الألعاب؛ لأنه ربما سقط بسببها الفارس عن فرسه؛ لما يلزم لها من كثرة الحركة إلى اليمين والشمال والخلف والأمام؛ ليحوز قصب السبق، وقال: وزعم بعضهم أن أصل هذه اللعبة كانت عند اليونان ثم انتشرت فى الأقطار، ثم رد ذلك وقال: إن أصلها عجمية ثم نقلت إلى إسلامبول، وأخذتها العرب عن الفرس أيضا.

ونقل عن المسعودى إن الخليفة هارون الرشيد أول خليفة لعب الصولجان فى الميدان، وكان نور الدين الشهيد مولعا بهذا اللعب وفائقا فيه، والصولجان فى الأصل عصا مدهونة، طولها نحو من أربعة أذرع، وبرأسها خشبة مخروطة محدودبة تنيف عن نصف ذراع، ويسمى الصولجان الجوكان فى لغة الترك، ومنه الجوكندار وهو الذى يحمله، والجماعة جوكاندارية، انتهى.

ويظهر أن هذه اللعبة كانت ببلاد العجم قبل بناء مدينة القسطنطينية وتسمى بلغة الفرس جوكان، قال الطبرى: إن أردشير الأول أراد أن يدرب ابنه شابور فطلب جوكانا وكرة ليلعب بها، وكان فى وسط السراى ميدان يحيط به دهليز، فجلس به أردشير على تخته لينظر إلى لعب شابور مع رفقائه أولاد

ص: 57

الأمراء، فوقعت الكرة فى الدهليز أمام التخت فلم يتجاسر أحد أن يقرب منها، فتقدم شابور راكبا حصانه وأخذها بدون جزع، ففرح أردشير وتحقق أنه ابنه لصلبه، انتهى.

وكان الشاعر عدى بن زيد قد تعلم لعب العجم على الخيل بالصوالجة، ويؤخذ من ذلك أن تلك اللعبة قديمة عند الفرس وأخذتها عنهم اليونان، ولا يعلم وقت دخولها فى القسطنطينية، وأول من بنى ميدانا للعبها فى القسطنطينية تيودور الثانى، وتكتب فى كتب العرب صولجان وجمعها صوالجة، ولا تختلف فى جميع الأقطار إلا فى الآلة التى يضرب بها الكرة.

قال التبريزى فى «شرح الحماسة» فى كلمة محجن: هى قطعة من الخشب معوجة من طرفها كالصولجان، انتهى، ثم إن العرب أخذتها عن الفرس وانتشرت فى جميع البلاد واشتغلت بها الأمراء والملوك، وفى نصيحة بعض ملوك الفرس لابنه: يا بنى إن أردت أن تجعل الصولجان من ألعابك فلا تجعله دوما؛ لأنه كان سببا لموت كثير من الناس لما فيه من الخطر، ويقال إن عمرو بن ليث كان أعور فلما صار أمير خراسان ذهب يوما ليلعب بالصولجان فانقض أحد أمرائه المسمى أزهر وأمسك بلجام فرسه وقال: أريد أن لا تلعب فقال عمرو: أنتم تلعبون فلماذا تمنعنى؟ فقال أزهر: لكل منا عينان، فإن ذهبت إحداهما بقيت الأخرى ولم يكن لك إلا عين واحدة، فإن ذهبت قهرت على ترك ملك خراسان، فقبل النصيحة وامتنع، فيا بنى إن لعبت مرة أو مرتين فى السنة فلا بأس، لكن أرجوك أن لا يكون معك كثير من الناس، ويكفى أن يكون فى أول الميدان فارسان واثنان فى وسطه وفى نهايته مثل ذلك، وبذلك يمكنك رمى الكرة والجرى وراءها ولا خوف عليك.

وفى تاريخ بيبرس المنصورى: فى سنة مائتين وثلاث وستين كان الوزير عبيد الله التركى يلعب بالصوالجة فى ميدان ببيته فوقع ومات، وكذلك أبو على ابن أبى الحسين بعد أن استولى على بلاد جرجان لعب يوما بالكرة فوقع من فوق حصانه ومات سنه ثلثمائة وخمس عشرة.

ص: 58

وفى تاريخ جمال الدين بن واصل كان نجم الدين والد صلاح الدين مولعا بها، وكان لهذه اللعبة شهرة عند سلاطين المغول وأمرائهم، وفى سنة خمسمائة وخمس وخمسين كان الأمير قيماز الأرجوانى يلعب بالصولجان، فوقع من على فرسه فخرج مخه من أنفه وأذنيه ومات لوقته، وفى سنة ستمائة وثلاث وسبعين كان الملك الأشرف والملك الكامل بمدينة دمشق، وفى كل يوم يلعبان الصولجان بالميدان الأخضر، وفى بلاد الأكراد كانت زوجة الأمير شمس الدين تلعبها، فكانت ملاهيها رمى النشاب والصولجان، وفى مصر اعتادت الأمراء والسلاطين هذه اللعبة من مبدأ الفتح الإسلامى، فبنى أحمد ابن طولون لها ميدانا، وكان الخليفة الفاطمى العزيز مولعا بها، وكذلك الملك الصالح نجم الدين أيوب وبنى لها ميدانا على النيل سماه الميدان الصالحى، وأمر ابنه أن لا يقبل أحدا فى خدمته ما لم يلعب ذلك، وكان السلطان الملك الظاهر بيبرس مولعا بها أيضا، وجعل لذلك أياما محدودة كأيام الأعياد، ولما انحسر ماء النيل عن الميدان الصالحى أنشأ الميدان الظاهرى على النيل، وأنشأ السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ميدان المهارة على النيل أيضا، وكان يذهب إليه مع أمرائه للعب الصولجان، وفى سنة سبعمائة وثلاث وعشرين بنى ميدان سرياقوس وهدم الميدان الظاهرى وأنشأ غيره بين الفسطاط والقاهرة وسماه الميدان الناصرى، وكان فى وقت زيادة النيل فى أيام الحر يذهب كل يوم سبت إلى اللعب هناك، وفى سنة ثمانمائة وتسع وثمانين لعب السلطان قايتباى الصولجان فوقع؛ فانكسرت رجله، وبعد خمس عشرة سنة كان الأمير دولة باى خارج القاهرة فى جهة الرصد فلعب الصولجان فوقع على حجر فمات، وبقيت هذه اللعبة ببلاد الفرس.

وفى تاريخ الكرد أن أحد ملوك الفرس كان يدرب ابنه مع أولاد الأمراء على التعليمات العسكرية؛ كالرمى بالنشاب واللعب بالصولجان وركوب الخيل، وفى سيرة شاه عباس أنه لما حضرت إليه رسل السلطان سليم سلطان المغول

ص: 59

حياه بأعظم تحية، ومما حياه به أن لعب معه بالصولجان، وذكر السياحون أن فى مدينة أصفهان ميدانا للعب الصولجان.

وقال كترمير أيضا: ينبغى أن يفرق بين لعب الصولجان ولعب الكرة، فإن الأول هو لعب الأمراء والسلاطين ويكون على الخيل، وأما الثانى فهو اللعبة المعروفة، وتوجد إلى الآن بمصر وأغلب بلاد الدنيا ويلعبونها مشاة غالبا، وقال أيضا: ومن ألعابهم لعبة تسمى القبق بقافين بينهما موحدة، وكان الميدان الذى يلعب فيه يسمى ميدان القبق، وفى أبى المحاسن أن السلطان نصب القبق ظاهر القاهرة خارج باب النصر، وصفة ذلك أن ينصب صار طويل ويجعل على رأسه قرعة من ذهب أو فضة، ويوضع فى القرعة طير حمام، ثم يأتى الرامى وهو سائق فرسه فيرميه بالنشاب، فمن أصاب القرعة وطير الحمام خلع عليه خلعة تليق به ثم يأخذ القرعة.

وفى «خطط المقريزى» عند الكلام على ميدان القبق أن القبق عبارة عن خشبة عالية جدا تنصب فى براح من الأرض، ويعمل بأعلاها دائرة من خشب وتقف الرماة بقسيها وترمى بالسهام جوف الدائرة؛ لكى تمر من داخلها إلى غرض هناك تمر نبالهم على احكام الرمى، ويعبرون عن ذلك بالقبق، وهو كلمة تركية تطلق فى الأصل على القرعة اه.

وأما الخطة فهى لعبة يلعبونها عند الصيد، وهى بضم الخاء أصلها من ألعاب العرب كما فى القاموس، ونقل كترمير عن بعض المؤرخين أن العادة لعب الخطة على الطيور المصروعة، وسيأتى وصفها فى الكلام على العباسة.

ثم إن السلطان محمدا بعد أن كان يسرح إلى سرياقوس، ويلعب بها الكرة كان-كما فى المقريزى-يخلع على الأمراء وسائر أهل الدولة، ويقيم فى سرحته أياما، فيمر للناس فى إقامتهم بهذه السرحة أوقات لا يمكن وصف ما فيها من المسرات، ولا حصر ما ينفق فيها من المآكل والهبات والأموال اه.

ص: 60

وهكذا كان السلاطين كثيرا ما يترددون إلى سرياقوس ويجلسون بالقصر، وربما يفصلون هناك بعض القضايا، ففى سنة إحدى وستين وسبعمائة-كما فى المقريزى-استفتى السلطان الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون فى وقف حصة طندتا، وهى الأرض التى كان قد سأله الهرماس أن يقفها على مصالح الجامع الحاكمى، فعين له خمسمائة وستين فدانا من طين طندتا، وطلب الموقعين وأمرهم أن يكتبوا صورة وقفها ويحضروه ليشهدوا عليه به، وكان قد تقرر من شروطه فى أوقافه ما قيل إنه رواية عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى؛ أن للواقف أن يشترط فى وقفه التغيير والزيادة والنقص وغير ذلك، فأحضر الكركى الموقع إليه الكتاب مطويا، فقرأ منه طرّته وخطبته وأوله، ثم طواه وأعاده إليه مطويا وقال: اشهدوا بما فيه دون قراءة وتأمل، فشهدوا بالتفصيل الذي كتبوه وقرروه مع الهرماس، وبعد نفى الهرماس سأل الخازندار السلطان هل وقفت حصة لطيفة على أولاد الهرماس؟ فإنه قد وقف ذلك، فقال: نعم أنا وقفت عليه جزءا يسيرا لم أعلم مقداره وأما التفصيل المذكور فى كتاب الوقف فلم أتحققه ولم أطلع عليه، فطلب السلطان القضاة والمفتين، فلم يحضر من القضاة غير نائب الشافعى وهو تاج الدين محمد بن إسحق ابن المناوى، وأما القضاة الثلاثة الشافعى والحنفى والحنبلى فإنهم كانوا مرضى، وحضر المفتون كابن عقيل وابن السبكى والبلقينى والبسطامى والهندى وابن شيخ الجبل والبغدادى، فجمعهم فى برج من القصر الذى بميدان سرياقوس-وكان قد سرح إليها على عادته كل سنة-وذكر لهم القضية وسألهم عن حكم الله تعالى، فأجاب الجميع بالبطلان غير المناوى فإنه قال: مذهب أبى حنيفة أن الشهادة الباطلة إذا اتصل بها الحكم صح ولزم، فصرخت عليه المفتون شافعيهم وحنفيهم، وأنكروا عليه ذلك وقاموا عليه قومة عظيمة، وقالوا له:

ليس هذا مذهبك ولا مذهب الجمهور ولا هو الراجح فى الدليل والنظر، وليس هو مذهب أبى حنيفة ومذهبه فى العقود والفسوخ ما ذكرت، وأما الأوقاف

ص: 61

ونحوها فحكم الحاكم فيها لا أثر له، وادعوا أن الإجماع قائم على ذلك، فقال المناوى: الأحكام ما هى بالفتاوى، وكان قد قال فى مجلس غير هذا المجلس لا يلتفت إلى قول المفتين، فقالوا له: إن منصب الفتوى أوّل من قام به رب العالمين، إذ قال فى كتابه المبين:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} ، فاستدرك نفسه بعد ذلك، وقال: لم أرد إلا أن الفتوى إذا خالفت المذهب فهى باطلة، قالوا له: وأخطأت فى ذلك أيضا، لأن الفتوى قد تخالف المذهب المعين ولا تخالف الحق فى نفس الأمر، قال: فأردت بذلك الفتوى التى تخالف الحق، قالوا: أطلقت فى موقع التقييد وذلك خطأ، فقال السلطان:

إذا قدر هذا وادعيت أن الفتوى لا أثر لها فتبطل المفتين والفتوى من الوجود، فتلكأ وحار وقال: كيف العمل فى هذا، وتبين لبعض الحاضرين أنه لم يتبين له وجه المسأله، فقال: لا شك أن مولانا السلطان لم ينكر صدور الوقف، وإنما أنكر المصارف، وللسلطان أن يحكم فيها بعلمه ويبطل ما قرروه من عند أنفسهم، قال: كيف يحكم لنفسه؟ قيل له: ليس هذا حكما لنفسه؛ لأنه مقر بأصل الوقف، وله أن يوقع الشهادة على نفسه بأن مصير هذا الوقف للجهة الفلانية دون الفلانية، ولم يزالوا يذكرون له أوجها تبين بطلان الوقف إما بأصله أو بوصفه إلى أن قال: يبطل بوصفه دون أصله، وأذعن لذلك بعد إقناع من العلماء وإزعاج شديد من السلطان، فى بيان وجوه ذكروها تبين وجه الحق، ثم استقر رأيه على أن يبطله بشاهدين يشهدان أن السلطان لما صدر منه هذا الوقف كان قد اشترط لنفسه التغيير والتبديل والزيادة والنقص وقام على ذلك، وهذه الأرض التى ذكرت هى الآن بيد أولاد الهرماس بحكم الكتاب الذى حاول السلطان نقضه فلم يوافقه المناوى، انتهى من «خطط المقريزى» باختصار.

وقال أيضا: ولم يزل هذا الرسم أى التردد إلى سرياقوس والهبات فيها مستمرّا إلى سنة تسع وتسعين وسبعمائة، وهى آخر سرحة سار فيها السلطان إلى سرياقوس، ومن هذه السنة انقطع السلطان الملك الظاهر برقوق عن الحركة

ص: 62

لسرياقوس، فإنه اشتغل فى سنة ثمانمائة بتحرك المماليك عليه من وقت قيام الأمير على باى إلى أن مات، وقام من بعده ابنه الملك الناصر فرج، فما صفا الوقت فى أيامه من كثرة الفتن، وتواتر الغلوات والمحن إلى أن نسى ذلك وأهمل أمر الميدان والقصور وخرب، وفيه إلى اليوم بقية قائمة، ثم بيعت هذه القصور فى صفر سنة خمس وعشرين وثمانمائة بمائة دينار لينقض خشبها وشبابيكها ونحو ذلك فنقضت كلها.

وكان من عادة السلطان إذا خرج إلى الصيد لسرياقوس أو شبرى أو البحيرة أنه ينعم على أكابر الدولة قدرا، وسنا كل واحد بألف مثقال ذهبا وبرذون خاص مسرج ملجم وكنبوش مذهب، وكان من عادته إذا مر فى متصيداته بإقطاع أمير كبير قدم له من الغنم والأوز والدجاج وقصب السكر والشعير ما تسمو همة مثله إليه، فيقبله السلطان منه وينعم عليه بخلعة كاملة، وربما أمر لبعضهم بمبلغ مال.

وكانت عادة الأمراء أن يركب الأمير منهم حيث يركب فى المدينة وخلفه جنيب، وأما أكابرهم فيركب بجنيبين هذا فى المدينة والحاضرة، وهكذا يكون إذا خرج إلى سرياقوس وغيرها من نواحى الصعيد، ويكون فى الخروج إلى سرياقوس وغيرها من الأسفار لكل أمير طلب يشتمل على أكثر مماليكه، وقدامهم خزانة محمولة على جمل واحد يجره راكب آخر على جمل، والمال على جملين، وربما زاد بعضهم على ذلك، وأما الخزانة عدة جنائب تجر على أيدى مماليك ركاب خيل وهجان وركاب من العرب على الهجان، وأمامها الهجان بأكوارها مجنوبة، وللطبلخاناه قطار واحد وهو أربعة، ومركوب الهجان والمال قطاران وربما زاد بعضهم، وعدد الجنائب فى كثرتها وقلتها إلى رأى الأمير وسعة نفسه، والجنائب منها ما هو مسرج ملجم ومنها ما هو بعباءة لا غير، وكان يضاهى بعضهم بعضا فى الملابس الفاخرة والسروج المحلاة والعدد المليحة.

ص: 63

وكان من رسوم السلطان فى خروجه إلى سرياقوس وغيرها من الأسفار أن لا يتكلف إظهار كل شعار السلطنة، بل يكون الشعار فى موكبه السائر فيه جمهور مماليكه مع المقدم عليهم وإستاداره، وأمامهم الخزائن والجنائب والهجان، وأما هو نفسه فإنه يركب ومعه عدة كبيرة من الأمراء الكبار والصغار من القرباء والخواص، وجملة من خواص مماليكه، ولا يركب فى السير بركبة ولا بعصائب بل يتبعه جنائب خلفه، ويقصد فى الغالب تأخير النزول إلى الليل، فإذا جاء الليل حملت قدامه فوانيس كثيرة ومشاعل، فإذا قارب مخيمه تلقى بشموع موكبية فى شمعدانات كفت وصاحت الجاويشية بين يديه، ونزل الناس كافة إلا حملة السلاح فإنهم وراءه، والوشاقية أيضا وراءه، وتمشى الطبردارية حوله حتى إذا وصل إلى القصور بسرياقوس أو الدهليز من المخيم نزل عن فرسه ودخل إلى الشقة وهى خيمة مستديرة متسعة، ثم منها إلى شقة مختصرة، ثم منها إلى اللاجوق، وبدائر كل خيمة من جميع جوانبها من داخل سور، وفى صدر اللاجوق قصر صغير من خشب برسم للمبيت فيه، وينصب بإزاء الشقة الحمام بقدور الرصاص، والحوض على هيئة الحمام المبنى فى المدن إلا أنه مختصر، فإذا نام السلطان طافت به المماليك دائرة بعد دائرة وطاف بالجميع الحرس، وتدور الزفة حول الدهليز فى كل ليلة، وتدور بسرياقوس حول القصر فى كل ليلة مرتين، الأولى حين يأوى إلى النوم، والثانية عند قعوده من النوم، وكل زفة يدور بها أمير جاندار، وهو من أكابر الأمراء وحوله الفوانيس والمشاعل والطبول والبياته، وينام على باب الدهليز النقباء وأرباب النوب من الخدم.

ويصحب السلطان فى السفر غالب ماتدعو الحاجة إليه، حتى يكاد يكون معه مارستان، لكثرة من معه من الأطباء وأرباب الكحل والجراح والأشربة والعقاقير وما يجرى مجرى ذلك، وكل من عاده طبيب ووصف له ما يناسبه يصرف له من الشربخاناه أو الدواخاناه المحمولين فى الصحبة، انتهى.

ص: 64

وقد تكلم السيوطى على كيفية ركوب السلطان فى الأعياد فقال: إنه من عادة السلطان إذا ركب فى العيدين ويوم دخول المدينة يركب وعلى رأسه العصائب، وهى صفر مطرزة بالذهب بألقابه واسمه، وترفع المظلة على رأسه وهى قبة مغشاة بأطلس أصفر مزركش عليها طائر من فضة مذهبة، يحملها بعض أمراء المئين الأكابر وهو راكب فرسه إلى جانبه، وأمامه الطبردارية مشاة بأيديهم الاطبار، انتهى.

وقد تكلم كترمير على كيفية موكب الملك الظاهر بيبرس فى خروجه من قلعة الجبل فى هيئته الملوكية لنحو الأعياد، نقلا عن كتاب «السلوك» للمقريزى فقال: كان لون ملبسه السواد، وهو أول من اتخذ شعار السواد من ملوك مصر فى سنة تسع وخمسين وستمائة، يحاكى فى ذلك شعار الخلفاء العباسيين، فيكون عليه عمامة خفيفة من حرير بعذبة بين كتفيه نحو ذراع، وجبة من حرير سوداء واسعة الكمين قليلا لم تطرز بذهب ولا غيره وليس لها رقبة، ويلبس تحتها درعا داوديا يسمى الزردية ينسب لدروع داود عليه السلام، ويكون بين العمامة والكلفته (الطاقية) قطعة من الشاش تسمى الكراته، ذات تثن وتكاميش كثيرة، طولها يقرب من ثلث ذراع وتكون فى جهات اليسار، وقد تشغل بالقصب وقد تخلو منه، وسيف بداوى يقال إنه سيف عمر بن الخطاب رضي الله عنه، له حمالة تمر على الكتف الأيمن وتحت الأيسر على عادة العرب، وترفع عليه مظلة وتسمى جتروكانت من الحرير الأصفر المطرز بالذهب، ويعلوها مذهب فوق قبة نصف كورة من الذهب، وكان الذى يحملها أولاده أو أخوه أو أتابك العساكر أو نائب الشام وحلب، ويكون حصانه مزينا من أذنيه إلى كتفيه برقبة من الحرير الأصفر المطرز بالذهب أيضا.

وأمامه الجفتاه وهما أوجاقيان (غلامان) أشقران على كل قباء من الحرير الأصفر المطرز وكوفية، كذلك راكبان على فرسين قرطاسيين وبأيديهما ارتهاشات (رايات) من الأشرطة المذهبة تحيط بالملك، فيسيران أمامه

ص: 65

يحفظانه مما عسى أن يكون بالأرض من عدم الاستواء، ووراءه العصائب وهى البيارق من حرير منسوج بالقصب، فى أعلاها شئ مكبب من الشعر، بخلاف النجف فهو رايات من الحرير الأصفر الخالص.

وأمامه أيضا شبابة وهى شئ يشبه الناى، يتخذ من غاب قصير يصفر به أمامه فى المواسم والأعياد، وقال الأفريقيون: الشبابة هى المزمار وهو غابة مجوّفة وفيها عدة خروق، فإذا نفخ فيها حدث لها صوت تتنوع نغماته بوضع الأصابع على تلك الخروق وتحريكها، وتضرب حينئذ الدفوف المتخذة من الفضة أو النحاس، وتضرب أيضا أوزان بالزاى وقد ينطق بها كالصاد، وهى نوع من آلات الموسيقى لها نغمات مغان تركية.

وأمامه أيضا أربعة مختارون من العسكر شداد أقوياء، يغنون بأحسن الألحان ويكونون فرقتين تغنى إحداهما عقب الأخرى، ويمشى أمامه أيضا على أقدامهم عشرة طبردارية من أمراء الأكراد.

ويكون على شماله الجوكندار وهو من أمراء معيته حاملا نمجتين فى جراب واحد، وفى الجهة اليمنى خاصكى واحد يحمل ترسا ونمجة أخرى قد يتكئ عليها الملك، والنمجة هى الخنجر أو السيف، ويقال فيها نمجاة ونمجا، يقال سل النمجاة ليضرب بها، ونمجاة مسقطة بذهب، وطلب السلطان النمجا فلم يجدها، ويقال النمجا الشريفة السلطانية، ويقال بالشين أيضا بدل الجيم، والخاصكى هو الذى يلازم الملك فى خلواته والجماعة خاصكية، وسيأتى الكلام عليه.

ويكون أيضا على يمينه الجمقدار، وهو رجل جميل الصورة طويل القامة قوى البنية، يمسك دبوسا مذهبا رافعا يده به، وعيناه دائما إلى عينى السلطان ولا يفارقه حتى ينفض الموكب أو المجلس، وجمقدار كلمة مركبة من كلمة تركية وكلمة فارسية ومعناه حامل الدبوس.

ص: 66

فإذا عاد السلطان من سفر طويل فإنه يفرش تحت أرجل فرسه شقق الحرير، وهى مقاطع من الحرير الأحمر أو الأصفر، ويكون ذلك فى عرض الطريق من باب النصر أو بين العروستين إلى باب الستارة من قصر القلعة، وفى كتاب «الإنشاء»: الشقق تؤخذ من الحرير المسمط وتفرش تحت قوائم فرس الملك، خاصة حين قدومه من سفر بعيد، يمر عليها من باب النصر، والشقق أيضا عند العجم حاجز من القماش يوضع حول الخيمة، ويسمى عندهم سرابرده، قال بهاء الدين فى سيرة صلاح الدين: ضرب الدهليز وحوله شقة دائرة، ويقال ضربت خيمة وضربت حولها شقة، وتستعمل الشقة فى أحد شقى الباب، فيقال باب بشقتين من الآبنوس، وانفتح الباب بشقتيه، وتستعمل أيضا فى ألواح المعادن أى الصفائح المتخذة منها، فيقال جعل على سطح المسجد من شقق الرصاص سبعة آلاف شقة وسبعمائة شقة انتهى.

وقوله: «كفت» نقل كترمير عن كتاب «السلوك» أن الكفت غشاوة خفيفة من الذهب أو الفضة فوق نحو النحاس، يقال: كفت مهمازه بالذهب؛ غشّاه به، ويقال: نحاس مكفت بالذهب، وكان كثير الاستعمال فى زمن سلاطين الجراكسة، بحيث لا تكاد دار بالقاهرة تخلو من النحاس المكفت، وفى ابن إياس: فولاذ مكفت بالذهب، وفى أبى الفداء: السروج واللجم المكفتة، وفى موضع آخر منه: الركب المكفتة بالذهب، وفى موضع آخر: جعل عليه حجرين من الماس مكفتين بالذهب والفضة، وجمع الكفت أكفات وكفتات، وعن المقريزى الكفت هو ما تطعم به أوانى النحاس من الذهب والفضة، والكفتى هو صانعه، وكان للكفتيين سوق يعرف بسوق الكفتيين بالقاهرة، والتكفيت خلاف التطعيم، فإنه يقال خشب مطعم بالعاج والآبنوس والنحاس المطعم، وصنع تابوتا من الآبنوس المطعم بالذهب، ولا يقال: خشب مكفت بالعاج مثلا، ويقرب من التكفيت التزميك، وهو إلصاق الذهب أو الفضة بالشئ لتزيينه أى تلبيسه به وتطعيمه إياه، كان يحفر نحو الخشب ويثبت فيه

ص: 67

قطعة من الذهب والفضة، وفى «المنهل الصافى»: ما أعتقد أن أحدا يكتب مثلها ولا يزمك مثل تزميكها، وفى «تاريخ بيروت»: النصول المزمكة بالذهب، وفى «فاكهة الخلفاء»: زمكت بالذهب، انتهى.

وأما الدهليز ففى الدور معروف، ويطلق على الخيمة وعلى مدخلها، فيقال أمر السلطان فضرب دهليز سرادقه، وعمل له خيمتان بدهاليز، ويقال سار وقد صار معه ستة عشر دهليز الستة عشر أميرا، ويقال للخيمة الكبيرة صيوان والجمع صواوين، وأصل صيوان بالفارسية سايه بان.

والكلفتة هى الكلوت بالفارسية وهو بتشديد اللام وجمعه كلوتات، وفى «مسالك الأبصار»: الكلوتات طواق صغار غالبها من الصوف الملطى الأحمر عليها عمائم صغار، وقال المقريزى قد كبرت الكلوتات فى زمن الأشرف شعبان، وسميت الكلوتات الطرخانية، وكانت الصغيرة تسمى الناصرية، وفى زمن الظاهر برقوق كبرت جدا وسميت حينئذ الشاش، ثم جعلت لفائف العمامة منحرفة غير مستديرة وسميت الجركسية، قال واستمر ذلك إلى زمننا، وقال فى بعض المواضع كلوتة زركش بكلاليب، وفى موضع آخر قال ورتب له فى كل شهر كلوتتى زركش بكلاليب.

ومثل الكلوت القبع فهو الطاقية وجمعها أقباع، قال فى «مروج الذهب»:

يجعلون الأقباع على رءوسهم، وفى كتاب «السلوك»: عمامة من حرير على قبع حرير، وفى «تاريخ القدس»: يلبس على رأسه قبعا من غير عمامة، وفى «تاريخ ابن قاضى شهبة»: عمامة على قحف الرأس بغير قبع، وقال أبو المحاسن:

على رأسه عمامة هائلة وقبع جوخ كبير جدا، ويلف عليه أزيد من ثوب بعلبكى رفيع، وقيل ثوبين عوضا عن الشاش.

وأما الشربوش فهو شئ يشبه التاج كأنه شكل مثلث، يجعل على الرأس بغير عمامة، فيقال كان معمما فخلع العمامة ولبس الشربوش.

ص: 68

ومما للسلطان أيضا الهناب، ففى «منهل الصفا» لأبى المحاسن: كان للسلطان ثلاث هنابات مختصة به، كل هناب مع ساق، والهناب بتشديد النون اسم لإناء أو قدح، ويقال: من أكرمه السلطان ناوله هنابا وتناول الهناب وشرب ما فيه.

وقوله فيما تقدم شعار الخلفاء والعباسيين معناه علاماتهم وما يتميزون به، ويسمى الشعار بالفارسية رنكا وجمعه رنوك، ومعناه فى الأصل اللون، قال فى تاريخ بطاركة الإسكندرية: الخلع كانت سوداء لأن هذا كان شعار الدولة العباسية ورنكها، وفى خطط المقريزى عند الكلام على الظاهر بيبرس أن رنكه كان على شكل سبع، وقال: السباع التى هى رنك الملك الظاهر، وفى موضع آخر قال: خرق منه قدر باب كبير ودهن عليه رنكه، وقال فى «المنهل الصافى»: كان يحمل رنك جده قلاوون، وفى موضع آخر: كان رنكه دائرة بيضاء يشقها شطب أخضر عليه سيف أحمر يمر فى البياض الفوقانى البياض التحتانى على الشطب الأخضر، وكان الرنك فى غاية الظرف، حتى أن الخواطئ من النساء كن ينقشنه على معاصمهن، وقال فى موضع آخر: كان رنك سلار أبيض وأسود، وفى موضع آخر ضرب رنكه على اصطبل شيخون بالرميلة، وضرب رنك السلطان على البيمارستان المنصورى، وفى نبذة فى البيطرة قال إن الداغات المصرية هى التى اليوم على اسم صاحبها أو رنكه، وفى «تاريخ الجبرتى» كان الرنك الذى يتميز به أحد الفريقين عن الآخر إذا ركبوا فى الموكب، وفى موضع آخر قال يرسم رنكه على ورقة أو على باب الدكان، وقال عند التكلم على الينكشارية: وضعوا نشاناتهم ورنكهم على القهاوى والحوانيت، انتهى.

ولا بأس أن نورد هنا بيان بعض أسماء أرباب الوظائف من الأمراء والأجناد فى الدولة التركية؛ ليتضح لك بعض ما فى خطط المقريزى وغيرها من ذلك، فنقول: نقل دساسى فى كتابه «الأنيس المفيد» عن أبى المحاسن أن الملك الظاهر بيبرس هو الذى ابتدأ فى دولته بأرباب الوظائف من الأمراء والأجناد،

ص: 69

وإن كان بعضها من قبله فلم يكن على هذه الصفة، وأمثل لك مثلا ليقاس عليه، وهو أن الدوادار كان قديما لا يباشر إلا متعمما يحمل الدواة ويحفظها، وأمير مجلس هو الذى كان يحرس مجلس قعود السلطان وفرشه، والحاجب هو البواب الآن؛ لكونه يحجب الناس عن الدخول، وقس على هذا، فجاء الملك الظاهر فجدّد جماعة كثيرة من الأمراء والجند، ورتبهم فى وظائف كالدويدار والخازندار وأميراخور والسلاخور والسقاة والجمدارية، والحجاب ورءوس النوب وأمير سلاح وأمير مجلس وأمير شكار.

فأما موضع أمير سلاح فى أيام الملك الظاهر فهو الذى كان يتحدث على السلاحدارية، ويناول السلطان آلة الحرب والسلاح فى يوم القتال وغيره؛ مثل يوم الأضحى، ولم يكن إذ ذاك فى هذه الرتبة؛ أعنى الجلوس رأس ميسرة السلطان، وإنما هذا الجلوس كان مختصا إذ ذاك بأتابك ثم بعده فى الدولة الناصرية؛ دولة محمد بن قلاوون برأس نوبة الأمراء.

ثم قال: وأمير مجلس كان موضعها فى الدولة الظاهرية دولة بيبرس أن يتحدث على الأطباء والكحالين والمجبرين، وفى بعض العبارات أن أمير مجلس هو المنوط به الإذن بالجلوس عند السلطان، ويقال أنعم عليه بإمرة المجلس، واستقر أمير مجلس مدة، وكانت وظيفة جليلة أكثر قدرا من أمير سلاح. وأما الدوادارية فكانت وظيفة سافلة كان الذى يليها أوّلا غير جندى، وكانت نوعا من أنواع المباشرة فجعلها الملك الظاهر بيبرس على هذه الهيئة، غير أنه كان الذى يليها أمير عشرة، ومعنى دويدار باللغة العجمية ماسك الدواة، فإن لفظة دار بالعجمى ماسك، لا ما يفهمه عوام المصريين أنها الدار التى تسكن، فيقولون: زمام الآدر، وصوابه: زمام دار، وأول من أحدث هذه الوظيفة ملوك السلجوقية، وكان للدوادار نائب يقال له حامل المزرة، وهى كيس توضع فيه الأوراق طوله نحو ذراعين وعرضه نحو ذراع وثلث، تتخذ من القماش المحرر الصافى، وتبطن ويجعل فى فمها علاقة من الخيط المفتول تجمع به فوهتها، وأصل مزرّة بشد الراء: مزررة براءين أولاهما مشددة، فخفف بحذف إحدى الراءات، وهى معدة لحفظ الأوراق السلطانية.

ص: 70

وفى كتاب «الإنشاء» أن مما يلزم نائب الدوادار أن يعرف ترتيب الأوراق ويتحرى فى ذلك ما أمكن لئلا تشتبه على الملك فى العلامة، وطريق ذلك أن يفرش فوطة من الحرير الإسكندرى أحد طرفيها معقود، ويكون ذلك بحضور الدوادار فيضع فيها أولا أكبر ما يكون من قطع الورق ثم ما دونها ثم ما دونها إلى أن يكون قطع الثلث، ثم ترتب المناشير كذلك، ثم المراسيم المربعة والتذاكر، ثم أوراق الطريق والمراسيم والتواقيع الصغار، ثم توضع الأمثلة وأولها ما عليه اسم الملك ثم والده مع صدرت والعالى، ثم ولده مع أدام وضاعف ثم أخوه، ثم تلف وتوضع فى المزرة وتحمل إلى القصر فيعرض ترتيبها مرة ثانية، ثم تقدم لأخذ العلامة فيعلم أولا أخوه وهو ما كان آخر الترتيب، ثم ولده إلى أن يكون آخر علامته ما وضع أولا فى الفوطة من القطع الكبار، ثم تقدم القصص المستوجبة للأخذ يكتب فيشملها الخط الشريف وتعاد إلى الفوطة، ثم تعاد إلى الدوادار فيعيدها لحامل المزرة.

ومما يلزمه أيضا أن لا يضع فى الفوطة لأخذ الخط الشريف ورقا ملونا، ولا دنسا، ولا خشنا لئلا يعثر قلم العلامة فيه، ولا خفيفا لئلا ينفذ فيه المداد، ولا موصولا ولا مثقوبا، ولا ما يكون ضيقا على وضع العلامة.

والجمدار معناه ماسك البقجة التى للقماش لأن الجمى باللغة العجمية هى البقجة، ودار تقدم الكلام عليه، فقس على هذا كل اسم وظيفة فيه لفظ دار نحو بشمقدار فإن معناه ماسك نعل الملك أى خادم نعله، وأما علاج دار فمعناه معلم العسكر استعمال السلاح.

والأمير أخور لفظ مركب فارسى وعربى فأمير معروف وأخور اسم عجمى للمذود الذى يأكل فيه الفرس، فكأنه يقال أمير المذود فهو ناظر اصطبلات الخيل وغيرها، والسلاخور يتركب أيضا من كلمتين سل واخور، وأصل سل سر ومعناها رئيس، وهو المنوط بمؤنة الخيول وهو تحت إدارة الأمير أخور، وقد

ص: 71

يكون الأمير أخور متعددا، فمن ذلك أمير أخور المهارة، وأمير أخور الدشار وهو على الجمال، وأمير أخور السواقى وهو على البقر، وللجميع رئيس هو أمير اخور الكبير، وتحت إدارته الاجاقية والمهاترة والركبدارية والشحن (الخفرة) والهجانة والسروانية والسواس والبياطرة والسقاءون، وله كاتب من المتعممين، وقد مر ذلك فى الكلام على حلوان.

وقد مر أن الخاصكية هم الذين يلازمون السلطان فى خلواته وجلواته فاسمهم مأخوذ من الاختصاص، ويسمون أيضا كوامل الكفال فهم مقربون فى المملكة، وهم الذين يسوقون المحمل الشريف ويجهزون المهمات الشريفة ويترقى منهم للإمارة، وكان عدتهم فى أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون أربعين خاصكيا، ثم ازدادوا حتى صاروا فى زمن الملك الأشرف برسباى نحو ألف، منهم من هو موظف، ومنهم الخالى عن الوظيفة.

وقال صاحب «ديوان الإنشاء» : إنما سموا خاصكية لأنهم يختصون بالملك فيكونون معه فى أوقات خلواته وفراغه، وينالون ما لم ينله أكابر المقدمين، ويركبون لركوب الملك ليلا ونهارا ولا يتخلفون فى قرب ولا بعد، ويميزون عن غيرهم بحمل السيوف ولباس الطرز المزركش، ويتأنقون فى مركوبهم وملبوسهم، ولهم الرزق الواسع والعطايا الجزيلة، ويحضرون طرفى كل يوم فى خدمة الملك ويدخلون عليه من غير استئذان، ويوجهون فى المهمات الشريفة، وكانوا أولا لا يزيدون عن الأربعة والعشرين بعدد الأمراء المقدمين وهم الآن يزيدون عن الأربعمائة، انتهى؛ كترمير.

وقال أيضا: إن الطبردارية هم البلطجية لأن الطبر دار هو ماسك البلطة بالفارسية، ونقل عن صاحب كتاب «الإنشاء» أن الطبردارية من أولاد الجند ولهم أمير، وفى حال ركوب الملك يكونون حول الملك عن يمينه وشماله مستعدين لضرب من يقدم على القرب من السلطان بغير إذن وهم عشرة، وأميرهم يسمى أمير طبر وهو يضاهى فى الدرجة أمير رأس نوبة.

ص: 72

وأما الحجابة فوظيفة جليلة أيضا فى الدولة التركية وليست هى الوظيفة التى كان يليها حجبة الخلفاء، فأولئك كانوا يحجبون الناس عن الدخول على الخليفة، ليس من شأنهم الحكم بين الناس ولا الأمر والنهى، وهى وإن كانت مما جدده الملك الظاهر بيبرس أيضا لكنها عظمت فى دولة الملك الناصر محمد بن قلاوون حتى عادلت النيابة، وأما ما عدا ذلك فأحدثه الملك الناصر محمد بن قلاوون بعد ما جدد والده قلاوون وظائف أخر.

وفى «خطط المقريزى» أن رتبة الحجابة فى الدولة التركية جليلة وكانت تلى نيابة السلطنة، ويقال لأكبر الحجبة صاحب الحجاب، ويسمى الحاجب أيضا برواناه وهى كلمة بروانة الفارسية التى معناها الحاجب، انتهى.

وموضوع الحجابة أن متوليها ينصف من الأمراء والجند تارة بنفسه وتارة بمشورة السلطان وتارة بمشاورة النائب، وكان إليه تقديم من يعرض ومن يرد وعرض الجند فإن لم يكن نائب السلطنة فإنه هو المشار إليه فى الباب.

وفى «مقدمة ابن خلدون» أن الحاجب عند دولة الترك بمصر اسم لحاكم من أهل الشوكة وهم الترك، ينفذ الأحكام بين الناس فى المدينة، وهم متعددون، ووظيفة الحجابة عندهم تحت وظيفة النيابة التى لها الحكم فى أهل الدولة وفى العامة على الإطلاق، وللنائب التولية والعزل فى بعض الوظائف على الأحيان ويقطع القليل من الأرزاق وينفذ أموره ومراسيمه كما ينفذ مراسيم السلطان، وكان له النيابة المطلقة عند السلطان، وقد تقدم الكلام على نائب السلطنة عند التكلم على تروجه، وللحجاب الحكم فقط فى طبقات العامة والجند عند الترافع إليهم، وإجبار من لا ينقاد للحكم وطورهم تحت طور النيابة.

وأما الوزير فى دولة الترك فهو صاحب جباية الأموال فى الدولة، على اختلاف أصنافها من خراج أو مكس أو جزية، ثم تصريفها فى الإنفاقات السلطانية والجرايات المقدرة، وله مع ذلك التولية والعزل فى سائر العمال

ص: 73

المباشرين لهذه الجباية والتنفيذ على اختلاف مراتبهم وتباين أصنافهم، ومن عوائدهم أن يكون الوزير من أهل الضبط القائمين على ديوان الحساب والجباية؛ لاختصاصهم بذلك فى مصر منذ عصور قديمة، وقد يوليها السلطان فى بعض الأحيان لأهل الشوكة من رجال الترك وأبنائهم على حسب الداعية لذلك، والظاهر أن هذه الوظيفة كانت من أعظم الوظائف فى جمع الأموال؛ فكان الوزير بسبب توليه العزل والولاية تزدحم عنده الدنيا ويكثر خدمه وحشمه، ويدل لذلك ما حكاه المقريزى فى كتاب «السلوك لمعرفة الدول والملوك» أن الوزير فخر الدين مجبر بن خصيب لما وقع القبض عليه بأمر السلطان ونفى إلى الشام فى سنة ست وستين وسبعمائة وجد عنده من ضمن الخدم سبعمائة بنت، وقد أطال الكلام على زخرف منزله وزهوه، قال: وكان قبل توليه الوزارة من أفقر المستخدمين وكان مغمورا فى الديون حتى سجن لأجلها مرارا، وتقدم فى تروجة بعض ما يتعلق بالوزارة فى دولة الفاطميين.

وفى كتاب «السلوك» أيضا أن موضوع أمير جامدار التسلم لباب السلطان ولرتبة البرددارية ركاب خيل البريد وطوائف الركابية والخراسانية والجمدارية، وهو يقدم البريد إذا قدم مع الدوادار وكاتب السر، وإذا أراد السلطان تقرير أحد من الأمراء على شئ أو قتله بذنب وكان ذلك على يد أمير جامدار، وهو أيضا المتسلم للزردخاناه وكانت أرفع السجون قدرا ومن اعتقل بها لا تطول مدته بها بل يقتل أو يخلى سبيله، وهو أيضا الذى يدور بالترفة (المبخرة) حول السلطان فى سفره صباحا ومساء، وكلمة جامدار عجمية ومعناها ماسك السلاح وبرددارية معناها بالفارسية ماسك الستارة، وقال دساسى الذى يظهر أنها كلمة خراسانية بالخاء المعجمة محرّفة عن حرسانية بالحاء المهملة فى أوله لا بالخاء.

ونقل أيضا عن كتاب «السلوك» أن فى سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة رسم للأمير جرجى الحاجب أن يتحدث فى أمر أرباب الديون مع غرمائهم

ص: 74

بأحكام السياسة، ولم يكن عادة الحجاب قديما أن يحكموا فى الأمور الشرعية فاستمر ذلك فيما بعد، وكان سببه وقوف تجار العجم بدار العدل وذكرهم أنهم لم يخرجوا من بلادهم إلا لما نزل بهم من جور التتار، وأنهم باعوا بضائعهم من تجار القاهرة فأكلوها عليهم وأرادوا إثبات إعسارهم على القاضى الحنفى وهم فى سجنه وقد أفلس بعضهم، فرسم للجرجى بإخراج غرماء التجار من السجن وتخليص مالهم قبلهم، وأنكر على القاضى الحنفى فيما عمله ومنعه من التحدّث فى أمر التجار والمدينين، فأخرج جرجى التجار من السجن وأحضر لهم أعوان الوالى وضربهم وخلّص منهم المال شيئا فشيئا، ومن حينئذ صارت الحجاب بالقاهرة وببلاد الشام تتصدى للحكم بين الناس فيما كان من شأن القضاة اه.

والسياسة هى القيام بأمور الرعية؛ من ساس الأمر قام به، ثم رسمت بأنها القانون الموضوع لرعاية الآداب والمصالح وانتظام الأحوال، وهى نوعان:

سياسة عادلة تخرج الحق من الظالم الفاجر، فهى من الأحكام الشرعية علمها من علمها وجهلها من جهلها، وقد صنف فيها كتب متعددة، والنوع الآخر سياسة ظالمة فالشريعة تحرمها؛ قاله المقريزى فى خططه، وقيل إنها ليست لغوية بل أصلها ما يؤخذ مما نقله دساسى عن أبى المحاسن أن رسم الملك الظاهر إنما كان يسير على قاعدة ملوك التتار وغالب أحكام جنكزخان من أمر اليسق والتورا واليسق هو الترتيب، والتورا المذهب باللغة التركية، وأصل كلمة اليسق سى يسا، فهى مركبة من كلمتين أولاهما: سى بالعجمى ومعناها ثلاثة، وثانيهما: يسا بالمغلية ومعناها الترتيب، فكأنه يقال التراتيب الثلاثة، وسبب ذلك أن جنكزخان ملك المغل كان قد قسم ممالكه بين أولاده الثلاثة فجعلها أقساما ثلاثة وأوصاهم بوصايا لم تخرج عنها الترك إلى يومنا هذا مع كثرتهم واختلاف أديانهم، فصار الترك يقولون سى يسا يعنى التراتيب الثلاثة

ص: 75

فثقل ذلك على العامة فحرفوها إلى سياسة على عادة تحريفهم، ثم إن الترك أيضا حذفوا صدر الكلمة فقالوا يسا مدة طويلة ثم قالوا يسق، واستمر ذلك إلى يومنا هذا.

وقد أوسع المقريزى فى الكلام هنا ومن ضمن ما قال: إن من جملة ماشرعه جنكزخان القائم بدولة التتار فى بلاد الشرق فى الياسة يعنى السياسة أن من زنا قتل ولم يفرق بين المحصن وغيره، ومن لاط قتل، ومن تعمد الكذب أو سحر أو تجسس على أحد أو أعان أحد الخصمين على الآخر قتل، ومن بال فى الماء أو على الرماد قتل، ومن أطعم أسير قوم أو كساه بغير إذنهم قتل، وأن الحيوان تكتف قوائمه ويشق بطنه ويمرس قلبه إلى أن يموت ثم يؤكل لحمه وأن من ذبح حيوانا كذبيحة المسلمين ذبح، وشرط أن لا يكون على أحد من أولاد على بن أبى طالب مؤنة ولا كلفة، وأن لا يكون على أحد من الفقراء ولا القراء ولا الفقهاء ولا الأطباء ولا من عداهم من أرباب العلوم وأصحاب العبادة والزهد والمؤذنين ومغسلى الموتى-كلفة ولا مؤنة، وشرط تعظيم جميع الملل من غير تعصيب لملة على أخرى، وجعل ذلك كله قربة إلى الله تعالى، إلى غير ذلك من القوانين الذى أكثرها مخالف للشرع، ولما تم ذلك وضعه نقشا فى صفائح الفولاذ وجعله شريعة لقومه فالتزموه من بعده.

وقال ابن بطوطة: وعندهم أن من خالف أحكام اليسق فخلعه واجب، ومن أحكامه أنهم يجتمعون يوما فى كل سنة يسمونه بالطرى ومعناه الضيافة، فيأتى أولا جنكزخان ثم الأمراء من أطراف البلاد وتحضر الخواتين الكبار وكبراء الأجناد، فإن كان سلطانهم قد غير شيئا من أحكام ذلك الكتاب فإنه يقوم إليه كبراؤهم ويقولون له: فعلت كذا يوم كذا وخالفت فى ذلك أحكام اليسق فقد وجب خلعك، ويأخذون بيده ويقيمونه عن سرير الملك ويقعدون غيره، وإن أذنب أحد من الأمراء الكبار حكموا عليه بما يستحقه، انتهى.

ص: 76

وذكر المقريزى وغيره أيضا جملة من الرتب والوظائف التى كانت عليها دول الترك، نحو الاستادار وهو الذى إليه أمر البيوت السلطانية كلها من المطابخ والشرابخاناه والحاشية والغلمان، وهو أيضا الذى كان يمشى بطلب السلطان فى السرحات والأسفار، وله الحكم فى غلمان السلطان وباب داره، وإليه أمور الجاشنكيرية والحديث المطلق والتصرف التام فى استدعاء ما يحتاجه من فى بيوت السلطان من النفقات والكسوات وما يجرى مجرى ذلك، وفى أيام الظاهر برقوق أناط بالاستادار تدبير أموال المملكة فتصرف فى جميع ما يرجع إليه أمر الوزير فجلت رتبته بحيث صار فى معنى ما كان فيه الوزير فى أيام الخلفاء.

وأما مستوفى الصحبة فهو الذى يكتب المناشير التى يعلم عليها الملك وتحته جملة (مستوفين لكل منهم جهات مخصوصة) وهى وظيفة جليلة بها تنجيز الأشغال، قال كترمير عن كتاب «الإنشاء» صاحب استيفاء الدولة المتحدث فيها هو الذى يتلقى حسابات الدولة ويضبط أمرها واردا وصادرا، وكان أولا واحدا ثم تعدى إلى ثان وثالث وهم الذين يكتبون التذاكر والمربعات ونحوها وكان توقيعه فى الثلث، وأما استيفاء الخاص فموضوعه ضبط كل ما يرد لديوان الخاص وما يصدر منه، وصاحبه هو المتلقى حسابات الديوان وكتابة ما يكون عليه الخط الشريف من ديوان الخاص، والذى يستبد بأمره فى التولية والعزل هو ناظر الخاص وتوقيعه فى الثلث أيضا، وقال ابن خلكان فى الكلام على مدينة إربل أن وظيفة المستوفى فى هذه البلدة وظيفة جليلة تلى الوزارة، وقال كترمير: هى باقية بالعجم إلى الآن.

وأما مستوفى الجيش ففى كتاب «الإنشاء» أنه الذى يكتب الكشف من الديوان وينزله بعد أخذ الخط الشريف وخط ناظر الجيش عليه، وهو أيضا الذى يخرج الاستحقاقات على قدر معلوم، وهما شخصان أحدهما: مستوفى إقطاعات الديار المصرية ويكتب فى جميعها بمفرده شرقا وغربا وشرطه أن

ص: 77

يكون غاية فى الأمانة والضبط والمعرفة، والآخر: مستوفى إقطاعات البلاد الشامية، وتصرفه فيها كتصرف الأول وشرطه كشرطه، وتوقيع كل منهما فى الثلث.

وأما مستوفى إقطاعات العرب وهو لا يكتب فى غيرها فتوقيعه فى العادة وشرطه كشرطهما، وربما أضيف إلى مستوفى إقطاعات البلاد الشامية.

ومستوفى الرزق هو الذى يكتب فى الرزق الحبسية لا يكتب فى غيرها وشرطه الأمانة والضبط وتوقيعه فى العادة أيضا.

وكان جميع ما يكتب فيه الإقطاعات يسمى منشورا والجمع مناشير، قال صاحب كتاب «الإنشاء»: المناشير كانت أنواعا الأول منشور الثلثين يكتب فى ثلثى ورقة كبيرة وهو أعلاها، يكتب فيه إقطاع مقدمى الألوف بالديار المصرية سواء كان من أولاد السلاطين أو غيرهم وكذا جميع الأكابر والنوّاب والمقدمين بدمشق. الثانى: منشور النصف يكتب فيه لأمراء الطبلخاناه بمصر والشام وللأمراء المقدمين ونواب القلاع الشامية. وثالثها: منشور الثلث يكتب فيه إقطاع أمراء العشرات مطلقا وللطبلخاناه من أمراء التركمان والأكراد.

رابعها: منشور العادة يكتب فيه للمماليك السلطانية ومقدمى الحلقة ورجالها.

وقال صاحب «مسالك الأبصار» : كان السلطان يضع علامته على كافة المناشير-كانت للأمراء أو ضباط العساكر-وكانت علامة السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون (الله أملى) ثم لا بأس بذكر طرف مما يتعلق بالرزق الاحباسية.

قال الجبرتى: واعلم أن هذه الإرصادات وأطيان الرزق الإحباسية موضوعة من أيام الملك الناصر يوسف صلاح الدين الأيوبى فى القرن الخامس وجعلها من مصاريف بيت المال ليصل إلى المستحقين بعض استحقاقهم من بيت المال بسهولة، ثم اقتدى به فى ذلك الملوك والسلاطين والأمراء إلى وقتنا هذا

ص: 78

فيبنون المساجد والتكايا والربط والخوانق والأسبلة، ويرصدون عليها أطيانا ويخرجونها من زمام أوسيتهم، فيستغل خراجها أو غلالها لتلك الجهة، وكذا يرصدون على بعض الأشخاص من طلبة العلم والفقراء، على وجه البر والصدقة ليتعيشوا بذلك ويستعينوا به على طلب العلم، وإذا مات المرصد عليه قرر القاضى أو الناظر خلافه من المستحقين، وقيد اسمه فى سجل القاضى ودفتر الديوان السلطانى عند الأفندى الذى كان يعرف بكاتب الرزق، فيكتب له الأفندى سندا بموجب التقرير يقال له الإفراج، ثم يضع علامته ثم علامة الباشا والدفتر دار.

ولكل إقليم من الأقاليم القبلية والبحرية دفتر مخصوص عليه طرة من خارج، مكتوب فيها اسم ذلك الإقليم؛ ليسهل الكشف والتحرير والمراجعة عند الاشتباه، وتحرير مقادير حصص أرباب الاستحقاقات، ولم يزل ديوان الرزق الإحباسية محفوظا مضبوطا فى جميع الدولة المصرية جيلا بعد جيل، لا يتطرقه خلل إلا ما ينزل عنه أربابه لشدة احتياجهم بالفراغ لبعض الملتزمين بقدر من الدراهم معجل، ويقرر على نفسه قدرا مؤجلا دون القيمة الأصلية فى نظير المعجل الذى دفعه للمفروغ ويسمونها حينئذ داخل الزمام، ولم تزل على ذلك بطول القرون الماضية.

وتملك الفرانساوية الديار المصرية فلم يتعرضوا لشئ من ذلك، ولما حضر شريف أفندى الدفتردار بعد دخول يوسف باشا الوزير-وجه الطلب على الملتزمين بأن يدفعوا للدولة حلوانا جديدا على النظام والنسق الذى ابتدعوه للتحيل على تحصيل المال بأى وجه، زاعمين أن أرض مصر صارت دار حرب بتملك الفرنساوية، وأنهم استنقذوها منهم واستولوا عليها استيلاء جديدا، وصارت جميع أراضيها ملكا لهم، فمن يريد الاستيلاء على شئ من أرض أو غيرها فليشتر من نائب السلطان بمبلغ الحلوان الذى قدره، واطلعوا على

ص: 79

التقاسيط وفى بعضها ما وقع عنه الميرى يقبض للخزينة بإذن الولاة بعد المصالحات والتعويض من المصاريف والمصارف الميرية كالعلائف والغلال، والبعض تمم ذلك بمراسيم سلطانية كما يقولون شريفة بحيث يصير الالتزام مثل الرزق الإحباسية ويسمونه خزينة بند، ومنهم من أبقى على التزامه شيئا قليلا سموه مال الحماية، فلم يسهل بهم إبطال ذلك بل جعل عليها الدفتردار الذى كان مقيدا عليها أو أقل أو أزيد، بحسب واضع اليد وأكرمه إن كان ممن يكرم وضمه إلى مال الحماية الأصلى والمستجد فقط، وضيع على الناس سعيهم وما بذلوه من مرتباتهم وعلائفهم التى وضعوها وقيدوها فى نظير جعلها خزينة بند كما ذكرت.

ثم تقيد لكتابة الإعلامات عبد الله أفندى رامز القبودان وقاضى باشا وسمى فى ذلك الوقت بكاتب الميرى، وتوجه نحوه الناس لأجل كتابة الإعلامات لثبوت رزقهم الأحباسية، وتجديد سنداتهم فتعنت عليهم بضروب التعنت، فكان يطلب من صاحب العرضحال إثبات استحقاقه، فإذا ثبت له فلا يخلو إما أن يكون ذلك بالفراغ أو بالمحلول، فيكلفه إحضار السندات وأوراق الفراغات القديمة، فربما عدمت أو بليت لتقادم السنين، أو تركها واضع اليد لاستغنائه عنها بالسند الجديد، أو كان القديم مشتملا على غير المفروغ عنه فيخصم بهامشه بالنزول عنه، ويبقى القديم عند صاحب الأصل، فإن أحضره إليه تعلل بشئ آخر واحتج بشبهة أخرى، فإذا لم يبق شبهة طالبه بحلوانها من مقدار إيرادها ثلاث سنوات وإلا فخمس سنوات، وذلك خلاف المصاريف، فضجّ الناس واستغاثوا من شريف أفندى الدفتردار، فعزل عبد الله أفندى رامز المذكور عند ذلك، وقيد أحد كتابه بمكاتبات الإعلامات، وقرر على كل فدان عشرة أنصاف فضة فما دونها، يرسمها فى السند الجديد وجعلها مال الحماية، وأوهم الناس أن مال الحماية يكون زيادة فى تأكيد الإحباس وحماية له من تطرق الخلل فاستسهل الناس ذلك وشاع فى الإقليم المصرى

ص: 80

فأقبل الناس من البلاد القبلية والبحرية لتجديد سنداتهم، فطفقوا يكتبون السندات على نسق تقاسيط الالتزام لا على الوضع القديم، ويعلم بها الدفتردار فقط، وأما الصورة الأولى فكانت تكتب فى كاغد كبير بخط عربى، وعليها طرة بداخلها اسم والى مصر وممهورة أيضا بختمه الكبير، وعليها علامة الدفتردار وبداخلها صورة تسمى التذكرة، مستطيلة على صورة التقسيط، الفرمة ممهورة أيضا وعليها العلامة والختم وهى متضمنة ما فى الكبير، وعلى ذلك كان استمرار الحال إلى هذا الأوان من قرون خلت ومدد مضت.

وفى شهر جمادى الأولى من سنة أربع وعشرين شرعوا فى تحرير دفتر بفرض مال على الرزق الإحباسية المرصدة على المساجد والأسبلة والخيرات والجهات المختصة بالملتزمين، وكتبوا بذلك مراسيم إلى القرى والبلاد وعينوا لها معينين وحق طرق من طرف كشاف الإقليم للكشف عليها، وطلبوا من كل واضع يد أن يأتى بسند إلى الديوان ليجدد سنده ويقوى بمرسوم جديد فإن تأخر عن ظرف أربعين يوما يؤخذ منه ذلك ويعطى لغيره، وذكروا فى مرسوم الأمر أنه إذا مات السلطان أو عزل بطلت تواقيعه ومراسيمه وكذلك نوابه، ويحتاج إلى تواقيع جديدة من نواب المتولى الجديد ونحو ذلك، انتهى.

وفى «خطط المقريزى» أن الإحباس فى القديم لم تكن تعرف إلا فى الرباع وما يجرى مجراها من المبانى وكلها كانت على جهات بر، ثم قال: وأما الأراضى فلم يكن سلف الأمة والتابعين يتعرضون لها، وإنما حدث ذلك بعد عصرهم حتى أن أحمد بن طولون لما بنى الجامع والمارستان والسقاية وحبس على ذلك الأحباس الكثيرة لم يكن فيها سوى الرباع ونحوها، ولم يتعرض إلى شئ من أراضى مصر البتة، وحبس أبو بكر محمد بن على الماردانى بركة الحبش وأسيوط وغيرها على الحرمين وعلى جهات بر وحبس غيره أيضا، ولما قدمت الدولة الفاطمية من المغرب إلى مصر بطل تحبيس البلاد وصار قاضى القضاة يتولى الأحباس من الرباع، وإليه أمر الجوامع والمشاهد، وصار للأحباس ديوان مفرد، انتهى.

ص: 81

ولنرجع إلى الكلام على الوظائف فنقول: ومن قبيل المستوفى أيضا كاتب الدست وهو كاتب الإنشاء، قال فى «ديوان الإنشاء»: لقب بذلك إضافة إلى دست المملكة وهى مرتبة جلوسه بين يدى السلطان فى المواكب الحفلة بدار العدل، فيقرأ القصص بعدما يقرأها رئيسه ويوقع عليها بما يأمر به سلطانه ثم ترفع إلى كاتب السر، وفى «خطط المقريزى» عند ذكر كتاب الرسائل: كان لا يتولاها إلا أجل كتاب البلاغة ويخاطب بالشيخ الأجل ويقال له كاتب الدست الشريف وموقع الدست، ومن معانى الدست الورق، ففى القاموس:

الدست بالمهملة الدشت بالمعجمة ومن الثياب والورق وصدر البيت معربات.

اه. أى فهى فارسية، وفيه أيضا: الدشت بالمعجمة الصحراء وواد بين إربل وتبريز وبلدة بأصفهان، وفى كتاب «الإنشاء» أيضا أن من معانى الدست جملة من الورق قدرها خمسة وعشرون فرخا ومنها اشتق كاتب الدست، يقال: وصل الدست من الورق الشامى وهو خمسة وعشرون ورقة، وقد كان كتاب الدست فى أوائل الدولة التركية ثلاثة أشخاص رئيسهم القاضى محيى الدين بن عبد الظاهر ثم تزايدوا حتى كانوا يزيدون عن عشرين، وكانوا على ضربين الأول: جماعة يركبون فى خدمة رئيسهم على نوبتين، الثانى: جماعة مقصورون على كتابة ما يعين عليهم، وكان يقال لهم جماعة الموقعين المعروفين بكتاب الدست، ومن معانى الدست فى الأصل اليد ثم استعمل فى البطش والفعل لكونه ينشأ عنها، قال الذهبى: بقى الاسم لأبى القاسم والدست لكافور، وقال ابن خلدون محى اسم الخلافة وتعطل دستها، ويطلق على الغرض المقصود، قال شارح الحريرى: متيما دسته تم، وقال الذهبى:

لما انعكس الدست وزر ابن الفرات، ويطلق أيضا على الزىّ والهيئة والملبوس، قال الذهبى: كان يتجمل بدست ثياب الجمعات، وفى تاريخ فخر الدين الرازى وحمل إليه الدست الكامل من دار الخليفة، ويطلق أيضا على الموكب قال ابن إياس: لما تكامل الدست، وقال الذهبى: ركب من الغد فى الدست،

ص: 82

وقال أبو الفداء: ركب الملك العزيز فى دست السلطنة وسار إلى مصر فى دست السلطنة، وقال أبو المحاسن: ركب هارون فى دسته، وفى تاريخ أحمد العسقلانى: كان دخولهم فى دست كبير وأبهة هائلة، ويطلق على صدر المجلس ومن هنا اشتق التخت، يقال: كان الملك جالسا فى دست مملكته ودفعه إلى دست مملكة وأجلسه فيه وأرى اليوم دست الملك أصبح خاليا، ومن معانيه أيضا: القدر، يقال: تركوا اللحوم فى الدسوت وتركوا حوائجهم وكوانينهم ودسوتهم، ويقال: دسوتهم عمالة بالليل والنهار. انتهى.

وأما كتاب الدرج فهم دون كتاب الدست فى الرتبة، سموا بذلك لغلبة كتابتهم فى درج الورق الخزائنى كما قال صاحب «ديوان الإنشاء» قال: وغالبا يكونون من أولاد كتاب الدست، وهم قاصرون على كتابة ما يعينه عليهم كاتم السر من خلاص الحقوق وصغار التواقيع والمراسيم وأوراق الطريق والمسطرات والمسودات ونحو ذلك، وهؤلاء يجوز أن يطلق عليهم كتاب الإنشاء لأنهم يكتبون ما ينشأ من المكاتبات بالديوان، وقال ابن حاجب النعمان فى «ذخيرة الكتاب»: الدرج فى الأصل اسم للفعل من درجت الكتاب أدرجه إذا أسرعت فيه، وأدرجه إدراجا إذا جعله على مطاويه، واشتق من ذلك مدرج ومدرجة وجمعه مدارج اسم لورقة أو كتاب، وفى «خطط المقريزى»: يجعل ما يكتب فيه صحفا مدرجة، وفى «تاريخ الأندلس»: فى داخل الكتاب مدرجة مصبوغة مكتوبة بفضة، وفى «تاريخ حلب»: قرأت فى مدرج فيه تعاليق من الحوادث، وفى القاموس: الدرج بفتح فسكون ويحرك هو الذى يكتب فيه اه، وفى ابن إياس: صوّرت للرشيد صورة الدنيا كلها فى درج، وفى «ديوان الإنشاء»: كان يبدأ بكتابة الطرة فى أول الدرج، وأما كتام السر بغزة وسيس وثغر الإسكندرية والكرك، ففى ديوان الإنشاء كان لا يعبر عنهم إلا بكتاب الدرج ولا يطلق عليهم كتاب الإنشاء.

ص: 83

وفى كتاب «ديوان الإنشاء» أيضا أن رأس الدرج كان يسمى فى اصطلاح الكتاب طرة، ثم سموا ما يكتب فى رأس الدرج طرة كأنه من تسمية الشئ باسم محله، والطرة فى الأصل طرف الثوب الذى لا هدب فيه، ويجوز أن يكون مصطلح الكتاب مأخوذا من الطر وهو القطع؛ لأن الطرة مقتطعة من الكتاب بالبياض الفاصل بينهما، ومنه سمى الشعر المنفصل عن الشعر المتصل طرة، وفيه أيضا أن الطرة ما يكتب بعد الصدور وأن التوقيع يتركب من الطرة والمتن، وإن كتبت الطرة بالذهب كتب الاسم الشريف بالذهب، وقال أيضا: وتكتب الطرة أول الكتاب بأول الورق من غير بسملة، وقد تستعمل الطرة بمعنى نوع من النقود أو النقش الذي عليها، ففى الجبرتى: مائة شريفى طرة، ووردت سكة دينار عليها طرة، ودراهم عليها اسمه وطرته، ويقال ثلثمائة طرة ا. هـ.

وفى «ديوان الإنشاء» أيضا أن عادة الكتاب أن يتركوا بعد الطرة إما وصلين أو ثلاثة ثم يكتبوا البسملة فى أول الوصل الثالث أو الرابع، قال: وقد يترك بعد وصل الطرة بياض قدر ستة أوصال أو خمسة، ويبتدأ فى أعلى الوصل الوالى لذلك بالبسملة، وقال أيضا إذا انتهت الألقاب يترك وصل أبيض، والأوصال هى القطع المجتمعة من ورق أو خشب أو غيره، قال أبو المحاسن: كتب أوصال الكتب مقلوبة، وفى «فاكهة الخلفاء»: ابتدأ الكلام بعد عدة أوصال، وقال المقريزى: المنبر مركب من ستة وثلاثين ألف وصل، وقال: كرسى مكسوّ الأوصال بالفضة، وفى جغرافية عربية ثلاث وعشرون معدية مدت عليها أوصال الخشب، انتهى.

ومن الوظائف السلطانية أيضا نظر المواريث وصاحبها يسمى ناظر المواريث، قال المقريزى: المواريث فى الدولة الفاطمية لم تكن كما هى عليه اليوم، فإنه كان مذهبهم توريث ذوى الأرحام، وأن البنت إذا انفردت استحقت المال بأجمعه، فلما انقضت أيامهم واستولت الدولة الأيوبية ثم الدولة التركية

ص: 84

حكموا بأحكام الشرع من أن البنت مثلا إذا انفردت تستحق نصف المال فقط والباقى لبيت المال.

من ضمن أموال المواريث: الحشرية، وهى التى يستحقها بيت المال عند عدم الوارث، فيعدل فيها الوزراء تارة ويظلمون أخرى، وجعل لها ديوان يعرف بديوان المواريث، فوظيفة نظر المواريث الحشرية موضوعها التحدّث فى المواريث الحشرية وما يتحصل منها، وإيراده إلى بيت المال وبيع ما يلزم بيعه من عقارات ونحوها، وتولية صاحب هذه الوظيفة تكون من طرف الوزير، وكان توقيعه فى الثلث.

ومن ذلك نظر الجوالى وصاحبها ناظر الجوالى، والجوالى هى الجزية وهى ما يؤخذ من أهل الذمة كل سنة فى نظير تأمينهم على أنفسهم وأموالهم، وموضوع هذه الوظيفة التحدث فى جباية الجزية، قال أبو المحاسن: كان لها ديوان مخصوص استمر إلى زمن من الروك الذى أجراه السلطان محمد بن قلاوون، ومن ذلك التاريخ انضم إلى ديوان الفرضة العمومية.

ومن ذلك أيضا أمير رأس نوبة وهى وظيفة جليلة عند التتار، ويسمون الذى يليها يسوول بتفخيم السين، وأول من أحدثها الملك الظاهر فى مملكة مصر، قال فى «ديوان الإنشاء» أن أمير رأس نوبة له التكلم على المماليك السلطانية وإليه مرجعهم فى المشورة والمحاكمة، وهو السفير بينهم وبين الملك فى مقاصدهم، وأول من يدخل على الملك فى الخدمة ويرمل حين أخذ العلامة، ويقال أمير رأس نوبة النوب وله أتباع، منهم رأس نوبة ثان ويقال فيه رأس نوبة الميسرة، وله أيضا الحكم والتصرف بإذن أمير رأس نوبة النوب، ثم ثالث ورابع من الطبلخاناه والعشريات إلى نحو العشرين أميرا يتصرفون فى أشغال المملكة، وإليه يسند النظر على الشيخونية والسرغطمشية والحجازية والجامع الأخضر وغير ذلك.

ص: 85

وقال فى موضع آخر: رأس نوبة الأمراء لقب قائم على أمير قائم على الأمراء فى الأمر والنهى والحكم عليهم فيما بينهم، ويجلس من مجلس السلطان برأس الميسرة، وتبطل هذه الوظيفة أحيانا ولا يكتب لها تقليد، وقال أيضا: كان السلطان إذا كتب إلى رأس نوبة الأمراء يستعمل له ما يكتب لأمير سلاح، فيقال: أعز الله تعالى نصرة الجناب العالى، وفى العلامة يكتب أخوه، وفى «المنهل الصافى» لأبى المحاسن أن هذه الوظيفة مفقودة فى عصرنا من الديار المصرية وكانت فى السابق تعادل الاطابيكية، وقبل بطلانها من الدولة الناصرية دولة فرج بن برقوق كانت تسمى رأس نوبة الأمراء ورأس نوبة النوب، وفى «تاريخ مصر» لابن قاضى شهبة أن رأس نوبة الجمدارية هو رئيس المتناوبين فى خدمة السلطان والمقربين عنده، فالنوبة مأخوذة من التناوب وهو التعاقب فى الشئ. انتهى.

وأما نقابة الجيوش فهى رتبة فى الدولة التركية من الرتب الجليلة ومتوليها كأحد الحجاب الصغار، وله تحلية الجند فى عرضهم ومعه يمشى النقباء، فإذا طلب السلطان أو النائب أو حاجب الحجاب أميرا أو جنديا كان هو المخاطب فى الإرسال إليه وهو المنوط بإحضاره، وهو الذى يمشى بالحراسة السلطانية فى الموكب حالة السرحة وفى مدة السفر، ثم انحطت هذه الرتبة اليوم، وصار نقيب الجيش عبارة عن كبير من النجباء المعدين لترويع خلق الله تعالى وأخذ أموالهم بالباطل، ويقولون هذا حق الطريق، والويل لمن نازعهم فى ذلك.

وأما الولاية فهى التى يسميها السلف الشرطة، وبعضهم يقول صاحب العسس، والعسس الطواف بالليل لتتبع أهل الريب، وأول من عس بالليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أمره أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعس المدينة، وكان عمر رضي الله عنه يتولى فى خلافته العسس بنفسه ومعه مولاه أسلم رضي الله عنه، وربما استصحب معه عبد الرحمن بن عوف رضى الله

ص: 86

عنه، وقد نقل كترمير عن بعض التواريخ بعض ما يتعلق بوظيفة الشرطة ونحوها فقال: كان متولى القاهرة يسمى صاحب الشرطة وأول من جعل ذلك عثمان ابن عفان رضي الله عنه، وفى القاموس: الشرطة بالضم واحد الشرط كصرد، وهم طائفة من أعوان الولاة، وهو شرطى كتركى وشرطى كجهنى، سموا بذلك لأنهم علموا أنفسهم بعلامات يعرفون بها، انتهى.

قال كترمير: والولاة فى المدينة هم أصحاب الشرطة، ترد عليهم حوادث الاخطاط بواسطة من تحتهم من الشرطية-أعنى العساكر-فيسجلونها عندهم ثم ترد على السلطان، وعليهم الطواف بالليل فى الحارات والأزقة، والفرس يسمون الضابط المأمون بالطواف ليلا بالشحنة، وفى القاموس: الشحنة فى البلد من فيه الكفاية لضبطها من جهة السلطان، وفى تاريخ ابن خلدون عند الكلام على التتار أنهم أقاموا فى أمرائهم أميرا ومعه عساكر منهم لحماية البلاد يسمونهم بالشحنة، ثم قال فى موضع آخر: وكانت شحنة صاحب التخت لا تزال ببغداد إلى أن ملك غازان فأفرد الشحنة وأفرد اسمه فى السكة، وتجمع الشحنة على شحن وشحانى، قال فى «مسالك الأبصار»: استقرت شحانيهم بهذه البلاد، وتارة تطلق الشحنة على مأمور أو رئيس، وفى كتاب ابن بطوطة كان إذ ذاك فلان شحنة العمارة أى مأمورها، وقال خليل الظاهرى فى كتابه:

الشحنة الذى على المناخات وفعله شحن أى رتب الشحنة، وقال بهاء الدين:

شحن على الخابور يعنى رتب أميرا على مدينة الخابور، ويقال للوظيفة شحنكية، قال ابن خلدون: مذ فارقت شحنكية بغداد، ويقال شحنكية حلب، وولاه الشحنكية استقلالا، وبطلت الشحنكية، فالشحنة كلمة مستعملة فى لغة الفرس حصل فيها تصرف كما سبق، وقد بسط الكلام على ذلك ابن خلدون فى مقدمته، انتهى، كترمير. قال: والوالى هو الذى يقيم الحدود ويفتش الجيوش، وبأمره تفتح أبواب المدينة وتقفل، وعليه خفارة

ص: 87

خزائن الأموال وخانات التجار وغيرها، ولا ينام خارج المدينة إلا بإذن مكتوب، وكان يضرب على بابه الطبلخاناه ويكتب له فى الرسوم عنوان الولاية.

والمحتسب هو حاكم الضبطية، ومن خصائصه معاقبة أرباب الجنايات التى تحصل فى نحو الأسواق والشوارع، ويفصل القضايا المتعلقة بالتجارة، وله النظر فى المكاييل والموازين والتكلم على النساء الزوانى، وفى «تاريخ العتبى»:

نفقت سوق الاحتساب للدرر فوق الأكتاف؛ أى راجت هذه الوظيفة بالضرب على الأكتاف بالدرة؛ وهى الجلدة التى يؤدب بها، وتسمى وظيفة المحتسب الحسبة، وفى الجبرتى أن وظيفة أمين الاحتساب وظيفة قضاء، وله التحكم والعدالة والتكلم على جميع الأشياء، فكان لا يتولاها إلا المتضلع من جميع المعارف والعلوم والقوانين حتى على من يتصدر لتقرير العلوم، فيحضر مجلسه ويباحثه فإن وجد فيه أهلية للإلقاء أذن له بالتصدر وإلا منعه حتى يستكمل، وكذلك الأطباء والجرائحية حتى البياطرة والبزادزة ومعلمى الأطفال فى المكاتب ومعلمى السباحة فى الماء، والنظر فى وسق المراكب فى الأسفار وأحمال الدواب فى نقل الأشياء ومقادير روايا الماء، وغير ذلك مما يطول شرحه، وفى ذلك مؤلف للشيخ ابن الرفعة.

ونظر بيت المال كان وظيفة جليلة معتبرة وموضوع متوليها التحدث فى حمول المملكة مصرا وشاما إلى بيت المال بقلعة الجبل، وفى صرف ما ينصرف منه تارة بالوزن وتارة بالتسبب بالأقلام، وكان أبدا يصعد ناظر بيت المال ومعه شهود بيت المال وصيرفى بيت المال وكاتب المال إلى قلعة الجبل فيكون له هناك أمر ونهى وحالة جليلة؛ لكثرة الحمول الواردة وخروج الأموال المصروفة لأهل الدولة، وكانت أمرا عظيما بحيث إنها بلغت فى السنة نحو أربعمائة ألف دينار، وكان لا يلى نظر بيت المال إلا من هو من ذوى العدالات المبرزة.

ص: 88

ونظر الاصطبلات موضوعها الحديث فى أموال الاصطبلات والمناخات وعليقها، وأرزاق من فيها من المستخدمين، وما بها من الاستعمالات والإطلاق، وأول من استجدها الملك الناصر محمد بن قلاوون، وهو أول من زاد فى رتبة أمير أخور واعتنى بالأوجاقية والعرب الركابة، وكان أبوه المنصور قلاوون يرغب فى خيل برقة أكثر من خيل العرب، ولا يعرف عنه أنه اشترى فرسا بأكثر من خمسة آلاف درهم، وكان يقول: خيل برقة نافعة وخيل العرب زينة، بخلاف الناصر محمد فإنه شغف باستدعاء الخيول من عرب آل مهنا وآل فضل وغيرهم، وبسببها كان يبالغ فى إكرام العرب ويرغبهم فى أثمان خيولهم حتى خرج عن الحد فى ذلك؛ فكثرت رغبة آل مهنا وغيرهم فى طلب خيول من عداهم من العرب، وتتبعوا عتاق الخيل وسمحوا بدفع الأثمان الزائدة على قيمتها حتى أتتهم طوائف العرب بكرائم خيولهم؛ فتمكنت آل مهنا من السلطان وبلغوا فى أيامه الرتب العلية، وكان يدفع فى الفرس من عشرة آلاف درهم إلى عشرين إلى ثلاثين ألف درهم، وهى تساوى ألفا وخمسمائة مثقال من الذهب، سوى ما ينعم به على مالكه من الثياب الفاخرة له ولنسائه ومن السكر ونحوه، واشترى كثيرا من الحجور بالثمانين ألفا والتسعين ألفا، واشترى بنت الكرشاء بمائة ألف درهم، انظر المقريزى فإن فيه كلاما لو استقصى قصى.

وأما مهتار الطشتخاناه فهو من له التكلم على الرختوانية؛ وهم خدمة الرخوتة، والرخت هو طقم الفرس، والطشتدارية وهم خدمة الطشوت كالغسالين ونحوهم، والطشتخانة كلمة مركبة من طشت وهو الإناء المعروف وخانه بمعنى الخزانة قال خليل الظاهرى: الطشتخانة خزانة يوضع فيها الأقمشة ويغسل فيها الثياب، وقال غيره: هى موضع يوضع فيه ملابس السلطان وجواهره وأختامه وسيوفه ونحو ذلك، وقرن المقريزى الطشتخانه بالفرشخانه وهى التى يوضع فيها الفرش، وأما الركابخانه فهى موضع آلة الخيل كما قاله خليل الظاهرى، قال أبو المحاسن: يقال عرض الركابخانه وأخذ ما فيها من السروج واللجم وسلاسل الذهب، والشرابخانه موضع تحفظ فيه المشروبات والسكر والمربيات

ص: 89

والفواكه والثلج والمسهلات والبخور وماء الشرب، وله مأمور باسم مهتار تحت يده الشرابدارية؛ أى خدمة الشراب، وقد يكون المهتار متعددا، وحوائجخانه موضع تجهز فيه الأشياء اليومية اللازمة للملك، قال المقريزى: بلغ راتب الحوائجخانه فى أيام الملك العادل كتبغا عشرين ألف رطل لحم كل يوم.

انتهى.

(السرو)

بفتح السين وسكون الراء بوزن الغزو كذا فى «مشترك البلدان» ، وفى القاموس إنها بكسر السين، وهى قرية من مديرية الدقهلية بمركز فارس كور موضوعة على الشط الشرقى لفرع دمياط تجاه رأس الخليج فى البر الغربى، وفى جنوب دقهلة بنحو ألفين ومائتى متر، وفى شمال ناحية الزرقاء بنحو ثلاثة آلاف وسبعمائة متر، وبها جامع بمنارة وزوايا لبعض الصالحين، وبالقرب منها ضريح ولى يعرف بالشيخ سراج مشهور يزار، وبها دكاكين وقهاوى وحديقتان وأشجار على شط البحر وترعة الشرقاوية، ووابور مياه لزراعة الدائرة السنية وأغلب زراعتها صنف الأرز، وزمامها نحو ألف فدان، وتكسب أهلها من زراعة الحبوب وصنف التجارة والصيد، انتهى.

(السريرية)

قرية من مديرية المنية بقسم قلوصنا على الشط الشرقى للنيل تجاه معصرة سمالوط، وفيها مسجد جامع ونخيل وأشجار وأبنية مشيدة بمضيفة متسعة للشيخ خالد الخلوتى شيخ الطريقة ومربى المريدين المشهور، المتوفى قبيل سنة تسعين بعد المائتين والألف، ولها جزيرة صالحة للزرع تمتد جنوبا إلى مقابلة سمالوط، وهى فى وسط البحر يزرع فيها البصل كثيرا والدخان والمزروعات المعتادة، ويزرع فى أرضها القارة قصب السكر بكثرة، وفى الجزيرة كفر صغير تبع السريرية يسمى نزلة الخمايسة.

ص: 90

(سفط)

بسين ففاء فطاء مهملة عدة قرى من ديار مصر يمتاز بعضها عن بعض بالإضافة إلى كلمة أخرى، قال فى القاموس: وسفط مضافة إلى أبى جرجى والعرفاء والقدور والزيت وزربق والحناء واللبن والبهو وأبى تراب وسليط وكرداسة وقليشان وميدوم ورشين والخمارة ونهيا والمهلبى، سبع عشرة قرية بمصر انتهى.

وقد عثرنا على خمسة عشر منها مع بعض تغيير فى الجزء المضاف إليه وهى:

(سفط أبى جرجى)

قرية من مديرية المنية بقسم بنى مزار موضوعة غربى بوجرج على بعد ألف متر، وفى شرقى ناحية بطوجة بنحو ألفين وثلثمائة متر، وبها مسجدان ومعمل فراريج، وبدائرها نخيل، ولها سوق فى كل أسبوع.

(سفط أبى زينة)

قرية من مديرية البحيرة بقسم الحاجر موضوعة شرقى ترعة أبى دياب بنحو ألف متر، وفى جنوب ناحية جنبواى بنحو ألفى متر وفى شمال ناحية البهى بنحو ألف وثمانمائة متر، ومبانيها بالآجر واللبن، وبها جامع بداخله ضريح يعرف بضريح أبى زينة، وبها معمل دجاج ودكاكين صاغة وأبراج حمام، وبدائرها قليل نخيل، ولها سوق كل يوم سبت، ويقال لها أيضا سفط الملوك.

(سفط البصل)

قرية من مديرية الغربية بقسم محلة منوف واقعة فى الشمال الشرقى لمحلة روح بنحو ألفين وثلثمائة متر، وفى الجنوب الشرقى لناحية الهياتم بمثل ذلك، ولها جامع، وتكسب أهلها من الفلاحة.

(سفط البيهو)

قرية من مديرية المنية بقسم طجا الأعمدة موضوعة غربى البحر الأعظم بنحو سبعمائة متر، وفى شرقى طحا الأعمدة بنحو ثلاثة آلاف متر وفى غربى

ص: 91

ناحية زهرة بنحو سبعمائة متر، وبها جامع، وتكسب أهلها من الفلاحة، ويقال لها أيضا سفط اللبن.

(سفط جدام)

قرية من مديرية المنوفية بقسم منوف شرقى الترعة الباجورية على نحو ثلثمائة متر، وفى شرقى منية الكرام بنحو ستمائة متر وفى جنوب ناحية جدام بنحو أربعمائة متر، وبها جامع، وتكسب أهلها من الزرع وغيره، ومن هذه القرية الأمير على بيك فهمى دخل العسكرية فى زمن المرحوم عباس باشا، وكان يسمى على الديب وكان نفرا فى الالايات البيادة، وفى زمن المرحوم سعيد باشا انغمس فى بحار خيرات العائلة المحمدية، فتعلم القراءة والكتابة وقوانين العسكرية، واستحق التقدم فترقى فى الرتب إلى رتبة البيكباشى، وفى زمن الخديوى إسماعيل باشا أخذ رتبة قائمقام وأنعم عليه بإشراقة، وفى سنة 1293 أنعم عليه برتبة أمير الاى وكان تعين فى محاربة الصرب.

(سفط الحناء)

قرية من قسم بلبيس بمديرية الشرقية واقعة قبلى ترعة الوادى بنحو ثلثمائة وخمسين مترا وفى شرقى الزقازيق بنحو ثمانية آلاف متر، وأبنيتها بالآجر واللبن، وبها لعمدتها محمد نمر منزل مشيد وجنينة وكشك، وبها نخيل كثير وأشجار ومساجد عامرة ومكاتب أهلية وأرباب حرف وتجار، وبجوارها مقام يقال له مقام بقرة بنى إسرائيل وعنده مقبرة وجملة أضرحة، ومقدار أطيانها ستمائة وثمانية وتسعون فدانا، وتكسبهم من ثمر النخل وبيع الحناء، وفيها شجر الحناء بكثرة فلذلك سميت سفط الحناء، وهو نبت يزرع ولا يفارق الماء ويعظم حتى يقابل الشجر الكبار، وورقه كورق الزيتون لكنه أعرض يسيرا، ونوره أبيض، ويدرك بأكتوبر وقد يقطف بتوت، واسمه باليونانية افيقرس، وإذا أطلقت الفاغية فالمراد زهره أو الحناء فورقه، وليس لعيدانه نفع كبير، وأجوده الخالص الحديث، وتبطل قوة الحناء بعد أربع سنين، ولا يمكن

ص: 92

سحقه بدون الرمل؛ فينبغى ترويقه عند استعماله، وهو حار فى الأولى، وقيل بارد لتركبه من جوهرين وقيل معتدل يابس فى الثانية، ليس فى الخضابات أكثر سريانا منه، إذا خضبت به اليد اشتدت حمرة البول بعد عشر درج فبذلك يطرد الحرارة ويفتح السدد، وطبيخه أو سحيقه عظيم النفع فى قلع البثور، وماؤه يفتح السدد ويذهب اليرقان والطحال ويفتت الحصا ويدر ويسقط، وشرب مثقال من زهره بثلاث أواق من الماء والعسل يقطع النزلات وأصناف الصداع ويجفف الرطوبات الكثيرة وكذا إذا ضمدت به الجبهة مع الخل، وهو مع الشمع ودهن الورد يحلل أوجاع الجنبين والمفاصل سواء فى ذلك الزهر وغيره، ومع نصفه من نور الحرف يحل القيلة ضمادا عن الشريف، وبالسمن يقطع الجرب المزمن ويجلو الآثار ويلحم الجراح أعظم من الخولان ويحلل الأورام ويذهب قروح الرأس ويصلح الشعر خصوصا بماء الكزبرة والزفت، وإذا مزج به البدن كل أسبوع مرة حلل الإعياء ومنع انصاب المادة، وقد وقع الإجماع على تخليصه من الجدام وإن نثر الأطراف، والمجرب لذلك نقع أوقية من ورقه مع عشرين أوقية من الماء ثم يطبخ حتى يبقى خمسه فتوضع عليه أوقية من السكر ويستعمل دفعة، فإن لم ينجح بعد شهر فقد أراد الله عدم برئه، وإذا عجن بماء الورد ويسير من العصفر والزعفران ولطخ به أسفل الرجلين عند مبادى الجدرى حفظ العين منه، ومن خواص زهره منع السوس عن الصوف، وهو يضر الحلق والرئة وتصلحه الكثيراء وشربته إلى خمسة، وفى حديث أبى رافع أنه يطيب الرائحة ويزيد فى الجماع وأنه سيد الخضاب، وفى حديث أنس أنه يطيب الرائحة ويسكن الدوخة والأول حسن والثانى صحيح، انتهى من تذكرة داود.

وقوله الحرف-قال فى التذكرة أيضا: هو حب الرشاد برى شديد الحرافة مشرف الأوراق إلى استدارة وبستانى دونه فى ذلك، يدرك أواخر الربيع، وهو حار يابس فى آخر الثالثة وبقلته فى الثانية، يقابل الحرمل فى أفعاله، ويستأصل الباردين وسائر الرطوبات، ويحل عسر النفس والقولنج واليرقان والسدد والخصا شربا ويزيل الصداع-وإن أزمن-والوضح، وكذا البرص

ص: 93

والعقد البلغمية وأوجاع الظهر والورك، ويسقط الأجنة ويدر الطمث شربا وطلاء، ويزيل السعال البلغمية سفا بالماء الحار، ويمنع تساقط الشعر نطولا وشربا، والبرص بلبن الماعز إلى عشرة أيام كل يوم ثلاثة دراهم مع الإمساك عن الطعام غالب النهار، ويزيل الآثار ويلين، وهو يضر المعدة ويحرق البول ويصلحه السكر وشربته إلى ثلاثة وبدله الخردل، انتهى.

وقوله الكثيراء قال فى التذكرة أيضا: هى صمغ يؤخذ من شوك القتاد ويوجد لاصقا به زمن الصيف، انظر التذكرة.

‌ترجمة الشيخ محمد السفطى

وإليها ينسب-كما فى «الضوء اللامع» للسخاوى-محمد بن أحمد بن يوسف بن حجاج الولوى السفطى بسكون الفاء بين مهملتين نسبة لسفط الحناء من الشرقية، القاهرى الشافعى، ولد سنة ست وتسعين وسبعمائة وقيل سنة تسعين وهو أقرب بالصليبة من القاهرة، ونشأ فحفظ القرآن والعمدة والتنبيه وألفية ابن مالك وغيرها، وعرض على جماعة، وتلا لأبى عمرو ونافع على الشرف يعقوب الجوشنى والشمس النشوى، وأخذ فى الفقه عن الجلال البلقينى والبيجورى، وفى النحو عن الشمس الشطنوفى وفتح الدين الباهى وغيرهم، ثم لازم العز بن جماعة فى الفقه والأصلين والعربية والمنطق والمعانى والبيان وغيرهما، وبحث «الحاوى» عند الهمام العجمى شيخ الجمالية، بل أخذ عنه فى «الكشاف» وغيره، وعن العز عبد السلام البغدادى فى كثير من العقليات، وربما حضر عند العلاء البخارى، وسمع البخارى على الحافظين الهيتمى والتقى الدجوى وغيرهما، وحدث بالبخارى عن الزين العراقى سماعا، وبالشفاء عن التنوخى سماعا والشرف ابن الكويك إجازة وبغير ذلك، وناب فى القضاء عن الجلال البلقينى، وحج غير مرة، وجاور وسمع بمكة والمدينة جماعة، وعرف بمداخلة الكبار والحرص على الادخار

ص: 94

والاستكثار، وولى تدريس التفسير بالجمالية سنة سبع وعشرين ثم مشيخة التصوف بها سنة ثلاث وثلاثين.

وكانت له بالسلطان جقمق قبل سلطنته خصوصية؛ بحيث إنه كان وهو أمير اخور يجيئه إلى بيته ويأكل عنده، فلما تسلطن لازمه جدا وانقطع إليه، فولاه سنة اثنتين وأربعين وكالة بيت المال ثم فى التى تليها نظر الكسوة، وحينئذ هرع الناس إليه للتوسل به عنده، ودخل فى قضايا فأنهاها وصارت له عند من دونه الكلمة النافذة والشفاعة المقبولة، فتزايدت فخامته وارتفعت مكانته وأقبلت عليه الدنيا بسبب ذلك من كل جانب من القضاة والمباشرين والترك فضلا عمن دونهم، فأثرى جدا وكثرت أمواله، وقرره السلطان أيضا فى نظر البيمارستان المنصورى فى ربيع الآخر سنة تسع وأربعين فازداد وجاهة وعزا، واجتهد فى عمارته وعمارة أوقافه والحث على تنمية مستأجراته وسائر جهاته حتى الأحكار، وكذا اجتهد فى عمارة الجمالية وأوقافها وتحسين خبزها والزيادة فى معاليم صوفيتها ومستأجراتها، ودرس بالمدرسة الصلاحية المجاورة للشافعى حيث وليها مع النظر بعد القاياتى، بل استقر فى القضاء الأكبر بعد العلم البلقينى وباشره بحرمة ومهابة وصولة زائدة، وشدد فى أمر النواب، وابتكر جماعة من الفضلاء وارتدع به المباشرون والجباة ونحوهم، فخافه الكبير والصغير والشريف والحقير ولم يستطع أحد مراجعته.

قال: وتعدى حتى تعرض لولد شيخنا بالترسيم وغيره؛ قصدا لإبعاده عن المنصب لينفرد به، وعمل شيخنا حينئذ جزءا سماه ردع المجرم، وانتزع منه تدريس الصالحية ونظرها، إلى أن حاق فيه السم القاتل وذاق مرارة حنظله فى المقاتل، فكان أول مبادئ انحطاط قدره وارتباط المحن بجانب قدره سنة اثنتين وخمسين، ولم يلبث أن مرض فى آخر يوم الاثنين ومات فى يوم الثلاثاء مستهل ذى الحجة سنة أربع وخمسين، وصلى عليه المناوى بالأزهر، ودفن بتربة أقاربه الأسيوطيين فى ناحية باب الوزير رحمه الله.

ص: 95

قال: وأرجو له الانتفاع بما حل به من المحن والرزايا، سيما وقد ندم على صنيعه مع شيخنا وتوسل إليه بكشف رأسه ونحوه، وعزم على الأسباب المخففة عنه، مع كونه كان مديما للتلاوة حريصا على المداومة على التعبد والصيام والتهجد، راغبا فى إحياء ليالى رمضان بالجامع الأزهر بركعتين يقرأ فيهما كل القرآن فى كل ليلة، مع التضرع إلى الله وكثرة البكاء والتعفف عن كثير من المنكرات، محبا فى إغاثة الملهوف والميل لمساعدة الفقهاء والطلبة بجاهه، بحيث جرت على يده مبرات منها تجهيز خمسة من العميان فى كل سنة لقضاء فريضة الحج بمائة دينار، كل ذلك مع الفصاحة فى الكلام وطلاقة العبارة وقوة الحافظة. وبقصد الانتفاع بجاهه تزاحم الفضلاء فى حضور درسه ببيته وغيره، وقرئ عنده فى الكشاف ونحوه، وحدث بالكثير مما كان القارئ عنده فى أكثره الجلال بن الأمانة، ولذلك قرره فى القراءة بالقلعة بعد عزل البقاعى، وقدحه له بكلمات حسبما شرحته بمكان آخر.

قال: وقد أطلت ترجمته فى ذيل القضاة وفى المعجم والوفيات وغير ذلك اه ملخصا.

(سفط الخمار)

قرية من مديرية المنية بقسم المنية واقعة على الشاطئ الشرقى للبحر اليوسفى، وفى شمال ناحية الخيارى بنحو خمسة آلاف وثلثمائة متر، وفى جنوب ناحية طوة بنحو أربعة آلاف وستمائة متر، وأغلب أبنيتها بالآجر واللبن، وبها أربعة جوامع بمنارات، جامع المقالدة فى قبليها، وجامع المغاربة فى غربيها وجامع أولاد يعقوب فى وسطها، وجامع الخلايلة فى بحريها، وبها معامل دجاج وأبراج حمام، ولها سوق كل يوم أربعاء، وبها دوّار أوسية وشونة غلال ومعاصر ومصانع، وفى قبليها ثلاثة تلول شاهقة محل البلد القديم، وعلى أحد هذه التلال ضريح يعرف بضريح سيدى نهار وآخر يعرف بالشيخ الرويدى، ومقام آخر يقال إنه مقام سيدى بشر الحافى يعمل له مولد فى زمن الحصيدة

ص: 96

خمسة عشر يوما، وبداخل السكن من الجهة البحرية ضريح سيدى يونس، وبدائرها نخيل كثير، ويتبعها نزلة يقال لها نزلة سيدى عيسى وله بها مقام مشهور يزار.

‌ترجمة سيدى معروف الكرخى رضي الله عنه

وفى شمال سفط ضريح تزعم العامة أنه قبر سيدى معروف الكرخى وهو زعم باطل؛ فإن قبره فى بغداد مشهور يزار كما فى ابن خلكان، وقد ترجمه بأنه أبو محفوظ معروف بن فيروز، وقيل الفيروزان وقيل على الكرخى الصالح المشهور، وهو من موالى على بن موسى الرضا، وكان أبواه نصرانيين فأسلماه إلى مؤدبهم وهو صبى، وكان المؤدب يقول له قل ثالث ثلاثة فيقول معروف:

بل هو الواحد فيضربه المعلم على ذلك ضربا مبرحا فهرب منه، وكان أبواه يقولان: ليته يرجع إلينا على أى دين شاء فنوافقه عليه، ثم إنه أسلم على يد على بن موسى الرضا ورجع إلى أبويه فدق الباب فقيل له: من بالباب فقال:

معروف فقيل له: على أى دين فقال: على الإسلام فأسلم أبواه، وكان مشهورا بإجابة الدعاء، وأهل بغداد يستسقون بقبره، وأخبار معروف ومحاسنه أكثر من أن تعد، وتوفى سنة مائتين وقيل إحدى ومائتين وقيل أربع ومائتين ببغداد وقبره مشهور بها يزار رحمه الله تعالى.

والكرخى بفتح الكاف وسكون الراء وخاء معجمة نسبة إلى الكرخ؛ اسم تسعة مواضع ذكرها ياقوت الحموى أشهرها كرخ بغداد، والصحيح أن معروفا الكرخى منه، وقيل إنه من كرخ جدان بضم الجيم وتشديد الدال المهملة وبعد الألف نون؛ بليدة بالعراق تفصل بين ولاية خانقين وشهرزور، انتهى.

وفى «مراصد الاطلاع» : الكرخ بالفتح ثم السكون وخاء معجمة وهى كلمة نبطية من قولهم كرخت الماء وغيره إذا جمعته إلى موضع، وقال في كرخ بغداد: لما بنى المنصور مدينته أمر أن تجعل الأسواق فى طاقات المدينة بإزاء كل باب سوق، فبقيت على ذلك مدة حتى قدم عليه بطريق من بطارقة الروم

ص: 97

رسولا فأمر الربيع أن يطوف به فى المدينة حتى ينظر إليها ويتأملها ويرى أسوارها وعمارتها وقباب الأبواب والطاقات وجميع ذلك، ففعل الربيع ذلك، فلما رجع إلى المنصور قال له: كيف مدينتى؟ قال له: رأيت بناء حسنا ومدينة حسنة إلا أن أعداءك معك فيها، قال: ومن هم؟ قال: السوقة يوافى الجاسوس بعلة التجارة من الأطراف ويعرف ما يريد وينصرف من غير أن تعلم به، فسكت المنصور، ولما انصرف البطريق أمر بإخراج الأسواق من المدينة، وأمر أن يبنى بين الصرات ونهر عيسى سوق، وأن يجعل صنوفا، ويرتب كل صنف فى موضعه فسميت الكرخ بذلك، وقيل إن سبب نقلها أن دخانها ارتفع فسود الحيطان فأمر بإخراجها لذلك.

والصرات اسم للنهر الذى بنى عليه المنصور مدينة بغداد وهو خارج من نهر عيسى، بقرب القرية المعروفة بالمحول على فرسخ من بغداد، وبعد أن يسقى الأرض يمر فى بغداد ويصب فى الدجلة، وقبر زبيدة زوجة هارون الرشيد فى المحلة التى بها قبر معروف الكرخى، على ما ذكره نييبهر فى سياحته فى بلاد العرب، وبغداد التى كان يمر هذا النهر فى وسطها هى بغداد القديمة، وكانت تسمى الهاشمية كما قال فخر الدين، ثم ذكر أيضا الأسباب التى أوجبت انتقال المنصور منها إلى بغداد الجديدة، التى سميت مدينة المنصور وهى بالجانب الغربى قريبة من مشهد موسى الجواد فقال: إنه أتى نصرانى صاحب علم ومعرفة وتكلم يوما مع الخليفة فقال: يا أمير المؤمنين تكون على الصرات بين دجلة مع الفرات فإذا حاربك أحد كانت دجلة والفرات خنادق لمدينتك، ثم إن الميرة تأتيك فى دجلة من ديار بكر ومن البحرين والهند والصين والبصرة وفى الفرات من الرقة والشام، وتجيئك الميرة أيضا من خراسان وبلاد العجم فى شط تامرا، وأنت يا أمير المؤمنين بين أنهار لا يصل عدوّك إليك إلا على جسر أو قنطرة، فإذا قطعت الجسر أو أخربت القنطرة لم يصل إليك عدوك، وأنت متوسط البصرة والكوفة وواسط والموصل والسواد، وأنت قريب من البر والبحر والجبل، وكان أبو حنيفة صاحب المذهب يعد اللبن والآجر، وهو الذى اخترع عده بالقصبة اختصارا (أى يعتبره بالمساحة).

ص: 98

ولمدينة بغداد خمسة أسماء دار السلام ومدينة المنصور والزوراء وبغدان بالنون وبغداد، فمدينة المنصور هى بغداد القديمة، وهذه التى بالجانب الشرقى استجدت بعد ذلك، وتامرّا المذكور هو نهر كبير تحت بغداد فى شرقيها مخرجه من جبال شهرزور، ومما يجاورها وينسب إليه طصوج (كورة) من طصاصيج بغداد له سد فوق تامرّا يرد الماء إلى أنهار سبعة، على كل نهر كورة من كور بغداد، وهو ينصب إلى دجلة تحت بغداد بأكثر من فرسخ، ويسمى فم مصبه فم ديالى وكأن ديالى هو اسم لآخر هذا النهر من النهروان إلى ما أسفل، ويسمى أيضا الماء المالح، انتهى.

‌ترجمة العارف بالله سيدى بشر الحافى رضي الله عنه

وكذا بشر الحافى ليس فى هذه القرية ولا فى غيرها من بلاد مصر بل هو في بغداد أيضا، وقد ترجمه فى الطبقات فقال: هو أبو نصر بشر بن الحارث الحافى، أصله من مرو وسكن بغداد ومات بها عاشر المحرم سنة سبع وعشرين ومائتين رضي الله عنه، وكان عالما ورعا كبير الشأن أوحد وقته علما وحالا، صحب الفضيل بن عياض، ومن كلامه: سيأتى على الناس زمان تكون الدولة فيه للحمقى والأراذل على أهل العقول والأكابر، انتهى باختصار. ولم ندر ما مراده بفخر الدين هل هو الرازى أو غيره، غير أنى وجدت بعد البحث أن الكتاب المأخوذ منه ذلك يسمى «الفخرى فى الآداب السلطانية والدول الإسلامية» ، وقال دساسى: ليس المراد فخر الدين الرازى الحكيم المشهور، وزعم أنه قرأ على كتاب فى الكتبخانة ما يفهم منه أن المراد بفخر الدين محمد ابن على بن طباطبا، وأما نييبهر فهو سياح مشهور من بلاد الدنمرقا من أوروبا، ولد سنة ألف وسبعمائة وثلاث وثلاثين ميلادية ومات سنة ألف وثمانمائة وخمس عشرة، واشتهر بسياحته فى بلاد العرب التى استغرق فيها ست سنين، قاله فى القاموس الإفرنجى.

ص: 99

(سفط الخرسا)

قرية من مديرية المنية بقسم الفشن موضوعة فى جنوب سفط العرفاء بقدر نصف ساعة وفى الجنوب الغربى للفشن بقدر ساعة، وبها جامع، وتكسب أهلها من الفلاحة.

(سفط رشيد)

قرية من مديرية بنى سويف بقسم ببا موضوعة فى الجنوب القبلى لناحية ننا بنونين، على بعد ساعة وفى شمال بنى حلة كذلك، وأغلب مبانيها بالآجر، وبها جامعان، ولها سوق جمعى، وبدائرها نخيل كثير.

‌ترجمة الشيخ ناصر الدين محمد بن صلاح

وإليها ينسب كما فى «الضوء اللامع» محمد بن صلاح بن عبد الرحمن الشمس، ويلقب قديما ناصر الدين الرشيدى الأصل نسبة لسفط رشيد بالصعيد الأدنى القاهرى، المقسى لسكناه المقسم، ويعرف بابن أنس، ولد فى مستهل ربيع الأول سنة خمس وستين وسبعمائة بالقاهرة، ونشأ بها فحفظ القرآن وقرأ بالسبع على النور أبى عبد القادر الأزهرى، واشتغل فى الفقه على الابناسى ثم البيجورى والبدر القويسنى، وفى النحو على الحناوى، وسمع على أبى العباس أحمد بن على بن الظريف والنجم إسحق الدجوى وعلى الشرف بن الكويك والشهاب البطائحى وقارئ الهداية، وتكسب بالشهادة، وأمّ ببعض المساجد وخطب بجامع الزاهد، وكان خيرا مفيدا علىّ الهمة، حدث بالسير وسمع منه الفضلاء، مات فى يوم الأحد الحادى والعشرين من ربيع الأول سنة خمس وخمسين وثمانمائة رحمه الله تعالى، انتهى.

(سفط زريق)

قرية من مديرية الدقهلية بقسم منية غمر ويقال لها سفط القطائع، موضوعة فى الجنوب الغربى لناحية القطائع على نحو ألفى متر، وفى الشمال

ص: 100

الشرقى لناحية شنبارة منقلة بنحو ألفى متر، وبها جامع، وتكسب أهلها من الفلاحة.

(سفط العرفاء)

قرية من قسم الفشن بمديرية المنية ويقال لها سفط الصائم، واقعة فى الجنوب الغربى للفشن على نحو ساعة وشرقى ناحية دلهانس كذلك، وهى فى وسط حوض بنى صالح، لا يتوصل إليها فى زمن النيل إلا بالمراكب، وبها تلول وآثار عتيقة، وأغلب بنائها من الآجر، وبها نخيل قليل وأبراج حمام، وفى قبليها ناحية أقفاص، وفى بحريها ناحية تلت، وفى غربيها ناحية دلهانس الواقعة على شط اليوسفى الغربى، وبين سفط الصائم واليوسفى مسافة ثلثى ساعة، وأكثر أهلها مسلمون ومنهم علماء قديما وحديثا.

‌ترجمة الشيخ أحمد بن محمد الحنفى السفطى الشهير بالصائم

ففى حوادث سنة سبعين ومائة وألف من «تاريخ الجبرتى» أنه ينسب إليه الفاضل الفقيه، والكامل النبيه، والشيخ محمد بن أحمد الحنفى الأزهرى الشهير بالصائم، تفقه على سيدى على العقدى والشيخ سليمان المنصورى والسيد محمد أبى السعود وغيرهم، وبرع فى معرفة المذهب ودرّس بالأزهر وبمسجد الحنفى ومسجد محرم، وبعد تدريسه لأنواع العلوم لازم الشيخ العفيفى كثيرا، ثم اجتمع على الشيخ أحمد العريان، وتجرّد للذكر والسلوك وترك علائق الدنيا ولبس زى الفقراء، ثم توجّه إلى السويس فانكسرت به السفينة وخرج من البحر مجرّدا، فمال إلى بعض خباء الأعراب فأكرمته امرأة من نسائهم وقعد عندها مدّة يخدمها، ثم وصل إلى ناحية ينبع على هيئة رثّة فأوى إلى جامعها، واتفق له أنه صعد ليلة من الليالى على المنارة وسبّح على طريقة المصريين فسمعه الوزير إذ كان منزله قريبا من الجامع، فلما أصبح وسأله فلم يظهر حاله سوى أنه من الفقراء، فعند ذلك أنعم عليه ببعض ملابس وأمره أن يحضر إلى داره كل يوم للطعام ومضى على ذلك مدة إلى أن اتفق موت

ص: 101

بعض مشايخ العرب وتشاجرت أولاده بسبب قسمة التركة، فأتوا إلى الينبع يستفتون فلم يجدوا من يفتيهم، فرأى الوزير أن يكتب السؤال ويرسله مع الهجان بأجرة معينة إلى مكة يستفتى من علمائها، فاستقل الهجان الأجرة ورجع عن السفر، ووقع التشاجر فى دفع الزيادة للهجان ووقعوا فى الحيرة، فلما رأى المترجم ذلك أخذ الدواة والقلم وذهب إلى خلوة له بالجامع، فكتب الجواب مفصلا بنصوص المذهب وختم عليه وناوله للوزير، فلما رآه الوزير تعجب وقال له: لم لم تظهر نفسك وأنت من علماء الإسلام؟ فاعتذر بأنه لو قال ذلك لم يصدقه أحد لرثاثة حاله، فحينئذ أكرمه الوزير وأجلّه ورفع منزلته وعيّن له من المال والكسوة قدرا معينا، وصار يقرأ دروس الفقه والحديث هناك حتى اشتهر أمره وأقبلت عليه الدنيا، ثم لما قرب ورود الحج المصرى سأل الوزير أن يحج ويعود فأنعم عليه، ووصل مع الركب إلى مكة وأكرم هناك وعاد إلى مصر، ولم يزل على حالة مستقيمة حتى توفى بفالج مكث فيه شهورا من السنة المذكورة، عليه رحمة الله تعالى، انتهى.

‌ترجمة شيخ الإسلام الشيخ أحمد بن الشيخ عبد الجواد السفطى

الشهير بالصائم

ومنها أيضا الشيخ أحمد بن الشيخ عبد الجواد الشهير بالصائم السفطى الشافعى الأزهرى، ولد بسفط وقدم إلى الأزهر وحضر على مشايخ عصره كالشنوانى والدمهوجى وغيرهما، وتصدى للتدريس بالأزهر وانتهت إليه رئاسته فتولى مشيخة الجامع بعد موت البرهان القويسنى وذلك فى شهر القعدة سنة أربع وخمسين ومائتين وألف، وقد أرّخ بعض الشعراء مشيخته مهنئا له فقال:

الآن تثبت للهناء ولائم

ينفى بها لاح ألح ولائم

لا غرو إن خطب العلا لنفوسهم

قوم همو بين الكرام أكارم

فتمنعت وأبت سواه وأرّخت

كان الخليق بى المصلى الصائم

ص: 102

واستمر فيها بعفة وصلاح إلى أن توفى فى شعبان سنة ثلاث وستين ومائتين وألف ودفن بتربة المجاورين، عليه رحمة رب العالمين.

‌ترجمة الفاضل الشيخ خليفة الفشنى السفطى

ومنها العالم الفاضل والهمام الكامل الشيخ خليفة السفطى الشافعى، ولد بالقرية المذكورة وقدم إلى الأزهر وأخذ عن مشايخ وقته، ولازم الشيخ أحمد الصائم المتقدم الذّكر حتى مهر وتصدّى للتدريس فقرأ الكتب المفيدة وصار من أجلّ العلماء، وتولى مشيخة المقارئ المصرية وخطبة جامع المشهد الحسينى ومشيخة رواق الفشنية بالأزهر، وجعل أحد أعضاء مجلس الامتحان المحدث سنة تسع وثمانين، وكان أحد وكلاء الجامع الأزهر قبل مشيخة الشيخ مصطفى العروسى، توفى رحمه الله تعالى بعد أن صلى الصبح فجر يوم السبت فى شهر صفر سنة ثلاث وتسعين ومائتين وألف بقبة الإمام الشافعى، وحمل إلى بيته ثم أعلن موته، وكانت له جنازة حافلة وصلى عليه بالأزهر، ودفن فى تربة الشيخ الصائم بقرافة المجاورين.

(سفط العنب)

قرية من مديرية البحيرة بقسم النجيلة ويقال لها سفط قليشان، واقعة غربى ترعة الخطاطبة بالقرب من فرع السكة الحديد، وفى شمال منية يزيد بنحو ألفين وأربعمائة متر، وفى جنوب ناحية قليشان بنحو ألفين وستمائة متر، بها جامعان وقليل من الطواحين وجنائن، ولعمدتها الحاج إبراهيم الديب منزل بها مشيّد، وزمام أطيانها ألف وتسعمائة واحد وتسعون فدانا، وريها من ترعة الخطاطبة وغيرها.

(سفط القرعة)

قرية من مديرية البحيرة بقسم شبراخيت، فى شمال كفر محمود بنحو ألف وثمانمائة متر، وفى غربى ناحية اسمانية بنحو ثلاثة آلاف وستمائة

ص: 103

متر، ولعل هذه القرية هى سفط سليط لقربها من ناحية سليط التى يقال لها الآن مليط.

(سفط اللبن)

قرية من مديرية الجيزة بقسم أول واقعة فى الجنوب الغربى لناحية المعتمدية بنحو ألفى متر، وفى الشمال الغربى لكفر طهرمس بنحو ستمائة وخمسين مترا، ومبانيها بالآجر واللبن، وبها مساجد عامرة وتكسّب أهلها من الزراعة، وقد نشأ منها أحمد أفندى حامدى بيكباشى وهو الآن بديوان الحقانية.

(سفط ميدوم)

قرية من مديرية بنى سويف بقسم الزاوية واقعة غربى البحر الأعظم بالقرب من الجبل الغربى، وفى الجنوب الغربى لناحية الرقة بنحو ألفين وستمائة متر، وأغلب مبانيها بالآجر وبها جامع، وهى على تلول قديمة، وفى غربيها على بعد سبعمائة متر بالجبل الغربى هرم عظيم يضاف إلى اسمها.

(سفيطة)

بالتصغير قرية من مديرية الشرقية بقسم بلبيس، فى الجنوب الشرقى لناحية طحلة بردين، على بعد ألفى متر وفى الشمال الشرقى لناحية نشوة بنحو ألف وثمانمائة متر، مبانيها بالآجر واللبن وبها جامع.

(سلاقوس)

بلدة من مديرية المنية فى غربى النيل، بعيدة عنه بقدر أربعة آلاف متر وغربى الإبراهيمية أيضا، بينهما ألفان وخمسمائة متر، وفى الشمال الغربى لملطية بقدر ثلاثة آلاف وسبعمائة وخمسين مترا، وفى جنوب قرية الفنت بقدر أربعة آلاف وسبعمائة وخمسين مترا، وفيها مساجد ونخيل ومساكنها من اللبن والآجر، وفى شمالها الشرقى بقدر ألفين وخمسمائة متر فوريقة تبع

ص: 104

الدائرة السنية لم يتم تركيبها، فلذا ينقل قصب تفتيشها إلى فوريقة الفشن أو فوريقة مغاغة، ولم يعمل هناك إلى الآن فروع توصّل إليها من سكة الحديد العمومية، فينقل القصب على الجمال إلى السكة الحديد، وبجوار الفوريقة مساكن المستخدمين وديوان التفتيش، وأراضى هذا التفتيش ستة عشر ألف فدان وخمسمائة، تروى من الإبراهيمية بالفيضان فى زمنه وبالوابورات المركبة على جنبات السكة فى غير زمن الفيضان، والذى يزرع منها قصبا خمسة آلاف فدان وخمسمائة، والباقى يزرع حبوبا وغيرها.

(سلاّم)

على وزن شدّاد كما فى القاموس؛ قرية بالصعيد من قسم أسيوط واقعة على الشاطئ الغربى للبحر الأعظم، فى شمال منقباد بنحو ثلاثة آلاف متر، وفى الجنوب الشرقى لناحية بهيج بنحو ألفين وثمانمائة، وبها جامع وأبراج حمام، وبدائرها نخيل كثير وشجر سنط، وتكسّب أهلها من الفلاحة.

(سلطيس)

باللام ويقال لها الآن سنطيس بالنون، قرية صغيرة من مديرية البحيرة بقسم دمنهور، شرقى دمنهور البحيرة بنحو ساعة، وقبلى السكة الحديد الطوالى بنحو ثلث ساعة، وفى غربيها أثر بحر قديم يقال له بحر الأحكار، ويحيط بها جملة تلول قديمة، يستخرج منها طوب أحمر كثير بنى منه أهلها كثيرا من دورهم، وباعوا منه كثيرا لأهل دمنهور وغيرها، وبها جامع صغير بلا منارة وأشجار قليلة.

وفى «خطط المقريزى» عند فتح الإسكندرية أن المقوقس الرومى حاكم مصر صالح عمرو بن العاص على أن يسير من أراد من الروم المسير ويقرّ من أراد منهم القرار، على أمر قد سماه، فبلغ ذلك هرقل ملك الروم فسخط أشد السخط وأنكر أشد الإنكار، وبعث الجيوش فأغلقوا أبواب الإسكندرية وآذنوا عمرا بالحرب، وحصلت بينه وبين الروم جملة وقعات إحداها بناحية سلطيس

ص: 105

هذه، اقتتلوا فيها قتالا شديدا ثم هزمهم الله. وذكر فى موضع آخر من هذا الباب عن يزيد بن أبى حبيب أن عمرا سبى أهل بلهيب وسلطيس وقرطيا وسخا فتفرقوا وبلغ أولهم المدينة حين نقضوا، ثم كتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بردهم فرد من وجد منهم، وفى رواية أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب فى أهل سلطيس خاصة: من كان منهم فى أيديكم فخيروه فى الإسلام فإن أسلم فهو من المسلمين، له مالهم وعليه ما عليهم، وإن اختار دينه فخلوا بينه وبين قرينه، وكان البلهينى خير يومئذ فاختار الإسلام، وفى رواية أن أهل سلطيس وصا وبلهيب ظاهروا الروم على المسلمين فى جمع كان لهم، فلما ظهر عليهم المسلمون استحلوهم وقالوا: هؤلاء لنا فئ مع الإسكندرية، فكتب عمرو إلى عمر بن الخطاب بذلك، فكتب إليه عمر بن الخطاب أن تجعل الإسكندرية وهؤلاء الثلاث قريات ذمة للمسلمين وتضرب عليهم الخراج، ويكون خراجهم وما صالح عليه القبط قوة للمسلمين على عدوهم، ولا يجعلون فيئا ولا عبيدا ففعل ذلك، ويقال إنما ردهم عمر رضي الله عنه لعهد كان تقدم لهم، انتهى.

وقد فتشت على صورة هذا العهد فلم أعثر عليها بعينها، وفى كثير من الكتب صور عهود ومواثيق كانت تؤخذ للنصارى وعليهم، فمن ذلك ما وجدته فى الجلد التاسع من جرنال آسيا، المؤلف فى سنة ألف وثمانمائة واثنتين وخمسين مسيحية، من صورة عهد أخذ على نصارى العرب فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم لا بأس بسوقها هنا؛ لما فيها من الفوائد ونوع المناسبة ونصها:

بسم الله الرّحمن الرّحيم روى أبو داود أن النبى صلى الله عليه وسلم صالح أهل نجران على ألف حلة، النصف فى صفر والنصف فى رجب، يؤدونها على المسلمين، وعارية ثلاثين درعا وثلاثين فرسا وثلاثين بعيرا وثلاثين من كل صنف من أصناف السلاح، يغزون بها المسلمين ضامنون لها حتى يؤدوها إليهم، على أن لا تهدم لهم بيعة ولا يخرج لهم قس ولا يفتنون عن دينهم ما لم يحدثوا حدثا ويأكلوا الربا.

ص: 106

وروى عن عبد الرحمن بن غنم قال كتبنا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه من نصارى كذا أنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا، وشرطنا لكم على أنفسنا أن لا نحدث فى مدائننا ولا فيما حولها ديرا ولا كنيسة ولا قلية ولا صومعة راهب، ولا نجدد ما خرب منها ولا ما كان منها فى خطط المسلمين، ولا نمنع كنائسنا أن ينزلها أحد من المسلمين فى ليل ونهار، وأن نوسع أبوابها للمارين وابن السبيل، وأن ننزل من مر بنا من المسلمين ثلاث ليال نطعمهم، ولا نؤوى فى كنائسنا ولا فى منازلنا جاسوسا، ولا نكتم غشا للمسلمين، ولا نعلم أولادنا القرآن ولا نظهر شرعنا ولا ندعو إليه أحدا، ولا نمنع أحدا من ذوى قراباتنا الدخول فى الإسلام إن أرادوه، وأن نوقر المسلمين ونقوم لهم من مجالسنا إذا أرادوا الجلوس، ولا نتشبه بهم فى شئ من ملابسهم فى قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر، ولا نتكلم بكلامهم، ولا نتكنى بكناهم، ولا نركب بالسروج، ولا نتقلد السيوف ولا نتخذ شيئا من السلاح ونحمله معنا، ولا ننقش على خواتمنا بالعربية، ولا نبيع الخمور، وأن نجز مقادم رؤوسنا ونلزم زينا حيثما كان، وأن نشد الزنانير على أوساطنا، وأن لا نظهر صلباننا وكتبنا فى شئ من طرق المسلمين ولا أسواقهم، ولا نضرب بنواقيسنا فى كنائسنا إلا ضربا خفيفا، ولا نرفع أصواتنا بالقراءة فى كتبنا بحضرة المسلمين، ولا نرفع أصواتنا مع موتانا، ولا نرفع شعانيننا ولا طاغوتنا، ولا نظهر النيران فى شئ من طرق المسلمين ولا أسواقهم، ولا نجاورهم بموتانا، ولا نتخذ من الرقيق ماجرت عليه سهام المسلمين، ولا نطلع على منازلهم.

فلما أتيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالكتاب زاد فيه: «ولا نضرب أحدا من المسلمين، شرطنا ذلك على أنفسنا وأهل ملتنا ولنا عليه الأمان، وإن نحن خالفنا شيئا مما شرطناه لكم وضمناه على أنفسنا فلا ذمة لنا، وقد حل منا ما حل من أهل المعاندة والشقاق» ، فكتب إليه عمر رضي الله عنه: أمض

ص: 107

لهم ما سألوه وألحق فيه حرفين أشرطهما عليهم مع ما شرطوه على أنفسهم، أن لا يشتروا شيئا من سبايا المسلمين، ومن ضرب مسلما عمدا فقد خلع عهده.

وروى نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن عمر كتب إلى أهل الشام فى النصارى أن تقطع ركبهم وأن يركبوا على الأكف، وأن يركبوا فى شق؛ وهو أن تكون رجلاهم فى ناحية واحدة، وينبغى أن لا يباح الركوب إلا فى المواضع البعيدة والطرق الخالية، وأما فى أسواق المسلمين وداخل البلدة حيث يتضرر المسلمون بركوبهم فلا، اللهم إلا أن يكون شيخا كبيرا مضطرا إلى الركوب لزمانة أو ضعف، فينبغى أن يباح له الركوب، فهذا هو العهد الذى أخذه عمر بن الخطاب على النصارى. وفى بعض طرقه: وأن نكشف عن وجوه موتانا، وفى بعضها: ولا يوجد فى بيت أحد منا سلاح إلا انتهب، ولا يشارك أحد منا مسلما إلا أن يكون للمسلم أمر التجارة.

قال ابن حزم فى «مراتب الإجماع» : اختلف العلماء فى نقض عهد الذمى وقتله وسبى أهله إذا أخل بواحدة مما سنذكره، وهو إعطاء أربعة مثاقيل من ذهب فى انقضاء كل عام، صرف كل دينار اثنا عشر درهما، وأن لا يحدثوا كنيسة ولا بيعة ولا ديرا ولا صومعة، ولا يجددوا ما خرب منها، ولا يمنعوا المسلمين من النزول فى كنائسهم، وبيعهم ليلا ونهارا، ويوسعوا أبوابها للنزول، ويضيفوا من مر بهم من المسلمين ثلاث ليال، ولا يؤووا جاسوسا، ولا يكتموا غشا للمسلمين ويقوموا لهم من المجالس، ولا يتشبهوا بهم فى شئ من لباسهم ولا فرق شعورهم، ولا يتكلموا بكلامهم ولا يتكنوا بكناهم، ولا يركبوا على السروج، ولا يتقلدوا شيئا من السلاح، ولا ينقشوا فى خواتمهم بالعربية، ولا يبيعوا الخمور، ويجزوا مقادم رؤوسهم ويشدوا الزنانير، ولا يظهروا الصليب، ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم، ولا يظهروا فى طرق المسلمين نجاسة، ويخففوا النواقيس وأصواتهم، ولا يظهروا شيئا من شعائرهم ولا يتخذوا من الرقيق ما جرى عليه سهام المسلمين ولا يطلعوا عليهم عدوا، ولا يضربوا

ص: 108

مسلما ولا يسبوه ولا يستخدموه، ولا يسمعوا مسلما شيئا من كفرهم، ولا يسبوا أحدا من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولا يظهروا خمرا ولا نكاح ذات محرم، وأن يسكنوا المسلمين بينهم، فمتى أخلوا بواحدة من هذه اختلف فى نقض عهدهم، فقيل ينقض متى أخلوا بشئ من هذه الشروط لقوله تعالى:{إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَ لَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ} وهذا عام فى كل ما شرط عليهم، فمفهوم هذا أنهم متى أخلوا بشئ مما شرط عليهم نقض عهدهم.

وقول على رضي الله عنه: لئن بقيت لنصارى بنى تغلب لأقتلن المقاتلة ولأسبين الذرية؛ فإنى كتبت الكتاب بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا ينصروا أولادهم-يدل على نقض عهدهم إذا أخلوا بما شرط عليهم، وروى عن عمر رضي الله عنه أن ذميا نخس بغلا عليه مسلمة فوقعت فانكشفت عورتها فأمر بصلبه فى ذلك الموضع، وقال: إنما عاهدناهم على إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون.

وروى أن بنى تغلب دخلوا على عمر بن عبد العزيز فقالوا: يا أمير المؤمنين إنا قوم من العرب افرض لنا فقال: نصارى قالوا: نصارى قال: ادعو إلى حجّاما ففعلوا، فجز نواصيهم وشق من أرديتهم حزما يحتزمونها وأمرهم أن لا يركبوا بالسروج ويركبوا بالأكف من شق واحد.

قال العلماء رضي الله عنهم: ويلزمهم أن يتميزوا عن المسلمين فى لباسهم، وإن لبسوا قلانس ميزوها عن قلانس المسلمين بالخرق، ويشدوا الزنانير فى أوساطهم، ويكون فى أعناقهم خاتم من نحاس أو رصاص أو جرس يدخلوه معهم الحمام، وليس لهم أن يلبسوا العمائم والطيلسان، وأما المرأة فتشد الزنار تحت الإزار، وقيل فوق الإزار وهو الأولى، ويكون فى عنقها خاتم يدخل معها الحمام، ويكون أحد خفيها أسود والآخر أبيض، ولا يركبوا الخيول ويركبوا البغال الحمير بغير السروج بل بالبراذع عوضا عنها، من شق واحد فى

ص: 109

المواضع البعيدة على ما بيناه قبل ذلك، ولا يصدرون فى المجالس ولا يبدءون بالسلام ويلجئوا إلى أضيق الطريق، ويمنعون أن يعلوا على المسلمين فى البناء، وتجوز المساواة وقيل لا تجوز بل يمنعون، ويمنعون من إظهار المنكر والخمر والخنزير والناقوس والجهر بالتواراة والإنجيل، ويمنعون من المقام فى الحجاز وهو مكة والمدينة واليمامة، ويجعل الإمام عليهم رجلا يكتب أسماءهم وحلاهم، ويستوفون جميع ما يؤخذون به من جميع الشرائط، وإن امتنعوا من أداء الجزية والتزام أحكام الملة انتقض عهدهم، وإن زنى أحد منهم بمسلمة أو أصابها بنكاح أو آوى الكافر أو دل على عورة المسلمين أو ذكر الله تعالى بما لا يجوز-قتل؛ لنقض العهد.

وروى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قتل رجالا من بنى قريظة وسبى ذراريهم وقتل كعب بن الأشرف، قال العلماء فيه أن المعاهد أو الذمى إذا نقض العهد كان حكمه حكم المحارب، وأن الإمام يحاربهم إذا نقضوا العهد ولا خلاف فيهم إذا حاربوا أو أعانوا أهل الحرب وله أن يبتدئهم بالحرب.

واختلف فى تعليم القرآن فمذهب مالك-رضي الله عنه-منع ذلك، ومذهب أبى حنيفة إباحته، واختلف قول الشافعى؛ حجة الجواز الرغبة فى الإسلام، وحجة المنع كونه نجسا كافرا فى الحال، وخشية الاستهزاء إذ هو عدوّ لله ولكتابه لئلا يعرضه للاستهانة والاستخفاف به، ولما تعارض هذا اختلف قول الشافعى رضي الله عنه.

وسئل مالك عن مؤاكلة النصرانى فى إناء واحد فقال: تركه أحب إلىّ وأما حرام فلا، ولا نصادق نصرانيا، قال بعض العلماء: الوجه فى منع مصادقة النصرانى أن الله تبارك وتعالى يقول: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ .. } . الآية، فواجب على كل من يؤمن بالله أن يبغض من يكفر بالله تعالى ويجعل معه إلها آخر ويكذب برسله، ومؤاكلته من إناء واحد تقتضى الألفة بينهما والمودة فهى تكره.

ص: 110

من هذا قال ابن وهب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تخالطن إلا مؤمنا» .

واختلف العلماء رضي الله عنهم فى تكنية الكافر هل تباح أم لا؟.

واستدل من أباحها بقوله تعالى: {تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَّ} وهذا لا دليل فيه، لأن اسمه عبد العزى فلو ذكره الله تعالى باسمه أثبت العبودية لغيره، وقيل: كانت كنيته أغلب من اسمه، وكان بها مشتهرا.

وقال مالك: وأكره للمسلم أن يعلم أحدا من النصارى الخط وغيره، وأكره أن يطرح ابنه فى كتاب العجم ليتعلم الكتابة الأعجمية.

وأما مقارضة الذمى فالمنصوص أنه لا يجوز للمسلم أن يدفع له مالا يعمل فيه بالقراض لاستحلاله للربا، وأما المسلم فيكره له أخذ القراض لأنه من باب إجارة المسلم نفسه من الكافر.

وإذا عطس الذمى لا يقال له «يرحمك الله» وإنما يقال: «يهديك الله ويصلح بالك» ، وكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع اليهود، وكانوا يتعاطسون عنده فأسلم رجل منهم؛ حيث دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهداية.

وإن زنى الذمى بمسلمة طائعة فاختلف فى نقض عهده بذلك، فعلى هذا إن أكرهها على الزنا لا نعلم خلافا لنقض عهده بذلك. وإن امتنع من أداء الجزية انتقض عهده وحل ماله.

وأما إن سبّ النبى صلى الله عليه وسلم فإنه يقتل، وهل يسقط عنه الإسلام القتل، فيه قولان. وكل ما يقتل الذمى فيه لنقض فإنه يسقط عنه القتل بالإسلام.

وإن اشترى عبدا مسلما أو مصحفا يؤدب على ذلك.

وسئل مالك رضي الله عنه عن الكتاب الذى فيه التوراة والإنجيل أترى نبيعه من اليهود والنصارى؟ قال: وهل يعرف أنه توراة أو إنجيل؟ قال: نعم.

ص: 111

قال: لا أرى أن نبيعه ولا نأكل ثمنه، قال بعض العلماء: لأن دين الإسلام ناسخ لجميع الأديان، فلا يحل أن يباع لمن يعتقد العمل بما فيها ويكذب القرآن الناسخ لها، ولو صح أنها توراة أو إنجيل وذلك لا يصح، إذ لا طريق إلى معرفة صحته.

وقد أخبر الله تعالى أنهم بدلوا التوراة والإنجيل.

وكره مالك معاملة الكفار بالدنانير والدراهم التى كانت فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم أو بشئ من ذلك، لأنها كانت ضرب فارس وضرب الروم والله أعلم.

‌ذكر كنائسهم

روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تبنى بيعة فى الإسلام ولا يجدّد ما خرب منها» ، وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لا كنيسة فى الإسلام» ، وأمر عمر رضي الله عنه أن تهدم كل كنيسة لم تكن قبل الإسلام، ومنع أن تحدث كنيسة، وأمر ألا يظهر صليب خارج كنيسة إلا كسر على رأس صاحبه، وأمر عروة بن نجد بهدمها بصنعاء، وهذا مذهب علماء الإسلام وشدد عمر بن عبد العزيز، وأمر ألا يترك فى دار بيعة ولا كنيسة بحال قديمة ولا حديثة وهكذا.

قال الحسن البصرى: من السنة أن تهدم الكنائس التى فى الأمصار القديمة والحديثة، وكتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أن امنعوا النصارى من رفع أصواتهم فى كنائسهم؛ فإنها أبغض الأصوات إلى الله تعالى، ويمنع أن يبنى ما خرب منها، وفيه قولان: قال الإصطخرى: إن طيّنوا ظاهر الحيط منعوا وإن طيّنوا داخله الذى يليهم لم يمنعوا، والله أعلم.

‌ذكر الجزية

اختلف العلماء، هل الجزية أمر مقدر لا يزيد على ما قرره عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولا ينقص عنه، أو ذلك راجع إلى اجتهاد الإمام وهو الأقيس،

ص: 112

والقول الثالث أنه لا ينقص عما قرره الإمام عمر رضي الله عنه وتجوز الزيادة، ومذهب مالك أربعون درهما على أهل الورق وأربعة دنانير على أهل الذهب، صرف كل دينار عشرة دراهم، والذى قرره عمر ثمانية وأربعون درهما على الغنى، وعلى من دونه أربعة وعشرون درهما، وعلى من دونه اثنا عشر درهما، فيجوز للإمام أن يجتهد فى ذلك.

وفى وقتنا هذا يجوز أن يجعل على بعضهم ألف دينار فى السنة لا يعجز عنها لكثرة ما يحصلونه من أموال المسلمين، ويجب على الإمام أو نائبه إذا اطلع على خيانتهم فى الأموال أن ينزعها منهم، وإن لم يعلم ذلك فله أن يشاطرهم بأخذ نصف أموالهم إن كانت لهم أموال قبل الولاية، وأما إن كانوا فقراء وصعاليك فله أن يأخذها بكمالها كما فعل عمرو رضي الله عنه بعدول مصريه، وكانت حجته فى ذلك أنهم انتفعوا فى أموالهم بجاه المسلمين ولم تظهر عليهم خيانة، والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، انتهى.

(سلكة)

قرية من مديرية الدقهلية بمركز نوسة شرقى ترعة المنصورية، وفى جنوب ناحية الحواوشة بنحو ألف وخمسمائة متر، وفى الشمال الشرقى لناحية نوسة الغيط بنحو ألفين وثمانمائة متر، وبها جامع بلا منارة.

(سلمون)

بمهملة فلام مفتوحتين فميم فواو فنون، خمسة مواضع بمصر كما فى القاموس وهى هذه:

(سلمون البحيرة)

قرية من مديرية البحيرة بمركز النجيلة، على الشاطئ الغربى لفرع رشيد، وفى الشمال الشرقى لناحية بريم بنحو أربعة آلاف وأربعمائة متر، وفى الجنوب الشرقى لناحية دمتيوه بنحو ثلاثة آلاف متر، وبها جامع وأشجار قليلة.

ص: 113

(سلمون الصعيد)

قرية قديمة من مديرية أسيوط بقسم الدوير، فى غربى النيل بنحو ألف متر، وفى جنوب الوعاضلة بنحو ألفى متر، وفى شمال ناحية طما بنحو خمسمائة متر، وهى فى حدود مديرية أسيوط وجرجا، ونخيلها ملتصق بنخيل طما، وبها جوامع وأبراج حمام وأبنيتها على تلول عالية يؤخذ منها السباخ، ويزرع فى أطيانها الدخان البلدى المشروب بكثرة.

(سلمون عشما)

قرية من مديرية المنوفية بقسم منوف، على الشاطئ الغربى لترعة السمسمية، فى غربى ناحية عشما بنحو ربع ساعة، وفى الشمال الشرقى لناحية نادر بنحو ساعة، وفى شمالها بنحو عشرة دقائق قرية تسمى بهذا الاسم أيضا على هذا الشط، وتكسّب أهلهما من الفلاحة، وبكل منهما مسجد.

(سلمون الغبار)

قرية من مديرية الغربية بقسم بسيون شرقى ترعة أم يوسف بنحو ألفى متر، وفى الشمال الشرقى لناحية شبرى تينى بنحو ألف وثمانمائة متر، وفى الشمال الغربى لناحية شبرى نطول بنحو ألفين وأربعمائة متر، وبها جامع وتكسب أهلها من الزراعة المعتادة، وممن عمته الإحسانات الخديوية من أهلها: حضرة السيد أفندى النجار، أنعم عليه برتبة بيكباشى بألايات البيادة وهو بها إلى الآن.

‌ترجمة الشيخ عبيد بن عبد الله السلمونى

وقد نشأ من هذه القرية كما فى «الضوء اللامع» للسخاوى عبيد بن عبد الله بن محمد بن يونس بن حامد السلمونى نسبة لسلمون الغبار بالغربية ثم القاهرى الأزهرى الشافعى الشاعر، ولد فى رجب سنة أربع وخمسين وثمانمائة بسلمون وقدم القاهرة فقرأ القرآن واشتغل قليلا، ولازم محمد الطنتدائى الضرير ثم عبد الحق السنباطى وغيرهما، وحفظ من كلام الصوفية الكثير، ثم أقبل على الشعر وأكثر من مطالعته، ولا زال يتدرب بالشهاب المنزلى حتى صقل نظمه، ومدح الأكابر مثل البدر بن ناظر الجيش والزينى ابن مزهر وغيرهما، ومن نظمه قوله:

ص: 114

وملزمى بالعروض أتقنه

وذاك مالا أراه لى أربا

فقلت دعنى مما تكلفنى

فالطبع لا شك يغلب الأدبا

وقوله:

بدت بشعرية قد انحسرت

عن بعض ذاك الجبين للعانى

فكان أدنى الذى أشبه ما

به بدت بالهلال فى الثانى

ا. هـ. ولم يذكر تاريخ موته رحمه الله تعالى.

‌ترجمة الشيخ أحمد بن خليل السلمونى

ومن إحدى هذه القرى الشيخ أحمد بن خليل السلمونى الأديب الشاعر، جامع أشتات المعادن، المشار إليه بالبنان فى البيان، مشكور السيرة، صافى السريرة كان له مهارة جيدة فى فنون عديدة وأشعار أنيقة، منها قصيدة مطلعها:

ماذا الذى وسق الأحشاء بالنصل

ولم يدع موضعا فيها لمتصل

أذاك زرق رماح من كماة وغى

أم ذاك رشق نبال من بنى ثعل

أم هى عيون بأوتار الجفون رمت

سهام ألحاظها قسى الحواجب لى

وهى طويلة، وكانت وفاته بمصر سنة سبع وثلاثين وألف، انتهى من «خلاصة الأثر» .

(سلمون القماش)

قرية من مديرية الدقهلية بمركز دكرنس، على الشاطئ الشرقى للبحر الصغير فى جنوب دكرنس على نحو أربعة آلاف قصبة، وفى وسطها جامع بمنارة وكنيسة للأقباط، وسوق صغير مشتمل على دكاكين وقهاو، ولها سوق عمومى كل يوم أحد يباع فيه المواشى والسمك وغيرها، وبها صيادون للسمك بكثرة، ولأهلها شهرة بنسج الأقمشة الجيدة وصناعة آلات الطواحين، فينتشرون فى البلاد لعمارة الطواحين، وكثير من أقباطها صيارف وكتاب

ص: 115

وصاغة ونحالة يولدون النحل ويستخرجون منه العسل والشمع الإسكندرانى، وبدائرها أشجار كثيرة.

(السليمات)

بالتصغير مع إسكان التحتية؛ قرية من مديرية قنا بقسم سمهود، فى الجنوب الشرقى لسمهود بنحو ثلاثة آلاف وخمسمائة متر، وفى شمال فرشوط بنحو عشرة آلاف متر، وفى شرقى الجبل الغربى بنحو ألف وثمانمائة متر، أبنيتها كمعتاد الأرياف ومسجدها بلا منارة، وفيها بيت مشيد فيه غرف ومناظر ومضيفة متسعة لعمدتها عبد الرحمن أبى سليم، كان ناظر قسم زمن العزيز محمد على، وله بها عصارات لقصب السكر ويزرع بأرضها كثيرا، وله أيضا بستان ذو فواكه، ويزرع فى أرضها العدس كثيرا والذرة العويجة.

(السليمية)

قرية من مديرية قنا بقسم فرشوط، فى شمال فرشوط بنحو ألفى متر وقبلى سمهود بنحو ثلاثة آلاف متر، وبها جامع وزاويتان، ويمر من وسطها ترعة الحمرانية الموصلة إلى وادى برديس، وفيها جملة من النخيل وأشجار السنط، ولعمدتها عبد العال دوار ومضيفة بداخلها زاوية للصلاة، وزراعة أهلها الجلبات والشعير والقمح والفول.

وقد ظهر من هذه القرية فى سنة ست وثلاثين ومائتين وألف رجل اسمه الشيخ أحمد يدعى الصلاح، وأقام بناحية حجازة من بلاد قفط، واجتمعت عليه الناس وصار يعطيهم العهود، وكثرت أتباعه حتى بلغوا نحو أربعين ألفا على ما قيل، فاغتر بذلك وأظهر الخروج على الحكومة ورتب من أتباعه حكاما كحكام الديوان، وضرب على البلاد الجرائم ونهب الأموال وما فى الأشوان من غلال الميرى وما عند الصيارف من النقود، وأكثر من الإفساد برا وبحرا وخافته البلاد والحكام، وتمادى على ذلك نحو شهرين ثم أرسل له الباشا تجريدة فتقابلوا معهم عند ناحية الخربة، فمن أول طلق المدفع فروا هاربين ومات منهم

ص: 116

خلق كثيرون، وفّر هو هاربا إلى القصير ثم لحق بالحجاز وخفى خبره، وقد حصل مثل ذلك تقريبا بناحية قاو من مديرية جرجا سنة ثمانين ومائتين وألف.

(السماحات)

قرية من بلاد الغربية بمركز كفر الشيخ شرقى بحر النظام بنحو ألف متر، وفى غربى ناحية الحلافى بنحو ستة آلاف متر، وفى الجنوب الغربى لناحية الوزيرية بنحو ثمانمائة متر، وبها جامع وبدائرها نخيل وفى غربيها تل قديم يسمى الآن بكوم السماحات.

وفى الجبرتى «فى حوادث سنة أربع وعشرين بعد المائتين والألف» أن السماء أمطرت فى تلك الناحية بردا صغيرا وكبيرا قدر بيض الدجاج، وتهدمت منها دور وقتلت بعض مواش وآدميين وأهلكت زروعا كثيرة (قلت) وفى أيامنا هذه أعنى فى يوم ثلاث وعشرين من ربيع الآخر سنة ثلاث وتسعين بعد المائتين والألف حصل مثل ذلك فى كثير من بلاد الدقهلية، فى النقطة المحددة من الجهة الغربية بالنيل من المنصورة إلى منية سمنود، ومن الجهة الشمالية بالبحر الصغير من المنصورة إلى دكرنس، ومن جهة الشرق من دكرنس إلى السنبلاوين، ومن جهة الجنوب من السنبلاوين إلى منية غمر، وقد قيل لى إنه لم يتعد هذا التحديد.

(سمادون)

قرية هى رأس مركز من مديرية المنوفية فى غربى ترعة النعناعية، أبنيتها بالآجر واللبن وبها ستة مساجد معمورة أشهرها مسجد الشيخ محمد أبى عطية وضريحه به ظاهر يزار، وبها محل الضبطية ومجلس المركز، وفى غربيها عزبة صغيرة بها مقام يقال له مقام سيدى هجرس، وفى جنوبها تل قديم يقال له «كوم أبى صلاح» يسكن فوقه أعراب من عرب الحويطات، ولأهلها شهرة فى نسج الخيش والثياب الصوف العلاجى وصناعة الفخار مثل القلل والأباريق وتكسّبهم من ذلك ومن الزرع، ورىّ أرضها من ترعة الشنتورية وغيرها.

ص: 117

(سمالوط)

هذه القرية كانت تسمى فى الأزمان القديمة سينوبوليس وكانت رأس إقليم، وهى بعيدة عن مدينة المنية بقدر ثلاثة وعشرين ألف متر فى جهة الشمال، وعن البهنسا بقدر ستة وثلاثين ألف متر فى الغرب الشمالى، وذكر بطليموس أنها كانت فى جزيرة، لكن يغلب على الظن خلاف ذلك، وإنما هى فى محلها الآن فى الأرض القارة، فلعله كان بقربها جزيرة تابعة لها وكان بها بعض بيوت من أهالى سملوط فنسبت إليها ثم أخذها البحر، ولا يوجد الآن شئ من المعابد والمبانى القديمة التى كانت فى تلك المدينة يستدل منها على ما كانت عليه، وإنما يستفاد من أقوال استرابون أن أهاليها كانوا يقدسون أنوبيس فى صورة كلب، ويعظمونه ويقرّبون له القرابين ويبجلونه بتبجبلات مخصوصة، واسم المدينة الرومى يحقق ذلك لأن كلمة سينوبوليس مركبة من لفظة سينو الذى معناها الكلب وبوليس التى معناها المدينة؛ فيكون معنى مجموع الكلمتين مدينة الكلب، وليس المراد أنهم كانوا يعبدونه بل كانوا يعظمونه لأمر يعرفه القسيسون كما مر نظيره، ومن ذلك ما روى عن ديودور أن أنوبيس كان أحد أصحاب أوزيس وكان يتميز عن أصحابه بجلد كلب يلبسه، ولعل ذلك كان إشارة للشعرى اليمانية المسماة عند الإفرنج سيروس أو الكلب، ومن المعلوم أن طلوع هذا النجم كان له اعتبار عظيم عند المصريين، لأنه كان المبشر لهم بالفيضان، ويوجد كثيرا فى نقوش المبانى صورة ابن آوى، وكان المصبرون للأموات يضعون على وجوههم براقع على صورة وجه هذا الحيوان، وتوجد هذه الصورة فى المخازن مكررة فى الأحوال المختلفة، ويغلب على الظن أن المصريين بدلوا هذا الحيوان بصورة الكلب؛ لأنه أشبه شئ به ولا يوجد هذا الحيوان فى بلادهم، ثم إن بطليموس ذكر مدينة تسمى كو (بكسر الكاف وسكون الواو) بقرب مدينة سينو بوليس وجعلها رأس قسم، فيكون قد وجد فى آن واحد مدينتان بينهما مسافة صغيرة، فإن كان ذلك صحيحا فأين الآثار الباقية لهما أو لأحدهما، مع أنه لا يوجد إلا دير يعرف بدير

ص: 118

سمالوط بالقرب منها، فلعل الجزيرة التى تقدم القول عليها-المعروفة بجزيرة بنى حسن-كانت مشتملة على مبان شهيرة كمقياس للنيل، فأطلق عليها اسم كو، وكانت المدينة الأصلية فى محل الدير والقرية الجديدين، وبين سمالوط والبحر الأعظم نحو ثلثمائة قصبة، والإبراهيمية والسكة الحديد يمران من شرقيها، وتكسب أهلها من الزراعة والتجارة وفيها عائلة الشريعى، بيتهم من البيوت المشهورة من زمن قديم وهو مورد للأغراب والفقراء، ويقال أنه يعمل عندهم الرغيف ربع ويبة كبيت أبى مناع فى بلاد قنا، وبيت أبى فواز فى العسيرات، ولهم بستان فيه أنواع الفواكه وبه قصر كقصور مصر، ومنهم حسن باشا كان مديرا بالجيزة ثم بالدقهلية، ثم صار رئيس مجلس الاستئناف بمديرية أسيوط، ثم تولى نظارة ديوان عموم الأوقاف، وكان والده على أفندى الشريعى باشمعاون مديرية من مدة أحمد باشا طاهر إلى أن توفى، وفيها مساجد عامرة وبيوتها من الآجر واللبن وفيها نخيل وأشجار، وفى شمال هذه القرية بقدر ألف ومائتين وخمسين مترا أنشأ الخديوى إسماعيل باشا فوريقة لعصر القصب وعمل السكر، آلاتها فرانساوية مثل فوريقة مطاى، وبجوارها كافة ما يلزم لها من الورش ومساكن المستخدمين، وأمامها محطة السكة الحديد ويتفرع منها فرع يوصل إلى الفوريقة وفرع يوصل إلى مرسى المراكب، وأطيان هذا التفتيش عشرة آلاف فدان، يزرع منها قصبا خمسة آلاف وخمسمائة والباقى يزرع حبوبا وقطنا وغير ذلك، ويتحصل من الفوريقة يوميا خمسمائة قنطار سكرا أبيض حبا، ومائتا قنطار سكرا أحمر أقماع، وأربعون قنطار اسبيرتو، ومحصولها سنويا خمسون ألف قنطار من السكر الأبيض وعشرون ألفا من الأحمر واثنا عشر ألفا من السبيرتو، ومن حوادث هذه القرية ما فى «نزهة الناظرين» أن الأمير محمد بيك حاكم الصعيد أرسل كتخداه قانصوه بثلثمائة من العسكر فى سنة سبع وستين وألف إلى ناحية سمالوط؛ لينهبوا شون غلالها ويحرقوا ما بقى بعد النهب، فلما وصلوا إلى البلد واجههم أهل البلد وأعانهم أهل البلاد المجاورة فمنعوهم عن الوصول إلى الغلال، فلما

ص: 119

رأى قانصوه أنه ما قدر على التمكن من نهب الشون وحرقها ورأى قوة شوكة المانعين له وضعف حاله وحال عسكره وخاف من عساكر مصر رجع إلى أستاذه محمد بيك وكان بملوى، انتهى.

وقد ذكرنا ترجمة محمد بيك وما وقع له فى الكلام على منفلوط.

(سماليج)

قرية من مديرية المنوفية بقسم مليج، واقعة بين ترعتى القاصد والبتنونية الصيفية، وبجوارها قرية بتبس على نحو ألف وخمسمائة متر، وفى غربيها على ثمانمائة متر كفر القلشى وهو قرية صغيرة، ورى أرض سماليج من ترعتى الجردة والقاصد القديمة، وفى زمن الصيف لا يتمكن أهلها من الزرع لقلة الماء بها وقتئذ.

‌ترجمة الشيخ أحمد بن أحمد السماليجى

وقد ذكر الجبرتى فى حوادث «سنة تسع وثمانين ومائة وألف» أن هذه القرية ولد بها الفقيه الصالح والصوفى الناجح الشيخ أحمد بن أحمد السماليجى الشافعى الأحمدى المدرس بالمقام الأحمدى بطنتدا، قدم إلى الأزهر بعد ما حفظ القرآن ببلده، فحضر دروس الشيخ عطية الأجهورى والشيخ عيسى البراوى والشيخ أحمد الدردير وغيرهم، ثم رجع إلى طنتدا فاتخذها سكنا وأقام بها يقرأ دروسا ويفيد الطلبة ويفتى على مذهبه ويقضى بين المتنازعين من أهالى البلاد، حتى راج أمره واشتهر ذكره بتلك النواحى ووثقوا بقوله واجتمع عليه الكثير من الناس بمكانه المسمى بالصف فوق باب المسجد، ثم تزوج بامرأة جميلة الصورة من بلد الفرعونية فرزق منها بولد سماه أحمد، وكان فى غاية من الحسن والجمال، وبعد أن حفظ القرآن حفظ المتون وحضر فى الفقه والفنون، وكان نجيبا جيد الحافظة يحفظ كل شئ سمعه من مرة واحدة، ونظم الشعر من غير قراءة شئ من علم العروض.

قال الجبرتى: وقد رأيته فى أيام زيارة سيدى أحمد البدوى رضي الله عنه فى سنة تسع وثمانين ومائة وألف، فلما حضر إلىّ وسلم علىّ جذبنى بحسن ألفاظه وسحر ألحاظه، وطلب منى تميمة فوعدته بها وتأخرت فى إرسالها؛

ص: 120

فكتب إلى أبياتا فى ضمن مكتوب أرسله إلىّ وهى هذه:

يا أيها المولى الهما*م ومن رقى رتب العلا

يا مفردا فى عصره*ومفضّلا بين الملا

يا يوسف العصر الذى*عنه فؤادى ماسلا

يا عبد رحمن الورى*يا ذا المحاسن والحلا

يا ابن الجبرتى الذى*به المعنى اشتغلا

ما لاح نجم فى الدّجى*أو سار ركب فى العلا

هذا وقد أوعدتنى*بتميمة تسمو على

حرز الأمانىّ الذى*ما مثله حرز خلا

فاسمح وجد يا سيدى*وانعم به متفضلا

ولا تطع فى صبك ال *مضنى الشّجى العذلا

وامنن برد جوابه*فالجسم منه تنحّلا

والطرف أمسى ساهرا*والصبر عنه ترحلا

والعبد قد أورثته*سقما فلا حول ولا

ثم بعد بلوغ هذا الشاب زوّجه المترجم بزوجتين فى سنة واحدة، ولم يزل يجتهد ويشتغل حتى مهر وأنجب ودرس، ثم اخترمته المنية فى شبابه وذلك فى سنة ثلاث ومائتين بعد الألف، وخلف ولدا صغيرا استأنس به جده المترجم وصبر على فقد ولده النجيب، ثم مات بعده بزمن قريب، رحمهم الله تعالى.

(سمنود)

بمهملة فميم فنون مشدّدة فواو فدال مهملة؛ بلدة قديمة من أعظم بلاد مديرية الغربية ومركز من مراكزها، موضوعة على الشط الغربى لبحر دمياط، وكانت تعرف قديما باسم جمنوتى أو جمنوت، وكانت تسمى أيضا فى التواريخ القديمة سبنيت أو سبنيته، قال مرييت: إن فراعنة العائلة الثلاثين كانت من مدينة سبنيت التى هى سمنود، ومدتهم ثمانية وثلاثون سنة، وكان جلوس أول فراعنتها على التخت قبل المسيح بثلثمائة وثمانية وسبعين سنة، وفى آخر زمن فراعنتها استولت الفرس على مصر مرة ثانية، وأقامت بها ثمان سنين ثم جلاهم عنها إسكندر الأكبر، ومن حينئذ انتزع الملك من أيدى الفراعنة الأصليين، وهى أيضا مسقط رأس مانيتون المؤرخ الذى نقل عنه الرومانيون وغيرهم مانقلوه من تاريخ المصريين الأول، وكان له معرفة بالمعارف

ص: 121

المصرية القديمة واللغة اليونانية، وألف لبطليموس تاريخ مصر باللغة المذكورة ثم فقد هذا التاريخ فيما فقد من آثار الأول، ولم يبق منه إلا بعض قطع رواها عنه من بعده من المؤرخين، وهى من أجل ما يعتمده المؤرخون فى تاريخ مصر بعد نقوش الآثار العتيقة، ويعبرون عن مانيتون بالمؤرخ، انتهى.

وكان بها-كما فى المقريزى-كنيسة باسم الرسل، كانت فى بيت وذكر من ضمن العجائب التى كانت بمصر بربا سمنود، ونقل عن أبى عمر الكندى أنه قال: رأيته وقد خزن فيه بعض عمالها قرظا، فرأيت الجمل إذا دنا من بابه بحمله وأراد أن يدخله سقط كل دبيب كان فى القرظ ولا يدخل منه شئ إلى البربا، وكان على البربا هيئة درقة فيها كتابة، حكى ابن ذولاق عن أبى القاسم مأمون العدل أنه سمع أنه نسخ تلك الكتابة فى قرطاس وصوره على هيئة درقة، قال: فما كنت استقبل به أحد إلا ولّى هاربا، وكان بها أيضا تماثيل وصور من تملك مصر، فيهم قوم عليهم شاشيات وبأيديهم الحراب وعليهم مكتوب «هؤلاء يملكون مدينة مصر» اه مقريزى.

وكانت سمنود فى صدر الإسلام من المنازل التى ينزلها العرب لربيع خيولهم، كما فى المقريزى عند ذكر محاريب مصر حيث قال نقلا عن ابن لهيعة: وكان إذا جاء وقت الربيع كتب (يعنى عمرو بن العاص) لكل قوم (يعنى من قبائل العرب) بربيعهم ولبنهم إلى حيث أحبّوا، وكانت القرى التى يأخذ فيها معظمهم منوف وسمنود واهناس وطحا، ونقل عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب قال: كان عمرو يقول للناس إذا قفلوا من غزوهم: إنه قد حضر الربيع فمن أحب منكم أن يخرج بفرسه يربعه فليفعل، ولا أعلمن ما جاء أحد قد أسمن نفسه وأهزل فرسه، فإذا حمض اللبن وكثر الذباب ولوى العود فارجعوا إلى قيروانكم، وعن ابن لهيعة أيضا، عن الأسود بن مالك الحميرى، عن بجير بن ذاخر المعافرى قال: رحت أنا ووالدى إلى صلاة الجمعة تهجيرا -وذلك بعد حميم النصارى بأيام يسيرة-فأطلنا الركوع، إذ أقبل رجال بأيديهم

ص: 122

السياط يزجرون الناس فذعرت فقلت: يا أبت، ما هؤلاء؟ فقال: يا بنى هؤلاء الشرط، فأقام المؤذنون الصلاة فقام عمرو بن العاص على المنبر، فرأيت رجلا ربعة قصير القامة وافر الهامة أدعج أبلج، عليه ثياب موشاة كأن به العقبان، تأتلق عليه حلة وعمامة وجبة، فحمد الله وأثنى عليه حمدا موجزا وصلى على النبى صلى الله عليه وسلم ووعظ الناس وأمرهم ونهاهم، فسمعته يحض على الزكاة وصلة الأرحام، ويأمر بالاقتصاد وينهى عن الفضول وكثرة العيال وإخفاض الحال، فقال: يا معشر الناس إياكم وخلالا أربعا فإنها تدعو إلى النصب بعد الراحة، وإلى الضيق بعد السعة، وإلى الذلة بعد العزة، إياكم وكثرة العيال وإخفاض الحال وتضييع المال والقيل بعد القال فى غير درك ولا نوال، ثم إنه لابد من فراغ يئول إليه المرء فى توديع جسمه والتدبير لشأنه وتخليته بين نفسه وبين شهواتها، ومن صار إلى ذلك فليأخذ بالقصد والنصيب الأقل، ولا يضيع المرء فى فراغه نصيب العلم من نفسه فيجوز من الخير عاطلا، وعن حلال الله وحرامه غافلا يا معشر الناس، إنه قد تدلت الجوزاء وزلت الشعرى وأقلعت السماء وارتفع الوباء وقل الندى، وطاب المرعى ووضعت الحوامل ودرجت السخائل، وعلى الراعى بحسن رعيته حسن النظر، فحى لكم على بركة الله تعالى، إلى ريفكم تنالوا من خيره ولبنه وخرافه وصيده، وأربعوا خيلكم وأسمنوها وصونوها وأكرموها، فإنها جنتكم من عدوكم وبها مغانمكم وأنفالكم، واستوصوا بمن جاورتموه من القبط خيرا، وإياكم والمومسات المعسولات، فإنهن يفسدن الدين ويقصرن الهمم، حدثنى عمر أمير المؤمنين أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله سيفتح عليكم بعدى مصر فاستوصوا بقبطها خيرا فإن لهم فيكم صهرا وذمة، فكفوا أيديكم وعفوا فروجكم وغضوا أبصاركم، ولا أعلمن ما أتى رجل قد أسمن جسمه وأهزل فرسه، واعلموا أنى معترض الخيل كاعتراض الرجال فمن أهزل فرسه من غير علة حططته من فريضته قدر ذلك، واعلموا أنكم فى رباط إلى يوم القيامة؛ لكثرة الأعداء حولكم وتشوف قلوبهم إليكم وإلى داركم معدن الزرع

ص: 123

والخير الواسع والبركة النامية، وحدثنى عمر أمير المؤمنين أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا افتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا؛ فذلك الجند خير أجناد الأرض، فقال له أبو بكر رضي الله عنه: ولم يا رسول الله قال: لأنهم وأزواجهم فى رباط إلى يوم القيامة، فاحمدوا الله معشر الناس على ما أولاكم فتمتعوا فى ريفكم ماطاب لكم، فإذا يبس العود وسخن الماء وكثر الذباب وحمض اللبن وصوّح البقل وانقطع الورد من الشجر-فحىّ إلى فسطاطكم على بركة الله، ولا يقدمن أحد منكم ذو عيال إلا ومعه تحفة لعياله على ما أطاق من سعته أو عسرته، أقول قولى هذا وأستحفظ الله عليكم، قال: فحفظت ذلك عنه فقال والدى بعد انصرافنا إلى المنزل لما حكيت له خطبته: إنه يا بنى يحض الناس إذا انصرفوا إليه على الرباط كما حضهم على الريف والدعة، انتهى.

وفى زمن عبد الملك بن مروان-وكان موسى بن نصير أمير مصر-خرج بسمنود رجل من القبط اسمه بحنس فبعث إليه عبد الملك وقتله وقتل كثيرا من أصحابه وذلك فى سنة 132 اثنتين وثلاثين ومائة، وفى خطط الفرنساوية أنهم فى مدة حكمهم اختاروها مركزا للمديرية عوضا عن المحلة الكبرى؛ لوقوعها على النيل وحسن موقعها وسهولة الحركة العسكرية بها، فنقلوا إليها الديوان والعساكر وأقامت كذلك مدة إستيلائهم.

ثم إن سمنود الآن بلدة وسط وأغلب أبنيتها بالطوب الأحمر، ومنها ما هو على دور وما هو على دورين، وحاراتها ضيقة، وبها ضبطية ومحكمة شرعية، وبها جملة مساجد جامعة وزوايا كلها عامرة مقامة الشعائر، فمنها مسجد الشيخ سلامة بحارة الشيخ سلامة قريب من البحر، يقال إنه من زمن الصحابة رضي الله عنهم ومساحته تزيد عن فدان، وفى سنة خمسين ومائة وألف صار ترميم نصفه وبقى النصف الآخر متخربا وهو الذى فيه المنارة، وبجوار هذا المسجد قبر الشيخ سلامة، وفى سنة ثمانين ومائتين وألف صار ترميم جميعه على طرف الشيخ مصطفى النجار وكانت دروس العلم به قائمة، ومسجد

ص: 124

المتولى بسوق البياعين، يقال إنه بنى من نحو خمسمائة سنة، وفى سنة خمس وثمانين ومائتين وألف صار تجديده بأحسن عمارة، ونقش سقفه بماء الذهب على طرف ورثة المرحوم على بيك البدراوى، ومسجد سيدى إسماعيل العدوى بحارة العدوى، يقال إن الذى بناه الشيخ المنير السمنودى فى القرن الثامن ودفن به سيدى إسماعيل المذكور وسيدى محمد الخلعى من تلامذته، وفى سنة خمس وستين ومائتين وألف صار تجديده على طرف على بيك البدراوى فى حال حياته، ومسجد سيدى إبراهيم الخواص بحارة الخواص، يقال إنه مبنى من نحو ثلثمائة وخمسين سنة بناه الحاج محمد عشرى السمنودى فى القرن التاسع، وفى سنة خمس وستين ومائتين وألف صار ترميمه من طرف على بيك البدراوى أيضا، ومسجد القاضى حسين بحارة القاضى حسين، أنشأه القاضى المذكور من نحو ستمائة سنة، ولما مات دفن به، وفى سنة خمس وثمانين صار تجديده على طرف على بيك البدراوى، ومسجد سيدى رمضان بحارة رمضان، يقال إنه بنى فى القرن الثامن، ودفن به سيدى رمضان المذكور، وفى سنة إحدى وتسعين ومائتين وألف صار ترميمه، ومسجد سيدى يوسف العجمى بحارة العجمى، يقال إن الذى بناه الشيخ فياض السمنودى من أهل القرن الحادى عشر، ودفن به وهو فى غاية المتانة، لم يحصل به ترميم إلى الآن، ومسجد القاضى بكار بحارة القاضى بكار، يقال إنه بنى من نحو مائتى سنة، ومسجد سيدى أحمد الشراعى بحارة الشراعى، ومسجد سيدى بلال بحارة بلال، أنشأه المذكور سنة اثنتين وتسعين وألف ودفن به، وفى سنة خمس وسبعين ومائتين وألف جدده الأمير عبد العال بيك رئيس مجلس الغربية.

ومن الزوايا زاوية سيدى عقيل بحارة السودانية، وزاوية سيدى محمد الخشاب بسوق الشربتلية، يقال بناها المنير من نحو ثلثمائة سنة ثم جددت من منذ عشرين سنة من طرف الشيخ إبراهيم المنير، وزاوية السيدة زينب بسوق اللبن، أنشأها إبراهيم أوده باشا الجيار من أهالى سمنود فى سنة اثنتين

ص: 125

وأربعين وألف، ثم جددت منذ سبع سنين، ولها منارة قصيرة وبها أيضا كنيسة للأقباط بحارة النصارى، يقال إنها بنيت قبل الهجرة، وفى سنة سبع وثمانين ومائتين وألف صار تجديدها على طرف رزق غطاس الناظر عليها.

وبهذه البلدة أيضا في جهتها الجنوبية حمام على البحر لورثة المرحوم بدراوى بيك يقال إنه نافع فى الصحة، وبها سبيل بجوار جامع المتولى، وبها مكاتب كثيرة منها مكتب مسجد الشيخ سلامة، ومكتب سيدى أويس بحارة العدوى، ومكتب سيدى الشيخ البيلى بجوار سيدى أويس، ومكتب الأربعين بجوار مسجد العدوى، وبهذا المكتب ضريح يقال إنه مقام سيدى جلال الدين المحلى، ومكتب سيدى مقلد بحارة الخوجة، ومكتب سيدى شرف بالحارة المذكورة، ومكتب سيدى محمود بحارة الشهيد، ومكتب بجامع القاضى حسين، ومكتب سيدى عبد الرزاق، ومكتب الشيخة سارة، ومكتب بجامع سيدى بكار.

‌ترجمة الجلال بن الولوى المحلى

وفى «الضوء اللامع» للسخاوى أن المحلى هو محمد بن أحمد بن على بن محمد بن على بن تقى الدين أحمد بن زكى بن عبد الخالق بن ناصر الدين منصور بن شرف الدين طلايع الجلال بن الولوى المحلى، ثم السمنودى الشافعى الرفاعى، ويعرف بابن المحلى، ولد فى العشر الأخير من رمضان سنة خمس وعشرين وثمانمائة بسمنود، ومات بها فى يوم الأحد السابع والعشرين من المحرم سنة تسعين، ودفن بالزاوية المعروفة بهم على شاطئ البحر ونشأ بها، وحفظ القرآن عند ناصر الدين محمد بن محمود العجمى تلميذ الشيخ مظفر وعليه جوّده، و «النهاية» المنسوبة للنووى فى الفقه، ومعظم «التنبيه» وجميع «الرحبية» فى الفرائض وألفية ابن مالك، وغير ذلك، وأخذ الفقه عن خاله الشمس محمد بن أحمد بن حمزة وغيره، وتردد لدروس المناوى والعبادى، والفرائض عن السراج عمر بن مصلح المحلى وأبى الجود، وكذا أخذها مع العربية عن بلديه المعز المناوى، وحضر فى العربية أيضا وفى غيرها دروس

ص: 126

الشمنى، والميقات عن عبد الرحمن ابن الشيخ عمر السمنودى، ثم قدم القاهرة وقد أحب الطلب فقرأ على الزين البوتيجى والزكى المناوى وطائفة، بحيث أكمل الكتب الستة وغيرها، وأقام ببلده منصوبا للإفادة فأخذ عنه جماعة، وأقرأ الأولاد، وأفتى ووعظ وولى العقود بها، وامتنع من الدخول فى القضاء، وصارت له وجاهة وشهرة فى تلك الناحية، وصنف كتابا فى «أدب القضاة» مفيدا، وشرح «تائية البهاء السبكى» وكتب بخطه أشياء، وهو إنسان خير قانع متعفف، مع فضيلة وعقل وتودد وحسن عشرة، وإكرام للوافدين مع مزيد فاقته، قال:

كتبت عنه فى بلده وغيرها من نظمه، وكذا سمع من البقاعى فى ربيع الأول سنة إحدى وستين قصيدة عملها فى كنيسة أحدثت بسمنود، وخطبه الخيضرى ليكون شيخ المكان الذى عمله بجوار ضريح الشافعى، فقدم فى سادس ذى الحجة فلم يتهيأ له أمر بل حصل له صدع فى رجله فأقام للتداوى منه، ثم بمجرد أن نصل عاد لبلده، فابتدأ به الضعف فى الطريق واستمر حتى مات بها، رحمه الله تعالى أه ملخصا.

وفى جهتها القبلية وابور لورثة بدراوى بيك أنشئ منذ عشرين سنة لحلج القطن وسقى المزروعات، ووابور للخواجه متر ماجير الإنكليزى فى جهتها البحرية مبنى من نحو عشرين سنة، وفى الجهة القبلية أيضا ورشة قماش لورثة بدراوى بيك أيضا والآن هى زريبة للمواشى، وبها وابور طحين أنشأه أحمد البدراوى رئيس مشيختها من مدة سنتين، ووابور طحين آخر أنشأه الحاج أحمد غنيم أحد مشاهيرها من مدة سنتين، وبها قصر أنشأه بدراوى بيك من مدة خمس وعشرين سنة مشرفا على البحر، وجعل له درابزين من الحديد ورصيفا من الحجر، وجعل به جنينة صغيرة وغرس بها الأشجار والرياحين، وقصر آخر أنشأه عبد العال بيك بعده بسبع سنين مشرف على البحر بدرابزين حديد ورصيف وبه جنينة، ورتب به قراءة القرآن كل ليلة، وبها أيضا أربع جنينات اثنتان فى بحريها واثنتان فى قبليها، وفيها من البيوت المشهورة منزل أحمد

ص: 127

البدراوى رئيس المشيخة بحارة الشيخ سلامة، ومنزل أحمد الصعيدى بحارة الدوار، ومنزل الشعراوى نصير على البحر، ومنزل السيد أفندى عبد العال رئيس مجلس مركزها، ومنزل مصطفى أفندى سبلة على البحر، وفيها معمل دجاج لبدراوى بيك، يستخرج منه كل سنة نحو مائة ألف فروج، وبها مسلمون نحو اثنى عشر ألفا وأقباط نحو الخمسمائة وفرنج نحو العشرين.

‌ترجمة على بيك البدراوى

ومما مر يعلم أن هذه البلدة مشتملة على آثار جليلة أكثرها لعلى بيك البدرواى، فإنه هو السبب فى عمارتها واشتمالها على تلك الآثار بعد اضمحلالها وتقهقر حالها، فإنه كان رجلا صاحب رأى وتدبير وله نظر صائب وهمة علية، وهو من أهالى تلك البلدة أصلا وفرعا، وكان أول أمره عطارا ثم كان زياتا، ثم جعل مشدا ثم شيخا على جزء من البلد، وكان عمدتها إذ ذاك رجلا مشهورا اسمه كنانى عنتر، كان محترما عند الناس وكان العزيز محمد على باشا يكرمه ويقربه فرأى هذا العمدة نجابة البدراوى وسداد رأيه فاختص به وولاه مصالحه فصدق البدراوى فى خدمته ونصح فى وظائفه، فازداد قدره عنده فمدحه عند العزيز محمد على وعرفه إياه فجعله العزيز حاكم خط، وفى تلك المدة تزوج ببنت دسوقى سوار عمدة المنزلة، وكان رجلا مشهورا أيضا، وأخذ البدراوى فى علو الهمة ومعاشرة الأكابر، واندرج فى ضمن أهل الشهرة وأكابر البلاد ووجوه الناس، وكثر ذكر اسمه عند العزيز فجعله ناظر قسم ثم مأمور مديرية الغربية.

وكانت البلاد إذ ذاك ضعيفة فقيرة بسبب الفتن التى كانت بها فى المدد السابقة، وكانت المطلوبات الميرية كثيرة متتابعة؛ بسبب الحروب القائمة والأعمال الجارية للمصالح العامة فى داخل القطر، فكان غالبا يحصل التأخير فى المطلوبات من الحكام، فتأخر على قسم البدراوى بعض الأموال الميرية فأمر العزيز بشنقه، فتوسط له بسليوس بيك فى العفو عنه بسعى بعض

ص: 128

أصحابه؛ السيد محمد الخشاب أحد تجار مصر المشهورين، فعفا عنه العزيز وجعله مأمور جفالك نبروه، وكان قد جعل عليها من قبله أحمد باشا منيكلى وأحمد باشا الدرملى وجعفر باشا على وجه التعاقب؛ فلم تنصلح على أيديهم، فلما وظف فيها البدراوى قام بها أحسن قيام حتى انصلحت زراعتها، فازداد عند العزيز محبة وقبولا.

ولما مات أولاده فى الطاعون سنة إحدى وخمسين أشفق عليه العزيز، وأحسن إليه برتبه أمير ألاى بدون ماهية وعافاه من خدمة الشفالك، وجعله عمدة بلده فأخذ فى أسباب عمارتها، فتجددت بها قيسارية وحوانيت ووكائل وشرع فى سنة إحدى وستين ومائتين وألف فى بناء قصره الذى بها، وزاره العزيز مرتين ببلده فقام بلوازم معيته كما يجب، ومن ذلك زاد اعتباره وارتفع شأنه أضعاف ما كان قبل، وتقدم على كافة الأهالى وراج أمره وسعى الأمراء وغيرهم فى قضاء مصالحه.

وكان كثير الهدايا للأمراء والأعيان حتى مالت إليه قلوب الكافة، ثم لما انكسرت قنطرة الراهبين وتوجه إليه المرحوم سر عسكر إبراهيم باشا بنفسه نزل عنده أيضا، ورأى من همته فى سد القطع وغيره ما أوجب مدحه عند أبيه؛ فصدر أمر العزيز بتقليده ناظرا على جميع ورش وجه بحرى، مع حملة ناحية سمنود من مكوس وجمارك، وبقى مكرما إلى أن تولى المرحوم عباس باشا فالتزم مصلحة المطرية بنحو سبعة آلاف كيس، والملاحة بنحو ستة عشر ألف كيس، والملاحة بنحو ستة عشر ألف كيس وجعل مفتش الفوريقات بالمحروسة، وأحيل على عهدته تسوق الأقطان اللازمة للورش ومشترى البهائم اللازمة للجفالك وجهات الميرى، وملاحظة عمارة سرايات العباسية ومشترى جميع أخشابها، وتعهد بالسمن اللازم لجهات الميرى.

وكثرة تلك المصالح استوجبت كثرة الكتبة عنده والخدمة واتساع الدائرة جدا، ونزل عنده المرحوم عباش باشا أيضا، ثم فى مدة المرحوم سعيد باشا

ص: 129

أحسن إليه برتبة أمير الاى بالماهية والنيشان، وضافه أيضا بعساكره وأنعم عليه بأربعمائة فدان من طينه الذى ببلده، جعلها له عشورية بعد أن كانت خراجية.

وفى زمن الخديوى إسماعيل باشا التزم بالملاحة والمطرية بالاشتراك مع عنانى بيك بستين ألف كيس، فلم يلبث إلا قليلا وتوفى فى شهر المحرم سنة أربع وثمانين هجرية، وترك أكثر من أربعة آلاف فدان وعقارات كثيرة بسمنود وطنتدا والقاهرة والإسكندرية ومن النقود ستة آلاف جنيه، غير أمتعة كثيرة من فضيات وخلافها، كلها قسمت بين ورثته.

وكان فى حياته زوّج بنت ابنه لعبد العال بيك رئيس مجلس الغربية، وعمل لذلك مهرجانا واسعا حضره جميع ذوات مصر وأمرائها وعلمائها، وحضره العزيز المرحوم إبراهيم باشا واستمرت أفراحه عدة أيام، وصرف فى ذلك أموالا جسيمة.

وكان مع كونه أمّيا له حافظة غريبة ومعرفة بالحساب تامة، يحسب بعقله فى أقرب وقت مالا يحسبه صاحب القلم بأرقامه، وزمام أطيان سمنود نحو ثلاثة آلاف فدان، ومساحة سكنها تقرب من خمسين فدانا، وطولها جنوبا وشمالا قدر عرضها خمس مرات وأراضيها تروى من النيل، وبها عشر سواق معينة بعضها بأرض المزارع وبعضها بداخل السكن، بعد مائها عند انتهاء نقص النيل خمسة أمتار، وفى غربيها تل ارتفاعه ستة أمتار ومساحته تقرب من ستين فدانا، يؤخذ منه السباخ لمزارع الناحية، ولها شهرة بزرع القطن والكتان والقصب الحلو والسمسم والأرز، ومقبرتها فى الجهة الغربية تعرف بقرافة الصعيدى، وبها مقامات لبعض الأولياء مثل الشيخ على الصعيدى والشيخ عقيل والشيخ عبد الرزاق والشيخ عبد الله والشيخ شرف والسادات السبعة، ولها سوق كل يوم أربعاء يأتيه غزل الكتان وقلوع المراكب من الجهات الغربية ومديرية الدقهلية.

ص: 130

ولهذه البلدة شهرة بعمل أوانى الفخار من أباريق وبرّادات ومواجير أو مصاحن البن وغير ذلك، ويجلب منها إلى القاهرة كثير، ويقال فى تشهيرها للبيع: الأوانى السمنودى ولو لم تكن من سمنود، وفى شمالها الغربى محطة السكة الحديد، وفى جهتها الشرقية منية سمنود بالشاطئ الشرقى للنيل، وفى غربيها ناحية الراهب، وفى قبليها منية النصارى، وفى بحريها كفر النعناعية، ولها طريق على خندق السكة الحديد واصل إلى سنانية دمياط ومدينة طنتدا.

‌ترجمة الشيخ محمد السمنودى المعروف بابن القطان

ومن مدينة سمنود كما فى «الضوء اللامع» الشيخ محمد بن محمد بن محمد السمنودى القاهرى الشافعى المعروف كأبيه وجده بابن القطان، ولد بمصر سنة أربع عشرة وثمانمائة، نشأ جميل الصورة واشتغل بالعلم على أبيه والقاياتى والمنهاجى وغيرهم، وسمع اتفاقا على بعض المسندين، ولم يكن ممن يميلون لذلك بل يصرح بأنه لا فائدة فيه؛ لكون الحديث قد دون وضبط، وذلك طريقة والده، وكذا لم يكثر من الاشتغال مطلقا إنما كان اشتغاله بالهوينا اتكالا على ذكائه، وتصدر وهو ابن عشرين سنة بجامع عمرو وجامع القراء نيابة عن والده، وناب فى القضاء وتنقل فى عدة حوانيت واستقر فى افتاء دار العدل مع المحيوى الطوخى، وحج وزار ودخل مع والده بالإسكندرية وغيرها، واختص بصحبة العلائى ابن الاهناسى ولازمه فى لعب الشطرنج، وفى كثير من خلواته وبواسطته ترتب له فى جهات الوزر والخاص ونحوهما أشياء كثيرة، وكان له فى الجوالى وفى المفرد وفى الذخيرة وفى الخمس وفى الكسوة والضحايا واللحم والقمح والعليق وخلع البخارى-السمور وصرره وغير ذلك، ولذا كان منخفض الجناح مع الأمراء، وكان على الضد من ذلك مع الفضلاء، وربما يحمد صنيعه مع بعضهم، كتنافسه مع القلقشندى على الارتفاع فى الجلوس ومع البقاعى، فلم يمكنه من الجلوس فوقه، وأراد الجلوس فوق ابن

ص: 131

الشحنة فما أمكنه فجلس متزحزحا عن الحلقة، فقال له أبوه: أما علمت أن الجالس وسط الحلقة ملعون. قال: ولست أعرفه بإتقان علم، ولا أتى على طرفى كتاب فيما أظن قراءة ولا إقراء، ولا كانت له ملكة فى المباحثة؛ لسرعة غضبه المؤدى إلى اختلال تصوّره مع وفور ذكائه.

وكان سيئ العارية لكتب الملك والوقف، وجد بتركته نحو خمسمائة مجلد من كتب الأوقاف وضاع للناس عنده أشياء، وهو فى أكثر أوقاته راكن إلى البطالة والتنعم، والمشى على قانون كبار المباشرين وإدمان لعب الشطرنج، وتصدر منه حالة اللعب كلمات خارجة عن الحد مع الكبير والصغير، هذا مع محبته للإطعام ورغبته فى التصدق على الفقراء وبذل جاهه مع من يقصده، وعلو همته وصفاء خاطره جدا وسرعة انفعاله وقرب رجوعه واعترافه بالتقصير، وتهجده واعتقاده فيمن ينسب إلى الصلاح.

وكان من أكبر المناضلين عن ابن عربى، وبالجملة فلم أتوهم فى عقيدته إلا الخير، وتردد للكمال ابن البارزى واجتهد أن يكون هو القارئ فى نسخته فأجيب، وكان يتحامق فى قراءته ويتضايق ويحمر وجهه ولا يهتدى لصواب ولا لغيره، وولى الخطابة والإمامة بالجامع الجديد بمصر، واستقر فى تدريس الفقه بالقطبية برأس حارة زويلة وبأم السلطان بالتبانة وغير ذلك، وامتدت عنقه لقضاء مصر بمبلغ فما قدر، واستقر فى مشيخة مسجد خان السبيل وقف قراقوش، واختص فى معلومه وفى مرتبه بطاحون وفرن من الجارى فيه، وفى خزانة الكتب بالبيبرسية وغير ذلك، وكتب على بعض الدروس فى التفسير وغيره ولم تكن كتابته بذاك.

ولم يزل على وجاهته إلى أن مات من استعمال الحقن والأدوية الحادة سنة تسع وسبعين وثمانمائة، ودفن تجاه تربة الأشرف إينال.

‌ترجمة الشيخ عبد الله السمنودى المعروف بابن صعلوك

وينسب إليها أيضا عبد الله بن أحمد بن محمد بن على بن عمر الجمال السمنودى الشافعى ويعرف بابن صعلوك، قال السخاوى: لقيته بسمنود فكتبت عنه قوله:

ص: 132

تعرّض البدر يحكى بعض صورته

فراح منخسفا من شدة الغضب

وبانة الجزع ماست مثل قامته

تبت وقد أصبحت حمّالة الحطب

ثم تكرر قدومه القاهرة ومات بعد الثمانين والثمانمائة، وأظنه جاوز السبعين، رحمه الله تعالى.

‌ترجمة الجمال السمنودى والد البدر

وينسب إليها أيضا عبد الله بن محمد الجمال السمنودى ثم القاهرى الشافعى والد البدر محمد، أخذ عن الجمال الأسنوى، والصلاح العلائى، وأبى البقاء السبكى وغيرهم، ولازم السراج البلقينى ودرس بأماكن كثيرة ونفع الناس مع كثرة المروءة والعصبية والقيام بمصالح أصحابه، مات فى سلخ رجب سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة.

ومن الأماكن التى درس بها القطبية بالقرب من سويقة الصاحب، انتهى.

‌ترجمة الشيخ أحمد السمنودى المحلى

وينسب إليها كما فى الجبرتى الأستاذ الفاضل بقية المحققين وعمدة المدققين؛ الشيخ المعمر شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد الوهاب السمنودى المحلى الشافعى، من بيت العلم والصلاح والرشد والفلاح، أصله من سمنود وولد بالمحلة وقدم الجامع الأزهر، وحضر على الفاضل العزيزى والعلامة الملوى والأديب الشبراوى، ومهر فى الفنون الغريبة وتلقى عن السيد الضرير والشيخ إبراهيم الحلبى، وعاد إلى المحلة فدرس بالجامع الكبير مدة ثم قدم مصر بأهله وعياله وقرأ بالجامع الأزهر وتردد على الأكابر والأمراء وقرأ بالمحمدية.

وكان إنسانا حسنا بهى الشكل لطيف الطباع جميل المحادثة حسن الهيئة، توفى سنة تسع ومائتين وألف بعد أن تعلل دون شهر، عن مائة وست

ص: 133

عشرة سنة وهو كامل الحواس، إذا قام نهض نهوض الشاب القوى، ودفن ببستان المجاورين، وكان يكتم سنى عمره رحمه الله تعالى.

‌ترجمة الفاضل الشيخ محمد بن حسن المعروف بالمنير

وينسب إليها كما فى الجبرتى أيضا الأستاذ الفاضل الشيخ محمد بن حسن بن محمد بن أحمد جمال الدين ابن بدر الدين الشافعى الأحمدى ثم الخلوتى السمنودى الأزهرى، المعروف بالمنير، ولد بسمنود سنة تسع وتسعين وألف وحفظ القرآن وبعض المتون، وقدم الجامع الأزهر وعمره عشرون سنة، فجوّد القرآن على الإمام المقرئ على بن محسن الرميلى، وتفقه على جماعة منهم الشيخ شمس الدين السجينى والشيخ على أبى الصفا الشنوانى.

وسمع الحديث على أبى حامد البديرى وأبى عبد الله محمد بن محمد الخليلى، وأجازه فى سنة اثنتين وثلاثين ومائة وألف، وأخذ الطريق ببلده على سيدى على بن زنقل الأحمدى، ولما ورد مصر اجتمع على السيد مصطفى البكرى فلقنه طريقة الخلوتية، وانضوى إلى الشيخ شمس الدين محمد الحفني فقصر نظره عليه، فلم يكن ينسب فى التصوف إلا إليه، وحصّل جملة من الفنون الغريبة كالزايرجة والأوفاق، وكان ينزل وفق المائة فى المائة ويتنافس الأمراء والملوك لأخذه منه، وقد أقرأ القرآن مدة وانتفع به الطلبة، وكان صعبا فى الإجازة، ولا يجيز أحدا إلا إذا قرأ عليه الكتاب الذى يطلب الإجازة فيه بتمامه، ولا يرى الإجازة المطلقة.

وفى آخره انتهى إليه الشأن وأتته الهدايا من الشام والروم والعراق، وانكف بصره وانقطع للتدريس فى منزله بالقرب من قنطرة الموسكى، داخل العطفة بسويقة الصاحب، ولازم الصوم نحو ستين عاما، وعمّر حتى ألحق الأحفاد بالأجداد، ومات سنة ألف ومائة وتسع وتسعين ودفن بالزاوية الملاصقة لمنزله، رحمه الله، انتهى.

ص: 134

(سمهود)

بلدة من قسم فرشوط بمديرية قنا واقعة بقرب الجبل الغربى وفى شرقيها الباطن المعروف بأبى حمار، وهى بلدة كبيرة ذات أبنية أعلى من أبنية الأرياف، وفيها أشراف وعلماء، ولها سوق كل أسبوع، وبها نخيل وكان بها جنينات عدمت عند تحصين الحيضان بكثرة الجسور، وفيها مساجد عامرة ومكاتب أهلية وأبراج حمام وعصارات، ويزرع فيها قصب السكر والثوم والبصل والكمون، وأكثر أهلها مسلمون منهم عائلة أشراف، وهى من البلاد المشهورة باقتناء جياد الخيل.

‌ترجمة الشيخ أحمد بن موسى

وإليها ينسب كما فى «الطالع السعيد» أحمد بن موسى بن يغمور بن خلدك ينعت بالشهاب وله شعر جيد، تولى الغربية وتوفى بالمحلة يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الأولى سنة 773، ودفن بالقرافة بعد أربعة أيام، ومن كلامه:

وإذا حللت ديار قوم فاكسها

حللا من الإكرام والإحسان

واغضض وصن طرفا وظرفا واحترر

لفظا وزد فى كثرة الكتمان

تكن السعيد مبجلا ومعظما

متحليا بمحاسن الإيمان

ووالده موسى بن يغمور أبو الفتح جمال الدين، ولد بقرية من عمل قوص -تعرف به-فى جمادى الآخرة فى رأس القرن السادس، وتوفى بالقصير من عمل فاقوس بين الغرابى والصالحية، فى مستهل شعبان سنة 663 وحمل إلى تربة أبيه بقرافة مصر، وكان أحد الأمراء المشهورين ذوى المعارف، انتهى.

‌ترجمة الشيخ عبد الحميد الشافعى

وفى «طبقات الشعرانى» أن منها الورع الصالح الشيخ عبد الحميد الشافعى، صحبته نيفا وأربعين سنة فما رأيت عليه شيئا يشينه فى دينه، ولا فى أقرانه أعف منه ولا أعز نفسا، لا يزاحم على شئ من الدنيا، ومكث مدة يتّجر

ص: 135

ويأكل من كسبه ويطعم الفاضل لأصحابه، واتّجر فى طبخ السكر مدة، ثم لزم بيته للعلم والعبادة إلى أن توفى رحمة الله تعالى، انتهى.

‌ترجمة الشيخ جمال الدين عبد الله بن أحمد السمهودى

ومنها أيضا كما فى «الضوء اللامع» للسخاوى عبد الله بن أحمد بن أبى الحسن على بن عيسى بن محمد بن عيسى الجمال الحسنى السمهودى الشافعى، ولد سنة أربع وثمانمائة بسمهود ونشأ بها، فحفظ القرآن و «المنهاج الفرعى» و «ألفية ابن مالك» وارتحل إلى مصر فأخذ بها الفقه عن الميدومى، وحضر مجلس أبى هريرة بن النقاش، ثم قدم القاهرة فلازم دروس القاياتى وقرأ عليه «النكت» لابن النقيب بتمامها وأخذ العربية عن المحلى، وجاور بمكة، واجتمع هناك بالشهاب بن رسلان، وناب فى قضاء بلده عن الجلال البلقينى ولم يتعد لغيرها من الأعمال التى كانت مع والده، واستمر ملازما للإفتاء والتدريس مع العفة والديانة إلى أن مات فى سنة ست وستين وثمانمائة رحمه الله تعالى، انتهى.

(سناهوه)

بلدة من بلاد الشرقية بقسم منيا القمح شرقى ناحية شبرى المنصورة واقعة غربى ترعة الخليلى، وبينها وبين شبرى العنب نحو ثلاثة آلاف ومائة متر، وأغلب أبنيتها بالآجر، وبها مساجد ومكاتب ونخيل ووابورات على ترعة الخليلى لسقى الزرع، ولها سوق كل يوم اثنين، وأطيانها ألف وسبعمائة وثلاثة وعشرون فدانا وكسور.

(سنباط)

قرية من مديرية الغربية بمركز زفتا فى غربى الساحل، وفى جنوب العجيزية بنحو ربع ساعة، وفى الجنوب الشرقى لشبراملس بأكثر من ذلك، وأغلب أبنيتها من الآجر، وبها مسجد وكنيسة، وحواليها أشجار سنط وتكسّب أهلها من الزراعة، وإليها ينسب كما فى «الضوء اللامع» للسخاوى: عبد الحق ابن محمد بن عبد الحق بن أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد العال الشرف ابن الشمس السنباطى ثم القاهرى الشافعى، ويعرف كأبيه بابن

ص: 136

عبد الحق، ولد فى أحد الجمادين سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة بسنباط، ونشأ بها فحفظ القرآن و «المنهاج الفرعى» ، ثم أقدمه أبوه القاهرة فقطنها وحفظ «العمدة» و «الألفيتين» و «الشاطبيتين» و «المنهاج الأصلى» و «تلخيص المفتاح» «والخزرجية» وجدّ فى الاشتغال فأخذ الفقه عن المناوى والعبادى والجلال البكرى، والعربية عن الأبدى والنور الوراق والسنهورى وغيرهم، والصّرف عن التقى الحصنى والعز عبد السلام البغدادى، والمعانى والبيان عن الشروانى، والفرائض والحساب عن السيد على الفرضى، وجل انتفاعه بالتقى الحصنى ثم بالشمنى، وأجاز له غير واحد فى الإفتاء والتدريس، ونزل فى جهات متعددة كالسعدية والبيبرسية والأشرفية والباسطية وخانقاه سرياقوس مع مباشرة وقفها، وولى إمامة المسجد الذى جدده الظاهر جقمق بخان الخليلى، وتدريس الحديث بالقبة البيبرسية ومشيخة الصوفية بالأزبكية، وناب فى تدريس التفسير بالمؤيدية عوضا عن الخطيب الوزيرى حين حج، وكذا بقبة المنصورية عن ولد النجم بن حجى، وتصدى للإقراء بالأزهر وغيره، وكثر الآخذون عنه، وحج مع أبيه فى البحر وسمع هناك يسيرا، ثم حج بعده فى سنة اثنتين وثمانين، وجاور بمكة التى تليها ثم بالمدينة النبوية التى تليهما ثم بمكة ثانيا، وأقرأ الطلبة بالمسجدين فنونا كثيرة، بل قرأ فى جانب الحجرة النبوية «القول البديع» وغيره، ثم رجع واستمر على الإقراء، وربما تردد لأبى البركات ابن الجيعان نائب كاتب السر فى الإقراء، وبواسطته استقر فى مرتب الجوالى وكذا تردد لغيره، وربما أفتى وهو على طريقة جميلة فى التواضع والسكون والعقل وسلامة الفطرة وفى ازدياد من الخير، بحيث إنه الآن أحسن مدرسى الجامع، انتهى. ولم يذكر تاريخ موته، رحمه الله تعالى.

وولد بها أيضا كما فى «الضوء اللامع» عبد العزيز بن يوسف بن عبد الغفار ابن وجيه بن عبد الوهاب بن محمد بن عبد الصمد بن عبد النور العز ابن الجمال التونسى الأصل السنباطى ثم القاهرى الشافعى، ويعرف أولا بالمنهاجى ثم بالسنباطى، ولد فى سنة تسع وتسعين وسبعمائة تقريبا بسنباط ونشأ بها فقرأ

ص: 137

القرآن على أبيه و «المنهاج الفرعى» و «الأصلى» «وألفية ابن مالك» ، ثم قدم القاهرة واشتغل بالعلوم فأخذ الفقه عن الشمس الشطنوفى والبرهان ابن حجاج الإبناسى والبيجورى والولى العراقى والشمس البرماوى وغيرهم، وأخذ النحو عن البوصيرى والعز عبد السلام البغدادى وابن الهمام، ودخل دمياط والإسكندرية وسمع بها على قاضيها الجمال الدمامينى وتقدم، وأشير إليه بالجلالة والوجاهة، وصنف كتابا سماه «إلقاء الجمر على من يشرب الخمر» ، وكان خيرا ثقة شهما عالى الهمة ضابطا لكثير من الوفيات والوقائع التى أدركها، متين المذاكرة لهجا بالذكر وبالأوراد والتوجه لاسيما فى وقت السحر، كثير الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم، غير غافل عن الترحم لمشايخه وأصحابه ومعارفه، سريع الدمعة والرجوع، قلّ أن يدّاهن فى الحق أو يدارى فيه، منجمعا عن بنى الدنيا متوددا لمن يعرف منه الخير، ذا فتوة ورغبة فى التصدق مع التقلل، بحيث إنه قلّ أن يسأله فقير فيما يكون موجودا عنده إلا ويجيبه، وربما قصد الأيتام ونحوهم بالإطعام، ومحاسنه جمة، وهو فى أواخر عمره أحسن منه فى كل ما أشرت إليه، توعك نحو عشرة أيام بالإسهال المفرط ومات وهو ممتع بحواسه، بحيث يمشى الأماكن البعيدة ويكتب الخط الدقيق، فى ليلة الجمعة الثانى والعشرين من ذى الحجة سنة تسع وسبعين، وصلى عليه من الغد فى مشهد حافل، ودفن بحوش صوفية سعيد السعداء، بجوار التاج الغرابيلى والمجد البرماوى والبدر البغدادى الحنبلى، رحمهم الله تعالى.

‌ترجمة الشيخ عبد اللطيف السنباطى

ومنها أيضا عبد اللطيف بن محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن مسعود السنباطى ثم القاهرى العطار أخو الشمس محمد، ولد فى أول سنة تسع عشرة وثمانمائة بسنباط ونشأ بها، فقرأ اليسير وقدم مع أبيه وأخيه القاهرة فى سنة إحدى وثلاثين، فكان مع أبيه فى التسبب بحانوت من باب الزهومة فى العطر، وسمع على شيخ الإسلام ابن حجر وغيره، وأجازه خلق وحج ومرارا،

ص: 138

ثم بعد موت أبيه صاهر الشيخ محمد الفوّى على ابنته فولدت له عدة أولاد وأثرى، ولزم بعد موت أخيه طريقته فى الانهماك، ثم انقطع بالفالج وخلفه ولده الكبير، انتهى. ولم يذكر تاريخ موته رحمه الله تعالى.

‌ترجمة الشيخ محمد بن عبد الحق السنباطى

ومنها كما فى «الضوء اللامع» أيضا محمد بن عبد الحق بن أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد العال الشمس السنباطى ثم القاهرى الشافعى، والد والد عبد الحق الماضى ويعرف بابن عبد الحق، ولد فى سنة إحدى عشرة وثمانمائة تقريبا بسنباط، ونشأ بها فحفظ القرآن والتبريزى، وتدرب ببلديه الولوى المالكى وبأخيه فى الشروط وتعاناها؛ بحيث صار عين أهل بلده فيها، وتحول إلى القاهرة فى أواخر سنة خمس وخمسين فقطنها وتزوج أخت بلديه الشمس السنباطى التى كانت تحت البقاعى، ولزم طريقته فى التكسب بالشهادة وراج أمره بها، ونزل فى الجمالية وسعيد السعداء، وحج وجاور بعض سنة، واشترى لولده الأكبر عدة وظائف ولولده الآخر غير ذلك، وكان ممتهنا لنفسه، مات فى ليلة العيد الأكبر سنة سبعين وثمانمائة ودفن من الغد بتربة الصلاحية، رحمه الله وإيانا.

‌ترجمة الشيخ محمد بن محمد السنباطى

ومنها أيضا محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن مسعود الشمس أبو عبد الله بن العلم بن البهاء بن العلم السنباطى ثم القاهرى الشافعى، قدوة المحدّثين، ولد-كما أخبر عن نفسه-فى ليلة عيد الأضحى سنة ست عشرة وثمانمائة بسنباط ونشأ بها فقرأ القرآن، ثم تحول مع أبويه إلى القاهرة وتردد على بعض الشيوخ، وحضر تقسيم الكتب عند الشرف السبكى وأكثر من الحضور عند العلاء القلقشندى، وأخذ عن الونائى وابن المجدى والنور التلوانى والقاياتى وغيرهم، ولازم شيخ الإسلام ابن حجر وكتب عليه الأمالى، وكتب قليلا على الزين بن الصائغ، وحج مع أبيه ثم بعده غير مرة وجاور مرتين وسمع

ص: 139

بالحرمين الكثير، وارتحل إلى حلب وزار فى رحلته القدس والخليل، وسافر إلى الإسكندرية، وانتفع به الكثير من الطلبة سيما الغرباء، فإنه صار لكثرة ممارسته للسماع صاحب عرفان بالشيوخ وما لهم من المسموع غالبا، وضبط الكثير من ألفاظ الحديث والرواة، وصار ذا استحضار لفوائد متينة ومسائل متنوعة وإلمام بوزن الشعر، كل هذا مع انطباعه فى الكياسة وحسن المعاشرة وتعففه، واجتمع عنده من الكتب والأجزاء ما يفوق الوصف، وصار مرجعا فى الكتب وتحصيلها لمن يروم ذلك وانفرد بأخرة بمعرفتها، وتوصل به غير واحد لتحصيل مآربه منها بيعا وشراء، ومن محاسن شيوخه البدر حسين البوصيرى والزين الزركشى والجمال عبد الله بن جماعة وأخته سارة وعائشة الحنبلية وقريبتها فاطمة والشرف يونس الواحى، وأجاز له خلق فى ذى الحجة سنة سبع وثلاثين فما بعدها، منهم عبد الرحمن ابن الشهاب الأذرعى والبرهان الحلبى وعائشة ابنة الشرائحى وزينب ابنة اليافعى وغير ما ذكر.

وبالجملة فهو من نوادر الوقت، ولم يزل على طريقته إلى أن ابتدأ به الضعف فى أواخر ذى الحجة سنة تسعين، واستمر فى تزايد وتحول إلى عدة أمكنة، ولا طفه غير واحد من الأطباء إلى أن تخلى ومات فى سحر يوم الخميس سابع عشر ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وثمانمائة، ببيت بالقرب من السابقية داخل القصر، وصلى عليه من الغد ثم دفن بحوش سعيد السعداء بالقرب من قبر البدر البغدادى، رحم الله الجميع، انتهى باختصار.

(سنبو)

هى بلد من قسم منفلوط بمديرية أسيوط غربى الترعة الإبراهمية بنحو نصف ميل، يتوصل إليها من جسر فزارة المبتدا من الإبراهيمية، وبينها وبين النيل نحو ساعة، وهى واقعة فوق تلول قديمة فى بحرى القوصية وقبلى دروط الشريف بنحو ساعة ونصف، وقبلى ببلاو بنحو ثلاثة أميال ونصف، وبين هاتين القريتين كنيسة أقباط تعرف بدير العجائبى، وهى إلى سنبو أقرب، وأكثر عبادها من أهل سنبو، وهى كنيسة كبيرة وسط المزارع عليها سور يحفظها من الماء فى زمن الفيضان، مشيدة البناء يقصدها النصارى فى أعيادهم ومواسمهم.

ص: 140

وفى خطط الفرنساوية أنه كان بسنبو ثلاثة ديور، أحدها يعرف بدير جرجس، وآخر فى جنوبها الشرقى يعرف بدير تادرس المشرقى وهو متخرب، والثالث دير مارى مينا فى جهتها الشمالية، ولما هرب مراد بيك بعسكره إلى الصعيد بعد وقعة الأهرام مع الفرنساوية مر به فهدم أغلبه، وقتل كثيرا من أهل البلد.

ولم يذكر المقريزى بسنبو إلا ديرين فى خارجها، أحدهما فى بحريها على اسم السيدة مريم ليس به أحد، والآخر فى قبليها تلاشى أمره، وفى شرقى دير مينا تل عتيق عند قرية خارقة تسميه الأهالى كوم انبوها.

وبتلك البلدة مسجدان لكل منهما منارة، أحدهما داخل البلد يعرف بجامع الشيخ فولى وهو عامر مقام الشعائر، والآخر خارج البلد من جهتها البحرية وسط المزارع يسمى جامع القطب، تخرب الآن وبنى بعض أكابر هذه البلدة «جابر أغا» مكانه زاوية صغيرة، وهى مهجورة أيضا يتظلل تحتها المارون فى زمن الحر، و «جابر أغا» المذكور تقلد نظارة القسم فى زمن العزيز محمد على، ومن أكابرها «دياب عبكه» وقد تولى نظارة القسم أيضا.

ومبانى البلدة من اللبن والآجر وكثير من دورها طبقتان، وبها معاصر لزيت البزر وزيت السلجم، وبها فاخورة ومعمل فراخ وأبراج حمام، وبها من مبانى الميرى شونة وقصر قديم فى وسط البلد يعرف بالدار، وقد تجددت بها الآن مبان مشيدة ذات شبابيك، وملاقف لها شبه مبانى الأمصار، وبها قاض شرعى بختم من الميرى، وبها سويقة عامرة كل يوم يباع بها الخبز واللحم والخضروات والبقول، وبها دكاكين ووكائل قليلة وبها سوق عامر كل يوم أربعاء، وبها أسقف وقلاية، وتكسّب أهلها من الفلاحة والتجارة لاسيما فى الأغنام، فإن لهم مزيد اعتناء بالتجارة فيها وتسمينها، حتى صار ذلك مشهورا عند أهل مصر، لأنهم يشترون الأغنام ويعلفونها بالفول والتبن والماء البارد حتى تبلغ الحد الذى يريدونه من السمن ثم يقدمون بها مصر فيتبعونها بأغلى

ص: 141

الأثمان، ولاشتهارهم بذلك صار غيرهم من تجار الأغنام اذا أراد الترغيب فى غنم يدّعى أنها سنباويّة.

‌ترجمة الشيخ محمد الأمير المالكى

وأكثر أهل هذه البلدة مسلمون وفيهم يسار ولهم فى تلك البلاد اعتبار، وكفاها شرفا أنه ولد بها من العلماء الأعيان الإمام الشهير عالم عصره على الإطلاق ووحيد دهره بلا شقاق، خاتمة المحققين سيدى محمد بن محمد الأمير المالكى، صاحب التآليف العديدة والدروس المفيدة فى كل فن من المعقول والمنقول والآداب، انتهت إليه الرياسة فى العلوم بالديار المصرية، وبعد أن ختم القرآن بتلك البلدة وهو ابن تسع سنين التحق بالأزهر واجتهد فى تحصيل العلوم، ولم يبق فنا إلا أتقنه حتى فقه الشافعى والحنفى والقراءات والهيئة والهندسة والفلكيات والأوفاق والحكمة وغير ذلك، وله تآليف جمة فى فنون كثيرة من أجلها كتاب «المجموع» فى فقه الإمام مالك، صنفه وهو ابن إحدى وعشرين سنة وشرحه وحشاه، فجمع فيه المذهب مع صغر حجمه، لأنه لا يزيد عن أربعين كراسة وحاشيته لا تزيد عن عشرين، وقد جمع أكثر مما جمع الخرشى ومحشيه، مع أنهما يبلغان نحو أربعمائة كراسة فكلامه رضي الله عنه كجوامع الكلم، ومنها «حاشية على عبد السلام» شارح «جوهرة التوحيد» وهى معجزة للفحول ومنها «حاشية على الأزهرية فى علم العربية» التى قيل فيها:

كلام الأمير أمير الكلام

لنا منه أزهرت الأزهرية

فتلك عروس جلاها لنا

ولكنها من بنات الروية

ومنها «حاشية جليلة على شرح عبد الباقى» فى الفقه و «حاشية على مغنى اللبيب» فى النحو «حاشية على ملوى السمرقندية» فى البيان، وغير ذلك مما لو استقصى قصى.

ص: 142

وقد شاع ذكره فى جميع الآفاق خصوصا بلاد المغرب، قال الجبرتى:

وكانت تأتيه الصلات من سلطان المغرب وتلك النواحى، وتوجه فى بعض المقتضيات إلى دار السلطنة وألقى هناك دروسا، حضره فيها العلماء وشهدوا بفضله واستجازوه، ورجع إلى مصر معظما مبجّلا ومعه مرسومات خطابا للباشا والأمراء، وقد أنعم عليه من الدولة بألف قرش، ورتب له من الضربخانه فى كل يوم قرش.

ومن كلامه رضي الله عنه:

دع الدنيا فليس بها سرور

يتم ولا من الأحزان تسلم

ونفرض أنه قد تم فرضا

فغم زواله أمر محتم

وكن فيها غريبا ثم هيئ

إلى دار البقا ما فيه مغنم

وإن لا بد من لهو فلهو

بشئ نافع والله أعلم

وسبب تلقيبه بالأمير أن جده الأقرب أحمد بن عبد القادر كان له إمارة حكم فى بلاد الصعيد، وأصلهم من الغرب ونزلوا بمصر عند سيدى عبد الوهاب أبى التخصيص الوفائى، ثم التزموا ببلاد منها سنبو ولهم فيها منزل كبير يعرف إلى الآن بدار الأمير، وأمامه مسجد صغير عامر يعرف بمسجد الأمير أيضا، وكانت ولادته يوم الأربعاء من ذى الحجة سنة أربع وخمسين ومائة وألف من الهجرة، وتوفى عليه سحائب الرحمة والرضوان يوم الاثنين عاشر ذى القعدة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وألف من الهجرة.

ومما قيل فى رثائه بعد موته:

حلف الزمان ليأتين بمثله

حنثت يمينك يا زمان فكفر

وكان رضي الله عنه متكلما ذا جرأة، لا تأخذه فى الله لومة لائم بل يغلظ القول للأمراء وغيرهم، قال الجبرتى: قد حضر الوالى والمحتسب فى يوم

ص: 143

الاثنين من شهر صفر سنة ألف ومائتين وتسع عشرة إلى بيت الست نفيسة زوجة مراد بيك وطلباها إلى الباشا، فأخذوها ومعها امرأتان فطلعوا بهن إلى القلعة، وكذلك أرسلوا يفتشون على باقى نساء الأمراء، فاختفى غالبهن وقبض على بعضهن، وذلك كله بعد عصر ذلك اليوم، فلما حضرت بين يديه قام إليها وأجلّها وأمرها بالجلوس، ثم قال لها: يصح أن جاريتك منور تتكلم مع صادق أغا وتقول له يسعى فى أمر المماليك العصاة، وتلتزم له بالمكسور من جامكية العساكر!؟ فأجابته: إن ثبت أن جاريتى قالت ذلك فأنا المأخوذة به دونها، فأخرج من جيبه ورقة وقال لها: وهذه؟ فقالت: وما هذه الورقة؟ أرنيها فإنى أعرف أقرأ لأنظر ما فيها، فأدخلها ثانيا فى جيبه، ثم قالت له: أنا من منذ عشت بمصر وقدرى معلوم عند الأكابر والسلطان، ورجال الدولة وحريمهم يعرفوننى أكثر من معرفتى بك، ولقد مرت بنا دولة الفرنسيس الذين هم أعداء الدين فما رأيت منهم إلا التكريم، وكذلك سيدى محمد باشا كان يعرفنى ويعرف قدرى، ولم نر منه إلا المعروف، وأما أنت فلم يوافق فعلك وفعل أهل دولتك. فقال: ونحن أيضا لا نفعل غير المناسب، فقالت له: وأى مناسبة فى أخذك لى من بيتى بالوالى مثل أرباب الجرائم؟ فقال: إنه أكبر أتباعى وأرسلته لك من باب التعظيم، ثم أمرها بالتوجه إلى بيت السحيمى بالقلعة، وأجلسوها عنده بجماعة من العسكر، وأصبح الخبر شائعا بذلك فتكدّرت خواطر الناس، وركب القاضى ونقيب الأشراف والشيخ السادات والشيخ الأمير المترجم، وكلموه فى شأنها، فقال: إنها سعت مع بعض كبار العسكر تستميلهم إلى المماليك العصاة ووعدتهم بدفع علوفاتهم، فقالوا: إن ثبت عليها ذلك فإنها تستحق ما تأمرون به، فيحتاج أن تتفحص، وقام إليها الفيومى والمهدى وخاطبوها فى ذلك، فقالت: هذا الكلام لا أصل له وليس لى فى المصريين زوج حتى إنى أخاطر بسببه، فإن كان قصده مصادرتى فلم يبق عندى شئ وعلىّ ديون كثيرة، فعادوا إليه وتكلموا معه وراددهم، فقال الشيخ الأمير للترجمان: قل لأفندينا هذا أمر غير مناسب ويترتب عليه مفاسد؛ وبعد ذلك

ص: 144

يترتب علينا اللوم، فإن كان كذلك فلا علاقة لنا بشئ من هذا الوقت أو نخرج من هذا البلد، وقام واقفا فمسكه مصطفى أغا الوكيل وجماعة، وكلموا الباشا فى إطلاقها وأنها تقيم ببيت الشيخ السادات، فرضى بذلك وأنزلوها إلى بيت السادات.

ثم فى رابع عشر الشهر عملوا قوائم بتوزيع خمسة آلاف كيس، منها على طائفة القبط ألف وخمسمائة كيس، وعلى الست نفيسة ثمانمائة كيس، وعلى كل من نساء الأمراء بحسبها، ووزعوا على أرباب الحرف خمسمائة كيس، ثم رفعوها عن هؤلاء بواسطة دخولهم الأزهر واستشفاعهم بالمشايخ وإغلاقهم الحوانيت، وأما نساء الأمراء فضيقوا عليهن وأرسلوا العساكر يلازمون بيوتهن، وألزموا الست نفيسة وعديلة ابنة إبراهيم بيك بتحصيل ذلك من نساء الأمراء؛ فاضطر أكثرهن ببيع المتاع، فلم يجدن من يشترى؛ لعموم المضايقة والكساد واستمرار الحروب والمحاصرات، وانقطاع الطرق برا وبحرا وتسلط العرب وتفاشل الحكام وانفكاك الأحكام، وتسلط الفلاحين-القائمين من سعد وحرام-بعضهم على بعض بحسب القوة والضعف، وجهل القائمين بطريق سياسة الإقليم ولا يعرفون إلا أخذ الدراهم بأى وجه كان.

وتمادى قبائح العسكر بما لا تحيط به الأوراق؛ بحيث إنه لا يخلو يوم من زعجات ورجفات وكرشات فى غالب الجهات، إما لأجل امرأة أو أمرد، أو خطف شئ أو شكل مع العامة؛ بسبب إبدال دنانير ذهب ناقصة بدراهم فضة كاملة فى المصارف من صيارف أو باعة، أو بسبب مشاحنة من المتسببين والسوقة وغير ذلك، وتعطل أسباب المعاش وغلت الأسعار فى كل شئ، وقل المجلوب ومنعت السبل إلى غير ذلك، مما أورث الاضمحلال وسوء الأحوال، انتهى.

(السنبلاوين)

بلدة قديمة من مديرية الدقهلية هى مركز قسم واقعة على الشاطئ الشرقى لبحر دمياط، وبها مجلس المركز ومحل المحكمة الشرعية، وفى شمالها

ص: 145

الغربى محطة السكة الحديد، وبها جامع بمنارة وفيها شارع به حوانيت ووكائل وشوادر لبيع الخشب، وبها جنينة فيها من أنواع الثمار، ولها سوق كل يوم سبت، وشهرة أهلها بزرع القطن وتكسّبهم من التجارة والزراعة، وتمر من جهتها الغربية ترعة البوهية.

وفى شهر رجب من سنة إحدى وتسعين وألف فى زمن العزيز عثمان باشا كانت العرب قائمة بجهات الشرقية والمنصورة، فتعين حسن أغا أغاة الجمالية الشهير بيلبغا فى تجريدة، فأرسل إلى ناحية السنبلاوين بولاية المنصورة يطلب منها كلفة للعساكر، فامتنعوا فوقع بينهم الهرج فقتلوا المحضر من طرفه، وكانت الناحية فى التزام باشا بالديار الرومية، فأرسل حسن أغا المذكور الخبر لعثمان باشا فعين يوسف بيك أمير الحاج سابقا وعبد الله بيك الدفتردار سابقا وأغاة الجراكسة وصحبتهم الإسباهية، فتوجهوا إلى الناحية المذكورة وخربوها وهدموا سورها وأوقدوا فى أجرانها النار، وحضروا فى الشهر المذكور فاجتمعت الصناجق وأغوات البلكات على جارى العادة بالديوان العالى، ودخلوا على عثمان باشا وطلبوا منه الإذن لكاشف الولاية بعمارة الناحية بمعرفة طائفة الينكشارية؛ فإن سليم أفندى كاتب الينكشارية سابقا وكيل عن صاحبها، فصدرت الأوامر بذلك وعمرت، انتهى من «نزهة الناظرين» .

ثم فى مديرية المنية قرية صغيرة تسمى بهذا الاسم أيضا بقسم ساقية موسى فى غربى النيل، وفى غربيها قرية سفاى بنحو ألفين وأربعمائة متر، وفى شرقيها منشاة دعبس بنحو سبعمائة متر، وليس بقرية السنبلاوين هذه نخيل ولا أشجار وفيها مسجد صغير.

‌ترجمة الشيخ يونس السنبلاوى

والظاهر أن الشيخ يونس السنبلاوينى من قرية السنبلاوين الدقهلية وهو كما فى الجبرتى: الإمام الفاضل والعالم الكامل الشيخ يونس بن عبد الله بن

ص: 146

منصور السنبلاوينى الشهير بذرة الشافعى، تفقه على بلديّه الشيخ أحمد ذرة وحضر دروس الشيخ الحفنى والشيخ البراوى والشيخ عطية والشيخ الصعيدى وغيرهم من الأشياخ، وأنجب ودرس ولازم الإفادة، وكان إنسانا وجيها محتشما ساكن القلب لا يتداخل فى أمور الدنيا، مجمل الثياب، لا يزيد على ركوب الحمير فى بعض الأحيان لبعض الأمور الضرورية، ولم يزل على حاله حتى تعلل وتوفّى سنة سبع ومائتين بعد الألف رحمه الله تعالى.

(سنجار)

بكسر السين المهملة وسكون النون وجيم فألف فراء؛ قرية بمصر من كور النستراوية كما فى «مشترك البلدان» وفى كتب الفرنساوية، أنها كانت مدينة من خط نستروه، وكانت كرسى أسقفية قبل الإسلام، وقد حفظ التاريخ أسماء بعض أساقفتها إلى سنة اثنتين وثمانمائة ميلادية، ويقال لها أيضا شنشا (بشين معجمة بدل الجيم) وقد عدمت اليوم، والظاهر بل المتعين أن البهاء السنجارى ليس منسوبا إليها بل إلى سنجار، مدينة مشهورة بأرض الجزيرة بينها وبين الموصل ثلاثة أيام، ولا بأس بسوق ترجمته.

‌ترجمة أبى السعادات أسعد السنجارى

قال ابن خلكان: هو أبو السعادات أسعد بن يحيى بن موسى بن منصور ابن عبد العزيز بن وهب بن هبان بن سوار بن عبد الله بن رفيع بن ربيعة بن هبان السلمى السنجارى، الفقيه الشافعى الشاعر المنعوت بالبهاء، كان فقيها وتكلم فى الخلاف، إلا أنه غلب عليه الشعر وأجاد فيه واشتهر، وخدم به الملوك وأخذ جوائزهم وطاف البلاد ومدح الأكابر، وشعره كثير فى أيدى الناس قصائد ومقاطيع، ولم أدر هل دوّن شعره أم لا، ثم وجدت له فى خزانة كتب التربة الأشرفية بدمشق ديوانا فى مجلد كبير، ومن شعره يمدح القاضى كمال الدين ابن الشهرزورى:

ص: 147

وهواك ما خطر السّلوّ بباله

ولأنت أعلم فى الغرام بحاله

ومتى وشى واش إليك بأنه

سال هواك فذاك من عذاله

أوليس للكلف المعنى شاهد

من حاله يغنيك عن تسآله

جدّدت ثوب سقامه وهتكت ست

ر غرامه وصرمت حبل وصاله

أفزلة سبقت له أم خلة

مألوفة من تيهه ودلاله

يا للعجائب من أسير دأبه

يفدى الطّليق بنفسه وبماله

بأبى وأمى نابل بلحاظه

لا يتّقى بالدرع حدّ نباله

ريان من ماء الشبيبة والصّبا

شرقت معاطفه بطيب زلاله

تسرى النّواظر فى مراكب حسنه

فتكاد تغرق فى بحار جماله

فكفاه عين كماله فى نفسه

وكفى كمال الدين عين كماله

وهى قصيدة طويلة وله أيضا:

ومهفهف حلو الشّمائل فاتر ال

ألحاظ فيه طاعة وعقوق

وقف الرحيق على مراشف ثغره

فجرى به من خدّه راووق

سدّت محاسنه على عشّاقه

سبل السّلوّ فما إليه طريق

قال: وكان قد جاءنا ونحن فى بلادنا فى سنة ثلاثة وعشرين وستمائة الشيخ جمال الدين أبو المظفر عبد الرحمن بن محمد، المعروف بابن السنينيرة الواسطى، وكان من أعيان شعراء عصره، ونزل عندنا بالمدرسة المظفرية، وكان قد طاف البلاد ومدح الملوك وأجازوه الجوائز السّنيّة وإذا قعد حضر عنده كل من له عناية بالأدب، وتجرى بينهم محاضرات ومذاكرات لطيفة، وكان قد طعن فى السن فقال يوما: وافقنى البهاء السنجارى فى بعض الأسفار من سنجار إلى رأس عين-أو قال: من رأس عين إلى سنجار-فنزلنا فى الطريق فى مكان، وكان له غلام اسمه إبراهيم وكان يأنس به، فابتعد عنا الغلام فقام يطلبه فناداه، يا

ص: 148

إبراهيم يا إبراهيم مرارا فلم يسمع نداءه لبعده عنه، وكان ذلك الموضع له صدى، فكلما قال: يا إبراهيم أجابه الصدى يا إبراهيم، فقعد ساعة ثم أنشدنى:

بنفسى حبيب جار وهو مجاور

بعيد عن الأبصار وهو قريب

يجيب صدى الوادى إذا ما دعوته

على أنه صخر وليس يجيب

وكان للبهاء السنجارى صاحب وبينهما مودّة أكيدة واجتماع كثير، ثم جرى بينهما فى بعض الأيام عتاب وانقطع ذلك الصاحب عنه، فسير إليه يعتبه لانقطاعه، فكتب إليه بيتى الحريرى من المقامة الخامسة عشرة، وهما:

لا تزر من تحب فى كل شهر

غير يوم ولا تزده عليه

فاجتلاء الهلال فى الشهر يوم

ثم لا تنظر العيون إليه

فكتب إليه البهاء من نظمه:

إذا حققت من خلّ ودادا

فزره ولا تخف منه ملالا

وكن كالشمس تطلع كلّ يوم

ولا تك فى زيارته هلالا

ومن كلامه:

ومن العجائب أننى

فى لج بحر الودّ راكب

وأموت من ظمأ و ل

كن عادة البحر العجائب

وكانت ولادته سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، وتوفى فى أوائل سنة اثنتين وعشرين وستمائة بسنجار، انتهى.

(سنجرج)

بفتح السين وسكون النون وضم الجيم وسكون الراء وجيم أخرى؛ قريتان بمصر، سنجرج فى كورة المنوفية وسنجرج فى كورة الأشمونين كذا فى «مشترك البلدان» ، فالأولى قرية بمديرية المنوفية من مركز منوف على الشاطئ الشرقى لترعة الباجورية، وفى الشمال الشرقى لمنوف بنحو ألفى متر، وفى غربى شبين الكوم بنحو سنة آلاف متر، وبها جامع وفى جهتها الشرقية مقام ولى الله محمد الوزورى، يعمل له ليلة فى كل سنة فى شهر بؤنه.

ص: 149

والثانية قرية بمديرية أسيوط بقسم ملوى فى غربيها على نحو أربعة آلاف متر، وفى جنوب الأشمونين على نحو سبعة آلاف متر، وبها جامع وبدائرها نخيل.

(سنجها)

قرية من مركز العرين ببلاد الشرقية، موقعها غربى بحر موسى بنحو أربعمائة متر، وبحرى خط السكة الحديد الموصل إلى المنصورة، بينها وبينه نحو ثمانية آلاف متر، وهى عبارة عن جملة كفور بأرض جزيرة رملية، وهى ذات نخيل وأشجار متنوعة، وأبنيتها باللبن وسقوفها من خشب النخل والجريد، وبها مساجد ومكاتب ومجلسان للدعاوى والمشيخة، وبعض كفورها يقرب من بحر مويس على نحو ثلثمائة متر، وبعضها على نحو ألفى متر، ولها سوق كل يوم ثلاثاء، وتكسّب أهلها فى الغالب من الزرع وثمر النخل وصيد السمك ونسج الأقمشة من القطن البلدى والصوف، وبها أرباب حرف، وزمامها أربعة آلاف فدان وأربعمائة وثلاثة وتسعون فدانا.

(سندوب)

قرية من مديرية الدقهلية بقسم نوسا الغيط، موضوعة على الشاطئ الغربى لترعة المنصورية، وفى الشمال الشرقى لناحية نقيطة بنحو ثلاثة آلاف متر، وقبلى ناحية المنصورة بنحو ساعة، وأغلب أبنيتها بالطوب الأحمر والمونة منها ما هو على دور ومنها ما هو على دورين، وفيها جامع بمئذنة معمور بالصلاة، وبها مقام الشيخ الفضالى والشيخ الباز، وبها منزل بمضيفة لعمدتها أبى زاهر وهو مشهور بالثروة وله بها بستان، ويتسوّق أهلها من ناحية المنصورة وتكسبهم من الزرع وغيره.

‌ترجمة العلامة الشيخ أحمد السندوبى

ونشأ منها من الأفاضل العلامة السندوبى المترجم فى «خلاصة الأثر» بأنه أحمد بن على السندوبى المصرى، كان من أعيان المدرسين بالأزهر ومن

ص: 150

أكابر الأفاضل، ذا عبارات فصيحة وشيم مليحة وأخذ عن الشمس الشوبرى والنور الشبراملسى وسلطان المزاحى ومحمد البابلى والشهاب القليوبى وكثير، وأجازه شيوخه، وتصدر للإقراء فى ضروب من الفنون، وله مؤلفات منها «شرح على ألفية ابن مالك» و «شرح قصيدة المقرى» التى مطلعها:

سبحان من قسم الحظو

ظ فلا عتاب ولا ملامه

فى نحو عشر كراريس «وشرح القصيدة الشيبانية» «وشرح العنقود» للموصلى فى النحو، وله منظومة فى الحال وأخرى فى مصطلح الحدث، وله أشعار كثيرة ومنها قوله ملغزا فى ناصر:

صبرنا فلما أن رأى الصبر بأسنا

تأخّر عنّا وهو منقطع القلب

وقوله:

ألا يا طالب الدنيا تنبّه

فليس بها لمخلوق مقام

فدنيانا بأهليها كركب

يسار بهم وأكثرهم نيام

وقوله:

إذا مارمت من جاءوا بإفك

فهاك عدادهم فيما يصحح

تولى كبره ابن أبى سلول

وحمنة ثم حسان ومسطح

وقوله:

إذا عدت المريض فلا تطوّل

وقلّل فى الكلام لدى العياده

ولا تذكر له فيها مريضا

ولا خبرا فذلك خير عاده

وحج مرات.

قال المحبى: وقد رأيت بخط صاحبنا الفاضل مصطفى بن فتح الله قال:

اتفق لى معه أنى زرت معه المعلاة تربة مكة فتذاكرنا أنسها وعدم الوحشة فيها بالنسبة إلى مقابر غيرها من البلاد، ومن فيها من الأولياء ممن لا يحصى كثرة،

ص: 151

فذكرت له ما نقله المرجانى فى «تاريخ المدينة» عن والده، قال: سمعت أبا عبد الله الدلاصى يقول: سمعت الشيخ أبا عبد الله الدبسى يقول: كشف لى عن أهل المعلاة، فقلت لهم: هل تجدون نفعا بما يهدى إليكم من قراءة ونحوها؟ فقالوا لسنا محتاجين إلى ذلك، فقلت لهم: ما منكم أحد واقف الحال؟ فقالوا ما يقف حال أحد فى هذا المكان. فأعجب به وقال: أرجو الله أن يمتعنى بمكة وأن أدفن بالمعلاة، فلم يقدّر له ذلك وتوفى بمصر، وكانت وفاته فى يوم الثلاثاء غرة جمادى الأول سنة سبع وتسعين وألف، وعمره ثمان وستون سنة رحمه الله تعالى.

(سندفا)

بفتح السين وسكون النون وفتح الدال والفاء؛ قريتان بمصر، سندفا من ناحية السمنودية وسندفا من ناحية البهنسا. كذا فى «مشترك البلدان» فالأولى:

بمديرية الغربية بلصق المحلة الكبرى من الجهة الجنوبية، بل هى الآن جزء منها لا يفصلهما إلا الخليج، والثانية: قرية بمديرية المنية بقسم قلوسنا على الشاطئ الشرقى لبحر يوسف تجاه البهنسا، وفى غربى ناحية شرونة بنحو أربعة ألاف وسبعمائة متر، وفى الجنوب الغربى لناحية شلقام بنحو أربعة آلاف وخمسمائة متر، وبها جامع وبدائرها نخل كثير.

‌ترجمة الشيخ محمد السندفاوى

وإلى سندفا التى من البلاد الغربية ينسب الشيخ محمد السندفاوى المحلى، المترجم فى «طبقات الشعرانى» بأنه كان شابا صوّاما قوّاما، قليل الكلام، حسن السمت، كريم النفس، يحب الوحدة لا يمل منها، أحب إليه ما يجلس فى المساجد المهجورة والخرائب، اجتمع رحمه الله بالشيخ على الدويب بالبحر الصغير بنواحى دمياط، وحصل له منه نفحات وكساه جبته وقال: يا محمد ما فرح منى بذلك أحد قط غيرك، وكانت له والدة يبرها ولا يكاد يرفع صوته عليها، وكان يقول لها: هبينى لله عز وجل والميعاد بيننا فى الآخرة؛ ليقطع طمعها منه، ومكث رضي الله عنه سنين عديدة يحج على

ص: 152

التجريد ماشيا حافيا، لا يسأل أحدا شيئا ولا يقبل منه، وكان الغالب عليه السذاجة فى أمور الدنيا والحذق فى أمور الآخرة، وكان كثير التوجه إلى الله تعالى حسن المعاشرة لين الجانب لعامة المسلمين، واسع الأخلاق لا يكاد أحد يغضبه، أخذ عنه جماعة من أهل الطريق وانتفعوا بمواعظه وآدابه، قال:

وصحبته خمس عشرة سنة ما رأيت عليه شيئا يشينه فى دينه، مات رضي الله عنه فى سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة، ودفن بسندفا بالمحلة الكبرى، انتهى.

(سندسيس)

قرية من مديرية الغربية بقسم المحلة الكبرى، فى الشمال الغربى للمحلة الكبرى من نحو ساعة، وفى شرقى المعتمدية بنحو ثلث ساعة، وبها جامع، وبجوارها من جنوبها الغربى تل كبير عليه سراى، من إنشاء المرحوم إبراهيم باشا يكن، وفى غربيها دوار أوسية، وبين هذه القرية والمحلة الكبرى طريق سلطانى مغروس بالأشجار مثل طريق شبرى الخيمة، ولها سوق جمعى، وبدائرها نخيل وأشجار.

(سندنهور)

بكسر السين وسكون النون وفتح الدال المهملة ونون أخرى مفتوحة وهاء مضمومة وواو وراء؛ وهى منية مال الله بالشرقية وسندنهور بالشرقية أيضا، انتهى؛ من «مشترك البلدان». فالأولى: قرية من مديرية الشرقية بمركز منية القمح فى الجنوب الغربى لبردين بنحو أربعة آلاف وخمسمائة متر، وفى الشمال الشرقى لشبرى النخلة بنحو ثلاثة آلاف متر، وبها جامع. والثانية: قرية بمديرية القليوبية بمركز بنها العسل، غربى سكة الحديد الطوالى بنحو ثلثمائة متر، وفى غربى الشموت بنحو ألفين وثلثمائة متر، وفى الجنوب الشرقى لفرسيس بنحو ألف ومائتى متر.

(سنديون)

بكسر السين وسكون النون وفتح الدال وياء مضمومة وواو ساكنة ونون؛ قريتان بمصر، سنديون بفوّة، وسنديون بالشرقية، انتهى من «مشترك البلدان» .

ص: 153

فسنديون الشرقية قرية من مديرية القليوبية بمركز قليوب على الشاطئ الغربى لترعة أبى المنجى، وفى جنوب ناحية قها ثلاثة آلاف متر، وشرقى ناحية سندبيس بنحو ثلاثة آلاف وخمسمائة متر، وأغلب مبانيها بالآجر واللبن، وبها جامع بمئذنة ومنزل مشيد لعمدتها أحمد حمزة كان ناظر قسم، وفى جنوبها الغربى جنينة للعمدة المذكور، وقمحها مشهور بمصر.

وسنديون التى بفوة قرية من مديرية الغربية بمركز دسوق على الشاطئ الشرقى لفرع رشيد، وفى شمال ناحية فوّة بنحو أربعة آلاف متر، وفى جنوب ناحي شمشيرة بنحو ألفين وستمائة متر.

(سنسفيط)

قرية من مديرية المنوفية بمركز أشمون واقعة فى شرقى بحر رشيد، وفى جنوب ناحية جزي بنحو ثمانمائة متر، وفى الشمال الشرقى بكفر أبى المشط بنحو ثلاثة آلاف وثلثمائة متر، وبها جامع بمنارة، وتكسّب أهلها من الزرع وغيره.

(السنطة)

بفتح السين وسكون النون وبالطاء والهاء؛ قريتان بمصر، السنطة ويقال لها كوم قيصر بالشرقية، والسنطة أيضا بالسمنودية، انتهى من «مشترك البلدان» فالأولى: من مديرية الشرقية بمركز الإبراهيمية، فى الجنوب الغربى لناحية العقدة بنحو ألفى متر، وفى الشمال الشرقى لناحية ملامس بنحو ثلاثة آلاف وثمانمائة متر. والثانية: من مديرية الغربية بمركز زفته، موضوعة فى غربى بحر شبين بنحو مائتى متر، وفى شمال الرحبية بنحو ألف وخمسمائة متر، وفى جنوب ناحية بلكيم بنحو ألف وثمانمائة متر، وبها جامع بمنارة ومعمل فراريج، وفى شرقيها وابور على بحر شيبين ودوّار أوسية ومحل تفتيش الزراعة، وفيها محطة السكة الحديد، ولها سوق فى كل أسبوع، وبدائرها نخيل قليل وأشجار كذلك.

ص: 154

(سنهور)

من هذا الاسم بلدتان:

إحداهما قرية كبيرة من مديرية الفيوم بقسم العجميين على بعد ثلاث ساعات ونصف من المدينة، فى جنوبها الشرقى ناحية فدمين، وفى شرقيها ناحية ترسة، وفى جنوبها الغربى ناحية أبى كساه، وفى بحريها بركة قارون على بعد ساعة، وأطيانها كثيرة وكثير منها على بركة قارون، وبها نخيل قليل، وفى قبليها حدائق بجوار أطيان أبى كساه وفدمين، ولها بحر مختص بها، فمه من اليوسفى من هويس غربى المدينة على بعد خمسين قصبة، وعليه سواقى هدير، وذلك البحر يمر من شرقى أبى مجنون ثم من وسط فدمين، وفيه خزان محوط ببناء من الطوب المحرق طوله نحو خمسين ذراعا، فى عرض نحو أربعة أذرع وارتفاعه نحو عشرة أذرع، وهو فى محل تلاقى الانحدارين فى ذلك البحر عند التقاء الطريق الموصلة من ترسة إلى أبى كساه بالبحر المذكور، وبين سنهور والخزان أقل من ثلث ساعة، وامتداد المياه إلى ناحية فدمين، ولها سوق كل أسبوع.

ومن أهالى هذه القرية درويش عليوة كان ناظر قسم زمن العزيز محمد على، وكان من أكابر أهالى الفيوم.

والأخرى سنهور المدينة، وهى بلدة من مديرية الغربية واقعة فى غربى ترعة سنهور، على نحو خمسة وثلاثين مترا ومنها إلى ناحية دسوق نحو ربع ساعة، وأبنيتها بالطوب الأحمر والمونة ومنها ما هو على دورين، وبها خمسة مساجد أحدها جدّد فى سنة ثمانين ومائتين وألف، وآخر جدد فى سنة ست وثمانين ومائتين وألف، وبها ثلاث زوايا، وفيها جملة أضرحة أشهرها مقام سيدى محمد بن هارون، الذى ترجمه الشعرانى فى طبقاته بأنه من أهل مدينة سنهور بالبحر الغربى، وكان يقوم لوالد سيدى إبراهيم الدسوقى إذا مرّ عليه ويقول: فى ظهره ولد يبلغ صيته المشرق والمغرب، وكان صاحب مكاشفات،

ص: 155

كشف له عن صاعقة تنزل على سنهور من السماء تحرقها بأهلها، فخرج منها بأهله ومن تبعه، وهلك الناس فى أسواقهم وبيوتهم أجمعون، فهى إلى الآن خراب وعمروا خلافها، وكانت مدينة عظيمة رأوا سقوفها مرصصة فوق الظهور بالحرير

(1)

بدل الحصر والأنخاخ.

وحكى لى سيدى على الخوّاص أن سيدى محمد بن هرون سلبه حاله مرة صبى القراد؛ بسبب أنه كان إذا خرج من صلاة الجمعة تبعه أهل المدينة إلى داره، فمر بصبى القراد وهو جالس تحت يفلى خلقته من القمل وهو مادّ رجليه، فخطر فى سر الشيخ أن هذا قليل الأدب؛ يمد رجليه ومثلى مارّ عليه، فسلب لوقته وفر الناس عنه، فدار فى البلاد إلى أن رد الله عليه حاله، وكان ذلك عبرة له وعتابا على ما خطر بباله أن له مقاما وقدرا، انتهى. وإلى الآن يعمل له مولد كل سنة وله مرتب بالروزنامجه، فى كل شهر مائتان وثلاثة وتسعون قرشا.

ومقام الشيخ على الفصيح ومقام الشيخ نصر الدين ومقام الشيخ محمد السعودى ومقام الشيخ محمد الرباطى ومقام الشيخ محمد فخر الدين الحيطاوى فى بحريها بنحو ربع ساعة، وبها مكاتب لتعليم القرآن الشريف، وجملة بساتين ذات فواكه، ومعملان للدجاج أحدهما: لبسيونى محمد الصغير وشركائه، والثانى: لناظر زراعة والدة باشا، وأهلها مسلمون وكثير منهم يحفظ القرآن وترقى منهم جملة فى المناصب، فمنها الأمير حسن بيك نور الدين بن محمد نور الدين ولد سنة سبع وثلاثين ومائتين وألف، ولما أنشئت المكاتب الأهلية، فى بلاد الإقليم المصرى بأمر العزيز محمد على باشا-أخذ وأدخل فى مكتب كفر مجر-بجوار هذه البلدة. وبذلك الكفر قصر للعزيز محمد على باشا كان ينزل فيه أحيانا، ثم بعد سنتين انتقل إلى مكتب طندتا فأقام به سنة، واختبر مع من اختبر إلى مكتب قصر العينى، فأقام به إلى أن انتقل إلى أبى زعبل فأقام به إلى سنة خمس وخمسين ومائتين وألف، فانتقل إلى المهندسخانة ببولاق، وكان فى فرقتنا التى كنا فيها فأقام خمس سنين تمم فيها دراسة علومها الرياضية

(1)

كذا بالطبعة الأولى، ولعلها «بالجريد» . أحمد خلف.

ص: 156

العلمية والعملية، وفى سنة ستين انتخب سبعة من متقدمى الفرقة الأولى من المدرسة للسفر مع أنجال العزيز محمد على باشا إلى بلاد فرانسا؛ لتعلم العلوم العسكرية، فكنت أنا وهو من جملتهم، وكذلك أخذ من غير هذه المدرسة كمدرسة الطوبجية التى بطرا والسوارى بالجيزة والمكتب العالى بالخانقاه ومدرسة الألسن بالأزبكية، غير من طلب التوجه برغبته من الدواوين وخلافها، فسافرنا وأفرد لنا محل مخصوص بباريس، بمن يلزم من الضابطان العسكرية والمعلمين، فأقمنا فيه جميعا، وبعد سنتين انتقل المتقدمون منا فى العلوم إلى المدارس الخصوصية، فكان المترجم ممن بقى بالمدرسة الأولى، ثم بعد إبطالها بقى بباريس للاستعداد للدخول فى مدرسة مهندسخانة، ثم دخلها فأقام بها سنتين، ثم انتقل إلى مدرسة القناطر والجسور فأقام بها أربع سنين، كان فى كل سنة منها يقيم ثمانية أشهر فى التعليم وأربعة أشهر يسافر فيها للأرياف؛ لمباشرة الأعمال الجارية فى البلاد، مثل القناطر والأبحر والمين وسكك الحديد والورش، فسافر إلى مرسيليا ومدينة طولون ومدينة سيت؛ لمناظرة أعمال مين تلك الجهات التى على البحر الرومى، وسافر أيضا إلى مدينة مونبيلية ومدينة نيم؛ لمناظرة أشغال سكة الحديد الواصلة بينها وبين مدينة سيت، وسافر إلى مدينة ترسكون فوق نهر الرون لنظر القنطرة التى كان جاريا إنشاؤها على ذلك البحر للزوم سكة الحديد التى بين باريس ومرسيليا، وطول تلك القنطرة يقرب من ألف متر وجميعها من الحديد، ما عدا البغال فإنها من البناء المتين وبين كل بغل والآخر مسافة ثلاثة وستين مترا، ويمر عليها ثلاث خطوط للسكة الحديد، وسافر إلى جهات أخر ثم حضر إلى مصر سنة سبعين، وتعين بمعية موشلى بيك فى فرع السويس، وأحسن إليه برتبة صاغقول أغاسى بمرتب ألف ومائتى قرش، واستمر فى هندسة السكة الحديد إلى سنة تسعين.

وبمقتضى أمر كريم تعين مستقلا لرسم سكك حديد الفيوم، وهو الذى عمل خط دسوق وخط الصالحية، وفى أثناء خدمته فى تلك الوظيفة تعين فى

ص: 157

سنة ثمانين بأمر كريم للتوجه إلى جهة قوله لعمل خرطة الأورمان، فسافر إليها ووفى ما طلب منه وعمل خرطتها، وفى أثناء ذلك قطع من الأورمان ستين ألف قطعة خشب طاشيور، وأرسلها إلى مصر لزوم مد الخطوط التلغرافية المصرية، وأنعم عليه هناك قائمقام، وبعد سبعة أشهر من غيابه حضر إلى مصر وتعين باش مهندس سكة حديد قسم المحروسة، ومأمور عموم سكك الحديد الزراعية للجفالك السنية بالوجه القبلى، وأنعم عليه فى تلك المدة برتبة أمير الاى، ثم رفع من الخدامة وأقام بمنزله نحو سنة، ثم صدر أمر كريم بقيده في ديوان المالية، وأحيل عليه مباشرة أشغال سراى الجزيرة فأقام كذلك عدة أشهر، وأحسن إليه بجميع ما كان مرتبا له، ثم انتقل إلى ديوان الأشغال العمومية، وهو إلى الآن من رجال هذا الديوان المعول عليهم فى أشغاله، وهو إنسان حسن السير والسيرة ديّن صالح محب للصلحاء والعلماء.

ومنها يوسف أفندى القرضاوى بوظيفة ناظر نصف أول بجفلك سنهور المدينة، تعلق ذات العصمة والدة الخديوى إسماعيل باشا سنة إحدى وثمانين، ومنها إبراهيم أفندى المستكاوى بوظيفة ناظر نصف ثانى جفلك سنهور أيضا، ومحمد أفندى زقزوقة بوظيفة قبطان بالبحرية.

‌ترجمة جعفر بن إبراهيم

ومن علمائها الشيخ جعفر بن إبراهيم، ترجمه السخاوى فى «الضوء اللامع» ، فقال: جعفر بن إبراهيم بن جعفر بن سليمن بن زهير بن حريز بن عريف بن فضل بن فاضل؛ أبو الفتح القرشى الدهنى السنهورى القاهرى الأزهرى الشافعى المقرى، ولد سنة عشر وثمانمائة تقريبا بسنهور المدينة ونشأبها، ثم فارقها إلى المحلة عند أبى عبد الله الغمرى فقرأ القرآن بجامعه، ثم تحول إلى الأزهر وجمع للسبع على جماعة من القراء، منهم الشهاب الإسكندرى والتاج الطوخى والنور الإمام الشهاب الطلياوى، ثم اشتغل بالحديث والفقه والأصلين والعربية والفرائض والحساب، ومن أشياخه: العلاء

ص: 158

القلقشندى وأبو القاسم النويرى وابن قديد الرضى والحناوى، ولازم التقى الشمنى وسمع على الزين الزركشى وجوّد الخط على ابن الصائغ، وتقدم فى القراءات حتى لم يذكر إلا بها، وألف كتابا سماه «الجامع المفيد فى صناعة التجويد» وله أيضا «الجامع الأزهر المفيد لمفردات الأربعة عشر من صناعة الرسم والتجويد» ، ودرس القراءات المؤيدة، وكذا درس فى العربية والفقه والصرف والحساب، وكل ذلك وهو يتجرع الفاقة ويقنع باليسير من رزيقات ومرتبات، وربما أحسن له بعض الأمراء، بل رتب له الدوادار الكبير فى كل شهر خمسة دنانير وقمحا فى كل سنة، ونزل بعده فى سعيد السعداء وبيبرس، وقبله فى البرقوقية الحنفية مع كونه شافعيا، وفى مرتب يسير بالجوالى، وتكلم فى نظر جامع ساروجا، وانصلح حاله يسيرا وطار اسمه بالفن، حتى أن النجم العقيلى لما ادعى أن ابن الشحنة عبد البر لا يحسن الفاتحة لم يتخلص إلا بإخباره السلطان حين قرأها عليه بحضرته بأنها تصح بها الصلاة، وعرض له رمد فقدح له فأبصر بواحدة، وعرض له فالج بقى منه فيه بقايا، وكان صافى الخاطر طارحا للتكلف، مع كدر المعيشة؛ إما بالفقر وإما بتنكيد زوجته وإما بهما، ولم يزل متعللا حتى مات فى ذى القعدة سنة أربع وتسعين وثمانمائة ودفن بحوش صوفية سعيد السعداء، أه.

‌ترجمة الشيخ سالم السنهورى المالكى

ومن علمائها أيضا العلامة الفاضل الشيخ سالم السنهورى، وقد ذكر ترجمته صاحب «خلاصة الأثر» فقال: هو سالم بن محمد عز الدين بن محمد ناصر الدين بن عز الدين بن ناصر الدين بن عز العرب أبى النجاء السنهورى المصرى المالكى، الإمام الكبير المحدث الحجة الثبت خاتمة الحفاظ، كان أجل أهل عصره من غير مدافع وهو مفتى المالكية ورئيسهم، وإليه الرحلة من الآفاق فى وقته، واجتمع فيه من العلوم مالم يجتمع فى غيره، مولده بسنهور وقدم إلى مصر وعمره إحدى عشرة سنة، وأخذ عن الإمام المسند النجم محمد ابن أحمد بن على بن أبى بكر الغيطى الإسكندرى صاحب «المعراج» وعن

ص: 159

الإمام الكبير الحجة الشمس محمد البنوفرى المالكى، وأدرك الناصر اللقانى وأخذ عنه الجم الغفير الذين لا يحصون من أهل مصر والشام والحرمين، منهم البرهان اللقانى والنور الأجهورى والحبر الرملى والشمس البابلى والشيخ سليمان البابلى، وممن لازمه وسمع منه الأمهات الست كملا الشيخ عامر الشبراوى.

وله مؤلفات كثيرة منها «حاشية على مختصر الشيخ خليل» فى الفقه، وهى عزيزة الوجود لقلة اشتهارها وانتشارها و «رسالة فى ليلة النصف من شعبان» وغيرهما، وكانت وفاته فى يوم الثلاثاء ثالث جمادى الآخرة سنة ست عشرة بعد الألف ودفن بمقبرة المجاورين وبلغ من العمر السبعين، وأرخ بعضهم وفاته بقوله:

مات شيخ الحديث بل كل علم

سالم ذو الكمال أفضل حبر

قلت من غير غاية لبكاء

أرّخوه قد مات عالم مصر

ومن حوادث سنهور هذه-كما فى الجبرتى-أن الدلاتليه تعدوا عليها فى شهر جمادى الأولى سنة عشرين ومائتين وألف، ونهبوها وأخذوا ما فيها من الودائع والأموال وسبوا نساءها، وفى ذاك الوقت كانت الديار المصرية فى غاية الاضطراب، وكان أحمد باشا الوالى بعد عزله وتولية العزيز محمد على باشا مكرنكا بالقلعة، وكانت أهالى البلد وعساكر العزيز محمد على باشا محاصرين عليه، وكان الألفى الكبير محاصرا على دمنهور، والمماليك عاثين فى إقليم الجيزة والأقاليم القبلية، وكثر القتال بينهم وبين العثمانية فى جملة مواضع، مثل حلوان والروضة والجيزة نفسها، وضواحى القاهرة كشبرى وجزيرة بدران ونحوها، وكانت العرب تقتفى آثارهم فى السلب والقتل، والعسكر تتردد على بولاق وتهجم على البيوت وتخرج السكان قهرا وتسكن بها، ويربطون خيولهم بخانات التجار ونحوها، وتعطلت طرق المعاش وازداد بالناس الظلم والشدائد، وكثرت الشكوى ولم يوجد نصير.

وفى يوم الخميس حادى عشر ربيع الثانى وصل قبطان باشا إلى ثغر الإسكندرية وصحبته مراكب كثيرة، ووصل من طرفه سلحداره إلى بولاق ومعه

ص: 160

مكاتبة إلى الباشا المخلوع، مضمونها الأمر بالنزول من القلعة ساعة وصول الجواب إليه من غير تأخير وحضوره إلى الإسكندرية، وجواب آخر لمحمد على باشا بإبقائه بالقائمقامية، حيث ارتضاه الكافة والعلماء وهو يوصيه فيه على الرعية والرفق بهم، وأن يعين من قبله باشا بعسكر يرسل إلى البلاد الحجازية، مع ما يلزم له من الجبخانات وغيرها.

وطلع السلحدار المحضر من طرف قبطان باشا، وتكلم مع أحمد باشا المخلوع فقال: أنا لست بعاص ولا مخالف، وإنما بعض الجند لهم علائق باقية نحو خمسمائة كيس ولم يبق عندى شئ سوى ما على جسدى من الثياب، وقد أخذ العسكر موجداتى جميعا، ووقعت المكالمة فى شأن ذلك بوسائط بينه وبين محمد على باشا، وأخيرا دفع لهم محمد على باشا ما بقى لهم من العلائق، ونزل أحمد باشا من القلعة فى عاشر جمادى الأولى، وفى خامس عشره سافر من بولاق واستلم القلعة حسن أغا سر ششمه من طرف محمد على باشا، وتم الأمر على ذلك، انتهى.

(سنورس)

قرية كبيرة من قسم مدينة الفيوم بحرى المدينة بنحو ثلاث ساعات، أبنيتها من اللبن والآجر وبيوت أكابرها على دورين، وفيها نخيل بكثرة وحدائق ذات عنب وتين وليمون وكمثرى وبرقوق ورمان وتفاح، وفيها سويقة دائمة يباع فيها نحو المأكولات وأنواع العقاقير، غير السوق الذى ينصب كل يوم جمعة يباع فيه المواشى وخلافها، وتكسّب أهلها من الزرع المعتاد والفواكه، ومنهم التجار وأرباب الحرف، وتعمل فيها الحصر السمار الجيدة ويتجر بها فى مصر وخلافها، ومثلها ناحية الروضة وكفر عميرة وناحية فرقص، جميعها من بلاد الفيوم، ويزرع السمار بأرضها وزرعه كزرع الأرز غير أنه أقل كلفة منه من حيث خدمة الأرض، فيكتفون بجعل أرضه حيضانا ويملئونها بالماء ثم يبزر حبه، ولا يحتاج إلى جودة الأرض بل إلى إدامة السقى، فإذا أدرك جذ وجعل حزما وترك حتى يجف فى الشمس والهواء، وهو غير السمار المغراوى، فإن ذلك

ص: 161

يجلب من جهة فى غربى بلاد البحيرة يقال لها مغرة، على مسافة ثلاثة أيام من وادى النطرون.

وفى بعض كتب النباتيين أن الثمار نوع من الدبس، ولفظ دبس مرادف للفظ أسل كما قال ابن البيطار، وفى ترجمة ديوسقوريدس أن نباتة يقال لها سجنوس ليا يوجد منها نوعان قال دساسى: هذا خطأ والصواب شينوس ليا وهو نوعان أحدهما يسمى ليا والآخر يسمى شينوس، وهى كلمات لاتينية وأن شينوس ليا هو الدبس، وبعض مؤلفى العرب يسميه سمارا بالراء وسمادا بالدال، ويسمى بالعجمية بانكيه وهو الذى يعمل منه الحصر العبادى، انتهى.

ثم إن أطيان هذه البلده نحو ستة آلاف فدان غير أبعاديات تزيد على أربعة وعشرين ألف فدان على بركة القرن المسماة بين الأهالى بالخرج. وبين هذه القرية وبين المدينة طريق سلطانى، وفى جنوبها الشرقى ناحية المعصرة على بعد ساعة، وفى غربيها بنحو نصف ساعة قرية ابهيت الحجر.

ومن أهالى سنورس الأمير نصر بيك عثمان، كان ناظر قسم الفيوم ثم ترقى إلى أن صار مدير الفيوم سنة ست وخمسين ومائتين بعد الألف، وقت أن كان أحمد باشا المنكلى مدير الأقاليم الوسطى، ثم توفى وترك ذرية منهم الحاج عثمان هو الآن عمدتها، وفى زمنه قد عزل ربع مشيخته من البلد وجعله كفرا مستقلا، وسماه كفر بنى عثمان وهو إلى الآن على ذلك.

ولها بحر، فمه من اليوسفى بجوار النواعير من الجهة الشرقية، وعلى ذلك الفم قنطرة بثلاث عيون وعليه سواقى هدير وطواحين ماء بخارية، والنواعير تمر إلى مدينة الفيوم من شرقيها وتنفصل عنها ببحر ترسة، ويمتد البحر المذكور شمالا قدر نحو ساعة، ثم ينقسم بنصبة هناك ثلاثة أقسام: فالغربى يجرى إلى ناحية بيهو الصنم، وهى قرية سميت بهذا الاسم بسبب أن فى بحريها حائطين، طول كل منهما نحو أربعين ذراعا فى عرض نحو أربعة أذرع، من

ص: 162

حجر واحد فى ارتفاع خمسة عشر ذراعا تسميها الأهالى الصنم، والقسم الوسط يجرى إلى سنورس والشرقى يجرى إلى الشمال الشرقى نحو نصف ساعة، وينقسم كذلك خمسة أقسام: أحدها وهو الغربى يجرى إلى ناحية جرمس، والذى يليه إلى قرية جبلة والذى يليه إلى الأخصاص، والرابع إلى ناحية منشأة عطيفة، والخامس إلى ناحية الكعابى القديمة، والعادة أن الماء يكون فوق أعتاب النصب بقدر ذراع أو أقل لا أكثر؛ وذلك فى وقت الفيضان، وأما فى وقت الاحتراق فيكون فوق الأعتاب بقدر خمس متر فأقل، وجميع الأعتاب فى النصبة الواحدة فى مستوى واحد؛ باعتبار أعلى الأراضى المخصصة لها تلك الأعتاب.

(سنيطة الرفاعيين)

قرية من مديرية الشرقية بمركز العلاقمة فى شمال ناحية البروم على نحو ثمانية آلاف وخمسمائة متر، وفى الشمال الشرقى لناحية ناتورة بنحو أحد عشر ألف متر، وبها جامع وبدائرها نخيل.

(سنيكة)

هى بضم السين المهملة وفتح النون وإسكان الياء المثناة التحتية وآخر الحروف كاف وتاء تأنيث كما فى خلاصة الأثر، قرية من مديرية الشرقية بمركز العائد، على الشاطئ القبلى لترعة بحطيط، وفى جنوب المسيد بنحو ألفى متر، وفى شرقى شنباره بالراء بنحو ألف وخمسمائة متر، وبها جامع وقليل نخيل وأشجار.

‌ترجمة شيخ الإسلام زكريا

وإليها ينسب شيخ الإسلام زكريا الأنصارى، وقد ترجمه ابن إياس، إلا أن النسخة التى بأيدينا فيها التعبير بالسليكى باللام وإنما هو بالنون، فقال: هو الإمام العالم العامل شيخ الإسلام والمسلمين، مفتى الأنام فى العالمين، بقية السلف، وعمدة الخلف، عالم الوجود على الإطلاق، ومن ذكره قد شاع فى

ص: 163

الآفاق آخر علماء الشافعية بالديار المصرية؛ شيخ الإسلام زين الدين زكريا بن محمد بن محمد الأنصارى السليكى الشافعى رحمه الله تعالى، وكان مولده فى سنة أربع وعشرين وثمانمائة ومات يوم الأربعاء ثالث ذى الحجة، وله من العمر مائة سنة واثنتان، وكان رئيسا حشيما فى سعة من المال، وولى قضاء الشافعية فى دولة الأشرف قايتباى، وأقام فيها نحو عشرين سنة، ومات وهو معزول عن القضاء، وقد كف بصره قبل وفاته بمدة طويلة، وحضر مبايعة خمسة من السلاطين، وهم: الناصرى محمد بن قايتباى، وخاله الظاهر قانصوه والأشرف جانبلاط، والعادل طومان باى، والأشرف الغورى، وولى تدريس قبة الإمام الشافعى وولى فى آخر عمره مشيخة مدرسة الجمالية.

وكان بيده عدة تداريس، وألف الكتب الجليلة فى العلوم المفيدة، وأفتى ودرس فى القاهرة نحو ثمانين سنة، وانتفع منه غالب الناس، وخلف ولدا ذكرا من جارية سوداء، فلما بلغ ملك الأمراء وفاته أرسل إليه ثوبا بعلبكيا وخمسين دينارا على يد الأمير جاثم الحمزاوى، وحضر غسله وتكفينه والصلاة عليه، وخرجت جنازته من عند المدرسة السابقية، ومشى فى جنازته قضاة القضاة وأعيان الناس، وصلوا عليه فى سبيل المؤمنين أول ما طلعوا، وكانت جنازته حفلة فلما صلوا عليه توجهوا به إلى مقام الإمام الشافعى رضي الله عنه، ودفن عند الشيخ محمد الجيشانى تجاه قبر الإمام الشافعى رحمه الله تعالى، فكان أحق بقول القائل حيث قال:

لقد عظمت رزّيتنا فنبه

لها عمرا وقم جنح الليالى

فلا زالت ذوو الأفهام تلقى

من الأيام أنواع النكال

وكم جنت المنون على رجال

وجندلت الكماة بلا قتال

لقد درست دروس العلم حزنا

وقد ضل الجواب عن السؤال

انظر بقيتها هناك.

ص: 164

وفضائله وتآليفه أشهر من أن تذكر، منها «المنهج وشرح المنهاج» فى مذهب الإمام الشافعى، وقد ترجمه فى ذيل الطبقات بنحو كراسة فانظره.

(سواده)

قرية بالصعيد من قسم المنية موضوعة على الشاطئ الشرقى للنيل، وفى الجنوب الشرقى لبندر المنية بنحو ثلاثة آلاف متر وخمسمائة متر، وفى شمال زاوية الأموات بنحو ثلاثة آلاف متر، وبها جامع بلا منارة ونخيل كثير، وسكانها المسلمون عرب، يقال لهم عرب سوادة سميت بهم القرية، وينسب إليها دير بالجبل الشرقى على نحو ألف وثمانمائة متر يسمى دير سوادة ينسب لبوهول الراهب-كما قال المقريزى-به أقباط بكثرة.

وقد أخبرنى من أثق به أنه كان بسوادة نخلة ثمرتها صفراء اللون، كبيرة فى قدر الخيارة المتوسطة، كان طرحها قليلا، سباطتين أو ثلاثة، بالسباطة بلح قليل ويتساقط فى حال صغرة حتى عند طيبه لا يبقى بها إلا نحو مائة بسرة، وكان ما يتحصل منها يرسل كل سنة فى صندل مخصوص للعزيز المرحوم محمد على باشا أينما كان، انتهى.

ويزرع فى أرضها القطن كثيرا والقصب السكر والذرة والقمح ونحوه وليس لها سوق، وعندها وابور وله صوت كبكاء الثكلى، أنشأه حافظ أفندى مدير المنية سابقا، ثم صار من أملاك الدائرة السنية، وفى بحريها فوريقة قديمة تسمى «فوريقة السنيورة» ، أحدثتها امرأة أورباوية على طرف الحكومة زمن العزيز المرحوم محمد على باشا؛ لعمل السكر الكسر من السكر الخام، وذلك قبل إنشاء فوريقة الريرمون المجعولة لذلك.

(السويدة)

قرية من مديرية الشرقية بقسم العلاقمة، واقعة فى الجنوب الغربى لكياد الغتاورة بنحو سبعة آلاف متر، وهى ذات أبنية خفيفة بل بعض أهلها يسكنون

ص: 165

الأخصاص والخيوش، وفيها رجل من كرام العرب يدعى بجلبى مخيمر له منزل ومضيفة متسعة مبنية من اللبن، وعندها وابور ماء فوق ترعة البقر، ويزرع فى أرضها الشعير كثيرا.

وهذا الاسم وهو المذكور فى بعض الكتب، والظاهر أنها هى التى يقال لها الآن سوادة، إذ لم نعثر فى القطر على بلد يقال لها سويدة، وفى بلاد الصعيد بلدة أيضا تسمى سوادة، وقد تكلمنا عليها.

ونقل دساسى فى كتاب «الأنس المفيد» عن «كتاب الدرر المنتقيات» أن هذه القرية رجمت بخمسة أحجار من السماء، فوقع حجر منها على خيمة أعرابى فاحترقت، ووزن منها حجر فكان عشرة أرطال، فحمل منها أربعة إلى الفسطاط وواحد إلى تنيس.

ونقل أيضا عن أبى المحاسن أن سقوط تلك الحجارة عليها كان فى شعبان سنة مائتين واثنتين وأربعين هجرية.

وذكر السيوطى هذه الحادثة فى ذلك التاريخ وقال: إن فى سنة تسع وسبعين وستمائة فى يوم عرفة وقع فى بلاد مصر برد كثير، أتلف كثيرا من الغلال، ووقعت صاعقة بالإسكندرية وأخرى تحت الجبل الأحمر على حجر فأحرقته، فأخذ ذلك الحجر وسبك فخرج منه من الحديد أواق بالرطل المصرى، انتهى.

وهذه الحوادث كثيرة الوقوع إلى زماننا هذا، ولأهل البلاد الأجنبية اعتناء بحفظ ما يسقط من السماء من الحجارة وغيرها، فيجعلون لها أماكن يسمونها الميزيوم (محل الفرجة)، ويكتبون هناك تاريخ وقوعها وما حصل منها.

ونقل دساسى أيضا عن «الدرر المنتقيات» أيضا أنه سقط بأرض جوزجان قطعة حديد قدر خمسين منا، مثل حبات الجاورس المنضمة، ولم يعمل فيه الحديد، قال: ومن العجائب أنها أمطرت بناحية بلخ دما عبيطا، وسقطت أحجار كالحديد والنحاس فى وسط الصواعق، ويوجد ذلك ببلاد الترك وربما يكون بأرض جيلان.

ص: 166

وحكى ابن الأثير أن سحابة نشأت فى سنة إحدى عشرة وأربعمائة بأفريقية، فكانت شديدة الرعد والبرق وأمطرت حجارة أهلكت كل من أصابته.

ومن العجائب أيضا أنه أتى إلى المتوكل بحجر سقط بناحية طبرستان، وزنه ثمانمائة وأربعون رطلا أبيض اللون فيه صدع، وذكروا أنه سمع لسقوطه هدّة من أربعة فراسخ فى مثلها، وأنه ساخ فى الأرض خمسة أذرع.

وحكى الجاحظ أن سحابة طخياء (مظلمة) ظهرت بايزج (وهى مدينة بين أصبهان وخورستان) تكاد تمس قمم الناس، وسمعوا فيها كهدير الفحل، ثم دفعت أشد مطر حتى استسلموا للغرق، ثم دفعت بالضفادع والشبابيط العظام السمان فأكلوا وادخروا، حتى أن قوما من الجبل مطروا مطرا كثيرا فى أثنائه سمك، وزن بعضه رطل ورطلان.

وقد حقق دساسى أن حادثة مطر الدم ببلخ ذكرها الطبرى، وكانت فى سنة مائتين وخمس وأربعين، وحادثة الحجارة التى وقعت بأفريقية كانت فى سنة أربعمائة وإحدى عشرة كما قال أبو الفداء، وجعل ابن الأثير ذلك فى ربيع الثانى من هذه السنة.

وذكر القزوينى أن وزن كل حجر من حجارتها خمسة أرطال، وأما حجر طبرستان فكان وقوعه سنة مائتين واثنتين وأربعين أو خمس وأربعين، وأما واقعة الحديد المتقدمة فقد وقع مثلها فى ناحية شرقوف، وأخذت منه قطعة صار امتحانها فى سنة ألف وثمانمائة وأربعة، فى مجلس علماء مدينة (بطرسبرغ) تخت مملكة الروسا.

وقال دساسى أنه عرض أيضا على المجلس قطعة حديد مما وقع فى سنة ألف وسبعمائة وخمسين ميلادية بقرب قرية ابكنسك من بلاد التتار، وقد تكلم عليها السّيّاح بلاص فى الجزء الرابع من كتاب سياحته، وقال: إنه بعد إزالة قشرتها السطحية يكون الباقى حديدا لينا، ومكسره أبيض وبه خروق

ص: 167

كثيرة تجعله كالسفنجة، وأن وزن القطعة كلها كان أربعة عشر قنطارا والتتار يقدسونها لوقوعها من السماء، اه.

ثم إن السّيّاح بلاص المذكور عالم مشهور بالعلم والسياحة، ولد فى سنة ألف وسبعمائة وإحدى وأربعين ميلادية، فى مدينة بيرلين تخت مملكة البروسيا، ومات سنة ألف وثمانمائة وإحدى عشرة، دعته ملكة الروسيا كاترين الثانية سنة ألف وسبعمائة وسبع وستين إلى أن يصطحب مع الفلكيين المسافرين إلى بلاد السبيريا، لرصد مرور الزهرة على قرص الشمس سنة ألف وسبعمائة وثمان وستين، فساح بلاد السبيريا وجهات الروسيا، ودخل إلى حدود بلاد الصين وعاد إلى مدينة بطربول تخت الروسيا، سنة ألف وسبعمائة وأربع وسبعين، وكتب فى سياحته عدة مجلدات ترجمت فى جميع اللغات، ولها اعتبار عظيم لما اشتملت عليه من الفوائد الجمة؛ لأنه تكلم فيها على الحيوانات والنباتات والمعادن وغير ذلك.

‌ترجمة الجاحظ

وأما الجاحظ فهو كما فى كتاب دساسى: أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكنانى الليثى، المعروف بالجاحظ البصرى، وسمى الجاحظ لبروز عينيه فى وجهه، ويسمى أيضا الحدقى، له كتب كثيرة منها المختار من كتاب «الحيوان» و «كتاب اللصوص» وكتاب عنوانه «بيان وتبيين» وغير ذلك، مات بالبصرة سنة مائتين وخمس وخمسين من الهجرة وعمره تسعون سنة.

ونقل دساسى عن ابن خلكان نادرة لطيفة حصلت له وهى:

حكى بعض البرامكة قال: كنت تقلدت السّند فأقمت بها ما شاء الله، ثم اتصل بى أن صرفت عنها وكنت كسبت ثلاثين ألف دينار، فخشيت أن يفجأنى الصارف فيسمع بالمال فيطمع، فصغته عشرة آلاف إهليلجة فى كل إهليلجة ثلاثة مثاقيل، ولم يمكث الصارف أن أتى فركبت البحر وانحدرت إلى

ص: 168

البصرة، فخبرت أن الجاحظ بها وأنه عليل بالفالج، فأحببت أن أراه قبل وفاته فصرت إليه، فأفضيت إلى باب دار لطيف فقرعته، فخرجت إلىّ خادم صفراء فقالت: من أنت؟ قلت: رجل غريب وأحبّ أن أسرّ بالنظر إلى الشيخ، فبلغته الخادم، فسمعته يقول: قولى له: ما تصنع بشق مائل، ولعاب سائل، ولون حائل؟ فقلت للجارية: لا بد من الوصول إلى الشيخ، فلما بلغته قال: هذا رجل قد اجتاز بالبصرة وسمع بعلّتى فقال أراه قبل موته لأقول قد رأيت الجاحظ، ثم أذن لى فدخلت فسلّمت عليه وردّ مردّا جميلا، وقال: من تكون أعزك الله؟ فانتسبت له، فقال رحم الله أسلافك: السّمحاء الأجواد، فلقد كانت أيامهم رياض الأزمنة ولقد انجبر بهم خلق، فسقيا لهم ورعيا! فدعوت له، وقلت: أنا أسأل الشيخ أن ينشدنى شيئا من الشعر فأنشدنى:

لئن قدمت قبلى رجال فطالما

مشيت على رسلى فكنت المقدّما

ولكن هذا الدهر تأتى صروفه

فتبرم منقوضا وتنقض مبرما

ثم نهضت، فلما قاربت الدهليز قال: يافتى أرأيت مفلوجا ينفعه الإهليلج؟ قلت: لا قال: فإن الإهليلج الذى معك ينفعنى فابعث لى منه، فقلت: نعم، وخرجت متعجبا من وقوعه على خبرى مع كتمانى له، وبعثت إليه بمائة إهليلجة.

ونقل دساسى أيضا عن كتاب «التنبيه» للمسعودى أن الجاحظ كان يقول: إنى إذا كتبت كتابا واعتنيت بتهذيبه وتحريره ثم وضعت عليه اسمى فلا يلتفت إليه أحد ويعرض عنه الناس مرة واحدة، ولو كتبت كتابا وتهاونت فيه وفى تحريره وتهذيبه ولكن لا أضع عليه اسمى بل أضع عليه اسم عبد الله ابن المقفع، أو اسم الصاحب بن هرون-فإن الناس ينكبون عليه ويرغبون فى مطالعته واستنساخه، انتهى. وترجمته مبسوطة فى ابن خلكان.

ص: 169

وفيه أيضا أن ابن الأثير هو أبو الحسن على بن أبى الكرم محمد بن محمد ابن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيبانى، المعروف بابن الأثير الجزرى الملقب عز الدين، ولد بالجزيرة ونشأ بها، ثم سافر إلى الموصل مع والده وأخويه، وسكن الموصل وسمع بها من أبى الفضل عبد الله بن أحمد الخطيب الطوسى ومن فى طبقته، وقدم بغداد مرارا حاجا ورسولا من صاحب الموصل، وسمع بها من الشيخين أبى القاسم يعيش بن صدقة الفقية الشافعى وأبى أحمد عبد الوهاب بن على الصوفى وغيرهما، ثم رحل إلى الشام والقدس وسمع بها هناك من جماعة، ثم عاد إلى الموصل ولزم بيته منقطعا إلى التوفر على النظر فى العلم والتصنيف، وكان بيته مجمع الفضل لأهل الموصل والواردين عليها، وكان إماما فى حفظ الحديث ومعرفته وما يتعلق به، وحافظا للتواريخ المتقدمة والمتأخرة، وخبيرا بأنساب العرب وأيامهم ووقائعهم وأخبارهم.

صنف فى التاريخ كتابا كبيرا سماه «الكامل» ابتدأ فيه من أول الزمان إلى آخر سنة ثمان وعشرين وستمائة، وهو من خيار التواريخ، واختصر كتاب «الأنساب» لأبى سعد عبد الكريم السمعانى، واستدرك عليه فيه مواضع ونبه على أغلاط وزاد أشياء أهملها، وهو كتاب مفيد جدا، وأكثر ما يوجد اليوم بأيدى الناس هذا المختصر، وهو فى ثلاثة مجلدات، والأصل فى ثمان، وهو عزيز الوجود، ولم أره سوى مرة واحدة بمدينة حلب، ولم يصل إلى الديار المصرية سوى المختصر المذكور، وله كتاب «أخبار الصحابة» رضوان الله عليهم فى ستة مجلدات كبار.

ولما وصلت إلى حلب فى أواخر سنة ست وعشرين وستمائة كان عز الدين المذكور مقيما بها فى صورة الضيف، عند الطواشى شهاب الدين طغرلبك الخادم أتابك الملك العزيز ابن الملك الظاهر صاحب حلب، وكان الطواشى كثير الإقبال عليه، حسن الاعتقاد فيه مكرما له، فاجتمعت به

ص: 170

فوجدته رجلا مكملا فى الفضائل وكرم الأخلاق وكثرة التواضع، فلازمت الترداد إليه، وكان بينه وبين الوالد رحمه الله تعالى مؤانسة أكيدة، فكان بسببها يبالغ فى الرعاية والإكرام لى، ثم إنه سافر إلى دمشق فى أثناء سنة سبع وعشرين، ثم عاد إلى حلب فى أثناء سنة ثمان وعشرين، فجريت على عادة الترداد والملازمة، وأقام قليلا ثم توجه إلى الموصل.

وكانت ولادته فى رابع جمادى الأولى سنة خمس وخمسين وخمسمائة بجزيرة ابن عمر وهو من أهلها، وتوفي في شعبان سنة ثلاثين وستمائة رحمه الله تعالى بالموصل، وله أخوان مجد الدين أبو السعادات المبارك وضياء الدين أبو الفتح نصر الله.

والجزيرة المذكورة أكثر الناس يقولون إنها جزيرة ابن عمر، ولا أدرى من بن عمر، وقيل إنها منسوبة إلى يوسف بن عمر الثقفى أمير العراقين، ثم إنى ظفرت بالصواب فى ذلك، وهو أن رجلا من أهل برقعيد من أعمال الموصل بناها وهو عبد العزيز بن عمر، فأضيفت إليه، ورأيت فى بعض التواريخ أنها جزيرة ابنى عمر أوس وكامل، ولا أدرى أيضا من هما، ثم رأيت فى «تاريخ ابن المستوفى» وفى ترجمة أبى السعادات المبارك بن محمد أخى أبى الحسن المذكور، أنه من جزيرة أوس وكامل، ابنى عمر بن أوس الثعلبى، اه من ابن خلكان.

(السوالم)

قرية من مديرية أسيوط بقسم أبنوب الحمام واقعة بالقرب من الجبل الشرقى، فى شمال ناحية أبنوب بنحو ثلاثة آلاف متر، وفى شرقى بنى محمد بمثل ذلك، وبها جامع وأبراج حمام وبدائرها نخيل، ومن هذا الاسم قرية بمديرية الغربية من مأمورية بلاد الأرز شرقا، واقعة فى الجنوب الغربى لمنية أبى غالب بنحو ألفين ومائتى متر، وفى شمال ناحية رأس الخليج بنحو ثلاثة آلاف متر، وقرية أيضا بمديرية جرجا بقسم طهطا فى غربى النيل، فى الشمال

ص: 171

الشرقى لطهطا على أقل من ساعة، ويكتنفها قرية الشيخ زين الدين وساحل طهطا، كل منهما على نحو ربع ساعة، وفيها نخيل بكثرة، زمامها نحو ثلثمائة فدان، ويزرع فيها الجزر بكثرة وكذا المقاثئ والذرة الطويلة.

(سوهاج)

المشهور المستعمل بين عامة الناس أنها بالجيم فى آخرها، والصحيح الذى فى كتب التواريخ والوثائق القديمة أنها بالمثناة التحتية بدل الجيم، والنسبة إليها سوهائى.

وهى مدينة قديمة بالصعيد على الشاطئ الغربى للنيل، بين أسيوط وجرجا، وهى مركز ديوان مديرية جرجا، وكانت جرجا سابقا هى المركز، ولما شاهد المرحوم سعيد باشا حسن موقع هذه المدينة على البحر وطيب هوائها وتوسطها فى بلاد المديرية-أمر بنقل ديوان المديرية إليها، فبنى بها فوق البحر قصر للمديرية يندر وجود مثله فى مدن الصعيد، وجعل مستوفيا لجميع لوازم الديوان؛ من محل المدير والوكيل والكتبة والباشمهندس وحكيمباشى والمجلس المحلى، وقلم الدعاوى والمحكمة الشرعية والتلغراف والسجن ونحو ذلك.

وبسبب نقل المديرية إليها زادت عمارتها وتجددت بها أبنية عظيمة، وصارت أسواقها وخاناتها وحوانيتها مشتملة على جميع البضائع التى تشتمل عليها كبار المدن، وبها مساجد جامعة وزوايا عامرة، وأكبر جوامعها الجامع القديم الذى جدده المرحوم عمر بيك حافظ أوائل حكم الخديوى إسماعيل باشا لمعونة

(1)

بعض عمد البلاد، فصار يشبه جوامع القاهرة وجعل على وجهه مكتبا جليلا، ومن أشهرها جامع الأستاذ العارف بالله تعالى فوق البحر وهو أعظمها عمارية وفيه ضريحه فى غاية الشهرة، وبه مكتب جامع لكثير من أطفال البلاد القاصية والدانية، وشعائر الجامع والمكتب كانت مقامة من طرف هذا

(1)

كذا بالطبعة الأولى، ولعلها «بمعونة» . أحمد.

ص: 172

العارف، واستمر ذلك فى ذريته إلى الآن، فللمكتب من طرفهم جراية كل صبح وثريد كل عشية وبعض إعانات، وله قيم وناظر، وذريته إلى اليوم لهم شهرة واعتبار عند الحكام والعرب ولهم قصور مشيدة ودوائر متسعة، وكان أحدهم وهو محمد أفندى ناظر قلم دعاوى بهذه المديرية ثم عزل سنة 1291.

وفى الجبرتى أنه كان للشيخ العارف رزقة مرصدة؛ ستمائة فدان يزرعها وينفق منها على الفقراء والمستحقين كأهل العلم والمتعلمين ونحوهم، وكان مشهورا كأسلافه معتقدا فى تلك الناحية وغيرهما، ومنزله محط لرحال الوافدين والقاصدين من الأكابر والأصاغر والفقراء والمحتاجين، فيقرى كلا بما يليق به ويرتب لهم المرتبات والاحتياجات، وعند انصرافهم يزوّدهم ويهاديهم بالغلال والسمن والعسل والتمر والأغنام، وهذا دأبه ودأب أسلافه من قبله على الدوام، ثم آل أمر تلك الرزقة إلى مائة فدان بعد مسح جميع الأراضى، وضم إقطاعات الملتزمين من الأمراء والهوارة إلى جانب الديوان، وذلك فى سنة ثمان وعشرين من القرن الثالث عشر، وكذلك ضمت يومئذ الرزق الإحباسية والمرتبات المرصدة على الجهات ومصاريف الولاية، ورتب من طرف الديوان للمساجد ونحوها ما يكفيها، انتهى من الجبرتى بالمعنى.

وبجوار جامع العارف المذكور مدافن لبعض الصناجق والأمراء، منهم كما فى الجبرتى مراد بيك، قال: إنه مات بالطاعون بالوجه القبلى فى رابع ذى الحجة سنة ألف ومائتين وخمس عشرة ودفن بسوهاج عند الشيخ العارف، وأقيم عزاؤه عند زوجته نفيسة بالقاهرة وبنت له قبرا بالقرافة الصغرى، قرب الإمام الشافعى بجوار قبر على بيك وإسمعيل بك، ولم تنقله به، انتهى.

وبين قصر المديرية وجامع العارف مساحة متسعة محفوفة من جهة البحر بأشجار اللبخ فى أحسن وضع، وتحته مرسى للسفن فى غاية الانشراح والاعتدال.

ص: 173

وبها من الجهة القبلية قشلاق كانت تقيم به الصناجق بعساكرها، وهو إلى الآن محل لإقامة العساكر الباشبزوك والجهادية، وفى شمالها الشرقى جنينة بداخلها جليل تبع أمين باشا، وكان المرحوم سعيد باشا أسس فى شماله فوق البحر سراية ولم تتم، وفيها شون للمهمات الميرية وزربية فيها فحم الحجر تأخذ منه المراكب البخارية، وفى شمالها على نحو مائة قصبة فوق البحر غيضة من شجر السنط تعلق الميرى، أكثر من عشرة أفدنة ممتدة إلى قرب قرية العمرة، وسوقها كل يوم اثنين يجتمع فيه الناس من البرين غير السوق الدائم.

وفى خطط المقريزى أن فى غربيها ديرا يعرف بدير بوشنودة، وبالدير الأبيض، بناؤه بالحجر، وقد خرب ولم يبق منه إلا كنيسة، ويقال إن مساحته أربعة فدادين ونصف وربع والباقى منه نحو فدان، وهو دير قديم، انتهى.

وبلصق المدينة من الجهة الجنوبية الترعة المسماة بالسوهاجية سعة فمها نحو أربع وعشرين قصبة، ولها عتبة بنيت سنة 1245 فى عهد أحمد باشا طاهر، يساويها النيل إذا بلغ فى مقياس الروضة أربعة عشر ذراعا، فإذا ازداد عن ذلك دخل الماء فيها، لكن العادة سد ذلك الفم بالدبش ولا يفتح إلا فى مسرى، بعد مضى نحو عشرة أيام منه، على حسب درجة النيل قلة وكثرة، وفى جنوب هذا الفم بمسافة قليلة فم آخر سعته عشر قصبات، وطوله حتى يصل إلى السوهاجية مائة وخمس وعشرون قصبة، والعادة أن يوم فتحها يجعل كالعيد؛ تضرب فيه المزيكة والآلات وينصب ميدان المسابقة بالخيل فى الساحة التى عند العارف ويضرب بندق البارود، وهى بحر متسع ربما نقصت النيل عند فتحها، ولها منافع جمة؛ فإنها تروى نحو أحد عشر حوضا تشتمل على نحو ثلثمائة ألف فدان من سوهاج إلى أسيوط، ويحفها من الجهتين قرى ونخيل وبساتين نزهة وزروع جليلة مثل قصب السكر والذرة والمقاثئ والخضر التى لا تنقطع صيفا ولا شتاء، وهى قاطعة لجملة جسور من غير قناطر غالبا، بل برؤوس من الدبش مثل عمود كوم بدر وعمود طما، ولها فى عمود بنى

ص: 174

سميع قناطر نحو تسع عيون، وعند أسيوط لها أيضا قناطر وبعد نزولها فى شمال أسيوط تختلط مع المنهى، وهكذا إلى قناطر الرقة فما دونها إلا أنها تسمى بأسماء بحور تلك الجهات، والعادة أيضا أن يخصص على الأهالى كل سنة لسدها دبش يجلبونه من المحاجر، ويوضع بقرب كل فم ما فيه الكفاية لسده، ويكون سدها فى خمسة وعشرين من شهر بابة حيث يتم رىّ الأراضى وتستحق الزرع، وقد صدرت أوامر الخديوى فى عام أحد وتسعين بعمل قنطرة فى فمها تشتمل على تسع عشرة عينا سعة كل عين متران ونصف، وعمل هويس لمرور المراكب سعته ستة أمتار، وقد صار الشروع فى ذلك بالفعل برسم مفتش عموم الهندسة بالوجه القبلى الأمير سلامة باشا وعن قريب يتم، ولذلك ثمرات جليلة منها التسهيل على الأهالى، ورفع الإصر عنهم فى جلب الأحجار كل عام.

وفى الشمال الشرقى للبلد فم ترعة أم عليلة تفتح وتسد أيضا مع فتح وسد السوهاجية، فتروى جملة حيضان سيما حوض أولاد إسماعيل، فقد اكتسب منها طميا فاق به أرض الجزائر، وعند سد كل فرع من السوهاجية وترع أم عليلة يكثر هناك صيد السمك جدا من كبير وصغير، ويظهر على وجه الماء بكثرة فيأتيه الصيادون فيصطادون منه بالشبك والشماميط ونحوها جملة وافرة، ويستمر كذلك مدة من السنة، ويعم الغنى والفقير حتى تكون له رائحة فى نواحى البلد وداخل الحارات ويتّجر به فى البلاد، وهكذا يكثر الصيد عند سد كل ترعة فى جميع البلاد التى فوقها، والصغير منه المسمى بالصير تعمل منه الملوحة بكثرة، كما تعمل فى بلاد الصعيد الأعلى مثل فرشوط ودشنا والبلاص، وتعمل أيضا فى أخميم وجرجا وأسيوط وغيرها، وأشهرها فى ذلك بلاد فرشوط من مديرية قنا وبلاد المطاعنة من مديرية إسنا وبندر سوهاج.

وكيفية عمله أنه بعد أن ينظف من قشره ومما بباطنه من دم ومصارين -بأن يشق ويغسل غسلا جيدا-يوضع فى جرار الفخار ويصير بالملح، فيجعل

ص: 175

راقات فى الجرة، بين كل راقين مقدار من الملح ثم تسد الجرة وتترك نصف شهر فأكثر، فينتهى طيبه ويكون طعمه مالحا، ويستطاب أكله لا سيما للبلاد التى يكثر فيها قصب السكر، ومنهم من يضعه فى الجرار من غير غسل ولا شق، بل هو فى ملوحة الصعيد الأعلى التى يقصد بها للبيع، وأقباط الصعيد تصنعه بكثرة خصوصا أقباط قرية نقادة بمديرية قنا.

وكذلك بلاد الفيوم يصطاد فيها السمك كثيرا فى جميع أيام السنة إلا فى فصل الصيف لقلة المياه حينئذ، ويعمل من صغير الملوحة عندهم أيضا.

وأكثر ما يباع بمصر من البيسارية يصطاد فى مديرية الجيزة من قناطر شبرمنت والبدرشين ونحوهما، قال دساسى: إن اسم الصير يوجد كثيرا فى كتب العرب، وفى ترجمة كتاب «دبوسكوريدس» أن كلمة «ماينوس أو مايندوس» اسم لسمك صغير تسميه أهل الشام بالصير رأسه إذا أحرق وسحق وذر على الشقاق العارضة للمقعدة أبرأها، والمرى المعمول منه إذا تمضمض به أبرأ القرح الخبيثة العفنة الى تكون فى الفم، وفى صحاح الجوهرى أن الصير هو الصحناة، وفى الحديث أن سالم بن عبد الله مر به رجل معه صير فذاق منه ثم سأل عنه: كيف تبيعه؟ وفسّر الصير فى الحديث بأنه الصحناة، وقال جرير يهجو قوما:

كانوا إذا جعلوا فى صيرهم بصلا

ثم اشتووا كنعدا من مالح جدفوا

وقال فى كلمة كنعد: هى الصّحنا بالكسر؛ يمد ويقصر: إدام يتخذ من السمك، والصحناة أخص منه، وفى الفيروزبادى: الصير بالكسر الصحناة أو شبهها والسميكات المملوحة يعمل منها الصحناة، وقال فى كلمة «صحنة» الصحناء والصحناة ويكسران: إدام يتخذ من السمك الصغار، مشه مصلح للمعدة، وتكلم ابن سينا على الصير وعلى الصحناء، وذكر القزوينى أنه سمك صغير يعرف بهذا الاسم فى الشام ويعمل منه ملوحة، التمضمض بها نافع فى

ص: 176

إزالة النتن من الفم، وفرّق المقريزى فى الكلام-على مائدة وصفها-بين الصير والصحناء وجعلهما طعامين، وتكلم ابن حوقل على قرية على شط خليج الإسكندرية تعرف بقرية الصير، يسكنها كثير من الصيادين.

فيعلم مما تقدم أن الصير سمك صغير وأن الصحناء هو هذا السمك مملحا.

وفى خطط المقريزى عند ذكر أقسام مال مصر ما نصه:

وأما المصايد فهى ما أطعم الله سبحانه من صيد البحر، وأوّل من أدخلها الديوان: ابن مدبر وصير لها ديوانا، واحتشم من ذكر المصايد، وشناعة القول فيها، فأمر أن يكتب فى الديوان خراج مضارب الأوتاد ومغارس الشباك فاستمر ذلك، وكان يندب لمباشرتها مشد وشهود وكاتب إلى عدّة جهات، مثل خليج الإسكندرية وبحيرتها وبحيرة نستروه وثغر دمياط وجنادل ثغر أسوان، وغير ذلك من البرك والبحيرات، فيخرجون عند هبوط النيل ورجوع الماء من المزارع إلى البحر، بعد ما تكون أفواه الترع قد سكّرت وأبواب القناطر سدّت، عند انتهاء زيادة النيل، كما يتراجع الماء ويتكاثف مما يلى المزارع، ثم تنصب شباك وتصرف المياه ويأتى السمك وقد اندفع مع الماء الجارى؛ فتصيده الشباك من الانحدار مع الماء، ويجتمع فيها فيخرجه إلى البر، ويوضع على أنخاخ ويوضع فى الأطمار (الأوعية) فإذا استوى بيع وقيل له الملوحة والصير، ولا يكون ذلك إلا مما كان من السمك فى قدر الأصبع فمادونه، ويسمون هذا الصنف إذا كان طريا بيساريه فيؤكل مشويه ومقلوّه، انتهى.

وفى شرح دساسى على كتاب «الإفادة والاعتبار» لعبد اللطيف البغدادى أن الأروام تستعمل اسم الصير لسمك يصاد من البحر الأسود وبحر الإسكندرية، وأن كلمة «مانيوس أو مايندوس» اسم يونانى ترجمة لكلمة «مبنولا ومندول» اسمان للسمك المستخرج من بحر الإسكندرية باللغة

ص: 177

الفرنساوية، ومن ذلك يظهر أن اسم الصير أطلق على أنواع كثيرة من السمك، فتارة يطلق على سمك النيل، وتارة على سمك البحر المالح.

ونقل دساسى أيضا عن العالم «جيوفرو» أن اسم الصير يطلق فى سواحل الإسكندرية والسويس على سمك يصاد من هناك، وهو المسمى بالإفرنجية «جويل» وطوله نحو عشر المتر وغالبا يكون أصغر، وهو لذيذ الطعم وكثير جدا ويهوى الأماكن التى يسهل أخذه منها، وقال إنه لم يشاهده مملحا بمصر.

ونقل عن عالم آخر أن المصريين يصنعون الملوحة من سمك صغير، يصيدونه عند انصراف ماء النيل بقرب مصبه المالح، فإنه عند نزول النيل يختلط البحر المالح بالحلو إلى مسافة فرسخ فى داخل النيل، ويظهر فى هذه المسافة وقتئذ كثير من السمك الكبير والصغير، فيسرع الصيادون لصيده ويهرعون إليه من كل جهة؛ خوفا من فوات وقته لقصر زمنه، فيحصلون منه على شئ كثير.

وقال العالم فرسغال أن «الجويل» فى مصر وجدّة لا يزيد طوله عن أصبع وغلظه بقدر غلظ الأصبع، وأهل جدة يسمونه «أبا جشجش» أو «أبا جشجوش» أو «أبا كشكول» ، وتسميه الأتراك «جمشالق» وتسميه العرب لعف، وبعضهم يسميه سردين، وفى سيره فى البحر يكون طوائف وزمرا مجتمعة صفوفا، وهذا الاسم-أى لفظ الصير-وإن كان مستعملا فى اصطلاحات كثير من البلاد فى أنواع من السمك الصغير، إلا أنه اختص فى استعمال مصر بالسمك الصغير المستخرج من النيل.

وقال جيوفرو إنه نوعان، أحدهما يسمى «راى» والثانى:«بيسارية» وقد سأل دساسى فى هذا المعنى العالم «ميخاييل الصباغ» فأجابه بأنه السميكات التى ذكرها المقريزى فى مؤلفه، فليعلم سيدى الأمير أن أهل مصر حين يأخذ النيل فى النقصان يقفلون أبواب البرك التى امتلأت من الزيادة فيلقون فى البرك

ص: 178

شيئا، يسمى «بالبقمة» وهو من بزر الكتان، فبعد ذلك بجمعة تصير جميع البرك ممتلئة من هذه السميكات امتلاء يفوق وصفه، وهو الذى يسمونه بيساريا، وهو مثل السمك الصغير الموجود هناك فى باريس، وقد رأيته وأكلته مطبوخا حسب طبخ مصر، وهو واحد سميكات متنوعة الأجناس، غير أن منه جنسا يسمونه راى علامته أنه أبيض براق كالفضة وطرف ذيله أحمر فهذا الذى يملحه أهل مصر ويسمونه صيرا، وفى البلاد الفوقانية من الصعيد يعظم ويكبر حتى يصير مقدار شبر أو أكثر ويملحونه ويجلبونه إلى مصر، ففى الصعيد يسمونه رشالا، وفى مصر يسمونه الملوحة.

فإذا البيسارى وجدناه فى بلاد كثيرة، وأما نوع الراى فقد سمعنا من مؤرخى مصر وعلمائها أنه لا يوجد فى غير النيل وهذا حق، فإنى ما وجدته فى غير مصر، بخلاف البيساريا فقد أكلتها فى عدة أنهر من بلاد الشام وحلب، وفى هذه البلاد أيضا.

وعجيب عدم تفرقة المقريزى بين الراى والبيساريا، وكيف لم يشرح حقيقة كل منهما، ولعله كان هذا السمك فى مدته غير متميز بخلاف وقتنا هذا فلا يملحون إلا الراى فقط.

والبيساريا يأكلونه طريا ويقولون إنه لا يصلح للتمليح، مع زعمهم أن الراى نقى الباطن جدا بخلاف البيساريا، وذلك حق، فإنى رأيت الطباخين بمصر يعتنون بتنظيف باطن البيساريا ويطبخون الراى من غير أن يفتحوا باطنه، ودائما قيمة الراى أكثر من قيمة البيساريا، وقد تكلم هيرودوط على كثرة السمك المستخرج من برك النيل وخلجانه فقال: وفى الفروع الخارجة من النيل يسير السمك صفا واحدا فى هيئة قطيع الغنم ويكثر فى البرك، فإذا طلب السفاد يقصد البحر، وتكون الذكور فى الأمام فتخرج لقاحها فى الماء فتلتقطه الإناث

ص: 179

فتحمل، ثم ترجع إلى البرك المعتادة لها فتكون الإناث فى الأمام وتبيض بيضا دقيقا جدا فيلتقط بعضه الذكور وباقيه يفقس سمكا، وإن صيدت الأنثى فى ذهابها إلى البحر يرى كأن برؤسها من الجهة اليسرى جروحا وفى رجوعها يكون ذلك فى اليمين، وسببه أنها فى الذهاب يكون جانبها الأيسر مماسا للأرض لتستعين على التيار وفى الرجوع بالعكس.

وقال أيضا: إذا تنفس النيل بالزيادة ودخل الأماكن المنخفضة تظهر بها أسماك بكثرة، وجعل سبب ذلك أنه عند نزول النيل يكثر بيضها ويستمر فى الطين والماء حتى يأخذ النيل فى الزيادة فيفقس ويكثر وينتشر فى البرك والخلجان، وقد ردّ ذلك أرسططاليس ولكن لم يبين السبب.

‌ترجمة الشيخ محمد السوهاجى

وإلى هذه المدينة ينسب الشيخ محمد السوهائى الذى ترجمه السخاوى فى «الضوء اللامع» حيث قال:

هو محمد بن محمد بن إسماعيل فتح الدين أبو الفتح بن الشمس السوهائى الأصل نسبة لسوهاى (بضم المهملة ثم واو ساكنة وهاء مفتوحة) بلدة من أعمال أخميم من صعيد مصر الأعلى القاهرى الشافعى، سبط الجمال عبد الله بن محمد السملائى المالكى، ولد فى العشر الأخير من رمضان سنة ست وعشرين وثمانمائة بسويقة صفية من القاهرة ونشأبها فحفظ القرآن والمنهاجين وألفيّتى الحديث والنحو، وأخذ فى ابتداء العربية على الشمس محمد بن على الميمونى، ثم لازم العلم البلقينى فى الفقه إلى أن مات، وأذن له فى الإفتاء والتدريس، ولازم التقى الحصنى فى الأصلين والمنطق والجدل والمعانى والبيان، وأخذ الهندسة وغيرها عن أبى الفضل المغربى، وجاور بمكة وبالمدينة، وتكسب بالشهادة وتسامح فيها، وناب فى قضاء جدة عن الفضل بن طهيرة، وفى العقود قبل ذلك، ثم فى القضاء عن

ص: 180

العلم البلقينى ونوه به وأرسله إلى الصالحية ومعه نقباؤه، وبسفارة رتيبه الصلاح المكينى، واستمر ينوب لمن بعده، واشتهر إقدامه ورقة دينه ودقة نظره فيما يوصل به المبطل لتزيينه مع فضيلته وتمام خبرته، فقربه لذلك أهل الفرض

(1)

والهوى، وتجنبه من فى قلبه تقوى بحيث امتنع المثبتون من تنفيذ أحكامه، وأسفر عن جراءة زائدة وتهوّر تام، ودخل فى قضايا مشكلة، وأهين من الأمير أزبك وغيره، وألبسه الأشرف قايتباى خلعة؛ لقيامه بأعباء التعدى بالهدم الكائن بالقاهرة، الذى انتصب فيه للأملاك والأوقاف بالبهتان والزور، وما كان أسرع من أن أطفأ الله جمرة ناره، ففر-بعد قتل الدوادار الذى كان يعنيه-إلى بلاد الحجاز وكان قد جاور هناك قبل، وما نفق له هناك سوق لجلالة عالم مكة، فتزايد خموله وتجرع فقرا تاما، وأنعم عليه السلطان بعشرين دينارا فى توسعة رمضان وبجوالى مما لم يكن يكتفى به فى اليوم، ولا زال فى فقر مدقع وذل موجع، وتناول اليسير من الصغير فضلا عن الكبير حتى مات سنة خمس وتسعين وثمانمائة، انتهى.

‌ترجمة الشيخ محمد الأنصارى السوهائى

وفى «الضوء اللامع» أيضا أن منها الشيخ محمد بن محمد بن محمد بن أبى بكر الشمس الأنصارى السوهائى القاهرى الحنفى القادرى، ولد بسوهاى وزعم أنه سمع الشرف بن الكويك ولازم الأمين الأقصراى، واختص بغير واحد من الأمراء، وأجاد اللعب بالشطرنج وجوّد الخط، وخطب بمدرسة الجائى والجانبكية مع وظائف فيهما وفي غيرهما، بل استقر بعد الأقصراى فى مشيخة الايتمشية بباب الوزير، ثم تزايدت جهاته حتى أن السلطان تلمح له بما يقتضى ثبوت ذلك عنده مع إمساكه، انتهى.

(1)

كذا بالطبعة الأولى، ولعلها «الغرض» . أحمد.

ص: 181

ولم يذكر تاريخ موته، وإنما ذكر أن ولادته كانت سنة خمس وثمانمائة.

وفى شرقى سوهاج بجزيرة وسط البحر نزلة صغيرة لجماعة من عرب بنى واصل يقال لهم أولاد أبى محروس، سكنوا هذا المحل بين مدينتى أخميم وسوهاج وبنوا فيه بيوتا عظيمة ومضايف ومسجدين، وغرسوا به نخيلا وأشجارا ووضعوا هناك سواقى يزرعون عليها قصب السكر وأنواع الخضر ويبيعونه فى المدينتين، وهم مشايخ عرب الكتر الساكنين تحت الجبل الشرقى من ربانية أبى ليلى، تحت قرنة جبل الهريدى إلى قرية الحواويش شرقى أخميم، ولهم من حيث المطلوبات الميرية ما للعرب وعليهم ما عليهم، فعليهم خفر الدروب التى بالجبال وعليهم الجمال عند الاقتضاء، ويلبسون السلاح دواما، وليس عليهم مما على الفلاحين سوى خراج الأراضى، وفى جزيرتهم رمال كثيرة والصالح منها نحو أربعمائة فدان على قدر كفايتهم خاصة، يستغلونها بالخراج ويزرعون فيها أصنافا منها الخشخاش، وهو نباتة تقوم على ساق فتكون أقل من قامة رجل وفى أعلاها فروع قليلة وتثمر قناديل فى غلظ الليمون تكون فيها غلته وهو حب كالخردل، ومن هذه الشجرة يستخرج الأفيون بأن يجرح قنديله بعد إدراكه بسكينة فيخرج منه ماء غليظ فيجمع ويكون منه الأفيون، وأفيون هذه الجهة مشهور ويقال له بمصر الأفيون الأخميمى، وقد تكلمنا على الخشخاش فى الكلام على بوتيج، ويقابل مدينة سوهاج فى جهة الشرق مدينة أخميم كما تقدّم، وقبليها على نحو بسطتين مدينة المنشأة، وفى بحريّها أولاد نصير ثم الحمادية وباجة وعدة قرى، ثم جزيرة شندويل.

‌السويس

بسينين مهملتين بينهما واو فمثناة تحتية ساكنة بصيغة المصغر؛ مدينة على الجانب الغربى لخليج السويس المسمى بالبحر الأحمر، وثغر من ثغور مصر وفرضة لتجارات جزيرة العرب والهند والسودان، واقعة فى شرقى القاهرة

ص: 182

بنحو مائة وخمسة وثلاثين ألف متر، تستغرق بالسير المعتاد للإبل نحو ثلاثين ساعة باعتبار أن الجمل يقطع فى الساعة الواحدة أربعة آلاف متر، وطول هذه المدينة اثنتان وثلاثون درجة واثنتان وأربعون دقيقة، وعرضها تسع وعشرون درجة وسبع وخمسون دقيقة وإحدى وخمسون ثانية، وقد خلفت مدينة القلزم التى سيأتى الكلام عليها، وذكرها المقريزى فى الكلام على القلزم فقال: إن مدينة القلزم قد خربت ويعرف الآن موضعها بالسويس، انتهى.

ولم نقف على تاريخ تجددها، ولا متى سميت باسم السويس، ولا على سبب تسميتها بذلك، وإنما يؤخذ من كلام المقريزى أن اسم القلزم كان باقيا لها فى زمن الفاطميين، فقد نقل عن المسبحى فى حوادث سنة سبع وثمانين وثلثمائة ما نصه: وفى شهر رمضان سامح أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أهل مدينة القلزم بما كان يؤخذ من مكوس المراكب، انتهى.

ولأهمية موقعها من الديار المصرية من حيث تحصينها وسد عورتها من هذه الجهة ومرور الحجيج عليها صادرا وواردا وكثرة المتاجر الواردة على ميناها كان لها أهمية فى جميع الأعصر، وفيها دائما من طرف حاكم مصر رباط من العسكر المحافظين، ولها حاكم يقيم بها، ومحل للجمرك تؤخد فيه عوائد البضائع الواردة إلى مصر، ولوقوعها فى النهاية الشرقية من مصر كان ينقل إليها من مصر على الحيوانات ما يلزم إيصاله إليها، حتى المراكب التى يقتضى الحال إنشاءها بميناها وقد حصل ذلك غير مرة، فمن ذلك ما فى حوادث سنة 927 من ابن إياس أن الأمير تنم الناظر من طرف ملك الأمراء على وقف الدشيشة كان قد صنع مركبا عظيمة فى الجزيرة الوسطى؛ لينقلها إلى هناك لحمل مغل الدشيشة، وكان طولها مائة ذراع وعشرين ذراعا، وبها فرن وطاحون وصهريج للماء الحلو ومقعد واصطبل للخيل، فلما أتمها ركب إليها ملك الأمراء فى سادس عشر رجب الحرام، فتفرج عليها ثم فك أخشابها الأمير تنم

ص: 183

وأرسلها على ظهور الإبل إلى الطور، وقد حصل مثل ذلك زمن العزيز محمد على حين أراد بناء القصر بها.

قال الجبرتى فى تاريخه: إن محمد على باشا أرسل إلى بندر السويس فى شهر صفر سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وألف هجرية أخشابا وأدوات عمارة وبلاطا وحديدا وصنّاعا؛ بقصد عمارة قصر لخصوصه إذا نزل بها، انتهى. وقد بنى بها هذا القصر ولعله هو المجعول اليوم خانا يسمى خان البهار، وكذلك حمل إليها على ظهور الإبل عدة سفن حين عزمه على حرب الوهابية كما سيأتى.

ولكون الأقطار الحجازية كثيرا ما تكون تابعة لحكومة مصر كانت هذه البلدة موردا للعساكر المصرية وذخائرها فى تردّدها بين مصر والحجاز، ومع كل ذلك كانت بليدة صغيرة لا يسكنها إلا القليل من أهل الحجاز والطور ومصر، وإنما يكثر بها العرب فى زمن موسم الحج لبيع أشيائهم، ثم يتفرقون إلى أوطانهم لعدم وجود الماء العذب بها، وإنما كان أهلها يشربون من عيون مستملحة بعيدة عنها؛ كعين غرقدة وعيون موسى ونحوها.

قال بعض من وصف تلك الجهة: إن العيون التى كان ينتفع بها أهل مدينة السويس بعيدة عنها بمسافات مختلفة، فعلى ستة آلاف متر توجد بئر السويس، وهى مستعملة لشرب الحيوانات غير الآدميين لملوحتها، وعلى تسعة عشر ألف متر فى شمال السويس بئر عجرود، عمقها سبعون مترا وعلى سبعة آلاف متر تجاه السويس، فى الجهة الشرقية عين غرقدة، وفى الشرق أيضا على ستة عشر ألف متر عين تعرف بعين بهوق، عندها مجرى ماء قديم تدل آثاره على أنه كان واصلا إلى السويس، وعلى نحو عشرة آلاف متر فى الجهة الغربية عين تعرف بعين الهضب، وعلى ستة وثلاثين ألف متر فى أسفل جبل أبى دراجية عين عذبة الماء غزيرة، وبين أبى دراجية وجبل عتاقة توجد مياه بكثرة، وهناك أثر سواق ومحل زراعة.

ص: 184

وفى ضواحى السويس توجد آثار حيضان من البناء فى أواخر الأودية، تدل هيئاتها ومواقعها على أنها كانت تملؤهن الأمطار للانتفاع بها.

وعلى بعد أربع ساعات من السويس فى بر بلاد العرب عيون موسى، وممن تكلم عليها الدكدور اجوس فى سياحته قال: خرجت من السويس فى وقت الجزر فجزت إلى البر الآخر على الهجن، فوصلت إلى عيون موسى وهى خمس عشرة عينا، بعضها مردوم، وبعضها ينبع ماء يجرى على الأرض، ويجلب معه موادّ رملية يتكوّن منها، ومن الحشائش الثابتة عليها حول كل عين كثيب يسيل الماء من أعلاه، قال: وشاهدت أن مجاريها متكوّنة من موادّ مندمجة، وكلما علا الكثيب حولها زاد الضغط على جدران المجرى حتى يبطل التوازن بين دفع الماء ومتانة الجدران فينفجر المجرى من محل آخر وينسد الأول، وحرارة الماء الخارج منها تختلف من ست عشرة درجة إلى عشرين، فإذا برد كان سائغا للشرب مع بعض ملوحة، قال: وفى سنة 1538 ميلادية زمن السلطان سليمان الثانى اجتمعت مراكب البندقانيين مع مراكب العثمانية، واتحدوا على حرب البرتغالين، وكانت التجارة قد اتبعت طريق عشم الخير، وتركت طريق مصر، فعمل البندقانيون عند عيون موسى مجاري من البناء؛ لتوصيل مائها إلى حوض عملوه على ساحل البحر الأحمر؛ لينتفع به أهل مراكبهم، وبعد العيون عن ساحل البحر نحو خمسمائة متر، وآثار المجرى والحوض باقية إلى الآن، انتهى.

وفى وصف بعض من كتب على هذه الجهة أن عند عيون موسى خمسة بساتين تسقى منها، بها النخل والرّمان وشجر الزيتون والأزهار والأثل، ويزرع هناك بعض أنواع الخضر، ويكون السقى إما بالراحة وأما بواسطة آلة، ولطيب الهواء هناك واعتداله يذهب إليها أهل السويس من المرضى وغيرهم؛ فيرون

ص: 185

خفة ونشاطا، قال: وفى شمال عيون موسى عين غرقدة، ويليها وادى التيه حيث تاه بنو إسرائيل، وفيه جملة أعلام يستدل بها محمل الحج الشريف على الطريق صعودا وهبوطا، وفى غربيه الترعة المالحة الجديدة، عليها كبرى متين تمر عليه القوافل، وفى غربى ذلك بئر عجرود، يحط عندها محمل الحج فى أرض مجدبة ينبت فيها الحنظل وبعض حشائش ترعاها الإبل، ويرى فيها أثر الغزلان والضباع والأرانب، انتهى.

فلوقوع مدينة السويس فى هذه القفار كانت قفرة فقيرة ذات أبنية خفيفة قليلة الارتفاع، أكثرها طبقة واحدة مبنية من الدبش، على غير النظام ولا سمت حسن، مع ضيق حاراتها واعوجاجها، وكان ببعض بيوتها غرف قليلة يتخذونها من تقفيصات من الخشب، مملوء وسطها بالمونة والأحجار الصغيرة الملتقطة من شواطئ البحر، وهذه التقفيصات هى المعروفة بمصر والإسكندرية وغيرهما بالسويسية، واتخذها كثير من الناس لقلة مصرفها وخفتها، وإنما اقتصر عليها أهل السويس لفقرهم وفاقتهم، وقصور همتهم عن استخراج الأحجار والمون من الجبال الكثيرة المحيطة بهم الصالحة لذلك، مع جودة تلك المونة.

ولم تزل مدينة السويس قليلة السكان إلى أن أخذ العزيز محمد على بزمام الديار المصرية، وأزال منها أهل الفساد، وتخلص من المهمات التى كانت تشوّش فكره، وخلص له التصرف فى البلاد، فالتفت إلى تحصيل ثروة القطر التى منها تسهيل الطرقات، فبعد أن جدّد فى داخل القطر مزروعات جليلة وعوائد جميلة؛ من ترع وجسور وقناطر وصنائع جمة-التفت إلى أطراف القطر فصمم من ضمن ذلك على عمل سكة حديد توصل إلى السويس، وتعهد بعملها موسيو جلوى الإنكليزى بشروط عملت معه، ثم ترك ذلك لمقتضيات سياسية، واستعمل ما أحضر من مهماتها فى محاجر طرا، كما أشرنا إلى ذلك فى الكلام على الإسكندرية عند ذكر سكك الحديد.

ص: 186

ولما جرت بين الناس أسباب الائتلاف، وحصلت زيادة الأمن كثر ورود مراكب الإنكليز فى البحر الأحمر بتجارتهم، لقرب هذه الطريق عن طريق عشم الخير، وكان ذلك هو السبب فى فتح القنال أيضا، وحيث لم يتم أمر السكة الحديد استعملوا الجمال فى نقل بضائعهم من الفحم وغيره بطريق السويس إلى القاهرة، ومنها إلى الإسكندرية فى مراكب النيل.

وأما السيّاحون فكانوا يأتون من السويس إلى مصر فى عربات عملت لذلك تجرها الخيل، وجعل لذلك ديوان يسمى ديوان المرور، محله الآن سوق الخضار بالأزبكية، وكان ذلك فى سنة 1845 ميلادية، وأوّلا قسمت الطريق أربع محطات، ثم جعلت خمس عشرة محطة، منها ثلاث محطات للأكل والاستراحة، وعمل فيها صهاريج للماء.

ولما كانت الطريق قد تخفى معالمها بعروض الرمال التى تثيرها الرياح أمر المرحوم عباس باشا زمن أخذه بزمام مصر بإصلاحها وتحجيرها؛ أى دكها بحجر الدبش والدقشوم والرمل، فعقدت المقاولة فى سنة 1849 ميلادية على الجزء القريب من القاهرة من ابتداء بوّابة الحسينية، وجعل عرض الطريق ثلاثين مترا، وسمك الدبش والدقشوم أربعين جزأ من مائة من المتر، ومكعب الدقشوم 60،5 سنتيمتر، فأوّلا وضع دقشوم صغير، ثم مرّ عليه بطنبور تسحبه الحيوانات، ثم وضعت طبقة الدبش والدقشوم مكعبها 15 سنتيمتر، وفوق ذلك طبقة من الرمل والطين، ثم مرّ عليه بالطنبور، وبهذه الأعمال صارت الطريق غاية فى الحسن والسهولة مع الاعتدال، ثم بعد ذلك ظهر للمهندسين أنه يكفى أن يكون مكعب الدقشوم 18 سنتيمتر أو 20، وقد جرب فى ذلك حجر الصوّان والحجر الأحمر وحجر الدبش الأبيض، فظهر أن أحسنها الدبش، لأنه يختلط بالرمل والطين ويتماسك معهما، حتى يتكوّن من الثلاثة طبقة صلبة تدوم أكثر من الحجر الصرف، لكن مصاريفه أكثر، فقد بلغت مصاريف المتر المكعب من الحجر الصوان ومن الزلط الأحمر من عشرة افرنكات وثلث

ص: 187

إلى اثنى عشر، ومن الدبش الأبيض خمسة وعشرين فرنكا، ثم إنه لم يعمل من هذا الطريق إلا نحو نصفه، وذلك قريب من الدار الحمراء التى بنى فيها المرحوم عباس باشا قصرا، وسماها الدار البيضاء والدار الخضراء، وكان يتردّد إليها ويقيم بذلك القصر، وكان هذا من دواعى زيادة أمن هذا الطريق.

وفى زمن المرحوم سعيد باشا أنشئت السكة الحديد من القاهرة إلى السويس، وجرى عليها الوابور فاتبعتها التجار والسياحون، وبطلت طريق الدار البيضاء، واستعمل بعض محطاتها محطات للسكة الحديد، وبهذه الوسايط ازداد ورود مراكب التجارة على ميناء السويس، وكثر التردّد عليه والسكنى هناك، ولكن إلى ذلك الوقت كانت المراكب تقف فى ماء بعيد العمق على بعد كبير من البر وتنقل بضائعها إلى البر فى فلوكات صغيرة فكان يلزم لذلك مصاريف جسيمة وضياع زمن كبير، فأمر المرحوم محمد سعيد باشا بتعيين كومسيون يتوجهون إلى السويس لامتحان ساحل البحر، ويتعين المحل اللائق لرسيان مراكب الحكومة ومراكب الكومبانيات، فاختاروا فجوة فى البحر تحت جبل عتاقة تسميها الأهالى جتاكا؛ لأنهم وجدوها موفية بالمقصود من الأمن على المراكب وسهولة نقل البضائع، وقدموا له كتابة بعمل مولص هناك طوله أربعمائة متر لشحن المراكب عليه وتفريغها، وقدروا مصرف ذلك نحو مائتى ألف جنيه، وذلك فى سنة 1858 ميلادية.

ولما كان لابد فى مثل هذه المينا من وجود حوض لترميم المراكب وعمارتها عند الاقتضاء، وكان ذلك أمرا ضروريا، وبه يكثر ورود المتاجر على هذا الثغر-وقع التكلم فى سنة 1860 فى عمل حوض عوّام من الحديد، وقدّر مصروفه مائة وواحد وأربعون ألف جنيه، وحصل الإيصاء بعمله فى بلاد أوروبا.

وفى سنة إحدى وستين حضر إلى مصر من بلاد فرانسا موسيو جريت مفتش كومبانيات المساجرى، وتذاكر مع المرحوم سعيد باشا فى شأن عمل

ص: 188

حوض من البناء فى مينا السويس، وبعد التروى فى ذلك صار الاتفاق على أن الكومبانية تباشر عمله على ذمة الحكومة المصرية، وتكون مصاريفه على الحكومة المذكورة ليكون ملكا لها، وعقدت الشروط مع دوسو اخوان بمعرفة مهندسى بلاد فرانسا، وأمضاها المرحوم والمقاولون وقنصل فرانسا وناظر الخارجية ذو الفقار باشا، وذلك فى الحادى عشر من شهر أبريل سنة اثنتين وستين، وجعل الثمن الذى وقعت عليه المقاولة خمسة ملايين من الفرنكات وأربعمائة ألف فرنك إن كان الحوض يعمل خارج الماء، وستة ملايين إن عمل فى الماء، ومن ضمن الشروط أن الحكومة تمدهم بالشغالة عند الاقتضاء، وفى الأصل جعل الحوض مائة وعشرين مترا، ثم زيد فيه عشرة أمتار، وزيد لذلك على المقاولة الأصلية مبلغ من الفرنكات قدره ثلثمائة ألف فرنك إن عمل خارج الماء، وأربعمائة إن عمل فى الماء.

ثم فى سنة ثلاث وستين ميلادية بسبب منازعات حصلت التزم المقاول بإحضار الشغالة من طرفه، وزيد له ثلاثة ملايين وثلثمائة ألف فرنك إن عمل خارج الماء، وثلاثة ملايين وخمسمائة ألف إن عمل فى الماء، واشترط إتمامه فى سنة سبع وستين.

ولما أخذ الخديوى إسماعيل باشا بزمام الأحكام سنة ثلاث وستين ميلادية زاد الاهتمام بعمل الحوض حتى تم، مع تجديد أعمال جليلة حصل بها مزيد الأمن على المراكب من أرصفة وفنارات وموالص، بناها بناؤو الحوض بمقاولة عقدت معهم بمبلغ ثلاثة وعشرين مليونا من الفرنكات ونحو أربعمائة ألف فرنك، فعملت مينا لمراكب الحكومة تبلغ مساحتها قريبا من مائة وستين ألف متر مربع، محاطة بجسور وأرصفة متينة للشحن والتفريغ، ومينا أخرى فى شرقيها تعرف بمينا إبراهيم، يبلغ مسطحها مائتين وثلاثين ألف متر مربع، وهى لمراكب التجارة، وأمام المينيين من جهة الغاطس مولص (جسر) من الدبش والأحجار؛ لوقاية المراكب بعد دخولها فى المينا، فيه فتحة لدخول المراكب

ص: 189

وخروجها عرضها مائة متر، وبجانبها فنارات، وطول أرصفة مينا الحكومة خمسمائة وثمانية وخمسون مترا، وطول أرصفة مينا التجارة ألف وخمسمائة وثمانية وعشرون متر، وبين الاثنتين مولص عرضه مائة متر وطوله خمسمائة وخمسون مترا وله أرصفة، وهو فى مقابلة الفتحة التى تدخل منها المراكب، وأساس تلك الأرصفة تحت الصفر بخمسة أمتار ونصف، والصفر تحت تاج الرصيف بثلاثة أمتار، فيكون ارتفاع الرصيف ثمانية أمتار ونصف، وعمق الماء فى المينا يزيد عن سبعة أمتار.

وقد بنيت الأرصفة من أحجار مصنوعة من الدبش والجير المائى المجلوب من بلاد الفرنج، ويعرف بجير توى، وهو يجمد فى الماء كالجبس، وكانت تلك المقاولة والرسومات على يدنا ومباشرتنا زمن نظارتنا على الأوقاف، وأما الحوض الحديد الذى وقعت المقاولة عليه أولا فقد تم وأحضر، وهو الموجود الآن فى مينا الإسكندرية.

ثم إن مينا السويس المذكورة واقعة فى جنوب المدينة بنحو ميل، فى جزء من البحر الأحمر ردم بالتراب والدبش بواسطة الكراكات، بعد تحويطه بجسر من الدبش حتى صارت قطعة جزيرة يكتنفها البحر من كل جهة، ثم أحدثت فيها الأرصفة وغيرها من تعلقات المينا، وعمل جسر من الدبش والتراب أيضا متصل بالمينا والمدينة، ومدت عليه أشرطة الحديد، وجرى عليها وابور السكة الحديد لنقل البضائع ونحوها.

فى شرقى المينيين مينا أخرى صغيرة تبع كومبانية القنال، يقيم عليها رجال القومبانية، وترسو عليها سفن صغيرة من طرفها، وأحدثت هناك ورشة حدادين، والقنال هو الترعة المالحة التى عملت فى محمل برزخ السويس، الذى يجمع آسيا بأفريقية، الواصل بين البحر الأحمر والأبيض، وسنتكلم عليه مع الكلام على خلجان مصر فى جزء مخصوص، وهو من أسباب عمارية مدينة السويس، ومن أكبر أسباب عماريتها وصول ماء النيل إليها من الترعة

ص: 190

الإسماعيلية، التى أنشئت فى عهد الخديوى إسماعيل باشا، وجعل فمها من بولاق مصر القاهرة، وتصب فى البحر الأحمر عند مدينة السويس، فجرى هناك ماء النيل صيفا وشتاء، فتبدل جدب تلك الجهة خصبا، وحيا كثير من أرضها، وتجدد فيها حدائق ذات بهجة، وزرع حوالى الترعة القمح والشعير والبرسيم وأنواع الخضر، وكل حين يزداد فيها الإصلاح والإحياء بجرى الماء عليها، البعض بالراحة والبعض بالآلات، ثم لكثرة مصاريف خط السكة الحديد، المعمولة فى زمن المرحوم سعيد باشا وصعوبته؛ لما فيه من الانحدارات واحتياجاته إلى نقل الماء ونحوه، لوقوعه فى طريق قفر ليس به عمائر ولامياه-صار نقله بأمر كريم من الخديو إسماعيل إلى ما هو عليه الآن بخط الزقازيق، فى طول الترعة الحلوة، فسهل المرور عليه وزال عناؤه.

ومن جميع تلك الإنشاءات الجليلة كثر ورود السفن على مينا السويس وعظم إيراد السكة الحديد جدا، ففى كتاب الانسكليو بودى فى الكلام على قنال السويس ما ترجمته أن الوارد على مينا السويس من السفن البخارية سنة ثمان وخمسين وثمانمائة وألف ميلادية-يعنى قبل فتح القتال-كان اثنتين وسبعين مركبا، حمولتها مائة وسبع وعشرون طنلاطة وخمسمائة طنلاطة، والخارج منها فى تلك السنة إلى بلاد الهند وسواحل العرب وأفريقة وبلاد الصين ويابونيا وجزائر المحيط كان أربعا وسبعين مركبا بخارية، حمولتها مائة وثلاث وعشرون ألف طنلاطة وثمانمائة وسبع وخمسون طنلاطة.

ودخل من السياحين الملكية خمسة آلاف وثلثمائة سياح واثنان، وخرج منها اثنا عشر ألفا وستمائة وخمس وعشرون نفسا من الأغراب، من ضمنهم ثمانية آلاف وأربعمائة وستة وسبعون عسكريا، موجهين إلى الهند، والوارد إليها مع البوسطة من الصناديق والبالات تسعة آلاف بالة وصندوق، ومائتان واثنتان وسبعون، والخارج منها من ذلك إلى جهة الهند تسعة عشر ألف بالة وثلثمائة وتسع وتسعون بالة.

ص: 191

وقيمة البضائع المترددة بين الهند وأوروبا الصادرة والواردة فى تلك السنة ثلثمائة مليون من الفرنكات وثلاثة آلاف وأربعمائة وأربعة وسبعون ألف فرنك، من ضمن ذلك مبلغ مائة وسبعة وخمسين مليونا من الفرنكات وسبعمائة وأربعة وعشرين ألف فرنك، هى قيمة الوارد والصادر من معدنى الذهب والفضة خاصة (كل ذلك كان ينقل على السكة الحديد بين السويس والإسكندرية).

ومع جسامة هذه المبالغ كانت التجارة إذ ذاك فى كساد عما كانت عليه قبل ذلك، فإن الكومبانية الإنجليزية الشرقية بانفرادها نقلت فى سنة سبع وخمسين وثمانمائة وألف ما قيمته ستمائة وتسعة وخمسون مليونا من الفرنكات، وثمانمائة وثلاثة وتسعون ألف فرنك، مع أن قيمة ما نقلته وحدها فى سنة ثمان وخمسين من ضمن المبلغ السابق-مائتان واثنان وستون مليون فرنك وخمسة عشر ألف فرنك، وذلك أنها نقلت من النقود فى سنة سبع وخمسين خمسمائة وخمسة وعشرين مليون فرنك ومائة وثلاثين ألف فرنك، ولم تنقل من النقود فى سنة ثمان وخمسين غير مائة وسبعة وخمسين مليونا وسبعمائة وأربعة وعشرين ألف فرنك.

وعدد سفرات الكومبانية الإنجليزية من السويس إلى بنباى فى سنة ثمان وخمسين إحدى وستون مرة، ومن السويس إلى قلقطة ثمان وخمسون مرة، وأطول مدد هذه الأسفار إلى بنباى فى شهر سبتمبر ثلاثة وعشرون يوما، وأقصرها في شهر ديسمبر أحد عشر يوما، والمتوسط ستة عشر يوما وست ساعات، وأطولها من السويس إلى قلقطة خمسة وثلاثون يوما فى شهر أغسطس، وأقصرها واحد وعشرون يوما فى شهر ديسمبر، ومتوسطها خمسة وعشرون يوما وإحدى عشرة ساعة، انتهى.

وفى كتاب الإحصاءات المصرية-المطبوع فى سنة ألف ومائتين وثمانين هجرية-أن قيمة ما نقل من النقود بميناء السويس من ابتداء سنة ألف

ص: 192

وثمانمائة وستين ميلادية إلى سنة ألف وثمانمائة واثنتين وسبعين، يعنى فى مدة ثلاث عشرة سنة-ثلاثة آلاف وستمائة وثمان وعشرون مليونا من الفرنكات وستمائة وستة وسبعون ألف فرنك وستمائة وأربعون فرنكا، وهو قريب من مائتى مليون بينتو، فيخص السنة فى المتوسط زيادة عن خمسة عشر مليون بينتو، وأن عدد السياحين الواردين على ميناء السويس سنة ألف ومائتين واثنتين وثمانين هجرية من ركاب الدرجة الأولى-تسعة آلاف ومائتان وإحدى وثمانون نفسا، ومن ركاب الدرجة الثانية ثلاثة آلاف وثمانون نفسا، ومن الثالثة اثنا عشر ألف نفس وثلثمائة وإحدى وستون نفسا، وأن البضائع المنقولة بالسكة فى تلك السنة خمسمائة وستة وثمانون ألف قنطار ومائة وثمانية وتسعون قنطارا، انتهى.

وكانت أولا كومبانية الإنكليز مختصة بالنقل من مينا السويس وإليها، ثم دخل معها فى ذلك كومبانيات أخر، مثل كومبانية الاسترالى، وكومبانية طود، والكومبانية الفرنساوية المعروفة بالميساجرى إمبريال، والكومبانية النمساوية، والكومبانية المجيدية التي عرفت بالعزيزية ثم عرفت بعد بالخديوية، فكانت تلك الكومبانيات تنقل بضائع من الإسكندرية إلى السويس على السكة الحديد، ومن السويس إلى سواحل البحر الأحمر والهندى والمحيط، بعضها كان يسافر إلى جهة الصين العربى.

وكان ينقل أيضا فى خصوص البحر الأحمر مراكب أخر أهلية، ومن كل ذلك كثر إيراد السكة الحديد فى تلك الأزمان، ولما فتح القنال توجهت إليه جميع المراكب التى كانت ترد على السويس، وغيرها واستغنت به عن السكة الحديد وقل إيراد السكة الحديد.

وفى كتاب الإحصاءات أيضا أن الوارد على ميناء السويس من حبوب مصر للخروج إلى البلاد الأجنبية، فى سنة ألف وثمانمائة واثنتين وسبعين

ص: 193

ميلادية-أحد عشر ألف أردب، ومائتان وسبعة وسبعون أردبا من القمح الصعيدى، وأحد عشر ألف أردب وخمسمائة وسبعة وسبعون أردبا من الفول، ومائة وخمسة وسبعون أردبا من العدس، وألف وستمائة وأربعة وثلاثون أردبا من الشعير، ومائة وأربعة وأربعون أردبا من الأرز عين البنت، ومجموع ذلك خمسة وعشرون ألف أردب ومائة أردب وخمسة أرادب.

وفيه أيضا أن جمرك ميناء السويس قد بلغ من ابتداء سنة ألف ومائتين وتسعة وسبعين إلى سنة ألف ومائتين وثمان وثمانين-يعنى فى ظرف عشر سنين-: مائة وأربعة وعشرين مليونا من القروش الصاغ تقريبا، فيخص السنة فى المتوسط أربعة وعشرون ألف كيس وثمانمائة كيسة، انتهى.

فأين هذا من متحصل جمارك سنة ألف ومائتين وعشرة هجرية وهو ثلثمائة وأربعة وثلاثون ألف فرنك، مع كثرة ما كان يؤخذ فى الأزمان السابقة.

قال ماييه الفرنساوى-فى كتابه الذى ألفه على مصر سنة 1728 ميلادية-:

إن مراكب الدولة العثمانية التى فى البحر كانت تجتمع بميناء السويس فى فصل الشتاء، وإن الجمرك كان يؤخذ هناك على المائة عشرة، بمقتضى تعريفة عملت بذلك، ومع ذلك فكان المتحصل منها قليلا، بسبب أن المقومين نقصوا قيم الأشياء نحو النصف، فقل الإيراد، انتهى. وقد استمر أخذ العشرة على المائة إلى أول حكم العزيز محمد على، ثم تناقص الأخذ من زمنه إلى الآن حتى قل جدا، ومع ذلك فقد كثر إيراد الجمرك بها كما رأيت.

ومن المتاجر الواردة على هذه الميناء الحرير الهندى، والقطن الهندى، والقطن السواكنى، الوارد من جهة مدينة سواكن، والفلفل اليمنى، والحبهان، والبن، والزنجبيل، والقرفة، واللودرة، واللبان، وجوز الطيب، وجوز النارجيل، والتيلة الهندية، والجنزارة، والقلى المستعمل فى الصابون، والفحم السيال، والسمن الشيحى، وأنواع الصينى الغريبة الشكل.

ص: 194

ومن أصناف الطيور: الببغان، والدرر الخضر، والنورس الأحمر، وأنواع العصافير، وتلك الطيور تجلب من بلاد الهند، ويجلب من غيرها القرد، والنسناس، وقط الزبد، والنسر، والنعام، والظباء، والبقر، والغنم البرية.

وفى كتاب الإحصاءات أن الوارد إلى السويس من جهة سواكن ومصوع ونحوهما فى سنة 1286 من البقر كان مائتين وأربعة وخمسين بقرة، ومن الغنم كان ثمانية آلاف ومائتين واثنتين وثمانين، انتهى. كل ذلك يرد عليها ليدخل مصر وغيرها، ويرد عليها من مصر أنواع الثياب والنحاس ونحو ذلك.

ومن كل ذلك كثرت سكان مدينة السويس واتسعت مبانيها وعمائرها حتى شغلت من الأرض أكثر من مائتى ألف متر مسطح، وتجددت بها الأبنية المشيدة والخانات والحوانيت المشحونة بالبضائع المصرية والخارجية، وصار سوقها الدائم مشتملا على ما تشتمل عليه أسواق المدن الكبيرة، من السلع والقهاوى والحمارات واللوكاندات، وبها ديوان محافظة، وضبطية، واسبتالية، ومحكمة شرعية، مأذونة بتحرير الوثائق وسماع الدعاوى عموما، وأنشئ فيها على طرف الميرى قصران جليلان يقيم بأحدهما مأمور المينا وأهل ديوانه، وبالآخر يقيم مأمور الصحة ومن معه، وخدمة فنارات البحر من الناظر، والكتبة المعينين لأخذ عوائد الفنارات من السفن الواردة وأحدثت بها قومبانية مياه، فبنى الفرنج وابورا على الفرع الخارج من الإسماعيلية، فى قطعة أرض أنعم عليهم بها الخديو إسماعيل، ووزعوا الماء فى المدينة، بواسطة مواسير من الرصاص والحديد جعلت مجارى تحت الأرض، مسطحها نحو ستة آلاف متر كما فعل بالإسكندرية والقاهرة، وأحدث الفرنج هناك بستانا نضرا به شجر الكرم والفاكهة وقصب السكر وأنواع الخضر، وأنعم أيضا على قومبانية الإنجليز المسماة القومبانية الشرقية بقطعة أرض مسطحها نحو اثنين وعشرين ألف متر وخمسمائة أحدثوا فيها عمائر نفيسة، فعملوا فيها عنابر من الخشب،

ص: 195

شبابيكها من الزجاج الملون، وفى وسط دائر العنابر حوش متسع فيه أشجار متنوعة، وجعلوا هناك اسبتالية لمرضى الملاحين منهم ونحو ذلك.

ويتبع تلك القومبانية فوريقة واقعة فى شمال المدينة بين الشاطئ الغربى للبحر وبين تل القلزم يصنع فيها الثلج، ويغسل فيها ثياب المرضى وفرشهم ونحو ذلك.

وفى شرقى المدينة فوريقة لجماعة ملطين تبع الإنجليز أيضا، يصنع فيها الثلج فقط، وهناك للملطيين أيضا وابوران للطحين، وتجدد فى المدينة حمامان أنشأهما الأهالى، يملآن من ماء النيل بواسطة مواسير توزيع المياه، ولم يعهد بها قبل ذلك حمام، وفيها قهاو وخمارات وأرباب حرف، وقد أحصى من بها من السكان فى سنة 1867 فوجدوا أحد عشر ألفا وثمانية وتسعين نفسا، ومن الأغراب ألفان وأربعمائة نفس، وكانت قبل ذلك فى سنة 1833 تحتوي على ألف وخمسمائة نفس كما قاله قلوط بيك، ولازدياد سكانها وكثرة الخيرات بها قد أحصى ما ذبح فيها فى سنة واحدة وهى سنة 1873 فوجد ستمائة وثلاثة وثلاثين من البقر الكبير، وأربعة آلاف وتسعمائة وسبعة وسبعين من الغنم، ومائة وثلاثة وخمسين من الخنازير وعجول البقر الصغيرة، وستة وعشرين من الأبل، انتهى.

وأكثر المقيمين بها من التجار، وكلاء عن تجار المحروسة وتجار الإسكندرية وعن تجار البلاد الأجنبية مثل الهند، واليمن والحجاز، والسودان، ونحو ذلك، ويرد عليها لقضاء الأوطار عرب الجبال الشرقية والغربية، مثل عرب الطور، وعرب المعازة، وعرب الحوطة، وغيرهم، فيبيعون على أهلها سلع البادية من سمن ونحوه، ويشترون سلع الحاضرة من ثياب ونحوها، خصوصا فى زمن موسم الحج، وقد تجدد أيضا حواليها عمائر أوجبت زيادة الأمن على الأنفس والأموال، مما كان يحصل من العرب وغيرهم، فهناك على شط الترعة

ص: 196

الإسماعيلية مواضع بها رباطات من طرف الحكومة، وهى المدامة، والقيافسو، والشلوفة، وليس بهذه المواضع سكان سوى المحافظين.

ويوجد فى أرض تلك الجهة ملح الطعام كثيرا، تأخذ منه العرب وغيرهم.

وفى جنوب مدينة السويس مما يلى الغاطس والمينا محل يقال له عنبر البوص، فيه فنار يسمى فنار ذنوبية، ويليه محل يقال له دير الدراج، به العين النابعة فى الجبل التى مر ذكرها، وبقربها ينبت الزعفران، وهناك فنار بجواره مساكن خدمته، وصهريج ينقل له الماء من السويس، وفى غربى الفنار بأكثر من ساعة جملة مساكن حول عين الزعفران، وهى عين مستملحة يستقى منها العرب، وفى جنوبها بنحو ثمان ساعات دير مارى أنطونيوس، وهو دير مشيد حصين متين البنيان ذو فواكه، وبخارجه عين عذبة الماء نابعة من الصخر.

وفى جنوبه على شط البحر الأحمر دير آخر على نسقه، وفى أهلهما كرم لمن يفد عليهم، وفى الأرض الواقعة بين عين الزعفران وهذين الديرين تنبت حشائش كثيرة تسقى بماء المطر، ترتع فيها مواشى عرب المعازة فيرحلون إلى حيث يجدونها، وفى سياحة الدكدوراجوس أن بقرب دير انطونيوس هذا آخر يعرف بدير بولس، على مسافة ستة فراسخ من البحر الأحمر، بنيا فى القرن الرابع من الميلاد فى وقت كانت القلوب فيه مشغوفة بحب الديانة؛ فاختار كثير من الناس أرض مصر للتعبد، حتى بلغ عدد الديورة فى الديار المصرية خمسة آلاف دير، سكنها نحو سبعين ألف راهب وعشرين ألف راهبة.

وكانت الفتن إذ ذاك كثيرة فى المملكة الرومانية وكان ظلم الحكام قد بلغ النهاية؛ ففر كثير من الناس إلى الصحارى للترهب، ومنهم كثير من أهل الاعتبار والمعارف، وكانت كنيسة الإسكندرية أعظم الكنائس إذ ذاك، حتى إنها توجه منها إلى الجمعية التى عقدت لخصوص المسائل الدينية فى أوروبا خمسون بطركا مرة واحدة، وقد وصف الدكدوراجوس المذكور دير أنطونيوس،

ص: 197

فقال: إنه فى واد قفر مشحون بالصخور صعب المسالك، ولا يراه السائر إليه حتى يقرب منه لاختلاطه بالجبال، وهو مسور بسور مربع الشكل، مرتفع وبابه معلق على ارتفاع ثلاثين قدما من الأرض ويصعد إليه بواسطة بكرة وحبال، والنزول منه كذلك، قال: لما وصلنا الى أسفل السور أشرف علينا كبير الدير وعدة من الرهبان، ووقفوا بالباب وسألونا عما نريد، وبعد محاورات طويلة ظهر لهم أنا من إخوانهم على دين النصرانية، فلما تحققوا ذلك نزل القسيس إلينا وصعدنا إلى الدير، واحدا واحدا، فوجدنا داخل الدير أشبه شئ بقرية من قرى الأرياف، وبيوته تتركب من أودتين، سفلى وعليا، يتوصل إليها بسلم من الخشب، وفى كل بيت راهب، وفى وسط الدير ثلاث كنائس إحداها بينها وبين برج هناك ساباط من الخشب موصل بينهما، وفى ذلك البرج مؤناتهم ولوازمهم، وفى الدير خمسة وثلاثون راهبا، منهم عشرة قسيسون لا يحسن القراءة والكتابة إلا أربعة منهم، وصلواتهم باللغة القبطية يتلفظون بها ولا يفهمون معناها، ويدخلون الكنيسة فى اليوم والليلة أربع مرات، وكنيستهم وسخة، وبها كتبخانة تشتمل على ثلاثة عشر مجلدا من كتب القبط، ويتعبدون على طريقة أنطونيوس، ويمتنع عندهم أكل اللحم، وتعيشهم من الحسنة، ففى كل ستة أشهر يرسل بطرك مصر حسنات إلى الديورة التى من ضمنها هذا الدير، وفى آخر سوره جنينة صغيرة يزرعون فيها بعض الخضر وفيها قليل نخيل، وعند الدير عينان ماؤهما عذب صالح للشرب، ولعلهما كانا هما السبب فى اختيار هذا الموضع، إحداهما فى داخل السور والأخرى خارجه تستقى منها العرب، ودرجة حرارة مائهما سبع عشرة درجة مئينية، انتهى.

وقال سوارى أن محيط هذا الدير ربع فرسخ، وأن الماء الوارد إليه من الجبل يدخل إليه من قناة، وعليه تزرع الرهبان الخضر وبعض أشجار الفاكهة، وغالب أوقات الرهبان صيام، ولا يتعاطون النبيذ إلا أربعة أيام فى السنة، وهى أيام المواسم، ويأكلون القرص المعجونة بزيت السمسم والسمك المالح

ص: 198

والعسل، وما يتحصل من ثمر الأشجار، ويزعمون أن الجن والحيات والحيوانات المفترسة تخافهم وتفر منهم.

وفى الدير صومعة يحترمونها ويقولون إنها صومعة أنطونيوس التى كان يتعبد فيها، وهى حفرة فى الصخر تشبه الكهف، وقال: إن دير بولس يرى من بعد على قمة جبل شاهق، يلزم مريد الوصول إليه أن يدور حول الجبل فيصل إليه فى يومين، وفيه رهبان كرهبان دير أنطونيوس فى تعبدهم ومعيشتهم، ومن يصعد هذا الجبل يرى جبل الطور وجبل غريب والبحر الأحمر، ويذهب به الفكر إلى أحوال الأمم الماضية، كبنى إسرائيل الذين وطئوا تلك الجهات، انتهى.

وبعد فنار الزعفران بنحو خمسة وأربعين ميلا إنجليزيا يوجد فنار راى غارب، وبعد فنار راى غارب بنحو خمسة وخمسين ميلا يوجد فنار الأشرفى، ويليه فنار أبى الكيزان بقرب القصير.

وفى جنوب السويس أيضا جبال الجير والجبس، وفى غربيها على نحو مائة وسبعة عشر ميلا إنجليزيا يوجد جبل الزينية الذى يستخرج منه معدن الكبريت، وفى كتاب سياحة كابو أن جبل الكبريت على بعد ربع ساعة من البحر الأحمر، بينه وبين القصير ستون فرسخا، ويقع فى عرض أربع وعشرين درجة وخمس وعشرين دقيقة، وفى طول ثلاثين درجة وخمسين دقيقة، وبقربه واد يعرف بوادى السيال؛ لكثرة شجر السيال فيه، وبينه وبين جبل الزمرد مسيرة اثنتين وعشرين ساعة، وبين جبل الزمرد والبحر الأحمر سبعة فراسخ، ومن جبل الزمرد إلى القصير خمسة وأربعون فرسخا، انتهى. وسيأتى الكلام على جبل الزمرد فى صحراء عيذاب.

وبقرب السويس أيضا فى غربى البحر الأحمر جبل الزيت الذى يستخرج منه زيت الاستصباح، وزيت النفط، وأنواع من الغازات، قال جاستنيل بك:

ص: 199

إن سليمن باشا الفرنساوى، وايم بك، وجمعية إنجليزية لما تعينوا للبحث عن الفحم الحجرى فى تلك الجبال استكشفوا-فى حال بحثهم عن ذلك-زيت الحجر المسمى بالبترول، فوجدوه فى حفر فى بحيث جزيرة جبل الزيت الواقع على الجانب الغربى للبحر الأحمر، تحت عرض ثمان وعشرين درجة، ووجدوه يرشح من الماء من خلال طبقة من الرمل منخفضة عن سطح البحر بقدر 30 سنتى تقريبا، ولخفته عن الماء يعلو على سطحه، فيكون على هيئة طبقة فوق الماء قليلة الثخن وهى أربع حفائر فى جنوب البحيث جزيرة

(1)

المذكورة على نحو خمسة عشر مترا من الشاطئ، عمق الواحدة منها يختلف من 1،20 متر إلى 1،50 وقطرها كذلك، وسمك ما فيها من الماء نحو 0،60 من المتر تقريبا، تعلوه طبقة من الزيت يختلف سمكها من 0،1 إلى 02، سنتيمتر.

وتلك الحفائر عتيقة تدل عتاقتها على أن المصريين كانوا يستخرجون منها القار، الذى كانوا يصيرون به موتاهم، وفى شمال هذه الحفائر ثلاثة أخرى فيها ماء أيضا، يعلوه طبقة من الزيت سمكها من واحد إلى اثنين سنتيمتر، حفر اثنين منها سليمن باشا، وحفر الثالثة قومبانية الإنكليز، وإذا جمع هذا الزيت من على وجه الماء يحدث فى ظرف أربع وعشرين ساعة طبقة غيرها بقدرها، فإذا أخذت حدث غيرها بقدرها أيضا، وهكذا، ولا تزيد على تطاول الأيام كما دلت عليه التجربة، وذلك يدل على أن لجوانب الحفر امتصاصا لهذه المادة، ولا شك أن جبل الزيت اكتسب هذه المادة من ماء البحر، بدليل وجودها على سطح مياه خليج السويس، على خط نازل من الشمال الشرقى إلى الجنوب الغربى، فى امتداد نحو اثنى عشر فرسخا، ولما مرّ ايم بك على الخليج المذكور-بقصد الذهاب من جبل الزيت إلى جبل الطور-استكشف زيت الحجر أيضا فى عدة مواضع على الشاطئ الشرقى، وأثبته برائحته الخاصة به، ولونه الذى يظهر على سطح الماء وقت صحو الجوّ، ورآه أيضا على شواطئ جبل الطور بالأوصاف التى هو عليها فى جبل الزيت، ومن المظنون أن منبع

(1)

كذا بالطبعة الأولى ولعل الصواب «بالجزيرة» . أحمد.

ص: 200

هذه المادة بعيد جدا، وربما كانت سارية إلى تلك الجهة من قار البحر الميت، وأن هذا القار السائل الذى يرشح من جبل الزيت إما منقول إليه، أو مقذوف فيه بالأمواج.

وقد ذكروا فى كيفية تكون زيت الحجر فى الأرض وجوها حدسية ظنية، منها أنه يجوز أن يكون ناشئا عن تحلل مواد أعضاء الحيوانات أو النباتات، بدليل احتوائه على مقدار عظيم من الكربون الداخل فى تركيبه العنصرى، فإن المائة جزء منه مركبة من 87،86 كربون، ومن 12،14 أيدروجين، فالنباتات البحرية والحيوانات الهلامية، التى كانت على شواطئ البحار الأصلية فى الأزمان القديمة ربما كانت قد تحللت أعضاؤها من الحرارة تحللا طبيعيا؛ فتولدت الزيوت المعدنية من ذلك بطريق التقطير، كالتقطير فى الأوانى المسدودة المحكمة السد، والظاهر أن هذا التحلل البطئ المستمر للنباتات والحيوانات قد حصل فى تجاويف الصخور التى كانت لها كالقبور، فبواسطة تأثير درجة من الحرارة شديدة جدا مع ضغط عظيم تولدت منها أنواع من الزيوت، كان زيت الحجر أنموذجا لها، وزيت الحجر الموجود بهذا الجبل هو كربورايدروجين، سائل ذو قوام ولون أسود ورائحة قارية وكبريتية، ووزنه النوعى الذى هو من 0،960 يحترق ويلتهب أحمر، ويحدث كمية عظيمة من الدخان الأسود الكثيف. قال جاستنيل بك: وقد علم من التحليل الذى أجريناه أن زيت الحجر المذكور مركب من خمس مواد هى:

زيت نفط خفيف (عطر زيت الحجر) 058،50

زيت نفط خاص بالاستصباح 041،25

بارافين كربون الأيدروجين الصلب 002،25

أسفلت (قار) 045،50

ماء وغاز سلفيدريك 002،50

فمجموع تلك المواد هو 100،00

ص: 201

ويستخرج أيضا زيت الحجر من جبال أمريكا كثيرا بواسطة انتظام طرقه وتيسر أسبابه، بخلاف ما يستخرج من جبل الزيت بجهة السويس فإنه قليل غير كاف، لعدم تيسر أسبابه، إذ لا يوجد هناك ماء عذب ولا أقوات ولا وقود؛ لأنها جهة مقفرة غير مسكونة، فالذاهب إلى هذا الجبل يلزمه استصحاب جميع ذلك، فيحمله من مدينة السويس بمصاريف جسيمة تكون سببا لازدياد قيمة ما يتحصل منه من الزيت.

وقد توجهت أفكار الخديو إسماعيل باشا نحو كل عمل جليل فى أرجاء القطر، مما يورث ثروته واستغناءه بمحصولاته عن الجلب إليه من الخارج، ومن ضمن ذلك هذه المسئلة، فهو ملتفت إليها بالفحص عن تبيين طرق كثرة هذا الزيت وتسهيل مأخذه واستخراجه، فإذا وفق الله تعالى وحصل الاستدلال على جهات استخراجه بكثرة فإنه يكثر هذا الزيت، ويمكن الاستغناء به عما يرد من الأقطار الخارجية، ثم إن هذا الصنف إنما استعمل فى الاستصباح فى جميع الأقطار من عهد قريب. وهو يوجد بجهات كثيرة من بلاد أميركا مثل الأقاليم المجتمعة، وبلاد قندة، وبلاد البيرو، وعلى شواطئ البحر الأسود، وفى بلاد قوقاز، وبلاد الصين، وبلاد الجرمانيا وبلاد اليونان، وفى ولاية افلاق، وفى ملكة فرانسا، ومملكة إيطاليا، وأكثر ما يستخرج منه من أقاليم بسنوليا أحد الأقاليم المجتمعة من أمريكا، فإن الأرض التى يستخرج منها هناك متسعة جدا، بحيث لايتوهم نفاده منها على مدى الأزمان، ويتحصل منه فى اليوم الواحد فى هذه الجهة ما يبلغ نحو اثنى عشر ألف برميل، سعة كل برميل مائة وخمسون ليترا، وذلك يزيد على مجموع ما يستخرج منه فى كافة الأقاليم، ويوجد فى ذلك الإقليم مجتمعا فى حفر عميقة منها ما يبلغ عمقه نحو مائتى متر، وتتصل الحفر بعضها ببعض بواسطة قنى صغيرة، ويكون ذلك الزيت فوق الماء، ويعلوه كربور الأيدروجين الغازى الذى من ضغطه على سطح

ص: 202

الزيت يقذفه إلى الخارج، لكن فى الغالب تجس الحفر بالمجسات ويستخرج منها الزيت بواسطة طلومبات بخارية.

ويستعمل زيت الحجر فى مصالح عديدة فيدخل فى الطب البيطرى لمعالجة جرب الحيوانات، ويدخل فى الصنائع والمصالح المنزلية، لكن لا يستصبح به على حالته الطبيعية، بل يلزم قبل ذلك تكريره وتقطيره؛ لتتميز أجزاؤه وينفصل بعضها عن بعض، فإن منها ما يصلح للاستصباح ومنها ما يصلح لغيره، فبالتقطير تنفصل عنه المواد التى لا تصلح للاستصباح ويكون الخالص زيتا أحمر وزنه النوعى 0،866، وكميته التى يحصل عليها تكون أربعين فى المائة تقريبا، إلا أنه يبقى فى لونه كدرة ونوع اسوداد فيلزم تكريره حتى يحصل على زيت صافى اللون نقى جدا يكون وزنه النوعى 0،860، وبذلك يمكن الاستصباح به ويمتنع ضرره.

وطريق تقطيره أن يسخن الزيت الخام فى أجهزة كبيرة معدة لذلك، ويكون تسخينه بواسطة تيار هوائى حار، يجرى فى مواسير طويلة يحيط بها لهب النار، فيتحلل من ذلك الزيت أبخرة تتكاتف فى ملتويات من الحديد، مغموسة فى حياض من الماء البارد، ثم تستحيل تلك الأبخرة إلى سائل يسيل فى حياض من الحديد معدة لذلك، ويكون هذا التسخين الأولىّ بحرارة خفيفة للاستحصال على الزيوت الخفيفة التى تعرف برائحتها الايتيرية، فتجنى على حدتها لتستعمل فى نحو تذويب الراتنجيات وإزالة الدسومات وعمل الورنيش، ثم تزاد الحرارة فيحصل على زيت النفط، فيكرر بواسطة حمض الكبريتيك ثم بالتقتطير مع الصودا الكاوية، وفى هاتين العمليتين يحرك تحريكا قويا جملة ساعات بمحراك تحركه آلة بخارية، والناتج منه بعد ذلك هو زيت الاستصباح، والعادة لأجل منع خطر الحريق الذى ربما ينشأ عن الاستصباح به أن يختبروه بالنار قبل تعريضه للبيع؛ ليتحققوا هل إذا سخن بالدرجة المتفق

ص: 203

عليها فى القانون الأمريقي المجعول لذلك يحدث عنه بخار يلتهب أم لا، فإن كان يحدث عنه ذلك أعيد تكريره ثانية، وإن لم يحدث عنه التهاب كان صالحا للاستصباح فحينئذ يعرض للتجارة.

وطريق اختباره أن يملأ منه إناء من الصينى مثلا، ويغمس فيه ترمومتر ثم يسخن الزيت بواسطة مصباح كؤل، فإذا وصل الترمومتر إلى ثلاث وأربعين درجة وثلث وهى الحد القانونى، فإنه يمر على سطح النفط المسخن بعود كبريت ملتهب، فإن التهبت الأبخرة المتصاعدة منه أعيد تكريره وإلا فلا.

وبعد الاستحصال على زيت الاستصباح يزاد فى درجة الحرارة للاستحصال على البارافين، وهو كربور الأيدروجين الصلب الذى يستحيل إلى بخار ويتكثف إلى حالة الزبدة فى سائل التقطير، ثم يفصل عن النفط المختلط به بواسطة ضغطه فى مكبس مائى فينفصل، ويبقى على صينية المكبس فى هيئة عجينة جافة بيضاء نصف شفافة، وهى التى يعمل منها شمع الزخرفة.

وبعد استخراج جميع هذه المواد لا يبقى فى أجهزة التقطير إلا مادة سوداء فحمية صلبة قليلا أو كثيرا وهى الغاز المستعمل في الوقود لنحو الطبخ، وكثيرا ما يسيح ويخلط بالرمل والحصى، ويجعل من ذلك مادة تستعمل فى تبليط الأماكن، وتارة يخلط بها السمنتو وهى ذائبة ويخفق بها حياض الماء، انتهى.

ثم إن من حوادث مدينة السويس كما فى الجبرتى أنه فى شهر ذى القعدة سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف (يعنى وقت استيلاء الفرنسيين على مصر) حضر إلى القلزم مركبان من مراكب الإنجليز، وقيل أربعة ووقفوا قبالة السويس وضربوا مدافع؛ ففر ناس من سكان السويس إلى مصر وأخبروا بذلك وأنهم صادفوا بعض داوات تحمل البن والتجارة، فحجزوها ومنعوها من الدخول إلى السويس، انتهى. (والداوات جمع داو اسم لخصوص مراكب البحر الأحمر كما فى كتب بعض الفرنج).

ص: 204

ثم قال الجبرتى: وفى شهر ذى الحجة من تلك السنة حضر إلى السويس سبع داوات بها بن وبهار وبضائع تجارية، وفيها لشريف مكة نحو خمسمائة فرق بن (الفرق بسكون الراء زنبيل يسع أربعة قناطير من البن، بخلاف الفرق بفتحها فهو مكيال شامى يسع ثلاث آصع بالصاع الشرعى)، وكانت الإنجليز منعتهم الحضور فكاتبهم الشريف فأطلقوهم بعد أن أخذوا منهم العشور، وسامح الفرنسيس الشريف من أخذ العشور؛ لأنه أرسل لهم مكاتبة بسبب ذلك وهدية قبل وصول المراكب إلى السويس بنحو عشرين يوما، وطبعوا صورتها فى أوراق وألصقوها بالأسواق وهى خطاب لبوسليك، صورته: من الشريف غالب بن مساعد شريف مكة المشرفة، إلى عين أعيانه وعمدة إخوانه بوسليك مدبر أمور جمهور الفرنساوية، وممهد بنيان السياسة بسداد همته الوفية وبعد فإنه وصل إلينا كتابك، وفهمنا كامل ما حواه خطابك، وأنك أرسلت هجانا برفع العشور عن البن، وبذلت الهمة فى شأن التصرف فى نفاذ بيعه، وتأملنا فى كتابك فوجدنا من صدق مقاله ما أوجب تمسكنا بوثاق الاعتماد، وزوال غياهب الشك فى كل المراد، ووجب الآن علينا تكوين أسباب المصادقة، والمبادرة فيما ينظم مهمات تسليك الطرق بيننا وزوال المناكرة، وقد سيرنا الآن إلى طرفكم خمسة مراكب مشحونة من نفس بندرنا جدة المعمورة فى هذا الأوان، ولم يمكنا خروج هذا القدر إلا بعلاج، لعدم اطمئنان التجار؛ لأن كثرة أكاذيب الأخبار أوجبت لهم مزيد الارتياب والأعذار، بحيث ما بيننا وبينكم إلا العربان المختلفة على ممر الأزمان، وأما نحن فقد جاءتنا منكم هذه المكاتيب، التى أوجبت عندنا من خطاب كتبكم زوال تلك الظنون والأكاذيب، فخاطرنا مستقر بالطمأنينة من قبلكم، لما ثبت عندنا من ألفاظ كتبكم، والمطلوب فى حال وصول كتابنا إليكم إرسال عسكر من لديكم إلى بندر السويس لبيع التجار ليزول وقوف الأسباب وأحوال الناس، وتهتموا فى ذلك ليكون سببا فى كثرة وفود الأسباب، وعند رجوعهم بعد البيع من مصر إلى السويس، كذلك

ص: 205

تصحبوهم بالعسكر من طرفكم ليكونوا حافظين لهم من شرور الطريق، لأن هذه المرة ما أرسل إليكم هذا المقدار إلا للتجربة والاستخبار من أعيان التجار، وعند مشاهدة الاحتفال بهم فى كل حال يرسلون إليكم نفائس أموالهم ويهرعون بالجلب لطرفكم، وتنجح المطالب وتحصل الثمرات، وتأمن الطرقات بأحسن مما كانت من الأمان، وأعظم مما سبق فى غابر الأزمان، ويكثر بحول الله الوارد إليكم من الأسباب الحجازية، وكذلك لنا بن فى المراكب فمأمولنا منكم إلقاء النظر على خدامنا، وبذل الهمة فيما هو من طرفنا، وأنتم كذلك لكم عندنا مزيد الإكرام فى كل مرام، والسلام، تحريرا فى ثمانية شهر القعدة سنة ألف ومائتين وثلاثة عشر، وفى آخره قد وصل هذا الكتاب لمصر فى ستة عشر يوما خلت من شهر الحجة، فيكون مدة وصوله من مكة إلى مصر ثمانية وعشرين يوما، انتهى.

وفى كتاب «الأنيس المفيد» لدساسى أنه بعد وصول هذا الكتاب بسبعة أيام وصلت مكاتيب البشارة للخاص والعام، بوصول أحد عشر داوا إلى بندر السويس بسلام، ثم ذكر دساسى مكاتبة أيضا من الشريف غالب إلى بونابرت نفسه، سابقة فى التاريخ على مكاتبته لبوسليك، ونصه: كتاب الشريف غالب ابن مساعد شريف مكة إلى أمير الجيوش الفرنساوية بونابارت محل الخاتم المكتوب فى وسطه عبده غالب بن مساعد سنة 1213، وفى أعلاه مكتوب استنادى إلى الله، وفى أسفله اعتمادى على الله، وفى أحد الجانبين مرادى رضا الله، وفى الجانب الآخر اعتقادى فى الله، من الشريف غالب بن مساعد شريف مكة المشرفة إلى قدوة أعيان أقرانه الدولة الفرنساوية، وعمدة أركان أخدانه الجماهير بسداد همته الوفية محبنا بونابارت سر عسكر، ومقدام كبرائهم فى كل مصدر، وبعد فداعى التحرير، وموجب التسطير، وصول كتابك، وإحاطة علمنا بما حواه خطابك، وما ذكرت من وصول كتبنا، وتصفح مضمونها وإرسال القول من طرفكم، بما يوجب تبيان حدود رسومات أموال

ص: 206

التجار فى البلاد المصرية، وجريان سماحنا فى الخمسمائة فرق، إلى آخر ما شرحتموه من الكتاب المعلن بصريح وثاقه، صدق الاعتماد فى كل ما صدر من جهتنا الحرمية، ومطلوبك منا إيصال الكتب المرسلة على يدنا لمحلها، أحدها الولد حيدرتيبو سلطان، والثانى لإمام مسكت، والثالث لوكيلكم بالمخا، فقد وصلت إلينا وأرسلناها بيد معتمد من طرفنا لأصحابها طبق المرام، وإن شاء الله عن قريب يجيئكم الجواب، وما كان من همتنا فى جلب التجار إلى الديار المصرية باعتمادنا لخطكم وأكيد قولكم، فنرجو الله ما نعتمد خلافه، وقد كان تجار بندرنا المعمور فى روع من الأكاذيب المختلفة على أموالهم وصدورها لطرفكم، وحين ورد منكم هذا القول الأكيد صممنا على كافة تجارنا فى أسباب الجلب إليكم، وتعهدنا لهم بكامل ما توهمته ضمائرهم من ضد الأمان على أموالهم، وإنما كان الانتظار منا لوفود قنجتنا ورسولنا المصدر إليكم فلما كان اليوم السابع من شهرنا هذا وصل المذكور إلينا بيده كتاب وكيلك المعتمد الوزير بوسليك، المعلن بمزيد الالتفات لوفادنا إليك، وهمته فى أمور مرسلاتنا من البن وغيره، وعند وصول ذلك استعجلنا تجارنا بالبندر المذكور فى تشهيل ما هو واصلكم من الأبنان وغيرها، وهى خمس مراكب مشحونة من طرف تجارنا، وما فيها مما هو مسطور أعلاه باسمنا فهو لنا وصحبتهم قنجتنا ومراسلينا بالسطور، فالمطلوب عند وصولهم إلى السويس ترسلوا من طرفكم عساكر يحافظون على الأبنان، إلى أن تصلكم إلى مصر لبيعها، فعند عودهم بأثمانها كذلك تشيعوهم بالعساكر إلى أن تحل سفائنهم، حرصا عليهم من خطر الطريق، فإننا ما أمكن لنا تأمين التجار على هذا المقدار إلا بأشد علاج، وما صدر هذا القدر إلا بصدد التجربة من شدة ما تأكد لديهم من توهيم الأكاذيب، حيث لم يكن بيننا وبينكم إلا العرب، فالآن إذا شاهد التجار مزيد الاعتناء بأموالهم، ومحافظتها من مخاطرات الأسفار والاحتفال بإكرامهم هرعوا بالجلب إلى طرفكم في كل آن، ونرجو بهمتنا تلك الطرقات

ص: 207

وتنجح المبرات بأحسن مما كانت من الأمان، ويكثر الترداد إليكم بالأسباب الحجازية، لا سيما عند وجدان صدق مقالتكم تتكون أسباب مصادقتكم، فالآن مأمولنا منكم إلقاء النظر على ما هو لنا من البن، حسب ما هو مرقوم اسمنا فى ظهور فروقنا، والالتفات لخدامنا، وأنتم كذلك لكم عندنا مزيد الإكرام فى كل مرام، وكذلك لا يخفاكم أن لنا عوائد ومرتبات فى مصر مع سماح الخمسمائة فرق، ومقيد ذلك فى دفاتر الصرة التى تصلنا فى كل عام من نفس مصر دراهم نقدية، وهذا بيان ما هو لنا بالديوان العالى فى مصر، الواصلة إلينا صحبة الحاج مع كاتب الصرة وصيرفها:

عن الصرة الرومية 450000

ثمن سرس وشطران 170917

معتاد بنى حسن وبنى تراب 048781

عن أشراف بنى تراب بدفتر متقاعد 019512

عن مرتب وقف الدشيشة الكبرى 0125325

من وقف المحمدية بالثلث بدفتر متقاعد 0082222

حوالة كاتب الحرم بمكة عن أربطة 0175811

عن صرة شريف مكة إنعام الدولة العلية 1000000

منها دواوين 2163679

ولنا فى وقف الخاصكية المستجدة يسلمها لنا أمير الحاج دواوين 508500 عنها ريال فرانسى 5650. حرر فى 18 شهر ذى القعدة سنة 1213، عنوان الكتاب عين أعيانه وعمدة أخدانه محبنا بونابارت نابليون؛ أمير الجمهور الفرنساوي بمصر القاهرة حالا، انتهى.

وفيه أيضا أن الفرنساوية عملوا تعريفة للجمارك والعوائد التى تؤخذ على تجارة السويس، صورتها: سر العسكر العام بونابارته أمير الجيوش الفرنساوية يأمر:

ص: 208

القسم الأول: أنه يؤخذ على كل فرق من البن عشرون ريال، عن كل ريال تسعون نصف فضة عشورا، وقبض العشور المذكورة يكون بمدينة مصر، بيد خازنذار الجمهور العام.

القسم الثانى: أنه ما عدا العشرين ريالا المذكورة أعلاه يؤخذ أيضا ثمانية وسبعون نصف فضة على كل من الفروق، وهذا القدر المذكور هو متعين تحت مصاريف خدمة البهار بالتوزيع الآتى بيانه.

القسم الثالث: أنه منذ الآن قد تبطل المعافاة، ولا مناص لأحد من العشور إلا حضرة الشريف بمكة المحروسة، والمذكور فقط له أن يوجه لمدينة القاهرة خمسمائة فرق بن معافى من العشور الاعتيادية.

القسم الرابع: ثم عشور العطرى يلزم قبضه بمصر أيضا بيد خازندار الجمهور العام، بموجب التحديد الواقع على تعشير العطرى المذكور.

القسم الخامس: أن عشور الأقمشة والشال وباقى أصناف القماش يؤخذ على ذلك خمسة فى المائة، بحسب ما يقع التثمين به على ما يعادل قيمته، ويقبض أيضا بمصر، كما تقدم فى القسم الأول، وذلك درهم معاملة.

القسم السادس: كل صنف من أصناف البهارات كان البن أو العطرى أم المتجر أم البياض أم خلافه، إذا وقع تهريبه من الديوان السلطانى فوقتئذ يؤخذ ويحسب من مال الحاكم، أعنى الميرى، والذى يسعى فى تهريب ذلك عن الميرى يقاصص أولا بالسجن مدة شهر، ويوفى الجريمة المضاعفة بما يعادل العشور، الذى كان يؤخذ على تلك البضائع المهربة، وذلك بقدر قيمته أربع مرار.

القسم السابع: ومن يكتشف على التهريب المذكور ويخبر به فيعطى له الوعد على حساب خمسة فى المائة مجانا، ولكن على شرط أن يثبت ذلك،

ص: 209

وبعده يأخذ من الحاكم كما تقدم، وتوزيع ذلك يختص بالتدبير به مدبر الحدود العام.

القسم الثامن: ولمنع التهريب من الديوان لابد من إقامة فتحتين هناك يأمر الحاكم بالغفر من قبله، وأربع بيارق من العسكر، كل بيرق أربعة أنفار، للسهر على ذلك، والحاكم الذى يكون هناك بالسويس وأمير البحر يقدمون لهم كل ما يقتضى من العون والإسعاف لإبطال هذا التهريب من أصله.

القسم التاسع: وكل رئيس مركب من المراكب الواصلة للسويس المشحونة من البن والعطرى والقماش-عليه خمسة ريالات، يلتزم بوفائها فى صندوق الديوان بالسويس، وذلك عن كل ريال تسعون نصف فضة.

القسم العاشر: وكل رئيس مركب قاصد التوجه إلى جدة-إن كان شاحنا أو متوجها ليشحن-عليه أيضا للديوان بالسويس، المركب الأكبر ثمان ريالات فى تسعين، والوسط أربع ريالات، والأصغر ريالين.

القسم الحادى عشر: وكل مركب من المراكب الواردة من بحر بره عليه حلوان المرسى خمسون ريالا فى تسعين، ما خلا مراكب الفرنساوية المعافاة من ذلك، انتهى.

وفى سيرة نابليون بونابارت أن مدة حكمه بمصر مضى إلى السويس قبل سفره إلى حرب الشام؛ ليرى مجرى النيل القديم الذى كان يجمع النيل مع البحر الأحمر. وكان مراده الاطلاع على العين المنسوبة لسيدنا موسى، وقد ضل عن الطريق وجن عليه الليل، وكاد يموت فى سفره هذا، ولم يشعر بنفسه إلا وهو قريب من موج البحر الأحمر، وكاد يدركه الغرق، قال نابليون: قد أشرفت فى تلك الليلة على الموت وكدت أن أموت غريقا مثل فرعون، ولو حصل ذلك لتحدث الكتاب وأصحاب السير به كما فى قصة فرعون. ولمّا وصل إلى جبل الطور وسمع به رهبان الدكة المبنية فوقه طلبوا منه أن يكتب

ص: 210

بيده اسمه فى دفتر عندهم، مكتوب فيه اسم صلاح الدين وغيره بأيديهم، فأسرع بكتب اسمه، وكان يحب إشادة اسمه، ثم أتاه الخبر وهو في السويس بأن الجزار باشا تمكن من القصبة التي يقال لها العريش، وكان نابليون قبل ذلك يريد أن يمضى بعسكره إليها، فرجع إلى مصر وجهز عساكره وسافر إلى العريش من طريق الصحراء، انتهى.

وقد ذكرنا ما حصل بعد فى الكلام على العريش، وفى حوادث سنة أربع عشرة ومائتين وألف من الجبرتى: أنه بعد نقض الصلح بين الفرنساوية والمصريين أرسل الفرنسيس عسكرا إلى مستلم السويس، فتعصب معه أهل البندر وحاربوهم، فغلبهم الفرنسيس وقتلوهم عن آخرهم، ونهبوا البندر وما فيه من البن والبهار الذى بحواصل التجار، غير ما فعلوه مع درويش باشا وكان المتصدى له مراد بيك وصحبته الفرنساوية، فأخذوا ما معه ونجا بنفسه مع أنفار، انتهى.

وقد أنشأ العزيز المرحوم محمد علي باشا بمينا السويس، أوائل جلوسه على تخت مصر، أسطولا سافرت فيه عساكره إلى الحجاز لحرب الوهابية، قال الجبرتى فى حوادث أربع وعشرين ومائتين وألف: إن محمد على باشا لما عزم على حرب الوهابية، شرع فى شهر الحجة فى إنشاء مراكب لبحر القلزم فطلب الأخشاب الصالحة لذلك، وأرسل المعينين لقطع أشجار التوت والنبق من القطر المصرى القبلى والبحرى، وجعل بساحل بولاق ترسخانة وورشات، وجمعوا الصناع والنجارين والنشارين ليهيؤوها وتحمل أخشابا على الجمال وتركبها الصناع بالسويس، ثم يقلفطونها ويبيضونها ويلقونها فى البحر، فعملوا أربع سفائن كبار إحداها تسمى الأبريق، وخلاف ذلك داوات لحمل السفار والبضائع، انتهى.

وفى ترجمة أبى السعود أفندى لجغرافية العالم برنار الفرنساوى: أنه ورد رسول السلطان فى شهر ديسمبر سنة ألف وثمانمائة وسبعة ميلادية بفرمان،

ص: 211

فيه تقرير المرحوم محمد على باشا فى ولاية الديار المصرية، والتأكيد عليه بإرسال تجريدة من مصر على العرب الوهابية، لتساعد تجريدة سلطانية توجهت إلى تلك الجهة من طريق الشام، فاجتهد المرحوم محمد على باشا غاية الاجتهاد فى ذلك، مع صعوبة هذا الأمر فى ذلك الوقت، الذى كانت فيه المماليك متحزبة عليه والخزينة خالية من النقدية، ولما كان على يقين من أن السفر بطريق البر تهلك فيه نفوس بكثرة، صمم على أن يتخذ طريق البحر الأحمر لنقل جنوده، إلى فرضة جدة، ولم يكن فى ذلك الوقت أحد يتملك بعض سفن فى ذلك البحر غير الشريف غالب شريف مكة، وكان متحدا مع الأقوام الثائرين على الدولة العثمانية؛ فلم يمكن الاعتماد عليه، وكانت السويس يومئذ عبارة عن قرية رديئة لا يوجد بها ما يعمر به قارب واحد، فلم تفتر همته لذلك، بل أصدر أوامره إلى الإسكندرية بإرسال الأخشاب وسائر المواد اللازمة لإنشاء خمس عشرة سفينة، فوردت ووضعت فى الترسانة ببولاق مصر القاهرة، وتجهزت للتركيب، ثم نقلت على ظهور الجمال إلى ميناء السويس فركبت هناك، قال: ولضرورة كثرة المصرف ضرب ضرائب على الأهالى، وكان النيل غير واف والغلاء مترقبا، فأمر الباشا العلماء بصلاة الاستسقاء فازداد النيل واطمأنت قلوب الناس، وبينما هو آخذ فى التجهيز إذ ورد رسول السلطان إلى القاهرة، ومعه سيف تشريف برسم طسن ولد محمد علي باشا المعين لقيادة عسكر الحجاز، ومكتوب إلى محمد على باشا بإسراع تجهيز تلك الغزوة؛ فبادر بالسفر إلى السويس لإتمام تلك التحضيرات، وفى أثناء سفره انكشف حال عصبة خفية من المماليك، تواطأت على اختطافه فى عوده من السويس إلى مصر، فلما استشعر بذلك ركب هجينا جيدا أوصله إلى كرسى ولايته فى ليلة واحدة، وليس معه إلا خادم واحد، ونجا بنفسه من تلك المهلكة.

وكان المماليك دائما ينتظرون انتهاز فرصة الظفر به، وجازمين بأنه متى ركبت التجريدة البحر-وهى معظم العساكر المصرية-فإنهم يظفرون به وبباقى

ص: 212

عساكره، ولم تكن دسائسهم مستترة بحيث تخفى على فطانة محمد على باشا، التى فاق بها الأوائل والأواخر وملك بها البلاد، ورقاب العباد، فلضرورة تخليص نفسه منهم واستقلاله بالديار المصرية دبر أمرا هائلا، وهو إهلاكهم عن آخرهم قبل سفر التجريدة، فدعا جميع الأمراء والمماليك إلى قلعة الجبل لتقليد ابنه طسن باشا قيادة جيش الحجاز، وعقد لذلك موكبا، فلما اجتمعوا أغلقت عليهم الأبواب وقتلوا عن آخرهم بسهولة (وقد بسطنا ذلك فى الكلام على الفرعونية)، قال: ولو وجد محمد على باشا طريقا للخلاص منهم غير قتلهم لما قتلهم، قال طبيبه المؤتمن قلوت بيك، إن محمد على باشا بوقت مقتلة المماليك أصابته رعشة لم تفارقه مدة حياته، ولما خلت له البلاد من هؤلاء المتظافرين على الفساد أراد إتمام ذلك بإبعاد عساكر الأرنؤوط، الذين ربما يتوقع منهم الضرر؛ فسلكهم فى سمط التجريدة لفائدتين: الاستراحة منهم، والاستعانة بهم على حرب الوهابية.

وفى اليوم الثالث من شهر سبتمبر سنة 1811 كان الأسطول الذى اعتنى بإنشائه بمينا السويس قد أقلع إلى ناحية ينبع، التي هى فرضة المدينة المحمدية، وقامت الخيالة فى سادس سبتمبر تحت قيادة نجله طسن باشا من طريق البر، وسنه إذ ذاك ست عشرة سنة فقط، وكان الوهابية قد استولوا على الحرمين الشريفين، حيث تركهما الشريف غالب وانتقل إلى جدة، وكان له رجل مع الوهابية، وأخرى مع الأتراك، خوفا من زوال ثروته وانقطاع ما كان من بقية وجاهته، وكان قد أرسل إليه العزيز محمد على باشا رسوله يظهر الحج وقصده المعاقدة معه سرا، فاتفق معه على أن الجنود المصرية يضعون اليد على ينبع وجدة، ولما بلغ شيخ الوهابية المسمى باسم سعود أن المصريين استولوا على بعض ثغور البحر الأحمر، وأنهم قتلوا من كان بها من قومه-وضع جنوده فى الدربندات (المضايق) التى فى الطريق بين الينبع والمدينة، وكان طسن باشا قد أخذ فى السير بتلك الطريق، فالتقت طليعته مع الوهابية ببدر

ص: 213

فكسرتهم، وتقدمت فى السير بين جبلين شاهقين، فتركتهم الوهابية حتى قربوا من حصونهم، فحينئذ ضرب عليهم الوهابية نارا شديدة فلم تمنعهم عن الاستيلاء على مقدمة الحصون، ثم اجتمع الوهابية على هضبات الصفراء، وتترسوا بالصخور وأرسلوا نيرانهم على المصريين فانهزموا، واستولى الوهابية على أثقالهم، فبعث طسن باشا إلى والده بحقيقة الحال، وأنه عاد إلى ينبع ينتظر إرسال إعانة له، فجمع فى بندر السويس مواد تجريدة كان معدها للسفر وأرسلها إليه، ولم يتبع الوهابية المصريين فى انهزامهم إلى حد البحر الأحمر حيث يكونون على خطر من الغرق فيه، بل انحازوا إلى جبالهم، بخلاف طسن باشا فإنه انتهز الفرصة وبادر بالاستيلاء على الأماكن التى أخلوها.

وبعد أيام تقدم إلى المدينة فوضع عليها الحصار، وأنشأ حولها بعض أعمال لقصد هدم سورها؛ فاستسلمت إليه، فأخذها ولم يلبث أن بادر إلى جدة فوصل إليها بلا عائق، وكان الشريف غالب قد جهز له محفلا للدخول، فدخلها فى موكب بغاية الأبهة ثم عاد الشريف غالب إلى مكة ولحقه طسن باشا بوجاق خيالته، وكانت قد افتتحت سنة 1813 ووردت لطسن باشا الإمدادية من الديار المصرية، فتعلقت آماله بالاستيلاء على مدينة طيبة وكانت تحت يد العرب الوهابية، فبعث إليها بعثا تحت إمرة مصطفى بيك، فأصابتهم مشقة شديدة فى الطريق من ملاقاة عدوهم، فعادوا إلى مكان قريب من معسكرهم.

وورد الخبر بأن مكة حاصرها جيش من الوهابية تحت قيادة شيخهم سعود نفسه، فبعث طسن باشا إلى والده بما هم فيه من الشدة، فعزم على أن يتوجه بنفسه إلى الأقطار الحجازية.

قال الجبرتى-فى حوادث سنة ثمان وعشرين ومائتين وألف-أن الباشا لما عزم على سفر الحجاز لحرب الوهابية شرع فى تشهيل المطاليب واللوازم،

ص: 214

فمن جملة ذلك أربعون صندوقا من الصفيح المشمع داخله بالشمع والمصطكى، وخارجه بالخشب، وفوق الخشب جلود البقر المدبوغ، ليودع به ماء النيل المغلى لشربه وشرب خاصته، وقيد بذلك ونحوه السيد المحروقى يرسله فى كل شهر، انتهى.

قال فى الترجمة المذكورة: فأخذ العزيز محمد على باشا تجريدة كان قد أعدّها من قبل، فسافر من السويس بطريق البحر بألفين من المشاة، وجم غفير من الضباط أركان الحرب، من جملتهم عدة من الضباط الأورباويين، وتوجهت طائفة أخرى فى البر فوصل إلى جدة فى السابع والعشرين من شهر أغسطس سنة 1812، فتلقاه بجدة الشريف غالب وابنه طسن باشا، فقبل أن يعمل عملا أمر بالقبض على الشريف غالب، لما فهم فيه من التلون وعدم الصدق فى دعوى الصداقة، فقبض عليه وعلى جماعة من عشيرته وبعثهم إلى مصر القاهرة، ومنها إلى إسلامبول، ونصب على الحرمين الشريفين شريفا غيره، تحت أمره، لأجل أن يطيع له قبائل العرب المجاورين للحرمين، ثم شرع فى أعمال الحرب، ومع ما اعترى الجيش المصرى بنواحى الحجاز من الأمراض والموتان لم تفتر همته عن الاجتهاد، فبعث بعثا تحت إمرة طسن باشا لفتح الطائف، فاتفق نفاد الزاد منهم فرجعوا، واستعمل طريق الرفق بأعدائه واستمالة قلوبهم، فأنتج ذلك أن هرعت إليه القبائل الخارجة عن الطاعة، فتلقاهم بأحسن قبول، حتى انجذب إليه سائرهم وتأسى بهم غيرهم، وحينئذ مات شيخ الوهابية سعود، وقام عليهم بدله ابنه عبد الله، وكان له من الغباوة والجهل بقدر ما كان لوالده من الكفاءة والفضل، فخلا الميدان للعزيز محمد على باشا وصارت البشرى ترد عليه كل يوم بنصر عزيز وفتح جديد حتى فتح طرية، واستولى على رؤساء الوهابية، وكاد يفتح جميع أرض الحجاز، لولا ما ورد عليه من أخبار نواحى مصر التى ألجأته إلى إسراع العود إلى كرسى ولايته، فترك ابنه وعساكره بالحجاز وحضر إلى مصر من طريق السويس، فأطفأ

ص: 215

نار فتنة لطيف باشا الذى كان خزنداره ومغمورا فى إحسانه، وذلك أنه كان قد أرسله إلى إسلامبول بخبر ظفره بالوهابية وفتحه لبلاد الحجاز، وكان رجلا دنئ الطباع، شديد الأطماع، فسعى فيه عند أرباب الدولة واستأنس منهم بخلع العزيز محمد على باشا واستيلائه هو على مصر، وحضر إلى مصر وبيده فرمان الولاية، فبادر العزيز محمد على باشا بالقبض عليه وقتله شر قتلة، إلى آخر ما بسطناه فى الكلام على شلقان.

وفى سنة 1816 عقد طسن باشا الصلح مع الوهابية علي شروط شرطها عليهم، تعود عليهم بالعار، وترك من عساكره جماعة محافظين على مدن الحجاز ونزل إلى مصر من الينبع إلى السويس، فتلقاه والده بسرور كبير. وكان من ضمن الشروط على الوهابية أن يردّوا على الضريح النبوى ما كانوا قد سلبوه منه من الأسلاب، ثم لاح من عبد الله بن سعود امتناع من إنفاذ هذا الشرط، فكتب إليه العزيز محمد على باشا بما مضمونه أنه إذا لم يعمل بمقتضى الشروط التى عقدها على نفسه يبعث إليه عسكرا جرارا يخرب بلاده، ولما لم يرد إليه من الوهابية فى رد الجواب إلا محاولات تفيد عدم الامتثال جهز عليهم تجريدة ثالثة، تحت قيادة ابنه البكرى إبراهيم باشا رئيس الجيوش العسكرية، الذى تقلده وهو ابن ست عشرة سنة، فسافر بجنوده من طريق السويس سنة 1816، فلما وصلوا إلى أرض الحجاز وجدوا إخوانهم المحافظين مستولين على أعظم الأماكن، ولهم خبرة بأحوال البلاد والعباد، ويعرفون العرب الذين تنفع محالفتهم لنجاح هذه الغزوة، ثم وضع إبراهيم باشا الحصار على القلعة التى يقال لها الرس، وهجم عليها ثلاث مرات، ثم تركها بلا فتح، وبعد قليل فتح مدينة بقربها خلا له بافتتاحها الطريق إلى الدرعية، التى هى كرسى نجد ومقر شوكة القوم الوهابية، فسار إليها وفتحها وأخذها عنوة بعد حصار طويل، وألجأ أمير الوهابية إلى أن طلب الأمان فأجابه بشروط صعبة، ثم قبض عليه وعلى طائفة من قومه وأرسلهم إلى مصر أسرى تحت خفارة سرية مصرية.

ص: 216

وفى الجبرتى أنه كان دخول شيخ الوهابية مصر فى الثامن عشر من المحرم سنة أربع وثلاثين ومائتين وألف من باب النصر، وصحبته عبد الله بكتاش قبطان السويس، وهو راكب على هجين، وبجانبه المذكور وأمامه الدلاة، وضربت عند دخوله المدافع، وعملت زينة وشنك عجيب، ووليمة صرف فيها أموال جسيمة.

قال: وفى الرابع والعشرين من الشهر سافر عبد الله بن سعود، شيخ الوهابية، إلى الإسكندرية وصحبته جماعة من التتر إلى دار السلطنة، ومعه خدم لزومه، انتهى.

قال فى تلك الترجمة: إنه لما وصل إلى هناك طافوا به من شوارع إسلامبول والناس تزدحم عليه، ثم قطعوا رأسه وانعدمت من حينئذ شوكة الوهابية.

وفى الجبرتى أيضا أنه فى يوم الخميس من شهر رجب من تلك السنة حضر باقى الوهابية بحريمهم، أى إلى مصر، وهم نحو الأربعمائة وأسكنوا بالقشلة التى بالأزبكية، وعبد الله بن سعود بدار عند جامع مسكة، هو وخواصه، من غير حرج عليهم وطفقوا يذهبون ويجيئون ويترددون إلى المشايخ وغيرهم، ويمشون فى الأسواق ويشترون البضائع والاحتياجات. ثم قال: وفى السابع والعشرين من المحرم سنة خمس وثلاثين حضر جماعة أيضا من الوهابية وأنزلوا بدار بحارة عابدين. ثم قال: وفى غرة صفر من تلك السنة وصل جماعة من عسكر المغاربة والعرب الذين كانوا ببلاد الحجاز وصحبتهم أسرى من الوهابية، نساء وبنات وغلمان، نزلوا عند الهمائل وطفقوا يبيعونهم على من يشتريهم، مع أنهم مسلمون وأحرار، انتهى.

قال فى تلك الترجمة: ولما طابت لإبراهيم باشا أرض الحجاز، ودخلت قبائل العرب تحت طاعته ولم يكن له حاجة للإقامة هناك-هدم آثار حصون

ص: 217

كانت قائمة، وجمع جنوده فى مكان واحد، وأمر بالعود إلى مصر بعد استئذان والده، فأنزل الطوبجية والمشاة والأثقال من طريق البحر، ونزل معهم من مينا الينبع إلى السويس، فوصل إلى القاهرة فى أواخر سنة ألف وثمانمائة وتسع عشرة ميلادية، أ. هـ.

ثم فى جرنال آسيا أن الوهابية قوم من العرب تمذهبوا بمذهب عبد الوهاب، وهو رجل ولد بالدرعية وهى مدينة بأرض العرب من بلاد الحجاز، وكان من حين صغره تظهر عليه النجابة وعلوّ الهمة والكرم، وشب على ذلك، واشتهر بالمكارم عند كل من يلوذ به. وبعد أن تعلم مذهب أبى حنيفة فى مدارس بلده سافر إلى أصفهان ولاذ بعلمائها، وأخذ عنهم حتى اتسعت معلوماته فى فروع الشريعة، وخصوصا فى تفسير القرآن ثم عاد إلى بلده فى سنة ألف ومائة وإحدى وسبعين هجرية، فأخذ يقرر مذهب أبى حنيفة مدة، ثم أدته ألمعيته إلى الاجتهاد والاستقلال فأنشأ مذهبا مستقلا، وقرره لتلامذته فاتبعوه وأكبوا عليه، ودخل الناس فيه بكثرة، وشاع فى نجد والإخصاء والقطيف، وكثير من بلاد العرب، مثل عمان وبنى عتبة من أرض اليمن. ولم يزل أمرهم شائعا ومذهبهم متزايدا إلى أن قيض الله لهم عزيز مصر محمد على باشا، فأطفأ سراجهم فى سنة ألف ومائتين واثنتين وثلاثين، وكسر شوكتهم، وأخفى ذكرهم، وهاك رسالة من كلامهم تدل على بعض مذهبهم ومعتقداتهم:

«اعلموا رحمكم الله أن الحنيفية ملة إبراهيم، أن تعبد الله مخلصا له الدين، وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم له، كما قال تعالى:{وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ} . فإذا عرفت أن الله خلق العباد للعبادة، فاعلم أن العبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد، كما أن الصلاة لا تسمى صلاة إلا مع الطهارة، فإذا دخل الشرك فى العبادة فسدت، كالحدث إذا دخل فى الطهارة:

كما قال الله تعالى: {ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَ فِي النّارِ هُمْ خالِدُونَ} . فمن

ص: 218

دعا غير الله طالبا منه ما لا يقدر عليه إلا الله؛ من جلب خير أو دفع ضرر-فقد أشرك فى العبادة، كما قال تعالى:{وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَ هُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ وَ إِذا حُشِرَ النّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ} وقال تعالى {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَ لَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} . فأخبر تبارك وتعالى أن دعاء غير الله شرك، فمن قال يا رسول الله، أو يا ابن عباس، أو يا عبد القادر، زاعما أنه باب حاجته إلى الله وشفيعه عنده ووسيلته إليه، فهو المشرك الذى يهدر دمه وماله، إلا أن يتوب من ذلك، وكذلك الذين يحلفون بغير الله، أو الذى يتوكل على غير الله، أو يرجو غير الله، أو يخاف وقوع الشر من غير الله، أو يلتجئ إلى غير الله، أو يستعين بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، فهو أيضا مشرك.

وما ذكرنا من أنواع الشرك هو الذى قال الله فيه: {إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ} وهو الذى قاتل رسول الله المشركين عليه وأمرهم بإخلاص العبادة كلها لله تعالى. ويصح ذلك-أى التشنيع عليهم- بمعرفة أربع قواعد ذكرها الله تعالى فى كتابه: أولها أن تعلم أن الكفار الذين قاتلهم رسول الله يقرون أن الله هو الخالق الرزاق، المحيى المميت، المدبر لجميع الأمور، والدليل على ذلك قوله تعالى:{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَ مَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَ مَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَ فَلا تَتَّقُونَ} . وقوله تعالى: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلّهِ قُلْ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلّهِ قُلْ أَ فَلا تَتَّقُونَ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَ هُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلّهِ قُلْ فَأَنّى تُسْحَرُونَ} . إذا عرفت هذه القاعدة وأشكل

ص: 219

عليك الأمر فاعلم أنهم بهذا أقروا ثم توجهوا إلى غير الله يدعونه من دون الله فأشركوا.

القاعدة الثانية: أنهم يقولون ما نرجوهم إلا لطلب الشفاعة عند الله، نريد من الله لامنهم ولكن بشفاعتهم، وهو شرك، والدليل على ذلك قول الله تعالى:{وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَ يَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَ تُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ} . وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفّارٌ} . وإذا عرفت هذه القاعدة فاعرف القاعدة الثالثة، وهى أن منهم من طلب الشفاعة من الأصنام، ومنهم من تبرأ من الأصنام وتعلق بالصالحين مثل عيسى وأمه والملائكة، والدليل على ذلك قوله تعالى:{أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَ يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَ يَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً} ورسول الله لم يفرق بين من عبد الأصنام ومن عبد الصالحين، بل كفر الكل وقاتلهم حتى يكون الدين كله لله. وإذا عرفت هذه القاعدة فاعرف القاعدة الرابعة، وهى أنهم يخلصون لله فى الشدائد وينسون ما يشركون، والدليل على ذلك قوله تعالى:{فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ} . وأهل زماننا يخلصون الدعاء فى الشدائد لغير الله.

فإذا عرفت هذا فاعرف القاعدة الخامسة، وهى أن المشركين في زمان النبى أخف شركا من عقلاء مشركى زماننا؛ لأن أولئك يخلصون لله في الشدائد وهؤلاء يدعون مشايخهم فى الشدائد والرخاء، والله أعلم بالصواب. انتهى بعينه ومينه لم نغير فيه شيئا إلا فساد القواعد العربية.

وقد سافر المرحوم سعيد باشا أيضا إلى مدينة السويس وأقام بها أياما، وذلك أنه رغب فى زيارة النبى صلى الله عليه وسلم، فقام من مصر المحروسة

ص: 220

صباح يوم الثلاثاء حادى عشر شهر رجب الحرام من سنة ألف ومائتين وسبع وسبعين، واستصحب معه اثنى عشر بلكا من البيادة، وتسعين نفرا من السوارى، ونصف بطارية طوبجية، وجماعة من الأمراء، يوسف باشا كامل وراتب باشا السردار حالا، وطلعت باشا وسليم باشا، وإبراهيم باشا وعبد الله باشا، وعلى باشا أغا شريف مكة، وزكى باشا وكيل الشريف، وجاد بيك، وصادق بيك، وإمام أفندى، وجماعة من الحكماء، منهم سالم باشا الحكيم، وبيطرية، ومعاونين، وجاويشية وطباخين، ومخزنجية، وجماعة من القراء والمؤذنين، فأقام بالسويس يوم الأربعاء ويوم الخميس، وفى رابع عشر الشهر، بعد صلاة الجمعة، ركب وابور نجد فوصل مينا الوجه صباح يوم الأحد سادس عشر، وقام أتباعه من السويس، صباح يوم السبت، ووصلوا الوجه يوم الاثنين سابع عشر الشهر. وبالوجه قلعة ومياه كافية للواردين عليه من الحجاج وغيرهم.

وفى صبح يوم الأربعاء تاسع عشر سافر من الوجه جماعة من خيالته، وفى يوم الخميس تاليه بعد ساعتين وخمس عشرة دقيقة سافر بباقيهم بأرض، تارة تكون سهلة وتارة ذات شعوب وبها شجر الأثل والشوك، فوصلوا إلى وادى المياه وهو واد متسع به مياه كثيرة، فاستراحوا به نحو نصف ساعة وأخذوا منه الماء، وجدّوا في السير فوصلوا إلي محطة أم حرز فى عشر ساعات وعشرين دقيقة. وفى صبح يوم الجمعة فى الساعة الثانية ارتحل فمر بوادى أبى العجاج، ثم بوادى الرويضة ثم بجبال سلع، وهى جبال شاهقة بها مسالك ضيقة جدا وبأرضها الزلط وشجر السنط. وفى الساعة العاشرة من النهار وصل إلى محطة الخوثلة، وهى محل متسع تحيط به جبال شاهقة جدا، وبه مياه وتبيت به قافلة الحج لأخذ الماء. وفى يوم السبت بعد مضى ثلاث ساعات وعشر دقائق سار بركبه فوصل محطة مطر، بعد مضى إحدى عشرة ساعة وثلاثين دقيقة من النهار، وهو محل لا ماء به، وطريقه ذات رمل، قليلة

ص: 221

الأشجار، ومتصلة الجبال. وبعد ساعة وأربعين دقيقة من يوم الأحد سار فمر بوادى العقلة، وهو أرض مرملة كثيرة الأشجار، فنزل فى محطة العقلة فى الساعة العاشرة من النهار، وهناك مياه ملحة لا تشربها إلا البهائم. وبعد مضى ساعة واحدة وخمسين دقيقة من يوم الاثنين سار من طريق الحج المعتاد، فمر على آثار بناء يسمى قصر الأحمدى، وتسميه العامة قصر جحا، فى أرض ذات رمل، ثم مر بوادى عمودان فوصل إلى محطة الفقير، بعد الغروب بساعة وخمسين دقيقة. وقد حصل عناء شديد لعربات المدافع من كثرة السنط وضيق بعض الطريق، ولوجود الماء هناك أقام يوم الثلاثاء للاستراحة، وبعد مضى ساعة واحدة وخمس وثلاثين دقيقة من يوم الأربعاء سافر فى أرض سبخة وذات أثل، فوصل إلى محطة النقارات بعد مضى سبع ساعات وخمس عشر دقيقة، وهى محطة للحجاج ليس بها ماء.

ثم جد فى السير إلى واد متسع جدا فنزل به بعد تسع ساعات وخمس وأربعين دقيقة، فبات هناك، وبعد ساعة وثلاثين دقيقة من يوم الخميس سار فدخل فى واد متسع سهل، به حشائش ذكية يميل طعمها إلى النعناع أو اللبان، ترعاها الأرانب والغزلان، فوصل بعد ست ساعات وخمسين دقيقة إلى محطة أبى الحلو، وبها آبار عذبة الماء. وفى الساعة الثامنة جد فى السير فوصل فى الساعة الحادية عشرة وخمس وثلاثين دقيقة إلى واد متسع ليس به ماء، ومر على صخر قليل الارتفاع. وفى يوم الجمعة بعد ساعة واحدة وخمس وثلاثين دقيقة مر فى طريق واسع وأشجار سنط وأثل بكثرة، ثم بجبل شاهق بأعلاه صخرة تشبه الطابية تسميه العامة اصطبل عنتر، ثم وصل إلى محطة الشجوة بعد سبع ساعات وخمسين دقيقة، وهناك آبار وقلعة مهجورة هى مجمع الحج الشامى والمصرى، وبها اجتمع الخيالة الذين ساروا أولا مع باقى الحملة، وسار الجميع سوية من حينئذ، وكانت الحرارة يومئذ فى داخل

ص: 222

الخيمة نهارا ثمانية وعشرين درجة دبومور، وفى الصباح ذهبت الحرارة بالكلية.

وبعد ساعتين وأربعين دقيقة من يوم السبت الثامن والعشرين من شهر رجب سار الركب جميعا فى واد متسع سهل صالح للزرع، ثم مر بأرض ذات صخور وزلط وقليل أشجار، وبعد تسع ساعات وثلاثين دقيقة وصل إلى محطة الملاليح، وهى بقعة متسعة بها آبار عذبة. وبعد ساعة وخمسين دقيقة من يوم الأحد سار فى طريق أشجار ورمل ثابت، فوصل إلى محطة الظعينى بعد سبع ساعات وخمس وخمسين دقيقة، فاستراح بها وأخذ الماء وسافر بعد تسع ساعات وعشر دقائق، ثم بعد إحدى عشرة ساعة وخمس وخمسين دقيقة حط في محل ليس معدا للمبيت وبه بعض زلط. وبعد ساعة وأربعين دقيقة من يوم الاثنين جد فى السير وتقابل مع شيخ العرب حذيفة بن سعد. وبعد ست ساعات وخمس عشرة دقيقة وصل إلى آبار عثمان وهو محل متسع به بعض مزارع وحوض بجانبه مصلى، وهناك ينكشف جبل أحد للرائى على بعد.

وفى الساعة السابعة سار الركب، مع خيالة من المحافظين، على المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، ومروا بيسار جبل السلع. وبعد خمس وأربعين دقيقة وصلوا إلى باب المناخة بالمدينة المنورة، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، وقد عملت خرطة فى مدة السير بيّن فيها قدر الطريق من الوجه إلى المدينة المنورة.

وقد أقام بالمدينة المرحوم سعيد باشا بركبه أياما وصرف مبالغ جسيمة، وحصل له من سكانها من الإكرام والتبجيل ما لا يحصى، وقد عملت لذلك رحلة بين فيها كيفية زيارته وإقامته وما يتعلق بذلك، واجتمع فى المدينة بعالم مجذوب يعرف بالعشماوى، له درس فى الحرم النبوى، فهنأه بقصيدة يتضمن مطلعها تاريخ زيارته وهو:

بفضل الله سعيد يا سعيد

ص: 223

وأقام بالمدينة المنورة من أول شعبان إلى سادسه، ثم ارتحل منها بجيشه فى الساعة الثانية من يوم السبت سادس شعبان، فسار فى طريق الجديدة.

وفى الساعة الثالثة من ليلة السبت الثالثة عشرة من الشهر دخلوا ينبع البحر، وفى صباحه ركبوا الوابورات فوصلوا إلى مدينة السويس ليلة الأربعاء السابعة عشرة من الشهر. وفى صبح ذلك اليوم ركبوا عربات السكة الحديد فوصلوا إلى المحروسة فرحين مستبشرين، انتهى.

(فائدة)

ترجمة نابليون بونابارت

فى كتاب الأنسكلوبودى ما ترجمته بالاختصار: أن نابليون بونابارت المذكور فيما مر هو أمير الجيوش الفرنساوية، الذين استولوا على مصر سنة 1213 هجرية، وكانت ولادته فى نصف شهر أغسطس الفرنكى سنة 1769 ميلادية، ولما بلغ من العمر عشر سنين أدخله والده المسمى «مشاول بونابارت» فى مكتب العسكرية بمدينة برميين، وكان من الذكاء والفطنة من أول نشأته بمكان مكين، وبما حلاه الله به من ذلك وصل فى عهد قريب إلى درجة عالية فى العلوم الهندسية والحسابية، وغيرها من الفنون التى كانت تدرس بتلك المدرسة، كالتاريخ والجغرافيا.

ولكثرة اجتهاده وغيرته وميله للتحصيل، وتودده لأصحابه وأقرانه مع حسن الخلق ولين العريكة، كان محبوبا عند الرؤساء والخوجات وجميع التلامذة، مألوفا للجميع. وكان من صغره كثير الصمت لا يطلع أحدا على سره، ولما كبر كثر حبه للعزلة عن الناس، فكان يكثر من الخلوة تحت الأشجار، ويتأمل فى صنوفها ومنابتها وما يراد منها، فيستفيد من ذلك علوما دقيقة.

وبحسن الشهادة فى حقه انتقل إلى مدرسة الطوبجية، وكان ذلك موافقا

ص: 224

لميله الفطرى وغريزته الطبيعية، فصرف أوقاته فى تحصيل فنونها بدون توان، فبرع فيها واشتهر، ووسمه جميع من بها من الضباط والمعلمين والتلامذة بالاستقامة، وحسن السير وغزارة المدركة، ومع لين عريكته كان مهيبا بين أقرانه، وكانت حركة الإدارة الداخلية بوقته جارية على قوانين عسكرية صعبة، تستوجب مخالفتها جزاآت قاسية، فكانت تلامذة المدرسة بمعزل عن شراسة الأخلاق والفجور والأمور والدنيئة، وكانت لهم المدرسة كحصن منيع عن جميع الأمور الخارجية، حافظة لهم عما كان ابتداء ظهوره فى تلك الأوقات من الكتب المشحونة بالطعن فى الدين والرسل والأولياء، حتى كثر ميل الناس لمثل هذه الأمور وتفاخروا بالمعاصى والفجور.

وأما التلامذة فكانت ملاذهم وفكرتهم محصورة فى تلقى الدروس، سيما والمترجم لم تكن عائلته قريبة منه، ولا تصل إليه أخبارهم إلا بعد حين، فكان لا يتمكن من كثرة المصروف الذى ربما يحمل صاحبه على الصرف فيما لا يليق، كما كان ذلك حال بعض أولاد الأمراء.

وكان المترجم متفرغا لأشغاله، صارفا أفكاره فى النظر فى أحوال الماضين، خصوصا قيصر الروم واسكندر المقدونى، فإنه كان كثير الاطلاع على أخبارهما، محبا للاقتداء بهما فى علوّ الهمة، ولتولعه بذلك صار له معرفة بأحوال كثير ممن مضى، مع التأمل فى أحوال زمانه، فكان ذلك سببا فى تباعده عن الرذائل المغموس فيها غيره من الأقران. واستنارت بصيرته حتى كان مع صغر سنه يقرر من بنات فكره القواعد العالية فى أمور شتى ويطبقها على مقتضيات الأحوال فتتعجب من ذلك خوجاته ورؤساؤه.

وحين خروجه من المدرسة وهو فى سن الست عشرة أحرز رتبة الملازم، وتوجه فى محافظة مدينة ولا نص، فسار بها على طريق سيره الذى كان عليه مدة التلمذة، فأحبه رؤساؤه وملازموه، مع استدامة الاطلاع على ما به تتسع

ص: 225

دائرة معلوماته فى الفنون العسكرية.

ولعلو همته كان دائما متطلعا للرتب العالية مثل مير ألاى فأعلى، غير واقف عند حد.

وفى تلك المدة كانت الفلسفة قد أخذت فى الانتشار وكثر بين الأمراء ووجوه الناس القدح فى أصول الديانات والقوانين المدبرة للأمم، وأخذت طائفة من علماء الفلسفة تبرهن على فساد العقائد المتبعة فى أصول الديانة، وانتشر ذلك وكتب فى الدفاتر، ومال إليه أغلب الناس جهارا حتى كانت المجالس العمومية لا تخلو عن التكلم فيه، وتفاخر أهل المدن والقرى بالشجاعة والبسالة واحتقار الأديان وأهلها، وزعموا أن أهل الأديان هم الغارسون لشجرة الظلم الموجبة لمحق الأهالى وسلب أموالهم وأمثال ذلك، فكانت سنة ألف وسبعمائة وخمس وثمانين هى وقت غرس أشجار الفتنة والاطراب

(1)

فى الأمة الفرنساوية، فظهر فيها نابليون هذا، واستعمل فى أول طرقه المداهنة والخداع واستمالة القلوب إليه حتى تقدم وآل أمره إلى بلوغ الدرجة القصوى، وتسلطن على ملة الفرنساوية، وأسس لعائلته أساسا ارتفع فوقه بيت مجدهم، وعلا به نجم سعدهم كما ستقف عليه، وذلك أنه فى مدة إقامته بهذه المدينة اختلط بفضلائها وأذكيائها، فكان لا يحادثهم إلا بما تألفه طباعهم وتميل إليه أنفسهم، ويتخلى عن كل ما ينفرهم، فاستمالهم إليه بعذوبة ألفاظه وسلاسة عباراته، المجردة عن الأوهام المحالة، بالبراهين الموافقة لمذاهبهم، وكان عنده أسباب كثيرة تحثه على ذلك، أقواها فقره ورغبته فى العلو وبلوغ السطوة والانفراد بالكلمة، فكان ينتهز الفرص ويجتهد فى إشعال نار الفتنة، حتى إن أقرانه ضباط الآلاى فى مبدأ ظهور الفتنة هموا بالمهاجرة إلى البلاد الأجنبية، فثبطهم وزحزحهم عن هذا العزم ورغبهم فى الإقامة، وتوجه بنفسه إلى مدينة

(1)

كذا بالطبعة الأولى ولعل الصواب «والاضطراب» . أحمد.

ص: 226

باريس التى هى التخت ومنبع الفتن فى كل زمن، وجعل يطوف فى شوارعها وأزقتها ويختلط بأهلها ويقرر ما يوافق طباعهم، ويتأمل فى الحوادث ويمتحن أحوالها من دون أن يدخل فيها، ثم حصل قيام جزيرة كورسكى التى هى وطنه ومسقط رأسه فتوجه إليها وترك أمر باريس، لأنه رأى أن الأحوال الوقتية كانت قريبة السكون، وكان عمره إذ ذاك ثلاثا وعشرين سنة.

وكان نحيف الجسم ضعيف البنية، فلم يبلغ درجة القائم مقام التى أراد رئيس الجيوش أن ينقله إليها لعدم بلوغه إلى سن الخمس والعشرين سنة المقررة لاستحقاق هذه الدرجة، فلم يحزن لذلك واكتفى برتية البكباشى على رتبة العسكر الأهلى، وكان الرئيس باولى يرغب إلحاق الجزيرة بالإنكليز، فخالفه نابليون ورغب فى إلحاقها بفرانسا، لما كان مجبولا عليه من الكراهة للإنكليز وغيرهم من الشماليين، حتى عادى معاداة واضحة من يميل إليها وصادر رأيه رأى الرئيس، ولحذقه وسداد آرائه كان سير المجلس تابعا لما يقرره ويرضاه، وقد تبعه جميع أقاربه وأهله فقوى حزبه، ولكن لكثرة الراغبين من الأهالى فى الإنكليز تحزب من فلاحيهم نحو الألفين، وهجموا على بيوت أقاربه ودوائرهم فأحرقوها ونهبوا أموالهم، فتخلص هو وأهله بركوب البحر والتوجه إلى مدينة مرسيليا، وجعل أمه وأخواته البنات الثلاثة فى قرية صغيرة قرب مرسيليا، وكن على غاية من الفقر والفاقة، لا يملكن شيئا من حطام الدنيا، تمنعهن رثاثة الملابس عن المطلة على الجيران، ويأكلن كباقى المهاجرين من أهل كرسكى من الكريز، ومن الحسنة المرتبة من قبل المجلس وكان نابليون خارجا عن الخدمة لا يملك شيئا، ويتردد على منزل إحدى الستات، ولكثرة صمته وعبوس وجهه كانت لا تميل إليه، وإذا وجد أحد أصحابه تعلق به ليقاسمه فى غدائه.

وفى تلك المدة كان المنفرد بالكلمة فى جميع المملكة روبسبير؛ لا

ص: 227

تعطى الرتب إلا بمسيسه، وكان يبذل جهده فى تأليف حزب يعوّل عليه فى المهمات، وكان أخوه هو الموكل على تأليف أفراد الناس، فوجد فى نابليون الصفات التي يرغب أن تتحلى بها رجال حزبه الذين يحصل بهم أغراضه، فبالغ فى مدحه ووصفه بالنباهة، فاختاروه رئيسا على الطوبجية الموجهين من ضمن الجيش إلى جهة تولون، التي كانت استسلمت إلى الإنكليز.

وكانت العساكر يومئذ مجموعة من الفلاحين على وجه العجلة، ومجردة عن التعليمات ولا تحسن سياسة هذه الحركة، ومع ذلك بادر إلى التوجه ولم يتأخر، ورأى أن اللازم الامتثال بدون أدنى معارضة، وأن توجيه جميع القوى إلى موضع واحد يحصل به النجاح فى أقرب وقت، فلم يوافقوه على رأيه فطلب الاستعفاء إن لم يوافقوه، فوافقوه وسلموا له فى السفر فنجح نجاحا تاما واستولى على مدينة تولون، فى تاسع عشر شهر سبتمبر سنة ألف وسبعمائة وثلاث وتسعين، ومن حينئذ ظهر صيته وأخذ فى الشهرة، ولهجت الألسن فى المدن والقرى بوصفه بالبسالة ودقة النظر فى الحوادث.

وخشى روبسبير تخلخل صولته فرغب فى جذبه إليه ليكونا معا على قلب رجل واحد فى الخير والشر، فأبى نابليون لفهمه أن نجم روبسبير أخذ فى الأفول، وصولته آيلة إلى الاضمحلال، ومن عدم غفلته عن حوادث وقته كان يظهر له أن الفتنة لم تصل إلى غايتها. وبينما هو يدبر صورة هجوم على أرض إيطاليا إذ قام الناس على روبسبير فقتلوه وقتلوا كثيرا من حزبه، وصار من بقى منهم منظورا بعين التهمة، ودخل فى ضمنهم نابليون فأخلوه من الخدامة، وبعد مدة رغبوا فى تقليده وظيفة فى البيادة فأبى إلا الخدمة فى الطوبجية، وبقى بلا خدمة إلى أن تحزبت الأهالى على أرباب المجلس، واشتعلت نيران الفتنة فى جميع المديريات وانخرم قانون نظام مملكتهم، فنظر المجلس فلم يجد رجلا يسوس العساكر غير نابليون، وكان يكثر التردد على أقلام الدواوين

ص: 228

والمجالس ويبدى لهم ما به خمود نار الفتنة، فاختاره باراس رئيس المجلس الذى بيده الحل والعقد، وظن أنه وجد من يتمم غرضه ويقوم به سعده، ولم يعلم أن نابليون كان له سريرة لا يطّلع عليها أحد، ويرى أن حوادث الوقت فوق طاقة رؤسائهم، وقد لزم نابليون الصبر ومعاناة الأمور، واستعمل المخامرة والخداع، حتى رأى أن المنضمين إليه تحت أمره وطوع يده، فهجم بهم على حين غفلة على عسكر الرديف، فبدد شملهم، وسطا على العصاة ففرقهم وأفنى أغلبهم، وقتل رؤساءهم، وأبطل الإدارة الحالية ورتب غيرها، وجعل نفسه روحها ومنبع قوتها، فتوجهت نحوه الأعين ونطقت بذكره الألسن، واستغربت العقول أمره وما تحلى به من اللين والحلم وغزارة العلم، ولعذوبة عباراته وحسن أخلاقه وإشاراته انضم إليه فى زمن قليل أكثر المتكلمين والأمراء والأعيان.

ولم يبق لكمال سعده غير الحصول على كثرة المال، ولم يمض إلا يسير حتى حباه الله بذلك، بعد زواجه بيوسفين زوجة الجنرال بوهرنى الذى مات مقتولا، وسبب زواجه بها أن باراس كان رتبه رئيسا على عسكر مدينة باريس، فى سنة ألف وسبعمائة وخمس وتسعين. ففى ذات يوم حضر عنده شاب يشكو إليه أن والده قتل فى المعركة فأخذوا سيفه ووضع فى المخزن، وأن والده كان موصوفا بالصدق وقد أمضى عمره فى خدمة وطنه، ثم طلب أخذ سيف والده، فأمر بونابارت بإعطائه له. وكان ذلك الشاب ابنا ليوسفين فشكرته على ذلك ووقع حبه فى قلبها، ولكن لصغر سنه عنها وكثرة ميله للعزلة كانت مترددة فى زواجه، وإذا سئلت فى ذلك لا تجيب بجواب صريح. وبعد أن علمت ترقيه إلى رتبة جنرال وتقليده رئاسة الجيش المخصص لحرابة إيطاليا رضيت به وتزوجته. وكانت العادة إذ ذاك عدم دخول الديانة فى الزواج، بل يكتفى برضا الزوجين وكتب أسمائهما فى دفاتر الخط الذى هما به من المدينة.

ص: 229

وكان الجيش الذى جعل رئيسا عليه مركبا من عساكر قد اعتادوا الحرب فى داخل المملكة، بسبب كثرة الفتن، لكنهم كانوا لا يدرون أمر تنظيم العساكر، وكان أغلبهم حفاة بملابس رثة. وكان جميع رؤسائهم ممن أفنوا شبابهم فى خدمة الدولة. وكانوا يحسدون نابليون على قيام سعده فى زمن قريب، وما منهم أحد إلا ونار الحسد كمينة فى ضميره. وفى حال قيامه بجيشه لمقابلة سبعين ألفا من العساكر المنتظمة الألمانيين والروسيين-كان لا يظن أحد نجاحه، خصوصا ولم تكن الزخرة كافية، بل فى بعض الأيام حصل عدم صرف الجراية للجيش، ومع ذلك لم تفتر همته، وجعل يشجع العساكر ويقوى جأشهم.

ولوقوفه على ترتيبات إدارة الحروب كان يرتب ترتيبات محكمة بسيطة، خالية عن شوائب الطول الذى يوجب ضياع الوقت فى مقابلة العدو، فحصل من ذلك مزايا جمة وانتصر على جميع جيوش الأعداء. والسر الأكبر فى ذلك هو أنه كان فى ترتيب الوقعات يوجه أفكاره فى تفريق قوى العدو؛ بالهجوم عليهم من جهات متعددة، بحيث لا يثبت في مكان واحد، ولا تشغله النصرات الجزئية عن التدبير، بل جل فكره مصروف فيما يترتب عليه النصرة التامة، مع تأليف قلوب العساكر والضابطان، وتعويدهم على الانقياد للقانون وأوامر الرؤساء، ومع إجرائه الأحكام على قانون العدل والإنصاف وتقليد الوظائف لمستحقيها بدون غرض نفسانى، فضلا عما رتبه للعساكر مما يحفظ الصحة ويعين على الأعداء، من المأكل والملبس والذخيرة والسلاح، حتى كبر فى أعين جميع الجيش وهابوه وأطاعوه، طاعة حب لا طاعة خوف، وصاروا فى قبضة يده وتصرفه، وسرت لهم شجاعته وبسالته فقابل بهم الجموع المجمعة فى أرض إيطاليا، وانتصر عليهم فى غير وقعة حتى اضطروا إلى طلب الصلح.

وأخذ بلاد البيومونتى عنوة، ولم يكن فى قدرة النيمسا أن تدفعه عنها، مع

ص: 230

أنها وجهت عليه ثلاثة جيوش متوالية فغلبهم فى وقعات عديدة، ودخل بلاد ميلانو من إيطاليا وضرب على حكام تلك الجهة وما جاورها الغرامات الكثيرة، وبعد أن أكمل عدد العساكر ورتب الحكام فى تلك النواحى وجعل لها القوانين الإدارية قام لملاقاة جيش النيمسا والاستيلاء على مدينة مانتو مفتاح بلاد إيطاليا، والتقى مع وورمسبير فغلبه، وكذلك حصل له مع بوالو الذى جاء لمساعدة وورمسبير، ثم انتصر على جيش ثالث أرسلته النيمسا وكان أكبر الجيوش التى قابلها إلى ذاك الوقت، وفى مبدأ الأمر فاق عليه عدوّه وحصروه فى أرض كثيرة المناقع والبرك حتى كاد يتلف، فشمر عن ساعد جده وكشف طريقين بين الجبال يوصلان إلى الجناح الأيسر من العدو، فتبعهما وسقط على عدوّه سقوط الصقر فشتت شملهم وأباد كثيرا منهم، ولحق الفرقة المشتتة فى الجبال فأسر أكثر رجالها حتى اضطرت الدولة النمساوية إلى عقد الصلح مع الدولة الفرنساوية بعد معاناة الحروب وصرف الأموال وتلف الرجال، وقد وصل هذا الشهم الصنديد فى مدة لا تزيد على عشرة أشهر إلى الاستيلاء على جميع إيطاليا، وأبطل جمهورية الونديك التى كانت قد تحزبت على فرانسا، وأرسل إلى مجلس الملة خمسين مليونا من الفرنكات عين جهات صرفها، غير ما صرفه فى المؤنة والذخيرة ولوازم الحرب. كل ذلك مما غنمه فى حروبه، وصار فى هذه المدة القليلة هو الآمر الناهى فى جميع جهات إيطاليا وفى الملة الفرنساوية، وحلت هيبته فى قلوب جميع الملل، فمن ذلك حسده أولو الأمر فى الملة الفرنساوية وخافوه وتمنوا زواله، حرصا على بقاء كلمتهم.

ثم إن مسئلة استيلاء فرانسا على مصر كانت قد وقع فيها التكلم منهم فى المدد الماضية فأعيد التكلم فيها ثانيا، وعرضت على نابليون فوافق ذلك أغراضه، وكان أرباب الحكومة يرغبون فى التخلص منه بإبعاده إلى هذه الديار الشاسعة، وكانت الدولة العلية عاضة على حبل الوداد مع الدولة الفرنساوية، والعقل لا يجوّز الهجوم على أرضها ولا يرضاه، ومع ذلك فقد رأى أرباب

ص: 231

الحكومة أن ذلك يوصل إلى تدمير قوة الإنكليز فى جهة الهند، وعدوا ذلك من أعظم ما يلزم أن تتثبت به الدولة الفرانساوية، ولم يتفكروا فى أنه إن حصل نجاح هذا الأمر واستولى نابليون على الديار المصرية يكون ذلك من أسباب زيادة مقداره فى أعين جميع الملة الفرنساوية، بحيث لا يجد عند عودته ممانعا من أن يضع يده على سرير المملكة، بدون أن يلتفت لهؤلاء الذين دبروا إبعاده وتعريضه للأهوال، فجهزوا له جيشا وسار به إلى مصر فاستولى عليها فى أمد قليل وبدد شمل المماليك، وخدمه السعد واتسعت دائرة شهرته، وامتدت غصون ذكره فى أطراف البلاد، ووصفه الخاص والعام بالشجاعة وحسن السيرة، وصار لا ينطق باسمه إلا مع التعظيم والاحترام.

ثم إنه لم يكتف بالاستيلاء على مصر بل ترك طائفة من جيشه بمصر للضبط وإجراء الأحكام وسار إلى أرض الشام بمن بقى من جيشه فاستولى على جهات كثيرة. وفى زمن قليل حاصر عكا حصارا قويا حتى كاد يستولى عليها لولا أنه بلغة أثناء ذلك حرق الدوننمة الفرانساوية فى بوقير، ولم يكن معه مدافع للحصار، فرأى أنه إن بقى محاصرا ربما أوجب ذلك أفول سعده، فرجع وأخذ فى تدبير ما يلزم عمله فى مصر، ثم ترك التصرف فى إدارتها إلى كليبر وركب البحر إلى بلاد فرانسا، من دون أن يبالى بما عساه أن يقع له من قبل الدولة الإنكليزية، التى كانت سفنها تجوب البحر الأبيض، ولولا مساعدة القضاء له لوقع فى أيديهم ولكن اقتضت الحكمة حفظه ليتم على يديه ما حصل فى الدول الأورباوية.

وفى اليوم التاسع من شهر سبتمبر من سنة ألف وسبعمائة وتسع وتسعين ميلادية بلغ سواحل فرانسا، وأخذ البوسطة وتوجه إلى جهة التخت، وقد أشيع فى المديريات والبنادر ذكر عودته فحصل للناس فرح كبير، لأن أمور الملة كانت فى مدة غيابه قد أخذت فى التضعضع، واستحق المتصرفون فيها سخط

ص: 232

الأهالى، لما ارتكبوه من الرذائل، وقوى العسكرية كانت قد انحلت وصارت على غير القانون، حتى احتقرت الدولة الفرانساوية عند باقى الدول، لأن جميع الأعين كانت ناظرة جهة نابليون وحده فكان أحباء الوطن يتمنون عوده لينتظم عقدهم ويجتمع شملهم، فبحلوله هناك شرع فى ترتيب القوانين وإصلاح ما أفسدته أيدى الغفلات، ووافقه على رأيه خلق كثير.

ومع أن بعض القناصل كان قد آل له أمر الحل والعقد لكن صار نابليون هو الآمر الناهى، بحيث كانوا لا يجرون شيئا إلا برضاه، وتحقق ذلك وظهر للعيان من حين انتقاله إلى سراى النولورى، واتخذها مسكنا له وفيها رتب المجالس للنظر فى سياسة الملة. ومن حينئذ انتظم أمر الأمة وحصل الأمن وزالت زوابع الأهوال، ونمت الثروة فى الأهالى، واشتغل كلّ بمصالحه، ووقع فى قلوب الناس أنهم فى جمهورية منتظمة الأركان.

ولما رأى توجه القلوب إليه اشتد عزمه وقوى جأشه وعزم على حرب بلاد أوربا فنظم الجيوش على الفور وخرج بها على الجيوش المتراكمة خلف جبال الألب وأغار عليهم على حين غفلة، فلم تشعر عساكر النيمسا إلا وجيشه محيط بهم من كل ناحية. ومن حسن تدبيره وتفنينه فى كيفية الحرب انتصر على النيمسا نصرة مارنجو المشهورة، حتى اضطرت النيمسا والإنجليز إلى طلب الصلح، لما علموا أنه لا طائل تحت تدبيراتهم وكثرة نفقاتهم وذلك عائد عليهم بالوبال، فعقدت شروط الصلح فى مدينة لوبويل سنة ألف وثمانمائة، وصار معلوما فى جميع بلاد أوربا. وافتخرت بنابليون الملة الفرنساوية على كل مملكة ورفعته إلى درجة لم يبلغها أحد قبله.

ولما لحظ منهم ذلك وجه أنظاره إلى تحسين أحوال الملة والتصرف فى سياستها، وإزالة ما كان سببا فى انحطاطها وتقرير ما به سعدها، وبعد أن نظم القوة العسكرية والإدارة المالية وجه أنظاره نحو تقوية الجهة الجنوبية من أرض

ص: 233

المملكة وإعادة الديانة فيها، ثم نظم الكود المشهور، وغض طرفه عن أمر الجمعيات وجرائد الحوادث، ونحو ذلك من الأمور الموجبة لهيجان الفتن.

واجتهد فى أسباب اتحاد كلمة الأمة، إذ هى أساس القوة، فسارت الأمة على الطريق الذى حده لها لما فيه من الفوائد.

وبعد قليل اتسعت دائرة التربية وانتشرت فيهم العلوم والمعارف والصنائع والفلاحة والتجارة. وفى عهد قريب اكتسبت الدولة رونق البهجة والسعادة، ثم إنه لم يقتصر على هذه الإجراءات الداخلية، بل لأجل حفظ الدولة أضاف البيومونيتين إلى فرانسا وضمهم لحزبه. ولما صار إليه الأمر فى هذه الملل وبيده الحل والعقد يتصرف فيها كيف يشاء-جعل نفسه رئيس مجلس السنباتو عشر سنين، وأمكنه أن يغير كثيرا من العوائد والرسوم والقوانين القديمة المتخذة عن الجهات الشمالية، ويعوضها بغيرها على حسب مرامه.

وفى ظرف أربع سنين متوالية غير القوانين المعروفة بالكونسيتسبون ثلاث مرات، ففي الأولى جعل لنفسه عشر سنوات أخرى غير الماضية، وفى الثانية جعل نفسه قنصلا وبيده كامل التصرفات مدة حياته، وفى الثالثة جعل معه قنصلين آخرين بحسب الظاهر. وهذه الدرجة الرفيعة كان كثير من أكابر فرانسا متطلعا إليها، فمن ذلك تحزبت أحزاب كثيرة وأضمروا قتله وكمنوا له فى جهات متعددة فلم ينالوه بسوء؛ لفهمه ما هم عليه من الحسد ونية الغدر، فكان لا يشغله أمر الأحكام العمومية عن أمرهم، فكانت الضبطية تأتيه بالأخبار فى أوقاتها من جميع جهات الحكومة، وكانت الجواسيس تنقل له جميع ما يقال فى مجامعهم، فكان على بصيرة من الحوادث الداخلية وغيرها.

وكان يعجل عقوبة من يثبت عنه شئ من التجرى والعدوان، سواء كان شريفا أو وضيعا، فالبعض كان ينفيه إلى البلاد البعيدة، والبعض كان يقتله، كما حصل لبعض أفراد العائلة الملوكية الدوك وانصيان، الذى حصرته العساكر وقتل بالرصاص فى قلعة وانسين.

ص: 234

ولما دانت له الرقاب وذلت له الصعاب اختير للسلطنة، وحكم له بالملك والانفراد بالسلطنة ثلاثة ملايين من الناس، فبعد أن كان فى رتبة الصف ضابطان تنقل فى الرتب فى زمن قليل حتى جلس على تخت السلطنة فى سنة ألف وثمانمائة وأربع وسنين ميلادية، فمدة القنصلاتو هى التى تخلد فيها ذكر نابليون، واستقل فيها بجميع الأعمال وأنشأ القوانين، ودبر أمور الحرب، ورتب الترتيبات الداخلية، وساس الملة بأفكاره التى لا تكل. وكانت زوجته يوسفين مدة اشتغاله بالحروب تميل له القلوب بالمعروف والإحسان، وجمعت باقى العائلات الذين دمرتهم الفتن، وبلطف طباعها، وعذوبة عباراتها أزالت عن طباعهم الخشونة والتوحش وغرست فى قلوبهم حب الألفة، فصار حولها جمعية مركبة من أعيان الناس ووجوههم، وكثر بهم حزب نابليون وازدادت قوته.

وكانت أوروبا تتعجب من جميع أطواره وتستغربها، وبتأملهم فى أحواله استدلوا على أن له مقاصد باطنية تضر بالجهات الشمالية مثل الألمانيين، لأنهم رأوا أنه مجتهد فى تخريب الجهات الجنوبية مثل إيطاليا والبيمونيتين والبلجيك، فأخذ الإنجليز والألمانيون وبلاد السويد والسور فتح فى الانضمام والتحزب، وتصدى الإنجليز لفتح باب الكفاح، وفى وقت المعمعة التى كانت تظهر للعيان كان أهل سويجرة وهولاندة مشغولين بأمر أنفسهم، بمعزل عن هذه الأحوال، بسبب وضعهم الجغرافى وبسبب تقهقر أحوال أسبانيا، كانت فى ترقب لزوال الشدة.

والذى أوجب إشعال نيران الفتنة هو إضافة نايل وحنيوه إلى فرانسا، وبالفعل انتقل إليهما نابليون واجتهد فى ضم هولاندة وسويجرة إلى حزبه، ولم يحصل هذا الغرض. وكانت الإنجليز قد وضعت يدها على جزيرة مالطة، ومنعت التجارة الفرانساوية، واستولت على ما وجدته منها فى البحر. وكان

ص: 235

مائتى مليون من الفرنكات من دون أن تلتفت لمطالبة فرانسا، فاشتغل فكر نابليون بأخذ البوغاز من الإنجليز، وجهز أصطولا مركبا من ألف وثمانمائة سفينة حربية ومائة وعشرين ألف عسكرى للإغارة على بلاد الإنجليز. وأخذ الإنجليز فى أهبة الدفع عن أنفسهم وضموا إليهم جميع الدول الشمالية، وبعثوا لهم بمبالغ من النقود، فقامت دولة الروسيا والنيمسا والسويد وجيشوا جيوشهم لردع الفرانساوية، فلم يعبأ نابليون بجموعهم وجيش سبعة جيوش ووجههم إلى جهة نهر الران، وبما جبل عليه من سرعة الحركة والنظر فى أحوال العدو هجم على الجيوش المتعصبة من جهات متعددة، ففرق قواها وتمكن منها، ففى وقعة واحدة قهر خمسة وثمانين ألف عسكرى من العدوّ على تسليم سلاحهم.

ثم سار على جيش النيمسا الذى تجمع فى الموراوى وفتح طوابيره على شاطئ نهر الطونا، ودبر تدبيرا حوّل به العدو إلى جهة استرليتر وانتصر عليهم نصرة عظيمة بعد انهزام جيوشه. ولم تجد النيمسا بعد هذه الوقعة حيلة للتخلص إلا طلب السلم؛ فعقدوا معه الصلح فى مدينة برسبورج.

ومن حينئذ ظهرت مملكة شاولمانى القديمة، وفرقت على رجال نابليون الإقطاعات وعلى أفراد عائلته التيجان وحصل التغالى فى الظلم، وأهملت الحقوق الشخصية، وتعطل العمل بالقوانين فى جميع الأمم المجاورة، ولم تبق محافظة على قوانينها إلا ملة الإنجليز، فقد استعملت الحيل والخداع فى المدافعة عن حريتها واستقلالها، وقد اجتهد فوكوس فى إخماد نار الفتنة وجلب علائق المحبة، فلم يمل إلى ذلك نابليون وصمم على كسر شوكة الإنجليز، فوقعت بينه وبينهم وقعة طرافنجار المعروفة، وفيها عدمت الإنجليز جميع قوتها البحرية وطردت من جميع البحار، ثم تحزبت مع دولة البروسيا ودولة الروسيا وجيشوا جيوشا كثيرة، فلم يعبأ بذلك نابليون وقام عليهم فبدد شملهم فى وقعة بينا المشهورة حتى اضطرهم على قبول شروطه، فقبلوها إلا الإنجليز فإنها لم تقبل شيئا من ذلك، وبقيت منفردة بالسلطنة على جزائرها

ص: 236

وبحارها، ففكر نابليون فيما يدهمهم به فلم يجد إلا حصارهم فى جزائرهم ومنع حركة التجارة بينهم وبين الدول، فلم تكن مصيبة على الملل أكبر من هذه؛ لأنها سبب جفاف منابع الخيرات التى عليها مدار حياتهم، ومن حصل منه قبول هذه الشروط لم يقبلها إلا خوفا ومداراة على نفسه، وما من دولة دخلت فى رأى هذا الظالم إلا كانت مترقبة حصول حادثة تعينها على التخلص من هذه الورطة.

وقد كان اسكندر قرال الدولة الموسكوفية عقد معه شروط الصلح بعد وقعة فريدلاند، وأظهر الميل والموافقة لنابليون، لكن كان ذلك منه مداراة؛ لأنه مع إظهاره لموافقته كان قد أرسل من طرفه رسولا سرا إلى لوندرة للاتفاق معها على القيام على نابليون، وقد كانت راغبة فى كسر شوكة نابليون، وكذلك دولة الروسيا، بل وجميع الألمانيا كانت آخذة فى أهبة القيام لبقاء حريتها واستقلالها، فكانت رجالهم ونساؤهم وشيوخهم وأطفالهم سواء على كلمة واحدة من عدم الرضا بالمذلة، وقاموا قومة حب الوطن، وأبرز الإنكليز الأموال وأوقدوا نيران الفتنة، وانضمت الأمم الأوروباوية بعضها إلى بعض بحث العلماء وأصحاب الأقلام على المدافعة والمحافظة على بلادهم، ومقاومة العدو الذى يريد حرمانهم من التصرف فى أنفسهم وأموالهم، فكان لا يرى من الألعاب الأهلية والقصائد الشعرية وغير ذلك إلا ما يهيج النفوس ويبعثها على القيام على الفرانساوية، وكان ذلك غير خاف على نابليون، ولكنه كان معتمدا على قيام سعده واعتياده للنصر، ولرغبته فى قهر الألمانيين والتحكم فيهم أبقى الحصار على قريب من ثلثى أوروبا من دون أن يلتفت إلى ما فى ذلك من الضرر الموجب لقيام النفوس. ولم يلتفت لأمر دولة الليه بالكلية مع أنه كان الواجب رعيا للمصلحة تدبير أمر هذه الأمة والسعى فى تعظيمها وإعطائها درجتها التى كانت لها، ليدخل فى اعتقاد الناس غير ما كانوا مصرين عليه، من اعتقاد أنه لا يريد إلا التصرف المطلق فى الداخل والخارج.

ص: 237

وأيضا فبعد أن قهر أوروبا أراد أن يستحوذ على باقيها، فابتدأ بالملة الأسبانيولية ولكن عاد ذلك بالوبال على الملة الفرانساوية، فإن الإسبانيوليين لحرصهم على الاستقلال وولههم به مثل الجرمانيين تواطؤوا رجال ونساء على الموت دون تسليم أنفسهم وبلادهم، فلما دخل الفرانساوية أرضهم قاموا عليهم قومة حمية للوطن، فلم يتركوا حيلة فى إهلاكهم إلا فعلوها، ولا طريقا إلا اقتحموها، وباعوا أنفسهم فى إهلاك الفرانساوية، فأبادوا أكثرهم فى أزقة المدن وفي القهاوى والخمارات والطرقات وفى الجبال والأودية، وفاق النساء فى ذلك الرجال، فلا يمر مار بجهة إلا ويجد الفرانساوية منجندلين تحت الصخور وفى الغابات والطرقات، فسقط فى يد نابليون وتقطعت به الأسباب وكثر همه وفكره، خصوصا بعد انقلابه من وقعة بايلان التى هى أوّل وقعة غلب فيها، فأخذ فى أسباب التخلص من هذه الورطة واجتمع بقرال الدولة الموسكوفية فى مدينة ايرفور، ولطمعه فى استمالة الدولة الموسكوفية إليه ترك المدافعة عن الدولة العلية ودولة السويد. وكانت هذه الفعلة خطأ ثانيا بعد خطئه الأول، وبعد أن توافق مع القرال اسكندر على تقسيم أوروبا بين الدولة الفرانساوية والموسكوفية سافر إلى إسبانيا، وبعد عدة وقعات دخل مدينة مدريد تخت المملكة وظن أنه استولى على هذه المملكة العظيمة، فتوّج أحد عائلته وجعله ملكا عليها، مع أن أهلها كانوا منتظرين حدوث حادثة يتخلصون بها. ولم يلبث إلا قليلا حتى قام الألمانيون والنيمسا بتحريض الإنجليز لهم واستعدوا لقتاله بجيوش قوية، فاضطر إلى رجوعه إلى فرانسا وجهز جيوشه وقام بها وصادم الأعداء فى عدة مواضع، وكابد مشقات عظيمة آلت إلى نصرته، فأخذ شهرته القديمة وقوى جانبه. ثم قام وضرب الحصار على مدينة ويينة تخت مملكة النيمسا وألجأهم للدخول فى قبضته وتحت حكمه. وأما قرال الموسكو فلم ينظر إلى التقسيم الذى جرى بينهما، بل انتهز فرصة اشتغال نابليون بأعدائه، وقام فوضع يده على القلاند والولاشي وأضافهم إلى ملكه. وأما الألمانيون فلم

ص: 238

تطفأ نار حرصهم على الانتقام من الدولة الفرانساوية، بل زاد اشتعالها أضعاف ما كانت، وملأ ذلك قلوب كبيرهم وصغيرهم وعالمهم وجاهلهم، حتى إن شابا صغيرا منهم احتال وضرب نابليون بخنجر فلم يصبه، وكان ذلك فى مدينة شنبرون سنة ألف وثمانمائة وتسع، فضبطوا ذلك الشاب وقتلوه، وحين عقلوه للرصاص صاح بأعلى صوته أحيا الله الألمانيا، أحيا الله الحرية، فكأن هذا الصوت صوت جميع الألمانيين يخرج من جوف هذا الصبى. وقد تيقظت أفكار الألمانيين وقويت فيهم الحمية الوطنية، واجتهد سواس الملة فى تقوية الرغبة فى القيام، واشتدت علائق الارتباط بين طوائفهم، وقرب الشريف من الوضيع، والآمر من المأمور، وتمالؤوا على الدفع عن حريتهم وإزالة ظلم نابليون عنهم، ولطعمه فى جذب قلوبهم إليه تزوج منهم امرأة وطلق زوجته التى كانت سبب سعده، فلم يجد ذلك شيئا بل ربما كان ذلك أول بدء نقص سعده.

وفى ذلك الوقت أعنى من سنة ألف وثمانمائة وعشرة إلى سنة ألف وثمانمائة واثنتى عشرة كانت تحت حكمه خمسون مليونا من الناس يأتمرون بأمره، من ابتداء جبال البرينه إلى الجوتلند، ومن مدينة نبل، إلى بحر البولطيقه. ويدخل فى ذلك مصب نهر الأيسكو، والرين، والألب، ومن المدن مدينة رومة، وهنبور، وأمسيردام

(1)

. فكان ربع المملكة الفرانساوية لا يتكلم باللسان الفرانساوى مثل الولايات الرومانية، وهولندة، وويس فالى، وبيرج وجين، والتوسكان، وأخذ التمدن فى الانتشار فى جميع أرجاء المملكة، واتسعت دائرة تعليم العلوم والصنائع، وحفرت الترع والخلجان، وصار الشروع فى جملة سكك توصل الولايات بعضها إلى بعض، وقسمت جميع الجهات إلى مديريات وأقسام وأخطاط، وجرى الحكم فى جميعها على القانون الذى أسسه نابليون، بحيث لا يخرج عن جليل ولا حقير. ثم لأجل تمام سير الأحكام على قانونها رتب السيناتو، ومجلس الحقانية، والمجلس الخصوصى،

(1)

كذا بالطبعة الأولى، ولعلها «أمستردام» . أحمد.

ص: 239

وبين كيفية انتخاب أعضاء المجالس، وجعل لنفسه المآل فى قبول المنتخبين، وجعل أرباب السيناتو يدومون به إلى آخر أعمارهم، وأعضاء المجالس يتغيرون بعد كل خمس سنين وجعل المرجع إليه فى نفس الأمر، ففى الحقيقة هو المنفرد بالكلمة فى الأمور الداخلية والخارجية، مع الالتفات إلى ترتيب المدارس ونشر فنون الصناعة والزراعة والتنظيمات، خصوصا تدبير أمور الحرب والتعليمات العسكرية.

ومع كون رؤساء جميع المصالح من العلماء الراسخين فى كل فن كانت أفكاره وغزارة معارفه ومحاسن تدبيره غالبة عليهم، بحيث لا ينسب إليهم معه شئ، فكانوا كالآلات المهيئة فى يد الصانع، ومع كون الوارد إلى خزينة المملكة شيئا كثيرا جدا كان غير كاف لمصاريف الأعمال المفتتحة من المصالح العمومية، فإن مصاريف الجهادية سنة ألف وثمانمائة وأربع عشر ميلادية بلغت سبعمائة وأربعين مليونا من الفرنكات، ومصاريف الداخلية بلغت مائة وخمسين مليونا، وقد بلغ الدين الذى تراكم على المملكة ألفا وستمائة وخمسة وأربعين مليونا وأربعمائة وتسعة وستين ألف فرنك.

ولما لم يكن لاجتماع هذه المملكة العظيمة الشاسعة الأطراف أساس غير القوة القهرية الجبرية من دون ائتلاف باطنى، وليس هناك عدل يوجب إزالة الوحشة ويجلب علائق الارتباط والمحبة-كان الاضطراب حاصلا خفية فى جميع أرجائها، والولايات مختلفة ومتنافرة باطنا، خصوصا والزمن الذى انضمت فيه جميع هذه الولايات المتباينة الطباع والأحوال كان غير كاف فى تأليف الطباع وبث دواعى الارتباطات، فكانت المملكة تشبه جسما ليس به روح، وكان كل ولاية تطلب التخلص خفية والتمتع بملاذ الحرية، وكان ذلك غير خاف على نابليون فكان يقول: إنى لأرى حكومة جسيمة وجيوشا عظيمة ومجالس مرتبة، ومع ذلك باقى الأمة مثل التراب أو حب الرمل، ولا يبقى

ص: 240

ذلك إلا مدة بقائى فيهم، فإذا زلت زال جميع ذلك ويؤول أمر ابنى إلى أنه إن بقى له إيراد أربعين ألف فرنك يكون من السعداء، وقد حصل أنه لما ولد له ولد سماه ملك روما فاغتاظ جميع الممالك باطنا إلا مملكة الروسيا، فأظهرت الغيظ واتحدت مع الإنكليز لمحاربته، فقام نابليون وجهز أربعمائة وخمسين ألف عسكرى، ولم يسبق قبل ذلك جيش بهذا المقدار، ومشى به إلى مدينة مسكوب تخت دولة الروسيا، فقامت عليه البلاد التى فى طريقه، فقاسى ما لا مزيد عليه من الصعوبات والمشاق وقابل الأعداء وانتصر عليهم ثلاث مرات، ثم دخل مدينة المسكوب فأطلق فيها الروسيون النار وأحرقوها، فخرج منها منهزما وقد خلقت ملابس عسكره وانقطع عنهم المدد، وتبعتهم جيوش الروسيا وغيرهم فمات نحو ثلاثة أرباع جيشه من القتل والجوع والثلج، ونحو ذلك.

وفى ذلك الوقت قامت البروسيا وساعدتها الإنكليز وقامت ألمانيا وغيرها، وكانت قلوب مملكة فرانسا نفسها غير راضية عنه، لم يمنعهم من القيام عليه إلا القوة الغالبة، ومع ذلك لما دخل باريس جدد جيشا فى ظرف شهرين وتلاقى مع أعدائه فغلبهم فى وقعتين، الأولى فى مدينة لوتزن، والثانية في مدينة بوتزن، ولم يقطع ذلك تحزب الألمانيين، ومن كان منهم فى الجيش الفرانساوى كان مائلا إليهم ومستعد للحوق بهم، وتعصبت معهم البروسيا والروسيا والسويد والتحقت بهم النيمسا، وكانت قبل من حلفاء الفرانساوية وحزبهم، وطلبت أخذ ولاية قريبة منها فلم يسلم لهم نابليون، فكان ذلك سببا لرفضها المحالفة وميلها لأعدائه.

وكل ذلك لم يكترث به نابليون ولم تفتر همته، بل قام والتقى مع الأعداء فكان يحسن تدبيره فى الحروب؛ يقسم قوى الأعداء ويدهمهم من كل جهة حتى انتصر عليهم مع قلة جيشه وكثرة أعدائه. وفى أثناء ذلك خانه أهل

ص: 241

باريس واتحدوا مع الأعداء باطنا وفتحوا لهم المدينة ومكنوهم منها، فهمّ بقتالهم فخانه الجنرال مرمون وهوالدكدواجوس ومكن الأعداء من الحصون، فلم يبق لنابليون سوى التسليم للقضاء فحكم عليه بالنفى إلى جزيرة ألب، ومنعت عائلته من وراثة تخت فرانسا ورجعت وراثة التخت إلى عائلة بوربون، فأخذت تلك العائلة فى تجديد ما اندرس من الأحوال الأصلية وإبطال ما أحدثه نابليون، وتغيير نتائج التقلبات التى طرأت على فرانسا من وقت القيام، فكان ذلك داعيا إلى الاضطراب وتخلخل المملكة واشتعال غيظ قلوب جميع الأمراء والرعية.

ومع انتفاء نابليون بتلك الجزيرة كان يحيط علما بما يحصل فى فرانسا، فانتهز فرصة الفشل الحاصل بها وقام من الجزيرة ودخل فرانسا فى عشرين من شهر مارث سنة ألف وثمانمائة وخمسة عشر، فاجتمع عليه الأهالى وكثير من العساكر حتى كان له جيش كبير، ولما بلغ الملك خبره هرب فدخل نابليون باريس وأخذ بزمام الأحكام وأسرع بتجهيز الجيوش؛ لأن الأعداء لما سمعوا به تحزبوا وقصدوه، ووقع بينهم وبينه وقعة كبيرة فى شهر جونيو فى تلك السنة بمدينة وترلو، وكان فيها انتهاء أمره فحكم عليه بالنفى، فأخذته مركب إنكليزية من مدينة روشفور إلى جزيرة سنتليت من جزائر المحيط، فسجن هناك خمس سنين فى حبس ضيق بمحافظة قوية، حتى كان لا يتمكن من قضاء حاجة الإنسان إلا بمحافظ، ثم مات وقضى نحبه فى رأس الخمس سنين.

وفى سنة ألف وثمانمائة وأربعين كان الملك على فرانسا لويفلب، فسافر ابنه إلى جزيرة الألب وأحضر رمة نابليون ودفنت فى قبر جعل له فى العمارة التى كان أنشأها فى باريس لسقط العسكر، وجعلوا لجثته موكبا حافلا عند دخولها، انتهى.

ص: 242

ومن ملحقات السويس أنه كان بها قبل افتتاح الترعة الحلوة إحدى عشرة حارة، وهى:

حارة الشيخ عبد الله الغريب. بها مسجد لهذا الأستاذ، وأربعة منازل، وفرن، وطاحون.

حارة الكيال: بها ثمانية منازل ووكالة.

حارة النصارى المتصلة بحارة الكيال. بها تسعة منازل، وخان، وفرن، وكنيسة.

حارة القاضى: بها أحد وعشرون منزلا، وطاحون وفرنان.

حارة العلوة: بها ستة منازل، وسبعة دكاكين، ووكالة، وقهوتان.

حارة الصعائدة: بها ثلاثة وعشرون منزلا، وقهوة، وفرن.

حارة الخطيب: بها تسعة منازل.

حارة البحر: بها أربعة منازل، وحانوتان، وفرن.

حارة ميدان خان البهار: بها منزلان وأربع وكائل، ومسجد يعرف بمسجد المعرف.

حارة باب البحر: بها ستة منازل، وخمسة حوانيت وقهوة.

حارة الشوام: بها اثنا عشر منزلا.

وذلك غير ما فى رقعة الغلة من تسعة منازل وخمس وكائل، منها اثنتان وقف على ضريح الشيخ عمر البلقينى بالمحروسة، وبها كارة فيها خمسة منازل وفرن.

وكان فى المدينة ستة أسواق: سوق العطارين: به خمسة وثلاثون حانوتا، وبه قهوة ووكالة.

ص: 243

سوق الماء: به وكالة، وقهوة، وسبعة وعشرون دكانا، ومسجد يعرف بمسجد الجعفرى.

سوق الخضار: وهو المسمى قديما بالسوق الكبير، به ست وخمسون دكانا، وثلاث قهاو، وفرن.

سوق الدشاشين: به سبعة وثلاثون دكانا، وثلاث وكائل، وفرنان، ومسجد.

سوق الشيخ فرج: به تسعة دكاكين، ووكالة، وزاوية للشيخ فرج.

سوق الشوام: وينتهى إلى رقعة الغلة، به سبعة دكاكين ووكالتان، وقهوة ومسجد.

وكان جميع ذلك على قطعة أرض طولها خمسمائة متر فى عرض ثلثمائة، وكان عليها سور مبنى بالدبش به ستة أبراج، ثم لما كان سليم بيك محافظ السويس وجدها ضيقة بأهلها ومساجدها مندرسة لخراب جهات ريعها طلب من العزيز محمد على باشا الإذن ببناء قطعة أرض لتحكر على المساجد، فأجابه وأنعم عليه بعشرة آلاف متر وخمسمائة، فأنشئت بها الحارة المعروفة بالسليمية تشتمل على ستة عشر منزلا، وكنيسة للملل المتحابة، وأنعم على الأهالى بتسعة آلاف متر فأنشأوا بها حارة المنشأة، فيها خمسة عشر منزلا وفرنان.

ولما أخذ المرحوم محمد سعيد باشا بزمام الأحكام أمر بردم ساحل البحر بالأتربة المخرجة من خور اليهودية، فكان أرضا مساحتها نحو ثلاثة آلاف وسبعمائة متر، أنشأ فيها الميرى اللوكاندة المعروفة الآن بلوكاندة الإنجليز، ثم فى عهد الخديوى إسمعيل باشا أنشئ ديوان المحافظة، فى أرض مساحتها نحو ألفين وسبعمائة متر، وأنعم على الكومبانية الفرانساوية بنحو ثلاثة آلاف متر على الكومبانية الخديوية؛ لسكنى الكتيبة والناظر والورشة بنحو ألف متر، وأعطيت أراض لرهبان الطور، ورجال السكة الحديد، وبناء خان البهار، وشون الأميرى، والاسبيتالية، والجبخانة، حتى بلغ مساحة المعمور بالأبنية نحو أربعة وأربعين ألف متر؛ يعنى ضعفى أصلها.

ص: 244

ولما ابتدئ فى حفر الترعة وعمل المينا وأخذ البندر فى الاتساع-صدر أمر كريم من الخديوى إسمعيل باشا برسم الأرض الفضاء، وتخطيط الشوارع والحارات، وإعطاء من يرغب بشرط البناء فى ظرف أربع سنين، فبلغ ما أعطى الأهالى قريبا من خمسة وسبعين ألف متر ولرعايا دولة الإنجليز أربعة وعشرين ألف متر، ولرعايا دولة فرانسا خمسة وخمسين ألفا، ولرعايا دولة النيمسا خمسة آلاف، ولرعايا دولة اليونان عشرة آلاف، ثم فى سنة أربع وثمانين هجرية صدر الأمر على قرار المجلس الخصوصى بأن لا يعطى شئ من الأرض إلا بالبيع على طريق المزاد، فبلغ ما بيع من هذا التاريخ إلى سنة سبع وثمانين هجرية مائة وستين ألف متر، ثم صدر أمر من المالية بأن الشراء لا يكون إلا بعد إشهار المزاد فى الجهات واستئذان ديوان المالية، فقلت الرغبة فى الشراء بسبب ما يلزم ذلك من الطول، وقد بلغت العمارة بها نحو ثلثمائة وثلاثة وستين ألف متر، فقد زادت فى زمن الخديوى إسماعيل باشا قريبا من مائتين وعشرين ألف متر.

ومن مساجدها المشهورة مسجد الشيخ عبد الله الغريب، كان إنشاؤه سنة أربع وخمسين ومائة ألف، وبه ضريحه يزار ويتبرك به، وكان له أوقاف بكثرة، ضاع أكثرها من تطاول الأيدى حتى لم يبق له إيراد إلا خمسمائة واحد وعشرون قرشا. وفى مدة نظارتنا على الأوقاف أحلنا ملاحظة إدارة أوقاف هذه المدينة على مهندس التنظيم أخينا سليمان أفندى فارس، فأحيا منه جانبا فبلغ إيراده ألفا ومائة وستة وثمانين قرشا.

ومن مساجدها القديمة أيضا مسجد الشوام بسوق الشوام، اهتم فى عمارته الأمير على بيك رشاد من ماله مع مساعدة الأهالى، وجعل له أحكارا بجهتى السليمية وخور الكلاب، وإيراده ستمائة وستة عشر قرشا. ومنها مسجد جعفر بيك بسوق الماء، كان فوق البحر فبعد عنه بالردم الحاصل فى

ص: 245

زمن المرحوم سعيد باشا، وليس له ميضأة وله أحكار، وإيراده ألفان وخمسمائة وستة وسبعون قرشا، ومنها مسجد المعرف، بنى سنة أربع عشرة ومائة وألف، ومكتوب على واجهته بعد البسملة:«أسس هذا المسجد الفقير محمد الجربحى من طائفة عزبان ابن المرحوم الحاج على المعرف فى شهر المحرم من سنة 1114» وإيراده ألفان وثمانمائة وتسعة وخمسون قرشا. ومنها مسجد السلطان سليمن الخاسكى بسوق الدشاشين، كان قد تخرب وجعله الشيخ محمود النقادى مخزنا فأنكر عليه القاضى فبناه المذكور، ومن بعده وسعه من ذريته الشيخ سليمان النقادى المقيم بمصر المحروسة. ومنها مسجد الشيخ فرج بميدان الكارة، كان مخزنا لذخائر الأقطار الحجازية زمن السلطان قايتباى، وكان على بابه منظرة يقيم بها عبد للسلطان كان مشهورا بالكرامات، وبعد وفاته دفن بها، وبعد زمن بنى عليه الشيخ عبد الرحمن حسن من أعيان البلد زاوية وضريحا، ووقف عليها حوانيت، وبعد موته جعلها وارثه السيد عبد الرحمن يوسف جامعا بمنبر وخطبة، وإيراده ألف وسبعة وثمانون قرشا ونصف.

وبها من الزوايا التى ليس بها منبر تسعة؛ منها زاوية الأنصارى بقرب ورشة الكومبانية الإنجليزية، هدمها الإنجليز جددوها وجددوا ضريح الشيخ، وجعلوا لخادمه فى الشهر خمسة وسبعين قرشا، ولقيادته سبعة أرطال زيت، ثم انقطع ذلك بعد بيع الورشة. زاوية الشيخ شمس الدين العيدروس متخربة.

زاوية العلوى بحارة السليمية، كذلك زاوية أبى النور فى الجبانة القديمة. زاوية الخضير على شاطئ خور الكلاب. زاوية عشرى، والجنيد، وبكران فى الترب القديمة، متخربة.

وبها إحدى وعشرون وكالة: وكالة الزيت بسوق الماء. وكالتان بسوق الشوام. وكالتان برقعة الغلة. وكالة بحارة النصارى. وكالة بحارة الكيال.

وكالتان بحارة أبى راوى. وكالة بسوق العطارين. وكالة بحارة العلوة. وكالتان

ص: 246

بسوق الخضار. وكالة بسوق الدشاشين. وكالة بسوق الشيخ فرج. وكالة بميدان المحافظة. وكالة بميدان البهار. وكالة بجوارها كانت وقفا على مسجد المعرف ثم خرجت إلى البيع. وكالة الشرايبى تعلق الشيخ سليمان النقادى.

وكالة الذخائر. وكالة بجوارها وقف الخاسكى.

وبها سبع لوكندات: لوكاندة للميرى على ساحل خور اليهودية تعرف بلوكاندة الإنجليز. لو كاندة الشيخ محمد الديدى بجوار الباش كركون. لوكاندة لبعض الطليانيين. أمام هذه لوكاندة لبعض الفرانساوية بقرب السكة الحديد.

لوكاندة بميدان خان البهار. لوكاندة فى بورت إبراهيم. لوكاندة بجهة السليمية، وبها حمامان ماؤهما من الترعة الحلوة، أحدهما لشنودة أفندى من رجال المالية، بناه سنة أربع وثمانين ومائتين وألف، والثانى للشيخ سليمان النقادى، أنشأه بعد ذلك بسنتين.

وبها تياترو تبع الدائرة السنية.

وبها ثلاث اسبتاليات، إحداها للحكومة المصرية تعم الرجال والنساء، وهى أرضية ولا تليق بالصحة، فصدر أمر الخديوى إسماعيل باشا بإنشاء غيرها، الثانية: لدولة فرانسا، أنشئت سنة تسع وسبعين، وهى مستوفية للوازم المعالجة، وحولها مزروعات نزهة، الثالثة: أنشأها الإنجليز فى حربهم للحبشة، وهى من خشب، وتشتمل على أجزاخانات ومطابخ وأفران، وغير ذلك من لوازم المرضى.

وبها ثلاث فوريقات واحدة فى قبلى البندر تصنع الحديد، وهى لكومبانية المساجرى الفرانساوية، والثانية: للكومبانية الشرقية الإنجليزية فى شرقى تل القلزم، أنشئت سنة سبع وسبعين، وتعرف بفوريقة الأنصارى، وتشتمل على ورشة حدادة ومخارط ودواليب لغسل الثياب وآلات لتقطير الماء المالح لعمل الثلج، وقد اشترتها الكومبانية الخديوية فى سنة ثلاث وتسعين بعشرة آلاف

ص: 247

ليرة إنجليزية تدفع مقسطة فى خمس سنين بلا فائض، والثالثة: فى بورت إبراهيم للحدادة تبع الميرى.

وبالمدينة ثلاثة وابورات طحين تبع الإنجليز.

وبها اثنتا عشرة كومبانية تجارية: إحداها لتوزيع المياه، أنشأتها شركة فرانساوية سنة أربع وثمانين فى أرض أنعم بها عليهم مساحتها عشرة أفدنة، ثم فى سنة أربع وتسعين آلت بالشراء إلى كومبانية قنال السويس، الثانية:

الكومبانية الخديوية، تتردد بين ميناء البحر الأحمر والسويس لنقل التجارة، والثالثة: الشرقية الإنجليزية، تتردد بين بحر الهند والبحر الأحمر والسويس، والرابعة: للمساجرى الفرانساوى، والخامسة: الطليانية، واثنتان للإنجليز أيضا والكومبانية النيمساوية، والكومبانية المسكوبية، والكومبانية الفرانساوية، والكومبانية الأمريقية، وكومبانية الفحم الحجرى، والكومبانية الإسبانيولية، جميعها مثل الشرقية الإنجليزية فى التردد على الجهات المذكورة.

وبها عشرة من وكلاء القناصل، كل واحد وكيل عن دولة من دول أوروبا، مثل فرانسا واليونان وإيتاليا والنيمسا والبلجيقا والإنجليز والألمانيا والفلمنك، وكذا شاه بندرية إيران العجم، والبرازيليا.

وبها أرباب حرف وصنائع بكثرة، من ذلك تسعة وعشرون من تجار البز والعقاقير، وخمسة وتسعون خضريا، وثلاثون جزارا، وثلاثة وأربعون زياتا، وستة يبيعون الشربات، وخمسة عشر علافا، وثلاثة عشر تاجرا فى الغلال، واثنان وعشرون عربجيا للكرو، وواحد وعشرون من باعة الدخان، وتسعة وسبعون خبازا، ومائة وخمسون عياشا، وثمانية وأربعون قهوجيا، وأربعة عشر سمسارا، وخمسة وعشرون رئيسا فى المراكب، وسبعة جيارين، وثمانية نجارين، وسبعة نشارين، وواحد وسبعون قلفاطا، وأربعة عشر فحاما، واثنان وعشرون حلاقا، وتسعة وعشرون بناء، وسبعة عشر حطابا، وثلاثة خشابين،

ص: 248

واثنان وعشرون مقدم فعلة، ومائة وسبعة عشر عتالا، وأربعة ترشجية، وأحد عشر حلوانيا، وعشرة فسخانية وأربعة جزمجية، وثلاثة نقاشين، وخمسة وعشرون حدادا، وسبعة برادين، وثمانية وسبعون برشمجيا، وستة وعشرون حجارا، وواحد وعشرون وكيلا عن تجار، وأربعة وثمانون خفيرا من البربر، وثمانية وأربعون صيادا للسمك، وخمسة حانوتية للأموات، وثلاثة عشر ترجمانا، وثمانية وثلاثون طباخا، وخمسة عشر حماميا، وستة مبيضين للنحاس، وثلاثون سقاء، وسبعة وستون حمارا، وأربعة دلالين، وثمانية خياطين، وأربعة صباغين، وثلاثة حصرية، وعشرون كسارا للخشب، واثنان آلاتية وسبعة فرارجية، وتسعة سمكرية وأربعون سماكا، وسبعة منجدين، وواحد وعشرون صيرفيا يهوديا.

وبها من اليهود غير الصيارفة ثمانية وعشرون، ومن الأغراب تسعة وستون عيسويا من الأروام رعية الدولة، ومائة وخمسون من رعية الإنجليز، وثلثمائة من رعية فرانسا، ومائة وتسعون من رعية اليونان، وستون من رعية المسكوب، وثلاثون من رعية العجم، وعشرون من رعية البلجيقا.

وبها من رجال المحافظة مائة وخمسة وتسعون، ومن خدمة الجمرك ستة وخمسون. وقد اعتبر متحصل الجمرك بها فوجد باعتبار سنة واحدة مليونا وسبعمائة واثنى عشر ألف قرش، ومتحصل الدخان مائتا ألف وسبعة آلاف وسبعمائة قرش، ومتحصل الدخولية أربعمائة وأربعون ألف قرش، ومتحصل السمك ستون ألف قرش، وعوائد الذبح أربعون ألفا، ومجموع ذلك مليونان وأربعمائة وتسعة وخمسون ألف قرش وسبعمائة قرش. وأما سكانها المسلمون فثلاثة آلاف نفس. وكل ذلك بحسب إحصائها الآن أعنى سنة أربع وتسعين ومائتين وألف، أه.

ص: 249

(السواهجة)

بسين مهملة فواو مفتوحتين فألف فهاء فجيم فهاء تأنيث، قرية صغيرة من مديرية أسيوط تابعة لجفلك الروضة، واقعة على الشط الشرقى لبحر يوسف فى غربى مدينة الأشمونين بنحو ساعة، وفى شمال دروط أم نخلة كذلك، وفى الشمال الغربى لمدينة ملوى بأكثر من ساعة، ولمجاورتها لهذا النهر كانت حسنة الموقع طيبة الهواء، وفيها للدائرة السنية دوار كبير يقيم به ناظر الزراعة وتخزن فيه الغلال ومهمات الحرث والدرس ونحوها، وتنزل به الحكام، وفى جانب منه أبراج حمام، وفيها نخيل كثير فى داخل البيوت وخارجها، وأرضها خصبة جيدة يزرع فيها القمح والشعير والفول بكثرة، وكذا البامية والملوخية والذرة بأنواعها، وقصب السكر والمقاثئ وسائر مزروعات الوجه القبلى. وفى جنوبها غيضة قليلة من شجر السنط.

ويصنع بهذه القرية لبد الصوف للفرش والسروج ونحوها، ويصاد فيها السمك كثيرا وعليهم لذلك مال للميرى، وفيها مسجدان مقاما الشعائر، أحدهما بنى فى هذا القرن من إنشاء الشيخ محمد مروان، رجل كان من أهل الثروة، وربما كان يزرع لنفسه جميع أطيان القرية، وهو من عائلة بها يقال لهم المراونة نسبة إلى مروان بن عبد الحكم لانتهاء نسبهم إليه كما اطلع ابنه الشيخ أحمد مروان فى جرائد الأنساب الموجودة تحت يد السيد زين الدين نقيب الأشراف بمدينة أسيوط. ففى هذا الكتاب أنه لما تفرقت العائلات فى بلاد أسيوط نزل جماعة من بنى مروان بن عبد الحكم فى قرية تونة الجبل (وهى بلدة فى حاجر الجبل الغربى تجاه هذه القرية) واستوطنوها. وأن نسبهم من جهة الأم ينتهى إلى الحسين بن علىّ سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنها بنت حصن الدولة صاحب دروط سريان المعروفة بدروط الشريف، ومنهم سيدى حماد التونى صاحب المقام المشهور بتونة الجبل، انتهى. ثم انتقل

ص: 250

منهم جماعة فاستوطنوا قرية السواهجة وملكوا فيها عقارا وأملاكا، واستمرت عائلتهم بها إلى الآن.

وقد رزق الشيخ محمد بانى المسجد المتقدم أولادا، قرأ أكثرهم القرآن وجاور بعضهم بالجامع الأزهر، ومنهم ابنه الشيخ على أقام بالأزهر مدة ورجع إلى بلدة فتوفى فى الطريق بقرب بلده، فحمل ودفن بجوار المسجد، وكان معتقدا صاحب كرامات فبنى عليه والده قبة شامخة وأهل البلد يزورونه وينذرون له النذور. ومنهم ابنه الشيخ رشوان، جاور بالأزهر فى حياة أبيه أيضا وهو الآن فى وظيفة معلم العربية بمدرسة منية ابن خصيب، وهو رجل فصيح اللسان كريم النفس عالى الهمة، ولهم ببلدهم مضيفة ينزل فيها الفقراء وغيرهم. ومنهم الفاضل الشيخ أحمد مروان المالكى كان أحد مدرسى الجامع الأزهر، جاور بالأزهر بعد موت أبيه واجتهد وحصل، واستحق التدريس فأجازه أشياخه وحضروا درسه، وصار يقرأ كبار الكتب بالأزهر لا ينقطع درسه، مع قيامه بوظيفة مصحح بمطبعة المدارس الملكية والروضة بمرتب سبعمائة قرش. وقد أخبر أن جده الأدنى من جهة أمه ينتهى نسبه إلى سيدنا الحسن كما فى جرائد الأنساب.

ولاتصال نسبهم بسيدى حماد صاحب تونة الجبل رتبوا له عمل ليلة فى قريتهم كل سنة، يجتمع فيها خلق كثير، وينتصب فيها سوق يباع فيه نحو الخضر والفواكه وأنواع الحلوى والمكسرات ونحوها، ويهيئ جميع أهل البلد الدقيق والخبز ويذبحون ذبائح الغنم والجاموس، ويقومون بكفاية أهل الجمع جميعا، وإذا تقاعس أحد منهم عن هذه العادة قام عليه الباقون ويقولون له:

«لا تكن سببا فى خراب قريتنا» ، لاعتقادهم أنهم إن تخلفوا عن عمل هذه الليلة فلابد، بحسب التجربة، أن يحصل لهم عطب فى زرعهم أو مواشيهم أو فى أبدانهم، فهم مجبورون بهذا الاعتقاد فى صورة مختارين، وهكذا أكثر أهل

ص: 251

البلاد فى عمل الموالد، وقبل عمل هذه الليلة بنحو جمعة ينادى فى الأسواق من طرف المحزمين ومشايخ الطرق بأن المولد قد جاء وقته وأن أول وروده يوم كذا فيجتمع الناس والبياعون وأرباب الأشائر ومشايخ السجادات والخيالة وأصحاب الملاهى والألعاب، ويكون الناس حلقا كل طائفة على حدتها، والمقصود من ذلك هو حلقة الفقراء وأرباب الأشائر فيسمونها جمع أهل الله، ويحترمونها حتى لا يدخلها أحد منتعلا ولا ضاحكا ولا هازلا ولا معه آلة شرب الدخان، فإذا افتتح فيها الذكر ترى الذاكرين طوائف طائفين فى جوانب الحلقة متماسكين كالسلسلة، وتارة يقفون متقابلين يذكرون ويصفقون بأكفهم، والمغنون ينشدون الأشعار فيستمرون كذلك زمنا ثم يجلسون ويجلس المغنون متقابلين، يغنى أحدهم بكلام يزعمون أنه من كلام القوم، أكثره مستهجن، وله بطانة يرفعون أصواتهم معه فى بعض كلامه، مع التقطيع واللحن الفاحش فى كلمة التوحيد وغيرها، ثم يسكت فيغنى مقابله كذلك، ويكون كلامه

(1)

الأول غالبا متضمنا لشئ من ألغازهم، وكلام الآخر متضمنا لجوابه، فإذا لم يقدر على الجواب تأثر من ذلك هو وبطانته، وربما بكى بعضهم من ذلك الغلب، فمن كلامهم قولهم:

شوبش على ناس دخلوا البهنسا الغره

وردوا على الدن لا كاس ولا جرّه

كنك مغنى وحسك فى الغنى سره

تجيب خبر أرض كشفتها الشموس مره

فيجيبه الآخر بقوله:

فرعون لما طرد موسى كليم الله

انشق لو البحر بالنصفين وتعرّه

حتى نجا من عدو الله وتبرّه

آدى خبر أرض كشفتها الشموس مره

(1)

كذا بالطبعة الأولى، ولعلها «كلام» . أحمد.

ص: 252

وقد يكون كلامهم ترغيبا وتهييجا للطاعة فى زعمهم، مع أنهم كثيرا ما يستعملون فى هذه الحالة المخدرات كالحشيشة والمعجون، وتارة يموج بعضهم فى بعض ويتخبطون ويصرخون، وربما تضاربوا أو تابوا. وبعد الفراغ يزعمون أنهم كانوا فى حالة الغيبوبة، وفى أثناء كل ذلك يرى من بعضهم تمويهات كالخوارق، فمن ذلك رجل مشهور بينهم أنه متزوج بجنية وأنها ولدت منه، ويأتى فى الجمع ويذكر هنيهة قائما، ثم يجلس ويضع رأسه فى جيب قميصه، ثم يقوم فيظهر من جيبه شجرة ليمون مورقة فيها كثير من ثمر الليمون والماء يقطر من أوراقها، وما كأنها إلا مغروسة فى أرض خصبة ذات ماء كثير، ثم يجلس ويدخل رأسه فى جيب قميصه وهو يذكر، والشجرة تتناقص شيئا فشيئا والناس ينظرون حتى تنعدم، وتارة يخرج شجرة برتقان أو عنب أو نحو ذلك، وتارة يخرج من جيبه ولدا صغيرا كأنه من أولاد الملوك، على رأسه قرص من الذهب مكلل بالجواهر وعليه حلة حرير فاخرة مع الجمال الفائق، إلى غير ذلك من غرائبه التى يبديها، وكثيرا ما يخبر أن له من الجنية خمسة أولاد ابنان وثلاث بنات، وأن له بها ائتلاف كائتلاف الإنس ومعاشرة حسنة، أخبر بكل ذلك الشيخ أحمد مروان المذكور.

(السيرابيوم)

مدينة قديمة كانت على الطريق التى بين مدينة هيربوليس والقلزم كما فى خطط انطونان، وكان منها إلى القلزم ثمانمائة عشر ميلا رومانيا، ومنها إلى هيربوليس خمسون ميلا، وبالقياس على الخرط المضبوطة من محل المسخوطة التى هى فى محل هيربوليس، وهى فوق الترعة الإسماعيلية الآن، ومن القلزم وهى التل القريب من السويس يقع السيرابيوم؛ كما قال لينان باشا فى المحل المعروف بالطيرية، لأن البعد الأول اثنان وسبعون كيلومتر وهى الخمسون ميلا والثانى أربع وعشرون كيلومتر وهى الثمانية عشر ميلا، ولما كان الفرانساوية

ص: 253

مستولين على مصر وجدوا فى الطيرية آثارا وأحجارا عليها كتابة فارسية مسمارية وأخرى هيروجليفية، بينوها فى كتابهم. والجغرافيون الآن متفقون على أن الطيرية واقعة فى محل السيرابيوم، وفى زمن البطالسة كانت المدينة التى فى هذا المكان تسمى أرسنويه، ولم يحصل العثور على مؤسس مدينة السيرابيوم، هل هم الفراعنة وإنما الفرس سكنوها فيما بعد، أو أن الفرس هم الذين أحدثوها وجعلوها مسكنا لهم، انتهى.

(السيفة)

قرية من مديرية القليوبية بمركز أجهور، فى شرق ترعة الفلفلية بنحو ثلاثين مترا، وشرقى برشوم التين بنحو نصف ساعة، وفى جنوب ناحية كفر العمار كذلك، وفى شمال أجهور الورد بمثل ذلك، وبها جامع بمئذنة مقام الشعائر ودوار لعمدتها إبراهيم بدر عمر معد للضيوف، وفى أغلب أراضيها أشجار البرتقان، ومن أهلها طائفة مشهورون بالألعاب الغريبة فى سائر جهات أفراح وجه بحرى، رئيسهم يسمى عامر هندى، وبعض بيوت من هذه الطائفة فى جهات أخرى.

(سيلة)

قرية من بلاد الفيوم بقسم المدينة، شرقى قرية العدوة، وشرقى البطس أيضا، وبحرى السكة الحديد بنحو نصف ساعة، وبينها وبين المدينة أقل من ساعتين، وبينهما طريق سلطانية، والطريق الخارجة من المدينة إلى زاوية المصلوب تمر من قبليها بجوار نصبتها، ولهذه القرية مع قرية المقاتلة وقرية الروبيات بحر يعرف ببحر سيلة، فمه بين الكوم الأسود وقطع السنط ويسير بجوار اللاهون، فلذا كثيرا ما ترمى به الرياح رمال الصحراء فيرتدم ويحتاج لمعاناة فى تطهيره، فيجمع له من مديرية الفيوم كل ثلاث سنين أو أربع نحو اثنى عشر ألف نفس، يقيمون فى تطهيره نحو عشرة أيام، غير ما يحصل فيه

ص: 254

كل سنة من حفر عالية وتعديل مجاريه حتى لا ينقطع الماء عن النواحى.

وقبلى هذه القرية بنحو ثلث ساعة نصبة تقسم بحر سيلة ثلاثة أقسام، منها اثنان لخصوص سيلة، والآخر لناحية المقاتلة والروبيات، فيجرى شمالا حتى يكون شرقى المقاتلة تقريبا، فتوجد نصبة أخرى لتوزيع المياه بين المقاتلة والروبيات، وبحر سيلة المار فى الجبل يقال له بحر الأوسية، وأغلب ما يروى منه أطيان شانة وشنشانة كلاهما من بلاد وردان. وفى شرقى نصبة سيلة والمقاتلة والروبيات بنحو ثلث ساعة فى الجبل آثار بحر وردان القديم الذى فمه من الكوم الأسود، وبين النصبة المذكورة والبطس خزان صغير لهذه القرية أنشئ سنة 1246 هجرية، يحيط بثلاث جهاته جسر من تراب، وفى جهته القبلية الجبل الذى به الطريق الذاهب إلى بطس والمدينة. وفى شرقى بحر سيلة بالقرب من هوّارة المقطع على نحو ثلث ساعة هرم فى الجبل مبنى بالطوب اللبن، تقول له الأهالى هرم فرعون.

(سينرو)

قرية من بلاد الفيوم بقسم العجمين واقعة فى الشمال الشرقى للعجمين وفى شمال فدمين، وأبنيتها بالآجر واللبن، وبها جامع بمنارة ونخيل كثير وبساتين كذلك، وعنبها مشهور بصدق الحلاوة، وبها شجر الزيتون، وأطيانها كثيرة عالية يحتاج ريها لكبير عمل؛ فتسدّ لها أبحر الفيوم فى شهر بابه لعدم كفاية بحرها، وقد كان عمل لها بحر فى زمن على بيك الكبير فى شرقى مدينة الفيوم فمه من اليوسفى، ويسمى بحر المنقورة يمر من قبلى المدينة، ثم يمر بقبو من فوق بحر مطول، وبقبو آخر من فوق بحر جزوا، ثم بقبو من فوق بحر سنباط، ثم بقبو من فوق بحر تلات، ثم بقبو من فوق بحر العجميين، ثم بقبو سادس من فوق بحر سينرو حتى ينصب فى الملقة العالية فيتمم ريها. ومن أهالى هذه الناحية سيد أحمد الخولى، مشهور بالكرم.

ص: 255

(سينيكوبوليس)

فى كتاب استرابون أنها مدينة قديمة، كانت رأس خط واقعة على الشاطئ الشمالى لفرع كانوب وأن دنويل حقق أنها كانت فى محل مدينة اندروبوليس. وقال بعضهم إن معنى الأولى مدينة النساء، ومعنى الثانية مدينة الرجال، وقال بعض شارحى استرابون إن كلا الاسمين علم على مدينة واحدة، لكن أعقب أحدهما الآخر وإن اسم اندروبوليس متأخر عن سينيكوبوليس؛ بدليل أن كلمة اندروبوليس إنما ذكرها بطليموس فى الماجسطى، وهو كتاب مؤلف بعد الميلاد بثمانية وإحدى وأربعين سنة.

وكلمة سينيكوبوليس كانت من قبل، وزعم العالم لرشى أنها فى محل مدينة اركندر التى ذكرها هيرودوط، انتهى. وأنكر ذلك شراح استرابون لأن مدينة اركندر كانت فى أرض المزارع كما قال هيرودوط، ومثلها مدينة انطلا وكلاهما فى شمال نقراطس.

وأما مدينة مونفيس فكانت والية لمدينة جينيكوبوليس، وذكر استرابون هذه النواحى على ترتيبها فى الوضع بالبدء من شديا، فقال: شديا ثم شبريوكوم ثم هرموبوليس ثم جينيكوبوليس وهى غير سينيكوبوليس، وبعضها يوافق الخراب الذى فوق النيل بقرب فم خليج البحيرة فى مقابلة الطيرية، وبقرب هذا الموضع تبتدئ الطريق من الطرانة إلى وادى النطرون. وفى ناحية مونفيس كانت الواقعة بين أمزيس وفرعون مصر، فالأول قام بجيوشه من الليبيا، والآخر من صان، والظاهر أن أمزيس تبع طريق منفيس وقطع الصحراء ليصل إلى النيل فى أقرب طريق، ثم إن لارشى المذكور عالم فرانساوى ولد فى مدينة ديجون من بلاد فرانسا سنة ألف وسبعمائة وست وعشرين، ومات سنة ألف وثمانمائة واثنتى عشرة. وله مؤلفات شتى، منها ترجمة كتاب هيرودوط بتهاميش عليها وهو من الكتب المرغوبة عند الفرنج.

ص: 256

(سيوف)

بلدة قديمة كانت فى إقليم صا الحجر على مسافة قليلة منها، قال هيرودوط: إن أمزيس الذى جلس ملكا على تخت مصر بعد أبيريس كان من هذه البلدة، وسبب تملكه أن الملك أبيريس كان أرسل جيشا لقتال أهل القيروان فانهزمت عساكره فحنق عليه المصريون ونسبوه إلى الخيانة والغدر بهم وأنه هو سبب الهزيمة، وأن قصده إهلاكهم ليخلو له الملك وقاموا عليه ورفعوا ألوية العصيان، فأرسل إليهم أمزيس-وكان أحد أمرائه-ليصالحهم، فبينما هو يتكلم معهم فى شأن الصلح إذ قصده عسكرى من خلفه ووضع له خودة على رأسه وقال له: هذه علامة إلباسك تاج الملك فأنت الذى نرضاك ملكا علينا، ووافقه سائر العسكر على ذلك، وفى الحال عقدوا له بيعة الملك فقام من ساعته يتجهز لحرب أبيريس. فلما بلغ الملك ذلك أرسل إليه أحد أمرائه بطريمس ليعظه فلم يسمع منه، ورجع الرسول خائبا فغضب عليه أبيريس وقطع أنفه وأذنيه، فشق ذلك على من بقى معه وفارقوه وانضموا لحزب أمزيس، فلم يبق معه إلا اليونانيون وقليل ممن سواهم، والتحم الحرب بين الحزبين بقرب مدينة مونفيس فكانت النصرة لأمزيس، واستولى على الملك وقبض على أبيريس وأكرمه، فلم يرض حزبه بإكرامه وقتلوه ودفنوه مع أجداده وأهله. وصفا الوقت لأمزيس إلا أن المصريين فى أول حكمه كانوا لا يعطونه حقه فى التعظيم بسبب أنه من الأهالى لا من بيوت الملوك، فكان له طشت من الذهب معد لغسل رجليه وأرجل أمرائه فكسره؛ وعمل منه تمثالا لأحد المقدسين ووضعه خارج المدينة فجعل الناس يهرعون إليه ويقدسونه فاستدعاهم يوما وخطبهم، وقال فى خطبته: إن التمثال الذى تعظمونه متخذ من ذهب الطشت الذى كنت أستعمله فى غسل الأرجل، وقد صار إلى هذه الحالة التى تدعوكم إلى تعظيمه، فكذا يجب عليكم احترامى وتعظيمى لما صرت إليه من الملك، ثم إنه حسن سيره فيهم وتدبيره واستعمل العدل والإنصاف؛ فأحبوه وعظموه

ص: 257

وساسهم أحسن سياسة، فكان يجلس للحكم والنظر فى مصالح الرعية من أول النهار إلى آخره.

(سيوط)

بسين مهملة مضمومة فى أوله فتحتية فواو فطاء مهملة مدينة مشهورة بالصعيد الأوسط، ويقال فيها أسيوط بهمزة مضمومة فى أوله كما فى القاموس، وهى فى غربى النيل، على بعد نحو ألف ومائتى متر، واقعة فى آخر المزارع على طرف حاجر الجبل الغربى، وكانت تسميها اليونان ليكو أو ليكوبوليس، أى مدينة الذئاب، لأن أهلها كانوا يحترمون الذئب ويقدسونه كما فى كتب الفرانساوية. قالوا: وإلى الآن توجد مومية هذا الحيوان فى مغاراتها، وهى رأس مديرية تنسب إليها، ومحل إقامة الحاكم، ومركز من ينزل من مصر إلى الصعيد من الأمراء، ولم أعثر لها فى كتب التواريخ على أحوال قديمة، وإنما رأيت فى خطط المقريزى عند ذكر البرك أن سيوط وأعمالها كانت محبسة على الحرمين، من ضمن ما حبسه أبو بكر الماردانى من الضياع، وسيأتى ترجمة أبى بكر هذا.

وفى كتب الفرانساوية أيضا أنه كان فى غربيها تلول عالية هى آثار مبان قديمة وعليها بيوت المماليك، فكانت تلك البيوت مرتفعة على المدينة؛ فلذا اختيرت لإقامة عساكر الفرانساوية، وكان فى بعضها مزاغل للمدافع والبنادق حتى كانت تشبه القلعة، وكانت أبنية المدينة من اللبن وقليل الآجر، وكان بها مساجد متينة وحمامات عظيمة وست معاصر للزيت. وأجرة الأجير فيها كانت تختلف من خمس بارات إلى اثنتى عشرة بحسب الأشخاص قوة وضعفا، ولها سوق كان به جملة حوانيت، وكان فى جهتها البحرية حدائق ذات بهجة وجميز ونخيل، وأغلب تجارتها يومئذ ثياب الكتان والنطرون وأوعية الفخار لا سيما حجارة الدخان وحجارة الحمام والأفيون؛ لأنه كان يزرع فى

ص: 258

بلادها كثيرا. وكان يصنع بها الطاولات والضامات والفناجين من العاج والخرتيت وخشب الآبنوس، ويصنع بها أيضا أطقمة الخيل وأنواع كثيرة من الجلد كالزمازم وقرب الماء وقبور الطبنجات.

ولم تزل إلى الآن مركز التجارات السودان والواحات وبلاد المغرب؛ فيجلب إليها ملح الصودا والنطرون من موضع بطريق القافلة يعرف ببئر صويحب، وموضع آخر يعرف ببئر الملح، وجلود الحيوانات وريش النعام وسن الفيل والتمر هندى، وزلع الخشب المتخذة من شجرة تسمى هرس. ومن عوائدها القديمة وفود قافلة إليها كل سنة من دارفور على مسافة نحو أربعين يوما، تشتمل على نحو ألف وخمسمائة من الإبل المحملة من أنواع بضائع تلك الجهات، فيبيعونها ويستبدلونها من بضائع الديار المصرية، فيحصل بذلك رواج عظيم لسيوط وبلاد كثيرة.

وفى الجبرتى أنه فى سنة ثلاث وثمانين ومائة ألف تعين أيوب بيك من طرف على بيك على منصب دجرجا، فلما وصل إلى قرب مدينة أسيوط ورد عليه خبر باجتماع الأمراء الذين كان على بيك، نفاهم، وأنهم ملكوا مدينة أسيوط وتحصنوا بها؛ وذلك أن محمد بيك أبو الذهب كان على بيك عينه لمنابزة شيخ العرب همام الفرشوطى، فتوجه إليه وانعقد بينهما الصلح على أن يكون لهمام من حدود برديس وانقطع النزاع على ذلك، ثم رجع محمد بيك إلى مصر وعرض على علىّ بيك ما حصل بينه وبين همام، فأرسل على بيك إلى شيخ العرب همام يقول له: قد أمضيت تلك الشروط لكن على شرط أنك تطرد من ببلادك من الأمراء العصاة المصريين، ولا تبقى منهم أحدا بدائرتك، فجمعهم وأخبرهم بذلك، وقال لهم: اذهبوا إلى سيوط واملكوها قبل كل شئ، فإن فعلتم ذلك كان لكم بها قوة ومنعة، وأنا أمدكم بعد ذلك بالمال والرجال فاستصوبوا رأيه وبادروا إلى سيوط، وكان بها عبد الرحمن كاشف وذو

ص: 259

الفقار كاشف، وكانا قد حصنا البلدة وجهاتها وبنيا عليها البوابة والكرانك وركبا عليها المدافع، فتحيل الأمراء المصريون ليلا وزحفوا إلى البوابة ومعهم انخاخ وأحطاب جعلوا فيها الكبريت والزيت، فأشعلوها وأحرقوا الباب وهجموا على البلدة، فلم يتأت لعبد الرحمن كاشف وذى الفقار كاشف منعهم لكثرتهم، فملكوها وتحصنوا بها وهرب من كان فيها. ووردت الأخبار بذلك إلى علىّ بيك فعين محمد بيك أبا الذهب وجملة من الأمراء والصناجق وكثيرا من العسكر، وسافر الجميع برا وبحرا حتى وصلوا قريبا من أسيوط ونصبوا عراضيهم عند جزيرة منقباد، فأجمع الأمراء العصاة رأيهم على أن يدهموهم فى طوق الجبل آخر الليل على حين غفلة، وخرجوا من أسيوط ليلا، لذلك فضلوا عن الطريق واستمروا كذلك حتى طلع عليهم الصبح، وصار العرضى فى جنوبهم بنحو ساعتين فلم يقدروا على الرجوع إلى أسيوط وخافوا أن يدخلها العرضى، فلم يجدوا بدا من محاربة العرضى فالتحم بينهم الحرب فى جبانة سيوط، فكانت الهزيمة على العصاة، ومات منهم كثير وفر باقيهم وملك أبو الذهب أسيوط، وآل الأمر إلى فرار همام وموته بغير بلده وسلب أمواله وخراب دياره، ورجع محمد بيك إلى مصر ظافرا، وبعد مدة خرج من مصر مغاضبا لأستاذه على بيك فلحق ببلاد الصعيد، وخلصت جميع الجهات إلى على بيك. وسنذكر ترجمة همام وابنه درويش وما وقع لهما فى الكلام على فرشوط، انتهى.

وكانت سكان سيوط من المصريين الأول كما فى كتب الإفرنج يدفنون الأموات فى مغارات فى جبل ليبيا الذى فى غربيها. وكانت به مغارات كثيرة متفاوتة فى الكبر والصغر بعضها فوق بعض، ومن ضمنها مغارة طولها نحو ستين مترا فى أربعين تسميها الأهالى اصطبل عنتر، والنقوش التى على جدران تلك المغارات تدل على أنها كانت تسكن بعضها النصارى فى مبدأ ظهور ديانتهم، وبعضها كان معابد تقرب فيه القرابين حتى أن كيفيات الذبح وإحضار

ص: 260

الذبائح مرسومة فى الحيطان، وبعضها كان معدا لدفن الحيوانات من كل جنس، وأقدم الجميع وأعظمها ما كان معدا لدفن الآدميين، وكانت عادة جميع المصريين أن لا يدفن الميت إلا بعد تصبيره كما يدل لذلك التواريخ وما عثر عليه من موميات الموتى.

وقد ذكر هيرودوط ما كان يصنع بالميت بعد موته من تصبير وتشييع، ونحو ذلك، فقال ما معناه: من عادة المصريين فى الجنائز أن الميت إذا كان من المعتبرين تسخم نساؤه وأقاربه وجوههن ورءوسهن بالطين، ويضربن على صدورهن مكشوفة ويطفن حول البلد، مع الصراخ والعويل والقول القبيح مع أقاربهن وأحبتهن من النساء، ويضرب الرجال على صدورهم أيضا كذلك. ثم يؤتى بالميت إلى محل التصبير، وللتصبير ناس مخصوصون فيعرضون على أهل الميت صورا من خشب منقوشة فى القدر الطبيعى، أعظمها صورة من لا أذكر اسمه، ثم صور أقل منها ثم أقل وهكذا، فيختار أهل الميت واحدة على حسب اقتدارهم ويتوافقون معهم على الثمن والمنصرف.

قال ديودور الصقلى: قد يبلغ ذلك إذا كان الميت من الأغنياء طالان من الفضة وهو خمسة آلاف فرنك وأربعمائة فرنك، وتبلغ الدرجة الوسطى عشرين منيا عبارة عن ألف وثمانمائة فرنك، ومصاريف الدرجة الثالثة شئ قليل، انتهى. ثم يستلم المصبرون الميت وينصرف أهله فحيث اختاروا الدرجة العليا ابتدأ المصبرون بإخراج المخ من الخياشيم بحديدة معوجة وأدوية يدخلونها فى الرأس، ثم يتقدم إليه أحد الموظفين للرسم فيرسم محل الشق فى جنبه الأيسر، ويأتى بعده الموظف للشق فيشق القدر المعين، ثم ينطلق هاربا ويتبعه الحاضرون باللعن والسب ويرمونه بالحجارة، لاعتقادهم أن عمل مثل ذلك أو أقل منه فى جسم الميت ممنوع لا يجوز، ثم تستخرج أمعاؤه وبعد غسلها توضع فى نبيذ البلح، ثم تحفظ مع عطريات مسحوقة، ثم يملئون البطن بالمر النظيف

ص: 261

المسحوق والقرفة والعطريات، ثم يخيطون الشق ثم يملحون الجثة بوضعها فى النطرون سبعين يوما.

وقال بورفير: إنه عند تصبير جثة المعتبرين تخرج الأمعاء وتوضع فى صندوق ويعرضها أحد المصبرين على الشمس وهو يقول على لسان الميت: أيتها الشمس سلطان هذا العالم، ويا ألهة يا من أفضتم الحياة على الخلق «اقبلوا نوالى»

(1)

إلى أن أسكن مع الباقين، فقد أمضيت عمرى فى عبادة آلهة آبائى، ولم أتحوّل عن تعظيم من نشأ عنهم هذا الجسم، ولم أقتل أحدا ولم أسرق ولم أفعل إساءة، وإن كان حصل منى خطأ عند أكلى أو شربى فهو لهذه الأشياء يعنى الأمعاء، فهى السبب فى الخطأ. وبعد انتهاء مقالته يرمى الصندوق فى البحر.

قال بعض شارحى هيرودوط نقلا عن بعض الكيماويين أن النطرون ملح يتخذ

(2)

مع الموائع الرخوة والشحم، فكان المصبرون يستعملونه لإزالة هذه الأشياء عن الأجزاء الجامدة والألياف، فالغرض من تغطية الجسم بهذا الملح تجفيفه وإزالة رطوباته، ومن ذلك يظهر أن هيرودوط لم يصف عملية التصبير على ترتيبها، فإنه لو ابتدئ بملء البطن بالمر والعطريات قبل تمليحه لكوّن النطرون مع زيت المواد البلسمية مادة صابونية عليها قابلة للذوبان فيسهل بذلك طردها بالغسل وتزول كمية العطريات جميعها، فالصواب أن التمليح بالنطرون يكون قبل وضع العطريات، فلذا قال ديودوران: المر والقرفة والمواد العطرية كانت هى آخر ما يستعمل فى التصبير، وإنما كانت أيام وضعه فى النطرون سبعين فقط، لأنها لو زادت على ذلك لأثر النطرون فى العظام والفضلات.

وبعد انتهاء التصبير على ما تقدم يغسلون الجثة ويلفونها بلفائف من قماش؛ فأوّلا تؤخذ أشرطة من القماش فتلطخ بمواد قطرانية وتلف لفا محكما على كل عضو بانفراده حتى الأصبع، ثم يوضع اليدان على الصدر، ويقرن بين

(1)

فى الطبعة الأولى كتبت هكذا: «أقبلوا وانوالى» . أحمد.

(2)

كذا بالطبعة الأولى، ولعلها «يتّحد» . أحمد.

ص: 262

الرجلين، ويؤتى بخرق أخرى ملطخة بالصمغ فيلف بها جميعه لفة واحدة، وبعد تمام العمل يسلم لأقاربه فيجعلون له صندوقا من خشب على صورة الإنسان، ويضعونه ويجعلونه فى أودة من البيت قائما بجانب الحائط، فإن اختار أهله الدرجة الوسطى اقتصر المصبرون على أن يملئوا بطنه بمائع مستخرج من شجر السدر، يدخلونه من دبره ويسدونه حتى لا يخرج ذلك المائع، ثم يملحون الجسم سبعين يوما كما مر. وفى آخر يوم يخرجون منه ذلك المائع فيخرج معه جميع أحشاء البطن من أمعاء وطحال وكبد ونحوها، وفى مدة التصبير يأكل النطرون جميع لحمه ولا يبقى إلا الجلد والعظم والعروق، ثم يكفنونه ويسلمونه لأهله فإن كان الميت من الفقراء اقتصروا على أن يملئوا بطنه بمائع يقال له السرماية، ثم يملحون الجثة المدة السابقة ثم يكفنونه ويسلمونه لأهله.

قال بعض المشرحين: السرماية ملح مع ماء. ولم يبين نوع ذلك الملح.

وقال بعضهم أنه عصارة نباتة مسهلة. وكان القطن هو المختار ديانة عند المصريين لتكفين الموتى وكان يسمى بيسوس. ويقال فى سبب اختياره دون غيره أن ازيس لفّت أعضاء أورزيس بعد أن قتله تيفون فى قماش القطن. وإلى الآن جميع أكفان الموتى المستخرجين من القبور توجد من ثياب القطن، خلافا لمن قال إنها كانت من الكتان.

وقال جوليوس: إن البيسوس نوع من الكتان وإن فى مصر شجرة صغيرة يستخرج منها نوع من الصوف، له شبه بالكتان يعمل منه أقمشة، ولشجرته ثمر يشبه الجوز ذو ثلاثة أبراج إذا استوى وبلغ الابان يتفتح عن صوفه.

والأقدمون يسمونه صوف الشجر أو صوف الخشب.

وقال أدريان أن الهنود يستعملون فى لبسهم الكتان المستخرج من الشجرة، وكانت مصر تفضله على غيره، كما ذكر ذلك بلين، وقد خلطه اليونان

ص: 263

فى مؤلفاتها بالكتان بسبب جهلهم شجرته (قلت وإلى الآن فى بلاد الصعيد يسمون ثياب القطن الغليظة بيسة) والشجرة المذكورة فى كلام جوليوس هى شجرة القطن.

وأما تشييع الميت فقال ديودور: من عادة المصريين أن أقارب الميت يعينون يوما لتشييع جنازته بقولهم: إن ميتنا سيعدى البحيرة مثلا يوم كذا؛ ليجتمع القضاة وباقى الأقارب والأحبة. وكان القضاة أكثر من أربعين معدين للحكم على الميت بالدفن أو عدمه، على حسب ما يثبت لديهم من خيره أو شره، فيجتمعون على البر الثانى من البحر على هيئة نصف دائرة، فيوضع الميت فى مركب يسمون ملاحها باسم قارون وينزل معه من يريد التعدية، وقبل وضعه فى المركب يؤدى الحاضرون شهادتهم فى حقه كل بما يعلم فيه من إحسان أو إساءة، فإن توافقت شهادتهم على أنه من أهل الخير حكم القضاة بدفنه وإكرامه، وإن توافقت على إساءته حكموا عليه بعدم الدفن، فإن ظهر كذب الشاهدين فى شهادتهم عزروا تعزيرا شديدا، فإن لم يشهد أحد بشئ أو تخالفوا فى شهادتهم أزال أقاربه شعار الحداد ويشرعون فى وصفه بالخير والصلاح والإنصاف والاحترام للآلهة وأحكام الديانة وأهلها، ويرفعون أصواتهم بذلك حتى يؤذن لهم فى دفنه، فإن كان له مقبرة دفن فيها، وإلا وضع فى أودة من بيته مسندا إلى ركن الحائط. والمحكوم عليهم بعدم الدفن إما لخطاياهم وإما لثبوت دين عليهم يوضعون كذلك فى إماكن من بيوتهم، فإن وفّى أولادهم أو أقاربهم ما عليهم من الديون أذن لهم فى دفنهم، وكثيرا ما يحصل ذلك.

ثم إن مدة الحزن والحداد كانت تختلف طولا وقصرا باختلاف الموتى فى الاعتبار وعدمه، فكانت محزنة الملوك اثنين وسبعين يوما، ومحزنة غيرهم أقل من ذلك، ويقال إن محزنة يوسف عليه السلام كانت سبعين يوما، انتهى.

وأما تقديس الحيوانات فقد تكلم على بعضه هيرودوط فقال ما ترجمته:

إن بلاد مصر مجاورة لبلاد الليبيا وهى قليلة الحيوانات، وما يوجد بها منها من

ص: 264

حيوان أهلى أو برى فهو محترم ومقدس عندهم، لأسباب يجرّنا التكلم فيها إلى التكلم فى الديانة وهو شئ لا نخوض فيه، وإجمال القول فى ذلك أنهم كانوا يقدسونها ويلتزمون مؤنتها، وكان لها إقطاعات يمونونها منها فكان يشترى للشاهين لحم يفرم ويقدم له، وللهر والنمس خبز يفت فى اللبن أو سمك يقطع ويقدم له وقد خصصوا لكل نوع منها خدمة من الرجال والنساء، وهى عندهم خدمة شريفة يتوارثها الأبناء عن الآباء، وإذا أراد الخادم سفرا يستصحب معه علامة يعرف بها أنه خادم الحيوان الفلانى ليحترم.

وأهل المدن ينذرون لها النذور بقصد تحصين أنفسهم أو أولادهم وسلامتهم من الآفات وتخليصهم من الكربات، فإذا أراد أحدهم الوفاء بنذره لسلامة ولده فإنه يحلق رأس الولد أو بعضه ويزن الشعر بالفضة، فإذا ازدادات الفضة على الشعر أعطوها لخادم المقدس فيشترى به سمكا ويجعله قطعا ويقدمه لذلك الحيوان فيأكله.

ومن عوائدهم إذا قتل أحد حيوانا مقدسا عمدا فإنه يقتل، وخطأ يلزمه دفع ما يجعله عليه القسيسون من المال، ومن يقتل الطير أبيس أو الشاهين قتل بلا مراجعة. وللهر احترام زائد عندهم ولأنثاه رغبة فى الذرية، فإذا ولدت تركت ذكرها ومنعته من قربها واشتغلت بتربية أولادها، فلذا يحاول الذكر قتل الأولاد لتحتاج إليه الأنثى فى الحمل رغبة فى الأولاد.

ومن الغريب أنه إذا حصلت حريقة يريد القط أن يدخل فيها فيجهتد المصريون فى منعه، تعظيما له، ويحتاطون بالنار لذلك، وقد يغلبهم ويثب فيها فيحترق، فإذا حصل ذلك فى بيت فإنهم يحزنون عليه حزنا شديدا، وإذا مات حتف أنفه حلقوا حواجبهم أمارة على الحزن، وأما إذا مات الكلب فإنهم يحلقون رؤوسهم وجميع أبدانهم حزنا عليه، وكانوا لا يدفنون الهر إلا فى مدينة بوباسط، ويدفن الكلب فى البلد التى مات فيها، بعد جعل كل فى صندوق

ص: 265

وترص صناديق الكلاب بعضها إلى بعض. ومثل الكلب النمس والدب والذئب والثعلب، وكان الكلب رمزا للمقدس أنوبيس، فلذا كانوا يجعلون لتمثاله رأس كلب. ولما دخل جمشيد ملك الفرس أرض مصر وقتل العجل لم يقربه شئ من الحيوانات سوى الكلب، فإنه أكل منه فقل احترامه من يومئذ.

وأما النمس فقال إليان: إنه تارة يكون ذكرا وتارة يكون أنثى. فيكون أبا ويكون أما، وإذا تشاجرت النموس فالمغلوب ينقلب أنثى، وأنكر ذلك علماء الطبيعة. وقال أرسططاليس: إنه يلد مثل الكلب، وهو عدوّ الحية يكسر بيضها ويقتلها ويستعين عليها بجنسه بأن يصرخ صرخة فتجتمع عليه النموس، وقال إليان: إنه عند إرادة قتلها يلوث نفسه بالطين وقاية من لدغها ولا يظهر منه إلا فمه، فيلف ذيله عليه مرارا فلا يكون لها إليه سبيل فيهجم عليها ويقبض على رقبتها حتى تموت، وبذلك قال ديودور أيضا. قال هيرودوط: والنمس هو العدو الأكبر للتمساح يكسر بيضه، وإذا نام فى البر وفتح فاه فإنه يدخل فى جوفه ويقتله، وأنكر كثير من السياحين ذلك. وأما أم عرس فتدفن فى مدينة بوطو ومثلها الشاهين، وينقل الطير أبيس إلى مدينة هيروموبوليس. وفى كتاب العالم سوينى أن الطير أبيس الأسود يسمى إلى الآن باسم الحارث، فى نواحى دمياط ورشيد والمنزلة، انتهى.

وقال هيرودوط أيضا: إن هيرموبوليس اسم لثلاث مدن بديار مصر إحداها فى الصعيد الأعلى غربى النيل على تسعة وخمسين ميلا من مدينة ليوكبوليس، وموضعها مجهول، ولعلها هى المعدة لدفن هذا الطير، وكانت قريبة من محطة اييوم فى طريق القصير، والثانية فى الدلتا (أى روضة البحرين)، وكانت أسفل سمنود وشرقى مدينة بوطو، ولا يعلم موضعها أيضا، والثالثة فى كورة الإسكندرية غربي النيل وجعلها بطليموس رأس هذه الكورة، وسمى هيرموبوليس الصغرى وجعلها الأب سيكار نفس دمنهور، وجعلها غيرهما مدينة منيلاس، انتهى.

ص: 266

وقال استرابون ما معناه: إن الحيوانات المقدسة منها ما كان يقدس فى جميع بلاد مصر؛ مثل العجل والكلب والهر من ذوات الأربع، والشاهين والطيرأبيس من الطيور، ومن السمك الليبيدون واكسرانكوس، ومنها ما كان يقدس فى جهات مخصوصة مثل النعجة من الغنم فى مدينة صا الحجر وطيبة، ونوع من السمك يعرف باللاطوس فى مدينة لاطوبوليس، والذئب فى مدينة ليكوبوليس (سيوط). والسينوسوفال فى مدينة هرموبوليس، وهى مدينة قديمة كانت بالقرب من الأشمونيين، وكان أهل بابلون القريبة من منفيس يعظمون حيوانا يعرف بالسيبوس، جسمه بين الكلب والدب يوجد ببلاد الحبشة. وكان النسر يقدس بمدينة طيبة، والسبع بمدينة ليونتوبوليس، والمعزى بمدينة منديس (أشمون الرمان) وأم عرس بمدينة أتريب، إلى غير ذلك من الحيوانات والجهات. ولم نقف للمصريين على أصل تقديس هذه الحيوانات ولا على السبب فى ذلك، انتهى.

ثم إن فى بعض كتب الفرانساوية أن مديرية سيوط كانت مشتملة على أربعين ألف عائلة، متوسط العائلات خمسة أنفس، فكانت أهالى المديرية نحو مائتى ألف نفس، وكان النساء بها أكثر من الرجال، وأموالها يومئذ نحو سبعين ألف فرانك عبارة عن ثمانية آلاف بنتو وخمسمائة بنتو ذهبا، غير المخصص عليهم من الغلال التى قدرها مائتان وستة عشر ألف أردب، وكان ثمن الأردب القمح يومئذ ثلاثة فرنكات، فقيمة تلك الغلال ثلاثون ألف بنتو.

وكانت أمور الفلاحة رائجة فى جميع بلاد المديرية، وأرضها غاية فى الخصوبة لا سيما بلاد الزنار، وهى كذلك إلى الآن، وكان يزرع فيها القمح والشعير والفول والذرة والكتان وجميع أصناف الحبوب، وفى كثير من بلادها يزرع أيضا الحشيشة والأفيون والنيلة والدخان وقصب السكر والكمون والأنيسون والثوم وكثير من الأبزار.

ص: 267

وفى تاريخ الجبرتى عند حوادث سنة ألف ومائتين وإحدى وثلاثين أن نصرانيا من الأروام التزم بقلم الأبزار التى تأتى من بلاد الصعيد، مثل الحبة السوداء والشمر والكمون والأنيسون وغير ذلك بخمسمائة كيس، ويتولى هو شراءها دون غيره ويبيعها بالثمن الذى يفرضه. قال: وكانت فى أيام الأمراء المصريين تلتزم بعشرة أكياس، فلما تولى على وكالة دار السعادة صالح بك المحمدى زادها عشرة أكياس، وكانت وكالة الأبزار والقطن وقفا لمصطفى أغاة دار السعادة سابقا على خيرات الحرمين وخلافها، ثم لما زالت دولة المصريين تولاها شخص على مائتى كيس، وسعر الأبزار أضعاف الأصل، وجعل من ضمنها الشمر الأبريمى والسلطانى والخوص والمقاطف والسلب والليف، وبلغ سعر المقطف الذى يسع الكيلة من البرّ خمسة وعشرين نصفا، وكان أولا يباع بنصف أو نصفين إن كان جيدا.

وذكر الكندى أنه صور للرشيد صورة الدنيا فما استحسن غير ابليز سيوط؛ فإن مساحته ثلاثون ألف فدان فى دست واحد، لو قطرت قطرة فاضت على جميع جوانبه، ويزرع فيه الكتان والقمح والقرط وسائر أصناف الغلات فلا يكون على وجه الأرض بساط أعجب منه بسائره، من جانبه الغربى جبل أبيض على صورة الطيلسان، ويحف به من جانبه الشرقى النيل كأنه جدول فضة، لا يسمع فيه الكلام من شدة أصوات الطير، انتهى.

وفى القاموس: طين الإبليز بالكسر طين مصر، أعجمية، انتهى.

وفى كتب الفرانساوية أيضا أن عرض وادى النيل فى مقابلة المدينة تسعة عشر ألف متر وسبعمائة متر وتسعة وثمانون مترا، وهو أقل من عرضه فى الجزء الذى بينها وبين مدينة بنى سويف، وعرض النيل فى مقابلتها مائتان وثلاثون مترا، ومساحة القطاع المتوسطة فى هذا الموضع خمسمائة وستون مترا، والسرعة المتوسطة للنيل فى الدقيقة الواحدة أربعون مترا.

ص: 268

وفى كتب الفرانساوية أيضا أنه كان فى المغارات التى مر ذكرها فى جبل الليبيا ورش لقطع الحجر، بقرب ترعة يظن أنها كانت مستعملة فى نقل الأحجار، تصل إلى المنهى ومنه إلى النيل بفرع صغير، يمر فى زمن الصيف فى بحرى المدينة، على بعد قليل منها، انتهى.

ولنذكر لك وصف مدينة سيوط الآن فنقول: هى مدينة الصعيد وقصبته على الإطلاق، ذات أبنية فاخرة وقصور مشيدة، شبابيكها بالزجاج والخشب والحديد، ومنادرها مفروشة بالرخام كقصور القاهرة، وأكثر منازلها بالطوب الأحمر على دورين وبعضها على ثلاثة، وأكثر حاراتها معوجة ضيقة والمتسع منها هو المشتمل على القيساريات وبعض الشوارع العمومية، غير أن هذا الاتساع لا يكفى حركة المرور لكثرة مابها من العالم. وقد رتب بها كما رتب بسائر المدن المصرية مجلس ومهندسون للتنظيم، فحصل من ذلك توسيع كثير من حاراتها واعتدال جملة من شوارعها، ومساحتها تقرب من مائتين وسبعين فدانا، وهى آخذة فى الزيادة سيما من وصول السكة الحديد إليها، فقد كثر بسببها الواردون عليها من الجهات أضعاف ما كان، وسكنها كثير من المصريين والأغراب.

وفى زمن المرحوم عباس باشا أزيلت الكيمان القديمة التى كانت فى وسطها وأذن للأهالى بالبناء فيها، فبنيت بها مبان فاخرة من منازل وجوامع ووكائل، وبنى بها محمد الهلالى سر تجارها قيسارية عظيمة مشتملة على وكالة وعدة دكاكين، ومحمد جاد الحق أحد التجار المشهورين بنى بها جملة محلات للإيجار وزاوية للصلاة.

وشارع المجذوب نافذ من الشرق إلى الغرب وفى كل من طرفيه باب كبير يشبه أبواب القاهرة. فالشرقى يسمى باب المجذوب باسم الشيخ المجذوب، صاحب المقام الذى فى الجامع المعروف باسمه بقرب ذلك الباب، والباب

ص: 269

الغربى باب الجبل، وبين هذين البابين أبواب أخرى أصغر منهما، منها باب عند جامع سيدى جلال الدين السيوطى، وآخر عند بيت سليم كاشف الذى كان سجنا للمذنبين سنة خمسة وستين ومائتين وألف هجرية، فاشتراه الأمير إبراهيم باشا قبطان مدير سيوط سابقا وجعله منزلين للإيجار، وهما للآن فى ملك ورثته، وبجوار البيت المذكور من خلفه السجن الجديد الذى بناه الأمير لطيف باشا وقت أن كان مدير تلك الجهة، وللآن يعرف عند الأهالى بدار لطيف. وبابه من الشارع المار بالتكية والكنيسة، وهو يشتمل على حوش كبير وعدة حواصل وزاوية للصلاة، وفى جهته الغربية خزنة المديرية وبأعلاه الاسبتالية، وفى الضلعين البحرى والشرقى حبوس ذوى الجرائم الخفيفة، وفى وسط تلك الحبوس حاصل كبير مربع ضلعه خمسة وعشرون ذراعا معماريا، مسقوف على أكتاف من البناء قائمة فى وسطه، والنور يأتيه من أعلاه، وبه ما يحتاج إليه المسجون لإزالة الضرورة ونحوها، يسجن فيه المحكوم عليهم بالقتل، وتسميه الأهالى حاصل الدم.

وشارع القيسارية يشق المدينة من الجنوب إلى الشمال، أوله من الفوريقة القديمة الواقعة فى بحريها، وآخره باب السوق من قبليها. وفى ذلك الشارع باب كبير يسمى العتبة الزرقاء، فى طرف القيسارية البحرى، وباب آخر يسمى باب اللبن فى طرفها القبلى، وباب اللبن يوصل إلى قيسارية الهلالى المجاورة لجامع القاضى، وإلى شارع يوصل إلى الكارة وهى محل متسع من المحلات الميرية، تنزل به العساكر وغيرها، بقرب حوض العيد، وهو محل كان به قصر شبيه بالقلعة كانت تنزل به حكام سيوط وغيرهم من الأمراء، وكان ينصب به فى نحو الأعياد ملعب بحضرة الهوارة والعربان ممن لهم معرفة بالمسابقة ورمى الجريد. ويشتمل على ألعاب مثل الحواة والمراجيح، وغير ذلك. ويجتمع به خلق كثير للفرجة، ويكون به بيع وشراء، فهو فى مدينة سيوط أشبه شئ بباب النصر والرميلة بالمحروسة فى المواسم، وفى سنة خمس وثمانين

ص: 270

ومائتين وألف صار هدم ذلك المحل وتسوية أرضه، وبقى مصلى الأموات القديم على أصله، وكذلك عادات المواسم والأعياد.

وبجوار القيسارية العمومية من جهة الغرب قيسارية محمد كاشف بزاده من ذرية أيوب كاشف أحد ملتزمى سيوط، وقيسارية محمد بيك الدفتردار التى بناها سنة ثمان وثلاثين ومائتين وألف هجرية، وقت أن كان مدير أسيوط، وبنى بها جامعا جليلا بمئذنة يعرف إلى الآن بجامع الدفتردار، وبنى بجواره من قبليه حماما يسمى حمام الدفتردار، وبالجهة الغربية من المدينة قيسارية المجاهدين والجامع المشهور بجامع المجاهدين. وتشتمل تلك القيسارية فضلا عن الحوانيت والقهاوى على نحو عشرين وكالة، منها وكالة الكاشف وهى ملك محمد كاشف بزاده، ووكالة محمد جاد الحق، ووكالة أولاد شنودة، ووكالة محمد خشبة. وجميع تلك القيساريات والخانات مشحونة بأصناف البضائع من قطن وكتان وحرير، وغير ذلك من البضائع التى تجلب إليها من القاهرة على ذمة تجارها بواسطة عملاء من الإفرنج وغيرهم مقيمين بها، وكذلك جميع أصناف البضائع السودانية مثل السن والريش والصمغ وغير ذلك، والبضائع المغربية كالأحرمة والبطانيات والبرانس والطرابيش، وغيرها مما يرد إليها من الأسكندرية، والبضائع المشرقية كالبن والبهارات والعطريات، وغيرها مما يرد من نحو اليمن والحجاز، وكذا بضائع الواحات مثل العجوة والنيلة وغيرها. وفى الوكائل أيضا أود تنزل بها الأغراب والمترددون إليها من الأهالى.

وبالمدينة ست معاصر لزيت السلجم والزيت الحار واحدة لمحمد هلالى، وواحدة لرزق البيسرى، والبقية لأناس من أهل البلد. وبها كثير من المصابغ وأغلب الأقمشة الواصلة منها إلى دارفور تصبغ بها. وقد بنى بها الأمير لطيف باشا أيضا تكية من ماله ورتب لها مرتبات من طرفه إلى الآن، وبها جوامع كثيرة وأغلبها بمنارات، من أشهرها الجامع الكبير ويعرف بالعمرى، تصلى به

ص: 271

الجمعة الأخيرة من رمضان كعادة جامع عمرو بالمحروسة، وهو فى داخل المدينة من جهتها البحرية فى محل يعرف بكوم الغز، وبقربه من الجهة الغربية جامع اليوسفى. ومنها جامع المجاهدين المتقدم. وجامع محمد كاشف بزاده فى جهتها الشرقية. وجامع سيدى جلال الدين السيوطى وهو عامر بالصلوات وتدريس العلوم، كان يدرس به العالم الشهير الشيخ على عبد الحق القوصى، ويدرس به الشيخ الشطبى، والشيخ حسن بشتك الموشى، والشيخ محمود قراعه قاضى المديرية الآن. وبوسطه مدفن تسميه الأهالى بالأربعين، ومنها جامع القاضى وهو عامر بالصلاة والتدريس أيضا، كان يدرس به الشيخ أحمد الزقيم الأسيوطى. وجامع المجذوب. وجامع عبد العاطى فى جانبها الغربى، أنشأه المرحوم عبد العاطى التليت، أحد مشاهيرها، وجامع الدفتردار المتقدم.

وجامع القرمانى فى بحرى الكنيسة، جدده المرحوم سعيد باشا، وجعل له مائة وخمسين فدانا، والناظر عليه الآن الشيخ الشطبى، وهكذا غيره من تلك الجوامع لها أوقاف ومرتبات تحت أيدى نظارها، للصرف عليها فى إقامة شعائرها وإصلاحها وترميمها. وهناك مساجد صغيرة وزوايا كثيرة.

وبها عدة أفران تبع الأهالى، يخبز فيها بالأجرة، ودكاكين يباع فيها الكباب والنيفة وأنواع الطبخ والفطير. وبها عدة أرحية تديرها الخيل وغيرها من المواشى ووابور بخارى للطحين بناه أحد تجار الأروام بجوار مخبز الميرى، من قبليه. وبها حمام آخر غير حمام الدفتردار المتقدم، وبها للميرى عدة مبان لمصالح شتى. ومنها مخبز للبقسماط والجراية اللازمة للعساكر والمدارس، ومنها الكارة المتقدم ذكرها، وكرخانة النيلة، وسراى طرفها الشرقى بجوار جامع المجذوب، بناها المرحوم إبراهيم باشا القبطان، مشتملة على بستان فيه أنواع كثيرة من أشجار الفاكهة والرياحين. وبعض تلك السراى مركب على رصيف قناطر المجذوب، وهى قناطر قديمة واقعة فى الباطن المتصل بالسوهاجية وأبى حماد، وقد رممها أحمد باشا طاهر سنة تسع وثلاثين ومائتين وألف، وجعل

ص: 272

لها فرشا متينا، ثم فى سنة خمسين أو إحدى وخمسين أزالها المرحوم حسين باشا مدير سيوط إذ ذاك وجددها فوق الأساس الذى وضعه أحمد باشا طاهر، وجعلها ثلاث عيون سعة فارغ جميعها سبعة عشر ذراعا.

وعلى رصيفها الشرقى ديوان المديرية، وهو ديوان عمومى مستوف لجميع لوازمه، به محل المدير، والتفتيش، والمجالس، والهندسة، والمحكمة الشرعية، والمطبعة، والكتبة. وفى وسط ساحته أشجار ذات رونق وظل مديد، وبها بوسطة وتلغراف ايلكتريك وضبطية. وفى المدينة أقباط بكثرة وإفرنج وأروام وقسيسون وقناصل، ولهم فيها معابد وكنيسة للنصارى اللاتينيين، ومن أروامها من يتجر فى البغال والحمير، ومن أقباطها التاجر والصباغ والبناء والنقاش والنجار للطواحين وخلافها.

وفيها من بيوت الغز القدماء ثلاث بيوت، وهم: بيت سليم كاشف، وعائلة محمد كاشف بزاده، وعائلة الخزندار. وبها خمارات وبوزة كبيرة أصحابها من البربر، ويجتمع فيها كثير من العبيد والأوباش، سيما يوم السوق العمومى والأعياد والمواسم. وسابقا كان المشهور فيها بصنعة أحجار الدخان والأوانى الفخار النفيسة أحمد الصبرى، ومصطفى سلامة، والآن المشهور بها رجل يلقب بالناقص. وقد غير بعض الناس هذا اللقب ولقبه بالكامل، وعادته أن يضع اسمه على مصنوعه من حجارة الدخان ونحوها، وكذلك الصبرى وطينة تلك الحجارة بعضها يجلب من ناحية أسوان، وأكثرها من طين الملق الإبليز، وكيفية عمله أنهم يأخذون من طين أسوان الربع والثلاثة الأرباع من طين الملق، وبعد خلطه يدق دقا ناعما ثم ينخل ويمزج بالماء ويضرب بالأرجل حتى يتم مزجه، ثم يصنعونه، أو أنه بعد خلطه يوضع فى الماء حتى يذوب، ثم يصفى فيخرج منه الحصا ونحوه، وما رسب يجرى العمل منه.

وبها إيضا فاخورات للأوانى المعتادة كالخوابى والقواديس والمواجير والقلال والطواجن ونحوها، تباع فى بلاد الأرياف.

ص: 273

وبها عدة من أضرحة الصالحين كالشيخ المجذوب، مقامه بجامع المجذوب، والشيخ المنطاشى، مقامه قبلى البلد، والشيخ بخيت، ومقامه بالجبل، وغير ذلك مما لو استقصى قصى.

وحول تلك المدينة جملة بساتين ملك الأهالى والأكابر من أصحاب الأباعد وغيرهم، وأكثرها فى الجهة الشرقية من المجذوب إلى قرب البحر.

وأشهرها بساتين الكاشف، وبستان الشيخ أحمد بزادة، وبستان غبريان شنودة.

وأما جبانتها فهى فى سفح الجبل الغربى، على نحو مائتى قصبة من المدينة، ويتوصل إليها من طريق محفوفة بالأشجار المظلة، وفيها جملة من الأولياء أرباب الكرامات ولهم مقامات تزار، منهم الشيخ السطوحى، والشيخ عبد الكريم السورى، والشيخ شعبان، وجم غفير، وبها أبنية تشبه مساكن الأحياء بشوارع وحارات ومياه مسبلة، وبحرى الجبانة محل متسع بجواره جنائن، ويعمل هناك مرماح حافل فى العيدين، وكانت عادة العزيز محمد على إذا أتى مدينة سيوط أن ينزل فى بحرى الجبانة عند جنينة عبد العاطى أحد مشايخ البلد فيستريح هناك قدر نصف ساعة ويعود بعد شرب القهوة. وكان عبد الجليل شيخ نصف البلد وقتئذ يركب ويسير أمامه فى الذهاب إلى ذلك المحل والعودة منه، وعبد الجليل المذكور كان قبل ذلك مقدم المرحوم إسمعيل باشا نجل العزيز محمد على. وبعد الذى حصل فى السودان رجع وصار شيخا بهذه المدينة. والآن مشايخها أربعة، لكل واحد ربعها، أحدهم عمدتها عبد الرحمن حسنين النميس.

وعدة أهاليها الآن أعنى سنة 1293 تبلغ ثمانيا وعشرين ألف نفس.

وسوقها العمومى كل يوم سبت، وهو سوق حافل. وسوق الكتان بين الكرخانة والمخبز. وأما الحبوب فلها رقعة مخصوصة دائما عند القيسارية.

ص: 274

‌ترجمة أبى بكر الماردانى

وهذا ما وعدناك به من ترجمة أبى بكر الماردانى، قال المقريزى: إن أبا بكر محمد بن على الماردانى حبس على الحرمين ضياعا كان ارتفاعها نحو مائة ألف دينار، ومنها سيوط وأعمالها، وذلك فى أوائل القرن الرابع. وأبو بكر هذا ولد بنصيبين لثلاث عشر خلت من ربيع الأول سنة مائتين وثمان وخمسين، وقدم إلى مصر فى سنة مائتين واثنتين وسبعين وخلف أباه على بن أحمد الماردانى أيام نظره فى أمور أبى الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون، وسنه يومئذ خمس عشرة سنة وكان معتدل الكتابة ضعيف الحظ من النحو، ومع ذلك فكان يكتب إلى الخليفة فمن دونه على البديهة، من غير نسخة، فيخرج الكتاب سليما من الخلل.

ولما قتل أبوه فى سنة مائتين وثمانين استوزره هارون بن خمارويه، فدبر أمور مصر إلى أن قدم محمد بن سليمن الكاتب من بغداد إلى مصر، وأزال دولة بنى طولون وحمل رجالهم إلى العراق، فكان أبو بكر ممن حمله فأقام ببغداد إلى أن قدم صحبة العساكر لقتال خباسه، فدبر أمر البلد، وأمر ونهى، وحدث بمصر عن أحمد بن عبد الجبار العطاردى وغيره بسماعه منه فى بغداد، وكان قليل الطلب فى العلم، تغلب على قلبه محبة الملك وطلب السيادة، ومع ذلك كان يلازم تلاوة القرآن، ويكثر من الصلاة، ويواظب على الحج، وملك بمصر من الضياع ما لم يملكه أحد قبله، وبلغ ارتفاعه فى كل سنة أربعمائة ألف دينار سوى الخراج، ووهب وأعطى وولى وصرف، وأفضل ومنع، ورفع ووضع، وحج سبعا وعشرين حجة، أنفق فى كل حجة مائة وخمسين ألف دينار، وكان تكين أمير مصر يشيعه إذا خرج للحج ويتلقاه إذا قدم، وكان يحمل إلى الحجاز جميع ما يحتاج إليه، ويفرق بالحرمين الذهب والفضة والثياب والحلوى والطيب والحبوب، لا يفارق أهل الحجاز إلا وقد أغناهم.

ص: 275

ولما قدم الأمير محمد بن طغج الاخشيد استتر منه، فإنه كان منعه من دخول مصر، وجمع العساكر لقتاله، فاجتمع له زيادة على ثلاثين ألف مقاتل، وحارب بهم بعد موت تكين أمير مصر، ومرت به خطوب لكثرة فتن مصر، وأحرقت دوره ودور أهله ومجاوريه، وأخذت أمواله، وكان موته فى شوّال سنة خمس وأربعين وثلثمائة، ودفن فى داره. وقد أطال المقريزى فى ترجمته فانظرها، انتهى.

ثم إن مدينة سيوط من سالف الأزمان منبع للأمراء والأفاضل، وفى «رسالة البيان والإعراب» للمقريزى أن فى سيوط طائفة من أولاد إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب رضي الله عنه، يعرفون باسم الشريف قاسم، انتهى.

‌ترجمة الجلال السيوطى

ومن أجل علمائها الجلال السيوطى المترجم نفسه فى كتابه «حسن المحاضرة» بأنه عبد الرحمن بن الكمال بن أبى بكر محمد بن سابق الدين بن الفخر عثمان بن ناصر الدين محمد بن سيف الدين خضير بن نجم الدين أبى الصلاح أيوب بن ناصر الدين محمد الشيخ همام الدين الهمام الخضيرى الأسيوطى. قال: وإنما ذكرت ترجمتى اقتداء بالمحدثين قبلى. ولد ليلة الأحد بعد المغرب مستهل رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة، ونشأ بمصر يتيما، وحفظ القرآن وهو دون ثمان سنين، ثم اشتغل بالعلم على جماعة من أكابر العلماء، منهم شيخ الإسلام علم الدين البلقينى، وشيخ الإسلام شرف الدين المناوى، والإمام تقى الدين الشبلى، والإمام محيى الدين الكافيجى، حتى أتقن جميع الفنون ما عدا فنّ المنطق وفن الحساب، فإنه قال: أما علم الحساب فإنه أعسر شئ علىّ وأبعده عن ذهنى، وإذا نظرت فى مسئلة تتعلق به فكأنما أحاول جبلا، وقد كنت فى مبادئ الطلب قرأت شيئا فى علم

ص: 276

المنطق ثم ألقى الله كراهته فى قلبى، وسمعت أن ابن الصلاح أفتى بتحريمه فتركته لذلك، فعوّضنى الله عنه علم الحديث الذى هو أشرف العلوم. وله تأليف فى كل فن، حتى بلغت مؤلفاته ثلثمائة كتاب. قال: ولو شئت أن أكتب فى كل مسألة مصنفا بأقوالها وأدلتها النقلية والقياسية ومداركها ونقوضها وأجوبتها والموازنة بين اختلاف المذاهب فيها-لقدرت على ذلك، من فضل الله لا بحولى ولا بقوتى.

فمن مؤلفاته فى التفسير والقرآن: «الإتقان فى علوم القرآن» ، و «الدر المنثور فى التفسير المأثور» ، و «لباب النقول فى أسباب النزول» ، وغير ذلك.

ومن مؤلفاته فى الحديث: «كشف المغطى فى شرح الموطا» ، «وإسعاف المبطأ برجال الموطأ» ، «والتوشيح على الجامع الصحيح» ، «واللآلئ المصنوعة فى الأحاديث الموضوعة» ، وغير ذلك.

ومن مؤلفاته فى النحو: «شرح ألفية ابن مالك» و «الكافية» ، و «الشافية» ، و «الشذور» ، و «النزهة» ، و «الفتح القريب على مغنى اللبيب» وغير ذلك.

ومن مؤلفاته فى الفقه: «الأزهار الغضة فى حواشى الروضة» ، و «الأشباه والنظائر» ، و «اللوامع والبوارق فى الجوامع والفوارق» ونظم الروضة المسمى «الخلاصة» وشرحه المسمى «الخصاصة» ، وغير ذلك.

وفى الأصول: «الكوكب الساطع فى نظم جمع الجوامع» وغيره.

وفى البيان: نكت على التلخيص تسمى «الإفصاح» ، و «عقود الجمان فى المعانى والبيان» ، و «نكت على حاشية المطوّل للفنرى» وغير ذلك.

وفى التاريخ والأدب: «تاريخ الصحابة» ، و «طبقات الحفاظ» ، و «طبقات النحاة الكبرى» ، و «الوسطى» ، و «الصغرى» ، و «طبقات المفسرين» ، و «طبقات الأصوليين» ، و «طبقات الكتاب» ، و «حلية الأولياء» ، و «طبقات شعراء العرب» ، و «تاريخ الخلفاء» ، وتاريخ مصر، وهو «حسن المحاضرة» و «تاريخ

ص: 277

سيوط»، ومعجم الشيوخ المسمى «حاطب ليل وجارف سيل» ، و «المعجم الصغير المسمى المنتقى» ، و «ترجمة الغورى» ، و «ترجمة البلقينى» ، و «رفع الباس عن بنى العباس» ، و «النفحة المسكية والتحفة المكية» ، و «درر الكلم وغرر الحكم» ، و «الرحلة الفيومية» ، و «الرحلة المكية» ، و «الرحلة الدمياطية» ، و «الرسائل فى معرفة الأوائل» ، و «مختصر معجم البلدان» ، و «الشماريخ فى علم التاريخ» ، و «المنى فى الكنى» ، و «فضل الشتاء» ، و «الأجوبة الذكية عن الألغار المسكية» ، و «رفع شان الحبشان» ، و «شرح بانت سعاد» ، و «تحفة الظرفاء بأسماء الخلفاء» ، و «مختصر شفاء الغليل فى ذمّ الصاحب والخليل» ، إلى غير ذلك مما لو استقصى قصى.

قال المترجم: بلغت مؤلفاتى إلى الآن-أى زمن تأليف هذا الكتاب- ثلثمائة كتاب، سوى ما غسلته ورجعت عنه، وسافرت بحمد الله تعالى إلى بلاد الشام والحجاز واليمن والهند والمغرب والتكرور، ولما حججت شربت من ماء زمزم لأمور، منها أن أصل فى الفقه إلى رتبة الشيخ سراج الدين البلقينى، وفى الحديث إلى رتبة ابن حجر، وأفتيت من مستهل سنة إحدى وسبعين، وعقدت إملاء الحديث من مستهل سنة اثنتين وسبعين، ورزقت التبحر فى سبعة علوم: التفسير والحديث والفقه والنحو والمعانى والبيان والبديع، على طريقة العرب والبلغاء لا على طريقة العجم وأهل الفلسفة، ودون هذه السبعة أصول الفقه والجدل والتصريف، ودونها الإنشاء والترسل والفرائض، ودونها القراءات، ولم آخذها عن شيخ، ودونها الطب، انظر حسن المحاضرة.

وكانت وفاته كما فى ذيل الطبقات للشعرانى سحر ليلة تاسع عشر جمادى الأولى سنة إحدى عشرة وتسعمائة، عن إحدى وستين سنة وأشهر، ودفن بحوش قوصون خارج باب القرافة، وقبره ظاهر وعليه قبة، وعادة أهل أسيوط أن يعملوا له مولدا فى ليلة سبع وعشرين من شهر شعبان، ويعتنوا بذلك اعتناء كبيرا، فيجمع أرباب الأشائر والمريديون بالبيارق والطبول والكوسات

ص: 278

ويأخذون كسوة المقام فيطوفون بها فى شوارع المدينة، ومن كان عليه نذر يوفيه فى تلك الليلة أو يومها، ثم يجتمعون فى الجامع للأذكار وتلاوة القرآن ودلائل الخيرات، ونحوها إلى الصباح.

‌ترجمة والد الجلال السيوطى

وقد ترجم فى حسن المحاضرة أيضا والده فقال: هو الإمام العلامة كمال الدين أبو المناقب أبو بكر بن محمد بن سابق الدين أبى بكر الخضيرى السيوطى، ولد رحمه الله بأسيوط بعد ثمانمائة تقريبا، واشتغل ببلده، وتولّى بها القضاء قبل قدومه إلى القاهرة، ثم قدمها فلازم العلامة القاياتى، وأخذ عنه الكثير من الفقه والأصول والكلام والنحو والإعراب والمعانى والمنطق، وإجازة بالتدريس فى سنة تسع وعشرين، وأخذ عن الشيخ باكير، وعن الحافظ ابن حجر علم الحديث، وسمع عليه حديث مسلم إلا فوتا، مضبوطا بخط الشيخ برهان الدين بن خضر سنة سبع وعشرين، وقرأ القراءات على الشيخ محمد الجيلانى، وأخذ أيضا عن الشيخ عز الدين القدسى وجماعة، وأتقن علوما جمة، وبرع فى كل فنونه، وكتب الخط المنسوب، وبلغ فى صناعة التوقيع النهاية، وأقرّ له كل من رآه بالبراعة فى الإنشاء، وأذعن له فيه أهل عصره كافة، وأفتى ودرّس سنين كثيرة، وناب فى الحكم بالقاهرة عن جماعة بسيرة حميدة وعفة ونزاهة، وولى درس الفقه بالجامع الشيخونى، وخطب بالجامع الطولونى. وكان يخطب من إنشائه، بل كان شيخنا قاضى القضاة شرف الدين المناوى فى أوقات الحوادث يسأله فى إنشاء خطبة تليق بذلك ليخطب بها فى القلعة. وأمّ بالخليفة المستكفى بالله، وكان يجله إلى الغاية ويعظمه، ولم يكن يتردّد إلى أحد من الأكابر غيره.

وأخبرنى بعض القضاة أن الوالد دار يوما على الأكابر ليهنئهم بالشهر، فرجع آخر النهار عطشان فقال له: قد درنا فى هذا اليوم ولم تحصل لنا شربة

ص: 279

ماء، ولو ضيعنا هذا الوقت فى العبادة لحصل خير كثير أو ما هذا معناه، ولم يهنئ أحدا بعد ذلك اليوم بشهر ولا غيره. وعين مرة لقضاء مكة فلم يتفق له.

وكان على جانب عظيم من الدين والتحرى فى الأحكام وعزة النفس والصيانة، يغلب عليه حب الانفراد وعدم الاجتماع بالناس، صبورا على كثرة أذاهم، مواظبا على قراءة القرآن، يختم كل جمعة ختمة، ولم أعرف من أحواله شيئا بالمشاهدة إلا هذا.

وله من التصانيف حاشية على شرح الألفية لابن المصنف، وصل فيها إلى أثناء الإضافة، وحاشية على شرح العضد كتب منها يسيرا، ورسالة على إعراب قول المنهاج، وما ضبب بذهب أو فضة ضبة كبيرة، وأجوبة اعتراضات ابن المقرى على الحاوى، وله كتاب فى التصريف، وآخر فى التوقيع، وهذان لم أقف عليهما. توفى شهيدا بذات الجنب وقت أذان العشاء، ليلة الاثنين من صفر سنة خمس وخمسين وثمانمائة. وتقدم فى الصلاة عليه قاضى القضاة شرف الدين المناوى. وذكر لى بعض الثقات أنه قيل له وهو ينتظر الصلاة عليه لم يبق هنا مثله، فقال: لا هنا ولا هناك، يشير إلى المدينة. ودفن فى القرافة قريبا من الشمس الأصفهانى. ولصاحبنا الشيخ شهاب الدين المنصورى فيه أبيات يرثيه بها وهى:

مات الكمال فقالوا*ولّى الحجا والجلال

فللعيون بكاء*وللدموع انهمال

وفى فؤادى حزن*ولوعة لا تزال

لله علم وحلم*وارته تلك الرمال

بكى الرشاد عليه*دما وسرّ الضّلال

قد لاح فى الخير نقص*لما مضى واختلال

وكيف لم ترنقصا*وقد تولّى الكمال

علومه راسخات*تزول منها الجبال

بقبره والعلم ثاو*والفضل والأفضال

انتهى.

ص: 280

‌ترجمة الصلاح محمد بن أبى بكر الحسنى السيوطى

وإليها ينسب كما فى الضوء اللامع للسخاوى: محمد بن أبى بكر بن على بن حسن بن مطهر بن عيسى بن جلال الدولة بن أبى الحسن الصلاح الحسنى السيوطى ثم القاهرى الشافعى، ولد فى شوّال سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة بأسيوط من الصعيد، ونشأ بها فقرأ القرآن وتلا به لورش على الشرف عبد العزيز بن محرز، ولأبى عمرو على الشهاب الدوينى الضرير، ثم انتقل به أبوه إلى مصر قبل القرن فعرض العمدة على الزين العراقى وأجاز له، ثم عاد به فأقام إلى سنة ست فلقى تركيا سكران فراجعه كلاما فطغى عليه فقتله، فانتقل بأهله إلى القاهرة فقطنها وسكن بالصحراء، ولازم الولى العراقى فى الفقه والحديث والأصول والنحو والمعانى والبيان، وكتب أماليه، وأخذ الفقه أيضا عن النور الآدمى وغيره، والنحو عن الشمسين الشطنوفى وابن هشام، والعروض وغيره من علوم الأدب على البدر الدمامينى، وحضر دروس العز بن جماعة، وسمع رابع ثمانيات النجيب على التقى الزبيرى وعلى الولى العراقى، والنور القوى الختم من الصفوة لابن طاهر، وعلى النور الإبيارى اللغوى أكثر أبى داود وابن ماجه، وعلى ابن الجزرى والزين القمنى فى آخرين، ولم ينفك عن الاشتغال حتى برع فى الفنون وتقدم فى الأدب وجمع فيه مجاميع، كرياض الألباب ومحاسن الآداب، والمرج النضر والأرج العطر، ومطلب الأريب، ونظم فى الخيل أرجوزة فى خمسمائة بيت، وغير ذلك فأكثر، وكتب الخط الحسن لنفسه ولغيره، وكان يلم شعثه منه لتخليه عن الوظائف الدنيوية، لكنه ولى بعد سنة خمس وثلاثين تدريس مدارس بأسيوط، وهى الشريفية، والفائزية، والبدرية الخضيرية، ونظرها، ولم يتم له ذلك؛ فاستمر منقطعا عن الاقتيات بالكتابة إلى أن بنى قراقجا الحسني مدرسته بخط قنطرة طقردمر، وجعله خطيبها وإمامها وكفاه مؤنة كبيرة، وحج مرارا أولها سنة ست وعشرين، وجاور مرتين، وسافر لدمشق، وزار القدس والخليل، وكان خيرا فاضلا منجمعا عن

ص: 281

الناس، حسن الهيئة، صنف سوى ما تقدم فضل صلاة الجماعة فى جزء لطيف، وشرح أربعى النووى، وغيرهما. مات فى صفر سنة ست وخمسين بمدرسة قراقجا، وصلى عليه المناوى، أ. هـ ملخصا.

‌ترجمة الشيخ محمد رضوان السيوطى المعروف بابن الصلاحى

وينسب إليها كما فى الجبرتى: السيد العالم الأديب الماهر الناظم الناثر محمد رضوان السيوطى، الشهير بابن الصلاحى، ولد بأسيوط علي رأس الأربعين، ونشأ هناك، وأمّه شريفة من بيت شهير هناك. ولما ترعرع ورد مصر وحصل العلوم، وحضر دروس الشيخ محمد الحفنى ولازمه وانتسب إليه فلاحظته أنواره ولا بسته أسراره، ومال إلى فن الأدب فأخذ منه بالحظ الأوفر، وخطه فى غاية الجودة والصحة، وكتب نسخة من القاموس جاءت فى غاية الحسن والإتقان والضبط، وله شعر عذب يغوص فيه على غرائب المعانى وربما يبتكر ما لم يسبق إليه، وقد أجازه الشيخ الحفنى بما نصه: نحمدك يا عليم يا فتاح يا ذا المن بالعلم والصلاح، ونصلى ونسلم على أقوى سند وعلى آله وصحبه معادن الفضل والمدد، أما بعد، فإن المولى العلامة، الرحلة الفهامة، الحاذق الأديب، واللوذعى الأريب، مولانا الشيخ محمد الصلاحى السيوطي قد حاز من التحلي بفرائد المسائل العلية أوفر نصيب، بفهم ثاقب وإدراك مصيب، فكان أهلا للانتظام فى سلك الأعلام بإجازته، كما هو سنن أئمة الإسلام، فأجزته ما تضمنته هذه الوريقات من العلوم العقلية والنقلية المتلقاة عن الأثبات، وبسائر ما تجوز لى روايته، أو ثبتت لدىّ درايته، موصيا له بتقوى الله التى هى أقوى سبيل النجاة، وأن لا ينسانى من صالح دعواته فى أويقات توجهاته، نفعه الله ونفع به، ونظمه فى عقد أهل قربه، وأفضل الصلاة والسلام على أكمل رسل السلام، وعلي آله أئمة الهدى، وصحبه نجوم الاقتدا، كتبه محمد بن سالم الحفناوى الشافعى ثامن جمادى الثانية سنة ثمان وسبعين ومائة وألف، وللمترجم مقامة بديعة متضمنة مدح رسول الله

ص: 282

صلى الله عليه وسلم، وذيلها بقصيدة سماها الدرة البحرية والقلادة النحرية، وهى طويلة تزيد على ثمانين بيتا، ومن شعره قوله:

هات لى قهوة الشفا من شفاهك*

واسقنيها على فخامة جاهك

عاطنيها يا أوحد العصر لطفا*

وبديع المثال فى أشباهك

يا غزالا لو صوّر البدر شخصا*

ليضاهيك فى البها لم يضاهك

عاطنيها جهرا شفاها ولا تخ

ش ملاما فلذّتى فى شفاهك

عاطنيها ولم تدع لى حراكا*

لست أقوى على كمال انتباهك

هاتها والرخاخ فى غفلات*

لا تدعهم فيفتكوا فى شياهك

ومن نظمه فى الاكتفاء قوله:

بالله سلا عن حال قلبى وسلا*

إن كان صبا إلى سوا كم وسلا

والبعد كوى الحشا بنار وسلا*

يا نار كونى اليوم بردا وسلا

ومن كلامه أيضا:

أهوى عليا ولكنى بليت به*

من فاتن عجزت فى وصفه حيلى

يقول لى لحظه إن رمت قبلته*

أخطأت تقتل يا هذا بسيف على

مات ببلده آخر أمره سنة ثمانين ومائة وألف، رحمه الله، انتهى ملخصا.

وفى خطط المقريزى عند الكلام على المعشوق أن من نصارى أسيوط أسعد بن مهذب بن زكريا بن قدامة بن نينا؛ شرف الدين مماتى أبى المكارم ابن سعيد بن أبى المليح الكاتب، اتصل جده أبو المليح بأمير الجيوش بدر الجمالى، وزير مصر فى أيام الخليفة المستنصر بالله، وكتب فى ديوان مصر وولى استيفاء الديوان، وكان جوادا ممدوحا انقطع إليه أبو الطاهر إسماعيل بن محمد المعروف بابن مكيسة الشاعر، فمن قوله فيه لما مات:

ص: 283

طويت سماء المكرما*

ت وكوّرت شمس المديح

وتناثرت شهب العلا*

من بعد موت أبى المليح

ما كان بالبخس الدّنى*

ء من الرجال ولا الشحيح

كفر النصارى بعد ما*

غدروا به دون المسيح

ورثاه جماعة من الشعراء. ولما مات ولى ابنه المهذب بن أبى المليح زكريا ديوان الجيش بمصر فى آخر الدولة الفاطمية، ولما قدم الأمير أسد الدين شيركوه وتقلد وزارة الخليفة العاضد شدد على النصارى، وأمرهم بشد الزنانير على أوساطهم، ومنعهم من إرخاء الذؤابة التى تسمى اليوم بالعذبة، فكتب لأسد الدين:

يا أسد الدين ومن عدله*

يحفظ فينا سنة المصطفى

كفى غيار شد أوساطنا*

فما الذى أوجب كشف القفا

فلم يسعفه بطلبته ولا أمكنه من إرخاء الذؤابة، وعند ما أيس من ذلك أسلم، فقدم على الدواوين حتى مات فخلفه ابنه أبو المكارم أسعد بن مهذب -الملقب بالخطير-على ديوان الجيش، واستمر في ذلك مدة أيام السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب وأيام ابنه الملك العزيز عثمان، وولى نظر الدواوين أيضا، واختص بالقاضى الفاضل وحظى عنده، وكان يسميه بلبل المجلس؛ لما يرى من حسن خطابه. وصنف عدة مصنفات منها «تلقين اليقين فى الكلام على حديث بنى الإسلام على خمس» ، و «كتاب حجة الحق على الخلق فى التحذير من سوء عاقبة الظلم» ، وهو كبير، وكان السلطان صلاح الدين يكثر النظر فيه، وقال فيه القاضى الفاضل وقفت من الكتب على ما لا تحصى عدته، فما رأيت والله كتابا يكون قبالة باب أحسن منه، وإنه والله من أهم ما طالعه الملوك، «وكتاب قوانين الدواوين» ، صنفه للملك العزيز فيما يتعلق بدواوين مصر ورسومها وأصولها وأحوالها وما يجرى فيها، وهو أربعة

ص: 284

ضخمة، والذى يقع فى أيدى الناس جزء واحد اختصره منه غير المصنف، فإن ابن مماتى ذكر فيه أربعة آلاف ضيعة من أعمال مصر، ومساحة كل ضيعة وقانون ريها ومتحصلها من عين وغلة، ونظم سيرة السلطان صلاح الدين يوسف، ونظم كليلة ودمنة، وله ديوان شعر، ولم يزل بمصر حتى ملك السلطان الملك العادل أبو بكر بن أيوب ووزر له صفى الدين على بن عبد الله بن شكر، فخافه الأسعد لما كان يصدر منه فى حقه من الإهانة وشرع الوزير بن شكر فى العمل عليه، ورتب له مؤامرات ونكبه وأحال عليه الأجناد ففر من القاهرة، وسقط فى حلب فخدم بها حتى مات فى يوم الأحد سلخ جمادى الأولى سنة ستة وستمائة عن اثنتين وستين سنة، وكان سبب تلقيب أبى المليح بمماتى أنه كان عنده فى غلاء مصر فى أيام المستنصر قمح كثير، وكان يتصدق على صغار المسلمين وهو إذ ذاك نصرانى، وكان الصغار إذا رأواه قالوا مماتى؛ فلقب بها، ومن شعره:

تعاتبنى وتنهى عن أمور*

سبيل الناس أن ينهوك عنها

أتقدر أن تكون كمثل عينى*

وحقك ما علىّ أضر منها

وقال فى أترجّة كانت بين يدى القاضى الفاضل، وهو معنى بديع:

لله بل للحسن أترجة*

تذكر الناس بأمر النعيم

كأنها قد جمعت نفسها*

من هيبة الفاضل عبد الرحيم

وفى الجبرتى: أن الأمير سليمن بك المعروف بالأغا-من مماليك محمد بيك أبى الذهب-توفى بهذه المدينة ودفن بها وهو أخو إبراهيم بيك؛ المعروف بالوالى صهر إبراهيم بيك الكبير الذى مات فى وقعة الفرنسيس الأولى بانبابه مدبرا فارا وسقط فى البحر، وقبل تقدمهما فى الصنجقية كان أحدهما والى الشرطة والآخر أغاة مستحفظان، فلم يزالا يلقبان بذلك حتى مات، وكان سليمن بك محبا لجمع المال وله أقطاع واسعة، خصوصا جهة

ص: 285

قبلى، واستوطن أسيوط لأنها كانت من أقطاعه وبنى بها دارا عظيمة، وأنشأ بساتين وسواقى وأغناما كثيرة وأبقارا، ومما اتفق له أنه جز الأغنام وكانت أكثر من عشرة آلاف ووزع أصوافها على الفلاحين، وسخرهم فى غزله بعد أن وزنه عليهم، ثم وزعه على القزازين فنسجوه أكسية ثم جمع المتسببين وباعه عليهم. وكان موته بالطاعون سنة ألف ومائتين وخمس عشرة. وفيه أيضا أنه مات ودفن بها سليمن كاشف السيوطى، وهو من مماليك عثمان بك المعروف بالجرجاوى من البيوت القديمة، وخشداش عبد الحمن بك عثمان المتوفى سنة خمس ومائتين وألف بالطاعون الذى مات به إسمعيل بك وخلافه، وتزوّج ابنته بعد موته، وكان ملتزما حصة من سيوط والشرف الناصرى، واستوطن أسيوط وبنى بها دارا عظيمة وأنشأ بها عدة بساتين، وغرس بها وبشرق الناصرى أشجارا كثيرة، وعمر عدة قناطر وعمل جسورا وأجرى خلجانا وأسبلة فى مفاوز الطرق، وأنشأ دارا كانت جليلة لسليمن بك المعروف بأبى نبوت بحارة عابدين بالمحروسة، وعمرها وزخرفها، وكان متزوجا بثلاث زوجات إحداهن ابنة سيده عثمان بك، توفيت فى عصمته، والثانية ابنة خشداشه عبد الرحمن المذكور، والثالثة زوجة على كاشف المعروف بجمال الدين، وكان ذا بأس وصولة، وظلم تجارا، وأخاف عرب الناحية وقاتلهم المرار وقتل منهم الكثير، وكان يهادى الأمراء بمصر وأرباب الحل والعقد المتكلمين عندهم ويرسل إليهم الغلال والعبيد والجوارى والطواشية، ومات فى السنة المذكورة. انتهى.

وفى المقريزى أن فى غربى سيوط على رأس الجبل دير السبعة جبال ويعرف بدير بخنس القصير، وله عدة أعياد، وخرب فى سنة إحدى وعشرين وثمانمائة من منسر طرقه ليلا، وبخنس القصير-ويقال له أبو بخنس-كان راهبا قمصا، له أخبار كثيرة، منها أنه غرس خشبة يابسة فى الأرض بأمر شيخ له وسقاها الماء مدة فصارت شجرة مثمرة تأكل منها كل الرهبان، وسميت شجرة الطاعة، ولما مات دفن فى ديره. وعلى طرف الجبل تحت دير السبعة جبال قبالة أسيوط دير آخر يقال له دير المطل على اسم السيدة مريم، وله عيد تحضره أهل النواحى وليس به أحد من الرهبان، وخارج سيوط من قبليها دير

ص: 286

موشة بنى على اسم توما الرسول الهندى، وهو بين الغيطان قريب من ريفه، وفى أيام النيل لا يوصل إليه إلا فى المراكب، وله أعياد. والأغلب على نصارى هذه الأديرة معرفة اللسان القبطى الصعيدى، وهو أصل اللغة القبطية وبعدها اللغة القبطية البحرية، ونساء نصارى الصعيد أولادهم لا يكادون يتكلمون إلا باللغة القبطية الصعيدية، وله أيضا معرفة تامة باللغة الرومية، انتهى.

ومقبرة نصارى سيوط فى دير أدرنكة فى الجبل المذكور فى قبلى سيوط بأكثر من نصف ساعة، وهو دير عامر للآن. وعند هذه المدينة حصلت وقعة بين العزيز محمد على والأمراء المصريين كانت الغلبة فيها على الأمراء.

قال الجبرتى فى تارخه: وفى شهر محرم الحرام سنة ألف ومائتين واثنتين وعشرين كان الأمراء المصريون منتشرين بالبلاد، وأغلبهم بالأقاليم القبلية، رافعين عصا العصيان، ولما دهمت الإنجليز ثغر الإسكندرية واستولوا عليه كان العزيز محمد على فى حرب الأمراء المرادية والإبراهيمية والألفى عند ناحية سيوط، والتقى معهم وانكسروا منه، وقتل منه أشخاصا، منهم سليمن بك الأغا، وسليمن بك المرادى المعروف بريّحه، بتشديد الياء وكان أميرا ظالما غشوما، وسبب تسميته بريّحه أنه إذا أراد قتل إنسان ظلما يقول لأحد أعوانه خذه وريّحه فيأخذه ويقتله، أخذت جلة المدفع دماغه، وقطعت ذراعه، وعرفوه بخاتمه الذى فى أصبعه فى ذراعه المقطوع، وهو من الذين تأمروا بعد موت مراد بك.

ولما ورد على الباشا خبر الإنجليز كف عنهم لذلك، وأخذ يمهد طرق الصلح معهم، فأرسل لهم ثلاثة من المشايخ، وهم: الشيخ سليمن الفيومى، والشيخ إبراهيم السجينى، والسيد محمد الدواخلى، وكانوا بناحية ملوى، ما عدا عثمان بك حسن فإنه كان فى البر الشرقى، وما عدا عثمان بك يوسف فإنه كان بناحية الهرم والكوم الأخضر، فتكلم المشايخ معهم فى أمر الصلح، فتنازعوا أمرهم بينهم، وكان الباشا قد أرسل إلى المشايخ يستعجلهم فى إجراء الصلح وقبوله كل ما اشترطوه عليه، وكانت رسالة الإنجليز قد وصلت إلى الأمراء

ص: 287

يستدعونهم للاتحاد معهم فى حرب العزيز، فامتنع عثمان بك حسن من الاستعانة بالكفار على المسلمين، وكان متورعا، وتبعه عثمان بك يوسف، واختلفت آراء الباقين ومنهم إبراهيم بك الكبير وشاهين بك الألفى، ثم اجتمعوا بالمشايخ وقالوا لهم: ما المراد بهذا الصلح؟ فقالوا: المراد منه راحة الطرفين ورفع الحروب واجتماع الكلمة، ولا يخفاكم أن الإنجليز تخاصمت مع سلطان الإسلام وطرقت ثغر الإسكندرية، وقصدهم أخذ الإقليم المصرى كما فعل الفرانساوية.

فقال الأمراء: إنهم أتوا باستدعاء الألفى، فقالوا: لا تصدقوا أقوالهم فى ذلك، وإذا ملكوا البلاد لا يبقون على أحد من المسلمين، وحالهم ليس كحال الفرانساوية، لا يدينون بدين ويقولون بالحرية والتسوية، وأما هؤلاء الإنجليز فإنهم نصارى على دينهم، ولا يخفى عداوة الأديان، ولا يصح منكم نصر الكفار، ووعظوهم وذكروا لهم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الواردة فى ذلك.

وكان بصحبة المشايخ: مصطفى أفندى كتخدا قاضى العسكر يكلمهم باللغة التركية فقال الأمراء: إن كل ما قلتموه نعلمه، ولو تحققنا الأمن والصدق ما حاربنا، وسبق أنه اصطلح معنا، بإثر ذلك حاربنا ومنع عنا من أتى إلينا بحاجاتنا من مصر، ولا يخفا كم أنه لما أتى قبطان باشا ومعه الأوامر بالرضا والعفو الكامل عنا والأمر له بالخروج-لم يمتثل، وخدعنا وحصل ما حصل، فإن كان مراده بهذا الصلح ألا نلتحق بالإنجليز فنحن لا نستعين بهم، وإن كان مراده أن يعطينا بلادا فهذه البلاد بأيدينا، وقد عمها الخراب باستمرار الحرب، وقد تفرق شملنا وتهدمت دورنا، ولم يبق لنا ما نأسف عليه أو نتحمل المذلة من أجله، وقد مات إخواننا ومماليكنا فنحن نستمر على ما نحن عليه حتى نموت عن آخرنا، فقال الجماعة: هذه المرة هى الأخيرة لا شر بعدها ولا حرب، بل لا يكون إلا الصداقة والمصافاة ويعطيكم كل ما طلبتموه من بلاد وغيرها، بشرط أن تكونوا معنا بالمساعدة فى حرب الإنجليز ودفعهم عن البلاد، وتسيروا بأجمعكم من البر الغربى والباشا وعساكره من البر الشرقى، وعند انقضاء أمر الإنجليز ورجوعكم إلى بر الجيزة ينعقد مجلس الصلح، فانخدعوا

ص: 288

لذلك وكتبوا أجوبة ورجع بها مصطفى أفندى كتخدا القاضى وصحبته يحيى كاشف.

وفى شهر صفر كتب مراسلة إلى الأمراء القبليين ختم عليها كثير من مشايخ الأزهر، باستدعائهم واستعجالهم للحضور، فورد منهم خطاب يعتذرون فيه بأن السبب فى تأخرهم تفرق أكثرهم فى النواحى، وأنهم إلى الآن لم يثبت عندهم حقيقة الأمر، فاتفق رأيهم على أن يرسلوا لهم جوابا ببيان الحقيقة صحبة مصطفى أفندى، ويصحب معه المراسيم التى وردت فى شأن الإنجليز ومنابذتهم للدولة، وسافر مصطفى أفندى كتخدا المذكور صبيحتها بالمكتوب واجتمع معهم بناحية المنية.

وأما ياسين بك فإنه أذعن للصلح على أن يعطيه الباشا أربعمائة كيس بعد تردد المراسلات بينه وبين الباشا، ثم إنه عدى إلى ناحية شرق أطفيح وفرض على أهله الأموال الجسيمة، وكان أهل تلك البلاد قد اجتمعوا فى صول والبرنيل بمتاعهم وأموالهم ومواشيهم، فنزل عليهم وطلب منهم الأموال فعصوا عليه، فنهبهم وأحرق جرونهم، ثم سار نحو القاهرة ودخلها فى عشرين من صفر وصحبته سليمن أغا وكيل دار السعادة، وتقابلا مع الباشا وخلع عليهما خلعتى سمور، وأغدق عليهما بالإنعامات، وقلد ياسين بك كشوفية الشرقية، وأمره بالسفر إلى الإسكندرية لمحاربة الإنجليز فلم يمتثل (وحصل منه ما ذكرناه فى قرية التبين من بلاد أطفيح).

وفى ذلك الوقت حضر كتخدا القاضى وذكر أن الأمراء القبالى محتاجون إلى مراكب لحمل الغلال الميرية والذخيرة، فهيأ الباشا عدة مراكب وأرسلها، وفى خامس عشر ربيع الأول أرسل شاهين بك الألفى للباشا يعتذر عن التأخير، وأنهم مازالوا على صلحهم، ثم بعد ذلك بأيام حضر الألفى إلى دهشور، وصحبته مراكب بها هدية من إبراهيم بك ومحمد بك المرادى

ص: 289

-المعروف بالمنفوخ-برسم الباشا، وهى نحو ثلاثين حصانا، ومائة قنطار بن قهوة، ومائة قنطار سكر، وأربعة خصيان وعشرين جارية سوداء، ولما علم الباشا وصوله إلى دهشور أرسل له على كاشف ومحمد كتخدا بهدية، ومعهما ابن الباشا وديوان أفندى، فتلقاهم شاهين بك وخلع على ابن الباشا فروة، وقدم له تقدمة سلاح إنجليزية ثم رجعوا من عنده، ووصل شاهين بك إلى شبرمنت وجعل مخيمه بها، وأمر الباشا أن يخلوا له الجيزة إلى البر الشرقى، وتسلم على كاشف الكبير الألفى القصر وما حوله وما به من الجبخانات والمدافع وآلات الحرب، واعتنى الباشا بتعمير القصر لسكنى شاهين بك بالجيزة، وكان العسكر قد أخربوه فجمع البنائين والنجارين والخراطين، وحملوا الأخشاب من بولاق وهدموا بيت أبى الشوارب، وأحضروا الجمال والحمير لنقل أخشابه وأنقاضه، ثم حضر شاهين بك إلى الجيزة وبات بالقصر، وضربت لقدومه مدافع كثيرة من الجيزة، وعمل له شوربجى موسى الجيزاوى وليمة وفرض مصروفها وكلفها على أهل البلد، وأعطاه الباشا إقليم الفيوم بتمامه التزاما وكشوفيته، وأطلق له فيه التصرف، وأنعم عليه أيضا بثلاثين بلدة من إقليم البهنسا مع كشوفيتها، وعشرة بلاد من بلاد الجيزة من البلاد التى يختارها، مع كشوفية الجيزة بتمامها إلى حد الإسكندرية، وأطلق له التصرف فى جميع ذلك، وجعل مرسوماته نافذة فى سائر البر الغربى.

وفى ثانى يوم توجه السيد عمر مكرم والمشايخ وطوسون بك ابن الباشا ومعهم طائفة من الدلاة للسلام على شاهين بك، ثم جاءوا به بموكب وطلع القلعة وسلم على الباشا فخلع عليه فروة سمور مثمنة وسيفا وخنجرا مجوهرا، وقدم له خيولا بسروجها، وعزم عليه ابن الباشا فركب معه وتغدى عنده، ثم مضى إلى حسن باشا وطاهر باشا وخلع عليه كل منهما خلعا، وقدما له تقاديم وخيولا، ثم رجع إلى الجيزة وصارت الصناجق الألفية تتعاقب فى الحضور، مثل أحمد بك، ونعمان بك، وحسن بك، ومراد بك.

ص: 290

وفى خامس عشر شوال عملت وليمة وعقد لأحمد بك الألفى على عديلة هانم بنت إبراهيم بك الكبير، وكان الوكيل فى العقد الشيخ السادات، ودفع الباشا الصداق من عنده ثمانية آلاف ريال، انتهى.

ولمدينة سيوط ميناء عظيمة عند القرية التى تسمى الحمراء كبولاق بالنسبة للقاهرة، وبينها وبين المجذوب جسر طوله نحو خمسمائة قصبة هو الطريق بينهما وفيه قنطرة، وبالحمراء قيسارية عامرة بناها همام بك السيلينى وشون لغلال الميرى، وغيرها من المصالح الميرية، وجبخانة للبارود وفى جهتها البحرية فوق البحر سراى أنشأها المرحوم عباس باشا، وهى الآن مدرسة مبتديان، وبحرى السراى جنينة للميرى.

وفى سنة اثنتين وتسعين وصلت سكة الحديد إلى سيوط، وبنيت هناك محطة عظيمة فوق الإبراهيمية، ومن يريد السفر من سيوط إلى الواحات يسير فى البر إلى بنى عدى ثلاث ساعات، ويخرج من بنى عدى مع القافلة فيسافر ثلاثة أيام إلى ناحية الخارجة، وفى اليوم الرابع يكون الوصول.

(سيوه)

مدينة هى كرسى بلاد الواحات البحرية، فى غربى ريف مصر، خلف الجبل تابعة لمديرية البحيرة، وكانت تسمى فى الأعصر الماضية سنترية.

قال المقريزى: مدينة سنترية من جملة الواحات، بناها مناقيوش بانى مدينة أخميم، كان أحد ملوك القبطة، وهو أول من عمر الميدان وأمر أصحابه برياضة أنفسهم فيه، وأول من عمل المارستان لعلاج المرضى والزمنى، وأودعه العقاقير ورتب فيه الأطباء وأجرى عليهم ما يسعهم وأقام الأمناء على ذلك، وصنع لنفسه عيدا فكان الناس يجتمعون إليه فيه، وسماه عيد الملك، فى يوم من السنة، فيأكلون ويشربون سبعة أيام، وهو مشرف عليهم من مجلس على عمد قد طوقت بالذهب، وألبست فاخر الثياب المنسوجة بالذهب، وعليه

ص: 291

قبة مصفحة من داخلها بالرخام والزجاج والذهب، وبنى تلك المدينة فى صحراء الواحات، عملها من حجر أبيض مربعة، وفى كل حائط باب فى وسطه شارع إلى حائط محاذ له، وفى كل شارع يمنة ويسرة أبواب تنتهى طرقاتها إلى داخل المدينة، وفى وسطها ملعب يدور به سبع درج، وعليه قبة من خشب مدهون على عمد من رخام، وفى وسطه منار من رخام عليه صنم من صوان أسود يدور بدوران الشمس، وبسائر نواحى القبة صور معلقة تصيح بلغات مختلفة، فكان الملك يجلس على الدرجة العليا وحوله بنوه وأقاربه وأبناء الملوك، وعلى الدرجة الثانية رؤساء الكهنة والوزراء، وعلى الثالثة رؤساء الجيش، وعلى الرابعة الفلاسفة والمنجمون والأطباء وأرباب العلوم، وعلى الخامسة أرباب العمارات، وعلى السادسة أصحاب المهن، وعلى السابعة العامة، فيقال لكل صنف: انظروا إلى من دونكم لا إلى من فوقكم لا تلحقونهم، وهذا ضرب من التأديب. وقد قتلته امرأته بسكين، وكان ملكه ستين سنة.

وسنترية الآن بلد صغير، يسكنه نحو ستمائة رجل من البربر يعرفون بسيوه، ولغتهم تعرف بالسيوية، تقرب من لغة زناتة. وبها حدائق نخل وأشجار من زيتون وتين وغير ذلك، وكرم كثير. وبها الآن نحو عشرين عينا تسيح بماء عذب، ومسافتها من الإسكندرية أحد عشر يوما، ومن جيزة مصر أربعة عشر يوما، وهى قرية يصيب أهلها الحمى كثيرا، وثمرها غاية فى الجودة، وتعبث الجن بأهلها كثيرا، وتختطف من انفرد منهم، وتسمع الناس بها عزيف الجن، انتهى.

وهى اليوم عامرة ذات حوانيت وخانات وصنائع وتجارات، مثل ثياب القطن والجوخ والطربوش وغير ذلك، وبها جوامع للعبادات وزاوية للشيخ السنوسى. وبعض أبنيتها وهو الشق الشرقى فوق صخرة مرتفعة يسكنه المتزوجون والنساء، والبعض الآخر وهو الغربى فوق الأرض يسكنه العزاب.

وحارات المدينة ضيقة عليها بعض سقوف، ويحيط بها سور له باب واحد.

ص: 292

وفيها قاض وحاكم. وفى خارجها حدائق فيها أشجار التين والزيتون والرمان والعنب والمشمش والبرتقان، وأنواع النخل من الفريحى والغزالى والسلطانى والصعيدى، وغير ذلك، ومنه العجوة التى تعرف بالمؤنة.

وهى مجمع للحاج المغربى لوقوعها فى الحد بين مصر وبلاد المغرب، وعليها طريق الواردين والصادرين من العرب القاطنين بمصر أو العقبة أو جبال المغرب أو غيرهم. وفيها يباع الرقيق كثيرا، فيسافر إليها تجار من مصر قبيل الشتاء بمتاجر يبيعونها هناك من الثياب ونحوها ويشترونه. وفيها عين جارية دائما يسقى منها النخيل والأشجار ويزرع عليها الخضر والمقاثئ والأرز والنيلة والبصل والبقول، والحبوب من قمح وشعير ونحوها، ونوع من البرسيم الحجازى لرعى البهائم. ويجلب منها إلى مصر الأرز والنيلة والمشمش والتمر.

ويقتنى فيها البقر كثيرا والغنم والإبل. وفى أرض مزارعها عزب مسكونة يقال لها السبوخ، فى واد يعرف بأم راقى، وهناك أيضا قرية تعرف بأم الصغير.

وقال السياحون: إن وادى سيوه عبارة عن عدة فراسخ مربعة كثيرة الخصوبة وبه عدة قرى كرسيها مدينة سيوه. وكان سكانها لا يكادون يدخلون تحت طاعة حكام مصر.

وفى شهر جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين بعد المائتين والألف كما فى «تاريخ الجبرتى» أرسل إليها العزيز محمد على تجريدة صحبة حسن بك الشماشرجى حاكم البحرية، فتوجه إليها من البحيرة ومعه طائفة من العرب.

وفى شهر رجب رجع منها بعساكره بعد أن استولى عليها وقبض منها مبلغا من المال والتمر، وقرر عليها قدرا يقدمون به كل عام إلى الخزينة، انتهى. ودخلوا فى الطاعة من وقتئذ، وتعهد بها عرب أولاد على إلى زمن المرحوم سعيد باشا، فبطل ذلك وصارت من ضمن مديرية البحيرة.

ص: 293

وعدة أهلها أكثر من ألفين لهم طباع عرب البادية، يميلون إلى ما كانت عليه أسلافهم من الخشونة والتوحش والانقياد لعوائد الجاهلية، ولهم قضاة يلقبونهم بالأجاويد يحكمون بينهم بقوانين معروفة عندهم فى غير الأنكحة والمواريث ونحوها، فلها حاكم شرعى، والغريب لا يمكّن من دخول البلد إلا بإذن الأجاويد بعد الوقوف على سبب طلبه للدخول. وكان طائفة الشبان من سن عشرين إلي أربعين لا يؤاخذون بما يفعلون ويسمونهم العسارة، لا يحلقون رؤسهم ولا يغطونها، وهم الذين يحضرون الغريب بين أيدى الأجاويد فلهم شبه بالمحافظين.

وقد استدل السياحون على آثار هيكل المشترى المعروف باسم أمون فى محل يعرف بأم بياضة، على بعد فرسخ ونصف فى الشرق والشمال من سيوه، وهناك مقابر كثيرة منقورة فى الصخر. وكان وادى سيوه مشهورا بأنه قاعدة هيكل المشترى ومحل إقامة كهنته، وكان لهذا المعبد ثلاثة أسوار ضلع أكبرها ثلثمائة وستون قدما وعرضه ثلثمائة، ومن بقاياه أودة سقفها ثلاثة أحجار كل حجر ثلاثة وثلاثون قدما وعرضه ستة وعشرون ووزنه مائة ألف ليورا؛ والليورا صنجة وزن كانت تستعمل قديما فى بلاد فرانسا، وكانت مختلفة القدر فى المديريات من ثلثمائة وثمانين جراما إلى خمسمائة واثنين وخمسين، وكانت فى بعض البلاد تنقسم إلى ست عشرة أوقية، وفى بعضها ثمانى عشرة، وفى بعضها اثنتى عشرة، وأما الليورا المستعملة فى النقود وتسمى ليورا المرك فهى ثمانية أواق من الاثنتى عشرة التى تنقسم إليها ليورا الملك شرلمانى، وعلى تلك الأحجار نقوش تدل على أنها من معبد أمون را المصرى الذى تسميه اليونان جوبتر آمون، وفى الجنوب الشرقى لهذه الآثار على قرب منها توجد العين التى تكلم عليها هيرودوط وغيره، وقد ذهب الإسكندر إلى هذا المعبد وزاره، ويقال إن لذلك سببين، أحدهما: أنه كان يدعى أنه من ذرية آمون وأن آمون جده والثانى: الاقتداء بالمقدسين اللذين ذهبا إليه وزاراه، وهما هيركول وبيرسة.

ص: 294

ونقل عن كنتكرس أن الإسكندر الرومى بعد أن استولى على الأقاليم القبلية رغب فى زيارة معبد جوبتر أمون، فقيل له: إن الطريق صعبة قليلة الماء شديدة الحر كثيرة الرمال يعسر المشى فيها، فلم يعطل ذلك همته بل قام للزيارة فركب النيل إلى بحيرة مريوط ومعه جملة من أتباعه، ومن هناك سافر يومين بدون كبير مشقة، ثم دخلوا فى الصحراء فإذا هى أرض مرملة لانبات فيها ولا ماء؛ فقاسى بمن معه ما لا مزيد عليه من المشاق، وفرغ ماء القرب منهم وضاق بهم الحال، وكادوا يموتون لولا أن أنزل الله عليهم المطر فاستقوا وملئوا قربهم وساروا فى القفار أربعة أيام حتى وصلوا أول وادى جوبتير أمون، فإذا هو واد ذو أشجار ذات ظل مديد ونباتات ومياه نابعة كثيرة وهواء رطب، فأخذهم العجب من وجود مثل ذلك فى وسط صحراء مقفرة، ووجدوا به سكانا يسمون الأمونسيين، مساكنهم العشش والزرابى المنتشرة تحت ظلال الأشجار، وفى وسط المساكن معبد يحيط به ثلاثة أسوار كالقلعة، فى الأول مساكن ملوكهم الأقدمين، والثانى وفيه المعبد مختص بالنساء والأولاد والعبيد، وفى الثالث المحافظون على هذا المعبد، وفى وسط الأشجار أيضا بقرب المعبد عين الماء المسماة بعين الشمس، التى كانت تسمع فيها المغيبات من هاتف أمون، وفيها الماء يكون فاترا فى الصباح، باردا وقت الزوال، حارا وقت الغروب، وشديد الحرارة فى نصف الليل. وقد رأى ذلك لينان باشا أيضا وقت ذهابه إلى تلك الجهات وقال: إنها عين كثيرة الماء تنبع بقوة، وهى أشهر عيون سيوة، وجميع عيونها تجرى فى واد اتجاهه إلى الغرب.

ونقل أيضا عن بعض أهالى سيوة وعن أمى بيك أنه يخرج من تلك العيون سمك صغير أسود أعمى. وذكر جانبليون أنه كان فى الواحات لمعبد آمون را مائة من القسيسين مختصون بخدمته، ولهم رئيس تختص به الكهانة، ثم إن التمثال المقدس فى هذا الموضع كان مصنوعا من الزمرد والأحجار الثمينة فى صورة الجمل. وكان القسيسون إذا أراد أحد الاستخبار منه يضعونه فى قارب

ص: 295

مذهب معلق فى جهاته أقداح من الفضة، والنساء يتبعنه ويغنين مغنى مخصوصا، ليكون راضيا وينطق الأخبار الصحيحة، انتهى.

وقد كثر التردد من العرب وغيرهم بين وادى سيوة وريف مصر فى طرق متعددة فى الصحراء، حتى صارت معروفة سهلة العبور، وبها محطات معلومة فيها عيون الماء. ومدة السفر بين سيوة والإسكندرية عشرة أيام، فالخارج من الإسكندرية يبيت عند عين ماء صالحة للشرب تعرف بأم صفيف، ومنها يأخذ المسافر الماء فيبيت فى المصيلح ولا ماء بها، ثم بالمغارة فيجد فيها الماء، ثم فى سراب عبد الله، ثم فى أبى طرطور، ثم فى الحجرة ويجد فى هذه الثلاثة الماء أيضا، وجميع سيره فى أرض سهلة مستوية، ثم يسير فى الجبل يوما واحدا فيصل أول وادى سيوة. وتلك الطريق تعرف عند العرب بدروب الذرا، وهى أسهل طرقها لوجود الماء والحطب فيها، وفيها المرعى للإبل وهو شوك العاقول، ويحفها الجبل من الجهة الشمالية، والملاحة وهى أرض سبخة ذات ملح من الجهة الجنوبية، ويتوصل إلى المغارة من طريق أخرى غير طريق الإسكندرية خارجة من كرداسة مسافتها ثلاثة أيام، فمن كرداسة وهى بلدة من بلاد البحيرة إلى الطرانة، ثم إلى محل يعرف بالجغرفية ثلاثة ديور مسكونة بالرهبان أبوابها مغلقة دائما، وهى خوخ صغار أبوابها مصفحة بالحديد، وهناك يوجد النطرون، ومن هذا المحل إلى المغارة وهى أيضا طريق مستوية وفيها الماء والمرعى، ويخرج من المغارة طريق آخر إلى الواحات مسيرة أربعة أيام بلا ماء ولا مرعى؛ فيلزم سالكها استصحاب ما يحتاجه، وهى أيضا مأمونة؛ لكثرة سالكيها من عرب أولاد على والجوابيص وقبيلة سمالوط والجمعيات والزوابع والقدادفة ونحوهم.

ومن سيوة إلى الواحات الداخلة طريق فيه أودية كبيرة بها الماء والمرعى والحطب، أولها من جهة سيوة الوادى المعروف بوادى الفرج، ويليه وادى البحرية، ثم وادى السترة، وأراضى تلك الأودية صالحة للزرع، وبها آثار مبان

ص: 296

قديمة ونخيل تدل على أنها كانت مسكونة فى سالف الأزمان، فيسير المسافر أربعة أيام فى الماء والمرعى، فمن سيوة إلى المرتزق ثم إلى الفرج ثم إلى البحرية-ويقال الواطية-ثم إلى سترة ثم يدخل فى طريق الجبل، وهى مسير ثلاث ليال، وهذا هو الطريق الذى سلكه حسن بيك الشماشيرجى بالعساكر وقت أن شق أهالى تلك الجهات عصا الطاعة. وهناك طرق بين سيوة والعقبة تعرف عند العرب بالدروب الخمسة أو الثلاثة مسافتها خمسة أيام فى الجبل بلا ماء، فالآتى إلى سيوة من العقبة يأخذ الماء من بئر الخمسة وهو حفرة بين الجبال تمتلئ من ماء المطر وتجف فى زمن الصيف، فإذا جفت يأخذ المسافر الماء من أوجرين، وهو حفرة تمتلئ من المطر أيضا وتبقى كل السنة. والعقبة هى آخر حدود القطر من جهة الغرب، وبها أرض صالحة يزرعها العرب المقيمون هناك من أولاد علىّ وغيرهم.

(فائدة)

كنتكرس المتقدم ذكره مؤرخ لاتينى لم تضبط أحواله ويظن أنه كان فى القرن الأول من الميلاد، وهو الذى كتب تاريخ الإسكندر الرومى فى عشرة أبواب، وهو كتاب مقبول مرغوب فيه، همشه كثير من علماء الفرنج، انتهى.

ص: 297

‌حرف الشين

(شابور)

قرية من مديرية البحيرة بقسم النجيلة، على الشط الغربى لبحر رشيد، فى مقابلة كفر الزيات، وبها جامعان، أحدهما بمنارة ذات وضع حسن. وبها جنينة لعمدتها حسين أمين رئيس المجلس المحلى بالمديرية، وله بها منزل مشيد. وبها عشر طواحين تديرها الدواب، وأغلب أهلها مسلمون، وفى بحريها بأرض المزارع بناء مستدير من حجر مرتفع نحو ذراع، يزعم أهلها أن تحته كنزا مرصودا، ويتبعها كفر مجاهد وكفر العيص، وزمام الثلاثة ألفان وثمانية وثلاثون فدانا. وفيها أضرحة لبعض الصالحين، كالشيخ سيف الدين، والشيخ شاهين.

وفى كفر مجاهد ضريح الشيخ مجاهد ويعمل له ليلة كل سنة.

ومن حوادث شابور على ما ذكره الجبرتى فى حوادث سنة ألف ومائتين وتسع عشرة أنه كان بها رجل يعرف بقادرى أغا رفع لواء العصيان؛ فحاصره فرقة من العساكر والعرب، ففارقها أهلها وخرجوا على وجوههم من النهب وطلب الكلف؛ فإن كلا من الفريقين المحاصر والمحاصر كان يكلفهم بمغارم، واستمر الحصار أياما. وكان كاشف البحيرة قد حضر لمساعدة العسكر المحاصرين، وحصل التضييق على قادرى أغا حتى طلب الأمان فأوقعوا القبض عليه وعلى من معه وأرسلوهم إلى جهة دمياط، وفى مدة الحصار انقطع مرور المراكب لأن العساكر كانوا يتعرضون لها وينهبون ما فيها؛ فانقطع الوارد عن القاهرة وغلا سعر الأشياء، انتهى.

(شار مساح)

هى بلدة من قسم شها بمديرية الدقهلية، على الشط الشرقى لبحر دمياط، وفى الشمال الشرقى لناحية بساط كريم الدين بنحو ألفين وستمائة متر، وفى شرقى النزل بنحو سبعة آلاف وستمائة متر، وفى الشمال الغربى لمنية تمامة، وأبنيتها باللبن على طبقة، ما خلا منازل عمدها فعلى طبقتين،

ص: 298

وبها جامع بلا منارة، وليس لها سوق، ويزرع فى أرضها الأرز والقطن كثيرا.

وعلى هذه القرية نزل الفرنج يوم الثلاثاء غرة رمضان سنة سبعة وأربعين وستمائة، وسبب ذلك كما فى «خطط المقريزى» أنه لما علمت الفرنج بموت الملك الصالح نجم الدين بن أيوب، وكانوا قد استولوا على دمياط فخرجوا منها، فارسهم وراجلهم، وشوانيهم تحاذيهم فى البحر، حتى نزلوا فارسكور يوم الخميس لخمس بقين من شعبان، فورد فى يوم الجمعة من الغد كتاب إلى القاهرة من العسكر، أوله:{اِنْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} وفيه مواعظ بليغة بالحث على الجهاد، فقرئ على منبر جامع القاهرة، وقد جمع الناس لسماعه، فارتجت القاهرة ومصر وظواهرها بالبكاء والعويل، وأيقن الناس باستيلاء الفرنج على البلاد لخلو الوقت من ملك يقوم بالأمر، لكنهم لم يهنوا، وخرجوا من القاهرة ومصر وسائر الأعمال فلما كان يوم الثلاثاء اقتتل المسلمون والفرنج فاستشهد العلائى أمير مجلس وجماعة، ونزل الفرنج بهذه الناحية، ثم فى يوم الاثنين نزلوا البرامون فاضطرب الناس وزلزلوا زلزالا شديدا لقربهم من العسكر، وفى يوم الأحد ثالث عشرة وصلوا تجاه المنصورة وصار بينهم وبين المسلمين بحر أشمون، ووقعت بينهم حروب كثيرة، انتهى الأمر فيها لنصرة المسلمين كما ذكرنا ذلك عند الكلام على المنصورة، وأخذ ملك الفرنسيس أسيرا مع بعض أمرائه، انتهى.

‌ترجمة الشيخ محمد الشار مساحى

وإليها ينسب-كما فى الضوء اللامع-محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن يوسف الشمس بن الأمين بن الشمس الشارمساحى، ثم القاهرى الشافعى، ابن أخى الزين يوسف الكتبى، أخذ عن الأبناسى، وحضر عند البكرى، وتكسب بالشهادة، ودرس وانتفع به كثيرون، ثم استنابه زكريا فى ذى الحجة سنة اثنتين وتسعين، وسافر قاضى المحمل سنه خمس وتسعين وثمانمائة، انتهى. ولم يذكر تاريخ موته رحمه الله وإيانا.

ص: 299

‌ترجمة الشيخ محمد العز ابن القطب الشارمساحى

وينسب إليها إيضا-كما فى «الضوء اللامع» -محمد بن محمد بن محمد ابن عبد الله العز ابن القطب الشارمساحى، ثم المصرى، ويعرف بابن أخى طلحة، حضر على الميدومى، وسمع على القلانسى، وأجاز له العز بن جماعة وباشر توقيع الحكم، وولى شهادة ديوان طشتمر، واعتنى أخيرا بعمل الأشياء المستظرفة من المأكول وغيره، وصار بيته مأوى الرؤساء، مات فى رجب سنة ثلاث وثمانمائة وكانت رغبته الإطعام وقضاء الحوائج، مع البشاشة والوجاهة.

رحمه الله تعالى، انتهى.

(الشاورية)

قرية من قسم فرشوط بمديرية قنا، واقعة على شاطئ النيل الغربى، في شمال ناحية الوقف على ثلثى ساعة. وهى قرية متوسطة، لها شهرة بعمل الحصر من الحلفاء كجملة قرى فى تلك الجهات، وكذلك فى جهة البلينا، وهناك بلاد تصنع من الحلفاء زنابيل ونحوها، كناحية أولاد عمر الواقعة فى شرق النيل فى مقابلة دندرة، وكناحية السمطة فى غربى أولاد عمر، فيضفرون الحلفاء والخوص، ويعملون الزنابيل والمقاطف بكثرة وتباع فى الجهات، وهناك شجر الدوم كثير، وتقدم فى أولاد عمر طرف مما يتعلق به.

(شباس الشهداء)

قرية من مديرية الغربية بقسم سمنود فى غربى المحلة الكبرى بنحو أربعة آلاف وخمسمائة متر، وفى شرقى نشيل بنحو ألفى متر، أغلب أبنيتها بالطوب الأحمر، منها ما هو على دور وما هو على دورين، وبها مسجدان قديمان، أحدهما بمئذنة، وبها أربع زوايا للصلاة أيضا، وبها معمل فراريج تبع دائرة المرحومة والدة الخديوى إسماعيل، ولها بها أبعادية وديوان لزراعتها وبستان فيه كثير من أنواع الفواكه، وفيها بستان آخر، وبها مقامات لجماعة من الصلحاء منها مقام الشيخ محمد العرشى، ومقام الشيخ محمد المغربى، ومقامات يقال

ص: 300

لها مقامات الشهداء فى الجهة الغربية للناحية بآخر كوم الجبانة، وزمامها ألفان وثلثمائة واحد وتسعون فدانا، وكسر، تروى من النيل وبها ساقيتان بقرب مقامات الشهداء، ماؤهما مالح. ومنها محمد أفندى فضل بوظيفة ناظر زراعة نصف أول جفلك شباس، وبها نجارون لعمل السواقى والمحاريث. وأهلها يزرعون القطن والقمح وباقى الحبوب. ومنها إلى مدينة سنهور نحو نصف ساعة، وإلى مدينة دسوق نحو ساعتين على جسر فرع رشيد.

(الشبانات)

قرية من مديرية الشرقية بمركز العلاقمة، فى غربى الزقازيق بنحو سبعة آلاف متر، وفى جنوب بنى عامر بنحو ألفين وخمسمائة متر، وسكة الحديد المارة من الزقازيق إلى أبى حماد فى جنوبها بنحو خمسمائة متر، وبها جامع بلا منارة، ويزرع فى أرضها القطن، وأهلها معروفون بالغش فيه بأن يضيفوا عليه الرمل ليثقل، حتى إنهم عند بيعه ينسبونه لغير بلدهم ليروج. وللمرحوم محمود باشا الفلكى بها أطيان وفيها نخيل، وليس لها سوق، وأكثر أهلها مسلمون.

وقد نشأ من هذه القرية إبراهيم أفندى رمضان أحد معتمدى علماء الرياضة بمدرسة المهندسخانة، تربى على يديه خلق كثيرون برعوا فى الرياضة وترقوا فى الرتب، فمنهم الباشاوات والبيكوات. ونحن أيضا أخذنا عنه، وله علينا التربية والأستاذية، توجه إلى البلاد الفرنساوية وحضر منها سنة ألف ومائتين وإحدى وخمسين، وأقام نحو سنة فى مدرسة طرا بوظيفة معاون مع الأمير مظهر باشا، وفى سنة اثنتين وخمسين وظف بالتدريس فى مدرسة المهندسخانة، واستمر على ذلك مدة، وتنقل الرتب، وفى زمن المرحوم عباس باشا مدة نظارتنا على المهندسخانة أنعم عليه برتبة قائم مقام. وفى زمن المرحوم سعيد باشا كان من ضمن مهندسى معيته. وقد توفى سنة إحدى وثمانين وكان إنسانا سهلا الأخلاق لين العريكة حسن الإلقاء، درس فى عدة

ص: 301

فنون سيما الطبوغرافيا والجودوزية، والعلوم الوصفية، كالظل والنظر وقطع الأحجار والأخشاب والهندسة الوصفية، وله فى ذلك مؤلفات مفيدة مستعملة فى المدارس.

(شبرى)

هذا الاسم ابتدئ به أسماء جملة قرى من الوجه البحرى من بلاد مصر، يمتاز بعضها عن بعض بالإعجاز. وفى القاموس: شبرى كسكرى ثلاثة وخمسون موضعا كلها بمصر، منها عشرة بالشرقية، وخمسة بالمرتاحية، وستة بجزيرة قويسنا، وإحدى عشرة بالغربية، وسبعة بالسمنودية، وثلاثة بالمنوفية، وثلاثة بجزيرة بنى نصر، وأربعة بالبحيرة، واثنان برمسيس، واثنان بالجيزية، انتهى. وهذا ما عثرنا عليه منها.

(شبرى بابل)

قرية من قسم سمنود من مديرية الغربية، غربى بوصير، بها جامع بمنارة، وتكسب أهلها من الفلاحة وغيرها.

(شبرى باص الدقهلية)

قرية من مديرية الدقهلية بمركز فارسكور على الشاطئ الشرقى لفرع دمياط، فى بحرى ناحية السرو بنحو نصف ساعة، وأغلب مبانيها بالآجر والمونة، وبها جامع بمنارة وأكثر زراعتها صنف الأرز.

‌ترجمة الشيخ العارف زين الدين أبى بكر بن عبد الله المطوعى الشافعى

المشهور بغانم السعودى

وإليها ينسب الشيخ الصالح العارف الناسك الفقيه المقرئ المحدّث المعتقد السالك؛ نجم الدين أبو الغنائم محمد ابن الشيخ الصالح العارف زين الدين أبى بكر بن جمال الدين عبد الله المطوعى الرياضى الشافعى، المشهور

ص: 302

بغنم السعودى، ذكره السخاوى فى كتاب «روضة الأحباب وبغية الطلاب» ، وقال: إن مولده بقرية من قرى فارسكور وهى شبرى باص بالوجه البحرى، ونشأ بها على خير ظاهر، ومعروف متواتر، وكان والده من فقراء الشيخ الصالح منصور الباز الأشهب، فلما مات عكف هو على العبادة وحفظ القرآن، ولازم الاشتغال بالعلم، ثم بمعرفة الطريقة، وانقطع عن شواغل الدنيا وشهوات النفوس واستعد للموت، وصار يفر من الناس الفرار من الأسد، فلما دام على ذلك اشتهر بالإخلاص؛ لإقباله على الأوراد والوارد، وإرشاد الشارد، فقصده المطيع والمعاند، وانتفع به المعتقد، وخاب المنتقد، وشاع ذكره فى الوجه البحرى، وأقبل عليه الخاص والعام، فخاف الفتنة بالظهور والشهرة، فعزم على الرحيل من بلده وتركها وقصد القاهرة، فمر على طريق تفهنا فرأى الشيخ الصالح القدوة شمس الدين داود بن مرهف التفهنى، الشهير بالأعزب، فمال إلى الشيخ داود وصحبه وأخذ عنه، وألبسه خرقة القطب العارف أبى السعود بن أبى العشائر الواسطى كما لبسها هو منه، وأقام عنده حتى أذن له بالمسير إلى القاهرة فدخل إليها ونزل بزاويته المعروفة به ظاهر باب الفتوح، فأقام مختفيا من الناس، ثم واظب على الزيارة بالقرافة، وأكثر من التردد إليها فى غالب الأوقات. وقد اجتمع عليه جماعة وصحبوه وأحبوه، فظهر حاله بالقاهرة وأقبل عليه الفقراء والأمراء وأرباب المناصب والقضاة والأغنياء، وهو يظهر الغنى لهم، وكان يحب الغنم حبا شديدا فاتفق أنه اشترى شاة كبيرة عالية واقفة القرون، طويلة جدا وسماها مباركة، فكانت تخرج من عند الشيخ فى أول النهار فتذهب إلى المرعى من غير راع فترعى فى الأماكن المباحة، ثم ترجع فى آخر النهار فتنتفع الفقراء والأضياف والجيران بلبنها، وكثرت أولادها، ونمت حتى صار الجار والمار، والوارد والمقيم يأكل من لبنها، فلما كان فى بعض الأيام ورد على الشيخ ضيف من الفقراء أرباب الحالات وأصحاب المقامات، فأراد يمتحن الشيخ، فلما دخل عليه صاح الشيخ للشاة الكبيرة:

يا مباركة هذا يومك، فجاءت بسرعة له، فحلب له منها وقدم اللبن إلى

ص: 303

الضيف، وقال له: يا فقير، باسم الله كل. فأكل الفقير من اللبن، ثم رفع يده، وقال: يا سيدى. أنا أشتهى أن يكون هذا اللبن عليه عسل لعله أن يعتدل، فالتفت الشيخ إلى الغنم وصاح بأمهم أيضا وقال: يا مباركة: فجاءت إليه، فأخذ الشيخ ثديها فى يده وحلب منها فى الإناء فإذا هو عسل كما اشتهى الضيف، فقدمه له فأكل منه، وأراد أن يقوم فقام وهو مسلوب، ولم يره أحد بعد ذلك. فلما ظهرت هذه الكرامة للشيخ تغالى الناس فى محبته والإقبال عليه والزيارة له، وسموه من ذلك الوقت بغنم وأبى الغنائم، ثم إن الشيخ اشتغل بالفقه على مذهب الإمام الشافعى على جماعة من المشايخ بالقاهرة، منهم الشيخ قطب الدين أبو بكر محمد بن أحمد بن على المصرى الشهير بابن القسطلانى وغيره، مع القراءات على الشيخ الصالح كمال الدين أبى الحسن على بن شجاع بن سالم الهاشمى الضرير، وتوفى بزاويته، ودفن بها فى السابع والعشرين من شعبان سنة ثلاث وثمانين وستمائة، انتهى.

(شبرى باص المنوفية)

ويقال لها شبرى مباص، قرية بمركز منوف، على الشاطئ الشرقى لترعة الباجورية، وغربى شبين الكوم على نحو ساعتين، وبها جامع معمور بالصلاة، ومعمل دجاج، وسواق على شط الباجورية ليسقى مزروعات الشتاء والصيف، وأمامها قنطرة بخمس عيون، جددت سنة خمس وسبعين ومائتين وألف، بدلا عن قنطرة قديمة بسبع عيون، آثارها باقية إلى الآن.

(شبرى بدين)

قرية من مديرية الدقهلية بمركز دكرنس، موقعها بحرى بحر طناح، فى الشمال الشرقى لناحية برق نقص بنحو ثلث ساعة، وفى الجنوب الشرقى لناحية الدنابيق بنحو نصف ساعة، وبها جامع وأشجار متنوعة، وتكسب أهلها من زرع القطن وغيره.

ص: 304

(شبرى بطوش)

قرية من مركز تلا من مديرية المنوفية، على الشاطئ الغربى لترعة الباجورية، فى مقابلة شبرى ديس، وأغلب مبانيها باللبن، وبها مسجد وقليل أشجار، وزراعة أهلها كالمعتاد، وتكسبهم من ذلك.

(شبرى بلوله السخاوية)

قرية من مديرية الغربية بمركز محلة منوف، على الشاطئ الشرقى لترعة الجعفرية، فى بحرى محلة منوف، على نحو نصف ساعة، أبنيتها بالآجر واللبن، وبها مسجد، وتكسب أهلها من الزرع وغيره.

(شبرى بلوله المنوفية)

قرية من مديرية المنوفية بمركز سبك، واقعة على شاطئ الباجورية الشرقى، فوق تل صغير بقرب منوف، أبنيتها باللبن والآجر، وبها مسجدان، أحدهما فى جهتها البحرية والآخر فى الجهة القبلية، لكل مسجد قوم يختصون به، لأن أهلها قديما كانوا على طرفى نقيض مفترقين فرقتين سعد وحرام، لايتزاورون، ولا يجتمعان فى محفل واحد، ولا تتعدى إحداهما على الأخرى، ولكل فرقة باب فى جهتها يغلق عليها، وعلى وجه كل باب مزاغل لضرب البارود. وكانت تقع بينهم مناوشات وحروب انقطعت الآن، وبها معامل دجاج وجنائن وسواق معينة، ووابوران على ترعة الباجورية لسقى مزروعات الصيف والشتاء، ويتبعها قرية صغيرة يقال لها كفر شبرى بلولة فى قبليها، على نحو سدس ساعة على شاطئ الباجورية الشرقى، ويعمل فيها كل سنة ليلة لسيدى إبراهيم الدسوقى، وبها مقام لولى يسمى الشيخ على الوقوح. ومنها على أفندى خلف الله، تربى بالمدارس، ثم جعل مهندس تنظيم بالمحروسة وأعطى رتبة ملازم، ثم جعل معاون تفتيش هندسة المنوفية والغربية، ثم باشمهندس المنوفية، ثم معاون تفتيش وجه قبلى، والآن هو بديوان الأشغال برتبة بكباشى.

ص: 305

‌ترجمة الشيخ حسن بن عمار الشرنبلالى الحنفى الشهير

وذكر المحبى فى كتابه «خلاصة الأثر» أن منها الشيخ حسن بن عمار بن على أبا الإخلاص المصرى الشرنبلالى، الفقيه الحنفى الوفائى، كان من أعيان الفقهاء وفضلاء عصره، وممن سار ذكره فانتشر أمره، وهو أحسن المتأخرين ملكة فى الفقه وأعرفهم بنصوصه وقواعده، وأنداهم قلما فى التحرير والتصنيف، وكان المعول عليه فى الفتاوى فى عصره، قرأ فى صباه على الشيخ محمد الحموى والشيخ عبد الرحمن المسيرى، وتفقه على الإمام عبد الله النحريرى والعلامة محمد المحبى، وسنده فى الفقه عن هذين الإمامين وعن الشيخ الإمام على بن غانم المقدسى مشهور ومستفيض، ودرس بالجامع الأزهر وتعين بالقاهرة، وتقدم عند أرباب الدولة، واشتغل عليه خلق كثير وانتفعوا به، منهم العلامة أحمد العجمى والسيد السند أحمد الحموى والشيخ شاهين الأرمناوى وغيرهم من المصريين، والعلامة إسماعيل النابلسى من الشاميين، وصنف كتبا كثيرة فى المذهب، وأجلها «حاشية على كتاب الدرر والغرر لمنلا خسرو» ، واشتهرت فى حياته وانتفع الناس بها، وهى أكبر دليل على ملكته الراسخة وتبحره، وشرح «منظومة ابن وهبان» فى مجلدين، وله متن فى الفقه ورسائل وتحريرات وافرة متداولة. وكان له فى علم القوم باع طويل، وكان معتقدا للصالحين والمجاذيب، وله معهم إشارات ووقائع أحوال، منها أن بعضهم قال له: يا حسن من هذا اليوم لا تشتر لك ولا لأهلك وأولادك كسوة، فكانت تأتيه الكسوة الفاخرة، ولم يشتر بعدها شيئا من ذلك. وقدم المسجد الأقصى فى سنة خمس وثلاثين وألف صحبة الأستاذ أبى الإسعاد يوسف بن وفا، وكان خصيصا به فى حياته. وكانت وفاته يوم الجمعة، بعد صلاة العصر فى الحادى والعشرين من شهر رمضان سنة تسع وستين وألف عن نحو خمس وسبعين سنة، ودفن بتربة المجاورين.

والشرنبلالى، بضم الشين المعجمة مع الراء وسكون النون وضم الباء الموحدة ثم لام ألف وبعدها لام؛ نسبة لشبرى بلولة على غير قياس، والأصل

ص: 306

شبرى بلولى وهى تجاه منوف العلى بإقليم المنوفية بوادى مصر، جاء بالمترجم والده منها إلى مصر وسنه يقرب من ست سنين، فحفظ القرآن وأخذ فى الاشتغال، رحمه الله تعالى، انتهى.

‌ترجمة الشيخ حسن بن حسن بن عمار الشرنبلالى الحنفى أيضا

وينسب إليها كما فى الجبرتى العلامة حسن بن حسن بن عمار الشرنبلالى الحنفى أبو محفوظ حفيد أبى الإخلاص، شيخ الجماعة ووالد الشيخ عبد الرحمن. كان فقيها فاضلا محققا، ذا تؤدة فى البحث، عارفا بالأصول والفروع، رأيت له رسالة سماها غاية التحقيق فى أحكام كى الحمصة، توفى سنة تسع وثلاثين ومائة وألف، انتهى.

(شبرى البهو)

قرية بمديرية الدقهلية بمركز السنبلاوين، بالقرب من ترعة أم سلمة، فى الجنوب الشرقى لناحية برج نور الحمص بنحو ربع ساعة. وفى شمال منشأة البهو بنحو ثلث ساعة، وأغلب بنائها باللبن، وبها جامع، وتكسب أهلها من الفلاحة وغيرها.

(شبرى تو)

قرية من مديرية الغربية بمركز كفر الزيات بجوار شبرى تينى، وكلاهما فى شمال بسيون، وهما مع بسيون فيما بين ترعة أبيار والقضابية فى غربى صالحجر، وأبنية هذه القرية من الآجر واللبن، وبها مسجد وقليل أشجار، وتكسب أهلها من الزرع وغيره.

(شبرى تينى)

قرية من مركز كفر الزيات بمديرية الغربية، فى الجنوب الغربى لبحر نشرة بنحو ساعة، وزعم كترمير أن هذا الاسم ثابت لها فى دفاتر التعداد، وأنها فى سيرة البطريك إسحق كانت تسمى جبروناتينى، وبها جامع بمنارة وجنينة

ص: 307

لعمدتها إبراهيم الشاذلى، وفى غربيها ترعة السلمونية وتكسب أهلها من الزراعة وغيرها.

(شبرى خلفون)

قرية من مركز سبك بمديرية المنوفية، موضوعة على تل صغير بالشاطئ الغربى لترعة العطف، غربى بنها بنحو ساعتين وقبلى شبين كذلك، وبها جامع ومعمل دجاج وجنائن وسواق على ترعة العطف، وتكسب أهلها من الزرع وغيره.

(شبرى خوم)

ويقال لها شبرى باخوم، قرية من مديرية الغربية بقسم زفتة، من الجهة الشمالية لناحية بقسا بنحو ألفى متر، وفى الجنوب الشرقى لناحية دمهوج بنحو ألفين وخمسمئة متر، وبها ثلاثة جوامع بمنارات وجنائن، وبها معمل دجاج وثلاث عصارات لقصب السكر وأبراج حمام، وأكثر زرعها القصب.

‌ترجمة العلامة الشيخ السقا

وهى قرية طلعت شمس سعودها وانهلت عليها غيوث الفضائل من سحائب جودها؛ بأن ظهر من أهلها أوحد العصر وغرة جبهة الدهر شيخ المشايخ المتأخرين وتذكرة السلف المتقدمين؛ الشيخ إبراهيم السقاء بن على بن حسن، أبواه من شبرى خوم، وهو مولود فى مصر القاهرة بالدويدارى فى أواخر سنة اثنتى عشرة من القرن الثالث عشر، فلما ترعرع ذهب إلى المكتب لحفظ القرآن إلى سنة اثنتين وعشرين ثم انقطع لتجويد القرآن سنتين، ثم ابتدأ فى حضور دروس العلم على مشايخ الأزهر، واجتهد فى التحصيل إلى سنة أربع وثلاثين فابتدأ فى التدريس مع إدامة الحضور للكتب المطولة، كالمطول وقطب الشمسية والكبرى والقاضى البيضاوى، مع الاجتهاد التام وسهر الليالى حتى حصّل تحصيلا فاق به أقرانه وكثيرا ممن سبقه، واستمر مشتغلا بعد انقضاء

ص: 308

مشايخه بتدريس الكتب صغيرها وكبيرها، وانتهت إليه الرياسة في التدريس فكان درسه يجمع الأحفاد بالأجداد، وقد تولى خطبة الأزهر مدة تنيف عن عشرين سنة ولم يقطعه عنها إلا لزومه بيته، وقد أدرك جماعة من جهابذة الأزهر وأخذ عنهم، فمن أخص مشايخه، كما أخبر هو عن نفسه، ولى الله المقرب الأستاذ الشيخ ثعيلب، ومنهم خاتمة المحققين الشيخ محمد الأمير الكبير، ومنهم الشيخ محمد المهدى الكبير. قال المترجم: إن لى بعض أخذ عن كل منهما، ومنهم الشيخ عبد الوهاب البخاتى، والشيخ محمد الفضالى، والسيد حسن البقلى، والسيد حسن القويسنى، والشيخ أحمد الدمهوجى، كلاهما ولى مشيخة الأزهر، والشيخ أحمد الشعرانى الزيادى، والشيخ محمد قش الغرقى الزكى، والشيخ أحمد الاصطنهاوى، والشيخ محمد الجزائرى المغربى، والشيخ أحمز التميمى المغربى.

وقد نجب على يديه من العلماء كثيرون يطول ذكرهم بأسمائهم؛ إذ أهل الأزهر جميعا فى هذا العصر لا يخرجون عن كونهم أولاده أو أولاد أولاده، إلا قليلا منهم كشيخ المالكية الشيخ محمد عليش وجماعة، فمن أخذ عنه حضرة مولانا وعمدتنا شيخ المشايخ محمد الإنبابى شيخ الأزهر الآن، والشيخ أحمد الأجهورى المتوفى فى شهر صفر سنة ثلاث وتسعين، والشيخ مخلوف المنياوى، والشيخ محمد الخضرى، والشيخ سيد الشرشيمى الشرقاوى، والمحقق السيد على خليل السيوطى، والشيخ أحمد الإسماعيلى الصعيدى المتوفى من نحو بضع عشرة سنة، والشيخ عبد الرحمن الشربينى، وغيرهم من المدرسين والمؤلفين.

ومن مؤلفاته رحمة الله تعالى حاشية فى مجلدين على شرح الشيخ إبراهيم البيجورى لعقيدة الشيخ محمد السباعى، وشرح على منظومة السيد محمد بليحة فى التوحيد، ورسالة فى الطب النبوى مستخرجة من المواهب اللدنية، ورسالة فى مناسك الحج على المذاهب الأربعة، وحاشية على فضائل

ص: 309

رمضان للأجهورى، وديوان خطب مشهور بليغ جدا، وكذا «بلوغ المقصود مختصر السعى المحمود فى تأليف العساكر والجنود» ، وكان مشغولا قبل وفاته بنحو عشر سنين بوضع حاشية على تفسير أبى السعود، وصل فيها تسويدا إلى آخر القصص وتبييضا إلى قوله تعالى فى سورة النحل:{وَ عَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} وله أيضا «حاشية على شرح القطر» وصل فيها إلى الحال، وله «رسالة فى الكلام على انشقاق القمر» ، سأله فيها أهل اليمن لقطع نزاع بين طائفتين رضيا بحكمه، وله تقارير على كثير من الكتب المتداولة فى الأزهر، وغير ذلك. وكان قد اعترته أمراض على كبر سنه أبطلت بعض حركته فلزم بيته وأقعد عن القيام إلا بمساعدة، مع سلامة حواسه وحسن سمته.

وكان ربعة، متوسط القامة، كث اللحية، حاد البصر، جميل الخلق والخلق، وكان من دقة الطبع ولطفه وظرفه بالطرف الأعلى، يختلس لب جلسائه بلطف حديثه. وبالجملة فهو عالم كثير الفوائد جميل العوائد، لا يجالسه إنسان إلا ويستفيد منه ويأخذ عنه، وطريقته فى الخطبة تلين القلوب وتأخذ بالألباب، وفى الدرس تحل المشكلات وتذلل الصعاب، وتولّى الخطبة فى الأزهر بعد أن تأخر فى بيته حفيده العالم العلامة الشيخ حسن السقاء، وصار له بعد جده الحظ الأوفر فى الخطبة، وهو أحد العلماء بالجامع الأزهر، توفى الشيخ الكبير رحمه الله تعالى بمصر يوم الخميس رابع عشر جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين ومائتين وألف هجرية، ودفن عصر يوم الجمعة، وصلى عليه بالجامع الأزهر بعد صلاة الجمعة فى مشهد حافل ضاقت لكثرته سعة الأزهر، وحمل إلى قبره وقد خلعت قلوب الخلق حزنا عليه، ولم يبق لأحد معقول إلا طاش أسفا وحنانا إليه. ودفن بالقرافة الكبرى بجوار قبر شيخه الشيخ ثعيلب شرقى مقام العارف بالله تعالى شيخ الإسلام الشيخ الشرقاوى، عليهم جميعا سحائب الرحمة والرضوان.

ص: 310

(شبرى خيت)

بلدة من مديرية البحيرة على الشاطئ الغربى لفرع رشيد بجوار المعيصرة من الجهة البحرية، فى مقابلة ناحية دياى التى بمديرية الغربية بالبر الشرقى، وبها جامع بمنارة وزاويتان ووابور لحلج القطن وشونة للميرى وديوان المركز والمجلس ومحل المحكمة الشرعية، وبها قيسارية على البحر مشتملة على دكاكين وقهاو وخمارات. لها سوق كل يوم خميس، وفى شرقيها مقام الشيخ سحيم عليه قبة عالية بناؤها بالطوب الأحمر والمونة وبجواره مقابر أموات المسلمين. وقد حصل فى هذه البلدة بين الجيوش الفرانساوية وجيوش المماليك وقعة عظيمة فى شهر يولية الإفرنجى سنة ألف وسبعمائة وثمان وتسعين ميلادية، ذكرها الدكدور اجوس فقال ما معناه:«إن عدد المماليك كان يقرب من أربعمائة آلاف نفس ومعهم عدد كثير من العرب، وكانت عساكر الفرانساوية مشكلة على هيئة قلاع، فكانت المماليك تحوم حواليهم بغاية جرى الخيل فلا يتمكنون من الدخول بينهم، ويهجمون بسيوفهم فلا يصيبونهم، ومات من المماليك والعرب عدد كثير. وفى أثناء ذلك كانت المعركة ملتحمة عند شبرى خيت بين مراكب المصريين ومراكب الفرانساوية، فاستولى المصريون على أربعة مراكب من مراكب الفرانساوية بسبب معرفتهم بأحوال البحر، ثم آل الأمر إلى أن أخذ الفرانساوية مراكبهم وأغرقوا خمسة من المصريين وأحرقوا جملة منها وهرب باقيهم، فكانت الهزيمة علي المصريين» ، انتهى.

‌ترجمة الشيخ إبراهيم بن مرعى الشبرى خيتى المالكى

وهذه القرية عامرة وأكثر أهلها مسلمون ومنهم علماء وأفاضل، فمن علمائها الإمام الكبير والعالم الشهير الشيخ برهان الدين إبراهيم بن مرعى الشبرى خيتى المالكى، صاحب التصانيف المفيدة، له «شرح على الأربعين النووية» فى مجلد كبير، و «شرح على مختصر الشيخ خليل فى فقه مالك» فى

ص: 311

مجلدات، و «شرح على العشماوية» ، و «شرح على ألفية السيرة للعراقى» ، مات غريقا بالنيل وهو متوجه إلى رشيد سنة ست ومائة وألف، ومن مشايخه الشيخ على الأجهورى والشيخ يوسف الفيشى.

(شبرى الخيمة)

قرية بضواحى مصر القاهرة من مديرية القليوبية واقعة على الشاطئ الشرقى للنيل المبارك، ويقال لها شبرى المكاسة، وهى ذات أبنية فاخرة وقصور مشيدة وحدائق ذات بهجة وأشجار كثيرة، وهى من أعظم منتزهات مصر، خصوصا فى زمن العزيز المرحوم محمد على، ومنها إلى مصر المحروسة طريق مستقيمة متسعة محفوفة بالأشجار المظلة من اللبخ والجميز، ونحو ذلك، وعلى حافتى الطريق أبنية وقصور مشيدة وبساتين وقهاو، ونحو ذلك.

وكان بها فى الزمن السابق كنيسة للنصارى وعدة خمارات، وكانت جرار الخمر بها كثيرة جدا ذكر المقريزى فى خططه عند الكلام على جامع الأقمر، فى ترجمة يلبغا السالمى أنه لما استقر استادار السلطان برقوق أبطل أمورا كثيرة ذكرها فى ترجمته، من ضمنها كنيسة النصارى والخمارات، وذلك أنه ركب فى صفر سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة هجرية إلى ناحية المنية وشبرى الخيمة من الضواحى بالقاهرة، وكسر ما ينيف على ألفى جرة خمر، وخرب بها كنيسة كانت للنصارى، وحمل عدة جرار فكسرها تحت قلعة الجبل وعلى باب زويلة، وشدد على النصارى وأذلهم.

‌ترجمة الأمير يلبغا

ويلبغا هذا هو أبو المعالى عبد الله الأمير سيف الدين الحنفى الصوفى الظاهرى، كان اسمه فى بلاده يوسف، وهو حر الأصل وآباؤه مسلمون، فلما جلب من بلاد المشرق سمى يلبغا، وقيل له السالمى نسبة إلى سالم تاجره الذى جلبه، فترقى فى خدمة السلطان الملك الظاهر برقوق فى عدة وظائف، ولما مرض الظاهر جعله أحد الأوصياء على تركته، وحصلت منه أمور كثيرة،

ص: 312

ووقعت له جملة نكبات، وأخيرا بعث إلى الإسكندرية فسجن بها وبقى إلى أن قتل بها خنقا عصر يوم الجمعة وهو صائم فى السابع عشر من جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة وثمانمائة، وقد أطال المقريزى فى ترجمته.

وفى: «نزهة الناظرين» أنه قتل بشبرى الخيمة وزير مصر إبراهيم باشا المتولى، فى ذى القعدة سنة ألف واثنتى عشرة هجرية، وذلك أن فرقة من العسكر كانت قد خرجت عن الطاعة ورفعت لواء العصيان، وتحالفوا على قتله إن ظفروا به، ففى يوم السبت غرة جمادى الأولى بعد أربعة أشهر من توليته خرج إلى قطع جسر أبى المنجى فهجموا عليه فضربه واحد منهم بالسيف فى وجهه فقتله، ثم احتزوا رأسه وطيف به فى القاهرة ثم علق الرأس على باب زويلة. وكان ذلك الوزير صوفى الطريقة، ثم إن الذين تولوا الوزارة بعده دبروا على هؤلاء العصاة حتى قتلوهم عن آخرهم، فقتل منهم الوزير محمد باشا الكرجى نحو الثلثمائة، والوزير حسن باشا المتولى سنة أربع عشرة قتل منهم جملة، والوزير محمد باشا المتولى سنة ست عشرة جمع العرب والعسكر وحارب باقيهم فى ناحية خانقاه سرياقوس، وقبض على جميع بيكباشياتهم وكانوا ثلاثة وعشرين ووضع فيهم الحديد، وكذا فعل باثنين وسبعين من رؤساء العصبة، وأتى بهم إلى الديوان وقتلهم جميعا، غير من قتل فى المعركة، ثم حث على القبض على جميع المفسدين فى كل جهة فكانت العرب تختطفهم من جميع الجهات وكل من أتوا به قتل لوقته، إلى أن طلع قاضى مصر محمد أفندى القلعة وكلم الوزير فى الكف عن قتل باقيهم وإنما ينفيهم إلى بلاد اليمن، فأجابه إلى ذلك وصار كل من يؤتى به إليه يضعه فى البرج، حتى وضع نحو ثلثمائة ثم أرسلهم إلى السويس مقيدين بالأداهم، محمولين على الجمال وفى أيديهم الخشب، ومن هناك أرسلوا إلى اليمن وانحسمت الفتنة، انتهى.

وكان العزيز محمد إلى يتردد إلى هذه القرية كثيرا وأنشأ فيها عمائر حسنة، من ذلك: السراى العظيمة التى بها وصارت فى ملك الخديو إسماعيل؛

ص: 313

اشتراها من عمه عبد الحليم باشا، وكان الشروع فى تلك العمائر والبساتين النضرة التى بها بعد النصف من شهر ذى الحجة من سنة ثلاث وعشرين ومائتين وألف، فجدد العزيز لذلك جملة أطيان من ساحل شبرى إلى قريب من بركة الحج، وجرت فيه العمارات وأنشأ عدة سواق على البحر لسقى البساتين والمزارع، ثم بعد إتمام القصر حصل سقوطه فى ربيع الآخر سنة أربع وعشرين ثم أعيد ثانيا بأحسن من حالته الأولى. وفى الثالث والعشرين من رجب تلك السنة حصل الشروع فى عمارة القلعة، ونادى منادى المعمار على أرباب الأشغال من البنائين والحجارين والفعلة بأن يذهبوا إلى عمارة قلعة الجبل.

وفى شهر ذى القعدة من سنة إحدى وثلاثين انهدم جانب من تلك السواقى على حين غفلة بسبب زيادة النيل، وتكسرت أخشابها وسقط معها أشخاص نجا منهم جماعة. وفى شهر جمادى الثانية من سنة اثنتين وثلاثين نزل جراد كثيرة وحل فى بساتينها وتعلق بالأشجار والأزهار، فصاحت عليه الخولة والبستانجية وأرسل العزيز إلى الحسينية وغيرها فجمعت مشاعيل كثيرة وأوقدوها وضربوا الطبول والصنوج النحاس، وأعلن العزيز بأن كل من جمع رطلا من الجراد فله قرشان، فجمع منه الصبيان والفلاحون كثيرا، ثم فى ليلة السبت التاسع عشر من الشهر قبل الغروب جاء جراد كثير من ناحية الشرق، مارّ بين السماء والأرض مثل السحاب وكان الريح ساكنا، وسقط منه كثير على الجنائن والمقائى والزّرع. فلما كان نصف الليل هبت ريح جنوبية استمرت إلى نصف النهار وأثارت غبارا أصفر دام إلى ما بعد العصر فكانت سببا فى طرد الجراد، فسبحان الحكيم فى صنعه، انتهى من تاريخ الجبرتى.

ومن إنشاءات العزيز بها اصطبلات الخيول التى رباها هناك لتحسن وتكثر كميتها في بلاد مصر لأهميتها والحاجة إليها، خصوصا للعساكر والجهات المهمة. قال هامون الفرانساوى الذى كان ناظرا على مدرسة البياطرة وعلى الاصطبلات زمن العزيز محمد على فى كتابه الذى ألفه على مصر: إن مصر

ص: 314

فى الزمن السابق كان يوجد بها الخيول الجياد كثيرا فكان عند هوّارة الصعيد منها ما ينيف عن ثلاثين ألف حصان، وفى الجهات الشرقية من الوجه البحرى كانت توجد كحائل كثيرة، وكذا فى سائر جهات مصر، وكان للناس رغبة تامة فى تربيتها خصوصا وهذا القطر موافق لتربية الخيول، سيما بلاد الفيوم والصعيد والمنوفية.

ولما توالت الفتن فى زمن على بك الكبير ومحمد بك أبى الذهب ونحوهما اضمحل حال البلاد وقلت منها الخيول، وعند استيلاء العزيز محمد على على هذه الديار لم يكن فى البلاد إلا القليل منها على أجناس مختلفة.

ولما كانت الحاجة إلى الخيول ضرورية للعسكر وخلافها وجه أنظاره لذلك، فجمع من البلاد جملة من الكحائل الجياد ذكورا وإناثا وجعل لها اصطبلات بقرب القاهرة، وجعل عثمان أغا ناظرا عليها، وخصص لها شعيرا لعليقها وأرضا لربيعها وخدمة واعتنى بها اعتناء تاما، ومع ذلك لم تحصل منها الثمرة المرغوبة، بل كان أكثر نتاجها يموت أو يتعيب من كثرة الأمراض، فنسبوا ذلك إلى موضعها فنقلها العزيز إلى جواره بشبرى، وبنى لها اصطبلات وعين عليها إبراهيم أغا بن عثمان أغا المذكور لمرض قام بأبيه، فأقامت على ذلك مدة ولم تحصل ثمرة بل بقى الحال على ما هو عليه من موت النتاج أو تعيبه أو رداءته، قال: وفى ذاك الوقت كنت ناظرا على مدرسة البياطرة التى أسست فى أبى زعبل وتربى بها جملة من التلامذة، فأمرنى العزيز بالذهاب إلى شبرى للكشف عن تلك الخيول والنظر فى أسباب أمراضها وقلة نتاجها، وأن أقدم له تقريرا أبين فيه تلك الأسباب وما يلزم إجراؤه لصحتها، فبمعاينتها ظهر لى أن ما هى عليه غير جالب للصحة ورأيت أن اصطبلاتها غير مرتفعة السقوف، ولا يدخلها الهواء ولا النور إلا قليلا، وبها السبلة والفضلات الموجبة للعفونة وكثرة الذباب، وأن جميع الخيل مربوطة من رءوسها وأرجلها فلا تتمكن من تمام الحركة التى بها صحتها، وأولادها تنام تحتها فى السبلة والذباب متراكم

ص: 315

عليها، وبعضها مصاب بداء السقاوة أو الديبة أو السراجة أو البرص، ونحو ذلك، وأن الطلوقات مربوطة كذلك فى اصطبل على حدتها بالقرب من الإناث وأكثرها طاعن فى السن، وأغلبها مجنس من المصرى والشامى والدنقلاوى والنجدى، وتسقى وهى مربوطة فى مكانها، وفى زمن الربيع وهو خمسة أشهر تكون مربوطة على البرسيم كذلك، وبعد البرسيم تربط فى الاصطبلات فتطعم التبن والعليق من غير تدريج، وكل ذلك جالب للأمراض وعدم كثرة النتاج، ومن موجبات رداءة النتاج وتجنيسه وعدم كثرة الحمل، إنهم فى كل ستة أسابيع من أشهر الربيع يقدمون الطلوقات للإناث بدون تحر ولا ملاحظة لإطلاق الجنس على جنسه ومن غير اعتبار للأوقات التى يحسن حمل الخيل فيها، فمن ذلك كان لا يحمل من المائة أنثى إلا نحو الخمسين فإذا ولدت يموت من نتاجها نحو الثلثين، والذى لا يموت منها يلحق باصطبل بالأزبكية على الهيئة التى وصفناها.

ومن الإهمال أن مريض الخيل كان يربط مع صحيحها ولو كان المرض معديا، ثم إنه عمل بجميع ذلك تقريرا بين فيه مضارها ومنافعها وموجبات صلاحها، وقدمه للعزيز فناط به أمور الخيل، ورخص له فى جميع ما يفعله، فبنى لها اصطبلات جديدة فى قطعة من أرض شبرى، طولها مائتان وثمانون مترا وعرضها مائة وثلاثة وثمانون مترا، وجعل ارتفاع البناء ثمان عشرة قدما، وجعل فى وسطها طريقا من الشمال إلى الجنوب، وجعلها ثمانية اصطبلات متفرقة، فى كل جهة أربعة، وجعل لها حيشانا متسعة ومسالك للهواء والشمس، وجعل في الجهة الجنوبية والشمالية المخازن ومساكن المستخدمين، وخصص للمرضى اصطبلا وللذكور اصطبلا، ورتب الخدم وميزهم بزى خاص. وبمقتضى أمر كريم خرج إلى البلاد فانتخب منها عدة خيول جياد وكذا من بيوت الأمراء وطرد الخيول الرديئة، وأبطل ربط الخيل بالمرة وجعلها سائبة فى الحيشان، كل صنف على حدته، وأبطل البيطرة وحدوة الأرجل، وعمل ساقية فى حوش متسع لسقيها منها، وجلب لربيعها

ص: 316

حشائش مختلفة من بلاد أوروبا وأفريقا وآسيا وغيرها بحيث لا تنقطع طول السنة، فتارة تأكل الحشيش الأخضر وتارة تأكل العلف اليابس مثل التبن، من غير إدامة أحدهما مدة طويلة، وجعل للمولود علفا من الشعير المدشوش يطعمه بعد ثمانية أيام من ولادته، وكلما تقدم فى العمر زيد فى عليقه إلى ثلاث سنين، ورتب للمهارة الخروج إلى الميادين المتسعة كل يوم قطعة من الزمن.

وللتحرى فى حفظ الأجناس والبعد عن تجنيسها جعل للخيل نمرا منقوشة على حوافرها، يعرف بها جنس الذكور الذى يليق أن ينزو على جنس الإناث، بحيث يعرف أن نمرة كذا من الذكور تناسب نمرة كذا من الإناث، وجعل لذلك دفترا وجعل إطلاقها لا يكون إلا بحضرة المستخدمين من الأوروباويين؛ لزيادة الضبط، ورتب لها الشعير مدشوشا زاعما أن نصف العليق إذا كان مدشوشا يقوم مقام العليق الكامل وأعطاه لها كل يوم مرتين، وأبطل إقامتها على البرسيم خمسة أشهر مرة واحدة، بل رتب لها العليق والتبن بعد شهرين من ذلك ثم بعد أيام ترد للبرسيم ثانيا. واتخذ لها الحمامات الباردة فى زمن الصيف.

فبجميع تلك الأسباب حسنت أحوالها وكثر نتاجها، فكان يحمل من المائة كل سنة نحو التسعين ولا تلد إلا جيادا، وجعل فطام النتاج بعد ثلاثة أشهر من ولادته، والنزو على الفرس بعد ثمانية أيام من ولادتها وبعض الخيل بعد أربعة أيام.

قال: وقد جربت ما يقوله بعض العرب من أنه لا بد من إجراء الفرس بعد النزو عليها حتى تعلق فلم أجده ضروريا.

ومن التجربة استبان أن النتاج المتغذى من النبات الأخضر يكون نموّه أقل من المتغذى بالعليق والتبن الناعم، وأن الناتج من الفرس المصرية والحصان النجدى أول مرة يكون أحسن من أمه قليلا، والبطن الثانية يقرب وصفها من أبيها، والبطن الثالثة تزبد فى القرب إلى أبيها، وهكذا فإذا استمر ذلك أربع

ص: 317

عشرة سنة فإن النتاج يأتى مثل أبيه سواء فينبغى استعمال ذلك فى كل الجهات، واستبان أنه لا مانع من تشغيل الخيل فى الأشغال الخفيفة وذلك لا يضر الحوامل، إلا فى الشهر التاسع، وأن الخيل الضخمة أقل علوقا من الخفيفة، وأنه لا مانع من إنزاء الحصان كل يوم إن كان صحيح البنية صحة جيدة.

وقد أرسل العزيز طلوقة من أحسن خيول الإنجليز فأنزاه على فرس نجدية جيدة، فكان نتاجه بعد سنين جميلا جدا ثم أخذ فى الهزال واعترته الأمراض فترك طلوقته، كما ترك طلوقة الحصان المصرى والحصان الشامى، وفى سنة ألف وثمانمائة واثنتين وأربعين ميلادية كانت الذكران الطلوقات الموجودة فى اصطبلات شبرى اثنين وثلاثين حصانا، ما بين نجدى وعنزى وشامى ومصرى، وكان هناك طلوقة واحد إنكليزى وواحد مسكوبى، أردؤها المسكوبى وأحسنها النجدى. وفى هذا التاريخ كان مختار باشا ناظر المدارس فأضيف إليه نظر الاصطبلات، فحصلت منه المساعدة فى نحو المرمات والمؤنة وماهيات المستخدمين ثم مات فأهمل ذلك. وكان فى ذلك الوقت اصطبل فى نبروه فيه مائة وثلاثون فرسا من خيول شبرى، وقد هم العزيز بعمل اصطبلات فى المديريات على نمط ما ذكرنا فلم يتم ذلك.

ولما رأى الأمراء والأعيان وعائلة العزيز رغبته فى تكثير الخيل واعتناءه بأمرها رغبوا فى ذلك وأكثروا من اقتنائها واجتهدوا فى تخيرها، فكان لسرعسكر والد الخديوى إسماعيل اصطبلات بجوار قصر النيل فيها نحو الأربعمائة فرس، جميعها عراب جياد، فندبنى أن أرتب لها ما رتبته لاصطبلات العزيز من تحسين الأبنية والأغذية وخلافها ففعلت؛ فعادانى المستخدمون وعابوا علىّ أمورا حسدا منهم؛ فتركتها.

وكذا كان لعباس باشا اصطبلات فى المطرية تقرب خيولها من مائتين، أغلبها من خيل العرب قد جعل عليها رجلا حجازيا، ولحبه للخيل أطعم نتاجها لبن الجمال والنمر وجعل اصطبلاتها بهيئة اصطبلات شبرى المرتفعة

ص: 318

المتسعة، بل أحسن هواء ونظافة، فكان نتاجها أحسن النتاج إلا أنه كان قليلا بالنسبة لنتاج خيل شبرى، وكان العزيز إذا أراد الإهداء لقادم ونحوه يهدى إليه من خيول المطرية.

وكذا كان لخورشد باشا اصطبلات فى انبابة تجاه بولاق، فيها مائة وخمسون فرسا جيدة نجدية، وكان معتنيا بها إلى الغاية.

وكذا كان عند كثير من الأمراء اصطبلات صغيرة فيها خيل جيدة، فكان لأحمد باشا يكن اصطبل فيه نحو ثلاثين فرسا، وقبل رجوع العساكر من بر الشام أرسل سر عسكر جملة كبيرة من إناث الخيل الشامية ففرقت فى البلاد لتكثير نوعها.

وبالجملة فاقتاء الخيل أمر مستحسن ومرغب فيه شرعا وعقلا؛ إذ به إرهاب العدوّ وتحصيل الأغراض. وهى أيضا من الزينة والجمال والمفاخر، وحيث إنه يتيسر فى بلاد مصر وجود البرسيم والحشائش طول السنة فيتأتى للحكومة أن تجعل فى الجهات مراكز للخيل على الوصف المتقدم، وتجعل عند الأهالى بقرب المراكز شيئا من ذلك، فإذا حصل ذلك فإنها تكثر فى القطر جدا وتزداد جودة وحسنا، ويحصل منها المقصود من الاستعانة على الأعداء وثروة الأهالى، انتهى.

(شبرى دمنهور)

جز من مدينة دمنهور غربى فرع السكة الحديد الطوالى المتوجه من مصر إلى الإسكندرية، ومبانيها بالآجر، وبها منازل مشيدة مشرفة على الفرع المذكور، وجامع يعرف بجامع الحيسى وبداخله ضريحه.

(شبرى ريس البحيرة)

قرية من مديرية البحيرة بمركز شبرى خيت، على الشاطئ الغربى لبحر رشيد، فى جنوب شبرى خيت بنحو نصف ساعة، وبها جامع بمنارة ووابور

ص: 319

مياه وحلج قطن وفى شرقها جنينة صغيرة، كلاهما للأمير محسن بيك، وبأرضها أشجار ونخيل بكثرة وتكسب أهلها من الزرع وغيره.

(شبرى ريس المنوفية)

قرية من مركز تلا، على الشاطئ الغربى للباجورية، قبلى كفر الزيات بنحو ثلاث ساعات، وفى شمال طنوب الشرقى بنو ساعتين، وبها مسجد ومعمل دجاج وسواق، وأشجار على شط الباجورية، وتكسب أهلها من الزرع المعتاد.

(شبرى زنجى)

قرية من مديرية المنوفية بمركز سبك، واقعة علي الشاطئ الشرقى للباجورية غربى ناحية الباجورية إلى الشمال بنحو ساعة بشرقى سرس كذلك، وبها جامع قديم بمنارة ومعمل دجاج وسواق، وأشجار على شط الباجورية، ويتبعها كفر يسمى كفر شبرى زنجى فى البر الغربى للترعة المذكورة به، سواق معينة وحدائق ذات ثمار، تكسب أهلها من الزرع وغيره.

‌ترجمة البحر الراوى سيدى عمر الشبراوى

وإليها ينسب إمام العارفين وقدوة الواصلين علم الأولياء وصفوة الأصفياء العالم العامل الرحلة الكامل؛ الأستاذ أبو عبد السلام عمر بن جعفر الشبراوى سقى الله ثراه شآبيب الرحمة والرضوان وأحله أعلى فراديس الجنان، ولد بها وتربى فى حجر والده رحمه الله، وبعد أن حفظ القرآن جاور فى الجامع الأحمدى فجوّد القرآن وحفظ المتون وتلقى بعض الكتب، وأقام مجاورا هناك مدة.

وكان رضي الله عنه مباركا من صغره تظهر منه خوارق للعادة جمة، وكان إذا نفذ الخبز أو الدراهم منه يأتيه شخص لا يعرفه فيعطيه الخبز والأدم فى طرفى كل يوم، إلى أن يحضر له من عند والده ما يقوم بكفايته فينقطع ذلك، وتكرر له ذلك حتى كان يظن أن عادة سيدى أحمد البدوى مع جميع

ص: 320

المجاورين ذلك. ثم انتقل إلى الجامع الأزهر فبعد وصوله إليه رأى أنه لم يستأذن سيدى أحمد البدوى، فرجع إلى طنتدا واستأذن سيدى أحمد البدوى فأذن له. وأقام فى الأزهر ملازما لشيخ الإسلام الشيخ الباجورى فى تلقى العلم معقولا ومنقولا، ولازم أيضا الشيخ المبلط والشيخ البلتانى وجملة أكابر، رحمهم الله، ولازم شيخ الإسلام سيدى أحمد الدمهوجى خليفة الأستاذ الشرقاوى وأخذ منه العهد، واشتغل بالذكر مع الاشتغال بالعلم والاجتهاد فى كل. وبعد وفاة الأستاذ الدمهوجى لازم العارف بالله سيدى محمد السباعى وأجازه بالطريق الخلوتية والشاذلية، وأجازه بالطريق الشاذلية أيضا العارف بالله الشيخ البهىّ المدفون بطنتدا، والشيخ الجوهرى، وأجيز بالطريق النقشبندية أيضا.

ثم أقام ببلده المذكورة وقصده الناس من كل جهة لتلقى الطريق، ووصل على يديه الجم الغفير من العلماء وأكابر أهل العلم، وآحاد الناس من المنوفية والشرقية والبحر الصغير ودمياط، واشتهر أمره جدا مع الاعتقاد التام وحسن السيرة، وكان يتوجه إلى تلك الجهات نادرا بعد تكرر طلب مريديه.

وله مؤلفات كثيرة كشرحه على «ختم الصلوات» لسيدى مصطفى البكرى، وشرحه على «ورد السحر» ، وشرحه على «ورد الستار» ، وشرحه على «حزب الأستاذ الشاذلى» ، وشرحه على «حزب الإمام النووى» ، «ورسالة فى الطريق النقشبندية» ، وله غير ذلك. وكم ظهرت على يديه كرامات وانتفع به أناس فى العلم والطريق.

توفى رضي الله عنه فى شوال سنة 1303 وقد ناهز الثمانين، ودفن فى مسجده الذى أنفق على بنائه من ماله بالبلد المذكورة، وله قبة فيه عليها أنوار لائحة، وله مولد كل عام فى شوال، ومكتوب على ستر تابوته هذان البيتان لأحد مريديه؛ الشيخ محمد الألفى الشرقاوى وهما:

ص: 321

يا سيّدا بحياته سعد الورى*

وضريحه أضحى بهىّ النّور

لك مكرمات لا تضاهى أرّخت*

يا زائرى أبشر وفز بسرور 1303

وأجاز بالطريق جملة من الأفاضل، منهم حضرة الأستاذ العامل العالم الشيخ أحمد بن إسماعيل الحلوانى. وقد أفرد مناقب المترجم بالتأليف، ومنهم نجله الشيخ عبد السلام الشبراوى، لقن أغلب من لم يكمل على يد والده، ومعه إجازة بخط والده وختمه، وله أيضا جملة أنجال يظهر عليهم الصلاح، كالشيخ عمر، والشيخ عثمان، وغيرهم، رحمه الله رحمة واسعة آمين.

(شبرى سندى)

قرية من مديرية الدقهلية بمركز السنبلاوين وفى الشمال الشرقى لناحية مناغصين بنو ثلث ساعة، وفى جنوب ناحية المقاطعة كذلك، وبها مسجد، وتكسب أهلها من الزرع وغيره.

(شبرى شهاب)

قرية من مديرية القليوبية بمركز قليوب، على حافة البحر الشرقى، فى مقابلة فم ترعة النعناعية التى فى بلاد المنوفية، قبلى كفر الحمى، وفيها جامع بمنارة، وعليها معدية للمارين إلى الشرق أو الغرب، وفى شرقها جنينة على مسافة ثلاثة آلاف متر فيها فواكه وبعض خضر وجملة من شجر الأثل، وبها بعض نخيل بجوار جسر البحر الأعظم، ولها سوق ينصب يوم الثلاثاء وزراعاتها كالمعتاد، وتكسب أهلها من الزرع وغيره.

(شبرى صورة)

قرية بمديرية الدقهلية بمركز منية غمر، فى شرقى ناحية وليلة بنحو نصف ساعة، وفى جنوب ناحية قرموط بنحو ثلث ساعة، وبها جامع، وتكسب أهلها من الزرع وغيره.

ص: 322

(شبرى العنب)

قرية من مديرية الشرقية بمركز منيا القمح، موضوعة شرقى ناحية الصنفين بنحو ثلاثة آلاف وثلثمائة متر، وفى غربى ترعة الخليلى الخارجة من الشرقاوية، وبها مسجد وجملة نخيل وأشجار وسواق، وبها أرباب صنائع، وزراعة أهلها صنف القلقاس وبعض الحبوب وتكسبهم من ذلك، وزمامها ألف فدان وأربعمائة فدان وأحد وخمسون فدانا، وقد ذكرنا بعض ما يتعلق بالقلقاس فى الكلام على شنوان.

(شبرى قاش)

من مديرية الغربية بمركز شربين، على الجانب الغربى لفرع دمياط.

(شبرى قاص)

قرية صغيرة من مديرية الغربية بمركز الجعفرية، موقعها على الشاطئ البحرى لترعة الجعفرية، شرقى طنتدا بنحو ساعة، وتكسب أهلها من الزرع وغيره.

(شبرى قبالة الدقهلية)

قرية بمديرية الدقهلية بمركز السنبلاوين، شرقى مصرف البزارى الشرقى الخارج من ترعة أم سلمة، فى بحرى ناحية نوب بنحو نصف ساعة، وبها مسجد وجفلك لورثة المرحوم إبراهيم باشا يكن، وبها دوار للمواشى ومخازن للمحصولات، وتكسب أهلها من الزرع وغيره.

(شبرى قبالة الغربية)

‌ترجمة مولانا الشيخ أحمد السطيحة رضي الله عنه

قرية من مديرية الغربية، بها زاوية للشيخ أحمد السطيحة، قبره بها ظاهر يزار وكان يدعو عليها بالخراب وعلى أهلها الذين ينكرون عليه فوقع بينهم القتل وخربوا، وهى خراب إلى وقتنا هذا، قاله الشعرانى فى طبقاته، وقال: فقلت

ص: 323

له: الفقير يعمر بلده أم يخربها؟، فقال: هؤلاء منافقون وفى حصادهم مصلحة للدين.

وكان من الرجال الراسخين، صحبته عشرين سنة وأقام عندى أياما وليالى، وكان رضي الله عنه يقول: ما أحببت أحدا فى عمرى قدرك، وكان على قدم الشيخ أحمد الفرغل، رضي الله عنهما، فى لبسه كل جمعة مركوبا جديدا يقطعه مع أنه سطيحة لا يتحرك، وكان يتكلم فى الخواطر، ويقضى حوائج الناس عند الأمراء وولاة الأمور، وطريقه مخلاة بلا معارض، ولم يزل فى عصمته أربع نساء، وكان كفه ألين من العجين، خفى الصوت لا يتكلم إلا همسا، كثير المباسطة خفيف الذات، وكان على زاويته الوارد كثيرا يعشى ويعلق على البهائم، وله زرع كثير والناس تقصده بالهدايا من سائر البلاد، وكان يحضنه خادمه علي الفرس كالطفل، وله طرطور جلد طويل وله زناق من تحت ذقنه ويلبس الجبب الحمر، وكانت آثار الولاية لائحة عليه إذا رآه الإنسان لا يكاد يفارقه. ووقعت له كرامات كثيرة، منها أنه حاكاه إنسان وعمل له طرطورا، وركب على فرس فى حجر خادم؛ فاعوجت رقبته فصاح: اذهبوا بى إلى الشيخ أحمد السطيحة فأتوه به فضحك الشيخ عليه وقال: تزاحمنى على الكساح، تب إلى الله ورقبتك تطيب فتاب واستغفر، فأخذ الشيخ زيتا وبصق فيه وقال: ادهنوا به رقبته فدهنوها فطابت، وكانت وارمة مثل الخلية فصارت تنقص إلى أن زال الورم وقلع الطرطور، وصار يخدم الشيخ إلى أن مات.

وكان رضي الله عنه صائم الدهر، وتوفى سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة، ودفن بزاويته.

(شبرى قبالة المنوفية)

قرية من مديرية المنوفية بمركز مليج، واقعة على الشاطئ الغربى لترعة الخضراوية، وفى الشمال الغربى لبندر بنها بنحو ثلثى ساعة، وبها مسجد وسواق معينة وقليل أشجار، وتكسب أهلها من الفلاحة وغيرها.

ص: 324

(شبرى قلوج)

قرية من مديرية الغربية بمركز زفتة، موقعها شرقى ترعة الخضراوية وبحرى نهطية بنحو نصف ساعة، بها زاوية للصلاة، وفى غربها كفر يعرف بكفر شبرى وبكفر الذيب، وتكسب أهلها من الزرع ونحوه.

(شبرى قمص)

قرية من مركز منيا القمح بمديرية الشرقية، فى قبلى مصرف أبى الأخضر بنحو خمسمائة متر، وفى الجنوب الغربى لناحية سفيطة بنحو أربعة آلاف متر، وفى الجنوب الشرقى لمنية ربيعة بنحو ثمانية آلاف متر، وأبنيتها كمعتاد الأرياف، وتكسب أهلها من الزرع وغيره.

(شبرى ملّس)

شبرى كسكرى كما تقدم، وملّس بفتح الميم وكسر اللام المشددة بالسين المهملة؛ مركب تركيب إضافة أو تركيب مزج كما فى «خلاصة الأثر» وكذا يقال فى كثير من الشبريات. وهى قرية من مركز زفتة من مديرية الغربية، بين ترعة الساحل والخضراوية، وقبلى منية هاشم، وفى الشمال الشرقى لناحية نهطاى، وأغلب أبنيتها باللبن، وبها جامعة ومنزل كبير لعمدتها ومعمل دجاج وعصارة لقصب السكر، وبدائرها أشجار كثيرة وجنائن وسواق وتكسب أهلها من معتاد الزرع، وأكثر أهلها مسلمون.

‌ترجمة الشيخ محمد الشبراملسى المالكى

وظهر منها قديما عالم وقته الشيخ محمد الشبراملسى، المترجم فى «خلاصة الأثر» بأنه محمد بن على بن محمد بن على الشبراملسى المالكى، الإمام الجليل، الجامع للعلوم الذى تضلع منها وصرف أوقاته فى التحصل والتفريع والتأصيل، وانفرد فى عصره بالعلوم الحرفية والأوفاق والزايرجة وبقية

ص: 325

العلوم العقلية، وألف مؤلفات كثيرة، منها «شرح على إيساغوجى فى المنطق» ، وقد أخذ عن شيوخ، منهم الشيخ أحمد الشناوى وأخذ عنه الشيخ موسى القلينى، وكان فى سنة إحدى وعشرين وألف موجودا، انتهى.

‌ترجمة أبى الضياء نور الدين الشيخ على الشبراملسى الشافعى

وينسب إليها أيضا على بن على أبو الضياء نور الدين الشبراملسى الشافعى القاهرى، ولى الله، أعلم أهل زمانه، لم يأت مثله فى دقة النظر وسرعة استخراج الأحكام وقوة التأنى والحلم والإنصاف، لم يعهد منه أنه أساء إلى أحد الطلبة بكلمة، بل غاية ما يقول إذا تغير من أحد:«الله يصلح حالك يا فلان» كان له قوة إقدام على تفريق كتائب المشكلات، ورسوخ قدم فى حل أقفال المقفلات، موقرا فى النفوس، ذا وجه نورانى ولحية بيضاء طاهرة وهيئة حسنة، يخشع لرؤيته من يراه ولا يريد فراقه، حسن المنادمة لطيف المداعبة مصون المجلس عن الغيبة، صارفا أوقاته فى المطالعة والتلاوة والعبادة، زاهدا فى الدنيا، لا يتردد إلى أحد إلا فى شفاعة خير، إذا مر بالسوق تزدحم الناس على تقبيل يده، مسلمهم وكافرهم. ومن مقولاته:«قيراط من الأدب خير من أربعة وعشرين قيراطا من العلم» .

ولد بشبراملّس وحفظ بها القرآن وكف بصره بالجدرى وهو ابن ثلاث سنين، وكان يقول: لا أعرف من الألوان إلا الأحمر، لأنه كان يومئذ لابسه، ثم قدم مصر مع والده وحفظ «الشاطبية» و «الخلاصة» ، «والبهجة الوردية» ، و «المنهاج» ، و «نظم التحرير للعمريطى» ، و «الغاية» ، و «الجزرية» ، و «الكفاية» ، و «الرحبية» ، وغير ذلك، وتلا للسبعة ثم للعشرة، وحضر دروس عبد الرءوف المناوى بالمدرسة الصلاحية جوار الشافعى، وأخذ عنه شرف الدين ابن شيخ الإسلام، والبهوتى، والبشبيشى والزرقانى، وغيرهم، وكان يكتب على جميع ما يقرؤه من الكتب لكنه تبدد بين يدى طلبته. ولم يشتهر منه إلا «حاشية على المواهب» خمس مجلدات، و «حاشية على شرح الشمائل» لابن حجر،

ص: 326

وأخرى على «شرح الورقات» لابن قاسم، وأخرى على «شرح أبى شجاع» ، وأخرى على «شرح الجزرية» ، للقاضى زكريا، وأخرى على «شرح المنهاج» للرملى.

وكان فى آخر عمره لا يستطيع النطق فى الدرس إلا بصوت خفى ثم يقوى شيئا فشيئا حتى يصير كالشاب، وكان كثير المطالعة وإذا تركها أياما تأتيه الحمى. كانت ولادته سنة سبع أو ثمان وتسعين وتسعمائة، وتوفى سنة سبع وثمانين وألف، انتهى.

(شبرى ملكان)

قرية من مركز سمنود بمديرية الغربية، في بحرى المحلة الكبرى بنحو نصف ساعة، وبها جامع وقليل أشجار، وتكسب أهلها من الزرع، وغيره.

(شبرى منت)

قرية من مديرية الجيزة بقسم أول، على الشاطئ الشرقى للبحر اللبينى، فى شمال بوصير بنحو ساعة وفى غربى أبى النمرس كذلك، وبها جامع بمنارة ونخيل كثير، وفى قبليها جسر شبرى منت الممتد من النيل إلى الجبل وبه قنطرة بخمس عيون وسط اللبينى. أنشئت سنة خمس وخمسين ومائتين بعد الألف. وفى هذا التاريخ حصل ترميم القناطر التى باللبينى، المعروفة بقناطر دهشور، ويقال إنها من زمن الظاهر بيبرس، وكذلك قناطر سقارة والمنشأة.

وشبرى منت قرية مشهورة قديما، وكان يتردد إليها فى الأعصر الماضية ملك الأمراء خير بك؛ حاكم مصر من طرف ابن عثمان بعد سنة عشرين وتسعمائة على سبيل النزهة، ويصحبه كثير من الأمراء الجراكسة والعثمانية والقضاة والمحتسب، وكان يقيم هناك الأيام ويمدّ له الأمراء والقضاة المدات الحافلة، وكانوا يخصصون لوازم المدات على البلاد. وكان الكشاف ومشايخ العرب يقدمون إليه التقادم الكثيرة، من فضة وذهب ومواش ودواب وأوز ودجاج ونحاس وسمن، وغير ذلك، انتهى.

ص: 327

وكان بجوارها قرية يقال لها بنى يوسف اختلطت معها على توالى الأزمان وصارتا قرية واحدة إلى الآن، ويقال لها شبرى منت وبنى يوسف.

(شبرى النخلة)

قرية من مركز بلبيس بمديرية الشرقية، وفى بحرى ترعة منية يزيد الخارجة من فرع الخليلى، وفى جنوب ناحية بردين بنحو ساعة، وعندها فى جهاتها الأربع برك كثيرة المياه، وبها جامع بمنارة ومجلسان للدعاوى والمشيخة ومكاتب لتعليم القرآن، ولعمدتها عبد الرحمن أبى خضرة منازل مشيدة وجنينة ذات فواكه، وله أيضا معمل دجاج، وزمام أطيانها ألفان وسبعمائة فدان وأربعة عشر فدانا وكسر، وفى غربيها على بعد ألفى متر تل يعرف بتل أبى طرطور على ترعة منية يزيد، ارتفاعه عن أرض المزارع نحو خمسة عشر مترا، ولها سوق كل أسبوع.

‌ترجمة أبى الحسن على بن إبراهيم الحوفى النحوى

ومن هذه القرية أبو الحسن الحوفى كما فى ابن خلكان، وقال: هو أبو الحسن على بن إبراهيم بن سعيد بن يوسف الحوفى النحوى، كان عالما بالعربية وتفسير القرآن الكريم، وله تفسير جيد، واشتغل عليه خلق كثير وانتفعوا به، ورأيت خطه على كثير من كتب الأدب قد قرئت عليه، وكتب لأربابها بالقراءة كما جرت به عادة المشايخ، وتوفى بكرة يوم السبت مستهل ذى الحجة سنة ثلاثين وأربعمائة، رحمه الله تعالى.

والحوفى (بفتح الحاء المهملة وسكون الواو وفى آخرها فاء) هذه النسبة إلى حوف، وقال السمعانى: ظنى أنها قرية بمصر حتى قرأت فى تاريخ البخارى أنها من عمان، منها أبو الحسن المذكور، ثم قال: وكان عنده من تصانيف النّحّاس أبى جعفر المصرى قطعة كبيرة. قلت: قوله قرية بمصر ليس

ص: 328

كذلك، بل الناحية المعروفة بالشرقية التى قصبتها مدينة بلبيس جميع ريفها يسمونه الحوف، ولا أعلم ثمّ قرية يقال لها الحوف.

وأبو الحسن من حوف مصر، وبعد أن فرغت من ترجمة أبى الحسن الحوفى على هذه الصورة ظفرت بترجمته مفصلة؛ وذلك أنه من قرية يقال لها شبرى النخلة من أعمال الشرقية المذكورة، وأنه دخل مصر وقرأ على أبى بكر الأدفوى ولقى جماعة من علماء المغرب وأخذ عنهم، وتصدر لإفادة العربية، وصنف فى النحو مصنفا كبيرا، وصنف فى إعراب القرآن كتابا فى عشرة مجلدات، وله تصانيف كثيرة يشتغل بها الناس، رحمه الله تعالى، انتهى.

وقوله: وجميع ريفها، قال فى ديوان الإنشاء: الريف لغة هو موضع المياه والزرع، ثم جعل ذلك اسما لبلاد القرى، وقال ابن دريد: الريف ما قارب السواد من أرض العرب، وقال التبريزى: الريف ما قارب الماء من أرض العرب، وقال غيره: الريف أرض لها زرع وخصب، ويطلق فى مصر على الوجه البحرى، وبالديار المصرية وجهان، القبلى، والبحرى.

وفى تاريخ بطاركة الاسكندرية أن قصر بابلون مبنى بالحجارة بين الصعيد والريف، ويقال: انحدر كل من فى الصعيد إلى الريف لطلب الغلة، ويقال أيضا: أن ماء النيل يعلو أرض الريف والصعيد، ففى هذه العبارات قد أطلق الريف على الوجه البحرى فقط.

وقال ابن حوقل: الريف اسم لبلاد مصر العليا، وقال أيضا: الحوف ما كان أسفل الفسطاط، وما كان فى جنوبه يعرف بالريف، ومعظم رساتيق مصر أى بلادها بالحوف والريف.

وفى القاموس: الريف بالكسر أرض فيها زرع وخصب وما قارب الماء من أرض العرب أو حيث الخضر والمياه والزرع، وراف البدوى يريف أتى الريف، وأرافت الأرض وأريفت أخصبت، انتهى.

ص: 329

وفى كتاب تقويم البلدان لأبى الفداء ما نصه: ويسمى ما علا عن الفسطاط على جانبى النيل الصعيد، وما سفل عنه الريف، وطول الصعيد من أسوان إلى الفسطاط فوق خمس وعشرين مرحلة، وعرضه ما بين نصف يوم إلى يوم، وأما الريف فعرضه من حدود الإسكندرية إلى طرف الحوف الشرقى عند أول مفازة القلزم نحو ثمان مراحل، قال ابن حوقل: ويعرف شمالى النيل أسفل من الفسطاط بالحوف وجنوبيه بالريف، ومعظم رساتيق مصر وقراها فى هذين الموضعين، انتهى.

(فائدة)

ترجمة أبى جعفر النحاس

أبو جعفر النّحّاس هو-كما فى ابن خلكان-أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسمعيل بن يونس المرادى النحاس النحوى المصرى، كان من الفضلاء، له تصانيف مفيدة وروى عن أبى عبد الرحمن النسائى، وأخذ النحو عن أبى الحسن على بن سليمن الأخفش وأبى إسحق الزجاج وابن الأنبارى ونفطويه وأدباء العراق، وكان قد رحل إليهم من مصر. وتوفى بمصر يوم السبت خامس ذى الحجة سنة ثمان وثلاثين وثلثمائة، وقيل سنة سبع، وكان سبب وفاته أنه جلس على درج المقياس على شاطئ النيل فى أيام زيادته وهو يقطّع بالعروض شيئا من الشّعر فقال بعض العوام: هذا يسحر النيل حتى لا يزيد فتغلو الأسعار، فدفعه برجله فى النيل فلم يوقف له على خبر، انتهى.

(شبرى نطول)

قرية من مديرية الغربية بمركز بسيون، موضوعة على الشاطئ الغربى لبحر سيف، وفى الجنوب الشرقى لناحية سلمون بنحو ألفين وأربعمائة متر، وفى الشمال الغربى لمنية شريف بنحو ثلاثة آلاف متر، وبها جامع، وتكسب أهلها من الفلاحة.

ص: 330

(شبرى النملة)

قرية من مديرية الغربية بمركز محلة منوف، غربى طنتدا بنحو ساعة، وبحرى خط السكة الحديد بنحو ربع ساعة، وبها مسجد وحدائق وسواق معينة، وبجوارها من الجهة الشرقية محلّة مرحوم، وتكسب أهلها من الزرع.

(شبرى المنونة)

قرية من مديرية البحيرة بمركز النجيلة، واقعة فى قبلى ناحية البهى بنحو نصف ساعة، وبها مسجد ودوار أوسية وجنينة فيها فواكه وثمار، وفى شرقيها نخلتان، وفي جوانبها أشجار سنط بكثرة وتكسب أهلها من الزرع، وغيره.

(شبرى نيس)

قرية من مديرية الغربية بمركز الجعفرية، بجوار قويسنا من قبليها، أنشأها الشيخ حسن القويسنى نجل شيخ الإسلام الشيخ حسن القويسنى الكبير، رحمه الله تعالى، وبها قليل أشجار، وتكسب أهلها من الفلاحة، وغيرها.

(شبرى هارس)

قرية من مديرية القليوبية بمركز قليوب، على النصف بين قليوب وبنها، غربى السكة الحديد بنحو نصف ساعة، وبها جامع من غير منارة ومنزلان مشيدان أحدهما لعمدتها الشربجى شاهين، والثانى لمصطفى شاهين، وأربع جنائن ذوات فواكه وثمار، وفى جهتها البحرية والغربية قليل نخيل وأشجار، وتكسب أهلها من الزرع، وغيره.

(شبرى هور)

قرية من مديرية الدقهلية بمركز السنبلاوين، موضوعة شرقى مصرف ترعة البزارى الشرقى، على نحو مائتى متر، وفى شمال ناحية نوب بنحو ألفى متر،

ص: 331

وغربى ناحية طنبارة بنحو ألف وأربعمائة متر، وأبنيتها باللبن، وبها جامع ودوار أوسية وقليل أشجار، وتكسب أهلها من الزرع، ونحوه.

(شبرى وسيم)

قرية من مديرية البحيرة بمركز النجيلة، على ترعة أمين أغا من الجهة القبلية، وفى الجنوب الغربى لناحية الزعفرانى بنحو نصف ساعة، وبها زاوية للصلاة وقليل أشجار ونخيل وسواق معينة، وتكسب أهلها من الفلاحة.

(شبرى ويش)

قرية من مديرية الدقهلية بمركز منية سمنود، على الشط الشرقى لبحر دمياط، وفى قبلى السلمية بنحو ربع ساعة، وفى شمال ناحية المندرة بنحو نصف ساعة، وأبنيتها بالآجر واللبن، وبها جامع بمنارة، وتكسب أهلها من الزرع، وغيره.

(الشبراوين)

قرية من مديرية الشرقية بمركز القنيات، فى غربى بحر مويس، بجوار أولاد عطية وشرقى الإحسانية، وقبلى ناحية مهدية، بناؤها بالآجر واللبن، وبها مسجدان: أحدهما فى شرقيها، والثانى فى قبليها، ومعمل دجاج وقليل نخيل، وجملة من السواق المعينة محفوفة بأشجار متنوعة، وتكسب أهلها من الزرع المعتاد.

(شبرى اليمن)

قرية من مركز سمنود بمديرية الغربية، على الشاطئ الغربى لبحر دمياط، فى بحرى زفتة بنحو ثلاث ساعات، وقبلى منية بدر حلاوة بنحو ساعتين، وبها جامع وقليل أشجار، وتكسب أهلها من الزرع وغيره.

ص: 332

(شبشير)

قرية من مديرية المنوفية بمركز أشمون جريس، ويقال لها شبشير طملاى، واقعة بقرب الزاوية الحادثة من تقاطع بحر الفرعونية مع البحر الغربى عند مصب الفرعونية. وفى كتب الفرانساوية أنها كانت من المدن القديمة الصغيرة، وكان فيها كنيسة باسم مارى منجمان، وكان يسكنها مارى مارقور الأكبر. ويقابلها فى البر الثانى لبحر الفرعونية ناحية نادر من مركز منوف، بينها وبين منوف نحو ساعة ونصف، وبناحية شبشير سواق على البحر، وأهلها يتسوّقون من سوق منوف، ورى أرضها من النيل وترعة النعناعية، ويزرع بأرض بحر الفرعونية الدخان والمقاثئ، وأكثر أهلها مسلمون، ومنها علماء وأفاضل.

‌ترجمة الشيخ سالم بن حسن الشبشيرى

وفى «خلاصة الأثر» أن منها الشيخ سالم بن حسن الشبشيرى نزيل مصر، الشافعى الحجة، شيخ وقته وأعلم أهل عصره، كان فى الفقه بحرا لا يجارى، وفى بقية العلوم قدره مشهور، أخذ الفقه عن الشمس الرملى وغيره من أكابر عصره وتكمل بالنور الزيادى ولازمه سنين عديدة، وكان من أجلّ طلبته وممن فنى فى محبته، وكان يطالع لجماعة الزيادى درسه، على عادة مشايخ الأزهر أن أفضل الطلبة يطالع لطلبة الشيخ درسه مطالعة بحث وتدقيق، حتى يأتوا إلى الشيخ وهم متهيئون لما يلقيه.

وكانت جماعة الزيادى مع ما هم عليه من العلم والفهم الثاقب ملازمين لدروسه الفرعية، وممن لازمه منهم الشمس الشوبرى، والنور الحلبى، والشهاب القليوبى، وعامر الشبراوى، وخضر الشوبرى، وعبد البر الأجهورى، ومحمد البابلى، والنور الشبراملسى، والشيخ سلطان المزاحى، وكان يسميه وتد درسه ويفضله على شيخه الزيادى، ويقول: ما رأيت أفقه منه.

وكان آية من آيات الله تعالى فى استحضار مسائل الفقه وتصويرها ومعرفة الفرق والجمع بينها، والاطلاع على النقول، والإحاطة بالفروع والأصول، وكان مع كونه فقيها خالصا من أكابر الأولياء، له كرامات خارقة وأحوال باهرة. ولم

ص: 333

يزل منهمكا على بث العلم ونشره حتى توفى بمصر، يوم السبت السابع والعشرين من ذى الحجة سنة تسع عشرة وألف، وحكى البشبيشى عن شيخه الشيخ سلطان أنه توفى فى سنة ثمان عشرة وألف، وصلى عليه بالجامع الأزهر، وكان الإمام بالناس فى الصلاة عليه شيخه النور الزيادى. ولم يجزع علماء مصر على أحد من العلماء مثل ما جزعوا عليه، رحمه الله تعالى، انتهى.

(شبلنجة)

قرية من مديرية الشرقية بمركز منيا القمح، واقعة فى جنوبها بنحو سبعة آلاف وأربعمائة متر، وفى جنوب السكة الحديد الواصلة من بنها إلى الزقازيق، وأغلب أبنيتها باللبن، وبها مساجد أحدها بمنارة، ومكاتب لتعليم القرآن والكتابة، ومجلسا دعاوى ومشيخة ومقام لولى الله سيدى أبى الوفاء، وأطيانها أربعة آلاف ومائتان وتسعة عشر فدانا، وأغلب تكسب أهلها من الزرع، ومنهم أرباب حرف وأكثرهم مسلمون، وبها كنيسة للقبط.

(شربين)

قرية من مديرية الغربية ومركز من مراكزها، موضوعة على البحر الأعظم الشرقى فوق شاطئة الغربى، وبها ضبطية وحوانيت للعطارة وغيرها، وفيها قهاو وخمارات على البحر، وأغلب بنائها بالطوب الأحمر، وأكثر بيوتها على دورين، وبها وابوران للدائرة السنية أحدهما: فى جهتها البحرية لحلج القطن، والثانى فى جهتها القبلية لسقى الزرع، وفيها ديوان تفتيش للعهدة، وفى قبليها وابور ماء لعلى أفندى الزينى رئيس مجلس المركز، وله بها أيضا منزل مشيد وجنينة، وفى جنوبها الغربى على نحو ربع ساعة جنينة لأبى حجازى. ومن بيوتها المشهورة أيضا بيت أبى حجازى وبيت عمدتها عبد المجيد الزينى رئيس المشيخة، وبيت عبد المحسن عثمان رئيس الدعاوى.

ص: 334

‌ترجمة الشيخ محمد الشربينى

ومن أهلها محمد بك شكرى أنعم عليه برتبة قائم مقام فى سنة اثنتين وتسعين ومائتين وألف، والآن هو باشمهندس استحكامات ثغر دمياط. وفى وسطها جامع ينسب للشيخ محمد الشربينى؛ المترجم فى طبقات الشعرانى بأنه شيخ طائفة الفقراء بالشرقية.

كان من أرباب الأحوال والمكاشفات، وكان رضي الله عنه يخرج من بلده شربين كل ليلة من المغرب لا يرجع إلى الفجر، لا يعلمون إلى أين يذهب، وكان الأمير قرقماش وغيره من الأمراء يعتقدونه اعتقادا زائدا، وعمر له زاوية عظيمة ولم تكمل. وكان من طريقته أنه يأمر مريديه بالشحاذة على الأبواب دائما فى بلده، ويتعممون بشراميط البرد السود والحمر والحبال، وكان الشيخ محمد بن عنان وغيره ينكرون عليه لعدم صلاته مع الجماعة، ويقولون: نحن ما نعرف طريقا تقرب إلى الله تعالى إلا ما درج عليه الصحابة والتابعون، وأخبر بدخول ابن عثمان السلطان سليم قبل دخوله بسنتين، وكان يقول أتوكم محلقين اللحى. فكان الناس يضحكون عليه لقوة التمكن الذى كانت الجراكسة عليه، فما كان أحد يظن انقراضهم فى مدة يسيرة. مات رحمه الله قبيل العشرين والتسعمائة، ودفن بزاويته بشربين، وقبره بها ظاهر يزار، رضي الله عنه.

‌ترجمة شمس الدين الخطيب الشربينى

وبها جامع الخطيب الشربينى الشهير الذى ترجمه الشعرانى فى الذيل، فقال: ومنهم الأخ الصالح العالم الزاهد، المقبل على عبادة ربه ليلا ونهارا، الشيخ شمس الدين الخطيب الشربينى، رضي الله عنه، صحبته نحو أربعين سنة فما رأيت عليه شيئا يشينه فى دينه، ولم أر فى أقرانه مثله فى حفظ جوارحه، وغفلته عما فيه السعى على الدنيا ووظائفها ومضايقة أهلها، ولم يزل

ص: 335

مكبا على الاشتغال بالعلم والعمل به وتعليمه للناس، ولا يرى إلا فى مطالعة علم أو صلاة أو قراءة أو صيام، متفكرا فى أهوال يوم القيامة. ولم أسمعه مدة صحبتى له يذكر أحدا من أقرانه بسوء، ولا يحسد أحدا على ما آتاه الله من علم أو مال أو إقبال من الأكابر، ولا غير ذلك من رعونات النفس ولا رأيت أحدا من أقرانه أكثر اعتكافا منه فى رمضان وغيره. ومن عادته أن يدخل الجامع الأزهر من أول ليلة الصيام فلا يخرج من الجامع إلا بعد صلاة العيد.

وأخبرنى ولده سيدى عبد الرحمن أنه لا يتعشى دائما فى رمضان إلا بعد صلاة التراويح، فيأكل لقيمات يسيرة ويشرب ماء يسيرا.

وحججت معه حجتين فما رأيت أحدا من أقرانه أكثر مشيا عن جمّاله منه، فلا يركب إلا بعد تعب شديد، ويعزم عليه الجمّال أنه يركب فيأبى رحمة بالجمل. ورأيت شخصا سمينا من أهل العلم اشتكى جمّاله لأمير الحاج الذى قال له: امش عن الجمّال شيئا في الأرض الوعرة، فبان الصدق بين الرجلين، مع أن هذا السمين لا يعدّ الشيخ شمس الدين أنه يصلح أن يكون من طلبته، ولم يزل من حين يخرج من بركة الحاج يعلم الناس المناسك وآداب الطريق وكيفية القصر والجمع، ويحثهم على الصلاة، وربما يعطى السائل عشاءه، ويطوى تلك الليلة وغالب سفر الحج ومدة إقامته صائم لا يفطر.

وفى غالب لياليه يكتفى بشرب ماء زمزم ويعطى عشاءه للزيالع، وما رأيت أكثر تلاوة للقرآن منه ولا أكثر طوافا مدة إقامته بمكة، وطلبت يوما أن أساويه فلم أقدر على ذلك.

أخذ العلم الشيخ شمس الدين، رضي الله عنه، عن جماعة من علماء مصر، كالشيخ ناصر الدين اللقانى، والشيخ جمال الدين السنانى، والشيخ ناصر الدين الطبلاوى، والشيخ شهاب الدين الرملى، وتبحر فى العلوم على أيديهم، وأجازوه بالإفتاء والتدريس فدرس وأفتى فى حياة أشياخه وانتفع به

ص: 336

خلائق لا يحصون، وأجمع أهل مصر على صلاحه، ووصفوه بالعلم والعمل والزهد والورع وكثرة النّسك والعبادة، وشرح كتاب «منهاج الفقه» وكتاب «التنبيه» شرحين عظيمين، جمع فيهما تحريرات أشياخه ..

وبالجملة فأوصافه الحسنة تجل عن تصنيفى، فأسأل الله أن يزيده من فضله ويحشرنا فى زمرته، مع العلماء العاملين اللهم آمين، انتهى باختصار قليل.

‌ترجمة الشيخ عبد الرحمن بن الخطيب

وقد ترجم ابنه المحبى فى «خلاصة الأثر» ، فقال: هو عبد الرحمن بن محمد المنعوت بزين الدين بن شمس الدين الخطيب الشربينى، الفقيه الشافعى، المصرى، الإمام العمدة ابن الإمام العمدة، كان من أهل العلم والبراعة فى فنون كثيرة، حسن الأخلاق كثير التواضع، أخذ عن والده وغيره، وكان كثيرا ما يحج ويجاور بمكة، اجتمع به النجم الغزى بالمدينة فى أواسط المحرم سنة اثنتين بعد الألف. قال: فسألته كم حججتم: فقال: أربعا وعشرين مرة. فقلت له: أنتم يا مولانا معاشر علماء مصر يحج الواحد منكم مرات، وأما أهل الشام فلا يكاد الواحد منهم يحج إلا مرة واحدة، فأنتم أرغب فى الخير منا، فقال لى: يا مولانا الواحد منا يستأجر بعيرا بعشرة ذهبا، ويحمل تحته القريقشات ويحج، وأنتم إذا حج أحدكم يتكلف كلفة زائدة تكفى عدة منا، وطريقكم أشد من طريقنا، والأجر يكون على قدر النصب والنفقة كما فى الحديث، فحجة الواحد منكم تعدل حجات الواحد منا، وهذا دليل على إنصافه وحسن نظره، قال: ووصل خبر موته إلى دمشق فى أوائل جمادى الآخرة سنة أربع عشرة بعد الألف، قال المحبى: وحججت فى تلك السنة وحررت وفاته عن بعض فضلاء مكة أنها كانت فى صفر سنة أربع عشرة المذكورة، رحمه الله تعالى.

ص: 337

‌ترجمة الشيخ عبد الوهاب بن زين الدين الشربينى الشافعى

ومنها أيضا كما فى الجبرتى الإمام الصالح الشيخ عبد الوهاب بن زين الدين بن عبد الوهاب بن نور الدين بن أبى يزيد بن أحمد بن القطب شمس الدين بن المفاخر محمد بن داود الشربينى الشافعى، تولى النظر والمشيخة بمقام جدّه بعد أبيه، فسار فيها سيرا مليحا، وأحيا المآثر بعد ما اندرست، وعمر الزاوية، وأكرم الوافدين، وأقام حلقة الذكر فى كل يوم وليلة بالمسجد، وورد مصر مرارا، منها صحبة والده، ومنها بعد وفاته، وألف باسمه شيخنا السيد مرتضى رسالة فى الطريقة والأحزاب. وفى آخر عمره أتى إلى مصر ومرض نحو ثلاثة أيام، وتوفى ليلة الحادى عشر من ذى القعدة سنة إحدى وثمانين ومائة بعد الألف، وغسل وكفن وذهبوا به إلى بلده شربين فدفنوه عند أسلافه، انتهى.

وبشربين أيضا جملة مكاتب لتعليم القرآن، منها مكتب السيد السمنودى بجوار جامع الخطيب الشربينى، ومكتب الشيخ عبد الله الأنصارى بحارة الشربينى، ومكتب الشيخ أحمد طحينة بحارة الشربينى أيضا. وبها ثلاث جبانات، جبانة سيدى محمد الشربينى بجوار جامعه، وجبانة الشيخ عبد اللطيف فى بحريها، وجبانة صغيرة فى شرقيها بجوار الشيخ عبد الله السروى، وهى الآن دارسة.

وبالناحية جملة من مقامات الأولياء: مقام الشيخ أبى زيد بجوار جامع الخطيب، ومقام الشيخ عبد اللطيف بالجبانة، ومقام الشيخ عمرو، ومقام سيدى سالم أبى الفرج ومقام الشيخ عبد الله السروى، ومقام الشيخ سميط بأرض المزارع. وأراضيها تروى من النيل، وبها ساقية معينة، ولها شهرة بزرع الأرز، ويزرع بها القطن والقمح، وزمامها ألفان وخمسمائة فدان، منها للتفتيش ستة عشر فدانا، وسوقها كل يوم جمعة، ويجتمع فيه خلق كثير من الدقهلية

ص: 338

والغربية، ومحطة السكة الحديد فى شمالها الغربى بقليل، وفى شرقيها ناحية ابشاقة بالبر الشرقى للنيل، وفى غربيها ناحية الحفص. وفى قبليها كفر الدبوسى. ولها طريق يوصل إلى بلقاس ويمر بناحية بسنديله.

(شرشيمة)

بليدة من مديرية الشرقية بمركز العلاقمة، فى الجنوب الغربى لطوخ القرموص بنحو ثلاثة آلاف متر، وفى الشمال الغربى لناحية سلامون بنحو ثلاثة آلاف وثلثمائة متر، وبها جامع، وبدائرها نخيل، وتكسب أهلها من الزراعة، وغيرها.

وفى «نزهة الناظرين» : أن هذه القرية خربتها العساكر فى السنة الثانية من القرن الثانى عشر من الهجرة، وكان حاكم مصر إذ ذاك الوزير على باشا من طرف السلطان أحمد بن السلطان إبراهيم، فعين ذلك الوزير على هذه الناحية وعلى ناحية الصورة من بلاد الشرقية أيضا تجريدة، جعل سردار عسكرها مصطفى بك تابع يوسف، أغا أغاة الباب، وفيها جملة من الكشاف وثلثمائة عسكرى، فنزلوا على هاتين الناحيتين فخربوهما ونهبوهما وقتلوا كثيرا من أهلهما، ثم رجعوا وصحبتهم مائة رأس من رؤوس القتلى وأربعة بوّات، فشكر الباشا صنيعهم وخلع عليهم، وكانت العرب فى تلك المدة عاثية فى جميع بلاد القطر، يفعلون ما لا خير فيه، وكان الأهالى لا يجدون لهم مغيثا ولا ناصرا، فإن التجريدات التى كانت ترسل إلى البلاد تخرب فيها وتفعل أكثر ما يفعل العرب، فلا تزداد الأهالى من التجريدات إلا تلفا، ولا البلاد إلا خرابا، فكانوا كالمستغيث من الرمضاء بالنار.

ومن هذا القبيل ما فى «نزهة الناظرين» أيضا أن جما غفيرا من إقليم البحيرة جاءوا إلى مصر فى شهر المحرم، بعد مضى أربع أشهر من التاريخ المتقدم وبصحبتهم عرض من قاضى الولاية بأن عرب البحيرة هتكوا أعراض

ص: 339

الناس، وأفحشوا في البنات البكر، ورتبوا المكس على أموات المسلمين، وبحضورهم مصر دخلوا الجامع الأزهر أولا وأخبروا العلماء بذلك، فذهب العلماء إلى قاضى العسكر وعرّفوه بالواقع، وطلعوا إلى الديوان بالبيارق، وعرضوا العرضحال على الوزير على باشا، فقال: وما الذى تريدون؟ فقالوا: أن تكتب لهم بيورلديا (أمرا) شريفا بأن كل من تعدى عليهم من العرب فى شئ يقتلونه من غير معارضة، ولا يطلب كاشف الولاية منهم دفنه ولا متاعه، وأن المتلزمين جميعا ينزلون إلى بلادهم، كل منهم بسجمانيته (عسكره)، ومن لا ينزل أو يرسل سجمانيته فلا يعارض فى الذى يفعل بالعرب، ولا يحامى لأحد منهم، فكتب الأمر بذلك وصار الاتفاق عليه، وتعين إبراهيم بك كاشفا على الولاية، فلم يرض العلماء به وأغلقوا باب الجامع الأزهر، فولى غيره، وانفض الأمر على ذلك، انتهى.

(الشرفا)

قرية من قسم قنا على شاطئ النيل الشرقى، قبلى قنا، فى مقابلة الطويرات الواقعة غربى البحر من قسم قنا أيضا، والشرفا قرية صغيرة مجاورة للخربة، وهى بلدة كبيرة من القسم المذكور فى داخل حوض الجبلاوى، والعادة أن خفارة بندر قنا وساحلها وضواحيها فى التزام أهل الخربة، ومن أهلها إسماعيل حربى كان عمدتهم، وترتب ناظر قسم زمن العزيز محمد على وكان مشهورا بالكرم. وأهل هذه القرى يقتنون الخيل الجياد، وفيها مساجد ومكاتب أهلية ونخيل وأشجار، وأكثر أهلها مسلمون، والشرفا أيضا قرية صغيرة بقسم أطفيح شرقى العطيات وبحرى غمازة الكبرى، وعمدتها رزق حسن، كان من ضمن أعضاء شورى النواب، أبنيتها باللبن، وبها مسجد من بناء حسن عكاشة والد رزق المذكور، وأبراج حمام لرزق وإخوته وأعمامه.

ص: 340

(شرونة)

قرية من مديرية المنية بقسم بنى مزار، على الشط الشرقى للنيل، فى شمال الجرابيع بنحو خمسة آلاف ومائتين وخمسين مترا، أكثر أبنيتها باللبن على طبقة واحدة، ومنزل عمدتها فوق البحر على طبقتين وبه مضيفة متسعة، بها زاوية للصلاة فوق البحر ووابور لسقى القصب، وفى غربيها على شاطئ البحر قطعة جبل صغير تسمى حجر السلامة، لأن المياه المنحدرة من جهة الجندية إليه تلتجئ المراكب إليه، فإذا قربت منه ردّتها قوة الماء الناشئة من مصادمة ذلك الحجر فتسلم المراكب من مصادمته، وبهذه القرية كما فى الجبرتى قبر الأمير محمد بك جركس، وكان موته بوقوعه في ربوة وهو مهزوم من عساكر المصريين الذين رئيسهم ذو الفقار بيك، والعرب الذين رئيسهم سالم بن حبيب، فولى محمد بك جركس وتبعه ابن حبيب والأسباهية، إلى آخر ما هو مشروح فى الكلام على دجوة، وكان ذلك فى سنة نيف وثمانين ومائة ألف.

(ششت الأنعام)

قرية من مديرية البحيرة بمركز شبراخيت، غربى السكة الحديد، على نحو ربع ساعة، وفي الشمال لناحية شابور بنحو ساعة، وفي شمال قناطر السكة الحديد بنحو نصف ساعة، وبها مسجدان، أحدهما بمنارة، وفيها ضريح الشيخ سويد، يعمل له ليلة كل سنة، وبها قليل نخيل وأشجار، وقد نشأ منها عبد العال بك المشهور بأبى حشيش، دخل العسكرية في زمن العزيز محمد على، وترقى إلى رتبة الملازم فى زمن المرحوم عباس باشا، وفى زمن المرحوم سعيد باشا ترقى إلى رتبة البيكباشى، وأحسن إليه برتبة القائم مقام فى زمن الخديو إسماعيل، وهو ذو فطنة وذكاء، وقد جرد من ذلك كله.

ص: 341

(شطا)

قال ابن حوقل: إن شطا مدينة قريبة من تنيس ودمياط، وفيها تعمل الثياب الشطوية. ويقال إن اسمها مأخوذ من اسم شطا بن الهاموك عم المقوقس، ومن أمره أنه بعد أن استولى عمرو بن العاص على قلعة تلك المدينة وعلى بلاد مصر، أرسل عسكر وحاصر دمياط واستولى عليها وخرج شطا مع ألفين من أصحابه، وكان هو حاكمها، ولحق بالمسلمين، وكان قبل ذلك محبا للخير، ولما سمع بالإسلام أحبه ودخل فيه، ثم إن المسلمين بعد الاستيلاء على دمياط حصل لهم عناء شديد في محاصرة تنيس، فكان من شطا أن ذهب إلى مدينة البلس والدميرة وأشمون وطناح وحرض أهل تلك البلاد على القتال، واتحد بهم مع عساكر المسلمين وحاصروا جميعا تنيس، ووقع من شطا جهاد عظيم، وقتل اثنى عشر مقاتلا من أهلها، ثم قتل فى تلك الوقعة يوم الجمعة حادى عشر شعبان سنة إحدى وعشرين من الهجرة، ودفن خارج البلد في المحل الذى هو به الآن، وبنى عليه قبة تزورها أهل البلاد المجاورة كل سنة فى خامس عشر شعبان.

وفى شطا يعمل طراز الكعبة، وقال الفاكهى: رأيت واحدا منها أهداه الرشيد إلى الكعبة وكان من الأقمشة المعروفة بالقباطى، ومكتوب عليه بركة من الله لعبد الله هارون أمير المؤمنين أطال الله أيامه، عمل هذا الطراز بأمر فضل بن الربيع سنة إحدى وتسعين ومائة، انتهى.

وكان بمدينة شطا أسقفية تابعة لبطريك الإسكندرية.

(شطب)

بلدة بالصعيد بقسم أسيوط، فى قبليها بنحو ساعة، ويقال لها شطب الحمراء، وهى فى وسط حوض الزنار، واقعة على كيمان عالية قديمة، وأغلب أبنيتها من الطوب الأحمر وبيوت أكابرها على دورين، وبها جامع بمنارة وفى

ص: 342

قبليها سبيل عنده بناء متسع تستريح عنده الواردون، وعدة حيضان تعطين الكتانى، وعنده بستان نضر مسوّر بسور متين، وذلك السبيل بناه عمدتها كدوانى، وهو رجل مشهور بالغنى، ويوجد عنده القمح الذكر اليوسفى، يقال إنه جلبه من بلاد المغرب، وقد كثر زرعه الآن فى نواح متعددة من الصعيد، وهو جيد الدقيق والخبز، وأهل مصر تفضله على غيره وتزيده فى الثمن.

وفى زمن النيل لا يتوصل إلى تلك البلدة إلا فى المراكب، وفى شرقيها جسر ممتد فى الجنوب من أسيوط إلى مديرية جرجا فيمر بناحية الشغبة، ثم بالقطيعة، ثم بباقور، ثم ببوتيج، وبينها وبين الجسر باطن منخفض، كان فى السابق متسعا يبلغ عرضه نحو ثلثمائة قصبة، وكثير منه كان مستبحرا غير صالح للزراعة بسبب عدم استيفاء عمليات الجسور وحفظ الحيضان، فكانت المياه تنصرف من أول الزيادة قبل رى الأراضى المرتفعة. وكانت ترعة السوهاجية تشق أطيان مديريتى جرجا وأسيوط بدون مانع، حتى تصب فى النيل من قطع أبى عزيز الذى فى الجسر المذكور قبلى الشغبة، بينه وبين قنطرة شطب الواقعة في ذلك الجسر نحو نصف ساعة، فبسبب قوة المياه وعدم ما يمنعها استبحر من حوض الزنار فى هذا الباطن وغيره نحو خمسة عشر ألف فدان، غير ما استبحر فى الحيضان القبلية، ونشأ عن ذلك تلف كثير من الأراضى ما بين مستبحر ومشرق ومرمل، وكان التلف كل سنة يزداد، فلما حصلت التأكيدات على حكام الجهات من طرف العزيز محمد على برم الجسور وإنشاء ما يلزم إنشاؤه من الجسور والترع والقناطر، ورتب لذلك مهندسين من الذين تربوا فى المدارس المصرية تحت ظله، فجعل محمد بك عبد الرحمن فى الأقاليم القبلية بوظيفة مهندس، فأجرى ما يلزم إجراؤه لإمكان الرى وصرف المياه عند الحاجة على الوجه الأليق-ارتفع ذلك الضرر شيئا فشيئا وقل الاستبحار، وأخذ المستبحر فى الارتدام بالطمى حتى صلح للزراعة جميعه على التدريج.

ص: 343

ولتلك الناحية جزيرة فى شرقى الجسر على ساحل البحر نحو سبعمائة فدان، بها قربة صغيرة يقال لها عزبة شطب وهى تابعة لها، ومن سكانها جماعة يقال لهم أولاد بعرة، لهم وظيفة يتوارثونها وهى الدلالة فى الجسر السلطانى، يتولون تقسيمه بين أهالى البلاد؛ لأجل حفظه من التقطيع وجرفه وترصيفه بالآجر والحجر والمونة، وكان للدلالة فى السابق مرتبات من الديوان، وأما الآن فإنما يعافون مما يلزم الأهالى من العمليات فى نظير تلك الوظيفة.

وفى كتاب «قوانين الدواوين» للوزير الأسعد شرف الدين أبى المكارم بن أبى سعيد بن مماتى: أن المستبحر أرض منخفضة إذا دخل الماء فيها لا يجد له مصرفا عنها فينقضى وقت الزراعة قبل زواله، وربما انتفع به نادرا من ركب عليه السواقى وسقى منه ما يحتاج إلى سقيه من الأرض، ثم ذكر أصناف الأرض فى الباب الخامس من كتابه هذا فقال: إن أسماء أرض الزراعة بالديار المصرية تختلف باختلاف أحوالها، فيقال فيها: باق ورى الشراقى وبروبية وشماهة وشتونية وشق شمس وبرش ونقاء ووسخ مزدرع ووسخ غالب وخرس وشراقى ومستبحر وسباخ وبائر، ولكل من هذه الأسماء قضية تجب الإحاطة بها، فالباق أثر القرط والقطانى والمقاثئ، وهى خير الأرضين وأغلاها قيمة وأوفاها قطيعة، لأنها تصلح لزراعة القمح والكتان، أما القرط فهو كما يؤخذ من القاموس نبات البرسيم الذى ترعاه الدواب، وأما القطانى فهى سبعة، الفول والعدس والحمص والترمس والبسلة واللوبيا والجلباب.

قال: ورى الشراقى هى تتبع الباق فى الجودة وتلحق به فى القطيعة، لأن الأرض تكون قد ظمئت فى السنة الماضية واشتدت حاجاتها إلى الماء، فلما رويت حصل لها من الرى بمقدار ما حصل لها من الظمأ، وكانت أيضا مستريحة فلهذا السبب ينجب زرعها، والبروبية أثر القمح والشعير، وهى دون الباق، لأن الأرض تضعف بزراعة هذين الصنفين، فمتى زرعت قمحا على

ص: 344

قمح أو شعيرا على شعير أو أحدهما على الآخر لم ينجب كنجابة الباق، وقطيعتها دون قطيعته، ويجب أن تزرع قرطا وقطانى ومقاثئ لتستريح وتصير باقا فى السنة الآتية. وذلك جار العمل به إلى الآن إلا أن أهل قبلى يسمون مكان القمح أو الشعير شماهة، ويسمون ميدان القمح اليابسة المجردة فى السنبلة بروبيا، ويسميها أهل بحرى برايب.

قال: والشتونية: هو أثر ما روى وبار فى السنة الماضية وهو دون الشراقى.

وشق شمس: عبارة عما روى وبار فحرث وعطل، وهو يجرى مجرى الباق ورى الشراقى ويجئ ناجب الزرع. والبرش: هو حرث الأرض بعد ما كان فيها زراعة، ويعبر به عن أثر المقاثئ، وبالجملة فإنه عبارة عن الأرض المحروثة وهو من أجودها للزراعة. والنقاء: عبارة عن كل أرض خلت من أثر ما زرع فيها للسنة الخالية، لا شاغل لها عن قبول ما تودع من الأصناف المزروعة. والوسخ المزدرع: عبارة عن كل أرض لم يستحكم وسخها، ولم يقدر المزارعون على استكمال إزالته فحرثوها وزرعوها فطلع زرعها مختلطا بوسخها. والوسخ الغالب:

كل أرض حاصل فيها من النبات الشاغل لها عن قبول الزراعة ما غلب المزارعين عليها ومنعهم عن زراعة شئ منها تباع مراعى. والخرس: أرض فسدت بما استحكم فيها من موانع الزرع وفيه مراعى، وهو أشد من الوسخ الغالب، غير أن استخراجه واستخراج ما تقدم ذكره من الوسخ يمكن بالعمارة ويتهيأ إصلاحه بالقوة. والسباخ: أرض ملحت فلم ينتفع بها في زراعة الحبوب، وربما زرع في بعضها بعض المزروعات. والشراقى: أرض لم يصلها الماء، إما لقصور النيل وعلوها، وإما لسد طريقه إليها، انتهى.

والعادة في جميع الأزمان إلى الآن أن تمسح أراضى الشراقى بمساحين، يخرجون لها من طرف الحكومة ليرفع ما عليها من الأموال عن أربابها، وكان القانون فى ذلك-على ما وجدته فى كتاب قديم لم أستدل على اسمه ولا على

ص: 345

اسم مؤلفه-أن يكتب للقاضى أن ينظر فى ذلك بنفسه وفى سبب الشراقى، فالذى يظهر سببه من تعطيل الجرف فإن كان جرف ذلك الجسر الذى حصل الشراقى بتأخير جرفه على الفلاحين أو غيرهم فيلزم من قصر فى الجرف بخراج الشراقى عقوبة عليه والأرض التى مسها وحصل من الفلاحين تقصير فى زراعتها وإهمال، فذلك لازم للفلاحين المقصرين، ومن عليه أثر وتأخر عن زرعه منهم فيلزم به.

وأما الشراقى الذى هو من تقصير المياه بتقدير الله تعالى فلا يتعرض الملتزم للرعايا بسبب ذلك، ولكن القاضى لا يعتمد على أحد فى ذلك، بل لابد من مباشرة هذا التحرى بنفسه والتدقيق الكلى، بحيث يقع ذلك على وجه الحق ويحصل العمار والطمأنينة للفلاحين وعهدة التعليق على الملتزم بموجب التقسيط والدفتر السلطانى من غير عجز ولا نقص يقوم بذلك من عوائده وفوائده ومصالحه من بلاد تقسيطه، فإن كان تحرير الشراقى مرتبا على عروض واردة من قضاة الأقاليم بسبب الشراقى الحاصل من تقاصر المياه يعين مأمور لمساحة الإقليم، ويكتب: عينا فلانا لمساحة الإقليم صحبة قاض معتمد هو فلان؛ لتكون المساحة بمعرفة المعين والقاضى مع قضاة الإقليم، وتحرير أمر ذلك تحريرا شافيا، فما يظهر ويثبت بالتحقيق واليقين أنه شراقى من تقاصر المياه بقضاء الله وقدره وليس سببه تقصير الحكام-فيحرر بالمساحة لا كلام فيه لكن مع التيقظ التام، بحيث لا يدخل فى ذلك الأراضى العالية المرتفعة التى لا يدركها ماء النيل فى غالب السنين، ولا الخرس المانع القديم، ولا البور وهو الذى شمله الماء ولم يزرع، فإن ذلك جميعه لا يحسب من الشراقى الذى سببه تقاصر المياه على الوجه الحق بمباشرتهم بأنفسهم أجمعين، مع التحقيق والتدقيق والمناصحة لجناب السلطنة الشريفة، وكتابة دفتر بالمساحة على العادة وشموله بإمضائهم أجمعين، وتجهيزه للديوان لينظر

ص: 346

فى ذلك ويرتب على كل شئ مقتضاه، وتحرير الجزائر المستجدة بعد مساحتها على الوجه الحق وكتابة دفتر مفصل بها، فإذا لم ترد عروض وأمر بتحرير الشراقى فى بلاد الصعيد والوجه القبلى يكتب أن جماعة من الفلاحين بالبلاد شكوا فى هذه السنة من نقص ماء النيل وقلته وحصول الشراقى فى بعض الأماكن، وأن المتكلمين عليهم يطالبونهم بخراج الشراقى.

وليس بخاف عنهم أن بعض الأراضى بولايات الديار المصرية تروى من ستة عشر ذراعا، وذلك مسطور فى التواريخ. ومحقق ومعلوم أن نيل مصر لا ينقص غالبا عن تسعة عشر ذراعا، فإذا كان كذلك فدعوى الشراقى ليست مقبولة ولكن بالإقليم جسور سلطانية وبلدية، وإن كان الكاشف والأمناء ومن عليهم الجرف يهملون جرفها ويطمعون فى مصاريفها وعوائدها-فيحصل بذلك الشراقى، والشراقى المتحقق أنه من بعض الحكام لا يعد من جملة الشراقى، ورسمنا بأن ما حصل من الشراقى بسبب تقصير الكاشف والأمناء أو غيرهم ممن عليهم الجرف-فلازم على من قصر، وكذلك الجسور البلدية من قصر فيها يتضمن بخراج ما شرق من الناحية التى وقع فيها التقصير.

وأما الأراضى المرتفعة قديما وليست قابلة لوصول الماء إليها فلا تعد من جملة الشراقى أصلا ولا يمكن مساحتها، وبعض الطين يصير مراعى يرعاها أهل البلاد ببهائمهم، وعليهم مال يجهز للسلطنة الشريفة مقابل ذلك فيؤخذ منهم المراعى بالعدالة على وجه الحق، من غير ظلم ولا حيف، بمعرفة الحاكم الشرعى وسجله.

ويعرض القاضى علينا أحوال المراعى مفصلة، ورسمنا بأن يتوجه الحاكم الشرعى بنفسه وينظر فى الطين المزروع في بلاد المال والغلال، ويبدأ فى التحرير بزراعة بلاد المال، وبعد تمام بلاد المال تمسح بلاد الغلال ويبدأ بمساحة زراعة الفلاحين والرعايا، وبعد تمامها تحرر زراعة الكاشف والأمناء،

ص: 347

وكل من له زراعة فيلزم بخراجها، ولا يكلفون الفلاحين الدرهم الفرد من خراج زراعتهم، ويؤخذ من الكاشف والأمناء خراج زراعتهم أسوة ما يقبض من الفلاحين، والحذر كل الحذر من نقص المال، فإن ذلك فى عهدة الكاشف والأمناء والملتزمين، ولا يعرف ذلك إلا منهم عملا بموجب التقسيط.

والأراضى التى رويت وقصر الكاشف والأمناء فى زراعتها فمقرر أخذ خراجها من الكاشف والأمناء عقوبة عليهم بسبب تقصيره، وأما الأراضى التى لم يقع فيها تقصير فى الجرف ولا تأخير عن عمل الجسور فلا طمع للحكام فى شئ من عوائدها ومصاريفها، ومهما وقع فيها شراقى من تقاصر المياه بقضاء الله وقدره فيحررها القاضى بنفسه، ويباشرها بذاته بالتحقيق والتدقيق، وإذا ثبت ذلك عنده واتضح لديه صحته من غير شبهة فيكتب فصلا بدفتر ممضى، ويطالعنا بذلك مفصلا ليرتب على كل أمر مقتضاه، انتهى.

ومن أهالى هذه البلدة شيخ العرب حبيب والد شيخ العرب سويلم السابق ترجمته فى الكلام على دجوة.

(شطنوف)

قرية من مديرية المنوفية بمركز منوف موضوعة على رياح المنوفية بمسافة خمسمائة متر، أبنيتها كمعتاد الأرياف، وبها جامع بمنارة صغيرة وجنينة ومعمل فراريج وأبراج، وهى أول نواحى مركز أشمون جريس من جهة الجنوب على جانب بحر الغرب، وريها من ترعة النجار وترعة الساحل، وتكسب أهلها من الزراعة وغيرها، وهى من البلاد القديمة الموجودة من قبل الإسلام كما يدل عليه كتب التواريخ، فمن ذلك ما ذكرناه فى الكلام على ابشادة عن بعض التواريخ القديمة؛ أن القيصر قسطنطين لما أرسل من طرف الوج إلى مصر لإبطال عبادة الأوثان ابتدأ بإبطال ما كان من ذلك بالإسكندرية، ثم ركب

ص: 348

النيل مصعدا إلى جهة قبلى فجعل يهدم المعابد ويكسر الأوثان فى طريقه، إلى أن وصل مفرق البحرين فرأى قرية كبيرة، فسأل عنها، فقيل له: شطنوف، قرية من خط ابشادة، انتهى.

وفى قاموس الإفرنج أن قسطنطين هذا ولد سنة مائتين وأربع وسبعين من الميلاد، ومات سنة ثلثمائة وسبع وثلاثين، وهو الذى سميت القسطنطينية باسمه، وكانت أولا تسمى بيزنس، فلما تولى القيصرية بعد حروب كثيرة جعلها تختا للقيصرية المشرقية وسماها باسمه، انتهى.

وممن نشأ من هذه البلدة حسنين أفندى على، تربى فى مدرسة المحاسبة وخرج منها بالامتحان فى سنة 1254، وتوظف كاتبا مدة، ثم صار باشكاتب فى الآلاى العاشر من البيادة، وسافر معه إلى الآستانة، ثم عاد معه إلى مصر. وفى سنة 1277 جعل باشكاتب المسافرخانة والسرايات والجنائن، ثم جعل باشكاتب إدارة المحلة الكبرى مدة جعل الغربية والمنوفية مديرية واحدة تسمى بروضة البحرين، ثم جعل باشكاتب خزينة الأمتعة، ثم جعل باشكاتب أشوان بولاق، ثم جعل رئيس تنظيف بديوان الأشغال، ثم جعل رئيس ورشة الصنف بديوان المالية، ثم رئيس قلم المعاشات بديوان الداخلية.

(شعشاع)

قرية من مديرية المنوفية بمركز أشمون جريس فى شمال ترعة النجارية، بينها وبين البحر الأعظم الغربى أربعمائة متر تقريبا، أبنيتها بالآجر واللبن، وبها جامع قديم بمنارة ومقام الشيخ النزيلى بجوار المساكن، ودوار كبير لنجم الدين باشا الجهادى، وأصله من هذه الناحية، ورى أرضها من ترعة ساحل بحر الغرب، وتكسب أهلها من الزرع وغيره.

ص: 349

(شقلقيل)

قرية من مديرية سيوط بقسم أبنوب على الشاطئ الشرقى للنيل تجاه منفلوط بميل إلى الجنوب، ويزرع فيها الدخان والذرة الصيفى، وينسج فيها الصوف والحصر الحلفاء، ويفتل فيها الحبال الحلفاء، ولها سويقة للحبال والحصر والدخان.

وفى خطط المقريزى أن فى مواجهة منفلوط دير مغارة شقلقيل، وهو دير لطيف معلق في الجبل، وهو نقر فى الحجر على صخرة تحتها عقبة، لا يتوصل إليه من أعلاه ولا من أسفله ولا سلم له، وإنما جعلت له نقور فى الجبل، فإذا أراد أحد أن يصعد إليه أرخيت له سلبة، فيمسكها بيده ويجعل رجليه فى النقور ويصعد إليه، وبه طاحونة يديرها حمار وهو تجاه أم القصور، وتجاهه جزيرة يحيط بها الماء يقال لها جزيرة شقلقيل، بها قريتان إحداهما شقلقيل والأخرى بنى شقير، ولهذا الدير عيد يجتمع فيه النصارى وهو على اسم يومينا، وهو من الأجناد الذين عاقبهم دقلطيانوس ليرجع عن النصرانية ويسجد للأصنام، فثبت على دينه؛ فقتله فى سادس عشر بابه.

(شكيتة)

بالتصغير قرية من بلاد الفيوم من قسم العجميين، ويقال لها نزلة شكيتة، واقعة فى آخر بلاد الفيوم من الجهة الغربية على شاطئ وادى المنية المسمى عند الأهالى وادى النزلة، وفيها مساجد عامرة ونخيل وأشجار وأبنية جيدة، وأرضها خصبة، بينها وبين المدينة نحو أربع ساعات، والطريق منها إليها طريق سلطانى، فالخارج إلى المدينة يمر بناحية العجميين الواقعة فى شرقيها إلى جهة الشمال على نحو ساعة، ثم يمر بالشيخ المعروف بأبى مدرة ومنه إلى المدينة، وتكون بلاد الفيوم على يمين ذلك الطريق وشماله، ما بين بعيد وقريب، على مائتى قصبة وأقل وأكثر، فقاصد المدينة يرى عن يمينه بعد مفارقة العجميين بنحو ثلث ساعة ناحية المناتشى، وعن يساره على بعد

ص: 350

ناحية سنتروه، وبعد نحو ساعة يرى عن يمينه ناحية التلات، ثم بعد نصف ساعة يرى عن يمينه أيضا ناحية السنباط، وعن يساره ناحية عنتر، وبعد نصف ساعة، أيضا يرى عن اليمين ناحية ديسا تجاه الشيخ أبى مدرة، وأطيان ناحية شكيتة متسعة جدا وأكثرها من وادى الريان.

وكانت العرب تقيم فى غربى نزلة شكيتة بجوار قصر قارون، ولشيخ العرب الجبالى قصر فى شرقى قصر قارون وفى غربى النزلة على نحو ساعتين، وقد بقيت أراضى وادى الريان مدة مدثورة، والعرب ترعى فيها وتزرع ما يصلح منها للزرع بلا مقابل، إلى أن جلس الخديوى إسماعيل باشا على التخت فمنع عنها العرب، وأدرجت فى ضمن الزمامات وأعطى منها أبعاديات وما بقى اندرج فى أطيان الدائرة السنية، وأصلح جميعها وأخصبت وصارت تزرع بأصناف المزروعات، وفم بحر هذه الناحية من اليوسفى قبلى بحر عروس وعليه سواق وطواحين هدير، وقبلى فمه بنحو ثلث ساعة دير عامر بالنصارى يسمى دير العذراء، وبعضهم يسميه دير العرب، لأن موقعه فى شرقى ناحية العرب، والأقباط يترددون إليه دائما، وبحرى ذلك الدير بنحو نصف ساعة آثار مدينة قديمة متسعة يستخرج منها الأهالى الطوب لمبانيهم. والبحر المذكور يجري مغربا فى الجبل فى شمال ناحية العزب نحو خمسمائة قصبة، ثم ينعطف جنوبا فيمر من قبلى ناحية دفنو، فإذا كان فى وسط ملقة الحبط وجدت به نصبة تقسمه إلى فرعين، أحدهما، لناحية المنية، والآخر لعدة نواح، وهذا الأخير وهو القبلى بعد أن يمتد فى الجنوب يميل قليلا إلى الغرب، فإذا كان قبلى شدموه انعطف مغربا بجوار أرض الرمال، ويستمر كذلك إلى قبلى ناحية أبى جندير فيكون به نصبة فى محجر جبل تقسمه قسمين، الشرقى: لناحيتى نواره وأبى جندير، والغربى: يمتدّ فى الشمال إلى قرب نزلة شكيتة، ثم تقسمه نصبة إلى قسمين، غربيهما: كان يذهب إلى أراضى شيخ العرب الجبالى. وهو الآن لأرض الريان التابعة للدائرة السنية، والثانى لنزلة شكيتة.

ص: 351

ومن أهالى هذه الناحية محمد شكيتة، كان ذا ثروة وشهرة فى الكرم فائقة، واعتبار عند جميع العرب والأهالى. وبعد موته بقيت الشهرة لذريته إلى الآن.

(الشّلاّل)

بفتح الشين المعجمة وشد اللام ألف وبعدها لام، بلدة من مديرية إسنا بقسم حلفاء، وهى من بلاد الكنوز، فى جنوب جزيرة فيلة بقليل، موضوعة على شاطئ النيل، وجزؤها الذى فى البر الشرقى ثلاثة أجزاء؛ فى القبلى منها جامع بمنارة، وفى البحرى كنيسة للأقباط، وأساسات دورها مبنية من الحجر غالبا، وما فوق الأساسات مبنى باللبن أو الآجر أو أطواف الطين المخلوط، وهى على دور واحد، غير متلاصقة وممتدة على النيل.

وفيها نحو اثنى عشر ألف نخلة من أنواع شتى، من ذلك القندينة، والسكوتى، والبلدى، وقرقودة، وكديفته، وبنت مودة، والشامية، ودقنة. وفيها على البحر تسع سواق ذات قواديس، ارتفاعها عن الماء زمن الفيضان من ثلاثة أمتار إلى أربعة، وفى زمن التخاريق من عشرة إلى اثنى عشر، وأطيانها خمسمائة وسبعون فدانا ممتدة على البحر، ويزرع فيها القمح والشعير والفول والعدس والذرة الصيفي والدخان واللوبيا والكشرنجيج والترمس وأنواع الخضر، وفيها قليل من شجر الحناء، والكشرنجيج نوع من اللبان يمتد فى الأرض نحو ثلثى قصبة وله ورق عريض يطبخ كالملوخية.

وأهلها سمر الألوان إلى السواد، وملبوس نسائهم فوطة بيضاء أو مصبوغة تلف على أوساطهن، وربع مقطع من البفت الأسمر الطرنبة غير المصبوغ يجعل على أكتافهن، وتلبس البنت البكر الرهط إلى الدخول بالزوج، ويدهن شعورهن بزيت الخروع، وبعد ضفرها يعلق بأسفلها نساء أغنيائهم قطعا من الذهب تعرف عندهم بالمحبوب، وقطعا من الكهرمان، وأواسطهن يقتصرن

ص: 352

على الكهرمان، ويتختمن بخواتم الفضة أو النحاس بفصوص من الزجاج أو العقيق على حسب اليسار، وبعضهن يلبس ثيابا ضيقة الكمين من القطن أو الحرير. ولا يلبس المداس إلا نساء الأغنياء، ورجالهم يلبسون القمصان البيض والسراويل والطواقى، ويلبس أغنياؤهم العمائم فوق الطرابيش وأعبية الجوخ أو الصوف النعمانى، وبعضهم يلبس ثياب الصوف غير الأبيض.

وليس عندهم طواحين وإنما يطحنون القمح أو غيره على الأرحية الصغيرة التى تديرها النساء، ويصنعون من سعف النخل الأبراش والمرجونات والقفف والزنابيل، وثمن البرش عندهم من أربعة قروش عملة صاغا إلى الستة، والمرجونة بنصف قرش، والعمرة بأربعة قروش أو خمسة صاغ، والقفة من ثلاثة إلى أربعة، ويبيعون الحناء بالتمر، عيار من الحناءة بعيارين منه أو ثلاثة، بحسب كثرة الحناء وقلتها، وقد يبيعونها بالقمح عيار منها بعيارين أو بعيار ونصف، أو بالذرة عيار من الحناء بعيارين أو عيارين ونصف.

ولا تحتجب نساؤهم فى البيوت بل يضربن فى الأسواق والأندية كالرجال وأكثرهم فقراء، وجميعهم أو أكثرهم، رجالا ونساء، يمضغون الدخان والنطرون، ويتعاطون الأشربة التى يصنعونها من التمر والذرة معا، أو من أحدهما، وهى أنواع بأسماء مختلفة، فمنها: الدكاوى وهو يصنع من البلح البركاوى، بأن يوضع البلح فى الماء ويغلى بالنار ثم يترك فى إناء عتيق أسبوعا فى زمن الصيف أو أسبوعين فى زمن الشتاء، ثم يشرب منه بالقطاع وهو قرعة صغيرة بهيئة نصف كرة، ومنها المريسة وهى البوزة تصنع من الذرة بأن تطحن وتعجن وتعمل فطيرة أو أكثر تسوّى بالنار على الدوكة-والدوكة عبارة عن قطعة بلاطة من جنس بلاط أفران المحروسة-وفى مدة تسويتها تحرك بعصا من أوّلها إلى آخرها إلى أن تستوى، ثم توضع على برش وتترك حتى تجف وتسمى حينئذ كنقار، ثم يوضع الكنقار فى برام أو زير ويصب فوقه ماء بقدر ارتفاع ثلثى

ص: 353

الإناء ويترك نحو يومين، وتصنع فطيرة من الذرة أيضا بدون خمير وتسوّى على الدوكة بدون تحريك ثم تبل بالماء وتمرس، وتوضع فى الإناء فوق الكنقار وتترك يومين آخرين، ثم يوضع فوق الجميع الذريعة، وهى ذرة تبل فى يومين وتوضع فى حفرة فى الأرض خمسة أيام، ثم يمزج الجميع فى الزير مع إضافة شئ من البلح ويترك خمسة أيام ثم يشرب منها بالقطاع، ومنها الشربوت وهو أن يرقد شئ من التمر فى الماء البارد نحو يومين، ثم يصفى ويترك برهة، ثم يوضع على ذلك الماء زنجيبل مسحوق مع فلفل أسود، وهذا الشراب للفقراء المنتسبين لطريقة الصوفية فى تلك البلاد.

والشلال أيضا جبل هناك من البر الشرقى إلى الغربى، وبه ثلاثة مجار ضيقة يمر منها ماء النيل زمن الصيف، والمجرى الغربى يقال له الهيشة وهو الذى أصلحه المرحوم بهجت باشا سنة خمس وخمسن ومائتين وألف، والذى يليه يقال له متركور والشرقى يسمى الدخانية، والمراكب فى زمن الصيف تمر فى هذين بجرّ الحبال، والأول يجف فى زمن الصيف، وفى زمن النيل تمر فى جميعها المراكب بالقلاع.

وفى جنوب الشلال بنحو سدس ساعة قصر أنس الوجود فى جزيرة من الصوّان قريبة من المجرى الشرقى، وهى جزيرة بلاق القديمة المشهورة يحيط بها الماء من كل جهة. وفى جنوب هذه الجزيرة فى مجتمع البحر ناحية أبى سنبل، على نحو ثلث ساعة من قصر أنس الوجود، يسكنها بعض البربر، ومن عادتهم أن يصطادوا السمك من خوبرات معلومة، فإن لم يجدوا ما يطبخونه به ردّوا السمك إلى خوبراتها.

وبتلك الجزيرة نخيل وقليل أشجار ويزرع بها الدخان، والذرة، والمقاثئ.

ص: 354

(شلشلمون)

بلدة من البلاد الشرقية بقسم مينا

(1)

القمح فى شرقيها بنحو خمسة آلاف متر، وهى واقعة على تل قديم يؤخذ منه السباخ إلى الآن. وربما يشتريه من أهلها أهل البلاد المجاورة لها، وأبنيتها باللبن، وبها مجلسا دعاوى ومشيخة ومساجد بلا منارات ومكاتب أهلية ونخيل كثير، ولها سوق كل يوم سبت، وأطيانها ألف وتسعمائة وأربعة وخمسون فدانا، وأهلها ألف وثمانمائة وخمس وتسعون نفسا يتكسبون من الزرع، وفيهم أرباب حرف وتجار.

(شلقان)

قرية من مديرية القليوبية بمركز قليوب، فى شرقى بحر دمياط، وفى شمال القناطر الخيرية بنحو ثلث ساعة، وفى جنوب زفيتة شلقان بأقل من ساعة. وهى بلدة قديمة كانت عامرة وكان بها أشجار وأبنية صالحة ومساجد عامرة، وكانت جفالك المرحوم عباس باشا ثم اشتراها لجانب الديوان المرحوم سعيد باشا من ورثة المرحوم عباس باشا، أيام جلوسه على التخت؛ ليجعلها قلعة من قلاع القطر، ولصيرورتها ملكا للميرى أمر الخديوى إسمعيل باشا بانتقال السكان منها وأمر بهدمها ليبنيها قلعة، فهدمت وبنيت قلعة حصينة، وفى السابق كانت محلا لإقامة العصاة الخارجين عن الطاعة، ففى سنة ألف ومائتين وتسع عشرة-كما فى الجبرتى-جاءت طائفة من المماليك القائمين على الحكومة وأقاموا بهذه الناحية وقطعوا الطريق على المسافرين فى البحر، وأخذوا مركبين وأحرقوا عدة مراكب وامتنع الطريق برا وبحرا، وارتفعت الغلة من عرصات القاهرة وغلا سعرها فخرجت العساكر بالمدافع، وجمع الباشا العلماء والمشايخ واستشارهم فى خروجه إلى الحرب وخروجهم معهم، فلم يستصوبوا ذلك، وقالوا له: إذا انهزم العسكر تأمر غيرهم بالخروج، وإذا كانت الهزيمة علينا وأنت معنا فمن يخرج بعد ذلك؟! فسمع كلامهم وأرسل العساكر وصار بينهم وبين المماليك عند تلك القرية مساجلات وحروب، واحترقت

(1)

كذا بالطبعة الأولى، ولعل الصواب «منيا» .

ص: 355

جبخانة العثمانية، وقيل أخذ باقيها، ورجع منهم قتلى ومجاريح، وانجرح عبدى بك أخو طاهر باشا، واحترق أشخاص من الطوبجية، ودخل مصر سلحدار الباشا والوالى وأمامهما رأس واحد بشوارب، واستمر الحرب إلى أن أجلوا المماليك عن هذه الناحية فتفرقوا فى النواحى وكثر نهبهم وإفسادهم، ووصلت طائفة منهم-مع كثير من العرب-إلى خارج باب النصر وظاهر الحسينية وناحية الزاوية الحمراء وجزيرة بدران جهة الحلى، ورمحوا على من صادفوه بتلك النواحى وأخذوا ما معهم، فنزل الباشا بالعساكر إلى جهة بولاق، ثم إلى ناحية الزاوية الحمراء وأغلقوا أبواب المدينة، ثم دخل الباشا بعد العصر من باب العدوى وطلع إلى القلعة، وتكررت بينهم وقائع وخروج عساكر ودخول خلافهم، ونزول الباشا وطلوعه.

وكان للمماليك متاريس ورباطات فى عدة جهات من ضواحى القاهرة؛ كناحية باسوس وأبى الغيط وطرا والبساتين وخلافها، والناس دائما فى إرجاف من إغاراتهم، سيما ومعهم طوائف العرب العتاة الغشم، وقد دخلوا القاهرة بالفعل وأفسدوا فيها.

وفى شهر ربيع الثانى من تلك السنة ظهرت عساكرهم والعرب جهة العادلية والشيخ قمر، فأغلقوا باب النصر وباب الفتوح وباب العدوى، وهرب سكان الحسينية، ولم يخرج إليهم أحد من العساكر العثمانية، بل اكتفوا بضرب المدافع من أعلى السور، ودخل محمد بك المنفوخ إلى الحسينية وجلس بمسجد البيومى. وانتشرت المماليك والأتباع على الدكاكين والقهاوى، واستمروا كذلك إلى ما بعد الظهر، ثم خرجوا من مصر وأخذوا جماعة، منهم: السيد بدر المقدسى من داره خارج باب الفتوح وذهبوا به إلى إبراهيم بك الكبير وعثمان بك البرديسى، فأسر إليه إبراهيم بك أن يكون سفيرا بينهم وبين الباشا فى الصلح.

ص: 356

وفى صباح يوم الثلاثاء ركب وطلع إلى الباشا وبلغه فى ذلك، فقال له:

ومن يرجع إليهم بالجواب؟ فقال: أنا؛ فحقدها عليه ثم قام من عنده فأرسل خلفه فعوّقه عند الخزندار، فشفع فيه الشيخ السادات والسيد عمر مكرم، وكان بعض عساكر المماليك محاصرا على بعض عساكر العثمانية بطرا والدير، فدهمهم محمد على ليلا وهم نيام، فلما انتبهوا لم يجدوا بدا من الهرب، وأخذ منهم مدفعين وبعض أمتعة وثمان هجن وثلاثة عشر فرسا، وقتل منهم جماعة ورجع بالعسكر على الفور من آخر الليل، وخلع عليه الباشا الفروة التى أحضرت له من الدولة، وأرسلوا المبشرين للأعيان لأخذ البقاشيش وعمل شنك وأشاعوا موت الألفى كذبا، وكان لهم متاريس على جرف عال بناحية بسوس ليمنعوا ما يمر من المراكب والقياسات، وكان لهم مركز فى جهة شبرى حصل به وقعة عظيمة يوم الأحد رابع عشر الشهر قتل فيه خلق كثير من الفريقين، وانتهت بطرد المماليك عنها وعن متاريس شلقان وبسوس، وانهزم المماليك إلى جهة الخانقاه وأبى زعبل وعمل بالقاهرة شنك عظيم.

وبقرب هذه القرية أيضا غرق حسن أفندى اللبلبى الدرويش، وذلك فى شهر شوّال سنة ثمان وعشرين من القرن الثالث عشر من الهجرة، واللبلب كلمة تركية معناها الحمص المجوهر أى المقلى، ومن شأنه أنه كان يدخل بيوت الأعيان والأكابر من الأتراك وفى جيوبه الحمص، فيفرق على أهل المجلس من حمصه ويلاطفهم ويضاحكهم ويمازحهم ويعرف اللغة التركية. ومن أعطاه شيئا أخذه، ولا يطلب من أحد شيئا، وبعضهم يقول له: انظر ضميرى أو فألى فيعد على سبحته أزواجا أفرادا ويقول: ضميرك كذا وكذا فيضحكون منه، وقد وشى به مرة عند كتخدا بك بأنه كان يقول لعبد اللطيف باشا: إنك ستبلى بسيادة مصر وأحكامها، ويقول له: هذا وقت انتهاز الفرصة فى غيبة الباشا، وكان الباشا وهو العزيز محمد على وقتئذ بالحجاز، وكان عبد اللطيف باشا

ص: 357

يعتقد صحة كلامه ويزوره فى داره ورتب له مرتبات، وأشيع أنه يريد أن يضم إليه أجناس المماليك والخاملين من العسكر وغيرهم ويعطيهم النفقات، ويريد إثارة فتنة ويغتال كتخدا بك وحسن باشا وأمثالهما على حين غفلة ويتملك القلعة والبلد، وأن اللبلبى يغريه على ذلك، ويقول له: جاء وقتك، فأرسل كتخدا بك إلى اللبلبى فحضر بين يديه فى يوم الاثنين فسأله عن عبد اللطيف باشا، فقال له: انظر فى حسابك هل نجده أم لا؟ فعد على سبحته كعادته، وقال: إنكم تجدونه وتقتلونه، ثم إن الكتخدا أشار إلى أعوانه فأخذوه ونزلوا به وأركبوه على حماره وذهبوا به إلى بولاق، فأنزلوه فى مركب وانحدروا به إلى شلقان، وجردوه من ثيابه وأغرقوه فى البحر.

وعبد اللطيف باشا هذا كان مملوكا للعزيز محمد على، أهداه إليه عارف بك وهو عارف أفندى بن خليل باشا المنفصل عن قضاء مصر قبل هذا التاريخ بنحو خمس سنين، فاختص الباشا بعبد اللطيف وأحبه ورقاه فى الخدم والمناصب، إلى أن جعله مختار أغاسى أى صاحب المفتاح، وصار له حرمة زائدة وكلمة فى باب الباشا نافذة، ولما استولى العسكر على المدينة وأتوا بمفاتيح زعموا أنه مفاتيح المدينة كان هو المتعين للسفر بها للديار الرومية لبشارة الدولة، ولما وصل إلى دار السلطنة احتفل به أهل الدولة، ونزلوا فى المراكب لملاقاته من مسافة بعيدة، وأدخلوه بموكب جليل إلى الغاية وسعت الأعيان بين يديه مشاة وركبانا، وعملوا لقدومه شنكا ومدافع وولائم، وأنعم عليه الملك وهاداه أهل الدولة، ورجع إلى مصر فى أبهة عظيمة فداخله الغرور وتعاظم فى نفسه، ولكونه من المماليك لم يحتفل به الباشا؛ لتأسس كراهة المماليك فى نفسه ونفوس أهل دولته، خصوصا كتخدا بك، فإنه كان أشد الناس عداوة للمماليك فطفق يلقى للعزيز فى شأن عبد اللطيف ما ينفره منه، وأنه يضم إليه أبناء جنسه المماليك البطالين ليكونوا عزته، حتى أن الباشا

ص: 358

فوض للكتخدا أمره إن ظهر منه شئ فى غيابه. ثم سافر الباشا فى إثر ذلك وجعل الكتخدا وأهل الدولة يرصدون حركات عبد اللطيف باشا، ويتوقعون ما يوجب الإيقاع به وهو فى غفلة، ثم إنه طلب من الكتخدا الزيادة فى مرتبه وعلائفه لاتساع دائرته وكثرة حواشيه، فقال له الكتخدا: أنا لست صاحب الأمر، وقد كان صاحب الأمر هنا ولم يزدك، فراسله فإن أمر بشئ فأنا لا أخالف مأموراته، وزاد بينهما الكلام والمفاقمة، وفارقهم على غير حالة مرضية، وأرسل إلى مماليك الباشا ليحضروا إليه صباحا ليعملوا ميدان رماحة على العادة، وأسر إليهم أن يصحبوا ما خف من متاعهم وأسلحتهم، فلما أصبحوا استعدوا كما أشار إليهم وشدوا خيولهم، ووصل الخبر إلى كتخدا فطلب كبيرهم وسأله، فأخبره أن عبد اللطيف باشا طلبهم ليعمل معهم رماحة، فقال: ليس هذا يوم الموعد. ومنعهم من الركوب، وأحضر فى الحال حسن باشا، وطاهر باشا، وأحمد أغا المسبحى بونابرت الخازندار، وصالح بك السلحدار، وإبراهيم أغا أغاة الباب، ومحمود بك الدوادار، وتوافق معهم على الإيقاع به. وأصبحوا يوم السبت مجتمعين وقد بلغه الخبر وأخذوا عليه الطرق، وأرسلوا يطلبونه للحضور فى مجلسهم فامتنع، فنزل إليه دبوس أوغلى وخدعه فلم يقبل، فنزل إليه ثانيا يأمره بالخروج من مصر إن لم يحضر مجلسهم. فقال:

أما الحضور فلا، وأما الخروج فلا أخالف فيه، بشرط أن يكون بكفالة حسن باشا أو طاهر باشا، فإنى لا آمن أن يتبعونى ويقتلونى، خصوصا وقد أوقفوا بجميع الطرق، ففارقه دبوس أوغلى فتحير في أمره، وأمر بشد الخيول وأراد الركوب فلم يسعه ذلك. ولم يزل فى نقض وإبرام إلى الليل وقد فرقوا العساكر في الجهات وأبواب المدينة، وكثر جمعهم بالقلعة وأبوابها.

وفى الساعة التاسعة من الليل نزل حسن باشا ومحمود بك في نحو الألفين من العسكر واحتاطوا بداره فى سويقة العزى وقد أغلقها، فصاروا يضربون عليه بالبنادق والقرابانات إلى آخر الليل، فلما أعياهم ذلك هجموا على

ص: 359

دور الناس التى حوله، وتسوروا عليها من السطوح ونزلوا إلى سطح داره وقتلوا من صادفوه من عسكره وأتباعه، واختفى هو فى مخبأة أسفل الدار مع ست من الجوارى ومملوك واحد، وعلم بمكانهم أغاة الحريم فطافوا بالدار يفتشون عليه فلم يجدوه، فنهبوا جميع ما فى الدار وأخذوا الحريم والجوارى والمماليك والعبيد، ونهبوا ما حولها وماوراءها من دور الناس نحو نيف وعشرين دارا، وكذا الحوانيت ودار كتخدا صالح الفلاح، وكل هذا وأهل ضواحى المدينة لا يدرون بشئ من ذلك، إلا أنهم لما طلع النهار وجدوا العساكر مائجة في الأسواق، وأبواب المدينة مغلقة وحولها العساكر مجتمعة ومعهم بعض المنهوبات، فامتنع الناس من فتح الحوانيت والقهاوى التى من عاداتهم التبكير فى فتحها، وأكثروا الظنون، واستمر عبد اللطيف باشا بالمخبأة إلى الليل واشتد به الخوف، وتيقن أن الطواشى سينم عليه ويعرفهم بمكانه.

فلما أظلم الليل وفرغوا من النهب والتفتيش وخلا المكان خرج من المخبأة بمفرده، ونط من الأسطحة حتى خلص إلى دار خزنداره وصحبته كبير عسكره، وآخر يسمى يوسف كاشف دياب من بقايا الأجناد المصرية، وباتوا بقية تلك الليلة ويوم الاثنين والكتخدا وأهل دولته يدأبون فى الفحص والتفتيش عليه ويتهمون كثيرا من الناس بمعرفة مكانه، وكانت دار محمود بك بالقرب من داره فأوقف أشخاصا من عسكره على الأسطحة ليلا ونهارا لرصده، ثم إنهم أمسكوا الطواشى وهددوه فدلهم على أستاذه، ففتحوا المخبأة فوجد الجوارى الستة والمملوك ولم يجدوه معهم، فقالوا: إنه كان معنا وخرج ليلة أمس ولم نعلم أين ذهب، فأخرجوهم وأخذوا ما وجدوه فى المخبأة من متاع وسروج ومصاغ ونقود وغير ذلك.

فلما كان بعد الغروب ليلة الثلاثاء اشتد بعبد اللطيف باشا الخوف والقلق، وأراد أن ينتقل من بيت الخازندار إلى مكان آخر، فطلع إلى السطح وركب على

ص: 360

حائط يريد النزول منها هو ورفيقه البيكاشى، ليخلص إلى حوش مجاور لتلك الدار، فنظرهما شخص من العسكر المرصدة بأعلى سطح محمود بك، فصاح على العساكر القريبين منه فضربه عبد اللطيف باشا برصاصة أصابته، فتنبه المرصدون وقبضوا عليه وعلى رفيقه وأتوا بهما إلى محمود بك، فبات عنده ورمحت المبشرون إلى بيوت الأعيان يبشرونهم بالقبض عليه، وأخذوا على ذلك البقاشيش. فلما طلع نهار يوم الثلاثاء طلع به محمود بك إلى القلعة وقد اجتمع أكابرهم بديوان الكتخدا، وتوافقوا على قتله ووافقهم إسمعيل باشا ابن العزيز، فعند وصوله إلى الدرج قبض عليه الأعوان وهو بجانب محمود بك، فقبض بيده على علاقة سيفه وهو يقول بالتركى: عزطندانم، يعنى أنا فى عرضك. وماتت يده على قيطان السيف فأخرج بعضهم سكينا وقطع القيطان، وجذبوه إلى أسفل سلم الركوبة وأخذوا عمامته، وضربه المشاعلى بالسيف ضربات ووقع على الأرض ولم ينقطع عنقه، فكملوا ذبحه مثل الشاة وقطعوا رأسه. وفعلوا برفيقه مثله وعلقوا رأسيهما تجاه باب زويلة بطول النهار.

وفى ثانى يوم وهو يوم الأربعاء الثانى والعشرون من الشهر أحضروا أيضا يوسف كاشف دياب وقتلوه أيضا عند باب زويلة، وانقضى أمرهم، وفتح أهل الأسواق حوانيتهم، بعد ما تخيل الناس أنها ستكون فتنة عظيمة وأن العسكر ينهبون المدينة، خصوصا الذين بالعرضى خارج باب النصر، فإنهم جياع مفلسون، ولولا أنهم أوقفوا عساكر عند الأبواب لحصل منهم الضرر ولكن الله سلم، انتهى؛ جبرتى.

(شم البصل)

قرية قديمة من قرى قسم آية الوقف بمديرية المنية بحرى آية الوقف، وبها تلول عتيقة وأبراج حمام وجامع ونخيل قليل، وبعض أهلها نصارى.

ص: 361

(شمياطس)

قرية من مديرية المنوفية بقسم مليج على الشاطئ الشرقى لترعة الباجورية، وفى الجنوب الغربى لطوخ النصارى بنحو ثلاثة آلاف متر، وفى غربى كمشيش بنحو ثلاثة آلاف وخمسمائة متر، وبها جامع بمئذنة ومعمل فراريج وقليل نخيل وأشجار وأضرحة لبعض الصالحين، وتكسب أهلها من الزراعة وغيرها.

(شنباره)

بفتح الشين وسكون النون والباء الموحدة وألف وراء وهاء، قريتان من نواحى مصر يقال لإحداهما شنبارة منقلّى؛ بفتح الميم وسكون النون وفتح القاف وتشديد اللام مقصورا، وكلتاهما من ناحية الشرقية، انتهى؛ من مشترك البلدان. فشنبارة منقلّى قرية من مديرية الدقهلية بمركز السنبلاوين غربى الخنوسى، على نحو ثمانمائة متر، وفى غربى سفط زريق بنحو ألف وخمسمائة متر، وفى الشمال الشرقى لناحية كراديس بنحو ألفين وثمانمائة متر، وبها جامع بمنارة، وشنبارة الميمونة قرية من مديرية الدقهلية بمركز منية غمر على الشط الغربى لبحر الخنوسى، وفى الجنوب الغربى لناحية البيوم بنحو ألفين وأربعمائة متر، وفى شمال ناحية سنيطة أبى طوالة بنحو ألفين ومائتى متر، وفى جنوب ناحية ديرب نجم بنحو ثلاثة آلاف وستمائة متر، وأكثر أبنيتها من اللبن، وبها مسجد بداخله ضريح ولى يقال له أبو مسافر يعمل له كل سنة مولدان فى العيدين، ويجتمع فيهما كثير من الناس، ويزرع فى أرضها القطن والذرة وباقى الحبوب، ويشقها من الشمال إلى الجنوب طريق مسلوك.

(شندويل)

بفتح الشين المعجمة وسكون النون وفتح الدال المهملة وكسر الواو وسكون المثناة التحتية وباللام، بلدة بمديرية جرجا من قسم سوهاج واقعة فى

ص: 362

بحرى جزيرة شندويل بنحو ساعة بوسط الحوض، وأبنيتها بالآجر واللبن، وبها نخيل ومساجد عامرة، وفيها قليل من الأشراف والعلماء، ومنها حسن بك ابن عبد المنعم الشندويلى. كان ناظر قسم طهطا مدة العزيز محمد على، ثم لزم بيته مدة، ثم أنعم عليه الخديوى إسماعيل برتبة أمير الاى، وجعل من أعضاء مجلس الاستئناف بمديرية سيوط ثم مجلس الزراعة، ثم لزم بيته إلى الآن.

وله نحو أربعة عشر ابنا، منهم محمد أفندى كان ناظر قسم سوهاج، ثم جعل وكيل مديرية جرجا، ثم قنا، ثم لزم بيته أيضا، ومنهم ضيف الله بن حسن أحد نواب الشورة، ومنهم عمدة الناحية، وهم أصحاب كرم وأخلاق حميدة، ولهم بها قصور مشيدة ومسجد عامر تقام فيه الجمعة والجماعة، وفيه مكتب حافل، ولهم جنينة بلصق البلد من قبلى، وأخرى بعيدة عنها إلى جهة الشرق، ويزرعون نحو ألفى فدان بعضها غنداق وبعضها بالإجارة، ولمحمد أفندى عمارة فى جزيرة شندويل وبحر النيل فى شرقيها على نحو ساعة، وأكثر أهلها مسلمون وتكسبهم من الزراعة، وليس لها سوق استغناء بسوق الجزيرة، وفى شرقيها إلى جهة الشمال ناحية بصونة وهى قرية عظيمة ذات تلال كثيرة يؤخذ منها السباخ، ويخرج منها طوب مضروب وشقاف وبعض أحجار، وفيها نخيل كثير، وفى غربى شندويل ناحية البطاخ من قرى وديعة. وسيأتى الكلام عليها وناحية البهاليل وبهتة، وأرض جميع تلك القرى جيدة المتحصل، ويزرع فيها الفول بكثرة وريها من ترعة أم عليلة التى فمها عند سوهاج، وهى مأمونة الرى ما عدا أراضى بصونة فيخشى عليها التشريق عند قلة النيل.

(شنشا)

قرية من مديرية الدقهلية بمركز المنصورة واقعة فى الجنوب الشرقى لمنية سمنود على أربعة آلاف قصبة، أبنيتها كمعتاد الأرياف، وبها جوامع، ولها سوق كل يوم أحد، وتكسب أهلها من زرع القطن، وكان بالصعيد الأعلى قرية

ص: 363

مسماة بهذا الاسم فى شرقى النيل كانت من خط ديوسبوليس، وفى خطط أنطونان أنها كانت تسمى شبوسيو، ويظهر مما كتبه مارى نجوم أنه دخل فى دين النصرانية فى هذه البلدة، وأنه بعد قليل من إقامته بها نزل فيها وباء أفنى أكثر أهلها، وأنها كانت صغيرة وأهلها قليلون، وكان بقربها على شط النيل معبد ينسب لسيرابيس، وكان بها دير وأورطة من الخيالة، وحقق دنويل أنها كانت فى محل قصر الصياد. انتهى.

(شنشنا)

قرية من مديرية المنوفية بمركز مليج، ويقال لها شنشنا الحجر، واقعة فى غربى بركة السبع بنحو ستمائة قصبة، بجوار منية فارس وكفر مليج وأم صالح والسكة الحديد الذاهبة من القاهرة إلى الإسكندرية، وأبنيتها باللبن والآجر، وفيها أربعة مساجد أحدها كبير مشيد البناء وفيه ستة أعمدة وسقفه من ألواح الخشب، يزعم الأهالى أنه أنشئ زمن الظاهر بيبرس، ثم جدده الملتزمون، وبها عدة من أضرحة الصالحين مثل الشيخ عزاز، والشيخ سليمن أبى سارى، والشيخ أبى عبد الله، وأكثر أهلها مسلمون، وزمامها ألف وخمسمائة وتسعة وثلاثون فدانا، ولأحد مشاهيرها وابور على ترعة الحلفاية الآخذة من بحر شبين، ولأحد أقباطها وابور آخر على فم ترعة الغورى الآخذة من بحر شبين أيضا.

(شنشور)

بكسر الشين المعجمة الأولى وفتح الثانية بينهما نون ساكنة وفى آخره راء بعد الواو الساكنة، كما فى بعض حواشى شرح الرحبية، قرية من مديرية المنوفية بمركز منوف موضوعة غربى رياح المنوفية، علي نحو ألف وخمسمائة قصبة تقريبا، وفى جنوب بحر الفرعونية بمسافة خمسمائة قصبة، وبحرى ترعة الشنشورية كذلك، وأبنيتها بالآجر واللبن وبها أربعة جوامع وثلاث زوايا

ص: 364

ومقامات لبعض الصالحين، مثل الشيخ يوسف ابن الأستاذ ضرغام الحواش، والشيخ ناصر والشيخ العمرى، وبها أيضا مقام يقال إن به أحد أولاد سيدي عامر بن الجراح الصحابى، قتل فى وقعة مشهورة هناك إلى الآن بوقعة أولاد الجراح، كانت فى زمن خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبها جنينة صغيرة، ولها سوق كل يوم خميس، وزمامها ألفان وستمائة فدان، ورى أرضها من ترعة الشنشورية وغيرهما، وتكسب أهلها من الزرع وغيره.

‌ترجمة العلامة بهاء الدين الشنشورى

وممن نجب من أهلها عامر أفندى ابن عبد البر ترقى إلى رتبة قائمقام، وصار باشمهندس من مديرية المنوفية، ومنها من أفاضل العلماء العلامة الشيخ بهاء الدين، قال الشعرانى فى الذيل: صحبته عشرين سنة فما رأيت عليه شيئا يشينه، درس العلم بجامع الأزهر وغيره، وكنت أسهر في الأزهر فأجده إما مصليا أو قارئا أو يطالع فى العلم، أو جالسا متواضعا، رأسه فى طوقه، وما رأيت أكثر اشتغالا منه رضي الله عنه، انتهى باختصار.

(شنوان)

قرية من مديرية المنوفية بمركز سبك، موضوعة على ترعة شعب شنوان الآخذ من بحر القرينين قبلى ناحية شبين الكوم بمسافة نصف ساعة، أبنيتها بالآجر واللبن على دور وعلى دورين، وبها أربعة جوامع: جامع الشيخ شهاب الدين له منارة، وجامع الشيخ عبد الله بمنارة أيضا، وجامع الشيخ عبد القادر أنشئ سنة اثنتين وعشرين ومائتين وألف، وجامع محمد البنبى، وكلها مقامات الشعائر، وثلاث زوايا للصلاة أيضا، وقصر مشيد لعثمان أفندى البنبى، ومعملان للدجاج، وعصارة قصب، وثلاثة وابورات لسقى المزروعات الصيفية، وأكثر أهلها مسلمون، وعمدتها نور الدين البنبى وعلىّ عجوة، وفيها للمذكورين وغيرهم جنائن ذات ثمار وفواكه نحو الستة، وبها مقام الشيخ

ص: 365

شهاب الدين، والشيخ عبد الله، والشيخ عيسى، والشيخ سعيد، والشيخ على أبى النور، وغيرهم.

وينسج بها الثياب السرساوية، ورىّ أرضها من النيل، وبها أربع سواق معينة عذبة المياه ويزرع بأرضها غير الزرع المعتاد صنف القطن والقلقاس، ولها شهرة به لكثرته فيها وكذا فى كثير من تلك البلاد، وهو أصول تكبر تحت الأرض حتى تستوى كالبصل ونحوه، وقد تكلم عليه عبد اللطيف البغدادى فى كتابه المسمى ب «الإفادة والاعتبار» ، وبين حقيقته وفوائده، فقال ما نصه: «هو أصول بقدر الخيار ومنها صغار كالأصابع يضرب إلى حمرة حقيقة، يقشر ثم يشقق على مثل السلجم، وهو كثيف مكتنز شديد الانضمام يشابه الموز الأخضر الفج فى طعمه، وفيه قبض يسير مع حرافة قوية، وهذا دليل على حرارته ويبسه، فإذا سلق زالت حرافته جملة، وحدث له مع ما فيه من القبض اليسير لزوجة مغرية كانت فيه بالقوة، إلا أن حرافته كانت تخفيها وتسترها ولذلك صار غذاؤه غليظا بطئ الهضم ثقيلا فى المعدة، إلا أنه لما فيه من القبض والعفوصة صار مقويا للمعدة حابسا للبطن (أى مانعا لها من الاستطلاق) إذا لم يكثر منه، ولما فيه من اللزوجة والتغرية صار نافعا من سحج المعى (السحج كما فى القاموس القشر)، وقشره أقوى على حبس البطن من جرمه، لأن قبضه أشد ويطبخ فى السيماقية وغيرها، فتعود فى المرقة لزوجة يعافها من لا يعتادها، ولكن إذا سلق وصبت سلاقته (أى طرحت) ثم قلى بالدهن (أى زيت الزيتون) حتى يتورد فلا بأس به، والغالب على مزاجه الحرارة والرطوبة، ويظهر من حاله أنه مركب من جوهرين: جوهر حار حريف يذهب بالطبخ، وجوهر أردى مائى ينمو بالطبخ، وذلك كما فى البصل والثوم، وما كان كذلك فهو نيئا دوائى، ومطبوخا غذائى، وقد رأيته بدمشق لكن قليلا، ورأيته إذا يبس يرجع خشبيا كالقسط سواء، وأما ورقة فهو مستدير واسع على

ص: 366

على شكل خف البعير سواء لكنه أكبر منه، ويكون قطر الورقة ما بين شبر إلى شبرين، ولكل ورقة قضيب مفرد فى غلظ الأصبع وطول شبرين أو أزيد ونبات كل قضيب من الأصل الذى فى الأرض، إذ ليس لهذا النبات ساق ولا ثمر، وورق القلقاس شديد الخضرة رقيق البشرة، شبيه بورق الموز فى خضرته ونعومته ورونقه ونضارته.

وقال ديوسقوريدس: إن لهذا النبات زهرا على لون الورد فإذا عقد عقد شيئا شبيها بالحراب كأنه تفاحة الماء، وفيه باقلا صغير أصغر من الباقلا اليونانى يعلو موضعه المواضع التى ليس فيها باقلا، فمن أراد أن يزرعه فإنما يأخذ ذلك الباقلا ويصيره فى كتل طين ويلقيها فى الماء فينبت، وزعم أنه يؤكل طريا ويابسا وأنه يعمل منه دقيق يشرب كالسويق، ويعمل منه حسو فيقوى المعدة وينفع من الإسهال المرئى وسحوج الأمعاء، وأن الشئ الأخضر الذى فى وسطه المر الطعم إذا سحق وخلط بدهن وقطر فى الأذن سكن وجعها.

وقال الإسرائيلى: أما نحن فما شاهدنا له زهرا، وقال: ورأيت أصل هذا النبات إذا خزن فى المنازل وجاء وقت نباته تفرع من الباقلا اللاصق به فروع، وأنبت من غير أن يظهر له زهر ولا ثمر لكن لون الباقليات نفسها كلون زهر الورد، لأنها حين تبرز وتأخذ فى النبات يخرج ما يبرز منها حسن البياض يعلق توريد يسير، قال: وما وجدنا له جفافا يمكن معه أن يكون منه سويق، ولا رأيناه السنة كلها إلا رطبا مثل بصل النرجس وبصل الزعفران ونحوه، قال: ولم نر فى وسطه هذا الأخضر الذى ذكره ديوسقوريدس، ولا وجدناه السنة كلها إلا كالموز الأخضر، أقول: كلا بل الحق ما قاله ديوسكوريدس، وأنه يجف حتى يقبل السحق، ويمكن أن يتخذ منه السويق، وهذا رأيناه عيانا. وأنه إذا جف لا فرق بينه وبين الزنجبيل فى المنظر، سوى أن القلقاس أكبر ونجد فى طعمه حدة ولذعا، وأقول عن حدس صناعى مبدؤه المشاهدة والسماع أن القلقاس زنجبيل مصرى أكسبته الأرض رطوبة فقلت حرارته وحدته، كما أن الزنجبيل

ص: 367

الزنجى (أى المنسوب إلى بلاد الزنجبار) والهندى أقوى وأحد من اليمنى.

وأهل اليمن يطبخونه كما يطبخ المصريون القلقاس لكن لا يستكثر منه جدا، ولقد سألت جماعة من التجار وأرباب المعرفة عن منبته باليمن وشكله، فكلهم زعم أنه كالقلقاس غير أن القلقاس أكبر وكذلك ورقه أكبر من ورق الزنجبيل، وقد شاهدته إذا يبس لا فرق بينه وبين الزنجبيل فى الصورة، مع حدة ولذع يسير، وقال لى آخر: إن نبات الزنجبيل يشبه نبات البصل مع أن القلقاس يكون فى تلك البلاد وكأنه بستانى.

وقال على بن رضوان: القلقاس أسرع الأغذية استحالة إلى السوداء، وقال غيره من أطباء مصر إن القلقاس يزيد فى الباه، وفى كلّ نظر لا يليق لهذا الكتاب. انتهى.

وذهب بعض النباتيين من الأفرنج إلى أن القلقاس هو اللوتوس المصرى، الذى ذكره هيرودوط فيما نقله عن المصريين بقوله: إنه متى انتهت زيادة النيل وصارت أرض مصر كلها بحرا ينبت نبات يعلو سطح الماء، يعرف عند المصريين باللوتوس، يجمعونه ويجففونه بالشمس ويأخذون حبه الذى يشبه حب الخشخاش، ويصحنونه ويعملون منه خبزا يسوى على النار، ويأكلون أيضا جدوره فيجدون فى طعمها حلاوة، وشكلها كرىّ فى غلظ التفاحة، وتنبت أيضا نباتة تشبه الورد وثمرها يشبه بيت الزنبور ويجمعونه من فوق غصن، ينبت من الجدر بجوار غصن آخر نابت من ذلك الجدر، ويؤخذ من ثمره حبوب قدر حب الزيتون فيؤكل طريا ويابسا.

وقد اختلف النباتيون فى ذلك، والذى يفهم من كلام كثير منهم أن اللوتوس الذى سماه بعضهم الباقلا المصرى نوع من الفيا، ويسميها علماء الإفرنج نمفياه جلندفيرا، ووجودها الآن فى مملكة جاوى، وقد انعدمت من بلاد مصر. وفى تراجم العرب عن ديوسقوريدس تسمية هذا النبات بلفظة

ص: 368

قيامس اليونانية، وقيل هو الباقلا، وفى بعض هوامش كتاب ديوسقوريدس تفسير قيامس بالقلقاس، وفى بعض الهوامش أيضا تعريبه بلفظ الجامسة بالجيم والسين المهملة وهو الباقلا المصرى والقبطى، وورقه هو القرطاس المصرى، وقيل إن القرطاس المصرى يعمل من نبات يعرف بالبرجى ويكون بمصر ونواحى دمياط، وزعم بعض الإفرنج أنه هو البشنين ينبت فى الخلجان وبرك الماء، وأنه نوعان: أحدهما أبيض الزهر، والآخر أزرقه، والأول له جدر مستدير مثل البطاطس يأكله أهل المنزلة. وذهب بعضهم إلى أن البشنين غير اللوتوس وأن اللوتوس قد انقطع من مصر بالمرة، والذى نعلمه ويعرفه أهل البلاد البحرية جميعا أن البشنين ينبت إلى الآن فى البرك والبحائر الراكدة، وهو نوعان: أحدهما يسمونه الحلّيو بحاء مهملة فلام مشددة فتحتية فواو، يكون له جدر فى الأرض مستدير بقدر البيضة أو أكبر، وغالبا يكون اثنان أو ثلاثة بعضها تحت بعض، والعليا أكبر من السفلى، ويتفرع منه جملة فروع تعلو على سطح الماء، ولكل فرع ورقة، وفى وسط هذه الفروع ينبت بقرب زمن استوائها فرع فى غلظ الأصبع كحنبوط البصل فارغ الوسط كجميع الفروع، وفى أعلاه نورة تأخذ فى الكبر ثم تنضم حتى تكون فى هيئة كوز الذرة، مكسوة بأوراق بعضها فوق بعض وشكلها مخروطى بقدر الليمونة، وفى داخلها أبراج بها حب صغير جدا كحب البطارخ أحمر اللون، ويسمى الأهالى هذا الكوز بكوز القمح، وليس فى طعمه لذة لخلوه من الدهنية، بخلاف جدره المعروف عندهم بالقريع فإنه لذيذ الطعم نيئا، وإن شوى يكون فى رخاوة صفار البيض مع بياض لونه، وله بعد الشى قشرة سوداء، وفى حال صغره تكون حمراء، والثانى المرير وهو مثل الأول إلا أن قريعه أكبر وفى طعمه مرارة.

ويقال أنه نافع لأمراض البطن وأكله بعد الشىّ ألذ منه نيئا وحب كوزه كحب البرسيم، وهو ألذ من حب الحليو لكثرة دهنيته، ولونه أزرق ويسمى عند الأهالى بالشعير.

ص: 369

وتارة يكون شكل كوزه كالصحفة متى كانت الشجرة فى النوعين كبيرة، ووقت نباته فى مبادى زيادة النيل واستواء الحليو قبل المرير بنحو شهر، ويستمر إلى دخول الشتاء، والسمك يهواه ويأكله.

وقد تكلم ابن البيطار على القلقاس وعلى الباقلا، ويظهر من كلامه أن النباتة التى يقال لها النمفيا كانت موجودة فى وقته، وذكر فى مفرداته أن أهل مصر يسمون الباقلا القبطى باسم الجامسة، وغلط من قال هو الترمس.

وقال دساسى إن جامسة كلمة رومية معربة وأصلها جومو، وأن الباقلا المصرية فى كلام الأقدمين ربما كانت تسمى القلقاس، ولم يكن القلقاس المعروف الآن موجودا فى ذاك الوقت، وإنما أخذ اسم النباتة القديمة بعد انعدامها وجعل اسما لهذه النباتة الموجودة الآن.

وقد فسر دساسى بعض ما وقع فى عبارة البغدادى، فقال: السيماقية منقوع حب السماق وورقه، ونقل عن القارزى أن العرب والشوام يطبخون العدس مع السماق ويسمون ذلك سماقيا، وفى القاموس: السماق كرمان وكصبور ثمر معروف يشهى ويقطع الإسهال المزمن، والاكتحال بنقاعته يقطع السلاق والرمد، وفيه أيضا السلاق-كغراب-بثر تخرج على أصل اللسان أو تقشر فى أصول الأسنان وغلظ فى الأجفان، من مادة أكالة تحمر لها الأجفان وينتثر الهدب ثم تتقرح أشفار الجفن.

وفى القاموس أيضا: القسط بالضم عود هندى وعربى مدر نافع للكبد جدا والمغص والدود وحمى الربع شربا، وللزكام والنزلات والوباء بخورا، وللبهق والكلف طلاء، وقال أيضا: ربعت عليه الحمى جاءته ربعا بالكسر وهى أن تأخذ يوما وتدع يومين، ثم تجئ فى اليوم الرابع ا. هـ.

وقال دساسى: القسط فى الأصل عربى وأحسنه ما جلب من بلاد العرب، وذكر ابن البيطار منه ثلاثة أنواع: الهندى، والبحرى والشامى، فالأول أسود حلو، والثانى أبيض مر، والثالث راسن.

ص: 370

وفى القاموس: الراسين القنس وهو نبات طيب الرائحة ينفع من جميع الآلام والأوجاع الباردة والماليخوليا ووجع الظهر والمفاصل مفرح ملين مقوّ للقلب والمعدة بالعسل لعوقا، جيد للسعال وعسر النفس، يذهب الغيظ ويبعد من الآفات، انتهى.

وفى تذكرة داود فى حرف الراء ما نصه:

راسن يسمى حزنبلا، ويقال له الجناح الرومى والشامى، وبعضهم يسميه قسطا لشبه بينهما، وهو أصل خشبىّ بين ياقوتية وخضرة، يتفرع منه أغصان ذات أوراق عريضة، ومنه ما أوراقه كالعدس وله زهر إلى الزرقة وحب كأنه القرطم لولا فرطعة فيه، وطعمه بين حرافة وحدة عطرى، يدرك بشهرى بابه وبئونة وتبقى قوته نحو سنتين، وهو حار يابس فى الثانية أو فى الثالثة، من أكبر أدوية المعدة، ويهيج الشهوتين، وينفع الكبد والطحال، واسترخاء المثانة والبول فى الفراش، وأوجاع المفاصل والظهر، وحبس الطمث، وأمراض الصدر كالربو، والرأس كالشقيقة شربا، ويحلل الأورام وضارب العظم طلاء، وينفع من النهوش مطلقا، وإذا استحلب حبه أبطأ بالإنزال مجرب، وإذا بخرت به الأسنان قواها وأسقط الدود، وإن تدلكت به النساء كانت غمرة عظيمة، ومع العسل يحلل سائر الآثار ويربى فيكون غاية، ويخلل فيهضم ويهيج الجوع، وهو يصدع ويحرق المنى، ويصلحه الخل والمصطكى والربوب الحامضة، وشربته إلى مثقالين، وبدله مثله قسط أبيض أو نصفه شقاقل، وقيل سعد، انتهى بحروفه.

وقول البغدادى إن ورق القلقاس يشبه ورق الموز ليس مراده الشبه التام، فإن فى ترجمة ديوسقوريدس أن ورقه ليس فى طول ورقة الموز وإذا جفف أشبه ورق القرع. والحراب فى كلام البغدادى بالحاء المهملة المراد بها أوعية زاد الرعاة، قال فى القاموس: الحربة بالضم وعاء كالجوالق والغرارة أو وعاء زاد الراعى. انتهى. وقوله: كأنه تفاحة الماء. قال دساسى: هذا خطأ فى فهم

ص: 371

كلام ديوسقوريدس، فإن ترجمة عباراته أنه متى أزهر يحمل حربا صغيرة تشبه أكياسا صغيرة يكون فيها بقلة ترتفع فوق الغطاء على صوزة تفاحة الماء، وقال أيضا: السويق هو دقيق الشعير يطحن بعد أن يحمص على النار، انتهى.

ولنورد لك ترجمة القلقاس التى ذكرها ديوسقوريدس كما وجدناه فى كتاب دساسى، فنقول: قال ديوسقوريدس: ما معناه قيامس القبطى، ومن الناس من ينسبه إلى نيطس فيسميه نيطيوقوس، ينبت كثيرا بمصر، وقد ينبت أيضا بالبلاد التي يقال لها آسية والتى يقال لها قيليقيا، ويوجد فى المياه القائمة، وله ورق كبير مثل فاطاسون، وله ساق طوله ذراع فى غلظ أصبع وزهر لونه بلون الورد الأحمر، وهو فى عظمه ضعف زهر الخشخاش، وإذا ورد عقد شيئا شبيها بالحراب وفيها باقلا صغار، ويعلو موضعه على الموضع الذى فيه حب كأنه تفاحة الماء، ويقال له قيبوديون وقيبوليون، وهو الموضوع فى كتل الطين، لأن الذين يريدون زراعته يصيرونه فى كتل من الطين ويلقونه فى الماء، وله أصل أغلظ من أصل القصب، يؤكل مطبوخا ونيئا يقال له القلقاس، وقد يؤكل هذا الباقلا طريا وإذا جف اسود، وهو أصغر من الباقلا اليونانى، وقوته قابضة جيدة للمعدة، ودقيقة إذا شرب مثل السويق أو عمل منه حسو وافق من به إسهال مزمن وقرحة الأمعاء، وقشره أقوى فعلا إذا طبخ بالشراب المسمى أونومالى وسقى منه مقدار ثلاث قواتوسات، والشئ الأخضر الذى فى وسطه الذى طعمه مر إذا سحق وخلط بدهن ورد وقطر فى الأذن كان صالحا لوجعها.

وقد ترجم أبو الفرج علىّ بن رضوان المذكور فى عبارة البغدادى، وذكر له القازرى جملة مؤلفات، وقال ابن أبى أصيبعة إنه أبو الحسن على بن رضوان، ولد فى الجيزة من بلاد مصر، وفى سنة أربعمائة وسبع وأربعين هجرية كان متقدما فى السن، وقد حصل له خلل فى عقله بسبب سرقة متاعه في ذلك الوقت، وكان من أجل الأطباء، وكان رأيه يخالف رأى معاصريه والسابقين

ص: 372

عليه من الأطباء، وله خلاف كتبه فى الطب تآليف فى علم الحكمة والفلسفة.

وذكر له ابن أبى أصيبعة رسالة فى مفردات الأدوية مرتبة على حروف المعجم ومنقسمة إلى اثنى عشر بابا، ويوجد منها فى كتبخانة باريس خمسة أبواب وبعض السادس، وله رسالة ترجم فيها نفسه فكتب فيه أن سنه إذ ذاك تسع وخمسون سنة.

وأما ابن أبى أصيبعة فهو-كما فى بعض كتب الإفرنج-موفق الدين أبو العباس أحمد بن أبى القاسم بن خليفة الخزرجى نسبة إلى قبيلة خزرج، ويعرف بابن أبى أصيبعة، ولد فى دمشق الشام سنة ستمائة من الهجرة، وتعلم على عمه رشيد الدين على بن خليفة طبيب حاذق بدمشق فى مداواة العينين، وقرأ على ابنه، وكان كحالا وجراحا ماهرا، وتلقى الفلسفة عن العالم الفيلسوفى رضىّ الدين الجلى، وتعرّف بابن البيطار وأخذ عليه دروسا فى النباتات مع عبد اللطيف وغيره من مشهورى وقته.

وفى سنة أربع وثلاثين وستمائة حضر إلى مصر وأقام بها حكيما، وبعدها بسنة توجه إلى سرخد بالشام وخدم عز الدين أيدمر بن عبد الله فكان أول الأطباء عنده، ومات فى جمادى الأولى سنة ثمان وستين وستمائة، ومن تآليفه كتاب «عيون الأنباء» الذى أورد فيه-كما وجدته فى الجزء الأول من الجرنال المشرقى 1853 ميلادية-ترجمة ثلثمائة وثمانية وستين حكيما، منهم مائتان وتسعة وثلاثون من العرب، وثلاثة من المغاربة، وستة وثمانون من الأندلس، وثلاثة وعشرون من الفرس، وستة عشر من الروم، ومن تآليفه أيضا كتاب «التجاريب والفوائد» ، وكتاب «حكايات الأطباء فى علاجات الأدواء» ، وكتاب «معالم الأمم وأخبار ذوى الحكم» ونقل بعض الإفرنج من كتابه هذه الأبيات:

ص: 373

إذا كان الزمان زمان سوء*

وكان الناس أمثال الذئاب

فكن كلبا على من كان ذئبا*

فإن الذئب ينفى بالكلاب

غيره:

توق رعاك الله تسعا من البشر*

فصحبتهم تفضى إلى البؤس والضرر

هم أعور ثم أعرج ثم أحدب*

كذا كوسج يتلو الضغاطة والكدر

كذا غائر العينين بارز جبهة*

كذا أزرق العينين فالحذر الحذر

انتهى.

‌ترجمة الشيخ أبى بكر الشنوانى

ثم إن لقرية شنوان هذه حظا من الشرف والشهرة بمن نشأ منها من الأكابر والعلماء، فمن علمائها-كما فى خلاصة الأثر-العلامة أبو بكر بن إسماعيل ابن القطب الربانى شهاب الدين الشنوانى، وجدّه الأعلى ابن عم سيدى على وفى الشريف الوفائى التونسى، الإمام العلامة الأستاذ علامة عصره فى جميع الفنون. وكان فى عصره إمام النحاة تشد إليه الرحال للأخذ عنه والتلقى منه، مولده بشنوان وهى بلدة بالمنوفية، وتخرج فى القاهرة بابن قاسم العبادى ومحمد الخفاجى والد الشهاب، وأخذ عن الشهاب أحمد بن حجر المكى، وجمال الدين يوسف بن زكريا، وإبراهيم بن عبد الرحمن العلقمى، والشمس محمد الرملى، وتفوق، وكان كثير الاطلاع على اللغة ومعانى الأشعار، حافظا لمذاهب النحاة والشواهد، كثير العناية بها حسن الضبط، أخذ الناس عنه كثيرا وعليه تخرجوا، وانتهت إليه الرياسة العلمية، ولازمه بعد الشهاب ابن قاسم جل تلامدته، وممن لازمه وتخرج به الشهاب أحمد الغنيمى، وعلى الحلبى، وابن أخته الشهاب الخفاجى، وعامر الشبراوى، وسرى الدين الدرورى، ويوسف الفيشى، ومحمد بن عبد الرحمن الحموى، والشمس البابلى، وإبراهيم الميمونى، وغيرهم من أكابر العلماء،

ص: 374

وابتلى بالفالج فمكث فيه سنين وهو لا يقوم من مجلسه إلا بمساعد، وكانت تذهب الأفاضل إلى بيته ولا تنصرف عن ناديه.

وألف المؤلفات المقبولة، منها «حاشية على متن التوضيح» فى مجلدات لم تكمل، و «حاشية على شرح القطر» للفاكهى لم تكمل، وله حاشية أخرى على شرح القطر للمؤلف، لم تكمل، و «حاشية على شرح الشذور» للمصنف أيضا، «وحاشية على شرح الأزهرية» للشيخ خالد، وأخرى على شرح القواعد له، وله «حاشية على البسملة والحمدلة» ، للشيخ عميرة، وله «شرح على البسملة والحمدلة» للقاضى زكريا، «وشرح على الآجرومية مطول» ، جمع فيه نفائس الفوائد، وله حاشيتان على شرح الشيخ خالد الأزهرى على الآجرومية، وشرح ديباجة مختصر الشيخ الخليل الناصر اللقانى المالكى و «شرح الأسئلة السبع» للشيخ جلال الدين السيوطى التى أوردها على علماء مصر، حيث قال:

ما تقول علماء العصر المدعون للعلم والفهم فى هذه الأسئلة المتعلقة بألف باء تاء ثاء

إلى آخرها، ما هذه الأسماء وما مسمياتها؟، وهل هى أسماء أجناس، أو أسماء أعلام، فإن كان الأول فمن أى نوع الأجناس هى؟ وإن كان الثانى فهل هى شخصية أو جنسية، فإن كان الأول فهل هى منقولة أو مرتجلة؟ فإن كان الأول فمم نقلت، أمن حروف أم أفعال أم أسماء أعيان أم مصادر أم صفات؟ وإن كانت جنسية فهل هى من أعلام الأعيان أو المعانى؟ إلى آخر ما قال.

وكان بلغ شرحه لملك المغرب مولاى أحمد المنصور ابن مولاى محمد الشيخ فأرسل له عطية جزيلة، ورجا منه إرسال نسخة منه، قال صاحب الخلاصة: وهذا الشرح فى مصر معدوم على ما سمعت، ويقال إنه لا يوجد إلا بأرض المغرب فإن نسخته غار عليها بعض المغاربة فذهب بها معه إلى المغرب، قال وقد ذكر ابن أخته الخفاجى وعبد البر الفيومى وأطال فى

ص: 375

ترجمته، وأنشد له الخفاجى أبياتا كتبها إليه فى صدر كتاب أولها:

سلام شذاه يملأ الأرض نكهة*

تبلغه منى إليك يد الصبا

وتحمله هوج الرياح إلى العلا*

وتنشره فى الأفق شرقا ومغربا

انظر باقيها فى «خلاصة الأثر» وكان المترجم كثيرا ما يتمثل بهذين البيتين:

وقائلة أراك بغير مال*

وأنت مهذب علم إمام

فقلت لأن مالا قلب لام*

وما دخلت على الأعلام لام

قال مدين القوصونى: وكانت وفاته عقب طلوع الشمس من يوم الأحد ثالث ذى الحجة سنة تسع عشرة بعد الألف، وبلغ من العمر نحو الستين، ودفن بمقبرة المجاورين. ولما بلغ ابن أخته الخفاجى موته قال مضمنا لبيت الشواهد المستشهد به على الترخيم فى غير النداء:

رحم الله أوحد الدهر من قد*

كان من حلية الفضائل حالى

ذاك خالى واسلوتى إذ نعوه*

ليس حىّ على المنون بخالى

ورثاه بأبيات مذكورة فى الخلاصة فارجع إليه إن شئت، انتهى.

‌ترجمة الشيخ محمد الشنوانى

وذكر الجبرتى فى حوادث سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وألف أن منها أيضا الفقيه العلامة والنحرير الفهامة محمد الشنوانى الشافعى الأزهرى شيخ الإسلام، من أهل الطبقة الثانية، أخذ عن الشيخ الصعيدى والشيخ فارس، والدردير، والفرماوى، وتفقه على الشيخ عيسى البراوى، ولازم دروسه وبه تخرج وأقرأ الدروس، وأفاد الطلبة بالجامع المعروف بالفاكهانى بالقرب من دار

ص: 376

سكناه بخشقدم. وكان قبل مشيخته على الجامع الأزهر مقيما بجامع الفاكهانى المذكور، فكان يدرس فيه، وبعد فراغه من الدروس يغير ثيابه ويكنس المسجد ويغسل القناديل ويعمرها بالزيت، وبقى مستمرا فى خدمة الجامع المذكور إلى أن تشيخ على الأزهر بعد موت الشيخ الشرقاوى، وكانت مشيخته قهرا عنه؛ لأنه امتنع وهرب إلى مصر القديمة حين بلغه أنهم اختاروه للمشيخة، وبعد ذلك أحضروه وشيخوه قهرا، وتلبس بالمشيخة مع ملازمته لجامع الفاكهانى كعادته الأولى، وأقبلت عليه الدنيا لكنه لم يتلذذ بها واعترته الأمراض وتعلل بالزحير أشهرا ثم عوفى، ثم تعلل ثانيا وانقطع بالدار حتى توفى فى الأربعاء الرابع والعشرين من المحرم من السنة المذكورة، وصلى عليه فى الأزهر، ودفن بالمجاورين، عليه رحمة الله تعالى.

ومن ذرية الشيخ شهاب الدين المتقدم ذكره عبد الفتاح أفندى صبرى كما أخبر عن نفسه، تربى بمدرسة المهندسخانة الخديوية، ثم نقل منها فى أواخر سنة 1269 إلى آلاى المهندسين والكوبريجية؛ للاستحصال على التعليمات والفنون الحربية، ثم ترقى إلى رتبة ملازم ثانى بالآلاى المذكور، ثم نقل إلى هندسة الاستحكامات بقلعة القناطر الخيرية وبلغ فيها إلى رتبة اليوزباشى، والآن أى سنة 1292 هو رئيس هندسة القناطر الخيرية برتبة أغاسى.

(شها)

قرية من مديرية الدقهلية بمركز دكرنس واقعة على الشاطئ الغربى للبحر الصغير، وفى الشمال الشرقى لسلمون القماش بنحو ألف وستمائة متر، وفى الجنوب الغربى لمحلة دمنة بنحو ألف ومائتى متر، وبها جامع بمنارة وزاوية للصلاة وحلقة سمك وأبراج حمام ووابوران لسقى المزروعات وأشجار على البحر، وبجانبها من الجهة الغربية ترعة شها الكبرى وزمامها ثلاثة آلاف فدان،

ص: 377

ويعمل بها مولد فى كل سنة لسيدى إبراهيم الدسوقى، وينسج بها الصوف والقطن الغليظ، وتكسب أهلها من ذلك ومن الزرع.

(الشهداء)

قرية من مديرية المنوفية من أعمال منوف بحرى كفر عشمى بنحو ألف وخمسمائة متر وقبلى طندتا بنحو أربع ساعات، وأبنيتها من اللبن كثيرا ومن الآجر قليلا، وبها جامع كبير شهير له منارتان وبه أعمدة كثيرة من الرخام، وينسب للأستاذ سيدى محمد شبل بن الفضل بن العباس عم النبى صلى الله عليه وسلم وضريحه به مشهور يزار، ويعمل له مولد حافل كل عام، وفيه أضرحة أخرى منها ضريح سيدى على الطويل، وسيدى عبد الله الوزير، وسيدى خليفة، وغيره، وقد جدده المرحوم حسن بك شعير سنة ست وستين ومائتين بعد الألف. وفى «خلاصة الأثر» للمحبى أن بجوار مشهد الشهداء بالمنوفية مسجدا، ابتناه الشيخ أحمد الأحمدى المصرى العارف المرشد المعروف بالسيحى وقبره ظاهر يزار، وذكره أحمد العجمى فى مشيخته، وقال:

إنه تلا القرآن علي الشيخ أحمد بن عبد الحق البساطى وأخذ عن علماء عصره العلوم الشرعية، وكان فى طبقة المشايخ الكبار حالا ومقالا. وارتحل من مصر فطاف البلاد على قدم التجريد ودخل بغداد والكوفة والبصرة، ثم عاد إلى مصر وابتنى هذا المسجد وأقام فيه لإقراء الناس القرآن وانتفع به خلائق لا يحصون، وكان يأتى مصر كل عام مرة، يجلس أحيانا بالجامع الأزهر، وأحيانا بمدرسة السيوفية، ثم يعود إلى مسجده، وهذا دأبه. وكانت وفاته سنة ثلاث وأربعين وألف، انتهى.

وبها سوق صغير أمام هذا الجامع به حوانيت، وفيها نخيل للأهالى وجنينة لدرويش إبراهم الخفيف تشتمل على كثير من الفواكه، وأهلها

ص: 378

مسلمون، وكثير منهم يحفظون القرآن، وأطيانها ألف وثمانمائة فدان وكسر جميعها مأمونة الرى، ويزرع بها الأصناف المعتادة، ولها شهرة بفتل الكتان حبالا، وضفر الخوص.

(شوبر)

بفتح الشين المعجمة وسكون الواو وفتح الباء وبعدها راء-قاله فى «خلاصة الأثر» -وهى قرية من مديرية الغربية بمركز محلة منوف موضوعة شرقى ترعة الجعفرية بنحو ألفى متر، وفى الجنوب الغربى لمنية السودان بنحو ألفين وأربعمائة متر، وفى الشمال الغربى لبرباى بنحو خمسة آلاف متر، وبها جامع، وتكسب أهلها من الزراعة المعتادة.

‌ترجمة الشيخ أحمد الشوبرى الحنفى

وفى «خلاصة الأثر» أن منها الشيخ أحمد بن أحمد الخطيب الشوبرى المصرى، الفقيه الحنفى العالم الكبير الحجة شيخ الحنفية فى زمانه، كان إماما فى الفقه والحديث والتصوّف والنحو كامل الفضائل، ولد ببلده ورحل مع أخيه الشمس محمد إلى الشيخ أحمد بن على الشناوى بمنية روح، وأخذا عنه علوم الطريق وبه تخرجا فى علوم القوم، ثم قدم مصر وجاور بالأزهر سنين، وروى الفقه وغيره عن الإمام على بن غانم المقدسى وعبد الله التحريرى وعمر ابن نجيم وبهم تفقه، وأخذ عن شيخ الشافعية الشمس محمد الرملى شارح «المنهاج» وعن غيره. وحكى البشبيشى أنه أخبره أنه سمع البخارى على الشمس محمد المحبى الحنفى، وكان إذا فاته سماع درس منه يذهب إليه لبيته فيقرؤه عليه، وأجازه كثير من شيوخه، وتصدر وعم نفعه لأهل عصره؛ بحيث إن جميع علماء الحنفية من أهل مصر والشام ما منهم إلا وأخذ عنه.

ص: 379

وكان يلقب بمصر بأبى حنيفة الصغير، وأخوه محمد كان يلقب بالشافعى الصغير، وكان المترجم مشهور بالخير والصلاح والبركة لمن قرأ عليه، معتكفا فى بيته، منعزلا عن جميع الناس، جامعا بين الشريعة والحقيقة معتقدا للصوفية، وجيها مهيبا، لا يتردد إلى أحد مجللا، كثير البكاء والخشية من الله تعالى، صاحب أحوال وكرامات.

ثم قال صاحب الخلاصة: وممن أخذ عنه فقيه الشام وبارعها إسماعيل ابن عبد الغنى النابلسى الدمشقى الحنفى صاحب الأحكام وغيره. قال المحبى: وقد لقيه والدى المرحوم فى منصرفه إلى القاهرة سنة سبع وخمسين وألف وذكره فى رحلته التى ألفها، فقال فى وصفه: قرة عين الإمام الأعظم وصاحبيه، من انتهت رياسة الحنفية بالقاهرة المعزية إليه «سراج المذهب وطرازه المذهب» قرأت عليه بحضور بعض أفاضل الطلاب من أوائل الهداية، وأجازنى بما له من رواية ودراية، وها هى إجازته بخطه مضبوطة عندى بضبطه. وذكره فى «عقد الجواهر والدرر» قال: وكان مشهورا بالصلاح والبركة والغالب عليه العزلة، لا يتردد إلى أحد، وكان مجللا عند الناس مقبول الكلمة معتقدا للصوفية والصلحاء، وله كرامات ومكاشفات، حكى أن السرى محمد ابن محمد الدرورى-وهو من أعيان العلماء-كان ينقصه وينكر عليه فبلغه ذلك، فقال لبعض أصحابه: قل له المشاهد بيننا. فلم يفهم السرى ذلك، فاتفق أنهما ماتا فى شهر واحد، وكانت جنازة السرى كجنازة آحاد الناس وجنازته حافلة لم يتخلف عنها أحد من الحكام والأمراء والعلماء، وأسف الناس لفقده.

وكانت وفاته فى سنة ست وستين وألف، وصلى عليه أخوه الشيخ الإمام الشمس محمد بالرميلة.

ص: 380

‌ترجمة الشيخ محمد الشوبرى الشافعى

وأما أخوه الشيخ محمد فهو محمد بن محمد الملقب بشمس الدين الخطيب الشوبرى الشافعى المصرى الإمام المتقن، الثبت الحجة شيخ الشافعية فى وقته ورأس أهل التحقيق والتدريس والإفتاء فى الجامع الأزهر.

وكان فقيها، إليه النهاية، ثابت الفهم دقيق النظر متثبتا فى النقل متأدبا مع العلماء معتقدا للصوفية، حسن الخلق والخلق، مهيبا ملازما للعبادات، وحظى حظوة فى الفقه لم يحظها أحد فى عصره، بحيث إن جميع معاصرية كانوا يرجعون إليه فى المسائل المشكلة، وكان يلقب بشافعى الزمان، حضر على الشمس الرملى ثمان سنين وأجازه بالإفتاء والتدريس سنة ألف، ولزم النور الزيادى، وأخذ الحديث عن أبى النجاء سالم السنهورى، وإبراهيم العلقمى، والعلوم العقلية عن الشيخ منصور الطبلاوى، وعبد المنعم الأنماطى، وأجازه شيوخه وشهدوا له بالفضل التام، واشتهر بالعلم والجلالة، وكان يقرأ «مختصر المزنى» و «شرح الروض» و «العباب» وغيرها من الكتب القديمة المطولة، وكان يميل إليها. وهو آخر من قرأ بالجامع الأزهر «شرح الروض» و «المختصر» و «العباب» وانتفع به كثير من العلماء منهم النور الشبراملسى والشمس البابلى، وياسين الحمصى، وغيرهم.

وألف مؤلفات كثيرة، منها «حاشية على شرح المنهج» و «حاشية على شرح التحرير» و «حاشية على شرح الأربعين لابن حجر» ، و «حاشية على العباب» ، وله فتاوى مفيدة. وكانت وفاته فى الحادى والعشرين من جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وألف. ودفن بتربة المجاورين، انتهى.

‌ترجمة الشيخ محمد الشوبرى الحنفى

وفى حوادث سنة أربع وثمانين ومائة وألف من الجبرتى أن منها الإمام الفقيه، والفاضل النبيه، صائم الدهر الشيخ محمد الشوبرى الحنفى، تفقه

ص: 381

على الشيخ الاسقاطى، والشيخ سعودى وغيرهما، ولازم الشيخ الجبرتى الكبير وأخذ عنه، ثم تصدى للتدريس، وانتفع به الكثير. وكان إنسانا حسنا لا يتداخل فيما لا يعنيه. ملازما لداره بعد قراءة دروسه، وكانت داره بقنطرة الأمير حسين، مشرفة على الخليج، توفى فى السنة المذكورة، رحمه الله تعالى.

(الشوبك)

من هذا الاسم عدة قرى، فالشوبك قربة من قسم بنى سويف واقعة فى غربى طوه بنحو ثلاثة آلاف متر، وفى الجنوب الغربى لناحية قلة، وبها زاوية للصلاة ونخيل، وتكسب أهلها من الفلاحة وغيرها.

(شوبك الأكراش)

قرية من مديرية الشرقية بقسم الإبراهيمية فى جنوب ناحية أكراش بنحو ألفين وثلثمائة متر، وفى الجنوب الغربى لناحية السدس بنحو ألف وسبعمائة متر، وبها جامع، وتكسب أهلها من الفلاحة، وغيرها.

(شوبك بسطة)

قرية من مديرية الشرقية بمركز بلبيس، شرقى بندر الزقازيق بنحو ألفين وخمسمائة متر، وفى الشمال الغربى ناحية الغار بنحو ألف وسبعمائة متر، وأغلب أبنيتها باللبن والآجر، وبها مسجد وزوايا، وتكسب أهلها من الزراعة وغيرها.

(شوبك الجيزة)

قرية من مديرية الجيزة بقسم ثان موضوعة على الشاطئ الغربى للبحر الأعظم، فى شمال ناحية مزغونة بنحو ألفين وخمسمائة وخمسين متر، وفى الشمال الشرقى لدهشور بنحو أربعة آلاف وخمسمائة متر، وأغلب مبانيها

ص: 382

باللبن، وبها زاوية للصلاة وبدائرها نخيل، وكانت فى السابق فى البر الشرقى فأكلها البحر فانتقلت إلى البر الغربى، ولها أطيان فى البر الغربى، ولها أيضا جزيرة تجاهها فى وسط البحر صالحة للزرع، ويسكنها بعض الأهالى والعرب، وكثيرا ما كان يحصل منهم ومن غيرهم الإفساد فى البلاد، ففى «نزهة الناظرين» أن العرب كانت ثائرة فى البلاد فى زمن الوزير أحمد باشا الذى تولى مصر يوم الاثنين عاشر المحرم سنة إحدى ومائة ألف، وخصوصا فى جهات الفيوم من عرب المغاربة وشيخهم يومئذ عبد الله بن وافى، وكذا فى جهات البهنسا، وحصل من عرب العطيات القاطنين بجزيرة الشوبك مفاسد شاع ذكرها، فتعين إبراهيم بك بن ذى الفقار بك ومعه جماعة من الأمراء وعساكر من الاسباهية وكبسوا هذه الجزيرة، وقتلوا من أهلها ومن عرب العطيات نحو مائة نفس، وطلع إبراهيم بك منها بخمسة وثلاثين رأسا وعرضها على إبراهيم باشا بقره ميدان فخلع عليه وعلى الشربجية، وطلع قانصوه بك بسبعة رؤوس وثلاثة أشخاص، بالحياة فخلع عليه وقطعت رءوس ثلاثة أشخاص بالديوان، وعين الوزير أحمد باشا إلى ولاية البهنساوية، والفيوم الأمير إبراهيم بك أمير الحاج، ودرويش بك، وإبراهيم بك ابن ذى الفقار أمير الحاج سابقا، وصحبتهم أربعة مدافع وخمسمائة عسكرى، وعين صنجق آخر بخمسمائة عسكرى إلى ولاية البحيرة، واتفق الأمراء والأغوات وجميع اختارية البلكات على أن يجعلوا على أقاليم مصر وقراها غير إقليم الصعيد وقرى الكشوفية مبلغا من الفرضة على كل قرية، فجعلوا على العال ثلاثة آلاف نصف فضة، وعلى الدون ألفى نصف فضة للوازم الصرف على التجاريد، وتلك الأقاليم هى إقليم الغربية، والشرقية، والمنوفية، والمنصورة، والبحيرة، والبهنساوية، والفيوم وشرق أطفيح، وكتبت الدفاتر بذلك وأرسلت إلى الأقاليم مع السردارية، ومع كل سردار خمسون عسكريا، فتحصلت تلك الأموال وصرفت للعساكر، كل عسكرى ثلاثة آلاف نصف فضة، وكل سردار كيس، والصنجق عشرة أكياس،

ص: 383

وسيقت العساكر إلى جهات العصاة، وتعين عليهم سردارا مصطفى بك حاكم ولاية دجرجا سابقا، فهربت العرب جميعا وسارت العساكر فى إثرهم وتحاربوا مع عبد الله بن وافى شيخ المغاربة عند ناحية الغرق بالفيوم فهزموه، وصادفوا فى طريقهم نجعا من العرب فقبضوا عليهم وقتلوهم، وأخذوا أموالهم. انتهى.

(شوبك القليوبية)

قرية من مديرية القليوبية بقسم الخانقاه واقعة على الشط الشرقى للفرع الشيبينى أحد فرعى الشرقاوية، وفى الجنوب الشرقى لناحية شبين القناطر بنحو ألف ومائتى متر، وفى الشمال الشرقى لناحية المريج بنحو ألفين ومائتى متر، وبها جامع بمئذنة، وفى جهتها الشرقية نخيل بكثرة.

(شونى)

بضم الشين المعجمة وسكون الواو وكسر النون بعدها ياء آخر الحروف، قريتان بمصر، إحداهما من مديرية المنوفية بقسم تلا غربى ناحية الكرسية بنحو ألف متر، وبحرى ناحية قشطوح بنحو ألف وخمسمائة متر، وبها جامع بدون منارة ومعمل دجاج وزراعة أهلها كمعتاد الأرياف. والثانية من مديرية الغربية مبانيها كمعتاد الأرياف، وبها ثلاثة جوامع أحدها بمنارة وأبعادية للأمير قاسم باشا مفتش الأقاليم القبلية، وفى شمالها الشرقى ضريح ولى يعمل له مولد كل سنة يمكث ثلاثة أيام، وبها قليل نخيل وأبراج حمام، وأكثر زراعتهم صنف الكتان والحمص.

‌ترجمة الشيخ نور الدين الشونى

واليها ينسب الشيخ نور الدين الشونى، قال الشعرانى فى «الطبقات»:

ومن أهل الله تعالى شيخى ووالدى وقدوتى الشيخ نور الدين الشونى، وهو أطول أشياخى خدمة؛ خدمته خمسا وثلاثين سنة، لم يتغير علىّ يوما واحدا، وشونى اسم بلدة بنواحى طندتا بلد سيدى أحمد البدوى رضي الله عنه، ربى

ص: 384

بها صغيرا ثم انتقل إلى مقام سيدى أحمد البدوى، وأنشأ فيه مجلس الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو شاب أمرد، فاجتمع فى ذلك المجلس خلق كثير، وكانوا يجلسون فيه من بعد صلاة المغرب ليلة الجمعة إلى أن يسلم على المنارة لصلاة الجمعة، ثم خرج يشيع جماعة مسافرين إلى مصر فى بحر الفيض فخرجت المركب به من غير قصد منه، فلم يقدر أحد على رجوعها إلى البر، فقال: توكلنا على الله. فجاء إلى مصر فأقام بها أولا فى تربة السلطان برقوق بالصحراء، وأنشأ بالجامع الأزهر مجلس الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عام سبع وتسعين وثمانمائة، وكان يقوم من التربة كل ليلة جمعة إلى الأزهر ويرجع، فلما عمر السلطان طومان باى العادل تربته نقله إليها وأعطاه وظيفة المزملاه بها، فكان يسقى الناس طول النهار، فأقام بها سنين عديدة، ثم دخل إلى مصر وتزوج بها وله من العمر تسعون سنة ولم يتزوج قبلها، ثم انتقل إلى مدرسة السيوفية فأقام بها إلى أن توفى سنة أربع وأربعين وتسعمائة، ودفن بالقبة المجاورة لباب المدرسة القادرية بخط بين السورين وقبره بها ظاهر يزار، قال لى: من حين كنت صغيرا أرعى البهائم فى شونى وأنا أحب الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رضي الله عنه حسن العشرة جميل الخلق، كريم النفس، حسن السمت، كثير التبسم، صافى القلب، ومناقبه رضي الله عنه كثيرة، وإن شاء الله نفردها بالتأليف إن كان فى الأجل فسحة، انتهى.

(شيبين القناطر)

قرية من مديرية القليوبية على الشاطئ الشرقى للفرع الشيبينى، وفى الشمال الشرقى فى لطحانوب بنحو أربعة آلاف متر، وفى الشمال الغربى لزفيتة مشتول كذلك. وهى رأس مركز، وبها محطة السكة الحديد، سميت بذلك لأن ترعة الشرقاوية تتفرع عندها فرعين، على كل منهما قنطرة لتوزيع المياه على حسب الاقتضاء، أحدهما على الفرع المسمى بالخليلى المتجه نحو

ص: 385

الغرب، والآخر على الفرع الشيبينى المتجه نحو الشرق، وفم الشرقاوية قريب من فم أبى المنجا الذى كان الأعصر الماضية فم الخليج الواصل إلى بحر القلزم، وهو فم بحر الطينة الذى هو أحد فروع النيل السبعة، وليس فى هذه القرية ما يدل على أنها كانت من البلاد القديمة، وكان محل قنطرتها قنطرة من مبانى الرومانيين بأربع عيون، وكانت على ترعة لا على بحر الطينة كما زعم بعضهم؛ لأن بحر الطينة بعيد عنها إلى الغرب.

وقال الكندى: أن كسر أبى المنجا يكون فى يوم النيروز، ثم كسر قناطر شيبين القناطر فى عيد الصليب، وهما من ضواحى القاهرة، يخرج للفرجة عليهما خلائق عظيمة، ولا يكاد يوصف ما يحصل فى ذلك اليوم من المسرة والنزهة، انتهى.

وقد وجدت فى بعض الكتب أن الجسور الكبيرة فى بلاد القليوبية سبعة، وهى جسر أبى المنجا صليبى يفتح فى سابع عشر توت، وجسر شيبين القناطر، يفتح بعد جسر أبى المنجا بعشرة أيام، وجسر قنطرة الجندر، وجسر قنطرة الزوف وجسر بحر سردوس بقليوب، وجسر الشهاوى وجسر الهوتى يفتحان بعد أبى المنجا بيومين، وفى يوم قطع جسر شيبين يقطع جسر الفيض بالمنوفية ويحفظ على شوبر ثمانية أيام وثلث، وقد جرت العادة بأن يكتب من طرف الوالى أننا أمرنا بقطع جسر كذا فى وقت كذا فإذا قطع فليحفظ ماؤه على جسر كذا مدة كذا، والحذر كل الحذر من الغفلة فى المدة المذكورة ومداومة الحفظ والتقوية، والتأكيد على خولة الجسور ومدامستها وخفرائها فى الحفظ والحراسة، وعدم الغفلة عنه طرفة عين ليلا ونهارا، ومن قصر أو تهاون فى ذلك فقرر يكون ذلك بروحه صلبا على الجسر، وصورة ما كتب لجسر شيبين سنة ألف ومائة وثمانى عشرة قاضى الشرقية وأمير الجسر: أنه ليس خاف عنهم ما جرت العادة به في كل سنة؛ من علو النيل المبارك وقطع جسر الفيض وأبى المنجا وشيبين فى يوم واحد فى وقت واحد، ورسمنا بعد تقديم الخيرة لله

ص: 386

الملك الشكور بقطع جسر شيبين المذكور فى يوم الخميس المبارك خامس عشر من شهر تاريخه، الموافق للسابع والعشرين من مسرى، بمباشرة المعين فى هذا الشأن هو فخر الأماثل والأعيان الأمير فلان وأهل الخبرة فى الوقت المذكور على العادة، وكتابة محضر بقطعه فى الوقت والأوان وتجهيزه إلى الديوان.

وكانت العادة أيضا صدور الأوامر بجرف الجسور السلطانية والبلدية والمساقى والترع، والبدء فى ذلك يكون فى أواسط شهر كيهك والأوامر تصدر لقاضى الولاية ونائب الشرع والكاشف وصورة ما كتب فى سنة ألف وثمانية عشر: أنه ليس بخاف عنهم أن من أهم المهمات وأعظم الملمات المبادرة إلى جمع أثوار الجرافة وموادها ولوازمها وتعلقاتها والجرف بدرى الوقت، ولم يبق عذر مقبول فى التأخير، ورسمنا بأن يتقدم المشار إليهم حال وصول هذا الأمر إليهم، والمعين فيه هو فخر الأعيان الأمير فلان زيد قدره باجهار النداء بالإقليم بذلك، والاهتمام الكلى بجرف الجسور السلطانية والبلدية والترع والمساقى ومحال الرى، والتأكيد والتشديد على الكاشف فى جرف الجسور السلطانية، وعلى كل من عليه جرف الجسور البلدية ونحوها من الأمناء والملتزمين وغيرهم بجرفها بالاتقان الكلى، وعلوّ الهمة وكمال النهضة مادام الطين رطبا والعمل سهلا زيادة عن السنين السابقة، واستمرار العمل إلى حين أن يتم الجرف متقنا، مع مباشرة حكام الشريعة المطهرة أحوال الجسور فى كل قليل.

ويشاهدونها عيانا ولا يكلوا أمرها لأحد من نوابهم فإنهم قضاة السلطنة والمعوّل عليهم، وهم المخاطبون والمعاتبون، ولا بد أن يعين بعد ذلك من يكشف عليها ظاهرا وخفية، فإن ظهر فى جسر من الجسور أدنى خلل فمقرر محقق يكون ذلك بروح المقصر والمتهاون، ونرتب على حكام الشريعة ما لا يخفى، وقد نبهناهم فإن العذر فى ذلك غير مقبول، ويزاد فى الوجه القبلى أن الجسور لها مصاريف تخصها مقيدة بالدفاتر السلطانية من جانب السلطنة الشريفة،

ص: 387

والمصاريف تكفيها مع الاتقان الكلى وزيادة، غير أن الحكام يقطعون من المصاريف ويأكلونها، والعادة جرت بإخراج الجرافة والمقلقلات من البلاد صنفا والرجال بالتبديل، ويستمر العمل فى كل جسر حتى يتم متقنا بدرى الوقت، والآن صار الحكام يطمعون فى المصروف، ويؤخرون العمل عمدا حتى يضيق الوقت ويسدون الجسور بالتراب ونحوه، فلا يصير لها قوة ولا تمنع المياه وهذا منكر لا نرضاه ولا يحسن السكوت عليه، والحاكم الشرعى هو المخاطب والمعاتب بسبب ذلك، ولا بد من قطع آمال الحكام من تناول شئ من مصاريف الجسور، ولا يأخذ القاضى ولا غيره من الحكام وأتباعهم نصفا واحدا ولا حبة من مصاريفها، وإلزام من عليه العوائد بالقيام بها من غير حماية ولا تجريم، ومن خالف لا يلومن إلا نفسه. ولا بد من الكشف على الجسور خفية وظاهرا، وكان قد تعين من طرف الولاة من يكشف على الجسور بعد جرفها، ويكتب لهم مراسيم بذلك، ويصير المرور على جميع الجسور مع المعين لهذا الخصوص، ويكتب دفترا بأسماء الجسور وتعيين كل جسر، وجرفه طولا وعرضا وعمقا، ونسبة جروفه من هذه السنة للسنة الخالية، فمن يظهر بالمشاهدة أنه تم جرفه يكتب بالدفتر معينا على حدته ويجتهدوا فى إتمام بقيتها، والتأكيد والتشديد على الخولة والمدامسة ومن عليهم العوائد بالحفظ والحراسة ليلا ونهارا، وإحضار القش واللبش، ونحو ذلك من جميع اللوازم بحيث تكون حاضرة مهيأة بقرب كل جسر منها، وعدم مفارقته ساعة واحدة ليلا ونهارا، والجسر الذى لم يتم عمله يبادرون بإتمامه، ولا يكون كشف الجسور والمشى عليها وسيلة لتكليف الرعايا فى حجة ذلك النصف الواحد، وعند تمام جرف الجسور السلطانية فلا بد من الإشهاد على خولتها بتسليمها تامة متقنة على العادة، وتجهيز الأشهاد بذلك إلى الديوان العالى.

وفى كل سنة كانت تتعين أمراء الحراسة على الجسور، وعادة يكونون من أمراء الشراكسة خاصة، وكانوا فى الأصل تسعة على هذه الجسور، ثم صاروا

ص: 388

سبعة فكان أمير على جسر قشطوح وجسر المعصرة، وأمير على جسر أبى المنجا بقليوب، وأمير على جسر شيبين بقليوب أيضا، وأمير على جسر الخزان وهو جسر سنيت بالشرقية، وأمير على جسر الحلفاية بالشرقية أيضا وأمير على جسر الفيض بالمنوفية، وأمير على جسر أم دينار بالجيزة، وصورة ما كتب بتعيين أمراء الشراكسة سنة ألف وثلاث عشرة من أواسط شهر بئونة.

والقاضى والكاشف والحكام وولاة أمور الإسلام نعلمهم أنه ليس بخاف عنهم ما جرت العادة به فى كل سنة؛ من تعيين أمين من أمراء الشراكسة لحفظ وحراسة جسر كذا بالإقليم، وقد آن أوان ذلك وعينا فلانا أعين أعيان أمراء الشراكسة بالديار المصرية لحفظ وحراسة الجسر المذكور، فيتقدمون بتقوية يده وشد عضده ومساعدته على ما هو بصدده؛ من الحفظ والحراسة بالجسر المذكور، وإلزام الخولة والمدامسة بالقيام بما عليهم من خدمة الجسر المذكور، وما يحتاج إليه من قش ولبش ورجال وغير ذلك مما جرت العادة به، وإجرائه على جارى عادة من تقدم فى ذلك، انتهى.

(شيبين الكوم)

بلدة كبيرة هى مركز ديوان مديرية المنوفية واقعة على الشاطئ الغربى لبحر شبين فى شمال شنوان بأكثر من ساعتين، واتفق الجغرافيون على أنها كانت فى محل قرية كانت قديما سماها هيرودوط اتربشيس، وسماها علماء الروم افروديتوبوليس ومعناها مدينة الزهرة، وكانت فى جزيرة سماها هيرودوط بروزوبيتيس، وسماها استرابون ايروزوبيتيس. وكانت المراكب تجتمع هناك وتتفرق فى جهات القطر لجمع عظام الأبقار الميتة لدفنها فى محل واحد، وكانت عادة المصريين أن تدفن الأبقار وتظهر قرونها بارزة من القبر لتعرفها المخصصون لها. والآن فى غربى شيبين محطة السكة الحديد الآتية من كفر الزيات إلى مصر، وفى شمالها فوريقة كانت لنسج القطن والكتان، أنشئت زمن

ص: 389

العزيز محمد على ضلعها نحو مائة وعشرين مترا من كل جهة، وفى شمال الفوريقة بناء متين متسع طوله نحو خمسمائة متر فى عرض أربعمائة أنشأه العزيز أيضا فوريقة لعمل الطرابيش، وأحضر لذلك كافة آلات العمل، ثم أعرض عنه.

وفى سنة ثمان وخمسين جعل فيها اصطبلا لكحائل الخيل، واستمر الأمر على ذلك إلى زمن المرحوم سعيد باشا، وفى داخل السور فضاء نحو ثلاثين فدانا كان يزرع برسيما حجازيا لأكل تلك الخيول، وفى داخله أيضا منازل لخدمتها من ناظر وحيكم ونحو ذلك، وحوض كبير، وسواق لسقى الخيل والبرسيم، وبين الاصطبل والبحر حديقة ذات بهجة وفواكه أنشأها رستم بك مدير المنوفية سابقا، وأنشأ فوق البحر قصرا مشيدا لسكناه، ثم صار يسكنه المديريون من بعده، وفى شماله على شاطئ البحر أيضا ديوان المديرية أنشأه عمر بك الأشقر أوائل حكومة العزيز محمد على، وقبل ذلك كان ديوان المديرية فى ناحية منوف.

وفى مدينة شيبين قصور حسنة وأبنية جيدة، وفى وسطها قيسارية من شمالها إلى الجنوب، ذات حوانيت عامرة بأنواع السلع والبضائع من ملبوسات وخلافها، وفيها قهاو، وبها ستة جوامع بمنارات غير الزوايا، منها جامع أبى المكارم، وهو جامع قديم مبنى بالحجر والآجر، وبه مقام الشيخ أبى المكارم، وبأعلى باب المقام نقوش فى الحجر فيها تاريخ بنائه فى صفر سنة 500، وله ساقية، وفى داخله مقام آخر يقال له مقام الشيخ فتوح، ومنها جامع خميس، وهو قديم أيضا وجددته الأهالى سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف، وجامع القطب جدد على طرف الميرى سنة ثلاث وأربعين ومائتين بعد الألف وله ساقية معينة، وجامع سيدى فائد جدد سنة سبع وأربعين ومائتين وألف.

وجامع الشناوى، وجامع أبى العز، وبناء جميعها بالآجر والمونة.

ص: 390

وبها كنيسة للأقباط، وعدة أهلها نحو ثلاثة عشر ألف نفس وأربعمائة وثمانية وستين نفسا، وأكثرهم مسلمون، ومنهم الصباغون والحاكة والقين والتاجر، وفيها أورباويون تجار نحو مائة وتسعة وستين، وأقباط نحو الخمسمائة منهم كتبة وصاغة ونحو ذلك، وبها وابوران أحدهما لحلج القطن فقط، والآخر للحلج والطحن، واحد للخواجة اصطوفان، والثانى لاسكندر فرقش، وبها معصرة للزيت تعلق حسن القطب أحد مشايخ البلد.

وفى سنة تسع وأربعين جعل فيها مكتب جمع فيه نحو مائة تلميذ من مركز مليج، من ضمن المكاتب التى أنشأها المرحوم محمد على، عليه سحائب الرحمة والرضوان، وفى قبليها وغربيها جنائن وأشجار كثيرة وزمامها ألف وخمسمائة وثلاثة وستون فدانا، تروى من بحر شبين وشعب شنوان وترعة البتنون، ولها سوق حافل كل يوم خميس يجتمع فيه من البرين، وعمدتها على أفندى الجزار، كان وكيل مديرية المنوفية سنة تسعين، وقبل ذلك كان من أعضاء شورى النواب، وله قصر فى شرقيها مبنى بالحجر الآلة، وهو على دورين، وله بستان يشتمل على كثير من الفواكه.

ومن أهلها علماء وأفاضل، فمنهم الهمام الفاضل المرحوم الشيخ أحمد الشيبينى الميهى النعمانى.

(شيمى)

اسم قبطى لجبل كان قريبا من مدينة قفط، وهو الذى التجأ إليه مارى بيسندى وكثير من نصارى تلك الجهة، حين سمعوا بإغارة العرب وقت فتح مصر.

تم

* (تم الجزء الثانى عشر ويليه الجزء الثالث عشر أوّله حرف الصاد) *

ص: 391