الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
حرف الكاف
(كانوب)
مدينة قديمة من مدن مصر كانت على فرع من النيل يسمى فرع كانوب، ويقال له أيضا: الفرع الهرقليطى بينها وبينه نحو ثلاثين غلوة، وكانت على بعد ستة فراسخ من الإسكندرية وهى التى فى محلها الآن قرية بوقير، وكان فم فرعها عند مدينة فوة ويمر فى الأرض المغطاة الآن ببحيرة اتكو، وكان يصب فى البحر بقرب بوقير كما حقق جميع ذلك كتب الأقدمين.
وقد ذكر بلين: أن تلك المدينة كانت فى جزيرة ولا نخفاض أرضها كان يعلوها الماء عند هبوب الريح، وكانت المدينة فى وقاية من ذلك بسبب وقوعها على صخرة مرتفعة. وأخذ من كلام استرابون وديودور الصقلى أن اسمها مأخوذ من اسم رئيس مركب «منيلاس» ملك اليونان الذى مات وقبر بها.
قال استرابون: ويظهر أن كانوب إنما اشتهرت بعد خراب مدينة طونيس، وهى مدينة قديمة كانت فى مقابلة كانوب بالبر الثانى للفرع الكانوبى، وبين طونيس وجزيرة فاروس مائة وخمسون غلوة.
وقال ديودور وهيرودوط: إنها كانت على مصب النيل وسبب خرابها ارتدام ميناها فتركتها المراكب وخفى اسمها وتخربت، واشتهرت مدينة كانوب من حينئذ بدليل أن كانوب لم تذكر فيما كتب على مصر إلى القرن الثالث قبل
الميلاد. ولم يذكرها إلا هيرودوط فى سياحته لمصر قبل المسيح بأربعمائة وستين سنة، بخلاف طونيس فكانت تذكر كثيرا. انتهى.
وفى كتب القبط والروم: أن كانوب كان بها دير يغلب على الظن أنه هو الذى سماه مارى جيروم دير التوبة، وكان بجوارها على غلوتين منها قرية تسمى منوطة ومعناها المحل المقدس. اه.
وفى كتاب الجغرافيا الفرنجى: أن كانوب كانت هى ومدينة الإسكندرية محل إقامة بطليموس الفلكى صاحب المجسطى المولود أول سنة من القرن الثانى من الميلاد، وابتدأ فى التأليف فى سنة مائة وثمان وعشرين، واشتغل بذلك أربعين سنة وصنف كتبا كثيرة. انتهى.
ثم إن كانوب كان بها معبد سبرابيس، وكان من أشهر المعابد وكانت الناس تحج إليه من جميع بلاد مصر القبلية والبحرية سيما أهالى المدن الغربية كالإسكندرية وغيرها، لكن لم يكن قصدهم مجرد الزيارة والتبرك بل كان جل قصدهم النزهة والفرجة والفسوق لما كانت تشتمل عليه تلك المدينة من أنواع الملاهى وكثرة العواهر من النساء الواردات إليها فى وقت الموسم زيادة عن المقيمات بها على الدوام، فكانت الشهوات والملاذ فيها لا تقف عند حد وكان لا يتعرض لأحد فيها بسوء. ولا يمنع أحد شيئا من ذلك وكانت الكهنة فيها تشتغل بالحكمة ونشر الكرامات والخوارق، وكان لهم اليد الطولى فى المعالجة والمداواة وعمل المقوّيات باستعمال حمامات مطربة وطعوم شهية ومواعظ وحكايات تجلب الفرح وتذهب الحزن. ويبالغون فى ذكر كرامات سبرابيس وأسراره وينسبون إليه كل ما حصل من شفاء مريض أو حصول خير أو شر لأحد، ويسجلون ذلك عندهم فى دفاتر وسجلات فتّطلع الأهالى عليها فيزيد اعتقادهم فيه ويمدون الكهنة بالأموال والهدايا قصدا لالتماس البركة، والوقاية من السوء. فكان كهنة سبرابيس أغنى من كهنة باقى المقدسين بالديار المصرية وكانت لا تنقطع زيارته فى جميع أوقات السنة.
قال استرابون: إن السفن كانت لا ينقطع مرورها فى خليج الإسكندرية وورودها إلى هذا المعبد ليلا ونهارا فكان لا يخلو وقت من سماع الأهوية والألحان ومشاهدة الرقص، واستمر ذلك زمن الفراعنة والبطالسة والرومانيين.
انتهى.
ولما وجدت الديانة الإسلامية فى تلك الديار قل ذلك شيئا فشيئا حتى زال بالكلية وكأنه لم يكن شيئا مذكورا.
وكان بقرب/فرع كانوب معبد لهرقول فى موضع يقال له: هراقلوم، وكان فى غاية التعظيم فكان إذا دخله أحد من الأرقاء واحتمى فيه لا يتعرض له أحد.
قال هيرودوط: سألت الكهنة عما تحكيه اليونان فى حرب ترواده هل لكم به علم أو هو من الخرافات؟ فأجابوا: بأنهم سمعوا ذلك من الملك منيلاس نفسه، وذلك أن الإسكندر المسمى باربس وهو الولد الثانى لبربان ملك ترواده كان قد اختطف هيلانة زوجة منيلاس من مدينة إسبارته، وحل شراع مراكبه وسار إلى وطنه، فاختلفت عليه الرياح وألجأته إلى سواحل مصر، فأرساها على فم فرع كانوب وكان بقربه معبد لهرقول، ومن العادة أن من دخله من الأرقاء محتميا ووهب نفسه للمقدس فإنه يحرم على كل إنسان التعرض له، وقد علم بذلك عبيد الإسكندرية فدخلوا المعبد ووهبوا أنفسهم للمقدس وشكوا هناك بما هو حاصل من سيدهم مع هيلانة، وذلك بحضرة الكهنة وطونيس حاكم البغاز فأرسل طونيس إلى الملك بمنفيس يخبره بهذه الحادثة ويستأذنه فيما يفعل بالإسكندر فأرسل له الأمر بضبطه، فقبض عليه ووضع يده على مراكبه وأرسله مع هيلانة وما معه من الأموال والعبيد الذين احتموا فى المعبد إلى منفيس، فلما صاروا بين يدى الملك سأل الإسكندر عن أصله ووطنه ومن أين أتى؟ فأخبره بالحقيقة، ولما سأله عما يتعلق بهيلانة تلجلج فى الجواب وتحيل فى إخفاء الحق فأفصح العبيد عن الواقع. فقال الملك: لولا أن قتل
الأغراب سبة قبيحة لعذبتك، وانتقمت منك لحق منيلاس الذى ضيفّك وأكرمك فخنته وأفسدت عليه زوجته حتى تبعتك بأمواله، فلولا أنك أسوأ الناس لتحاشيت عن هذه الخيانة القبيحة والجناية الكبيرة، ولكنى اليوم تاركك بلا قتل غير أنه يلزمك الخروج من هذه الديار فى ميعاد ثلاثة أيام، وتبقى عندنا زوجة الملك وأمواله حتى يرسل رسولا، وإن لم تخرج على الميعاد عاملناك معاملة الأعداء.
ثم إن منيلاس بعد اختطاف زوجته وأمواله جيّش جيشا من اليونان وسار بهم إلى تكريد بلد الإسكندر فلما وصل إليها خرج إلى البر وضرب خيامه وعسكر بجيوشه وأخذ طائفة منهم وسار بهم إلى ترواده وطلب من الترواديين أن يردوا إليه زوجته والأموال التى أخذت معها، وأن يدفعوا له أرسن هذه الجناية. فاعتذروا إليه بأنه ليس عندهم من ذلك شئ ولا تسبب، وحلفوا له أيمانا وثيقة وأفادوه أن فاعل ذلك لحق بمصر وهو الآن عند ملكها. فلم يقبل اعتذارهم وحاصر المدينة وحاربهم عشر سنين حتى ملكها بعد عناء شديد.
فلما دخلها لم يجد بها هيلانة ولا شيئا من الأموال فسافر إلى مصر على النيل حتى وصل منفيس وأخبر الملك بقصته فأكرم نزله وسلمه زوجته وجميع أمواله، ثم ركب البحر وسار إلى بلاده فاختلفت عليه الرياح، فذبح ولدين من أولاد المصريين قربانا للآلهة لتسهيل الرياح؛ وكانت هذه عادة اليونانيين. فعلم بذلك المصريون فتتبعوه ففر إلى بلاد ليبيا واختفى اه.
وكان هرقول من أكبر المقدسين عند المصريين وكانوا يعدونه من ضمن الاثنى عشر مقدسا المتولدين من المقدسين قبل أمزيس بألف وسبعمائة سنة. وكان له معبد آخر فى بلاد الفنيكيا على غاية من العظم مزين بأنواع التحف والعجائب، من ذلك عمودان أحدهما من الذهب الإبريز والآخر من الزمرد قطعة واحدة يتلألأ فى الليل كالمصباح.
قال هيرودوط: أخبرنى القسيسون أن هذا المعبد بنى مع بناء المدينة قبل الآن بألفين وثمانمائة سنة. قال: ورأيت أيضا لهذا المقدس معبدا فى صور.
وعلى هذا فهو من أقدم المقدسين، وقد جعل له اليونان معبدين:
أحدهما: يسمى أولا نبيان أبدى ويقربون له القرابين.
والآخر: لأحد شجعانهم.
واستبعد بعض شارحى هيرودوط كون العمود قطعة واحدة من الزمرد.
ونقل عن تيوفرست: أن الزمرد على قلته صغير. نعم إن صدقنا ما فى دفاتر مصر من أن ملك بابل أهدى لأحد ملوك مصر زمردة طولها أربعة أذرع فى عرض ثلاثة، فلا استبعاد. بل فى بعض الدفاتر أن مسلة جوبيتر كانت مرصعة بأربع زمردات طولها أربعون ذراعا، عرض واحدة منها أربعة أذرع وعرض أخرى ذراعان.
ونقل يلين مترجم تيوفرست عن أبيون: أن فى سراية التيه المصرية تمثالا لسبرابيس من زمردة واحدة طولها تسعة أذرع، وفى معبد هرقول الذى بمدينة صور عمود أيضا من زمرد، لكن الظاهر إنه صناعى. وزعم كثير من المؤرخين أنه من الزجاج الملون المجوف وفى جوفه مصابيح. انتهى.
وقد ذكرنا فى صحراء عيذاب بعض ما يتعلق بالزمرد.
وقال استرابون فى ذكر عوائد النوبة: أن أهل مروية يقدسون هرقول وبان وأزيس. وقال أيضا: أن النوبيين يقدسون مقدسين أحدهما: الأبدى خالق كل شئ. والثانى: مخلوق غير معروف ولا له اسم. ويقدسون أيضا كل فاعل خير من الملوك وغيرهم. ويزعمون أن الملوك هم الواسطة بينهم وبين الإله يدافعون عنهم ويتوكلون عليهم.
ومن يسكن منهم فى البلاد الشديدة الحرارة/يكرهون الشمس ويلعنونها كل يوم عند الشروق لشدة حرارتها ويختفون منها فى البحائر.
وقال هيرودوط: إن أهل مروية كانوا يقدسون جوبيتر، وبيكوس، وكان كهنة جوبيتر يعلنون بالحرب فى الجهة التى يزعمون أنه يريدها ويأمر بها. وكان للكهنة سلاطة على عقول الأهالى والملوك حتى لو طلبوا عزل ملك أو قتله لفعلوا.
وقال ديودور الصقلى: إنهم إذا أرادوا قتل الملك أخبروه أن الإله أمر بذلك، ولا يجوز لمخلوق أن يعصى الخالق. فكان الملوك يسلمون أنفسهم للقتل لقوة اعتقادهم، واستيلاء الغفلة على الناس. واستمر ذلك إلى زمن بطليموس الثانى ملك النوبة، وكان على بصيرة من علوم اليونان متمكنا من الفلسفة، فاحتقر أوامر الكهنة ودخل العساكر المعبد المقدس الذى به الخلوة من الذهب، وقتل جميع الكهنة وأبطل تلك العوائد وصار الملك يحكم كما يريد.
قال استرابون: ومدينة مروية واقعة فى جزيرة بين الفرع الأبيض للنيل والفرع المسمى أستيوس أو باوى، والفرع المسمى أستبورا أو أتكازية، فهى بين الثلاثة قريبة من كل.
وقال هيرودوط: إنها تخت النوبة أو الحبشة انتهى.
وفى سنة 1777 ميلادية قد شاهد السياح سوارى بقرب تلال كانوب القديمة فى حال سبره إلى رشيد قلعة صغيرة بها قليل من مدافع الحديد القديمة. وبعد أن عدى من الأشتوم المعروف بالمعدية، لم ير حوله غير رمال كثيرة قحلة من كل جهة تنقلها الرياح من مكان إلى آخر وقد نشأ عنها هلاك كثير من الخلق وقت فصل الخماسين بسبب هبوب زوابع شديدة تثير الرمال فينحصر الشخص فى وسطها فتهلكه. وكان الغريب المسافر إلى رشيد يهتدى الى طريقها بأحد عشر عمودا موزعة فى الطريق واحد بعد واحد.
وفى كتاب لطرون الفرنسى: أنه لما كان تطهير خليج الإسكندرية وبناء جسر بوقير فى سنة ألف وثمانمائة وثمان عشر ميلادية، عثرت الشغالة على صفيحة ذهب بين قالبين من الفخار من أساس خراب مدينة كانوب، طولها ستة أصابع وأربعة خطوط، وعرضها إصبعان وخطان، وهى رقيقة لينة لامعة وعليها نقوش يونانية ترجمت، فإذا مضمونها: أن بطليموس بن بطليموس وأرسنويه الأخوين المقدسين والملكة بيرنيس أخته وزوجته، قد بنيا هذا المعبد لإوزريس انتهى.
وأخذ من تحقيقات لطرون أن بطليموس بانى هذا المعبد هو: بطليموس أوبرجيت الأول، وأبوه بطليموس فيلود ولقوس، وأن أرسنويه هى الزوجة الأولى لبطليموس فيلود ولقوس، وبعد موتها تزوج بأخرى مسماه باسمها فتبنت بطليموس وإخوته، وكانت عليهم شفوقة؛ فسماها أمه وجعل اسمها مع اسمه فى النقوش التى على المعبد. وأن زوجته أوبرجيت الواردة منه فى هذه الترجمة التى شاركته فى بناء المعبد واسمها بيرنيس كانت بنت عم له ولم تكن أخته حقيقة، وإنما كانت عادة الملك منهم إذا تزوج ببنت عمه أن يسميها أخته.
قلت: وربما يؤخذ من هنا أن البطالسة كانوا لا يتزوجون الأخت الحقيقية بخلاف ما اشتهر. ثم إن العزيز قد أهدى هذه الصفيحة إلى موسيوميلط وهو قد أهداها إلى سيرسدنيسميت فأخرج صورتها وأرسلها لطرون، وكانت كتابتها على هيئة نقط كحروف تعليم الأطفال الابتدائية.
(الكداية)
قرية من مديرية الجيزة، بقسم أطفيح على الشاطئ الشرقى للبحر الأعظم فى غربى ناحية القبيبات بنحو ثلثى ساعة، وفى شمال الصالحية بنحو ربع ساعة.
وبها مسجد بجواره مقام يعرف بمقام الأمير قاسم، يزعمون أنه من الصحابة، وفى غربيها على البحر مقام ولى يقال له: سيدى على، وبدائرها نخيل كثير.
[ترجمة أبى بكر أفندى]
ومنها: المرحوم أبو بكر أفندى رامز أحد المهندسين. سافر البلاد الشامية مع سر عسكر إبراهيم باشا ثم عاد معه، وتوظف بوظيفة خوجة رياضة بمدرسة الطوبجية ثم بالتجهيزية التى كانت بالأزبكية ثم مفتش تنظيم بالمحروسة. ثم رفت وتوفى سنة ستين، وكان يقول: إنه ابن سيدى على المتقدم صاحب الضريح.
[ترجمة محمود أفندى]
ومنها أيضا: محمود أفندى إبراهيم، كان حكيم المدارس الملكية، وكان دخوله المدارس فى سنة تسع وأربعين ومائتين وألف، وترقى إلى رتبة ملازم ثان معيدا بالمدرسة سنة ثمان وخمسين. ثم تنقل فى المصالح والمدارس إلى أن وصل إلى رتبة البيكباشى.
(كرداسة)
قرية من قسم الجيزة، فى أسفل الجبل الغربى منها إلى الجيزة نحو ساعتين. طريقها على كفر طهرمس فوق جسر المنشأة.
وأبنيتها بالآجر واللبن وفيها أولاد المكاوى مشهورون، ولهم أبنية مشيدة بالحجر والآجر والبياض والشبابيك الرومية، ولهم بساتين خارج البلد فيها أنواع الفاكهة.
وبالبلد جامع بمنارة، ونخيل كثير وأشجار سنط وأثل. وبها مقام سيدى أبى عمير، وسيدى الهاشمى ويعمل لهما حضرة كل ليلة جمعة بالأذكار وتلاوة القرآن الشريف.
وبها أنوال لنسج المقاطع القطن والأحرمة الصوف وغير ذلك. ومصابغ وطواحين. ولها سوق كل يوم اثنين تباع فيه المواشى وخلافها. وتزرع فيها الملوخية فى الشتاء قبل وقتها/كجملة من تلك البلاد مثل: سقارة، وشبرمنت، ودهشور، فتجعل لها خطوط فى الرمل ويرمى بها الحب ويستر من
البرد والتراب بزربية من الحلفاء أو الحطب. والغالب أن يكون بجوار الجبل ليقيه من ذلك، ويحفرون حفائر لسقيها، عمقها نحو ثلاثة أمتار ويحفظونها من أن تنهار بلبشة فى أسفلها من جريد النخل وقد يستعملون لذلك السواقى.
وكذلك يزرع هناك فى أرض الرمل قبل أوانه البامية، والقرع، والباذنجان، والمقاثئ، واللوبيا.
ومن هذه القرية يخرج عدة طرق: طريق إلى سيوه، وطريق إلى الفيوم، وطريق إلى وادى النطرون، وطريق إلى بلاد الغرب، وهو موردة للبضائع المغربية وقوافل الرقيق والحجاج.
ترجمة أحمد أفندى الأزهرى المهندس
ومن هذه البلدة: المرحوم أحمد أفندى الأزهرى، وكيل قلم الهندسة سابقا، كان أولا بالأزهر ثم دخل مدرسة المهندسخانة بالقلعة. وتعلم اللغة التليانية والتركية وأخذ رتبة قائم مقام، واستمر فى خدمة الميرى إلى سنة 1265 ثم رتب له معاش ثم توفى إلى رحمة الله تعالى سنة 1274 وله أولاد ذكور وإناث.
(كروسكو)
بضم الكاف والراء المهملة فواو ساكنة فسين مهملة فكاف مضمومة فواو، كما هو متداول بين الناس.
بلدة من مديرية إسنا بقسم الدر. وهى من بلاد الكنوز واقعة فى البر الشرقى للنيل عند فم عطمور أبى حمد الموصل إلى ناحية بربر، وبينها وبين بربر ثمانية أيام بسير الأبل المحملة، ويسير الجمل المحمل هناك فى الساعة الواحدة أربعة آلاف متر.
وفيها مكتب بوستة، وشونة غلال ميرية، وسويقة دائمة يباع فيها مقاطع الثياب المصرية، والدخان البلدى وعسل القصب وأنواع الغلات والتمر.
وبعض التجار هناك من الجلابة، وبعضهم من أهل الريف. ويطرقها التجار كثيرا من المتوجهين إلى البربر أو السودان أو مصر.
وفيها من النخيل نحو ألف وأربعمائة وثمان وثمانين نخلة. وأطيانها العالية نحو مائة فدان، جميعها يروى بالسواقى. وهناك خمس عشرة ساقية؛ لذلك ارتفاعها عن الماء وقت احتراق النيل نحو اثنى عشر مترا، وفى وقت فيضانه نحو خمسة أمتار.
وفيها بستانان على شاطئ النيل ليس فيهما إلا القليل من شجر الليمون، ويزرع بأرضهم الدخان البلدى والخروع ويستخرجون منه الزيت، ورجالهم ونسائهم يمضغون الدخان والنطرون يتكيفون به.
وفيها الدجاج البلدى والغنم الكرجاوى الآتية من ناحية بربر والسودان.
وفيها السمن قليلا. وعندها جبل مشرف عليها يسمى باسمها ارتفاعه نحو خمسة وسبعين مترا فيجلب إليها الهواء كثيرا.
وفيها ضريح شيخ يسمى الغاوى يعمل له مولد كل سنة فى نصف شعبان، يمكث ثمانية أيام، ويكون فيه سوق يباع فيه التمر والنطرون وحب الخروع وغير ذلك. وتجاهها فى البر الغربى مكتب التلغراف بالقرب من شاطئ النيل.
(الكريون)
مدينة كانت بين الإسكندرية وهرموبوليس، منها إلى الإسكندرية عشرون ألف خطوة، وإلى المدينة الثانية أربع وعشرون ألف خطوة. وكانت تعرف قديما باسم كريو وكانت هى المحطة الأولى التى ينزل فيها السياحون بعد السفر من الإسكندرية، وقدر بعضهم تلك المسافة بمسيرة مرحلة.
وأظن تلك المدينة هى التى سماها استرابون أكابريون كومة، وقال: إنها موضوعة على ميمنة النيل للسائر من شدية إلى منفيس.
وقال كترمير: إن هذه المدينة موجودة إلى الآن وتعرف باسم كريون.
وقال ابن حوقل: إنها كانت مدينة عظيمة ظريفة موضعها على شاطئ خليج الإسكندرية، وكان التجار يركبون منها فى وقت فيضان النيل لقصد الوصول إلى الفسطاط.
وكان فيها مسجد وحمام وفنادق أى خانات للتجار. وكانت أرضها تنتج عنبا يحمل إلى البلاد الأخر. وينسب إليها خط فيه عدة قرى. وكانت دار إقامة حاكم تحت إمرته محافظة عساكر خيالة ومشاة. انتهى.
وقد ذكرها المقريزى والإدريسى أيضا. قال المقريزى فى ذكر فتح الإسكندرية: إن المسلمين قد التقوا مع الروم بالكريون فاقتتلوا بها بضعة عشر يوما، وكان عبد الله بن عمرو على المقدمة، وحامل اللواء يومئذ وردان مولى عمرو، فأصابت عبد الله بن عمرو جراحات كثيرة فقال: ياوردان لو تقهقرنا قليلا نصيب الروح. فقال وردان: الروح تريد الروح أمامك وليس خلفك، فتقدم عبد الله فجاءه رسول أبيه يسأل عن جراحه فقال:
أقول لها إذا جشأت وجاشت
…
رويدك تحمدى أو تستريحى
فرجع الرسول إلى عمرو فأخبره بما قال. فقال عمرو: هو ابنى حقا.
وصلى عمرو يومئذ صلاة الخوف ثم فتح الله للمسلمين وقتل منهم المسلمون مقتلة عظيمة واتبعوهم حتى بلغوا الإسكندرية.
(الكفر)
من هذا الاسم عدة قرى أكثرها صغير تتميز بالإضافة، فمنها:
(كفر الباجور)
قرية من مديرية المنوفية، بمركز سبك فى شرقى ترعة السرساوية على ألف ومائتى متر.
وبها جامعان وأربعة بساتين، وأهلها مسلمون، وترقى منهم فى الخدمات الميرية حسن أفندى نجم مهندس، ومحمد/أفندى عبد الغنى معاون بديوان المالية، ومحمد أفندى شعبان يوزباشى بالجهادية.
ورى أراضيها من النيل. وبها جملة سواق معينة عذبة المياه لسقى مزروعات الصيف، ولها شهرة بزراعة القطن والكتان، وتكسب أهلها من ذلك ومن التجارة. ولها سوق كل يوم اثنين وعند جهتها البحرية طريق يوصل إلى ناحية منوف فى مسافة ساعتين.
(كفر الباز)
قرية من مديرية الدقهلية، بمركز دكرنس على ترعة دمجلت أحد فروع البحر الصغير، بينها وبين دكرنس نحو ثلاثة آلاف قصبة.
وبها جامع عظيم بمنارة به ضريح ولى يقال له: سيدى منصور الباز الأشهب الرفاعى. كان يعمل له مولد فى كل سنة يجتمع فيه خلق كثير للتجارة والزيارة، وينصبون الخيام ويتسابقون بالخيل، ويستمر ذلك ثمانية أيام، وقد بطل ذلك.
وتكسب أهلها من زرع الأرز والقطن وباقى الحبوب. وفى جنوبها الشرقى منية دمنة.
(كفر البرمون)
قرية من مديرية الدقهلية، بمركز فارسكور على الجانب الشرقى للنيل فى جنوب فارسكور بنحو عشرة آلاف قصبة، وفى شمال المنصورة بنحو ثلاثة آلاف قصبة. وقد أكلها البحر وانتقل منها جملة منازل إلى الغيطان.
ولعمدتها العجمى مطاوع بها قصر مشيد ومحل ضيافة. وبها جوامع وأشجار، وبجوارها للدائرة السنية فوريقة وجنينة وزراعة متسعة.
وتكسب أهلها من زرع الأرز والقطن وبعض الحبوب.
(كفر حشاد)
قرية صغيرة من مديرية المنوفية بمركز تلا، واقعة على الشاطئ الشرقى للبحر الغربى فى غربى ناحية الدلجمون بنحو أربعة آلاف متر، وفى بحرى ناحية دلبشان بنحو ألف ومائتى متر.
أبنيتها كمعتاد الأرياف، وبها نحو ستمائة وخمسين نخلة، وتكسب أهلها من الزراعة.
ترجمة الشيخ محمد عبد الفتاح المالكى
وقد نشأ منها كما فى الجبرتى: العمدة المفضل الشيخ محمد عبد الفتاح المالكى، قدم الأزهر صغيرا وحضر على أشياخ الوقت، ولازم الشيخ الأمير وتخرج به ومهر من المعقولات وأنجب.
ثم رجع إلى بلده وأقام بها يفيد ويفتى ويرجع إليه فى القضايا، فيقضى بالحق ولا يقبل جعالة ولا هدية.
واشتهر ذكره بالأقاليم واعتقدوا فيه الصلاح والعفة؛ فامتثلوا أوامره، وإذا قضى قاض من قضاة البلدان بين خصمين رجعا إلى المترجم فإذا رأى القضاء صحيحا أمضاه وإلا رده.
ولم يزل على حالته حتى كان المولد المعتاد بطنتدا فذهب ابن الشيخ الأمير إلى هناك فأتى لزيارة ابن شيخه ونزل فى الدار التى هو نازل فيها، فانهدمت الجهة التى هو بها وسقطت عليه فمات شهيدا مردوما ومعه ثلاثة أنفار من أهالى قرية العكرون، وذلك فى أوائل شهر الحجة سنة اثنتين وعشرين ومائتين وألف.
وفى الجبرتى أيضا: أن هذه القرية وقعت بها حادثة فى شهر ربيع الثانى سنة خمس وثلاثين من القرن الثالث عشر هى:
أن إفرنجيا من الإنكليز ورد من الإسكندرية وطلع إلى هذه البلدة ومشى بغيطانها يصطاد طيرا، فضرب طيرا ببندقية فأصابت رجل رجل، فرأى ذلك رجل من الأرنؤد بيده هراوة أو مسوقة، فقال للفرنجى: أما تخشى أن يأتى إليك بعض الفلاحين ويضربك على رأسك هكذا وأشار بما بيده إلى رأسه لكونه لا يفهم كلامه، فاغتاظ لذلك الإفرنجى وضرب الأرنؤدى برصاصة فقتله.
فاجتمع الفلاحون وقبضوا على الإفرنجى وحضروا به وبالمقتول إلى مصر، وطلعوا إلى الكتخدا واجتمع كثير من الأرنؤد وقالوا: لابد من قتل الإفرنجى.
فاستعظم الكتخدا ذلك-لمراعاتهم خواطر الإفرنج إلى الغاية-وقال: حتى نرسل للقناصل ليروا حكمهم فى ذلك. وقد أخذت الأرنؤد الحمية وقالوا:
لأى شئ تؤخر قتله إلى مشورة القناصل، لابد أن يقتل حالا وإلا نزلنا إلى حارة الإفرنج ونهبناها وقتلنا كل من بها من الإفرنج. فلم يسع الكتخدا إلا أن أمر بقتله، فنزلوا به إلى الرميلة وقطعوا رأسه. وطلع القناصل فى كبكبتهم وقد نفذوا الأمر. وكان ذلك فى غيبة محمد على.
(كفر الحمام)
قرية من مركز القنيات، بمديرية الشرقية فى شمال الزقازيق بنحو ألفين وخمسمائة متر، وفى الشمال الشرقى لقرية بنايوس، موقعها بالبر الغربى من الفرع الخارج من بحر مويس.
وفيها أبراج حمام، وجنينة، ووابور ثابت للدائرة السنية على بحر مويس لسقى الزرع، وفيه ورشة لعمل آلات الوابور.
وأطيانها ثلاثمائة وأربعة عشر فدانا، وعدد أهلها جميعا ألف وأربعمائة وست وسبعون نفسا، تكسبهم من الزرع وبيع الحمام وزبله.
(كفر حكيم)
قرية صغيرة بمديرية الجيزة من قسم أول، موضوعة فى جنوب الرمال المحصورة بين الجبل الغربى والمزارع بالقرب من حاجر الجبل الغربى، وفى
الجنوب الغربى لناحية وسيم بنحو ألفين وخمسمائة متر. وفى شمال ناحية نهيا بنحو ألف وسبعمائة متر.
وبها زاوية للصلاة، ونخيل كثير، ويزرع فى رمالها البطيخ والشمام بكثرة.
وفى شوال سنة ألف ومائتين وإحدى وعشرين كما فى الجبرتى: كان الألفى محاصرا لدمنهور، ومحمد على باشا وعساكره مخيمين بإنبابة، فركبت فرقة من العساكر ونزلوا على كفر حكيم فنهبوها ونهبوا ما جاورها من/القرى، وأخذوا النساء والبنات والصبيان والمواشى وأتوا بالجميع إلى بولاق، وجعلوا يبيعونهم فيما بينهم كالعبيد. انتهى.
(كفر داود)
قرية من مديرية البحيرة، بمركز النجيلة بالقرب من جسر الخطابية الشرقى فى مقابلة محطة السكة الحديد المستجدة.
وبها زاوية للصلاة. وأهلها يجلبون السمار من الجبل ويبيعونه لأهالى منوف لعمل الحصر المنوفي، وتكسبهم من ذلك ومن الزراعة.
وتعدادهم ذكورا وإناثا ستمائة وثمان وثلاثون نفسا. وزمام أطيانها ألف وأربعمائة وخمسة وسبعون فدانا.
(كفر ديما)
قرية بمديرية المنوفية من مركز تلا على الشط الغربى لبحر سيف فى شرقى ناحية دلجمون بنحو ثلاثة آلاف وثمانين مترا، وفى شرقى ناحية أدشاى كذلك.
وبها جامعان، أحدهما بمنارة صغيرة. وزراعتها كمعتاد الأرياف.
وبها جامع جديد أنشأه محمد أفندى أبو حسين وكيل مديرية المنوفية.
وقصر مشيد وأربع جنات، وريّ أرضها من الباجورية والسرساوية.
(كفر ربيع)
قرية من مديرية المنوفية، بمركز مليج فى شرقى ترعة الباجورية. أبنيتها كمعتاد الأرياف.
(كفر الزيات)
قرية كبيرة، رأس مركز من مديرية الغربية على الشاطئ الشرقى لبحر رشيد ملاصقة لجسره.
أبنيتها بالآجر واللبن منها ما هو على دور وما هو على دورين. وبها جامع عظيم بمنارة أنشأه المرحوم محمد على باشا. وبها محطة السكة الحديد الطوالى وحوانيت وقهاو وخمارات، وبها ثلاثة بساتين. ولها سوق كل يوم أربعاء.
وعدد أهلها ذكورا وإناثا تسعمائة وسبع وخمسون نفسا غير المقيمين بها من الأوروباويين.
ورىّ أرضها من بحر النيل، وعندها مينا ترسو عليها المراكب الحادرة والمقلعة دائما. وعندها شونة لغلال الميرى وشونة لمصالح أخر للميرى مثل:
الفحم الحجر للزوم الوابورات البرية والبحرية. ولها طريق إلى طنتدا على أكثر من ثلاث ساعات.
(كفر الشرفاء القبلى)
هو قرية من بلاد الشرقية بمركز منيا القمح، ويعرف بكفر أبى زيد. على الشاطئ الغربى لترعة الخليلى قبل قرية سنهوة بنحو عشرة آلاف متر.
وأغلب أبنيتها بالطوب الأحمر، وبها مجلسا مشيخة ودعاوى، ومسجد بمنارة ببناء أبو زايد عمدتها، وله بها منازل مشيدة ووابور قومبيل لسقى زرعه وطاحون هواء ونخيل بكثرة وبساتين ومكاتب أهلية.
وزمام أطيانها ألف ومائة وسبعة وسبعون فدانا وكسور. وعدد أهلها تسعمائة نفس ويكتسبون فى الغالب من الزرع، ومنهم أرباب حرف.
(كفر الشيخ)
بلدة من مديرية الغربية، هى رأس مركز، موضوعة غربى ترعة الجعفرية على بعد مائتى متر، وفى شمال سخا بنو ثلاثة آلاف ومائتى متر، وفى غربى روينة بنحو أربعة آلاف متر.
وأغلب مبانيها بالآجر، وبها ثلاثة جوامع بمنارات، أشهرها جامع سيدى طلحة فى جنوبها الغربى به مقامه ويعمل له مولد سنوى ثمانية أيام بعد المولد الكبير الأحمدى، وتضرب به الخيام وتذبح الذبائح ويلعبون البرجاس.
وفيها سوق تشتمل على دكاكين وخانات وخمارات وقهاو ومصابغ وغير ذلك. وبها حلقة لبيع السمك.
وبها منزل للميرى تنزله الحكام، وبها محل مأمور المركز، ومحكمة شرعية، ومجلس دعاوى بلدية، واسبتالية، وضبطية، ووابور فى شرقى ترعة الجعفرية للدائرة السنية. وينصب بها كل سنة حلقة لمبيع القطن فى أوان قطفه.
ولها فرع من السكة الحديد الطوالى الآتية من المحلة إلى دسوق ابتداؤه من محطة نشرت. وكان إنشاؤه فى سنة اثنتين وتسعين.
وبها أرباب حرف بكثرة، وتكسب أهلها من الزراعة المعتادة، ويزرعون البصل وحشيشة الفقراء والخس بكثرة. وبها معامل فراريج ولها سوق كل يوم خميس.
(كفر الشيخ حجازى)
قرية من مركز سمنود، بمديرية الغربية على الشاطئ الشرقى لبحر شيبين غربى سمنود على بعد ساعة، وسكة الحديد الواصلة من طنتدا إلى سمنود تمر من بحريها على بعد ثلاثة آلاف متر.
وبها جامع بمنارة. وأغلب بيوتها على دورين وأهلها أصحاب يسار. وبها ثلاثة وابورات للمياه، اثنان للأهالى، وواحد لمصطفى الخازندار على بحر شيبين.
ولها شهرة بزرع القطن، وأرضها جيدة يحصل فدانها من ستة قناطير إلى ثمانية بخلاف أراضى النواحى المجاورة لها فإن متحصل الفدان من ثلاثة إلى خمسة قناطير.
ترجمة الشيخ حسن الكفراوى
شارح الأجرومية
وفى الجبرتى فى حوادث سنة اثنتين ومائتين وألف: أنه ولد بهذه القرية الفقيه المحدّث النحوى الشيخ حسن الكفراوى الشافعى الأزهرى، حفظ القرآن بالمحلة الكبرى، ثم حضر إلى مصر وجاور بالأزهر وحضر على شيوخ الوقت مثل: الشيخ أحمد السجاعى، والشيخ عمر الطحلاوى، والشيخ محمد الحفنى، والشيخ على الصعيدى، وغيرهم.
ومهر فى المعقول والفقه، وتصدر للتدريس والإفتاء، واشتهر ذكره، ولازم الأستاذ الحفنى، وتداخل فى القضايا والدعاوى. وأقبل عليه الناس بالهدايا وتجمل بالثياب وركب البغال، واشترى بيت الشيخ عمر الطحلاوى بحارة الشنوانى-بعد موت ابنه سيدى على-فزادت شهرته ووفدت عليه الناس وأطعم الطعام واستعمل مكارم الأخلاق.
ثم تزوج ببنت المعلم درع/الجزار بالحسينية وسكن بها هناك، فاجتمع عليه أهل تلك الناحية وصار له بهم حشمة ومنعة على من يخالفه أو يعانده ولو من الحكام. وتردد إلى الأمير محمد بيك أبى الذهب قبل استقلاله بالإمارة، ولما استبد بالأمر لم يزل يراعى له حق الصحبة ويقبل شفاعته ويدخل عليه من غير استئذان فى أى وقت شاء، فزادت شهرته عن الأول ونفذت أحكامه وقضاياه.
واتخذ مسكنا على بركة جناق، ثم لما بنى محمد بيك مدرسته التى تجاه الأزهر قرر فيها هو والشيخ الدردير المالكى، والشيخ عبد الرحمن العريشى الحنفى، وجعل المترجم فى رياسة التدريس والإفتاء ومشيخة الشافعية وفرض لهم أماكن يجلسون فيها أنشأها لهم بظاهر الميضأة بجوار التكية التى أنشأها لطلبة الأتراك بالمدرسة المذكورة.
ثم اجتمع المترجم بالشيخ صادومة وصاحبه وتمكن من صحبته وكان رجلا مسنا ذا هيئة وشيبة وأصله من سمنود وله شهرة فى الروحانيات، وكان يكلم الجن ويخاطبهم مشافهة. وللناس اختلاف فى شأنه فصار المترجم يمدحه عند الأمراء والأعيان ويخبر عنه بأنه من الأولياء وأرباب الأحوال والمكاشفات، حتى صار معتقدا عند الأمير محمد بيك والأمير يوسف بيك الذى هو من أمراء محمد بيك وغيرهما من الأمراء.
واستمر المترجم مصاحبا للشيخ المذكور ويمدح فيه إلى أن اتضح أمره ليوسف بيك بسبب نادرة وقعت منه، وهى:
أن الأمير يوسف بيك المذكور اتفق له أن اختلى بجارية من جواريه، فرأى على بدنها كتابة فسألها عن ذلك، وتهددها بالقتل، فأخبرته أن المرأة الفلانية ذهبت بها إلى الشيخ المذكور، وهو الذى كتب لها ذلك ليحبها سيدها، فتحامل على المترجم والشيخ صادومة المذكور ولم يتمكن من إيذائهما فى حياة سيده، فلما مات سيده قبض على الشيخ صادومة وألقاه فى بحر النيل وأرسل إلى داره فاحتاطوا بما فيها وأخرجوا منها أشياء وتماثيل ومن ضمنها تمثال من قطيفة على هيئة الذكر، فأحضروا له تلك الأشياء فصار يفرج المترددين عليه من الأمراء وغيرهم. ووضع التمثال الذى من القطيفة بجانبه على الوسادة، وصار يأخذه ويشير به لمن يجلس معه فيتعجبون ويضحكون، ويقول: انظروا أفاعيل المشايخ. ثم عزل المترجم من وظيفة المحمدية وإفتاء الشافعية.
وأحضر الشيخ أحمد بن يونس الخليفى وخلع عليه وألبسه فروة سمور، وقرره فى الوظيفة عوضا عن المترجم، ثم بقى المترجم معزولا أياما إلى أن مات الأمير يوسف بيك قبل تمام الحول ونسيت القضية، وبطل أمر الوظيفة والتكية ورجع حاله كالأول، وبقى على ذلك إلى أن تعلل شهورا ثم مات فى عشرين من شعبان من السنة المذكورة، ودفن بقرافة المجاورين.
ومن مؤلفاته: «إعراب الآجرومية» المشهور بشرح الكفراوى، وهو مؤلف نافع ومتداول بين الطلبة إلى الآن.
[ترجمة يوسف بيك أحد أمراء محمد بيك]
ويوسف بيك المذكور هو من أمراء محمد بيك أبى الذهب أمّره فى سنة ست وثمانين وزوّجه بأخته وشرع فى بناء داره على بركة الفيل داخل درب الحمام تجاه جامع ألماس، وكان يسلك إليها من هذا الدرب ومن طريق الشيخ ظلام، وكان هذا الدرب كثير العطف ضيق المسالك فأخذ بيوته بعضها بالشراء وبعضها بالغصب، وجعلها طريقا واسعا وجعل عليه بوابة عظيمة، وأراد أن يجعل أمام باب داره رحبة متسعة فعارضه جامع خير بيك جديدا، فعزم على هدمه ونقله إلى آخر الرحبة، واستفتى الوالد الشيخ حسن الجبرتى فأفتاه بعدم الجواز، فامتثل أمره وتركه على حاله، واستمر يعمر فى تلك الدار نحو خمس سنوات، وأخذ بيت الداودية الذى بجواره وهدمه جميعه وأدخله فى داره وصرف فى عمارتها أموالا عظيمة فكان يبنى الجهة حتى يتمها من تبليط وترخيم ونجارة ودهان وبياض وغير ذلك، ثم يسول له شيطانه فيهدمها إلى آخرها ويبنيها ثانيا على شكل آخر، وهكذا كان دأبه.
واتفق أنه ورد له من بلاده القبلية ثمانون ألف أردب من الغلال فوزعها بأسرها على أرباب المون من جيارين وحجارين وجباسين وخشابين وحدادين ونجارين وغير ذلك. وكان فيه حدة زائدة وتخليط فى الأمور ولا يستقر فى مجلس.
ولما مات سيده محمد بيك تولى إمارة الحاج وازداد عسفه وانحرافه خصوصا مع طائفة الفقهاء لأمور نقمها عليهم، منها حادثة الشيخ صادومة المتقدم ذكرها، ومنها واقعة الشيخ عبد الباقى بن الشيخ عبد الوهاب العفيفى، وهى أن الشيخ عبد الباقى طلق ابنة أخيه فى غياب زوجها على يد الشيخ حسن الجداوى المالكى على قاعدة مذهبه وزوجها من آخر. ثم حضر زوجها من الفيوم فرأى ذلك فذهب إلى يوسف بيك وشكاله فعل الشيخ عبد الباقى فطلبه فوجده غائبا فى منية عفيف، فأرسل إليه أعوانا أهانوه وقبضوا عليه ووضعوا الحديد فى رقبته ورجليه، وأحضروه فى صورة منكرة وحبسه فى حاصل أرباب الجرائم.
فعند ذلك ركب إليه الشيخ على الصعيدى والشيخ الجداوى وجماعة كثيرة من الفقهاء، وخاطبه الشيخ الصعيدى فى ذلك وقال له: ما هذه الأفعال وهذا قول فى مذهب/المالكية المعمول به؟ فقال: من يقول أن المرأة تطلق زوجها إذا غاب عنها وعندها ما يكفيها إلى وقت حضوره، ثم يأتى من غيبته فيجدها مع غيره. فقالوا له: نحن أعلم بالأحكام الشرعية. فقال: لو رأيت الشيخ الذى فسخ النكاح لضربته. فقال الشيخ الجداوى: أنا الذى فسخت النكاح على قاعدة مذهبى. فقام على أقدامه وصرخ وقال: والله أكسر رأسك.
فلما رأى الشيخ الصعيدى منه ذلك صرخ فى وجهه ولعنه ولعن من باعه ومن اشتراه ومن جعله أميرا. فعند ذلك توسط الحاضرون من الأمراء والأعيان وصاروا يسكنون الفتن ويطفئون ما اشتعل من النيران، وأحضروا الشيخ عبد الباقى من الحبس فأخذوه وخرجوا وهم يسبون الأمير المذكور.
[واقعة الشيخ عبد الرحمن العريشى]
ومنها أيضا واقعة الشيخ عبد الرحمن العريشى وهى: إنه لما توفى صهره وهو الشيخ أحمد المعروف بالسقط جعله القاضى وصيا على أولاده وتركته،
وكان على الشيخ أحمد المذكور ديون كثيرة أثبتها أربابها بالمحكمة واستوفوها من التركة وأخذ عليهم صكوكا بذلك.
ثم بعد مدة ذهبت زوجة المتوفى إلى يوسف بيك وذكرت له أن الشيخ عبد الرحمن انتهب ميراث زوجها وتواطأ مع أرباب الديون وقاسمهم فيما أخذوه، فأحضر الشيخ عبد الرحمن-وكان إذ ذاك مفتى الحنفية-وطالبه بالتركة فعرّفه أنه وزعها على أرباب الديون وقسم الباقى على الورثة وأبرز له الصكوك والحجج ودفتر القسام، فلم يقبل منه، وقال: كل هذا تزوير. ثم أحضره يوما وحبسه عند الخازندار. فركب الشيخ السادات إليه وكلمه فى أمره وطلبه من حبسه، فلما علم الشيخ عبد الرحمن وجود الشيخ السادات هناك رمى عمامته وتطور وخرج وهو مكشوف الرأس يدعو على يوسف بيك، فلما عاينه وهو يفعل ذلك وكان جالسا مع الشيخ السادات فى المقعد المطل على الحوش صرخ على خدمه وقال: امسكوه واقتلوه، والشيخ السادات يقول له:
إيش هذا الفعل، اجلس بارك الله فيك. وأرسل إليه تابعه الشيخ السندوبى، فنزل إليه وألبسه عمامته وفرجيته. ثم نزل الشيخ فركب وأخذه بصحبته إلى داره وسكنت الفتنة.
[حادثة مغاربة الأزهر مع الأمراء]
ومنها حادثة المغاربة، وهى: أن طائفة من مجاورى المغاربة بالأزهر آل إليهم مكان موقوف عليهم، وجحد واضع اليد ذلك، والتجأ إلى يوسف بيك وكتبوا فتوى فى شأن ذلك واختلفوا فى إثبات الوقف بالإشاعة، ثم أقاموا الدعوة بالمحكمة وثبت الحق للمغاربة، ووقعت بينهم منازعات وعزلوا شيخهم وولوا آخر.
وكان المندفع فى الخصومة شيخا يسمى الشيخ عباس، فلما ترفعوا وظهر الحق على خلاف غرض يوسف بيك غضب من ذلك، ونسبهم إلى ارتكاب الباطل، وأرسل من طرفه من يقبض على الشيخ عباس المذكور من بين
المجاورين. فطردوا الرسول وشتموه وأخبروا الشيخ أحمد الدردير فكتب إليه مراسلة تتضمن: عدم تعرضه لأهل العلم، ومعاندة الحكم الشرعى، وأرسلها صحبة الشيخ عبد الرحمن الغزنوى. فعندما وصل إليه وأعطاه التذكرة نهره وأمر بالقبض عليه. فوصل الخبر إلى الشيخ الدردير وأهل الجامع الأزهر، فاجتمعوا فى صبحها وأبطلوا الدروس والآذان والصلاة، وأغلقوا أبواب الجامع، وجلس المشايخ عند القبلة القديمة، وطلع الصغار على المنارات وأكثروا من الصياح والدعاء على الأمراء، وأغلق أهل الأسواق القريبة الحوانيت.
وبلغ الأمراء ذلك فأرسلوا إلى المترجم فأطلق الشيخ الغزنوى، ثم حضر الأغا بالغورية ونزل هناك ونادى بالأمان وأمر بفتح الحوانيت، فبلغ مجاورى المغاربة ذلك. فذهبت إليه طائفة منهم وتبعهم بعض العوام وبأيديهم العصى والمساوق وضربوا أتباع الأغا، فركب إليهم وشهر فيهم السلاح هو ومماليكه فقتل منهم ثلاثة أنفار وانجرح منهم جماعة وجماعة من العامة.
وذهب الأغا ورجع الفريق الآخر وبقى الهرج إلى ثانى يوم، فحضر إسماعيل بيك، والشيخ السادات، وعلى أغا كتخدا الجاويشية، وحسن أغا أغاة المتفرقة، وحسن أفندى كاتب حوالة وغيرهم. ونزلوا بالأشرفية وأرسلوا إلى أهل الجامع تذكرة بانفضاض الجمع وتمام المطلوب، وكان ذلك عند الغروب فلم يرضوا بذلك فركبوا ورجعوا والحال على ما هو عليه.
وأصبح يوم الأربعاء فحضر إسماعيل بيك وهو مظهر الاهتمام لنصرة أهل الأزهر، وحضر الشيخ السادات وباقى الأمراء، وجلسوا بالجامع المؤيدى، وأرسلوا للمشايخ تذكرة صحبة الشيخ إبراهيم السندوبى ملخصها: أن إسماعيل بيك تكفل بقضاء أشغال المشايخ وقبول فتواهم وصرف جراياتهم وجماكيهم، وذلك بضمان الشيخ السادات له. فلما حضر الشيخ السندوبى عندهم بالتذكرة قرأها الشيخ عبد الرحمن العريشى جهارا وهو قائم على أقدامه، فلما سمعوها أكثروا من اللغط وقالوا: هذا كلام لا أصل له. وترددت الإرسالات والمخاطبات
بطول النهار، ثم اصطلحوا وفتحوا أبواب الجامع آخر النهار. وأرسلوا لهم فى يوم الخميس جانبا من دراهم الجامكية.
ومن جملة ما اشترطوه فى الصلح عدم مرور الوالى والأغا والمحتسب من حارة/الأزهر. وشرطوا شروطا غير ذلك ولم ينفذ منها شيئا. وعمل إبراهيم بك ناظرا على الجامع عوضا عن الأغا، وأرسل من طرفه جنديا للمطبخ وسكن الاضطراب.
ثم لم يزل المترجم فى عتوه وتجبره إلى أن ثقل أمره على مراد بيك وأراد اغتياله أو نفيه عند رجوعه من الحج واتفق مع أمرائه على ذلك. وسافر إلى الجهة الغربية فوصل الخبر إلى المترجم فاستعجل الحضور وجاء محترسا فى سابع صفر قبل حضور مراد بيك من سفره، وعندما قارب حضور مراد بيك إلى مصر ركب المترجم فى مماليكه وطوائفه وخرج إلى خارج البلد فسعى إبراهيم بيك بينهما بالصلح فاصطلحا وبقيت بينهما المسافة القبلية من حينئذ إلى أن حصل ما حصل، وانضم إلى إسماعيل بيك ثم قتله إسماعيل بيك بيد حسن بيك وإسماعيل بيك الصغير.
(كفر عزاز)
قرية صغيرة من مديرية البحيرة بقسم دمنهور، واقعة فى شمال الأدكاوية بنحو ستين قصبة.
وعندها أباعد وعزب، وبها طاحونة. وفى جهتها البحرية تل قديم مرتفع قدر قصبتين فى غربيه وفى جنوبه بركة ماء وبه آثار قديمة. وتكسب أهلها من الفلاحة.
(كفر العزازى)
قرية من مديرية الشرقية بقسم العلاقمة غربى الطويلة بنحو ألفين وأربعمائة متر، وفى الجنوب الغربى لناحية فراشة كذلك، وبها مساجد ونخيل.
وكانت فى الأصل من ناحية القرين ثم أفرزت عنها سنة المساحة الأخيرة، وكانت أطيانها قبل ذلك وقفا على مسجد قايتباى الذى بالقرين.
وفيها مقام السيد حسن المجذوب من ذرية سيدى عزاز بن محمد البطائحى الشريف الحسينى الذى ذكرنا ترجمته فى الكلام على الجزيرة البيضاء من بلاد الشرقية، وذكرنا أن مشيخة طريقه متوارثة فى ذريته إلى الآن، وربما بلغت ذريته بالديار المصرية شمالا وجنوبا ما ينيف على خمسة آلاف نفس. وقد وصلت المشيخة إلى السيد حسن المجذوب المذكور صاحب الكرامات المشهورة والأخلاق المرضية المأثورة، المتوفى سنة خمس بعد المائتين والألف، وله بكفر عزاز مولد كل سنة، وقد أعقب السيد حسن هذا أربعة أولاد: محمود وحسن وإبراهيم وأحمد.
فأما محمد فمن نسله الآن السيد وهبة بن محمد بن أحمد بن محمد المذكور. وأما حسن فمن نسله نصر ومنصور وهاشم وعلى، وأما أحمد فمن ذريته السيد حسن.
ترجمة الشيخ خليل العزازى
وأما إبراهيم فمن نسله العلامة الفاضل الشيخ خليل العزازى، نشأ بشمنديل وقرأ بها القرآن، ثم بعثه والده الشيخ إبراهيم إلى الأزهر فتعلم به العلم وبرع فى الفقه والنحو والصرف والتوحيد والحديث والمصطلح والمعانى والبيان والبديع والأصول والعروض والميقات واشتهر فيه. وبعد وفاة والده انتقل إلى أرض العائذ ثم إلى طاهرة الزينية بطلب سليمان باشا أباظة والسيد باشا أباظة فأقام هنالك للإفادة.
وله تآليف عديدة منها: «شرح منظومة فى التوحيد للشيخ الرفاعى» ، و «كتاب فى الفقه والتوحيد» نحو عشرين كراسة، و «كتاب فى فن المعانى» نظم متنه وشرحه، و «رسالة فى إنشاء حساب المنحرفات ورسمها» نحو ثلاثة
كراريس، و «رسالة فى إنشاء حساب البسائط ورسمها» نحو أربعة كراريس. وله إلمام تام بعلم الهيئة والنجوم والجغرافية، وله من النثر والشعر ما رق وراق.
وقد أنجب ابنه الشيخ إبراهيم على يديه ثم أرسله إلى الأزهر فأقام به خمس عشرة سنة فأتقن الفنون وتعلم على أبيه الحساب والهيئة والنجوم، وهو الآن مقيم بطاهرة حميد.
ثم من ذرية سيدى حسن المجذوب من هو مقيم عنده بخدمة ضريحه، ومنهم من تفرق فى بلاد الشرقية مع الاحترام والتعظيم، ومنهم من يشتغل بأمور الزراعة، وهكذا غيرهم من باقى العزازية.
ومن العزازية أولاد السيد أحمد عزاز المقيمون عند شرق أطفيح عند مسجد يقال له مسجد موسى، وكان والدهم قد دخل فى الخدمات الميرية مدة العزيز المرحوم محمد على باشا، ومنهم الحاج محمد إسماعيل بمنية المكرم فهو من أولاد الشيخ عزوز الذى ضريحه بناحية قرية رزين بجوار الزقازيق وهو ابن السيد عزاز وقد ترقى الحاج محمد إسماعيل فى زمن الخديوى إسماعيل فكان ناظر قسم ثم مفتش جفالك. وقبله عمه عبد العال كان ناظر قسم فى مدة العزيز المرحوم محمد على، ثم وكيل مديرية ثم مدير جهة الشرقية، وقد جعل محمد العيدروس بن الحاج محمد إسماعيل رئيس مجلس القرين.
وجرائد الأنساب مشحونة بذكر أولاد الشيخ عزاز المذكور رضي الله عنه.
وممن نزل مع الشيخ عزاز السيد عامر وأخوه السيد سالم كلاهما من بنى عمومته، فمن نسل السيد سالم جماعة فى زربية بلبيس منهم السيد أحمد أبو مصطفى له شهرة وبيت عامر، والسيد حنفى الحناوى التاجر الشهير المتوفى سنة اثنتين وتسعين ومائتين وألف، والسيد سليمان غالى المعروف بمكارم الأخلاق.
ومن ذرية السيد عامر جماعة بناحية حماية دويب المسماة الآن ببنى عامر، ومنهم السيد خضر أبو محمد، والسيد خضر أبو شريف، ومنهم السيد
حسن الغندور ترقى/فى الخدمات الميرية مدة بالمعية، ومدة بمديرية الدقهلية، ومدة فى نظارة قسم العائذ، ومدة بخدامة الجفالك، وابنه السيد أفندى جعل حاكم خط العلاقمة وأخوه عطية أفندى جعل ناظر قسم العلاقمة. وأما السيد خضر أبو شريف فكان كاتبا فى الخدمات الميرية وأبيه السيد مصطفى طلب العلم بالأزهر ثم جعل وكيل تفتيش جفلك كفور نجم ثم لزم بيته.
(كفر العيص)
قرية صغيرة تابعة لشابور من مديرية البحيرة، بقسم البخيلة فى غربى بحر رشيد تجاه كفر الزيات. وأهلها مسلمون.
ترجمة الشيخ عبد الرحمن البحراوى
وقد ولد بها الفاضل العلامة الشيخ عبد الرحمن البحراوى الحنفى الأزهرى، أخبر عن نفسه أنه ولد بها سنة خمس وثلاثين من القرن الثالث عشر من الهجرة. وأنه قرأ القرآن بالأزهر وجوّده. وفى سنة تسع وأربعين شرع فى حفظ المتون فحفظ المتداول منها.
وفى سنة إحدى وخمسين حضر دروس المشايخ فتلقى الفقه والتفسير والحديث عن الشيخ محمد الكتبى وأهل طبقته، وتلقى علوم الأدب والمنطق والتوحيد عن الشيخ إبراهيم السقاء، والشيخ مصطفى البولاقى، والشيخ إبراهيم البيجورى شيخ الجامع الأزهر وأضرابهم.
وكتب بيده كل كتاب حضره، فضلا عما كان يكتبه للاقتيات بثمنه لأنه كان فى قل من العيش، وقد اجتهد فى التحصيل وسهر الليالى مع جودة قريحته حتى تأهل للتصدر، فجلس للتدريس فى سنة أربع وستين فاجتمع عليه أعيان الأزهر وشهدوا بفضله.
مكتبة الأسرة-2008
ولم يزل متصدرا للتدريس مع انكباب الطلبة عليه لحسن إلقائه وعذوبة ملحه. وكان المرحوم عباس باشا يجله ويحترمه ورتب له كل شهر خمسمائة قرش، وخلع عليه خلعة تشريف.
وفى سنة إحدى وسبعين نيط به تصحيح الفتاوى الهندية بالمطبعة الكبرى ببولاق مصر، ورتب له كل شهر سبعمائة قرش، وبعد تمام طبعها قلد بوظيفة قضاء الإسكندرية وذلك فى سنة سبع وسبعين بمرتب ألفين وخمسمائة قرش، فأقام كذلك نحو خمس سنين، ثم رفع من القضاء سنة اثنتين وثمانين فعاد إلى التدريس بالأزهر.
وفى سنة سبع وثمانين وظف بوظيفة الفتوى بمجلس مديرية الجيزة بمرتب ستمائة قرش، ولم يقطعه ذلك عن التدريس بالأزهر.
وفى سنة تسع وثمانين تعين للفتوى بالمجلس الخصوصى بمرتب ثلاثة آلاف قرش.
وفى سنة ثلاث وتسعين تعين رئيس المجلس الأول بالمحكمة الشرعية المصرية الكبرى بمرتب كل شهر خمسة آلاف قرش. ثم بعد ذلك صار مفتى الحقانية.
وله من التآليف: «تقرير على شرح العينى» ، و «حاشية على شرح الطائى» . وهو رجل حسن الهيئة، وسط القامة، أبيض اللون، كث اللحية، سليم الحواس، فصيح اللسان، له حرمة عند الأمراء والعلماء لحذقه وإتقانه لفنون كثيرة.
(كفر الفرعونية)
قرية صغيرة من مديرية المنوفية، بقسم أشمون على الشاطئ الغربى لفرع دمياط، وفى شرقى الفرعونية بنحو ألف وخمسمائة متر، وفى الجنوب الغربى لبير شمس بنحو ثلاثة آلاف وخمسمائة متر.
وكانت شجرة الفوّة تزرع بأرضها ثم ترك ذلك وصارت تجلب من بلاد المغرب.
(كفر اللاوندى)
قرية صغيرة من مديرية الدقهلية، بمركز منية سمنود على الشط الشرقى للترعة المنصورية على نحو مائة وخمسين قصبة، وشرقى ناحية أجا بنحو مائتين وثلاثين قصبة.
وبها جنينة، وفوريقة لحلج القطن وعصر قصب السكر لبعض مشاهير النصارى، وهو رجل يدعى جريس أصله من الصعيد، وله بها أيضا قصر مشيد. وتنيف زراعته على ألفى فدان بنواح متفرقة، وله وابورات كثيرة على ترعة المنصورية وتجارة متسعة.
وتكسب أهلها من زراعة القطن وغيره.
(كفر لطيف)
قرية من مديرية الدقهلية، بمركز منية سمنود على الشط الشرقى للنيل فى جنوب منية أبى الحرث بألفى قصبة.
وبها جنات مشتملة على كثير من الفواكه ووابور لحلج القطن.
وتكسب أهلها من الزراعة. وجميع أطيان هذا الكفر فى ملك ورثة المرحوم عرفان باشا بالإرث عنه.
(كشيش)
قرية من مديرية المنوفية من أعمال منوف غربى بحر سيف على مائة وأربعين مترا، وشرقى الباجورية على ألف وثمانمائة وتسعين مترا، وبحرى ترعة سرسنا على مائتين وثمانين مترا. ومنها إلى طندتا نحو أربع ساعات. وأكثر أبنيتها باللبن، وفيها غرف قليلة.
وبها جامع بمنارة فى غربيها ينسب لسيدى أحمد البدوى جدد بنظر ناظره مصطفى درويش فى سنة 1272 هـ.
وجامع ينسب لسيدى إبراهيم الدسوقى جدد سنة 1270 هـ. بنظر الشيخ مصطفى الفقيه. وجامع خضر جدد بنظر سيدى الحاج عبد الله الفقيه سنة 1280.
وبها خلوة ينسبها الناس لسيدى إبراهيم الدسوقى، ويزعمون أن بها من مخلفاته إبريقا وعود حديد. وفيها ضريح الأستاد حسام الدين، والأستاذ خضر التحفى، والأستاذ فتح الأسمر. ويقال: إنهم من رجال أمير الجيش السلطان محمد شبل.
وبها معمل دجاج وجنينة لأحد مشاهيرها السيد عبد الله الفقيه، وأكثر أهلها مسلمون وعدتهم ذكورا وإناثا/ألفان وسبعمائة نفس.
وترقى فى رتب الميرى السيد أفندى عبد الله الفقيه مأمور مركز منوف وغيره.
وأطيانها مأمونة الرى، وقدرها ألف وثمانمائة وأربعة وخمسون فدانا.
(الكنيسة)
سبعة مواضع كأنها تصغير كنيسة، جميعها بمصر غير واحدة انتهى. من مشترك البلدان. قلت: وقد عثرنا على السبعة بمصر.
(كنيسة الغيط)
وهى قرية من مديرية البحيرة، بمركز شبراخيت على الشط الغربى لترعة فرنوا، وفى الجنوب الغربى لناحية هورين بنحو ألفى متر، وفى الجنوب الشرقى لناحية فرنوا بنحو أربعة آلاف متر.
و
(كنيسة عبد الملك)
قرية من مديرية البحيرة، بقسم النجيلة شرقى ترعة الخطاطبة على بعد ثلاثمائة متر، وفى شرقى زبيدة بنحو أربعة آلاف متر، وفى الشمال الشرقى لمنية يزيد بنحو خمسة آلاف متر.
و
(الكنيسة)
قرية من مديرية المنية، بقسم الفشن على الشط الشرقى للبحر اليوسفى، وفى غربى سلاقوس بنحو أربعة آلاف متر، وفى الجنوب الغربى لأقفاص بنحو ثلاثة آلاف وسبعمائة متر.
وبدائرها نخيل كثير وبها أبراج حمام.
و
(كنيسة القشاشة)
وهى قرية من مديرية الجيزة، بقسم أول على الجانب الغربى لجسر الكنيسة، وفى الجنوب الغربى لمدينة الجيزة بنحو ثلاثة آلاف متر، وفى جنوب الطالبية بنحو ألفى متر.
وبدائرها نخيل كثير.
و
(كنيسة سردوس)
وهى قرية من مديرية الغربية، بقسم دسوق فى الجنوب الشرقى لشباس الملح بنحو ثلاثة آلاف وخمسمائة متر، وفى شمال دسوق بنحو خمسة آلاف وخمسمائة متر.
و
(كنيسة دمشيت)
قرية من مديرية الغربية، بقسم محلة منوف فى الشمال الغربى لدمشيت بنحو ألف متر، وفى الجنوب الغربى لسجين بنحو أربعة آلاف متر.
و
(كنيسة شبرى تو)
قرية من مديرية الغربية، بمركز كفر الزيات غربى ترعة إبيار على بعد ثلاثمائة متر، وفى جنوب قلين بنحو أربعة آلاف متر، وفى الشمال الشرقى لبسيون بنحو ستة ألاف متر.
(الكوم)
عدة قرى صغيرة بمصر منها:
(الكوم الأحمر)
قرية من مديرية القليوبية، بقسم قليوب، على الشاطئ الغربى لترعة القشيش فى شمال ناحية الحصافة بنحو ثلاثة آلاف متر، وفى الشمال الشرقى لناحية نامول بنحو ثلاثة آلاف وستمائة متر.
بها زاوية للصلاة، وفى غربيها ضريح ولىّ عليه قبة. ومنها:
(الكوم الأخضر)
قرية من مديرية البحيرة، بقسم الدلنجات فى جنوب أبى حمص بنحو خمس آلاف متر، وفى شمال حوش عيسى بنحو ستة آلاف متر، على شط مصرف أبى رباب الموصل إلى قنطرة التلمة.
وأبنيتها واقعة على تلّين قديمين بينهما نحو مائتى متر وطول كل منهما من الشرق إلى الغرب نحو ثلاثمائة متر فى عرض مائة وخمسين مترا وارتفاع اثنى عشر مترا.
وبالحضر فى تلول هذه القرية وجدت أحجار كبيرة وصغيرة عليها آثار الأقدمين، ومن ذلك وجدت رجل من الرخام الأبيض من الساق إلى القدم.
وفى سنة إحدى وسبعين ومائتين وألف أنشأت الكومبانية الزراعية عزبة فى شرقى هذه القرية سميت بعزبة الكوم الأخضر سكنها رجال من الكومبانية واستولوا بطريق الشراء ونحوه على نحو اثنى عشر ألف فدان جيدة الزرع، وكانت
أراضى العزبة مجتمعا لمياه حياض المديرية فجعلت عليها مصرفا للمياه حتى تصب فى ترعة الشرشيرة، ويخرج من ترعة محل كبل الخارجية عن ترعة المحمودية عدة مساق صغيرة لسقى تلك الأراضى فى زمن الصيف. ومنها:
(الكوم الأخضر)
قرية من مديرية المنوفية، بقسم مليج على الشط الشرقى لترعة القاصد القديمة، وفى الجنوب الشرقى لناحية البتنون بنحو ألف وستمائة متر، وفى شمال ناحية مليج بنحو ألفى متر.
وبها مسجدان وجملة سواق معينة يشربون فى زمن الصيف منها. وفيها:
(كوم الأشراف)
قرية من مديرية الدقهلية، بقسم منية غمر فى شرقى قرية مكة بنحو ألف وخمسمائة متر، وفى شمال بيوم بنحو خمسمائة متر.
وبها زاوية للصلاة. ومنها:
(كوم أشفين)
قرية من مديرية القليوبية، بقسم قليوب على الشط الغربى لترعة الشرقاوية فى شمال ناى بنحو ألفى متر، وفى غربى بلقس بنحو ألفين ومائتى متر.
ومنها:
(الكوم الأصفر)
قرية من قرى الهلّة بمديرية جرجا تابعة لقسم طهطا وسنتكلم عيها فى الكلام على الهلّة. ومنها:
(كوم أمبوها)
قرية من مديرية أسيوط، بقسم منفلوط. منازلها فوق تل عال بقرب قرية خاربة وفى شرقى دير مينا. ومنها:
(كوم مربتين)
قرية من مديرية القليوبية، بقسم قليوب فى غربى قلقشندة بنحو ألفين وستمائة متر، وفى شمال أجهور الكبرى/بنحو ألفى متر. ومنها:
(كوم بنى مراس)
قرية من مديرية الدقهلية، بقسم نوسا الغيط، وفى شمال قرية الخليج بنحو ثلاثمائة متر. وفى شرقى منية عزون بنحو سبعمائة متر. ومنها:
(كوم الثعالب)
قرية من مديرية الدقهلية، بمركز نوسا الغيط فى شمال طناح بنحو ألف وستمائة متر، وفى شرقى منية عدلان بنحو ألفين وستمائة متر. ومنها:
(كوم حلين)
قرية من مديرية الشرقية، بمركز منيا القمح على الشط الشرقى لبحر مويس فى جنوب منيا القمح بنحو ثلاثة آلاف متر، وفى غربى شلشمون بنحو خمسة آلاف متر.
وبها أنوال لنسج الأقمشة، وزراعة أهلها كالمعتاد. وبالقرب منها قرية صغيرة تسمى كفر الغنيمى. وبين القريتين ضريح عليه قبة لولىّ يقال له:
السيد الغنيمى فى داخل مسجد له منارة مرتفعة. ومنها:
(كوم حمادة)
قرية صغيرة من مديرية البحيرة، بقسم النجيلة فى غربى جسر الخطابية بالقرب من فرع السكة الحديد المستجدة.
وبها جامع عامر مبنى بالطوب الأحمر أنشأه عمدتها الشهير حسين أبو حمزة. وله بها منزل مشيد وبستانان بهما نخيل وأشجار ذات فواكه، ووابور حلاجة، وبها ثمان طواحين.
وتعداد أهلها ذكورا وإناثا أربعمائة وست وسبعون نفسا. وزمام أطيانها أربعمائة وخمسة وستون فدانا. وتكسبهم من الزراعة.
وبالحفر فى جنوبها الشرقى ظهرت آثار قنطرة قديمة يظهر إنها كانت مبنية بالحجر العجالى، طول الحجر منها متر وعشرون جزءا فى عرض نصف متر مع سمك أربعين جزءا من مائة من المتر، وقد وجدت معشقة بعضها ببعض على هيئة ذيل العصفور. وفيها أحجار أقل من ذلك وهى ثلاثة عيون سعة كل عين متر ونصف وسمك أبغالها نحو ثلاثة أمتار، أعنى أن الفارغ نصف الملآن.
وعقوداتها بالآجر وفرشها بالخرسانة وفى الأبغال دروندات لوضع الأحزمة عن السد. ومنها:
(كوم الدربى)
قرية من مديرية الدقهلية، بمركز نوسا الغيط فى شمال ناحية سلنت بنحو ألفين وثمانمائة متر، وفى شرقى دراوة بنحو ألف ومائة متر. ومنها:
(كوم روى)
قرية من قرى الهلة وسيأتى الكلام على الهلة وقراها. ومنها:
(كوم الريس)
قال المقريزى: كوم الريس بلد فيما بين أرض البعل ومنية الشيريج، كان النيل يمر بغربيها بعد مروره بغربى أرض البعل. وأدركت آثار الجروف باقية من غربى البعل وغربى كوم الريس إلى أطراف المنية حتى تغيرت الأحوال من بعد سنة ست وثمانمائة، ففاض ماء النيل فى أيام الزيادة ونزل فى الدرب الذى كان يسلك فيه من أرض الطبالة إلى المنية فانقطع هذا الدرب وترك سلوكه.
وكان كوم الريس من أجمل منتزهات القاهرة، ورغب أعيان الناس فى سكناها للتنزه بها.
وأخبرنى شيخنا قاضى القضاة مجد الدين إسماعيل بن إبراهيم الحنفى وخال أبى تاج الدين إسماعيل بن أحمد بن الخطيب إنهما أدركا بكوم الريس عدة أمراء يسكنون فيها دائما، وأنه كان من جملة من يسكن فيها دائما نحو الثمانية من الجند السلطانى.
وأنا أدركت بها سوقا عامرا بالمعاش بأنواعه من المآكل لا أعرف اليوم مثله فى القاهرة فى كثرة الأكل. وأدركت بها حماما، وجامعين تقام بهما الجمعة.
وموقف مكارية، ومنارة لا يقدر الواصف أن يعبر عن حسنها لما اشتملت عليه من كل معنى رائق بهيج.
وما برحت على ذلك إلى أن حدثت المحن من سنة ست وثمانمائة فطرقتها أنواع الرزايا حتى صارت بلاقع وتغيرت معاهدها ونزل بها من الوحشة ما أبكانى، وأنشدت فى رؤيتها عندما شاهدتها خرابا:
قفر كأنك لم تكن تلهو بها
…
فى نعمة وأوانس أتراب
{وَ كَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَ هِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} انتهى.
ترجمة الشيخ حسن الريشى
وينسب إلى هذه القرية كما فى الضوء اللامع للسخاوى: الشيخ حسن بن على بن أبى بكر بدر الدين السبكى الأصل، الريشى ثم القاهرى، والد خير الدين محمد أحد الشهود.
قرأ القرآن، والعمدة، والتنبيه. وحضر عند الإبناسى وغيره. وصحب الزين بن النقاش وجاور معه بمكة وقرأ بين يديه فى الميعاد ثم جاور فيها بمفرده سنين وتزوج بها. وكان يكتب خطا جيدا فلذا كان يكتب العمر هناك.
مات فى ربيع الأول سنة إحدى وخمسين وثمانمائة ودفن بالمعلاة.
ترجمة الشيخ محمد خير الدين
وأما ولده خير الدين فهو كما فى الضوء اللامع أيضا: الشيخ محمد ابن حسن بن على بن أبى بكر خير الدين أبو الخير السبكى الريشى الأصل، القاهرى الطولونى الشافعى، ويعرف بالريشى.
اشتغل يسيرا، واختص بالسراج الحمصى، وحضر بعض الدروس وكتب عن الحافظ ابن حجر فى الأمالى، وشارك فى الجملة، وبرع فى التوقيع ونحوه وكتب الخط الجيد وكتب فى الركبخاناه بعناية موسى مهتارها فى الأيام الأشرفية، ثم وقع لسبرياس الناصرى حين كان أمير أخور ثانى وسافر فى خدمته لمكة، ثم كتب عند العلاء بن آقبرس ونزل فى الجهات وأثرى وأهين/ غير مرة. ثم ولاه المناوى النقابة بل وناب عنه وعمن بعده من القضاة، وكان يتقرب من القضاة بالإقراض لأن دائرته كانت متسعة مع إفحاشه فى المعاملة وسلوكه فيها مما لا يرتضى، وبالجملة فهو غير مرضى.
مات فى جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة وقد قارب السبعين ودفن بجوار المشهد النفيسى. انتهى. ومنها:
(كوم زمران)
قرية من مديرية البحيرة، بقسم الدلنجات فى غربى ناحية بيبان بنحو سبعة آلاف متر، وفى جنوب إيتاى البارود بنحو اثنى عشر ألف متر.
وبها مسجد للصلاة، وتكسب أهلها من الزراعة المعتادة. ومنها:
(كوم شريك)
قرية من مديرية البحيرة، بمركز النجيلة على نهر أنيس.
بها مسجد ومنزل مشيد ومضيفة لعمدتها. وتعداد أهلها ذكورا وإناثا أربعمائة وست وعشرون نفسا، وزمامها ألف وأربعمائة وأربعة وتسعون فدانا.
وفى المقريزى: أن هذا المكان بالقرب من الإسكندرية له ذكر فى الأخبار، عرف بشريك بن عبد يغوث بن جزء المرادى من الصحابة رضي الله عنهم. وكان على مقدمة عمرو بن العاص فى فتح الإسكندرية الثانى، فعند ما كثرت جموع الروم انحاز شريك إلى هذا الكوم بأصحابه وواقع الروم حتى أدركه عمرو.
وكوم شريك هذا من جملة حوف رمسيس. انتهى. ومنها:
(كوم الضبع)
قرية من مديرية المنوفية، بقسم سبك على الشاطئ الغربى لبحر شيبين فى شمال قرية البيجور بنحو ألفى متر، وفى جنوب شنوان بنحو ألف وخمسمائة متر.
وبها جامع من غير مئذنة، وبعض أشجار، وسواق مركبة على البحر.
ومنها:
(الكوم الطويل)
قرية بمديرية الغربية، من قسم كفر الشيخ فى الشمال الشرقى لقرية سيدى غازى بنحو ثمانية آلاف متر، وفى الشمال الغربى لقرية تيره بنحو ألفى متر.
وبها زاوية للصلاة وتكسب أهلها من الزراعة المعتادة. ومنها:
(كوم الشيخ عبيد)
قرية من مديرية المنوفية، بقسم تلا، فى شمالها بنحو ألفين وخمسمائة متر وفى جنوب القلشى بنحو ألف وستمائة متر.
وبها زاوية للصلاة وقليل من الأشجار. ومنها:
(كوم العرب)
قرية صغيرة من مديرية جرجا، بقسم طما فى جنوب طما بنحو ثلاث ساعات، وفى شمال مشطا كذلك.
بها نخيل، ومساجد وأبنيتها بالآجر واللبن. ومنها:
(كوم على)
قرية من مديرية الغربية، بقسم محلة منوف فى غربى السكة الحديد بنحو ألف وسبعمائة متر، وفى بحرى دمشيت بنحو خمسة آلاف وستمائة متر، وفى قبلى دماصة كذلك.
وبها زاوية للصلاة. وتكسب أهلها من الزراعة المعتادة. ومنها:
(كوم غريب)
قرية من مديرية جرجا، بخط طما فى غربى طما بقرب أم دومة.
فيها نخيل، وبها أقباط موسرون عندهم كثير من خليات النحل، وأرضها خصبة جيدة، ويزرع فيها الذرة الصيفية كثيرا بسبب قرب مائها. ومنها:
(كوم مازن)
قرية من مديرية المنوفية، بمركز تلا، واقعة بين الجسر الشرقى لفرع رشيد والشاطئ الغربى لترعة السرساوية فى شمال عمروس بنحو خمسمائة متر.
وبها زاوية للصلاة وبعض أشجار وقليل من السواقى. ومنها:
(كوم المنصورة)
قرية من مديرية أسيوط، بقسم منفلوط من بلاد الشروق فى جنوب ناحية شقلقيل بنحو ألفين ومائتى متر، وفى شمال بنى محمد الشهابية بنحو ألفين وخمسمائة متر تجاه الحواتكة الواقعة فى غربى النيل.
وبها مساجد وقليل نخيل. ومنها:
(كوم النجار)
قرية بمديرية الغربية، بقسم كفر الشيخ واقعة قبلى بحر سيف بنحو ثلاثة آلاف متر، وفى غربى قرية صرد بنحو ثلاثمائة متر، وفى شرقى قرية مشال بنحو ثلاثة آلاف متر. ومنها:
(كوم النطرون)
قرية من مديرية القليوبية، بمركز بنها على الشط الغربى لترعة الغلغيلة فى غربى طوخ الملق بنحو ثلاثة آلاف متر، وفى جنوب بلتان كذلك.
(كياد دجوة)
قرية من مديرية القليوبية، بمركز بنها فى شرقى فرع النيل الشرقى على بعد ثلاثمائة متر، وفى الجنوب الغربى لدجوة بنحو ثلاثة آلاف متر، وفى الشمال الشرقى لناحية العمار الكبرى كذلك.
وبها جامع بمئذنة، وضريح ولىّ الله الشيخ أبى النور. وبدائرها بساتين وأشجار. وأكثر زراعتها الدخان والبطيخ.
ومنها الأمير فائد بيك كان باشمهندس عموم السكك الحديدية بالديار المصرية.
(كياد الغثاورة)
قرية من مديرية الشرقية، بمركز العلاقمة، فى الشمال الشرقى لناحية سوادة بنحو سبعة آلاف وثلاثمائة متر، وشرقى ناحية الديدمون بنحو ستة آلاف متر.
وهى جملة كفور متجاورة كلها ذات نخيل وأشجار، وفيها مساجد، وأبنيتها خفيفة.
حرف اللام
(اللاهون)
بلدة قديمة من بلاد الفيوم، بقسم المدينة عند قناطر اللاهون من الجهة الشمالية حيث فتحة الجبل التى يمر فيها بحر يوسف فهى أول بلاد الفيوم، وكانت قديما تسمى بطليموس، وبينها وبين أهناس ستة أميال فى الجنوب.
وأكثر أبنيتها باللبن. وبها جامع ونخيل قليل وكوهرجلة. وكان بها سابقا حرفة الحمارة بكثرة، ينقلون أرزاق الفيوم من شونة هوارة إلى/مراكب اليوسفى فتسير فيه إلى ترعة اللاهون، فتسير فيها إلى فرش المجنونة، فتسير فيه حتى تخرج إلى البحر الأعظم عند أشمنت قرية من قسم الزاوية بمديرية بنى سويف، ولما عمل الفم الجديد لترعة المجنونة صارت المراكب تخرج إلى البحر هناك.
وقرية اللاهون واقعة فوق جسر جاد الله، وهو متين معد لحفظ بلاد الفيوم من مياه الريف، مبنى بالدبش والآجر مع المونة، طوله نحو سبعمائة قصبة فى سمك ذراع أو ذراعين، وارتفاعه من ذراعين إلى عشرة، وعرض أعلاه نحو خمس قصبات، ويبتدئ من اللاهون مغربّا نحو ثلاثمائة قصبة، ثم ينعطف شمالا إلى الجبل البحرى المسمى جبل اللاهون نحو أربعمائة قصبة. وفيه قنطرة بعينين لرى أطيان العرب فى غربى قرية اللاهون، وهى أرض مرتفعة لا يركبها اليوسفى إلا بالآلات.
وهذا الجسر ينبغى زيادة الاهتمام بحفظه وتقويته حتى لا يحصل ما يضر بالفيوم وذلك إنه إذا حصل فيه قطع فلا يقبل اليوسفى المياه التى تنصب فيه منه بل يفيض على جرفه ويغطى جهاته الثلاثة المتحطة وهى: الكوم الأسود، والسنط، والبلاما. ويترتب على ذلك انصراف جميع المياه فى الخيران والبواطن الموصلة إلى بركة القرن فيحرم الفيوم من ماء النيل بالكلية حتى لا
يوجد به ماء الشرب، كما حصل ذلك عند انقطاع الجسر المذكور سنة ألف ومائتين وتسع وعشرين. وعند انقطاع جسر البهلوان سنة ألف ومائين وخمس وثلاثين. وعند انقطاع جسر جاد الله ثانيا سنة 1245.
وهناك جسر من تراب خالص خارج من اللاهون إلى رصيف قناطر اللاهون جعل تكملة لجسر جاد الله على شاطئ الترعة الخارجية من بحر يوسف وبسببه تصب فى المجنونة ثم ينصبان عند معصرة بوصير الملق فى الباطن المعروف بالمهدار بحوض قشيشة، ومنه إلى ترعة جرزة.
ويخرج من رصيف قناطر اللاهون جسر يسمى جسر البهلوان معد أيضا لحفظ الفيوم من مياه الريف، فيمر قبلى هوارة عجلان أو هوارة اللاهون إلى الجبل القبلى المسمى جبل سدمنت، وبهذا الجسر بربخ صغير لرى أطيان هوارة ودمشقين التى لا يركبها اليوسفى، وبه أيضا قطع مسدود بالدستورط، وبه نحو مائتى ذراع فى عرض أربعة أذرع أو خمسة، وارتفاعه ثمانية أذرع إلى عشرة، بناه خرشد باشا سنة 1236 هلالية.
وبين جسرى جاد الله والبهلوان قنطرة اللاهون القديمة، وعرضها سبعة وعشرون ذراعا منها اثنا عشر ذراعا بنيت فى زمن المرحوم العزيز محمد على، وهى الجهة الشرقية، وأما الغربية فقديمة من بناء الظاهر بيبرس كما دلت عليه نقوش التواريخ التى وجدت عليها حين البناء، وهى ثلاث عيون سعة كل عين ثلاثة أذرع ونصف ارتفاعها سبعة أذرع، والعين البحرية فرشها منخفض عن العينين الآخريين بقدر ذراع ونصف بذراع المهندس لحبس ما يلزم لبلاد الفيوم من المياه وقت انتهاء نقصان النيل فإن الماء يجرى منها حينئذ ويجف من العينين الآخريين.
وبناء تلك القناطر من الحجر الدستور والزوايا الحديد والرصاص، وقد أجرى الكشف عنها سنة 1259 هجرية فوجد فرشها مختلا من تأثير الماء،
ودخل الماء تحت البناء القديم جميعه بحيث صار معلقا وخشى على القنطرة من السقوط فيحصل الضرر لبلاد الفيوم، فصدر الأمر بعمل قنطرة أخرى احتياطا فبنيت فى شرقيها، وجعل فرشها متصلا بفرش القنطرة القديمة الأمامى وجعلت ثلاث عيون كالأولى وصار فرش الجميع واحد.
وقد بنى أحمد ماهر باشا فوق قنطرة الّلاهون من جهة الغرب قصرا كان ينزل به، وكان العزيز محمد على يستريح فيه عند توجهه إلى الفيوم، وفى غربى القصر إلى الجنوب كانت شونة تجمع فيها الغلال.
وفى شمال اللاهون على نحو سبعمائة قصبة دير بالجبل يسمى دير الحمام يسكنه الأقباط.
وفى غربيها إلى الشمال بنحو ساعة ورش لاستخراج الحجر الأبيض والأحمر والجير. ويقال لها: ورش اللاهون. وعند تلك الورش هرم فرعون وهو مبنى باللبن ويرى فى طوبه حب شعير يظهر أنه مخلوط فى طينته من الأصل.
وفى بحرى اللاهون بنحو ساعة ونصف قرية هوارة المقطع بجوار القناطر العشر التى على بحر يوسف، وفى شرقى ناحية هوارة هرم آخر على صفة هرم فرعون المذكور.
وفى شرقى هوارة أيضا بنحو ثلاثمائة قصبة تلان كبيران يعرفان عند الأهالى بالكوم الأسود على شاطئ بحر وردان الذى عدم، وآثاره إلى الآن موجودة فى الجبل وكذا آثار نصبه وتقاسيمه. وذلك البحر كان يبتدئ من اليوسفى ويسير شمالا حتى يكون شرقى هرم هوارة ثم يسير فى الجبل مسافة ساعة ثم يميل إلى الشرق ونصبة ناحية سيلة فى غربى آثار ذلك البحر على ثلاثة أرباع ساعة داخل الجبل وهناك نصبة قديمة كانت بين ناحية شانة وشنشانة وهما بلدتان عظيمتان فى الجبل كانتا فى الزمن القديم، وآثارهما معهودة، وهما أول بلاد وردان ثم يسير البحر شمالا فيمر شرقى ناحية طمية ويستمر فى الأرض المعروفة بأرض الشعير أو الدكاكين فى الجبل/أيضا، ثم
ينعطف مغربا فيمر بآثار تقاسيم وآثار بلاد عدمت فيستمر مغربا فى شمال قصر رشوان، وهى بلد حسن بك الشماشرجى من بلاد وردان، وهى التى بقيت من عدة بلاد هناك فيمر بتقاسيم وآثار بلاد كثيرة قبالة سنهور فى شمال بركة الفيل التى فى الجبل وهكذا إلى أول وادى الريان.
ويوجد إلى الآن فى آخر بلاد وردان آثار شجر العنب فى الجبل ويقرب من ذلك أكمة مرتفعة يشاهد من يصعد عليها بلاد وردان من الجهة الشمالية، وقصر قارون من الجهة الجنوبية، ووادى الريان من جهتى الغرب والجنوب.
ويقال أن بلاد وردان كانت مائة بلدة والآن غطت أرضها الرمال، وقد أصلح الخديو إسماعيل منها فى ناحية سيلة، والمقاتلة، والربيات وطمية، وقصر رشوان ما يقرب من خمسة عشر ألف فدان، وكانت بلاد الريان نحو المائتين، وقد أصلح الخديو المذكور من أرضها فى ناحية النزلة، وأبى جندير، ونوارة، ومنية الحيط، والعراق نحو ثلاثين ألف فدان.
ولو أجريت العمليات الهندسية التى كانت جارية قديما لرى أراضى الريان لصلح من ذلك ما ينيف على مائة ألف فدان.
وفى آخر بلاد الريان من جهة الغرب قطعة أرض مستوية إذا حفر فيها قدر أربعة أصابع ينبع منها من الماء بنسبة كمية الضاغط على الأرض من الحيوانات آدميين وغيرهم، فإن كانوا عشرة فبنسبتهم وإن كانوا مائة فبنسبتهم وهكذا. والظن أن هذا الموضع كان عميقا ومجمعا لمياه الأمطار وغيرها فتراكم فوقه طبقة من الأرض فمتى حصل الضغط نبع الماء. وتلك الأرض بقرب بحر بلاما بطريق الجبل الأخضر وهو مشهور عند العرب والمسافرين وعادتهم أخذ الماء منه.
(لقانة)
بفتح اللام ثم قاف وألف ونون. قرية من مديرية البحيرة، بمركز دمنهور فى شمال ترعة الخطاطبة على نحو مائتين وخمسين مترا، وما بينهما مغروس
بالنخيل والأشجار. وفى شرقى شرنوب بنحو ثلاثة آلاف متر وأبنيتها بالآجر واللبن.
وبها جامع بمنارة على تل قديم ارتفاعه نحو ثمانية أمتار وبوسطها جامع آخر يعرف بجامع سيدى مخلوف وبه ضريحه. وبها معمل دجاج وستة حوانيت، ولها سوق كل يوم أربعاء.
وأكثر أهلها مسلمون وينسب إليها جملة من أفاضل العلماء.
ترجمة الشيخ إبراهيم اللقانى
منهم: الشيخ إبراهيم اللقانى المترجم فى خلاصة الأثر بأنه: إبراهيم ابن إبراهيم بن حسن بن على بن على بن على بن عبد القدوس بن الولى الشهير محمد بن هارون المترجم فى طبقات الشعرانى الذى كان يقوم لوالد سيدى إبراهيم الدسوقى إذا مر عليه، ويقول فى ظهره: ولىّ يبلغ صيته المشرق والمغرب، وهو أبو الأمداد الملقب برهان الدين اللقانى المالكى. أحد الأعلام المشار إليهم بسعة الاطلاع فى علم الحديث والدراية والتبحر فى الكلام.
وكان إليه المرجع فى المشكلات والفتاوى فى وقته بالقاهرة.
وكان قوى النفس عظيم الهيبة تخضع له الدولة ويقبلون شفاعته. وهو منقطع عن التردد إلى أحد من الناس، يصرف وقته فى الدرس والإفادة وله نسبه هو وقبيلته إلى الشرف ولكنه لا يظهر ذلك تواضعا منه.
كان جامعا بين الشريعة والحقيقة، له كرامات خارقة ومزايا باهرة، ألف التآليف النافعة ورغب الناس فى استكتابها وقراءتها، وأنفع تأليف له منظومته فى علم العقائد التى سماها:«جوهرة التوحيد» . أنشأها فى ليلة بإشارة شيخه فى التربية والتصوف صاحب الكرامات والمكاشفات الشيخ الشرنوبى، ثم إنه بعد فراغه منها عرضها على شيخه المذكور فحمده ودعا له ولمن يشتغل بها بمزيد النفع.
وحكى أنه شرع فى إقرائها فكتب منها فى يوم واحد خمسمائة نسخة، وألف عليها ثلاثة شروح، والأوسط منها لم يحرره فلم يظهر.
وله: «توضيح ألفاظ الأجرومية» ، و «قضاء الوطر من نزهة النظر فى توضيح نخبة الأثر للحافظ بن حجر» ، و «إجمال الوسائل وبهجة المحافل بالتعريف برواية الشمائل» ، و «منار أصول الفتوى وقواعد الإفتاء بالأقوى» ، و «عقد الجمان فى مسائل الضمان» ، و «نصيحة الإخوان باجتناب شرب الدخان» -وقد عارضها معاصره الشيخ على بن محمد الأجهورى المالكى برسالة أولى وثانية أثبت فيهما القول بحل شربه ما لم يضر-وله:«حاشية على مختصر خليل» ، وله كتاب «سماه نثر المآثر فيمن أدرك من القرن العاشر» ، ذكر فيه كثيرا من مشايخه من أجلهم: علامة الإسلام شمس الملة والدين محمد البكرى الصديقى، والإمام الرملى شارح المنهاج، والعلامة أحمد بن قاسم العبادى صاحب الآيات البينات وغيرهم من الشافعية. وشيخ الإسلام على بن غانم المقدسى، والشمس محمد النحريرى، والشيخ عمر بن نجيم من الحنفية والشيخ محمد السنهورى، والشيخ طه، والشيخ أحمد المنياوى، والشيخ عبد الكريم البرمونى، وغيرهم من المالكية.
ومن مشايخه فى الطريق: الشيخ أحمد البلقينى الوزيرى، والشيخ محمد ابن الترجمان وجماعة كثيرة. وذكر أنه لم يكثر عند أحد منهم مثل ما أكثر عن الإمام أبى النجا السنهورى، ويليه الشيخ محمد البهنسى لأنه كان يختم فى كل ثلاث سنين كتابا من أمهات الحديث/فى رجب وشعبان ورمضان ليلا ونهارا، ويليه الشيخ يحيى العراقى المالكى إمام الناس فى الحديث وشيخ رواق ابن معمر بالجامع الأزهر.
وبالجملة فهو متفق على جلالته وعلو شأنه وأخذ عنه كثير من الأجلاء منهم: ولده عبد السلام والشمس البابلى، والعلاء الشبراملسى، ويوسف الفيشى، وياسين الحمصى، وحسين النمساوى، وحسين الخفاجى، وأحمد
العجمى، ومحمد الخرمشى، وغيرهم ممن لا يحصى كثرة. ولم يكن أحد من علماء عصره أكثر تلامذة منه.
وكانت وفاته وهو راجع من الحج سنة إحدى وأربعين وألف، ودفن بالقرب من عقبة أيلة بطريق الركب المصرى.
ترجمة الشيخ عبد السلام اللقانى
وذكر أيضا ترجمة ابنه فقال: هو عبد السلام بن إبراهيم اللقانى المصرى، المالكى الحافظ المتفنن، الفهامة شيخ المالكية فى وقته بالقاهرة.
كان فى مبدأ أمره على ما حكى من أهل الأهواء المارقين، ولم يتفق إنه رؤى بمصر فى مكان إلا فى درس والده البرهان، وكان إذا انتهى الدرس يتفقد فلا يوجد ويمضى لما كان عليه حتى مات أبوه، فتصدر فى مكانه بالجامع الأزهر للتدريس، ونزع عما كان عليه فى أيام شبابه، وظهر منه ما لم يظن فيه من العلم والتحقيق، ولزمه غالب الجماعة الذين كانوا يحضرون درس والده، وانتفع به خلق كثير.
وكان إماما كبيرا محدثا باهرا أصوليا إليه النهاية، وله تآليف حسنة الوضع منها:«شرح المنظومة الجزائرية فى العقائد» ، وله ثلاثة شروح على عقيدة والده «الجوهرة» .
وكان ذا شهامة ونفسانية، كثير الحط على علماء عصره، وكانت له شدة وهيبة لا سيما فى درسه؛ فكان لا يقدر أحد من الحاضرين أن يسأله أو يرد عليه هيبة له. وكان كبار المشايخ من أهل وقته يحترمون ساحته وينقادون لرأيه.
قال المحبى: وقد سمعت بعض الأشياخ المصريين يقول: إنه لو كان على وتيرة والده من الإكباب على الإفادة لفاته بمراحل على أنه كان فى طبقته فضلا ومهابة.
وكانت ولادته سنة إحدى وسبعين وتسعمائة، وتوفى نهار الجمعة الخامس والعشرين من شوال سنة ثمان وسبعين وألف.
ثم قال: وحكى شيخنا الإمام العلامة يحيى الشاوى المغربى روّح الله تعالى روحه أنه رآه بعد موته فى المنام فأنشده:
حدثنى ذا المصطفى
…
من لفظه ألف حديث
وقصده بحفظها
…
سيرى إليه بالحثيث
(لقين)
قرية من مديرية البحيرة، بمركز دمنهور فى جنوب ترعة المحمودية بنحو خمسة آلاف متر، وفى جنوب السكة الحديد الموصلة إلى الإسكندرية بنحو ألفى متر، وفى شرقى البسلقون كذلك، وفى شمال بلقطر بنحو ستة آلاف متر.
وهى على تل قديم متسع ارتفاعه نحو عشرة أمتار، وبجانبها الغربى تل آخر عليه عزبة تسمى عزبة حسن باشا المنسطرلى، وبشمالها تل يعرف بكوم لقين.
وبها زاوية للصلاة وجنينة صغيرة، وتكسب أهلها من الزرع.
(اللّخميين)
قرية بالقليوبية، أنشأ بها الأمير عثمان كتخدا جامعا ومكتبا، ووقف أراضيه التى بناحيتها وغيرها على هذا الجامع وغيره كما فى حجة وقفيته المبين فيها أوقافه وجهات صرف ريعها المؤرخة بسنة تسع وأربعين ومائة وألف.
وفيها: أنه يصرف لإمام هذا الجامع فى السنة ستمائة ونصف، ولاثنين مؤذنين كذلك، وفى ثمن زيت لتنويره أربعمائة وعشرون نصفا، وفى ثمن حصر لفرشه أربعمائة وخمسون نصفا، وفى ثمن القناديل ستون نصفا، وفى ثمن طوانس وقواديس ونحوهما لساقية الجامع فى السنة مائة وثمانون نصفا، وفى ثمن مقشات للكنس ثلاثون نصفا، ولعشرة أيتام ومؤدبهم بالمكتب لكل واحد
ظهر فارسكورى وشد طاقية جوخ أحمر، وللمؤدب خاصة فى السنة مائتان وأربعون نصفا، وللجميع توسعة فى رمضان مائة وعشرون نصفا.
وهذا الأمير هو الذى أنشأ جامع كتخدا بالأزبكية، وزاوية العميان بالأزهر، وأجرى خيرات كثيرة حتى على فقراء الحرمين. وقد ذكرنا ترجمته فى الكلام على جامعه بالأزبكية.
حرف الميم
(الماى)
بأل التعريفية فميم فألف فمثناة تحتية كما فى دفاتر التعداد وغيره.
والعامة تقول لها: المية بمثناة تحتية بعد الميم فهاء.
قرية من أعمال منوف، بمديرية المنوفية واقعة فى غربى الترعة الشنوانية بنحو ثلاثمائة وخمسين مترا، وفى الشمال الغربى لشنوان بنحو أربعة آلاف وسبعمائة متر، وفى الجنوب الغربى لشيبين الكوم بنحو ثلاثة آلاف وخمسمائة متر.
أبنيتها باللبن وقليل من الآجر، وبها ثلاثة مساجد أحدها بمنارة، غير الزوايا الصغيرة. وبها معمل فراريج وأنوال لنسج القطن الغليظ والصوف.
وأضرحة لبعض الصالحين عليها قباب مثل ضريح الشيخ معمر، والشيخ خليل، والشيخ عثمان، والسادات المادحية. وثمان سواق لسقى المزروعات الصيفية. وفى غربيها تل قديم فيه مقبرتهم.
وأطيانها ألفان وخمسمائة وأربعون فدانا وكسر وجميعها مأمونة الرى، ويزرع فيها المزروعات المعتادة.
وأكثر أهلها مسلمون وعدتهم ألف ومائتان وسبع وتسعون نفسا. وممن تربى منهم فى ظل العائلة المحمدية وأدركته العناية الخيرية/حضرة على أفندى الميهى، كاتب بالمجلس الخصوصى سابقا برتبة بيكباشى وأعطى رتبة بيك، ومكث بها مدة ثم توفى إلى رحمة الله تعالى.
(مجدول)
بميم مفتوحة فجيم ساكنة فدال مهملة مضمومة فواو ساكنة فلام. بلدة كانت بقرب قرية سيلة من بلاد الشرقية بينهما نحو اثنى عشر ميلا وكانت
تسمى أيضا مجدولوم، والظاهر أن التل الذى فى تلك الجهة المسمى تل النهر هو فى محلها وبه آثار كثيرة إلى الآن منها أثر سور عتيق مبنى بالطوب يدل على أن هذا المحل كان قلعة وحصنا.
وفى كتاب هيرودوط: أنه وقع بقرب هذه البلدة مقتلة عظيمة بين عساكر مصر وعساكر الشام فى زمن سلطنة نيخوس ملك مصر، انتصر فيها المصريون على الشاميين. ونقل بعض شارحيه عن بعض كتب العبرانين ما يخالف ذلك فقال: أن نيخوس قام بعسكره ليحارب بختنصر ملك بابل، وسار بهم على ساحل البحر فخاف جوزياس ملك يهوذا على ملكه من مرور جيش جرار مثل هذا الجيش بأرضه، فقام وجهز جيشا وتلاطم مع المصريين بقرب مدينة مجدول، وهى مدينة بأرض يهوذا وليست هى مدينة مجدول المصرية فكانت الهزيمة على ملك يهوذا، ثم استمر نيخوس فى طريقه حتى استولى على جميع بلاد بختنصر إلى الفرات، ورجع بعسكره فاستراح بمدينة دبلا وهى مدينة بين مجدول والقدس.
وفى إقامته بها بلغه أن اليهود ولوا عليهم الابن الرابع لجوزياس فأرسل إليه فأحضره وأمسكه عنده أسيرا وتوجه إلى القدس، وولى على اليهود الابن الثانى لجوزياس وضرب عليه خراجا سنويا طالان من الذهب ومائة طالان من الفضة وقيمة جميع ذلك تبلغ ستمائة ألف فرنك، ثم رجع إلى مصر ومعه أسيره، وبعد أربع سنين جهز ثانيا إلى مملكة بختنصر وتلاطم معه فكانت الهزيمة عليه واستولى بختنصر على جميع ما تحت يده من مصر وخلافها وذلك قبل المسيح بستمائة وسبع سنين.
(المحفر)
موضع فى شرقى تل المسنحوطة على نحو أربعة آلاف متر. به آثار يظهر أنها آثار خان قديم كان مبنيا باللبن والطين.
وبه أيضا قليل آثار من حجارة وصوان، وبعض العرب يسميه المكفر، وهو أحد المحلات التى كانت فوق الخليج المصرى الذى كان بين مصر وذنب التمساح وتسميه العرب الآن: ترعة الخلفاء، وكانت التجارة تصل فيه من مصر إلى بحر القلزم.
وبين المحفر والمسنحوطة محل تسميه العرب: أم الخيام، وفى شرقى المحفر واد يقال له: السبع آبار إذا سافر المسافر منه إلى الجنوب على شاطئ الخليج القديم يرى تلا مرتفعا يعرف عند العرب بالطيرية بعده عن المحفر نحو ثمانية وعشرين كيلومتر.
وفى سنة 1856 ميلادية عثر فى تل الطيرية على قطع من الحجر الأحمر يغلب على الظن أنها من الجبل الأحمر المجاور للقاهرة، وآثار عمود قديم كان عليه كتابة هيروجليفية وكتابة عجمية يقال لها المسمارية.
(المحلّة)
بفتح الميم والحاء المهملة واللام المشددة وهاء التأنيث. فى مشترك البلدان أن هذا اسم لنحو مائة قرية ببلاد مصر. اه.
وأشهرها وأكبرها مساحة وأكثرها سكانا:
(المحلة الكبرى)
ويقال لها كما فى مشترك البلدان أيضا: محلة الدقلا بفتح الدال المهملة واللام.
وهى قصبة كورة الغربية وأكبر مدنها بل لا يزيد عليها فى الكبر من مدن الوجه البحرى إلا الإسكندرية، وموقعها على ترعة الملاح فرع من فروع بحر شبين ويسكنها نحو خمسين ألف نفس، ومساحة ما تشغله مساكنها نحو مائتين وثمانين فدانا.
وأكثر أبنيتها بالآجر المتين على طبقتين وثلاثة وأربعة، وبها قصور مشيدة بالبياض النفيس ومناظر حسنة بشبابيك الخرط والزجاج، ومفروشة بالبلاط والرخام، وقيساريات وحوانيت وخانات وأسواق دائمة يباع فيها الأنواع المختلفة من مأكول وملبوس وغير ذلك.
وبها ديوان المركز والضبطية والبوسطة ومحكمة شرعية كبرى من إحدى عشرة محكمة فى مديرية الغربية كلها مأذونة بتحرير المبايعات والإسقاطات والأيلولات والرهونات ونحو ذلك، ومراكز تلك المحاكم ناحية البرلس، والجرفية، وزفتة، وسمنود، وشربين، ومحلة منوف، وكفر الشيخ، وكفر الزيات، وأكبرها وأعمها أحكاما محكمة مدينة طنتدا التى هى رأس المديرية فإنه فى هذه المحكمة تعقد بياعات الأطيان أيضا لكن أمام المدير أو وكيله كما هو المنشور الصادر من نحو ست سنين على عموم محاكم المديريات، وأما غيرها فكان لا يعقد فيه بيع الأطيان ولكن تحرر فيها حججها بعد صدور الأذن عن المديرية.
وفيها مدرسة لتعليم اللغات، وفيها نحو أربعين مسجدا غير الزوايا الصغيرة وأكثرها عامر مقام الشعائر والجمعة والجماعة، منها:
جامع بحارة المتولى، وهو أقدمها يقال: أنه أنشئ زمن فتح مصر، وقد بنى ثانيا وارتفعت أرضه أكثر من مترين.
وجامع المتولى وهو مسجد كبير سعته نحو فدانين، وبه مدرسة يقال: إنه من بناء أبى بكر الطورينى من أهل القرن السادس من الهجرة. وقد رمم غالبه الآن شرفى بيك والشيخ محمد الجمل ناظر مدرسته، وله منارة كبيرة.
جامع الشيخ إبراهيم السجاعى/بحارة الجيارة يقال: إنه من بناء الجوربجى أحد أمراء الغز فى القرن التاسع. وقد دفن به هو وابنه، وقد رمّه المرحوم عباس باشا سنة خمس وستين ومائتين وألف.
جامع سيدى عطاء الله بحارة الجيارة أيضا. يقال: إنه من بناء الجوربجى أيضا، وقد جدده الخديو إسماعيل باشا سنة ثمانين ومائتين وألف.
جامع سيدى محمد المحجوب بحارة المحجوب وهو قديم وله منارة.
جامع سيدى محمد المنسوب بحارة المنسوب قديم أيضا وله منارة.
جامع سيدى عبد ربه بحارة عبد ربه يقال: إنه بنى فى القرن الحادى عشر وقد جدده المرحوم عباس باشا سنة ثلاث وستين وله منارة.
جامع سيدى محمد الحنفى بخط المنشأة. يقال: إنه بناه الحنفى فى القرن التاسع وله منارة.
جامع الشيخ عثمان الصياد بحارة صندفة، له منارة، وبه قبر الشيخ عثمان المذكور.
جامع الشيخ محمد العمرى بحارة الجيارة. قيل: إنه بنى فى القرن الرابع.
جامع سيدى عبد الرحمن البطايحى بحارة أبى الحسن، له منارة.
جامع أبى الحسن، بحارته، بناه فى القرن الثامن على ما قيل وله منارة، وبه ضريحه.
جامع الشيخ محمد أبى الفضل الوزيرى بسويقة النصارى، قيل: إنه بناه فى القرن الثامن وبه ضريحه، رمم على طرف الديوان سنة اثنتى عشرة ومائتين وألف، ثم رممه ناظره محمود الشعار سنة ثمان وسبعين، وله منارة.
جامع عنقا الجوربجى بسويقة النصارى أيضا.
جامع المقدم بسويقة النصارى، كان له منارة ثم انهدمت.
جامع الأميريالى بسويقة السلطان، بناه ذلك الأمير فى القرن الحادى عشر، ورممه أحد ذريته سنة ثلاث وسبعين ومائتين، وله منارة.
جامع سيدى أبى العباس الحرثى، يقال: إنه من بناء سيدى أبى العباس المذكور الذى قبره بدمياط ظاهر يزار، من أهل القرن السابع، وله منارة. رمم سنة أربعين بعد المائتين والألف من طرف محمد كاشف حاكم الغربية.
جامع الأمير جاويش بحارة سوق النوالين قيل: إنه بناه الأمير المذكور، وهو المعروف بمحى زاده من أهل القرن التاسع وجعل له منارة.
جامع الشيخ عبد الفتاح السمسار بحارة الجنى، به ضريح الشيخ المذكور، وله منارة.
جامع الشيخ خضر بحارته، وبه ضريحه ويقال: إنه من أهل القرن العاشر.
جامع النوبة بحارة جامع النوبة، له منارة، ويقال: إنه بنى فى القرن التاسع. وقد رمم سنة خمس وستين ومائتين وألف.
جامع الديربى بسوق المحلة أنشأه الديربى فى القرن الثامن على ما يقال، وقد رمم فى زمننا هذا.
جامع الشيخ محمد برهام بحارة صندقة، له منارة، وقيل إنه من إنشاء الشيخ المذكور فى القرن السابع.
جامع ولى الدين الجندى بحارة الوراقى، وبه ضريحه وهو من أهل القرن السابع أيضا.
جامع الشيخ محمد القصبى بحارة أبى دعبس بناه ودفن به، وهو من أهل القرن السابع. وله منارة جددت مع ترميمه سنة ثمان وثمانين ومائتين وألف.
جامع أبى القاسم بحارته وبه ضريحه. وله منارة، ويقال أيضا: إنه أنشئ فى القرن السابع.
جامع أبى بكر الطورينى بحارة السويقة، له منارة، وبه ضريحه وهو الذى بناه كما بنى جامع المتولى السابق.
جامع الإمام بسويقة الساهى، له منارة، وبه ضريح الشيخ حسن الإمام.
جامع الروازقة بحارة عبد ربه، له منارة، وبه ضريح بانيه الشيخ عبد ربه من أهل القرن الثامن.
جامع الجوربجى سبح الله بسويقة الساهى أيضا، له منارة.
جامع الشوافعية، له منارة، وهو من بناء بعض الأمراء فى القرن التاسع، وكان مدرسة وقد رمم الآن وجعل للصلاة فقط.
جامع صوار بخط أبى القاسم، له منارة، وبه قبر بانيه الشيخ صوار. يقال:
إنه من أهل القرن الثامن.
جامع الشريف بحارة المرابع، له منارة، وبه ضريح بانيه وهو من أهل القرن العاشر.
جامع الشيخ زهير بحارة أبى دعبس، له منارة، وبه ضريح بانيه الشيخ زهير من أهل القرن الثامن.
جامع أبى سيفين بحارة الصاغة عند سوق السلطان، له منارة، وبه ضريح بانيه أبى سيفين من أهل القرن السابع على ما قيل.
جامع الأمير عاصى الجوربجى بحارة النصارى، له منارة، بنى فى تاريخ ما قبله تقريبا.
جامع الأمير مراد برأس الفوالين، له منارة، أنشأه ذلك الأمير ودفن به فى المائة السابعة أيضا.
جامع الجنى، له منارة، وبه ضريح بانيه الجنى.
جامع الشيخ المحلى، به ضريحه وهو من أهل القرن السابع أيضا.
جامع الروينى بحارة أبى الحسن، أنشأه الشيخ محمد الروينى من أهل القرن الثامن ودفن به، وله منارة.
جامع الصامولى بحارة المنسوب له، له منارة، أنشأه الشيخ أحمد الصامولى فى القرن السادس أو السابع ودفن به.
جامع السادات الدهانية بحارة الجيارة من إنشاء الجوربجى، وبه أضرحة السادات.
جامع أبى حشيش بحارة المنسوب، وهو جامع قديم متخرب.
وفيها من الزوايا الصغيرة نحو السبعة، وفى بعضها أضرحة منشئيها، وفى البلد أضرحة كثيرة ذات قباب غير ما فى المساجد، كضريح الشيخ ياسين، وسيدى حسن البدوى، وسيدى محمد اليمانى، وسيدى عبد المجيد الصامولى، والشيخ عامر، والشيخ سالم، وسيدى حسن الأقرع، وسيدى نصر الدين/المحلى، والشيخ العسقلانى، والشيخ بسيسة، والأربعين، والشهداء، والشيخ أبى حميدة، والشيخ الكردس، والشيخ قلوس، والشيخ قدح، والشيخ مفتاح، والمشساعلى، والشامى، وأبى عيسى، وسيدى محمد الحنفى، وسعد الأنصارى، والحلفاوى، والقطرى، والبقلى.
وفيها أربعة وعشرون سبيلا لشرب الآدميين والبهائم، بعضها تابع للمساجد وبعضها مستقل فى داخل البلد وخارجها.
وفيها نحو خمسة وعشرين مكتبا لتعليم أولاد المسلمين القراءة والخط، بعضها تابع للأسبلة وبعضها للمساجد وبعضها مستقل.
وفيها مكاتب لأطفال النصارى، وفيها بيعة لليهود بحارة جامع النصر تعرف بخوخة اليهود مبنية من قبل الإسلام، ورممت سنة ثمانين ومائتين وألف وهى على طبقتين ويسكنها بعض اليهود، وقد بنوا لها حماما فوق تل بجوارها وجعلوه حلزونيا ارتفاعه 13،825 مترا.
وبها كنيسة للأقباط بسويقة النصارى وهى قديمة أيضا وعلى دورين وقد رممت فى ذلك التاريخ أيضا.
وبها معمل فراريخ يستخرج منه كل سنة نحو خمسمائة ألف فرخ، ودوائر لضرب الأرز، وبها ثلاث ورش: إحداهما للمرحومة والدة الخديو إسماعيل باشا، وأخرى بجوار قنطرة نيروز، كانت معدة لإصلاح الوابورت وهى تعلق الخواجة فرنسيس الإنكليزى، وأخرى فى محل ديوان المديرية سابقا وهى أيضا للخواجة فرنسيس المذكور.
وبها من الوابورات نحو السبعة بعضها لحلج القطن وبعضها للطحن، من ذلك: وابور حلاجة للخواجة متتياى بقرب السكة الحديد، له بجواره قصر بجنينة. وبجواره وابور حلاجة أيضا مشترك بين الخواجة سليم والخواجة حبيب بولاد. وبقرب هذا وابوران للحلاجة للخواجة كارفل الإنكليزى وشركائه. وبقرب السكة الحديد وابور حلاجة للخواجة إبراهيم الشافورى وبه محل سكناه. وبقرب قنطرة بزوز وابور حلاجة للأمير حسين باشا يكن. وبحارة المحجوب عند جامع أبى العباس وابور للخواجة موسى حنا على ترعة فى وسط البلد معّد لحلج القطن وطحن القمح.
وبها نحو عشرة بساتين بعضها نخيل خالص، وبعضها يشتمل على أشجار الزيتون والفاكهة والأزهار وغيرها. ويزرع بداخلها القصب وأنواع الخضر.
وفيها سواق معينة تديرها البقر من ذلك: بستان الأمير محمد بيك المنشاوى، وبستان ورثة المرحوم شكيب بيك، وبستان المعلم يونان المعروف بسيدهم فى الجانب الشرقى لبحر الملاح، وبستان محمد كاشف بحوض الوزيرية فى جنوب المدينة بنحو ثلاثة آلاف متر.
وبها نحو خمس وعشرين ساقية بعضها بأرض المزارع وبعضها داخل السكن، بعد مائها عن سطح الأرض وقت انتهاء نقص النيل نحو خمسة أمتار.
وفيها أرباب حرف كثيرون من جميع الصنائع خصوصا صنعة الحرير ونسجه ففيها أنوال كثيرة لنسج عصائب الحرير وثياب الكريشة الحرير والملاءات وأكثر ما يباع فى القطر من ذلك.
مكتبة الأسرة-2008
وفيها تجار مشهورون يتجرون فى جميع بضائع القطر، ومزارعون، وزمام أطيانها نحو أربعة آلاف فدان.
وبالجملة فهى مدينة ذات شهرة عظيمة ولها ذكر فى كتب التواريخ، فمن ذلك ما حكاه كترمير عن كتاب السلوك للمقريزى: أنه كان بالمحلة سنة ثمانين وستمائة نائب عن طرف القاضى شمس الدين الحنبلى أحد قضاة مصر الأربعة وكان ذلك النائب أخا للقاضى تقى الدين شبيب الحرانى، فاتفق أن القاضى شمس الدين عزل ذلك النائب عن النيابة فحنق عليه شبيب وامتلأ غيظا وقدم للسلطان الملك الظاهر بيبرس عريضة يذكر فيها: أن قاضى القضاة الحنبلى تحت يده أموال كثيرة من أمانات تجار بغداد وحران والشام وغيرها، وأكثر أهلها ماتوا واستولى القاضى على أماناتهم، فطلبه السلطان وطالبه بذلك فأنكر، وحلف أن ليس عنده شئ من ذلك وورّى فى يمينه (أى نوى غير ما تلفظ به) فأمر السلطان بالهجوم على داره فوجد عنده كثيرا مما ادعاه شبيب، فأخذت منها الزكاة وردت إلى مستحقيها ما بين وارث وأصيل، وكان ذلك يوم الجمعة ثانى شعبان، واشتد غضب السلطان على القاضى وظفر به شبيب وصار يتكلم فيه حتى نسبه للحشوية، وأنه ييذو على السلطان فى غيبته وأقام بذلك شهودا، فعقد النائب بدر الدين بيك مجلسا وطلب شهود شبيب فأنكروا فعزر الراجعين وأخرق بهم، ثم تفرس فى أمر شبيب ففهم منه التعنت على القاضى وأنه مولع بحب أذاه فأوقع الحوطة أيضا على أمواله.
ثم أن القاضى بقى مسجونا بالقلعة سنين حتى مات ولم يقم بعده قاض حنبلى. وقال النوارى: إن السلطان عفا عنه فى أول شعبان سنة اثنتين وثمانين. انتهى.
فائدة
قال كترمير عن كتب اللغة: الإخراق المتعدى بالباء معناه المعاقبة.
يقال: قصد الوزير الأخرق به أى قصد عقابه. وأخرق بجماعة من أماثل الناس أى عاقبهم. ويقال: استخرجوا المال بالضرب والإخراق. انتهى.
ومن حوادث هذه المدينة كما فى الجبرتى: وقعة كانت/بين أهلها وبين الفرنساوية سنة ألف ومائتين وأربع عشرة، وذلك أنه بعد وقعة المطرية كان العرب وقطاع الطريق قائمين بالإفساد فى الجهات القبلية والبحرية، حتى منعوا السبيل، وأكلوا الزروعات وسلبوا الأموال، وقامت البلاد بعضها على بعض، واستعان بعضهم بالعرب فدخلوا فيهم وتطاولوا وضربوا عليهم الضرائب وطالبوهم بالآثار والعوائد القديمة. ثم نزل الفرنسيس على البلاد وتعللوا على أهلها بمصادقتهم العرب والغز وطلبوا منهم الكلف الشاقة، واستعملوا فيهم الأذى، فكان الناس فى عذاب بين الفرنسيس والعرب، ومر طائفة من الفرنسيس على المحلة الكبرى فتعصب أهلها واجتمعوا عند قاضيها وخرجوا لحرب الفرنسيس فكمنوا لهم وضربوهم بالمدافع والبنادق فقتل من أهل المحلة ما ينيف عن ستمائة نفس، وقتل القاضى وفرّ من فرّ.
وفى رجب من سنة ثلاث وعشرين بعد المائتين والألف، نزل العزيز محمد على بهذه المدينة، وكان قد خرج من القاهرة فى نصف الشهر ليمر على مدن الوجه البحرى مثل: المنصورة، ودمياط، والمحلة، ورشيد، والإسكندرية للحث على جمع كلف الذخيرة، وكانت موزعة على قراريط البلاد كل قيراط سبعة آلاف وستمائة نصف فضة.
وفى هذه السفرة عرض له الروزنامجى عن البلاد المتأخرة عن السداد، وكانت مائة وستين بلدة فوزعها على أنجاله وأتباعه ودفعت على أهلها وكتبت تقاسيطها على الأسماء التى عينها وكذلك حصّل ببلاد الملتزمين المتضررين.
ولما حل بالمحلة صار قبض المفروض عليها وهو خمسون كيسا نقصت سبعة أكياس عجزوا عن تسديدها، وقدم له حاكمها ستين جملا وأربعين حصانا، خلاف الثياب المحلاوية مثل: الزردخانات، ومقاطع الحرير، وغير ذلك. انتهى.
ثم إن هذه المدينة على غاية من حسن الموقع وطيب الهواء تورث الطباع سلامة، والأذهان جودة. فإن للبقاع تأثيرا فى الطباع؛ فبذا كانت منبعا لكثير
من الأفاضل، ومنشأ للعلماء الجهابذة الأماثل، ولو لم ينسب إليها إلا الجلال المحلى لكفاها فخرا.
ترجمة الإمام الجلال المحلى
وقد ترجمه الجلال السيوطى فى حسن المحاضرة فقال: هو محمد ابن محمد بن إبراهيم بن أحمد، ولد بمصر سنة إحدى وسبعمائة، واشتغل وبرع فى الفنون فقها وكلاما وأصولا ونحوا ومنطقا وغيرها. وأخذ عن البدر محمود الأقصرائى، والبرهان البيجورى، والشمس البساطى، والعلاء البخارى وغيرهم.
وكان علاّمة آية فى الذكاء والفهم، كان بعض أهل عصره يقول فيه: إن ذهنه يثقب ألماس، وكان هو يقول على نفسه: أنا فهمى لا يقبل الخطأ. ولم يكن يقدر على الحفظ، وحفظ كراسا من بعض الكتب فامتلأ بدنه حرارة.
وكان غرة هذا العصر فى سلوك طريق السلف على قدم من الصلاح والورع والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، يواجه بذلك أكابر الظلمة، والحكام يأتون إليه فلا يلتفت إليهم ولا يأذن لهم بالدخول عليه.
وكان عظيم الحدة جدا لا يراعى أحدا فى القول يوصى فى عقود المجالس على قضاة القضاة وغيرهم وهم يخضعون له ويهابونه ويرجعون إليه.
وظهرت له كرامات كثيرة، وعرض عليه القضاء الأكبر فامتنع، وولى تدريس الفقه بالمؤيدية والبرقوقية، وقرأ عليه جماعة. وكان قليل لإقراء يغلب عليه الملل والسآمة. وسمع الحديث من الشرف بن الكويك، وحدّث.
وكان متقشفا فى ملبوسه ومركوبه ويتكسّب بالتجارة. وألف كتبا تشد إليها الرحال فى غاية الاقتصار والتحرير والتنقيح وسلامة العبارة وحسن المزج والحل بدفع الإيراد. وقد أقبل عليها الناس وتلقوها بالقبول وتداولوها. منها:
«شرح جمع الجوامع فى الأصول» ، و «شرح بردة المديح» ، و «مناسك» و «كتاب فى الجهاد» .
ومنها أشياء لم تكمل «كشرح القواعد لابن هشام» ، و «شرح التسهيل» كتب منه قليلا جدا، و «حاشية على شرح جامع المختصرات» ، «حاشية على جواهر الأسنوى» ، و «شرح الشمسية فى المنطق» ، و «مختصر التنبيه» كتب منه ورقة.
وأجل كتبه التى لم تكمل «تفسير القرآن» كتب من أول الكهف إلى آخر القرآن فى أربعة عشر كراسا فى قطع نصف البلدى وهو ممزوج محرر فى غاية الحسن، وكتب على الفاتحة وآيات يسيرة من البقرة، وقد كملته بتكملة على نمطه من أول البقرة إلى آخر الإسراء.
توفى فى أول يوم من سنة أربع وستين وثمانمائة رحمه الله تعالى. انتهى
وترجمه أيضا بعضهم فقال: هو محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم ابن أحمد بن هاشم الجلال أبو عبد الله بن الشهاب أبى العباس بن الكمال الأنصارى، المحلى الأصل نسبة للمحلة الكبرى من الغربية، القاهرى الشافعى، ويعرف بالجلال المحلى.
ولد كما رأيته بخطه فى مستهل شوال سنة إحدى وتسعين وسبعمائة بالقاهرة، ونشأ بها فقرأ القرآن وكتبا. واشتغل فى فنون فأخذ الفقه وأصوله والعربية عن الشمس البرماوى، والفقه أيضا عن البيجورى والجلال البلقينى والولى العراقى، والأصول أيضا عن العز بن جماعة، والنحو أيضا عن الشهاب العجيمى سبط /ابن هشام وغيره، والفرائض والحساب عن ناصر الدين ابن أنس المصرى الحنفى، والمنطق والجدل والمعانى والبيان والعروض وكذا أصول الفقه عن البدر الأقصرائى، ولازم البساطى فى التفسير وأصول الدين وغيرهما، وحضر دروس النظام السيرامى، والشمس بن الديرى وغيرهما من الحنفية، والمجد البرماوى والشمس العراقى وغيرهما من الشافعية، والشهاب أحمد المغراوى المالكى، بل حضر مجلس الكمال الدميرى والشهاب ابن العماد والبدر الطنبدى وغيرهم.
ومهر وتقدم على غالب أقرانه وتفنن فى العلوم العقلية والنقلية وتصدى للتدريس والتصنيف فشرح كلا من: «جمع الجوامع» ، و «الورقات» ، و «المنهاج الفرعى» و «البردة» وأتقنها ما شاء مع الاختصار والاعتناء بالذب عنها.
وكذا عمل منسكا وتفسيرا لم يكمل غيرهما ما لم ينتشر، وارتحل الفضلاء للأخذ عنه، وتخرج به جماعة درسوا فى حياته. وحدث باليسير، سمع منه الفضلاء.
وقد ولى تدريس الفقه بالبرقوقية عوض الشهاب الكورانى حين نفيه فى سنة أربع وأربعين حتى كان ذلك سببا لتعقبه عليه فى شرح جمع الجوامع بما ينازع فى أكثره، وربما تعرض بعض الآخذين عن الشيخ لانتقاده وإظهار فساده.
وكان إماما علامة محققا نظارا مفرط الذكاء صحيح الذهن بحيث كان بعض المعتبرين يقول: إن ذهنه يثقب ألماس. وكان يقول عن نفسه: إن فهمى لا يقبل الخطأ. حاد القريحة، قوى المباحثة، معظما بين الخاصة والعامة، مهيبا وقورا، عليه سيما الخير. اشتهر ذكره وبعد حسبه وقصد بالفتاوى من الأماكن النائية وهرع إليه غير واحد من الأعيان بقصد الزيارة والتبرك، وأسندت إليه عدة وصايا فحمد فيها، وعمّر من ثلث بعضها ميضأة بجوار جامع الفكاهين انتفع الناس بها دهرا.
ولم أكن أقصد به عن درجة الولاية. وترجمته تحتمل كراريس، وقد حج مرارا. ومات بعد أن تعلل بالإسهال من نصف رمضان فى صبيحة يوم السبت مستهل سنة أربع وستين وثمانمائة، وصلى عليه بمصلى باب النصر فى مشهد حافل جدا، ثم دفن عند آبائه بتربته التى أنشأها تجاه جوشن، وتأسف الناس عليه كثيرا وأثنوا عليه جميلا، ولم يخلف بعده مثله. ورثاه بعض الطلبة بل مدحه فى حياته جماعة من الأعيان.
ومما كتبه هو على شرحه لجمع الجوامع مضمنا لشعر شيخنا:
يا سيدا طالعه إن
…
فاق بحسنه فعد
ثم اتئد فى فهمه
…
وخذ جواهرا وجد
وقد نال منه ومن العلاء القلقشندى وغيرهما من الأئمة المتفق على جلالتهم البقاعى مع تلمذته لكثر منهم بما لا يقبل من مثله. نسأل الله السلامة وكلمة الحق فى السخط والرضا. اه ملخصا.
ترجمة الشيخ عبد القادر المحلى
وينسب إليها أيضا كما فى الضوء اللامع للسخاوى: الشيخ عبد القادر ابن إبراهيم أبو الفتوح المحلى الشافعى يعرف بابن السفيه. ولد بالمحلة سنة خمس وثلاثين وثمانمائة، وحفظ القرآن وجدّ فى طلب العلم فحفظ: البهجة، وجمع الجوامع، وألفية ابن مالك وغير ذلك.
وأخذ عن البلقينى وغيره. وخطب فى بلده بالجامع الطرينى، وقرأ البخارى على العامة، وناب فى القضاء عن الصلاح بن كميل والصلاح المكينى وغيرهما. وحج مرارا ودخل الإسكندرية ودمياط مع خفة روح ولطافة عشرة وانطراح ومزيد فاقة وكثرة عيال، ونظم حسن، ومن كلامه وقد مرض بشقيقة طال انقطاعه بها:
يا راحم الضعفاء يا من فضله
…
علم الخلائق بالمواهب والكرم
إنى سألتك بالنبى محمد
…
ومن استجار به لديك قد اعتصم
فبحقه وبجاهه وبقربه
…
أدعوك تكشف ما اعترانى من ألم
واجعل صلاتك مع سلامك دائما
…
لجناب حضرته الشريفة فى النعم
وكذا أنشأ بعض الخطب. انتهى.
ولم يذكر تاريخ موته رحمه الله تعالى.
ترجمة الشيخ عبد الله المحلى
وفيه أيضا: أن منها الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف بن أحمد بن محمد ابن الشهاب أبى العباس السلمى المحلى الشافعى ويعرف بابن الإمام.
ولد فى ثامن عشر ذى الحجة سنة ثمان وثمانين وسبعمائة بالمحلة الكبرى، ونشأ بها فقرأ القرآن وحفظ العمدة والمنهاج الفرعى والأصلى وألفية النحو. ثم حج به وبأخيه أبوهما فى سنة خمس وثمانمائة وجاوروا بمكة فحفظ بها ألفية العراقى، وبحثها على الجمال ابن ظهيرة والشاطبيتين وعرضهما على الشمس الخوارزمى المعيد وبحث بعضهما. وأنشد لنفسه:
توطن فى خير البلاد وجاء من
…
خوازم مشتاقا يسمى محمدا
إذا هو لو يأنس بشئ من الورى
…
يؤانسه فضلا وحب محمدا
ورجع إلى المحلة فأخذ الفقه عن البهاء الشيشينى وغيره. والنحو على البدر حسين المغربى وغيره. وكان يتردد إلى القاهرة ثم قطنها بعد سنة ثلاثين، وزار القدس والخليل، وسمع بالخليل على الشهاب الماردينى. ودخل دمياط والإسكندرية هو/والبقاعى وكان يتردد عليه قبل ذلك.
وكان مأمونا خيّرا متواضعا ناب فى القضاء ببعض بلاد المحلة وحدث.
قرأ عليه ابن فهد والبقاعى ووصفه بالشيخ الإمام العالم الصالح.
مات يوم الأربعاء ثانى ذى الحجة سنة ست وأربعين وثمانمائة بالقاهرة، رحمه الله وإيانا.
ترجمة الشمس البلقينى المحلى الشافعى
وفيه أيضا: أن منها محمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن شهاب ابن عبد الحق الصدر بن الجمال بن الشمس البلقينى المحلى الشافعى ويعرف بابن شهاب.
ولد كما قال فى رابع عشر ذى القعدة سنة ثمان وسبعمائة بالمحلة، وقرأ بها القرآن والعمدة والرونق لأبى حامد الاسفراينى والتبريزى كلاهما فى الفقه.
وتردد إلى القاهرة كثيرا وأقام بها أزمانا، وأخذ الفقه عن الأنباسى وغيره، والنحو على الشهاب بن سيناه المتجند والشمس بن الجندى.
وولى عقد الأنكحة بالمحلة وشهد فى الحمايات وتكلموا فى صدقه، ولقيه ابن فهد والبقاعى فكتبا عنه، ومن ذلك قوله:
لعبت بالشطرنج مع شادن
…
رمى بقلبى من سناه سهام
وجدت شامات على خده
…
فمت من وجدى به والسلام
وزعم أنه عمل أرجوزة فى النحو تنيف على ثمانين بيتا، وشيئا فى علم الرمل وتيسيير الفلك والله أعلم.
مات بالمحلة فى ربيع الثانى سنة تسع وثلاثين وثمانمائة، عفا الله عنه.
ترجمة الشيخ محمد أبى الطيب المحلى
وفيه أن منها: محمد بن على بن أحمد بن خلف بن شهاب بن على المحب أبو الطيب بن النور المحلى الشافعى، ويعرف بابن حميد بالتصغير، وبابن ودن بفتح الواو والمهملة وآخره نون.
ولد سنة ثلاث عشرة وثمانمائة بالمحلة ونشأ بها فحفظ القرآن، والنهاية فى الفقه، والحاوى الصغير، والرحبية فى الفرائض، والملحة، وألفية ابن مالك، وجمع الجوامع.
وقرأ فى الأصول والمعانى والبيان وغير ذلك من الفنون على العز بن عبد السلام البغدادى، وأخذ الفرائض والحساب عن ابن المجدى. وسافر إلى بلاد الشام فقرأ على ابن ناصر الدين، وعائشة ابنة بن الشرائحى. وحج وسمع بمكة على أبى الفتح المراغى والتقىّ ابن فهد. وزار بيت المقدس وأذن له بعض شيوخه فى الإفتاء والتدريس وعانى الأدب فتميز به.
وكتب عدة تصانيف منها: «النجمة الزاهرة والنزهة الفاخرة فى نظام السلطنة وسلوك طريق الآخرة» ، و «قرة عين الراوى فى كرامات محمد بن صلح الدمراوى» ، و «محاسن النظام من جواهر الكلام فى ذم الملك الغلام» ، و «كتاب فى الحدود النحوية» ، وآخر سماه:«البرق اللامع فى ضبط ألفاظ جمع الجوامع» .
وكان فاضلا لطيفا حسن العشرة متواضعا كتب عنه غير واحد من الفضلاء. وكتبت عنه قوله:
تشاغل بالمولى رجال فأصبحت
…
منازلهم تنمو بمجد مؤثل
رجال لهم حال مع الله صادق
…
فإن لم تكن منهم بهم فتوسل
مات سنة خمس وخمسين وثمانمائة، ودفن بالمعلاة رحمه الله. انتهى.
[ترجمة الشيخ نور الدين المحلى]
وينسب إليها أيضا كما فى ذيل الطبقات للشعرانى: الإمام العالم العلامة الشيخ نور الدين المحلى الشافعى المقيم بالمحلة الكبرى، أخذ العلم عن شيخ الإسلام الشيخ كمال الدين الطويل، وعن الشيخ شمس الدين المسيرى، وعن شيخنا الشيخ شمس الدين الدواخلى بجامع الغمرى بالقاهرة.
ودرس العلم وأفتى بالمحلة ووعظ الناس وشرح عدة كتب فى الفقه الشافعى، وانتفع به خلائق.
وله توجه تام إلى الله تعالى وتهجد فى الليل، ينام الإنس والجن وهو لا ينام، وله أوراد عظيمة. ولم يزل من صغره إلى الآن على الأخلاق الحسنة والأدب والحياء وكف الجوارح عما لا ينبغى، يفرح إذا أدبر عنه الناس إلى الاشتغال على أحد من أقرانه وهذا من علامة إخلاصه.
فأسأل الله تعالى أن يزيده من فضله على ممر الأوقات إلى الممات آمين.
مات فى شهر ذى القعدة سنة ثلاثين وتسعمائة، ودفن فى مقبرة المحلة رحمه الله تعالى.
ترجمة العلامة شمس الدين المحلى
وينسب إليها كما فى الذيل أيضا: الصالح العالم العلامة الشيخ شمس الدين المحلى الشافعى رضي الله عنه، أحد طلبة شهاب الدين الرملى وغيره.
أخذ العلم عن جماعات وتفنن فى العلوم وأجازوه فى الفتوى والتدريس، فدرّس وأفتى وانتفع به خلائق. وظهر علمه وفضله للخاص والعام. وله الاعتقاد التام فى طائفة الفقراء والصوفية والتهجد العظيم فى الليل. جميل المعاشرة، كريم النفس، حسن الخلق.
قال الشعرانى: صحبته عشرين سنة فما رأيت عليه شيئا يشينه فى دينه، يحب الخمول ويكره الشهرة وما سمعته يذكر أحد من المسلمين بسوء ولا يزاحم على شئ من أمور الدنيا، يقنع بالرغيف اليابس من غير أدم. ولم يزل معرضا عن أبناء الدنيا لا يتردد إلى أحد منهم إلا لضرورة. وهو من أشد الناس حبا لطائفة الفقراء، كان يقول: إنه يحصل له أنس عظيم إذا جلس عنده أحد منهم حتى يمتلئ قلبه أنسا.
أسأل الله تعالى أن يزيده من فضله علما وعملا وزهدا وورعا. انتهى.
ترجمة الشيخ عبد الرحمن المحلى الشافعى
وينسب إليها أيضا كما فى خلاصة الأثر عبد/الرحمن المحلى الشافعى، نزيل دمياط، المحقق النحرير محرر العبارات الفهامة، الدقيق النظر، القوى الترجيح والفكرة.
كان غاية فى لطافة الأخلاق وحسن المعاشرة والمجاورة.
يكاد من دقة الألفاظ يحمله
…
روح النسيم وبرق السمع يخطفه
قد رق حتى إذا لو حل من أدب
…
فى طرف ذى رمد ما كان يطرفه
ولد بالمحلة الكبرى وقدم القاهرة واشتغل بالعلم وجدّ فيه، وأخذ عن الزين عبد الرحمن اليمنى ومحيى الدين بن شيخ الإسلام زكريا والنور على
الحلبى، والشمس محمد الشوبرى، وصحب النور الشبراملسى واقتصر عليه من بين شيوخه ولازمه وصار الشبراملسى لا يصدر إلا عن رأيه.
ومن غريب ما اتفق له معه: أن الشبراملسى كان يحضر دروس الشمس الشوبرى لكونه أسن منه وكان الشمس الشوبرى يعتقد زيادة فضل الشبراملسى ويكثر المطالعة لأجله ويمعن النظر فى تحرير المسائل الفقهية. وكان مع مزيد جلالته إذا توقف فى أثناء مطالعته فى شئ ولم يظهر الجواب عنه يكتب عليه ويعرضه على الشبراملسى فيجيبه عنه.
وكان الشبراملسى من دقة النظر بمكان فلما رأى المحلى ذلك منع الشبراملسى من حضوره درس الشوبرى وحلف عليه بالله سبحانه أن لا يحضره فحاول أن يخلصه من اليمين فلم يقدر ولم تطب نفسه أن يتكدر منه خاطره لما تقدم من شدة انقياده إليه فترك حضور الدرس، وبلغ ذلك الشوبرى فتألم غاية التألم وظهر منه التغير الشديد على المحلى، ودعا عليه بدعوات منها أن الله سبحانه يقطعه عن الجامع الأزهر كما قطع الشبراملسى عن حضور درسه فاستجاب الله سبحانه دعاءه وهاجر من الجامع الأزهر بغير سبب، ولم يطب له المكث فى مصر وتوجه إلى دمياط وأقام بها ولم يرزق فيها حظا فى درسه مع أنه أفضل من فيها من علمائها.
وله مؤلفات ورسائل كثيرة منها: «حاشية على تفسير البيضاوى» .
وكانت وفاته بدمياط فى شهر رمضان سنة ثمان وتسعين وألف.
[ترجمة الشيخ منصور بن على السطوحى]
ومن علمائها أيضا: منصور بن على السطوحى نزيل مصر ثم القدس ثم دمشق. الشافعى العالم العامل والفاضل الكامل المشهور بالعبادة والعرفان والبالغ إلى مرتبة التفرد فى الزهد وعظم الشأن.
دخل مصر وصحب بها الشيخ الولى الصالح مبارك وأخذ عنه طريق الشاذلية، وسلك مسلك القوم وهجر المألوف والنوم وصقل قلبه بصقيل
المجاهدة، فشاهد فى طريق الحق ما شاهده، وجاور بالجامع الأزهر وقرأ الكثير ومهر وبهر، ومشايخه كثيرون.
قال المحبى: رأيت بخطه إجازة كتبها بعض المقدسيين قال فيها عند ذكر مشايخه: فمنهم القطب الربانى شيخ عصره بمصر الشيخ نور الدين الزيادى، ومنهم شيخ المحققين ولسان المتكلمين وحجة المناظرين وبستان المفاكهين الشيخ أحمد الغنيمى. وجميع ما أذكر من مشايخى عند الحذاق أشهر من «قفا نبك» فلا نطيل بذكر أوصافهم، والذى أذكره فيهم ليس إلا كما قال القائل فى المعنى وأحسن:
لى سادة من عزهم
…
أقدامهم فوق الجباه
إن لم أكن منهم فلى
…
فى ذكرهم عز وجاه
ومنهم: الشيخ أبو بكر الشنوانى، ومنهم: القاضى يحيى الشامى الحنبلى، والشيخ إبراهيم اللقانى، والشيخ يوسف الزرقانى، والشيخ سالم الشبشيرى.
ومنهم: الشيخ سليمان البابلى، والشيخ محمد الجابرى، والشيخ عبد الله الدنوشرى، والشيخ سراج الدين الشنوانى، والشيخ عبد المنعم، والشيخ طه المالكى، والشيخ محمد القصرى، والشيخ أحمد الكلبى، والشيخ محمد البكرى، والشيخ محمد بن الشبلى، والشيخ حجازى الواعظ.
ومنهم: وهو أولهم: صاحب الدين المتين الذى اشتهر أنه يقرئ الجن الشيخ ياسين المالكى.
ومنهم: الشيخ موسى الدميتى، والشيخ إبراهيم العمرى، والشيخ محمد الحبار والشيخ محب الدين المنزلاوى، والشيخ محمد الخوانكى.
ولى مشايخ أخر يؤدّى ذكرهم إلى الإطالة، نفعنا الله بهم وببركاتهم جميعا. انتهى.
ثم قدم إلى القدس وأقام بها منعكفا على العبادة وتلاوة كلام الله القديم وإلقاء حديث النبى العظيم. واستقر منعزلا عن الناس ولا يخالطهم فى وحشة ولا إيناس، فحسده أهل القدس على حبه الخفاء وشهرته تأباه ولإقبال الكبراء والأعيان عليه مع أن ذلك بخلاف رضاه، فأظهروا له الشر والتجرى وأسندوا إليه أمورا هو منها فى غاية التبرى.
وحاشاه من قول عليه مزوّر
…
وما علمت ذنبا عليه الملائك
فهاجر إلى دمشق فقابلته بتأهيل وترحيب، وأنزلته فى صدر منها رحيب، وأقام بالجامع المعروف بالصابونية قرب باب الصغير يقصد ويزار، وإليه بالورع التام والزهد الكامل يشار، عكفت عليه أهل دمشق قاطبة واعتقدوه وأحبوه حتى صار من تلامذته ومريديه خلق كثير من أهلها، وكان سببا لنشر حفظ القرآن فيها فإن الحفاظ صاروا أكثر من/أربعمائة نفر بنفسه المبارك. وأقام على حالته المذكورة أيضا منعزلا لا يذهب إلى أحد من الحكام بل هم يأتون إليه ويلتمسون منه الدعاء.
وكان كثيرا ما يحج فى غالب السنين وحج عن سنة خمس وستين وألف وجاور بالمدينة تلك السنة وهى السنة التى مات فيها فأرسل إليه الشيخ عبد الجواد المنوفى من مكة إلى المدينة قصيدة يهنئه بالمجاورة لخير خلق الله صلى الله عليه وسلم مطلعها:
دار الحبيب أحق أن نهواها
…
ونحن من طرب إلى ذكراها
فأجابه بأبيات أولها:
أيا سائلا عنى وعن وصف خلتى
…
تريد بها حظا بأوفر بغية
وكانت وفاته فى الحادى والعشرين من شهر رمضان سنة ست وستين وألف ودفن بالبقيع بالقرب من مدفن سيدنا إبراهيم بن النبى صلى الله عليه وسلم.
ترجمة السيد محمد الشهير بحمودة
وذكر الجبرتى أن فيها أيضا: النبيل والفقيه الجليل السيد محمد المدعو حمودة، أحد ندماء الأمير رضوان كتخدا.
نشأ بها وحفظ القرآن واشتغل بطلب العلم فحصل مأموله فى المنقول والمعقول. وعانى نظم الشعر، وكان جيد القريحة حسن السليقة فى النظم والنثر.
ثم حضر إلى مصر وأخذ عن علمائها. واجتمع بالأمير رضوان كتخدا عزبان الجلفى، وصار من خاصته وندمائه وامتدحه بقصائد كثيرة.
حج ومات وهو آيب بعجرود فى سنة ثلاث وستين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
ترجمة الشيخ حسن المحلى الشافعى
وذكر أيضا أن منها: الإمام الكبير والعالم الشهير الفرضى الحيسوبى الشيخ حسن المحلى الشافعى. كان وحيد دهره وفريد عصره فى الفقه والأصول والمعقول وفى الحساب الهوائى والغبارى والفرائض، وشباك ابن الهائم والجبر والمقابلة والمساحة وحل الأعداد وغير ذلك من الرياضيات. وله فى ذلك عدة تآليف منها:«شرح السخاوية» ، و «شرح النزهة» ، و «القلصاوى» .
وكان يكتب تآليفه بخطه ويبيعها لمن يرغب فيها، وكان يأخذ من الطلبة أجرة على تعليمهم ويقول: أنا لا أبذل العلم رخيصا. وكان له حانوت بجوار باب الأزهر يتكسب فيه ببيع المنكابات لمعرفة الأوقات والكتب.
وألف كتابا حافلا فى الفروع الفقهية على مذهب الإمام الشافعى، وهو كتاب ضخم فى مجلدين «معتمد الأقوال فى الإفتاء» .
وبالجملة كان طودا راسخا تلقى عنه كثير من أشياخ العصر مثل: الشيخ محمد الجناجى وغيره.
توفى سنة سبعين ومائة وألف، رحمه الله تعالى.
ترجمة الشيخ زين الدين المحلاوى
ومن هذه المدينة أيضا كما فى دائرة المعارف: ابن الرعاد، وهو زين الدين محمد بن رضوان بن إبراهيم بن عبد الرحمن، قال الشيخ أثير الدين:
كان خياطا بالمحلة وله مشاركة فى العربية وأدب لا بأس له.
وكان فى غاية الصيانة والترفع عن أهل الدنيا والتردد إليهم، واقتنى من صناعة الخياطة كتبا نفيسة، واقتنى دار حسنة. وتوفى بالمحلة.
ومن شعره فى الشيخ بهاء الدين النحاس:
سلم على المولى البهاء وصف له
…
شوقى إليه وإننى مملوكه
أبدا يحركنى إليه تشوّقى
…
جسمى به مشطوره منهوكه
لكن نحلت لبعده فكأننى
…
ألف وليس بممكن تحريكه
انتهى.
ويخرج من هذه المدينة طريقان: أحدهما يوصل إلى طنتدا فى خمس ساعات على جسر خندق السكة الحديد فيمر على بلقينة والهياتم ومحطة محلة روح وشبشير والراشدية، والثانى يوصل إلى سنانية دمياط فى أكثر من يوم.
(محلة أبى على الغربية)
قرية من مديرية الغربية، بمركز دسوق فوق الشاطئ الشرقى لفرع رشيد، وفى جنوب كفر مجر بنحو ألف متر.
ومبانيها بالآجر، وبها جامع بمنارتين، وقيسارية على البحر. وبها سوق يشتمل على دكاكين وخمارات وقهاو.
[ترجمة خليل بيك أحمد]
ومن أهالى هذه القرية حضرة خليل بيك أحمد تعلم فن الكتابة ثم جعل كاتبا مدة، ثم جعل رئيس قلم شابرسات المالمية برتبة بيكباشى فى سنة اثنتين وثمانين ومائتين وألف، ثم فى سنة سبع وثمانين أحسن إليه برتبة ميرالاى فى ذلك القلم.
(محلة أبى على القنطرة)
قرية من مديرية الغربية، بمركز سمنود فى شمال المحلة الكبرى بنحو ربع ساعة وفى جنوب سمنود بنحو ذلك.
وبها جامع بمنارة وأربعة منازل بالآجر والمونة والعمد الرخام، بداخل أحدها حديقة ووابور لحلج القطن. ولها سوق كل أسبوع، وهى مشهورة بالجبن الحلوم الجيد وبزراعة قصب السكر.
(محلة أبى بهتيم)
هى بالمثناة الفوقية كما فى خلاصة الأثر قرية
ترجمة الشيخ عبيد بن أحمد الهيتمى
ولد بها كما فى الضوء اللامع: عبيد بن أحمد الهيتمى القاهرى الصحراوى الشافعى بوّاب تربة برقوق. خدم الشيخ طلحة فعرف به، وحج مرتين وأقام بتربة برقوق بالصحراء بوّابا وسمع الجمال بن مجد الله الحنبلى، وأجازت له عائشة بنت عبد الهادى وآخرون. مات قريب الأربعين بعد الثمانمائة.
ترجمة الشيخ محمد بن على الهيتمى
وولد بها أيضا: محمد بن على بن/عباس الهيتمى الشافعى، يعرف بابن عباس. قرأ بها القرآن على أبيه والعمدة، والأربعين النووية، والتبريزى، مكتبة الأسرة-2008
والرحبية، واللمحة، وعرضها على البارزى والعز بن عبد العزيز وغيرهما ونجب على والده.
وكان أبوه شاعرا بارعا فأولع هو بالنظم ومدح النبى صلى الله عليه وسلم.
وكان يعرف من النحو ما يصلح به لسانه.
ومن كلامه:
رق النسيم وهب فى الأسحار
…
وهمى الغمام بوابل الأمطار
واهتزت الأغصان تيها بالصبا
…
وتراقصت طربا على الأشجار
انتهى.
ترجمة العلامة رضى الدين بن حجر
الهيتمى الشافعى
وإليها ينسب أيضا: ابن حجر الهيتمى السعدى، وهو كما فى خلاصة الأثر: رضى الدين بن عبد الرحمن بن الشهاب أحمد بن محمد بن محمد ابن على بن حجر الهيتمى نسبة لمحلة أبى الهيتم-بالمثناة الفوقية من أقاليم مصر-السعدى نسبة لبنى سعد الموجودين بمصر. وسبب شهرة جده بحجر أنه كان ملازما للصمت فى جميع أحواله لا ينطق إلا لضرورة فسمى حجرا.
أحد فضلاء المكيين ووجوه الشافعية.
وكان فاضلا بارعا شديدا فى الدين، أخذ عن والده وغيره من فضلاء عصره. وأجازه عبد العزيز الزمزمى إجازة حافلة قال فيها: لازمنى من عام ثمانية عشر وألف، وحضر دروسى بالمسجد الحرام ولم يزل ملازما للقراءة والحضور ويبدى من الفوائد العجيبة والدقائق والأبحاث ما يدل على غزارة فضله ولا غرو إذ هو فرع ذلك الأصل الذكى.
ولما قدم إلى مكة السيد محمد بن علوى بن عقيل قرأ عليه طرفا من الشفاء وألبسه خرقة وأرخى له العذبة ولقنه الذكر.
ومن تآليفه: «حاشية على التحفة لجده» ردّ بها اعتراضات ابن قاسم العبادى، و «اختصر أسنى المطالب فى صلة الأقارب» اختصارا عجيبا، و «الفتح المبين فى شرح الأربعين» ، و «القول المختصر فى علامات المهدى المنتظر» لجده أيضا. وله رسالة فى الشيخ محيى الدين بن عربى سماها:
«شذرة من ذهب من ترجمة سيد طىّ العرب» .
وكانت وفاته بمكة سنة إحدى وأربعين وألف ودفن بالمعلاة بقرب تربة جده شيخ الإسلام ابن حجر. انتهى.
(محلة أحمد)
قرية من مديرية البحيرة، بمركز النجيلة على الشاطئ الغربى للنيل على بعد ثلاثمائة متر، وفى شمال النجيلة بنحو ثلث ساعة، وفى جنوب سخا بنحو ذلك.
وبها جامع بمنارة وأربع طواحين. وأهلها مسلمون وعدتهم مائتان وتسع عشرة نفسا. وزمام أطيانها ألف فدان وثمانية وثمانون فدانا، ورىّ أرضها من النيل.
(محلة إسحق)
قرية من مديرية الغربية.
ترجمة الشيخ محمد بن أبى عبد الله
الإسحاقى المالكى
وإليها ينسب كما فى الضوء اللامع: محمد بن عثمان أبو عبد الله الإسحاقى الأصل، المالكى، جد الرضى محمد بن محمد صهر الحنبلى.
اشتغل عند الشيخ خليل وغيره. وكتب بخطه الكثير من الكتب، وجمع كتابا فى الأصول، وحج وناب فى القضاء. ومات تقريبا سنة عشرة وثمانمائة وقد زاد على التسعين. انتهى.
(محلة أم حكيم)
قرية من مديرية البحيرة، بمركز شبرى خيت على الشط الغربى لترعة الخطاطبة، وفى الشمال الغربى لناحية محلة بشر بنحو ألفين وخمسمائة متر، وفى الجنوب الشرقى لمنية سلامة بنحو ألف متر ومائة.
(محلة الأمير)
قرية من مديرية البحيرة بمركز بلاد الأرز على الشاطئ الغربى لفرع رشيد، وفى شمال ناحية ديبى بنحو ساعة، وفى جنوب الشماسمة بنحو ذلك.
ومبانيها بالآجر، وبها جامعان بمنارتين ودوّار أوسية لدولتلو فاطمة هانم، ووابور كذلك لسقى المزروعات. وأغلب زراعتها الأرز.
(محلة البرج)
قرية من مديرية الغربية، بمركز سمنود فى غربى بحر الملاح على نحو ثلاثمائة متر، وفى شمال المحلة الكبرى بنحو أربعمائة متر، وفى جنوب ناحية ديرب هاشم بنحو ألف متر.
ترجمة الشيخ محمد بن الحسن بن البدر
البرجى الشافعى
وينسب إليها كما فى الضوء اللامع للسخاوى: محمد بن الحسن بن عبد الله البهاء بن البدر البرجى ثم القاهرى الشافعى، أصله من محلة البرج، ثم سكن أبوه القاهرة، وولى قضاء المحمل ونشأ ولده هذا تحت كنفه وزوّجه ابنة السراج البلقينى.
وترقى وصحب الأكابر وولى الحسبة غير مرة ووكالة بيت المال ونظر الكسوة، ثم باشر عمارة الجامع المؤيدى بواسطة ططر لمزيد اختصاصه به.
وكانت له رياسة وفضل وإفضال وكرم.
ثم تعطل ومرض سنين حتى مات فى يوم الخميس عاشر صفر سنة أربع وعشرين وثمانمائة عن ثلاث وسبعين سنة. ويقال أنه لو أدرك سلطنة ططر لصار إلى أمر عظيم. انتهى.
(محلة بشر)
قرية من مديرية البحيرة، بمركز بلاد الأرز، شرقى ترعة الخطاطبة بنحو مائتى متر، وفى شمال شبرى خيت بنحو نصف ساعة، وفى جنوب كفر عثمان كذلك.
وبها جامع بمنارة، ومعمل دجاج، وأبراج حمام. وتكسب أهلها من زرع الأرز وغيره.
(محلة حسن)
قرية من مديرية الغربية، بمركز سمنود فى غربى بحر الملاح بنحو مائة وثلاثين مترا، وفى شمال منية الليث بنحو ثلاثة آلاف وخمسمائة متر.
وبها جامعين بمنارتين ووابور على بحر الملاح.
(محلة داود)
قرية من مديرية البحيرة، بمركز بلاد الأرز على ترعة/الأشرفية فى جنوب فرع السكة الحديد الموصل إلى الرحمانية، وفى غربى الرحمانية بنحو ساعة، وفى جنوب بنى منصور بنحو ثلث ساعة، وفى شرقيها جنينة لعمدتها محمد سعد.
(محلة دمنة)
قرية من مديرية الدقهلية، بمركز دكرنس على الشاطئ الشرقى للبحر الصغير، بينها وبين دكرنس نحو ثلاثة آلاف قصبة.
وبها ثلاثة مساجد عامرة ومحل ضيافة لعمدتها علىّ نصير. وبها دكاكين وقهاو وخمارات على شط البحر، ووابور كبير لحلج القطن للدائرة السنية
وبسانين ومحل ديوان جفلك طناح. وتكسب أهلها من زرع القطن والكتان والأرز والسمسم وقصب السكر.
وفيها مقام ولىّ يسمى الشيخ صالح، من ذريته رجل يقال له: الشيخ محمد وشيخ يتوسم فيه الخير والصلاح، والناس يزورونه ويتبركون به، عمره يزيد على مائة سنة وعنده أبريق صغير يزعمون أنه من مخلفات سيدى أحمد البدوى وأنه إذا ملئ يسقى نحو مائة رجل ولا يفرغ.
(محلة الدواخلى)
قرية من مديرية الغربية، بمركز سمنود غربى المحلة الكبرى بنحو نصف ساعة، وفى شمال بلقينة كذلك. وبها جامع بمنارة.
ترجمة العلامة الشيخ أحمد الدواخلى
وقد نشأ منها كما فى خلاصة الأثر: أحمد بن أحمد المصرى الملقب شهاب الدواخلى، الفقيه الشافعى الورع الزاهد الناسك، إمام الفقهاء والمحدثين فى عصره.
كان إماما جليلا صدرا ورعا مهيبا لا يخاف فى الله لومة لائم ملازما لإقراء العلم غير مشتغل بشئ غيره، صارفا أوقاته فى الطاعة ملازما للجماعة، وكان عظيم الهيبة كثير الفكرة تراه دائما مطرقا من خشية الله تعالى ومراقبته.
حتى قال الشيوخ فى شأنه: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أخوف لله تعالى منه. سالكا طريقة السلف الصالح من التقشف فى الأكل والشرب والملبس لا يرى متكلما إلا فى مجلس علم أو جواب عن سؤال.
أخذ عنه النور الزيادى، والشيخ منصور الطبلاوى، والشيخ سالم الشبشيرى، والشيخ على الحلبى، والشيخ ياسين المحلىّ المالكى، والبرهان اللقانى. قال العجمى فى مشيخته: سمعت عنه تقاسيم شرح المنهج مع
حاشية الزيادى، وشرح المنهاج للشمس الرملى، والشهاب بن حجر، وسيرة ابن سيد الناس وحاشيتها نور النبراس، وكثير من الشفاء وشروحه للدلجى والسيد الصوفى والشمنى والتلمسانى، والمواهب اللدنية، وكثير من الجامع الصغير مع شروحه للعلقمى والمناوى، وكثيرا من صحيح مسلم مع شروحه للنووى والآبى والسيوطى.
وتلوت عليه القرآن مدارسة مرارا لا أحصيها، وأجازنى بجميع ما ذكر وبما سمعته من اللقانى من المواهب، وتذكرة القرطبى، والشمائل للترمذى، وسيرة ابن هشام، والأربعين النووية. وكتب لى ذلك بخطه فى يوم الأربعاء سابع عشر رمضان سنة خمس وأربعين وألف.
وأخذ عنه جهابذة العلماء منهم: الشيخ منصور الطوخى، والشيخ أحمد البناء الدمياطى، والشيخ أحمد البشبيشى وغيرهم.
ومات غريقا فى بحر النيل وهو يقرأ القرآن فى سنة خمس وخمسين وألف. والدواخلى نسبة لمحلة الدواخلى من الغربية بمصر. انتهى.
ترجمة الشيخ محمد الدواخلى
وفى الجبرتى أن منها أيضا: العمدة الفاضل الشيخ محمد بن أحمد ابن محمد المعروف بالدواخلى الشافعى، وكان يقال له: السيد محمد لأن أباه تزوج بنت السيد عبد الوهاب البردينى فرزق منها بالمترجم.
وكانت ولادته بمصر، وتربى فى حجر أبيه وحفظ القرآن واجتهد فى طلب العلم. وحضر على أشياخ عصره مثل: الشيخ محمد عرفة الدسوقى والشيخ مصطفى الصاوى، ولازم الشيخ عبد الله الشرقاوى ملازمة كلية وانتسب إليه وصار من أخص تلامذته.
ثم لما مات السيد مصطفى الدمنهورى الذى كان بمنزلة كتخدا قام مقامه واشتهر به وقرأ الدروس النقلية والعقلية وحف به الطلبة وتداخل فى القضايا
ومصالح الناس، واشتهر ذكره خصوصا أيام الفرنساوية حتى تقلد وظيفة رئيس ديوانهم، وانتفع فى أيامهم انتفاعا عظيما من تصديه لقضايا نساء الأمراء المصرية.
ومات ولده فأخذ ميراثه. وكذلك قتل عديله الحاج مصطفى البشتيلى فى الحرابة ببولاق وارث فاستولى على تعلقاته وأطيانه وبستانه الذى فى بشتيل.
واتسع حاله واشترى الجوارى والعبيد.
ولما ارتحل الفرنساوية ودخلت العثمانية انضم إلى السيد محمد المحروقى لأنه كان يراسله بالأخبار حين خرج مع العثمانية فى الكسرة إلى الشام، وبعد رجوعه نوّه بذكره عند أهل الدولة. واحتوى على جملة من الأطيان والرزق فى زمن رجوع المصريين إلى مصر بعد قتل طاهر باشا فى سنة ثمان عشرة، وانكب عليه الأشياخ وأحدق به الأتباع.
وكان عنده ميل للتقدم والرياسة، ولما وقع ما وقع فى ولاية محمد على باشا وانفرد عمر أفندى بالرياسة وصارت بيده مقاليد الأمور حقد عليه المترجم والأشياخ وأغروا عليه حتى أوقع الباشا القبض عليه بمساعدة المهدى وغيره من الأشياخ وأخرجه من مصر. وصفا الوقت للمترجم وتقلد النقابة بعد موت الشيخ محمد بن وفا، وركب الخيول ولبس التاج ومشت أمامه الجاويشية وازدحم بيته بأرباب/الدعاوى وغيرهم. وعمّر دار مسكنه القديمة بكفر الطماعين وأدخل فيها دورا وأنشأ تجاهها مسجدا لطيفا وجعل فيه منبرا وخطبة، وعمّر دارا ببركة جناق.
وداخله الغرور وظن أن الوقت قد صفا له فصادفه الدهر بالنكبات ومات ولده أحمد ولم يكن له سواه فحزن عليه حزنا شديدا، ودفنه بمسجده تجاه بيته وعمل عليه مقاما ومقصورة. وهذه أول نكبة صادفه الدهر بها.
والثانية خروجه منفيا إلى دسوق سنة إحدى وثلاثين، فأقام بها شهرا ثم توجه إلى المحلة الكبرى بشفاعة السيد محمد المحروقى، فلم يزل بها مقلق
الحواس منحرف المزاج إلى أن مات فى منتصف ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وألف ودفن هناك رحمه الله تعالى. انتهى.
وسبب نفيه كما فى الجبرتى أيضا: أن العزيز محمد علىّ كان يحب الشوكة ونفوذ الكلمة ولا يصطفى إلا من لا يعارضه فلما حصلت وقعة قيام العسكر فى أواخر سنة ثلاثين وأقام الباشا بالقلعة يدبر أمره معهم، وألزم أعيان المتظاهرين الطلوع إليه فى كل ليلة، كان أجل المتعممين الدواخلى لكونه معدودا فى العلماء ونقيبا على الأشراف، فداخله الغرور وظن أن الباشا قد وقع فى ورطة يطلب النجاة منها، ولكونه رآه يسترضى خواطر الرعية المنهوبين ويقوّم أشياءهم ويدفع لهم أثمانها ويستميل كبار العسكر وينعم عليهم بالمقادير الكثيرة، ورأى إقبال الباشا عليه زاد طمعه فى الاسترسال معه فقال له: الله يحفظ حضرة أفندينا وينصره على أعدائه والمخالفين له، ونرجو من إحسانه بعد هدء سره وسكون هذه الفتنة أن ينعم علينا ويجرينا على عوائدنا فى الحمايات والمسامحات فى كل ما يتعلق بنا من خصوص الالتزام والرزق.
فأجابه بقوله: نعم يكون ذلك ولابد من الراحة لكم ولكافة الناس. فدعا له وآنس فؤاده ثم قال: كذلك يكون تمام ما أشرتم به من الإفراج عن الرزق والإحباسية فى المساجد والفقراء. فوعد بذلك.
فكان الدواخلى إذا نزل من القلعة إلى داره يحكى فى مجلسه ما يكون بينه وبين الباشا من هذا الكلام وأمثاله ويذيعه فى الناس، ولما أمر الباشا الكتاب بتحرير حساب الملتزمين على الوجه المرضى بديوان خاص لرجال دائرة الباش وأكابر العساكر وذلك بالقلعة تطييبا لخاطرهم. وديوان آخر فى المدينة لعامة الملتزمين يحررون للخاصة بالقلعة ما فى القوائم من مصر وفهم ما كانوا يأخذون من المضاف والبرانى والهدايا وغير ذلك والديوان العام التحتانى بخلاف ذلك. ورأى الدواخلى ذلك الترتيب قال للباشا: وأنا الفقير محسوبكم من رجال الدائرة فقال: نعم. وصار إدراجه فى قوائم الأكابر وأنعم عليهم
بأكياس كثيرة. فلما راق الحال أخذ يذكر الباشا بإنجاز الوعد ويكرر القول عليه وعلى كتخدا بيك بقوله: أنتم تكذبون علينا ونحن نكذب على الناس.
وأخذ يتطاول على كتبة الأقباط بسبب أمور يلزمهم بها ويكلفهم بإتمامها، وعذرهم يخفى عنه فى تأخيرها، فيكلمهم بحضرة الكتخدا ويشتمهم فيحقدون عليه ويشكون منه للباشا والكتخدا، مع أمور غير ذلك مثل:
تعرضه للقاضى فى قضاياه وتشكّى القاضى منه وتوبيخه لأحمد جلبى ابن ذى الفقار كتخدا الفلاح كتخدا إبراهيم باشا بن العزيز بالصعيد بسبب أن الناس قد أكثروا التشكى من أفعاله، فاجتمع عليه المترجم عند السيد محمد المحروقى ولامه فى ملأ من الناس ووبخه فذهب واشتكى إلى الباشا فأوغرت هذه الأفعال صدر الباشا عليه وصار فى نفسه منه شئ.
فلما كان الثانى عشر من ربيع الأول طلب الباشا المشايخ ومنهم الشيخ البكرى فأحضروا خلعة وألبسوها له على منصب نقابة الأشراف، وكتب فرمانا بإخراج الدواخلى منفيا إلى قرية دسوق، فنزل إليه السيد أحمد الملاء الترجمان وصحبته قواس بيده الفرمان فدخلا إليه على حين غفلة. وكان بداخل حريمه لم يشعر بما جرى، فخرج إليه فأعطوه الفرمان فلما قرأه غاب عن حواسه وأجاب بالطاعة. وأمراه بالركوب فركب بغلته وسار إلى بولاق. وانسل مما كان فيه مثل انسلال الشعرة من العجين وتفرق الجمع الذى كان حوله.
وشرع المشايخ فى تنميق عرضحال عن لسانهم بتعداد جنايات الدواخلى وذنوبه الموجبة عزله وأن ذلك بترجيهم والتماسهم عزله ونفيه وبإرسال ذلك العرضحال لنقيب الأشراف بدار السلطنة لأن الذى يكون نقيبا بمصر إنما هو نائب عنه وترسل منه إليه الهدية فى كل سنة.
فمن الذى نمقوه عليه من الذنوب: أنه تطاول على حسين أفندى شيخ رواق الترك بالأزهر وسبه وحبسه من غير جرم؛ وذلك أنه اشترى منه جارية حبشية بقدر من الفرانسة فلما اقبضه الثمن أعطاه بدلها قروشا بدون الفرق
الذى بين المعاملتين. فتوقف حسين أفندى وقال: إما أن تعطينى العين التى وقع عليها الانفصال أو تكمل النقص وتشاحا. وأدى ذلك إلى أن سبه وحبسه وكان ذاك قبل نفيه بسنتين.
ومنها: أنه تطاول على السيد منصور اليافى بسبب فتيا رفعت إليه وهى:
أن امرأة وقفت وقفا فى مرض موتها فأفتى بصحة الوقف على/قول ضعيف فيه ملأ، وأراد ضربه ونزع عمامته من على رأسه.
ومنها: معارضته للقاضى فى أحكامه، وأن ينقص محاصيله ويكتب فى بيته وثائق قضايا صلحا، ويسب أتباع القاضى ورسل المحكمة، ويعارض شيخ الإسلام فى أموره ونحو ذلك.
ثم وضعوا عليه ختومهم وأرسلوه إلى دار السلطنة. فكان ما حصل لهذا المترجم جزاء لما حصل منه فى حق السيد عمر مكرم فإنه كان من أكبر الساعين عليه والجزاء من جنس العمل كما قيل:
وقيل للشامتين بنا أفيقوا
…
سيلقى الشامتون كما لقينا
ولما جرى على الدواخلى ما جرى من العزل والنفى أظهر الكثير من نظرائه المتفقهين الشماتة والفرح، وعملوا ولائم وعزائم ولا يدرون أن ذلك كما يقال:
أمور تضحك السفهاء منها
…
ويبكى من عواقبها اللبيب
انتهى.
(محلة دياى)
قرية من مديرية الغربية، بمركز سمنود غربى فرع دمياط بنحو أربعمائة متر، وفى شمال منية جناح بنحو ألفى متر، وفى جنوب الصافية بنحو خمسة آلاف متر.
وبها جامع بمنارة، وتكسب أهلها من الفلاحة وغيرها.
(محلة روح)
قرية من مديرية الغربية، بمركز محلة منوف قبلى ناحية سفط بنحو ألفى متر، وشرقى ناحية دمشيت بنحو أربعة آلاف وخمسمائة متر.
بها جامعان كلاهما بمنارة، وبها محطة السكة الحديد، ومنزل مشيد لعمدتها، وبها أشجار وجملة من السواقى، ولها سوق فى كل أسبوع، وتكسب أهلها من الزراعة وغيرها.
[ترجمة الشيخ محمد الشناوى]
وبهذه القرية زاوية للشيخ محمد الشناوى وقبره بها ظاهر يزار، قال الشعرانى عند ترجمته فى الطبقات: هو شيخى وقدوتى إلى الله تعالى، العارف بالله سيدى محمد الشناوى رضي الله عنه كان من الأولياء الراسخين فى العلم أهل الإنصاف والأدب، وكان يقول: ما دخلت على فقير إلا وأنظر نفسى دونه، وكان قد أقامه الله فى قضاء حوائج الناس ليلا ونهارا، وربما يمكث نحو الشهر وهو ينظر بلده ولا يتمكن من الطلوع لها وهو فى حاجة الشخص.
وكان أهل الغربية وغيرها لا أحد يزوج ولده ولا يطاهره إلا بحضوره، وكان يلقن الرجال والنساء والأطفال ويرتب لهم المجالس فى البلاد، ويقول يا فلانة: اذكرى بأهل حارتك، ويا فلانة: اذكرى بإخوانك. فجميع مجالس الذكر التى فى الغربية ترتيبه.
ومن مناقبه أنه أبطل الشعير الذى كان فى بلاد ابن يوسف وكان يموت فيه خلق كثير، لأن ابن يوسف كان رجلا عنيدا ظالما، كان ملتزما بتلك البلاد، وكان يلتزم بعليق السلطنة وجميع العساكر من هذا الشعير ولا يقدر أحد أن يتجاهى عليه، وكان يأخذ الناس غصبا من جميع البلاد حتى يموتوا
من العطش. فتعرض له سيدى الشيخ محمد الشناوى شفقة على الناس، فكان يجمع تلامذته وأصحابه ويقعد يملح فى الشعير ويقول: اعتق الفقراء لئلا يموتوا، وكان محبو الشيخ يتفقدونه بالماء والطعام وهو يقطع فى الشعير، فكان حمادة الذى بمحلة ديبة ملازما لإرسال الطعام له فى كل يوم فدعا له الشيخ بالبركة فى المال والولد فهو إلى الآن فى بركة دعائه.
وعزم الشيخ على السفر لبلد السلطان ابن عثمان بسبب ذلك، فرآه السلطان سليمان فى داره ليلا وهو راكب حمارته السوداء وقال له: ابطل الشعير الذى ببلاد مصر فى درك ابن يوسف. فقال للوزير ذلك عند الصباح. فكاتبوا نائب مصر قاسم كزك فأرسل لهم أن الخبر صحيح، وأن الذى رآه السلطان هو الشيخ محمد الشناوى، فأرسل السلطان بإبطال الشعير، فهو إلى الآن بطال.
وكانت بهائمه وحبوبه على اسم المحاويج لا يختص منها بشئ، وكان لا يقبل هدايا العمال ولا المباشرين ولا أرباب الدولة، وأهدى له نائب مصر قاسم كزك أصوافا وشاشات وبعض مال فرده عليه وقال: وعزة ربى عندى جلة البهائم خير من هديتك.
وكان إذا جلس إليه أبعد الناس عنه لا يقوم من مجلسه حتى يعتقد أنه أعز من أصحابه من حسن إقباله عليه.
وقال الشيخ محمد السنجيدى: كنا إذا زرنا الشيخ فى ابتداء أمره فى ناحية الحصة لا نرجع إلا ضعافا من كثرة السهر، لأنا كنا نمكث اليومين والثلاثة والأربعة لا يمكننا النوم بحضرته ليلا ولا نهارا، فإن قراءة القرآن عنده دائما، فإذا فرغ من القرآن افتتح الذكر، فإذا فرغ من الذكر افتتح القرآن وهذا دأبه إلى أن مات.
وهو الذى أبطل البدع التى كانت تطلع بها الناس فى مولد سيدى أحمد البدوى من نهب أمتعة الناس، وأكل أموالهم بغير طيب نفس، ويرون أن جميع
ما يأخذونه من بلاد الغربية حلال، ويقولون: هذه بلاد سيدى أحمد البدوى ونحن من فقرائه. وكانوا يطلعون بالدف والمزمار فأبطل ذلك وجعل عوضه مجلس الذكر.
وكانت وفاته فى ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة، ودفن بزاويته بمحلة روح فى غفلة/من الناس واقتتل الناس على النعش وذهلت عقولهم من عظم المصيبة بهم لسعيه فى إرشادهم لخير دنياهم وأخراهم. وقبره بها ظاهر ويزار معمور بالفقراء والمجاورين رضي الله عنه.
وهذه القرية من ضمن البلاد التى اختارها المرحوم محمد على باشا لأن يبنى فيها مراحات الأغنام التى جلبها من بلاد أوربا المعروفة بالميرنوس، وذلك كما فى كتاب هامون الفرنساوى ناظر مدرسة البياطره والاصطبلات: أن العزيز فى أثناء شغل أفكاره بالحوادث الخارجية المهمة والتنظيمات الداخلية الجالبة لتقدم القطر وثروته، وجه أفكاره إلى تحسين جنس الأغنام لتحسن أصوافها. فإن صوف الغنم المصرية بسبب طوله وخشونته وصلابته كان غير جيد لعمل الجوخ والطرابيش والثياب الرفيعة، والحكومة مضطرة لوجود الصوف الناعم الصالح لتلك الأعمال، فكان العزيز يشترى كل سنة من صوف غنم أوروبا الصالح لذلك ما قيمته ثمانمائة ألف فرنك. فأراد عمل طريقة يستغنى بها عن شراء الصوف، فاشترى عددا وافرا من أغنام أوروبا ووزعها فى مديرية البحيرة جهة النجيلة ودمنهور ونحوها، وجعل لها مديرا لمصالحها ورعاة من العرب ومراحات تبيت فيها.
ولكثرة العرب بمديرية البحيرة وكثرة أغنامهم التى عادتهم رعيها فى تلك الجهات كان المرعى قليلا على الأغنام الأوروباوية وجهاته ضيقة، فكان رعاتها يسرحونها على حافات الترع والبواطن فتلتقط من الحشائش النابتة بها الكثيرة الرطوبة والمائية فكان يتولد لها الأمراض من ذلك. ولم يكن لها فى زمن الصيف ما يقيها من حر الشمس ولا فى زمن الشتاء ما يقيها من البرد والمطر، فتراكمت عليها الأمراض ومات منها كثير.
ولما ذهبوا بها إلى الصحراء لترعى من مراعيها الكثيرة المناسبة لصحتها كان الرمل يعلق بأصوافها وجلودها فكان يضر بصحتها وبجودة أصوافها، وكل ذلك كان خافيا على رعاتها لاعتيادهم لأغنام مصر التى لا يضرها شئ من ذلك، ومع ذلك فقد حصل على طول المدة تجنيس الأغنام وتولد منها ومن الأغنام المصرية نتاج حسن الصوف الذى ينتفع به فى الأعمال المقصودة منه. إلا أن ذلك كان غير كاف للمطلوب، فأحضر العزيز المرحوم محمد على هامون الفرنساوى وألزمه بالنظر فى أحوالها، وأن يرتب لها ما يوجب صحتها وجودة صوفها وكثرة نتاجها، وأن يوزعها فى المديريات البحرية مثل الشرقية والمنصورة والغربية، ولا يبقى فى مديرية البحيرة إلا ألفا وخمسمائة رأس منها.
وصدرت الأوامر ببناء مراحات بجهة سيرباى ومحلة روح هذه والمنصورة ونحوها، وعملت لائحة إجراءات تتبع فى كل جهة بمعرفة هامون المذكور من ضمن ما بها أن عدد أغنام المراح الواحد لا يزيد على ألف رأس، ويكون له ناظر أوروباوى، وكاتب يكتب المولود والميت ووقت النزو وعدد الذكور والإناث وبيان جنس الأب والأم ونحو ذلك، وأن لكل مراح ثلاثة رعاة أحدهم رئيس على باقيهم، وأن مؤنة الشتاء تكون برسيما وحبا يابسا من الشعير والذرة.
ومؤنة الصيف تكون من حشيش الشعير ومن الجزر والبنجر وحشائش أخر.
وخصص لتلك الأصناف أرض تزرع فيها وأن النزو يكون فى وسط الخريف ويكون فى وقت واحد، وأن تميز البطون بعضها عن بعض بعلامات، مثلا نتاج أول بطن يعلم بخرق فى الأذن اليمنى، وثانى بطن بخرق فى الأذن اليسرى، والثالث بخرقهما معا وهكذا. وأن تقطع أطراف ذيول النتاج بعد ثلاثة أشهر من الولادة لسهولة النزو وعدم تلويث الصوف، وأن لا تجز الأولاد إلا بعد سنة من عمرها، وكذلك كل الأغنام تجز من السنة إلى السنة. وأن ترسل الذكران الطلوقات إلى بلاد الصعيد لتجنيس الأغنام.
وجعلت تلك المراحات مراكز ينتشر منها فى المديريات ورتب كيفية دخولها فى المراحات وخروجها وكمية العلف ووقته وكيفية خدمة المولود.
وبعد تقديم ذلك للعزيز صدر أمره لديوان المدارس بمطالعته والعمل بمقتضاه، وناظرها يومئذ مختار باشا، وعملت لذلك جمعية. وبعد التصديق على التقرير عين رجل يسمى لوتورنا ناظر عموم على فروع تلك المصلحة تحته على كل جهة ناظر أفرنجى، وجعل هامون مفتشا على تلك المصلحة.
ولرغبة العزيز فى تجنيس أغنام جميع القطر من تلك الأغنام اشترى من أغنام العرب أربعة آلاف رأس، واشترى من الأهالى جملة ووزع فى الجهات جملة من ذكران الأغنام الأوروباوية، وكان عدد الأغنام الديوانية وقت نزول هامون فى سنة ألف ومائتين وثلاث وخمسين هجرية، وهى سنة ألف وثمانمائة وسبع وثلاثين ميلادية سبعة آلاف رأس وخمسمائة وثمانية وأربعين وهذا بيانها:
/مرنوس أصلى 447
كبوشة مولدة من البطن الأولى والثانية 1018
مولدة من البطن الخامسة 41
إناث كبيرة من البطن الأولى 2187
من الثانية 254
من الثالثة 352
من الرابعة 185
من الخامسة 105
من الأولى والثانية والثالثة والرابعة 1242
من الثالثة والرابعة 232
ومع ذلك الاجتهاد والاهتمام فلم يتم غرض العزيز من تلك المصلحة لعدم قيام المستخدمين بخدمة الأغنام على الوجه اللائق، حتى إنه لم يتحصل من صوف تلك الأغنام بعد عشر سنين من تجزئتها إلا نحو ستمائة أفة مع كثرتها وكثرة مصاريفها. ولم يستغن الحال عن شراء الصوف من تلك البلاد، ثم لم يزل حال تلك الأغنام فى الاضمحلال حتى بطل أمرها، ومنها إلى الآن آثار قليلة فى الجهات البحرية انتهى.
(محلة زيّاد)
بفتح الزاى وشد المثناة التحتية، قرية من مديرية الغربية، مركز سمنود فى غربى بحر شبين على ألفى وأربعمائة متر، وفى شرقى مجول بنحو خمسين مترا، وفى شمال القصرية بنحو خمسة آلاف متر.
وبها جامعان لكل منهما منارة، ودوار أوسية، وجملة وابورات لسقى المزروعات تعلق الدائرة السنية.
ترجمة النور الزيادى الشافعى
وينسب إليها كما فى خلاصة الأثر: على بن يحيى الملقب بنور الدين الزيادى المصرى الشافعى، الإمام الحجة العلى الشأن رئيس العلماء بمصر.
من أجل مشايخه: الشهاب أحمد بن حمزة الرملى شارح الزبد، والشهاب عميرة البرلسى، والشهاب أحمد بن حجر البهتيمى، وشهاب الدين البلقينى شيخ المحيا بالجامع الأزهر.
وروى الموطأ من طريق يحيى بن يحيى عن الشهاب الرملى عن الحافظ أبى الخير السخاوى عن العز بن أبى محمد الحنفى بسنده، وروى كتاب المواهب اللدنية عن قطب الوجود الأستاذ أبى الحسن البكرى عن مؤلفه الإمام القسطلانى، وروى الجامع الصغير عن السيد الشريف جمال الدين الأرميونى إمام المدرسة الكاملية عن مؤلفه الحافظ السيوطى.
مكتبة الأسرة-2008
واجتمع بشيخ الإسلام البدر الغزى وهو بمصر سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة وأخذ عنه. وبلغت شهرته الآفاق وتصدى للتدريس بالأزهر، وانتهت إليه فى عصره رياسة العلم بحيث إن جميع علماء عصره ما منهم إلا وله عليه مشيخة.
وكان العلماء الأكابر تحضر دروسه وهو فى غاية الأدب، وكانت حلقته صفوفا منهم الأفضل فالأفضل، والأمثل فالأمثل، وكان يقال: فلان من الطبقة الأولى وفلان من الثانية وفلان من الثالثة، وكان له فى درسه محتسب يجلس كل أحد منهم فى مكانه.
وممن أخذ عنه البرهان اللقانى والنوران الأجهورى والحلبى، والشمسان الشوبرى والبابلى، والشهاب القليوبى، والشيخ سلطان، والنور الشبراملسى، وعبد البر الأجهورى، والشهاب الخفاجى وهو القائل فيه:
لنور الدين فضل ليس يخفى
…
تضئ به الليالى المدلهمه
يريد الحاسدون ليطفؤه
…
ويأبى الله إلا أن يتمه
ودرس بالمدرسة الطيبرسية، وكان يقرأ الأصول بإفريز الأزهر. وألف مؤلفات نافعة منها:«حاشية على شرح المنهج» . اعتنى بها مشايخ مصر وغيرهم.
مات رحمه الله ليلة الجمعة خامس شهر ربيع الأول سنة أربع وعشرين وألف ودفن بباب تربة المجاورين. انتهى.
(محلة سبك)
قرية من مديرية المنوفية، بمركز أشمون جريش بشمال كفر أبى رقية الجديد بنحو ألفى متر، وفى الجنوب الشرقى لأشمون بنحو ثلاثة آلاف متر.
وبها جامع بمنارة ومعمل دجاج. وحواليها أشجار متنوعة، ومنها إلى ترعة النعناعية نحو ألف متر.
(محلة سرد)
قرية بين منوف وسخا، كانت تسمى نارادوس وستأتى فى حرف النون.
(محلة صان)
قرية من مديرية البحيرة، بمركز شبرى خيت على الشاطئ الغربى لفرع رشيد فى جنوب شبرى ريس بنحو ساعة، وفى جنوب كفر خضر كذلك.
وبها جامع وجملة من أشجار السنط.
(محلة عبد الرحمن)
قرية من مديرية البحيرة، بقسم شبرى خيت على الشط الغربى لبحر رشيد تجاه دسوق فى شرقى ناحية مرقص بنحو ألفى متر، وبحرى محلة داود بنحو أربعة آلاف متر، ويقال لها: الرحمانية وهى فى محل نقراطس القديمة.
وزعم بعض الجغرافيين أن التى فى محل نقراطس هى قرية نقراش الواقعة فى شرقى خليج شابور، وفى الجنوب الشرقى لدمنهور الوحش.
وبها مسجدان أحدهما بمنارة، وفى وسطها سويقة صغيرة يباع بها بعض المأكولات وغيرها./وفيها قليل من أبراج الحمام والنخيل وجملة من السواقى والتوابيت على الترعة المعروفة باسمها، وبها بساتين وأشجار وأهلها مسلمون وأكثر زراعتهم الأرز.
ترجمة الشيخ محمد الرحمانى
وينسب إليها كما فى الضوء اللامع للسخاوى: محمد بن على بن أحمد إسماعيل الشمس الرحمانى نسبة لمحلة عبد الرحمن بالبحيرة ثم القاهرى الشافعى، قدم القاهرة فحفظ القرآن واشتغل بالفقه والعربية والفرائض وغيرها.
ومن شيوخه الونائى، والقاياتى، والعلم البلقينى، وسمع على الحافظ ابن حجر وأذن له فى الإفتاء والتدريس، وتكسب بالشهادة فى حانوت الحنابلة عند القصر.
وناب فى قضاء دمنهور وكذا ديروط وغيرهما. وكان يستحضر كثيرا من فروع الفقه مع مشاركة فى أصله وفى العربية، وجمع بين شرحى المنهاج لابن الملقن والأسنائى مع التكملة للزركشى.
مات فى سنة اثنتين وستين أو التى بعدها بعد الثمانمائة، وقد قارب الخمسين رحمه الله تعالى انتهى.
ترجمة السيد داود الرحمانى
وذكر المحبى فى خلاصة الأثر: أن منها السيد داود بن سليمن ابن علوان ابن نور الدين بن عبد الله بن محمد بن محمد بن ولى بن عبد الوهاب ابن على بن الولى العارف السيد نفيس بن محمد بن حيدر بن على بن أحمد ابن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن الحسن الأشتر بن عبد الله الثالث ابن على أبى الحسن الأكبر بن عبد الله الأصغر الثانى بن على الصالح ابن عبد الله الأعرج بن الحسين بن زين العابدين بن الحسين بن على، رضوان الله عليهم أجمعين، الرحمانى الشافعى المصرى السيد الفاضل العالم العامل.
كان من أجل المشايخ الملازمين لإقراء العلم والإفتاء والتدريس بالجامع الأزهر، ومن المشهورين بالدين المتين والورع والعقل الرصين. أخذ عن الشمس محمد الشوبرى، وعامر الشبراوى، وسلطان المزاحى، وعلى الشبراملسى، ومحمد البابلى وغيرهم.
وبرع فى سائر الفنون وأجازه شيوخه وألف كتبا عديدة منها: «حاشية على شرح الجلال المحلى» ، و «حاشية على شرح التحرير» ، و «حاشية على شرح أبى شجاع لابن قاسم الغزى» ، و «حاشية على شرح الشذور» ، و «حاشية على شرح القطر لابن هشام» ، و «حاشية على شرح السنوسية» .
وله: كتاب «تحفة أولى الألباب» و «الجواهر السنية فى أصول طريقة الصوفية» ، و «تحفة السمع والبصر بصادق الخبر» ، ومناسك. وغير ذلك من الرسائل والكتب.
وكانت وفاته بمصر فى سنة ثمان وتسعين وألف ودفن بتربة المجاورين.
والرحمانى نسبة إلى محلة عبد الرحمن انتهى.
وعائلته مشهورة بها إلى الآن، ولهم أبنية فاخرة.
ثم إن من عوائد هذه القرية فى زواجهم-وكذا ما جاورها من القرى-أن يدخل الزوج بيت البناء قبل الزوجة، ثم تدخل هى فتناوله شرابا من نحو السكر، ثم يزيل بكارتها ويحفظ دمها فى خرقة، ويخرج يناولها لأم الزوجة أو إحدى أقاربها فتضعها على رأسها وترقص بها بين الحاضرين، ويتقدم الزوج فيقبل أيدى الحاضرين وهم يناولونه نقودا تسمى النقوط يردها إليهم عند حصول حادث مثل ذلك.
وإذا مات لهم ميت يرسلون نجابا إلى البلاد يخبر الناس، فيحضر من يريد الحضور، فإذا فرغوا من الدفن ذبحوا على القبر بهيمة من ذوات الأربع وتسمى عقيرة، ويفرقون لحمها على الفقراء نيئا ثم ينصرفون فيذبحون فى بيت الميت أيضا، ويطبخ اللحم ويخرج للحاضرين مع أطعمة تأتى من بيوت أهل البلد.
وأكثر تلك العوائد جار فى كثير من البلاد، إلا أن أهل هذه البلدة ينقضى مأتمهم بانقضاء أول ليلة.
(محلة العلويين)
قرية من مديرية الغربية، بمركز فوّة، واقعة على الشاطئ الشرقى لفرع رشيد فى شرقى فوّة بنحو خمسمائة متر، وفى شمال ناحية قبربط بنحو ألفين وخمسمائة متر.
وبها جامع، وأغلب زراعتها الأرز ويقال لها محلة العلوى.
وفى تاريخ الجبرتى: أنه كان عندها وقعة بين أمراء مصر وحسن باشا القبطان المرسل من طرف مولانا السلطان، وذلك فى رأس المائة الثانية بعد
الألف، وسببها: أن مراد بيك وإبراهيم بيك وأتباعهما مكثوا مدة غير ممتثلين للأوامر السلطانية، وعطلوا الخراج جملة سنين وأكثروا من ظلم العباد. فأرسل السلطان حسن باشا القبطان للانتقام منهم، فحضر إلى الإسكندرية يوم الخميس عاشر رمضان قبل العصر وصحبته المراكب مشحونة بعساكر الروم، فذهب إليه وجوه الناس لمقابلته، ووقع الرعب فى قلوب أمراء مصر واتفق رأيهم على أن أرسلوا إليه جماعة من العلماء منهم: الشيخ أحمد العروسى، والشيخ محمد الأمير، والشيخ محمد الحريرى، وجماعة من الأمراء والوجاقلية، وأرسلوا صحبتهم مائة فرق من البن ومائة قنطار سكر، وعشر بقج ثياب هندية وتفاصيل وعود وعنبر وغير ذلك.
فسافروا يوم الجمعة ثامن عشر رمضان على أن يذكروا له امتثال الأمراء وطاعتهم ورجوعهم عما سلف ودفع ما عليهم. ويذكروا له حال الرعية وما توجبه الفتن. وكان مع ذلك الأمراء المصريون آخذون فى الاستعداد والتحصن.
وكان حسن باشا قد انتقل إلى رشيد وأرسل عدة فرمانات لمشايخ البلاد وأكابر/العرب والمقادم، من مضمونها تقرير مال الفدان سبعة أنصاف ونصف من الفضة، ورفع المظالم والمشى على قانون دفتر السلطان.
صورة الفرمان المرسل من حسن باشا القبطان
إلى أولاد حبيب بناحية دجوة
صدر هذا الفرمان الشريف الواجب القبول والتشريف، من ديوان حضرة الوزير المعظم، والدستور المكرم عالى الهمم وناصر المظلوم على من ظلم، مولانا العزيز غازى حسن باشا سر عسكر السفر البحرى المنصور حالا ودونانمة همايون أيدت سيادته السنية وزادت رتبته العلية إلى مشايخ العرب أولاد حبيب بناحية دجوة وفقهم الله.
نعرفكم أنه بلغ حضرة مولانا السلطان-نصره الله-ما هو واقع بالقطر المصرى من الجور والظلم للفقراء وكافة الناس، وأن سبب هذا خائنو الدين إبراهيم بيك ومراد بيك وأتباعهما. فتعينا بخط شريف من حضرة مولانا السلطان أيده الله بعساكر منصورة بحرا لدفع الظلم ولإيقاع الانتقام من المذكورين، وتعين عليهم عساكر منصورة برا بسر عسكر عليهم من حضرة مولانا السلطان نصره الله، وقد وصلنا إلى الإسكندرية ثم إلى رشيد فى سادس عشر رمضان، فحررنا لكم هذه الفرمان لتحضروا وتقابلونا وترجعوا إلى أوطانكم مجبورين مسرورين إن شاء الله تعالى.
فحين وصوله إليكم تعملوا به وتعتمدوه، والحذر ثم الحذر من المخالفة وقد عرفناكم.
وفى أثناء ذلك اجتمع الأمراء فى بيت إبراهيم بيك بمصر المحروسة واتفقوا على المحاربة وعلى تجهيز تجريدة ترسل مع مراد بيك إلى جهة فوّة وأن يرسلوا أولا إلى حسن باشا مكاتبات بتحرير الحساب والقيام بغلاق المطلوب ويرجع من حيث أتى، فإن امتثل وإلا حاربناه، ثم عبوا الذخيرة والبقسماط فى المراكب ونقلوا أمتعتهم من البيوت الكبار إلى أماكن لهم صغار فى جهة المشهد الحسينى والشنوانى والأزهر. وسافر مراد بيك بالتجريدة فنزل بالرحمانية.
ثم إن المشايخ ومن معهم لما قابلوا حسن باشا أجلهم وأكرمهم وأنزلهم فى مكان ورتب لهم ما يكفيهم. وقال له الشيخ العروسى: يا مولانا أهل مصر قوم ضعاف. فقال: لا تخشوا من شئ فإن أول ما أوصانى به السلطان الرفق بالرعية. ثم قال: كيف ترضون أن يملككم مملوكان كافران يسومونكم بالعذاب والضلم، فلماذا لم تجتمعوا وتخرجوهم من بينكم؟ فأجابه إسماعيل أفندى بأنهم عصبة شديدة البأس. فغضب حسن باشا من قوله ونهره وقال:
تخوّفنى ببأسهم. فقال: إنما أعنى أنفسنا. ثم أمرهم بالانصراف. فرجعوا إلي
المحروسة وذهبت إليهم النساء والأمراء وكثر فى مصر اللغط واضطربت الأخبار بوقوع الحرب بين الفريقين وغلبة أحدهما الآخر.
ثم ورد الخبر بحصول الحرب عند محلة العلويين وأراضى فوة وأنه حصل الخلف بين رجال مراد بيك فانهزم وقام بعساكره إلى وراء، ووردت مراكب بها عساكر ومماليك جرحى من جماعة مراد بيك، وزاد الاضطراب فى المدينة.
وهمّ إبراهيم بيك أن يملك أبواب القلعة فمنعه محمد باشا والى مصر. وأحضر العلماء والمشايخ والوجاقلية وغيرهم بالرميلة وقراميدان، ثم أرسل لحسن باشا القبطان يخبره باجتماع الناس ويحثه على الحضور إلى مصر حالا قبل هربهم.
فلما رأى إبراهيم بيك تقلب الأحوال انتقل برجاله إلى أثر النبى وقد انفصل عنهم كثير من الأمراء وطلبوا من الباشا الأمان، ولما رجع مراد بيك بعساكره نصب مخيمه فى جزيرة الذهب ثم عدى النيل واصطلح مع إبراهيم بيك وتفرقت طوائفهما يفسدون فى الأرض، فكانوا يخطفون ما يجدونه فى طريقهم-حتى جمال السائقين وحمير الفلاحين-ونهبوا عشرين مركبا كانت راسية عند الشيخ عثمان، وكثر المفسدون بالمدينة وخلافها من طوائفهم وغيرهم.
واشتد الكرب على الناس، ووقع الصياح فى الحارات ومشت المناسر للإفساد نهارا، ونهبوا أشياء الناس جهارا. والوالى والمحتسب والأغا بالقلعة لا يجسرون على النزول، وكان جماعة إبراهيم بيك ومراد بيك قد عملوا متاريس جهة السبتية ببولاق، وأحضروا جملة مدافع على العجل وجمعوا الأخشاب وحطب الذرة.
وقبل أن يتم التحصين قدم حسن باشا بمراكبه وفيها عساكره الأروام فى ثانى عشر شوال فهرب المصريون إلى جهات الصعيد وتركوا متاريسهم ومدافعهم. فركب حسن باشا ودخل القاهرة من باب الخرق ونزل ببيت إبراهيم بيك. وبقدومه اطمأن خاطر الناس وأرسل عساكره إلى جهة الصعيد خلف
العصاة، وخلع على عدة من الأمراء خلعة الصنجقية، وأمر نواب القضاء فذهبوا إلى بيوت الأمراء الفارين، وكتبوا ما وجدوه ووضعوه فى أماكن من تلك البيوت وختموا عليه. وسلب من نساء هؤلاء الأمراء الأموال والخدم والحشم فحصل لهن ضيق شديد، واستشفعن عند حسن باشا بالبكرى والسادات وغيرهما، فلم يقبل. ووقع بالصعيد مع عساكر حسن باشا والأمراء عدة مناوشات، فكان المصريون ينهزمون إلى بلاد إبريم ثم يرجعون/ولا زالو فى الكرّ والفرّ مدة، واستعملوا فى البلاد والتخريب والفساد.
ثم طلبوا الصلح من حسن باشا فأجابهم، وخصص لهم بلادا من الصعيد لا يتعدونها وأخذ منهم رهائن على ذلك فرفضوا وانكفوا عن الفساد. وبعد أن فارقتهم عساكر الروم رجعوا إلى ما هم عليه من الفساد ولم يقتصروا على بلادهم، فرجع إلى حربهم.
وقد ضرب حسن باشا على البلاد البحرية الضرائب، ورتب عليهم المظالم، فعم الضرر جميع القطر من الأمراء وحسن باشا.
ثم جاء أمر السلطان بترتيب عبدى باشا واليا على مصر مكان محمد باشا، ونزل محمد باشا إلى إسلامبول، ثم جاء الأمر بنزول حسن باشا إلى إسلامبول أيضا فنزل إليها فى الثالث والعشرين من شهر الحجة سنة إحدى ومائتين وألف. واستمر الحال بعد مجئ عبدى باشا على المناوشة تارة والهدء أخرى إلى آخر ما شرحه الجبرتى.
وبالجملة فلم يحصل لمصر وبلادها من مجئ حسن باشا وذهابه منها إلا الضرر الشديد. ولم يبطل بدعة ولم يرفع مظلمة، بل زاد مظلمة يقال لها رفع المظالم والتحرير. وماتت فى أيامه البهائم.
وقد كان عند قدومه رفع بعض المظالم ثم أعادها وصار يقبض من البلاد غير أموال الخراج عدة أقلام، منها: المضاف والبرانى، وعوائد الكشوفية، والفرض، ورفع المظالم، والتحرير، ومال الجهات وغير ذلك. انتهى جبرتى باختصار من كلام طويل فانظره.
(محلة فرنوى)
قرية من مديرية البحيرة، بمركز شبرى خيت. فى جنوب قرية فرنوى بنحو ثلث ساعة، وفى غربى محلة قيس كذلك.
وبها جامع، وقليل نخيل، وجنينة صغيرة. ومن أهلها محمد أبو أحمد باشمعاون مديرية البحيرة.
(محلة القصب)
قرية من مديرية الغربية، بمركز كفر الشيخ، فى شمال كفر الشيخ بنحو ساعة، وفى جنوب البخانيس بنحو نصف ساعة.
وأغلب مبانيها باللبن، وبها جامع بمنارة، وتكسب أهلها من الزرع وغيره.
(محلة القصب السمنودية)
قرية من مديرية الغربية، بمركز سمنود فى شرقى بحر الملاح بنحو ألف متر، وفى شرقى منية سراج بنحو خمسمائة متر، وفى غربى ناحية تيرة بنحو ألفى متر.
(محلة قيس)
قرية من مديرية البحيرة، بمركز شبرى خيت، فى غربى ترعة الباشا وهورين بنحو نصف ساعة، وفى شمال كفر قشاش بنحو من ذلك.
وأغلب مبانيها الآجر، وبها جامع بمنارة.
ومن هورين هذه العلامة الشيخ نصر الهورينى الشافعى كان مصححا بالمطبعة الميرية سابقا، توفى سنة اثنتين وتسعين ومائتين وألف.
(محلة كيل)
قرية من مديرية البحيرة، بمركز دمنهور فى شرقى ترعة محلة كيل على بعد سبعمائة وخمسين مترا، وفى بحرى مصرف العموم بنحو ثلاثمائة وخمسة وخمسين مترا.
وبها زاوية للصلاة ووابور مياه على الترعة، وأغلب أطيانها أباعد. وبالقرب منها كوم يعرف بكوم العبد به آثار حمام قديم. وفى جنوبه الشرقى عزبة للأمير راغب باشا بها جنينة وساقية. وبتلك القرية بعض الأشجار، وتكسب أهلها من الفلاحة وغيرها.
(محلة مالك)
قرية من مديرية الغربية، بمركز بلاد الأرز غربا فى شمال دسوق بنحو ساعة، وفى جنوب السالمية كذلك. وبها جامع بمنارة.
(محلة المرحوم)
قرية من مديرية الغربية، بمركز أبيار فى غربى طنتدا بنحو ساعة على الشاطئ الغربى لترعة البتنون-المسماة عندهم ببحر الصهريج-وبحرى خط السكة بمسافة نصف ساعة.
وبها جامع بناؤه بالطوب الأحمر والحجر الآلة وأعمدته من الرخام وله منارة. وبجوارها قرية تسمى الجوهرية على اسم ولى بها له جامع بمئذنة به عمود رخام تلحسه المرضى فيسيل من ألسنتهم دم فيجدون بذلك راحة.
وفى زمن العزيز محمد على باشا كان العمدة على محلة المرحوم الحاج أحمد الهرميل جعل ناظر قسم أبيار، ثم فى زمن الخديوى إسماعيل باشا ترقى إلى رتبة ميرالاى، وجعل عضوا بمجلس طنتدا إلى أن توفى سنة ثمان وثمانين ومائتين وألف.
وكانت زراعته نحو ثمانمائة فدان وله بساتين وسواق معينة، وأكثر أهل هذه القرية مسلمون.
ترجمة الشيخ إبراهيم المرحومى
ومنهم علماء ففى خلاصة الأثر أن منها: الشيخ إبراهيم بن عطاء بن على ابن محمد الشافعى المرحومى إمام الجامع الأزهر، العالم العامل العارف بالله تعالى الملازم لطاعته.
كان منهمكا على بث العلم سالكا سبيل السلامة والنجاة، مراقبا لله بما ينفعه فى دنياه وآخرته، مجتهدا فى العبادة، متمسكا بالأسباب القوية من التقوى، قائما منها بما لا يطيقه سواه، حتى إنه كان إذا مر فى السوق يسد أذنيه حتى لا يسمع كلام من بجانبه، ويسرع فى مشيته مطرقا من خوف الله وخشيته حذرا من تفويت وقته فى غير عبادة وطاعة.
رحل من بلده إلى الجامع الأزهر، وأخذ عمن به من أكابر علماء عصره كالشيخ سلطان وغيره، وأجازه جل شيوخه بالإفتاء والتدريس فتصدر للإقراء واشتهر بالبركة لمن يقرأ عليه، وانهمك طلاب العلم عليه ففازوا منه بأوفر نصيب. وألف حاشية على شرح العقائد للخطيب. واستمر سالكا طريق الإستقامة حتى آن أوان حمامه.
وتوفى بمصر فى أوائل صفر سنة ثلاث وسبعين وألف/ودفن بتربة المجاورين. وكانت ولادته سنة ألف. والمرحومى نسبة لمحلة المرحوم من المنوفية. انتهى.
ترجمة الشيخ مصطفى المرحومى
وفى الجبرتى أن منها: العالم الفاضل الشيخ مصطفى المرحومى الشافعى، وبها نشأ وحفظ القرآن وجوّده وحضر إلى مصر وحفظ المتون وتفقه على أشياخ وقته كالملوى، والحنفى، والمدابغى، والبقرى.
ومهر فى المعقول والمنقول، وقرأ الدرس بالأزهر وجامع أزبك. وكان له حافظة واستحضار للمناسبات والأشعار واللطائف، لا يمل حديثه، وكان يتردد على بعض بيوت الأمراء والأعيان فيكرمونه ويحبونه ويستفيدون من لطائفه ونوادره.
واستمر على ذلك إلى أن مات عليه رحمة الله سنة سبع ومائتين وبعد الألف.
(محلة مسير)
قرية من مديرية الغربية، بمركز كفر الشيخ على ترعة القهوجى، وفى شرقى سنجو بنحو أربعة آلاف متر بجوار قرية مسير من شمالها.
وأغلب مبانيها بالآجر. وبها جامع بمنارة وهى من أوسية حسين باشا نجل الخديوى إسماعيل باشا.
(محلة مشاق)
قرية من مديرية الدقهلية، بمركز فارسكور فى شرقى فرع دمياط بنحو مائة متر، وفى غربى ناحية بساط بنحو نصف ساعة، وفى شمال طرانيس البحر بنحو ثلثى ساعة.
وبها جامع بمنارة، وفى شرقيها حديقة ودوار لأولاد المرحوم أحمد باشا يكن.
(محلة منوف)
قرية من مديرية الغربية، هى رأس مركز واقعة فى شرقى ترعة القاصد على بعد مائة متر، وفى غربى يوديك الحجر بنحو ألف متر، وفى شمال منية السودان بنحو ثلاثة آلاف متر.
وأغلب مبانيها بالطوب الأحمر على دورين، وبوسطها جامع قديم بمنارة، وفيها خمس زوايا للصلاة، ووابور مياه لأحمد بيك راغب، وخمسة بساتين ذوات فواكه. وبجانبها البحرى تل قديم مستطيل من الغرب إلى الشرق.
وينصب بها سوق كل يوم ثلاثاء. وزمام أطيانها ألفان وأربعمائة واثنان وتسعون فدانا وكسر، تروى من النيل، وبها ثلاث سواق معينة عذبة الماء لسقى مزروعات الصيف.
وبها طريق على ترعة جعفرية القاصد ينتهى إلى طنتدا فى نحو ساعة ونصف، ويمر بمنية السودان بالبر الغربى للترعة المذكورة.
(مخنان)
فى مشترك البلدان أنه بميم فى أوله مضمومة ثم خاء معجمة ساكنة ونونين بينهما ألف، قريتان بمصر إحداهما: مخنان الجيزية، والأخرى مخنان بالمنوفية. اه
والمتعارف بين الناس أم خنان بالتركيب الإضافى المصدر بأم، وهذا هو الذى يناسب المستعمل فى النسب فإنهم يقولون الخنانى.
[أم خنان الجيزية]
فأما الجيزية فهى قرية من قسم ثانى بمديرية الجيزة واقعة على الشاطئ الغربى للنيل فى مقابلة حلوان بميل إلى الشمال.
وأكثر أهلها مسلمون، وبها أقباط أصحاب صنائع كتبييض النحاس، فيطوفون فى البلاد لذلك. وبها سوق فيه حوانيت قليلة تباع فيها المأكولات ونحوها.
ترجمة الشيخ أحمد الخنانى
وقد ذكر الجبرتى فى حوادث سنة سبع ومائتين وألف: أن من ناحية أم خنان الجيزية الأستاذ الكبير والإمام الشهير الشيخ أحمد بن محمد بن جاد الله بن محمد الخنانى المالكى البرهانى، وجده الأخير يعرف بأبى شوشة، وله مقام يزار بالقرية المذكورة.
نشأ المترجم فى طلب العلم، وحضر أشياخ الوقت، ولازم السيد البليدى، وصار معيدا لدروسه بالأزهر والأشرفية وانتفع بملازمته له انتفاعا زائدا، وكتب له إجازة طويلة بخطه ونوه بشأنه.
ولما مات السيد البليدى تصدر لإقراء الحديث مكانه بالمشهد الحسينى، فارتفع أمره واشتهر ذكره، واجتمع عليه الناس. وحضره من كان ملازما لشيخه من تجار المغاربة وغيرهم، واعتقدوا صلاحه وواسوه بالصلات والهدايا، وواظب على التدريس بالأزهر.
وكان كثير الزيارة لأضرحة الأولياء وكان يقوم دائما فى الثلث الأخير من الليل ويذهب إلى المشهد الحسينى فيصلى الصبح ويقعد هناك حتى يقرأ درس الحديث.
وفى آخر عمره اشترى دارا عظيمة بحارة كتامة المعروفة الآن بالعينية بالقرب من الأزهر وسكنها مع عياله. وكان يخرج لزيارة قبور المجاورين فى كل يوم جمعة قبل طلوع الشمس، فنزلت عليه العرب فى بعض الجمع بين الكيمان فأراد الهرب منهم، وساق بغلته فسقط من على ظهرها، وكان ضخما فانكسر زرّه وحمل إلى داره وعالج نفسه حتى عوفى قليلا، ولم يزل تعاوده الأمراض حتى توفى فى السنة المذكورة، رحمه الله تعالى.
[أم خنان المنوفية]
وأما أم خنان المنوفية فهى قرية من مركز مليج من أعمال المنوفية غربى ترعة العطف بنحو ألف متر وثمانمائة، وقبلى قرية العجائزة بقدر خمسمائة متر، وبحرى بشبيش بنحو ساعة، وهى على تل مرتفع نحو ثلاثة أمتار.
وبها جامع بمنارة ومقام الشيخ الخنانى. ورى أرضها من ترعة العطف، وترعة إبراهيم أفندى، والترعة الحمراء، وترعة السبيل. وفيها سواق معينة.
وليس لها سوق وإنما يتسوق أهلها من سوق قرية قويسنى ومدينة شبين كل منهما على نحو ساعتين منها.
(مدين)
بميم مفتوحة فدال مهملة ساكنة فمثناة تحتية مفتوحة فنون.
ذكر المقريزى فى خططه: أنها مدينة من أرض مصر على بحر القلزم تحاذى تبوك على نحو ست/مراحل، وهى أكبر من تبوك. وبها البئر التى استقى منها موسى لسائمة شعيب. ووهم من قال إنها بلد بالشام تلقاء غزة.
وقيل أن الأيكة المذكورة فى قوله عز وجل: «كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ» . وقوله سبحانه: «وَ إِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ» هى مدين. وقيل من ساحل البحر إلى مدين، وقيل هى غيضة نحو مدين.
وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما فيها روايتان، إحداهما: أن الأيكة من مدين إلى شعيب، ثانيتهما: أنها من ساحل البحر إلى مدين، وكان شجرهم المقل، والأيكة عند أهل اللغة الشجر الملتف وكانوا أصحاب شجر ملتف.
وقال قوم: الأيكة الغيضة وليكة اسم البلد وما حولها، كما قيل مكة وبكة. ومدينة مدين من منازل جذام بن عدى بن الحرث بن مرة بن أدد ابن زيد بن عمرو بن عريب بن زيد بن كهلان. وشعيب النبى المبعوث إلى أهل مدين أحد بنى وائل بن جذام.
وقد روى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لوفد جذام: «مرحبا بقوم شعيب وأصهار موسى ولا تقوم الساعة حتى يتزوج فيكم المسيح ويولد له.»
وكان بأرض مدين عدة مدائن كثيرة قد باد أهلها وخربت وبقى منها إلى يومنا هذا وهو سنة خمس وعشرين وثمانمائة نحو أربعين مدينة منها ما يعرف اسمه ومنها ما جهل، فمما يعرف بين أرض الحجاز وبلاد فلسطين وديار مصر ست عشرة مدينة منها فى ناحية فلسطين عشر مدائن، وهى: الخلصة، والسنيطة، والمدرة، والمنية، والأعوج، والخوبرق، والبئران، والماءان، والسبع، والمعلق.
ومن مدائن مدين بناحية بحر القلزم والطور مدينة فاران، ومدينة الرقة، ومدينة القلزم، ومدينة أيلة.
وبمدينة مدين إلى الآن آثار عجيبة وعمد عظيمة، ووجد فى مدينة الأعوج أعوام بضع وستين وسبعمائة جب بقلعتها بعيد المهوى يبلغ عمقه نحو
مائة ذراع، وبقاعه عدة أسفار على رفوف، حمل منه سفر طوله ذراعان وأزيد، قد غلّف بلوحين من خشب وكتابته بالقلم المسند طول الألف واللام نحو شبر، فوجد ببلاد الكرك من قرأه فإذا هو سفر من عشرة أسفار قد ابتدأه بحمد الله.
وقال المسعودى: قد تنازع أهل الشرائع فى قوم شعيب بن نوفل ابن رعويل بن مر بن عيفان بن مدين بن إبراهيم، فمنهم من رأى أنهم من ولد المحض بن جندل بن يعصب بن مدين بن إبراهيم وأن شعيبا آخرهم. وقد كانوا عدة ملوك تفرقوا فى ممالك متصلة فمنهم المسمى بأبجد، وهوز، وحطى، وكلمن، وسعفص، وقرشت. فكان أبجد ملك مكة وما يليها من الحجاز. وكام هوز، وحطى ملكين ببلاد دوج وهى الطائف وما اتصل بها من أرض نجد. وكلمن، وسعفص، وقرشت ملوك بمدين وقيل ببلاد مصر.
ثم قال المسعودى: ولهؤلاء الملوك أخبار عجيبة من حروب وسير، إلى أن قال: وقوى أمر أبجد فطغى حتى ملك الحجاز واليمن وكان له خمسة أولاد هم: هوز، وحطى، وكلمن، وسعفص، وقرشت فأقام ملكا باليمن مائة سنة ومات وقد استخلف من بعده ابنه كلمن باليمن، وجعل ابنه هوز على الحجاز، وابنه حطى على أرض مصر، وابنه سعفص على الجزيرة وبلادها حيث الموصل وحران إلى أرض العراق، وابنه قرشت على العراق ومشارقها من خراسان.
وكان قرشت هو الجبار فيهم، وكان سعفص، وهوز، وكلمن أهل عدل وحلم، وكان حطى صاحب بطش وجراءة. انتهى من خطط المقريزى باختصار.
وقال صاحب كتاب درر الفوائد المنظمة فى أخبار الحج وطريق مكة المعظمة، وكان قد مر على مدين فى حجته سنة خمس وخمسين وتسعمائة:
وأرض مدين بشاطئ البحر على يوم من المغارة بها أشجار، وكروم، وحدائق.
ويزرع بها بعض الفواكه كالتفاح والبطيخ الأخضر، وحمل إلينا من تفاحها وبطيخها مرارا عديدة.
وفى المغارة شجر عظيم من الجانب الغربى يسمى الأيكة. ذكر ذلك السروجى الحنفى فى مسالكه.
واشتقاق مدين من مدن بالمكان إذا أقام به، ومنه المدينة والمدن والمدائن لكثرة إقامة الناس بها وسكناها.
وقال صاحب تقويم البلدان: مدين مدينة خراب على ساحل بحر القلزم محاذية لتبوك على نحو ست مراحل منها، وبها البئر التى استقى منها موسى لسائمة شعيب، ومدين اسم القبيلة التى كان فيها شعيب ثم سميت القرية بهم ويشهد لذلك قوله تعالى:«وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً» .
قال ابن سعد: ويكون عرض البحر عند ساحلها نحو مجرى وهو فوق ذلك المكان مسامت للقصير من الجانب الغربى. انتهى كلامه.
ثم قال: وفى كتاب عجائب البلدان مدينة مدين على ساحل بحر القلزم، وهى خراب وبها البئر التى استقى موسى عليه الصلاة والسلام لغنم شعيب منها، وهى الآن معطلة.
وذكر أبو عبيدة البكرى فى كتابه المسالك: أن ضبا بضاد معجمة مفتوحة وباء موحدة كذلك محل بالقرب من مدين، وأنه مرفأ للسفن مأمون وفيه آبار عذبة وشجر المقل فيه كثير، وبين ضبا ومدين جبال شامخة، وبقرب مدين البئر التى استقى منها موسى عليه الصلاة والسلام، قد بنى على أفنيتها بيت من صخر فيه قناديل معلقة. وبها كهف يسمى كهف شعيب وهو الذى كان يؤى إليه غنمه فيما/ذكروا، وفى الجبال التى بين ضبا وهذا الكهف بيوت منقورة فى صخر قد حفرت فى البيوت قبور وفى تلك القبور عظام بالية كأمثال عظام الأبل مقدار كل بيت عشرون ذراعا ونحوها. ولتلك البيوت روائح خبيثة
لا يدخل الداخل فيها إلا ويمسك بأنفه لشدة النتن. يقال: إنه لما أخذهم عذاب يوم الظلة دخلوا فيها فهلكوا.
وبقرب هذه البيوت وما يليها تلال تراب عظيمة قيل إنها كانت مواضع عامرة فخسف بها.
قال: ومع يهود مدين كتاب يزعمون أن النبى صلى الله عليه وسلم كتبه لهم، وهم يظهرونه للناس حتى الآن. وهو فى قطعة من أدم وقد اسودت لطول مرّ الزمان عليها، إلا أن خطها بيّن، وفى آخرها: كتبه ابن أبى طالب رضي الله عنه غير معرب.
وقيل إنه بخط معاوية بن أبى سفيان.
وتسير من مدين فى جبال شاهقة حتى تفضى إلى جبل شامخ عن يمين الطريق فيه كوة منقورة فى الصخر حيث لا يصل واصل ولا يرقى راق، تزعم أعراب تلك الناحية أنه كان بيتا لساحرة تأوى إليه. ثم لا تزال تسير والجبال بيمينك والبحر بيسارك حتى تفضى إلى فرجة كالباب تسير إلى أيلة. انتهى ما قاله.
وللشهاب ابن أبى حجلة:
حثثنا المطايا نحو مدين فى السرى
…
ووادى عفان طامح بالركائب
ولما رأيت المقل والعين حوله
…
رأيت عجيبا فى فنون العجائب
وله أيضا:
ولما وردنا ماء مدين بكرة
…
وجدت عليه الناس يسقون بالقرب
فأطرب حادى الراقصات مسامعى
…
كما أطرب التشبيب من أعين القصب
(فائدة)
ترجمة الإمام المسعودى مؤلف مروج الذهب
المسعودى المتقدم ذكره هو: على بن الحسين بن على الشيخ الإمام المؤرخ العلامة أبو الحسن المسعودى، من ذرية عبد الله بن مسعود كما فى
كتاب جرنال المشرق فى سنة تسع وثلاثين وثمانمائة وألف ميلادية. وأنكر دساسى نسبته لابن مسعود.
وكان أصله من بغداد ويظن أن ولادته كانت فى نهاية القرن الثالث من الهجرة، وكان أخباريا، علامة، صاحب غرائب وملح ونوادر، وأخبر فى مؤلفاته أنه ساح أرض الشام ومصر، وفى سنة ثلاث وثلاثمائة كان بمدينة اصطخر- وهى تريسونيس القديمة-وفى هذه السنة ساح الهند وأقام بمدينة كنياية، وفى سنة أربع وثلاثمائة ساح أرض ملطان، وفى هذه السنة توجه إلى ولاية سيمون من بلاد الهند. وتكلم فى كتاب مروج الذهب على ما بهذه الولاية، وفيها أيضا دخل مدينة المنصورة الواقعة على شاطئ بحر السند، وهو النهر الذى تسميه الفرنج أندوس، وساح فى سرنديب والعين والقلزم وعدى بحر الفرنج مرتين، الأولى كان السفر فيها من مدينة سحر تخت ولاية عمان مع جملة أصحاب مراكب سراف، والثانية كان سفره من جزيرة كتبالو وهى جزيرة مدبقشكر، ورجع منها إلى عمان ثم ركب البحر من مدينة أبيتسكون ثغر ولاية جرجان، ونزل على سواحل طبرستان واطلع على بحر الخزر فى أنحاء مختلفة.
وفى سنة ثلاثمائة وأربعة عشر دخل مدينة تبير ياد من أرض فلسطين.
وفى سنة اثنتين وثلاثين-وهى سنة ارتفاع النيل ارتفاعا زائدا عن الحد-كان تارة فى مدينة أنطيوش وتارة فى بلاد حدود الشام. وبعد ذلك بسنتين فى شهر الحجة كانت إقامته بدمشق الشام، ثم فى سنة خمس وأربعين وهى وقت آخر تأليفه أخبر أنه فارق العراق من زمن مديد، وكان يسكن مصر تارة والشام أخرى، ومن سنة ست وثلاثين إلى سنة أربع وأربعين كان بالفسطاط. وفى السنة الأخيرة أخبر فى كتاب التنبيه الذى ألفه بالفسطاط بحصول زلزلة عظيمة فى بلاد مصر والشام، وتوفى بعد ذلك قبل أن يعمر كما اتفق عليه مؤرخو المشرق.
وكانت وفاته بمصر فى جمادى الآخرة فى سنة خمس وأربعين وثلاثمائة، قاله المسيحى فى تاريخه.
قال الذهبى: وكان معتزليا فإنه ذكر غير واحد من المعتزلة أنه كان من أهل العدل، وله عدة مصنفات منها: كتاب «أخبار الزمان» وهو أهم جميع تآليفه، وأكبرها لاشتماله على أمور شتى، ويندر ذكره فى تواريخ العرب، ولعل سبب ندرته وقلة اشتهاره أنه كبير جدا يكثر ثمنه ويعسر نقله، وذكر بعض السياحين من الفرنج أنه رأى منه بالقسطنطينية فى خزانة أياصوفيا نسخة غير كاملة عشرين مجلدا، وبحسب ما رأى فى الفهرست قال أنه ينقص عشر مجلدات.
وفى كتبخانة باريس قطعة منه تشتمل على تاريخ مصر القديمة ترجمت باللغة الفرنساوية.
وكتاب «الأوسط» وهو تكملة للأول يشتمل على مناقشة فى التاريخ والجغرافيا والفلسفة وكثير من العلوم، وهو غير موجود فى كتبخانات أوروبا.
وكتاب «مروج الذهب ومعادن الجوهر» وهو ملخص الكتابين السابقين، ولصغر حجمه وكثرة مشتملاته كثرت الرغبة فيه، وزاد انتشاره فى أوروبا وبلاد المشرق.
وكتاب «المقالات فى أصول الديانات» وكتاب «الاستتار فى أقاويل الناس فى الإمامة» ، وكتاب «الأمصار» /المحكم لفرق الخوارج، و «كتاب الإبانة فى أصول الديانة» ، و «كتاب سر الحياة» ، وكتاب «الدعاوى الشنيعة» ، وكتاب «طب النفوس» ، ورسالة «البيان فى أسماء الأئمة وما قالت الإمامية» ، وكتاب «النهر والكمال» ، والكتاب «الواجب فى الفروض اللوازم» ، وكتاب «حدائق الأزهار فيما يتعلق بذريته صلى الله عليه وسلم وأهل بيته» ، وكتاب «المبادى والتراكيب» فى أمور شتى منها تأثير الشمس والقمر، وكتاب «الزلف» يتكلم فيه على اجتماع الروح بالجسد وخواص الروح، وكتاب «خزائن الدين وسر العالمين» ، وكتاب «الأخبار المسعوديات» ، وكتاب «وصل المجالس» ،
وكتاب «فنون المعارف وما جرى فى الدهور السوالف» ، وكتاب «مسائل العلل فى المذاهب والملل» ، وكتاب «القضايا والتجارب» ، وكتاب «الاسترجاع» ، وكتاب «الرءوس البيعية من السياسة الملوكية» ، وكتاب فى أنواع السياسة الملوكية، وكتاب فى أنواع السياسات المدنية.
وذكر ابن البيطار أن من تآليفه أيضا: كتاب «السموم» . وله رحلة إلى البصرة التى فيها أبو خليفة، وبحث دساسى عن أبى خليفة هذا فى كتاب الفهرست لأبى الفرج محمد بن إسحق الوراق المعروف بابن أبى يعقوب النديم إلى أن وجد ترجمته:
[ترجمة أبى الفضل خليفة بن الحباب]
وأنه كان حبرا علامة بالحديث والتاريخ والأنساب وأشعار العرب القدماء، ونص كتاب الفهرست هو: أبو خليفة الفضل بن الحباب بن محمد ابن شعيب بن صخر الحجمى البصرى من بنى حجم ولى قضاء البصرة، من رواة الأخبار والأشعار والأنساب.
مات ليلة الأحد ثالث عشر ربيع الأول سنة خمس وثلاثمائة، ودفن يوم الأحد فى منزله. وله من الكتب: كتاب «طبقات الشعراء الجاهلين» ، وكتاب «الفرسان» . اه
(المراغة)
بلدة من مديرية دجرجا بقسم سوهاج على الشط الغربى للنيل فى شمال جزيرة شندويل بنحو خمسة أميال، وفى جنوب بندر طهطا بنحو سبعة أميال، وفى شمالها بقليل ناحية بنى هلال، وفى جنوبها بقليل أيضا ناحية قصاص، وفى غربيها بنحو فرسخ ناحية بنويط، وتجاهها فى البر الشرقى قرية الفريسية وبعض قرى الريانية.
وفيها جامع عظيم، جدده ناظر دائرة شريف باشا الكبير، وبها لذلك الباشا أبعادية ودائرة. ولها سوق حافل كل يوم ثلاثاء، والعادة أن حب الذرة
يكون فيه رخيصا وكذلك حصر الحلفاء وحبالها التى يرتبط بها القت آوان الحصاد لوجود ذلك كثيرا فيما حواليها من القرى من بنى هلال وكفورها.
ويتبعها عدة كفور مثل نجع الشيخ شبل وغيرها. وفيها شون غلال للميرى، وعليها موردة ترسو عليها المراكب، وفيها وفى كفورها نخيل وقليل أشجار ويزرع فيها الذرة الطويلة بكثرة والذرة الشامية والبصل ونحو ذلك.
ترجمة الشيخ أبى القاسم المراغى
وإليها ينسب كما فى تحفة الأحباب وروضة الطلاب: الشيخ الصالح العارف الورع الزاهد أبو القاسم بن أحمد بن عبد الرحمن بن نجم بن طيلون المشهور بالمراغى، توفى ليلة الجمعة الثانى والعشرين من ذى الحجة سنة ثلاث وثمانين وستمائة ودفن بزاويته بقرافة مصر.
وكان من أكابر الصلحاء الأخيار، كان من أصحاب الشيخ العارف أبى الحسن بن الصباغ، وكان جليل القدر عظيم الشأن. وقال الشيخ أبو القاسم:
قال لى شيخى أبو الحسن بن الصباغ يوما: يا أبا القاسم العين تححبك.
فقلت: يا سيدى ما معنى هذا الكلام؟ فقال: إذا لحظتك أعين الناس تسقط من عين الله. كان كثير التودد للناس، وله كلام فى التصوف.
وأبو الحسن بن الصباغ أخذ التصوف عن السيد القدوة الشريف أبى محمد عبد الرحيم بن أحمد بن حجون المغربى الشهير بالفتاوى.
والسيد عبد الرحيم أخذ طريقة التصوف عن الأستاذ القدوة أبى النجاء سالم بن على الأنصارى الجابرى المغربى بفوة من الوجه البحرى، وقد عمر عمرا طويلا وخلف ذرية صالحة كان آخرهم موتا الشيخ الصالح أبو القاسم الملقب بوفاء الدين بن أحمد بن الشيخ الصالح عبد الرحيم بن نجم بن طيلون المراغى.
ذكره قاضى القضاة حافظ العصر أبو الفضل أحمد بن على بن محمد ابن محمد بن على بن أحمد بن حجر الكنانى العسقلانى الشافعى فى كتابه
المعجم فى ذكر مشايخه، وأثنى عليه الثناء الحسن وقال عنه: أنه كان أحد قضاة المصريين وكان له معرفة بالفقه والفرائض والتاريخ مع المعرفة التامة بأمور الدين. وكان يذكر أنه سمع من الحافظ بن سيد الناس وطبقته.
وتوفى فى السابع والعشرين من ذى الحجة سنة إحدى عشرة وثمانمائة رحمه الله تعالى.
(المرج)
قرية من مديرية القليوبية، بمركز الخانكاة، فى شرقى الخصوص بنحو ألفين وخمسمائة متر. وفى الجنوب الشرقى لسرياقوس بنحو أربعة آلاف وثمانمائة متر.
وبها جامع بمئذنة قصيرة، ونخيل كثير. ولها سوق كل أسبوع. وفى موسم البلح ينصب بها سوق كل يوم تجتمع فيه تجار البلح من القاهرة وغيرها.
[المريج]
وهذه القرية غير قرية المريج بمثناة تحتية قبل الجيم، فتلك قرية من مديرية القليوبية بمركز بنها العسل، على الشاطئ الشرقى لترعة الشرقاوية فى جنوب ناحية شبين القناطر بنحو ألفى متر، وفى الشمال الشرقى لطحانوب بنحو ألفين ومائتى متر.
وبها/جامع، وتكسب أهلها من الفلاحة وغيرها.
(مرصفى)
قرية من مديرية القليوبية بمركز بنها، بينها وبين آثار مدينة أتريب بنحو ساعة. وبها آثار تدل على أنها من المدن القديمة التى كانت عامرة قبل الإسلام، فمن ذلك أنه وجد بها وقت أخذ السباخ بعد حفر نحو خمس قامات خندق يشقها من المشرق إلى المغرب ولا يدرى إلى أين تنتهى.
ووجد بها مصانع ممتلئة فخارا وخزفا، ولم تزل يظهر بها أمثال ذلك إلى الآن، حتى إنه لما وجه العزيز محمد على إلى البلاد من يعلمهم كيفية زرع القطن، ونزل بها المعنيون لذلك وأرادوا أن يبنوا فيما حولها من الفضاء مساكن ومخازن، ففى حفر الأساسات وجدوا جدارنا قديمة أبنيتها بالحجارة والآجر وحجارة الطوحين ومعاصر.
ولكثرة الحفر فيها لأخذ السباخ بنى أهلها منازل خارجها وتركوا منازلهم الأصلية يأخذون منها السباخ.
وبها مسجد قديم العمرى يزعم من يدعى المعرفة بإظهار الكنوز أن به كنزا فلم يلتفت أحد إلى ذلك، إلى أن انهدم وهجر فعزم بعض أكابر البلد على هدم باقية ليجدده طامعا فى وجود ما يقال فيه.
قال بعض أهل هذه البلدة: ففى أثناء الحفر انهار على الفعلة تراب فيه ما يصدق ذلك الزعم، فترك العمل وجعل على المحل حرسا حتى أحضر عمد البلاد المجاورة وكان قد استحصل على نحو عشرين قطعة من الذهب فأطلعهم عليها وأشهدهم أنه لم يجد غيرها. ثم أرسلها إلى خزينة المديرية. وبعد أيام أعاد الحفر فى موضع آخر من المسجد فيقال أنه وجد به جرارا مملوءة من النقود فاحتملها هو ومن معه. فقام عليهم بعض أهل البلد فلم يمكنوهم من شئ، فأخبروا الحكومة بذلك، فحصل التضييق عليهم وسجن منهم من سجن وفر من فر.
ولم يزالوا كذلك إلى أن مات المرحوم عباس باشا وتولى المرحوم سعيد باشا فعافاهم من ذلك وخلى سبيلهم، ولم يزالوا فى ثروة إلى الآن.
وقد وجد تحت عقود هذا المسجد وعمده عقود وعمد أخرى بإزائها مرتدمة بالتراب، يقال إنها كانت كنيسة ردمها المسلمون وبنوا فوقها هذا المسجد.
وقد ذكر المقريزى فى الكلام على كنائس مصر أن بمرصفى كنيسة فلعلها هذه.
والظاهر أن هذه القرية إحدى قرى كورة خط أتريب المائة والثمانين قرية، وهى إحدى كور مصر الأربع التى قال فيها بعض المؤرخين: أنه ليس على وجه الأرض أفضل منها، ولا تحت السماء لهن نظير، وهى كورة الفيوم وكورة أتريب وكورة سمنود وكورة صا الحجر. انتهى.
وفى ابن إياس أنه فى شهر صفر من سنة ست وعشرين وتسعمائة خرج ملك الأمراء من القاهرة فنزل بمرصفى، ويقال أنه أخذ معه أربعين بغلا محملة نبيذا أقريطشيا (أجريدى) وكان سكيرا لا يصحو من سكره ليلا ونهارا، وكانت إذا ذاك عرب السوالم رافعة لواء العصيان ونجوعهم عند منية حمل والجوسق والمحروقة، فتحيّل إياس كاشف الشرقية على مشايخهم وأرسل لهم أمانا فركنوا إليه وحضروا عنده، فلما تمكن منهم أرسل إلى ملك الأمراء وهو بمرصفى فأعلمه بذلك فسير إليهم القاضى بركات بن موسى بجماعة من المماليك الجراكسة، فحاربهم العرب وكانت وقعة مهولة انكسرت فيها العرب وصار القبض على مشايخهم، ونهب المماليك نجعهم وأخذوا ما فيه من إبل وسلاح وقماش وحلى ونحاس وعبيد حتى نساءهم وأولادهم، وهربت عرب السوالم إلى الأودية والجبال، وقتل الكاشف مشايخهم وسلخ جلودهم وعملها بوات وألبسها جوخا وشاشات وأركبها على خيل وشقوا بها القاهرة ثم علقوها على باب زويلة وباب النصر.
وكان قد بلغ ملك الأمراء أن نجما شيخ عرب العائذ له تواطؤ مع عرب السوالم فقبض عليه ورجع به إلى القاهرة بعد سبعة أيام من خروجه. وقال أيضا: أنه لم يكن فى نزول ملك الأمراء إلى الشرقية خير للناس، فقد رعى عسكره زرع البلاد بخيولهم ومواشيهم، وقدمت له مشايخ العرب نحو ألفى رأس
من الغنم وستمائة أردب من الشعير غير التقاديم من الخيل والجمال، ونحو عشرة آلاف دينار، كل ذلك خصصه العرب على بلاد الشرقية. ثم إن عرب السوالم تحولوا إلى الصالحية فنهبوها وأحرقوا ما حولها من الضياع وأفرطوا فى التخريب حتى حصل منهم الضرر الشامل لتلك الجهات.
فلما رأى ملك الأمراء اتساع الأمر بادر إلى استدراكه فخلع على أخى نجم وقرره شيخا على العائذ وأنزله من يومه إلى الشرقية وأرسل معه تجريدة، وكان كاشف الشرقية قد حاصرته العرب ببلبيس ولم يكترثوا بتلك التجريدة وانتشروا فى البلاد بالسلب والنهب إلى المطرية وقبة العادل وصاروا يهجمون على القاهرة وينهبون أموال التجار من الدكاكين والخانات، ولم يجد ملك الأمراء بدّا من الصلح فصالحهم وجعل منهم مشايخ بدل الذين ماتوا وخلع عليهم وانحسمت تلك الفتنة. انتهى.
وكانت مرصفى فى السابق متسعة فلما أخذ العزيز المرحوم محمد على فى إصلاح الأرض وحصرها صغرت حدودها وزاد زمامها نحو النصف فمنه: ما أنعم به على الأمراء، ومنه ما كان/على أهل البلد كما حصل مثل ذلك فى كثير من بلاد مصر.
ثم إن لأهل هذه البلدة اعتناء زائد بتعليم أولادهم القراءة والكتابة فيعلمونهم فى المكتب، ثم يلحق كثير منهم بالأزهر، فلذا نشأ منها من العلماء من له التآليف المفيدة، وظهر منها أولياء أصحاب كرامات بكثرة كالشيخ سليمان الحجاجى، والشيخ هلول، والسيد راجح، وسيدى على الصياد، والشيخ نور الدين خليل المدفون بقرافة مصر بقرب قبر السيدة عائشة رضي الله عنها.
ترجمة سيدى على المرصفى
ومن أجلهم ابنه الشيخ على خليل نور الدين وقد ترجمه الشعرانى فى طبقاته فقال: كان من الأئمة الراسخين فى العلم وله المؤلفات النافعة فى
الطريق، واختصر رسالة القشيرى رضي الله عنه وتكلم على مشكلاتها، وكان فى مبدأ أمره أميا، ومن كلامه رضي الله عنه إذا خرج المريد عن حكم شيخه وانقطع عن مجلسه فإن كان سبب ذلك الحياء من الشيخ أو من جماعته لزلة وقع فيها أو فترة حصلت منه فهو كالطلاق الرجعى، فللشيخ أن يقبله إذا رجع لأن حرمة الشيخ فى نفس هذا المريد لم تزل.
وكان يقول: ليس للمريد أن يسأل شيخه عن سبب غيظه وهجره له بل ذلك منه سوء أدب، وكان من شأنه إذا كان يتكلم فى دقائق الطريق وحضر أحد من القضاة ينقل الكلام إلى مسائل الفقه إلى أن يقوم من كان حاضره، ويقول: ذكر الكلام بين غير أهله عورة.
قال: ومن وصيته لى: إياك أن تسكن فى جامع أو زاوية لها وقف ومستحقون، ولا تسكن إلا فى المواضع المهجورة التى لا وقف لها لأن الفقراء لا ينبغى لهم أن يعاشروا إلا من كان من خرقتهم، وعشرة الضد تكدر نفوسهم.
مات رضي الله عنه سنة نيف وثلاثين وتسعمائة، ودفن بزاويته بقنطرة الأمير حسين بمصر وقبره بها ظاهر يزار رضي الله عنه. انتهى مختصرا.
قال الشعرانى: وكلامه رضي الله عنه غالبه سطرته فى كتاب رسالة الأنوار القدسية وغيرها من مؤلفاتى. انتهى.
ترجمة الشيخ أحمد حسين المرصفى
وقد نشأ منها فى عصرنا هذا علماء وفضلاء من أجلهم الشيخ أحمد حسين المرصفى ويكنى بأبى الحلاوة.
أخبرنى ابنه الشيخ حسين أنه دخل المكتب بعد بلوغ سنة ثمان عشرة سنة، فحفظ القرآن فى ستة أشهر، واشتغل بالعلم حتى صار إماما فيه فى أقرب زمن.
وقد أخذ عن جماعة من فضلاء الأزهر فلازم الشيخ داود القلعاوى وسمع منه الكتب الستة، وأخذ عن الشيخ الدمهوجى، والشيخ الفضالى، والشيخ القويسنى، والشيخ الشرقاوى.
وكان رحمه الله زاهدا حافظا مائلا إلى حب العزلة لم ير فى وليمة إلا نادرا، وكثيرا ما كان يدعوه الأمراء إلى منازلهم فلا يجيبهم وكان يزور الإمام الشافعى ماشيا على كبر سنه.
وكان رحمه الله مهيبا فى درسه بحيث لا يستطيع الطالب أن يرفع فيه صوته ولو بالسعال، فإذا اعترى أحدا منهم السعال تحول وأخفى ذلك ما أمكن.
وكان فى مبدأ أمره سافر مع بعض مماليك العزيز المرحوم محمد على إلى أقصى الصعيد وأقام هناك سنتين ثم رجع، وانقطع للعلم بالأزهر إلى أن توفى إلى رحمة الله تعالى وعمره اثنتان وسبعون سنة.
ترجمة الشيخ حسين المرصفى
وقد ترك ابنه العلامة الشيخ حسينا من أجلاء العلماء وأفاضلهم، له اليد الطولى فى كل فن، وقل أن يسمع شيئا إلا ويحفظه، مع رقة المزاج وحدة الذهن وشدة الحذق.
اجتهد فى التحصيل وحفظ المتون-حتى متن جمع الجوامع وتلخيص المفتاح-، وتصدر للتدريس فقرأ بالأزهر كبار الكتب كمغنى اللبيب فى النحو لابن هشام، وله تآليف مفيدة أجاد فيها وأفاد، منها: كتاب «الوسيلة الأدبية فى علوم العربية» ، جمع فيه نحو اثنى عشر فنا.
وتكلم باللسان الفرنساوى وقرأ الخط العربى والفرنساوى فى أقرب زمن مع انكفاف بصره، وهو حروف اصطلح عليها اصطلاحا جديدا تدرك بالجس باليد.
وقد أنشأ الخديوى إسماعيل من ضمن ما أنشأ من المدارس مدرسة للعميان يتعلمون فيها هذا الخط مع فنون أخر. وكان الشيخ حسين معلم العربية فى دار العلوم بالمدارس الكبرى وبمدرسة العميان.
ترجمة الشيخ محمد المرصفى
ومن علمائها: العلامة الشيخ محمد بن الشيخ أحمد المرصفى المتوفى سنة إحدى وسبعين ومائتين وألف، وعمره ثمان وخمسون سنة، كان رحمه الله حسن الأخلاق حافظا يعلق فى ذهنه الدرس ويلقيه بعبارات من عنده واضحة.
وفى آخر عمره تقلد بوظائف من طرف الحكومة فكان فى مجلس الشورى والحقانية، ثم بالمدارس الميرية ثم أقامه المرحوم إبراهيم باشا بالقصر العالى لفصل القضايا الشرعية المتعلقة بدائرته. واستمر على ذلك حتى اعتراه مرض منعه عن القيام بهذه الوظيفة فأقام الباشا ابنه مقامه وأجرى له مرتب والده.
وكان مع تقلباته فى الحكومة لا يترك الدرس.
وله من التآليف: كتابه على شرح المنهج لشيخ الإسلام زكريا.
ترجمة الشيخ أحمد شلبى بن الشيخ محمد المرصفى
وأعقب ابنه الشيخ أحمد شلبى، ثم علمه القرآن وأقامه فى الأزهر فجد واجتهد حتى تأهل للتدريس.
وهو شافعى المذهب كأبيه وأكثر أهل بلده. ودخل المدارس الميرية يعلم التلامذة فن النحو ونحوه من الفنون العربية مع السير الحميد والسمت الحسن والعلم والتقوى. ثم انفصل عن هذه الوظيفة ولزم بيته ورتب له معاش من الروزنامجة العامرة إلى الآن، أعنى عام ستة وثلاثمائة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.
وكذا منها:/الشيخ أحمد شرف الدين أحد المدرسين بالأزهر، وكان من علماء الامتحان بالأزهر أيضا. وهو خوجة بالمدارس المكية. وكذا الشيخ زين المرصفى. والشيخ حسن الأكشر وغيرهم.
وفى هذه القرية عائلة مشهورة يقال لها عائلة أبى حشيش يزعمون أنهم من ذرية سيدى سند المغربى ولهم حسب واعتبار من عدة أجيال.
[ترجمة المرحوم الحاج خضر وأولاده]
ومنهم: المرحوم الحاج خضر كان وكيل مديرية القليوبية زمن العزيز المرحوم محمد على، وكان شهما كريما يكرم العلماء والضيفان. وكذا أولاده من بعده. ومنهم: ابنه إبراهيم قد توظف عدة وظائف سنية فكان ناظر قسم بالقليوبية مدة. وفى زمن الخديوى إسماعيل باشا عرضت عليه وظيفة مدير القليوبية فامتنع منها وتعلل بموانع واختار لزوم بيته والاشتغال بالزرع ونحوه.
ولهم زراعة واسعة وأملاك كثيرة وأبنية مشيدة وكفور خارجة عن البلد لمواشيهم ومحصولاتهم وبساتين.
ومن عوائدهم إذا مات واحد منهم أن ينصبوا لمحزنته خياما خارج البلد وتأتيهم المعزون من البلاد بالذبائح والغلال على الحمير والجمال، وكذا أهل البلد كل على قدر حاله، ويستمرون كذلك أكثر من أسبوع.
ويجلس الناس فى المحزنة سكوتا لا يتكلمون إلا سرا، ويطاف عليهم بالقهوة فلا يشربها إلا القليل، ويمدون السماطات بكثرة ويحثون الناس على الأكل ويأكلون أمام الناس ويظهرون قوة الشهوة للأكل، ومع ذلك فلا يأكل إلا القليل من الناس ومن أكل فلا يأكل إلا شيئا قليلا مع إظهار الكآبة والحزن.
ويلزمون أهل البلد ترك الأفراح أكثر من سنة. وأن لا يلبس أحد منهم مداسا أحمر بل يصبغه بنحو النيلة.
وأما إذا مات أحد من غير هذه العائلة فإن محزنته تكون فى الحارات أسبوعا فأقل ويأتيهم الطعام والقهوة من بيوت أهالى البلد فلا يخرج أهل الميت من بيتهم طعاما فى تلك المدة-وهذه العوائد فى كثير من البلاد بحيرة وصعيدا.-ومن عوائد هذه القرية زيارة القبور يوم الخميس، فتخرج قراء البلد ويجتمعون فى المقابر ويقرؤون عند كل قبر، ويجمعون المتحصل من الصدقات جليلها وقليلها من طعام وغيره ثم يقتمسونه آخر النهار، ولا يتركون قبرا بلا قراءة عليه ولو بلا صدقة.
ثم فى شرقى هذه البلدة على نحو ساعة تل مرتفع يسمى تل اليهودية يذهب إليه السياحون وغيرهم فيجدون به من الآثار القديمة وصور الحيوانات شيئا كثيرا وربما يجدون قطعا من الذهب أو الفضة وتأخذ منه أهالى البلاد المجاورة كثيرا من السباخ.
(مريوط)
هذه المدينة كانت تسمى قديما نفايات وذكر كترمير: أنها لم تسم باسم مريوط إلا فى كتب القبط الحادثة، وفى الكتب القديمة كان يطلق هذا الاسم على جميع الليبيا.
وكان بقربها فى الصحراء كنيسة باسم مينا الذى هو من أهالى نيكيوس وكان محترما عند أهالى ليبيا. وفى الكتب العربية أطلق هذا الاسم على مدينة واقعة فى النهاية الغربية من أرض مصر وأطلق عليها مؤلفو العرب اسم ليبيا.
وقال المقريزى: أن أرض هذه المدينة وأرض مراقية والإسكندرية تشتمل على مائة وأربعة وعشرين قرية غير الكفور. وذكر فى موضع آخر: أن المسافر بعد مفارقة أرض ليبيا يدخل أرض أنطيوليس يعنى برقة.
وذكر كل من القضاعى والمسعودى خط ليبيا فى مؤلفاتهما.
وقال المقريزى عند ذكر رمل القرابى: أن مدينة مراقية كورة من كور مصر الغربية وهى آخر حد مصر، وفى آخر أرض مراقية تلقى أرض أنطابوليس وهى برقة وبعدها عن مدينة سنتريه (سيوه) نحو بريدين. وكان قطرا كبيرا به نخيل كثير ومزارع وبه عيون جارية وبها إلى اليوم بقية، وثمرها جيد وزرعها إذا برز ينبت من الحبة الواحدة من القمح مائة سنبلة. وكذلك الأرز بها جيد. وبها إلى اليوم بساتين متعددة.
وكانت مراقية فى القديم من الزمان يسكنها البربر الذين نفاهم داود عليه السلام من أرض فلسطين فنزلها منهم خلائق، ومنها تفرقت البربر فنزلت زناتة ومقيلة وخريسية الجبال، ونزلت لواتة أرض برقة، ونزلن هوّارة طرابلس الغرب، ثم انتشرت البربر إلى السويس.
وقال فى ذكر فتح الإسكندرية: إنه كان فى مريوط واقعة مع سيدنا عمرو ابن العاص والأروام. كانت النصرة فيها للمسلمين.
قال: وقال ابن الحكم: حدثنا يزيد بن أبى حبيب: أن المقوقس الرومى الذى كان ملكا على مصر صالح عمرو بن العاص على أن يسير من الأروام من أراد المسير ويفر منهم من أراد الفرار على أمر قد سماه، فبلغ ذلك هرقل ملك الروم فسخط أشد السخط وبعث الجيوش فأغلقوا أبواب الإسكندرية وآذنوا عمرا بالحرب، وخرج عمرو بالمسلمين حين أمكنه الخروج، وخرج معه جماعة من رؤساء القبط وقد أصلحوا لهم الطرق وأقاموا لهم الجسور والأسواق وصارت لهم القبط أعوانا على قتال الروم. واستعدت الروم واستجاشت وقدمت عليهم مراكب فيها جمع عظيم من الروم بالعدة والسلاح.
فسار عمرو من الفسطاط إلى الإسكندرية فلم ير منهم/أحدا حتى بلغ مريوط، فلقى فيها طائفة من الروم فقاتلهم فهزمهم الله، ومضى عمرو بمن معه حتى التقى مع جمع الروم بكوم شريك فاقتتلوا ثلاثة أيام ثم فتح الله على المسلمين وولى الروم أكتافهم. انتهى.
مكتبة الأسرة-2008
وفى كتاب الروضة الزاهرة فى أخبار مصر وملوكها الفاخرة، قال الواقدى:
لما عبر جيش المسلمين من الجانب الغربى أمر عمرو بن العاص خالد ابن الوليد أن يسير خلف أرسطوليس بن المقوقس، وعين معه جيشا كثيرا وأمره أن يقاتل كل من خرج عن طاعته.
فارتحل خالد بالجيش وقد جعل على مقدمته يوقنا صاحب حلب فى بنى عمه، وهم فى أحسن زىّ على زىّ الروم حتى نزلوا على مريوط.
وفى حسن المحاضرة: أن عمرو بن العاص هو الذى توجه إلى فتح الإسكندرية وقتال أرسطوليس، وكان عبد الله بن عمرو على المقدمة، وحامل اللواء وردان مولى عمر بن الخطاب، وصلى عمرو صلاة الخوف ثم فتح الله على المسلمين بعد أن قتلوا من الكفار مقتلة عظيمة وكان ذلك عند مدينة الكريون
وما يشبه أن يكون من الخرافات ما حكاه الواقدى قال: لما بلغت الأخبار المرمدان الساقى الذى تركه أسطوليس على مريوط فى ثلاثة آلاف فارس حصن مدينة مريوط ومنعها وزاد فى خندقها، ثم نزل عليه خالد بن الوليد بالمسلمين وبعث إليه يوقنا بعشرين فارسا من بنى عمه فقال لهم المرمدان: ما الذى أتى بكم؟ فقال يوقنا: إن أمير المسلمين يقول لك: إما أن تسلّم المدينة للمسلمين ولك مالك وأهلك، وإما أن تسلم فلك ما لنا وعليك ما علينا ونجعلك أمير مدينتك كما أنت.
فضحك المرمدان وقال: وحق دينى ما كنت ممن يخون الملك فى بلده، ولا أفلح من دخل معكم وستعلمون على من تدور الدوائر ومن يكون منا المقبول فى الآخرة، ثم إنكم يا معشر الروم كفرتم بالمسيح ولذتم بهؤلاء العرب الجياع العراة.
ثم صاح برجاله وقال: خذوا هؤلاء اللئام وضعوهم فى الأغلال، فقبضوا عليهم. وكان سلاحهم قد أخذ منهم حين دخلوا دار الإمارة، ثم أوثقهم
بالحديد وألقاهم فى بيت مظلم فى داخل دار الإمارة، وأقام ينتظر غفلة من أصحابهم حتى يسيرهم إلى الملك بالإسكندرية، ووكل بهم جارية من خواصه اسمها زين.
فلما جن الليل واشتغل المرمدان وغلمانه بالشراب وسكروا، أقبلت الجارية إلى الباب وفتحته وقالت ليوقنا وأصحابه: لا خوف عليكم أنا أخت مارية التى أهداها المقوقس لنبيكم صلى الله عليه وسلم، وأريد أن أحلكم من الوثاق بشرط أن توصلونى إلى مدينة نبيكم. فقال يوقنا: نفعل إن شاء الله لكن يجب على العاقل أن يخاف فى موضع الأمن وهل تعرفين لهذه المدينة باب سر؟ فقالت:
نعم، وإنه فى وسط دار الإمارة لا يعلم به إلا أنا والملك وخواصه، وهو يفتح على سرداب تحت الأرض يوصل إلى ظاهر المدينة فى وسط المقابر وعلى بابه الذى فى المقابر قبة كبيرة على ثمانية أعمدة وفى القبة قبر يظن من رآه أنه قبر بعض الملوك.
ثم أشرفت الجارية على المرمدان ومماليكه فوجدتهم صرعى من الخمر فتركتهم ومضت تريد فتح السرب، وإذا هى بحس فيه ففزعت ووقفت تسمع، ثم قالت: من أنتم؟ فقال لها قائل: أنا ابن المرمدان افتحى ولا تعلمى أبى.
ففتحت فإذا هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبضوا على الجارية فقالت: يا قوم دعونى فإنى أردت أن أفتح هذا الباب وأخرج إليكم وأعلمكم حتى تنهضوا إلى المدينة وتملكوها والله تعالى قد أتى بكم وأنا أخت مارية زوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم.
ففرح خالد وقال: أين أصحابنا؟ فدلتهم عليهم، فحلوا وثاقهم واخترقوا دار الإمارة فوجدوا المرمدان فى سكرة فقبضوا عليه وعلى غلمانه وأوثقوهم وأخذوا ما كان عندهم من السلاح.
وأمر خالد أصحابه أن يملكوا السور ففعلوا وقبضوا على الحرس والرجال الذين به ونزلوا إلى باب المدينة، وكان لها باب كبير فكسروا الأقفال وأزالوا السلاسل.
وسبب استدلال المسلمين على هذا السرب هو ما حكاه أوس بن ماجد وكان من أصحاب خالد بن الوليد، قال: لما نزلنا على مريوط بجيشنا أنفذ خالد يوقنا إلى المرمدان برسالة وأقام ينتظر الجواب، فأبطا يوقنا فعلم أنه قبض عليه فاهتم من أجله فلا يكاد ينام من خوفه عليه وعلى أصحابه، وكان معه جواسيس ممن دخل من أهل الذمة فى طاعة المسلمين. فبينما خالد فى همه إذ ورد عليه جواسيسه وأخبروه أن ابن المرمدان قد أقبل من عند الملك أرسطوليس بالخلع والتحف فى خمسمائة فارس، وأنه بلغه الخبر أنكم على حصار أبيه وأنه نزل بعسكره وأثقاله بالبعد من المدينة وقد انفردوا مع خادمين.
وها هو قد أقبل نحو المدينة وما ندرى ما الذى يريد. فقام خالد ومعه غلام اسمه همام وأربعة من أبطال المسلمين وقعدوا عند سفح الجبل ولصقوا بالأرض وإذا بابن المرمدان قد أقبل بخادميه وقصدوا المقابر، فكبسهم خالد وجماعته فى القبة وهم يزيلون التراب، فقبضوا عليهم. وقال لهم خالد:
عرّفونى ما تصنعون فى هذه القبة فإن صدقتم أمنتكم وإن كذبتم أمرت بضرب رقابكم. فقال الغلام: إن أنت أمنتنى حدّثتك. فقال خالد: فقد أمنتك. فبادر إلى/تقبيل يديه وقدميه وقال: يا مولاى وأريد أمانا لأبى ومن يلوذ به فأجابه خالد إلى ذلك.
فأخبره خبر ذهابه إلى الإسكندرية ومجيئه منها، وأن هذه القبة على سرب ينتهى إلى المدينة إلى وسط دار الإمارة، فتهلل وجه خالد فرحا وقبض على الغلام ومن معه وأمر بإزالة ذلك القبر، فبان لهم ممرق فلم يزالوا به حتى انفتح. فبعث خالد يستدعى الأبطال فاستدعى ثلاثمائة ثم أوقدوا المشاعل ودخلوا فى السرب حتى وصلوا إلى الباب الثانى الذى فى دار الإمارة، وفتحت لهم زين أخت مارية القبطية.
ثم أن خالدا لما ملك المدينة بعث إلى ذى الكلاع الحميرى ينتخب من الجيش خمسمائة فارس ويسيرهم إلى خمسمائة فارس من الروم، وكان أرسلهم
أرسطوليس مددا لأهل مريوط وهم فى محل عينه لهم وأن يرسل بقية الجيش إلى مدينة مريوط ففعل ما أمر به وسار من ساعته فهجم على الخمسمائة فارس الرومية على حين غفلة وغالبهم نائم، فوضع فيهم السيف وقتل منهم من قتل، وأسر من أسر، وغنم أمتعتهم وخيولهم، ودخل بقية الجيش المدينة ليلا. فلما كان الغد واستيقظ المرمدان من غفلته رأى المدينة قد ملكها المسلمون وأعلنوا بالتكبير والتهليل فاعتقل لسانه من الجزع. وقال له خالد: يا عدو الله لولا أنى أعطيتك الأمان لقتلتك شر قتلة. فخذ أهلك ومالك وانصرف، فإنّا قوم إذا قلنا قولا وفينا به، وإذا عاهدنا لم نغدر، فخرج المرمدان بأهله وماله.
وأما ولده فأسلم فأعطاه خالد قصر أبيه وما فيه. قال: وعرض خالد الإسلام على أهل مريوط فأسلم أكثرهم وجمع الغنائم ومن لم يسلم من الرجال، وأخرج منه الخمس لبيت المال وقسم الباقى على الجيش وكتب عمرو بن العاص يبشره بفتح مريوط وأنه معوّل على الرحيل إلى الإسكندرية. انتهى.
وقال المقريزى أيضا فى ذكر حوادث الإسكندرية: أن حباسة دخل فى جيوش إفريقية إلى الإسكندرية فى المحرم سنة اثنتين وثلاثمائة ومعه مائة ألف أو زيادة عليها، وقدمت الجيوش من المشرق مددا لتكين أمير مصر وسار حباسة من الإسكندرية، ونودى بالتغير فى الفسطاط لعشر بقين من جمادى الآخرة، فلم يتخلف عن الخروج إلى الجيزة أحد من الخاصة والعامة إلا من عجز عن الحركة لمرض أو عذر.
وأتاهم حباسة بجيشه فلقيه أهل مصر فهزموه، ثم دار عليهم فقتل من أهل مصر نحوا من عشرة آلاف ونهض حباسة إلى إفريقية وأقاموا بمصر مطرّبين فأقبل مؤنس الخادم من العراق فى رمضان بجيوش كثيرة فصرف تكين فى ذى القعدة وولى زكاء الأعور فى صفر سنة ثلاث وثلاثمائة. وخرج فى جيوشه إلى الإسكندرية وتتبع كل من يومئ إليه بمكاتبة من صاحب إفريقية فسجن منهم وقتل كثيرا وأجلى أهل ليبيا ومراقية إلى الإسكندرية فى شوال سنة ثلاثمائة
وأربعة، ولم تزل مراقية فى اختلال إلى أن تلاشت فى زمننا وبها بعد ذلك بقية جيدة.
وتكلم أيضا عن مريوط فقال: أنها تابعة للإسكندرية وبها منازل وبساتين تمتد إلى حدود برقة. والآن صارت قرية من قسم الإسكندرية يتحصل منها الفاكهة والحبوب. وفيها جامع بنى سنة ستمائة وست وستين، وقد حبسها الظاهر بيبرس على جامع الحاكم بالقاهرة.
وفى سنة ثمانمائة وإحدى وعشرين اشتراها المؤيد شيخ محمودى وأصلح بساتينها التى كانت قد تخربت بإغارات عرب لبيد القاطنين فى أرض برقة.
ونقل كترمير عن رجل جغرافى من العرب لم يعرف اسمه: أن مريوط قرية كبيرة بها كثير من البساتين، ويتحصل منها كثير من الفاكهة واللوز المتحصل منها رقيق القشرة جدا بحيث أنه يكسر بين الإصبعين بسهولة.
ونقل كترمير عن الأمير أندريوس: أن مدينة مريوط على بعد أربعة أميال من الإسكندرية فى الجهة الغربية بقدر ساعتين ونصف بسير الجواد، وقريبة من البحر المالح، وفيها ثلاثة آبار عميقة على غاية من الحفظ ينزل فيها كل عام ماء المطر، ويشاهد فى نواحيها أطلال أبنية عتيقة وقبور إسلام على أحجارها ورخامها نقوش تشتمل على تواريخ وتهليل وأسماء الأموات.
وأرض مريوط فى الأصل طيبة التربة تشبه طينة وادى النيل فلعلها تكونت عن مياه النيل الذى كان يجرى فى أرضها فى سالف الأحقاب ويدل لذلك ما قاله هيرودوط: أن أهالى مدينتى مريوط وأيبيس الكائنتين فى حدود الليبيا كانوا ينكرون أنهم مصريون ويقولون نحن ليبيون كراهة لعوائد المصريين، وكان المصريون يمنعونهم من أكل لحم البقر فطلبوا من الكاهن الإذن فى أكل أى نوع أرادوا من الحيوانات لما أنهم ليسوا مشاركين للمصريين فى سكنى ولا فى لغة ولا عوائد بل هم خارجون عن أرض مصر ولغتهم تخالف لغتهم، فلم يقبل منهم ذلك قائلا: إن جميع الأرض التى تسقى بفيض النيل تعد من مصر
وينسحب على أهلها أحكام المصريين وأن جميع القاطنين فى وادى النيل من أسوان إلى ما تحتها مصريون لشربهم من النيل. انتهى
ثم إنه متى نزل ماء المطر بأرض مريوط أنبتت بعض حشائش فتأتيها العرب/ولا سيما الجوابى، ويسرحون فيها أغنامهم ومواشيهم لترعاها.
وحيث أن آبارها لا تملتئ إلا من الأمطار ففى أيام القيظ لا ينبع فيها الماء إلا ببط ء ويتردد عليها العرب لقربها من الإسكندرية، ولكونها واقعة على الطريق الموصل إلى مديرية البحيرة وعليها الآبار التى يستقى منها.
(مسير)
قرية من مديرية الغربية، بمركز كفر الشيخ واقعة فى الجنوب الغربى لناحية متبول بنحو خمسة آلاف وثلاثمائة متر وفى جنوب منية مسير بنحو سبعمائة متر.
وبها جامعان كلاهما بمنارة، وبها ضريح عليه قبة. وفى وسطها سويقة صغيرة دائمة وسوق عمومى كل أسبوع. ولإهلها اعتناء بزراعة الكتان أكثر من غيره. وأكثر أهلها مسلمون.
ترجمة الشيخ يحيى المسيرى
وإليها ينسب كما فى ذيل الطبقات للشعرانى الشيخ يحيى المسيرى وقد ترجمه بأنه: الشيخ الصالح الورع الزاهد سيدى يحيى المسيرى، ولد شيخنا الشيخ شهاب الدين رأس المدرسين بالجامع الأزهر رضي الله عنه.
نشأ فى علم وأدب ونسك وعبادة. قال صحبته: من حين كان دون البلوغ فلم أر عليه شيئا يشينه فى دينه، وما سمعته قط يذكر أحد بسوء، أخذ العلم عن جماعة من مشايخ الإسلام، كالشيخ ناصر الدين اللقانى، والشيخ شهاب الدين الرملى وأضرابهما، وتبحر فى العلوم وشرح منهاج النووى شرحا لطيفا فيه فوائد كثيرة. وأجازه أشياخه بالفتوى والتدريس فأفتى ودرس وانتفع به خلائق.
وهو رضي الله عنه من الكرم بجانب عظيم، وله اعتناء بقضاء حوائج الإخوان تبعا لوالده، وله الاعتقاد التام فى طائفة الصوفية وتهجد عظيم فى الليل، وأما حلاوة منطقه وحسن عشرته فأمر عظيم لا يكاد جليسه يمل من طول مجالسته. وقال: وما رأيته قط يزاحم على شئ من أمور الدنيا، فاسأل الله تعالى ان يزيده من فضله اللهم آمين. انتهى
ترجمة الشيخ عبد الكريم المسيرى
وإليها ينسب أيضا الإمام العالم العلامة الشيخ عبد الكريم المسيرى ترجمه الجبرتى بأنه: أحد الأذكياء الشيخ عبد الكريم بن على المسيرى الشافعى المعروف بالزيات لملازمته الشيخ سليمان الزيات.
حضر دروس فضلاء الوقت، ولازم شيخه حتى صار معيدا لدروسه، ومهر وأنجب، وتضلع فى الفنون ودرس وأملى وكان أوحد زمانه فى المعقولات.
ولازم دروس الشيخ الحفنى وتلقن منه العهد، ثم أرسله الشيخ إلى بلاد الصعيد لأنه جاءه كتاب من أحد مشايخ الهوارة ممن يعتقد فى الشيخ بأن يرسل إليه أحد تلامذته لينتفعوا به، فكان هو المعين لهذا الأمر فألبسه وأجازه.
ولما وصل إلى ساحل بهجورة بالصعيد تلقته الناس بالقبول التام، وعينوا له منزلا واسعا وحشما وخدما وأقطعوا له جانبا من الأرض ليزرعه. فقطن ببهجورة واعتنى به أميرها شيخ العرب إسماعيل بن عبد الله فدرس وأفتى وأعطى العهود وأقام مجلس الذكر، وراج أمره وتملك عقارات ومواشى وعبيدا وزروعات.
ثم تقلبت الأحوال فى الصعيد فأوذى وأخذ ما بيده من الأراضى، فأتى إلى مصر فلم يجد من يعينه لوفاة شيخه ثم عاد ولم يتحصل على شئ مما كان بيده.
وما زال ببهجورة حتى مات فى أواخر سنة إحدى وثمانين ومائتين وألف.
انتهى.
ترجمة الشيخ محمد المسيرى
وينسب إليها أيضا: العالم الفاضل الحاذق الماهر الشيخ محمد المسيرى، كان من الفضلاء الظاهرين بمدينة الإسكندرية وقت أن كان الإنكليز مسؤلين عليها قبل حكم العزيز محمد على، وكانوا من أهل الحل والعقد، ولما دخلت الفرنساوية مصر واستولوا عليها كان من ضمن السبعة الأعيان الذين اختارهم بونابارت فى تركيب مجلس لفصل قضايا الأهالى، فكان رئيس المجلس السيد محمد كريم والمسيرى أحد أعضائه.
وبعد أن خرجت الفرنساوية من مصر واستولى الإنكليز على الإسكندرية سنة سبع عشرة ومائتين وألف، حرر المذكور خطابا إلى بونابارت يخبره بما هو حاصل وقتئذ، وصورته كما فى كتاب الأنيس المفيد لدساسى: أن من أحسن ما خطر فى الضمائر، وبرز من مكنونات الذخائر ثناء أذكى من المسك عبيرا ودعاء أسرع من السحاب مسيرا إلى حضرة من أثار لعشيرته فى الأنام ذكرا، ورفع لهم لواء لا يستطيع غيره له نشرا، المتوصل بثاقب ذكره إلى المطالب القاصية، والمذلل برأيه وسياسته جوامح النواصى العاصية، الظاهر بمظهر الجلال والسابق بحزمه إلى المراتب العوال، ذى المهابة والوقار عند جميع الأجناس، والشهامة والكياسة عند الخاص والعام من الأكياس، حضرة صارى عسكر الجمهور الفرنساوية وإنسان عينهم، فعليه مدار القضية بونابارته جعل الله همته مصروفة فى الرشاد والصلاح ونظمه فى سلك أهل الفلاح، وأجرى على يديه راحة العباد وأجلى به الهموم والغموم والأنكاد، وصان ذاته من كل نقص وشين وتولى أمره باللطف فى الدارين، ولحظه بعين عنايته فى حركاته وسكناته، وكان له موفقا فى جميع تقلباته وتصرفاته.
أما بعد بسط يدى بصالح الأدعية ونشر الثناء فى جمع الأندية، فإنا نحمد لكم الله الذى لا إله إلا هو على كل حال، ونسأله أن يلطف بالجميع فى جميع الأحوال، وإننا لم ننس/لكم ذكرا، ولم نغفل عن الدعاء لكم سرا
وجهرا، ونعرفكم عن أحوال طرفنا وهو أن البلاد المصرية حاكمها بمصر المتصرف فى أمورها محمد باشا وباشا الإسكندرية خورشيد باشا، ولكن الكلام والتصرف فى الإسكندرية لطائفة الإنكليز، وأما الدخل والخرج فهو بيد العثملى. والغز يعنى المماليك كانوا فى الصعيد فتعين عليهم عساكر مرارا فتلاطموا معهم ووقعت بينهم محاربات وانهزامات وجراحات وأمور كثيرة.
والآن جاءوا إلى أرض الفيوم وبرزت لهم تجريدة عسكر كبيرة وما ندرى الآن ما حصل بينهم هل تلاطموا أولا، ومع الغز طائفة من الفرنساوية وهربت لهم عساكر من الأرنؤد. والنيل كان وافيا، وشاع فى البلد أن عساكر من متوجهة إلى أرض الشام مساعدة لمحمد باشا أبى مرق وإلى يافا لأنه وقع بينه وبين والى عكة مشاجرة فحاصره فاستغاث بالدولة فأغاثوه بمراكب صارى عسكرها أنجهـ بيك الذى وقع مركبه فى بوقير. ثم وقعت بينهم وبين عسكر الجزار ملاطمة، ثم جاء انجهـ بيك مصر، وهو الآن بها.
وشريف مكة مات وتولى أخوه، وذكروا أن بينه وبين بن أخيه حروبا منصوبة، وباشا جدة الحجاز توفى. وذكروا أن والى دمشق ووالى عكة اصطلحا بعد وقوع حروب بينهما، ووقع أيضا بينه وبين أهل دمشق حروب، وأخذ قلعتها وإلى الآن أبو مرق محاصر فى يافه.
وربنا يصلح أحوال البلاد، ويهنئ جميع العباد، ويلهم خلقه الرشد والسداد، وتفصيل الأمور يطول، والله تعالى يجرى فضله فى عباده ويعاملهم بلطفه وإحسانه وييسر لهم الاستقامة، ويجعلكم ممن رفع له فى الملأ الأعلى ذكرا، وأجرى على أيديهم لعباده نفعا وخيرا ولا يجعلكم ممن لعبت به الحياة الدنيا بل يجعلكم ممن همته عليا، ويختم لكم بالخير والإحسان آمين آمين.
فى 21 جمادى الثانية سنة 1217. من الفقير محمد المسيرى لطف الله به. انتهى.
(المسيد)
قرية من قسم أطفيح، بمديرية الجيزة فى شمال البرنيل بسفح الجبل الشرقى.
وبها مسجد جامع، وليس بها أشجار ولا نخيل، وفى جهتها الشمالية الغربية على قارة من الجبل مقام ولى يقال له سيدى خليل أبو غنائم، وله زاوية معدة للصلاة ليس لها ميضأة ولا مراحيض، وفى قبليها على نحو ثلاثمائة قصبة محجر يؤخذ منه الأحجار لعمائر تلك الجهة وهو الذى أخذ منه أحجار قنطرة الكريمات.
(المشايعة)
قرية من مديرية سيوط، بقسم بوتيج فى حاجر الجبل الغربى فوق ترعة السوهاجية من الغرب، وفى شمال الغنائم بقليل.
وبها جامع، ومكتب لتعليم القرآن، ونخيل، وأهلها يتسوقون من سوق الغنائم، وتكسبهم من الزرع المعتاد، وأرضها خصبة، وفى أهلها يسار وفيها شجر المقل.
(مشتول السوق)
قرية من مركز بلبيس، بمديرية الشرقية فى الجنوب الغربى لأنشاص الرمل على نحو اثنى عشر ألف متر.
وهى بلدة ذات أشجار وبساتين وأبراج حمام. وبها أرباب حرف وتجار ومساجد وزوايا عامرة، ومجلسان للدعاوى والمشيخة ومكاتب لتعليم أطفال المسلمين، وسوق كل يوم اثنين.
وتكسب أهلها من الزراعة خصوصا قصب السكر ومن زبل الحمام. وزمام أطيانها أربعة آلاف وأربعمائة وثلاثة وتسعون فدانا. وعدد أهلها خمسة آلاف واثنان وعشرون نفسا.
وحكى الجبرتى: أن نوة شديدة حصلت فى أواخر شعبان سنة تسع عشرة ومائتين وألف، وتتابع الغيم، ودخل الليل وحصل رعد هائل وبرق شديد ومطر كثير. وبعد أيام جاء خبر من بلاد الشرقية أنه نزل بناحية مشتول صواعق فى تلك الليلة أهلكت نحو العشرين من بنى آدم وأبقارا وأغناما وعميت منها أعين جماعة من الناس. انتهى
(المصيلحة)
بالتصغير بلدة من مديرية المنوفية، بمركز سبك واقعة فى غربى بحر شبين بنحو ألف متر، وفى الجنوب الشرقى لشبين الكوم كذلك، وفى الجنوب الغربى لقرية منية خلف بنحو خمسمائة متر.
وبها جامع بمنارة، وزاوية صغيرة بناها الشيخ حسين المصيلحى ولما مات دفن بها فى سنة خمس وثمانين ومائتين بعد الألف. وليس بها نخيل، وبها سواق، وقليل أشجار، وأكثر أهلها مسلمون.
ترجمة الشيخ محمد المصيلحى الشافعى
وإليها ينسب كما فى الجبرتى: العلامة المتفنن المتقن المعمر الضرير الشيخ محمد المصيلحى الشافعى، أخذ عن شيوخ الوقت كالشيخ محمد شنن المالكى، وأجازه الشيخ مصطفى العزيزى، والشيخ عبد ربه الديوى، والشيخ أحمد الملوى، والشيخ الحفنى، والدفرى، والشيخ على قايتباى، والشيخ حسن المدابغى.
ولما مات الشيخ أحمد الدمنهورى وانقرض أشياخ الطبقة نوه بذكره واشتهر صيته وحف به تلامذته وأخذوه إلى بيوت الأمراء لحاجاتهم وعارضوا به المتصدرين من الأشياخ.
ولما تولى الشيخ أحمد العروسى مشيخة الأزهر بعد موت الشيخ أحمد الدمنهورى كان هو غائبا فى الحج، فلما رجع أخذته حمية المعاصرة وحركه
من حوله للمناكرة حتى تعدى على تدريس الصلاحية بجوار مقام الإمام الشافعى المشروطة لشيخ الأزهر بعد صلاة الجمعة فلم ينازعه/الشيخ العروسى وتركها له خوفا من ثوران الفتن.
وتوفى رحمه الله ثانى عشر شوال من سنة إحدى ومائتين وألف. وصلى عليه بالأزهر فى مشهد حافل بالمجاورين. ولما مات قرر الشيخ العروسى مكانه فى تدريس الصلاحية تلميذه الشيخ مصطفى الصاوى وحضر افتتاحه فيها وذلك من حسن رأيه وجودة سياسته. انتهى
(المطاعنة)
هذه الناحية جملة قرى من قسم إسنا فى غربى النيل، وفى شمال مدينة إسنا على مسافة أكثر من ساعة، وهى قرية أسفون، وقرية طنفيس، والكوم الشرقى والكوم الغربى، وقرية أسطيح مع جملة كفور صغيرة.
وأشهر هذه القرى وأقدمها قرية أسفون، وقد مر الكلام عليها فى حرف الألف. وجميع هذه القرى عامرة آهلة ذات مساجد مقامة الشعائر، وذات نخيل وأشجار وفيها أضرحة عليها قباب.
وأبنيتها بالآجر واللبن، وأهلها يتكسبون من الزرع ومن خدمة الدائرة السنية. وعلى جسر أسفون مقام الأمير غانم بن عياض وبجواره ساقية وأشجار، وفى شرقيها ترعة أسفون المتصلة بترعة العقيدى، وبالقرب من فمها قنطرة بسبع عيون أنشئت فى عهد الخديوى إسماعيل باشا سنة ثمان وثمانين. كما أنشئت الترعة المذكورة فى مدته أيضا، وعلى شاطئ البحر تجاه تلك الناحية وابورات لسقى زراعة الدائرة منها: وابوران لكل منهما قوة مائة حصان بخارية.
ووابور بقوة خمسة وعشرين، وبين الوابورات فوريقة تشتمل على عصارتين قوتهما جميعا نحو أربعمائة حصان، وتشتمل على مخازن على قدر كفاية العسل والسكر وما يلزم للفوريقة.
وبجوار الفوريقة منازل مشيدة مبنية بالآجر والدبش واللبن لسكنى المستخدمين. وبين تلك المنازل والبحر أشجار وبساتين وجسر متين، وفى غربى المنازل بساتين أيضا وبآخرها الجنوبى قيسارية بدكاكين وقهاوى، وفى غربى ذلك محلات تسكنها الأهالى. وبحرى الفوريقة مخازن وشون ومحلات ديوان الفوريقة واصطبل للمواشى، ومن بحرى ذلك كله جنينة عظيمة بدائر سورها أشجار الموز وفيها قصر مشيد، وهناك بساتين وأشجار حافة بالجسور والمجارى من الجانبين.
(المطاهرة)
بلد قديم شرقى النيل من مديرية المنية، واقعة فى شمال بنى حسن بنحو ساعة، وأغلب أهلها نوتية.
وبها نخيل وأشجار ويتبعها جملة كفور فى غربى النيل. وفي قبليها فم ترعة سوادة المارة فى شرقيها، وسكانها يتلصصون على المراكب التى بيتت بقربها فلذا لا تبيت عندها المراكب إلا لضرورة.
(مطاى)
قرية من مديرية المنية، بقسم بنى مزار فى غربى النيل بقدر ألفين وسبعمائة وخمسين مترا، وغربى الترعة الإبراهمية بقدر ألف وخمسمأئة متر، وفى الشمال الشرقى لقرية ادقاق بقدر ألف وسبعمائة وخمسين مترا.
وفيها نخيل وأشجار ومساجد مبنية بالآجر واللبن كمنازلها، وبها أنوال لنسج الصوف، وسوق دائم يباع فيه نحو الخبز واللحم، ولها سوق جمعى.
وفى شرقيها بقدر ألف وخمسمائة متر فوريقة لعصر القصب وعمل السكر للدائرة السنية، وبجوارها ديوان للتفتيش ومساكن المستخدمين من المهندسين الأورباويين وغيرهم. وهى فوريقة فرنساوية من فوريقة الخواجة كاى، وقد عمل لها سكك حديد زراعية لجلب القصب إليها من الغيطان، وكان قبل ذلك يجلب على ظهور الإبل وكذا غيرها من الفوريقات.
وأطيان تفتيشها ثمانية عشر ألف فدان يزرع منها كل سنة نحو ستة آلاف فدان قصبا، ويزرع الباقى حبوبا وقطنا، وريها من الإبراهيمية وغيرها.
ويتحصل من الفويقة كل يوم خمسمائة قنطار سكر أبيض حبا، ومائتا قنطار سكر أحمر أقماعا، وأربعون قنطارا اسبيرتو، فالمتحصل منها سنويا خمسون ألف قنطار سكر أبيض، وعشرون ألف قنطار سكر أحمر وعشرة آلاف وخمسمائة قنطار اسبيرتو.
وتشتمل هذه الفوريقة كغيرها من الفوريقات على آلات قوية من الحديد والنحاس وغيرهما تدور بقوة النار، من ذلك أربع عصارات لعصر القصب لكل واحدة قوة ثمانين حصانا ووابور لإدارة غرابيل العظم ونوارج غسله له قوة ثلاثة خيول، ووابوران لتوزيع الماء لكل قوة ثمانية خيول، وستة وابورات حرارة اثنان لتكرير الشربات بالقزانات لكل منهما قوة خمسة عشر حصانا، واثنان لعمل الجلاب لكل قوة عشرة خيول، واثنان لطبخ العسل الرجيع بالقزانات لكل قوة عشرة خيول، ووابوران لإدارة دواليب تكرير السكر الأبيض الحب لكل قوة خمسة عشرة حصانا. ودنكان أحدهما لتوصيل المياه إلى القزانات العشرين، والآخر إلى قزانات العصير لكل منهما قوة ثمانية خيول، ووابور لإدارة ورشة الحديد والنحاس والسبك والبرادة بقوة ثمانية خيول، ووابوران لتكرير السبيرتو لكل قوة خمسة عشر حصانا. وذلك غير وابورات السكة الحديد التى تنقل القصب من الغيطان إلى الفوريقة للواحد منها قوة عشرين حصانا ويتبعه طقم من العربات نحو عشرين/عربة.
ومن لوازم الفوريقة أيضا ورشة الحدادين بآلاتها ورجالها، وورشة البرادين والخراطين كذلك، وورشة النجارين ومسبك، ومخازن عمومية لجميع أدوات الفوريقة وآلاتها. ومخازن لحفظ السكر يوميا، ومخازن لحفظها سنويا، وهكذا فى كل فوريقة وإنما تتفاوت يسيرا بزيادة أو نقص فى القوة أو فى العدد.
(مطر طارس)
قرية من قرى الفيوم بقسم أول، من أهلها: المرحوم عبد الله أغا المطر طارسى كان ناظر قسم الفيوم زمن العزيز المرحوم محمد على ثم صار مأمورا على جميع بلاد الفيوم، وكان من الجبارين. وترك أولادا هم عمد الناحية إلى الآن.
وبها نخيل كثير، ولها خزان فى قبليها على ثلث ساعة، وفى شرقى ناحية الإعلام، سعته نحو خمسمائة فدان، وله رصيف من البناء المتين من جهة الشرق وبعض جهة الشمال نحو أربعمائة قصبة وعرض أعلاه نحو ذراع وأسفله نحو ذراعين فى ارتفاع نحو خمسة أذرع، وخلفه جسر من التراب عرضه قصبتان، وإحدى جهاته من الرمل والزلط ويمتد من ناحية الإعلام مشرقا إلى ناحية عدوة وإلى البطس، وبعض الناس يجعله جسر الخزان القديم الذى كان لعموم الفيوم.
(المطرية)
من هذا الإسم بلدتان بمصر إحداهما، المطرية من ضواحى القاهرة بمديرية القليوبية، ويقال لها: منية مطر، وهى بلدة شهيرة منها إلى القاهرة نحو ساعة ونصف، فى الجنوب الشرقى لقرية الخصوص بنحو خمسة آلاف متر، وفى شرقى مصطرد بنحو ثلاثة آلاف متر.
أبنيتها بالآجر واللبن، وبها جامع بمنارة مقام الشعائر. وبها معمل فراريج وأنوال لنسج الصوف، وأضرحة لبعض الصالحين عليها قباب منها:
ضريح الشيخ المطراوى يعمل له ليلتان كل سنة فى نصف شعبان، يهرع إليه كثير من علماء الأزهر وغيرهم لزيارته.
وضريح الشيخ عبد الله أبى قفص يعمل له ليلة كل سنة فى شهر المحرم.
وفيها بستان نضر ذو فواكه لورثة المرحوم إسماعيل بيك محافظ مصر سابقا زمن العزيز المرحوم محمد على.
وأنشأت بها الحضرة الخديوية التوفيقية بستانا متسعا غرس فيه كثيرا من شجر البلسم غرسه فروعا من شجرة البلسم التى هناك الآتى التنبيه عليها، وهى الآن فى وسط ذلك البستان عليها مقصورة من الخشب وقد صلح من هذا النوع كثير فى ذلك البستان.
وجميع أهل البلدة مسلمون وبعضهم يتكسب من الزرع المعتاد، ومن زرع الدخان البلدى والكورانى والتنباك وأنواع الخضر، ولها شهرة بذلك فلذا ينادى بالقاهرة بنسبة الملوخية للمطرية ولو لم تكن بها. ولطيب هوائها يذهب إليها الناس أيام شم النسيم.
وفى وسط أطيانها تل كبير به إلى الآن إحدى المسلات التى كانت هناك. وتسمى هذه البلدة الريدانية أيضا وهى فى محل مدينة هليوبويس القديمة فى لغة الأروام؛ أى مدينة عين شمس التى هى من أقدم المدن المصرية وأشهرها، وكانت تسمى فى لغة مصر القديمة (آن) وفى اللغة العبرانية (أون) وهى مدينة (را) أى الشمس.
قال أبو عبيد البكرى: عين شمس-بفتح الشين المعجمة وإسكان ثانيه بعده سين مهملة-عين ماء معروفة. وزعم قوم أن عين شمس إلى هذا الماء أضيف. وقال محمد بن حبيب: عين شمس حيث بنى فرعون الصرح. وأوّل من سمى هذا الاسم سبابن يشجب. وذكر الكلبى: أن شمسا الذى سموا به صنم قديم. انتهى. وقال المقريزى: كان يقال لعين شمس قديما رعمساس.
انتهى
والحق أن المطرية غير عين شمس وإنما هى بقربها، فقد قال استرابون:
إن عين شمس مدينة قديمة كانت بقرب المطرية، وكانت تسمى هليوبوليس، مكتبة الأسرة-2008
وقد بقى لها هذا الإسم إلى سنة ثمانمائة وأربعين ميلادية، ثم سميت بعده باسم عين شمس.
كما وجد فيما كتبه خرداد بيك من أهل القرن الثالث من الهجرة: وكان فى بحريها برك يمدها ماء النيل بخليج بالقرب منها وهى بركة الحج الآن، قال: وهى اقعة فى الشمال الشرقى لمسلة فرعون على بعد فرسخ منها. وقد نقلت الروم منها مسلتين إلى بلاد رومة ثم اعتراها الخراب بعد ذلك. انتهى
وقال أبو الفداء فى تقويم البلدان: عين شمس فى زماننا رسم ليس بها ديار، ويقال إنها كانت مدينة فرعون وبها آثار قديمة عظيمة مذهلة من الصخور العظيمة، وبها عمود عدسى مربع يسمى مسلة فرعون طوله نحو ثلاثين ذراعا.
وهى من القاهرة على نحو نصف مرحلة وعندها ضيعة تسمى المطرية، وهى من القاهرة فى جهة الشمال تشرف على درب الشام. انتهى
وفى الخطط الفرنساوية: أن منازل المطرية مبنية بالأحجار، وكثيرا ما تشاهد الكتابة الهيروجليفية على أحجارها. وكان يزرع فيها البيلسان ويستخرج دهنه ويتجر فيه، وقد انقطع ذلك منذ قرنين. وأن آثار مدينة هليوبوليس التى هى عين شمس فى حدود الصحراء فى الشمال والشمال الشرقى من مصر على بعد تسعة آلاف متر، وعلى ستة آلاف من شاطئ النيل. وسورها ذو امتداد عظيم، وهو مبنى من الطوب النى وسمكه عشرون مترا، وفى بعض محلاته يبلغ الباقى من ارتفاعه خمسة أمتار/ومحيطه أكثر من فرسخ. والأرض التى يحيط بها أربعة عشر ألف متر فى ألف متر، وفى وقت الفيضان تمتلئ بقربها برك يبقى بها الماء عدة أشهر من السنة، وفى مكانها كيمان بها كثير من الشقاف وقطع من الأحجار، وتشقها ترعة يجرى فيها الماء وقت الفيضان ويزرع عليها أكثر الأرض التى كانت قصورا وتماثيل ومعابد، والغالب أن أحجارها استعملتها الأهالى فى الجبر والبنيان ونقلت إلى القاهرة وغيرها.
والمسلة الموجودة فى وسطها تشبه مسلات طيبة بالوجه القبلى وارتفاعها عشرون مترا وسبعة وعشرون جزء من مائة من المتر، وقاعدتها السفلى مربع ضلعها متر وأربعة وثمانون جزء من مائة من المتر، والقاعدة العليا متر وسبعة عشر جزء من مائة من المتر. وقد رفع النيل الأرض بتوالى مروره عن قاعدتها بقدر مترين فتغطى منها متر وثمانية وسبعون جزء من مائة، وهى قائمة على جلسة من الصوان ويرى أثر ماء النيل فيها على ارتفاع متر وخمسة وخمسين جزء من مائة من المتر من الأرض أو ثلاثة أمتار وثلاثين جزء من مائة من ابتداء جلستها الصوانية.
وعلى ما ذكره يلين وغيره: كان يوجد بهذه المدينة عدة مسلات منها جملة نقلت فى زمن القياصرة إلى روما وهى باقية هناك الى الآن. وفى القرن السادس من الهجرة وقعت المسلة الثانية.
وقال هيرودوط: أن أهل هليوبوليس كانوا أعرف الناس بالعلوم، وقد تعلم فى مدرستها: أودوكس وأفلاطون وغيرهما علم النجوم والفلسفة والتاريخ وغيره. وكان المشهور من المدارس بالديار المصرية مدرستهما ومدرستى مدينة طيبة، ومدينة منف. وكان يجتمع من هذه المدن الثلاثة كل سنة أعضاء للمجلس المركب من ثلاثين عضوا للحكم فى القضايا المهمة فى مدينة طيبة، وكان بها معبد الشمس يعمل له كل سنة عيد مشهور وكان هو الرابع فى ترتيب الأعياد المصرية.
وقد وصف استرابون هذا المعبد فقال ما معناه: هو من المعابد العظيمة القديمة يحيط به سور له باب يدخل منه لدهليز مبلط بالحجر عرضه نحو بلتر- وهذا العرض قد يزيد فى بعض المعابد، وفى بعضها ينقص-وأما طوله فكان ثلاثة أمثال العرض-وفى بعض المعابد قد يجعل أربعة أمثال العرض وفى بعضها يجعل خمسة أمثاله-ثم فى جانبى الدهليز من الداخل ترى تماثيل أبى الهول منحوتة من الحجر، بين كل تمثالين عشرون ذراعا. وفى آخر الدهليز
باب كبير شاهق الارتفاع ثم بعده على مسافة باب مثله وبعد هذا باب ثالث كذلك، وربما زاد عدد الأبواب فى بعض المعابد وربما قل فى بعضها.
ثم يدخل الداخل فيجد إيوانا متسعا محمولا سقفه على أعمدة وفى داخله حوش متسع فيه المحل المقدس. قال: وقد رأيت هذا المعبد قائما وبه آثار مما فعله جمشيد به وبكثير من المعابد من الحرق والهدم.
وكان بالمدينة مبان مخصوصة لسكنى الكهنة فلذا كان يقال لها قديما:
مدينة الكهنة، وكانوا لا يشتغلون إلا بمزاولة العلوم الفلسفية والفلكية، وقد ذهب ذلك كله ولم يبق إلا من يشتغل بالأمور الدينية.
قال استرابون: وقد شاهدنا بها المنزل الذى كان به أفلاطون وأودوكس اللذان أقاما بها ثلاث عشرة سنة لاجتناء ثمرة العلوم الفلكية وغيرها، ومع ذلك فكان الكهنة يخفون عنهم بعض أسرار لم يعثر عليها إلا بترجمة كتبهم بعد موتهم فى زمن البطالسة وذلك مثل الكسر اللازم إضافته لإتمام السنة الحقيقية. انتهى
وذكر ابن الكندى جماعة ممن تعلم بمدارس ديار مصر فى الأيام السالفة فقال: منهم سقراط صاحب الكلام على البارئ جل ثناؤه، والحكمة والبلاغة.
ومنهم: أفلاطون صاحب السياحة والنواميس والكلام على المدن والملوك.
ومنهم: أرسطوطاليس صاحب المنطق والآثار العلوية والحس والمحسوس والكون والفساد والسماء والعالم والسماع الطبيعى ورسالة بيت الذهب وغير ذلك، حتى أن يعقوب إسحاق الكندى فيلسوف العرب له أكثر من ألف كتاب فى كل معنى كلها فصول من كتب أرسطوطاليس. ومنهم: بطليموس المقدونى صاحب الرصد والمساحة والحساب وهو صاحب كتاب المجسطى فى تركيب الأفلاك وحركة الشمس والقمر والكواكب المتحركة والثابتة، وصور فلك البروج وكتاب جغرافية فى مساحة الأرض وأقاليمها والبحار والجبال وألوانها والأنهار والعيون وابتدائها وانتهائها وصفة الأمم الذين يعمرون وجه الأرض
وكتاب الأربع مقالات فى أحكام النجوم، وكتاب تسطيح الكرة وزيج القانون.
ومنهم: أبرخس صاحب الرصد والآلة المعروفة بذات الحلق. ومنهم: أراطيس صاحب البيضة ذات الثمانى والأربعين صورة فى تشكيل صورة الفلك والألف كوكب والاثنين والعشرين كوكبا الثابتة. ومنهم: تاون صاحب الزيح المنسوب إليه. ومنهم: دريتون وواليس وأصطفن أصحاب كتب أحكام النجوم. ومنهم:
إيرن له كتاب الثقيل/والحيل الروحانية وعمل المنكابات والآلات لقياس الساعات. ومنهم: قيلون الزنطى وله عمل الدواليب والأرحية والحركات بالحيل اللطيفة. ومنهم: أرشميدس صاحب الحيل والهندسة والمرايا المحرقة وعمل المجانيق ورمى الحصون والحيل على الجيوش والعساكر برا وبحرا.
ومنهم: أيلوينوس وله كتاب المخروطات. ومنهم: سادوسيوس وله كتاب الكرة المتحركة ودخلها جالينوس وديوسكو ريدوس صاحب الحشائش وديوجانس إلى غير ذلك.
وفى خطط الفرنساوية أيضا: أن العجل مينويس كان هو العلم على الشمس فى هذه المدينة، كما أن العجل أبيس كان هو العلم عليها فى مدينة منفيس، وفى كل من المدينتين كان يعتنى بخدمته وتربيته وعلفه. وكانت كهنة المدينة تقول: أن الفنيكس (طير السمندل) يبتدئ الطيران من جهة المشرق وبعد أن يمضى له من العمر ألف وأربعمائة وإحدى وستون سنة، يموت محروقا فى موقد نار المر وأعواد البخور، ثم يحيا من ترابه ثانيا شابا جديدا.
وهذه رموز ومعان إشارية كانوا يقصدون بها توفيق السنين الزمنية مع سير الشمس، فكانت السنون السوتيسية-نسبة إلى الكوكب سوتيس وهو الشعرى -تتوافق مع السنين المعتادة فى عدة أيامها ثلاثمائة وخمسة وستين يوما بعد كل ألف وأربعمائة وإحدى وستين سنة، وتعود الفصول كما كانت. وكانت هذه عادة القسيسين والكهنة أن يرمزوا للأمور السماوية بأمثال هذه الرموز وهم المختصون بمعرفة ذلك دون عامة الناس، ولذلك جعلت هذه الأمور الشبيهة
بالخرافات كأنها حقائق وأثبتها الأهالى والسياحون فى الكتب ونشروها من ضمن الأخبار.
وفى التوراة أن يوسف عليه السلام تزوج بنت كبير كهنة عين شمس واسمه يونيفار أى كبير الكهنة. وفى ترجمة السبعين للتوراة أن العبرانيين بنوا هامدة أسرهم. وأنكر ذلك أزيب وقال: إنها كانت عامرة آهلة وقت دخول يعقوب عليه السلام أرض مصر. نعم يقال إنها من المدن التى سخر فى تحصينها ورفع أسوارها العبرانيون أيام أسرهم.
وقال ديودر الصقلى: أن سيزستريس بنى حائطا يمتد من مدينة الطنية الى مدينة عين شمس لوقاية قطر مصر من إغارات العرب والشوام، وجعل طولها ألفا وخمسمائة أستادة (غلوة). وابنه الذى أعقبه فى الملك وضع مسلتين بعين شمس، كان قد نذر بناءهما لتخليد حادثة هى: أنه كان قد عمى وأقام عشر سنين على ذلك، وأمره الهاتف بأن ينذر لمقدس مدينة هليوبوليس نذرا ويغسل عينيه ببول امرأة لم تخالط غير زوجها. ففعل وجعل يستعمل بول كثير من النساء ومنهن امرأته فلم يوافق الغرض إلا بول امرأة خادم البستان فتزوج بها، وأحرق النساء الأخر فى قرية سميت بعد ذلك الأرض المقدسة. ووفى بنذره فبنى المسلتين كل واحدة من حجر واحد عرضها ثمانية أذرع وارتفاعها مائة ذراع.
وظاهر هذه العبارة يميل الى الخرافات، لكن لا علم لنا بحقائق رموزهم.
ولما زال ملك الفراعنة الأهليين واستولت على مصر القياصرة تضعضع حال تلك المدينة، ولما دخلها استرابون فى زمن أغسطس لم ير بها إلا القليل من الناس ورأى أغلب مبانيها قد تهدم من وقت إغارة العجم ولم تزل مدرستها موجودة، وبها الكهنة لكن شتان ما بين هذه الحالة وما كان عليه أسلافهم.
فانهم قد تركوا فى ذلك الزمن الأخير العلوم واشتغلوا بخدمة المعبد، ومع ذلك فكانت الرصد خانة التى تعلم بها أدوكس رصد الأفلاك موجودة خارج البلد فى
مقابلة مدينة سرسزوره الواقعة على الشاطئ الثانى، وكانت الكهنة تطلع السياحين على الأود التى كان يقيم بها أدوكس وأستاذه أفلاطون.
وقال هيرودوط: أنه من البحر إلى مدينة هليوبوليس بالمرور من وسط الأرض ترى أرض مصر متسعة وبها انحدار وأرضها ذات وحل سهلة السقى، ومنها إلى البحر كما بين مدينة أثينة ومعبد جوبتير فى ناحية بيز بالمرور على معبد الاثنى عشر إلها. ومن عين شمس إلى مدينة طيبة مسافة تسعة أيام فى البحر.
وقال ماريت بيك: إن عين شمس كانت مدينة عظيمة فى الأحقاب الخالية، وفى زمن رمسيس الثالث كان عدد أهلها اثنى عشر ألف نفس. وهى من أقدم المدن. وإلى الآن يقرأ العارفون بالخط المصرى القديم اسم أوزتارات الأول ثانى ملوك العائلة الثانية عشرة على المسلة القديمة التى بقرية المطرية الموجودة فى بحرى القاهرة مكان مدينة عين شمس، ومن وقت نصبها الى الميلاد ثلاثة آلاف سنة. وكان بقربها مسلة أخرى مثلها وقعت سنة 1190 ميلادية.
ومما وجد من الكتابات على الأحجار التى عثر عليها علم أنه ما من عائلة من العائلات التى توالت فى الحكم على أرض مصر إلا وزادت فى هذه المدينة مبانى عظيمة زال جميعها من توالى الفتن والإغارات، وأول من ابتدأ فى تخريبها جميد أو كمشاش ملك الفرس حين أغار على مصر واستولى عليها.
ويظهر من كلام استرابون الذى ساح فى الديار المصرية قبل/الميلاد بسنين قليلة أنها قد آلت إلى الدمار. والآن لم يبق من آثارها إلا بعض أساسات معبدها والمسلة القائمة فى وسطه. ووصف ذلك المعبد فجعل ضلعه الأكبر ألفا ومائتى والأصغر تسعمائة متر. وأما المدينة القديمة فلم
يمكن الجزم بأن الموجود الآن هو آثارها إذ يحتمل أنه حصل لمدينة هليوبوليس ما حصل لغيرها من المدن.
ولما خلفت الديانة العيسوية الديانة الوثنية احتقرت بالضرورة مبانى الديانة المنبوذة والذى لم يتغير وضعه لمناسبة الديانة الجديدة جعل مساكن ونحوها.
وآثار معبد هليوبوليس فى بحرى المطرية على بعد ألف متر، والسياحون الوافدون على مصر من جميع الأقطار كثيرا ما يذهبون إلى هذه البلدة لمشاهدة شجرة وبئر هناك يزعمون أنهما من آثار السيدة مريم العذراء.
وأخبر بعض السياحين المسمى وانسلب الذى ساح فى مصر فى سنة ألف وستمائة واثنتين وسبعين من الميلاد: أنه توجه من مصر فى الثانى عشر من شهر يوليا ومعه بعض أصحابه فوصل إلى المطرية بعد ساعتين بسير الحصان، فنظر زاوية بنيت محل كنيسة قديمة للقبط بها آثار من آثار المسيح فى محل يسمى المقعد، ورأى هناك حوضا يعتقد الأقباط أن السيدة مريم كانت تغسل ثياب ابنها فيه، وكانت تضجعه فى القبلة التى هى محل عبادتهم ودعواتهم. والمسلمون والأقباط معا يعتقدون أن سيدنا عيسى عليه السلام اغتسل فى البئر التى فى المقعد فزادت حلاوة مائها عن باقى المياه.
قال: وبعد أن استرحنا فى المقعد وشربنا من الماء دخلنا البستان ونظرنا شجرة الجميز التى تزعم القبط أنها انشقت واختفى بداخلها المسيح وأمه حينما كان يطلبهما أعوان الظالم هيرودس. وأن محل انشقاقها كسى بالعنكبوت فى الحال. انتهى.
ثم لإتمام الفائدة نورد هنا ما ذكره المقريزى فى خططه مما يتعلق بالهياكل فنقول: قال المقريزى: كان يقال لعين شمس فى القديم رعمساس وكانت هيكلا تحج الناس إليه ويقصدونه من أقطار الأرض فى جملة ما كان يحج إليه من الهياكل التى كانت فى قديم الدهر، ويقال أن الصابئة أخذت هذه الهياكل
عن عاد وثمود ويزعمون أنه عن شيث بن آدم وعن هرمس الأول وهو إدريس وإن إدريس هو أول من تكلم فى الجواهر العلوية والحركات النجومية وبنى الهياكل ومجد الله بها، ويقال أن عدة الهياكل كانت فى الزمن الغابر اثنى عشر هيكلا، وهى: هيكل العلة، وهيكل العقل، وهيكل السياسة، وهيكل الصورة، وهيكل النفس، وكانت هذه الهياكل الخمسة مستديرات والهيكل السادس هيكل زحل وهو مسدس. وبعده هيكل المشترى وهو مثلث ثم هيكل المريخ وهو مربع، وهيكل الشمس وهو أيضا مربع، وهيكل الزهرة وهو مثلث مستطيل، وهيكل عطارد مثلث فى جوف مربع مستطيل، وهيكل القمر مثمن.
وعللوا عبادتهم للهياكل بأن قالوا لما كان صانع العالم مقدسا عن صفات الحدوث وجب العجز عن إدراك جلاله وتعين أن يتقرب إليه عباده بالمقربين لديه، وهم الروحانيون ليشفعوا لهم ويكونوا وسائط لهم عنده، وعنوا بالروحانيين الملائكة، وزعموا أنها المدبرات للكواكب السبعة السيارة فى أفلاكها وهى هياكلها وأنه لابد لكل روحانى من هيكل ولابد لكل هيكل من فلك، وأن نسبة الروحانى للهيكل نسبة الروح إلى الجسد.
وزعموا أنه لا بد من رؤية المتوسط بين العباد وبين بارئهم حتى يتوجه إليه العبد بنفسه ويستفيد منه، ففزعوا إلى الهياكل التى هى السيارات فعرفوا بيوتها من الفلك، وعرفوا مطالعها ومغاربها واتصالاتها وما لها من الأيام والليالى والساعات والأشخاص والصور والأقاليم، وغير ذلك مما هو معروف فى موضعه من العلم الرياضى. وسموا هذه السبعة السيارة أربابا وآلهة وسموا الشمس إله الآلهة ورب الأرباب، وزعموا أنها المفيضة على السنة أنوارها، والمظهرة فيها آثارها، فكانوا يتقربون الى الهياكل تقربا إلى الروحانيين لتقربهم إلى البارئ لزعمهم أن الهياكل أبدان الروحانيين وكل من تقرب إلى شخص فقد تقرب إلى روحه، وكانوا يصلون لكل كوكب يوما يزعمون أنه رب ذلك اليوم.
وكانت صلاتهم فى ثلاثة أوقات: الأولى عند طلوع الشمس، والثانية عند استوائها فى الفلك، والثالثة عند غروبها، فيصلون لزحل يوم السبت،
وللمشترى يوم الأحد، وللمريخ يوم الإثنين، وللشمس يوم الثلاثاء، وللزهرة يوم الأربعاء، ولعطارد يوم الخميس، وللقمر يوم الجمعة.
ويقال: إنه كان ببلخ هيكل بناه بنو حمير وكان اسمه نوبهر فلما تمجست الفرس عملته بيت نار، وقيل للموكل بسدانته برمك يعنى والى مكة، وانتهت البرمكة الى جد خالد جد جعفر بن يحيى بن خالد فأسلم على يد هشام ابن عبد الملك وسماه عبد الله. وقد خرب هذا الهيكل قيس بن الهيثم فى أول خلافة معاوية سنة إحدى وأربعين، وكان بناء عظيما جعله أروقة وثلاثمائة وستين مقصورة لسكن خدامه. وكان بصنعاء قصر غمدان/من بناء الضحاك، وكان هيكل الزهرة وهدم فى خلافة عثمان بن عفان. وكان بالأندلس فى الجبل الفارق بين جزيرة الأندلس والأرض الكبيرة هيكل المشترى من بناء كلوبترة بنت بطليموس. وكان بفرغانة بيت يقال له كلوسات هيكل الشمس، بناه بعض ملوك فارس وخربه المعتصم.
وقد اختلف فيمن بنى هيكل عين شمس. فقال ابن وصيف شاه: وقد كان الملك منقاوس إذا ركب عملوا بين يديه التخاييل العجيبة فيجتمع الناس ويعجبون من أعماله، وأمر أن يبنى له هيكل يكون له خصوصا ويجعل فيه قبة فيها صورة الشمس والكواكب وجعل حولها أصناما وعجائب، فكان الملك يركب إليه ويقيم فيه سبعة أيام. وجعل فيه عمودين زبر عليهما تاريخ الوقت الذى عمله فيه وهما باقيان إلى اليوم هو الموضع الذى يقال له عين شمس.
وقال الحكيم الفاضل أحمد بن خليفة فى كتاب عيون الأنباء فى طبقات الأطباء: اشتاق فيثاغورس إلى الاجتماع بالكهنة الذين كانوا بمصر فورد على أهل مدينة الشمس المعروفة فى زماننا بعين شمس فقبلوه على كراهة، واستقصوا امتحانه فلم يجدوا فيه عيبا، ولا وقفوا له على عثرة فبعثوا به إلى أهل ديوسوس ليمتحنوه، فلم يجدوا عليه طريقا ولا إلى إدحاضه سبيلا ففرضوا عليه فرائض صعبة كيما يمتنع من قبولها فيدحضوه ويحرموه طلبته لمخالفته
لفرائض اليونانيين، فقبل ذلك، وقام بها فاشتد إعجابهم به وفشا بمصر ورعه حتى بلغ ذكره إلى أماسيس ملك مصر فجعله سلطانا على ضحايا الرب وعلى سائر قرابينهم ولم يعط ذلك لغريب قط.
ويقال إنه كان للكواكب السبعة السيارة هياكل تحج الناس إليها من سائر أقطار الدنيا وضعها القدماء فجعلوا على اسم كل كوكب هيكلا فى ناحية من نواحى الأرض، وزعموا أن البيت الأول هو الكعبة، وأنه مما أوصى به إدريس -الذى يسمونه هرمس الأول المثلث-أن يحج إليه وزعموا أنه منسوب لزحل.
والبيت الثانى بيت المريخ وكان بمدينة صور من الساحل الشامى. والبيت الثالث للمشترى وكان بدمشق بناه جيرون بن سعد بن عاد وموضعه الآن جامع بنى أمية. والبيت الرابع بيت الشمس بمصر ويقال إنه من بناء هرشيك أحد ملوك الطبقة الأولى من ملوك الفرس وهو المسمى بعين شمس. والبيت الخامس بيت الزهرة وكان بمنتيح. والبيت السادس بيت عطارد وهو بصيدى من ساحل البحر الشامى. والبيت السابع بيت القمر وكان بحّران ويقال إنه قلعتها ويسمى المدور ولم يزل عامر إلى أن خربه التتار ويقال إنه هيكل الصابئة الأعظم انتهى.
وفى تاريخ مختصر الدول لأبى الفرج الملطى: أن الأقدمين من اليونانيين يزعمون أن خنوخ هو هرمس ويلقب طريس مجسطيس أى ثلاثى التعليم لأنه كان يصف البارى تعالى بثلاث صفات ذاتية هى الوجود، والعلم، والحياة، والعرب تسميه إدريس. وقيل إن الهرامسة ثلاثة:
الأول هرمس الساكن بصعيد مصر الأعلى، وهو أول من تكلم فى الجواهر العلوية وأنذر بالطوفان وخاف ذهاب العلوم ودروس الصنائع، فبنى الأهرام وصور فيها جميع الصناعات والآلات، ورسم فيها طبقات العلوم حرصا منه على تخليدها لمن بعده.
والثانى هرمس البابلى سكن كلوازه مدينة الكلدانيين، وكان بعد الطوفان، وهو أول من بنى مدينة بابل بعد نمرود بن كوش.
والثالث هرمس المصرى، وهو الذى يسمى طريس ميجيسطيس أى المثلث بالحكمة لأنه جاء ثالث الهرامسة الحكماء.
قال: ونقلت ذلك من صحيفة نبذ وهى من مقالاته إلى تلميذه طاطى على سبيل سؤال وجواب بينهما، وهى على غير نظام وولاء لأن الأصل كان باليا ممزقا والنسخة موجودة عندنا بالسريانية.
وقيل أن هرمس الأول بنى مائة وثمانين مدينة أصغرها الرها، وسن لناس عبادة الله والصوم والصلاة والزكاة والتعييد لحلول السيارة بيوتها وإشراقها، وكذلك كلما استهل الهلال وحلت الشمس برجا من الاثنى عشر، وأن يقربوا قرابين من كل فاكهة باكورتها، ومن الطيب والذبائح والخمور أنفسها، وحرم السكر والمآكل النجسة.
والصابئة تزعم أن شيث بن آدم هو أغاثا ديمون المصرى معلم هرمس، وكان إسقليبيا زيس الملك أحد من أخذ الحكمة عن هرمس، وولاه هرمس ربع الأرض المعمورة يومئذ وهو الربع الذى ملكه اليونانيون بعد الطوفان، ولما رفع الله هرمس إليه حزن أسقليبيازيس حزنا شديدا تأسفا على مافات الأرض من بركته وعلمه، وصاغ له تمثالا على صورته ونصبه فى هيكل عبادته، وكان التمثال على غاية ما يمكن من ظهور أهبة الوقار عليه والعظمة فى هيبته، ثم صوره مرتفعا الى السماء. وكان يمثل بين يديه تارة ويجلس أخرى ويتذكر شيئا من حكمه ومواعظه وحثه على العبادة، وبعد الطوفان ظن اليونانيون أن الصورة لإسقليبيازيس فعظموه غاية التعظيم، وكان أبقراط إذا عهد إلى تلامذته يقول:
ناشدتكم الله بارئ الموت والحياة وأبى وأبيكم إسقليبيازيس، وكان يصوره وبيده نبات الخطمى رمزا/منه إلى فضيلة الاعتدال فى الأمور واللين والمواتاة والمطاوعة فى المعاملة انتهى.
[مسلة المطرية]
قال القريزى، وقال شافع بن على فى كتاب عجائب البلدان: وعين شمس مدينة صغيرة، يشاهد سورها محيطا بها مهدوما، وما يظهر من أمرها أنها كانت بيت عبادة، وفيها من الأصنام الهائلة العظيمة الشكل من نحيت الحجارة ما طول الصنم منها نحو ثلاثين ذراعا وأعضاؤه على نسبة ذلك العظم، وكل هذه الأصنام قائمة على قواعد وبعضها قاعد على نصبات عجيبة. وباب المدينة موجود إلى الآن، وعلى معظم تلك الحجارة تصاوير على شكل الإنسان وغيره من الحيوان، وكتابة كثيرة بالقلم المجهول، وقلما ترى حجرا خاليا عن كتابة أو نقش صورة، وفيها المسلتان المشهورتان تسميان مسلتى فرعون.
وصفه المسلة قاعدة مربعة طولها عشرة أذرع فى مثلها عرضا فى نحوها سمكا قد وضعت على أساس ثابت فى الأرض، ثم أقيم عليها عمود مثلث مخروط ينيف طوله على مائة ذراع يبتدئ من القاعدة ببسطة قطرها خمسة أذرع وينتهى إلى نقطة وقد لبس رأسها بقلنسوة نحاس إلى نحو ثلاثة أذرع منها كالقمع، وقد تزنجر بالمطر وطول المدة، واخضر وسال من خضرته على بسيط المسلة، وكلها عليها كتابات بذلك القلم.
وكانت المسلتان قائمتين ثم خربت إحداهما وانصدعت من نصفها لعظم الثقل وأخذ النحاس عن رأسها، ثم أن حولها من الأصنام شيئا كثيرا لا يحصى عدده، وقلما يوجد فى هذه المسلات الصغار ما هو قطعة واحدة بل فصوصها بعضها على بعض وقد تهدم أكثرها وإنما بقيت قواعدها.
وقال محمد بن إبراهيم الجزرى فى تاريخه: وفى رابع شهر رمضان-يعنى من سنة ست وخمسين وستمائة-وقعت إحدى مسلتى فرعون التى بأراضى المطرية من ضواحى القاهرة فوجدوا داخلها مائتى قنطار من النحاس، وأخذ من رأسها عشرة آلاف دينار.
ويقال: إن عين شمس بناها الوليد بن دومع من الملوك العماليق، وقيل:
بناها الريان بن الوليد وكانت سرير ملكه. والفرس تزعم أنها من بناء هوشيك.
ويقال: طول العمودين مائة ذراع وقيل: أربعة وثمانون ذراعا، وقيل: خمسون ذراعا. ويقال: إن بختنصر هو الذى خرب عين شمس لما دخل الى مصر.
وقال القضاعى: وعين شمس وهى هيكل الشمس بها العمودان اللذان لم ير أعجب منهما، ولا من شأنهما، طولهما فى السماء نحو من خمسين ذراعا وهما محولان على وجه الأرض وبينهما صورة إنسان على دابة وعلى رأسهما شبه صومعتين من نحاس فإذا جاء النيل قطر من رأسهما ماء تستبينه وتراه منهما واضحا ينبع حتى يجرى من أسافلهما فينبت فى أصلهما العوسج وغيره.
وإذا دخلت الشمس دقيقة من الجدى-وهو أقصر يوم فى السنة-انتهت إلى الجنوبى منهما فطلعت على قمة رأسه، ثم إذا دخلت دقيقة من السرطان- وهو أطول يوم فى السنة-انتهت إلى الشمالى منهما فطلعت على قمة رأسه، وهما منتهى الميلين وخط الاستواء فى الواسطة منهما، ثم خطرت بينهما ذاهبة وجائية سائر السنة. كذا يقول أهل العلم بذلك.
وقال ابن سعيد فى كتاب المغرب: وكانت عين شمس فى قديم الزمان عظيمة الطول والعرض متصلة البناء بمصر القديمة حيث مدينة الفسطاط الآن. ولما قدم عمرو بن العاص نازل عين شمس وكان جمع القوم حتى فتحها.
وقال جامع السيرة الطولونية: كان بعين شمس صنم بمقدار الرجل المعتدل الخلق من كذان، أبيض محكم الصنعة يتخيل من استعرضه أنه ناطق. فوصف لأحمد بن طولون فاشتاق إلى تأمله فنهاه ندوسة عنه وقال:
ما رآه والى قط إلا عزل. فركب إليه وكان هذا فى سنة ثمان وخمسين ومائتين، وتأمله ثم دعا بالقطاعين وأمرهم باجتثاثه من الأرض ولم يترك منه شيئا، ثم
قال لندوسة خازنه: يا ندوسة من صرف منا صاحبه؟ فقال: أنت أيها الأمير.
وعاش بعدها أحمد ثنتى عشرة سنة أميرا.
وبنى العزيز بالله نزار بن المعز قصورا بعين شمس.
وقال ابن خرداذبه: بعين شمس من أرض مصر اسطوانتان من بقايا أساطين كانت هناك، فى رأس كل اسطوانة طوق من نحاس يقطر من إحداهما ماء من تحت الطوق إلى نصف الاسطوانة لا يجاوزه ولا ينقطع قطره ليلا ولا نهارا فموضعه من الأسطوانة أخضر رطب ولا يصل الماء الى الأرض، وهو من بناء أوسهنك.
وذكر محمد عبد الرحيم فى كتاب تحفة الألباب: أن هذا المنار مربع علوه مائة ذراع قطعة واحدة محدد الرأس على قاعدة من حجر، وعلى رأس المنار غشاء من صفر كالذهب فيه صورة إنسان على كرسى قد استقبل المشرق، ويخرج من تحت ذلك الغشاء الصفر ماء يسيل مقدار عشرة أذرع، وقد نبت منه شئ كالطحلب فلا يبرح لمعان الماء على تلك الخضرة أبدا صيفا وشتاء، لا ينقطع ولا يصل إلى الأرض منه شئ.
[البلسان]
وبعين شمس نبت يزرع كالقضبان يسمى البلسم يتخذ منه دهن البلسان لا يعرف بمكان من الأرض إلا هناك، يؤكل لحاء هذه القضبان فيكون له طعم وفيه حرارة وحرافة لذيذة.
وفى بعض العبارات: أن بناحية المطرية من حاضرة عين شمس البلسان وهو/شجر قصير يسقى من ماء بئر هناك. وهذه البئر تعظمها النصارى وتقصدها وتغتسل بمائها وتستشفى به. ويخرج لعصر البلسان أوان إدراكه من قبل السلطان من يتولى ذلك ويحفظه ويحمل إلى الخزانة السلطانية ثم ينقل منه إلى قلاع الشام والمارستانات لمعالجة المبرودين. ولا يأخذ منه شئ إلا من خزانة السلطان بعد أخذ مرسوم بذلك.
ولملوك النصارى من الحبشة والروم والفرنج فيه غلو عظيم وهم يتهادونه من صاحب مصر. ويرون أنه لا يصح عندهم لأحد أن يتنصر إلا أن يغمس فى ماء المعمودية ويعتقدون أنه لابد أن يكون فى ماء المعمودية شئ من دهن البلسان ويسمونه الميرون.
وسبب تعظيم النصارى لدهن البلسان ما ذكره فى كتاب السنكسار:-وهو يشتمل على أخبار النصارى-أن المسيح لما خرجت به أمه ومعهما يوسف النجار من بيت المقدس فرارا من هيرودس ملك اليهود، نزلت به أول موضع من أرض مصر مدينة بسطة فى رابع عشر بشنس. فلم يقبلهم أهلها فنزلوا بظاهرها وأقاموا أياما ثم ساروا إلى مدينة سمنود، وعدوا النيل إلى الغربية ومشوا إلى مدينة الأشمونيين وكان بأعلاها إذ ذاك شكل فرس من نحاس قائم على أربعة أعمدة فإذا قدم إليها غريب صهل فجاءوا ونظروا فى أمر القادم. فعندما وصلت مريم بالمسيح عليه السلام إلى المدينة سقط الفرس المذكور وتكسر فدخلت به أمه.
وظهرت له عليه السلام فى الأشمونين آية أخرى، وهو أن خمسة جمال محملة زاحمتهم فى مرورهم فصرخ فيها المسيح فصارت حجارة. ثم أنهم ساروا من الأشمونيين وأقاموا بقرية تسمى فيلس مدة أيام ثم مضوا إلى مدينة تسمى قس وقام وهى التى يقال لها اليوم القوصية. فنطق الشيطان من أجواف الأصنام التى بها وقال: أن امرأة أتت ومعها ولدها يريدون أن يخربوا معابدكم، فخرج إليهم مائة رجل بسلاحهم وطردوهم عن المدينة فمضوا إلى ناحية ميرة فى غربى القوصية ونزلوا فى الموضع الذى يعرف اليوم بدير المحرق وأقاموا به ستة أشهر وأياما. فرأى يوسف النجار فى منامه قائلا يخبره بموت هيردوس ويأمره أن يرجع بالمسيح إلى القدس فعادوا من الميرة حتى نزلوا الموضع الذى يعرف اليوم فى مدينة مصر بقصر الشمع، وأقاموا بمغارة تعرف اليوم بكنيسة بوسرجة، ثم خرجوا منها إلى عين شمس فاستراحوا هناك بجوار ماء، فغسلت مريم من ذلك الماء ثياب المسيح وقد اتسخت وصبت غسالتها بتلك الأرض.
فأنبت الله هناك البلسان وكان إذا ذاك بالأردن فانقطع من هناك وبقى بهذه الأرض.
وبنيت هذه البئر التى هى الآن موجودة هناك على ذلك الماء الذى غسلت منه مريم. وبلغنى أنها إلى الآن إذا اختبرت يوجد ماؤها عينا جارية فى أسفلها فهذا سبب تعظيم النصارى لهذه البئر وللبلسان فإنه إنما سقى منها والله أعلم.
انتهى.
قال عبد اللطيف البغدادى فى كتاب الإفادة والاعتبار: البلسان لا يوجد اليوم إلا فى مصر بعين شمس فى موضع محاط عليه، محتفظ به، مساحته نحو سبعة أفدنة وارتفاع شجرته نحو ذراع وأكثر من ذلك، وعليها قشران الأعلى أحمر خفيف والأسفل أخضر ثخين، وإذا مضغ ظهر فى الفم منه دهنية ورائحة عطرية، وورقه يشبه ورق السذاب. ويجتنى دهنه عند طلوع الشعرى بأن تشدخ السوق بعد ما يحت عنها جميع ورقها، وشدخها يكون بحجر محدد، ويفتقر شدخها إلى صناعة بحيث يقطع القشر الأعلى ويشق الأسفل شقا لا ينفذ إلى الخشب، فإن نفذ إلى الخشب لم يخرج منه شئ فإذا شدخه كما وصفنا أمهله ريثما يسيل لثاه على العود فيجمعه بإصبعه مسحا إلى قرن، فإذا امتلأ صبه فى قوارير من زجاج. ولا يزال كذلك حتى ينتهى جناه وينقطع لثاه.
وكلما كثر الندى فى الجو كان لثاه أكثر وأغزر، وفى الجدب وقلة الندى يكون اللثى أنذر. ومقدار ما خرج منه فى سنة 596 وهى عام جدب نيف وعشرون رطلا، ثم تؤخذ القوارير فتدفن إلى القيظ وحمارّة الحر، وتخرج من الدفن وتجعل فى الشمس. ثم تتفقد كل يوم فيوجد الدهن قد طفا فوق رطوبة مائية وأثقال أرضية فيقطف الدهن ثم يعاد إلى الشمس، ولا يزال كذلك بشمسها ويقطف دهنها حتى لا يبقى فيها دهن، فيؤخذ ذلك الدهن ويطبخه قيمه فى الخفية لا يطلع على طبخه أحد، ثم يرفعه إلى خزانة الملك. ومقدار مكتبة الأسرة-2008
الدهن الخالص من اللثى بالترويق نحو عشر الجملة. وقال بعض أرباب الخبرة: أن الذى يحصل من دهنه نحو عشرون رطلا.
ورأيت جالينوس يقول: أن أجود دهن البلسان ما كان بأرض فلسطين، وأضعفه ما كان بمصر. ونحن لا نجد اليوم منه بفلسطين شيئا البتة.
وقال نيقولاوس فى كتاب النبات: ومن النبات ماله رائحة طيبة فى بعض أجزائه، ومنه ما رائحته الطيبة فى جميع أجزائه كالبلسان الذى يكون فى الشام بقرب بحر الزفت. والبئر التى يسقى منها تسمى بئر البلسم.
وقال ابن سمجون: إنما يوجد فى زماننا هذا بمصر فقط، يستخرج دهنه عند طلوع كلب الجبار وهو الشعرى، وذلك فى شباط./ومقدار ما يخرج ما بين خمسين رطلا إلى ستين. ويباع فى مكانه بضعفه فضة. وكأن هذه الحال قد كانت فى زمن ابن سمجون.
وحكى عن الرازى أن بدله دهن الفجل، وهذا بعيد. والبلسان الدهنى لا يثمر وإنما يؤخذ منه فسوخ فتغرس فى شباط فتعلق وتنمو، وإنما الثمر للذكر البرى ولا دهن له. ويكون بنجد وتهامه وبرارى العرب وسواحل اليمن وبأرض فارس ويسمى البشام ويربى قشره قبل استخراج دهنه فيكون نافعا من جميع السموم.
ونقل دساسى عن فرسكال وغيره: أن الاسم العربى لشجرة البشام هو أبو شام أو أبو الشم يعنى ذا الرائحة. قال: وأظن أن هذا الاسم محرف عن بشام لأنه ورد هكذا عن عبد اللطيف، وابن البيطار، والجوهرى وغيرهم.
وأورد عن ابن البيطار نقلا عن أبى العباس النباتى الأندلسى ما ترجمته:
قد شاهدت شجرة البشام قريبا من قديد وهى كثيرة فى جبال مكة وسوقها، وأوراقها تشبه سوق وأوراق البلسم، وإنما ورق البشام مدور عن ورق البلسم، وشجرة البشام أكبر من شجرة البلسم، وزهرة رقيق ولونه بين الصفرة والبياض، وثمره عناقيد تشبه ثمر المحلب. والعرب تأكله، ومتى نزع من ورقه ورقة أو
كسر من فروعه فرع يخرج من محل الجرح مادة رطبة بيضاء تأخذ فيما بعد لون الحمرة، وتكون لزجة لها رائحة طيبة والشجرة جميعها لها ريح طيب، وطعم الورق سكرى لزج. وثمره معروف عند جميع الصيادلة فى الأندلس وغيرها من الأقطار باسم حب البلسم. ويؤتى بهذه الحبوب فتباع فى مكة، ومنها ينشر إلى باقى البلاد.
وبعض الناس يزعمون أن البشام لا يثمر، ومنهم أبو حنيفة الدينورى، والحق غير ذلك ما لم يكن فى بلاد غير الذى ذكرناها.
ومن أنواع البشام نوع يسمى بقا لم أره ولا يميز الفرق بينهما إلا كثرة التجارب.
ونقل دساسى أيضا عن بعض السياحين: أن شجرة البلسم انقطعت من مصر سنة ألف وستمائة وخمسة عشر ميلادية بسبب غرق حصل لها.
ونقل عن السيوطى عن صاحب كتاب غرائب العجائب: أن بئر البلسم توجد فى أرض مصر بقرب المطرية، يسقى من مائها شجر البلسان. وهو دهن عجيب ينسبون خاصيته إلى ماء هذه البئر بسبب أن المسيح غسل فيه، ولا ينبت فى غير هذا الموضع.
وقد طلب الملك الكامل من والده العادل أن يزرعه فأذن له، ففعل فلم ينجح، فطلب الرخصة فى توصيل ماء بئر المطرية إليه فأذن له، ففعل فلم ينجح. ونقل أيضا عن القزوينى أنه بعد أن سقاه الكام من بئر المطرية نجح، وأن الأرض التى زرع بها مسوّرة ممتدة طولا وعرضا إلى مدى البصر. قال:
والظاهر أن هذا هو الأصح.
فائدة:
ترجمة ابن سمجون الطبيب
قال دساسى عن أبى أصيبعة: أن ابن سمجون هو أبو بكر حامد ابن سمجون، وبعضهم يبدل حامد بجابر، وكان فاضلا فى صناعة الطب، متميزا
فى قوى الأدوية المفردة وأفعالها ومتقنا لما يجب من معرفتها. وكتابه فى الأدوية المفردة مشهور بالجودة وقد بالغ فيه وأجهد نفسه فى تأليفه واستوفى فيه كثيرا من آراء المتقدمين فى الأدوية المفردة.
وقال أيضا: أنه كان بعد الرازى، وبلدته الأندلس وكان فى أواخر القرن الرابع من الهجرة بدليل أن فى نسخة من ترجمته: أنه كان له اجتماع وصحبة بمحمد بن عامر الملقب بالمنصور المتوفى فى سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة هجرية.
وقال الحاج خلف فى كتاب النبات: أن نيقولاس له تفسير على كتاب النبات لأرسطو ترجمه حنين وصححه ثابت بن قرة، ونيقولاوس هذا سابق على نيقولاوس الإسكندرى وله مختصر تاريخ الحيوانات لارسطو كتبه بالرومى وترجمه بالعربى. انتهى
ترجمة ابن خرداذبه الطبيب
وأما ابن خرداذبه، ففى جرنال آسيا: أنه أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله ابن خرداذبه. أصله من عائلة من العجم عبّاد النار، دخل جده الأعلى فى الإسلام ليتقرب إلى البرامكة. ومعنى خرداذبه: هبة الشمس أو نعمة الشمس.
ولد المترجم فى أول القرن الثالث من الهجرة وتربى أحسن تربية وبلغ فى المعارف الدرجة القصوى. وكان من أخصاء الخليفة المعتمد وقد جعل مأمور البريد فى ولاية الجيل وهى بلاد ميدية القديمة.
وله من المؤلفات: «كتاب آداب السماع» ، و «كتاب الطبيخ» ، و «كتاب اللهو والملاهى» ، و «كتاب الشراب» ، و «كتاب الندماء والجلساء» ، و «كتاب جمهور أنساب الفرس والنوافل وكتاب الأنواء» ، و «كتاب المسالك والممالك» .
وهو من أعظم ما كتب من نوعه وينقسم إلى أربعة أقسام:
الأول: يبين فيه مقدار الخراج من النقود والأصناف فى جميع ولايات الخلافة الإسلامية.
والثانى: يقدر فيه بالفرسخ والميل جميع الطرق الخارجة من دار الخلافة إلى أطراف المملكة مع ما يلحق ذلك من بيان تاريخ كل جهة ومحصولاتها ومزاياها ونحو ذلك.
الثالث: لخص فيه جملة سياحات فى جزائر بحر الهند اعتمادا على كلام الملاحين المترددين بين بلاد الصين وسيراف وعمان.
والرابع: يبين فيه أوصاف الجبال والأنهر والبرك ونحو ذلك.
ومعلوم أن خلافة المعتمد كانت كانت من سنة 256 هـ إلى سنة 272 هـ فلابد أن تأليف هذا الكتاب/كان فى بحر تلك المدة. انتهى.
ثم إن كتب التواريخ والخطط مشحونة بذكر عين شمس ووقائعها. فمن ذلك ما يقال: أنه فى القديم كان إذا ورد من الشام خبر انتهى إلى أصحاب عين شمس، ثم يرد من عين شمس إلى الحصن الذى عرف بقصر الشمع حيث مدينة مصر الآن. ثم يرد من الحصن إلى مدينة منف حيث كانت تخت الملك. اه
ومن ذلك مقتلة كانت بها فى سنة خمس وستين هجرية حاصلها: أنه لما بويع مروان بن الحكم بالشام فى ذى القعدة سنة أربع وستين كانت شيعته من أهل مصر مع عبد الرحمن بن عقبة بن جحدم الفهرى الذى كان عاملا على مصر من قبل عبد الله بن الزبير، فكاتبوه سرا حتى أتى مصر فى أشراف كثيرة، وبعث ابنه عبد العزيز بن مروان فى جيش أيلة ليدخل من هناك مصر.
وأجمع ابن جحدم على حربه ومنعه، فحفر الخندق فى شهر، وهو الخندق الذى بالقرافة الذى فى شرقى الفسطاط والذى أشار به عليه ربيعة بن جيش
الصدفى، فأمر ابن جحدم باحضار المحاريث من الكور لحفر الخندق على الفسطاط، فلم تبق قرية من قرى مصر إلا حضر من أهلها النفر.
وكان ابتداء حفره غرة المحرم سنة خمس وستين فما كان شئ أسرع من فراغهم منه، ثم أن ابن جحدم بعث بمراكب فى البحر ليخالف إلى إيالات الشام، وقطع بعثا فى البر وجهز جيشا آخر إلى أيلة لمنع عبد العزيز من المسير منها، فغرقت المراكب ونجا بعضها وانهزمت الجيوش، ونزل مروان عين شمس فخرج إليه ابن جحدم فى أهل مصر فتحاربوا يوما واحدا بعين شمس، فقتل من الفريقين خلق كثير، ثم تحاجزوا ورجع أهل مصر إلى خندقهم فتحصنوا به وصحبتهم جيوش مروان على باب الخندق، فاصطف أهل مصر على الخندق فكانوا يخرجون إلى أصحاب مروان فيقاتلونهم نوبا نوبا، وأقاموا على ذلك عشرة أيام ومروان مقيم بعين شمس.
وكتب مروان إلى شيعته من أهل مصر كريب بن أبرهة بن الصباح الحميرى، وزياد بن حناطة التجيبى، وعابس بن سعيد المرادى يقول: إنكم ضمنتم لى ضمانكم فقوموا به، وقد طالت الأيام والممانعة. فقام كريب وزياد وعابس إلى ابن جحدم فقالوا له: أيها الأمير، إنه لا قوام لنا بما ترى، وقد رأينا أن نسعى فى الصلح بينك وبين مروان، وقد ملّ الناس الحرب وكرهوها وخفنا أن يسلمك الناس إلى مروان فيكون محكما فيك. فقال: ومن لى بذلك. فقال كريب: أنا لك به. فسعى كريب وصاحباه فى الصلح على أمان كتبه مروان لأهل مصر وغيرهم من شرب ماء النيل، وعلى أن يسلم لابن جحدم من بيت المال عشرة آلاف دينار وثلاثمائة ثوب بقطرية، ومائة ريطة، وعشرة أفراس وعشرين بغلا وخمسين بعيرا. فتم الصلح على ذلك.
ودخل مروان الفسطاط مستهل جمادى الأولى سنة خمس وستين، فنزل دار الفلفل ودفع إلى ابن جحدم جميع ما صالحه عليه. وسار ابن جحدم إلى الحجاز ولم يلق كل منهما الآخر، فكانت ولاية ابن جحدم على مصر تسعة
أشهر، وتفرق المصريون وأخذوا فى دفن قتلاهم والبكاء عليهم،، فسمع مروان البكاء، فقال: ما هذه النوادب؟ فقيل: على القتلى. قال: لا أسمع نائحة نوح إلا أحللت بمن هى فى داره العقوبة. فسكتن عند ذلك. ودفن أهل مصر مصر قتلاهم فيما بين الخندق والمقطم التى يسميها المصريون مقابر الشهداء. ودفن أهل الشام قتلاهم فيما بين الخندق ومنية الأصبغ.
وكان قتلى أهل مصر ما بين الستمائة إلى السبعمائة وقتلى أهل الشام نحو الثلاثمائة.
ولما برز مروان من الفسطاط سائرا إلى الشام سمع وجبة النساء يندبن قتلاهن، قال: ويحهن ما هذا؟ قالوا: النساء على مقابرهن يندبن قتلاهن، فعرج عليهم فأمر بالانصراف. قالوا: كذا هنّ كل يوم. قال: فامنعوهن إلا من سبب. ووضع مروان الفسطاط فبايعه الناس إلا نفرا من المعافر، وكانت المعافر أكثر أهل مصر عددا كانوا عشرين ألفا، وقالوا: لا نخلع بيعة ابن الزبير. فقتل منهم ثمانين رجلا قدمهم رجلا رجلا فضرب أعناقهم وهم يقولون: إنا قد بايعنا ابن الزبير طائعين فلم نكن لننكث بيعته. وضرب عنق الأكدر بن حسام بن عامر بن سيد لخم وشيخها-حضر هو وأبوه فتح مصر-وكان ممن ثار إلى عثمان رضي الله عنه، فتنادى الجند: قتل الأكدر. فلم يبق أحد حتى لبس سلاحه فحضر باب مروان منهم زيادة على ثلاثين ألفا. وخشى مروان وأغلق بابه حتى أتاه كريب من أبرهة وألقى عليه رداءه. وقال للجند: انصرفوا أنا له جار. فما عطف أحد منهم وانصرفوا إلى منازلهم. وكان ذلك للنصف من جمادى الآخرة ويومئذ مات عبد الله بن عمرو بن العاص، فلم يستطع أحد أن يخرج بجنازته إلى المقبرة لتشعب الجند على مروان.
وخرج مروان من مصر إلى الشام لهلال رجب سنة خمس وستين، وكان مقامه بالفسطاط شهرين واستخلف ابنه عبد العزيز على مصر وضم إليه بشر ابن مروان. انتهى مقريزى.
وقال السخاوى فى تحفة الأحباب: أن مروان بن الحكم لما دخل إلى مصر وصالح أهلها بايعوه/إلا جماعة من المعافر وغيرهم. فقالوا: لا نترك بيعة ابن الزبير، فأمر مروان بقطع أيدى المعافرين وأرجلهم وقتلهم على بئر المعافر فى الموضع المعروف بمسجد الأقدام (بقرافة مصر) وكانوا ثمانين رجلا فسمى المسجد بهم لأنه بنى على آثارهم.
ولم يزل هذا المسجد عامرا والناس يأتون إلى زيارته من الآفاق، حتى أنشأ السلطان الملك المؤيد أبو النصر شيخ مدرسته داخل باب زويلة من القاهرة فحسنوا له خراب هذا المسجد، وقالوا له: هذا فى وسط الخراب فصار الآن كوما من جملة الكيمان التى هناك. قال: والعامة كانت تزعم أنه قبر آسية امرأة فرعون ويسمون الموضع بها. انتهى.
وقال المقريزى: وفى خلافة هارون الرشيد، وإمارة عيسى بن يزيد الجلودى على مصر، ظلم صالح بن شرزاد عامل الخراج الناس وزاد عليهم فى خراجهم فانتفض أهل أسفل الأرض وعسكروا، فبعث عيسى بابنه محمد فى جيش لقتالهم، فنزل بلبيس وحاربهم فنجا من المعركة بنفسه ولم ينج أحد من أصحابه، وذلك فى سنة ثلاثمائة وأربع عشرة فعزل عيسى عن مصر وولى عمير بن الوليد التميمى، فاستعد لحرب أهل الحوف واقتتلوا فقتلوه، فولى عيسى ثانيا فلقيهم بمنية مطر فكانت بينهم وقعة آلت إلى أن انهزم منهم إلى الفسطاط وأحرق ما ثقل عليه من رحله وخندق على الفسطاط، وذلك فى رجب من تلك السنة.
وفى شوال من سنة ستين وثلاثمائة كثر الإرجاف بوصول القرامطة إلى الشام ورئيسهم الحسن بن محمد الأعسم وأنهم قتلوا جعفر بن فلاح بدمشق واستولوا عليها وساروا إلى الرملة، فانحاز معاذ بن حيان إلى يافا متحصنا بها، فتأهب جوهر القائد لقتال القرامطة وحفر خندقا وعمل عليه بابا ونصب عليه بابى الحديد اللذين كانا على ميدان الأخشيد. وحفر خندق السرى بن الحكم
وفرق السلاح على رجال المغاربة والمصريين، وكل بأبى الفضل جعفر ابن الفضل بن الفرات خادما يبيت معه فى داره ويركب معه حيث كان.
وأنفذ إلى ناحية الحجاز فتعرف خبر القرامطة. وفى ذى الحجة كبس القرامطة القلزم وأخذوا البهائم.
ثم دخلت سنة إحدى وستين وثلاثمائة، وفى المحرم بلغت القرامطة عين شمس، فاستعد جوهر للقتال لعشر بقين من صفر، وغلق أبواب الطابية وضبط الداخل والخارج وأمر الناس بالخروج إليه، وأن يخرج بالأشراف كلهم، فخرج إليه أبو جعفر مسلم وغيره بالمضارب. وفى مستهل ربيع الأول التحم القتال مع القرامطة على باب القاهرة وكان يوم جمعة فقتل من الفريقين جماعة وأسر جماعة وأصبحوا يوم السبت متكافئين، ثم غدوا يوم الأحد للقتال. وسار الحسن الأعسم بجميع عساكره ومشى للقتال على الخندق والباب مغلق، فلما زالت الشمس فتح جوهر الباب واقتتلوا قتالا شديدا وقتل خلق كثير، ثم ولى الأعسم منهزما ولم يتبعه القائد جوهر، ونهب سواد الأعسم بالجب (بركة الحج) ووجدت صناديقه وكتبه، وانصرف فى الليل على طريق القلزم، ونهب بنو عقيل وبنو طيئ كثيرا من سواده وهو مشغول بالقتال.
وكان جميع ما جرى على القرمطى بتدبير جوهر، وجوائز أنفذها، ولو أراد أخذ الأعسم فى انهزامه لأخذه، ولكن الليل حجز، فكره جوهر اتباعه خوفا من الحيلة والمكيدة. وحضر القتال خلق من رعية مصر، وأمر جوهر بالنداء فى المدينة: من جاء بالقرمطى أو برأسه فله ثلاثمائة ألف درهم، وخمسون خلعة وخمسون سرجا محلاة على دوابها وثلاث جوائز.
ومدح بعضهم القائد جوهرا بأبيات منها:
كأن طراز النصر فوق جبينه
…
يلوح وأرواح الورى بيمينه
ولم يتفق للقرامطة منذ ابتداء أمرهم كسرة أقبح من هذه الكسرة، ومنها فارقهم من كان قد اجتمع إليهم من الكافورية والأخشيدية، فقبض جوهر على نحو الألف منهم وسجنهم مقيدين.
وقال ابن زولاق فى كتاب سيرة الإمام المعز لدين الله ومن خطه نقلت:
وفى هذا الشهر-يعنى المحرم سنة ثلاث وستين وثلاثمائة-تبسطت المغاربة فى نواحى القرافة والمغائر وما قاربها فنزلوا فى الدور وأخرجوا الناس من دورهم وشرعوا فى السكنى فى المدينة. وكان المعز قد أمرهم أن يسكنوا أطراف المدينة فخرج الناس واستغاثوا بالمعز فأمرهم أن يسكنوا نواحى عين شمس.
وركب المعز بنفسه حتى شاهد المواضع التى ينزلون فيها، وهو الموضع الذى يعرف اليوم بالخندق، والحفرة، وخندق العبيد، وأمر لهم بمال يبنون به وجعل لهم واليا وقاضيا. ثم سكن أكثرهم بالمدينة مخالطين لأهل مصر، ولم يكن القائد جوهر يبيحهم سكنى المدينة ولا المبيت بها، بل حظر ذلك عليهم.
وكان مناديه ينادى كل عشية: لا يبيتن أحد بالمدينة من المغاربة. انتهى.
ثم أن ابن زولاق هو حسن أو حسين بن إبراهيم بن حسن من أولاد سليمان بن زولاق، وهو مؤرخ مشهور مات سنة سبع وثمانين وثلاثمائة هجرية.
قال أبو الفداء: ألف كتابا فى خطط مصر. انتهى.
وفى عقد المقريزى/فى خططه بابا فى نسب الخلفاء الفاطميين وتكلم فيه على القرامطة فليراجع.
ترجمة حمدان بن الأشعث القرماط
مؤسس فرقة القرامطة
ونحن نذكر طرفا مما يتعلق بأصل هذه الفرقة فنقول: لم يذكر أبو الفداء اسم مؤسس فرقة القرامطة. واكتفى أبو الفرج بقوله: أنه كان رجلا فقيرا.
ونقل النوارى عن ابن إياس: أن طائفة يعرفون بالقرامطة أخذوا فى الظهور فى أرض الكوفة. وأولهم: رجل يقال له حمدان بن الأشعث القرماط، وكان فى مبدأ أمره يظهر الورع والتخلى عن خلاف الأولى، ولا يقتات إلا من عمله فأقام على ذلك زمنا وكان يجتهد فى إرشاد من يجتمع به ويجلس معه ويحثه على الصلاح والتقوى، ويلقنه أن الصلوات المفروضة خمسون صلاة فى اليوم والليلة وتبعه خلق كثيرون، ولما شاع ورعه بين الناس أعلن بأنه يجب على الناس الامتثال لإمام يكون من بيت الرسول.
وكان أولا يسكن فى بيت بستانى بقال، فاتفق أن رجلا طلب من البستانى حارسا لثمره فأتاه بحمدان المذكور ووفقه معه وعين له الأجرة. فكان فى مدة حراسته يستغرق أوقاته فى الصلاة والصوم ويفطر على رطب من ذلك النخل. وكلما أكل رطبا حفظ نواه وسلمه للبستانى، وكان التجار يشترون البلح على أصوله قبل انتهاء طيبه، وهو يحرسه حتى ينتهى طيبه وبعد جذاذه فى مرابده حتى يستلموه تمرا. فإذا حضر تجار البلح وأقبضوه الأجرة يعمل حسابه مع البستانى فيحسب على البستانى قيمة النوى الذى سلمه له ويستنزله مما عليه للبستانى من قيمة الأكل ونحوه. واطلع التجار على عمله هذا فضربوه وقالوا له: تأكل رطبنا وتبيع نواه؟ فلما أعلمهم البستانى بصلاحه وكثرة عبادته ندموا على أذاه وطلبوا منه الصفح والمسامحة. وكان ذلك سبب زيادة شهرته واعتقاده بين الناس، وجعل ينصح هؤلاء التجار وغيرهم فاتبعوا مذهبه وشاع ذكره وكثرت أتباعه، وجعل على كل من يدخل فى زمرته دينارا ويقول: هذا للإمام. وجعل من أتباعه اثنى عشر نقيبا دعاة يهدون الخلق إلى طريقته. وقد أخذ فى الابتداع والخداع حتى مجته الطباع والأسماع.
وقد تكلم ابن الأثير على كيفية إمساكه والقبض عليه وتخلصه من السجن وكيف كان ذلك سببا فى زيادة شهرته.
ونقل دساسى عن النوارى: أن حمدان المذكور أوسع فى الزندقة؛ حتى كان يجمع النساء مع الرجال مختلطين فى ليلة معينة ويقول: إن هذا من تمام
المحبة وكمال الألفة. فكان الرجل من أتباعه يسلم زوجته لأخيه فى الطريق مرضاة للشيخ، فلما تمكن كل التمكن ساقهم إلى طريق الضلال بالمرة وجعل يقيم لهم البراهين من مذهب الثانوية حتى جردهم بوساوسه عن معالم دينهم.
وصار يحلل لهم الخبائث ويحسن لهم القبائح وجوّز لهم قتل من لم يتبعه وسلب أمواله. وأراهم أنهم ليس عليهم صلاة ولا صيام ولا شئ من التكاليف، وأنه لا عقاب عليهم فى الآخرة بل صاحب الطريق هو الذى يقوم عنهم بذلك كله.
وقد تكلم الشريف أبو الحسن محمد المعروف بأخى محسن على تاريخ حمدان بن الأشعث القرماط بغاية التفصيل، وقال: إنه تلقى أصول مذهب الإسماعيلية عن حسين الأهوازى الذى كان داعيا فى العراق عن أحمد ابن عبد الله بن ميمون بن ديصان جد عبيد الله المهدى وميمون، هذا هو الملقب بالقداح، وهو جد سعيد المسمى عبيد الله الملقب بالمهدى أول الخلفاء الفاطميين. هذا قول أعداء الفاطميين فإنهم يجعلونهم من خليفة ميمون هذا.
وأما محبوهم فيجعلونهم من ذرية على بن أبى طالب كرم الله وجهه. وعليه أبو الفداء وابن خلكان والمقريزى.
وفى تاريخ أبى فضيل: أن أولاد إسماعيل بن جعفر الصادق هم: محمد وعلى وفاطمة، والعقب منهم فى محمد من ولده إسماعيل بن محمد، وجعفر ابن محمد وله من الولد إسماعيل الأكبر والحسن ومحمد الحبيب. فمن ولد محمد الحبيب على زعم بعض النسابة عبيد الله المهدى القائم بإفريقية -بكسر الهمزة وسكون الفاء وكسر الراء وياءين مثناتين بينهما قاف مكسورة- مدينة بالمغرب.
ونقل المؤلف المذكور صورة ما قرر فى مجلس عقد فى بغداد سنة اثنتين وأربعمائة هجرية بحضرة العلماء والأمراء. وحكم فيه بأنهم ليسوا من أولاد فاطمة بل هم زنادقة ملحدون ومعطلون للإسلام، جاحدون أباحوا الفروج، وأحلوا الخمور. وممن حضر ذلك المجلس من أعلام الناس، الشريفان الرضى
والمرتضى وأبو حامد الأسفرايينى والقدورى. وحكم القضاة بنفيهم من العلويين.
ونقل دساسى عن مؤرخى العرب: أن ديصان هو برديصان صاحب مذهب الثانوية وكان فى القرن الثانى من الميلاد. وأهل مذهبه يسمون الديصانية.
وسماه المقريزى بيصان بالباء الموحدة وفرقته البيصانية وبيصان، يقول:
بالأصلين والقديمين. ومن ضمن طوائف معتزلة الإسلام طائفة تعرف بالثانوية، ومن معتقداتهم أن الخير من الله والشر من الإنسان.
وقد تكلم المقريزى فى خططه عن فرق الخليقة واختلاف عقائدها ومذاهبها بأوسع عبارة فليراجع.
ترجمة الشريف الرضى
ثم أن/الشريف الرضى هو أبو الحسن محمد الموسوى، من ذرية الحسين بن على رضي الله عنه. ولد ببغداد سنة تسع وخمسين وثلاثمائة، ومات بها سنة ست وأربعمائة، وله ديوان شعر مشهور، وقد ترجمه أبو الفداء.
ترجمة الشريف المرتضى
وأما أخوه الشريف المرتضى فهو أبو القاسم على الموسوى. ولد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، ومات سنة ست وثلاثين وأربعمائة، وترجمه أبو الفداء أيضا، وابن خلكان.
وذكر ابن خلكان أن له تآليف كثيرة وديوان شعر، و «كتاب نهج البلاغة» .
وقيل أنه لأخيه الرضى. وهو كتاب يشتمل على كلام سيدنا على رضي الله عنه.
وأبوهما يسمى أبا أحمد حسن الملقب بالطاهر ذى المناقب. وإنما نسبا إلى موسى لأنهما من ذرية موسى الثانى بن إبراهيم الأصغر الملقب بالمرتضى ابن موسى الكاظم. وقد سلسل ابن خلكان فى ترجمة المرتضى نسبتهم إلى سيدنا على رضي الله عنه.
ترجمة أبى حامد الأسفرايينى
وأما أبو حامد أحمد الأسفراينى بن محمد فهو من علماء الشافعية. ولد سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، ومات سنة سبع وأربعمائة. وقد ترجمه ابن خلكان فانظره.
ترجمة القدورى
والقدورى هو أبو الحسين أحمد القدورى بن محمد، من ناحية نيسابور.
ولد سنة ثلاثمائة واثنتين وستين، ومات ببغداد سنة أربعمائة وثمان وعشرين.
وقد ترجمه أبو الفداء وابن خلكان أيضا. وهو صاحب مختصر القدورى فى مذهب أبى حنيفة.
[واقعة الريدانية]
ثم من الوقائع المشهورة أيضا ما وقع بقرب المطرية بين السلطان طومان باى، والملك المظفر السلطان سليم شاه بن عثمان. وهى مقتلة آل فيها الأمر إلى جلوس ابن عثمان على تخت الديار المصرية، واستمر ملك العثمانية بها إلى الآن. وملخصها كما يؤخذ من ابن إياس:
أنه لما تحقق موت السلطان الغورى ورجع الأمراء من التجريدة اتفقوا على سلطنة طومان باى وعرضوا ذلك عليه فامتنع غاية الامتناع، وألحوا عليه فلم يجب، وركب هو والأمير علان وجماعة منهم إلى الشيخ أبى السعود الجارحى فى كوم الجارح وعرضوا عليه الأمر. فأبدى طومان باى لامتناعه أسبابا وهى:
قلة المال فى خزائن المملكة مع زحف ابن عثمان على مصر.
وأنه يخشى خروج الأمراء عن طاعته وغدرهم به.
فأخذ أبو السعود عليهم عهدا أن لا يخرجوا عن طاعته ولا يخامروه ولا يغدروا به، وحلفهم على ذلك على المصحف. وانفض المجلس على سلطنة طومان باى.
وفى يوم الجمعة رابع عشر رمضان سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة انعقدت له البيعة من الخليفة أمير المؤمنين يعقوب، وكافة الأمراء، وقاضى قضاة الحنفية حسام الدين محمود بن الشحنة، والقاضى شرف الدين يحيى بن الردينى أحد نواب الشافعية، والقاضى شمس الدين بن وحيش.
وبعد انعقاد البيعة أحضرت له خلعة السلطنة وهى الجبة والعمامة السوداوان والسيف البداوى. وأفيض عليه شعار الملك وسمى بالملك الأشرف، وخطب باسمه بعد انقطاع الخطبة باسم السلطان نحو خمسين يوما وكان لا يذكر فيها إلا اسم الخليفة.
ثم أخذ يتجهز لقتال ابن عثمان، وأمر بحفر خندق من سبيل علان إلى الجبل الأحمر وإلى آخر غيطان المطرية، ونصب على الخندق الطوارق والمكاحل وعمرها بالمدافع وصف حولها عربات الخشب التى صنعها بالقلعة.
واهتم بعمل حائط يكون سترا للمكاحل. وجعل يحمل الحجارة بنفسه، فلما رأى العسكر ذلك صار المماليك يحملون الحجارة والتراب فى حفر الخندق وعمل الحائط، وقد نصب وطاقه بالريدانية (المطرية). وكان يتردد إليه ويتفقد العسكر ويحرضهم، وكان عنده الصبى الذى كان عند عمه الغورى من عائلة ابن عثمان فارا من عند ابن عثمان، فجعل له بركا وسنجا على انفراده.
والبرك كما قال كترمير فى كتابه عن السلوك للمقريزى: كلمة تركية تذكر كثيرا بمعنى الأمتعة والأشياء المملوكة. يقال أخذ ما تخلف من مال ودواب وبرك، ويقال: نهب بركة وكل ما ملكه. ويقال: حج فلان بتجمل زائد ورخت عظيم وبرك هائل. اه
وقد رسم له بأن يقف وقت الحرب تحت الصنجق (أى راية الحرب).
ونقل كترمير أيضا عن كتب العرب ما ترجمته: الرايات متعددة وتسمى الصناجق واحدها صنجق، وبعض الرايات تسمى العصابة ويسمى الشطفة وهى شعار السلطان عند الأتراك، ويقال: جعل على رأسه شطفة كما يجعل على رأس السلطان. وأرسل ثلاث خلع وشطفة. وفى كتاب الإنشاء: الصنجق هو الرمح ذو الشطفة. اه
وكان يشاع أن ابن عثمان أوجس فى قلبه خيفة من هذا الصبى لأنه كان يرى أن جميع عساكره تميل إليه. فكان يخاف أن يتسلطن مكانه. وكان الصبى يخاف غدر السلطان به.
ثم ان ابن عثمان فى أثناء ذلك كان قد استعد بجيوشه وسار إلى مصر ودخل بلادها ومر بالعريش وقطيا والصالحية وبلبيس إلى أن وصل إلى الخانقاه بدون مانع يمنعه. وكانوا كلما مروا بقرية تركها أهلها ولحقوا بمصر.
وكان السلطان طومان باى كلما هم بالمسير إليه لقتاله قبل دخوله البلاد يثبطه أمراؤه ويحسنون له الإقامة. ولو لاقاه قبل تمكنه/من البلاد لكان عين الصواب، فإن خيوله كانت قد هزلت من السفر والجوع. وكذلك مشاته قد كلّت قواهم، وكان أكثر عسكره مشاة فلو لاقاهم على هذا الحال لربما غلبهم سيما ودخولهم البلاد قد أدخل الرعب فى قلوب الأهالى. فما وصلوا إلى الخانقاه إلا وقد قويت خيولهم ومشاتهم وركبانهم لما وجدوا من المأكل والمشرب والعليق والراحة. وجعلوا يتقدمون ونزلوا ببركة الحج وأقاموا بها يومين.
وفى يوم الخميس من شهر الحجة زحفوا حتى وصل أوائلهم إلى الجبل الأحمر فعند ذلك تحرك السلطان طومان باى وزعق نفيره فى الوطاق ونادى بالخروج إلى القتال. فركب الأمراء ودقت الطبول حربيا، وركب العسكر قاطبة حتى سدوا الفضاء. وأقبل عسكر ابن عثمان كالجراد المنتشر. وتلاقى الجيشان عند أوائل الريدانية، فكان بينهما وقعة عظيمة قتل فيها من الفريقين
خلق كثير. وقتل سنان باشا أكبر وزراء ابن عثمان. وانقسمت عسكر ابن عثمان فرقتين إحداهما جاءت من تحت الجبل الأحمر والأخرى جاءت إلى عسكر مصر عند الوطاق بالريدانية، ورموهم ببندق الرصاص وهجموا عليه هجمة منكرة، فما كان غير قليل حتى قتل من عسكر مصر عدد وافر ومن الأمراء المقدمين جماعة كثيرة، وفر باقيهم.
وثبت السلطان طومان باى مع نفر قليل من العبيد الرماة والمماليك السلحدارية، ولما تكاثرت العساكر العثمانية وخاف أن يقبضوا عليه طوى الصنجق السلطانى وولى مختفيا فقيل أنه توجه إلى ناحية طرا.
ونزلت الفرقة التى جاءت من تحت الجبل على الوطاق السلطانى ووطاقات الأمراء ونهبوا جميع ما فيها من قماش وسلاح وجمال وخيول وبقر وغير ذلك. ثم دخلوا القاهرة وأطلقوا السيف فى أهلها. وتوجه جماعة منهم إلى المقشرة فأحرقوا بابها وأخرجوا من كان بها من المسجونين. وكان بها جماعة من العثمانية. وأطلقوا أيضا من كان فى حبس الديلم والرحبة والقلعة أجمعين. ونهبوا بيوت كثيرة من الأمراء، وسارت معهم الزعر والغلمان وصاروا ينهبون فى المدينة.
وقال الشيخ بدر الدين الزيتونى فى هذه الوقعة:
نبكى على مصر وسكانها
…
قد خربت أركانها العامرة
وأصبحت بالذل مقهورة
…
من بعد ما كانت هى القاهرة
وفى يوم الاثنين سلخ سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة دخل أمير المؤمنين محمد المتوكل على الله وكان أسيرا عند ابن عثمان فى القاهرة وصحبته وزير ابن عثمان وجم غفير من العساكر العثمانية. ودخل ملك الأمراء خير بك من باب النصر وشقوا القاهرة وقدّامهم المشاعلية تنادى بالأمان والاطمئنان والبيع والشراء، وأن لا أحد من العسكر العثمانى يشوش على الرعايا، وقد أغلق باب مكتبة الأسرة-2008
الظلم وفتح باب العدل. وكل من أخفى مملوكا جركسيا وظهر عنده شنق من غير معادوة. وأن يدعى للملك المظفر شاه بالنصر. فضج الناس بالدعاء له.
ولم ينكف العثمانية عن النهب إلا بعد ثلاثة أيام متوالية.
فائدة:
نقل كترمير عن بعض كتب العرب: أن المشاعلية هم الضوّية. قال: وفى زمن سلاطين المماليك كانوا مخصصين بالحرف الدنيئة مثل نزح الآبار والحمامات ومجارى المراحيض. وعليهم شئ مقرر لجانب الديوان، ومنهم السيافة والجلادون المخصصون لقطع الرقاب والهتاكون لحرمات أرباب الجرائم، فينادون عليهم هذا جزاء من يفعل كذا وكذا وينادون أيضا فى حارات البلد وأزقتها بتبليغ الأوامر السلطانية، ومنهم الذين يمشون ليلا بالمشاعيل ولعل اسمهم مشتق من ذلك. وفى زمن الفاطميين كان منهم فرقة تسمى الرمادية. والغالب اتخاذهم من أسافل الناس مثل الغجر ونحوهم. انتهى.
وفى يوم الجمعة خطب باسم السلطان سليم شاه على منابر مصر. فقال بعض الخطباء فى خطبته: وانصر اللهم السلطان ابن السلطان ملك البرين والبحرين، وكاسر الجيش وسلطان العراقين وخادم الحرمين الشريفين الملك المظفر سليم شاه.
وكان وطاق السلطان سليم ببركة الحج فنقله إلى الريدانية، وشرعت عساكره فى القبض على المماليك الجراكسة من الترب وفساقى الموتى، ومن غيطان المطرية وجعلوا يحضرونهم بين يدى السلطان فيأمر بضرب أعناقهم.
ولما كثرت رءوسهم بالريدانية نصبوا صوارى عليها حبال وعلقوها فيها وكانت تزيد على أربعمائة رأس. وصارت جثثهم مرمية من سبيل علان إلى تربة الأشرف قايتباى. ثم إن ابن عثمان أرسل خلف المقر الناصرى محمد ابن السلطان الغورى، فلما حضر بين يديه ألبسه قفطانا من مخمل أخضر موشى
بالذهب وعمامة عثمانية وأعطاه مرسوما بالأمان على نفسه، ورسم له أن يسكن فى مدرسة أبيه التى أنشأها بالشرابشيين.
وفى يوم الأحد ثانى المحرم سنة ثلاث وعشرين نقل السلطان سليم وطاقه إلى بولاق ونصبه من تحت الرصيف إلى آخر الجزيرة الوسطى، وأحضرت له مفاتيح/قلعة الجبل. وفى ثانى يوم دخل القاهرة من باب النصر فى موكب حافل واستمر إلى باب زويلة ثم عرج إلى تحت الربع ومن هناك إلى بولاق.
وفى يوم الثلاثاء حادى عشر المحرم نادى فى القاهرة بالأمان لجميع الأمراء المقدمين الذين اختفوا بعد هذه الوقعة فاجتمع منهم عدد كثير. فبعد أن وبخهم وبصق فى وجوههم أمر بحبسهم فى القلعة.
وفى يوم السبت سادس ربيع الأول أمر بضرب أعناقهم أمام وطاقه، وكان قد نقله إلى بركة الحبش، فقتل من الأمراء أربعة وخمسين أميرا وصارت أجسامهم مرمية على الأرض تنهشها الكلاب بالنهار والذئاب والضباع بالليل.
وصارت نساؤهم يعطين المشاعلية أموالا لدفنهم. وفى أثناء تلك الأيام كثر فساد العرب والنهب والقتل فى البلاد.
وفى مستهل ربيع الأول خرج جان بردى الغزالى بطائفة من العسكر وكبس على عدة بلاد من بلاد الشرقية منها ناحية التل والزنكلون ونهب ما فيها من مواش ودواب وسبى النساء والصبيان وباعوهم فى القاهرة بأبخس الأثمان، كما فعل أقبردى الدوادار فى ناحية الأحامدة. وقد اشترى بعض الناس بنتا بأربع أشرافيات ثم أعتقها وأعطاها لأمها رحمة لها. وفعل جان بردى فى بلاد الشرقية ما لم يفعله بختنصر. ثم أن الوزير يونس باشا لام الغزالى على فعله ونادى فى القاهرة كل من اشترى شيئا من نهب الشرقية فليرده إلى أصحابه.
وقد قيل فى المعنى:
يا دهر بع رتب المعالى مسرعا
…
بيع الهوان ربحت أم لم تربح
قدم وأخر من أردت من الورى
…
مات الذى كنت منه تستحى
قال فى مسالك الأبصار: الدوادار هو المنوط به توجيه مكاتيب السلطان لأربابها وتقديم العرضحالات للسلطان ويستشير الملك فى السراى. انتهى.
وتقدم بسط ذلك فى سرياقوس.
ثم إن طومان باى عدّى إلى الصعيد واجتمعت عليه المماليك والعرب وجيّش منهم جيشا وسار به لقتال ابن عثمان. فوقع بينهم بناحية وردان وقعة كريهة انكسر فيها أولاد عسكر ابن عثمان، ثم تكاثرت العثمانية فانهزم جيش طومان باى ففر هو إلى قرية البوطة فى أعلى تروجة. وأمر ابن عثمان بقطع رءوس من أمسك من الجراكسة والعرب وجعل رءوسهم فى المراكب، وعدى بها عسكره من بولاق، وشقوا بها القاهرة على مدارى. وكانت نحو ثلاثمائة رأس. وعند توجه طومان باى إلى ناحية تروجة لاقاه حسن بن مرعى وشكر ابن أخيه مشايخ عرب البحيرة فى ضيعة البوطة فعزما عليه ليضيفاه، وكان بين حسن المذكور وبين طومان باى صداقة قديمة فركن إليه ونزل عنده بعد أن حلّفه هو وابن أخيه على المصحف الشريف أن لا يخوناه ولا يغدرا به. فحلفا له سبعة أيمان فطاب قلبه. ولما استقر عندهما أحاطت به العرب من كل جانب وهو لا يدرى بما به من المقادير تجرى، وقد أرسلا إلى السلطان سليم شاه فأعلماه به، فأرسل جماعة من عسكره فقبضوا عليه بغتة وسلكوه فى الحديد وجاءوا به إلى السلطان سليم وتفرقت رجاله وغدر به ابن مرعى وكان من أعز أصحابه وله عليه المنن الجليلة حتى أنه قام بما عليه من المال مرارا فى زمن السلطان الغورى. وقد صدق القائل:
لا تركنن إلى الخريف فماؤه
…
مستوخم وهواؤه خطاف
يمشى مع الأجسام مشى صديقها
…
ومن الصديق على الصديق يخاف
فلما تمثل بين يدى ابن عثمان وهو لابس لبس العرب الهوارة، وعلى رأسه زنط وعليه شاش وعلى بدنه ملوطة طويلة الكمين، قام له السلطان ثم
عاتبه ببعض كلمات ثم خرجوا به من قدامه فجعلوه فى خيمة وأحاطت به العسكر فأقام كذلك نحو سبعة عشر يوما.
وفى يوم الاثنين ثانى عشر ربيع الأول وهو يوم الخماسين يوم فطر النصارى وعيدهم الأكبر، عدوا به من بر انبابة إلى بولاق وهو راكب على كديش وفيه الحديد، ومروا به من المقس على سوق مرجوش حتى وصل إلى باب زويلة، وكان قدامه وحوله نحو أربعمائة عسكرى، فأنزلوه من على فرسه وأرخوا له الحبال ووضعوا له الخيط فى رقبته وهو مكشوف الرأس، وعلى جسده شاباه جوخ أحمر وفوقها ملوطة بيضاء كبيرة الكمين وفى رجليه لباس من جوخ أزرق، ولما رفع انقطع به الحبل مرتين وفى الثالثة قضى عليه. وعند ذلك صرخت عليه الناس صرخة عظيمة وكثر عليه الحزن والأسف فإنه كان شابا، حسن الشكل، كريم الأخلاق، شجاعا، تصدى لقتال ابن عثمان وقتل من رجاله ما لا يحصى وكسرهم ثلاث مرات. وقد عاش من العمر نحو أربع وأربعين سنة.
ودفن خلف مدرسة عمه فى الحوش الذى هناك بعد أن مكث معلقا ثلاثة أيام حتى تغير. وقد بطل الدفن فى ذلك الحوش.
/وسيرته من حروب ووقعات وغيرها مبسوطة فى ابن إياس وغيره من التواريخ. وقد خلت البلاد من بعده للسلطان سليم شاه وتمكنت الدولة العثمانية بالديار المصرية، وصارت مصر نيابة بعد أن كان سلطانها أعظم السلاطين. وذلك أن السلطان سليم جعل فيها خير بك نائبا وهو أول من ناب فيها، ثم خرج منها السلطان قاصدا القسطنطينية فى يوم الخميس الثالث والعشرين من شعبان سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، فركب من بيت السلطان قايتباى الذى هو خلف حمام الفرقانى وشق من الصليبة إلى الرميلة وقدامه العساكر والأمراء والجنائب تقاد بين يديه.
وكان راكبا على بغلة صفراء كان يركبها السلطان الغورى ولابسا قفطانا مخملا أحمر، وطلع من على السور ونزل من على تربة قايتباى من بين المقابر
إلى قبة العادل إلى بركة الحج. وكانت عساكره فرقتين، فرقة من تحت الجبل الأحمر وفرقة على تربة العادل، وتلاقوا ببركة الحج وترك بمصر من عسكره خمسة آلاف فارس وخمسمائة من رماة البندق والرصاص. وجعل عليهم خير الدين باشا أحد أمرائه أميرا، وجعله نائب القلعة يقيم بها ولا ينزل المدينة.
وخرج معه من مصر ألف جمل محملة من الذهب والفضة ونحوهما غير التحف والنحاس والصينى والخيول والبغال والأبل. وقد سلبت رجاله ووزراؤه من مصر وبلادها ما لا يدخل تحت حصر من الأموال.
ولحق مصر من الضرر الشامل مدة إقامة عساكره بها ما لا يوصف وعمت البلبلة وبطل منها نحو خمسين صنعة، وكانت مدة إقامته بمصر ثمانية أشهر إلا أياما لم يجلس فيها بقلعة الجبل على سرير الملك جلوسا عاما، ولا رآه أحد ولا أنصف مظلوما من ظالم، بل كان مستغرقا فى لذاته وسكره مقيما فى المقياس بين الصبيان المرد، وترك الحكم لوزرائه. ولا يظهر إلا عند سفك الدماء ولا يمسك على قول وليس له سماط ولا نظام كعادة الملوك. وعساكره دنيئون قذرون يأكلون فى الأسواق على ظهور الخيول ويتجاهرون بقلة الدين وشرب الخمر، وغالبهم لا يصوم ولا يصلى، وليس عندهم أدب ولا حشمة.
ومع ذلك فقد صفا له الوقت وسار يحكم من الفرات إلى مصر.
وفى خروجه من مصر أخذ معه ابن السلطان الغورى، وقد أرسل إلى القسطنطينية قبل خروجه كثيرا من علماء مصر وأشرافها وتجارها وعددا من أهل كل حرفة، فتعطل بمصر كثير من المصالح. وقد أعرضنا عن كثير مما حصل فى تلك الوقعات وما يلتحق بها لبسطه فى التواريخ.
[ترجمة الصبى العثمانى]
وإنما نذكر طرفا مما يتعلق بالصبى العثمانى المتقدم ذكره كما يؤخذ من ابن إياس: هو قاسم بيك بن أبى يزيد بن محمد بن عثمان ملك الروم. وقد
كان السلطان الغورى مجتهدا كل الاجتهاد فى إدخاله مصر ليصير ضد الابن عثمان. وكان ابن عثمان يخاف أن يكون سلب ملكه على يديه لما رأى من ألف عسكر الروم له. ولما دخل مصر أكرمه السلطان الغورى وائتلف به ائتلافا زائدا، وجعل له بركا خاصا به وسنجا وصنجقا من حرير أحمر وأخضر كعادة ملوك الروم. وكان يستصحبه فى السفر وحضر معه وقعة مرج دابغ وعاد إلى مصر مع الأمراء.
وبعد السلطان الغورى عظمه السلطان طومان باى، وأعزه وأحضره معه جميع الوقعات. وبعد شنق طومان باى اختفى وتوجه إلى الجبل الأخضر الذى بأعلى البحيرة. فأقام مدة ثم حضر إلى مصر مختفيا فغمز عليه بعض غلمانه فصار القبض عليه عند العطوف بقرب البرقوقية وجردوه من ثيابه ونزعوا عمامته، وألبسوه برنسا أسود وغطوا وجهه كل ذلك خشية أن يعرفه العثمانية فيخلصوه ويقتلوا القابضين عليه، وتثور الفتنة لميلهم إليه. فطلعوا به القلعة قبيل المغرب وسجنوه بالعرقانة داخل الحوش السلطانى.
ثم انعقد مجلس اجتمع فيه ملك الأمراء قايتباى الدوادار، ومن الأمراء العثمانية فائق بيك، وسنان بيك، ومصطفى بيك، وخير الدين نائب القلعة.
وتشاوروا فى أمره وانحط رأيهم على قتله فخنقوه تحت الليل. وفى الصباح أخرجوه من السجن ميتا وأرقدوه على مصطبة بالحوش وكشفوا عن وجهه وأرسلوا للعثمانية قاطبة حتى رأوه. وشهد كثير منهم أنه هو قاسم بيك بعينه.
ثم أحضر ملك الأمراء القضاة وقامت عندهم البينة بصحة أنه هو وكتبوا بذلك محضرا أرسلوه إلى الأستانة. ثم جهزوه وأخرجوه قدام الدكة بالحوش السلطانى، وذلك يوم السبت ثامن عشر المحرم سنة أربع وعشرين، وأطلقوا النداء فى القاهرة بالصلاة على الشاب الشهيد، فصلّى عليه صلاة الغيبة فى كثير من الجوامع. وصلى عليه صلاة الحضور خلق كثيرون. ودفن فى ترب النجاشى مع أقاربه، وكان عمره سبع عشرة سنة. ثم إنهم ذهبوا ليلا إلى قبره
فقطعوا رأسه ووضعوها فى علبة وأرسلت إلى الأستانة للسلطان. وهذا آخر العهد به رحمه الله تعالى.
ولما حصل لمصر من تلك الوقعات ودخول عساكر ابن عثمان بها ما حصل من/الاضمحلال وسوء الحال سيما بخروج من خرج منها من علمائها وأشرافها وأكابرها، رثاها ابن إياس بقصيدة أجاد فيها حيث أشار فيها لكثير من ذلك فقال:
نوحوا على مصر لأمر قد جرى
…
من حادث عمت مصيبته الورى
زالت عساكرها من الأتراك فى
…
غمض العيون كأنها سنة الكرى
وأتى إلينا عسكر سيماهمو
…
حلق الذقون ولبس طرطور يرى
لا يعرف الأستاذ من غلمانه
…
وأميرهم بين الأنام تحقرا
جلّ الإله مصدقا عما حكى
…
فى سورة الروم العظيمة أخبرا
قد أوعد الرحمن وعدا صادقا
…
أن ابن عثمان يلى وكذا جرى
ولاه رب العرش سلطانا على
…
مصر وهذا الأمر كان مقدّرا
أين الملوك بمصر من طبقاتها
…
مثل البدور سنى وكانت أنوارا
يا لهف قلبى للمواكب كيف لم
…
تلق بقلعتها الحزينة عسكرا
لهفى على ذاك النظام وحسنه
…
ما كان فى الترتيب منه أفخرا
لهفى على ضرب الكرات ولعبها
…
فى الحوش صارت فى الحضيض إلى ورا
لهفى على النشاب والرمح الذى
…
كانا مع الدبوس يكسر عنترا
لهفى على لبس الكراف بحندس
…
بطلت وأكنوا كل زنط أحمرا
لهفى على المهماز والخف الذى
…
كانا نهارا لحرب أصون للثرا
لهفى على أعياد مصر كيف قد
…
أفنت تشاريفا بها ومتمرا
وكذا الكنابيش التى قد زخرفت
…
كانت تشد خيولها عند الثرا
وكذا السروج المغرقات بلمعها
…
كانت كبرق أو كليل أقمرا
لهفى على الأبواب كيف تكسرت
…
وخلت أماكنها وصاحبها سرى
لهفى على نهب القماش وبيعه
…
وبأبخس الأثمان صارت تشترى
وأشيع بيع الخيمة العظمى التى
…
للمولد النبوى أحسن ما يرى
بيعت بأبخس قيمة عما حكى
…
يا لهف قلبى كم يزيد تحسرا
لهفى على شيخو وجامعه الذى
…
قد كان للصلوات مجمع للورى
درست معالمه بحرق صار من
…
بعد التزخرف والوماضة أغبرا
لهفى على سوق الصليبة كيف قد
…
أخلى حوانيتا به ما قد جرى
لهفى على فك الرخام ونقله
…
من كل بيت كان يبدو أزهرا
زالت محاسن مصر من أشياء قد
…
كانت بها تزهو على كل القرى
لهفى على الأمراء كيف تشتتوا
…
وخلت منازلهم وعادت مقفرا
لهفى على أتراك مصر إذا غدت
…
مكسورة وقلوبها لن تجبرا
لهفى على الفرسان كيف تقطعت
…
أعناقها بيد العدو إذا افترى
صارت على الطرقات من أجسادهم
…
رمما حكت عيد الضحى الأكبرا
لهفى على ذاك الحريم وهتكه
…
من بعد صون فى الحريم مخدرا
وتيتمت أطفال جند قد غدت
…
أجسامهم نهش الكلاب على الثرى
قتلوا بأصغر بندق من شأنها
…
كالسم تجرى فى الجسوم ولا ترى
لما تكبرت الجراكسة التى
…
كانوا بمصر أذلهم رب الورى
/لهفى على سلطان مصر كيف قد
…
ولى وزال كأنه لم يذكرا
شنقوه ظلما فوق باب زويلة
…
ولقد أذاقوه الوبال الأكبرا
يا رب فاعف عن عظائم جرمه
…
واجعل جنان الخلد رب له قرا
يا لهف قلبى للخليفة كيف قد
…
طردوه عن مصر بجور وافترا
وكذا بنو عم له قد أخرجوا
…
معه لاسطنبول وامتد السرى
وكذلك أبناء الملوك تحيروا
…
عند الخروج ولم يراعو الأوفرا
وكذاك أعيان التجار وغيرهم
…
ممن بمصر صار معهم أنهرا
لهفى على الشرع الشريف وحكمه
…
قد كان فى زمن القضاة موقرا
يا لهف قلبى للشهود بمجلس
…
كانوا به تقضى الحوائج للورى
الله أكبر إنها لمصيبة
…
وقعت بمصر ما لها مثل يرى
ولقد وقفت على تواريخ مضت
…
لم يذكروا فيها بأعجب ما جرى
لهفى على عيش بمصر قد خلت
…
أيامه كالحلم ولى مدبرا
وأتى من التكدير ما لا مخبر
…
سمعت به أذن ولا عين ترى
وتوقف النيل السعيد عن الوفا
…
فى هذه الأيام آخر ما جرى
وتزايد الكرب العظيم لأجله
…
حتى وفى وبه المنادى بشرا
قد كان هذا الانتقام بمصرنا
…
سبقت به الأقدار كان مقدرا
يا ليت شعرى بعد هذا كله
…
تنفى الهموم ونرتجى فرجا يرى
يا رب إنّا بالنبى المصطفى
…
والأنبياء الكل سادات الورى
نسألك كشفا للكروب بسرعة
…
واعف عن الإجرام عفوا واغفرا
قد جاد لابن إياس شعر قاله
…
لكن منه النظم يحكى جوهرا
ثم الصلاة على النبى محمد
…
والآل والأصحاب ممن بشرا
ماماس غصن فى الرياض وغردت
…
أطياره عند النسيم إذا سرى
انتهى.
وفى تاريخ الجبرتى من حوادث سنة ألف ومائتين وأربع عشرة: أنه فى شهر شوال كانت الواقعة المشهورة بين الفرنساوية والوزير يوسف باشا فى جهة المطرية وغيرها، ومحصلها أنه لما حصل عقد الصلح بين الفريقين كما هو مذكور فى الكلام على العريش، أخذ الفرنساوية فى أهبة الرحيل وشرعوا فى بيع أمتعتهم وما فضل من سلاحهم ودوابهم، وسلموا غالب الثغور والقلاع كالصالحية وبلبيس ودمياط والسويس.
ثم أن العثمانية تدرجوا فى دخول مصر وصاروا كل يوم يدخل منهم جماعة، وأخذوا يشاركون الناس فى صنائعهم وحرفهم. ودخل أغاة الجمارك عينه الوزير يوسف باشا على مكس القاهرة وبولاق ومصر القديمة بفرمان قرئ فى المجلس، وقرئ فرمان آخر بإقامة مصطفى باشا-الذى أخذ أسيرا ببوقير- وكيلا عنه، وجعل السيد المحروقى كبير التجار ملزما ومقيدا بتحصيل الثلاثة آلاف كيس المعينة فى الشروط لترحيل الفرنساوية، فوزع ذلك على التجار وأهل الأسواق والحرف. وسكن مصطفى باشا فى بيت عبد الرحمن كتخدا بحارة عبدين بالمحروسة.
وتعين على البلاد مباشرون لطلب الغلال والكلف من الأقاليم، وجعل فى كل بندر وكيل لطلب الغلال والمطلوبات. وجاء الوزير إلى بلبيس وصحبته الأمراء المصريون وأرسلوا إلى مراد بيك ومن معه بالحضور إلى الفرضى.
فأجاب بالاعتذار عن الحضور لكونه فى الصعيد، فلم يقبلوا عذره، فاستأذن الفرنساوية سرا فأذنوا له بالمقابلة. وكان سفيره فى ذلك عثمان بيك البرديسى، ثم إنه حضر وقابل الوزير فخلع عليه وعلى عثمان بيك، ورجع مراد بيك فخيم بجهة العادلية. وحضر حسين أغا نزلة أمين ودخل مصر. وحضر أيضا غالب المصريين الفارين من الأعيان والوجاقلية والأفندية والكتبة بنسائهم وأولادهم. وأرسل إبراهيم بيك إلى السيد المحروقى بطلب/كساوى، فأرسل إليه مطوية وأخرجت لهم الخيام والتراتيب والنظام. وجروا على عادتهم فى التعالى فى الخدم والفراشين ونحو ذلك.
واستأذن العلماء والتجار والأعيان من مصطفى باشا وسر عسكر الفرنساوية فى التوجه للسلام على الوزير فأذن لهم، فذهبوا وقابلوا نصوح باشا والى مصر وسلموا عليه وباتوا بوطاقه. واستأذن لهم فى الدخول عند الوزير فأذن لهم. ولما استقر بهم الجلوس سأل عن أسمائهم وخلع عليهم. وانصرفوا من عنده وطافوا على أكابر الدولة بالعرضى، وكذلك على الأمراء المصريين ورجعوا إلى مصر وصحبتهم قاضى العسكر.
ثم وصل نصوح باشا والأمراء إلى جهة الخانكاه ثم إلى المطرية وحضر درويش باشا والى الصعيد إلى خارج القاهرة جهة الشيخ قمر.
وذهبت طوئف العسكر إلى المنصورة ودمياط والسويس وفى أثناء ذلك كان الفرنساوية قد دخلوا قلعة الجبل وباقى القلاع التى أحدثوها ونزلوا منها فلم يطلع إليها أحد من العثمانيين، ولم يلتفتوا لتحصينها ولا ربطها بالعساكر والجبخانات، وأعرضوا عن المحاذرة، وركبهم الغرور لأجل نفوذ المقدور.
وكان همج الناس ينظر إلى الفرنسيس بعين الاحتقار وأنزلوهم من درجة الاعتبار وتطالوا عليهم بالسب واللعن حتى أن فقهاء المكاتب كانوا يجمعون الأطفال ويمشون بهم فرقا ويجهرون بلعنهم. فأوغر ذلك كله قلوب الفرنسيس.
وتسبب عن ذلك التفاقم بين عساكر الفرنساوية والعثمانيين، فقتل شخص من الفرنساوية وانزعج الناس وأغلقوا الحوانيت. وعمل العثمانية متاريس بناحية الجمالية وما والاها وتترسوا بها. ووقع بين الفريقين مناوشة قتل فيها أشخاص قليلون وكادت تكون فتنة، فتوسط كبراء العسكر فى الهدنة وأزالوا المتاريس، وانكف الفريقان.
وبحث مصطفى باشا عمن أثاروا الفتنة وقتل منهم ستة أنفار وأرسلهم إلى سر عسكر الفرنساوية، فلم يطب خاطره بذلك. وقال: لابد من خروج عسكرهم حتى تنقضى الأيام المشروطة، وإذا دخل منهم أحد إلى المدينة لا يدخلون إلا بإذن وبدون سلاح. فأجابه مصطفى باشا لذلك وأمر به العساكر.
وكان الفرنساوية دائما فى الاستعداد للرحيل وبعضهم توجه إلى الإسكندرية، ونزل البحر بالفعل يريد السفر فتعرض لهم الإنكليز ومنعوهم، فوصل الخبر إلى سر عسكرهم. فأرسل فى الحال إلى الوزير يوسف باشا فعرّفه بواقعة الحال. وكان ذلك فى آخر أيام المهلة. فزحف الوزير إلى سطح الخانكاه فطلب الفرنساوية زيادة ثمانية أيام على أيام المهلة فأجيبوا إلى ذلك. ووصل الأمراء المصريون ونصوح باشا إلى ناحية المطرية ونصبوا خيامهم هناك.
وأما الفرنساوية فجعلوا الأيام الثمانية ظرفا لجمع عساكرهم وطوائفهم بساحل البحر من مصر القديمة إلى شبرا، وترددوا إلى نواحى القلاع ولم يكن بها أحد، واجتهدوا فى رد الجبخانة والذخيرة وآلات الحرب والمدافع على العربات ليلا ونهارا والناس يتعجبون من ذلك. ومصطفى باشا قائم مقام ومن معه مشاهدون لذلك، ولم يقولوا شيئا حتى شحنوا القلاع بالعساكر والآلات، وكان قد بلغهم أن الوزير قد اتفق مع الإنكليز على الإحاطة بهم إذا صاروا بظاهر البحر. وهذا هو الذى ألجأهم إلى الرجوع والاستعداد، ثم بعد ذلك خرجوا بأجمعهم إلى ظاهر المدينة جهة قبة النصر، وانتشروا فى تلك النواحى ولم يبق إلا من كان بداخل القلاع، وبعض أشخاص ببيت الألفى فى الأزبكية.
ثم فى عشرين من الشهر أرسلوا مصطفى باشا وحسين أغا نزلة أمين إلى الجيزة، وفى الثالث والعشريم منه هجموا قبل الفجر على عساكر الوزير وجهة المطرية، فلم يسع العساكر الفرنساوية سوى الفرار وتركوا خيامهم ووطاقهم.
وركب نصوح باشا ومن كان معه وطلبوا جهة مصر فتركهم الفرنساوية ولحقوا بالذاهبين من العثمانية إلى جهة العرضى بالخانكاة بعد أن نهبوا عرضى نصوح باشا وسمروا المدافع. ولما قربوا من الخانكاة أمروا الوزير بالارتحال بعد أربع ساعات فلم يسعه إلا الارتحال والفرنساوية فى أثره وغالب عساكره متفرقة فى البلاد لجمع الأموال.
وكان ذلك بعد حرب انتصر فيه الفرنساوية عليه ونهبوا وطاقه وحملاته.
ووصل إلى بلبيس فترك بها بعض العسكر مع عثمان بيك حسن، واستمر فى هزيمته إلى الصالحية، فلما حضر الفرنسيس إلى بلبيس حاربوا من بها وأثخنوهم ثم أمنوهم وأخذوا سلاحهم، واصطف الفرنسيس صفين والسيوف بينهم مثل القنطرة، وأمروهم بالمرور من تحتها وتركوهم فتشتتوا فى البلاد، واستمر الوزير منهزما إلى أن بعد من الصالحية.
وأما أهل مصر فإنهم لما سمعوا أصوات المدافع كثر فيهم اللغط فلم يعرفوا حقيقة الحال فهاجوا ورمحوا إلى أطراف البلد وقتلوا أشخاصا من الفرنساوية.
وذهبت شرذمة من عامة أهل مصر وانتهبت الخشب وبعض ما وجدوه فى عرضى الفرنساوية.
وخرج السيد عمر النقيب والسيد أحمد المحروقى، وانضم إليهما أتراك خان الخليلى والمغاربة الذين بمصر وحسين أغا شنن أخو أيوب بيك/الصغير وكثير من العامة. وتجمعوا على التلول خارج باب النصر وبأيدى كثير منهم النبابيت والعصى. وطافت العامة بالأزقة، وخرج كثير إلى خارج البلد، فلما ضحى النهار حضر بعض المجاريح من المصريين إلى المدينة وسألهم الناس فلم يخبروهم بحقيقة الحال.
وفى وقت العصر دخل كثير ممن كان خارج البلد ولهم صياح وضجة ومع طائفة منهم إبراهيم بيك ومع أخرى عثمان كتخدا الدولة ثم نصوح باشا ومعه عدة وافرة من عساكرهم، والسيد عمر المحروقى وحسن بيك الجداوى، وعثمان بيك المرادى، وعثمان بيك الأشقر، وعثمان بيك الشرقاوى، وعثمان أغا الخازندار، وإبراهيم كتخدا مراد بيك المعروف بالشابورى، وجملة من المماليك والأتباع، فدخلوا من باب النصر وباب الفتوح ومروا على الجمالية حتى وصلوا إلى وكالة ذى الفقار. فقال نصوح باشا عند ذلك للعامة: اقتلوا النصارى وجاهدوا فيهم. فعندما سمعوا ذلك منه هاجوا وأوقعوا بمن صادفوه من نصارى القبط والشوام. وذهبت طائفة إلى حارة النصارى وبيوتهم التى بين السورين وباب الشعرية، وجهة الموسكى، وكبسوا الدور وقتلوا الرجال والنساء والصبيان حتى اتصل ذلك بالمسلمين المجاورين لهم. فتحزبت النصارى، وجمع كل منهم ما قدر عليه من العسكر الفرنساوية والأروام. ووقع الحرب بينهم وبين المسلمين، وصارت النصارى ترمى بالبندق والقرابين من طبقات الدور على المجتمعين بالأزقة من العامة. ومات نصوح باشا وكتخدا الدولة
وإبراهيم بيك وبعض من صناجق مصر والكشاف والأتباع وطوائف من العسكر بخط الجمالية.
ولما أصبح الصباح أرسلوا إلى المطرية وأحضروا منها ثلاثة مدافع فوجدوها مسدودة الفالية فعالجوها حتى فتحوها. وقام ناصف باشا وشمر ساعديه، وشد وسطه، ومشى على أقدامه، وصحبته الأمراء المصرية وجروا أمامهم الثلاثة مدافع إلى الأزبكية وضربوا على بيت الألفى وكان به أشخاص مرابطون من عساكر الفرنساوية نحو الثلاثمائة، فوقع الحرب بين الفريقين إلى آخر النهار وسكن الحرب وباتوا ينادون بالسهر. واجتهد أهل مصر والعساكر فى عمل متاريس بالأطراف كلها وبجهة الأزبكية، وشرعوا فى بناء بعض جهات السور، وبات الناس خلف المتاريس. ولما أظلم الليل أطلق الفرنساوية المدافع على البلد وبالخصوص على خط الجمالية.
وفى تلك الليلة خرج كثير من الناس وفارقوا المدينة لعجزهم عن المقاومة، وعزت الأقوات، وغصت جهة الجمالية وما حولها بازدحام الناس والحيوانات المحملة بالأثقال. وتسامع أهل خان الخليلى ومغاربة الفحامين والغورية فجاءوا إلى الجمالية وشنعوا على من يريد الخروج وعضدهم طائفة عساكر الينكشارية، وعمدوا إلى خيول الأمراء وحبسوها ببيت القاضى والوكائل وأغلقوا باب النصر. وفى صبح يوم السبت تهيأ كبراء العسكر والعسكر وأهل مصر وذهبوا إلى الأزبكية، وسكن الكثير فى البيوت الخالية والبعض خلف المتاريس. وأخذوا عدة مدافع وجدوها مدفونة فى بعض بيوت الأمراء كبيت أبى دياب السيفى وبيت قائد أغا، وأحضروا من حوانيت العطارين كثير من المثقلات التى يزنون بها البضائع من حديد وأحجار واستعملوها عوضا عن الجلل للمدافع، وصاروا يضربون بها على بيت سر عسكر الفرنساوية، واستمر عثمان كتخدا بوكالة ذى الفقار بالجمالية. وكان كل من قبض على نصرانى أو يهودى يذهب به إلى الجمالية حيث عثمان كتخدا المذكور ويأخذ عليه
البقشيش، فيحبس البعض ويقتل البعض، وربما قتل العامة من قتلوه وأتوا برأسه لأخذ البقشيش وكذا كل من قطع رأسا من رءوس الفرنساوية يذهب بها إلى نصوح باشا بالأزبكية أو إلى عثمان كتخدا بالجمالية ويأخذ فى مقابلة ذلك الدارهم.
وبعد أيام أغلقوا باب القرافة وباقى أبواب البلد، والفلاحون الواردون من الأرياف بخير الريف لا يدخلون إلا من باب النصر وباب الحسينية من جهة المذبح، وكذلك الخارجون. وزاد الناس فى اصطناع المتاريس. وجلس عثمان بيك الأشقر عند متاريس باب اللوق وناحية المدابغ، وعثمان بيك طبل عند باب المحجر، ومحمد بيك المبدول عند الشيخ ريحان، ومحمد كاشف أيوب وجماعة أيوب بيك الكبير والصغير عند الناصرية، ومصطفى بيك الكبير عند قناطر السباع، وسليمان كاشف المحمودى عند سوق السلاح، وأولاد القرافة والحسينية والعطوف عند باب النصر مع طائفة الينكشارية، وعند باب الحديد وباب القرافة وجماعة خان الخليلى والجمالية عند باب البرقية المعروف الآن بالغريب، وناصف باشا وإبراهيم بيك وجماعتهم وعسكر من العثمانية الينكشارية والأرنؤد والدلاة جهة الأزبكية بناحية باب الهواء والرحبة الواسعة التى عند جامع أزبك.
وأنشأ عثمان كتخدا معملا للبارود ببيت قائد أغا بخط الخرنفش، وأحضر الغندقجية والعربجية والحدادين والسباكين لإصلاح المدافع التى وجدوها،/ وأنشأ غيرها وعمل ما يلزم من المهمات الحربية، وأحضر الأخشاب والحديد والصناع وما يلزم، كل ذلك ببيت القاضى والخان الذى بجانبه والرحبة التى عند بيت القاضى بجهة المشهد الحسينى، وأرسلوا فأحضروا باقى المدافع التى بجهة المطرية، وحضر محمد بيك الألفى تانى يوم وتترس بناحية السويقة التى عند درب عبد الحق وعطفة البيدق، وبذل غاية همته. وظهرت من مماليكه وأتباعه شجاعة زائدة خصوصا إسماعيل كاشف المعروف بأبى قطية، فإنه لم يزل يحارب ويزحف حتى ملك ناحية رصيف الخشاب، وبيت مراد
بيك الذى أصله بيت حسن بيك الأزيكاوى، وبيت أحمد أغا شويكار، وتترس فيهما، وحسن بيك الجداوى تترس بناحية الرويعى.
وحضر رجل مغربى يقال إنه كان يحارب الفرنسيس بجهة البحيرة، فالتف عليه طائفة من المغاربة وجماعة من الحجازيين الذين كانوا قدموا صحبة الجيلانى، وحصل منه أمور منكرة من نهب وقتل. واتهم الشيخ خليل البكرى بأنه يوالى الفرنسيس، فهجم عليه طائفة من العسكر والعامة ونهبوا داره وسحبوه مع عياله مشاة إلى الجمالية وهو مكشوف الرأس. فلما مثل بين يدى عثمان كتخدا هاله ذلك واغتم ووعده بخير، ولعن أحمد محرم، وأخذ البكرى إلى داره هو وحريمه وأولاده وأكرمهم وكساهم وأقاموا عنده، وباشر السيد أحمد المحروقى معظم الكلفة والنفقات، وكذلك التجار.
هذا ما كان بمصر القاهرة، وكذلك بولاق فإنها قامت أيضا على ساق، وتحزب الحاج مصطفى البشتيلى وأمثاله وهيجوا العامة، وذهبوا إلى وطاق الفرنسيس الذى تركوه بساحل البحر وقتلوا من به ونهبوا ما فيه ورجعوا وفتحوا مخازن الغلال والودائع التى للفرنساوية، وأخذوا ما أحبوا منها، وعملوا كرانك حوالى البلد ومتاريس واستعدوا للحرب والجهاد.
وأما سر عسكر كليبير ومن معه فإنه لما استوثق من هزيمة الوزير وأمن من عوده أبقى بعض عساكره بالصالحية والقرين وبلبيس ورجع إلى القاهرة وقد بلغه ما حصل بها فى تلك المدة. فأحاط بها وببولاق بعساكره كإحاطة السوار بالمعصم. وكان ذلك بعد ثمانية أيام من ابتداء الحركة، وشرعوا فى الرمى على البلد بالجلل والقنابر من القلاع وجميع الجهات. واستمر ذلك آناء الليل وأطراف النهار، حتى عدمت الأقوات ونفدت الغلات وارتفع الخبز من الأسواق وصارت مؤنة غالب الناس من الأرز يصنعون منه زردة ويبيعونها فى طشوت وأوان.
مكتبة الأسرة-2008
وصار العسكر يخطفون ما يجدونه بأيدى الناس من المآكل والمشارب، وبلغ ثمن قربة الماء من الآبار والأسبلة ستين نصفا عبارة عن فرنكين وسبع من فرنك. وأما البحر فلا يكاد يصل إليه أحد. وتكفل التجار وسائر الناس والأعيان بكلف العساكر المقيمين بالمتاريس المجاورة لهم. فالتزم الشيخ السادات بكلفة من بقناطر السباع، وهم مصطفى بيك ومن معه.
وأما أكابر القبط مثل جرجس الجوهرى وفلتيوس وملطى فإنهم طلبوا الأمان من المسلمين لانحصارهم فى وسطهم فأمنوهم، فحضروا وقابلوا الباشا والكتخدا، وأما يعقوب فإنه كرنك فى داره بالدرب الواسع جهة الرويعى، واستعد استعدادا كبيرا بالسلاح والعسكر. فكان معظم حرب الجداوى معه والمناداة فى كل وقت بالمحافظة على المتاريس. واتهم مصطفى أغا مستحفظان بموالاته للفرنسيس، وأن عنده فى بيته جماعة منهم، فهجموا على داره فوجدوا بها الفرنسيس فحاربوا عن أنفسهم وقتل بعضهم وهرب الباقى. وكانوا نحو خمسة عشر خرجوا من دار الأغا بدرب الحجر يحاربون حتى خرجوا من الناصرية. وأما الأغا فقبضوا عليه وأحضروه بين يدى الكتخدا فسلمه للإنكشارية فخنقوه عند باب النصر، ورموا جيفته على مزبلة خارج البلد، واستقر عوضه شاهين كاشف الساكن بحارة الخرنفش، فشدد على الناس وكرر المناداة ومنع الناس من دخول الدور، فكان الناس يبيتون بالأزقة والأسواق حتى الأمراء والأعيان، وهلكت البهائم من الجوع حتى صار الحمار أو البغل الذى قيمته ثلاثون ريالا أو أكثر لا يوجد من يشتريه بثمانية فضة وكل يوم يتضاعف الحال.
وزحف المسلمون على جهة رصيف الخشاب وترامى الفريقان بالمدافع حتى احترق ما بينهم من الدور، وتهدمت القصور من بين المفارق التى بقرب جامع عثمان كتخدا إلى رصيف الخشاب والخطة المعروفة بالساكت إلى الرحبة المقابلة لبيت الألفى، وصارت كلها تلالا. وأرسلوا إلى مراد بيك
يطلبونه للحضور أو يرسل الأمراء الذين عنده فأرسل يعتذر عن الحضور ويقول:
إنه محافظ على الجهة التى هو بها، فأرسلوا إليه بالاستكشاف عن أمر الوزير، فأرسل يخبرهم: أنه أرسل إليه هجانا من نحو عشرة أيام، وإلى الآن لم يحضر، وأن الفرنساوية إذا ظفروا بالعثمانية لا يقتلونهم ولا يؤذنهم وأنتم كذلك، فاقبلوا نصيحتى واطلبوا الصلح معهم واخرجوا سالمين. فحنق من ذلك حسن بيك الجداوى، وعثمان بيك الأشقر وغيرهما وسفهوا رأيه. وقالوا:/كيف ذلك، وقد دخلنا البلد وملكناها، فلا نخرج منها أبدا.
وأشار إبراهيم بيك برجوع البرديسى، وعثمان بيك الأشقر أتى مراد بيك ليقول له الأشقر ما يقول. فلما اجتمع به رجع فاتر الهمة خلاف ما كان عليه أولا، وجنح لرأى مراد بيك، واستمر اشتعال نيران الحرب، وزادت شدة الكرب، وصراخ النساء. وكانت إقامة النساء والصبيان بأسفل الحواصل تحت طبقات الأبنية، وكأنما على رءوس الناس الطير من الدهشة، ولا يهنأ لهم نوم ولا راحة، وفى أثناء تلك الشدة قد فرضوا على الناس مائة كيس وزعوها على أهل اليسار كالسادات والصاوى، وكل ساعة تهجم العساكر الفرنساوية على جهة من الجهات ويحاربون من بها ويملكون منهم بعض المتاريس ويتسامع الناس بذلك ويقولون عليكم بالجهة الفلانية فيرمحون إليها حتى يجلوهم عنها وينتقلون إلى غيرها، وهكذا والوالى والأغا يكررون المناداة، والمشايخ والفقهاء، والسيد أحمد المحروقى، والسيد عمر النقيب يمرون كل وقت ويحرضون الناس على القتال وكذلك بعض العثمانية يطوفون مع أتباع الشرطة وينادون باللغة التركية.
ولم يزل الحال على ذلك إلى مضى نحو عشرة أيام، فنصب الفرنسيس فى وسط البركة فسطاطا لطيفا، وأقاموا عليه علما وأبطلوا الرمى تلك الليلة وأرسلوا رسولا إلى الباشا والكتخدا والأمراء يطلبون المشايخ ليتكلموا معهم فى شأن هذا الأمر، فأرسلوا الشرقاوى والمهدى والفيومى والسرسى وغيرهم.
فلما وصلوا إلى سر عسكر وجلسوا عنده خاطبهم على لسان الترجمان بما حاصله: أن سر عسكر قد أمن أهل مصر أمانا شافيا، وأن الكتخدا يتوجه هو ومن دخل مصر من العساكر العثمانية إلى الوزير وعلى سر عسكر القيام بما يحتاجون إليه من المؤنة، ومن أراد المقام بمصر من المماليك والغز فليقم، ومن أراد الخروج فليخرج، وأن الجرحى من العثمانيين يجردون من سلاحهم وإن كان الكتخدا يحب أخذه فليأخذه، وعلينا أن نداويهم حتى يبرءوا، ومن أقام بعد البرء منهم فعلينا مؤنته، ومن أراد الخروج بعد برئه فليخرج، وعلى أهل مصر الأمان، فإنهم رعيتنا وتوافقوا على ذلك.
وشاع أمر الموادعة وقالوا لهم بعد كلام طويل: قولوا لهم يخرجون ويلحقون بوزيرهم فإنهم لا طاقة لهم بحربنا وإلا فيكونون سببا لهلاك الرعية وحرق البلدين مصر وبولاق. فقال لهم المشايخ: نخشى إذا جنحوا للموادعة وذهبوا إلى سر عسكرهم ان تنتقموا منا ومن الرعايا. فقالوا لهم: إنهم إذا رضوا ومنعوا الحرب اجتمعنا معهم ومعكم وعقدنا صلحا ولا نطالبكم بشئ، والذى قتل منا فى نظير الذى قتل منكم. ونعطيهم ما يحتاجون من خيل وإبل ونصحبهم من يوصلهم إلى مأمنهم ولا نضر أحدا بعد ذلك.
فلما رجع المشايخ بهذا الكلام وسمعه الينكشارية والناس قاموا عليهم وسبوهم وشتموهم وضربوا الشرقاوى والسرسى ورموا عمائمهم، وصاروا يقولون:
هؤلاء المشايخ ارتدوا وصاروا فرنسيس، ومرادهم خذلان المسلمين وأنهم أخذوا دراهم من الفرنسيس.
ثم نادى المغربى من عند نفسه: الصلح منقوض وعليكم بالجهاد، ومن تأخر ضرب عنقه، وكان الشيخ السادات ببيت الصاوى فخاف على نفسه وتحير واحتال بأن خرج وأمامه شخص ينادى بقوله: التزموا المتاريس. ليقى بذلك نفسه. ومن العامة من يقول: لولا أن الكفرة الملاعين تبين لهم الغلب والعجز ما طلبوا المصالحة والموادعة. وإن باردوهم وذخيرتهم فرغت، وضربوا
عليهم بالمدافع والبنادق، فأرسلوا يسألون عن الجواب الذى توجه به المشايخ، فأرسل إليهم الباشا والكتخدا يقولان لهم: إن العساكر لم يرضوا بذلك. بل قالوا: لا نرجع عن حربهم حتى نظفر بهم أو نموت عن آخرنا، وليس فى قدرتنا قهرهم على الصلح. فأرسل إليهم الفرنساوية ورقة من ضمنها: قد عجبنا من قولكم: لم ترض العساكر. وكيف يكون الأمير أميرا على جند ولا ينفذ أمره فيهم. وأرسلوا أيضا إلى بولاق يطلبون الصلح ويحذرونهم عاقبة ذلك. فلم يرضوا وصمموا على العناد، فكرروا عليهم المراسلة وهم لا يزدادون إلا مخالفة.
وفى خامس مرة أرسلوا فرنساويا يقول: أمان أمان سواء سواء. وبيده ورقة من سر عسكر، فأنزلوه من على فرسه وقتلوه، وحضر الألفى إلى عثمان كتخدا برأى ابتدعه ظن أنه صواب. وهو أن يرفعوا على المنارات أعلاما نهارا ويوقدون عليها القناديل ليلا ليرى ذلك العسكر القادمون فيهتدون ويعلمون أن البلد بيد المسلمين وأنهم منصورون وذلك لغلبة ظن الناس أن هناك عساكر قادمين لنجدتهم، ولم يجدوا من ذلك شيئا بل تخلف ظنهم واستمر هذا الحال بين الفريقين إلى يوم الخميس الثانى والعشرين من الشهر الموافق العاشر برمودة القبطى وسادس نيسان الرومى، فغيمت السماء غيما كثيفا، وأرعدت رعدا مزعجا وأمطرت مطرا غزيزا فسالت المياه فى الجهات، وتوحلت السكك والطرقات، فاشتغل الناس بتجريف المياه والأوحال وتلطخت/سراويل الأمراء والعساكر ومراكيبهم. فهجم الفرنساوية على مصر وبولاق من كل ناحية، ولم يبالوا الأمطار لأنهم فى خارج الأبنية وهى لا تتأثر بالمياه كداخل الأبنية، وعندهم الاستعداد والتحفظ والخفة فى ملابسهم وما على رءوسهم، وكذا أسلحتهم وعددهم وصنائعهم بخلاف المسلمين. فاغتنم الفرنساوية الفرصة ودخلوا البلدين وعملوا فتائل مغمسة بالزيت والقطران، وكعكات غليظة ملوية على أعناقهم بالنفط والمياه المصنوعة المقطرة التى تشتعل ويقوى لهيبها بالماء.
وكان معظم كبستهم من ناحية باب الحديد، وكوم الريش، وجهة بركة الرطل، وقنطرة الحاجب، والحسينية، وجهة الرميلة. فكانوا يرمون المدافع والبنبات من قلعة جامع الظاهر، وقلعة قنطرة الليمون، ويهجمون وأمامهم المدافع وخلفهم طائفة بواردية يقال لهم: السلطات، أى العسكر يرمون بالبندق. وطائفة بأيديهم الفتائل والكعكات المشتعلة بالنيران يلهبون بها السقوف وأبواب الحوانيت وشبابيك الدور، ويزحفون على هذه الصورة شيئا فشيئا.
والمسلمون أيضا بذلوا جهدهم وقاتلوا بشدة همتهم وعزمهم وزلزلوا زلزالا شديدا. وهاجت العامة وخرجت النساء والصبيان، ونطوا من الحيطان والأمطار تسح حصة من النهار، وليلة الجمعة، وكذلك الرعد والبرق وعثمان بيك الأشقر الإبراهيمى، وعثمان بيك البرديسى المرادى، ومصطفى كاشف، ورستم بيك يذهبون ويجيئون بين الفرنسيس والمسلمين طلبا للصلح.
ثم إنهم هجموا على بولاق من ناحية البحر ومن ناحية بوابة أبى على بالطريقة المذكور بعضها. وقاتل أهل بولاق جهدهم ورموا بأنفسهم فى النيران حتى غلب الفرنسيس عليهم وحاصروهم من كل جهة واستعملوا فيهم الحرق والقتل والنهب والسلب. وملكوا بولاق وفعلوا بأهلها ما تشيب من سماعه النواصى، وصارت القتلى مطروحة بالطرقات والأزقة والدور والقصور محترقة.
وهرب كثير منهم إلى الجهة القبلية، ثم أحاطوا بالبلد ومنعوا من يخرج منها، واستولوا على الخانات والوكائل والحواصل والودائع والبضائع. وسبوا النساء والخودات والصبيان والبنات. وأصبح من بقى من أهل بولاق فقراء لا يملكون ما يستر عوراتهم.
وكان محمد الطويل كاتب الفرنساوية أخذ منهم أمانا لنفسه. وأوهم أصحابه أنه يحارب معهم، وفى وقت هجمة العساكر انفصل إليهم، واختفى البشتيلى فدلوا عليه وقبضوا على وكيله وعلى الرؤساء. فحبسوا البشتيلى فى
التكية والباقى ببيت سر عسكر وضيقوا عليهم. وفى يوم الثلاثاء أطلقوهم وسلموهم البشتيلى وأمروهم أن يقتلوه بأيديهم لدعواهم أنه هو الذى كان يحرك الفتنة ويمنع من الصلح. وأنه كاتب عثمان كتخدا بمكتوب قال فيه: إن الكلب دعانا إلى الصلح فأبينا. وأرسل المكتوب إلى الكتخدا، فوقع فى يد سر عسكر كليبر، فحركه ذلك على أخذ بولاق وفعله ما فعله. وقابل البشتيلى بأن أسلمه إلى عصبته وأمرهم أن يطوفوا به البلد، ثم يقتلوه ففعلوا وقتلوه بالنبابيت. وألزم أهل بولاق بأن يرتبوا ديوانا لفصل الأحكام وقيدوا فيه تسعة من رؤسائهم. ثم بعد يومين ألزمهم بغرامة مائتى ألف ريال.
وأما المدينة فلم يزل الحال بها على النسق المتقدم إلى السادس والعشرين من الشهر حتى ضاق خناق الناس من عدم الراحة لحظة فى ليل أو نهار، مع الجوع وعدم القوت للناس والدواب وأذية عسكر العثمانية للرعية وخطفهم ما يجدون معهم حتى تمنوا زوالهم ورجوع الفرنسيس لحالتهم الأولى. وكل يوم يزحف الفرنسيس إلى قدام والمسلمون إلى وراء، فدخلوا من ناحية باب الحديد وغيرها مما تقدم إلى أن وصلوا إلى باب الشعرية وملكوا كوم الريش. وكان المحروقى زوّر كتابا على لسان الوزير فذكر فيه أن الوزير يقوم بعد يومين أو ثلاثة. ولم يزل البرديسى والأشقر ساعيين فى الصلح إلى أن وقع الصلح وتم. وأخذت العثمانية وأمراء العسكر فى أهبة الرحيل، وزودهم الفرنساوية وأعطوهم دراهم وجمالا، وكتبوا بعقد الصلح فرمانا مضمونه:
أنهم يعوقون عندهم عثمان بيك الأشقر وعثمان بيك البرديسى، ويرسلون ثلاثة من أعيانهم يكونون بصحبة عثمان كتخدا إلى الصالحية، وأن من جاء من جهة يرجع إليها، ومن أراد الخروج من أهل مصر معكم فليخرج ما عدا عثمان بيك الأشقر فإنه إذا رجع الثلاثة الفرنساوية يذهب مع البرديسى إلى مراد بيك بالصعيد.
وأرسلوا الثلاثة المذكورين إلى وكالة ذى الفقار وأجلسوهم بمسجد الجمالى مع نصوح باشا. فهمت العامة بقتلهم، فأغلق دونهم باب الخان
وتوجه المغربى إلى الحسينية لمحاربة الفرنسيس، فمنع ذلك عثمان كتخدا وحرض المحروقى الناس على القتال فمنعه نزلة أمين.
فلما كان يوم الجمعة غرة شهر ذى الحجة خرجت العثمانية، وإبراهيم بيك وأمراؤه، والألفى، والسيد عمر مكرم، والسيد المحروقى الشاه بندر، وكثير من أهل مصر. فكانت مدة الحصار والحرب بما فيها من ثلاثة أيام الهدنة/نيفا وثلاثين يوما، تخربت فيها خطة الأزبكية الشرقية من جامع عثمان، والفوالة، وحارة كتخدا، ورصيف الخشاب، وخط الساكت إلى بيت سر عسكر، وجهة باب الهواء، وحارة النصارى، وجهة بركة الرطل، وكوم الريش، وجهة قنطرة الحاجب وغير ذلك.
وركب المشايخ فى عصر ذلك اليوم وذهبوا إلى سر عسكر فجلسوا عنده ساعة، ثم قاموا من عنده وشقوا المدينة وطافوا بالأسواق وبين أيديهم المناداة بالأمان. وفى ثانى يوم ركبوا إليه أيضا فى قبة باب النصر ومشوا فى موكبه ودخل من باب النصر وزينت البلدة ثلاثة أيام.
وفى يوم الأربعاء عمل سر عسكر وليمة دعا العلماء والأمراء إليها ثم أمرهم بالعودة إليه يوم الجمعة ليرتب الديوان معهم.
وفى يوم الخميس سابع الشهر ذهب أمراء الفرنساوية إلى جزيرة الذهب عند مراد بيك باستدعاء منه، فمد لهم سماطا وأهدى إليهم هدايا، وقلدوه إمارة الصعيد من جرجا إلى أسنا.
وفى يوم الجمعة اجتمعت المشايخ ووجوه الناس عند سر عسكر. وفى أول المجلس لامهم على ما حصل من العصيان، ثم ضرب على البلد عشرة ملايين فرنك، والفرنك يومئذ ثمانية وعشرون نصف فضة وجملة ذلك مليونان من الفرانسا، وقال: هذا المبلغ عبارة عن خمسة عشرة خزنة رومية بثلاث عشرة خزنة مصرية، منها على الشيخ السادات خمسة وثمانون ألف فرانسا، والشيخ العنانى خمسة عشر ألف فرانسا، والشيخ محمد بن الجوهرى خمسون ألفا، وعلى أخيه فتوح كذلك، والشيخ مصطفى الصاوى كذلك. واقتطع من
دور الفارين مع العثمانية قدر جميع ذلك مائتين وخمسين ألفا مثل المحروقى والسيد عمر مكرم.
وأمر بحجز خمسة عشر شخصا منهم رهينة، ووقفت الحراس على الأبواب ومنعوهم من الخروج إلا البكرى والمهدى لكون البكرى حصل له ما حصل من أجلهم. والمهدى حرق بيته ووزعوا الباقى على الملتزمين والتجار وأرباب الحرف وعملوا على العقار والدور أجرة سنة. وذهب كل المشايخ إلى داره ومعه الحرس والعسكر. وطافت العساكر والمأمورون فى البلد لجمع الأموال.
وحصلت أمور يطول شرحها مبسوطة فى الجبرتى، وإنما ذكرنا ذلك هنا تتميما للفائدة.
(المعابدة)
قرية من قسم أبنوب الحمام، بمديرية أسيوط. واقعة على تل قديم شرقى النيل، على نحو ألف قصبة مجاورة للجبل.
بها نخيل ومساجد وكنيسة ومكاتب للأطفال. ويزرع فيها الدخان البلدى، ومن أهلها من ينسج حصر الحلفاء ويفتل حبالها للمتجر. وشرقيها فى الجبل دير فيه كنيسة ومقابر للنصارى وآثار أبنية.
(المعصرة)
بمصر من هذا الاسم عدة قرى منها:
(معصرة دودة)
وهى من قرى الفيوم بقسم أول، فى شمال مدينة الفيوم بنحو ثلاث ساعات، وفى الجنوب من ناحية طمية بنحو ساعة ونصف على الشاطئ الشرقى لترعة المعصرة، وفى بحريها خزان سعته نحو سبعمائة فدان. حاجزه البحرى جبل طمية، والشرقى جسر برصيف بالجبس والآجر، والغربى والقبلى
جسران من تراب خالص. وينتهى الجسر الغربى من الجهة البحرية إلى هدّار معد لصرف مياه الخزان على الأطيان المنخفضة من أطيان تلك الناحية. وأما الأطيان المرتفعة فتروى من بحر المعصرة بواسطة تقاسيم.
وذلك البحر يخرج من بحر يسمى بحر تنهلة وهو خارج من بحر يوسف.
فمه شرقى مدينة الفيوم بجوار بيت الديوان. وعلى هذا البحر طاحون بخارية وسواق كثيرة تبع المدينة وناحية دار الرماد. ويمتد فى الشمال نحو ساعة فيمر غربى قرية الأعلام. وهناك نصبة ينقسم عندها بحر تنهلة إلى قسمين:
أحدهما: يسقى مزروعات ناحية مطرطارس.
والآخر: يستمر أقل من ساعة ثم ينقسم فى جنوب قرية الأخصاص ثلاثة أقسام: الغربى منها لناحية المعصرة، والوسط لناحية الزرابى، والشرقى يستمر مشرقا نحو نصف ساعة ثم ينقسم أيضا إلى ثلاثة أقسام: الغربى منها لناحية كفر عميرة، والثانى لناحية فرقص، والثالث لناحية سرنسى المشهورة بعمل ثياب الصوف الجيدة كعدة قرى من بلاد الفيوم، كقرية شكيتة الواقعة فى آخر بلاد الفيوم من الجهة الغربية، وقرية قلشماة، وقنبشة التى هى قبلى المدينة بنحو ساعتين، وقبلى طريق الجبل التى بين سدمنت والفيوم.
وبناحية المعصرة نخيل كثير. ولها سوق كل يوم خميس. وبها فوريقة لصنعة السكر. ويزرع فى أرض الخزان المقاثى من بطيخ وقثاء ونحوه. وهى الآن تبع الدائرة السنية.
ومنها:
(معصرة أطفيح)
قرية من قسم أطفيح، بمديرية الجيزة على الشاطئ الشرقى للنيل بين حلوان وطرا.
أكثر أبنيتها بالدبش. وبها جامع ومصبغة وثلاث طواحين ونخيل كثير.
وأطيانها مأمونة الرى ويزرع بها الخضر والبطيخ والذرة الصيفية.
وفوقها فى الجبل ورشة لقطع البلاط، ومعظم تكسب أهلها من ذلك يبيعونه بالمحروسة.
وفى شرقيها دير يسمى دير العرب له موسم يوم عيد الصليب يحضره الأقباط من الوجه القبلى والمحروسة وغيرها.
ومن حوادث هذه القرية ما ذكرناه فى الكلام على ناحية التبين نقلا عن الجبرتى:/أن ياسين بيك أحد أمراء المماليك عثا هناك بعساكره ونهب هذه القرية وغيرها وخرب فيها. فانظره فى التبين مفصلا.
ومنها:
(معصرة أبنوب)
قرية من مديرية أسيوط، بقسم أبنوب فى شمال الوسطى الشرقى. شرقى النيل بنحو ألف متر، فهى مواجهة لمدينة أسيوط.
وفيها جنات ونخيل، ومساجدها عامرة، وبها كنيسة للأقباط، ومكتب لأولاد المساكين. وفيها نساجون للصوف. ويزرع فيها الدخان المشروب بكثرة، ولها سوق كل يوم أربع.
ومنها:
(معصرة بوصير)
قرية من مديرية بنى سويف بقسم الزاوية، واقعة على تل قديم فى الشمال الغربى لبوصير الملق بنحو ألف وثلاثمائة متر. وفى الشمال الشرقى للنواميس بنحو ألفى متر. وبها جامع بمئذنة ونخيل. وهى على تل قديم.
ومنها: محمد أفندى المصرى باشمهندس مديرية الجيزة.
ومنها:
(معصرة سمالوط)
قرية بمديرية المنية من قسم بنى مزار. على الشاطئ الشرقى للبحر اليوسفى. وفى الجنوب الشرقى لناحية بلتة بنحو ألف متر. وفى الشمال الشرقى لناحية هوارة بنحو ألف ومائتى متر. وفيها نخيل.
ومنها:
(معصرة عرفة)
قرية من مديرية الفيوم، بقسم العجميين فى شمال أبجيج بنحو ثلثى ساعة. وفى غربى بوصير دفنو بنحو ثلث ساعة. وفيها نخيل وأشجار.
ومنها:
(معصرة المحلة)
قرية من مديرية الغربية، بمركز المحلة الكبرى على الشاطئ الشرقى لفرع رشيد، وفى الشمال الشرقى لبلقاس بنحو أربعة آلاف متر. وفى شمال بهوت بنحو ستة آلاف متر. وبها جامع بمنارة.
ومنها:
(معصرة ملوى)
قرية من مديرية أسيوط، بقسم ملوى على شاطئ النيل الغربى فى شرقى الترعة الإبراهيمية بنحو ثلاثمائة متر. وفى الجنوب الشرقى لناحية ملوى بنحو ثلاثة آلاف متر. وفى شمال قرية خزام كذلك.
وفيها نخيل وأبنية ومساجد بالآجر واللبن. ويتبعها نزلة صغيرة.
ومنها:
(معصرة منية غمر)
قرية من مديرية الدقهلية، بمركز منية غمر. فى شمال سهرجت بنحو ألف وثلاثمائة متر، وفى غربى الدبونية بنحو ثلاثة آلاف وسبعمائة متر. ويتبع هذه كفر محمد قائد، وكفر الغنيمى.
ومنها:
(معصرة نعسان)
قرية بقسم بنى سويف، على الشاطئ الشرقى لبحر يوسف والشمال الشرقى للزربية بنحو ثلاثة آلاف متر. والشمال الغربى لناحية قاى بنحو ألفى متر. وفيها نخيل وأشجار.
ومنها:
(معصرة الواحات)
قرية بالواحات الخارجة تبع مديرية أسيوط.
(معينة)
قرية من مديرية البحيرة، بمركز النجيلة موضوعة على جسر أبى رباب.
وبها مسجدان وخمس عشرة طاحونة وسويقة دائمة صغيرة. بها بعض حوانيت. ولها سوق كل يوم سبت. وتكسب أهلها من الزرع وغيره.
(مغاغة)
قرية من مديرية المنية، بقسم الفشن واقعة على الشط الغربى للنيل فى الجنوب الشرقى لقرية ميانة بقدر ثلاثة آلاف متر. وفى الشمال الشرقى لقرية الشيخ زياد بقدر ألفى متر.
وأبنيتها بالآجر واللبن. وفيها مساجد ونخيل وأشجار. ولها سوق كل يوم خميس يباع فيه الحبوب والثياب القطن وعصائب الحرير والعطارة والأغنام ونحو ذلك، غير السويقة الدائمة التى على الجسر.
بها دكاكين يباع فيها الخبز والبقول ونحوها، بسبب أن بها محطة عمومية للسكة الحديد. وفيها للدائرة السنية ديوان تفتيش، وقصر مشيد بجنينة، وفوريقة لعصر القصب وعمل السكر. وفى بحريها وابور المياه. ويخرج من السكة الحديد فرع يصل إلى الفوريقة ثم إلى النيل طوله نحو أربعمائة وخمسين مترا. وفرع يمر أمام ديوان التفتيش ويستمر على الشط نحو ألف وستمائة متر.
وفرع يمر على الإبراهيمية بواسطة كبرى مجعول عليها، ويتجه فى الشمال الغربى بقدر ألف وسبعمائة وخمسين مترا، ثم يخرج منه فرعان: فرع يتجه إلى الشمال طوله ألف وستمائة متر وينتهى بالجنابية التى فى الجهة الشرقية لجسر طنبدا.
وهذه الفوريقة مثل فوريقة الفشن وأعظم استعدادا وأكثر محصولا منها.
ويجلب إليها من تفتيش فوريقة سلاقوس نحو النصف من قصبة، ويتحصل منها كل يوم مائة قنطار من السكر الأبيض وثلاثمائة من السكر الأحمر، وسبعون قنطار اسببيرتو. ويستمر عصرها كل سنة نحو أربعة أشهر أو خمسة.
ومقدار تفتيش مغاغة ستة عشر ألف فدان، يزرع منها قصبا ثمانية آلاف فدان دائما، ورى جميعها من الإبراهيمية ومن الوابورات المركبة على الجنابيات.
(ملطية)
قرية من مديرية المنية بقسم الفشن، بحرى ناحية ميانة بنحو ثلاثة آلاف ومائتين وخمسين مترا. وشرقى سلاقوس بنحو ثلاثة آلاف وسبعمائة وخمسين مترا.
وبها مسجد للصلاة ونخيل وأبراج حمام. وبها فوريقة لعصر القصب وعمل السكر. تبع الدائرة السنية.
(ملوى)
مدينة قديمة بالصعيد الأوسط فى غربى النيل بنحو ساعة. وفى شمال منفلوط بنحو ست ساعات. وفى جنوب منية ابن خصيب كذلك.
وذكر بعض المؤرخين أنها كانت تسمى صول. وفى خطط الفرنساوية أنها فى محل مدينة كانت تسمى قديما هرمو بوليتانا فيلاس، وأن ما فيها من الآثار يدل على/أنها بنيت فى محل مدينة قديمة.
وقد أوجب تحول النيل عنها انتقال التجارة منها إلى مدينة المنية، ومع ذلك فهى مدينة كبيرة معمورة يبلغ محيطها 2500 متر غير التلال القريبة التى يبلغ ارتفاع بعضها إلى 15 مترا.
وأكثر سكانها من المسلمين. وبعضهم من النصارى، وجميعهم أهل اجتهاد وسعى فى الكسب. ويظهر أن النيل تحول عنها من عهد قريب لأنه فى سنة ألف وسبعمائة وعشرين ميلادية كان يجرى تحت جدران الجامع الجديد.
وكان يتجه نحو دير النملة. والآن-أى فى زمن الفرنساوية-تحول عنها مشرقا بنحو ثلث ساعة.
وفى الجهة الغربية منها بالقرب من ضريح هناك وبئر ماء وحفرة كبيرة فيها بعض آثار عتيقة يغلب على الظن أنها محل كنيسة من كنائس النصارى.
وكانت الكنائس كثيرة فيها فخربتها الأهالى. والجامع الجديد الذى بها الآن بنى فى محل كنيسة منها بواسطة دخول بعض القسيسين فى الديانة الإسلامية قبل دخول الفرنساوية أرض مصر بأربع عشرة سنة، فجعلت الكنيسة جامعا من ذلك.
وحول البلد جملة تلال منها: كوم العرب فى الجهة القبلية، وهو مبان قديمة كانت فوق جسر عتيق ومحيطه نحو أربعة آلاف متر. وبه كثير من الطوب. ومنها: كوم منيل فى الجهة الشمالية وهو يشابه ما قبله. ومنها: كوم نزلة الشيخ حسين فى الجنوب.
والجنوب الغربى من المدينة على بعد أربعة آلاف متر، وتذكر الأهالى أنه كان بهذا الموضع بربى من آثار بلد قديم، ومنها الكوم الأخضر، وهو تل قليل السعة فى أول جسر تندة وفيه بعض طوب وشقاف. ومنها كوم العفريت فى شرقى الكوم الأخضر وكوم الصالحة والكوم السلطانى وكوم جرفة. كل هذه كيمان جاهلية قديمة منتشرة حول المدينة.
والظاهر أنه كان بها معابد وكنائس فى زمن النصرانية ثم تخربت وأخذت أنقاضها فى مبانى المدينة. وأهل هذه المدينة يزعمون أنه كان فى محل تندة بلد قديم كان فيه كنيسة جعلها المسلمون جامعا، وكانت تعرف بالكنيسة الرومانية أعمدتها من الرخام. وبالقرب منها بئر ماء عندها مجرى من البناء يوصل الماء منها إلى الكنيسة.
وفى خطط المقريزى: أن هذه المدينة بالجانب الغربى من النيل، وأن أرضها معروفة بزراعة قصب السكر. وكان بها عدة أحجار لعصره. وآخر من كان بها من أرباب الأموال أولاد فضيل، بلغت زراعتهم فى أيام الناصر محمد ابن قلاوون ألفا وخمسمائة فدان من القصب فى كل سنة. فأوقع النشو ناظر الخاص الحوطة على موجودهم فى سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، فوجد من جملة ما لهم أربعة عشر ألف قنطار من القند حملها إلى دار القند بمصر سوى العسل. وألزمهم بحمل ثمانية آلاف قنطار بعد ذلك. وأفرج عنهم، ووجدوا لهم حاصلا-لم يهتد له النشو-فية عشرة آلاف قنطار قند سوى ما لهم من عبيد وغلال، وغير ذلك. انتهى.
وفى القاموس العربى القند والقندة والقنديد عسل قصب السكر إذا جمد، معرب. انتهى.
وفى كتاب نزهة الناظرين: أن أمير اللواء محمد بيك حاكم دجرجا قتل خنقا فى سجن هذه المدينة فى عهد الوزير غازى محمد باشا بن شاسوار المتولى وزارة مصر فى عشرين من ذى القعدة سنة سبع وستين بعد الألف.
وبعد خنقه حزت رأسه وسلخت. وكان الوزير إذ ذاك نازلا بعساكره فى هذه المدينة، وذلك فى ليلة الخميس رابع شهر رجب الحرام سنة تسع وستين بعد الألف. ثم توجه الوزير بعساكره ومعه رأس محمد بيك ورءوس كثير من عصبته العاصين معه، وجاءوا بها إلى مصر. انتهى ملخص.
وسبب قتله وقتل من معه مبسوط فيما كتبناه على مدينة منفلوط فليراجع.
ولهذه المدينة سوقان بحوانيت كثيرة مشحونة بالبضائع اللازمة لأهل البلاد المجاورة لها من ثياب القطن والحرير والجوخ، وفروع العطارة والعقاقير والنحاس وغير ذلك.
وبها خانات وقهاو وخمارات وقصور مشيدة، وشوارع متسعة وحمام، وفوريقة كان ينسج بها ثياب القطن والكتان وقد بطل ذلك الآن. وبها قشلاق للعساكر. وأحجار لعصر زيت السلجم وغيره. وعصارات لقصب السكر. وهذا الصنف يزرع فى أرضها كثيرا إلى الآن ككثير من البلاد المجاورة لها كقلندول والروضة.
وفيها حرف كثيرة، ولها شهرة بنسيج الملاءات القطن. وسوقها العمومى كل يوم أحد. والترعة الإبراهيمية تمر بلصقها من الجهة الشرقية، وتجاهها محطة السكة الحديد على الجانب الشرقى للإبراهيمية، وفى شرقيها على شاطئ البحر قصر كان ينزل به العزيز محمد على، وفى شمالها الشرقى دير الريدمون.
وفى المقريزى: أن هذا الدير فى شرقى ملوى وفى غربى أنصنا وهو على اسم الملك غبريال، يجتمع فيه النصارى. وفيها عدة كنائس منها: كنيسة العذراء، وكنيسة جرجس، وكنيسة الملك ميخائيل، وهى أقدم الجميع.
مكتبة الأسرة-2008
وفى الجبل الشرقى القريب من هذه المدينة مغارة تعرف بين الأهالى بأسطبل عنتر وهى من ضمن مغارات كثيرة نحتها الأقدمون فى الجبل، ويسميها بعض الناس بالديوان.
وهناك مقام الشيخ سعيد فى محل مرتفع من الجبل فى الجهة البحرية من تلول أنصنا/على بعد أربعة آلاف وثلاثمائة متر. وعادة النوتية أنه عند محاذاة السفن لهذا الولى يرمون شيئا من الخبز فى الماء ويزعمون أن طيرا يأخذه ويضعه فى كوّة من البناء الذى على ضريحه ليكون قوتا للزائرين. ويسمى الجبل هناك بجبل الشيخ سعيد.
ومن محلات أسطبل عنتر إيوان طوله ثمانون مترا فى عرض أربعين محمول على خمسة أكتاف من الحجر تركت عند تحت هذه الإيوان من الجبل. وفى زمن فيضان النيل وأعمال الفلاحة يقيم به الناس بمواشيهم، ولذا يوجد به كثير من الزبل والأرواث. وهناك دير أنبا بشاى فى موضع يحيط به سور وبداخله كنيسة، وهو قريب من دير النخلة الذى فى جنوب دير أبى حنس الملاصق لآثار مدينة أنصنا. وذلك الدير يشتمل على كثير من مساكن النصارى وفيه كنيستان. وإلى الآن يوجد على جدران تلك المغارات نقوش وكتابات مصرية قديمة.
ثم أن ما فى شرقى هذه المدينة من الأطيان وما فى شمالها إلى ساقية موسى كان غير صالح للزرع لعدم ريه، وكثرة نبات الحلفاء به، فقد كانت فيه غابات من الحلفاء يختفى فيها الوحوش وتسرح فيها الأنعام، ولا مالك لها وليس عليها مال. ولا يظن من يراها زوال ذلك منها، وبقيت كذلك زمنا مديدا، فلما لاحت لها التفاتة من الهمم الخديوية الإسماعيلية أمر بإحيائها بتنقيتها من الحشائش الفاسدة وإجراء الماء عليها، فنقيت وعملت فيها ترع وجسور بقوانين هندسية، فرويت وحييت بعد موتها وأخصبت، لا سيما بعد حدوث الترعة الإبراهيمية وصار يزرع فيها قصب السكر كثيرا والقطن والقمح والشعير وغير ذلك. وأمنت من التشريق الذى كان متواليا عليها.
كما أخصب فى زمنه وبهممه أراض كثيرة من القطر كانت بهذه المثابة أو أشد كما هو مشاهد فى كل جهة.
وفى هذه المدينة عائلات من الأشراف والأعيان. ونبغ منها قديما وحديثا أفاضل وعلماء.
(مليج)
بفتح الميم وكسر اللام وسكون المثناة التحتية وآخره جيم كما يؤخذ من القاموس. بلدة من مديرية المنوفية، واقعة على شاطئ بحر شبين من الجهة البحرية.
أبنيتها بالآجر واللبن. وبها مسجدان جامعان.
أحدهما: مسجد سيدى على المليجى الولى المشهور رضي الله عنه. وضريحه به، وهو جامع مشيد البناء وبه جملة أعمدة من الرخام، ومنارة. وقد جدد على طرف الأوقاف من زمن قريب. وخدمته وأولياء نظره عائلة يقال لهم: عائلة النقباء، يتوارثون النقابة جيلا بعد جيل. وهم الآن منقسمون ثلاث فرق يتقاسمون الخدمة والنذور أثلاثا. إحداها: عائلة على أبى أحمد النقيب.
والثانية: عائلة الشيخ عبد الله النقيب. والثالثة: عائلة على أبى أحمد ابن مصطفى النقيب. وقد تفرع كل إلى فروع، ولهم قانون فى القسمة جار بينهم.
وجميعهم يشتغلون بالقراءة والعلم من عدة أجيال. وتكسبهم من الزرع، وليس عليهم ما على الأهالى من حفر الترع ونحوها.
وقد انتقلت نظارة الجامع عنهم بسبب مشاجرة وقعت بين عائلاتهم وصارت بيد محمد الشنوانى أحد مشايخ البلد، وعليه كنس المسجد وباقى الخدمة باقية فيه بأيديهم، وفى كل سنة يعمل له ثلاثة موالد فى أزمان موالد سيدى أحمد البدوى.
وفى طبقات الشعرانى: أن سيدى على المليجى كان من أصحاب سيدى الشيخ أبى الفتح الواسطى شيخ مشايخ بلاد الغربية المدفون بالإسكندرية المتوفى
سنة ثمانين وخمسمائة. وكان سيدى على معاصرا لسيدى أحمد البدوى رضي الله عنه، وكان له كرامات ظاهرة. انتهى.
والأهالى يقولون إنه كان حباكا.
والثانى: مسجد الأربعين وهو مقام الشعائر أيضا.
وبها كنيسة قديمة للأقباط باسم الشهيد سرابامون. وقد جددت سنة ألف ومائتين وخمس وسبعين.
وبها جملة أضرحة لبعض الصالحين. منها: ضريح سيدى يعقوب، وضريح السيد على المجاهد فى جهتها القبلية بجوار جنينة أحمد بيك، وضريح السيد عيسى، وضريح السيد موسى، وضريح السيد نعمة الله، وضريح السيد سويد.
ولها سوق دائم به حوانيت كثيرة يباع بها الثياب والعطارة واللحم ونحوه.
وفيه قهاو وخمارات. وتكسب أهلها من التجارة والزراعة خصوصا صنف الخس فإنه يزرع فيها بكثرة وله شهرة بمصر. ولها سوق كل يوم جمعة يجتمع فيه من البرين ويباع فيه بضائع كثيرة.
وزمام أطيانها ثلاثة آلاف وسبعمائة وستون فدانا. وريها من بحر شبين وترعة القاصد الخارجة منه.
وكان فى جنوبها تل قديم أخذ جميعه لتسبيخ الزرع حتى صار موضعه منخفضا يجتمع فيه الماء، وتنزل فيه مياه مراحيض جامع سيدى على. وفى أثناء الحفر وجد فيه أربعة أحجار كبار باقية إلى الآن.
وفى خطط الفرنساوية على مصر فى ضمن سياحة فى الوجه البحرى لبعض علماء الإفرنج أنه يغلب على الظن أن هذه التلول هى آثار مدينة بيبلوس الواردة فى مؤلفات أيتين البيزنطى حيث قال: إن أهل مصر قاموا فى زمن تغلب
الفرس على مصر، وملّكوا عليهم أناروس ملك الليبيا. وإنه باتحاده مع الأثينيين تغلب/على الفرس وطردهم واستولى على القطر، ولم يستمر ذلك بل بعد قليل رجعت الفرس بقوة زائدة فطردوه وأخرجوه من منفيس. فأقام بعسكره فى مدينة بيبلوس وحصنها، فحاصرته الفرس فيها سنة ونصفا. ثم أخرجوه منها ومن القطر جميعا. انتهى.
ترجمة أحمد بيك أبى مصطفى
ومن قرية مليج هذه الأمير أحمد بيك أبو مصطفى. كان أول أمره شيخا ببلده. وكان حسن السيرة والتدبير، وله كرم ومكارم وأخلاق. فندبه المرحوم عباس باشا لعمارة قرية هورين، وكان أهلها قد ارتحلوا عنها. فأقام بها سبع سنين فعمرها وجلب إليها من يزرع أطيانها، حتى صارت أحسن من حالها الأول، فرجع إليها أهلها. وفى تلك المدة كان لا يذهب إلى بلده بل وكّل بدائرته من يقوم بها.
وفى زمن المرحوم سعيد باشا جعّل ناظر قسم. وفى زمن الخديوى إسماعيل باشا جعّل معاونا بمديرية المنوفية. ثم جعّل وكيل مديرية القليوبية، ثم جعل مدير المنوفية. ثم لزم بيته فى أشغال نفسه. وأحد أولاده ناظر قسم تلا، وآخر منهم ناظر قسم سبك، وآخر عمدة الناحية. وله أولاد أخر مشتغلون بالزراعة.
وله بها دوار ومنازل مشيدة وبستان عظيم ووابور لسقى الزرع.
وكذا على أفندى عمارة له دوار ومنزل مشيد ووابور. وكذا الحج محمد الشنوانى له بستان وثلاث وابورات، ومنزل مشيد. ففيها خمسة وابورات كلها لسقى الزرع.
وقد أخبرنى بعض من يوثق به من أهل هذه البلدة: أنه كان عندهم عادة جارية بينهم هى، أنه عند زيادة النيل كانوا يزينون بنتا ويلقونها فيه ويتركونها
حتى تموت غريقة. ويعتقدون أن ذلك أمر يتوقف عليه زيادة النيل. ونقل بعض الإفرنج أن ذلك كان عادة للمصريين من قبل المسيح بنحو ألفى سنة.
انظر الكلام على ذلك فى مدينة نيلوبوليس.
ومن عوائد هذه البلدة أيضا ككثير من بلاد تلك الجهات مثل: طوخ البراغتة ونحوها. أن يحملوا المشروط للزوجة من غلال وذبائح على جمل يزينونه بمنديل حرير فى رقبته. وقبل ليلة البناء تزين العروس بالحلى وثياب الحرير، ويطاف بها حول البلد فيخرج إليها بعض محبيها من النساء، فتعزم عليها بالبيات عندها. فتبيت هناك تلك الليلة، ومعها بعض أحبتها من النساء. ويهيأ لهن الطعام الفاخر. وفى الصباح تذهب إلى بيت أبيها، وفى آخر النهار تجتمع عندها أقاربها وصحباتها من النساء، فيكشفن صدرها ويرصعنه بالدراهم المبلولة بالريق، ويسمى ذلك نقطة ترده إليهن عند أفراحهن. ثم يأكلن وينصرفن. ثم تزف إلى بيت الزوج، وعند دخوله للبناء بها تقف الناس خارج بابه، فإن لم يغب بل خرج إليهم فى زمن قريب شكروه على ذلك، وقالوا له: بيضت الشاش يا عريس. وإن أبطأ عليهم صفقوا على أكفهم وقالوا:
العجل العجل يا أخى. فإذا خرج إليهم عبسوا فى وجهه. وفى خارج الدار خيمة أو ديوان مهيأ وفيه قوم جلوس ينتظرونه. فإذا خرج إليهم قاموا إليه وعانقوه، وقالوا له: العاقبة للبكارى وش العريس يا مليح.
وفى صبح تلك الليلة يأتى من أغلب بيوت أهل البلد طعام إلى بيت الزوج، فيأتى أحدهم بخوان عليه أربع فطيرات فيأخذ أهل الزوج ثلاثة ويردون الخوان بواحدة. وفى وقت الظهر يخرج الغداء من بيت الزوج للناس عموما.
فيأكلون، وينصرفون وينصرف الطبالون بعد أخذ عوائدهم من الكسوات وغيرها.
وكذا فى المأتم يأتى من كل بيت إلى بيت الميت خوان عليه أربع فطيرات. فإذا تكامل اجتماع الخوانات، وضعوا قدام كل واحد من الحاضرين فطيرة، فيأكل منها ما شاء. وما زاد يدخلونه بيت الميت، هكذا فى الأيام
الأربعة الأول، وأما باقى الأيام وهو أربعة أخرى فيخرج الطعام من بيت الميت وأقاربه خاصة. وهذا فى غير أول يوم، وأما أول يوم فيأتى كل أحد إلى بيت الميت بطعام كيف كان، فإن كان الميت فقيرا أكل الحاضرون أو بعضهم، وإن كان من الأعيان فلا يأكل أحد من ذلك الطعام فى هذا اليوم.
ومن عوائدهم أيضا أكل الذرة على الدوام. حتى أن من جعل مؤنة بيته قمح خاصا عيروه بالفقر. وذلك عادة كثير من قرى الأرياف بمصر.
وتلبس نساء أكابرهم الأقراط والأساور واللبات. ويجعلن اللبة على فرعين فى كل فرع اثنتا عشرة حبة من الذهب. ويلبسن الشعيرى والخلخال والخزام الذهب أو الفضة، فيثقب أنف البنت فى صغرها، فإذا تزوجت لبست الخزام فى أنفها.
ومن عوائدهم أن يهدوا إلى البيوت فى الأفراح لحم نيئ، ومن لم يرسل إليه لحم أو أرسل إليه أقل من أمثاله لابد أن يحصل بينه وبين أهل الفرح محادة وشقاق كبير. وهذه أيضا عادة كثير من بلاد الصعيد.
(المليحية)
بالتصغير قرية بالصعيد الأدنى من قسم بنى سويف، على الشط الغربى للنيل فى شرقى قرية البرانقة بنحو ألف وثمانمائة متر، وفى جنوب تزمنت والحلبية بنحو خمسة آلاف متر.
وبها زاوية، وفى بحريها بنحو ألف وأربعمائة متر آثار قرية المليحية القديمة التى تخربت بسبب حريق وقع بها. وحول هذه القرية نخيل كثير.
ومبانيها ريفية، وفيها مسجد.
وفى قلائد/العقيان: أن العساكر أحاطوا بهذه القرية ودمروها تدميرا، وذلك فى زمن الوزير حمزة باشا. وسببه أن العرب قاموا فى البلاد وحصل منهم قبائح فى قرى بنى سويف. وكانوا يأخذون الطفل من أمه ويشقونه نصفين،
ويعرون النساء وينظرون فى عوراتهن. ومن أراد امرأة زنى بها جهارا، وتغالوا فى البغى والفساد وتخريب البلاد، ونهبوا الأرزاق، وحصل منهم ما يطول شرحه.
فحصل من أهالى المليحية إعانة للعرب على إفسادهم ففعل بهم العسكر ما ذكر. انتهى.
(المناجة)
من هذا الاسم قريتان متجاورتان: المناجة الكبرى، والمناجة الصغرى.
ويقال لهما: المناجتان. وهما واقعتان فى النهاية الشمالية من مديرية الشرقية، كلاهما من مركز العرين فى شرقى صان الحجر بقدر أربعة آلاف متر بالقرب من البحيرة البيضاء.
وبحرى المناجة الصغرى تلول قديمة، وفى الشمال الشرقى للصغرى أيضا محل يدعى أم عفن. يزعم الناس أن به شهداء من الصحابة ويزورونه ويعقدون له كل عام مولدين فى عيد الفطر وعيد الأضحى. وحوله شجر الطرفاء بكثرة، وفى كليهما نخيل بكثرة. وأبنيتها كمعتاد قرى الريف وفيهما مسجدان.
وتكسب أهلهما من الزرع المعتاد، ومن صيد السمك، ومن الجبن الحلوم، وثمر النخيل فإن أهل البلاد المجاورة لهما مثل منزلة المطرية، والمطرية، وثغر دمياط يزدحمون هناك وقت جذ الثمر فيشترونه منهم، فيكون هذا الوقت موسما عندهم.
وأغلب أرضهما غير صالحة للزراعة بل فيهما الطرفاء والرمال والسباخ.
وهى متصلة بالأراضى الشامية. وزمام أطيانها تسعمائة وتسعة وخمسون فدانا.
وأهلهما ألفان وثمانية عشر نفسا.
(مناوهل)
قرية من مديرية المنوفية، بمركز سبك. واقعة على بحر شبين من الجهة الشمالية.
وبها جامعان عامران بالعبادة، ومضايف متسعة لبعض أغنيائها. وثمان بساتين ذات فواكه، ومعصرتان لقصب السكر، وأضرحة لبعض الصالحين مثل: الشيخ أبى العباس، والشيخ البكرى، والشيخ فضل، والشيخ محمد السجينى.
وزمامها تسعمائة فدان وستة عشر فدانا. وبها أربعة عشرة ساقية معينة عذبة المياه. ولها شهرة بزرع القطن وقصب السكر. وفى جهتها البحرية طريق إلى ناحية شبين نحو ساعتين ونصف.
ترجمة الشيخ عبد الرحمن المناوهلى
المعروف بالمنهلى
وإليها ينسب الشيخ عبد الرحمن المنهلى الذى ترجمه السخاوى فى الضوء اللامع فقال: هو عبد الرحمن بن سليمان بن داود بن عياذ بتحتانية ابن عبد الجليل بن خلفون الزين القاهرى الشافعى، ويعرف بالمنهلى.
ولد فى شوال سنة تسع وعشرين وثمانمائة بمناوهل من الغربية. ومات أبوه وهو صغير فنشأ فى كفالة أخيه، وأقام معه برواق ابن معمر بالأزهر. فحفظ القرآن، والمنهاج، وجمع الجوامع، والألفيتين، والشاطبية، والتلخيص. وأخذ فى الفقه عن الشنيشى ابتداء، وأخذ النحو عن الوراورى، ثم انتمى للمناوى ولازمه أتم ملازمة حتى أخذ عنه الفقه أخذا مرضيا غير مرة، وكذا أخذ عنه فى التفسير، والحديث، والتصوف، والأصول، والعربية وغيرها. بحيث كان جل انتفاعه عليه، وبه تهذب، وعليه تخرج وتسلك. وكان أحد قراء تقاسيمه العامة الذين كان ينوه بذكرهم وكان يرجحه فى ذوق الفقه على الجوجرى.
وأخذ الحديث والمصطلح عن شيخنا، وممن أخذ عنهم أيضا الشمنى، والتقى الحصنى، والسعد بن الديرى. وحضر فى حجته الأولى عند القاضى أبى السعادات بن ظهيرة. وبرع فى الفقه وتقدم فيه وصار لكثرة ممارسته له والنظر فى قواعده والتبصر فى مداركه فقيه النفس مع مشاركة حسنة فى
الأصول والعربية. وفهم مستقيم جدا وإتقان فيما يبديه وعقل تام يضبط به أقواله وأفعاله، ويتوصل به لكف جليسه أو صاحبه عما لا يرتضيه.
وناب فى تدريس الفقه بالحجازية عن البرهان بن أبى شريف، وبالفاضلية عن ابنى صاحبه زين العابدين، وبالجمالية عن ابن النواجى وفى غير ذلك.
ثم استقر فى تدريس النابلسية تجاه سعيد السعداء وسكنها حتى مات.
وكان يترفق فى معيشته بطبخ السكر ونحوه. وتوالى عليه فى ذلك عدة خسارات فضم ما تأخر بيده وهو شئ يسير جدا. وسافر فى البحر إلى المركب، فانصلح المركب بجميع ما فيه فى أثناء الطريق ونجا بنفسه خاصة.
وطلع مكة فحج وأقام سنة أخرى وهى سنة ثلاث وثمانين على قدم عال فى الصلاح والعبادة. ثم توعك فى غضون ذلك مدة ولم يتم تخلصه حتى أنه قدم القاهرة وابتدأ الفالج معه. ولكن لم يكن ذلك بمانع له من الإفتاء والتدريس والكتابة. وانقطع بسببه أشهرا، كل ذلك وهو صابر شاكر حتى مات سنة خمس وثمانين وثمانمائة رحمه الله تعالى.
ومن نظمه مضمنا قول القائل مما هو مشهور على الألسنة: «حائط القاضى يطهر بالماء، وحائط غيره يهدم.» قوله:
إذا استقضى القاضى عن النجس الذى
…
يحل جدار الغير يفتى بهدمه
ويفتى إذا ما حل ذاك بحيطه
…
بتطهيره بالماء فاعجب لحكمه
/وقوله أيضا:
يقضى القضاة بهدم الحيط إن نجست
…
ما لم تكن لهمو فالماء يكفيها
ومن كلامه أيضا:
إذا حكم الإله عليك فاصبر
…
ولا تضجر فبعد العسر يسر
فكم نار تبيت لها لهيب
…
فتخمد قبل أن ينشق فجر
انتهى.
(منبال)
قرية من مديرية المنية، بقسم قلوسنا، فى غربى ناحية إيوان بنحو أربعة آلاف متر. وفى الشمال الشرقى لناحية أسطال بنحو ألفين ومائتين وخمسين مترا.
وبها جامع وزاوية. وبدائرها نخيل كثير، وفيها أبراج وحمام. وهى من البلاد التى كانت بها الحراج وسنط القرظ الديوانى. وسبق الكلام على ذلك فى البهنسا.
(المنزلة)
قال كترمير: هى مدينة كانت قديما من المدائن الكبيرة الشهيرة فى الوجه البحرى، واقعة فى برك قريبة من البحر الرومى. وكانت تسمى فى كتب الأقباط والأروام إيتنيزوس أو إيتغيزيس، وهى غير مدينة تانيس التى سبق الكلام عليها فى حرف الصاد.
وينسب إليها بركة المنزلة التى بجوار بركة دمياط. وكان يصب فيها خليج أشمون المعروف الآن بالبحر الصغير، وكان فمه بقرب المنصورة وجوجر. ثم سد فى زمن المرحوم عباس باشا ووصل بترعة المنصورية، وهى بركة واسعة جدا لكنها قليلة العمق. وكان ماؤها يعذب فى وقت فيضان النيل ويملح بعد هبوطه. وكان فى وسطها مدينة تنيس المذكورة فى حرف التاء. وكان فى وسطها أيضا جزائر أخرى فيها عدة قرى، وهى نيلية، وتونة، وسمناء، حصن الماء، وشطا، ودبيق، وبورى، وقس الحيف.
وكان أكبر جزائرها جزيرة تنيس، وجزيرة تونة المعروفة الآن باسم الشيخ عبد الله، وجميعها كانت تشترك مع تنيس كمدينة المنزلة فى كيفية المعيشة والبراعة فى المنسوجات وأنواع التجارات وغير ذلك. فطالما صنعت كسوة الكعبة المشرفة أيام بنى العباس فى مدينة تونة المعروفة الآن باسم الشيخ عبد الله، وجميعها كانت تشترك مع تنيس كمدينة المنزلة فى كيفية المعيشة
والبراعة فى المنسوجات، وأنواع التجارات وغير ذلك. فطالما صنعت كسوة الكعبة المشرفة أيام بنى العباس فى مدينة تونة.
وكان للثياب القسية شهرة، وكانت عمائم دبيق تتخذ من الكتان وتنسج بالمقصب وكان طول الطاقة الواحدة مائة ذراع ومخيشها المقصب يساوى خمسين دينارا غير ثمن الحرير والخيط، ولم تزل مرغوبة إلى وفاة الخليفة العزيز بالله سنة ست وثلاثين وثلاثمائة.
وقد اندرست تلك المدن ولم يبق سوى بعض أطلالها. وبعد أن كانت أرضها مخصبة كثيرة الأشجار أضحت قحلة غير صالحة للزرع. وحدث فوق سطحها طبقة من الملح مثل الثلج الجامد، بحيث صار يسمع له عند المشى عليه خشخشة، إلا مدينة المنزلة فإنها إلى وقتنا هذا فى غاية العمارة.
وقد عد خليل الظاهرى فى أقاليم الدقهلية أربع مدن: مدينة المنصورة، ومدينة أشمون الرمان، ومدينة فارسكور، ومدينة المنزلة. وقال: فأما المنزلة وفارسكور فتحصلهما فى كل سنة ينيف على سبعين ألف دينار لديوان المفرد الشريف. وإقليمها إقليم حسن حتى صار أن العارفين فضلوه على جميع أقاليم الديار المصرية. وبه طيور حسان الهيئة، شهب الألوان، مطوقة بالسواد، حمر المناقير والأرجل تسمى بالدراج، ولها أصوات شجية تقول فى تصويتها مفسرا يفهمه أهل ذلك الأقليم:«طاب دقيق السبل، سبحان القديم الأزلى» . حتى أنه من يسلك تلك الأرض ولم يكن سلكها قط يظن أنه صوت إنسان.
قال ومن جملة خواص هذا الإقليم أن غالب أهل بلاده يزرعون القصب، والقلقاس، والأرز على الماء السائح. وبقرب مدينة المنزلة ملاحة عظيمة يجلب الملح منها إلى البلاد ويجلب من هذا الإقليم رمان كثير جدا. اه.
ونقل دساسى عن كتاب عجائب المخلوقات: أن الدراج طير مبارك كثير النتاج محدب الظهر مبشر بالربيع. وهو القائل: «بالشكر تدوم النعم» وصوته
على هذه الكلمات، وتطيب نفسه من الهواء الصافى وهبوب الرياح. ويسوء حاله بهبوب الجنوب حتى لا يقدر على الطيران.
قال: وذكر الجاحظ: أن الدراج من الطيور التى لا تتسافد فى البيوت وإنما تتسافد فى البساتين. انتهى.
وقال: إن العالم فرستال يذكر: أن الدراج طير من بلاد العرب، ولم يصفه. ويؤخذ من كلام غيره أنه هو الطير المسمى فى لغة الإفرنج فيزان.
وفى القاموس العربى الإسبانيولى: دراج مترجم فيزان أفرنكولان، وكذلك فى قاموس عربى طليانى. ووصف الفيزان يوافق ما وصفه خليل الظاهرى ولا يخالفه إلا فى وصف المنقار، فإنه جعل منقاره أحمر وهذا منقاره أسود. ولعل الظاهرى غلط فى جعله أحمر. انتهى.
ثم إن مدينة المنزلة الآن من مديرية الدقهلية، بمركز دكرنس على الشاطئ الشرقى للبحر الصغير. ويحفها من الجهة البحرية خندق السيّار. ومن الجهة الشرقية الخندق الجديد. وبينها وبين دكرنس أربعة عشر ألف قصبة، وبينها وبين ناحية البصراط ثلاثة آلاف قصبة. والقصبة ثلاثة أمتار ونصف.
ومنها إلى دمياط ستة فراسخ، وإلى المطرية أى مطرية البحر ثلاثة فراسخ. ولها أرصفة متينة على شاطئ البحر. وأكثر أبنيتها بالآجر والمونة، ومنها ما هو على دورين أو ثلاثة.
[شوارعها:] وتشتمل على شوارع فى كل منها حارات أو خطاط. فمن ذلك/:
شارع المعصرة يشتمل على: حارة الشونة، وحارة المحكمة، وحارة العبد، وحارة الشراينة، وحارة السويقة، وحارة البهابده، وحارة القعقاع، وحارة أبى محمود، وخط العرايا، وخط المصالحة وخط الطناحية، وكفر الحاج جاهين.
ومنها الشارع الوسط يشتمل على: حارة الشامى، وحارة القطعة، وحارة النجارين، وخط الخلائفة، وخط الشيخ سلامة، وخط العراقى، وخط الدقوقى.
ومنها شارع الطوابرة ويشتمل على: حارة النوادرة، وحارة الفرايعة، وحارة الحسانية، وحارة الجرن.
[مساجدها:] وبها جملة مساجد أكثرها له منائر ومنابر وتقام فيها الجمعة. وفى بعضها أضرحة تزار فمنها:
المسجد الكبير.
بحارة الحكمة. وهو أعظم مساجدها تقام فيه الجمعة والجماعة على الدوام. وله سلالم على البحر للوضوء. وله منارة، وفى جانبه قبة فيها ضريح سيدى أحمد العبيدى.
ومسجد سيدى عبد الحليم العقلانى.
فى طرف حارة الشراينة، وهو أيضا تقام فيه الجمعة والجماعة. ومنشئه الشيخ عبد الحليم المذكور صاحب الفضائل والفواضل. فقد كان فى حياته مغنيا لطلبة العلم إنفاقا وتدريسا. وانتقل فى آخر عمره إلى قرية فى غربى هذه المدينة بقليل تسمى الخرابة. وبنى بها مسجدا ولازمها حتى توفى، ودفن بهذه المسجد وجعل عليه قبة.
ترجمة الشيخ عبد الحليم المنزلاوى
وهو الذى ترجمه الشعرانى فقال: الشيخ عبد الحليم بن مصلح المنزلاوى رضي الله عنه. كان من الأخلاق النبوية على جانب عظيم. وكان كثير التواضع، وجاءه مرة شخص يطلب الطريق فقال: يا أخى النجاسة لا تطهر غيرها. وكان لا يسأله فقير شيئا إلا أعطاه، حتى كان يخرج بعمامته وجبته
فيرجع بالفوطة فى وسطه. وكان رضي الله عنه لا يخصص نفسه بشئ من الهدايا الواصلة إليه، بل أسوته بأسوة الفقراء فى ذلك. واجتمع عنده فى زاويته نحو المائة نفس. وهو يقوم بأكلهم وكسوتهم مما يفتح الله به عز وجل.
ولما وقف الناس عليه الأوقاف أخبر أن الحال ضاق على الفقراء لركوبهم إلى المعلوم من طرائق معينة، وكانوا قبل ذلك متوجهين بقلوبهم إلى الله تعالى فكان يرزقهم من حيث لا يحتسبون.
وقد عمر رضي الله عنه عدة جوامع فى البحر الصغير. قال: وله جامع بالمنزلة فيه فقهاء ومجاورون وسماط على الدوام. ومارستان للضعفاء من الفقراء والغرباء والمستضعفين.
مات رحمه الله تعالى سنة نيف وثلاثين وتسعمائة. انتهى ملخص.
ومنها المسجد الجديد.
بخط المصالحة، وهو مسجد جامع أيضا. وله شبابيك وسلالم على البحر للوضوء. وأنشأه ولى الله تعالى سيدى أحمد القطان ودفن به. وبجواره قبة فيها جماعة من العلماء يقال لهم السوادنة. وبجواره أيضا مدافن لبعض أهل البلد.
ومسجد القطان.
ويسمى الآن بالجامع الجديد. وهو فى خط العرايا. ويقال: إنه أقدم مساجدها. وهو مسجد جامع مقام الشعائر. فى غاية من السعة، وله منارة حسنة وميضأة كبيرة. ويقرأ فيه دروس العلم دائما.
ومسجد العمرى، ومسجد القعقاع.
بحارة القعقاع. وهو مسجد جامع أنشأه الحاج سويدان الخريبى. وفيه قبتان إحداهما يقال إنها للقعقاع الصحابى. تزار على الدوام سيما ليلة الاثنين.
وكان فى السابق يعمل له مولد كل سنة. والأخرى يزعمون أنها لسيدى محيى الدين. وفيه أيضا مقصورة بها ضريح لسيدى خليل أبو رواش.
ومسجد سيدى على خودة.
فى خط أبى خودة. مقام الشعائر، لكن به خطبة. وفيه مقصورة لسيدى على المذكور.
ومسجد الدقوقى.
بخط الدقوقى وهو صغير تقام فيه الجماعة لا الجمعة. وله فيه ضريح وحوله مقبرة عليها سور.
ومسجد زين الدين.
بحارة النجارين. أنشأه الشيخ زين الدين وجعل له درجا على البحر للوضوء. وهو مسجد جامع مقام الشعائر.
ومسجد الأعجام.
بحارة العراقى. تقام فيه الجمعة والجماعة. وفيه مدفن بلا قبة. يقولون أن به أربعين وليا من الأعجام. وحوله مقبرة وحيشان.
ومسجد الحمزاوى.
بحارة الحسانية. معمور بالجمعة والجماعة. ويزعم أهل الناحية أن به قبور سبع بنات صالحات يقال لهن الحمزاوية.
ومسجد الفقاعى.
وهو زاوية صغيرة، وفيها قبة وبجانبها مقبرة صغيرة بآخر حارة الشونة.
وفى البلد مقامات كثيرة من الأولياء غير من ذكر. كمقام الست مريم فى حوش فيه قبور. وكمقامات أربعين من الأعجام فى خط المصالحة. ومقام القدوسى بحارة الشراينة، ومقام التكرورى والسلمونى، وسيدى محمد الظاهر أبى محمود، والسادة الأربعين إلى غير ذلك.
[أسواقها:]
وفيه عدة أسواق عامرة بأنواع السلع منها:
سوق السلمونى.
بخط المصالحة، فيه: حوانيت تشتمل على عطارين وزياتين وعلافين ودخاخنية. وفيه ساحة يباع فيا اللبن والجبن والحطب وشبه ذلك، وفيه قهوة.
سوق القعقاع.
بحارة القعقاع، فيه: وكالة يباع فيها القطن، وحوانيت يباع بها ثياب القطن. وحواصل بعضها يسكنها النشارون للحطب، وبعضها مخازن لسلع التجارة. وفيه ساحة متسعة ينصب فيه السوق كل يوم أحد يباع فيه البهائم والطيور وخلافها. وينصب فيه الأن سوق العيد.
السوق الكبير.
فى الشارع الوسط مما/يلى البحر. فيه: وكائل على البحر معلقة وتحتها دكاكين. وفيه: وكائل ودكاكين أخرى، وعرصة يباع فيها القمح والأرز وباقى الحبوب. وفى بعض هذه الدكاكين أنواع الملبوسات من الحرير والقطن ونحو ذلك. وأنواع العقاقير والعطارة. وفى بعضها الدخاخنية والصناع كالحدادين والنجارين والصنادقية والزياتين والعلافين وغير ذلك.
وفيه جملة قهاو وتجلب إليها البضائع من مصر والإسكندرية ودمياط والمنصورة وخلافها. وفيها صهاريخ لخزن المياه طول السنة، منها صهريج بحارة الشونة، وصهريج بخط العراقى. وفيها دواير لضرب الأرز، بطلت الآن لشغل أهلها بزراعة القطن. وفيها معصرة للزيت بسوق العيد القديم بطلت الآن أيضا. وبها سيرجتان إحداهما بحارة الحسانية وقد بطلت. والأخرى بخط الشامى وهى مستعملة إلى الآن. وفيها أنوال ينسج فيها قلوع المراكب والخيام وغير ذلك. وفيها قيعان لفتل الحرير المجلوب من الإسكندرية وغيرها. وكانوا مكتبة الأسرة-2008
يتجرون فيه بعد فتله إلى المحلة الكبرى، فيبيعونه لحاكة العصائب. ثم ترك ذلك من نحو خمس سنين لما اعتاد التجار جلبه من القسطنطينية فحرم أهل البلد الأرباح التى كانوا يجدونها من تلك الصنعة.
وفيها مصابغ نيلة بكثرة غالبها فى حارة المعصرة. وحمام عظيم مستعمل دائما وجنات ونخيل وأشجار ووابورات وأسواق.
وتكسب أهلها من التجارة، وزرع الأرز والقطن وأنواع الحبوب، وصيد الطير، والسمك.
وبجانبها الغربى طائفة من المساكن منفصلة عنها بالبحر الصغير يقال لها: بر بدران. وهى من ضمن المدينة، وأبنيتها كأبنيتها بالمونة والبياض.
وفيها جامع بمنارة، قديم يسمى العمرى. يزعمون أنه بنى فى زمن الفتح.
وفيها مقامات أولياء وحيشان ومقابر. وأكثر سكانها ملاحون فى المراكب وصيادون وفسخانية. وبينها وبين البلد قنطرة من خشب على ذلك البحر يعبر عليها دواما المثقلات وغيرها. ويليها نهر يقال له: المقطع. يخرج من البحر وينتهى إلى بحيرة دمياط. وهناك موردة فيها سفن كثيرة تشحن الأرزاق إلى نحو دمياط والمنصورة من السمن والجبن والطيور وغير ذلك. وتأتى ببضائع من دمياط كالدخان. ومن البلط كالفواكه.
وفى المنزلة من المشاهير التجار السيد محمد العريان رئيس مجلس الدعاوى. له منزل فى خط العرايا، مشيد فيه شبابيك الزجاج، وفيه صهريج.
وكذا السيد محمود العريان، منزله فى ذلك الخط مشيد أيضا. والسيد محمد سويدان، منزله فى خط المصالحة على البحر. فيه صهريج وله مضيفة.
وعمدتها محمود جلبى طوبار، منزله فى حارة العراقى. وهو منزل عظيم فى وسط حديقة. إلى غير ذلك من المنازل المتينة الحسنة الشبيهة بقصور المدن الشهيرة.
وأكثر أهلها مسلمون. ومنهم أشراف، وكثير منهم يلبس كملابس أهل المحروسة. ونساء أكابرهم وأغنيائهم يعلقن على البرقع غوازى وأرباع فندقلى وعيونا من فضة أو ذهب. ويلبسن الثياب الكريشة والخفاف والبوابيج.
وبعضهن يلبسن الكنادر الصفر. وأما نساء فقرائهم اللاتى يخرجن فيلبسن الثياب الغزل والطرح والأنفية بالعيون والعصائب والملايات.
ولها جبانة كبيرة بين سوق السلمونى وسوق البهائم. يحيط بها سور له أربعة أبواب. يدفن فيها غالب أموات البلد. وأبنية قبورها بالطوب الأحمر والمونة كبيوتها ومساجدها. وقد نشأ منها قديما وحديثا أفاضل وعلماء بكثرة.
ترجمة سليمان بن داود المنزلى الشافعى
فمن علمائها كما فى الضوء اللامع للسخاوى: سليمان بن داود بن محمد ابن داود علم الدين المنزلى، ثم الدمياطى الشافعى نزيل المسيلمة بدمياط - ووالد البدر محمد الآتى بعده-ويعرف بالفقيه علم الدين وبابن الفران حرفة أبيه.
ولد سنة تسع وثمانمائة بالمنزلة. ونشأ بها، فحفظ القرآن وجوده عند الفقاعى وناصر الدين بن سويدان، ولازمه فى الفقه وفى العربية وغيرهما. وقرأ الحديث على الزين عبد الرحمن ابن الفقيه موسى. وحفظ المنهاج والملحة.
وكان يتسلط بذكائه على الخوض فى فنون بحيث إنه شارك فى الفرائض والحساب والعروض وغيرها. وأوتى مع الذكاء سرعة الحفظ فكان يحفظ من التاريخ شيئا كثيرا. وقرأ البخارى للعامة فى الأشهر الثلاثة بالمدرسة المسلمية. وكانت تعرض عليه فى الختم الجوائز فلا يقبلها، فاشتهر بذلك وهابه أرباب المناصب. ولا زال يترقى فى دمياط حتى صار له الصيت العظيم والشهرة الزائدة، بحيث كانت شفاعته لا ترد خصوصا عند الجمالى ناظر الخاص. والجمالى هو المنوه بذكره عند الظاهر جقمق. حتى استدعى به إلى
القاهرة. وتعزز فى المجئ، ثم فى الاجتماع. ولما اجتمعا أنعم عليه بدنيا فامتنع من قبولها ولم يسمح بقبولها مرتبا بالجوالى.
وولى تدريس الحصرية بدمياط ونظرها وأقرأ فيها الكتب الثلاثة. ولم يكن مع هذه الشهرة والوجاهة بعارض أحد من المباشرين ونحوهم إلا فيما لا ضرر عليهم فيه.
ومات فى ذى الحجة سنة إحدى وسبعين وثمانمائة بدمياط. ودفن بضريح الشيخ عثمان الشرنباصى فى سوق الحصريين، وقد جاوز الستين رحمه الله تعالى.
ترجمة أبى المكارم محمد بن سليمان
المنزلى الشافعى
وأما ولده البدر فهو أبو المكارك محمد بن سليمان/بن داود بن محمد ابن داود البدر زين العلم أبى الربيع، المنزلى الأصلى، الدمياطى الشافعى نزيل القاهرة، وخطيب القجماسية المستجدة بها.
ولد فى منتصف رجب سنة ثمان وأربعين وثمانمائة بدمياط ونشأ بها.
فحفظ القرآن والمنهاج والتمهيد للأسنوى، وألفية بن مالك، وفصيح ثعلب.
وأخذ عن أبيه. وحج فى سنة ثلاث وستين، وجاور نحو ثلاثة أشهر. ولازم فى القاهرة الجوجرى وأذن له فى الإفتاء والتدريس. واستقر بعد أبيه فى تدريس الناصرية بدمياط، وكذا فى نظرها ونظر المسلمية. وبعد موت النابلسى فى مشيخة قراقوش بخان السبيل وفى خطابة القجماسية وانعزل عن الناس مع يبس، وفاقة، وديانة ومزيد تحر، بحيث لا يأكل عند أحد من الأمراء ونحوهم شيئا غالبا.
وقد لخص الأغانى لأبى الفرج الأصبهانى. وآل أمره إلى أن رغب عن الخطابة للخطيب الوزيرى. ثم سافر فى أثناء سنة خمس وتسعين وثمانمائة لزيارة دمشق. انتهى ولم يذكر تاريخ موته رحمه الله.
ترجمة الشيخ محمد بن عبد الخالق المنزلاوى
ومن علمائها أيضا كما فى خلاصة الأثر: الشيخ محمد بن عبد الخالق المنزلاوى الشافعى. الإمام العلامة الصالح الولى الزاهد الجامع بين العلم والعمل، المجد فى بث العلوم النافعة. كان عالما متفننا، وكان يختم كل سنة نحو عشرة كتب كبار فى فنون، وقراءته تحت اللفظ، لا يتعدى المقصود بالذات من الكتاب. ويقول: القراءة هكذا فى هذه الأزمان، فإن الهمم قصرت والأفهام كلت. مع كونه إذا سئل عن مشكل فى الكلام أجاب عنه بأحسن العبارة.
ومن شيوخه: البرهان اللقاتى، والنور الزيادى، وسالم الشبشيرى، وأحمد الغنيمى، والنور على الحلبى وغيرهم. وعنه أخذ أكثر المدركين من مشايخ العصر منهم: منصور الطوخى، وسليمان الشامى، وداود الرحمانى، وأحمد البشبيشى.
وأفلج فى آخر عمره واستمر به الفالج سنين وهو ببيته، ومع ذلك كان يدرس وهو بهذا الحال. وسبب فلجه كثرة انهماكه على الجماع، بحيث لا يتركه ليلا ولا نهارا. وكان له عدة نساء وسرارى. قال: ونصحنى بعض شيوخى عن ذلك وقال لى: إن كثرته هكذا تورث الفالج بالتتبع، فلم يفدنى ذلك حتى كان فى أمر الله تعالى ما كان.
واجتمع به صاحبنا الفاضل الأديب مصطفى بن فتح الله. وسمع عليه طرفا من تفسير الجلالين، ومن شرح الألفية للمرادى بقراءة شيخه الفهامة موسى بن حجازى الواعظ. وذلك بعدما أفلج، وأجاز بمروياته. قال: وأخبرنا عن شيخه العلامة طه السفطى أنه كان يأتى إلى الدرس بعصا يضرب بها من يسأله سؤالا غير مناسب للمقام. واتفق أنه كان يوما يقرأ فى مختصر خليل، فسأله بعض طلبته سؤالا من ذلك فضربه. فقال بديهة:
لقد نلت يا طه مقاما ورفعة
…
فما نالها بين الأنام أمير
تقرر فى معنى خليل بمطرق
…
كأنك تراس ونحن حمير
والتراس سائق الحمير بلغة المصريين.
وكانت وفاة المنزلاوى فى سنة اثنتين وثمانين وألف بمصر، وعمره نحو ثمانين سنة. رحمه الله تعالى.
ترجمة العلامة السيد حسين المنزلاوى الشافعى
وفى الجبرتى أن منها أيضا العمدة العلامة والنبيه الفهامة صحة السلالة الهاشمية، وطراز العصابة المطلبية. الفصيح السيد حسين بن عبد الرحمن ابن محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن حمادة المنزلاوى الشافعى. خطيب جامع المشهد الحسينى. أم أبيه السيد عبد الرحمن السيدة فاطمة بنت السيد محمد الغمرى، ومنها أتاه الشرف.
حضر على الشيخ الملوى، والحفنى، والجوهرى، والمدابغى، والشيخ قايتباى، والشيخ خليل وغيرهم. وأخذ عنه سيدى محمد الجوهرى الصغير، والشيخ عبد الله إمام المسجد الشعرانى، والشيخ سعودى وغيرهم.
تضلع من العلوم وصار له ملكة وحافظة واقتدار تام واستحضار غريب.
ونظم الشعر الجيد والنثر البليغ. وأنشأ الخطب البديعة، وغالب خطبه من إنشائه. ولازم الشيخ أبا الأنوار السادات فشملته أنواره. وكان يصلى به فى بعض الأحيان ويخطب بزاويتهم أيام الموسم.
وله منظومة طويلة فى سلسلة السادات الوفائية أولها:
سماء بها الزهر الأزاهر تشرق
…
بأنوارها قد نار غرب ومشرق
وله غير ذلك.
وتوفى فى منتصف شعبان من سنة اثنتى عشرة ومائتين وألف رحمه الله تعالى.
ومن حوادثها كما فى سيرة نابليون الأول: أن الجنرال دوقا الموجه إلى مدينة المنصورة، سار إلى هذه البلدة بعد واقعة الفرنسيس مع أهل دمياط، فلما بلغ خبره الشيخ حسن طوبار شيخ تلك الجهة فر هاربا. فأقام الجنرال أخاه شيخا مكانه. وضبط القوارب التى كانوا يسيرون بها إلى دمياط فى البحيرة المالحة لحرب الفرنسيس، وكانت تنيف عن خمسة آلاف قارب، وأرسلها إلى دمياط. فأمنت الفرنساوية الذين فى دمياط شر نواحى المنزلة. وقد بسطنا ذلك فى الكلام على دمياط.
(المنشأة)
يوجد من/هذا الاسم عدة قرى، أكبرها وأشهرها منشأة أخميم من مديرية جرجا. ويقال لها: المنشأة الكبرى. وتسمى أيضا منشأة النيدة وكانت تسمى فى الكتب القديمة أبصاى، وفى بعضها كانت تسمى بطوليماييس.
قال إسترابون: وكانت أشهر بلاد الصعيد. ولم تكن أقل من منفيس وكان بها عساكر رومية مرتبة على قاعدة الروم. اه
وكانت قاعدة إقليم. وهى واقعة على الشاطئ الغربى للنيل بقرب مدينة بانويوليس (أى أخميم). ذات تربة طيبة تنتج كثيرا من البر. وكان بها كثير من المواشى. إلا أنها كانت رديئة البنيان، ضيقة الحارات جدا. لا يكاد أحد يمشى فيها عند شدة الحر لثوران أتربتها من فرط الحر وعدم رش الأرض.
وكان فى إقليمها موردة تسمى صانهون أو سمهؤون، وهى التى تعرف اليوم بسمهود، وقيل: إن سمهود كانت فى إقليم قوص. وكان فيها ست عشرة عصارة لقصب السكر. وزعم بعض الأقدمين أن قصبها لا يأكله فأر قط.
والمنشأة إلى الآن مدينة متسعة فى شرقى آثار المدينة القديمة، وفى غالب الأزمان تكون رأس قسم كما كانت فى عهد الخديوى إسماعيل، وكذا فى زمن المرحوم عباس باشا.
وبها ديوان للقسم، وجوامع بمنارات، وسوق دائم، وسوق عمومى كل أسبوع، وبها حوانيت قليلة، ومقامات لبعض الصالحين. وبها قصور جميلة سيما قصور الأشراف فإنهم أشهر أهلها كرما وحسبا ونسبا، مع الاعتبار الزائد عند الحكام العرب. ولهم فى غربيها جنينة نضرة.
وفيها علماء وتجار وأرباب حرف، وبها قاضى نيابة. وفى بحريها على نحو خمسين قصبة كوهر جلة.
وهى إلى سوهاج أقرب منها إلى جرجا فبينها وبين الأولى نحو ساعتين، وبينها وبين الثانية نحو أربع ساعات، والساعة عبارة عن فرسخ وهو مسافة ألف وخمسمائة وست وستين قصبة، وطول القصبة ثلاثة أمتار وخمسة جزء من مائة من المتر. ومنها إلى الجبل الغربى نحو ثلاث ساعات. وكان البحر يمر بلصقها وقد تحول عنها الآن قليلا. ويمر تحت تلولها من الجهة الغربية ترعة تقسم حوض المنشأة قسمين. وتحتها كارتان لتوصيل المياه من القسم الغربى إلى الشرقى، وتنصب من الشرقى فى حوض جزيرة المنتصر الواقع فى بحريها.
وسميت منشأة النيدة لأنها تعمل بها من قديم الزمان إلى الآن. وقد وصفها الشيخ عبد اللطيف البغدادى فقال: النيدة بمنزلة الخبيصة حمراء إلى السواد فى الغاية، وتتخذ من القمح بأن ينبت ثم يطبخ حتى يخرج نشاؤه وقوته فى الماء ثم يصفى ويطبخ ذلك الماء حتى يغلظ ثم يذر عليه الدقيق فيعقد ويرفع، فيباع بسعر الخبز. وهذه تسمى نيدة البوش. وقد يطبخ ذلك الماء وحده حتى ينعقد من غير دقيق، وتسمى النيدة المعقودة وهى أغلى من الأولى وأعلى. اه.
وإلى الآن تعمل بهذا الوصف.
وفى القاموس: الخبيص المعمول من التمر والسمن. وقال دساسى: أن أحبار اليهود تستعمل خبيصا يدخله الخبز ونوعا آخر يعمل من الدقيق والزيت أو السمن أو الشحم والعسل.
وقال السيوطى فى كتاب الوسائل إلى معرفة الأوائل: أول من خبص الخبيص عثمان بن عفان رضي الله عنه. خلط بين العسل والنقى ثم بعث به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى منزل أم سلمة فلم يصادفه. فلما جاء وضعوه بين يديه، فقال:
من بعث بهذا؟ قالوا: عثمان. فرفع يديه إلى السماء، وقال: اللهم إن عثمان يترضاك فارض عنه. ا. هـ.
وهما غير الهريسة التى ذكرها ابن سينا ولم يشرحها. وقد نقل دساسى فى كيفيتها: أنه ينقع القمح ليلة أو أكثر إلى أن يلين وينتفخ ثم يهرس فى مهرس. ويكونون قد سلقوا اللحم سلقا زائدا جدا حتى يتهرى اللحم. فيأخذون من القمح المهروس قليلا ويضعونه فى مرقة اللحم وهى على النار، ويرمون عظام اللحم ويهرسونها وهى فى الحلة، واللحم والمرقة والقمح فيخفقونها زائدا جدا حتى تطيب.
وقال الخليل الظاهرى: أن النيدة تعمل أيضا بمنفلوط. وقال السيوطى فى حسن المحاضرة عند ذكر فضائل مصر نقلا عن ابن عمرو الكندى: وبها-أى بمصر-زيت الفجل، ودهن البلسان، والأفيون، وشراب العسل، والبرالبرنى، واللبخ، والخس، والكبر، والشمع، والعسل، وخل الخمر، والترمس، والجلبان، والنيدة، والأترج الأيلق، والفراريج الزبلية.
وذكر أن مريم عليها السلام شكت إلى ربها قلة لبن عيسى، فألهمها أن طهت النيدة فأطعمته إياها. انتهى.
وفى بحرى المنشأة فوق البحر قرية بندار وعندها جنينة لأولاد محمد بيك أبى حمادى. ومنهم عمدها وعمد بنى صبورة الواقعة بحرى المنشأة بينها وبين سوهاج. وفى غربى المنشأة قرية الحريزات. وجميع هذه القرى من قسم المنشأة تشتمل على مساجد عامرة، ونخيل وأرضها جيدة.
فائدة:
ترجمة الشيخ عبد اللطيف البغدادى
عبد اللطيف البغدادى الذى مر ذكره كما فى كتاب مناقب الأطباء لموفق الدين أبى العباس أحمد بن القاسم بن خليفة الخزرجى، المعروف بابن أبى أصيبعة: هو الشيخ الإمام الفاضل موفق الدين أبو محمد عبد اللطيف ابن يوسف بن محمد بن على بن أبى سعيد ويعرف/بابن اللباد.
موصلى الأصل، بغدادى المولد. كان مشهور بالعلوم، متحليا بالفضائل، مليح العبارة، كثير التصنيف. وكان متميزا فى النحو واللغة العربية، عارفا بعلم الكلام والطب. وكان قد اعتنى كثيرا بصناعة الطب لمّا كان بدمشق، واشتهر بعلمها. وكان يتردد إليه جماعة من التلاميذ وغيرهم من الأطباء للقراءة عليه.
وكان والده قد شغله بسماع الحديث فى صباه من جماعة منهم: أبو الفتح محمد بن عبد الباقى المعروف بابن الطبى، وأبو زرعة طاهر بن محمد المقدسى، وأبو القاسم يحيى بن ثابت الوكيل وغيرهم.
وكان يوسف والد الشيخ موفق الدين مشتغلا بعلم الحديث، بارعا فى علوم القرآن والقراءات، مجيدا فى المذهب والخلاف والأصول. وكان متطرفا من العلوم العقلية. وكان سليمان عم الشيخ موفق الدين فقيها مجيدا. وكان الشيخ موفق الدين عبد اللطيف كثير الاشتغال لا يخلى وقتا من أوقاته من النظر فى الكتب والتصنيف والكتابة. والذى وجدته بخطه أشياء كثيرة جدا بحيث أنه كتب من مصنفاته نسخا متعددة. وكذلك كتب كتبا كثيرة من تصانيف القدماء.
وكان صديقا لجدى وبينهما صحبة أكيدة بالديار المصرية لمّا كانا بها.
وكان أبى وعمى يشتغلان عليه بالعلم والأدب. واشتغل عليه عمى أيضا بكتب أرسطوطاليس. وكان الشيخ موفق الدين كثير العناية بها والفهم لمعانيها.
وأتى إلى دمشق من الديار المصرية وأقام بها مدة، وكثر انتفاع الناس بعلمه. ورأيته لما كان بدمشق فى آخر مرة أتى إليها، وهو شيخ نحيف الجسم، مربوع القامة، حسن الكلام، جيد العبارة. وكانت مسطراته أبلغ من لفظه. وكان رحمه الله ربما يجاوز فى الكلام لكثرة ما يرى من نفسه. وكان يستنقص الفضلاء الذين فى زمانه وكثيرا من المتقدمين. وكان وقوعه كثيرا جدا فى علماء العجم ومصنفاتهم وخصوصا الشيخ الرئيس ابن سينا ونظراءه.
ونقلت من خطه فى سيرته التى ألفها ما هذا مثاله قال: أنى ولدت بدار لجدى فى درب الفالوذج فى سنة سبع وخمسين وخمسمائة. وتربيت فى حجر الشيخ أبى النجيب، لا أعرف اللعب واللهو، وأكثر زمانى مصروف فى سماع الحديث. وأخذت لى إجازات من شيوخ ببغداد وخراسان والشام ومصر. وقال لى والدى يوما: قد أسمعتك جميع عوالى بغداد، وألحقتك فى الرواية بالشيوخ المسان. وكنت فى أثناء ذلك أتعلم الخط وأتحفظ القرآن والفصيح والمقامات وديوان المتنبى ونحو ذلك. ومختصرا فى الفقه ومختصرا فى النحو. فلما ترعرعت حملنى والدى إلى كمال الدين عبد الرحمن الأنبارى وكان يومئذ شيخ بغداد، وله بوالدى صحبة قديمة أيام التفقه بالنظامية.
فقرأت عليه خطبة الفصيح فهدر كلاما كثيرا متتابعا لم أفهم منه شيئا. لكن التلاميذ حوله يعجبون منه. ثم قال: أنا أجفو عن تعليم الصبيان، احمله إلى تلميذى الوجيه الواسطى يقرأ عليه، فإذا توسط حاله قرأ على.
وكان الوجيه عند بعض أولاد رئيس الرؤساء. وكان رجلا أعمى من أهل الثروة والمروءة، فأخذنى بكلتا يديه وجعل يعلمنى من أول النهار إلى آخره بوجوه كثيرة من التلطف. فكنت أحضر حلقته بمسجد الظفرية ويجعل جميع المشروحات لى ويخاطبنى بها. وفى آخر الأمر أقرأ درسى مع نفسه فأحفظه وأحفظ معه، ثم يذهب إلى الشيخ كمال الدين فيقرأ درسه ويشرح له وأنا أسمع، وتخرجت إلى أن صرت أسبقه فى الحفظ والفهم، وأصرف أكثر الليل فى الحفظ والتكرار.
وأقمنا على ذلك برهة، كلما استمر حفظى كثر وجاد، وفهمى قوى واستنار، وذهنى احتد واستقام. وأنا ألزم الشيخ وشيوخ الشيخ.
وأول ما ابتدأت حفظت اللمع فى ثمانية أشهر، أسمع كل يوم شرح أكثرها مما يقرأه غيرى. وأنقلب إلى بيتى وأطالع شرح الثمانين، وشرح الشريف عمر بن حمزة، وشرح ابن برهان الدين، وكل ما أجد من شروحها.
وأشرحها لتلاميذ يختصون بى إلى أن صرت أتكلم على كل باب كراريس ولا ينفد ما عندى.
ثم حفظت أدب الكاتب لابن قتيبه حفظا متقنا، أما النصف الأول ففى شهور، وأما تقويم اللسان ففى أربعة عشر يوما لأنه كان أربعة عشر كراسة. ثم حفظت مشكل القرآن له، وغريب القرآن له، وكل ذلك فى مدة يسيرة. ثم انتقلت إلى الإيضاح لأبى على الفارسى فحفظته فى شهور كثيرة ولازمت مطالعة شروحه وتتبعته التتبع التام حتى تبحرت فيه وجمعت ما قاله الشراح.
وأما التكملة فحفظتها فى أيام يسيرة كل يوم كراسة. وطالعت الكتب المبسوطة والمختصرات. وواظبت على المقتضب للمبرد، وكتاب ابن دستوريه. وفى أثناء ذلك لا أغفل عن سماع الحديث والتفقه على شيخنا ابن فضلان بدار الذهب، وهى مدرسة معلقة بناها فخر الدولة بن المطلب.
قال: وللشيخ كمال الدين مائة تصنيف وثلاثون تصنيفا أكثرها فى النحو وبعضها فى الفقه والأصولين وفى التصوف والزهد. وأتيت/على أكثر تصانيفه سماعا وقراءة وحفظا. وشرع فى تصنيفين كبيرين أحدهما فى اللغة والآخر فى الفقه ولم يتفق له إتمامهما. وحفظت عليه كتاب سيبويه، وأكببت على المقتضب فأتممته.
وبعد وفاة الشيخ تجردت لكتاب سيبويه ولشرحه للسيرافى. ثم قرأت على ابن عبيدة الكرخى كتبا كثيرة منها: كتاب الأصول لابن السراج والنسخة فى وقف ابن الخشاب برباط المأمونية. وقرأت عليه الفرائض والعروض للكاتب التبريزى وهو من خواص تلامذة ابن الشجرى.
وأما ابن الخشاب فسمعت بقراءته معانى الزجاج على الكاتبة شهدة بنت الآبرى، وسمعت منه الحديث المسلسل وهو:«الراحمون يرحمهم الله، ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء» .
وقال أيضا موفق الدين البغدادى: أن من مشايخه الذين انتفع بهم كما زعم ولد أمين الدولة ابن التلميذ. وبالغ فى وصفه وأكثر، وهذا لكثرة بغضه للعراقيين. وإلا فولد أمين الدولة لم يكن بهذه المثابة ولا قريبا منها.
وقال: إنه ورد إلى بغداد رجل مغربى طويل، فى زى التصوف له أبهة، وليس مقبول الصورة، عليه مسحة الدين وهيئة الشياخة، يعتقل بصورته من رآه قبل أن يخبره. يعرف بابن تاتلى، يزعم أنه من أولاد الملتثمة. خرج من المغرب لما استولى عليها عبد المؤمن، فلما استقر ببغداد اجتمع عليه جماعة من الأكابر والأعيان. وحضر الرضى القزوينى وشيخ الشيوخ ابن سكينة.
وكنت واحدا من حضره. فأقرأ فى مقدمة حساب، ومقدمة ابن باب شاذ فى النحو.
وكان له طريق فى التعليم عجيب. ومن يحضره يظن أنه متجر. وإنما كان متطرفا، لكنه كان قد أمعن النظر فى كتب الكيمياء والطلسمات وما يجرى مجراها. وأتى على كتب ابن جابر بأسرها، وعلى كتب ابن وحشية. وكان يجلب القلوب بصورته ومنطقه وأبهته. واجتمع بالإمام الناصر لدين الله وأعجبه ثم سافر.
وأقبلت على الاشتغال وشمرت ذيل الجهد والاجتهاد، وهجرت النوم واللذات. وأكببت على كتب الغزالى: المقاصد، والمعيار، والميزان، ومحك النظر. ثم التفت إلى كتب ابن سينا صغارها وكبارها. وحفظت كتاب النجاة، وكتبت الشفاء وبحثت فيه. وحصلت كتاب التحصيل لبهمينار تلميذ ابن سينا.
وكتبت وحصلت كثيرا من كتب جابر بن حيان الصوفى، وابن وحشية.
وباشرت عمل الصنعة الباطلة وتجارب المحال والضلال الفارغة. وأقوى من أضلنى ابن سينا بكتابه فى الصنعة الذى تم به فلسفته التى لا تزداد بالتمام إلا نقصا.
قال: ولما كان فى سنة خمس وثمانين وخمسمائة، حيث لم يبقى ببغداد من يأخذ قلبى ويملأ عينى، ويحل ما يشكل على. دخلت الموصل، فلم أجد فيها بغيتى، لكن وجدت الكمال بن يونس جيدا فى الرياضيات والفقه متطرفا من باقى أجزاء الحكمة، قد استغرق عقله ووقته حب الكيمياء وعملها حتى كان يستخف بكل ما عداها. فاجتمع إلىّ جماعة كثيرة وعرضت علىّ المناصب. فاخترت منها مدرسة ابن مهاجر المعلقة، ودار الحديث التى تحتها، وأقمت بالموصل سنة كاملة فى اشتغال دائم متواصل ليلا ونهارا.
وزعم أهل الموصل أنهم لم يروا من أحد قبلى ما رأوا منى من سعة الحفظ وسرعة الخاطر وسكون الطائر.
وسمعت الناس يهرجون فى حديث الشهاب السهروردى المتفلسف ويعتقدون أنه فاق الأولين والأخرين. وأن تصانيفه فوق تصانيف القدماء.
فهممت لقصده، ثم أدركنى التوفيق وطلبت من ابن يونس شيئا من تصانيفه، وكان أيضا معتقد فيها، فوقعت على التلويحات واللمحة والمعارج، فصادفت فيها ما يدل على جهل أهل الزمان، ووجدت تعاليق كثيرة لا أرتضيها هى خير من كلام هذا الأنوك. وفي أثناء كلامه يثبت حروفا مقطعة يوهم بها أمثاله أنها أسرار إلهية.
قال: ولما دخلت دمشق وجدت فيها من أعيان بغداد والبلاد ممن جمعهم الإحسان الصلاحى جمعا كثيرا منهم: جمال الدين عبد اللطيف ولد الشيخ أبى النجيب. وجماعة بقيت من بيت رئيس الرؤساء وابن طالحة الكاتب، وبيت ابن جهير، وابن العطار، ووزير المقتول، وابن هبيرة الوزير.
واجتمعت بالكندى البغدادى النحوى. وكان شيخا بهيا ذكيا مثريا. له جانب من السلطان، لكنه كان معجبا بنفسه، مؤذيا لجليسه. وجرت بيننا مباحثات، وأظهرنى الله تعالى عليه فى مسائل كثيرة ثم إنى أهملت جانبه، فكان يتأذى بإهمالى له أكثر مما يتأذى الناس منه.
وعملت بدمشق تصانيف جمة منها: «غريب الحديث الكبير» ، جمعت فيه غريب أبى عبيد القاسم بن سلام، وغريب ابن قتيبة وغريب الخطابى، وكنت ابتدأت به فى الموصل. وعملت مختصرا وسميته «المجرد» ، وعملت كتاب «الواضحة فى إعراب الفاتحة» نحو عشرين كراسة، وكتاب «الألف واللام» ، وكتاب «ربّ» ، وكتابا فى الذات والصفات الذاتية الجارية على ألسنة المتكلمين، وقصدت بهذه المسئلة الرد على الكندى.
ووجدت بدمشق الشيخ عبد الله بن تاتلى نازلا بالمئذنة الغربية، وقد عكف عليه جماعة وتحزب الناس فيه حزبين له وعليه فكان/الخطيب الدولعى عليه وكان من الأعيان، له منزلة وناموس. ثم خلط ابن تاتلى علي نفسه فأعان عدوه عليه، وصار يتكلم فى الكيمياء والفلسفة. وكثر التشنيع عليه.
واجتمعت به فصار يسألنى عن أعمال أعتقد أنها خسيسة نزرة، فيعظمها ويحتفل بها ويكتبها منى. وكاشفته فلم أجده كما كان فى نفسى، فساء ظنى به وبطريقه. ثم باحثته فى العلوم فوجدت عنده منها أطرافا نزرة. فقلت له يوما: لو صرفت زمانك الذى ضيعته فى طلب الصنعة إلى بعض العلوم الشرعية والعقلية كنت اليوم فريد عصرك، مخدوما طول عمرك. وهذا هو الكيمياء لا ما تطلبه. ثم اعتبرت بحاله، واتعظت بسوء مآله. والسعيد من وعظ بغيره. وأقلعت ولكن لا كل الإقلاع.
ثم إنه توجه إلى صلاح الدين بظاهر عكة يشكو إليه الدولعى وعاد مريضا، وحمل إلى البيمارستان فمات به. وأخذ كتبه المعتمد شحنة دمشق وكان متيما بالصنعة.
ثم إنى توجهت إلى زيارة القدس، ثم إلى صلاح الدين بظاهر عكة، فاجتمعت ببهاء الدين بن شداد قاضى العسكر يومئذ وكان قد اتصل به شهرتى بالموصل، فانبسط إلى وأقبل على. وقال: نجتمع بعماد الدين الكاتب. فقمنا إليه وخيمته إلي خيمة بهاء الدين، فوجدته يكتب كتابا إلى ديوان العزيز بقلم الثلث من غير مسودة، وقال: هذا كتاب الى بلدكم.
وذاكرانى فى مسائل من علم الكلام. وقال: قوموا بنا إلي القاضى الفاضل.
فدخلنا عليه، فرأيت شيخا ضئيلا كله رأس وقلب وهو يكتب ويملى على اثنين ووجهه وشفتاه تلعب ألوان الحركات بقوة حرصه فى إخراج الكلام وكأنه يكتب بجملة أعضائه. وسألنى القاضى الفاضل عن قوله سبحانه وتعالى:
«حَتّى إِذا جاؤُها وَ فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها» أين جواب إذا؟ وأين جواب لو فى قوله تعالى: «وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ» وعن مسائل كثيرة. ومع هذا فلا يقطع الكتابة والإملأء. وقال لى: ترجع إلى دمشق وتجرى عليك الجرايات. فقلت: أريد مصر. فقال: السلطان مشغول القلب يأخذ الإفرنج عكة، وقتل المسلمين بها. فقلت: لابد لى من مصر. فكتب لى ورقة صغيرة إلى وكيله بها.
فلما دخلت القاهرة جاءنى وكيله وهو ابن سناء الملك. وكان شيخا جليل القدر، نافذ الأمر. فأنزلنى دار قد أريحت عللها وجاءنى بدنانير وغلة، ثم مضى إلى أرباب الدولة وقال: هذا ضيف القاضى الفاضل. فدرت الهدايا والصلات من كل جانب، وكان كل عشرة أيام أو نحوها تصل تذكرة القاضى الفاضل إلى ديوان مصر بمهمات الدولة، وفيها فصل يؤكد الوصية فى حقى.
وأقمت بمسجد الحاجب لؤلؤ رحمه الله، أقرئ الناس. وكان قصدى فى مصر ثلاثة أنفس: ياسين السيمياوى، والرئيس موسى بن ميمون اليهودى، وأبو القاسم الشارعى وكلهم جاورونى.
أما ياسين فوجدته محاليا كذابا مشعبذا، يشهد للشاقانى بالكيمياء ويشهد له الشاقانى بالسيمياء ويقول عنه: إنه يعمل أعمالا يعجز موسى ابن عمران عنها. وأنه يحضر الذهب المضروب متى شاء، وبأى مقدار شاء، وبأى سكة شاء. وأنه يجعل ماء النيل خيمة ويجلس فيها وأصحابه تحتها. وكان ضعيف الحال.
وجاءنى موسى فوجدته فاضلا فى الغاية، قد غلب عليه حب الرياسة وخدم أرباب الدنيا. وعمل كتابا فى الطب جمعه من الستة عشر لجالينوس، ومن خمسة كتب أخرى. وشرط أن لا يغير فيه حرفا إلا أن يكون واو عطف أوفاء وصل، وإنما ينقل فصولا يختارها. وعمل كتابا لليهود سماه كتاب الدلالة. ولعن من يكتبه بغير القلم العبرانى، ووقفت عليه فوجدته كتاب سوء يفسد أصول الشرائع والعقائد بما يظن أنه يصلحها.
وكنت ذات يوم بالمسجد وعندى جمع كثير فدخل شيخ رث الثياب، منير الطلعة مقبول الصورة فهابه الجمع ورفعوه فوقهم. وأخذت فى إتمام كلامى فلما تصرم المجلس جاءنى إمام المسجد وقال: أتعرف هذا الشيخ؟ هذا: أبو القاسم الشارعى. فاعتنقته، وقلت: إياك أطلب. فأخذته إلى منزلى، وأكلنا الطعام وتفاوضنا الحديث فوجدته كما تشتهى الأنفس وتلذ الأعين، سيرته سيرة الحكماء العقلاء، وكذا صورته. قد رضى من الدنيا ببرض لا يتعلق منها بشئ يشغله عن طلب الفضيلة.
ثم لازمنى فوجدته فيما بكتب القدماء، وكتب أبى النصر الفارابى، ولم يكن لى اعتقاد فى أحد من هؤلاء لأنى كنت أظن أن الحكمة كلها حازها ابن سينا وحشاها كتبه. وإذا تفاوضنا الحديث أغلبه بقوة الجدل وفضل اللسن، ويغلبنى بقوة الحجة وفضل المحجة. وأنا لاتلين قناتى لغمزه، ولا أحيد عن جادة الهوى والتعصب برمزه. فصار يحضر لى شيئا بعد شئ من كتب أبى نصر
والإسكندر وثامسطيوس، يؤنس بذلك نفارى ويلين عريكة شماسى. حتى عطفت عليه أقدم رجلا وأخر أخرى.
وشاع أن صلاح الدين هادن الإفرنج وعاد إلى القدس. فنادت الضرورة إلى التوجه إليه. فأخذت من كتب القدماء ما أمكننى وتوجهت الى القدس.
فرأيت ملكا عظيما يملأ العين روعة، والقلوب محبة قريبا بعيدا سهلا مجيبا.
وأصحابه يتشبهون به، يتسابقون إلى المعروف، كما قال تعالى/:«وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ» .
وأول ليلة حضرته وجدت مجلسا حفلا بأهل العلم يتذاكرون فى أصناف العلوم. وهو يحسن الاستماع والمشاركة. ويأخذ فى كيفية بناء الأسوار وحفر الخنادق. ويتفقه فى ذلك، ويأتى بكل معنى بديع. وكان مهتما فى بناء سور القدس وحفر خندقه، يتولى ذلك بنفسه وينقل الحجارة على عاتقه، ويتأسى به جميع الناس الفقراء والأغنياء والأقوياء والضعفاء حتى العماد الكاتب، والقاضى الفاضل، ويركب لذلك قبل طلوع الشمس إلى وقت الظهر ويأتى داره ويمد السماط، ثم يستريح ويركب العصر، ويرجع فى المشاعل، ويصرف أكثر الليل فى تدبير ما يعمل نهارا.
وكتب لى صلاح الدين بثلاثين دينارا فى كل شهر على ديوان الجامع بدمشق وأطلق لى أولاده رواتب حتى تقرر لى فى كل شهر مائة دينار.
ورجعت إلى دمشق وأكببت على الاشتغال وإقراء الناس فى الجامع.
وكلما أمضت فى كتب القدماء ازددت فيها رغبة وفى كتب ابن سينا زهادة واطلعت على بطلان الكيمياء، وعرفت حقيقة الحال فى وضعها ومن وضعها وتكذّب بها، وما كان قصده فى ذلك. وخلصت من ضلالين عظيمين موبقين.
وتضاعف شكرى لله سبحانه وتعالى على ذلك. فإن أكثر الناس إنما هلكوا بكتب ابن سيناء وبالكيمياء.
ثم أن صلاح الدين دخل دمشق وخرج يودع الحاج. ثم رجع فحم ففصده من لا خبرة عنده. فخارت القوة، ومات قبل الرابع عشر ووجد الناس عليه شبيها بما يجدونه على الأنبياء. وما رأيت ملكا حزن الناس بموته سواه، لأنه كان محبوبا يحبه البر والفاجر، والمسلم والكافر. ثم تفرق أولاده وأصحابه «أيادى سبأ» ومزقوا فى البلاد كل ممزق وأكثرهم توجه إلى مصر لحصنها وسعة صدر ملكها.
وأقمت بدمشق وملكها الملك الأفضل، وهو أكبر الأولاد فى السن. إلى أن جاء الملك العزيز بعساكر مصر محاصرا أخاه بدمشق. فلم ينل منه بغية.
ثم تأخر إلى مرج الصفر بقولنج عرض له. فخرجت إليه بعد خلاصه منه، فأذن لى بالرحيل معه، وأجرى على من بيت المال كفايتى وزيادة. وأقمت معه ومع الشيخ أبو القاسم يلازمنى صباحا ومساءا. إلى أن قضى نحبه. ولما اشتد مرضه وكان ذات الجنب عن نزلة من رأسه وأشرت عليه بدواء، فأنشد:
لا أزود الطير عن شجر
…
قد بلوت المر من ثمره
ثم سألته عن ألمه فقال:
ما لجرح بميت إيلام
وكانت سيرتى فى هذه المدة أن أقرئ الناس بالجامع الأزهر من أول النهار إلى نحو الساعة الرابعة. ووسط النهار يأتى من يقرأ الطب وغيره. وآخر النهار أرجع إلى الجامع الأزهر ويقرأ قوم آخرون. وفى الليل أشتغل مع نفسى. ولم أزل على ذلك إلى أن توفى الملك العزيز، وكان شابا كريما شجاعا كثير الحياء ولا يحسن قول لا، وكان مع حداثة سنه وشرخ شبابه كامل العفة عن الأموال والفروج.
أقول: ثم أن الشيخ موفق الدين أقام بالقاهرة بعد ذلك مدة وله الرواتب والجرايات من أولاد الملك الناصر صلاح الدين. وأتى إلى مصر ذلك الغلاء
العظيم والموتان الذى لم يشاهد مثله. وألف الشيخ موفق الدين فى ذلك كتابا ذكر فيه أشياء شاهدها أو سمعها ممن عاينها، تذهل العقل وسمى ذلك الكتاب:«كتاب الإفادة والاعتبار فى الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر» .
ثم لما ملك السلطان الملك العادل سيف الدين أبو بكر بن أيوب الديار المصرية وأكثر الشام والشرق، وتفرقت أولاد أخيه الملك الناصر صلاح الدين وانتزع ملكهم. توجه الشيخ موفق الدين إلى القدس وأقام بها مدة، وكان يتردد إلى الجامع الأقصى، ويشتغل الناس عليه بكثير من العلوم. وصنف هنالك كتبا كثيرة. ثم إنه توجه إلى دمشق ونزل بالمدرسة العزيزية بها وذلك فى سنة أربع وستمائة. وشرع فى التدريس والاشتغال. وكان يأتيه خلق كثير يشتغلون عليه ويقرأون أصنافا من العلوم. وتميز في صناعة الطب بدمشق وصنف فى هذا الفن كتبا كثيرة وعرف به، وأما قبل ذلك فكانت شهرته بعلم النحو.
وأقام بدمشق مدة وانتفع الناس به. ثم إنه سافر إلى حلب وقصد بلاد الروم، وأقام بها سنين كثيرة. وكان فى خدمة الملك علاء الدين داود بن بهرام صاحب أرزنجان. وكان مكينا عنده، عظيم المنزلة وله منه الجامكية الوافرة، والافتقادات الكثيرة. وصنف باسمه عدة كتب. وكان هذا الملك عالى الهمة، كثير الحياء، كريم النفس، وقد اشتغل بشئ من العلوم. ولم يزل فى خدمته إلى أن استولى على ملكه صاحب أوزن الروم وهو السلطان كيقباذ بن كيخسرو ابن قلج أرسلان. ثم قبض على صاحب أرزنجان ولم يظهر له خبر.
قال الشيخ موفق الدين عبد اللطيف: ولما كان فى سابع عشر ذى القعدة من سنة خمس وعشرين وستمائة توجهت إلى أوزن الروم. وفى حادى عشر صفر من سنة ست وعشرين رجعت إلى أرزنجان من أرزق الروم. وفى نصف ربيع الأول توجهت إلى كماخ. وفى جمادى الأولى/توجهت منها إلى ديزك.
وفى رجب توجهت منها إلى ملطية. وفى آخر رمضان توجهت إلى حلب، وصلينا صلاة عيد الفطر بالبهنسا. ودخلنا حلب يوم الجمعة تاسع شوال،
فوجدناها قد تضاعفت عمارتها وخيرها وأمنها بحسن سيرة أتابك شهاب الدين. واجتمع الناس على محبته لعدله فى رعيته.
أقول: وأقام الشيخ موفق الدين بحلب، والناس يشتغلون عليه، وكثرت تصانيفه. وكان له من شهاب الدين طغريل الخادم أتابك حلب جار حسن، وهو متخل لتدريس صناعة الطب وغيرها. ويتردد إلى الجامع بحلب ليسمع الحديث ويقرئ العربية. وكان دائم الاشتغال ملازما للكتابة والتصنيف.
ولما أقام بحلب قصدت أنى أتوجه إليه وأجتمع به، ولم يتفق ذلك.
وكانت كتبه أبدا تصل إلينا ومراسلاته. وبعث إلى أشياء من تصانيفه بخطه، وهذا نسخة كتاب كتبته إليه لما كان بحلب:
المملوك يواصل بدعائه وثنائه وشكره وانتمائه إلى عبودية المجلس السامى المولى السيد السند الأجل الكبير العالم الفاضل موفق الدين سيد العلماء فى الغابرين والحاضرين، جامع العلوم المتفرقة بين العالمين، ولى أمير المؤمنين. أوضح الله به سبل الهداية، وأنار ببقائه طرق الدراية. وحقق بحقائق ألفاظه صحيح الولاية. ولا زالت سعادته دائمة البقاء، وسيادته سامية الارتقاء. وتصانيفه فى الآفاق قدوة العلماء، وعمدة سائر الأدباء والحكماء.
المملوك يجدد الخدمة. ويهدى من السلام أطيبه، ومن الشكر والثناء أعذبه، وينهى ما يكابده من ألم التطلع إلى مشاهدة أنوار شمسه المنيرة، وما يعانيه من الارتياح إلى ملاحظة شريف حضرته الأثيرة، وما تزايد من القلق وتعاظم عند سماعه قرب المزار من الأرق.
وأبرح ما يكون الشوق يوما
…
إذا دنت الديار من الديار
ولولا أمل قفول الركاب العالى، ووصول الجناب الموفقى الجلالى. لسارع المملوك إلى الوصول ولبادر المبادرة بالمثول، ولجاء إلى شريف خدمته، وفاز بالنظر الى بهى طلعته، فيا سعادة من فاز بالنظر إليه، ويا بشرى من مثل بين
يديه، ويا سرور من حظى بوجه إقباله عليه، ومن ورد بحار فضله وتروى من غديرها، واستضاء بشمس علومه فسرى فى ضياء منيرها. نسأل الله تعالى تقريب الاجتماع، وتحصيل الجمع بين مسرتى الأبصار والأسماع، بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى.
ومن مراسلات الشيخ موفق الدين عبد اللطيف أنه بعث إلى أبى فى أول كتاب وهو يقول فيه عنى: ولولد الولد أعز من الولد. وهذا موفق الدين ولد الولد وأعز الناس عندى. وما زالت النجابة تتبين لى فيه من الصغر. ووصف وأثنى كثيرا وقال فيه: لو أمكننى أن آتى إليه بالقصد ليشتغل علىّ لفعلت.
وبالجملة أنه كان عزمه أن يأتى دمشق ويقيم بها، ثم خطر له أنه قبل ذلك يحج ويجعل طريقه على بغداد، وأن يقدم بها إلى الخليفة المستنصر بالله أشياء من تصانيفه.
ولما وصل بغداد مرض فى أثناء ذلك. وتوفى رحمه الله يوم الأحد ثانى عشر المحرم سنة تسع وعشرين وستمائة. ودفن بالوردية عند أبيه، وذلك بعد أن خرج من بغداد، وبقى غائبا عنها خمسا وأربعين سنة. ثم إن الله تعالى ساقه اليها وقضى منيته بها.
ومن كلامه رحمه الله تعالى مما نقلته عن خطه قال: ينبغى أن تحاسب نفسك كل ليلة إذا أويت إلى منامك. وتنظر ما اكتسبت فى يومك من حسنة فتشكر الله عليها. وما اكتسبت من سيئة فتستغفر الله منها وتقلع عنها، وترتب فى نفسك ما تعمله فى غدك من الحسنات، وتسأل الله تعالى الإعانة على ذلك.
وقال: أوصيك أن لا تأخذ العلوم من الكتب، وإن وثقت من نفسك بقوة الفهم. وعليك بالأستاذين فى كل علم تطلب اكتسابه، ولو كان الأستاذ ناقصا فخذ عنه ما عنده حتى تجد أكمل منه. وعليك بتعظيمه وترحيبه. وإن قدرت أن تفيده من دنياك فافعل وإلا فبلسانك وثنائك.
وإذا قرأت كتابا فاحرص كل الحرص على أن تستظهره وتملك معناه.
وتوهم أن الكاتب قد عدم، وأنك مستغن عنه لا تحزن لفقده. وإن كنت مكبا على دراسة كتاب وتفهمه فإياك أن تشتغل بآخر معه. واصرف الزمن الذى تريد صرفه فى غيره إليه. وإياك أن تشتغل بعلمين دفعة واحدة، وواظب على العلم الواحد سنة أو سنتين أو ما شاء الله. فإذا قضيت منه وطرك فانتقل إلى علم آخر. ولا تظن إنك إذا حصّلت علما فقد اكتفيت، بل تحتاج الى مراعاته لينمو ولا ينقص، ومراعاته تكون بالمذاكرة والتفكر، واشتغال المبتدئ بالتحفظ والتعلم ومباحثة الأقران واشتغال العالم بالتعليم والتصنيف.
وإذا تصديت لتعليم علم أو للمناظرة فيه، فلا تمزج به غيره من العلوم، فإن كل علم مكتف بنفسه مستغن عن غيره. فإن استعانتك فى علم بعلم عجز عن استيفاء أقسامه كمن يستغن بلغة فى لغة أخرى إذا ضاقت عليه أو جهل بعضها.
قال: وينبغى للإنسان أن يقرأ التواريخ وأن يطلع على السير وتجارب الأمم، فيصير بذلك كأنه فى/عمره القصير قد أدرك الأمم الخالية وعاصرهم وعاشرهم وعرف خيرهم وشرهم.
قال: وينبغى أن تكون سيرتك سيرة الصدر الأول، فاقرأ سيرة النبى صلى الله عليه وسلم.
وتتبع أحواله وأفعاله، واقتف آثاره، تشبه به ما أمكنك وبقدر طاقتك. وإذا وقفت على سيرته فى مطعمه ومشربه وملبسه ومنامه ويقظته وتمرضه وتطببه ومعاملته مع ربه، ومع أزواجه وأصحابه، وأفعاله مع أعدائه، وفعلت اليسير من ذلك فأنت السعيد كل السعيد.
قال: وينبغى أن تكثر اهتمامك لنفسك ولا تحسن الظن بها. وتعرض خواطرك على العلماء وعلى تصانيفهم. وتثبت ولا تعجل ولا تعجب. فمع العجب العثار، ومع الاستبداد الزلل. ومن لم يعرق جبينه ساعيا إلي أبواب العلماء لم يعرف الفضيلة، ومن لم يخجلوه لم يبجله الناس، ومن لم يبكتوه لم
يسوّد، ومن لم يحتمل ألم التعلم لم يذق لذة العلم. ومن لم يكدح لم يفلح.
وإذا خلوت من التعلم والتذكر فحرك لسانك بذكر الله وبتسبيحه وخاصة عند النوم فيشربه لبك وينعجن فيه خيالك وتتكلم فيه فى منامك. وإذا حدث لك فرح وسرور فى بعض أمور الدنيا فاذكر الموت وسرعة الزوال وأصناف المنغصات. وإذا أحزنك أمر فاسترجع، وإذا عرتك غفلة فاستغفر. واجعل الموت نصب عينيك والعلم والتقى زادك فى الآخرة وإذا أردت أن تعصى الله فاطلب مكانا لا يراك فيه. واعلم أن الناس عيون الله على العبد يديهم خيره وإن أخفاه وشره إن ستره، فباطنه مكشوف لله، والله يكشفه لعباده. وعليك أن تجعل باطنك خيرا من ظاهرك، وسرك أصبح من علانيتك. ولا تتألم إذا أعرضت عنك الدنيا ولو عرضت لك لشغلتك عن كسب الفضائل. وقلما يتعلق فى العلم ذو الثروة إلا أن يكون شريف الهمة جدا أو أن يثرى بعد تحصيل العلم.
وإنى لا أقول أن الدنيا تعرض عن طالب العلم، بل هو الذى يعرض عنها لأن همته مصروفة الى العلم فلا يبقى له التفات الى الدنيا. والدنيا إنما تحصل بحرص وفكر فى وجوهها فإذا غفل عن أسبابها لم تأته. وأيضا طالب العلم تشرف نفسه عن الصنائع الرذلة والمكاسب الدنيئة وعن أصناف التجارات، وعن التذلل لأرباب الدنيا، والوقوف على أبوابهم ولبعض إخواننا:
من جدّ فى طلب العلوم أفاته
…
شرف العلوم دناءة التحصيل
وجميع طرق الدنيا تحتاج الى فراغ لها، وحذق فيها، وصرف الزمان إليها. والمشتغل بالعلم لا يسعه شيئا من ذلك وإنما ينتظر أن تأتيه الدنيا بلا سبب، وتطلبه من غير أن يطلبها طلب مثلها وهذا ظلم منه وعدوان، ولكن إذا تمكن الرجل فى العلم وشهر به خطب من كل جهة وعرضت عليه المناصب، وجاءته الدنيا صاغرة وأخذها وماء وجهه موفر، وعرضه ودينه مصون.
واعلم أن الدين عقبة وعرف ينادى على صاحبه، ونور وضياء يشرق عليه، ويدل عليه كتاجر المسك لا يخفى مكانه ولا تجهل بضاعته.
وكمن يمشى بمشعل فى ليل مدلهم. والعالم مع هذا محبوب أينما كان وكيف كان لا يجد إلا من يميل إليه ويؤثر قربه ويأنس به ويرتاح بمداناته.
واعلم أن العلوم تغور ثم تغور. تغور فى زمان وتغور فى زمان بمنزلة النبات أو عيون المياه وتنتقل من قوم الى قوم ومن صقع إلى صقع.
ومن كلامه أيضا نقلته من خطه قال: اجعل كلامك فى الغالب بصفات:
أن يكون وجيزا فصيحا فى معنى مهم أو مستحسن فيه إلغاز ما وإبهام كثيرا أو قليل، ولا تجعله مهملا ككلام الجمهور بل ارفعه عنهم ولا تباعده عليهم جدا.
وقال: إياك الهذر والكلام فما لا يعنى وإياك والسكوت فى محل الحاجة ورجوع النوبة إليك إما لاستخراج حق أو اجتلاب مودة أو تنبيه على فضلية.
وإياك والضحك مع كلامك وكثرة الكلام وتبتير الكلام، بل اجعل كلامك سددا بسكون ووقار بحيث يستشعر منك إن وراءه أكثر منه وإنه عن خميرة سابقة ونظر متقدم.
وقال: إياك والغلظة فى الكتاب، والجفاء فى المناظرة، فإن ذلك يذهب بهجة الكلام ويسقط فائدته ويعدم حلاوته ويجلب الضغائن ويمحق المودات ويصير القائل مستثتقلا سكوته أشهى إلى السامع من كلامه، ويثير النفوس على معاندته ويبسط الألسن بمخاشنته وإذهاب حرمته.
وقال: لا تترفع بحيث تستثقل ولا تتنازل بحيث تستخس وتستحقر.
وقال: واجعل كلامك كله جزلا، وأجيب من حيث تعقل لا من حيث تعتاد وتألف. وقال: انتزع عن عادات الصبا وتجرد عن مألوفات الطبيعه واجعل
كلامك لاهوتيا فى الغالب، لا ينفك عن خبر أو قرآن أو قول حكيم أو بيت نادر أو مثل سائر.
وقال: تجنب الوقيعة فى الناس، وسب الملوك، والغلظة على المعاشر، وكثرة الغضب وتجاوز الحد فيه. وقال: استكثر من حفظ الأشعار الأمثالية، والنوادر الحكيمة والمعانى المستعزبة.
ومن دعائه رحمه الله تعالى قال: اللهم أعذنا من شموس الطبيعة، وجموح النفس الرديئة، وسلس لنا مقاد/التوفيق، وخذ بنا فى سواء الطريق، يا هادى العمى، يا مرشد الضلال، يا محيى القلوب الميتة بالإيمان، يا منير ظلمة الضلال بنور الإيقان، خذ بأيدينا من مهواة الهلكة، نجنا من ردغة الطبيعة، طهرنا من درن الدنيا الدنيئة بالإخلاص لك والتقوى. إنك مالك الآخرة والدنيا.
وله تسبيح أيضا وهو: سبحان من عم بحكمته الوجود، واستحق بكل وجه أن يكون هو المعبود. تلألأت بنور جلالك الآفاق، وأشرقت شمس معرفتك على النفوس إشراقا وأى إشراق.
وله من الكتب: كتاب «غريب الحديث» جمع فيه غريب أبى عبيد القاسم بن سلام، وغريب ابن قتيبة، وغريب الخطابى، وكتاب المجرد من غريب الحديث. وكتاب «الواضحة فى إعراب الفاتحة». وكتاب «الألف واللام». ومسئلة فى قوله سبحانه وتعالى:«إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها» ومسئلة نحوية. ومجموع مسائل نحوية وتعاليق كتاب ربّ. «وشرح بانت سعاد» . وكتاب «ذيل الفصيح» ، وكتاب «فى الكلام على الذات والصفات الذاتية الجارية على ألسنة المتكلمين» . و «شرح أوائل المفصل» . وخمس مسائل نحوية. و «شرح مقدمة ابن باب شاذ» ، وسماه «باللمع الكاملية» .
و «شرح الخطب النباتية» . و «شرح الحديث المسلسل» . و «شرح سبعين
حديثا». و «شرح أربعين حديثا طبية» . وكتاب «الرد على ابن خطيب الرى فى تفسير سورة الإخلاص» . وكتاب «كشف الظلامة عن قدامة» . و «شرح نقد الشعر لقدامة» . وأحاديث مخرجة من الجمع بين الصحيحين. وكتاب «اللواء العزيز باسم الملك العزيز» فى الحديث. وكتاب «قوانين البلاغة» ، عمله بحلب سنة خمس عشرة وستمائة. وحاشية على كتاب الخصائص لابن جنى. وكتاب «الإنصاف بين ابن برى وابن الخشاب» ، فيما رد به ابن الخشاب على المقامات للحريرى. و «انتصار ابن برى للحريرى». و «مسئلة فى قولهم: أنت طالق فى شهر قبل ما بعده قبله رمضان». و «تفسير قوله عليه الصلاة والسلام: الراحمون يرحمهم الرحمن» . وكتاب «قبسة العجلان فى النحو» . و «اختصار كتاب الصناعتين للعسكرى» . و «اختصار كتاب العمدة لابن رشيق» . ومقالة فى الوفق. وكتاب «الجلاء فى الحساب الهندى» .
و «اختصار كتاب النبات لابى حنيفة الدينورى» . وكتاب آخر فى فنه مثله.
و «اختصار كتاب مادة البقاء للتميمى» . و «كتاب الفصول» وهو بلغة الحكيم سبع مقالات. فرغ منه فى شهر رمضان سنة ثمان وستمائة. و «شرح كتاب الفصول لأبقراط» . و «شرح كتاب تقدمة المعرفة» . و «اختصار شرح جالينوس لكتاب الأمراض الحادة لأبقراط» و «اختصار كتاب الحيوان لأرسطوطاليس» .
و «تهذيب مسائل ما بال لأرسطوطاليس» . وكتاب آخر فى فنه مثله. و «اختصار كتاب منافع الأعضاء لجالينوس» . و «اختصار كتاب آراء بقراط وأفلاطون» .
و «اختصار كتاب الجنين» . و «اختصار كتاب الصوت» . و «اختصار كتاب المنى» و «اختصار كتاب آلات النفس» . و «اختصار كتاب العضل» . و «اختصار كتاب الحيوان للجاحظ» ، و «كتاب فى آلات النفس وأفعالها». وست مقالات:
«مقالة فى قسمة الحميات وما يقوم به كل واحد منها وكيفية تولدها» . وكتاب «النخبة» ، وهو خلاصة الأمراض الحادة. و «اختصار كتاب الحميات للإسرائيلى» . و «اختصار كتاب البول للإسرائيلى» . و «اختصار كتاب النبض للإسرائيلى» أيضا. وكتاب «أخبار مصر الكبير» ، و «كتاب أخبار معد الصغير»
مقالتان. و «ترجمة كتاب الإفادة والاعتبار فى الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر» . فرغ من تأليفه فى العاشر من شعبان سنة ثلاث وستمائة بالبيت المقدس. وكتاب تاريخ يتضمن سيرته ألفه لولده شرف الدين يوسف. و «مقالة فى العطش» . و «مقالة فى الماء» . و «مقالة فى إحصاء مقاصد الفلاسفة وأصفى الكتب فى كتبهم وما يتبع ذلك من المنافع والمضار» .
و «مقالة فى معنى الجوهر والعرض» . و «مقالة موجزة فى النفس» . و «مقالة فى الحركات المعتادة» . و «مقالة فى العادات والكلمة فى الربوبية» . و «مقالة تشتمل على أحد عشر بابا فى حقيقة الدواء والغذاء ومعرفة طبقاتهما وكيفية تركبهما» . و «مقالة فى المبادى بصناعة الطب» . و «مقالة فى شفاء الضد بالضد» . و «مقالة فى ديبابيطس والأدوية النافعة منه» . و «مقالة فى الزوائد» ، حررها بحلب فى جمادى الآخرة من سنة سبع عشرة وستمائة، وكان قد وضعها بمصر سنة خمس وتسعين وخمسمائة. و «مقالة فى السقنقور» .
و «مقالة فى الحنطة» . و «مقالة فى الشرب والكرم» . و «مقالة فى البحرين» صغيرة. ورسالة إلى مهندس فاضل عملى كتب بها إليه من مدينة حلب.
و «اختصار كتاب الأدوية المفردة لابن واقد» . و «اختصار كتاب الأدوية المفردة لابن سمجون» . وكتاب «كبير فى الأدوية المفردة» و «مختصر فى الحميات» .
و «مقالة فى المزاج» ، وكتاب «الكفاية فى التشريح» . وكتاب «الرد على ابن الخطيب فى شرحه بعض كليات القانون» . وألف هذا الكتاب لعمى رشيد الدين على بن خليفة الله وأرسله اليه، وكان تأليفه له بحلب قبل توجهه الى بلاد الروم. وكتاب «تعقب حواشى ابن جميع على القانون» . و «مقالة يرد فيها على/كتاب على بن رضوان المصرى فى اختلاف جالينوس وأرسطوطاليس» .
و «مقالة فى الحواس» . و «مقالة فى الكلمة والكلام» . و «كتاب السبعة» .
وكتاب «تحفة الأمل» . و «مقالة فى الرد على اليهود والنصارى» . و «مقالة فى ترتيب المصنفين» . وكتاب «الحكمة العلائية» ، ذكر فيه أشياء حسنة فى العلم الألهى. وألف هذا الكتاب لعلاء الدين داود صاحب أزرنجان. و «مقالة
على جهة التوطئة فى المنطق». و «حواش على كتاب البرهان للفارابى» .
و «كتاب الترياق» . و «فصول منتزعة من كلام الحكماء» ، و «حل شئ من شكوك الرازى على كتب جالينوس» . وكتاب «المراقى إلى الغاية الإنسانية» .
وثمان مقالات: «مقالة فى ميزان الأدوية المركبة من جهة الكميات» . و «مقالة فى موازنة الأدوية والأدواء من جهة الكيفيات» . و «مقالة فى تعقب أوزان الأدوية» . و «مقالة فى المعنى وكشف الشبه التى وقعت لبعض العلماء» .
و «مقالة فى المعنى فيها ثلاث مسائل» . و «مقالة تتعلق بموازين الأدوية الطبية فى المركبات» . و «مقالة فى التنفس والصوت والكلام» . و «مقالة فى اختصار كلام جالينوس فى سياسة الصحة» . وانتزاعات من كتاب دياسقوريدس فى صفات الحشائش، وانتزاعات أخرى فى منافعها. و «مقالة فى تدبير الحرب» كتبها لبعض ملوك زمانه فى سنة ثلاث وعشرين وستمائة. و «مقالة فى السياسة العملية» . و «كتاب العمدة فى أصول السياسة» . و «مقالة فى المدينة الفاضلة» و «مقالة في العلوم الضارة» . و «رسالة فى الممكن» . و «مقالتان ومقالة فى الجنس والنوع» أجاب بها فى دمشق سؤال سائل فى سنة أربع وستمائة.
و «الفصول الأربعة المنطقية» و «تهذيب كلام أفلاطون» ، و «حكم منثورة إيساغوجى» و «مبسوط الواقعات» . و «مقالة فى النهاية واللانهاية» . وكتاب «الفطن فى المنطق والطبيعى والإلهى» . و «مقالة فى كيفية استعمال المنطق» .
و «مقالة فى حد الطب» . و «مقالة فى البادئ بصناعة الطب» . و «مقالة فى أجزاء المنطق التسعة» مجلد كبير و «مقالة فى القياس» . و «كتاب فى القياس» خمسون كراسا ثم أضيف إليه المدخل والمقولات والعبارة والبرهان فجاء مقداره أربعة مجلدات. وكتاب الحس والمحسوسات، ثلاثة مجلدات.
وكتاب «السماع الطبيعى» مجلدان. و «كتاب أخر فى الطبيعيات من السماع إلى كتاب النفس» . و «كتاب العجيب» . و «حواش على كتاب الثمانية المنطقية للفارابى» . و «شرح الأشكال البرهانية من ثمانية أبى نصر» . و «مقالة فى تزييف الشكل الرابع» . و «مقالة فى تزييف ما يعتقده أبو على بن سينا من
وجود أقيسة شرطية». و «مقالة فى القياسيات المختلطات» . و «مقالة فى المقاييس الشرطية التى يظنها ابن سينا» . و «مقالة أخرى فى المعنى» أيضا.
وكتاب «النصيحتين للأطباء والحكمة» . وكتاب «المحاكمة بين الحكيم الكيماوى» . و «رسالة فى المعادن وإبطال الكيمياء» . و «مقالة فى الحواش» .
و «عهد إلى الحكمدار» ، و «اختصار كتاب الحيوان لابن أبى الأشعث» و «اختصار كتاب القولنج لابن أبى الأشعث» . و «مقالة فى البرسام» ، و «مقالة فى العلة المراقبة» . و «مقالة فى الرد على ابن الهيثم فى مكان» . و «مختصر فيما بعد الطبيعة» . و «مقالة فى التخال» ، ألفها بمصر سنة تسع وتسعين وخمسمائة، وبيضهما بمدينة أذربيجان سنة خمس وعشرين وستمائة. و «مقالة في اللغات وكيفية تولدها». و «مقالة فى الشعر». و «مقالة فى الأقيسة الوصفية». و «مقالة فى القدر». و «مقالة فى الملل». و «الكتاب الجامع الكبير فى المنطق والعلم الطبيعى والعلم الإلهى» عشرة مجلدات التام تصنيفه فى نحو نيف وعشرين سنة. و «كتاب المدهش فى أخبار الحيوان المتوج بصفات نبينا عليه أفضل الصلاة والسلم». قال: ابتدأت بكراسة منه بدمشق سنة سبع وستمائة، وكمل فى أربعة أشهر بحلب سنة ثمان وعشرين وستمائة وهو فى مائة كراسة. وكتاب «الثمانية فى المنطق» ، وهو التصنيف الوسط. انتهى من كتاب دساسى.
(منشأة بكار)
قرية من مديرية الجيزة، بمركز أول. واقعة فى غربى مدينة الجيزة بنحو ثلثى ساعة.
وهى قرية عامرة بها جامع بمنارة، ونخيل كثير. وقى قبليها على نصف ساعة هرم، وفى غربيها قناطر نحو إحدى عشرة عينا فى الجسر السلطانى غير مستعملة الآن، والغالب أنها كانت لتصريف بحر اللبيى، وحدث أمامها جسر فيه قناطر هى المستعملة الآن.
وفى غربى البلد رمال كثيرة يمتد فيها جسر شبرمنت نحو الجبل. وبقطع جسر المنشأة تروى الأراضى العالية من أراضى كرداسة ونحوها. ويزرع فى تلك الأرض كثير من القرع والبطيخ والبصل المعروف بالكرداسى.
(منشأة سدود)
قرية من مديرية المنوفية، بمركز أشمون جريس واقعة فى شمال بهواش بنحو ألفين متر، وفى غربى كشوش بنحو ثلاثة ألاف متر.
وبها معمل دجاج وسواق، وقليل أشجار. وبها مسجد صغير للمسلمين وكنيسة للأقباط باسم السيدة مريم، أحدثت بها سنة أربع وسبعين/ومائتين وألف.
(منشأة سيوط)
قرية من مديرية سيوط، بقسم ملوى بقرب الجبل الغربى. وبقرب قرية تونة أيضا.
وهى قرية عامرة بناؤها بالآجر واللبن. وفيها مساجد ونخيل وأشجار، وأكثر أهلها مسلمون.
(منشأة شنوان)
قرية من مديرية المنوفية، بمركز سبك فى شرقى شنوف بنحو ثلاثة آلاف متر، وفى شمال شنوان بنحو ألفين وخمسمائة متر.
وبها نخيل وتوابيت على ترعة الباجورية، وساقية واحدة معينة بوجهين، وفى غربيها بستان ذو فواكه، وبها جامع وكنيسة باسم السيدة مريم حدثت سنة خمس وسبعين ومائتين وألف.
(منشأة عاصم)
قرية من مديرية الدقهلية، بمركز دكرنس على الشط الشرقى للبحر الصغير.
وفيها مسجدان وأشجار وفى جنوبها قصر بداخله بستان نضر لعثمان أفندى نورى وكيل تفتيش طناح سابقا.
(منشأة مسجد الخضر)
قرية من مديرية المنوفية، بمركز سبك واقعة فى شمال قرية مسجد الخضر بنحو ثمانية ألاف متر، وشرقى منية الوسطى بنحو ثلاثة آلاف متر.
وأبنيتها ريفية، وبها جوامع وسواق معينة، وبها أنوال لنسج الصوف وأشجار وليس بها نخيل. وتكسب أهلها من الزرع. وفى سنة سبع وسبعين ومائتين وألف حدثت فيها كنيسة باسم السيدة مريم
(منشليل)
ويقال لها منشلين بالنون. قرية من مديرية الغربية بمركز كفر الشيخ، فى شرقى بحر القطن بنحو ساعة، وفى قبلى البكتوش بأقل من ساعة، وفى غربى قلين بأكثر من ساعة.
وبوسطها جامع، وبها دوار عظيم لعائلة الشربجى، وبجوانبها أشجار، وأكثر أهلها مسلمون.
ترجمة الشيخ أحمد بن ترك المالكى
وإليها ينسب كما فى حاشية السفطى: على بن تركى إمام المحققين وتاج المدققين الشيخ أحمد بن ترك بن أحمد المنشليلى المالكى.
له تآليف مفيدة منها: «شرح العشماوية» و «شرح على العزية» . و «شرح على الأربعين حديثا النووية» . و «شرح على الجزائرية فى علم التوحيد» .
و «اختصر الشفاء للقاضى عياض» . وله «شرح على الأجرومية» و «شرح على اختصار الترغيب والترهيب للمنذرى» . و «حاشية على الجامع الصغير نافعة» .
وله غير ذلك.
وكان من علماء القرن العاشر فى عصر الشيخ الأخضرى. توفى سنة تسع وسبعين وتسعمائة من الهجرة، هو والشيخ أحمد البنوفرى فى ليلة واحدة وصلى عليهما معا بالجامع الأزهر ودفنا فى تربة المجاورين.
وكان ابن تركى رحمه الله إمام البشيرية وهى مدرسة بمصر قريبة من سويقة العربى أنشأها بشير ولا أدرى هل كان سلطانا بمصر أو أميرا.
وفى خطط المقريزى: المدرسة البشيرية خارج القاهرة بحكر الخازن المطل على بركة النيل. وكان موضعها مسجدا يعرف بمسجد سنقر السعدى الذى بنى المدرسة السعدية فهدمه الأمير الطواشى سعد الدين بشير الجمدار الناصرى. وبنى موضعه هذه المدرسة فى سنة إحدى وستين وسبعمائة، وجعل بها خزانة كتب. وهى من المدارس اللطيفة. انتهى.
(المنصورة)
من هذا الأسم عدة قرى ببلاد مصر. أشهرها مدينة المنصورة الواقعة على الشط الشرقى لفرع دمياط، وهى رأس مديرية الدقهلية.
وتكلم عليها المقريزى فقال: إن هذه البلدة على رأس بحر أشتوم تجاه ناحية طلخا. بناها السلطان الملك الكامل ناصر الدين محمد بن العادل أبى بكر بن أيوب فى سنة ست عشرة وستمائة عندما ملك الإفرنج مدينة دمياط، فنزل فى موضع هذه البلدة وخيم به. وبنى قصرا لسكناه، وأمر من معه من الأمراء والعساكر بالبناء فبنى هناك عدة دور، ونصبت الأسواق، وأدار عليها سورا مما يلى البحر، وستره بالآلات الحربية والستائر، وسمى هذه المنزلة المدينة المنصورة.
ولم يزل بها حتى استرجع مدينة دمياط فصارت مدينة كبيرة وبها الحمامات والفنادق والأسواق. ولما استنقذ الملك الكامل دمياط من الإفرنج.
مكتبة الأسرة-2008
ورحل الإفرنج إلى بلادهم جلس بقصره فى المنصورة وبين يديه إخوته: الملك المعظم عيسى صاحب دمشق، والملك الأشرف موسى صاحب بلاد الشرق، وغيرهما من أهله وخواصه. فأمر الملك الأشرف جاريته فغنت على عودها:
ولما طغى فرعون عكا وقومه
…
وجاء إلى مصر ليفسد فى الأرض
أتى نحوهم موسى وفى يده العصا
…
فأغرقهم فى اليم بعضا على بعض
فطرب الأشرف وقال لها: بالله كررى. فشق ذلك على الكامل وأسكتها، وقال لجاريته: غنى أنت. فأخذت العود وغنت:
أيا أهل دين الكفر قوموا لتنظروا
…
لما قد جرى فى وقتنا وتجددا
أعباد عيسى إن عيسى وحزبه
…
وموسى جميعا ينصران محمدا
وهذان البيتان من قصيدة لشرف الدين بن حبارة أولها:
أبى المجد إلا أن أبيت مسهدا
فأعجب ذلك الملك الكامل/وأمر لكل من الجاريتين بخمسمائة دينار.
فنهض القاضى الصدر الرئيس الأجل هبة الله بن محاسن قاضى غزة-وكان من جملة الجلساء-على قدميه وأنشد:
هنيئا فإن السعد جاء مخلدا
…
وقد أنجز الرحمن بالنصر موعدا
حبانا إله الخلق، فتحا لنا بدا
…
مبينا وإنعاما وعزا مؤيدا
تهلل وجه الأرض بعد قطوبه
…
وأصبح وجه الشرك بالظلم أسودا
ولما طغى البحر الخضم بأهله الط
…
غاة وأضحى بالمراكب مزبدا
أقام لهذا الدين من سل عزمه
…
صقيلا كما سل الحسام المهندا
فلم ينج إلا كل شلو مجدل
…
ثوى منهم أو من تراه مقيدا
ونادى لسان الكون فى الأرض رافعا
…
عقيرته فى الخافقين ومنشدا
أعباد عيسى إن عيسى وحزبه
…
وموسى جميعا ينصران محمدا
فكانت هذه الليلة بالمنصورة من أحسن ليلة مرت بملك من الملوك.
وكان عند إنشاده يشير إذا قال: عيسى إلى عيسى المعظم. وإذا قال: موسى إلى موسى الأشرف. وإذا قال: محمدا إلى السلطان الملك الكامل.
وقد قيل أن الذى أنشد هذه الأبيات إنما هو راجح المحلى الشاعر، انتهى وقد ذكرنا عبارة المقريزى بتمامها فى الكلام على دمياط.
وفى كتاب سيرة بونابرت: إنه لما استولت الفرنساوية على الأقاليم المصرية ورتبوا الأقاليم، جعل أمير جيوشهم فى كل إقليم حاكما من رؤساء عساكرهم. فكان فى إقليم المنصورة الجنرال دوقا، وجعل فى مدينة المنصورة نفسها ما ينيف على مائة وثلاثين من العساكر الفرنساوية.
ومع أن البلاد كانت قد دخلت تحت طاعتهم، فكانت العرب لم تزل تناوشهم وأهالى البلاد لم يزالوا يضمرون لهم العداوة ويتمنون إزالتهم والقيام عليهم.
ومن ذلك ما وقع لهم فى مدينة المنصورة، فإن أهلها من حين إقامة عسكر الفرنسيس بها كانوا يدبرون الأمر بينهم فى القيام عليهم وطردهم منها.
وحيث كانت هذه المدينة بعيدة عن القاهرة وبرها متسع وعربها كثيرة، ولها سوق كل خميس يجتمع فيه كثير من الناس للبيع والشراء. ففى أحد أيام السوق قامت أهالى المدينة وكبسوا هؤلاء العساكر. وانتشب الحرب بينهم، فتضايق منهم الفرنساوية وكاد يفرغ ما عندهم من البارود. فخرجوا إلى البحر ونزلوا فى مراكب فتكاثرت عليهم اللموم المجتمعة، وكان ذلك وقت جبر النيل، فلم ترض رؤساء المراكب بالسير معهم. فالتجئوا إلى البر وقصدوا السير برا إلى مصر. فلم تمكنهم أولئك الأمم، وأورثوهم مواريث العدم. ولم يزالوا يكافحون عن أرواحهم ويدافعون إلى أن قتلوا عن آخرهم.
ولما وصلت الأخبار إلى مصر اشتد بأمير الجيوش الغيظ والغضب وأمر الجنرال دوقا بأن يتوجه الى المنصورة ويحرقها ويقتل كل من بها، فسار الجنرال بثلاثة آلاف من العساكر.
ولما بلغ أهالى المنصورة قدومه هربوا منه ولم يبق إلا القليل. وحين وصوله رأى البلد خرابا، وتقدم إليه الباقون واعتذروا له بقولهم: إن أهالى المدينة ليس لهم ذنب فى ذلك الصنيع، وإنما صدر ذلك من الفلاحين والعرب. وأن أهالى المدينة حيث تحققوا أن ليس لهم اقتدار على منع أولئك اللموم فروا هاربين. فقبل عذرهم وعفا عن خراب ديارهم، وأمرهم بالرجوع والطاعة والخضوع. ولكن قال لهم: حيث إنكم فى أول إقدامهم على مبادئ هذه الأمور لم تخبروا بذلك، ولا قدمتم به إفادة فيلزمكم أن تدفعوا أربعة آلاف كيسة جريمة قيمة قصاصكم حيث فرطتم فى هذا الأمر، فدفعوها.
وعرض على أمير الجيوش ما فعل معهم فرجع له الجواب: بأن يأمر أهل تلك الأقاليم بأن يرفعوا بيرق الفرنساوية على رؤوس المآذن، وكل بلد لا ترفعه حالا تحرق. انتهى.
ولم تزل هذه المدينة إلى اليوم عامرة آهلة، بل ازدادت عمارتها وثروة أهلها. وفيها ديوان المديرية والمجلس المحلى الضابطية والمحكمة الشرعية، وهى محكمة ولاية كبيرة مأذونة بالمبايعات والإسقاطات والأيلولات والرهونات ونحو ذلك.
وفى مراكز مديريتها خمس محاكم غيرها كانت مأذونة بما عدا عقد بيع الأطيان. فإن ذلك لا يكون إلا أمام المدير أو وكيله. وهى محكمة منية عمر وسمنود والسنبلاوين ودكرنس وفارسكور.
وفى مدينة المنصورة أستبالية لمعالجة المرضى. وشون لغلال الميرى.
ومبان مشيدة وقيساريات وخانات نحو الخمسين مشحونة بالمتاجر، فيوجد بها طاقات المقصب وثياب الحرير والجوخ وثياب الكتان والقطن. والنحاس وغير ذلك من مشتملات المدن الكبيرة. وبها بورصات على شاطئ النيل تجتمع فيها/التجار من الإفرنج وغيرهم. وبها جملة من المقاهى والخمارات.
وشوارعها حسنة معتدلة الهواء. فيها الشارع الجديد الذى افتتح بأمر الخديوى إسماعيل باشا. وقد أمر فى المدن عموما بتعديل الشوارع وتوسعتها ليدخل الهواء والشمس فى خلال المنازل لجلب الصحة. فجعل عرض ذلك الشارع أحد عشر مترا، يبتدأ من أمام ديوان المديرية إلى محطة السكة الحديد.
والعمارات فيها جارية على مقتضى التنظيم، وبها حمامان قديمان. وخمس معاصر، وثلاث سيارج ومعمل دجاج، وأربعة معامل للحلوى، وثلاثة عشر وابور لحلج القطن وطحن الغلال، ومصابغ كثيرة ومكاتب لتعليم القرآن، ومدارس لتعليم اللغات، وورشتان لإصلاح الآلات البخارية.
وفيها على شاطئ البحر أربعة قصور فى أحسن وضع، ومنازل كذلك وسراى عظيمة للخديوى إسماعيل باشا بمنتزه نحو أربعين فدانا.
مطلب مساجد المنصورة.
وبها نحو عشرين مسجدا عامرة بالجمعة والجماعة. وفى كثير منها تقرأ دروس العلم الشرعى. فمنها:
مسجد سيدى عبد الله الموافى القطيط بشارع الموافى. له ثلاثة أبواب، وبه أربعون عمودا من الحجر وأرصفة مفروشة بالبلاط، ومنارته فى أحسن وضع. وبداخله مقام سيدى عبد الله المذكور، وعليه قبة، ومقام سيدى على الأسمر.
ويقال: أن هذا المسجد من بناء الصالح أيوب فى سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة. ثم جدد فى سنة ثمان وتسعين وتسعمائة. وبجواره من الجهة القبلية مطبخ يطبخ فيه عند عمل مولد سيدى عبد الله الموافى فى كل سنة فى شهر ربيع الآخر. ويقال: أنه بهذا المطبخ حبس سلطان فرنسا أيام حرب دمياط.
مسجد الشيخ ياسين المشهور بصنجق الأولياء، فى غربيها. به ستة أعمدة من الرخام، وأرضه مفروشة بالبلاط. وله بابان، ويتصل به مقام سيدى
ياسين، فيه عمودان من الرخام، وأرضه كذلك. وعليه قبة مرتفعة، وأمام المقام مقصورة أرضيتها من رخام، وبها عمودان من خشب ودرابزين من حديد.
وقد جدد هذا المسجد والمقام على بيك القريعى سنة ست وثمانين ومائتين وألف. وبه درس علم دائم. وأمامه فضاء متسع يعمل فيه مولد النبى صلى الله عليه وسلم فى شهر ربيع الأول، فيجتمع هناك خلق كثير. وتضرب الخيام وتنتصب الأسواق فيمكث كذلك ثمانية أيام.
وعادتهم فى أول انعقاد المولد أن يجتمع مشايخ الطرق وأتباعهم بالأشائر والطبول والكؤسات، فيطوفون حول البلد فى موكب عظيم لابسين أفخر ملابسهم، يقرءون الصلوات وأمامهم أنواع البخور، ونقيب الأشراف فى آخرهم. إلى أن يصلوا إلى صار فى وسط تلك الساحة، ويستمرون فى الأذكار وتلاوة القرآن. وبعضهم فى اللهو واللعب الى فراغ المولد.
مسجد المحمودية بصاغة الغز فى الشارع العمومى، مبنى بالحجر الدستور. أنشأه محمود بيك أحد أتباع الصالح أيوب فى سنة ثمانمائة. وهو الآن متخرب.
مسجد سيدى ريحان بشارع سوق التجار، به تسعة أعمدة من الحجر.
وأرضه مبلطة، وله بابان. وبه مقام سيدى ريحان، وسيدى حسن الصوحى.
ويقال: إنه من بناء سيدى ريحان فى سنة ثمان وثمانين من القرن السابع، وهو مقام الشعائر وبه درس دائم.
مسجد سيدى محمد النجار، ويقال إنه بناه فى سنة عشرين ومائة بعد الألف. وللسيد محمد هذا مولد كل سنة فى شهر جمادى الأولى.
مسجد الكتخدا بشارع الموافى العمومى. به أحد عشر عمودا، وأرضه مبلطة، وله منارة، وبه ضريح يعرف بالأربعين. وهو من بناء محمد كتخدا فى سنة خمس وثمانين وتسعمائة.
المسجد الجديد بالشارع العمومى، به أربعة أعمدة. جدد سنة سبعين من هذا القرن. وبه مقصورة فيها قبر الشيخ على الصالح، وقبر آخر، ومقصورة أخرى بها قبر بانيه الحاج سليمان القهوجى. وبه درس دائم.
المسجد الصغير فى شارع البحر أمام ديوان المديرية. به ستة أعمدة من الرخام، ومنارته منفصلة عنه. وقد أخذ منه الشارع جانبا. وجدد من طرف الأوقاف منذ أربع سنين. ويقال: إنه من إنشاء الصالح الصغير فى سنة ستمائة.
مسجد دليور كاشف بشارع البحر أيضا. جدده الكاشف المذكور سنة عشر بعد الألف. به أربعة أعمدة من الحجر، وأرضه من بلاط. وبجواره من الجهة الشرقية قبر بانيه، وقد رمّه قاضى المديرية الشيخ عبد الرحمن منذ ثلاث سنين.
مسجد إدريس كاشف بشارع سوق التجار. جدد سنة خمس عشرة بعد التسعمائة.
مسجد البهلول بشارع البهلول، به أربعة أعمدة من الحجر. وبداخله مقصورة على تربة بانيه الشيخ عمر الخطاب فى سنة خمسين بعد الألف.
وبجواره من جهة الشرق قبة بها مقام الشيخ محمد البهلول.
مسجد الدولتى بشارع سوق التجار به ثلاثة عشر عمودا من الحجر. أنشأه ولى الله الشيخ محمد الدولتى فى سنة خمسين بعد التسعمائة. وله به مقام عليه مقصورة وقبة. وفى سنة ستين بعد المائتين والألف قد رمّه ذريته.
مسجد الحرار بشارع سوق التجار أيضا. مبلط الأرضية، وعمده ستة من الحجر،/أنشأه السيد على الشناوى أحد أعيانها سنة ثلاث عشرة بعد المائتين والألف.
مسجد سيدى خالد بشارع البحر. به ثلاثة عشر عمودا، وقبر بانيه سيدى خالد عليه مقصورة. وكان بناؤه على رأس الألف، ثم فى سنة أربعين بعد المائتين رمّه رستم بيك.
مسجد الأربعين بقرب شاطئ البحرية. به تسعة أعمدة من الآجر. وتاريخ بنائه سنة ثمانين وخمسمائة. ثم جدد فى سنة سبع وثمانين بعد المائتين والألف. وبه مقام يعرف بمقام الأربعين.
مسجد العجمى بشارع درب الجمالة. به أربعة أعمدة من الحجر. ومنارته صغيرة، وبجواره فى الشمال الغربى مقام ولى الله المذكور، ولذلك الولى مولد فى شهر ربيع الآخر كل عام.
مسجد الشيخ سنبل بشارع البحر. به أربعة أعمدة من الرخام، وعمودان من المرمر. ويقال: إنه من بناء الحلبى الغندور فى سنة عشرين بعد الألف.
وهو متخرب وفيه مقصورة بداخلها ضريح الشيخ سنبل شرف الدين، يقال: إنه من حاشية سيدى إبراهيم الدسوقى.
مسجد الجعفرية بقرب الشط. مبلط الأرضية، وعمده ستة من الحجر وقد رمّه محمد بيك سعيد سنة سبعين ومائتين وألف.
مسجد الشيخة عائشة بشارع الشيخة. به خمسة أعمدة من الحجر.
وأرضه من البلاط وبجواره من الجهة الشرقية مقام الشيخة عائشة، عليه قبة.
وجدده على كاشف سنة أربعين من القرن الثالث عشر.
ولجميع هذه المساجد منارات بأوضاع حسنة وتقام فيها الجمعة والجماعة.
مطلب زوايا المنصورة
وبها من الزوايا:
زاوية الشيخ حبيب الهندى بقرب الشط، بناها الشيخ حبيب سنة مائة وألف وبها ضريحه.
وزاوية الشيخة مريم بحارة النصارى. لها منارة وبها ضريحها. بناها حمزة العدل سنة عشرين ومائتين وألف.
مطلب مقامات أولياء الله التى بالمنصورة
وبها مقامات كثير من أولياء الله تعالى غير ما ذكر منهم:
مقام سيدى حسن الكنانى فى مقبرة بجوار البلد من الجهة القبلية.
وبجواره مقصورتان يقال أن بهما أربعين وليا.
ومقام سيدى حسنين به ثلاثة لواوين. وله مولد كل سنة فى شهر ذى الحجة. ومقام الشيخ على أبى زيد والشيخ سام والشيخ سند بحارة سند، له مولد كل سنة فى جمادى الآخرة.
ومقام الشيخ محمد الطباخى، والشيخ محمد كميل، ومقام الشيخ على العراقى، ومقام الست أم الشعور، والشيخ سعد أبى السعود، ومقام الشيخ يونس أبى عبدة، والشيخ على المغربى، والشيخ صيام، والشيخ سنك، والشيخ عبد الجليل، والشيخ الظاهر، والشيخ الطمية، والست بغداد.
وبها أربعة حدائق ذات بهجة، وسواق وأسواق دائمة، وسوق عمومى كل يوم ثلاثاء.
وفيها أرباب حرف وصنائع مثل حياكة القطن والصوف والحرير وصياغة الحلى والنجارة والخياطة، وغير ذلك.
مطلب الفوريقات التى أنشاها العزيز محمد على باشا
وغيرها
وفيها فوريقة كبيرة لغزل القطن ونسجه، من إنشاء العزيز محمد على.
استعملت مدة ثم بطلت كغيرها من الفوريقات، وآثارها باقية إلى الآن. وقد عمل فى محلها قشلاق للعساكر. وبها أيضا فوريقة للكتان.
قال قلوت بيك فى كتابه على مصر: قد أحدث العزيز محمد على عدة فوريقات للغزل والنسيج، فللقطن خاصة ثمانى عشرة فوريقة تشتمل على ألف ألف مغزل وأربعمائة وتسعة وخمسين ألف مغزل. منها مائة وخمسة عشر ألفا للغزل الغليظ والباقى للرفيع. وعلى أكثر من مائتى ألف نول للنسج يتحصل منها كل يوم من أيام الشتاء ثلاثة آلاف وخمسمائة ثوب، وضعف ذلك فى أيام الصيف.
ومتحصل الجميع فى السنة يقرب من مليونين من الثياب وهى فوريقة المنصورة وفوريقة دمياط وفوريقة دمنهور وفوريقة رشيد. وينسج فى هذه الفوريقة قلوع المراكب. وفوريقة المحلة الكبرى وفوريقة شبين الكوم وفوريقة قليوب وفوريقة زفتة وفوريقة منية غمر وفوريقة بنى سويف وفوريقة أسيوط -وهما أكبر فوريقات الصعيد-ثم فوريقة المنية وفوريقة فرشوط وفوريقة طهطها وفوريقة دجرجا وفوريقة قنا. وأكبر الجميع فوريقة مالطة التى ببولاق وفيها ينسج القماش الرفيع وغيره، ويليها فوريقة الخرنفش بالقاهرة.
وذلك غير فوريقات الكتان وهى كثيرة فى أقليم مصر وأغلبها فى الوجه البحرى أنوالها ثلاثون ألف نول. والمتحصل منها كل سنة يقرب من ثلاثة ملايين مقاطع، أكثرها يستهلك فى القطر، ويتجر فى الباقى فى بلاد تريستة وليغورنة ونحوها.
ثم أورد جملة من إنشاءات العزيز المهمة ذات المنافع الجمة فى هذه الديار، وذلك بعد أن طهر البلاد من أهل البغى والفساد. قال: فمن إنشائه المبيضة التى أنشأها بين بولاق وشبرى لتبييض مقاطع الكتان وبصم أقمشة الشيت. ومتحصلها فى الشهر قريب من ثمانمائة مقطع من البصمة. وتكون بذلك مقبولة مرغوبة ويبصم هناك أيضا المناديل فترغبها النساء كثيرا. ومن ذلك أنوال نسج الحرير فقد جعلها مائتى نول ينسج بها المقصب وغيره. وأحضر لها شغالة من إسلامبول فأتقنت صناعته والتحقت بنسج بلاد الهند ونحوها.
وأنشأ بالقاهرة فوريقة الحبال لفتل حبال المراكب وغيرها من النيل. وكان هذا النبات مفقودا فى مصر فأحدثه بها/وكثر. وأنشأ فى بولاق فوريقة الجوخ. أحضر لها فى مبدأ أمرها خمسة رجال فرنساوية أداروها مدة، وتربى تحت أيديهم فى الأربع سنين الأول جماعة من شبان الأهالى. تعلموا الغزل والنسج والدق والقص والصبغ والكبس.
وأرسل جملة من الشبان إلي فوريقة سيدان وليون من بلاد فرنسا، فاكتسبوا الصنعة وأتقنوها. وبذلك حسن أمر الجوخ، واستحصل منه على جوخ استعمل فى ملبوس العساكر. وصار المتحصل منه فى الشهر ثلاثة عشر ألف متر وخمسمائة وأربعين مترا. وكان منه الأزرق الدامغ والأخضر الدامغ والسماوى والنيلى والنحاسى. وذلك غير ما ينسج من الصوف للبس البحارة.
وغير الأحرمة والسجادات المجلوب صوفها من بلاد الصعيد. أما صوف الجوخ فكان يرد من دمنهور ومنية ابن خصيب وبعضه من تونس.
ومن ذلك فوريقة الطربوش، جعلها فى مدينة فوة تحت إدارة رجل مغربى، وشغالتها من تونس ومعهم ناس من الأهالى. وكان صوفها يجلب من مدينة البنكنت، وبعد نسجه ودقه كان يصبغ أحمر بالقرمز والبقم وملح الطرطير والشية، ومتحصل الفوريقة كل يوم ستون دوزينة.
ومن ذلك فوريقات السكر، فأنشأ فى الريرمون من مديرية المنية فوريقة فى سنة ثمانية عشر وثمانمائة وألف ميلادية. جرى العمل فيها على النسق الجارى فى بلاد أنطيليا من الأفريقة. ثم فوريقة فى ساقية موسى وأخرى فى الروضة.
وفى سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة وألف ميلادية كان المتحصل من فوريقة الريرمون اثنى عشر ألف وتسعمائة وخمسة وتسعين قنطار من السكر الخام، ومن فوريقة ساقية موسى خمسة آلاف ومائتى قنطار، ومن الروضة ثلاثة آلاف ومائتى قنطار. وذلك غير ما يستخرج بهذه الفوريقات من الروم الكثير.
ومن ذلك زرع النيلة فى بلاد مصر، جلب لها جماعة هنودا لتعليم الأهالى. وانتشر زرعها فى البلاد وكان سدس متحصل السنة يستعمل فى المصابغ التى جددها فى الديار المصرية بشبرا والشهابية من مديرية القليوبية.
والعزازية من مديرية الغربية ومنية غمر والمنصورة ومنوف وأبيار والأشمونين وبركة كساب والمحلة الكبرى والجيزة وأبى تيج وطهطا وأسيوط وملوى ومنفلوط والفشن.
ومن ذلك معاصر الزيت وهى كثير، منها فى الوجه البحرى مائة وعشرون معصرة لعصر زيت الكتان، والسمسم فى المنصورة وغيرها. وفى القاهرة أربعون معصرة لزيت القرطم، وفى الوجه القبلى معاصر لاستخراج زيت الخس خصوصا من بلاد أسنا. وفى أخميم معاصر لعصر زيت السلجم. وكانت جميع الزيوت فى قبضة الميرى.
ومن ذلك الكوهرجلات، ومعمل البارود، فكان معمل البارود بجزيزة الروضة بقرب المقياس تحت إدارة رجل فرنساوى.
والكوهرجلات ستة: كوهرجلة فى القاهرة، متحصلها فى سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة وألف، تسعة آلاف وستمائة واحد وعشرون قنطار.
وكوهرجلة البدرشين ألف وتسعمائة وتسعة وثمانون قنطار. والأشمونين ألف وخمسمائة وثلاثة وثلاثون قنطارا. والفيوم ألف ومائتان وتسعة وسبعون قنطارا.
وأهناس ألف ومائتان وخمسون قنطارا. والطرانة أربعمائة واثنا عشر قنطارا.
وجدد فى بولاق ورشة لصب الحديد والنحاس تعرف بالدقمخانة. صرف على عملها مليونا ونصفا من الفرنكات. وجعل رئيسها رجلا إنكليزيا يسمى جلوى. وجعل معه خمسة رجال من الإنكليز، وألحق بهم خمسين رجلا من الأهالى. وكان يسبك بها فى اليوم خمسون قنطارا من الحديد للزوم أشغال الفوريقات البحرية. وتدور تلك الورشة بآلة بخارية قوتها عشرون حصانا.
وفى ترسانة بولاق آلات لجلخ النحاس المستعمل فى المراكب. ومن أحسن الابتداعات فوريقة البندق. انتهى.
ثم أن مدينة المنصورة مدينة عامرة من وقت وضعها إلى اليوم. وفيها أشراف وأمراء وعلماء. ومن ضواحيها منية حدر ومنية طلخا ومنية خميس ومنية بدر خميس.
ترجمة الأمير محمد بيك نادى
ومن هذه المدينة الأمير محمد بيك نادى. دخل العسكرية صغيرا فى زمن المرحوم عباس باشا فجعل أولا ترنبيته جى. وبقى كذلك إلى أن تولى الحكم المرحوم سعيد باشا، فالتحق بعساكر السلاح الذين كانوا بمعيته. ثم ترقى فى زمنه إلى رتبة قائم مقام.
وفى زمن الخديوى إسماعيل باشا تعين فى مأمورية إلى بلاد السودان فأقام بها سنين. ثم أنعم عليه وهو بها برتبة ميرالاى. ثم حضر بتلك الرتبة الى مصر والتحق بالجهادية. وله إلمام تام بالقراءة والكتابة.
ترجمة أحمد أفندى كامل
وعمن طلعت شمس سعوده أيضا فى ظل هذه العائلة المحمدية، وانغمس فى بحار نعم الحضرة الخديوية أحمد أفندى كامل، من أهالى هذه المدينة.
دخل العسكرية فى زمن المرحوم عباس باشا أيضا. وفى زمن سعيد باشا ترقى إلى رتبة الملازم. وفى زمن الخديوى إسماعيل باشا ترقى الى البيكباشى. وله معرفة بالقراءة وهو بالآلايات البيادة.
ترجمة الشيخ محمد بن كميل
وينسب اليها كما فى الضوء اللامع: محمد بن محمد بن أحمد بن عمر ابن كميل كحميد بن عوض/بن رشيد ككبير البدر بن الشمس بن الشهاب
ابن السراج بن الكمال المنصورى الشافعى. ويعرف بابن كميل ثم بابن أحمد.
ولد بعد سنة عشرين وثمانمائة بالمنصورة. ونشأ فحفظ القرآن والحاوى وغير ذلك.
وحضر عند القاياتى وسمع على الحافظ ابن حجر وحضر دروسه وناب فى القضاء عن قريبه أبى البقاء، واستقل بقضاء بلده بل وبمنية سلسيل ودمياط.
وكان بديع الذكاء فاضلا يقال إنه كتب على جامع المختصرات وغيره. وعمل كتابا على نمط عنوان الشريف. وكان جيد الكتابة ذا قدرة على تنويع الخطوط بحيث يفضى إلى التزوير مع خبرة تامة بالأحكام وصناعة التوثيق ونظم الشعر.
وامتدح الأكابر كالجمالى ناظر الخاص، وابن الكويز وغيرهما. وكتب من نظمه ابن فهد والبقاعى وغيرهما. وقد أهانه الأشرف قايتباى حين اجتيازه بفارسكور لمزيد شكوى الناس منه. ولم يلبث أن مات فجأة بسلمون فى يوم الجمعة سلخ جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين وثمانمائة. وحمل فى يومه إلى المنصورة ودفن بها. ومن نظمه:
أريد منك الآن يا سيدى
…
ثوبا مليحا ناصعا فى البياض
نعبدك الآن غدا عاريا
…
من كل شئ فاقض ما أنت قاض
وقوله:
يا شمس دين الله أنت مصدق
…
فيما تقول وإن غيرك يكذب
أو ما علمت بأن قطية أهلها
…
سفهاء ما فيهم رئيس يصحب
ترجمة الشيخ محمد بن محمد بن خلف
ومنها أيضا: محمد بن محمد بن خلف بن كميل بالتصغير، ابن عوض ابن رشيد بالتكبير بن على الجلال أبو البقاء الكمال الشافعى المنصورى. والد الصلاح محمد، ويعرف بان كميل.
ولد قبل الثمانمائة بيسير بالمنصورة، ونشأ بها فقرأ القرآن عند النور الطبيى وحفظ المنهاج والألفية. وأخذ عن الولى العراقى والبيجورى وغيرهما.
ولازم الشمس البوصيرى كثيرا فى الفقه والعربية.
وقطن القاهرة فى أوقات متفرقة، وولى قضاء بلده وكذا دمياط والمحلة.
وحدّث بالكثير. وكان تام العقل، متواضعا، ذا دهاء وخبرة واستمالة لرؤساء وقته بالهدايا وغيرها. بحيث تقال عثراته، وتستر زلاته، وينقطع أخصامه عن مقاومته. حتى أن قريبه البدر بن كميل كان يكثر السعى عليه ويتوسل عند الجمالى ناظر الخاص بقصائد يمتدحه بها. ومع ذلك فلا يتحول عن المترجم.
مات فى سنة ثمان وستين وثمانمائة. رحمه الله وإيانا. انتهى.
ترجمة الشيخ رمضان المنصورى
ونشأ منها كما فى الجبرتى: الأديب الماهر الشيخ رمضان بن محمد المنصورى الأحمدى الشهير بالحمامى سبط آل الباز.
ولد بالمنصورة وقرأ المتون على مشايخ بلده وانزوى إلى شيخ الأدب محمد المنصورى الشاعر، فرقّاه فى الشعر وهذبه وبه تخرج.
وورد إلى مصر مرارا، وسمعنا من قصائده وكلامه الكثير. وله قصائد سنية فى المدائح الأحمدية تنشد فى الجموع. وبينه وبين الأديب قاسم وعبد القادر المدنى مداعبات.
وأخبر أنه ورد الحرمين ومدح كلا من الشريف والوزير وأكابر الأعيان بقصائد طنانة. وكان ينشد منها جملة مستكثرة تدل على طول باعه فى الفصاحة.
ولم يزل فقيرا حتى تزوج فى آخر عمره بامرأة موسرة بمصر، وتوجه بها إلى مكة فأتاه الحمام وهو فى ثغر جدة فى سنة إحدى وتسعين ومائة وألف.
ومن أثاره تعجيز وتصدير البيتين المشهورين وهما:
إن ألطاف إلهى
…
عند كربى المتناهى
هى كانت نعم جاهى
…
إذا ما صرت ساهى
لى قالت: خل عنك
…
لا تدبر لك أمرا
تلق بعد العسر يسرا
…
وارقب الألطاف صبرا
حيث قالت لك جهرا:
…
أنا أولى بك منك
انتهى.
(المنصورة)
أيضا قرية صغيرة من مديرية بنى سويف، بقسم الزاوية على الشط الشرقى لترعة المجنونة. وفى جنوب قرية الحمام بنحو خمسين مترا. وفى شمال اللاهون بنحو ثلاثة آلاف وسبعمائة وخمسين مترا.
وبها مسجد وقليل نخيل وأشجار.
(المنصورة)
أيضا قرية من أعمال المنية، واقعة فى جنوب المنية بنحو سبعمائة متر.
وفى شمال ماقوسة بنحو ألف متر. وهى نزلتان بينهما فاصل صغير.
وأبنيتهما بالآجر واللبن. وبإحداها جامع، وفى غربيها وشمالها حديقتان، وبدائرها نخيل وأشجار.
(المنصورية)
قرية من مديرية الجيزة بقسم أول، موضوعة فى شمال الرمال المحصورة بين الجبل الغربى والمزارع بالقرب من حاجز الجبل الغربى. وفى غربى ناحية بهرمس بنحو ألفين ومائتين وخمسين مترا. وفى الشمال الغربى لناحية وسيم بنحو ألفين وثمانمائة متر.
وبها زاوية للصلاة ويزرع فى أرضها البطيخ/والشمام بكثرة.
وفى الجبرتى: أن هذه القرية نهبت فى سنة إحدى وعشرين ومائتين وألف، قال: بينما كانت الحرب قائمة بين الألفى وعساكر العزيز محمد على.
إذ ركب حسن أغا الشماشرجى الى هذه القرية بطائفة، فضربها ونهب منها أغناما ومواشى، وأحضرها إلى العرضى بناحية إنبابة وحضر أصحاب الأغنام خلفها، وفيهم نساء يصحن ويصرخن. فصادف ذلك أن السيد عمر أفندى عدّى الى العرضى فرآهم على هذه الحالة، فتكلم مع الباشا فى شأنهم. فأمر برد الأغنام التى للنساء والفقراء دون غيرها. انتهى.
(منطاي)
قرية من مديرية القليوبية بمركز قليوب، واقعة شرقى ترعة الشرقاوية على بعد ثلاثمائة متر. وفى الشمال الشرقى لشبرا الخيمة بنحو أربعة آلاف متر.
وفى جنوب ناحية قليوب بنحو خمسة آلاف متر.
وبها جامع بمنارة، وفى جهتها الغربية جنينة ذات فواكه. ويزرع فيها الخضر والبرسيم، ويباع فى القاهرة، وتكسب أهلها من ذلك ومن الزرع المعتاد.
(منفلوط)
مدينة بالصعيد الأوسط، واقعة على الشط الغربى للنيل فى شمال أسيوط بنحو نصف مرحلة. وفى جنوب ملوى بأكثر من نصف مرحلة.
مكتبة الأسرة-2008
وفى كتب الفرنساوية: أنها كانت قديمة، تسمى منبالوط وهى كلمة قبطية معناها: محط الفراء أى الحمر الوحشية.
وأنها كانت ذات أبنية فاخرة عظيمة العمد. وكان بها هيكل عظيم بقرب النيل. قالوا: وتلالها مع آثار هيكلها باقية إلى الآن. وطالما استخرج الناس منها رصاصا شخوصا من الذهب والفضة، على أحد وجهيها صور بعض الملوك، وعلى الآخر خطوط هيروجليفية.
وفى بعض التواريخ أنها كانت فى زمن المماليك رأس مديرية. وقال أبو الفداء: أن منفلوط مدينة صغيرة من الأقاليم الوسطى فى غربى النيل بالقرب منه، وبها جامع.
وقال ابن جبير فى رحلته فى آخر القرن السادس: أن منفلوط كانت يومئذ ذات أسواق فيها سائر ما يحتاج إليه. وفى نهاية من الطيب ليس فى الصعيد مثلها. وقمحها يجلب إلى مصر لطيبه ورزانة حبه قد اشتهر عندهم بذلك، فالتجار يصعدون فى المراكب لاستجلابه.
وقبل الوصول إليها فى بحريها جبل يعرف بجبل المقلة بالشط الشرقى من النيل مباشرا للصاعد فيه. وهو نصف الطريق إلى قوص. من مصر إليه ثلاث عشر بريدا ومنه الى قوص مثلها. انتهى.
والظاهر أنه هو الجبل المعروف الأن بجبل أبى فودة وهو مستطيل محدودب على النيل يحصل منه للمراكب الهول ولا يمرون تحته ليلا.
وقال الخليل الظاهرى: أن هذه المدينة كانت تصنع فيها النيدة وهى طعام كالخبيصة يتخذ من القمح. انتهى.
وقد تكلمنا على النيدة عند ذكر منشأة أخميم.
وفى كتب الفرنساوية أيضا: أنها كانت مركزا للتجارة السودانية التى تجلبها القوافل الواردة من دار فور ونحوها، فتنزل على بنى عدى، فيبيعون كثيرا
من أشيائهم. وكان الناس يتلقونهم هناك، ثم ينقلون البقية إلى هذه المدينة ومدينة أسيوط، ولما تغيرت طريق القوافل عن تلك الجهة قلت المتاجر من هذه المدينة فلا يصل إليها منها إلا ما يشتريه أهل البلد فيما يخصهم.
ويقال: إن التمساح كان يظهر عندها فيرى قبيل الظهر فى جزائر الرمل التى فى وسط البحر. وربما اجتمع بها خمسة تماسيح أو ستة. وعادة التمساح أن لا يبعد عن النيل وضرره فى البر قليل وكذا فى الماء الغزير، لأن ذنبه الذى يضرب به يستعمله فى العوم. وإنما قوة أذاه وثورته تكون حال قربه من البر وفى الماء القليل. انتهى.
وقد تكلمنا على التمساح عند الكلام على أدفو.
وأخبرنى الثقة الثبت الفاضل العلامة السيد على أبو النصر أشهر علمائها:
أن منفلوط كانت على عدة كفور صغار متقاربة جدا، مسكونة بالأقباط وفى وسطها دير قديم كان يعرف بدير الغرباء، فوضع المسلمون أيديهم عليه وبنوه مسجدا عظيما جدا يشتمل على نحو ثمانين عمودا. واشتهر بالجامع الكبير.
واستمر عامرا مقام الشعائر إلى سنة ثمان وستين ومائتين وألف.
وكان به ضريح يقال له: ضريح الشيخ محمد، وبجواره ضريح الشيخ سراج الدين، والقاضى مواهب وأولاده الأربعة، ويقال: إن القاضى مواهب هذا كان من العلماء العاملين المتصدرين للتدريس، وكان يفتى على المذاهب الأربعة، وقد جعل أولاده كل واحد فى مذهب من الأربعة.
ثم لما كثر المسلمون فيها كثر بناء الدور والمساجد والزوايا والوكائل والحوانيت والأسواق، واتصلت الكفور بعضها ببعض، وتغيرت أوضاعها وشوارعها من حالة القرى إلى حالة المدن. وكان فى وسط إحدى وكائلها مسجد جامع.
وفى القرن السابع بنى فى وسطها حمام كبير يشتمل على ثلاثة مغاطس وثلاث حنفيات وثلاثة حيضان، وفرش بالرخام المنقوش فى أحسن منظر.
واستمر مستعملا حتى أكله النيل فى سنة اثنتين وخمسين ومائتين ألف.
وكان بينها وبين البحر مقبرة عظيمة تشتمل على مساجد وعدة أضرحة.
وكان حواليها عدة جنائن وبساتين جارية فى ملك أعيانها إذ كانوا من أرباب الثروة والالتزام، فمنهم/من كان له بلد، ومنهم من كان له بلدان فأكثر.
ويقال: أنهم كانوا لفراغهم وجدتهم منكبين على لعب الشطرنج ليلا وينامون نهارا، وأنه كان فيها اثنا عشر تختا للشطرنج كل ليلة فى البيوت المعتادة للسهر واجتماع الناس.
وقد عظم أمرها جدا حتى كانت فى ولاية الغز أشهر ولاية، يتبعها تسع وتسعون قرية، قضاتها وخطباؤها نواب عن قاضى ولايتها المقيم بها. وصارت محكمتها مأذونة بتحرير الحجج وسماع الدعاوى فيما عدا عقد بيع الأطيان، وأمر اليتيم والغائب والأوقاف. ومثلها محاكم مديريتها غير محكمة مركز المدير، فإنها تحكم فى جميع ذلك وتسمع دعاوى القتل أيضا. ولكن عقد بيع الأطيان لا يكون إلا أمام المدير أو وكيله على حسب المنشور الصادر.
وفى المديرية ثلاث عشرة محكمة، هذه والمحكمة الكبري بسيوط، ومحكمة سنبو، والأشمونين، وأبى تيج، ونيابة دروط الشريف، ومحكمة ملوى، ودوير عائد، وساحل سيلين، والواسطة، والمعصرة، والواحات الداخلة، والواحات الخارجة.
ثم أن منفلوط فى سنة ثلاثين ومائتين وألف أخذ البحر فى التسلط على جهتها الشرقية. فكان كل عام يزيل منها جزء حتى أزال معظمها. وكانت بساتينها ودورها الكبيرة ومساجدها العظيمة فى هذه الجهة يأكلها. واستمر تسلطه عليها الى سنة ثمانين، ثم تحول عنها شيئا فشيئا. وتجددت هناك
جزيزة تزداد فى كل عام حتى بلغت الآن نحو خمسمائة فدان صالحة للزرع استحق ثلثيها أهل قرية الخواتكة الواقعة فى قبلى منفلوط بنحو ساعة. وثلثها لأهل قرية جمريس وهى قرية صغيرة فى جنوب منفلوط بنحو خمس دقائق.
وسبب اختصاص القريتين بها دون أهل منفلوط اتصالها بجزيرتهما القديمة المنقسمة بينهما أثلاثا كما هو مقتضى الأصول الجارى عليها العمل فى جزائر صعيد مصر.
وفى أثناء مدة الخمسين سنة التى تسلط فيها النيل عليها أخذ أهلها فى تجديد أبنية بدلا عما ضاع منهم على حسب الضرورى. فجددوا فى جهتها الغربية بساتين ومساكن ومساجد وزوايا لا تساوى ما ضاع منهم بل لا تقاربه.
وقد بنوا فى وسطها مسجدا بدلا عن المسجد الذى كان قبله فى وسطها فأكله البحر ثانيا وتعدد ذلك.
وهى الآن رأس قسم من مديرية سيوط تشتمل على ما ينيف عن عشرة آلاف نفس، وأكثرهم مسلمون. وبها سبعة مساجد جامعة، ونحو عشر زوايا، وكنيسة للنصارى، وجملة أضرحة، وست وكائل ونحو مائتى حانوت، وعصارتان لقصب السكر، ومعصرة للزيت. ونحو الخمسين طاحونا تديرها البهائم، ووابور للطحين وثلاثة مخابز، ومعمل فراريج.
وبجوارها من الجهة الغربية محطة للسكة الحديد فى أحسن وضع. وزمام أطيانها أربعة ألاف وخمسمائة فدان تقريبا. ويعمل بها كل سنة عدة موالد لأصحاب الأضرحة التى بها.
ومن عوائدها القديمة الجارية بها إلي الان: تنظيم موكب للمحمل فى يوم عيد الفطر بعد صلاة العيد، يطوفون به فى شوارع البلد وحواليها. وتتقدمه أرباب الأشاير بأعلامهم وراياتهم، ذاكرين مهللين مكبرين يقرأون الصلوات والتوسلات، وخلفهم الأشراف يمشون أمام المحمل وفى أيديهم الجريد
الأخضر. وخلف الجمل الذى عليه المحمل عدة جمال مزينة بريش النعام الأسود بأعناقهم أجراس النحاس يركبها أطفال وشبان متجملون بأحسن ملابسهم.
والمسموع فى أصل هذه العادة أنه فى الأزمان الماضية كان كل من عزم على الحج من أهالى الولاية المنفلوطية يأتى فى أواخر شهر رمضان بجماله وخيامه ولوازمه إلى منفلوط فيجتمعون خارجها ويقيمون حتى يحضروا صلاة العيد. وفى موكب المحمل يقطرون جمالهم خلفه مزينة بالفوط الزردخان وما أشبه ذلك. ثم يعودون إلى خيامهم ويمكثون مدة العيد ثم يرتحلون من هناك إلى الحج الشريف بطريق البر مع المحمل المصرى.
ومن خصائص حجاج الولاية المنفلوطية أن يقطروا جمالهم خلف جمال الصرة بلا فاصل ذهابا وإيابا، وهذه عادة مستمرة إلى الآن. ولم تزل منفلوط بها العلماء والأشراف والوجوه.
ومن البيوت الشهيرة بها إلى الآن بيت جمال الدين وهو بيت تأثل مجده بها، كان جمال الدين تاجرا مشهورا ثم نشأ ولده علىّ كاشف جمال الدين فى العقد السابع من القرن الحادى عشر. واشتهر وتقدم وحسنت سيرته وسارع إلى الخيرات فبنى عدة مساجد أشهرها:
مسجده بمنفلوط المجاور لداره ولمدفنه. ونظيره مسجد الأستاذ الفرغل بأبى تيج بلدة قبلى سيوط بأكثر من ثلاث ساعات. ومنها:
مسجد فى بنى عدى أحرقه الفرنسيس سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف.
وأعاد بناءه ابنه أحمد كاشف جمال الدين. فإنه أعقب ثلاثة بنين وهم: صالح كاشف، ودرويش كاشف، وأحمد كاشف. وهو أصغرهم عاش إلى سنة إحدى وخمسين ومائتين وألف. وخلف ثلاث أولاد أكبرهم حسنين كاشف، ويليه محمد كاشف وأصغرهم أيوب كاشف. وقد مات محمد كاشف ثالث ربيع
الآخر سنة ثمان وستين، وخلف ولده صالحا جمال الدين الموجود إلى الآن.
ثم مات حسين كاشف/فى ثامن القعدة سنة أربع وسبعين ولم يعقب ذكورا.
وأما أيوب كاشف فإنه تشرف بالرتبة الثانية من إحسانات المرحوم محمد سعيد باشا والى مصر سابقا حين شرف مدينة منفلوط وتناول الطعام عنده. ثم استخدم فى ولاية ولى النعم الخديوى إسماعيل باشا بوظيفة رئيس مجلس أسيوط تارة ومديرها تارة أخرى. ومدير المنيا ومدير جرجا ثم عاد إلى رياسة مجلس أسيوط وهو به الآن.
وله بها آثار كثيرة من خانات وحوانيت ووكائل وبساتين متسعة، فيها الرمان الطائفى وغيره من أشجار الفواكه والنخيل.
ومن بيوتها الشهيرة أيضا: بيت الشيخ أحمد ابن المرحوم الشيخ أبى بكر ابن غلبون المغربى، كان من أفراد العلماء العاملين، وابنه الموجود الآن كذلك.
وبيت نقيب الأشراف السيد أحمد ابن المرحوم السيد حسن ابن السيد محمد لطفى جميعهم كانوا نقباء الأشراف بها. وهم من العلماء الأزهرية.
ومنهم: الآن السيد أحمد لطفى قاضى الولاية ونقيب أشرافها.
وبيت السيد حسن محمد الطرزى سر تجار منفلوط الآن، ووالده كان من أعيان تجارها. وقد فاق أسلافه فى الثروة، وجدد فى عهد قريب وكالة كبيرة ودورا كثيرة. واشتغل منذ سبع سنين بالزراعة مع اشتغاله بالتجارة. وفيها من أواسط الناس التجار والزراعيين خلق كثير.
ومن أشهر بيوتها بيت الشريف السيد على أبى النصر وسيأتى ترجمته.
ثم إن العادة أن العرب يسكنون كثيرا فى جهة منفلوط بالجبل الغربى والشرقى ويترددون إلى سوقها وسوق مدينة أسيوط وغيرها من تلك البلاد، يشترون ويبيعون، وقبل أن تستولى العائلة المحمدية على مصر كانوا يتغلبون
على الأهالى ويتعدون على أنفسهم وأموالهم كما هى عادة العرب فى كل جهة إذا وجدوا إلى الإفساد سبيلا.
فمن ذلك ما حكاه العالم كترمير نقلا عن كتاب السلوك للمقريزى: أن عرب الجهات القبلية زاد تعديهم وإفسادهم فى البلاد فى سنة إحدى وسبعمائة، حتى حصل منهم فى مدينة منفلوط وأسيوط فرض فريضة على البياعين وأرباب الصنائع والحرف، واحتقروا الحكام وعطلوهم عن جمع الأموال وجعلوا منهم رئيسين سموا واحد بيبرس والآخر سلارا. وجعلوا من تحت الرئيسين أمراء، ولبسوا السلاح على هيئة العساكر، وأطلقوا المسجونين.
فاجتمعت أمراء الدواوين بمصر المحروسة، وأحضروا القضاة والعلماء وعقدوا المشورة فى محاربة العرب. فاتفق رأيهم على محاربتهم وعلى محاصرتهم فى مساكنهم، وقفل الطرق عليهم بحيث لا يتمكنون من الجبال والصحارى. وصدر الأمر إلى حاكم الجيزة ناصر الدين محمد بن الشيخ بقطع طريق الصعيد برا وبحرا.
وقد أشاع الأمراء والعساكر أنهم متوجهون إلى الشام، وفرقوا بذلك أوراقا.
وكانوا عشرين أميرا بعساكرهم منقسمين إلى أربع فرق: فرقة تسير فى البر الغربى، وأخرى فى الشرقى، والثالثة تركب النيل، والرابعة فى الطريق المعتاد. وكان الأمر بينهم جميعا قتل من عثروا به، ولا يوقرون شيخا ولا يرحمون صغيرا، مع التحفظ على أموالهم.
وأخذ الأمير شمس الدين سنقر الأعسر طريق الواحات، ومعه خمسة من الأمراء. وأخذ الأمير سلار طريق الغرب. ومن أمرائه الأمير بيبرس تبع طريق الحاجر. والأمير بكتاش أمير سلاح تبع طريق الفيوم. وأخذ الأمير بكتمر الجوكندار بعسكره طريق البر الشرقى وقنال السبع. والأمير بيبرس الدوادار مع عرب الشرقية تبعوا طريق السويس والطور. والأمير كنجق سار إلى عقبة السيل.
والأمير سقطبا حاكم قوص مع عرب عمله زحف بمن معه إلى جهة بحرى، وقطع طريق الصحارى.
ولم يستشعر العرب العاصون بشئ من ذلك. فهجمت العساكر عليهم على حين غفلة وأوقعوا بهم. وأول من أوقعوا به عرب الجيزة وشرق أطفيح، فبلغ من وسّطوهم، أى قطعوا أوساطهم بالسيوف ست عشرة ألف نفس. وأخذوا أموالهم وأسروا نسائهم. وكانوا إذا أمسكوا شخصا وادعى أنه حضرى يقولون له: قل دقيق، ليختبروا بذلك صدقه. فإن تبين أنه حضرى تركوه وإلا قتلوه.
وتبدد شمل العرب وأخذوا من حيث لا يشعرون من الجيزة إلى قوص. وأنتن الجو من رممهم. وكثير منهم اختفى فى المغارات فأوقدت على أبوابها النيران حتى ماتوا. وقبض منهم على ألف وستمائة نفس من أصحاب الأطيان والأملاك. وتقاسمت العساكر كثيرا من أموالهم.
والذى صار تسليمه إلى الحكومة من الغنم ستة عشر ألفا، من ضمن أربعة وعشرين ألفا. ومن الخيل أربعة آلاف حصان، ومن الأبل اثنان وثلاثون ألفا. ومن البقر ثمانية ألاف ثور، ومن السلاح مائتا حمل بعير، ومن النقود مائتان وثمانون حمل بغلة، غير ما اقتسمه العسكر من المواشى والنقود والخدم وغير ذلك. وصار الكبش يباع بدرهمين، والمعزى بدرهم، وجزة الصوف بنصف درهم، والرطل السمن بربع درهم، وأما الحب فلم يكن له مشتر. ولم يبق فى البلاد غير النساء والأطفال. ورجع العساكر فى سادس عشر/رجب من هذه السنة.
ومن حوادث هذه المدينة أيضا كما فى نزهة الناظرين: أنه قتل بها فى وقت واحد نحو ستين نفسا من المغاربة الذين نزلوا بها فى طريق سفرهم إلى الحج الشريف. وذلك أنه كان بها أمير اللواء محمد بيك حاكم دجرجا فى زمن الوزير غازى محمد باشا بن شاسوار المتولى وزارة مصر فى عشرين ذى القعدة سنة سبع وستين بعد الألف. فحضرت أوامر شريفة فى يوم الاثنين رابع جمادى الأولى سنة تسع وستين بعد الألف من حضرة السلطان محمد خان ومعها خلعتان، إحداهما لمحمد بيك المذكور بتوليته باشوية الحبشة،
والأخرى لأمير اللواء أحمد بيك سردار الحبشة سابقا ودفتر دار مصر حاليا بتوليته حكومة دجرجا. فأحضر حضرة الوزير الصناجق والأمراء وأغوات البلكات، ومن كل بلك جماعة من الأعيان وخدمة الديوان. وقرأ عليهم الأوامر السلطانية. وأحضر أحمد بيك ليخلع عليه خلعة حكومة دجرجا، فتوقف فى قبولها فخلع عليه جبرا. ثم عين يوسف أغاة الجمالية متسلما لأقطار دجرجا بالوكالة عن أحمد بيك. وألبسه خلعة وعين معه سبعين من كل ذلك من السبعة عشر رجلا. فتوجه يوسف أغا إلى دجرجا من طريق البر.
وكان الوزير قد أرسل كلا من على كتخدا، وحسين إلى محمد بيك بمدينة منفلوط لتسليمه خلعة باشوية الحبشة. فامتنع من قبولها وقبول الأوامر السلطانية، وكذا لما وصل يوسف أغا بمن معه من العسكر إلى منية ابن خصيب، أرسل لمحمد بيك يخبره أنه تسلم حكومة دجرجا، وأنه هو متوجه إلى الحبشة فلم يقبل ومنع منعا كليا، فجلس يوسف أغا بالمنية وأعرض للوزير بالحاصل وأن الطريق مقطوعة من العرب ومن عصبة محمد بيك، فجمع الوزير الصناجق، وأمراء الجراكسة، وأغوات البلكات، وقاضى العسكر أحمد أفندى ونقيب الأشراف برهان أفندى، وحضرة شيخ الإسلام مفتى السلطنة الشيخ محمد البكرى الصديقى، وقرأ عليهم العرض واستشهد بمن جاءوا به على امتناع محمد بيك من قبول الأوامر الشريفة وإظهار العصيان. فأفتى حضرة قاضى العسكر وحضرة نقيب الأشراف بأنه صار من البغاة وتجب مقاتلته.
وأما شيخ الإسلام فقال صاحب قلائد العقيان: إن الوزير غازى باشا كتب سؤلا فى شأن قتل الأمير محمد بيك، وقدمه لشيخ الإسلام الأستاذ الشيخ محمد البكرى ليكتب عليه بجواز قتله. فأجاب البكرى بعدم الجواز، وقال:
تلك دماء طهر الله منها سيوفنا فلا ننجس بها ألسنتنا، أنا لا أكتب بقتل مسلم.
فانقبض خاطر الوزير من الأستاذ. فاستفتى جماعة فأفتوه بجواز قتله. انتهى.
فعند ذلك صمم رأى الوزير على محاربته بنفسه. وأخرج شاليش حربه الى قرا ميدان، وتجهز معه عشرة من الصناجق. وخرج الجميع بعساكرهم إلى
ناحية البساتين ثم عين الوزير البيرولضيات (أى الأوامر) بطلب العساكر من باب أغواتها للسفر معه. فمن المتفرقة جميع الديوانية مع باشمتفرقة وخمسمائة من غير الديوانية ومن الجاويشية مائتان وسبعون، ومن الأسباهية مائة وخمسون من الإنكشارية سبعمائة، وسردارهم حسين كتخدا سابقا، وأربعة عشر جربجيا واليمق، ومن العزب ثلاثمائة نفر مع أغاتهم.
ثم أرسل بيرولضيا بتجهيز ثلاثين مدفعا من باب أغاة الينكشارية مع باش الطبجية ومع شربجيهم ونفرهم وعربجى باشا مع نفر ينزلون بالمراكب المسافرة بالعسكر من بولاق. وأن عشرين مركبا منها تجهز بالعجل لتتوجه صحبة الوزير فى البر والعشرة من جانب البحر. وأن الينكشارية والعزب يسافرون فى البحر محاذاة الوزير.
ثم أرسل أيضا بيرولضيا إلى أغاة الرسالة ببولاق بتجهيز المراكب للعساكر المسافرة ولعازق الوزير، ولعازق الصناجق، والعساكر (أى ميرتهم وكلفهم).
وعين من أمراء الجراكسة خمسة وعشرين من الأغوات الطواشية كذلك.
ثم نزل الوزير من القلعة من باب قراميدان إلى ناحية البساتين، فكان أمام الموكب عشرون مدفعا على العجل، وطائفة الطوبجية، وطوبجى باشا، والعربجية، وعربجى باشا، وخزنة البارود. ثم يلى ذلك الأمير أزبك بيك ابن الأمير رضوان بيك أبى الشوارب، وبجانبه الأمير لاجين بيك. والنوبات خلفهما ثم بينهما طائفة الجاويشية مع سردارهم. ثم يليهم طائفة الثلاث بلكات الأسباهية ثم أغواتهم والنقاقير خلفهم. ثم بعض الأمناء من الملتزمين، وكتبة الديوان، وكاتب المتفرقة، وأعيان بلكهم. ثم يليهم بعض الأغوات الطواشية. ثم يليهم الأمير يوسف بيك تابع حسن بيك صهر النقيب، وبجانبه عوض بيك، والنوبات خلفهما. ثم يليهم محمد بيك النوالى وبجانبه سفطه أحمد بيك، والنوبات خلفهما. ثم يليهم حسن بيك أمير وبجانبه ترك على بيك
والنوبات خلفهما. ثم يليهم قيطاس بيك أمير الحاج الشريف، وبجانبه مصطفى بيك كاشف الغربية سابقا، والنوبات خلفهما. ثم يليهم السادات والأشراف الركبان ثم المشاة ثم نقيب الأشراف حضرة برهان أفندى، وبجانبه حضرة قاضى عسكر مصر وبصحبتهم البيرق الذى هو علم/الحاج الشريف. ثم يليهم بعض فقهاء متجاورين يتلون القرآن الشريف. ثم يليهم طائفة المتفرقة الديوانية، ثم يليهم طائفة الجاوشية النوبتجية. ثم طائفة وزير مصر الدلاة بالبيارق، ثم أغواتهم جميعا، ثم يليهم طائفة الجبجبية بأغواتهم، ثم طائفة جبجبية العزب المعينين للسفر، ثم نفرهم المشاة، ثم أغاتهم إبراهيم أغا الذى كان كتخدا الينكجرية سابقا، ثم طائفة جربجية الينكجرية المعينين للسفر، ثم المشاة ثم كتخدا الينكجرية وهو حسين كتخدا وبجانبه الكاتب الكبير وخلفهما الكاتب الصغير.
ثم يليهم حسين كتخدا الينكجرية سابقا الذى هو سردار الطائفة المسافرة مع الوزير، ثم الجاويشية البلك ثم باش جاويش وبيت مال الينكجرية وهو محرم جاويش وكتخدا الجاويشية الأمير محمد بن المزنى والترجمان قانصوه جلبى بينهم على جارى العادة.
وجلس الوزير بالبساتين من يوم الاثنين إلى يوم الخميس حتى تكاملت طائفة العساكر، والأغوات، والطواشية، ثم عدى إلى إقليم الجيزة وأقام بناحية أم خنان. وفى يوم السبت سابع عشر الشهر ارتحل منها إلى ناحية المنية فوصلها يوم السبت رابع عشر الشهر. وقد بلغه فى طريقه أن محمد بيك وجه كتخداه قانصوه بثلاثمائة إلى ناحية سمالوط لينهبوا شون غلالها، وأن أهالى سمالوط مع ما جاورها من البلاد منعوهم وردوهم من غير أن يبلغوا مرادهم.
فعين الوزير بعض أمرائه بفرقة من العسكر إلى منفلوط فتقابلوا فى الطريق مع قانصوه فحاربوه وقتلوا من معه، وفرّ هو إلى سيده محمد بيك وقص عليه الخبر، فحينئذ سقط فى يده وأيقن بزوال نعمته ونوى الفرار.
وكان بمنفلوط نحو الستين نفرا من المغاربة قاصدين الحج فى هذه السنة فطلب جمالهم لحمل أثقاله، فأبوا أن يسلموها له فقتلهم عن آخرهم وقتل من بسجنه أيضا. فيقال: إنه قتل فى تلك الساعة نحو مائة وخمسين نفسا، وأخذ ما يحتاج إليه وفر إلى الواحات. فأرسل العساكر إلى الوزير مكتوبا أخبروه بذلك فبعث خلفه بعثا للقبض عليه، وتوجه إلى منفلوط فقبض على من كان بها من جماعة محمد بيك.
وفى يوم الخميس خامس عشر جمادى الآخرة وردت البشائر إلى الوزير بالقبض على محمد بيك بناحية القصر من بلاد الواحات. وأخبره الآتى بالبشارة وهو خليل كتخدا: بأنه لما تقابل مع العساكر الذين بعثوا خلفه تقاتل معهم فقتل غالب جماعته ومنهم قانصوه كتخدا وجملة من كشافه وأعيان جماعته. ولما لم يجد بدا من تسليم نفسه طلب الأمان، فقبضوا عليه ووضعوا فى رقبته زنجيرا وجزوا رءوس الأعيان السبعة عشر ثم جاءوا بها إلى الوزير بمنفلوط.
ويقال: إن الوزير أنعم على خليل كتخدا لما بشره بخمسين عثمانيا، وخلع عليه وعلى من معه وكتب إلى قائم مقام مصر أن يشهر النداء بالأمان، وإعلان القبض على محمد بيك.
وفى يوم الأربعاء ثالث رجب حضر غطاس بيك ومن معه من العساكر بمحمد بيك مكبلا فى حديده إلى ناحية ملوى، وكان الوزير ارتحل إليها.
وفى ليلة الخميس رابع الشهر خنق محمد بيك فى السجن وجزت رأسه وسلخت، ثم قام الوزير بعساكر ومعهم رأس محمد بيك وباقى رءوس القتلى، وجاءوا بها إلى مصر. وانحل سعر الغلال، وكان سبب غلائها هذه المفسدة.
انتهى.
وقال صاحب قلائد العقيان العلامة الشيخ إبراهيم بن عامر العبيدى المالكى سبط آل الحسين رضي الله عنهم: أن محمد بيك المذكور كان
صاحب نعمة وافرة، وحرمة زائدة، وصولة قوية، ومحبة فى العلماء والصلحاء، وفاق أستاذه على بيك فى العطايا وبذل الطعام للخاص والعام فحسده أقرانه وأوقعوا الفتنة بينه وبين الوزير غازى باشا. وكان لهذا الباشا بطانة غير عاقلة ولا ناصحة ولا صالحة، فأشعلوا نار العداوة، وتغالوا فى إشعالها حتى حصل ما سمعته.
ثم قال فى القلائد أيضا: أن الوزير غازى باشا قد حبسه السلطان بقلعة الجبل مدة ثم قتله. وقبل قتله وهو مسجون أرسل تذكرة بخطه بالتركى للشيخ البكرى عربها حسن أفندى عجم زاده فإذا مضمونها:
سألتك بالله وبالنبى صلى الله عليه وسلم وبجدك الصديق إلا ما عفوت عنى فإن عدم تقيدنا لخدمتكم، أوجب هذا. ونرجو ببركة دعائكم أننا نخلص من هذه الشدة ونتقيد بمصالحكم. قال: ولما دخل عليه الأمير محمد المقرقع وهو محبوس ومعه الخط الشريف بقتله. قال له: يا مولانا الوزير تهيأ فهذا أمر السلطان. فقال له الوزير: هذا أمر الله، وتوضأ وصلى ركعتين، وخنق ودفنوه بجوار السادة البكرية والإمام الشافعى.
ووجدوا فى مكتوب الوزير غازى رحمه الله أبياتا حسب الناس أنها له، وخمّست كثيرا، وأجل من خمسها شيخ الإسلام أستاذ عصره شيخنا الأستاذ محمد زين العابدين البكرى الصديقى وهذا تخميسه:
صبرت على البلايا كل جهدى
…
وقلت عسى جميل الصبر يجدى
فخان مودتى صحبى وجندى
…
وما أشكو تلون أهل ودى
ولو أجدت شكيتهم شكوت
…
/وكم نقل الوشاة إلى عنهم
أحاديثا لهم منها أصنهم
…
أيا قلبى كفى هذا ودعهم
مللت عتابهم، وأيست منهم
فما أرجوهمو فيما رجوت
…
وكم ركبوا على الخيل العوادى
وطافوا فى البلاد مع الأعادى
…
وكم خانوا وصدوا عن ودادى
ولو أدمت مقارضهم فؤادى
…
صبرت على أذاهم وانطويت
وإن راموا الجفا ظلما وغيا
…
ولم يبدوا بشاشتهم إليّا
لقربهم طويت الأرض طيا
…
ورحت إليهم طلق المحيا
كأنى ما سمعت ولا رأيت
…
مظالم مصر زادت دمرتها
وتوليتى لها ما أحدثتها
…
لأن الناس لما أبصرتها
تجنوا لى ذنوب ماجنتها
…
يداى ولا أمرت ولا نهيت
ولا حاولت مذ وليت مكرا
…
ورب العالمين بذاك أدرى
وقد نسبوا إلى الغدر قهرا
…
ولا والله ما أضمرت غدرا
كما قد أظهروه ولا نويت
…
فإن كانوا لنقض العهد جدوا
وقد راموا تلافى واستعدوا
…
فما لقضاء مولى الخلق ردّ
ويم الحشر موعدنا وتبدو
…
صحيفة ما جنوه وما جنيت
همو قد أظهروا للناس شينى
…
وما قرت بهم فى الدهر عينى
وقد مالوا إلى زور ومين
…
سيحكم بينهم ربى وبينى
فويل للخصوم إذا التقيت
…
فيا ربى بألطاف تجازى
لمن يرجو الخلاص مع النجاز
…
فليس من الردى يغنى احترازى
فإنى عبدك المضطر غازى
…
فجد لى بالسماح وإن عصيت
انتهى
وفى نزهة الناظرين أيضا: أن الأمير عبد الله وافى شيخ عرب المغاربة قتل بهذه المدينة أيضا. وسبب قتله أنه كان قد قتل من أشرافها السيد محمد، ولم يقدر الأشراف على أخذ ثأره ثم التزم بناحية التيتلية، واصطلح مع السيد هدية أخى السيد محمد المقتول، وشاركه فى التزام التيتلية وغيرها من بلاد التزامه. ثم طلب أن يزوج بنت السيد المقتول لابنه حمد، فقال له السيد هدية: حتى أستأذن عمها فارسا وبنى عمها الأشراف. ثم جمع السيد هدية الأشراف وشاورهم، فقالوا: لا سبيل إلى ذلك، ولو علمنا أنّا نقتل عن آخرنا.
ولا يمكن أن نزوج شريفة علوية لرجل أعرابى، لا نعرف له نسبا خصوصا وقد قتل أباها. فقال لهم السيد هدية: حيث أبيتم مصاهرته فتعاهدوا جميعا على الموت، ففعلوا. والتزم لهم السيد الشريف فارس أن يقتله غيلة، ثم اتفق أن عبد الله المذكور أتى إلى منزل فارس بمنفلوط ومعه أخوه عمران وابن عمه همام أبو شنشانة وابنه حمد، وآخر يسمى زغلول من عرب المنوفية. فاغتالهم فارس وقتلهم جميعا عن آخرهم.
وذلك فى أواخر السنة الخامسة بعد المائة والألف من الهجرة، واستحوذ الباشا على جميع مخلفات الأمير عبد الله بن وافى. انتهى
ترجمة عثمان بيك البرديسى
وفى الجبرتى: أن الأمير عثمان بيك البرديسى المرادى مات بمنفلوط، ودفن فيها سنة إحدى وعشرين ومائتين وألف. قال: وسمى بالبرديسى لإنه كان متولى كشوفية برديس ببلاط الصعيد، فنسب إليها وعرف بتلك النسبة واشتهر بها. تقلد الإمرة والصنجقية سنة عشر ومائتين بعد الألف. وتزوج ببنت أحمد كتخدا على وهى أخت على كاشف الشرقية وعمل لها مهما، وذلك قبل أن يتقلد الصنجقية.
وسكن بدار كتخدا الطويل بالأزبكية واشتهر ذكره وصار من جملة/ الأمراء. ولما قتل عثمان بيك المرادى بساحل بوقير ورجع من رجع إلى جهة قبلى. وكان الألفى هو المتعين بالرياسة على المرادية. فلما سافر الألفى إلى بلاد الإنكليز تعين عثمان بيك البرديسى بالرياسة على خشدا شيته مع مشاركة بشتك بيك الذى عرف بالألفى الصغير. وبعد خروج محمد باشا خسرو وقتل طاهر باشا، انضم إليه العزيز محمد على سنة ثمان عشرة. وصادقه ورمح فى ميدان غفلته وقد تعاقدا على المصافاة، وأن يكون محمد على وعساكر الأروام أتباعا له، فانتفخ جأشه لأنه كان طائش العقل، فاستخفه محمد على واحتوى على عقله وصار يختلى معه ويسامره حتى باح له بما فى ضميره من الحقد لإخوانه. وطلب الانفراد بالرياسة، فصار يقوى عزمه ويزيد فى إغرائه ويعده بالمعاونة. ولم يزل به حتى أرسخ فى ذهنه النصح له والصداقة توصلا لما هو كامن فى نفسه من إهلاك الجميع.
ثم أشار عليه أن يبنى أبراجا حول داره بالناصرية-وهى التى فى محلها الآن مدرسة المبتديان-فلما أتمها جعل فيها طائفة من عسكره محافظين لما عساه أن يحصل. ثم سار معه إلى حرب محمد باشا خسرو بدمياط، فحاربوه وأتوابه أسيرا وحبسوه. ثم فعلوا بالسيد على باشا القبطان مثل ذلك. ثم أشار محمد على على البرديسى بتفريق أكثر الجمع الباقى فى النواحى والجهات، مكتبة الأسرة-2008
البعض منهم لرصد الألفى والقبض عليه وعلى جنده، والبعض إلى البلاد لظلم الفلاحين. ولم يبق بالمدينة غير المترجم وإبراهيم بيك الكبير وبعض الأمراء. فعند ذلك سلط محمد على العساكر بطلب علائفهم المنكسرة، فعجزوا عنها، فأراد المترجم أن يفرض على فقراء البلد فرضة بمشورة محمد على، وطافت الكتاب بالحارات والأزقة يكتبون أسماء الناس ودورهم، ففزعوا وصرخوا فى وجوه العساكر. فقال العساكر: نحن ليس لنا عندكم شئ ولا نرضى بذلك، وعلائفنا عند أمرائكم، ونحن لكم مساعدون. فعند ذلك قاموا على ساق وخرجت نساء الحارات وبأيديهن الدفوف يغنين ويقلن: إيش تأخذ من تفليسى يا برديسى. وصاروا يسخطون على الأمراء ويترضون عن العسكر.
وفى الحال أحاطت العسكر ببيوت الأمراء، ولم يشعر البرديسى إلا والعساكر الذين أقامهم بالأبراج التى بناها يضربون عليه ويريدون قتله. فلم يسع الجميع إلا الفرار، وخرجوا خروج الضب من الوكر. وذهب المترجم إلى الصعيد مذؤما مدحورا مطرودا. وجوزى مجازاة من ينتصر بعدوه ويعول عليه، ويقص أجنحته برجليه وكالباحث على حتفه بظلفه والجارح بظفره مارن أنفه.
ولم يزل فى هجاج إلى أن مات، وكان ظالما غشوما طائشا سئ التدبير. قد جعله الله سببا لزوال عز الأمراء المصريين ودولتهم، واختلال أمرهم، وخراب دورهم، وهتك أعراضهم، ومذلتهم وتشتيت جمعهم. انتهى.
ترجمة حسام الدين محمد بن أبى بكر
ابن محمد بن حريز
وإليها ينسب كما فى الضوء اللامع للسخاوى: محمد بن أبى بكر ابن محمد بن حريز، ويدعى محرز بن أبى القاسم بن عبد العزيز بن يوسف حسام الدين أبو عبد الله الحسنى المغربى الأصل، الطهطاوى المنفلوطى المصرى المالكى. ويعرف بابن حريز، بضم المهملة ثم راء مفتوحة وآخره زاى.
ولد فى العشر الأخير من رمضان سنة أربع وثمانمائة بمنفلوط، وانتقل منها وهو صغير مع أبيه إلى القاهرة. فقرأ بها القرآن عند الشهاب جمال الدين
ابن الإمام الحسنى، وتلاه لأبى عمر، ومن طريق الدورى على الجمال يوسف المنفلوطى، ثم على الشهابين ابن البابا والهيتمى، وتلاه بعده وهو كبير فى مجاورته بمكة للسبع إفرادا وجمعا على محمد الكيلانى.
وحفظ قبل ذلك العمدة، والشاطبية، والرسالة، وألفية النحو، وعرضها على الجمال الأقفهسى، والبدر بن الدمامينى، والبساطى، وابن عمه الجمال، وابن عمار، والولى العراقى، والعز بن جماعة، والجلال البلقينى، والشمس والمجد البرماويين وغيرهم.
وتفقه بالزين عبادة وغيره، وسمع على الولى العراقى، وكذا الزين ابن عياش، وأبى الفتح المراغى بمكة. بل قرأ بها على البدر حسين الأهدل الشفاء.
وحج غير مرة، وولى قضاء منفلوط. قال: وأورد شيخنا فى حوادث سنة اثنتين وسبعين أن البهاء الأخنائى حكم بحضرة مستنيبه بقتل بخشى باى الأشرفى حدا لكونه لعن أجداد صاحب الترجمة بعد قوله له: أنا شريف وجدى الحسن بن فاطمة الزهراء. واتصل ذلك بقاضى الإسكندرية. فأعذر، ثم ضربت عنقه.
ولازم الحسام المطالعة فى كتب الفقه، والتفسير، والحديث، والتاريخ، والأدب حتى صار يستحضر جملة مستكثرة من ذلك كله، ويذاكر بها مذاكرة جيدة مع سرعة الإدراك والفصاحة والبشاشة، والحياء والبذل لسائله والقيام مع من يقصده فى مهماته. وحمد الناس معاملته فى صدق اللهجة والسماح وحسن الوفاء، حتى رغب أرباب المال فى معاملته. ولم يزل هذا دأبه إلى أن ارتقى لقضاء المالكية بالديار المصرية بعد موت الولوى السنباطى. وباشره بعفة ونزاهة وشهامة.
واستقر فى/تدريس الشيخونية، وجامع طولون عند موت اللجسى وولده وباشرهما، وكذا باشر تدريس المؤيدية. ولم يزل على جلالته وعلو مكانته حتى حصل بينه وبين العلاء بن الأهناسى الوزير ما اقتضى له السعى فى صرفه بيحيى بن ضبعة مما كان سببا لتحمله الديون الجزيلة وانحطاط مرتبته بل كاد أمره أن يتفاقم.
ومات فى ليلة الاثنين مستهل شعبان سنة ثلاث وسبعين، بمنزله بمصر، وصلى عليه من الغد بجامع عمرو، رحمه الله تعالى. اه ملخصا.
ترجمة الشيخ محمد تاج الدين المعروف
بابن فخر القضاة
ولد بمدينة منفلوط كما فى الضوء اللامع للسخاوى: محمد بن محمد ابن محمد بن إبراهيم بن عبد المجيد بن عبد الظاهر بن أبى الحسن حماد بن دكين القاضى، تاج الدين فخر الدين الحسنى المنفلوطى. ويعرف بابن فخر القضاة.
ولد سنة ثمانين وسبعمائة بمنفلوط، ونشأ بها فحفظ القرآن، والعمدة، ومختصر التبريزى، والتنبيه. ثم سافر إلى منية أخميم فقطنها سبع سنين. ثم دخل القاهرة سنة إحدى وولى خطابة بلده فيها. ثم بمنشأة أخميم سنة ثلاث. وباشر الجماعة من الأمراء. ودخل مكة صحبة سعد الدين بن المرة مباشر جدة سنة أربعين، وأقام بها. وزار المدينة فى سنة أربع وأربعين. وناب فى القضاء والخطابة بجدة عن الكمال ابن ظهيرة مدة ولاياته إلى أن مات.
وكان خيرا مباركا عطر الأخلاق. مات بجدة سنة خمس وستين وثمانمائة، وحمل فدفن بالمعلاه، رحمه الله. انتهى.
ترجمة الشيخ أحمد شهاب الدين الكلبى المالكى
وفى خلاصة الأثر: أن ممن ولد بمنفلوط الشيخ أحمد بن عيسى ابن علاب بن جميل المنعوت شهاب الدين الكلبى المالكى، شيخ المحيا النبوى بالجامع الأزهر.
ولد بمنفلوط ونشأ بها، ثم تحول مع أبيه إلى مصر، فحفظ القرآن وعدة متون، وأخذ عن والده وأعيان العلماء كالشيخ على القرافى المالكى، والشمس الرملى، وتفقه بالإمام البنوفرى، وجلس فى محله بالأزهر وألقى دروسا مفيدة.
وأخذ الحديث عن النجم الغيطى، والعلقمى وغيرهما، والتفسير عن الشيخ محمد البكرى، وكذا التصوف.
وعلت درجته وأخذ عنه جمع كالشمس البابلى، وجلس بالمحيا بعد والده ووالده بعد البلقينى، والبلقينى بعد الشيخ صالح، والشيخ صالح بعد الشونى المدفون بزاوية الشيخ عبد الوهاب الشعرانى.
وكان محافظا على التصدق سرا لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه. توفى سنة سبع وعشرين وألف. ودفن بالقرافة الكبرى بمصر. انتهى
ترجمة الشيخ أحمد المنفلوطى المعروف
بابن الفقى الشافعى
وينسب إليها كما فى تاريخ الجبرتى: الإمام المفيد، والعلامة المجيد الشيخ أحمد بن محمد المنفلوطى الأصل، القاهرى الأزهرى، المعروف بابن الفقى الشافعى.
ولد سنة أربع وستين بعد الألف. وأخذا القراءات عن الشمس البقرى، والعربية عن الشهاب السندوبى وبه تفقه. ولازم الشهاب البشبيشى السنين العديدة فى علوم شتى. وكذا أخذ عن النور الشبراملسى والشهاب المرحومى.
وكان إماما عالما بارعا، ذكيا، حلو التقرير، رقيق العبارة، جيد الحافظة.
يقرر العلوم الدقيقة بدون مطالعة، مع طلاقة الوجه والبشاشة وطرح التكلف.
ومن تآليفه: حاشيته على الأشمونى لم تكمل، وأخرى على شرح أبى شجاع للخطيب، ورسالة فى البيان، وأخرى فى الهيئات هل هى داخلة فى
الماهية أم خارجة عنها، وأخرى فى أشراط الساعة، وشرح البدور السافرة ومات قبل تبيضه فاختلسه بعض الناس وبيضه ونسبه لنفسه.
توفى فجأة-قيل مسموما-صبيحة يوم الاثنين السابع والعشرين من شوال سنة ثمانية عشر ومائة وألف، رحمه الله تعالى. انتهى
(تم الجزء الخامس عشر ويليه الجزء السادس عشر أوله من حرف الميم)
(منف)