المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

تنويه: ينظر الاستدراكات وتصحيح الأسماء فى آخر هذا الجزء   قام بمراجعة - الخطط التوفيقية الجديدة - جـ ٣

[علي مبارك]

فهرس الكتاب

تنويه: ينظر الاستدراكات وتصحيح الأسماء فى آخر هذا الجزء

قام بمراجعة هذا الجزء وعمل الاستدراكات:

الأستاذ/متولى خليل عوض، باحث أول بالمركز.

الأستاذ/مصطفى عبد السميع، باحث بالمركز.

قام بتصحيح الأسماء:

الدكتورة/لبيبة إبراهيم مصطفى، كبير باحثين بالمركز.

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

‌القسم الثانى: شارع بين السورين

ابتداؤه من آخر شارع الشعرانى، وانتهاؤه التقاطع الفاصل بين شارع الموسكى وشارع السكة الجديدة، وهذا الشارع باق على اسمه القديم إلى الآن، وهو الذى سماه المقريزى خط بين السورين فقال: هذا الخط من حدّ باب الكافورى فى الغرب إلى باب سعادة، وبه الآن صفان من الأملاك، أحدهما مشرف على الخليج والآخر مشرف على الشارع المسلوك فيه من باب القنطرة إلى باب سعادة، ويقال لهذا الشارع بين السورين تسميه العامة بها فاشتهر بذلك. (انتهى).

‌باب القنطرة

(قلت): وباب القنطرة المذكور هو أحد أبواب القاهرة، سمى بذلك من أجل القنطرة التى بناها جوهر القائد على الخليج الكبير، يتوصل إليها من القاهرة، ويمر فوقها إلى المقس.

وقال المقريزى: إنها كانت عند باب جنان أبى المسك كافور الإخشيدى الملاصق للميدان والبستان الذى للأمير أبى بكر محمد الإخشيد، وكان بناؤها فى سنة اثنتين وستين وثلثمائة، وكانت مرتفعة بحيث تمر المراكب من تحتها، وقد صارت الآن قريبة من أرض الخليج لا يمكن الراكب العبور من تحتها، وتسد بأبواب خوفا من دخول الدعار إلى القاهرة. (قلت):

وهى موجودة إلى الآن، والباب هدمه المرحوم قاسم باشا حين كان محافظا على القاهرة، وكان بقرب قراقول باب الشعرية.

وفى زمن الفاطميين كان خارج هذا الباب من جهة النيل بساتين ثم صارت أحكارا.

ص: 65

‌حكر ابن منقذ

منها حكر ابن منقذ ذكره المقريزى فقال: هو خارج باب القنطرة بعدوة خليج الذكر، وكان بستانا يعرف ببستان الشريف الجليس، ويعرف أيضا بالبطائحى، ثم عرف بالأمير سيف الدولة مبارك بن كامل بن منقذ نائب الملك المعز سيف الإسلام ظهير الدين طغتكين ابن نجم الدين أيوب بن شاذى على مملكة اليمن، وانتقل بعد ابن منقذ إلى الشيخ عبد المحسن ابن عبد العزيز بن على المخزومى المعروف بابن الصيرفى، فوقفه على جهات تؤول أخيرا إلى الفقراء والمساكين المقيمين بمشهد السيدة نفيسة والفقراء والمساكين المعتقلين فى حبوس القاهرة، وذلك فى سنة ثلاث وأربعين وستمائة، ثم أزيلت أنشاب هذا البستان، وحكرت أرضه وبنيت الدور والمساكن عليها.

‌[حكر شمس الخواص

(*)

]

ومنها أيضا حكر شمس الخواص مسرور. قال المقريزى: إنه فيما بين خليج الذكر وحكر ابن منقذ: كان بستانا لشمس الخواص مسرور الطواشى أحد الخدّام الصالحية. مات فى نصف شوال سنة سبع وأربعين وستمائة بالقاهرة، ثم حكر، وبنى فيه الدور، وموضعه الآن كيمان. (انتهى).

[حكر بدر بن رزيك]

(قلت): ويظهر أن هذين الحكرين كانا فى برّ الخليج الغربى على يسار السالك الآن بشارع أبى بدير، وكان يفصلهما عن خليج الذكر حكر فارس المسلمين بدر بن رزيك؛ وكان الحد القبلى للأحكار الثلاثة خليج الذكر، وهو الترعة التى ذكرها المقريزى فى ترجمة ميدان القمح، وكانت تمر من قنطرة الدكة إلى الخليج الكبير، ويغلب على الظن أنها كانت تتبع فى سيرها شارع وش البركة، وتمتدّ إلى الخليج الكبير.

ويظهر من كلام المقريزى فى ترجمة ميدان العزيز أن الأحكار الثلاثة المذكورة كانت بأرض بستان البغدادية الذى جعله الملك العزيز ميدانا. قال المقريزى: هذا الميدان بجوار خليج الذكر، وكان موضعه بستانا. قال القاضى الفاضل فى متجددات الثالث والعشرين من

(*) العناوين المحاطة بأقواس مربعة من إضافات هذه الطبعة الثانية.

ص: 66

شهر رمضان سنة أربع وتسعين وخمسمائة: خرج أمر الملك العزيز عثمان ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بقطع النخل المثمر المستغل تخت اللؤلؤة بالبستان المعروف بالبغدادية، وهذا البستان كان من بساتين القاهرة الموصوفة، وكان منظره من المناظر المستحسنة وكان له مستغل، وكان قد عنى الأولون به لمجاورته اللؤلؤة وإطلال جميع مناظرها عليه، وجعل هذا البستان ميدانا، وحرث أرضه وقطع ما فيه من الأصول ثم حكر الناس أرضه وبنوا عليها، وهو الآن دائر وفيه كيمان وأتربة. (انتهى). (قلت): وقد تداولت الأيام، وتغيرت الأحوال، وصارت هذه الخطة الآن من أعمر أخطاط القاهرة وأبهجها، لأنها تشتمل على خط باب الشعرية وما بجواره.

وهذه الأحكار كان محلها بعض بركة بطن البقرة المعروفة أخيرا ببركة الأزبكية، وباقيها وهو الممتد من خليج الذكر إلى آخرها من قبلى-أعنى إلى قنطرة الموسكى-كان أحكارا أخر:

‌حكر خطلبا

منها حكر خطلبا. قال المقريزى: هذا الحكر حدّه القبلى إلى الخليج، وحدّه البحرى إلى الكوم الفاصل بينه وبين حكر الأوسية المعروف بالجاولى، وحده الشرقى إلى بستان الجليس الذى عرف بابن منقذ، والغربى إلى زقاق هناك. وكان هذا الحكر بستانا اشتراه جمال الدين الطواشى من جمال الدين عمر بن ناصح الدين داود بن إسماعيل الملكى الكاملى فى سنة ست عشرة وستمائة، ثم ابتاعه منه الطواشى محيى الدين صندل الكاملى فى سنة عشرين وستمائة، وباعه للأمير الفارس صارم الدين خطلبا الكاملى فى سنة إحدى وعشرين وستمائة فعرف به. (انتهى).

[حكر ابن أسد]

وكان فى حدّه البحرى حكر ابن الأسد جفريل أحد أمراء الملك الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيوب بمصر. (انتهى). (قلت): وحكر ابن أسد هذا كان بجوار خليج الذكر لأن المقريزى ذكر أنه قبلى حكر تكان، ثم ذكر فى الكلام على حكر تكان أن حدّه الشرقى ينتهى إلى حكر البغدادية، وحكر البغدادية كان ممتدا إلى خليج الذكر. فحينئذ يكون حكر ابن أسد مجاورا لخليج الذكر.

ص: 67

[حكر العلائى]

وكان بجوار حكر تكان من بحريه حكر العلائى. قال المقريزى: وكان بستانا جليل القدر، ثم حكر، وصار بعضه وقف تذكار بى خاتون ابنة الملك الظاهر بيبرس، وقفته فى سنة أربع وثلاثين وسبعمائة على نفسها، ثم من بعدها على الرباط الذى أنشأته داخل الدرب الأصفر تجاه خانقاه بيبرس، وهو الرباط المعروف برواق البغدادية، وعلى المسجد الذى بحكر سيف الإسلام خارج باب زويلة، وعلى تربتها التى بجوار جامع ابن عبد الظاهر بالقرافة، وصار بعض هذا الحكر فى وقف الأمير سيف الدين بهادر العلائى متولى البهنسا، وكان وقفه فى سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، فعرف بحكر العلائى. (انتهى).

[حكر الحريرى]

وكان بجواره حكر يعرف بحكر الحريرى. قال المقريزى: هذا الحكر بجوار حكر العلائى من حده البحرى، وهو من جملة الأرض المعروفة بالأرض البيضاء، وكان بستانا ثم حكر وصار فى وقف خزائن السلاح. (انتهى). (قلت): وكان ينتهى إلى الخليج الناصرى لأن الأرض البيضاء كانت قبالة الأرض المعروفة بالخور التى ذكرها المقريزى حيث قال: الخور فى اللغة مصب الماء، وهو هنا اسم للأرض التى ما بين الخليج الناصرى والخليج الذى يعرف بفم الخور، وجميع هذه الأرض من بستان ابن ثعلب. (انتهى).

[حكر خزائن السلاح]

وأما حكر خزائن السلاح المعروف قديما بحكر الأوسية فكان بجوار حكر تكان يفصل بينهما سويقة العجمى، وقفه السلطان الملك العادل أبو بكر بن أيوب على مصالح خزائن السلاح، وذكر المقريزى فى ترجمة حكر تكان أن حده الغربى ينتهى إلى حكر خزائن السلاح وإلى سويقة العجمى، ثم قال: وهذا الحكر قد استقر أخيرا فى أوقاف خوند زوجة الملك الأشرف خليل بن قلاوون على تربتها التى أنشأتها خارج باب القرافة. (انتهى).

(قلت): وقد تقدم فى الكلام على حكر خطلبا أن حده البحرى إلى الكوم الفاصل بينه وبين حكر الأوسية، فيؤخذ من هذا أن حكر الأوسية الذى هو حكر خزائن السلاح كان حده الشرقى سويقة العجمى، وحده القبلى الكوم المذكور.

ص: 68

وبالتأمل فيما تقدم يظهر أن جميع هذه الأحكار هى عبارة عن بركة الأزبكية بأكملها بما فى ذلك جميع الأماكن والحارات والأزقة الكائنة على الخليج من ابتداء قنطرة الموسكى إلى باب القنطرة من هذه الجهة، ومن الجهة الأخرى من ابتداء قنطرة الموسكى أيضا إلى الشارع المسلوك فيه إلى مصر القديمة تجاه سراى الإسماعيلية والقصر العالى وقصر العينى، ولا يخرج عن ذلك إلا بستان الدكة الذى محله الآن خط قنطرة الدكة.

والكوم المذكور فى حكر خطلبا هو المعروف اليوم بكوم الشيخ سلامة، وسويقة العجمى هى المعروفة الآن بسويقة المناصرة، وتكون مقبرة المناصرة المشهورة بترب الأزبكية من ضمن حكر خزائن السلاح، ويكون ما وراء كوم الشيخ سلامة إلى الخليج الكبير بما فيه دار الشيخ العباسى وما بجوارها من بحرى من الدور من حكر خطلبا.

وجميع هذه الأحكار هى بعض البستان المقدسى القديم. قال المقريزى: وكان فى القديم بخط بين السورين هذا البستان الكافورى يشرف عليه بحدّه الغربى ثمة مناظر اللؤلؤة، وقد بقيت منها عقود مبنية بالآجر يمر السالك فى هذا الشارع من تحتها، ثم مناظر دار الذهب، وموضعها الآن دار تعرف بدار بهادر الأعسر، وعلى بابها بئر يستسقى منها الماء فى حوض يشرب منه الدواب، ويجاورها قبو معقود يعرف بقبو الذهب من بقية مناظر دار الذهب، وبحدّ دار الذهب منظرة الغزالة، وهى بجوار قنطرة الموسكى، وقد بنى فى مكانها ربع يعرف إلى اليوم بربع غزالة ودار ابن قرفة، وقد صار موضعها جامع ابن المغربى وحمام ابن قرفة، وبقى منها البئر التى يستسقى منها إلى اليوم بحمام السلطان، وعدّة دور كلها فيما يلى شقة القاهرة من صف باب الخوخة.

وكان ما بين المناظر والخليج مراحا، ولم يكن شئ من هذه العمائر التى بحافة الخليج اليوم ألبتة. وكان الحاكم بأمر الله فى سنة إحدى وأربعمائة منع من الركوب فى المراكب بالخليج وسد أبواب القاهرة التى تلى الخليج وأبواب الدور التى هناك والطاقات المطلة عليه.

وقال ابن المأمون فى حوادث سنة ست عشرة وخمسمائة: ولما وقع الاهتمام بسكنى اللؤلؤة والمقام بها مدة النيل على الحكم الأول-يعنى قبل أيام أمير الجيوش بدر وابنه الأفضل- وإزالة ما لم تكن العادة جارية عليه من مضايقة اللؤلؤة بالبناء، وأنها صارت حارات تعرف

ص: 69

بالفرحية والسودان وغيرهما، أمر حسام الملك-متولى بابه-باحضار عرفاء الفرحية والإنكار عليهم فى تجاسرهم على ما استجدوه وأقدموا عليه، فاعتذروا بكثرة الرجال وضيق الأمكنة عليهم، فبنوا لهم قبايا يسيرة، فتقدم-يعنى أمر الوزير المأمون-إلى متولى الباب بالإنعام عليهم وعلى جميع من بنى فى هذه الحارة بثلاثة آلاف درهم وأن يقسم بينهم بالسوية، ويأمرهم بنقل قسمهم، وأن يبنوا لهم حارة قبالة بستان الوزير-يعنى ابن المغربى-خارج الباب الجديد خارج باب زويلة. (انتهى).

(قلت): وقد بينا محل الباب الجديد فى الكلام على شارع الحلمية من هذا الكتاب

(1)

.

وأما بستان ابن المغربى فقد تكلمنا عليه فى شارع السيوفية

(2)

فانظره هناك.

[منظرة اللؤلؤة]

ومنظرة اللؤلؤة المتقدم ذكرها محلها الآن الدور والأبنية التى من جملتها القبو المجاور لضريح الشعرانى، وقد هدم هذا القبو عندما بنى التاجر المشهور أحمد العزبى داره التى كانت بجواره على الخليج الكبير وذلك قبل سنة تسعين ومائتين وألف. وهذه المنظرة بناها العزيز بالله، وكانت الخلفاء تتحول إليها أيام النيل بحرمهم وحشمهم، وكانت تشرف من شرقيها على البستان الكافورى، ومن غربيها على الخليج الكبير، وكان تجاهها حكر فارس المسلمين بدر بن رزيك. قال المقريزى: وكان من جملة البركة المعروفة ببطن البقرة ثم حكر وبنى فيه.

[منظرة الغزالة]

وأما منظرة الغزالة فكانت على شاطئ الخليج تقابل حمام ابن قرفة، وموضعها الآن الأبنية التى تجاه جامع ابن المغربى الكائن بهذا الشارع بجوار ربع هناك من أوقاف الشيخ الجوهرى بالقرب من محل الضبطية القديم. وهذا الجامع موجود للآن إلا أنه متخرب، وقد زالت أكثر معالمه ولم يبق منها إلا القليل. وذكر المقريزى أن هذه المنظرة كان يسكن بها الأمير أبو القاسم ابن المستنصر والد الحافظ لدين الله، ثم سكنها أبو الحسن بن أبى أسامة كاتب الدست، ثم قال وكان بعد ذلك ينزلها من يتولى الخدمة فى الطراز أيام الخلفاء.

(1)

ج 2 ص 145 من هذه الطبعة.

(2)

ج 2 ص 157 من هذه الطبعة.

ص: 70

‌مبحث الخدمة فى الطراز

قال ابن الطوير: الخدمة فى الطراز وينعت بالطراز الشريف، لا يتولاها إلا أعيان المستخدمين من أرباب العمائم والسيوف، وله اختصاص بالخليفة دون كافة المستخدمين، ومقامه بدمياط وتنيس وغيرهما، وجارية أمير الجوارى، وبين يديه من المندوبين مائة رجل لتنفيذ الاستعمالات بالقرى، وله عشارى دتماس مجرد معه، وثلاثة مراكب من الدكاسات، ولها رؤساء ونواتية لا يبرحون، ونفقاتهم جارية من مال الديوان، فإذا وصل بالاستعمالات الخاصة التى منها المظلة وبدلتها والبدنة واللباس الخاص الجمعى وغيره هيئ بكرامة عظيمة، وندب له دابة من مراكيب الخليفة لا تزال تحته حتى يعود إلى خدمته، وينزل فى الغزالة على شاطئ الخليج، وكانت من المناظر السلطانية.

قال: ولو كان لصاحب الطراز فى القاهرة عشرة دور لا يمكن من نزوله إلا بالغزالة، وتجرى عليه الضيافة كالغرباء الواردين على الدولة، فيتمثل بين يدى الخليفة بعد حمل الأسفاط المشدودة على تلك الكساوى العظيمة، ويعرض جميع ما معه وهو ينّبه على شئ فشئ بيد فراشى الخاص فى دار الخليفة مكان سكنه، ولهذا حرمة عظيمة، ولا سيما إذا وافق استعماله غرضهم، فاذا انقضى عرض ذلك بالمدرج الذى يحضره سلم لمستخدم الكسوات، وخلع عليه بين يدى الخليفة باطنا، ولا يخلع على أحد كذلك سواه، ثم ينكفئ إلى مكانه، وله فى بعض الأوقات التى لا يتسع له الانفصال نائب يصل عنه بذلك غير غريب منه، ولا يمكن أن يكون إلا ولدا أو أخا، فان الرتبة عظيمة والمطلق له من الجامكية فى كل شهر سبعون دينارا، ولهذا النائب عشرون دينارا، ومن أدواته أنه إذا عبى ذلك فى الأسفاط استدعى والى ذلك المكان ليشاهده عند ذلك، ويكون الناس كلهم قياما لحلول نفس المظلة وما يليها من خاص الخليفة فى مجلس دار الطراز وهو جالس فى مرتبته والوالى واقف على رأسه خدمة لذلك وهذا من رسوم خدمته وميزتها.

[حمّام ابن قرقة]

وأما حمّام ابن قرقة فكان بخط سويقة المسعودى من حارة زويلة على ما ذكره المقريزى، ثم لما خرّب عمل موضعه فندق عرف بفندق عمارة الحمامى بجوار جامع ابن المغربى وفى وقتنا هذا محل هذا الفندق وكالة كبيرة عامرة إلى اليوم.

ص: 71

[حمام السلطان]

وأما حمام السلطان فقال المقريزى: إنه يتوصل إليها من سويقة المسعودى التى بينها وبين قنطرة الموسكى، وقد زال هذا الحمّام عند فتح شارع السكة الجديدة، وكان بالقرب من قنطرة الموسكى.

وبهذا الشارع الآن من جهة اليمين رأس شارع القنطرة الجديدة يسلك منه لشارع الميدان وغيره، سيأتى بيانه فى محله.

[حارة زويلة]

وأما جهة اليسار فبها الجارة المعروفة بحارة زويلة، وهى حارة كبيرة جدا بداخلها عطف وحارات على هذا الترتيب: منها على اليمين عطفة الكنيسة، ثم عطفة العدوى، ثم عطفة العشماوى.

ومنها على اليسار حارة أمين كاشف، يتوصل منها لحارة نخلة الكرارجى، وبداخلها درب يعرف بدرب البئر، ثم العطفة الصغيرة، ثم حارة نخلة الكرارجى.

وحارة زويلة هذه من الحارات القديمة التى ذكرها المقريزى فى خططه حيث قال: لما نزل القائد جوهر بالقاهرة اختطت كل قبيلة خطة عرفت بها، فزويلة بنت الحارة المعروف بها والبئر التى تعرف ببئر زويلة فى المكان الذى يعمل فيه الآن الروايا. ثم قال: حارة زويلة محلة كبيرة بالقاهرة بينها وبين باب زويلة عدة محال، سميت بذلك لأن جوهرا-غلام المعز- لما اختط محله بالقاهرة أنزل أهل زويلة بهذا المكان فتسمى بهم. (انتهى). وذكر أيضا عند الكلام على مسالك القاهرة وشوارعها أن المارّ من الساباط المسلوك فيه إلى حمام خشيبة الذى هو الآن حمام المقاصيص يصل إلى درب شمس الدولة-المعروف بعطفة الجوهرى الآن-وإلى حارة العدوية التى هى اليوم شارع خان أبى طقية، وإلى حارة زويلة. وذكر أيضا عند ترجمة المارستان المنصورى إنه يتوصل من باب المارستان إلى الخرنفش وإلى باب الكافورى وإلى حارة زويلة، ثم قال: إن السالك من باب الخرنفش يسلك إلى حارة برجوان وإلى حارة زويلة.

ص: 72

فتلخص من هذا كله أن حارة زويلة المشهورة الآن بهذا الاسم هى قطعة صغيرة من الحارة القديمة التى ذكرت فى الخطط، فإن الحارة المعروفة الآن لا تصل إلى ما ذكره المقريزى، وبالبحث والتأمل تبين أن من ضمن حارة زويلة بحسب الأصل حارة اليهود الربانيين التى يسلك إليها من سوق الصيارفة، وحارة اليهود القرائين التى يسلك إليها من خط الخرنفش عند باب سوق السمك، ويسلك إليها من شارع خميس العدس من مسلك جديد كان أصله فويريقة مشهورة بورشة خميس العدس، ودرب الصقالبة المسلوك إليه من الزقاق الذى على يسار المارّ من شارع السكة الجديدة من جهة قنطرة الموسكى، وهذه الحارات الأربع تتصل ببعضها، غير أن حارة اليهود الربانيين كان يتوصل منها إلى حارة زويلة من طاحون هناك ومنزل صغير. بجوارها، فقبل سنة تسعين ومائتين وألف هجرية أخذت هذه الطاحون وجعلت مستشفى لمرضى فقراء اليهود، وللآن له باب من حارة زويلة. وحارة زويلة هذه مشهورة عند اليهود بحارة النصارى لسكنى كثير من الأقباط بها ولهم فيها كنيسة معروفة بكنيسة الأقباط.

وحاصل ما ذكر أن حارة زويلة القديمة انقسمت إلى أربعة أقسام: حارة زويلة المعروفة اليوم، وحارة اليهود القرائين، وحارة اليهود الربانيين، ودرب الصقالبة، وجميعها يقال له حارة اليهود، غير أن لكل واحدة منها بابا من خط بعيد عن الآخر، وأما فى الداخل فالجميع حارة واحدة.

وسكنى اليهود بهذه الخطة قديم فإن المقريزى قال فى ترجمة المدرسة العاشورية: هذه المدرسة بحارة زويلة من القاهرة بالقرب من المدرسة القطبية، وقد تلاشت هذه المدرسة، وصارت طول الأيام مغلقة لا تفتح إلا قليلا، فإنها فى زقاق لا يسكنه إلا اليهود ومن يقرب منهم فى النسب. (انتهى).

وللآن فى الزقاق الذى به المستشفى باب مدرسة مقنطر مسدود بالبناء وداخله خربة كبيرة فلعله هو باب المدرسة المذكورة.

وأما الدروب التى كانت بحارة زويلة المذكورة فذكر المقريزى منها درب مخلص، ان يعرف بدرب الرابض، وذكر درب الوشاقى، ودرب الكنجى وكان يعرف بدرب

ص: 73

حليلة، ودرب الصقالبة، وهذه الدروب لم تعرف الآن لتغير أسمائها ومواقعها ما عدا درب الصقالبة فإنه إلى اليوم يعرف بهذا الاسم

وذكر بها أيضا من الأزقة زقاق القابلة، وقال إن فيه اليوم كنيسة اليهود وبجواره درب رومية، وعرف بزقاق العسل، ثم عرف بزقاق المعصرة، ثم عرف بزقاق الكنيسة.

وذكر بها من الخوخ خوخة الجوهرة، وعرفت بخوخة الوالى، وخوخة مصطفى بآخر زقاق الكنيسة يخرج منها إلى القبو الذى تحت حمام طاب الزمان المسلوك منه إلى قبو منظرة اللؤلؤة. وحمام طاب الزمان كان بخط بين السورين.

وذكر بها من الرحاب رحبة كوكاى، ورحبة ابن ذكرى قال: وهى التى بها البئر السائلة بالقرب من المدرسة العاشورية، ورحبة الموفق، ورحبة خوند. وهذه الأسماء كلها تغيرت، بل وضع الحارة كله تغير ولم يبق منه إلا القليل.

انتهى ما يتعلق بوصف حارة زويلة قديما وحديثا.

وبهذا الشارع أيضا زاوية عبد الوهاب بن شاكر، وتعرف أيضا بزاوية كهنشاه الإبراهيمى كانت متخربة، فعمرها ناظرها المعلم حسن الكوالينى وأقام شعائرها. وبه ضريح يعرف بضريح الشيخ أبى طالب، وسبيل وقف سليمان جاويش، وكنيسة تعرف بكنيسة الأرمن.

***

ص: 74

‌القسم الثالث: شارع بين النهدين

ابتداؤه من آخر شارع بين السورين، وينتهى لجامع الحفنى، وطوله ثمانون مترا، وكان فى القديم من ضمن شارع بين السورين، ثم عرف أخيرا بشارع بين النهدين.

[جامع العجمى]

وبأوله من جهة اليسار جامع العجمى تجاه قراقول الموسكى، شعائره مقامة وتحته صهريج، وفوقه مكتب لتعليم الأطفال. ويعرف أيضا بجامع مراد بك.

ثم شارع قبو الزينية، وفى الأزمان القديمة كان بشارع قبو الزينية باب الخوخة الذى ذكره المقريزى فقال: هو أحد أبواب القاهرة مما يلى الخليج فى حد القاهرة البحرى يسلك إليه من سويقة الصاحب ومن سويقة المسعودى، وكان هذا الباب يعرف أولا بخوخة ميمون دبة، ويخرج منه إلى الخليج الكبير، وميمون دبة يكنى بأبى سعيد أحد خدام العزيز بالله كان خصيا. (انتهى).

[جامع القاضى يحيى]

وأما جهة اليمين فبها جامع القاضى يحيى على شاطئ الخليج الشرقى أنشأه القاضى يحيى زين الدين الاستادارى فى سنة أربعين وثمانمائة. وهو مقام الشعائر إلى الآن. وله أوقاف تحت نظر الديوان، وبحائطه الشرقية باب صغير من الخارج يتوصل منه إلى ضريح منقوش على بابه فى الحجر «هذا ضريح الشيخ الصالح سيدى فرج السطوحى» .

[جامع الحفنى]

ثم جامع الحفنى أنشأه الأمير عبد الرحمن كتخدا فى سنة اثنتين وسبعين ومائة وألف، ثم جدد فى سنة تسعين ومائتين وألف من جهة ديوان الأوقاف، وهو مقام الشعائر إلى الآن.

وبجواره دار الشيخ محمد المهدى العباسى الحنفى شيخ الجامع الأزهر ومفتى السادة الحنفية سابقا، وهى دار كبيرة بداخلها جنينة.

***

ص: 75

‌القسم الرابع: شارع جامع البنات

يبتدئ من آخر شارع بين النهدين بجوار دار الشيخ محمد المهدى، وينتهى لأول شارع قنطرة الأمير حسين.

‌دار الذهب

وكان به فى القديم دار الذهب التى ذكرها المقريزى حيث قال: هذه الدار خارج القاهرة فيما بين باب الخوخة وباب سعادة، بناها الأفضل أبو القاسم شاهنشاه ابن أمير الجيوش بدر الجمالى، ثم قال: ويجاورها من حيز باب الخوخة دار الفلك بناها فلك الملك أحد الأستاذين الحاكمين. وتلاصق دار الذهب هذه دار الشابورة.

ودار الذهب عرفت أخيرا بدار الأمير بهادر الأعسر شاد الدواوين، ثم الآن عرفت بدار الأمير الوزير المشير الاستادار فخر الدين عبد الغنى ابن الأمير الوزير الاستادار تاج الدين عبد الرازق ابن أبى الفرج الأرمنى الأصل، وعنى بها وهدم كثيرا من الدور التى كانت تجاهها على بر الخليج الشرقى، وأنشأ هناك دارا يتطرق إليها من هذه الدار بساباط.

[جامع البنات]

وأنشأ بجوارها جامعه، وهو المعروف اليوم بجامع البنات، وكان يعرف أولا بجامع الفخرى وكان أنشأه فى سنة إحدى وعشرين وثمانمائة، وجعل بصحنه صهريجا، ولما مات دفن به، وهو عامر إلى الآن من أوقاف له تحت نظر الشيخ سليم عمر. وفى سنة سبعين ومائتين وألف جددت منارته المرحومة والدة حسين بيك نجل العزيز محمد على مع السبيل الذى قبالة هذا الجامع المعروف بسبيل أم حسين بيك.

ص: 76

[حمّام الكلاب]

وكذلك أنشأ حمامه الذى عرف أخيرا بحمام الكلاب، وكان يعرف أولا بحمام الفخرى، وقد أزيل هذا الحمام عند بناء الزيادة المستجدة فى دار الست أم حسين بيك.

ثم هدم كثيرا من الدور التى كانت على الخليج وما وراءها بتلك الأحكار التى فى الجانب الغربى من الخليج، وغرس فى أراضى تلك الدور الأشجار، وجعلها بستانا تجاه داره، فمات قبل أن تكمل وصار أكثر مواضع الدور التى خربها هناك كيمانا. (انتهى).

والساباط المذكور استمر موجودا إلى سنة خمس وثمانين بعد المائتين والألف، ثم هدم بأمر ديوان الأشغال، وكان يعرف بقبو الذهب، وكان بجوار جامع الحفنى الجديد الذى أحدثه الشيخ العباسى شيخ الجامع الأزهر، وأثر هذا القبو موجود إلى الآن فى الحائط المقابل للباب المذكور.

وقد أنشأ أيضا الشيخ العباسى قنطرة ليمر من عليها إلى السراى التى جدّدها شرقىّ بيته القديم الذى هو بيت أجداده، وهذه القنطرة غير القنطرة القديمة التى كان يتوصل من فوقها أوّلا إلى سرايته المذكورة، وهى باقية إلى الآن بالقرب من القنطرة الجديدة. وعلى يمين الداخل من الباب الجديد الذى عليه الدرابزين الحديد بيت مستجد الإنشاء يعرف ببيت الشيخ الحفنى، لأنه كان يسكنه فى حياته، وهو الآن وقف، وتحت نظر الشيخ العباسى المذكور.

‌خوخة الأمير حسين

وبنهاية هذا الشارع الآن من جهة اليسار باب القبوة يتوصل منه لحارة درب سعادة.

عرف بذلك لأنه كان هناك قبو من الحجر يمر الناس من تحته، وقد زال عند بناء سور سراى الأمير منصور باشا، وهذا القبو هو باب خوخة الأمير حسين التى ذكرها المقريزى حيث قال: هذه الخوخة من جملة الوزيرية يخرج منها إلى تجاه قنطرة الأمير حسين، فتحها الأمير شرف الدين حسين بن أبى بكر بن إسماعيل بن حيدرة بك الرومى حين بنى القنطرة على الخليج الكبير وأنشأ الجامع بحكر جوهر النوبى.

وجرى فى فتح هذه الخوخة أمر لا بأس بإيراده، وهو أن الأمير حسينا قصد أن يفتح فى السور خوخة لتمر الناس من أهل القاهرة فيها إلى شارع بين السورين ليعمر جامعه، فمنعه

ص: 77

الأمير علم الدين سنجر-والى القاهرة-من ذلك إلا بمشاورة السلطان الملك الناصر محمد ابن قلاوون، وكان للأمير حسين إقدام على السلطان، وله به مؤانسة، فعرّفه أنه أنشأ جامعا وسأله أن يفسح له فى فتح مكان من السور ليصير طريقا نافذا يمر فيه الناس من القاهرة ويخرجون فيه، فأذن له فى ذلك، وسمح به، فنزل إلى السور، وخرق منه قدر باب كبير ودهن عليه رنكه بعد ما ركّب هناك بابا، ومرّ الناس منه.

واتفق أنه اجتمع بالخازن والى القاهرة، وقال له على سبيل المداعبة: كم كنت تقول ما أخليك تفتح فى السور بابا حتى تشاور السلطان، هأنا قد شاورته وفتحت بابا على رغم أنفك، فحنق الخازن من هذا القول، وصعد إلى القلعة، ودخل على السلطان وقال: ياخوند أنت رسمت للأمير شرف الدين أن يفتح فى السور بابا وهو سور حصين على البلد، فقال السلطان: إنما شاورنى أن يفتح خوخة لأجل حضور الناس الصلاة فى جامعه، فقال الخازن:

يا خوند ما فتح إلا بابا يعادل باب زويلة وعمل عليه رنكه وقصد أن يعمل سلطانا على البارد وما جرت عادة أحد أن يفتح سور البلدة.

فأثّر هذا الكلام من الخازن فى نفس السلطان أثرا قبيحا، وغضب غضبا شديدا، وبعث إلى النائب، وقد اشتد حنقه بأن يسفر حسين بن حيدرة إلى دمشق بحيث لا يبيت فى المدينة، فخرج من يومه من البلد بسبب ما تقدم ذكره. (انتهى).

وأما جهة اليمين من هذا الشارع فبها سكة قنطرة الأمير حسين يتوصل منها إلى شارع الخليج وشارع المناصرة وحارة غيط العدة وغيرها.

وبهذا الشارع أيضا من الدور الشهيرة دار الست أم حسين بيك لها بابان باب من هذا الشارع وباب من حارة درب سعادة، ثم دار الشيخ عبد الهادى الإبيارى الشافعى الشاعر المشهور، ثم دار الأمير أحمد بيك أخى الأمير منصور باشا، وتجاه هذه الدار ضريح يعرف بضريح الشيخ عبد الله.

انتهى ما يتعلق بوصف شارع جامع البنات قديما وحديثا.

ص: 78

‌القسم الخامس: شارع قنطرة الأمير حسين

يبتدئ من آخر شارع جامع البنات وينتهى لأول شارع الحين عند قنطرة باب الخرق التى ذكرها المقريزى فقال: إنها على الخليج الكبير كان موضعها ساحلا وموردة للسقائين فى أيام الخلفاء الفاطميين، فلما أنشأ الملك الصالح نجم الدين أيوب الميدان السلطانى بأرض اللوق وعمر به المناظر فى سنة تسع وثلاثين وستمائة أنشأ هذه القنطرة ليمر عليها إلى الميدان المذكور، وقيل لها قنطرة باب الخرق. (انتهى).

(قلت): وقد بقيت على حالها إلى أن فتح شارع محمد على فى زمن الخديو إسماعيل، وكنت إذ ذاك ناظرا على ديوان الأشغال فهدمت هذه القنطرة، وعمل بدلها قنطرة جديدة تحت الميدان الكائن تجاه سراى الأمير منصور باشا.

وبأول هذا الشارع من جهة اليمين ضريح سيدى شاهين داخل مزار صغير وله شباك على الشارع، ثم ضريح سيدى محمد أبى النور داخل زاوية صغيرة أنشئت له بأمر الخديو إسماعيل، وكان أولا تجاه باب درب سعادة داخل قبة صغيرة هناك، ثم عند عمل الميدان أخذت هذه القبة فيه بعد نقله منها ودفنه تجاه سور جنينة السراية، وعملت له الزاوية المذكورة.

ويغلب على الظن أن هذه القبة حدثت أخيرا لأنها لم تكن قديمة البناء وأن محلها كان به مسجد يانس الذى ذكره المقريزى حيث قال: هذا المسجد كان تجاه باب درب سعادة خارج القاهرة، ثم ذكر سبب بنائه فقال: وكان الأجل المأمون-يعنى الوزير محمد بن فأتك البطائحى-قد انضم إليه عدة من مماليك الأفضل بن أمير الجيوش، من جملتهم يانس، وجعله مقدما على صبيان مجلسه، وسلم إليه بيت ماله، وميّزه فى رسومه. فلما رأى المذكور فى ليلة

ص: 79

النصف من شهر رجب يعنى سنة ست عشرة وخمسمائة ما عمل فى المسجد المستجدّ قبالة باب الخوخة من الهمة ووفور الصدقات وملازمة الصلوات كتب رقعة يسأل فيها أن يفسح له فى بناء مسجد بظاهر باب درب سعادة، فلم يجبه المأمون إلى ذلك، وقال له: ما ثم مانع من عمارة المساجد وأرض الله واسعة، وإنما هذا الساحل فيه معونة للمسلمين وموردة للسقائين وهو مرسى مراكب الغلة، والمضرة فى مضايقة المسلمين فيه منه، ولو لم يكن المسجد المستجد قبالة باب الخوخة محرسا لما استجد، فان أردت أن تبنى مسجدا قبل مسجد الريفى أو على شاطئ الخليج فالطريق ثم سهلة.

فقبّل الأرض وامتثل الأمر، فلما قبض على المأمون، وأمر الخليفة يانس المذكور، ولم يزل ينقله إلى أن استخدمه فى حجبة بابه سأله فى مثل ذلك، فلم يجبه إلى أن أخذ الوزارة فبناه فى المكان المذكور، وكانت مدته يسيرة فتوفى قبل إتمامه وإكماله، فكمّله أولاده بعد وفاته. (انتهى).

(قلت): وقد عرف هذا المسجد أخيرا بزاوية الشيخ أبى العباس البصير لأنه أقام به واتخذه زاوية لفقرائه فعرف بزاوية أبى العباس من ذلك الوقت.

‌ترجمة الشيخ أبى العباس البصير

وأبو العباس هذا ترجمه الشعرانى فى طبقاته وقال: إنه من أصحاب الكشف التام والقبول العام. كان رضي الله عنه معاصرا للشيخ أبى السعود بن أبى العشائر، وكان سيدى أبو السعود فى زاويته بباب القنطرة يراسل سيدى أبا العباس بالأوراق أيام النيل بالخليج الحاكمى وهو فى زاويته بباب الخرق، فكانت ورقة أبى السعود تقلع وورقة أبى العباس تحدر إلى أن ترسى على سلم الخليج ولا تبتل. رضي الله عنهما.

وذكر الشعرانى أيضا أن الشيخ يحيى الصنافيرى-المتوفى سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة- دفن بتربة الشيخ أبى العباس البصير بالقرافة. (انتهى). فعلم من هذا أن القبر الذى كان بهذه الزاوية تحت القبة التى كانت هناك ليس هو قبر أبى العباس، وهل هو قبر يانس صاحب المسجد أم قبر أحد أولاده؟ الله أعلم بحقيقة الحال.

ص: 80

ثم بعد ضريح سيدى محمد أبى النور قنطرة ثابت باشا، عرفت به لأنه هو الذى أنشأها ليمر عليها إلى داره التى هناك بشاطئ الخليج الغربى، وهى دار كبيرة فيها حديقة متسعة، وقد اشتراها الميرى الآن وجعل بها المحكمة الابتدائية المستجدة.

[سراى الأمير منصور]

وبه من جهة اليسار سراى الأمير منصور باشا، وهى من المبانى الهائلة. كان أصلها عدة بيوت وعطف وحارات أخذت جميعها وهدمت وبنيت على هذه الصورة، ومن ضمن ما دخل فيها سراى الأمير حسن باشا الطويل، وكانت عظيمة الاتساع صرف عليها مبلغا من النقود وأدخل فيها عدة بيوت، وبعد موته آلت إلى ابنته التى تزوجها فؤاد بيك بن حسن باشا الإسلامبولى، وسافرت معه إلى الآستانة العلية، فأقامت هناك مدة ثم عادت إلى مصر بأولادها بسبب أمور وقعت لها من زوجها، فاشترى منها الخديو إسماعيل هذه السراى، ثم اشترى الدور المجاورة لها من الجهة القبلية والبحرية، وهدم الجميع وأنشأه دارا واحدة برسم كريمته حرم الأمير منصور باشا، وعمل بداخلها بستانا عظيما فى جهتها البحرية، وأحدث من أجلها الميدان الموجود الآن محل جامع إسكندر باشا وملحقاته من السبيل والتكية والمنازل والدكاكين الموقوفة على ذلك، وكذلك جميع الأماكن التى كانت على الخليج تجاه السراية المذكورة مما كان لغير الأوقاف أخذ بثمنه من أربابه بعد تثمينه من أهل الخبرة، وجعل الجميع ميدانا كما هو الآن.

وقد بلغ مجموع تكاليف هذه العمارة من مشترى أملاك وهدم ونقل أتربة وبناء ومؤن وأجر وغير ذلك ما يزيد على مائتى ألف جنيه مصرى، ومع كل ذلك جاءت عمارة خالية من الحسن مجردة عن الانتظام ليس لهيئتها رونق مثل غيرها من العمارات الجسيمة.

ثم لما حصلت الحوادث بعد سنة ست وتسعين ومائتين وألف وخرج الخديو إسماعيل من الديار المصرية لم تتمكن صاحبتها من الإقامة بها لكثرة ما يلزمها من المصاريف، فتركتها وسكنت بالقصر الذى اشترته من الميرى الكائن بقرب ديوان المالية الآن الذى كان أصله بيت الأمير إسماعيل صديق باشا، وبقيت تلك السراية خالية من السكان لا يمكن بيعها لقلة من يرغب فى شرائها لخروجها عن الحد فى الاتساع، ولا يمكن تأجيرها للسكنى إلا إذا جعلت

ص: 81

وكالة أو حوشا يسكنه الفقراء، وفى هذه الحالة ما يتحصل منها من الاستغلال لا يكفى ما يتوقع بها من المرمة والعمارة، وعلى فرض حصول ذلك تصير خرابا فى زمن قريب مثل حوش الشرقاوى وغيره من بيوت الأمراء من الغز فى الأيام السالفة.

وقد قيل إن الميرى يرغب مشتراها ليجعلها ديوانا لإقامة المجالس المحلية، فإن فعل ذلك لزمه أن يصرف عليها مبالغ وافرة لتحويلها إلى الصورة الموافقة لإقامة المجالس بها، إذ تحويلها يقتضى هدمها عن آخرها وعمارتها بشكل جديد. فالأولى أن تبقى على حالتها وتجعل ديوانا للضبطية والمخالفات وعساكر البوليس لوجودها فى وسط البلد.

(قلت): ويوجد الآن بجهة حائط هذه السراية القبلية ضريح مشهور عند العامة بضريح الست سعادة وهو غلط، والصحيح أنه ضريح سعادة غلام المعز لدين الله، وقد ذكرنا ترجمته فى شارع درب سعادة من هذا الكتاب.

وكان بجوار هذا الضريح باب درب سعادة القديم كان معقودا بالحجر، وعليه بوابة كبيرة وكان من داخله حمام كبير يعرف بحمام درب سعادة، وفى مقابلته سبيل كبير، وقد زال كل ذلك مع تكية الوزير إسكندر باشا وجامعه وسبيله ومكتبته التى أنشأها سنة ثلاث وستين وتسعمائة فى عمل الميدان كما تقدم ذكر ذلك.

وإلى هنا انتهى الكلام على وصف شارع قنطرة الأمير حسين قديما وحديثا.

***

ص: 82

‌القسم السادس: شارع الحين

ويقال له شارع قنطرة الذى كفر، أوّله من آخر الميدان بجوار قنطرة الخليج الجديدة، وآخره أوّل شارع ضلع السمكة بقرب تكية النقشبندية.

[جامع الحين]

وبأوله من جهة اليمين جامع الحين الذى عرف الشارع به، وهو جامع كبير مشرف على الخليج من غربيه بجوار القنطرة الجديدة، أنشأه الأمير يوسف الشهير بالحين، وذلك فى القرن التاسع، وعمل له منارة مرنفعة، وجعل به خطبة، ولما مات دفن به، وهو مقام الشعائر إلى الآن من ريع أوقافه بنظر الديوان. ويتبعه سبيل يعلوه مكتب لتعليم الأطفال القرآن.

[قهوة الحين]

وكان تجاه هذا الجامع قهوة صغيرة تعرف بقهوة الحين يجلس عليها حانوتية الموتى ومطيبو العوالم، وقد زالت هذه القهوة عند فتح شارع محمد على، وأنشئ فى محلها قهوة كبيرة لها بابان، أحدهما تجاه الجامع والآخر بشارع محمد على، وصارت معدة لجلوس الحانوتية والمطيبين كالقهوة التى كانت قبلها، وهى من ضمن عمارة الأمير حسن باشا الشريعى.

وهذه العمارة الهائلة أصلها بيت كبير من بيوت الميرى جعل ورشة فى زمن العزيز محمد على باشا، ثم لما بطلت الورش بقى مدة فى حيازة الميرى إلى أن اشتراه الأمير المذكور فى زمن المرحوم سعيد باشا، وصار ينزل به حين مجيئه من بلده إلى مصر، واستمر كذلك إلى أن فتح شارع محمد على فمرّ من وسطه وقسمه نصفين، ثم بعد ذلك شرع فى عمارته الأمير المذكور، فجعل بضفتى الشارع عدة دكاكين وقهاوى، وما بقى جعله بيتا عظما معدا

ص: 83

لسكنه، فجاءت هذه العمارة من أحسن ما بنى بشارع محمد على. وهذا البيت كان أولا يعرف ببيت الأمير لاجين بك أحد أمراء الغز المصريين، وقد ذكرنا ترجمته بشارع محمد على من هذا الكتاب.

‌[قنطرة الذى كفر

(1)

]

ثم بعد جامع الحين ضريحان بجوار بعضهما يعمل لهما ليلة كل سنة، ثم قنطرة الذى كفر يسلك من عليها إلى شارع الخلوتى وغيره. وهذه القنطرة لم نقف لها على تاريخ إنشاء ولا على منشئ، وكذلك المقريزى لم يذكرها فى خططه لكونها استجدت بعد موته.

(1)

قنطرة الذى كفر: سبب تسمية هذه القنطرة بذلك أنه كان فى غربيها دار لأحد أمراء العزيز محمد علىّ يقال له عثمان أغا، وكان له خادم قديم من الذين يسمون بالمقدمين يسكن دارا بالتبانة بجوار مسجد خير بك المعروف عند العامّة (بالخربكية)، وكان من عادته أن يذهب الى داره بعض الأحيان بعد الغروب حاملا معه عشاءه الخبز فى يد والادام فى يد، فذهب بعض الليالى على عادته فصادف أشخاصا يترصدون فى الطريق لسرقة ما تصل اليه أيديهم من المارّة، ورآهم سرقوا من رجل ما معه وفرّوا، فخلع نعليه وأراد اللحاق بهم، فلم يدركهم، ولما عاد وجد بعضهم سرق النعلين، فأخبر سيده بذلك فعوضه، عن النعلين بمطرف من الكشميرى يتعمم به ورهبه نصف إردب من القمح وأمره أن يحمله إلى داره بعد الغروب كعادته، فحمله على حمار كان له وسار خلفه الأمير من حيث لا يشعر، ولما وصل إلى مكان السراق خرجوا عليه وسلبوه العمامة، وفرّوا إلا أن الأمير تمكن من إمساك واحد منهم واكتفى فى استيافه بأن جعل يده تحت إبطه ورجع به، فلم يستطع الرجل الإفلات لقوة عضل الأمير، إلا أنه لما مر به على مخفر كان فى الطريق حاول الصياح والشغب رجاء أن يخلصه رجال الشرطة فلم يسع الأمير إلا أن جعل رأسه تحت إبطه وضغط عليه حتى زهقت روحه. ولما اتصل الخبر بالعزيز محمد علىّ غضب وأمر الأمير أن يقبع داره ولا يخرج منها ولا يزوره أحد. ثم حدث أنّ المقدّم رأى بين أحد خدم الأمير وجواريه ما يريب، فأخبر سيده بذلك، وبأنهما يجتمعان فى طاحون الدار فترصدا لهما سرا وباغتا هما فى الطاحون فقتلهما الأمير بمرأى من المقدّم ثم أمره بالقائهما فى البئر، ففعل إلا أنه استقظع هذا العقاب الصارم، واستبشع منظر القتل وتأثر عقله منه فجنّ وصار يخرج من الدار ويقف على هذه القنطرة فيصبح بملء فيه (آدى اللى كفر) أى هذا الذى كفر، وبقى على ذلك يومين والناس يرونه ويجتمعون حوله ليسمعوا ما يقول، ثم مات فعرفت القنطرة بهذا الاسم من ذلك الحين. وقد روى هذا الخبر الأمير الثقة محمد ثابت باشا أحد رجال العزيز محمد علىّ والذى بقى إلى عصر الخديو عباس باشا الثانى وكان متوليا فى أوّل مدّته رآسة الديوان الخديوى وهو آخر منصب تولاه.

(أحمد تيمور)

ومقتطفات الصحف التالية من جمعه أيضا وجدناها ملصقة فى نسخته من «الخطط» المحفوظة بدار الكتب.

***

ص: 84

وهذا وصف جهة اليمين من شارع الحين المذكور، وأما جهة اليسار فبها السويقة المعروفة قديما بسويقة لاجين، وتعرف الآن بسويقة الداودية، يسلك منه إلى شارع محمد على وإلى

(1)

- أسماء شوارع العاصمة وتحليل أصولها

حضرات المحترمين أصحاب المقطم

رأيت جريدتكم تعنى كثيرا بموضوع ينطوى تحته التاريخ كتابة ونقلا أعنى بذلك أسماء الشوارع فى العاصمة وعلة هذه التسمية. فمن باب التفكه أرسل اليكم هذه العجالة راجيا التكرم بنشرها ولكم الفضل

فى حى درب الجماميز شارع اسمه قنطرة الذى كفر. والأصل أن مهندسا ايطاليا من الذين أحضرهم محمد على باشا أنشأ فى تلك الجهة قنطرة يوم كانت مياه الخليج المصرى تمر من هناك. واسم المهندس كفر اللى Cavarelli فسميت القنطرة باسمه وكان العامة يدعونها قنطرة كفر اللى.

وبعد مضى بضعة سنين سمع بعضهم هذا الاسم، فظن ان اسم الموصول «اللى» ورد بعد الفعل «كفر» خطأ، فدعا المكان «قنطرة اللى كفر» . ولما جاءت مصلحة التنظيم لتسمية الشوارع بمسمياتها الأثرية ابدلت اسم الموصول من اللغة العامة الفصحى فدعت الشارع-وليس فيه قنطرة الآن- «قنطرة الذى كفر» .

«مهندس»

("المقطم"يوم الأحد 2 ربيع الثانى 1342 - 11 نوفمبر 1923)

*** للحقيقة والتاريخ

حضرات المحترمين أصحاب المقطم الأغر

قرأت فى مقطم الأحد مقالا لمهندس أتى فيه على تحليل أصل الشارع الذى فى حى درب الجماميز باسم «قنطرة الذى كفر» فقال: والأصل أن مهندسا ايطاليا من الذين أحضرهم محمد على باشا أنشأ فى تلك الجهة قنطرة

الخ وان اسم المهندس كفراللى. Cavaralli

والحقيقة التى أعلمها أن هذا المهندس لم يكن إيطاليا ولا من الذين أحضرهم محمد على باشا، بل كان فرنسيا ومن رجال الحملة الفرنسية التى أغارت على مصر فى أواخر القرن الثامن عشر

ذلك أن نابليون بونابرت لما نجح فى تحويل الخمسة الذين كانت فى أيديهم مقاليد الحكومة الفرنسية باسم الدركتوار) Directoire (عن قرارهم فى غزو انجلترا بعد ما استعدلها بالجيوش الجرارة والعمارات البحرية فأقروه على غزو مصر قذف بتلك الجيوش على مصرنا العزيزة واستصحب معه فى ذلك عدة من كبار الضباط على اختلاف مصالح الجيش والبحرية وكذلك طائفة من خيار العلماء فى مختلف العلوم والفنون يزيد عددهم على مئة، قسمهم إلى لجان تشتغل كل منها بفرع من الأعمال. فكان من أولئك الضباط العالم البارع كفراللى دوفلجا Cafarelli-Dufalg رئيسا على فرقة المهندسين. وكان قد بترت ساقه منذ سنة 1793 على أثر الثورة الفرنسية الكبرى. فقام بأعمال كثيرة فى القاهرة لسد حاجة جيش الحملة فى تنقلاته ومن

ص: 85

داخل حارة الداودية، وبها عدة دكاكين معدة لمبيع المأكولات ونحوها.

(1)

-ذلك تلك القنطرة التى كانت على الخليج المصرى فسميت باسمه. ثم حرفه العامة كعادتهم فى المسميات الأجنبية حيث قالوا «عمارشه» بدلا من عمر شاه. (راجع كتاب تاريخ مصر منذ الفتح الاسلامى المطبوع باللغة الفرنسية فى باريس سنة 1848 ميلادية-صفحة 13 من قسم الحملة الفرنسية).

وأذكر أن حضرة البحاثة الفاضل رمزى بك المفتش بالمالية سبق له أن ذكر فى محاضرة له منذ عام وأكثر شيئا من هذا القبيل.

وبعد فقد ثبت مما نقلته هنا أنه ليس من الحق اطلاق اسم «قنطرة الذى كفر» على ذلك الشارع. وعسى من يعنيهم الأمر فى مصلحة التنظيم أن يهتموا فيصلحوا هذا الخطأ. وعفا الله عما سلف. والسلام

أحمد الحفنى

بوزارة المعارف

("المقطم"يوم السبت 8 ربيع الثانى 1342 - 17 نوفمبر 1923)

*** قنطرة الذى كفر

حضرات الأفاضل أصحاب المقطم الأغر

كثرت أقوال الكتاب فى الجرائد هذه الأيام من مهندسين وموظفين عن هذه القنطرة وأصل تسميتها واتفقوا جميعا على نسبتها إلى «كفرللى» المهندس الفرنسوى الذى جاء مصر أيام نابليون.

ولما كنت غير مقتنع بهذا القول عملت بقوله تعالى «وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها» فقصدت حضرة الأستاذ مصطفى بك منير أدهم المنوط بتسمية الشوارع وسألته عنها فقال: إن هذه القنطرة قديمة بنيت قبل مجئ البعثة الفرنسوية إلى مصر وكان اسمها «القنطرة الجديدة» .

فلما جاءت البعثة ورسمت مدينة القاهرة أوضحت تلك القنطرة على خريطتها برقم 28 وذكرتها فى الجدول الملحق بالخريطة باسمها (القنطرة الجديدة) ثم أطلعنى حضرته على الخريطة والجدول فاقتنعت بأن نسبة هذه القنطرة الى «كفرللى» خطأ. قلت وكيف ذاع على ألسنة الناس وفى الجرائد نسبة هذه القنطرة إلى كفرللى هذا مع أنها كانت موجودة قبل مجيئه الى مصر مع البعثة.

قال الأستاذ إن السبب فى ذلك أن شرفنى سعادة البحاثة الأستاذ زكى باشا بزيارتى فى منزلى ومعه حضرة رمزى بك ودار الحديث بيننا على هذه القنطرة فقال الباشا إنه يعلل تسميتها بقنطرة اللى كفر نسبة إلى المسيو كفرللى وقلبت العامة اسمه فقالوا اللى كفر فأخذ حضرة رمزى بك هذه العبارة عن الباشا وألقاها فى محاضرة له وزاد عليها أن مصلحة التنظيم لم يمكنها قلب اسم الرجل بل زادت الطين بلة وأبدلت «اللى» «بالذى» -فصارت قنطرة الذى كفر.

علق هذا التعبير فى رؤوس السامعين وخرجوا من قاعة المحاضرة يكررونه لما فيه من الفكاهة لو كان صحيحا، وانتشر تعليله بين الناس، ومنهم من سألنى فيه وأوقفته على الحقيقة فاقتنع.

فقلت إذا كانت هذه القنطرة معروفة قديما بالقنطرة الجديدة فلماذا سماها الناس قنطرة الذى كفره؟؟؟

ص: 86

وبهذا الشارع أيضا بيت الأمير أحمد باشا ابن المرحوم أحمد باشا عم الخديو، وداخله

(1)

-فقال الأستاذ إن لهذه التسمية حكاية طويلة متواترة سمعتها من سعادة الأستاذ إسماعيل بك رأفت وذكرتها فى كتاب «تسمية الشوارع» المشروع فيه ويمكنكم سؤال سعادته فيها للاستفادة.

فقلت ما رأى الأستاذ فى تعليل سعادة زكى باشا بشأن تسمية هذه القنطرة باسم كفرللى ولماذا لم ينشر الباشا نفسه هذا التعليل. فقال الاستاذ بأن هذا من حسن حظ كفرللى الذى أصبحت له شهرة تفوق شهرة رئيسه المسيو منج، وأن سعادة الباشا لم يكن مقتنعا تمام الاقتناع بتعليله، ولذلك لم يكتب فيه وكل من عرف الباشا من ذوى الاطلاع فى الكتب التاريخية يرى أن غرضه من أسمى الأغراض وأشرفها، وهو حث الناس على التنقيب وراء ما يقول ويكتب، وفى ذلك فوائد لهم باطلاعهم على كتب التاريخ المقبورة الآن فى دور الكتب وإيجاد حركة فكرية بينهم تعلمهم حرية التفكير، فكثيرا ما نراه يأخذ على نفسه المسئوليات العظمى ويفتح أبوابا للقيل والقال نتيجتها تنوير أذهان الناس وهو يثق أن الحكم النهائى سيكون فى جانب الحق والله تعالى أعلم.

محمد حسن

مهندس بمصلحة تنظيم مصر

(المقطم فى يوم السبت 15 ربيع الثانى سنة 1342 - 24 نوفمبر سنة 1923)

*** القنطرة الجديدة لا قنطرة الذى كفر

حضرات المحترمين أصحاب المقطم الأغر

ما كنت لأعود إلى طرق هذا الموضوع لولا أنى أعلم أن البحث فى هدوء مفض لا محالة إلى الحقيقة.

ذلك عذرى أزجيه لمن قد يتناولهم بحثى الآن عن غير قصد.

قرأت أخيرا مقالا فى مقطم السبت 24 نوفمبر الماضى لحضرة مهندس بمصلحة التنظيم روى فيه عن كبير فيها ما ملخصه: أن قنطرة الذى كفر قديمة-لم يبين مدى هذا القدم-وأنها بنيت قبل مجئ البعثة الفرنسوية إلى مصر وكان اسمها «القنطرة الجديدة» وان هذه البعثة لما جاءت ورسمت مدينة القاهرة أوضحت تلك القنطرة على خريطتها برقم 28. وأن حضرته اطلع على هذه الخريطة والجدول المرفق بها فاقتنع بأن نسبة هذه القنطرة إلى «كفرللى» خطأ. وأن الكبير المشار إليه أفهمه أن لذيوع تلك التسمية حكاية طويلة متواترة سمعها من سعادة الأستاذ إسماعيل بك رأفت. ويمكنه (الراوى) الاستفهام منه للاستفادة.

هذا ما اتحفنا به حضرة المهندس بطريق الرواية عن ذلك الكبير فله كل شكر من حيث أنه قرب مسافة الخلف بيننا.

بهذه الرواية انحصر الموضوع من جهة البحث فى نقطتين: الأولى أن هذه القنطرة قديمة قبل البعثة الفرنسوية باسم «القنطرة الجديدة» والثانية حكاية ذلك التحريف الذى وقع فى تسميتها (قنطرة الذى كفر).

أما أنها قديمة قبل البعثة الفرنسوية فهذا ما لا خلاف فيه بيننا. فإنى قلت فى مقالى الأول إنها من أعمال رجال الحملة الفرنسوية بمصر التى نشأ عنها الاحتلال الفرنسوى الذى مكث فيها من يوليو سنة 1798 إلى سبتمبر سنة 1801 م، وعادت بعده إلى السيادة العثمانية. ثم تولاها محمد على باشا سنة 1805 م (1220 هـ وهى جمل حروف منقذ مصر). فلم أقل إنها من أعمال البعثة الفرنسوية التى وفدت على مصر حوالى سنة 1831 م بطلب هذا المصلح الكبير إلى لويز فيليب ملك فرنسا من 1830 - 1848 م للاستعانة بها على الاصطلاحات العسكرية والإدارية.

ص: 87

جنينة، وبيت أحمد أفندى وكيل دائرة أحمد باشا الطوبجى، ووكالة وقف الأستاذ الشعرانى رضي الله عنه.

(1)

-أما الخريطة التى اطلع عليها حضرة المهندس فهى نسخة من خريطة عملت ملحقة بكتابه وصف مصر de l'Egypte Description المطبوع سنة 1821 م وما زالت نسخة منها موجودة بدار الكتب المصرية لمن يريد الرجوع اليها. وفيها هذه القنطرة باسم «القنطرة الجديدة» تحت رقم 28. والمفهوم أن هذه الخريطة جزء من الخريطة العمومية التى وضعها رجال الحملة الفرنسوية. كل هذا الذى ذكره ليس دليلا على أن (قنطرة الذى كفر) ليست من عمل الحملة الفرنسوية ما دامت كما قال حضرة المهندس فى رواية قد عملت قبل البعثة الفرنسوية.

بقى علينا أن نبحث عما إذا كانت موجودة قبل الحملة الفرنسوية. جاء فى الخطط التوفيقية لمصر القاهرة تأليف فقيد مصر المغفور له على مبارك باشا (ج 3 - ص 9) فى أثناء كلامه عن شارع الحين وما يوجد عليه من المنافذ. «ثم قنطرة الذى كفر يسلك من عليها إلى شارع الخلوتى وغيره. وهذه القنطرة لم نقف لها على تاريخ إنشاء ولا على منشئ، وكذلك المقريزى لم يذكرها فى خططه لكونها استجدت بعده» فإذا كانت هذه القنطرة لم تكن من عمل البعثة الفرنسوية ولا هى قديمة قبل الحملة الفرنسوية قدما يتصل بخطط المقريزى (الذى وفد على مصر من بلاد المغرب فى سنة 841 هجرية) ولم يصل المغفور له على مبارك باشا إلى شئ من تاريخها كما سلف.

بقى أنه ليس ثمت دليل على أنها ليست من عمل الحملة الفرنسوية، بل هى تنسب الى «كفرللى» كما ذكرت فى مقالى الأول حتى يقوم الدليل على خلاف ذلك على لسان حضرة المهندس.

وفى الختام أستميح حضرة الكبير المشار إليه فى الرواية فى هذا السؤال: إذا كان لهذه القنطرة اسمان: أحدهما بالخريطة (القنطرة الجديدة)، والثانى من قبل العامة (قنطرة الذى كفر). ولهذه التسمية الأخيرة سبب سمعه حضرته من سعادة الأستاذ إسماعيل بك رأفت تحاشى ذكره، وأحال الراوى فيه إلى البك، وكان من الواجب أن يسوقه فى معرض التدليل على صواب اسم (قنطرة الذى كفر). فلأى شئ عدلوا فى مصلحة التنظيم عن اسم (القنطرة الجديدة) المعروفة به على تلك الخريطة القديمة إلى الاسم الثانى مع ضعف الرواية فيه. إلا أن يكون ذلك أصلا لاسم (كفرللى) بعد التحريف.

ولعلنا بعد ذلك نظفر من حضرته بالجواب، وليس بعزيز عليه فى جانب علمه وفضله المعهودين، وعندها يرتج الباب دون هذه التسمية الشنيعة التى تمجها النفوس فى هذا العصر، والسلام.

أحمد الحفنى

بوزارة المعارف

("المقطم"فى يوم الأربعاء 4 جمادى الأول سنة 1342 - 12 ديسمبر سنة 1923)

ص: 88

‌القسم السابع: شارع ضلع السمكة

ابتداؤه من قنطرة الذى كفر، وانتهاؤه أول شارع بشتاك وآخر شارع الحبّانية تجاه قنطرة سنقر.

[جامع كاتم السر]

وعن يمين المارّ به عطفة كاتم السر ليست نافذة، وعلى رأسها جامع كاتم السرّ تجاه تكية الحبانية، كان قديما متخربا، فجدّده العزيز محمد على باشا سنة خمس وخمسين ومائتين وألف، وهو مشرف على الخليج الناصرى يصعد إليه بدرج من الحجر، وبداخله ضريحان، أحدهما يعرف بكاتم السر، والآخر لم يعرف صاحبه، وشعائره مقامة إلى الآن بنظر الأوقاف.

ثم بعد هذا الجامع العطفة الجديدة غير نافذة أيضا.

[تكية النقشبندية]

وهذا وصف جهة اليمين، وأما جهة اليسار فبها تكية النقشبندية؛ أنشأها المرحوم عباس باشا سنة ثمان وستين ومائتين وألف كما فى النقوش التى على أبوابها، وجعل بها مصلى ومراحيض للصوفية، وبنى بها سبيلا وبيتا لسكن شيخها محمد عاشق أفندى، وعمل بها حديقة لأجل أن تشرف عليها مساكن الصوفية، وبقى مقيما بها محمد أفندى عاشق إلى أن مات فى شهر جمادى الأولى سنة ثلثمائة وألف، ودفن بها رحمه الله، وهى مقامة الشعائر إلى الآن من أوقافها بنظر شيخها ابن بنت محمد عاشق المذكور. وسبب بناء هذه التكية أن المرحوم عباس باشا كان يعتقد فى الشيخ محمد عاشق ويحلّه ويعظمه، فطلب منه أن يبنى له تكية

ص: 89

ليسكن فيها مع دراويشه، فاشترى عدة منازل كانت فى محل هذه التكية، وأنشأها على حالتها التى هى عليها الآن، ووقف عليها أوقافا كثيرة، ورتب لها مرتبات جليلة، والله الموفق.

ثم زاوية المخفى. كانت متخربة فجدّدت من طرف المرحوم صالح باشا سنة ثمانين ومائتين وألف، وشعائرها مقامة إلى الآن.

[تكية الحبانية]

ثم تكية الحبانية، وكانت أول أمرها مدرسة أنشأها السلطان الملك المغازى محمود خان ابن السلطان مصطفى خان سنة أربع وستين ومائة وألف-كما هو منقوش على بابها-وبها أشجار ومساكن للصوفية، وكتبخانة معتبرة، وشعائرها مقامة من ريع أوقافها، وأنشأ بلصقها أيضا سبيلا، وجعل فوقه مكتبا قد صار الآن من المكاتب الأهلية الشهيرة يعرف بمكتب الحبانية، به نحو المائة تلميذ لهم خوجات ومؤدبون بماهيات من طرف الأوقاف، ويعمل به امتحان فى كل سنة.

وبهذا الشارع أيضا دار ورثة المرحوم صالح باشا بداخلها جنينة.

***

ص: 90

‌القسم الثامن: شارع بشتاك

ويقال له شارع درب الجماميز، ابتداؤه من آخر شارع ضلع السمكة، وانتهاؤه شارع اللبودية تجاه حارة إسماعيل بيك. وكان فى القديم يعرف بخط قبو الكرمانى، وكان يسكنه جماعة من الفرنج والأقباط ويرتكبون من الفضائح ما يليق بهم، فلما بنى جامع بشتاك تحولوا عنه.

(قلت): وللآن يوجد فى برّ الخليج الشرقى حارة كبيرة معمورة بالأقباط تعرف بحارة النصارى، فهى من بواقى ما كان يسكن منهم بهذا الخط. والكرمانى المنسوب إليه هذا الخط هو الأمير طقزدمر الكرمانى الحموى نائب السلطنة بديار مصر، وهو الذى أنشأ القنطرة المعروفة الآن بقنطرة درب الجماميز-كما سيأتى ذلك نقلا عن المقريزى

[جامع بشتاك]

ويوجد بهذا الشارع جامع بشتاك

(1)

الذى عرف الشارع به، أنشأه الأمير بشتاك، فكمل فى سنة ست وثلاثين وسبعمائة، وخطب به عبد الرحمن بن جلال الدين القزوينى، واستمرّ أعواما عامرا ثم تخرب، وبقى كذلك إلى أن جددته والدة المرحوم مصطفى باشا فى سنة تسع وسبعين ومائتين وألف، وصار الآن أحسن مما كان، وأنشأت تجاه بابه سبيلا ومكتبا،

(1)

دفن فى حجرة بهذا المسجد أحمد رشدى بك ابن الأمير مصطفى فاضل باشا، وكانت وفاته سنة 1296، ثم نقل جثمان مصطفى فاضل باشا من القسطنطينية سنة 1348، ودفن فى هذه الحجرة أيضا. انظر ما كتبناه عنه ج 4 ص 65 [الطبعة الأولى] فى الكلام هناك على جامع بشتاك. أحمد تيمور

ص: 91

ورتبت مرتبات سنوية لخدمة الجامع والأطفال الذين بالمكتب والمعلمين والمؤدبين، ووقفت على ذلك أوقافا دارّة، شعائرها مقامة منها إلى الآن.

وكان فى محل هذا السبيل خانقاه بشتاك التى أنشأها مع الجامع.

‌ترجمة سعد الدين

وبجوار هذا السبيل الآن زاوية تعرف بزاوية سعد الدين الغرابى كانت فى الأصل خانقاه ابن غراب التى قال فيها المقريزى إنها خارج القاهرة على الخليج الكبير من بره الشرقى أنشأها القاضى سعد الدين بن عبد الرزاق بن غراب الإسكندرانى المتوفى سنة ثمان وثمانمائة، واليوم قد جعل بعضها مساكن، ولم يبق منها إلا إيوان واحد فى شعائره بعض تعطيل. وبها سبيل مهجور، وبجوارها زاوية سيدى عبد الوهاب، شعائرها غير مقامة لتخربها، وتحت نظر أبى العينين الحمامى.

وبهذا الشارع أيضا جامع المنادى، ويعرف بجامع نقيب الجيش، أنشأه الناصرى محمد نقيب الجيش المنصور، شعائره مقامة، وبه ضريحان، أحدهما لمنشئه، والآخر للشيخ مصطفى المنادى الذى عرف به هذا الجامع، يعمل له حضرة كل ليلة سبت، ومولد كل عام مع مولد السيدة زينب رضي الله عنها.

وتجاه هذا الجامع زاوية خربة وسبيل تابعان له، وبه جامع حارس الطير، أنشأه الأمير سيف الدين أسنبغا حارس الطير بعد الثمانمائة، وهو مقام الشعائر إلى الآن، وبجواره زاوية الكردى، لها بابان إليه، ومنافعهما واحدة، عرفت بذلك لأن بها ضريح الشيخ يوسف الكردى وولديه الفوزى والخضرى. وبجوارها سبيل له باب من داخله، وفوقه مكتب لتعليم الأطفال.

وبه أيضا زاوية تعرف بزاوية الأربعين داخل حارة النبقة، بها ضريح يقال له الأربعين، ولها منبر، وكانت أول أمرها مدرسة كما يدل لذلك ما هو مكتوب بأسفل سقفها ونصه:

«أمر بإنشاء هذه المدرسة المباركة الجناب الكريم العالى المولوى» . وباقى الكتابة مطموس لا يمكن قراءته، وشعائرها غير مقامة لتخربها، ونظرها لإسماعيل أفندى عبد الخالق.

ص: 92

وبه أيضا زاوية تعرف بزاوية الشيخ درويش، بداخلها ضريح الشيخ درويش، وشعائرها مقامة.

[قنطرة درب الجماميز]

وبجوارها قنطرة درب الجماميز، وهى من القناطر القديمة ذكرها المقريزى وسمّاها بقنطرة طقزدمر فقال: هذه القنطرة على الخليج الكبير بخط المسجد المعلق يتوصل منها إلى برّ الخليج الغربى وحكر قوصون وغيره. ثم قال عند الكلام على حكر طقزدمر: هذا الحكر كان بستانا مساحته نحو الثلاثين فدانا، فاشتراه الأمير طقزدمر الحموى-نائب السلطنة بديار مصر ودمشق-وقلع أخشابه، وأذن للناس فى البناء عليه، فحكروه وأنشأوا به الدور الجليلة، واتصلت عمارة الناس فيه بسائر العمائر من جهاته، وأنشأ الأمير طقزدمر فيه أيضا على الخليج قنطرة ليمر عليها من خط المسجد المعلق إلى هذا الحكر، وصار هذا الحكر مسكن الأمراء والأجناد، وبه السوق والحمامات والمساجد وغيرها، وهو مما عمر فى أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون. ومات طقز دمر فى ليلة الخميس مستهل جمادى الآخرة سنة ست وأربعين وسبعمائة. (انتهى).

(قلت): والمقريزى لم يذكر لهذا الحكر حدودا، بل ذكر أن هذه القنطرة بنيت فيه، وقال إن مساحته نحو الثلاثين فدانا-يعنى بفدان ذاك الوقت-فتكون مساحته بفدان وقتنا هذا نحو الأربعين فدانا، ويؤخذ من ذلك أنه كان كبيرا وأن من ضمنه الآن جميع الحارات والبيوت المحدودة من بحرى بشارع خليل طينة، ومن غربى بشارع سويقة اللالا، ومن قبلى بشارع قنطرة عمر شاه، ومن شرقى بالخليج الكبير. ويؤخذ من كلام المقريزى على حكر قوصون الذى ذكرناه بشارع قنطرة عمر شاه أن حكر طقز دمر كان مجاورا له من الجهة البحرية.

وبهذا الشارع من جهة اليمين عطف وحارات وشوارع على هذا الترتيب:

‌شارع قنطرة سنقر

أوّله من باب قنطرة سنقر تجاه رأس حارة الحبّانية، وآخره رأس شارع درب الحجر بجوار حارة النصارى، وطوله أربعة وستون مترا. عرف بقنطرة سنقر التى ذكرها المقريزى

ص: 93

وقال: هى على الخليج الكبير يتوصل إليها من خط قبو الكرمانى ومن حارة البديعيين المعروفة اليوم بالحبانية، ويمرّ من فوقها إلى برّ الخليج الغربى، عرفت بالأمير آق سنقر شادّ العمائر السلطانية فى أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون، عمّرها لما أنشأ الجامع بالبركة الناصرية، ومات بدمشق سنة أربعين وسبعمائة. (انتهى).

وبشارع قنطرة سنقر هذا من جهة اليمين رأس شارع الخلوتى وسيأتى بيانه فى محله.

وبه جهة اليسار حارة النصارى، يسكنها كثير من أقباط النصارى، ويتوصل منها لشارع سويقة اللالا وغيره، وبه حمام يعرف بحمام سنقر عامر إلى الآن يدخله الرجال والنساء، وتابع لوقف مرزة، وبقربه ضريح يعرف بالأنصارى.

انتهى ما يتعلق بوصف شارع قنطرة سنقر المذكور.

ثم لنرجع إلى الكلام على شارع بشتاك فنقول:

وعن يمين المارّ به أيضا شارع خليل طينة، وسيأتى بيانه فى محله إن شاء الله تعالى.

ثم عطفة الوزّان بداخلها دار للسيد محمد السادات، ثم عطفة محسن.

ثم عطفة حبيب أفندى، بداخلها دار حبيب أفندى الذى عرفت به هذه العطفة، ودار هلال بيك، ودار إبراهيم أغا، والثلاث عطف غير نافذة.

[عطفة السادات]

ثم عطفة السادات

(1)

يتوصل منها لحارة عبد الباقى بيك، وبرأسها جامع قراقوجه الحسنى؛ له بابان: أحدهما على الشارع، والآخر بداخل العطفة، وشعائره مقامة من جهة الأوقاف، ويقابله سبيل تابع له.

وبها أيضا زاوية تعرف بزاوية السادات بجوار سراى المرحوم مصطفى باشا، بها ضريح يعرف بضريح الشيخ الزيات، يعمل له حضرة كل ليلة اثنين.

وبها أيضا سبيل وقف قاسم بيك المعروف بأبى سبحة بلصق سراى درب الجماميز من الجهة القبلية.

(1)

هى عن يسار المارّ بهذا الشارع.

ص: 94

وبهذه العطفة أيضا دار حرم محمود باشا البارودى، وهى دار كبيرة بها جنينة، ودار الأمير إسماعيل باشا كامل، ودار ورثة المرحوم شرين باشا، ودار ورثة المرحوم محمود باشا نامى، ودار السيد عبد الخالق السادات.

[دار السادات]

وهى من الدور القديمة الشهيرة المعتبرة بداخلها زاوية معدة للصلاة، وبها جنينة كبيرة، وهذه الدار كانت مسكنا لأجداده من قبله-عليهم الرحمة والرضوان-وقد اعتنى كل منهم فى زيادة زخرفتها وتجديد ما تشعث بها، خصوصا السيد أحمد بن السيد إسماعيل المتولى نقابة الأشراف فى سنة ثمان وستين ومائة وألف، فإنه هو الذى أنشأ بها المكان اللطيف المرتفع المجاور للقاعة الكبيرة المعروفة بأم الأفراح المطل على الشارع، وما به من الرواشن المشرفة على الحوش والشارع، وأنشأ أيضا ما بهذا المكان من الخزائن والخورنقات والرفارف والشرفات والرفوف الدقيقة الصنعة ونحوها.

‌ترجمة السيد أحمد

والسيد أحمد هذا هو السيد أحمد بن إسماعيل بن محمد المكنى بأبى الامداد سبط بنى الوفا. تولى نقابة الأشراف فى سنة ثمان وستين ومائة وألف، وبقى كذلك إلى أن مات رحمه الله فى سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف. وكان إنسانا حسنا بهيا ذا تودد ووقار، وفيه قابلية لإدراك الأمور الدقيقة والأعمال الرياضية، وهو الذى حمل الشيخ مصطفى الخياط الفلكى على تأليف رسالة فيها حساب حركة الكواكب الثابتة وأطوالها وعروضها ودرجات ممرها ومطالعها لما بعد الرصد الجديد إلى تاريخ وقته، وهى من مآثره استمرت منفعتها مدة من السنين، واقتنى كثيرا من الآلات الهندسية والأدوات الرسمية لرغبته فى ذلك، ودفع فيها الأموال الجسيمة. (انتهى).

(قلت): وهذه الدار باقية إلى الآن على أصلها مع بعض تغييرات خفيفة اقتضتها العوائد التابعة لسير الزمان فى تغيراته وتقلباته، وكان بجوارها من قبلى الدار المعروفة بدار هانم بنت إبراهيم بيك الكبير شيخ البلد الذى دخلت الفرنسيس مصر فى أيامه، وطردته إلى الأقطار السودانية، فمات بها، وهى الآن بيد ورثة المرحوم على باشا الأرنؤودى.

ص: 95

وكان فى بحرى دار السادات المذكورة دار على أغا كتخدا الجاوشية، ومحلها الآن عربخانة السادات وما بجوارها وكانت دار على أغا هذه بجوار دار الست سلن التى هى اليوم دار الأمير خليل باشا بيامى

(1)

.

[ترجمة إسماعيل بك زوج الست سلن]

وذكر الجبرتى فى تاريخه أن الست سلن هذه تزوجها إسماعيل بيك الصغير أخو على بيك المعروف بالغزاوى، وكان هو وإخوته خمسة وهم: على بيك، وإسماعيل بيك هذا، وسليم أغا المعروف بتمر لنك، وعثمان، وأحمد، فلما تأمر على بيك كان إخوته الأربعة بإسلامبول، وكانوا مماليك عند بشير أغا القزلار وأعتقهم، فلما تسامعوا بإمرة أخيهم فى مصر حضر إليه إسماعيل وأحمد وسليم، واستمر عثمان بإسلامبول، فعمل إسماعيل كتخدا عند أخيه على بيك، وعمل سليم خاز ندارا عند إبراهيم كتخدا أياما، ثم قامت عليه مماليكه وعزلوه لكونه أجنبيا عنهم، ثم صار لهم إمرة وبيوت وإقطاعات.

وتزوج اسماعيل بيك ابنة رضوان كتخدا الجلفى المسماة بفاطمة هانم، وسكن معها فى دارها العظيمة بالأزبكية، وصار من أرباب الوجاهة، ثم لما استقر محمد بيك أبو الذهب بملك مصر وزّره وجعله كتخداه مدة، وتزوج بالست سلن محظية رضوان كتخدا بعد موت أخيه على بيك زوجها، وكان بيتها بجوار بيت على كتخدا الجاويشية بدرب السادات. ثم بعد ذلك ماتت زوجته فاطمة هانم، فباع بيتها الذى بالأزبكية لمخدومه محمد بيك أبى الذهب، وبنى داره المجاورة لبيت الصابونجى، وصرف عليها أموالا جمّة، وأضاف إليها البيت الذى عند باب الهواء المعروف ببيت المرحوم الشرايبى، وسكنها مدة، وزوّجه محمد بيك سرية من سراريه أيضا، ثم باع تلك الدار لأيوب بيك الكبير، وسافر إلى إسلامبول بأمر مخدومه محمد بيك بهدايا وأموال للدولة ومكاتبات بطلب ولاية مصر والشام، فأجيب إلى ذلك، وكتبت له التقاليد وأعطوه رقم الوزارة، وتم الأمر وأراد المسير إلى مخدومه يهنئه بذلك فورد الخبر بموته، فبطل ذلك ورجع المترجم إلى مصر وأقام بها فى ثروة، وتقلد الصنجقية وصار له الحل والعقد، فاغتر بذلك، فحقد عليه الأمراء وقتلوه وذلك فى سنة إحدى وتسعين ومائة وألف-كما هو مذكور فى ترجمته من الجبرتى. (انتهى).

(1)

فى الطبعة الأولى «ميامى» ، والتصحيح لأحمد تيمور.

ص: 96

(قلت): ودار الصابونجى قد زالت فى تنظيم ميدان العتبة الخضراء، وكانت بقرب حمام الصابونجية المعروف بحمام العتبة الخضراء، وقد زال أيضا، وكان بقرب محل التمثال. وأما الدار التى بناها إسماعيل بيك بجوار بيت الصابونجى فهى دار الثلاثة ولية التى من ضمنها سراى العتبة الخضراء الموجودة الآن كما يدل لذلك قوله وأضاف إليها دار المرحوم الشرايبى، ودار الشرايبى هى دار الثلاثة ولية كما ذكرنا ذلك فى موضعه من هذا الكتاب.

انتهى ما يتعلق بوصف عطفة السادات وما فيها من الدور وغيرها.

‌مطلب حارة عبد الباقى بيك

ثم بعد عطفة السادات حارة عبد الباقى بيك يتوصل منها لبركة الفيل ولعطفة السادات، وبداخلها ثلاث عطف وزاوية تعرف بزاوية عوض، بها ضريح للشيخ أحمد عوض، وشعائرها مقامة من أوقافها. وبها أيضا حمام يعرف بحمام الكروغلى إمام.

ثم حارة إسماعيل بيك بداخلها عطفة تعرف بعطفة الفرن.

وبهذا الشارع أيضا من الدور الشهيرة دار ورثة المرحوم على برهان باشا، ودار الأمير مصطفى باشا-عم الخديو توفيق.

[دار الأمير مصطفى عم الخديو توفيق]

وهذه الدار كانت فى الأزمان السالفة من الدور الجليلة كما هى الآن

[ترجمة خوند فاطمة]

وممن امتلكها خوند فاطمة ابنة العلاى على بن خاص بك، وسميت فى وقفية الغورى بالآدر الشريفة خوند الخاصبكية، وكان بجوارها دار الناصرى محمد نقيب الجيش المنصور، وهى التى صارت الآن بيد ورثة المرحوم على برهان باشا أخى المرحوم راتب باشا الكبير.

والمدرسة الموجودة إلى الآن بشارع بين السورين المعروفة بمدرسة أم خوند من إنشاء والدة خوند فاطمة هذه، وذكر ابن إياس فى حوادث سنة ست وتسعمائة أن السلطان طومان باى العادل عقد على خوند فاطمة ابنة العلاى على بن خاص بك-زوجة الأشرف قايتباى جنبلاط بجامع القلعة، وحضر القضاة الأربع العقد، وكان يوما مشهودا. وفى شهر شعبان من السنة

ص: 97

المذكورة طلع جهاز خوند الخاصبكية إلى القلعة، فشق من الصليبة، وكان يوما مشهودا.

وفى يوم الخميس سابعه صعدت خوند الخاصبكية إلى القلعة فخرجت من بيتها الذى بقنطرة سنقر وهى فى محفة زركش، ومشت قدامها رؤوس النوبة والحجاب والخاصكية وهم بالشاش والقماش، ومشى أيضا قدّامها الوالى ونقيب الجيش وعبد اللطيف الزمام وأعيان الأكابر والمباشرين، منهم كاتب السر صلاح الدين بن الجيعان، وناظر الجيش، وناظر الخاص، وبقية المباشرين وأعيان الطواشية، وكان معها نساء الأمراء والأعيان نحو مائتى امرأة، فلما وصلت إلى باب الستارة فرشت لها الشقق الحرير تحت حوافر بغال المحفة، ونثر عليها خفائف الذهب والفضة، وحمل الزمام القبة والطبر على رأسها حتى جلست بقاعة العواميد، والنقارية السلطانية عمالة، وكان يوما مشهودا واستمر ذلك ثلاثة أيام. (انتهى).

‌ترجمة يوسف بيك الجزار

ثم إن هذه الدار تنقلت من الأيدى إلى أن صارت فى سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف فى يد الأمير يوسف بيك الجزار، وهو-كما فى الجبرتى-الأمير الجليل يوسف بيك المعروف بالجزار تابع الأمير الكبير إيواظ بيك. تقلد الإمارة والصنجقية فى سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف أيام الواقعة الكبيرة بعد قتل أستاذه من قانصوه بيك قائم مقام إذ ذاك، وكانت له اليد البيضاء فى الهمة والاجتهاد والسعى فى أخذ ثأرسيده، والقيام الكلى فى خذلان المعاندين، وجمع الناس، ورتب الأمور، وركب فى اليوم الثانى من قتل سيده وصحبته إسماعيل بيك ابن سيده وأتباعه، وطلع إلى باب العزب، وفرق فيهم عشرة آلاف دينار، وأرسل إلى البلكات الخمسة مثل ذلك، وجرّ المدافع، وخرج بمن انضم إليه إلى ميدان الحرب بقصر العينى، وحارب محمد بيك الصعيدى وطائفته ومن بصحبته من الهوارة حتى هزمهم وأجلاهم عن الميدان إلى السواقى، واستمر يخرج إلى الميدان فى كل يوم ويدبر الحروب، حتى تم له الأمر بعد وقائع وأمور كثيرة، وتقلد إمارة الحج وطلع بها فى تلك السنة، وتقلد قائم مقامية فى سنة ست وعشرين ومائة وألف عن عابدى باشا.

ولما حقدوا على إسماعيل بيك ابن سيده ودبروا على إزالته فى أيام رجب باشا أخرجوا المترجم ومن معه بحجة وقوف العرب، وقتلوا من كان منهم بمصر وأخرجوا لهم تجريدة.

ص: 98

فعند ذلك قام المترجم بتدبير الأمور، واختفى إسماعيل بيك، ودخل منهم من دخل إلى مصر سرا، واستمر يدبر على إظهار ابن سيده، واستمال قلوب أرباب الحل والعقد، وأنفق الأموال، وعمل وليمة فى بيته جمع فيها محمد بيك جركس وباقى أرباب الحل والعقد، وأبرز لهم إسماعيل بيك ومن معه بعد المذاكرة والحديث، وتمموا أغراضهم، وعزلوا الباشا وأنزلوه من القلعة، وتأمرّ إسماعيل بيك، وظهر أمره كما كان، وتولى المترجم الدفتردارية فى سنة سبع وعشرين بعد انفصاله عن إمارة الحج، ثم عزل عنها واستمر أميرا مسموع الكلمة وافر الحرمة إلى أن مات فى سنة أربع وثلاثين ومائة وألف. ووقع له مع العرب وقائع كثيرة قتل فيها ألوفا منهم، فلذلك سمى بالجزار. (انتهى ملخصا)

ثم سكن بيته من بعده ابن سيده إسماعيل بيك المذكور، ولما سكن به جدده وصرف عليه أموالا عظيمة. قال الجبرتى: وكان منزله-أعنى إسماعيل بك-هو بيت يوسف بيك الذى بدرب الجماميز المجاور لجامع بشتاك المطل على بركة الفيل. ثم قال: وقد عمره وزخرفه بأنواع الرخام الملوّن، وصرف عليه أموالا عظيمة، وبعد قتله تخرّب، وصار حيشانا ومساكن للفقراء وطريقا يسلك منها المارّة إلى بركة الفيل، ولله عاقبة الأمور. (انتهى)

وقد ذكرنا ترجمة إسماعيل بيك هذا مع ترجمة والده إيواظ بيك الكبير عند الكلام على مدفن رضوان بيك أبى الشوارب الذى بشارع العشماوى.

ثم بعد مدّة كبيرة أنشأ فى مساحة هذه الدار الأمير سامى باشا المرلى

(1)

دارا كبيرة بعد ما اشترى ما كان هناك من الحيشان وغيرها. ثم بعد موت الأمير المذكور اشتراها الأمير مصطفى باشا-نجل المرحوم إبراهيم باشا سر عسكر-وهدم أغلبها وبناها بناء جديدا، فجاءت من أحسن المبانى فى الإحكام والإتقان، وغرس بها بستانا عظيما.

‌مطلب تاريخ انتقال المدارس من العباسية إلى درب الجماميز

والآن أخذها الميرى وجعل بها ديوان المعارف المصرية، وسبب ذلك أنى لما تعينت ناظرا على المدارس بعد الأمير شريف باشا كانت المدارس إذ ذاك بالعباسية وكانت التلامذة

(1)

المرلى نسبة تركية إلى المورة التى بالمملكة اليونانية، وقد تقدّم فى ج 1 ص 84 [طبعة أولى] بلفظ المرهلى.

أحمد تيمور

ص: 99

والخوجات وسائر المستخدمين يقاسون المشاق والصعوبات فى الذهاب والإياب لبعد القاهرة عن العباسية، فشفقة بهم قد استرحمت الخديو إسماعيل باشا، وعرضت عليه ملتمسا منه نقل المدارس داخل المدينة لما فى ذلك من عناية المعلمين والنجاح فى التعليم والوفر فى المصرف على الخوجات وغيرهم وراحة أهالى التلامذة وغير ذلك، فاستصوب ما عرضته عليه وأمر بإعطاء هذا البيت لإقامة المدارس به، فأجريت فيه ما اقتضته ضروريات المصلحة وانتقلت إليه المدارس مع ديوانها. ثم لما أحيل علينا نظارة ديوان الأوقاف نقلته مع ديوان المدارس أيضا وبقيا على ذلك إلى الآن.

‌الكتبخانة المصرية

ثم ظهر لى أن أجعل كتبخانة خديوية داخل الديار المصرية أضاهى بها كتبخانة مدينة باريز فاستأذنت الخديو إسماعيل باشا فى ذلك، فأذن لى، فشرعت فى بناء الكتبخانة الخديوية هناك أيضا، وبعد فراغها جمعت فيها ما تشتت من الكتب التى كانت بجهات الأوقاف زيادة على ما صار مشتراه من الكتب العربية والفرنجية وغيرها، وجعلت لها ناظرا، ورتبت لها خدمة ومعاونين، وعملت لها قانونا لضبطها وعدم ضياع كتبها، فجاءت بعون الله من أنفع التجديدات التى حدثت فى عهد الخديو إسماعيل باشا، وحصل بها النفع العام للخاص والعام.

وبهذا الشارع أيضا من الدور الكبيرة دار خليل بيك النابلسى، ودار ورثة المرحوم عابدين بيك، ودار ورثة المرحوم موسى باشا-حكمدار السودان سابقا، ودار ورثة الأمير شاهين باشا، ودار حسين باشا فهمى، وكلها بجناين.

وبه سبيل يعرف بسبيل بشير أغا، أنشأه بشير أغا أغاة دار السعادة سنة إحدى وثلاثين ومائة وألف، وجعل فوقه مكتبا لتعليم الأطفال، وهو عامر إلى الآن.

وكان بهذا الشارع على يمين المارّ به حمّام يعرف بحمّام درب الجماميز من وقف امرأة تدعى عائشة الحمامية، هدم وبنى فى محله العمارة الجديدة الموجودة الآن بقرب قنطرة درب الجماميز.

انتهى ما يتعلق بوصف شارع بشتاك قديما وحديثا.

***

ص: 100

‌القسم التاسع: شارع اللبودية

أوله من نهاية شارع درب الجماميز تجاه حارة إسماعيل بيك، وآخره مسجد السيدة زينب-رضي الله عنها-وعن يمين المارّ به عطفتان غير نافذتين: إحداهما تعرف بعطفة الحطابة، والأخرى بعطفة المارستان القديم.

وفى مقابلة عطفة المارستان هذه الجامع المعروف بجامع ذى الفقار بيك، ويعرف أيضا بجامع غطاس، أنشأه الأمير ذو الفقار بيك سنة إحدى وتسعين وألف، وهو عامر إلى الآن ويتبعه سبيل ومكتب بجواره متخربان.

وذكر صاحب كتاب «قلائد العقيان» أن الأمير ذا الفقار بيك كان أميرا على الحج الشريف زمن الوزير حمزة باشا. ومات سنة سبع وتسعين وألف وخلف ولده المعروف بالرشيد إبراهيم بيك فى الصنجقية. (انتهى).

وبهذا الشارع أيضا جامع تمراز الأحمدى، ويعرف أيضا بجامع البهلول، وهو تجاه قنطرة عمر شاه، أنشأه المرحوم تمراز الأحمدى سنة ثمان وسبعين وثمانمائة، وأنشأ بجواره سبيلا ومكتبا. وهو مقام الشعائر إلى الآن، وبداخله قبر تمراز الأحمدى، وبقربه قبر السيد محمد الشمسى الذى كان سروانا عند العزيز محمد على باشا. وفى سنة تسعين ومائة وألف جدّد هذا الجامع الأمير حسن أفندى اختيار تفكشان ابن الأمير محمد، وأقام شعائره كما كان، ونظره الآن للسيد رضوان الشمسى.

ص: 101

وزاوية الشيخ إبراهيم هدهد، شعائرها مقامة، وبها ضريح يعرف بالشيخ حسن الطيار، له حضرة كل أسبوع، ومولد كل عام، ولهذه الزاوية مرتب بالروزنامجة كل سنة ألف قرش من القروش المصرية.

‌شارع قنطرة عمر شاه

هو عن يمين المارّ بشارع اللبودية تجاه جامع البهلول. يبتدئ من قنطرة عمرشاه، وينتهى لآخر شارع سويقة اللالا، وطوله مائتا متر وعشرة أمتار، عرف بذلك من أجل أن به قنطرة عمر شاه التى ذكرها المقريزى فقال: هذه القنطرة يتوصل منها إلى بر الخليج الغربى ولم يذكر منشئها ولا تاريخ إنشائها، ويوجد الآن بقربها جباسة معدة لطحن الجبس وبيعه تعرف بجباسة المعلم سليمان بصلة

[حكرقوصون]

(قلت): وكان فى غربى الخليج عن يسار المارّ إلى السيدة زينب حكر قوصون الذى ذكره المقريزى، وكان ابتداؤه أول هذا الشارع، وينتهى لشارع الناصرية. قال المقريزى: هذا الحكر مجاور لقناطر السباع، كان بستانين: أحدهما يعرف بالمخاريق الكبرى، والآخر يعرف بالمخاريق الصغرى.

فالحد القبلى للمخاريق الكبرى ينتهى إلى الخليج الفاصل بينه وبين المواضع المعروفة بجماميز السعدية والسبع سقايات، والحد الشرقى ينتهى إلى البستان المعروف بالمخاريق الصغرى المقابل للمجنونة، والبحرى ينتهى إلى البستان المعروف قديما بابن أبى أسامة الفاصل بينه وبين بستان أبى اليمن المجاور للزهرى، والحد الغربى ينتهى إلى الطريق، ثم قال: وجعل هذا البستان على القربات بعد عمارته، وشرط أن الناظر يشترى فى كل فصل من فصول الشتاء ما يراه من قماش الكتان الخام أو القطن، ويصنع ذلك جبابا وبغالطيق محشوة قطنا، ويفرقها على الأيتام الذكور والإناث الفقراء غير البالغين بالشارع الأعظم خارج باب زويلة؛ لكل واحد جبة أو بغلطاق، فإن تعذر ذلك كان على الأيتام المتصفين بالصفة المذكورة بالقاهرة ومصر وقرافتيهما، فإن تعذر ذلك كان للفقراء والمساكين أينما وجدوا، وتاريخ كتاب هذا الوقف فى ذى الحجة سنة ستين وستمائة، وأما المخاريق الصغرى فإنه بعدوة الخليج

ص: 102

قبالة المجنونة بالقرب من بستان أبى اليمن، ثم عرف أخيرا ببستان بهادر رأس نوبة، ومساحته خمسة عشر فدانا، فاشتراه الأمير قوصون، وقلع غروسه، وأذن للناس فى البناء عليه، فحكروه وبنوا فيه الآدر وغيرها، وعرف بحكر قوصون. (انتهى).

[قنطرة المجنونة]

(قلت): ولفظة المجنونة المتقدم ذكرها فى هذه العبارة اسم لقنطرة تكلم عليها المقريزى فى ضمن الكلام على بركة الفيل حيث قال: ويعبر ماء النيل إلى هذه البركة أيضا من الخليج الكبير من تحت قنطرة تعرف قديما وحديثا بالمجنونة، وهى الآن لا تشبه القناطر وكأنها سرب يعبر منه الماء، وفوقه بقية عقد من ناحية الخليج كان قد عقده الأمير الطيبرس، وبنى فوقه منتزها، فقال فيه علم الدين بن الصاحب:

ولقد عجبت من الطبرس وصحبه

وعقولهم بعقوده مفتونة

عقدوا عقودا لا تصح لأنهم

عقدوا لمجنون على مجنونة

وكان الطيبرس هذا يعتريه الجنون، واتفق أن هذا العقد لم يصح وهدم، وآثاره باقية إلى اليوم. (انتهى).

(قلت): وهذه القنطرة باقية إلى وقتنا هذا قبالة منزل حسين باشا وكيل ديوان الأوقاف يصل منها الماء أيام النيل إلى منزله وجنينته، ويصل منها أيضا إلى البجمون الباقى من بركة الفيل إلى الآن، وبهذا البجمون فروع كثيرة توصل الماء إلى جهات شتى مثل: جنينة إسماعيل باشا عاصم، ومنزل أحمد أفندى جوهر، ومنزل الأمير رياض باشا، ومنزل على بيك السويسى، وإبراهيم أفندى جركس، وغير ذلك من المنازل.

ويؤخذ مما تقدم عن المقريزى أن بستان المخاريق الصغرى محله الآن كتلة الحارات والبيوت التى بشاطئ الخليج الغربى المقابل لمنزل الأمير حسين باشا المذكور، وكان بستان المخاريق الكبرى بحذائه ممتدا إلى قناطر السباع، فيكون حكر قوصون محدودا من بحرى بشارع قنطرة عمر شاه وحارة العراقى، ومن قبلى وغربى بشارع الناصرية، ومن قبلى وشرقى بالخليج

ص: 103

الكبير، وكانت جماميز السعدية بشارع اللبودية من عند قنطرة السباع وتمتد إلى أول هذا الشارع، فمن أجل ذلك عرف بشارع درب الجماميز

وأما بستان أبى اليمن فقد ذكرنا فى الكلام على حارة شق الثعبان أن محله الآن سويقة مسكة.

وأما بستان ابن أبى أسامة فموضعه الآن البيوت المحدودة من بحرى بدرب العراقى، ومن قبلى بحارة العراقى، ومن غربى بشارع سويقة اللالا، ومن شرقى بشارع الناصرية.

وإلى هنا انتهى الكلام عن وصف شارع اللبودية وشارع قنطرة عمر شاه قديما وحديثا.

***

ص: 104

‌القسم العاشر: شارع السيدة زينب

أوله من قنطرة السيدة، وآخره بوابة الخلاء بجوار جامع الحبيبى.

[قنطرة السيدة]

وقنطرة السيدة هذه هى التى سماها المقريزى بقناطر السباع حيث قال: هذه القناطر جانبها الذى يلى خط السبع سقايات من جهة الحمراء القصوى، وجانبها الآخر من جهة جنان الزهرى، وأول من أنشأها الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقدارى، ونصب عليها سباعا من الحجارة، فإن رنكه كان على شكل سبع، فقيل لها قناطر السياع من أجل ذلك، وكانت عالية مرتفعة، فلما أنشأ الملك الناصر محمد بن قلاوون الميدان السلطانى فى موضع بستان الخشاب حيث موردة البلاط، وتردد إليه كثيرا صار لا يمر إليه من قلعة الجبل حتى يركب قناطر السباع، فتضرر من علوها، وقال للأمراء: إن هذه القنطرة حين أركب إلى الميدان وأركب عليها يتألم ظهرى من علوها، ويقال إنه أشاع هذا والقصد إنما هو كراهته لنظر أثر أحد من الملوك قبله وبغضه أن يذكر لأحد غيره شئ يعرف به، وهو كلما يمر بها يرى السباع التى هى رنك الملك الظاهر، فأحب أن يزيلها لتبقى القنطرة منسوبة إليه ومعروفة به كما كان يفعل دائما فى محو آثار من تقدمه وتخليد ذكره ومعرفة الآثار به ونسبتها له، فاستدعى الأمير علاء الدين على بن حسن المروانى-والى القاهرة وشادّ الجهات-وأمره بهدم قناطر السباع وعمارتها أوسع مما كانت بعشرة أذرع وأقصر من ارتفاعها الأوّل، فنزل ابن المروانى وأحضر الصناع ووقف بنفسه حتى انتهت فى جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين وسبعمائة فى أحسن قالب على ما هى عليه الآن. (انتهى).

ص: 105

(قلت): والحمراء القصوى محلها الآن خط السيدة زينب. وأما جنان الزهرى فهى الجنان التى كانت أولا فى بر الخليج الغربى ثم عرفت أخيرا بحكر الزهرى. قال المقريزى:

حكر الزهرى يدخل فيه جميع بر ابن التبان وشق الثعبان وبطن البقرة وسويقة القيمرى وسويقة صفية وبركة الشقاف وبركة السباعين وقنطرة الخرق وحدرة المرادنيين وحكر الحلبى وحكر البواشقى وحكر كرجى وما بجانبه إلى قناطر السباع وميدان المهارى إلى الميدان الكبير السلطانى بموردة الجبس، وكان هذا قديما يعرف بجنان الزهرى، ثم عرف ببستان الزهرى.

‌ترجمة الزهرى

والزهرى هو عبد الوهاب بن موسى بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف الزهرى، يكنى أبا العباس، وأمه أم عثمان بنت عثمان بن العباس بن الوليد بن عبد الملك ابن مروان، مدنى قدم مصر، وولى الشرط بفسطاط مصر، وحدّث يروى عن مالك ابن أنس وسفيان بن عيينة. وروى عنه من أهل مصر أصبغ بن الفرج، وسعيد بن أبى مريم، وعثمان بن صالح، وسعيد بن عفير، وغيرهم. توفى بمصر فى رمضان سنة عشرة ومائتين.

ثم قال: وقال القاضى أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعى فى كتاب «معرفة الخطط والآثار» : حبس الزهرى هو الجنان التى عند القنطرة بالحمراء، وهى حبس على ولده.

وقال القاضى تاج الدين محمد بن عبد الوهاب بن المتوج: هذا الحبس أكثره الآن أحكار.

(انتهى).

(قلت): فيؤخذ من هذا أن جنان الزهرى كانت موجودة قبل بناء القاهرة بزيادة عن مائة وأربعين سنة حيث إن عبد الوهاب الزهرى توفى بمصر سنة عشرة ومائتين من الهجرة، والقاهرة اختطت سنة ثمان وخمسين أو تسع وخمسين وثلثمائة كما فى المقريزى.

(فائدة): بر ابن التبان المتقدم ذكره فى عبارة المقريزى محله الآن المبانى التى على بر الخليج الغربى قبالة قنطرة باب الخرق. وأما شق الثعبان فمحله الآن الحارة المعروفة بحارة شق الثعبان التى بشارع الخلوتى، وكذا سويقة القيمرى هى الحارة المعروفة الآن بحارة القمرى بشارع الخلوتى أيضا، وبطن البقرة محلها جنينة الأزبكية، وبركة الشقاف محلها ميدان عابدين، وبركة السباعين محلها الآن عمارة محمد بيك الشماشرجى وما بجوارها، وأما حدرة

ص: 106

المرادنيين فهى الشارع الذى كان يعرف بشارع حدرة جميزة وبشارع الحدرة وكان به عدة عطف وحارات وحمام يعرف بحمام جميزة، وقد أزيل هذا الشارع بما فيه عند عمل ميدان عابدين، ودخل معظمه فى الجنينة، وباق منه الآن قطعة مغروسة بالأشجار تجاه شارع الكرداسى الذى به سراى المرحوم شريف باشا الكبير وبيت الأمير ثابت باشا وغيرهما.

وعرف هذا الشارع بشارع السيدة زينب من أجل أن به ضريح سيدة الطاهرات السيدة زينب بنت الإمام على-كرّم الله وجهه-عليه مقصورة من النحاس الأصفر وستر من الحرير المزركش بالمخيش، ويعلوه قبة شامخة. وهذا الضريح داخل الجامع الشهير بالزينبى تجاه قناطر السباع، جدده الأمير على باشا الوزير المتولى سنة خمس وخمسين وتسعمائة، ثم فى سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف جدده ووسعه الأمير عبد الرحمن كتخدا. وهو عامر إلى الآن، وشعائره مقامة إلى الغاية، ويعمل به حضرة للسيدة-رضي الله عنها كل ليلة أحد، ومقرأة كل ليلة أربعاء، ومولد كل عام يجتمع فيه من النذور والهدايا شئ كثير جدا، وقد صار الآن تجديده وتنظيمه من جهة ديوان الأوقاف.

وبقرب هذا الجامع قرا قول جديد يعرف بقرا قول السيدة، مقيم به معاون ثمن درب الجماميز، وحكيم الثمن أيضا مع بيت الصحة الطبية، وعسكر الطلمبة.

وبهذا الشارع من جهة اليمين حارة واحدة وأربعة دروب وهى على هذا الترتيب:

حارة السيدة، وهى كبيرة جدا وبداخلها جملة فروع، وبها جامع قديم يعرف بجامع تميم الرصافى ليس به أضرحة، وشعائره مقامة إلى الآن من ريع أوقافه بنظر رجل يدعى الشيخ محمد الجنيد، وتجاه هذا الجامع سبيل معروف بسبيل الست فطومة عامر بنظرها إلى الآن، وبها ضريح يعرف بضريح الشيخ الماوردى، ودار ورثة المرحوم محمد بيك لاظوغلى ودار محمد أغالاظ، ودار ورثة المرحوم محمد أغا الشماشرجى، ودار ورثة المرحوم محمد أغا قميشة، ودار ورثة المرحوم خليل بيك، جميعها بحدائق

ثم درب السناجرة، ثم درب شكنبة، ثم درب القمح، ثم درب المذبح.

ص: 107

وأما جهة اليسار فبها:

درب يعرف بدرب البهلوان، يسلك منه لبركة البغّالة، وبداخله دار كبيرة للأمير سلامة باشا مفتش هندسة ديوان الأشغال العمومية، بها جنينة متسعة، ودار أحمد بيك خطاب بها جنينة أيضا. وهذا الدرب كان يعرف أولا بدرب ايشكب العزى، وكان به جنينة مجاورة لبركة الحمصانى المعروفة اليوم ببركة البغالة، وهذه الجنينة كانت فى سنة ست عشرة ومائتين وألف جارية فى وقف المرحوم الحاج محمد جنج أغا عين أعيان رؤساء العساكر الدلاة ابن المرحوم محمد أغا الكردى.

(قلت): وفى وقتنا هذا قد بيع معظم أرضها، وبنى فيه بيوت ومنازل حدثت مع تنظيم هذه الجهة.

وحارة تعرف بحارة البغالة يسلك منها إلى بركة البغالة وغيرها.

وبهذا الشارع أيضا جامع قديم يعرف بجامع الزعفرانى من إنشاء الأمير يونس الظاهرى، وفى سنة تسع وتسعين وألف جدّده الأمير مصطفى أغا المعروف بوكيل القزلار، وأنشأ بجواره صهريجا وحوضا ومكتبا، وشعائره مقامة إلى الآن بنظر الأوقاف.

[زاوية الحبيبى]

وزاوية الحبيبى جدّدها الشيخ محمد الحبيبى-شيخ طريقة الحبيبية-فى سنة سبع وأربعين ومائتين وألف، وهى مقامة الشعائر إلى الآن، وبداخلها قبران: أحدهما لم يعلم صاحبه، والآخر للشيخ الحبيبى المذكور، يعمل له حضرة كل ليلة جمعة، ومولد كل عام. وهذه الزاوية تزعم العامة أنها زاوية عز الدين الدمياطى التى ذكرها المقريزى فى خططه، وليس كذلك بل زاوية الدمياطى كانت فى مقابلتها. قال المقريزى: هى فيما بين خط السبع سقايات وقنطرة السد، أنشأها الأمير عز الدين أيبك الدمياطى الصالحى النجمى-أحد الأمراء فى أيام الملك الظاهر بيبرس-وأنشأ بجانبها حوضا لشرب الدواب. (انتهى).

ويوجد الآن قبالة زاوية الحبيبى سبيل بجوار بوابة السيدة، عامر إلى الآن بنظر امرأة تدعى الست حنيفة الزهارة، يغلب على الظن أنه فى محل حوض الدمياطى المذكور.

وبهذا الشارع سبيل السلطان مصطفى، أنشأه سنة اثنتين وسبعين ومائة وألف، وجعل فوقه مكتبا لتعليم الأطفال، وقد صار الآن من المكاتب الأهلية الشهيرة، ويعرف بمكتب

ص: 108

السيدة، فيه جملة من الأطفال يتعلمون به القرآن والخط والنحو والحساب، ولهم خوجات ومرتبات سنوية من جهة الأوقاف، ويعمل لهم امتحان فى كل سنة، وبه أيضا سبيل من وقف الحرمين عامر إلى الآن من جهة الأوقاف.

وبه دار ملك وهبة بيك بقرب بوابة السيدة، ووكالة ملك ورثة الشيخ على العدوى -شيخ الضريح الزينبى سابقا.

وأول من بنى فى خطة السيدة زينب-رضي الله عنها-التتر والوافدية من أصحاب الأمير جنكلى بن محمد بن البابا صاحب درب ابن البابا، كما يؤخذ ذلك من المقريزى عند الكلام على حكر آقبغا عبد الواحد.

وهذا آخر ما تيسر لنا من الكلام على وصف الشارع الطولى الذى ابتداؤه من قراقول باب الشعرية وانتهاؤه بوابة السيدة زينب-رضي الله عنها:

ثم لنرجع لذكر شارع سكة معمل الفراخ فنقول:

هذا الشارع ابتداؤه من جهة الخلاء فى محاذاة سكة الحسينية من الجهة الغربية، وانتهاؤه شارع البنهاوى وشارع السوق الضيق بجوار بوابة باب الفتوح، وطوله ستمائة متر وينقسم ثلاثة أقسام:

ص: 109

‌القسم الأول: شارع سكة معمل الفراخ

يبتدئ من جهة الخلاء بحرى المحروسة، وينتهى إلى حارة بين الدربين وأول شارع الصوابى. وبه من جهة اليمين عطفتان: الأولى تعرف بالعطفة الصغيرة، والثانية تعرف بعطفة البئر.

ومن جهة اليسار عطفتان: أيضا الأولى تعرف بعطفة صلاح، والثانية بعطفة الصواف وليست نافذة.

وبه أيضا بستان كبير يعرف بالغيط الطويل أكثر المنازل التى هناك تشرف عليه، وعن يساره طريق واسع يتوصل منه لشارع البيومى، وعن يمينه شارع الصوابى يسلك منه لدرب عجور، وسيأتى بيانه إن شاء الله تعالى.

***

ص: 110

‌القسم الثانى: شارع حارة بين الدربين

يبتدئ من آخر شارع سكة معمل الفراخ، وينتهى إلى أول درب السماكين. وبه من جهة اليمين ثلاث عطف، ومن جهة اليسار حارة الخشاب، بها ضريح يعرف بالشيخ خضر، ثم عطفة المنياوى، ثم العطفة الضيقة.

وبه أيضا زاوية تعرف بزاوية عمر، وتعرف أيضا بزاوية سيدى محمد، شعائرها مقامة إلى الآن بنظر ديوان الأوقاف.

وبه خمسة أضرحة: أحدها للأربعين، والثانى للشيخ السبكى، وهو فى مقابلته، والثالث يعرف بسيد الأشراف، والرابع للشيخ العراقى، والخامس للشيخ حافظ.

***

ص: 111

‌القسم الثالث: شارع درب السمّاكين

يبتدئ من آخر شارع حارة بين الدربين، وينتهى لشارع البنهاوى.

وبه من جهة اليمين عطفة غير نافذة تعرف بالعطفة السد.

ومن جهة اليسار عطفة تعرف بعطفة عزرائيل غير نافذة أيضا.

وبه زاوية تعرف بزاوية المتبولى، وهى صغيرة بها خطبة، وشعائرها مقامة إلى الآن من ريع وقفها بنظر الشيخ محمد عبد الغنى شيخ طريقة البيومية.

وبه ثلاثة أضرحة: أحدها للشيخ عبد الله، والثانى للشيخ أبى حية، والثالث للشيخ فتح.

[ترجمة يوسف بيك عبد الفتاح]

وبه من الدور الشهيرة دار الأمير مصطفى باشا-خاز ندار المرحوم عباس باشا، ودار يوسف بيك عبد الفتاح-شاه بندر التجار بالديار المصرية سابقا-تولى فى أيام الرديف الإمارة العسكرية برتبة أمير اللواء، واقتنى أملاكا كثيرة بهذه الخطة وغيرها، ثم لما بطل الرديف اشتغل بالتجارة، واشتهر عند أهل الحسينية بالخواجا، وعمّر زاوية صغيرة كانت بجوار داره جدّدها ووسعها وجعل بها خطبة، فعرفت به، ثم تولى الشاه بندرية سنة ثمان وسبعين ومائتين وألف، ومات رحمه الله سنة ثلاث وتسعين، ودفن بباب النصر بالقرب من قبة الشيخ يونس السعدى، وقد وقف داره مع باقى أملاكه على ذريته وجعل من ريع ذلك الوقف شيئا يصرف على الزاوية المعروفة به.

هذا ما يتعلق بوصف شارع سكة معمل الفراخ وأقسامه.

***

ص: 112

‌شارع الصوابى

ويقال له شارع حوش الحمص. أوله من آخر سكة معمل الفراخ، وآخره درب عجور وطوله ثلثمائة متر وثمانية وعشرون مترا. عرف بذلك من أجل أن به مسجد الصوابى، وهو مسجد صغير به خطبة، وشعائره مقامة، وبداخله ضريح الشيخ الدميرى، يزار يوم الجمعة وليلة السبت، وتعقد به حلقة ذكر تستمر طول الليل، ويبيت به كثير من المرضى رجالا ونساء لما اشتهر أنه فى آخر تلك الليلة يظهر بالعمود الذى تجاه المنبر رشح كالعرق فيأخذون منه ويمسحون موضع المرض رجاء الشفاء، ويعمل للشيخ مولد كل سنة ثمانية أيام بلياليها.

وبهذا الشارع من جهة اليمين ثمانى عطف وهى على هذا الترتيب.

عطفة الشيخ منطلق.

ثم عطفة زرع النوى، بها زاوية تعرف بزاوية زرع النوى، ويقال لها جامع زرع النوى شعائرها مقامة بالجمعة والجماعات بنظر السيد البدراوى.

ثم عطفة الخوخة، بأولها زاوية تعرف بزاوية القرمانى أغلبها متخرب، وهى تحت نظر الأوقاف.

ثم عطفة الطاحون.

ثم العطفة الضيقة.

ثم عطفة حوش الحمص.

ثم عطفة اليهابه.

ص: 113

ثم العطفة السد.

وأما جهة اليسار فبها فرع مستطيل، وعطفة غير نافذة.

هذا ما يتعلق بوصف شارع الصوابى.

ولنذكر الشارع الطولى المارّ من أول شارع القصّاصين إلى شارع الزعفرانى، وقبل الكلام على هذا الشارع نذكر شارع القصّاصين فنقول:

ص: 114

‌شارع القصّاصين

يبتدئ من آخر شارع أبى قشّة بقرب باب الفتوح، وينتهى لسور البلد الفاصل بين المساكن وترب باب النصر، ويسلك منه للعباسية وباب النصر وغيره، وطوله مائة وستة عشر مترا، وعن يمين المارّ به مساكن صغيره وبعض دكاكين وخرائب مجعولة بوظا لاجتماع الأوباش ونحوهم.

وعن يسار المارّ بأوله حارة كبيرة تعرف بحارة البير قدار ليست نافذة، وهى منقسمة من داخلها إلى عطفتين: بإحداهما ضريح يعرف بسيدى أبى عوينة.

[جامع بدر الدين النقيب]

وبأول هذه الحارة جامع بدر الدين بن النقيب، ويعرف أيضا بزاوية بدر الدين المقدسى أنشأه السيد بدر الدين بن موسى، وجعل به خطبة، وأنشأ بجانبه دارا لسكناه، وبنى به ضريحا لأخيه السيد على، ونقله إليه، وذلك فى سنة خمس ومائتين وألف، وهو مقام الشعائر إلى الآن. (قلت): وكان أصل هذا الجامع زاوية عمرها قبل السيد بدر الدين المذكور أخوه السيد على لأنها كانت بجوار مسكنه، فبعد موته هدمها بدر الدين، وبنى هذا الجامع عوضا عنها.

‌ترجمة ابن النقيب

وهو كما فى الجبرتى الإمام الفقيه المحدث الحسيب النسيب السيد على بن موسى بن مصطفى ابن محمد بن شمس الدين بن محب الدين بن كريم الدين بن بهاء الدين داود بن سليمان بن شمس الدين بن بهاء الدين داود الكبير بن عبد الحافظ بن أبى الوفاء محمد البدرى بن أبى الحسن

ص: 115

على بن شهاب الدين أحمد بن بهاء الدين بن عبد الحافظ بن محمد بن بدر ساكن وادى النسور ابن يوسف بن بدران بن يعقوب بن مطر بن زكىّ الدين سالم بن محمد بن محمد بن زيد ابن حسن بن السيد عريض المرتضى الأكبر ابن الإمام زيد الشهيد ابن الإمام على زين العابدين ابن السيد الشهيد الإمام الحسين بن الإمام على بن أبى طالب الحسينى المقدسى الأزهرى المصرى، عرف بابن النقيب لأن أجداده تولوا النقابة ببيت المقدس.

ولد تقريبا سنة خمس وعشرين ومائة وألف ببيت المقدس، وقرأ على جملة من المشايخ الأعلام، ودخل حماة. وأخذ على جملة من علمائها المشهورين، ثم ورد إلى مصر، فتلقى على جملة من أفاضل علمائها، ودرس واشتهر، وقرأ بالمشهد الحسينى التفسير والحديث والفقه.

وكان بارعا فقيها عارفا فى جميع الفنون، وكان له فى النثر طريقة غريبة لا يتكلف فى الأسجاع، وكان ذا جود وسخاء وكرم ومروءة. وكان له رغبة فى الخيل وشرائها، وكان فارسا يستعمل السلاح والرمى بالرماح. ولما ضاق عليه منزله لكثرة الواردين وميله لربط الخيل انتقل إلى الحسينية، وبنى بها دارا كبيرة. وعمر زاويته بقربها. وصرف عليها أموالا كثيرة.

وفى سنة سبعين ومائة وألف سافر إلى دار السلطنة، وقرأ دروس الحديث فى عدة جوامع واشتهر هناك بالمحدث. وأقبلت عليه الناس أفواجا للتلقى عنه، وتزوج هناك، ثم عاد إلى مصر فى سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف، ولم يزل على عادته المألوفة إلى أن مات سنة سبع وثمانين ومائة وألف. ودفن بباب النصر، ثم نقله أخوه ودفنه بجامعه كما تقدم. (انتهى) ملخصا.

(قلت): وللآن يعرف بيتهم ببيت بدر الدين المقدسى، ولهم أوقاف تحت نظر السيد عبد الحميد أفندى من الذرية المستخدم اليوم بدار الأوقاف.

ثم إن السالك فى هذا الشارع يجد بعد حارة البيرقدار حارة سدّ أيضا تعرف بحارة كشك، وبعدها درب يعرف بدرب العسال قريب من سور البلد.

انتهى ما يتعلق بوصف شارع القصّاصين.

‌ثم لنرجع الآن للكلام على الشارع الطولى فنقول:

هذا الشارع ابتداؤه من أول شارع القصّاصين، وآخر شارع أبى قشة تجاه باب الفتوح من الجهة البحرية، وانتهاؤه شارع الزعفرانى بجوار ضريح سيدى ترك، وطوله أربعمائة وخمسون مترا وينقسم إلى قسمين:

ص: 116

‌القسم الأول: شارع البنهاوى

ابتداؤه من أول شارع القصّاصين وآخر شارع أبى قشّة، وانتهاؤه أول شارع البغالة.

[جامع الشيخ البنهاوى]

عرف بذلك لأن بأوله جامع الشيخ على البنهاوى عن يمنة السالك من باب الفتوح إلى البغالة. شعائره مقامة إلى الآن من ريع أوقافه بنظر الشيخ عبد الله المنلا، ويقال إنه احترق سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف فجدده حسن الجميعى ريس المراكب بمينا إسكندرية.

وبداخله ضريح الشيخ على البنهاوى يعمل له حضرة كل أسبوع، ومولد كل عام.

وبهذا الشارع من جهة اليمين عطف ودروب وهى على هذا الترتيب:

العطفة الصغيرة غير نافذة.

ثم درب الشرفا، بداخله ثلاثة أزقة، وبأوله زاوية تعرف بزاوية درب الشرفا. كانت متخربة، فجددها السيد مصطفى أبو السرور أحد تجار الجمالية-سنة ثلاث وثمانين ومائتين وألف، وهى مقامة الشعائر إلى الآن.

ثم عطفة دعبس ليست نافذة أيضا.

ثم درب عجور، به عطفتان، ودرب يعرف بدرب البركة، وزاوية خربة تعرف بزاوية أبى الغنائم وببيت مقبلة، لأن بها بعض مساكن، وبداخلها ضريح الشيخ أحمد أبى الغنائم، له مولد كل سنة، وقد بسطنا ترجمته عند الكلام على بلدته شبرا قاص من هذا الكتاب.

وبه أيضا ضريح يعرف بالشيخ مرزوق، وعدة من الدور الكبيرة والصغيرة.

ص: 117

[بركة جناق]

ومن درب عجور هذا يتوصل إلى شارع الصوابى، وإلى بركة جناق الموجود بعضها إلى الآن، وهى بركة لطيفة تدور حولها البيوت والقواطين، ويصل إليها ماء النيل من سرداب بينها وبين الخليج الكبير، وقد ذكرها المقريزى فى خططه، وسمّاها ببركة جناق فقال: هذه البركة خارج باب الفتوح بالقرب من منظرة باب الفتوح، وكان ما حولها بساتين، ولم يكن خارج باب الفتوح شئ من هذه الأبنية، وإنما كان هناك بساتين، فكانت هذه البركة فيما بين الخليج الكبير وبستان ابن صيرم، فلما حكر بستان ابن صيرم وعمر فى مكانه الدور وغيرها وعمر الناس خارج باب الفتوح عمر ما حول هذه البركة بالدور وسكنها الناس، وهى إلى الآن عامرة، وتعرف ببركة جناق. (اه).

(أقول): وسيأتى قريبا نقلا عن المقريزى فى الكلام عن حارة البيازرة أن المختار الصقلبى زمام القصر أنشأ بجوارها بستانا، وبنى فيه منظرة، وعرف ببستان ابن صيرم، فيؤخذ من كلام المقريزى أن بستان ابن صيرم كان فى شرقى الخليج الكبير، وكانت بركة جناق فاصلة بين الخليج وبينه، ويغلب على الظن أن محله الآن البيوت والحارات المحدودة من قبلى بشارع البنهاوى، ومن شرقى بشارع درب السّماكين، وكذا البساتين الممتدة إلى قرب شارع الفجالة والعباسية الواقعة قبلى المذبح.

وبهذا الشارع أيضا من جهة اليسار عطف ودروب وهى على هذا الترتيب:

درب الجورة، يسلك منه إلى حمام الذهبى، وهو حمام كبير معد للرجال والنساء.

ثم عطفة الخشابة غير نافذة.

[درب البزازرة]

ثم درب البزازرة، يتوصل منه لشارع الزعفرانى، وبأوله زاوية تعرف بزاوية الشيخ شعبان، شعائرها مقامة، وبها ضريح الشيخ شعبان، يعمل له مولد كل سنة. وهذا الدرب من الدروب القديمة ذكره المقريزى وسمّاه بحارة البيازرة فقال: هذه الحارة خارج باب القنطرة على شاطئ الخليج من شرقيه فيما بين زقاق الكحل وباب القنطرة حيث المواضع التى تعرف اليوم ببركة جناق والكداشين وإلى قريب من حارة بهاء الدين، واختطت هذه الحارة فى الأيام

ص: 118

الآمرية، وذلك أن زمام البيازرة شكا ضيق دار الطيور بمصر، وسأل أن يفسح للبيازرة فى عمارة حارة على شاطئ الخليج بظاهر القاهرة لحاجة الطيور والوحوش إلى الماء، فأذن له فى ذلك، فاختطوا هذه الحارة، وجعلوا منازلهم مناظر على الخليج، وفى كل دار باب سر ينزل منه إلى الخليج، واتصل بناء هذه الحارة بزقاق الكحل، فعرفت بهم وسميت بحارة البيازرة (واحدهم بازيار) ثم إن المختار الصقلبى زمام القصر أنشأ بجوارها بستانا، وبنى فيه منظرة عظيمة، وهذا البستان يعرف اليوم موضعه ببستان ابن صيرم خارج باب الفتوح. فلما كثرت العمائر فى حارة البيازرة أمر الوزير المأمون بعمل الأقمنة لشىّ الطوب على شاطئ الخليج الكبير إلى حيث كان البستان الكبير الجيوشى. (انتهى).

(قلت): والآن قد انفصل من طول هذه الحارة الجزء الذى على الخليج، وصار شارعا متسعا. فالخارج من باب الشعرية-المعروف اليوم بباب العدوى-إذا سلك عن يمينه وصار على برّ الخليج الشرقى يجد عن يمينه باب هذه الحارة، فاذا سلك منه يخرج إلى بركة جناق المعروفة اليوم ببركة درب عجور، ثم يجد عن يمينه أيضا الخليج الكبير، وعليه دور كبيرة وصغيرة إلى أن يخرج إلى البساتين التى بظاهر الحسينية، فجميع هذا الطريق من القنطرة إلى البساتين طولا، ومن سور درب البزازرة إلى الخليج عرضا من حقوق حارة البيازرة القديمة، بدليل اتخاذهم أبواب السر الصغيرة الموصلة إلى الخليج لأخذ الماء. فالنصف الذى على الخليج الآن هو الذى كان فيه الدور المتخذة للطيور والوحوش فى الأيام الآمرية، ثم انفصلت وسكنها الناس، وصار درب البزازرة أصغر مما كان أوّلا.

‌دار الشيخ شهاب

وبه الآن من الدور الكبيرة دار السيد محمد خريبة المغربى، بها جنينة، ودار الأديب الشاعر والكاتب الثائر المرحوم الشيخ محمد شهاب الدين، أنشأها على الخليج الكبير فى سنة ثمان وستين ومائتين، وألف وأنشأ بها المناظر التى على الخليج بجوار قنطرة العدوى، بعد أن تم الدور الأول من بنائها، وتوفى رحمه الله فى سنة ثلاث وسبعين قبل إتمامها، ثم انتقلت إلى ورثته، وبقيت إلى أن أتمها مصطفى أفندى وهبى-صهر الشيخ المذكور-وأنشأ بها مطبعة للكتب، وصارت شهرتها الآن بمطبعة مصطفى أفندى وهبى.

ص: 119

‌ترجمة الشيخ محمد شهاب

والشيخ محمد هذا هو شهاب الدين محمد بن عمر. ولد بمكة سنة عشر ومائتين وألف، وحضر إلى القاهرة صغيرا، ونشأ بها وتعلم العلم والأدب، وتربى فى دار أهله، وكانوا أصحاب ثروة، فنشأ فى الرفاهية إلى أن نبغ فى الشعر، واشتهر به شهرة تامة، ومدح العلماء والوزراء والأمراء والأعيان، واشتهر أيضا بمعرفة الفنون الرياضية-كالحساب والموسيقى- ومن مشايخه الشيخ حسن العطار، والشيخ حسن القويسنى وغيرهما.

وله مؤلفات كثيرة منها: «الديوان الكبير» و «الديوان الصغير» والكتاب المسمى «سفينة الملك ونفيسة الفلك» اشتمل على بيان الموسيقى وتقسيمها وعلى الموشحات، ورتبها على اثنتى عشرة نوبة تشتمل على ثلاثين وصلة، بها ما ينيف على ثلثمائة موشحة يضربونها، وجعل لها قطيرة تشتمل على عشرة مجاديف: مجداف فى القصائد، ومجداف فى المقاطيع، ومجداف فى الدوبيت، ومجداف فى المواليا إلى آخر العشرة. وبالجملة فهو كتاب فريد فى بابه. وله عدة رسائل: رسالة فى التوحيد، وأخرى فى الوفق المئينى، وغير ذلك.

وأول ما أنشئت الوقائع المصرية كان أحد محرريها مع الشيخ حسن العطار قبل توليته مشيخة الأزهر، وكان معها الشيخ أحمد فارس صاحب «الجوائب» الآن بالآستانة العلية، وكان اسمه اذ ذاك فارس أفندى الشدياق، ثم لما تولى الشيخ العطار مشيخة الأزهر انفرد هو بالرياسة فى تحرير الوقائع، ثم أحيلت عليه رياسة تصحيح الكتب بالمطبعة الكبرى الميرية، واستمر على ذلك إلى أن اختص به الوزير صاحب الديار المصرية سابقا المرحوم الحاج عباس باشا حلمى، فقرّ به منه، وصار نديما عنده، ولازمه فى أسفاره وإقامته إلى أن توفى الوزير المذكور فى اليوم السابع عشر من شوال سنة سبعين ومائتين وألف، فلزم داره وترتب له بالروزنامة ما كان جاريا عليه من الماهية أيام خدامته، وكان عبارة عن ألف قرش وخمسمائة عملة ديوانية، ولم يزل كذلك فى داره مقيما تتوارد عليه الناس لزيارته والأنس به إلى أن توفى فى جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين عن اثنتين وستين سنة، ودفن خارج باب النصر، رحم الله الجميع. (انتهى).

وهذا ما تيسر لنا من الكلام على درب البزازرة قديما وحديثا.

***

ص: 120

‌القسم الثانى: شارع البغالة

ابتداؤه من نهاية شارع البنهاوى، وإنتهاؤه شارع الزعفرانى. وعن يمين المارّ به عطفة تعرف بعطفة السلحدار، وهى غير نافذة:

انتهى ما يتعلق بوصف الشارع الطولى المتقدم ذكره.

‌شارع بين السيارج

يبتدئ من آخر شارع باب الفتوح وأوّل شارع الكلباتى، وينتهى لأول شارع الفراخة، وطوله مائتان وأربعة وخمسون مترا.

وبه من جهة اليمين عطف وحارات على هذا الترتيب:

عطفة باب الغدر، بداخلها عطفتان، وجامع يعرف بجامع ولى الدين، شعائره مقامة من أوقافه، وبداخله ضريح يقال له ولى الدين يعمل له مولد كل عام.

ثم العطفة السدّ.

ثم حارة البلقينى.

ثم حارة القتيل.

وهذا الشارع هو الذى سماه المقريزى بحارة بهاء الدين وقال: هذه الحارة كانت قديما خارج باب الفتوح الذى وضعه القائد جوهر عندما اختط أساس القاهرة من الطوب النيئ، وقد بقى من هذا الباب عقد برأس حارة بهاء الدين، وصارت هذه الحارة اليوم من داخل باب الفتوح الذى وضعه أمير الجيوش بدر الجمالى وهو الموجود الآن. وحد هذه الحارة عرضا

ص: 121

من خط باب الفتوح الآن إلى خط حارة الورّاقة بسوق المرحلين، وحدّها طولا فيما وراء ذلك إلى خط باب القنطرة.

وكانت هذه الحارة تعرف بحارة الريحانية والوزيرية-وهما طائفتان من طوائف عساكر الخلفاء الفاطميين-فإن بها كانت مساكنهم، وكان فيها لهاتين الطائفتين دور عظيمة وحوانيت عديدة، وقيل لها أيضا بين الحارتين، واتصلت عمارتها إلى السور، ولم تزل الريحانية والوزيرية بهذه الحارة إلى أن كانت واقعة السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بالعبيد. (انتهى).

وسميت بحارة بهاء الدين لأنه لما تولى صلاح الدين سكن بها بهاء الدين قراقوش، فسميت به. وحدّها طولا باق إلى وقتنا هذا. وأما عرضا فقد انفصل منها قطعة كبيرة من جهة باب الفتوح، وصارت حارة مستقلة تسمى بحارة المغاربة.

‌دار بيبرس الأحمدى

ثم إن بها من الدور التى ذكرها المقريزى دار بيبرس الأحمدى، وهى على يسار الداخل إليها من خط باب الفتوح، وهذه الدار توفى بها بيبرس الأحمدى فى ثالث عشر المحرم سنة ست وأربعين وسبعمائة بعد أن ناهز الثمانين، وبقيت بيد ورثته الى آخر القرن التاسع، وكان من أمراء جمدارية السلطان محمد الناصر. ثم إن موضع هذه الدار الآن جملة دور صغيرة على يسار الداخل من الحارة المذكورة ووكالة مملوكة للسيد مصطفى الشوربجى-أحد التجار بالغورية.

‌دار قراسنقر

وكان تجاه دار الأحمدى هذا دار قرا سنقر، وهى من إنشائه وقفها على مدرسته التى بالجمالية، ثم حل وقفها جمال الدين، يوسف الاستادار، ووقفها على مدرسته التى برأس رحبة باب العيد، ثم لما قتله الملك الناصر فرج حل وقفها وجعلها وقفا على تربة أبيه، ثم لما قتل الناصر فرج حل وقفها الدوادار. قال المقريزى: فكانوا كسارق من سارق، وموضع هذه الدار فيما أدركناه هو مطبخ العسل الذى كان ملكا للشيخ التميمى مفتى الحنفية فى الديار المصرية سابقا، وهدمه ليجعل موضعه حمامين وحوانيت، فلم يتيسر له ذلك لموته

ص: 122

بمدينة الخليل عليه الصلاة والسلام، ثم أنشأه ولده الشيخ عبد الرحمن دارا وعمارة على الشارع، ولم يتمها فاشتراها أحد التجار بوكالة الصابون، وهو الشيخ عبد الرحمن سليم، فأكملها دارا وسكنها، وبنى تحتها الدكاكين التى على الشارع، وهى على يمين الداخل من رأس الحارة، وجارية الآن فى ملك الشيخ محمد سليم ابن الشيخ عبد الرحمن المذكور. ومن حقوق الأرض التى كان بها دار قراسنقر الوكالة المعروفة اليوم بوكالة النيلة بشارع باب الفتوح وما حولها من الحوانيت:

وكان بهذه الحارة أيضا دار منكوتمر بجوار مدرسته أنشأها منكوتمر-نائب السلطنة بمصر-واستمرت بيد ذريته إلى أوائل القرن الثامن، وموضعها الآن درب صغير به جملة من المنازل.

ثم بجوار دار منكوتمر هذه دار البلقينى أنشأها قاضى القضاة بدر الدين بن سراج الدين عمر البلقينى، وتوفى فى ربيع الآخر سنة إحدى وتسعين وسبعمائة قبل إكمالها، فأكملها أخوه قاضى القضاة جلال الدين عبد الرحمن بن سراج الدين البلقينى، وسكنها وكانت من أجلّ دور القاهرة حسا ومعنى، وموضعها الآن حارة مشتملة على عدة دور صغيرة ودار كبيرة يملكها الأخوان الشهيران السيد رضوان القربى والسيد محمد أبو يوسف.

وبحارة بهاء الدين أيضا دار الشيخ التميمى الخليلى، وهى الآن فى ملك الأمير يوسف باشا وكيل الدائرة الخديوية التوفيقية، وبها أيضا دار الأمير سليم باشا الخازندار، وجملة من الدور الكبيرة والصغيرة.

ثم إن بها ثلاث مدارس من المدارس القديمة.

الأولى على يمين الداخل من خط باب الفتوح، وهى مدرسة منكوتمر أنشأها الأمير سيف الدين منكوتمر الحسامى-نائب السلطنة بديار مصر-فكملت فى سنة ثمان وتسعين وستمائة، وهى الآن متخربة لم يبق منها إلا جانبها القبلى الذى به الباب والشبابيك، وإلى جانبها سبيل متصل بها، وسورها الغربى متصل بالمساكن.

والثانية مدرسة البلقينى، وتعرف اليوم بجامع البلقينى، أنشأها سراج الدين عمر البلقينى فى حياته، ولما مات رحمه الله سنة إحدى وتسعين وسبعمائة دفن بها، ودفن بها أيضا ابنه

ص: 123

الشيخ الصالح البلقينى الصغير، يعمل لها مقرأة كل أسبوع، ومولد كل عام، وشعائرها مقامة إلى الآن من أوقاف جارية عليها، وبها أيضا قبر الأديب حسن أفندى الدرويش، وقد ذكرنا ترجمته فى الكلام على جامع البلقينى من هذا الكتاب. وبجوارها سبيل يعرف بسبيل البلقينى، أنشئ سنة تسع وثلاثين ومائة وألف.

والثالثة مدرسة ابن حجر العسقلانى تجاه حارة الأقماعية، أنشئت فى أول القرن التاسع، وهى صغيرة، وبها منبر، وشعائرها مقامة من أوقاف لها قليلة، وتعرف اليوم بزاوية ابن حجر، وبها ضريح يقال له العسقلانى يعمل له مولد كل سنة.

وبها أيضا جامع صغير يعرف بجامع الزركشى، وهو تجاه المكتب المعروف بمكتب باب الشعرية، أنشئ سنة إحدى وثمانين ومائة وألف، وبداخله ضريح الشيخ حسن الزركشى، ومطهرته منفصلة عنه فى مقابلته، وشعائره مقامة من أوقاف له، وبجواره سبيل معروف بسبيل الزركشى.

وكان بهذه الحارة حمام يقال له حمام الصغيرة ذكره المقريزى، وموضعه الآن خرابة ومنازل صغيرة داخل عطفة باب الغدر.

(تتمة): مكتب باب الشعرية المذكور أنشئ مدة نظارتى على ديوان الأوقاف، وكان أصله وكالة كبيرة تعرف بوكالة الفراخة، وكانت متخربة ومشحونة بالأتربة، فأزيل مابها؟؟؟ من الأتربة، وبنى هذا المكتب على الصورة التى هو عليها الآن، وعمل فوق بابه مساكن، وبقربه دكاكين للاستغلال، فجاء من أحسن المكاتب الأهليه وأوسعها، وبه اليوم نحو مائة تلميذ يتعلمون جميع العلوم التى تدرس بمدارس المبتديان الميرية، ولهم خوجات ومرتبات وامتحان فى كل سنة.

وهذا ما يتعلق بوصف شارع بين السيارج قديما وحديثا

***

ص: 124

‌شارع الفراخة

ابتداؤه من آخر شارع بين السيارج، وانتهاؤه شارع الشعرانى وشارع باب الشعرية بجوار القراقول الذى هناك، وطوله مائة وستة وتسعون مترا.

وبه من جهة اليمين ثلاث حارات وهى على هذا الترتيب:

الأولى حارة القتيلة، بها عدّة بيوت، وليست نافذة.

الثانية حارة الفراخة، وهى حارة كبيرة بداخلها عطفة سيحوم، والحوش الجديد، والعطفة الضيفة، وعطفة المسيح، ودرب عبد الله.

الثالثة حارة جامع الدريس.

وأما من جهة اليسار فيها:

حارة بين الأفران يتوصل منها لشارع مرجوش، وعلى يسار الداخل بها عطفة صغيرة.

وبهذا الشارع أيضا وكالتان: إحداهما تسمى وكالة النعناع وهى من وقف الست البارودية والثانية تابعة للأوقاف ومجعولة الآن مخزنا لبعض الفراشين.

ص: 125

‌شارع مرجوش

ابتداؤه من شارع الكلباتى، وانتهاؤه أول شارع الشعرانى وآخر شارع الفراخة، وطوله أربعمائة متر وعشرون مترا.

ومن جهة اليمين درب وسبع حارات كلها غير نافذة وهى على الترتيب:

درب الطاحون على بابه سبيل يعلوه مكتب يعرف بمكتب أحمد حسين، وبداخله من الدور الكبيرة دار أحمد حسين المذكور لها بابان؛ أحدهما وهو الصغير على يمين الداخل من رأس الدرب، والباب الكبير يتوصل إليه من داخل حارة الوراقة، ووجد مكتوبا باحدى قاعاتها ما نصه: «جدد هذا المكان من فضل الله تعالى الراجى عفو ربه القدير الفقير الحقير إلى الله تعالى الحاج حسن بن الحاج مصطفى بن حسين وكان الفراغ من ذلك فى شهر ربيع الأول سنة إحدى وسبعين ومائة وألف (انتهى).

وهذه الدار صارت مدة ديوانا لمجلس التجار المصرية فى زمن المرحوم محمد على باشا، ثم بطل ذلك وصارت مسكنا للعظماء والأعيان: سكن بها المرحوم سليم أفندى وكيل الشريف ابن عون شريف مكة المعظمة، ثم سكن بها الشيخ على البقلى الحنفى-مفتى مجلس الأحكام سابقا-إلى أن توفى بها، ثم الآن عملت مدرسة للعميان يتعلمون بها بعض الصنائع.

وبهذا الدرب أيضا دار التاجر الشهير الحاج محمد النجار-أحد التجار المعتبرين، ودار كبيرة تعرف بدار سليم.

ثم حارة كفر الموز.

ص: 126

ثم حارة الأربعين، على رأسها زاوية صغيرة تعرف بزاوية الزيبقى وبزاوية الأربعين، بداخلها ضريح سيدى على الزيبقى، وشعائرها غير مقامة لتخرّبها، ونظرها للشيخ محمد الشعيبى-شيخ طريقة الأحمدية.

ثم حارة خليل أغا.

ثم حارة اللبان؛ بداخلها دار كبيرة أنشأها التاجر المعروف بحسن عبد الوهاب، لها بابان: أحدهما من هذه الحارة، والثانى يسلك إليه من شارع بين السيارج بجوار جامع البلقينى وهذه الدار كانت فى القديم ملكا لشيخ الإسلام زكريا الأنصارى الشافعى صاحب كتاب «المنهج» ، كما وجد ذلك فى حجج الأملاك القديمة، وقد اشتراها اليوم الحاج إبراهيم الينبعى الشهير بالمقدم-شيخ السماسرة سابقا-وأحد التجار المشهورين.

ثم حارة برعى الحصرى.

ثم حارة المنوفية.

ثم حارة على؟؟؟ عليوة الصبّاغ.

وبه من جهة اليسار ثلاث عطف كلها غير نافذه وهى على هذا الترتيب:

عطفة المستوقد.

عطفة الجوخى: هى تجاه جامع الغمرى، وبأولها دار كبيرة لمحمود بيك العزبى؟؟؟ -أحد التجار المشهورين-بداخلها جنينة متسعة.

عطفة الشويخ، بها زاوية صغيرة تعرف بزاوية الشويخ، بداخلها ضريح الشيخ مراد الشويخ والشيخ طريح والشيخ عبد الوهاب، وشعائرها غير مقامة لتخرّبها، وفى مقابلتها ضريح يعرف بالشيخ يوسف.

[جامع الغمرى]

وبهذا الشارع أيضا جامع الأستاذ الغمرى، وهو من الجوامع المشهورة أنشأه الشيخ محمد الغمرى ولم يكمله، وقد أتم بناءه ابنه الشيخ أحمد أبو العباس فى سنة تسعة وتسعين وثمانمائة، ودفن به ابنه المذكور، ويعمل له حضرة كل أسبوع، ومولد كل عام، وشعائره مقامة،

ص: 127

وبه سبيل مهجور، وذكر الشعرانى فى طبقاته أنه لما مات سيدى أبو الحسن الغمرى سنة تسع وثلاثين وتسعمائة دفن عند والده بجامع الغمرى. (انتهى).

[حمّاما الملطيلى]

وبجوار هذا الجامع حماما الملطيلى، أحدهما للرجال والآخر للنساء، وهما من الحمامات القديمة ذكرهما المقريزى وسماهما بحمامى سويد حيث قال: هذان الحمامان بآخر سويقة أمير الجيوش، عرفا بالأمير عز الدين معالى بن سويد، وقد خرب إحداهما، وبقى الآخر بيد الخليفة أبى الفضل العباسى بن محمد المتوكل. (انتهى). وفى «قطف الأزهار» للعلامة أبى السرور البكرى أن هذا الحمام كان يعرف بحمام سويد، وكان حماما واحدا، ثم قال:

وهو الآن-يعنى فى القرن العاشر-داخل فى أوقاف ذرية الملك المؤيد بن إينال، وأنشأ حماما آخر بجانبه للنساء يقال له حمام الغمرى. (انتهى). فالحمام القديم وهو حمام الرجال، والاخر الحادث هو حمام النساء، وهما عامران إلى الآن.

وبهذا الشارع أيضا زاوية سراج الدين، وهى بين حارة الشويخ وحارة الجوخى، بداخلها ضريح أحد أولاد الشيخ البلقينى، وشعائرها غير مقامة لتخربها.

وهذا الشارع كان يعرف قديما بحارة المرتاحية والفرحية اللتين ذكرهما المقريزى حيث قال: حارة المرتاحية عرفت بالطائفة المرتاحية إحدى طوائف العسكر، والفرحية كانت سكن الطائفة الفرحية، وهى بجوار حارة المرتاحية، فإلى يومنا هذا فيما بين سويقة أمير الجيوش وباب القنطرة زقاق يعرف بدرب الفرحية. (انتهى).

قلت وهذا الشارع الآن واقع بين حارة برجوان وشارع بين السيارج، ويتوصل منه إلى باب الشعرية أى باب القنطرة ورأس هذا الشارع التى تجاه باب القنطرة كان معقودا، ويعرف بباب القوس، ثم فى سنة خمس وتسعين ومائتين وألف أمر بهدمه الأمير قاسم باشا-محافظ مصر سابقا-بدعوى أنه مخل مع أنه كان فى غاية المتانة، وكانت عليه كتابة كوفية، وكان الداخل من هذا الباب يصير فى حارة المرتاحية.

وكان برأس هذه الحارة من جهة برجوان سويقة أمير الجيوش، وهى موجودة إلى الآن لكنها مشهورة عند العامة بمرجوش من غير لفظ سويقة، وهى شهرة قديمة عبّر عنها السيوطى فى «حسن المحاضرة» وهذه السويقة تنتهى إلى درب الطاحون تجاه مطبخ العسل.

ص: 128

وبهذا الشارع من المدارس القديمة المدرسة الغزنوية، بناها الأمير حسام الدين القايماز النجمى-مملوك نجم الدين أيوب-وهى الآن متخربة، وفى مقابلتها المدرسة اليازكوجية، أنشأها الأمير سيف الدين أيازكوج الأسدى مملوك أسد الدين شيركوه-أحد أمراء السلطان صلاح الدين يوسف-وجعلها وقفا على فقهاء الحنفية، وذلك فى سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة وهى مقامة الشعائر إلى الآن، وبها خطبة وتعرف بزاوية جنبلاط.

وكان بهذه الخطة قيسارية خوند. قال المقريزى: عند ذكر صفة القاهرة على ما كانت عليه فى أيامه ما معناه: أن السالك من رأس سويقة أمير الجيوش يريد باب الفتوح يجد عن يساره قيسارية خوند تجاه الجمالون الكبير والمدرسة الصيرمية، وكانت من رأس مرجوش إلى حارة الوراقة. وموضعها الآن عمارة كبيرة من ضمنها قاعة متسعة لتشغيل الحصر، يعلوها مساكن وبظاهرها حوانيت على الشارع، والجمالون الكبير موضعه الآن الجهة المعروفة بالضببية، والمدرسة الصيرمية هى الزاوية الصغيرة التى برأس الضببية مما يلى مرجوش، أنشأها الأمير جمال الدين شيوخ ابن صيرم-أحد أمراء الملك الكامل-توفى سنة ست وثلاثين وستمائة، وبقيت عامرة إلى أن تخرّبت، وبنى فى بعض أرضها الزاوية الصغيرة الموجودة إلى الآن المعروفة بزاوية الضببية.

ويظهر من تحديد المقريزى أن الوكالة المعروفة بوكالة يوسف عبد الفتاح التى بجوار المدرسة من جهتها الغربية أصلها من حقوق المدرسة المذكورة، فإنه قال فى الكلام على صفة القاهرة: إن المارّ بشارع مرجوش يريد باب الفتوح عند مروره بالجمالون الكبير يجد عن يمينه المدرسة الصيرمية، وعن يساره قيسارية خوند بين سويقة أمير الجيوش والوراقة.

(انتهى).

وفى وقتنا هذا موضع شبابيك المدرسة هو سور الوكالة المذكورة، وهذا يدل على ما ذكرناه والله أعلم.

وبهذا الشارع أيضا عدّة من الوكائل الكبيرة: منها وكالة إبراهيم شديد معدّة للسكنى، ومنها وكالة الشعبى بأعلاها مساكن وبواجهتها البحرية دكاكين وتحت نظر السيد محمد الشعيبى، ومنها وكالة البئر معدة للسكنى؟؟؟ ونصفها تابع للأوقاف، ومنها وكالة الدمرداش

ص: 129

من وقف الدمرداش متخربة وتحت نظر السيد مصطفى الدمرداش، ومنها وكالة السيد أحمد المراكشى، ووكالة السادات وقف الإمام الحسين، ووكالة إبراهيم أغا الأرنؤودى، ووكالة اللبن معدة لبيع أحجار الطواحين وتحت نظر الجوهرى، ووكالة عفيفى أفندى مجعولة قهوة وفى نظارة عفيفى أفندى المذكور، ووكالة القسط الكبيرة معدّة للسكنى وبعضها تابع للأوقاف، ووكالة القط الصغيرة معدة لبيع الثوم وتحت نظر الأوقاف، ووكالة الست الصاوية معدة لبيع الخيش، ووكالة السلحدار معدّة لبيع الأقمشة وتحت نظر محمد أغا فهمى، ووكالة الحصر معدة لتشغيل الحصر وتحت نظر إبراهيم الزليجى شيخ الحريريين.

وبالجملة فهذه الخطة صارت الآن أحد الشوارع الكبيرة المشهورة، وزال عنها اسم الحارة بالكلية لما فيها من الحارات والجوامع والحمامات والمكاتب والوكائل، والدكاكين وغيرها.

وهذا آخر ما تيسر لنا من الكلام على وصف شارع مرجوش قديما وحديثا

ص: 130

‌شارع الخرنفش

يبتدئ من آخر شارع الأمشاطية من عند سبيل القصرين، وينتهى لشارع خميس العدس وحارة الشعرانى، وطوله ثلثمائة متر وتسعون مترا.

وبه من جهة اليسار ثلاث عطف وحارة، وهى على هذا الترتيب:

العطفة الصغيرة ليست نافذة.

عطفة البرقوقية تنتهى من آخرها إلى جامع الكاملية.

عطفة لمعى أفندى غير نافذة.

حارة قاضى البهار بداخلها ضريح الأربعين.

وأما من جهة اليمين فبها حارة سيدى على الأتربى، بأولها زاوية الأتربى، وتعرف بمسجد الأتربى أيضا، وسيأتى ذكره، ويسلك منها لحارة برجوان التى ذكرها المقريزى فى خططه وقال إنها منسوبة إلى الأستاذ أبى الفتوح برجوان الخادم، وكان خصيّا أبيض تام الخلقة، ربى فى دار الخليفة العزيز بالله، وولاه أمر القصور، وهو الذى تكفل بالحاكم بأمر الله بن العزيز لما تولى الخلافة صغيرا، ولازم الحاكم إلى أن قتله، وذلك فى سنة تسعين وثلثمائة.

‌مطلب دار الضيافة

ويؤخذ من كلام المقريزى فى ترجمة دار الضيافة، أنها كانت تعرف بدار برجوان حيث قال: وأول من اتخذ دار ضيافة فى الإسلام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه-فى سنة سبع عشرة، وأعدّ فيها الدقيق والسمن والعسل وغيره، وجعل بين مكة والمدينة

ص: 131

من يحمل المنقطعين من ماء إلى ماء حتى يوصلهم إلى البلد، فلما استخلف عثمان بن عفان رضي الله عنه-أقام الضيافة لأبناء السبيل والمتعبدين فى المسجد. وأوّل من بنى دار ضيافة بمصر للناس عثمان بن قيس بن أبى العاص السهمى-أحد من شهد فتح مصر من الصحابة- وكان ميدان القصر الغربى الذى هو الآن الخرنفش دار الضيافة بحارة برجوان، وكانت هذه الدار أولا تعرف بدار الأستاذ برجوان، وفيها كان يسكن حيث الموضع المعروف بحارة برجوان، ثم لما قدم أمير الجيوش بدر الجمالى، وتولى الوزارة بمصر سكنها، وصارت دار وزارة إلى أن انتقل الملك الأفضل ابن أمير الجيوش إلى دار الوزارة الكبرى بعد توليته مكان أبيه، فترك هذه الدار لأخيه المظفر جعفر بن بدر الجمالى، وكان يلى العلامة السلطانية، فنسبت إليه، وصار يقال لها دار المظفر.

‌مطلب زاوية جعفر

إلى أن قتل ودفن بها، وقبره معلوم إلى الآن فى زاوية صغيرة بقرب دار السلحدار، شعائرها مقامة من جهة ناظرها الشيخ مصطفى نصر ومشهورة بزاوية جعفر، والمقريزى شنع على من قال إنه جعفر الصادق بكلام طويل عند ذكر رحبة جعفر ملخصه أنه قال:«هذه الرحبة تجاه حارة برجوان يشرف عليها شبابيك مسجد تزعم العوام أن فيه قبر جعفر الصادق، وهو كذب مختلق وإفك مفترى ما اختلف أحد من أهل العلم بالحديث والآثار والتاريخ والسير أن جعفر بن محمد الصادق مات قبل بناء القاهرة بدهر لأنه مات سنة ثمان وأربعين ومائة، والقاهرة اختطت فى سنة ثمان وخمسين وثلثمائة بعد موت جعفر الصادق بنحو مائتى سنة وعشر سنين ثم قال: والذى أظنه أن هذا موضع قبر جعفر ابن أمير الجيوش الملقب بالمظفر» . (اه.)

‌الكلام على محل دار جعفر

ثم بعد جعفر توارثها الناس إلى أن خربت، وآخر العهد بموضعها أنه كان به ربع كبير وحمام وجملة خرائب، وسقط الربع بعد سنة سبعين وسبعمائة. ومن سنة ثمان وسبعين استولى عليها قاضى القضاة شمس الدين محمد الطرابلسى، وشرع فى عمارتها دارا، ولما حفر أساسها وجد به عتبة من حجر صوّان فنقلها إلى المدرسة البرقوقية بخط بين القصرين، ووضعت فى المزملة بدهليز المدرسة، وهذه العتبة تشبه أن تكون عتبة دار المظفر ولما أتم

ص: 132

عمارتها سكن بها إلى أن مات سنة تسع وتسعين وسبعمائة. (انتهى). قلت ويغلب على الظن أن موضعها الآن الدار الكبيرة التى تجاه مطهرة جامع السلحدار مع ما حولها من الدور والزوايا الصغيرة إلى الزاوية التى بها قبر جعفر، بل الحارة بما فيها من الدور المتقابلة يمينا وشمالا إلى الجامع الذى هناك من حقوق دار المظفر.

وكان وراء هذه الدار رحبة كبيرة تسمى رحبة الأفيال يقال فى أيام الخلفاء الفاطميين كانت تربط بها أمام دار الضيافة. وكان بها بئر لشربها فردمت، وكان أمامها رحبة كبيرة أيضا فاجتمعت هذه الحارة من دار المظفر وهاتين الرحبتين وانضم إليها من جهة خط الخرنفش رحبة كبيرة فيها باب الحارة ومسجد الأتربى ورحبة مازن ورحبة أقوش الرومى السلحدار الناصرى، فصارت حارة كبيرة جدا، حدّها طولا من باب سويقة أمير الجيوش التى يسلك منها إلى باب القنطرة-أى باب الشعرية-إلى باب الخرنفش الذى يسلك منه إلى خميس العدس وحارة اليهود، وحدّها عرضا يختلف فى الضيق والسعة، وأبوابها ثلاثة: الباب الكبير بجوار جامع السلحدار، وهذا الباب مع الجامع والسبيل وما وراءهما من البيوت إلى المسجد القديم الذى بداخل الحارة من حقوق الرحبة التى كانت أمام الحارة. والباب الثانى عن يمين السالك من باب الخرنفش طالبا حارة اليهود بجوار مسجد الأتربى. والباب الثالث على يسار الداخل من الحارة الكبيرة التى تجاه جامع الشعرانى.

‌وكان بها من الدور الكبيرة:

‌مطلب دار ابن عبد العزيز

دار ابن عبد العزيز، وكانت على يمنة من سلك من باب الحارة طالبا حمام الرومى ابتدأ عمارتها فخر الدين أبو جعفر بن الكويك ناظر الأحباس-ومات ولم تكمل، وصارت لامرأته وابنة عمه، فماتت فى رجب سنة 762، وقد تزوجت من بعده بالقاضى بدر الدين حسن ابن عبد العزيز السيروانى، فانتقلت إليه، فلما مات فى سنة 774 ورثها ابن أخيه عبد الكريم ابن أحمد فباعها لقريبه شمس الدين محمد بن عبد الله بن عبد العزيز، وكملها وسكنها مدة، ثم باعها فى سنة خمس وتسعين وسبعمائة بألفى دينار ذهبا لخوند فاطمه ابنة الأمير منجك، فوقفتها على عتقائها.

ص: 133

ودار الجمقدار، وكانت على يسرة من سلك من هذه الحارة تحت القبو طالبا حمام الرومى، عرفت بالأمير سنجر الجمقدار-من الأمراء البورجية-قدمه الملك الناصر محمد تقدمة ألف بعد مجيئه من الكرك.

ودار أقوش الرومى، وكانت من أجلّ دور القاهرة، وبابها من نحاس بديع الصنعة يشبه باب المارستان المنصورى، وكان تجاهها إصطبل يعلوه ربع، عرفت بالأمير جمال الدين أقوش الرومى السلاحدار الناصرى، وهى مما وقفه على تربته بالقرافة، وقد خربت هى والإصطبل وبيعت أنقاضها.

ودار بنت السعيدى عرفت بقاعة حنيفة بنت السعيدى إلى أن اشتراها شهاب الدين أحمد ابن طوغان-دوادار الأمير سودون الشيخونى نائب السلطنة-فى سنة تسع وتسعين وسبعمائة، فأخذ عدة مساكن مما حولها وهدمها، وصيّرها ساحة بها، فصارت من أعظم الدور اتساعا وزخرفة، وكان بها سبعة آبار معينة وفسقية. (انتهى مقريزى).

وبها الآن من الجوامع: جامع السلاحدار، وهو بجوار بابها الكبير أنشأه الأمير سليمان أغا السلاحدار فى سنة خمس وعشرين ومائتين وألف، وأنشأ تحته سبيلا يعلوه مكتب، ووقف على ذلك أوقافا كثيرة، وهو الآن فى غاية من العمارية وإقامة الشعائر.

وجامع مزهر أنشأه الأمير أبو بكر مزهر الأنصارى-ناظر ديوان الإنشاء-وذلك بعد سنة ثمانين وثمانمائة، وهو محكم البناء باق على هيئته الأصلية، وشعائره مقامة من ريع أوقافه، ويتبعه سبيل كبير من إنشاء الأمير المذكور.

وبجوار هذا الجامع زاوية يقال لها زاوية الأربعين، بداخلها ضريح الأربعين، وشعائرها مقامة من أوقاف الجامع.

وجامع عبد الباسط، ويعرف أيضا بجامع عباس باشا، وهو تجاه دار الخرنفش، أنشأه القاضى عبد الباسط بن خليل بن إبراهيم الدمشقى-نائب الجيوش-فى سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة، ولما سكن المرحوم عباس باشا بدار الخرنفش أجرى فيه ترميمات، فلذلك عرف به، وبه ضريح الشيخ أحمد السبكى، وشعائره مقامة من أوقافه بنظر الديوان.

ص: 134

ويقابل هذا الجامع مسجد بزرلجان العربى منقوش على بابه «أمر بانشاء هذا المسجد المبارك لله تعالى المولوى الأمير بدر الدنيا والدين محمد بزرلجان العربى فى شهور سنة سبع وسبعين وستمائة» . وقد صار الآن مكتبا لتعليم القرآن المجيد، ويعرف أيضا بزاوية الأربعين.

ومسجد الأتربى، وهو مسجد قديم يقال إنه من زمن الفاطميين، ثم هجر وارتدم حتى صار تلا، فأراد بعض الناس أن يبنى فيه مسكنا، فوجد فى الحفر شرفات، فزاد فى الحفر حتى ظهر مسجد صغير به قبر عليه رخامة منقوش عليها:«هذا قبر أبى تراب حيدرة ابن المستنصر-أحد الخلفاء الفاطميين» . وكان المسجد منخفضا نحو عشر درج، فبنى هذا المسجد فوقه، وبنى القبر، ونصبت عليه الرخامة، وذلك فى سنة سبع وثمانمائة، وهو مقام الشعائر إلى الآن، وليس به خطبة، ويعمل فيه مولد كل سنة.

وهناك أيضا زاوية تعرف بزاوية شولاق تجاه منزل الشيخ الخضرى.

‌وبها الآن من الدور الكبيرة:

[دار سليمان أغا]

دار سليمان أغا السلاحدار، انتقلت إلى ورثته بعد موته سنة إحدى وستين ومائتين وألف وبقيت بأيديهم إلى أن اشترى منها المرحوم السيد باشا أباظة الحريم الكبير بألف كيسة وثلثمائة كيسة وستين كيسة، وهذا الثمن قليل جدا بالنسبة لعظم بنائه وزخرفته واتساع أرضه، وفتح له بابا على يسار الداخل من باب الحارة الكبير الأصلى، والحريم الثانى اشتراه تاجر من الحضارمة، وفتح له بابا من الشارع قريبا من باب الخرنفش، وجعله بيت سكنى وخانات للتجارة، ثم اشتراه من ورثته المرحوم السيد محمد إمام القصبى شيخ الجامع الأحمدى بطنتدا، وباقى الدار لم يزل موجودا إلى الآن فى غاية من الاتساع معدا للسكنى.

[دار الخرنفش]

ودار الخرنفش التى كانت أحد منازل الوزير عباس باشا، وهى من الدور القديمة، عبّر عنها المقريزى بدار تنكز فقال: هذه الدار بخط الكافورى كانت للأمير أيبك البغدادى وهى من أجل دور القاهرة وأعظمها، أنشأها الأمير تنكز نائب الشام، وأظنه وقفها فى جملة

ص: 135

ما وقف، وكان بها ولده، وسكنها قاضى القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة، فأنفق فى زخرفتها سبعة عشر ألف درهم عنها يومئذ ما ينيف عن سبعمائة دينار مصرية، ولم تزل هذه الدار وقفا إلى أن بيعت على أنها ملك فى سنة إحدى وعشرين وثمانمائة بدون ألف دينار لزين الدين عبد الباسط بن خليل صاحب الجامع، فجددها وبنى تجاهها جامعه. (انتهى).

وبقيت هذه الدار بيد ذرية زين الدين مدة، ثم صارت تنتقل من يد مالك إلى آخر حتى اشتراها المرحوم عباس باشا قبل توليته على الديار المصرية، وبناها بناء محكما، وسمّاها بالإلهامية على لقب ابنه إبراهيم إلهامى باشا، وهى سراى متسعة كبيرة الإيوانات والحجر ذات فناءين، وبها بستان صغير، ثم بعد موت المرحوم عباس باشا وموت ابنه إبراهيم إلهامى باشا اشتراها خليل بيك ابن إبراهيم باشا يجن من تركة إلهامى باشا، ثم فى زمن الخديو إسماعيل عند تنظيم بركة الأزبكية وما حولها من الشوارع والحارات أخذت دار السيد على البكرى نقيب الأشراف الكائنة بحارة الشيخ عبد الحق من شارع العشماوى فى التنظيم المذكور، فأنعم عليه الخديو إسماعيل بسراى الخرنفش المذكورة، وهى باقية بيد ذريته إلى يومنا هذا.

‌ترجمة الأمير سيف الدين تنكز

وأما تنكز المذكور فهو-كما فى المقريزى-الأمير سيف الدين أبو سعيد خليل، جلب إلى مصر وهو صغير، فنشأ عند الملك الأشرف خليل، فلما ملك السلطان الناصر محمد ابن قلاون أمّره إمرة عشرة قبل توجهه إلى الكرك، وسافر معه إلى الكرك، وتقدم وباشر نيابة دمشق، وأنشأ بها جامعا، ولم يزل إلى أن أشيع بدمشق أنه يريد العبور إلى بلاد التتر، فبلغ ذلك السلطان، فتنكر له وجهز إليه من قبض عليه، وأحيط بماله، وقدم الأمير بشتاك إلى دمشق لقبضه، وخرج إلى مصر ومعه من مال تنكز وهو من الذهب العين ثلثمائة ألف وستة وثلاثون ألف دينار، ومن الدراهم الفضة ألف ألف وخمسمائة ألف درهم، ومن الجواهر واللؤلؤ والزركش والقماش ثمانمائة حمل، ثم استخرج بعد ذلك من بقايا أمواله أربعون ألف دينار وألف ألف ومائة ألف درهم، فلما وصل تنكز إلى قلعة الجبل جهز إلى الإسكندرية، واعتقل فيها نحو الشهر، وقتل فى مجلسه، ودفن بها يوم الثلاثاء حادى عشر المحرم سنة إحدى وأربعين وسبعمائة. ومن الغريب أنه أمسك يوم الثلاثاء، ودخل مصر يوم الثلاثاء، ودخل

ص: 136

الإسكندرية يوم الثلاثاء، وقتل يوم الثلاثاء، ثم نقل إلى دمشق فدفن بتربته بجوار جامعه ليلة الخامس من رجب سنة أربع وأربعين وسبعمائة بعد ثلاث سنين ونصف بشفاعة ابنته.

(انتهى).

وبهذه الحارة أيضا دار بنت الخازندار، بها جنينة.

ودار من وقف السلاحدار، بها جنينة كبيرة

ودار محمد أفندى لمعى.

[الشيخ محمد الخضرى]

ودار الأستاذ الفاضل الشيخ محمد الخضرى الدمياطى الشافعى-من أكابر علماء الشافعية، قرأ الكتب المطوّلة من المعقول والمنقول، وأخذ عنه الجم الغفير. وواظب على الإفادة، والتدريس إلى أن انتقل إلى دار الكرامة فى يوم الثلاثاء بعد الظهر الموافق ثالث صفر من شهور سنة ثمان وتسعين ومائتين وألف، وصلى عليه فى الجامع الأزهر بمشهد حافل، ودفن قبيل المغرب من هذا اليوم بقرافة باب النصر-رحمه الله تعالى.

ودار على أفندى عزيز، وغير ذلك من الدور الكبيرة والصغيرة.

وهذا آخر ما تيسر لنا من الكلام على حارة برجوان قديما وحديثا.

***

ص: 137

‌شارع خميس العدس

يبتدئ من شارع مرجوش، وينتهى لشارع بين السورين تجاه القنطرة الجديدة، وطوله مائتان واثنان وعشرون مترا.

وبه مدرسة تعرف بمدرسة الفرنساوية، بجوارها كنيسة تعرف بكنيسة خميس العدس.

[ورشة الخرنفش]

وورشة كبيرة تعرف بورشة الخرنفش وبورشة خميس العدس-كانت فى الأصل بيتا كبيرا من بيوت الأمراء المصريين، ثم جعله العزيز محمد على باشا ورشة، وشرع فى عمارتها كما فى الجبرتى-فى شهر ذى الحجة سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وألف فى حارة النصارى المعروفة بخميس العدس المتوصل منها إلى جهة الخرنفش، وذلك بإشارة بعض نصارى الفرنج، ليجتمع بها أرباب الصنائع الواصلون من بلاد الفرنج، واستمروا مدة فى عمل الآلات الأصولية، مثل السندانات والمخارط الحديد والتزجات والقواديم والمناشير ونحو ذلك، وأفردوا لكل حرفة وصناعة مكانا يحتوى على الأنوال والدواليب والآلات الغريبة لصناعة القطن وأنواع الحرير والأقمشة المقصبات وغيرها. (انتهى) .. وهذه الورشة موجودة إلى الآن على ذمة الميرى لكنها بطلت كما بطل غيرها من الورش، وهى اليوم معدة لتشغيل كسوة الكعبة الشريفة، أدام الله تعظيمها.

ص: 138

‌شارع خان أبى طقيّة

يبتدئ من شارع سوق السمك الجديد، وينتهى لشارع سوق السمك القديم، وطوله ثلثمائة متر وثلاثون مترا، وأصله من حقوق حارة العدوية التى ذكرناها بشارع المقاصيص من هذا الكتاب.

وبهذا الشارع جامع محب الدين أبى الطيب على يمنة من سلك من الخرنفش إلى المارستان المنصورى، وهو مسجد عظيم البناء، وشعائره مقامة إلى الآن من أوقافه بنظر الديوان.

وبه من جهة اليمين عطفة تعرف بعطفة الذهبى بها عدة من البيوت.

ومن جهة اليسار عطفة المارستان المنصورى، وكانت فى القديم تعرف بخط باب سر المارستان كما ذكر ذلك فى المقريزى فى الكلام على خط باب سر المارستان حيث قال: هذا الخط يسلك إليه من الخرنفش، ويصير السالك فيه إلى البندقانيين، وبعض هذا الخط -وهو جله ومعظمه-من جملة إصطبل الجميزة الذى كان فيه خيول الدولة الفاطمية، وموضع باب سر المارستان المنصورى هو باب الساباط، فلما زالت الدولة واختط الكافورى والخرنفش وإصطبل القطبية صار هذا الخط واقعا بين هذه الأخطاط، ونسب إلى باب سر المارستان لأنه من هناك. (انتهى).

وذكر عند الكلام على إصطبل الجميزة أنه كان تجاه باب سر المارستان حدرة يتوصل منها إلى حارة باب زويلة. والذى يغلب على الظن أن هذه الحدرة موضعها الآن عطفة الذهبى المذكورة. ثم قال: وكان موضع هذا الإصطبل تجاه من يخرج من باب الساباط، وكانت بئره تعرف ببئر زويلة، وعليها ساقية تنقل الماء لسقى الخيول وقال: وقد شاهدت هذه

ص: 139

البئر لما أنشأ الأمير يونس الدوادار قيساريته والربع علوها فرأيت بئرا كبيرة جدا وقد عقد على فوهتها عقد ركب عليه بعض القيسارية، وترك منه شئ، ومنها الآن الناس تسقى بالدلاء. وموضع هذه البئر اليوم قيسارية تعرف بقيسارية يونس تجاه درب الأنجب.

وذكر أيضا فى الكلام على خط البندقانيين أن هذا الخط كان قديما إصطبل الجميزة -أحد إصطبلات الخلفاء-فلما زالت الدولة اختط، وصار فيه مساكن وسوق من جملته عدة دكاكين لعمل قسى البندق، فعرف الخط بالبندقانيين لذلك. (انتهى).

(قلت): فيؤخذ من هذا أن إصطبل الجميزة كان كبيرا جدا حتى صار خطا واسعا فيه مساكن وسوق ودكاكين، ومحله الآن شارع سوق السمك القديم، وكان طوله من باب سر المارستان إلى آخر شارع سوق السمك المذكور.

وأما بئر زويلة المذكورة فيغلب على الظن أنها البئر الموجودة الآن فى حمام حارة اليهود بوسط درب الطباخ من شارع حارة اليهود القرايين.

وبهذا الشارع أيضا عدة وكائل: منها وكالة الهمشرى، وتعرف بوكالة أبى النور، هى معدة للسكنى تحت نظر على أفندى الهمشرى، ووكالة يوسف عبد الفتاح تحت نظر محمد عبد الفتاح، ووكالة النخلة وقف الحرمين معدّة لبيع النحاس، ووكالة السمك معدة لبيع السمك تحت نظر سليمان أفندى عثمان، ووكالتان فى مقابلة بعضهما تحت نظر الست كلفدان.

انتهى ما يتعلق بوصف شارع خان أبى طقية قديما وحديثا.

***

ص: 140

‌شارع سوق السّمك

يبتدئ من شارع الأمشاطية بقرب عطفة البرقوقية، وينتهى لشارع حارة اليهود، وطوله مائة متر واثنان وثلاثون مترا.

وبأوله حمام البيسرى، وهو من الحمامات القديمة. قال المقريزى: أنشأه الأمير شمس الدين بيسرى الصالحى النجمى-أحد مماليك الملك الصالح نجم الدين أيوب. (انتهى) وهو عامر إلى الآن برسم الرجال والنساء.

وبوسطه جامع القرافى، وهو جامع قديم بداخله ضريح الشيخ عبد اللطيف القرافى، وشعائره مقامة إلى الآن من أوقافه بنظر الديوان.

***

ص: 141

‌شارع حارة اليهود القرائين

أوله من شارع خميس العدس، وآخره شارع الدهان، وطوله ثلثمائة وأربعون مترا.

وبه من جهة اليمين:

درب يعرف بدرب الكنيسة، بداخله كنيستان بجوار بعضهما.

ثم عطفة صغيرة ليست نافذة، تعرف بالعطفة السدّ.

[حمّام حارة اليهود]

ثم درب الطباخ، وهو درب كبير بداخله كنيسة تعرف بكنيسة درب الطباخ، وبوسطه حمام يعرف بحمام حارة اليهود، وهو من الحمامات القديمة سماه المقريزى «حمام الكويك» حيث قال: هذا الحمام فيما بين حارة زويلة ودرب شمس الدولة، أنشأه الوزير عباس -أحد وزراء الدولة الفاطمية-لداره التى موضعها الآن درب شمس الدولة، ثم جدده شخص من التجار يعرف بنور الدين على بن محمد بن أحمد بن محمود بن الكويك الربعى التكريتى فى سنة تسع وأربعين وسبعمائة فعرف به. (انتهى). ثم جدّده الأمير عثمان كتخدا -صاحب جامع الكيخيا والحمام الذى بجواره-ثم بعد سنة ثلاثين ومائتن وألف انتقل إلى ملك محفوظ غرفة السمكرى، وهو عامر إلى الآن لكنه برسم النساء فقط، وليس به مغاطس سوى الحنفيات، وبها بئر كبيرة جدا.

[جامع القاضى بركات]

وبالقرب من هذا الحمام جامع القاضى بركات، ويعرف أيضا بجامع المنسى، لأن بداخله ضريح الشيخ عبد الله المنسى. أنشأه القاضى بركات قراميط سنة سبع وثمانين وتسعمائة كما

ص: 142

وجد منقوشا على جانبه البحرى، وله أوقاف من طرفه، ومن طرف ابنه عبد القادر، ومن طرف محب الدين-كاتب الطواحين-ومعتوقه فرافى الجداوى، وكانت له منارة هدمت فى سنة تسعين ومائتين وألف، وشعائره مقامة من أوقافه بنظر الديوان.

ثم بعد درب الطباخ عطفة تعرف بعطفة بطيخة.

وأما جهة اليسار فبها:

درب يعرب بدرب الفرن.

ثم عطفة تعرف بعطفة البئر.

‌تتمة

السالك فى هذا الشارع يصل منه إلى شارع الصقالبة وإلى شارع المقاصيص وشارع سوق السمك القديم، ويصل من هناك إلى شارع الدهان وإلى شارع الدورة إلى السكة الجديدة، ومنها يصل إلى جميع الجهات.

***

ص: 143

‌شارع الصقالبة

يبتدئ من آخر شارع خان أبى طقية، وينتهى لحارة مكسر الحطب بجوار جامع المغاربة، وطوله ثلثمائة وخمسون مترا.

وبه عن جهة اليمين: ثلاث عطف غير نافذة.

ومن جهة اليسار: ثلاث عطف؛ إحداها تعرف بعطفة المصريين، بداخلها كنيسة سوى الكنيسة التى بوسطة.

وهذا الشارع هو الذى سماه المقريزى درب الصقالبة حيث قال: هو بحارة زويلة، عرف بطائفة الصقالبة-أحد طوائف العسكر فى أيام الخلفاء الفاطميين-ثم قال: وكان يتوصل لهذا الدرب من زقاق يسلك فيه من حارة زويلة إلى درب الصقالبة عرف أوّلا بالقائد الأعز مسعود المستنصر، ثم عرف بكوكب الدولة بن الحناكى. (انتهى).

ص: 144

‌شارع الدهان

ابتداؤه من نهاية شارع الصقالبة، وانتهاؤه شارع الحمصانى، وطوله ستة وثمانون مترا.

وبه من جهة اليمين ثلاث عطف على الترتيب وليست نافذة:

الأولى عطفة حوش الصوف بداخلها كنيسة.

الثانية العطفة الصغيرة.

الثالثة عطفة درب نصير بداخلها كنيسة:

وبه من جهة اليسار: درب الدهان بداخله كنيستان بجوار بعضهما، وهو غير نافذ.

تنبيه: هذا الشارع من ضمن حارة زويلة القديمة-كما هو منصوص فى بعض حجج أملاك هذه الخطة.

***

ص: 145

‌شارع الحمّصانىّ

أوله من نهاية شارع الدهان، وآخره شارع الدورة ودرب الطباخ، وطوله ثمانية وثمانون مترا.

وبه من جهة اليمين عطفتان غير نافذتين:

الأولى العطفة الضيقة.

الثانية عطفة الحمصانى.

ص: 146

‌شارع الدورة

أوله من نهاية شارع الحمصانى ودرب الطباخ، وآخره شارع درب المبلط، وطوله مائة متر وعشرة أمتار.

وبه من جهة اليمين عطفتان غير نافذتين:

[قاعة الفضة]

الأولى عطفة الفضة، عرفت بذلك من أجل ورشة كبيرة كانت بآخرها تعرف بقاعة الفضة أحدثها العزيز محمد على باشا، وبيان ذلك-كما فى الجبرتى من حوادث سنة خمس وثلاثين ومائتين وألف-أن بعض صناع المخيش آورى الحكومة أنها لو احتكرت هذه الصنعة يجئ منها فى السنة ما يزيد على ألف كيسة، فعند ذلك حصل الاستيلاء على صناعة المخيش والقصب والتلى الذى يصنع من الفضة للطرازات والمقصبات والمناديل والمحارم وخلافها من الملابس. (انتهى).

ثم شرع العزيز محمد على باشا فى إنشاء قاعة الفضة المذكورة، وجمع فيها أسطاوات صناعة المخيش والتلى والقصب ونحو ذلك، ورتّب لهم كتبة ومعاونين ومخزنجيا ووزانا، وأقام لحفر هذه القاعة قرا قولا من العساكر ملازما لها ليلا ونهارا، وكان أسطاواتها نحو الخمسة عشر، سوى ما يتبعهم من الصنّاع وغيرهم، وكان لكل أسطى مقدار معلوم من الفضة يستلمه كل جمعة، ثم بعد انتهاء الجمعة يسلمه مشغولا، ولا بد أن تكون الفضة من عيار تسعين فأزيد، وإلا لم يستخرج منها صنف المخيش ونحوه، وكان لهم على المائة درهم خمسة دراهم ساقطة فى نظير ما يسقط فى السبك وغيره، وكانت أجرة المائة درهم خمسة وعشرين قرشا

ص: 147

ميرية، وكان الميرى هو الذى يبيع التلى والمخيش على التجار بمعرفته، وبقيت كذلك مدة ثم أعطاها الميرى التزاما للخواجا ألكسان ويعقوب بيك القطاوى، فبقيت معهم إلى أن بطلت فى زمن المرحوم سعيد باشا كما بطل غيرها من الورش الميرية وتشتت من كان فيها من الأسطاوات وغيرهم، وصارت كأنها لم تكن شيئا مذكورا، فسبحان من له الدوام والبقاء.

وهذه القاعة موجودة إلى الآن بآخر عطفة الفضة المذكورة إلا أنها متخربة، وبقربها كنيسة لليهود القرائين.

وفى وقتنا هذا يوجد بحارة غيط العدة ورشة كبيرة للأسطى أبى العلاء القصبجى-أحد أسطاوات قاعة الفضة القديمة-يصنع فيها المخيش والتلى، وهو إنسان لا بأس به، يميل إلى الخير بطبعه، وله بر وإحسان-جزاه الله خيرا.

وبعد عطفة الفضة عطفة تعرف بعطفة الدورة.

وأما جهة اليسار فبها: درب يعرف بدرب المدارس، وعطفة تعرف بعطفة الكنيسة؛ بداخلها كنيسة لليهود الربانيين.

***

ص: 148

‌شارع درب المبلط

يبتدئ من نهاية شارع الدورة تجاه عطفة الدورة، وينتهى لشارع الصقالبة، وطوله مائة وعشرون مترا.

وبه من جهة اليمين: ثلاث عطف غير نافذة.

ومن جهة اليسار: درب يعرف بدرب الكتان غير نافذ، وبداخله كنيسة.

***

ص: 149

‌شارع سوق السمك القديم

يبتدئ من شارع خان أبى طقية وشارع الصقالبة، وينتهى لشارع البندقانيين، ويقطعه شارع السكة الجديدة، وطوله مائة وثمانون مترا.

وعن يسار المارّ به عطفتان، وبآخره حارة السبع قاعات التى هى فى الأصل دار الوزير علم الدين بن زنبور، وعرفت بهذا الاسم. قال المقريزى: هذه الدار عرفت بالسبع قاعات، ويتوصل إليها من جوار درب بيبرس المذكورة التى فى ظهر حارة زويلة، ومن سويقة الصاحب، وقد صارت عدة مساكن جليلة، ومكانها من حملة إصطبل الجميزة، أنشأها الوزير الصاحب علم الدين بن زنبور، ووقفها من جملة ما وقف، واستمرّت بيد ذريته إلى يومنا هذا، إلا أن الأمير صرغتمش أخذ رخامها ووجد فيها شيئا كثيرا من الصينى والنحاس والقماش وغير ذلك قد أخفى فى زواياها.

‌ترجمة ابن زنبور

وابن زنبور هذا هو الوزير الصاحب علم الدين عبد الله بن تاج الدين أحمد بن إبراهيم المعروف بابن زنبور، تولى الوزارة أيام الملك المظفر حاجى فى السابع والعشرين من ذى القعدة سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وألزم نفسه فى المجلس السلطانى بحضرة الأمراء أنه يباشر الوزارة بغير معلوم، وقرر ابنه فى ديوان المماليك، والتزم أنه لا يتناول معلوما، بل يوفر المعلومين للسلطان، وأبطل رمى الشعير والبرسيم من بلاد مصر، وكان يحصل برميهما ضرر كبير، فإن ذلك كان يحصل فى سائر البلاد، فيغرم على كل إردب أكثر من ثمنه، والتزم

ص: 150

بتكفية بيت المال من الشعير والبرسيم بغير ذلك، فبطل على يديه، وكتب به مرسوم، وكتب نقشا على حجر فى جانب باب القلية من قلعة الجبل، وأمر بقياس أراضى الجيزة، فجاءت زيادتها على الارتفاع الذى مضى ثلثمائة ألف درهم وعنها خمسة عشر ألف دينار.

فلم يزل إلى السابع والعشرين من شوال سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة فأحيط به وقبض عليه حسدا له على ما صار إليه، ولم يجتمع لغيره فى الدولة التركية، وتولى القيام عليه الأمير صرغتمش، فأول ما فتحوه من أبواب المكايد أن حسّنوا لصرغتمش أن يأمره بالإشهاد عليه أن جميع ما له من الأملاك والبساتين والأراضى الوقف والطلق جميعها من مال السلطان دون ماله فصيّر إليه ابن الصدر عمر وشهود الخزانة، فأشهد عليه بذلك، ثم كتبوا فتوى فى رجل يدعى الإسلام ويوجد فى بيته كنيسة وصلبان وشخوص من تصاوير النصارى ولحم الخنزير وزوجته نصرانية وقد رضى لها بالكفر وكذلك بناته وجواريه، وأنه لا يصلى ولا يصوم ونحو ذلك، وبالغوا فى تحسين قتله حتى قالو الصرغتمش: والله لو فتحت جزيرة قبرس ما كتب لك أجر من الله بقدر ما يؤجرك على ما فعلته مع هذا، فأخرج فى باشا وجنزير، وضرب فى رحبة قاعة الصاحب من القلعة بالمقارع، وتوالت عقوبته، وتسلمه شادّ الدواوين وعاقبه عقوبة الموت فى قاعة الصاحب.

فاتفق ركوب الأمير شيخو من داره إلى القلعة وابن زنبور يعاقب، فغضب من ذلك، ووقف ومنع ضربه، وبلغ الخبر صرغتمش، فصعد إلى القلعة، وجرى له مع شيخو عدة مفاوضات كادت تفضى إلى فتنة، وآل الأمر فيها إلى تسفير ابن زنبور إلى قوص، فأخرج من ليلته، وكانت مدة شدته ثلاثة أشهر، وأقام بمدينة قوص إلى أن عرض له مرض أقام به أحد عشر يوما، ومات يوم الأحد سابع عشر ذى القعدة سنة أربع وخمسين وسبعمائة.

وله بالقاهرة السبيل الذى على يسرة من دخل من باب زويلة بجوار خزانة شمائل، وقد دخل فى الجامع المؤيدى، ووجد له فى خزانة خمسة عشر ألف دينار وخمسون ألف درهم فضة وأخرج من بئر صندوق فيه ستة آلاف دينار وشئ من المصالح، وحضرت أحماله من السفر فوجد فيها ستة آلاف دينار ومائة وخمسون ألف درهم فضة وغير ذلك من تحف وثياب وأصناف، وألزم والى مصر باحضار بناته، فنودى عليهن فى مصر والقاهرة، ثم حمل

ص: 151

إلى داره وعرى ليضرب فدل على مكان استخرج منه نحوا من خمسة وستين ألف دينار، فضرب بعد ذلك، وعريت زوجته، وضرب ولده فوجد له شئ كثير إلى الغاية، من ذلك:

أوانى ذهب وفضة ستون قنطارا. جوهر ستون رطلا. لؤلؤ إردبان. ذهب مسكوك مائتا ألف وأربعة آلاف دينار، ضمن صندوق ستة آلاف حياصة، ضمن صناديق زركش ستة آلاف كلوتة ذخائر عده قماش بدنه ألفان وستمائة فرجية. دراهم خمسون ألف درهم.

شاشات ثلثمائة شاش. دواب عاملة سبعة آلاف. حلابة ستة آلاف. خيل وبغال ألف.

معاصر سكر خمس وعشرون معصرة. إقطاعات سبعمائة كل إقطاع خمسة وعشرون ألف درهم، عبيد مائة، خدام ستون، جوار سبعمائة، أملاك القيمة عنها ثلثمائة ألف دينار. مراكب سبعمائة. رخام القيمة عنه مائتا ألف درهم. نحاس قيمته أربعة آلاف دينار. نطوع سبعة آلاف. دواب خمسمائة. سروج وبدلات خمسمائة. مخازن ومتاجر أربعمائة ألف دينار. بساتين مائتان. سواق ألف وأربعمائة. (انتهى باختصار).

وقال ابن أبى السرور البكرى فى كتابه «قطف الأزهار» إن دار «السبع قاعات» صارت فى زماننا هذا-يعنى سنة أربع وخمسين وألف-حارة فى غاية من العمارية، ثم قال:

وكانت قبل زماننا بعدة سنين يسكنها غالب التجار وأكابرهم بالديار المصرية، وغالب القضاة المعتبرين، كالخواجا السجاعى-شاه بندر التجار بمصر-وبنى بها عدة أماكن وحماما، ومن القضاة شرف الدين الصغير، وأولاد الجيعان بنوا فيها الدور الفاخرة المرخمة، وبنوا بها حماما فى غاية الحسن وجامعا تقام به الخطبة، وكذا القاضى شرف الدين بنى بها حماما، وعمّرت بها الأمراء فنادق وطواحين وأفرانا وصهاريج، وغير ذلك من العمائر الفاخرة.

(انتهى).

(قلت): ويوجد بها الآن من آثارها القديمة جامع ابن الجيعان شعائره غير مقامة لتخربه ونظره للأوقاف، ويعرف اليوم بزاوية عبد الرحمن الجيعان.

وجامع القاضى شرف الدين به إيوانان، ومنبر صغير، وصهريج، وله أوقاف لإقامة شعائره باسم بانيه القاضى شرف الدين الصغير، وأوقاف باسم ابنه محمد شمس الدين، وباسم أخيه عبد الجواد الفخرى-كما وجد ذلك فى وقفية مؤرخة بسنة خمس وسبعين وألف- وهو الآن معطل الشعائر فى أغلب الأوقات.

ص: 152

وزاوية شنن، وهى صغيرة متخربة، ومنقوش على بابها اسم منشئها محمد النجار، وتاريخ سنة تسع وثمانين وتسعمائة، ونظرها لمحمد أفندى شنن.

وحمام «السبع قاعات» ، وهو الذى كان يعرف أولا بحمام السجاعى الشاه بندر المذكور، لاستيلائه عليه فى زمنه، ثم عرف بحمام عبد الرحمن بن الجيعان، ثم عرف بالقاضى شرف الدين الصغير، وهو من الحمامات القديمة، سماه المقريزى بحمام ابن عبود فقال: هذه الحمام فيما بين اصطبل الجميزة وبين رأس حارة زويلة عرف بابن عبود.

‌ترجمة ابن عبود

وهو الشيخ نجم الدين أبو على الحسين بن محمد بن إسماعيل بن عبود القرشى الصوفى مات سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، بعد ما عظم قدره، ونفذ فى أرباب الدولة نهيه وأمره، (انتهى).

(قلت): وهى عامرة إلى اليوم برسم الرجال والنساء، وجارية فى وقف الست بهانة.

وكان فى مقابلة هذا الحمام دار ابن فضل الله التى ذكرها المقريزى حيث قال: هذه الدار فيما بين حارة زويلة والبندقانيين كان موضعها من جملة إصطبل الجميزة، ثم ذكر فى ترجمة حمام ابن عبود أنه تجاه دار ابن فضل الله.

‌ترجمة شرف الدين عبد الوهاب

وبنو فضل الله جماعة أولهم بمصر شرف الدين عبد الوهاب بن الصاحب جمال الدين أبى المآثر فضل الله ابن الأمير عز الدين الحلى بن دعجان العمرى، ولى كتابة السر للملك الناصر محمد بن قلاوون، ثم صرفه عنها، وولاّه كتابة السر بدمشق، فلم يزل بها حتى مات فى ثالث شهر رمضان سنة سبع عشرة وسبعمائة. وقد عمر وبلغ أربعا وتسعين سنة، وخلف أموالا جمة، وكان فاضلا بارعا عاقلا ثقة أمينا مشكورا مليح الخط جيد الإنشاء. حدّث عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام. (انتهى).

(أقول): فيؤخذ من هذا أن الوكالة الموجودة الآن تجاه الحمام وما خلفها إلى شارع السكة الجديدة من حقوق دار ابن فضل الله المذكورة.

ص: 153

‌حادثة الخواجا لطفى

وذكر الجبرتى فى حوادث سنة أربعين ومائة وألف فى ترجمة محمد بيك جركس أنه كان بحارة «السبع قاعات» دار الخواجا لطفى النطرونى، وكان من مياسير التجار، ومشهورا بكثرة المال والثروة، وقد كف بصره، وكانت الكلمة فى مصر فى ذاك الوقت للأمير محمد بيك جركس، وكان ظالما غشوما جبارا عنيدا سار فى الناس بالعسف والجور، واتخذ له سراجا من أقبح خلق الله وأظلمهم وكان يعرف بالصيفى، ورخص له فيما يفعله من الظلم وغيره، ولا يقبل فيه قول أحد، واتخذ له أعوانا من جنسه، وكلهم على طريقته فى الظلم والتعدى، فكانوا يأخذون الأشياء من الباعة ولا يدفعون لها ثمنا، ومن امتنع عليهم ضربوه بل قتلوه، وساروا يختطفون النساء والأولاد من الطرقات. ومن جملة أفاعيلهم القبيحة أنهم صاروا يدخلون بيوت التجار فى شهر رمضان فلا ينصرفون حتى يأخذ الواحد منهم أطلسية وشاشا وخمسة زنجرليات، فكانت أعيان الناس من التجار وغيرهم يدخلون بيوتهم من العصر، ويقفلون أبوابها فلا يفتحونها إلى الصباح. ومن جملة أفاعيلهم الخبيثة أنه دخل منهم رجلان بيت الخواجا لطفى المذكور بعد صلاة العشاء ووقف منهم أربعة على باب الدرب، وقتلوه بالخناجر، وأخذوا ما أخذوه وانصرفوا، ثم بعد ذلك حضر الصيفى، فأخذ ما بقى فى الدار من نقد ومتاع وتمسكات وحجج وتقاسيط، وغير ذلك من أفاعيلهم القبيحة.

وكان الوالى فى ذاك الوقت أحمد أغا المعروف بلهلوبة وكان على طريقتهم، وزاد تجبر محمد بيك جركس وظلمه وزادت شناعة أتباعه، فكان يقع منهم فى اليوم الواحد عدة أمور قبيحة وشرور فظيعة، وقد أطال الجبرتى فى ترجمته وما فعله هو وأتباعه من القبائح، وقال كان أصله من مماليك يوسف بيك القرد، وكان معروفا بالفروسية من بين مماليك سيده، فلما مات سيده فى سنة سبع ومائة وألف أخذه إبراهيم بيك أبو شنب، وأرخى لحيته وعمله قائم مقام الطرانة، وتولى كشوفية البحيرة مرارا، ثم إمارة جرجا، وسافر إلى الروم سر عسكر على السفر سنة ثمان وعشرين ومائة وألف، وحضر فى سنة ثلاثين فوجد أستاذه قد توفى.

‌ترجمة محمد بيك جركس

وتقلد ابنه محمد بيك إمارة أبيه وسكن داره، والكلمة والإمارة إلى إسماعيل بيك ابن إيواظ، فمالت نفسه إلى الشهره ونفاذ الكلمة، واستولى عليه وعلى ابن سيده الحسد والحقد

ص: 154

لإسماعيل بيك، فضم إليه المبغضين له من الفقارية وغيرهم، وتوافقوا على اغتياله، ورصد له طائفة منهم، ووقفوا له بالرميلة، وضربوا عليه بالرصاص، فنجّاه الله منهم، وطلع إسماعيل بيك وصناجقه إلى باب العزب، وطلب محمد بيك جركس إلى الديوان ليتداعى معه، فعصى وامتنع وتهيأ للحرب والقتال، فقوتل حتى هزم، وخرج هاربا من مصر فقبض عليه العربان وأحضروه أسيرا إلى إسماعيل بيك، فأشاروا عليه بقتله، فلم يقتله وأكرمه وكساه وأعطاه ألف دينار ونفاه إلى قوص.

واستمر الحقد فى قلوب خشداشيه ومحمد بيك ابن سيده، فاتفقوا فيما بينهم على ما أضمروه لإسماعيل بيك، وأحضروا محمد بيك جركس سرا، وجرت بينهم أمور كثيرة شنيعة انتهت بقتل إسماعيل بيك، وخلا الجو لمحمد بيك وعزوته الفاجرة، فأجروا من المفاسد مالا يحصى ولا يعد. (انتهى ملخصا).

وبيت الخواجا لطفى المذكور موجود إلى الآن بين مسجد شرف الدين ووكالة السادات تابع لوقف الحرمين تحت نظر الديوان.

ويوجد الآن بهذه الحارة أيضا عدة دور كبيرة منها:

دار ملك السيد محمد الشريحى-شيخ الغورية-ودار ورثة المرحوم السيد أحمد الرشيدى، ودار السيد أحمد الجندى، ودار ملك السيد محمد الدرى-أحد كتاب المحكمة الكبرى-ودار مملوكة للأمير محمد باشا السيوفى-شاه بندر التجار بمصر حالا.

وهناك وكالة تعرف بوكالة شنن معدة لبيع الأقمشة وغيرها، وأخرى تعرف بوكالة السادات.

وهذا آخر ما تيسر لنا من الكلام على وصف شارع سوق السمك القديم وحارة «السبع قاعات» المذكورة.

ص: 155

‌شارع الورّاقين

يبتدئ من آخر شارع الأشرفية، وينتهى لشارع البندقانيين، وطوله مائة متر.

وعن يسار المارّ به رأس شارع التربيعة، وسيأتى بيانه فى محله.

وعن يمين المار به وكالة أبى زيد، وهى وكالة كبيرة معدة لبيع أصناف العطارة، وبها عدة دكاكين، وبوسطها بئر معينة، ويسلك منها لشارع السكة الجديدة، ونظرها لأمين أفندى أبى زيد.

ثم حارة شمس الدولة، وهى من الحارات القديمة من أيام الخلفاء الفاطميين، وكانت تسمى حارة الأمراء، ويقال لها حارة الأمراء الأشراف-أى أقارب أمير المؤمنين-ثم عرفت بدرب شمس الدولة. قال المقريزى: هذا الدرب كان قديما يعرف بحارة الأمراء، فلما كان مجئ المعزّ إلى مصر واستيلاء صلاح الدين يوسف على مملكة مصر سكن فى هذا المكان الملك المعظم شمس الدولة توران شاه بن أيوب-أخو صلاح الدين-فعرف به، وسمى من حينئذ درب شمس الدولة، وبه يعرف إلى اليوم. (انتهى).

وكان به من الدور الجليلة دار عباس وزير الخليفة الظافر، وهى التى قتل فيها الخليفة الظافر، قتله عباس هذا ودفنه بها، وقد ذكر أسباب قتله المقريزى فى خططه، ثم لما اطّلع على ذلك أهل القصر أخرجوه مقتولا من مدفته، وبنوا مكانه مسجدا عرف بمسجد الحلبيين، وهذا المسجد صار الآن من ضمن مدرسة السيوفية المعروفة اليوم بجامع الشيخ مطهر، وباقى هذه الدار قد تفرّق دورا ومنازل.

ص: 156

وكان بهذا الدرب أيضا دار مسرور، صاحب الخان المعروف بخان مسرور الذى بجوار خان الخليلى المشهور اليوم بوكالة رخا. ودار مسرور هذه عملت مدرسة بعد موته بوصية منه، وكان بناؤها من ثمن ضيعة بالشام كانت بيده وبيعت بعد موته، وكان ممن اختص بالسلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب فقدّمه على حلقته، ولم يزل مقدما إلى الأيام الكاملية، فانقطع إلى الله تعالى، ولزم داره إلى أن توفى ودفن بالقرافة بجانب مسجده. وكان له بر وإحسان.

وهذه المدرسة قد صارت الآن زاوية صغيرة متخربة برأس درب شمس الدولة بالسكة الجديدة قبالة عطفة الشيخ الجوهرى تعرف بزاوية الغريب.

وفى سنة اثنتين وستين ومائتين وألف أمر العزيز محمد على باشا بفتح شارع السكة الجديدة فلما فتح انقسمت هذه الحارة قسمين، وصار الشارع مساوكا بينهما، وإلى الآن باب هذه الحارة باق على أصله بشارع البندقانيين بقرب وكالة أبى زيد، فالداخل منه يجد عن يساره مدرسة مسرور المذكورة قد ارتفعت أرض الحارة عليها وصار ينزل إليها بدرج، وهى متخربة، وقد ذكرناها فى المدارس من هذا الكتاب.

ثم يسلك إلى شارع السكة الجديدة فيجد باقى الحارة أمامه، ينزل إليه منحدا لعلوّ أرض الشارع فيجد فى مقابلته دارا كبيرة مملوكة للشيخ الجوهرى، أحد علماء الأزهر المدرسين والصوفية الواصلين، تولى مشيخة الشاذلية بمصر وأقطارها، واشتهر شهرة كبيرة، واستمرت شهرته إلى أن مات رحمه الله تعالى.

وبجانب هذه الدار الجامع المعروف بجامع الجوهرى، جدده الشيخ الجوهرى المذكور، وكان أصله زاوية قديمة مدفونا بها أبوه وأجداده، وهم من العلماء المؤلفين؛ منهم الشيخ أحمد بن شهاب الدين الذى ترجمه الجبرتى فى وفيات سنة سبع وثمانين ومائة وألف فقال:

الإمام الصالح العلامة الشيخ أحمد بن شهاب الدين أحمد بن الحسن الجوهرى الخالدى الشافعى مات فى حادى عشر ربيع الأول من السنة المذكورة، ودفن على والده بزاوية القادرية بدرب شمس الدولة. (انتهى).

ص: 157

وفى أول هذه الحارة فى مقابلة مدرسة مسرور ضريح فيه القاضى الفارض-والد سلطان العاشقين شرف الدين عمر بن الفارض-كما ذكره السخاوى فى كتاب «المزارات» .

وبها أيضا زاوية تعرف بزاوية عبد الرحمن الحريشى أنشأها عبد الرحمن الحريشى سنة سبع وثمانين ومائة وألف، وجعل بها سبيلا يعلوه مكتب، وهى مقامة الشعائر إلى الآن بنظر الست نفوسة الحريشية.

وزاوية يقال لها زاوية الزنكلونى، غير مقامة الشعائر لتخرّبها، ونظرها للأوقاف، وبداخلها ضريح يعرف بالأربعين.

وهذا آخر ما تيسر لنا الوقوف عليه من الكلام على وصف شارع الورّاقين وحارة شمس الدولة قديما وحديثا.

ص: 158

‌شارع البندقانيين

يبتدئ من آخر شارع الورّاقين، وينتهى لشارع الحمزاوى، وطوله أربعة وستون مترا.

وبه زاوية تعرف بزاوية المغربى وهى صغيرة معلقة، وشعائر ما مقامة بنظر الأوقاف.

وهذا الشارع من الشوارع القديمة سماه المقريزى بخط البندقانيين فقال: هذا الخط كان قديما إصطبل الجميزة-أحد إصطبلات الخلفاء الفاطميين-فلما زالت الدولة اختط، وصارت فيه مساكن وسوق يعرف بسوق البندقانيين؛ من جملته عدة حوانيت لعمل قسى البندق، وكان يسلك إليه من سوق الزجاجيين وسويقة الصاحب ومن سوق الأبزاريين وغيره، وكان يعرف قديما بسوق بئر زويلة برسم إصطبل الجميزة، وموضع هذه البئر اليوم قيسارية يونس والربع الذى يعلوها، ثم لما زالت الدولة واختط موضع إصطبل الجميزة الدور وغيرها، وعرف موضع الإصطبل بالبندقانيين قيل لهذا السوق سوق البندقانيين.

ثم قال: وأدركته سوقا كبيرا معمور الجانبين بالحوانيت، وفيه كثير من أرباب المعاش المعدين لمبيع المأكولات من الشواء والطعام والمطبوخ وأنواع الأجبان وغيرها، ثم لما حدثت المحن بعد سنة ست وثمانمائة اختل هذا السوق خللا كبيرا وتلاشى أمره.

[حريق خط البندقانيين]

ثم ذكر أيضا فى الكلام على خط البندقانيين أنه احترق يوم الجمعة للنصف من شهر صفر سنة إحدى وخمسين وسبعمائة والناس فى صلاة الجمعة، فما قضى الناس الصلاة إلا وقد عظم أمره، فركب إليه والى القاهرة والنيران قد ارتفع لهبها، واجتمع الناس فلم يعرف من أين

ص: 159

كان ابتداء الحريق، واتفق هبوب ريح عاصفة فحملت شرر النار إلى أمد بعيد، ووصلت أشعتها إلى أن رؤيت من القلعة، فركب الوزير منجك بمماليك الأمراء، وجمعت السقاؤون لإطفاء النار، فعجزوا عن إطفائها، واشتدّ الأمر، فركب الأمير شيخو والأمير طاز والأمير مغلطاى وترجّلوا عن خيولهم، ومنعوا النهابة من التعرض إلى نهب البيوت التى احترقت، وعم الحريق دكاكين البندقانيين ودكاكين الرسامين وحوانيت الفقاعين والفندق المجاور لها والربع علوه، وعملت إلى الجانب الذى يلى بيت ركن الدين بيبرس المظفر والربع المجاور لعالى زقاق الكنيسة، فما زال شيخو واقفا بنفسه ومعه الأمراء إلى أن هدم ما هناك والنار تأكل ما تمر به إلى أن وصلت إلى بئر الدلاء المعروفة ببئر زويلة، فأحرقت ما جاورها من الأماكن والحوانيت، ولم يبق أحد فى ذلك الخط إلا حوّل متاعه خوفا من الحريق، فكان أهل البيت بينما هم فى نقل ثيابهم وإذا بالنار قد أحاطت بهم، فيتركون ما فى الدار وينجون بأنفسهم، وأقام الأمر على ذلك يومين وليلتين والأمراء وقوف، وعطب بالنار جماعة كثيرة، ووصل الحريق إلى قيسارية طشتمر وربع بكتمر الساقى.

فلما كفى الله أمر هذا الحريق وأعان على طفئه بعد أن هدمت عدة أماكن جليلة ما بين رباع وحوانيت وغيرها وجد فى بعض المواضع التى بها الحريق كعكات بزيت وقطران، فعلم أن هذا من فعل النصارى كما وقع فى الحريق الذى كان أيام الملك الناصر، ونودى فى الناس أن يحترسوا على مساكنهم، فلم يبق أحد من الناس إلا أعدّ فى داره أوعية ملآنة بالماء-ما بين أحواض وأزيار-وصاروا يتناوبون السهر ليلا، ومع ذلك فلا يدرى أهل البيت إلا والنار قد وقعت فى بيوتهم، فيتداركون طفأها لئلا تشتعل ويصعب أمرها، وترك جماعة من الناس الطبخ فى الدور، وتمادى ذلك من نصف صفر إلى عاشر ربيع الأول.

وبالجملة فكان أمر هذا الحريق مهولا، وانزعج منه الكثير، وكثرت النهّابة من الحرافيش وغيرهم، وضاع فيه أشياء كثيرة.

ثم قال: ولقد أدركنا فى خط البندقانيين عدة كثيرة من الحوانيت التى يباع فيها الفقاع تبلغ نحو العشرين حانوتا، وكانت من أنزه ما يرى، فإنها كانت كلها مرخمة بأنواع الرخام الملوّن، وبها مصانع من ماء تجرى إلى فوارات تقذف بالماء على ذلك الرخام حيث كيزان الفقاع مرصوصة، فيستحسن منظرها إلى الغاية لأنها من الجانبين والناس يمرون بينهما.

ص: 160

وكان بهذا الخط عدة حوانيت لعمل قسى البندق، وعدة حوانيت لرسم أشكال ما يطرز بالذهب والحرير، وقد بقى من هذه الحوانيت بقايا يسيرة، وهو من أخطاط القاهرة الجسيمة.

قال: وكان بجوار سوق البندقانيين سوق الأخفافيين، وهو سوق مستجد أنشأه الأمير يونس النوروزى-دوادار الملك الظاهر برقوق-سنة بضع وثمانين وسبعمائة، ونقل إليه الأخفافيين-بياعى أخفاف النساء-من خط الحريريين والزجّاجيين. وكان مكانه مما خرب فى حريق البندقانيين، فركب بعض القيسارية على بئر زويلة، وجعل بابها تجاه درب الأنجب، وبنى بأعلاها ربعا كبيرا فيه عدة مساكن، وجعل الحوانيت بظاهرها وبظاهر درب الأنجب، وبنى فوقها أيضا عدة مساكن، فعمر ذلك الخط بعمارة هذه الأماكن، وبه إلى الآن سكن بياعى أخفاف النساء ونعالهن.

[درب الأنجب]

قال: ودرب الأنجب هذا تجاه بئر زويلة التى من فوق فوهتها اليوم ربع يونس من خط البندقانيين، يعرف بالقاضى الأنجب أبى عبد الله محمد بن عبد الله بن نصر بن على-أحد الشهود فى أيام قاضى القضاة سنان الملك أبى عبد الله محمد بن هبة الله بن ميسر-ثم عرف هذا الدرب بأولاد العميد الدمشقى، فإنه كان مسكنهم، ثم عرف بالبساطى، وهو قاضى القضاة جمال الدين يوسف.

ثم قال: وكان أيضا بالبندقانيين درب كنيسة جدّة (بضم الجيم)، ويعرف بدرب بنت جدة، ثم عرف بدرب الشيخ السديد الموفق. (اه).

(قلت): فيؤخذ من هذا أن خط البندقانيين كان من الأخطاط الكبيرة جدا، وكان به عدة من الدروب وغيرها. وفى وقتنا هذا هو من أعمر أخطاط القاهرة، إلا أنه صار صغيرا بالنسبة لما كان عليه أولا، ومن حقوقه الآن حارة «السبع قاعات» وما جاورها من الحانبين، وبعض شارع السكة الجديدة، وحارة شمس الدولة، وسوق السمك القديم، ويسكنه فى هذه الأيام جملة من العطارين وغيرهم.

ص: 161

وبه عدة وكائل ودكاكين كلها مشحونة بأنواع التجارة؛ منها وكالة تعرف بوكالة الإبر، ويقال لها وكالة العقبى، معدة لبيع العطارة ونحوها من أنواع التجارة، وبها حواصل يوسف العقبى التاجر المشهور، ومنها وكالة خان سعيد مملوكة لجملة أشخاص، وبها أماكن خربة، ومعدّة لبيع أصناف العطارة ونحوها، ووكالة تعرف بوكالة الحاج شحاتة الخرزاتى لأن له بها عدة حواصل، وهى معدة لبيع أصناف العطارة وغيرها أيضا.

وهذا آخر ما تيسر لنا من الكلام على وصف شارع البندقانيين قديما وحديثا.

ص: 162

‌شارع الحمزاوى

أوله من آخر شارع البندقانيين، وآخره أول شارع اللبودية وشارع الحطاب، وطوله مائة متر وستة عشر مترا.

وعن يسار المارّ به عطفتان: الأولى تعرف بعطفة الأسكولة، وليست نافذة، والثانية تعرف بعطفة الكنيسة لأن بها كنيسة كبيرة للأروام.

وهذا الشارع نسب إلى جانم الحمزاوى-أحد أمراء السلطان سليم بن عثمان-لمّا أنشأ به الخان الكبير المعروف بالحمزاوى، وذلك فى القرن العاشر، وكان أصله بيتا لابن السلطان الغورى، وقيل كان لبنت بنته. وهذا البيت بعضه باق إلى الآن فى ملك السيد يوسف العقبى التاجر المشهور تجاه بيت الأمير محمد باشا السيوفى، وبداخله قاعة كبيرة فى غاية الحسن يقال إنها من بناء الغورى؛ سقفها من أفلاق النخل وملفوف عليها الليف، وفوقه لياسة محكمة، مرسوم عليها نقوش بالذهب، فانظر لدقة صنعة أهل تلك الأزمان وإتقانهم فى الأعمال، فسبحان من علم الإنسان ما لم يعلم.

وبهذا الشارع من الجانبين عدة دكاكين مشحونة بالأقمشة الثمينة؛ كالجوخ والاطاس اع؟؟؟ الحرير والمقصبات وغيرها، وأغلب تجّاره من نصارى الشوام والأقباط، وبأوّله ف؟؟؟ بوكالة القطاع، ويقال لها أيضا الحمزاوى الصغير، بها عدة حواصل مشحونة ونظرها للشيخ إبراهيم الخربطلى

ص: 163

وبوسطه حمّام يعرف بحمام الشرايبى، له بابان: أحدهما بجوار خان الحمزاوى الكبير والآخر من جهة الفحّامين بجوار وكالة الشرايبى، وهو من الحمامات القديمة أنشأه السلطان الغورى بجوار منزل كان يسكنه ابنه، وهو المنزل الذى عمله جانم الحمزاوى الخان المذكور، وكان يعرف سابقا بحمّام النملى، ثم عرف اليوم بحمام الشرايبى، وهو كبير جدا، وله شهرة بالنظافة، يدخله الرجال والنساء.

هذا ما يتعلق بوصف شارع الحمزاوى قديما وحديثا.

ص: 164

‌شارع اللبودية

يبتدئ من آخر شارع الحمزاوى، وأول شارع الحطاب، وينتهى لشارع درب سعادة، وطوله مائتان وخمسون مترا.

وبه من جهة اليمين ثلاث عطف وحارة وهى على هذا الترتيب:

الأولى عطفة حوش عيسى، يسلك منها لشارع السكة الجديدة، وبها جامع القاضى شرف الدين، وبيت كبير يعرف بحوش عيسى، وهى من حقوق حارة السبع قاعات التى تكلمنا عليها فى شارع سوق السمك القديم.

الثانية عطفة السلاوى؛ هى عطفة صغيرة غير نافذة.

الثالثة عطفة الشيشينى، يسلك منها لشارع السكة الجديدة، وبها عدة بيوت.

الرابعة حارة مكسر الحطب، هى نافذة لشارع السكة الجديدة ولشارع الدهان الموصل لحارة اليهود وغيرها. وهذه الحارة كانت تعرف قديما بسويقة المسعودى.

[ترجمة الأمير صارم الدين قايماز المسعودى]

قال المقريزى: هذه السويقة من حقوق حارة زويلة بالقاهرة تنسب إلى الأمير صارم- الدين قايماز المسعودى-مملوك الملك المسعود أقسيس بن الملك الكامل-وولى المسعودى هذا ولاية القاهرة، وكان ظالما غاشما جبارا، مات سنة أربع وستين وستمائة. ضربه شخص فى دار العدل بسكين كان يريد أن يقتل بها الأمير عز الدين الحلى-نائب السلطنة-فوقعت فى فؤاد المسعودى فمات لوقته. (اه).

ص: 165

وبهذه الحارة الآن زاوية المنير عن يمين المارّ من جهة الحمزاوى طالبا السكة الجديدة، أنشأها الشيخ محمد بن حسن السمنودى، المعروف بالمنير، فى آخر القرن الثانى عشر، شعائرها مقامة إلى الآن، وبها خطبة، وبداخلها ضريح منشئها، له حضرة كل أسبوع، ومولد كل عام، وكذا أنشأ بجوارها دارا له نظرها تحت يد ورثته إلى الآن.

وبالقرب من هذه الزاوية حمّام يعرف بحمام الثلاث، وهو من الحمامات القديمة، عرفه المقريزى بحمام الصاحب فقال: هذا الحمام بسويقة الصاحب عرف بالصاحب الوزير صفى الدين بن شكر الدميرى-صاحب المدرسة الصاحبية-ثم تعطل مدة سنين، فلما ولى الأمير تاج الدين الشوبكى ولاية القاهرة فى أيام الملك المؤيد جدده، وأدار به الماء سنة سبع عشرة وثمانمائة. (اه).

(قلت): وهو عامر إلى اليوم، وجار فى ملك ورثة المرحوم راتب باشا الكبير.

وأما جهة اليسار فبها عطفتان:

الأولى عطفة الملط، وهى عطفة كبيرة غير نافذة.

[زاوية الست بيرم]

الثانية عطفة الست بيرم؛ هى بآخر الشارع تجاه جامع السلطان دقمق، وليست نافذة، عرفت بذلك لأن بآخرها زاوية تعرف بزاوية الست بيرم، بنيت فى محل المدرسة الصاحبية التى قال فيها المقريزى إن بينها وبين المدرسة الزمامية دون مدى الصوت، أنشأها الصاحب صفى الدين بن شكر-وزير الملك العادل-وكان موضعها من جملة دار الوزير يعقوب بن كلس وجعلها وقفا على المالكية، وفى سنة ثمان وخمسين وسبعمائة جدّدها القاضى علم الدين إبراهيم، المعروف بابن الزبير، ناظر الدولة أيام السلطان حسن بن قلاوون، وجعل بها منبرا وخطبة، ثم تخربت، وبقى بها قبة فيها قبر منشئها، ثم أزيلت وبنى هناك مساكن، ولم يبق من الوقف إلا هذه الزاوية، وهى الآن متعطلة، ويوجد إلى الآن قبر الصاحب بن شكر خلف الزاوية بمنزل مجاور لها، وله شباك مشرف على الشارع، ومعروف بضريح الشيخ الصاحب إلى اليوم.

وبالقرب منه تجاه عطفة الشيشينى الجامع المعروف بجامع المغربى، وهو جامع لطيف به خطبة، وله منارة، وشعائره مقامة إلى الغاية. وكان أولا يعرف بالمدرسة الزمامية. قال

ص: 166

المقريزى: هذه المدرسة أنشأها الطواشى زين الدين مقبل الرومى فى سنة سبع وتسعين وسبعمائة (انتهى).

(قلت): وكان بجوار هذه المدرسة مدرسة أخرى تعرف بالمدرسة الحسامية ذكرها المقريزى فقال: هى بخط المسطاح من القاهرة قريبا من حارة الوزيرية بناها الأمير حسام الدين طرنطاى المنصورى-نائب السلطنة بديار مصر-إلى جانب داره، وجعلها برسم الفقهاء الشافعية. (انتهى). (أقول): وهذه المدرسة قد تخرّبت، وأخذ معظمها حسن مذكور النمرسى فى عمارته التى بجوارها، ولم يبق منها الآن إلا المحراب وقطعة أرض صغيرة يتوصل إليها من باب بجوار باب مطهرة جامع المغربى المذكور، وعما قريب يتغير ما بقى منها كما تغير غيره ولم يبق لها أثر ألبتة، فسبحان من لا يتغير ولا يزول.

ويغلب على الظن أن عمارة حسن مذكور فى محل دار طرنطاى المنصورى صاحب المدرسة الحسامية المذكورة، لأنها هى التى بجوار المدرسة.

وهذا الشارع الآن معد لبيع الصينى ونحوه، ولا يسكنه إلا النمارسة لأن صنف الصينى ونحوه لا يتجر فيه غيرهم، وبه عدة حوانيت ومنازل مملوكة للحاج حسن مذكور رئيس تجار النمارسة.

وأما فى الأزمان القديمة فكان هذا الشارع يعرف بسويقة الصاحب وبخط المسطاح، فقد ذكر المقريزى عند الكلام على الأسواق أن سويقة الصاحب يسلك إليها من خط البندقانيين ومن باب الخوخة وغير ذلك، ثم قال: وهى من الأسواق القديمة، كانت فى الدولة الفاطمية تعرف بسويقة الوزير، يعنى يعقوب بن كلس وزير الخليفة العزيز بالله نزار بن المعز الذى تنسب إليه حارة الوزيرية، فإنها كانت على باب داره، التى عرفت بعده بدار الديباج، وصار موضعها الآن المدرسة الصاحبية، ثم صارت تعرف بسويقة دار الديباج، وقيل لذلك الموضع كله خط دار الديباج، ثم عرف بالسوق الكبير فى أخريات الدولة الفاطمية، فلما ولى صفى الدين بن شكر وزارة الملك العادل سكن فى هذا الخط، وأنشأ به مدرسته التى تعرف إلى اليوم بالمدرسة الصاحبية، وأنشأ به أيضا رباطه وحمامه المجاورين للمدرسة المذكورة، وعرفت من حينئذ هذه السويقة بسويقة الصاحب، واستمرت تعرف بذلك إلى يومنا هذا،

ص: 167

ولم تزل من الأسواق المعتبرة، يوجد فيها أكثر ما يحتاج إليه من المآكل لوفور نعم من يسكن هنالك من الوزراء وأعيان الكتاب، فلما حدثت المحن طرقها ما طرق غيرها من أسواق القاهرة، فاختلت عما كانت عليه، وفيها بقية. (انتهى).

وقال أيضا عند الكلام على أخطاط القاهرة إن خط المسطاح فيما بين خط الملحيين وخط سويقة الصاحب، وفيه اليوم سوق الرقيق الذى يعرف بسوق الجوار والمدرسة الحسامية، ثم قال: وبخارج باب القنطرة قريبا من باب الشعرية خط يعرف بخط المسطاح أيضا. (انتهى).

(أقول): ومحل سوق الجوار هو عطفة الشيشينى المذكورة، وقد وجدت بحجج الست نفيسة-معتوقة على بيك الكبير-أنها اشترت دارا داخل الحارة التى تجاه المدرسة الحسامية تعرف بدار الشيشينى، فعلى هذا تكون المدرسة التى أزيلت الآن، وبنى فى محلها الدكاكين المقابلة لحارة الشيشينى هى المدرسة الحسامية، ويكون الخط هو خط المسطاح المذكور.

انتهى ما يتعلق بوصف شارع اللبودية قديما وحديثا.

ص: 168

‌شارع التربيعة

يبتدئ من أول شارع الورّاقين، وينتهى لشارع العطارين والفحامين، وطوله مائة وستة وثلاثون مترا، وهو فى محاذاة شارع الغورية، والفاصل بينهما وكالة يعقوب بيك والأماكن التى بجوارها المتصلة بجامع الغورى، عرف بالتربيعة من أجل قيسارية كانت به، بعضها وقف القاضى الأشرف ابن القاضى الفاضل عبد الرحيم بن على البيسانى على ملء الصهريج بدرب ملوخيا، وبعضها وقف الصالح طلائع بن رزيك الوزير، وقد هدمت هذه القيسارية وبناها الأمير جانى بيك-دوادار السلطان الملك الأشرف برسباى الدقماقى الظاهرى-سنة ثمان وعشرين وثمانمائة تربيعة تتصل بالوراقين، وجعل لها بابا من الشارع، وبنى علوها طباقا وحوانيت على بابها، فجاءت من أحسن المبانى. (انتهى مقريزى). (قلت): وقد بقى لها هذا الاسم إلى وقتنا هذا.

وبهذا الشارع من جهة اليمين زاوية صغيرة تعرف بزاوية بزاوية موسيو، أنشأها سليمان أفندى، المعروف بموسيو خليفة اليومية بالباب العالى، وصرف عليها من الفضة الأصناف العددية الديوانية خمسة وثمانين ألفا وتسعمائة وإحدى وخمسين نصفا، وهى معروفة بوقف الشيخ روى الدين-كما وجد ذلك فى بعض الوثائق المؤرخة بسنة اثنتين وثمانين ومائة وألف، لها منبر وخطبة، وشعائرها مقامة إلى الآن من جهة الأوقاف.

ثم سكة حمام الشرايبى يسلك منها لشارع الجودرية، وبأولها من جهة اليسار وكالة تعرف بوكالة مقلد معدة لبيع أصناف العطارة، وبجوارها باب دار الأمير محمد باشا السيوفى، لكنه غير مستعمل الآن، بل المستعمل هو الباب الكبير الذى بوسط الفحامين.

ص: 169

وبجوار هذه الدار ضريح يعرف بالأربعين مجعولا مكتبا لتعليم الأطفال، وبجواره دار كبيرة معروفة بدار القصبجى.

وأما جهة اليمين فبأولها مطهرة جامع الغورى، ثم ضريح يعرف بالسيد محمد الشملى، الشهير بالنامولى، وهو داخل مزار صغير أسفل منزل السيد يوسف العقبى التاجر الشهير، يعمل له مولد كل سنة، ثم دار السيد يوسف العقبى المذكور التى هى بعض بيت ابن السلطان الغورى، كما بيّنا ذلك بشارع الحمزاوى.

ثم عطفة صغيرة غير نافذة.

ثم وكالة البطراوى معدة لبيع العطارة، وجارية فى ملك السيد محمد البطراوى-شيخ العطارين-وبجوارها باب حمّام الشرايبى، ثم الوكالة المعروفة بوكالة الشرايبى معدة لبيع العطارة وغيرها، وبأعلاها مساكن.

وهذا وصف جهة اليمين بما فيه من شارع التربيعة.

وأما جهة اليسار فبها وكالة يعقوب بيك التى تكلمنا عليها بشارع الغورية، ثم عطفة صغيرة موصلة لشارع الغورية.

[سوق الجمالون]

ثم عطفة الشرم والجمالون، وهى التى عبّر عنها المقريزى بسوق الجمالون الكبير حيث قال: هذا السوق بوسط سوق الشرابشيين يتوصل منه إلى البندقانيين وإلى حارة الجودرية وغيرها، أنشئ فيه حوانيت سكنها البزّازون، وقفه السلطان الناصر محمد بن قلاوون على تربة مملوكه يلبغا التركمانى، ثم عمل عليه بابان بطرفيه بعد سنة تسعين وسبعمائة، فصارت تغلق بالليل. (انتهى). وقال ابن أبى السرور البكرى: هذا السوق الآن جار فى وقف السلطان الملك الأشرف قانصوه الغورى. (انتهى). (قلت): وإلى الآن أغلب حوانيت الشرم والجمالون تابعة لوقف السلطان الغورى.

وكان بسوق الجمالون هذا قيسارية تعرف بقيسارية ابن قريش. قال المقريزى: هى فى صدر سوق الجمالون الكبير بجوار باب سوق الوراقين، ويسلك إليها من الجمالون ومن سوق الأخفافيين المسلوك إليه من البندقانيين، وبعضها الآن سكن الأرمنيين، والبعض الأخرى

ص: 170

سكن البزارين، قال ابن عبد الظاهر: استجدها القاضى المرتضى بن قريش فى الأيام الناصرية الصلاحية، وكان مكانها إصطبلا. (انتهى). ومن حقوقها الآن الحوانيت التى تجاه الشرم والجمالون ومطهرة الغورى وما خلف ذلك.

قال المقريزى: وكان بجوار الجمالون الكبير قيسارية تعرف بقيسارية ابن أبى أسامة عن يسرة من سلك إلى بين القصرين يسكنها الآن الخردفوشية، وقفها الشيخ الأجل أبو الحسن على بن أحمد بن الحسن بن أبى أسامة-صاحب ديوان الإنشاء فى أيام الخليفة الآمر بأحكام الله. (انتهى).

وقال ابن أبى السرور: وفى زماننا هذا الآن يسكنها اليهود لمبيع الجوخ والأطلس. (انتهى).

[سوق الخشيبة]

وقال المقريزى أيضا: كان فيما بين سوق الجمالون الكبير وبين قيسارية الشرب سوق البخانقيين بابه شارع من القصبة، ويعرف بسوق الخشيبة-تصغير خشبة-كانت على بابه تمنع الراكب من التوصل إليه، ويسلك من هذا السوق إلى قيسارية الشرب وغيرها، وقد تكلمنا فى ترجمة شارع التبليطة على قيسارية الشرب، وذكرنا أن محلها الآن الخان المملوك لمحمد بيك السيوفى تجاه وكالة الزيت التى فى محل قيسارية جهركس. ثم قال: وهو معمور الجانبين بالحوانيت المعدة لبيع الكوافى والطواقى التى تلبسها الصبيان والبنات.

[الطواقى الجركسية]

وبظاهر هذا السوق أيضا بالقصبة عدة حوانيت لبيع الطواقى وعملها، وقد كثر لبس رجال الدولة من الأمراء والمماليك والأجناد، ومن يتشبه بهم للطواقى فى الدولة الجركسية، وصاروا يلبسون الطاقية على رؤوسهم بغير عمامة، ويمرّون كذلك فى الشوارع والأسواق والجوامع والمواكب لا يرون بذلك بأسا بعدما كان نزع العمامة عن الرأس عارا وفضيحة، ونوّعوا هذه الطواقى ما بين أخضر وأحمر وأزرق وغيره من الألوان، وكانت أولا ترتفع نحو سدس ذراع، ويعمل أعلاها مدوّرا مسطحا، فحدث فى أيام الملك الناصر فرج منها شئ عرف بالطواقى الجركسية يكون ارتفاع عصابة الطاقية منها نحو ثلثى ذراع وأعلاها مدوّر مقبب، وبالغوافى تبطين الطاقية بالورق والكثيرة فيما بين البطانة المباشرة للرأس والوجه الظاهر

ص: 171

للناس، وجعلوا من أسفل العصابة المذكورة زيقا من فرو القرض الأسود يقال له القندس فى عرض نحو ثمن ذراع يصير دائرا بجبهة الرجل وأعلى عنقه، وهم على استعمال هذا الزى إلى اليوم، وهو من أسمج ما عانوه. (انتهى). (قلت): ومحل هذا السوق الآن العمارة الجديدة التابعة للأوقاف التى بوسط الغورية بجوار جامع الغورى تجاه الباب الجديد الذى أنشأه الأمير محمد باشا السيوفى لداره.

وفى وقتنا هذا شارع التربيعة المذكور من أبهج الشوارع وأصقعها إلا أنه ضيق جدا، لا يستطيع المارّ به أن يجوز راكبا دابته إلا بمشقة، ويسكنه كثير من الماوردية الذين يبيعون الأعطار ونحوها، وكثير من تجار الحرير الذين يبيعون الشاهى والقطنى والعصب والكريشة والحرير ونحو ذلك.

انتهى ما يتعلق بوصف شارع التربيعة قديما وحديثا.

ص: 172

‌شارع الفحامين

ويعرف أيضا بشارع العطارين. ابتداؤه من نهاية شارع التربيعة بجوار باب جامع الغورى الصغير، وانتهاؤه أول شارع المؤيد، وطوله مائتان وأربعة عشر مترا.

وعن يمين المارّ به بيت الأمير محمد باشا السيوفى-شاه بندر التجار بمصر-وهو بيت كبير فى غاية العظم، أصله بيت والده، وقد زاد فيه الأمير المذكور زيادات حسنة من المحلات الوقف التى كانت بجواره استبدلها من الأوقاف، وأدخلها فيه، وجعل له بابا عظيما مرتفعا فاتحا على شارع الغورية بدركة كبيرة فى غاية الحسن، وترك بابه الأول الذى كان مستعملا فى مدة والده رحمه الله، وأنشأ به محلا لتجارته، وبنى به سلملكا متسعا جعله معدّا لجلوس المترددين عليه، وبالغ فى زخرفته وفرشه بالفرش النفيسة.

ثم بعد هذا البيت عطفة صغيرة غير نافذة.

وأما جهة اليسار فبها: عطفة الطاو وقجية يسلك منها لشارع الغورية، ومحلها الآن العطفة التى فى آخر العمارة الجديدة التى بالغورية مما يلى الفحامين، ثم باب الفحامين، ثم الباب الكبير ويسكن هذا الشارع كثير من العطارين، وكثير من تجار المغاربة الذين يبيعون الطرابيش والبطانيات والأحرمة ونحو ذلك.

وبه وكالتان إحداهما معدة لبيع أصناف العطارة ونحوها، والأخرى لبيع أصناف البضائع المغربية، والأولى تحت نظر الأوقاف، والثانية تحت نظر بعض الأهالى.

ص: 173

[سوق الكفتيين]

ومحل هذا الشارع كان يعرف قديما بسوق الكفتيين. قال المقريزى: وهذا السوق يسلك إليه من البندقانيين ومن حارة الجودرية ومن الجمالون الكبير وغيره، ويشتمل على عدة حوانيت لعمل الكفت، وهو ما تطعم به أوانى النحاس من الذهب والفضة، وكان لهذا الصنف من الأعمال بديار مصر رواج عظيم، وللناس فى النحاس المكفّت رغبة عظيمة. قال:

وأدركنا من ذلك شيئا لا يبلغ وصفه واصف لكثرته، فلا تكاد دار تخلو بالقاهرة ومصر من عدة قطع نحاس مكفت، ولا بد أن يكون فى شورة العروس دكة نحاس مكفت، والدكة عبارة عن شئ يشبه السرير يعمل من خشب مطعم بالعاج والآبنوس، أو من خشب مدهون، وفوق الدكة دست طاسات من نحاس أصفر مكفت بالفضة، وعدة الدست سبع قطع بعضها أصغر من بعض، تبلغ كبراها ما يسع نحو الإردب من القمح، وطول الأكفات التى نقشت بظاهرها من الفضة نحو ثلث ذراع فى عرض إصبعين، ومثل ذلك دست أطباق عدتها سبعة، بعضها فى جوف بعض، ويفتح أكبرها نحو الذراعين وأكثر، وغير ذلك من المناير والسرج وأحقاق الأشنان والطشت والإبريق والمبخرة، فتبلغ قيمة الدكة من النحاس المكفت زيادة على مائتى دينار ذهبا. وكانت العروس من بنات الأمراء والوزراء أو أعيان الكتاب أو أماثل التجار تجهز فى شورتها عند بناء الزوج عليها سبع دكك، دكة من فضة. ودكة من كفت، ودكة من نحاس أبيض، ودكة من خشب مدهون، ودكة من صينى، ودكة من بلور، ودكة كداهى وهى آلات من ورق مدهون تحمل من الصين. قال: وأدركنا منها فى الدور شيئا كثيرا، وقد عدم هذا الصنف من مصر إلا شيئا يسيرا، وبقى بهذا السوق إلى يومنا هذا بقية من صناع الكفت قليلة. (انتهى). (قلت): وهى الآن مجهولة لا تعرف.

ص: 174

‌شارع سوق المؤيد

يبتدئ من رأس حارة الجودرية، وينتهى لحارة الأشراقية، وطوله مائتان واثنان وثا مترا.

وبه من جهة اليسار: عطفة تعرف بعطفة الأرمجية، يسلك منها لشارع العقادين، ولعطفة العلبية التى يصنع بها علب البن وغيره.

وأما جهة اليمين فبها: عطفة الكاشف، عرفت باسم الأمير سليم كاشف لأن بيته كان بها، وهو بيت كبير موجود إلى الآن معد لسكن الجلاّبة وغيرهم.

(ترجمة سليم كاشف)

وهو-كما فى الجبرتى-الأمير الكبير سليم كاشف أحد مماليك عثمان بيك المعروف بالجرجاوى من البيوت القديمة، وخشداش عبد الرحمن بيك عثمان المتوفى سنة خمس ومائتين وألف بالطاعون، وتزوّج ابنته بعد موته، وكان ملتزما بحصة من أسيوط، فاستوطنها وبنى بها دارا عظيمة وعدة دور صغار، وأنشأ بها عدة بساتين، وغرس بها وبشرق الناصرى أشجارا كثيرة، وعمر عدة قناطر، وحفر ترعا، وصنع جسورا وأسبلة فى مفارق الطرق، وأنشأ دارا بمصر بالمناخلية بسوق الأنماطيين، واشترى دارا جليلة كانت لسليمان بيك المعروف بأبى نبوت بحارة عابدين. وأنشأ بأسيوط جامعا عظيما ومكتبا. ولما قارب تمام الجامع جاءت الفرنسيس فاتخذوه سجنا، ثم لما قابلهم وأمّنوه أخذ فى إصلاح ما تشعث من البناء وتتميم العمارة فلم يساعده الوقت إذ ذاك لقلة الأخشاب وآلات البناء، فاشتغل بذلك على قدر طاقته، ولم يبق إلا اليسير ووقع الطاعون بأسيوط فمات سنة خمس عشرة ومائتين

ص: 175

وألف، وكان ذا بأس وشدّة وإقدام وشجاعة وتهور مشابها لحسن بيك الجداوى فى هذه الفعال، وكانت موائده مبسوطة وطعامه مبذولا وداره بأسيوط مقصدا للوارد والقاصد والصادر من الأمراء وغيرهم، وله صدقات وأنواع من البرّ ومحبة فى العمارة وغراس الأشجار واقتناء الأنعام، وكان متزوجا بثلاث زوجات؛ إحداهن ابنة سيده عثمان بيك، والثانية ابنة خشداشه عبد الرحمن بيك، والثالثة زوجة علىّ كاشف المعروف بجمال الدين، وكان ذا تجارؤ على سفك الدماء فبذلك خافته عرب الناحية وأهل القرى، وقاتل العرب مرارا، وقتل منهم الكثير، وبسكناه بأسيوط كثرت عمارتها وأمنت طرقها برا وبحرا وسكنها الكثير من الناس. (انتهى).

ثم بعد عطفة الكاشف حارة الأشراقية، يتوصل منها لحارة درب سعادة وغيرها.

وبهذا الشارع أيضا وكالتان: إحداهما بوسطه، وهى كبيرة بدائرها عدة حواصل، وبظاهرها عدة دكاكين معدة لبيع القطن وغيره من المساند ونحوها، والأخرى بجوارها، وهى كالأولى، وكلتاهما من إنشاء أمين باشا الشهير بالأعمى.

‌ترجمة ذى الفقار بيك

وإحدى هاتين الوكالتين، وهى التى بقرب رأس حارة الجودرية، أصلها من إنشاء ذى الفقار بيك الذى ترجمه الجبرتى فقال: هو الأمير الكبير ذو الفقار بيك الفقارى أصله مملوك عمر أغا من أتباع بلغيه، التجأ إلى على خازندار حسن كتخدا الجلفى بعد موت سيده، ثم بعد موت حسن كتخدا انطوى إلى محمد بيك جركس، وقتل ابن ايواظ، ثم بعد ذلك ترقى إلى رتبة الصنجقية وكشوفية المنوفية، وانضم إليه كثير من الفقارية، وصار صاحب الحل والعقد، فتعصب عليه القاسمية، فحصل بسبب ذلك أمور كثيرة بسطها الجبرتى فى ترجمته وانتهت بقتله فى بيته غدرا، وذلك فى أواخر شهر رمضان سنة اثنتين وأربعين ومائة وألف.

وكان أميرا جليلا شجاعا بطلا مهيبا كريم الأخلاق مع قلة إيراده وعدم ظلمه، وكان يرسل البلكات والكساوى فى شهر رمضان لجميع الأمراء والأعيان والوجاقات، ويرسل لأهل العلم بالأزهر ستين كسوة ودراهم تفرّق على الفقراء المجاورين بالأزهر. ومن إنشائه الجنينة والحوض ببركة الحاج والوكالة التى برأس الجودرية ولم يتمها. (انتهى).

ص: 176

وهناك سبيل يقال إنه من وقف السلطان قلاوون جدّد بعد تخربه فى سنة إحدى وسبعين ومائة وألف، وهو عامر بنظر الأوقاف.

وهذا الشارع الآن معد لبيع القطن والمفروشات ينصب به سوق كل يوم من أول النهار إلى وقت الزوال، وكان قديما يعرف بسوق الحدّادين والحجّارين، ثم عرف أخيرا بسوق الأنماطيين. قال المقريزى: عند الكلام على مسالك القاهرة وشوارعها: إن السالك من باب زويلة طالبا الغورية يجد على يسرته الزقاق المسلوك فيه إلى سوق الحدادين والحجارين المعروف اليوم بسوق الأنماطيين. (انتهى).

[حارة الأشراقية أو المحمودية]

ويؤخذ من كلامه أيضا أن حارة الأشراقية هى المعروفة قديما بالمحمودية حيث قال عند الكلام على درب الصفّيرة (بتشديد الفاء)؛ هذا الدرب بجوار باب زويلة، وهو من حقوق حارة المحمودية، وكان نافذا إليها، وهو الآن غير نافذ، وأصله درب الصفيرا (تصغير صفرا) هكذا يوجد فى بعض الكتب القديمة، وقد دخل بجميع ما كان فيه من الدور الجليلة فى الجامع المؤيدى. (انتهى).

ثم قال: والمحمودية عرفت بطائفة من طوائف عسكر الدولة الفاطمية كان يقال لها الطائفة المحمودية، وقد ذكرها المسبحى فى تاريخه مرارا، ثم قال: وفى متجددات سنة أربع وتسعين وخمسمائة والسلطان يومئذ بمصر الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين قد تتابع أهل مصر والقاهرة فى إظهار المنكرات وترك الإنكار لها وإباحة أهل الأمر والنهى فعلها، وتفاحش الأمر فيها إلى أن غلا سعر العنب لكثرة من يعصره، وأقيمت طاحون بالمحمودية لطحن حشيشة للبزر، وأفردت برسمه، وحميت بيوت المزر، وأقيمت عليها الضرائب الثقيلة، فمنها ما انتهى أمره فى كل يوم إلى ستة عشر دينارا، ومنع المزر البيوتى ليتوفر الشراء من مواضع الحمى، وحملت أوانى الخمر على رؤوس الأشهاد وفى الأسواق من غير منكر، وظهر من عاجل عقوبة الله تعالى وقوف زيادة النيل عن معتادها وزيادة سعر الغلة فى وقت ميسورها. (انتهى).

هذا آخر ما تيسر لنا من الكلام على وصف شارع سوق المؤيد وحارة الأشراقية قديما وحديثا.

ص: 177

‌شارع الجودرية

يبتدئ من رأس حارة الجودرية بأول شارع المؤيد، وينتهى إلى أول شارع الحطاب وشارع المنجلة، وطوله مائة متر.

[حارة الجودرية]

وبه من جهة اليسار: حارة الجودرية؛ وهى حارة كبيرة ممتدة إلى جامع بيبرس وإلى درب سعادة، لها بابان: أحدهما من جهة سوق المؤيد، والآخر بجوار جامع بيبرس الذى أنشأه بيبرس الخيّاط سنة اثنتين وستين وستمائة، شعائره مقامة إلى الآن من أوقافه بنظر الشيخ عبد البر ابن الشيخ أحمد منة الله المالكى، وبداخله قبر زوجة منشئه وأولاده، عليه قبة شامخة من الحجر صنعتها دقيقة.

[جامع الجودرى]

وبهذه الحارة أربعة فروع غير نافذة، وزقاق يعرف بزقاق الغراب، وزاوية شهيرة بزاوية الجودرية، وهى قديمة وكانت متخربة فجدّدها الشيخ أحمد منة المذكور، وجعل بها منبرا وخطبة، وأقام شعائرها، فهى عامرة إلى الآن، وبداخلها ضريح السيد عمر بن السيد إدريس بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين ابن الإمام الحسين-رضي الله عنهم، يعمل له مقرأة كل أسبوع، ومولد كل عام، واليوم اشتهرت هذه الزاوية بجامع الجودرى، ونظره تحت يد الشيخ عبد البر المذكور.

وفى مقابلته زاوية تعرف بزاوية الشامية أنشأتها الست الشامية سنة أربع وتسعين وتسعمائة، شعائرها مقامة من أوقافها بنظر الشيخ عبد البر.

ص: 178

وهناك أيضا زاوية الخلوتى، وهى زاوية قديمة عرفت بذلك لأن بها ضريحا يعرف بالشيخ الخلوتى، شعائرها مقامة من أوقافها بنظر الشيخ محمد الأمير من ذرية الشيخ أحمد منة.

وزاوية الصياد عرفت باسم منشئها الشيخ الصياد، وهو مدفون بها يعمل له ليلة كل سنة، وشعائرها مقامة من أوقافها بنظر الشيخ أحمد الفقيه.

وسبيل يعرف بسبيل الست منور، أرضه مفروشة بالرخام، وهو عامر إلى الآن، وتابع لوقف الإمام الحسين رضي الله عنه.

وبهذه الحارة أيضا من الدور الكبيرة:

دار الشيخ أحمد منة؛ بها سبيل يعلوه مكتب لتعليم الأطفال، ودار الحاج أحمد مذكور النمرسى، وهى دار كبيرة فى محاذاة دار الشيخ أحمد منة، ودار السيد عبد الواحد الحريرى ابن السيد عبد الفتاح الحريرى بها جنينة، ودار إبراهيم الصرماتى العقاد، ودار محمد الفاكهانى التاجر، ودار الترجمان، وغير ذلك من الدور الكبيرة والصغيرة.

وهذه الحارة من الحارات القديمة ترجمها المقريزى فقال: عرفت بالطائفة الجودرية -إحدى طوائف العسكر فى أيام الحاكم بأمر الله على ما ذكره المسبحى. وقال ابن عبد الظاهر الجودرية منسوبة إلى جماعة تعرف بالجودرية اختطوها، وكانوا أربعمائة منهم أبو على منصور الجودرى الذى كان فى أيام العزيز بالله، وزادت مكانته فى الأيام الحاكمية، فأضيفت إليه مع الأحباس الحسبة وسوق الرقيق والسواحل وغير ذلك.

ولها حكاية سمعت جماعة يحكونها، وهى أنها كانت سكن اليهود معروفة بهم فبلغ الخليفة الحاكم أنهم يجتمعون بها فى أوقات خلواتهم. ويغنون بقولهم:

وأمة قد ضلوا

ودينهم معتل

قال لهم نبيهم

نعم الإدام الخل

ويسخرون من هذا القول، ويتعرضون إلى مالا ينبغى سماعه، فأتى إلى أبوابها وسدّها عليهم ليلا وأحرقها. فإلى هذا الوقت لا يبيت بها يهودى، ولا يسكنها أبدا (انتهى).

ص: 179

[زقاق الغراب]

وأما زقاق الغراب المتقدم ذكره فقال المقريزى: إنه بالجودرية، وكان يعرف بزقاق أبى العز، ثم عرف بزقاق ابن أبى الحسن العقيلى، ثم قيل له زقاق الغراب نسبة إلى أبى عبد الله محمد بن رضوان الملقب بغراب. (انتهى).

وكان بهذه الحارة رحبة تعرف برحبة ابن علكان. قال المقريزى: هذه الرحبة بالجودرية فى الدرب المجاور للمدرسة الشريفية، عرفت بالأمير شجاع الدين عثمان بن علكان الكردى زوج ابنته الأمير بازكوج الأسدى، ثم عرفت بابنه منها الأمير أبى عبد الله سيف الدين محمد ابن عثمان، وكان أخيرا استشهد على غرة بيد الفرنج فى غرة شهر ربيع الأول سنة سبع وثلاثين وستمائة، وكانت داره ودار أبيه بهذه الرحبة، ثم عرفت بعد ذلك برحبة الأمير علم الدين سنجر الصيرفى الصالحى. (انتهى).

ورحبة أخرى تعرف برحبة أزدمر، وكانت بالدرب المذكور أعلاه، عرفت بالأمير عز الدين أزدمر الأعمى الكاشف، لأنها كانت أمام داره. انتهى. (قلت): وإلى الآن موجود أثر هذه الرحبة تجاه زاوية ابن العربى، وهو مربع الشكل، وبوسطه شجرة لبخ، وبه دار السيد المحروقى كما سيأتى:

وكان بها أيضا حمام ابن علكان. قال المقريزى: أنشأه الأمير شجاع الدين عثمان بن ابن علكان، ثم انتقل إلى الأمير علم الدين سنجر الصيرفى، وما زال إلى أن خرب بعد سنة أربعين وسبعمائة. (انتهى).

[قيسارية بيبرس]

وكان برأس هذه الحارة قيسارية تعرف بقيسارية بيبرس. قال المقريزى: هذه القيسارية على رأس باب الجودرية من القاهرة كان موضعها دارا تعرف بدار الأنماط اشتراها وما حولها الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكيرى قبل ولايته السلطنة وهدمها، وعمر موضعها هذه القيسارية والربع فوقها، وتولى عمارة ذلك مجد الدين بن سالم الموقع، فلما كملت طلب سائر تجار قيسارية جهاركس وقيسارية الفاضل، وألزمهم بإخلاء حوانيتهم من القيساريتين وسكناهم بهذه القيسارية، وأكرههم على ذلك، وجعل أجرة كل حانوت منها مائة وعشرين درهما

ص: 180

نقرة، فلم يسع التجار إلا استئجار حوانيتها، وصار كثير منهم يقوم بأجرة الحانوت الذى ألزم به فى هذه القيسارية من غير أن يترك حانوته الذى هو معه باحدى القيساريتين المذكورتين ونقل أيضا صناع الأخفاف وأسكنهم فى الحوانيت التى خارجها، فعمرت من داخلها وخارجها بالناس فى يومين، وجاء إلى مخدومه الأمير بيبرس، وكان قد ولى السلطنة وتلقب بالملك المظفر قال: بسعادة السلطان أسكنت القيسارية فى يوم واحد، فنظر إليه طويلا وقال:

يا قاضى إن كنت أسكنتها فى يوم واحد فهى تخلو فى ساعة واحدة، فجاء الأمر كما قال.

وذلك أنه لما فر بيبرس من قلعة الجبل لم يبت فى هذه القيسارية لأحد من سكانها قطعة قماش بل نقلوا كل ما كان لهم فيها، وخلت حوانيتها مدة طويلة، ثم سكنها صناع الأخفاف كل حانوت بعشرة دراهم، وفى حوانيتها ما أجرته ثمانية دراهم، وهى الآن جارية فى أوقاف الخانقاه الركنية بيبرس، ويعرف الخط الذى هى فيه اليوم بالأخفافيين رأس الجودرية (انتهى)، (قلت): وفى وقتنا هذا محلها يعرف بالمشيخة، وبها عدة حوانيت من الجانبين يصنع فيها البلغ البلدى ونحوها من مراكيب المغاربة، وأغلب سكانها من المغاربة، وهى بجوار سوق المؤيد على رأس حارة الجودرية.

انتهى ما يتعلق بوصف حارة الجودرية التى بجهة اليسار من هذا الشارع.

[حارة المحروقى]

وأما جهة اليمين فبها الحارة المعروفة بحلقوم الجمل، وتعرف أيضا بحارة المحروقى، وهى التى سماها المقريزى فى ترجمة المدرسة الشريفية بدرب كركامة حيث قال: هذه المدرسة بدرب كركامة على رأس حارة الجودرية. (انتهى).

ويسلك من هذه الحارة إلى سوق الفحامين وإلى التربيعة وغيرها، وعرفت بالمحروقى لأنه أنشأ داره الكبيرة بها، وكان محلها دكة الحسبة التى ذكرها المقريزى فى خططه، وهذه الدار تتصل بسوق الفحامين وبها حديقة متسعة، وهى الآن مملوكة لعدة أشخاص، وفى مقابلتها دار أخرى بجوار زاوية ابن العربى معدة الآن لسكن الجلاّبة تعرف بدار المحروقى أيضا لأنها من إنشاء السيد محمد المحروقى بن المحروقى الكبير.

ص: 181

[ترجمة الأمير على أغا يحيى]

وأصل هذه الدار كانت ملكا للأمير على أغا يحيى من الأمراء المصريين، وهو-كما فى الجبرتى-الأمير المبجل على أغا يحيى، أصله مملوك يحيى كاشف تابع أحمد بيك السكرى الذى كان كتخدا عند عثمان بيك الفقارى الكبير، ولما ظهر على بيك وأرسل محمد بيك ومن معه إلى جهة قبلى بعد قتل صالح بيك، كان الأمير يحيى من جملة الأمراء الذين كانوا بأسيوط، ولما تشتتوا فى البلاد ذهب الأمير يحيى إلى إسلامبول وصحبته مملوكه المترجم، وأقام هناك إلى أن مات، فحضر المترجم إلى مصر فى أيام محمد بيك، وتزوج ببنت أستاذه، وسكن بحارة السبع قاعات، واشتهر بها، وعمل كتخدا عند سليمان أغا الوالى، وصار مقبولا عنده، ويتوسط للناس فى القضايا والدعاوى، واشتهر ذكره من حينئذ، وارتاح الناس إليه فى غالب المقتضيات، وباشر فصل الحكومات بنفسه، وكان قليل الطمع، لين الجانب. ولما حضر حسن باشا وخرج مخدومه من مصر استوزره حسن بيك الجداوى، وعظم أمره أيضا فى أيامه، واشترى دار مصطفى أغا الجراكسة التى بجوار زاوية ابن العربى بالقرب من الفحامين، وسكن بها، وسافر مرارا إلى الجهة القبلية سفيرا بين الأمراء البحرية والقبلية. ولم يزل وافر الحرمة حتى كانت دولة العثمانيين، ونما أمر السيد أحمد المحروقى، فانضوى إليه لقرب داره منه، فقيده ببعض الخدم، وجبى الأموال من البلاد، ولما تآمر حسن بيك أخو طاهر باشا على التجريدة الموجهة إلى ناحية قبلى طلبوا رجلا من المصريين يكون رئيسا، عاقلا فأشاروا على المترجم، فطلبه الباشا من السيد أحمد المحروقى، فأرسل إليه بالحضور، فأقام أياما حتى قضى أشغاله وسافر وهو متوعك، فتوفى بسمالوط فى ثالث القعدة سنة تسع عشرة ومائتين وألف (انتهى)

وبوسط هذه الحارة رحبة كبيرة بها زاوية تعرف اليوم بزاوية ابن العربى، وكانت أولا تعرف بالمدرسة الشريفية التى ذكرها المقريزى فقال: هذه المدرسة بدرب كركامة على رأس حارة الجودرية وقفها الأمير الشريف فخر الدين أبو نصر إسماعيل ابن حصن الدولة، أحد أمراء مصر فى الدولة الأيوبية، وتمت سنة اثنتى عشرة وستمائة، وكانت من مدارس الفقهاء الشافعية.

ص: 182

[ترجمة ابن العربى]

واستمرت عامرة إلى أن تخربت، فجددها العلامة المحدّث الشيخ على الشهير بابن العربى الفاسى المصرى المعروف بالسقاط. ولد بفاس وقرأ على والده، وعلى العلامة محمد بن أحمد العربى، وسمع منه الإحياء، وأخذ عن الشيخ محمد بن عبد السلام البنانى. كتب العربية، وجاور بمكة، فسمع على البصرى والنخلى وغيرهما، وعاد إلى مصر فقرأ على الشيخ إبراهيم الفيومى أوائل البخارى، وعلى عمر بن عبد السلام جميع الصحيح وقطعة من البيضاوى، وسمع كثيرا على عدة مشايخ، وكان عالما فاضلا مستأنسا بالوحدة، ولم يزل كذلك إلى أن مات سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف، ودفن بهذه الزاوية التى برأس حارة الجودرية .. (انتهى)«جبرتى» ).

[ترجمة السيد أحمد بن عبد السلام]

وفى سنة خمس ومائتين وألف دفن بها السيد أحمد بن عبد السلام مع والده وهو-كما فى الجبرتى-الخواجا المعظم والتاجر المكرم السيد أحمد بن عبد السلام المغربى الفاسى. نشأ فى حجر والده، وتربى فى العز والرفاهية حتى كبر وترشد، وأخذ وأعطى، وباع واشترى وشارك وعامل، واشتهر ذكره وعرف بين التجار، ومات أبوه واستقر مكانه فى التجارة، وعرفته الناس زيادة عن أبيه، وصار يسافر إلى الحجاز فى كل سنة مقوما مثل أبيه، وبنى داره ووسعها، وأضاف إليها دكة الحسبة التى بجوار الفحامين، وأنشأ دارا عظيمة أيضا بخط الساكت بالأزبكية، وانضوى إليه السيد أحمد المحروقى، وأحبه واتحد به اتحادا كليا، وكان له أخ من أبيه بالحجاز يعرف بالعرائشى من أكابر التجار ووكلائهم المشهورين، ذو ثروة عظيمة فتوفى، وصادف وصول المترجم حينئذ إلى الحجاز فوضع يده على ماله ودفاتره وشركاته، وتزوج بزوجته، وأخذ جواريه وعبيده ورجع إلى مصر، واتسع حاله زيادة على ما كان عليه، وعظم صيته، وصار عظيم التجار وشاه البندر، وسلم قياده فى الأخذ والعطاء وحساب الشركاء إلى السيد أحمد المحروقى، وارتاح إليه لحذقه ونباهته، ولم يزل على ذلك حتى اخترمته المنية، وتوفى فى شعبان سنة خمس ومائتين وألف مطعونا، وغسل وكفن وصلى عليه بالمشهد الحسينى فى مشهد حافل بعد العشاء الأخيرة فى المشاعل، ودفن عند أبيه بزاوية ابن العربى بالقرب من الفحامين. (انتهى).

ص: 183

‌ترجمة السيد المحروقى الكبير

وأما السيد أحمد المحروقى فهو-كما فى الجبرتى أيضا-عين الأعيان ونادرة الزمان- -شاه بندر التجار-والمرتقى بهمته إلى سنام الفخار، النبيه النجيب، والحسيب النسيب السيد أحمد بن السيد أحمد الشهير بالمحروقى الحريرى. كان والده حريريا بسوق العنبريين بمصر، وكان رجلا صالحا، منور الشيبة، معروفا بصدق اللهجة والديانة والأمانة بين أقرانه، وولد له المترجم فكان يدعو له كثيرا فى صلاته وسائر تحركاته، فلما ترعرع خالط الناس وكتب وحسب، وكان فى غاية الحذق والنباهة، وأخذ وأعطى، وباع واشترى وشارك، وتداخل مع التجار، وحاسب على الألوف، واتحد بالسيد أحمد بن عبد السلام، وسافر معه إلى الحجاز وأحبه وامتزج به امتزاجا كليا، ومات عمدة التجار العرائشى أخو الشيخ أحمد بن عبد السلام، وهو بالحجاز فى تلك السنة، فأحرز مخلفاته وأمواله ودفاتره، وتقيد المترجم بمحاسبة التجار والشركاء والوكلاء ومحاققتهم، فوفر عليه لكوكا من الأموال، واستأنف الشركات والمعاوضات وعد ذلك من سعادة مقدم المترجم ومرافقته له، ورجع صحبته إلى مصر، وزادت محبته له ورغبته فيه، وكان لابن عبد السلام شهرة ووصله بأكابر الأمراء كأبيه، وخصوصا مراد بيك، فكان يقضى له ولأمرائه لوازمهم، وكان ينوب عنه المترجم فى غالب أوقاته.

ولشدة امتزاج الطبيعة بينهما صار يحاكيه فى ألفاظه واصطلاحاته، فاشتهر ذكره بسببه عند التجار والأمراء، واتحد بمحمد أغا البارودى-كتخدا مراد بيك-اتحادا زائدا فراج به عند مخدومه شأنهما، وارتفع به قدرهما. ولما تأمر اسماعيل بيك واستوزر البارودى، استمر حالهما كذلك إلى أن حصل الطاعون ومات به السيد أحمد بن عبد السلام، فاستقر المترجم فى مظهره ومنصبه شاه بندر التجار بواسطة البارودى، وسكن داره العظيمة التى عمرها بجوار الفحامين محل دكة الحسبة القديم، وتزوج بزوجاته، واستولى على حواصله ومخازنه، واستقل بها من غير شريك ولا وارث. فعند ذلك زادت شهرته ونفذت كلمته على أقرانه ولم يزل طالعه يسمو وسعده ينمو، إلى أن عاد مراد بيك والأمراء المصريون بعد موت اسماعيل بيك إلى إمارة مصر، فاختص بخدمته وخدمة إبراهيم بيك وباقى الأمراء، وقدم لهم الهدايا وواسى الجميع بحسن الصنع حتى جذب إليه قلوبهم ونافس الرجال، وانعطفت إليه الآمال، وعامل تجار النواحى والأمصار من سائر الجهات، وراسلوه وأودعوا عنده الودائع.

ص: 184

وزوّج ولده السيد محمدا وعمل له مهما عظيما افتخر فيه إلى الغاية، ودعا الأمراء والأكابر والأعيان، وأرسل إليه إبراهيم بيك ومراد بيك الهدايا العظيمة المحملة على الجمال الكثيرة، وكذلك باقى الأمراء، ومعها الأجراس التى لها رنة تسمع من البعد، وتقدمها جمل عليه طبل نقارية، وذلك خلاف هدايا التجار والناس والنصارى والأروام والأقباط الكتبة وتجار الفرنج والأتراك والشوام والمغاربة وغيرهم، وخلع الخلع الكثيرة، وأعطى البقاشيش والإنعامات والكساوى.

وحج فى سنة اثنتى عشرة ومائتين وألف، وخرج فى تجمل زائد وجمال كثيرة وتختر وانات ومواهى ومسطحات وفراشين وخدم وهجن وبغال وخيول. وكان يوم خروجه يوما مشهودا اجتمع فيه الكثير من العامة رجالا ونساء، وجلسوا بالطريق للفرجة عليه، ومن خرج معه لتشبيعه ووداعه من الأعيان والتجار الراكبين والراجلين، وبأيديهم البنادق والأسلحة

وعند رجوع الركب وصل الفرنساوية إلى بر مصر، ووصلهم الخبر بذلك، وأرسل إبراهيم بيك إلى صالح بيك أمير الحاج يطلبه مع الحجاج إلى بلبيس، وذهب بصحبتهم المترجم وحرى عليه ما جرى من نهب العرب لأمتعته وحموله، وكان شيئا كثيرا، حتى ما عليه من الثياب. وانحصر فى طريق القرين، فلم يجد عن ذلك بدا من مواجهة الفرنساوية، فذهب إلى سارى عسكر بونابرته وقابله، فرحب به وأكرمه، ولامه على فراره وركوبه للماليك، فاعتذر إليه بجهل الحال، فقبل عذره واجتهد له فى تحصيل منهوباته، وأرسل فى طلب المتعدين، واستخلص ما أمكن استخلاصه له ولغيره، وأرسلهم إلى مصر وأصحب معهم عدة من العساكر، لخفارتهم وهم مشاة، بالأسلحة بين أيديهم حتى أدخلوهم بيوتهم

ولما رجع سار عسكر إلى مصر تردد عليه وأحله محل القبول، وارتاح له فى لوازمه، وتصدى للأمور وقضايا التجار، وصار مرعىّ الخاطر عنده ويقبل شفاعته، ويفصل القوانين بين يديه وأيدى أكابرهم. ولما رتّبوا الديوان تعين المترجم من الرؤساء فيه، وكاتبوا التجار وأهل الحجاز وشريف مكة بواسطته.

واستمر على ذلك حتى سافر بونابرته، ووصل بعد ذلك عرضى العثمانية والأمراء المصرية، فخرج فيمن خرج لملاقاتهم.

وحصل بعد ذلك ما حصل من نقض الصلح والحروب، واجتهد المترجم فى أيام الحرب وساعد وتصدى بكل همته، وصرف أموالا جمة فى المهمات.

ص: 185

والمؤن، إلى أن كان ما كان من ظهور الفرنساوية وخروج المحاربين من مصر، فلم يسعه إلا الخروج معهم والجلاء عن مصر، فنهب الفرنساوية داره وما يتعلق به.

ولما استقر يوسف باشا الوزير جهة الشام آنسه المترجم وعاضده، واجتهد فى حوائجه واقترض الأموال، وكاتب التجار وبذل الهمة، وساعده بما لا يدخل تحت طوق البشر.

وكان يراسل خواصه بمصر سرا فيطلعونه على الأخبار والأسرار إلى أن وصل العثمانيون إلى مصر، فصار المترجم هو المشار إليه فى الدولة، والتزم بالإقطاعات والبلاد، وحضر الوزير إلى داره وقدم إليه التقادم والهدايا، وباشر الأمور العظيمة والقضايا الجسيمة، وما يتعلق بالدول والدواوين والمهمات السلطانية، وازدحم الناس ببابه، وكثرت عليه الأتباع والأعوان والعساكر والقواسة والفراشون وغير ذلك، وحضر مشايخ البلاد والفلاحون الكثيرون بالهدايا والتقادم والأغنام والخيول، وضاقت داره بهم، فاتخذ دارا بجواره، وأنزل بها الوافدين، وجعل بها مضايف وحبوسا وغير ذلك.

ولما قصد يوسف باشا الوزير السفر من مصر وكله على تعلقاته وخصوصياته، وحضر محمد باشا خسرو فاختص به أيضا اختصاصا كليا، وسلمه المقاليد، وجعله أمين الضربخانة، فزادت صولته وطار صيته، واتسعت دائرته، وصار بمنزلة شيخ البلد، بل أعظم، ونفذت أوامره فى الإقليم المصرى والرومى والحجازى والشامى، وأدرك من العز والجاه والعظمة ما لم يتفق لأمثاله من أولاد البلد.

وكان ديوان بيته أعظم الدواوين بمصر، وتقرّب وجهاء الناس لخدمته والوصول لسدّته، ووهب وأعطى وراعى جانب كل من انتمى إليه، وكان يرسل الكساوى فى رمضان للأعيان والفقهاء والتجار وفيها الشالات الكشميرية، وعمل عدة أعراس وولائم، وزاره محمد باشا خسرو فى داره مرتين أو ثلاثة باستدعاء، وقدّم له التقادم والهدايا والتحف والرخوت المثمنة والخيول والتعابى من الأقمشة الهندية وغيرها.

ولما ثارت العسكر على محمد باشا وخرج فارا كان بصحبته فى ذلك الوقت، فركب أيضا يريد الفرار معه، واختلفت بينهما الطرق، فصادفه طائفة من العسكر فقبضوا عليه، وسلبوا ثيابه وثياب ولده ومن معه، وأخذوا منه جواهر كثيرة ونقودا ومتاعا، فلحقه عمر

ص: 186

بيك الأرنؤودى الساكن ببولاق، وأدركه وخلّصه من أيديهم، وأخذه إلى داره وحماه، وقابل به محمد على.

وذهب إلى داره واستقر بها إلى أن انقضت الفتنة، وظهر طاهر باشا فساس أمره معه حتى قتل، وحضر الأمراء المصريون فتداخل معهم وقدم لهم وهاداهم، واتحد بهم وبعثمان بيك البرديسى، فأبقوه على حالته ونجز مطلوبات الجميع، ولم يتضعضع للمزعجات، ولم يتقهقر من المفزعات، حتى إنهم لما أرادوا تقليد الستة عشر صنجقا فى يوم أحضره البرديسى تلك الليلة وأخبره بما اتفقوا عليه ووجده مشغول البال متحيرا فى لوازمهم فهون عليه الأمر وسهله، وقضى له جميع المطلوبات واللوازم للستة عشر أميرا فى تلك الليلة، وما أصبح النهار إلا وجميع المطلوبات من خيول ورخوت وفراوى وكساوى ومزركشات ذهب وفضة برسم الإنعامات وغيرها، فتعجب هو والحاضرون من ذلك، وقال له: مثلك من يخدم الملوك، وأعطاه فى ذلك اليوم فارسكور زيادة عما فى يده.

ولما ثارت العسكر على الأمراء المصريين وأخرجوهم من مصر، وأحضروا أحمد باشا خورشيد من إسكندرية وقلّده ولاية مصر، وكان مختصر الحال هيأ له المترجم رقم الوزارة والرخوت والخلع واللوازم فى أسرع وقت.

ولم يزل شأنه فى الترفع والصعود، وطالعه مقارنا للسعود حتى فاجأته المنية. وذلك أنه لما عاده الباشا فى يوم الثلاثاء سابع عشر شعبان سنة تسع عشرة ومائتين وألف نزل إلى داره، وتغدى عنده، وأقام نحو ساعتين، ثم ركب وطلع إلى القلعة، فأرسل فى إثره هدية جليلة صحبة السيد أحمد الملا ترجمانه، فلما كان ليلة الأحد الثانى والعشرين من شعبان المذكور جلس حصة من الليل مع أصحابه يحادثهم، ثم قال إنى أجد بردا، فدثروه ساعة، ثم أرادوا إيقاظه ليدخل إلى حريمه، فحركوه فوجدوة قد فارق الدنيا من ساعته، فكتموا أمره حتى ركب ولده السيد محمد إلى الباشا وأخبره، ثم رجع إلى داره، وحضر ديوان أفندى والقاضى، وختموا على خزائنه وحواصله، وكفنوه وصلوا عليه بالأزهر فى مشهد حافل، ثم رجعوا به إلى زاوية ابن العربى، ودفنوه بها مع السيد أحمد بن عبد السلام المتقدم الذكر.

ص: 187

‌ترجمة المحروقى الصغير

ثم إن الباشا ألبس ولده السيد محمدا فروة وقفطانا على الضربخانة، وأبقاه على ما كان عليه والده من خدمة الدولة والالتزام، واستمر على ذلك إلى أن تولى شاه بندر التجار المصرية فى سنة ثمان وعشرين ومائتين وألف، وصار من أرباب الحل والعقد مثل أبيه، وأنشأ دارا كبيرة ببركة الرطلى، وبستانا فى محل المنازل التى تخربت فى حوادث الفرنسيس، وعمر جامع الحريشى الذى هناك، واشترى دار على أغا يحيى التى بجوار زاوية ابن العربى، وكانت تعرف أولا بدار مصطفى أغا الجراكسة، وجعل بها ساباطا يصل من عليه إلى دار أبيه لأنها فى مقابلتها، وخصها بالحريم، وصارت تعرف بدار المحروقى أيضا، وبقى على حالته مدة، ثم تنازلت شهرته، وقلت حالته، وتمرض أياما ومات، وذلك بعد سنة أربع وثلاثين ومائتين وألف-رحم الله الجميع.

وهذه الزاوية مقامة الشعائر الإسلامية إلى اليوم، وبها ضريح بجوار قبر المحروقى، يقال له ضريح المرشدى، يعمل له مولد كل عام.

هذا آخر ما تيسر لنا من الكلام على وصف شارع الجودرية بما فيه قديما وحديثا.

ص: 188

‌شارع الحطاب

يبتدئ من آخر شارع الحمزاوى وأول شارع اللبودية، وينتهى لآخر شارع الجودرية وأول شارع المنجلة وطوله مائة وستون مترا.

وبه من جهة اليمين جامع الشيخ الحطاب شعائره مقامة من أوقافه القليلة وبداخله ضريح يقال إنه ضريح الشيخ عثمان الحطاب الذى نسب إليه هذا الشارع، وليس كذلك فإن الشيخ عثمان الحطاب توفى بالقدس وكانت زاويته فى محل هذا الجامع، وكان بجوارها زاوية لشيخه الشيخ أبى بكر الدقدوسى-رضي الله عنهما-كما فى طبقات الشعرانى.

وأما من جهة اليسار فبها: ضريح يعرف بضريح سيدى عثمان، يعمل له مولد كل سنة، وفى مقابلته دار كبيرة لبنت الأمير فاضل باشا، وبجواره دار الحبابى المغربى من تجار المغاربة المشهورين.

وهناك بآخر الشارع دار كبيرة بها جنينة متسعة من إنشاء المرحوم فاضل باشا، وفى مقابلتها عمارة جديدة مملوكة للامير محمد بيك السيوفى شاه بندر التجار المصرية. وفى تجاه هذه العمارة عمارة أخرى جديدة مملوكة لأحد تجار المغاربة المشهورين.

(قلت): وهذا الشارع من ضمن خط المسطاح الذى ذكرناه نقلا عن المقريزى بشارع اللبودية.

انتهى ما يتعلق بوصف شارع الحطاب.

ص: 189

‌شارع المنجلة

أوله من آخر شارع الجودرية، وآخره شارع درب سعادة وطوله ثلثمائة وأربعون مترا.

وبأوله ضريح يعرف بضريح سيدى حبيب النجار بقرب بيت السنانيكلى.

وعن يسار المارّ بآخره: عطفة تعرف بعطفة الصابونجية غير نافذة.

وبه جامع قديم يعرف بجامع فيروز به ضريحه عليه قبة مرتفعة، وله منارة، وشعائره غير مقامة لتخربه، وكان يعرف أولا بالمدرسة الفيروزية، أنشأها الأمير فيروز الجركسى فى القرن التاسع، ولما مات دفن بها كما ذكر ذلك السخاوى فى «الضوء اللامع» .

وبجوار هذه المدرسة المحل المعروف بالمنجلة المعد لمنجلة القطنى والشاهى ونحو ذلك.

وهذا الشارع كان يعرف أولا بخط الملحيين. قال المقريزى: هذا الخط فيما بين الوزيرية والبندقانيين من وراء دار الديباج، وتسميه العامة خط طواحين الملوحيين (بواو بعد اللام وقبل الحاء المهملة)، وهو تحريف وإنما هو خط الملحيين عرف بطائفة من طوائف العسكر فى أيام الخليفة المستنصر بالله يقال لها الملحية، وهم الذين قاموا بالفتنة فى أيام المستنصر إلى أن كان من الغلاء ما أوجب خراب البلاد ونهب خزائن الخليفة المستنصر، فلما قدم أمير الجيوش بدر الجمالى إلى القاهرة وتقلد وزارة المستنصر، وتجرد لإصلاح إقليم مصر وتتبع المفسدين وقتلهم، وسار فى سنة سبع وستين وأربعمائة إلى الوجه البحرى، وقتل لواته، وقتل مقدمهم سليمان اللواتى وولده، واستصفى أموالهم، ثم توجه إلى دمياط، وقتل فيها عدة من المفسدين فلما أصلح جميع البر الشرقى عدى إلى البر الغربى وقتل جماعة من الملحية وأتباعهم بثغر الإسكندرية، بعد ما أقام أياما محاصرا البلد وهم يمتنعون عليه ويقاتلونه إلى أن أخذها عنوة، فقتل منهم عدة كثيرة.

وكان بهذا الخط عدة من الطواحين فسمى بخط طواحين الملحيين، وبه إلى الآن يسير من الطواحين. (انتهى).

(قلت): وفى وقتنا هذا لم يكن بهذا الشارع شئ منها بالكلية.

ص: 190

‌شارع درب سعادة

يبتدئ من آخر شارع اللبودية بجوار جامع السلطان جقمق الذى تجاه عطفة الست بيرم، وينتهى لرأس حارة الحمام، وطوله أربعمائة متر وثمانية وعشرون مترا، عرف بأحد أبواب القاهرة الذى بناه القائد جوهر المعروف بباب سعادة. ومحله اليوم الفضاء الموجود قبلى سراى الأمير منصور باشا.

‌ترجمة سعادة غلام المعز

قال المقريزى: وسعادة هذا هو ابن حيان غلام المعز لدين الله، لأنه لما قدم من بلاد المغرب بعد بناء القائد جوهر القاهرة نزل بالجيزة، وخرج جوهر إلى لقائه، فلما عاين سعادة جوهرا ترجل وسار إلى القاهرة فى رجب سنة ستين وثلثمائة فدخل إليها من هذا الباب، فعرف به وقيل له باب سعادة.

ووافى سعادة هذا القاهرة بجيش كبير معه. فلما كان فى شوال سيره جوهر فى عسكر جرار عند ورود الخبر من دمشق بمجئ الحسين بن أحمد القرمطى إلى الشام، وقتل جعفر ابن فلاح، فسار سعادة يريد الرملة فوجد القرمطى قد قصدها، فانحاز بمن معه إلى يافا، ورجع إلى مصر، ثم خرج إلى الرملة فملكها فى سنة إحدى وستين، فأقبل إليه القرمطى، ففر منه إلى القاهرة. وبها مات لخمس بقين من المحرم سنة اثنتين وستين وثلثمائة، وحضر جوهر جنازته، وصلى عليه الشريف أبو جعفر مسلم. وكان فيه بر وإحسان. (انتهى).

(قلت): وتربته هى المعروفة اليوم بتربة الست سعادة التى بأول سور سراى الأمير منصور باشا تجاه الخليج.

ص: 191

‌ترجمة القائد جوهر

وأما القائد جوهر فهو-كما فى المقريزى-مملوك رومى رباه المعز لدين الله أبو تميم معد، وكناه بأبى الحسن، وعظم محله عنده فى سنة سبع وأربعين وثلثمائة، وصار فى رتبة الوزارة، فصيره قائد جيوشه، وبعثه فى صفر منها ومعه عساكر كثيرة فيهم الأمير زيرى ابن منادى الصنهاجى وغيره من الأكابر، فسار إلى تاهرت وأوقع بعدة أقوام، وافتتح مدنا وسافر إلى فاس فنازلها مدة ولم ينل منها شيئا، فرحل عنها إلى سجلماسة وحارب تاثرا فأسره بها.

وانتهى فى مسيره إلى البحر المحيط، واصطاد منه سمكا وبعثه فى قلة ماء إلى مولاه المعز، وأعلمه أنه قد استولى على ما مر به من المدائن والأمم حتى انتهى إلى البحر المحيط، ثم عاد إلى فاس، فألح عليها بالقتال إلى أن أخذها عنوة، وأسر صاحبها وحمله هو والتاثر بسجلماسة فى قفصين مع هدية إلى المعز، وعاد فى أخريات السنة وقد عظم شأنه وبعد صيته.

ثم لما قوى عزم المعز على تسيير الجيوش لأخذ مصر وتهيأ أمرها قدم عليها القائد جوهر وبرز إلى رمادة ومعه ما ينيف على مائة ألف فارس، وبين يديه أكثر من ألف صندوق من المال، وكان المعز يخرج إليه فى كل يوم ويخلو به، وأطلق يده فى بيوت أمواله، فأخذ منها ما يريد زيادة على ما حمله معه. وخرج إليه يوما فقام جوهر بين يديه وقد اجتمع الجيش فالتفت المعز إلى المشايخ الذين وجههم مع جوهر وقال: والله لو خرج جوهر هذا وحده لفتح مصر، ولتدخلن إلى مصر بالأردية من غير حرب، ولتنزلن فى خرابات ابن طولون، وتبنى مدينة تسمى القاهرة تقهر الدنيا. وأمر المعز بإفراغ الذهب فى هيئة الأرحية، وحملها مع جوهر على الجمال ظاهرة، وأمر أولاده وإخوته الأمراء وولى العهد وسائر أهل الدولة أن يمشوا فى خدمته وهو راكب، وكتب إلى سائر عماله يأمرهم إذا قدم عليهم جوهر أن يترجلوا مشاة فى خدمته، فلما قدم برقة افتدى صاحبها من ترجله ومشيه فى ركابه بخمسين ألف دينار ذهبا فأبى جوهر إلا أن يمشى فى ركابه ورد المال فمشى، ولما رحل من القيروان إلى مصرفى يوم السبت رابع عشر ربيع الأول سنة ثمان وخمسين وثلثمائة. أنشد محمد بن هانئ فى ذلك أبياتا أولها:

ص: 192

رأيت بعينى فوق ما كنت أسمع

وقد راعنى يوم من الحشر أروع

غداة كأن الأفق سدّ بمثله

فعاد غروب الشمس من حيث تطلع

فلم أدر إذ ودعت كيف أودّع

ولم أدر إذ شيعت كيف أشيع

ولما دخل مصر واختط القاهرة وكتب بالبشارة إلى المعز قال ابن هانئ:

تقول بنو العباس قد فتحت مصر

فقل لبنى العباس قد قضى الأمر

وقد جاوز الإسكندرية جوهر

تصاحبه البشرى ويقدمه النصر

ولم يزل معظما مطاعا، وله حكم ما فتح من بلاد الشام حتى ورد المعز من المغرب إلى القاهرة، وكان جعفر بن فلاح يرى نفسه أجل من جوهر، فلما قدم معه إلى مصر سيّره جوهر إلى بلاد الشام فى العساكر، فأخذ الرملة وغلب الحسن بن عبد الله بن طغج، وسار فملك طبرية ودمشق، فلما صارت الشام له شمخت نفسه عن مكاتبة جوهر، فأنفذ كتبه من دمشق إلى المعز وهو بالمغرب سرا من جوهر يذكر فيها طاعته ويقع فى جوهر، ويصف ما فتح الله للمعز على يده، فغضب المعز لذلك ورد كتبه كما هى مختومة، وكتب إليه:

«قد أخطأت الرأى لنفسك. نحن قد أنفذناك مع جوهر قائدنا، فاكتب إليه. فما وصل منك إلينا على يده قرأناه. ولا تتجاوزه بعد، فلسنا نفعل لك ذلك على الوجه الذى أردته وإن كنت أهله عندنا، ولكنا لا نستفسد جوهرا مع طاعته لنا» .

فزاد غضب جعفر بن فلاح، وانكشف ذلك لجوهر، فلم يبعث ابن فلاح لجوهر يسأله نجدة خوفا أن لا ينجده بعسكر، وأقام مكانه لا يكاتب جوهرا بشئ من أمره إلى أن قدم عليه الحسن بن أحمد القرمطى، وكان من أمره ما كان وقتله.

ولما مات المعز واستخلف من بعده ابنه العزيز، وورد إلى دمشق أفتكين الشرابى من بغداد ندب العزيز بالله جوهرا القائد إلى الشام، فخرج إليها بخزائن السلاح والأموال، والعساكر العظيمة، فنزل على دمشق لثمان بقين من ذى القعدة سنة خمس وستين وثلثمائة، فأقام عليها وهو يحارب أهلها إلى أن قدم الحسن بن أحمد القرمطى من الأحساء إلى الشام، فرحل جوهر فى ثالث جمادى الأولى سنة ست وستين، فنزل على الرملة والقرمطى فى إثره،

ص: 193

فهلك، وقام من بعده جعفر القرمطى فحارب جوهر، واشتد الأمر على جوهر، وسار إلى عسقلان، وحصره هفتكين بها حتى بلغ من الجهد مبلغا عظيما، فصالح أفتكين وخرج من عسقلان إلى مصر بعد أن أقام بها وبظاهر الرملة نحوا من سبعة عشر شهرا، فقدم على العزيز وهو يريد الخروج إلى الشام، فلما ظفر العزيز بأفتكين واصطنعه فى سنة ثمانين وثلثمائة، واصطنع منجوتكين التركى أيضا، أخرجه راكبا من القصر وحده فى سنة إحدى وثمانين والقائد جوهر وابن عمار ومن دونهما مشاة فى ركابه، وكانت يد جوهر فى يد ابن عمار، فزفر ابن عمار زفرة كاد أن ينشق لها وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، فنزع جوهر يده منه وقال: قد كنت عندى يا أبا محمد أثبت من هذا فظهر منك إنكار فى هذا المقام، ثم حدثه حديثا سلاه به، ثم قال:

«لكل زمان دولة ورجال، أنريد نحن أن نأخذ دولتنا ودولة غيرنا. لقد أرجل لى مولانا المعز لما سرت إلى مصر أولاده وإخوته وولى عهده وسائر أهل دولته، فتعجب الناس من ذلك، وهأنا اليوم أمشى راجلا بين يدى منجوتكين، أعزونا وأعزوا بنا غيرنا وبعد هذا فأقول اللهم قرب أجلى ومدتى فقد أنفت على الثمانين أو أنا فيها» .

فمات فى تلك السنة، وذلك أنه اعتلّ، فركب إليه العزيز بالله عائدا، وحمل إليه قبل ركوبه خمسة آلاف دينار ومرتبة مثقل، وبعث إليه الأمير منصور بن العزيز بالله خمسة آلاف دينار، وتوفى فى يوم الاثنين لسبع بقين من ذى القعدة سنة إحدى وثمانين وثلثمائة، فبعث إليه العزيز بالحنوط والكفن، وأرسل إليه الأمير منصور بن العزيز أيضا الكفن، وأرسلت إليه السيدة العزيزية الكفن، فكفن فى سبعين ثوبا، ما بين مثقل ووشى مذهب، وصلى عليه العزيز بالله وخلع على ابنه الحسين وحمله وجعله فى مرتبة أبيه، ولقبه بالقائد ابن القائد ومكنه من جميع ما خلفه أبوه.

وكان جوهر عاقلا محسنا إلى الناس كاتبا بليغا، فمن مستحسن توقيعاته على قصة رفعت إليه بمصر: «سوء الاحترام أوقع بكم حلول الانتقام، وكفر الإنعام أخرجكم من حفظ الزمام، فالواجب فيكم ترك الإيجاب، واللازم لكم ملازمة الاحتساب، لأنكم

ص: 194

بدأتم فأسأتم، وعدتم فتعديتم، فابتداؤكم ملوم، وعودكم مذموم، وليس بينهما فرجة إلا تقتضى الذم لكم والإعراض عنكم، ليرى أمير المؤمنين صلوات الله عليه رأيه فيكم». (انتهى).

وبهذا الشارع من جهة اليمين: عطفة جامع البنات، وهى التى عبر عنها المقريزى بدرب العداس حيث قال: هذا الدرب فيما بين دار الديباج والوزيرية. عرف بعلى بن عمر العداس، صاحب سقيفة العداس، وذكر أيضا عند الكلام على جامع الفخر-المعروف اليوم بجامع البنات-أنه بجوار دار الذهب المجاورة لقبو الذهب من خط بين السورين فيما بين باب الخوخة وباب سعادة، ويتوصل إليه أيضا من درب العداس المجاور لحارة الوزيرية. (انتهى).

وأما جهة اليسار فبها عطفة الصاوى تجاه عطفة جامع البنات، وتعرف أيضا بعطفة الفرن، وهى التى عبر عنها المقريزى بدرب الحريرى فقال: هذا الدرب من جملة دار الديباج ويتوصل إليه اليوم من سويقة الصاحب، وفيه المدرسة القطبية، عرف بالقاضى نجم الدين محمد بن القاضى فتح الدين عمر المعروف بابن الحريرى، فإنه كان ساكنا فيه. (انتهى).

ثم عطفة المنجلة يسلك منها لشارع المنجلة والجودرية والحمزاوى وغير ذلك.

ثم حارة النبوية يسلك منها لحارة الحمام وحارة الأشراقية وغيرها، وبأولها ضريح السيدة عائشة النبوية، عليه قبة صغيرة، وله شباك مطل على الشارع، يعمل لها مولد كل سنة وبهذه الحارة أيضا زاويتان: إحداهما تعرف بزاوية حسن كاشف، يعلوها، مساكن وشعائرها معطلة فى غالب الأوقات، والأخرى زاوية الوزيرى، عرفت بذلك لأن بها ضريح الشيخ محمد الوزيرى، وهى غير مقامة الشعائر لتخربها، ونظرها للأوقاف.

‌ترجمة مصطفى كاشف كرد متولى الحسبة

وفى مقابلتها بيت كبير يعرف اليوم ببيت الفروجى، وكان يعرف أولا ببيت مصطفى كاشف المحتسب وهو-كما فى الجبرتى-الأمير الكبير مصطفى كاشف كرد، تنقل فى الخدم حتى تولى الحسبة فى رمضان سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وألف بأمر مطلق من والى مصر محمد

ص: 195

على، وذلك أنه لما تكرر على سمعه أفعال السوقة وانحرافهم وقلة طاعتهم وعدم مبالاتهم بالضرب والإيذاء وخزم الأنوف والتجريس قال فى مجلس خاصته:«لقد سرى حكمى فى الأقاليم البعيدة فضلا عن القريبة، وخافنى العربان وقطاع الطريق وغيرهم خلاف سوقة مصر فإنهم لا تدعون بما يفعله فيهم ولاة الحسبة من الإهانة والإيذاء، فلا بد لهم من شخص يقهرهم ولا يرحمهم» .

فوقع اختياره على مصطفى كاشف هذا فقلده ذلك، وأطلق له الإذن، فعند ذلك ركب فى كبكبة، وخلفه عدة من الخيالة، وترك شعار المنصب من المقدمين والخدم الذين يتقدمونه، وصار يطوف على الباعة، ويضرب بالدبوس هشما بأدنى سبب، ويعاقب بقطع شحمة الأذن، فأغلقوا الحوانيت، ومنعوا وجود الأشياء حتى ما جرت به العادة فى رمضان من عمل الكعك والكنافة وغير ذلك، فلم يلتفت لامتناعهم وغلقهم الحوانيت، وزاد فى العسف، ولم يرجع عن اجتهاده، ولازم السعى والطواف ليلا ونهارا، وإذا أدركه النوم نام لحظة فى أى مكان ولو على مسطبة دكانه وأخذ يتفحص على السمن والجبن ونحوه المخزون فى الحواصل، ويخرجه ويدفع ثمنه لأربابه بالسعر المفروض، ويوزعه على أرباب الحوانيت ليبيعوه على الناس بزيادة نصف أو نصفين فى كل رطل، وذهب إلى بولاق ومصر القديمة فاستخرج سمنا كثيرا معظمه من مخازن العسكر، فإن العسكر كانوا يرصدون الفلاحين وغيرهم فيأخذون منهم بالسعر المفروض، ثم يبيعونه على المحتاجين إليه بما أحبوا من الزيادة الفاحشة، فلم يراع جانبها، واستخرج مخبآتهم قهرا عنهم، ومن خالف عليه منهم ضربه وأخذ سلاحه ونكل به.

فعندما رأى أرباب الحوانيت منه ذلك فتحوا حوانيتهم، وأظهروا مخبآتهم، وذلك خوفا من بطشه وعدم رحمته بهم. وكان يأمر بكنس الأسواق، ومواظبة رشها بالماء، ووقود القناديل على أبواب الدور والحوانيت.

ونادى على نصارى الأرمن والأروام والشوام بإخلاء البيوت التى عمروها بمصر القديمة وزخرفوها وسكنوا بها بطريق الإنشاء، وأن يعودوا إلى زيهم الأول من لبس العمائم الزرق

ص: 196

وعدم ركوب الخيل والبغال والرهوانات، واستخدام المسلمين، وأمر أيضا بالنداء على المرد ومحلقى اللحى يأن يتركوها ولا يحلقوها.

واتفق أن المترجم ضرب شخصا أرنؤديا من عسكر عابدين بيك بالدبوس، حتى كاد يموت، فاشتد بعابدين بيك الحنق، وركب إلى كتخدا بيك، وشنع على المترجم، وتعددت الشكوى منه، وصادفت فى زمن واحد، فأنهى الأمر إلى الباشا، فتقدم إليه بكف المحتسب عن هذه الفعال، فأحضره الكتخدا، وزجره وأمره أن لا يتعدى حكمه الباعة ومن كان يسرى عليهم أحكام من كان فى منصبه قبله، وأن يكون أمامه الميزان ويؤدب المستحق بالكرابيج دون الدبوس.

فمن حينئذ خمدت نار شوكته، وصار حكمه لا يسرى على النصارى، فضلا عن غيرهم. ولم يزل فى إمارته إلى أن مات سنة ست وثلاثين ومائتين وألف. وكان جبارا عسوفا يعاقب بجرح الأذن والضرب بالدبوس، وبهذا أقعد بعض صناع الكنافة على صوانيهم التى على النار، ودق فى أذن بعض السوقة المسمار، إلى غير ذلك من أنواع الإيذاء (انتهى ملخصا)

‌ترجمة حسن بيك الجداوى

ثم بعد حارة السيدة عائشة حارة الحمام، يسلك منها لشارع السكرية وغيره، وعن يسار المارّ بها عطفة صغيرة تعرف بعطفة الكاشف كان بها سكن الأمير حسن بيك الجداوى، بعدما تزوج بابنة الأمير أحمد بيك شنن الذى كان أصله مملوكا للشيخ محمد شنن المالكى شيخ الجامع الأزهر، وقد دخل فى سلك الجندية بعدما فارق ابن سيده لوحشة وقعت بينهما، فخدم عند على بيك الكبير، وأحبه ورقاه وأمره إلى أن قلده كتخدا الجاويشية، ثم قلده الصنجقية، وبقى كذلك إلى أن مات مقتولا سنة اثنتين وتسعين ومائتين وألف رحمه الله تعالى.

وبهذه الحارة أيضا حمام المؤيد الذى عرف به، وهو حمام كبير أنشأه السلطان المؤيد بعد إنشائه للجامع، وجعله وقفا عليه، وجعل له بابين أحدهما من الحارة، والآخر من عطفة صغيرة بشارع تحت الربع تجاه تكية الجلشنى، وهو عامر إلى الآن برسم الرجال والنساء.

ص: 197

[باب الفرج]

وكان بآخرها من جهة الأشراقية باب الفرج الذى هو أحد أبواب القاهرة. ذكره المقريزى فى ذكر أبواب القاهرة، لكنه لم يترجمه على حدته. وفى كتاب وقفية الجامع المؤيدى عند ذكر حدود الجامع والحمام ما يدل على أن باب الفرج المتقدم كان بآخر حارة الحمام من جهة الأشراقية، المعروفة قديما بالمحمودية حيث ذكر فيها ما ملخصه:

وقف مولانا السلطان المؤيد الجامع المحدود بحدود أربعة: الحد القبلى إلى الشارع داخل باب زويلة تجاه قيسارية الفاضل، والبحرى إلى الطريق الموصل إلى المحمودية، وباب الفرج والحمام، وفى هذا الحد الباب الموصل إلى الميضأة وبيوت الطلبة والحمام والساقية.

ثم قال: وجميع الحمام بخط المحمودية، حده القبلى إلى بئر ساقية الجامع، والبحرى إلى باب الفرج، وفيه معالم البئر التى من حقوق المستوقد، والشرقى إلى الطريق الموصل إلى باب الفرج، وفيه الباب وثلاثة حوانيت وحوض سبيل، والغربى إلى ربع الظاهر .. (انتهى من الوقفية).

وبهذه الحارة أيضا زاوية البزرجلى، أنشأها الأمير حسن أغا المعروف بالبزرجلى بعد سنة خمسين ومائتين وألف، شعائرها غير مقامة لتخربها، ونظرها لبنت المنشئ المذكور، وبقربها ضريح الشيخ فرج.

[أول دار للوزارة بالقاهرة]

وشارع درب سعادة هذا هو الذى سماه المقريزى بحارة الوزيرية، نسبة إلى الوزير يعقوب ابن كلّس، لأن داره كانت بها، وهى أول دار كانت للوزارة بالقاهرة أنشأها الوزير المذكور وسمّيت بعد انقطاع نسبتها إليه بدار الديباج، لأن الديباج الذى كان يعمل لقصور الخلفاء كان يعمل بها، واستمرت كذلك مدة الخلفاء الفاطميين، ثم تفرقت دورا ودروبا، وكان لغلمان الوزير المذكور مساكن حول داره. (اه). (أقول): ونسب الخط إليها، فصار يعرف بخط دار الديباج.

ص: 198

قال المقريزى: هذا الخط فيما بين خط البندقانيين والوزيرية، ومن جملته المدرسة الصاحبية ودرب الحريرى والمدرسة السيفية، وبقى معروفا بخط دار الديباج إلى أن سكن هناك الوزير صفى الدين عبد الله بن على بن شكر فى أيام العادل أبى بكر بن أيوب فصار يعرف بخط سويقة الصاحب

ويؤخذ مما حكاه المقريزى فى خططه أن هذه الدار كانت كبيرة جدا، وموضعها اليوم جميع الكتلة من المنازل والعطف المحدودة بأول درب سعادة من جهة جامع جقمق الذى تجاه عطفة الست بيرم إلى عطفة الصابونجية، وبشارع المنجلة من أول هذه العطفة إلى شارع الحطاب عند بيت الأمير فاضل باشا، ويجمع شارع الحطاب، وجميع شارع اللبودية إلى جامع جقمق المتقدم، فهذه حدود دار الوزارة التى أنشأها الوزير المذكور.

ويتوصل لهذه الخطة الآن من خمسة أبواب: أحدها كان بقرب قنطرة باب الخرق من عند الضريح المعروف بالست سعادة بجوار سراى الأمير منصور باشا تجاه الخليج، وهو محل أحد أبواب القاهرة الذى وضعه جوهر فى الجهة الغربية من السور، وسمى باب سعادة لدخول سعادة أحد غلمان المعز منه-كما تقدم. وثانيها تجاه قنطرة الأمير حسين محل الخوخة التى فتحها الأمير المذكور، وكان بداخل هذا الباب معمل معد لتشغيل شمع العسل، وقد زال الآن ودخل محله فى جنينة السراى المذكورة. وثالثها بقرب قنطرة الموسكى، وهو باب الخوخة، والعامة تقول إن سعادة علم على جارية زنجية من قهرمانات الناصر محمد بن قلاوون ويزعمون أن الحارة منسوبة إليها، وليس كذلك لأن الحارة اسمها الوزيرية، وسعادة هو غلام المعز الذى نسب إليه باب القاهرة، كما عرفت ذلك. ورابعها بالقرب من باب حارة الجودرية وخامسها بجوار جامع الحبشلى.

وبها الآن من المدارس:

المدرسة البوبكرية بجوار حارة الفرن، عرفت باسم منشئها الأمير سيف الدين اسنبغا ابن سيف الدين بكتمر البوبكرى الناصرى، ووقفها على فقهاء الحنفية، وأنشأ بجانبها حوض ماء وسقاية ومكتبا للأيتام، وذلك فى سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة، وبنى قبالتها جامعا، مات قبل إتمامه، ثم فى سنة خمس عشرة وثمانمائة جعل بها منبرا، وأقيمت فيها الجمعة. (انتهى)

ص: 199

«مقريزى» ). (قلت): وهى باقية إلى الآن، وشعائرها مقامة، وتعرف بجامع أسنبغا، وبجامع الشرقاوى نسبة لخطيبها الشيخ محمد الشرقاوى. وأما الجامع الذى بنى قبالتها فليس له أثر اليوم بالكلية.

والمدرسة القطبية هى داخل حارة الفرن، منسوبة لاسم منشئها الأمير قطب الدين خسرو بن بلبل بن شجاع الهدبانى-أحد أمراء السلطان صلاح الدين يوسف ابن أيوب-قال المقريزى:

أنشأها سنة سبعين وخمسمائة، وجعلها وقفا على فقهاء الشافعية. (انتهى). (قلت) وهى باقية إلى وقتنا هذا مقامة الشعائر، وتعرف بجامع أبى الفضل، لأن بلصقها ضريحا يعرف بالشيخ أبى الفضل-

والمدرسة الفارقانية، نسبة إلى الأمير شمس الدين آق سنقر الفارقانى السلاحدار. قال المقريزى: أنشأها، وجعل بها درسا للشافعية والحنفية، وفتحت يوم الاثنين رابع جمادى الأولى سنة ست وسبعين وستمائة. (انتهى). (قلت): وهى موجودة إلى الآن، وشعائرها مقامة، وتعرف بجامع جقمق، وبجوارها سبيل يعلوه مكتب.

وجامع الحبشلى برأس عطفة النبوية، به منبر وخطبة، وله منارة، وشعائره مقامة إلى الآن من أوقافة بنظر الديوان.

وهناك من الأضرحة: ضريح الست صفية، وقد دخل الآن فى سراى الأمير منصور باشا، وضريح آخر تجاه شبابيك مطبخ السراى المذكور، وضريح يعرف بالشيخ عبد الله، وضريحان للأربعين: أحدهما بجوار سراى الأمير إسماعيل باشا تمر كاشف، والآخر بآخر عطفة جامع البنات.

ومن الدور الكبيرة:

‌ترجمة الأمير أحمد كتخدا المعروف بالمجنون

دار ورثة المرحوم على برهان باشا، وكانت أولا مسكنا للأمير أحمد كتخدا المعروف بالمجنون. قال الجبرتى: هو الأمير المبجل أحمد كتخدا المعروف بالمجنون، أحد الأمراء المعروفين والقوانصة المشهورين، من مماليك سليمان جاويش القازدغلى، ثم انضوى إلى عبد الرحمن كتخدا وانتسب إليه، وعرف به، وأدرك الحوادث والفتن التليدة والطارفة، ونفى مع من نفى فى إمارة على بك الغزاوى فى سنة ثلاث وسبعين إلى بحرى، ثم إلى الحجاز، وأقام

ص: 200

بالمدينة المنورة نحو اثنتى عشرة سنة وقادا بالحرم المدنى، ثم رجع إلى الشام، وأحضره محمد بيك أبو الذهب إلى مصر وأكرمه ورد إليه بلاده وأحبه واختص به، وكان يسامره ويؤنس بحديثه ونكاته، فإنه كان يخلط الهزل بالجد، ويأتى بالمضحكات فى خلال المقبضات، فلذلك سمى بالمجنون، وكانت بلد ترسا بالجيزة جارية فى التزامه، وعمر بها قصرا، وأنشأ بجانبه بستانا عظيما زرع فيه أصناف الأشجار والنخيل والرياحين، وكذلك أنشأ بستانا بجزيرة المقياس فى غاية الحسن، وبنى بجانبه قصرا يذهب إليه فى بعض الأحيان. ولما حضر حسن باشا إلى مصر ورأى هذا البستان أعجبه، فأخذه لنفسه وأضافه إلى أوقافه، وبنى داره التى بالقرب من الموسكى داخل درب سعادة، ودارا على الخليج المرخم أسكن فيها بعض سراريه، وكان له عزوة ومماليك ومقدمون وأتباع، وإبراهيم بيك أوده باشا من مماليكه، ورضوان كتخدا الذى تولى بعده كتخدا الباب، وكان مقدمه فى المدد السابقة يقال له المقدم فودة، له شأن وصولة بمصر، وشهرة فى القضايا والدعاوى، ولم يزل طول المدد السابقة جاويشا، فلما كان آخر مدة حسن باشا قلدوه كتخدا مستحفظان، ولم يزل معروفا مشهورا فى أعيان مصر إلى أن توفى فى خامس شعبان من سنة إحدى ومائتين وألف. (انتهى).

ودار البرديسى، وهى دار كبيرة داخل عطفة جامع البنات، ودار الأمير إسماعيل باشا تمر كاشف بها جنينة كبيرة، ودار ورثة المرحوم توفيق بيك، ودار الست أم حسين بيك، بها جنينة كبيرة، ودار السنانكلى، ودار ورثة المرحوم الحاج سلامة القمصنجى، بها جنينة صغيرة، وغير ذلك من الدور الكبيرة والصغيرة.

وبالجملة فهى من أشهر حارات القاهرة وأقدمها، إلا أنها الآن قد اختلطت عند العامة بحارة المحمودية، المعروفة اليوم بالأشراقية، وصار درب سعادة يطلق على الحارتين معا، لكن ما يقرب من جامع المؤيد يسمى بالأشراقية، لأن هناك وكالة معدة لبيع الأشراق وحطب الوقود.

وهذا آخر ما تيسر لنا من الكلام على وصف شارع درب سعادة قديما وحديثا.

‌ثم نبين الشارع الطوالى الذى ابتداؤه آخر شارع الدرب الأحمر بقرب باب زويلة،

وانتهاؤه آخر شارع الصنافيرى من بحرى جامع الطباخ فنقول:

هذا الشارع طوله ألف متر وثلثمائة وسبعون مترا، وينقسم ستة أقسام:

ص: 201

‌القسم الأول: شارع باب زويلة

أوله من بوابة المتولى، وآخره أول شارع تحت الربع، عرف بذلك لأن بأوله باب زويلة قال المقريزى: كان باب زويلة عندما وضع القائد جوهر القاهرة بابين متلاصقين بجوار المسجد المعروف اليوم بسام بن نوح، فلما قدم المعز إلى القاهرة دخل من أحدهما، وهو الملاصق للمسجد الذى بقى منه اليوم عقد، ويعرف بباب القوس، فتيامن الناس به، وصاروا يكثرون الدخول والخروج منه، وهجروا الباب المجاور له حتى جرى على الألسنة أن من مر به لا تقضى له حاجة. قال: وقد زال هذا الباب ولم يبق له أثر اليوم.

فلما كانت سنة خمس وثمانين وأربعمائة بنى أمير الجيوش بدر الجمالى باب زويلة الكبير، الذى هو باق إلى الآن، ثم قال: وقد أخبرنى من طاف البلاد ورأى مدن المشرق أنه لم يشاهد فى مدينة من المدائن عظم باب زويلة، ولا يرى مثل بدنتيه اللتين عن جانبيه، ومن تأمل الأسطر التى كتبت على أعلاه من خارجه فإنه يجد فيها اسم أمير الجيوش والخليفة المستنصر، وتاريخ بنائه. وقد كانت البدنتان أكبر مما هما الآن بكثير. هدم أعلاهما الملك المؤيد شيخ لما بنى الجامع داخل باب زويلة، وعمل على البدنتين منارتين. (انتهى).

وعن يسار المارّ به تجاه باب زويلة سبيل يعرف بسبيل الدهيشة، وبجواره مدرسة الدهيشة التى أنشأها الملك الناصر فرج بن برقوق على يد الاستادار جمال الدين يوسف، وكذا السبيل والمكتب الذى يعلوه، وهذه المدرسة تعرف اليوم بزاوية الدهيشة، بأعلاها مساكن، وشعائرها مقامة من أوقافها بنظر السيد محمد القادرى.

ثم باب شارع القربية، وسيأتى بيانه فى محله إن شاء الله تعالى.

ص: 202

ثم عطفة الجلشنى، عرفت بذلك لأن بأولها تكية أنشأها الشيخ إبراهيم الجلشنى سنة تسعين وثمانمائة، وجعل بها بيوتا للصوفية، ومحلا لإقامة الصلوات والأذكار، وأنشأ له قبة مرتفعة دوائرها مصنوعة بالقيشانى، لما مات دفن تحتها، وهى عامرة إلى اليوم بالدراويش. ويعمل بها حضرة كل أسبوع، ومولد كل عام.

وأما جهة اليمين فبها زاوية أبى النور تحت الإيوان الغربى من الجامع المؤيدى، شعائرها مقامة، وبها ضريح يعرف بسيدى على أبى النور، يعمل له حضرة كل ليلة جمعة، ومولد كل عام. والذى فى كتاب «المزارات» للسخاوى أنه الشيخ عبد الحق حيث قال فى وصف الجامع المؤيدى: وتحت الإيوان الغربى من هذا الجامع زاوية الشيخ عبد الحق، وهو مسجد قديم، به صورة قبر تقول عليه العامة إنه أبو الحسن النورى، وليس بصحيح، وإنما المسجد يسمى مسجد النور، جدّد بناؤه سنة أربع وخمسين وستمائة. (انتهى).

وتجاه هذه الزاوية وكالة تعرف بوكالة الشماشرجى، معدة للسكنى.

وبهذا الشارع قراقول باب زويلة، ويعرف بقراقول المتولى، مقيم به معاون ثمن الدرب الأحمر.

***

ص: 203

‌القسم الثانى: شارع تحت الربع

يبتدئ من آخر شارع باب زويلة بجوار تكية الجلشنى، وينتهى لأول شارع باب الخرق من عند درب المذبح. عرف بذلك من أجل الربع الذى أنشأه الملك الظاهر بيبرس، ووقفه على مدرسته التى بخط بين القصرين تجاه المارستان المنصورى. وهذا الربع كان بين باب زويلة وباب الفرج-أحد أبواب القاهرة-الذى محله الآن غربى حمام المؤيد بداخل حارة الأشراقية.

وذكر المقريزى فى ترجمة كنيسة الزهرى أن هذا الربع قد احترق من ضمن ما احترق فى سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، وكان يشتمل على مائة وعشرين بيتا، وتحته قيسارية الفقراء (انتهى). (قلت): فيظهر من ذلك أنه كان كبيرا ممتدا من باب زويلة إلى العطفة القريبة من زاوية قاسم.

[سوق الأقباعيين]

وكان بهذا الخط أيضا سوق يعرف بسوق الأقباعيين. قال المقريزى: هو خارج باب زويلة بخط تحت الربع ممايلى الشارع المسلوك فيه إلى قنطرة الخرق ما كان منه على يمنة من سلك إلى قنطرة الخرق، فإنه جار فى وقف الملك الظاهر بيبرس هو وما فوقه على المدرسة الظاهرية بخط بين القصرين وعلى أولاده، ولم يزل إلى يوم السبت خامس شهر رمضان سنة عشرين وثمانمائة فوقع الهدم فيه ليضاف إلى عمارة الملك المؤيد شيخ المجاورة لباب زويلة، وما كان من هذا السوق على يسرة من سلك إلى القنطرة فإنه جار فى وقف أقبغا عبد الواحد على مدرسته المجاورة للجامع الأزهر، وبعضه وقف امرأة تعرف بدنيا. (انتهى).

ص: 204

وعن يمين المارّ بهذا الشارع عطفة صغيرة تعرف بعطفة الحمّام، بداخلها أحد أبواب حمام المؤيد.

ثم عطفة الفرن، ويقال لها عطفة الهو، يتوصل منها لدرب سعادة من الفرن الذى هناك، وعلى رأسها سبيل حسن أغا الأزرقطلى، أنشأه سنة ست وأربعين ومائتين وألف، وجعل فوقه مكتبا لتعليم الأطفال، وهما عامران إلى الآن من أوقافهما بنظر بنت الواقف.

ثم سبيل نذير أغا، أنشأه وجعل فوقه مكتبا فى سنة ثمان وخمسين ومائتين وألف، وهما عامران إلى الآن من أوقافهما بنظر رجل يدعى محمد الفراش.

ثم زاوية قاسم، يقال لها زاوية درب المذبح لأنها فى مقابلته. كانت متخربة فجددت من جهة الأوقاف وأقيمت شعائرها إلى الآن.

وأما جهة اليسار فبها رأس شارع حوش الشرقاوى المستجد، الموصل لشارع الداودية وغيره.

ثم الدرب المعروف بدرب الفرن، وهو درب صغير غير نافذ.

ثم جامع رشيد الدين، ذكره المقريزى فقال: هو خارج باب زويلة بخط تحت الربع، على يسرة من سلك من دار التفاح يريد قنطرة باب الخرق، بناه رشيد الدين البهائى (انتهى).

(قلت): وهو اليوم يعرف بجامع المرأة وبجامع المقشات، شعائره مقامة، وله منارة، وبه خطبة، وبداخله مقصورة من الخشب، بها قبران مكتوب على أحدهما:«هذا قبر الست فاطمة» ، وليس على الآخر كتابة.

ثم درب المذبح، وهو درب كبير متصل بحوش الشرقاوى، به عدة بيوت، وضريح يعرف بضريح سيدى محمد زرع النوى وليس بنافذ.

هذا وصف شارع تحت الربع قديما وحديثا.

***

ص: 205

‌القسم الثالث: شارع باب الخرق

ابتداؤه من آخر شارع تحت الربع، وانتهاؤه أول شارع غيط العدة بجوار مسجد السلطان شاه.

وعن يسار المارّ به:

حارة كوم الصعايدة، بها خمسة أزقة وهى غير نافذة.

ثم قنطرة باب الخرق الجديدة التى أنشئت عوضا عن القنطرة القديمة.

ثم باب شارع درب الطواب الموصل لسكة الخليج، وسيأتى بيانه.

وعن اليمين: عطفة الجباسة، ثم أحد أبواب حارة غيط العدة، ثم حمام البارودية، وهو حمام كبير برسم الرجال والنساء، جار فى ملك محمود باشا البارودى، والحاج محمد صبح شيخ الحمامية الآن.

وفى مقابلة هذا الحمام ضريح يعرف بالشيخ النحاس، يعمل له ليلة كل سنة فى شهر شعبان، وبجواره وكالة القمح الجديدة، معدة لبيع القمح ونحوه، وبأعلاها ربع معد للسكنى ولها بابان: أحدهما من الشارع، والآخر من حارة قواديس، وهى جارية فى ملك الحاج أحمد القماح والحاج محمد جاد الله. وهذه الوكالة أصلها بيت كبير كان يعرف ببيت أبى دفية، ثم بيع فى سنة تسعين بعد المائتين والألف للحاج أحمد القماح وشريكه الحاج محمد جاد الله، وبنى وكالة كبيرة يعلوها ربع. ونقلت وكالة القمح القديمة المعروفة بوكالة شريف باشا إلى هذه الوكالة، وصارت تعرف بوكالة القمح الجديدة إلى الآن.

ص: 206

‌ترجمة الأمير سليمان أغا أبى دفية

وأما أبو دفية المذكور فهو من الأمراء المصريين، ترجمه الجبرتى فقال: هو الأمير سليمان أغا أبو دفية القاسمى، مملوك خليل أغا تابع محمد بيك قطامش أغات باب العزب سابقا

وخليل أغا هذا هو الذى انتدب لقتل ذى الفقار بيك، وتزيا بزى أوده باشا البوابة، وكان شبيها به فى الصورة، وتحيل وأخذ معه نحو السبعين نفرا من القاسمية ومعهم المترجم، ودخلوا إلى بيت ذى الفقار وهم يقولون: قبضنا على أبى دفية. وكان ذو الفقار المذكور يريد قتله لحقد بينهما، وكان وقت دخولهم عليه جالسا بمقعد بيته مشمرا ذراعيه يريد الوضوء لصلاة العشاء، فلما وقفوا بين يديه قام على قدميه وقال: أين أبو دفية؟ فقال خليل أغا:

ها هو، وكان مغطيا رأسه وبيده قرابانة، فكشفوا رأسه فأراد ذو الفقار أن يوبخه، فأطلق أبو دفية القرابانة فى بطن ذى الفقار، وأطلق باقى الجماعة ما معهم من الطبنجات، فانعقدت الدخنة بالمقعد، ونزلوا على الفور.

وهذه هى الحيلة التى عملها خليل أغا أستاذ المترجم على قتل ذى الفقار بيك المذكور، ثم كانت الدائرة عليهم فقبضوا على خليل أغا وقتلوه، وكذلك عثمان أغا الرزاز، وكان بيته على الخليج-ومحله الآن البيت الكبير الذى على قنطرة باب الخرق المملوك لعبد الشافى التراب- وأما ما كان من شأن المترجم، فإنه ذهب إلى بيت مقدمه، ولبس زى بعض القواسة، وركب فرسه، وخرج فى وقت الفجر إلى جهة الشرقية، وذهب مع القافلة إلى غزة، ثم إلى الشام، وسافر منها إلى إسلامبول، ثم سافر إلى التترخان، فأعطى منصبا، وعمل مرزة، وتزوج بقونية، ولم يزل هناك حتى مات بعد سنة أربعين ومائة وألف. (انتهى).

[دار الست البارودية]

وفى مقابلة تلك الوكالة الدار المعروفة بدار الست البارودية بجوار دار الأمير سليمان أغا الوكيل-أحد الأمراء المصريين-وهى دار كبيرة جدا بداخلها حديقة متسعة. قال الجبرتى: وهذه الدار جعلت ديوانا للفردة فى أيام الفرنساوية، والآن جار تجديدها بمعرفة محمود باشا البارودى لأنها آلت إليه من جهة أمه، فهدم بابها، وعمل لها بابا عظيما مرتفعا، وجعل بعقوده ووجهته نقوشا غريبة وتقاسيم عجيبة جميعها فى الحجر النحيت.

ص: 207

[ترجمة الأمير إبراهيم كتخدا القازدغلى]

وفى سنة ستين ومائة وألف جددت هذه الدار من جهة الأمير إبراهيم كتخدا القازدغلى زوج بنت البارودى وهو-كما فى الجبرتى-الأمير الكبير إبراهيم كتخدا تابع سليمان كتخدا القازدغلى، وسليمان هذا تابع مصطفى كتخدا الكبير القازدغلى، وخشداش حسن جاويش، استاذ عثمان كتخدا والد عبد الرحمن كتخدا المشهور، لبس الضلمة فى سنة ثمان وأربعين ومائة وألف، وعمل جاويشا، وطلع سردار قطار فى الحج فى إمارة عثمان بيك ذى الفقار سنة إحدى وخمسين ومائة وألف.

وفى تلك السنة استوحش منه عثمان بيك باطنا، لأنه كان شديد المراس قوى الشكيمة، وبعد رجوعه من الحج سنة اثنتين وخمسين ومائة وألف ذكره واشتهر صيته، ولم يزل من حينئذ ينمو أمره وتزيد صولته، وكان ذا دهاء ومكر وتحيّل ولين وقسوة وسماحة وسعة صدر وتودد وحزم وإقدام ونظر فى العواقب، ولم يزل يدبر على عثمان بيك، وضم إليه كتخداه أحمد السكرى ورضوان كتخدا الجلفى وخليل بيك قطامش وعمر بيك، حتى أوقع به على حين غفلة، وخرج عثمان بيك من مصر. فعند ذلك عظم شأنه، وزادت سطوته، واستكثر من شراء المماليك، وقلد عثمان مملوكه صنجقا، وهو الذى عرف بالجرجاوى، ولما قتل خليل بيك قطامش وعمر بيك بلاط وعلى بيك الدمياطى ومحمد بيك فى أيام راغب باشا بمخامرة حسين بيك الخشاب، ثم حصلت كائنة الخشاب وخروجه ومن معه من مصر انتهت رياسة مصر وسيادتها للمترجم وقسيمه رضوان كتخدا، ونفذت كلمتها، وعلت سطوتهما على باقى الأمراء والاختيارية الموجودين بمصر.

وتقلّد المترجم كتخدائية باب مستحفظان ثلاثة أشهر، ثم انفصل عنها، وقلد مملوكيه عليا وحسينا صنجقين، وكذلك رضوان كتخدا، وصار لكل منهما ثلاثة صناجق، واشتغل المترجم بالأحكام وقبض الأموال الميرية وصرفها فى جهاتها، وكذلك العلوفات وغلال الأنبار ومهمات الحج والخزينة ولوازم الدولة والولاة، وقسيمه رضوان كتخدا مشتغل بلذاته، ولا يتدخل فى شئ مما ذكر، واستكثر المترجم من شراء المماليك وقلدهم الأمريات والمناصب

ص: 208

وقلد إمارة الحج لمملوكه على بيك الكبير، وطلع بالحج ورجع سنة سبع وستين ومائة وألف.

وفى تلك السنة نزل على الحج سيل عظيم بمنزلة ظهر حمار، فأخذ معظم الحج بجمالهم وأحمالهم إلى البحر.

قال الجبرتى: وليس للمترجم مآثر أخروية ولا أفعال خيرية يدخرها فى ميعاده، ويخفف عنه بها ظلم خلقه وعباده، بل كان معظم اجتهاده الحرص على الرياسة والإمارة. وعمر داره التى بخط قوصون بجوار دار رضوان كتخدا والدار التى بباب الخرق، وهى دار زوجته بنت البارودى، والقصر المنسوب إليها أيضا بمصر القديمة، والقصر الذى عند سبيل قيماز بالعادلية، وزوّج الكثير من مماليكه نساء الأمراء الذين ماتوا، وأسكنهم فى بيوتهم، وعمل وليمة لمصطفى باشا وعزمه فى بيته بحارة قوصون فى سنة ست وستين ومائة وألف، وقدّم له تقادم وهدايا، وأدرك المترجم من العز والعظمة ونفاذ الكلمة وحسن السياسة واستقرار الأمور ما لم يدركه غيره بمصر، ولم يزل فى سيادته حتى مات على فراشه فى شهر صفر سنة ثمان وستين ومائة وألف. (انتهى).

‌ترجمة أحمد أغا البارودى

ثم سكن داره مملوكه أحمد أغا البارودى، وهو-كما فى الجبرتى أيضا-الجناب المكرم الأمير أحمد أغا البارودى مملوك إبراهيم كتخدا القازدغلى. تزوج بابنته التى من بنت البارودى وسكن معها فى بيتهم المشهور، وولد له منها أولاد ذكور وأناث، منهم إبراهيم جلبى وعلى ومصطفى. تقلد المترجم فى أيام على بيك مناصب جليلة مثل أغاوية المتفرقة، وكتخدا الجاوشية وكان إنسانا حسنا صافى الباطن لا يميل طبعه لسوى فعل الخير، يحب أهل العلم وممارستهم، ولم يزل على حسن حالته حتى توفى فى سابع جمادى الأولى من سنة ثمان وثمانين ومائة وألف.

وكان له فى منزله خلوة ينفرد فيها بنفسه ويخلع ثياب الأبهة ويلبس كساء من صوف أحمر على بدنه، ويأخذ بيده مسبحة كبيرة يذكر ربه عليها.

‌ترجمة محمد أغا البارودى

ثم تزوج بزوجته مملوكه محمد أغا البارودى. قال الجبرتى: رباه سيده أحمد أغا، وجعله خازن داره، وعقد له على ابنته، فلما توفى سيده فى سنة ثمان وثمانين طلقها وتزوج

ص: 209

بزوجة سيده بنت إبراهيم كتخدا من الست البارودية، وهى أم أولاده إبراهيم وعلى ومصطفى الذين تقدم ذكرهم، والتى كان عقد عليها كانت من غيرها، فتزوجها حسن كاشف أحد أتباعهم.

تنبه المترجم، وتداخل فى الأمراء والأكابر، وانضوى إلى حسن كتخدا الجربان، عندما كان كتخدا مراد بيك فقلّده فى الخدم والقضايا، وأعجبته سياسته فارتاح إليه، وكان حسن كتخدا المذكور تعتريه النوازل فينقطع بسببها أياما بمنزله فينوب عنه المترجم فى الكتخدائية عند مراد بيك فيحسن الخدمة والسياسة ويستجلب له المصالح فأحبه وأعجب به وقلده الأمور الجسيمة وجعله أمين الشون، فعند ذلك اشتهر ذكره، ونما أمره، واتسع حاله، وانفتح بيته، وقصدته الناس، وتردد إليه الأعيان فى قضاء الحوائج، ووقفت ببابه الحجاب، واتخذ له ندماء وجلساء من اللطفاء وأولاد البلد يجلس معهم حصة من الليل ينادمونه ويسامرونه، ويشرب معهم.

وماتت زوجته ابنة سيد سيده من بنت البارودى، فزوّجه مراد بيك أكبر محاظيه أم ولده أيوب، وأتت إلى بيته بجهاز عظيم، وصار بذلك صهرا المراد بيك، وزادت شهرته ورفعته.

فلما حصلت الحوادث ووصل حسن باشا وخرج مراد بيك من مصر لم يخرج معه، واستمر بمصر، فقبض عليه إسماعيل بيك وحبسه مع عمر كاشف بيته، ثم نقلهما إلى القلعة بباب مستحفظان مدة، فلم يزل المترجم حتى صالح عن نفسه وأفرج عنه، وتقيد بخدمة إسماعيل بيك وتداخل معه حتى نصبه فى كتخدائيته، وأحبه واحتوى على عقله، فسلم إليه قياده فى جميع أشغاله، وارتاح إليه وجعله أمين الشون والضربخانة وغيرهما، فعظم شأنه، وطار صيته بالأقاليم المصرية، وكثر الازدحام ببابه، وجبيت إليه الأموال، وصار الإيراد إليه، والمصرف من يده، فيصرف جماكى العساكر ولوازم الدولة وهداياها ومصاريف العمائر والتجاريد واحتياجات أمير الحج، وغير ذلك بتؤدة وزياقة، وحسن طريقة من غير شعور لأحد من الناس بشئ من ذلك.

ص: 210

وزوّج ابنة سيده لخازن داره على أغا، وعمل لهما مهما عظيما عدة أيام، وحضر إسماعيل بيك والأمراء والأعيان، وأرسلوا إليه الهدايا العظيمة، وكذلك جميع التجار والنصارى، والكتاب القبط، ومشايخ البلدان.

وبعد تمام أيام العرس ولياليه بالسماعات والآلات والملاعب والنقوط عملوا للعروس زفة بهيئة لم يسبق نظيرها، ومشى جميع أرباب الحرف وأرباب الصنائع مع كل طائفة عربة وفيها هيئة صناعتهم ومن يشتغل فيها مثل القهوجى بآلته وكانونه، والحلوانى والفطاطرى، والحباك والقزاز بنوله، حتى مبيض النحاس والحيطان والمعاجينى، وبياع البز، وأرباب الملاهى، والنساء المغنيات وغيرهم، كل طائفة فى عربة، وكان مجموعها نيفا وسبعين حرفة، وذلك خلاف الملاعب والبهلوانية والرقاصين والحنك، ثم الموكب، وبعده الأغوات والحريم والملازمون والسعاة والجاويشية، وبعد ذلك عربة العروس من صناعة الفرنج بديعة الشكل، وبعدها مماليك الخزنة واللابسو الزروخ، وبعدهم النوبة التركية والنقيرات، فجاءت زفة غريبة الوضع لم يتفق مثلها بعدها.

وبلغ المترجم فى هذه الأيام من العظمة ما لم يبلغه أحد من نظائره، فكان إذ توجهت همته إلى أى شئ أتمه على الوجه الذى يريده، ويقبل الرشوة، وإذا أحب إنسانا قضى له أشغاله كائنة ما كانت من غير شئ.

ثم لما مات مخدومه إسماعيل بيك، وتعين بعده فى الإمارة عثمان بيك طبل استوزره أيضا وسلمه قياده فى جميع أموره، ولم يزل على ذلك إلى أن مات فى غرة رمضان سنة خمس ومائتين وألف، وذلك بعد موت إسماعيل بيك بأربعة عشر يوما، وبموته ارتفع الطاعون، وقيل فى ذلك:

وإذا كان منتهى العمر موتا

فسواء طويله والقصير

(انتهى ملخصا).

وهذا آخر ما تيسر لنا من الكلام على وصف شارع باب الخرق قديما وحديثا.

***

ص: 211

‌القسم الرابع: شارع غيط العدة

ابتداؤه من آخر شارع باب الخرق بجوار مسجد السلطان شاه، وانتهاؤه أول شارع الجميزة تجاه شارع عابدين.

وبه من جهة اليسار: حارة قواديس، يسلك منها لشارع عابدين وغيره، وعلى رأسها سبيل أنشأه إسماعيل بيك ابن المرحوم راتب باشا الكبير، وجعل فوقه مكتبا لتعليم الأطفال، وبها جامع ابن الرفعة، وهو مسجد قديم. قال المقريزى: أنشأه الشيخ فخر الدين ابن عبد المحسن بن الرفعة بن أبى المجد العدوى. (انتهى). (قلت): وهو الآن متخرب وليس به آثار تدل على تاريخ إنشائه وبداخله ضريح منشئه متهدم وفى مقابلته من الجهة الأخرى ضريح داخل مزار صغير يعرف بالشيخ قواديس، ولذلك اشتهر الجامع بجامع قواديس.

وابن الرفعة هذا غير ابن الرفعة الإمام المشهور، أحد أئمة الشافعية رضي الله عنه.

وقد صار اليوم هذا الجامع بجوار حافة الشارع الجديد الذى فتح بأمر الخديو إسماعيل باشا شرقى سراى عابدين عن يسار السالك من أول هذا الشارع طالبا رحبة عابدين فى مقابلة السور الذى به باب السراى الشرقى، وكان فى محل هذا الباب رأس الشارع الممتد إلى حارة الزير المعلق، وكان بجوار جامع عابدين بيك من بحريه، وكان يتوصل منه إلى الدرب الجديد وإلى حارة الزير المعلق وغير ذلك. وكان به سراى محو بيك التى صارت أخيرا ملكا لاسماعيل صديق باشا الشهير بالمفتش، وسراى خورشيد وسراى شربتلى باشا وعدة من البيوت الكبيرة

ص: 212

والصغيرة، وقد دخل الجميع فى سراى عابدين، وصار الآن محل الدرب الجديد، وحارة الزير المعلق سلاملك وحوش سراى القبلى، فسبحان من يرث الأرض ومن عليها.

وأما جهة اليمين: فبأولها جامع السلطان شاه وهو من الجوامع القديمة، ذكره المقريزى ولم يترجمه، تخرب وبقى كذلك إلى أن جدده الخديو إسماعيل باشا سنة تسع وثمانين ومائتين وألف، فصار مقام الشعائر إلى الآن، وبداخله ضريح منشئه عليه مقصورة من الخشب، ويعمل له مولد كل سنة فى أواخر شعبان.

[حارة غيط العدة]

ثم حارة غيط العدة، وهى حارة كبيرة، أرضها منخفضة عن أرض الشارع، لأنها كانت فى الأصل بستانا يعرف ببستان العدة. ذكره المقريزى فقال: هذا المكان من جملة الأحكار التي فى غربى الخليج، وهو بجوار قنطرة الخرق وبجوار حكر النوبى، قريب من باب اللوق تجاه الآدر المطلة على الخليج من شرقيه المقابلة لباب سعادة وحارة الوزيرية. كان بستانا جليلا، وقفه الأمير فارس المسلمين بدر بن رزيك أخو الصالح طلائع صاحب جامع الصالح خارج باب زويلة، ثم إنه خرب فحكر وبنى عليه عدة مساكن، وحكره يتعاطاه فارس المسلمين. (انتهى).

وهذه الحارة من الحارات المعتبرة قديما، وكان لا يسكنها إلا الأمراء والمعتبرون، وكانت فى غاية الضبط، فكانت أبوابها الثلاثة تغلق من بعد العشاء الأخيرة، ولا يصل إليها إلا من الباب الكبير الذى كان بقرب جامع الأمير حسين، وكان خفيرها إذا رأى إنسانا لا يعرفه لا يمكنه من الدخول فيها إلا إذا عرفه أنه داخل لفلان صاحب البيت الفلانى، فيذهب معه إلى البيت الذى أخبره عنه، وكان السالك بها لا يجد شباكا مفتوحا، ولا يسمح صوتا مرفوعا، وكان لأغنيائها عوائد حسنة من مساعدة فقرائهم ومواساتهم، إلى غير ذلك فى الخصال الحميدة، وبقيت كذلك إلى سنة خمسين ومائتين وألف، ثم أخذت تنقص عوائدها، وتقل فوائدها وتنقرض أمراؤها وتموت عظماؤها، حتى لم يبق منهم إلا النذر اليسير، وصارت كغيرها من باقي الحارات. ثم لما فتح شارع محمد على ومر بها جعلها أجزاء وصار يتوصل إليها من أبوابها الأصلية، ومن شارع محمد على المذكور.

وبها إلى الآن عشر عطف وستة دروب، على هذا الترتيب:

ص: 213

عطفة غريق الزيت هى فى مقابلة أحد أبواب الحارة التى بجوار سراى الأمير عباس باشا يكن المعروف بباب المنشر، عرفت بالشيخ محمد غريق الزيت المدفون بزاويته التى بداخلها المشهورة بزاوية غريق الزيت، وهى زاوية صغيرة شعائرها مقامة من أوقافها بمعرفة الديوان، وبها شجرة نبق كبيرة، ويعمل بها مولد لسيدى محمد غريق الزيت فى كل سنة، وفى مقابلتها بيت كبير للأمير محمد زكى باشا ناظر الأوقاف الآن.

ثم الدرب الأصفر، وهو درب صغير غير نافذ، وبآخره بيت الحاج أبى العلاء القصبجى أحد أسطاوات صناع المخيش والتلى، وهو من المشهورين بدقة هذه الصنعة.

‌ضريح سيدى على الجمل

وبقرب هذا الدرب ضريح داخل فى مزار صغير يعرف بضريح سيدى على الجمل، للناس فيه اعتقاد كبير، وفى مقابلته بيت الشيخ على الجنيد، أحد الفقهاء المشهورين، ولد ببولاق، وبها حفظ القرآن واشتهر هناك شهرة تامة، وأنشأ له بيتا بها، ثم لما زادت شهرته وصار يطلب من بولاق ليقرأ بالقاهرة عند الأمراء والأعيان، وترتب فى شهر رمضان بسراى الخديو إسماعيل باشا، ومن بعده بسراى الخديوى توفيق باشا اشترى هذا البيت، ثم اشترى بجواره خربة، وجعلهما بيتا واحدا، وزخرفه، وغرس به بعض أشجار، وهو ساكن به إلى الآن.

‌ضريح الشيخ على البوصيلى

ثم عطفة المغاربة، وهى صغيرة غير نافذة، ولها باب يغلق عليها، وبجوارها بيت الأمير مصطفى بيك الهجين، بلصقه ضريح يعرف بالشيخ محمد البوصيلى، وهو بيت كبير به حديقة متسعة، فيها عدة من الأشجار المثمرة، والأغصان المزهرة، وبه سلاملك عظيم، جدده الأمير المذكور بعد وفاة والده، وجعل أرضيته بالرخام، وبالغ فى زخرفته وفرشه، وعلق به نجف البللور، وصار معدا لجلوس كل من تردد عليه من الأمراء ونحوهم.

‌ترجمة الأمير مصطفى بيك الهجين

وهذا الأمير هو مصطفى بيك الهجين ابن المرحوم حسن بيك الهجين ابن الحاج محمد الهجين ابن الحاج مصطفى الهجين التاجر الكبير والمعتبر الشهير صاحب الثروة الزائدة والهمة

ص: 214

العالية، بيتهم بيت مجد من قديم الزمان، ومناقبهم غنية عن البيان. كان الحاج مصطفى هذا من أصحاب الهمة والمروءة من الرجال المعدودين يرجع إليه فى حل المعضلات من القضايا، وكان سكنه بجهة الفحامين، وكان بيته دائما مفتوحا لكثرة الواردين عليه، والمترددين إليه، وكان محبا لفعل الخير، ويميل لأهل العلم والصلاح، ويعظمهم، ويقضى حوائجهم، ويرأف بالفقراء والمساكين، ويتصدق عليهم. اقتنى كثيرا من الأموال والأملاك، ووقف أوقافا جمّة، خصّ أغلبها بجهات البر والإحسان-رحمه الله تعالى-ثم اشتهر من بعده ولده الحاج محمد الهجين، وصار من التجار المعتبرين، وفتح بيت أبيه، وأجرى مرتباته الخيرية، وصدقاته السرية، واستمر مبجلا إلى أن مات رحمه الله تعالى.

‌ترجمة الأمير حسين بيك الهجين

ثم من بعده اشتهر ولده الأمير حسن بيك الهجين، وصار من المعتبرين أصحاب الثروة مثل جده، بل زادت شهرته، وكثرت ثروته زيادة عن جده، واقتنى الكثير من الأموال والأطيان والأملاك، وترددت عليه الأمراء والأعيان، وعرفته الحكومة، وصار من أعضاء المجالس التجارية، وأنعم عليه الخديو إسماعيل باشا برتبة ميرالاى، واشترى البيت الكبير الذى بغيط العدة، وانتقل إليه من بيته الكائن بالفحامين، وبقى ساكنا به إلى أن توفى بعد سنة ثمانين ومائتين وألف-رحمه الله.

وقبل وفاته وقف جميع أطيانه وأملاكه على ذريته، وجعل القيم على ذلك أكبر أولاده الأمير مصطفى بيك المذكور. وقد اشتهر أيضا-مثل أبيه-واجتهد فى إصلاح ما يخصه، ويعنيه، وعرفته الأمراء والأعيان، وترددت عليه، وانتدب فى الحكومة مثل أبيه، وأنعم عليه الخديو توفيق باشا برتبة الميرالاى، لما رآه فيه من الأهلية واللياقة، ثم برتبة المتمايز وهو إنسان لا بأس به.

‌حارة ابن دقيق العيد

ثم تجد بعد عطفة المغاربة حارة ابن دقيق العيد؛ بأولها منزل على أفندى البطراوى، ابن المرحوم أحمد أفندى البطراوى ابن الحاج على البطراوى صاحب الشهرة الكبيرة، وريس طائفة العطارين فى زمن العزيز محمد على.

ص: 215

‌عطفة الشيخ جوهر

ثم تجد عن يسارك عطفة الشيخ جوهر، وهى عطفة طويلة؛ أولها من عند بيت محمد أفندى صبح، وآخرها رحبة الأمير دبوس أغلى الآتى ذكرها، وبوسطها جامع الشيخ جوهر الذى عرفت به. كان أول أمره مدرسة أنشأها الأمير جوهر المعينى الحبشى، وقرر بها درسا وقارئا للبخارى، وذلك فى القرن التاسع كما فى «الضوء اللامع» -للسخاوى. وبقيت على ذلك إلى أن خربت، فجددها الأمير محمد بيك دبوس أغلى، وجعلها جامعا بمنبر وخطبة، وعمل لها منارة، وبنى بها صهريجا، وذلك فى سنة تسع وعشرين ومائتين وألف، ووقف عليها أوقافا كثيرة، وأقيمت شعائرها إلى الآن، وعرفت بجامع الشيخ جوهر.

‌درب العوالم

ثم درب العوالم، له بابان: أحدهما من عطفة الشيخ جوهر، والآخر من رحبة دبوس أغلى، وبأحد بيوته ضريح يقال له ضريح الشيخ محمد.

ثم عطفة الجنينة. كانت غير نافذة، وبآخرها جنينة متسعة، تعرف بجنينة دبوس أغلى، أنشأها الأمير محمد بيك دبوس أغلى، ووقفها على جامع الشيخ جوهر بعد بنائه له، وعند فتح شارع محمد على أخذت هذه الجنينة فى الشارع، وصار يسلك منه لحارة غيط العدة من عطفة الجنينة المذكورة.

ثم درب الزيتونة غير نافذ، وعلى رأسه بيت أحمد بيك سعد وكيل دائرة والدة إسماعيل الخديو السابق.

ثم عطفة الباجورية، عرفت ببيت كبير يعرف ببيت الست الباجورية كائن بها، وبقربه ضريح يعرف بالشيخ محمد أبى قدرة، وبالقرب من هذا الضريح زاوية صغيرة مهجورة بجوار مستوقد حمام البارودية بها ضريح يعلوه قبة يعرف بسيدى محمد بن دقيق العيد، للناس فيه اعتقاد كبير، وبعض الناس يقول إنه من ذرية ابن دقيق العيد الإمام الكبير وكان عالما زاهدا مقيما بهذه الزاوية، ولما مات دفن بها، رحم الله الجميع.

ص: 216

ثم تجد بقرب هذه الزاوية أحد أبواب الحارة المعروف بباب الدحديرة، يسلك منه لشارع باب الخرق.

ثم ترجع إلى داخل الحارة فتجد بوسطها رحبة كبيرة تعرف برحبة دبوس أغلى، بدائرها بيوت أولاد المرحوم حسين بيك دبوس أغلى ابن المرحوم محمد بيك دبوس أغلى، الأمير الكبير صاحب الشهرة العظيمة فى زمن العزيز محمد على باشا، وبيته الأصلى موجود إلى الآن بهذه الرحبة، إلا أنه تشعث وجعل به عدة مساكن وورشة معدة لتشغيل المخيش والتلى تابعة للحاج أبى العلاء القصبجى المتقدم ذكره.

وبهذه الرحبة أيضا سبيلان: أحدهما من إنشاء الأمير محمد بيك المذكور، وأنشأه سنة سبع وأربعين ومائتين وألف، وجعل فوقه مكتبا لتعلم الأطفال، وهو عامر إلى الآن بنظر الأمير مختار بيك من ذرية المنشئ، والثانى من إنشاء الست المعروفة بالعنتبلية، يعلوه مكتب، وهو عامر إلى الآن بنظر بعض الأهالى، وبوسطها شجرة لبخ عظيمة جدا بجانبها بجمون يجئ فيه ماء النيل من الخليج بواسطة مجرى معقود تحت الأرض، ممتدا إلى الخليج، يفتح فى كل سنة أربعة أشهر النيل، وتملأ منه الأسبلة التى هناك، وينتفع بمائه أهل الحارة وغيرها بدون عوض، وهو من إنشاء الأمير محمد بيك المذكور، رحم الله الجميع.

‌عطفة شعبان أغا

ثم تجد بعد خروجك من تلك الرحبة قاصدا شارع محمد على عطفة صغيرة على يسارك، تعرف بعطفة شعبان أغا.

ثم تجد بعد هذه العطفة من جهة اليمين زاوية تعرف بزاوية الشيخ ضرغام، أخذ منها جزء فى شارع محمد على، ذهب فيه مطهرتها ومرافقها، ثم جددت من جهة الأوقاف فى سنة ثلاث وتسعين ومائتين وألف، إلا أنه لم يجعل بها مطهرة لذهاب بئرها، وهى مرتفعة يصعد إليها بدرج، وتحتها أربعة حوانيت موقوفة عليها، وبداخلها ضريح الشيخ محمد ضرغام، يعمل له مقرأة كل أسبوع، ومولد كل عام، وشعائرها مقامة إلى الآن بنظر الديوان.

ص: 217

وفى مقابلة هذه الزاوية حارة كبيرة تعرف بحارة الشيخ ضرغام، على يمين المارّ بها عطفة صغيرة غير نافذة يقال لها عطفة الشويش، وفى صفها عطفة أخرى مثلها تعرف بعطفة سيدى موسى.

‌تكية الغنامية

وتجاه عطفة سيدى موسى هذه حارة الشيخ غنام، بوسطها تكية لطيفة، تعرف بتكية الغنامية، بها ضريح الشيخ محمد غنام داخل مزار صغير، وبها محل معد لإقامة الصلاة، ومساكن للدراويش، ومغروس بها بعض أشجار ونخيل، وفيها بئر معينة، وبجمون يجئ فيه ماء النيل من الخليج، وبها عدة قبور، منها قبر الأمير محمد بيك دبوس أغلى المذكور، عليه تركيبة من الرخام ومقصورة من الخشب ويعمل بها مولد كل عام، وشعائرها مقامة من أوقافها بمعرفة ناظرها، وشيخها الشيخ محمود الكردى.

وبجوار هذه التكية حوش كبير معروف بحوش أبى الشوارب من ضمن أوقاف الأمير رضوان بيك الشهير بأبى الشوارب المدفون تجاه جامعه المعروف الآن بجامع شريف باشا، وقد ذكرنا ترجمته هناك بشارع العشماوى. وكان نظر هذا الحوش للست البارودية والدة محمود باشا البارودى لأنها كانت من المستحقين فى وقف أبى الشوارب المذكور ثم لما كبرت تنازلت عنه لولدها محمود المذكور، ثم لما عصى الحكومة جرد ونفى، وهو الآن تحت نظر الديوان.

‌درب السكرى

ثم بعد أن تخرج من حارة الشيخ ضرغام وتمر بشارع محمد على تجد فى مقابلتك باقى حارة غيط العدة الذى فصله الشارع فتنزل منحدرا فتجد عن يسارك باب الدرب المعروف بدرب السكرى، قطعه الشارع وسار معظمه على يسار المارّ منه.

‌درب العنبة

ثم تنعطف عن يمينك وأنت عند باب درب السكرى وتمشى قليلا فتجد باب درب العنبة، وهو درب صغير قطعه الشارع أيضا، وصار يسلك إليه منه بجوار بيت محمد أمين بيك الحكيم.

ص: 218

‌درب الأنصارى

ثم تخرج من درب العنبة وتمشى قليلا تجد درب الأنصارى، بأوله بيت السيد إبراهيم المويلحى والد السيد عبد الخالق المويلحى والد عبد السلام بيك المويلحى الموجود الآن. وكان بآخره زاوية تعرف بزاوية الأنصارى، بها ضريح الشيخ محمد الأنصارى، الذى عرف الدرب به، فلما فتح شارع محمد على زالت هذه الزاوية ونقلت جثة الشيخ محمد المذكور، فدفنت بالقطعة الصغيرة التى بقيت بحافة الشارع تجاه بيت الحاج محمد القصبجى الذى هناك.

ثم لما تخرج من درب الأنصارى تجد عن يسارك الحمام المعروف بحمام القزازية، وهو حمام صغير برسم الرجال والنساء، وبجواره جامع الأمير حسين.

‌ترجمة الأمير حسين

قال المقريزى: كان موضعه بستانا بجوار غيط العدة، أنشأه الأمير حسين بن أبى بكر ابن إسماعيل بن حيدر بيك مشرف الرومى. قدم مع أبيه من بلاد الروم إلى ديار مصر سنة خمس وسبعين وستمائة، وتخصص بالأمير حسام الدين لاجين المنصورى قبل سلطنته، فكانت، له منه مكانة مكينة، وصار أمير شكار، وأنشأ أيضا القنطرة المعروفة بقنطرة الأمير حسين على خليج القاهرة، وفتح الخوخة بسور القاهرة بجوار الوزيرية. توفى فى سابع المحرم سنة تسع وعشرين وسبعمائة. (انتهى).

(قلت): وأكثره الآن متخرب، وإنما يصلى فى بعض بوائكه الغربية من المنبر، وله بابان: أحدهما-وهو الكبير-بجوار الحمام، وعلى عقده منارة مرتفعة من الحجر دقيقة الصنعة، والآخر من جهة حارة المناصرة، وبه بئر وصهريج وبعض أشجار، وله أوقاف تحت نظر الديوان.

‌مدرسة ابن عرام

وفى مقابلة بابه الكبير زريبة متسعة تحت يد الشيخ العباسى-مفتى الديار المصرية سابقا- كانت أول أمرها مدرسة تعرف بمدرسة ابن عرام. قال المقريزى: هى بجوار جامع الأمير

ص: 219

حسين، أنشأها الأمير صلاح الدين خليل بن عرّام فى القرن الثامن. كان من فضلاء الناس وشارك فى العلوم. (انتهى).

(قلت): وفى وقتنا هذا قد زالت هذه المدرسة بالكلية، ولم يبق من آثارها إلا الباب والساقية، ووضع يده عليها الشيخ المهدى بعد أجداده، وأكراها لجماعة جعلوها زريبة ماشية فعرفت بالزريبة إلى الآن، فسبحان من لا يتغير ولا يزول.

وبالجملة فحارة غيط العدة المذكورة حارة كبيرة أشبه ببلد، تشتمل على مساجد وزوايا وأضرحة وتكايا ومكاتب وأسبلة وحمامات وطواحين وأفران وغير ذلك.

وهذا آخر ما تيسر لنا من كلام على وصفها مع شارعها قديما وحديثا.

***

ص: 220

‌القسم الخامس: شارع جميزة

يبتدئ من آخر شارع غيط العدة، وينتهى لأول شارع الصنافيرى.

وبه من جهة اليمين دار للأمير عباس باشا يكن، وهى دار كبيرة بها جنينة متسعة، ثم دار الست الشامية-إحدى زوجات الأمير شريف باشا الكبير-وهاتان الداران كانتا فى الأصل دارا واحدة تعرف بدار ولى أفندى، ثم انقسمت دورا كما هى الآن.

‌ترجمة ولى أفندى

وولى أفندى هذا هو-كما فى الجبرتى-الأمير الكبير أحد أكابر الدولة، ويقال له أيضا ولى خوجا، وهو كاتب خزينة الباشا قال الجبرتى: أنشأ الدار العظيمة التى بناحية باب اللوق، وأدخل فيها عدة بيوت ودورا جليلة ملاصقة لها من الجانبين، وبعضها مطل على البركة المعروفة ببركة أبى الشوارب، ثم قال: وقد صاهره الباشا، وزوّج ابنته لبعض أقارب الباشا الخصيصين به، وعمل له مهما عظيما احتفل فيه إلى الغاية، كل ذلك وهو متمرض وبقى كذلك إلى أن مات سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وألف، وضبطت تركته فوجد له كثير من النقود والجواهر والأمتعة وغير ذلك، فسبحان الحى الذى لا يموت. (انتهى).

ثم بعد دار الست الشامية جامع جميزة الذى سماه المقريزى بزاوية جميزة حيث قال: هذه الزاوية موضعها من جملة أراضى الزهرى بالقرب من معدية فريج، أنشأها الأمير سيف الدين جيرك السلاحدار المنصورى-أحد أمراء الملك المنصور قلاوون-سنة اثنتين وثمانين وستمائة وجعل فيها عدة من الصوفية. (انتهى). (قلت): هى مقامة الشعائر إلى الآن من أوقافها، وتعرف بجامع جميزة، وبها عرف هذا الشارع.

ص: 221

وأما معدية فريج المذكورة فيغلب على الظن أنها كانت فى محل قنطرة باب الخرق، لأنها لم تبن إلا فى زمن الصالح نجم الدين أيوب، ويقوى هذا ما وجد فى كتاب وقفية السلطان قايتباى من أنه وقف مكانا بخط معدية فريج بقرب درب الفواخير ودرب الفواخير هذا محله الآن حارة الشيخ مبارك التى بشارع سوق العصر القريبة من قنطرة باب الخرق، فيكون محل القنطرة ومحل المعدية المذكورة والله أعلم.

ثم بعد جامع جميزة دار الأمير كانى باشا، وهى دار كبيرة ووضعها قديم.

ثم رأس شارع الكرداسى، وسيأتى الكلام عليه إن شاء الله تعالى.

ثم وكالة القمح القديمة، أنشأها الأمير شريف باشا الكبير، واشتهرت مدة، ثم لما بنيت الوكالة الجديدة التى بشارع باب الخرق انتقل إليه القماحون، ودثرت وكالة شريف باشا المذكورة، فاشتراها إسماعيل بيك ابن الأمير راتب باشا الكبير، وجعلها عربخانات للأجرة.

ثم بعد الوكالة الجامع المعروف بجامع حماد، وهو مسجد قديم جدده الأمير رجب أغا ابن الأمير أغا أغاى طائفة التفكشية وكتخدا الجاويشية، ووقف عليه أوقافا كثيرة، وذلك فى سنة أربع وسبعين وألف، وشعائره مقامة من أوقافه إلى الآن.

وبجوار هذا الجامع دار ورثة المرحوم السيد مجدى بيك الشاعر المشهور، وقد بسطنا ترجمته فى بلدته المعروفة بأبى رجوان من هذا الكتاب.

وفى مقابلتها ضريح سيدى حسن الأنور، المشروع فى عمارته من جهة ديوان الأوقاف بأمر الخديو توفيق باشا، وقد أشرف الآن على التمام.

***

ص: 222

‌القسم السادس: شارع الصنافيرى

أوله من آخر شارع جميزة بجوار قشلاق العساكر الذى استجد هناك، وآخره أول شارع أبى السباع بحرى جامع الطباخ. عرف بذلك لأن به ضريح الشيخ إسماعيل الصنافيرى داخل الزاوية المعروفة به، يعمل له مولد كل عام. وهذه الزاوية شعائرها مقامة إلى الآن من أوقافها التى منها الوكالة المعروفة بوكالة الصنافيرى بهذا الشارع.

وكان بأوله من جهة اليسار: جامع البر مشية بالجهة الغربية من القشلاق، أخذ بعضه فى تنظيم شارع عابدين، وباقيه فى القشلاق المذكور.

وبآخره الآن من جهة اليسار أيضا: الجامع المعروف بجامع الطباخ، وهو جامع قديم.

قال المقريزى: أنشأه الأمير جمال الدين أقوش، وجدده الحاج على الطباخ فى المطبخ السلطانى أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون، به منبر وخطبة، وله منارة، وشعائرة مقامة إلى الغاية من جهة الديوان، وقد ذكرنا ترجمة الحاج على هذا عند الكلام على جامعه من هذا الكتاب.

وهناك بقرب هذا الجامع سبيل قديم يعرف بسبيل الذهبى، وجبّاسة تعرف بجباسة أحمد ابن أبى غريب.

‌الميدان الصالحى

وهذا الشارع كان يعرف قبل التنظيم بشارع باب اللوق لأن به باب الميدان الصالحى، المعروف بباب اللوق كان بأوله قرب جامع الطباخ وآخر الميدان كان عند قنطرة قدا دار التى عرفت أخيرا بقنطرة المدابغ، لأنها كانت بقربها، وقد زالت فى تنظيم الإسماعيلية، ومحلها

ص: 223

الآن عند الزاوية الغربية البحرية لبيت حافظ بيك-شماشرجى الخديو السابق إسماعيل باشا- الكائن على الشارع المار تجاه بيت الأمير محمد باشا أبى سلطان.

وهذا الميدان كان أولا بستانا، كما ذكر ذلك المقريزى حيث قال: الميدان الصالحى كان بأراضى اللوق من بر الخليج الغربى، وموضعه الآن من جامع الطباخ بباب اللوق إلى قنطرة قدا دار التى على الخليج الناصرى، ومن جملته الطريق المسلوك الآن من باب اللوق إلى القنطرة المذكورة.

(قلت): وهذا الطريق عوضه الشارع الفاصل بين بيت أبى سلطان باشا وبيت يعقوب بيك القطاوى الذى آخره الشارع العام المسلوك فيه إلى قصر العينى ومصر القديمة.

ثم قال المقريزى: وكان أولا بستانا يعرف ببستان الشريف ابن ثعلب، فاشتراه السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل محمد ابن الملك العادل أبى بكر بن أيوب بثلاثة آلاف دينار مصرية من الأمير حصن الدين ثعلب ابن الأمير فخر الدين إسماعيل بن ثعلب الجعفرى فى شهر رجب سنة ثلاث وأربعين وستمائة، وجعله ميدانا، وأنشأ فيه مناظر جليلة تشرف على النيل الأعظم، وصار يركب إليه ويلعب فيه بالكرة. وكان عمل هذا الميدان سببا لبناء القنطرة التى يقال لها اليوم قنطرة الخرق على الخليج الكبير لجوازه عليها، وكان قبل بنائها موضعها موردة سقائى القاهرة، وما برح هذا الميدان تلعب فيه الملوك بالكرة من بعد الملك الصالح إلى أن انحسر ماء النيل من تجاهه وبعد عنه، فأنشأ الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقدارى ميدانا بطرف أراضى اللوق يشرف على النيل.

قال المقريزى: وموضعه الآن تجاه قنطرة قدادار من جهة باب اللوق. (قلت): فيكون محله الآن جميع الأرض الممتدة غربى شارع مصر العتيقة إلى ساحل النيل حينذاك، وكان يمتد إلى الخور يعنى بقرب جسر أبى العلاء.

ثم قال المقريزى: وما زال يلعب فيه بالكرة هو ومن بعده من ملوك مصر، إلى أن كانت سنة أربع عشرة وسبعمائة فنزل السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون وخرب مناظره وعمله بستانا من أجل بعد البحر عنه، وأرسل إلى دمشق فحمل إليه منها سائر أصناف الشجر، وأحضر معها خولة الشام والمطعمين فغرسوها فيه وطعموها، وما زال بستانا عظيما، ومنه تعلم الناس بمصر تطعيم الأشجار فى بساتين جزيرة الفيل.

ص: 224

[زربية قوصون]

(*)

ثم إن السلطان لما اختص بالأمير قوصون أنعم بهذا البستان عليه، فعمر تجاهه الزربية التى عرفت بزربية قوصون على النيل، وبنى الناس الدور الكثيرة هناك، سيما لما حفر الخليج الناصرى، فإن العمارة عظمت فيما بين هذا البستان والبحر، وفيما بينه وبين القاهرة ومصر، ثم إن هذا البستان خرب لتلاشى أحواله بعد قوصون، وحكرت أرضه، وبنى الناس فوقها الدور التى على يسرة من صعد القنطرة من جهة باب اللوق يريد الزربية، ثم لما خرب خط الزربية خرب ما عمر بأرض هذا البستان من الدور منذ سنة ست وثمانمائة والله تعالى أعلم. (انتهى). (قلت): وأرض الزربية محلها الآن الأرض الأرض المبنى فوقها وابور المياه وما جاورها إلى الشارع الكائن بحرى منزل مراد باشا، يحدّها شارع مصر العتيقة من جهة شارع باب اللوق من الجهة الأخرى وهذا الاسم باق لها إلى اليوم فى المكلفات وفى قوائم المسّاحين.

وذكر المقريزى فى الكلام علي ما بين بولاق ومنشأة المهرانى أنه كان يتصل بها عدة أخطاط منها خط فم الخور وخط حكر ابن الأثير وخط زربية قوصون وخط الميدان السلطانى وخط منشأة الكتبة، فأما خط فم الخور فكان فيه من المناظر الجليلة عدة تشرف على النيل، ومن ورائها البساتين، ويفصل بين البساتين والدور المطلة على النيل شارع مسلوك، وأنشئ هناك حمام وجامع وسوق، فصار خطا يعرف بخط فم الخور.

ثم لما أنشأ القاضى علاء الدين بن الأثير دارا على النيل. وكان إذ ذاك كاتب السر وبنى الناس بجواره، عرف ذلك الخط بحكر ابن الأثير، واتصلت العمارة من بولاق إلى فم الخور، ومن فم الخور إلى حكر ابن الأثير.

[خط فم الخور]

(قلت): وخط فم الخور محله الآن الأرض التى كان يعمل بها مولد النبى صلى الله عليه وسلم الكائنة عن يمين المارّ بالشارع الموصل إلى بولاق، المجاور لبيت زينب هانم وهذه الأرض معروفة فى المكلفات بتل اليهودية وبتل سن إبرة، ولم أقف على سبب تسميتها بذلك، ولعلها كانت ملكا للوزير علم الدين عبد الوهاب بن الطنساوى المعروف بسن إبرة،

(*) هى عبارة عن مصاطب مدرجة مبنية على أعمدة، تتخذ للجلوس والاستمتاع بالهواء والمشاهدة على شاطئ النيل. انظر: رحلة عبد اللطيف البغدادى (الإفادة والاعتبار)، ص 114، ط. القاهرة 1998.

ص: 225

الذى ذكره المقريزى فى ترجمة دار ابن البقرى فعرفت به، وهى من ضمن بستان قراقوش، لأن المقريزى ذكر فى تحديد بستان بن ثعلب أن حده الشرقى إلى بستان الدكة، وبستان الأمير قراقوش، ولم يكن بعد بستان الدكة الذى من ضمنه الآن بيت زينب هانم إلا هذه الأرض. وأما خط زربية قوصون فكان بعد خط حكر بن الأثير، وقد بينا أن محله الآن الأرض التى عليها وابور المياه وما جاورها إلى الشارع الكائن بحرى بيت مراد باشا.

[خط الميدان السلطانى]

وأما خط الميدان السلطانى، فمحله من قرب قصر النيل إلى القصر العالى من الشارع الذى هناك، وكان بعده منشأة الكتبة قبلى زربية السلطان. قال المقريزى: وزريبة السلطان كانت قبلى جامع الطيبرسى، ومحلها الآن يكاد أن يكون فى أرض جنينة إبراهيم باشا ابن عم الخديو توفيق، وقد ذكرنا فى ترجمة جامع الطيبرسى أن محله الآن الجامع المعروف بالأربعين غربى سراى الإسماعيلية.

[البركة الناصرية]

قال المقريزى: إن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون لما عمر ميدان المهارى أنشأ زربية فى قبلى الجامع الطيبرسى، وحفر لأجل بنائها البركة المعروفة الآن بالبركة الناصرية، واتصلت العمارة من بحرى الجامع الطيبرسى بزربية قوصون، وصار هناك أزقة وشوارع، ودروب ومساكن من وراء المناظر المطلة على النيل تتصل بالخليج، وأكثر الناس من البناء فى طريق الميدان السلطانى، فصارت العمائر منتظمة من قناطر السباع إلى الميدان من جهاته كلها، وعمر المكين إبراهيم ابن قزوينة ناظر الجيش فى قبلى زربية السلطان حيث كان بستان الخشاب دارا جليلة، وعمر أيضا صلاح الدين الكحال، والصاحب أمين الدين عبد الله ابن الغنام وعدة من الكتاب، فقيل لهذه الخطة منشأة الكتاب، واتصلت العمارة بمنشأة المهرانى، فصار ساحل النيل من خط دير الطين قبلى مدينة مصر إلى منية الشيرج بحرى القاهرة مسافة لا تقصر عن أزيد من نصف بريد بكثير كلها منتظمة بالمناظر العظيمة والمساكن الجليلة، والجوامع والمساجد والخوانك والحمامات وغيرها من البساتين لا تجد فيما بين ذلك خرابا ألبتة.

ثم لما حدثت المحن من سنة ست وثمانمائة وتقلص ماء النيل عن البر الشرقى خربت تلك الجهات

ص: 226

وصارت تلالا. (انتهى). (قلت): ومنشأة المهرانى كانت على الخليج الكبير عند قنطرة السد التى يمر من فوقها من أراد قصر العينى من شارع السيدة الموصل إلى مصر العتيقة، وأما البركة الناصرية فقد تكلمنا عليها عند الكلام على برك القاهرة، ومحلها الآن غربى شرقى جنينة وهبى بك، ويدخل فيها نصف ديوان المالية القبلى الذى أصله سراى إسماعيل بيك صديق وسراى تفيده هانم وبعض البيوت المجاورة لها من الجهة البحرية والغربية، وأكثر الأرض الكائنة خلف مدرسة البنات المجعولة الآن ديوانا للأشغال العمومية.

وذكر المقريزى أن الملك المعز عز الدين أيبك التركمانى الصالحى النجمى فى أيام سلطنته قال له منجمه إن امرأة تكون سببا فى قتله، فأمر أن تخرّب الدور والحوانيت التى من قلعة الجبل بالتبانة إلى باب زويلة وإلى باب الخرق وإلى باب اللوق إلى الميدان الصالحى، وأمر أن لا يترك باب مفتوح بالأماكن التى يمر عليها يوم ركوبه إلى الميدان ولا تفتح أيضا طاقة.

[قيسارية الغزل]

وما زال باب هذا الميدان باقيا وعليه طوارق مدهونة إلى ما بعد سنة أربعين وسبعمائة، فأدخله صلاح الدين ابن المغربى فى قيسارية الغزل التى أنشأها هناك، ولأجل هذا الباب قيل لذلك الخط باب اللوق.

ولما خرب هذا الميدان حكر وبنى موضعه ما هنالك من المساكن، ومن جملته حكر مرادى وهو على يمنة من سلك من جامع الطباخ إلى قنطرة قدادار، وهو فى أوقاف خانقاه قوصون وجامعه الذى بالقرافة، وهذا الحكر اليوم قد صار كيمانا بعد كثرة العمارة به (انتهى)(قلت)؛ ومحل قيسارية الغزل التى أنشأها ابن المغربى المذكور الدكاكين المجاورة لجامع الطباخ وجزء من شارع البلاقسة، ومن حقوق حكر مرادى المنازل الكائنة على يمين السالك فى الشارع الواقع قبلى بحرى بيت الأمير أبى سلطان باشا.

[بستان ابن ثعلب]

وأما بستان ابن ثعلب فقال المقريزى: إنه كان بستانا عظيم القدر، مساحته خمسة وسبعون فدانا، فيه سائر الفواكه يأسرها، وجميع ما يزرع من الأشجار والنخل والكروم والرياحين وغير ذلك، وبه الآبار المعينة، وله الهماليات وتسمى بالتوابيت، وهى سواق

ص: 227

معروفة عند الفلاحين من الإقليم المصرى، وفيه منظرة عظيمة وعدة دور، ومن حقوق هذا البستان الأرض التى تعرف اليوم ببركة قرموط، والأرض التى تعرف اليوم بالخور قبالة الأرض المعروفة بالبيضاء بجوار بستان السراج وبستان الزهرى وبستان البرجى فيما بين هذه البساتين وبين خليج الدكة والمقس.

وكان على بستان ابن ثعلب سور مبنى، وله باب جليل، وحدّه القبلى إلى منشأة ابن ثعلب وحدّه البحرى إلى الأرض المجاورة للميدان السلطانى الصاحب وإلى أرض الجزائر، وفى هذا الحد أرض الخور، وهى من حقوقه، وحدّه الشرقى إلى بستان الدكة وبستان الأمير قراقوش، وحدّه الغربى إلى الطريق المسلوك فيها إلى موردة السقائين قبالة بستان السراج، وكان باب هذا البستان فى الموضع الذى يقال له اليوم باب اللوق (انتهى).

[بستان السراج]

(قلت): وبستان السراج محله الآن الدور والأزقة والحارات الموجودة على يسار السالك بشارع باب اللوق من ابتداء جامع الطباخ إلى بيت الأمير أبى سلطان باشا، وكان يفصله عن شارع مصر العتيقة الأرض البيضاء.

وبيان ذلك أن المقريزى ذكر أن من ضمن بستان ابن ثعلب الأرض المعروفة اليوم بالخور قبالة الأرض المعروفة بالبيضاء بجوار بستان السراج، وقال إن الحد الغربى بستان ابن ثعلب إلى الطريق المسلوك فيها إلى موردة السقائين قبالة بستان السراج، والطريق المسلوك فيها إلى الموردة هى شارع باب الخرق، والموردة هى القنطرة، فيكون بستان السراج حينئذ محله كما ذكرنا، وكان كبيرا ممتدا إلى الأرض البيضاء التى كانت تحت الخليج الناصرى شرقى شارع مصر العتيقة. وكانت الأرض البيضاء تمتد إلى جسر بولاق المعروف الآن بجسر أبى العلاء.

وأما منشأة ابن ثعلب فمحلها الآن شارع مشتهر كما بيناه هناك، فعلى هذا كان بستان السراج ينتهى إلى محل هذا الشارع وإلى ساحل النيل حينذاك، فيكون محله الآن غربى الشارع الموصل إلى مصر العتيقة المارّ من غربى بيت الأمير ثابت باشا الجديد.

ص: 228

[بركة قرموط]

وأما بركة قرموط فمن ضمنها الآن بيت على باشا شريف وصادق بيك وابن مظلوم باشا وبيت ثابت باشا القديم المعروف ببيت الجربان وما جاوره من الجهة البحرية والشرقية من المنازل وغيرها، وكانت تنتهى إلى الشارع المستجد المارّ قبلى اللوقاندة، وتمتد على خط مستقيم إلى شارع مصر العتيقة، وقد زالت هذه البركة فى زماننا هذا ولم يبق لها أثر بالكلية.

وكان بمصر وقت دخول الفرنساوية ثلاث برك بحرى خط المدابغ:

إحداها تعرف ببركة الدم، وهى أصغرها، كان طولها مائة متر فى عرض خمسين، ومحلها الآن الأرض التى تجاه بيت محمود خليل، وكانت مصرفا لجميع مياه المدابغ والقاذورات

ثانيها: بركة الصابر، وكانت بجوار الأولى، وكان طولها مائة وخمسين مترا، وعرضها المتوسط مائة وعشرين مترا.

ثالثها: بركة الفوّالة، وهى التى كانت تعرف ببركة قرموط، وكانت أكبر الثلاثة، طولها ثلثمائة متر، وعرضها المتوسط مائة متر، وذكر المقريزى أنها كانت من ضمن بستان ابن ثعلب، فلما حفر الملك الناصر محمد بن قلاوون الخليج الناصرى من موردة البلاط، رمى ما خرج من الطين فى هذه البركة وبنى الناس الدور على الخليج، فصارت البركة من ورائها، وعرفت تلك الخطة كلها ببركة قرموط، وأدركنا بها ديارا جليلة، ثم قال: وأكثر من كان يسكنها الكتّاب، مسلموهم ونصاراهم، المترفون أولو النعمة. وفى حوادث سنة ست وثلثمائة خربت منازلها وبيعت أنقاضها وصارت موحشة، وبقى حولها بساتين خراب.

وقرموط هذا هو أمين الدين قرموط مستوفى الخزانة السلطانية، وذكر المقريزى أيضا فى الجوامع جامع ابن المغربى فقال: هذا الجامع بقرب بركة قرموط مطل على الخليج الناصرى أنشأه صلاح الدين يوسف بن المغربى-رئيس الأطباء بديار مصر-وبنى بجانبه قبة دفن فيها، وقد ذكرناه فى الجوامع من هذا الكتاب، وهو الآن مجعول تكية بها بعض دراويش، والقبر الذى هناك هو قبر ابن المغربى المذكور، وإلى الآن يعرف بهذا الاسم، وهذه التكية بآخر الشارع القريب من شارع مصر العتيقة.

ص: 229

وأما الأرض التى تعرف بالخور الواقعة بين ترعة فم الخور وبين الخليج الناصرى الذى محله الآن الشارع المقابل لسراى الإسماعيلية المارّ من جسر أبى العلاء إلى مصر العتيقة فمحلها بعض الأراضى الكائنة على يمين السالك بهذا الشارع من جسر أبى العلاء إلى مصر العتيقة وكانت تمتد إلى ساحل النيل فى ذاك الوقت، وتنتهى إلى قنطرة السد التى يسلك من عليها إلى قصر العينى.

وأما ترعة فم الخور المعروفة بخليج فم الخور فكانت تمتد باعوجاج من قنطرة الدكة إلى النيل، وكان النيل فى نحو سنة ثمانمائة من الهجرة عند جامع السلطان أبى العلاء، فكانت فى ذاك الوقت ممتدة إلى قريب من قنطرة ترعة الإسماعيلية الموجودة الآن بطريق بولاق قرب قصر النيل وقد بسطنا الكلام على ذلك فى شارع بين السورين فانظره هناك.

وذكر المقريزى أيضا أنه من ضمن بستان ابن ثعلب حكر يعرف بحكر قردمية على يمنة من سلك باب اللوق إلى قنطرة قدادار، وصار أخيرا بيد ورثة الأمير قوصون، وكان حكرا عامرا إلى ما بعد سنة تسع وأربعين وسبعمائة، فخرب عند وقوع الوباء الكبير بمصر، وحفرت أراضيه، وأخذ طينها، فصارت بركة ماء عليها كيمان خلف الدور التى على الشارع المسلوك فيه إلى قنطرة قدادار. (انتهى). (قلت): وهذه البركة هى بعض البركة التى كانت ببركة الدم بقرب بركة قرموط، وقد تقدّم قريبا الكلام عليها.

‌ترجمة ابن ثعلب

وابن ثعلب هذا هو الأمير الكبير الشريف فخر الدين إسماعيل بن ثعلب الجعفرى الزينبى أحد أمراء مصر فى أيام الملك العادل سيف الدين أبى بكر بن أيوب وغيره، صاحب المدرسة الشريفية بجوار درب كركامة على رأس حارة الجودرية من القاهرة. مات فى سابع عشر رجب سنة ثلاث عشرة وستمائة. (انتهى).

‌مطلب أراضى اللوق

وأما أراضى اللوق فقال المقريزى إنها كانت بساتين ومزروعات، ولم يكن بها فى القديم بناء البتة، ثم لما انحسر ماء النيل عن منشأة الفاضل عمر فيها، ثم قال ويطلق اللوق فى زماننا على المكان المعروف بباب اللوق المجاور لجامع الطباخ المطل على بركة الشقاف وما يسامته إلى

ص: 230

الخليج الذى يعرف اليوم بخليج فم الخور، وينتهى اللوق من الجانب الغربى إلى منشأة المهرانى، ومن الجانب الشرقى إلى الدكة بجوار المقس.

قال: وكان بأراضى اللوق خمس رحاب يطلق عليها كلها الآن رحبة باب اللوق، وبها تجتمع أصحاب الحلق، وأرباب الملاعب والحرف، كالمشعبذين والمخايلين والحواة والمتأففين وغير ذلك، فيحشر هنالك من الخلائق للفرجة ولعمل الفساد ما لا ينحصر، وكان قبل ذلك فى حدود ما قبل الثمانين وسبعمائة من سنى الهجرة، إنما تجتمع الناس لذلك فى الطريق الشارع المسلوك من جامع الطباخ بالخط المذكور إلى قنطرة قدادار (انتهى). (قلت): فيؤخذ من كلام المقريزى أن أرض اللوق كانت ممتدة إلى ساحل النيل، وكان أولها من الخط الكائن بين جامع الطباخ إلى آخر بستان الدكة المعروف الآن بجنينة زينب هانم، ومن جامع الطباخ إلى آخر منشأة المهرانى عند قنطرة السد.

‌ترجمة منشأة الفاضل

وأما منشأة الفاضل فملخص ما ذكره المقريزى عند الكلام على جامع منشأة المهرانى أن القاضى الفاضل كان له بستان عظيم فيما بين ميدان اللوق وبستان الخشاب الذى أكله البحر، وكان يمير مصر والقاهرة من ثماره وأعنابه، ولم تزل الباعة ينادون على العنب رحم الله الفاضل يا عنب إلى مدة سنين عديدة بعد أن أكله البحر، وكان قد عمر إلى جانبه جامعا، وبنى حوله فسميت بمنشأة الفاضل، وكان خطيبه أخا الفقيه موفق الدين الديباجى قد عمر بجواره دارا وبستانا، وغرس فيه أشجارا حسنة، فاستولى البحر على الدار والجامع والمنشأة، وقطع جميع ذلك حتى لم يبق له أثر، فسأل موفق الدين الصاحب بهاء الدين على بن حنا فى بناء الجامع وألح عليه، فتحدث مع الملك الظاهر بيبرس فى عمارة جامع هناك، فأمر بإنشاء الجامع المعروف بجامع منشأة المهرانى، بالأرض المعروفة بالكوم الأحمر، وكانت مرصدة لعمل أقمنة الطوب الآجرية، ووقف عليه بقية هذه الأرض فى شهر رمضان سنة إحدى وسبعين وستمائة (انتهى)

(قلت): ومحل بستان الخشاب الآن هو معظم الأرض الواقعة تجاه القصر العالى وقصر العينى التى بها سراى داود باشا يكن وسراى يوسف باشا فهمى، وأما منشأة الفاضل فمحلها بعض الأرض التى عليها القصر العالى وقصر العينى. وأما منشأة المهرانى التى كانت عند

ص: 231

قنطرة السد فمحلها الأرض الواقعة بين النيل والخليج، وكان موضعها يعرف بالكوم الأحمر من أجل أقمنة الطوب التى كانت بها والجامع كان على يمين المارّ من فوق القنطرة إلى قصر العينى، والتلال الموجودة الآن شرقى معمل البارود من آثار العمائر الجليلة التى كانت هناك، والتل الكبير الموجود جهة اليسار من أثر دار ابن صاحب الموصل، وكانت أولا منظرة للصاحب فخر الدين بن بهاء الدين على بن حنا.

وإلى هنا انتهى الكلام على الشارع الطوالى المتقدم ذكره، ثم نرجع إلى جهة باب زويلة فنبين شارع القربية وما وراءه من الشوارع على الترتيب فنقول:

ص: 232

‌شارع القربية

ابتداؤه من شارع باب زويلة، وانتهاؤه أول شارع الحمزية، وطوله مائة متر وستة وخمسون مترا، عرف بذلك لأن به عدة حوانيت معدة لبيع القرب والدلاء.

وبه من جهة اليمين: عطفة تعرف بعطفة الخشيبة، بنهايتها وكالة يقال لها الخشيبة، بداخلها زاوية صغيرة متخربة، وأصل هذه الوكالة من ضمن وقف الدشيشة، وبأسفلها عدة حواصل وبهذه العطفة أيضا بيت صحة ثمن الدرب الأحمر، أجرته شهريا مائة وخمسة وتسعون قرشا ميرية.

[حارة القربية]

وأما جهة اليسار فبها حارة القربية، بداخلها زاوية رضوان بيك، أنشأها سنة ستين وألف، ووقف عليها أوقافا، شعائرها مقامة من ريعها إلى الآن بنظر الديوان.

[مدرسة القربية]

وبجوار هذه الزاوية المدرسة المعروفة بمدرسة القربية، وهى من المدارس الشهيرة، بها جملة من الأطفال يتعلمون فيها جميع الفنون الجارى تعليمها فى المدارس الميرية، ولهم خوجات ومؤدبون من جهة الديوان، ويعمل لهم امتحان فى كل سنة. وهى أول مدرسة أهلية أنشئت بمدينة القاهرة، وكان إنشاؤها فى سنة أربع وثمانين ومائتين وألف منذ كنت ناظرا على ديوان الأوقاف والمدارس، وكان أصلها بيتا من البيوت التابعة للأوقاف المتخربة، كان ببعض حواصله دفاتر قديمة من دفاتر الديوان، فجاءت من أحسن المدارس وأنفعها، وبها الآن ما يزيد على مائتى تلميذ لحسن التعليم بها.

ص: 233

وحارة القربية المذكورة من الحارات القديمة، سماها المقريزى بحارة المنصورية فقال:

هذه الحارة كانت كبيرة متسعة جدا، فيها عدة مساكن للسودان، فلما كانت واقعتهم فى سنة أربع وستين وخمسمائة أمر صلاح الدين يوسف بن أيوب بتخريب المنصورية هذه وتعفية أثرها، فخربها خطاب بن موسى الملقب صارم الدين، وعملها بستانا.

وكان للسودان بديار مصر شوكة وقوة، فتتبعهم صلاح الدين ببلاد الصعيد حتى أفناهم بعد أن كان لهم فى كل قرية ومحلة وضيعة مكان مفرد لا يدخله وال ولا غيره احتراما لهم، وقد كانوا يزيدون على خمسين ألفا، وإذا ثاروا على وزير قتلوه، وكان الضرر بهم عظيما، لامتداد أيديهم إلى أموال الناس وأهاليهم، فلما كثر بغيهم وزاد تعديهم أهلكهم الله بذنوبهم

قال: وكان موضع المنصورية على يمنة من سلك فى الشارع خارج باب زويلة، ثم قال:

وهى إلى جانب الباب الجديد، يعنى الذى يعرف اليوم بالقوس عند رأس المنتجبية فيما بينها وبين الهلالية، وبعضها-يعنى المنصورية-من جهة بركة الفيل إلى جانب بستان سيف الإسلام ويسمى الآن بحكر الغتمى، وحكر الغتمى يعرف اليوم بدرب ابن البابا تجاه البند قدارية بجوار حمام الفارقانى قريب من صليبة ابن طولون. (انتهى). وذكر أيضا فى ترجمة دار التفاح أنها من حقوق حارة السودان التى خربها صلاح الدين. (انتهى).

(قلت): ودار التفاح موضعها اليوم الوكالة والأماكن التى بجوار تكية الجلشنى من الجهة الشرقية، فيؤخذ من هذا أن حارة المنصورية كان أولها من عند باب زويلة بحارة القربية، وكانت تمتد إلى ما وراء الباب الجديد الذى محله الآن بقرب عطفة الدالى حسين التى هى حارة المنتجبية. وقوله إن بعض المنصورية كان بجانب بستان سيف الإسلام يفيد أن حارة المصامدة قطعة منها، وترجمته للمصامدة على حدتها يفيد أنها مستقلة عنها، فلعل الاستقلال يفيد أنها مستقلة عنها، فلعل الاستقلال وقع بعد الانفصال، وقد بسطنا الكلام على حارة المصامدة بشارع الحلمية، فانظره هناك، والله الموفق للصواب.

‌بستان سيف الإسلام

وأما بستان سيف الإسلام فقال المقريزى فى ترجمته: خط ابن البابا هذا الخط يتوصل إليه من تجاه المدرسة البندقدارية بجوار حمام الفارقانى، ويسلك فيه إلى خط واسع يشتمل على

ص: 234

عدة مساكن جليلة، ويتوصل منه إلى الجامع الطولونى وقناطر السباع وغير ذلك، وكان هذا الخط بستانا يعرف ببستان أبى الحسين بن مرشد الطائى، ثم عرف ببستان تامش، ثم عرف أخيرا ببستان سيف الإسلام طغتكين بن أيوب، وكان يشرف على بركة الفيل، وله دهاليز واسعة عليها جواسق تنظر إلى الجهات الأربع، ويقابله حيث الدرب الآن المدرسة البندقدارية وما فى صفها إلى الصليبة-بستان يعرف ببستان الوزير ابن المغربى، وفيه حمام مليحة، ويتصل ببستان ابن المغربى بستان عرف أخيرا ببستان شجرة الدر، وهو حيث الآن سكن الخلفاء، بالقرب من المشهد النفيسى، ويتصل ببستان شجرة الدر بساتين إلى حيث الموضع المعروف اليوم بالكبارة من مصر. ثم إن بستان سيف الأسلام حكره أمير يعرف بعلم الدين الغتمى.

‌ترجمة ابن البابا

وهو الآن يعرف بدرب ابن البابا، وهو الأمير الجليل جنكلى بن محمد بن البابا بن جنكلى ابن خليل بن عبد الله بدر الدين العجلى رأس الميمنة وكبير الأمراء الناصرية محمد بن قلاوون بعد الأمير جمال الدين نائب الكرك. قدم إلى مصر فى أوائل سنة أربع وسبعمائة بعد ما طلبه الملك الأشرف خليل بن قلاوون، ورغبه فى الحضور إلى الديار المصرية، وكتب له منشورا بإقطاع جيد، وجهزه إليه، فلم يتفق حضوره إلا فى أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون، وكان مقامه بالقرب من آمد، فأكرمه وعظمه، وأعطاه إمرة، ولم يزل مكرما معظما إلى أن مات يوم الاثنين سابع عشر ذى الحجة سنة ست وأربعين وسبعمائة. وكان شكلا مليحا، حليما كثير المعروف والجود، عفيفا لا يستخدم مملوكا أمرد ألبتة، واقتصر من النساء على امرأته التى قدمت معه إلى مصر، ومنها أولاده، وكان يحب العلم وأهله، ويطارح بمسائل علمية، وكان ينتسب إلى إبراهيم بن أدهم، وهو من محاسن الدولة التركية، رحمه الله تعالى، ورحم أموات المسلمين أجمعين.

(قلت): ومن حقوق بستان ابن المغربى الآن المدرسة البندقدارية المعروفة اليوم بزاوية الآبار التى بشارع السيوفية، ومدرسة البنات الكائنة بجوارها، وما فى صفها إلى شارع الصليبه

وأما بستان سيف الإسلام فكان فى مقابلته على يمنة السالك من الشارع إلى الصليبة، وكان يمتد إلى بركة الفيل، وفيه إلى الآن الحمام المعروف بحمام البابا.

ص: 235

ثم ترجع لشارع القربية فنقول: وبنهايته زاوية تعرف بزاوية المأموئية، شعائرها مقامة من أوقافها، وفى مقابلتها سبيل يعلوه مكتب.

[حمام القربية]

وبوسطه حمام يعرف بحمام القربية، وهو برسم الرجال والنساء، عامر إلى الآن.

‌ضريح نجم الدين

وفى مقابلته ضريح يقال له ضريح سيدى على نجم الدين، عليه قبة صغيرة، وله شباك على الشارع.

ومذكور فى وقفية الست نفيسة-معتوقة على بيك الكبير وزوجة مراد بيك محمد أمير الحج الشريف-أنها وقفت هذا الحمام، وكان فى الأصل حمامين أنشأهما الحاج أحمد السعاوى وزوجته، فأخذتهما الست نفيسة المذكورة وجعلتهما حماما واحدا، وكان خطهما يعرف بخط البراذعيين العتيق، وكان الحمام يعرف بحمام الوالى، لقربه من باب زويلة محل إقامة الوالى فى ذاك الوقت، ومذكور فى الوقفية أيضا أن هناك زاوية بقرب الحمام تعرف بزاوية الشيخ مانونيا. (انتهى). (قلت): أما الحمام فهو موجود إلى الآن معروف بحمام القربية، وأما الزاوية فغالبا هى الزاوية المأمونية المتقدم ذكرها، وحرفت اسمها العامة فقالت المأمونية بدل مانونيا والله أعلم.

[سوق السقطيين]

وكان بأول هذا الشارع سوق يعرف بسوق السقطيين، من الأسواق القديمة، ذكره المقريزى فقال: هو خارج باب زويلة، بجوار دار التفاح، أنشأه الأمير آقبغا عبد الواحد وهو جار فى وقفه. (انتهى). (قلت): وإلى وقتنا هذا يوجد بشارع القربية المذكور حوانيت تباع فيها الأسقاط والكروش ونحوها، فلعلها من أثر سوق السقطيين المذكور.

وهذا آخر ما تيسر لنا من الكلام على وصف شارع القربية قديما وحديثا.

ص: 236

‌شارع الحمزية

يبتدئ من آخر شارع القربية، وينتهى لشارع الداودية، وطوله مائتان وعشرون مترا.

وبه من جهة اليسار حارتان:

إحداهما تعرف بحارة العرقسوس، وهى غير نافذة.

[حارة الحمزية]

والثانية حارة الحمزية، وهى حارة كبيرة، يتوصل منها لعطفة النجار النافذة لشارع قصبة رضوان، وبداخلها ضريحان: أحدهما للشيخ العراقى، والآخر للشيخ المنسى، وهذه الحارة سماها المقريزى حارة الحمزيين حيث قال: كانت أوّلا تعرف بالحبانية، ثم قيل لها حارة الحمزيين، من أجل أن جماعة من الحمزيين نزلوا بها، منهم الحاج يوسف بن فاتن الحمزى.

‌ترجمة حمزة بن أدركة

والحمزيون أيضا ينسبون إلى حمزة بن أدركة السارى، خرج بخراسان فى أيام هارون ابن محمد الرشيد، فعاث وأفسد وفض جموع عيسى بن على-عامل خراسان-وقتل منهم خلقا، وانهزم عيسى إلى بابل، ثم غرق حمزة بواد فى كرمان، فعرفت طائفته بالحمزية، ثم قال: وكان ذلك بعد سنة ستمائة، وهذه الحارة خارج باب زويلة. (انتهى).

(قلت): وهى إلى يومنا هذا لم يتغير اسمها، ويتوصل إليها من شارع القربية، من بابها المقابل لحارة الخشبية بجوار حوش الشرقاوى، ويسلك إليها أيضا من شارع المغربلين، ويغلب

ص: 237

على الظن أنها كانت فى القديم متصلة بحارة الحبانية، لأن المتأمل فى آخرها من عند ضريح العراقى يراها فى استقامة حارة الحبانية، ويرى أن الفاصل بينهما البناء الذى بين جامع البردينى وضريح العراقى المذكور، فلو أزيل هذا البناء لكانتا حارة واحدة.

وبها دور كثيرة وعطف متعددة، وبسبب انحباس الهواء عنها، بيوتها قليلة القيمة، وليست مرغوبة فى السكنى، فلو رجعت كما كانت قديما واتصلت بالحبانية لصارت مرغوبة السكنى كغيرها، وهناك ضريح يعرف بالشيخ فرج.

وهذا ما يتعلق بوصف شارع الحمزية قديما وحديثا.

ص: 238

‌شارع سوق العصر

أوله من آخر شارع الحمزية تجاه حارة العرقسوس، وآخره شارع الحين المعروف بشارع قنطرة الذى كفر، ويقطعه شارع محمد على، وطوله مائتان وسبعون مترا.

وبه من جهة اليمين: حارة الشيخ مبارك، بها ضريح يعرف بالشيخ مبارك، وعطفتان غير نافذتين.

[حارة المدابغ]

وأما جهة اليسار فيها: عطفة تعرف بعطفة الطوقجية، ثم حارة المدابغ القديمة، يتوصل منها لحارة القتلى، وبداخلها سبع عطف: الأولى عطفة الزيتون، بها جامع قديم، يعرف بجامع العمرى، بداخله ضريح الشيخ العمرى، يعمل له مولد كل سنة، وشعائره مقامة من أوقافه بنظر الديوان-الثانية: العطفة الصغيرة، الثالثة عطفة المزينين-الرابعة عطفة جمعة، الخامسة عطفة القرفة، السادسة عطفة عطية، السابعة عطفة المعازة.

وبحارة المدابغ أيضا ضريح يعرف بالشيخ محمد تنيس، وأربع وكائل: الأولى مشتركة بين ورثة أصيل وغيرهم والثانية وقف امرأة تدعى فاطمة هانم، والثالثة ملك ورثة على برهان باشا، والآن مجعولة بوظة، والرابعة ملك ورثة محمد كاشف سليم.

وبهذا الشارع أيضا البيت الكبير المعروف بحوش الشرقاوى، أصله من بيوت الأمراء المصريين، تخرب وآل إلى الميرى، ثم بيع معظمه لبعض الأهالى، وتقسم شوارع وحارات، وبنى فيه عدة بيوت وأرباع وحوانيت، وإلى الآن جار البناء فيه، وبه جباستان: إحداهما تعرف بجباسة حسن الأسود، والأخرى بجباسة عبد الباقى حسن.

ص: 239

ويظهر من فحوى حجج أملاك هذه الخطة المحررة فى القرن الحادى عشر أن خط المدابغ القديم كان كبيرا جدا، وكان لا يسكنه إلا المدابغية وما ماثلهم، ومن ضمنه الآن شارع سوق العصر وشارع سويقة عصفور وشارع الداودية القبلى وشارع الداودية البحرى وما با لك من الحارات والعطف وغيرها. ثم لما كثرت الأهالى احتيج لسكن هذه الخطة، فحصل الضرر لمن كان يسكن بها من روائح قاذورات المدابغ، فتشكى الناس من ذلك، فنقلت المدابغ إلى باب اللوق.

ثم فى سنة اثنتين وثمانين ومائتين وألف هجرية انتقلت المدابغ من باب اللوق إلى مصر العتيقة، وذلك أن مصلحة المدابغ من المصالح المقررة، ويلزم أن تكون بعيدة عن العمران، لما ينشأ عنها من الضرر الحاصل من العفونات والأوساخ والقاذورات المضرة بالصحة، وقبل انتقالها كان الإنسان لا يمكنه المرور من هناك إلا بمشقة، لما يجد من كثرة الروائح الكريهة، الناتجة من الجلود المدبوغة، ومن البرك التى تجتمع فيها مياه الدباغة ونحوها، وقد حصل التشكى كثيرا من ديوان الصحة للحكومة فى زمن المرحوم عباس باشا ولم يجد نفعا، وكذلك فى زمن المرحوم سعيد باشا، ثم فى زمن الخديو إسماعيل صدر الأمر بنقلها وشراء جميع أملاك المدابغ على طرف الميرى، وتجعل مدبغة ميرية على جسر البحر قبلى مصر العتيقة، فحينئذ عمل الرسم لذلك بمعرفة قلم الهندسة وأعطى بالمقاولة، وتم على أحسن حال، ونقلت المدابغ هناك فى سنة اثنتين وثمانين كما تقدم، وتخلصت المدينة من أذى الروائح الكريهة التى كانت منتشرة فى تلك الجهات بسبب المدابغ. ومع كل ذلك لم تخسر الحكومة شيئا فى ذلك، فإن أرض المدابغ بيعت عن آخرها، وبنى فى مكانها المنازل الممتدة من جامع الطبلخ إلى مصر القديمة، وصار محلها الآن مبانى مشيدة وشوارع جديدة، وأضحت من أبهج المتنزهات، وأعمر المحلات.

وإلى هنا انتهى الكلام على وصف شارع سوق العصر قديما وحديثا:

***

ص: 240

‌شارع سويقة عصفور

يبتدئ من شارع الداودية تجاه شارع الحمزية، وينتهى إلى حارة عصفور، وطوله مائة متر وعشرة أمتار.

وبه من جهة اليمين: حارة القتلى يسلك منها لحارة المدابغ القديمة، ثم عطفة حوش البئر.

وفى نهايته حارة عصفور غير نافذة، وهناك سبيل وقف محمد كتخدا، أنشئ سنة سبع وثلاثين ومائة وألف، وشعائره مقامة بنظر رضوان أفندى جلبى.

***

ص: 241

‌شارع الداودية القبلى

هو عن يسار المارّ من شارع سويقة عصفور قبلى مسجد الست صفية، ويسلك منها لسكة سبيل الجزار، وطوله مائة وسبعون مترا.

وبه من جهة اليمين: سكة الحارة الكبيرة، طوله مائة متر وأربعة أمتار، وعطفتان؛ إحداهما تعرف بعطفة المسمط، والأخرى بعطفة نائل.

وأما جهة اليسار فبها: سكة الداودية، غربى مسجد الست صفية، يسلك منها لشارع الداودية البحرى.

***

ص: 242

‌شارع الداودية البحرى

هو فى الجهة البحرية لمسجد الست صفية، يبتدئ من شارع سوق العصر، وينتهى لشارع المغربلين، وطوله ثلثمائة وثمانون مترا.

وبه من جهة اليسار: عطفة جامع البردينى غير نافذة، وبجوارها جامع الشيخ كريم الدين البردينى، أنشأه سنة خمس وعشرين وألف، ولما مات دفن به، وهو مسجد صغير يصعد إليه بدرج، وبه خطبة، وله منارة، وشعائره مقامة من ريع حانوت تحته لم يكن له سواه.

وأما جهة اليمين فبها: حارة سبيل الجزار، يسلك منها لشارع محمد على ولشارع الحبانية وجامع الست صفية مرتفع عن أرض الشارع بنحو أربعة أمتار، وله بابان يصعد لهما بسلالم متسعة مستديرة، وله صحن متسع بدائره إيوان مسقوف بقباب على أعمدة من الحجر والرخام، وله مقصورة معدة للصلاة، بداخلها منبر وقبلة، ومطهرته منفصلة عنه بالطريق، وهو من إنشاء عثمان أغا ابن عبد أغا أغاى دار السعادة، ثم آل بطريق شرعى لسيدته الملكة صفية، كما فى كتاب وقفيته المحرر فى أواخر شوال سنة إحدى ومائة وألف.

وهناك سبيلان: أحدهما وقف أحمد جاهين، أنشأه سنة إحدى وثلاثين وألف، ونظره الآن للحاج رضوان ذى الفقار، والثانى وقف المحاسيجى تجاه جامع الست صفية، أنشأه سنة تسع وثلاثين ومائة وألف، ونظره لورثته.

وهذا الشارع كان يعرف قديما بدرب الفواخير، وكان من ضمن خط المدابغ القديمة كما وجد منصوصا فى حجج وقفيات هذه الخطة، ففى وقفية الأمير إسماعيل كتخدا القازدغلى

ص: 243

طائفة عزبان أنه وقف العمارة بخط المدابغ القديمة تجاه زاوية الشيخ كريم الدين البردينى، وفى وقفية رجب أغا ابن المرحوم إبراهيم أغا طائفة التفكشية وكتخدا الجاويشية أنه وقف أماكن بخط المدابغ القديمة بداخل درب الفواخير قريبا من مدرسة المرحوم كريم الدين.

(انتهى). (قلت): فيعلم من هذا أن درب الفواخير محله الآن هذا الشارع، وأن خطه كان يعرف بخط المدابغ القديمة، وأن جامع البردينى الموجود الآن هو المعبر عنه بزاوية كريم الدين وبمدرسة كريم الدين أيضا.

وإلى هنا انتهى الكلام على وصف شارع الداودية البحرى قديما وحديثا.

ص: 244

‌شارع الحبانية

أوله من سكة سبيل الجزار، وآخره شارع ضلع السمكة تجاه قنطرة سنقر، ويقطعه شارع محمد على، وطوله خمسمائة وعشرون مترا.

وبه من جهة اليسار: عطفتان غير نافذتين، الأولى تعرف بعطفة كعبة، والثانية بعطفة الأربعين.

وهذا الشارع هو الذى سماه المقريزى حارة العبدانية. قال: وكانت تعرف أولا بحارة البديعيين، ثم قيل لها بعد ذلك الحبانية من أجل البستان الذى يعرف بالحبانية الجارى فى وقف الخانقاه الصلاحية سعيد السعداء، ويتوصل إلى هذه الحارة من تجاه قنطرة سنقر، وبعض دورها الآن يشرف على بستان الحبانية، وبعضها يطل على بركة الفيل. (انتهى).

(قلت): وفى وقتنا هذا يتصل هذا الشارع بشارع الداودية وبشارع درب الجماميز من جهة قنطرة سنقر، وبه جامع صغير تجاه دار الأمير راتب باشا الصغير يعرف بجامع القاضى يحيى زين الدين، ويعرف أيضا بجامع محمد سعيد، له منارة مرتفعة، ويتبعه سبيل، بداخله وشعائرة مقامة من ريع أوقافه بنظر الديوان.

‌بستان الحبانية

وبه أيضا بقايا بستان يظهر أنه بعض بستان الحبانية الذى ذكره المقريزى عند الكلام على خارج باب زويلة حيث قال: ويشرف على بركة الفيل بساتين من دائرها، وإلى وقتنا هذا عليها بستان يعرف بالحبانية، وهم بطن من درماء بن عمرو بن عوف بن ثعلبة بن سلامان ابن بعل بن عمرو بن الغوث بن طئ، فدرماء فخذ من طئ، والحبانيون بطن من درماء، ثم قال: وبستان الحبانية فصل الناس بينه وبين البركة بطريق تسلك فيها المارة. (انتهى)

ص: 245

(قلت): فيؤخذ من هذا أن جميع المبانى الموجودة اليوم على يمنة المار من الحبانية طالبا شارع محمد على حدثت بعد ذلك. وكان هناك حمامان عن يسار الداخل من جهة قنطرة سنقر هدما وبقى أثرهما إلى سنة سبعين ومائتين وألف، ثم بنى فى محلهما دار بجوار دار الأمير راتب باشا.

‌ترجمة ظالم على

(قلت): وذكر الجبرتى فى حوادث سنة عشرين ومائة وألف فى ترجمة أحمد جربجى أن دار على جاويش المعروف بظالم على فى الحبانية بجوار الحمام الذى هناك. (قلت): ولم يكن بلصق الحمام إلا دار الأمير راتب باشا، فعلى هذا هى دار ظالم على المذكور. قال الجبرتى:

وظالم على هذا كان أميرا كبيرا مشاركا فى الكلمة للأمير أحمد جربجى عزبان المعروف بالقيومجى.

مات سنة خمس عشرة ومائة وألف، ومات الأمير أحمد بعده فى سنة عشرين ومائة وألف، والله أعلم.

وإلى هنا انتهى الكلام على وصف شارع الحبانية قديما وحديثا.

ص: 246

‌شارع محمد على

ابتداؤه من شارع العتبة الخضراء، وانتهاؤه المنشأة الجديدة التى تجاه جامع السلطان حسن، وطوله ألفا متر.

[ترب الأزبكية]

وكان بأوله الترب المعروفة بترب الأزبكية وبترب المناصرة، وكانت مقبرة كبيرة يدفن فيها من الأخطاط المجاورة لها وغيرها، ولم ينقطع الدفن بها إلا فى أواخر زمن العزيز محمد على باشا. وكانت هذه المقبرة محاطة بالمنازل من جهاتها الأربع، فكان فى جهتها الشرقية والقبلية منازل قلعة الكلاب وحارة المناصرة، وفى الجهة الغربية والبحرية منازل كوم الشيخ سلامة وشارع البكرى بما فى ذلك جامع أزبك والحمام الذى بجواره.

ثم لما شرعت الحكومة فى فتح شارع محمد على وعمل رسمه جاء مروره من وسطها تقريبا، فصدرت الأوامر للمحافظة بمشترى الأملاك الداخلة فى ذلك، وهدمت الترب ونقل منها بعض العظام إلى قرافة الإمام الشافعى وغيرها، والبعض الآخر عمل له صهريج مخصوص ودفن به، وبنى عليه مسجد عرف بمسجد العظام، وهو بقرب جامع العشماوى عن يمين المار بالشارع الموصل للعتبة الخضراء وعابدين.

وفى ذاك الوقت كنت ناظرا على ديوان المدارس والأوقاف، فطلبت من الخديو إسماعيل أن يحسن بالأرض المتخلفة من هذه المقبرة على المكاتب الأهلية ليستعان بثمنها على بناء المكاتب فى القاهرة وغيرها، فصدر أمره بذلك.

ص: 247

وفى سنة ثمان وتسعين ومائتين وألف صار تقسيم الأرض المذكورة، وبيع نصفها، الكائن عن يسار المار بالشارع إلى العتبة الخضراء، فتحصل من ثمنها ستة عشر ألف جنيه مصرية، وشرع أربابها فى بنائها، فبنيت دكاكين وبيوت يفصلها حارات كبيرة وشوارع صغيرة وأصبحت هذه البقعة من أعمر الأخطاط وأصقعها، لقربها من الموسكى والأزبكية، بعد أن كانت قفرة موحشة لا يرغبها إنسان.

‌فائدة

ترجمة الأمير ازبك

الأزبكية المذكورة منسوبة للأمير أزبك الذى ترجمه ابن إياس فقال، كان أزبك هذا من أجل الأمراء قدرا، وأعظمهم ذكرا، وكان وافر الحرمة، نافذ الكلمة، فى سعة من المال، وكان أصله من معاتيق الظاهر جقمق، ويقال إن أصله من كتابية الأشرف برسباى، واشتراه الظاهر جقمق من بيت المال، وأعتقه فصار من معاتيقه، وصاهره مرتين فى ابنتيه، وتولى عدة وظائف جليلة بمصر، منها حجوبية الحجاب، ورأس نوبة كبير، ثم تولى نائب الشام فى دولة الظاهر بلباى، ثم عاد إلى مصر وتولى الأتابكية فى دولة الأشرف قايتباى سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة، وأقام بها مدة، ثم قاسى شدائد ومحنا، ونفى نحو أربع مرات، وسجن بالإسكندرية مرتين.

وكان كفؤا للمهمات السلطانية والتجاريد، وقد سافر فى عدة تجاريد، وكان يطلب الطلبات الحافلة، وصرف على التجاريد من ماله مالا ينحصر. وكان مسعود الحركات فى سائر أفعاله، ذا شهامة وعلو همة، وأظهر العزم الشديد فى قتال عسكر ابن عثمان، ولم يجئ فى الأتابكية بعده مثله، ومات وله من العمر نحو خمس وثمانين سنة. وخلف من الأولاد ولده الناصرى محمدا الذى من بنت الظاهر جقمق وولده يحيى، وصاهره قانصوه خمسمائة فى إحدى بناته وماتت معه، فلما مات ترافع محمد ويحيى بين يدى السلطان، فوضع السلطان يده على تركته من صامت وناطق. قيل، وجد له من الذهب العين سبعمائة ألف دينار، خارجا عن الترك والخيول والقماش والتحف، وخارجا عن جهاز ابنته التى ماتت مع قانصوه خمسمائة، وقد قوّم ذلك بنحو مائة ألف دينار، فحمل ذلك جميعه إلى الخزائن الشريفة. ولولا الذى

ص: 248

صرفه الأمير أزبك على التجاريد وعمارة الأزبكية ما كان ماله ينحصر، وكانت تركته تعادل تركة سيلار نائب السلطنة، ومن أراد أن يعلم علو همة الأتابكى أزبك فلينظر ما صنعه من عمارة الأزبكية، وقد أنشأه فى سنة إحدى وثمانين وثمانمائة.

ثم قال: ومما عد من مساويه أنه كان شديد الخلق صعب المراس، إذا سجن أحدا لا يطلقه أبدا، وكان عنده حدة زائدة وشح فى نفسه، جرئ اللسان مع تكبر وبطش، وقد فاتته السلطنة عدة مرات. ولما مات نزل السلطان وصلى عليه فى سبيل المؤمنين، ودفن عند أستاذه الملك الظاهر جقمق، وكان يقال له أزبك الخازندار وناظر الخاص. (انتهى).

(قلت): وسبيل المؤمنين المذكور كان محله بجوار جامع المحمودية الكائن بالرميلة من الجهة الغربية للجامع.

‌الكلام على بركة الأزبكية

ثم لنذكر هنا بعض كلمات على بركة الأزبكية، فنقول: قال المقريزى: وأول ما عرفت من خبر هذه البركة أنها كانت بستانا كبيرا غربى الخليج، وكان يمتد فيما بين المقس وجنان الزهرى-يعنى من أولاد عنان إلى قنطرة باب الخرق-وكان يشرف على بحر النيل من غربيه وكان يعرف بالبستان المقسى نسبة إلى المقس-التى محلها الآن حارة النصارى المار بها شارع كلوت بيك-وسميت بالمقس بعد أن دخلت مصر فى يد المسلمين، وكانت أولا قرية تعرف بأم دنين، ثم لما صارت مصر للخلفاء الفاطميين أمر الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله أبى هاشم على بن الحاكم بأمر الله يعد سنة عشر وأربعمائة بازالة أنشاب هذا البستان، وأن يعمل بركة قدام المنظرة التى تعرف باللؤلؤة ومحلها الآن عند جامع الشعراوى-فعملت بركة.

وبقيت كذلك إلى أن كانت الشدة العظمى فى زمن الخليفة المستنصر بالله فهجرت البركة وبنى على حافة الخليج أماكن عرفت بحارة اللصوص إذ ذاك، فلما كان فى أيام الخليفة الآمر بأحكام الله ووزارة الأجل المأمون محمد بن فاتك البطائحى أزيلت الأبنية، وعمق حفر الأرض وسلط عليها ماء النيل من خليج الذكر فصارت بركة عرفت ببطن البقرة، وما برحت إلى ما بعد سنة سبعمائة، وكان قد تلاشى أمرها منذ كانت الغلوة فى زمن الملك العادل كتبغا

ص: 249

فى سنة سبع وتسعين وستمائة، فكان من خرج من باب القنطرة يجد عن يمينه أرض الطبالة من جانب الخليج الغربى إلى حد المقس وبحر النيل الأعظم يجرى فى غربى بطن البقرة على حافة المقس إلى أرض الطبالة، ويمر من حيث الموضع المعروف اليوم بالجرف إلى غربى البعل، ثم قال: وموضع بطن البقرة يعرف اليوم بكوم الجاكى المجاور لميدان القمح وما جاور تلك الكيمان والخراب إلى نحو باب اللوق. (انتهى).

(قلت)، ومن يتأمل فى عظم بستان المقس وتحديدات المقريزى له يجد أنه لم يحفر كله بركة، إذ مساحته كانت تزيد على أربعمائة فدان، ولا يتصور حفر جميع ذلك بركة، بل الذى حفر هو الجزء القريب من منظرة اللؤلؤة فقط، وبقى بعضه إلى أيامنا وباقيه محله الآن المبانى الموجودة على حافة الخليج الغربية ما بين قنطرة الموسكى وباب القنطرة، ويدخل فى ذلك شارع ميدان القطن وشارع القنطرة وغيرهما. وأما باقى البستان فقد بقى على أصله إلى أن ضاقت مصر بالسكان فصار يحكر شيئا فشيئا حتى آلت البركة إلى القطعة التى بقيت فى زماننا هذا، وكانت مساحتها تبلغ نحو ستين فدانا.

وذكر ابن أبى السرور البكرى فى خططه أن هذه البقعة قبل بناء الأمير أزبك بها عمارته ساحة أرض خراب وكيمان فى أرض سباخ، وبها أشجار أثل وسنط، وكان بها مزار يعرف بسيدى عنتر، وآخر يعرف بسيدى وزير، ثم قال وفى سنة أربع وعشرين وسبعمائة طم خليج الذكر، وخربت مناظر اللوق التى هناك، وصارت هذه البقعة خربة مقطع طريق مدة طويلة لا يلتفت إليها، ثم إن شخصا من الناس فتح بجمونا من الخليج الناصرى، فجرى فيه الماء أيام الزيادة وروى أرضها، وزرعت برسيما وشعيرا.

واستمرت على ذلك إلى سنة ثمانين وثمانمائة فى دولة الأشرف قايتباى، فحسن بال الأتابكى أزبك أن يعمر هناك مناخا لجماله، وكان سكنه قريبا منها. فلما أن عمر المناخ حلت له العمارة، فبنى القاعات الجليلة والدور والمقاعد وغير ذلك، ثم إنه أحضر أبقارا ومحاريث، وجرف ما احتاج إلى جرفه من الكيمان، ومهدها وصارت بركة، وبنى حولها رصيفا محيطا بها، وتعب فى ذلك تعبا شديدا حتى تم له ما أراد، وصرف عليها أموالا عديدة نحو مائتى ألف دينار، ثم إن الناس شرعوا فى البناء عليها، فينبت القصور النفيسة الفاخرة، والأماكن

ص: 250

الجليلة، وتزايدت العمائر بها إلى سنة إحدى وتسعمائة، وصارت بلدة بانفرادها، وأنشأ بها الأتابكى أزبك الجامع الكبير بخطبة ومنارة عظيمة، وأتقنه حتى صار فى غاية الحسن والزخرفة ثم أنشأ حول الجامع البناء والربوع والحمامات والقياسر، وما يحتاج إليه من الطواحين والأفران وغير ذلك من المنافع، ثم سكن أزبك فى تلك القصور إلى أن مات، وقد خرب الآن أغلبها وبه ذكرت الأزبكية. وكان عند فتح سد البركة يجتمع عنده الأمراء المتقدمون، وتأتى إليها الناس للفرجة أفواجا أفواجا، وكان لها يوم مشهود، وكان فى كل سنة تضرب حول البركة خيام، ويقع من القصف والفرجة ما لا مزيد عليه. (انتهى).

(قلت): ولم تزل على هذه الحال إلى زمن الخديو إسماعيل، فجرى تنظيمها على ما هى عليه الآن، وأخذ من بحريها وقبليها جزءا عمل فى بعضه التيانرو، والباقى دخل فى الميادين التى عملت هناك، وكان تنظيمها مدة نظارتى على ديوان الأشغال مع تنظيم الإسماعيلية.

والمناخ المتقدم ذكره محله الآن اللوكاندة الخديوية، وكان إنشاؤها بمعرفة جميعة إنجليزية ثم اشتراها الخديو إسماعيل، ثم فى مسألة تسوية الديون أخذها الميرى وباعها لأحد التليانيين المعروف بالخواجة جوزيف اللوكانتجى.

وأما جامع أزبك فقد هدم هو والحارة المجاورة له التى كانت تعرف بحارة الميضة، وكذا الحمام وما بجواره من المبانى فى تنظيم شارع محمد على، ومحل الجامع الآن قريب من محل التمثال من الجهة الشرقية، ومحل الحمام والرباع وغيرها الشوارع والميادين التى تجاه سراى العتبة الخضراء، فسبحان من يرث الأرض ومن عليها، ولله عاقبة الأمور.

ثم نعود إلى تتميم وصف شارع محمد على فنقول: إن هذا الشارع من أعظم ما عمل بمدينة مصر القاهرة، إذ بوجوده حصل نفع كبير وفوائد جمة للعامة وغيرها، وذلك كتنقية الهواء من الروائح الكريهة التى كانت توجب توالى الأمراض والأسقام على سكان الحارات والعطف التى قطعها، وبعد أن كانت جميع الجهات التى مر بها قليلة القيمة، مشحونة بالقاذورات، أصبحت بمروره منها عالية القيمة، مرغوبة السكنى توازى أعظم مواقع القاهرة، وقد بنى فى ضفتيه البيوت المشيدة، كالعمارة الكبيرة المستجدة ذات الأماكن العلوية والسفلية من إنشاء الحاج محمد أبى جبل أحد التجار المشهورين، وسراى الأمير حسن باشا الشريعى، وسراى نعماتى باشا، وسراى الأمير رستم باشا وغير ذلك من البيوت الكبيرة والصغيرة والحوانيت العديدة المتسعة.

ص: 251

‌فائدة

[ترجمة لاجين بيك]

سراى حسن باشا الشريعى المذكورة كانت تعرف أولا ببيت لاجين بيك أحد الأمراء المصريين، وهو-كما فى الجبرتى-الأمير الكبير لاجين بيك الفقارى حاكم الغربية. أصله من مماليك رضوان بيك صاحب قصبة رضوان. كان مقداما شجاعا انفرد بالرياسة، وعمر بيته الذى تجاه جامع الحين والسويقة التى هناك، المعروفة بسويقة لاجين، ثم لما حصلت واقعة الطرّانة بين الفقارية والقاسمية قتل فيها، وذلك بعد سنة أربعين وألف.

[ترجمة أحمد أفندى كاتب الروزنامة]

ثم انتقل هذا البيت إلى ملك أحمد أفندى كاتب الروزنامة ابن محمد أفندى التذكرجى، وكان منتميا لمحمد بيك جركس، فلما حصلت واقعة جركس وظهور ذى الفقار بيك وخرج جركس من مصر هاربا خرج معه المترجم إلى وردان. وكان جسيما، فانقطع مع بعض المنقطعين وأعرته العرب، وقبضوا عليه وأتوا به إلى مصطفى-تابع رضوان أغا-وكان بالطرّانة قائم مقام، فأرسله إلى مصر فحضروا به إلى بيت على بيك الدفتر دار، وعلى بيك أرسله إلى ذى الفقار، فلما حضر عنده لم يلتفت إليه، وأرسله إلى الباشا، فحبس بالقلعة وخنقوه ليلا، وأنزلوه إلى بيته، وهو بيت لاجين بيك المذكور، فغسّلوه وكفّنوه ودفنوه، وذلك بعد سنة أربعين ومائة وألف.

[ترجمة عبد الرحمن أغا أغات مستحفظان]

ثم انتقل إلى ملك عبد الرحمن أغا أغات مستحفظان، وهو من مماليك إبراهيم كتخدا، تقلد الأغاوية فى سنة سبعين ومائة وألف، واستمر فيها إلى سنة ثلاث وثمانين، ثم أرسل إلى غزة حاكما، وكان مأمورا بأن يتحيل على سليط ويقتله، وكان رجلا ذا سطوة عظيمة وفجور، فلم يزل يعمل الحيلة عليه حتى قتله فى داره، وأرسل برأسه إلى على بيك بمصر، وهى أول نكبة تمت لعلى بيك فى الشام، وبها طمع فى استخلاص الشام.

ولما حصلت الوحشة بين محمد بيك وسيده على بيك انضوى المترجم إلى محمد بيك، فلما استبد بالأمر قلده أيضا الأغاوية، فاستمر فيها مدة، ولما مات محمد بيك انحرف عليه

ص: 252

مراد بيك وعزله، ثم حصلت منافسات بينه وبين مراد بيك آلت إلى قتله بعد أن أحضروه إلى مراد بيك، وقطعوا يديه بأمره ثم حزوا رأسه، وذلك فى سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف.

وكان مقداما لم يأت بعده من يدانيه فى سياسة الأحكام والقضايا والتحيلات. باشر الحسبة مدة مع الأغاوية، وكان السوقة يحبونه، وتولى ناظرا على الجامع الأزهر مدة، وكان يحب العلماء ويتأدب معهم ويقبل شفاعتهم، وكان له تبصر، وعنده قوة فراسة وشدة حزم، عفا الله عنه. (انتهى ملخصا).

ثم بقى هذا البيت ينتقل فى أيدى الملاك إلى أن تولى العزيز محمد على باشا على الديار المصرية فأخذه وعمله ورشة للخياطين والصرماتية، ثم بعد إبطال الورش بقى مغلوقا مدة، ثم اشتراه حسن باشا الشريعى من الميرى بثلثمائة كيسة عملة صاغ ديوانى، ولما فتح شارع محمد على المذكور أخذ منه جزءا كان سببا فى تحسينه وتصقيعه، وهو باق إلى الآن فى ملك الباشا المذكور.

ثم بسبب قطع هذا الشارع معظم عرض المدينة، واتجاهه الواقع بين الشرق الجنوبى والبحرى الغربى حدث تغيير الهواء فى أغلب أنحاء المدينة بواسطة الشوارع والحارات التى قطعها. وكان الشروع فى عمل رسوماته وموازينه وغيرها بعد سنة تسعين ومائتين وألف، وكنت حينئذ ناظرا على ديوان الأشغال العمومية، وتحددت الأملاك والمنازل اللازم أخذها لذلك، ثم بعد إحالة الأورناتو على المحافظة صدر الأمر بشراء الأملاك، فبعض الناس باع وقبض الثمن، والبعض ارتضى بترك ما يؤخذ من ملكه بلا مقابل، ثم بعد إتمام ذلك صار الشروع فى العمل، وكان التصميم فى الأصل على أن يجعل عرضه عشرين مترا، منها ثمانية أمتار للمشايتين المجاورتين للمنازل، والاثنا عشر الباقية لمرور العربات والحيوانات وغير ذلك وعلى أن تعمل عقود للمشايتين المذكورتين، وتبنى المساكن فوقهما، فيحصل بذلك الوقاية من حر الشمس فى زمن الصيف، ومن المطر فى زمن الشتاء، ويكون هذا التنظيم داعيا لزيادة رغبة التجار فى استئجار الدكاكين الموجودة به.

وقد عدل قلم الأورناتو عن هذا التنظيم، ورتب به زرع اللبخ كما فى شوارع الإسماعيلية وغيرها، مع أن ما يحصل من الفائدة بغرس الأشجار لا يعادل ما كان يحصل من الفائدة

ص: 253

بعمل العقود، فإن فائدة الأشجار هى الخضرة والظل، لكن لا يخفى على كل عاقل المضار المترتبة على ذلك من وجود الناموس وغيره فى المنازل، ولربما صارت الأشجار سلما للصوص ونحوهم، وأما فائدة العقود فهى غير خافية، وفضلا عن الاستظلال بها كان يتحصل من انضمامها إلى المنازل زيادة سعة فيها، عوضا عما أخذ من أرضها، وكذلك كانت تنتفع الحكومة ببيع ستة عشر ألف متر تركتها بدون فائدة، وبالأقل المتر منها يساوى بينتو، فكأنها تركت ستة عشر ألف بينتو، وغير خاف أن الأشجار تحتاج لخدمة ومصرف مستديم لأجل إصلاحها وسقيها، والعقود لا تحتاج لشئ من ذلك، وبالجملة فعمل العقود كان أنفع من غرس الأشجار.

وأما الأماكن التى أخذت لأجل هذا الشارع فعددها ثلثمائة وثمانية وتسعون، منها بيوت كبيرة وصغيرة ثلثمائة وخمسة وعشرون، والباقى طواحين وأفران ورباع وحمامات وزرائب وخرائب، وأخذت قطعة من جامع قوصون من ضمنها الساقية والمأذنة والمطهرة والمراحيض.

‌جامع قوصون

وهذا الجامع أنشأه الأمير قوصون سنة ثلاثين وسبعمائة، وخطب به قاضى القضاة جلال الدين القزوينى بحضرة السلطان الناصر محمد بن قلاوون، والآن جار تجديده من جهة ديوان الأوقاف العمومية.

وكذلك أخذ مسجد الشيخ بطيخة بأكمله، وجزء من مسجد الشيخ نعمان، وهو من إنشاء الأمير رجب أغا سنة خمس وثمانين وتسعمائة؛ بداخله ضريح الشيخ نعمان المذكور، وشعائره مقامة من جهة الديوان.

وكذا أخذ فى هذا الشارع جزء من مسجد الشيخ سليمان، وجعل ما بقى منه زاوية بأسفلها حوانيت، شعائرها مقامة من ريعها، وبداخلها ضريح الشيخ سليمان المذكور، وجزء من زاوية الشيخ ضرغام، وقد تكلمنا عليها فى شارع غيط العدّة.

ثم إن هذا الشارع جعل له انحدار واحد من ابتدائه إلى شارع قوصون، ومن ابتداء شارع قوصون إلى جامع السلطان حسن جعل له انحدار آخر، وقد ردم من عند جنينة دبوس أعلى من متر إلى مترين. فى طول الشارع إلى مسجد الشيخ نعمان المذكور، ومن هذا المحل

ص: 254

إلى آخر درب الحبانية قطعت أرضه من متر إلى مترين، وتسبب عن ذلك أن العطف والحارات المقطوعة صار بعضها منحطا وبعضها مرتفعا عن أرض الشارع، وهذا عيب من عيوب التنظيم، لكنه سيزول عند تجديد البيوت التى بالحارات والعطف المذكورة.

وقد عمل فى امتداد هذا الشارع قنطرة على الخليج عوضا عن قنطرة باب الخرق القديمة، وكذلك عمل مجرور لتصفية مياه المطر ولمنع الأتربة، ودكت أرضه بالرمل والدقشوم، ورتب فيه الكنس والرش فى كل يوم مرتين، ونصب فى جانبيه فنارات الغاز، فصار بذلك من أحسن الشوارع وأبهجها.

وللآن لم يتم الميدان المجاور لجامع السلطان حسن، فإنه إذا تم كما تقرر عنه من ديوان الأشغال العمومية ينتهى الشارع المذكور، وتكمل عمارات الحارات المجاورة له.

وأما المبلغ الذى صرف عليه فهو جزئى، وليس بشئ بالنسبة لما حصل من الفوائد العظيمة والمنافع الجسيمة لمدينة مصر القاهرة، ويا ليت الحكومة تهتم فى تتميم الشوارع الأخر التى منها الشارع المارّ من العتبة الخضراء إلى باب الفتوح، فإنه بمروره من الجهات البحرية والأماكن الحبيسة المحرومة من الشمس والهواء يكسبها الحياة، ويزيدها رغبة، ويرفعها قيمة، فإن نفع المدينة بهذين الشارعين زيادة عن نفعها بغيرها.

‌جامع السلطان حسن

وبنهاية هذا الشارع من جهة اليمين جامع السلطان حسن، أنشأه الملك الناصر حسن سنة سبع وخمسين وسبعمائة، وعمله فى أكبر قالب، وأحسن هندام، وأضخم شكل، فهو من المبانى الفاخرة والآثار الظاهرة، شعائره مقامة من ريع أوقافه بنظر الديوان.

[جامع الرفاعى]

وفى مقابلة هذا الجامع جامع الرفاعى، عرف بسيدى على الرفاعى المدفون بداخله، المشهور بأبى شباك، يعمل له مولد كل سنة، ويستمر ثمانية أيام. وكان أول أمره زاوية تعرف بزاوية الرفاعى، فأزيلت هذه الزاوية مع ما جاورها من البيوت وغيرها، وصار الشروع فى إنشائها جامعا من جهة والدة الخديو إسماعيل، ولم يكمل للآن، بل ما بنى منه حصل به خلل، وصار معطل الشعائر الإسلامية.

انتهى ما يتعلق بوصف شارع محمد على قديما وحديثا:

ص: 255

‌شارع الزعفرانى

[ويعرف أيضا بشارع العدوى]

ابتداؤه من جهة الخلاء بحرى القاهرة، وانتهاؤه شارع باب الشعرية وشارع الفجالة من تجاه الدشطوطى، وهو قاطع للخليج المصرى، وطوله ثلثمائة وعشرون مترا.

وبه من جهة اليمين: عطفتان غير نافذتين، الأولى تعرف بعطفة الزعفرانى، والثانية تعرف بعطفة المحتسب.

وبوسطه الجامع المعروف بجامع العدوى بجوار قنطرة الخليج المعروفة بقنطرة العدوى، وهى من القناطر القديمة، ذكرها المقريزى وسماها بقنطرة باب الشعرية، وقال: هذه القنطرة على الخليج الكبير، يسلك إليها من باب الفتوح، ويمشى من فوقها إلى أرض الطبالة، وتعرف اليوم بقنطرة الخروبى. (انتهى). (قلت): ولم تزل موجودة إلى الآن على هيئتها الأصلية.

‌ترجمة الشيخ خضر العدوى

وأما جامع العدوى المذكور فكان أول أمره زاوية ذكرها المقريزى فى خططه وسماها بزاوية الشيخ خضر، وقال: هى خارج باب الفتوح من القاهرة بخط زقاق الكحل تشرف على الخليج الكبير عرفت بالشيخ خضر بن أبى بكر بن موسى المهرانى العدوى شيخ السلطان الملك الظاهر بيبرس. كان أولا قد انقطع بجبل المزة خارج دمشق، فعرفه الأمير سيف الدين قشتمر العجمى، وتردد إليه فقال له: لا بد أن يتسلطن الأمير بيبرس البندقدارى، فأخبر

ص: 256

بيبرس بذلك، فلما صارت المملكة إليه بعد قتل الملك المظفر قطز اشتمل على اعتقاده، وقرّبه وبنى له زاوية بجبل المزة، وزاوية بظاهر بعلبك. وزاوية بحماة، وزاوية بحمص.

وهذه الزاوية خارج القاهرة، ووقف عليها أحكارا تغل فى السنة نحو ثلاثين ألف درهم، وأنزله بها، وصار ينزل إليه فى الأسبوع مرة أو مرتين، ويطلعه على عوامض أسراره، ويستشيره فى أموره، ولا يخرج عما يشير به، ويأخذه معه فى أسفاره، وأطلق يده وصرفه فى مملكته، فاتقى جانبه الخاص والعام، حتى الأمير بدر الدين بيلبك الخازندار نائب السلطنة، والصاحب بهاء الدين علىّ بن حنا، وملوك الأطراف، وكان يكتب إلى صاحب حماة وجميع الأمراء إذا طلب حاجة ما مثاله الشيخ خضر نياك الحمارة.

وكان ربع القامة كث اللحية يتعمم عسراوى، وفى لسانه عجمة مع سعة صدر، وكرم شمائل، وكثرة عطاء من تفرقة الذهب والفضة وعمل الأسمطة الفاخرة، وكانت أحواله عجيبة، لا تتكيف، وأقوال الناس فيه مختلفة، منهم من يثبت صلاحه ويعتقده ومنهم من يرميه بالعظائم. وكان يخبر السلطان بأمور تقع، منها: أنه لما حاصر أرسوف وهى أول فتوحاته قال له: متى نأخذ هذه المدينة؟ فعين له يوما يأخذها فيه، فأخذها فى ذلك اليوم بعينه. واتفق له مثل ذلك فى فتح قيسارية، فلذلك كثر اعتقاده فيه.

ثم قال: وما برح على رتبته إلى ثامن عشر شوال سنة إحدى وسبعين وستمائة، فقبض عليه واعتقل بقلعة الجبل، ومنع الناس من الاجتماع عليه. ويقال إن ذلك بسبب أن السلطان كان أعطاه تحفا قدمت من اليمن منها كرّ يمنى مليح إلى الغاية، فأعطاه خضر لبعض المردان، فبلغ ذلك الأمير بدر الدين الخازندار النائب، وكان قد ثقل عليه بكثرة تسلطه حتى قال له مرة بحضرة السلطان: كأنك تشفق على السلطان وعلى أولاده مثل ما فعل قطز بأولاد المعز، فأسرها فى نفسه وبلّغ خبر الكرّ اليمنى إلى السلطان، فاستدعاه وحضر جماعة وافقوه على أمور كثيرة منكرة كاللّواط والزّنا ونحوه، فاعتقله ورتب له ما يكفيه من مأكول وفاكهة وحلوى.

ولما سافر السلطان إلى بلاد الروم، قال خضر لبعض أصحابه: إن السلطان يظهر على الروم ويرجع إلى دمشق، فيموت بها بعد أن أموت أنا بعشرين يوما. فكان كذلك، ومات خضر فى محبسه بقلعة الجبل فى سادس المحرم أو سابعه من سنة ست وسبعين وستمائة، وقد أناف

ص: 257

على الخمسين، فسلّم إلى أهله وحملوه إلى زاويته هذه ودفنوه بها، وكان السلطان قد كتب بالإفراج عنه، فقدم البريد بعد موته، ومات السلطان بدمشق فى السابع والعشرين من المحرم المذكور بعد خضر بعشرين يوما. وهذه الزاوية باقية إلى اليوم. (انتهى).

(قلت): وهى موجودة إلى وقتنا هذا وتعرف بجامع العدوى، وبداخلها ضريحان:

أحدهما يعرف بالشيخ الخروبى، والآخر ضريح الشيخ خضر العدوى المذكور، يعمل له مولد كل سنة، وشعائره مقامة من أوقافها بنظر عنبر أغا.

وبهذا الشارع أيضا ضريح يعرف بضريح الشيخ ترك، ووكالة تعرف بوكالة عوض، وعدة من البيوت الكبيرة والصغيرة، وجبّاسة تعرف بجباسة أحمد موسى.

وإلى هنا انتهى الكلام على وصف شارع الزعفرانى قديما وحديثا.

ص: 258

‌شارع الفجالة

ابتداؤه من آخر شارع الزعفرانى وأول شارع باب الشعرية، وانتهاؤه قراقول باب الحديد، وطوله ألف متر ومائة وخمسون مترا.

وبه من جهة اليمين: حارة الفجالة غير نافذة، وبها عدة بيوت، ثم سكة الإسماعيلية، ثم سكة لينان بيك.

وبأوله: جامع سيدى على المنشلى بالقرب من جامع الدشطوطى، به ضريح سيدى على المذكور، وشعائره غير مقامة، وتحت نظر الديوان.

وبآخره قراقول باب الحديد المستجد، مقيم به معاون ثمن الأزبكية، وبيت الصحة الطبية. وهذا القراقول أنشئ فى زمن الخديو إسماعيل باشا مدة نظارتى على ديوان الأشغال، والذى عمل رسمه الأمير حسن باشا كشك المعروف بالمعمار، وكذلك قره قول عابدين.

وهذا الشارع جميعه من الأرض المعروفة بأرض الطبالة التى يأتى بيانها بشارع قنطرة الدكة وهو يوازى سور البلدة تقريبا. وقبل مجئ الفرنساوية كانت أرضه صعبة، يعسر المرور بها ثم لما دخلت الفرنساوية أرض مصر ونظمت بعض الجهات نظمت هذا الشارع وجعلته ممتدا من قنطرة باب الحديد إلى قنطرة العدوى.

وفى الأزمان القديمة كان السالك فيه من جهة باب الشعرية يجد عن يمينه القرية المعروفة بقرية كوم الريش التى ذكرها المقريزى، وقد صارت بعد نقلها تلالا عالية، وبقيت كذلك إلى أن أزيلت فى زمن الخديو إسماعيل باشا مدة نظارتى على ديوان الأشغال.

ص: 259

وكان السالك فيه أيضا يبصر على بعد البركة المعروفة ببركة الرطلى التى ذكرناها فى زماننا ثم إنها ردمت بعد إزالة التلول المذكورة، وانتظمت هذه الخطة من ابتداء ترعة الإسماعيلية إلى سور البلد عرضا ومن جامع أولاد عنان إلى بوابة الحسينية طولا، وبيعت الأرض المملوكة للحكومة، وبنى فيها وفى غيرها من أرض الأهالى مبان هائلة، وقصور فاخرة، تحيط بها بساتين نضرة، وحدائق مستحسنة، وانقسمت إلى حارات منتظمة، وشوارع معتدلة فأصبحت نزهة للناظرين، وبهجة للطالبين، وكثرت الرغبة فى سكناها لحسن موقعها وجودة هوائها، وارتفعت قيمتها حتى بلغ ثمن المتر المسطح فى أرضها نحو الثمانين قرشا ميرية بعد أن كان لا يساوى قرشا واحدا.

[أسوار القاهرة]

وبالتأمل فيما ذكره المقريزى فى ترجمة سور القاهرة، يعلم أن السور القريب من هذا الشارع هو من بناء بهاء الدين قراقوش فى زمن الملك صلاح الدين يوسف بن أيوب، لأنه ذكر أن القاهرة منذ أسست عمل سورها ثلاث مرات:

السور الأول كان من لبن، وضعه القائد جوهر على مناخه الذى نزل به هو وعساكره حيث القاهرة الآن، فأداره على القصر والجامع، وذلك أنه لما سار من الجيزة بعد زوال الشمس من يوم الثلاثاء لسبع عشرة خلت من شعبان سنة ثمان وخمسين وثلثمائة بعساكره، وقصد إلى مناخه الذى رسمه له مولاه المعز لدين الله، واستقرت به الدار اختط القصر، وأصبح المصريون يهنئونه فوجدوه قد حفر الأساس فى الليل، فأدار السور اللبن وسماها المنصورية، إلى أن قدم المعز من بلاد المغرب إلى مصر، ونزل بها فسماه القاهرة، ويقال فى سبب تسميتها أن المريخ كان فى الطالع عند ابتداء وضع الأساس وهو قاهر الفلك، فسموها القاهرة، واقتضى نظرهم أنها لا تزال تحت القهر، وأدخل فى دائر هذا السور بئر العظام، التى هى الآن بالجامع الأقمر بخط بين القصرين، ثم قال: وجعل القاهرة حارات للواصلين صحبته وصحبة مولاه المعز، وعمّر القصر بترتيب ألقاه إليه المعز، ويقال إن المعز لما رأى القاهرة لم يعجبه مكانها وقال لجوهر: لما فاتك عمارة القاهرة بالساحل كان ينبغى عمارتها بهذا الجبل-يعنى سطح الجرف الذى يعرف اليوم بالرصد المشرف على جامع راشدة.

ص: 260

(قلت): ومحله اليوم قرية البساتين الواقعة على شرقى مصر العتيقة، ثم قال: ورتب فى القصر جميع ما يحتاج إليه الخلفاء، بحيث لا تراهم الأعين فى النقلة من مكان إلى مكان، وجعل فى ساحته البحرة والميدان والبستان، وتقدم بعمارة المصلى بظاهر القاهرة. (أقول): ومحلها الآن بحرى باب النصر، وآثارها موجودة إلى اليوم.

والسور الثانى بناه أمير الجيوش بدر الجمالى فى سنة ثمانين وأربعمائة، وزاد فيه الزيادات التى فيما بين بابى زويلة وباب زويلة الكبير، وفيما بين باب الفتوح الذى عند حارة بهاء الدين وباب الفتوح الآن، وزاد عند باب النصر أيضا جميع الرحبة التى تجاه جامع الحاكم الآن إلى باب النصر، وجعل السور من لبن، وأقام الأبواب من حجارة. (قلت): بابا زويلة كانا عند زاوية سام بن نوح الموجودة إلى الآن بلصق سبيل العقادين، وباب زويلة الكبير هو الموجود الآن فى مقابلة قراقول باب زويلة، فالزيادة حينئذ تكون من زاوية سام إلى هذا الباب. قال المقريزى: وفى نصف جمادى الآخرة سنة ثمانى عشرة وثمانمائة ابتدئ بهدم السور الحجر فيما بين باب زويلة الكبير وباب الفرج عند ما هدم الملك المؤيد شيخ الدور ليبنى جامعه، فوجد عرض السور فى الأماكن نحو عشرة أذرع.

والسور الثالث ابتدأ فى عمارته السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب فى سنة ست وستين وخمسمائة-وهو يومئذ على وزارة العاضد لدين الله-فلما كانت سنة تسع وستين وقد استولى على المملكة انتدب لعمل السور الطواشى بهاء الدين قراقوش الأسدى، فبناه بالحجارة على ما هو عليه الآن، وقصد أن يجعل على القاهرة ومصر والقلعة سورا واحدا، فزاد فى سور القاهرة القطعة التى من باب القنطرة إلى باب الشعرية، ومن باب الشعرية إلى باب البحر، وبنى قلعة المقس، وهى برج كبير، وجعله على النيل بجانب جامع المقس وانقطع السور من هناك. وكان فى أمله مد السور من المقس إلى أن يتصل بسور مصر، وزاد فى سور القاهرة قطعة مما يلى باب النصر ممتدة إلى باب البرقية وإلى درب بطوط وإلى خارج باب الوزير ليتصل بسور قلعة الجبل، فانقطع من مكان يقرب الآن من الصوّة تحت القلعة لموته. وإلى الآن آثار الجدار ظاهرة لمن تأملها فيما بين آخر السور إلى جهة القلعة وكذلك لم يتهيأ له أن يصل سور قلعة الجبل بسور مصر

ص: 261

‌مطلب بيان دور السور المحيط بالقاهرة

وجاء دور هذا السور المحيط بالقاهرة الآن تسعة وعشرين ألف ذراع وثلثمائة ذراع، وذراعين بذراع العمل، وهو الذراع الهاشمى، من ذلك ما بين قلعة المقس على شاطئ النيل والبرج بالكوم الأحمر بساحل مصر عشرة آلاف ذراع وخمسمائة ذراع، ومن قلعة المقس إلى حائط قلعة الجبل بمسجد سعد الدولة ثمانية آلاف وثلثمائة واثنان وتسعون ذراعا، ومن جانب حائط قلعة الجبل من جهة مسجد سعد الدولة إلى البرج بالكوم الأحمر سبعة آلاف ومائتا ذراع، ومن وراء القلعة بحيال مسجد سعد الدولة ثلاثة آلاف ومائتان وعشرة أذرع، وذلك طول قوسه فى أبراجه من النيل إلى النيل.

[قلعة المقس]

وقلعة المقس المذكورة كانت برجا مطلا على النيل فى شرقى جامع المقس، ولم تزل إلى أن هدمها الوزير الصاحب شمس الدين عبد الله المقسى عند ما جدد الجامع المذكور فى سنة سبعين وسبعمائة، وجعل فى مكان البرج المذكور جنينة، وذكر أنه وجد فى البرج مالا، وأنه إنما جدد الجامع منه. والعامة تقول اليوم جامع المقسى بالإضافة.

‌ترجمة الخندق المحيط بسور القاهرة

وكان بحيط بسور القاهرة خندق شرع فى حفره من باب الفتوح إلى المقس فى المحرم سنة ثمان وتمانين وخمسمائة. وكان أيضا من الجهة الشرقية خارج باب النصر إلى باب البرقية وما بعده، وشاهدت آثار الخندق باقية، ومن ورائه سور بأبراج، له عرض كبير مبنى بالحجارة، إلا أن الخندق انطمّ، وتهدمت الأسوار التى كانت من ورائه. (انتهى).

(قلت): وجامع المقس هو الجامع المعروف اليوم بأولاد عنان، والكوم الأحمر هو الكوم التراب الموجود فوق قنطرة السد الموصلة إلى قصر العينى من شارع السيدة زينب.

وإلى هنا انتهى الكلام على وصف شارع الفجالة قديما وحديثا.

ص: 262

‌شارع الدشطوطى

هو عن يمين المارّ من شارع الفجالة تجاه شارع باب الشعرية، وطوله ثلثمائة متر.

‌جامع الدشطوطى

عرف بذلك من أجل أن به ضريح سيدى عبد القادر الدشطوطى داخل الجامع الشهير به فى هذه الخطة الذى برأس خوخة القطانيين، خارج باب الشعرية المعروف اليوم بباب العدوى أنشأه الشيخ عبد القادر الدشطوطى مدرسة فى تاسع شعبان سنة أربع وعشرين وتسعمائة، ثم جدده السيد محمد جلال الدين البكرى المدفون به، وأرضه مرتفعة، يصعد إليها بدرج، وعلى ضريح سيدى عبد القادر قبة مرتفعة، وله حضرة كل ليلة جمعة، ومولد كل عام، فى شهر رجب يقيم ثمانية أيام آخرها ليلة المعراج الشريف، وشعائره مقامة بنظر نقيب الأشراف السيد عبد الباقى البكرى.

وهناك سبيل معروف بسبيل الدشطوطى أنشئ سنة إحدى وعشرين ومائة وألف، وهو عامر بنظر السيد المذكور.

وبهذا الشارع من جهة اليمين: حارة العلوة بأولها زاوية يقال لها زاوية البلخى، تجاه جامع الدشطوطى، لها منبر وخطبة، وبداخلها ضريح الشيخ أحمد البلخى، يعمل له مولد كل سنة عقب مولد سيدنا الحسين-رضي الله عنه-وشعائرها مقامة بنظر الديوان.

وبآخر هذه الحارة ضريح يعرف بالشيخ حمودة، للناس فيه اعتقاد.

ثم عطفة الشيخ شهاب، بداخلها ضريح الشيخ شهاب، وسماه الشعرانى فى طبقاته شهاب الدين المجذوب، وذكر فى ترجمة الشيخ فرج المجذوب أنه لما مات دفن عند الشيخ شهاب المذكور.

ص: 263

[جامع الحريشى]

ثم بعد عطفة الشيخ شهاب عطفة البركة المعروفة ببركة الرطلى، بآخرها جامع الحريشى، بين دار الأمير سليم باشا السلاحدار ودار الأمير حسين باشا الخازندار. وهذا الجامع هو الذى عبر عنه المقريزى بجامع بركة الرطلى فقال: أنشئ هذا الجامع، وكان ضيقا قصير السقف، وفيه قبة تحتها قبر يزار، وهو قبر الشيخ خليل بن عبد ربه-خادم الشيخ عبد المتعال-توفى فى المحرم سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، فلما سكن الوزير الصاحب سعد الدين إبراهيم بن بركة البشيرى بجوار هذا الجامع هدمه، ووسع فيه، وبناه هذا البناء سنة أربع عشرة وثمانمائة، وهو عامر إلى الآن، وشعائره مقامة من ريع أوقافه. وذكر المناوى فى طبقاته، وكذا الشعرانى أن الشيخ يوسف الحريشى هو من جماعة الشيخ ابن عنان، مات سنة أربع وعشرين وتسعمائة ودفن بجامع البشيرى ببركة الرطلى. (انتهى). (قلت): وهذا هو السبب فى تسمية الجامع بجامع الحريشى.

ويؤخذ من كلام الشعرانى فى طبقاته أنه كان بالقرب من بركة الرطلى كوم مدفون به جماعة من الصالحين منهم الشيخ حسن العراقى، المتوفى سنة ثلاثين وتسعمائة، وسيدى حبيب المجذوب، وترجم لهما وأثنى على كل منهما. والآن قد زال هذا الكوم وزال ما كان عليه من المبانى والقبور، ولله عاقبة الأمور.

[بركة الرطلى]

وأما بركة الرطلى فقد ذكرها المقريزى فى البرك فقال: هذه البركة فى الجهة البحرية من مدينة مصر غربى جامع الظاهر. (انتهى). (قلت): وقد زالت وردمت من أتربة الكيمان التى كانت هناك، وذلك فى مدة نظارتى على ديوان الأشغال زمن الخديو إسماعيل باشا، وكان محلها على يمين السالك من طريق العباسية من ابتداء الخليج الكبير.

وفى خطط الفرنساوية كان جامع البكرية قريبا من نهايتها الشرقية، وجامع الحريشى فى زاويتها القبلية الشرقية، ويظهر من صورتها على الرسم أنها كانت فى غاية العظم، فإن طولها كان نحو ثلثمائة متر وخمسين مترا، وعرضها المتوسط قريبا من مائة متر، ومساحتها تقرب من تسعة فدادين مصرية.

ص: 264

وذكر المقريزى أيضا أنها كانت من جملة أرض الطبالة، وعرفت ببركة الطوابة أيضا من أجل أنه كان يعمل فيها الطوب، فلما حفر الخليج الناصرى التمس الأمير بكتمر الحاجب من المهندسين أن يجعلوا حفر الخليج على الحرف إلى أن يمر بجانب بركة الطوابين هذه، ويصب من بحرى أرض الطبالة فى الخليج الكبير، فوافقوه على ذلك ومر الخليج من ظاهر هذه البركة كما هو اليوم، فلما جرى ماء النيل فيه روى أرض البركة، فعرفت ببركة الحاجب فإنها كانت بيد الأمير بكتمر الحاجب المذكور.

وكان فى شرقى هذه البركة زاوية بها نخل كثير، وفيها شخص يصنع الأرطال الحديد التى تزن بها الناس، فسماها الناس بركة الرطلى نسبة لصانع الأرطال. وبقى محل الزاوية قائما بالبركة إلى ما بعد سنة تسعين وسبعمائة، فلما جرى الماء فى الخليج ودخل منه إلى هذه البركة عمل الجسر بين البركة والخليج، فحكره الناس وبنوا فوقه الدور، ثم تتابعوا فى البناء حول البركة حتى لم يبق بدائرها خلو، وصارت المراكب تعبر إليها من الخليج الناصرى، فتدورها تحت البيوت وهى مشحونة بالناس، فيمر هنالك للناس أحوال من اللهو يقصر عنها الوصف وتظاهر الناس فى المراكب بأنواع المنكرات من شرب المسكرات وتبرج النساء الفاجرات، واختلاطهن بالرجال من غير إنكار، فإذا نضب ماء النيل زرعت البركة بالقرط وغيره، فيجتمع فيها من الناس فى يومى الأحد والاثنين عالم لا يحصى لهم عدد، إلى أن قال: وفى سنة ست وثمانمائة تلاشى أمرها. (انتهى).

[أرض الطبالة]

(قلت): وأرض الطبالة المذكورة هى الأرض الكائنة بحرى القاهرة التى يحصرها الخليج الكبير والترعة الإسماعيلية وسور القاهرة وجامع أولاد عنان، وقد عمرت الآن بالمبانى المشيدة، والقصور النضرة، والشوارع والحارات المنتظمة. وفى سنة ثمان وتسعين ومائتين وألف جعل بها فنارات الغاز، وصارت بذلك من أحسن الجهات، وعمّا قليل لا يوجد بها فضاء ألبتة، لرغبة الناس فى البناء هناك لطيب هوائها عن داخل القاهرة.

وأما الجهة اليسرى من شارع الدشطوطى المذكور فيها:

حارة القطانيين، وهى حارة كبيرة بداخلها خمس عطف وهى:

عطفة لطفى، وعطفة الدودة، والعطفة الصغيرة، وعطفة الرحبة، والعطفة الأخيرة

ص: 265

‌ضريح الشيخ يوسف

ثم عطفة القسط غير نافذة، ثم درب حاتم غير نافذ، وبداخله ضريح يعرف بالشيخ يوسف، ثم العطفة السد.

وهناك بقرب آخره الجامع المعروف بجامع البكرية، ويعرف أيضا بالجامع الأبيض، أنشأه العارف بالله تعالى الشيخ أبو البقاء جلال الدين الصديقى سنة ثمان وتسعمائة، وكان به قديما مدفن سيدى مدين ابن سيدى شعيب التلمسانى، فأنشأ عليه الأستاذ أبو البقاء القبة، وجعل لنفسه مدفنا ملاصقا لمدفن سيدى مدين المذكور، وعمل بعض فساقى أخر، وبنى المئذنة، ووقف عليها أوقافا دارة

‌ترجمة جلال الدين البكرى

قال القطب الشعرانى: وكانت وفاة الشيخ جلال الدين البكرى سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، وكان من العلماء العاملين والأولياء الصالحين، أخذ العلم عن عمه الشيخ جلال الدين البكرى وشيخ الإسلام يحيى المناوى والكمال بن أبى شريف، ودفن بالقبة المذكورة. (انتهى).

(قلت): وهو اليوم متخرب ومعطل الشعائر.

وبهذا الشارع أيضا دار لنقيب الأشراف البكرى، يعمل فيها مولد الشيخ الدشطوطى، ودار ورثة عبد الفتاح مفتاح، وعدة من الدور الكبيرة والصغيرة.

‌قبر الشيخ عبد الرحمن المجذوب

والسالك فى هذا الشارع قاصدا نحو جامع الظاهر يجد عن يساره جامع البكرية، وحوله عدة من البيوت والبساتين، وعن يمينه بساتين، ثم يتقابل بشارع العباسية المستجد الموصل إلى العباسية وغيرها، فيجد عن يمينه عند تقاطع شارع الدشطوطى بشارع العباسية بناء قديما فيه قبر يغلب على الظن أنه قبر الشيخ عبد الرحمن المجذوب الذى ترجمه الشعرانى فى طبقاته، وقال إنه مات فى سنة أربع وأربعين وتسعمائة، ودفن بالقرب من جامع الظاهر بالحسينية فى زاويته- (انتهى).

وهذا آخر ما تيسر لنا من الكلام على وصف شارع الدشطوطى قديما وحديثا.

‌ثم لنرجع إلى بيان وصف الشارع الطوالى المارّ من باب الشعرية إلى قنطرة الدكة فنقول

هذا الشارع يبتدئ من شارع باب الشعرية تجاه جامع المغربى، وينتهى لشارع قنطرة الدكة أمام جامع أولاد عنان، وطوله ألف متر ومائة وثمانون مترا، وينقسم ثلاثة أقسام:

ص: 266

‌القسم الأول: شارع الطنبلى

يبتدئ من أول شارع باب الشعرية، وينتهى لأول شارع الطواشى، وبه شارع سوق الزلط، وسيأتى بيانه.

وبه من جهة اليسار عطف وحارات ودروب على هذا الترتيب:

عطفة برج، يسلك منها لدرب الصهريج، ولدرب المحكمة.

حارة المبرقعة غير نافذة، وبداخلها زاوية الست المبرقعة، وتعرف أيضا بزاوية أبى طالب شعائرها مقامة من أوقافها بنظر بعض الأهالى.

عطفة عجوة غير نافذة.

حارة الأقماعية، يسلك منها لشارع باب الشعرية وغيره، وبأولها ضريح سيدى حسن، وبداخلها جامع قديم يعرف بجامع سيدى مسعود، بداخله ضريحه، وشعائره مقامة بنظر بعض الأهالى.

درب الصهريج، يسلك منه لعطفة برج.

عطفة أجيجة غير نافذة.

عطفة المرعشلى غير نافذة.

عطفة رضوان كاشف غير نافذة، وبجوارها ثلاث عطف غير نافذة أيضا.

ثم حارة البئر الحلوة، يتوصل منها للدرب المعروف بدرب سيدى مدين الكائن بشارع أبى بدير.

وبهذا الشارع أيضا زاويتان: إحداهما تعرف بزاوية الصبان، وهى مقامة الشعائر بنظر ديوان الأوقاف، والأخرى تعرف بزاوية الست مريم، وهى بأول الشارع على يسرة من سلك إلى شارع الفجالة، شعائرها مقامة من ريع أوقافها القليلة بنظر بعض الأهالى.

وبوسطه حمام كبير يعرف بحمام الطنبلى، وهو برسم الرجال والنساء، وله بابان؛ أحدهما من هذا الشارع، والآخر من حارة الأقماعية.

وإلى هنا انتهى الكلام على وصف شارع الطنبلى

ص: 267

‌شارع سوق الزلط

ابتداؤه من شارع الطنبلى، وانتهاؤه شارع أبى بدير، وطوله ثلثمائة متر وستة وستون مترا.

وبه من جهة اليمين:

عطفة غير نافذة، ثم درب البوارين، يسلك منه إلى شارع الطواشى وغيره، وبداخله زاويتان متخربتان: إحداهما تعرف بزاوية الشيخ أحمد القبانى، والأخرى بزاوية المقدم.

وبه أيضا خمس عطف: عطفة الجامع، وعطفة الرسول، وعطفة الجمل، والعطفة الضيقة، وعطفة المرزوقى.

وأما من جهة اليسار فبها: درب الصاوى، يسلك منه لدرب الطباخ ولدرب سيدى مدين، وبها أيضا عطفة صغيرة غير نافذة.

وبهذا الشارع جامع الشيخ شهاب الدين عن يمنة من سلك إلى جامع الزاهد، شعائره مقامة بنظر بعض الأهالى، وكان يعرف أولا بجامع درهم ونصف.

وذكر ابن إياس أن فى هذه الخطة مدرسة للست خديجة بنت درهم ونصف حيث قال:

إنه فى يوم الجمعة من سنة ست وعشرين وتسعمائة خطب قاضى القضاة الشافعى كمال الدين الطويل فى مدرسة الست خديجة بنت درهم ونصف التى بالقرب من جامع التركمانى لدى طاحون السدر، وكان يوما مشهودا. (انتهى). (قلت): فيغلب على الظن أن جامع الشيخ شهاب المذكور هو مدرسة الست خديجة بنت درهم ونصف التى ذكرها ابن إياس

ص: 268

[ترجمة أحمد بن سليمان المعروف بالزاهد]

وجامع الزاهد قال المقريزى: كان موضعه كوم تراب، فنقله الشيخ المعتقد أحمد ابن سليمان المعروف بالزاهد، وأنشأ موضعه هذا الجامع، فكمل فى شهر رمضان سنة وثمانى عشرة وثمانمائة. وكان ساكنا مشهورا بالخير، يعظ الناس بالجامع الأزهر وغيره. مات يوم الجمعة سابع عشر ربيع الأول سنة تسع عشرة وثمانمائة أيام الطاعون، ودفن بجامعه (انتهى)، وهو مقام الشعائر إلى الآن بنظر الاسطى عباس الخياط من أهالى تلك الخطة، وقد بسطنا ترجمة الشيخ أحمد الزاهد بجامعه فى جزء الجوامع من هذا الكتاب.

وفى مقابلته جامع الشيخ العريان، أنشأه الشيخ أحمد الشهير بالعريان، المتوفى سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف، وكان قد حصل به خلل فعمّره ناظره المرحوم الشيخ مصطفى العروسى -شيخ الجامع الأزهر سابقا-وأقام شعائره إلى الآن، ويتبعه صهريج بأعلاه مكتب، ويعرف أيضا بجامع أبى بدير، وهى كنية الشيخ أحمد العروسى، صهر الشيخ العريان، وبداخله ضريح الشيخ العريان، وضريح الشيخ أحمد العروسى، عليهما مقصورة من الخشب ويعمل لهما مولد كل عام. وذكر الجبرتى أن دار الشيخ العريان كانت تجاه جامع الزاهد، فعلى هذا كانت بقرب جامعه.

وبهذا الشارع أيضا دار الشيخ مصطفى العروسى شيخ الجامع الأزهر سابقا، وعدة من الدور الكبيرة والصغيرة.

وإلى هنا انتهى الكلام على وصف شارع سوق الزلط قديما وحديثا.

***

ص: 269

‌القسم الثانى: شارع الطواشى

أوله من آخر شارع الطنبلى بجوار جامع الطواشى، وآخره شارع بين الحارات.

عرف بجامع الطواشى الذى بأوله، وهو جامع قديم أنشأه جوهر الطواشى السحرتى اللالا-من خدام الملك الناصر محمد بن قلاوون-ثم إنه تأمّر فى التاسع والعشرين من شهر رجب سنة خمس وأربعين وسبعمائة كما فى المقريزى- (قلت) وهو مقام الشعائر الى الآن.

وبداخله نخلتان ونظره للديوان.

وبه من جهة اليسار: العطفة الصغيرة، وعطفة يوسف الزيات، ودرب العسالة، وبداخله ضريح يعرف بالشيخ أبى قصيبة.

وفى منتهاه دار الشيخ محمود مصطفى، أحد مصححى المطبعة الأهلية.

***

ص: 270

‌القسم الثالث: شارع بين الحارات

يبتدئ من آخر شارع الطواشى، وينتهى لشارع قنطرة الدكة، تجاه مسجد أولاد عنان.

وبه من جهة اليمين: عطفة غير نافذة.

وأما من جهة اليسار فيها: درب الملاح، يسلك منه لشارع باب البحر، وبأوله زاوية صغيرة تعرف بزاوية الملاح؛ شعائرها مقامة بنظر بعض الأهالى.

وبجهة اليمين أيضا: شارع الخضرية، طوله أربعة وثمانون مترا، ويتوصل منه لشارع باب البحر، وعن يسار المارّ به عطفة تعرف بعطفة الحمام.

ثم نعود لتتميم وصف شارع بين الحارات فنقول:

وبه أيضا أربع زوايا:

الأولى تعرف بزاوية الشنبكى، وعلى بابها لوح من الرخام منقوش فيه بعد البسملة:

أنشأ هذا المسجد لله سبحانه وتعالى سيدى أحمد الشنبكى ابن الحاج محمد سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة، وبداخلها ضريح سيدى أحمد المذكور، يعلوه قبة صغيرة، يعمل له مولد كل سنة، وشعائرها مقامة بنظر بعض الأهالى.

والثانية زاوية عمر، وتعرف بزاوية الأربعين، لأن بها قبورا قديمة اشتهرت بالأربعين، وبها قبر أيضا يعرف بسيدى محمد زيادة الأنور، وشعائرها مقامة من ريع أوقافها.

والثالثة زاوية سيف، عرفت باسم الشيخ سيف المدفون بداخلها، وشعائرها مقامة بنظر بعض الأهالى.

والرابعة تعرف بزاوية سيف المغربى، بالقرب من شارع الطواشى، جدّدها قاسم البناء ومحمد أحمد الرفاعى النجار سنة ثمان وسبعين ومائتين وألف، وبداخلها ضريح الشيخ يوسف المغربى، وشعائرها مقامة من ريع أوقافها. وهناك جباسة تعرف بجباسة المعلم حسين سعد.

وإلى هنا انتهى بيان أقسام الشارع الطوالى المارّ الذكر، ثم نبين وصف شارع باب الشعرية الصغير، المبتدأ من شارع الطنبلى فنقول:

ص: 271

‌شارع باب الشعرية الصغير

ويبتدئ من شارع الطنبلى بجوار قنطرة العدوى، وينتهى لشارع باب الشعرية الكبير، وطوله مائتان وأربعون مترا.

به من جهة اليسار ثلاث عطف غير نافذة.

الأولى عطفة المصطاحى، وهى فوق قنطرة قديمة على الخليج المصرى من بناء الفاطميين وخلف بيوتها جزء من سور المدينة الذى بناه الفاطميون، وكان متصلا بباب القنطرة الذى هدمه المرحوم قاسم باشا محافظ مصر سابقا.

[زاوية الفناجيلى]

الثانية عطفة زند الفيل، بها زاوية الفناجيلى، كانت متخربة فجددها المرحوم عباس باشا بعد جلوسه على تخت الديار المصرية سنة خمس وستين ومائتين وألف، وسبب تجديدها أن المرحوم عباس باشا لما أراد السفر للأقطار الحجازية صادفه السيد حسن الفناجيلى، وكان معتقدا، فبشره بأن يرجع واليا على مصر، وبعودته من الحج جلس على تختها، ثم تذكر بشرى السيد حسن المذكور، فقربه ورتب له كل شهر ألف قرش مصرية، وجدّد له هذه الزاوية، فاشتهرت بزاوية الفناجيلى من ذاك الوقت، وهى مقامة الشعائر إلى الآن بمعرفة الست حسيبة الناظرة عليها.

الثالثة عطفة قرباصة.

ص: 272

وأما من جهة اليمين فبها: عطفة المستوقد بداخلها مستوقد حمام الطنبلى، ثم درب الخواجا، وهو درب كبير بداخله درب يعرف بدرب المحكمة، به جامع مشهور بجامع المحكمة.

يصعد إليه بدرج، وشعائره مقامة من ريع أوقافه إلى الآن.

والسالك فى هذا الدرب يجد عن يساره بقرب زاوية الفناجيلى دربا يعرف بدرب الصهريج يتوصل منه إلى حارة الأقماعية.

‌ضريح أم العيش

ثم بأول درب المحكمة المذكور ضريح يعرف بضريح الست أم العيش

‌ترجمة بهاء الدين المجذوب

وبآخره زاوية تعرف بزاوية بهاء الدين المجذوب، بداخلها ضريح الشيخ بهاء الدين المذكور، وشعائرها مقامة، وتعرف أيضا بجامع بهاء الدين. قال القطب الشعرانى: كان الشيخ بهاء الدين من أكابر العارفين، وكان أول أمره خطيبا فى جامع الميدان، وكان أحد شهود القاضى، فحضر يوما عقد زواج فسمع قائلا يقول: هاتوا النار جاء الشهود، فخرج هائما على وجهه، فمكث ثلاثة أيام فى الجبل المقطم لا يأكل ولا يشرب، ثم ثقل عليه الحال فخرج بالكلية، وكان يحفظ البهجة فكان لا يزال تسمعه يقرأ فيها، وكان له مكاشفات مشهورة، رحمه الله تعالى. (انتهى). وذكر المناوى فى طبقاته أن اسمه بهاء الدين القادرى، ثم قال: ودفن بزاويته فرج المجذوب صاحب الكشف التام والكرامات الباهرة، وكان جنديا مجذوبا، انقطع أخيرا بالمارستان، تم مات ودفن فى زاوية بهاء الدين بباب الشعرية.

(انتهى).

[جامع المغاربة]

وبهذا الشارع أيضا جامع المغاربة، وهو من الجوامع القديمة، سماه المقريزى جامع الكيمختى، وقال إنه يعرف اليوم بجامع الجنينة، وهو بجانب موضع الكيمخت على شط الخليج من جملة أرض الطبالة. كان موضعه دارا اشتراها معلم الكيمخت، وكان يعرف بالحموى، وعملها جامعا، وكان قبل ذلك قد جدد عمارته شخص يعرف بالفقيه زين الدين ريحان بعد سنة تسعين وسبعمائة، وعمّر بجانبه مساكن. (انتهى). وهو إلى الآن مقام الشعائر من ريع أوقافه.

ص: 273

وبه أيضا سبيلان: أحدهما وقف الشيخ مصطفى الجلالى، أنشأه سنة خمس عشرة بعد الألف، وجعل فوقه أماكن للسكنى، والآخر وقف الحرمين، أنشئ سنة ثمان وأربعين ومائة وألف، وهما عامران إلى الآن بنظر الأوقاف.

وعدة وكائل: منها وكالة القمح القديمة، المعروفة اليوم بوكالة البرتقال، بنيت سنة ثلاث وأربعين ومائتين وألف، وجارية فى ملك بعض الأهالى، ومنها وكالة الجلالى معدة لبيع الحصر، وتابعة للأوقاف، ومنها وكالة وقف حسن كتخدا معدة لبيع الأخشاب، وتحت نظر بعض الأهالى، ومنها وكالة الجاموس معدة لتشغيل النجارة وتحت نظر بعض الأهالى أيضا.

وإلى هنا انتهى ما يتعلق بوصف شارع باب الشعرية المذكور قديما وحديثا.

‌ثم نرجع لوصف شارع باب الشعرية الكبير الطوالى الممتد للجهة الغربية الشرقية

فنقول:

هذا الشارع ابتداؤه من أول شارع الشعرانى، وآخر شارع مرجوش، وانتهاؤه شارع قنطرة الدكة، وطوله ألف وثلثمائة متر، وينقسم أربعة أقسام:

ص: 274

‌القسم الأول: شارع باب الشعرية الكبير

يبتدئ من آخر شارع مرجوش، وينتهى إلى شارع أبى بدير، ويقطعه الخليج المصرى وبه من جهة اليسار:

عطفتان غير نافذتين: إحداهما بجوار الخليج من الجهة الغربية، والأخرى بجوار حمام الخراطين، وهو حمام كبير برسم حمامين؛ أحدهما للرجال والآخر للنساء، ولكل منهما باب يخصه، وجاريان فى وقف الشيخ الشعرانى.

وأما من جهة اليمين فبها:

حارة المغربل غير نافذة، وعلى رأسها زاوية المعتقد الشيخ على المغربل الذى عرفت الحارة باسمه، وهى من الزوايا القديمة، ذكرها المقريزى فقال: هى خارج القاهرة بدرب الزراق من الحكر.

‌ترجمة أيدمر الزراق

ثم قال: ودرب الزراق عرف بالأمير عز الدين أيدمر الزراق أحد الأمراء، ولاه الملك الصالح إسماعيل بن محمد بن قلاوون نيابة غزة فى سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وتقلب فى عدة وظائف ومصالح إلى أن مات سنة ثمان وأربعين وسبعمائة فى حلب، ثم قال: وكان هذا الدرب عامرا، وكان فيه دار الزراق الدار العظيمة، وقد خرب الدرب وما حوله منذ كانت الحوادث سنة ست وثمانمائة، ثم نقضت الدار فى أيام المؤيد شيخ على يد ابن أبى الفرج (انتهى). (قلت): فيعلم مما ذكره المقريزى أن درب الزراق محله الآن بعض شارع باب الشعرية المذكور.

ص: 275

وبهذا الشارع أيضا سبيل معروف بسبيل السليمانية، يعلوه مكتب، ونظره للديوان وفى مقابلته قره قول باب الشعرية مقيم به معاون الثمن.

وبه وكالتان: إحداهما تعرف بوكالة الشكلى، وهى من وقف حسن كتخدا، تباع فيها أنواع الدهانات، والأخرى تعرف بوكالة الزيت، وهى من وقف حسن كتخدا الشعرانى بنيت سنة إحدى وتسعين ومائة وألف.

وبه أيضا دار داود باشا، ودار خلف الله باشا، ودار المرحوم الحاج على البدراوى، تجاه زاوية المغربل، وغير ذلك من الدور الكبيرة والصغيرة.

***

ص: 276

‌القسم الثانى: شارع أبى بدير

أوله من آخر شارع باب الشعرية المذكور، وآخره أول شارع سوق الخشب

وبه من جهة اليمين: الدرب المعروف بدرب سيدى مدين، بداخله جامع سيدى مدين

[جامع سيدى مدين]

ابن أحمد الأشمونى-رضي الله عنه-أحد أصحاب سيدى أحمد الزاهد، وتجاه قبره قبر سيدى محمد الشويمى من أصحابه، وبصحن الجامع قبر سيدى أحمد الحلفاوى، وهناك قبر سيدى محمد بن أحمد الشمسى المالكى ابن أخت الشيخ مدين. قال الشعرانى: إنه مدفون على باب تربة سيدى مدين، وكانت وفاته بعد التسعمائة بقليل. (انتهى). وهذا الجامع شعائره مقامة إلى الآن من ريع أوقافه بنظر السيد عبد الخالق السادات.

وزاوية سيدى غيث، بداخلها ضريح سيدى غيث، يعمل له مولد كل سنة، وشعائرها مقامة من ريع أوقافها بنظر بعض الأهالى، وتعرف أيضا بزاوية المنادى. وذكر المناوى فى طبقاته أن الشيخ الصالح سيدى أحمد المنير المعروف بأبى طقية. مات سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة، ودفن فى زاويته بخط المقسم بجوار زاوية الشيخ مدين. (انتهى).

(قلت): زاوية الشيخ مدين هى المعروفة الآن بجامع سيدى مدين، وأما زاوية المنادى فلعلها هى زاوية سيدى أحمد المنير، والعامة حرفت اسمها فقالت المنادى بدل المنير، إذ هى القريبة الآن من جامع سيدى مدين، ولا يوجد بقربه غيرها، فلا يبعد كونها زاوية سيدى أحمد المذكور.

وهذا الدرب يسلك منه إلى شارع سوق الزلط من درب الطباخ وإلى شارع الطواشى من حارة البئر الحلوة.

وبهذا الشارع أيضا جامع أبى بدير الذى عرف به، ويقابله جامع الزاهد، وقد ذكرناهما بشارع سوق الزلط لاتصاله بهذا الشارع، فكأنهما شارع واحد

وهذا وصف شارع أبى بدير قديما وحديثا.

***

ص: 277

‌القسم الثالث: شارع سوق الخشب

أوله من آخر شارع أبى بدير، وآخره أول شارع باب البحر.

وبه من جهة اليسار: عطفة تعرف بعطفة القرن غير نافذة، تم درب السنينات، بداخله عطفة شهاب.

وبآخره جامع الست سلمى الحلبية، شعائره مقامة بنظر بعض الأهالى، وبجواره ضريح الست سلمى المذكورة، وهو فى زوايا الهجر.

[جامع الركراكى]

وأما جهة اليمين فبها: درب الركراكى غير نافذ، وبداخله الجامع المعروف بجامع الركراكى، وهو جامع قديم كان أول أمره زاوية ذكرها المقريزى فقال: هذه الزاوية خارج القاهرة بأرض المقس، عرفت بالشيخ محمد الركراكى المغربى لإقامته بها، وكان فقيها مالكيا متصديا لأشغال المغاربة، يتبرك الناس به إلى أن مات بها يوم الجمعة ثانى عشر جمادى الأولى سنة أربع وتسعين وسبعمائة، ودفن بها. (انتهى). (قلت): وهى مقامة الشعائر إلى الآن من أوقافها بنظر الشيخ محمد الجوهرى، وتعرف بجامع الركراكى كما تقدم.

ثم بعد درب الركراكى الدرب المعروف بدرب سعيدة، يسلك منه إلى سوق البقر، وبداخله زاويتان: إحداهما تعرف بزاوية الأربعين، وهى صغيرة، وشعائرها مقامة بنظر رجل يعرف بالشيخ محمد صالح، والأخرى تعرف بزاوية يوسف، شعائرها مقامة من أوقافها بنظر بعض الأهالى.

وبآخر هذا الدرب ضريح يعرف بالشيخ العجمى، وعطفة صغيرة غير نافذة.

وهذا وصف شارع سوق الخشب قديما وحديثا.

***

ص: 278

‌القسم الرابع: شارع باب البحر

أوله من آخر شارع سوق الخشب، وآخره شارع قنطرة الدكة، وبه الجامع المشهور بجامع الشيخ محمد البحر، بداخله قبره، وقبر الشيخ تاج الدين، يعمل لهما مولد كل سنة، وشعائره مقامة من ريع أوقافه بنظر رجل يدعى السيد مصطفى القصبجى.

[جامع التركمانى]

وبه من جهة اليسار: ثلاث عطف غير نافذة، ثم الدرب المعروف بدرب التركمانى، نسبة للأمير بدر الدين التركمانى، صاحب الجامع الذى هناك، وهو جامع قديم ذكره المقريزى فقال: هو من الجوامع المليحة البناء، أنشأه الأمير بدر الدين محمد التركمانى. وكان ما حوله عامرا عمارة زائدة، ثم تلاشى من وقت الغلاء زمن الأشرف شعبان بن حسين، وما برح حاله يختل إلى أن كانت الحوادث سنة ست وثمانمائة، فخرب معظم ما هنالك.

[ترجمة الأمير بدر الدين التركمانى]

والتركمانى هذا هو الأمير بدر الدين محمد بن الأمير فخر الدين عيسى التركمانى. كان شادّا، ثم ترقى فى الخدم، حتى ولى الجيزة، وتقدم فى الدولة الناصرية فولى شاد الدواوين، والدولة حينئذ ليس فيها وزير، فاستقل بالتدبير مدة، وكان مهيبا صاحب حرمة وكلمة نافذة. مات سنة ثمان وسبعين وسبعمائة. (انتهى).

(قلت): وهذا الجامع يعرف إلى اليوم بهذا الاسم، وبداخله قبر يعلوه قبة، يعرف بالأربعين، والغالب على الظن أنه هو قبر بدر الدين التركمانى المذكور، وشعائره مقامة من أوقافه بنظر بعض الأهالى.

ص: 279

وبهذا الدرب أيضا على يسرة من سلك منه زاوية صغيرة تعرف بزاوية الأربعين، شعائرها مقامة من ريع أوقافها.

ثم بعد درب التركمانى المذكور درب يعرف بدرب الخف غير نافذ، ثم درب أبى بكر ثم درب البرقى، ثم درب الجامع، والثلاثة غير نافذة.

وأما جهة اليمين فبها تسع عطف غير نافذة.

الأولى تعرف بعطفة سوق البقر، والثانية بعطفة العراقى؛ بداخلها ضريح يعرف بالشيخ العراقى، وبجواره ضريح آخر يقال له الشيخ عبد الله، والثالثة تعرف بعطفة الأخضر، والرابعة بعطفة الأشعل، والخامسة بعطفة الصغير، والسادسة بعطفة الجنينة، والسابعة بعطفة السيوفى، والثامنة بعطفة الغنامة، والتاسعة بعطفة أبى المجد.

وهناك حمامان برسم الرجال والنساء: أحدهما يعرف بالحمام الجديد، والآخر يعرف بحمام أمين أغا، وجبّاسة تعرف بجباسة المعلم عبادة أحمد.

وإلى هنا انتهى بيان الأقسام الأربعة للشارع الطوالى المارّ الذكر.

ثم نعود لبيان باقى شوارع هذه الخطة وما يتصل بها فنقول:

ص: 280

‌شارع الدرب الواسع

أوله من آخر شارع باب البحر غربى جامع الفرا، وينتهى لشارع درب القبيلة، طوله ثلثمائة متر وستة أمتار.

وبه من جهة اليمين: ثلاث عطف غير نافذة.

وأما جهة اليسار فبها خمس عطف وهى:

عطفة شق الثعبان، ثم عطفة المغاربة، ثم عطفة كنيسة الأقباط، بداخلها كنيسة للأقباط ثم عطفة التراسين، ثم العطفة الصغيرة، وكلها غير نافذة أيضا.

***

ص: 281

‌شارع الدرب الإبراهيمى

أوله من شارع باب البحر بجوار جامع أولاد عنان، وآخره شارع درب القبيلة، غربى الشيخ مجاهد، وطوله ثلثمائة متر وستون مترا، ويقطعه شارع كلوت بك.

وبه من جهة اليمين تسع عطف غير نافذة وهى:

عطفة الجبرونى، وعطفة القيسونى، وعطفة الدوياتية، والعطفة الصغيرة، وعطفة البرذعة، والعطفة السد، والعطفة الضيقة، وعطفة الخمارة، والعطفة الأخيرة.

وأما جهة اليسار: فبها درب العظيمة، وعطفة الكحكى، ودرب البزبوز، وعطفة الطاحون، وكلها غير نافذة.

***

ص: 282

‌شارع ميدان القطن

يبتدئ من شارع باب الشعرية، وينتهى لشارع القنطرة بجوار سيدى عبد السلام، وطوله مائتا متر.

وبه من جهة اليمين: عطفة الطاحون غير نافذة، ثم رأس شارع التمار وسيأتى بيانه، ثم حارة الميدان يتوصل منها لشارع الغيط، وبها دربان أحدهما يعرف بدرب آبة والآخر بدرب الشرفاء.

وأما جهة اليسار فبها: عطفة غير نافذة.

وبوسطه جامع محمد السعيد، بداخله ضريح سيدى محمد السعيد، يعمل له مولد كل سنة، وشعائره مقامة بنظر الديوان.

وبآخره جامع الشيخ الرملى؛ بقى متخربا مدة، ثم جدده الحاج حسنين الرمالى الخباز، لانتمائه إلى الشيخ الرملى وادعائه أنه جده، فجدّده من ماله سنة ثمان وثمانين ومائتين وألف، وجدّد ضريح الشيخ وضريح ابنه، ورتب ميعادا وجراية للقراء كل ليلة سبت، وقام بشعائره إلى اليوم، ويعمل به مولد كل سنة.

وبقربه زاوية صغيرة تعرف بزاوية الرملى، شعائرها مقامة، وبجوارها سبيل تابع لها، ولها أوقاف تحت نظر الحاج حسنين الخباز المذكور.

وبقرب هذه الزاوية ضريح يعرف بالشيخ عبد السلام، للناس فيه اعتقاد، ويعمل له مولد كل سنة.

وهناك سبيل يعرف بسبيل سليمان الغزى، يعلوه مكتب، وعلى بابه لوح رخام منقوش فيه اسم الحاج سليمان الغزى، وتاريخ سنة ستين ومائتين وألف، وهو عامر إلى اليوم من أوقافه بنظر رجل يعرف بعبد الرزاق الغزاوى، وجبّاسة تعرف بجباسة إبراهيم الجزار.

وهذا وصف شارع ميدان القطن:

***

ص: 283

‌شارع التمار

أوله من تجاه جامع السعيد بشارع الميدان، وآخره عطفة نخلة، وطوله ثلثمائة متر وستة عشر مترا.

وعن يمين المار به ست عطف، وهى على هذا الترتيب:

الأولى عطفة الدحديرة، بآخرها ضريح يعرف بالشيخ العجمى.

الثانية عطفة المشارقة، برأسها جامع كتخدا قيصر لى من إنشاء الأمير على كتخدا قيصر لى وبداخله قبره، عليه لوح من الرخام فيه تاريخ موته فى سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف، وشعائره مقامة من ريع أوقافه بنظر بعض الأهالى، وجامع العراقى، وهو متخرب، وليس له أوقاف.

والثالثة العطفة الصغيرة.

الرابعة العطفة السد.

الخامسة عطفة طرطور.

السادسة عطفة نخلة، وبآخرها ضريح سيدى العراقى.

وأما جهة اليسار فبها: عطفة صغيرة غير نافذة.

وهناك زاوية التمار، بداخلها ضريح سيدى محمد أبى الحسن التمار، وشعائرها مقامة بنظر ديوان الأوقاف، وزاوية شمس الدين، بداخلها ضريح الشيخ محمد شمس الدين الخنانى، وشعائرها مقامة بنظر بعض الأهالى.

انتهى ما يتعلق بوصف شارع التمار.

***

ص: 284

‌شارع بئر الحمص

أوله من آخر حارة الميدان وشارع الغيط، وآخره أول شارع وسعة الجير، تجاه عطفة قشاش، وطوله مائة وأربعة وتسعون مترا.

ومن جهة اليمين عطفتان غير نافذتين.

الأولى تعرف بعطفة قشاش، والأخرى تعرف بعطفة الشرفاء.

أما جهة اليسار: فبها عطفة غير نافذة، وهناك جامع الميدانى عرف بالشيخ إبراهيم- الميدانى المدفون به، وشعائرة مقامة بنظر بعض الأهالى.

***

ص: 285

‌شارع وسعة الجير

يبتدئ من آخر شارع بئر الحمص، تجاه عطفة قشاش، وينتهى لشارع البيلى بجوار جامع الرويعى، وطوله ثلثمائة متر.

وبه من جهة اليسار: درب الطبنبة، ثم سكة درب النوبى التى بجوار زاوية الشيخ حماد ثم درب النوبى الموصل لشارع العلوة، عرف بالشيخ المعتقد أحمد النوبى صاحب الجامع المعروف به هناك، وهو جامع قديم وبداخله قبر الشيخ أحمد النوبى المذكور، وشعائره مقامة ويعمل به مولد كل سنة، ونظره لبعض الأهالى.

وعن يسار المارّ بدرب النوبى المذكور فرعان، وبآخره عطفة صغيرة غير نافذة، تعرف بعطفة الشاعر، وعن اليمين عطفتان غير نافذتين:

الأولى تعرف بعطفة سماسم، والأخرى بعطفة الكاتب.

وأما جهة اليمين من هذا الشارع فبها ست عطف غير نافذة:

الأولى العطفة الصغيرة.

الثانية عطفة العويل.

الثالثة عطفة الغسالة.

الرابعة عطفة الشيشينى.

الخامسة عطفة الشيخ حماد، عرفت بالشيخ حماد صاحب الزاوية التى بها، كانت متخربة، ثم فى سنة ثمان وتسعين ومائتين وألف شرع فى تجديدها ديوان الأوقاف، وقد قاربت التمام. وكان فى شرقيها مقبرة قديمة تعرف بترب النوبى، تحيط بها منازل درب النوبى من الجهة القبلية.

ص: 286

ومن الجهة البحرية: منازل الوسعة.

ومن الجهة الشرقية: سكة الوسعة وزاوية الشيخ حماد المذكورة، وضريح الشيخ البحيرى الذى جدده محمد أفندى على التراب، وفى سنة ست وتسعين ومائتين وألف باع الميرى أرض المقبرة المذكورة لمحمد أفندى على المذكور وشريكية الحاج خليل إبراهيم التراب وحسن أفندى التراب، وبلغت مساحتها ثلاثة آلاف متر وكسورا، وبيع المتر منها بنصف بينتو، وبنوا فيها عدة بيوت سكن بها النساء الفواحش وهناك أيضا زاوية متخربة تعرف بزاوية الخباز وبزاوية تركى بداخلها ضريح الشيخ محمد الخباز، ولها أوقاف تحت نظر امرأة تركية تعرف بالست بزادة، وهناك جباسة تعرف بجباسة المعلم حسن عباسى.

انتهى ما يتعلق بوصف شارع وسعة الجير.

ص: 287

‌شارع الفوطية

يبتدئ من أول شارع سوق الخشب، وآخر شارع أبى بدير، ويمتد لشارع البيلى ودرب القطة، وطوله مائة وستون مترا.

وبه من جهة اليسار: حارة الفوطية، بداخلها حارة تعرف بحارة البستان، يسلك منها لدرب آبه.

ثم حارة القصاصين، بداخلها حارة النقلية، وليست نافذة.

ثم عطفة شمس، غير نافذة أيضا.

ثم درب الحجرة، وهو درب كبير غير نافذ.

وأما جهة اليمين: فبها عطفة صغيرة غير نافذة.

وهناك سبيل يعرف بسبيل محمد عيد الشيمى، أنشئ سنة سبع وثمانين ومائتين وألف، وهو عامر إلى الآن بنظر واقفه محمد عبد المذكور.

انتهى ما يتعلق بوصف شارع الفوطية المذكور.

***

ص: 288

‌شارع البيلى

يبتدئ من آخر شارع الفوطية، وينتهى لشارع البكرية وشارع الرويعى، وطوله مائتا متر وعشرة أمتار.

وبه من جهة اليمين عطفة تعرف بعطفة البيلى، بداخلها ضريح الشيخ البيلى الذى عرف الشارع به.

وأما جهة اليسار فبها عطفة شبانة، ثم حارة القبوة، يسلك منها لدرب النوبى، ولعطفة الجنينة.

انتهى ما يتعلق بوصف شارع البيلى المذكور.

***

ص: 289

‌شارع درب رياش

يبتدئ من شارع البيلى بجوار الجامع الأحمر، وينتهى لشارع القبيلة، وطوله مائتا متر واثنا عشر مترا، ويقطعه شارع كلوت بيك، وبأوله الجامع المعروف بالجامع الأحمر، كان متخربا، فجدّده الأمير سليمان أغا السلاحدار، وأقام له عمدا من الرخام وسقّفه، وأنشأ بجواره مكتبا وصهريجا، ووقف على ذلك أوقافا كثيرة، وذلك فى سنة سبع وعشرين ومائتين وألف، وهو مقام الشعائر إلى الآن بنظر محمد أفندى عتيق السلاحدار، وكان خلف هذا الجامع مقبرة قديمة تعرف بترب الجامع الأحمر، بداخلها ضريح يقال له الشيخ عياد، وهذه المقبرة تبلغ مساحتها زيادة عن فدان ونصف، ويحدها من قبلى البيوت المملوكة للست كريمة راغب أفندى الخازندار، ومن بحرى شارع الجامع الأحمر، ومن شرقى ضريح الرويعى، وشارع الرويعى، ومن غربى حارة موصلة لدرب عبد الحق تجاه الحمام، وقد باع أرضها الميرى، فبلغ سعر المتر المسطح نصف بينتو، واشتراها محمد على التراب وشركاؤه وقسّموها بيوتا وحارات، وشرعوا فى بنائها، وعن قريب تتم، ولم يبق للمقبرة أثر بالكلية، وبقرب الجامع حمام يعرف بحمام الجامع الأحمر ويقال له حمام الرويعى، أنشأه السيد أحمد الرويعى، صاحب جامع الرويعى الذى بقرب جامع البكرى وجعله برسم الرجال والنساء، وهو عامر إلى الآن.

وبهذا الشارع من جهة اليمين: عطفة تعرف بعطفة الكاتب، ثم درب يعرف بدرب العيار ثم درب الدحديرة، بداخله كنيسة تعرف بكنيسة السبع بنات.

وأما جهة اليسار: فبها درب عبد الخالق، بداخله زاوية صغيرة تعرف بزاوية الأربعين، بها ضريح الشيخ الأربعين، وشعائرها مقامة بنظر ديوان الأوقاف، ثم درب القطة، وهو درب كبير، أوله من آخر شارع الفوطية، وآخره شارع درب رياش من جوار كنيسة السبع بنات، وطوله مائة واثنان وسبعون مترا، وبه زاوية تعرف بزاوية السيد إبراهيم، وتعرف أيضا بزاوية درب القطة، شعائرها مقامة من ريع أوقافها بنظر بعض الأهالى، وبه أيضا درب الصباغ ودرب عبد المعطى ودرب الخواجات وحارة درب رياش.

***

ص: 290

‌شارع درب القبيلة

يبتدئ من آخر شارع درب رياش، وينتهى لشارع قنطرة الدكة، وشارع وش البركة وطوله أربعمائة متر.

وبه من جهة اليسار: شارع درب طياب، وسيأتى بيانه، وعطف ودروب وهى على هذا الترتيب:

درب المبلات، يسلك منه لشارع وش البركة.

ثم درب البغدادى، يسلك منه أيضا لشارع وش البركة.

ثم درب الصواف غير نافذ.

ثم العطفة الصغيرة غير نافذة أيضا.

وأما جهة اليمين فبها الدرب المعروف بدرب الجنينة، عن يمين المار به عطفة السكرية وعطفة البارودية، وعن يساره عطفة تعرف بعطفة العزبة.

ثم بعد درب الجنينة العطفة الطويلة، ثم درب القاضى، ثم عطفة عريان، ثم عطفة خوخة العطارين.

***

ص: 291

‌شارع درب طياب

أوله من شارع درب القبيلة، وآخره شارع وش البركة، وطوله تسعون مترا.

وبه من جهة اليسار عطفتان: إحداهما تعرف بعطفة السوق، والأخرى بالعطفة الوسطانية

***

ص: 292

‌شارع الغيط ويقال له شارع درب مصطفى

أوله من شارع بئر الحمص، وآخره شارع العلوة، وطوله ثلثمائة متر وستة عشر مترا.

وبأوله جامع الغيط، ويعرف أيضا بجامع عبد الكريم، لأن بداخله ضريحا يقال له الشيخ عبد الكريم، يعمل له مولد كل سنة، وشعائره مقامة بنظر ديوان الأوقاف.

وبه من جهة اليسار وثمانى عطف وهى: العطفة الضيقة، والعطفة الصغيرة، وعطفة الطاحون، والعطفة السد، وعطفة الجامع، وعطفة الماوردى، وعطفة الماعز، وعطفة الشيخ إبراهيم، وكلها غير نافذة، ما عدا عطفة الشيخ إبراهيم فإنها موصلة لعطفة الأحمر.

وأما جهة اليمين فبها سبع عطف، كلها غير نافذة وهى: العطفة السد، وعطفة الحريرى وعطفة الجلاب، وعطفة البنان، وعطفة ربيع، وعطفة الكور، والعطفة الأخيرة.

***

ص: 293

‌شارع العلوة

يبتدئ من شارع الغيط، وينتهى لعطفة الأحمر ودرب النوبى، وطوله مائة متر واثنان وتسعون مترا.

وبه من جهة اليسار عطفتان غير نافذتين:

الأولى عطفة العلوة، والثانية عطفة ندى، بداخلها جامع العلوة الذى ذكره المقريزى، وعدّه فى الجوامع وسماه بالجامع المعلق ولم يترجمه. (قلت): وهو مشرف على الخليج المصرى وشعائره مقامة من أوقافه بنظر بعض الأهالى.

وأما جهة اليمين فبها عطفة صغيرة غير نافذة.

***

ص: 294

‌شارع القنطرة الجديدة

يبتدئ من آخر شارع ميدان القطن بجوار سيدى عبد السلام، وينتهى لأول شارع البندقية وطوله مائتان وأربعة وستون مترا.

عرف بالقنطرة التى أنشأها به العزيز محمد على باشا ليتوصل من فوقها إلى الخرنفش.

وبه من جهة اليمين درب الجنينة، بداخله كنيسة تعرف بكنيسة الموارنة، وبه عطفتان:

إحداهما تعرف بعطفة البحرى، بداخلها كنيسة للشوام، والثانية تعرف بعطفة الأحمر بداخلها كنيسة الأرمن الكاثوليك، ويتوصل منها لعطفة الشيخ إبراهيم ولشارع العلوة، ثم بعد درب الجنينة عطفة الأربعين تجاه ضريح الأربعين وغير نافذة، وبه أيضا حمام يعرف بحمام أبى حلوة برسم الرجال والنساء، وجار فى ملك محمد التكرور، والحاج إبراهيم شعبان التفكشى.

***

ص: 295

‌شارع البندقية

يبتدئ من آخر شارع القنطرة الجديدة، وينتهى لشارع درب المزين، وشارع حوش الحين، وطوله مائة وستة وثمانون متر.

وبه من جهة اليمين درب يعرف بدرب القطرى، يسلك منه لدرب الجنينة، وبداخله كنيسة تعرف بكنيسة السريانى، وهناك ضريحان: أحدهما يعرف بالشيخ ندا، والآخر بالأربعين.

***

ص: 296

‌شارع درب المزين

يبتدئ من آخر شارع البندقية، وأول شارع حوش الحين، وينتهى لشارع الموسكى، تجاه حارة الفرنج، وطوله مائة متر وثمانية أمتار.

وبه من جهة اليمين درب المزين الذى عرف الشارع به وهو غير نافذ، وبآخره الدير الكبير والدير الصغير بجوار بعضهما.

وأما جهة اليسار فبها عطفة تعرف بعطفة القاطون غير نافذة.

***

ص: 297

‌شارع حوش الحين

أوله من آخر شارع البندقية، وأول شارع درب المزين، وآخره درب البرابرة، وطوله مائة وأربعة وخمسون مترا.

وبه من جهة اليمين عطفتان غير نافذتين: الأولى عطفة حوش الحين، والثانية عطفة السادات.

وأما من جهة اليسار فبه عطفة صغيرة غير نافذة، وهناك زاوية تعرف بزاوية البطل، وكانت تعرف أولا بزاوية ابن بطالة باسم الشيخ محمد بن بطالة، فإنه هو الذى أنشأها وقرر فيها البرهان الإيناسى الصغير مدرسا، وجعل بها قراء، ثم بطل ذلك، وهى الآن معطلة الشعائر لتخربها، ولها أوقاف تحت نظر الديوان.

***

ص: 298

‌شارع السكة القديمة

يبتدئ من شارع الموسكى، وينتهى بشارع الموسكى غربى كوم الشيخ سلامة، وطوله مائة وأربعة وستون مترا، ويتوصل منه لشارع حوش الحين.

وبداخله ثلاث عطف ودرب وهى:

عطفة الفرن، وعطفة الجنينة، وعطفة سوق الخضار:

‌جامع الشيخ زردق

بأولها الجامع المعروف بجامع الشيخ زردق، جدّده المرحوم عبد الرحمن كتخدا، كما فى الجبرتى، وهو مقام الشعائر إلى الآن بنظر ديوان الأوقاف:

‌جامع يوسف عزبان

ودرب البرابرة بداخله جامع يوسف عزبان، أنشأه الأمير يوسف كتخدا عزبان سنة ثمان وعشرين ومائة وألف كما هو منقوش على لوح من الرخام بأعلى بابه وشعائره مقامة من ريع أوقافه بنظر بعض الأهالى.

***

ص: 299

‌شارع البكرية

يبتدئ من آخر شارع البيلى، وينتهى لباب الهواء، وطوله مائة وخمسة وسبعون مترا.

‌جامع الشرايبى

وبوسطه جامع الشرايبى وهو عن يسرة من سلك من الموسكى إلى الجامع الأحمر، أنشأه الحاج قاسم ابن الخواجا المرحوم الحاج محمد الدادة الشرايبى سنة خمس وأربعين ومائة وألف، وهو مقام الشعائر إلى الآن ينظر الديوان، ويعرف أيضا بجامع البكرى لدفن المجذوب المعتقد السيد على البكرى به. قال الجبرتى: أقام سنينا متجردا ويمشى فى الأسواق عريانا، ويخلط فى كلامه وبيده نبوت طويل يصحبه معه فى غالب أوقاته، وكان يحلق لحيته وللناس فيه اعتقاد عظيم، وينصتون إلى تخليطاته، ويوجهون ألفاظه، ويؤوّلونها على حسب أغراضهم ومقتضيات أحوالهم ووقائعهم، وكان له أخ من مساتير الناس، فحجر عليه ومنعه من الخروج، وألبسه ثيابا، ورغب الناس فى زيارته، وذكر مكاشفاته وخوارق كراماته فأقبل الناس عليه من كل ناحية، وترددوا لزيارته من كل جهة، وأتوا إليه بالهدايا والنذور وجروا على عوائدهم فى التقليد، وازدحم عليه الخلائق وخصوصا النساء، فراج بذلك أمر أخيه واتسعت دنياه، ونصب شبكة لصيده، ومنعه من حلق لحيته، فنبتت وعظمت، وسمن بدنه، وعظم جسمه من كثرة الأكل والراحة، وقد كان قبل ذلك عريانا شقيانا يبيت غالب لياليه بالجوع، طاويا من غير أكل بالأزقة فى الشتاء والصيف، وقيد به من يخدمه ويراعيه فى منامه ويقظته وقضاء حاجته، ولا يزال يحدّث نفسه، ويخلط فى ألفاظه وكلامه، وتارة يضحك، وتارة يشتم، ولا بد من مصادفة بعض الألفاظ، لما فى نفس بعض الزائرين،

ص: 300

وذوى الحاجات، فيعدون ذلك كشفا واطلاعا على ما فى أنفسهم وخطرات قلوبهم، بسبب نسبتهم هذه أنهم كانوا يسكنون بسويقة البكرى لا أنهم من البكرية، ولم يزل هذا حاله إلى أن توفى فى سنة سبع ومائتين وألف، واجتمع الناس لمشهده من كل ناحية، ودفنوه بمسجد الشرايبى بالقرب من جامع الرويعى فى قطعة من المسجد، وعملوا على قبره مقصورة ومقاما يقصد للزيارة، واجتمعوا عند مدفنه فى ليال وميعادات وقراء ومنشدين، وتزدحم عنده أصناف الخلائق، ويختلط النساء بالرجال، ومات أخوه أيضا بعده بنحو سنتين. (انتهى).

‌ترجمة الشيخة أمونة

وذكر الجبرتى أيضا فى حوادث سنة ألف ومائتين أن الشيخ على البكرى كانت تمشى خلفه امرأة تعرف بالشيخة أمونة، وتتوجه معه أينما يتوجه وهى بإزارها، وتخلط فى ألفاظها وتدخل معه البيوت وتطلع الحريمات، واعتقدها النساء وهادوها بالدراهم والملابس وأشاعوا أن الشيخ لحظها وجذبها، وصارت من الأولياء، ثم ارتقت فى درجات الحذب، وثقلت عليها الشربة، فكشفت وجهها، ولبست ملابس كالرجال، ولازمته أينما يتوجه ويتبعهما الأطفال والصغار وهوام العوام، ومنهم من اقتدى بهما أيضا ونزع ثيابه وتحنجل فى مشيه، وقالوا إنه اعتراض على الشيخ والمرأة، فجذبه الشيخ أيضا، أو أن الشيخ لمسه فصار من الأولياء وزاد الحال، وكثر خلفهم أوباش الناس، وصاروا يخطفون الأشياء من الأسواق، ويصير لهم فى مرورهم ضجة عظيمة، وإذا جلس الشيخ فى مكان وقف الجميع، وازدحم الناس للفرجة عليه، وتصعد المرأة على دكان أو علوة وتتكلم بفاحش القول ساعة بالعربى ومرة بالتركى، والناس تنصت لها، ويقبلون يديها ويتبركون بها، وبعضهم يضحك، ومنهم من يقول الله الله، وبعضهم يقول دستور يا أسيادى، وبعضهم من يقول لا تعترض بشئ، فمر الشيخ فى بعض الأوقات على مثل هذه الصورة والضجة، ودخلوا من باب بيت القاضى الذى من ناحية بين القصرين، وبتلك العطفة سكن بعض الأجناد يقال له جعفر كاشف، [فقبض على الشيخ وأدخله إلى داره ومعه المرأة وباقى المجاذيب، فأجلسه وأحضر له شيئا يأكله، وطرد الناس عنه، وأدخل المرأة والمجاذيب إلى الحبس، وأطلق الشيخ لحال سبيله،]

ص: 301

وأخرج المرأة والمجاذيب فضربهم وعزرهم، ثم أرسل المرأة إلى المارستان وربطها عند المجانين، وأطلق باقى المجاذيب بعد أن استغاثوا وتابوا، ولبسوا ثيابهم، وطارت الشربة من رؤوسهم، وأصبح الناس يتحدثون بقصتهم، واستمرت المرأة محبوسة بالمارستان حتى حدثت الحوادث، فخرجت وصارت شيخة على انفرادها، ويعتقدها الناس والنساء وجمعت عليها الجميعات وأشباه ذلك. (انتهى).

***

ص: 302

‌شارع الرويعى

يبتدئ من أول شارع البكرية، وينتهى لشارع وش البركة، وطوله مائة وأربعون مترا.

‌جامع الرويعى

وبأوله جامع الرويعى، بقرب جامع البكرى، أنشأه السيد أحمد الرويعى شاه بندر التجار بمصر فى القرن التاسع، وهو مقام الشعائر إلى الآن من أوقافه، وبداخله صهريج وفى مقابلته مدفن السيد أحمد الرويعى المذكور، وبجواره قطعة أرض موقوفة عليه.

وإلى هنا انتهى بيان أوصاف شارع جهة باب الشعرية، وما يليها من جهة باب البحر والفوطية، وجهة ميدان القطن والبكرية وغيرها.

‌ثم نبين الشارع الطولى الذى أوله من جهة الجبل شرقى القاهرة بجوار ترب

الغريب، فنقول:

هذا الشارع أوله من جهة الجبل شرقى القاهرة، وآخره شارع العتبة الخضراء، وطوله ألف متر وستمائة متر، وينقسم قسمين:

ص: 303

‌القسم الأول: شارع السكة الجديدة

ابتداؤه من جهة ترب الغريب، وانتهاؤه أول شارع الموسكى تجاه المفارق الأربعة، وهو حادث فى زمن العائلة المحمدية، كان فتحه بأمر العزيز محمد على باشا فى سنة اثنتين وستين ومائتين وألف، وذلك لما اتسع نطاق التجارة وسكن جهة الموسكى والأزبكية كثير من الفرنج، وكثرت العربات وتعسر السير داخل الأزقة القديمة، وتكررت الشكوى من التجار وغيرهم من ضيق الحارات المؤدى إلى تعطيل حركة التجارة والمرور، فصدر أمره بشراء الأملاك التى تقابل الشارع فى مروره، ثم حصل الشروع فى فتحه، بعد أن عمل عنه رسم بقلم الهندسة التابع لها فى ذاك الوقت لديوان المدارس، وابتدءوا بالهدم فى سنة اثنتين وستين، وبيعت الزوائد الباقية من التنظيم للراغبين، لكنه لم يتم منه إلا لغاية الرحبة المستديرة التى بقرب قنطرة الموسكى، ثم استمرت العمارة فيه زمن المرحوم عباس باشا إلى أن وصل إلى شارع النحاسين، ثم فى زمن الخديو إسماعيل صار امتداده إلى جهة الغريب، وفى زمن الخديو توفيق جعل بجانبيه تطوارا من الحجر، ودكت أرضه بالمكدام، وصار فى غاية الانتظام

وقد أخبرنى بعض من أثق به أنه قبل فتح هذا الشارع قد استفتى العزيز محمد على العلماء فى فتحه وفى كيفية عرضه، فأفتوه بأن يجعله بحيث يمر فيه جملان حاملان من غير مشقة، وقدر ذلك بثمانية أمتار، وجعلوه كما هو الآن، وهذا العرض غير كاف فى وقتنا هذا، لما حصل فى التجارة من الاتساع، ولكثرة المارين من هناك، ولذا تراه دائما فى غاية الازدحام.

ص: 304

وبه من جهة اليسار سبع عطف:

الأولى عطفة حوش العمروسى.

الثانية عطفة عزمين.

الثالثة عطفة المنزلاوى.

الرابعة عطفة الشيخ خضر.

الخامسة عطفة الحمام.

‌زاوية نصر الله

كان بها زاوية تعرف بزاوية نصر الله شرف الدين بخط المشهد الحسينى قبل مرور هذا الشارع، ثم لما مر قسمها قسمين، أخذ القسم القبلى المرحوم خليل أغا أغات والدة الخديو إسماعيل وباعه، والقسم البحرى الذى كان به المنبر والمصلى بناه أربع دكاكين وألحقها وقف نصر الله اللقانى الذى تحت يده، وذلك بأمر من قاضى المسلمين وكتب له حجة مؤرخة بسنة ست وثمانين ومائتين وألف، وبنى فوق الدكاكين ربعا معدّا للسكنى.

‌ترجمة الشيخ عبود

السادسة عطفة السبع قاعات التى بها ضريح الشيخ عبود، وهو صاحب الحمام التى بالسبع قاعات، ترجمه المقريزى فقال: هو الشيخ نجم الدين أبو على الحسين بن محمد بن إسماعيل ابن عبود القرشى الصوفى. مات فى يوم الجمعة الثالث والعشرين من شوال سنة اثنتين وعشر وسبعمائة، بعد ما عظم قدره، ونفذ فى أرباب الدولة نهيه وأمره، ثم قال: وهو صاحب الزاوية المعروفة بزاوية ابن عبود بلحف الجبل، قريبا من الدينورى من القرافة. (انتهى)، وقد بسطنا الكلام على حارة السبع قاعات، بما فيها ترجمة شارع البندقانيين فليراجع.

السابعة العطفة السد.

وأما جهة اليمين فبها حارتان وثلاث عطف:

الأولى حارة الدراسة، بها ستة فروع غير نافذة.

الثانية العطفة السد.

ص: 305

الثالثة عطفة الشنوانى، عرفت بالشيخ الشنوانى صاحب الضريح الذى هناك داخل جامع العدوى الذى أنشأه الشيخ حسن العدوى الحمزاوى أحد علماء المالكية سنة ثمان وثمانين ومائتين وألف، فى محل دار الست زينب بنت السلطان قلاوون التى آلت بالوقف إلى سيدنا الحسين-رضي الله عنه-وتخربت، فاشتراها من ديوان الأوقاف، وبنى هذا الجامع فى جزء منها، ومكث فى بنائه أقل من سنة، وصدر له الإذن بإقامة الجمعة، فى سنة تسع وثمانين ومائتين وألف.

وكان بجوار هذه الدار ضريح الشيخ الشنوانى المذكور، وعدة أضرحة أخر، فأدخل الجميع الشيخ حسن المذكور فى حدود الجامع، وجدد أضرحتها، وبنى عليها مقصورة من الخشب، وبنى لنفسه بجوارها مدفنا بإذن الخديو إسماعيل لمنع الدفن داخل العمران حفظا للصحة إلا بإذن من الحاكم، والعدوى بكسر العين وسكون الدال المهملتين بعدها واو مكسورة وياء، نسبة لقرية من قرى مديرية المنيا، والشنوانى اسمه أحمد، لكن لم أعثر بترجمته.

وأما من معه من ذوى الأضرحة فقد سمع من أفواه المشايخ أن هناك ضريح الخطيب القزوينى صاحب تلخيص المفتاح، ويزعمون أن تم أيضا ضريح أبى عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر بن على بن حكمون بن إبراهيم بن محمد بن مسلم القضاعى، بضم القاف وفتح الضاد المعجمة، وبعد الألف عين مهملة الفقيه الشافعى صاحب التصانيف المشهورة دليلهم أن الخطة هناك كانت تعرف بخطة القضاعى، وليس كذلك فإن القضاعى هذا وأباه مدفونان فى القرافة الكبرى، كما ذكره السخاوى فى تحفة الأحباب فليراجع.

وأما الجزء الأخير من الدار المذكورة فأنشأ فيه حماما حسنا برسم الرجال والنساء ووقفه على الجامع، وبنى ربعا على باب الميضأة ووقفه عليه أيضا، وبنى بقرب الحمام دارا لسكناه بقرب الباب الأخضر للمشهد الحسينى، وشعائر هذا الجامع مقامة، ولقربه من الجامع الأزهر صار فى العمارية.

‌ترجمة الشيخ محمد الصبان

وكان بحارة الشنوانى المذكورة بيت الشيخ محمد الصبان، ترجمه الجبرتى فقال: العالم النحرير واللوذعى الشهير شيخنا العلامة أبو العرفان الشيخ محمد بن على الصبان الشافعى، ولد

ص: 306

بمصر، وحفظ القرآن والمتون، واجتهد فى طلب العلم، وحضر أشياخ عصره وجهابذة مصره، وتلقى طريق القوم وتلقين الذكر على منهج السادة الشاذلية على الأستاذ سيدى عبد الوهاب العفيفى المرزوقى، وانتفع بمدده ظاهرا وباطنا، وتلقى طريق السادة الوفائية عن سيدى أبى الأنوار أبى الأنوار محمد السادات بن أبى الوفاء، وهو الذى كناه بأبى العرفان، ولم يزل يخدم العلم ويجتهد فى تحصيله حتى تمهر فى العلوم العقلية والنقلية، وقرأ الكتب المعتبرة فى حياة أشياخه، وربى التلاميذ، واشتهر بالتحقيق والتدقيق والمناظرة والجدل، وشاع ذكره وفضله بين العلماء بمصر والشام، وألف الكتب المعتبرة، منها حاشيته على الأشمونى التى سارت بها الركبان، وشهد بدقتها أهل الفضل والعرفان، وحاشية على شرح العصام على السمرقندية وحاشية على شرح الملوى على السلم ورسالة فى علم البيان، ورسالة فى آل البيت، ومنظومة فى علم العروض وشرحها، وحاشية على آداب الحديث، ومنظومة فى مصطلح الحديث ومثلثات فى اللغة، ورسالة فى الهيئة، وحاشية على مختصر السعد فى المعانى والبيان والبديع ورسالتان على البسملة، ومنظومة فى ضبط رواة البخارى ومسلم وغير ذلك عدة رسائل وقصائد، ثم قال الجبرتى أيضا: وكان فى مبدأ أمره معانقا للخمول، وتنزل أياما فى وظيفة التوقيت بالصلاة بضريح الإمام الشافعى-رضي الله عنه-عند ما جدده عبد الرحمن كتخدا، وسكن هناك مدة، ثم ترك ذلك.

ولما بنى محمد بيك أبو الذهب مسجده تجاه الأزهر تنزل المترجم فى وظيفة توقيته، وعمر له مكانا بسطحه سكن فيه بعياله، فلما اضمحل أمر وقفه تركه واشترى له منزلا صغيرا بحارة الشنوانى وسكن به، ولما حضر عبد الله أفندى القاضى المعروف بططر، وكان متضلعا من العلوم والمعارف، وسمع بالمترجم والشيخ محمد الجناجى واجتمعا به أعجب بهما وشهد بفضلهما وأكرمهما، وكذلك سليمان أفندى الرئيس، فعند ذلك راج أمر المترجم، وأثرى حاله وتزين بالملابس، وركب البغال، وتعرف أيضا بإسماعيل كتخدا حسن باشا، وتردد إليه قبل ولايته، فلما أتته الولاية بمصر زاد فى إكرامه ورتب له كفايته فى كل يوم بالضربخانة، وأقبلت عليه الدنيا، وازداد وجاهة وشهرة، وعمل فرحا وزوّج ابنه سيدى عليا، فأقبل عليه الناس بالهدايا سعوا لدعوته، وأنعم عليه الباشا بدراهم لها صورة، وألبس ابنه فروة يوم الزفاف، وأرسل إليه طبلخانته وجاويشيته وسعاته، فزفوا العروس، وكان

ص: 307

ذلك فى مبادئ ظهور الطاعون فى العام الماضى، وتوعك المترجم بعد ذلك بالسعال وقصبة الرئة، حتى دعاه داعى الأنام، وفجأه الحمام ليلة الثلاثاء من شهر جمادى الأولى من سنة ست ومائتين وألف، وصلّى عليه بالأزهر فى مشهد حافل، ودفن بالبستان، رحمه الله تعالى. (انتهى).

الرابعة عطفة العجمى وهى عطفة صغيرة غير نافذة.

الخامسة حارة شمس الدولة، وتسمى أيضا بدرب شمس الدولة، وهى من الدروب القديمة، وقد بسطنا الكلام عليها بشارع الوراقين من هذا الكتاب، وكان بها مطبخ للسكر، وقفه السلطان قايتباى من ضمن ما وقف كما هو مذكور فى كتاب وقفيته، وليس له أثر اليوم بالكلية.

وبهذا الشارع أيضا من الدور الكبيرة الشهيرة دار السيد عبد الخالق السادات ودار الشيخ يوسف المنشد المشهور فى وقتنا هذا.

وبه أيضا وكالة مشهورة بوكالة السلاحدار، يباع فيها الخز والأرز والأقمشة ونحوها، وهناك بيت الصحة الطبية التابع لثمن الجمالية بمنزل محمد حنفى الحناوى الذى تجاه مدرسة خليل أغا، وبأسفله أجزاخانة معروفة بالأجزاخانة الحسينية.

وإلى هنا انتهى الكلام عن وصف شارع السكة الجديدة قديما وحديثا.

***

ص: 308

‌القسم الثانى: شارع الموسكى

أوله من آخر شارع السكة الجديدة من عند قنطرة الموسكى بجوار القره قول، وآخره شارع العتبة الخضراء.

‌ترجمة عز الدين موسك

عرف بذلك نسبة للأمير عز الدين موسك، قريب السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب وهو الذى أنشأ القنطرة المعروفة بقنطرة الموسكى، وكان خيّرا يحفظ القرآن الكريم ويواظب على تلاوته، ويحب أهل العلم والصلاح، ويؤثرهم. مات بدمشق يوم الأربعاء الثامن والعشرين من شعبان سنة أربع وثمانين وخمسمائة كما فى المقريزى.

وبهذا الشارع من جهة اليسار حارتان.

الأولى حارة الفرنج، يسلك منها للدرب الجديد، وبها جامع التسترى، عرف بالشيخ حسن التسترى المدفون به، تلميذ الشيخ يوسف العجمى، له مولد كل سنة، وليس به آثار تدل على تاريخ إنشائه، وله أوقاف ومرتبات بالروزنامجة، شعائره مقامة منها، ويعرف أيضا بجامع أبى الحسن، وذكر الشعرانى فى طبقاته أن الشيخ يوسف العجمى هو أول من أحيا طريقة الشيخ الجنيد-رضي الله عنه-بمصر بعد اندراسها. مات فى يوم الأحد نصف جمادى الأولى سنة سبع وستين وسبعمائة، ودفن بزاويته فى القرافة الصغرى، وأما الشيخ حسن التسترى فتوفى سنة سبع وتسعين وسبعمائة ودفن فى زاويته هذه.

الثانية حارة حوش الدماهرة، يتوصل منها لدرب الزيات.

***

ص: 309

‌شارع الدرب الجديد

هو بجهة اليسار من شارع الموسكى، وطوله مائة متر وعشرة أمتار.

وبداخله من جهة اليسار درب يعرف بالدرب الجديد، يسلك منه إلى حارة الفرنج، وبه جامع العجمى، عرف بالشيخ محمد العجمى المدفون به، يعمل له مولد كل سنة، وليس به آثار تدل على تاريخ إنشائه، وله أوقاف، شعائره مقامة من ريعها بنظر بعض الأهالى.

***

ص: 310

‌شارع العلوة

أوله من شارع الموسكى، وآخره زاوية الشيخ سلامة، وطوله مائتا متر.

وبه من جهة اليمين: شارع الشيخ سلامة، يأتى بيانه، ثم عطفة تعرف بعطفة سقساقة غير نافذة.

وأما جهة اليسار فبها: درب الزيات، وعطفة الجامع، ودرب البشابشة، وكلها غير نافذة

***

ص: 311

‌شارع كوم الشيخ سلامة

هو بشارع العلوة من جهة اليمين، وطوله مائة متر وعشرون مترا.

وبه أربع عطف، ودرب يعرف بدرب الصباغة، كلها غير نافذة.

وبه أيضا جامع كوم الشيخ سلامة برأس شارع الموسكى، به منبر وخطبة، وشعائره مقامة، وكان له باب إلى شارع الموسكى يصعد إليه بدرج، فسدّ ذلك الباب وبقى له الباب الذى بحارة كوم الشيخ سلامة، وله شبابيك على الشارع، ويتبعه مكتب.

ويعرف أيضا بجامع الشيخ عبد الغنى باسم خطيبه الشيخ عبد الغنى الملوانى المالكى، أحد علماء الأزهر، وشيخ سجادة البيومية. مات سنة اثنتين وتسعين ومائتين وألف، رحمه الله تعالى.

وهناك زاوية تعرف بزاوية الساكت، بأعلاها ربع تابع لها، وبداخلها ضريح الشيخ محمد الساكت، يعمل له مولد كل سنة، وشعائرها مقامة من ريع أوقافها بنظر بعض الأهالى.

وإلى هنا تم وصف الشارع الطوالى المتقدم ذكره.

ثم نبين شارع المناصرة فنقول:

***

ص: 312

‌شارع المناصرة

أوله من سكة قنطرة الأمير حسين، بقرب جامع المرصفى، وآخره شارع السويقة، وطوله أربعمائة متر وستون مترا.

وبأوله جامع الشيخ المرصفى، كائن بين قنطرة الأمير حسين وبين جامعه، بداخله ضريح سيدى على المرصفى، يقصد بالزيارة على الدوام، يعمل له مقرأة كل ليلة أحد، ومولد كل عام، وكان أول أمره زاوية مقبما بها سيدى على المرصفى، ثم بعد وفاته جعلت جامعا بمنبر وخطبة، وشعائره مقامة إلى الآن بنظر بعض الأهالى.

وذكر المناوى فى طبقاته أن أخا سيدى على المرصفى كان إسكافيا يخيط النعال. مات سنة خمس وثلاثين وتسعمائة، ودفن بزاويته بقنطرة الأمير حسين. (انتهى).

وقد بسطنا الكلام على هذا الجامع فى جزء جوامع القاهرة من هذا الكتاب، وذكرنا ترجمة الشيخ على المرصفى فى بلده مرصفة فى جزء البلاد، فلتراجع هناك.

وبقرب جامع المرصفى المذكور زاوية تعرف بزاوية المصلية بلصق دار الشيخ محمد العباسى المهدى، شيخ الجامع الأزهر من جهتها القبلية، لها بئر وحنفية، ويتبعها سبيل، وشعائرها مقامة من أوقافها بنظر الست عائشة المصلية التى عرفت بها الزاوية.

وبه من جهة اليسار أربع عطف، ودرب يعرف بدرب الطاحون.

ومن جهة اليمين خمس عطف، ودرب يعرف بدرب الكلبة، بداخله زاوية تعرف بزاوية العراقى، بها ضريح الشيخ العراقى، يعمل له ليلة كل سنة، وشعائره مقامة من

ص: 313

أوقافها، وبقربها ضريح يقال لساكنه الشيخ موسى، يعلوه قبة صغيرة، وبآخر هذا الدرب زاوية صغيرة تعرف بزاوية المالكى، تخربت وزال معظمها، ولم يبق منها إلا الرسوم.

وبهذا الشارع أيضا دار السيد سعيد الشماخى، ودار الشيخ أبى العلاء الخلفاوى، وعدة من الدور الكبيرة والصغيرة.

‌تتمة

كان بهذا الشارع درب من الدروب القديمة، يعرف بدرب كوسا. ذكره المقريزى حيث قال: هو الآن يسلك فيه على شاطئ الخليج الكبير من قنطرة الأمير حسين إلى قنطرة الأمير حسين إلى قنطرة الموسكى، عرف بحسام الدين كوسا، أحد مقدمى الخلفاء فى أيام الملك المنصور قلاوون. مات بعد سنة ثلاث وثمانين وستمائة. (انتهى).

(أقول): ومحله الآن أول هذا الشارع من عند جامع المرصفى إلى آخر بيت الشيخ المفتى، ويدل لذلك أن محل هذا البيت كان يسلك فيه إلى قنطرة الموسكى وإلى حارة الفرنج التى خلف البيت المذكور، وبقى كذلك إلى أن بنى الشيخ بيته، فامتنع المرور من هناك، وإلى الآن لو دخلت من باب البيت الذى بهذا الشارع، وأردت الوصول إلى شارع الموسكى تمر بشاطئ الخليج من داخل البيت، إلى أن تخرج إلى شارع الموسكى من فوق القنطرة التى أحدثها الشيخ، ويمكنك الوصول أيضا إلى شارع الموسكى لو سلكت من الجنينة الكبيرة التى بدار الشيخ القديمة، فانظر إلى الحوادث والتقلبات التى أحدثت هذه التغيرات، فسبحان من لا يتغير ولا يزول.

***

ص: 314

‌شارع سويقة المناصرة

أوله من آخر شارع المناصرة، وآخره شارع العشماوى، ويقطعه شارع محمد على وطوله ثلثمائة وستون مترا.

وبه من جهة اليسار أربعة دروب، كانت قبل مرور شارع محمد على غير نافذة والآن قطع بعضها الشارع، فصارت جزءين به وهى: درب الصباغة، ودرب القصاص، ودرب أبى طبق بجوار زاوية تعرف بزاوية الأربعين، بها ضريح الأربعين، وهى صغيرة معطلة، واليوم جعلت مكتبا لتعليم الأطفال، ودرب المنجمة، وهو درب كبير، به عدة من البيوت

وأما جهة اليمين فبها خمس عطف صغيرة لم نذكر أسماءها، ودرب يعرف بدرب الدقاق وحارة قلعة الكلاب، بداخلها زاوية تعرف بزاوية أبى العينين، متخربة، أخذ منها الماس بيك قطعة أدخلها بداره، وبقى منها قطعة صغيرة سماوية موجودة إلى الآن.

***

ص: 315

‌شارع الخليج المرخم

أوله بنهاية قنطرة الأمير حسين من عند وكالة إسماعيل باشا تمر كاشف التى هناك، وآخره عطفة الخليج المرخم، وطوله ثلثمائة متر وستة أمتار.

وعن يمين المارّ بأوله درب الأنصارى، الكائن فى حدود حارة غيط العدة، وقد تكلمنا عليه فى ترجمة شارع غيط العدة.

ثم عطفة أبى زيد، وهى غير نافذة، وبرأسها سبيل يعرف بسبيل محمد أفندى برلى، يعلوه مكتب عامر من وقفه بنظر الست ظريفة من ذرية محمد أفندى المذكور.

‌ترجمة جوهر النوبى

ومحل هذا الشارع كان يعرف قديما بحكر جوهر النوبى. قال المقريزى: هذا الحكر تجاه الحارة الوزيرية من بر الخليج الغربى فى شرقى بستان العدة، ويسلك منه إلى قنطرة الأمير حسين من طريق تجاه باب جامع الأمير حسين الذى تعلوه المئذنة، وما زال بستانا إلى نحو سنة ستين وستمائة، فحكر وبنى فيه الدور فى أيام الظاهر بيبرس. قال: وعرف بجوهر النوبى أحد الأمراء فى الأيام الكاملية، وقد تقدم بديار مصر تقدما زائدا، وكان خصيّا، وهو ممن ثار على الملك العادل بن أبى بكر بن الكامل وخلعه، فلما ملك الصالح نجم الدين أيوب بعد أخيه العادل قبض على جوهر سنة ثمان وثلاثين وستمائة. (انتهى).

(قلت): ومحل هذا الحكر فى وقتنا هذا هو شارع الخليج المذكور، بما فيه من البيوت وعطفة أبى زيد وجنينة ست البلد، وبيت حرم الأمير ثابت باشا، وما حول ذلك.

***

ص: 316

‌شارع درب الطواب

أوله من وسط شارع باب الخرق، وآخره شارع القراعلى، وطوله مائة وعشرون مترا.

وبآخره عطفة يتوصل منها إلى قنطرة الذى كفر.

وبه من جهة اليسار درب الطواب الذى عرف الشارع به غير نافذ، وبداخله ضريح الشيخ معروف.

وأما جهة اليمين فبها حارة الفوطى، يسلك منها إلى حارة عابدين وإلى حارة قواديس، ويسلك من حارة قواديس إلى شارع غيط العدة.

وبداخل حارة الفوطى ثلاث عطف غير نافذة:

عطفة الشربجى، وعطفة المغربلين، وعطفة الزلط، ودرب يعرف بدرب الزياتين، يتوصل منه إلى حارة شق الثعبان.

‌جامع أبى درع

وبها أيضا جامع أبى درع، وهو جامع صغير على وجهته تاريخ سنة سبع عشرة ومائتين وألف، بداخله قبر الأمير محمد المعروف بأبى درع، عليه مقصورة من الخشب، وله منبر وخطبة، وشعائره مقامة من أوقافه بنظر تومان أفندى شنن، ويعرف أيضا بجامع شنن، ويتبعه سبيل.

***

ص: 317

‌شارع القراعلى

أوله من آخر شارع درب الطواب، وآخره حارة عابدين، وطوله مائة وستة وثلاثون مترا.

ويتوصل من هذا الشارع إلى حارة شق الثعبان من بحرى جامع الشيخ رمضان، وإلى الخليج من جوار عطفة القمرى، وإلى شارع عابدين المستجد، وعن يمين المارّ به عطفة غير نافذة.

***

ص: 318

‌شارع التميمى

أوله من شارع عابدين، تجاه حارة الفوطى، وآخره شارع جميزة، وطوله مائتان وثمانون مترا، عرف باسم الشيخ التميمى صاحب الضريح الملاصق لسراى عابدين، وأما حارته أو عطفته فقد زالت عند بناء السراى المذكورة.

***

ص: 319

‌شارع الخلوتى

يبتدئ من آخر شارع درب الطواب، وأول شارع القراعلى، وينتهى لشارع قنطرة سنقر، وشارع درب الحجر، وطوله أربعمائة متر وتسعون مترا.

وبه من جهة اليمين حارة عابدين، تجاه قنطرة الذى كفر، وهى حارة كبيرة، نافذة لشارع عابدين، وبها عدة عطف وحارات: منها عطفة القمرى، وحارة شق الثعبان، بداخلها جامع حسين باشا أبى أصبع، واقع بين مسجد الشيخ الخلوتى ومسجد الشيخ رمضان وكان أولا يعرف بجامع القمرى، ولما وهى جدّده الأمير حسين باشا المذكور، فنسب إليه، وجاء فى غاية الحسن والبهجة، ومكتوب على بابه تاريخ تجديده سنة ثمان وثمانين ومائتين وألف، وشعائره مقامة من ريع أوقافه.

وحارة شق الثعبان المذكورة ذكرها المقريزى فى ترجمة حكر الزهرى وقال: إنها تدخل فيه مع سويقة القيمرى التى محلها الآن عطفة القمرى، وقال إنه يدخل أيضا فى هذا الحكر جميع برّ ابن التبان، ثم ترجمه فقال هو رئيس المراكب فى الدولة المصرية، وكان له قدر وأبهة فى الأيام الآمرية وغيرها، ولما كان فى الأيام الآمرية تقدم إلى الناس بالعمارة قبالة الخرق غربى الخليج، فأول من ابتدأ وعمر الرئيس ابن التبان، فإنه أنشأ مسجدا وبستانا ودارا فعرفت تلك الخطة به إلى الآن.

ثم بنى سعد الدولة والى القاهرة وناهض الدولة على، وعدّى الدولة أبو البركات محمد ابن عثمان، وجماعة من فراشى الخاص، واتصلت العمارة بالآجر والسقوف النقية والأبواب المنظومة من باب البستان المعروف بالعدة على شاطئ الخليج الغربى إلى البستان المعروف بأبى اليمن

ص: 320

ثم ابتنى جماعة غيرهم ممن يرغب فى الأجرة والفرجة على الترع التى تنصرف من الخليج إلى الزهرى، والبساتين من المنازل والدكاكين شيئا كثيرا، وهى الناحية المعروفة الآن بشق الثعبان وسويقة القيمرى، إلى أن وصل البناء إلى قبالة البستان المعروف بنور الدولة الربعى، وهذا البستان معروف فى هذا الوقت بالخطة المذكورة، وهو متلاشى الحال بسبب ملوحة بئره

وبستان نور الدولة هو الآن الميدان الظاهرى. (انتهى).

(قلت): قد بينا أن الميدان الظاهرى كان غربى شارع مصر العتيقة، المارّ تجاه سراى الإسماعيلية، وأوله من عند قره قول قصر النيل، وكان ممتدا إلى ساحل النيل، وإلى قنطرة جسر أبى العلا، الموصلة إلى بولاق عند وابور المياه.

ويؤخذ من كلام المقريزى أن المبانى كانت ممتدة طولا تجاه قنطرة الخرق على حافة الخليج إلى حارة شق الثعبان، وعرضا إلى شارع مصر العتيقة قبالة قصر النيل، وإلى بستان أبى اليمن وهو الخط الذى به جامع مسكة وسويقة السباعين الآن، فبرّ ابن التبان كان يدخل فيه جميع الحارات والعطف من أول قنطرة الخرق إلى قنطرة سنقر وسويقة السباعين، وذكر المقريزى أيضا أن ببرّ ابن التبان حمام الشيخ نجم الدين ابن الرفعة وحمام القيمرى وحمام الداية، فحمام ابن الرفعة هى الحمام التى عرفت أخيرا بحمام عابدين، وقد زال الآن، وحمام القيمرى هو الذى عرف بحمام مرزوق، وقد زال أيضا، وأما حمام الداية فلم نقف على محله، لأنه زال من قديم الزمان.

وبقرب جامع أبى إصبع جامع الخلوتى، بداخله ضريح الشيخ محمد الخلوتى، يعمل له حضرة كل أسبوع، ومولد كل عام، وهذا الجامع كان أول أمره زاوية لسيدى محمد الخلوتى المذكور، ثم جدد جامعا سنة ثمان وعشرين ومائة وألف، وأقيمت شعائره إلى اليوم بنظر ديوان الأوقاف، ويتبعه سبيل.

وبهذا الشارع أيضا جامع رحبة عابدين، ويعرف أيضا بجامع الشيخ رمضان، لأن به ضريحا يقال له الشيخ رمضان، وبه أيضا ضريح آخر يعرف بالأربعين، وكان هذا الجامع قديما، فجدّده الأمير عبد الرحمن كتخدا، وصار مقام الشعائر إلى اليوم.

ص: 321

وبجواره تكية تابعة له، ومكتب وسبيل، وعلى باب التكية أبيات منها بيت فيه تاريخ الإنشاء وهو.

رباط خير جزيل العفو أرخه

قد جاء بشرى من الرحمن للعبد

4104 512 90 329 - 136

يعنى سنة ألف ومائة وخمس وسبعين.

ومن عطف هذا الشارع أيضا العطفة الصغيرة، والعطفة الضيقة، والفرع الموصل لدرب الملاحفية، وعطفة المقدم، ودرب البجمون، وبه ضريح سيدى مبارك، وعدة من الدور الكبيرة، منها دار الأمير حسين باشا أبى أصبع، ودار ورثة المرحوم على بيك، ودار لإبراهيم باشا خليل، إلى غير ذلك من الدور الكبيرة والصغيرة.

***

ص: 322

‌شارع عابدين

أوله من آخر شارع غيط العدة، وآخره بقرب شارع درب الحجر، وطوله خمسمائة متر وثمانون مترا.

وهذا الشارع من ابتداء منزل راغب باشا إلى شارع غيط العدة، أحدثه الخديو إسماعيل فاشترى غالب الأماكن التى كانت فى جهة شارع غيط العدة، وأضافها بعد هدمها إلى شارع عابدين القديم الذى كان ينتهى إلى شارع التميمى، وجعل الجميع شارعا واحدا، ممتدّا على خط مستقيم إلى قرب شارع درب الحجر، وكان يرغب امتداده إلى شارع درب الحجر، ثم يمتد من شارع درب الحجر إلى شارع درب الجماميز، بواسطة قنطرة جديدة تعمل هناك، وكان شراء بيت الأمير حيدر باشا المجاور لمنزل راغب باشا بهذا القصد، ثم لم يتم ذلك، وتأخر العمل لزيادة كثرة المصاريف، وبقى على ما هو عليه الآن، ويا ليت الحكومة تتمه وتوصله إلى شارع درب الجماميز، لما يترتب على ذلك من المنافع العمومية والفوائد الأهلية.

وبهذا الشارع الآن من جهة اليسار درب الملاحفية، بداخله زاوية تعرف بزاوية الست مرحبا، بها ضريح عليه تابوت من الخشب مكتوب عليه أن الذى جدّده الأمير عباس باشا يكن، وهى الآن معطلة الشعائر إلى الآن.

وأما جهة اليمين فبها سور سراى عابدين وبابها الشرقى وجامع عابدين، وهو جامع عظيم يصعد إليه بدرج، وشعائره مقامة من جهة الأوقاف، وله منارة مرتفعة.

ثم بعد هذا الجامع الشارع الكائن فى جهتها القبلية، المسلوك فيه إلى حارة الزير المعلق، وإلى شارع القصر العالى وغيره.

ص: 323

وكان هناك قبل التنظيم درب كبير فى استقامة الطرقة التى بها الباب الشرقى للسراى المذكورة، يعرف بالدرب الجديد، بداخله حارة الزير المعلق، الباقى بعضها إلى اليوم.

‌ذكر ما أخذ من حارة الزير المعلق

وكان بهذه الحارة ثلاثة جوامع:

أحدها جامع الزير المعلق، من إنشاء الأمير عبد الرحمن كتخدا.

والثانى جامع محمد بيك المبدول، المعروف بأمير اللواء محمد بيك الأزبكاوى أمير الحاج سابقا ابن عبد الله معتوق الأمير حسن بيك حاكم ولاية جرجا، أنشأه سنة اثنتى عشرة ومائتين وألف، وكان به قبر منشئه، وله أوقاف تحت نظر الديوان.

والثالث جامع الكريدى، وكان كبيرا، وبه ضريح الشيخ الكريدى.

ولما حدث التنظيم بجهة عابدين أخذت هذه الجوامع، وجملة من البيوت الكبيرة مثل بيت شربتلى باشا وبيت خورشيد باشا، وبيت عبد الرحمن كتخدا وغير ذلك، مما سيأتى بيانه فأخذ البعض فى السراى، والباقى فى الميادين والشوارع وغيرها.

وعمل هناك بجوار جامع الخلوتى مدفن نقلت إليه جثة الشيخ الكريدى وغيره، ممن أخذت مساجدهم فى التنظيمات التى حصلت بخطة عابدين.

‌جامع عابدين الجديد

وأما جثة محمد بيك المبدول، فقد بنى لها الجامع الجديد، المعروف الآن بجامع عابدين، المقابل لمدرسة ابن الخديو توفيق ودفنت به، وهو مقام الشعائر، وبه خطبة، وله منارة، وبوسط صحنه حنفية من الرخام، ونظره للديوان، ويتبعه سبيل.

وكان بداخل الدرب الجديد أيضا سكة تعرف بسكة الدورة، وعطفة يقال لها عطفة التوتة، وقد زالت تلك الحارات بما فيها من البيوت والمنازل عند بناء السراى المذكورة حتى صارت سراى كبيرة جدا، دخل فيها غير بركة الشقاف التى عرفت أخيرا ببركة اليرقان من الدور الكبيرة دار شربتلى باشا، ودار خورشيد باشا، ودار محو بيك، ودار عثمان بيك، ابن إبراهيم بيك الكبير، وعدد وافر من المنازل الصغيرة، والعطف والحارات والبساتين،

ص: 324

حتى اتسعت مساحتها الآن جدا، وكل ذلك غير الميدان وما ألحق به من قشلاق العساكر، والمكتب الأهلى، وما جاور ذلك من الجنائن.

وأما بيان الذى أزيل بسبب بناء هذه السراى وما حولها من الشوارع والميادين ونحوها، فهو جامع الكريدى، وجامع محمد بيك المبدول، وجامع عبد الرحمن كتخدا، وميضأة جامع جميزة، وزاوية الشيخ شحاتة، وزاوية عابدين بك، وزاوية عبد الرحمن كتخدا، وضريح سيد الأشرف، وضريح سيدى محمد الغريب، وضريح الشيخ التميمى، ومعظم شارع التميمى، وزقاق الصيادين، وعطفة العلوة وحارة جميزة، وحارة خوخة فشار، ومعظم عطفة الحلوانى، وجزء من حارة قواديس، ومعظم حارة الزير المعلق، وعطفة الدمالشة، وعطفة المقدم، وحوش المقدم، والدرب الجديد، بما فيه من العطف والحارات وجنينة كبيرة بباب اللوق، وحمام عابدين، وحمام جميزة، وغير ذلك شئ كثير.

***

ص: 325

‌شارع درب الحجر

أوله من آخر شارع قنطرة سنقر، وآخره درب الحمام وسويقة السباعين، وطوله مائتان واثنان وسبعون مترا.

وبه من جهة اليسار حارة درب الحجر، بها خمسة فروع غير نافذة، وبها زاوية الطوخى بداخلها قبر الشيخ محمد الطوخى وقبر ابنه الشيخ أحمد، يعمل لهما حضرة كل أسبوع ومولد كل عام، وشعائرها مقامة من أوقافها بنظر رجل يدعى بالشيخ محمد جاد.

وأما جهة اليمين فبها حارة التمساح، وهى حارة كبيرة، يتوصل منها لشارع عابدين، وبداخلها جامع البرمونى، أخذ معظمه الشارع الجديد الذى خلف سراى عابدين القديم.

ولم يبق منه إلا قطعة صغيرة بها الضريح، جعلت الآن زاوية تعرف بزاوية البرمونى.

وبها أيضا من البيوت الكبيرة بيت مرعشلى باشا، وبيت ورثة خورشيد باشا، ودار الست الوسطانية وغير ذلك.

ثم بعد حارة التمساح حارة الزير المعلق، بداخلها زاوية البهلول، بها ضريح الشيخ محمد البهلول، وشعائرها مقامة من أوقافها بنظر بعض الأهالى.

وبها أيضا سبيل من وقف محمد بيك المبدول، عامر إلى الآن من ريع أوقافه، وكانت هذه الحارة كبيرة جدا، أخذ معظمها بسراى عابدين، وقد بينا ذلك بشارع عابدين فليراجع.

وبهذا الشارع أيضا جامع جنبلاط، بجوار دار الأمير راغب باشا، أنشأه أول أمره مدرسة الشيخ محمد بن قرقماس فى القرن التاسع، ولما مات دفن به، وعلى قبره مقصورة

ص: 326

من الخشب ومشهور بين العامة بالشيخ جنبلاط، ولهذا عرف به، ثم جدده الأمير على أغا كتخدا الجاويشية، تابع إبراهيم بيك الكبير، المعروف بشيخ البلد، وجدّد بجواره سبيلا ومكتبا، وذلك سنة عشر ومائتين وألف، وهو إلى اليوم مقام الشعائر بنظر الشيخ عبد الله، وبه من الدور الكبيرة دار الأمير راغب باشا المذكورة.، ودار الأمير عثمان باشا، ودار ورثة المرحوم صالح باشا صبح، ودار الأمير إسماعيل باشا أبى جبل حقى، ودار كريمة المرحوم أحمد باشا ابن جنتمكان إبراهيم باشا الكبير، ودار المرحوم إسماعيل باشا أبى جبل، وكلها بجنائن، وغير ذلك من الدور الصغيرة.

‌ترجمة على كتخدا

ودار راغب باشا المذكورة هى فى الأصل دار على أغا كتخدا الجاوشية، ترجمه الجبرتى فقال: الأمير على أغا كتخدا الجاوشية من مماليك الدمياطى، ثم نسب إلى محمد بيك، وأخيه إبراهيم بيك الكبير، ورقّاه واختص به، وولاه أغات مستحفظان فى سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف، فلم يزل إلى سنة ثمان وتسعين، فخرج مع إبراهيم بيك إلى المنية، عند ما تغاضب مع مراد بيك، فلما تصالحا قلده الأغاوية كما كان، ثم تقلد كتخدا الجاوشية فى سنة ست ومائتين وألف، ولم يزل متقلدها حتى خرج مع من خرج فى حادثة الفرنسيس، وكان ذا مال وثروة، مع مزيد شح وبخل، واشترى دار عبد الرحمن كتخدا القازدغلية التى بحارة عابدين وسكنها، وليس له من المآثر إلا السبيل مع المكتب الذى أنشأه بجوار داره الأخرى بدرب الحجر، وهو من أحسن المبانى، وقد حماه الله من تخريب الفرنسيس، وهو باق إلى يومنا هذا ببهجته ورونقه. (انتهى).

***

ص: 327

‌شارع درب الحمام

أوله من آخر شارع درب الحجر، وآخره شارع المذبح وشارع حارة السقائين، وطوله مائتان وسبعون مترا.

وبه من جهة اليمين العطفة السد، ثم درب الحمام الذى عرف الشارع به، ثم العطفة الصغيرة، ثم عطفة الحوش الخربان، بداخلها زاوية الشيخ عبد الرحمن الصحابى، شعائرها مقامة، ولها مطهرة، وبأسفلها ثلاثة حوانيت موقوفة عليها، ولها أحكار على دور بجوارها، منها دار حسن بيك محافظ السويس، ودار امرأة تدعى يمن، ودار ورثة عثمان العطار.

‌ترجمة عبد الرحمن بن أبى الفضل

وبها ضريح عليه تابوت من الخشب، يعرف بين العوام بضريح الشيخ عبد الرحمن الصحابى، ولا صحة لذلك، وإنما هو كما فى الضوء اللامع للسخاوى عبد الرحمن بن أبى الفضل، ابن الشمس الحنفى، عقد الميعاد فى زاويته، ومات بجزيرة أروى المعروفة الآن بالوسطى، ودفن بالزاوية بجانب أبيه خارج قنطرة سنقر بسويقة السباعين. (انتهى)

وترجمته طويلة، مبسوطة فى الضوء اللامع فارجع إليه إن شئت.

ثم درب المواهى، بأوله كنيسة للأقباط.

وأما جهة اليسار فبها عطفة الطابونة، ودرب حيدر، ودرب السرجة، ودرب العجان.

***

ص: 328

‌شارع حارة السقائين

أوله من آخر شارع الشيخ ريحان، وآخره شارع درب الحمام، وطوله مائة وأربعة وسبعون مترا.

وبه من جهة اليمين درب الخولا وسكة الدورة، بداخلها درب الميضأة، وعطفة عريان، ودرب الصبان، وبه القراقول المعروف بقراقول حارة السقائين قريب من الأماكن المستجدة، ووكالة رضوان جلبى، بها أماكن للسكنى.

***

ص: 329

‌شارع سويقة السباعين

يبتدئ من آخر شارع درب الحجر، وينتهى لشارع الناصرية، وطوله مائتان وسبعون مترا.

وبه من جهة اليسار: عطفة موصلة لسوق مسكة.

ومن جهة اليمين: عطفة فرن الغزال، وعطفة المسحر.

‌مطلب جامع سنقر المعروف بالجامع الأخضر

وبه أيضا جامع سنقر المعروف بالجامع الأخضر هو على البركة الناصرية، عمره الأمير آق سنقر شاد العمائر السلطانية، وإليه تنسب قنطرة سنقر التى على الخليج الكبير بخط قبو الكرمانى قبالة الحبانية، مات سنة أربعين وسبعمائة، واليوم هذا الجامع متخرب، وإنما يصلى فى جزء منه، ونظره للديوان.

‌مطلب زاوية الجباص

وزاوية الشيخ محمد الجباص، وهى زاوية صغيرة مقامة الشعائر، ولها نصف بيت موقوف عليها، وتحت نظر رجل يدعى بأمين الحانوتى.

وذكر المناوى فى طبقاته أن نور الدين بن العظمة المجذوب المستغرق مات فى أوائل القرن الحادى عشر ودفن بزاوية عمرت له بسويقة السباعين بخط منازل آبائه. (انتهى).

(قلت): ولم يكن هناك غير هذه الزاوية، فلعل نور الدين هذا دفن بها والله أعلم.

وبهذا الشارع أيضا ضريح يعرف بالأربعين وقراقول قديم تجاه باب حارة السقائين ودار ورثه أحمد بك الجوخدار

ص: 330

‌تتمة

اسم سويقة السباعين اسم قديم، ذكره المقريزى فى ترجمة حكر الست مسكة حيث قال:

هذا الحكر بسويقة السباعين بجوار حكر الست حدق، وسمى البركة التى كانت هناك ببركة السباعين، فقال: عرفت بذلك لأنه اتخذ عليها دار للسباع، وهى موجودة هناك إلى اليوم، ثم قال: ولم تحدث بها العمارة إلا بعد سنة سبعمائة، وإنما كان جميع ذلك الخط وما حوله من منشأة المهرانى إلى المقس بساتين ثم حكرت. (انتهى).

(قلت) وبركة السباعين محلها الآن عمارة محمد بيك الشماشرجى وما بجوارها من العمارة من الجهة القبلية والغربية، وكان يفصلها عن القاهرة أرض مزارع، وكان المارّ من بوابة الناصرية إلى جهة الشيخ ريحان يجدها عن يساره، وترب القاصد بقربها، وكانت باقية إلى وقت دخول الفرنساوية، وطولها على الخرطة التى رسموها أربعمائة وخمسون مترا، وعرضها المتوسط مائة وخمسون مترا، ومساحتها تقرب من ستة عشر فدانا بفدان وقتنا هذا.

‌ترجمة الجمال محمد بن الزكى

وذكر المقريزى فى ترجمة حكر الخليلى أنه هو الخط الذى بقرب سويقة السباعين وجامع الست مسكة، وهو بجوار حكر الزهرى، وكان بستانا يعرف ببستان أبى اليمان، ثم عرف ببستان ابن جن حلوان، وهو الجمال محمد بن الزكى يحيى بن عبد المنعم بن منصور التاجر فى ثمرة البساتين، عرف بابن جن حلوان. مات فى سنة إحدى وتسعين وستمائة، وحد هذا البستان القبلى إلى الخليج وكان فيه بابه والهماليا، والحد البحرى ينتهى إلى غيط قيماز والشرقى إلى الآدر المحتكرة، والغربى ينتهى إلى قطعة تعرف قديما بابن أبى التاج، ثم عرف ببستان ابن السراج، واستأجره ابن جن حلوان من الشيخ نجم الدين بن الرفعة الفقيه المشهور فى سنة ثمان وثمانين وستمائة فعرف به، ثم إن هذا البستان حكر بعد ذلك فعرف بحكر الخيلى.

وذكر أيضا فى ترجمة حكر الزهرى أن بستان أبى اليمان يعرف اليوم مكانه بحكر أقبغا وفيه جامع الست مسكة وسويقة السباعين. (انتهى). (قلت) وجامع الست مسكة موجود إلى الآن، وكذلك سويقة السباعين تعرف بهذا الاسم إلى اليوم، وتمتد إلى درب الخليفة من شارع الناصرية.

ص: 331

ويؤخذ من كلام المقريزى أن بستان أبى اليمان المعروف مكانه بحكر أقبغا كان يمتد إلى الخليج، وإلى شارع درب الحجر من الجهة البحرية، وإلى شارع خليل طينة من الجهة القبلية، ويدخل فيه من الجهة الغربية كتلة المنازل المحددة بشارع درب الحمام وشارع المذبح وجزء من شارع الناصرية إلى جامع الإسماعيلى، ويكون محل غيط قيماز الآن الأرض التى على يمين السالك بشارع المذبح لحد شارع أبى الليف، وأول شارع الناصرية.

ويؤخذ من كلامه أيضا على حكر الحلبى أن بستان الفرغانى كان مجاورا لحكر الخليلى من بحريه، وكان يمتد إلى بركة الطوابين، ويوجد بخرطة الفرنساوية أثر بركة غير بركة الشقاف، محلها اليوم بيت حرم محو بيك، والجامع الجديد الذى بناه الخديو إسماعيل بدل جامع محمد بيك المبدول، وهذه البركة كانت تسمى عند أهل هذه الخطة ببركة الدمالشة، وكان يأتى إليها الماء من القاطون المارّ ببيت راغب باشا وبيت مرعشلى باشا، وفمه موجود إلى الآن بقرب قنطرة سنقر، والظاهر أن هذا القاطون محل الهدير الصغير والآتى ذكره فى عبارة المقريزى، وأن بركة الدمالشة هى بركة الطوابين المذكورة، ويكون بستان الفرغانى محله الآن كتلة البيوت المحددة بشارع الزير المعلق، وبشارع درب الحمام، وشارع حارة السقائين ويكون حكر الحلبى محله الجهة البحرية ببستان الفرغانى من بيت محو بيك إلى بركة الشقاف التى محلها اليوم ميدان عابدين، وإلى شارع البلاقسة، إذ المقريزى ذكر أن حكر الحلبى مجاور للزهرى وبركة الشقاف من غربيها، وأصله من جملة أراضى الزهرى، اقتطع منه وباعه القاضى مجد الدين بن الخشاب وكيل بيت المال لا بنتى السلطان الملك الأشرف خليل ابن قلاوون فى سنة أربع وتسعين وستمائة، وكان يعرف حين هذا البيع ببستان الجمال بن جن حلوان، ويغيط الكردى، وببستان الطيلسان وببستان الفرغانى، وحد هذه القطعة القبلى إلى بركة الطوابين، وإلى الهدير الصغير، والحد البحرى ينتهى إلى بستان الفرغانى، وإلى بستان البواشقى، والحد الشرقى إلى بركة الشقاف، وإلى الطريق الموصلة إلى الهدير الصغير، والحد الغربى إلى بستان الفرغانى، ثم انتقل هذا البستان إلى الأمير ركن الدين بيبرس الحاجب فى أيام الناصر محمد بن قلاوون وحكره فعرف به. (انتهى).

ص: 332

(قلت): بستان البواشقى محله الآن الأرض التى على يمين المار فى شارع البلاقسة إلى الشيخ ريحان، وكان مجاور البستان الفرغانى، والطريق الموصلة إلى الهدير الصغير، محلها الآن حارة الزير المعلق، وأما حكر الزهرى فمحله الآن كتلة البيوت والحارات الباقية من خط عابدين المحددة بالخليج الكبير، وشارع درب الحجر، وشارع الزير المعلق، وشارع غيط العدة.

انتهى ما يتعلق بوصف شارع سويقة السباعين قديما وحديثا.

***

ص: 333

‌شارع أبى الليف

أوله من شارع سويقة السباعين، وآخره أول شارع المذبح، وطوله مائة وثمانية وأربعون مترا.

وبأوله زاوية أبى الليف الذى عرف الشارع به، وهى زاوية صغيرة، شعائرها مقامة من غلة حوش موقوف عليها، وبداخلها ضريح الشيخ محمد بن غازى المشهور بأبى الليف، يعمل له مولد كل سنة.

وبهذا الشارع من جهة اليمين خوخة تعرف بخوخة سعدان، وحارة تعرف بحارة العجمى باسم ضريح الشيخ العجمى الذى بداخلها بجوار بيت مصطفى أفندى راشد من الجهة الغربية.

وبه من جهة اليسار درب يعرف بدرب مشمش.

***

ص: 334

‌شارع المذبح

أوله من آخر شارع أبى الليف، وآخره شارع درب الحمام، وطوله مائة وعشرون متر

وبه من جهة اليمين عطفة السنان، وعطفة شرف، وبه أيضا زاويتان متخربتان إحداهما تعرف بزاوية الفوالة، والأخرى بزاوية خلوك، نظرهما للديوان.

***

ص: 335

‌شارع خليل طينة

بالنون بعد الياء التحتية، أوله من شارع درب الجماميز، ويقطعه الخليج المصرى وآخره بجوار الشيخ صالح من الجهة القبلية، وطوله ثلثمائة وثمانون مترا، ويعرف أيضا بشارع الحنفى.

وبه من جهة اليمين حارة وثلاث عطف وهى:

حارة سوق مسكة يسلك منها لحارة النصارى، وبداخلها الجامع المعروف بجامع الست مسكة، بالقرب من جامع الشيخ صالح أبى حديد، أنشأته سنة ست وأربعين وسبعمائة، وأقيمت فيه الجمعة عاشر جمادى الآخرة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وبداخله قبر الست مسكة جارية الملك الناصر محمد بن قلاوون، عليه مقصورة من الخشب، وبوسط صحنه بئر ومطهرته ومنافعه بخارجه، واستمر مدة متخرّبا، ثم جدده ديوان الأوقاف، وهو مقام الشعائر إلى الآن.

ولما عمرت الست مسكة هذا الجامع فى الحكر المعروف بها بسويقة السباعين بقرب حكر الست حدق بنى الناس حوله حتى صار متصلا بالعمارة من سائر جوانبه، وسكنه الأمراء والأعيان، وأنشأوا به الحمامات والأسواق وغير ذلك كما فى المقريزى.

وأما حكر الست حدق فقال المقريزى: إنه يعرف اليوم بالمريس، وكان بساتين من بعضها بستان الخشاب، فعرف بالست حدق، من أجل أنها أنشأت هناك جامعا كان موضعه منظرة السكرة فبنى الناس حوله، وأكثر من كان يسكن هناك السودان، وبه يتخذ المزر ومأوى أهل الفواحش والقاذورات، وصار به عدة مساكن وسوق كبير، يحتاج محتسب

ص: 336

القاهرة أن يقيم به نائبا عنه للكشف عما يباع فيه من المعايش، ثم قال: وقد أدركنا المريس على غاية من العمارة، إلا أنه اختل منذ حدثت الحوادث من سنة ست وثمانمائة، وبه الآن بقية من فساد كبير. (انتهى).

(قلت): فيؤخذ من كلام المقريزى أن بستان الخشاب كان بعض هذا الحكر، ومحله الآن الأرض الواقعة أمام قصر العينى والقصر العالى، المحددة بالخليج والشارع المارّ تجاه منزل أحمد باشا راشد إلى القصر العالى، ولعل تسميته بالمريس فى زمن المقريزى أخذت من سكن السودان به، وعملهم المزر المسمى أيضا بالمريسة، ويظهر أن مساكن السودان كانت ممتدة على جانبى الخليج إلى أن تتصل بمبانى البلد محل منزل أحمد باشا راشد، ومنزل حافظ بيك، وإلى شارع السيدة زينب الموصل للأرض التى بها مسجد زين العابدين المعروفة قديما بالأرض الصفراء كما ذكر ذلك المقريزى عند الكلام على قطائع ابن طولون.

وأما الجامع الذى أنشأته الست حدق فى محل منظرة السكرة فقد ذكرناه فى غير هذا الموضع من هذا الكتاب أن محله الآن عمارة حسن باشا راسم الواقعة تجاه بيت داود باشا يكن وبيت يوسف باشا فهمى، غربى بيت أحمد باشا المذكور.

وبداخل حارة سوق مسكة أيضا حارة الزعفران، وعطفة الفرن وحارة النصارى، بداخلها دار خورشيد باشا السنارى، وعطفة الخمارة، وعطفة خلف، وعطفة السمك ودرب الأسطى، وبعد حارة سوق مسكة عطفة تعرف بعطفة الشربجى، بها بيت جاهين بيك بداخله جنينة، ثم العطفة السد، ثم عطفة الحمام، عرفت بحمام مصطفى بيك الذى بداخلها، وهو برسم الرجال والنساء، وبقربه جامع ابن إدريس، أنشأه السيد أحمد بن إدريس الشافعى القاسمى فى سنة إحدى ومائتين وألف، بداخله قبره عليه مقصورة من الخشب، ويعمل به حضرة كل أسبوع ومولد كل عام، وشعائره مقامة من ريع أوقافه إلى الآن، وبقربه دار ورثة المرحوم محمد بيك الدغستلى، بها جنينة.

وأما جهة اليسار فبها عطفة القماش، وعطفة الجردلى التى بها دار إسماعيل باشا الفريق، وعطفة قفص الوز، وعطفة النقلى، ودرب الهياتم، وهو درب كبير بداخله الجامع المعروف بجامع الهياتم، أنشأها الأمير يوسف جربجى فى سنة سبع وسبعين ومائة وألف، وشعائره مقامة

ص: 337

من ريع أوقافه إلى اليوم، وبلصقه سبيل يعلوه مكتب تابع له، وبهذا الدرب أيضا من الدور الكبيرة دار الأمير سليم باشا أباظه، ودار الأمير إبراهيم باشا جركس، وهى دار الأمير يوسف جربجى صاحب الجامع المذكور، ودار أحمد باشا الطويجى، ودار المرحوم مراد بيك ودار الأمير مصطفى بيك فرحات، ودار الأمير رستم بيك، فى مقابلتها جبّاسة تعرف بجباسة درويش مصطفى، معدة لبيع الجبس وطحنه، ودار الأمير أمين باشا الأزمرلى، وسراى الهياتم، الجميع بجنائن، ما عدا دار الأمير مصطفى بيك فرحات، وبجهة اليسار أيضا حارة الميضأة، تجاه ضريح سيدى البرمونى.

‌جامع الأستاذ الحنفى

وبهذا الشارع من الجوامع الشهيرة جامع الأستاذ الحنفى، أنشأه الأستاذ شمس الدين أبو محمود الحنفى بجوار داره فى سنة سبع عشرة وثمانمائة، كما ذكره المقريزى، وجعل له ثلاثة أبواب، أشهرها المفتوح على الشارع، وعن يسرة الداخل به مدفن الشيخ عمر شاه، والشيخ عمر الركنى، وسبيل ومكتب لتعليم الأطفال، وفى سنة سبع وثلاثين ومائتين وألف جدده الأمير سليمان أفندى تابع العزيز محمد على باشا، كما هو منقوش بجوار قبلته، وفيه بئران قديمتان، إحداهما بالإيوان الصغير البحرى، وكانت تسمى بئر الكرامة، قد سد فمها بالحجر بعض النظار، والأخرى تجاه باب المقصورة بجوار العمود، يستشفون بمائها ويزعمون أنها من ماء زمزم، وهى دائما مغطاة لا تفتح إلا أيام المولد، وبالجانب الأيمن ضريح السلطان الحنفى، يعلوه قبة مرتفعة، وعليه مقصورة من الخشب المرصع بالصدف والعاج، يعمل له مقرأة كل أسبوع ومولد كل عام، وشعائره مقامة إلى الغاية من أوقافه الكثيرة.

‌ترجمة الشيخ صالح أبى حديد

وبقربه جامع الشيخ صالح أبى حديد، أنشأه الخديو إسماعيل سنة ثمانين ومائتين وألف، بداخله قبره، عليه مقصورة من النحاس، يعلوها قبة مرتفعة، يعمل له حضرة كل أسبوع ومولد كل عام، وشعائره مقامة من ريع أوقافه بمعرفة ديوان الأوقاف، وأنشأ الخديو إسماعيل أيضا تجاهه سبيلا كبيرا يعلوه مكتب عظيم، وترتب فيه مؤدبون وخوجات لتعليم جميع الفنون التى تدرس بالمدارس، وصار الآن من المكاتب الأهلية التى تحت إدارة ديوان

ص: 338

الأوقاف، والمعلوم من أمر الشيخ المدفون بهذا الجامع أنه كان فى مبدأ أمره قاطع طريق، وكان له صاحبان ملازمان له، أحدهما الشيخ يوسف المدفون فى الشارع العام الموصل من الإسماعيلية إلى قصر العينى، تحت القبة المجاورة لقبة لاظ أوغلى، والثانى لم أقف على اسمه وإنما كان يجلس بحارة درب سعادة على مكسلة بيت متخرب هناك، ويتزيّا بزى الدراويش، وللناس فيه اعتقاد كبير، ويزعمون أنه من الأولياء فيتبرّكون به ويقبلون يده، وكان يستمر جالسا إلى الليل، وكلما مر عليه رجل بمفرده قال: يا واحد فيخرج فى الحال من البيت جملة رجال يحتاطون به، ويدخلونه البيت قهرا عنه، فيقتلونه ويسلبون ما معه واستمروا على ذلك الفعل القبيح زمنا طويلا، إلى أن استشعر الضابط بذلك، فأكمن لهم كمينا، وحرض رجلا على المرور ليلا من هناك، فلما مر الرجل نادى الشيخ كعادته، فخرجت الرجال واحتاطت به، وإذا بالكمين قد خرج عليهم وضبطهم، ووضع اليد على الشيخ ومن كان معه بالبيت، وعاقبوهم عقابا شديدا، فأقر الشيخ على صاحبيه الشيخ يوسف، والشيخ صالح.

هذا وكان الشيخ يوسف يلوذ بلاظوغلى، فوقع عليه فعفا عنه، وأما الشيخ صاحب المكسلة فقتل بعد تعذيبه، وأما الشيخ صالح فاحتمى بامرأة مغنية مشهورة، فادعت أنه مجنون، ووضعت فى رجليه قيدا من حديد، فأخذوه فوجدوه كما قالت، واعتقل لسانه عن الكلام لشدّة خوفه، وبقى على ذلك مدة، ثم شاع عنه بين الناس أن له كرامات وأخبارا بالمغيبات، وذلك بواسطة من اجتمع حوله من الأوباش ونحوهم، فقصده كثير من الناس أمراء وغيرهم، واعتقدوا فيه خصوصا النساء، وازدحم بيته بالزوار، وهجمت عليه النذور والهدايا، كل ذلك وهو لا يتكلم وملقى على الفراش وعليه حزام من صوف أبيض، وفى رجليه قيود الحديد، وحوله الخدم، وعند رأسه امرأة بيدها مروحة تروّح بها عليه وهو يحرك رأسه ويلعب شفتيه، فيسمع له صوت ساذج خفى جدّا يشبه صوت الأخرس وليس له مفهوم، فعند ذلك تقول المرأة للحاضرين من الزائرين الشيخ يقول فلانة تتزوّج، وفلانة تصطلح مع زوجها، وفلانة تحبل، والغائب يحضر، وزيد يترقى، وبكر ينعزل إلى غير ذلك من الخرافات، فكل من كان حاضرا يأخذ له معنى لنفسه من هذه الألفاظ، وبسبب ذلك صارت خدمته فى ثروة كبيرة وفوائد كثيرة، واستمرت حالته هكذا إلى أن مات، فبنى له الخديو إسماعيل هذا الجامع ودفن به، وهو جامع عظيم لم يبن لغيره من الأفاضل

ص: 339

ذوى المعارف والعلوم الذين انتفع الكثير بعلومهم ومعارفهم، ولكن هذه عادة قديمة ألفها المصريون من قديم الزمان، وطالما نبه عليها كثير من المؤلفين فى كتبهم، فلا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.

وهناك أيضا بهذا الشارع سبيلان: أحدهما وقف على أغا سليم وتحت نظر محمود أفندى سليم من ذرية الواقف، والآخر تحت نظارة سليم أفندى رستم، ودار ورثة المرحوم رستم باشا ودار ورثة المرحوم أحمد بيك النجدلى، ودار ورثة المرحوم على أغا السجادلى.

***

ص: 340

‌شارع سويقة اللالا

يبتدئ من آخر شارع الحنفى بجوار درب الهياتم، وينتهى لشارع الدرب الجديد، وطوله مائتان وسبعون مترا.

وبه من جهة اليسار ثلاث عطف:

الأولى عطفة المحتسب، بداخلها زاوية صغيرة تعرف بزاوية رضوان، فيها لوح رخام منقوش فيه (أحيا هذه الزاوية المباركة بعد اندثارها حضرة الأمير رضوان اختيار جاويشان محرم أمين-عفا الله عنه-افتتاح عام سنة ست ومائتين وألف). وهى اليوم معطلة الشعائر وجعلت مكتبا لتعليم الأطفال اللغة التركية، وبهذه العطفة أيضا دار الأمير أصلان باشا، ودار الأمير حسين باشا الطوبجى، ودار إبراهيم باشا أدهم، بكل واحدة جنينة.

الثانية عطفة المدق، بداخلها زاوية صغيرة تعرف بزاوية عمر شاه، شعائرها مقامة من مرتب لها بالروزنامجة بنظر رجل يدعى خليل أفندى.

الثالثة عطفة مرزوق، بآخرها حمام يعرف بحمام مرزوق، من إنشاء حسين أغا نجاتى، وهو برسم النساء فقط، وبها بيت رامز أغا بجنينة.

وأما من اليمين فيها: حارة العراقى، يسلك منها لشارع الناصرية، عرفت بالشيخ العراقى صاحب الضريح الذى بها.

‌جامع داود باشا

وبأولها الجامع المعروف بجامع داود باشا، كان أول أمره مدرسة أنشأها الأمير داود باشا المتولى على مصر سنة خمس وأربعين وتسعمائة، وأنشأ أيضا بجواره سبيلا مفروشا بالرخام، شعائرهما مقامة من ريع أوقافهما إلى اليوم.

ص: 341

وبوسط حارة العراقى أيضا ضريح يعرف صاحبه بالشيخ محمود، وزاوية تعرف بزاوية الست لالا، كانت متخربة فجدّدها المرحوم عبد الجليل بيك سنة خمس وتسعين ومائتين وألف وهى شرقى منزله، وجعل بها حنفيات، وعمل لها بئر، وأقام شعائرها إلى الآن، ويعمل بها مولد كل سنة للست لالا المدفونة بها.

وبهذا الشارع أيضا جامع الكردى، يصعد إليه بدرج، وبأسفله عدة حواصل، وله مطهرة بجوارها نخيل وأشجار ومئذنته بدورين، وبداخله ضريح يعرف بالشيخ الكردى عليه مقصورة من الخشب، وشعائره مقامة بنظر ديوان الأوقاف، وبه عدة دور كبيرة:

منها دار أحمد باشا صادق، ودار سرور أغا نجاتى ودار حسن أفندى وكيل طلعت باشا، ودار عبد الجليل بيك، كلها بحدائق.

‌ترجمة السيد محمد الشهير بمرتضى

وكان بهذا الشارع تجاه جامع الكردى المذكور دار السيد محمد الشهير بمرتضى، شارح كتاب القاموس، وهو-كما فى الجبرتى-الفقيه المحدث اللغوى النحوى الأصولى الناظم الناثر أبو الفيض السيد محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق الشهير بمرتضى الحسينى الزبيدى الحنفى. قال الجبرتى: ولد سنة خمس وأربعين ومائة وألف، كما سمعته من لفظه ورأيته بخطه، ثم قال: ونشأ ببلاده وارتحل فى طلب العلم وحج مرارا، ثم وزد إلى مصر فى تاسع صفر سنة سبع وستين ومائة وألف، وسكن بخان الصاغة، وأول من عاشره وأخذ منه السيد على المقدسى الحنفى-من علماء مصر-وحضر دروس أشياخ الوقت كالشيخ أحمد الملوى، والجوهرى، والحفنى، والسيد البليدى، والصعيدى، والمدابغى وغيرهم، وتلقى عنهم وأجازوه، وشهدوا بعلمه وفضله وجودة حفظه، واعتنى بشأنه إسماعيل كتخدا عزبان، ووالاه بره، حتى راج أمره، وترونق حاله، واشتهر ذكره عند الخاص والعام، ولبس الملابس الفاخرة، وركب الخيول المسومة، وسافر إلى الصعيد ثلاث مرات، واجتمع بأكابره وأعيانه وعلمائه، وأكرمه شيخ العرب همام وإسماعيل أبو عبد الله، وأبو على، وأولاد نصير، وأولاد وافى وهادوه وبروه، وكذلك ارتحل إلى الجهات البحرية، مثل دمياط ورشيد والمنصورة وباقى البنادر العظيمة مرارا، حين كانت مزينة بأهلها، عامرة بأكابرها، وأكرمه الجميع، واجتمع بأكابر النواحى وأرباب العلم والسلوك، وتلقى عنهم وأجازوه وأجازهم، وصنف عدة رحلات فى انتقالاته فى البلاد القبلية والبحرية، تحتوى

ص: 342

على لطائف ومحاورات ومدائح نظما ونثرا، لو جمعت كانت مجلدا ضخما، وكناه السيد أبو الأنوار بن وفا بأبى الفيض، وذلك يوم الثلاثاء سابع عشر شعبان سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف، ثم تزوج وسكن بعطفة الغسال، مع بقاء سكنه بخان الصاغة، وشرع فى شرح القاموس حتى أتمه فى عدة سنين فى نحو أربعة عشر مجلدا سماه تاج العروس، ولما أكمله أولم وليمة حافلة جمع فيها طلاب العلم وأشياخ الوقت بغيط المعدية، وذلك فى سنة إحدى وثمانين ومائة وألف، وأطلعهم عليه واغتبطوا به وشهدوا بفضله وسعة اطلاعه ورسوخه فى علم اللغة، وكتبوا عليه تقاريظهم نظما ونثرا.

ولما أنشأ محمد بيك أبو الذهب جامعه المعروف به بالقرب من الأزهر، وعمل فيه خزانة الكتب، واشترى جملة من الكتب ووضعها بها، أنهوا إليه شرح القاموس هذا، وعرفوه أنه إذا وضع بالخزانة كمل نظامها، وانفردت بذلك دون غيرها، ورغبوه فى ذلك فطلبه وعوضه عنه مائة ألف درهم فضة ووضعه فيها، ولم يزل المترجم يخدم العلم ويرقى فى درج المعالى، ويحرص على جمع الفنون التى أغفلها المتأخرون كعلم الأنساب والأسانيد، وتخاريج الأحاديث، واتصال طرائق المحدثين المتأخرين بالمتقدمين، وألف فى ذلك كتبا ورسائل ومنظومات وأراجيز جمة، ثم انتقل إلى منزل بسويقة اللالا تجاه جامع محرم أفندى، بالقرب من مسجد شمس الدين الحنفى، وذلك فى أوائل سنة تسع وثمانين ومائة وألف، وكانت تلك الخطة إذ ذاك عامرة بالأكابر والأعيان، فأحدقوا به وتحبب إليهم، واستأنسوا به وواسوه وهادوه، وأتوا إلى زيارته من كل ناحية، ورغبوا فى معاشرته لكونه غريبا، وعلى غير صورة العلماء المصريين وشكلهم، ويعرف باللغة التركية والفارسية وبعض لسان الكرج، فانجذبت قلوبهم إليه، وتناقلوا خبره وحديثه، ثم شرع فى إملاء الحديث على طريقة السلف فى ذكر الأسانيد والرواة والمخرجين من حفظه على طرق مختلفة، وكل من قدم عليه يملى عليه الحديث المسلسل بالأوّلية، وهو حديث الرحمة برواته ومخرجيه، ويكتب له سندا بذلك، ثم إن بعض علماء الأزهر ذهبوا إليه وطلبوا منه إجازة، فقال: لا بد من قراءة أوائل الكتب، واتفقوا على الاجتماع بجامع شيخون بالصليبة الاثنين والخميس تباعدا عن الناس، فشرعوا فى صحيح البخارى بقراءة السيد حسين الشيخونى، واجتمع عليهم

ص: 343

بعض أهل الخطة والشيخ موسى الشيخونى إمام المسجد وخازن الكتب، وتناقل فى الناس سعى علماء الأزهر مثل الشيخ أحمد السجاعى، والشيخ مصطفى الطائى، والشيخ سليمان الأكراشى وغيرهم للأخذ عنه، فازداد شأنه وعظم قدره، واجتمع عليه أهل تلك النواحى وغيرها من العامة والأكابر والأعيان، والتمسوا منه تبيين المعانى، فانتقل من الرواية إلى الدراية، وصار درسا عظيما، فعند ذلك انقطع عن حضوره أكثر الأزهرية وقد استغنى عنهم هو أيضا، وصار يملى على الجماعة بعد قراءة شئ من الصحيح حديثا من المسلسلات، أو فضائل الأعمال، ويسرد رجال سنده ورواته من حفظه، ويتبعه بأبيات من الشعر كذلك فيتعجبون من ذلك لكونهم لم يعهدوها فيما سبق فى المدرسين المصريين.

وافتتح درسا آخر فى مسجد الحنفى، وقرأ الشمائل فى غير الأيام المعهودة بعد العصر، فازدادت شهرته، وأقبلت الناس من كل ناحية لسماعه ومشاهدة ذاته، لكونها على خلاف هيئة المصريين وزيهم، ودعاه كثير من الأعيان إلى بيوتهم، وعملوا من أجله ولائم فاخرة، فيذهب إليهم مع خواص الطلبة، والمقرئ والمستملى وكاتب الأسماء، فيقرأ لهم شيئا من الأجزاء الحديثية كئلاثيات البخارى أو الدارمى، أو بعض المسلسلات بحضور الجماعة وصاحب المنزل وأصحابه وأحبابه وأولاده وبناته ونساؤه من خلف الستائر، وبين أيديهم مجامر البخور بالعنبر والعود مدة القراءة، ثم يختمون ذلك بالصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم على النسق المعتاد، ويكتب الكاتب أسماء الحاضرين والسامعين حتى النساء والصبيان والبنات واليوم والتاريخ، ويكتب الشيخ تحت ذلك صحيح ذلك.

وهذه كانت طريقة المحدثين فى الزمن السابق، ثم قال: وانجذب إليه بعض الأمراء الكبار مثل مصطفى بيك الاسكندرانى وأيوب بيك الدفتردار، فسعوا إلى منزله وترددوا لحضور مجالسه، وواصلوه بالهدايا الجزيلة والغلال واشترى الجوارى، وعمل الأطعمة للضيوف، وأكرم الواردين والوافدين من الآفاق البعيدة

وحضر عبد الرازق أفندى الرئيس من الديار الرومية إلى مصر، وسمع به فحضر إليه والتمس منه الإجازة وقراءة مقامات الحريرى، فكان يذهب إليه بعد فراغه من درس شيخون ويطالع له ما تيسر من المقامات، ويفهمه معانيها اللغوية، ولما حضر محمد باشا عزت

ص: 344

الكبير رفع شأنه عنده وأصعده إليه، وخلع عليه فروة سمور، ورتب له تعيينا من كلاده لكفايته من لحم وسمن وأرز وحطب وخبز، ورتب له علوفة جزيلة بدفتر الحرمين والسائرة وغلالا من الأنبار، وأنهى إلى الدولة شأنه، فأتاه مرسوم بمرتب جزيل بالضربخانة وقدره مائة وخمسون نصفا فضة فى كل يوم، وذلك فى سنة إحدى وتسعين ومائة وألف، فعظم أمره، وانتشر صيته، وطلب إلى الدولة فى سنة أربع وتسعين فأجاب، ثم امتنع وترادفت عليه المراسلات من أكابر الدولة، وواصلوه بالهدايا والتحف والأمتعة الثمينة، وكاتبه ملوك النواحى من الترك والحجاز والهند واليمن والشام والبصرة والعراق، وملوك المغرب والسودان وفزان، والجزائر والبلاد البعيدة، وكثرت عليه الوفود من كل ناحية وترادفت عليه منهم الهدايا والصلات والأشياء الغريبة، وأرسل إليه من أغنام فزان، وهى عجيبة الخلقة، عظيمة الجثة، يشبه رأسها رأس العجل، فأرسلها إلى أولاد السلطان عبد الحميد فوقع لهم موقعا، وكذلك أرسلوا له من طيور الببغاء والجوارى والعبيد والطواشية، فكان يرسل من طرائف الناحية إلى الناحية المستغرب ذلك عندها، ويأتيه فى مقابلتها أضعافها، وأتاه من طرائف الهند وصنعاء اليمن وبلاد سرت وغيرها أشياء نفيسة، وماء الكادى والمربيات والعود والعنبر والعطر شاه بالأرطال، وصار له عند أهل المغرب شهرة عظيمة ومنزلة كبيرة واعتقاد زائد، وماتت زوجته فى سنة ست وتسعين، فحزن عليها حزنا كثيرا، ودفنها عند المشهد المعروف بمشهد السيدة رقية، وعمل على قبرها مقاما ومقصورة وستورا وفرشا وقناديل، ولازم قبرها أياما كثيرة، ويجتمع عنده الناس والقراء والمنشدون، ويعمل لهم الأطعمة والثريد والقهوة والشربات، واشترى مكانا بجوار المقبرة المذكورة، وعمره بيتا صغيرا وفرشه، وأسكن به أمها، ويبيت به أحيانا، وقصده الشعراء بالمراثى فيقبل منهم ذلك، ويجيزهم عليه ورثاها هو بجملة قصائد، ذكرها الجبرتى فى تاريخه، وبالجملة فإنه كان فى جمع المعارف صدرا لكل ناد، حتى قوض الدهر منه رفيع العماد، وأذنت شمسه بالزوال، وغربت بعد ما طلعت من مشرق الإقبال كما قيل:

وزهرة الدنيا وإن أينعت

فإنها تسقى بماء الزوال

وقد نعاه الفضل والكرم

وناحت لفراقه حمائم الحرم

ص: 345

وأصيب بالطاعون فى شهر شعبان، وذلك أنه صلى الجمعة فى مسجد الكردى المواجه لداره، فطعن بعد ما فرغ من الصلاة ودخل إلى البيت، واعتقل لسانه تلك الليلة، وتوفى فى يوم الأحد، ودفن فى قبر أعده لنفسه بجانب زوجته بالمشهد المعروف بالسيدة رقية.

ومن مؤلفاته خلاف شرح القاموس وشرح الأحياء كتاب الجواهر المنيفة فى أصول أدلة مذهب الإمام أبى حنيفة-رضي الله عنه-مما وافق فيه الأئمة الستة، وهو كتاب نفيس، حافل، رتبه ترتيب كتب الحديث من تقديم ما روى عنه فى الاعتقاديات، ثم فى العمليات ترتيب كتب الفقه، والعقد الثمين فى طرق الإلباس والتلقين، وحكمة الإشراق إلى كتاب الآفاق، وإعلام الأعلام بمناسك حج بيت الله الحرام، ورشف سلاف الرحيق فى نسب حضرة الصديق، والقول المثبوت فى تحقيق لفظ التابوت، ومنح الفيوضات الوفية فيما فى سورة الرحمن من أسرار الصفة الإلهية، وجزء فى حديث نعم الإدام الخل، وتفسير على سورة يونس مستقل على لسان القوم، وحديقة الصفا فى والدى المصطفى، ورسالة فى طبقات الحفاظ، والمنح العلية فى الطريقة النقشبندية، والانتصار لوالدى النبى المختار، وألفية السند ومناقب أصحاب الحديث، وكشف اللثام عن آداب الإيمان والإسلام، ورفع الشكوى لعالم السر والنجوى، وترويح القلوب بذكر ملوك بنى أيوب، وغير ذلك مؤلفات كثيرة، ذكرها الجبرتى فى ترجمته فلتراجع.

***

ص: 346

‌شارع درب الجديد

أوله من آخر شارع سويقة اللالا، وآخره الدرب الجديد، وطوله مائتان وعشرون مترا وبه من جهة اليسار عطفة تعرف بعطفة الجمل، ودرب يعرف بدرب الخواجا.

ومن جهة اليمين عطفة الحمام، بداخلها الحمام المعروف بحمام الدرب الجديد، من إنشاء المرحوم محرم أفندى الكاتب الكبير، جعله برسم الرجال والنساء، وهو عامر إلى الآن.

ثم عطفة الأمير يوسف.

ثم حارة البوشى، ثم عطفة الجنيد، عرفت بجامع الجنيد الذى هناك بالقرب من المشهد الزينبى، أنشأه الأمير فلك الدين شاه بن ددا البغدادى سنة عشرين وسبعمائة، شعائره مقامة إلى الآن من أوقافه، ويتبعه سبيل متخرب.

ثم بعد عطفة الجنيد الدرب الجديد الذى عرف الشارع به، وهو درب كبير، برأسه سبيل يعرف بسبيل يونس، أنشأه الأمير يونس، وجعل فوقه مكتبا لتعليم الأطفال، وبقربه سبيل الباقرجية، أنشأته الست المعروفة بالباقرجية سنة أربع وسبعين ومائتين وألف، جعلت فوقه مكتبا، وهما عامران إلى اليوم من أوقافهما، وبداخله منزل ورثة المرحوم مصطفى باشا الجردلى، ومنزل ورثة المرحوم مصطفى بيك، بكل منهما جنينة وغير ذلك من الدور الكبيرة والمنازل الصغيرة.

***

ص: 347

‌شارع الناصرية

يبتدئ من آخر شارع سويقة السباعين، وينتهى لشارع الكومى، وسكة القصر العالى، وطوله خمسمائة وثمانون مترا.

وبه من جهة اليسار: درب المزين، ثم درب الجنينة، ثم درب المعازة، ثم درب الغزالى، ويعرف أيضا بدرب القرودى، يسلك منه لشارع سويقة اللالا، وبداخله عطفتان وزاوية تعرف بزاوية الست صلوحة، معطلة الشعائر لتخربها، وتحت نظر ديوان الأوقاف، وأخرى تعرف بزاوية الطواب، شعائرها مقامة ونظرها لامرأة تدعى فاطمة النبوية وبجوارها سبيل صغير.

ثم درب أبى لحاف، بداخله ثلاثة فروع غير نافذة، ثم درب الكنيّسة بضم الكاف وفتح النون وتشديد الياء، ثم درب السايس، بداخله ضريح معروف بضريح أبى يزيد البسطامى، ثم العطفة الصغيرة، ثم عطفة الخبيرى.

وأما جهة اليمين: فبها سكة الجنائن، ودرب البندق، بداخله درب الفقراء، ودرب الصعايدة، وعطفة صغيرة، وضريح يعرف بضريح الشيخ العجان.

وبهذا الشارع من الجوامع الشهيرة جامع قايتباى، يصعد إليه بدرج، وله بابان أحدهما بالجهة الغربية، بجواره سبيل، والآخر بالجهة البحرية بجوار باب المطهرة، وشعائره مقامة من أوقافه بنظر الديوان.

[جامع الإسماعيلى]

جامع الإسماعيلى: أنشأه الأمير أرغون الإسماعيلى على البركة-الناصرية فى شعبان سنة ثمان وأربعين وسبعمائة كما ذكره المقريزى، وهو تجاه درب القرودى، له بابان، والمستعمل

ص: 348

منه الآن للصلاة نصفه تقريبا، والنصف الآخر فيه المطهرة والمراحيض والبئر، وليس به أضرحة ولا مئذنة، وشعائره مقامة من أوقافه إلى الآن، وكانت مطهرته أولا فى خارجه، وقد جعلت اليوم بداخله بمعرفة ديوان الأوقاف.

[جامع أبو اليسر]

جامع أبو اليسر، وهو جامع قديم، مقام الشعائر الإسلامية من جهة ديوان الأوقاف، بنى أول أمره مدرسة بناها الأمير قرا سنقر الشمسى الظاهرى برقوق، المتوفى سنة تسع وثلاثين وثمانمائة.

[زاوية الكومى]

وبه أيضا زاوية تعرف بزاوية الكومى على الخليج، بالقرب من المشهد الزينبى، عرفت باسم الشيخ إبراهيم الكومى المدفون بها، يعلو قبره قبة صغيرة، وشعائرها مقامة من ريع أوقافها بنظر رجل يدعى الشيخ إبراهيم حسن البيومى.

وبه ضريح يعرف بين الناس بضريح كعب الأحبار، وآخر يعرف بالشيخ الزفيتى، وحمام الناصرية برسم الرجال والنساء، وجار فى ملك بعض الأهالى، وعمارة محمد بيك التتونجى، وهى عمارة كبيرة وفى مقابلتها جباسة تعرف بجباسة التتونجى، معدة لطحن الجبس وبيعه.

[ترجمة الأمير حسن كاشف جركس]

وبه أيضا المدرسة المعروفة بمدرسة المبتديان التى كانت فى الأصل دار الأمير حسن كاشف جركس، أحد الأمراء المصريين، ترجمه الجبرنى فقال: حسن كاشف المعروف بجركس، أصله من مماليك محمد بيك أبى الذهب وإشراق عثمان بيك الشرقاوى، كان من الفراعنة، وهو الذى عمر الدار العظيمة بالناصرية، وصرف عليها أموالا عظيمة، وقبل بياضها وصلت الفرنسيس إلى الديار المصرية، فسكنها الفلكيون والمدبرون وأهل الحكمة والمهندسون، فلذلك صيلت من الخراب كما وقع لغيرها من الدور لكون عسكرهم لم يسكنوا بها، تقلد المترجم الصنجقية بالشام، ثم هلك بالطاعون، وذلك فى سنة خمس عشرة ومائتين وألف.

ثم أخذ تلك الدار الأمير عثمان بيك البرديسى وسكنها، وبنى حولها أبراجا جعل فيها

ص: 349

طائفة من عسكره، وظن أنه ينفرد بإمارة مصر فلم يتم له ذلك، وخرج منها مطرودا، وبقى على ذلك إلى أن مات بمنفلوط ودفن بها، وذلك فى سنة إحدى وعشرين ومائتين وألف وكان ظلوما غشوما سيئ التدبير، جعله الله سببا فى زوال عز الأمراء المصريين ودولتهم.

(انتهى).

وقد بسطنا ترجمته عند الكلام على منفلوط من هذا الكتاب، ثم بعد خروج البرديسى وموته بمنفلوط دخلت تلك الدار فى ملك العزيز محمد على باشا، فعمّرها وجعلها مدرسة، ثم لما تولى المرحوم عباس باشا أبطلها وجعلها مسافرخانة لكل من ورد إلى مصر من الديار الأجنبية، ثم جعلت فى عهد الخديو إسماعيل مدرسة للمبتديان، وهى باقية على ذلك إلى الآن

وهذه المدرسة قد دخل فيها بعض بيوت من الجهة القبلية لعدم كفايتها لضروريات التلامذة المجتمعين بها، وفى مدة نظارتى على ديوان المدارس أجريت بها عمارة كبيرة وبعض تصليحات، ومع هذا لم تستوف شروط المدارس، وينبغى هدمها وبناؤها على قالب مستحسن لتكون موافقة لذلك.

‌تتمة

[بركة أبى الشامات]

كان بهذا الشارع البركة المعروفة بالبركة الناصرية، وكانت فى الجهة القبلية للبركة المعروفة ببركة السباع، وكانت تعرف فى زمن الفرنساوية ببركة أبى الشامات، وقد تكلم عليها المقريزى فى خططه حيث قال: هذه البركة من جملة جنان الزهرى، فلما خربت جنان الزهرى صار موضعها كوم تراب إلى أن أنشأ السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ميدان المهارى فى سنة عشرين وسبعمائة، وأراد بناء الزريبة بجانب الجامع الطيبرسى احتاج فى بنائها إلى طين، فركب وعين مكان هذه البركة، وأمر الفخر ناظر الجيش فكتب أوراقا بأسماء الأمراء، وانتدب الأمير بيبرس الحاجب فنزل بالمهندسين فقاسوا دور البركة ووزع على الأمراء بالأقصاب، فنزل كل أمير وضرب خيمة لعمل ما يخصه، فابتدأوا العمل فى يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من شهر ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، فتمادى الحفر إلى جانب كنيسة الزهرى، وكان إذ ذاك فى تلك الأرض عدة كنائس، ولم يكن هناك شئ

ص: 350

من العمائر التى هى اليوم حول البركة الناصرية، ولا من العمائر التى فى خط قناطر السباع، ولا فى خط السبع سقايات إلى قنطرة السد، وإنما كانت بساتين وكنائس وديور للنصارى، فاستولى الحفر على ما حول كنيسة الزهرى وصارت فى وسط الحفر حتى تعلقت، وكان القصد أن تسقط من غير تعمد هدمها، فأراد الله تعالى هدمها على يد العامة، ثم لما تم حفر البركة نقل ما خرج منها من الطين إلى الزريبة، وأجرى إليها الماء من جوار الميدان السلطانى الكائن بأراضى بستان الخشاب عند موردة البلاط، فلما امتلأت بالماء صارت مساحتها سبعة أفدنة، فحكر الناس ما حولها وبنوا عليها الدور العظيمة، وما برح خط الناصرية عامرا إلى أن كانت الحوادث من سنة ست وثمانمائة، فشرع الناس فى هدم ما عليها من الدور، فهدم كثير مما كان هناك، والهدم مستمر إلى يومنا هذا. (انتهى).

(قلت): وجميع ما ذكره المقريزى فى ترجمة البركة الناصرية يدل على أنها هى التى كانت تعرف فى زمن الفرنساوية ببركة أبى الشامات، وكان موقعها على الخرطة التى رسمتها الفرنساوية فى غربى الجنينة المعروفة بجنينة وهبى بيك من الجهة البحرية، وكان مرسوما بجوارها من الجهة الشرقية تل أثره باق إلى الآن فى الزاوية الغربية للجنينة المذكورة.

وهذه البركة كانت تمتد من بوابة الناصرية إلى شارع السيدة زينب الموصل إلى القصر العالى، ومن حقوقها ديوان المالية الذى كان بيتا لإسماعيل باشا المفتش، وكذلك المبانى المقابلة له، الكائنة على الشارع العمومى.

وكان بحريها غيط يعرف يغيط أبى الشامات.

[غيط المجلس]

وفى شرقيها غيط قاسم بيك الذى هو الآن بيد ورثة وهبى بيك، وكان يعرف فى زمن الفرنساوية بغيط المجلس، لأن ذوى المعارف من الفرنساوية الذين حضروا مع نابليون بونابرت نزلوا بقرب هذا الغيط، بالمنزل المعروف ببيت حسن كاشف الذى هو الآن مدرسة المبتديان يعرف الغيط بغيط المجلس من أجل ذلك، وكان قبلى الغيط المذكور الطريق العام، وكان السالك فيه إلى القصر العالى يجد عن يمينه غيط قاسم بيك، وعن يساره غيط إبراهيم جاويش، وكان كبيرا ممتدا إلى الخليج، ومن ضمنه الآن بيت حبيب أفندى، وبيت حافظ بيك،

ص: 351

وبيت علوى بيك، وبيت أحمد باشا راشد، وكان فى البرّ الثانى للخليج فى مقابلة بيت أحمد باشا راشد غيط الجوهرجية، وبقربه غيط يعرف بغيط عمر كاشف، وكان ممتدا إلى قنطرة السد.

[ميدان النشاب]

وقد وجد مرسوما أيضا على خرطة مصر التى عملتها الفرنساوية جزء كان باقيا من الميدان السلطانى، سموه ميدان النشاب، كان معدا لرمى النشاب فى زمن العزيز محمد على باشا، وكان موضعه تجاه القصر العالى، ويمتد إلى قصر العينى.

‌مطلب هدم الكنائس بمصر والقاهرة وقوص وغيرها

فى يوم واحد عقب صلاة الجمعة

ثم نرجع إلى بيان هدم كنيسة الزهرى التى تقدم ذكرها فنقول: ذكر المقريزى أن هذه الكنيسة كانت فى الموضع الذى فيه البركة الناصرية بالقرب من قناطر السباع فى بر الخليج الغربى غربى اللوق، ثم ذكر ما تقدم من حفر البركة الناصرية وإجراء الماء إليها، ثم قال:

ولما كان يوم الجمعة التاسع من شهر ربيع الآخر سنة إحدى وعشرين وسبعمائة وقت اشتغال الناس بصلاة الجمعة، والعمل من الحفر بطال، فتجمع عدّة من غوغاء العامة بغير مرسوم السلطان، وقالوا بصوت عال مرتفع: الله أكبر، ووضعوا أيديهم بالمساحى ونحوها فى كنيسة الزهرى وهدموها حتى بقيت كوما وقتلوا من كان فيها من النصارى، وأخذوا جميع ما كان فيها، وهدموا كنيسة يومنا التى كانت بالحمراء، وكانت معظمة عند النصارى من قديم الزمان، وبها عدة من النصارى قد انقطعوا فيها، ويحمل إليهم نصارى مصر سائر ما يحتاج إليه، ويبعث إليها بالنذور الجليلة، والصدقات الكثيرة، فوجد فيها مال كثير ما بين نقد ومصاغ وغيره، وتسلق العامة إلى أعلاها وفتحوا أبوابها وأخذوا منها مالا وقماشا وجرار خمر كان أمرا مهولا، ثم مضوا من كنيسة الحمراء بعد ما هدموها إلى كنيستين بجوار السبع سقايات، تعرف إحداهما بكنيسة البنات، كان يسكنها بنات النصارى، وعدة من الرهبان فكسروا أبواب الكنيستين وسبوا البنات، وكن زيادة على ستين بنتا، وأخذوا ما عليهن من الثياب، ونهبوا سائر ما ظفروا به، وحرقوا وهدموا تلك الكنائس كلها، هذا والناس فى صلاة الجمعة، فعند ما خرج الناس من الجوامع شاهدوا هو لا كبيرا من كثرة الغبار ودخان

ص: 352

الحريق، ومرج الناس وشدة حركاتهم ومعهم ما نهبوه فما شبه الناس الحال لهوله إلاّ بيوم القيامة، وانتشر الخبر، وطار إلى الرميلة تحت قلعة الجبل، فسمع السلطان ضجة عظيمة منكرة أفزعته، فبعث لكشف الخبر، فلما بلغه ما وقع انزعج انزعاجا عظيما، وغضب من تجرؤ العامة وإقدامهم على ذلك بغير أمره، وأمر الأمير أيدغمش أمير أخور أن يركب بجماعة الأوشاقية ويتدارك هذا الخلل، ويقبض على من فعله، فأخذ أيدغمش يتهيأ للركوب وإذا بخبر قد ورد من القاهرة أن العامة ثارت فى القاهرة وخربت كنيسة بحارة الروم وكنيسة بحارة زويلة، وجاء الخبر من مدينة مصر أيضا بأن العامة قامت فى مصر فى جمع كثير جدا، وزحفت إلى كنيسة المعلقة بقصر الشمع، فأغلقها النصارى وهم محصورون بها وهى على أن تؤخذ، فتزايد غضب السلطان وهم أن يركب بنفسه ويبطش بالعامة، ثم تأخر لما راجعه الأمير أيدغمش ونزل من القلعة فى أربعة من الأمراء إلى مصر، وركب الأمير بيبرس الحاجب والأمير ألماس الحاجب إلى موضع الحفر، وركب الأمير طينال إلى القاهرة، وكل منهم فى عدة وافرة، وقد أمر السلطان بقتل من قدروا عليه من العامة، بحيث لا يعفون عن أحد، فقامت القاهرة ومصر على ساق، وفرت النهابة، فلم يظفر الأمراء منهم إلا بمن عجز عن الحركة بما غلبه من السكر بالخمر الذى نهبه من الكنائس، ولحق الأمير أيد عمش بمصر وقد ركب الوالى إلى المعلقة قبل وصوله ليخرج من زقاق المعلقة من حضر للنهب، فأخذه الرجم حتى فر منهم ولم يبق إلا أن يحرق باب الكنيسة، فجرد أيد غمش ومن معه السيوف يريدون الفتك بالعامة، فوجدوا عالما لا يقع عليه حصر، وخاف سوء العاقبة، فأمسك عن القتل، وأمر أصحابه بإرجاف العامة من غير إهراق دم، ونادى مناديه من وقف حل دمه، ففر سائر من اجتمع من العامة وتفرقوا، وصار أيد غمش واقفا، إلى أن أذّن العصر خوفا عن عود العامة، ثم مضى وألزم والى مصر أن يبيت بأعوانه هناك، وترك معه خمسين من الأوشاقية، وأما الأمير ألماس فإنه وصل إلى كنائس الحمراء وكنائس الزهرى ليتداركها، فإذا بها قد بقيت كيمانا، ليس بها جدار قائم، فعاد وعاد الأمراء فردوا الخبر على السلطان وهو لا يزداد إلا حنقا، فما زالوا به حتى سكن غضبه، وكان الأمر فى هدم هذه الكنائس عجبا من العجب وهو أن الناس لما كانوا فى صلاة الجمعة من هذا اليوم بجامع قلعة الجبل، فعند ما فرغوا من الصلاة قام رجل موله وهو يصيح من وسط الجامع: اهدموا الكنيسة التى فى القلعة اهدموها

ص: 353

وأكثر من الصياح المزعج، حتى خرج عن الحد، ثم اضطرب فتعجب السلطان والأمراء من قوله، ورسم لنقيب الجيوش والحاجب بالفحص عن ذلك، فمضيا من الجامع إلى خرائب التتر من القلعة، فإذا فيها كنيسة قد بنيت فهدموها، فلم يفرغوا من هدمها حتى وصل الخبر بواقعة كنائس الحمراء والقاهرة، فكثر تعجب السلطان من شاه ذلك الفقير، وطلب فلم يوقف له على خبر، واتفق أيضا بالجامع الأزهر أن الناس لما اجتمعوا فى هذا اليوم لصلاة الجمعة قام شخص من الفقراء بعد ما أذن قبل أن يخرج الخطيب وقال: اهدموا كنائس الطغيان والكفرة، وصار يزعج الناس ويصرخ من الأساس إلى الأساس، فحدق الناس بالنظر إليه ولم يدروا ما خبره، وافترقوا فى أمره، فقائل هذا مجنون، وقائل هذه إشارة لشئ، فلما خرج الخطيب أمسك عن الصياح، وطلب بعد انقضاء الصلاة فلم يوجد، وخرج الناس إلى باب الجامع فرأوا النهابة ومعهم أخشاب الكنائس وثياب النصارى وغير ذلك من النهوب، فسألوا عن الخبر فقيل: قد نادى السلطان بخراب الكنائس، فظن الناس الأمر كما قيل، حتى تبين بعد قليل أن هذا الأمر إنما كان من غير أمر السلطان، وكان الذى هدم فى هذا اليوم من الكنائس بالقاهرة كنيسة بحارة الروم، وكنيسة بالبندقانيين، وكنيستين بحارة زويلة، وفى يوم الأحد الثالث من يوم الجمعة الكائن فيه هدم كنائس القاهرة ومصر، وورد الخبر من والى الإسكندرية بأنه لما كان فى يوم الجمعة تاسع ربيع الآخر بعد صلاة الجمعة وقع فى الناس هرج، وخرجوا من الجامع وقد وقع الصياح هدمت الكنائس، فركب من فوره فوجد الكنائس قد صارت كوما، وعدتها أربع كنائس، وأن بطاقة وقعت من والى البحيرة بأن كنيستين فى مدينة دمنهور هدمتا والناس فى صلاة الجمعة من هذا اليوم، فكثر التعجب من ذلك إلى أن ورد الخبر فى يوم الجمعة سادس عشره من مدينة قوص بأن الناس عند ما فرغوا من صلاة الجمعة فى اليوم التاسع من شهر ربيع الآخر قام رجل من الفقراء وقال: يا فقراء اخرجوا إلى هدم الكنائس، وخرج فى جمع من الناس فوجدوا الهدم قد وقع فى الكنائس، فهدمت ست كنائس كانت بقوص وما حولها فى ساعة واحدة، وتواتر الخبر من الوجه القبلى والوجه البحرى بكثرة ما هدم فى هذا اليوم وقت صلاة الجمعة وما بعدها من الكنائس والديور فى جميع إقليم مصر كله.

ص: 354

‌مطلب الكلام على الحريق الذى وقع بالقاهرة ومصر فى عدة مواضع

ثم لم يمض سوى شهر من يوم هدم الكنائس حتى وقع الحريق بالقاهرة ومصر فى عدة مواضع، وحصل فيه من الشناعة أضعاف ما كان من هدم الكنائس، فوقع الحريق فى ربع بخط الشوائين من القاهرة فى يوم السبت عاشر جمادى الأولى، وسرت النار إلى ما حوله، واستمر إلى آخر يوم الأحد، فتلف فى هذا الحريق شئ كثير، وعند ما أطفئ وقع الحريق بحارة الديلم، وكانت ليلة شديدة الريح، فسرت النار من كل ناحية حتى وصلت إلى بيت كريم الدين ناظر الخاص، وبلغ ذلك السلطان، فانزعج انزعاجا عظيما، لما كان هناك من الحواصل السلطانية، وسير طائفة من الأمراء لإطفائه، فجمعوا الناس، وقد عظم الخطب، وتزايد الحال فى اشتعال النار، وعجز الأمراء والناس على إطفائها لكثرة انتشارها فى الأماكن وقوة الريح التى ألقت باسقات النخل، وغرقت المراكب، فلم يشك الناس فى حريق القاهرة كلها، وصعدوا المآذن، وبرز الفقراء وأهل الخير والصلاح، وضجوا بالتكبير والدعاء،

واستمر الحريق والاستحثاث يرد على الأمراء من السلطان فى إطفائه إلى يوم الثلاثاء، فنزل نائب السلطان ومعه جميع الأمراء وسائر السقائين، ونزل الأمير بكتمر الساقى، فكان يوما عظيما، لم ير الناس أعظم منه، ولا أشد هولا.

ووكل بأبواب القاهرة من يرد السقائين، إذ اخرجوا لأجل إطفاء النار، فلم يبق أحد من سقائى الأمراء وسقائى البلد إلا وعمل، وصاروا ينقلون الماء من المدارس والحمامات، وأخذ جميع النجارين والبنائين لهدم الدور، فهدم فى هذه النوبة ما شاء الله من الدور العظيمة، والرباع الكبيرة، وعمل فى هذا الحريق أربعة وعشرون أميرا من الأمراء المقدمين، سوى من عداهم من أمراء الطبلخانات والعشراوات والمماليك، وصار الماء من باب زويلة إلى حارة الديلم فى الشارع بحرا من كثرة الرجال والجمال التى تحمل الماء، ووقف الأمير بكتمر الساقى والأمير أرغون النائب على نقل الحواصل السلطانية من بيت كريم الدين إلى بيت ولده بدرب الرصاصى، وخربوا ست عشرة دارا من جوار الدار وقبالتها حتى تمكنوا من نقل الحواصل، فما هو إلا أن أكمل إطفاء الحريق ونقل الحواصل، وإذا بالحريق قد وقع فى ربع الظاهر خارج باب زويلة، وكان يشتمل على مائة وعشرين بيتا، وتحته قيسارية تعرف بقيسارية الفقراء، وهب مع الحريق ريح قوية، فركب الحاجب والوالى لإطفائه، وهدموا

ص: 355

عدة دور من حوله حتى انطفأ، فوقع فى ثانى يوم حريق بدار الأمير سلار فى خط بين القصرين، فوقع الاجتهاد فيه حتى أطفئ، فأمر السلطان الأمير علم الدين سنجر الخازن والى القاهرة، والأمير ركن الدين بيبرس الحاجب بالاحتراز واليقظة، ونودى بأن يعمل عند كل حانوت دن فيه ماء، أو زير مملوء بالماء، وأن يقام مثل ذلك فى جميع الحارات والأزقة والدروب، فبلغ ثمن كل دن خمسة دراهم بعد درهم، وثمن الزير ثمانية دراهم، ووقع حريق بحارة الروم وعدة مواضع، حتى أنه لم يخل يوم من وقوع الحريق فى موضع، فتنبه الناس لما نزل بهم، وظنوا أنه من أفعال النصارى، وذلك أن النار كانت ترى فى منابر الجوامع وحيطان المساجد والمدارس، فاستعدوا للحريق وتتبعوا الأحوال، حتى وجدوا هذا الحريق من نفط قد لف عليه خرق مبلولة بزيت وقطران.

فلما كان ليلة الجمعة النصف من جمادى الأولى قبض على راهبين عند ما خرجا من المدرسة الكهارية بعد العشاء الأخيرة، وقد اشتعلت النار فى المدرسة ورائحة الكبريت فى أيديهما، فحملا إلى الأمير علم الدين الخازن والى القاهرة، فأعلم السلطان بذلك، فأمر بعقوبتهما، فما هو إلا أن نزل من القلعة، وإذا بالعامة قد أمسكوا نصرانيا وجد فى جامع الظاهر ومعه خرق على هيئة الكعكة، فى داخلها قطران ونفط، وقد ألقى منها واحدة بجانب المنبر، وما زال واقفا إلى أن خرج الدخان، فمشى يريد الخروج من الجامع، وكان قد فطن به شخص وتأمله من حيث لم يشعر به النصرانى، فقبض عليه وتكاثر الناس فجروه إلى بيت الوالى وهو بهيئة المسلمين، فعوقب عند الأمير ركن الدين بيبرس الحاجب، فاعترف بأن جماعة من النصارى قد اجتمعوا على عمل نفط وتفريقه مع جماعة من أتباعهم، وأنه ممن أعطى ذلك، وأمر بوضعه عند منبر جامع الظاهر، ثم أمر بالراهبين فعوقبا، فاعترفا أنهما من سكان دير البغل، وأنهما هما اللذان أحرقا المواضع التى تقدم ذكرها بالقاهرة غيرة وحنقا من المسلمين لما كان من هدمهم الكنائس، وأن طائفة النصارى تجمعوا وأخرجوا من بينهم مالا جزيلا لعمل هذا النفط، واتفق وصول كريم الدين ناظر الخاص من الإسكندرية، فعرفه السلطان ما وقع من القبض على النصارى، فقال النصارى لهم بطرك، يرجعون إليه ويعرف أحوالهم فرسم السلطان بطلب البطرك عند كريم الدين ليتحدث معه فى أمر الحريق وما ذكره النصارى من قيامهم فى ذلك.

ص: 356

ثم بعد حضور البطرك والتحدث معه أخذ كريم الدين يهون أمر النصارى الممسوكين للسلطان، ويذكر أنهم سفهاء وجهال، فرسم السلطان للوالى بتشديد عقوبتهم، فنزل وعاقبهم عقوبة مؤلمة، فاعترفوا بأن أربعة عشر راهبا بدير البغل قد تحالفوا على إحراق ديار المسلمين كلها وفيهم راهب يصنع النفط، وأنهم اقتسموا القاهرة ومصر، فجعل للقاهرة ثمانية، ولمصر ستة، فكبس دير البغل وقبض على من فيه، وأحرق من جماعته أربعة بشارع صليبة ابن طولون فى يوم الجمعة، وقد اجتمع لمشاهدتهم عالم عظيم، فضرى من حينئذ جمهور الناس على النصارى وفتكوا بهم وصاروا يسلبون ما عليهم من الثياب، حتى فحش الأمر وتجاوزوا فيه المقدار، فغضب السلطان من ذلك وهمّ أن يوقع بالعامة.

واتفق أنه ركب من القلعة يريد الميدان الكبير فى يوم السبت، فرأى من الناس أمما عظيمة قد ملأت المطرقات وهم يصيحون: نصر الله الإسلام، انصر دين محمد بن عبد الله، فحرج من ذلك، وعند ما نزل الميدان أحضر إليه الخازن نصرانيين قد قبض عليهما وهم يحرقان الدور، فأمر بتحريقهما، فأخرجا وعمل لهما حفرة وأحرقا بمرأى من الناس، وبينا هم فى إحراق النصرانيين إذا بديوان الأمير بكتمر الساقى قد مر يريد بيت الأمير بكتمر، وكان نصرانيا، فعند ما عاينه العامة ألقوه عن دابته إلى الأرض وجردوه من جميع ما عليه من الثياب وحملوه ليلقوه فى النار، فصاح بالشهادتين وأظهر الإسلام فأطلق، واتفق مع هذا مرور كريم الدين وقد لبس التشريف من الميدان، فرجمه من هنالك رجما متتابعا، وصاحوا به:

كم تحامى للنصارى وتشد معهم، ولعنوه وسبوه، فلم يجد بدا من العود إلى السلطان وهو بالميدان، وقد اشتد ضجيج العامة وصياحهم حتى سمعهم السلطان، فلما دخل عليه وأعلمه الخبر امتلأ غضبا، واستشار الأمراء، وكان بحضرته منهم الأمير جمال الدين نائب الكرك، والأمير سيف الدين البوبكرى، والخطيرى، وبكتمر الحاجب فى عدة أخرى، فقال البوبكرى العامة عمى، والمصلحة أن يخرج إليهم الحاجب ويسألهم عن اختيارهم حتى يعلم فكره هذا من قوله السلطان، وأعرض عنه، فقال نائب الكرك كل هذا من أجل الكتاب النصارى، فإن الناس أبغضوهم، والرأى أن السلطان لا يعمل فى العامة شيئا، وإنما يعزل النصارى من الديوان، فلم يعجبه هذا الرأى أيضا، وقال للأمير ألماس الحاجب: امض ومعك أربعة من الأمراء وضع السيف فى العامة، من حين تخرج من باب الميدان إلى أن تصل

ص: 357

إلى باب زويلة، واضرب فيهم بالسيف من باب زويلة إلى باب النصر. بحيث لا ترفع السيف عن أحد ألبتة.

وقال لوالى القاهرة: اركب إلى باب اللوق وإلى باب البحر، ولا تدع أحدا حتى تقبض عليه، وتطلع به إلى القلعة، وعين معه عدة من المماليك السلطانية، فخرج الأمراء بعد ما تلكئوا فى المسير، حتى اشتهر الخبر، فلم يجدوا أحدا من الناس حتى ولا غلمان الأمراء وحواشيهم، ووقع القول بذلك فى القاهرة، فغلقت الأسواق جميعها، وحل بالناس أمر لم يسمع يأشد منه

وسار الأمراء فلم يجدوا فى طول طريقهم أحدا إلى أن بلغوا باب النصر، وقبض الوالى من باب اللوق وناحية بولاق، وباب البحر كثيرا من الكلابزية والنواتية وأسقاط الناس فاشتد الخوف وعدّى كثير من الناس إلى البر الغربى بالجيزة.

وخرج السلطان من الميدان فلم يجد فى طريقه إلى أن صعد القلعة أحدا من العامة، وعند ما استقر بالقلعة سير إلى الوالى يستعجل حضوره، فما غربت الشمس حتى أحضر ممن أمسك من العامة نحو مائتى رجل، فعزل منهم طائفة أمر بشنقهم، وجماعة رسم بتوسيطهم، وجماعة رسم بقطع أيديهم، فصاحوا بأجمعهم: ياخوند ما يحل لك ما نحن الذين رجمنا، فبكى الأمير بكتمر الساقى ومن حضر من الأمراء رحمة لهم، وما زالوا بالسلطان إلى أن قال للوالى:

اعزل منهم جماعة، وانصب الخشب من باب زويلة إلى تحت القلعة يسوق الخيل، وعلق هؤلاء بأيديهم، فلما أصبح علق الجميع من باب زويلة إلى سوق الخيل، وكان فيهم من له بزة وهيئة، ومر الأمراء بهم فتوجعوا لهم وبكوا عليهم، وجلس السلطان فى الشبّاك، وقد أحضر بين يديه جماعة ممن قبض عليهم الوالى، فقطع أيدى وأرجل ثلاثة منهم، والأمراء لا يقدرون على الكلام معه فى أمرهم لشدة حنقه، فتقدم كريم الدين وكشف رأسه وقبل الأرض، وهو يسأل العفو، فقبل سؤاله وأمر بهم أن يعملوا فى حفيرة الجيزة، فأخرجوا وأنزل المعلقون من على الخشب، وعند ما قام السلطان من الشباك وقع الصوت بالحريق فى جهة جامع ابن طولون، وفى قلعة الجبل، وفى بيت ركن الدين الأحمدى بحارة بهاء الدين وبالفندق خارج باب البحر من المقس وما فوقه من الريع.

ص: 358

وفى صبيحة يوم هذا الحريق قبض على ثلاثة من النصارى وجد معهم فتائل النفط، فأحضروا إلى السلطان واعترفوا بأن الحريق كان منهم، فلما ركب السلطان إلى الميدان على عادته وجد نحو عشرين ألف نفس من العامة قد صبغوا خرقا بلون أزرق، وعملوا فيه صلبانا بيضا، وعند ما رأوا السلطان صاحوا بصوت عال واحد: لا دين إلا دين الإسلام، نصر الله دين محمد بن عبد الله، يا ملك الناصر يا سلطان الإسلام انصرنا على أهل الكفر ولا تنصر النصارى، فارتجت الدنيا من هول أصواتهم، وأوقع الله الرعب فى قلب السلطان وقلوب الأمراء، وسار وهو فى فكر زائد حتى نزل بالميدان وصراخ العامة لا يبطل، فرأى أن الرأى فى استعمال المداراة، وأمر الحاجب أن يخرج وينادى بين يديه من وجد نصرانيا فله ماله ودمه فخرج ونادى بذلك، فصاحت العامة وصرخت نصرك الله وضجوا بالدعاء، وكان النصارى يلبسون العمائم البيض، فنودى فى القاهرة ومصر من وجد نصرانيا بعمامة بيضاء حل له دمه وماله ومن وجد نصرانيا راكبا حل له دمه وماله، وخرج مرسوم بلبس النصارى العمامة الزرقاء، وأن لا يركب أحد منهم فرسا ولا بغلا، ومن ركب حمارا فليركبه مقلوبا، ولا يدخل نصرانى الحمّام إلا وفى عنقه جرس، ولا يتزيا أحد منهم بزى المسلمين، ومنع الأمراء من استخدام النصارى، وأخرجوا من ديوان السلطان، وكتب لسائر الأعمال بصرف جميع المباشرين من النصارى، وكثر إيقاع المسلمين بالنصارى حتى تركوا السعى فى الطرقات، وأسلم منهم جماعة كثيرة. (انتهى ملخصا).

(قلت): وقد أطال المقريزى القول على هذه الحادثة الشنيعة فى خططه فلتراجع.

وكان ابتداؤها من تاسع ربيع الآخر، واستمرت إلى نصف جمادى الأولى، وتخرّب بسببها كثير من الدور والمساجد والمدارس والكنائس، وتلف كثير من الأسباب والأموال، ولله عاقبة الأمور.

***

ص: 359

‌شارع الكومى

أوله من قنطرة السيدة زينب-رضي الله عنها-وآخره شارع الناصرية وشارع القصر العالى وطوله مائة وأربعون مترا.

وبه من جهة اليمين عطفة الخوخة، موصلة لعطفة الجنيد.

***

ص: 360

‌شارع قنطرة الدكة

يبتدئ من عند قنطرة الليمون، وينتهى لقنطرة الدكة، وطوله خمسمائة متر، عرف بهذا الاسم من أجل الدكة التى كانت عند القنطرة، وكان يجلس عليها المتفرجون أيام النيل، كما ذكره أبو السرور البكرى فى خططه.

وبه الآن من جهة اليسار عطفة تجاه جامع أولاد عنان، وفى نهايته شارع يعرف بشارع الكارة، يأتى بيانه قريبا إن شاء الله تعالى.

وأما المبانى الموجودة اليوم بجانبيه، فليست من المبانى القديمة، وإنما هى حادثة فى وقتنا هذا، فقد ذكر المقريزى أن هذه الخطة كان موضعها بستانا من أعظم بساتين القاهرة فيما بين أراضى اللوق والمقس، وبه منظرة للخلفاء الفاطميين، تشرف طاقاتها على بحر النيل الأعظم ولا يحول بينها وبين بر الجيزة شئ، ثم قال: فلما زالت الدولة الفاطمية تلاشى أمر هذا البستان وخرب، فحكر موضعه وبنى الناس فيه، فصار خطة كبيرة، كأنه بلد جليل، وصار به سوق عظيم، وسكنه الكتاب وغيرهم من الناس. قال: وأدركته عامرا، ثم إنه خرب منذ سنة ست وثمانمائة، وصار كيمانا. (انتهى).

(قلت): وهذا البستان كان أوله من قنطرة الدكة، ونهايته القبلية أول الشارع الممتد من الأزبكية إلى بولاق، وآخره من الجهة الغربية بحر النيل، ومن ضمنه اللوكاندة المعروفة بلوكاندة شبت، وما بجوارها من المبانى والجنان، وكذا بيت زينب هانم المعروف بسراى الأزبكية.

ص: 361

‌مطلب قصر السيد إبراهيم

وكان أصل هذا البيت-كما فى الجبرتى-قصرا أنشأه السيد إبراهيم ابن السيد سعودى إسكندر-من فقهاء الحنفية-وجعل فى أسفله قناطر وبوائك من ناحية البركة، وجعلها برسم النزهة لعامة الناس، فكان يجتمع بها الكثير من أجناس الناس وأولاد البلد، وكان بها قهاو ومغان، وعدة من الباعة وغيرها، وكان يقف عندها مراكب وقوارب بها من تلك الأجناس، فكان يقع بها وبالجسر المقابل لها من عصر النهار إلى آخر الليل من الحظ والنزاهة ما لا يوصف.

‌مطلب انتقال قصر السيد إبراهيم إلى ملك الألفى

ثم تداول هذا القصر أيدى الملاك، وظهر على بيك وقساوة حكمه، فسدوا تلك البوائك ومنعوا عنها الناس، لما كان يقع بها فى بعض الأحيان من اجتماع أهل الفسوق والحشاشين ثم اشترى ذلك القصر الأمير أحمد أغا شويكار وباعه بعد مدة، فاشتراه الأمير محمد بيك الألفى فى سنة إحدى عشرة ومائتين وألف، وشرع فى هدمه وتعميره على الصورة التى كان عليها وكان وقتئذ غائبا فى جهة الشرقية، فرسم لكتخدائه ذى الفقار صورته فى كاغد، وبين له كيفية وضعه، فحضر ذو الفقار وهدم ذلك القصر وحفر الجدران ووضع الأساس، وأقام الدعائم، ووضع سقوف الدور سفلية، فحضر عند ذلك مخدومه فلم يجده على الرسم الذى حدده له، فهدمه ثانيا وأقام دعائمه على مراده، واجتهد فى عمارته، وطلب له الصناج والمؤن من الأحجار والأخشاب المتنوعة حتى شحت المؤن فى ذلك الوقت، وأوقف أربعة من أمرائه على جهاته الاربع، وعمل على ذمة العمارة طواحين للجبس، وقمنا للجير، وأحضر البلاط من الجبل قطعا كبارا، ونشرها على قياس مطلوبه، وكذلك الرخام، وذلك خلاف أنقاض رخام المكان، وأنقاض الأماكن التى اشتراها وهدمها وأخذ أنقاضها، ومنها البيت الكبير الذى كان أنشأه حسن كتخدا الشعراوى على بركة الرطلى، وكان به شئ كثير من الأنقاض والأخشاب والشبابيك والرواشن، نقلت جميعها إلى العمارة، فصار كل من الأمراء المشدّين يبنى وينقل ويبيع ويفرق على من أحب، حتى بنوا دورا من جانب تلك العمارة، والطلب مستمر حتى أتموه فى مدة يسيرة، وركب على جميع الشبابيك شرائح الزجاج وهو شئ كثير جدا، وفى المخادع المختصة به ألواح الزجاج البلور الكبار التى يساوى الواحد منها خمسمائة

ص: 362

درهم، ثم فرشه جميعه بالبسط الرومى والفرش الفاخرة، وعلفوا به الستائر، ووضعوا به الوسائد المزركشة: وبنى به حمامين إلى غير ذلك، فما هو إلا أن أتمه وأقام به نحو عشرين يوما، ثم خرج إلى الشرقية فأقام هناك.

‌سكنى سارى عسكر بونابارت

وحضر الفرنسيس، فسكنه سارى عسكر بونابارت، وعمّر به أيضا، ثم لما سافر، وأقام مقامه كلهبر عمر فيه أيضا، فلما قتل كلهبر وتولى عوضه عبد الله منو غير معالمه، وأدخل فيه المسجد، وبنى الباب على الوضع الذى كان عليه، وعقد فوقه القبة المحكمة، وأقام فى أركانها الأعمدة، وعمل السلالم العراض التى يصعد عليها إلى الدور العلوى والسفلى على يمين الداخل، وجعل مساكنه كلها تنفذ إلى بعضها على طريقة وضع مساكنهم، واستمر يبنى فيه ويعمر مدة إقامته، إلى أن خرج من مصر.

‌سكنى العزيز محمد على

فلما حضر العثمانية، وتولى على مصر محمد على باشا رغب فى سكنى هذا المكان وشرع فى تعميره هذه العمارة العظيمة، حتى أنه رتب لإحراق الجير فقط اثنتى عشرة قمينة تشتغل على الدوام، والجمال التى تنقل الحجر من الجبل ثلاث قطارات، كل قطار سبعون جملا، وقس على ذلك بقية اللوازم، ورموا جميع الأتربة فى البركة، حتى ردموا منها جانبا كبيرا ردما غير معتدل، وصارت كلها كيمانا وأتربه. (انتهى). (قلت): وبقيت تلك السراية سكن المرحوم محمد على باشا مدة، ثم أعطاها لكريمته زينب هانم، فعرفت بها.

‌مدرسة الألسن

وأما لو كاندة شبت المذكورة، فكان أصلها مدرسة تعرف بمدرسة الألسن، أنشأها المرحوم محمد على باشا المذكور، بجوار تلك السراية، وكان يدرس بها اللغات العربية والفرنجية والأدبية، وخرج منها كثير من المترجمين والشعراء، وفيها ترجمت كتب كثيرة أدبية من اللغة الفرنجية إلى العربية، ثم أبطلها المرحوم محمد على، وجعلها لوكاندة للإنجليز وهى باقية إلى الآن.

ص: 363

‌ترجمة محمد بيك الألفى

وأما محمد بيك الألفى المتقدم ذكره، فهو-كما فى تاريخ الجبرتى-الأمير الكبير، والضرغام الشهير محمد بيك الألفى المرادى، جلبه بعض التجار إلى مصر فى سنة تسع وثمانين ومائة وألف، فاشتراه أحمد جاويش، المعروف بالمجنون، فأقام ببيته أياما، فلم تعجبه أوضاعه، لكونه كان مماجنا سفيها ممازحا، فطلب منه بيع نفسه، فباعه لسليم أغا الغزاوى، المعروف بتمرلنك، فأقام عنده شهورا، ثم أهداه إلى مراد بيك فأعطاه فى نظيره ألف أردب من الغلال، فلذلك سمى بالألفى، وكان جميل الصورة فأحبه مراد بيك، وجعله جوخداره، ثم أعتقه وجعله كاشفا بالشرقية، وعمر دارا بجهة الخطة المعروفة بالشيخ ظلام وأنشأ هناك حماما بتلك الخطة، عرفت به، وكان صعب المراس، قوى الشكيمة، وكان بجواره على أغا المعروف بالمتوكلى، فدخل عنده يوما وتشفع فى أمر فقبل رجاءه ثم نكث فحنق منه واحتد ودخل عليه فى داره يعاتبه، فرد عليه بغلظة، فأمر الخدم بضربه فضربوه وبطحوه، فتألم لذلك ومات بعد يومين، فشكوه إلى أستاذه مراد بيك فنفاه إلى بحرى فعسف بالبلاد مثل فوة وبرنبال ورشيد، وأخذ من أهلها أموالا، فتشكوا منه إلى أستاذه، وكان يعجبه ذلك، وفى أثناء ذلك وقع خلاف بمصر بين الأمراء، ونفوا سليمان بيك وأخاه إبراهيم بيك ومصطفى بيك، فأرسله إليه أستاذه أن يتعين على مصطفى بيك ويذهب به إلى إسكندرية منفيا ثم يعود هو إلى مصر، ففعل ورجع المترجم إلى مصر، فعند ذلك قلدوه الصنجقية، وذلك فى سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف، واشتهر بالفجور، فخافته الناس وتحاموا به، وسكن أيضا بدار ناحية قوصون، وهدم داره القديمة ووسعها وأنشأها إنشاء جديدا واشترى المماليك الكثيرة، وأمر منهم أمراء وكشافا، فنشأوا على طبيعته فى التعدى والعسف والفجور والتزم بإقطاع فرشوط وغيرها من البلاد القبلية والبحرية، وتقلد كشوفية شرقية بلبيس، ونزل إليها، وكان يغير ما بتلك الناحية من إقطاعات وغيرها، وأخاف عربان تلك الجهة ومنعهم من التعدى والجور على الفلاحين بتلك النواحى، حتى خافه الكثير من القبائل، وفرض عليهم المغارم.

ص: 364

ولم يزل على حالته وسطوته إلى أن حضر حسن باشا الجزائرلى إلى مصر، فخرج المترجم مع عشيرته إلى ناحية قبلى، ثم رجع فى أواخر سنة خمس ومائتين وألف، وذلك بعد إقامته بالصعيد زيادة عن أربع سنوات، ففى تلك المدة ترزن عقله، وانهضمت نفسه، وتعلق قلبه بمطالعة الكتب، والنظر فى جزئيات العلوم والفلكيات والهندسيات، وأشكال الرمل والزايرجات والأحكام النجومية والتقاويم، ومنازل القمر وأنوائها، ويسأل عمن له إلمام بذلك فيطلبه ليستفيد منه، واقتنى كتبا فى أنواع العلوم والتواريخ، واعتكف بداره القديمة، ورغب فى الانفراد وترك الحالة التى كان عليها قبل ذلك، واقتصر على مماليكه والإقطاعات التى بيده واستمر على ذلك مدة من الزمان، فثقل هذا الأمر على أهل دائرته، وبدا يصغر فى أعين خشداشيه، ويضعف جانبه، وطفقوا يباكتونه، وتجاسروا عليه، وطمعوا فيما لديه، فلم يسهل عليه ذلك، واستعمل الأمر الأوسط، وسكن بدار أحمد جاويش المجنون بدرب سعادة وعمر القصر الكبير بمصر القديمة تجاه المقياس، وأنشأ أيضا قصرا فيما بين باب النصر والد مرداش وجعل غالب إقامته فيه، وأكثر من شراء المماليك حتى اجتمع عنده نحو ألف مملوك خلاف الذى عند كشافه وهم نحو الأربعين كاشفا، وبنى له قصر خارج بلبيس، وآخر بالدماميين.

وكان له داران بالأزبكية إحداهما كانت لرضوان بيك يلبغا، والأخرى للسيد أحمد ابن عبد السلام، فبدا له فى سنة اثنتى عشرة ومائتين وألف أن ينشئ دارا عظيمة خلاف ذلك بالأزبكية، فاشترى قصر ابن السيد سعودى الذى بخط الساكت، فيما بينه وبين قنطرة الدكة وهدمه وبناه، وصرف عليه الأموال الجسيمة كما تقدم ذلك، وازدحمت خيول الأمراء ببابه، وكان أول سكنه بهذا البيت فى أواخر شهر شعبان من السنة المذكورة، وأقام به إلى منتصف شهر رمضان، فكانت المدة كلها ستة عشر يوما، ثم بدا له السفر إلى جهة الشرقية

وفى أثناء ذلك وصلت الفرنساوية إلى الإسكندرية، ثم إلى مصر، وجرى ما جرى من الحروب بينهم وبين المصريين وابتلى المترجم مع جنده فى تلك الوقائع بلاء حسنا وقتل من كشافه ومماليكه عدة وافرة، ولم يزل مدة إقامة الفرنساوية بمصر يتنقل فى الجهات القبلية والبحرية، ويعمل معهم مكايد ويصطاد منهم.

ولما وصل عرضى الوزير إلى الشام ذهب إليه وقابله، وأنعم عليه، وكان معه رؤساء من الفرنساوية وعدة أسرى، وأسد عظيم اصطاده فى سروحه فشكره الوزير وخلع عليه

ص: 365

وأقام بعرضيه أياما، ثم رجع إلى ناحية مصر وذهب إلى الصعيد، ثم رجع إلى الشام والفرنساوية يأخذون خبره، ويرصدون له فى الطريق، فيزوع منهم ويكبسهم فى غفلاتهم، وينال منهم

ولما اصطلح مراد بيك مع الفرنساوية لم يوافقه على ذلك واعتزله، وخرج مع العثمانية إلى نواحى الشام، ثم رجع إلى جهة الشرقية، وصار يحارب من يصادفه من الفرنسيس، فإذا تجمعوا وأتوا لحربه لم يجدوه، ويمر من خلف الجبل ويمر بالحاجر من الصعيد فلا يعلم أين ذهب، ثم يظهر بالبر الغربى، ثم يصير مشرقا ويعود إلى الشام، وهكذا كان دأبه، وكانت له حروب ومناوشات كثيرة مع المصريين وغيرهم، كلها مبسوطة فى ترجمته فلتراجع.

مات سنة إحدى وعشرين ومائتين وألف، وكان معتدل القامة، أبيض اللون، مشربا بحمرة، جميل الصورة، مدور اللحية، أشقر الشعر، قد لحقه الشيب، مليح العينين، معجبا بنفسه، مترفها فى زيّه وملبسه، كثير الفكر كتوما لا يبيح بأسراره، إلا أنه لم يسعفه الدهر وجنى عليه بالقهر، ومات وعمره خمسة وخمسون سنة، رحمه الله تعالى. (انتهى)، وقد بسطنا ترجمته فى دمنهور فى جزء البلاد من هذا الكتاب.

وأما قنطرة الدكة المتقدم ذكرها، فقد قال المقريزى: أنها كانت فوق خليج الذكر، وعرفت أخيرا بقنطرة التركمانى، من أجل أن الأمير بدر الدين التركمانى قد عمّرها، وقد طمّ ما تحتها، وصارت معقودة على التراب لتلاف خليج الذكر. (انتهى).

‌مطلب خليج فم الخور

(قلت): وهى موجودة إلى اليوم، والخطة تعرف بها، يمر السالك من فوقها إلى شارع الكارة، وعطفة الشلبيات، وشارع الجامع وغير ذلك، ويوجد بخطتها الآن دار المرحوم أحمد باشا المنكلى، ويغلب على الظن أن محلها من ضمن منظرة الخلفاء المتقدم ذكرها، وخليج الذكر ذكره المقريزى مع خليج فم الخور حيث قال: وخليج فم الخور يخرج الآن من بحر النيل ويصب فى الخليج الناصرى، وكان قبل أن يحفر الخليج الناصرى يمد خليج الذكر، وكان أصله ترعة يدخل منها ماء النيل للبستان المقسى، ثم وسعه الملك الكامل، ويقال: إن خليج الذكر حفره كافور الأخشيدى، فلما زال البستان المقسى فى أيام الخليفة الظاهر، وجعله بركة قدام منظرة اللؤلؤة، صار يدخل الماء إليها من هذا الخليج، وكان يفتح قبل الخليج

ص: 366

الكبير. ولم يزل حتى أمر الملك الناصر محمد بن قلاوون فى سنة أربع وعشرين وسبعمائة بحفره فحفر وأوصل بالخليج الكبير. قال المقريزى: وأنا أدركت آثاره، وفيه ينبت القصب الفارسى، وإنما قيل له الخليج الذكر لأن بعض أمراء الملك الظاهر ركن الدين بيبرس كان يعرف بشمسى الدين الذكر الكركى، وكان له أثر من حفره فعرف به، وكان الماء يدخل إليه من تحت قنطرة الدكة، وكان للناس عند هذا الخليج مجتمع يكثر فيه لهوهم ولعبهم.

(انتهى).

‌خليج الذكر

(قلت): وخليج الذكر هذا كان يمر من بحرى هذه الخطة، فاصلا بين منازلها ومنازل الشارع الموصل إلى قنطرة الليمون، وكانت منازل كوم الدكة تشرف عليه، ونحن أدركنا ذلك وشاهدناه، والآن قد ردم هذا الخليج وصار موضعه طريقا تسلكها العامة، ويتوصل منها إلى جهة الخلاء، وإلى باب الحديد والأزبكية وغيرها، وكان الماء يدخله من الخليج الناصرى، وكان قبل فتح الخليج الناصرى يتصل بخليج فم الخور الذى كان فمة بحرى قصر النيل.

‌مطلب معنى لفظ الخور

وأما لفظ الخور فقد ذكر المقريزى أنه فى اللغة اسم لمصب الماء، وهنا اسم للأرض التى بين الخليج الناصرى والخليج الذى يعرف بفم الخور، وجميع هذه الأرض من جملة بستان ابن ثعلب، وكان يعرف بالخور الصعبى، لأنه كانت به مناظر تعرف بمناظر الصعبى تشرف على النيل.

‌ترجمة كريم الدين

والصعبى هذا هو الشيخ كريم الدين عبد الواحد بن محمد بن على الصعبى، مات فى شهر رمضان سنة ثلاث وستمائة. (انتهى).

(قلت): ويؤخذ من هذا أن أراضى الخور من جملة بستان ابن ثعلب، وقد بسطنا الكلام عليه عند الكلام على شارع الصنافيرى، فليراجع.

ص: 367

‌قرية أم دنين

ويؤخذ من كلام المقريزى أيضا أن القرية المعروفة بأم دنين كانت فى خطة هذا الشارع، وكانت تعرف بالمقس أيضا، لأنه قال عند الكلام على المقس: اعلم أن المقس قديم، وكان فى الجاهلية قرية تعرف بأم دنين، وهى الآن محلة بظاهر القاهرة فى بر الخليج الغربى، وكان عند وضع القاهرة هو ساحل النيل، وبه أنشأ الإمام المعز لدين الله أبو تميم معد الصناعة يعنى المكان الذى قد أعد لإنشاء المراكب البحرية التى يقال لها السفن الحربية التى يقال لها الأسطول، وبه أنشأ الإمام الحاكم بأمر الله جامع المقس الذى تسميه عامة أهل مصر بجامع المقسى، وهو الآن يطل على الخليج الناصرى. (انتهى).

‌جامع أولاد عنان

وهذا الجامع هو المعروف اليوم بجامع أولاد عنان، خارج باب البحر، عن يسرة من سلك من الشارع الجديد إلى باب الحديد، وإلى شبرا الخيمة، بقرب قنطرة الخليج المذكور الذى هو اليوم الترعة الحلوة، المارة إلى السويس، وكان أولا على شاطئه، فلما اختصر صار بعيدا عنه، وكان يعرف أيضا بجامع باب البحر.

وفى سنة سبعين وسبعمائة جدّده الوزير الصاحب شمس الدين عبد الله المقسى، وهدم القلعة، وجعل مكانها جنينة، فصارت العامة يقولون جامع المقسى لكونه جدّده وبيضه، وهو مقام الشعائر إلى الآن، وبه ضريح سيدى محمد بن عنان، يعمل له حضرة كل أسبوع ومولد كل عام، وقد بسطنا ترجمته عند الكلام على جامعه من هذا الكتاب.

ونقل المقريزى عن القاضى أبى عبد الله القضاعى أن المقس كانت ضيعة تعرف بأم دنين وإنما سميت المقس لأن العاشر كان يقعد بها وصاحب المكس، فقيل المكس، فقلب فقيل المقس، ثم نقل عن ابن عبد الظاهر أنه قال فى كتاب خطط القاهرة، وسمعت من يقول:

إنه المقسم بالميم، قيل لأن قسمة الغنائم عند الفتوح كانت به، ثم قال: وقال العماد محمد ابن أبى الفرج بن محمد بن حامد الكاتب الأصفهانى فى كتاب سنى البرق الشامى، وجلس الملك الكامل محمد بن السلطان العادل أبى بكر بن أيوب فى البرج الذى بجوار جامع المقسم، فى السابع والعشرين من شوال سنة ست وتسعين وخمسمائة، وهذا المقسم على شاطئ النيل يزار.

ص: 368

‌مكان قسمة الغنائم

وهناك مسجد يتبرك به الأبرار، وهو المكان الذى قسمت فيه الغنائم عند استيلاء الصحابة رضي الله عنهم-على مصر. (انتهى).

‌منظرة المقس

وذكر عند الكلام على منظرة المقس أنها كانت من جملة مناظر الخلفاء الفاطميين، وكانت بجوار جامع المقس من الجهة البحرية، وهى مطلة على النيل، وكان حينئذ ساحل النيل بالمقس وكانت هذه المنظرة معدة لنزول الخليفة بها عند تجهيز الأسطول إلى غزو الفرنج، فتحضر رؤساء المراكب بالشوانى، وهى مزينة بأنواع العدد والسلاح، ويلعبون بها فى النيل حيث الآن الخليج الناصرى تجاه الجامع، وما وراء الخليج من غربيه.

‌جامع المقس

ثم قال: وقد خربت هذه المنظرة، وكان موضعها برجا كبيرا، صار يعرف فى الدولة الأيوبية بقلعة المقس، فلما جدّد الصاحب الوزير شمس الدين عبد الله المقسى جامع المقس على ما هو عليه الآن فى سنة سبعين وسبعمائة هدم هذا البرج، وجعل مكانه جنينة شرقى الجامع وتحدث الناس أنه وجد فيه ما لا والله أعلم.

‌محل الجنينة التى كانت فى قلعة المقس

(قلت): ومحل هذه الجنينة الآن بعض الشارع الذى تجاه جامع أولاد عنان، وقد بقى أثرها إلى زمن الفرنساوية ورسموها على خرطتهم، ولم يكن إذ ذاك مبان موجودة بالضفة المقابلة للجامع التى بها الآن سبيل أم حسين بيك، المعروف بسبيل أولاد عنان.

‌الكلام على الأسطول

ثم نرجع للكلام على الأسطول لأجل تمام الفائدة فنقول: ذكر المقريزى أن أول من أنشأ الأسطول بمصر فى خلافة أمير المؤمنين المتوكل على الله أبى الفضل جعفر بن المعتصم، عند ما نزل الروم دمياط يوم عرفة سنة ثمان وثلاثين ومائتين، وأمير مصر يومئذ عنبسة ابن إسحق، ثم قويت العناية بالأسطول فى مصر منذ قدم المعز لدين الله، وأنشأ المراكب

ص: 369

الحربية، واقتدى به بنوه، وكان لهم اهتمام بأمور الجهاد، واعتناء بالأسطول واصلوا إنشاء المراكب بمدينة مصر والإسكندرية ودمياط من الشوانى المربية والشلنديات والمسطحات، وتسييرها إلى بلاد الساحل مثل صور وعكا وعسقلان، وكانت جريدة قواد الأسطول فى آخر أمرهم تزيد على خمسة آلاف مدونة، منهم عشرة أعيان يقال لهم القوّاد، واحدهم قائد، وتصل جامكية كل واحد منهم إلى عشرين دينارا، ثم إلى خمسة عشر دينارا، ثم إلى عشرة دنانير، ثم إلى ثمانية، ثم إلى دينارين، وهى أقلها، وكانت عدة المراكب فى أيام المعز لدين الله تزيد على ستمائة قطعة، وآخر ما صارت إليه فى آخر الدولة نحو الثمانين شونة وعشر مسطحات، وعشر حمالات، ثم قال: فإذا تكاملت النفقة، وتجهزت المراكب، وتهيأت للسفر ركب الخليفة والوزير إلى ساحل النيل بالمقس خارج القاهرة، وكان هناك على شاطئ النيل بالجامع منظرة يجلس فيها الخليفة برسم وداع الأسطول ولقائه إذا عاد، فإذا جلس للوداع جاءت القواد بالمراكب من مصر إلى هناك للحركات فى البحر بين يديه، وهى مزينة بأسلحتها ولبودها، وما فيها من المنجنيقات، فيرمى بها وتنحدر المراكب وتقلع، وتفعل سائر ما تفعله عند لقاء العدو، ثم يحضر المقدم والرئيس إلى بين يدى الخليفة فيودعهما ويدعو للجماعة بالنصر والسلامة، ويعطى للمقدم مائة دينار، وللرئيس عشرين، وينحدر الأسطول إلى دمياط، ومن هناك يخرج إلى بحر الملح فيكون له ببلاد العدو صيت عظيم ومهابة قوية، والعادة أنه إذا غنم الأسطول ما عسى أن يغنم لا يتعرض السلطان منه إلى شئ ألبتة إلا ما كان من الأسرى والسلاح، فإنه للسلطان وما عداهما من المال والثياب ونحوهما، فإنه لغزاة الأسطول، لا يشاركهم فيه أحد، ولم يزل الأسطول على ذلك إلى أن كانت وزارة شاور، ونزل مرى ملك الفرنج على بركة الحبش، فأمر شاور بتحريق مصر وتحريق مراكب الأسطول فحرقت ونهبها العبيد فيما نهبوا.

‌مطلب الحبس الجيوشى الخراج

قال: فلما كان زوال الدولة الفاطمية على يد صلاح الدين يوسف بن أيوب، اعتنى أيضا بأمر الأسطول، وأفرد له ديوانا عرف بديوان الأسطول وعين لهذا الديوان الفيوم بأعمالها، والحبس الجيوشى فى البرّين الشرقى والغربى، وهو من البر الشرقى بهتين والأميرية

ص: 370

والمنية، ومن الغربى ناحية سفط ونهيا ووسيم، والبساتين خارج القاهرة، وعين له أيضا الخراج، وهو أشجار من سنط لا تحصى كثرة فى البهنساوية وسفط ريشين والأشمونين، والأسيوطية والأخميمية والقوصية لم تزل بهذه النواحى لا يقطع منها إلا ما تدعو إليه الحاجة، وكان فيها ما تبلغ قيمة العود الواحد مائة دينار، وعين له أيضا النطرون، وكان قد بلغ ضمانه ثمانية آلاف دينار، ثم أفرد لديوان الأسطول مع ما ذكر الزكاة التى كانت تجبى بمصر، وبلغت فى سنه زيادة على خمسين ألف دينار، وأفرد له المراكب الديوانية، وناحية اشناى وطنبدى، وسلم هذا الديوان لأخيه الملك العادل، فأقام فى مباشرته وعمالته صفى الدين عبد الله بن على بن شكر.

فلما مات السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب استمر الحال فى الأسطول قليلا، ثم قل الاهتمام به، وصار لا يفكر فى أمره إلا عند الحاجة إليه، إلى أن كانت أيام الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقدارى، فنظر فى أمر الشوانى الحربية، واستدعى برجال الأسطول، وكان الأمراء قد استعملوهم فى الحراريق وغيرها، وندبهم للسفر، وأمر بمد الشوانى وقطع الأخشاب لعمارتها، وإقامتها على ما كانت عليه فى أيام الملك الصالح نجم الدين أيوب، واحترز على الخراج، ومنع الناس من التصرف فى أعواد العمل، وتقدم بعمارة الشوانى فى ثغرى الإسكندرية ودمياط، وصار ينزل بنفسه إلى الصناعة بمصر، ويرتب ما يحب ترتيبه من عمل الشوانى ومصالحها، واستدعى بشوانى الثغور إلى مصر، فبلغت زيادة على أربعين قطعة، سوى الحراريق والطرائد، فإنها كانت عدة كثيرة. (انتهى).

وقد أطال المقريزى الكلام على ذلك عند ذكر المواضع المعروفة بالصناعة، فراجعه إن شئت.

‌بيان محل بركة الحبش

وبركة الحبش المذكورة محلها الآن بعض أراضى قرية البساتين الكائنة قريبا من قبة الإمام الشافعى من الجهة القبلية. قال المقريزى: وكانت تعرف ببركة المعافر وببركة حمير، وتعرف أيضا بإصطبل قرة، وعرفت أيضا بإصطبل قامش-يعنى القصب-وتنقلت حتى صارت تعرف ببركة الحبش، ودخلت فى ملك أبى بكر الماردانى، فجعلها وقفا، ثم أرصدت

ص: 371

لبنى حسن وبنى حسين ابنى على بن أبى طالب-رضي الله عنهم-وكانت تتصل بالجبل من عند البئر الطولونية، والبئر المعروفة بموسى بن أبى خليد، وهذه البئر هى المعروفة بالنعش.

(انتهى).

[والبئر الطولونية] هى البئر الساقية الموجودة الآن قبل محطة البساتين بقليل، والعيون متصلة بها، يعنى عيون ابن طولون.

وأما البئر المعروفة [بالنعش]، فهى الموجودة الآن فى حوض عفصة من أراضى البساتين، بيد الحاج صبح الصحارى التربى، ويوجد هناك ساقية بيد رجل حريرى من تجار الغورية، واقعة فى شرقى البساتين، وبعدها من جهة الشرق ترب اليهود، وعليها أرض زراعة وجنينة قدر فدان على يمين السالك إلى قرية طرا، مملوكة للتاجر المذكور.

وهذه الساقية هى البئر التى سماها المقريزى بئر الدرج فقال: هى شرق البساتين، لها درج ينزل به إليها، عملها الحاكم بأمر الله، وشرقيها قبور النصارى، وبعدهم إلى جهة الجبل قبور اليهود. (انتهى).

وأما البئر التى تعرف [ببئر الزقاق]، فقد قال إنها شرقى بئر عفصة الصغرى، ثم قال:

والزقاق معروف إذ ذاك فى الجبل، وفى أوله بئر مربعة، كان يسقى منها البقر والغنم (انتهى).

(قلت): ويوجد إلى الآن فى الجهة الشرقية القبلية لساقية بئر عفصة التى بيد صبح التربى بئر مربعة الشكل، كائنة بيد أولاد أيوب من أهالى البساتين، فهى بئر الزقاق المذكورة.

وهناك طريق فى الجبل أشبه بزقاق يوصل إليها، فلعلّه الزقاق المذكور.

وأما البئر التى قال إنها غربى دير مرحنا، فهى الساقية الواقعة على البحر التى فى ملك ورثة المرحوم عبد الله باشا الأرنؤدى، وأما عفصة الصغرى فهى الحوض الواقع فى جهته القبلية الغربية قرية البساتين، ويسمى إلى الآن بحوض عفصة، وهو جار فى ملك جملة من أهالى البساتين وأرضه أول أرض تزرع، ينزل بها المار من جهة الإمام الشافعى رضي الله عنه.

(قلت): وكانت بركة الحبشى تمتد إلى النيل من قبلى، وبينها وبين مصر العتيقة بركة الشعيبية، يفصلهما جسر فيه قنطرة لدخول الماء، ويحيط بكلتا البركتين مزارع وبساتين،

ص: 372

وكان بقرب مصر العتيقة أيضا البركة المعروفة ببركة شطا، صار محلها الآن تلالا، وكان الماء يصل إليها من بركة الشعيبية من القنطرة التى بالجسر المذكور. المسمى فى خطط المقريزى بجسر الحيات.

والأحباس كانت أولا فى المبانى مثل الرباع ونحوها، ولم تكن فى الأراضى مثل ما هى اليوم. قال المقريزى: اعلم أن الأحباس فى القديم لم تكن تعرف إلا فى الرباع، وما يجرى مجراها من المبانى، وكلها كانت على جهات بر، وأما الأراضى فلم يكن سلف الأمة من الصحابة والتابعين يتعرضون لها، وإنما حدث ذلك بعد عصرهم، حتى أن أحمد بن طولون لما بنى الجامع والمارستان والسقاية، وحبس على ذلك الأحباس الكثيرة لم يكن فيها سوى الرباع ونحوها بمصر، ولم يتعرض إلى شئ من أراضى مصر ألبتة، وحبس أبو بكر محمد بن على الماردانى بركة الحبش وسيوط وغيرهما على الحرمين وعلى جهات بر وحبس غيره أيضا، فلما قدمت الدولة الفاطمية من الغرب إلى مصر بطل تحبيس البلاد، وصار قاضى القضاة يتولى أمر الأحباس من الرباع، وإليه أمر الجوامع والمشاهد.

وصار للأحباس ديوان مفرد، وأول ما قدم المعز أمر فى ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلثمائة بحمل مال الأحباس من المودع إلى بيت المال الذى لوجوه البر، والنصف من شعبان ضمن محمد بن القاضى أبى طاهر محمد بن أحمد بألف ألف وخمسمائة ألف درهم فى كل سنة يدفع إلى المستحقين حقوقهم، ويحمل ما بقى إلى بيت المال، وكان يطلق لكل مشهد خمسون درهما فى الشهر برسم الماء لزوارها، وفى سنة ثلاث وأربعمائة أمر الحاكم بأمر الله بإثبات المساجد التى لا غلة لها، ولا أحد يقوم بها، وما له منها غلة لا تقوم بما يحتاج إليه، فأثبت فى عمل ودفع إلى الحاكم، فكانت عدة المساجد على الشرح المذكور ثمانمائة وثلاثين مسجدا، ومبلغ ما تحتاج إليه من النفقة فى كل شهر تسعة آلاف ومائتان وعشرون درهما، على أن لكل مسجد فى كل شهر اثنى عشر درهما.

وفى سنة خمس وأربعمائة قرئ فى يوم الجمعة ثامن عشرى صفر سجل بتحبيس عدة ضياع وهى أطفيح وصول وطوخ، وست ضياع أخر، وعدة قياسر وغيرها على القراء والفقهاء والمؤذنين بالجوامع، وعلى المصانع والقوام بها، ونفقة المارستانات وأرزاق المستخدمين فيها، وثمن الأكفان.

ص: 373

وكانت العادة أن القضاة بمصر إذا بقى لشهر رمضان ثلاثة أيام طافوا يوما على المساجد والمشاهد بمصر والقاهرة، يبدأون بجامع المقس، ثم القاهرة، ثم المشاهد، ثم القرافة، ثم جامع مصر، ثم مشهد الرأس، لنظر حصر ذلك، وقناديله وعمارته وما تشعث منه، وما زال الأمر على ذلك، إلى أن زالت الدولة الفاطمية، فلما استقرت دولة بنى أيوب أضيفت الأحباس أيضا إلى القاضى.

‌تفريق الأحباس

ثم تفرقت جهات الأحباس فى الدولة التركية، وصارت إلى يومنا هذا ثلاث جهات:

الأولى تعرف بالأحباس، ويليها دوادار السلطان، وهو أحد الأمراء، وهو ناظر الأحباس، ولا يكون إلا من أعيان الرؤساء، ولها ديوان فيه عدة كتّاب، وأكثر ما فيه الرزق الإحباسية، وهى أراض من أعمال مصر على المساجد والزوايا للقيام بمصالحها، وعلى غير ذلك من جهات البر، وبلغت الرزق الإحباسية فى سنة أربعين وسبعمائة-عند ما حررها النشو ناظر الخاص فى أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون-مائة ألف وثلاثين ألف فدان.

الجهة الثانية تعرف بالأوقاف الحكمية بمصر والقاهرة، يليها قاضى القضاة الشافعى، وفيها ما حبس من الرباع على الحرمين، وعلى الصدقات، والأسرى وأنواع القرب، ويقال لمن يتولى هذه الجهة ناظر الأوقاف، فتارة ينفرد بنظر أوقاف مصر والقاهرة رجل واحد من أعيان نواب القضاة، وتارة ينفرد بأوقاف القاهرة ناظر من الأعيان، ويلى نظر أوقاف مصر آخر، ولكل من أوقاف البلدين ديوان فيه كتّاب وجباة، وكانت جهته عامرة يتحصل منها أموال جمة، فيصرف منها لأهل الحرمين أموال عظيمة فى كل سنة تحمل من مصر إليهم، ويصرف منها أيضا بمصر والقاهرة لطلبة العلم، ولأهل الستر والفقراء شئ كثير، ثم تلاشى أمر ذلك، وكأنه لم يكن شيئا مذكورا.

الجهة الثالثة الأوقاف الأهلية، وهى التى لها ناظر خاص، إما من أولاد الواقف، أو من ولاة السلطان أو القاضى، وفى هذه الجهة الخوانك والمدارس والجوامع والترب، وكان متحصلها قد خرج عن الحد فى الكثرة لما حدث فى الدولة التركية من بناء المدارس وغيرها، ثم صاروا يفردون أراضى من أعمال مصر والشامات، وفيها بلاد مقررة، ويقيمون صورة يتملكونها بها، ويجعلونها وقفا على مصارف كما يريدون.

ص: 374

فلما استبد الأمير برقوق بأمر بلاد مصر قبل أن يتلقب باسم السلطنة هم بارتجاع هذه البلاد، وعقد مجلسا فيه شيخ الإسلام سراج الدين البلقينى، وقاضى القضاة بدر الدين محمد ابن أبى البقاء وغيره، فلم يتهيأ له ذلك، فلما جلس على تخت الملك صار أمراؤه يستأجرون هذه النواحى من جهات الأوقاف، ويؤجرونها للفلاحين بأزيد مما استأجروا، فلما مات الظاهر فحش الأمر فى ذلك، واستولى أهل الدولة على جميع الأراضى الموقوفة بمصر، والشامات، وصار أجودهم من يدفع فيها لمن يستحق ريعها عشر ما يحصل له. (انتهى).

وفى زمن دخول الفرنساوية أرض مصر كان شارع قنطرة الدكة هذا غير معمور، وكان السالك فيه من عند قنطرة الدكة إلى باب الحديد، يجد عن يمينه قبورا بجوار المنزل الذى كان ساكنا به لينان باشا، منها قبر سيدى عنتر الذى ذكره ابن إياس فى تاريخه عند الكلام على بركة الأزبكية ومحل هذه القبور الآن تكية يسكنها بعض الدراويش ويجد عن يساره براحا، وهو موضع منزل نوبار باشا الآن، وما جاور ذلك من الطرفين كان بستانا.

وكان جامع أولاد عنان متخربا، وكان السالك من باب الحديد إلى الخلاء، يجد عن يساره قنطرة الليمون، وبجوارها تربة الشيخ المتبولى، التى هى اليوم على شاطئ الترعة الإسماعيلية،

وكان بقرب هذه القنطرة من جهة بولاق تل مرتفع، كان يعلق فوقه من يحكم عليه بالقتل، ثم فى زمن الفرنساوية تمهد هذا التل، وعمل فوقه طاحون تدور بالهواء، وهى أول طاحون حدثت من هذا القبيل بالديار المصرية.

وكان السالك يجد عن يساره أيضا طريق جامع الظاهر، ومحلها الآن تقريبا سكة العباسية، ويجد أمامه أرض مزارع، وكان السالك فى هذا الطريق يجد عن يمينه كيمانا محلها اليوم القصور العظيمة التى بجوار السور، ومن ضمنها الآن قصر فى محل قرية أبى الريش الصغيرة، وعن يساره بأول الطريق بستانا، يحيط به سور من البناء، ثم يجد بعد ذلك كيمانا عالية، ثم أرض مزارع، حتى يصل إلى مجتمع طريقين، كما هو الآن:

الأولى يسلك فيها إلى جهة العدوى بمحاذاة سور المدينة، وعلى يمين السالك فيها أرض الطبالة، أولها من عند جامع أولاد عنان إلى الخليج الكبير، وإلى السور وإلى الخليج الناصرى وإلى بركة الرطلى، وبركة قمر، وقد تكلمنا على ذلك فى محله من هذا الكتاب.

ص: 375

والثانية يسلك فيها إلى جهة العباسية وغيرها، وفى سنة خمس وثمانين ومائتين وألف، حينما كنت ناظرا على ديوان الأشغال، عمل رسم لجميع هذه الجهة، فتغيرت معالمها وأزيلت كيمانها، وردمت البرك التى كانت بها، ورغبت الناس فى العمارة هنالك، فبنوا القصور المشيدة، والمنازل الجديدة، وغرسوا حول ذلك الأشجار، وأنشأوا البساتين والحدائق، فصارت هذه الجهة من أحسن المنتزهات وأبهجها، ولم تزل الرغبة فيها تتزايد بزيادة العمارة هناك، حتى أن قيمة المتر من الأرض بلغت نصف بينتو، بعد ما كانت لا تبلغ سوى قرشين وسبب ذلك أن هذه الجهة لقربها من الترعة الإسماعيلية، ومن أراضى العباسية، صار هواؤها خالصا نقيا، ليس به عفونة.

والى هنا انتهى الكلام على شارع قنطرة الدكة.

ثم نبين شارع الكارة، وشارع الجامع فنقول:

***

ص: 376

‌شارع الكارة

هو بنهاية شارع قنطرة الدكة، وطوله مائتان وثلاثون مترا.

وبه من جهة اليمين عطفة تعرف بعطفة الشلبيات غير نافذة.

ومن جهة اليسار عطفة غير نافذة.

وبه أيضا ثلاثة أضرحة: ضريح الشيخ أبى الحسن، وضريح الشيخ مجاهد، وضريح الشيخ الجبروتى، وكان بقربه مقبرة قديمة مهجورة، كغيرها من المقابر التى كانت داخل البلد، باع أرضها الميرى، ودخل معظمها فى البيوت المجاورة لها

***

ص: 377

‌شارع الجامع

هو عن يمين المار بشارع الكارة، طوله مائتا متر.

وبه من جهة اليسار عطفة تعرف بعطفة الطاحون غير نافذة، وبداخلها عطفة تعرف بعطفة الجيارة.

***

ص: 378

‌شارع العتبة الخضراء

يبتدئ من آخر شارع الموسكى، وينتهى لشارع البكرى، وطوله مائتان وأربعون مترا.

‌بيت الثلاثة ولية

وعرف بذلك من أجل سراية العتبة الخضراء التى كانت به، وكانت تعرف أيضا ببيت الثلاثة ولية، وهذه السراية أصلها دار الحاج محمد الداده الشرايبى صاحب جامع الشرايبى الذى بالأزبكية، المعروف الآن بجامع البكرى، وقد ذكرنا ترجمته عند الكلام على جامعه فى جزء الجوامع من هذا الكتاب.

ثم تملكها بعده الأمير رضوان كتخدا الجلفى، فجدّدها وبالغ فى زخرفتها، وذلك بعد سنة ستين ومائة وألف.

ثم تملكها الأمير محمد بيك أبو الذهب، وكان قد تزوّج بمحظية رضوان كتخدا المذكور ثم انتقلت إلى ملك الأمير طاهر باشا الكبير، ثم إلى ملك قريبه الأمير طاهر باشا ناظر الجمارك واستمرت بيد ورثته إلى أن اشتراها المرحوم عباس باشا وهدمها ووسعها وبناها بناء محكما لوالدته، وبقيت كذلك إلى زمن الخديو إسماعيل، ثم لما حصل التنظيم بالأزبكية أخذ منها جزء كبير بسبب التنظيم، وبقى منها القصر العظيم الذى محله الآن المحكمة المختلطة، والقشلاق المقابل له، المعد لعساكر البوليس الآن.

‌ترجمة الأمير رضوان كتخدا الجلفى

ورضوان كتخدا المذكور هو-كما فى الجبرتى-الأمير رضوان كتخدا الجلفى مملوك على كتخدا الجلفى، تقلد كتخدائية باب العزب بعد قتل أستاذه بعناية عثمان بيك ذى الفقار، ولم يزل يراعى لعثمان بيك حقه وجميله، حتى أوقع بينهما إبراهيم كتخدا القازدغلى.

ص: 379

ثم لما استقرت الأمور له ولقسيمه إبراهيم كتخدا المذكور ترك الرياسة فى الأحكام واعتكف المترجم على لذاته وفسوقه، وأنشأ عدة قصور وأماكن بالغ فى زخرفتها خصوصا داره التى أنشأها على بركة الأزبكية، وأصلها بيت الشرايبى، وهى التى على بابها العمودان الملتفان، المعروفة عند أولاد البلد بثلاثة ولية، وعقد على مجالسها العالية قبابا عجيبة الصنعة، منقوشة بالذهب المحلول، واللازورد، والزجاج الملون، ووسع قطعة الخليج بظاهر قنطرة الدكة، بحيث جعلها بركة عظيمة، وبنى عليها قصرا مطلا عليها، وعلى الخليج الناصرى من الجهة الأخرى، وأنشأ فى صدر البركة مجلسا خارجا بعضه على عدة قناطر لطيفة، وبعضه داخل الغيط المعروف بغيط المعدية، وبوسطه بحيرة تملأ بالماء من أعلى، وينصب منها إلى الحوض من أسفل، ويجرى إلى البستان لسقى الأشجار، وبنى قصرا آخر بداخل البستان، مطلا على الخليج، فكان ينتقل فى تلك القصور، خصوصا فى أيام النيل، ويتجاهر بالمعاصى والراح، والوجوه الملاح، وتبرج النساء ومخاليع أولاد البلد، وخرجوا عن الحد فى تلك الأيام ومنع أصحاب الشرطة من التعرض للناس فى أفاعيلهم، وهو الذى عمّر باب القلعة الذى بالرميلة، المعروف بباب العزب، وعمل حوله هاتين البدنتين العظيمتين، والزلاقة على هذه الصورة الموجودة الآن، وقصده الشعراء ومدحوه بالقصائد والمقامات والتواشيح، وأعطاهم الجوائز السنية.

ولم يزل هو وقسيمه على إمارة مصر حتى مات إبراهيم كتخدا، فظهر شأن عبد الرحمن كتخدا القازدغلى، وراج سوق نفاقه، وأخذ يعضد مماليك إبراهيم كتخدا، ويغريهم، ويحرضهم على الجلفية، فأخذوا يدبرون فى اغتيال رضوان كتخدا وإزالته، وسعت فيهم عقارب الفتن، فتنبه رضوان كتخدا لذلك، واتفق مع أغراضه، وملك القلعة والأبواب والمحمودية وجامع السلطان حسن، واجتمع إليه الكثير من أمرائه وغيرهم، وكاد يتم له الأمر، فسعى عبد الرحمن كتخدا والاختيارية فى إجراء الصلح، وطلع بعضهم إلى المترجم وقال له. هؤلاء أولاد أخيك وقد مات وتركهم فى كنفك مثل الأيتام، وأنت أولى بهم من كل أحد، وليس من المروءة والرأى أن تناظرهم أو تخاصمهم، فإنك صرت كبير القوم، وهم فى قبضتك أى وقت شئت، فلا تسمع كلام المنافقين، ولم يزالوا به حتى انخدع لكلامهم وصدقهم، واعتقد نصحهم لأنه كان سليم الصدر، ففرق الجمع ونزل إلى بيته

ص: 380

الذى بقوصون، فاغتنموا عند ذلك الفرصة وبيتوا أمرهم ليلا، وملكوا القلعة والأبواب والجهات، والمترجم فى غفلته آمن فى بيته مطمئن من قبلهم، فلم يشعر إلا وهم يضربون عليه بالمدافع، وكان المزين يحلق له رأسه، فسقطت الجلل على داره، فأمر بالاستعداد وطلب من يركن إليهم فلم يجد أحدا ووجدهم قد أخذوا حوله الطرق والنواحى، فحارب فيهم إلى قرب الظهر، وخامر عليه أتباعه فضربه مملوكه صالح الصغير برصاصة من خلف الباب الموصل لبيت الراحة فأصابته فى ساقه، وهرب مملوكه إلى الأخصام، وكانوا وعدوه بإمرة إن قتله، فلما حضر إليهم وأخبرهم بما فعله أمر على بيك بقتله، فشفعوا فيه ونفى، وعند ما أصيب المترجم طلب الخيول وركب وخرج من نقب نقبه فى ظهر البيت، فسار إلى جهة البساتين وهو لا يصدق بالنجاة، فلم يتبعه أحد، ونهبوا داره، ثم سار إلى جهة الصعيد، فمات بشرق أولاد يحيى، ودفن هناك، وكانت مدته بعد قسيمه قريبا من ستة أشهر (انتهى باختصار).

‌ترجمة طاهر باشا الكبير

وأما طاهر باشا الكبير، فهو-كما فى الجبرتى أيضا-الأمير الكبير طاهر باشا الأرنؤدى كان محافظا على الديار المصرية من طرف الدولة، ثم تغلب عليها وصار واليا نحو ستة وعشرين يوما، وكان كثير المصادرات ويحب سفك الدماء، وكانت له دار بالحبانية وهى التى قتل فيها، وسبب قتله أن طائفة الانكشارية كانت كلما تطلب منه شيئا من حماكيهم يقول لهم:

ليس لكم عندى شئ، فاذهبوا وخذوه من محمد باشا، فضاق خناقهم، وبيتوا أمرهم مع أحمد باشا والى المدينة.

فلما كان فى اليوم الرابع من شهر صفر سنة ثمانى عشرة ومائتين وألف، ركبوا من جامع الظاهر وهم نحو المائتين وخمسين نفرا بعددهم وأسلحتهم كما هى عادتهم، وخلفهم كبراؤهم: منهم إسماعيل أغا وموسى أغا، وذهبوا إلى طاهر باشا وسألوه فى جماكيهم، فقال لهم: ليس لكم عندى إلا من وقت ولايتى، وإن كان لكم شئ مكسور فهو مطلوب لكم من باشتكم محمد باشا، فألحوا عليه فنتر فيهم، فعاجلوه بالحسام، وضربه أحدهم فطير رأسه ورماه من الشباك إلى الحوش، وسحبت طوائفهم الأسلحة، وهاجوا فى أتباعه الأرنؤد فقتلوا منهم جماعة، واشتعلت النار فى الأسلحة والبارود الذى فى أماكن الباعة، فوقع

ص: 381

الحريق والنهب فى الدار، وخرجت العساكر الانكشارية وبأيديهم السيوف المسلولة، ومعهم ما خطفوه ونهبوه، فانزعجت الناس وأغلقوا الأسواق والدكاكين، وهربوا إلى الدور، وهم لا يعلمون ما الخبر، ثم بعد ساعة شاع الخبر وشق الوالى والأغا، ونادوا بالأمان حسبما رسم أحمد باشا، كل ذلك والنهب والحريق جار فى بيت طاهر باشا، وفرج الله عن المعتقلين والمحبوسين على المغارم والمصادرات، وبقيت جثته مرمية لم يلتفت إليها أحد، ولم يجسر أحد من أتباعه على الدخول إلى البيت وإخراجها ودفنها، وزالت دولته وانقضت سلطته فى لحظة ولو طال عمره زيادة على ذلك لأهلك الحرث والنسل.

وكان أسمر اللون، نحيف البدن، أسود اللحية، قليل الكلام بالتركى، فضلا عن العربى وكانت تغلب عليه لغة الأرنؤدية، وفيه هوس وانسلاب، وميل إلى المساليب والمجاذيب والدراويش، وعمل له خلوة بالشيخوتية، وكان يبيت بها كثيرا، ويصعد مع الشيخ عبد الله الكردى إلى السطح فى الليل يذكر معه، ثم سكن هناك بحريمه، وكان يجتمع عنده أشكال مختلفة الصور، فيذكر معهم ويجالسهم، ولما رأوا منه ذلك خرج الكثير من الأوباش، وتزيا بما سولت له نفسه وشيطانه، ولبس طرطورا طويلا ودلقا، وعلق له جلاجل، وجعل له طبلة يدق عليها، ويصرخ ويزعق ويتكلم بكلمات مستهجنة، وألفاظ موهمة أنه من أرباب الأحوال ونحو ذلك، ولم يتعرض له أحد.

ولما قتل المترجم أقام مرميا إلى ثانى يوم لم يدفن، ثم دفنوه من غير رأس، بقبة عند بركة الفيل، وأخذ بعض الينكجرية رأسه وذهب به ليوصله إلى محمد باشا، فلحقهم جماعة من الأرنؤد فقتلوهم، وأخذوا الرأس منهم، ورجعوا به ودفنوه مع جثته، ولما نهبوا بيته نهبوا ما جاوره من الدور، من الحبانية إلى ضلع السمكة، إلى درب الجماميز.

‌ترجمة أمير أحمد باشا طاهر

وأما الأمير أحمد باشا طاهر، فهو-كما فى الجبرتى أيضا-الصدر المعظم، والدستور المكرم، الوزير أحمد طاهر باشا، ويقال إنه ابن أخت محمد على باشا، وكان ناظرا على ديوان الكمارك ببولاق، وعلى الخمامير ومصارفه من ذلك، وشرع فى عمارة داره، التى بالأزبكية بجوار بيت الشرايبى، تجاه جامع أزبك على طرف الميرى، وهى فى الأصل بيت

ص: 382

المدنى ومحمود حسن، احترق منه جانب ثم هدم أكثره، وخرج بالجدار إلى الرحبة، وأخذ منها جانبا وأدخل فيه أيضا بيت رضوان كتخدا الذى يقال له ثلاثة ولية، وشيد البناء بخرجات متعددة، وجعل بابه مثل باب القلعة، وضع فى جبهته العمودين الملتفين، وصارت الدار كأنها قلعة مشيدة فى غاية من الفخامة، فما هو إلا أن قارب الإتمام، وقد لحقه المرض فسافر إلى الإسكندرية بقصد تبديل الهواء، فأقام هناك أياما، وتوفى فى شهر جمادى الثانية سنة ثمانى عشرة ومائتين وألف، وأحضروا رمته فى أواخر شهر، ودفنوه بمدفنه الذى بناه محل بيت الزعفرانى بجوار السيدة زينب بقناطر السباع، وترك ابنا مراهقا، فأبقاه الباشا على منصب أبيه ونظامه وداره. (انتهى ملخصا).

وكان بشارع العتبة الخضراء هذا الجامع الكبير المعروف بجامع أزبك، والحمام الذى كان بجواره، المعروف بحمام العتبة الخضراء، بناهما الأمير أزبك مع غيرهما من المبانى التى كانت هناك، وقد أزيل ذلك كله عند تنظيم الأزبكية، وفتح شارع محمد على، وصار محل ذلك متصلا بمقابر الأموات التى كانت بتربة الأزبكية، بعد ما أخرجت منها العظام وجمعت بصهريج عمل لها بأول شارع العشماوى، وبنى عليه جامع عرف بجامع العظام، فسبحان من لا تغيره الأحوال، ولا يقع فى ملكه إلا ما يشاء.

ويوجد الآن بهذا الشارع جامع قديم، يعرف بجامع الجوهرى، شعائره مقامة ومنافعه تامة، وأوقافه تحت نظر الديوان، ويوجد به أيضا من الدور الكبيرة دار الأمير سليم باشا فتحى بقرب الجامع المذكور، له بابان. أحدهما من هذا الشارع، والثانى من درب الجنينة وقد دخلت الآن فى حيازة الميرى، وسكن بها ديوان الحقانية مدة، ثم انتقل منها وجعل بها مدرسة دار العلوم التى كانت بدرب الجماميز بديوان المدارس العمومية، والدار الكبيرة التى كان بها ديوان الضبطية سابقا، والآن دخلت فى ملك يعقوب القطاوى، لأنه اشتراها من الميرى، وجعلها عدة مساكن ودكاكين وقهاو.

ودار عبد الحليم باشا كانت تعرف سابقا بدار محمد كتخدا الأشقر-أحد الأمراء المصريين-تملّكها العزيز محمد على باشا أيام ولايته على الديار المصرية، ثم تملكها الأمير عبد الحليم باشا، فعمرها وجعل بها جنينة، وجهة تختص بالرجال، وأخرى تختص بالنساء،

ص: 383

وقد دخلت الآن فى حيازة الميرى، وجعل بها ديوان الضبطية المصرية وملحقاتها، وأما دار الصابونجى التى كانت بهذه الخطة، فإنها قد هدمت، وكانت تجاه سراى العتبة الخضراء، ومحلها الآن اللوكاندة التى بأول الشارع الموصل لجهة العشماوى وما جاورها من المبانى.

‌ترجمة إبراهيم الصابونجى

والصابونجى هذا هو-كما فى الجبرتى-الأمير إبراهيم جربجى عزبان الصابونجى، كان أسدا ضرغاما، وبطلا مقداما، ظهر فى سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف، وشارك فى الكلمة أحمد كتخدا عزبان أمير البحرين، وحسن جريجى عزبان الجلفى، وعمل أكنجى أوده باشا، وذلك فى سنة ثلاث وعشرين، فزادت حرمته، ونفذت فى مصر كلمته، وصار ركنا من أركان مصر العظيمة، من أرباب الحل والعقد والمشورة، خصوصا فى دولة إسماعيل بيك ابن إيواظ، وأدرك من العز والجاه ونفاذ الكلمة عند الأكابر والأصاغر، ما لا يدرك لغيرة، وكانت تخشاه أمراء مصر وصناجقها، وسبب تسميته بالصابونجى أنه كان متزوجا بابنة الحاج عبد الله الشامى الصابونجى، لكونه كان ملتزما بوكالة الصابون، وكانت له عزوة كبيرة، ومماليك وأتباع، منهم عثمان كتخدا الذى اشتهر ذكره بعده، ولم يزل على سيادته، إلى أن مات فى فراشه خامس يوم من شهر شوال سنة إحدى وثلاثين ومائة وألف، وخلف ولدا يسمى محمدا جعلوه بعده جربجيا، مات مقتولا.

وخبره-كما فى الجبرتى-أنه لما توفى أبوه وأخذ بلاده وبيته الذى تجاه العتبة الزرقاء على بركة الأزبكية، وتوفى عثمان جربجى الصابونجى بمنفلوط، وذلك سنة سبع وأربعين ومائة وألف، وكان من معاتيق أبيه، وكان المترجم مثل والده بالباب ويلتجئ إلى يوسف كتخدا البركاوى، فلما مات البركاوى خاف من على كتخدا الجلفى، فالتجأ إلى عبد الله كتخدا القازدغلى، وعمل ينكجريا، فأراد أن يقلده أوده باشا، ويلبسه الضلمة، فقصد السفر إلى الوجه القبلى، وذلك فى سنة أربع وخمسين، فسافر واستولى على بلاد عثمان جربجى ومعاتيقه، وأقام هناك، وكان رذلا، بخيلا طماعا شرها فى الدنيا.

واتفق أن رجلا من كبار هواره بحرى توفى، فأرسل المترجم إلى وكيله أحمد أوده باشا، فأخذ له بلاد المتوفى بالمحلول، ودفع حلوانها إلى الباشا، فأرسل أولاد المتوفى إلى هوارة قبلى

ص: 384

عرفوهم أن بلاد أسلافهم أخذها ابن الصابونجى، ونزل يتصرف فيها، فأرسلوا إليهم هوارة وعبيدا وسيمانية، فحاربوه وغلبوه، فخاف منهم وحضر إلى مصر، ثم إن هوارة أرسلت إلى إبراهيم كتخدا، فأحضره وتكلم معه، فلم يمتثل، واستمر على عناده، فأرسل إبراهيم كتخدا، وأخذ فرمانا بنفيه إلى الحجاز، فلما وصل إلى السويس أرسل خلفه إبراهيم كتخدا فرمانا صحبة جاويش بقتله فقتلوه، واحضروا صندوقه الى ابراهيم كتخدا وترك ثلاث بنات، وأخذ بيت الأزبكية إبراهيم كتخدا، وزوّج زوجته إلى خازنداره محمود أغا. (انتهى).

‌ترجمة حسين بيك المعروف بالصابونجى

وأما حسين بيك المعروف بالصابونجى، فكان أصله مملوكا لإبراهيم جربجى الصابونجى، اشتراه إبراهيم جاويش من سيده، ورباه ورقاه، فتقدم وتقلد إمارة الحج فى سنة تسع وستين ومائة وألف، ثم تعين للرياسة، وصار هو كبير القوم والمشار إليه، وتعصب على خشداشيته فنفاهم، وأراد نفى على بيك الغزاوى، وأخرجه إلى العادلية، فسعى فيه الاختيارية فألزمه بأن يقيم بمنزل صهره على كتخدا ببركة الرطلى، ولا يخرج من بيته، ولا يجتمع بأحد من أقرانه، وأرسل إلى خشداشه حسين بيك المعروف بكشك، فأحضره من جرجا، وكان حاكما بالولاية، فأمره بالإقامة بقصر العينى، ولا يدخل المدينة، ثم أرسل إليه يأمره بالسفر إلى البحيرة، ويريد بذلك تغريق خشداشيه، ثم يرسل إليهم ويقتلهم، لينفرد بالأمر والرياسة ويستقل بملك مصر، فحنق منه حسين كشك، واشتغل له مع خشداشيه، واتفق معهم سرا على قتله، وخامروه حتى قتلوه، وذلك فى سنة إحدى وسبعين ومائة وألف، وكان كريما جوادا، وجيها، وكان متزوجا ببنت ابن سيده محمد جربجى الصابونجى، وسكن بيتهم، وعمره ووسعه. (انتهى ملخصا).

***

ص: 385

‌شارع كلوت بيك

أوله من قنطرة الليمون، وآخره شارع وش البركة، وطوله ثمانمائة متر وخمسون مترا.

وبوسطه ضريح يعرف بالشيخ قمر، وبأوله ضريح الشيخ المتبولى، عليه قبة صغيرة، وهو داخل زاوية على شاطئ الترعة الإسماعيلية بجوار القنطرة، يعمل له حضرة كل أسبوع، ومولد كل عام، وبجواره جباسة تعرف بجباسة المعلم محمد السبيلى.

***

ص: 386

‌شارع البكرى

أوله من آخر شارع العتبة الخضراء، وآخره شارع مشتهر، ويقطعه شارع فؤاد، من عند جامع الكخيا، وطوله أربعمائة متر وخمسون مترا.

وبه من جهة اليسار عطف ودروب على هذا الترتيب: العطفة السد، ثم درب الجسمة، ثم درب المقدم، ثم درب العسال، ثم العطفة الصغيرة، ثم عطفة الدهان، ثم سكة ساحة الحمير.

وأما جهة اليمين فبها درب الشقافتية، ثم عطفة الشيخ علم الدين، بداخلها ضريح الشيخ علم الدين الذى عرفت به، ثم عطفة المرخمين.

‌جامع عبد الحق

ثم درب عبد الحق، عرف بالشيخ عبد الحق السنباطى، صاحب الضريح المجاور للجامع المعروف بجامع عبد الحق، الكائن بداخل هذا الدرب، بقرب بيت البكرى القديم، شعائره مقامة من أوقافه بنظر بعض الأهالى.

وبداخل هذا الدرب أيضا زاوية تعرف بزاوية الأربعين، شعائرها مقامة من أوقافها بنظر رجل يدعى أحمد بدوى.

ثم بعد درب عبد الحق عطفة تعرف بعطفة الزياف، ثم حارة أولاد شعيب، بداخلها زاوية أولاد شعيب، شعائرها مقامة بنظر الأوقاف.

ثم حارة الفؤالة، وعطف هذا الشارع ودروبه وحاراته قد تغير بعضها وأزيل بعضها، والبعض باق على أصله بسبب تنظيم الشوارع المستجدة.

ص: 387

‌تتمة

كان بدرب عبد الحق المذكور من الدور الكبيرة، الدار التى أنشأها الأمير على بيك الكبير لمحظيته خاتون التى تزوج بها الأمير مراد بيك بعد موت سيده.

‌ترجمة الست خاتون

وخاتون هذه هى-كما فى الجبرتى-الست الجليلة خاتون سرية على بيك بلوط قبان الكبير، بنى لها الدار العظيمة على بركة الأزبكية بدرب عبد الحق، والساقية والطاحون بجانبها ولما مات على بيك وتأمر مراد بيك تزوّج بها، ولم يأت بعد الست شويكار من اشتهر ذكره وخبره سواها، ولما كان أيام الفرنساوية واصطلح معهم مراد بيك حصل لها منهم غاية الكرامة، ورتبوا لها من ديوانهم فى كل شهر مائة ألف نصف فضة، وشفاعتها عندهم مقبولة لا ترد، وبالجملة فإنها كانت من الخيرات، ولها على الفقراء بر وإحسان، ولها من المآثر الخان الجديد والصهريج داخل باب زويلة، توفيت يوم الخميس لعشرين خلت من شهر جمادى الأولى سنة إحدى وثلاثين ومائتين وألف ببيتها المذكور بدرب عبد الحق، ودفنت بحوشهم فى القرافة الصغرى بجوار الإمام الشافعى-رضى الله تعالى عنه-واضيفت الدار إلى الدولة، وسكنها بعض أكابرها، فسبحان الحى الذى لا يموت. (انتهى).

وفى وقتنا هذا أخذت هذه الدار فى التنظيم الذى حصل بالأزبكية، ودخل منها جزء صغير فى السراية المستجدة التى بها صندوق الدين الآن، وأما الساقية فهى موجودة إلى اليوم بآخر درب عبد الحق المذكور.

‌ترجمة السيد خليل البكرى

والدار التى جدّدها السيد خليل البكرى، وكانت بجوار دار الست خاتون المذكورة، وهو-كما فى الجبرتى-الأجل المبجل، والمحترم المفضل، السيد خليل البكرى الصديقى والدته من ذرية شمس الدين الحنفى، وأخوه السيد أحمد الصديقى، الذى كان متوليا على سجادتهم، ولما مات السيد أحمد لم يتولها المترجم، لما فيه من الرعونة، وارتكابه أمورا غير لائقة، بل تولاها ابن عمه السيد محمد أفندى مضافة لنقابة الأشراف، فتنازع مع ابن عمه المذكور، وقسموا بيتهم الذى بالأزبكية نصفين، وعمر منابه عمارة متقنة، وزخرفه، وأنشأ

ص: 388

فيه بستانا زرع فيه أصناف الأشجار، ثم لما توفى السيد محمد أفندى تولى المترجم مشيخة السجادة، وتولى نقابة الأشراف السيد عمر مكرم الأسيوطى، فلما طرق البلاد الفرنساوية تداخل المترجم فيهم، وخرج السيد عمر مع من خرج هاربا من الفرنساوية إلى بلاد الشام، وعرف المترجم الفرنساوية أن النقابة كانت لبيتهم، وأنهم غصبوها منه، فقلدوه إياها، واستولى على وقفها وإيرادها، وانفرد بسكن البيت، وصار له قبول عند الفرنساوية، وجعلوه من أعاظم رؤساء الديوان الذى نظموه لإجراء الأحكام بين المسلمين، فكان وافر الحرمة، مقبول الشفاعة عندهم، وازدحم بيته بالدعاوى والشكاوى، واجتمع عنده كثير من مماليك الأمراء المصرية الذين كانوا خائفين، وعدة خدم وقواسة، ومقدم كبير، وسراجين وأجناد واستمر على ذلك إلى أن حضر يوسف باشا الوزير فى المرة الأولى التى انتقض فيها الصلح، ووقعت الحروب فى البلدة بين العثمانية والفرنساوية، والأمراء المصرية وأهل البلدة، فهجم على داره المتهورون من العامة ونهبوه. (انتهى).

ولا التفات لما قاله الجبرتى ما لا يناسب شرف هذا البيت العالى المقدار، سيما والأحوال الجارية فى أوقات الفتن لا يوقف لها على قرار، ولا تعلم لها حقيقة، ولا يوصل لها إلى أصل صحيح، وقد رجع للمترجم ما أخذ منه، وانتظم حاله على أحسن مما كان، وعادت له أبهته، واكتسب بما حصل له كمالا ووقارا، وعمر عمارات فاخرة، وعاش عيشة هنيئة، وانفصل عن نقابة الأشراف، وتولاها السيد عمر مكرم كما كان قبل الفرنساوية، وعن مشيخة سجادة السادة البكرية، وانتقلت إلى ابن عمه السيد محمد أفندى أبى السعود، سار فى المشيخة على أحسن الأحوال، وأكمل الأخلاق مدة حياته، ولزم المترجم الخمول، مقتصرا على إصلاح شئونه، وتنقل فى أماكن متعددة، منها دار الخواجه أحمد محرم، أقام بها مدة، ثم انتقل إلى بيت عبد الرحمن كتخدا القازدغلى بحارة عابدين، وجدّد بن عمارة فاخرة، واشترى دارا بدرب الجماميز بعطفة الفرن، وأتقن تشييدها، وغرس فيها بستانا جميلا، ولم يزل على خموله، ملازما إصلاح شئونه، إلى أن توفى إلى رحمة الله تعالى فى منتصف شهر ذى الحجة سنة ثلاث وعشرين ومائتين وألف، ودفن عند أسلافه بمدفن السادة البكرية بجوار سيدنا ومولانا الإمام الشافعى-رضي الله عنه-ورحمهم أجمعين.

ص: 389

(قلت): وقد آلت داره التى بدرب عبد الحق المذكور إلى ذرية ابن عمّه السيد محمد أبى السعود البكرى المتقدم ذكره، حتى وصلت إلى يد حضرة السيد الأكرم الهمام الأفخم والجناب الأمجد، والملاذ الأسعد السيد على البكرى الصديقى، فجدّدها وسكنها، وصار يعمل المولد النبوى الشريف بها، كما سيأتى إلى زمن الخديو إسماعيل، ثم لما حصل تنظيم الأزبكية أخذت فى ضمن ما أخذ فى التنظيم، ودخل معظمها فى السراية التى بها صندوق الدين الآن، وعوض بدلها سراى الخرنفش، فبقى بها قائما بشئون وظيفته الشريفة، موفيا حقوق مشيخته ورتبته المنيفة، إلى أن دعاه داعى مولاه فلباه، وانتقل إلى دار رحمته ورضاه فى سنة 1297 هجرية، ودفن بمدفنهم المذكور.

ثم تولى بعده نقابة الأشراف ومشيخة سجادة السادة البكرية نجله البدر المنير، والعلم الشهير، الجناب المحترم الأكرم السيد عبد الباقى البكرى، وهو مقيم بها الآن.

وسيأتى تمام الكلام فيما يتعلق بالبيت الشريف البكرى، مبتدأ من أصله الأول، وهو خليفة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-سيدنا أبو بكر الصديق-رضي الله عنه-إلى عماده المتين حضرة السيد عبد الباقى البكرى الموجود الآن، بعد انتهاء الكلام على الشوارع والميادين، مفردا بترجمة وحده إن شاء الله تعالى.

***

ص: 390

‌شارع العشماوى

أوله من آخر شارع السويقة، وآخره شارع البكرى، وطوله مائتان وثمانون مترا.

وبه من جهة اليمين حارة: الشيخ عبد القادر، يتوصل منها لشارع العتبة الخضراء، وعلى يسار المار بها عطفة صغيرة تعرف بعطفة الشيخ عمارة، وعلى رأسها ضريح الشيخ عبد القادر داخل الجامع الجديد، المعروف بجامع العظام.

وأما جهة اليسار فبها: حارة البيدق، يتوصل منها لشارع كوله وغيره، وبها من جهة اليمين عطفة صغيرة غير نافذة، ثم درب يعرف بدرب الخواجا، ثم عطفة أخرى صغيرة جدا، وبها من جهة اليسار عطفة غير نافذة، ثم زاوية تعرف بزاوية الحمصانى، شعائرها مقامة من أوقافها بنظر السيد مصطفى راشد المشهدى، ثم زاوية البيدق، وهى زاوية صغيرة بداخلها ضريح الشيخ محمد البيدق، للناس فيه اعتقاد كبير، ويعمل له حضرة كل أسبوع ومولد كل عام، والآن حاصل تجديدها من جهة ديوان الأوقاف، وبقربها دار كبيرة لسلامة بيك الباز المهندس، وأخرى لأحمد أفندى الكفراوى الحكيم.

ثم بعد حارة البيدق جامع العشماوى الذى عرف به الشارع، وهو جامع كبير، كان أول أمره زاوية يقيم بها الشيخ درويش العشماوى، ثم لما مات ودفن بها هدمها المرحوم عباس باشا، واشترى عقارا بجوارها، وبناها جامعا عظيما فى سنة سبع وستين ومائتين وألف ووقف عليه أوقافا حمة، شعائره مقامة منها إلى الآن، وبداخله ضريح الأستاذ العشماوى، عليه قبة مرتفعة، ويعمل له حضرة كل أسبوع ومولد كل عام، وقد بسطنا ترجمته فى جامعه بجزء الجوامع من هذا الكتاب.

***

ص: 391

‌شارع الكفاروة

أوله من شارع البكرى، وآخره شارع الصوّافة، وطوله مائتان وسبعون مترا.

وعن يمين المار به ثلاث عطف: العطفة الصغيرة، ثم العطفة المخللاتية، ثم عطفة الجزار.

‌حمام الكيخيا

وبأوله الحمام الكبير، المعروف بحمام الكيخيا، بقرب جامع الكيخيا، يشرف على الشارع المستجد، المعروف بشارع كوله، الممتد من الأزبكية إلى ميدان عابدين، بخط مستقيم، أنشأه الأمير عثمان كتخدا القازدغلى، بعد إنشائه للجامع، وجعله وقفا عليه، وهو عامر إلى اليوم، يدخله الرجال والنساء.

‌جامع الكيخيا

والجامع المذكور تم بناؤه سنة سبع وأربعين ومائة وألف، وشعائره مقامة من أوقافه إلى الآن، والكيخيا محرفة عن الكتخدا، التى هى كلمة تركية معناها الوكيل.

‌مطلب رحبة التبن

وكان محل هذا الجامع رحبة قديمة، تعرف برحبة التبن، تمتد إلى ساحة الحمير، كما وجد ذلك فى حجج أملاك هذه الخطة، وهذه الرحبة ذكرها المقريزى حيث قال: رحبة التبن قريبة من رحبة باب اللوق، فى بحرى منشأه الجوانية، شارعة فى الطريق العظمى، المسلوك فيها من رحبة باب اللوق إلى قنطرة الدكة، ويتوصل إليها السالك من عدة جهات، وكانت هذه الرحبة قديما تقف بها الجمال بأحمال التبن لتباع هناك، ثم اختطت وعمرت، وصارت سويقة كبيرة عامرة بأصناف المأكولات، والخط إنما يعرف برحبة التبن، وقد خرب بعد سنة ست وثمانمائة. (انتهى).

***

ص: 392

‌شارع الكرداسى

أوله من جوار ضريح الشيخ محمد الكرداسى، وآخره شارع فؤاد، تجاه شارع الصوافة وطوله مائة متر.

وبأوله من جهة اليمين حارة الهدارة، بآخرها جامع الأمير شريف باشا الكبير، كان متهدما، فجدده الأمير المذكور، وعمل بجواره مكتبا لتعليم الأطفال، وذلك فى سنة سبع وسبعين ومائتين وألف، فعرف به، بعد أن كان يعرف بجامع أبى الشوارب، باسم منشئه الأصلى رضوان بيك أبى الشوارب، المدفون تجاه الجامع فى المدفن الذى هناك.

‌ترجمة رضوان بيك أبى الشوارب

ورضوان بيك هذا، هو-كما فى الجبرتى-الأمير رضوان بيك أبى الشوارب، القاسمى سيد إيواظ بيك، ظهر بعد موت الأمير رضوان بيك الفقارى صاحب قصبة رضوان وانفرد بالكلمة فى مصر، مع مشاركة قاسم بيك جركس، وأحمد بيك بشناق الذى كان بقناطر السباع، وهو الذى حارب الفقارية بالطرانة.

ولما مات قاسم بيك المذكور سنة اثنتين وسبعين وألف، وهو دفتر دار بعد عزله من إمارة الحج، انفرد بعده رضوان بيك أبو الشوارب، وأحمد بيك بشناق، ثم مات رضوان بيك عن ولده أزبك بيك، وانفرد أحمد بيك بإمارة مصر نحو سبعة أشهر، ثم قتل. (انتهى).

‌ترجمة الأمير إيواظ بيك

ودفن بهذا المدفن أيضا الأمير إيواظ بيك، وهو-كما فى الجبرتى-الأمير الكبير، والمقدام الشهير إيواظ بيك، والد المرحوم الأمير إسماعيل بيك، أصله جركسى، وكان من القاسمية، وهو تابع مراد بيك الدفتردار القاسمى، ومراد بيك تابع أزبك بيك أمير الحاج ابن رضوان بيك أبى الشوارب المذكور.

ص: 393

تولى المترجم الإمارة عوضا عن سيده مراد بيك فى سنة سبع ومائة وألف، وفى سنة عشر ومائة وألف ورد مرسوم من الدولة خطابا لحسين باشا والى مصر إذ ذاك بالأمر بالركوب على المتغلب عبد الله وافى المغربى بجهة قبلى، ومن معه من العرب، فجمع حسين باشا الأمراء ووقع الاتفاق على إخراج تجريدة، وأميرها المترجم وصحبته ألف نفر من الوجاقات، وقرر له على كل بلد شيئا من النقود، وجعلوا لكل نفر ثلاثة آلاف فضة، وللأمير عشرة أكياس فأجابهم إلى ذلك، وخلع عليه الباشا، وخرج فى يوم السبت سابع جمادى الآخرة من سنة عشر ومائة وألف بموكب عظيم، ونزل بدير الطين فبات به، وأصبح متوجها إلى قبلى، فلما وصل إلى الصعيد اجتهد فى محاربة العرب، وصار يخادعهم ويقاتلهم حتى شتت شملهم وفرق جمعهم، وحضر إلى مصر، ودخل بموكب حافل، والرؤوس محمولة معه، وطلع إلى القلعة وخلع عليه الباشا، ثم تولى كشوفية الأقاليم الثلاثة على ثلاث سنوات، ورجع إلى مصر، ثم حضر مرسوم بسفر عسكر إلى البلاد الحجازية، وعزل الشريف سعد وتولية الشريف عبد الله، فجهز الباشا تجريدة لذلك، وجعل أميرها إيواظ بك المذكور، وخلع عليه الباشا، وسافر فى غير أوان الحج، فلما وصل إلى مكة حارب الشريف سعدا، وملك دار السعادة، وأجلس الشريف عبد الله عوضه، وأقام بمكة إلى أوان الحج، فأتى إليه مرسوم بأنه يكون حاكم جدة، فأقام بها سنين، وحاز منها شيئا كثيرا، وكان الوكيل عنه بمصر يوسف جربجى الجزار عزبان، فكان يرسل له الذخيرة وما يحتاجه من مصر، وتولى إمارة الحج سنة اثنتين وعشرين، ورجع سنة ثلاث وعشرين، وقتل فى تلك السنة فى الفتنة التى وقعت بين العزب والينكجرية، ودفن بتربة أبى الشوارب، وكان أميرا خيرا شهما، حزن عليه كثير من الناس.

‌ترجمة إسماعيل بيك

وخلف ولده السعيد الشهيد إسماعيل بيك الشهير، وكان جميل الذات والصفات، تقلد الإمارة والصنجقية بعد موت أبيه فى الفتنة الكبيرة، وكان عمره اذ ذاك ست عشرة سنة، ثم ورد أمر بتقليده إمارة الحج، وألبسه عابدى باشا الخلع، وتسلم أدوات الحج، وأرسل غلال الحرمين، وعين أناسا لحفر الآبار المردومة، وتنقية الأحجار من طريق الحجاج، وقلد المناصب، وأمر عدة صناجق منهم محمد أخوه، المعروف بالمجنون، وتشيخ على البلد

ص: 394

وطار صيته، وأخذ لأمرائه كشوفية الأقاليم، وطلع بالحج سنين آخرها سنة ثمان وعشرين فى أمن وأمان، ونظم الوجاقات السبعة، وبقى كذلك إلى أن حقد عليه محمد بيك جركس تابع إبراهيم بيك أبى شنب، وضم إليه جماعة من الفقارية مثل حسين بيك أبى يدك، وأخذ يحفر للمترجم، واتفقوا على غدره، ووقف له طائفة منهم بطريق الرميلة، وهو طالع إلى الديوان، فرموا عليه بالرصاص فلم يصبه، ثم بعد مناوشات حصلت بينهما اتفق أن مملوكا من مماليك محمد بيك جركس اشتكى للمترجم من تجارى أحد مماليكه على أخذ داره، فلم يسمع له دعوى، فاشتكى المملوك لسيده محمد بيك المذكور، فعرض القضية على حسن باشا الوالى، وكان يكره المترجم فى الباطن، فحرضه على قتله فى اليوم الذى يجتمع فيه أرباب الديوان، فلما اجتمعوا بالديوان أكمن حسن باشا الوالى كمينا لقتل جماعة المترجم بعد قتله، ثم لما استقر المترجم فى مكانه تقدم له المملوك وبث شكواه له واستجار به، ففزع فيه، وأظهر له الغضب، فعند ذلك بادر المملوك وضربه بخنجره فقتل من ساعته، فظهر الكمين فى الحال وقتل أتباعه فى حضرة الباشا، وذلك فى سنة ست وثلاثين ومائة وألف، ودفن مع أبيه بتربة أبى الشوارب المذكور، وله من العمر ثمان وعشرون سنة، وطلع أميرا بالحج ست مرات، ورثاه الشعراء بمراث كثيرة، ومن آثاره أنه جدد سقف الجامع الأزهر، وكان قد آل إلى السقوط، وأنشأ مسجد سيدى إبراهيم الدسوقى بدسوق، وكذا أنشأ مسجد سيدى على المليجى.

ومن فعاله الجميلة أنه كان يرسل غلال الحرمين فى أوانها، ويرسل القومانية إلى البنادر ويجعل فى بندر السويس والينبع والمويلح غلال سنة قابلة فى الشون لشحن السفن.

ولما بلغ خبر موته أهل الحرمين حزنوا عليه، وصلوا عليه صلاة الغيبة عند الكعبة، وكذا أهل المدينة صلوا عليه بين المنبر والمقام، وكان سكنه ببيت يوسف بيك الجزار، الذى بدرب الجماميز، المطل على بركة الفيل، المجاور لجامع بشتك. (انتهى ملخصا).

(قلت): وهذا البيت هو المعروف الآن ببيت مصطفى باشا، الذى به ديوان المدارس والأوقاف، وقد ذكرنا ترجمة يوسف بيك المذكور عند الكلام على شارع درب الجماميز من هذا الكتاب.

ص: 395

‌ترجمة إسماعيل جرجا

قال ودفن أيضا بتربة أبى الشوارب المذكور إسماعيل جرجا، وكان أصله خازندار إيواظ بيك، أمره إسماعيل بيك ابن سيده، وقلّده الصنجقية ومنصب جرجا، فلذلك لقب بجرجا، ولم يزل فى إمارته حتى قتل مع ابن سيده فى ساعة واحدة، ودفن معه فى المدفن المذكور. (انتهى ملخصا).

‌غيط الطواشى

وكان بجوار هذا المدفن غيط كبير يعرف بغيط الطواشى، تباع فيه الخضراوات ونحوها، قد زال فى التنظيم، وبنى الآن فى بعض أرضه القره قول الجديد المعروف بقره قول عابدين، وذلك فى سنة تسعين ومائتين وألف مدة نظارتى على ديوان الأشغال، وبلغت تكاليفه مع قره قول باب الحديد نحو اثنى عشر ألف جنيه مصرية، وكان الغرض إنشاء جميع قره قولات المحروسة بهذا الشكل، لكن لقلة النقود تأخر المجهود، والآن مقيم بقره قول عابدين هذا معاون الثمن، وبيت الصحة الطبية.

وبآخر حارة الهدارة أيضا دار الأمير شريف باشا بجوار الجامع، وهى دار كبيرة جدا، بها فناء متسع، وجملة حجر ومقاصير، وفيها بستان كبير، وكان أصلها دار الأمير رضوان بيك أبى الشوارب، ثم صارت تنتقل إلى أن دخلت فى ملك الأمير شريف باشا المذكور، فهدمها وأدخل فيها عدة دور كانت بجوانبها، وبناها بناء محكما، وعمل بها بستانا، وبقيت بيده، إلى أن توفى بعد سنة ثمانين ومائتين وألف، ثم انتقلت إلى ملك ابنه على باشا شريف، وهو ساكن بها إلى الآن، وكان خلفها بركة لطيفة تعرف ببركة أبى الشوارب، أنشأها أبو الشوارب برسم داره لتشرف عليها، وهى الآن فى ملك على باشا شريف، ردمها وعمل بها اصطبلا لخيوله.

ثم إن برأس حارة الهدارة زاوية الكرداسى، بداخلها ضريح الشيخ محمد الكرداسى، الذى عرف الشارع به، يعمل له حضرة كل أسبوع ومولد كل عام، وهذه الزاوية كانت واهية، فجدّدها الأمير شريف باشا الكبير سنة إحدى وثمانين ومائتين وألف، وهى مقامة الشعائر من أوقافها إلى الآن.

ص: 396

‌ترجمة حسن كتخدا المعروف بالجربان

وفى مقابلتها دار كبيرة للأمير ثابت باشا، وكانت أولا تعرف ببيت الجربان، وهو -كما فى الجبرتى-الأمير حسن كتخدا، المعروف بالجربان، أصله من مماليك حسن بيك الأزبكاوى، وكان ممتهنا فى المماليك، فسموه بالجربان لذلك، فلما قتل أستاذه بقى هو لا يملك شيئا، فجلس بحانوت بالأزبكية يبيع فيها تنباكا وصابونا، ثم سافر إلى المنصورة فأقام بها مدة، ثم رجع إلى مصر فى أيام على بيك، وتنقلت به الأحوال فأنعم عليه على بيك بإمرة بناحية قبلى، فلما حصلت الوحشة بين على بيك ومحمد بيك، وخرج محمد بيك من مصر إلى قبلى خرج إليه المترجم ولاقاه، وقدم بين يديه ما كان عنده من الخيام والخيول، وانضم إليه، ولم يزل حتى تملك محمد بيك، واستوزر إسماعيل أغا الجلفى، وكان يكره المترجم لأمور بينهما، فلم يزل حتى أوغر عليه صدر مخدومه، وأدى به الحال إلى الإقصاء والبعد، فانضم إلى مراد بيك وتقرب منه، فجعله كتخداه ووزيره، واشتهر ذكره، وعمر دارا بناحية باب اللوق بالقرب من غيط الطواشى، وصار من الأعيان المعدودين، وقصدته أرباب الحاجات، واحتجب فى غالب الأوقات، واتحد مع محمد أغا البارودى، وكان يعترى المترجم فى بعض الأوقات مرض يشبه الصرع، ينقطع به أياما عن السعى والركوب، ولم يزل على حالته إلى أن مات مع من مات بالشام سنة خمس عشرة ومائتين وألف. (انتهى ملخصا).

***

ص: 397

‌شارع الصوافة

أوله من شارع فؤاد، تجاه شارع الكرداسى، فى آخره شارع أبى السباع، أمام شارع البلاقسة، وطوله مائتان وسبعون مترا.

وعن يمين المار به العطفة الصغيرة، ثم عطفة الشيخ فرج، ثم درب القطان غير نافذ.

***

ص: 398

‌شارع مشتهر

أوله من آخر شارع البكرى، تجاه حارة الفوالة، وآخره شارع أبى السباع، وطوله مائتان وستون وخمسة أمتار.

وبه من جهة اليسار عطفة صغيرة، ودرب يعرف بدرب النعايمة، كان محله مع ما جاوره إلى ساحة الحمير حكرا يعرف بحكر كريم الدين. ذكره المقريزى فقال: إنه على يسرة من سلك من باب اللوق إلى رحبة التبن وإلى الدكة، وكان يعرف قبل كريم الدين بحكر الصهيونى قال: وهذا الحكر الآن آل إلى الدثور. (انتهى).

وأما جهة اليمين فيها حارة مشتهر غير نافذة.

وبهذا الشارع أيضا جامع الأنصارى، بالقرب من ساحة الحمير، وهو جامع صغير، ليس به ما يدل على تاريخ إنشائه، وشعائره مقامة من أوقافه بنظر بعض الأهالى، وبقربه جامع أبى قابل العشماوى، شعائره معطلة لتخربه، بمرور الشارع الموصل إلى قصر النيل منه، وليس به ما يدل على تاريخ إنشائه، وله أوقاف تحت نظر حسن أفندى حماد المدابغى، وبالقرب منه ضريح يعرف بالشيخ جاهين، والرحبة المعروفة بساحة الحمير، وهى رحبة كبيرة، ينصب بها سوق كل يوم بعد صلاة العصر تباع فيه الحمير، وبه دلاّلون عليهم دلالة أميرية بهذه الساحة جبّاستان لبيع الجبس: إحداهما تعرف بجبّاسة طلبة جودة، والأخرى تعرف بجباسة محمد أبى سنهور.

‌تتمة

كان فى محل هذا الشارع وشارع الصّوافة والكفاروة وما بجوارها منشأة تعرف بمنشأة ابن ثعلب. ذكرها المقريزى فقال: هى بالقرب من باب اللوق، وحكرت فى أيام الشريف فخر الدين بن ثعلب، فعرفت به، وتعرف اليوم بمنشأة الجوانية، لأن جوّانية الفم كانوا يسكنون فيها، فعرفت بهم. قال: وأدركتها فى غاية العمارة بالناس والمساكن والحوانيت وغيرها، وقد اختلت بعد سنة ست وثمانمائة، وأكثرها الآن زرائب للبقر. (انتهى).

***

ص: 399

‌شارع أبى السباع

أوله من آخر شارع الصنافيرى، وآخره شارع البلاقسة، وطوله ثلثمائة وعشرون مترا.

‌جامع أبى السباع

عرف بذلك، لأن بوسطه جامع أبى السباع، وهو جامع قديم، أخذ الشارع معظمه، وما بقى منه به ضريح الشيخ عبد الرحمن المعروف بأبى السباع، يعمل له مولد كل عام،- وشعائره مقامة من أوقافه بنظر الشيخ حسن الشبراوى من أهالى تلك الجهة.

وبه من جهة اليمين عطفتان غير نافذتين.

ومن جهة اليسار الحارة المعروفة بحارة أبى السباع، بداخلها جامع إبراهيم الصوفى، ويعرف أيضا بجامع جركس، وليس به ما يدل على تاريخ إنشائه، وشعائره معطلة لتخربه، وأوقافه تحت نظر الشيخ حسن المذكور، ثم عطفة النحاس، ثم عطفة المواشط، ثم العطفة الضيقة، ثم العطفة السد، ثم عطفة الحطاب، ثم عطفة الشيخ صالح، وعطفة الحطاب هذه عطفة كبيرة، بداخلها عطفة المليجى، وعطفة الشوام، وعطفة الجامع، وعطفة الخلوتى.

‌جامع عبد الدائم

وعطفة عبد الدائم، عرفت باسم ضريح هناك يقال له عبد الدائم داخل الجامع المعروف به فى هذه العطفة، جدّده الحاج إبراهيم الدوادار المدابغى سنة ثمانين ومائتين وألف، وكان محله فضاء، ليس به إلا ضريح الشيخ المذكور، وله أوقاف، شعائره مقامة منها.

ص: 400

‌جامع الشيخ على البطش

بداخله ضريحه عليه قبة مرتفعة وقد أخذ بعضه فى شارع سليمان باشا، وما بقى منه متخرب، ولم أقف على تاريخ إنشائه.

‌جامع الشيخ فرج

وجامع الشيخ فرج، عرف بالشيخ فرج المدفون به، كان منهدما، فابتدأ فى عمارته ناظره المعلم سيد أبو غريب المهندس، ثم بعد موته أكمله أولاده، وأقيمت شعائره إلى الآن بنظرهم.

‌جامع عبد العظيم

وجامع عبد العظيم كانت له منازل بجواره موقوفة عليه، أخذ مع أوقافه فى الشارع، ولم يبق لهما أثر بالكلية.

وبه أيضا ضريحان: أحدهما يعرف بالشيخ التكرورى، والآخر بالشيخ الزيات.

***

ص: 401

‌شارع البلاقسة

أوله من آخر شارع الصنافيرى، وأول شارع أبى السباع، وآخره الشارع الجديد، المار بجوار الشيخ عبد الله من الجهة القبلية، وطوله خمسمائة وعشرون مترا.

‌زاوية أبى حمزة

وبه من جهة اليسار حارة تعرف بحارة الجفار، وسكة ميدان عابدين، وعطفتان صغيرتان وأما جهة اليمين فبها عطفة غير نافذة، تعرف بعطفة أبى حمزة، لأن بها ضريح أبى حمزة داخل الزاوية المعروفة به، كانت متخربة، فجدّدها ديوان الأوقاف مع الضريح المذكور، وهى مقامة الشعائر إلى الآن.

‌جامع الكريرى

وبوسط هذا الشارع جامع الكريرى، كان قديما، ثم جدد سنة أربع وثمانين ومائتين وألف، وهو جامع صغير، به عمود واحد، وشعائره مقامة من أوقافه بنظر الشيخ حمودة الخضرى شيخ سجادة السعدية الآن.

***

ص: 402

‌شارع الشيخ ريحان

أوله من شارع البلاقسة، وآخره حارة السقائين، بقرب عطفة البتنونى، وطوله مائتان وثمانون مترا.

وبه من جهة اليمين: عطفة الشيخ ريحان، وبنهايته عطفة البتنونى، بداخلها عطفة تعرف بعطفة الدمرشة.

‌زاوية الشيخ ريحان

وبوسطه زاوية الشيخ ريحان، الذى عرف الشارع به، عن يمنة الذاهب من عابدين إلى الإسماعيلية، شعائرها غير مقامة لتخربها، وبداخلها ضريح الشيخ ريحان، عليه قبة مرتفعة، ويعمل له حضرة كل أسبوع، ومولد كل عام.

‌جامع الشيخ عبد الله

وبقرب هذه الزاوية جامع الشيخ عبد الله، كان صغيرا واهيا، فجدّده الخديو إسماعيل، وجعل به منبرا وخطبة، وعمل له مطهرة ومرافق، وأقيمت شعائره إلى الآن من أوقافه وبداخله ضريح الشيخ عبد الله، له مقصورة، وعليه قبة مرتفعة، ويعمل له مولد كل سنة، ويقال إنه شريف من ذرية سيدنا الحسين رضي الله عنه.

‌جامع عماد الدين

وجامع عماد الدين أخذ منه جزء فى الشارع، وبقى بعضه به أنقاضه، وبه ضريح الشيخ عماد الدين، وبإحدى زواياه تاريخ سنة اثنتين وسبعين وألف، وله أوقاف تحت نظر رجل يدعى رضوان جلبى.

ص: 403

‌الإسماعيلية

هذه الخطة ظهرت فى زمن الخديو إسماعيل، ونسبت إليه، لأنه هو الآمر بإنشائها، وهى تمتد بين جسر السبتية، أعنى الطريق الموصل من مصر إلى بولاق، وهو حدها البحرى، وحدها الغربى ترعة الإسماعيلية، الآخذة من قصر النيل وساحل النيل إلى القصر العينى، وحدها القبلى شارع القصر العالى والخليج المصرى، وحدها الشرقى سور البلد القديم، وكان عبارة عن خط منكسر، به بروز ودخول على غير انتظام، ومن المبانى الشهيرة الواقعة فى هذا الحد بالابتداء من الجهة البحرية جامع أولاد عنان، وجامع الكيخيا، وجامع أبى السباع، وجامع جركس، وجامع عبد الدائم، وجامع الشيخ ريحان، وجامع الإسماعيل، وجامع نصرة، بقرب آخره من جهة خط السيدة زينب.

ومن يمعن النظر فيما كتبناه فى خططنا على الأحكار والميادين وأرض اللوق، يجد أن أغلب مساحة هذه الخطة هى أرض اللوق، وأكثر الأحكار التى ذكرها المقريزى، وميدانى الصالح نجم الدين، والناصر محمد بن قلاوون وبعض بساتين، منها البستان المعروف قديما ببستان الفاضل.

وفى زمن الناصر محمد بن قلاوون بلغت العمارة فى هذه الخطة منتهاها، وذلك بعد أن تم عمل الخليج الناصرى، فكان على حافتيه من أوله عند قصر العينى إلى منية السيرج كثير من قصور الأمراء، ومشاهير الكتاب، ووجوه الناس.

ثم لما تغيرت الدول، وتلاشت الأحوال، تخربت هذه الخطة، كما تخرب غيرها، وصارت عبارة عن كثبان أتربة، وبرك مياه، وأراض سباخ، وقد بينا ذلك فى مواضع شتى من هذا الكتاب.

ثم لما أن قيض الله للحكومة المصرية الخديو إسماعيل، أبدل وحشتها أنسا، ونظمها على هذا الرونق الجميل، وجعل فى تخطيطها جميع شوارعها وحاراتها على خطوط مستقيمة، أغلبها متقاطع على زوايا قائمة، وجعلت منازلها منفردة عن بعضها، ودكت أرض شوارعها وحاراتها بالدقشوم، وجعل فى جانبى كل شارع وحارة استطراق للمشاة، وجعل الوسط

ص: 404

للعربات والحيوانات، ومدت فى جميعها مواسير الماء لرش أرضها وسقى بساتينها، ونصبت بها فنارات الغاز لإضاءتها وتنويرها، فأصبحت من أبهج أخطاط القاهرة وأعمرها، وسكنها الأمراء والأعيان من المسلمين وغيرهم.

ونذكر هنا أسماء شوارعها وحاراتها، والشوارع التى تجددت بقربها، وبجهة الأزبكية على سبيل الإجمال فنقول

شارع بولاق، طوله سبعمائة وثمانية وأربعون مترا، ويبتدئ من الأزبكية من شارع كامل، وينتهى إلى النيل، وبقرب وسطه وابور المياه.

شارع المغربى، طوله ثلثمائة متر، ويبتدئ من ميدان التياترو، وينتهى إلى شارع مصر العتيقة، وبه ضريح الشيخ المغربى.

شارع المناخ، طوله ثلثمائة وأربعون مترا، ويبتدئ من ميدان التياترو، وينتهى إلى شارع مصر العتيقة.

شارع قصر النيل، طوله ألف متر ومأته وستون مترا، وعرف بذلك لأنه ينتهى تجاه قصر النيل.

شارع عماد الدين، طوله ألف متر وسبعمائة وعشرون مترا، يبتدئ من شارع بولاق، وينتهى إلى شارع جامع الإسماعيلى، وبه ضريح الشيخ عماد الدين.

شارع المدابغ، طوله ثمانمائة متر، ويبتدئ من شارع بولاق، وينتهى إلى شارع الكوبرى، وكان به محل المدابغ القديمة.

شارع مصر العتيقة، طوله ثلاثة آلاف متر وأربعمائة وأربعون مترا، ويبتدئ من شارع بولاق، وينتهى إلى مصر العتيقة، ويمر تجاه سراى الإسماعيلية، وقصر العالى، والقصر العينى.

شارع وابور المياه، طوله سبعمائة متر وستون مترا.

شارع الترعة الإسماعيلية، طوله ألف متر وسبعمائة وأربعون مترا.

شارع جنينة المثلث، طوله مائة متر وستون مترا.

شارع دير البنات، طوله ثلثمائة متر.

شارع الشريفين، طوله مائتا متر.

ص: 405

‌شوارع باب اللوق المستجدة

شارع العوائد، طوله ثمانية وستون مترا.

شارع المشهدى، طوله ثمانية وستون مترا.

شارع الكنيسة الجديدة، طوله مائة وستون مترا.

شارع أبى السباع، طولة ثلثمائة وثمانية وستون مترا.

شارع الساحة، طوله أربعمائة متر وعشرون مترا.

شارع منصور، طوله ألف متر ومائة وعشرون مترا.

شارع القاصد، طوله ثلثمائة متر وثمانية وأربعون مترا، ويبتدئ من شارع الشيخ ريحان، وينتهى إلى شارع الشيخ عبد الله، وبه ضريح الشيخ القاصد.

شارع الحوياتى، طوله خمسمائة واثنان وسبعون مترا، ويبتدئ من شارع الشيخ ريحان، وينتهى إلى شارع جامع شركس، وبه ضريح الشيخ الحوياتى.

حارة الدرمللى، طولها مائتان وعشرون مترا، تبتدئ من شارع القاصد، وتنتهى إلى شارع الشيخ حمزة، وبها منزل حسين باشا الدرملى.

شارع جامع شركس، طوله خمسمائة متر وستون مترا، يبتدئ من ميدان باب اللوق، وينتهى إلى قره قول قصر النيل، وبه جامع شركس.

شارع البستان، طوله ثمانمائة وثمانون مترا، ويبتدئ من ميدان عابدين، وينتهى إلى ميدان قصر النيل.

ص: 406

شارع القشلاق، يبتدئ من ميدان الكوبرى، وينتهى إلى قنطرة بولاق.

شارع الكوبرى، طوله ألف متر وأربعون مترا، ويبتدئ من شارع كوله، وينتهى إلى كوبرى قصر النيل.

شارع كوله، طوله تسعمائة متر وعشرون مترا، ويبتدئ من ميدان التياترو، وينتهى إلى ميدان عابدين.

شارع الشيخ ريحان، طوله تسعمائة متر وثمانية وعشرون مترا، ويبتدئ من شارع مصر العتيقة، وينتهى إلى ميدان المبدولى، وبه منزل أحمد باشا خيرى.

شارع الفلكى، طوله ألف متر ومائتان وستون مترا، يبتدئ من شارع المبتديان، وينتهى إلى ميدان باب اللوق، وبه منزل المرحوم محمود باشا الفلكى.

شارع الشيخ حمزة، طوله ثلثمائة متر وثمانون مترا، يبتدئ من شارع الكوبرى، وينتهى إلى شارع مصر العتيقة، وبه ضريح الشيخ حمزة.

شارع عبد الدائم، طوله ثلثمائة وأربعون مترا، يبتدئ من شارع الشيخ ريحان، وينتهى إلى شارع البستان، وبه منزل الأمير عمر باشا لطفى.

شارع الدواوين، طوله ألف متر ومائة وثمانية وثمانون مترا، يبتدئ من شارع الطرقة، وينتهى إلى شارع الكوبرى، وبه دواوين الحكومة، وسراى المرحوم شريف باشا.

***

ص: 407

‌شوارع القصر العالى

شارع الشيخ يوسف، طوله ثمانمائة متر، يبتدئ من شارع مصر العتيقة، وينتهى إلى شارع عماد الدين، وبه ضريح الشيخ يوسف.

شارع الداخلية، طوله ثلثمائة وأربعون مترا، يبتدئ من شارع مصر العتيقة، وينتهى إلى شارع منصور، ويمر تجاه ديوان الداخلية.

شارع الطرقة، طوله ستمائة متر وأربعون مترا، يبتدئ من شارع مصر العتيقة، وينتهى إلى شارع الدواوين.

شارع الإنشاء، طوله ثلثمائة وأربعون مترا، يبتدئ من شارع مصر العتيقة، وينتهى إلى جنينة نياظى بيك، وبه سراية الإنشاء.

***

ص: 408

‌شوارع وحارات الجزيرة

شارع الشيخ عبد الله، طوله أربعمائة متر، يبتدئ من شارع الشيخ ريحان، وينتهى إلى شارع جامع الإسماعيلى، وبه ضريح الشيخ عبد الله.

حارة عطية، طولها ستة وخمسون مترا، تبتدئ من عطفة قبودان، وتنتهى إلى حارة جاد.

حارة الشرقاوى، طولها مائة وثمانية وعشرون مترا، تبتدئ من شارع الشيخ ريحان، وتنتهى إلى شارع الشيخ يوسف.

حارة طعيمة، طولها مائة متر وستة عشر مترا، تبتدئ من شارع السقائين، وتنتهى إلى شارع الشيخ يوسف.

عطفة التل، طولها ستة وتسعون مترا، تبتدئ من شارع الشيخ ريحان، وتنتهى إلى عطفة خاتون.

حارة المكتب، طولها مائة وثمانية وعشرون مترا، تبتدئ من شارع الشيخ ريحان، إلى شارع السقائين.

شارع نصرة، طوله أربعمائة وثمانون مترا، يبتدئ من شارع الشيخ ريحان، وينتهى إلى عطفة قناوى، وكان به البركة المعروفة ببركة نصرة.

عطفة قناوى، طولها مائة متر واثنا عشر مترا، تبتدئ من شارع الشيخ ريحان، وتنتهى إلى شارع النطاطة.

ص: 409

عطفة العالمة، طولها ثمانية وأربعون مترا، تبتدئ من شارع السقائين، وتنتهى إلى شارع الشيخ يوسف.

حارة خليفة، طولها مائة متر واثنا عشر مترا، تبتدئ من شارع السقائين وتنتهى إلى شارع الشيخ يوسف.

عطفة شيحة، طولها ستون مترا، تبتدئ من شارع النطاطة، وتنتهى إلى شارع السقائين.

عطفة مبروك، طولها عشرون مترا، تبتدئ من حارة الزعبلاوى، وتنتهى إلى شارع النطاطة.

حارة جاد، طولها مائتا متر، تبتدئ من شارع عماد الدين، وتنتهى إلى شارع الشيخ عبد الله.

شارع الجزيرة الجديدة، طوله مائة متر واثنان وتسعون مترا، يبتدئ من شارع عماد الدين، وينتهى إلى شارع الشيخ عبد الله.

عطفة القبودان، طولها مائة وثمانية وثمانون مترا، تبتدئ من شارع عماد الدين إلى شارع الشيخ عبد الله.

شارع السقائين، طوله مائة متر وثمانون مترا، يبتدئ من شارع عماد الدين، وينتهى إلى شارع الشيخ عبد الله.

شارع النطاطة، طوله مائة متر وثمانية وستون مترا، يبتدئ من شارع عماد الدين، وينتهى إلى شارع الشيخ عبد الله.

شارع الزعبلاوى، طوله مائة متر وستون مترا، يبتدئ من شارع عماد الدين، وينتهى إلى شارع الشيخ عبد الله.

عطفة نصرة، طولها ثمانون مترا، تبتدئ من حارة المكتب، وتنتهى إلى شارع عماد الدين، وكانت تمر بها البركة المعروفة قديما ببركة نصرة.

***

ص: 410

‌شوارع الناصرية

شارع سامى، طوله مائتان وثمانون مترا، يبتدئ من شارع نصرة، وينتهى إلى شارع خيرت، وبه منزل يعقوب بيك سامى.

شارع جامع الإسماعيلى، طوله ثلثمائة وأربعون مترا، يبتدئ من شارع الدواوين، وينتهى إلى شارع عماد الدين، وبه جامع الإسماعيلى.

شارع يعقوب، طوله مائة وأربعة وثمانون مترا، يبتدئ من شارع الدواوين. وينتهى إلى شارع نصرة، وبه منزل يعقوب صبرى.

شارع خيرت، طوله خمسمائة متر وثمانون مترا، يبتدئ من ميدان الداخلية، وينتهى إلى شارع المبتديان، وبه منزل خيرت أفندى الختام.

***

ص: 411

‌شوارع وحارات مستجدة فى أرض الأزبكية

شارع المهدى، يبتدئ من شارع الباب البحرى، وينتهى إلى شارع كامل، وبه منزل للشيخ المهدى.

شارع الجنينة، يبتدئ من ميدان الخازندار، وينتهى إلى شارع كامل.

شارع المليجى، يبتدئ من شارع كامل، وينتهى إلى شارع الجنينة، وبه منزل المليجى النحاس.

شارع الباب البحرى، يبتدئ من شارع وش البركة، وينتهى إلى شارع الجنينة.

شارع كامل، يبتدئ من شارع وش البركة، وينتهى إلى ميدان التياترو، وبه منزل المرحوم كامل باشا.

شارع الفسقية، يبتدئ من شارع وش البركة، وينتهى إلى شارع كامل.

شارع البوسطة، يبتدئ من ميدان الخازندار، وينتهى إلى ميدان أزبك، وبه محل البوسطة المصرية.

شارع البواكى، يبتدئ من ميدان الخازندار، وينتهى إلى شارع الجوهرى.

شارع الباب الشرقى، يبتدئ من شارع البواكى، وينتهى إلى شارع البوسطة، وبه الباب الشرقى لجنينة الأزبكية.

شارع أزبك، يبتدئ من ميدان العتبة الخضراء، وينتهى إلى شارع البوسطة.

شارع ميدان أزبك، يبتدئ من ميدان العتبة الخضراء، وينتهى إلى شارع الجوهرى.

ص: 412

شارع التياترو، يبتدئ من ميدان التياترو، وينتهى إلى ميدان العتبة الخضراء، وبه التياترو الخديوى.

شارع طاهر، يبتدئ من ميدان التياترو، وينتهى إلى شارع بولاق.

شارع البيدق، يبتدئ من شارع التياترو، وينتهى إلى شارع طاهر، وبه ضريح الشيخ محمد البيدق.

شارع جامع الكيخيا، يبتدئ من ميدان البدروم، وينتهى إلى شارع عابدين، وبه جامع الكيخيا.

حارة الحسينى، تبتدئ من شارع وش البركة، وتنتهى إلى شارع الجنينة، وبها منزل للسيد على الحسينى النحاس.

حارة جلبى، تبتدئ من شارع وش البركة، وتنتهى إلى شارع الجنينة، وأمامها منزل لتدرس جلبى.

حارة المدرستين، تبتدئ من شارع وش البركة، وتنتهى إلى شارع الجنينة، وبها مدرستان للأمريكان.

حارة زغيب، تبتدئ من شارع المناخ، وتنتهى إلى شارع جامع الكيخيا، وبها منازل مملوكة للكنت زغيب.

حارة الزهار، تبتدئ من شارع وش البركة، وتنتهى إلى شارع الجنينة، وبها منزل للزهار.

حارة العربخانة، تبتدئ من حارة جلبى، وتنتهى إلى شارع الباب البحرى.

***

ص: 413

‌حارات مستجدة فى أرض جنينة الطواشى وما جاورها

حارة الباز، تبتدئ من شارع الساحة، وتنتهى إلى حارة الطوبجى، وبها منزل سلامة بيك الباز.

حارة الطواشى، تبتدئ من شارع عبد العزيز، وليست نافذة.

حارة سالم، تبتدئ من شارع الساحة، وتنتهى إلى حارة فائد، وبها منزل لسالم باشا الحكيم.

حارة فائد، تبتدئ من شارع عابدين، وتنتهى إلى حارة الطواشى، وبها منزل فائد بيك حارة أبو يوسف، تبتدئ من حارة الطواشى، وتنتهى إلى شارع عبد العزيز.

حارة الطوبجى، تبتدئ من شارع عابدين، وتنتهى إلى شارع عبد العزيز، وبها منزل للمرحوم على باشا الطوبجى.

حارة العشى، تبتدئ من شارع عابدين، وتنتهى إلى شارع عبد العزيز، وبها منزل الأوسطى إبراهيم العشى.

حارة شافعى، تبتدئ من شارع عابدين، وتنتهى إلى شارع عبد العزيز، وبها منزل المرحوم شافعى بيك الحكيم.

***

ص: 414

‌الميادين المستجدة

ميدان باب الحديد، تجاه الكوبرى الموصل للسكة الحديد، والقره قول الجديد، وعمارة المرحوم راتب باشا، ويتوصل إليه من شارع باب الحديد، وشارع قلوت بيك، وشارع الفجالة.

ميدان الخازندار، تجاه لو كاندة أوروبا، والبوسطة، وبحرى جنينة الأزبكية.

ميدان العتبة الخضراء، تجاه سراى العتبة الخضراء.

ميدان التياترو، غربى التياترو.

ميدان عابدين، تجاه سراى عابدين.

ميدان البدروم، بقرب عمارة سوارس، وعمارة السيوفى.

ميدان باب اللوق، تجاه منزل المرحوم على بيك راغب، ومنزل محمد أفندى الناغى.

ميدان الكوبرى، تجاه كوبرى قصر النيل، وسراى الإسماعيلية.

ميدان الدواوين، تجاه سراى المالية، والداخلية، والحقانية.

ميدان الأزهار، تجاه منزل المرحوم محمود باشا الفلكى، ومنزل على باشا صادق.

هذا ولنرجع إلى الوفاء بما عدنا به من تتميم الكلام على البيت الشريف البكرى الصديقى، فنقول:

‌مطلب الكلام على البيت الشريف البكرى الصديقى

(اعلم) أنه لما كان ذكر البيت البكرى ونسبيه الشريفين الصديقى والحسنى، وتراجم أسلافه الكرام بالديار المصرية لا بد منه فى كتابنا هذا، لأنه من الأهمية بالمكانة القصوى، والمنزلة العليا، إذ قد شهد بفضله العيان، فلا يتمارى فيه اثنان.

ص: 415

وكانت أفراد سلسلة ذينك النسبين مشتتة فى صفحات الأسفار، منتثرة بأنحاء الكتب الجمة.

وكانت شريطتنا فى هذا الكتاب، أن لا نقدم على إثبات شئ فيه جزافا، بل لا بد من الفحص عنه وتأمله، وبذل الجهد بما يصل إليه الإمكان فى تحقيقه لدينا، أو لدى من نثق به من أفاضل العلماء.

شرعنا فى ذلك، وساعدنا عليه كل من حضرة الأستاذ العلامة، والملاذ الفهامة الشيخ حمزة فتح الله مفتش الدروس العربية بالمدارس الملكية، والعلامة الأديب، والجهبذ الأريب الشيخ عثمان مدوخ، والأستاذ الفاضل، والهمام الكامل الشيخ حسن السقا خطيب الجامع الأزهر فاجتهدوا-حفظهم الله-وبذلوا وسعهم، واطلعوا معنا على جملة شجرات من هذا النسب الكريم، وعلى كثير من الحجج الشرعية، والوقفيات القديمة، وعلى كثير مما بخزانتنا، وخزانة السادة البكرية من الكتب، كتاريخ ابن خلكان وذيله، وخلاصة الأثر، وسلك الدرر وطبقات الشعرانى، وخطط المقريزى، وحسن المحاضرة، إلى غير ذلك من الكتب الغريبة الجليلة التى لا تحصى كثرة، حتى كملت هذه الفكاهة الشهية، والنميقة الرخيمة، المهفهفة البهية، مرصعة باللآلئ تراجم بعض أهل هذا البيت الكريم، ونسبهم العالى الفخيم، بعد إفراغ الجهد فى تحريرها وتهذيبها، وبذل الوسع فى تطريزها وتذهيبها، وهذه أبكار عرائسها تجلى لديك، وجمل نفائسها تتلى عليك فنقول:

***

ص: 416

‌البيت البكرى الصديقى بمصر

بيت أسس على التقوى بدعائم المجد الأثيل، وشرف سما هامة الثريا، فليس يحتاج فضله إلى إقامة دليل، الفخار شعاره، والوقار دثاره، فهو الغنى عن الإطراء، والإسهاب فى الثناء، كيف لا وهو البيت المشيد البناء، والشجرة المباركة التى أصلها ثابت وفرعها فى السماء، قد أجاب الحق سبحانه وتعالى فى تلك السلالة الشريفة دعاء جدها الصديق بقوله:

«وأصلح لى فى ذريتى» ، فليس فى أغلب المعمورة الإسلامية من جميع الأنحاء مكان إلا وقد طلعوا فيه بدورا منيرة، وأينعوا به رياضا زاهية نضيرة، مناهلها غزيرة، لا تنفك منها أعين المجد قريرة، حتى ذكر سيدى أبو الحسن البكرى فى تفسيره أن جماعة من الأولياء وأكابر العلماء كانوا من البكرية، المتصلين بهذا النسب الشريف، لكنهم من بيت آخر، وإن كانت الشجرة المباركة تجمعهم إلى الغاية القصوى، وهى نسب سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه-كالشيخ فخر الدين الرازى صاحب التفسير، والشيخين الكبيرين عبد الرحمن بن الجوزى، وعبد الرحمن البسطامى، ومجد الدين صاحب القاموس، والشيخ شمس الدين محمد الحنفى. (اه ملخصا)، وكالإمام ابن الوردى، بدليل قوله فى لاميته:

غير أنى أحمد الله على

نسبى إذ بأبى بكر اتصل

وابن علان شارح الأذكار، والسيد مصطفى صاحب ورد سحر، وكثير سواهم.

غير أن الديار المصرية من بين سائر الأقطار الإسلامية هى التى صارت مطلع شموسهم، ومجلى نفائس أنوار نفوسهم، وروضة غراسهم، ومشكاة نبراسهم، وموطن أعيانهم، ومحط رحالهم، وموضع مناصبهم العلية، وخططهم السنية، وذلك من نعم الله تعالى على

ص: 417

تلك الديار. أدام الله عمرانها، وشيد بدعائم الدين القويم بنيانها، هذا ولا بد أن يكون فى بيتهم واحد منهم، هو الخليفة عليهم، وهذا أمر مشاهد لا شبهة فيه، وقد أشار إليه جدهم سيدى محمد البكرى الكبير، أبيض الوجه بقوله:

فى كل عصر منهمو سيد

مؤيد بالحق ما حى الريب

وقال شيخ السنة بمصر الشيخ عبد السلام اللقانى: كل الأنساب داخلها الكذب الآن، إلا نسبة البكرية للصديق، فإنها صحيحة، مقطوع بها.

ذكر هذه العبارة صاحب كتاب عمدة التحقيق فى بشائر بيت آل الصديق، المطبوع بمصر سنة 1287 هـ.

وقد كانت لهؤلاء السادة مساكن متعددة: بقنطرة باب الخرق، وعابدين، وعلى الخليج تجاه زاوية جلال الدين، المشهورة بالجامع الأبيض، حيث سراى المرحوم سليم باشا الآن، وبالأزبكية بدرب الشيخ عبد الحق، وهو المنزل الذى كان مطلا على بركة الأزبكية، كما ذكرنا ذلك سابقا، وكان مختصا بعمل المولد النبوى الشريف فيه، وهو مراد الجبرتى حيث يقول: انتقل فلان لمنزله بالأزبكية لعمل المولد النبوى، وهم الآن بسراى الخرنفش مسكن وإنشاء المرحوم الحاج عباس باشا والى مصر سابقا، انتقلوا إليها عام 1286 هـ، كما تقدم، ونحن ذاكرو هذا البيت الكريم هنا بطريق الإجمال، بلا تطويل ولا إخلال، مبتدئين بترجمة جدهم الأكبر، وأصل منبعهم الطيب الأطهر، سيدنا أبى بكر الصديق، خليفة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-تبركا به-رضي الله عنه-فنقول:

‌شذرة من ترجمة سيدنا ومولانا الإمام أبى بكر الصديق رضي الله عنه

هو-رضي الله عنه-أبو بكر عبد الله، وقيل عتيق ابن أبى قحافة عثمان بن عامر ابن عمرو، إلى آخر ما سيأتى فى نسبه المتصل إلى معدّ بن عدنان. يجتمع مع النبى-صلى الله عليه وسلم-فى مرة بن كعب.

وأمه أم الخير سلمى بنت صخر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم.

قيل: إنما سمى عتيقا؛ لأن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قال له: أنت عتيق من النار. وقيل: إنما سمى عتيقا لرقة حسنه وجماله-رضي الله عنه.

ص: 418

ولد-رضي الله عنه-بعد الفيل بثلاث سنين، وتوفى لثمانى ليال بقين من جمادى الآخرة ليلة الثلاثاء، وهو ابن ثلاث وستين سنة، واختلف فى سبب موته، فقيل إنه اغتسل، وكان يوما باردا، فحمّ خمسة عشر يوما لا يخرج إلى الصلاة، وأمر عمر أن يصلى بالناس.

ولما مرض قال له الناس: ألا ندعو لك الطبيب؟ فقال: إنه قد أتانى، فقال لى: أنا فاعل ما أريد، فعلموا مراده، وسكتوا عنه، فمات-رضي الله عنه-وكان آخر ما تكلم به:

توفنى مسلما وألحقنى بالصالحين.

كان-رضي الله عنه-أبيض خفيف العارضين، أجنأ معروق الوجه، نحيفا أقنى العرنين، يخضب بالحناء والكتم.

وتزوّج-رضي الله عنه-فى الجاهلية أم رومان، واسمها دعد بنت عامر، فولدت له عبد الرحمن وعائشة، وتزوج غيرها فى الجاهلية والإسلام، وولد له عبد الله وأسماء ومحمد وأم كلثوم ولدت بعد وفاته-رضي الله عنه، وهو أول من أسلم من الشيوخ، وكان رضي الله عنه-قبل الخلافة تاجرا مليئا، جوادا مشهورا.

وكان كما قال له ابن الدغنة: إنك يا أبا بكر لتصل الرحم، وتقرى الضيف، وتحمل الكل، وتعين على نوائب الحق.

وكان له حين أسلم من المال أربعون ألفا، فأنفقها كلها، مع ما اكتسبه من التجارة، وكان شيئا كثيرا، فى الله، وعلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم، فلما ولى الخلافة ترك التجارة، وقال: إن أمور الناس لا تصلح مع التجارة، ولا يصلح إلا التفرغ، والنظر فى شئونهم.

وقد أعتق كثيرا من الأرقاء، ذكورا وإناثا، سيما الذين كانوا يعذبون فى الله، ومنهم بلال بن رباح مؤذن رسول الله-صلى الله عليه وسلم، وعامر بن فهيرة وغيرهم.

وأما الأحاديث الواردة فى فضله بخصوصه، فهى كثيرة جدا:

منها ما أخرجه السيوطى فى جامعه الكبير، ورواه أبو نعيم عن أبى الدرداء-رضي الله عنه-أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قال: ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أفضل من أبى بكر.

ص: 419

ومنها ما أخرجه السيوطى فى الجامع الكبير عن جابر-رضي الله عنه-قال: رأى رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أبا الدرداء أمام أبى بكر فقال له: أتمشى قدام رجل ما طلعت الشمس على أحد منكم أفضل منه.

وروى الديلمى فى مسند الفردوس عن أم هانئ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا بكر إن الله سماك الصديق.

وروى مسلم فى صحيحه عن أبى سعيد الخدرى-رضي الله عنه-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم-قال: إن آمن الناس على فى ماله وصحبته أبو بكر.

وعن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم أرحم أمتى بأمتى أبو بكر.

وأخرج ابن عساكر عن أنس-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-حب أبى بكر وشكره واجب على كل أمتى.

وأما الآيات الواردة فى فضله-رضي الله عنه-فهى كثيرة:

منها قوله تعالى: «فَأَمّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى، وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى» }. قال بعض المفسرين: المراد بها أبو بكر الصديق-رضي الله عنه ..

ومنها قوله تعالى: «إِذْ هُما فِي الْغارِ» الآية (أخرج) ابن عساكر عن ابن عيينة قال:

عاتب الله المسلمين كلهم فى شأن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-إلا أبا بكر وحده فلم يعاتبه، يعنى بل فضله عليهم بتخصيصه بصحبته النبى-صلى الله عليه وسلم-ومرافقته فى الهجرة، وفى هذا الحال الشديد بقوله تعالى:«إِلاّ تَنْصُرُوهُ» يعنى النبى صلى الله عليه وسلم «فقد نصره الله، إذ أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين إذ هما فى الغار إذ يقول لصاحبه» يعنى أبا بكر «لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا، فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ» أى على أبى بكر، كما قال به بعض المفسرين، لأنه هو الذى كان حزينا خائفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم

ومنها قوله تعالى: «وَ سَيُجَنَّبُهَا» يعنى النار «الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكّى، وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى وَ لَسَوْفَ يَرْضى» .

ص: 420

قال البغوى: نزلت فى أبى بكر-رضي الله عنه-فى قول الجميع.

وأخرج ابن أبى حاتم والطبرانى عن عروة: أن أبا بكر الصديق-رضي الله عنه أعتق سبعة من الأرقاء، كلهم يعذبون فى الله، منهم بلال، فنزلت وسيجنبها الأتقى، إلى آخر السورة.

ومنها قوله تعالى: «حَتّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَ عَلى والِدَيَّ، وَ أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ، وَ أَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي» .

قال على بن أبى طالب-كرم الله وجهه-: نزلت هذه الآية فى أبى بكر-رضي الله عنه أسلم أبواه جميعا، وكان يصحب النبى-صلى الله عليه وسلم-وهو ابن ثمانى عشرة سنة، والنبى-صلى الله عليه وسلم-ابن عشرين فى تجارته إلى الشام، فلما بلغ أربعين، وتنبأ النبى-صلى الله عليه وسلم-آمن به، ثم آمن أبواه، ثم ابنه عبد الرحمن، ثم ابن عبد الرحمن أبو عتيق، فدعا أبو بكر ربه بقوله: رب أوزعنى، أى ألهمنى أن أشكر نعمتك التى أنعمت على وعلى والدى، أى بالإسلام، وأن أعمل صالحا ترضاه.

قال ابن عباس: أجاب الله دعاءه، فأعتق كثيرا ولم يرد شيئا من الخير إلا أعانه الله عليه، ثم قال: وأصلح لى فى ذريتى، فلم يكن له ولد إلا آمن بالنبى-صلى الله عليه وسلم وصحبه، ولم يحصل ذلك لأحد من الصحابة، رضي الله عنهم أجمعين.

وبالجملة، ففضائله-رضي الله عنه-لا تحصى، ومناقبه ومزاياه الحسنة لا تستقصى.

وإذا أروينا الغلة برشفة من رحيق مآثره، وعطرنا كتابنا بنفحة من عبير مفاخره، فلنعد إلى ذكر نسبتى أهل هذا البيت الشريفتين الصديقية والحسنية، ثم نعقب ذلك بتراجم بعض مشاهيرهم، وشئ من مآثرهم، سواء منهم أفراد هذه السلسلة وفروعهم، نقلا عن التواريخ المشهورة، مع الإلماع إلى جميع الطرق التابعة الآن للخلافة البكرية، وزيها وعوائدها فى الموالد السنوية الجارية بمصر وغيرها، مع العوائد الخصوصية للبيت الصديقى، وكيفية إثبات الشرف لديهم، لما أن نقابة السادة الأشراف تابعة لهذا البيت، زيادة على تلك الخلافة فنقول:

ص: 421

إن الخطتين المذكورتين، والوظيفتين الشريفتين، اللتين هما خلافة السادة البكرية، ونقابة السادة الأشراف بعموم الديار المصرية فى وقتنا الحاضر الذى هو عام 1306 من الهجرة النبوية الشريفة، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، قائم بهما نخبة هذه السلالة الشريفة، وفرع تلك الدوحة اليانعة المنيفة السيد عبد الباقى أفندى البكرى ابن المرحوم السيد على أفندى البكرى ابن السيد محمد أفندى البكرى ابن السيد محمد أبى السعود ابن السيد محمد ابن السيد عبد المنعم ابن السيد محمد البكرى ابن السيد أبى المواهب ابن السيد محمد أبى المواهب زين العابدين ابن السيد محمد ابن السيد محمد أبى السرور زين العابدين ابن السيد محمد أبى المكارم زين العابدين أبيض الوجه ابن السيد محمد أبى الحسن المفسر ابن السيد محمد أبى البقاء جلال الدين ابن السيد عبد الرحمن جلال الدين ابن السيد أحمد ابن السيد محمد ابن السيد أحمد ابن الشيخ محمد ابن الشيخ عوض بن الشيخ عبد الخالق بن الشيخ عبد المنعم ابن الشيخ يحيى ابن الشيخ الحسن ابن الشيخ موسى ابن الشيخ يحيى ابن الشيخ يعقوب ابن الشيخ نجم ابن الأستاذ عيسى ابن الأستاذ شعبان ابن الأستاذ عيسى ابن الأستاذ داود ابن الأستاذ محمد ابن الأستاذ نوح ابن الأستاذ طلحة ابن سيدى عبد الله الصديقى ابن سيدى عبد الرحمن الصحابى ابن سيدنا ومولانا أبى بكر الصديق عبد الله-رضي الله عنهم أجمعين-ابن أبى قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب ابن لؤى بن غالب بن فهر ابن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد ابن عدنان، فيجتمع الصديق-رضى الله تعالى عنه-مع سيدنا رسول الله-صلى الله عليه وسلم-فى الجد السادس، وهو مرة بن كعب، كما تقدم.

هذا هو النسب البكرى، وأما النسب الحسنى فمن جهة أم جدهم السادس عشر السيد أحمد، لأنه ابن السيدة الشريفة فاطمة بنت ولى الله تعالى السيد تاج الدين ابن السيد محمد ابن السيد عبد الملك ابن السيد عبد المؤمن ابن السيد عبد الملك ابن السيد يرحم ابن السيد حسان ابن السيد سليمان بن السيد محمد ابن السيد على ابن السيد محمد ابن السيد عبد الملك ابن السيد الحسن المكفوف ابن السيد على ابن السيد الحسن المثلث ابن السيد الحسن المثنى، ابن سيدنا الحسن السبط ابن سيدتنا فاطمة بنت سيدنا ومولانا محمد رسول الله-صلى الله عليه وسلم، وابن سيدنا على بن أبى طالب-رضى الله تعالى عنه وكرم وجهه.

ص: 422

ولهؤلاء السادة نسبة إلى سيدنا عمر الفاروق-رضى الله تعالى عنه.

ففى كتاب العمدة، نقلا عن الأستاذ أبى المكارم الصديقى أنه قال: وبحمده تعالى جدتى لوالدتى من بنى مخزوم، فولدنى من قريش ثلاثة بيوت: بنو تيم، وبنو مخزوم، وبنو هاشم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ثم قال: والذى فلق الحب والنوى، وعلى العرش استوى، ليس اعتمادى إلا عليه، ولا ثقتى إلا به، وذكر له من قصيدة هذه الأبيات:

إذا افتخرت أبناء قوم أكارم

وعزت وقد هزت متون الصوارم

فلى بينهم فخر الأثير على الثرى

تنقل من تيم إلى آل هاشم

فجدى أبو بكر صديق محمد

وصديقه رب الندى والمكارم

أما جدتى بنت البتول وجدتى

لأمى من مخزوم هل من مساهم

ودونك نفحة من عبير التراجم لبعض بنى الصديق هؤلاء الأكارم:

‌حضرة الأجل السيد عبد الباقى البكرى

حضرة الأستاذ الجليل، صاحب المجد الأثيل، السيد عبد الباقى أفندى البكرى، هو الشهم الهمام، خلاصة السادة الكرام، ذو الهمة العلية، والنفس الشريفة الأبية، حسن النية سليم الطوية، طاهر السر والعلانية، فى أبهة ومجادة، تودّها الثريا قلادة، يتهلل الشرف من وسيم غرته، وتتوسم السيادة فى لألاء طرّته، وهو الآن عماد البيت الكريم، ذى الشرف الصميم، القائم به مبناه، بل القطب الذى تدور عليه رحاه، المحيى مآثر أسلافه الكرام، والمؤيد رسومهم على الدوام، لا زال بدر السيادة به منيرا، وروض تليد هذا الشرف وطارفه منه نضيرا، ولد سنة 1266 هـ، وتولى نقابة الأشراف والخلافة البكرية التابع لها التكلم على جميع طرق السادة الصوفية، ومشايخ الأضرحة والتكايا، ومشايخ قراء دلائل الخيرات والأحزاب، فى يوم الخميس الثالث والعشرين من ذى القعدة سنة 1297 هـ.

‌الجناب المحترم حضرة السيد على البكرى

الأستاذ الأكرم، والملاذ الأفخم، السيد على أفندى البكرى، والد السيد عبد الباقى السالف ذكره، كان واسطة هذا العقد النظيم، وجادة ذلك الطريق المستقيم، همة وديانة، وصدقا وأمانة، ولد سنة 1229 هـ، وربى فى حجر أبيه، وحضر دروس العلم للتلقى عن

ص: 423

جهابذة مشايخ عصره، كالشيخ البيجورى، والسيد الدمنهورى، والشيخ إبراهيم السقاء، وكان ذا فكرة وقادة، وقريحة نفاذة، جليل المقدار، منتشرا صيته فى جميع الأقطار، حسن السمت، كثير الصمت، إذا وعد وفى، وإذا أوعد عفا، يبذل المعروف والجاه، ابتغاء مرضاة الله، يقول الفصل والصدق، وينطق ويحكم بالحق، ويؤثر مجالسة ذوى الفضل على من سواهم، مع نفس زكية، وأعراق سنية، وشيم شريفة علوية، وهمم باذخة هاشمية تقلد الخلافة البكرية، بما يتبعها، ونقابة السادة الاشرف فى الخامس والعشرين من رجب سنة 1271 هـ بعد وفاة والده.

‌وقف حضرة المرحوم السيد على البكرى

ووقف من الفدادين على ذريته ونسله، وعتقائه وعتقاء أبيه، وأمور خيرية كثيرة، مائة وثمانين فى دهمشا بالشرقية، ومائة فى العامرة وكفرها، ودملّيج بالمنوفية، وخمسمائة وسبعة وعشرين بأبشويه بالغربية، ومائة وعشرين بأشمون بالمنوفية، وعشرة بالبحيرة، وجملة عقار بمصر، ودارين بطنتدا.

ومن مآثره الاهتمام بالمولد النبوى الشريف، والتوسع فى نفقاته جدا، والاعتناء به، حتى صار يضرب فيه من الخيام عدد وافر، وبلغت مدة الاحتفال به ثمانى عشرة ليلة، وكانت وفاته-رحمة الله عليه-ليلة الجمعة، السابع عشر من ذى القعدة سنة 1297 بعد أن ظهر بعقب رجله الأثر المعروف فيهم، وذلك أن هذه السلالة الشريفة متى حان حين أحدهم ظهر بعقب رجله ما يشبه أثر اللذغة، وراثة عن جدهم الصديق-رضى الله تعالى عنه- لما لدغ فى الغار، وهذا أمر محقق عندهم، ثابت بينهم بالتواتر، مشاهد لديها بالعيان، فى ذكورهم وأناثهم، وكبارهم وصغارهم، حتى السقط التام الخلقة، إذا انفصل ميتا، وبمجرد ظهور ذلك الأثر بالمريض، يقع اليأس من حياته، فصار ذلك دليلا لديهم على تحقق نسب من يظهر به ذلك الأثر عند موته.

ومما شرطه المترجم فى أوقافه الخيرية ترتيب اثنين بمنزله لقراءة القرآن الكريم كل ليلة ثلث ختمة، وإعداد طعام من ثريد فى كل ليلة جمعة، يتناول منه جميع من حضر من الفقراء من غير استثناء، وتلاوة ختمات شريفة متفرقة فى ليالى المولد النبوى الشريف، وأول جمعة

ص: 424

من رجب، ونصف شعبان، وترتيب نصف ختمة كل ليلة من رمضان، وختمة كاملة كل ليلة عيد، وعجلى جاموس يوم عيد الأضحى، توزع لحومهما على الفقراء والمساكين.

وشرط أيضا الصرف على زاوية أسلافه الكرام، التى هى مقر أضرحتهم بمصر، فى تعميرها وإقامة شعائرها بتلاوة القرآن الكريم والأذكار، وعمل الموالد لأصحاب تلك الأضرحة.

ومن مآثره المستمرة بمنزله على الدوام، تلاوة دلائل الخيرات ليلتى الاثنين والجمعة، وترتيب اثنين من علماء الأزهر لتلاوة البخارى الشريف، بحيث يختمانه كل شهر مرة، وترتيب إمام راتب ومؤذن لإقامة الصلوات، وقد أعقب ولدين نجيبين سيدين، هما السيد عبد الباقى السابق ذكره، والسيد محمد توفيق، وبنتا اسمها السيدة عائشة، توفيت سنة ألف وثلثمائة واثنتين، وأعقبت ولدين هما السيد عبد الكريم، والسيد على.

‌السيد محمد البكرى

السيد محمد البكرى، والد السيد على المذكور، وهو الجد الأول للسيد عبد الباقى، تولى الرياستين: الخلافة سنة 1227 هـ، ونقابة الأشراف صبيحة المولد النبوى الشريف، على صاحبه أفضل الصلاة والسلام سنة 1231 هـ.

وأوقف ببهتيم، من أعمال القليوبية، أطيانا على ذريته، وعلى أنواع خيرية جمة، توفى سنة 1271 هـ سابع عشر رجب، وقد ذكره الجبرتى.

‌السيد محمد أبو السعود البكرى

الجد الثانى السيد محمد أبو السعود، تولى الخلافة سنة 1217 هـ، وتوفى سنة 1227 هـ.

الجد السادس: السيد أبو المواهب، توفى سنة 1125 هـ.

‌السيد محمد أبو المواهب

الجد السابع السيد محمد أبو المواهب زين العابدين، ولد سنة 1050، وتوفى سنة 1107 أرّخ بعضهم ولادته بقوله:

*أشرق الأفق بزين العابدين*

ص: 425

كذا فى الجبرتى، ووجد فى قطعة من رحلة مجهولة معنون أولها بما نصه:(القسم الثانى فى الإقبال على الديار المصرية)، وبتصفحها علم أنها للولى الشهير سيدى الأستاذ عبد الغنى النابلسى، المولود بدمشق سنة 1050، والمتوفى بصالحيتها سنة 1143 مجاوزا التسعين، وأنه رتبها على الأيام، من يوم رحيله من بلدته، وأن قدومه مصر كان من طريق الشام، وأن لها قسمين. أولهما يختص بمسيره من الشام إلى مصر، والثانى بمسيره من مصر إلى الحجاز، كما ذكر ذلك فى سلك الدرر قائلا. إن ابتداء هذه الرحلة كان فى سنة 1100 هـ.

وقد تضمنت تلك القطعة التى هى القسم الثانى من الرحلة المذكورة، المختص ذلك القسم بالديار المصرية أنه أقام هو وأصحابه نحو ثلاثة شهور ونصف، كلها بمنزل للمترجم بمصر على بركة الأزبكية، خصصه لنزولهم، وأعد لهم فيه من الفرش والأمتعة، وأنواع الأطعمة والحلوى، وبن القهوة وغير ذلك مما يحتاج إليه، وأجرى عليهم من النفقات والكساوى، وعلف دوابهم ما استوعبت تفاصيله أوراقا من تلك القطعة، مع شرح ما دار بينهم من المذكرات العلمية والأدبية والصوفية، مما يدل على أن المترجم كان غاية فى العلم والغنى والجاه والصلاح وعلو المنزلة، نافذ الكلمة فى الدولة، معتقدا لدى العموم، وفى تلك القطعة جملة قصائد لصاحبها فى المترجم، منها قصيدة طويلة مطلعها:

إلى القطب من دارت على أمره مصر

فما مثلها فى الأرض صقع ولا مصر

يقول فى آخرها:

ولا زالت الأيام مشرقة به

وباب المعالى منه يفتحه النصر

على أمد الأوقات ما الصبح والمسا

توالى وما قطر به قد همى قطر

وما جذبت عبد الغنى محبة

لمن هو لا زيد لديه ولا عمرو

وقصيدة مطلعها

رعى الله من مصر على القرب موردا

به النيل وافى ماؤه يذهب الصدا

ثم لم يزل يمدح فيها مصر ونيلها، وبركة الأزبكية وما حولها، إلى أن قال:

بها قطبنا البكرى يبدو بروشن

له ثم مملوء من العز والهدى

وبيت شريف بات داعى كماله

ينادى بأنواع المحامد والندى

رعى الله ذاك الأصل والفرع أنه

حوى شرفا محضا وعزا وسؤددا

ص: 426

وسرد لصديقه المحبى صاحب خلاصة الأثر، إذ قد لقيه بمنزل المترجم أشعارا بهية، فى مدح ذلك السيد الأستاذ، منها.

يا حبذا خضر الخما

ثل فى رياض الأزبكية

إلى أن قال:

فى ظل زين العابدي

ن الشهم أستاذ البرية

مولى أناخ المجد فى

أعتابه البيض النقية

وبالجملة، فقد كادت تلك القطعة أن تكون كلها فى مآثر المترجم على كبر حجمها، فإنها فى مجلد، فمن شاء فليراجعها، رحم الله الجميع، ونفعنا بهم فى الدارين.

‌السيد محمد بن زين العابدين البكرى

الجد الثامن السيد محمد بن زين العابدين بن محمد بن أبى الحسن، كان من العلم والتحقيق آية من الآيات، ومن الولاية غاية من الغايات، ولد بمصر ونشأ بها، وتأدب واشتغل بطلب العلوم وأتقنها، وبرع فى كثير من الفنون، سيما علم التفسير والحديث، وكان له فى علوم القوم، وأصول التصوف قدم راسخ، وكان يدرس على عادة أسلافه بالجامع الأزهر فى الليالى المشهورة كليلة المولد النبوى الشريف، والمعراج، والنصف من شعبان، وله تأليف جليل ذكر فيه ما ورد فى النيل، وما يتعلق به من ذكر مبدئه، ومن أين هو، أجاد فيه كل الإجادة، وله نظم رائق، ونثر فائق، توفى ليلة الجمعة الثانى والعشرين من شهر ربيع الأول سنة 1087 هـ. (اه ملخصا) من الجزء الثالث من خلاصة الأثر صحفة 465، وهو المؤلف برسمه كتاب عمدة التحقيق فى بشائر بيت آل الصديق.

‌السيد محمد أبو السرور البكرى

الجد التاسع السيد محمد أبو السرور زين العابدين، ولد سنة 971، وتوفى سنة 1007 هـ عن ست وثلاثين سنة، كان مفتى السلطنة الشريفة بمصر، حائزا للمنقول والمعقول، وكان آية فى علم التصوف، وإماما فى فن الكلام، جامعا شتاته، حالاّ لمشكلاته، وهو أول من لقب بمفتى السلطنة بالديار المصرية، ومن تآليفه تفسير القرآن الكريم فى أربع مجلدات، وتفسير

ص: 427

سورة الأنعام فى مجلدين، وتفسير سورة الكهف فى مجلد كبير، وتفسير سورة الفتح فى مجلد ورسائل عديدة، وكان شاعرا مجيدا، كذا فى النزهة الزهية، فى ذكر ولاة مصر والقاهرة المعزية تأليف سيدى محمد ولد المترجم، وهى نسخة لطيفة فى كتبخانة السادة البكرية، وقد أثنى عليه صاحب خلاصة الأثر، ونسب له فى كشف الظنون كتابا يسمى تحفة الظرفاء بذكر الملوك والخلفاء.

‌السيد محمد أبيض الوجه البكرى

الجد العاشر السيد محمد أبو المكارم زين العابدين أبيض الوجه هو القطب الكبير، والعلم الشهير، وتاج العارفين، وقدوة السالكين، وهو صاحب الحزب المعروف بحزب البكرى، وحيث أطلق فى كتب التواريخ أو المناقب، أو الطبقات، القطب البكرى، أو البكرى الكبير أو سيدى محمد البكرى، منسوبا إليه الكرامات العظيمة، فهو المراد، وقد ألف فى مناقبه كتابا مخصوصا حفيده صاحب النزهة، جمع له فيه كثيرا من الكرامات، وأثبت له به رسالة بعث بها إلى سلطان المغرب مولاى أحمد قال فيها عن نفسه: أنه ولد ليلة الأربعاء الثالث عشر من ذى الحجة ختام عام 930، وذكر حفيده أن وفاته كانت ليلة الجمعة الرابع والعشرين من شهر صفر سنة 994 هـ.

وقد استوعب المترجم له فى رسالته تلك تفاصيل نشأته وتربيته، وكيف تلقى العلوم، نقليها وعقليها عن مشيخة عصره، مع ذكر أسمائهم ومآثرهم بما يطول شرحه، فليراجعه من شاء فى المناقب المذكورة، فإنها بمنزل السادة البكرية، وللمترجم ديوان موجود أيضا بذلك المنزل، نظم فيه لأنجم الزهر عقود، ورفع منه بمنارات الأدب أعلاما وبنود، ما بين نسيب أزهر من الزهور، وأبهر من أبهى البدور، ومعان من فتوحات أرباب القلوب، بمفاتيح القلوب، وذوى الكشف والشهود، فى وحدة الوجود، وهو نحو ثمانية عشر كراسا مرتب على حروف الهجاء، فمن كلامه فيه قدس سره:

العبد من أخلص فى سره

وتابع الإخلاص فى جهره

وراقب الحق دوما فلا

يستطيع أن يخرج عن أمره

أحب مولاه بصدق فلا

يقدر أن يفتر عن ذكره

ص: 428

غاب به عن غيره عندما

أصبح يستجليه فى فكره

مقدسا عن صورة واحدا

تنعدم الإشفاع فى وتره

وقال رضى الله تعالى عنه:

لولا ديارك يا سلمى لما سفحت

عينى الدموع لبرق فى الدجى سارى

ولا تميز قلبى من لظى حرقى

ولا غدا مدمعى من لوعتى جارى

ولا تهتكت من وجدى وقد لمعت

أنوارك الزهر أو نار بأشجار

تهدى إليها قلوبا طالما طلبت

حقائقا حجبت من تحت أستار

ومنها:

لم أنس ليلة جبت الحى وهى به

تلوح للعين فى بعد عن الدار

وقد أحاطت بها أسرار عزتها

وصاح داع لديها من هو الطارى

فارتج عرش وجودى ثم دكّ به

ثم انطوى سائرى عنى وآثارى

واستغرقتنى عنى فى أشعتها

واستعلنت لى من مشكاة أطوارى

حتى وجدت وجودى عينها فبها

وجدت نفسى عن سؤلى وأوطارى

ثم انفصلت فاسمعت الخطاب فما

غيرى الطروب بألحان ومزمار

الكل شفع ولكن قد جمعت به

جمعى فرنت به عيدان أوتارى

وله-رضي الله عنه-من قصيدة افتتحها بالتكبير:

الله أكبر هذا النور قد ظهرا

الله أكبر هذا السر قد بهرا

إلى أن قال:

الله أكبر لم تترك حقائقه

منى هنالك لا عينا ولا أثرا

وختامها:

الله أكبر قل عنى ولا عجب

فالدار دارى ومن أهواه قد حضرا

وبهذا الديوان جملة تائيات وموشحات، هنّ فى كلام القوم وصناعة الأدب لباب اللباب، يسحرن الألباب، فمن تائية منهن:

ص: 429

ونورى بدورى مشرق غير أنه

بدورى من ذاتى لذاتى استهلت

ولوحى روحى والعلوم بأسرها

بأقلام إلهامى عليه تدلت

مشاهدا مداد شواهد رحمة

تجلت لعينى فى ملابس صورتى

وهى طويلة جدا، وله من قصيدة:

وأنا سراة من بنى تيم مرة

يذرّ بنا من آل غالب شارق

وما فخرنا بالسابقين وإنما

بنا وبهم دارت علينا المناطق

تراضعهم كأس المعالى روية

نضارعهم فى مجدهم ونسابق

وعالمنا الكشفى تحت لوائنا

مغاربه دانت لنا والمشارق

هو المفذ بالفيوم ينشر بنده

وتهوى لديه للسجود الفارق

يريد بذلك جده سيدى نجم الآتى ذكر ترجمته، والسابق إثباته فى عمود النسب، وقال-رضي الله عنه-فى آخر هذا الديوان:

إلهى مهما أردت الحنو

وجدتك أشفق منى علىّ

ومهما أردت إليك المسير

وجدتك أقرب منى إلى

ومهما رجوتك فى حاجة

وجدت الذى أرتجيه لدى

وفى هذا القدر كفاية، ولا يزال حزب المترجم يتلى بمولدى البكرية والدشطوطى، وبمنزل أولئك السادة فى ليلة خمسة وعشرين من رمضان، وليلة المقارئ فى المولد النبوى الشريف.

‌السيد محمد أبو الحسن المفسر

الجد الحادى عشر السيد محمد أبو الحسن المفسر، تلميذ شيخ الإسلام زكريا، كان عالما فى جميع الفنون، ملازما للتقوى، فرغ من تأليف تفسيره فى آخر جمادى الثانية سنة 926، وهو إذ ذاك ابن ثمان وعشرين سنة وشهر وثمانية عشر يوما، لأن مولده سنة 898. (اه ملخصا) من آخر نسخة من ذلك التفسير، بخط والد المترجم، منقولة من خط ولده، موجودة الآن بالكتبخانة الخديوية المصرية.

وقد شرح العلامة المناوى رسالة للمترجم فى فضائل نصف شعبان المعظم، فأثنى عليه فى خطبة الشرح بما هو جدير به، وذلك الشرح موجود بمنزل السادة، وذكر ولده أبيض الوجه

ص: 430

فى رسالته لسلطان المغرب السابق ذكرها أن وفاة والده المذكور كانت سنة 952 عن أربع وخمسين سنة، وأنه كان يقيم سنة بمصر، وسنة بمكة المكرمة، وأن الشعرانى ذكره فى طبقاته، وأثنى عليه خيرا، وقال إنه بكرى بيقين، وله كتاب يسمى تحفة واهب المواهب فى بيان المقامات والمراتب، ورسالة سماها ترتيب السور، وتركيب الصور، ذكرهما فى كشف الظنون.

‌السيد محمد أبو البقاء البكرى

الجد الثانى عشر السيد محمد أبو البقاء جلال الدين، ذكره الشعرانى فى طبقاته، وقال ما مفاده: أنه كان معاصرا لولى الله تعالى سيدى عبد القادر الدشطوطى، وأنه أى الدشطوطى ولاه نظارة اوقاف مسجده، وقبته المدفون بها فى مصر خارج باب الشعرية، غير أنه لم يذكر وفاته ووجد فى كتاب نسمة النفحات المسكية، فى ذكر البعض من مناقب السادة البكرية للشيخ على الرومى ما مفاده: أن سيدى عبد القادر الدشطوطى استخلفه على عمارة مساجده بمصر وغيرها، فعمرها ووقف عليها الأوقاف، وأقام بها الشعائر، ولم يشاركه فى ذلك أحد، إلا بعض طلبته، فكل الأماكن المنسوبة للدشطوطى عمارة الشيخ جلال الدين، وجميع ما بها من الخيرات والأرزاق فى صحائفه، لأنها من كسبه واجتهاده، ولم يكن للشيخ الدشطوطى فيها إلا الاسم، لغلبة حالة الجذب الإلهى عليه، فكان لا يفيق إلا قليلا.

‌السيد نجم البكرى

الجد الخامس والعشرون السيد نجم، وجد بخزانة السادة البكرية وقفية مؤرخة فى شوال سنة 581، عليها أسماء جملة من القضاة والعدول، تتضمن أن الملك المظفر بن عمدة الدين ابن أيوب قد وقف على مدرسته المختصة بالسادة الشافعية فى مدينة الفيوم بالولاية عن السلطان صلاح الدين جملة أراض موضحة فيها حدودها وشهرتها بوجه التفضيل.

‌تراجم بعض الفروع الصديقية

وبعض هذه الحدود ينتهى لمدرسة الواقف المعدة للسادة المالكية بتلك المدينة، وأن هذا الواقف شرط التدريس بالمدرسة الشافعية المذكورة لسيدنا ومولانا شيخ الإسلام والمسلمين، بقية السلف الصالحين، سلالة صديق سيد المرسلين أبى الإشراق نجم ابن مولانا أبى المكارم الشيخ عيسى ابن مولانا الشيخ أبى المحامد شعبان الصديقى الشافعى، نفع الله تعالى ببركاتهم

ص: 431

وعلومهم وأسرارهم فى الدنيا والآخرة، ثم من بعده لذريته ونسله، وعقبه المقلدين لمذهب الإمام الأعظم محمد بن إدريس الشافعى،

هكذا نص ذلك الشرط حرفيا، فأنت ترى أن أبوى سيدى نجم المذكورين فى هذه الوقفية هما بعينهما المذكوران بعمود النسب الشريف، ومعلوم أن الملك المذكور هو ابن أخى السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، وأنه بنى بالفيوم مدرستين: واحدة للشافعية، وأخرى للمالكية، وأنه كان نائبا على الديار المصرية عن عمه السلطان صلاح الدين، وتوفى يوم الجمعة التاسع عشر من شهر رمضان المعظم سنة 587 هـ، ودفن بحماة، كما بسط ذلك المقريزى عند ذكر مدرسة منازل العز، وابن خلكان فى ترجمة الواقف الملك المظفر عمر، وأنت على ذكر مما أسلفناه فى ترجمة سيدى أبيض الوجه من مدحه جده المذكور أثناء قصيدته القافية، فلا نطيل بالإعادة.

وبما ذكر يتعين أن هذا البيت الصديقى قديم العهد بالديار المصرية، غير أننا إلى الآن لم نقف على أول من قدمها من ذلك البيت الكريم، وهذا بالنظر لبنى سيدنا عبد الرحمن الذين هم أعمدة هذا البيت، وإلا فلا ريب أن محمدا أخاه مدفون بمصر، وهو أول من قدمها من بيت الصديق، واليا من قبل عثمان-رضى الله تعالى عنهم-فلعل بعض بنى أخيه قد صحبه فى هذا القدوم، وإذا ثبت ذلك تعين أن هذا البعض هو أول قادم من هذا البيت.

وإليك نفحة عنبرية، من تراجم بعض الفروع الصديقية:

‌تاج العارفين البكرى

كان عالما فاضلا، مهر فى علم التفسير، حتى صار فيه فريد زمانه، ووحيد أقرانه، مع عذوبة اللفظ فى إلقاء الدروس والبلاغة، حتى فضل فى ذلك على سائر إخوانه، وكان مثريا، فكان يأتيه من مستغلاته ما يقرب من عشرة آلاف قنطار من السكر وما ينيف، على ذلك من الأرز وغيره، انتقل إلى دار البقاء فى ثالث صفر سنة 1008، مرجعه من مكة المشرفة، فغسل وكفن وصلى عليه، وحمل فى محفة إلى مصر، ودفن عند مقام والده الشيخ محمد البكرى بزاويتهم، وعمره إذ ذاك ثمان وأربعون سنة، كذا فى الخلاصة صحيفة 474 من الجزء الأول.

ص: 432

‌الشيخ زين العابدين عم أبى السرور المتقدم

الشيخ زين العابدين البكرى، عم أبى السرور البكرى، كان من أجل العلماء الصوفية، وله المقام الأرفع فى علوم الظاهر، وكان يجلس فى درس التفسير بالجامع الأزهر فى رمضان من بعد صلاة التراويح إلى قبيل الفجر، وهذا شئ لم ينسب لأحد غيره، توفى سنة 1013 عن تسع وأربعين سنة، ودفن بالقرافة فى محل أسلافه، وله تفسير لم يكمل، وله ديوان نظم كبير، ورسائل فى التصوف، وشرح على تحرير شيخ الإسلام فى فقه الشافعية، كذا فى النزهة.

‌الشيخ محمد أبو المواهب البكرى

الشيخ محمد أبو المواهب البكرى، مفتى السلطنة بمصر، حج-رحمه الله تعالى-نحو عشرين حجة، وملأ ذكره المشارق والمغارب، وكان وزراء مصر وقضاتها وجميع أمرائها يأتون إليه بقصد التبرك به، توفى سنة 1037 هـ عن ثلاث وستين سنة، وصلى عليه بالأزهر وحضر جنازته الوزير بيرم باشا وزير مصر إذ ذاك، ومحمد أفندى قاضى عسكر مصر، ودفن عند أسلافه بالقرافة، كما فى النزهة.

‌السيد أحمد الوراثى

الشيخ أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الوراثى الصديقى المالكى المحدّث المفسر، كان قاضى القضاة بمصر، وهو ابن بنت أبى الحسن المفسر، ونسبه إلى الصديق متفق عليه، كان من العلماء الأعلام، وله التآليف العديدة: منها شرح التهذيب فى المنطق، وكان بارعا فى النظم والنثر، توفى سنة 1045 هـ، وقد ذكره عبد البر الفيومى فى كتابه المنتزه وقال:

رأيت المنشور الذى كتب له أن يكون قاضى القضاة بالقطر المصرى من أحد الملوك، وهو عندهم موجود. (اه ملخصا) من الخلاصة.

‌الشيخ زين الدين البكرى

الشيخ زين الدين بن محمد بن على البكرى الصديقى، كان من أكابر الصوفية، وبلغ أمره من الجلالة ونفوذ الكلمة مبلغا ليس لأحد وراءه مطمع، حتى خشيته حكام مصر.

توفى يوم الأحد الثالث من ربيع الأول سنة 1013 هـ كما فى الخلاصة.

ص: 433

‌الشيخ أبو المواهب البكرى

الشيخ أبو المواهب بن محمد بن محمد البكرى المصرى الشافعى، أحد أولاد الأستاذ الكبير محمد بن الأستاذ أبى الحسن، ولد فى حياة أبيه، ونشأ فى عزة وافية، وهو كما قال الشهاب فى حقه مسك الختام وفذلكة أولئك الأعلام، وقد ظهر بمظهر أسلافه من الفضائل والمعارف وتصدر للتدريس وإملاء التفسير، وكان إذا سئل عن أى معضلة، أشكلت على ذى المعرفة، لا تراه يتوقف، ولا يخرج عن صوب الصواب، ولا يتعسف، ولا أخبر عن شئ من المغيبات فى وقت من الأوقات، وكاد أن يتخلف، ودرس بالمدرسة الشريفية المشروطة لأعلم علماء الشافعية، تلقاها عن والد زوجته الشمس سيدى محمد الرملى الصغير شارح المنهاج، وله ديوان شعر يشتمل على دقائق ورقائق، وله غير ذلك، وكانت ولادته سنة 973، ووفاته سنة 1037 هـ، ودفن بتربة آبائه فى القرافة، كما فى الخلاصة.

‌الشيخ أحمد بن زين العابدين

الشيخ أحمد بن زين العابدين، كان له الأدب الباهر، والعلم الزاخر، تصدر بعد موت عمه أبى المواهب، وعقد مجلس التفسير فى بيته بالأزبكية، وجمع فيه علماء العصر، فأذعنوا له بالفضل، حج مرارا، وكان صاحب أخلاق حسنة، وفيه سخاء وتلطف، وقد مدح بالأشعار الرائقة، من شعراء كل ناحية، وترجمه صاحبنا الفاضل فتح الله فى مجموعه فقال:

هو شهاب الأئمة، وفاضل هذه الأمة، تصدّر للإقراء بالجامع الأزهر، فأشرق فيه نوره وأزهر، وكانت له اليد الطولى فى التفسير، وإليه النهاية فى علوم الطريق، مع كرم يخجل المزن الهاطل، وشيم يتحلى بها جيد الزمان العاطل، وجاه وتمكين، ومكان عند الناس مكين ومن مؤلفاته كتاب جعله على أسلوب لوعة الشاكى، ودمعة الباكى، سمّاه روضة المشتاق وبهجة العشاق، وله شعر يدل على علو محله، وإبلاغه هدى القول إلى محله، وله غير ذلك، وكانت وفاته سنة 1048 هـ. كذا فى الخلاصة.

‌السيد مصطفى البكرى صاحب ورد سحر

السيد مصطفى البكرى الحنفى، صاحب ورد سحر، هو صاحب الكشف، والواحد المعدود بألف، كان مغترفا من بحر الولاية، مقدما إلى غاية الفضل والنهاية، صاحب

ص: 434

التآليف العديدة، والتحريرات الفريدة، التى اشتهرت شرقا وغربا، وبعد صيتها فى الناس عجما وعربا، ولد بدمشق فى ذى القعدة سنة 1099 هـ.

وفى 19 المحرم من سنة 1122 توجه من دمشق إلى زيارة بيت المقدس، فأخذ عنه الطريق جملة من أفاضلها، ونشر بها ألوية الأوراد والأذكار، وألف بها ورد السحر، المسمى بالفتح القدسى، والكشف الأنسى.

ولما قدم والى مصر الوزير رجب باشا من جهة دمشق لزيارة بيت المقدس زار صاحب الترجمة، وصار له فيه مزيد الاعتقاد، واستصحبه إلى مصر، فأقام بها مدة، وأخذ عنه بها خلق كثير، أجلهم سيدى محمد بن سالم الحفنى، ثم رجع إلى بيت المقدس، وجال فى بلاد الشام، وذهب إلى البلاد الرومية، ثم رجع إلى مصر، ثم ارتحل منها إلى بيت المقدس، ثم عاد إليها سنة 1160 هـ، فاستأجر له الأستاذ الحفنى دارا قرب الجامع الأزهر، عن أمر منه بذلك، فأقام بها مقبلا على الإرشاد، والناس يهرعون إليه مع الازدحام الكثير، حتى قل أن يتخلف عن تقبيل يده جليل أو حقير.

ولما بلغت تلامذته فى جميع الجهات نحو مائة ألف، أمر بعدم كتابة أسمائهم، وقال:

إن هذا شئ لا يدخل تحت حصر، وله مؤلفات عديدة، وأشعار فريدة، توفى رحمه الله تعالى ليلة الاثنين الثامن عشر من ربيع الثانى سنة 1162 هـ، ودفن فى تربة المجاورين، وقبره بها مشهور، يزار ويتبرك به، ورثاه جميع شعراء عصره رحمه الله تعالى ونفعنا به. (اه) من سلك الدرر صحيفة 190 من الجزء الرابع.

هذا ويوجد لهذا البيت الشريف أفراد من الفروع سوى من ذكرنا، تتجلى بهم فرائد القلائد، ويرتوى من مناهل مآثرهم الصادر والوارد، فلو أنا عمدنا إلى تعدادهم واحدا بعد واحد، لما احتمل سنى ذلك الأسفار، جموع كثيرة من الأسفار، فلهذا اقتصرنا على غيض من فيض، وطل من وابل، ومن شاء المزيد فعليه بالتواريخ، فإنها بهذه الأعيان أزهى من عقد فريد.

***

ص: 435

‌بيان الطرق الصوفية التابعة الآن لمشيخة السادة البكرية

اعلم أن معظم الطرق منسوب إلى الأقطاب الأربعة: سيدى عبد القادر الكيلانى، وسيدى أحمد الرفاعى، وسيدى أحمد البدوى، وسيدى إبراهيم الدسوقى-رضى الله تعالى عنهم أجمعين-ونفعنا بهم؛ لأن لكل واحد منهم طريقة واحدة مخصوصة لا غير، وإنما تعددت ونسبت لغيره، بتعدد من أخذها عنه مباشرة، أو بواسطة، فنسبت إلى الآخذ، وسميت فروعا، نظرا لتفرعها عن الأصل الذى هو أحد السادة الأربعة هذا هو اصطلاحهم.

إذا تقرر ذلك فاعلم أن فروع الطريقة الأحمدية ستة عشر: المرازقة، والكناسية، والإنبابية، والمنايفة، والحمودية، والسلامية، والحلبية، والزاهدية، والشعيبية والبيومية، والتسقيانية، والشناوية، والعربية، والسطوحية، والبندارية، والمسلمية.

أما الرفاعية فلا فروع لها، غير أن لها بيوتا ثلاثة: البازية، والملكية، والحبيبية، تحت شيخ واحد، وهذا هو الفرق عندهم بين البيوت والفروع؛ لأن الفروع لا يسوغ فيها تبعية حملة منها لشيخ واحد، بل لكل فرع شيخ مستقل.

وأما الطريقة القادرية فلا فروع لها ولا بيوت.

وأما طريقة البراهمة فلها فرعان: الشهاوية والشرانبة.

وهناك طرق أخرى غير منسوبة للأقطاب الأربعة، كالسعدية، والنقشبندية، المنسوبة للصديق-رضى الله تعالى عنه-والشاذلية المنسوبة لأبى الحسن الشاذلى، وهى المتفرعة عنها الجوهرية، والقاسمية، والمدنية، والمكية، والهاشمية، والسمانية، والعفيفية، والعيسوية، والعروسية، والتهامية، والحندوشية، والإدريسية، والقاووقجية.

ص: 436

وكالطريقة الخلوتية، المنسوبة لسيدى مصطفى البكرى، المتفرع عنها الحفنية، والسباعية والصاوية، والضيفية.

وكالطريقة الميرغنية التى اشتهرت الآن بمصر، المنسوبة للأستاذ العارف السيد محمد عثمان المير غنى.

(وأما ألوان الزى والأعلام) فعلم الأحمدية وزيهم أحمر، وعلم الرفاعية وزيهم أسمر، وعلم البراهمة أخضر، وكذا القادرية والسعدية، وأما الشاذلية فأعلامهم مختلفة الألوان، وعلم الميرغنية أبيض، ولا علم للخلوتية، بل الزى المختص بهم هو ليس القاووق، كما أنه لا علم للأولياء المنسوبة إليهم الأحزاب المعتادة قراءتها، بل زيّهم المختص بهم هو لبس التاج.

***

ص: 437

‌بيان التكايا التابعة للمشيخة البكرية الآن

وهى تكايا المولوية بالسيوفية، والنقشبندية بالشارع بين الحبانية والداودية، أنشأها- المرحوم الحاج عباس باشا والى مصر، المتوفى سنة 1270 هـ، والنقشبندية أيضا المحدثة بحوش الشرقاوى، والدمرداشية بزاوية سيدى محمد دمرداش المحمدى المتوفى سنة نيف وثلاثين وتسعمائة، وهى خارج الحسينية بالعباسية، والكلشنية المنسوبة لسيدى إبراهيم المتوفى سنة 940 هـ، والتّكية بجوار قصر العينى، والشيخونية بالصليبة، والتكية التى بها ضريح السيدة رقية بجوار باب القرافة، وتكية الهنود بميدان محمد على، والتكية المشهورة بإضافتها للأشرف، بالقرب من ضريح السيدة نفيسة-رضي الله عنها، والتكية ببولاق، والتكية بالسروجية، والتكية بجوار ضريح أم الغلام، وتكية العظام بشارع الأستاذ العشماوى التى أنشأها الخديو إسماعيل باشا، وبكل من هذه التكايا التسع جماعة من أتراك القادرية، وجميعها بمصر، ويوجد للقادرية بالإسكندرية تكيتان: إحداهما مختصة بالعرب، والثانية مختصة بالأتراك.

وأما التكايا المختصة بالخلوتية فى مصر، فهى تكية درب قرمز، والتكية بجوار سرايا الحلمية، والتكية بالحبانية، والتكية بالركبية، وتكية الشيخ غنام بغيط العدة.

وفى مصر تكايا أخر مطلقة، وهى تكية البخارلية بدرب اللبان، وتكية نظام الدين البخارلية بالحطابة، وتكية المغربى بشارع الإسماعيلية الموصل للأزبكية، وتكية محيى الدين بالمحجر، وتكية البخارى، وتكية المير غنى فى باب الوزير بالمحجر، وتكية البكتاشية بالمغاورى.

ص: 438

ويتبع المشيخة البكرية أيضا مشايخ قراء دلائل الخيرات، ومجالس الأحزاب، وذلك أنه قد جرت العادة فى أغلب الأضرحة الشهيرة كضريح سيدنا الحسين، وبقية أضرحة أهل البيت، وضريحى الإمامين الشافعى والليث، وكضريح الحنفى وغيره من باقى الأضرحة الشهيرة، وفى الموالد أيضا أن تجتمع كل ليلة بعد صلاة العشاء جماعة يقرؤون الأحزاب، والثلث من الدلائل على ضوء الشموع بأصوات مرتفعة، وكيفية مخصوصة، تبرعا بقصد التعبد.

وأكثر الأحزاب استعمالا فى أغلب الموالد حزب الشاذلى المعروف بحزب البر الكبير، غير أن الأضرحة لا يقرأ فيها إلا أحزاب أربابها.

هذا وقد أسلفنا أنه يعمل بمصر موالد كثيرة، ونقول الآن: إن أشهرها المولد النبوى الشريف-على صاحبه أفضل الصلاة والسلام-ثم مولد سيدنا الحسين، وأبى العلاء ببولاق، والسيدة فاطمة النبوية، والسيدة سكينة، والسيدة نفيسة، والسيدة زينب، وسيدى زين العابدين، والإمام الشافعى، والسلطان الحنفى، والشعرانى، والرفاعى، والسعدى المعروف بمولد الشيخ يونس، والبيومى، والشيخ عبد الوهاب العفيفى-رضي الله عنهم أجمعين-، وكل مولد من هذه الموالد يحتفل الناس به احتفالا زائدا، تحضره جميع أرباب الطرق، ويخدمون فيه ليلا ونهارا، وتتوارد عليه زائرون من مصر وضواحيها، وتتخذ به المقارئ والأذكار والسيارات، المعروفة عندهم بالأشاير، وهى عبارة عن جموع كثيرة من أهل الطرق، يسيرون من منازلهم ليلا، وبأيديهم الشموع، رافعوا الأصوات بالذكر والتهليل، والصلاة والسلام على سيد المرسلين-صلى الله عليه وسلم-ولا يزالون كذلك حتى يصلوا إلى الضريح، أو محل الاحتفال بالمولد، ولبعضهم عادات من الحلوى والشموع توزع عليهم حين وصولهم، بعضها مقرر من الأوقاف، وبعضها من مشايخ خدمة الأضرحة.

أما الموالد العمومية خارج مصر، فهى المولد الصغير والمولد الكبير لكل من سيدى أحمد البدوى بطنتدا، وسيدى إبراهيم الدسوقى بدسوق.

ص: 439

‌العوائد الخصوصية للبيت الصديقى

‌المولد النبوى الشريف

هو اليوم الذى استنار بطلعته الوجود، وأضاءت منه عوالم الغيب والشهود، قد جرت عادة الممالك الإسلامية شرقا وغربا، بالاحتفال به، وتعظيمه وإجلاله، ولم يحدث ذلك إلا بعد القرون الفاضلة الثلاثة التى شهد رسول الله-صلى الله عليه وسلم-بخيريتها، غير أنه بدعة حسنة، لاشتمالها على الإحسان للفقراء، وتلاوة القرآن الكريم، والذكر، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإظهار السرور والفرح بمولده الشريف.

ولقد أثنى الإمام الكبير أبو شامة شيخ النووى فى رسالة له سماها «الباعث على إنكار البدع والحوادث» مزيد الثناء على الملك المظفر صاحب إربل، المتوفى سنة 630 هـ بما كان يفعله من الخيرات فى هذه الليلة الشريفة، مما لم يحك بعضه عن غيره، وحسبك بثناء مثل هذا الإمام فى مثل تلك الرسالة دليلا على حسن هذه البدعة.

وسئل المحقق الولى أبو زرعة، المتوفى سنة 826 هـ، وهو الإمام العلامة، والقدوة الفهامة شيخ السادة الشافعية قديما أحمد بن عبد الرحيم بن العراقى عن فعل المولد أمستحب أم مكروه، وهل ورد فيه شئ، أو فعله من يقتدى به؟ فأجاب بقوله: الوليمة وإطعام الطعام مستحب فى كل وقت، فكيف إذا انضم لذلك السرور بظهور نور النبوة فى هذا الشهر الشريف، ولا نعلم ذلك عن السلف، ولا يلزم من كونه بدعة كونه مكروها، فكم من بدعة مستحبة، بل واجبة إذا لم ينضم لذلك مفسدة. (اه بالحرف).

ص: 440

ومن شاء المزيد فعليه بمولد الإمام ابن حجر الهيتمى، المتوفى بمكة المكرمة، والمدفون فيها سنة 973.

وأكثر الناس عناية بذلك أهل مصر والشام، ولقد كان للملك الظاهر برقوق الموجود فى سنة 785 هـ عناية زائدة بذلك، حتى حرز ما كان ينفقه عليه بنحو عشرة آلاف مثقال من الذهب، وزاد فى زمن السلطان الظاهر أبى سعيد جقمق على ذلك بكثير، وكان لملوك الأندلس والهند ما يفوق عن ذلك، ولأهل مكة فى تلك الليلة شعار عظيم مشهور، ولا يوجد مثله فى غيرها.

أما احتفال الملك المظفر بذلك المولد الشريف، فقد نقله جمع كثير، لكننا نقتصر هنا على تلخيص ما نقل عن بعض من شاهده فنقول:

ذكر الإمام سبط ابن الجوزى، المتوفى سنة 654 هـ فى مرآة الزمان عمن شاهد سماط الملك المذكور فى بعض الموالد أنه عد فيه خمسة آلاف رأس غنم مشوية، وعشرة آلاف دجاجة، ومائة فرس، ومائة ألف صحن حلوى، وكان يحضر لديه أعيان العلماء والصوفية، فيخلع عليهم، ويصلهم بالعطايا، وكان ينفق على المولد الشريف ثلثمائة ألف دينار.

وذكر ابن خلكان فى ترجمة الملك المذكور بعد أن سرد من جميل خصاله، وحبه للخيرات وشجاعته ما يبهر العقول أن احتفاله بالمولد النبوى الشريف يقصر وصف الواصفين، عن الإحاطة به، غير أنه لا بد من ذكر نبذة يسيرة منه، ثم أطال فى تلك النبذة اليسيرة، فكان ملخصها ما معناه:

إن العلماء والصوفية، وذوى الفضل، القاطنين بالبلاد القريبة من إربل، كبغداد، والموصل، والجزيرة، وسنجار، ونصيبين، وبلاد العجم، وتلك النواحى، لشهرة ذلك الملك لديهم بالبر والصلاح كانوا يتواردون عليه مع خلق كثير من أهالى تلك البلاد من المحرم إلى أوائل شهر ربيع الأول، فيرسم بعمل عشرين قبة أو أكثر من خشب، بكل قبة خمس طبقات، فإذا استهل صفر زينت تلك القباب بأنواع الزينة الفاخرة، وفى كل يوم يمر الملك بعد صلاة العصر على جميع تلك القباب، ويبيت فى خانقاه ثمة، ثم يعود إلى القلعة قبيل الظهر

ص: 441

وكان يصنع المولد سنة ليلة اثنى عشر من ربيع الأول، وسنة ليلة ثمان منه، مراعاة للخلاف فى ذلك، فإذا كان قبل المولد بيومين أخرج من الإبل والبقر والغنم شيئا زائدا عن الوصف إلى محل المولد، فيذبحونها يتفننون فيها بأنواع الأطعمة الفاخرة.

وفى ليلة المولد ينزل الملك من القلعة وبين يديه من الشموع ما لا يحصى، وفى جملتها أربع شمعات من الشموع المختصة بالمواكب التى تحمل الواحدة منها على بغل، موثقة بالحبال، يسندها رجل من خلفها، وفى صبيحة تلك الليلة توزع الخلع السنية على الصوفية والعلماء، ثم ينزل هو إلى الخانقاه، وتجتمع الأعيان والرؤساء، وكثير من الناس، وينصب له برج من الخشب، له نوافذ يشرف منها على الناس بميدان فى غاية الاتساع، تعرض عليه فيه الجند ذلك اليوم أجمع، فإذا تم العرض وفرغ الوعاظ من الوعظ قدم فى ساحة الميدان السماط العام الذى لا يوصف، ولا يحد ما فيه من الطعام والخبز، ويمد سماط ثان الخواص الناس، المجتمعين عند كرسى الوعظ، المنصوب بجانب البرج، والملك فى كل ذلك يلحظ الوعاظ تارة، وبقية الناس أخرى، وقبل مد هذين السماطين يطلب الملك الحاضرين وجميع الوافدين السالف ذكرهم، ويخلع على كل واحد منهم، ثم يحمل من ذلك الطعام إلى دور جماعة كثيرة، ولا يزال كذلك إلى العصر، ثم يبيت هناك تلك الليلة، ثم يدفع لكل شخص من الوافدين شيئا من النفقة، وهكذا دأبه كل سنة.

ولما وصل الحافظ أبو الخطاب بن دحية إلى إربل، وعمل كتاب التنوير فى مولد السراج المنير، أعطاه ألف دينار، سوى ما أنفقه عليه مدة إقامته. قال ابن خلكان: ولم أذكر إلا ما شاهدته بالعيان بدون مبالغة، بل ربما حذفت بعضه طلبا للإيجاز. (اه).

وذكر الإمام المقرى فى كتابه نفح الطيب أن السلطان أبا حمو كان يحتفل بليلة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم-غاية الاحتفال، كما كان ملوك الأندلس والمغرب فى ذلك العصر وما قبله.

ثم نقل عن شيخه الحافظ سيدى أبى عبد الله التلمسانى فى كتابه نظم الدرر والعقيان فى شرف بنى زيان، وذكر ملوكهم الأعيان ما ملخصه: وكان السلطان أبو حمو يحتفل بليلة المولد الشريف، ويقوم لها بما هو فوق سائر المواسم فيصنع مآدب تدعى إليها الأشراف والسوقة.

ص: 442

ثم ذكر من صفة الفرش والنمارق والشموع، وحلية المجالس فى تلك المآدب ما يفوق الوصف.

ثم تطوف على أعيان الحضرة ولدان، أقبيتهم الخز الملون، بأيديهم مباخر ومرشات، فينال منها جميع الحاضرين.

وبأعلى خزانة المنجانة (الساعة الدقاقة) فى ذلك المجلس أيكة تحمل طائرا فرخاه تحت جناحيه، وفيها أرقم خارج من كوة، وبصدرها أبواب مرتجة، بعدد ساعات الليل الزمانية وبطر فيها بابان كبيران، وفوقها قمر تمام يسير سير نظيره فى الفلك، ويسامت أول كل ساعة بابها المرتج.

وكلما مضت ساعة انقض من البابين الكبيرين عقابان، مع كل واحد منهما صنجة صفر، يلقيها إلى طست من الصفر مجوّف، بوسطه ثقب يفضى إلى داخل الخزانة، فيرن، وينهش الأرقم أحد الفرخين فيصفر له أبوه، فهناك يفتح باب الساعة الماضية، وتبرز منه جارية محتزمة، كأظرف ما أنت راء، بيمناها إضبارة (رقعة) فيها اسم ساعاتها نظما، ويسراها موضوعة على فيها، كالمبايعة بالخلافة، كل ذلك والمسمع قائم، ينشد مدائح سيد المرسلين-صلى الله عليه وسلم.

ثم يؤتى آخر الليل بموائد، وذكر من عظمتها وحسنها وكثرتها ما يطول شرحه، كل ذلك بمرأى من السلطان ومسمع، ولا يزال كذلك إلى الصباح.

هذه عادة السلطان كل عام فى جميع أيام دولته، فمن ذلك النظم المرقوم على بعض الرقاع على لسان الجارية فى مضى ساعتين:

أخليفة الرحمن والملك الذى

تعنو لعز علاه أملاك البشر

تقول فيها:

والليل منه ساعتان قد انقضت

تثنى عليك ثنا الرياض على المطر

ومنه فى مضى ثلاث:

تولت ثلاث من الليل أبقت

لك الفخر فى عجمها والعرب

ص: 443

ومنه فى مضى ست:

ست من الليل ولت

ما إن لها من نظائر

ومنه فى مضى ثمان:

مرت ثمان وأبقت

فى القلب منى حسره

ومنه فى مضى عشر:

لله عشر من الساعات باهرة

مضين لا عن قلى منا ولا ملل

(اه)

والسلطان أبو حمو هذا هو موسى بن عثمان، من ملوك تلمسان، وهو أول ملك من ملوك زناتة، رتب الملك وهذب قواعده، ودوخ البلاد، وأذل العصاة، توفى سنة 718، وحمو بفتح الحاء المهملة، وضم الميم مشددة بعدها واو (اه).

هذا وللسادة البكرية فى ظل الدولة المحمدية العلوية من العناية به فى كل عام ما تتحدث بزائد شرفه الركبان، ويفتخر به هذا الزمان على غيره من سائر الأزمان، لا سيما فى عهد الحضرة الفخيمة الخديوية، وعصر الطلعة المهيبة التوفيقية، فإنه وصل فيها الاحتفال بأمر المولد النبوى الشريف إلى حده الأعلى، وبلغ الاعتناء بعلو شأنه المبلغ الأعلى، وذلك أنه فى أوائل العشرة الأخيرة من شهر صفر الخير من كل عام تصنع بمنزلهم مأدبة فاخرة، يدعى إليها كافة مشايخ الطرق، والأضرحة، والتكايا، والوجوه والأعيان، والذوات، فتدخل أرباب الطرق بالطبول والبيارق، رافعين أصواتهم بالذكر والصلاة على رسول الله-صلى الله عليه وسلم.

ثم يعين لكل واحد من السادة الصوفية ما يخصه من ليالى المولد الشريف لإحيائه.

وفى اليوم الثانى تفتح المقارئ بالمنزل المذكور، مؤلفة من نحو مائتى قارئ، ويتلى أيضا المولد الشريف النبوى بعد حزب البكرى، ولا تزال تحيا به الليالى تلاوة وذكرا ودلائل، بحيث تحضر إليه كل ليلة أرباب طريقة من الطرق، مع إيقاد الشموع الجمة الكثيرة العظيمة، مجتمعين جماعة جماعة، رافعين أصواتهم بذكر الله تعالى.، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم-كما تقدم، يعقبهم شيخهم، فيستقبل بتلاوة الفاتحة؛ وتخلع عليه

ص: 444

فرجية صوف من طرف حضرة السيد البكرى، ويؤمر بضرب خيامه فى المكان الذى عينته الحكومة للمولد الشريف، بحيث تكون الخيام على شكل دائرة.

ولا يزال ذلك إلى ليلة الرابع من شهر ربيع الأول، ثم تمر بساحة المولد الشريف كل ليلة بعد ذلك أرباب طريقة من الطرق التى لم تحضر بالمنزل من قبل، حتى تنتهى إلى خيمة السيد البكرى المضروبة ثمة، فبعد استقبالهم بالكيفية السابقة تخلع على شيخهم فرجية صوف، ما عدا شيخى الرفاعية والسعدية فإن فرجيتهما من جوخ.

وفى الحادى عشر من الشهر المذكور، الذى هو يوم ختام المولد الشريف، تزدان خيمة السيد البكرى بالجناب الخديوى، فتخلع على المذكور فرجية سمور من الحكومة السنية، وذلك بعد وصول موكب السعدية إلى تلك الخيمة، ثم تصرف من طرف السيد البكرى جملة فرجيات صوف لمشايخ الطرق والتكايا والأضرحة، المعتاد لهم صرف ذلك.

وفى ليلة الثانى عشر منه يقرأ المولد الشريف النبوى فى خيمة السيد باحتفال فائق يحضره الجناب الخديوى والنظار الذين هم رؤساء أهل الحل والعقد فى الحكومة المصرية، والعلماء والأعيان والذوات والوجوه.

هذا وإن مما يزيد رونق تلك الساحة بهاء، وحسنا وازدهاء، ما جرت به عادة الحكومة السنية من ضرب خيام دواوينها هناك، مزينة بأبهى الزينة، لا سيما خيمة الحضرة الخديوية بجانب خيمة السيد البكرى المعينة له من الحكومة، فإنها لا تزال تزدهى بالأنوار ويانع الأزهار إلى انتهاء المولد الشريف.

أما خيمة السيد البكرى فإن لياليها جميع تلك المدة تكون زاهية بالتلاوة والدلائل والأذكار باهية من أضواء الشموع بسواطع الأنوار، زاهرة أيامها بالخيرات، وأنواع المبرات، فى إطعام الطعام، وبذل الإكرام لعموم الزائرين، وجميع الوافدين من أى جنس كان،

ص: 445

وكذا تكون خيام أرباب الطرق أواخر ليالى المولد الشريف، ولهم على السيد المذكور عادات يؤديها إليهم سنويا للاستعانة على ذلك.

ويبلغ مقدار ما يصرف من طرف السيد البكرى فى شئون المولد الشريف نحو ثلثمائة جنيه مصرى، والمرتب له من الحكومة السنية نحو خمسة وثلاثين جنيها، فشكر الله له سعيه على هذا الاحتفال.

ولا يزال بيتهم عامرا بالخيرات، وعزهم راقيا مراقى الكمال.

***

ص: 446

‌مولد الأستاذ الدشطوطى

هو الولى الكبير الشيخ عبد القادر الدشطوطى، كان السلطان قايتباى يعتقده غاية الاعتقاد وكان-رضي الله عنه-من المتقشفين، وقد بنى مسجده وقبته المدفون بها خارج باب الشعرية ووقف على ذلك أوقافا كثيرة، وعهد بنظرها للشيخ جلال الدين البكرى، وتوفى بعد ثلاثين وتسعمائة. (اه ملخصا) من طبقات الشعرانى، فهذا هو السبب فى قيام السادة البكرية بشئون مولده إلى الآن، وذلك أنه فى شهر رجب من كل عام يحيون به ثمانى ليال على نفقتهم من ليلة العشرين إلى ليلة السابع والعشرين بتلاوة القرآن الكريم والدلائل والذكر، وتصنع فى تلك الليالى مآدب فاخرة يدعى إليها العلماء والأعيان والذوات والوجوه.

وفى الليلة الأخيرة التى هى ليلة المعراج الشريف، تبخر قبة الأستاذ، وتوقد بها الشموع ويقرأ فيها حزب البكرى، ثم يسقى جميع الحاضرين شرابا حلوا، ويرش عليهم ماء الورد، ويركب السيد البكرى فى موكب بهى، مؤلف من أتباعه وخدامه، وأمامه جاويشية النقابة ورسل المحكمة الشرعية الكبرى، وأناس آخرون بأيديهم الشموع والمشاعل، حتى يصل منزله، فيمكث به قليلا، ثم يعود بدون الموكب إلى محل عمل المولد، وهو منزل رحب للسادة البكرية.

***

ص: 447

‌مولد السادة البكرية

المعتاد به كل عام إحياء ست ليال، يوافق آخرها انتهاء مولد سيدنا ومولانا الإمام الشافعى-رضي الله عنه-بالتلاوة والذكر والدلائل، وفى الغالب يكون ختام هذا المولد فى العشر الأوائل من شهر شعبان المعظم، وذلك بالزاوية التى بها أضرحتهم بجانب قبة الإمام الشافعى فى القرافة الصغرى، ويحضر لها جميع أرباب الطرق والعلماء والأعيان والذوات، وتصنع لهم فيها المآدب الفاخرة إلى انتهاء تلك الليالى.

(ومن العوائد البكرية) أن السيد البكرى يتوجه كل عام إلى طنتدا لإحياء ليالى المولدين الصغير والكبير بمنزله، وتضرب هناك خيام أرباب الطرق، وإذ ذاك يفصل قضاياهم.

(ومن تلك العوائد) أن حضرة السيد البكرى يأذن لمشايخ الطرق والأضرحة بمصر بعمل موالدهم المعتادة، ويكاتب الحكومة بملاحظة الضبط والربط أثناء تلك الموالد، وهى ترسل من يقوم بذلك.

(ومن تلك العوائد) عمل موائد فاخرة ليالى خمس وعشرين من رمضان المعظم، وعاشر المحرم، ومقارئ سيدنا الحسين، وسابع عشر ذى القعدة، ويوم جمع المولد النبوى الشريف.

***

ص: 448

‌كيفية تعيين مشايخ الطرق ومشايخ قراء دلائل الخيرات

لا يتعين شيخ أصالة ولا نائبا عن قاصر إلى بلوغ رشده، أو على طرق حديثة العهد إلا برضا أهل الطريقة المتعين عليها، وإقرار مشايخ الطرق فى جلسة يرأسها السيد البكرى، وإذ ذاك تخلع على من يتعين فرجية صوف من طرف السيد البكرى.

هذا ولكل طريقة جهات معلومة لا تتجاوزها، وكذلك العمل فى مشيخة قراء الدلائل غير أنها لا خلعة فيها.

(مشايخ الأضرحة) لا يتعين عليها شيخ، سواء كان بدلا عن غيره أو محدثا إلا بعد تحقق عدم المعارض، ويقدم من كانت المشيخة فى أسلافه، ولو لم يكن من ذرية صاحب الضريح.

***

ص: 449

‌كيفية إثبات الشرف

إن خطة النقابة التى هى تابعة الآن للبيت البكرى، ولها اثنا عشر جاويشا برأسهم أحدهم للقيام بما يخص السادة الأشراف، من توزيع مرتباتهم وإنجاز أشغالهم المتعلقة بذلك البيت، ولها كاتب خصوصى، من شأنها إقامة وكلاء أشراف فى كل مديرية ومدينة وثغر، بشرط أن يكونوا أشرافا منتخبين من أشراف جهاتهم، ويكون لهؤلاء الوكلاء التكلم على السادة الأشراف فيما يختص بأنسابهم، بحيث أن من يتطلب إثبات شرفه لضياع نسبته يلزمه أن يعرض ذلك للنقابة مكاتبة، وهى تتفحص عنه فى دفاتر وقف الأشراف ومرتباتها المخصصة لها من الحكومة المصرية وغيرها، ومنّى وجدت للمتطلب أبا أو جدا مقيدا اسمه بتلك الدفاتر بين المستحقين تكلفه بإثبات نسبه إليه بشهادة عدول، فإن لم توجد له أسلاف بتلك الدفاتر كلف بتقديم محضر من عدول المسلمين يشهدون بأنه شريف تواترا عن آبائهم وأجدادهم.

هذا ويختلف مقدار المرتب السنوى للأشراف، فأقله ثلاثة أسماء، وأكثره مائة وأغلبه خمسون، والمراد بلفظة الاسم عندهم مبلغ ثلاثين ونصف فضة مصرية، ومرتبهم من الحكومة المصرية نحو أربعمائة جنيه كل سنة، ولهم أطيان موقوفة عليهم، وهى مائة وعشرون فدانا، متوسطة فى الجودة بالشرقية فى شيبة والنكارية وبنشيل، ومثلها بالمنوفية فى بوهة شطنوف، لكنها من الدون، واثنان وثلاثون متوسطة فى المنوفية بناحية الواط.

‌انتهى ما يختص بهذا النسب الكريم، وأسلافه الجديرين بالتبجيل والتعظيم.

وليعلم القارئ أننا قد بذلنا فى هذا النسب غاية الوسع بحثا وتنقيبا، وراجعنا كثيرا من الحجج الشرعية المسجلة، وكتب التواريخ والطبقات والمناقب، فلم نثبت غير ما وقع عليه إجماع هذه الكتب أو معظمها، فلا يريبن القارئ ما عسى أن يقف عليه فى بعض الكتب، مما يخالف ذلك، فإنه مع قلته لا يعول عليه، والله عزّ شأنه هو الهادى إلى الرشاد، والموفق للسداد.

(تم الجزء الثالث، ويليه الجزء الرابع، أوله ذكر ما بالقاهرة وظواهرها من الجوامع)

ص: 450