المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

تنويه: ينظر الاستدراكات وتصحيح الأسماء فى آخر هذا الجزء   قام بمراجعة - الخطط التوفيقية الجديدة - جـ ٤

[علي مبارك]

فهرس الكتاب

تنويه: ينظر الاستدراكات وتصحيح الأسماء فى آخر هذا الجزء

قام بمراجعة هذا الجزء وعمل الاستدراكات:

الأستاذ/متولى خليل عوض، باحث أول بالمركز.

الأستاذ/مصطفى عبد السميع، باحث بالمركز.

قام بتصحيح الأسماء والأماكن:

الدكتورة/لبيبة إبراهيم مصطفى، كبير باحثين بالمركز.

ص: 3

بسم الله الرحمن الرحيم

ذكر ما بالقاهرة وظواهرها من الجوامع

وهى مرتبة على حروف المعجم بعد ذكر اقدمها وهو

‌جامع عمرو

هو الجامع العتيق بمدينة فسطاط مصر ويقال له: تاج الجوامع، وهو أول مسجد أسس بديار مصر فى الملة الإسلامية بعد فتحها، وذلك أنه لما افتتح عمر بن الخطاب رضي الله عنه البلدان كتب إلى عماله بالبصرة والكوفة والشام ومصر أن يتخذوا للقبائل مساجد، فإذا كان يوم الجمعة انضموا إلى مسجد الجماعة، وكان عامل مصر يومئذ عمرو بن العاص رضي الله عنه قبنى هذا الجامع.

قال هبيرة بن أبيض: إن قيسبة بن كلثوم التجيبى أحد بنى سوم سار من الشام إلى مصر مع عمرو بن العاص فدخلها فى مائة راحلة وخمسين عبدا وثلاثين فرسا، فنظر قيسبة فرأى جنانا تقرب من الحصن فعرج إليها وأقام فيها، ثم خرج مع عمرو وخلف أهله فيها، ثم بعد فتح الإسكندرية عاد قيسبة إلى منزله واختط عمرو داره مقابل تلك الجنان، وتشاور المسلمون أين يكون المسجد الجامع، فرأوا أن يكون منزل قيسبة. فسأله عمرو فيه فقال:

إنى حزت هذا المنزل وإنى أتصدق به على المسلمين. وارتحل منه؛ فبنى مسجدا فى سنة إحدى وعشرين من الهجرة. قال أبو مصعب قيس بن سلمة الشاعر فى قصيدته التى امتدح فيها عبد الرحمن بن قيسبة:

وأبوك سلم داره وأباحها

لجباه قوم ركع وسجود

وقال الليث بن سعد: كان مسجدنا هذا حدائق وأعنابا. وقال ابن أسعد الجوانى: وقد بقى إلى الآن فى موضع جامع مصر شجرة زنزلخت

(1)

، وهى خلف المحراب الكبير والحائط

(1)

الزنزلخت: شجرة جميلة، مهدها الأصلى بلاد فارس، تزرع للتزيين بالشرق الأوسط، زهرها مجتمع على شكل عنقود وخشبها جيد (المنجد: زنز).

ص: 13

الذى به المنبر، ومن العلماء من قال: إنها من عهد موسى عليه السلام، وكان لها نظير شجرة أخرى فى الوراقين احترقت فى حريق مصر سنة أربع وستين وخمسمائة، وظهر بهذا الجامع بئر البستان التى كانت به وهى بموضع حلقة الفقيه ابن الجيزى المالكى.

وذكر بعضهم أن محل جامع عمرو كان كنيسة للنصارى هدمها المسلمون وبنوا مكانها جامعا، وفى كتاب «النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة» أن محله كان خانا.

‌إقامة القبلة:

قال الكندى عن يزيد بن أبى حبيب عمن حضر مسجد الفتح: إنه وقف على إقامة قبلة المسجد الجامع ثمانون رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم: الزبير بن العوام، والمقداد، وعبادة بن الصامت، وأبو الدرداء، وفضالة بن عبيد، وعقبة بن عامر رضي الله عنهم. وقال عبد الله بن أبى جعفر: أقام محرابنا هذا عبادة بن الصامت ورافع ابن مالك. وقال داود بن عقبة: إن عمرا بعث ربيعة بن شرحبيل وعمرو بن علقمة يقيمان القبلة وقال لهما: إذا زالت الشمس فاجعلاها على حاجبيكما ففعلا. وقال الليث: إن عمرا كان يمد الحبال حتى أقيمت قبلة المسجد. قال ابن لهيعة: سمعت أشياخنا يقولون: لم يكن لمسجد عمرو محراب مجوف، ولا أدرى بناه مسلمة أو بناه عبد العزيز، وأول من جعل المحراب قرة بن شريك. وقال أبو سعيد الحميرى: أدركت مسجد عمرو [و] طوله خمسون ذراعا فى عرض ثلاثين، والطريق يطيف به من كل جهة، وله بابان يقابلان دار عمرو ابن العاص، وبابان فى بحريه وبابان فى غربيه، والخارج من زقاق القناديل يجد ركن المسجد الشرقى محاذيا لركن دار عمرو الغربى، وذلك قبل أن يؤخذ من دار عمرو ما أخذ، وكان طوله من القبلة إلى البحرى مثل طول دار عمرو، وكان سقفه مطأطئا جدا ولا صحن له، وفى الصيف يجلس الناس بفنائه من كل ناحية، وبينه وبين دار عمرو سبع أذرع. وقال القضاعى فى خططه: كان عمرو بن العاص رضي الله عنه قد اتخذ منبرا/فكتب إليه عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يعزم عليه فى كسره ويقول: أما بحسبك أن تقوم قائما والمسلمون تحت عقبيك، فكسره. وقال القضاعى أيضا: لم تكن الجمعة تقام فى زمن عمرو بن العاص بشئ من أرض مصر إلا بهذا الجامع.

وفى خلافة معاوية سنة ثلاث ستين من الهجرة زاد مسلمة بن مخلد الأنصارى أمير مصر فى الجامع من بحريه وجعل هذه الزيادة رحبة، ولم يغير البناء القديم ولا أحدث شيئا فى قبليه ولا فى غربيه. وقيل: إنه أحدث فى شرقيه حتى ضاق الطريق بينه وبين دار عمرو

ص: 14

ابن العاص، ثم بيضه وفرشه بالحصر وكان قبل ذلك مفروشا بالحصباء، وبنى فى كل ركن من أركانه الأربعة صومعة، وأمر ببناء المنارات فى جميع المساجد وجعل اسمه عليها، وأمر مؤذنى الجامع أن يؤذنوا للفجر إذا مضى نصف الليل، فإذا فرغوا من أذانهم أذن كل مؤذن فى الفسطاط فى وقت واحد فكان لأذانهم دوى شديد، ومنع أن تضرب النواقيس عند وقت الأذان.

وفى سنة تسع وسبعين فى خلافة عبد الملك بن مروان هدمه عبد العزيز بن مروان أخو الخليفة-وكان يومئذ أمير مصر من قبل أخيه-وزاد فيه من ناحية الغرب وأدخل فيه الرحبة التى كانت فى بحريه، ولم يجد فى شرقيه موضعا يوسعه به. وذكر الكندى أنه زاد فى جوانبه كلها. ويقال: إن عبد العزيز المذكور لما أكمل بناء المسجد خرج من دار الذهب عند طلوع الفجر فدخل المسجد فرأى فى أهله خفة فأمر بأخذ الأبواب على من فيه، ثم دعا بهم رجلا رجلا فيقول للرجل: ألك زوجة؟ فيقول: لا. فيقول: زوجوه. ألك خادم؟. فيقول:

لا. فيقول: أخدموه. أحججت؟ فيقول: لا. فيقول: أحجوه. أعليك دين؟ فيقول:

نعم. فيقول: اقضوا دينه. فأقام المسجد بعد ذلك دهرا عامرا.

وفى سنة تسع وثمانين فى خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان أمر عبد الله بن عبد الملك أخو الخليفة-وهو يومئذ أمير مصر من قبل أخيه-برفع سقف المسجد الجامع وكان مطأطئا فرفع. ثم إن قرة بن شريك العبسى هدمه مستهل سنة اثنتين وتسعين بأمر الخليفة الوليد ابن عبد الملك-وهو يومئذ أمير مصر من قبله-وابتدأ فى بنائه فى شعبان من السنة المذكورة فزاد فيه من القبلى والشرقى، وأدخل فيه الطريق ودار عمرو بن العاص، وعوض ولده عبد الله بدلها، وجعل له المحراب المجوف وهو المحراب المعروف بعمرو؛ لأنه فى سمت محراب المسجد القديم الذى بناه عمرو، وكانت قبلة المسجد القديم عند العمد المذهبة وهى أربعة عمد، اثنان فى مقابلة اثنين، وكان قرة أذهب رؤوسها ولم يكن فى المسجد عمد مذهبة غيرها، وجعل على بنائه يحيى بن حنظلة مولى بنى عامر بن لؤى. وكانوا يجمعون الجمعة فى قيسارية العسل حتى فرغ من بنائه فى شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين، ونصب فيه المنبر الجديد فى سنة أربع وتسعين من الهجرة ونزع المنبر الذى كان فى المسجد، وذكر أن عمرو ابن العاص كان جعله فيه فلعله بعد وفاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقيل: هو منبر عبد العزيز بن مروان حمل إليه من بعض كنائس مصر. وقيل: إن زكريا بن برقنى ملك النوبة أهداه إلى عبد الله بن سعد بن أبى سرح وبعث معه نجاره حتى ركبه، واسم هذا النجار بقطر من أهل دندره، ولم يزل هذا المنبر فى المسجد حتى زاد قرة بن شريك فى الجامع

ص: 15

فنصب منبرا سواه على ما تقدم شرحه. ولم يكن وقتئذ يخطب فى القرى إلا على العصا، إلى أن ولى عبد الملك بن موسى بن نصير اللخمى مصر من قبل مروان بن محمد، فأمر باتخاذ المنابر فى القرى وذلك فى سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وذكر أنه لا يعرف منبر أقدم منه-يعنى من منبر قرة بن شريك-بعد منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل كذلك إلى أن قلع وكسر فى أيام العزيز بالله بنظر الوزير يعقوب بن كلس فى يوم الخميس لعشر بقين من شهر ربيع الأول سنة تسع وسبعين وثلاثمائة وجعل مكانه منبر مذهب، ثم أخرج هذا المنبر إلى الإسكندرية وجعل بجامع عمرو بن العاص رضي الله عنه الذى بها، وأنزل إلى الجامع المنبر الكبير وذلك فى أيام الحاكم بأمر الله فى شهر ربيع الأول سنة خمس وأربعمائة. وصرف بنو عبد السميع عن الخطابة، وجعلت خطابة الجامع العتيق لجعفر بن الحسن بن خداع الحسينى وجعل إلى أخيه الخطابة بالجامع الأزهر، وصرف بنو عبد السميع من جميع المنابر بعد أن أقاموا هم وأسلافهم فيها ستين سنة.

ولم يكن للجامع أيام قرة بن شريك غير المحراب المعروف بعمرو، فأما المحراب الأوسط فعرف بمحراب عمر بن مروان عم الخلفاء، وهو أخو عبد الملك وعبد العزيز، ولعله أحدثه بعد قرة، وذكر قوم أن قرة عمل هذين المحرابين.

وفى خلافة سليمان بن عبد الملك سنة سبع وتسعين، بنى أسامة بن يزيد التنوخى متولى الخراج بمصر بيت المال الذى فى علو الفوارة بالجامع، وأمير مصر يومئذ/عبد الملك ابن رفاعة، وكان مال المسلمين يجعل فى ذلك البيت.

وفى خلافة المنصور طرق المسجد فى سنة خمس وأربعين ومائة قوم ممن كان بايع على بن محمد بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن على بن أبى طالب، وكان أول علوى قدم مصر-وأميرها يومئذ يزيد بن حاتم المهلبى-فنهبوا بيت المال ثم تضاربوا عليه بسيوفهم فلم يصل إليهم منه إلا اليسير.

وفى زمن أحمد بن طولون تسور على بيت المال لص وسرق منه بدرتى دنانير فظفر به ابن طولون وعفا عنه.

وفى سنة ثلاث وثلاثين ومائة زاد صالح بن على بن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وهو يومئذ أمير مصر من قبل أبى العباس السفاح فى مؤخره أربعة أساطين، فيقال إنه أدخل فى الجامع دار الزبير بن العوام وكانت غربى دار النحاس وباب الكحل من هذه الزيادة،

ص: 16

وهو الباب الخامس من أبواب الجامع الشرقية، وعمر صالح أيضا مقدم الجامع عند الباب الأول موضع البلاطة الحمراء.

وفى سنة خمس وسبعين ومائة فى خلافة الرشيد، زاد فيه موسى بن عيسى الهاشمى أمير مصر الرحبة التى فى آخره، وهى نصف الرحبة المعروفة بأبى أيوب، ولما ضاق الطريق بهذه الزيادة أخذ موسى دار الربيع بن سليمان الزهرى ووسع بها الطريق.

وفى سنة إحدى عشرة ومائتين، وصل عبد الله بن طاهر بن الحسين مولى خزاعة أميرا على مصر من قبل المأمون، فأمر بالزيادة فى هذا الجامع فزيد فيه مثله من غربيه، فكانت زيادة ابن طاهر المحراب الكبير وما فى غربيه إلى حد زيادة الخازن، فأدخل فيه الزقاق المعروف أولا بزقاق البلاط وقطعة كبيرة من دار الرمل ورحبة كانت بين يدى دار الرمل ودورا أخرى. ويقال: إن موضع فسطاط عمرو حيث المحراب والمنبر.

ولما عاد ابن طاهر إلى بغداد سنة اثنتى عشرة ومائتين تمم زيادته عيسى بن يزيد الجلودى، وتكامل ذرع الجامع سوى الزيادتين مائة وتسعين ذراعا بذراع العسل طولا فى مائة وخمسين ذراعا عرضا.

وذكر أبو عمر الكندى فى كتاب الموالى أن الحرث بن مسكين مولى ابن ريان بن عبد العزيز بن مروان لما ولى القضاء من قبل المتوكل سنة سبع وثلاثين ومائتين أمر ببناء رحبة الحرث وهى الرحبة البحرية، وكانت رحبة يتبايع الناس فيها يوم الجمعة ليتسع الناس بها، وحول سلم المؤذنين إلى غربى المسجد وكانت عند باب إسرائيل: وبلط زيادة ابن طاهر وأصلح بنيان السقف وبنى سقاية فى الحذائين.

وفى سنة ثمان وخمسين ومائتين، زاد أبو أيوب أحمد بن محمد بن شجاع-أحد عمال الخراج زمن أحمد بن طولون-فى الرحبة المعروفة برحبة أبى أيوب، والمحراب المنسوب إلى أبى أيوب هو الغربى من هذه الزيادة عند شباك الحذائين.

وفى ليلة الجمعة تاسع صفر سنة خمس وسبعين ومائتين، وقع فى الجامع حريق أخذ من بعد ثلاث حنايا من باب إسرائيل إلى رحبة الحرث بن مسكين، فهلك فيه أكثر زيادة عبد الله ابن طاهر والرواق الذى عليه اللوح الأخضر، فأمر خمارويه بن أحمد بن طولون بعمارته فأعيد فى السنة المذكورة على ما كان عليه، وأنفق فيه ستة آلاف وأربعمائة دينار وكتب اسم خمارويه فى دائر الرواق الذى عليه اللوح الأخضر.

ص: 17

وفى سنة أربع وتسعين ومائتين، أمر عيسى النوشرى فى ولايته الثانية بإغلاقه فيما بين الصلوات، فضج أهل المسجد ففتح لهم.

وفى سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، تولى أبو حفص العباسى نظر قضاء مصر، فزاد الغرفة التى يؤذن فيها المؤذنون فى السطح، ثم زاد فيه أبو بكر محمد بن عبد الله الخازن رواقا واحدا من دار الضرب، وهو الرواق ذو المحراب والشباكين المتصل برحبة الحرث ومقداره تسعة أذرع، وكان ابتداء ذلك فى رجب سنة سبع وخمسين وثلاثمائة ومات قبل تمام هذه الزيادة، وتممها ابنه على بن محمد وفرغت فى العشر الأخير من رمضان سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة.

وفى سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة، زاد فيه الوزير أبو الفرج يعقوب بن يوسف بن كلس بأمر العزيز بالله الفوارة التى تحت قبة بيت المال، وهو أول من عمل فيه فوارة، وزاد فيه أيضا مساقف الخشب المحيطة بها ونصب فيها حباب الرخام التى للماء.

وفى سنة سبع وثمانين وثلاثمائة، جدد بياض المسجد الجامع، وقلع شئ كثير من الفسيفساء الذى كان فى أروقته وبيض مواضعه، ونقشت خمسة ألواح وذهبت ونصبت على أبوابه الخمسة الشرقية، وكان ذلك على يد برجوان الخادم، وكان اسمه ثابتا فى الألواح فقلع بعد قتله.

قال المسيحى فى تاريخه: وفى سنة ثلاث وأربعمائة أنزل من القصر إلى الجامع العتيق بألف ومائتين وثمانية وتسعين مصحفا، ما بين ختمات وربعات، فيها ما هو مكتوب كله بالذهب، ومكّن الناس من القراءة فيها، وأنزل إليه أيضا بتنور من فضة عمله الحاكم بأمر الله برسم الجامع فيه مائة ألف درهم فضة، فاجتمع الناس وعلق بالجامع/بعد أن قلعت عتبتا الباب حتى أدخل به. قال القضاعى: وأمر الحاكم بأمر الله بعمل الرواقين اللذين فى صحن المسجد الجامع، وقلع عمد الخشب وجر الخشب التى كانت هناك وذلك فى شعبان سنة ست وأربعمائة.

وفى سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة، أمر الإمام المستنصر بالله بن الظاهر بعمل الحجر المقابل للمحراب، وبالزيادة فى المقصورة فى شرقيها وغربيها، حتى اتصلت بالحذاءين من جانبيها، وبعمل منطقة فضة فى صدر المحراب الكبير أثبت عليه اسم أمير المؤمنين، وجعل لعمودى المحراب أطواق فضة، وجرى ذلك على يد عبد الله بن محمد بن عبدون، وبقيت هذه المنطقة إلى زمن صلاح الدين يوسف بن أيوب، فقلعها منه فى سنة سبع وستين وخمسمائة.

وفى سنة أربعين وأربعمائة، جددت الخزانة التى فى ظهر دار الضرب مقابلة ظهر المحراب الكبير.

وفى سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة، عملت لموقف الإمام فى زمن الصيف مقصورة خشب

ص: 18

ومحراب ساج منقوش بعمودى صندل، وتقلع هذه المقصورة فى الشتاء إذا صلى الإمام فى المقصورة الكبيرة، وعمرت غرفة المؤذنين بالسطح وجعل لها روشن، وجعل بعدها ممرق ينزل منه إلى بيت المال.

وفى سنة أربع وأربعين وأربعمائة، زيد فى الخزانة مجلس من دار الضرب وطريق المستحم، وزخرف هذا المجلس وجعل فيه محراب ورخم بالرخام الذى قلع من المحراب الكبير.

وفى سنة خمس وأربعين وأربعمائة، بنيت المئذنة التى بين مئذنة غرفة المؤذنين والمئذنة الكبيرة.

وفى سنة أربع وستين وخمسمائة، تمكن الفرنج من ديار مصر، وحكموا فى القاهرة حكما جائرا، وركبوا المسلمين بالأذى العظيم، وتيقنوا أنه لا حامى للبلاد من أجل ضعف الدولة، فجمع مرى ملك الفرنج جموعه، وسار إلى القاهرة من بلبيس، فأمر شاور بن مجير السعدى وزير العاضد بإحراق مدينة مصر، فخرج إليها عشرون ألف قارورة نفط وعشرة آلاف مشغل مضرمة بالنار وفرقت فيها، فلما رأى مرى دخان الحريق تحول من بركة الحبش إلى ما يلى باب البرقية من القاهرة وقد انحصر الناس فيها؛ فقاتلهم واستمرت النار أربعة وخمسين يوما، وبذلك تشعث الجامع فجدده صلاح الدين بعد موت العاضد، وأعاد صدره والمحراب الكبير ورخمه ورسم عليه اسمه، وأجرى فيه عمائر كثيرة حتى صار جميعه مفروشا بالرخام. وفى أيام الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقدارى، نظر قاضى القضاة تاج الدين عبد الوهاب بن الأعزالى الجامع، فوجد مؤخره قد مال إلى بحريه وكذلك سوره البحرى، ورأى فى سطح الجامع غرفا كثيرة محدثة فهدم الجميع إلا غرف المؤذنين، وأمر بإبطال جريان الماء من النيل إلى فوارة الفسقية لما رأى فيه من الضرر على جدر الجامع، وعمر بغلات بالزيادة البحرية تشد الجدر، وسد شباكين كانا فى الجدار البحرى وأنفق على جميع ذلك من مال الأحباس وكان له حينئذ نظر الأحباس، ثم سأل السلطان هو والصاحب الوزير بهاء الدين فى عمارة الجامع من بيت المال فرسم بذلك، فهدم الجدار البحرى الذى فيه اللوح الأخضر، وأزيلت العمد والقواصر العشر، وعمر الجدار المذكور وأعيدت العمد والقواصر كما كانت، وزيد فى العمد أربعة وجليت العمد كلها وبيض الجامع بأسره وذلك فى سنة ست وستين وستمائة.

وفى سنة سبع وثمانين وستمائة، شكا قاضى القضاة تقى الدين أبو القاسم ابن بنت الأعز للملك المنصور قلاوون سوء حال جامع عمرو والجامع الأزهر، فأمر بعمارة الجامعين، وعين لجامع عمرو الأمير عز الدين الأفرم، فرسم على مباشرى الأحباس وكشف المساجد لغرض كان

ص: 19

فى نفسه، وبيض الجامع وجرد نصف العمد التى فيه فصار العمود نصفه الأسفل أبيض وباقيه مجاله، ودهن واجهة غرفة الساعات بالسيلقون، وأجرى الماء من البئر التى بزقاق الأقفال إلى فسقية الجامع ورمى ما كان بالزيادات من الأتربة، وبطر العوام به بما فعله بالجامع.

وفى سنة اثنتين وسبعمائة، حدثت زلزلة تشعث منها الجامع فتولى عمارته الأمير سلار نائب السلطنة فى أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون، واعتمد على كاتبه بدر الدين بن خطاب فى ذلك فهدم الحد البحرى وأعاده على أصله، وعمل بابين جديدين للزيادة البحرية والغربية، وأضاف إلى كل عمود من الصف البحرى عمودا آخر وجرد العمد كلها، وبيض الجامع وزاد فى سقف الزيادة الغربية رواقين، وخرب لذلك عدة مساجد بظاهر مصر وبالقرافتين وأخذ عمدها، وقلع ألواحا كثيرة طويلة من رخام الجامع الذى كان تحت الحصر، ورص جميع ذلك عند الباب المعروف بباب الشراربيين فنقل من هناك ولم يعمل فى الجامع شئ.

وبعد موت الملك الظاهر برقوق تشعث الجامع ومالت قواصره ولم يبق إلا أن يسقط، وأهل الدولة فى شغل من اللهو عن عمل ذلك، فانتدب لعمارته سنة ثمانمائة رئيس التجار يومئذ بديار مصر إبراهيم بن عمر بن على المحلى، وهدم صدره بأسره فيما بين المحراب/الكبير إلى الصحن طولا وعرضا، وأزال اللوح الأخضر وأعاد البناء كما كان أولا، وجدد لوحا أخضر بدل الأول ونصبه مكانه، وجرد العمد وتتبع جدر الجامع فرم شعثها وأصلح من رخام الصحن ما كان قد فسد ومن السقوف ما كان قد وهى، وبيضه فجاء كما كان وعاد جديدا، وكان انتهاء هذا العمل فى سنة أربع وثمانمائة ولم يتعطل منه صلاة جمعة ولا جماعة فى مدة عمارته.

قال ابن المتوج: إن ذرع هذا الجامع اثنان وأربعون ألف ذراع بذراع البر المصرى القديم وهو ذراع الحصر المستمر إلى الآن، فمن ذلك مقدمه ثلاثة عشر ألف ذراع وأربعمائة وخمسة وعشرون ذراعا ومؤخره مثل ذلك، وصحنه سبعة آلاف وخمسمائة ذراع، وكل من جانبيه الشرقى والغربى ثلاثة آلاف وثمانمائة وخمسة وعشرون ذراعا، وذرعه كله بذراع العمل ثمانية وعشرون ألف ذراع.

وقد تقدم أن طول الجامع مائة وتسعون ذراعا وعرضه مائة وخمسون، فتكون مساحته ثمانية وعشرين ألف ذراع وخمسمائة لا ثمانية وعشرين ألفا فقط.

وعدد أبوابه ثلاثة عشر بابا منها فى القبلى باب الزيزلختة

(1)

الذى يدخل منه الخطيب، كان به شجرة زيزلخت

(2)

عظيمة قطعت فى سنة ست وستين وسبعمائة، وفى البحرى ثلاثة

(2،1)) هكذا وردتا بالأصل وانظر هامش ص 13 من هذا الجزء.

ص: 20

أبواب وفى الشرقى خمسة وفى الغربى أربعة، وعدد عمده ثلاثمائة وثمانية وسبعون عمودا وعدد مآذنه خمس، وبه ثلاث زيادات، فالبحرية الشرقية كانت لجلوس قاضى القضاة بها فى كل أسبوع يومين، وكان بهذا الجامع القصص. قال القضاعى: روى نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لم يقص فى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبى بكر ولا عمر ولا عثمان رضي الله عنهم، وإنما كان القصص فى زمن معاوية رضي الله عنه. وذكر عمر بن شبة قال: قيل للحسن متى أحدث القصص؟ قال: فى خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه. قيل: من أول من قص؟ قال: تميم الدارى. وروى أن عليا رضي الله عنه قنت فدعا على قوم من أهل حربه، فبلغ ذلك معاوية فأمر رجلا يقص بعد الصبح وبعد المغرب يدعو له ولأهل الشام. قال يزيد: وكان ذلك أول القصص. وقال الليث بن سعد: هما قصصان قصص العامة وقصص الخاصة، فأما قصص العامة فهو الذى يجتمع إليه النفر من الناس يعظهم ويذكرهم فذلك مكروه لمن فعله ولمن استمعه، وأما قصص الخاصة فهو الذى جعله معاوية، ولى رجلا على القصص فإذا سلم من صلاة الصبح جلس وذكر الله عز وجل وحمده ومجده وصلى على النبى صلى الله عليه وسلم، ودعا للخليفة ولأهل ولايته ولحشمه وجنوده ودعا على أهل حربه وعلى المشركين كافة. ويقال: إن أول من قص بمصر سليمان بن عتر التجيبى فى سنة ثمان وثلاثين، وفى هذه السنة شكا عبد الملك بن مروان إلى العلماء ما انتشر عليه من أمور رعيته وتخوفه من كل وجه، فأشار إليه أبو حبيب الحمصى القاضى بأن يستنصر عليهم برفع يديه إلى الله تعالى فكان عبد الملك يدعو ويرفع يديه، وكتب بذلك إلى القصاص فكانوا يرفعون أيديهم بالغداة والعشى.

وكان بهذا الجامع مصحف يعرف بمصحف أسماء ابنة أبى بكر بن عبد الله بن عبد العزيز وكان تجاه المحراب الكبير، والذى استكتب هذا المصحف هو عبد العزيز بن مروان؛ وسببه أن الحجاج بن يوسف الثقفى كتب مصاحف وبعث بها إلى الأمصار، ووجه إلى مصر بمصحف منها فغضب عبد العزيز بن مروان من ذلك، وكان الوالى يومئذ من قبل أخيه عبد الملك، وقال: يبعث إلى جند أنا فيه بمصحف! فأمر فكتب له هذا المصحف، وجعل لمن وجد فيه حرفا خطأ رأسا أحمر وثلاثين دينارا، فتداوله القراء، فأتى رجل من قراء الكوفة اسمه زرعة بن سهل الثقفى فقرأه تهجيا، ثم جاء إلى عبد العزيز فقال: إنى وجدت فى المصحف حرفا خطأ. فقال: مصحفى؟ قال: نعم. فنظر فإذا فيه: إن هذا أخى له تسع وتسعون نعجة، فإذا هى مكتوبة نجعة قد قدمت الجيم قبل العين، فأمر بالمصحف فأصلح ما كان فيه وأبدلت الورقة، ثم أمر له بثلاثين دينارا وبرأس أحمر، وكان يحفظ فى دار

ص: 21

عبد العزيز ولا يحمل إلى الجامع إلا غداة كل جمعة فيقرأ فيه، ثم يقص ثم يرد إلى موضعه، وأول من قرأ فيه عبد الرحمن بن حجيرة الخولانى؛ لأنه كان يتولى القصص والقضاء يومئذ، وذلك فى سنة ست وثمانين.

ثم لما مات عبد العزيز بيع هذا المصحف فى ميراثه، فاشتراه ابنه أبو بكر بألف دينار، ثم توفى أبو بكر فاشترته أسماء ابنة أبى بكر بن عبد العزيز بسبعمائة دينار، فأمكنت الناس منه وشهرته فنسب إليها، فلما توفيت أسماء اشتراه أخوها الحكم من ميراثها بخمسمائة دينار وجعله فى الجامع، وذلك فى سنة ثمان عشرة ومائة، وأجرى على الذى يقرأ فيه ثلاثة دنانير فى كل شهر وكان القارئ يجلس ويقرأ فيه.

ثم فى سنة عشرين ومائة، تولى القصص أبو إسماعيل خير بن نعيم الحضرمى القاضى فكان يقرأ فى المصحف قائما ثم يقص وهو جالس، فهو أول من قرأ فى المصحف قائما، ولم تزل الأئمة/يقرؤون فى المسجد الجامع فى هذا المصحف فى كل يوم جمعة، إلى أن ولى القصص أبو رجب العلاء بن عاصم الخولانى فى سنة اثنتين وثمانين ومائة فقرأ فيه يوم الاثنين أيضا، وجعل له المطلب الخزاعى أمير مصر من قبل المأمون عشرة دنانير على القصص، وهو أول من سلم فى الجامع تسليمتين بكتاب ورد من المأمون يأمر فيه بذلك، وصلى خلفه محمد ابن إدريس الشافعى حين قدم إلى مصر فقال: هكذا تكون الصلاة، ما صليت خلف أحد أتم صلاة من أبى رجب ولا أحسن.

وفى سنة أربعين ومائتين-فى خلافة المتوكل-ولى القصص حسن بن الربيع بن سليمان من قبل عنبسة بن إسحاق أمير مصر، وأمر أن تترك قراءة بسم الله الرحمن الرحيم فى الصلاة فتركها الناس، وأمر أن تصلى التراويح خمس تراويح، وكانت تصلى قبل ذلك ست تراويح، وزاد فى قراءة المصحف يوما فكان يقرأ يوم الاثنين ويوم الخميس ويوم الجمعة.

وفى سنة اثنتين وتسعين ومائتين، ولى حمزة بن أيوب بن إبراهيم الهاشمى القصص بكتاب من المكتفى، وصلى فى مؤخر المسجد حين تكس، وأمر أن يحمل إليه المصحف ليقرأ فيه، فقيل له: إنه لم يحمل إلى أحد قبلك، فلو قمت وقرأت فيه فى مكانه. فقال: لا أفعل، ولكن ائتونى به فإن القرآن علينا أنزل وإلينا أتى؛ فأتى به فقرأ فيه فى المؤخر، وهو أول من قرأ فى المصحف فى المؤخر، ولم يقرأ فى المصحف بعد ذلك فى المؤخر إلى أن تولى أبو بكر محمد بن الحسن السوسى الصلاة والقصص فى اليوم العشرين من شعبان سنة ثلاث وأربعمائة، فنصب المصحف فى مؤخر الجامع حيال الفوارة وقرأ فيه أيام نكس الجامع، فاستمر الأمر

ص: 22

على ذلك. وفى زمن عبد الله بن شعيب المعروف بابن بنت وليد القاضى، حضر رجل من أهل العراق ومعه مصحف ذكر أنه مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه، فأخذه أبو بكر الخازن وجعله فى الجامع وشهره، وجعل عليه خشبا منقوشا، وكان الإمام يقرأ فيه يوما وفى مصحف أسماء يوما، ولم يزل على ذلك إلى أن رفع هذا المصحف واقتصر على القراءة فى مصحف أسماء، وذلك فى سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة أيام العزيز بالله.

قال القضاعى: ولم يكن الناس يصلون بالجامع بمصر صلاة العيد، حتى كانت سنة ست أو ثمان وثلاثمائة فصلى فيه رجل يعرف بعلى بن أحمد بن عبد الملك الفهمى، ويعرف بابن أبى شيخة، صلاة الفطر، ويقال إنه خطب وحفظ عنه: اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مشركون. فقال بعض الشعراء:

وقام فى العيد لنا خاطب*

فحرض الناس على الكفر

توفى سنة تسع وثلاثمائة.

وكان بالجامع عدة زوايا للتدريس، منها:

‌زاوية الإمام الشافعى رضي الله عنه

يقال: إنه درس بها فعرفت به. وفى وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لابن خلكان، قال الخطيب البغدادى فى تاريخه: لما مرض الشافعى مرضه الذى مات فيه، جاء محمد بن عبد الحكم ينازع البويطى فى مجلس الشافعى، فقال البويطى: أنا أحق به منك. وقال ابن عبد الحكم:

أنا أحق بمجلسه منك. فقال أبو بكر الحميدى قال الشافعى: ليس أحد أحق بمجلسى من يوسف بن يحيى-يعنى البويطى-وليس أحد من أصحابى أعلم منه. فقال له ابن عبد الحكم: كذبت. فقال الحميدى: كذبت أنت وكذب أبوك وكذبت أمك. فغضب ابن عبد الحكم وترك مجلس الشافعى وتقدم فجلس فى الطاق، وترك طاقابين مجلس الشافعى ومجلسه، وجلس البويطى فى مجلس الشافعى فى الطاق الذى كان يجلس فيه اه.

‌زاوية المجدية:

مصدر الجامع داخل المقصورة الوسطى بجوار المحراب الكبير، رتبها مجد الدين أبو الأشبال الحرث بن مهذب الدين أبى المحاسن مهلب بن حسن بن بركات بن على بن غياث المهلبى الأزدى البهنسى الشافعى، وزير الملك الأشرف موسى بن العادل أبى بكر بن أيوب، ورتب فى تدريسها قريبه قاضى القضاة وجيه الدين عبد الوهاب البهنسى، وعمل عليها عدة أوقاف بمصر والقاهرة، وتوفى المجد فى صفر سنة ثمان وعشرين وستمائة بدمشق عن ثلاث وستين سنة.

ص: 23

‌الزاوية الصاحبية:

حول عرفة

(1)

، رتبها الصاحب تاج الدين محمد بن فخر الدين، وجعل لها مدرسين أحدهما مالكى والآخر شافعى، وجعل عليها وقفا بظاهر القاهرة بخط البراذعيين.

‌الزاوية الكمالية:

بالمقصورة المجاورة لباب الجامع، رتبها كمال الدين السمنو دى ووقف عليها فندقا بمصر.

‌الزاوية التاجية:

أمام المحراب الخشب، رتبها تاج الدين السطحى ووقف عليها دورا بمصر.

‌الزاوية المعينية:

فى الجانب الشرقى من الجامع، رتبها معين الدين الدهر وطى وعليها وقف بمصر.

‌الزاوية العلائية:

تنسب لعلاء الدين الضرير، وهى فى صحن الجامع وهى لقراءة ميعاد.

‌الزاوية الزينية:

رتبها الصاحب زين الدين لقراءة ميعاد أيضا.

وإلى سنة تسع وأربعين وسبعمائة، كان بالجامع أربعون حلقة لإقراء العلم لا تكاد تبرح منه،/وكان يوقد فيه ليلة الوقود ثمانى عشرة ألف فتيلة، وكان المطلق برسمه خاصة فى كل ليلة برسم وقوده أحد عشر قنطارا ونصفا زيتا طيبا. انتهى ملخصا من خطط المقريزى، مع بعض زيادات من كتاب النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، للعلامة جمال الدين أبى المحاسن يوسف بن تغرى بردى الأتابكى وغيره.

وفى المقريزى أيضا عند ذكر المدارس: أن رئيس التجار برهان الدين بن عمر بن على المحلى ابن بنت العلامة شمس الدين محمد بن اللبان، وينتمى فى نسبه إلى طلحة بن عبيد الله أحد العشرة رضي الله عنهم، جدد جامع عمرو بن العاص رضي الله عنه وكان قد تداعى إلى السقوط، فقام بعمارته حتى عاد قريبا مما كان عليه، شكر الله له ذلك، وتوفى ثانى عشر ربيع الأول

(1)

عرفة: انظر مقصورة عرفة ص 28 سطر 6 من هذا الجزء.

ص: 24

سنة ست وثمانمائة عن مال عظيم، أخذ منه السلطان الملك الناصر فرج بن برقوق مائة ألف دينار، ولم يكن مشكور السيرة فى الديانة انتهى.

وفى نزهة الناظرين: أن الملك الأشرف أبا النصر قايتباى جدد من جامع عمرو بن العاص بعض جهاته.

وفى حوادث سنة خمس عشرة ومائتين وألف من الجبرتى: أن الأمير مراد بيك محمد المدفون بمدينة سوهاج، لما رأى خراب جامع عمرو وسقوط سقوفه وميل شقّه الأيمن خطر بباله تجديده، وحسن له ذلك بعض الفقهاء فقيد به نديمه قاسما المعروف بالمصلى، وصرف عليه أموالا عظيمة أخذها من غير حلها ووضعها فى غير محلها، فأقام أركانه وشيد بنيانه، ونصب أعمدته وبنى به منارتين، وجدد جميع سقفه بالخشب النقى، وبيض جميعه فتم على أحسن ما يكون، وفرشه جميعه بالحضر الفيومى وعلق به القناديل، وصليت به الجمعة فى آخر رمضان سنة اثنتى عشرة، وحضر الأمراء والأعيان والفقهاء، وبعد الصلاة عقد الشيخ عبد الله الشرقاوى مجلسا وأملى فيه حديث:«من بنى لله مسجدا» ، وتفسير:{إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} وألبس فروة سمور وكذلك الخطيب، وكان قبل ذلك يحصل فيه عند الاجتماع به آخر جمعة من رمضان كثير من الملاهى، وذلك أن الناس كانوا يجتمعون به من القاهرة وبولاق وغيرهما على سبيل التسلى، فيجتمع بصحنه أرباب الملاهى من الحواة والقرداتية، وأصحاب الملاعب، والنساء الراقصات المعروفات بالغوازى فبطل ذلك من نحو ثلاثين سنة، ولما جاء الفرنساوية جرى عليه ما جرى على غيره من الهدم والتخريب وأخذ الأخشاب، حتى أصبح بلقعا أشوه مما كان قبل هذه العمارة انتهى.

وقد قاسه الفرنساوية يومئذ فوجدوا أضلعه مائة وعشرين مترا تقريبا، وقالوا: إن شكله يقرب من المربع.

وفى سنة ألف ومائتين وتسعين هجرية، قد ندبت له ثقة من المهندسين ليذرعه ويكشف عن أوصافه بالدقة، فكان جانبه الشرقى مائة متر وتسعة أمتار وثلث متر، وجانبه القبلى مائة وسبعة عشر مترا وعشرة أمتار، والغربى مائة متر وأربعة أمتار، والبحرى مائة وعشرين مترا وربع متر. قال: ويظهر أنه كان له ملحقات لم تدخل فى هذا المقاس آثارها باقية إلى الآن مملوءة بالأتربة، كما أن بعض الجامع الآن متخرب فيه من الجهة البحرية

ص: 25

بائكتان متخربتان لم يبق منهما إلا القليل، وبالجهة الشرقية خمس بوائك هى التى يصلى فيها الآن، وقبلته من رخام بأعلاها لوح رخام مكتوب فيه:

انظر لمسجد عمرو بعد ما درست

رسومه صار يحكى الكوكب الزاهى

نعم الوزير الذى لله جدده

مير اللواء مراد الآمر الناهى

له ثواب جزيل غير منقطع

على الدوام بأنظار وأشباه

لاح القبول عليه حسين أرخه

هذا البناء على مراد الله

سنة 1211

وبجوار تلك القبلة قبلة أخرى منقوش بأعلاها:

مسجد ابن العاص أضحى

بعد هدم قد أصابه

كعبة يسعى إليها

يرتجى فيه الإجابة

جمل التاريخ رجح

قد بنى هذا الصحابة

سنة 1211

/وفى الجهة الغربية ثلاثة أبواب هى المستعملة الآن، وبالوجه البحرى ثلاثة أبواب مسدودة، وفى الوجه القبلى باب مسدود أيضا، فكانت أبوابه سبعة ولم ير أثر أبواب غيرها، وفوق اثنين منها اسم مراد بيك بتاريخ ألف ومائتين وأحد عشر، وعلى أحد أبوابه الغربية منقوش فى لوح من الرخام هذه الأبيات:

أحيا لنا ربنا بيتا لطاعته

وكان من قبل مصباحا بها فطفى

وانقض بنيانه والمسلمون غدوا

من أجله قاصرين الباع فى أسف

لأنه من بقايا فرقة طهرت

أميرها عمرو السهمى غير خفى

ومذ أراد تعالى بالعمار له

أنشاه مولى جواد بالمراد يفى

فصار يحكى البنا إحسانه أبدا

وإنما يعمر الآيات فى الصحف

ونشوة العز قد قالت مؤرخة

يسمو العزيز مراد جامع الشرف

سنة 1211

وعلى باب آخر منها:

بمسجد الفضل عن عمرو أجدّ بنا

قد فاز بالخير من لله جدده

ص: 26

وإنما يعمر الآيات شاهدة

له بفوز وأن الله أسعده

ونشوة السعد قد قالت مؤرخة

أنشأت حمدا مراد الحى مسجده

سنة 1211

ومن بعد عمارة مراد بيك، جرت فيه مرمات خفيفة مثل تبييضه وارتفاع بلاطه وغير ذلك.

وللجامع صحن غير مسقوف طول ضلعه الأكبر تسعة وسبعون مترا، وطول الأصغر واحد وسبعون، وجميع الجامع مبنى من الطوب المضروب المحرق، وليس به الآن من البناء القديم إلا جزء يسير بالجانب الشرقى والقبلى، وسمك ذلك البناء القديم متر وثلثا متر، وسمك غيره تسعة أعشار متر، وكذا يزيد فى الارتفاع عن الحديد بقدر ثلاثة أمتار.

والموجود به الآن من الأعمدة الرخام الصحيحة مائتان وخمسة عشر عمودا منها ملقى على الأرض خمسة وثلاثون، وذلك غير جملة وافرة من القطع الأنصاف والأقل والأكثر والتيجان والكراسى ما بين ظاهر ومرتدم.

وعلى يسار الداخل من الباب البحرى الكبير عمودان متجاوران، يزعم الناس أنه لا يمكن المرور بينهما إلا لطاهر من دنس الذنوب والخطايا، ويقصدونهما بالمرور بينهما ليختبر الإنسان حاله، ويزدحمون عليهما بعد صلاة الجمعة الأخيرة من رمضان ازدحاما شديدا.

ويقولون قد يسلك بينهما السمين الجسيم ويتخلف النحيف بحسب قلة الذنوب وكثرتها، وأمام المنبر من الجهة اليسرى عمود من الرخام، يضربونه بالنعال والعصى بعد فراغهم من الصلاة؛ لزعمهم أنه عصى عن الحضور مع الأعمدة التى أحضرت لبناء الجامع زمن الفتح.

وفى الزاوية البحرية الشرقية قبر عبد الله بن سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه، عليه تابوت داخل مقصورة عليها قبة، وتزوره الناس، وبالجامع مصحف كبير مكتوب بالخط الكوفى على رق غزال فقد منه بعضه، وكمله جنتمكان العزيز محمد على بخط عربى سنة ست وأربعين ومائتين وألف، ومصحف آخر داخل صندوق من وقف المرحوم مراد بيك.

وفى صحن الجامع حنفية للوضوء عليها قبة وبداخلها بئر، وبه أيضا شجرة ونخلة وحواليه مساكن موقوفة عليه يصرف ريعها فى لوازمه، وجملة ما يتحصل له من الإيراد كل سنة ثلاثة آلاف قرش ومائتان وثلاثة وثمانون قرشا ونصف قرش عملة ميرية عبرة كل مائة قرش جنيه مصرى، منها من الروزنامجه مائة قرش وأربعة وثلاثون قرشا وسبعة وثلاثون نصفا فضة، ومنها أجرة مساكن ألف وتسعمائة وعشرون قرشا، وأحكار ونحوها ألف ومائتان وثمانية وعشرون قرشا وثلاثة وثلاثون نصف فضة، يصرف من ذلك على

ص: 27

خدمته كل سنة ألف وأربعمائة وسبعة وسبعون قرشا وثمانية أنصاف فضة، والباقى تحت يد ناظره السيد محمد الليثى.

ورأيت فى كتاب «مناهل الصفا، باتصال نسب السادات الوفائية بالمصطفى» للشيخ على أبى جابر الأتباى نقلا عن أهل التاريخ: أن فى جامع عمرو بن العاص أماكن يستجاب فيها الدعاء: منها البلاطة الحمراء التى خلف الباب الأول فى مجلس ابن عبد الحكم، ومنها باب البراذع، ومنها المحراب الصغير الذى فى جدار الجامع الغربى، ومنها باطن مقصورة عرفة، ومنها عند خرزة البئر التى/فى الجامع، ومنها زاوية فاطمة، ويقال: إنها فاطمة بنت عفان أقامت فى الجامع بهذا المكان وسمى بها، ومنها سطح الجامع، ومنها قبلة اللوح الأخضر. ومما يتبرك به العمودان اللذان على يمنة الداخل من باب الشهود المجاور لسلم السطح فى الجهة البحرية، ومنها عمود الجلالة، ومنها المكان الذى كان الإمام الشافعى يدرس به، ومنها المحراب المنقوش المجاور لكرسى مصحف أسماء، ومنها العمود الذى بقرب الزيادة. وكان سيدى على وفا يسمى هذا الجامع قاعة الفرح، وكان الشيخ إبراهيم المتبولى يسميه ميدان الأولياء انتهى.

وبجوار الجامع من الجهة البحرية قبور لأموات المسلمين، ودولاب يصنع فيه القلل البلدية على نسق القلل القنائية وفيخورة لحريقها، ومن يرتقى فوق سطح الجامع لا يرى إلا تاولا عالية، وحفائر متسعة سببها أخذ السباخ من تلك الجهات وذلك مستمر إلى الآن، ولا يرى هناك شيئا يسر الخاطر مما كانت عليه مدينة العرب ذات العز والثروة والشهرة المنتشرة فى أقطار الأرض، والمبانى العالية الشامخة المشيدة التى مزقتها سطوات الدهر وحوادث الأيام حتى جعلت عاليها سافلها، ومحت آثارها بالمرة فأضحت خاوية موحشة ليس بها أنيس، فسبحان من له الدوام والبقاء الكبير المتعال العدل اللطيف الخبير.

***

ص: 28

‌حرف الألف

‌الجامع الأزهر

هذا الجامع أول مسجد أسس بالقاهرة، أنشأه القائد جوهر الكاتب الصقلى مولى الإمام أبى تميم معدّ الخليفة أمير المؤمنين المعز لدين الله لما اختط القاهرة، وكان الشروع فى بنائه يوم السبت لست بقين من جمادى الأولى سنة تسع وخمسين وثلاثمائة، وكمل بناؤه لتسع خلون من رمضان سنة إحدى وستين وثلاثمائة، وكتب بدائر القبة التى فى الرواق الأول على يمنة المنبر والمحراب ما نصه بعد البسملة: مما أمر ببنائه عبد الله ووليه أبو تميم معدّ الإمام المعز لدين الله أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الأكرمين، على يد عبده جوهر الكاتب الصقلى، وذلك فى سنة ستين وثلاثمائة، وأول جمعة جمعت فيه فى شهر رمضان لسبع خلون من سنة إحدى وستين وثلاثمائة.

ثم إن العزيز بالله أبا منصور نزار بن المعز لدين الله جدد فيه أشياء.

وفى سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة، أطلق لجماعة من الفقهاء ما يكفى كل واحد منهم من الرزق الناض، وأمر لهم بشراء دار وبنائها فبنيت بجانب الجامع، فإذا كان يوم الجمعة حضروا إلى الجامع وتحلقوا فيه بعد الصلاة إلى أن تصلى العصر، وكان لخمسة وثلاثين رجلا من مال الوزير صلة فى كل سنة، وخلع عليهم العزيز يوم عيد الفطر وحملهم على بغلات.

ويقال: إن به طلسما فلا يسكنه عصفور ولا يفرخ به، وكذا سائر الطيور من الحمام واليمام وغيره، وهو صورة ثلاثة طيور منقوشة كل صورة على رأس عمود.

ثم إن الحاكم بأمر الله جدده ووقف عليه وعلى جامع المقس والجامع الحاكمى ودار العلم بالقاهرة رباعا بمصر، وضمن ذلك كتابا حددها فيه وبينها بيانا شافيا، ثم قال فى آخر ذلك الكتاب: يؤجر ذلك فى كل عصر من ينتهى إليه ولايتها ويرجع إليه أمرها بعد مراقبة الله واجتلاب ما يوفر منفعتها من إشهارها عند ذوى الرغبة فى إجارة أمثالها، فيبتدأ من ذلك بعمارة ذلك على حسب المصلحة وبقاء العين ومرمته من غير إجحاف بما حبس ذلك عليه، وما فضل كان مقسوما على ستين سهما، فمن ذلك للجامع الأزهر الخمس والثمن ونصف السدس

ص: 29

ونصف التسع، يصرف ذلك فيما فيه عمارة له ومصلحة، وهو من العين المعزى الوازن ألف دينار وسبعة وستون دينارا ونصف دينار وثمن دينار، من ذلك للخطيب فى كل سنة أربعة وثمانون دينارا، ولثمن ألف ذراع حصر عبدانية عدة له عند الحاجة إلى ذلك، ولثمن ثلاثة عشر ألف ذراع حصر مضفورة لكسوة الجامع فى كل سنة عند الحاجة إليها مائة دينار وثمانية دنانير، ولثمن ثلاثة قناطير دجاج وفراخها اثنا عشر دينارا ونصف وربع دينار، ولثمن عود هندى للبخور فى شهر رمضان وأيام الجمعة مع ثمن الكافور والمسك وأجرة الصانع خمسة عشر دينارا، ولنصف قنطار شمع بالفلفلى سبعة دنانير، ولكنس الجامع ونقل التراب وخياطة الحصر وثمن الخيط وأجرة الخياطة خمسة دنانير، ولثمن مشاقة لسرج القناديل عن خمسة وعشرين رطلا بالرطل الفلفلى دينار واحد، ولثمن فحم للبخور عن قنطار واحد بالفلفلى نصف دينار، ولثمن أردبى ملح للقناديل ربع دينار، ولمؤنة النحاس والسلاسل والتنانير والقباب التى فوق سطحه أربعة وعشرون دينارا، ولثمن سلب ليف أربعة أحبل وست دلاء أدم نصف دينار، ولثمن قنطارى خرق لمسح القناديل نصف دينار، ولثمن عشر قفاف للخدمة وعشرة أرطال قنب لتعليق القناديل ومائتى مكنسة دينارا واحدا وربع دينار، ولثمن أزيار فخار تنصب على المصنع ويصب فيها الماء/مع أجرة حملها ثلاثة دنانير، ولثمن زيت وقوده راتب السنة ألف رطل ومائتا رطل مع أجرة الحمل سبعة وثلاثون دينارا ونصف، ولأرزاق ثلاثة أئمة وأربعة قومة وخمسة عشر مؤذنا خمسمائة دينار وستة وخمسون دينارا ونصف، منها للأئمة لكل رجل منهم فى كل شهر ديناران وثلثا دينار وثمن دينار، ولكل واحد من المؤذنين والقومة فى الشهر ديناران، وللمشرف فى كل سنة أربعة وعشرون دينارا، ولكنس المصنع ونقل ما يخرج منه من الطين والوسخ دينار واحد، ولمرمة ما يحتاج إليه فى سطحه وأترابه وحياطته وغير ذلك كل سنة ستون دينارا، ولثمن مائة وثمانين حمل تبن ونصف حمل لعلف رأسى بقر للمصنع ثمانية دنانير ونصف وثلث دينار، ولمخزن يوضع فيه التبن أربعة دنانير، ولثمن فدانى قرط لتربيع رأسى البقر فى السنة سبعة دنانير، ولأجرة متولى العلف وأجرة السقاء والحبال والقواديس ونحو ذلك خمسة عشر دينارا ونصف، ولأجرة قيم الميضأة إن عملت اثنا عشر دينارا انتهى.

وكان فى محرابه منطقة فضة قلعها صلاح الدين يوسف بن أيوب سنة تسع وستين وخمسمائة بعد انتهاء الفاطميين فجاء وزنها خمسة آلاف درهم نقرة، كما قلع غيرها من مناطق الجوامع.

ثم إن المستنصر جدد هذا الجامع أيضا، وجدده الحافظ لدين الله وأنشأ فيه مقصورة

ص: 30

لطيفة تجاور الباب الغربى الذى فى مقدمه بداخل الرواقات عرفت بمقصورة فاطمة، لأن فاطمة الزهراء رئيت بها.

وفى سنة خمس وستين وستمائة، جدده الأمير عز الدين أيدمر الحلى فى سلطنة الملك الظاهر بيبرس بسبب أنه كان مجاورا له فى السكنى، فراعى حرمة الجوار وانتزع له أشياء كانت مغصوبة، وأحاط أموره حتى جمع له شيئا صالحا مع ما تبرع به له من المال الجزيل، وأطلق له من السلطان جملة من المال، وشرع فى عمارته فعمر الواهى من أركانه وجدرانه وبيضه وأصلح سقوفه وبلطه وفرشه وكساه حتى عاد حرما فى وسط المدينة، واستجد به مقصورة حسنة، وأثر فيه آثارا صالحة.

وكذا عمل فيه الأمير بيلبك الخازندار مقصورة كبيرة، رتب فيها جماعة من الفقهاء لقراءة الفقه على مذهب الإمام الشافعى، ومحدثا يسمع الحديث النبوى، ووقف على ذلك الأوقاف الدارة، ورتب به سبعة لقراءة القرآن ومدرسا، وأقيمت فيه الجمعة يومئذ وحضرت فيه الأمراء والكبراء وأصناف العالم وكان يوما مشهودا، وبعد الفراغ من الجمعة قام الأمير عز الدين إلى داره ومعه الأمراء فقدم لهم ما تشتهى الأنفس وتلذ الأعين، وكان قد أخذ خطوط العلماء بجواز الجمعة فيه، ووجد الناس به رفقا لقربه من الحارات.

وكان سقف الجامع قصيرا، فزيد فيه وعلا ذراعا، واستمرت الخطبة فيه حتى بنى الجامع الحاكمى فانتقلت الخطبة إليه، فإن الخليفة كان يخطب فيه خطبة، وفى الجامع الأزهر، خطبة وفى جامع ابن طولون خطبة، وفى جامع عمرو خطبة.

ولما استبد صلاح الدين يوسف بن أيوب بالسلطنة، انقطعت الخطبة من الأزهر وأقرت فى الجامع الحاكمى لأنه أوسع من الأزهر، وكان قاضى القضاة يومئذ شافعيا لا يرى إقامة خطبتين فى بلد واحدة، فبقى الأزهر معطلا عن الخطبة مائة عام، فلما استولى الملك الظاهر بيبرس على السلطنة أعيدت فيه الخطبة.

ثم فى زلزلة سنة اثنتين وسبعمائة، سقط الجامع الأزهر، والحاكمى، وجامع عمرو، وجوامع أخر فتقاسم الأمراء عمارتها، فتولى الأمير سلار عمارة الأزهر فأعاد ما تهدم منه.

وفى سنة خمس وعشرين وسبعمائة، جدده القاضى نجم الدين محمد بن حسين الأسعردى محتسب القاهرة.

ثم فى سنة إحدى وستين وسبعمائة، فى سلطنة الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون، جدده الأمير الطواشى سعد الدين بشير الجامدار الناصرى لما سكن بقربه، فى الدار التى تعرف

ص: 31

هناك إلى اليوم بدار بشير الجامدار، فأحب أن يؤثر فيه أثرا صالحا فاستأذن السلطان فى ذلك، فأخرج منه الخزائن والصناديق ونزع عدة مقاصير، كان كل ذلك مضيقا للجامع، وتتبع جدرانه وسقوفه بالإصلاح حتى عادت كأنها جديدة، وبيضه وبلطه ومنع الناس من المرور فيه، ورتب فيه مصحفا وجعل له قارئا، وأنشأ على بابه القبلى حانوتا لتسبيل الماء العذب كل يوم، وعمل فوقه مكتبا لإقراء أيتام المسلمين ورتب لفقراء المجاورين طعاما يطبخ كل يوم، وأنزل إليه قدورا من نحاس جعلها فيه، ورتب فيه درسا لفقهاء الحنفية فى المحراب الكبير، ووقف على ذلك أوقافا جليلة، ولذا كان مؤذنو الجامع يدعون للسلطان حسن فى كل جمعة وبعد كل صلاة.

وفى سنة أربع وثمانين وسبعمائة، تولى نظره الأمير بهادر الطواشى، وتنجز مرسوم السلطان الملك الظاهر برقوق بأن من مات من مجاورى الأزهر عن غير وارث وترك موجودا فإنه يأخذه المجاورون، ونقش على حجر عند الباب الكبير البحرى.

وفى سنة ثمانمائة، هدمت منارته وكانت قصيرة/فعمرت أطول منها وبلغت النفقة عليها من مال السلطان خمسة عشر ألف درهم نقرة، وكملت فى السنة المذكورة فعلقت فيها القناديل ليلة الجمعة من ربيع الآخر، واجتمع القراء والوعاظ فى الجامع وتلوا ختمة شريفة ودعوا للسلطان. ثم هدمت سنة سبع عشرة وثمانمائة لميل ظهر فيها وعمل بدلها منارة من حجر على الباب البحرى بعد هدمه وإعادته بالحجر، وأخذت الحجارة من مدرسة الملك الأشرف خليل التى كانت تجاه قلعة الجبل، وتمت سنة ثمان عشرة فلم تقم غير قليل ومالت حتى كادت تسقط فهدمت سنة سبع وعشرين وأعيدت.

وفى شوال من هذه السنة ابتدئ فى عمل الصهريج الذى بوسط الجامع فوجد هناك آثار فسقية ماء ورمم أموات، فعمل فى نصف سنة وعمل بأعلاه مكان مرتفع له قبة يسيل فيه الماء، وغرس بصحن الجامع أربع شجرات فلم تفلح، ولم يكن للأزهر ميضأة عندما بنى، ثم عملت ميضأته حيث المدرسة الآقبغاوية إلى أن بنى الأمير آقبغا مدرسته الآقبغاوية، وأما هذه الميضأة التى به الآن فبناها الأمير بدر الدين جنكل بن البابا، ثم زيد فيها بعد سنة عشر وثمانمائة ميضأة المدرسة الآقبغاوية.

ولم يزل فى الأزهر منذ بنى عدة من الفقراء ملازمون الإقامة به، وفى سنة ثمان عشرة وثمانمائة بلغت عدتهم سبعمائة وخمسين رجلا ما بين عجم وزيالعة ومن أهل ريف مصر ومغاربة، ولكل طائفة رواق يعرف بهم، فلا يزال الجامع عامرا بتلاوة القرآن

ص: 32

ودراسته وتلقينه والاشتغال بأنواع العلوم والفقه والحديث والتفسير والنحو ومجالس الوعظ، فيجد الإنسان إذا دخله من الأنس بالله والارتياح وترويح النفس ما لا يجده فى غيره، وصار أرباب الأموال يقصدونه بأنواع البر من الذهب والفضة والفلوس إعانة للمجاورين به، وكل قليل تحمل إليه أنواع الأطعمة والخبز والحلوى لا سيما فى المواسم.

ولما ولى نظره الأمير سودون القاضى حاجب الحجاب فى سنة ثمان عشرة وثمانمائة، أمر بإخراج المجاورين منه ومنعهم من الإقامة فيه وإخراج ما لهم فيه من صناديق وخزائن وكراسى مصاحف، فتشتت شمل الفقراء وتعذرت الأماكن عليهم فساروا فى القرى، ثم أشاع أن أناسا يبيتون به ويفعلون فيه المنكرات، وكانت العادة جارية بمبيت الناس فيه ما بين تاجر وفقيه وجندى، خصوصا فى ليالى الصيف وليالى رمضان فإنه يمتلئ صحنه وأكثر أروقته، فطرقه الأمير سودون بعد العشاء وقبض على جماعة وضربهم، وكان قد جاء معه جماعة من الأعوان والغلمان وغوغاء العامة فوقع النهب فيمن كان بالجامع، فأخذت فرشهم وعمائمهم وفتشت أوساطهم وأخذ ما كان عليها من ذهب وفضة، وعمل ثوبا أسود للمنبر وعلمين مزوقين بلغت النفقة على ذلك خمسة عشر ألف درهم. انتهى ملخصا من خطط المقريزى.

وفى حسن المحاضرة للسيوطى: أن الحاكم بأمر الله لما جدد الأزهر أوقف عليه أوقافا، وجعل فيه تنورين فضة وسبعة وعشرين قنديلا فضة، وكان نضده فى محرابه منطقة فضة كما كان فى محراب جامع عمرو انتهى.

وفى سنة تسعمائة أجرى الخواجا مصطفى بن محمود بن رستم الرومى عمارة الجامع الأزهر وصرف عليه من ماله نحو خمسة عشر ألف دينار وجاء غاية فى الحسن، وهو على ما جدده به إلى الآن. قاله ابن إياس.

وفى نزهة الناظرين: أن الملك الأشرف أبا النصر قايتباى المتوفى سنة إحدى وتسعمائة أنشأ ميضأة بالجامع الأزهر وفسقية معتبرة وسبيلا، وأنشأ أيضا مكتبا على باب الجامع، وأن الملك الظاهر أبا سعيد قانصوه خال الناصر هو الذى رتب بالجامع الأزهر فى شهر رمضان الخبز والخزيرة

(1)

. ثم لما جاء الملك الأشرف قانصوه الغورى ضاعف ذلك فى أيامه أضعافا كثيرة وأنشأ المئذنة المعتبرة به.

وفى سنة أربع وألف، أيام ولاية الشريف محمد باشا على مصر، عمره وجدد ما تخرب

(1)

هى بخاء معجمة وزاى فتحتية فراء مهملة، وهى شبه عصيدة بلحم.

ص: 33

منه، ورتب به جملة من العدس تطبخ كل يوم للفقراء فتسامع الناس بذلك وأتوا إليه من سائر القرى.

وفى سنة أربع عشرة بعد الألف، عمر به الوزير حسن باشا والى مصر مقام السادة الحنفية أحسن عمارة وبلطه بلاطا جديدا انتهى.

وفى أوائل الجزء الأول من تاريخ الجبرتى عند ذكر ترجمة الأمير إسماعيل بيك بن الأمير الكبير إيواظ بيك القاسمى من بيت العز والسيادة، المتوفى سنة ألف ومائة وست وثلاثين، أن للمذكور عدة عمائر ومآثر، منها أنه جدد سقف الجامع الأزهر وكان قد آل إلى السقوط، وأنشأ مسجد سيدى إبراهيم الدسوقى وسيدى على المليجى وغير ذلك انتهى.

وفيه أيضا فى حوادث سنة تسعين ومائة وألف، أن الأمير عبد الرحمن كتخدا بن حسن جاويش القازدغلى أستاذ سليمان جاويش أستاذ إبراهيم كتخدا مولى جميع الأمراء المصريين، أنشأ فى مقصورة الجامع الأزهر مقدار النصف طولا وعرضا/يشتمل على خمسين عمودا من الرخام، تحمل مثلها من البوائك المقوصرة المرتفعة المتسعة من الحجر المنحوت، وسقف أعلاها بالخشب النقى وبنى به محرابا جديدا ومنبرا، وأنشأ له بابا عظيما جهة حارة كتامة، وبنى بأعلاه مكتبا بقناطر معقودة على أعمدة من الرخام لتعليم الأيتام من أطفال المسلمين القرآن، وجعل بداخله رحبة متسعة وصهريجا عظيما وسقاية لشرب العطاشى المارين، وعمل لنفسه مدفنا بتلك الرحبة وجعل عليه قبة معقودة وتركيبة من رخام بديعة الصنعة، وجعل بها أيضا رواقا مخصوصا بمجاورى الصعائدة المنقطعين لطلب العلم، يسلك إليه من تلك الرحبة بدرج يصعد منه إلى الرواق، وبه مرافق ومنافع ومطبخ ومخادع وخزائن كتب، وبنى بجانب ذلك الباب منارة، وأنشأ بابا آخر جهة مطبخ الجامع وجعل عليه منارة أيضا، وبنى المدرسة الطيبرسية وأنشأها إنشاء جديدا وجعلها مع مدرسة الآقبغاوية المقابلة لها من داخل الباب الكبير الذى أنشأه خارجهما جهة القبو الموصل للمشهد الحسينى وخان الجراكسة، وهذا الباب الكبير عبارة عن بابين عظيمين كل باب بمصراعين، وجعل على يمينهما منارة، وجعل فوقه مكتبا أيضا، وبداخله على يمين السالك بظاهر الطيبرسية ميضأة وأنشأ لها ساقية لخصوص إجراء المياه إليها، وبداخل باب الميضأة درجا يصعد منه للمنارة ورواق البغداديين والهنود، فجاء هذا الباب وما بداخله من الطيبرسية والآقبغاوية

ص: 34

والأروقة من أحسن المبانى فى العظم والوجاهة والفخامة، وأرخ بعضهم ذلك بهذه الأبيات الركيكة:

تبارك الله باب الأزهر انفتحا

وعاد أحسن مما كان وانصلحا

تقر عينا إذا شاهدت بهجته

بإخلاص بانيه للعلماء والصلحا

وادخل على أدب تلق الهداة به

قد قرروا حكما ميزانها رجحا

بالباب قد بدأ الأكوان أرخه

بعبد رحمن باب الأزهر انفتحا

وجدد رواقا للمكاويين والتكروريين، وزاد فى مرتبات الجامع وأخبازه، ورتب لمطبخه فى خصوص أيام رمضان فى كل يوم خمسة أرادب أرزا أبيض وقنطار سمن ورأس جاموس وغير ذلك من المرتبات والزيت والوقود للمطبخ، وزاد فى طعام المجاورين ومطبخهم الهريسة فى يومى الاثنين والخميس، وقد تعطل غالب ذلك فى هذا التاريخ الذى نحن فيه لغاية سنة عشرين ومائتين وألف.

وقد أنشأ الأمير المذكور عمائر كثيرة حتى فى الحجاز، ولو لم يكن له من المآثر إلا ما أنشأه بالجامع الأزهر من الزيادة والعمارة التى تقصر عنها همم الملوك لكفاه ذلك، ولما مات خرجوا بجنازته فى مشهد حافل حضره العلماء والأمراء والتجار ومؤذنو المساجد وأولاد المكاتب التى أنشأها ورتب لهم فيها الكساوى والمعاليم فى كل سنة، وصلوا عليه بالأزهر ودفن بمدفنه الذى أعده لنفسه بالأزهر عند الباب القبلى. انتهى باختصار. وقد بسطنا الكلام على عدّ مآثره وعمائره التى أجراها فى ترجمته عند الكلام على جامع الشيخ مطهر، وقد أجريت فيه بعد ذلك عمائر خفيفة فى عهد العائلة المحمدية كإصلاح بلاط صحنه وأخليته وبعض أبوابه، ولم يزل هذا الجامع ملحوظا عامرا مشارا إليه مقصودا للاستفادة والتبرك حتى للملوك والسلاطين.

وفى ابن إياس أن السلطان سليم شاه العثمانى دخله يوم الجمعة سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، فصلى به الجمعة وتصدق هناك بمبلغ كبير انتهى.

وكل حين يزداد عمارية وشهرة فى الآفاق، ويؤتى إليه من جميع بلاد الإسلام لتعلم العلوم الشرعية والعقلية والنقلية من دروسه الدائمة، المتصدر فى إقرائها جهابذة العلماء والمحدثين ما بين مؤلف ومدرس، فتجد فيه من المجاورين الألوف المؤلفة من الطوائف المختلفة كأهل الحجاز واليمن والسند والهند والسودان والجاوة وبغداد والمغرب والشام والسليمانية والأتراك والأكراد، خلاف الجم الغفير من البلاد المصرية الصعيد والبحيرة والفيوم والشرقية والغربية،

ص: 35

ولكل طائفة فى جوانبه رواق يخصها، ويغلب على الظن أنه أشهر بقعة بعد المساجد الثلاثة فهو الجامع الجامع، والأزهر الأزهر، والمدرسة الكبرى، والبقعة النافعة، به يزول الجهل وتخلد حياة العلم وتتأدب النفوس وتتسع القرائح وتتنبه الفطن وتروق الأفكار وتتفنن الآداب وتظهر الأسرار ويكتسب الشرف ويعظم القدر، فكم بزغت فيه شموس وأقمار، وغردت فيه بلابل المعلمين والمتعلمين فى العشى والإبكار والأسحار.

ثم إن مدرسة جامع الأزهر، منذ أيام محمد على الذى أحيا المعارف والعلوم فى القطر المصرى، أخذت فى استرجاع رونقها/القديم، وجعل الطلبة يتقاطرون إليها من كل صقع من جميع المذاهب الإسلامية، فأصبحت مرضعة للعلوم الفقهية وغيرها، وانتشرت تلامذتها البارعون وفوائدها فى كل قطر من الممالك العثمانية وغيرها، وقد ضبط عدد الشيوخ المدرسين والطلبة والمجاورين بالأروقة فى هذه المدرسة سنة خمس وسبعين وثمانمائة وألف للميلاد (الموافقة لسنة ألف ومائتين وثلاث وتسعين من الهجرة) فكان عدد الشيوخ ثلاثمائة وواحدا وستين شيخا، منهم مائة وسبعة وأربعون شافعية، وتسعة وتسعون مالكية، وستة وسبعون حنفية، وثلاثة حنبلية، ومن المجاورين الطلبة عشرة آلاف وسبعمائة وثمانون فى خمس عشرة حارة وثمانية وثلاثين رواقا، منهم خمسة آلاف وستمائة وأحد وخمسون شافعية، وثلاثة آلاف وثمانمائة وستة وعشرون مالكية، وألف ومائتان وثمانية وسبعون حنفية، وخمسة وعشرون حنبلية، وقد زاد عددهم فى أواخر سنة خمس وسبعين وثمانمائة وألف نحو خمسمائة وأربعة وستين طالبا انتهى.

ويقرب من ذلك ما فى كتاب النتيجة الإحصائية للمدارس والمكاتب بالقطر المصرى وهو أمر تقريبى، وإلا فبالأزهر طلبة غير مكتوبين به، وفى دفاتره مكتوبون لا يحضرون الدروس بل يحترفون، وذلك أيضا شامل لأولاد المكاتب، وقوله إن الحنابلة ثلاثة هو خلاف الموجود به، فإنه ليس به من عدة سنوات إلى الآن إلا مدرس واحد حنبلى، ثم حيث كان بهذه المثابة بل أعظم منها فلنورد بيان بعض مشتملاته الآن من الحدود والمقاصير والعمد والمحاريب والأبواب والمنارات والصهاريج والسقايات والأروقة والمكاتب وخزائن الكتب وبيوت القناديل وبيت الخطابة والمزاول والقباب والمدافن والمخازن والآبار والمياضئ والمصانع والمراحيض، والمرتبات من الجرايات والنقود والغلال والخلع والكساوى وما يقرأ به من الفنون، ومشايخ المذاهب ومشايخ الأروقة وبيان المعلمين والمتعلمين والأئمة والمؤذنين والقومة والمؤدبين وأطفال المكاتب وغير ذلك.

ص: 36

‌حدوده:

ينتهى سوره الغربى إلى الشارع المسلوك بينه وبين حارة الأتراك المسمى بخط الأزهر، وسوره القبلى إلى حارة الدوادارى وهى حارة كتامة وما يجاورها من المساكن إلى الطريق المسلوك إلى باب الغريب المسمى قديما بالباب الجديد الموصل إلى القرافة الكبرى، ووراء ذلك السور رقعة يباع فيها الغلة تعرف برقعة الأزهر، وسوره الشرقى إلى قريب المشهد الحسينى يفصل بينهما بعد جملة مساكن الشارع الجديد الذى يسلك فيه إلى ظواهر باب النصر، وسوره البحرى إلى الطريق الذى بينه وبين الجامع الذى أنشأه الأمير محمد بيك أبو الذهب.

‌ابوابه:

لهذا الجامع ثمانية أبواب غير باب صغير للمطهرة، باعتبار أن باب المزينين بابان وأن باب الصعايدة بابان.

‌باب المزينين:

فأكبر أبوابه وأشهرها الباب المعروف بباب المزينين بقرب الدرب المعروف بالقبو الموصل إلى سيدنا الحسين تجاه رأس سوق الصنادقية المتصل بشارع الأشرفية، وهو بابان مقوصران متجاوران مبنيان بالحجر النحيت بناء متقنا وبهما من صنعة التفريغ والنقش والزخرفة ما يليق بهما، وهما مع المكتب البديع الذى فوقهما والمنارة من زيادات المرحوم عبد الرحمن كتخدا كما مر، وعلى واجهتهما من الخارج أبيات مرقومة بالحروف المموهة بالذهب تشتمل على تاريخ بنائهما وهى:

إن للعلم أزهرا يتسامى

كسماء ما طاولتها سماء

حيث وافاه ذا البناء ولولا

منة الله ما تسامى البناء

رب إن الهدى هداك وآيا

تك نور تهدى به من نشاء

مذ تناهى أرخت باب علوم

وفخار به يجاب الدعاء

5 146 887 7 16 106 - 1167

فكان إنشاء هذا الباب سنة سبع وستين ومائة وألف

(1)

، والباب الأصلى فى هذه الجهة هو الباب المواجه للداخل مما يلى صحن الجامع، وبينهما من الجانبين كان يجلس المزينون لحلق رؤوس المجاورين فعرف الباب بذلك، وصار داخله المدرستان الطيبرسية والآقبغاوية بعد أن كانتا خارجه، وعلى مكسلتى هذا الباب منقوش فى الحجر ما صورته: «بسم الله

(1)

فى الأصل سنة 1161، والصحيح ما أثبتناه وفقا لقاعدة حساب الجمل.

ص: 37

الرحمن الرحيم أمر بإنشاء هذا الباب والمئذنة: الشريف مولانا السلطان الأشرف قايتباى بتاريخ شهر رجب الفرد ثلاثة منه سنة «» وفوق ذلك: «لا إله إلا الله محمد رسول الله نصر من الله وفتح قريب» ، وفوقها:«إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى» وفوق ذلك كتابة كوفية دقيقة الحروف يعسر قراءتها.

‌باب المغاربة:

هو تجاه الأتراك، ويتوصل منه إلى صحن الجامع بعد المروربين رواق المغاربة ورواقى السنارية والأتراك.

‌باب الشوام:

هو بعد باب المغاربة للذاهب إلى حارة كتامة فى مقابلة الوكالة التى أنشأها السلطان قايتباى، ويسلك منه إلى مقصورة الجامع القديمة، ويظهر أنه من الأبواب الأصلية للجامع.

‌باب الصعايدة:

هو بعد باب الشوام تجاه حارة الباطلية وحارة كتامة، وهو بابان أيضا كبيران مقوصران متجاوران من إنشاء المرحوم عبد الرحمن كتخدا كما مر، ويتوصل منه بعد مجاوزة رواق الصعايدة وبيت القناديل ومدفن الكتخدا إلى باب واحد يوصل إلى المقصورة الجديدة فوق الإيوان التى هى من إنشاء الكتخدا المذكور، وبين البابين دركة متسعة يجلس فيها جماعة من المزينين.

ولما تولى الخديو الأعظم على الديار المصرية أمر بهدمه لخلل كان به، وأنشأه مع ما فوقه من المكتب بأحسن مما كان، والذى باشر ذلك ناظر الأوقاف الأمير أدهم باشا، ونقش على ظاهره بأعلى الواجهة بالخط الثلث المذهب أبيات هى:

باليمن أقبل باب سعد الأزهرى

وسمت محاسنه بأعجب منظر

وغدا مجازا للحقيقة بالهدى

موصول مورده جميل المصدر

باب شريف للنجاح مجرب

إنشاؤه نادى بخير الأعصر

فى دولة إسماعيل داور مصرنا

يمن يسرّ كمال باب الأزهر

ص: 38

‌باب الشربة:

هو بقرب القبلة الجديدة عن شمالها من ورائها، تجاه رقعة الغلة فى الشارع الخارج إلى باب الغريب بجوار منزل السيد عمر مكرم نقيب أشراف الديار المصرية سابقا.

وهو من إنشاء الأمير عبد الرحمن كتخدا كما مر، ويتوصل منه إلى المقصورة الجديدة بعد المرور فى طرقة طويلة، يفصل بينها وبين داخل الجامع حائط قصير يتخلله عمد صغيرة من الحجر تسمى الرؤوس؛ لما فى أطرافها من رؤوس تشبه رؤوس الدبابيس، وتنتهى تلك الطرقة إلى مدفن فى زاوية المسجد يقال له مدفن الست نفيسة البكرية بنت الشيخ محمد أبى عبد الله جلال الدين البكرى الصديقى، يقال إنه كان شيخا على الجامع الأزهر، وهو صاحب المسجد القريب من مطبخ الشربة، وإنها كانت ذات أحوال وكرامات، وسمى باب الشربة لقربه من مطبخ الشربة الذى كان يطبخ فيه الأرز فى رمضان ويفرق على فقراء الجامع.

‌باب الجوهرية:

هو باب صغير تجاه زاوية السادة العميان بجوار الباب الآخر لمنزل السيد عمر مكرم، يسلك منه إلى المقصورة الجديدة بعد المرور فى المكتب الذى كان أصله المدرسة الجوهرية، ويسلك الخارج منه إلى عطفة الشنوانى فى زقاق ضيق موصل إلى الشارع الجديد الذى بقرب المشهد الحسينى.

وللميضأة باب صغير ينفذ فى الزقاق الخارج إلى باب المزينين مجعول لدخول الحفاة والجنب الذين يريدون الاغتسال فى مصانعه.

‌مقاصير الجامع وأساطينه:

‌المقصورة الكبيرة:

الأصل المقصورة الكبيرة تحت الإيوان التى فيها القبلة القديمة، فهى من إنشاء القائد جوهر، وتمتد من باب الشوام إلى رواق أهل الشرقية، وتحتوى على ست وسبعين أسطوانة من الرخام الأبيض الجيد على صفوف متسامتة، وعليها قواصير مرتفعة، بين كل عمودين قوصرة، وفيها دكة كبيرة للمبلغين، وكان فيها المنبر فنقله الأمير عبد الرحمن كتخدا لما بنى المقصورة الجديدة، ويسلك من المقصورة القديمة إلى صحن الجامع من ثلاثة أبواب كبيرة مقوصرة، قائمة مع البوائك التى أمامها على ثمانية عشر عمودا من الرخام، ويتخللها شبابيك من الخشب المخروط وخزن تختص ببعض المجاورين، وتقفل عند الاقتضاء بأبواب من

ص: 39

الخشب المخروط أيضا، وعلى الباب الوسط من هذه الأبواب قبة منقوشة وكتابة بالقلم الكوفى، وقد بلغ الخديو الأعظم أن فى بعض قواصر تلك المقصورة خللا فأمر بإصلاحها فرم منها مما يلى باب الشوام جملة وافرة نحو الثلث، وصرف عليه من أوقاف الجامع، وذلك فى سنة تسعين ومائتين وألف.

‌المقصورة الجديدة:

وقد مر الكلام على المقصورة الجديدة، وهى أصغر من المقصورة القديمة، ويفصلها من القديمة إيوان ممتد بطولها ارتفاعة أكثر من نصف ذراع، وفيها المنبر عند محرابها ودكة للمبلغين خلف القبلة القديمة كما فى المقصورة القديمة، يستعملان للتبليغ فى الجمعة والعيدين وفى قراءة رثاء من يموت من مشاهير العلماء، وقد أزيلت هذه الدكة الآن، وسقف المقصورتين من الخشب/المتقن الصنعة ويرتفع سقف الجديدة عن سقف القديمة نحو ذراعين، وفى كليهما عدة ملاقف لجلب النور والهواء، ولها أبواب تفتح وتقفل على حسب الاقتضاء.

‌محاريبه:

ليس فى المقصورة الجديدة إلا محرابان، محراب كبير عن يمين المنبر وهو مرتفع مبنى بالرخام، وعليه مع المنبر الخشب المخروط العظيم الصنعة قبة مرتفعة قائمة على ستة أعمدة، أربعة أمام المنبر والقبلة كل اثنين متجاوران، وبجوار الحائط عمودان كل واحد فى زاوية.

والمحراب الآخر عن شمال المنبر بعيد عنه، وهو محراب صغير يعرف بقبلة الشيخ الدردير.

وفى المقصورة القديمة المحراب الأصلىّ القديم وهو مصنوع بالرخام الجيد صنعة متقنة، وعليه قبه مرتفعة، وفى أعلاه عن يمين المصلى صندوق موضوع على رف يقال إن به قطعة من سفينة نوح عليه السلام، وقطعة من جلد بقرة بنى إسرائيل، وأن لذلك سرا عجيبا فى عماريته. ولكل من هذين المحرابين الكبيرين إمام ومبلغ للصلوات الخمس، فإمام الجديدة مالكى وإمام القديمة شافعى، ولكل منهما مرتب من النقود والجراية.

وكان فى المقصورة القديمة قبلة بقرب باب الشوام قائمة ببناء صغير، وكانت تعرف فى الزمن الأخير بقبلة البيجورى بسبب أن الشيخ إبراهيم البيجورى شيخ الجامع الأزهر كان يصلى عندها كثيرا، وقد أزيلت فى عمارة سنة تسعين ومائتين وألف.

وبقرب رواق الشرقاوية فى مؤخر المقصورة قبلة صغيرة من خشب تعرف بقبلة الخطيب الشربينى، عليها كتابة بالخط تدل على أن عملها كان سنة سبع وعشرين وستمائة، وفى ظاهر

ص: 40

هذه المقصورة مما يلى صحن الجامع أربعة محاريب، أحدها بجوار باب المقصورة الذى يلى رواق معمر ورواق الشرقاوية مكتوب عليه: جدد هذا المحراب السعيد على يد العبد الفقير إلى الله تعالى الخواجا مصطفى بن الخواجبا محمود بن جلبى غفر الله له وللمسلمين. وبجوار ذلك شباك مكتوب عليه: لمولانا السلطان الملك الأشرف أبى النصر قايتباى خلد الله أيامه، ويكتنف الباب الوسط محرابان من الحجر. مكتوب بأعلى أحدهما بالكوفى: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويلى هذا شباك مكتوب عليه: مولانا السلطان الملك الأشرف أبى النصر قايتباى خلد الله أيامه، وعند الباب الثالث محراب مكتوب عليه: أمر بتجديد هذا المحراب السعيد سيدنا ومولانا الإمام الأعظم والملك المكرم السلطان الملك الأشرف أبو النصر قايتباى. وبقربه شباك مكتوب عليه كما قبله، ثم شباكان ليس عليهما كتابة، وجميع هذه الشبابيك والأبواب مطلة على ما بين البوائك الوالية للصحن التى يجلس فيها المؤدبون لتعليم الأطفال.

وعند رواق الأتراك محراب صغير معمول بالقيشانى وأمامه تحت السقيفة دكة صغيرة غير مستعملة للتبليغ الآن، وذلك غير المحاريب التى فى المدارس الملحقة بالجامع وبعض الأروقة

‌صحنه:

هو مكان متسع وجميعه كشف سماوى مفروش بالحجر النحيت، وبوسطه تحت هذا الفرش أربعة صهاريج متسعة للماء الحلو، ولها أفواه من الرخام كأفواه الآبار ناتئة فوق فرش الصحن نحو متر، ولها أغطية من خشب تفتح وتقفل عند الحاجة، وسيأتى الكلام على الصهاريج.

والعادة أن يجلس فيه المجاورون للمطالعة فى أيام الشتاء للتشمس فيه، ويبيتون به فى ليالى الصيف، ولا ينعقد فيه درس وإنما الدروس فى المقاصير، وفى دائره بوائك مسقفة على قواصر قائمة على عمد كثيرة من الرخام، جعل بعضها أروقة وبعضها يجلس فيه الأطفال ومؤدبوهم لتعليم القرآن الكريم.

‌مناراته:

به ست منارات يؤذن عليها فى الأوقات الخمس وفى الأسحار، وتوقد فى ليالى رمضان والمواسم.

منها منارة خارج باب المزينين عن يمين الداخل تشرف على الشارع، وهى من إنشاء

ص: 41

الأمير عبد الرحمن كتخدا ويتوصل إليها من باب الميضأة الصغيرة الذى عن يمين الداخل قبل باب المدرسة الطيبرسية.

ومنها ثلاث منارات من داخل باب المزينين مشرفة على صحن الجامع، منها منارة الآقبغاوية عن شمال الداخل إلى الصحن. وفى خطط المقريزى فى الكلام على الآقبغاوية أن هذه المنارة أول مئذنة عملت بديار مصر من الحجر بعد المنصورية، وإنما كانت قبل ذلك تبنى بالآجر، أنشأها هى والمدرسة الأمير علاء الدين آقبغا عبد الواحد، والذى تولى بناءهما المعلم ابن السيوفى رئيس المهندسين فى الأيام الناصرية انتهى.

واثنتان عن يمين الداخل، فالتى تعلو جانب الباب أنشأها السلطان الملك الأشرف قايتباى مع الباب الذى تحتها وهى أعلى مناراته وأعظمها، والتى تليها من إنشاء السلطان قانصوه الغورى قايتباى، ويتوصل إلى هاتين المنارتين من باب صغير فى صحن الجامع يصعد منه إلى سطحه وفيه لكل منهما باب.

والثالثة غير مسامتة لهما بل خارجة قليلا إلى جهة الطيبرسية.

والخامسة المنارة التى بجانب باب/الصعايدة يتوصل إليها من رواق الصعائدة، من إنشاء الأمير عبد الرحمن كتخدا.

والسادسة منارة باب الشوربة وبابها من الداخل من إنشاء الكتخدا أيضا، وجميعها من الحجر الآلة المتقن الصنعة، ولا يؤذن على تلك المنارات غالبا إلا العميان محافظة على عدم كشف عورات المساكن المجاورة لها، وتلك عادة حسنة جارية فى أكثر مدن مصر والقاهرة، ولكل منارة خلوة لإقامة مؤذنيها عند انتظار الأذان بها ولا يؤذنون إلا بتنبيه الميقاتى المجعول لخصوص ذلك، والغالب أن أذان الأزهر ينبنى عليه أذان أكثر منارات القاهرة.

وفى طبقات الشعرانى، أن منارة السلطان الغورى بنيت فى محل خلوة فوق سطح الجامع كانت للشيخ محمد أبى المواهب الشاذلى، وكان مقيما بالقرب من الجامع الأزهر، وكان من الظرفاء الأجلاء الأخيار، والعلماء الراسخين الأبرار، أعطى ناطقية سيدى على أبى الوفا وعمل الموشحات الربانية، وألف الكتب اللدنية، وله كتاب القانون فى علوم الطائفة، وكان كلامه ينشد فى الموالد والاجتماعات والمساجد على رؤوس العلماء والصالحين، وكان يغلب عليه الحال فينزل من الخلوة يتمشى ويتمايل فى الجامع الأزهر، فيتكلم الناس فيه بما فى أوعيتهم حسنا وقبيحا، ومن كلامه: إذا أردت أن تهجر إخوان السوء فاهجر قبل أن

ص: 42

تهجرهم أخلاقك السوء، فإن نفسك أقرب إليك والأقربون أولى بالمعروف. وقد أطال الشعرانى فى ترجمته ولم يذكر تاريخ وفاته رضي الله عنه انتهى.

‌مزاوله:

فيه سبع مزاول، فى صحنه أربع لمعرفة وقت الظهر على يمين الداخل من باب المزينين، وثلاث لمعرفة العصر وهى جهة رواق معمر، وإحدى هذه من عمل الوزير أحمد باشاكور المتولى على مصر سنة إحدى وستين ومائة وألف، وذلك-كما فى الجبرتى-أنه كان من أرباب الفضائل، وله رغبة فى العلوم الرياضية، فلما استقر بقلعة مصر قابله صدور العلماء، منهم الشيخ عبد الله الشبراوى شيخ الأزهر، فتكلم معهم فى الرياضيات فقالوا: لا نعرف هذه العلوم. فتعجب وسكت. وكان للشبراوى وظيفه الخطابة بجامع السراية، فكان يطلع يوم الجمعة ويدخل عند الباشا، فقال له الباشا يوما: المسموع عندنا بالديار الرومية أن مصر منبع الفضائل والعلوم، وكنت فى غاية الشوق إلى المجئ فلما جئتها وجدتها كما قيل: تسمع بالمعيدى خير من أن تراه. فقال له الشيخ: يا مولاى هى كما سمعتم معدن العلوم والمعارف. فقال: وأين هى وأنتم أعظم علمائها وقد سألتكم عن بعض العلوم فلم تجيبونى، وغاية تحصيلكم الفقه والوسائل ونبذتم المقاصد. فقال الشيخ: نحن لسنا أعظم علمائها وإنما نحن المتصدرون لقضاء حوائجهم، وأغلب أهل الأزهر لا يشتغلون بالرياضيات إلا بقدر الحاجة الموصلة إلى علم المواريث كعلم الحساب والغبار. فقال له: وعلم الوقت كذلك من العلوم الشرعية، بل من شروط صحة العبادة، كمعرفة دخول الوقت واستقبال القبلة ووقت الصوم وغير ذلك. فقال الشيخ: نعم لكنه من فروض الكفاية، إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وهذه العلوم تحتاج إلى آلات وصناعات وأمور ذوقية، كرقة الطبع وحسن الوضع والخط والرسم والتشكيل والأمور العطاردية، وأهل الأزهر غالبهم فقراء وأخلاط مجتمعة من القرى والآفاق، فيندر فيهم القابلية لذلك. فقال: وأين البعض؟ فقال: موجودون فى بيوتهم يسعى إليهم، ثم أخبره عن الشيخ الجبرتى (والد المؤلف) فقال: وكيف الطريق إلى حضوره؟ فقال: تكتبون له إرسالية مع بعض خواصكم فلا يسعه الامتناع. ففعل فلبى دعوته فسر به ولازم المطالعة عليه مدة ولايته، ولما طالع ربع الدستور طالع بعده وسيلة الطلاب وهو مؤلف دقيق للعلامة الماردينى؛ فكان الباشا يختلى بنفسه ويستخرج منه بالطرق الحسابية ثم بالتجييب فيجده مطابقا؛ فسر بذلك وخلع على الشيخ فروة من ملبوسه السمور فباعها بثمانمائة دينار.

ص: 43

اشتغل الباشا ثم بعمل المزاول والمنحرفات حتى أتقنها، ورسم على اسمه عدة منحرفات على ألواح كبيرة من الرخام، وعمل له تاريخ نقشه عليها وهو هذا:

مزولة متقنة

نظيرها لا يوجد

راسمها حاسبها

هذا الوزير الأمجد

تاريخها أتقنها

هذا الوزير أحمد

ونصب واحدة بالجامع الأزهر فى ركن الصحن على يسار الداخل فوق رواق معمر، وهى لفضل دائر العصر والمغرب، وأخرى بسطح جامع الإمام الشافعى وفيها خيط مساطره وفضل دائره وقسى عصر وفضل دائر المغرب، وأخرى بمشهد/السادات الوفائية وهى بشاخص واحد للظهر والعصر.

ثم إنه عزل عن مصر وتولاها غيره. انتهى من الجبرتى فى أول النصف الثانى.

‌المدارس الملحقة به:

منها المدرسة الطيبرسية: قال المقريزى فى خططه: هذه المدرسة بجوار الجامع الأزهر، وهى غربيه مما يلى الجهة البحرية، أنشأها الأمير علاء الدين طيبرس الخازندارى نقيب الجيوش وجعلها مسجدا لله تعالى زيادة فى الجامع الأزهر، وقرر بها درسا للفقهاء الشافعية، وأنشأ بجوارها ميضأة وحوض ماء سبيل ترده الدواب، وتأنق فى رخامها وتذهيب سقوفها حتى جاءت فى أبدع زى وأحسن قالب وأبهج ترتيب؛ لما فيها من إتقان العمل وجودة الصناعة، بحيث إنه لم يقدر أحد على محاكاة ما فيها من صناعة الرخام فإن جميعه أشكال المحاريب.

وبلغت النفقة عليها جملة كثيرة، وانتهت عمارتها فى سنة تسع وسبعمائة، ولها بسط تفرش فى يوم الجمعة كلها منقوشه بأعمال المحاريب أيضا، وفيها خزانة كتب ولها إمام راتب.

‌ترجمة علاء الدين بن طيبرس:

(طيبرس) بن عبد الله الوزيرى كان فى ملك الأمير بدر الدين بيلبك مملوك الخازندار الظاهرى نائب السلطنة، ثم انتقل إلى الأمير بدر الدين بيدرا وتنقل فى خدمته حتى صار نائب الصّبيبة، ورأى مناما للمنصور لاجين يدل على أنه يصير سلطان مصر، وذلك قبل أن يتقلد السلطنة وهو نائب الشام، فوعده إن صارت إليه السلطنة أن يقدمه وينوه به، فلما تملك لاجين استدعاه وولاه نقابة الجيش بديار مصر عوضا عن بلباى الفاخرى فى سنة سبع وتسعين وستمائة، فباشر النقابة مباشرة مشكورة إلى الغاية، من إقامة الحرمة وأداء الأمانة والعفة المفرطة، بحيث إنه ما عرف عنه أنه قبل من أحد هدية ألبتة، مع التزام الديانة والمواظبة على فعل الخير

ص: 44

والغنى الواسع، وله من الآثار الجميلة الجامع والخانقاه بأراضى بستان الخشاب المطلة على النيل خارج القاهرة فيما بينها وبين مصر بجوار المنشأة، وهو أول من عمر فى أراضى بستان الخشاب، ومن آثاره أيضا هذه المدرسة البديعة الزى، وله على كل من هذه الأماكن أوقاف جليلة، ولم يزل فى نقابة الجيش إلى أن مات فى العشرين من شهر ربيع الآخر سنة تسع عشرة وسبعمائة، ودفن فى مكان بمدرسته هذه، وقبره بها إلى وقتنا هذا، ووجد له من بعده مال كثير جدا، واتفق أنه لما فرغ من بناء هذه المدرسة أحضر إليه مباشروه حساب مصروفها، فلما قدم إليه استدعى بطشت فيه ماء وغسل أوراق الحساب بأسرها من غير أن يقف على شئ منها وقال: شئ خرجنا عنه لله تعالى لا نحاسب عليه.

ولهذه المدرسة شبابيك فى جدار الجامع تشرف عليه ويتوصل من بعضها إليه، وما عمل ذلك حتى استفتى الفقهاء فيه فأفتوه بجواز فعله.

وقد تداولت أيدى نظار السوء على أوقاف طيبرس هذا فخرب أكثرها وخرب الجامع والخانقاه وبقيت هذه المدرسة عمرها الله بذكره انتهى.

وقد مر فى عبارة الجبرتى أن الأمير عبد الرحمن كتخدا جدد هذه المدرسة فيما جدده من عمائر الأزهر، وهى على يمين الداخل من باب المزينين بعد مجاوزة باب الميضأة الصغيرة، وهى مربعة تبلغ مساحتها نحو مائة وسبعة وستين مترا وستة وتسعين سنتيمترا، وفيها أربعة أعمدة من الرخام، ولها قبلة عظيمة من الرخام الملون بها عمودان من حجر السماق ومنقوش بأعلاها بالخط الجميل {قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ} ويكتنفها شباكان من النحاس الجيد الصنعة -أحدهما مطل على رواق الأكراد من الجامع -مطلان على رواق البغداديين، وفى مؤخرها بزاويتها التى عن يمين الداخل ضريح بانيها كما مر وعليه قبة صغيرة، ويكتنف الباب أيضا شباكان من النحاس يطلان على دركة باب المزينين، مكتوب بأعلاها {إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} وعلى واجهة الباب من الخارج شعائر:

*من هدى الرحمن للعبدى بشرى*

وفيها خزانة كتب صغيرة وخزن كثيرة لأمتعة بعض المجاورين، وهى عامرة بدرس العلم ومطالعته على الدوام، وغالبا يقرأ فيها أحد كبار علماء الشافعية، وميضأتها ومراحيضها التى يداخل الباب المجاور لها غير مستعملة الآن.

ومنها المدرسة الآقبغاوية، قال المقريزى أيضا: هذه المدرسة بجوار الأزهر على يسرة

ص: 45

الداخل إليه من بابه الكبير الغربى، وهى تشرف بشبابيك على الجامع مركبة فى جداره، فصارت تجاه المدرسة الطيبرسية، كان موضعها دار الأمير الكبير عز الدين أيدمر الحلى نائب السلطنة فى أيام الملك الظاهر، وميضأة للجامع، فأنشأها الأمير آقبغا وجعل بجوارها قبة ومنارة من الحجارة المنحوتة، وهى مدرسة مظلمة ليس عليها من بهجة المساجد ولا أنس بيوت العبادات شى أألبتة، وذلك أن آقبغا عبد الواحد اغتصب أرض هذه المدرسة؛ بأن أقرض ورثة أيدمر الحلى مالا وأمهل حتى تصرفوا فيه، ثم أعسفهم فى الطلب وألجأهم إلى أن أعطوه دارهم فهدمها وبنى موضعها هذه/المدرسة، وأضاف إلى اغتصاب البقعة أمثال ذلك من الظلم فبناها بأنواع من الغصب والعسف، وأخذ قطعة من سور الجامع حتى سآوى بها المدرسة الطيبرسية، وحشر لعملها الصناع من البنائين والنجارين والحجارين والمرخمين والفعلة، وقرر مع الجميع أن يعمل كل منهم فيها يوما فى كل أسبوع بغير أجرة فكان يجتمع فيها فى كل أسبوع سائر الصناع الموجودين بالقاهرة ومصر فيجدون فى العمل نهارهم كله بغير أجرة، وعليهم مملوك من مماليكه ولا هـ شد العمارة لم ير الناس أظلم منه ولا أعتى ولا أشد بأسا ولا أقسى قلبا، فلقى العمال منه مشقات لا توصف، وحمل إلى هذه العمارة سائر ما يحتاج إليه من الأمتعة وأصناف الآلات والاحتياجات من الخشب والحجر والرخام والدهان وغير ذلك من غير أن يدافع ثمنا ألبتة، بل بعضه بطريق الغصب وبعضه على سبيل الخيانة من عمائر السلطان؛ فإنه كان شادا عليها، وذلك غير الضرب الأليم الذى ينال العمال عند نزوله إلى هذه العمارة، ولما فرغ بناؤها جمع فيها سائر الفقهاء والقضاة، وكان نقيب الأشراف ومحتسب القاهرة شرف الدين على بن شهاب الدين الحسين يؤمل أن يكون مدرسها فعمل بسطا على قياسها بلغ ثمنها ستة آلاف درهم فضة ففرشت هناك، ولما تكامل حضور الناس بها قال الأمير آقبغا: لا أولى فى هذه الأيام أحدا فتفرق الناس، ثم قرر فيها درسا للشافعية ودرسا للحنفية ولم يقرر ذلك النقيب، وجعل فيها عدة من الصوفية وطائفة من القراء وإماما راتبا ومؤذنا وفراشين وقومة ومباشرين، وجعل النظر للقاضى الشافعى وشرط فى كتاب وقفه أن لا يلى النظر أحد من ذريته، و وقف على ذلك حوانيت خارج باب زويلة بخط تحت الربع وقرية بالوجه القبلى، وهذه المدرسة عامرة إلى اليوم إلا أنه تعطل منها الميضأة وأضيفت إلى ميضأة الجامع لتغلب بعض الأمراء بمواطأة بعض النظار على بئر الساقية التى كانت برسمها، وقد أفرد موضعا منها وجعله خانقاه وجعل فيه طائفة يحضرون وظيفة التصوف، وأقام لهم شيخا وأفرد لهم وقفا يختص بهم وله أيضا خانقاه بالقرافة.

ص: 46

‌ترجمة آقبغا:

آقبغا عبد الواحد الأمير علاء الدين، أحضره إلى القاهرة التاجر عبد الواحد بن بدال، فاشتراه منه الملك الناصر محمد بن قلاوون ولقبه باسم تاجره الذى أحضره، فحظى عنده وعمله شاد العمائر، فنهض فيها نهضة أعجب منه السلطان وعظمه حتى عمله أستادارا بعد الأمير مغلطاى الجمالى فى المحرم سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، و ولا هـ مقدم المماليك فصار جميع من فى بيت السلطان يخافه.

ولما تولى الملك المنصور أبو بكر بن الملك الناصر قبض عليه فى يوم الاثنين سلخ المحرم سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، وأمسك بولديه وأحيط بماله وسائر أملاكه، وبيع موجوده من الخيل والجمال والجوارى والقماش والأسلحة والأوانى فظهر له شئ عظيم إلى الغاية، من ذلك أنه بيع بقلعة الجبل -وبها كانت تعمل حلقات مبيعه -سراويل امرأته بمبلغ مائتى ألف درهم فضة منها نحو عشرة آلاف دينار ذهب، وقبقاب وسرموزة وخف نسائى بمبلغ خمسة وسبعين ألف درهم فضة، وبدلة مقانع بمائة ألف درهم.

وبعد أن ذكر المقريزى سبب القبض عليه قال: إنه أخرج من السجن بعد خلع الملك المنصور، وجعل من أمراء الدولة بالشام فسار إليها ومعه عياله، فأقام بها إلى أن كانت فتنة الملك الناصر أحمد بن محمد بن قلاوون وعصيانه بالكرك على أخيه الملك الصالح عماد الدين، فاتاهم آقبغا بأنه بعث مملوكا من مماليكه إلى الكرك يبشر الناصر أحمد بدخول أمراء الشام فى طاعته، فوصل الخبر إلى الملك الصالح فرسم بحمل آقبغا إليه مقيدا، فحمل من دمشق إلى الإسكندرية وقتل بها فى آخر سنة أربع وأربعين وسبعمائة انتهى باختصار من المدارس والخوانق. ولهذه المدرسة ثلاث أبواب: أحدها يوصل إلى صحن الجامع بعد المرور فى رواق الفيومية، والثانى إلى دركة باب المزينين، والثالث إلى الزقاق الموصل إلى ميضأة الجامع الكبيرة، وتحتوى على ستة عشر عمودا وفيها محراب جليل من الرخام الجيد، وفيها مدفن أعده بانيها لدفنه وعليه قبة مزخرفة بالرخام الرفيع والصدف، وبداخلها محراب نفيس ملون بالذهب بجواره شباكان، وبها عمودان عليهما ماء الذهب، وفى أعلى القبة نقوش فيها آيات قرآنية وعلى بابها مكتوب:

(بسم الله الرحمن الرحيم) أمر بإنشاء هذه القبة المباركة الفقير إلى الله تعالى المولوى الأمير السيفى آقبغا الواحدى المالكى الناصارى وكان الفراغ منها فى المحرم سنة أربعين وسبعمائة، وعليها كتابة أخرى فى دائرها، وقد أجرى فيها الخديوى إسماعيل باشا عمارة رمم بها ما تشعث منها وصرف عليها من طرف أوقافها وذلك قبيل سنة تسعين.

‌المدرسة الجوهرية

ومن مدارسه المدرسة المعروفة بالجوهرية عند بابه الصغير تجاه زاوية العميان بالقرب منها، وهى/صغيرة ليس بها عمد، وتشتمل على إيوانين متقابلين والممر بينهما مفروش بالرخام

ص: 47

الملون وبها قبلة صغيرة وعلى دائرها منقوش فى الحجر:* (بسم الله الرحمن الرحيم

{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} إلى آخر الآية، وبأعلاها خلوتان، وفيها خزن ودواليب لبعض المجاورين، ويجلس بها بعض المؤدبين لتعليم الأطفال، وبداخلها مدفن منشئها جوهر القنقبائى.

‌ترجمة جوهر القنقبائى:

قال السخاوى فى كتابه الضوء اللامع لأهل القرن التاسع: جوهر القنقبائى نسبة لقنقباى الجركسى الطواشى الحبشى الخازندار الزمام بالباب السلطانى، أنشأ هذه المدرسة عند باب السر لجامع الأزهر من الجهة البحرية، وفتح لها شباكا فى جدار الجامع، وأفتاه بذلك جماعة وامتنع العينى من الفتوى وحط عليه فى تاريخه، وكان بناؤه لها فى أواخر عمره، ولما قرب فراغها مات فدفن بها وذلك فى ليلة الاثنين مستهل شعبان سنة أربع وأربعين وثمانمائة آخر يوم من كيهك وقد جاوز السبعين، وسبب موته أنه حصل له فى موضع مباله دمل حصل عنه الإراقة، ثم فتح فتألم شديدا وكوّن فى موضع آخر فأقام بذلك نحو شهرين ثم مات.

ومن مآثره الدار التى بدرب الأتراك بالقرب من جامع الأزهر، ومن أمره أنه بعد موت سيده خدم عند العلم بن الكويز فسار عنده سيرة حسنة؛ لأنه كان يحب أهل القرآن ويدرسه ويقرب أهله ويتدين ويتعفف فعظم بذلك قدره عنده، وبعد موته اتصل بالأشرف بواسطة سميه جوهر اللالى فاستخدمه فى باب السلطان وقربه بعقله وسكونه وتدينه، ثم استقربه فى الخازندارية عوضا عن خشقدم لانتقاله للزمامية فباشرها مباشرة حسنة، وتزاحم الناس على بابه وصار يقضى حاجة من ينتمى إليه، ويتقرب من السلطان بتحصيل الأموال من وجوه أكثرها لا يحل ويظهر التبرى والإنكار، وهو السبب الأعظم فى ضرر التجار ورخص بضائعهم وبقوا على البلاء نحو عشر سنين، وبعد الأشرف أضيفت إليه وظيفة الزمام عوضا عن فيروز الجركسى بمسافرة خوند البارزية، وكان له قريب من الحبوش فأسكنه فى دير عند بساتين الوزير فعمره وصار هو ومن معه يتظاهرون بجاهه بمالا يليق فالله أعلم بسريرته، وقد نزل له الكمال البارزى عن قضاء دمياط حين سافر لقضاء دمشق فاستقر فيه وصار يستأجر الأوقاف بالنزر اليسير، وكان يستأجر القرية بخمسين دينارا وهى تغل أزيد من مائة، ويصرف أجرتها على حساب صرف الدينار بأحد عشر درهما وربع درهم وزنا وهو يساوى أربعة عشر درهما وربعا، ثم يبيع عليهم بذلك عسلا بثلاثين درهما وهو يساوى عشرين ونحوها، ومن خالفه فى شئ لا يأمن على نفسه ولا ماله، وفى بعض الأحيان يمتنع من صرف الأجرة

ص: 48

أصلا ويقول فى الأرض المصرية إنها شرقت، وفى الأرض الشامية إنها أمحلت من المطر، وكانت علامته فى مراسيمه الداعى جوهر الحنفى، وقد وجد باسمه بعد موته نحو خمسين ما بين رزق وأقطاع ومستأجرات، وهو مع ذلك يواظب على الصلاة والتلاوة ويتصدق على فقراء الحرمين بجمل من المال انتهى.

وأما زاوية العميان: فهى بخارج المدرسة الجوهرية فى الجانب الثانى من الحارة، بينهما ممر من الحجر يمشى عليه المتوضئون من ميضأتها، وهى كما فى تاريخ الجبرتى من إنشاء المرحوم عثمان كتخدا القازدغلى تابع حسن جاويش القازدغلى والد عبد الرحمن كتخدا صاحب العمائر الكثيرة، وذلك أنه كان قد تقلد الكتخدائية واشتهر ذكره، ولما وقع الفصل فى سنة ثمان وأربعين ومائة وألف ومات الكثير من أعيان مصر وأمرائها غنم أموالا كثيرة من المصالحات والتركات، وعمر عدة عمائر منها هذه الزاوية بالأزهر ورحبة رواق الأتراك والرواق أيضا ورواق السليمانية، ورتب لذلك مرتبات من وقفه، وجعل مملوكه الجوخدار ناظرا عليها وألبسه الضلمة انتهى.

وهذه الزاوية تحتوى على أربعة أعمدة من الرخام ولها قبلة وميضأة وثلاثة عشر مرحاضا، وفوقها ثلاث أود للعميان ولا يسكنها غيرهم ولهم شيخ منهم وجراية تصرف عليهم.

‌اروقته وحاراته:

يشتمل الأزهر على عدة أروقة وحارات لطوائف الخلق المجاورين به، كل طائفة تختص بجهة يقيمون بها بأمتعتهم وتصرف عليهم فيها الجرايات والمرتبات، ولكل طائفة دفتر تحت يد نقيبهم وشيخ يحكم فيهم ويدافع عنهم ويخاطب فى شأنهم من طرف شيخ العموم أو من طرف مشايخ المذاهب كشيخ السادة المالكية مثلا، فإن لكل مذهب شيخا غالبا، ولكل طائفة أوقاف من عقارات وخلافها يصرف عليهم من ريعها بشروط يقررها الواقف واصطلاحات معروفة بينهم، وذلك غير الأوقاف العمومية لكافة أهل الأزهر.

‌رواق الصعايدة:

هذا الرواق أشهر أروقة الأزهر وأكثرها أهلا وأوقافا وأوسعها دفترا؛ فإن دفتره يجمع /أكثر من ألف نفس من العلماء والمجاورين،

(1)

ابتداء من مدينة منية ابن خصيب فى بحرى إلى فوق مدينة أسوان بالصعيد الأعلى

(1)

، ومع كثرة أهله فلا يسكنه إلا القليل من فقرائهم،

(1 - 1)) الجملة فى الأصل: (من ابتداء فى بحرى مدينة منية ابن خصيب الى فوق مدينة أسوان بالصعيد الأعلى).

ص: 49

وباقيهم يسكن البيوت والوكائل بالقاهرة وبولاق وغيرهما، وهذا الرواق عن يمين الداخل من باب الصعائدة فى الدركة التى بين البابين يصعد إليه بنحو عشرين سلما، وتحت سلاليمه خلوة صغيرة تفرق فيها جراياته، وهو يحتوى على إيوان متسع بوسطه عمود من الرخام وبداخل الإيوان إيوان صغير بداخله خزانة فيها كثير من الكتب الموقوفة على عموم الطالبين ولها قيم يعير منها للمجاورين والمدرسين، وبدائر الإيوان دواليب وخزن لوضع أمتعتهم، وفى خارجه مطبخ وحنفية وأخلية ينزل إليها بدرج، وفوق المطبخ خلوة صغيرة برسم المؤذنين بالمنارة المجاورة له، وتحت الرواق صهريج كبير موقوف على عموم منافع الأزهر، وبجوار شباكه المطل على الدركة بزابيز يشرب منها المجاورون وخلافهم. وقد مر أن هذا الرواق وجميع جهته من إنشاء الأمير عبد الرحمن كتخدا مع ما أنشأ من العمائر غير ذلك، وقد وقف عليه أوقافا. ثم اقتفى أثره جماعة من أهل الخير فوقفوا عليه أوقافا من رباع وخلافها ورتبوا له جرايات يومية ومرتبات سنوية، فمن مرتبات الأمير عبد الرحمن كتخدا المذكور الجراية المعروفة بالجراية الكبيرة وهى رغيفان كل يوم لعدد مخصوص من المدرسين والطلبة من المكتوبين فى الدفتر الأول فالأول، فإذا غاب أحدهم أو مات دخل بدله من المنتظرين الواقفين على الباب الأول فالأول، ومن شرطه أن لا يأخذها إلا المشتغل بالعلم حضورا أو تدريسا من خصوص الصعايدة، حتى لو ولد بمصر لبعض المستحقين ولد اشتغل بالعلم بالأزهر لا يستحق منها لأنه ليس بصعيدى، وإذا سافر أحدهم ولم يترك أهله بمصر سقط حقه بمجرد سفره ومنها جرايته المرتبة لقراءة الربعة، ومن مرتبات نقيب أشراف الديار المصرية السيد عمر مكرم جراية تصرف لمن بعد المستحقين للجراية الكبرى كل واحد نصف رغيف كل يوم، وفى كثير من السنين تتعطل لعدم رواج أوقافها.

ومن مرتباته الجراية التى وقفها الأمير الحاج محمد باشا أبو سلطان أكبر أمراء بلاد منية ابن خصيب المترجم عند الكلام على بلدته زاوية الأموات فى جنوب المنية، وهى ثلاثمائة وعشرون رغيفا كل يوم يصرف منها لمائة واثنين من الطلبة لكل طالب رغيفان، ويصرف لستة وعشرين من المدرسين لكل واحد ثلاثة أرغفة، وللناظر الحسبى وهو شيخ الجامع كل يوم عشرون رغيفا، ولشيخ الرواق سبعة أرغفة، وللنقيب المتولى تفرقتها كل يوم أربعة أرغفة.

وقد وقف على ذلك مائة وخمسين فدانا من أحسن أطيانه بمديرية المنية وجعل النظر فيها لنفسه مدة حياته، ومن بعده لذريته الذكور، ومن بعدهم لناظر الأوقاف المصرية العمومية، وقرر فى الوقفية أنه إذا زاد الريع عن كفاية الجراية يخزن الزائد

ص: 50

إلى السنة القابلة لخوف طروّ مانع لإيرادها، وبعد ذلك يشترى منه أطيان توقف على هذه الجهة وهكذا، وشرط أن لا يستحق الجراية إلا من كان يحضر درسين أو كان يتعلم القرآن فى المكتب فى سن التعليم، وأن من سافر ولو بأهله يغتفر له شهر واحد إن كان سفره فى أيام العمالة، وأربعة أشهر إن كان فى أيام البطالة رجب وشعبان ورمضان مع شهر قبلها أو بعدها.

ثم إن تحت نظر شيخ الرواق جملة من أوقافه الرباع والحوانيت يتصرف فيها بالنيابة عنهم بالإصلاح والتعمير واستيفاء الأجر، وكلما تجمد عنده شئ من الريع بعد الترميمات اللازمة يصرفه على كل من كان بدفتره من مدرس وطالب على السوية، ولا يتولى وظيفة المشيخة عليهم إلا واحد من أكبر مدرسيهم، وقد استقرت من عدة أجيال فى المشايخ العدوية لكثرة العلماء به من ناحية بنى عدى من زمن شيخ المشايخ الشيخ على الصعيدى العدوى إلى الآن، بل الشائع أن الشيخ عليا العدوى المذكور هو السبب فى إجراء هذا الخير العظيم العميم على يد الأمير الكتخدا المذكور، حتى إنه لحبه للصعايدة من أجل الشيخ العدوى جعل مدفنه بجوار هذا الرواق، فإن ضريحه عليه سحائب الرحمة عن يمين الخارج من المقصورة الجديدة إلى خارج باب الصعائدة ويصعد إليه بنحو أربع درج وهو محل جليل عليه قبة مرتفعة، وعلى القبر تركيبة من الرخام منقوش فيها أسماء العشرة المبشرين بالجنة هكذا: أبو بكر الصديق ابن أبى قحافة، عمر بن الخطاب العدوى، عثمان بن عفان الأموى، على بن أبى طالب الهاشمى، طلحة بن عبيد الله التيمى، سعد بن أبى وقاص الزهرى، سعيد بن زيد العدوى، عبد الرحمن بن عوف الزهرى، أبو عبيدة عامر بن الجراح الفهرى، الزبير ابن العوام الأسدى، رضى الله تعالى عنهم وعن بقية الصحابة والقرابة أجمعين، /وعليها أيضا من الجانب الشرقى أن عليا كرم الله وجهه كان إذا وصف النبى صلى الله عليه وسلم قال: لم يكن بالطويل الممغط ولا بالقصير المتردد وكان ربعة من القوم ولم يكن بالجعد القطط إلى أن قال: وإذا التفت التفت معا، بين كتفيه خاتم النبوة وهو خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، أجود الناس صدرا

إلى أن قال: وأكرمهم عشيرة لم أر قبله ولا بعده مثله.

وعلى الجهة القبلية شعر:

بروض نعيم فاز كهف مكرم

وحاز بفضل الخير جنات رضوان

هنيئا له فالحور فى الخلد أرخت

لقد فاق فى الفردوس عبد لرحمن

134 181 90 381 76 328 - 1190

ص: 51

وعليها أيضا أسماء أهل الكهف وكتابات أخر، وقد اتخذ أكابر الأزهر هذا المدفن مجلسا يجتمعون فيه عند المشورة فى المهمات.

‌رواق الحرمين:

هذا الرواق بداخل باب المقصورة الجديدة يقرب منه عن يمين الذاهب إلى المنبر، وهو صغير يحتوى على قاعة سفلية وثلاث أود علوية، وله مرتب وجراية كل يومين اثنا عشر رغيفا وربع رغيف، ويسكنه مجاور وأهل الحجاز مكة والمدينة والطائف ونحوها، وشيخه الشيخ محمد عبد الله الطائفى، وأهله قليلون لاكتفائهم بالمجاورة بالحرمين الشريفين.

‌رواق الدكارنة الغورية:

هذا الرواق فى طرف المقصورة الجديدة فوق الإيوان عن شمال الداخل من باب الصعائدة، وهو أرضى يحتوى على محل واحد متسع، وفوقه بعض من رواق الشوام وأهله قليلون وله مرتبات وجراية كل يومين ثلاثة وثلاثون رغيفا، وشيخه الشيخ حسن عبد الرحمن الدكرورى.

‌رواق الشوام:

هذا الرواق عن يمين الداخل من باب الشوام، بابه فى المقصورة القديمة، ويقال إنه من إنشاء السلطان قايتباى، ثم زاد فيه الأمير عثمان كتخدا، ثم الأمير عبد الرحمن كتخدا حتى صار أكبر من رواق الصعايدة، مشتملا على إيوانين مبلطين متسعين، وبأعلاه مساكن نحو الثلاثين، وقد وقف عليه كل منهما أوقافا جارية عليه إلى الآن، ويسكنه أكثر من يجاور من بر الشام، وبه خزانة كتب لها قيم يغير منها لعموم المجاورين بعد كفاية أهل الرواق، وفيه بئر وحنفية وأخلية ومطبخ، وأهله كثيرون من جميع بر الشام، وله أوقاف وجاب وكاتب وبواب وسقاء، وشيخه الشيخ عبد القادر الرافعى الطرابلسى الحنفى أحد مدرسى الأزهر وأحد قضاة المحكمة الكبرى، ولهم مرتب من النقود والجراية كل يومين ثمانمائة وستة وخمسون رغيفا.

‌رواق الجاوة:

هو رواق صغير بين رواق السليمانية ورواق الشوام، وأهله قليلون، وله جراية كل يومين أحد عشر رغيفا، وشيخه الشيخ إسماعيل محمد الجاوى، وبه خزانة كتب.

‌رواق السليمانية:

هو بين باب الشوام ورواق الجاوة، به خمسة مساكن وخزانة كتب كبيرة لها قيم،

ص: 52

وشيخه يسمى الشيخ جان محمد الأغوانى، وأهله قليلون، ومرتبهم من الجراية كل يومين أربعون رغيفا.

‌رواق المغاربة:

هذا الرواق بالجانب الغربى من صحن الجامع على يمنة الداخل من باب المغاربة، مكتوب على بابه: أمر بتجديده مولانا وسيدنا السلطان الملك الأشرف قايتباى على يد الخواجا مصطفى ابن الخواجا محمود غفر الله لهما، وله باب آخر على الصحن، ويحتوى على خمس عشرة بائكة قائمة على أعمدة من رخام أبيض، وفيه مساكن علوية وكتبخانة كبيرة يغير منها لعموم المجاورين بعد استيفاء أهل الرواق، وفيه مطبخ وبئر وحنفية وأخلية وله بواب وجاب وكاتب ولا يستحق مرتباته وجراياته إلا من كان مالكى المذهب، وشيخه الشيخ أحمد عبد السلام المنصورى المغربى ومرتبه كل يومين ثمانمائة واثنان وستون رغيفا، وأهله كثيرون من طرابلس وتونس إلى المغرب الجوانى.

‌رواق السنارية:

هذا الرواق عن يمين الداخل من باب المغاربة قبل باب رواق الأتراك ويحتوى على مساكن علوية، وهو من إنشاء العزيز محمد على باشا بناء على طلب الشيخ محمد على وداعة السنارى شيخ الرواق الآن، وكان أصله ربعا فاشتراه العزيز محمد على وبناه رواقا وجعل بأسفله حانوتين وقفا عليه ورتب له ثمانين رغيفا كل يوم.

‌رواق الأتراك:

هذا الرواق عن يسرة الداخل من باب المغاربة وعلى يمنة الداخل من باب المزينين، وله باب مسامت لباب رواق المغاربة وباب على صحن الجامع، ويقال إنه من إنشاء السلطان قايتباى، وقد مر عن الجبرتى أنه بناه الأمير عثمان كتخدا القازد غلى وبنى الرحبة المسقوفة التى أمامه، فلعله رممه وأنشأ فيه زيادات، وهو يحتوى على ستة عشر عمودا من الرخام واثنى عشر مسكنا علوية، وفيه خزانة كتب عظيمة جامعة، وبه مطبخ وبئر وحنفية وأخلية، وله مرتبات كثيرة منها جراية كل يومين مائتان وستة/وخمسون رغيفا ونقود يستوفونها من الروزنامجة، وإيراد أوقافه يستحقها كل مجاور من بلاد الترك ولو كان عتيقا، وله بواب ونقيب وسقاء يملأ من البئر لحنفياته وجاب للإيراد وكاتب.

وهو محل نظيف دائما معتنى به، وأهله كثيرون ولهم دفتر يجمعهم، وشيخهم الشيخ راشد أفندى أحد مدرسى الأزهر وأصله مملوك العزيز محمد على، وهو الآن نائب ثان فى المحكمة الكبرى مع وظيفة المشيخة، وقد ضربه بعض الطلبة بسكينة فقطع بعض أصابعه

ص: 53

من أجل مرتب الجراية وذلك سنة 1293، وذلك أن هذا الطالب كان سئ الخلق وحصلت منه نوادر أمسكت عليه وزجر مرارا فلم ينزجر، فقطعت جرايته تأديبا له حتى تاب فأعيدت له ثانيا، ثم حصلت منه أمور أقبح منها مرارا فاقتضت المصلحة قطع جرايته رأسا، فاغتاظ غيظا شديدا وحمله سوء خلقه على أن قعد له فى الطريق صباحا والشيخ خارج من بيته بقصر الشوك ذاهبا إلى درسه بالأزهر، وضربه على رأسه فقطع العمامة ونزلت على يده فقطع إصبع يده اليمنى وأتلف السبابة، وفر هاربا حتى قبض عليه بالإسكندرية، وأخذ إلى مصر وسجن مدة ثم حكم عليه بالإقامة بليمان إسكندرية مدة سنوات ثم ينفى إلى بلاده.

‌رواق البرنية:

هو فى زاوية الرحبة المسقوفة خارج باب الأتراك بين رواق الأتراك ورواق اليمنية.

وهو محل صغير أرضى كأنه جزء من رواق الأتراك، ولضيقه جعل به دكتان يسكنان، إحداهما داخله والأخرى خارجه، وجرايته كل يومين أربعة وعشرون رغيفا، وشيخه الشيخ آدم محمد البرناوى.

‌رواق الجبرتية:

هو فى داخل رواق البرنية وأوسع منه، وبه دكة ودواليب، وأهله قليلون وظهر منهم علماء جهابذة، منهم الشيخ حسن الجبرتى المترجم فى الكلام على ناحية آيه، ومرتبه كل يومين أحد وخمسون رغيفا، وشيخه الشيخ أحمد بن محمد الجبرتى.

‌رواق اليمنية:

هو بجوار رواق البرنية له باب على الرحبة المذكورة، وهو أرضى صغير وفيه دواليب وخزن مكتوب على بعضها: بسم الله الرحمن الرحيم وقف هذه الخزانة الفقير إلى الله تعالى الخواجا مصطفى أفندى بن الخواجا محمود، على المجاورين اليمنية بالجامع الأزهر، وله جراية كل يومين أربعة وثلاثون رغيفا، وشيخه الشيخ أحمد باعلور اليمنى.

‌رواق الأكراد:

هذا الرواق عن يمين الداخل من باب المزينين بجوار رواق اليمنية، فى أسفله خزن ودواليب وبأعلاه مساكن ويطل عليه شباك الطيبرسية، وله جراية كل يوم خمسة وستون رغيفا وشيخه الشيخ عبد الله الكردى.

ص: 54

‌رواق الهنود:

هذا الرواق عن يمين الداخل من باب المزينين بينه وبين باب الطيبرسية، به مسكن أرضى وفوقه أربعة مساكن علوية مختصة بالمجاورين الهنود، والمسكن الأرضى مختص بالمجاورين الفشنية، وكان يعرف برواق الونائية نسبة لأهل وناء البلدة المشهورة فى أعمال الفشن، ويقال إنه أنشأه بعض الأمراء للشيخ الونائى المشهور المترجم فى الكلام على ناحية وناء وبجواره مطهرة المدرسة الطيبرسية مهجورة الآن، وأهله قليلون، ومرتبهم كل يومين ثلاثون رغيفا وشيخهم الشيخ مصطفى إمام الهندى.

‌رواق البغدادية:

هو بأعلى رواق الهنود، يشتمل على مسكنين ومطبخ وبيت خلاء، وأهله قليلون، وشيخه الشيخ عيسى البصرى، ومرتبه كل يومين ثلاثون رغيفا أيضا.

‌رواق البحيرة:

هو رواق صغير عن شمال الداخل من باب المزينين بابه إلى الصحن، وأصله بائكة من بوائك الصحن التى كانت فى دوائره على العمد الرخام الموجودة إلى الآن فى وسط الحيطان، فاقتطع بالبناء وجعل رواقا، ومثله فى ذلك رواق الأكراد ورواق اليمنية، وفيه خزن ودواليب، وشيخه الشيخ محمد بن شيخ المالكية سابقا الشيخ حبيش، ومرتبه كل يومين مائة رغيف وثلاثة وثلاثون رغيفا.

‌رواق الفيومية:

هو بين هذا الرواق ورواق الشنوانية فى الزاوية الشرقية من الصحن وبين الصحن والآقبغاوية، وبابه إلى الصحن ومنه يتوصل إلى الآقبغاوية، وأصله من بوائك الصحن، وفيه خزن ودواليب كثيرة وبه خزانة كتب، وشيخه الشيخ أحمد رفاعى الفيومى المالكى أحد مدرسى الأزهر، ولأهله مرتب كل يومين أربعمائة وعشرون رغيفا.

‌رواق الآقبغاوية:

هذا الرواق بمدرسة الآقبغاوية وله باب على رواق الفيومية، وشيخه الشيخ سليم سليم مطر البشرى أحد مدرسى الأزهر ووكيل شيخ صندوق المشهد الزينبى، ومرتبه من الجراية كل يومين مائة وثمانية وثلاثون رغيفا.

ص: 55

‌رواق الشنوانية:

ويعرف أيضا برواق الأجاهرة ورواق الواطية، وهو فى الزاوية المذكورة أيضا بجوار رواق الفيومية، وفيه دواليب للمجاورين ولكل طائفة من أهله جهة وشيخ.

‌رواق الحنفية:

هذا الرواق خلف رواق الفشنية والشنوانية/والفيومية بين مرافق الميضأة الكبرى وساقية الآقبغاوية، وبابه إلى الصحن يدخل منه فى سرداب ضيق طويل، وذلك السرداب أصله من رواق الفشنية أخذ منه بعوض، والذى أنشأ هذا الرواق الأمير المفخم راتب باشا الكبير، وكان موضعه بيوتا مملوكة لأربابها فاشتراها المرحوم الحاج عباس باشا حين كان والى مصر، وهدمها وأسسها ليبنيها رواقا لأهل بلد الشيخ البيجورى شيخ الجامع الأزهر فى وقته، ثم مات ولم يتمه، فمكث زمنا طويلا ثم أكمله راتب باشا المذكور من ماله وجعله رواقا للحنفية، وهو متسع وفيه أربعة أعمدة من الرخام وبه دواليب كثيرة لمنافع المجاورين، وبأعلاه ثلاث عشرة أودة للمتقدمين من المجاورين المكتوبين بدفتره، وبه خزانة كتب جامعة لها قيم يغير منها لعموم المجاورين بعد استيفاء أهل الرواق، وكان له باب ينفذ إلى الميضأة فسد وجعل فيه حنفية للوضوء وجعل له مجرى يجلب إليها الماء من مصانع الجامع.

وقد رتب له منشئه جراية كل يوم، وزيتا ونقودا كل شهر، وخصصه بمائة وعشرين من السادة الحنفية غير النقيب والبواب، وشرط أن يكون الجميع من القطر المصرى، وجعلهم أربع درجات كل درجة ثلاثون، ولكل واحد من الأولى خمسة أرغفة فى اليوم وعشرة قروش ميرية فى الشهر، ولكل واحد من الثانية أربعة أرغفة فى اليوم وثمانية قروش فى الشهر، ولكل واحد من الثالثة ثلاثة أرغفة فى اليوم وستة قروش فى الشهر، والدرجة الرابعة يقرؤون الربعة كل يوم ولكل واحد رغيفان فى اليوم وأربعة قروش فى الشهر، وذلك غير ما يكفى الرواق من الزيت، فإذا مات أحد من أهل درجة أو غاب غيبة انقطاع فإنه يدخل مكانه من كان فى أول قائمة الدرجة التى تليها، ويدخل بدله من التى تحتها وهكذا. وقد جعل النظر فيه لمفتى الحنفية، ووقف عليه أرضا جيدة من أحسن أطيانه، وحرر حجة الوقفية اللازمة وبين فيها ما اشترطه فى ذلك.

‌رواق الفشنية:

هذا الرواق بين باب رواق الحنفية وباب الميضأة وبابه إلى الصحن، وبداخله حارة خزن يقال لها حارة الزهار يسكنها بعض أهل المنوفية ولها شيخ يخصها، وبعض هذا الرواق

ص: 56

من بوائك الصحن وبه أربعة أعمدة من أعمدة البوائك غير العمد الداخلة فى حائطه، وبه دواليب لمنافع المجاورين، وشيخه الشيخ أحمد بن الشيخ عبد الجواد القايانى المترجم فى بلدته، ثم صار شيخا عليه الآن الشيخ محمد معتوق الفشنى، وأهله كثيرون، ومرتبه كل يومين ثلاثة وثمانون رغيفا ثم زاد مرتبه سلطان باشا.

‌رواق ابن معمر:

هذا الرواق عن يمين الداخل إلى الميضأة. وبعضه من بوائك الصحن وعمده ثمانية، وهو رواق مشهور لكثرة من ينتمى إليه بسبب أنه لا يخص جهة بخلاف غيره من الأروقة، وله مرتبات، وبابه إلى الصحن، وشيخه الشيخ حسن القويسنى بن الشيخ القويسنى المشهور المترجم ببلدته، ثم لما توفى صار شيخا عليه ولده الشيخ أحمد القويسنى، ومرتبه كل يومين أربعمائة وثلاثون رغيفا.

‌رواق البرابرة:

هذا الرواق عن شمال الداخل من باب المقصورة الشرقى، وهو مجرد خزن ودواليب، يسكنه مجاور والبربر وهم يزيدون الآن عن الأربعين، وشيخهم الشيخ محمد نور البربرى، ومرتبه كل يومين أحد عشر رغيفا وربع رغيف.

‌رواق دكارنة صليح:

هذا الرواق بجوار رواق الشرقاوية، وهو أيضا مجرد خزن ودواليب، ولهم جراية كل يومين سبعة عشر رغيفا وربع رغيف، وشيخه الشيخ جمعة عبد الرحمن الصليحى.

‌رواق الشرقاوية:

هذا الرواق فى النهاية البحرية من المقصورة القديمة، أنشأه الأمير إبراهيم بيك الوالى بسبب الشيخ الشرقاوى، فإن فى الجبرتى من حوادث سنة عشرين ومائتين وألف أن الشيخ عبد الله الشرقاوى شيخ الجامع الأزهر أنشأ بالجامع الأزهر الرواق الخاص بطائفة الشرقاويين، وكانوا أولا يقطنون بمدرسة الطيبرسية، وكان لهم خزائن برواق معمر، فوقع بينهم وبين المجاورين الذين بالطيبرسية مشاجرة وضربوا نقيب الرواق، فمنعهم الشيخ إبراهيم السجينى شيخ الرواق من الطيبرسية وخزائنها فاغتاظ الشيخ الشرقاوى وتوسط بامرأة عمياء فقيهة تحضر عنده فى درسه إلى عديلة هانم ابنة إبراهيم بيك الكبير، فكلمت زوجها إبراهيم بيك المعروف بالوالى بأن يبنى له مكانا خاصا بطائفته فأجابه إلى ذلك، وأخذ سكنا

ص: 57

أمام الجامع المجاور لمدرسة الجوهرية من غير ثمن وأضاف إليه قطعة أخرى، وأنشأ ذلك رواقا خاصا بهم ونقل إليه الأحجار والعمود الرخام الذى بوسطه من جامع الملك الظاهر بيبرس الذى خارج الحسينية، وكان تحت نظر الشيخ إبراهيم السجينى ليكون ذلك نكاية له نظير تعصبه عليه، وعمل به قوائم وخزائن واشترى له غلالا من جرايات الأشوان وأضافها إلى أخباز الجامع، وأدخلها فى دفتره يستلمها خباز الجامع ويصرفها/خبزا لأهل ذلك الرواق فى كل يوم، ووزعها على الأنفار الذين اختارهم من أهل بلاده انتهى. ودفتر هذا الرواق جامع لكثير من مجاورى بلاد الشرقية ولا يسكنه إلا القليل من فقرائهم كرواق الصعائدة، وجرايته كل يومين ثلاثمائة وخمسة وأربعون رغيفا، وشيخه الشيخ أحمد الغربى، ثم لما توفى جعل شيخا عليه الآن الشيخ إبراهيم الظواهرى الشرقاوى.

‌رواق الحنابلة:

هذا الرواق بجوار زاوية العميان من إنشاء المرحوم عثمان كتخدا منشئ زاوية العميان، بل هو فى الأصل قطعة من زاوية العميان، وهو يحتوى على ثلاثة مساكن علوية جددها الأمير راتب باشا الكبير، وأهل هذا الرواق الآن نحو ثلاثين تلميذا. وشيخهم الشيخ يوسف النابلسى الشامى تلقى مذهب ابن حنبل فى مدرسة بلدته، وقد أجرى عليهم راتب باشا مرتبات وجراية كل يومين مائة وعشرين رغيفا مرتبات جارية إلى الآن.

وأما حارات الأزهر فهى عبارة عن جهات بها الخزن والدواليب موضوعة فى نهاية المقصورة القديمة وخلافها، فتجد بعض طوائف المجاورين لهم خزن فى جهات مخصوصة تعرف بهم ويسمونها حارة كذا، وهى حارة البشابشة بظهر رواق المغاربة، وحارة السليمانية على يمنة داخل باب الشوام، وحارة الدكة بظهر القبلة القديمة، وحارة الممشى بالطرقة الموصلة من باب الجوهرية إلى باب الشربة، وحارة النفراوية بجوار رواق دكارنة صليح، وحارة البجيرمية بجوار حارة النفراوية، وحارة العفيفى بين أبواب المقصورة، وحارة الزرقانية بجوارها، ولكل حارة شيخ.

‌مطاهره ومصانعه ومراحيضه:

للأزهر ثلاث ميضآت:

الميضأة الكبيرة: عن شمال الداخل من باب المزينين. بابها فى وسط الصحن بين رواق معمر ورواق الفشنية، وهى متسعة يبلغ طولها نحو عشرة أمتار وعرضها نحو خمسة، وفى وسطها فوارة كبيرة تمتلئ منها، وعليها سقف من الخشب المتين قائم على ثمانية عمد، وعن

ص: 58

يمين الداخل إليها المغاطس التى يغتسل فيها أرباب الأحداث وغيرهم، وهى ستة مصانع أكبر من مصانع الحمامات، ويكتنف الميضأة من ثلاث جهاتها أربعة وثلاثون مرجاضا لجميعها أبواب من الخشب، وللميضأة ولواحقها مجار توصل إليها الماء من المصنع الكبير الذى بجوار الساقية، ولها خدمة لا يفترون عن تنظيفها بالغسل والمسح، وزجر الصبيان ومن لا يفرق بين محل الطهارة والنجاسة لما هناك من الازدحام المستمر ليلا ونهارا حتى يقال إنها ما دامت مفتوحة مملوءة لا تخلو عن متوضئ، ولتصريف الفضلات مجرى واسع مبنى تحت الأرض يمتد إلى خارج الحسينية.

الثانية ميضأة زاوية العميان: وهى ميضأة متوسطة وحولها مرتفقات ثلاثة عشر، وهى أيضا مزدحمة لعدم كفاية مرافق الميضأة الكبيرة، ولها ممشى من الحجر متصل بباب الجوهرية.

الثالثة ميضأة الطيبرسية: عن يمين الداخل من باب المزينين، وهى غير مستعملة وحولها عدة مراحيض ليس فيها ماء لهجر ساقيتها، وفى رواق الأتراك مرتفقات وحنفيات تملأ من بئر هناك ويتوضأ منها أهل الرواق وغيرهم، وكذلك فى رواق المغاربة حنفيات وأخلية وبئر، وكذلك رواق الشوام، وأما رواق الحنفية فليس به غير الحنفية يأتى إليها الماء من مجرى الميضأة الكبيرة.

‌صهاريجه:

فى صحنه أربعة صهاريج لها أفواه من الرخام كأفواه الآبار، لها أغطية من خشب وأقفال من حديد، تملأ كل سنة ويصرف منها مرتبات الأروقة وبعض المدرسين بالأزهر، وعند رواق الصعايدة صهريج كبير أنشأه المرحوم عبد الرحمن كتخدا وجعله وقفا عاما، فينقل منه السقاؤون حتى فى بعض بيوت العلماء القريبين من الأزهر، وهو صهريج كبير مبنى تحت الرواق والدركة، وبعض الإيوان الجديد وفمه فى قاعة تحت رواق الصعائدة، وهناك سبيل عليه بزابيز من نحاس أصفر يشرب منه عموم الناس.

وتجاه باب المغاربة صهريج بابه فى الجهة الأخرى من الشارع عن يسار الداخل إلى حارة الأتراك. من إنشاء السلطان قايتباى، وهو تابع للجامع، وبجوار الميضأة الكبيرة جملة بزابيز مركبة على حيضان تملأ من الصهاريج المذكورة لشرب المجاورين وأولاد المكاتب التى بصحن الجامع ولها غطاء خشب.

ص: 59

‌قناديله وفرشه:

به دائما قناديل بعدد البوائك، وتزيد فى شهر رمضان جدا، وهى معلقة فى أوتار الخشب التى بين كل عمودين مثبتة تحت قواصر البوائك، وتوقد من ريع أوقافه بخدمة مخصصين لذلك يوقدونها من غروب الشمس إلى ما بعد صلاة العشاء، ثم يطفئون أكثرها ولا يبقون إلا القليل فيستمر إلى الصباح، وقبل الفجر يوقد أيضا بعض قناديل على المحرابين الكبيرين وأمامهما، وللقنديل السهارى أوقية من زيت الشيرج ولغير السهارى ربع أوقية، وفيه أربع سهارات توقد لمطالعة المجاورين، وهى عبارة/عن أوعية من نحاس ولها أغطية وقائم من نحاس نحو نصف ذراع، مربوطة ببعض الأعمدة بسلسلة من حديد وتستمر موقدة الليل كله، وهى من إنشاء المرحوم عبد الرحمن كتخدا، ورتب للواحدة كل ليلة أوقيتين من الزيت، وللقناديل والزيت خزانة تسمى بيت القناديل عن شمال الداخل من باب الصعائدة.

وأما فرشه فيفرش منه المقصورتان والمدارس والأروقة كل سنة مرة واحدة قبيل رمضان بحصر جيدة من السمار، ولا تفرش فيه البسط إلا شيئا قليلا بجوار القبلة فى يوم الجمعة، وليس فى صحنه فرش إلا البلاط.

‌طريق التدريس فيه والمطالعة:

كان فى السابق لكل أهل مذهب من المذاهب الأربعة عمد معينة من عمده لا يجلس للتدريس فيها غيرهم، ولو وقع لحصل الشقاق والقتال بينهم، ولكل شيخ من أهل المذهب عمود لا يتعداه ولا يتعدى أحد عليه، لكن لا يشدد على ذلك كتشديد تعدى أهل مذهب على مذهب، والمتكلم على ذلك مشايخ المذاهب كشيخ المالكية وشيخ الحنفية، وإذا تفاقم الأمر يرفع إلى شيخ الجامع. ويجلس الشيخ أمام العمود مستقبلا والطلبة حلقة حوله، فإذا كثروا جلس على كرسى من خشب أو جريد وهم أمامه بلا تحلق، وكانت العادة سابقا أن لا يجلس على الكرسى، إلا نحو شيخ الجامع ولا يمكن ذلك من غيره، ثم بطل هذا فجلس كثير من العلماء على الكراسى، ولكل طالب مكان لا يتعداه ويقيم من يجلس فيه، فإذا جلسوا ابتدأ الشيخ بالبسملة والحمدلة والصلاة على النبى، ثم يقرر لهم الدرس بالدقة وهم يقابلون عليه فى الورق ويسألونه ما بدا لهم، وبعد ختم الدرس يقومون لتقبيل يده ولو كبارا، وليس على الشيخ أن يلاحظ حال الطالب من اجتهاد أو تكاسل أو حضور أو غيبة، بل هو موكول لنفسه، إلا أن يكون وليا عليه، كما أنه ليس لهم امتحان شهرى ولا سنوى، ومن له اجتهاد من نفسه أو وليه يلتفت إلى حفظ المتون قبل زمن الحضور أو معه، فيحفظ جميع المتون أو بعضها فينجح مسعاه؛ لأن من حفظ المتون حاز الفنون، وقبل حضورهم حلقة الدرس لا بد أن يطالعوه

ص: 60

بالدقة متنا وشرحا وتقريرا مرة فأكثر جماعات وفرادى، وقد يطالع الشيخ عليه مواد أخر حتى يكون مستحضرا لأطراف المسألة وما يرد عليها وما يجاب به وكذا كبار الطلبة، وكانت العادة فيه غالبا أن أفضل الطلبة يطالع لباقيهم درس شيخه مطالعة بحث وتفتيش حتى يأتوا إلى الشيخ وهم متهيئون لما يلقيه. قال فى خلاصة الأثر: وكان الشيخ سالم ابن حسن الشبشيرى شيخ وقته يطالع لجماعة شيخه النور الزيادى درسه على عادة مشايخ الأزهر انتهى.

وكثير منهم يحصل الكتب التى حضرها فيملكها بشراء أو نسخ بيده أو غيره خصوصا الرسائل الصغيرة، وكان لا يتصدر للتدريس إلا من مارس الفنون المتداولة بالأزهر وتلقاها من أفواه المشايخ، وصار متأهلا للتصدر حلالا للمشكلات ومعضلات المسائل، فلا يحتاج لاستئذان إلا على جهة الأدب والبركة، وإنما يعلم بعض المشايخ والطلبة فيحضرون درسه ويتراكمون عليه، وهو يتأنق فى الابتداء ويسلك فيه طريق الإغراب والتوغل، وبعض الحاضرين يتعصب عليه ويتعنت والبعض ينتصر له، وإذا تلعثم فى إجابة سائل ربما أقاموه ومنعوه من التصدر، وإذا عاند ربما ضربوه، ثم تساهلوا فى ذلك حتى صار من يتصدر لا يكاد يتعرض له أحد حتى كثر المتصدرون وصار فيهم من لا أهلية فيه.

ثم لما تولى مشيخة الجامع الشيخ مصطفى العروسى تنبه لذلك وهمّ بمنع غير المستحقين للتصدر، وعزم على عمل قانون يجرى عليه المشايخ فى تصدرهم، ففجأه العزل عن المشيخة فى سنة سبع وثمانين ومائتين وألف، وصارت إلى الشيخ محمد المهدى الحفنى العباسى الحنفى، فأراد أن يمشى على الطريقة التى كان قد عزم عليها الشيخ مصطفى العروسى لما رأى فى ذلك من المصلحة العائدة على العلم بالحفظ وعدم الابتذال، فاستأذن عزيز مصر الخديو الأعظم فى عمل قانون الامتحان لكل من يريد التدريس من المستجدين فأذن له، فعقد مجلسا من أكابر العلماء وشاورهم فى كيفية القانون، وانحط الرأى بينهم على تعيين ستة لذلك من أكابر العلماء، من كل أهل مذهب من المذاهب الثلاثة اثنان، وأما مذهب ابن حنبل فأهله بالأزهر بل بمصر عموما قليلون أو معدومون، وعلى جعل الامتحان فى أحد عشر فنا هى العلوم المتداولة بالأزهر: التفسير، والحديث، والأصول، والتوحيد، والفقه، والنحو، والصرف، والمعانى، والبيان، والبديع، والمنطق، وأن من يريد الدخول فى الامتحان لا بد أن يكون قد حضر هذه الفنون بالجامع الأزهر وحضر كبار الكتب مثل السعد وجمع/الجوامع، ثم يقدم عريضة لشيخ الجامع أنه يريد الدخول فى حومة العلماء المدرسين وينتظم فى سلك المعلمين المأذونين، وأنه حضر كذا وكذا من الفنون وحضر مختصر السعد وابتدأ فى جمع الجوامع

ص: 61

مثلا، فيؤخر الشيخ تلك العريضة عنده حتى يستخبر عن أحواله شفاها ممن يعرف حقيقة أمره، ثم يكتب للمشايخ بإعطاء الشهادة فى حقه بالكتابة فيشهد له جمع من المشايخ أقلهم ثمانية، ثم يعين له من كل فن درسا ويعطيه ميعادا يطالع فيه فيعطيه لكل فن يوما، وعلى رأس الأحد عشر يوما ينعقد مجلس الامتحان فى بيت شيخ الجامع، ويجعلون مريد الامتحان بمنزلة الشيخ وهم بمنزلة الطلبة له، فيبتدئ فى القراءة وهم يسألونه وهو يجيبهم، ولا يحضر فى ذلك المجلس غيرهم، فيمكث غالبا من أول الساعة الرابعة من النهار إلى الساعة الرابعة من الليل لا يقوم إلا لنحو الصلاة والأكل، فإذا أجاب فى كل فن كتبوه من الدرجة الأولى من درجات ثلاث، فيكتبون له الشهادة الكافية وترسل إلى المعية الخديوية، فتكتب له عريضة تشريف متوجّة بختم الخديو الأعظم تكون معه، ويخلع عليه فرجية وشريط مقصب يجعله فى عمامته فى مواضع التشريفات، ويكتب للجهات باحترامه وتوقيره، ويخفف عنه فى نحو السفر فى الوابور فينزل فيه بنصف الأجرة، وإذا أجاب فى أكثر الفنون كتب من الدرجة الثانية، وإذا أجاب فى الأقل كتب من الدرجة الثالثة، ثم يكونون على باب مرتبات الأزهر، فإذا مات أحد من المرتب لهم النقود أو الكساوى أو الجرايات أو حصل له مانع من الاستحقاق فرق مرتبه على المستجدين بنظر شيخ الجامع، وإذا لم يجب ذلك الممتحن أقيم من المجلس ولا يؤذن له فى التدريس.

وقد استحسن شيخ الجامع أنه لا يمتحن فى العام أكثر من ستة، فإذا تراكمت العريضات من طالبى الامتحان، نظر الشيخ فى موجبات الترجيح كالشهرة بالعالمية أو الوجاهة أو سبق التاريخ أو كبر السن، ثم إن طريق الامتحان هذه قد أورثت الطلبة جدّا واجتهادا فى التحصيل بالحفظ والمطالعة وسهر الليل، ولكن ربما يقال إن ذلك فيه إفساد لنية الطالبين والمدرسين بحب المحمدة والافتخار والرغبة فى الجاه والمرتبات والتصدر والتعظيم ونحو ذلك، وقد تساعده الأقدار فيجيب من غير أن يكون فيه أهلية فيعطى غير ما يستحقه.

ثم إن الشيخ المهدى أيضا أبطل اختصاص أهل كل مذهب بعمد مخصوصة، وأبقى اختصاص كل شيخ بعمود، وإذا خلا عمود من شيخ بموت أو انقطاع فله أن يعطيه لشيخ غيره ولو لم يكن من أهل مذهبه، وقد يشترك فى العمود شيخان مثلا يقرأ كل واحد فى وقت، وقد يكون للشيخ عمودان يقرأ فى أحدهما صبحا وفى الآخر ظهرا مثلا، والعادة أن حصة الصبح يقرأ فى أولها التفسير والحديث ونحو ذلك وفى آخرها الفقه، وحصة الظهر يقرأ فيها النحو والمعانى والبيان والبديع والأصول، وحصة العصر صالحة لكل فن كحصة ما بعد المغرب، وأكثر تلك الأوقات ازدحاما حصة الصبح إلى ضحوة النهار، فإنك عند جلوسهم للدروس

ص: 62

لا تكاد تمر بالأزهر لتلاصقهم، بل قد يتدافعون ويتنازعون فى المجالس ويكون لهم دوى شديد، ويدركون الحر فى الشتاء من تجاور الأجسام وكثرة الأنفاس، ويكون لهم فى الصيف روائح غير مقبولة يلهيهم عنها اجتهادهم واشتغالهم بالتحصيل، ومنهم من يفر من ذلك فيقرأ فى نحو جامع محمد بيك أو مدرسة العينى، وأما بعد العشاء فليس فيه درس، بل المطالعة للمجاورين والمشايخ على السهارة أو غيرها إلى نصف الليل أو نحوه.

وأكثر اعتنائهم بفهم العبارات وحل التراكيب والمناقشات بالاعتراض والجواب والإطلاق والتقييد والمنطوق والمفهوم وغير ذلك من غير اعتناء بالحفظ، فتجد كثيرا منهم جبل فى الفهم فى الكراس وإذا سئل من خارج فقل أن يجيب لعدم استحضاره، والعادة أن يقرأ المشايخ للطلبة المبتدئين فى النحو شرح الكفراوى على الآجرومية مرتين فى السنة، وفى السنة الثانية شرح الشيخ خالد عليها بحاشية أبى النجاء مرتين، وفى الثالثة شرح الأزهرية بحاشية الشيخ العطار مرتين، ثم يقرؤون شرحى القطر والشذور لابن هشام فى سنة، ثم شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك فى سنة، ثم شرح الأشمونى عليها بحاشية الصبان فى سنتين أو ثلاثة، ثم متن المغنى بحاشية الشيخ الأمير فى سنة أو سنتين، وقد يكرر أحدهم حضور الكتاب أكثر من مرة، وفى أثناء هذه السنين يدرسون كتبا فى باقى الفنون فيقرؤون فى علم الصرف نادرا لامية الأفعال لابن مالك وغالبهم يكتفى بما فى آخر الألفية من ذلك، وفى علم البيان السمرقندية وشراحها وحواشيها ورسالة الدردير بحواشيها ورسالة الشيخ الصبان بحواشيها، وفى علم المنطق متن السلم وشراحه وحواشيه/وايساغوجى والقطب على الشمسية ومختصر السنوسى، وفى علم التوحيد السنوسية الصغرى بحواشيها والجوهرة وحواشيها والجريدة والسنوسية الكبرى، وبعد التمكن من النحو والإلمام بغيره يقرؤون متن التلخيص للقزوينى بشرح مختصر السعد وحواشيه، ثم بمطوله قليلا وهو يشتمل على ثلاثة فنون: المعانى والبيان والبديع، ويقرؤون من علم الأصول جمع الجوامع بشرح المحلى وحواشيه وهو من كتب أصول الشافعية، ومع ذلك يقرؤه أهل المذاهب الأربعة مع ترك قراءة أصول مذاهبهم، ويقرأ به من علم الحديث الجامع الصغير والشفا للقاضى عياض والمواهب اللدنية والشمائل للترمذى وموطأ مالك والبخارى ومسلم، وفى المصطلح البيقونية وغرامى صحيح، ومن التفسير شرح الجلالين وحاشية الجمل وشرح الخطيب والبيضاوى وأبو السعود ونحو ذلك، وأما الفقه فكل يشتغل بفقه مذهبه خاصة، فيقرأ المالكية أولا ابن تركى على العشماوية ثم الزرقانى على العزية ثم أبا الحسن على الرسالة ثم أقرب المسالك ثم متن خليل بشرح الدردير ثم بشرح الخرشى ثم بشرح عبد الباقى ثم مجموع الشيخ الأمير، ويقرأ الشافعية أولا ابن قاسم ثم الخطيب ثم التحرير ثم المنهج

ص: 63

ثم شرح الرملى، ويقرأ الحنفية مراقى الفلاح ثم الطائى ثم منلا مسكين ثم شرح العينى ثم شرح الدرر على متن الغرر ثم شرح الدر على متن التنوير بحاشية ابن عابدين وحاشية الطحطاوى، وقد يقرؤون الهداية والأشباه والنظائر، ويقرأ الحنابلة الدليل وزاد المستقنع والمنتهى.

والعادة أن ابتداء قراءة الكتب به من نصف شوال وبختمونها أو يقفون فيها قبيل رجب ولا يقرؤون من رجب إلى عيد رمضان إلا نادرا كتبا صغيرة لمن يبقى مقيما من الطلبة، ولهم فى أثناء السنة بطالات كبطالة عبد الأضحى نحو عشرين يوما، وبطالة المولد الصغير للسيد البدوى نحو ثلاثين يوما، وفى المولد الكبير كذلك أو أكثر.

وإذا مات أحد من العلماء المدرسين يتركون لأجله الدروس كلها ثلاثة أيام حزنا عليه، فإن كان من المشهورين فلا يقرؤون فى الأزهر ولا خارجه، وإذا خالف أحد وجلس للدرس أقامته الخدمة بأمر شيخ الجامع.

ثم إن أكثر اعتنائهم غالبا بالنحو ثم الفقه ثم البيان والمعانى ثم التفسير والحديث ثم البقية، وليس لهم التفات لنحو التاريخ والجغرافية والفلسفة، بل يرون ذلك بطالة وتضييعا للزمن بلا فائدة، وينهون من يقرأ كتب الفلسفة ويشنون عليه الغارة وربما نسبوه للكفر، كما أنهم لا يكادون يطلعون على كتب اليهود ولا النصارى ولا يستعملون من الرياضات إلا الحساب قليلا، وليس لأهل مذهب اعتناء بالاطلاع على مذهب غيرهم إلا مذهب أبى حنيفة فصاروا الآن يرغبون فى الاطلاع عليه لحاجتهم إليه للفتوى والتقلد بالوظائف لانحصار ذلك اليوم فى أهله.

‌عوائد أهل الأزهر:

عادة المصريين فى ابتداء إتيانهم إلى الأزهر أن يأتوا غالبا فى سن البلوغ أو المراهقة قارئين القرآن فقط بغير تجويد، فيشرعون فى حفظ المتون مع حضور صغار الكتب، ومنهم من يشتغل بتجويد القرآن على القراء المنتصبين به لذلك إما مع الحضور أو قبله، وقد يأتون أميين فيشتغلون بحفظ القرآن قبل الحضور، والغالب على مجاورى الصعايدة عدم حفظ القرآن، وأما أهل الوجه البحرى فهم بعكس ذلك، بل كثير منهم يعانى علم القراآت ثم يتكسب من السهر فى الختمات.

وعادة الصعايدة أن يأتوا بمؤنة نصف سنة أو أكثر، من خبز قمح مقدد بالنار وسمن وجبن ودقيق وكشك وقادوسية ومفتلة وعدس وبصل وحطب ونحو ذلك ونقود كل بحسب

ص: 64

وسع من يعوله من أب أو أخ مثلا، وإذا قرب فراغ مؤنته أرسل إلى أهله فيرسلون له مثل ذلك وهكذا، وهؤلاء يسكنون الوكائل والبيوت مع كتب أسمائهم فى الرواق لانتظار الجراية، وقل من يأتى بلا زاد وهم الفقراء جدا ويسكنون الرواق ويضعون أمتعتهم فى الخزن التى فيه، ثم لا يذهب أحد من الصعائدة فى تسعة أشهر العمالة إلى بلده، فإذا جاء رجب فمنهم من يزور أهله ويكون عندهم إلى أول شوال ثم يعود إلى الأزهر بمؤنته، وقد يتزوج فى تلك المدة ويتركها عند أقاربه ينفقون عليها كما ينفقون عليه، ومنهم من يقيم السنين العديدة بلا زيارة ولا زواج حتى يتم غرضه أو غرض أهله من المجاورة، فإذا رجع إليهم بعد طول تلقوه بالأفراح والولائم وذلك فيمن بعدت بلدته غالبا.

وأما أهل الوجه البحرى ومن قربت بلدته من القاهرة فيذهبون إلى بلادهم كل سنة يقيمون بها أشهر البطالة، وكذا فى أثناء السنة فى نحو بطالة السيد البدوى، ويأتون/بزاد قليل لقرب بلادهم وكثرة المترددين إليهم منها فيأتونهم بالمؤنة كل شهر أو أكثر، وكثير منهم يسكن بالأزهر لقلة متاعه خصوصا الفقراء، وينشرون الخبز بصحن الجامع لتنشيفه بالشمس وعند إرادة الأكل قد يبلون ناشف الخبز فى الميضأة أو فى إناء خارجها، وينامون بصحنه فى الصيف وبمقصورته فى الشتاء، ومعظم الفريقين أو كلهم ليس لهم طرق للكسب، بل أقاربهم ملتزمون بالإنفاق عليهم إلى انتهاء المجاورة، وغالبهم يباشر أعماله بنفسه من طبخ وغسل ثياب وتفليتها وترقيعها، ويقمّ بيته وقد يخصف نعله ونحو ذلك، وأكثر أكلهم سيما فقراؤهم المدمس والنابت والمخلل والكراث والفجل ونحو ذلك، وأهل الصعيد أكثر تقشفا من أهل الوجه البحرى، وأكثر الفريقين يلبس الزعابيط والدفافى الصوف المصبوغة بالنيلة أو بلا صبغ، ويلبسون الفلائل وكانت سابقا قليلة فيهم سيما الصعائدة، وقد يلبس الصعيدى ملاية زرقاء ذات خطوط بيضاء تصنع فى نحو إخميم وجرجا أو شقة بيضاء تصنع فى نحو أسوان، ويختلف الجميع فى الزى تبعا لاختلاف بلادهم، وقد يلبس أهل الثروة الثياب المفرجة من جبب وقفاطين والشرابات فى أرجلهم بزى أكثر أهل القاهرة، وأما العمائم فهى من زى الجميع فلا يكاد يوجد طالب علم بلا عمامة، وكثيرا ما يستعملون فراوى الغنم للجلوس عليها فى الدرس أو النوم عليها، وقد يسكن الجماعة فى مسكن واحد ضيق فيورثهم سقما لأنهم لا يتعهدون المسكن بالتنظيف، ولا الأوعية التى يأكلون فيها لما يقع بينهم من العناد وإحالة بعضهم على بعض، وكل ذلك طلبا لتخفيف الأجرة، فتجد كثيرا منهم مبتلى بالجرب أو الحكة مثلا، خصوصا سكان الأروقة والملازمون للجامع، وكثير منهم بلا فرش ولا غطاء فضلا عن الأوساخ التى علت أبدانهم وثيابهم، كل ذلك وهم منهمكون فى الطلب مجدون فى التحصيل إلا قليلا منهم.

ص: 65

وأما أهل الأقطار الخارجة من الهنود والسنارية والأتراك وغيرهم فهم أنعم عيشا من المصريين، وأنظف ثيابا وأبدانا، وأغنى منهم لما لهم من المرتبات الكافية مع ما يجلبونه من بلادهم من النقود الكثيرة، والفقير فيهم قليل، ويأتون كبار السن فوق العشرين، وكثير منهم يكون قد طلب العلم فى بلاده، وأكثرهم لا يحفظ القرآن، وأكثرهم يسكن أروقة الأزهر مع النظافة والفرش الكافى، وإذا قلت نقودهم يتيسر لهم التداخل عند الأمراء ونحوهم أكثر من المصريين، ولبعد بلادهم لا يذهبون إليها إلا بعد قضاء وطرهم من طلب العلم إلا لسبب قوى.

وعادة الشاميين إذا تمم الواحد منهم غرضه وأراد السفر إلى بلده أن يدعو أصدقاءه ومحبيه من الطلبه والمشايخ، وقد أوقد لهم الرواق بالشموع وفرشه بقدر حاله، فيجتمعون عنده إلى ما شاء الله من الليل، ويطاف عليهم بالقهوة والشربات وينشدون بالمجلس قصيدة أو أكثر تشتمل على مدحه والتنويه بغزارة علمه وكثرة فضله ثم ينصرفون.

وعادة أكثر المجاورين عند ختم الكتاب أن يأتوا فى الحلقة بالمباخر والقماقم فيها الطيب والعطريات، وبعضهم يأتى بشئ من النقل، وبعد الختم يقرأ بعض الحاضرين شيئا من القرآن بالترتيل، ثم يرش عليهم ماء الورد وينثر عليهم نحو اللوز والتمر، ويقبلون يد الشيخ، وبعض المشايخ يعمل طعاما يدعو عليه الطلبة.

وعادة المجاورين أيضا سيما عند إرادة السفر أن يطلبوا الأجازات من المشايخ، فيكتبون لهم إجازات بخطوطهم متوجة بأختامهم، تتضمن الشهادة للمجاور بالتحصيل والمهارة فى الفنون والأهلية للتدريس والإفتاء مثلا وإجازتهم بذلك، وقد يبين فيها الشيخ اتصال سنده أو بعضه، ويوصيه فيها بالتقوى والتحرى فى الأحكام وأن لا يقدم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه، والغالب أن للواحد منهم احتراما زائدا لشيخه ولو صار شيخا مثله، فيقبل يده ويقوم له ويمتثل أمره.

وللمشايخ زى يعرفون به، فيلبسون الآن غالبا الأقبية المفرجة المسماة بالفرجيات، وهى ذات كمين واسعين تتخذ من جوخ أو تبيت أو نحو ذلك، مع القفاطين والطيالس الفاخرة والسرموزات والبوابيج الصفر وغير ذلك، وكان الكثير منهم فى السابق مخشوشنين فيلبس الشيخ زعبوط الصوف غير المصبوغ بغير غلالة، وكانوا يعرفون بعمائم يقال لها المقلة تشبه عمائم الأضرحة، ومع اخشيشان الطلبة والمشايخ فقد كانوا عند الأمراء والأعيان فى منزلة كبيرة من التعظيم والإجلال ونفوذ الكلمة، لما كانوا عليه من التمسك القوى بالشرع

ص: 66

الشريف، ومازالوا دائما كل وقت فى احترام وتوقير، فلا يجرفون الجسور ولا يحفرون الترع ولا يؤخذ منهم عساكر النظام، وهذا هو السبب غالبا فى كثرتهم من أهل القطر، فإن الأزهر حرم آمن حتى إنه يحتمى به من ليس قصده طلب العلم.

ثم إن العادة أن يتبع الطالب/مذهب أبيه أو أهل بلده ولا يخالفه إلا لسبب، ولا ينتقل أحد عما اختاره من المذاهب إذ كان كل يفتى على مذهبه من غير نكير ولا تحجير، ولما انحصرت الفتوى فى مذهب أبى حنيفة آثره كثير منهم لقصد التعيش بالفتوى، لكن كانوا لا ينتقلون إليه بعد التمذهب بغيره بل يختارونه ابتداء.

ثم لما انتقلت المشيخة إلى أهله وكثرت مرتباتهم وانحصرت الوظائف فيهم، ازدادت رغبة الطلبة فيه خصوصا من بعد سنة ثمانين بعد المائتين والألف، فدخل الناس فيه أفواجا وانتقل إليه كثير بعد الانتهاء فى المذاهب الأخر، بل انتقل إليه بعض المدرسين طلبا للمعاش، وبعضهم يشتغل به مع عدم هجر مذهبه، فصار أشهر المذاهب بعد أن لم يكن كذلك، وكان الشافعية والمالكية يستقبحون الانتقال إليه ولا ينسبون لأهله علما فصار اليوم مستحسنا أكيدا، وجدّ طالبوه فيه وفى غيره من الفنون فتقدموا وشهد لهم الجميع بالتحصيل.

ثم إنه ليس بالأزهر عادة امتحان للطلبة لا ابتداء ولا انتهاء، ولا يعود الطالب لما حضره بمذاكرة ولا غيرها اكتفاء بحضور كتاب أكبر من الأول مشتمل على ما فيه وزيادة، وقد مر أن المشايخ أيضا غير مسئولين عن مواظبتهم أو تقصيرهم فهم مخيرون فى كل أفعالهم، وإنما السائق لهم الرغبة الذاتية وهى تختلف كما تختلف جودة الأذهان وفراغ البال، وبحسب ذلك تأتى درجاتهم، وقد يكون الحث والتحضيض من آبائهم أو المتفقين عليهم فيجبرونهم على ذلك، والغالب أن كل من بعدت بلدته يكون أكثر اجتهادا وتحصيلا، وأن من عاش فيه متقشفا هو الذى يحصل ويسود فكأن الرفاهية ترقد القريحة على وساد الكسل، وتقعد صاحبها عن الكد والعمل، كما أن الغالب على أولاد العلماء المشهورين عدم النجاح لتكاسلهم اتكالا على شهرة آبائهم، ثم إذا أراد المنتهى التصدر للتدريس فحينئذ بعقد له مجلس الامتحان الذى مر بيانه.

ثم إن فى أهل كل جهة عصبية وحمية، فكثيرا ما يتضاربون على أسباب واهية كمجالس الدرس أو المشاغبة فى المسائل، وأكثرهم حمية الصعايدة ثم الشرقاوية والشوام والمغاربة، وترفع القضايا التى بينهم لمشايخ الأروقة، فإن لم تنحسم فلشيخ العموم، فإن تجسمت فللمحتسب كما ترفع له ابتداء القضايا التى بينهم وبين غيرهم.

ص: 67

وعادتهم بطالة الدروس من بعد درس الفقه يوم الخميس إلى غروب يوم الجمعة، فيخرجون يوم الخميس إلى بولاق أو غيرها للفسحة وغسل الثياب، فيكونون طوائف طوائف ويلعبون هناك الكرة وغيرها، وكانوا سابقا كثيرا ما يقع بينهم الخصام والمضاربة وقل ذلك فيهم الآن وسهلت عرائكهم، وللصعايدة ترفع عن السفاسف كالقراءة على القبور للصدقة وقراءة الختمات بالأجرة كغالب أهل الجهات الخارجية، مع كثرة زيارتهم للقبور يوم الجمعة.

وللمجاورين قرافة تعرف بهم فى القرافة الكبرى، وإذا مات المجاور اجتمع بالأزهر بعد دفنه أصحابه أو أهل بلده فيعملون له عتاقة لا إله إلا الله بعد المغرب، فيوقدون شموعا صغيرة يلصقونها بالحصر، فيجتمع الجم الغفير من المجاورين ويستمر ذلك إلى العشاء، وأما إذا مات أحد العلماء المدرسين فيحزن عليه أهل الأزهر ثلاثة أيام فلا يعقد به درس، بل إن كان من مشاهيرهم تركوا له الدرس به وخارجه ثلاثة أيام، فبمجرد موته ينهى الخبر إلى شيخ العموم فيأمر بترك التدريس فى هذه الأيام ويقام من يكون جالسا للدرس، ويأمر المؤذنين بعمل الأبرار فيصعدون على المنائر ويقرؤون بأصوات مرتفعة قوله تعالى:{إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً} وما يليها من الآيات، وكذا يفعل على كثير من منائر المساجد فيتسامع الناس ويحضرون الجنازة ويشيعونه إلى الأزهر وأمامه المنشدون يقرؤون البردة ونحوها بأصوات مرتفعة ويليهم كثير من العلماء، وربما حضره بعض الأمراء والأعيان، فإن كان من أرباب الشهرة أو المناصب بعث الحاكم بعض عساكر الشرطة لمنع ما عسى أن يقع من الضرر لكثرة الازدحام، ويدخلون بالجنازة من باب المزينين، وعند ذلك يصرخ المؤذنون بالأبرار، فإذا وضع من فوق الأعناق تلا بعض المنشدين بين يدى الصلاة عليه مرثية وهو على دكة المبلغين يعدد فيها محاسنه وربما ذكر نسبه ينشئها بعض الشعراء بعد موته ويصلى عليه شيخ الجامع أو نحوه، ثم يعمل له بالأزهر عند عموده الذى كان يدرس عنده ثلاث ليال يجتمع فيها كثير من العلماء والمجاورين، فيعملون له عتاقة لا إله إلا الله أو الصمدية فيستمرون من الغروب إلى الساعة الرابعة من الليل، ثم فى كل أسبوع من أربعة أسابيع بعد صلاة الجمعة يجتمعون عند عموده ويكونون حلقة واحدة، وتفرق عليهم ربعات القرآن فيقرأ كل واحد جزءا ويجلس بعض القراء والمنشدين وسط الحلقة فيقرأ بعضهم آيات من القرآن بالترتيل، ثم يختمون المجلس بقراءة آخر البقرة والآيات المعتادة فى الختم مع أسماء الله الحسنى وآخر البردة، كل ذلك بجوقة عظيمة ويرددون فى أبيات البردة، ثم تقرأ مرثية أخرى، وربما وقع الأبرار له فى أغلب مدن مصر أو جميعها، والعادة أن لا يغطى نعش العالم كما يغطى غيره.

ص: 68

‌مشيخته وحوادثه:

لما كان الأزهر كثير الطلبة والمدرسين والخدمة والمرتبات، كان من اللازم إقامة من يسوس أمورهم ويفصل قضاياهم، ويضبط مرتباته ويقيم شعائره، فجعل لكل طائفة شيخ وخدمة، وللجميع شيخ عموم يرجعون إليه ويباشر حكام الدولة، وهو فى الحقيقة شيخ فقهاء القطر بتمامه بمنزلة شيخ الإسلام فى دار المملكة، فكانت المشيخة فيه للسادة المالكية، ثم للسادة الشافعية مدة، ثم للسادة الحنفية، ثم آلت اليوم إلى السادة الشافعية، فمن مشايخه-كما فى الجبرتى-الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن على الخرشى المالكى المتوفى سنة إحدى ومائة وألف وقد ترجمناه فى بلده أبى خراش من أعمال البحيرة.

وتولى بعده مشيخة الأزهر الشيخ محمد النشرتى وتوفى سنة عشرين ومائة وألف، ووقع بعد موته فتنة بالأزهر بسبب المشيخة والتدريس بالآقبغاوية، وافترق المجاورون فرقتين، فرقة تريد الشيخ أحمد النفراوى، وأخرى تريد الشيخ عبد الباقى القلينى ولم يكن حاضرا بمصر، فتصدر الشيخ أحمد النفراوى للتدريس بالآقبغاوية فمنعه القاطنون بها، وحضر القلينى فتعصب له جماعة النشرتى، وحضر جماعة النفراوى إلى الجامع ليلا ومعهم بنادق وأسلحة وضربوا بالبنادق فى الجامع وأخرجوا جماعة القلينى، وكسروا باب الآقبغاوية وأجلسوا النفراوى مكان النشرتى، فكبس جماعة القلينى الجامع وقفلوا أبوابه وتضاربوا مع جماعة النفراوى فقتلوا منهم نحو العشرة، وانفصلوا عن جرحى كثيرة، وانتهبت الخزائن وتكسرت القناديل، وحضر الوالى فأخرج القتلى وتفرق المجاورون فلم يبق بالجامع أحد، وفى ثانى يوم طلع النفراوى إلى الديوان ومعه حجة الكشف على القتلى، فلم يلتفت الباشا إلى دعواه لعلمه بتعديه وأمره بلزوم بيته، وأمر بنفى الشيخ أحمد شنن إلى بلده الجدية، وحبسوا من كان فى العرقانة وكانوا اثنى عشر، وتطاول حسن أفندى نقيب الأشراف على النفراوى بحضرة الباشا وقال له: جماعتك المفسدون الذين هم عاملون طلبة العلم يصعدون على المنارة ويقولون فى محل الأذان يا آل حرام ويضربون بالرصاص فى المسجد واستقر القلينى فى المشيخة.

فلما مات تقلد بعده الشيخ محمد شنن المالكى من ناحية الجدية، وكان أغنى أهل زمانه وله مماليك وجوار، ومن مماليكه أحمد بيك شنن، توفى الشيخ محمد سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف، وقبل موته جعل الشيخ محمد الجدواى وصيا على ولده موسى، ولما بلغ رشده سلمه ماله فكان من الذهب البندقى أربعين ألفا خلاف الجنزرلى والطرلى وأنواع

ص: 69

الفضة والأملاك والضياع والوظائف والجماكى والرزق والأطيان، بدده ولده جميعا حتى مات مدينا.

ولما مات المترجم تولى بعده المشيخة الشيخ إبراهيم بن موسى الفيومى المالكى كانت ولادته سنة اثنتين وستين وألف ووفاته سنة سبع وثلاثين ومائة وألف. ومن شيوخه الشهاب الشبراملسى، والشيخ الزرقانى، والبشبيشى، والغرقاوى، والشيخ عبد الرحمن الأجهورى، وآخرون، وله شرح على العزية فى الفقه فى مجلدين.

ولما مات المترجم انتقلت المشيخة إلى الشافعية فتولاها الشيخ عبد الله الشبراوى فى حياة كبار العلماء فكان طلبة العلم فى أيام مشيخته فى غاية الأدب والاحترام، وصار لأهل العلم فى مدته رفعة ومقام، ومهابة عند الخاص والعام، وهو عبد الله بن محمد بن عامر بن شرف الدين الشبراوى الشافعى المحدث الأصولى المتكلم الماهر الشاعر الأديب، ولد تقريبا سنة اثنتين وتسعين وألف، وكان من بيت العلم والجلالة، وقد حضر الأشياخ كالشيخ خليل بن إبراهيم اللقانى والشيخ محمد الزرقانى والشيخ أحمد النفراوى وغيرهم، ولم يزل يترقى ويفيد ويملى ويدرس حتى صار أعظم الأعاظم، وقبلت شفاعته وهاداه الأمراء، وعمر دارا عظيمة على بركة الأزبكية بالقرب من الرويعى، وكذلك ولده سيدى عامر دارا تجاه دار أبيه صرف عليها أموالا جمة، وكان يقتنى الظرائف والتحائف من كل شئ، والكتب المكلفة النفيسة بالخط الحسن، وكان راتب مطبخ ولده سيدى عامر فى كل يوم من اللحم الضانى رأسين من الغنم يذبحان فى بيته، ومن آثاره كتاب مطامح الألطاف فى مدائح الأشراف، وشرح الصدر فى غزوة أهل بدر، وديوان يحتوى على غزليات وأشعار ومقاطيع وغير ذلك. توفى ختام سنة إحدى وسبعين ومائة بعد الألف./وتولى المشيخة بعده الشيخ الحفنى المتوفى سنة إحدى وثمانين ومائة وألف. (وقد ترجمناه فى بلدته حفنة)

وتولى المشيخة بعده الشيخ عبد الرؤوف السجينى وتوفى سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف (وترجمناه فى بلده سجين).

وتولاها بعده الشيخ أحمد بن عبد المنعم بن يوسف بن صيام الدمنهورى المذاهبى الأزهرى، توفى سنة تسعين بعد المائة والألف. (وهو مترجم فى بلدته دمنهور الغربية).

وبعد موته حصل نزاع فى تولى المشيخة بين الشيخ عبد الرحمن بن عمر العريشى الحنفى والشيخ أحمد العروسى الشافعى (المترجم فى الكلام على منية عروس)، ثم آلت للشيخ العروسى، وذلك أنه لما زاد انحطاط الشيخ أحمد الدمنهورى وتبين قرب وفاته تاقت نفس

ص: 70

العريشى لمشيخة الأزهر إذ هى أعظم مناصب العلماء فأحب التوصل إليها بكيفية، فحضر مع شيخ البلد إبراهيم بيك إلى الجامع الأزهر، وجمع الفقهاء والمشايخ وعرفهم أن الشيخ الدمنهورى أقامه وكيلا عنه، وبعد أيام توفى الشيخ الدمنهورى فتعين هو للمشيخة بتلك الطريقة، وساعده استمالة الأمراء وكبار الأشياخ وأبو الأنوار السادات وكاد أمره يتم، فانتدب لذلك بعض الشافعية الخاملون وذهبوا إلى الشيخ محمد الجوهرى وساعدهم وركب معهم إلى بيت الشيخ البكرى، وجمعوا عليهم جملة من أكابر الشافعية مثل الشيخ أحمد العروسى والشيخ أحمد السمنودى والشيخ حسن الكفراوى وكتبوا عرضحالا للأمراء مضمونه أن مشيخة الأزهر مناصب الشافعية وليس للحنفية فيها قديم عهد، وخصوصا إذا كان آفاقيا كالشيخ عبد الرحمن، وفى العلماء الشافعية من هو أهل لذلك علما وسنا، وأنهم اتفقوا على أن يكون المتعين لذلك الشيخ أحمد العروسى، وختموا على العرض وأرسلوه إلى إبراهيم بيك ومراد بيك فتوقف الأمراء وقالوا لإبراهيم بيك: أى شئ هذا الكلام! أمر فعله الكبار يبطله الصغار، ولأى شئ لا يتقدم الحنفية على الشافعية فى المشيخة، أليس الحنفية مسلمين ومذهب النعمان أقدم المذاهب، والأمراء حنفية والقاضى حنفى والوزير حنفى والسلطان حنفى؟ وثارت فيهم العصبية وشددوا فى عدم التقض. ورجع الجواب للمشايخ فقاموا على ساق، وشدد الشيخ محمد الجوهرى فى ذلك وركبوا بأجمعهم إلى جامع الإمام الشافعى رضي الله عنه وباتوا به ليلة الجمعة، فهرعت الناس ينظرون فيما يؤول إليه هذا الأمر، وكان للأمراء اعتقاد فى الشيخ الجوهرى فسعى أكثرهم فى إنفاذ غرضه، وراجعوا مراد بيك وأوهموه حصول العطب له ولهم أو ثوران فتنة فى البلد، وحضر مراد بيك للزيارة فكلمه الشيخ الجوهرى وقال: لا بد من فروة تلبسها للشيخ العروسى ويكون شيخا على الشافعية، وذاك شيخا على الحنفية، كما أن الشيخ الدردير شيخ المالكية، والبلد بلد الإمام الشافعى وقد جئنا إليه وهو يأمرك بذلك، فإن خالفت يخشى عليك، فأحضر فروة وألبسها للعروسى، وركب مراد بيك وركب المشايخ وبينهم العروسى وذهبوا إلى إبراهيم بيك ولم يكن الأمراء رأوا الشيخ العروسى قبل ذلك، فجلسوا مسافة شرب القهوة وقاموا ولم يتكلم إبراهيم بيك بكلمة، وذهب العروسى إلى بيته وأخذ شأنه فى الظهور، واحتد العريشى وذهب إلى السادات والأمراء فألبسوه فروة، وتفاقم الأمر وصاروا حزبين، وتعصب للشيخ عبد الرحمن العريشى طائفة الشوام للجنسية، وطائفة المغاربة لانضمام شيخهم أبى الحسن القلعى معه من أول الأمر، وتوعدوا من كان مع الفرقة الأخرى ووقفوا لمنعهم من دخول

ص: 71

الجامع، وابن الجوهرى يسوس القضية ويستميل الأمراء وكبار المشايخ الذين كانوا مع العريشى كالشيخ الدردير والشيخ أحمد يونس.

‌مطلب حادثة الشوام والأتراك:

واستمر الأمر نحو سبعة أشهر إلى أن أسعفت العروسى العناية بوقوع حادثة بين الشوام والأتراك، واحتد الأمراء للجنسية وأكدوا فى طلب المحاققة، وتصدى العريشى للذب عن الشوام فانطلقت عليه الألسن وانحرف عليه الأمراء وطلبوه فاختفى، وعين لطلبه الوالى وأتباع الشرطة وعزلوه من الإفتاء، وحضر الأغا وصحبته العروسى للقبض على الشوام ففروا، فأغلقوا رواقهم وسمروه أياما ثم اصطلحوا وظهر العروسى من ذلك اليوم وثبتت مشيخته ورياسته، وأمروا العريشى بلزوم بيته وأن لا يعارض فى شئ ولا يتداخل فى أمر، فاختلى بنفسه وقال: الآن عرفت ربى. وأقبل على العبادة والذكر وقراءة القرآن، ونزلت له نزلة فى أنثييه من القهر، فأشاروا عليه بالفصد ففصد فازداد ألمه، وتوفى سنة ثلاث وتسعين ومائة بعد الألف. وحضره الأمراء ودفن برحاب السادة الوفائية.

‌ترجمة الشيخ العريشى:

وكانت ولادته بقلعة العريش من أعمال غزة وبها نشأ وحفظ بعض المتون، ولما مر عليه الشيخ منصور السرمينى فى بلده وجده متيقظا نبيها وفيه قوة استعداد وحافظة جيدة، فأخذه صحبته بصورة معين/فى الخدمة، وورد معه مصر فكان ملازما له، وكان يحضر بالأزهر على الشيخ أحمد البيلى وغيره فى النحو وغيره، ثم توجه السيد منصور وتركه بالأزهر فلازم الشيخ أحمد السليمانى ملازمة جيدة، وحضر دروس الشيخ الصعيدى والحفنى ولقنه الذكر وأجازه وألبسه التاج الخلوتى، ثم درجه الشيخ حسن الجبرتى على الفتوى ومراجعة الأصول والفروع فترونق ونوه بشأنه وعرفه الناس، وتولى مشيخة رواق الشوام، وحج سنة تسع وسبعين من القلزم منفردا متقشفا وعاد إلى مصر، وحصلت له جذبة فترك عياله وانسلخ عن حاله وصار يأوى إلى الزوايا ويلقى دروسا من طريق القوم، ثم تراجع قليلا حتى عاد إلى حالته وتعين للإفتاء بعد موت الشيخ أحمد المعماقى، واشترى دارا حسنة بالقرب من الجامع الأزهر تعرف بدار القطرسى، وتردد الأكابر إليه وصار له خدم وأتباع، وسافر إلى إسلامبول وقرأ هناك كتاب الشفا ورجع إلى مصر، وكان كريم النفس سمحا بما فى يده يحب إطعام الطعام فيعمل عزائم للأمراء

ص: 72

ويخلع عليهم الخلع، ومن مآثره رسالة ألفها فى سرالكنى باسم السيد أبى الأنوار بن وفا أجاد فيها، ووصلت إلى زبيد وكتب عليها الشيخ عبد الخالق بن الزين حاشية وقرظ عليها الشيخ العروسى والشيخ الصبان وله غير ذلك.

ومن حوادثه فى مدة الشيخ أحمد العروسى، أنه فى غرة رمضان من سنة تسع وتسعين ومائة وألف ثار فقراء المجاورين والقاطنين بالأزهر وأقفلوا أبواب الجامع ومنعوا منه الصلوات، وكان ذلك يوم الجمعة فلم يصل فيه ذلك اليوم، وكذلك أغلقوا المدرسة المحمدية المجاورة له ومسجد المشهد الحسينى، وخرج العميان والمجاورون يرمحون فى الأسواق ويخطفون ما يجدونه من الخبز وغيره، وتبعهم فى ذلك الجعيدية وأراذل السوقة، وسبب ذلك قطع رواتبهم وأخبازهم المعتادة، واستمروا على ذلك بعد العشاء فحضر سليم أغا أغات مستحفظان إلى مدرسة الأشرفية وأرسل إلى مشايخ الأروقة والمشار إليهم بالسفاهة، وتكلم معهم ووعدهم والتزم لهم بإجراء رواتبهم فقبلوا منه ذلك وفتحوا المساجد.

وفى شهر محرم الحرام افتتاح سنة مائتين بعد الألف بعد صلاة الجمعة ضج المجاورون بالأزهر بسبب أخبازهم وأقفلوا أبواب الجامع، فحضر إليهم سليم أغا المذكور والتزم لهم بإجراء رواتبهم بكرة تاريخه، فسكنوا وفتحوا الجامع وانتظروا ثانى يوم فلم يأتهم شئ، فأغلقوه ثانيا وصعدوا على المنارات يصيحون، فحضر سليم أغا بعد العصر ونجزلهم بعض المطلوبات وأجرى لهم الجراية أياما، ثم انقطع ذلك وتكرر الغلق والفتح مرارا.

وفى أول جمعة من جمادى الأولى من هذه السنة ثار جماعة من أهالى الحسينية بسبب ما حصل فى أمسه من حسين بيك المعروف بشفت-بمعنى يهودى-فإنه تسلط على هجم البيوت، وركب بجنده إلى الحسينية وهجم على دار أحمد سالم الجزار المتولى رياسة دراويش الشيخ البيومى ونهبه حتى مصاغ النساء والفرش، فحضر أهل الحسينية إلى الجامع الأزهر ومعهم طبول، والتف عليهم جماعة كثيرة من أوباش العامة والجعيدية وبأيديهم نبابيت ومساوق، وذهبوا إلى الشيخ الدردير فساعدهم بالكلام وقال لهم: أنا معكم. فخرجوا من نواحى الجامع وأقفلوا أبوابه وصعد منهم طائفة على المنارات يصيحون ويضربون بالطبول، وانتشروا بالأسواق فى حالة منكرة وأغلقوا الحوانيت، وقال لهم الشيخ الدردير: فى غد نجمع أهالى الأطراف والحارات وبولاق ومصر القديمة وأركب معهم وننهب بيوتهم كما ينهبون بيوتنا ونموت شهداء أو ينصرنا الله عليهم، فلما كان بعد المغرب حضر سليم أغا مستحفظان ومحمد كتخدا الجلفى كتخدا إبراهيم بيك وجلسوا فى الغورية، ثم ذهبوا إلى الشيخ الدردير وتكلموا معه وخافوا من تضاعف الحال وقالوا: اكتبوا لنا قائمة بالمنهوبات ونأتى بها من محل ما تكون،

ص: 73

وقرؤوا الفاتحة على ذلك وانصرفوا، وركب الشيخ إلى إبراهيم بيك وأرسل إلى حسين بيك وأحضره وكلمه فى ذلك فقال: كلنا نهابون، أنت تنهب ومراد بيك ينهب وأنا أنهب، ثم انفض المجلس وبردت القضية.

وفى عقبها بأيام قليلة حضر من ناحية قبلى سفينة بها تمر وسمن وخلافه، فأرسل سليمان بك الأغا فأخذ جميع ما فيها وادعى أن له مالا منكسرا عند أولاد وافى، ولم يكن ذلك لأولاد وافى وإنما هو لجماعة من مجاورى الصعائدة وغيرهم، فتعصب مجاور والصعائدة وأبطلوا دروس المدرسين وركب الشيخ الدردير والشيخ العروسى والشيخ المصيلحى وآخرون إلى إبراهيم بيك وتكلموا معه بحضرة سليمان بك كلاما كثيرا مفحما، فرد سليمان بيك بعض ما أخذه وذهب البعض.

وفى يوم الأحد ثالث عشر شعبان من هذه السنة حضرت صدقات من مولاى محمد صاحب المغرب ففرقت على فقراء الأزهر وخدمة الأضرحة/والمشايخ المفتين والشيخ البكرى والشيخ السادات والعمريين على يد الباشا بموجب قائمة ومكاتبة.

وفى شهر رجب سنة اثنتين ومائتين وألف، حضر إلى مينا بولاق أغا أسود وعلى يده مقرر لعبدى باشا، وخلعة لشريف مكة، وصحبته ألف قرش رومى أرسلها حضرة السلطان تفرق على طلبة العلم بالأزهر ويقرؤون له صحيح البخارى ويدعون له بالنصر، ثم كتبوا أسماء المجاورين والطلبة وأخبروا الباشا أن الألف قرش لا تكفى طائفة من المجاورين فزادها ثلاثة آلاف من عنده، فوزعوها بحسب الحال أعلى وأوسط وأدنى، فخص الأعلى عشرون قرشا والأوسط عشرة والأدنى أربعة، وكذلك طوائف الأروقة بحسب الكثرة والقلة، ثم قرؤوا البخارى، وصادف ذلك زيادة أمر الطاعون والكروب المختلفة.

وفى ذى القعدة من هذه السنة ثار جماعة الشوام وبعض المغاربة بالأزهر على الشيخ العروسى بسبب الجراية، وقفلوا فى وجهه باب الجامع بعد كلام وصياح، ومنعوه من الخروج فرجع إلى رواق المغاربة وجلس به إلى الغروب، ثم تخلص منهم وركب إلى بيته، وخرجوا فى الصبح إلى السوق وأمروا الناس بغلق الدكاكين، وذهب الشيخ إلى إسماعيل بيك وتكلم معه فقال له: أنت الذى تأمرهم بذلك وتريد تحريك الفتنة علينا، ومنكم أناس يذهبون إلى أخصامنا. فتبرأ من ذلك، وذهب أيضا إلى الباشا وصحبته بعض المتعممين فقال له الباشا مثل ذلك، وطلب الذين يثيرون الفتن من المجاورين ليؤدبهم وينفيهم فمانعه فى ذلك، ثم ذهبوا إلى على بيك الدفتردار وهو الناظر على الجامع الأزهر فتلافى القضية وصالح إسماعيل بيك، وأجروا لهم الأخباز بعد مشقة، وامتنع الشيخ من دخول الجامع أياما وقرأ درسه بالصالحية.

ص: 74

وبعد موت الشيخ العروسى سنة ثمان ومائتين وألف انتقلت مشيخة الأزهر للشيخ عبد الله بن حجازى الشرقاوى، ولد فى حدود الخمسين بعد المائة وتوفى سنة سبع وعشرين بعد المائتين (وقد بسطنا ترجمته وما وقع له مع الحكام والفرنسيس فى الكلام على بلدته الطويلة) وقد وقع فى مدته حوادث كثيرة، فمن ذلك ما اتفق له فى أيام الأمراء المصريين أن طائفة المجاورين بالأزهر من الشرقاويين كانوا قاطنين بالطيبرسية وعمل لهم خزائن برواق معمر، فوقع بينهم وبين سكانه مشاجرة وضربوا نقيب الرواق، فكان ذلك سببا لبناء رواق الشرقاويين كما ذكرنا فى الكلام على الأروقة.

وفى سنة تسع ومائتين بعد الألف حضر إليه أهل قرية بشرقية بلبيس له فيها حصة وذكروا له أن أتباع محمد بيك الألفى ظلموهم وطلبوا منهم مالا لا قدرة لهم عليه، فاغتاظ من ذلك وحضر إلى الأزهر وجمع المشايخ وقفلوا أبواب الجامع، وذلك بعد أن خاطب مراد بيك وإبراهيم بيك فلم يبديا شيئا، وأمر المشايخ الناس بغلق الأسواق والحوانيت ثم ركبوا ثانى يوم إلى بيت السادات وتبعهم كثير من العامة، وازدحموا أمام الباب والبركة بحيث يراهم إبراهيم بيك، فأرسل إليهم أيوب بيك الدفتردار فوقف بين أيديهم وسألهم عن مرادهم فقالوا: نريد العدل وإبطال الحوادث والمكوسات التى ابتدعتموها. فقال: لا يمكن الإجابة إلى هذا كله، فإنا إن فعلنا ذلك ضاقت علينا المعايش. فقالوا له: ليس هذا بعذر عند الله، وما الباعث على الإكتار من النفقات والمماليك؟ والأمير يكون أميرا بالإعطاء لا بالأخذ. فقال:

حتى أبلغ. وانصرف وانفض المجلس وركب المشايخ إلى الجامع الأزهر واجتمع أهل الأطراف وباتوا به، فبعث مراد بيك يقول: أجيبكم إلى جميع ما ذكرتموه إلا شيئين، ديوان بولاق وطلبكم المتأخر من الجامكية، ثم طلب أربعة مشايخ عينهم بأسمائهم فذهبوا إليه بالجيزة فلاطفهم والتمس منهم السعى فى الصلح، وفى اليوم الثالث اجتمع الأمراء والمشايخ فى بيت إبراهيم بيك وفيهم الشيخ الشرقاوى، وانعقد الصلح على رفع المظالم ما عدا ديوان بولاق وأن يكفوا أتباعهم عن مد أيديهم إلى أموال الناس ويسيروا فى الناس سيرة حسنة.

وكتب القاضى حجة بذلك وفر من عليها الباشا والأمراء، وانجلت الفتنة وفرح الناس وسكن الحال نحو شهر، ثم عاد إلى أصله وزيادة.

‌دخول الفرنساوية:

ومن حوادث الأزهر أيضا ما وقع له فى وقعة دخول الفرنساوية مصر، أنهم لما ظهرت غلبتهم على مصر وملكوا القلعة وغيرها، أرسل كبيرهم إلى مشايخ الأزهر مراسلة فلم يجيبوه عنها ومل من المطاولة، فعند ذلك ضربوا بالمدافع والبنبات والبنادق على البيوت

ص: 75

والحارات، وتعمدوا بالخصوص الجامع الأزهر، وحرروا عليه المدافع والقنابر وعلى ما جاوره من الأماكن كسوق الغورية والفحامين، فضج أهل تلك الجهة ونادوا يا سلام يا خفى الألطاف نجنا مما نخاف، وتتابع الرمى من القلعة وتلال البرقية حتى تزعزعت الأركان وهدمت فى مرورها حيطان الدور،/فركب المشايخ إلى كبير الفرنسيس ليرفع عنهم هذا النازل ويكف عسكره عن الرمى كما اتكف المسلمون، والحرب خدعة وسجال، فعاتبهم فى التقصير فاعتذروا إليه فقبل عذرهم وأمر برفع الرمى عنهم، وقاموا من عنده ينادون بالأمان فى المسالك والطرقات واطمأنت القلوب وأقبل الليل.

وأما أهل الحسينية والعطوف فلم يزالوا يرمون حتى فرغ منهم البارود فأثخنهم الفرنج بالرمى المتتابع، وبعد هجعة من الليل دخل الفرنج المدينة ومروا فى الأزقة والشوارع وهدموا ما وجدوا من المتاريس، وانتشروا فى الطرقات وتراسلوا رجالا وركبانا، ثم دخلوا الجامع الأزهر راكبين على خيولهم وتفرقوا بصحنه ومقصورته، وربطوا خيولهم بقبلته، وعاثوا بالأروقة والحارات، وكسروا القناديل والسهارات، وهشموا خزائن الطلبة ونهبوا أمتعتهم، ودشتوا الكتب والمصاحف وطرحوها على الأرض وداسوها بأرجلهم ونعالهم، وبالوا وتغوطوا فيه، وجردوا كل من وجدوه به وأخرجوهم، وأصبحوا مصطفين بباب الجامع وكل من حضر للصلاة يراهم فيكر راجعا، ونهبوا بعض الدور التى بالقرب من الجامع، وخرج سكان تلك الجهة يهرعون للنجاة بأنفسهم، وانتهكت حرمة تلك البقعة بعد أن كانت أشرف البقاع، ويرغب الناس فى سكناها زيادة عن غيرها ويدعون عند أهلها الودائع، وكان الفرنساوية لا يمرون بها إلا فى النادر ويحترمونها ظاهرا وباطنا، فانقلب موضوعها وبقى الأمر كذلك يومين قتل فيهما خلائق لا تحصى، ونهبت أموال لا تستقصى، فركب المشايخ بأجمعهم وذهبوا إلى بيت سر عسكر الفرنساوية وطلبوا منه العفو والأمان، فوعدهم مع التسويف، وطلب منهم بيان من تسبب فى إثارة الفتنة من المتعممين، فغالطوه فقال لهم على لسان الترجمان، نحن نعرفهم بالواحد، فترجوا عنده فى إخراج العسكر من الجامع الأزهر فأجابهم لذلك وأمر بخروجهم، وأسكن منهم نحو السبعين فى الخطة كالضابطين، ثم فحصوا عن المتهمين فطلبوا الشيخ سليمان الجوسقى شيخ طائفة العميان والشيخ أحمد الشرقاوى والشيخ عبد الوهاب الشبراوى والشيخ يوسف المصيلحى والشيخ إسماعيل البراوى وحبسوهم ببيت البكرى، ثم ركب الشيخ السادات والمشايخ إلى بيت سر عسكر وتشفعوا فى المسجونين فقيل لهم: لا تستعجلوا. وبعد أيام حضر جماعة من عسكر الفرنسيس إلى بيت البكرى نصف الليل وطلبوا المشايخ المحبوسين عند سر عسكر

ص: 76

ليتحدث معهم، فذهبوا بهم إلى بيت قائم مقام بدرب الجماميز، وهناك عروهم من ثيابهم وطلعوا بهم إلى القلعة فسجنوهم إلى الصباح فأخرجوهم وقتلوهم بالبنادق وألقوهم خلف القلعة، وتغيب حالهم أياما، وفى ذلك ركب بعض المشايخ إلى مصطفى بيك كتخدا الباشا ليذهب معه إلى سر عسكر للشفاعة فى المسجونين، ظنا منه أنهم فى قيد الحياة فركب معه وكلموه فقال لهم الترجمان: اصبروا. وذهب فى أشغاله فانصرفوا، ثم حضر عدة من الفرنسيس ووقفوا بحارة الأزهر فأغلق الناس الدكاكين وتسابقوا للهروب، فذهب بعض المشايخ وأخبر سر عسكر فمنع العساكر وفتح الناس الدكاكين وسكن الحال.

ومن ذلك أنه لما توجه بونابرت إلى الشام بعد استيلائه على مصر استولى على مدينة العريش وغزة وخان يونس، ورد الخبر إلى مصر فعمل الفرنساوية شنكا وضربوا عدة مدافع من القلعة والأزبكية، وحضر عدة منهم راكبين الخيول، وبعضهم مشاة، وعلى بعضهم عمائم بيض، وعلى جماعة برانيط ومعهم نفير ينفخون فيه وبيدهم بيارق كانت عند المسلمين بقلعة العريش، إلى أن وصلوا إلى الجامع الأزهر واصطفوا ببابه رجالا وركبانا، وطلبوا الشيخ الشرقاوى وأمروه برفع تلك البيارق على منارات الجامع الأزهر، فنصبوا بيرقين ملونين على المنارة الكسيرة ذات الهلالين عند كل هلال بيرقا وعلى منارة أخرى بيرقا، وضربوا عدة مدافع بهجة وسرورا وكان ذلك ليلة عيد الفطر، وعند الغروب ضربوا مدافع إعلاما بالعيد (إلى آخر ما هو مبسوط فى تاريخ الجبرتى وذكرنا بعضه فى عدة مواضع كناحية إنبابة والمطرية والطويلة والعريش).

‌نادرة عجيبة:

وفى المحرم افتتاح سنة خمس عشرة ومائتين وألف وقعت نادرة عجيبة، وهى أن سر عسكر الفرنساوية [كليبر]

(1)

كان واقفا فى بستان داره بالأزبكية وصحبته أحد خواصه، فدخل شخص يوهم أن له حاجة وضربه بخنجر فشق بطنه وفر هاربا، ففتشوا عليه حتى أخرجوه من بئر فوجدوه شاميا، فسألوه فخلط فى كلامه فعاقبوه وحرقوا يديه بالنار فقال لهم:

لا تظلموا أهل مصر، فأنا من جملة جماعة بعنا أنفسنا للموت، واتفقنا على قتل رؤسائكم.

فقيل له: أين كنت تأوى؟ فقال: عند فلان وفلان برواق الشوام بالجامع الأزهر، ولا يدرون حالى. فأحضروا الشيخ/الشرقاوى والعريشى وألزموهما بإحضار الذين كان يأوى إليهم وهم أربعة، ثم ركبوا إلى الأزهر وصحبتهم أغات الإنكشارية وقبضوا على ثلاثة ولم يجدوا

(1)

فى الاصل: كابر.

ص: 77

الرابع، ثم صبروا

(1)

المقتول وألبسوه برنيطة ثم وضعوا معه الخنجر الذى قتل به وحملوه على عربة إلى تل العقارب حيث القلعة التى بنوها هناك وضربوا له المدافع، وأحضروا القاتل وخوزقوه، وضربوا رقاب الثلاثة الشوام المظلومين وحرقوا جثثهم ورفعوا رؤوسهم على خوازيق بجانب المخوزق، ثم وضعوا قتيلهم فى تخشيبة ووضعوا عندها عسكرا يتناوبون ليلا ونهارا، ثم ولوا عوضه سر عسكر يسمى منو كان بثغر رشيد وأظهر أنه أسلم وتسمى بعبد الله، وحضر مع قائمقام والأغا إلى الأزهر وشقوا فيه وفى أروقته وأرادوا نبش أماكن للتفتيش على السلاح، وأخذ المجاورون فى نقل أمتعتهم وإخلاء الأروقة ونقلوا كتب الوقف، ثم إنهم كتبوا أسماء المجاورين فى قائمة وأمروهم أن لا يأووا آفاقيا مطلقا وأخرجوا منه الآتراك بالكلية، وفى عصريتها توجه الشيخ الشرقاوى والمهدى والصاوى إلى سر عسكر منو واستأذنوه فى قفل الجامع وتسميره، فتكلم بعض القبط وقال: هذا لا يصح. فحنق عليه الشيخ الشرقاوى وقال: اتركونا يا قبط واكفونا شر دسائسكم. وقصد الشيخ منع الريبة فإنه ربما دسوا من يبيت به واحتجوا بذلك على إنجاز أغراضهم من الفقهاء، ولا يمكن الاحتراس من ذلك لكثرة دخانيق الجامع واتساع زواياه فأذنوا لهم بذلك، فقفلوه وسمروا أبوابه، وكذا سمروا مدرسة محمد بيك المقابلة له وأخرجوا منها الأتراك، واستمرت الشدة والانزعاج إلى أن أخذ الفرنساوية فى الانجلاء من الديار المصرية.

وفى غاية المحرم من سنة ست عشرة فتحوا الجامع الأزهر وشرعوا فى كنسه وتنظيفه وكذلك المدرسة، وفرح الناس فرحا شديدا وهنأ بعضهم بعضا، وحضر الوزير حسن باشا إلى المدينة فصلى الجمعة بالمشهد الحسينى وزار المشهد، ودعاه الشيخ السادات إلى داره المجاورة للمشهد الحسينى وسقاه قهوة وسكرا وطيبه بماء الورد والبخور، ثم خرجا إلى الجامع الأزهر فطاف بمقصوراته وأروقته وجلس ساعة وأنعم على الكناسين بدراهم وعلى خدمة المشهد الحسينى بمائتى قرش رومى.

وفى شهر شعبان من سنة ثمانى عشرة وقف جماعة من العسكر فى خفاء الجامع الأزهر عند طلوع الشمس وعروا عدة أناس وأخذوا ثيابهم وعمائمهم. فانزعج الناس ووقعت فيهم كرشة وأغلقوا الدكاكين وذهبوا إلى الشيخ الشرقاوى والسيد عمر النقيب والشيخ

(1)

صبر بفتح الصاد وتشديد الباء المفتوحة: حنط الميت: عالج جثته وحشاها بالحنوط كى لا يدركها فساد (المنجد).

ص: 78

الأمير فركبوا إلى الأمراء وعملوا جمعية وأحضروا كبار العساكر وتكلموا معهم، ثم ركب الوالى بعدة من عسكر الأرنؤود ونادى المنادى بالأمان.

وفى شهر صفر من سنة تسع عشرة وزعت على أرباب الحرف والصنائع خمسمائة كيس، فضجوا مع ما هم فيه من وقف الحال، وأصبحوا لم بفتحوا الدكاكين وحضر منهم طائفة إلى الجامع الأزهر، ومر الأغا والوالى ينادون بالأمان وفتح الدكاكين.

وفى ثانى يوم تجمع الكثير من غوغاء العامة والأطفال ومعهم طبول وصعدوا إلى منارات الجامع الأزهر يصرخون ويطبلون، وتحلقوا بمقصورة الجامع يدعون وينضرعون، ووصل الخبر إلى الباشا فأرسل إلى السيد عمر النقيب يقول: إنا رفعنا عن الفقراء.

فقال السيد عمر: إن هؤلاء الناس وأرباب الحرف كلهم فقراء وكفاهم ما هم فيه من القحط ووقف الحال، فكيف تطلب منهم مغارم لجوامك العسكر؟ فرجع الرسول بذلك ثم عاد بفرمان يتضمن رفع الغرامة عن المذكورين، ونادى المنادى بذلك فاطمأن الناس وتفرقوا إلى بيوتهم، وخرج الأطفال يرمحون ويفرحون.

وفى شهر صفر من سنة عشرين كانت البلد مشحونة بأخلاط العسكر ومنهم الدالاتية جهة مصر القديمة وقصر العينى والآثار ودير الطين يأكلون الزرع ويخطفون ما يصادفون من الفلاحين والمارين، ويأخذون النساء والأولاد للإفساد، فحضر سكان مصر القديمة نساء ورجالا إلى الجامع الأزهر يشكون ويستغيثون، ويخبرون أن الدالاتية أخرجوهم من ديارهم ولم يمكنوهم من أخذ أمتعتهم ولا نسائهم، فخاطب المشايخ الباشا فى أموهم فكتب للدالاتية بترك الدور لأهلها فلم يمتثلوا، فاجتمع المشايخ بالأزهر وتركوا قراءة الدروس وخرجت الأولاد الصغار يصرخون فى الأسواق فأرسل الباشا كتخداه إلى الأزهر فلم يجد به أحدا، وكان المشايخ انتقلوا إلى بيوتهم، فذهب إلى بيت الشرقاوى وحضر هناك السيد عمر أفندى وخلافه فكلموه وأوفهموه، ثم قام وانصرف فرجمه الأولاد بالحجارة وبقى الأمر على السكون أياما.

وفى المحرم من سنة خمس وعشرين ظهر بالأزهر أنفار بقفون بالليل بصحنه، فإذا قام إنسان منفردا أخذوا ما معه، وأشيع ذلك فاجتهد الشيخ المهدى فى الفحص عنهم إلى أن عرفوا أشخاصهم وأنسابهم، وفيهم من هو من أولاد المظاهر المتعممين، فستروا أمرهم وأظهروا من ليس له شهرة ونسبوا إليه هذه الفعال وأخرجوه منفيا، وكذلك أخرجوا طائفة من القوادين والنساء الفواحش كانوا سكنوا بحارة الأزهر واحتموا

ص: 79

فى أهله، وجعل أكابر الدولة وعساكرهم وأهل البلد والسوقة سهرهم وديدنهم ذكر الأزهر وأهله، ونسبوا له كل رذيلة، ويقولون نرى كل موبقة تظهر منه بعد أن كان منبع الشريعة والعلم، وقد ظهر منه قبل الآن الزغلية والآن الحرامية وأمور غير ذلك مخفية.

ثم فى شهر ربيع الثانى من سنة سبع وعشرين وقعت حادثة بخط الأزهر، وهى أنه حصل به عدة سرقات حتى ضج الناس، إلى أن اتهمت امرأة رومية أشخاصا من عميان الأزهر فقبضوا عليهم وقرروهم فقالوا: لسنا بسارقين وإنما سمعنا صوت محمد بن أبى القاسم الدرقاوى المغربى المنفصل عن مشيخة رواق المغاربة ومعه آخرون، سمعناهم يتكلمون فى ذلك، فذهب بعض الأغاوات إلى أبى القاسم وكلموه سرّا سترا على أهل الخرقة المنتسبين للأزهر فأوعدهم أنه يتكلم مع أولاده، ثم أرسل إلى من يتعاطى الحسبة بخط الأزهر وحلفهم أن يستروا عليه وعلى أولاده فى هذه القضية، ثم أخرج لهم أمتعة من خزانة عنده، ثم فى الليل جاءهم ابنه بالصندوق يحمله رجل صرماتى وادعى على الصرماتى أنه هو السارق فأخذوه وعاقبوه، فسمى أولاد أبى القاسم وآخر يسمى سلاطة وابن عبد الرحيم، ثم أحضروهم إلى الكتخدا فلم يزل الصرماتى يذكر ما كانوا عليه فى سرحاتهم القديمة والجديدة ويقول: فعلنا كذا فى ليلة كذا واقتسمنا كذا فى محل كذا ويقيم الأدلة ويقول لأبى القاسم: أنت كبيرنا ورئيسنا ولا نسرح الا بمشورتك فأقر أولاد أبى القاسم، وكثر اللغط فى أهل الأزهر واجتمع كثير ممن سرقت لهم الأمتعة وظهر كثير من ذلك، ثم رفعوهم إلى المحكمة فثبتت عليهم السرقات، وكتب القاضى إعلاما بصورة الواقعة فأمر الكتخدا بقطع أيدى الثلاثة:

محمد بن أبى القاسم ورفيقه الصرماتى والضباع فقطعت ثم نفاهم إلى الإسكندرية، ثم رجع محمد بن أبى القاسم بالشفاعة ومات من أثر القطع. وفى هذه السنة مات الشيخ عبد الله الشرقاوى فطلع المشايخ إلى القلعة بعد ثلاثة أيام من موته وذكروا للباشا موته واستأذنوه فيمن يجعلونه شيخا على الأزهر فقال لهم: أعملوا رأيكم واختاروا شيخا يكون خاليا عن الأغراض وأنا أقلده ذلك. فنزلوا إلى بيوتهم واختلفت آراؤهم، فالبعض اختار الشيخ المهدى، والبعض اختار الشيخ محمد الشنوانى، وامتنع الشيخ الأمير من المشيخة وكذلك ابن العروسى، وكان الشنوانى منعزلا عنهم يقرأ درسه بجامع الفاكهانى وبيده وظائف خدمته، فعند فراغه من الدرس يغير ثيابه ويكنسه ويغسل القناديل ويعمرها ويكنس المراحيض، فلما بلغه أنهم ذكروه تغيب.

ثم إن الباشا أمر القاضى بهجت أفندى أن يجمع المشايخ ويتفقوا على شخص يكون شيخا بالشرط المذكور، فجمع القاضى أكابر العلماء كالقويسنى والفضالى إلا ابن العروسى

ص: 80

والهيثمى والشنوانى، فأرسلوا إليهم فحضروا ولم يحضر الشنوانى، فأرسلوا له رسولا فرجع بورقة ويقول إن له ثلاثة أيام غائبا عن داره، وقال لأهله إن طلبونى فاعطيهم هذه الورقة.

فأخذ القاضى الورقة ففضها وقرأها فإذا فيها بعد البسملة والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم:

لحضرة مشايخ الإسلام إننا نزلنا عن المشيخة للشيخ بدوى الهيثمى. فعند ذلك قام الحاضرون يومة واحدة وأكثرهم من الشوام وقالوا هو لم يثبت له مشيخة حتى ينزل عنها، وقال كبارهم:

لا يكون شيخا إلا من يفيد الطلبة. فقال القاضى: ومن الذى ترضون؟ فقالوا: نرضى الشيخ المهدى. وقام الكل وصافحوه وقرؤوا الفاتحة وكتب القاضى إعلاما بذلك، وركب المهدى إلى بيته فى كبكبة وحوله المشايخ والمجاورون وشربوا الشربات وأقبل الناس للتهنئة وانتظروا ورود جواب الإعلام من الباشا فلم يأت.

‌مشيخة الشيخ الشنوانى على الأزهر:

[هذا] والمدبرون يدبرون شغلهم، وأحضروا الشيخ الشنوانى من مصر القديمة وتمموا شغلهم، وأحضروا الشيخ منصور اليافى ليعيدوه إلى مشيخة الشوام، وجمعوا بقية المشايخ آخر الليل وركبوا فى الصباح إلى القلعة فخلع الباشا على الشيخ محمد الشنوانى فروة سمور وقرره شيخا، وكذا على السيد منصور اليافى وقرره على رواق الشوام كما كان، ثم نزلوا وصحبتهم أغات الينكشارية بهيئة الموكب، وعلى رأسه المحورة الكبيرة وأمامه الملازمون بالبراقع والريش على رؤوسهم، حتى نزلوا بدار ابن البجى بحارة خشقدم لأن دار الشنوانى صغيرة ضيقة لا تسع ذلك الجمع، وقام له المحروقى بجميع الاحتياجات وأرسل من الليل الطباخين والفراشين والأغنام والأرز والحطب والسمن والسكر والقهوة وأوقف عبيده لخدمة القادمين للتهنئة ومناولة القهوة والشربات/والبخور وماء الورد، وأتى الناس إليه أفواجا، ووصل الخبر إلى المهدى ومن معه وحصل لهم الكسوف وبطلت مشيخته. ولما كان يوم الجمعة حضر الشيخ الشنوانى إلى الأزهر وصلى الجمعة، وحضر المشايخ وعملوا الختم للشرقاوى، وحصل ازدحام عظيم وخصوصا للتفرج على الشيخ الجديد وكأنه لم يكن طول دهره بينهم (وقد ترجمناه فى الكلام على بلدته شنوان).

وبعد موته فى سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وألف تقلد المشيخة بعده العلامة السيد محمد ابن الشيخ أحمد العروسى من غير منازع وبإجماع أهل الوقت، ولبس الخلع من بيوت الأعيان مثل البكرى والسادات ومن يحب التظاهر.

وبعد موته فى سنة خمس وأربعين انتقلت المشيخة للشيخ أحمد بن على بن أحمد الدمهوجى الشافعى نسبة إلى دمهوج قرية بقرب بنها العسل، وكانت داره برقعة القمح وراء رواق

ص: 81

الصعايدة، وكان جميل الهيئة حسن الصورة عمر سبعين سنة وتوفى ليلة الأضحى سنة ست وأربعين فكانت مدة شياختة نحو ستة أشهر، وكان نقش خاتمه الشكر لله بحمد عبده الدمهوجى أحمد.

‌تولية الشيخ حسن العطار على الأزهر وترجمته:

وبعد موته انتقلت لوحيد زمانه العلامة الشيخ حسن بن محمد العطار، فأقام شيخا بيده الحل والعقد حتى مات آخر سنة خمسين ومائتين وألف، وقد بحثت عن ترجمته حتى أتى لى ابنه لصلبه الشيخ أسعد جمعها له بعض فضلاء الوقت مما سمع منه أو نقل عنه أو وجد مكتوبا مشتتافى مؤلفاته، وملخص ذلك أنه رحمه الله ولد بالقاهرة سنة نيف وثمانين ومائة وألف ونشأ بها فى حياطة أبيه الشيخ محمد كتن، وسمع من أهله أنه مغربى الأصل ورد بعض اسلافه مصر واستوطنها، وكان أبوه فقيرا عطارا له إلمام بالعلم كما يدل عليه قوله فى بعض كتبه:

ذاكرت بهذا الوالد رحمه الله: وكان يستصحبه إلى الدكان ويستخدمه فى صغار شؤونه ويعلمه البيع والشراء، ولشدة ذكائة وحدة فطنته كان يميل إلى التعلم وتأخذه الغيرة عند رؤيته أترابه يترددون إلى المكاتب، فكان يختلف إلى الجامع الأزهر خفية عن أبيه حتى قرأ القرآن فى مدة يسيرة، فلما اطلع أبوه على ذلك اشتد سروره به وتركه وشأنه وساعده على طلب العلم، فجد الشيخ فى التحصيل على كبار المشايخ كالشيخ الأمير والشيخ الصبان وغيرهما حتى بلغ من العلوم فى زمن قليل مبلغا تميز به واستحق التصدى للتدريس، لكنه مال إلى الاستكمال واشتغل بغرائب الفنون والتقاط فوائدها، فلما كان هيجان الفتن بدخول الفرنساوية مصر داخله الخوف ففر إلى الصعيد كجماعة من العلماء، ثم عاد بعد أن حصل الأمن، واتصل بناس من الفرنساوية فكان يستفيد منهم الفنون المستعملة فى بلادهم ويفيدهم اللغة العربية ويقول:

إن بلادنا لا بد أن تتغير أحوالها ويتجدد بها من المعارف ما ليس فيها، ويتعجب مما وصلت إليه تلك الأمة من المعارف والعلوم وكثرة كتبهم وتحريرها وتقريبها لطرق الاستفادة، ثم ارتحل فى تلك المدة إلى الشام وأقام بدمشق زمنا، وكان يقول الشعر أحيانا دون اهتمام به كما هو عادة كثير من العلماء، قال: وقلت وأنا بدمشق هذه القصيدة وسببها أن صاحبنا العلامة الشيخ محمد المسيرى كان قدم من بيروت لدمشق فأقام بالمدرسة البدرية حيث أنا مقيم ومكث نحو شهرين فوقع لى به أنس عظيم، ثم عاد إلى بيروت وأرسل مكتوبا لبعض التجار فيه قصيدة تتضمن مدح دمشق وعلمائها وتجارها الذين صاحبوه مدة إقامته، فكان جزاء تلك القصيدة أنها لم تقع منهم موقع القبول وصاروا يهزؤون بكلماتها وقوافيها، فانتدبت

ص: 82

لنظم هذه القصيدة على بحرها ورويها انتصارا للشيخ المسيرى، وقد ذكرت بعض منتزهات دمشق فى أول قصيدتى وأتيت فيها بفنون من الغزل والهجاء وغيرهما فقلت:

بوادى دمشق الشام جزبى أخا البسط

وعرج على باب السلام ولا تخطى

ولا تبك ما يبكى امرؤ القيس حوملا

ولا منزلا أودى بمنعرج السقط

فإن على باب السلام من البها

ملابس حسن قد حفظن من العط

هنالك تلقى ما يروقك منظرا

ويسلى عن الأخدان والصحب والرهط

عرائس أشجار إذا الريح هزها

تميل سكارى وهى تخطر فى مرط

كساها الحيا أثواب خضر تدثرت

بنور شعاع الشمس والزهر كالقرط

ومنها:

وقف بى بجسر الصالحية وقفة

لأقضى لبانات الهوى فيه بالبسط

وعرج على باب البريد تجدبه

مراصد للعشاق فى ذلك الخط

/وحاذر سويقات العمارة إنها

مهالك للأموال تأخذ لا تعطى

إلى أن قال:

فلو أن قارونا تبايع بينهم

لعاد فقيرا للخلائق يستعطى

ولست لما أنفقت فيها بآسف

ولا بالرضا منى أمازج بالسخط

إلى أن قال:

وعندى من التأليف شئ وضعته

على شرح قانون الحفيد أخى السبط

ثلاث مقالات كبار وضعتها

لتعريف حال الكىّ والفصد والط

وجزء على شرح المبرد كامل

أبين فيه غامض النبض بالقط

وألفت فى علم الجراحة نبذة

لتعريف أكل الفول بالقطع والخط

إلى خرها، ومن شعره:

إنى لأكره فى الزمان ثلاثة

ما إن لها فى عدّها من زائد

قرب البخيل وجاهلا متفاضلا

لا يستحى وتودّدا من حاسد

ومن الرزية والبلية أن ترى

هذى الثلاثة جمعت فى واحد

ومن خطه فى بعض مجموعاته: اتفق لى أن بعد قضاء حجى توجهت مع الركب الشامى فوصلت إلى معان ثم لبلدة الخليل فأقمت بها نحو عشرة أيام، ثم توجهت إلى القدس الشريف

ص: 83

فنزلت بدار نقيبها السيد عمر أفندى، وليس ثمة دار آهلة للواردين سواها، وكان المذكور معزولا عن نقابة الأشراف وكان له عادة ورثها من سلفه الأقدمين عمل الموسم الموسوى، يتوجه لضريح السيد موسى الكليم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم، فيبذل الهمة مالا وبدنا فى إقامة شعائر الموسم وإطعام الطعام إلى انقضاء الموسم، فاتفق أن جاءه المنصب قبل الموسم بيومين، وعزل المتولى الذى كان لا يستحق هذه الوظيفة الشريفة، وكنت إذ ذاك بمنزله فإنى تربصت حتى أحظى بزيارة السيد الكليم تتميما لهذه السياحة المباركة فنظمت قصيدة تهنئة له بعودة المنصب فقلت:

الحمد لله على فضله

قد رجع الحق إلى أهله

وآض روض الفضل ذا بهجة

من بعد أن أشفق من محله

قد يطلب الحسناء من لم يكن

كفؤا لها للحمق فى عقله

فمنصب المرء قرين له

والشكل مجذوب إلى شكله

وإن سما شخص إلى رتبة

ليس لها فاضحك على جهله

فهذه غلطة دهر ففى

رقدته فى ظلها خله

فثم لا يظفر إلا بما

يسفر بالخيبة عن عزله

قد يتساوى اثنان فى منصب

وإنما التفريق فى سبله

ومفخر المرء بأفعاله

لا بالذى قد مات من أهله

وقد يسود الشخص آباءه

ويشرف الفرع على أصله

وقد نرى فرعين من دوحة

تخالفا فى الحكم مع شكله

فالخلّ والخمر عصير وقد

باين هذا ذاك فى فعله

إلى آخرها.

ثم إنه ارتحل إلى بلاد الروم وأقام هناك مدة طويلة، وسكن بلد اشكودره من بلاد الأرنؤود وتأهل بها وأعقب لكن لم يبق عقبه ثمة، ولم يزل مشتغلا بالإفادة والاستفادة حتى عاد إلى مصر بعلوم كثيرة وأقر له علماء عصره بالانفراد، وعقد مجلسا لقراءة تفسير البيضاوى وقد مضت مدة على هذا التفسير لا يقرؤه أحد فحضره أكابر المشايخ، فكانوا إذا جلس للدرس تركوا حلقهم وقاموا إلى درسه. قال المترجم فيما نقل عنه: قدم علينا بمصر عام سبعة وثلاثين بعد المائتين والألف كبير جبال الدروز لقيام أهل الجبال عليه ملتجئا بوزيرها محمد على باشا، وقدم بصحبته بطرس النصرانى فاجتمع بالفقير مرارا ورأيت منه أدباجما ومحاضرة

ص: 84

ومعرفة بالتواريخ والأيام والأنساب والنحو وغير ذلك، وكان يكتب الخط الحسن وامتدحتى بقصيدة منها:

/أمّا الذكاء فإنه

أذكى وأبرع من إياسه

أضحى البديع رفيقه

لما تفرد فى جناسه

فى أى فن شئته

فكأنه بانى أساسه

ونقل عن المرحوم الفاضل الشيخ محمد شهاب الشاعر أنه كان يقول: إن الشيخ العطار كان آية فى حدة النظر وشدة الذكاء، ولقد كان يزورنا ليلا فى بعض الأحيان فيتناول الكتاب الدقيق الخط الذى تعسر قراءته فى وضح النهار فيقرأ فيه على نور السراج وهو فى موضعه، وربما استعار منى الكتاب فى مجلدين فلا يلبث عنده إلا الأسبوع أو الأسبوعين ويعيده إلى وقد استوفى قراءته وكتب فى طرره على كثير من مواضعه، وكان رحمه الله تعالى طويلا بعيد ما بين المنكبين واسع الصدر أشم أسمر اللون خفيف اللحية، وكان له اتصال خاص بسامى باشا وأخويه باقى بك وخير الله بك وله عليهم مشيخة، وبواسطتهم كان يجتمع على المرحوم محمد على باشا فيجله ويعظمه ويعرف فضله، وتولى مشيخة الأزهر وله تآليف عديدة، منها:

حاشيته على جمع الجوامع نحو مجلدين، وحاشية على الأزهرية فى النحو، وحاشية على مقولات الشيخ السجاعى، وحاشية على السمرقندية، ورسالة فى كيفية العمل بالأسطرلاب والربعين المقنطر والمجيب والبسائط، ورسائل فى الرمل والزايرجة والطب والتشريح وغير ذلك، وكان يرسم بيده المزاول النهارية والليلية رحمه الله تعالى.

‌تولية الشيخ القويسنى مشيخة الأزهر:

وبعد موته تقلدها البرهان الشيخ حسن القويسنى فى سنة خمسين ومائتين بعد الألف وتوفى فى سنه أربع وخمسين، وكان مع انكفاف بصره مهيبا جدا عند الأمراء وغيرهم وله الحل والعقد. (وقد ترجمناه فى الكلام على قويسنا).

‌تولية الشيخ احمد عبد الجواد الصائم:

وبعده تقلدها الشيخ أحمد عبد الجواد الصائم سنة أربع وخمسين ومات سنة ثلاث وستين (وترجمناه فى الكلام على بلدته سفط العرفاء).

‌تولية الشيخ البيجورى على الأزهر،

وبعده تقلدها شيخ الشيوخ الشيخ إبراهيم البيجورى فى شهر شعبان سنة ثلاث وستين، وسار فيها باحتشام وتوقير إلى أن توفى سنة سبع وسبعين ومائتين وألف (وترجمته مبسوطة فى الكلام على ناحية البيجور).

ص: 85

وكان المرحوم عباس باشا فى جلوسه على تخت مصر يزوره فى درسه بالأزهر فلا يقوم له، بل يحضر له كرسى من جريد يجلس عليه خارج الدرس هنيهة، ثم يخرج وينثر خارج الأزهر شيئا من القروش الفضة المصرية. وقبيل سنة سبعين قام جماعة من مجاورى المغاربة على الشيخ وهموا بضربه من أجل مرتب الجراية، وأراد القبض عليهم فتعصبوا فرفع الأمر للحكومة، فجاءت العساكر إلى رواق المغاربة وقبضوا على من وجدوه وسمروا الرواق وبقيت المحافظة عليه أياما ثم انحسمت المادة بنفى أربعة منهم مشهورين بالعداء.

وفى زمن جلوس المرحوم سعيد باشا على التخت حصل التشديد فى طلب الشبان للعسكرية فاضطر بعض مشايخ القرى لدخول الأزهر للقبض على أشخاص محتمين بالأزهر بسيمة طلب العلم، وكلموا الشيخ فى ذلك وهو على كرسى درسه فنهرهم وصرح فى وجوههم، وأمر بضربهم فقام عليهم المجاورون بالنعال والأكف والعصى حتى أسكتوهم، ثم رفعوا ومات أحدهم من ذلك الضرب ولم يعرف له قاتل وذهب دمه هدرا.

وكان للشيخ ملازمة كلية على الدرس بالأزهر وقيام تام بوظائف المشيخة إلى أن كبر سنه فأهمل، وحصل بالأزهر حوادث أو جبت إقامة أربعة وكلاء عنه للقيام بواجبات الوظيفة، فمن تلك الحوادث أن بعض الشوام والصعايدة تزاحموا فى الجلوس فى الدرس وتضاربوا فجاء جملة من الشوام بالنبابيت والعصى وساقوا الصعايدة سوقا عنيفا، وركبوا أقفيتهم من تحت الإيوان إلى رواق الصعايدة، فخضر طائفة من الصعايدة بنبابيتهم ووقعوا بالشوام ضربا، وهموا وراءهم بقوة شديدة حتى أدخلوهم رواق الشوام وحاصروهم به ولم يسع الشوام إلا قفل باب الرواق، بل تسور لهم بعض الصعايدة من فوق السطوح واستمروا كذلك حتى ذهب الشيخ محمد الرافعى إلى بعض الأعيان من تجار الشوام وأخبره وذهبوا جميعا إلى خبر الدين باشا ضابط مصر، فحالا أرسل جملة من عساكر الأرنؤود وخلافهم فدخلوا الأزهر بصورة شنيعة وتطاولوا على كل صعيدى بلا تحقيق، فأخذ الصعايدة فى الذب عن أنفسهم حتى أخرجوا العساكر من الأزهر، ولم يلبثوا أن جاءت عساكر جهادية وأتراك بكثرة من طرف الضابط لما بلغه من التهويل، فدخلوا الأزهر بأسلحتهم ونفيرهم وطبلهم لابسين الجزم فقبضوا من الصعايدة على نحو ثلاثين وسجنوهم بالضبطية، ثم أخذوا ثلاثة من مشايخهم وعوقوهم هناك قليلا وبعد أطلقوهم/وبقى المجاورون فى السجن، وكان إذ ذاك المرحوم سعيد باشا فى الأرض الحجازية يزور النبى صلى الله عليه وسلم، وكانت الأحكام فى غيبته لوكلائه أحمد باشا ومصطفى باشا وعبد الحليم باشا وإسماعيل باشا الخديو بعده، فسعى بعض المشايخ عندهم فى الإفراج عنهم فأفرج عنهم بعد نحو عشرين يوما.

ص: 86

‌انتخاب وكلاء للجامع الأزهر:

وحصل الكلام فى طريقة يسير عليها الأزهر حيث إن شيخه أقعده الكبر، وانحط الرأى على توكيل أربعة من العلماء، وصدر الأمر للشيخ مصطفى العروسى بعقد جمعية من العلماء لانتخاب أربعة يكون هو رئيسهم، فانتخب الشيخ أحمد كبوه العدوى المالكى والشيخ إسماعيل الحلبى الحنفى والشيخ خليفة الفشى الشافعى والشيخ مصطفى الصاوى الشافعى شيخ رواق معمر، ولما قدم المرحوم سعيد باشا من الزيارة وبلغه الخبر أحضر خير الدين باشا وعنفه، ويقال إنه ضربه بالجزمة ثم طرده وبعد قليل مات غريقا.

‌تولية الشيخ مصطفى العروسى:

ثم بعد موت الشيخ بقى الأزهر بلا شيخ بل بوكالة الأربعة، إلى أن كانت سنة إحدى وثمانين فتقلد المشيخة الشيخ مصطفى العروسى كأبيه وجده (وترجمنا الجميع فى الكلام على منية عروس) وكان قد ترك القراءة بالأزهر فعاد إليها وخافته المشايخ والطلبه، وكان مشغوفا بإبطال بدع كثيرة فأبطل الشحاذة بالقرآن فى الطرقات، وأقام جماعة ممن يدرس بالأزهر بلا استحقاق، وعزم على عمل الامتحان ففاجأه العزل عن المنصب فى سنة سبع وثمانين ومائتين وألف.

‌تولية الشيخ محمد المهدى العباسى الحفنى:

وتقلدها بعده الشيخ محمد المهدى العباسى الحفنى الحنفى، وهذا أول انتقالها إلى علماء الحنفية، فسار فيها سيرا حسنا ودان له الخاص والعام من أهل الأزهر، وزاد الأمراء فى تعظيمه، وقلت على يديه الشرور والمفاسد فى الأزهر، وكثرت به المرتبات من النقود والكساوى والجرايات المتجددة والمحياة بعد موتها، فقد كان للأزهر مرتبات كثيرة اضمحلت وتنوسيت، فحرى الكثير منها على أهله حتى صار لأكثرهم اسم فى الروزنامجة وغيرها وأثرى كثير منهم، وخلعت عليهم الخلع ودعوا فى المجامع الشريفة خصوصا بالامتحان الذى تقرر لمن يريد التصدر للتدريس، وله تحرّ بليغ فى صرف الاستحقاقات والمشى على شروط الوافقين وقوانين الحكام، حتى إن المجاور إذا رأى من مشايخ بلده تعديا عليه بنظمه فى سلك الفلاحين الذين يجرفون الجسور مثلا، وأراد الاحتماء بالأزهر بأخذ شهادة من المشايخ أنه مجاور بالأزهر، فلا يمكنه الشيخ من ذلك إلا إذا امتحنه بنفسه فى الكتب التى يدعى أنه حضرها أوفى حفظ القرآن، وكان للشيخ درس بالأزهر. ثم لازم القراءة فى بيته (وله ترجمة ذكرناها عند الكلام على ناحية يهيا الجيزية).

ثم كانت العادة أن للسادة المالكية شيخا يتكلم عليهم وتكون درجته قريبة من درجة شيخ

ص: 87

العموم، وكذا كان للسادة الحنفية، وأما السادة الشافعية فكان شيخهم هو شيخ العموم، فلما انتقلت المشيخة للسادة الحنفية صار شيخهم شيخ العموم، وكان حق الشافعية أن يقيموا لهم شيخا لكن طمعهم فى رجوع المشيخة لهم حملهم على إهمال ذلك.

ولم تزل مشيخة المالكية باقية لصرفهم النظر عن عود المشيخة إليهم، قممن تولى مشيخة السادة المالكية الشيخ على الصعيدى المنسفيسى العدوى المتوفى سنة تسع وثمانين ومائة وألف.

ثم الشيخ أحمد الدردير العدوى الشهير بالولاية وتوفى سنة إحدى ومائتين وألف، وكان مع ذلك شيخ رواق الصعايدة وناظر وقفهم ومفتيا. وكلاهما مترجم فى الكلام على بنى عدى.

ثم بعده الشيخ محمد الأمير الكبير المتوفى سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وألف.

ثم تولاها ابنه الشيخ محمد الأمير الصغير.

ثم الشيخ إبراهيم الملوانى.

ثم الشيخ عبد الله القاضى العدوى، جمعت له مع مشيخة الرواق، وتوفى سنة سبع وخمسين ومائتين وألف.

ثم بعده الشيخ حبيش المتوفى سنة إحدى وسبعين تقريبا.

ثم بعده شيخ الشيوخ أبو عبد الله الشيخ محمد عليش سار فيها بشهامة، ثم بعد قليل حصلت نادرة منعتة من القيام بواجبها، وقد ترجمه ابنه الشيخ محمد المالكى أحد مدرسى الأزهر، ولم يستوف مناقبه ولا قرب من استيفائها، فإنه المجدد فى هذا القرن.

فقال: إنه الإمام الجهبذ الوحيد الجامع بين العلم والتقوى، الرافل فى حلل الزهد والورع، المتجافى عن الشبهات والبدع، فرع الشجرة النبوية، وخلاصة السلسلة الهاشمية، أستاذنا ومولانا الشيخ محمد بن الشيخ أحمد بن الشيخ محمد عليش، ومنشأ تلقبه بعليش أن اسم جده الأعلى علوش أحد أجداد الغوث سيدى عبد العزيز الدباغ صاحب كتاب الذهب الإبريز. قال المترجم فيما كتبه بطرة شرحه لقواعد الإعراب:

إن الأصل الأول من الجهتين من فاس، والأب ولادة طرابلس الغرب والأم ولادة مصر، وقال فى حاشيته التيسير/والتحرير على شرحه لمجموع المحقق الأمير: أخبرنى من يوثق به أن مدينة طرابلس ليس فيها من يسمى عليشا إلا جدى محمد وأولاده، وأنه من فاس، أقام بطرابلس فى رجوعه من الحج وتزوج بها وولد له بها أربعة ذكور ثم توفى بها فانتقلوا منها، ومات عمى محمد بمكة المشرفة، وكان من الأولياء العارفين، وتوفى والدى وأخوه على وحسين

ص: 88

بمصر ودفنوا بحارة الدوادارى بقرب الجامع الأزهر، وأخبرنى آخر يوثق به أن بأعمال فاس قبيلة من الأشراف يقال لها العلالشة فلعل جدى منها والله أعلم. وأخبر المترجم أن والده لقبه فى صغره بمحمد حبيب ولكن شاع بين الناس اللقب الأول، وأن ولادته كانت بحارة الجوار بجوار الجامع الأزهر فى شهر رجب الحرام سنة سبع عشرة ومائتين وألف هجريه، وحفظ القرآن وسنه ثلاث عشرة سنة، واشتغل بالعلم فى الأزهر وأدرك به الجهابذة كالشيخ محمد الأمير الصغير والشيخ عبد الجواد الشباسى والشيخ عوض السنباوى والشيخ مصطفى السلمونى والشيخ مصطفى البولاقى والشيخ فراج العمورى والشيخ محمد فتح الله والشيخ حسن حميدة العدوى والشيخ مقديشى المغربى السفاقسى، وممن أجازه شيخ المالكية الشيخ إبراهيم الملوى والشيخ مصطفى البنانى صاحب التجريد على السعد والشيخ محمد حبيش شيخ المالكية وغيرهم رضي الله عنهم.

واشتغل بالتدريس فى الأزهر سنة اثنتين وثلاثين، فلم يدع فنا إلا درسه وأفاد فيه حتى تخرج عليه جل أهل الأزهر أو كلهم فى وقته، منهم: الشيخ أحمد أبو السعود الإسماعيلى والشيخ منصور كساب العدوى والشيخ مخلوف المنياوى والشيخ محمد الحداد والشيخ محمد قطة العدوى، كلهم مالكيون.

وممن أخذ عنه الأستاذ شيخ الجامع الأزهر الآن الشيخ محمد الإنبابى والشيخ أحمد الأجهورى والشيخ عبد الرحمن الشربينى والشيخ عبد الرحمن البحراوى الحنفى وغيرهم، وله التآليف العديدة الجامعة المفيدة، فمنها شرحه منح الجليل على مختصر الشيخ خليل فى أربعة مجلدات ضخام وحاشية عليه ثلاثة أجزاء وقد طبع بالحاشية على هامشه فى المطبعة الكبرى ببولاق، وشرحه مواهب القدير على مجموع العلامة الأمير فى أربعة مجلدات وحاشيته عليه التيسير والتحرير أربعة أجزاء، وحاشية على مجموع الأمير تسمى البدر المنير أربعة أجزاء ضخام، وشرحه الجامع الكبير على مجموع الأمير بلغ فيه إلى باب الصيام فى أربعة أجزاء، وحاشية تسمى هداية السالك على شرح أقرب المسالك للقطب الدردير وهى جزآن مطبوعة، الجميع فى فقه مالك، وله فتاوى فى التوحيد والفقه فى مجلدين، وحاشية على شرح كبرى السنوسى تسمى القول الوافى السديد فى عقيدة أهل التوحيد فى مجلد ضخم، وشرح على الكبرى أيضا يسمى هداية المريد لعقيدة أهل التوحيد وهو جزء لطيف وله عليه حاشية يرجى تمامها، وشرح على منظومة سيدى أحمد المقرى المسماة بإضاءة الدجنة فى عقائد أهل السنة وهى خمسمائة بيت من بحر الرجز واسمه الفتوحات الوهبية على العقائد المقرية، الجميع فى التوحيد، ورسالة تسمى القول الفاخر فى بعض ما يتعلق بآية {إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ

ص: 89

الْآخِرِ} فى نحو كراستين، ورسالة تسمى كفاية المريد فى مناسك الحج نحو كراسة، وحاشية تسمى القول المنجى على مولد البرزنجى نحو خمس كراريس طبعت فى المطبعة الكبرى، ورسالة تسمى تقريب العقائد السنية بالأدلة القرآنية نحو كراستين طبعت مرارا ورسالة فى البسملة تشتمل على ثمانية عشر علما تسمى الإيضاح نحو ستة كراريس، وخاتمة على مجموع الشيخ الأمير تسمى الكوكب المنير ثلاثة كراريس، وخاتمة تسمى الدرر البهية على شرح ابن تركى على العشماوية نحو كراسة، وخاتمة تسمى فتح الجليل على شرح ابن عقيل فى نحو كراستين، وخاتمة تسمى جلاء الصدا على شرح قطر الندا فى نحو كراستين، وحاشية على شرح الأشمونى على الألفية تسمى مواهب المالك وهى جزآن، وحاشية تسمى وميلة الإخوان على رسالة العلامة الصبان فى فن البيان وهى مجلد واختصرها فى نحو اثنتى عشرة كراسة مطبوعة، وشرح يسمى موصل الطلاب لقواعد الإعراب للشيخ يوسف البرناوى نحو ثمانى كراريس مطبوعة أيضا، وشرح يسمى حل المعقود من نظم المقصود فى الصرف للشيخ أحمد عبد الرحيم الطهطاوى نحو عشرة كراريس مطبوع، وحاشية تسمى القول المشرق على شرح ايساغوجى فى المنطق نحو ثمانى كراريس مطبوعة، ورسالة فى الموجهات نحو ورقتين، ورسالة تسمى بغية المبتدى وتذكرة المنتهى فى الفرائض نحو ست كراريس، وشرح يسمى فيض المنان/فى الحساب والفرائض على الدرة البيضاء فى الحساب للشيخ عبد الرحمن الأخضرى، وله تقييدات كثيرة فى فنون عديدة على كتب شتى، ومع مواظبته على التدريس للمنقول والمعقول لا يترك قراءة الكتب الحديثية فى المسجد الحسينى مع تفسير غرائبها وحل مشكلها وبيان مجملها.

وتقلد حفظه الله مشيخة السادة المالكية والإفتاء بالديار المصرية فى شهر شوال سنة سبعين ومائتين وألف رحمه الله تعالى ونفع به العالمين بجاه سيد المرسلين، حرر ذلك الفقير محمد عليش المالكى الأشعرى الشاذلى الأزهرى نجل الأستاذ المترجم المذكور ضاعف الله لها الأجور فى سنة أربع وتسعين ومائتين وألف.

وبالجملة فهو فريد هذا العصر علما وزهدا وورعا وكمالا وتمسكا بالأحكام الشرعية والشمائل النبوية، لا ينطق إلا فيما يعنيه، ولا يفعل ما لا ثواب فيه، ما رآه راء إلا ذكر الله تعالى بقلبه ولسانه، ومال إليه بجميع أركانه، وله جلالة تهيب الأسود، ومواعظ تقشعر منها الجلود، لا يركن إلى أهل الجرائم، ولا تأخذه فى الله لومة لائم، ويغلب على الظن أنه من شبيبته إلى مشيبه لم يترك صلاة الجماعة، وأكثر ما يكون ذلك مع جماعة المسجد الحسينى.

فحقا إنه اخترق المكاره التى حفت بها الجنة، ومن ورعه أنه عند دخوله المسجد يضع نعله

ص: 90

فى كيس خوفا من تنجيس المسجد وإن كان ذلك معفوا عنه، ولا يشرب القهوة ولا يشم رائحة الدخان، ولا يلبس ما فيه حرير أو نقد فيجتنب زر الطربوش وخلع الملوك والأمراء وموائدهم، ولا يزال يشدد النكير على الشافعية فى تعدد الجماعات فى المساجد فى آن واحد، وهم يقولون إن مذهبنا جواز ذلك فلا يسلم لهم، وله ملاحظات جميلة جدا إذا سمع من يقرأ قرآنا تجده يبادر باستقباله ويستدبر القبلة له فى غير الصلاة، وسئل فى ذلك فقال:

إنه لا يسع أحدا يقرأ عليه فرمان الملك أن يسمعه وهو غير مستقبله بكليته، وينكر أيضا على العلماء والطلبة فى مسكهم النعال بأيمانهم والمحافظ فى شمائلهم، وفى بصقهم وامتخاطهم بين النعلين فى المساجد ويقول: إن النعال معفو عن نجاستها اللازمة لها من المنشى فى الطرقات، فإذا بصق الإنسان فى النعل تنجس البصاق من نجاسة النعل وصار نجاسة طارئة غير معفو عنها، وينكر على العلماء فيما اعتادوه من كتبهم فى المحاضر والتذاكر أن فلانا عالم محصل مستحق للوظائف مثلا والحال أنه ليس كذلك، ويقول: هذه من شهادة الزور، وهم يتساهلون فى ذلك ويرونه من قضاء حوائج الناس. وينكر عليهم أيضا فى حضور ليالى السهر فى الأفراح والجنائز مع اشتمالها على ما لا يجوز أو ما لا يليق، فإن أقل ما فيها عدم الإصغاء لقراءة القرآن ورفع الصوت عنده وهو لا يجوز.

ومات ابنه الجهبذ العلامة الفريد بالألمعية والتحصيل الشيخ عبد الله عليش سنة أربع وتسعين ومائتين وألف، فلم يمكن أحدا من عمل الابرار المعتاد لموت علماء الأزهر، ولم يمش أمام جنازته بقراءة البردة ونحوها، ولم يجلس لقبول العزاء فيه بل قفل بيته وطرد القراء والفراشين الذين يخدمون فى الليالى، وقال لهم: أنا لا أدرى ما فعل بابنى فى قبره حتى أعمل له ليالى كليالى الأفراح، ولا أكون من الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعا.

وله حدة المغاربة وشدة الصالحين، أفتى الشيخ حسن العدوى مرة فى مسألة فرأى أنه أخطأ فيها ولم يرجع عن فتواه فشدد عليه ومنعه من القراءة بالأزهر. وحاصلها أن الأمير عبد اللطيف باشا كان مفتشا فى الأقاليم بعد سنة سبعين وكان جبارا شديدا فقصد رجلا من أهل الجيزة ففر منه فأمسك أباه وطلبه منه فادعى الأب أنه لا يعرف لابنه مكانا خوفا على ابنه من الضرب الأليم، فحلفه بالطلاق فحلف والحال أنه يعرف مكان ابنه، فأفتى الشيخ العدوى بأنه مكره لا يلزمه الطلاق فأنكر عليه الشيخ عليش وقال: إن الإكراه بالنسبة للولد لا يكون إلا بخوف القتل لا بمجرد الإيلام الشديد بخلاف الخوف على النفس، وانعقد لذلك مجلس من العلماء فى مدفن الكتخدا على عادتهم فى المهمات، فحصل من الشيخ العدوى ما أوجب أن الشيخ يحكم عليه بعدم القراءة فى الأزهر فلم يمتثل الشيخ العدوى وجلس فى الدرس على عادته، فذهب إليه الشيخ ليقيمه، وتبعه بعض المغاربة ففر الشيخ العدوى وكسر

ص: 91

المغاربة كرسيه وكان من جريد. ثم إن الشيخ العدوى تواقع على الأمراء والمشايخ فعقدوا لذلك مجلسا فى القلعة وتعصبوا فيه على شيخ المالكية، وانفض المجلس بالحكم عليه بأن لا يتولى الحكم فى شئ من تعلقات الوظيفة مع بقائها له، ثم أعيد الشيخ العدوى للتدريس بالأزهر وأعيد له الكرسى خشبا، واستمر الأمر على ذلك لا يلى شيخ المالكية شيئا من شؤون الوظيفة، ولم يزل متفرغا للعبادة والتدريس والتأليف لا يهمه أمر، والخشوع غالب عليه بل لا يفارقه، فلا تراه إلا مطرقا رأسه فى سائر أحواله، وإذا التفت التفت جميعا، /وصوته فى الدرس منخفض مع انكباب الناس عليه، فيحضر درسه الحديث بالمسجد الحسينى نحو المائتين، وقد بلغ عمره نحو الثمانين مع القوة والصحة فى جميع حواسه، وهو رحمه الله تعالى كان طويل القامة عربى الوجه متسع الجبهة جميل اللحية له سمت حسن على سمت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أوّلا يدرس فى الأزهر مع وظيفة درس فى المسجد الحسينى، فلا نخفاض صوته مع كثرة الازدحام ترك الدرس بالأزهر لعدم الإسماع ولازم المسجد الحسينى.

***

ص: 92

‌جامع آل ملك

قال المقريزى: هذا الجامع فى الحسينية خارج باب النصر. أنشأه الأمير سيف الدين الحاج آل ملك، وكمل وأقيمت فيه الخطبة يوم الجمعة تاسع جمادى الأولى سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة. والأمير سيف الدين هذا أصله مما أخذ فى أيام الملك الظاهر من كسب الأبلستين لما دخل إلى بلاد الروم فى سنة ست وسبعين وستمائة، وصار إلى الأمير سيف الدين قلاوون وهو أمير قبل سلطنته، فأعطاه لابنه الأمير على، وما زال يترقى فى الخدم إلى أن صار من كبار الأمراء المشايخ رؤوس المشورة فى أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون، وتولى نيابة حماة فى سلطنة الناصر أحمد، ثم قدم إلى مصر فى تولية الصالح إسماعيل وأقام بها مبجلا إلى أن أمسك الأمير آق سنقر السلارى نائب السلطنة بديار مصر فولاه النيابة مكانه، وشدد فى الخمر إلى الغاية وحدّ شاربها، وهدم خزانة البنود وأراق خمورها وبنى بها مسجدا وحكرها للناس فسكنت، وأمسك الزمام زمانا إلى أن تولى الملك الكامل شعبان فأخرجه أول سلطنته إلى دمشق نائبا بها، فلما كان فى أول الطريق حضر إليه من أخذه وتوجه به إلى صفد نائبا بها فدخلها آخر ربيع الآخر سنة سبع وأربعين وسبعمائة، ثم سأل الحضور إلى مصر فرسم له بذلك، فلما توجه ووصل إلى غزة أمسكه نائبها ووجهه إلى الإسكندرية فى سنة سبع وأربعين فخنق بها، وكان خيرا فيه دين وعبادة يميل إلى أهل الخير والصلاح، وعمر غير هذا الجامع دارا مليحة عند المشهد الحسينى، ومدرسة بالقرب منها رحمة الله عليه.

وفى طبقات الشعرانى أنه أقام بهذا الجامع الشيخ الصالح المعتزل عن الناس إبراهيم نحو أربعين ستة، صابرا على الوحدة حين خربت حارة الجامع ليلا ونهارا شتاء وصيفا، وكانت الأكابر تتردد إليه للتبرك به، وكان يلبس العمامة أو الثوب لا يخلعها حتى تذوب عليه مات سنة نيف وسبعمائة، وقد تخرب هذا الجامع واندرست معالمه.

‌جامع إبراهيم أغا

هذا الجامع بقرب قلعة الجبل بين باب الوزير والتبانة. وكان أولا يعرف باسم منشئه آق سنقر الناصرى السلارى.

قال المقريزى: كان موضعه فى القديم مقابر أهل القاهرة، أنشأه الأمير آق سنقر الناصرى، وبناه بالحجر وجعل سقوفه عقودا من حجارة، وزخمه واهتم فى بنائه اهتماما

ص: 93

زائدا حتى كان يقعد على عمارته بنفسه، ويشيل التراب مع الفعلة بيده، ويتأخر عن غدائه اشتغالا بذلك.

وأنشأ بجانبه مكتبا لإقراء أيتام المسلمين القرآن، وحانوتا لسقى الناس الماء العذب، ووجد عند حفر آساس هذا الجامع كثيرا من الأموال، وجعل عليه ضيعة من قرى حلب لعل فى السنة مائة وخمسين ألف درهم فضة عنها نحو سبعة آلاف دينار، وقرر فيه درسا فيه عدة من الفقهاء، وولى الشيخ شمس الدين محمد بن اللبان الشافعى خطابته، وأقام له سائر ما يحتاج إليه من أرباب الوظائف، وبنى بجواره مكانا ليدفن فيه ونقل إليه ابنه فدفنه هناك.

وهذا الجامع من أجلّ جوامع مصر، إلا أنه لما حدثت الفتن ببلاد الشام وخرجت النواب عن طاعة سلطان مصر منذ مات الملك الظاهر برقوق امتنع حضور مغل وقف هذا الجامع لكونه فى بلاد حلب، فتعطلت وظائفه إلا الأذان والصلاة وإقامة الخطبة فى الجمع والأعياد.

ولما كانت سنة خمس عشرة وثمانمائة أنشأ فى وسطه الأمير طوغان الدوادار بركة ماء وسقفها، ونصب عليها عمدا من رخام لحمل السقف، أخذها من جامع الخندق وهدمه لأجل ذلك، وصار الماء ينقل إلى هذه البركة من ساقية الجامع التى كانت للميضأة، فلما قبض الملك المؤيد شيخ الظاهرى على طوغان فى يوم الخميس تاسع عشر جمادى الأولى سنة ست عشرة وثمانمائة، وأخرجه إلى الإسكندرية واعتقله بها، أخذ شخص الثور الذى كان يدبر الساقية فإن طوغان كان آخذه منه بغير ثمن فبطل الماء من البركة.

وآق سنقر هذا هو الأمير شمس الدين أحد مماليك السلطان الملك المنصور قلاوون، ولما فرقت المماليك فى نيابة كتبغا على الأمراء صار آق سنقر من نصيب الأمير سلار، ولذلك قيل له آق سنقر السلارى، وقد ترقى فى زمن الملك الناصر محمد بن قلاوون حتى صار أحد الأمراء المقدمين، وزوجه بابنته وأخرجه لنيابة صفد، ثم نقله إلى نيابة غزة، ثم تولى نيابة مصر وسار فيها سيرة حسنة، فكان لا يمنع أحدا شيئا طلبه كائنا ما كان، ولا يرد سائلا ولو كان مطلوبه غير ممكن، فارتزق/الناس فى أيامه واتسعت أحوالهم وتقدم من كان متأخرا، حتى كان الناس يطلبون ما لا حاجة لهم به.

ثم إن الصالح أمسكه هو وجملة من الأمراء من أجل أنهم نسبوا إلى الممالأة والمداجاة مع الناصر أحمد، وذلك يوم الخميس رابع المحرم سنة أربع وأربعين وسبعمائة، وكان ذلك آخر العهد به. انتهى.

ص: 94

وبه أيضا قبر منشئه آق سنقر، وقبر يعرف بقبر علاء الدين.

وهو من الجوامع الكبيرة، وسقفه محمول على أعمدة من الحجر الشبيه بالرخام، وببعض حيطانه القيشانى إلى نحو أربعة أمتار، وبه منبر ودكة من الرخام، وكذلك العمد التى تحملها، وصحنه غير مسقوف وبه حنفية وفسقية، وله ثلاثة أبواب: اثنان على الشارع بقرب باب الوزير، والثالث بدرب شعلان مكتوب عليه تاريخ البدء فيه سنة 727 والفراغ منه سنة 728.

وعرف بجامع إبراهيم أغا من أجل أن إبراهيم أغا مستحفظان كان ناظرا عليه، وبنى له به قبرا وكتب عليه: أنشأ هذا القبر المبارك الراجى عفو ربه ستر الله عيوبه وغفر ذنوبه:

إبراهيم أغا مستحفظان فى تاريخ سنة ألف وثلاث وعشرين وكان نظر هذا الجامع تحت يد رجل بمقتضى تقرير من المحكمة المصرية، فلما مات أضيف النظر إلى الديوان. وكان إيراده فى السنة قبل إضافته إلى الديوان أحدا وثمانين ألف قرش وتسعمائة قرش، منها أجر أماكن واحد وثمانون ألف قرش وأربعمائة وتسعة وثلاثون قرشا، ومرتب بالروزنامجة مائة قرش وواحد وأربعون قرشا، وأحكار ثلاثمائة قرش واثنان وعشرون قرشا، وبعد إضافته إلى الديوان بلغ إيراده زيادة عن مائة ألف قرش، يصرف منها ما يلزم لشعائره والباقى يحفظ للعمائر.

‌جامع إبراهيم الصوفى

هذا الجامع بحارة أبى السباع. ويعرف أيضا بجامع جركس، شعائره معطلة وهو متخرب وليس به ما يدل على تاريخ إنشائه، وله أوقاف تحت نظر الشيخ حسن الشبراوى.

‌جامع إبراهيم الميدانى

هو بحارة بئر حمص. مقام الشعائر وليس به ما يدل على تاريخ إنشائه، وبه ضريح الشيخ إبراهيم الميدانى وقيمه عمر الكعكى الخباز.

‌جامع ابن إدريس

هو بحارة خليل من خط الحنفى. به أعمدة من الحجر، وبدائره من أعلى إزار خشب مكتوب فيه: أمر بإنشاء هذا المسجد الشريف السيد أحمد بن السيد إدريس الشافعى القاسمى، مع آيات قرآنية، وبه منبر خشب مكتوب عليه تاريخ سنة إحدى ومائتين وألف، وفى جهته القبلية ضريح ابن إدريس عليه مقصورة من الخشب ومكتوب على ستره: هذا

ص: 95

مقام سيدى محمد بن إدريس، مع آية الكرسى، وله منارة ومطهرة وشعائره مقامة، وبجواره حمام له عليه حكر.

‌جامع ابن الرفعة

قال المقريزى: هذا الجامع خارج القاهرة بحكر الزهرى. أنشأه الشيخ فخر الدين ابن عبد المحسن بن الرفعة بن أبى المجد العدوى انتهى.

وهو داخل حارة الشيخ قواديس بلصق الشارع الجديد الذى افتتحه الخديو الأعظم من تجاه باب حارة غيظ العدة إلى قنطرة آق سنقر، وهو الآن متهدم غير مقام الشعائر، وليس به آثار تدل على تاريخ إنشائه، وفيه ضريح منشئه متهدم أيضا، وتجاهه من الجهة الأخرى ضريح الشيخ قواديس، فلذا اشتهر بمسجد قواديس. وعلى ما فى المقريزى يكون هو غير ابن الرفعة المشهور، أحد أئمة الشافعية الذى ترجمه فى حسن المحاضرة فقال:

هو الإمام نجم الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن على بن مرتفع الأنصارى، واحد عصره وثالث الشيخين الرافعى والنووى فى الاعتماد عليه.

قال الإسنوى: كان إمام مصر بل سائر الأمصار، وفقيه عصره فى جميع الأقطار، كان أعجوبة فى استحضار كلام الأصحاب وفى معرفة نصوص الشافعى، وفى قوة التخريج.

ولد بالفسطاط سنة خمس وأربعين وستمائة، وتفقه على الظهير التزمنتى، والشريف العباسى، وغيرهما. ودرس بالمعزية بمصر، وولى حسبة مصر، وصنف التصنيفين العظيمين:

الكفاية فى عشرين مجلدا، والمطلب فى ستين مجلدا، وله النفائس فى هدم الكنائس، وتأليف فى المكيال والميزان. مات بمصر سنة عشر وسبعمائة.

‌جامع ابن طولون

موضع هذا الجامع يعرف بجبل يشكر. قال ابن عبد الظاهر: وهو مكان مشهور بإجابة الدعاء، وقيل: إن موسى عليه الصلاة والسلام ناجى ربه عليه بكلمات. ابتدأ فى بنائه الأمير أبو العباس أحمد بن طولون فى سنة ثلاث وستين ومائتين بعد بناء القطائع، وكان أولا يصلى الجمعة فى المسجد القديم الملاصق للشرطة، فلما ضاق عليه بنى الجامع الجديد مما أفاء الله عليه من المال الذى وجده فوق الجبل فى الموضع المعروف بتنور فرعون، وهو الكنز الذى شاع خبره وكتب به أحمد بن طولون إلى العراق يخبر المعتمد، ويستأذنه فيما يصرفه فيه من وجوه البر، فبنى منه الجامع والمارستان والعين، وكان قدره على ما ذكره المقريزى ألف ألف دينار،/عبارة عن سبعمائة وخمسين ألف بينتو ذهبا، باعتبار أن الدينار خمسة

ص: 96

عشر افرنكا أو ثلاثة ريالات سينكو. فلما أراد بناءه قدر له ثلاثمائة عمود، فقيل له ما تجدها أو تنفذ إلى الكنائس فى الأرياف والضياع الخراب فتحملها منها، فأنكر ذلك ولم يختره، وتعذب قلبه بالفكر فى أمره، وبلغ الخبر النصرانى الذى تولى له بناء العين وكان قد غضب عليه ورماه فى المطبق، فكتب إليه يقول: أنا أبنيه لك كما تحب وتختار بلا عمد إلا عمودى القبلة، فأحضره وقد طال شعره حتى نزل على وجهه فقال: ويحك ما تقول فى بناء الجامع؟ فقال: أنا أصوره للأمير حتى يراه عيانا بلا عمد إلا عمودى القبلة. فأمر بأن يحضر له الجلود فأحصرت، وصوره له فأعجبه واستحسنه، فأطلقه وخلع عليه، وأطلق له للنفقة عليه مائة ألف دينار وقال له: أنفق، وما احتجت إليه أطلقناه لك. فوضع النصرانى يده فى البناء، فكان ينشر من جبل يشكر ويعمل الجيرويبنى، إلى أن فرغ من جميعه وبيضه وخلقه، وعلق فيه القناديل بالسلاسل الحسان الطوال، وفرش فيه الحصر وحمل إليه صناديق المصاحف، ونقل إليه القراء والفقهاء، فلما كان أول جمعة صلاها فيه أحمد بن طولون وفرغت الصلاة جلس محمد بن الربيع خارج المقصورة، وقام المستملى وفتح باب المقصورة وجلس أحمد بن طولون والغلمان قيام وسائر الحجاب، فتكلم ابن الربيع على حديث «من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا فى الجنة» فلما فرغ المجلس خرج إليه غلام بكيس فيه ألف دينار وقال: يقول لك الأمير نفعك الله بما علمك وهذه لأبى طاهر، يعنى ابنه، وتصدق ابن طولون بصدقات عظيمة، وعمل طعاما للفقراء والمساكين، وكان يوما عظيما.

ونزل أحمد بن طولون فى الدار التى عملها فيه للإمارة، وكانت فى الجهة القبلية منه، ولها باب من جدار الجامع يخرج منه إلى المقصورة بجوار المحراب والمنبر، وكانت قد فرشت وعلقت بها القناديل وحملت إليها الآلات والأوانى وصناديق الأشربة وما شاكلها، فجدّد بها طهره وغير ثيابه وخرج إلى المقصورة فركع وسجد شكرا لله تعالى على ما أعانه عليه من ذلك، ثم خرج من المقصورة حتى أشرف على الفوارة وخرج إلى باب الريح، فصعد النصرانى الذى بنى الجامع ووقف إلى جانب المركب النحاس وصاح: يا أحمد بن طولون يا أمير الأمان عبدك يريد الجائزة، ويسأل الأمان أن لا يجرى عليه مثل ما جرى فى المرة الأولى. فقال له: انزل فقد أمنك الله، ولك الجائزة. فنزل وخلع عليه، وأمر له بعشرة آلاف دينار، وأجرى عليه الرزق الواسع إلى أن مات.

ولم يزل ينزل بهذه الدار إذا راح إلى الصلاة إلى أن قدم المعز لدين الله أبو تميم معدّ من

ص: 97

بلاد المغرب فصار يجبى فيها الخراج، وبقيت زمنا ثم تخربت وصار موضعها ساحة ثم احتكرت وبنيت.

ويقال: إن ابن طولون راح فى يوم الجمعة إلى الجامع، فلما رقى الخطيب المنبر وخطب -وهو أبو يعقوب البلخى-دعا للمعتمد ولولده، ونسى أن يدعو لأحمد بن طولون، ونزل عن المنبر فأشار أحمد إلى نسيم الخادم أن اضربه خمسمائة سوط، فذكر الخطيب سهوه وهو على مراقى المنبر، فعاد وقال: الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما، اللهم وأصلح الأمير أبا العباس أحمد بن طولون مولى أمير المؤمنين. وزاد فى الشكر والدعاء له بقدر الخطبة، ثم نزل فنظر أحمد إلى نسيم أن اجعلها دنانير، ووقف الخطيب على ما كان منه فحمد الله تعالى على سلامته وهنأه الناس بالسلامة.

ورأى ابن طولون الصناع يبنون فى الجامع عند العشاء-وكان فى شهر رمضان- فقال: متى يشترى هؤلاء الضعفاء إفطارا لعيالهم وأولادهم؟ اصرفوهم العصر. فصارت سنة إلى اليوم بمصر. فلما فرغ شهر رمضان قيل له: قد انقضى شهر رمضان فيعودون إلى رسمهم. فقال: قد بلغنى دعاؤهم وقد تبركت به، وليس هذا مما يوفر العمل علينا.

قال القضاعى: إن السبب فى بنائه أن أهل مصر شكوا إليه ضيق الجامع يوم الجمعة من جنده وسودانه، فأمر بإنشاء هذا الجامع، فابتدأ فى بنائه فى سنة ثلاث وستين ومائتين وفرغ منه فى رمضان سنة خمس وستين ومائتين، فجاء من أحسن الجوامع، وعمل فى مؤخره ميضأة وخزانة شراب فيها جميع الشرابات والأدوية وعليها خدم، وفيها طبيب جالس يوم الجمعة لحادث يحدث للحاضرين للصلاة، وبلغت نفقة بنائه مائة وعشرين ألف دينار. وتقرب الناس إلى ابن طولون بالصلاة فيه، وألزموا أولادهم صلاة الجمعة فى فوارة الجامع، ثم يخرجون بعد الصلاة إلى مجلس الربيع بن سليمان ليكتبوا العلم ومع كل واحد عدة أوراق وعدة غلمان.

ويقال إن ابن طولون رأى فى منامه كأن الله تعالى قد تجلى ووقع نوره على المدينة التى حول الجامع إلا الجامع فإنه لم يقع عليه من النور شئ، فتألم وقال: والله ما بنيته إلا لله خالصا، ومن المال الحلال الذى لا شبهة/فيه فقال له معبر حاذق: هذا الجامع يبقى ويخرب كل ما حوله لأن الله تعالى قال: {فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} ، فكل شئ يقع عليه جلال الله عز وجل لا يثبت.

ورأى أيضا كأن نارا نزلت من السماء فأخذت الجامع دون ما حوله، فلما قصها قيل له: أبشر بقبول الجامع، فقد كان إحراق النار فى الزمان السابق علامة على قبول القربان.

ص: 98

قال ابن عبد الظاهر: سمعت غير واحد يقول إنه لما فرغ ابن طولون من بناء هذا الجامع أسر بسماع ما يقوله الناس فيه من العيوب، فقال رجل: محرابه صغير. وقال آخر:

ما فيه عمود. وقال آخر: ليست له ميضأة. فجمع الناس وقال: أما المحراب فإنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خطه لى، فأصبحت فرأيت النمل قد أطافت بالمكان الذى خطه لى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما العمد فإنى بنيت هذا الجامع من مال حلال، وهو الكنز، وما كنت لأشوبه بغيره، وهذه العمد إما أن تكون من مسجد أو كنيسة. فنزهته عنها، وأما الميضأة فإنى نظرت فوجدت ما يكون منها من النجاسات فطهرته منها، وها أنا أبنيها خلفه، ثم أمر ببنائها.

وفى سنة ست وسبعين وثلاثمائة احترقت الفوارة التى كانت به فلم يبق منها شئ واحترقت القبة التى كانت فى صحنه وكانت مشبكة من جميع جوانبها، وهى مذهبة قائمة على عشرة أعمدة من الرخام، وفى جوانبها ستة عشر عمودا مفروشة كلها بالرخام، وتحت القبة قصعة رخام فسحتها أربعة أذرع فى وسطها الفوارة، وقبة مزوقة يؤذن فيها وفى أخرى على سلمها، وفى السطح علامات الزوال، والسطح بدرابزين ساج، فاحترق جميع هذا فى ساعة واحدة.

ثم فى سنة خمس وثمانين وثلاثمائة أمر العزيز بالله بن المعز ببناء فوارة عوضا عنها.

قال المسبّحى: إن الحاكم أنزل إلى جامع ابن طولون ثمانمائة مصحف وأربعة عشر مصحفا للقراءة فيها، وبقى الجامع عامرا مع ما حوله إلى زمن المستنصر، فجاء الغلاء بمصر وخربت القطائع والعسكر وفارقت الناس هذه الجهة، وخرب الجامع وما حوله، وصارت المغاربة تنزل فيه بأباعرها ومتاعها عندما تمر بمصر أيام الحج.

واستمر على ذلك إلى أن استولى لاجين على الديار المصرية وتلقب بالملك المنصور سنة ست وتسعين وستمائة فأمر ببنائه، فبنى وبيض وجعل عليه أوقافا عظيمة، ورتب فيه دروسا للمذاهب الأربعة، ودرسا للتفسير، ودرسا للحديث، ودرسا للطبّ، وقرر للخطيب معلوما وجعل له إماما راتبا ومؤذنين وفراشين وقومة، وعمل بجواره مكتبا لإقراء أيتام المسلمين وغير ذلك من أنواع البر، فبلغت النفقة على عمارته وثمن مستغلاته عشرين ألف دينار، ورجع الجامع لما كان عليه وعمر ما حوله إلى أن قتل الملك لاجين سنة ثمان وتسعين وستمائة.

وفى سنة سبع وستين وسبعمائة جدد به الأمير يلبغا العمرى الخاصكى دروسا للحنفية،

ص: 99

وقرر لكل فقيه من الطلبة فى الشهر أربعين درهما وأردب قمح، فانتقل جماعة من الشافعية إلى مذهب الحنفية.

وولى نظره بعد تجديده الأمير سنجر الجاولى دوادار السلطان الملك المنصور لاجين.

ثم وليه قاضى القضاة بدر الدين محمد بن جماعة.

ثم من بعده الأمير مكين فى أيام الناصر محمد بن قلاوون فجدد فى أوقافه طاحونا وفرنا وحوانيت.

ثم وليه قاضى القضاة عز الدين بن جماعة.

ثم ولاه الناصر للقاضى كريم الدين الكبير فجدد فيه مئذنتين، فلما نكبه السلطان عاد نظره إلى قاضى القضاة الشافعى.

وما برح إلى أيام الناصر حسن بن محمد بن قلاوون فولاه للأمير صرغتمش، وتوفر فى مدة نظره من مال الوقف مائة ألف درهم فضة، فكان من أحسن الجوامع إيرادا.

وفى سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة جدد الرواق البحرى الملاصق للمئذنة الحاج عبيد بن محمد بن عبد الهادى الهويدى البازدار مقدم الدولة وحاز نعمة جليلة وسعادة طائلة، توفى سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، وكان ابن طولون لا يعبث بشئ قط فاتفق أنه أخذ درجا أبيض بيده وأخرجه ومده، ثم استيقظ لنفسه وعلم أنه فطن به وأخذ عليه لكونه لم تكن تلك عادته فطلب المعمار وقال له: تبنى المنارة التى للتأذين هكذا، فبنيت على تلك الصورة.

انتهى من المقريزى.

وقال ابن جبير فى رحلته: وبين مصر والقاهرة المسجد الكبير المنسوب إلى أبى العباس أحمد بن طولون، وهو من الجوامع العتيقة الأنيقة الصنعة، الواسعة البنيان، جعله السلطان مأوى للغرباء من المغاربة يسكنونه ويحلقون فيه، وأجرى عليهم الأرزاق فى كل شهر، ومن أعجب ما حدثنا به أحد المتخصصين منهم أن السلطان جعل أحكامهم إليهم، ولم يجعل يدا لأحد عليهم، فقدموا من أنفسهم حاكما يمتثلون أمره ويتحاكمون فى طوارئ أمورهم، واستصحبوا الدعة والعافية وتفرغوا لعبادة ربهم، ووجدوا من فضل السلطان أفضل معين على الخير الذى هم بسبيله انتهى.

وفى تاريخ الجبرتى أنه فى سنة خمس ومائة وألف هبت ريح شديدة وتراب أظلم منه الجو، وكان الناس فى صلاة الجمعة فى رمضان، فظن الناس أنها القيامة، وسقطت المركب التى على منارة جامع ابن طولون وهدمت دور كثيرة انتهى.

ص: 100

وقد بقى هذا الجامع عامرا تقام فيه الجمعة والجماعة مدة ثم سقطت عليه غوائل الأزمان فتخرب وضاعت أوقافه.

وفى زمن الأمير محمد بيك أبى الذهب جعل ورشة لعمل الأحزمة الصوف وغيرها، وبعد ذلك اتخذ تكية للفقراء إلى الآن، ففيه اليوم جملة وافرة منهم أورثوه خرابا وتقذيرا ونتنا وجعلوا فيه عششا وأوكارا، ومع ذلك فلم تتغير معالمه الأصلية، وقد وصف الآن بالمعاينة فوجد على بابه من داخله تجاه الميضأة لوح رخام مكتوب عليه بالخط الكوفى تاريخ إنشائه فى شهر رمضان سنة خمس وستين ومائتين، وأن المستعمل للصلاة خمس بوائك منه فقط، وطوله من إحدى جهاته ثمانون مترا، ومن جهة أخرى ستة وسبعون مترا، فمساحته ستة آلاف وثمانون

(1)

مترا مسطحا وذلك فدان وعشرة قراريط من فدان تقريبا وهو أقل من نصف مساحة جامع عمرو بن العاص.

وقبلته من الرخام الملون وبأعلاها سطر كوفى فيه: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبأعلى ذلك برواز خشب به خمسة أسطر بالخط العربى لكنه لا يقرأ لمحو أغلبه، ويكتنفها أربعة عمد، وبأعلاها قبة خشب قديمة فيها مناور، وبجوار المحراب من الجهة الشرقية قبلة معمولة بالجبس عليها آيات من سورة البقرة مكتوبة بالجبس أيضا مع نقوشات نفيسة، ومنبره من الآثار القديمة العظيمة مكتوب عليه حفر فى الخشب: أمر بعمل هذا المنبر المبارك مولانا السلطان الملك المنصور حسام الدنيا والدين لاجين المنصورى فى عاشر المحرم سنة ست وتسعين وستمائة.

وعمده وطاراته من الطوب الأحمر والجبس فى غاية الإتقان، وفى الطارات والحيطان إزار من خشب عليه آيات قرآنية بالخط الكوفى تدل على أن هذا البناء لم يتغير عن أصله.

وله ثلاث مآذن: اثنتان فى الجهة القبلية من الطوب وسلاليمها من الداخل، والثالثة فى الجهة البحرية وهى من الحجر وسلمها من الخارج، وهذه غير مستعملة الآن وهى من بناء ابن طولون، والسياحون إلى الآن يقصدونها للفرجة ويعجبون منها.

وقد بيع من الجامع جزء من جهة شارع الزيادة بنى أملاكا، وجزء آخر منه بجوار الساقية قد جعل ورشة دبارة وهى تابعة لوقف حسام الدين لاجين.

وبداخل الجامع زاوية صغيرة متخربة بها ضريح الشيخ البوشى بجوار المنارة الحجرية، وله ساقية معينة وميضأة وأخلية.

(1)

فى الأصل: سبعون.

ص: 101

وفى تحفة الأحباب للسخاوى أن الحاكم بأمر الله أخبر بأن بالقرب من الجامع الطولونى قبور جماعة من السادات، فأمر ببناء مساجد ثلاثة فى هذا الخط فسميت بالمساجد الحاكمية، وذلك سنة اثنتين وأربعمائة انتهى.

‌جامع أبى بكر

هذا الجامع بشارع سوق الزلط. ويعرف أيضا بمسجد السيد يوسف وهبة، وهو مقام الشعائر من جماعة وأذان وله أوقاف تحت نظر السيد موافى.

‌جامع أبى حريبة

هو جامع قجماس الإسحاقى السيفى بشارع الدرب الأحمر عن شمال الذاهب من باب زويلة طالبا القلعة. أنشأه الأمير قجماس فى سنة ست وثمانين وستمائة كما وجد فى بعض نقوش حجارته، وأرضه مرتفعة نحو ثلاثة أذرع، وبه أربعة ألونة، وصحنه مفروش بالرخام ومسقوف بالخشب النقى، وبه منبر ودكة، ومطهرته بأخليتها وساقيتها منفصلة عنه، ينزل إليها بدرج بعد المرور فوق قبوة تحتها طريق يوصل إلى الباطنية، وله منارة وشعائره مقامة وأوقافه تحت نظر الشيخ محمد هانى.

وعرف بجامع أبى حريبة من أجل أن دفن به الشيخ أحمد أبو حريبة النقشبندى المتوفى سنة ألف ومائتين وثمان وستين وقبره تحت قبة شاهقة أنشئت مع إنشاء الجامع، وبجوار قبره قبر آخر يقال إنه ليس به أحد.

وقجماس المذكور مات بأرض الشام وكان نائبا فيها، ففى ابن إياس أنه فى شوال من سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة جاءت الأخبار بوفاة نائب الشام قجماس الإسحاقى الظاهرى، وكان دينا خيرا فى غاية الاحتشام مع لين الجانب، وكان إنسانا حسنا لا بأس به. قال:

وهو الذى أنشأ المدرسة التى عند الدرب الأحمر بقرب سوق الغنم، وأنشأ مثلها بدمشق، وله آثار حسنة غير ذلك انتهى.

وفى الضوء اللامع للسخاوى أن قجماس هذا هو قجماس الإسحاقى الظاهرى جقمق نائب الشام، نشأ فى خدمة أستاذه، وجوّد الخط فى طبقته بحيث كتب بردة وقدمها له فاتهم بأنها خط شيخه وكان كذلك، فامتحنه فكتب بحضرته بسملة فاستحسنها سيما وقد أشبهت كتابة شيخه فيها، وصرف له أشياء وحج رفيقا لتمربغا فى أيام أستاذهما، ثم عمله الظاهر خشقدم خازندار كيس، ثم أمّره بلباى عشرة بعد أن توجه لنقل المنصور لدمياط وللإذن

ص: 102

المؤبد بالركوب، فلما استقر الأشرف قايتباى/رقاه وأسكنه فى بيته بالباطنية، ثم أرسله الشام لتركه نائبها بردبك البشمقدار ودواداره أبا بكر، ثم استقر به فى نيابة إسكندرية وأضاف إليه وهو بها تقدمة، ثم نقله من النيابة لإمرة آخور وتحول إلى الديار المصرية فسكن ببيت تمر الحاجب بالقصر تجاه الكاملية، ثم تحول لبيت الدوادار الكبير بالقرب من الحسينية، وسافر فى أثنائها أمير الحاج وكان معه من الفقهاء الصلاح الطرابلسى والشمس النوبى، وكذا توجه فى أثنائها لعمارة برج للسلطان بها، بل وعمر لنفسه حين نيابته بها جامعا ظاهر باب إسكندرية المسمى بباب رشيد للجمعة والجماعات مع تربة وخان بقربه، كان السبب فيه عدم أمن من يبيت من المسافرين ممن يصل إلى الباب بعد الغروب وغلقه وحصل به نفع كبير، ودفن بتربته الظاهر تمربغا، وأنشأ بجانب ذلك بستانا هائلا، وجدد أيضا جامع الصوارى ظاهر باب السدرة وأقيمت به الشعائر، وعمر خارجها بالجزيرة خارج باب البحر على شاطئ بحر السلسلة هيئة رباط وأودع به أسلحة ونحوها، وبنى وهو أمير آخور مدرسة هائلة بالقرب من خوخة أيدغمش للجمعة والجماعات، وجعل بها متصدرا وقارئا للبخارى ونحو ذلك، بل نقل ما كان قرره من التصوف بالجامع الأزهر إليها، وعمل تربة بالقرب من تربة قانم التاجر وبها أيضا تصوف ووظائف، وكذا جدد بالقرب من الروضة فى نواحى باب النصر مكانا يعرف بالشيخ موسى وغير ذلك، وأرصد لكلها أوقافا، ثم نقل إلى نيابة الشام بعد أسر قانصوه اليحياوى وجدد بجوار باب السعادة داخل باب النصر منها مدرسة وقرر فيها صوفية، بل عمل بجانبها مطبخا للدشيشة، وسافر لعدة غزوات ومات فى آخر يوم الخميس ثانى شوال سنة اثنتين وتسعين وصلى عليه من الغد ودفن بتربته، وكان ساكنا خيرا من خيار أبناء جنسه متثبتا متواضعا متأدبا مع العلماء والصالحين شجاعا اه.

‌ترجمة الشيخ أبى حريبة:

وأبو حريبة هو الشيخ أحمد الشنتناوى من قرية بأعمال المنوفية تعرف بشنتنا، وأصله من مدينة قنا بالصعيد الأعلى. يقال إن نسبه ينتهى إلى سيدى عبد الرحيم القناوى رضي الله عنه، قرأ القرآن ثم اشتغل فى صغره بالفلاحة ونسج الصوف ونحوه، واشتغل بالسلوك فى طريق القوم فأخذ طريقة الخلوتية عن الشيخ الشنتناوى، ثم طريق الشاذلية عن الشيخ أبى النجا بطنتدا، وأخذ طريق القادرية والرفاعية، ثم أذن له فى التسليك، ثم حضر إلى القاهرة وفتح دكان عطارة، ثم اشتغل بحرفة الكتابة عند نصرانى فى مخبز بحارة درب سعادة، ثم أخذ طريق الختمية عن بعض خلفاء الشيخ عثمان المرغنى المعروف بالختم، فرأى بركة ذلك الشيخ وتعلقت آماله بالاجتماع به فتوجه إلى مكة المشرفة واجتمع به وأخذ عنه مباشرة وأقام

ص: 103

معه أياما، وبعد أداء فريضة الحج وزيارة قبر النبى صلى الله عليه وسلم رجع إلى مصر وقد فتح الله عليه فتحا إلهيا، وطار صيته واعتقده الخاص والعام وأخذ عنه الطريق جم غفير، منهم: شيخ الإسلام الشيخ حسن القويسنى، وشيخ الإسلام الشيخ إبراهيم البيجورى، والشيخ الخنانى، وكان لا يسأل عن مسألة إلا بيّن حكم الله فيها بالنصوص الصحيحة من غير أن يمارس العلم، وسئل عن اللوح المحفوظ فقال: هو صدر العارف متى توجه لشئ وجده أمامه، وكان يقول: علم النحو كذب فلا أشتغل به. ومع ذلك له مؤلفات عديدة منها قصيدة فى أسماء الله الحسنى نحو مائة بيت، وأخرى نحو ثلاثين، وتائية تحكى تائية ابن الفارض لكنها أكبر منها فإنها نحو ألف ومائتى بيت وتائية ابن الفارض ثمانمائة بيت، وتفسير صغير الحجم للقرآن العظيم، وكتاب يشتمل على نحو سبعين فنا، وله شرح على حكم شيخه نحو سبعين كراسة، وذيل قصيدة شيخه المرغنى وشرحها بنحو ثمانى عشرة كراسة، وله توسلات ومناجاة وأوراد وصلوات وغير ذلك، وكان يرى النبى صلى الله عليه وسلم كثيرا ومن كلامه فى ذلك.

تجلى الجمال الفرد بالعلم الفردى

فأشهدنى غيبى وأوجدنى فقدى

إلى أن قال:

أشاهده فى كل غيب وحاضر

وألحظه بالعين فى القرب والبعد

فها أنا فى حان المحبين حاكم

أنفذ أحكام المدامة فى جندى

وكان كريم النفس باذلا للفقراء زاهدا ورعا لا يقبل من أحد شيئا، أرسل له العزيز محمد على الأكبر خمسمائة جنيه مصرية فردها، وأنعم عليه المرحوم عباس باشا بأطيان فلم يقبلها، وقد أسلم على يديه أكثر من ستين نفسا، ولعل ذلك هو حكمة إقامته فى المخبز. ولم يزل فى ترق فى إنعامات إلى أن توفى قبيل فجر يوم الأحد لخمس عشرة خلت من ربيع الأول سنة ثمان وستين ومائتين وألف وعمره ستون سنة، ودفن بجامع قجماس وعمل له بعض تلامذته مقصورة بالصدف، وعمل له مولد كل سنة وله حضرة وزيارة. هكذا أملاه بعض تلامذته الشيخ سيد البيجورى/الشافعى أحد مدرسى الأزهر.

‌جامع أبى درع

هذا الجامع فى حارة أبى درع الموصلة إلى حارة قواديس. وعلى واجهته تاريخ بنائه سنة ألف ومائتين وسبع عشرة، وله منبر وخطبة وشعائره قائمة وبه ضريح الشيخ

ص: 104

محمد أبى درع وله أوقاف تحت نظر تومان أفندى شنن، ويتبعه صهريج بأعلى شباكه لوح رخام منقوش فيه:

يسبل فى الدنيا سبيل سعادة

ويسعد فى نفع الأنام دليله

وأنت أمان المستغيث وأرخا

حسين لحسن الأمن هذا سبيله

128 148 122 706 107 - 1211

‌جامع أبى السباع

هو بالشارع الذاهب إلى قصر النيل. أخذ أغلبه فى هذا الشارع وما بقى منه به ضريح الشيخ عبد الرحمن المعروف بأبى السباع، وليس به آثار تدل على تاريخ إنشائه، وله أوقاف تحت نظر الحاج حسن الشبراوى.

‌جامع أبى السعود الجارحى

هذا الجامع فى شرقى جامع عمرو بن العاص رضي الله عنه بالقرب منه بين التلول.

على أحد أبوابه فى لوح رخام هذا البيت:

وسيلة العبد للرحمن أرخها

للجارحى مسجد يزهو لمن دخله

282 107 28 120 639 - 1176

وعلى باب آخر فى لوح رخام أيضا تاريخ:

جا هنا ملجا فأرّخ

باب بشرى لزياراتى

5 512 659 - 1176

وعلى باب مقصورة الصلاة-فى رخامة-هذا البيت:

أبو السعود له جاه ومنقبة

من زار ساحته يبلغ به أمله

وكان أولا زاوية للشيخ فجعله الأمير عبد الرحمن كتخدا مسجدا جامعا يشتمل على ثلاث بوائك مسقوفة، وفى وسطه جزء يعرف بجامع الشيخ ريحان، وفيه قبور ومساكن للخدم، وبه ضريح الشيخ أبى السعود عليه قبة مكتوب بدائرها: ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. جدد هذا الضريح المبارك محمد طاهر باشا. وله مطهرة وبئر نقر فى الحجر، وله أوقاف تحت نظر عاشق أفندى شيخ تكية النقشبندية، ويعمل له حضرة كل ليلة أربعاء ومولد كل سنة.

ص: 105

‌ترجمة أبى السعود:

وفى طبقات الشعرانى أن هذا الأستاذ هو العارف بالله سيدى أبو السعود الجارحى، من أجل من أخذ عن الشيخ شهاب الدين المرحومى، وكانت له فى مصر الكرامات والتلامذة الكثيرة والقبول التام عند الملوك والوزراء وغيرهم، وكانوا يحضرون بين يديه خاضعين، وعملوا بأيديهم فى عمارة زاويته فى حمل الطوب والطين، وكان كثير المجاهدات والعبادات ينزل فى سرب تحت الأرض من أول رمضان فلا يخرج إلا بعد العيد بستة أيام.

وقال يوما: إنى من حين عملت شيخا فى مصر لى سبع وثلاثون سنة ما جاءنى قط أحد يطلب الطريق إلى الله تعالى ولا يسأل عن حسرة ولا عن فترة ولا عن شئ يقربه إلى الله تعالى، وإنما يقول: أستاذى ظلمنى، امرأتى تناكدنى، جاريتى هربت، جارى يؤذينى، شريكى خاننى، فكلت نفسى من ذلك وحننت إلى الوحدة وما كان لى خيرة إلا فيها، فياليتنى لم أعرف أحدا ولم يعرفنى أحد.

وجاءه مرة أمير بقفص موز ورمان فرده عليه. فقال: هذا لله. فقال الشيخ: إن كان لله فأطعمه للفقراء. فأخذه الأمير ورجع به إلى بيته. فأرسل الشيخ فقيرين بصيرا وضريرا وقال: الحقاه وقولا له أعطنا شيئا لله من هذا الموز والرمان. فلحقاه وطلبا منه لله فنهرهما ولم يعطهما. فأخبرا الشيخ بما وقع فأرسل إليه يقول له: تقول هذا لله وتكذب وتنهر من يقول أعطنا لله فلا عدت تأتينا بعد اليوم أبدا.

ولما حضرت الشيخ الوفاة أرسل إلى شيخ الإسلام الحنفى وجماعة وقال: أشهدكم أنى ما أذنت لأحد من أصحابى فى السلوك. فما منهم أحد شم رائحة الطريق. ثم قال: اللهم اشهد.

اللهم اشهد. اللهم اشهد. وكان يقول: لا تجعل لك قط مريدا ولا مؤلفا ولا زاوية وفرّ من الناس فإن هذا زمان الفرار. وسمعته مرة يقول لفقيه من الجامع الأزهر:

متى تصير هاء الفقيه راء؟.

مات رحمه الله تعالى سنة نيف وثلاثين وتسعمائة، ودفن بزاويته بكوم الجارح بالقرب من جامع عمرو فى السرداب الذى كان يعتكف فيه، وقد حصل لى منه دعوات وجدت بركتها. انتهى/باختصار.

وفى ابن إياس من حوادث سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة أنه لما مات السلطان الغورى واتفق رأى أمراء مصر على تولية الأمير طومان باى الدوادار السلطنة، امتنع من ذلك غاية الامتناع والأمراء جميعا ملحون عليه، يقولون: ليس عندنا من يصلح للسلطنة إلا أنت،

ص: 106

ولا محيد لك عنها طوعا أو كرها. فركب الأمير طومان وصحبته جماعة من الأمراء وتوجهوا إلى العارف بالله تعالى سيدى أبى السعود الجارحى رضي الله عنه بكوم الجارح، فذكروا أمر سلطنة الأمير طومان باى وأنه امتنع من ذلك. فسأله الشيخ عن سبب امتناعه فعرفه أنه يخاف خيانتهم وتخليهم عنه، فأحضر لهم الشيخ مصحفا وحلفهم على أنهم إذا سلطنوه لا يخونونه ولا يقتلونه ولا يغدرون به ولا يخامرون عليه، وأن يرضوا بقوله وفعله، فحلفوا على ذلك وأكدوا الأيمان، ثم حلفهم على أن لا يعودوا إلى ظلم الرعايا وأن لا يشوشوا على أحد بغير طريق شرعى، ولا يجددوا مظلمة، وأن يبطلوا جميع محدثات الغورى ويجروا الأمور على ما كانت عليه أيام الأشرف قايتباى، ويبطلوا المشاهرة التى قررت على الدكاكين، ويمشوا الحسبة على طريقة بشتك الجمالى. فحلفوا على ذلك، ثم ذكر لهم الشيخ أن الله سبحانه وتعالى ما هزمكم وسلط عليكم ابن عثمان إلا بدعاء المظلومين الذين جرتم عليهم فى البر والبحر. فقالوا: تبنا إلى الله عز وجل عن جميع المظالم. ثم خرجوا من عنده على أن يسلطنوا الأمير طومان باى وقد رضى بذلك بعد أن كان ممتنعا خائفا من غدرهم به وتخليهم عنه انتهى.

وقد ذكرنا بعض ذلك فى الكلام على المطرية وأنهم سلطنوا الأمير طومان باى ثم تخلوا عنه حتى صلبه السلطان سليم بن عثمان على باب زويلة.

‌كائنة مهولة:

وفى ابن إياس أيضا من حوادث هذه السنة أن كائنة مهولة وقعت للزينى بركات ابن موسى محتسب القاهرة مع الشيخ أبى السعود الجارحى، وذلك أن شخصا مدابغيا يبيع الجلود يقال له الدمرداوى جار عليه ابن موسى وأراد أن يقبض عليه، فتوجه الدمرداوى إلى الشيخ واحتمى به، فأرسل الشيخ رسالة لابن موسى يتشفع فيه فتوقف ابن موسى ولم يلتفت إلى رسالة الشيخ، فأرسل الشيخ خلف ابن موسى فلما حضر عنده فى كوم الجارح وبخه الشيخ وقال له: يا كلب كم تظلم المسلمين. فحنق منه ابن موسى وقام من عنده على غير رضا.

فأمر الشيخ بكشف رأس ابن موسى وضربه بالنعال فصفعوه بالنعال على رأسه حتى كاد يهلك ثم وضعه فى مكان وأرسل للأمير علان الدوادار الكبير، فلما حضر قال له: ضعه فى الحديد.

وشاور السلطان عليه، وأعلمه بأنه يؤذى المسلمين. فطلع إلى السلطان وشاوره فأرسل السلطان يقول للشيخ: مهما اقتضاه رأيك فيه فافعله. فأمر الشيخ بإشهار ابن موسى فى القاهرة ثم يشنقوه على باب زويلة، فأخرجوه من الزاوية بكوم الجارح وهو ماش مكشوف الرأس وهو فى الحديد ينادى عليه: هذا جزاء من يؤذى المسلمين. واستمروا من كوم الجارح

ص: 107

إلى ساحل مصر العتيقة وهم ينادون عليه إلى أن وصل إلى بيت الأمير علان بالناصرية، ثم عاودوا الشيخ فى أمره بأن عليه دينا ومالا للسلطان يضيع بشنقه، فعفا الشيخ عنه من القتل وأبقاه فى الحديد حتى يكون من أمره ما يكون، وقد أشرف ابن موسى على الهلاك.

ثم إن الشيخ أبا السعود لما فعل بابن موسى ذلك قامت عليه الثائرة، وأنكر عليه الناس والفقراء. وقالوا: إيش للشيخ شغل فى أمور السلطنة، واشتغل الناس به ولم يشكره أحد على ما فعله بابن موسى، ثم بعد أيام أشيع أنه أرسل خلف ابن موسى وفكه من الحديد وأظهر أنه قد رضى عليه وصار يتصرف فى أمور المملكة من عزل وولاية فأنكر الناس عليه ذلك انتهى.

‌ترجمة شمس الدين السعودى:

وفى تاريخ الجبرتى أن من ذرية الشيخ أبى السعود الجارحى الإمام العلامة شمس الدين أبا عبد الله محمد بن أحمد بن صالح بن أحمد بن على بن الأستاذ أبى السعود الجارحى الشافعى رضي الله عنه، ويقال له السعودى نسبة إلى جده المذكور، حضر دروس الشيخ مصطفى العزيزى وغيره من فضلاء الوقت، وكان إماما محققا له باع فى العلوم، وكان مسكنه فى باب الحديد أحد أبواب مصر، وحضر السيد البليدى فى تفسير البيضاوى، وكان الشيخ يعتمده فى أكثر ما يقول ويعترف بفضله ويحسن الثناء عليه. توفى فى شعبان سنه تسع وسبعين ومائة وألف انتهى.

‌جامع أبى العلا

هذا المسجد ببولاق القاهرة عند منتهى الجسر الموصل من جنينة الأزبكية إلى بولاق.

جدده السادات الوفائية، وعلى بابه كتابة بالخط الكوفى فيها بيتان تحتهما تاريخ سنة ثلاث وستين ومائتين وألف وهما:

قف على الباب خاضعا

حسن الظن والتجى

فهو باب مجرب

لقضاء الحوايج

/وهو جامع عامر مقام الشعائر إلى الغاية، له ثلاثة أبواب أحدها على الشارع وهو الباب الكبير، والثانى تجاه باب المقام غربى الجامع موصل لعطفة ضيقة، والثالث للميضأة. ويشتمل على إيوانين وثمانية أعمدة من الرخام، ومنبره من الخشب النقى المنزل بالعاج، ومحرابه مكسو بالرخام المقسم، ومنارته مرتفعة عليها نقوش كثيرة منها سورة تبارك بتمامها، وعلى سطحه مزولة، وبداخله ضريح سيدى أبى العلا الحسينى عليه قبة عظيمة ومقصورة من الخشب المنزل

ص: 108

بالصدف والعاج، والظاهر أن قولهم أبو العلا الحسينى من التحريف، وإنما هو الحسين أبو على.

‌ترجمة ابى العلا:

ترجمه الشعرانى فى الطبقات فقال: كان رضي الله عنه من كمل العارفين وأصحاب الدوائر الكبرى، وكان كثير التطورات ومكث نحو أربعين سنة فى خلوة مسدود بابها ليس لها غير طاقة، وكان من لا يعرف أحوال الفقراء يقول هذا كيماوى سيماوى، وبنى له الخواجة ابن القنيش البرلسى زاويته هذه، وكان رضي الله عنه بريئا من جميع ما فعله أصحابه من الشطح الذى ضربت به رقابهم فى الشريعة.

وكان الشيخ عبيد أحد أصحابه الذى هو مدفون عنده الآن مثقوب اللسان لكثرة ما كان ينطق به من الكلمات التى لا تأويل لها.

مات الشيخ حسين رضي الله عنه فى سنة نيف وتسعين وثمانمائة، ودفن بزاويته بساحل النيل ببولاق انتهى باختصار، فإنه ذكر له عدة كرامات.

‌ترجمة الشيخ الكعكى:

وفيها أيضا أنه دفن عنده الشيخ الصالح العابد أحمد الكعكى، كان زاهدا كثير الغوص فى علم التوحيد لكن لسانه مغلق لا يكاد يفهم عنه، وكان أول ما يبلى من ثوبه موضع ركبتيه من كثرة السجود والجلوس، وكان ورده فى اليوم والليلة نحو أربعين ألف صلاة على النبى صلى الله عليه وسلم واثنتى عشرة ألف تسبيحة وأحزابا وأسماء، وكان كثير الشطح كشيخه محمد الكعكى المدفون بالقلعة قرب سيدى سارية صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يحب الخمول ولا يسكن إلا فى الربوع بين السوقة، وينهى عن سكنى الزوايا والربط ويقول: لا يقدر أهل القرن العاشر على القيام بحق الظهور.

مات رحمه الله تعالى سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة ودفن ببولاق فى مقام العارف بالله تعالى سيدى حسين أبى على.

وبجواره ضريح الشيخ عبيد المذكور وضريح السيد على حكشة وعليه هذه الأبيات:

لعلينا القطب الشهير بحكشة

عليا علالى جنة المأوى انبنت

نعم الولى الزاهد الورع الذى

لحميد سيرته الأنام استحسنت

زهد وتقوى مع تواضعه لمن

خضعت لعزته الوجوه وقد عنت

لاحت عليه حلى الولاية والتفى

وبموضع الأسرار منه تمكنت

ص: 109

فعلى ثراه همت شآبيب الرضا

وسحائب الرحمات عنه ما انثنت

هذا ورضوان يقول مؤرخا

لقدومه الجنات عندى زينت

185 485 134 467 - سنة 1271

وبجواره [ضريح] العلامة الشيخ مصطفى البولاقى عليه قصيدة منها هذا البيت:

هذا وحور العين قالت أرخوا

لمصطفى فردوس جنة النعيم

259 350 453 201 - سنة 1263

‌جامع أبى الفضل الأحمدى

هذا الجامع بشارع الوجهة من بولاق القاهرة. به أربعة أعمدة من الآجر، ومنبر لخطبة الجمعة والعيدين، وله مطهرة ومنارة وشعائره مقامة، وفيه ضريح يقال له ضريح الشيخ أبى الفضل يعمل له به مولد كل سنة.

‌ترجمة أبى الفضل:

ولعل هذا الجامع كان فى الأصل زاوية لأبى الفضل كان يقيم بها، وأن أبا الفضل هذا هو أبو الفضل الأحمدى المدفون بالحجاز مع شهداء بدر الذى ترجمه الشعرانى فى الطبقات فقال: ومنهم أخى وصاحبى سيدى الشيخ أبو الفضل الأحمدى رضي الله عنه صاحب الكشوفات الربانية والمواهب اللدنية، كان من الأكابر ما رأيت أعرف منه بطريق الله تعالى ولا بأحوال الدنيا والآخرة، له نفوذ فى كل شئ، لو أخذ يتكلم فى أفراد الوجود لضاقت الدفاتر، ورأيت له من/الخوارق مالم أره لأحد ممن ذكرتهم فى الطبقات، وكان يتحمل هموم الناس حتى صار ليس عليه أوقية لحم، وكان متقشفا فى المأكل والملبس، وكنا إذا خرجنا لمثل أهرام الجيزة أو غيرها من المنتزهات يحمل أثقال الجماعة كلهم فى خرج على عنقه، وكان لا ينام من الليل إلا نحو عشر درج صيفا وشتاء، وكان أصفر نحيفا، وحج مرات على التجريد، ثم توفى ببدر ودفن بها سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة، وكان له خلوة يزوره الناس فيها وله كلام عال فى المقامات، فمن كلامه: اعلم يا أخى أن المراد من الإيجاد الإلهى للنوع الإنسانى والتكوين الطبيعى النارى، ليس إلا معرفة الله عز وجل بنعوت الربوبية وأوصافها، والعبودية وأخلاقها، فأما أوصاف الربوبية فيكفيك منها ما وصل إليك علمه إلهاما وتقليدا بواسطة رسول الله صلى الله

ص: 110

عليه وسلم فى غير تشبيه ولا تعطيل، وأما أخلاق العبودية فهى مقابلة الأوصاف الإلهية على السواء، فكل صفة استحقتها الألوهية طلبت العبودية حقها من مقابلة ذلك الوصف، ومن هذا المقام كان استغفاره صلى الله عليه وسلم، فكل عن مقامه يتكلم، وعما وصف به يترجم.

ومن كلامه: من نظر إلى ثواب فى أعماله عاجلا أو آجلا فقد خرج عن أوصاف العبودية التى لا ثواب لها إلا وجه الله تعالى. وكان يقول: عليك بحسن الظن فى شأن ولاة أمور المسلمين وإن جاروا فإن الله لا يسأل أحدا قط فى الآخرة لم حسنت ظنك بالعباد. ويقول:

لا تسب أحدا على التعيين بسبب معصية وإن عظمت فإنك لا تدرى الخاتمة له ولك، ولا تسب إلا الفعل لا العين فإن عينك وعينه واحد، فإن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى الثوم:«إنها شجرة أكره ريحها» فلم يقل أكرهها، ويقول: لا يخلو المنقص للناس عن ثلاثة أحوال: إما أن يرى أنه أفضل منهم فهو أسوأ حالا منهم، وإما أن يرى أنه مثلهم فما أنكر إلا على نفسه، وإما أن يرى أنه دونهم فلا يليق به تنقيص من هو خير منه. ويقول: كونوا عبيد الله لا عبيد أنفسكم ولا عبيد ديناركم ودرهمكم، فإن كل ما تعلق به خاطركم أخذ من عبوديتكم بقدر حبكم له، وأنتم لم تخلقوا لكون ولا لأنفسكم بل خلقكم له، فلا تهربوا فإنكم حرام على أنفسكم، فكيف لا تكونون حراما على غيركم! ويقول: كفوا غضبكم عمن يسئ إليكم لأنه مسلط عليكم بإرادة ربكم. ويقول: لا تختر لنفسك حالة تكون عليها فإنك لا تدرى أتصل إلى ما اخترته أم لا، ثم إن وصلت إليه لا تدرى ألك فيه خير أم لا، وإن لم تصل إليه فاشكر الله الذى منعك فإنه لم يمنعك عن بخل. ويقول: إذا نقل إليكم كلام فى عرضكم فازجروا الناقل ولو من أعز إخوانكم، وقولوا له: إن كنت تعتقد هذا الأمر فينا فأنت ومن نقلت عنه سواء، بل أنت أسوأ حالا، لم يسمعنا ذلك وأنت أسمعتنا إياه، لأنه وإن كنت تعتقد بطلان ذلك فى حقنا فما فائدة نقله لنا؟ ويقول: لا تأنفوا من التعلم ممن خصه الله تعالى بشئ كائنا من كان، لا سيما أهل الحرف النافعة، فإن عندهم من الأدب ما لا يوجد عند خواص الناس. ويقول: انظر يا أخى إلى إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، لما لم تؤثر فيه نار الشهوة لم تؤثر فيه نار الحس، بل وجدها بردا لأجل برد باطنه من حر التدبير المفضى إلى الشرك المشار إليه بقول لقمان لابنه: إن الشرك لظلم عظيم. وكان يقول فى قوله تعالى: {ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} الأجل الأول هو أجل الجسم بموته فى الحياة الدنيا، والأجل المسمى عنده هو أجل الروحانية التى خلقت قبل الأجسام بألفى عام، فإنها مستمرة الحياة إلى الصعق الأخروى حين تصعق الأرواح فتخمد، وخمودها هو حظها من الموت والفناء اللازم لصفة الحدوث، فلا تبقى روح فى الأرض ولا فى البرزخ إلا ماتت أى خمدت. وسئل: ما المراد بالصّور الذى ينفخ

ص: 111

فيه؟ فقال: المراد به الحضرة البرزخية التى ننقل إليها بعد الموت، وهو المسمى أيضا بالناقور، فجميع الأرواح التى قبضها الله تعالى مودعة فى صور جسدية فى مجموع الصور المكنى عنه بالقرن. وسئل عن المراد بقوله تعالى فى فاكهة الجنة {لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ} هل المراد لا مقطوعة صيفا وشتاء أو أنها لا تقطع حين تقطف؟ فقال رضي الله عنه: جميع فاكهة الجنة تؤكل من غير قطع، فالأكل موجود والعين باقية فى غصن الشجرة. أو كأن يقول: الذى عليه المحققون أن أجام أهل الجنة تنطوى فى أرواحهم، فتكون الأرواح ظروفا للأجسام بعكس ما كانت فى الدنيا، فيكون الظهور والحكم للروح لا للجسم ولذا ينحولون إلى أى صورة شاؤوا انتهى باختصار من كلام طويل.

‌جامع أبى الفضل

هو بدرب سعادة داخل درب الحريرى المعروف الآن بحارة الفرن التى تجاه عطفة جامع البنات. وهو مقام الشعائر وبه خطبة وله منارة، وهذا الجامع هو المدرسة القطبية التى ذكرها المقريزى فقال: هذه المدرسة بالقاهرة فى خط سويقة الصاحب داخل درب/الحريرى.

كانت هى والمدرسة السيفية من حقوق دار الديباج، أنشأها الأمير قطب الدين خسرو بن بلبل بن شجاع الهدبانى سنة سبعين وخمسمائة وجعلها وقفا على فقهاء الشافعية، وهو أحد أمراء السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب انتهى.

‌جامع أبى قابل العشماوى

هو بساحة الحمير. غير مقام الشعائر لتخربه بمرور الشارع الموصل لقصر النيل بقطعة منه، وليس به آثار تدل على تاريخ إنشائه، وأوقافه تحت نظر حسن أفندى حماد المدابغى.

‌جامع أبى اليسر

هذا الجامع بشارع الناصرية بالقرب من ضريح كعب الأحبار. أنشأه الأمير قراسنقر الظاهرى برقوق مدرسة ووقف عليه أوقافا وذلك قبل سنة ثلاثين وثمانمائة، وهو عامر إلى الآن وشعائره مقامة بمعرفة الأوقاف. وقد ذكرناه فى المدارس مع ترجمة منشئه فانظره هناك.

‌جامع الأتربى

هذا الجامع بخط الخرنفش على يسار الداخل من حارة برجوان. يقال إنه من زمن الفاطميين ثم هجر وارتدم حتى صار تلا، فأراد بعض الناس أن يبنى فيه مسكنا فوجد فى

ص: 112

الحفر شرفات، فزاد فى الحفر فظهر مسجد صغير به قبر عليه رخامة منقوش عليها: هذا قبر أبى تراب حيدرة بن المستنصر أحد الخلفاء الفاطميين. وكان المسجد منخفضا نحو عشر درج، فبنى هذا المسجد فوقه وبنى القبر ونصبت عليه الرخامة وذلك فى سنة سبع وثمانمائة.

وهو صغير ليس به خطبة، وبعض الناس يزعم أن الأتربى مصحّف عن يثربى نسبة إلى يثرب مدينة النبى صلى الله عليه وسلم، ويعتقدون أن صاحب هذا القبر هو على بن أبى طالب رضي الله عنه، وأن معه ناقته، ويقولون: إن الشيعة فى آخر الزمان يبنون عليه جامعا عظيما، ويجعلون عتبة المزار وأبوابه من الفضة، وهذا من الخرافات، ويعمل فى هذا المسجد مولد سنوى.

‌جامع أحمد بيك كوهيه

هذا الجامع بخط الخليفة بحارة البزابيز داخل بئر الوطاويط. بدائره إزار خشب مكتوب فيه أبيات، وتاريخه سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف. وبه منبر وحنفيات وله منارة وبصحنه شجرة لبخ، وشعائره مقامة ونظره تابع للديوان.

‌الجامع الأحمر

هذا الجامع بالأزبكية فى حارة القبيلة برأس الشارع قريبا من ميدان الأزبكية. وهو قديم وكان قد تخرب ولم يبق به إلا جدران، فتصدى لعمارته الأمير سليمان أغا السلحدار وسقفه بأفلاق النخل والجريد والبوص وأقام له عمدا من الحجارة، وجدد منبره وبلاطه وميضأته ومراحيضه وفرشه بالحصر، وعمل به الجمعية فى يوم الجمعة خامس جمادى الأولى سنة ست وثلاثين ومائتين وألف، واجتمع به عالم كثير وخطب على منبره الشيخ محمد الأمير، وبعد انقضاء الصلاة عقد درسا أملى فيه حديث «من بنى لله مسجدا» ثم خلع عليه فروة سمور، وكذلك على الشيخ العروسى، وعمل لهم شربات سكر انتهى من الجبرتى فى حوادث السنة المذكورة.

ولعله جدده ثانيا فيما بعد بأحسن من حالته الأولى، فإنه قائم الآن على أربعة أعمدة من الرخام ومحرابه من الرخام المنقوش بماء الذهب، وبلاط صحنة أيضا من الرخام وبلاط الألونة من الحجر، وبه حنفية بزابيزها من نحاس أصفر وكراسى الوضوء من الرخام، وفى وسط ميضأته عمود من الرخام ومرافقه تامة وله ساقية، وبجواره مكتب وصهريج نحرزة من رخام، وبأعلى واجهته لوح رخام منقوش فيه آيات قرآنية وفيه: أنشأ هذا

ص: 113

السبيل المبارك وأوقفه لله سبحانه وتعالى الجناب المكرم سليمان أغا بشر جوقدار والى مصر حالا غفر الله له فى غرة المحرم سنة ألف ومائتين وسبع وعشرين. وبأعلى باب المسجد لوح رخام مكتوب عليه آيات قرآنية وأبيات شعرية متضمنة للتاريخ، وشعائره مقامة من ريع أوقافه تحت نظر محمد أفندى عتيق السلحدار، وقد ذكرنا ترجمة السلحدار فى الكلام على الجامع المعروف به جهة مرجوش.

‌الجامع الأخضر

فى المقريزى أن هذا الجامع خارج القاهرة بخط فم الخور. عرف بذلك لأن بابه وقبته فيهما نقوش وكتابات خضر، والذى أنشأه خازندار الأمير شيخو انتهى. وقال فى تحفة الأحباب للسخاوى: إن الأمير الكبير شيخون العامرى كان كثير الخيرات، منها أنه أنشأ الجامع الأخضر ببولاق اه.

‌جامع أرغون

قال المقريزى: هذا المسجد أنشأه الأمير أرغون الإسماعيلى على البركة الناصرية فى شعبان سنة ثمان وأربعين وسبعمائة انتهى.

وهو بشارع الناصرية تجاه درب القرودى. وله بابان منقوش على أحدهما فى الحجر:

أمر بإنشاء هذا الجامع المبارك الفقير إلى الله تعالى أرغون الإسماعيلى، وكان الفراغ من ذلك فى شهر شعبان سنة ثمان وأربعين وسبعمائة. ومنبره من خشب وحديد، ومكتوب على واجهته فى لوح من خشب:{إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} الآية. وكان الفراغ فى شهر شعبان المكرم فى سنة ثمان وأربعين وسبعمائة./والمستعمل منه الآن للصلاة نصفه تقريبا، وفى النصف الثانى الميضأة والأخلية والبئر، وكانت ميضأته أولا فى خارجه ثم جعلت بداخله، وليس به أضرحه ولا منارة، وشعائره مقامة من إيراد أوقافه.

‌ترجمة أرغون

ولم يذكر المقريزى ترجمة أرغون هذا عند ذكر مسجده، والظاهر أنه هو الذى ترجمه فى ذكر الدور بأنه أرغون الكاملى سيف الدين نائب حلب ودمشق، تبناه الملك الصالح إسماعيل بن محمد بن قلاوون وزوّجه أخته من أمه بنت الأمير أرغون العلائى سنة خمس وأربعين وسبعمائة. وكان يعرف أولا بأرغون الصغير، فلما مات الملك الصالح وتولى بعده أخوه الملك الكامل شعبان بن محمد بن قلاوون أعطاه إمرة مائة وتقدمة ألف، ونهى عن أن يدعى أرغون الصغير، وتسمى أرغون الكاملى، ثم ناب فى حلب سنة خمسين وسبعمائة، ثم جرت

ص: 114

فتنة مع أمراء حلب فخرج إلى دمشق فأكرمه نائبها وجهزه إلى مصر فأعيد إلى نيابة حلب، ثم نقل إلى نيابة دمشق سنة اثنتين وخمسين، ثم عاد إلى نيابة حلب ولم يزل بها إلى سنة خمس وخمسين، فحضر إلى مصر ثم أمسك وحمل إلى الإسكندرية واعتقل بها، ثم نقل إلى القدس ومات بها سنة ثمان وخمسين وسبعمائة، وله دار بالجسر الأعظم على بركة الفيل بمصر أنشأها سنة سبع وأربعين وسبعمائة انتهى.

وهو غير أرغون النائب الدوادار الناصرى الذى أنشأ بركة خليص بطريق الحاج المصرى، فإن هذا كما فى كتاب الدرر المنظمة مات سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة قال:

وكان نائب السلطنة أحد المماليك المنصورية اشتراه السلطان قلاوون صغيرا لولده الملك الناصر وربى معه، ثم أنعم عليه بالإمرة ثم بالنيابة بعد بيبرس المنصورى، وخلص كثيرا من الناس من شدائد كان السلطان أراد أن ينزلها بهم، وخلف السلطان فى غيبته للحج، وحج وقضى مناسك الحج ماشيا على قدميه فى هيئة الفقراء، وهو أول من أنشأ بركة خليص لسقاية الحاج انتهى.

‌جامع أزبك اليوسفى

هذا الجامع بشارع بركة الفيل على شمال الذاهب من الصليبة إلى البركة. منقوش على بابه فى الحجر: {إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ} الآية. أمر بإنشاء هذا المسجد الجامع الأشرف الكريم العالى السيفى أزبك اليوسفى فى شهر شعبان سنة تسعمائة، وعليه باب خشب بعضه ملبس بالنحاس وله طرقة مفروشة بالرخام بها بابان وأرضه مفروشة بالرخام الملون، وبدائر صحنه من أعلى-حفرا فى الحجر-آيات قرآنية، ومكتوب بحائط الصحن القبلية: أمر بإنشاء هذه المدرسة المقر الأشرف الكريم العالى المولوى السيفى أزبك اليوسفى أمير سر نوّاب النوبة الملكى الأشرفى، وكان الفراغ من ذلك المكان المبارك فى شهر صفر سنة تسعمائة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وبالجانب القبلى لصحن المسجد باب مسدود مكتوب بأعلاه فى الخشب: السلطان الملك الأشرف أبو النصر قايتباى خلد الله ملكه، وبأعلى ذلك منقوش فى الحجر: بسم الله الرحمن الرحيم {تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ} الآية. وبجوار هذا الباب إيوان صغير به دولاب مكتوب عليه: {إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} وبجوار الإيوان خلوة على بابها كتابة تقر فى الحجر: بسم الله الرحمن الرحيم {وَقالُوا الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} وبالإيوان الغربى أربعة دواليب مكتوب بأعلى كل منها آيات قرآنية، وبه ليوان آخر صغير به أربعة دواليب أيضا عليها آيات قرآنية،

ص: 115

وسقف ذلك الإيوان وسقف الدكة بالشغل البلدى القديم المنقوش بماء الذهب، وبالجانب البحرى للصحن باب موصل للميضأة مكتوب عليه فى الخشب اسم أزبك اليوسفى، وبأعلاه منقوش فى الحجر: بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ * اُدْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ} وبجوار ذلك الباب من الجهة الشرقية إيوان صغير به تربة من الرخام عليها لوحان من الرخام أيضا مكتوب فى كل منهما: {كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ} مما عمل ورسم المقر المرحوم سيدى فرج بن المقر المرحوم السيفى كافل المملكة الشامية-كان-تغمدهما الله برحمته حادى عشر:

ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وثمانمائة من الهجرة. وعليها مقصورة خشب مكتوب بها بالحفر توفيت المرحومة خوند سلطان بنت المقر الأشرف السيفى أزبك اليوسفى فى ثانى ربيع الأول سنة تسع وسبعين وثمانمائة، وعلى باب مقصورة المسجد مكتوب: أمر بإنشاء هذه المدرسة الفقير إلى الله تعالى المقر الأشرف الكريم العالى. وبأعلى ذلك فى الحجر: بسم الله الرحمن الرحيم {وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً} وبأعلى القبلة فى الحجر: بسم الله الرحمن الرحيم {قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ} الآية.

وبأعلى ذلك: بسم الله الرحمن الرحيم {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً} ومنبره خشب ملبس بالعاج من الشغل القديم وعلى جهتيه نقش فى الخشب: أمر بإنشاء هذا/المنبر المبارك المقر الأشرف الكريم العالى المولوى السيفى أزبك اليوسفى عز نصره.

وعلى قبته هلال من نحاس وبدائره آيات قرآنية، وفيه كرسى من الخشب يجلس عليه قارئ سورة الكهف منقوش عليه: أمر بإنشاء هذا الكرسى الشريف المقر الأشرف السيفى أزبك اليوسفى أمير مجلس الملكى الأشرفى وبجواره منقوش فيه: أمر بإنشاء هذه المدرسة المقر الأشرف الكريم السيفى أزبك اليوسفى أمير سر نوبة النواب، وبدائر المسجد شبابيك بعضها مشغول بالجبس وبعضها بالخشب الخرط، وعلى جميعها من الخارج شبابيك نحاس، وفى دائره من أعلى آيات قرآنية مكتوبة بماء الذهب، وسقفه منقوش بماء الذهب وبه سلاسل نحاس مدلاة لتعليق القناديل، ومنارته بدورين وعلى دائرها فى الحجر آيات قرآنية، بها سلّمان بحيث لا يرى الصاعد النازل وبالعكس، وبه مكتب وله محلات بالقرب منه موقوفة عليه إيرادها شهر يا اثنان وثمانون قرشا، ونظره لعموم الأوقاف.

ص: 116

‌الجامع الأزهر

(1)

هو المسجد الجامع بالقاهرة المعزية، والمدرسة الكبرى بالديار المصرية، والحرم الذى يلى المساجد الثلاثة فى الشهرة ولهجت ألسن أهل الأقطار بذكره وعظّمت أمره، فهو غنى عن البيان والتحديد، وقد أفردناه بنبذة حسنة فراجعها.

‌جامع إسكندر باشا

هو بشارع باب الخرق. أنشأه الأمير إسكندر باشا أيام ولايته على مصر سنة ثلاث وستين وتسعمائة وأنشأ تجاهه تكية ومكتبا وكان الجميع من أعظم المبانى.

ولما حصل التنظيم الجديد فى زماننا هذا وعملت الشوارع والميادين أزيل الجامع والتكية وما جاورهما من الدور والحوانيت، وفتح الشارع الجديد الكبير المعروف بشارع محمد على، وصار موضع الجامع والتكية والحمام الذى كان هناك وجملة منازل ميدانا عظيما تجاه سراى الأمير منصور باشا.

وفى نزهة الناظرين أن إسكندر باشا هذا تولى على مصر فى عشرين من شهر ربيع الثانى سنة ثلاث وستين وتسعمائة، وعزل فى شهر رجب سنة ست وستين وتسعمائة، فكانت مدته ثلاث سنوات وثلاثة أشهر وعشرة أيام، وعمر الجامع بباب الخرق وتكية تجاهه وسبيلا، وجعل عليها أوقافا وشرط النظر لمن يكون يكلربكيا

(2)

بمصر. وكان من أهل الخير والصلاح والعفة والدين رحمه الله تعالى وعفا عنه انتهى.

وفى حجة وقفيته أنه وقف عليه وعلى غيره مما يأتى سبعة وعشرين حانوتا بجواره وتحته، ومكانا لعمل شمع العسل بخط درب سعادة ومكانا هناك فوق حوض لشرب الدواب، وبقنطرة باب الخرق مكانا تجاه السبيل والمكتب اللذين وقفهما بجوار ذلك الجامع، ومكانا تجاه درب سعادة بجوار الجامع يعرف ذلك المكان بإنشاء صلاح الدين المالطى عامل ديوان المواريث الخشرية بالديار المصرية وهو مطل على الخليج، وعدة أماكن متجاورة بخط بين السورين، منها مطبخ للسكر وطاحون وفرن وحوانيت وربعان، وأصل تلك الأماكن من ملك الأمير جانم الحمزاوى، وعمارة بمدينة فوّة تشتمل على مقعد وخان وأربعين حانوتا ومصبغتين وتسعة عشر حاصلا داخل القيسارية، وستة وثلاثين رواقا ورزقة بمدينة فوّة

(1)

انظر «الجامع الأزهر» ص 29 من هذا الجزء.

(2)

انظر شروط النظر فى نهاية حجة وقفيته ص 119 من هذا الجزء.

ص: 117

بقرب عزبة الرمان المعروفة قديما بأولاد جمال الدين بن يوسف، وأطيانا بأراضى ناحية أبى قطنة بالجيزة وأرضا بمنية عقبة بالجيزة، وبجزيرة نصر بالمنوفية وتعرف بالحلوانية، وأرضا بناحية طنسا بالبهنساوية، وأرضا بناحية بنى شقير المعروفة قديما بطهنهور من الأسيوطية تجاه منفلوط، ورزقة نحو مائة وثمانين فدانا بجوار جزيرة عليا، وبجوار الرزقة وقف شرف الكهشينى. وعين لريع تلك الأوقاف جهات يصرف فيها، فجعل لجهة وقف الحرمين الشريفين كل سنة من الفضة الجديدة ستة وثلاثين نصفا فضة، ولجهة وقف السعيدى إبراهيم أيتمش فى السنة مائتين وأربعين نصفا فضة جديدة، ولجهة وقف الخانقاه الصلاحية سعيد السعداء فى الشهر أربعة وعشرين فضة، ولجهة وقف فاطمة بنت عبد اللطيف الطحان فى الشهر ستين فضة، ولخطيب هذا الجامع فى الشهر ستين فضة وفى اليوم ثلاثة أرطال خبزا، ولإمامه فى نظير الإمامة وحفظ كتب الوقف التى بالجامع مائة نصف فضة وخمسة فضة، وشرط أن يكون كل من الخطيب والإمام، حنفيا، ولخمسة مؤذنين بالجامع حسان الأصوات فى الشهر مائة وخمسة وتسعين نصفا فضة وفى اليوم عشرة أرطال خبزا، ولخادم الربعة فى الشهر خمسة عشر نصفا فضة وفى اليوم رطلان خبزا، ولأربعة من القراء يقرؤون فى المسجد كل يوم مائة وأربعين نصفا فى الشهر وثمانية أرطال خبزا فى اليوم، ولثلاثة يقرؤون به سورة الكهف يوم الجمعة خمسة وأربعين نصفا فى الشهر وستة أرطال خبزا فى اليوم، وللداعى عقب القراءة فى الشهر/ثلاثين نصفا وفى اليوم رطلين خبزا، ولرجل يقرأ فى أحد المصاحف التى بالجامع كل يوم بعد الظهر وبعد العصر خمسة عشر نصفا شهريا ورطلين خبزا يوميا، ولرجل يطلق البخور فيه يوم الجمعة والعيدين خمسة عشر نصفا، وللبواب خمسة وأربعين نصفا، ولاثنين وقادين ستين نصفا، ولاثنين فراشين كذلك، ولسواق الساقية ثلاثين نصفا، وللمزملاتى بالسبيل كذلك، ولمؤدب الأطفال كذلك، ولعريف المكتب خمسة عشر فضة، ولعشرين يتيما يتعلمون بالمكتب لكل واحد أربعة أنصاف، ولكاتب الغيبة فى الشهر خمسة عشر نصفا، ولرجل يصلح السلاسل والأحبال والقناديل فى الشهر خمسة أنصاف ولرجل يرش تجاه المسجد والتكية ويحمل الماء العذب للتكية فى الشهر ثلاثين نصفا فضة، ولمتولى أمر الوقف من عتقاء الواقف ولكاتب الوقف شهريا خمسة وأربعين نصفا، ولجابى الوقف ثلاثين نصفا شهريا، ولشاد الوقف ثلاثين، ولمدرس بالجامع شهريا مائة وخمسين نصفا، ولكل واحد ممن ذكر كل يوم رطلان من الخبز ما خلا المدرس فله ستة، وما خلا مؤدب الأطفال فله ثلاثة، ومثله متولى أمر الوقف، وجعل لكسوة المؤدب فى السنة خمسة وستين نصفا ولكسوة العريف اثنين وثلاثين نصفا، ولكسرة العشرين يتيما ثمانمائة وأربعين نصفا،

ص: 118

وجعل لعشرين من الفقراء يقيمون بالتكية فى الشهر مائة وخمسين نصفا وفى اليوم عشرين رطلا من الخبز، ولبوابها فى الشهر ثلاثين نصفا وفى اليوم رطلين خبزا، ولطباخها خمسة عشر نصفا وفى اليوم رطلين خبزا، وكل يوم يشترى أربعة أرطال من اللحم تجعل سبعة عشر جزءا، منها خمسة عشر لشيخ التكية وفقرائها، وجزآن للواردين، وفى جمعة يطبخ أرز بالسمن والفلفل وفى جمعة يطبخ زردة بعسل النحل ويفرق ذلك على التكية والواردين، وكل يوم أربعة أرغفة للواردين، وجعل فى الشهر خمسة وأربعين نصفا ثمن حطب، وثلاثة أنصاف ثمن خضراوات، وفى السنة مائتين وأربعين نصفا لشراء بقرة وثلاثة خرفان تذبح فى الضحية، وفى السنة ما يحتاج إليه من ثمن أرز أبيض خمسة أرادب، وقمح عشرة أرادب، وعدس خمسة أرادب، وحمص أردبين، وبصل اثنى عشر قنطارا، وفلفل خمسة أرطال، وملح أردبا واحدا، وسمن ستة قناطير، وعسل قطر خمسة قناطير ثمن القنطار ثمانون فضة، ويصرف ثمن ماء عذب للسبيل وزيت للجامع فى اليوم رطلان وعشرة أرطال جمع إسكندرانى، وثمن حصر بالجامع والتكية والمكتب، وثمن ألواح ومحابر وأقلام وحبر وقناديل وسلاسل وكيزان وقلل وطواجن ولوازم الساقية وأجرة النجار، وثمن ثور وعلفه وأجرة طحان وعجان وخباز كل ذلك بحسبه، وما زاد على ذلك فللواقف، ومن بعده يشترى بثلثه عقار يلحق بالوقف، والثلثان لذريته ونسلهم، والنظر له مدة حياته، ثم لأولاده وأولادهم، ثم لناظر الأموال أو الدفتردار بالديار المصرية انتهى.

‌جامع الأشرفية

قال المقريزى: هذا الجامع فيما بين المدرسة السيوفية وقيسارية العنبر. كان موضعه حوانيت يعلوها رباع ومن ورائها ساحات كانت قياسر، بعضها وقف على المدرسة القطبية، فابتدأ الهدم فيها بعد ما استبدلت بغيرها أول شهر رجب سنة ست وعشرين وثمانمائة وبنى مكانها، فلما عمر الإيوان القبلى أقيمت به الجمعة فى سابع جمادى الأولى سنة سبع وعشرين، وخطب به الحموى الواعظ وقد ولى الخطابة المذكورة انتهى.

والذى أنشأه الملك الأشرف برسباى فى جلوسه على تخت مصر، وهو يشتمل على إيوانين كبيرين وآخرين صغيرين وليس به أعمدة، وله منبر عظيم ودكة وقبلته مكسوة بالرخام الملون وأرضه وشبابيكه كذلك، وبه خزانة كتب، وهو معلق يصعد إليه بدرج ما خلا مطهرته وأخليته، وله منارة وساقية وشعائره مقامة من ريع أوقافه، ويؤذن به جماعة أذانا واحدا سلطانيا كسائر مساجد السلاطين مثل جامع الغورية والسلطان حسن ونحو ذلك، ويصلى به خلائق

ص: 119

كثيرة، وكثيرا ما يقرأ به أهل الأزهر دروسهم لاتساعه ونظافته وخفته؛ فإنه تلوح عليه علامات القبول.

‌ترجمة الملك الأشرف:

والأشرف هو كما فى تاريخ الإسحاقى: الملك الأشرف أبو النصر برسباى الدقماقى، تولى الملك يوم الأربعاء ثامن ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وثمانمائة، وهو ثامن ملوك الجراكسة، وكان سلطانا مهيباذا شهامة وتدبير، وفتح قبرس سنة تسع وعشرين وأحضر ملكها أسيرا ذليلا حقيرا، حتى وقف بين يديه بخضوع وانكسار فتحنن عليه وأعاده إلى مملكته بمن اختاره من أتباعه، وجعل عليه خزينة يرسلها له فى كل سنة، وعمر بخانقاة سرياقوس جامعا عظيما وسبيلا، وعمر تربته خارج باب النصر جوار تربة الظاهر برقوق، وبنى مدرسته برأس الوراقين.

ويحكى أن مؤذنا بها كان مولعا بشرب الخمر يؤذن وهو سكران، فرأى/فى منامه السلطان برسباى يضربه بالقرابيج على رجليه وهما فى الفلقة، فلما أفاق لم ير أحدا ورأى أثر الضرب فى رجليه، ووجد نفسه مقعدا فتاب إلى الله تعالى، واستمر مقعدا إلى أن مات.

وتوفى السلطان برسباى يوم السبت ثالث عشر ذى الحجة سنة إحدى وأربعين وثمانمائة انتهى.

وفى نزهة الناظرين: يقال إنه قتله ابنه يوسف ودفن بتربته خارج باب النصر، وكان سلطانا جليلا مهيبا لين الجانب، يميل إلى الخير وسماع القرآن، ويصوم الخميس والاثنين والأيام البيض وأول كل شهر وآخره، ويبجل أهل الصلاح، وأمر بعمارة أماكن متعددة بالمسجد الحرام، وكانت سفرته المشهورة إلى آمد وديار بكر سنة ست وثلاثين وثمانمائة.

وله الأوقاف العظام على الخيرات وأنواع البر انتهى.

وفى كتاب وقفيته أنه وقف هذا الجامع برأس الجزيرتين وبه السبيل والمكتب، ومسجدا بباب النصر ومدرسة بالصحراء خارج باب النصر، وتربته بجوار تلك المدرسة وبها سبيل ومزملة وصهريج، وزاوية بالصحراء تجاه تلك المدرسة وقبة هناك، ومسجدا بسرياقوس وبه سبيل وبئر، وحوضا بناحية السوادة، وستة حوانيت بجوار المدرسة الأشرفية وبناء محكرا هناك، ومكانا بالوراقين وخانا تجاه المدرسة، ومكانين بجوار المدرسة السيفية، ومكانا بخط باب الزهومة، وحانوتا تجاه المدرسة الصالحية وطبقة فوقه ومكانا بجواره، ومكانا بخط بين القصرين، وأمكنة بخط الركن المخلق، ومكانا داخل باب النصر، وحاصلا بخط

ص: 120

الخراطين وبناء محكرا بالخط المذكور، ومكانا بخط الخيميين ومكانا بخط الغرابليين، ومكانا بخط باب الخرق وقيسارية بالخط المذكور، ودارا بخط زقاق حلب مطلة على بركة الفيل ومكانا تجاه ذلك، ومكانا بخط التبانة، وآخر تجاه المدرسة الناصرية، وآخر بخط الرملة، وآخر بقرب سويقة منعم، وبناء محكرا تجاه الكبش، ومكانين بخط الصليبة، وحماما محكرا بباب الشعرية ومكانا ونصف بئر هناك أيضا، وبستانا بخط فم الخور، وخانا وبستانا بسرياقوس، وأرض زراعة ببركة الحاج وبمنية الأمراء وبناحية قليوب وبناحية سنديون وبناحية نوى قليوبية وبناحية أبى رجوان من الجيزية وبناحية الجيزة، وأرضا بناحية جزيرة محمد وناحية وسيم وبمنية طناش وبناحية الجيزرانية كلها من الجيزية، وأرضا بناحيه ريفه وأدرنكة وطوخ وناحية بزونيس جميعها من السيوطية، وأرضا بقرب مدينة بلبيس وبمنية عباد من الغربية وبمنية خيار وناحية شرسابه وناحية بسكالس وناحية الحمراء وناحية سندسيس الجميع من الغربية، وأرضا بناحية شبرا صورة وبناحية الشوبك وبناحية هنتفا وناحية منقطين من البهنساوية، وبساقية أبى شعرة من المنوفية، وبمنية قرموط دقهلية وناحية فرشوط قوصية، وناحية المهمشى فيومية وناحية طما فيومية أيضا، والكربون والجزيرة الصافية من البحيرة.

وذلك غير عقارات وأطيان بدمشق وحلب.

وأما مصاريف الريع فيصرف لإمام هذا الجامع شهريا ألف درهم ويوميا ثلاثة أرطال خبزا، وللخطيب خمسمائة درهم فى الشهر وثلاثة أرطال خبزا فى اليوم، وللمرقى فى الشهر مائة درهم، ولتسعة مؤذنين ألف وثمانمائة درهم شهريا وسبعة وعشرون رطلا خبزا يوميا، وللميقاتى ثلاثمائة درهم وثلاثة أرطال خبزا، ولمدرس حنفى ثلاثمائة درهم فى كل شهر وستة أرطال قرصة فى كل يوم، ولمدرس مالكى خمسون درهما شهريا وستة أرطال قرصة يوميا، ولمدرس حنبلى كذلك، ولمدرس شافعى مائة درهم وستة أرطال قرصة، ولخمسة وستين طالبا سبعة آلاف وخمسمائة درهم شهريا وخمسة وتسعون رطلا خبزا يوميا، ولاثنين خادمين للطلبة فى فرش السجادات ونحو ذلك فى الشهر مائتا درهم وفى اليوم ستة أرطال خبزا، ولكاتب الغيبة ثلاثمائة درهم وثلاثة أرطال، ولتسعة يقرؤون القرآن كل يوم بالمسجد ألف درهم شهريا وسبعة وعشرون رطلا يوميا، ولخازن الكتب بالمسجد ثلاثمائة درهم وثلاثة أرطال، ولخمسة فراشين ثمانمائة درهم وخمسة عشر رطلا، ولاثنين وقادين أربعمائة درهم وثلاثة أرطال، ولسواق الساقية كذلك، وللكناس مع رش تجاه المسجد ثلاثمائة درهم وثلاثة أرطال، ولثمن الزيت ألف درهم شهريا، ولعلف أثوار الساقية والقواديس والطوانس ونحو ذلك ستمائة درهم شهريا، ولثلاثين يتما بمكتب المسجد ألفا درهم

ص: 121

شهريا وتسعون رطلا يوميا، ولمؤدبهم ثلاثمائة درهم شهريا وثلاثة أرطال يوميا، وللمزملاتى خمسمائة درهم شهريا وثلاثة أرطال يوميا، ويصرف لإمام مدرسة الصحراء خمسة وثلاثون درهما نقرة جيدة شهريا وثلاثة أرطال خبزا يوميا، وفى نظير قراءتة فى المصحف كل جمعة خمسون درهما شهريا، ولخطيبها مائتا درهم، ولمدرس بها حنفى خمسة وسبعون درهما، ولسبعة عشر طالبا مائتا درهم شهريا وواحد وخمسون رطلا من/الخبز يوميا، ولأربعة مؤذنين وفراشين بالمدرسة والتربة والقبة ألف ومائتا درهم شهريا ومن الخبز ستة أرطال يوميا، وللمرقى خمسون درهما وثلاثة أرطال، ولثمن زيت خمسة وثلاثون درهما شهريا، وثمن قواديس وطوانس ونحوها ثلاثون درهما شهريا، ولإمام مسجد باب النصر مائة درهم، وللمؤذن خمسة عشر درهما فضة ورطلان خبزا وعليه تعليم الأولاد بمكتب ذلك المسجد، ولعشرة أيتام بالمكتب خمسة عشر درهما فضة ومائتا درهم جدد وعشرون رطلا خبزا. ولجامع سرياقوس ما هو مبين فيه. ولمصالح زاوية سيدى ذى النون المصرى ألف درهم شهريا وذلك غير ما يصرف للناظر والشاد والكاتب والجابى ونحوهم، وغير ما يصرف سنويا فى كسوة الأيتام والتوسعة ونحو ذلك. وغير ما يصرف فى جهات خيرية منها مائة قميص من الخام ترسل لفقراء الحرم المكى والمدنى. ولإمام الحنفية بالحرم المكى نظير قراءته خمسة أحزاب من القرآن كل يوم أربعة دنانير أشرفية كل سنة، ومثل ذلك فى الحرم النبوى. وعلى مصالح المارستان بمكة المشرفة بعض إيراد أطيان أبى رجوان جيزية. وغير ذلك مما هو مبين فى حجة الوقفية. انتهى.

‌جامع الإصطبل

فى المقريزى: أن هذا الجامع فى الإصطبل السلطانى من قلعة الجبل. انتهى. ويظهر أن هذا الجامع هو الذى انهدم فى الحريق الذى وقع بالقلعة فى سنة تسع وثلاثين ومائتين وألف لقربه من إصطبل قديم سلطانى كان هناك.

‌جامع أصلم

قال المقريزى: هذا الجامع خارج الدرب المحروق. أنشأه الأمير بهاء الدين أصلم السلاح دار فى سنة ست وأربعين وسبعمائة، ورتب به درسا وجعل له أوقافا.

‌ترجمة أصلم:

وأصلم هو أحد مماليك الملك المنصور قلاوون الألفى، وقع من نصيب الأمير سيف الدين أقوش المنصورى لما فرقت مماليك الملك الأشرف خليل بن قلاوون بعد قتله فى سلطنة

ص: 122

الناصر محمد بن قلاوون، ثم انتقل إلى الأمير سلار، فلما حضر الملك الناصر محمد من الكرك بعد سلطنة بيبرس الجاشنكير خرج إليه أصلم وبشره بهروب بيبرس فأنعم عليه بإمرة عشرة، ثم تنقل إلى أن صار أمير مائة، وكان أحد المشايخ ويجلس رأس الحلقة، ويجيد رمى النشاب، مع سلامة صدر وخير، إلى أن مات فى يوم السبت عاشر شعبان سنة سبع وأربعين وسبعمائة انتهى.

وفى الضوء اللامع للسخاوى: أن لأصلم هذا سبطا دفن بهذا الجامع، وترجمه حيث قال عمر بن خليل بن حسن بن يوسف الركن بن الغرس الكردى الأصل القاهرى الشافعى، سبط الشهابى أصلم صاحب الجامع الشهير بسوق الغنم؛ لأن أمه وهى ألف ابنة الشهاب أحمد الفارقانى أمها فرج خاتون ابنة أصلم؛ فلذا يقال له ابن أصلم، ويقال له أيضا ربيب الجلال البلقينى لكونه كان زوجا لأمه المذكورة، تزوجها بعد والده المتزوج بها بعد أخيه البدر بن السراج وحظيت عند الجلال، وكان يقال له ابن المشطوب لشطب كان بوجه والده.

ولد فى سنة ثمانمائة بالقاهرة، ونشأ بها فحفظ القرآن عند النور المنوفى والعمدة، وعرضها على البرهان بن رفاعة وآخرين منهم زوج أمه الجلال، وحج صحبة أمه فى سنة عشرين، وصاهر العلم البلقينى على أكبر بناته، وولى نظر جامع أصلم والتحدث على أوقاف طرنطاى الحسامى، وبنى دارا بالقرب من مدرسة المولوى البلقينى، وحدث باليسير، أخذ عنه الطلبة، وكان كثير الحركة والكلام، وقد كبر ولزم بيته مديما للتلاوة حتى مات فى رمضان سنة ثمان وثمانين، وصلى عليه بجامع الحاكم فى مشهد لا بأس به، ثم دفن بجامعهم فى سوق الغنم رحمه الله تعالى. اه ملخصا.

وأنشأ بجوار هذا الجامع دارا سنية وحوض ماء للسبيل. وإلى الآن هذا الجامع مقام الشعائر وبه أربعة ألونة وعلى حائط الليوان الذى عليه المنبر ألواح رخام فى الدائرة، وكان على صحنه قبة هدمت الآن وبقى مكشوفا، وله بابان بشارع أصلم مكتوب بأعلى أحدهما:

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أنشأ هذا الجامع المبارك العبد الفقير إلى الله تعالى أصلم عبد الله السلاح دار المالكى الصالحى. وابتدأ فى عمارته فى سنة خمس وأربعين وسبعمائة وأوفى فى ربيع الأول سنة ست وأربعين وسبعمائة.

وله أوقاف تحت نظر الأسطى سليمان السندبيسى بتقرير من المحكمة، ومبلغ إيراده فى السنة اثنا عشر ألف قرش وأربعة وستون قرشا، منها إيجار أماكن أحد عشر ألف قرش وتسعمائة

ص: 123

وستة وتسعون قرشا ونصف، وأحكار سبعة وستون قرشا ونصف، يصرف منها فى المرتبات أربعة آلاف وأربعمائة وأحد عشر قرشا ونصف والباقى للعمارات.

‌جامع الأفرم

قال المقريزى: هذا الجامع بسفح الرصد. عمره ابن الأفرم أمير جاندار وهو عز الدين أيبك الملكى الصالحى سنه ثلاث وستين وستمائة، وعمر أيضا مسجدا جامعا بجسر الشعيبية /المعروف بجسر الأفرم بظاهر مدينة مصر فيما بين المدرسة المعزية برحبة الحناء قبلى مصر وبين رباط الآثار النبوية عمره سنة ثلاث وتسعين وستمائة، وعرف فيما بعد بابن اللبان الشافعى لإقامته فيه، ثم انقطعت الجمعة والجماعة منه لخراب ما حوله وبعد البحر عنه، وقد انعدم الآن كل منهما انتهى.

‌جامع الأقمر

هو على يمين السالك من شارع الأمشاطية بخط بين القصرين يريد باب الفتوح بقرب حارة برجوان وجامع السلحدار. قال المقريزى: كان مكانه علافون فأمر الخليفة الآمر وزيره المأمون البطائحى بإنشائه جامعا، فلم يترك قدام القصر دكانا وبناه فى سنه تسع عشرة وخمسمائة، واشترى له حمام شمول ودار النحاس وحبسهما على سدنته ووقود مصابيحه والموظفين فيه، وما زال اسم المأمون والآمر على لوح فوق محرابه، وفيه تجديد الملك الظاهر بيبرس له، ولم تكن فيه خطبة، ثم جدده الوزير المشير يلبغا السالمى سنة تسع وتسعين وسبعمائة وأنشأ بظاهر بابه البحرى حوانيت يعلوها طباق، وجدد فى صحنه بركة لطيفة يصل إليها الماء من ساقية وجعلها مرتفعة ينزل منها الماء من بزابيز نحاس، ونصب فيه منبرا وصليت فيه الجمعة فى تلك السنة، وبنى على يمنة المحراب البحرى مئذنة وبيض الجامع ودهن صدره باللازورد والذهب، وأنشأ ميضأة بجوار بابه الذى من جهة الركن المخلق، وجدد حوضه الذى تشرب منه الدواب وهو فى ظهره تجاه الركن المخلق، وبئره قديمة قبل الملة الإسلامية كانت فى دير بهذا الموضع، وتعرف ببئر العظام بسبب أن جوهرا القائد نقل من الدير عظاما من رمم قوم يقال إنهم من الحواريين، والعامة تقول: بئر العظمة. وهى فى غاية السعة، وبالجامع درس من قديم الزمان، ثم فى سنة خمس عشرة وثمانمائة هدمت المئذنة من أجل ميل حدث بها، وأبطل الماء من البركة لإفساده جدار الجامع القبلى. انتهى. وهو إلي الآن عامر مقام الشعائر تام المنافع واسمه لم يتغير، وأرضه منخفضه عن أرض الشارع، وللناس فى بئره اعتقاد ويستشفون بمائها.

ص: 124

‌جامع ألماس

قال المقريزى: هذا الجامع بالشارع خارج باب زويلة. بناه الأمير سيف الدين ألماس الحاجب، وكمل فى سنة ثلاثين وسبعمائة.

‌ترجمة ألماس:

وكان ألماس هذا أحد مماليك السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، فرقاه إلى أن صار من أكبر الأمراء وبلغ منزلة النيابة إلا أنه لم يسم بالنائب، ويركب الأمراء الأكابر والأصاغر فى خدمته، ويجلس فى باب القلة من قلعة الجبل فى منزلة النائب والحجاب وقوف بين يديه، وما برح على ذلك حتى توجه السلطان إلى الحجاز فى سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، فتركه فى القلعة مع ثلاثة من الأمراء، وبقية الأمراء إما معه فى الحجاز، وإما فى إقطاعاتهم.

وأمرهم أن لا يدخلوا القاهرة حتى يحضر من الحجاز، فلما قدم من الحجاز نقم عليه وأمسكه فى صفر سنه أربع وثلاثين وسبعمائة، وكان لغضبه عليه أسباب، منها أنه لما قام فى غيبة السلطان بالقلعة كان يراسل الأمير جمال الدين أقوش نائب الكرك ويوادده، وبدت منه فى مدة الغيبة أمور فاحشة من معاشرة الشباب ومن كلامه فى حق السلطان فأخذ وحبس، وبعد ثلاثة أيام من حبسه قتل خنقا فى محبسه فى الثانى عشر من صفر سنه أربع وثلاثين وسبعمائة وحمل من القلعة إلى جامعه فدفن به، ونهب جميع ما فى داره فوجد ستمائة ألف درهم فضة، ومائة ألف درهم فلوسا، وأربعة آلاف دينار ذهبا، وثلاثين حياصة ذهبا كاملة بكفتياتها وخلعها، خلاف الجواهر والتحف انتهى.

وهذا الجامع الآن عامر مقام الشعائر، وله باب إلى ميدان سراى الحلمية فى مواجهة باب السراى، وفى داخل حارة ألماس باب، وبه منبر دقيق الصنعة، وبوائكه على عمد من الرخام، ودائر محرابه بالقيشانى، وفى وسط صحنه حنفية بجانبها بئر تملأ منها، وبه ضريح منشئه عليه قبة ولها شباك مشرف على الشارع وله أوقاف تحت نظر محمد أفندى رشدى يبلغ إيرادها فى السنة اثنى عشر ألف قرش وأربعة وعشرين قرشا، ومرتب بالروزنامجه أربعمائة قرش وخمسة قروش، وأحكار مائة وستة وثلاثون قرشا، يصرف من ذلك للخدمة وإقامة الشعائر أربعة آلاف وثلاثمائة وثمانية وثمانون قرشا والباقى يحفظ تحت يده للعمارات.

ص: 125

‌جامع أم السلطان

هذا الجامع بشارع التبانة على يمنة السالك من الدرب الأحمر إلى القلعة بين باب الوزير وجامع الماردانى. له بابان أحدهما بالشارع وآخر بحارة مظهر باشا، وصحنه مفروش بالرخام النفيس وفيه تقاسيم جميلة، وكان يعرف بمدرسة أم السلطان، وعلى يمنة الداخل من الدهليز لوح رخام أزرق مقسم باللون الأخضر منقوش فيه: الحمد لله أنشأ هذه المدرسة المباركة مولانا السلطان الملك أعز الله أنصاره لوالدته تقبل الله منهما. وهذا المسجد الآن مقام الشعائر.

وفى المقريزى فى ذكر/المدارس: مدرسة أم السلطان خارج باب زويلة بقرب القلعة، يعرف خطها الآن بالتبانة وكان موضعها مقبرة أنشأتها الست الجليلة الكبرى بركة أم السلطان الأشرف شعبان بن حسين سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، وعملت بها درسا للشافعية ودرسا للحنفية، وعلى بابها حوض ماء للسبيل، وهى من المدارس الجليلة. وفيها دفن الملك الأشرف بعد قتله.

‌ترجمة الست بركة أم السلطان الاشرف شعبان:

وبركة هذه هى الست خوند، كانت أمة مولدة، فلما أقيم ابنها فى مملكة مصر عظم شأنها، وحجت سنة سبعين بتجمل كثير وبزخ زائد، وعلى محفتها العصائب السلطانية والكؤوسات تدق معها، ومعها ما يجل وصفه، من ذلك قطار جمال محملة محائر قد زرع فيها البقل والخضروات، وعند قدومها خرج السلطان بعساكره إلى لقائها وسار إلى البويب، وماتت سنة أربع وسبعين وسبعمائة، وكانت خيرة عفيفة لها بر كثير ومعروف معروف، تحدث الناس بحجتها عدة سنين، لما كان لها من الأفعال الجميلة فى تلك المشاهد الكريمة، وكان لها اعتقاد فى أهل الخير ومحبة فى الصالحين، وقبرها موجود بقبة هذه المدرسة.

واتفق أنها لما ماتت أنشد الأديب شهاب الدين أحمد بن يحيى الأعرج السعدى هذين البيتين:

فى ثامن العشرين من ذى القعدة

كانت صبيحة موت أم الأشرف

فالله يرحمها ويعظم أجرها

ويكون فى عاشور موت اليوسفى

فكان كما قال، وغرق ألجاى اليوسفى كما ذكرنا ذلك فى الكلام على جامعه.

‌جامع أم الغلام

هذا الجامع يعرف أيضا بجامع أينال وهو بشارع قصر الشوك. يسلك إليه من جهة باب المشهد الحسينى المعروف بالباب الأخضر. أنشأه السلطان أينال اليوسفى، وهو جامع كبير

ص: 126

شعائره مقامة ومنافعه تامة، وبداخله ضريح يعرف بضريح أم الغلام، وجد مكتوبا على بابه بعد البسملة {إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} هذا مقام سيدة نساء العالمين السيدة فاطمة وولدها الحسين صلوات الله عليه أمر بتجديد هذا المقام المبارك الأمجد

وباقى الكتابة لم يمكن قراءته، وبعد ذلك تاريخ سنة اثنتين وتسعمائة.

‌جامع الأنصارى

هو بشارع مشهّر بالقرب من الشارع الموصل لساحة الحمير جهة الفوالة. شعائره مقامة وليس به آثار تاريخ إنشائه. وله أوقاف تحت نظر ناظره الحاج مرزوق كريم الكتاتنى.

‌جامع أولاد عنان

هو خارج باب البحر، على يسار الذاهب من الشارع الجديد إلى محطة السكة الحديد وإلى شبرا الخيمة بقرب قنطرة الخليج الناصرى الذى هو اليوم الترعة الحلوة الذاهبة إلى السويس.

وكان أولا على شاطئه، فلما اختصر صار بعيدا عنه، ويعرف قديما بجامع المقس، وكان يعرف أيضا بجامع باب البحر.

وفى خطط المقريزى: هذا الجامع أنشأه الحاكم بأمر الله على شاطئ النيل بالمقس، وكان المقس خطة كبيرة، وهو بلد قديم من قبل الفتح. ووقف الحاكم أماكن بمصر على الجوامع يصرف من ضمنها ما يحتاج إليه جامع المقس من عمارته وثمن الحصر العبدانية والمضفورة وثمن العود للبخور وغيره على ما شرح من الوظائف.

وكان لهذا الجامع نخل كثير فى الدولة الفاطمية، ويركب الخليفة إلى منظرة كانت بجانبه عند عرض الأسطول فيجلس بها لمشاهدة ذلك.

وفى سنة سبع وثمانين وخمسمائة انشقت زريبة من هذا الجامع لكثرة زيادة ماء النيل، وخيف على الجامع السقوط فأمر بعمارتها.

وفى دولة السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب أنشأ متولى العمائر بهاء الدين قراقوش بجوار هذا الجامع برجا كبيرا فى مكان المنظرة التى كانت للخلفاء.

فلما كانت سنة سبعين وسبعمائة جدد هذا الجامع الوزير الصاحب شمس الدين عبد الله المقسى، وهدم القلعة وجعل مكانها جنينة، فصار العامة يقولون: جامع المقسى، لكونه جدده وبيضه. وقد انحسر ماء النيل عنه وصار اليوم على حافة الخليج الناصرى. ونظر هذا الجامع بيد أولاد الوزير المقسى، وقد جعل عليه أوقافا لمدرس وخطيب وقومة ومؤذنين

ص: 127

غير ذلك. وقال جامع السيرة الصلاحية: وهذا المقسم على شاطئ النيل يزار. وهناك مسجد يتبرك به الأبرار، وهو المكان الذى قسمت فيه الغنيمة عند استيلاء الصحابة رضي الله عنهم على مصر، فلما أمر السلطان صلاح الدين بإدارة السور على مصر والقاهرة، تولى ذلك الأمير قراقوش وجعل نهايته عند المقس، وبنى فيه برجا، وبنى مسجده جامعا، واتصلت العمارة منه إلى البلد وصارت تقام فيه الجمع والجماعات.

وفى الضوء اللامع للسخاوى أن الصاحب المذكور كان نصرانيا، وكان يقال له قبل أن يسلم شمس، وكان يعرف بالمقسى نسبة للمقسم ظاهر القاهرة، جدد جامع باب البحر بحيث اشتهر الجامع به وهجرت شهرته الأولى، وهو المترجم فى سنة خمس وتسعين وسبعمائة /من أنباء شيخنا وغيره انتهى.

وفى تاريخ ابن إياس من حوادث سنة ثمان وعشرين وتسعمائة، أن جماعة من النصارى كانوا يسكرون فى بيت على الخليج بالقرب من جامع المقس، فلما قوى عليهم السكر وتزايد منهم الضجيج أرسل إليهم الشيخ محمد بن عنان ينهاهم عن ذلك، وكان وقتئذ مقيما بالجامع المذكور، فلم ينتهوا وسبوا الشيخ سبا قبيحا، فطلع الشيخ عند ملك الأمراء وشكا له من النصارى، فأرسل بالقبض عليهم فهربوا، ثم قبضوا على واحد منهم فرسم ملك الأمراء بحرقه، فلما رأى النصرانى ذلك أسلم خوفا على نفسه من الحرق، فألبسوه عمامة بيضاء، واختفى بقية النصارى عند يونس النصرانى حتى خمدت الفتنة انتهى.

وفى تاريخ الجبرتى: أن الفرنساوية لما دخلوا مصر هدموا عدة مساجد منها هذا الجامع انتهى.

‌ترجمة سيدى محمد بن عنان:

وفى هذا الجامع ضريح سيدى محمد بن عنان، ترجمه الشعرانى فى الطبقات فقال:

كان رضي الله عنه من الزهاد العباد، وما كنت أمثله إلا بطاوس اليمانى أو سفيان الثورى، وكان مشايخ العصر إذا حضروا عنده كالأطفال فى حجر مربيهم، وكان يضرب به المثل فى قيام الليل وفى العفة والصيانة، وكان له كرامات عظيمة، وكان وقته مضبوطا لا يتفرغ لكلام اللغو ولا لشئ من أخبار الناس، ويقول: كل نفس مقوّم علىّ بسنة، وكنا ونحن شباب فى ليالى الشتاء نحفظ ألواحنا ونكتب بالليل ونقرأ ماضينا وهو قائم يصلى على سطح جامع الغمرى، ثم ننام ونقوم فنجده يصلى وهو متلفع بحرامه والناس تحت اللحف لا يستطيعون خروج شئ من أعضائهم، وكان يحب الإقامة فى الأسطحة، كل جامع أقام فيه عمل له فوق

ص: 128

سطوحه خصا أو خيمة. وأقام فى بدء أمره ثلاث سنين فى سطح جامع عمرو ولا ينزل إلا لصلاة الجماعة أو لحضور درس الشيخ يحيى المناوى، وكان يقول: حفظت القرآن وأنا رجل. ويقول:

منذ وعيت على نفسى لا أقدر على جلوسى بلا طهارة قط، وكانت تصيبنى الجنابة فلا أجد للغسل إلا بركة على باب دارنا فى ليالى الشتاء فأفرق الثلج عن وجهها ثم أغطس فيها فأجد الماء من الهمة ساخنا فيها، وكان رضي الله عنه يقول: مجالسة الأكابر تحتاج إلى الطهارة. وقال الشيخ عبد الدائم ابن أخيه: بعت مركب قلقاس من زرع عمى وجئته بثمنها أربعين دينارا فصاح فىّ فرفعتها من بين يديه. وجاءه شخص وهو فى جامع المقسم أوائل مجيئه من بلاد الريف بالشرقية وقال له: إن جماعة يقولون: هذه الخلاوى التى فيها الفقراء لنا. فأمر بنقل دسوت الطعام إلى الساحة التى بجوار سيدى محمد الجبرونى وكمل طبخ الطعام هناك. وكان مدة إقامته فى مصر لا يكاد يصلى الجمعة مرتين فى مكان واحد خوف الشهرة، وكان يكره للفقير أن يغتسل عريانا ولو فى خلوة، ويشدد فى ذلك ويقول: طريق الله ما بنيت إلا على الأدب مع الله تعالى. وكان لا يركب قط إلى مكان إلا ويحمل معه الخبز والدقة ويقول: إن الرجل إذا جاع وليس معه خبز استشرفت نفسه للطعام، فإذا وجده أكله بعد استشراف النفس وقد نهى الشارع عن ذلك. ومناقبه رضي الله عنه لا تحصى، ولما حضرته الوفاة ومات نصفه الأسفل حضرت صلاة العصر، فأحرم جالسا خلف الإمام لا يستطيع السجود، ثم اضطجع والسبحة فى يده فوجدناه ميتا. وذلك فى ربيع الأول سنه اثنتين وعشرين وتسعمائة عن مائة وعشرين سنة، ودفن بجامع المقسم، وصلى عليه الأئمة والسلطان طومان باى، وصار يكشف رجل الشيخ ويمرغ خدوده عليها، وكان يوما مشهودا انتهى.

وما اشتهر من أن أخاه الشيخ عبد القادر بن عنان مدفون معه فى هذا الجامع لا أصل له، ففى الطبقات أنه لما مات الشيخ عبد القادر بن عنان سنة عشرين وتسعمائة دفن ببرهمتوش من بلاد الشرقية وقبره بها ظاهر يزار، وكان يتلو القرآن آناء الليل وأطراف النهار وهو يحصد أو يحرث أو يمشى، وكان سيدى محمد يقول: الشيخ عبد القادر عمارة الدار والبلاد، ووقائعه كثيرة مع الحكام ومشايخ العرب. وكان يقول: كل فقير لا يقتل من هؤلاء الظلمة عدد شعر رأسه فما هو فقير انتهى.

ويعمل لسيدى محمد مولد سنوى وحضرة فى كل أسبوع.

‌جامع الأولياء

هو بالقرافة الكبرى. وكان يعرف بجامع القرافة، قال المقريزى: كان موضعه يعرف بخطة المعافر، وهو مسجد بنى عبد الله بن مانع بن مورع يعرف بمسجد القبة، قال القضاعى:

ص: 129

كان القراء يحضرون فيه، ثم بنى عليه المسجد الجامع الجديد، بنته السيدة المعزية أم العزيز بالله نزار بن المعز سنة ست وستين وثلاثمائة. وهو على نحو بناء الجامع الأزهر، وله أربعة عشر بابا أحدها مصفح بالحديد إلى حضرة المحراب، والمقصورة من عدة أبواب وكلها مربعة مطوية الأبواب، قدام كل باب قنطرة قوس على عمودى رخام ثلاثة صفوف.

وهو مصبوغ بأنواع الأصباغ من صنعة البصريين وبنى المعلم المزوقين شيوخ الكتامى والنازوك.

وفى سنة ست عشرة وخمسمائة رمم شعثه أبو البركات/محمد بن عثمان وكيل الوزير أبى عبد الله بن فاتك البطائحى، ولم يزل على عمارته إلى أن احترق فى السنة التى احترق فيها جامع عمرو، وهى سنة أربع وستين وخمسمائة عند نزول مرى ملك الفرنج على القاهرة، أمر بحرقه مؤتمن الخلافة جوهر لئلا يخطب فيه لبنى العباس، ولم يبق فيه بعد الحريق سوى المحراب الأخضر، ثم جددت عمارته فى أيام المستنصر. وكانت القرافة الكبرى عامرة بسكنى السودان التكاررة وهو مقصود للبركة انتهى باختصار.

وفى تحفة الأحباب للسخاوى: أن هذا الجامع مبارك، لم يزل الناس يفزعون إليه فى الشدائد للتضرع إلى الله تعالى، وكان الناس يصلون فى قيسارية العسل حتى فرغوا من بنائه فى رمضان من السنة التى ابتدئ فيها بناؤه، وكان به بيت مال الأيتام، بناه أسامه بن يزيد متولى خراج مصر أيام سليمان بن عبد الملك، ثم بناه أحمد بن طولون سنة ست وخمسين ومائتين وهو على الزيادة التى فى قبليه، وما زال أهل الخير والصلاح يتبركون بهذا المكان إلى هلم، ولهذا اشتهر بجامع الأولياء. وفى قبلية تربة القاضى الفقيه المعروف بالنعمان، كان محافظا على علوم النسب له مصنفات منها كتاب دعائم الإسلام، وكتاب اللآلئ والدرر، وكان العاضد يزوره ويجلس دونه. وتربة بنى النعمان مشهورة حسنة البناء، وإلى جانب الجامع تربة بها ألواح رخام مكتوب عليها أقارب المعز لدين الله الذى نسبت إليه القاهرة انتهى.

وهذا الجامع فى الشمال الغربى لساقية أم السلطان قبلى عين الصيرة بمسيرة ثلث ساعة، ولم يبق منه الآن إلا بعض جدران، وصار هو وما حوله مقابر على صورة حوش كبير، وبه قبر يقال إنه لعبد الله بن عمرو بن العاص، وشهرته بحوش الأولياء وحوش أبى على، وبه مساكن متخربة وبجواره من الجهة الشرقية بئر مطموسة، وبجواره أيضا من الجهة البحرية محل يعرف بالشريفة مبنى بالحجر المتين، وبه محراب كبير تكتنفه أربعة محاريب صغيرة وليس به سقف، وفى غربيه بنحو ألف متر محل يعرف بإصطبل عنتر جعل اليوم جبخانة

ص: 130

‌جامع الشيخ أونان

هو بدرب الحبالة. وشعائره مقامة ومنافعه تامة من منبر ومنارة ومطهرة وأخلية ونحو ذلك، وبداخله ضريح يقال له ضريح الشيخ أونان عليه مقصورة من الخشب، وبجوار المسجد ضريح خوجة بردى، وكلاهما تحت نظر رجل يقال له الشيخ محمد رضوان بيده وقفية للجامع فيها تاريخ سنة اثنتين وتسعمائة.

‌جامع أيتمش

هو داخل باب الوزير تحت قلعة الجبل برأس التبانة. جميعه بالحجر النحيت، وبه قبة مرتفعة يظهر أن ليس بها قبر أحد، وشعائره مقامة من أوقافه، وعده المقريزى فى المدارس وقال: هذه المدرسة أنشأها الأمير الكبير سيف الدين أيتمش البجاسى ثم الظاهرى فى سنة خمس وثمانين وسبعمائة، وجعل بها درس فقه للحنفية، وبنى بجانبها فندقا كبيرا يعلوه ربع، ومن ورائها خارج باب الوزير حوض ماء للسبيل وربعا، وهى مدرسة ظريفة.

وأيتمش هو ابن عبد الله كان أحد المماليك اليلبغاوية انتهى. ويقال: إنه توفى بأرض الشام.

‌جامع أينال

هذا الجامع خارج باب زويلة بخط الخيمية بجوار جامع محمود الكردى. وهو مقام الشعائر وبه خطبة وله منارة وبداخله قبر منشئه، وله أوقاف، كان تحت نظر الشيخ أحمد بطة أحد خوجات المدارس الملكية، وهذا الجامع هو مدرسة أينال التى ذكرها المقريزى فقال: هذه المدرسة خارج باب زويلة بالقرب من حارة الهلالية بخط القماحين، كان موضعها فى القديم من حقوق حارة المنصورة، أوصى بعمارتها الأمير الكبير سيف الدين أينال اليوسفى أحد المماليك اليلبغاوية، فابتدأ بعملها فى سنة أربع وتسعين وسبعمائة وفرغت فى سنة خمس وتسعين وسبعمائة، ولم يعمل فيها سوى قراء يتناولون قراءة القرآن على قبره، فإنه لما مات فى يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الآخرة سنة أربع وتسعين وسبعمائة دفن خارج باب النصر حتى انتهت عمارة هذه المدرسة فنقل إليها ودفن فيها.

ثم إن أينال هذا ولى نيابة حلب، وصار فى آخر عمره أتابك

ص: 131

حتى مات، وكانت جنازته كثيرة الجمع مشى فيها السلطان الملك الظاهر برقوق والعساكر انتهى.

‌جامع الصالح أيوب

هذا الجامع بشارع النحاسين تجاه الصاغة عن يسار الداخل من باب حارة الصالحية إلى خان الخليلى. وهو مقام الشعائر وبه خطية، وكان إنشاؤه أولا مدرسة عرفت بالمدرسة الصالحية.

قال المقريزى: المدرسة الصالحية بخط بين القصرين، كان موضعها من جملة القصر الكبير الشرقى. بناها الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل محمد بن العادل بن أيوب فدك أساسها فى رابع عشر ربيع الآخر سنة أربعين وستمائة، ولما تمت رتب فيها دروسا أربعة على المذاهب الأربعة، وهو أول من عمل بمصر دروسا أربعة فى مكان، ثم اختط ما وراء هذه المدارس /فى سنة بضع وخمسين وستمائة، وجعل حكر ذلك لهذه المدرسة.

ثم إن الملك السعيد محمد بركة خان بن الظاهر بيبرس وقف الصاغة التى تجاهها وأماكن بالقاهرة وبمدينة المحلة الغربية وقطع أراضى جزائر بالأعمال الجيزية والأطفيحية على مدرسين أربعة، عند كل مدرس معيدان وعدة طلبة وما يحتاج إليه من أئمة ومؤذنين وقومة وغير ذلك، وثبت ذلك فى سنة سبع وسبعين وستمائة وهى جارية فى وقفها إلى اليوم.

ثم فى سنة ثلاثين وسبعمائة رتب جمال الدين أقوش نائب الكرك خطيبا بإيوان الشافعية من هذه المدرسة، وجعل له فى كل شهر خمسين درهما، ووقف عليه وعلى المؤذنين وقفا جاريا، واستمرت الخطبة هناك إلى اليوم.

وبجوار المدرسة قبة الصالح، بنتها شجرة الدر لأجل مولاها الملك الصالح أيوب عندما مات وهو على مقاتلة الفرنج بناحية المنصورة ليلة نصف شعبان سنة سبع وأربعين وستمائة؛ فكتمت زوجته شجرة الدر موته خوفا من الفرنج، وجعلت تخرج المناشير والتواقيع والكتب وعليها علامة خادم يقال له سهيل فلا يشك أحد فى أنه خط السلطان، وأشاعت أن السلطان مستمر المرض إلى أن أنفذت إلى الملك المعظم توران شاه بن الصالح فأخضرته من حصن كيفا، ثم أحضرت جثة الملك الصالح فى حراقة إلى قلعة الروضة، ثم نقل إلى هذه القبة فى تابوت وصلى عليه يوم الجمعة، فدفن بها ليلة السبت الثامن والعشرين من رجب سنة ثمان وأربعين وستمائة، ووضع عند القبر سناجق السلطان وبقجته وتركاشه وقوسه، ورتب

ص: 132

عنده القراء على ما شرطت شجرة الدر فى كتاب وقفها، وكان موضع هذه القبة قاعة شيخ المالكية انتهى باختصار.

وقد دخل بعض هذه المدرسة فى الدور المملوكة، وكان سورها القبلى إلى خان الخليلى، والبحرى إلى مدرسة الظاهر، والغربى إلى الشارع، والشرقى إلى حارة الصالحية، ومن داخل بابها الكبير بابان متقابلان أحدهما يوصل إلى محل الحنابلة والشافعية، والآخر إلى محل المالكية والحنفية، وكانت تسمى المدارس الأربعة.

وللسلطان الصالح زيارة كل أسبوع ومولد كل سنة ليلة الثلاثاء من آخر مولد سيدنا الحسين رضي الله عنه.

***

ص: 133

‌حرف الباء

‌جامع باب الوزير

هو المعبر عنه فى خطط المقريزى بجامع قوصون. وقال: هذا الجامع داخل باب القرافة تجاه خانقاه قوصون. أنشأه الأمير سيف الدين قوصون وعمر بجانبه حماما فعمرت تلك الجهة من القرافة بجماعة الخانقاه والجامع انتهى.

وهذا الجامع عامر إلى الآن، وعرف بجامع باب الوزير لمجاورته لباب الوزير الذى هو أحد أبواب القرافة تحت القلعة.

‌جامع الباسطى

فى المقريزى أن هذا الجامع فى بولاق خارج القاهرة. قال: أدركت موضعه وهو مطل على النيل طول السنة، أنشأه شخص من عرض الفقهاء فى سنة سبع عشرة وثمانمائة انتهى.

‌جامع البحر

هذا الجامع بخط باب البحر على يسرة المار منه إلى المقس. به أربعة أعمدة من الرخام، وتحت الدكة عمود من الحجر الأزرق، وهو تام المنافع مقام الشعائر بنظر السيد مصطفى القصبجى، وبه ضريح الشيخ محمد البحر وضريح الشيخ تاج الدين ويعمل به مولد كل سنة.

‌جامع بدر الدين بن النقيب

هو بالحسينية فى طرف البلد. أنشأه السيد بدر الدين بن موسى بن مصطفى، ينتهى نسبه إلى الإمام زين العابدين بن سيدنا الحسين بن الإمام على رضي الله عنهم، وعمل به منبرا وخطبة ورتب له إماما وخطيبا وخادما، وأنشأ بجانبه دارا نفيسة لسكناه وبنى به ضريحا لأخيه السيد على ونقله إليه وذلك سنة خمس ومائتين وألف، وكان أصله زاوية عمرها قبله أخوه السيد على لأنها كانت بجوار مسكنه، فبعد موته هدمها بدر الدين وبنى هذا المسجد، ثم لما تحرك أهل الحسينية على الفرنسيس وجمع بدر الدين جموعه من الحسينية والجهات البرانية، ظهر عليهم الفرنسيس ففر بدر الدين إلى الشام، وفتشوا عليه فلم يجدوه فخربوا

ص: 134

داره ونهبوا ما فيها وخربوا هذا المسجد وما حوله، ولما هدأت الأمور وانقشعت الفرنساوية رجع السيد بدر الدين وعمر المسجد والدار أحسن مما كانا عليه.

‌ترجمة السيد على موسى المعروف بابن النقيب:

وكانت له شهرة عظيمة بعد أخيه السيد على موسى المحدث الحسيب النسيب الحسينى المقدسى الأزهرى المصرى، عرف بابن النقيب لأن جدوده تولوا نقابة بيت المقدس، وقرأ به القرآن وبعض العلم وانتقل إلى الشام فأخذ عن فضلائها، ثم عاد إلى القدس فاجتمع بالشيخ مصطفى البكرى وأخذ عنه الطريق، ورغب فى مصر فوردها وحضر على السجينى والعزيزى والحفنى وغيرهم، ومهر فى الفنون وتصدر بالمشهد الحسينى لتدريس التفسير والفقه والحديث، وكان ذا جودة وجود ومروءة عالما بالأصول والفروع، وكان منزله بجوار المشهد الحسينى موردا للآملين، وكان له رغبة فى الخيل وشرائها، وكان فارسا يستعمل/السلاح والرمى بالرماح، ولما ضاق عليه منزله لكثرة الواردين وميله إلى ربط الخيل انتقل إلى الحسينية.

ثم فى سنة سبع وسبعين ومائة وألف، عند تجديد المشهد الحسينى من طرف الأمير عبد الرحمن كتخدا سافر إلى دار السلطنة، وقرأ دروس الحديث فى عدة جوامع واشتهر هناك بالمحدث، وأقبلت عليه الناس أفواجا للتلقى عنه، وتزوج هناك ثم عاد إلى مصر، وعاد إلى درسه بالمشهد الحسينى سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف، ولم يزل على عادته المألوفة إلى أن مات سنة سبع وثمانين ومائة وألف، فأمر محمد بيك أبو الذهب بإعطاء أخيه بدر الدين خمسمائة ريال لتجهيزه، ثم جلس بدر الدين مكانه فى إملاء درس الحديث بالمشهد الحسينى، ومشى على قدم أخيه وأقبلت عليه الناس والدنيا وبنى هذا الجامع والدار انتهى.

‌جامع بدر الدين الإنائى

هو بشارع الزرائب بالقرب من باب القرافة. أعظمه متخرب وبجزء منه ثمانية أعمدة من الزلط والرخام، وبه المنبر والقبلة وضريح الشيخ بدر الدين المذكور، وله ميضأة بها شجرة لبخ، وسبيل ومكتب مهجور ومنارة وله محلات بجواره موقوفة عليه، وشعائره مقامة من إيرادها تحت نظر الشيخ حسن ترك.

ص: 135

‌جامع بدر الدين العجمى

هو بحارة الصالحية من شارع الجوهرجية. أنشأه ناصر الدين محمد بن محمد بن بدير العباسى سنة ثمان وخمسين وسبعمائة، وجعله مدرسة للشافعية، وهو الآن غير مقام الشعائر لتخربه، ونظره للأوقاف، وقد ذكرناه فى المدارس من هذا الكتاب.

‌جامع البردينى

هو بشارع الداوودية النافذ إلى شارع محمد على. أنشأه البردينى سنة خمس وعشرين وألف، وهو صغير مرتفع عن أرض الشارع بنحو أربعة أمتار، وبه منبر مرصع بالصدف وحيطانه كذلك، وله منارة وبه قبر منشئه، وشعائره مقامة وليس له أوقاف سوى حانوت تحته.

‌جامع البردينى

هو ببوابة ججاج. جميعه متخرب، وبه ضريح الشيخ محمد البردينى وضريح الشيخ خليل المرصفاوى، وقد جعل الآن مكتبا لتعليم الأطفال، ويعمل به حضرة كل ليلة جمعة ومولد كل سنة، وله منارة بدور واحد، وليس له أوقاف، ونظره تحت يد الشيخ خليل البيومى.

‌جامع القاضى بركات

هو بشارع المقاصيص بقرب حارة اليهود. بابه على الشارع وبه عمودان من الحجر، وبجوار منبره ضريح الشيخ عبد الله المنسى، وله مطهرة ومنارة، أنشأه القاضى بركات قراميط فى سنه سبع وثمانين وتسعمائة كما وجد منقوشا على جانبه البحرى، وله أوقاف من طرفه ومن طرف ابنه عبد القادر ومحب الدين كاتب الطواحين ومعتوقه فرافى الجداوى.

‌جامع بركة

فى المقريزى: هذا الجامع بالقرب من جامع ابن طولون يعرف خطه بحدرة ابن قميحة.

عمره شخص من الجند يعرف ببركة كان يباشر أستادارية الأمراء، ومات بعد سنة إحدى وثمانمائة انتهى. وهو موجود الآن.

‌جامع البرماوية

هو بسوق الخشب من باب البحر على يسرة السالك من شارع باب البحر إلى بوابة الحديد.

به أربعة أعمدة من الرخام واثنان من الحجر، وبه منبر وخطبة وشعائره مقامة ومنافعه تامة، ونظره لديوان عموم الأوقاف.

ص: 136

‌جامع الشيخ البرمونى

كان بحارة عابدين. فأخذه الشارع الجديد الذى خلف مطبخ سراى الخديو إسماعيل وصارت أرضه من ضمن الشارع المذكور، وقد بقى منه المنارة والضريح وله أوقاف تحت نظر الديوان.

‌جامع بشتاك

قال المقريزى: هذا الجامع خارج القاهرة بخط قبو الكرمانى على بركة الفيل. عمره الأمير بشتاك فكمل سنة ست وثلاثين وسبعمائة، وخطب فيه حينئذ للجمعة عبد الرحيم ابن جلال الدين القزوينى، وعمر تجاهه خانقاه على الخليج الكبير ونصب بينهما ساباطا يتوصل به من أحدهما إلى الآخر، وكان هذا الخط يسكنه جماعة من الإفرنج والأقباط ويرتكبون من القبائح ما يليق بهم، فلما عمر هذا الجامع وأعلن فيه بالأذان وإقامة الصلوات اشمأزت قلوبهم لذلك وتحولوا من الخط، وهو من أبهج الجوامع وأحسنها رخاما، وكان إذا قويت زيادة ماء النيل فاضت بركة الفيل وغرقته فيصير لجة ماء، لكن منذ انحسر ماء النيل عن البلد إلى جهة الغرب بطل ذلك. وله من الآثار سوى هذا الجامع قصر بشتاك بين القصرين انتهى.

وخطه الآن يعرف بدرب الجماميز، ولما بنى المرحوم مصطفى باشا أخو الخديو إسماعيل السراى المجاورة له-التى بها اليوم ديوان المدارس الملكية والكتبخانة الخديوية وديوان عموم الأوقاف-عمرت والدته عليها سحائب الرحمة هذا الجامع أحسن عمارة سنة تسع وسبعين ومائتين وألف، وصار الجامع فى داخل حدود السراى تحيط به من ثلاث جهاته، وجعلت له عمدا عظيمة من الرخام وجددت مئذنته ومطهرته وأقيمت شعائره، وفرشته بالبسط بعد فرشه بالبلاط، وأنشأت/تجاه بابه من جهة الشارع الأخرى سبيلا ومكتبا فى غاية الإتقان، ورتبت مرتبات شهرية وسنوية لخدمة الجامع ولأطفال المكتب ومؤدبهم وعرفائهم، بل رتبت خوجات لتعليمهم عدة فنون، ووقفت على ذلك أوقافا ذات ريع كاف، منها ما بجوار الجامع من الحوانيت وما عليها من المساكن.

‌جامع البقلى

هو بشارع البقلى من ثمن الخليفة. متخرب وبه مصلى صغيرة وميضأة وخلاوى، وله منارة وبداخله ضريح، وجد به قطعة لوح من خشب منقوش فيها: هذا ضريح الشيخ

ص: 137

على البقلى توفى فى شهر جمادى سنة ست وستين وستمائة. وبه صهريج متخرب أيضا، ووقفه نصف منزل ومصبغة بجواره يصرف عليه من إيرادهما بنظر الشيخ أحمد الدهشورى.

‌جامع البكرية

ويعرف أيضا بجامع الأبيض. قال ابن أبى السرور: وهو فى أرض الطبالة، مطل على بركة الحاجب المعروفة ببركة القرع تجاه منزل الشيخ محمد الصديقى. أنشأه العارف بالله تعالى الشيخ أبو البقاء جلال الدين الصديقى وذلك فى سنة ثمان وتسعمائة، وكان به قديما مدفن سيدى مدين بن العارف بالله سيدى شعيب التلمسانى، فأنشأ عليه قبة وجعل لنفسه مدفنا بالقبة ملاصقا لمدفن سيدى مدين، وجعل هناك بعض قبور أخر ووقف عليه أوقافا عديدة من رزق وأماكن، ثم دخلت فى وقف الشيخ عبد القادر الدشطوطى فاضمحل أمرها بوضع يد النظار عليها، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.

قال الشيخ عبد الوهاب الشعرانى رضي الله عنه فى ذبله على طبقاته: كانت وفاة الشيخ جلال الدين البكرى سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، وكان من العلماء العاملين والأولياء الصالحين، وله القدم الراسخ فى علم التصوف والفقة والأصول وغير ذلك، أخذ العلم عن جماعة منهم الشيخ جلال الدين البكرى عمه، وشيخ الإسلام يحبى المناوى، والكمال بن أبى شريف وأضرابهم، ودفن بالقبة المتقدم ذكرها اه. وهذا الجامع موجود للآن بقرب جامع بركة الرطلى خارج البوابة التى هناك، غير مقام الشعائر لتخربه، وبه عدة قبور لجماعة بكرية وله منارة قصيرة.

‌جامع البلد

هذا الجامع فى منيل الروضة. به أربعة أعمدة من الحجر، مقام الشعائر تام المنافع، وكان أول أمره مبنيا باللبن فى محل كان مسكونا بالفقراء، ثم تخرب وبنى مساكن كأصله، وفى سنة خمسين ومائتين وألف أعيد مسجدا من طرف الست خديجة الترجمانية، ثم تخرب ثم جدد من طرف الست مهتاب حرم المرحوم طوسون باشا نجل العزيز محمد سعيد باشا فى سنة أربع وسبعين، وله من الأوقاف ثلاثة دكاكين بأسفله ومنزل بجواره، وهو تحت نظر الشيخ محمد على المنيى.

ص: 138

‌جامع البلقينى

هو بحارة بين السيارج المعروفة قديما بحارة بهاء الدين قراقوش، وبحارة الوزيرية، والريحانة، فى جهة باب الفتوح على يسرة السالك من رأس الحارة إلى قنطرة باب الشعرية، بجوار دار الشيخ أحمد التميمى الخليلى الذى كان مفتى الحنفية بالديار المصرية. وذكره المقريزى بعنوان مدرسة البلقينى، ولكن لم يذكرها فى المدارس.

وهذا الجامع عامر مقام الشعائر والجمعة والجماعة وله أوقاف جارية عليه، وكان إنشاؤه فى حياة الشيخ سراج الدين البلقينى أبى حفص عمر بن رسلان المنعوت بكونه مجددا فى المائة الثامنة، وبجوار ضريحه ضريح ابنه الشيخ صالح بن عمر البلقينى، وكلاهما مترجم فى الكلام على ناحية بلقينة بمديرية الغربية، ويعمل به لهما مولد كل سنة، وبه أيضا قبر الأديب حسن أفندى الدرويش.

‌ترجمة حسن أفندى المعروف بالدرويش:

قال الجبرتى فى حوادث سنة إحدى وثلاثين ومائتين وألف: إنه مات بها النجيب الأديب، والنادرة العجيب، أعجوبة الزمان، وبهجة الخلان، حسن أفندى المعروف بالدرويش الموصلى الذكى الألمعى، والسميدع اللوذعى، كان إنسانا عجيبا شهيرا طاف البلاد والنواحى، وجال فى الممالك والضواحى، واطلع على عجائب المخلوقات، وفهم الكثير من الألسن واللغات، ويعزى لكل قبيل، ويخالط كل جيل، فمرة ينسب إلى فاس، ومرة ينسب إلى بنى مكناس، فكأنه المعنى بما قيل:

طورا يمان إذا لاقيت ذا يمن

وإن رأيت معديا فعدنان

هذا مع فصاحة لسان، وقوة جنان، ومشاركة فى الرياضيات، والأدبيات، حتى يظن سامعه أنه مجيد فى ذلك، وليس الأمر كذلك، وإنما هو لقوة الحفظ والفهم والقابلية، فيستغنى بذلك عن التلقى من الأشياخ، فيحفظ اصطلاحات الفن وأوضاع أهله ويبرزه فى ألفاظ ينمقها ويحسنها، ويذكر أسماء كتب وأشياخ وحكما يقل الاطلاع عليها، ولمعرفته باللغات خالط كل ملة، حتى يظن أهلها أنه واحد منهم، ويحفظ كثيرا من الشبه والمدركات العقلية والبراهين الفلسفية، ولزلق لسانة فى بعض المجالس بغلطات ووساوس طعن الناس عليه فى الدين، وأخرجوه عن اعتقاد المسلمين، وساءت فيه/الظنون، وصرحوا بعد موته بما كانوا يخفونه فى حياته اتقاء شره، إذ كان له تداخل عجيب مع الأعيان ومع أهل كل دولة ورؤساء الكتبة والمباشرين من الأقباط والمسلمين بالمعزة الزائدة واستجلاب الفائدة،

ص: 139

لا تمل مجالسته ولا معاشرته. ولما أنشأ الباشا مكتبا لتعليم علم الحساب والهندسة والمساحة تعين رئيسا ومعلما بذلك المكتب؛ وسبب ذلك أنه كان قد تداخل بتحيلاته لتعليم مماليك الباشا، ورتب له خرجا وشهرية، ونجب تحت يده بعض المماليك فى معرفة الحساب ونحوه، وأعجب الباشا ذلك فذاكره فى ذلك فحسن له أن يفرد له مكانا للتعليم، ويضم إلى المماليك من يريد التعلم من أولاد الناس، فأمر الباشا بإنشاء ذلك المكتب وأحضر له آلات الهندسة والمساحة والهيئة الفلكية من بلاد الإنجليز وغيرها، واستجلب من أولاد البلد نحو الثمانين من الشبان ورتب لكل منهم شهرية وكسوة فى آخر السنة، وكان يسعى فى تعيين كسوة للفقير ليتجمل بها بين أقرانه، ويواسى من يستحق المواساة، ويشترى لهم الحمير مساعدة لطلوعهم ونزولهم إلى القلعة فيجتمعون كل يوم من الصباح إلى العصر، وأضيف إليه معلم آخر إسلامبولى له معرفه بالحساب والهندسة لتعليم من لا يعرف العربية يسمى روح الدين أفندى.

ثم مات المترجم بسبب أنه افتصد وطلع إلى القلعة فحنق على بعض المتعلمين وضربه، فانحلت الرفادة فسال منه دم كثير فحمّ واستمر أياما وتوفى، ودفن بجامع السراج البلقينى بين السيارج، وعند ذلك صرح الشامتون بما كانوا يخفون، فيقول البعض: مات رئيس الملحدين. ويقول آخر: انهدم ركن الزندقة. ونسبوا إليه أن عنده كتاب ابن الراوندى الذى ألفه لبعض اليهود وأنه كان يقرؤه ويعتقده، فتفحص عنه كتخدا بيك وفتش كتبه فلم يوجد بها. وما كفاهم حتى رأوا له منامات تدل على أنه من أهل النار والله أعلم بخلقه.

وبالجملة فكان غريبا فى بابه وكانت وفاته يوم الخميس السابع والعشرين من جمادى الثانية من سنة إحدى وثلاثين ومائتين وألف.

‌جامع البنات

هو فى خط بين السورين على يمنة السالك من قنطرة الأمير حسين إلى قنطرة الموسكى، بجوار سراى أم حسين بيك التى هى الآن فى ملك الأمير إبراهيم باشا نجل المرحوم أحمد باشا أخى الخديو إسماعيل. وله باب على الشارع وباب بالحارة المعروفة به، وهو متسع وبه منبر وخطبة، وبصحنه حنفية وبه صهريج، وله منارة جددتها ذات العصمة أم حسين بيك نجل العزيز محمد على باشا، فإنها أجرت فيه عمارة وأنشأت تجاهه سبيلا وحوضا، وله أوقاف كثيرة مقامة منها شعائره بنظر الشيخ سليم عمر إمام جامع القلعة.

وهو فى الأصل من إنشاء الأمير فخر الدين صاحب الضريح الذى به، وهو الذى عبر عنه المقريزى فى الخطط بجامع الفخرى وقال: هذا الجامع بجوار دار الذهب التى عرفت بدار

ص: 140

بهادر الأعسر المجاورة لقبو الذهب من خط بين السورين فيما بين الخوخة وباب سعادة، ويتوصل إليه أيضا من درب العدّاس المجاور لحارة الوزيرية. أنشأه الأمير فخر الدين عبد الغنى بن الأمير تاج الدين عبد الرزاق بن أبى الفرج الأستدار فى سنة إحدى وعشرين وثمانمائة، وخطب فيه فى هذه السنة وعمل فيه عدة دروس ومات فى نصف شوال منها ولم يكمل ودفن هناك انتهى.

‌ترجمة فخر الدين:

وفى الضوء اللامع للسخاوى: أنه عبد الغنى بن عبد الرزاق أبى الفرج بن نقولا فخر الدين بن الوزير تاج الدين الأرمنى الأصل، ويعرف بابن أبى الفرج، كان جده من نصارى الأرمن يصحب ابن نقولا الكاتب فنسب إليه، وهو اسم جده حقيقة، وأبو الفرج أول من أسلم من آبائه، ونشأ والده عبد الرزاق مسلما، وتقلب فى المناصب فولى الوزارة والأستدارية، وولد ابنه هذا سنة أربع وثمانين وسبعمائة فتعلم الكتابة والحساب، وولى قطيا ثم كشف الشرقية فوضع السيف فى العرب وأسرف فى سفك الدماء وأخذ الأموال، ثم تولى الأستدارية فسار سيرة عجيبة فى الظلم وسلب الأموال، ولم يلبث أن صرف وعوقب حتى رق له أعداؤه، ثم ولى قطيا ثم كشف الوجه البحرى ثم الأستدارية فجادت أحواله وصلحت سيرته ومع ذلك أسرف فى أخذ الأموال، وولى كشف الصعيد فجمع من الخيول والإبل والبقر والغنم والأموال ما يدهش، ثم فرض على قرى الوجه البحرى مالا سماه ضيافة، ثم خاف من المؤيد ففر إلى بغداد وأقام عند قرا يوسف قليلا فلم تطب له البلاد، فعاد وترامى على خواص المؤيد فأمنه وأعاده على كشف الوجه البحرى ثم إلى الأستدارية، فحمل فى تلك السنة مائة ألف دينار وتوجه إلى حرب أهل البحرية، فوصل إلى حد برقة ورجع بنهب كثير، ثم أضيفت إليه الوزارة فباشرها بعنف وقطع رواتب الناس وصادر الكتاب والعمال، وحمل إلى المؤيد أموالا جسيمة فجل فى عينه، وتوجه إلى البحيرة لأخذ ما سماه الضيافة، ثم إلى الصعيد وأوقع بأهل الأشمونين، ثم استعفى/عن الوزارة ثم مرض فعاده السلطان، وقدم له خمسة آلاف دينار فأضاف إليه نظر الأشراف، ثم توجه للوجه القبلى فأوقع بالعرب وجمع مالا كثيرا، ثم أصابه الوعك واستمر حتى مات سنة إحدى وعشرين وثمانمائة. ودفن بمدرسته التى أنشأها بين السورين ظاهر القاهرة، وكان عارفا بجمع الأموال، شهما شجاعا ثابت الجأش ساد فى آخر عمره.

قال المقريزى فى عقوده: كان جبارا قاسيا شديدا جلدا عبوسا بعيدا عن الإسلام، قتل من عباد الله ما لا يحصى، وخرب إقليم مصر ليرضى سلطانه فأخذه الله أخذا وبيلا، ولا يستكثر

ص: 141

عليه ما كان يفعله لأنه من بيت ظلم وعسف، وعنده جبروت الأرمن ودهاء النصارى وشيطنة الأقباط وظلم المكاسين؛ لأن أصله من الأرمن وربى مع النصارى، وتدرب بالأقباط ونشأ مع المكسة بقطيا، ولذا اجتمع فيه ما تفرق فى غيره انتهى.

‌جامع البنهاوى

هو بشارع الحسينية على يمين السالك من باب الفتوح إلى البغالة والخليج الكبير. مقام الشعائر وبه ضريح الشيخ على البنهاوى، وله به حضرة كل أسبوع ومولد كل سنة. ويقال أنه احترق فى سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف فجدده حسن الجميعى رئيس المراكب بمينا الإسكندرية، وله أوقاف تحت نظر الشيخ عبد الله الملا وابنه الشيخ محمد الموازينى.

‌جامع بيبرس الجاشنكير

هو بخط الجمالية بين حارة المبيضة وحوش عطىّ على يمنة الذاهب إلى باب النصر، بجوار مكتب الجمالية الذى هو فى موضع جامع سنقر. به إيوانان ومقصورتان، وأرضه مفروشة بقطع الرخام الملون، وسقفه مرتفع معقود بالحجر، وبه منبر ودكة، وكان فى صحنه حنفية هدمها ناظره الشيخ محمد الإبراشى وجعل بدلها ميضأة مستعملة إلى الآن، وله منارة عظيمة، وبه قبر منشئه عليه قبة عظيمة، كان بها ثلاثة شبابيك مطلة على الشارع أزالها الشيخ محمد الإبراشى وجعل مكانها حوانيت لأجل الريع، وهو مقام الشعائر من الجمعة والجماعة إلى الآن، وكان إنشاؤه أولا خانقاه للصوفية.

قال المقريزى فى ذكر الخوانق: هذه الخانقاه من جملة دار الوزارة الكبرى، وهى أجل خانقاه بالقاهرة بناها الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير المنصورى قبل أن يلى السلطنة، بدأ فيها سنة ست وسبعمائة وبنى بجانبها رباطا كبيرا يتوصل إليه منها، وجعل بجانبها قبة بها قبره، لها شبابيك تشرف على الشارع المسلوك من رحبة باب العيد إلى باب النصر، منها الشباك الكبير الذى حمل من دار الخلافة ببغداد فعمل بدار الوزارة بمصر ثم نقله الأمير بيبرس إلى خانقاهه، ولما بناها لم يظلم فى بنائها أحدا، وإنما اشترى دورا وأملاكا من بعض الأمراء وغيرهم وأخذ أنقاضها وبنى بها، فكانت أرض الخانقاه والرباط والقبة نحو فدان وثلث، واستدل على مغارة تحت الأرض فيها ذخائر ففتحها فإذا فيها رخام جليل فنقله إليها ورخمها منه.

ولما كملت سنة تسع وسبعمائة قرر بها أربعمائة صوفى، وبالرباط مائة جندى وابن سبيل، وجعل بها مطبخا يغرف منه كل يوم اللحم والطعام، وجعل ثلاثة أرغفة لكل شخص وجعل

ص: 142

لهم الحلو، ورتب بالقبة درسا للحديث، ورتب القراء بالشباك الكبير يتناوبون القراءة ليلا ونهارا، ووقف عليها عدة ضياع بدمشق وحماة ومنية المخلص بالجيزة من مصر وبالصعيد والوجه البحرى وعقارات بالقاهرة.

فلما خلع من السلطنة أغلقت وأخذ وقفها، ومحا الملك الناصر محمد بن قلاوون اسمه من الطراز الذى بظاهرها فوق الشبابيك. وأقامت معطلة نحو عشرين سنة ثم فتحت سنة ست وعشرين وسبعمائة، وأعيد إليها وقفها، ثم لما شرقت أراضى مصر أيام الملك الأشرف شعبان بن حسين سنة ست وسبعين وسبعمائة بطل طعامها وتعطل مطبخها، واستمر الخبز ومبلغ سبعة دراهم لكل واحد فى الشهر بدل الطعام، ثم صار لكل عشرة فى الشهر، فلما قصر مد النيل سنة ست وتسعين وسبعمائة بطل الخبز أيضا، وصار الصوفية يأخذون فى الشهر فلوسا من معاملة القاهرة، وكان بوّابها لا يمكّن غير أهلها من العبور إليها والصلاة فيها، وكان لا ينزل فيها أمرد، وفيها جماعة من أهل العلم والخير، ثم ذهب ذلك ونزلها الصغار والأساكفة، وهى محكمة البناء لم يبن خانقاه أحسن منها.

‌ترجمة ركن الدين بيبرس:

وركن الدين بيبرس المذكور اشتراه الملك المنصور قلاوون صغيرا ورقاه فى الخدم السلطانية وعرف بالشجاعة، ثم بعد موت الملك المنصور خدم ابنه الملك الأشرف خليل إلى أن قتله الأمير بيدرا بناحية تروجة فركب فى طلب ثأره، وكان مهيبا بين خشداشينه، فقتل بيدرا فاشتهر ذكره وصار أستادار السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون رفيقا للأمير سلار نائب السلطنة، ثم سافر الملك الناصر إلى الكرك فأقام بيبرس فى السلطنة سنة ثمان وسبعمائة، فاستضعف جانبه وانحط قدره واضطربت أمور المملكة لميل القلوب إلى الملك الناصر. وفى أيامه أبطل الخمارات من بلاد الشام، وعوض الأجناد بدل المقرر عليها،/وكبست أماكن الريب والفواحش بالقاهرة ومصر وأريقت الخمور، وبالغ فى إزالة الفساد فخف المنكر وخفى الفساد. ولما أراد الله زوال ملكه سولت له نفسه أن بعث إلى الملك الناصر بالكرك يطلب منه ما خرج به من الخيل والمماليك، فحنق الناصر من ذلك وكاتب نواب الشام فرقوا له وسار العسكر إلى الناصر، وسار الناصر من ظاهر الكرك يريد دمشق فتلقاه أهلها وأمراؤها وفرحوا به، ونزل بالقلعة وخطب له بالشام وجى إليه مالها، ثم خرج بالعسكر إلى مصر فترك بيبرس المملكة ونزل من قلعة الجبل يوم الثلاثاء سادس عشر رمضان سنة تسع وسبعمائة ومعه خواصه، والعامة تصيح عليه وتسبه وترجمه بالحجارة، ثم نزل بأطفيح ثم سار إلى أخميم ثم توجه إلى السويس يزيد الشام، فقبض عليه شرقى غزة وحمل إلى الملك الناصر مقيدا، وأوقف

ص: 143

بين يديه فعنفه ووبخه، ثم أمر به فسجن إلى ليلة الجمعة خامس عشر ذى الحجة، فلحق بربه تلك الليلة سنة تسع وسبعمائة، ودفن بالقرافة فى تربة الفارس أقطاى، ثم نقل بعد مدة إلى تربته بسفح المقطم، ثم نقل منها بعد مدة إلى خانقاهه، وكان رحمه الله تعالى خيرا عفيفا كثير الحياء وافر الحرمة جليل القدر مهيب السطوة أيام إمارته، وفى أيام سلطنتة اتضع قدره ولم تنجح مقاصده إلى أن أناخ به الحمام انتهى باختصار.

‌جامع بيبرس الخياط

هو بالجودرية. أنشأه بيبرس الخياط فى سنة اثنتين وستين وستمائة، وله بابان كلاهما بشارع الجودرية، وهو مقام الشعائر كامل المنافع، وبه قبر زوجة بيبرس المذكور وقبر أولاده، فوقهما قبة شامخة من الحجر بناؤها غريب وله أوقاف يصرف عليه منها بمعرفة ناظره الشيخ عبد البر بن الشيخ أحمد منة الله أحد علماء الجامع الأزهر.

‌جامع البيومى

هو بشارع الحسينية على يسرة الذاهب إلى خارجها. ذو بناء حسن وعمده من الرخام، وأرضه مفروشة بالحجر النحيت، ومنبره من الخشب النقى وكذا سقفه، وله منارة ومطهرة وأخلية، وشعائره مقامة على الدوام، وبه ضريح الشيخ على البيومى عليه مقصورة عظيمة من الخشب النقى، ثم جعلها المرحوم عباس باشا من نحاس تحت قبة مرتفعة.

وهذا الجامع والضريح من إنشاء الأمير مصطفى باشا الوزير قبل وفاة الشيخ، قال الجبرتى فى تاريخه: ولما كان بمصر مصطفى باشا مال إلى الشيخ البيومى واعتقده وزاره، فقال له الشيخ: إنك ستطلب للصدارة فى الوقت الفلانى فكان كما قال، فلما ولى الصدارة بعث إلى مصر فبنى له المسجد وسبيلا ومكتبا وقبة بداخلها مدفن للشيخ على يد الأمير عثمان أغا وكيل دار السعادة، وكان موت الشيخ فى سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف انتهى.

ومقامه مشهور يقصد بالزيارة كثيرا وله مولد كل سنة فى غاية الشهرة، وفى آخر المولد يطبخ أهل الحسينية الباذنجان الأبيض ويحشونه بالأرز واللحم ويهتمون لذلك اهتماما عظيما، وكثيرا ما ينذر له قصع الكشك والعدس، وبعد صلاة كل جمعة ينتصب فى الجامع حلقة

ص: 144

الذكر، ويجتمع بها كثير من مرضى النساء للتبرك، وله أتباع كثيرون سيماهم توفير شعورهم وربما يضفرونها، وأكثر عمائمهم الخرق الحمر، ويذكرون برفع الصوت والتصفيق، وفيهم كثير من البله والجهلة حتى ينقل عنهم ألفاظ شنيعة، يزعم بعض الناس أنهم يقولون فى دعائهم:

يا رب سائق عليك عمك البيومى. وإذا سئل أحدهم عن مذهبه يقول: مذهبى بيومى. إلى غير ذلك. وقد بسطنا ترجمته فى الكلام على بلدته بيوم من مديرية الدقهلية.

وفى هذا المسجد قبر الشيخ حسن القويسنى المترجم فى بلدته قويسنا من أعمال الغربية.

***

ص: 145

‌حرف التاء

‌جامع التركمانى

ويقال له أيضا: «جامع الترجمان» وهو بخط باب البحر داخل درب التركمانى على يمين الداخل. ويقال له أيضا درب الترجمان، وبه ثمانية أعمدة من الرخام وخمسة من الزلط، منها عمود ذو ثمانية أضلاع على كل ضلع كتابة هورجليفية قديمة وعمود من الرخام الأحمر، ومحرابه مكسوّ أكثره بقطع الرخام الملون، وبه ضريح عليه قبة يقال له ضريح الأربعين، وبه بئر يخرج منها الماء بواسطة دولاب يسمى ساقية الرجل، وبالبئر طاقة بقرب الماء غير نافذة يقال إن ما بينها وبين الماء لا يزيد ولا ينقص فى جميع فصول السنة، وهو مقام الشعائر تحت نظر الشيخ أحمد المنوفى.

قال المقريزى: هذا الجامع بالمقس. وهو من الجوامع المليحة البناء أنشأه الأمير بدر الدين التركمانى، وكان ما حوله عامرا عمارة زائدة ثم تلاشى من وقت الغلاء زمن الأشرف شعبان بن حسين، وما برح حاله يختل إلى أن كانت الحوادث والمحن سنة ست وثمانمائة.

فخرب معظم ما هنالك، وفيه إلى اليوم بقايا عامرة.

‌ترجمة الأمير بدر الدين التركمانى:

والتركمانى هو الأمير بدر الدين محمد بن الأمير فخر الدين عيسى التركمانى، كان شادا ثم ترقى فى الخدم حتى ولى الجيزة، وتقدم فى الدولة الناصرية فولى شاد الدواوين والدولة حينئذ/ليس فيها وزير، فاستقل بالتدبير مدة ثم رمى فيه فأخرجه الناصر محمد بن قلاوون من مصر، وعمل شاد الدواوين بطرابلس فأقام هناك سنيين ورجع إلى القاهرة بالشفاعة فولى كشف الوجه البحرى ثم أعطى إمرة الطبلخانات، وولى كل من ابنه وأخيه إمرة عشرة، وكان مهيبا صاحب حرمة باسطة وكلمة نافذة، ومات عن سعادة طائلة بالمقس سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة وهو أمير انتهى. وهو الآن عامر.

‌جامع التسترى

ويعرف أيضا بجامع أبى الحسن، وهو داخل حارة الإفرنج بالموسكى. وهو مقام الشعائر وليس به آثار تدل على تاريخ إنشائه، وله أوقاف ومرصد له بالروزنامجة ثلاثة وستون قرشا، وشعائره مقامة بنظر على أفندى وبه ضريح التسترى.

ص: 146

‌ترجمة الشيخ حسن التسترى:

وهو كما فى طبقات الشعرانى: الشيخ حسن التسترى تلميذ الشيخ يوسف العجمى وأخوه فى الطريق، جلس للمشيخة بعده فى مصر وقراها، وقصدته الناس من سائر الأقطار، وكان ذا سمت بهى وكمال فى العلم والعمل، وانتهت إليه الرياسة فى الطريق. وكان السلطان ينزل إلى زيارته، فلم يزل الحاسدون من أرباب الدولة وغيرهم بالسلطان حتى غيروا اعتقاده فيه وهمّ بحبسه أو نفيه، فأرسل الوزير إلى زاويته ليسد بابها، وكان الشيخ خارج مصر فى المطرية هو والفقراء، فرجعوا فوجدوا الباب مسدودا. فقال الشيخ: من سد هذا الباب؟ فقالوا: سده الوزير فلان بأمر السلطان. فقال: ونحن نسد أبواب بدنه وطيقانه. فعمى الوزير وطرش وخرس، وانسد أنفه عن خروج النفس وقبله ودبره عن البول والغائط فمات الوزير، فبلغ ذلك السلطان فنزل إليه وصالحه وفتح له الباب، وكان عسكر السلطان كله قد انقاد له-رضي الله عنه-وكراماته وخوارقه شهيرة. توفى رحمه الله سنة سبع وتسعين وسبعمائة ودفن بزاويته فى قنطرة الموسكى على الخليج الحاكمى بمصر المحروسة. انتهى باختصار.

‌جامع تغرى بردى

ويعرف أيضا بجامع المؤذى وهو بشارع الصليبة بين سبيل أم عباس وجامع الخضيرى عن يمين الذاهب إلى الحوض المرصود برأس درب جميزة. منقوش على بابه فى الحجر: {إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ}

الآية. وبه ليوانان بأحدهما المنبر والمحراب، وبينهما صحن مسقوف بوسطه شخشيخة من الزجاج تجلب النور والهواء، وبدائر السقف إزار خشب مكتوب فيه بالليقة الذهب آيات قرآنية، وبدائر صحنه نقوش فى الحجر فيها آيات قرآنية أيضا، وبه ضريح منشئه تغرى بردى عليه قبة بيضاء، وله منارة ومطهرة، وبأسفله من الجانبين حوانيت تابعة لوقفه، وعلى واجهته الغربية مكتب صغير، والنظر فيه لديوان عموم الأوقاف، وهو مقام الشعائر تام المنافع، وكان أول أمره مدرسة فيها خطبة وصوفية.

‌ترجمة تغرى بردى:

وتغرى بردى هو كما فى الضوء اللامع للسخاوى: الأمير تغرى بردى الرومى البكلمشى كان دوادارا كبيرا نالته السعادة فعمر مدرسة حسنة فى طرف سوق الأساكفة بالشارع قريبا من صليبة جامع ابن طولون، وجعل فيها خطبة ومدرسا وشيخا وصوفية، ووقف عليها أوقافا كثيرة غالبها مغتصب، وقرر فى مشيختها العلاء القلقشندى وكان قد اختص به، وأول ما أقيمت الجمعة بها فى شوال سنة أربع وأربعين وثمانمائة.

ص: 147

وكان أول أمره مملوكا لبكلمش، ثم صار من العشرات فى دولة الناصر فرج، ثم أنعم عليه الأشرف بإمرة الطبلخانات بعد أن عمله من رؤوس النوب، ثم صار رأس نوبة ثانى، ثم أحد المقدمين، ثم حاجب الحجاب، ولم يلبث أن صار دوادارا كبيرا فعظم أمره وقصد فى المهمات. وكان عارفا بالأحكام ويكتب الخط الذى يقارب المنسوب، ويسأل الفقهاء ويذاكر فى التواريخ، ويعف عن القاذورات مع فحش لفظه وعدم بشاشته، وكان لأذاه يعرف بالمؤذى. مات ليلة الثلاثاء حادى عشر جمادى الآخرة سنة ست وأربعين وثمانمائة، وصلى عليه بمصلى المؤمنين وشهده السلطان والقضاة. وأنه قارب السبعين انتهى.

‌جامع تمراز الأحمدى

ويعرف أيضا بجامع البهلول، هذا الجامع بشارع اللبودية تجاه قنطرة عمر شاه بقرب السيدة زينب رضي الله عنها. على بابه الكبير كتابة ممحوة بقى منها: كان الفراغ من ذلك فى شهر شوال سنة ست وسبعين وثمانمائة. وله باب آخر صغير بحارة درب الشمسى لكنه مغلق على الدوام، وله صحن صغير مفروش بالرخام الملون، وبأعلى القبلة: بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ} .. الآية. وله منارة بثلاثة أدوار من الحجر، وبه ضريح الشيخ تمراز عليه قبة مكتوب على بابها بسم الله الرحمن الرحيم {كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ} توفى المرحوم تمراز الأحمدى الذى أنشأ هذا الجامع المبارك تاسع شهر ربيع الآخر سنة ثمان وسبعين وثمانمائة. مات رحمة الله تعالى عليه وعلى عبده ميقال وعلى جميع المسلمين. وبقرب ذلك الضريح ضريح السيد محمد الشمسى، كان سروانا عند جنتمكان العزيز محمد على، عليه تركيبة رخام عليها مقصورة خشب، وبجواره من تعلقاته سبيل فى سقفه نقوش مذهبة/وعليه مكتب عامر.

وكان ذلك المسجد قد تخرب وجدده الأمير حسن أفندى اختيار تفكشيان بن الأمير محمد بن حسين أفندى، ووقف عليه ثلاثة حوانيت فى أسفله وسبعة حوانيت تجاه القنطرة بمقتضى وقفية مؤرخة فى اثنين وعشرين من شهر شعبان سنة تسعين ومائة وألف، وفيها أنه شرط أن يصرف ريع ذلك من تاريخه على مصالح شعائر مسجد تمراز الأحمدى المذكور، الذى عمره بعد أن صارت بمرور الأزمان أبنيته إلى الخراب واندثرت مطهرته بكرور الدهور، وآلت إلى التراب، وجدد منفعته ورمم حيطانه، وبنى مطهرته وعمل أبوابه، وأصلح شأنه وشيد بنيانه من خالص ماله وأطيب نواله، يأمر من له ولاية الأمر فى ذلك، وأسس بنيانه على تقوى من الله، وشيد أركانه على حبه ورضاه، حتى صار مسجدا شريفا،

ص: 148

ومعبدا منيفا، جامعا لجميع المحاسن، أعلاه قناديل للثريا تقارن، تقام فيه الصلوات الخمس بالجماعات، والجمعة والعيدان والسنن والنوافل والواجبات، وعلى مهمات ومصالح المكتب والصهريج بجواره، وعين فيها شروط الصرف والنظر لنفسه أيام حياته، ومن بعده لأولاده وذريتهم انتهى.

ولما جدد ذلك الأمير عملت لذلك أبيات تتضمن تاريخ هذه العمارة، ونقشت فى لوح رخام موضوع إلى الآن على واجهة الباب الموصل منه إلى الميضأة، بها تاريخ سنة ثمانين بعد المائة والألف. كما أن بحائط قبلته لوح رخام به أبيات أيضا تتضمن عمارته سنة ثلاث عشرة ومائة وألف. وهو الآن تحت نظر السيد رضوان أفندى الشمسى ابن السيد طه بن محمد ابن حسين أفندى صاحب عمارته.

‌جامع سيدى تميم الرصافى

هو بقناطر السباع جهة السيدة زينب رضي الله عنها. بناؤه قديم جدا، وبدائره من الأعلى إزار خشب منقوش فيه سورة يس، وله منارة ثلاثة أدوار منقوش بدائرها آيات قرآنية، وليس به أضرحة، وله مطهرة وبئر، وشعائره مقامة من وقفه، وهو منزل وحوش تحت نظر الشيخ محمد الجنيد الجابى.

‌جامع التوبة

فى المقريزى أنه بجوار باب البرقية فى خط بين السورين، كان موضعه مساكن أهل الفساد. أنشأه الأمير علاء الدين مغلطاى الجمالى وسماه «جامع التوبة» من أجل أنه أزال الفساد من تلك الجهة، وقد خرب كثير مما يجاوره فلا يزال مغلق الأبواب إلا فى يوم الجمعة فتقام فيه، ويظهر أنه الجامع المنسوب الآن إلى الأمير عبد الرحمن كتخدا؛ إذ لا يوجد غيره تصدق عليه عبارة المقريزى، ولم يكن اسم بين السورين خاصا بالجهة المعروفة به الآن.

وفى حجة الأمير الكبير المخزومى السيفى طقطباى العلائى نائب القلعة-المؤرخة ظنابسنة تسعمائة وعشرة-أنه وقف أوقافا، ورتب منها لعشرة يقرؤون القرآن بجامع التوبة لكل واحد شهريا مائتى درهم من الفلوس النحاس، وللشيخ منهم ثلاثمائة، ولكاتب الغيبة ثلاثمائة وللبواب كذلك.

ومن وقفه: المكان الذى بالقرب من باب البرقية، حده القبلى إلى الطريق الفاصل بينه وبين جامع التوبة، والبحرى إلى مكان يعرف بالسيفى يشبك وإلى زاوية هناك، والشرقى إلى الطريق الموصل إلى باب البرقية بين ذلك وبين حوض السبيل والمسجد الذى هناك، وأطيان بعدة

ص: 149

نواحى، ورتب للصهريج القديم الكائن بالبرقية ستمائة درهم، وللمزملاتى بالسبيل الملاصق لبيته كذلك، ورتب كل سنة مائة أردب قمح تعمل خبزا يفرق كل يوم على المستحقين من أهل الجامع الأزهر والقراء بالقرافة انتهى.

‌جامع التينة

هو بالعطوف قرب سور باب النصر. أنشئ سنة ألف ومائة وست وخمسين كما فى بعض آثاره، وأوقافه قليلة تحت نظر مصطفى حجاج.

***

ص: 150

‌حرف الجيم

‌الجامع بجوار قبة الإمام الشافعى

هذا الجامع خارج الطرقة التى كان يسلك منها إلى قبة الإمام الشافعى رضي الله عنه.

وهى التى كانت مفروشة بالحجارة، وكانت منخفضة عن الطريق ينزل إليها بدرج، ومنتهاها عند البوابة التى بجوار المدرسة، وبعضها دخل فى جامع الإمام الجديد من الجانب الذى يلى دار الشيخ على محسن.

قال المقريزى: إنه كان مسجدا صغيرا، فلما كثر الناس بالقرافة الصغرى-عندما عمر السلطان صلاح الدين بن أيوب المدرسة بجوار قبة الإمام وجعل لها مدرسا وطلبة-زاد فيه الملك الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيوب ونصب به منبرا، وخطب فيه وصليت الجمعة به سنة سبع وستمائة انتهى. وهو الآن متخرب وليس به سقف ومنارته قائمة، واستغنى الحال عنه بجامع الإمام الشافعى رضي الله عنه.

‌جامع ألجاى اليوسفى

هذا الجامع بسويقة العزى من سوق السلاح على يسرة السالك من الدرب الأحمر يريد جامع السلطان حسن. وهو من الجوامع النفيسة، به خطبة وله منارة وشعائره مقامة، وأوقافه كثيرة تحت نظر الديوان.

/وقد ذكره المقريزى فى المدارس فقال: هذه المدرسة خارج باب زويلة بالقرب من قلعة الجبل. كان موضعها وما حولها مقبرة، ويعرف الآن خطها بخط سويقة العزى.

أنشأه الأمير الكبير سيف الدين ألجاى فى سنة ثمان وستين وسبعمائة، وجعل بها درسا للفقهاء الشافعية، ودرسا للفقهاء الحنفية، وخزانة كتب، وأقام بها منبرا يخطب عليه يوم الجمعة، وهى من المدارس المعتبرة الجليلة، ودرس بها شيخنا جلال الدين البنانى الحنفى.

‌ترجمة ألجاى اليوسفى:

وألجاى هو ابن عبد الله اليوسفى الأمير سيف الدين، تنقل فى الخدم حتى صار من جملة الأمراء بديار مصر، فلما أقام الأمير أسثدمر الناصرى بأمر الدولة بعد قتل الأمير يلبغا الخاصكى العمرى فى شوال سنة ثمان وستين وسبعمائة، قبض على ألجاى فى عدة من الأمراء وقيدهم وبعث بهم إلى الإسكندرية، فسجنوا إلى عاشر صفر سنة تسع وستين فأفرج الملك

ص: 151

الأشرف شعبان بن حسين عنه وأعطاه إمرة مائة وتقدمة ألف، وجعله أمير سلاح برانى ثم جعله أمير سلاح أتابك العساكر وناظر المارستان المنصورى عوضا عن الأمير منكلى بغا الشمسى فى سنة أربع وسبعين وسبعمائة. وتزوج بخوند بركة أم السلطان الملك الأشرف فعظم قدره واشتهر ذكره، وتحكم فى الدولة تحكما زائدا إلى سنة خمس وسبعين وسبعمائة، فركب يريد محاربة السلطان بسبب طلبه ميراث أم السلطان بعد موتها، فركب السلطان وأمراؤه وبات الفريقان على الاستعداد للقتال، فواقع ألجاى مع أمراء السلطان إحدى عشرة وقعة انكسر فى آخرها ألجاى وفر إلى بركة الحبش، وصعد من الجبل من عند الجبل الأحمر إلى قبة النصر ووقف هناك فاشتد على السلطان، فبعث إليه خلعة بنيابة حماة، فقال: لا أتوجه إلا ومعى مماليكى كلهم وجميع أموالى فلم يوافقه السلطان على ذلك. وبات الفريقان على الحرب، فاتسل أكثر مماليك ألجاى فى الليل إلى السلطان، وعندما طلع النهار بعث السلطان عساكره لمحاربته بقبة النصر، فلم يقاتلهم وولى منهزما والطلب وراءه إلى ناحية الخرقانية بشاطئ النيل قريبا من قليوب، فتحير وقد أدركه العسكر فألقى نفسه بفرسه فى البحر يريد النجاة إلى البر الغربى، فغرق بفرسه ثم خلص الفرس وهلك ألجاى، وبعث السلطان الغطاسين إلى البحر تتطلبه فتبعوه حتى أخرجوه إلى البر فى يوم الجمعة تاسع المحرم سنة خمس وسبعين وسبعمائة.

فحمل فى تابوت على لباد أحمر إلى مدرسته هذه وغسل وكفن ودفن بها. وكان مهيبا جبارا عسوفا عتيا، تحدث فى الأوقاف فشدد على الفقهاء وأهان جماعة منهم، وكان معروفا بالإقدام والشجاعة انتهى.

‌جامع الجاكى

هذا الجامع كان بدرب الجاكى عند سويقة الريش. وهو من مساجد الحكر، ثم زاد فيه الأمير بدر الدين المهمندار وجعله جامعا بمنبر سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، وصليت فيه الجمعة، ثم خرب الحكر فتعطل الجامع لخراب ما حوله، فحكم بعض قضاة الحنفية ببيعه فاشتراه الشيخ أحمد الزاهد فأخذ أنقاضه وبناها فى جامعه الذى بالمقس سنة سبع عشرة وثمانمائة. قاله المقريزى.

‌ترجمة الجاكى:

وفى طبقات الشعرانى: أن الشيخ حسين الجاكى كان إمامه وخطيبه، وكان واعظا صالحا بذكر الناس وينتفعون بكلامه، وعقدوا له مجلسا عند السلطان ليمنعوه من الوعظ وقالوا: إنه يلحن. فرسم السلطان بمنعه. فشكا ذلك لشيخه الشيخ أيوب الكناس، فخاف

ص: 152

منه السلطان حتى كان يرى مخوفات من أجل ذلك فنزل عن منعه. ومات الشيخ حسين سنة ثلاثين وسبعمائة ودفن خارج باب النصر فى زاوية شيخه الشيخ أيوب، وقبره ظاهر يزار كل ليلة أربعاء. انتهى من طبقات الشعرانى.

‌جامع جانبك

هذا الجامع بشارع المغربلين على شمال الذاهب من باب زويلة إلى الحلمية. أنشأه الأمير جانبك الدوادار فى عام ثمان وعشرين وثمانمائة، وهو مقام الشعائر تام المنافع، وبداخله ضريح منشئه، وبه سبيل يملأ من النيل، وله أوقاف تحت نظر الديوان.

‌ترجمة جانبك:

وفى الضوء اللامع للسخاوى: أن جانبك هذا هو الأمير جانبك الأشرفى، اشتراه برسباى صغيرا فرقاه إلى أن أمّره طبلخاناه فى المحرم سنة ست وعشرين وثمانمائة، وأرسله إلى الشام لتقليد النواب فاستفاد مالا جزيلا، وتقرر أولا خازندارا ثم دويدارا ثانيا بعد سفر قرقماس إلى الحجاز، وصارت غالب الأمور مربوطة به وليس للدوادار الكبير معه كلام، وتمكن من أستاذه غاية التمكن حتى صار ما يعمل برأيه يستمر ومالا ينتقض عن قرب، وشرع فى عمارة المدرسة التى بالشارع عند القربيين خارج باب زويلة، وابتدأ به مرضه بالمغص ثم انتقل إلى القولنج وواظبه الأطباء بالأدوية والحقن، ثم اشتد به الأمر فعاده سائر أهل الدولة بعد الخدمة السلطانية فحجبوا دونه، فلما بلغ السلطان نزل إليه فعاده واغتم له وأمر بنقله إلى القلعة، وصار يباشر تمريضه بنفسه مع ما شاع بين/الناس أنه سقى السم، وعولج بكل علاج إلى أن تماثل ودخل الحمام، ونزل لداره فانتكس أيضا لأنه ركب إلى الصيد بالجيزة فرجع موعوكا، وتمادى به الأمر حتى مات فى ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة عن خمس وعشرين سنة تقريبا، فنزل السلطان إلى داره وجلس بحوشه على دكة حتى فرغ من غسله وتكفينه، ثم توجه راكبا لمصلى المؤمنين ومشى الناس بأجمعهم معه ثم دفن بمدرسته.

ذكره شيخنا فى أنبائه قال: وكان شابا حاد الخلق عارفا بالأمور الدنيوية، كثير البر للفقراء شديدا على من يتعانى الظلم من أهل الدولة، وهمّ أستاذه غير مرة أن يقدمه فلم يقدر ذلك، وكان هو فى نفسه وحاله أكبر من المقدمين، ولم تلبث زوجته بعده سوى ستة أيام، ونقل السلطان أولاده عنده وبنى لهم خان مسرور وكان قد استهدم، فأخذ بالريع

ص: 153

وعمره عمارة متقنة بحيث صار الذى يتحصل من ريعه يفى لأهل الريع بالقدر الذى كان يتحصل لهم من جميعه انتهى.

‌جامع جنبلاط

هو بشارع درب الحجر من ثمن درب الجماميز بجوار منزل الأمير راغب باشا. بناؤه بالحجر الآلة على هيئة شكل مستطيل، وله بابان عن يمين القبلة وشمالها، وبه أربعة أعمدة من الرخام عليها بوائك معقودة من الحجر تحمل سقفا من الخشب النقى، وفى قبلته ترابيع من القيشانى وله منبر من الخشب الخرط ودكة للتبليغ ومنارة، وميضأة وأخلية ومستحم وبئر معينة، وبجواره سبيل يعلوه مكتب ويملأ من الخليج الحاكمى زمن فيضان النيل بواسطة مجراه.

‌ترجمة محمد بن قرقماس:

وهذا المسجد أنشأه مدرسة الشيخ محمد بن قرقماس فى القرن التاسع، وله به قبر عليه مقصورة من الخشب، ويعرف بين العامة بالشيخ جنبلاط ولذا اشتهر الجامع بجامع جنبلاط.

ثم جدده الأمير إبراهيم بيك الكبير المعروف بشيخ البلد، وجدد بجواره السبيل والمكتب فى سنه ألف ومائتين وعشرة. وعلى وجه السبيل أبيات تتضمن ذلك، وهو مقام الشعائر تحت نظر الشيخ عبد الله بن أحمد بتقرير تحت يده.

وفى الضوء اللامع للسخاوى: أن محمدا هذا هو ابن قرقماس بن عبد الله ناصر الدين الأقتمرى القاهرى الحنفى، ولد بالقاهرة سنة اثنتين وثمانمائة تقريبا، وبعد حفظ القرآن تعانى الحبك وفاق فيه ثم أعرض عنه، وأخذ القراآت السبع عن مؤدبه ابن الفوال، والفقه والعربية والصرف والمنطق والجدل والأصلين وغير ذلك عن العز بن عبد السلام البغدادى وغيره، وتعانى الأدب وعلم الحرف وصار له ذكر فيهما، وربما قصد بالأسئلة فى الحرف وصنف فيه.

وإذا سئل عن شئ من الضمائر يخرج فيه نظما على هيئة الزايرجة، وخاض بحور الشعر وتقدم عند الظاهر خشقدم وقرره شيخا للقبة بتربته فى الصحراء وجعل له خزن كتبها وغير ذلك.

وصنف زهر الربيع فى البديع زيادة على عشر كراريس، وقسمه تقسيما حسنا وصل فيه إلى نحو مائتى نوع، وهو حسن فى بابه لكن قيل إنه اشتمل على لحن كثير فى النظم والنثر وخطأ فى أبنية الكلمات، وشرحه شرحا كبيرا سماه الغيث المريع، وكتب تفسيرا فى عشرين مجلدا وفيه ما ينتقد، وكذا له الجمان على القرآن سجعا. ونسخ بخطه الفائق كتبا كثيرة صيرها وقفا

ص: 154

بمدرسة أنشأها بلصق درب الحجر تجاه سكنه قديما، وحج رفيقا للدقدوسى وزار بيت المقدس وطوف، وكان خيرا متواضعا كريما ذا خط فائق، وشكل نضر بهج رائق، وشيبة نيرة وسكينة وصمت، ومحبة للفقراء واعتقاد حسن، ومحاضرة حسنة لولا ثقل سمعه، منقطعا عن الناس ملازما للكتابة، ويقال إن أكثر كتابته بالليل، وإن ما فقد من سمعه متع به فى بصره حتى إنه كان يكتب فى ضوء القمر، ويتهجد فى الليل ويتلو كثيرا، متوددا للطلبة مقبلا عليهم باذلا نفسه مع قاصده، متزييابزى أبناء الجند. مات سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة ودفن بمدرسته المشار إليها. ومن نظمه:

يا خليلى أصاب قلبى المعنى

يوم سار الظعون والركبان

ظاعن طاعن برمح قوام

قد علاه من مقلتيه سنان

‌جامع جانم

هو بالسروجية عن يمين الذاهب إلى باب زويلة تجاه باب عطفة جامع قوصون. أنشأه الأمير جانم البهلوان مدرسة وجعل به خطبة، وبحائطه كتابة تدل على أن إنشاءه كان فى سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة. وهو مغلق، وأرضه مفروشة بالرخام وقبلته من الرخام وكذلك عمده، وبه منبر ودكة صغيرة، وفى مؤخره ليوان برقى إليه بسلالم، وفيه ضريح منشئه عليه قبة مرتفعة، وله منارة ومطهرة، وشعائره مقامة من ريع أوقافه بنظر حسن أفندى عليوة.

وفى كتاب تحفة الأحباب للسخاوى: أن هذا الجامع أنشأه الجناب السيفى جانم أحد الأمراء العشرات فى محل مصلى/الأموات قديما، ويعرف الآن بالجانمية. وكان إنشاؤها سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة انتهى.

وفى الضوء اللامع: إن جانما هذا هو ابن خالة يشبك الدوادار، كان أحد الدوادارية وتولى إمرة عشرة وكشف الصعيد، وفتك وحصل بحيث أخذ منه الملك جملة، وكان يكره انتماءه لقريبه فيما قيل، وسافر فى عدة تجاريد، وأظنه من الأشرفية برسباى بعد أن كان لبعض أمراء الشام انتهى، ولم يذكر تاريخ وفاته.

‌جامع الجاولى

هذا الجامع بجوار قلعة الكبش بتمن الخليفة قرب الحوض المرصود، وله باب من جهة قلعة الكبش وآخر من جهة شارع الحوض المرصود، وأرضه مرتفعة عن أرض الشارع

ص: 155

بنحو أربعة أمتار، ويصعد إليه من هذا الباب بعدة سلالم من الحجر عليها درابزين من الحجر، وبأعلى الباب نقوش فيها: بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} . وفى آخر الكتابة تاريخ بنائه، وبداخل دركة هذا الباب خلوة صغيرة، ويشتمل على ليوان وصحن وعدة خلاو للصوفية، فى واحدة منها حجر أزرق مربع أكثره مدفون فى التراب، وفيه تقب يزعم الناس أن فيه دواء داء البواسير بأن يوضع فيه شئ من زيت الزيتون، ويقعد عليه صاحب الداء نحو ربع ساعة ثم يدهن دبره من ذلك الزيت فإنه يبرأ، وعليه كتابة نقر، بعضها ممحو وبعضها ظاهر، وبدائر المسجد كتابة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم {تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَ جَعَلَ فِيها سِراجاً وَ قَمَراً مُنِيراً}

الآيات.

وفيه ثلاث قباب متجاورة بإحداها قبر منشئ الجامع وعلى بابها نقش اسمه، وفيها قبلة من الحجر وعلى الضريح تركيبة رخام، وفى أعلى الحائط البسملة والآيات الثلاث آخر البقرة. وفى الثانية قبر الأمير سلار وعلى بابها نقش فى الحجر باسم سيف الدين سلار نائب السلطنة المعظمة الملك الناصرى المنصورى فى شهور سنة سبعمائة وثلاث، وبداخلها ضريحه عليه تابوت من خشب، وبها قبلة من الرخام منقوش بأعلاها آية الكرسى، وبدائر القبة مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ}

إلى قوله تعالى: {وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ} وآيات أخر. والقبة الثالثة مبنية بالحجر أيضا وبها قبر دارس. وبظاهر الثلاث القباب آيات قرآنية، وله منارة صغيرة ومطهرة ومرافق. وفيه نخلة واحدة وشجرة فتنة، وله إيراد من وقف حوش ومنزل وقهوة وبئر يبلغ شهريا مائة وعشرين قرشا وذلك تحت نظر الأوقاف.

وكان هذا المسجد أول أمره مدرسة، عدها المقريزى فى المدارس فقال: المدرسة الجاولية بجوار الكبش فيما بين القاهرة ومصر. أنشأها الأمير علم الدين سنجر الجاولى فى سنه ثلاث وعشرين وسبعمائة، وعمل بها درسا وصوفية، ولها إلى هذه الأيام عدة أوقاف.

‌ترجمة سنجر الجاولى:

ثم ترجم سنجر المذكور فقال: هو ابن عبد الله الأمير علم الدين الجاولى، كان مملوك جاولى أحد أمراء الملك الظاهر بيبرس، وانتقل بعد موت الأمير جاولى إلى بيت قلاوون، وخرج فى أيام الأشرف خليل بن قلاوون إلى الكرك، ثم صحب الأمير سلار وواخاه فتقدم فى الخدمة فى أيام العادل كتبغا، وبقى أستادارا صغيرا فى أيام بيبرس وسلار فصار يدخل على الملك الناصر ويخرج ويراعى مصالحه، ثم جهزه إلى غزة نائبا سنة إحدى عشرة وسبعمائة، وأضاف إليه مع غزة الساحل والقدس وبلد الخليل وجبل نابلس، حتى كان للواحد من مماليكه

ص: 156

إقطاع يعمل عشرين ألفا وخمسة وعشرين ألفا، ثم اعتقله الناصرين قلاوون نحوا من ثمانى سنين، ثم أفرج عنه وأعطاه إمرة أربعين، ثم إمرة مائة، ثم قدمه على ألف وجعله من أمراء المشورة. وبعد موت الملك الناصر أخرجه الملك الصالح إسماعيل بن محمد إلى نيابة حماة ثم إلى نيابة غزة، ثم أحضره إلى مصر وقرره على ما كان عليه، ثم توجه لحصار الناصر أحمد بن محمد بن قلاوون فى الكرك، فرمى إليه بالمنجنيق فلم يخطئ القلعة وهدم منها جانبا، وأمسك أحمد وذبحه صبرا وبعث برأسه إلى الصالح إسماعيل. ولم يزل على حاله إلى أن مات فى منزله بالكبش يوم الخميس تاسع رمضان سنة خمس وأربعين وسبعمائة، ودفن بمدرسته وكانت جنازته حافلة إلى الغاية. قد سمع الحديث وروى وصنف شرحا كبيرا على مسند الشافعى رحمه الله وأفتى فى آخر عمره على مذهب الشافعى رضي الله عنه وكتب خطه على فتاوى عديدة، وكان خبيرا بالأمور عارفا بسياسة الملك وانتفع به جماعة من الكتاب والأكابر والعلماء، وله من الآثار الجميلة جامع بمدينة غزة وحماة ومدرسة وخان للسبيل، وهو الذى مدّن غزة وبنى بها مارستانا وعمر بها الميدان والقصر، وبنى ببلد الخليل عليه السلام جامعا سقفه منه حجر نقر، وعمل الخان العظيم بقاقون والخان بقرية الكثيب، والقناطر بغابة أرسوف وخان رسلان فى حمراء بيسان، ودارا بالقرب من باب النصر، ودارا بجوار مدرسته على الكبش، وسائر/عمائره ظريفة أنيقة محكمة متقنة مليحة انتهى باختصار.

‌ترجمة الأمير سلار:

وأما الأمير سلار فقد ترجمه الصلاح الكتبى فى كتاب فوات الوفيات الذى ذيل به تاريخ ابن خلكان فقال: هو الأمير سيف الدين سلار التسترى الصالحى المنصورى كان من مماليك الصالح علاء الدين على بن المنصور قلاوون، ثم صار من خاصة المنصور، ثم اتصل بخدمة الأشرف وحظى عنده، وكان عاقلا تاركا للشر ينطوى على دهاء وخبرة، وكان صديق السلطان حسام الدين لاجين، ندب لإحضار الملك الناصر من الكرك فأحضره، وركن إلى عقله فاستنابه وقربه على الجميع. ونال من سعادة الدنيا ما لا يوصف، وجمع من الذهب قناطير مقنطرة حتى اشتهر أن مدخله كل يوم مائة ألف درهم، واستمر فى دست النيابة إحدى عشرة سنة. وكان إقطاعه بضعة وثلاثين طبلخاناه، ثم إنه طلب الأمان على أنه يقيم بالقدس يعبد الله تعالى فأجيب إلى ذلك، ودخل القاهرة بعد أن أقام أياما بالبرية ينوبه كل يوم ألف درهم وأربعون غرارة شعيرا، ثم اعتقله السلطان ومنعه الزاد حتى مات جوعا. قيل: إنه أكل زرموزته. وقيل: خفه. وكان أسمر لطيف القد لحيته فى حنكه سوداء، وهو من التتار الأويرانية. مات فى أوائل الكهولة فى سنة عشر وسبعمائة،

ص: 157

وأذن السلطان للجاولى أن يتولى خزانته وجنازته ودفنه فدفنه بتربته عند الكبش بالقاهرة. وكان ظريفا فى لبسه، اقترح أشياء فى الملبس وهى إليه منسوبة، وكذلك فى المناديل، وفى قماش الخيل، وفى آلة الحرب.

قال الجوزى: قيل إنه أخذ له ثلاثمائة ألف ألف دينار، وشئ كثير من الجواهر والحلل والسلاح والغلال لا يكاد يحصر. قال الشيخ شمس الدين الجوزى: وهذا مستحيل، لأن ذلك يجئ وقر عشرة آلاف بغل. ثم قال: نقلت من ورقة بخط علم الدين البرزالى قال: دفع إلىّ جمال الدين بن النويرة ورقة بتفصيل بعض أموال سلار وقت الحوطة عليه فى أيام متعددة:

يوم الأحد: تسعة عشر رطلا بالمصرى، زمرد وياقوت رطلان، بلخش رطلان ونصف، صاديق ستة ضمنها جواهر وفصوص ألماس وغيره، لؤلؤ كبار مدوّر ما زنته درهم إلى مثقال، ألف ومائة وخمسون حبة ذهب، مائتا ألف وأربعون ألف مثقال دراهم، أربعمائة ألف وسبعون ألف درهم.

يوم الاثنين: ذهب مائة ألف وخمسون ألف دينار وألف ألف درهم وخمسون ألفا، فصوص رطلان ونصف، مصاغ عقود وأساور وزنود وحلق أربعة قناطير بالمصرى، وقضبان وأوان وطاسات وهواوين وأطباق وغير ذلك ستة قناطير.

يوم الثلاثاء: خمسة وأربعون ألف دينار وثمانية آلاف ألف درهم، وهلة وسناجق ثلاثة قناطير.

يوم الأربعاء: ذهب ألف ألف دينار وثمانمائة ألف درهم، أقبية ملونة بفروة قماقم ثلاثمائة قباء، أقبية سنجاب أربعمائة قباء، سروج مزركشة مائة سرج.

ووجد عند صهره الأمير موسى ثمانية صناديق من جملة ما فيها عشر جواشن مجوهرة سلطانية وتركاش ما يقوّم، ومائة ثوب طردوحش، وحضر صحبته من الشوبك خمسون ألف دينار وخمسمائة ألف درهم، وثمانمائة خلعة وجركاة أطلس معدنى مبطنة بأزرق وبابها زركش، وثلاثمائة فرس، ومائة وعشرون قطار بغال ومثلها جمال، كل هذا سوى الأنعام، والجوارى والغلمان، والأملاك والعدد والقماش.

ذكروا أنه عوقب كاتبه فأقرأنه يحمل إليه كل يوم ألف دينار ما يعلم بها غيره. وقيل:

إن مملوكا دلهم على كنز له مبنى فى داره، فوجدوا أكياسا، وفتحوا بركة فوجدوها مملوءة أكياسا، ثم مات البائس يتحسر على الخبز اليابس.

ص: 158

قال الشيخ شمس الدين: حدثنى فخر الدين أن إنسانا حدثه قال: دخل العام شونة سلار ستمائة ألف أردب قمح. والله أعلم بغيبه وأحكم انتهى.

‌جامع الجركسى

هو على يمنة الداخل من بوابة حجاج عند قره ميدان تحت قلعة الجبل بالقرب من مسجد السيدة عائشة النبوية رضي الله عنها. وهو مقام الشعائر، وبه ضريحان يقال لأحدهما الجركسى والآخر الشيخ عطية. وله منارة بدورين، ومطهرة وسبيل، ونظره للشيخ محمد الشيبينى.

‌جامع الجميزة

هو بشارع باب اللوق قرب جامع الشيخ حماد. وهو مسجد صغير له منبر يخطب عليه للجمعة والعيدين. ويقال: إن الذى أنشأه هو محمد هاشم جميزة، ثم تخرب وتعطل وبقى كذلك مدة، وكان له ميضأة منفصلة عنه ثم أزيلت عند بناء سراى عابدين، وقد رمم الآن وأزيلت منه الأنقاض، وجعلت فيه حنفية للوضوء، وأقيمت فيه الجمعة والجماعة ثانيا.

ويظهر أن هذا الجامع هو زاوية الجميزة التى قال فيها المقريزى: هذه الزاوية موضعها من جملة أراضى الزهرى خارج باب زويلة بالقرب من معدية فريج. أنشأها الأمير سيف الدين جيرك السلاح دار المنصورى أحد أمراء الملك المنصور قلاوون فى سنة اثنتين وثمانين وستمائة، وجعل فيها عدة من الفقراء الصوفية انتهى.

‌جامع الجنيد

هو بشارع الدرب الجديد/بالقرب من المشهد الزينبى. له بابان، ومنقوش بأعلى قبلته فى لوح رخام:«بسم الله الرحمن الرحيم، أمر بإنشاء هذا المسجد المبارك الجناب العالى المغازى الأمير الكبير الفلكى فلك الدين فلك شاه بن ددا البغدادى فى سنة عشرين وسبعمائة» وله منارة، ومطهرة وبئر، وشعائره مقامة من ريع أوقاف له بجواره، ويتبعه سبيل متخرب.

‌جامع جوهر اللالا

هو بخط المصنع فى آخر درب اللبانة من شارع المحجر بقرب حمام اللالا. أنشأه مدرسة الجناب العالى جوهر اللالا، وأنشأ سبيلا ومكتبا ومدفنا

ص: 159

وفى حجته المؤرخة سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة أنه وقف على ذلك أوقافا، منها الحمام فى زقاق المصنع، وأراض بالجيزة وغيرها، وأماكن بخط المصنع وبقرب باب النصر، وجعل لإمام الجامع فى الشهر ثلاثمائة درهم من الفلوس، وللمؤذن مائتين كل شهر، وللبواب ثلاثمائة وخمسين فى الشهر، وعليه الكنس وغسل القناديل وتعميرها، ولثمن الزيت مائة وخمسين، ولعشرة يقرؤون بالقبة لكل واحد خمسين درهما، ورتب عشرة أيتام ومؤدبا، وجعل لليتيم خمسين نصفا فى كل شهر، وللمؤدب مائتين، ولمن يختم القرآن من الأطفال خمسمائة درهم، وشرط أن يشترى مصحف يجعل بالجامع الأشرفى برأس الجيزتين، ويرتب رجلان يقرآن فيه صبحا وعصرا، ولكل منهما شهريا أحد وخمسون درهما من الفلوس الجدد، ولخادم الساقية والعلف والآلات ستمائة درهم، وهذا غير ما يصرف لعتقائهم ولخدمة الحرم النبوى، فإن تعذر فللحرم المكى، فإن تعذر فللمسجد الأقصى، فإن تعذر فللفقراء أينما كانوا انتهى.

وله حجة أخرى وقف فيها أراضى فى مواضع، وجعل من ريعها لعشرة من الصوفية يحضرون بالمدرسة بعد العصر-على عادة الخوانق-يقرؤون الربعة ألفين من الدراهم النحاس ولكاتب الغيبة مائة فوق مرتبه، ولشيخ الصوفية خمسمائة، وللقارئ فى المصحف بعد الظهر مائة وخمسين، ولقارئ القرآن عن ظهر قلب كذلك، ويصرف ثمن حمل زيت زيتون خمسة قناطير بالمصرى ترسل مع الركب الشريف إلى المدينة المنورة، إلى آخر ما هو فى حجة الوقفية.

‌ترجمة جوهر اللالا:

وفى الضوء اللامع: أن جوهر اللالا هو عتيق أحمد بن جلبان، وكان قبله لعمرو بن بهادر، ثم اتصل بخدمة الأشرف قبل تملكه فتنقل معه، وقرره لالة ولده الأكبر محمد ثم يوسف، ثم تقرر زماما، فلما تسلطن العزيز فخم أمره وتشمخت نفسه، فانعكس عليه الأمر وسجن بالبرج فى دولة الظاهر، ثم حصل له الصرع إلى أن مات سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، ودفن بمدرسته بالمصنع-وهى حسنة-كان شيخها التقى الشمنى، وكان محبا للعلماء والصالحين محسنا إليهم مكرما لهم، أثنى عليه المقريزى وغيره انتهى.

‌جامع جوهر الصفوى

هو بشارع الحبالة تحت القلعة. به منبر وخطبة، وله منارة وشعائره مقامة، وحدوده فى «الضوء اللامع» برأس سويقة منعم عند عرصة لقمح تجاه سبيل المؤمنين، وسماه مدرسة.

قال: عمرها جوهر المنجكى بن إبراهيم بن منجك صفى الدين الحبشى الطواشى-ويقال

ص: 160

له الصفوى-ولم يتأنق فيها، وعمل بها درسا فى الفرائض، وأول ما أقيمت فيه الجمعة فى رابع رمضان سنة أربع وأربعين وثمانمائة، وكان مقدم الأطباق مدة، ثم ولاه الظاهر جقمق نيابة تقدمة المماليك، ثم عزل ومات سنة إحدى وخمسين وثمانمائة، وكان طارحا للتكلف رقيقا إلى الطول أقرب. انتهى.

‌جامع جوهر المعينى

هو فى حارة غيط العدة بالقرب من جامع الأمير حسين. كان أول أمره مدرسة أنشأها الأمير جوهر المعينى الحبشى، وقرر بها مدرسا وقارئا للبخارى-كما فى الضوء اللامع لأهل القرن التاسع للحافظ محمد بن عبد الرحمن السخاوى-ثم تخربت إلى أن عمرها الأمير محمد بيك دبوس أوغلى وجعلها جامعا بمنبر.

قال الجبرتى فى حوادث سنة تسع وعشرين ومائتين وألف: إن الأمير دبوس أوغلى كمل تعمير الجامع الذى بقرب داره التى بغيط العدة، وهو جامع جوهر المعينى، وكان قد تخرب، فهدمه جميعه وأنشأه وزخرفه، ونقل لعمارته أنقاضا كثيرة وأخشابا ورخاما من بيت أبى الشوارب، وعمل فيه منبرا بديع الصنعة، واستخلص جهة أوقافه من أطيان وأماكن من واضعى اليد اه. وعلى وجه بابه تاريخ هذه العمارة فى ضمن أبيات باللغة التركية، وهو مقام الشعائر، وبه أربعة أعمدة من الرخام ومحرابه من الرخام، ومنبره من خشب الجوز، وله دكة بطول المسجد قائمة على عمودين من الحجر واثنين من الخشب، ومنافعه تامة من مئذنة ومطهرة ومراحيض، وفيه صهريج يملأ من النيل كل سنة، وفى زاويته التى عن يمين المنبر ضريح منشئه الأمير جوهر عليه مقصورة من الخشب الخرط وله أوقاف تحت نظر الشيخ محمد عاشق أفندى.

‌ترجمة جوهر المعينى:

وقال فى الضوء اللامع: جوهر المعينى الحبشى نسبة لمعين الدين الدمياطى الأبرص، كان له أخ من جملة مماليك برد بك الأشرفى إينال/فالتمس من سيده أخذه من معين الدين ففعل وبادر بإرساله إليه، فأقام فى خدمته وصار لخوند الكبرى أم خوند زوجة أستاذه، فاستصحبته معها فى الحج، فلما وصلت إلى مكة أشارت ابنتها بإقامته للخدمة هناك، فأقام مدة وضعف حتى أشرف على الموت فأذنوا له فى الرجوع فرجع، وصار يتردد إلى الكمال إمام الكاملية ويقرأ عليه أحيانا، فاختص بصحبته ولزم خدمة خوند الكبرى وابن أخيها العلاء بن خاص بك وابنته، فلما آل الأمر إلى الأشرف قايتباى، وصارت ابنة العلاء زوجته

ص: 161

وهى خوند كان من جملة خدامها، وعمل ساقيا، وذكر بالديانة ومحبة العلماء، ولزم من ذلك مساعدته لبنى شيخه الكمال فى أخذ وظيفة مشيخة الحديث بدار الحديث الكاملية متوهما أن ذلك قربة، وكان ربما يتعلق بأمر يتوهمه تدينا، وما أحسن قول القائل:

من عبد الله بجهل

كان ما يفسد أكثر

وقد صار إلى فخامة ووجاهة، وانتمى إليه غير واحد من الطلبة ونالوا بسببه بعض الجهات انتهى باختصار.

وأما دبوس أوغلى فهو الأمير الكبير محمد بيك دبوس أوغلى، حضر من بلاد الروم مع العزيز محمد على واستقر بالديار المصرية مدة، ثم لما تملك العزيز محمد على الديار المصرية قربه إليه وأعطاه رتبة البيكوية.

‌جامع الشيخ الجوهرى

هذا الجامع داخل عطفة شمس الدولة بشارع السكة الجديدة قرب الأشرفية. وهو مسجد لطيف مربع الشكل، به ثمانية أعمدة من الرخام، وقبلته من الرخام المنقوش الملون، ومنبره خشب نقى متقن الصنعة، وبه دكة للتبليغ، ومئذنة، وخزانة كتب عامرة، وصهريج يملأ من ماء النيل جدده السيد محمد أبو المعالى الجوهرى سنة اثنتين وستين ومائتين وألف- كما هو منقوش فى لوح رخام على بابه-وكان أول أمره زاوية لجده الشيخ حسن الجوهرى كانت تعرف بزاوية القادرية، فبناه جامعا على ما هو عليه الآن، ووقف عليه أوقافا جمة دارّة، وشعائره مقامة منها إلى الغاية.

ففى كتاب وقفيته المؤرخة بسنة ثلاث وسبعين ومائتين وألف: إن السيد محمدا أبا المعالى الجوهرى وقف عقارات وأطيانا فى جهات كثيرة، منها دار سكناه بجوار الجامع ودكانان هناك، وحواصل بخط البندقانيين، وأماكن بخط الأشرفية، وبخط باب الزهومة، وبخط السكريين، وبخط الأزبكية، وبباب الشعرية، وبخط الموسكى، وبخط الأمشاطيين بحارة برجوان، وفى بولاق بجوار وكالة الفسيخ، وربع بجوار وكالة النطرون، ومنها أطيان كانت التزاما له بناحية كوم برا بالجيزة وما يتبع ذلك من مرتب الروزنامجه وهو سنويا سبعمائة وسبعة وعشرون قرشا وسبعة وعشرون نصفا فضة ديوانية، وبناحية كوم الثعالب بولاية المنصورة وما يتبع ذلك من الروزنامجه سنويا ثلاثمائة وتسعة وعشرون قرشا واثنان وثلاثون نصفا فضة ديوانية، وبناحية أم خنان بالمنوفية وما يتبعها كذلك سنويا وهو مائتان وأحد وثلاثون قرشا وسبعة وخمسون نصفا، وبناحية مشتهر من القليوبية ويتبعه سنويا ألفان وأربعمائة وعشرون

ص: 162

قرشا وستة وثلاثون نصفا فضة، وبناحية منية علان من المنصورة ويتبعها سنويا ألف ومائة واثنان وثلاثون قرشا وثلاثون نصفا فضة، وبناحية بنى سند وبنى فزارة ببنى سويف ويتبعها كذلك أربعة آلاف وسبعمائة وستون قرشا وتسعة وعشرون نصفا فضة، وبناحية شنوان الغرق وكفر الحجر بالمنوفية يتبعها ستمائة قرش وثلاثة قروش وخمسة أنصاف فضة، وبناحية طهواى من المنوفية أيضا يتبعها كذلك أربعمائة قرش وأربعة عشر قرشا واثنان وعشرون نصفا، وقطعة بقرب جميز العيد قدرها أربعة أفدنة وربع وسدس بالقصبة الحاكمية، وقطعة بطريق بولاق بغيط الغربى قدرها ثلاثة أفدنة وسدس وثمن عليها حكر سنويا ألفان وستمائة نصف فضة.

ولما أراد إيقاف هذه الأطيان استأذن والى مصر المرحوم محمد سعيد باشا فأذن له بما صورته: «قد علم لدينا أن حضرة الشيخ الجوهرى كان أعرض للمرحوم جنتمكان والدنا أنه يرغب إيقاف بعض أطيان أواسى وفوائض حصص ورزق وأماكن خصوصية على خيرات مسجد السادة الجوهرية الذى أنشأه بحارة شمس الدولة بالسكة الجديدة، وأنه أجيب إلى ذلك بالأمر الصادر إلى ديوان مصر فى ثلاث وعشرين من المحرم سنة أربع وستين ومائتين وألف، غير أنه لم يتيسر فى تلك المدة تحرير الوقفية لتعذر الحصول على بعض السندات وعلى عمل تسويد شروط الإيقاف، والآن قد صار الاستحصال على ذلك ويلتمس صدور الأمر بإجراء السندات من ديوان الروزنامجه، وبالاستفسار من الروزنامجه قد قيل إن فائض/الحصص والرزق المقيدة باسم الشيخ سنويا أحد عشر ألف قرش وستمائة وثلاثة وثلاثون قرشا وخمس وثلاثون فضة، والاعتماد فى الإيقاف على القراريط والفائض الذى يصير إيقافه والأواسى تكون بالتبعية للقراريط، وحيث إن الإيقاف صدر فى خصوصه أمر المرحوم والدنا فقد أصدرنا هذا لأجل أن يعلم حصول الإجابة من لدنا لإجراء مقتضاه، وعلى موجب الشروط التى يقررها الواقف ويسوغها الحكم الشرعى يجرى تحرير سندات الإيقاف فى الروزنامجه باسم حضرة الشيخ المومى إليه كما صدرت به إرادتنا انتهى.

فجميع ما يصرف من ريع تلك الأطيان الموقوفة وفوائضها فى إقامة شعائر ذلك الجامع وليالى الختمات يبلغ أحدا وعشرين ألف قرش ومائتين وخمسة وستين قرشا ميريا سنويا، فيصرف للخطيب ثلاثمائة قرش سنويا، وللمرقى ستون، وللمبلّغ يوم الجمعة مائة وعشرون، وللإمام الراتب ستمائة قرش سنويا، ولمبلغه ثلاثمائة قرش سنويا، ولاثنين مؤذنين سبعمائة سنويا، وللبواب ثلاثمائة سنويا، ولسواق الساقية كذلك، وللوقاد والكناس كذلك، ولقارئ سورة الكهف يوم الجمعة مائة وعشرون قرشا سنويا، ولخمسة يقرأ كل واحد

ص: 163

منهم سورة الإخلاص به كل يوم مائة مرة تسعمائة قرش سنويا، ولعشرة يقرؤون دلائل الخيرات كل ليلة ألف وثمانمائة قرش سنويا، ولعشرين يقرؤون حزب الشاذلى كل يوم أربعة آلاف وثمانمائة قرش سنويا، ولمدرس شافعى يقرأ الحديث فى شهر رمضان مائة وخمسون فى كل سنة، ولعشرة يقرؤون كل يوم جمعة ختمة ألف ومائتا قرش سنويا، ولشيخهم مائتان وأربعون، وثمن خبز قرصة وفول نابت وفحم وبن للمقرأة كل ليلة جمعة ألف وثمانون قرشا سنويا، وثمن زيت وقناديل لإيقاد عشرين قنديلا به كل ليلة ألف وثمانمائة قرش سنويا، وثمن فتائل ومكانس وحبال وبيوت قناديل مائة وثمانون قرشا، وثمن طوانس وقواديس ونحو ذلك ثلاثمائة قرش، ولعلف ثور الساقية فى السنة ألف ومائتا قرش، ولمغير الكتب من خزانة الجامع ثلاثمائة وستون قرشا، وثمن زيت وقناديل لشهر رمضان زيادة على المرتب مائة وخمسون قرشا، وثمن شمع إسكندرى لرمضان خمسة وسبعون قرشا، وثمن حصر سمار لفرشه خمسمائة قرش، ولنزح المراحيض مائتان وخمسون قرشا، ولكاتب الوقف ألف وخمسمائة قرش سنويا، وللجابى ستمائة. وما فضل من ريع الأطيان والفوائض يبقى تحت يد الناظر لعمارة المسجد وإصلاحه عند الاقتضاء.

وأما ما وقفه من العقارات المذكورة من حوانيت وخلافها فقد جعلها وقفا على نفسه مدة حياته، ومن بعده تصرف فى جهات عينها، فيصرف فى ليلة من ليالى مولد سيدنا الحسين رضي الله عنه ثمن زيت وشمع إسكندرى ومأكول ومشروب وأجر خدمة وقراء ونحو ذلك من لوازم المولد ألفان وخمسمائة قرش كل سنة، وفى مولد يعمل فى منزل الواقف كل سنة ليلة الثانى والعشرين من رجب ثمن زيت وشمع ومأكول ومشروب وأجر قراء ودلائل وخدمة ونحو ذلك ألف وخمسمائة قرش، وثمن خبز لمقرأة سيدنا الحسين ثلاثمائة وستون قرشا، ولمقرأة الإمام الشافعى، ومقرأة السيدة زينب، ومقرأة السيدة نفيسة، والسيدة سكينة، والسيدة فاطمة النبوية، والسيدة عائشة، والسيدة رقية، والسلطان الحنفى، والشيخ الشعرانى، وسيدى على الخوّاص، والإمام الليث، وسيدى أبى العلا، لكل مقرأة من هذه ثلاثمائة وستون قرشا. وفى مأكول ومشروب للواردين على منزل الواقف ستة آلاف قرش فى السنة، وللست حنيفة بنت عبد الله البيضاء كل سنة ما دامت حية ستة آلاف قرش تنقطع بموتها، وما فضل فلأقارب الواقف وعتقاه. ثم لأولادهم وأولاد أولادهم، ثم يرجع إلى جهة الجامع بحسب ما يراه الناظر، وقد جعل النظر لنفسه فى حياته، ومن بعده يكون لحسن أغا الجوهرى بن عبد الله معتوق الشيخ عبد الفتاح الجوهرى عم الواقف، ومن بعده للست حنيفة المذكورة ما دامت خلية من الأزواج، ومن بعدها لابن عمه، ثم للست سلن خاتون

ص: 164

بنت الشيخ عبد الفتاح، ثم الأرشد فالأرشد من عقبه، ثم لمن يقرره الحاكم الحنفى. وجعل للناظر سنويا ستة آلاف قرش، وشرط الشروط العشرة لنفسه دون من بعده. ولما مات الشيخ محمد أبو المعالى الجوهرى دفن بهذا المسجد كأبيه وجده، وعلى قبورهم ثلاث مقاصير من الخشب الخرط، وكان الجد الأعلى من أكابر العلماء.

‌ترجمة الأستاذ الشيخ أحمد الجوهرى:

ففى تاريخ الجبرتى من حوادث سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف: أنه مات فى هذه السنة الإمام الفقيه المحدث الأصولى الشيخ أحمد بن الحسن بن عبد الكريم بن محمد بن يوسف بن كريم الدين الكريمى الخالدى الشافعى الأزهرى الشهير بالجوهرى، لأن والده كان يبيع الجوهر. ولد بمصر سنة ست وسبعين/وألف، واشتغل بالعلم حتى فاق أهل عصره، ودرس بالأزهر وأفتى نحو ستين سنة، ومشايخه كثيرون، منهم: الشيخ رضوان الطوخى إمام الأزهر، والشيخ أحمد النفراوى، وأرحل إلى الحرمين واستفاد فى رحلته علوما جمة، وسمع من البصرى والبجلى، وأجازه مولاى الطيب بن عبد الله الشريف الحسينى وجعله خليفة بمصر، وله إجازات كثيرة من مشايخه فى كل فن، وممن أجازه أبو المواهب البكرى، وعبد الحى الشرنبلالى، وفى الحرمين عمر بن عبد الكريم الخلخالى. وتوجه ثانيا إلى الحرمين بأهله وعياله وألقى الدروس وانتفع به الواردون. ثم عاد إلى مصر وانجمع عن الناس وانقطع فى منزله يزار ويتبرك به. وله تآليف، منها: منفذة العبيد عن ربقة التقليد فى التوحيد، وحاشية على عبد السلام، ورسالة فى الأولية، وأخرى فى حياة الأنبياء فى قبورهم، وأخرى فى الغرانيق وغيرها.

ولما مات الشيخ صلى عليه فى الأزهر ودفن بالزاوية القادرية داخل درب شمس الدولة، ورثاه الشيخ مصطفى بن أحمد الصاوى بقصيدة مطعلها.

يا دهر مالك بالمكاره تجترى

ولفقد أرباب المكارم تحترى

تغتال منا ماجدا مع ماجد

طابت طبائعه بطيب العنصر

وقال فى آخرها:

فالصبر عند الصدمة الأولى رضا

ما حيلة المحتال إن لم يصبر

من حيث أن لنا هنالك أسوة

بالسالفين وبالنبى الأطهر

ص: 165

صلى عليه إلهنا مع آله

والصحب أصحاب المقام الأظهر

ما مصطفى الصاوى قال مؤرخا

بشرى لحور العين حبّ الجوهرى

512 244 161 10 255 - سنة 1182

ورثاه أيضا الشيخ عبد الله الإدكاوى بقصيدة بيت تاريخها:

مقعد الصدق قد أعدوه حالا

للملىّ الممجد الجوهرى

انتهى باختصار.

وفى موضع آخر منه أن فى سنة سبع وثمانين ومائة وألف توفى ابنه الشيخ أحمد الجوهرى ودفن على والده فى هذه الزاوية، وكان عالما متقنا تصدر للتدريس فى حياة والده وحج معه وجاور سنة، وكان إنسانا حسنا ذا مروءة وشهامة ومودة وبر وأخلاق لطيفة انتهى.

وفى سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف توفى ابنه السيد محمد هادى ودفن بها رحمه الله، وكان-كما فى الجبرتى أيضا-من أعيان البلد وأكابر العلماء، وكان للأمراء اعتقاد فيه وميل إليه وكذلك نساؤهم وأغواتهم؛ بسبب تعففه عنهم وعدم دخوله بيوتهم ورد صلاتهم، وتميزه بذلك عن جميع المتعممين. وكان هو الركن الأعظم فى إتمام المشيخة على الأزهر للشيخ أحمد العروسى وإيثاره على الشيخ عبد الرحمن العريشى، بعد أن طال النزاع فى شأن ذلك كما بيناه فى الكلام على الأزهر.

***

ص: 166

‌حرف الحاء

‌جامع حارس الطير

هو بدرب الجماميز. له منارة، وبجواره ثلاثة حوانيت موقوفة عليه، وشعائره مقامة. وعده المقريزى فى الجوامع التى تجددت بعد الثمانمائة، ولم يذكر له ترجمة، وإنما قال: وتجدد فى رأس درب النيدى جامع حارس الطير انتهى.

والظاهر أن حارس الطير صاحب هذا الجامع هو الذى ذكر ترجمته فى ذكر الدور بأنه الأمير سيف الدين سنبغا حارس الطير، ترقى فى الخدم إلى أن صار نائب السلطنة بمصر فى أيام السلطان حسن بن محمد بن قلاوون، ثم عزل وجهز إلى نيابة غزة فأقام بها شهرا وقبض عليه وحضر مقيدا إلى الإسكندرية سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، فسجن بها مدة ثم أخرج إلى القدس فأقام بطالا مدة، ثم نقل إلى نيابة غزة سنة ست وخمسين وسبعمائة، وكانت له دار داخل درب قراصيا بخط رحبة باب العيد انتهى.

‌جامع الحاكم

هذا الجامع خارج باب الفتوح أحد أبواب القاهرة. أسسه أمير المؤمنين العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله معد سنة ثمانين وثلاثمائة، وخطب فيه وصلى بالناس الجمعة، ثم لما وسع أمير الجيوش بدر الجمالى القاهرة وجعل أبوابها حيث هى اليوم صار الجامع من داخلها، وكان يعرف أولا بجامع الخطبة. ويقال له: الجامع الأنور. وفى سنة إحدى وأربعمائة أكمله ولده الحاكم بأمر الله، وقدّر للنفقة عليه أربعون/ألف دينار وتم فى سنة ثلاث وأربعمائة، وأمر بعمل تقدير ما يحتاج إليه من الحصر والقناديل والسلاسل فكان تكسير ما ذرع للحصر ستة وثلاثين ألف ذراع، فبلغت النفقة على ذلك خمسة آلاف دينار، وعلق على سائر أبوابه ستور ديبقية عملت له، وعلق فيه أربعة تنانير فضة وكثير من قناديل فضة، وقرش بالحصر التى عملت له، ونصب فيه المنبر. وفى ليلة الجمعة سادس شهر رمضان من السنة المذكورة أذن لمن بات فى الجامع الأزهر أن يمضوا إليه فمضوا، وصار الناس طول ليلتهم يمشون من كل واحد من الجامعين إلى الآخر بغير مانع لهم ولا اعتراض من أحد من عسس القصر ولا أصحاب الطوف إلى الصبح، وصلى فيه الحاكم بأمر الله بالناس صلاة الجمعة وهى أول صلاة أقيمت فيه بعد فراغه، وفى سنة أربع وأربعمائة حبس الحاكم عدة قياسر وأملاك على هذا الجامع.

ص: 167

قال ابن عبد الظاهر: وعلى باب الجامع الحاكمى مكتوب أنه أمر بعمله الحاكم أبو على المنصور فى سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة وعلى منبره مكتوب أنه أمر بعمل هذا المنبر للجامع الحاكمى المنشأ بظاهر باب الفتوح فى سنة ثلاث وأربعمائة، وكان بوسطه فسقية بناها الصاحب عبد الله بن على بن شكر وأجرى إليها الماء، وأزالها قاضى القضاة تاج الدين بن شكر سنة ستين وستمائة.

وفى سنة اثنتين وسبعمائة تزلزلت أرض مصر والقاهرة وأعمالهما، ورجف كل ما عليهما واهتز، وسمع للحيطان قعقعة وللسقوف فرقعة، ومارت الأرض بما عليها وخرجت عن مكانها، وتخيل للناس أن السماء قد انطبقت على الأرض فهربوا من أماكنهم وخرجوا عن مساكنهم، وبرزت النساء حاسرات، وكثر الصراخ والعويل، وانتشرت الخلائق فلم يقدر أحد على السكون والقرار، لكثرة ما سقط من الحيطان وخر من السقوف والمآذن وغير ذلك من الأبنية، وفاض ماء النيل فيضا غير المعتاد، وألقى ما كان عليه من المراكب التى بالساحل قدر رمية سهم، وانحسر عنها فصارت على الأرض بغير ماء، واجتمع العالم فى الصحراء خارج القاهرة، وباتوا ظاهر باب البحر بحرمهم وأولادهم فى الخيم، وخلت المدينة، وتشعثت جميع البيوت حتى إنه لم يسلم بيت من سقوط أو ميل، وقام الناس فى الجوامع يبتهلون ويسألون الله سبحانه وتعالى طول يوم الخميس وليلة الجمعة ويوم الجمعة، فكان مما تهدم فى هذه الزلزلة الجامع الحاكمى، فإنه سقط كثير من البدنات التى فيه، وخرب أعالى المئذنتين وتشعثت سقوفه وجدرانه، فانتدب لذلك الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير ونزل إليه ومعه القضاة والأمراء، فكشفه بنفسه وأمر برم ما تهدم منه وإعادة ما سقط من البدنات فأعيدت.

وجعل له عدة أوقاف بناحية الجيزة وفى الصعيد وفى الإسكندرية تغل كل سنة شيئا كثيرا، ورتب فيه دروسا أربعة لإقراء الفقه على المذاهب الأربعة، ودرسا لإقراء الحديث النبوى، وجعل لكل درس مدرسا وعدة كثيرة من الطلبة، وعمل فيه خزانة كتب جليلة، وجعل فيه عدة متصدرين لتلقين القرآن الكريم، وحفر فيه صهريجا بصحن الجامع، وأجرى على جميع من قرره فيه معاليم دارة، فكان ما أنفق عليه زيادة على أربعين ألف دينار.

وفى سنة ستين وسبعمائة فى الولاية الثانية للملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون جدد هذا الجامع وبلط جميعه على يد الشيخ قطب الدين محمد الهرماس، وأضيف على أوقافه قطعة أرض من ناحية طنتدا قدرها خمسمائة وستون فدانا، وجعلت على الشيخ محمد الهرماس

ص: 168

وأولاده، وعلى زيادة فى معلوم الإمام بالجامع، وعلى ما يحتاج إليه من زيت الوقود ومرمة سقفه وجدرانه.

‌ترجمة مصادرة الهرماس:

ثم فى سنة إحدى وستين وسبعمائة صودر الهرماس وهدمت داره التى بناها أمام الجامع الحاكمى، وضرب ونفى هو وأولاده، واستفتى السلطان الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون فى وقف حصة طنتدا فجمع المفتين والقضاة بناحية سرياقوس-وكان يركب إليها كثيرا-وسألهم عن حكم الله فى الواقعة، فأجاب الجميع بالبطلان غير المناوى فقال بالصحة، ثم بعد طول النزاع انحط رأيهم على إبطال الوقف بشاهدين على أن السلطان جعل لنفسه التغيير والتبديل والزيادة والنقص-وقد نقلنا ملخص ذلك فى الكلام على سرياقوس-ومع ذلك فقد بقيت الأرض بيد أولاد الهرماس بحكم الكتاب الذى حاول السلطان نقضه ولم يوافقه المناوى.

والجامع الآن متهدم، وما من زمن إلا ويسقط من سقوفه شئ بعد شئ فلا يعاد، وكانت ميضأته صغيرة بجوار ميضأته الآن فيما بينها وبين باب الجامع، وقد جعل موضعها مخزن تعلوه طبقة عمرها شخص من الباعة يعرف بابن كرسون المراحلى، وأنشأ ابن كرسون الفسقية التى فى الميضأة الجديدة فى أعوام بضع وثمانين وسبعمائة، وبيض مئذنتيه واستجد المئذنة التى بأعلى/الباب المجاور للمنبر رجل من الباعة، وكملت فى سنة سبع وعشرين وثمانمائة.

وتخرق سقف الجامع حتى صار المؤذنون ينزلون من السطح إلى الدكة التى يكبرون فوقها وراء الإمام-انتهى ملخصا من المقريزى.

وفى سنة اثنتين وعشرين ومائتين وألف جدد به نقيب الأشراف السيد عمر مكرم أربع بوائك من مؤخره، فجعلت مسجدا به منبر وخطبة ومطهرة وأخلية، وله فى الروزنامجه بعض أحكار، وباقى الجامع منتهك الحرمة. وبعض الواردين من الشام يصنعون فيه قناديل الزجاج والأكواب، والحريريون يفتلون فيه الحرير، وبجواره بيت فسوق تشرب فيه البوزة ونحوها، ويدخلون فيه سكارى ويغنون ويضربون الدفوف، ولم يبق من أبوابه السبعة مفتوحا إلا اثنان: الباب الموصل إلى باب النصر، وباب سوق الليمون. وبجواره من الجهة الغربية مدفن بناه الحاكم لنفسه ولم يدفن به وعرف فيما بعد بمدفن الساعى، وعليه بناء متسع وقبة ومبخرة مرتفعة، وفيه شواهد عليها أسماء بعض الموتى المدفونين هناك، فعلى أحدها: هذا قبر المرحوم محمود بن جلبى توفى سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف، وعلى آخر

ص: 169

اسم عثمان بن خديجة توفى سنة أربع وسبعين ومائة وألف، وعلى آخر اسم أيوب تابع قاسم أغا توفى سنة سبع وسبعين ومائة وألف. وعلى سوره مزاغل للمحاصرة، وأماكن صغيرة معقودة بعقود هندسية، وهناك كتابات بعضها بالقلم الكوفى وبعضها بالهيرجليفى، وأكثرها على مزغل مطل على وكالة البلح بباب النصر، وهناك آثار تشبه آثار قدماء المصريين، وبئر بقرب باب النصر فى غاية المتانة، وعلى حائطه الغربى بجوار باب الفتوح ثلاثة أسطر صورتها ما رسم به مالك السلطنة المعظم المعز العالى السيفى سودون من عرافة الجمال يأخذ عن كل حمل سبعة، ملعون من يأخذ أكثر من ذلك أو يجدد مظلمة فى أيام الدولة.

‌جامع الحبشلى

هذا الجامع بدرب سعادة على رأس عطفة النبوية تجاه سور سراى الأمير منصور باشا.

وهو مقام الشعائر، وبه منبر وخطبة وست أساطين من الرخام، وفى صحنه صهريج، وله منارة مرتفعة ومطهرة.

‌جامع الحتو

هذا الجامع بين باب النصر وحارة الجوانية تجاه وكالة الصابون. بناه السيد محمود بن السيد يوسف الحتو الغزى شيخ وكالة الصابون سنة ثمانين ومائتين وألف، وجعل به منبرا وخطبة، وجعله تام المرافق، وعمل به سبيلا ومكتبا، وكان قبل ذلك مدفنا فوقه زاوية صغيرة تعرف بزاوية الشهداء كانت تحت نظر أحمد الوقّاد.

وكان هذا المحل أولا يعرف بعين الغزال، وكان مخزنا لمن يتغلب بوضع اليد عليه، ثم أراد بعض كبار الذمم أن يجعله محلا للمنكرات فبادر السيد محمود المذكور إلى بنائه مسجدا بعد أن أخذ وظيفة نظره من ديوان الأوقاف.

ويظهر من عبارة المقريزى فى الكلام على الحجر التى كانت برسم الصبيان الحجرية، أن موضعه كان من حقوق المدارس التى أنشأها المعز لدين الله لتعليم الصبيان الحجرية، يعنى الغلمان المختصين بالخلفاء.

ولما بناه السيد محمود وقف عليه أوقافا جارية عليه إلى الآن، منها-كما فى حجة وقفيته-ثلاثة حواصل أسفل المسجد، ومنها المكان المعروف بالكبير كان أصله وكالة لعمل الأهوان بخط باب النصر داخل درب الرشيدى، ومكان آخر بالدرب المذكور، ومكان بعطفة المغازليين بقرب سوق أمير الجيوش، وحواصل بوكالة الصابون، وحانوت بسوق

ص: 170

الفحامين، والربع المستجد بباب النصر، والوكالة التى بقرب جامع الحاكم، وقد جعل ريع بعض هذه الأوقاف يصرف فى مصالح الجامع من أول الأمر، والبعض الآخر يؤول إلى الجامع بعد انقراض الموقوف عليهم، وذلك أنه وقف المكانين بدرب الرشيدى على نفسه، ومن بعده لأولاده ثم لأولادهم، فإذا لم يكن له أولاد فالثمن لوالدته وزوجاته، ومن بعدهن يصرف بعضه للمجاورين برواق الشوام فى الأزهر، وبعضه فى شعائر المسجد، والربع يصرف على مديرتيه الحبشيتين ومن بعدهما على المسجد، والربع على عتقاه ومن بعدهم على الجامع، والربع على ابن أخته ومن بعده على المسجد، والثمن الباقى على والدة الواقف ومن بعدها على الجامع، فيصرف ثمن قنطار شيرج لتنوير المسجد كل زمن بحسبه، وثمن ستين رطلا من الشمع الإسكندرانى توقد فى رمضان، وثمن ألفى قربة ماء عذب للصهريج، وثمن حصر للمسجد والمكتب، ويصرف للإمام والخطيب والمؤذن والمبلغ والملاء والوقاد والكناس ونحو ذلك بحسب ما يراه الناظر، ويصرف لاثنين يقرآن بالمسجد ختمتين كل جمعة بحسب ما يراه الناظر أيضا، وما فضل يصرف منه كل سنة ستمائة قرش فى وجوه الخيرات من قراءة ختمات وتفرقة خبز قرصة وخوص وريحان على تربة الواقف وعلى تربة والدته فى الجمع والأعياد، وما فضل يشترى به عقارات لجهة الوقف بعد دفع/الأحكار إلى جهة أوقافها، وإذا تعذر الصرف فى تلك الجهات صرف للفقراء، وجعل النظر الحسبى للسيد أحمد سعودى ومن بعده لمفتى المالكية بالأزهر، فإن تعذر فلناظر أوقاف الحرمين، وجعل معلوم كل من الناظر الأصلى والحسبى فى السنة ثلاثمائة وستين قرشا.

‌جامع الست حدق

قال المقريزى: هذا الجامع بخط المريس فى جانب الخليج الكبير مما يلى الغرب بالقرب من قنطرة السد التى خارج مدينة مصر. أنشأته الست حدق دادة الملك الناصر محمد بن قلاوون، وأقيمت فيه الخطبة يوم الجمعة لعشرين من جمادى الآخرة سنة سبع وثلاثين وسبعمائة انتهى.

وقال فى ذكر الأحكار: كان موضع هذا الجامع منظرة السكرة، فأنشأت فيه الست حدق هذا الجامع، وجعلت لها هناك حكرا عرف بها لأجل ذلك، وهذا الحكر يعرف اليوم بالمريس، وكان بساتين من بعضها بستان الخشاب انتهى.

وقد ذكرنا ترجمة الست حدق مع ترجمة الست مسكة عند مسجد مسكة.

ص: 171

‌جامع الحرانى

فى المقريزى: أن هذا الجامع بالقرافة الصغرى بحرى الإمام الشافعى رضي الله عنه.

عمره ناصر الدين بن الحرانى الشرابيشى فى سنة تسع وعشرين وسبعمائة انتهى. وليس له الآن أثر.

‌جامع الحريشى

هو فى بركة الرطلى بين دار الأمير سليم باشا السلحدار ودار الأمير حسين باشا الخازندار.

ويظهر أن هذا الجامع هو الذى عبر عنه المقريزى فى الخطط بجامع بركة الرطلى. وقال:

كان يعرف موضع هذا الجامع ببركة الفول من جملة أراضى الطبالة. فلما عمرت بركة الرطلى أنشئ هذا الجامع، وكان ضيقا قصير السقف، وفيه قبة تحتها قبر يزار وهو قبر الشيخ خليل بن عبد ربه خادم الشيخ عبد المتعال، توفى فى المحرم سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة.

‌ترجمة الوزير الصاحب سعد الدين:

فلما سكن الوزير الصاحب سعد الدين إبراهيم بن بركة البشيرى بجوار هذا الجامع هدمه ووسع فيه وبناه هذا البناء سنة أربع عشرة وثمانمائة. وولى البشيرى سنة ست وستين وسبعمائة، وتنقل فى الخدم الديوانية حتى استقر فى الوزارة سنة اثنتى عشرة وثمانمائة، فباشرها بضبط جيد لمعرفته الحساب والكتابة. فلما قتل الناصر فرج صرفه المؤيد شيخ عن الوزارة وقبره بالقرافة انتهى.

وفى ابن إياس: أن هذا الجامع عند بركة الرطلى بالقرب من حدرة الفول. بنى فى دولة الناصر محمد بن قلاوون سنة أربع وأربعين وسبعمائة، ودفن به الشيخ خليل الرطلى، وهو الذى تنسب إليه بركة الرطلى، واستمر على ذلك حتى خرب فجدده البشيرى فى دولة المؤيد شيخ وجعل به خطبة، واستمر على ذلك إلى أن خرب.

وأقام مدة طويلة وهو خراب فجدده القاضى شهاب الدين أحمد بن الجيعان نائب كاتب السر فى سنة خمس وعشرين وتسعمائة، واجتمع به يوم الجمعة من هذه السنة القضاة الأربعة وأعيان الناس، وخطب به قاضى القضاة كمال الدين الطويل الشافعى خطبة بليغة فى معنى إنشاء الجوامع، وبعد الصلاة أحضر ابن الجيعان نحو عشرين زبدية من الصينى فيها سكر طيف بها على الناس وأنشدت القصائد، وقرر فيها حضورا بعد العصر وصوفية انتهى.

ص: 172

‌ترجمة شاكر بن عبد الغنى:

والظاهر أنه بنى قبل هذا البناء الأخير من طرف بعض بنى الجيعان، فإن فى الضوء اللامع للسخاوى: أن شاكر بن عبد الغنى المعروف كسلفه بابن الجيعان بنى الجامع الذى بالقرب من أرض الطبالة المعروفة الآن ببركة الرطلى. قال فى ترجمته: شاكر بن عبد الغنى ابن شاكر بن ماجد بن عبد الوهاب أحد الأعيان وأكبر أشقائه الخمسة، ولد سنة تسعين وسبعمائة تقريبا بالقاهرة ونشأ بها، وتدرب بأبيه وجده لأمه مجد الدين كاتب المماليك فى الأيام الناصرية، وكان يباشر عنه إذا غاب، واستقر بعد والده فى كتابة الجيش. ثم قرره المؤيد بسفارة الزينى عبد الباسط فى عمالة المؤيدية واقتدى به فى ذلك الأشرف برسباى. وفى أيامه كان يتكلم عن الزينى المشار إليه فى الخزانة وغيرها، ولا زال فى ارتقاء إلى أن صار مرجعا فى الدول، وعرف بجودة الرأى وحسن التدبير ووفور العقل، وقوة الجنان وعدم المهابة للملوك فمن دونهم من غير إخلال بالمداراة، مع السكون والتواضع والبذل الخفى.

وله مآثر وقربة منها هذا الجامع، وجامع بالخانقاه السرياقوسية، وخطبة بمكان الآثار الشريف، وبر كثير للفقراء وأهل الحرمين بل وغالب من يقصده، وحفظ لأهل البيوت والتوجع لمن يتأخر منهم، واستجلاب أهل الجفاء بالإحسان، وحج مرارا، ولم يزل على وجاهته حتى مات فى سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة، ودفن بتربتهم بجوار الأشرف برسباى من الصحراء. وكان قد أجازه جماعة، منهم: ابن صديق، وعائشة بنة بن عبد الهادى، والزينى المراغى، وغيرهم انتهى.

وفى الجبرتى من حوادث سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وألف: أن السيد محمد المحروقى جدد جامع الحريشى الذى ببركة الرطلى بجوار داره، فأقام حيطانه وعمده/وسقفه وبيضه وأقام الخطبة فيه بعد أن كان قد تخرب، وذلك أنه لما حصلت المفاقمة سنة أربع عشرة ومائتين وألف بين الفرنساوية والأمراء المصريين، ووقعت الحروب داخل البلد ملك طائفة من الفرنساوية التل المعروف بتل أبى الريش، وأخذوا يرمون بالمدافع والقنابر على أهل باب الشعرية وتلك النواحى، فما انجلت الحروب حتى خربت بيوت البركة وما بظاهرها من الدور وغيرها، ثم بعد مدة استحسن السيد محمد المحروقى أن يجعل له سكنا هناك. فشرع فى تنظيف الأتربة وأنشأ دارا متسعة، وفرشها بالرخام وجعل حولها بستانا للنزهة، وعمر هذا الجامع لمجاورته لداره انتهى.

ص: 173

‌جامع السلطان حسن

هو تجاه قلعة الجبل، كان موضعه بيت يلبغا اليحياوى نائب الشام. ابتدأ فى عمارته الملك الناصر حسن سنة سبع وخمسين وسبعمائة، وأوسع دوره وعمله فى أكبر قالب وأحسن هندام وأضخم شكل، فلا يعرف فى بلاد الإسلام معبد إسلامى يحكيه، أقامت العمارة فيه ثلاث سنين لا تبطل يوما واحدا، وأرصد لمصروفها فى كل يوم عشرون ألف درهم عنها نحو ألف مثقال ذهبا.

وأخبر الطواشى مقبل الشامى أنه سمع السلطان يقول: أنصرف على القالب الذى بنى عليه عقد الإيوان الكبير مائة ألف درهم نقرة، وهذا القالب مما رمى على الكيمان بعد فراغ العقد المذكور! قال: وسمعت السلطان يقول: لولا أن يقال إن ملك مصر عجز عن إتمام بناء بناه لتركت بناء هذا الجامع من كثرة ما صرف عليه.

وفى هذا الجامع عجائب من البنيان، منها أن ذرع إيوانه الكبير خمسة وستون ذراعا فى مثلها. ويقال: إنه أكبر من إيوان كسرى الذى بالمدائن من العراق بخمسة أذرع.

ومنها القبة العظيمة التى لم يبن بديار مصر والشام والعراق والمغرب واليمن مثلها، ومنها المنبر الرخام الذى لا نظير له، ومنها البوابة العظيمة، ومنها المدارس الأربعة التى بدور قاعة الجامع، إلى غير ذلك.

وكان السلطان قد عزم على أن يبنى أربع منائر يؤذن عليها، فتمت ثلاث منائر، إلى أن كانت سنة اثنتين وستين وسبعمائة فسقطت المنارة التى على الباب فهلك تحتها نحو ثلاثمائة نفس، فأبطل السلطان بناء هذه المنارة وبناء نظيرتها، وتأخر هناك منارتان هما قائمتان إلى اليوم.

ومات السلطان قبل أن يتم رخام الجامع فأتمه من بعده الطواشى بشير الجمدار، وكان قد جعل عليه السلطان أوقافا عظيمة جدا، فأقطع أكثر البلاد التى وقفت عليه بديار مصر والشام لجماعة من الأمراء وغيرهم، وصار هذا الجامع ضدا لقلعة الجبل، قلما تكون فتنة بين أهل الدولة إلا ويصعد عدة من الأمراء وغيرهم إلى أعلاه ويصير الرمى منه على القلعة، فلم يحتمل ذلك الملك الظاهر برقوق، وأمر فهدمت الدرج التى كان يصعد منها إلى المنارتين، والبيوت التى كان يسكنها الفقهاء ويتوصل من هذه الدرج إلى السطح الذى كان يرمى منه على القلعة، وهدمت البسطة العظيمة والدرج التى كانت بجانبى هذه البسطة التى كانت قدام باب الجامع حتى لا يمكن الصعود إلى سطح الجامع، وسد من وراء الباب

ص: 174

النحاس الذى لم يعمل فيما عهد باب مثله، وفتح شباك من شبابيك إحدى مدارس الجامع ليتوصل منه إلى داخل الجامع عوضا عن الباب، فصار الأذان على درج الباب.

ثم لما شرع السلطان المؤيد شيخ فى عمارة جامعه عند باب زويلة، اشترى الباب النحاس والتنور النحاس الذى كان معلقا هناك بخمسمائة دينار، فركب الباب على البوابة وعلق التنور تجاه المحراب.

ثم فى سنة خمس وعشرين وثمانمائة أعيد الأذان فى المئذنتين كما كان، وأعيد بناء الدرج والبسطة، وركب باب بدل الباب الذى أخذه المؤيد. واستمر الأمر على ذلك.

انتهى من المقريزى باختصار.

وفى كتاب وقفيته المحفوظة فى خزانة الدفاتر المصرية المؤرخة فى رجب الحرام سنة ستين وسبعمائة المحفوظة بالدفترخانة المصرية ما ملخصه: أن هذا الجامع أصله مكان كان بسوق الخيل على يمنة السالك من سويقة العزى طالبا سوق الخيل، وعلى يسرة السالك من سوق الخيل طالبا سويقة العزى. وخلط به قطعة بجواره بها بئر ساقية، ويحيط بذلك المكان وبالقطعة الأرض وبالساقية حدود أربعة، القبلى: إلى الطريق المسلوك إلى سوق الخيل، وفيه شبابيك القبة والمدرستين. والبحرى: إلى اسطبل منجك، ويتوصل منه إلى البئر المعروفة بالبغالة. والشرقى: إلى الطريق المسلوك منها إلى سوق الخيل وغير ذلك، وفيه البوابة والسلم والشبابيك. والغربى: إلى الطريق المسلوك منها إلى حدرة البقر، وهو شارع السيوفية وسوق الخيل، وهو المعروف بالرميلة سابقا، ويعرف الآن بميدان محمد على وغير ذلك، وبعضه إلى المجرى التى يصل منها الماء إلى الاصطبل السلطانى.

ومن ذلك يظهر أن الحوش المعروف بحوش العبيد، المنتقل من ملك الميرى إلى ملك على أفندى الحكيم فى زمن المرحوم سعيد باشا هو إصطبل/منجك المذكور، وبئر البغالة هى الساقية الغزاوية الموجودة إلى الآن، بناؤها من أعظم المبانى جميعها بالأحجار الآلة العجالى.

وتلك الوقفية مشتملة على جملة وافرة من القرى والبساتين، وأغلبها بأرض الشام وليست خاصة بهذا الجامع، بل هى على جهات كثيرة خيرية مبينة فى الوقفية، فمنها ما هو على الجامع، ومنها ما هو على المدرسة النورية الحنفية التى بأرض الشام، وما هو على مسجد بنى فزارة الذى بقرية داريّا الكبرى بأرض الشام أيضا، وعلى بنى عساكر وبنى عبس، وعلى الملك الأشرف، وعلى مصالح مسجد الشيخ أمين، وعلى مسجد الشيخ بدار الذى بقرية داريّا، وعلى العميان ومسجد الزيتونة ومسجد القدم ومصالح مسجد علون، وعلى مسجد النبى

ص: 175

حزقيا، وعلى الجامع الأموى ومسجد أبى مسلم الخولانى ومسجد سنان بداريا الكبرى، وعلى كرث، وعلى السقاية ومحراب بنى أمية وزاوية أبى العلاء بالشام، وعلى شمس الدين الحريرى وشمس الدين محمد الجوخى المعروف بالعامل، وعلى خان السبيل.

والذى وقفه ببلاد الديار المصرية: جميع أراضى ناحية قها من أعمال القليوبية ثلاثة آلاف فدان ومائتا فدان وجميع أراضى ناحية ديرين من أعمال الغربية ألف فدان وسبعمائة وخمسة وأربعون فدانا بالقصبة السندفائية، وجميع أراضى ناحية بشنشا من أعمال الدقهلية والمرتاحية وهى ثلاثة آلاف فدان ومائتان وخمسة وثلاثون فدانا بالقصبة الحاكمية، وجميع أراضى كفر منية نعيم من كفور بشنشا وهى ثلاثمائة فدان وخمسة وأربعون فدانا وكسور، وجميع أراضى كفر حماقة من كفور بشنشا أيضا وهى أربعمائة فدان واثنان وسبعون فدانا، ورزق إقطاعية من ناحية ديرين، ورزقة إمامية الجامع وهى ثلاثة أفدنة، وجميع الناحية المعروفة ببساط الأخلاق والكفر الذى من حقوقها ويعرف بهيه من أعمال الغربية وهى ألف فدان ومائة وخمسة وخمسون فدانا بالقصبة السندفائية، ونصف أراضى ناحية أرساج من أعمال البحيرة وهى خمسة آلاف فدان وثلاثمائة وستة وثمانون فدانا بالقصبة الحاكمية، وجميع أراضى ناحية منية صرد وبناء الحوانيت الثلاثة وبناء المعمل المرصد بها لتربية الفرّوج وهى بشاطئ الخليج الناصرى وهى أربعمائة وأربعون فدانا بالقصبة الحاكمية، وجميع أراضى منية بنى سلسيل من أعمال الدقهلية وهى مائة فدان وثلاثة وثلاثون فدانا بالقصبة الحاكمية الأشمونية.

ثم إنه رتب به الخدم والطلبة والمدرسين، فجعل لكل مذهب من الأربعة شيخا ومائة طالب من كل فرقة خمسة وعشرون متقدمون وثلاثة معيدون، ورتب لكل شيخ ثلاثمائة درهم نقرة فى الشهر، ولكل من المعيدين مائة درهم نقرة، ولطلبة كل مذهب أربعة آلاف درهم ومائتين وخمسين درهما نقرة شهريا، ويزاد لواحد من كل فرقة فوق مرتبه الشهرى عشرون درهما نقرة برسم كونه نقيبا عليهم، ويزاد لآخر عشرة دراهم برسم كونه داعيا للواقف عقب القراءة، ورتب مدرسا لكتاب الله تعالى-أى تفسيره-يصرف له فى الشهر ثلاثمائة درهم، ورتب معه ثلاثين طالبا يصرف لكل منهم عشرة دراهم نقرة، ويصرف لواحد منهم زيادة عن معلومه عشرة دراهم برسم كاتب الغيبة، ولآخر يصرف له عشرة دراهم ليكون داعيا، ورتب مدرسا للحديث النبوى ورتب له ثلاثمائة درهم أيضا، ورتب له مقرئا يكون أهلا لقراءة الحديث الشريف وثلاثين طالبا يحضرون كل يوم،

ص: 176

ويصرف للمقرئ أربعون درهما كل شهر، ولكل من الطلبة عشرة دراهم، ولأحدهم عشرة دراهم ليكون نقيبا، ولآخر عشرة ليكون داعيا.

ورتب لقاضى القضاة تاج الدين أبى نصر عبد الوهاب بن قاضى القضاة تقى الدين أبى الحسن على بن قاضى القضاة زين الدين أبى على عبد الكافى الأنصارى الخزرجى السبكى الشافعى الحاكم بدمشق المحروسة مدة حياته فى كل شهر ثلاثمائة درهم نقرة، ثم من بعد وفاته تكون لقاضى القضاة الشافعى بالشام، وهكذا ينتقل ذلك من قاض إلى قاض على الاستمرار.

ورتب بالإيوان القبلى من الجامع ميعادا، ورتب له شيخا متصدرا عالما مفتيا مشهورا بالديانة، ورتب معه مقرئا أهلا للقراءة، على أن الشيخ والمقرئ يحضران به أربعة أيام من كل أسبوع-منها يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة-فيقرأ المقرئ ما تيسر من القرآن وما تيسر من الحديث النبوى الشريف والآثار، ويصرف للشيخ فى كل شهر ثلاثمائة درهم نقرة، وللمقرئ أربعون درهما. ورتب مادحا يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسجد بعد الفراغ من القراءة، ثم يدعو لمولانا السلطان الواقف ولوالديه ولذريته ولجميع المسلمين، وله فى الشهر أربعون درهما، ورتب مصدّرا حافظا لكتاب الله تعالى عالما بالقرآت السبع، على أنه يجلس كل يوم ما/بين صلاة الصبح والزوال بالإيوان القبلى وله فى الشهر مائة وخمسون درهما، ومصدّرا حافظا لكتاب الله تعالى أهلا لتلقين القرآن العظيم بالإيوان القبلى أيضا، يلقن من يحضر عنده لتلقين القرآن وله فى الشهر مائة وخمسون درهما، ورتب إماما بالإيوان الكبير وله فى الشهر مائة درهم. وأربعة أئمة حافظين لكتاب الله تعالى بالمدارس الأربعة التى بالمسجد، لكل منهم فى الشهر ستون درهما نقرة، وفى شهر رمضان يزاد لكل منهم أربعون درهما. ورتب مؤقتين عالمين بالمواقيت، واثنين وثلاثين رجلا مؤذنين أصحاب أصوات حسنة مرتفعة، ولكل ميقاتى خمسون درهما شهريا ولكل منهما فى رمضان زيادة ستة عشر درهما، وللمؤذنين فى كل شهر ألف درهم ولكل واحد منهم فى رمضان عشرة دراهم. ورتب ستين من القراء يتناوبون القراءة بالقبة ليلا ونهارا، ولكل واحد من الذين يقرؤون نهارا فى كل شهر خمسة وثلاثون درهما، ومن الذين يقرؤون ليلا خمسة وأربعون درهما، وجعل عليهم لضبط غيبتهم نقيبا بالليل ونقيبا بالنهار لكل منهما فى الشهر أربعون درهما. ورتب اثنين يقرآن القرآن بالمصحف فى الإيوان القبلى ولكل منهما فى الشهر خمسون درهما، ورجلا يحمل المصحف الشريف من مكانه ويضعه على الكرسى للقراءة فى كل يوم بعد صلاة الصبح وقبل صلاة الجمعة، ويعيده إلى موضعه بعد فراغ القراءة وله فى الشهر ثلاثون درهما، وخازنا لكتب الوقف ويصرف له فى كل شهر مائة درهم نقرة. وعشرة لخدمة القبة وحفظها

ص: 177

من أهل الفساد ولهم فى كل شهر ألف وخمسمائة درهم. ورجلين لخدمة المزملة وحفظ أوانيها وتنظيفها وملء الكيزان وسقى من يرد إليها ولهما فى كل شهر مائتا درهم نقرة، وعشرين فراشا كل عشرة فى يوم، اثنين للقبة وثلاثة للجامع، ولكل مدرسة من الأربعة واحدا والعاشر رئيس عليهم، وجعل للرئيس كل شهر خمسين درهما، ولكل واحد منهم أربعين، ورتب ستة بوابين للحفظ وغلق الأبواب وفتحها وجعل لهم كل شهر مائتين وأربعين درهما نقرة، وجعل فيه مكتبين بمؤدبين وعريفين، ومائة يتيم يتعلمون القرآن والخط، ولكل مؤدب ستون درهما شهريا، ولكل عريف أربعون درهما، وللأيتام فى نفقتهم وكسوتهم ثلاثة آلاف درهم نقرة، وإذا أتم اليتيم القرآن حفظا يعطى خمسين درهما نقرة، ويعطى مؤدبه خمسين أيضا، ويشترى ما يلزم للأطفال من الحصر والألواح والمداد والمحابر والأقلام، مع نقل ما يلزم من الماء لشربهم وغسل ألواحهم، وشرط أن من بلغ من الأيتام يستبدل بغيره.

ورتب حكيمين مسلمين أحدهما خبير بمعالجة الأبدان والآخر عارف بصناعة الكحل، يحضر كل منهما كل يوم بالمسجد ليداوى من يحتاج من أرباب الوظائف والطلبة وغيرهم، ويصرف لهما فى كل شهر مائة وعشرون درهما نقرة، ورتب معهما جراحا له فى الشهر أربعون درهما، ويصرف لناظر الوقف فى كل شهر ألف درهم نقرة، ولمن يتولى استيفاء حساب لأوقاف فى الشهر أربعمائة درهم، ولشاهدين يضبطان ما يحضر من ريع الوقف ثلاثمائة درهم نقرة فى الشهر، ورتب عاملا برسم كتابة الحساب له كل شهر مائة وخمسون درهما نقرة، ورتب شادّا لتحصيل مصالحه واستخراج ما يحتاج استخراجه وله فى الشهر مائتا درهم، ولأمين يتولى حفظ المرتب وتفرقته فى كل شهر مائة درهم، ورتب صيرفيا وجعل له فى كل شهر مائة درهم بشرط أن يكون مسلما دينا، ورتب سطوحيا لحفظ الأسطحة وله فى الشهر أربعون درهما، ورتب ثمانية لكنس المراحيض والطرق والرحاب والرش أمام الجامع، وشخصين لكنس محل الطهارة وتنظيفه بنحو الغسل ولكل واحد شهريا أربعون درهما، ويصرف برسم سقاية المزملة والسبيل والمكتب ما يحتاج إليه أرباب الوظائف، وبرسم نقل الماء العذب وثمن السفنج وغيره ما يحتاج إليه بحسب اللزوم، ويشترى أربع موكبيات من الشمع الأبيض المشغول على القطن المفتول كل موكبية عشرة أرطال مصرية اثنان لمحراب القبلة واثنان لمحراب الإيوان الكبير القبلى، توقد وقت صلاة العشاء والصبح وعند صلاة التراويح فى رمضان، وما يفضل يباع ويرد ثمنه للريع، ويصرف كل ما يحتاج اليه الجامع من لوازم الساقية وفرش المسجد بالحصر والبسط والقناديل والسلاسل والأسطال والسفنج والمكانس وزيت الوقود ونحوه ولوازم ليلة نصف شعبان وختم رمضان، وفى كل ليلة جمعة يصرف خمسة قناطير بالمصرى

ص: 178

من اللحم الضانى، وثمن عشرين قنطارا من الخبز والقرصة غير الأرز والعسل والحبوب وحب الرمان والأدهان والحطب وأجرة من يتولى طبخ ذلك وغرفه، وبعد الطبخ يصرف نصفه لأرباب الوظائف بجهات المسجد، ونصفه يفرق على الفقراء والمساكين، وفى أول كل سنه يشترى/ما يكفى السنة من زيت الزيتون أو ما يقوم مقامه بالسعر الحاضر ويجعل فى مخزنه تحت يد الأمين المرتب لذلك.

ويصرف أيضا كل سنة قيمة ثلاثة وعشرين قنطارا بالمصرى وأربعة وستين رطلا سكرا أبيض نقيا، يفرق فى رمضان على أرباب الوظائف بالمسجد بحسب الموضح فى الوقفية من التفاوت بينهم.

وكل سنة فى يوم عاشوراء يصرف برسم الصدقة قيمة أربعين قنطارا من خبز البر، وعشرة قناطير من لحم الضأن، وأردبين من الحبوب التى تعمل فى عاشوراء وأربعة قناطير من العسل، وعشرين رطلا من الشيرج، وقيمة الأبازير والحطب وأجرة الطبخ وتفرقته، وبعد طبخه يفرق نصفه على أرباب الوظائف وطلبة العلم ونصفه على الفقراء والمساكين.

ويصرف كل سنة قيمة ألف قميص، وألف طقية، وألف مداس، تفرق على الطلبة وأرباب الوظائف والفقراء.

وفى كل يوم من رمضان يصرف ثمن عشرة قناطير من لحم الضأن، وأربعين قنطارا من خبز القرصة، غير ثمن الأرز وحب الرمان والعسل والحبوب والأبزار وأجرة الطبخ، ويقسم ذلك نصفين أيضا،

وفى عيد الأضحى يصرف قيمة رأسين من الإبل، وعشرين رأسا من البقر، وعشرة رؤوس من الضأن تذبح وتقسم نصفين على ما مر.

وإذا فضل من ريع الوقف شئ بعد المصاريف المعينة يبقى تحت يد الناظر فى خزانة المال فى المسجد، إلى أن يجتمع مائة ألف درهم نقرة ترصد ذخيرة على الدوام لمصالح الوقف، فإذا زاد الريع عن ذلك يشترى بالزائد أراض وضياع بالديار المصرية والبلاد الشامية وتوقف، على أنه إذا كان الوقف مستوفيا لجميع لوازمه غير محتاج لذلك الوقف الجديد من الأراضى والضياع، فإن إيرادها يصرف فى مصالح الوقف القديم، فإذا استغنى عنه صرف فى وجوه البر من خلاص المسجونين، ووفاء دين المدينين، وفك أسر المأسورين، وإعانة فى تأدية فرض الحج، وتجهيز فقراء أموات المسلمين ومداواة المرضى، وإطعام الطعام،

ص: 179

وتسبيل الماء العذب، والصدقة على الفقراء والمساكين وأرباب العاهات وذوى الحاجات من أرباب البيوت وأبناء السبيل، على ما يراه الناظر من صرفه نقدا أو كسوة أو طعاما أو غير ذلك.

وشرط النظر لنفسه مدة حياته، ومن بعده يكون للأرشد فالأرشد من أولاده الذكور دون الإناث، ثم لأولاد أولاده ونسله وعقبه الذكور من أولاد الظهر وأولاد البطن، فإن استووا قدم الأسن، فإن استووا اشتركوا فى النظر، فإن تعذر نظرهم كان النظر للأرشد فالأرشد من عتقاء الواقف الفحول دون الإناث، ولا يستقل الأرشد من العتقاء بالتصرف فى ذلك إلا إذا كانت رتبته فوق رتبة أمير حاجب السلطنة المعظم، فإن كانت رتبته دون ذلك فلا ينظر إلا بمشاركة أمير حاجب، فإن تعذر نظر الأرشد من العتقاء كان النظر لأمير حاجب، فإن تعذر كان النظر لرأس نوبة الأمراء الجمدارية، فإن تعذر كان النظر لسلطان الديار المصرية انتهى.

وذكر الجبرتى فى حوادث سنة مائتين وألف: أن سليم أغا مستحفظان ركب إلى هذا الجامع وأحضر معه فعلة وفتح بابه المسدود-وهو الباب الكبير الكائن بناحية سوق السلاح- وهدم الدكاكين التى حدثت بأسفله والبناء الذى بصدر الباب، وكانت مدة سده إحدى وخمسين سنة وسببها المقتلة التى قتل فيها الأحد عشر أميرا ببيت محمد بيك الدفتردار فى سنة تسع وأربعين، وسبب فتحه أن بعض أهل الخطة تذاكر مع سليم أغا المذكور فى شأن ذلك، وأعلمه بحصول المشقة على المصلين فى الدخول إليه من باب الرميلة، وربما فاتهم حضور الجماعة فى مسافة الذهاب، وأن الأسباب التى سد الباب من أجلها قد زالت ونسيت، فاستأذن سليم أغا إبراهيم بيك ومراد بيك فى فتحه فأذنا له، وصنع له بابا جديدا عظيما وبنى له سلالم ومصاطب، وأحضر نظاره وأمرهم بالصرف عليه، ويأتى هو فى كل يوم يباشر العمل بنفسه، وعمر ماتشعث منه ونظف حيطانه ورخامه فظهر بعد الخفاء، وازدحم الناس للصلاة فيه وأتوا إليه من الأماكن البعيدة انتهى.

وقد ذهبت إيرادات هذا الجامع ومرتباته حتى صار إيراده فى سنة تسعين ومائتين وألف-بعد إحالته على ديوان الأوقاف-يبلغ خمسة عشر ألف قرش ومائة وخمسة وسبعين قرشا، منها بالروزنامجة اثنا عشر ألف قرش وتسعمائة وأربعة وثمانون قرشا، وأجرة عقارات ألفان ومائة وتسعون قرشا يصرف منها فى المرتبات نحو أربعة آلاف قرش وخمسمائة، والباقى للعمارات.

ص: 180

ثم إن طول هذا الجامع على محوره الأكبر مائة وخمسون مترا، وارتفاع مئذنته الكبرى ثمانون مترا، وجميعه مركب على عقود من الحجر الصلب مع الإحكام، وأرضه فوق تلك العقود، وجميع لواوينه معقودة بالحجر الآلة مع غاية الارتفاع والاتساع، تشهد بلسان حالها للمهندسين بالمهارة. ومما يتعجب منه مدخله وعقد أحجار بابه، فإن الناظر لا يسأم من النظر فى تركيبها وتناسبها/وارتباط بعضها ببعض، وهو إلى الآن مقام بعض الشعائر وفى غاية المتانة لم يختل عن أصله، وزاد بهجة بإزالة ما حوله من المبانى القديمة التى كانت محيطة به من كل جهة، وبفتح الشارع الجديد الواصل إليه من جنينة الأزبكية، وبميدان المنشية ذى الأشجار المتناسقة والمياه النابعة المعروف بميدان محمد على، ويزداد بهجة بعمل الميدان المصمم على فتحه فى الجهة الغربية بجواره وبجوار جامع الرفاعى، فإن الجامعين يصيران بذلك مفصولين عما جاورهما من المبانى فيظهر حسنهما للرائى من كل جهة.

‌جامع حسن باشا

هذا المسجد بشارع بركة الفيل على يمين الذاهب من الصليبة إلى البركة. مكتوب على بابه البرانى: أنشأ هذا المسجد المبارك من فضل الله سبحانه وتعالى أفندينا حسن باشا طاهر والأمير عبدين بيك غفر الله لهما سنة أربع وعشرين ومائتين وألف. وعلى بابه الداخل نقر فى الرخام: كان الفراغ من بنائه ونشوه فى شهر ذى الحجة المبارك من شهور سنة أربع وعشرين ومائتين وألف من الهجرة الشريفة النبوية. وهو مبنى من الحجر، وأعمدته من الرخام، وسقفه خشب بصنعة بلدية، وفيه منبر عظيم ودكة، وله صحن مسقوف بعضه وعليه درابزين من خشب، وأرضه مفروشة بالحجر، وفى وسطه حنفية عليها قبة، وعن شمال الداخل من الباب البرانى قبة بها ضريح مكتوب عليه فى لوح رخام: هذا مقام الأربعين والنازل بجوارهم أفندينا محمد باشا طاهر والأمير يوسف بيك رحمة الله تعالى عليهم أجمعين، وبجوار باب المسجد-فوق السلالم-باب يوصل إلى المنارة والمكتب والسبيل، وهناك جنينة لطيفة تسقى من ساقية المطهرة. وله عقارات بجواره موقوفة عليه وشعائره مقامة من إيرادها بنظام تام، وفيه بسط مفروشة، وهو تحت نظر سليم بيك فوزى بن إسماعيل بيك فوزى.

ص: 181

‌مسجد سيدى حسن الأنور

هذا المسجد بقرب العيون التى فوقها مجرى الماء السلطانى الواصل إلى القلعة فيما بينها وبين جامع عمرو، وقريب من فم الخليج فى وسط منازل صغيرة مسكونة بالفقراء وقبور كثيرة.

وهو مقام الشعائر، وله ميضأة ومرافق وبئر، وكان مهجورا متخربا فجدد وعمر فى سنة ثمانين ومائتين وألف على يد ناظره الشيخ أبى زيد إسماعيل كما هو مرقوم بأعلى بابه الغربى، وبه ضريح والد السيدة نفيسة رضي الله عنها سيدى حسن المذكور، عليه قبة جديدة، وتحت تابوته حجر من الرخام مكتوب فيه اسم سيدى حسن الأنور رضي الله عنه، وبجوار هذا الضريح ضريحان: أحدهما لسيدى زيد الأبلج واسمه منقوش على قطعة حجر تحت تابوته، والآخر لسيدى جعفر، وليس له إيراد وإنما يصرف عليه من الأوقاف العمومية، وبجوار ميضأته شجرتان من اللبخ ونخلات. ويقال: إن هذا الجامع فى طرف من محل الجامع الجديد الناصرى الذى قال المقريزى فى خططه أنه بشاطئ النيل من ساحل مصر الحديد، عمره القاضى فخر الدين محمد بن فضل الله ناظر الجيش باسم الملك الناصر محمد بن قلاوون، وانتهت عمارته سنة اثنتى عشرة وسبعمائة، وأقيمت فيه الجمعة حينئذ. وله أربعة أبواب، وفيه مائة وسبعة وثلاثون عمودا، وذرعه أحد عشر ألف ذراع وخمسمائة ذراع بذراع العمل، وما برح من أحسن المنتزهات إلى أن خرب ما حوله انتهى.

ثم زالت آثاره بالكلية، وقيل إنه كان فى محل السبع السواقى ذات البناء الضخم بجوار فم الخليج التى تنقل الماء من النيل إلى مجراة القلعة. ويدل للأول ما اشتهر أن الفرنساوية زمن دخولهم مصر وجدوا هناك كثيرا من العمد الرخام الضخمة وأحجارا ونحو ذلك.

وفى خطط المقريزى أن سيدى حسن والد السيدة نفيسة هو الحسن بن زيد بن الحسن بن على ابن أبى طالب، كان له من الأولاد: القاسم، ومحمد، وعلى، وإبراهيم، وزيد، وعبيد الله، ويحيى، وإسماعيل، وإسحاق، وأم كلثوم، ونفيسة. وكان سيدى حسن والى المدينة النبوية من قبل أبى جعفر عبد الله بن محمد المنصور، وكان فاضلا أديبا عالما، وأمه أم ولده توفى أبوه وهو غلام وترك عليه دينا وهو أربعة آلاف دينار؛ فحلف الحسن ولده أن لا يظل رأسه سقف إلا سقف مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بيت رجل يكلمه فى حاجة حتى يقضى دين أبيه، فوفاه وقضاه بعد ذلك. ويقال: إنه كان مجاب الدعوة ممدوحا، وإن شخصا وشى به إلى أبى جعفر المنصور أنه يريد الخلافة لنفسه، فإنه كان قد انتهت إليه رياسة

ص: 182

بنى حسن فأحضره من المدينة وسلبه ماله. ثم ظهر له كذب الناقل عنه فمن عليه ورده إلى المدينة مكرما، فلما قدمها بعث إلى الذى وشى به بهدية ولم يعاتبه على ما كان منه انتهى.

وذكر ابن خلكان خلافا فى قبر سيدى حسن هذا، فقيل: إنه بمصر لكنه غير مشهور. وقيل: إنه توفى ببغداد ودفن فى مقبرة الخيزران. والصحيح أنه مات بالحاجر، وكان واليا على المدينة من قبل أبى جعفر/المنصور، وأقام بالولاية خمس سنين ثم غضب عليه فعزله واستصفى كل شئ له وحبسه ببغداد، فلم يزل محبوسا حتى مات المنصور، وولى المهدى فأخرجه من محبسه ورد عليه كل شئ ذهب له. ولم يزل معه، فلما حج المهدى كان فى حملته، فلما انتهى إلى الحاجر مات هناك، وذلك فى سنة ثمان وستين ومائة وهو ابن خمس وثمانين سنة، وصلى عليه على بن المهدى. والحاجر على خمسة أميال من المدينة انتهى.

وفى إسعاف الراغبين للشيخ الصبان قال الشعرانى فى مننه: أخبرنى سيدى على الخواص رضي الله عنه أن الإمام الحسن والد السيدة نفيسة فى التربة المشهورة قريبا من جامع القراء، بين مجراة القلعة وجامع عمرو، وقد أشهر هذه التربة وبنى عليها قبة جليلة حضرة عبد الرحمن كتخدا-أحسن الله إليه وأسبل سرادقات لطفه عليه انتهى.

‌جامع سيدنا الحسين رضي الله عنه

هذا الجامع فى ثمن الجمالية، بالقاهرة المعزية، قرب جامع الأزهر، فيما بينه وبين قصر الشوك، بجوار خان الخليلى. أنشئ حيث مشهد رأس الإمام الحسين بن على بن أبى طالب رضي الله عنه، الذى أنشأه له الفاطميون سنة تسع وأربعين وخمسمائة على يد الصالح طلائع بن رزيك فى خلافة الفائز بنصر الله، وهو جامع كبير شهير عامر، مقام الشعائر من لدن إنشائه إلى اليوم بالأذان والجمعة والجماعات وتلاوة القرآن ودروس العلم الشرعى والزوار والأذكار ليلا ونهارا، لا يدانيه فى ذلك مشهد فى سائر القطر، ولا يزال كذلك إن شاء الله تعالى، فهو الحرم المصرى، والمشهد الحسينى، المنفرد بالمزايا السنية، والأنوار الحسية والمعنوية، ولعظيم وقعه ونفعه، وكثرة احتفاله وجمعه، وتعدد نفحاته، وتزايد بركاته، اعتنى الأكابر والأمراء فى كل عصر بعمارته وزخرفته وتحليته، وإعلاء شأنه وفرشه بالفرش النفيسة، وتنويره بالشموع والزيوت الطيبة فى قناديل البلور ونجفاته، ورتبوا له فوق الكفاية من الأئمة والمؤذنين والمبلغين والبوابين والفراشين والكناسين والوقادين والسقائين ونحو ذلك، وجعلوا للضريح خدمة تخصه، ورتبوا به قراء للقرآن والدلائل والتوسلات،

ص: 183

ووقفوا عليه أوقافا جمة يبلغ إيرادها الآن نحو ألف جنية فى السنة، ولزيادة المحافظة على نظافته واحترامه ترى على كل باب من أبوابه جمعا من البوابين للغلق والفتح، ولهم رفوف من الخشب أو الجريد يضعون عليها نعال الداخلين، ويمنعون الدخول بأعواد الدخان ونحوها.

وآخر من عمّره قبل عمارة الخديو إسماعيل هذه الأمير عبد الرحمن كتخدا فإنه فى سنة خمس وسبعين ومائة وألف أجرى فيه عمارة عظيمة وزاد فى تحسينة ورونقه، وكانت به عمد من الرخام الأبيض، وكان فى جانبه الأيمن إيوان كبير، وعن شمال المحراب ركبة من البناء فيها قبور لبعض الصالحين يعرف بعضهم بالأمين، وهناك قبر الشيخ أحمد الملوانى شيخ السادة المالكية، وكانت حنفيته فى مكانها اليوم، وميضأته أقل من عشر فى عشر، ومرافقه قليلة، وله منارتان، وصهريج فوقه سبيل. وكان المرحوم عباس باشا فى ولايته على ديار مصر قد عزم على توسعته والزيادة فى تحسينه-على عادته من الاعتناء بعمارة مشاهد أهل البيت- فاشترى الأملاك التى بجواره وهدمها وشرع فى البناء فوضع الأساس، ثم اخترمته المنية فبطلت العمارة.

وبقيت الأرض براحا إلى أن اشتراها مصطفى بيك العنانى، وعمرها لنفسة رباعا وفنادق للاستغلال ويقال إنه وجد بها كنزا عظيما خلف قبة المشهد الحسينى.

ولما أخذ الخديو إسماعيل باشا بزمام ولاية الديار المصرية سنة تسع وسبعين ومائتين وألف أمر بتجديده وتوسعته وتوسعة رحابه وطرقه؛ لما رأى من أهميته وازدحام الناس عليه وضيقه بهم، لأن أرباب مظاهر الدين يسعون من كل فج على العربات والخيل والبغال والحمير حتى تزدحم أبوابه وطرقه، فيضر ذلك بالمارة خصوصا أزمان المواسم، ففتح بجواره شارع السكة الجديدة حتى وصل إلى تلول البرقية، وندبنى لعمل رسم للجامع يكون به وافيا بمقصده الحسن، فبذلت الهمة فى ذلك وامتحنت الجامع وما حوله من الأماكن، وعملت له الرسم اللائق بعظيم شأنه، بحيث لو وضع عليه لكان مبرأ من العيوب، مع الاتساع العظيم داخلا وخارجا، إذ جعلته منفصلا من كل جهة عن المساكن بشوارع وميادين رحيبة وجعلت شكله قائم الزوايا، وجعلت حدّه الأيمن بحذاء جدار القبة الأيسر بالنسبة للمصلى فيها بحيث يكون الجداران واحدا، وحده الأيسر نهاية الحد الأيسر للصحن الذى به الحنفية الآن، ويصير هذا الصحن من ضمن الجامع، وحده الذى به المحراب والمنبر يكون بحذاء جدار القبة الذى به محرابها بحيث يكون الجداران واحدا، والحد الرابع الذى يلى خان الخليلى

ص: 184

هو الذى له الآن، وجعلت الصحن والحنفية عن يمين الجدار الأيمن للجامع-أعنى فى محل الإيوان القديم بجوار عمارة العنانى-وتكون عن يمين ذلك المطهرة والأخلية/والساقية بحيث يؤخذ لها بعض من عمارة العنانى، فيكون الجامع آمنا من انعكاس روائح الأخلية إليه كما هو الشأن فى وضع الأخلية، وفى هذا الرسم صار الضريح الشريف خارجا عن الجامع فى الزاوية التى عن يمين المحراب، داخلا فى الصحن فى جهته اليسرى، وجعلت للضريح بابا إلى الجامع، وبابا إلى الصحن، وبابا على شارع الباب الأخضر لزيارة نحو النساء، وجعلت سعة الشارع فى غربيه وشرقيه نحو ثلاثين مترا، وفى بحريه نحو أربعين، فلما قدمته له وقع منه موقع الاستحسان ورآه مواففا لمرامه، فأحضر الأمير راتب باشا الكبير رحمه الله-وهو يومئذ ناظر ديوان الأوقاف المصرية-وأمره بإجراء العمارة على هذا الرسم، والتزم زاده الله توفيقا بما يلزم له من الرخام ونحوه من ماله، ثم شرعوا فى هدمه فهدم جميعه ما عدا القبة والضريح الشريف، وشرعوا فى بنائه وذلك فى الخامس والعشرين من شهر محرم الحرام سنة اثنتين وثمانين ومائتين وألف. وفى ثمان وعشرين من شهر شعبان سنة تسعين تم جميعه إلا المنارة فتمت سنة خمس وتسعين، لكن لم يجر المرحوم راتب باشا فى وضع هذا الجامع على ما رسمنا زاعما أن هذا الرسم يلزمه خروج بعض الجامع إلى الشارع، مع أنه لا يلزم ذلك عند التأمل فى الرسم، على أنه قد لا يكون مانع شرعا من توسعة الشارع من الجامع، ففى حاشية العلامة ابن عابدين على الدر المختار فى باب الوقف والمعتمد الذى عليه المتون أنه يجوز عند الضرورة، وتسقط حرمة المرور فيه للضرورة، لكن لا يسقط عنه جميع أحكام المسجد، فلا يجوز فيه المرور لجنب وحائض ودواب إلى آخر ما بينه فيه اه ملخصا. لكنه لم ير لتحسين الوضع أهمية ولا قانونا يرجع إليه، بل اتبع آثاره القديمة وأقام جدرانه على أصولها تقريبا، واعتمد على ما يخطر ببال المباشرين والمعمارية مع ما استحسنه من رسمنا، كإزالة بناء القبور التى كانت عن شمال القبلة، وأدخلها فى الجامع واشترى دورا كنا نبهنا عليها فوسع بها الصحن، وبنى الجامع كما ترى غير قائم الزوايا فإن ضلعه الأيمن قصير عن ضلعه الأيسر، وكذا الضلعان الآخران غير متساويين، فأوجب ذلك وضع الأساطين منحرفة، بحيث لو وافقتها صفوف المصلين كما هو العادة لا نحرفوا عن القبلة، ولو سامتوا القبلة كما هو المطلوب لقطعوا صفوف الأساطين، وصار الجامع مع سعته وارتفاعه غير مستوف لحقه من النور والهواء، ولسوء رسم الأبواب والشابيك وعدم أخذها حقها من الارتفاع والاتساع مع قلتها وقلة الملاقف. ومن العجيب أن منحنيات قواصر الأساطين جاءت على شكل مخالف لأشكال المنحنيات الهندسية، إلى غير ذلك من الأسقام.

ص: 185

ولما تقلدت نظر الأوقاف، وجدت ثلاثة أضلاعه قد تمت وارتفع أساس الرابع ونمت أضلاع الصحن، ووجدت الرأى ضالا عن محل وضع المرافق، والمساكن متصلة به من جهتى القبلة والشمال ليس بينهما إلا ممر ضيق، فأسفت على ما فات هذا الحرم من المحاسن، وأعملت الفكر فى رسم يرجى به إصلاح بعض ما أثأت أيدى الأنظار، واشتريت فى هاتين الجهتين دورا تجعل فى محلها الميضأة والمرافق والطرق والميدان الموجود الآن، وقد تعسر جعل المنافع عن يمين الجامع إذ وجدت العنانى قد بنى ذلك الموضع لنفسه رباعا، ولم يرض بإعطاء شئ منها إلا بأضعاف قيمتها، ثم انفصلت عن الأوقاف فتمموا المنافع على ما هى عليه الآن، ولم يتبعوا فيها أيضا جميع ما رسمته ولا تحروا قانونا حسنا، وكل هذا مع كثرة ما صرف على عمارة هذا الجامع مما لا يدخل تحت الحسبان، فقد صرف عليه من خزينة الأوقاف سبعة آلاف ألف قرش وثمانمائة وستون ألف قرش ومائة واثنان وخمسون قرشا وواحد وعشرون نصفا فضة عملة ديوانية، غير ما تبرع به الخديو إسماعيل من خزينة ماله الخاص به، فقد أرسل إلى دار السلطنة فأحضر جميع عمد الرخام التى به وبالصحن والميضأة وهى تنيف عن ستين عمودا بجلساتها، فلو أنه وضع على قوانين الرسوم الهندسية لجاء فريدا فى محاسن الجوامع والمشاهد:

يريد العبد أن يعطى مناه

ويأبى الله إلا ما أرادا

ثم إن جميع بناء هذا الجامع بالحجر الفص النحيت، وله إلى جهة خان الخليلى ثلاثة أبواب مبنية بالرخام الأبيض كأعتابها، ويكتنف كل باب عمودان من الرخام، ومثلها الباب الأخضر الذى بجوار القبة عند الباب المعروف بباب المتولى، يقولون: إن القطب يدخل منه كل يوم لزيارة الضريح الشريف. ويدعو الزائرون عنده كثيرا، كما يقولون: إن سيدى أحمد البدوى يأتى للزيارة فيقف عند العمود الذى بجوار المنبر أمام باب القبة، ويسمونه بعمود السيد البدوى ويقبلونه ويدعون عنده ويقرؤون الفاتحة، وله باب إلى عمارة العنانى غير مستعمل، وباب بين الميضأة والساقية غير باب الميضأة، وبالجامع منبر خشب بديع مطلى بالليقة الذهبية، وهو منبر جامع أزبك الذى كان عند العتبة الخضراء/بالأزبكية نقل إليه بعد تخربه، وفى مؤخره دكة تبليغ كبيرة وبداخله أربعة وأربعون عمودا عليها بوائك حاملة للسقف، وهو من الخشب المتقن الصنعة المنقوش باللازورد والليقة الذهبية، وفى وسط السقف ثلاثة مناور مرتفعة البناء مسقوفة كذلك، وبها نحو ثلاثين شباكا صغيرة عليها شبابيك من ألواح الزجاج، وبأربع جدران الجامع والصحن نحو ثلاثين شباكا عليها شبابيك من النحاس المطلى بالليقة الذهبية، يعلوها فى الجهة البحرية شبابيك صغيرة دوائرها من الرخام، وفى الجامع بجدار الضريح

ص: 186

باب خزانة البسط ونحوها، وصحنه مكشوف الوسط وبدائره أربع بوائك مسقوفة على اثنى عشر عمودا، وميضأته أكثر من عشر فى عشر مسقوفة على أربعة أعمدة من الرخام، ويفصلها من الأخلية طرقة ضيقة، وله أحد وعشرون بيت خلاء ومصنعان للحموم، وساقية قديمة كانوا قد استغنوا عنها بحسب إجراء ماء النيل إلى المطهرة بمواسير من الرصاص واستعمل كذلك نحو ثلاث سنين، ثم رأوا أن ماء النيل يسرع إليه التغير دون ماء الآبار فأصلحوها واستعملوها للميضأة والأخلية، وله منارتان إحداهما بجوار القبة وهى قديمة قصيرة، والأخرى فى مؤخره تجاه خان الخليلى ذات حسن وارتفاع، جددت مع الجامع وتم بناؤها سنة خمس وتسعين ومائتين وألف. وفى وسط الجامع تحت المنور الكبير نجفة كبيرة معلقة بسلسله بالسقف وحولها ثمان نجفات صغار، وأما القبة فباقية على بنائها القديم، وهى كبيرة كروية منقوش باطن أعلاها بالليقة الذهبية، وجدرانها من الحجر الجيد النحيت مكسوة بالرخام الملون إلى أكثر من قامتين، وبها محراب يكتنفه عمودان من حجر السماق، وحلقتان من الحديد تحتهما كرسيان من الرخام الجيد برسم الشمعدانات، وعلى الضريح الشريف مقصورة من النحاس الأصفر الجيد الصنعة بابها منها وفيه حلقتان من النحاس يحركهما بعض الزائرين وينشد هذا البيت:

لن يخيب اليوم من رجائك من

حرك من دون بابك الحلقه

ويعلوها قبة صغيرة من الخشب، وبجانبها الأيسر دكة خشب برسم الشمعدانات، وعلى القبر الشريف تركيبة عليها تابوت من الآبنوس مكسو بالإستبرق الأحمر المزركش، مخيشا بالأصفر والأخضر ومغطى بكشامير الفرمش، وعليه عمامة من الحرير الأخضر عليها كشمير فرمش أيضا، وبجوانبه أربعة عساكر من الفضة، وبداخل المقصورة شبكة من سلوك الحديد لزيادة الحفظ ولا تفتح إلا لمقتض أكيد كإبذال الكسوة أو تنظيفها، وبدائر المقصورة والقبة ألواح فيها الخطوط المذهبة من الخط الثلث والكوفى، ومنها ما هو لبعض الملوك العثمانية، ولها باب إلى الباب الأخضر، وبابان إلى الجامع على كل منهما ضفتان من الخشب الجيد المصفح بصفائح الفضة المنقوشة، وبكل ضفة حلقة من الفضة، وبأعلى الباب الذى يلى المنبر ما صورته: الشفاء فى تربته، والإجابة تحت قبته، والأئمة فى ذريته أو عترته، وبأعلى الذى يليه {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} وبينهما شباكان كبيران عليهما شاكان من النحاس الأصفر، وعلى الجميع ستائر الجوخ الأخضر، وفوق ذلك ألواح فيها آيات قرآنية وأحاديث نبوية بالخط الثلث المذهب. وللقبة إمام غير إمام الجامع، وخدمة يتعهدونها على الدوام، وهناك صندوق التذور يجلس عنده شيخهم،

ص: 187

ويعرف بشيخ القبة وشيخ الصندوق وأمينه. فيحفظ ما يضعه به الزائرون من النذور والهدايا والصدقات ليفرق بينهم كل شهر مثلا على حسب ما اصطلحوا عليه من القسمة، وذلك غيرما هو لهم من مرتب الأوقاف، وهكذا سائر الأضرحة الشهيرة كضريح السيدة زينب، والسيدة نفيسة، والإمام الشافعى، وغيرهم رضي الله عنهم.

وحضرة هذا المشهد الشريف كل ليلة ثلاثاء، يجتمع فيها مشاهير القراء من عصر يوم الاثنين إلى الصبح، فيفتتح القراءة شيخهم بالترتيل ثم الذى يليه، وهم يستمعون محافظين على أحكام التجويد إلى آخر القرآن وفى أول الليل يجتمع أهل دلائل الخيرات فيقرؤونها مجتمعين بصوت مرتفع، وفى وقت العشاء تنشد المدائح والتوسلات وكذا بعد الفجر ويختمون بعد طلوع الشمس بالأدعية وإنشاد الموشحات وآخر البردة بالألحان والتطريب حتى تكون لهم ضجة عظيمة تخلط على المصلين والقارئين، وقبل الختم تفرق عليهم الجرايات المرتبة من ديوان الأوقاف وغيره، ويزدحم الزوار تلك الليلة ويومها، ويمتلئ المشهد من النساء قبيل الظهر فلذا تطوى البسط يومئذ.

ومولده السنوى فى ربيع الثانى يستغرق أغلب الشهر، ويوقد فى الليلة كثير من القناديل والشموع، ويصرف فى الليلة الواحدة نحو عشرين جنيها فى الشمع والزيت والقهوة والشربات والمآكل فى بعض الليالى، ويعطى المنشدون والقراء وأهل/الدلائل والأشاير والخدمة ونحو ذلك، فأولا يبتدأ بخرينة الوقف فيصرف منها على ثلاث ليال، ثم للخديو إسماعيل باشا ليلة يصرف فيها جميع ما يلزم لها مع التوسعة، ثم لابن أخيه الأمير إبراهيم باشا ليلة كذلك، ثم لغيرهم من أعيان مصر كالسادات الوفائية، والشيخ الجوهرى، ومحمود بيك عبدا لمعطى، والسيد ياسين شيخ سجادة الرفاعية، ثم لبعض أعيان الوجه البحرى كالشيخ أبى حشيش من ناحية مرصفة، والشيخ عبد الرحمن السيسى من ناحية الهياتم بالغربية. فلكل واحد من هؤلاء وغيرهم ليلة يلتزم كفايتها، وبعضهم جعل لها وقفا يصرف عليها كل سنة من ريعه.

ومن أول المولد ينعقد مجلس القراء داخل القبة كل ليلة من وقت العصر إلى آخر الليل فيقرؤون كل ليلة ختمة كاملة، ثم ينعقد مجالس أخر من قراء طندتا وغيرهم فى بعض أنحاء الجامع، وقرب آخره تكثر المقارئ ومجالس الأذكار، ويكون أكثر المأكول هناك الفول النابت والخبز، حتى فى آخر ليلة يكون عند كل عمود تقريبا مقرأة فيها سحارات الفول والخبز والمخلل والزيتون ونحو ذلك ومناقد القهوة والشربات، فيتعفش المسجد وتطوى منه الحصر، وفى الليلة الكبيرة تزين الأسواق القريبة منه وتوقد الوقدات الكثيرة

ص: 188

بالشموع والزيوت على هيئات شتى، ويصل ذلك إلى قرب باب النصر وباب الفتوح وخارج باب زويلة، وتكثر الولائم وختمات القرآن وأنواع السماع فى الدور والخانات والأزقة، ويوسع الناس على عيالهم بأنواع الحلاوة والفواكه، ثم تعمل ليلة داخل الجامع تعرف باليتيمة، تكثر فيها الشربات ونحوها، وربما يعقبها ليال أخر لبعض المحبين.

ومن أول المولد تنتصب أنواع الملاعب فى الشارع إلى قرب تلول البرقية، كأرجوز والمنجنيق والطبل والحاوى، إلا أن ذلك قليل بالنسبة لغيره من الموالد لكونه داخل البلد، وأعظم ما يكون الاحتفال بهذا المشهد فى شهر رمضان، فإنه يغص بالناس كل يوم من قبيل العصر إلى الغروب، وكل ليلة من سدس الليل الأخير إلى صلاة الصبح، ففى وقت العصر يكون به حلق العلم والوعظ والقرآن وكثير من الكتب المعرضة للبيع ونحو ذلك، وفى وقت السحر يكون به التهجد وتلاوة القرآن، واستماعه من شيخ من كبار القراء مرتب لقراءة سورة طه على كرسى فى وسط الجامع، وكذا يغص بأهله فى ليلة المعراج، وفى ليلة نصف شعبان، وليلتى العيد ويوم عاشوراء، ويوم المولد النبوى، فينعقد فيه يومئذ مجلس يقرأ فيه مولد النبى صلى الله عليه وسلم ويحضره عزيز مصر والعلماء والأكابر، ويبخر الجامع بالعود وماء الورد ونحو ذلك،.

وفى شهر شوال تحمل إليه كسوة الكعبة الشريفة بموكب، فتخاط فيه وتحمل منه بموكب، إلى غير ذلك من العوائد الجليلة التى تعمل فيه، ولم يزل هذا المشهد من وقت إنشائه عامرا مبجلا مجللا محتفلا به، ولا يزال كذلك إلى ما شاء الله تعالى، كيف وهو مشهد من لولا جده لم تخلق الدنيا من العدم.

وللإمام الحسين رضي الله عنه بمدينة كربلاء مقام جليل، ومشهد جميل. أخبر بعض من رآه من الأعاجم أن قبته مكسوة بصفائح الذهب، ومقصورته من الذهب المكلل بالألماس، وعليها سلسلة من الذهب معلقة بالقبة، بطرفيها قطعة ياقوت مدلاة على التابوت كبيضة النعامة، وحول المقصورة سبعة وعشرون شمعدانا من الذهب مكللة باليواقيت، كل واحد كقامة الإنسان طولا، وله خزانة اجتمع فيها سنة إحدى وستين ومائتين وألف اثنان وثلاثون مليونا من الطمان، والطمان يساوى نصف جنيه إنجليزى، وله جامع بقدر جامع طولون الذى بمصر، فيه جم غفير من طلبة العلم، ولهم مرتبات كافية ويأكلون من المطبخ الحسينى.

ثم إن التواريخ مشحونة بذكر سيرة الحسين بن على رضي الله عنهما وسبب نقل الرأس

ص: 189

الشريف إلى القاهرة وكيف كان ذلك، فكل ذلك مشهور غنى عن البيان، لكن حيث كان هذا المشهد القاهرى إنما هو للرأس الشريف منفصلا عن الجثة، ناسب أن نذكر طرفا ملخصا مما ذكروه فى ذلك فنقول: قال المقريزى فى خططه-نقلا عن الفاضل بن ميسر: إن الأفضل بن أمير الجيوش لما ملك القدس دخل عسقلان، وكان بها مكان دارس فيه رأس الحسين بن على بن أبى طالب رضي الله عنهما، فأخرجه وعطره وحمله فى سفط إلى أجلّ دار بها، وعمر المشهد، فلما تكامل حمل الرأس الشريف على صدره وسعى ماشيا إلى أن أحله فى مقره، وكان ذلك سنة إحدى وتسعين وأربعمائة. وقيل: إن مشهد عسقلان بناه أمير الجيوش وكمله ابنه الأفضل، ثم حمل الرأس الشريف من عسقلان إلى القاهرة، وكان وصوله إليها يوم الأحد ثامن جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، والذى وصل به من عسقلان الأمير سيف المملكة تميم واليها، والقاضى المؤتمن بن مسكين مشارفها، وحل فى القصر فى العاشر من جمادى المذكورة.

ويذكر أن الرأس الشريف لما أخرج من مشهد/عسقلان وجد دمه لم يجف، وله ريح كريح المسك، فقدم به الأستاذ مكنون فى عشارى من عشاريات الخدمة وأنزل إلى الكافورى ثم حمل فى السرداب إلى قصر الزمرد، ثم دفن عند قبة الديلم بباب دهليز الخدمة، وكانوا ينحرون يوم عاشوراء عند القبر الإبل والبقر والغنم، ويكثرون النوح، ويسبون من قتل الحسين، ولم يزالوا على ذلك حتى زالت دولتهم.

وقال ابن عبد الظاهر: إن الصالح طلائع بن رزيك كان قد قصد نقل الرأس الشريف من عسقلان لما خاف عليها من الفرنج، وبنى جامعه خارج باب زويلة ليدفنه به ويفوز بهذا الفخار فغلبه أهل القصر على ذلك وقالوا: لا يكون ذلك إلا عندنا. فبنوا له هذا المكان ونقلوا الرخام إليه، وذلك فى خلافة الفائز على يد الصالح طلائع بن رزيك سنة تسع وأربعين وخمسمائة.

ولما ملك السلطان الناصر جعل به حلقة تدريس وفقهاء، وكان يجلس للتدريس عند المحراب الذى خلفه الضريح.

فلما وزر معين الدين بن حسين بن شيخ الشيوخ بن حمويه وصار إليه أمر هذا المشهد بعد إخوته، جمع من أوقافه ما بنى به إيوان التدريس وبيوت الفقهاء العلوية خاصة.

وفى سنة بضع وأربعين وستمائة فى الأيام الصالحية احترق هذا المشهد، بسبب أن أحد خزان

ص: 190

الشمع دخل ليأخذ شيئا فسقطت منه شعلة، فوقف الأمير جمال الدين بنفسه حتى طفئ.

وفى هذا المعنى:

قالوا تعصب للحسين ولم يزل

بالنفس للهول المخوف معرضا

حتى انضوى ضوء الحريق وأصبح

المسودّ من تلك المخاوف أبيضا

أرضى الإله بما أتى فكأنه

بين الأنام بنعله موسى الرضا

قال: ولحفظة الآثار ما إذا طولع وقف منه على المسطور، وعلم منه ما هو غير المشهور، وإنما هذه البركات مشاهدة مرئية، وهى بصحة الدعوى ملية، والعمل بالنية.

وقال فى كتاب الدر النظيم فى أوصاف القاضى الفاضل عبد الرحيم: ومن جملة مبانيه الميضأة قريبا من مشهد الإمام الحسين رضي الله عنه بالقاهرة، والمسجد والساقية، ووقف عليها أراضى قريبا من الخندق ظاهر القاهرة، ووقفها دارّ جار. ولما هدم المكان الذى بنى موضعه مئذنته، وجد فيه شئ من الطلسم لا يعلم لأى شئ هو، فيه اسم الظاهر بن الحاكم واسم أمه انتهى-مقريزى.

وفى رحلة ابن جبير التى صنفها سنة إحدى وثمانين وخمسمائة عقيب رحلته الأولى:

إن من مشاهد القاهرة المشهد العظيم الشأن حيث رأس الحسين بن على بن أبى طالب رضي الله عنهما، وهو فى تابوت فضة مدفون تحت الأرض، قد بنى عليه بنيان حفيل يقصر الوصف عنه، ولا يحيط الإدراك به، مجلل بأنواع الديباج، محفوف بأمثال العمد الكبار شمعا أبيض، ومنه ما هو دون ذلك، قد وضع أكثرها فى أتوار فضة خالصة، ومنها مذهبة، وعلقت عليه قناديل فضة، وحف أعلاه كله بأمثال التفاح ذهبا، فى مصنع شبيه الروضة يفيد الأبصار حسنا وجمالا. فيه من أنواع الرخام المجزع الغريب الصنعة البديع الترصيع ما لا يتخيله المتخيلون، ولا يلحق أدنى وصفه الواصفون. والمدخل إلى هذه الروضة على مسجد على مثالها فى التأنق والغرابة، حيطانه كلها رخام على الصفة المذكورة، وعن يمين الروضة وشمالها بنيان على تلك الصفة، وأستار الديباج البديعة الصنعة معلقة على الجميع. ومن أعجب ما شاهدناه فى الدخول إلى هذا المسجد حجر موضوع فى الجدار الذى يستقبله الداخل، شديد السواد والبصيص، يصف الأشخاص كلها كأنه المرآه الهندية الحديثة الصقل.

والناس منكبة على استلام هذا القبر الشريف والطواف حوله مزدحمين عليه، داعين باكين متوسلين إلى الله تعالى ببركة التربة المقدسة. وبالجملة، فما أظن فى الوجود كله

ص: 191

مصنعا أحفل منه، ولا مرأى من البناء أعجب ولا أبدع منه، قدس الله العضو الكريم الذى فيه بمنه وكرمه انتهى.

وفى تاريخ الجبرتى: إن الأمير حسن كتخدا عزبان الجلفى وسع المشهد الحسينى، واشترى عدة أماكن بماله وأضافها إليه ووسعه، وصنع له تابوتا من آبنوس مطعما بالصدف مضببا بالفضة، وجعل عليه سترا من الحرير المزركش بالمخيش، ولما تمموا صناعته وضعه على قفص من جريد وحمله أربعة رجال، على جوانبه أربعة عساكر من الفضة مطليات بالذهب، ومشت أمامه طائفة الرفاعية بطبولهم وأعلامهم، وبين أيديهم المباخر الفضة وبخور العود والعنبر وقماقم ماء الورد يرشون منها على الناس، وساروا بهذه الهيئة حتى وصلوا المشهد ووضع ذلك الستر على المقام.

وكان الجلفى إنسانا خيرا له بر ومعروف وصدقات وإحسان، وكان/حسن الاعتقاد.

مات سنة أربع وعشرين ومائة وألف انتهى.

وفى كتاب إسعاف الراغبين فى أهل البيت الطاهرين، للشيخ محمد الصبان: إن هذا المشهد الحسينى القاهرى جدده الأمير الكبير عبد الرحمن كتخدا سنة خمس وسبعين ومائة وألف، وذكر قبل ذلك أن أصحاب السير والتواريخ اختلفوا فى رأس الحسين فى أى موضع دفن، فقيل: إنه دفن بعسقلان ثم نقله الصالح طلائع وزير الفاطميين إلى مصر، وبنى عليه هذا المشهد وأنفق على نقله مالا جزيلا. ومال قوم-منهم الزبير بن بكار والعلاء الهمدانى-إلى أنه حمل إلى أهله فكفن ودفن بالبقيع عند قبر أمه وأخيه الحسن. وذهبت الإمامية إلى أنه أعيد إلى الجثة ودفن بكربلاء بعد أربعين يوما من المقتل، واعتمد القرطبى الثانى. والذى عليه طائفة من الصوفية أنه بالمشهد القاهرى. وذكر بعض أهل الكشف والشهود أنه دفن مع الجثة بكربلاء ثم ظهر الرأس بعد ذلك بالمشهد القاهرى، لأن حكم الحال فى البرزخ حكم إنسان تدلى فى تيار جارف فيطف بعد ذلك فى مكان آخر، فلما كان الرأس منفصلا طف فى هذا المحل من المشهد.

وفى كتاب مشارق الأنوار، فى فوز أهل الاعتبار، للشيخ حسن العدوى الحمزاوى، قال العلامة الأجهورى: الذى تواتر عن أهل الكشف، أن الرأس الشريف فى مشهده القاهرى بلا شك، لوجود هذه الروحانية والأنوار التى تبهر العقول. قال الشيخ عبد الفتاح الشهير بالرسام الشافعى فى رسالة له تسمى نور العين عن النجم الغيطى، عن الشمس اللقانى، عن أبى المواهب التونسى، أن الغوث الجامع يأتى كل يوم ثلاثاء فيزور هذا المشهد.

ص: 192

وفى مختصر التذكرة للشعرانى، أنه قد ثبت أن طلائع بن رزيك-الذى بنى المشهد الحسينى بالقاهرة-نقل الرأس إلى هذا المشهد، وبذل فى ذلك نحو أربعين ألف دينار، وخرج هو وعسكره فنلقاه من خارج مصر حافيا مكشوف الرأس، وهو فى برنس حرير أخضر فى القبر الذى فى المشهد، على كرسى من خشب الآبنوس، مفروش هناك نحو نصف أردب من الطيب. قال: كما أخبرنى بذلك خادم المشهد. وقول القرطبى «إن دفن الرأس الشريف فى مصر باطل» صحيح فى أيام القرطبى، فإن الرأس إنما نقل إلى مصر بعد موت القرطبى انتهى.

قال الحفنى فى رسالته: كان بعض العارفين يهيم فى مقام الحسين وأنشد فقال:

منزل كمل الإله سناه

تتوارى البدور عند لقاه

خصه ربنا بما شاء فى الأر

ض تعالى من فى السماء إله

صانه زانه حماه وقاه

وكساه بمنه ورضاه

أن غدا مسكنا لغرة آل ال

بيت من تم قدره وعلاه

الإمام الحسين أشرف مولى

أيد الدين سره ووقاه

مدحته آى الكتاب وجاءت

سنة الهاشمى طرز حلاه

وينبغى زيارة هذا المشهد العظيم؛ فإن صاحبه باب تفريج الكروب، وبه تزول الخطوب، ومن الاستغاثات به ما أنشده سيدى محمد جلبى محشى العزية-الشهير بابن الست-هذه الأبيات:

أيحوم حول من التجا لكمو أذى

أو يشتكى ضيما وأنتم سادته

حاشا يرد من انتمى لجنابكم

يا آل أحمد أو تسر شوامته

لكم السيادة من ألست بربكم

ولكم نطاق العز دارت هالته

هل ثم باب للنبى سواكمو

من غيركم من ذا الورى ريحانته

تبا لطرف لا يشاهد مشهدا

يحوى الحسين وتستلمه سلامته

فالزم رحابا ضم سبط محمد

ما أمه راج وعيقت حاجته

انتهى.

ص: 193

‌ترجمة سيدنا الحسين رضي الله عنه:

وقد ذكر العلامة الصبان فى رسالته المذكورة نبذة مما يتعلق بسيدنا الحسين رضي الله عنه فقال: هو أبو عبد الله سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته، ولد لخمس خلون من شعبان سنة أربع-على الأصح-وكانت السيدة فاطمة رضي الله عنها علقت به بعد ولادة الحسن بخمسين ليلة، وحنكه صلى الله عليه وسلم بريقه، وأذّن فى أذنه، وتفل فى فمه ودعا له، وسماه حسينا يوم السابع وعق عنه.

كان شجاعا مقداما من حين كان طفلا، ووردت فى حقه آثار كثيرة/تدل على مزيد فضله، منها قول النبى صلى الله عليه وسلم: حسين منى وأنا من حسين، اللهم أحب من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط.*وقوله صلى الله عليه وسلم: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى الحسين بن على.*وقوله صلى الله عليه وسلم: اللهم إنى أحبه فأحبه وأحب من يحبه.*وقال أبو هريرة رضي الله عنه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتص لعاب الحسين كما يمتص الرجل التمرة.*ورأى ابن عمر الحسين مقبلا فقال:

هذا أحب أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم.*وجاء رجل إلى الحسن يستعين به فوجده معتكفا فى خلوة فاعتذر إليه فذهب إلى الحسين فاستعان به فقضى حاجته، وقال: لقضاء حاجة فى الله عز وجل أحب إلىّ من اعتكافى شهرا.

ومن كلامه رضي الله عنه: اعلموا أن حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم، فلا تملوا من تلك النعم فتعود نقما، واعلموا أن المعروف يكسب حمدا ويعقب أجرا فلو رأيتم المعروف رجلا لرأيتموه رجلا جميلا يسر الناظرين، ولو رأيتم اللؤم رجلا لرأيتموه رجلا قبيح المنظر تنفر منه القلوب وتغض دونه الأبصار.*ومن كلامه رضي الله عنه: من جاد ساد، ومن بخل رذل، ومن تعجل لأخيه خيرا وجده إذا قدم على ربه غدا.

*والتزم يوما ركن الكعبة وقال: إلهى نعمتنى فلم تجدنى شاكرا، وابتليتنى فلم تجدنى صابرا، فلا أنت سلبت النعمة بترك الشكر، ولا أدمت الشدة بترك الصبر، إلهى ما يكون من الكريم إلا الكرم.

كانت إقامته رضي الله عنه بالمدينة إلى أن خرج مع أبيه إلى الكوفة فشهد معه مشاهده وبقى معه إلى أن قتل، ثم مع أخيه إلى أن انفصل فرجع إلى المدينة واستمر بها إلى أن مات معاوية، فأخرج إليه يزيد من يأخذ بيعته فامتنع وخرج إلى مكة، وأتت إليه كتب العراق بأنهم بايعوه بعد موت معاوية، فأشار إليه ابن الزبير بالخروج، وابن عباس وابن عمر

ص: 194

بعدمه، فأرسل إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل فأخذ بيعتهم وأرسل إليه يستقدمه، فخرج من مكة قاصدا للعراق ولم يعلم ابن عمر بخروجه، فخرج خلفه فأدركه على ميلين من مكة فقال له: ارجع. فأبى، فقال: إنى محدثك حديثا، إن جبريل أتى النبى صلى الله عليه وسلم فخيره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة، وإنك بضعة منه، والله لا يليها أحد منكم.

فقال: إن معى حملين من كتب أهل العراق ببيعتهم. فقال: ما تصنع بقوم قتلوا أباك وخذلوا أخاك!؟ فأبى إلا المضى، فاعتنقه وبكى وقال: استودعتك الله من قتيل. ثم سافر، فكان ابن عمر يقول: غلبنا الحسين بالخروج، ولعمرى لقد كان فى أبيه وأخيه عبرة.

وكلمه فى ذلك أيضا من وجوه الصحابة جابر بن عبد الله، وأبو سعيد، وأبو واقد، وغيرهم فلم يطع أحدا منهم فقال له ابن عباس رضي الله عنهما: والله إنى لأظنك تقتل بين نسائك وأبنائك وبناتك كما قتل عثمان بن عفان. فلم يقبل، فبكى ابن عباس وقال: أقررت عين ابن الزبير. ثم إن ابن زياد قتل مسلم بن عقيل بأمر يزيد ولم يبلغ الحسين رضي الله عنه ذلك، حتى صار بينه وبين القادسية ثلاثة أميال ولقيه الحر بن يزيد التيمى فقال له: ارجع، فإنى لم أدع لك خلفى خيرا. وأخبره الخبر. ولفى الفرزدق فقال له: قلوب الناس معك، وسيوفهم مع بنى أمية، والقضاء ينزل من السماء. فهم أن يرجع-وكان معه أخوة مسلم-فقالوا: لا نرجع حتى نصيب بثأره أو نقتل. فساروا، وكان ابن زياد جهز أربعة آلاف، وقيل عشرين ألف مقاتل لملاقاته، فوافوه بكربلاء، فنزل ومعه خمسة وأربعون فارسا ونحو مائة راجل فالتقيا وأرهقه السلاح، وكان أكثر مقاتليه الكاتبين له والمبايعين له، فلما أيقن أنهم قاتلوه قام فى أصحابه خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: قد نزل من الأمر ما ترون وإن الدنيا تغيرت وتنكرت، وأدبر معروفها وانشمرت حتى لم يبق منها إلا كصبابة الإناء، وإلا خسيس عسيس كالمرعى الوبيل، ألا ترون الحق لا يعمل به، والباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن فى لقاء الله عز وجل، وإنى لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا جرما. فقاتلوه حتى قتل رضي الله عنه يوم الجمعة يوم عاشوراء سنة إحدى وستين بكربلاء من أرض العراق ما بين الحلة والكوفة، قتله سنان بن أنس النخعى، وقيل غيره، وقتل معه من أهل البيت ثلاثة وعشرون رجلا كما قيل.

وفى المقريزى أنه لما أدركته الخيل قام خطيبا فقال: يا أيها الناس إنها معذرة إلى الله وإليكم، إنى لم آتكم حتى أتتنى كتبكم ورسلكم أن أقدم علينا فليس لنا إمام، لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى. وقد جئتكم، فإن تعطونى ما أطمئن إليه من العهود أقدم مصركم وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمى كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذى أقبلت منه. فسكتوا،

ص: 195

وقد آذن المؤذن لصلاة الظهر فصلى وصلى وراءه الفريقان، ولما دخل وقت العصر صلى بهم، ثم استقبلهم فحمد الله وأثنى عليه/وقال: أيها الناس إنكم إن تتقوا الله وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله، ونحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر من هؤلاء المدعين ما ليس لهم، السائرين فيكم بالجور والعدوان، فإن أنتم كرهتمونا وجهلتم حقنا، وكان رأيكم غير ما أتتنى به كتبكم انصرفت عنكم. فقال الحر بن يزيد الشمسى رئيس العصابة المرسلة للقائة: إنا والله ما ندرى ما هذه الكتب والرسل التى تذكر. فأخرج خرجين من الصحف فنشرها بينهم، فقال الحر: إنا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك، وقد أمرنا إذا نحن لقيناك أن لا نفارقك حتى نقدمك الكوفة على عبيد الله بن زياد. ثم منع أصحاب الحسين من الركوب، فقال له الحسين: ثكلتك أمك، ما تريد؟ فقال الحر: لو كان غيرك قالها ما تركت ذكر أمه، والله مالى إلى ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما نقدر عليه. ثم سار الحسين، فأرسل إليه عمرو ابن سعد بن أبى وقاص خمسمائة فارس فحالوا بين الحسين وبين الماء، وذلك قبل قتله بثلاثة أيام، ونادوا: يا حسين لا ترى من الماء قطرة حتى تموت عطشا. ثم التقى الحسين بعمرو ابن سعد مرارا، فكتب عمرو إلى ابن زياد أن الله قد أطفأ الثائرة وجمع الكلمة، وقد أعطانى الحسين أن يرجع إلى حيث أتى، أو أن تسيره إلى ثغر من الثغور، أو يأتى إلى بيعة أمير المؤمنين. فكتب إليه ابن زياد: إنى لم أبعثك إلى الحسين لتكف عنه أو لتمنيه، فإن نزل الحسين وأصحابه على حكمى مستسلمين فابعث بهم إلى، وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم فإنهم لذلك مستحقون، فإن قتل الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره، فإنه عاق شاق قاطع ظلوم. فركبوا إليه والتحم القتال واشتد الأمر، وحضر وقت الصلاة فسأل الحسين أن يكفوا حتى يصلى ففعلوا، ثم اقتتلوا حتى قتل الحسين رضي الله عنه، وحز رأسه الشريف، وسلب ما كان عليه حتى سراويله، ونهب ثقله ومتاعه وما على النساء، ووجد به ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وأربعون ضربة، وانتدب عشرة فداسوا بخيولهم حتى رضوا صدره وظهره، وقتل معه اثنان وسبعون رجلا، ودفن أهل الغاضرية من بنى أسد الحسين بعد قتله بيوم، ثم طيف بالرأس الشريف بالكوفة على خشبة، ثم أرسل بها إلى يزيد وأرسل بالنساء والصبيان، ومكث الرأس مصلوبا بدمشق ثلاثة أيام ثم أنزل فى خزائن السلاح، حتى ولى الملك سليمان بن عبد الملك فبعث إليه فجئ به وقد محل وبقى عظما أبيض، فجعله فى سفط وطيبه، وجعل عليه ثوبا ودفنه فى مقابر المسلمين. فلما ولى عمر بن عبد العزيز سأل عن موضع الرأس الشريف فنبشوه وأخذه، والله أعلم ما صنع به انتهى.

ص: 196

قال العلامة الصبان: لما قتل الحسين وحزوا رأسه الشريف وأتوا به إلى ابن زياد، أرسله ومن معه من أهل بيته إلى يزيد، ومنهم على بن الحسين وعمته زينب رضي الله عنهم، فسر بذلك سرورا كبيرا، وأوقفهم موقف السبى وأهانهم، وصار يضرب الرأس الشريف بقضيب ويقول: لقيت بغيك يا حسين. وبالغ فى الفرح، ثم ندم لما مقته المسلمون على ذلك وأبغضه العالم. وهذه القصة تصديق لقوله صلى الله عليه وسلم: إن أهل بيتى سيلقون بعدى من أمتى قتلا وتشديدا، وإن أشد قومنا لنا بغضا بنو أمية وبنو مخزوم.

وقيل: إن الضارب للرأس الشريف بالقضيب هو ابن زياد، وإنه كان عنده زيد بن أرقم، فقال له: ارفع قضيبك، فو الله لطالما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل ما بين هاتين الشفتين. وبكى فأغلظ له ابن زياد القول، فأغلظ زيد الجواب، وكان بالمجلس رسول قيصر فقال متعجبا: إن عندنا فى خزانة فى دير حافر حمار عيسى، ونحن نحج إليه كل عام من الأقطار ونعظمه كما تعظمون كعبتكم، أشهد أنكم على باطل انتهى.

ويمكن الجمع بوقوع الضرب بالقضيب من كل منهما قبحهما الله تعالى.

وكان للحسين يوم قتل ثمان وخمسون سنة، وقضى الله تعالى أن قتل عبيد الله بن زياد وأصحابه يوم عاشوراء سنة سبع وستين، قتله إبراهيم بن الأشتر فى الحرب وبعث برأسه إلى المختار بن أبى عبيد، وبعث به المختار إلى ابن الزبير فبعثه ابن الزبير إلى على بن الحسين، ونصب فى المسجد بدل نصب رأس الحسين.

وقد روى أن جبريل أخبر النبى صلى الله عليه وسلم بأن الحسين يقتل، وأراه الأرض التى يقتل بها. وفى رواية أنها كربلاء، وفى أخرى أنها أرض الطف، وفى بعض الروايات أنه يقتل بشاطئ الفرات. ولا تعارض بينها لأن الفرات يخرج من آخر حدود الروم ثم يمر بأرض الطف وهى من بلاد كربلاء.

ويروى أن قاتل الحسين لما قتله وأتى إلى ابن زياد قال:

أوقر ركابى فضة وذهبا

إنى قتلت الملك المحجبا

قتلت خير الناس أما وأبا

وخيرهم إذ يذكرون نسبا

/فغضب ابن زياد وقال: إذ علمت ذلك فلم قتلته؟ والله لا نلت منى خيرا ولألحقنك به. ثم ضرب عنقه.

وورد من طريق أراه عن على رضي الله عنه عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال:

قاتل الحسين فى تابوت من نار عليه نصف عذاب أهل الدنيا. وروى: أول من يبدّل

ص: 197

سنّتى رجل من بنى أمية يقال له يزيد. وروى أيضا: لا يزال أمر أمتى قائما بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل من بنى أمية يقال له يزيد.

وقد أجمعوا على فسقه، وقال الإمام أحمد بكفره، وأجاز قوم من العلماء لعنه بخصوص اسمه، وذهب آخرون إلى أنه لا يجوز إذ حقيقة اللعن الطرد من رحمة الله، ولا يكون إلا لمن علم موته على الكفر كأبى جهل وأضرابه، وأما لعن من قتل الحسين أو أمر بقتله أو أجازه أو رضى به من غير تسمية فمتفق على جوازه. وعن إبراهيم النخعى أنه قال: لو كنت ممن قاتل الحسين رضي الله عنه ثم أدخلت الجنة لاستحييت أن أنظر إلى وجه المصطفى صلى الله عليه وسلم. وعن الزهرى: لم يبق أحد ممن حضر قتل الحسين إلا عوقب فى الدنيا قبل الآخرة، إما بالقتل أو سواد الوجه أو تغير الخلقة أو زوال الملك فى مدة يسيرة. وذكر ابن الأنبارى أن السيدة زينب بنت الإمام على رضي الله عنهما لما قتل أخوها الحسين رضي الله عنه أخرجت رأسها من الخاء وأنشدت رافعة صوتها:

ماذا تقولون إن قال النبى لكم

ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتى وبأهلى بعد فرقتكم

منهم أسارى ومنهم خضبوا بدم

ما كان هذا جزائى إذ نصحت لكم

أن تخلفونى بسوء فى ذوى رحمى

ورزق الحسين من الأولاد خمسة وهم: على الأكبر، وعلى الأصغر وله العقب، وجعفر، وفاطمة، وسكينة المدفونة بالمراغة بقرب السيدة نفيسة رضي الله عنها، كذا قال المناوى والشعرانى، وزاد الشعرانى أن عليا الأصغر هو زين العابدين. وقال كثيرون:

أولاده ستة، وزادوا عبد الله. فأما على الأكبر فقاتل بين يدى أبيه حتى قتل، وأما زين العابدين فكان مريضا بكربلاء، وأما جعفر فمات فى حياة أبيه دارجا، وأما عبد الله فجاءه سهم وهو طفل فقتله بكربلاء، وقيل: كان له من الذكور ستة، ومن الإناث ثلاث، فأما الذكور فعلى الأكبر، وعلى الأوسط وهو زين العابدين، وعلى الأصغر، ومحمد، وعبد الله، وجعفر، ثم ذكر أن المقتول طفلا بكربلاء هو على الأصغر، وأن عبد الله قتل مع أبيه شهيدا.

‌فضائله:

وفضائله رضي الله عنه وفضائل أمه وأبيه وأخيه الحسن وأخته وذريته رضي الله عنهم أشهر من أن تذكر، والآثار الواردة فيهم لا تحصى ولا تحصر، وقد ورد أن الحسين رضي الله عنه كان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى أيضا أن أخاه الحسن

ص: 198

كان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم، وجمع بعضهم بين الروايتين بأن الحسن رضي الله عنه أشبه الناس بالنبى صلى الله عليه وسلم من جهة أعلاه، والحسين أشبه الناس به صلى الله عليه وسلم من جهة أسفله، وهو أول من سمى بالحسين، وكذا أخوه أول من سمى بالحسن، وأما أمهما السيدة فاطمة الزهراء-رضي الله عنها-فكانت أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم فى السمت والهدى-كما فى رواية حسنها الترمذى-ما رأيت أحدا أشبه سمتا ولا هديا ولا حديثا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة وفى قيامها وقعودها رضي الله عنها. وأخواته رضي الله عنه ثمانية وثلاثون، منهم الذكور عشرون، والإناث ثمانى عشرة على خلاف فى ذلك، منهم أشقاؤه خمسة: الحسن، والمحسّن بضم الميم وفتح الحاء وتشديد السين مكسورة، وزينب، وأم كلثوم، ورقية. والذين أعقبوا من الذكور خمسة: هو، والحسن، ومحمد بن الحنفية، والعباس بن الكابية، وعمرو بن التغلبية.

وقد اتخذ الشيعة يوم قتل الحسين رضي الله عنه-وهو يوم عاشوراء من كل سنة- محزنة يبكون فيه وينوحون، وينشدون المراثى المهيجة للبكاء ويلزبون خدودهم وصدورهم، ويوجعون أنفسهم ضربا ونحيبا، وذلك فى مصر والقاهرة وهو مستمر إلى اليوم.

قال المقريزى فيما كان يعمل يوم عاشوراء: إن خلقا من الشيعة وأشياعهم سنة ثلاث وستين وثلاثمائة انصرفوا إلى المشهدين-قبر كلثوم وقبر نفيسة-ومعهم جماعة من فرسان المغاربة ورجالتهم بالنياحة والبكاء على الحسين عليه السلام، وكسروا أوانى السقائين فى الأسواق، وشققوا الروايا، وسبوا من ينفق فى هذا اليوم، ونزلوا حتى بلغوا مسجد الريح وثارت عليهم جماعة فأغلق بعض الحاضرين الدرب ومنع الفريقين ورجع الجميع، فحسن موقع ذلك عند المعز لدين الله، ولولا ذلك لعظمت الفتنة؛ لأن الناس قد غلقوا الدكاكين والدور وعطلوا الأسواق، وكانت مصر لا تخلو منهم فى أيام الإخشيدية والكافورية /فى يوم عاشوراء، وكان كافور يتعصب على الشيعة، وتتعلق السودان فى الطرقات بالناس فمن قال خالى معاوية أكرموه ومن لم يقل ذلك لقى المكروه

وفى سنة ست وتسعين وثلاثمائة جرى تعطيل الأسواق وخروج المنشدين إلى جامع القاهرة ونزولهم مجتمعين بالنوح والنشيد، فجمع قاضى القضاة عبد العزيز بن النعمان لمنشدين الذين يتكسبون بالنوح والنشيد وقال لهم: لا تلزموا الناس أخذ شئ منهم إذا وقفتم على حوانيتهم، ولا تؤذوهم ولا تتكسبوا بالنوح والنشيد، ومن أراد ذلك فعليه بالصحراء. وبعد ذلك اجتمع طائفة منهم يوم الجمعة فى الجامع العتيق بعد الصلاة،

ص: 199

وأنشدوا وخرجوا على الشارع بجمعهم وسبوا السلف، فقبض على رجل ونودى عليه:

هذا جزاء من سب عائشة رضي الله عنها وزوجها صلى الله عليه وسلم ثم ضرب عنقه.

وفى سنة خمس عشرة وخمسمائة يوم عاشوراء عبى السماط المختص بعاشوراء، وهو يعبى فى غير المكان الجارى به العادة فى الأعياد، ولا يعمل مدورة خشب بل سفرة كبيرة من أدم والسماط يعلوها من غير مرافع نحاس، وجميع الزبادى أجبان وسلائط ومخللات، وجميع الخبز من شعير، وخرج الأفضل من باب فرد الكم وجلس على بساط صوف من غير مشورة، واستفتح المقرئون، واستدعى الأشراف على طبقاتهم، وحمل السماط لهم وقد عمل فى الصحن الأول الذى بين يدى الأفضل إلى آخر السماط عدس أسود ثم بعده عدس مصفى إلى آخر السماط، ثم رفع وقدمت صحون كلها عسل نحل.

وفى سنة ست عشرة وخمسمائة يوم عاشوراء، جلس الخليفة الآمر بأحكام الله على باب الباذهنج يعنى من القصر، بعد قتل الأفضل وعود الأسمطة إلى القصر على كرسى جريد بغير مخدة، متلثما هو وجميع حاشيته، فسلم عليه الوزير المأمون وجميع الأمراء الكبار والصغار بالقراميز، وأذن للقاضى والداعى والأشراف بالسلام عليه وهم بغير مناديل ملثمون حفاة، وعبى السماط فى غير موضعه المعتاد وجميع ما عليه خبز الشعير والحواضر على ما كان فى الأيام الأفضلية، وتقدم إلى والى مصر والقاهرة بأن لا يمكنّا أحدا من جمع ولا قراءة مصرع الحسين، وخرج الرسم المطلق للمتصدرين والقراء والوعاظ والشعراء وغيرهم على ما جرت به عادتهم.

وفى سنة سبع عشرة وخمسمائة جلس الخليفة على الأرض متلثما يرى به الحزن، وحضر من شرف بالسلام عليه والجلوس على السماط بما جرت به العادة. قال ابن الطوير: إذا كان اليوم العاشر من المحرم احتجب الخليفة عن الناس، فإذا علا النهار ركب القاضى والشهود وغيروا ريهم ثم ساروا إلى المشهد الحسينى، وكان قبل ذلك يعمل بالجامع الأزهر، فإذا جلسوا فيه ومن معهم من قراء الحضرة والمتصدرين فى الجوامع جاء الوزير فجلس صدرا، والقاضى والداعى من جانبيه، والقراء يقرؤون نوبة بنوبة، وينشد قوم غير شعراء الخليفة شعرا يرثون به أهل البيت، فإن كان الوزير رافضيا تغالوا، وإن كان سنيا اقتصروا، ولا يزالون كذلك إلى أن يمضى ثلاث ساعات فيدعوهم إلى القصر نقباء الرسائل، فيركب الوزير وهو بمنديل صغير إلى داره، ويدخل القاضى ومن معه إلى دار الذهب فيجدون مصاطب الدهاليز قد فرشت بالحصر بدل البسط، وينصبون دككا تلحق بالمصاطب،

ص: 200

فيجلس القاضى والداعى إلى جانب صاحب الباب والناس على اختلاف طبقاتهم، فيقرأ القراء وينشد المنشدون، ثم يفرش عليها سماط الحزن نحو ألف زبدية من العدس والملوحات والمخللات والأجبان والألبان الساذجة والعسل النحل والفطير والخبز المغير لونه بالقصد، فإذا قرب الظهر وقف صاحب الباب وصاحب المائدة وأدخل الناس للأكل منه، فيدخل القاضى والداعى ويجلس صاحب الباب نيابة عن الوزير والمذكوران إلى جانبه، وفى الناس من لا يدخل ولا يلزم أحد بذلك، فإذا فرغ القوم وانفصلوا إلى أماكنهم ركبانا بذلك الزى الذى ظهروا فيه، وطاف النوّاح بالقاهرة ذلك اليوم، وأغلق البيّاعون حوانيتهم إلى جواز العصر ثم يفتحون ويتصرفون. انتهى.

ومن عوائد الشيعة الآن فى هذا الشأن، أنهم إذا جاء شهر محرم الحرام يجتمعون بعد العشاء فى أماكن متعددة لعمل المحزنة، ولكل حلقة خطيب يجلس على مرتفع غالبا، ويذكر لهم شيئا من وقعة الحسين، وينشد المراثى المهيجة للنواح فيصرخون بالبكاء والعويل والقول القبيح، وفى تلك الليالى يهيئون الأطعمة والشربات، وبعض الناس يذهب للفرجة عليهم فيقدمون له من ذلك، وهكذا كل ليلة إلى يوم عاشوراء فيجتمعون محفلا عظيما ويسيرون إلى المشهد الحسينى وبأيديهم السيوف المسلولة والخناجر والبلط، فيضربون أنفسهم ويصرخون بالنواح والنشيد، ويمشون فى الشارع صفين وبينهم طفل راكب فرسا-ويكون فى/الغالب ابن رئيسهم-وقد شجوا جبهته حتى سال الدم على صدره، وبين يديه على الفرس عمامة خضراء تمثالا برأس الحسين، فإذا وصلوا إلى المشهد وقفوا زمنا يصرخون بالنواح ويضربون أنفسهم ضربا مبرحا تفزع منه القلوب من غير أن ينكر عليهم أحد، بل يخافهم الناس وتغضى عنهم عساكر الشرطة.

ثم إن هذا الجامع عند حفر أساسات أساطينه فى هذه العمارة الأخيرة، وجدت به أبنية كثيرة مقبية بهيئة قبور، فلا بد أن ذلك من قبور الفاطميين، فإنها كانت فى محل خان الخليلى ممتدة إلى هذا المشهد.

قال السخاوى فى كتاب المزارات: إن المدرسة التى بجانب المشهد الحسينى جعل بها السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب تدريسا ووقف لها وقفا، ولما وزر معين الدين ابن حمويه فوض إليه الأمر بالمشهد، فجمع أوقافا وبنى به إيوانا للتدريس وبيوتا للفقهاء العلوية.

والمقبرة التى كانت إلى جانب هذا المشهد كبيرة تسمى تربة الزعفران والتربة المعزية كان المعز لما دخل القصر شرع فى إصلاحها، وأرسل إلى المهدية من بلاد المغرب فأخذ أباه

ص: 201

وأخاه فى توابيت ودفنهما بها وجعلها مدفنا للخلفاء وأولادهم وأقاربهم، ولما توفى دفن بها سنة خمس وستين وثلاثمائة.

وبها دفن ابنه العزيز بالله أبو منصور نزار فى سنة ست وثمانين وثلاثمائة، وتوفى بعده ولده الحاكم بأمر الله أبو على المنصور بعد أن فقد خمسا وعشرين سنة، وكان فقده سنة إحدى عشرة وأربعمائة وعمره يومئذ ست وثلاثون سنة، ووجد مقتولا بالجبل المقطم، ووجدت دابته مغرقة فى بركة عند حلوان بقرب دير شقران، وسيرته من أعجب السير.

وبالتربة ابنه الظاهر لإعزاز دين الله أبو الحسن على، ولد سنة أربع وأربعمائة، وولى الملك وعمره سبع سنين فأقام خمس عشرة سنة وتسعة أشهر، ومات سنة سبع وعشرين وأربعمائة.

وبها أيضا ابنه المستنصر بالله معد بن الظاهر لإعزاز دين الله، تولى المملكة بعد أبيه، وخربت مصر فى أيامه وصارت كيمانا إلى الآن بسبب الغلاء العظيم الذى لم يعهد مثله فى الإسلام، وأقام سبع سنين، وأكل الناس بعضهم بعضا، قيل: بيع الرغيف الواحد بخمسين دينارا، وكانت مدة ملكه ستين سنة، ومات سنة سبع وثمانين وأربعمائة.

وبها أيضا ابنه الآمر بأحكام الله أبو على منصور، قتل بالقرب من المقياس سنة أربع وخمسين وخمسمائة، ومولده سنة تسعين وأربعمائة، تولى الملك وهو ابن خمس سنين وخمسة أيام وكان كريما جوادا قيل: إنه مر على بيت فسمع امرأة تقول لزوجها: والله لا أضاجعك ولو جاء الخليفة الآمر بأحكام الله ومعه مائة دينار. فبعث إلى القصر وأحضر مائة دينار، وضرب الباب على الرجل ففتح له ودخل وقال: أنا الآمر بأحكام الله وهذه المائة دينار فنامى مع زوجك.

وبها أيضا الحافظ لدين الله أبو الميمون عبد المجيد بن محمد بن المستنصر بالله، ولى الخلافة ولم يكن أبوه خليفة سنة أربع وعشرين وخمسمائة، ومات سنة أربع وأربعين وخمسمائة.

وبها أيضا الظافر بالله إسماعيل بن الحافظ لدين الله، قتل أوائل سنة تسع وأربعين وخمسمائة.

وبها أيضا قبر الفائز بنصر الله عيسى بن الظافر، ولى الأمر وعمره خمس سنين، وأقام إلى أن توفى سنة خمس وخمسين وخمسمائة.

وبها أيضا العاضد لدين الله أبو محمد عبد الله بن أبى الحجاج يوسف بن الحافظ لدين

ص: 202

الله، بويع له بعد وفاة الفائز وخطب له، ووزر له طلائع بن رزيك الملقب بالملك الصالح، وتوفى سنة سبع وستين وخمسمائة.

وفى أيام العاضد قتل الصالح طلائع وتولى الوزارة بعده الملك العادل، ثم بعده ساد ولقب أمير الجيوش، ثم الضرغام ولقب بالملك المنصور، ثم الأمير أسد الدين شيركوه ثم ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن أيوب، وكانت خلافة العاضد اثنتى عشرة سنة، وهو آخر خلفاء بنى عبيد بالغرب والقاهرة، وعليه انقرضت دولتهم، وجملتهم أربعة عشر خليفة، ثلاثة بالمغرب، وأحد عشر بمصر، وكانت مدة دولتهم بالمغرب ومصر مائتين وخمسا وأربعين سنة.

وفى تربة الزعفران أيضا قبر الأمير عقيل بن الخليفة المعز لدين الله بن تميم سعد توفى سنة أربع وسبعين وثلاثمائة ومعه الأمير تميم بن المعز. انتهى.

‌جامع الأمير حسين

قال المقريزى: هذا الجامع كان موضعه بستانا بجوار غيط العدة. أنشأه الأمير حسين ابن أبى بكر بن إسماعيل بن حيدر بيك مشرف الرومى، قدم مع أبيه من بلاد الروم إلى ديار مصر فى سنة خمس وسبعين وستمائة، وتخصص بالأمير حسام الدين لاجين المنصورى قبل سلطنته، فكانت له منه مكانة مكينة وصار أمير شكار، وكان فيه بر وله صدقة، وعنده تفقد لأصحابه. وأنشأ أيضا القنطرة المعروفة بقنطرة الأمير حسين على خليج القاهرة، وفتح الخوخة فى سور القاهرة بجوار الوزيرية وجرى عليه من أجل فتحها ما جرى، وتوفى فى سابع المحرم سنة تسع وعشرين/وسبعمائة ودفن بهذا الجامع انتهى.

وأكثره الآن متخرب، وإنما يصلى فى بعض بوائكه القريبة من المنبر، وله باب على رأس غيط العدة تجاه مدرسة ابن عرام التى موضعها الآن زريبة، وبابه الآخر إلى رأس الحارة، وبين البابين صهريج يملأ من النيل كل سنة، وله منارة من الحجر دقيقة الصنعة، وله بئر وبه شجرة نخل وشجرة لبخ، وله أوقاف تحت نظر ديوان الأوقاف.

‌جامع حسين باشا

هذا المسجد داخل حارة شق الثعبان بين مسجد الخلوتى ومسجد رحبة عابدين، وكان يعرف أولا بمسجد القمرى. ولما وهى جدده الأمير حسين باشا أبو أصبع فنسب إليه، وجاء فى غاية الحسن والبهجة، وبه أربعة أعمدة من الرخام، وبه منبر جميل ودكة، وأرضه

ص: 203

مبلطة بالحجر، وسقفه بالخشب النقى، وبأعلاه قبة من الزجاج الملون، ومكتوب على بابه تاريخ إنشائه سنة ثمان وثمانين ومائتين وألف. ومنافعه تامة وشعائره مقامة من أوقافه، ومن طرف حسين باشا المذكور.

‌جامع الحفنى

هذا الجامع بقنطرة الموسكى، بين منزل الشيخ محمد المهدى العباسى شيخ الجامع الأزهر سابقا وبين جامع القاضى يحيى زين الدين الأستدارى. أنشأه الأمير عبد الرحمن كتخدا فى سنة اثنتين وسبعين ومائة وألف. وقد تخرب وبقى مغلقا غير مقام الشعائر مدة، ثم جدد فى سنة تسعين على طرف الأوقاف، ووجد بأعلى بابه لوح من الرخام مكتوب عليه بيت شعر وهو:

أحيا لنا الله بيتا بعد ما دثرا

تاريخه مسجد الرحمن لا دثرا

سنة 1172

وله أوقاف تحت نظر الديوان، ولما مات الشيخ الحفنى دفن بالقرافة الكبرى، وله ضريح شهير يزار ويعمل له مولد مع مولد العفيفى يصرف فيه الشيخ المهدى كثيرا، وقد ترجمناه فى الكلام على حفنة.

‌جامع حماد

هو بشارع باب اللوق تجاه ميدان سراى عابدين. يصعد إليه بدرج، ومطهرته بالأرض من الجهة الأخرى، وله منبر وخطبة ومنارة وشعائره مقامة، وقد وجد فى حجة باسم الأمير رجب أغا بن الأمير إبراهيم أغا أغاة طائفة التفكشية وكتخدا الجاوشية: أن جامع حماد بخط درب الفواخير كان قد تخرب، فجدده ذلك الأمير وعمر بجانبه أماكن، ووقف أوقافا عليه وعلى غيره، فمن وقفه عليه الرزقة التى بناحية حفنة بولاية الشرقية، خراجها فى السنة أربعمائة وسبعة وستون نصفا، ووظف له من يقيم شعائره وعين لهم المرتبات، فجعل للإمام أربعين نصفا، وللخطيب خمسة وعشرين، وللمرقى عشرة، ولاثنين مؤذنين ستين نصفا، وللفراش خمسة عشر، وللوقاد كذلك وللبواب. كذلك وللملا كذلك، ولثمن الزيت أربعين نصفا كل شهر، وتوسعة كل سنة للإمام ثلاثين، وللمؤذنين أربعين، وللوقاد ثلاثين، ويصرف من ذلك فى زيت رمضان ثلاثمائة نصف، وفى القناديل مائتان، وفى الحصر أربعمائة ونيف وستون، وثمن شمعتين أربعون نصفا وتاريخ هذه الحجة ثامن شهر رجب الحرام سنة أربع وسبعين بعد الألف.

ص: 204

وفى حجة أخرى فى سنة اثنتين وسبعين، أنه استحوذ على أماكن بخط المدابغ القديم داخل درب الفواخير قريبا من مدرسة الخواجا كريم الدين. وفى أخرى أنه وقف الفسقية والحوض المستجد ببركة الحاج، والساقية ذات الثلاثة أوجه المعروفة بالقاضى عبد الباسط، والمصلى والمقعد الذى عليها والمغطس ومحلات أخر، وأنه يصرف كل سنة سبعة آلاف وخمسمائة وأربعين نصفا فى ثمن ماء عذب لصهريج باب الخرق، وسبعة آلاف نصف لإدارة ساقية البركة وملء الحوض لشرب الحجاج ودوابهم، وثمن ثورين وثمن فول وتبن.

ورتب هناك جراية ثلاثين رغيفا كل يوم، زنة الرغيف أربعة أواق، وجعل على سبيل باب الخرق مكتبا يصرف لمن به من الأيتام والمؤدب عشرون رغيفا، وللمزملاتى ثمانية أرغفة كل يوم، ويصرف لهم كسوة كل سنة قميص خام ولفافة، ولكل واحد أربعون نصفا، وللفقيه كسوة وثمانون نصفا غير أجرة الخياطة، وثمن حصر وسلب وسفنج وغيره، ورتب لسبيل حارة اليهود ثلاثمائة نصف، وثمن بقرة تذبح وتفرق على الأيتام والخدمة بالسبيلين، ولعشرة يقرؤون ختمة كاملة كل يوم خمسة عشر نصفا، وللداعى زيادة خمسة أنصاف، ولخادم الربعة منهم خمسة أنصاف، ولاثنين يقرآن على قبره عشرون نصفا فى الشهر، ولثلاثة يقرؤون بمنزله ثلاثون فى الشهر.

‌جامع الحنفى

هذا الجامع بخط الحنفى بين سوق مسكة وسويقة اللالا. أنشأه الأستاذ شمس الدين أبو محمود محمد الحنفى بجوار داره فى سنة سبع عشرة وثمانمائة-كما فى المقريزى-وله ثلاثة أبواب: أشهرها المفتوح على الشارع، يعلوه شباك من الخشب الحرط دقيق الصنعة، وبجواره على يسار الداخل مدفن الشيخ عمر شاه والشيخ عمر الركنى، ومكتب لتعليم الأطفال وسبيل، والآخران عن يسار المصلى/يفتحان على درب أبى طبق، وأعمدته من الرخام وأرضه مفروشة بالحجر النحيت، وقبلته بالقيشانى، وبجوارها زنار خشب مكتوب عليه مع أبيات من بردة المديح: جدد هذا المسجد من فضل الله تعالى الأمير سليمان أفندى تابع أفندينا محمد على باشا فى شهر رمضان سنة ألف ومائتين وسبعة وثلاثين، وبأعلى القبلة حجر أحمر عليه كتابة عسرة القراءة، وبه بئران قديمتان: إحداهما فى الإيوان الصغير البحرى، كان يملأ منها حوض الحنفية، وكان بجوارها قبة أزالها بعض النظار وسد فم البئر بالحجر، وكانت تسمى بئر الكرامة. والثانية تجاه باب المقصورة بجوار العمود، يستشفون بمائها ويتبركون بالشرب منها، ويزعمون أنها من ماء زمزم، ولها فم ضيق عليه غطاء من خشب

ص: 205

يقفل بقفل من حديد، ولا تفتح إلا نادرا كأيام المولد، ويملأ منها بإناء فخار ورشاء قصير لقرب مائها، وعن يمين الداخل من الباب الكبير شجرة سدر غليظة الساق جدا نافدة فى السقف، تقصدها العامة للتبرك بها، ويعتقدون أنها مسكونة بولية تسمى الشيخة خضرة، يحلفون عليها ويدقون بها المسامير لشفاء الأسنان. وضريح الشيخ بالجانب الأيمن من الجامع من داخل قبة مرتفعة، عليه مقصورة من الخشب المرصع بالصدف والعاج وضبة باب المقصورة بقفيز فضة، وبأعلى الباب لوح فيه دوائر منقوش فيها لفظ الجلالة وأسماء بعض الصحابة وفيها: يا سيدى محمد يا شمس دين الله يا حنفى مددك «ثلاث مرات» وعاداتك «مرة» وبجوار المقصورة قنديل بلور أخضر كبير منقوش معلق بأعلى القبة، وفيها قبلة بها عمودان من الرخام، وباب القبة مرصع بالعاج والصدف عليه اسم صانعه إبراهيم مع «نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَ فَتْحٌ قَرِيبٌ» وفوق الباب بيتان من الشعر يقال إنهما من كلامه رضي الله عنه وهما:

وحط فى بابنا ما شئت من ثقل

وعنك دع حادثات خفتها وعنا

فكل فضل بنى الصديق كعبته

وكل أمر عسير قد يهون بنا

وكان موضع هذا الجامع ملكا للشيخ أبى العباس نقيب الأستاذ الحنفى، ففى كتاب مختصر السر الصفى فى مناقب الأستاذ الحنفى: أن الشيخ أبا العباس أخذ بيد الشيخ فى مبدأ زهده فى الدنيا وجاء به إلى موضع الزاوية الآن قبل عمارتها، وكان منشرا وبه البئر التى هى الآن بالزاوية، وكان ذلك الموضع ملكا لسيدى أبى العباس، فأشار الشيخ لأبى العباس أن يبنى له فى ذلك الموضع خلوة يختلى فيها فبناها له تحت الأرض، وشرع سيدى أبو العباس فى بناء الزاوية، فبناها من ماله وأخذ عنه وكان يخدمه ويتردد عليه ولا ينقطع عن خدمته. انتهى.

‌ترجمة الإمام الحنفى:

وقد ترجم هذا السلطان جماعة كثيرون، وأفرد ترجمته بالتأليف جماعة، منهم:

الشيخ نور الدين على بن عمر البتنونى فقد كتب فى ذلك مجلدين.

وترجمه الإمام الشعرانى فى طبقاته بنحو كراسة، فقال: هو سيدنا ومولانا شمس الدين محمد الحنفى رضي الله عنه، كان من أجلاء مشايخ مصر وسادات العارفين، له الباع الطويل فى التصريف، واليد البيضاء فى الولاية، والقدم الراسخة فى درجات النهاية، وهو أحد أركان الطريق وأكابر أئمتها علما وعملا وحالا وقالا وزهدا وتحقيقا ومهابة، وكان ظريفا جميلا فى بدنه وثيابه، وهو من ذرية أبى بكر الصديق رضي الله عنه، تربى يتيما من أمه وأبيه، ربته خالته فكان زوجها يريد أن يعلمه الصنعة فمضى به إلى الغرابلى فهرب إلى

ص: 206

المكتب، ثم مضى به إلى المناخلى فهرب إلى المكتب، فكف عنه فحفظ القرآن، وكان ابن حجر رفيقه فى المكتب، ولما خرج من المكتب جلس يبيع الكتب فى سوقها، فمر عليه بعض الرجال فقال: يا محمد ما للدنيا خلقت. فترك الدكان بما فيه ولم يسأل عنه. ثم حبب إليه الخلوة فدخل خلوة تحت الأرض وهو ابن أربع عشرة سنة، فاختلى بها سبع سنين ولم يخرج منها حتى سمع هاتفا يقول: يا محمد اخرج انفع الناس «ثلاث مرات» وقال فى الثالثة:

إن لم تخرج والاهيه. فقال الشيخ: ما بعد «هيه» إلا القطيعة، فخرج إلى الزاوية فكان يجلس يعظ الناس على غير موعد فيجئ الناس حتى يملأوا زاويته، وكان رضي الله عنه حنفى المذهب وعلى خده الأيمن خال، وهو أبيض مشرب بحمرة وفى عينيه حور، وتربى يتيما فقيرا، أخذ الطريق رضي الله عنه بعد أن خرج من الخلوة عن الشيخ ناصر الدين بن الميلق، عن جده شهاب الدين بن الميلق، عن ياقوت العرشى، عن المرسى، عن الشاذلى رضي الله عنه، فلذا كان الشاذلى يقول: الحنفى خامس خليفة من بعدى. وكان أولا يتعمم بعمامة صماء، ثم رئى له فى المنام أن جده أبا بكر الصديق رضي الله عنه عممه بحضرة النبى صلى الله عليه وسلم، وأرخى للعمامة عذبة عن يساره فأرخى/العذبة، وكذلك فعل كل من فى مجلسه، وصار رضي الله عنه إذا ركب يرخى العذبة، وترك الطيلسان الذى كان يركب به إلى أن مات، وكان رضي الله عنه يلبس الملابس المثمنة الفاخرة، وكان لا ترد له شفاعة عند من يعرفه وعند من لا يعرفه.

وقال شيخ الإسلام العينى فى تاريخه الكبير: والله ما سمعنا ولا رأينا فيما حويناه من كتبنا وكتب غيرنا، ولا فيما اطلعنا عليه من أخبار الشيوخ بعد الصحابة إلى يومنا هذا أن أحدا أعطى من العز والرفعة ونفوذ الكلمة وقبول الشفاعة عند الملوك والأمراء وأرباب الدولة والوزراء عند من يعرفه ومن لا يعرفه مثل ما أعطى الشيخ شمس الدين الحنفى. ثم قال: وأبلغ من ذلك أنه لو طلب السلطان أن ينزل إليه خاضعا حتى يجلس بين يديه ويقبلهما لكان ذلك أحب الأيام إلى السلطان، ولم يقم قط لأحد من الملوك ولا الأمراء ولا القضاة، ولم يغير قعدته لدخولهم، ولا يجلس أحد منهم إلى جانبه، ولا يتربع بل يجلس جاثيا متأدبا خاضعا لا يلتفت يمينا ولا شمالا.

وكان الملك الظاهر جقمق يكرهه ويقول: إنى لا أقبل لهذا الرجل شفاعة، ومع ذلك يرسل له فى الشفاعات فيقضيها، ويقول لمن حوله: أنا لا أستطيع رد شفاعته، بل أقبلها وأتعجب من نفسى.

ص: 207

ونزل إليه السلطان الملك المؤيد فجاء إلى الزاوية فوجده فوق سطح البيت، فطلع إليه سيدى أبو العباس وأخبره فقال له: قل له: إنه ما يجتمع بأحد فى هذا الوقت. فوضع السلطان يده على رأسه ورجع إلى القلعة، ولم يتغير من ذلك.

وكان أهل المغرب يرسلون يأخذون من تراب زاويته ويجعلونه فى ورق المصاحف، وأهل الروم يكتبون اسمه على أبواب دورهم يتبركون به. وكان رضي الله عنه يقول كثيرا: لو كان عمر بن الفارض فى زماننا ما وسعه إلا الوقوف ببابنا. وكان الشيخ طلحة المدفون بالمنشية الكبرى يقول: قال لى سيدى محمد الحنفى: يا طلحة خرج من زاويتى هذه أربعمائة ولىّ على قدمى كلهم داعون إلى الله تعالى، وأصحابنا بالمغرب كثير، وبالروم والشام أكثر، وأكثر أصحابنا باليمن والبرارى والكهوف والمغارات.

وقال فى مرض موته: من كانت له حاجة فليأت إلى قبرى ويطلب حاجته أقضها له، فإن ما بينى وبينكم غير ذراع من تراب، وكل رجل يحجبه عن أصحابه ذراع من تراب فليس برجل.

وكان رضي الله عنه يلقن الخائف من ظالم ويقول: إذا دخلت عليه فقل: بسم الله الخالق الأكبر حرز لكل خائف، لا طاقة لمخلوق مع الله عز وجل.

وسمع جلال الدين البلقينى تفسيره للقرآن العظيم فقال: والله لقد طالعت أربعين تفسيرا ما رأيت فيها شيئا من هذه الفوائد، وقبله سراج الدين البلقينى بين عينيه وقال له: أنت تعيش زمانا طويلا، لأن الله تعالى يقول:{وَ أَمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} .

وكانت ملوك أقاليم الأرض ترسل له الهدايا فيقبلها. وكان يتنزه عن سماع المعازف وجميع آلات اللهو، فدخل يوما يزور ابن الفارض رضي الله عنه فرأى عمالا وآلات تضرب فأمر بالسكوت حتى يزور ولم يتعرض لكسر الآلات. وسمع حنفيا يقول فى درسه: الحكم كذا خلافا للشافعى. فزجره، وقال: تقول خلافا للشافعى بقلة أدب، لم لا تقول رضي الله عنه، أو رحمه الله تعالى؟ وكان إذا رأى فى جبهة فقير أثر سجود يقول: يا ولدى أخاف عليك أن يكون هذا من الرياء. وكان يكره مشايخ القرى والمدركين للبلاد ويقول:

أنا لا أقول بإسلامهم. وكان يكره للفقير لبس الطليحية ويقول: الفقر فى الباطن لا فى الظاهر. وإذا رأى من الفقراء والمجاورين عورة سترها عليهم، ويرغبهم فى الأمر الذى فيه صلاحهم، وكان إذا ركب فى شوارع مصر لا يلقاه أمير أو كاتب سر أو ناظر خاص إلا ورجع معه إلى أى مكان أراد. وتلقاه رجل عجمى فأنشده:

نهارى نسيم كله إن تبسمت

أوائله منها برد تحية

ص: 208

وسئل عن الولى فقال: هو من قال لا إله إلا الله وقام بشروطها، وشروطها أن يوالى الله ورسوله بأن يشهد لله بالوحدانية، ولمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة. وكان به عدة أمراض كل مرض منها يهد الجبال، منها البلغم الحار والبلغم البارد، واجتمع عنده الأطباء وقالوا: إن النصف الأعلى قد تحكم منه البلغم الحار، والنصف الأسفل قد تحكم منه البلغم البارد، فإن داوينا الأعلى غلب عليه الأسفل، وإن داوينا الأسفل غلب عليه الأعلى وأقام بذلك المرض سبع سنين ملازما فرشه إلى أن توفى سنة سبع وأربعين وثمانمائة. وكان مع هذا البلاء يتوضأ قبل دخول الوقت بخمس درج، ولا يصلى إلا مع جماعة، ومات على طرف حوشه والناس يمرون عليه فى الشوارع. انتهى باختصار.

وله حضرة كل يوم سبت يجتمع فى مسجده القراء والذاكرون والمنشدون وأهل الموسيقى، ويتناوبون بغرائب الألحان وبدائع الموشحات/ويسمون ذلك بالوعظيات، فينشدون من موشحات الوزراء وفرائد المنشئين وبدائع الشعراء مما فيه المديح النبوى مثل:

يا نسيم بلغ سلام المستهام المستقيم

للكريم طه إمام المرسلين العظيم

عن أليم وجدى به حدث وشوقى القديم

ليس لى من ملجأ سوى الحمى الأفضلى

الجلى وآله أولى الجناب العلى

ويستمر المجلس نحو الساعتين قبل الظهر بجوار المزار، ولأربابه مرتب من الخبز كل جمعة، ومن النقود كل شهر، ومن الكسوة كل سنة. وله مولد يعمل كل سنة من أول شهر شعبان إلى قرب آخره، ويصرف أهل الخط فيه أمولا كثيرة فى العزومات والوقدات ونحو ذلك.

‌جامع الحوش

فى المقريزى أن هذا الجامع بداخل قلعة الجبل بالحوش السلطانى. أنشأه الملك الناصر فرج بن برقوق فى سنة اثنتى عشرة وثمانمائة، فصار يصلى فيه الخدام وأولاد الملوك من أولاد الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى أن قتل الناصر فرج انتهى. والآن قد تخرب وتعطلت شعائره.

ص: 209

‌جامع الحين

هذا المسجد بشارع باب الخرق عن يمين الذاهب فى شارع محمد على الجديد إلى القلعة، مشرف على الخليج من غربيه. أنشأه الأمير يوسف الشهير بالحين فى القرن التاسع، ولما مات دفن به. وهو مقام الشعائر من الجمعة والجماعة والأذان، ولأوقافه ريع تحت يد ناظره مصطفى الحين، ويتبعه صهريج يملأ كل سنة، وبأعلى الصهريج مكتب.

***

ص: 210

‌حرف الخاء

‌جامع الخازندار

هذا الجامع فى شارع درب المزين بالموسكى. أنشأه محمد أغا الخازندار، ولما مات دفن به، وعلى تربته تركيبة من الرخام مكتوب عليها آية الكرسى، وتاريخ سنة ثلاث ومائتين وألف. وهو مقام الشعائر، والناظر عليه جلبى سيد أحمد.

‌جامع الخانقاه

ويعرف بجامع سعيد السعداء، وبمدرسة سعيد السعداء، والخانقاه الصلاحية، تجاه حارة المبيضة من الجمالية على يمنة السالك من شارع الجمالية إلى المشهد الحسينى خلف قره قول الجمالية. به أربعة ألونة وعدة خلا وللصوفية تحتها قبور دفن بها بعض الصوفية، وقد تغير بعض مبانيه الأصلية وجعل به منبر وخطبة.

قال المقريزى: الخانقاه الصلاحية بخط رحبة باب العيد من القاهرة. كانت أولا دارا تعرف بدار سعيد السعداء، وهو الأستاذ قنبر، ويقال عنبر، واسمه بليان ولقبه سعيد السعداء، أحد المحنكين خدام القصر عتيق الخليفة المستنصر، قتل سنة أربع وأربعين وخمسمائة، فلما استبد صلاح الدين يوسف بن أيوب وغير رسوم الدولة الفاطمية، عمل هذه الدار برسم الفقراء الصوفية، ووقف عليهم بستان الحبانية، قيسارية الشرب بالقاهرة، وناحية دهمرو من البهنساوية، فكانت أول خانقاه عملت بمصر، وعرفت بدويرة الصوفية، وكان سكانها يعرفون بالعلم والصلاح، وولى مشيختها الأكابر، وكان لهم فى يوم الجمعة هيئة فاضلة فى خروجهم للصلاة بالجامع الحاكمى، وكان عدة الصوفية بها نحو ثلاثمائة رجل لكل منهم فى اليوم ثلاثة أرغفة زنتها ثلاثة أرطال، مع ثلث رطل لحم فى مرق، ويعمل لهم الحلوى كل شهر ويفرق فيهم الصابون، وفى السنة يعطى الواحد ثمن كسوة أربعين درهما، وكان من شرطها أنها للواردين من البلاد الشاسعة والقاطنين بالقاهرة ومصر، فإن لم يوجدوا كانت على الفقراء من فقهاء الشافعية والمالكية الأشعرية الاعتقاد.

ص: 211

ولما جدد الأمير يلبغا السالمى الجامع الأقمر وعمل له منبرا وأقيمت به الجمعة، ألزم صوفية هذه الخانقاه أن يصلوا الجمعة به، فلما زالت أيامه تركوا ذلك ولم يعودوا إلى الاجتماع بالجامع الحاكمى أيضا.

ولم يكن بهذه الخانقاه مئذنة، والذى بنى مئذنتها شيخ تولى مشيختها سنة بضع وسبعمائة يعرف بشهاب الدين أحمد الأنصارى، وكان الناس يمرون فى صحنها بنعالهم، فجدد أحد الصوفية شهاب الدين أحمد العثمانى هذا الدرابزين وغرس فيه أشجارا، وجعل عليها وقفا لمن يتعاهدها للخدمة. انتهى. وهى الآن لا مئذنة لها.

وفى الضوء اللامع للسخاوى: أن الأمير تغرى بردى بن بلباى الظاهرى القادرى الحنفى الخازندارى عمر مدرسة سعيد السعداء، وغير كثيرا من معالمها، وعمر مطهرتها، وغير بابها وصار بهجا، وعمر جل أوقاف سعيد السعداء. كالحمام، وجدد لها أشياء.

‌ترجمة تغرى بردى بن بلباى الظاهرى:

وكانت ولادة تغرى بردى المذكور قبيل الثلاثين والثمانمائة، واشتغل بالعلم وكان يتحفظ القرآن باللوح حتى بعد ترقيه، وخدم الأشراف القادرية وأمثالهم وتزوج منهم واحدة بعد أخرى، فلما استقر يشبك من مهدى فى الدوادارية وكان صاحب الترجمة أسن منه-بل هو أغاته-قدمه لخازنداريته وتولى عمائره وكثيرا من جهاته، وجدد أشياء أو كملها كجامع الخشابين، والجامع المقارب له والمقابل لدرب الركراكى من المقس، وجامع بالكبش، وزاوية شرف الدين بالحسينية والمشهد النفيسى، ومشهد غانم بسويقة اللبن.

وكان له/تؤدة وعقل وعدم طيش وتواضع وأدب، وتكلم فى البيبرسية وفى الأستدارية مع التنصل والاستعفاء. ونديه السلطان لعمارة مطهرة الجامع الأزهر فجاءت بهجة، وجامع سلطان شاه، وله فى الجامع الغمرى والكاملية اليد البيضاء.

وتزاحم كثير من مجاورى الأزهر ونحوهم على بابه، ونزل كثير من مستحقيهم فيما تحت نظره من التصوفات، وقرر فى مشيخة البيبرسية كمال الدين الطويل بعد الجلال البكرى، وكثيرا ما كان يتفقد المنقطعين من العلماء ونحوهم، ويبادر للوقوف على غسلهم ويساعد فى تجهيزهم. وتكلم فى جهات أمير المؤمنين المتوكل من بلاد وغيرها، حتى المشهد النفيسى بسؤال منه له وأذن السلطان فيه، ففرض له فى كل يوم من متحصلها أربعة دنانير، والباقى يرصد لوفاء الديون، ولا زال فى كدر وضرر ومرافعات ومدافعات إلى أن تغيب، بعد أن مل وتعب. رحمه الله تعالى انتهى.

ص: 212

‌ترجمة جار الله بن صالح:

وقد عد فى هذا الكتاب جملة من صوفيتها المدفونين بها، فذكر أن جار الله بن صالح ابن أبى المنصور أحمد بن عبد الكريم الحنفى أدركه أجله بها فى سنة خمس عشرة وثمانمائة ودفن بمقبرة صوفيتها، وكان خيرا عاقلا، أحد المنزلين بدرس يلبغا، سمع من خليل المالكى، والعز بن جماعة والشهاب الهكارى وغيرهم. وسمع منه الفضلاء رغبة فى اسمه، وقرأ بمدينة ينبع وبمكة رحمه الله تعالى.

‌ترجمة ابن الطرابلسى:

وأن عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن أبى بكر الحنفى المعروف بابن الطرابلسى مات فى يوم الجمعة حادى عشر المحرم سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، ودفن بمقبرة صوفيتها، وكان عالما فاضلا، سمع من الشمس محمد بن يوسف، والشرف أبى بكر بن جماعة، والشمس بن الخشاب، وسمع بمكة على القاضى أبى الفضل محمد بن أحمد النويرى، وأجاز له القيراطى، وأبو العباس بن عبد المعطى، وسعد الله الإسفرايينى، وولى إفتاء دار العدل والتدريس بالعاشورية وغيرها. وحدث وسمع منه الأئمة. وكان يصمم فى الأحكام ولا يتساهل كغيره. وأقعد بآخره وحصلت له رعشة فى بدنه، ثم فلج فحجب، وأقام كذلك حتى مات رحمه الله تعالى.

‌ترجمة عبد الله بن محمد العوفى المنسوب لعبد الرحمن بن عوف:

وأن عبد الله بن محمد بن عيسى بن محمد بن جلال الدين الجمالى أبو محمد العوفى- نسبة لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أحد العشرة-القاهرى الشافعى مات فى رجب سنة خمس وأربعين وثمانمائة. ودفن بحوش سعيد السعداء، وكان أحد صوفيتها. أخذ عن البلقينى، والشمس بن القطان المصرى، والمحب بن هشام، والشهاب الأشمونى الحنفى وغيرهم، وتقدم فى العلوم وأذن له غير واحد من شيوخه بالإفتاء والتدريس، وناب فى القضاء وحمدت سيرته فيه، وكان عالما فقيها عادلا فى قضائه، متواضعا ساكنا وقورا، منجمعا عن الناس قانعا باليسير على قانون السلف، سريع الإنشاء نظما ونثرا، مذكورا بالولاية والسلوك والتقدم فى طريق القوم، ومن نظمه قوله:

ووعدتنى وعدا حسبتك صادقا

ومن انتظارى كاد لبى يذهب

فلمن رآنا أن يقول مناديا

هذا مسيلمة وهذا أشعب

رحمه الله تعالى.

ص: 213

‌ترجمة عبد الله المعروف بابن هشام:

وأن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يوسف بن الجمال أبى محمد القاهرى الحنبلى المعروف بابن هشام مات فى صفر سنة خمس وخمسين وثمانمائة، ودفن عند أبيه وجده بتربة سعيد السعداء، وكان خيرا ملازما للجماعات، مديما للمطالعة بارعا فى العربية، أخذ عن المحب ابن نصر الله، وعن البرهان بن حجاج الأبناسى، وعن الونائى، والقاياتى وغيرهم، واستنابه المحب فى القضاء، ثم استقر فى تدريس الحنابلة بالفخرية بين السورين، وفى إفتاء دار العدل بعد الشرف بن البدر قاضى الحنابلة، وصار أحد أعيان مذهبه فأخذ عنه الفضلاء-خصوصا فى العربية-وكان فصيحا مقداما. محمودا فى قضائه وديانته مع علو الهمة وسلامة الصدر، وقد حج مرتين وزار بيت المقدس ودخل الشام وغيرها رحمه الله تعالى.

‌ترجمة محمد المعروف بابن الطرابلسى:

وأن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن أبى بكر ظهير الدين أبو الطيب بن الأمين ابن الشمس القاهرى الحنفى المعروف بابن الطرابلسى مات يوم الجمعة سادس شعبان سنة ستين وثمانمائة، ودفن من الغد بحوش سعيد السعداء، وكان متصفا بالحشمة والكرم والهمة بحيث عد من أعيان الناس. أخذ عن الشرف بن الكويك، والجمال الحنبلى، وأبى الحسن الفورى، والشهاب الجوهرى، بعد ما حفظ المختار والمنار والمغنى فى الأصول والحاجبية، واشتغل يسيرا على السراج قارئ الهداية، والشمس بن الديرى وغيرهما، ثم استقر فى تدريس جامع ابن طولون، وفى إفتاء دار العدل، وناب فى القضاء، وحج مرارا وفى آخر مرة اعترته هناك أمراض فبادر إلى المجئ فى البحر، ثم دامت به إلى أن مات رحمه الله تعالى.

‌ترجمة ابن النبيه:

وأن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن صالح بن حسن بن على بن فتح الدين ابن أبى عبد الله بن نبيه الدين القاهرى الشافعى/الشاذلى المعروف بابن النبيه مات فى رجب سنة اثنتين وستين وثمانمائة، ودفن بحوش سعيد السعداء، وكان عالما ورعا، أخذ عن الشهاب الصاروجى الحنبلى، والشمس البرماوى، والهيتمى، والبلقينى، والملقن، والإبناسى، والدميرى وغيرهم. وعانى التوقيع ففاق فيه صناعة وكتابة، وكثرت أتباعه فيه، وتردد

ص: 214

الناس إليه بسببه، وصار الرجوع فيه إليه مع مزاحمته للأدباء قديما ونظره فى كتب الأدب ومتعلقاتها، حتى إنه قال فى سقوط منار المؤيدية:

يقولون فى ميل المنار تواضع

وعيب وأقوال وعندى جليها

فلا البرج أخنى والحجارة لم تعب

ولكن عروس أثقلتها حليها

وقال أيضا.

بجامع مولانا المؤيد أنشئت

عروس سمت ما خلت قط مثالها

ومذ علمت أن لا نظير لها انثنت

وأعجبها والعجب عنا أمالها

وحج فى سنة ثلاثين ودخل إسكندرية وغيرها، وناب فى القضاء بآخره عن العلم البلقينى، مع الاستقرار به فى أمانة الحكم ونظر الأوقاف الحكمية. وكان فاضلا ضابطا ذكيا مشاركا فى الفنون كلها، ولكنه كان مسرفا على نفسه منهمكا فى لذاته، ويقال إنه أقلع قبل مماته بيسير، وأرجو له ذلك رحمه الله تعالى.

‌ترجمة عبد الرحمن بن على المعروف بابن الملقن:

وأن عبد الرحمن بن على بن عمر بن أبى الحسن على بن أحمد بن محمد الجلال أبى هريرة بن النور أبى الحسن بن السراج أبى حفص الأنصارى الأندلسى الأصل المصرى الشافعى المعروف بابن الملقن مات فى صبيحة يوم الجمعة ثامن شوال سنة سبعين وثمانمائة، ودفن بحوش سعيد السعداء عند أسلافه، وكان إنسانا حسنا ذا سكينة ووقار وسمت حسن وحظ حسن، مع التواضع والديانة والعفة والانجماع عن الناس وحسن السيرة، ومزيد العقل والتودد وتقدمه فى الشهرة والتصدق سرا، أخذ عن العراقى، والهيتمى، والجلاوى، وابن أبى المجد، والزين العراقى، والصدر المناوى، والكمال الدميرى وآخرين، وأجازوا له، وناب فى عدة دروس، وكذا ناب فى القضاء عن الشمس الإخنائى، وقرره الأشرف إينال فى نظر البيمارستان لكونه كان من جيرانه والمختصين بصحبته قبل سلطنته، فباشره برفق ولين مدة تقرب من أربع سنين، ثم أعرض عنه والتمس من السلطان إعفاءه، وراجعه مرة أخرى إلى أن أجيب وعد ذلك من وفور عقله، وحدّث باليسير وسمع منه الأئمة-رحمه الله تعالى.

ص: 215

‌ترجمة محمد بن على القوصى الشافعى:

وأن محمد بن على بن على بن محمد بن نصير-ككبير-الشمس أبى الفضل الدمشقى القوصى الأصل القاهرى الشافعى مات فى ليلة الجمعة رابع عشر ذى القعدة سنة سبعين وثمانمائة، ودفن بحوش سعيد السعداء، وكان مديما للاشتغال مع وفور ذكائه ويقظته واستقامة فهمه وفطنته، متجملا فى ملبسه وهيئته، رغبته فى القيام والصيام ومراعاة سلوك الاحتشام، أخذ العفة عن الجمال الأمشاطى، والونائى، والمناوى، والبلقينى وغيرهم، وأخذ عن الشمسى التفسير والأصلين والعربية والمعانى، وأخذ الحديث عن شيخ الإسلام ابن حجر، وتردد فى أواخره على ابن الهائم والشروانى، وصحب الشيخ مدين وقتا واختلى عنده وأقبل عليه الشيخ، وتصدر للإقراء، ولما مات ناصر الدين بن السفاح استقر عوضه فى تدريس الفقه بالحسينية وكذا فى تدريس النابلسية وتقدم على أقرانه وحج مرتين، ولم يزل أمره فى ازدياد وشهرته مستفيضة بين العباد، إلى أن مات رحمه الله تعالى.

‌ترجمة محمد بن عبد العزيز بن مظفر المعروف بابن عز الدين:

وأن محمد بن عبد العزيز بن محمد بن مظفر بن نصير بن صالح البلقينى الأصل القاهرى الشافعى المعروف بابن عز الدين، مات فى يوم الخميس عاشر شعبان سنة ثمان وسبعين وثمانمائة، ودفن فى تربة سعيد السعداء، كان علامة فى الفرائض، ومن مشايخه العز ابن جماعة، والجلال البلقينى، والعراقى، والهيتمى وغيرهم. وحج فى سنة تسع عشرة ودخل دمياط والمحلة ونحوهما، وناب فى القضاء عن الجلال البلقينى، وترقب القضاء الأكبر وخوطب به وكاد أمره أن يتم فى أيام الظاهر خشقدم، ودرس بمدرسة سودون من زاده بالنيابة عقب أبيه، وكذا ولى بعده إفتاء دار العدل، واشتهر بالثروة الزائدة، وقد امتحن فى أوائل سلطنة الظاهر جقمق فى ذى القعدة سنة اثنتين وأربعين بسبب جارية أفسدها عبده، جر ذلك إلى إهانته وضربه وإشهارد على حمار وفى عنقه باشه، وبذل ألف دينار فأكثر، وآل أمره إلى عزله من نيابة الحكم، ولزم بيته حتى مات رحمه الله تعالى.

‌ترجمة محمد بن محمد المعروف بالصدر المليجى:

وأن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد القادر الصدر بن الصلاح ابن عبد العزيز المليجى الأصل المنوفى المولد القاهرى الشافعى نزيل سعيد السعداء-المعروف بالصدر المليجى-مات فى يوم الخميس سنة تسع وسبعين وثمانمائة وصلى عليه بالخانقاه،

ص: 216

ودفن فى حوش/صوفيتها وكان خيرا دينا تاركا للغيبة غير ممكن أحدا منها بحضرته، أخذ عن الولى العراقى وغيره، وقطن سعيد السعداء دهرا بدون تزوج، ومن نظمه قوله:

لسان حال الرفع نادى لنا

ما حل بى شقّ على الناظر

فإن يكن كسرى أتى خفية

لعل أن أجبر بالظاهر

رحمه الله تعالى.

‌ترجمة محمد بن خليل:

وأن محمد بن خليل بن يوسف بن على بن عبد الله المحب أبو حامد النابلسى الأصل الرملى المقدسى الشافعى نزيل القاهرة-وهو بكنيته أشهر-مات فى يوم الأحد حادى عشر من صفر سنة ثمان وثمانين وثمانمائة-ودفن بحوش سعيد السعداء، ومن مشايخه الشهاب ابن رسلان، والسراج الرومى، وعيسى بن فاضل الحسبانى، وعائشة الحنبلية، والعينى، والشمنى، والعز عبد السلام البغدادى، وابن الملقن، وأخته صالحة، وأم هانئ الهورينية، والسيد النسابة، وعبد الكافى بن الذهبى، وعمر بن السفاح وغيرهم.

وحج فى سنة ثلاث وخمسين صحبة الزين عبد الباسط فأخذ بالمدينة النبوية عن المحب الطبرى، وعبد الله التسترى، وأبى الفرج الكازرونى، والتاج عبد الوهاب بن صالح، وبمكة عن أبى الفتح المراغى، والتقى بن فهد، والبرهان الزمزمى وغيرهم.

ونزل فى الخانقاه أول قدومه القاهرة، وقرره الزين الأستادار فى قراءة الحديث بجامعه ببولاق وقاسى فى جل عمره فاقة، ومكث أعزبا مدة ثم تزوج ورزق الأولاد، وترفع حاله وزاحم عند كثير من الرؤساء، وناب فى القضاء، وكان حريصا على الكتابة حتى أنه كتب بخطه الكثير: شرح المنهاج والبهجة وجمع الجوامع وغيرها، وبالجملة فكان مديما للتحصيل، مقيما على الجمع والكتابة فى التفريع والتأصيل، لا أعلم عليه فى دينه إلا الخير. ومن نظمه قوله:

ارحم إله الخلق عبدا مذنبا

بالجود يرجو العفو فى كل زمن

وهب له يا رب رحمة

بها ترحم الخلق سرا وعلن

‌ترجمة على بن أبى بكر:

وأن على بن أبى بكر بن على بن أبى بكر محمد بن عثمان نور الدين أو موفق الدين بن الزين أبى المناقب البكرى البلبيسى الأصل القاهرى الشافعى، أخو عبد القادر ومحمد وفاطمة،

ص: 217

وقريب السراج البلقينى-ويعرف بالبلبيسى-ويقال إنها ليست التى بالشرقية، وإنما هى بلبيسة بالتصغير قرية من قرى حلب. ولد فى سابع شوال سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة بالقاهرة، ومات فى ليلة افتتاح سنة تسع وخمسين وثمانمائة، وصلى عليه من الغد بجامع الحاكم، ودفن بحوش سعيد السعداء. وكان عدلا مرضيا متحرزا فى شهاداته وألفاظه، ضابطا متقنا فيما يبديه، كثير التواضع، جوّد القرآن على أبيه، وقرأ على العسقلانى والفخر البلبيسى الضرير القراآت وحضر دروس البلقينى وولده، وابن الملقن، والدميرى. ولازم العراقى فى أماليه وغيرها نحو عشر سنين، وأثبت اسمه بخطه فى بعض مجالس إملائه، وصحب البرهان بن زقاعة فأخذ عنه، وسمع الحديث على غير واحد سوى من تقدم كابن أبى المجد، والتنوخى، والهيتمى، والبلقينى، والجمال عبد الله، وعبد الرحمن ابنى الرشيدى، والحلاوى، والتاج أحمد بن على الظريف، والنجم إسحاق الدجوى.

وكان نقيب الدروس فى غير موضع، وأحد الصوفية بسعيد السعداء، وأكثر من النظر فى كتب التاريخ وأيام الناس والحكايات-رحمه الله تعالى.

‌ترجمة عمر بن على:

وأن عمر بن على بن أحمد بن محمد بن عبد الله السراج أبى حفص بن أبى الحسن الأنصارى الوادياسى الأندلسى التكرورى الأصل المصرى الشافعى ويعرف بابن الملقن؛ لأن وصيه الشيخ عيسى المغربى كان يلقن القرآن بجامع طولون فتزوج بأمه، فلذا عرف الشيخ به حيث قيل له ابن الملقن، وكان يغضب منها بحيث لم يكتبها بخطه، وإنما كان يكتب غالبا «ابن النحوى» وبها اشتهر فى بلاد اليمن.

ولد فى ربيع الأول ستة ثلاث وعشرين فى الثانى والعشرين منه، وقيل يوم السبت الرابع والعشرين منه-والأول أصح-بالقاهرة، وكان أصل أبيه أندلسيا فتحول منها إلى التكرور وأقرأ أهلها القرآن، وتميز فى العربية، وحصل مالا ثم قدم القاهرة فأخذ عنه الإسنوى وغيره ثم مات. ولما بلغ صاحب الترجمة سنة أوصى به إلى الشيخ عيسى المذكور ونشأ فى كفالته، فحفظ القرآن والعمدة وشغله مالكيا، ثم أشار عليه ابن جماعة أحد أصحاب أبيه أن يقرئه المنهاج الفرعى فحفظه، وذكر أنه حصل له منه خير كبير، وتفقه بالتقى السبكى.

والجمال الإسنائى، والكمال النسائى، والعز بن جماعة. وأخذ فى العربية عن أبى حيان، والجمال ابن هشام والشمس محمد بن عبد الرحمن بن/الصائغ. وفى القراآت عن البرهان الرشيدى.

واجتمع بالشيخ إسماعيل الإنبابى، بل قال البرهان الحلبى: إنه اشتغل فى كل فن حتى قرأ

ص: 218

فى كل مذهب كتابا، وأذن له بالإفتاء فيه. وسمع على السراج محمد بن محمد بن نمير الكاتب، وعلى الحفّاظ أبى الفتح بن سيد الناس، والقطب الحلبى، والعلاء مغلطاى، واشتدت ملازمته له وللزين أبى بكر الرحبى حتى تخرج بهما، وقرأ البخارى على ثانيهما، والحسن بن السديد، وكذا سمع على العرضى ونحوه، وابن كستفدى، والزين بن عبد الهادى، ومما سمعه عليه صحيح مسلم، ومحمد بن غالى، والجمال يوسف المعدنى، والصدر الميدومى وآخرين. وأجاز له المزى وغيره من مصر ودمشق والشمس العسقلانى المقرئ، ودخل الشام سنة سبعين فأخذ عن ابن أميلة وغيره. واجتمع بالتاج السبكى ونوه به، بل كتب له تقريظا على تخريج الرافعى له، ولزم العماد بن كثير فكتب له أيضا. ورافق التقى بن رافع، وقرأ فى بيت المقدس على العلائى جامع التحصيل فى رواة المراسيل من تأليفه، ووصفه بالشيخ الفقيه الإمام العالم المحدث الحافظ المتقن شرف الفقهاء والمحدثين والفضلاء.

واشتغل بالتصنيف وهو شاب، ومن تصانيفه فى الحديث تخريج أحاديث الرافعى فى سبعة مجلدات، ومختصره الخلاصة فى مجلد، ومختصره المنتقى فى جزء، وتخريج أحاديث الوسيط للغزالى المسمى بتذكرة الأحبار لما فى الوسيط من الأخبار فى مجلد، وتخريج أحاديث المهذب المسمى بالمحرر المذهب فى تخريج أحاديث المهذب فى مجلدين، وتخريج أحاديث المنهاج الأصلى فى جزء حديثى، وتخريج أحاديث ابن الحاجب كذلك، وشرح العمدة المسمى بالإعلام فى ثلاثة مجلدات عز نظيره، وأسماء رجالها فى مجلد غريب فى بابه، وقطعة من شرح البخارى، وقطعة من شرح المنتقى فى الأحكام للمجد بن تيمية، وطبقات الفقهاء الشافعية من زمن الشافعى إلى سنة سبعين وسبعمائة، وطبقات المحدثين من زمن الصحابة إلى زمنه، ومنها فى الفقه شرح المنهاج فى ستة مجلدات، وآخر صغير فى اثنين ولغاته فى واحد، والتحفة فى الحديث على أبوابه كذلك، والبلغة على أبوابه فى جزء لطيف، والاعتراضات عليه فى مجلد، وشرح التنبيه فى أربعة مجلدات، وآخر لطيف اسمه هادى النبيه إلى تدريس التنبيه، والخلاصة على أبوابه فى الحديث فى مجلد وهو من المهمات، وأمنية النبية فيما يرد على التصحيح للنووى، والتنبيه فى مجلد، وشرح الحاوى الصغير فى مجلدين ضخمين لم يوضع عليه مثله، وتصحيحه فى مجلد، وشرح التبريزى فى مجلد، وشرع فى كتاب جمع فيه بين كلام الرافعى فى شرحيه ومحرره، والنووى فى شرحه ومنهاجه وروضته، وابن الرفعة فى كفايته ومطلبه، والقمولى فى بحره وجواهره وغير ذلك مما أهملوه وأغفلوه مما وقف عليه من التصانيف فى المذهب نحو المائتين سماه جمع الجوامع، ثم تجدد له بعد ذلك الكثير كالمقنع فى الحديث فى مجلد، والتذكرة فى كراسة، وشرح المنهاج فى عدة شروح أكبرها فى ثمانية مجلدات وأصغرها فى مجلد، والتنبيه كذلك،

ص: 219

والبخارى فى عشرين مجلدا، وشرح زوائد مسلم على البخارى فى أربعة أجزاء، وزوائد أبى داود فى مجدين، وزوائد الترمذى على الثلاثة كتب، وزوائد النسائى عليها كتب منه جزء، وزوائد ابن ماجه على الخمسه فى ثلاثة مجلدات سماه «ما تمس إليه الحاجه على سنن ابن ماجه» ابتدأه فى ذى القعدة سنة ثمانمائة وفرغ منه فى شوال من التى بعدها، وشرح الأربعين النووية فى مجلد، وإكمال تهذيب الكمال ذكر فيه تراجم رجال الكتب الستة، والخصائص النبوية والذيل على كتاب شيخه الإسنوى، وطبقات القراء، وطبقات الصوفية، والناسك لأم المناسك، وعدد الفرق، وتلخيص الوقوف على الموقوف، وتلخيص كتاب ابن بدر، وشرح ألفية ابن مالك، وشرح المنهاج الأصلى.

واشتهرت فى الآفاق تصانيفه، وكان يقول إنها بلغت ثلاثمائة تصنيف، وانتفع الناس بها انتفاعا صالحا من حياته وهلم جرا. قال الجمال بن الخياط: وتوفرت له الأجور، من سعيه المشكور. وبالحملة نقد اشتهر اسمه وطار صيته، وكانت كتابته أكثر من استحضاره، ولهذا كثر الكلام فيه من علماء الشام ومصر. وترجمه الأكابر سوى من تقدم، فمنهم ممن مات قبله العثمانى قاضى صفد، فقال فى طبقات الفقهاء:

إنه أحد مشايخ الإسلام، صاحب المصنفات التى ما فتح على غيره بمثلها فى هذه الأوقات، وسرد منها جملة. ووصفه العمارى فى شهادة عليه بالشيخ الإمام، علم الأعلام، فخر الأنام أحد مشايخ الإسلام، علامة العصر بقية المصنفين، علم المفيدين والمدرسين، سيف المناظرين مفتى المسلمين. ومنهم ممن أخذ عنه البرهان الحلبى قال فيه: إنه كان فريد وقته فى التصنيف، وعبارته فيه جلية جيدة، وغرائبه كثيرة، وشاكلته حسنة وكذا خلقه مع التواضع والإحسان، لازمته مدة طويلة فلم أره منحرفا قط. وذكر أنه رافقه فى رحلته إلى دمشق شيخ حسن الهيئة/والسمت فافتقدوه عند الجامع، قال: فذكر لى بعد ذلك شيخ من أهل القرافة أنه الخضر. قال: وقال لى: كنت نائما بسطح جامع الخطيرى، فاستيقظت ليلا فوجدت عند رأسى شابا، فوضعت يدى على وجهه فإذا هو أمرد فاستويت جالسا وطلبته فلم أجده. قال: وكان باب السطح مغلقا. قال: وكنت فى بعض الأوقات إذا كنت أصنف وأنا فى خلوة أسمع حسا حولى ولا أرى أحدا. قال: وكان منقطعا عن الناس لا يركب إلا إلى درس أو نزهة، وكان يعتكف كل سنة بالجامع الحاكمى، ويحب أهل الخير والفقراء ويعطيهم.

وكذا ترجمه ابن خطيب الناصرية، وابن قاضى شهبة، والمقريزى فى غير سلوكه وآخرون.

كان رحمه الله تعالى مديد القامة حسن الصورة يحب المزاح مع ملازمة الاشتغال والكتابة، حسن المحاضرة جميل الأخلاق كثير الإنصاف، شديد القيام مع أصحابه، موسعا عليه

ص: 220

فى الدنيا، مشهورا بكثرة التصانيف حتى إنها بلغت ثلاثمائة مجلد بين كبير وصغير وكان عنده من الكتب ما لا يدخل تحت حصر، منها ما هو ملكه ومنها ما هو من أوقاف المدارس، ثم إنها احترقت مع كثير مسوداته فى أواخر عمره ففقد أكثرها، وتغير حاله بعدها. وقال صاحب المعجم: إنه قبل احتراق كتبه كان مسقيم الذهن. وأنشد بعضهم من نظمه مخاطبا له.

لا يزعجنّك يا سراج الدين أن

لعبت بكتبك ألسن النيران

لله قد قربتها فتقبلت

والنار مسرعة إلى القربان

وحكى ممن كان يتعجب منه-عن بعض من سماه-أنه دخل عليه يوما وهو يكتب فدفع إليه ذاك الكتاب الذى كان يكتب منه وقال له: أمل على. قال: فأمليت عليه وهو يكتب إلى أن فرغ فقلت له: يا سيدى أتسخ هذا الكتاب؟ فقال: بل أختصره. قال: وهؤلاء الثلاثة العراقى والبلقينى وابن الملقن كانوا أعجوبة هذا العصر على رأس القرن، الأول فى معرفة الحديث وفنونه، والثانى فى التوسع فى معرفة مذهب الشافعى، والثالث فى كثرة التصانيف، وقدر أن كل واحد من الثلاثة ولد قبل الآخر بسنة ومات قبله بسنة، فأولهم ابن الملقن ثم البلقينى ثم العراقى، وهو عند المقريزى فى عقوده. وقال: إنه كان من أعذب الناس ألفاظا، مات رحمه الله تعالى فى ليلة الجمعة سادس عشر من ربيع الأول سنة أربع وثمانمائة ودفن على أبيه بحوش سعيد السعداء، وأن علىّ بن عمر المترجم المذكور-ويعرف كأبيه بابن الملقن-ولد فى سابع شوال سنة ثمان وستين وسبعمائة، ونشأ فى كنف أبيه فحفظ القرآن وكتبا وعرض على جماعة وأجاز له جماعة، بل رحل مع أبيه إلى دمشق وحماة، وأسمعه هناك على ابن أميلة وغيره من أصحاب الفخر وغيره، ودرس فى جهات أبيه بعد موته، وناب فى القضاء بالقاهرة والشرقية وغيرهما، كان ساكنا حيا، ومات فيما أرخه العينى فى أوائل رمضان سنة سبع بمدينة بابيس، وحمل إلى القاهرة ودفن عند أبيه بتربة سعيد السعداء، وقد اختصر المبهمات لابن بشكوال مع زيادات له فيها-رحمه الله تعالى.

انتهى من الضوء اللامع.

‌جامع الخانى

هذا المسجد بحارة التمار. وهو متخرب وليس به ما يدل على تاريخ إنشائه، وينسب للشيخ محمد الخانى. والناظر على أوقافه رجل يدعى حسن أفندى عبد الفتاح.

ص: 221

‌جامع خشقدم الأحمدى

هذا المسجد بشارع درب الحصر من خط الخليفة. وله باب على الشارع وآخر داخل درب الحصر، وبه إيوانان ومنبر ودكة تبليغ من الخشب تحتها عمودان من الرخام، وبأعلاها لوح رخام منقوش فيه بليقة ذهبية: بسم الله الرحمن الرحيم {وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ} وبدائره إزار خشب مكتوب فيه أسماء الله الحسنى، وتاريخ سنة سبعين وثمانمائة. وله مطهرة ومنارة، وهو الآن مقام الشعائر مع قلة أوقافه، وهو تحت نظر الديوان.

‌ترجمة خشقدم:

ولعل هذا الجامع هو جامع خشقدم اللالا الذى ذكره السخاوى فى الضوء اللامع فقال: خشقدم الظاهرى جقمق الرومى اللالا، ويقال له أيضا الأحمدى نسبة لناجره، قد عمل إحدى قاعاته بالقرب من درب الرملة جامعا تقام فيه الجمعة والجماعة، وجدد زاوية قطاى تحت القلة وبنى بها بيوتا ونحوها، وحفر هناك بئرا تكلف نقرها فى الحجر، وكان أول أمره لالة ولد سيده ثم صار أحد السقاة، ثم فى أيام الأشرف قايتباى كان رأس نوبة السقاة، ونوبة الجمدارية، وشاد السواقى، ثم عمل وزيرا بمشارفه، ثم استقر خازندارا زماما فظلم وعسف وأهين مرة بعد أخرى، وتأمر على الحج، وربما كان يتلو القرآن، ويصلى بالليل، ويستعمل بعض الأوراد ويبكى، واستمر على الزمامية والخازندارية حتى غضب عليه السلطان وأرسله مع ابن عمر شيخ هوارة ليرسله إلى سواكن، فكانت منيته بسواكن فى شوال سنة أربع وتسعين ذليلا مهانا، وأظنه بلغ/السبعين إن لم يكن جازها، وكان يقول قبل انفصاله بنحو سنة إن له فى القلعة أربعا وخمسين سنة رحمه الله تعالى.

‌جامع الخضيرى

هذا المسجد بشارع حدرة الحناء بالقرب من قلعة الكبش عن يمين الذاهب من الصليبة إلى جهة السيدة زينب رضي الله عنها تجاه مدرسة صرغتمش. كان أصله زاوية أنشأها العارف بالله تعالى سيدى الشيخ سليمان الخضيرى رضي الله عنه قبل وفاته، ووقف عليها أطيانا كثيرة لإقامة شعائرها، وشرط فى الوقفية أن ما فضل من الريع يكون لذريته طبقة بعد طبقة، تحجب الطبقة العليا الطبقة السفلى، الذكر والأنثى فى ذلك سواء، إلا أن أولاد الظهور مقدمون على أولاد البطون، بحيث لا يستحق أولاد البطون إلا بعد انقراض أولاد

ص: 222

الظهور، إلى آخر ما هو موضح بحجة الوقفية. وقد رتب فيها مجلس ذكر وصلوات بعد صلاة الجمعة يستمر إلى آخر الليل، ورتب لذلك شموعا وجرايات مستمرة إلى الآن.

ثم إن ابنه الولى الصالح العارف بالله تعالى الشيخ أحمد الخضيرى هدم بعضها وجددها بأحسن مما كانت عليه، وبعد وفاته دفن بها بجوار قبر والده.

ثم فى سنة ألف ومائة وثمان وثمانين جددها ناظرها سليمان أفندى بن الشيخ عبد الرحمن من نسل الأستاذ الخضيرى، وزاد فيها سعة من الجهة البحرية وجعلها مسجدا جامعا، وأحدث بها المنبر والدكة، ووضع فى حيطانها القيشانى مكتوبا فيه أبيات من بردة المديح، وتاريخ هذه العمارة مكتوب على واجهة باب المسجد فى بيت شعر وهو:

باب الخضيرى لما تبغى عليك به

وأرخن فهو جاه حاضر المدد

ووقف عليها رزقا من الأطيان ورتب لها علوفات مقبوضة، وكذا ابن عمه مصطفى أفندى وقف أوقافا كثيرة للصرف على شعائر المسجد والمجاورين به، وقد انضمت تلك الأطيان لجانب الديوان سوى ثلاثة أفدنة وكسور بناحية طوخ طنبشا.

ورتب له العزيز محمد على باشا بالروزنامجة بدلا عن تلك الأطيان كل شهر مائتين وسمة وثمانين قرشا ديوانيا، وذلك غير مرتب أوقاف سليمان أفندى ومصطفى أفندى وغيرهما، وهو كل شهر مائة وسبعة وخمسون قرشا.

ولم يكن لهذا المسجد مطهرة إلى أن تولى نظره السيد محمد قاسم الخضيرى بعد رجوعه من سفر الشام صحبة سر عسكر الوزير إبراهيم باشا والد الخديو إسماعيل باشا فأجرى به عمارة وأحدث الميضأة والمغطس والحنفية والأخلية على ما هى عليه الآن.

وفى سنة تسع وسبعين ومائتين وألف حصل خلل بالبوائك فهدمها السيد حسن قاسم وهدم الدهليز ليجددها، وكان ناظر الأوقاف يومئذ الأمير راتب باشا الكبير، فمر بتلك الجهة فرأى ذلك فأحضر الحاج محمد صالح سريه المهندس المعمارى وأمره بتكميل بناء هذا المسجد على طرفه، فجدد على ما هو عليه الآن. وهو مسجد عامر مقام الشعائر إلى الغاية وحضرته مستمرة على ما كانت عليه، ويصعد إليه يسلم من حجر مدوّر، وبداخل الباب دهليز بآخره خلوة صغيرة بها نصبة القهوة، وعن يمين الداخل من الجهة الشرقية سلم بعده درج يوصل إلى المطهرة والبئر، فإذا توضأ الشخص يصعد إلى المسجد من سلم آخر يسمى سلم الطهارة، وعن يسار الداخل بالدهليز باب للمسجد يسمى باب الوسط، وبه عشرة أعمدة بعضها من حجر وبعضها من رخام وعليها بوائك من الحجر، وأرضه

ص: 223

مفروشة بالحجر، وسقفه من الخشب المنقوش وتحت السقف كرنيش مكتوب عليه:

أنشأ هذا المسجد أبو العباس أحمد الخضيرى.

وضريح الأستاذ تجاه باب الوسط عليه قبة ومقصورة من الخشب، وبداخل المقصورة قبر ابنه الشيخ أحمد، وقبر آخر فيه السيد حمزة الخضيرى، وبجوارها مقصورة أخرى صغيرة بها قبر السيد أحمد تاج الدين، وهناك قطعة من إزار خشب عليها أبيات شعرية، وتحت الإزار دواليب للوازم المجاورين، ودكته قائمة على عمودين من أعمدته وتحتها إزار خشب فيه أبيات تتضمن مدح السادة الخضيرية، وتحت ذلك ألواح من القيشايى ممتدة من ابتداء الحائط إلى سلم الطهارة، وتحت ذلك خزانة الكتب بجوارها باب يسمى باب القبة يوصل للسطح، وبأعلى المسجد شبابيك مصنوعة من الجبس والزجاج الملون، ويكتنف القبلة شباكان من الحديد مطلان على الشارع، وفوقهما شباكان من الزجاج، وبين المنبر والمقام فجوة صغيرة تسع المصلى وشباك من الخشب المخروط، وعلى يسار القبلة مكتوب:

قال الله تعالى: {كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ} وعلى يسارها خلوة صغيرة تسمى المعبد هى مخزن للجراية.

‌ترجمة الشيخ الخضيرى:

والشيخ الخضيرى-كما فى كتاب مناقب السادة الخضيرية للشيخ عبد الرحمن جاويش- هو السيد سليمان أبو الربيعين الزبيرى الصديقى الحسينى بن نور الدين على بن شهاب الدين /أحمد، ينتهى نسبة إلى ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله عنهم، يجتمع مع النبى صلى الله عليه وسلم فى قصى. والمراد بالربيعين علم الظاهر والباطن. وكان صاحب كرامات وزار الرحاب الحرمية مرارا، وكان لا يذكر أحدا بمنقصة ولا يسمع من أحد ذلك، ويقول:

لا يذكر نقائص الناس إلا ناقص. وكان شأنه الصمت، أخذ القرآن والطريق عن الشيخ أحمد المرحومى المدفون بمصر القديمة، وأخذ عن الجلال السيوطى. ومن إخوانه فى الطريق الشيخ أبو السعود الجارحى رضي الله عنه، وكان من العلماء العاملين، وكان مسموع الكلمة عند الأمراء، وكان له نحو خمسمائة تلميذ، وتوفى تاسع شهر ذى الحجة سنة خمس وستين وتسعمائة، ودفن بزاويته فى مزاره المشهور لجده السيد محمد المزبور وصلى فى قبره ركعتين.

وكان ابنه الشيخ أحمد عارفا بالله تعالى وليا صالحا مجذوبا، مربيا للمريدين ومرشدا للسالكين، حصلت له جذبة قوية وهو صغير فى حياة والده رضي الله عنه، وكانت إقامته غالبا فى هذه الحالة بساقية مكى من بر الجيزة فوق ساقية هناك على الطريق، ثم رجع إلى

ص: 224

الصحو وأخذ عن والده وأقام طريقته من بعده، وصار عالما هماما، وأطعم الفقراء، وزادت تلامذته، وكان يقيم كل سنة أربعة أشهر فى ثغر الإسكندرية، ولم يزل على حالة حسنة إلى أن توفى ودفن بجوار والده. وقد نظم تاريخ موته بعض تلامذته فقال:

مات مولانا سعيدا

لا يرى فى الحشر ضيرا

قلت حقا فى تاريخ

قد جزاه الله خيرا

وترك من الأولاد ثلاثة ذكور: عليا، وصالحا، وعبد الرحمن، وأنثى واحدة، وقام مقامه ابنه الشيخ على إلى أن مات فدفن بهذه الزاوية أيضا انتهى.

ويعمل للأستاذ الخضيرى مولد كل سنة فى شهر ذى القعدة، وقد نقله الشيخ أحمد تاج الدين إلى شعبان، ثم حوله السيد محمد قاسم إلى ذى القعدة ثانيا، ويستمر نحو عشرة أيام.

‌جامع الخطيرى

هو فى بولاق القاهرة. كان موضعه مغمورا بماء النيل ثم انحسر عنه الماء، وصار بعد سنة سبعمائة منتزها به زروع، ثم بنى دارا تشرف على النيل عرفت بدار الفاسقين لكثرة أنواع المحرمات فيها، ثم اشتراها الأمير عز الدين أيدمر الخطيرى وبنى مكانها هذا الجامع وسماه «جامع التوبة» وتأنق فى عمارته ورخامه فجاء من أجل جوامع مصر، وعمل له منبرا من رخام فى غاية الحسن، وجعل به شبابيك تشرف على النيل وخزانة كتب جليلة، ورتب به درسا للشافعية، ووقف عليه أوقافا، وجملة ما أنفق فيه أربعمائة ألف درهم نقرة، وكمل فى سنة سبع وثلاثين وسبعمائة وأقيمت فيه الجمعة حينئذ، ثم قوى البحر عليه وهدمه، فأعاده ورمى قدام زريبته ألف مركب مملوءة بالحجارة، ثم انهدم بعد موته وأعيدت زريبته.

‌ترجمة الخطيرى:

وكان أيدمر الخطيرى مملوك شرف الدين أوحد بن الخطيرى الأمير مسعود بن خطير انتقل إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون فرقاه حتى صار أحد أمراء الألوف، وكان منور الشيبة كريما، يحب التزوج الكثير والفخر، وكان لا يلبس قباء مطرزا ولا مصقولا، وكان يخرج الزكاة. مات رحمه الله تعالى سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، ودفن بتربته خارج باب النصر.

ولم يزل هذا الجامع مجمعا يقصد للنزهة على النيل، ويرغب فى السكنى بجواره، ثم انحسر ماء النيل عما تجاهه سنة ست وثمانمائة وصار رملة، وتكاثر الرمل تحت شبابيك الجامع وقربت

ص: 225

الشبابيك من الأرض، وهو الآن عامر إلا أنه اتضع حال ما يجاوره من السوق والدور انتهى باختصار من المقريزى.

وقد تخرب وبقى مدة، ثم فى عصرنا هذا عمر منه السيد محمد المعروف بالشيخ رمضان البولاقى المجذوب جانبا عظيما وأقام شعائره، كما عمر هناك عدة مساجد وأقام شعائرها، وهو رجل كان فى أول أمره مشتغلا بالعلم فى الأزهر ويعبد الله على مذهب الإمام الشافعى، ثم صار مؤدب أطفال ومع ذلك يفقههم فى دينهم، ثم حصل له عزلة عن الناس فلازم بيته مدة سنوات لا يخرج إلا للجمعة مع القيام بوظائف اليوم من الغسل وخلافه، ثم بعد ذلك لازم مسجد السلطان أبى العلاء مدة إلى أن غلب عليه الحال وصار له خوارق عادات وكرامات وشطح يخرج ظاهره عن الشرع، والناس يعتقدونه ويمتثلون أمره ويبذلون عليه أموالهم بسماح نفس، إلى أن توفى رحمه الله فى اليوم الثامن من ذى الحجة سنة اثنتين وثلاثمائة.

‌جامع الخلوتى

هذا الجامع داخل قنطرة آق سنقر بالقرب من جامع حسين باشا أبى أصبع. مكتوب على وجه بابه أبيات وتاريخ سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف، وهو مقام الشعائر تام المنافع وبداخله ضريح سيدى محمد الخلوتى المنسوب إليه هذا الجامع، يعمل له مولد كل سنة.

‌ترجمة الشيخ الخلوتى:

وسيدى محمد هذا كما فى حاشية الشيخ/الصاوى على خريدة التوحيد نقلا عن المناوى فى الكواكب الدرية فى مناقب الصوفية: هو ابن أحمد بن محمد كريم الدين الخلوتى، ولد سنة ست وتسعين وثمانمائة، ونشأ فى كنف الله حتى شبّ وترعرع فصار يميل إلى الخير، ويحضر مجالس الذكر وينشد فيها كلام القوم، ورزق حسن الصوت وطيب النغمة، أخذ عن الشيخ دمرداش فأحبه وقربه وشغله بالطريق وأخلاه مرارا، وظهرت نجابيه وجد واجتهد واشتهر، وتلقى عنه علم الأوفاق والحرف والزايرجه والرمل فأتقن ذلك، ولما دنت وفاة الشيخ أجاز جماعته واستخلف الشيخ حسنا ولم يتعرض له مع نجابته فلزم الأدب وسكت، فلما احتضر الشيخ قال لولده الشيخ محمد: قصرنا فى شأن الشيخ كريم الدين مع استحقاقه، وأشهدكم أنى أجزته فاكتبوا له وأعطوه جبتى، فكتب له ولد الشيخ من الإجازة صدرا فمات الشيخ، فأكملها بعده لكنه أعطى الجبة لغيره فأخذها ولبسها فقتل، فدفعت للموصى له بها فكان ذلك علامة تقدمه، فاجتمع عليه خلق كثيرون، وانتهت إليه الرياسة فى طريق

ص: 226

الخلوتيه وعلا قدره وظهر أمره، ولما كثرت جماعته تحول إلى زاوية بالقرب من قنطرة سنقر على الخليج. وكان هينا لينا متواضعا للزائرين، مهيبا على السالكين، أخلى مرة رجلا فقال: يا سيدى أدركت كل ما يدرك بالقوى الحواس بذاتى، حتى كأنى عين الاسم الذى أشتغل به من جميع جهاتى، فزجره زجرة مزعجة ارتعدت منه جميع جوارحه فزال منه ذلك. وكان هو والعارف الشعرانى فى عصر واحد يقصدان للزيارة والتسليك، فلما مات الشعرانى انفرد الخلوتى بالوجاهة وأقبل عليه الخاص والعام. ولم يزل الشيخ مقيما على الإرشاد، وأمره دائما فى ازدياد، بحيث إنه إذا خرج من الشارع يكثر الزحام على تقبيل يديه ورجليه، وما برح كذلك حتى وافاه الحمام فى جمادى الآخرة سنة ست وثمانين وتسعمائة عن نحو تسعين سنة، وأغلقت البلد لمشهده، وحمل نعشه على الأصابع من زاويته إلى الجامع الأزهر وصلى عليه فيه، ثم رجعوا به ودفن بزاويته رحمه الله تعالى انتهى.

‌جامع الخندق

فى المقريزى أن هذا الجامع بناحية الخندق خارج القاهرة. ولم يزل عامرا بعمارة الخندق، فلما خربت مساكن الخندق تلاشى أمره، ونقلت منه الجمعة، وبقى معطلا إلى شعبان سنة خمس عشرة وثمانمائة، فأخذ الأمير طوغان الحسنى الدوادار عمده الرخام وسقوفه وترك جدرانه ومنارته، وهى باقية، وعما قليل تدثر كما دثر غيرها مما حولها انتهى. وليس له الآن أثر، وعمده نقلها منه طوغان ووضعها فى جامع إبراهيم أغا بالتبانة-كما فى المقريزى- وهى به إلى الآن.

‌جامع الخوّاص

هو بحارة الخوّاص من الحسينية على يسار الذاهب من الحارة إلى السور المطل على باب النصر بقرب الموضع المعروف بالزلاقة. وبه منبر وخطبة وشعائره مقامة بنظر ديوان الأوقاف.

وفيه ضريح سيدى على الخواص رضي الله عنه عليه قبة صغيرة، وله حضرة كل أسبوع ومولد سنوى، وقد ذكرنا مناقبه من طبقات تلميذه سيدى عبد الوهاب الشعرانى فى الكلام على بلدته البرلس.

وبجواره ضريح يقال إنه للشيخ محمد أبى البركات.

وبجواره ضريح عليه مقصورة من الخشب يقال إنه للشيخ يوسف العبرى.

ص: 227

وفى طبقات الشعرانى أن هناك قبر الشيخ ناصر الدين النحاس. قال: كان من رجال الله المستورين، وكان على قدم التعب لا يذيق نفسه راحة ولا شهوة، وكان يذهب كل يوم إلى المذبح فيأتى بكروش البهائم وطحالاتها ونحو ذلك فى قفة على رأسه، فيطعمها للكلاب والقطط العاجزة عن التقوت والحدا والغربان. وسافر إلى مكة على التجريد ولم يقبل من أحد شيئا ألبتة. وكان له كرامات كثيرة تركناها لكونه كان يحب الخمول. مات رضي الله عنه سنة خمس وأربعين وتسعمائة ودفن بزاوية الشيخ على الخوّاص رضي الله عنه خارج باب الفتوح بالمحروسة انتهى.

‌جامع خير بك

هذا المسجد بالخربكية جهة باب الوزير. أنشأه الأمير خير بك ملك الأمراء فى سنة سبع وعشرين وتسعمائة، وهو من المساجد المشيدة، وأرضه مرتفعة نحو ثلاثة أمتار ومفروشة بالرخام الملون، وبه ضريح منشئه، ومن داخل المسجد بطحاء متسعة بها المطهرة وتوابعها، وبعض قبور، وشعائره مقامة من ريع أوقافه التابعة للديوان.

‌ترجمة خير بك أول من تقرر باشا بمصر:

وخيربك هذا كما فى ابن إياس: هو ملك الأمراء خيربك أول من تقرر باشا بمصر بموعد سبق له من السلطان سليم، وذلك فى سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، واستمر نائبا عليها إلى أن مات سنة ثمان وعشرين وتسعمائة، فكانت مدة نيابته بمصر نحو خمس سنين وثلاثة أشهر وسبعة عشر يوما، وكان جبارا عنيدا سفا كاللدماء، قتل ما لا يحصى من الخلائق، وشنق رجلا على عود خيار شنبر أخذه من جنينته، وهو الذى أتلف معاملة الديار المصرية من الذهب والفضة والفلوس الجدد، وسلط إبراهيم اليهودى معلم دار الضرب على أخذ أموال المسلمين، وقرب شخصا من النصارى يقال له/يونس، وجعله متحدثا على الدواوين فأهان المسلمين، وصاروا يخضعون له ويقفون فى خدمته، وكان يكره الفقهاء والعلماء، ويكره المماليك الجراكسة مع أنه منهم، لأن أصله من مماليك الأشرف قايتباى. وكان جركسى الجنس أباظا، وكان اسمه بلباى الجركسى، وكان يدعى أيضا خيربك بلباى. وفى مرض موته أعتق جميع جواريه ومماليكه، ثم إنه دفع للقاضى بركات بن موسى المحتسب ألف دينار فضة ورسم بعشرة آلاف أردب قمح من الشون، ورسم للمحتسب أن يفرقها على مجاورى الأزهر، وعلى المزارات، والزوايا. ثم أمر بإخراج مراسيم للقاضى شرف الدين بن عوض بأن يفرج عن أصحاب الرزق الأحباسية التى كان قد أدخلها إلى الديوان السلطانى-وكانت

ص: 228

نحو ألف وثمانمائة رزقة-فأفرج عنها لأصحابها، ورسم بإطلاق المحابيس من رجال ونساء فأطلقوا من كان بسجن الديلم والرحبة، ولم يتركوا بالسجن إلا القاتل والسارق، ولم ير الناس فى أيامه أحسن من أيام مرضه، ولم يعرف الله عز وجل إلا وهو تحت الحمل، وكان مريضا بفرخ جمر فأعجز الأطباء، واستمر به المرض إلى أن مات. ودفن بجامعه المذكور انتهى. فسبحان من تعزز بالقدرة وقهر العباد بالموت.

***

ص: 229

‌حرف الدال

‌جامع داود باشا

هذا المسجد بسويقة اللالا. منقوش على بابه فى الرخام بيتان وهما:

أتم بناه داود صديق

وفى سبل الهدى قد جدّ سيرا

حمدناه فأرخنا بناه

حوى حمدا جزاه الله خيرا

ولهذا الباب سلم من الرخام ودائر ملبس بالرخام الملون، وكذا قبلته ومنبره، وليس به أعمدة وإنما سقفه على البوائك، وبوجهه الذى على الشارع خمسة شبابيك من الحديد.

وبأعلاه شبابيك مصنوعة بالجبس والزجاج الملون، ومطهرته منفصلة عنه، وبجوارها سبيل مفروش بالرخام، وبه لوح منقوش فيه:

يا أيها الماء انبسط

ولا تخف تكدرا

فربنا مسامح

يغفر لنا ما قد جرى

وبجوار هذا اللوح عمودان من الرخام، وكان هذا الجامع أول أمره مدرسة أنشأها الأمير داود باشا والى مصر.

وفى كتاب «أخبار الأول فيمن تصرف فى مصر من أرباب الدول» للشيخ محمد عبد المعطى الإسحاقى: أن الأمير داود باشا لما تولى على مصر فى سابع المحرم سنة خمس وأربعين وتسعمائة، وبنى فى ولايته مدرسة عظيمة محكمة البناء بسويقة صفية اللالا بمصر المحروسة، وقف لها أوقافا، وهى باقية إلى الآن، مقامة الشعائر الإسلامية، فتصرف إلى ثالث عشر ربيع الأول سنه خمس وخمسين وتسعمائة، فكانت المدة إحدى عشرة سنة وشهرا واحدا وعشرين يوما

(1)

، وتوفى بمصر المحروسة ودفن بالقرافة انتهى. وانظر هذا التاريخ مع جمل قوله حوى حمدا جزاه الله خيرا. فإن جمله تسعمائة وسبعون، باعتبار أن ألف حوى ياء كما هو المتعين فى نحو ذلك، فإن اعتبرتها ألفا فهو تسعمائة وإحدى وستون، فلعل هذا الامير أتم بناءها بعد صرفه عن الولاية.

(1)

قوله: فكانت المدة

الخ. كذا فى تاريخ الإسحاقى، وفيه نظر لا يخفى.

ص: 230

‌جامع درب قرمز

هو المدرسة السابقية التى قال فيها المقريزى: هذه المدرسة داخل قصر الخلفاء الفاطميين من جملة القصر الكبير الشرقى الذى كان داخل دار الخلافة، ويتوصل إليها الآن من تجاه حمام البيسرى بخط بين القصرين، وكان يتوصل إليها أيضا من باب القصر المعروف بباب الريح من خط الركن المخلق.

‌ترجمة سابق الدين

بنى هذه المدرسة الطواشى الأمير سابق الدين مثقال الأنوكى مقدم المماليك السلطانية الأشرفية، وجعل بها درسا للشافعية، وخزانة كتب، ومكتبا يقرأ فيه أيتام المسلمين، وبنى بينها وبين داره التى تعرف بقصر سابق الدين حوض ماء للسبيل هدمه الأمير جمال الدين يوسف الأستادار لما بنى داره المجاورة لهذه المدرسة، وولى سابق تقدمة المماليك بعد الطواشى شرف الدين فى صفر سنة ثلاث وستين وسبعمائة، ثم تنكر عليه الأمير يلبغا الخاصكى القائم بدولة الملك الأشرف شعبان بن حسين وضربه ستمائة عصا وسجنه ونفاه إلى أسوان سنة ثمان وستين، فلم يكن غير قليل حتى قتل الأمير يلبغا، فاستدعى الأشرف سابق الدين من قوص وأعاده إلى التقدمة، فاستمر فيها إلى أن مات سنة ست وسبعين وسبعمائة انتهى. وهو الآن معطل متخرب وصورته باقية.

‌جامع الدشطوطى

هو خارج باب الشعرية المعروف الآن بباب العدوى فيما بينه وبين كوم الريش على يسار الذاهب من باب الشعرية إلى كوم الريش وأرض السخاوى. أنشأه-كما فى ابن إياس-الشيخ عبد القادر الدشطوطى مدرسة تجاه سيدى يحيى البارنجى، ودفن بها فى تاسع شعبان سنة أربع وعشرين وتسعمائة.

ثم جدده السيد محمد جلال الدين البكرى المدفون/به، وأرض هذا الجامع مرتفعة يصعد إليه بدرج، وينزل منه إلى مطهرته بدرج فى سرداب طويل، وبه منبر من الخشب النقى، وأربعة أعمدة من الرخام، وله منارة وبئر، وبه معطس يعتقد الناس أن من غطس فيه ثلاث مرات فى ثلاثة أسابيع تذهب عنه الحمى، وعلى ضريح الأستاذ الدشطوطى مقصورة من الخشب تعلوها قبه أنشأها الشيخ محمد جلال الدين البكرى، وله حضرة كل ليلة جمعة،

ص: 231

ويقصد للزيارة كثيرا سيما للنساء، وله مولد سنوى مشهور يقيم ثمانية أيام آخرها ليلة المعراج الشريف، ويحتفل به ناظره نقيب الأشراف السيد البكرى، وينتقل إليه بعائلته فى بيته المجاور للجامع، ويهتم له أهل تلك الجهة، ويصرف كثير فى المأكول والمشروب، ويركب فى آخر يوم منه شيخ سجادة السعدية برجاله وإشاراته لأجل عمل «الدوسة» وهى أن ينام جماعة من السعدية متجاورين صفا واحدا، ويركب شيخ السجادة فرسا ويدوسهم به من أول الصف إلى آخره ولا يكسر منهم عظما ولا يهشم لحما، ويعمل مثل ذلك فى موالد كثيرة بالمحروسة كمولد النبى صلى الله عليه وسلم، ومولد الحنفى، والإمام الشافعى رضي الله عنهم، ثم استفتى عنها فأفتى العلماء بمنعها فمنع الحاكم منها وأبطلت تلك البدعة والحمد لله على ذلك. ولهذا الجامع أوقاف تحت نظر نقيب الأشراف السيد البكرى تقام منها شعائره، وقد ذكرنا ترجمة الدشطوطى عند ذكر بلدته دشطوط فارجع إليها إن شئت.

‌جامع الدمرداش

هذا الجامع خارج الحسينية، بينها وبين قبه الغورى فى بويتات مسكونة بالأهل. وهو مسجد عامر بريع أوقافه تحت نظر الشيخ عبد الرحيم الدمرداش، وسقف مقصورته قبة قائمة على سبع بوائك، وبه منبر من الحجر ودكة من الخشب، وصحنه كشف سماوى مفروش بالحجر، وفى وسطه ميضأة، وبجوانبه خمسون خلوة للصوفية سفلية وعلوية، وله مئذنة.

ومقام الأستاذ دمرداش عن شمال المنبر عليه مقصورة من الخشب، ويقصده الزوار كثيرا، وله مولد فى شهر شعبان يمكث ثلاثة أيام، وحينئذ يدخل الصوفية الخلاوى متلبسين بالصيام والقيام والأوراد والعزلة عن الناس، متريضين تاركين للشبع والنوم ومخالطة الناس، لا يخرجون إلا للصلاة مع الجماعة، فإذا كان آخر ليلة خرجوا لمجالس الذكر ومصافحة الناس، وهذه عادة جارية إلى الآن.

‌ترجمة الدمرداش المحمدى:

فى طبقات الشعرانى: أن سيدى الشيخ دمرداش المحمدى رضي الله عنه أحد جماعة سيدى عمر رويشين بمدينة توريز العجم، كان رحمه الله تعالى على قدم السلف الصالح من الأكل من عمل يده، والتصدق بما فضل. وعمل الغيط المجاور لزاويته خارج مصر والحسينية، فأقام هو وزوجته فى خص يغرسون فيه خمس سنين. قال وقال لى: ما أكلت منه ولا واحدة

ص: 232

لأنى زرعته على اسم الفقراء والمساكين وابن السبيل والسائلين، وكان لا ينام من الليل إلا يسيرا ثم يقوم يتوضأ ويصلى، ثم يتلو القرآن فربما يقرأ الختمة كاملة قبل الفجر، وليس فى مصر ثمرة أحلى من ثمرة غيطه، وقسم وقفه ثلاثة أثلاث: ثلث يرد على مصالح الغيط، وثلث للذرية، وثلث للفقراء القاطنين بزاويته، ورتب عليهم كل يوم ختما يتناوبونه ويهدون ذلك فى صحائف سيدى الشيخ محيى الدين بن العربى رضي الله عنه وكان أمره كله جدا. مات رحمه الله تعالى سنة نيف وثلاثين وتسعمائة، ودفن بزاويته انتهى.

‌ترجمة السيد محمد الدمرداش:

ومن ذريته السيد محمد الدمرداشى، ترجمه الجبرتى فقال: هو السيد الأجل المحترم، فخر الأعيان الأشراف السيد محمد بن حسين الحسينى العادلى الدمرداشى، ولد بمصر قبل القرن بقليل، وأدرك الشيوخ وتموّل وأثرى وصار له صيت وجاه، وكان بيته بالأزبكية ويرد عليه العلماء والفضلاء، وكان وحيدا فى شأنه مقبول الكلمة عند الأمراء. ولما تولى الشيخ أبو هادى الوفائى كان يتردد إلى مجلسه كثيرا، توفى سنة ثمان وسبعين ومائة وألف انتهى.

‌ترجمة السيد محمد بن عثمان:

ومن ذريته أيضا السيد محمد بن عثمان، قال الجبرتى فى حوادث سنه أربع وتسعين ومائة وألف: أنه مات بهذه السنة السيد الأجل، الوجيه الفاضل السيد محمد بن عثمان بن محمد بن عبد الرحيم بن مصطفى بن القطب الكبير سيدى محمد دمرداش الخلوتى، ولد بزاوية جده ونشأ بها، ولما توفى والده جلس مكانه فى خلافتهم، وسار سيرا حسنا مع الأبهة والوقار، وتردد الأفاضل إليه على عادة أسلافه، وكان يعانى طلب العلم مع الرفاهية وبعض الخلاعة، ولازم المرحوم الوالد هو وأولاده السيد عثمان والسيد محمد المتولى الآن فى مطالعة الفقه الحنفى وغيره بالمنزل، ويحضرون أيضا بالأزهر وعلى الأشياخ المترددين عليهم بالزاوية، مثل الشيخ محمد الأمير، والشيخ محمد النفراوى، والشيخ محمد عرفة الدسوقى، وكان المترجم حسن العشرة والمودة، ولما توفى دفن بزاويتهم عند أسلافه انتهى ببعض اختصار.

وهناك قبور عليها نقوش، من ذلك فى الجهة الغربية من المسجد ما صورته: بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله/محمد رسول الله، هذه مدافن الست المصونة والجوهرة للكنونة الست كليوى زوجة حسن أفندى رزنامجى باشا بمصر.

ص: 233

والست المصونة، والجوهرة المكنونة، الست هنا والدة قدوة المحققين، وعمدة السالكين أستاذنا الشيخ دمرداش الخلوتى المحمدى، توفيت يوم السبت الثالث من جمادى الأولى سنة اثنتى عشرة ومائة وألف.

وبالجهة الشرقية قبر يقال إنه قبر المرحوم سنان باشا. عليه كتابة بها تاريخ سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة.

وفى الجبرتى أن الفرنسيس فى سنة أربع عشرة-وقت حربهم بمصر-نهبوا زاوية الدمرداش وما حولها كقبة الغورى والمنيل وغيرهما إلى آخر ما هو مبسوط فيه.

‌جامع الديرينى

هو بمنيل الروضة. كان متخربا وجدده غطاس أفندى وحنا البحرى، ثم جرت فيه عمارة من طرف إسماعيل باشا عاصم رحمه الله تعالى سنة أربع وسبعين ومائتين وألف، وجددت حينئذ منارته، وبه أربعة أعمدة من الحجر وميضأة ومرافق، وناظره الشيخ محمد على المنيلى، وكان له مرتب من طرف الست مهتاب فانقطع بموتها. وشعائره الآن مقامة.

وبه ضريح يقال إنه ضريح سيدى عبد العزيز الديرينى، ويعمل له حضرة كل يوم سبت وله مولد كل سنة فى شهر صفر من طرف الدائرة السنية. ولكن فى طبقات الشعرانى أن سيدى عبد العزيز الديرينى فى بلده ديرين وقد ذكرنا ترجمته هناك.

‌جامع الديلم

هذا الجامع داخل حارة خشقدم بقرب منزل الحمصانى. وهو جامع صغير، وبناؤه شركسى بغير عمد وشعائره مقامة ومنافعه تامة، وبه منبر وخطبة وله منارة، ويعرف أيضا بالجامع الجوانى، وبجامع كافور الزمام، وهو مدرسة حارة الديلم التى ترجم لها المقريزى ولم يذكرها.

‌ترجمة كافور:

وفى الضوء اللامع للسخاوى: أن كافورا هذا هو كافور الصرغتمشى الرومى الطواشى الزمام من عتقاء منكلى بغا الشمسى، وكأنه ملكه بعد قتل صرغتمش الأشرفى؛ فإنه كان ينسب إليه، وكان صاحب الترجمة أصيلا فى بيت السلطان، خدم عند الظاهر برقوق فى أوائل سلطنته بواسطة زوجته خوند هاجر ابنة منكلى بغا، واستمر فى كبار الخدام إلى أن استقربه الناصر فرج فى سنة عشر وثمانمائة زماما بعد مقبل الرومى، ثم انفصل عنها فى حدود سنه أربع

ص: 234

وعشرين، ثم أعيد بعد يسير وأضيفت إليه الخازندارية، حتى مات بالقاهرة فى يوم الأحد الخامس والعشرين من ربيع الآخر سنه ثلاثين بعد أن كبر واحد ودب وقد زاد على الثمانين، ودفن بتربته، وخلف شيئا كثيرا وأملاكا أكثرها وقف على مدرسته وتربته، واستقر بعده فى الزمامية خشقدم الظاهرى، وفى الخازندارية فرج الأشرفى برسباى، وكان قصيرا رقيقا مغرما بالعمائر، أنشأ تربة بالصحراء معروفة به، وعمل فيها خطبة وصوفية، ووقف عليها عدة أوقاف، وكان لا يزال يزخرفها ويجدد ما زالت زخرفته منها، ويغضب ممن يسميها تربة.

وكذا أنشأ مدرسته بحارة الديلم من القاهرة، وفيها أيضا خطبة وصوفية، إلى غيرهما من العمائر التى يسمح فيها للصناع.

***

ص: 235

‌حرف الذال

‌جامع ذى الفقار بيك

هذا المسجد بشارع اللبودية من ثمن درب الجماميز. ويعرف الآن بجامع غطاس. يصعد إليه بسلالم من الحجر، وعلى بابه نقوش فى الحجر صورتها:

جامعا جاء لطيفا وبديع الإنشا

عالى السمك منيعا ووسيع الأحشا

فى بيوت أذن الله لها أن ترفع

والعبادات بها كل زمان تفشى

دام فيه صلوات وأجيبت دعوات

بنهار متجل وبليل يغشى

ذو الفقار فاز بخير فقلا تاريخها

عمر الجامع بالسعد بديع الإنشا

سنه 1091

وبه أربعه أعمدة من الرخام، وبمحرابه عمودان من الرخام أيضا، وله منبر خشب وبدائره إزار خشب مكتوب فيه سورة يس وسورة الفتح، وله منارة بديعة، وميضأة على أربعة أعمدة من الرخام، وحنفية بجوارها أشجار صغيرة، وله أوقاف منها سبعة حوانيت ومصبغة، ومرتب بالروزنامجة ثلاثة قروش وثمانية وعشرون نصفا فضة فى كل شهر، وله من وقف الشيخ عبد الفتاح الحريرى كل سنه لفرشه بالحصر مائتان وخمسون قرشا، ومن وقف الحاج إبراهيم أغا الأرنؤودى وزوجته الست فاطمة كل سنة نحو خمسة آلاف قرش، وشعائره مقامة بنظر الشيخ إبراهيم الشيباوى. وبهذا الجامع أيضا خلوتان من فوق بعضهما، كان بعض الصالحين يتعبد فيهما، والآن سكنها ناظره الشيخ إبراهيم المذكور، وله ساقية ركبت عليها الآن طلمبة، ويتبعه سبيل ومكتب بجواره متخربان، والظاهر أن ذا الفقار هذا هو المذكور فى كتاب قلائد العقيان ضمن ترجمة والى مصر الأمير حمزة باشا، قال فى ذلك الكتاب: وفى يوم الأحد سادس عشر شعبان سنة/سبع وتسعين وألف مات عز الدولة العثمانية فى الديار المصرية أمير الحج الشريف الأمير ذو الفقار بيك رحمه الله تعالى، وكان آية وحجة على أهل الفساد من العرب وغيرهم فى سائر الأقاليم، وبعد موته جرت حوادث يطول شرحها، واجتمع فى جنازته جمعية كبيرة جدا، وفرق فى مرضه أموالا كثيرة، وكان أميرا طاهرا محافظا على الصلوات الخمس فى أوقاتها، معظما للعلماء شفوقا على الفقراء، غليظا على المفسدين، وقبل دفنه بالقرافة ألبس الوزير حمزة باشا ولده الرشيد مير اللوا إبراهيم بيك خلعة الصنجقية انتهى.

ص: 236

‌حرف الراء

‌جامع راشدة

هو فيما بين دير الطين والفسطاط فى خطة راشدة. وراشدة قبيلة من العرب نزلوا عند الفتح، أنشأه الحاكم بأمر الله وتم بناؤه سنه خمس وتسعين وثلاثمائة وصليت فيه الجمعة، وعلقت فيه قناديل وتنور من فضة زنتها ألوف كثيرة.

ثم هدم وعمر بعد الأربعمائة، وجدد بعد ذلك مرارا، وكان يمتلئ بالناس لكثرة ما حوله من السكان، وإنما تعطل بعد سنة ثمانمائة.

وقال الشريف الجوانى النسابة: راشدة بطن من لخم، لهم خطة بمصر بالجبل المعروف بالرصد المطل على بركة الحبش، وقد دثرت الخطة ولم يبق فى موضعها إلا الجامع الحاكمى المعروف بجامع راشدة انتهى من المقريزى باختصار، وقد زال هذا الجامع بالمرة ولم يبق له أثر.

‌جامع رحبة عابدين

هذا الجامع بداخل رحبة عابدين قرب قنطرة الذى كفر. جدده الأمير عبد الرحمن كتخدا وهو مقام الشعائر، وبه ضريح يقال له ضريح الأربعين، وضريح يعرف بضريح الشيخ رمضان عليه مقصورة من الخشب، وبجواره تكية تابعة له ومكتب، وصهريج به مزملة من الرخام عليها شباك من النحاس الأصفر، وعلى باب التكية أبيات منها:

رباط خير جزيل العفو أرخه

قد جاء بشرى من الرحمن للعبد

1175 104 4 512 90 329 - 136

يعنى سنة ألف ومائة وخمس وسبعين

(1)

، وهذا تاريخ عمارة عبد الرحمن كتخدا فإنه من أهل القرن الثانى عشر، ولهذا الجامع أوقاف تحت نظر ديوان عموم الأحباس.

‌جامع الرفاعى

هذا الاسم يطلق الآن على البناء الشاهق المقابل لمدرسة السلطان حسن، على يسار السالك من شارع محمد على طالبا القلعة. أمرت بإنشائه المرحومة الست خوشيار والدة الخديوى إسماعيل ولكنه لم يعرف باسمها، بل بقى معروفا باسمه القديم الذى كان للزاوية التى بنى فى محلها،

(1)

فى الأصل سنة 1165، والصواب ما أثبتناه وفقا لقاعدة حساب الجمل.

ص: 237

وهو من المبانى الضخمة الهائلة، أبتدئ العمل فيه من سنة ست وثمانين ومائتين وألف هجرية، وإلى سنة خمس وثلاثمائة وألف لم يكمل، وضاع فى بنائة عدة بيوت وحارات، وفى الأصل كان زاوية صغيرة فى داخل بناء متشعث يشتمل على محلات علوية وسفلية، واقعة بحارة حلوات من خط سوق السلاح تعرف بزاوية الرفاعى، وبالزاوية البيضاء، وكان بها عدة قبور: قبر سيدى على أبى شباك، وقبر سيدى يحيى الأنصارى، وقبر السيد مصطفى الغورى، وقبر الشيخ ابن المغربى، وقبر السيد حسين الشيخونى إمام جامع شيخون وشيخ سجادة الرفاعية سابقا، وقبر السيد عبد الله المرازيقى، وقبر السيد حسين الرفاعى والد السيد ياسين شيخ سجادة الرفاعية الآن، وكان يرد لزيارة سيدى على هذا خلق كثير من مصر وغيرها خصوصا المصابين بالأمراض العصبية المعروفة عند العامة بالرياح الطبيعية، فكانوا يقيمون بهذه الزاوية عدة أيام بلياليها بقصد سماع الأذكار، لأجل حصول الشفاء لهم من الأمراض المذكورة.

ثم فى سنة ست وثمانين ومائتين وألف هجرية بعد أن اشتريت الأماكن الواقعة بجوار زاوية الرفاعى من الجهات الأربع إلى حارة حلوات من الجهة الغربية، وإلى حارة المبلغ من الجهة البحرية، وإلى حارة اللبانة من الجهة الشرقية، إلى جامع جوهر اللالا والأماكن الواقعة بدرب المصنع وكوم الحكيم إلى شارع الحجر والأماكن الواقعة بجوار جامعى المحمودية وأمير ياخور، وجملة أماكن غربى السلطان حسن وقبليه، مثل حوش بردق المعروف بحوش الحدادين والحمام الذى كان هناك، كلفت الست المرحومة الأمير حسين باشا فهمى وكيل ديوان عموم الأوقاف سابقا بأن يعمل لها رسما يشتمل على مسجد لإقامة الشعائر الإسلامية وما يلزم ذلك من الملحقات، ومقام لسيدى على الرفاعى، ومدافن لها ولمن يموت من ذريتها فى بعض أرض الأماكن التى اشترتها، والبعض الباقى من الأرض يجعل أماكن للاستغلال للصرف من ريعها على المسجد المذكور وملحقاتة فامتثل الأمر وصرف جل أفكاره فى تنظيم/المسجد وملحقاتة، وبعد أن عمل الرسم وقدمه لسدتها ووافق غرضها أمرت المرحوم خليل أغا كبير الأغوات بسرايتها أن يباشر العمل ويرتب ما يلزم من العمال، ويستحضر جميع الأدوات والمهمات اللازمة فأخذ فى ذلك، ثم شرعوا فى الهدم ونقض الطوب والأحجار ونقل الأتربة المتحصلة ووضعها قبلى السلطان حسن وفى حوش بردق، ثم لسهولة جلب الحجر اللازم للبناء وقلة مصاريف نقله مدواسكة حديد من محل العمل إلى ورش الحجر بجهة البساتين، وهى ورش حادثة لم يستعمل حجرها إلا فى هذه السنين الأخيرة عند ما شرع فى تنظيم القاهرة، فكان حجرها يؤخذ إلى بناء مساند المماشى المتروكة بجانبى كل شارع، وقد اختير استعمال هذا الحجر على غيره بسبب كونه

ص: 238

قابلا للصقل، ولكن لم يلتفت إلى كوله كثير الرطوبة، ومتى جف انحلت منه صفائح من تأثير الحرارة كما صار الآن فى الأحجار المبنى بها الجامع، فإن أغلبها قد تفتت سطحه الظاهر وانكسر منها الكثير من الضغط عليه، وكان الأولى أن يستعمل فى بناته الحجر المستعمل فى بناء جامع السلطان حسن، فقد مرت عليه ستة قرون ونصف ولم يتغير مع ما اعترى الجامع من الإهمال والترك، ومع ذلك فقد بذلت الهمة فى إجراء العمل، وفى زمن قليل هدمت جميع الأماكن، وبواسطة القطع بالعدد والألغام صار وضع قطعة الأرض التى تخصصت لعمل الجامع على الصورة اللازمة لبناء الأساسات، وحشرت العمال والصناع لبناء الأساسات فأتموها إلى الحد المرغوب، فكانت عبارة عن حيطان متقاطعة بالتعامد على حسب الرسم المعمول، سمك كل حائط منها نحو أربعة أمتار مبنية بالحجارة العجالى الكبيرة والدبش والطوب والأخلية المتخللة بينها ملئت بالأتربة والدقشوم وغيره إلى مستوى أرضية الجامع الحالية، بعد ذلك صار الشروع فى بناء المسجد وملحقاتة بالحجر العجالى النحيت من داخل الجامع وخارجه، متبعين فى البناء التفصيل الذى انحط الرأى عليه، ولما بلغوا قريبا من مترين وبلغ الخديوى إسماعيل باشا كثرة ما صرف على ذلك، ورأى أنه يحتاج فى تمامه إلى ما يفوق على الخمسمائة ألف جنية ضجر من ذلك ورغب إحالة العمل فيه على ديوان الأشغال، وكان قد حضر لسدته رجل من معمارجية الإفرنج مدحوه لدية وأثنوا على مهارته ومعرفته بالمبانى العربية، فأحاله على ديوان الأشغال وأمرنى بأن أسلمه رسومات الجامع وما يتعلق به، ولكن جميع ذلك لم ترضه صاحبة العمارة ولا تحب إلا اتباع الرسم الذى اختارته، وكان الإفرنجى المذكور يريد إدخال تغييرات فيه وهدم ما بنى منه، فمن النزاع وتغير خاطر الوالدة وقف العمل مدة ثم صرف الإفرنجى، واستمر العمل على الرسم الأصلى حتى وصل إلى ما هو عليه الآن، وفى أثناء البناء كان العمل جاريا فى القصر العالى فى عمل الشبابيك والأبواب والدواليب والثريات وغيرها بمعرفة جملة من النجارين الصعايدة المشهورين بالنجارة الدقيقة القديمة، وأحضروا لهم من البلاد السودانية خشب الآبنوس من الألوان المختلفة وكذا ما يلزم من خشب الجوز والعاج، وما يلزم من العدد للتطعيم، وصارت التوصية على البسط اللازمة لفرش المسجد فأحضروها وأحضروا عدة ملفات من الورق المذهب بنحو ألفين وخمسمائة جنية لنقش السقوف، وكذا صارت التوصية على الأخشاب اللازمة للسقف فى جزيرة طاش يوز فأحضرت بالقياسات التى اتفق عليها، وكذا استحضروا ستة وثلاثين عمودا من الرخام الأبيض بقواعدها وتيجائها ثمن العمود الواحد منها ألف جنية، فكان جميع ما يلزم لهذه العمارة مستحضرا قبل إتمامها وبعضه الآن باق بالمخازن إما تلف

ص: 239

أو قارب التلف لطول مدة العمارة وعدم إتمامها إلى الآن، خصوصا ما حصل من الصعوبات الهندسية المختصة بتسقيفه، فإنه استقر برأى كثير من المهندسين أن الأعمدة لا تتحمل ما عليها من الثقل، وما حصل فى بعض حيطان الجامع من الخلل أوجب اضطراب الأفكار فى متانته، فمن ذلك تعطل إتمامه.

ثم بعد أن توفيت المنشئة إلى رحمة الله، وأحيل هذا الجامع وملحقاته بعد وقفهما على ديوان الأوقاف، أخذ مهندسوه فى البحث عن الطرق التى تسهل إتمامه ولو ببعض تغييرات يجرونها، إما بوضع حوامل ملتصقة بالحيطان وتخفيف الأثقال الضاغطة على العمدان واستعمال السقف الخشب كأصل الرسم، أو إزالة العمدان بالكلية واستعمال الحديد فى السقف، وكنت حال نظارتى بديوان الأشغال رغبت فى إزالة العمدان بالكلية من وسط الجامع وتوزيعها فى دائره بالانتظام، وتسقيف الجامع كله بقبة من الحديد، وكلفت أحد أصحاب الورش المشهورة فى أوربا فى مثل هذه الأعمال بأن يمتحن هذه المسألة ويعطى رأيه فيها، ويبين قدر ما يلزم أن يتكلفه العمل، فبعد أن خاطب ورشته/وعملت الحسابات الهندسية قدم لى رسما للعمل بمقتضاه، وأخبرنى أنه يتعهد بعمل القبة وما يلزمها من كسوة فى الخارج وزينة فى الداخل ودرابزينات وغير ذلك بمبلغ ثلاثين ألف جنيه، وتكلمت مع الخديوى إسماعيل باشا فى ذلك وعرضت عليه الرسم فوافقنى على هذا الرأى، ولكن لم ترضه المرحومة والدته مع أنه لو اتبع لاستغنى عن الأكتاف الأربعة القائمة فى وسطه المكون كل واحد منها من أربعة أعمدة متلاصقة قواعدها وشاغلة لتسعة أمتار مسطحة من أرض الجامع، واتسع بذلك على المصلين وازداد رونقا وبهاء، وامتاز عن غيره بالفخامة، وتوفرت مبالغ جسيمة، وتم الجامع فى زمن قريب، إذ القبة المذكورة كان ارتفاعها عن أرض الجامع نحو ستين مترا، وقطرها عرض الجامع، ومكيفة بحيث يمكن تحليتها من داخلها بجميع أنواع الزينة والنقوش، ومقسمة بطبقات المناور المجعولة على أشكال هندسية رائقة المنظر، ومملوءة بالبلور الملون، ولكن قدر الله غير ذلك.

(أقول): والعمارة المذكورة شكلها مستطيل، وطولها من المشرق إلى المغرب ثمانية وتسعون مترا، وعرضها من قبلى إلى بحرى اثنان وسبعون مترا، وارتفاعها من جهاتها الثلاث ستة وعشرون مترا، ما عدا الجهة الغربية فإن ارتفاعها ثلاثة وثلاثون مترا ونصف متر، وتشغل من الأرض سبعة آلاف وستة وخمسين مترا مربعا، منها مسطح المسجد المعد للصلاة ألف وسبعمائة وسبعة وستون مترا، ومسطح محل الحنفيات سبعمائة وستة وتسعون مترا، ومسح الأبواب والأسبلة والمدافن ثلاثة آلاف وخمسمائة متر وثلاثة وستون مترا، ومسطح الميدان

ص: 240

الشرقى الواقع خلف القبلة بين الأسبلة ستمائة وثلاثون مترا، والأسبلة اثنان، واحد واقع خارج الوجهة الشرقية فى الزاوية الشرقية البحرية، والثانى فى مقابلته فى الزاوية القبلية الشرقية، وفوق كل منهما مكتب. والأود ثمانية، أربعة فى الوجهة البحرية، دفنت المرحومة زينب هانم كريمة الخديوى إسماعيل باشا فى واحدة منها وهى المجاورة للسبيل، لها بابان.

أحدهما فى دهليز باب الجامع، والآخر فى نفس الجامع، ودفنت المرحومة والدة الخديوى إسماعيل باشا فى الواقعة بين بابى الجامع من الجهة البحرية، لها ثلاثة أبواب، باب من نفس الجامع، والبابان فى هليز بابى الجامع، وأربعة فى الوجهة القبلية إحداها واقعة بين بابى الجامع القبليين مدفون فيها سيدى يحيى الأنصارى وغيره، وهى فى مقابلة مدفن الوالدة، ومدفن سيدى على أبى شباك واقع بين بوابتين، إحداهما بحرية والأخرى قبلية، ويفصله عنهما فسحتان إحداهما بحرية يتوصل إليها من الباب البحرى للجامع، والأخرى قبلية يتوصل إليها من الباب القبلى له. ولهذا المدفن أربعة أبواب، واحد فى الجامع، واثنان فى الفسحتين، والرابع أمام الباب الغربى للجامع وتجاهه فسحة صغيرة، وللجامع خمسة أبواب، اثنان من الجهة القبلية على الشارع الفاصل بين هذه العمارة وجامع السلطان حسن، وبقرب كل منهما مئذنة لم تكمل، واثنان من الجهة البحرية، والخامس من الجهة الغربية، واتساع كل باب منها ثلاثة أمتار وأربعون سنتيمترا وارتفاعه ستة أمتار وثلاثة أرباع متر.

وبالجامع ستة وثلاثون عمودا من الرخام الأبيض، قطر العمود سبعة أعشار متر وارتفاعه تسعة أمتار، وارتفاع القاعدة مثل عرضها متر واحد وارتفاع التاج مثل ذلك. وبالوجهات الأربع لهذه العمارة أربعة عشر شباكا كبارا غير الشبابيك الصغيرة الموجودة فوقها، أربعة فى الوجهة القبلية، ومثلها فى الوجهة البحرية، وأربعة فى الوجهة الغربية، واثنان فى الوجهة الشرقية، عرض الشباك متر وتسعة أعشار متر وارتفاعه ثلاثة أمتار وثلاثة أعشار متر، ولكل سبيل ثلاثة شبابيك وبابان، اثنان منها واقعان فى الانحناء عرض الواحد منهما ثلاثة أمتار وسبعة أعشار متر، وارتفاعه ستة أمتار وأربعة أعشار متر، ومركب على كل واحد شباك من نحاس سبك مذهب على رسم مخصوص، وله ضفتان من الخشب الجوز محلاتان بالعاج والآبنوس على رسوم مختلفة، يقال إن تكاليف الشباك النحاس ألف جنيه، وكذا الضفتان، ومثلهما أبواب الأود. وكل شباك من شبابيك الوجهة فى دخلة فى حائط الوجهة، وبجانبيه عمودان من الحجر يعلوهما بناء معقود من نهايته بأقواس دوائر، وفى نهاية الدخلة بعد مسافة من العقد مقرنصات يعلوها شرفات الجامع، وفى زوايا أبواب الجامع الداخلة أعمدة من الحجر، وكذا فى الفسحات الواقع بينها مدفن سيدى على أبى شباك، والزوايا الموجودة فى الوجهة الشرقية

ص: 241

ووجهات الأسبلة. وعدد هذه الأعمدة المصنوعة من الحجر مائة عمود وخمسة، وارتفاعها وقطرها مثل الأعمدة الرخام تقريبا.

وبلغنى أن ما صرف على هذه العمارة حتى بلغت إلى هذا الحد نحو أربعمائة وأربعين ألف جنيه، وهى لم تتم كما قدمنا،/فلو تمت على حسب الرسم الأصلى للزم بالأقل ثلث هذا المبلغ لأن جميع أرض الجامع كانت فى الرسم المذكور من الخردة الرخام الملون، وكذا أسفل حيطان الجامع بارتفاع متر ونصف، وكذا نقوشات نقر فى الحجر على رسوم مختلفة فى داخل الجامع وخارجه، وكذا تطعيم السقوف وتذهيبها والكتابة بدائر الجامع وبعض ملحقاته، كل ذلك يحتاج لصرف كثير من الزمن والدراهم، وأظن أن ديوان الأوقاف لا يجرى ذلك بل يجتهد فى إتمامه بحالة بسيطة. وكانت المرحومة كلفت المرحوم عبد الله بيك زهدى الخطاط الشهير بما يلزم كتابته على الحيطان وغيرها، فأقام فى ترتيب ذلك وكتابته الزمن الطويل، حتى أتم ما يلزم من ذلك على مقتضى القياسات التى أعطيت له، بعد أن عانى فى ذلك صعوبات شتى فى توفيق أصول الكتابة وشروطها المعروفة على تلك الأبعاد، فإن ارتفاع الألفات واللامات القائمة تزيد على المتر ومع ذلك فقد صرف جل فكره حتى توصل لجعل تلك الكتابة لا تخرج عن الأصول المتبعة، وكتبها على ورق سميك وهى الآن بالمخازن، ومتى تم الجامع توضع فى محلها من غير صعوبة.

وفى 9 الحجة سنة ست وتسعين ومائتين وألف هجرية وقفت المرحومة الست خوشيار عدة أماكن بينتها فى وقفيتها، وجعلت ريعها للصرف على ما هو مذكور فى الوقفية، منها الملاحظ أربعمائة قرش فى كل شهر، وكاتب ثلاثمائة قرش فى كل شهر، وجابى مائة وخمسون قرشا، وإمام حنفى مائتا قرش، وخطيب مائة وخمسون قرشا، وأربعة مؤذنين أربعمائة قرش، وقارئ سورة الكهف يوم الجمعة ستون قرشا، وللمرقى ثلاثون قرشا، وأربعة فراشين خمسمائة قرش، ومخزنجى مائة وخمسون قرشا، وخمسة بوابين ثلاثمائة وخمسة وسبعون قرشا، وخادم للميضأة مائة وخمسة وعشرون قرشا، وسواق للساقية مائة وخمسة وعشرون قرشا، واثنين سبيلجية مائتان وخمسون قرشا، وعريف للمكتب مائة قرش، وخطاط بالمكتب أيضا مائة وخمسة وعشرون قرشا، وتجار للساقية خمسة عشر قرشا، وثمانية لقراءة الدلائل بالمدفن ثلاثمائة وأربعون قرشا، وعشرة قراء يقرؤون كل يوم ختمة بعد صلاة الصبح ألف قرش، وأحد عشر قارئا يقرؤون ما تيسر من القرآن فى كل ليلة مائتان وأربعون قرشا.

ويصرف فى 25 رمضان من كل سنة لمعلم المكتب والعريف وثلاثين ولدا ثمن كسوة ثلاثة آلاف وسبعمائة قرش، منها كسوة الأولاد ثلاثة آلاف قرش. ويصرف لإحياء مولد

ص: 242

سيدى على أبى شباك من مأكل ومشرب وغير ذلك ألفان وخمسمائة قرش، ويفرق فى كل سنة فى أيام المواسم والأعياد ثلاثة آلاف رغيف من الخبز على الفقراء، ويشترى من ريع الوقف كبايات بلور وزيت طيب لإسراج المسجد وحصر وأبسطة لفرشه وفرش ملحقاته، وكراسى ودكك خشب للمكتب، ومهفات ريش نعام ومقشات أرز لتنظيف الفرش. ويصرف من ريعه أيضا لإدارة الساقية ما يلزم من مهمات ومؤنة بهائم، وكذا ما يلزم لكسح المراحيض، وما فضل بعد ذلك من الريع يحفظ تحت يد المتولى على هذا الوقف ليعمر منه ما يحتاج للعمارة والمرمة فى المسجد وملحقاته وفى عقارات الوقف، وما يلزم مشتراه من نجف وشمعدانات وقناديل للمدافن. وعلى المتولى على هذا الوقف تكملة ما يزيد فى ماهيات المستخدمين وأرباب الوظائف والخيرات، وما فضل بعد ذلك يشترى به عقارا ويلحقه بهذا الوقف ويكون حكمه كحكمه وشرطه كشرطه على الدوام. وشرط للمتولى فى الوقفية عدة شروط منها أنه يبدأ من ريع الوقف بعمارة ومرمة ما يحتاج إليه المسجد وملحقاته-ولو صرف فيه جميع الريع-ومنها تعيين الخدمة وأرباب الوظائف، وعزل من يرى عزله منهم بحسب المصلحة ومنها تقليل الخدمة وتكثيرهم وكذا أرباب الوظائف والخبرات والمشتروات والمرتبات والماهيات بحسب ما يراه ويؤدى إليه اجتهاده. والنظر على ذلك من تاريخه لنفس الواقفة ثم من بعدها لمن يكون واليا بالديار المصرية من ذريتها ثم لمن يلى وظيفته منهم وهلم جرا.

وإذا لم يوجد وال بالديار المصرية من ذريتها يكون النظر للأرشد فالأرشد ممن يوجد من ذريتها ونسلها وعقبها طبقة بعد طبقة ونسلا بعد نسل الى حين انقراضهم أجمعين فيكون النظر لرجل من أهل الخير والصلاح والعفة والنجاح، يقرره فى ذلك حاكم المسلمين الشرعى فى مصر حين ذاك. وجعلت لنفسها الشروط العشرة فى هذا الوقف، وليس لأحد من بعدها فعل شئ منها. وإيراد ما يستغل الآن من هذا الوقف فى كل سنة يقرب من مائة جنيه مصرية.

وأما سيدى على أبو شباك المدفون بهذا الجامع، فقد بحثت كل البحث على ترجمته فى عدة كتب مثل طبقات الشعرانى والذيل وابن خلكان وغيره فلم أجد له ترجمة.

وبعض الناس يزعم أنه ابن أخت سيدى أحمد الرفاعى القطب الكبير المتوفى سنة سبعين وخمسمائة-أعنى قبل/سيدى أحمد البدوى بمائة سنة-وينسب له البيتان المشهوران، وهما:

فى حالة البعد روحى كنت أرسلها

تقبل الأرض عنى فهى نائبتى

وهذه دولة الأشباح قد حضرت

فامدد يمينك كى تحظى بها شفتى

قالهما حين ما حج وزار قبر النبى صلى الله عليه وسلم، والصحيح غير ذلك، ففى كتاب ترياق

ص: 243

المحبين المطبوع فى سنة ألف وثلاثمائة وخمسة قال تقى الدين عبد الرحمن بن عبد المحسن الواسطى المولود سنة أربع وسبعين وستمائة هجرية المتوفى سنة أربع وأربعين وسبعمائة، نقلا عن عز الدين أحمد الفارقى الواسطى، قال: أخبرنى والدى أبو إسحاق إبراهيم الفارقى عن أبيه أبى الفرج عمر الفارقى أنه قال: كنا مع السيد الكبير محيى الدين أحمد بن الرفاعى ذات يوم مع جماعة كثيرة من أهل الله بواسط، فقام وصاح صيحة مدهشة وقال: الله، نوديت من العلا أن يا أحمد قم وزر جدك المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإن هناك أمانة يؤديها إليك. فأنا عازم على الزيارة، ماذا تقولون؟ فقام السيد عبد الرازق الحسينى وأنشد:

مر كل أمر فإنا لا نخالفه

وحدّ حدا فإنا عنده نقف

فقام الجماعة، ورجع إلى أم عبيدة وتجهز للحج، فلما قصد الحجاز غصت الطرقات بالقوافل من كل جهة، فلما وصل مدينة النبى صلى الله عليه وسلم-وذلك عام خمس وخمسين وخمسمائة-ترجل عن مطيته، ودخل بلدة جده عليه الصلاة والسلام ماشيا حافيا، وكانت القافلة إذ ذاك أكثر من تسعين ألفا، فلما دخل الحرم الشريف النبوى وقد امتلأ الحرم العطر من كل جهاته بالزوار، وقف تجاه مقام النبى صلى الله عليه وسلم والوقت بعيد العصر فقال: السلام عليك يا جدى. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعليك السلام يا ولدى.

سمعها كل من حضر. فلما منّ عليه جده عليه الصلاة والسلام بهذه المنة العظيمة تواجد وأرعد وبكى وجثا على ركبتيه، ثم قام مدهوشا متضائلا وأنشد تجاه القبر الكريم البيتين المتقدم ذكرهما، فانشق تابوت الرسالة، ومد له رسول الله صلى الله عليه وسلم يده الشريفة فقبلها والناس ينظرون، وكان فيمن حضر: الشيخ عقيل البنجى، والشيخ حياة بن قيس الحرانى، والشيخ عدى بن مسافر، والشيخ عبد القادر الجيلانى، والشيخ أحمد الزعفرانى، والشيخ عبد الرازق الحسينى، وجماعة من أولياء العصر اه.

أقول: ويظهر من عبارة ترياق المحبين المذكورة عدم صحة نسبة البيتين المذكورين إلى الشيخ على أبى شباك، وأنه ليس بابن القطب الكبير ولا بابن أخته كما تزعمه العامة، ولعله من خلفاء الرفاعية المتأخرين أصحاب الشهرة والاعتقاد.

وأما المقريزى فإنه لم يترجم هذا الجامع فى خططه وإنما ذكر فيها فى المساجد مسجد الذخيرة فقال: أنشأه ذخيرة الملك فى سنة ست عشرة وخمسمائة، وعلى حسب تحديده ووصفه فجامع الرفاعى الآن بعضه مسجد الذخيرة المذكور، ومع ذلك فالناس على اختلاف طبقاتهم لهم فى ذلك الشيخ اعتقاد كبير، ويتبركون به ويأتون لزيارته بالنذور من البلاد البعيدة والقريبة

ص: 244

وفى كل سنة يعمل له مولد تحضره أولاد الطريقة الرفاعية من جهات القطر ومدنه، ولما اختارت المرحومة والدة الخديوى إسماعيل باشا الدفن بقربه وشرعت فى بنائه زاد اعتقاد الناس، واتسعت شهرته وعظم مولده حتى فاق غيره من الموالد فكانت الزفة التى تعمل فى آخر يوم من أيام المولد الثمانية يجتمع فيها خلق كثير تغص بهم الشوارع والأسواق للفرجة، ويمشى خلفاء الطريقة كل خليفة مع رجاله بإشاراته وطبوله ومزاميره وراياته، وبعده غيره وهكذا حتى يكون أولها زاوية الرفاعى وآخرها جامع مير زاده بسوق السلاح، وكل طائفة تمتاز ببدعة عن غيرها، فهذه تأكل الثعابين أو تتطوق بها أو توهم أنها تقرصها ولا تؤلمها وهذه تأكل القزاز والنار والصبار، وأخرى تضرب نفسها بالسيوف والدبابيس، وكثير من شبان الطريقة الحبيبية يتجردون عن ثيابهم، وفى أشداقهم وصدورهم سلوك من معدن فى طرفيها البلح الأحمر والأصفر والليمون والبرتقال، وبعد هؤلاء طائفة تقرأ الدلائل، وبعدها يكون شيخ الطريقة راكبا ومعه غيره من خلفاء الطريقة بزى الرفاعية، وعلى رأس الشيخ تاج الولى صاحب المولد، ويخرج هذا الركب من الزاوية ويمر بالدرب الأحمر، ثم إلى قصبة رضوان، وإلى الخيمية والسروجية والصليبة إلى الرميلة، محل الخيام سابقا، ثم يتفرقون كل طائفة فى خيامها، وقد جعلت الخيام الآن موضع مولد سيدى على البيومى رضي الله عنهم أجمعين، وقد نقلت قبل ذلك الخيام لكثرتها إلى الفضاء الواسع قريبا من قبة الإمام الشافعى رضي الله عنه، ثم نقلت إلى العباسية فى موضع مولد الشيخ البيومى وقريب العصر تعمل «الدوسة» وهى عبارة عن عدة من الناس تنسطح على الأرض، بعضهم على سيوف، والبعض على دبابيس، وخلفاء/الطريقة والنقباء يمشون فوق ظهورهم، وكثيرا ما حصل من ذلك خطر عظيم. وظاهر أن جميع ذلك بدع لم ترد بها سنة ولا شرع ويأباها العقل والإنسانية، ولذلك صدرت الأوامر من الحضرة الخديوية بإبطالها فبطلت ولله الحمد.

‌جامع الركراكى

هو بسوق الخشب. به عمود من الحجر، وبوسط ميضأته عمود من الرخام، وشعائره مقامة، وبه منبر وخطبة، وبه ضريح الشيخ الركراكى. وله أوقاف تحت نظر الشيخ مصطفى الجوهرى.

وفى أول أمره كان زاوية ذكرها المقريزى بقوله: هذه الزاوية خارج القاهرة بأرض المقس، عرفت بالشيخ المعتقد أبى عبد الله محمد الركراكى المغربى لإقامته بها، وكان فقيها مالكيا متصديا لأشغال المغاربة، يتبرك الناس به، إلى أن مات بها يوم الجمعة ثانى عشر جمادى الأولى سنة أربع وتسعين وسبعمائة ودفن بها، والركراكى

ص: 245

نسبة إلى ركراكة بلدة بالمغرب، هى أحد مراسى سواحل المغرب بقرب البحر المحيط، تنزل السفن فلا تخرج إلا بالرياح العاصفة فى زمن الشتاء عند تكدر الهواء انتهى.

‌جامع الرمّاح

هو تحت القلعة بالجانب البحرى من ميدان محمد على. وشعائره مقامة، وله مطهرة وبئر، وبه ضريح الشيخ عبد الله أبى شعبان الرمّاح، عليه مقصورة من الخشب، وبجوار الميضأة نخلة، وله أوقاف تحت نظر ديوان عموم الأوقاف، إيرادها شهريا مائتان وأربعون قرشا.

‌جامع الرملى

هذا المسجد بميدان القطن. بقى متخربا مدة وبداخله ضريح الشيخ الرملى وضريح ابنه، وبسبب أن المعلم حسنين الرمالى الخباز ينتمى إليه ويدعى أنه جده قام بتجديده، فجدده من ماله سنة ثمان وثمانين ومائتين وألف، وجدد الضريحين، وقام بشعائره وإلى الآن رتب ميعادا وجراية للفقراء كل ليلة سبت، ويعمل له مولد كل سنة.

‌ترجمة الشيخ الرملى الكبير رضي الله عنه:

والشيخ الرملى هذا هو كما فى ذيل الطبقات للشعرانى: الإمام العالم الصالح، خاتمة المحققين بمصر والحجاز والشام، الشيخ شهاب الدين الرملى الأنصارى الشافعى رضي الله عنه، بلده قرية صغيرة على البحر قريبا من منية العطار تجاه مسجد الخضر عليه السلام بالمنوفية.

كان رضي الله عنه ورعا زاهدا عالما صالحا حسن الاعتقاد فى الخلق لا سيما طائفة الصوفية، يجيب عن اقوالهم بأحسن الأجوبة ويذكر عنهم المستظرفات من الحكايات. انتهت إليه الرياسة فى العلوم الشرعية، وعاش حتى صار علماء الشافعية بمصر كلهم تلامذته إلا النادر، فلا يوجد عالم شافعى إلا وهو من طلبته أو طلبة طلبته، وأرسلت إليه الأسئلة من سائر الأقطار، ووقف الناس عند قوله أكثر مما أدركناهم من أشياخة. وكان رضي الله عنه يخدم نفسه، ولا يمكن أحدا يشترى له حاجة من السوق إلى أن كبر وعجز. وكان-رضي الله عنه-جميع أولياء مصر حتى المحاذيب يعظمونه ويجلونه لا سيما الشيخ نور الدين المرصفى وسيدى على الخوّاص رضي الله عنهما.

ومن خصائصه أن شيخ الإسلام زكريا أذن له أن يصلح فى مؤلفاته فى حياتة ومماته ولم يأذن لأحد سواه فى ذلك، وأصلح عدة مواضع فى شرح البهجة وشرح الروض فى

ص: 246

حياة شيخ الإسلام. ومن مؤلفاته رضي الله عنه شرح كتاب الزيد فى الفقه، وهو شرح عظيم جدا كتبه الناس وقرؤوه عليه، جمع فيه غالب ترجيحاته وتحريراته وجمع الشيخ شمس الدين الخطيب فتاويه فصارت مجلدا. وكان رضي الله عنه يقول: الشيخ نور الدين الطندتائى محقق الدرس، والشيخ شمس الدين الخطيب جامع المسائل النوادر فى الدرس، سمعت هذا القول منه مرارا، وكان رضي الله عنه يحبنى أشد المحبة، محبة السيد لعبده. مات رضي الله عنه فى مستهل جمادى الآخرة سنة سبع وخمسين وتسعمائة، وصلوا عليه يوم الجمعة فى الجامع الأزهر وما رأيت جنازة اجتمع فيها خلق كثير مثل جنازته، وضاق الجامع عن صلاة الناس الجمعة فيه ذلك اليوم، حتى إن بعضهم خرج يصلى فى غيره ثم رجع للجنازة. ودفن رضي الله عنه بتربته قريبا من جامع الميدان خارج باب القنطرة. وأظلمت مصر وقراها يوم موته لكونه كان مردا للعلماء فى تحرير نقول المذهب رحمه الله تعالى.

‌ترجمة شمس الرملى الصغير رضي الله عنه:

وفى الذيل أيضا ترجمة ابنه المدفون بجواره، وهو الإمام العالم العلامة المحقق صاحب العلوم المحررة والأخلاق الحسنة والأعمال المرضية، سيدى محمد بن شيخنا الشيخ شهاب الدين الرملى رضي الله عنه قال: وصحبته من حين كنت أحمله على كتفى إلى وقتنا هذا، فما رأيت عليه شيئا يشينه فى دينه، ولا كان يلعب فى صغره مع الأطفال، بل نشأ على الدين والتقوى والصيانة وحفظ الجوارح ونقاء العرض، رباه والده فأحسن تربيته مع زيادة التوفيق من الله سبحانه وتعالى، وكنت وأنا أقرأ على والده العلم فى المدرسة الناصرية أرى عليه لوائح الصلاح والتوفيق. وقد أقر الله به عين المجبين فإنه مرجع أهل مصر فى تحرير الفتاوى، وأجمعوا على دينه وورعه وحسن خلقه، ولم يزل بحمد الله تعالى فى زيادة من ذلك/أخذ العلم رضي الله عنه عن والده فأغناه عن كثرة التردد والتطفل على غيره، وبث فيه ما كان عنده من الفقه والحديث والتفسير والأصول والنحو والمعانى والبيان وغير ذلك، فكانت بدايته-كما قيل- نهاية والده. وقد أجمع القوم على أن المريد إذا صح اعتقاده فى شيخه، وقبل كلامه بالإيمان والتسليم، فقد ساواه، وما بقى لمعلمه عليه إلا مقام الإفاضة عليه من علومه.

ولما مات والده رضي الله عنه جلس يدرس فى الجامع الأزهر بعده، فأبدى لعلماء الأزهر من علوم والده العجائب والغرائب، وما تخلف عن درسه إلا من جهل مقداره أو عمه الحسد والمقت. وقد بلغنى أن بعض أصحاب الأنفس صار يرسل بعض طلبته يكتب من سيدى محمد ما يتكلم به من المسائل المتناقضة، ويكتب له ما يمشى عليه فى الترجيح ثم يصير يلقى ذلك فى درسه ويفتى به، ولو أن هذا حضر على سيدى محمد لنال منه خيرا كثيرا. وقد سمعت

ص: 247

من بعض طلبة والده أنه سمعه يقول: تركت ولدى محمدا بحمد الله تعالى لا يحتاج إلى أحد من علماء مصر إلا فى النادر. ولم يزل رضي الله عنه له الاعتقاد التام فى طائفة الصوفية تبعا لوالده. توفى سيدى محمد المذكور فى يوم الأحد ثالث عشر جمادى الأولى سنة أربع بعد الألف-رحمه الله تعالى انتهى.

وفى خلاصة الأثر أن اسم الشيخ الرملى الكبير حمزة وأن ابنه يسمى أحمد وأما محمد فهو ابن أحمد انتهى.

‌جامع الروضة

هو بقلعة جزيرة الفسطاط. عمره السلطان نجم الدين أيوب، وكان أمامه كنيسة تعرف بابن لقلق بها بئر مالحة. ولم يزل هذا الجامع بيد بنى الرداد. ثم هدم فى سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة، ووسعه الملك المؤيد شيخ بدور كانت إلى جانبه فمات قبل الفراغ منها انتهى مقريزى وليس له الآن أثر.

‌جامع الرويعى

هو بشارع الأزبكية بالقرب من جامع الشرايبى المعروف بجامع البكرى. أنشأه السيد أحمد الرويعى رئيس التجار بمصر فى القرن التاسع، وشعائره مقامة، وبداخله صهريج يملأ سنويا من النيل للشرب، وناظر أوقافه الشيخ أحمد يونس.

وتجاهه ضريح الشيخ أحمد الرويعى، وبجواره قطعة أرض موقوفة عليه، بها شجرة نبق.

تم بحمد الله الجزء الرابع ويليه الجزء الخامس أوله (حرف الزاى)

ص: 248