الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تنويه: ينظر الاستدراكات وتصحيح الأسماء فى آخر هذا الجزء
قام بمراجعة هذا الجزء وعمل الاستدراكات:
أ. أمل مصطفى مصطفى، باحث بالمركز.
قام بتصحيح الأسماء والأماكن:
الدكتورة/لبيبة إبراهيم مصطفى، كبير باحثين بالمركز
(*)
.
(*) وتم تصويب الأسماء والأماكن بهذه الطبعة المنقحة للأجزاء (1 - 11)، بعد الرجوع للمصادر القديمة المعاصرة لها تاريخيا.
بسم الله الرحمن الرحيم
بقية الكلام على ما بالقاهرة وظواهرها من الجوامع
حرف الزاى
جامع الزاهد
هذا الجامع بخط المقس خارج القاهرة كان موضعه كوم تراب فنقله الشيخ المعتقد أحمد بن سليمان المعروف بالزاهد وأنشأ موضعه هذا الجامع فكمل فى شهر رمضان سنة ثمان عشرة وثمانمائة، وهدم بسببه عدة مساجد قد خرب ما حولها وبناه بأنقاضها.
وكان ساكنا مشهورا بالخير يعظ الناس بالجامع الأزهر وغيره ولطائفة من الناس فيه عقيدة حسنة ولم يسمع عنه إلا خير.
مات يوم الجمعة سابع عشر شهر ربيع الأول سنة تسع عشرة وثمانمائة أيام الطاعون ودفن بجامعه انتهى مقريزى.
وقال عند ذكر جامع الجاكى الذى كان بدرب الجاكى عند سويقة الريش:
انه اشتراه الشيخ أحمد الواعظ الزاهد وهدمه وأخذ أنقاضه؛ فعملها فى جامعه الذى بالمقس سنة سبع عشرة وثمانمائة انتهى.
وهو أى جامع الزاهد فى شارع سوق الزلط بجوار منزل الشيخ العروسى على يمين الذاهب إلى باب البحر، وفيه اثنا عشر عمودا من الرخام وتسعة من الزلط غير عمودى المحراب وأربعة أعمدة عليها الدكة وبه منبر وخطبة وله مطهرة وساقية ومنارة، وشعائره مقامة بنظر الأسطى عباسى الخياط وله أوقاف ذات ريع.
ترجمة الشيخ أحمد الزاهد:
وفى طبقات الشعرانى: أن الشيخ أحمد الزاهد هو الإمام العالم الربانى شيخ الطريق أحيا طريق القوم بعد اندراسها، وكان يتستر بالفقه لا تسمع منه كلمة من دقائق القوم،
وصنف عدة رسائل فى أمور الدين، وكان يعظ النساء فى المساجد ويخصهن دون الرجال ويعلمهن أحكام الدين وحقوق الزوجية والجيران.
قال: وعندى بخطه نحو ستين كراسا فى المواعظ التى كان يعظهن بها، وكان يقول: هؤلاء النساء لا يحضرن دروس العلماء ولا يعلمهن أزواجهن وأنكر عليه الشيخ سراج الدين البلقينى فى بناء هذا الجامع وبالغ فى إنكاره؛ فقال الشيخ: ماذا ينكر علينا؟ فقالوا: يقول: إنك تأخذ طوب المساجد الخراب تبنى بها جامعا. فقال: كلها بيوت الله.
ثم انه دخل الأزهر يقصد البلقينى ونصب كرسيا فى صحن الجامع وهو فى حال حتى صارت عيناه كالجمر وجلس على الكرسى، وقال: من يسألنى عن كل علم نزل من السماء أجيبه عنه. فبهت الناس كلهم ولم يسأله أحد فلما سرى عنه قال: من جاء بى إلى هنا؟ فقالوا: وقع منك كذا وكذا. فقال: هل سأل أحد؟ فقالوا: لا. فقال:
الحمد لله لو خرج إلينا أحد لافترسناه.
وكان إذا دعى إلى شفاعة عند من لا يعرفه يقول لذى الحاجة: اذهب فخذ أحدا من وجوه الناس واسبقنى إلى بيت الرجل؛ فإذا جئت فقوموا وتلقونى وعظمونى حتى تمهدوا مكانا للشفاعة فإنى رجل مجهول الحال بين هؤلاء.
وكان يقول: ما دخل أحد مسجدى هذا ثم صلى ركعتين إلا أخذت بيده فى عرصات القيامة فإن الله شفعنى فى جميع أهل عصرى.
ولما جاء سيدى محمد الغمرى ليأخذ عنه الطريق وافق الدخول بعد العشاء وقد أغلق باب الجامع؛ فقال: افتحوا لنا. فقال الشيخ: نحن لا نفتح بعد العشاء. فقال: إن المساجد لله. فقال الشيخ: نفس فقيه افتح له يا فلان. ففتحوا له فلقنه الشيخ الذكر وجعله خادما فى الميضأة ثم فى البوابة ثم فى الوقادة فمكث عشر سنين ثم فتح عليه، وما كان يأذن للفقراء القاطنين عنده إلا فى تعليم فضائل الشرع المتعلقة بالعبادات ويمنعهم من تعلم الأمور المتعلقة بفصل الأحكام فى البيوع والرهون والشركات ونحو ذلك، ويقول:
ابدءوا بالأهم ولا أهم من معرفة الله سبحانه وتعالى فى هذه الدار. وقد قام الفقهاء عنكم بفروع الشريعة فإن قلوّا والعياذ بالله/وتعطلت الأحكام وجب عليكم تعلم هذه الفروع لئلا تندرس الشريعة.
مات رضي الله عنه سنة نيف وعشرين وثمانمائة، ودفن بجامعه وقبره ظاهر يزار انتهى باختصار.
وفى تحفة الأحباب للسخاوى: أن الشيخ أحمد الزاهد هو العارف شهاب الدين أبو العباس ابن سليمان القارى القادرى المعروف بابن الزاهد أنشأ مساجد وخطبا بالقاهرة وغيرها، وكان يعمل الميعاد فى مواضع من القاهرة وقد أقامه الله فى اصطناع المعروف، وأنشأ خطبة هذا الجامع سنة ثمان وثمانمائة، ولا زال ينفع الناس إلى أن توفى سنة تسع عشرة وثمانمائة، ودفن بهذا الجامع ومعه فيه جماعة من أهل الصلاح منهم الشيخ جمال الدين عبد الله ابن عبد الرحمن الغمرى الواعظ. توفى سنة ست وخمسين وثمانمائة، وبه أيضا قبر محمد الطواشى وعلى بابه قبة صغيرة فيها قبر الصالح المجذوب عبد الله الأسود البونى الليمونى المعروف بشهاب الدين. توفى سنة سبع وأربعين وثمانمائة، انتهى.
جامع زرع النوى
هذا الجامع بالحسينية بحارة الغيط الطويل على يسار الداخل من باب الحارة قريبا من باب الغيط الطويل، وهو الآن تام المنافع مقام الشعائر بمعرفة ناظره السيد البدراوى.
وفى خطط المقريزى: أن خارح باب زويلة مسجدا يعرف بزرع النوى.
قال: هو خارج باب زويلة بخط سوق الطيور على يسرة من سلك من رأس المنجبية طالبا جامع قوصون والصليبة. تزعم العامة أنه بنى على قبر رجل يعرف بزرع النوى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من افتراء العامة فإنه لم يذكر أحد ممن أفرد أسماء الصحابة رضي الله عنهم أن فيهم صحابيا يعرف بزرع النوى، وإن كان هناك قبر فهو لأمين الأمناء أبى عبد الله الحسين بن طاهر الوزّان كان يتولى بيت المال، ثم جعله الخليفة الحاكم بأمر الله فى الوساطة بينه وبين الناس والتوقيع عن الحضرة فى سنة ثلاث وأربعمائة، ثم أبطل أمره وركب مع الحاكم على عادته فضرب رقبته بحارة كتامة خارج القاهرة ودفن فى هذا الموضع تخمينا، وكانت مدة نظره فى الوساطة والتوقيع وهى رتبة الوزارة سنتين وشهرين وعشرين يوما، وكان توقيعه عن الحضرة الإمامية:
الحمد لله وعليه توكيلى، انتهى.
جامع زردق
هذا الجامع بشارع سوق الخضار بالموسكى جدّده المرحوم عبد الرحمن كتخدا كما فى تاريخ الجبرتى ووثائق وقفيته، وبأعلى بابه على لوح من الرخام هذا البيت:
سما مسجدا والفوز أرخه حوى
…
فاتقن يا رحمن عبدك مسجدا
وهو مقام الشعائر بنظر ديوان الأوقاف.
جامع الزعفرانى
هذا الجامع بشارع السيدة زينب رضي الله عنها، مبنى بالحجر الآلة واعمدته من الحجر أيضا وسقفه من الخشب بصنعة بلدية، وهو مقام الشعائر تام المنافع وله منارة.
ووجد على البائكة الوسطى من إيوانه الشرقى: أنشأ هذا المسجد المبارك - من فضل الله تعالى وعونه وجزيل عطائه العميم - العبد الفقير الراجى عفو ربه القدير المتوسل بسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم الأمير مصطفى أغا كان الله له. وكان الفراغ منه فى شهر ربيع الأول سنة تسع وتسعين وألف هجرية، انتهى.
وفى وقتنا هذا جدّدت مطهرته ومرافقه بمعرفة ديوان الأوقاف.
ترجمة الأمير مصطفى اغا:
والأمير مصطفى المذكور كما هو فى كتاب وقفيته المؤرخة فى سنة إحدى ومائة وألف مصطفى أغا ابن المرحوم حسين جوربجى طائفة عزبان قلعة مصر المحروسة المعروف بوكيل القزرال.
مبحث أوقاف هذا الجامع:
وفيها: أن هذا الجامع أصله من إنشاء يونس الظاهرى، وأن يونس وقف عليه أوقافا ثم عرف بجامع الزعفرانى، وقد جدده مصطفى أغا وأنشأ بجواره صهريجا وحوضا ومكتبا، ووقف على ذلك أوقافا منها مسكنه بخط قناطر السباع داخل درب مرسينه، وكان أوّلا مسكن قانصوه باشا حاكم ولاية اليمن، ومكان آخر بالدرب المذكور وأراضى زراعة قدرها واحد وثمانون فدانا بناحية دروأمن الجيزية، وجميع العلوفة التى بدفتر طائفة عزبان وهى كل يوم خمسون عثمانيا، والقمح المرتب بالشونة الميرية وقدره عشرة أرادب فى الشهر، والعلوفة التى فى دفتر الكشيدة وهى كل يوم أربعة عشر عثمانيا وقف جميع ذلك على نفسه ومن بعده على أولاده وأولادهم، فإذا انقرضوا يصرف فى جهات خيرية قد بينها؛ فيصرف لإمام الجامع بماله من وقف يونس الظاهرى ستون نصفا فضة كل شهر، وللمبلغ عشرة أنصاف وللخطيب خمسة عشر نصفا وللمؤذنين أربعون نصفا وللفراش عشرون نصفا، وللوقاد عشرون وللبواب كذلك، ولمباشر الجامع خمسة عشر نصفا وللملا ثمانية وثلاثون نصفا وللقارئ على الكرسى سورة الكهف عشرة أنصاف /ولمؤدب الأطفال خمسة وأربعون وللعريف عشرون، ولاثنين برسم خدمة الصهريج ستون
نصفا ولسوّاق الساقية عشرون وثمن قواديس وطوانس خمسة عشر نصفا، وثمن كيزان وسلب خمسة عشر وللنجار خمسة ولكنّاس الحوض عشرة، ولاثنين يقرءان القرآن على قبر الواقف كل يوم جمعة عشرون نصفا شهريا وثمن خوص وريحان للقبر خمسة عشر، ولعشرة يقرءون كل يوم عشرة أجزاء بمنزل الواقف مائة وأحد وستون نصفا، وثمن زيت وحصر ثلاثون نصفا وللناظر ثلاثون وللكاتب ثلاثون كل ذلك يعطى شهريا.
وفى السنة يصرف فى كسوة الأيتام الذين بالمكتب ثمن ظهر غازلى وقميص خام وطاقية وشد لكل يتيم وقيمة ذلك ألف نصف، ولكسوة المؤدب خمسة وأربعون نصفا وثمن ماء للصهريج ألف وخمسمائة نصف ومثلها ثمن فول وتبن لأثوار الساقية انتهى.
ويظهر أن السبيل والمكتب والحوض قد دخلت فى عمارة السيدة زينب رضي الله عنها، وأن السبيل الجديد الذى بجوار مسجد السيدة من إنشاء أدهم باشا قد جعل بد لا عن ذلك.
جامع الزمر
هو بالقرافة الصغرى بجوار مجرى الماء السلطانى غير مقام الشعائر لتخربه وله منارة كبيرة، وفى جهته القبلية مساكن وتجاهه جملة من المدافن وله مرتب بالروزنامجة كل سنة، ويقرأ به ربعة شريفة بمعرفة ناظره الشيخ على محسن شيخ خدمة الإمامين رضي الله عنهما.
جامع الزير المعلق
هذا المسجد بالشارع الخارج من جهة عابدين إلى نحو الشيخ ريحان، وهو من إنشاء الأمير عبد الرحمن كتخدا وقد انهدم الآن بمرور هذا الشارع بوسطه وله أوقاف تحت نظر الديوان.
جامع زين العابدين
هذا المسجد فيما بين الجامع الطولونى ومدينة مصر القديمة عن شمال الذاهب من شارع السيدة زينب إلى فم الخليج تجاه القنطرة الموصلة إلى قصر العينى وله بابان متجاوران:
أحدهما: وهو الباب العتيق غير مستعمل الآن ومركب عليه باب من حجر أزرق طوله متر وثلاثة وثلاثون سنتيمترا فى عرض متر واحد وبأعلاه كتابة نقر فى الحجر صورتها:
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا مشهد الإمام على زين العابدين ابن الإمام الحسين ابن الإمام على بن أبى طالب صلوات الله عليهم أجمعين فى سنة تسع وأربعين وخمسمائة.
وعلى يمين داخل الباب الثانى خلاو للخدمة والزوار، وعلى اليسار إيوان كبير به جملة قبور، وتجاه ذلك الإيوان باب للمقصورة المعدة للصلاة وهى صغيرة بها بائكتان وعمودان من الرخام ومنبر ودكة.
وهو مقام الشعائر وله إيراد فى ديوان الأوقاف، ومطهرته تملأ من ماء النيل بواسطة مواسير تجلب من وابور الماء بعوض يصرف من طرف ذات العصمة والدة الخديو، وله منارة قصيرة وسبيل يملأ كل سنة.
وبداخل المسجد قبر المرحوم عثمان أغا أغات البنشارية وكان فى حياته قد أجرى عمارة بهذا المسجد؛ ففى تاريخ الجبرتى من حوادث سنة خمس وعشرين ومائتين وألف: أن عثمان أغا المتولى أغات مستحفظان اجتهد فى عمارة هذا المسجد، وكان قد أهمل زمن دخول الفرنسيس وتخرّب المشهد وأهيلت عليه الأتربة، فعمّره وزخرفه وبيضه وعمل به سترا وتاجا للمقام، ونادى على أهل الطرق الشيطانية المعروفين بأرباب الأشاير وهم السّوقة وأرباب الحرف المرذولة وينسبون أنفسهم للأحمدية والرفاعية والقادرية والبر هامية ونحو ذلك. فاجتمعوا بأنواع الطبول والمزامير والبيارق والشراميط والخرق الملوّنة حتى ملئوا النواحى والأسواق وساروا ولهم صياح ونياح وجلبة وصراخ هائل ويتجاوبون بالصّلوات والآيات التى يحرفونها وأنواع التوسلات ونداء أشياخهم بأسمائهم كقولهم:
يا هو يا هو يا جباوى يا بدوى يا دسوقى يا بيومى. كل ذلك والأغا راكب معهم والفقهاء والمتعمّمون والطبول تضرب والستر المصبوغ مركب على أعواد من الخشب، وحوله الرجال والنساء والصبيان يتمسحون به ويتبركون، ويرمون عليه الخرق والطرح حتى أنهم يرخونها من الطيقان بالحبال إلى ذلك التمثال لتحصيل البركة، ولم يزالوا سائرين على هذا النمط والخلائق يزدادون حتى وصلوا إلى ذلك المشهد خارج البلد بالقرب من كوم الجارح حيث المجراة، وصنع فى ذلك اليوم وتلك الليلة أطعمة وأسمطة للمجتمعين وباتوا على ذلك إلى ثانى يوم، انتهى.
ترجمة زين العابدين:
ومشهد سيدى على زين العابدين رضي الله عنه الآن عليه قبة جميلة، وفوق الضريح مقصورة من الخشب مرصعة بالصدف والعاج عملها له الأمير قفطان باشا، وله مولد كل سنة ثمانية أيام فى شهر صفر وهناك قبور كثيرة وحيشان وزاوية صغيرة أنشأها الخديو إسماعيل باشا سنة خمس وسبعين. وسيرة زين العابدين وأوصافه الحميدة أشهر من أن تذكر لشحن بطون الكتب بتقريرها وتحبيرها نظما ونثرا.
ومما فى طبقات الشعرانى: أنه هو علىّ/الأصغر وأما الأكبر فقتل مع الحسين رضي الله عنهما، وكان إذ ذاك مريضا نائما على الفراش فلم يقتل وهو أبو الحسينيين كلهم.
نبدة من مناقب زين العابدين:
كان إذا بلغه عن أحد أنه ينقصه ويقع فيه يذهب إليه فى منزله ويتلطف به ويقول:
يا هذا إن كان ما قلته فىّ حقا فيغفر الله لى، وإن كان ما قلته باطلا فيغفر الله لك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وكان كثيرا ما ينشد:
وما شئ أحب إلى اللئيم
…
إذا شتم الكريم من الجواب
وخرج يوما من المسجد فلقيه رجل فسبه وبالغ فى سبه، فبادرت إليه العبيد والموالى فكفّهم عنه وقال: مهلا على الرجل. ثم أقبل عليه وقال: ما ستر عنك من أمرنا أكثر ألك حاجة نعينك عليها؟ فاستحيا الرجل، فألقى إليه خميصته التى عليه وأمر له بعطاء فوق ألف درهم. فقال الرجل: أشهد أنك من أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن حجر: أخرج أبو نعيم أنه لما حج هشام بن عبد الملك فى حياة أبيه لم يمكنه أن يصل الحجر الأسود من الزحام فنصب له منبر إلى جانب زمزم وجلس ينظر إلى الناس، فبينما هو كذلك إذ أقبل الإمام زين العابدين رضي الله عنه؛ فتنحى له الناس عن الحجر من المهابة والجلالة حتى استلمه، فقال أهل الشام لهشام: من هذا؟ فقال: لا أعرفه.
مخافة أن يرغب أهل الشام فى الإمام زين العابدين، فقال الفرزدق:
هذا الذى تعرف البطحاء وطأته
…
والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم
…
هذا التقى النقى الطاهر العلم
إذا رأته قريش قال قائلها
…
إلى مكارم هذا ينتهى الكرم
ينمى إلى ذروة العز التى قصرت
…
عن نيلها عرب الإسلام والعجم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله
…
بجده أنبياء الله قد ختموا
فليس قولك: من هذا بضائره
…
العرب تعرف من أنكرت والعجم
من معشر حبهم دين وبغضهمو
…
كفر وقربهمو منجى ومعتصم
لا يستطيع جواد بعد غايتهم
…
ولا يدانيهمو قوم وإن كرموا
إلى أن قال:
يغضى حياء ويغضى من مهابته
…
فلا يكلم إلا حين يبتسم
فغضب هشام وحبس الفرزدق بعسفان فبلغ الإمام زين العابدين رضي الله عنه؛ فأمر له باثنى عشر ألف درهم، وقال: اعذر لو كان عندنا أكثر لوصلناك به انتهى.
توفى رضي الله عنه بالبقيع سنة تسع وتسعين وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وحملت رأسه إلى مصر ودفن بالقرب من مجراة الماء إلى القلعة بمصر العتيقة رضي الله عنه، انتهى.
وفى إسعاف الرّاغبين للشيخ محمد الصبّان: أن أم زين العابدين إحدى بنات كسرى.
قال فى السيرة الحلبية: أنه لما جئ ببنات كسرى وكن ثلاثا مع أمواله وذخائره إلى عمر وقفن بين يديه، وأمر المنادى أن ينادى عليهن بالبيع فامتنعن من كشف نقابهن ووكزن المنادى فى صدره فأراد عمر أن يعلوهن بالدّرة، فقال له على كرم الله وجهه ورضى عنه:
مهلا يا أمير المؤمنين فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ارحموا عزيز قوم ذل وغنى قوم افتقر»
(1)
فسكن غضبه، فقال علىّ: إن بنات الملوك لا يعاملن معاملة بنات السوقة. فقال عمر رضي الله عنه: كيف طريق العمل معهن؟ فقال: يقوّمن ومهما بلغ الثمن يقوم به من يختارهن فقومن وأخذهن على رضي الله عنه؛ فدفع واحدة لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما فجاء منها بولده سالم، وأخرى لمحمد بن أبى بكر رضي الله عنهما فجاء منها بولده القاسم، والثالثة لولده الحسين فجاء منها بولده على زين العابدين رضي الله عنه.
وهؤلاء الثلاثة فاقوا أهل المدينة علما وورعا، وكان أهل المدينة قبل ذلك يرغبون عن التسرى فرغبوا فيه لذلك، ولما مات وجدوه يقوت أهل مائة بيت.
ومن كلامه: إذا نصح العبد لله فى سره أطلعه على مساوى عمله فتشاغل بذنوبه عن معايب الناس. وقال: فقد الأحبّة غربة. وقال: عبادة الأحرار لا تكون إلا شكرا لله لا خوفا ولا رغبة. وقال: إن قوما عبدوه رهبة فتلك عبادة العبيد، وآخرين رغبة فتلك عبادة التجار، وقوما عبدوه شكرا فتلك عبادة الأحرار. وقال:
عجبت للمتكبر الفخور الذى كان بالأمس نطفة وسيكون جيفة، وعجبت لمن شك
(1)
يروى عن أنس مرفوعا وذكره ابن الجوزى فى الموضوعات، وقال: إنما يعرف من كلام الفضيل بن عياض. راجع (تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث - تأليف عبد الرحمن ابن على المشهور بالديبع ط القاهرة 1324 هـ. ط صبيح).
فى الله وهو يرى خلقه، وعجبت لمن أنكر النشأة الأخرى وهو يرى النّشأة الأولى.
/ولما مات دفن بالبقيع.
وقد اشتهر: أن المشهد القريب من مجراة القلعة بقرب مصر القديمة مشهد زين العابدين لكن الذى عليه الأكثر: أن الذى فى هذا المشهد رأس زيد ابنه، انتهى.
وقال المقريزى فى ذكر المشاهد التى يتبرّك الناس بزيارتها: ان هذا المشهد تسميه العامة مشهد زين العابدين وهو خطأ، وإنما هو مشهد رأس زيد بن على المعروف بزين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب رضي الله عنه، ويعرف فى القديم بمسجد محرس الخصى.
- قال القضاعى: مسجد محرس الخصى بنى على رأس زيد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب رضي الله عنه حين أنفذه هشام بن عبد الملك إلى مصر ونصب على المنبر بالجامع. فسرقه أهل مصر ودفنوه فى هذا الموضع.
وقال الكندى: قدم إلى مصر - فى سنة اثنتين وعشرين ومائة - أبو الحكم بن أبى الأبيض القيسى خطيبا برأس زيد بن على يوم الأحد لعشر خلون من جمادى الآخرة، واجتمع الناس إليه فى المسجد.
وقال الشريف محمد الجوّانى: وبنو زيد بن على زين العابدين الشهيد بالكوفة ولم يبق له غير رأسه التى بالمشهد الذى بين الكومين بمصر بطريق جامع ابن طولون وبركة الفيل وهو من الخطط يعرف بمسجد محرس الخصى، وبعد صلبه أحرق وذرى فى الريح ولم يبق منه إلا رأسه التى بمصر وهو مشهد صحيح لأنه طيف بها بمصر، ثم نصبت على المنبر بالجامع بمصر سنة اثنتين وعشرين ومائة فسرقت ودفنت فى هذا الموضع إلى أن ظهرت وبنى عليها مشهد.
وذكر ابن عبد الظاهر: أن الأفضل بن أمير الجيوش أمر بكشف المسجد، وكان وسط الأكوام ولم يبق من معالمه إلا محرابه فوجد هذا العضو الشريف
قال محمد بن منجب الصيرفى: حدثنى الشريف فخر الدين أبو الفتح ناصر الزيدى خطيب مصر قال: لما خرج هذا العضو رأيته وهو هامة وافرة وفى الجبهة أثر فى سعة الدّرهم فضمخ وعطّر وحمل إلى دار حتى عمّر هذا المسجد، وكان وجد أنه يوم الأحد التاسع والعشرين من ربيع الأول سنة خمس وعشرين وخمسمائة، وكان الوصول به فى يوم الأحد ووجد أنه فى يوم الأحد، انتهى.
ثم قال: وهو أبو الحسن الإمام الذى تنسب إليه الزيدية إحدى طوائف الشيعة سكن المدينة وروى عن أبيه على بن الحسين زين العابدين. وقال ابن حبان: أنه رأى جماعة من الصحابة. وقيل لجعفر الصادق رضي الله عنه: أن الرّافضة يتبرءون من عمك زيد؛ فقال: برئ الله ممن تبرأ من عمى كان والله أقرأنا لكتاب الله وأفقهنا فى دين الله وأوصلنا للرّحم، والله ما ترك فنا لدنيا ولا لآخرة مثله، وكان نقش خاتمه: اصبر تؤجر، اصدق تنج
وسبب قتله:
أنه قام لقتال هشام بن عبد الملك لفتنة وقعت بينهما، وبايعه أهل الكوفة ثم نقضوا عهده كما نقضوا عهد أبيه وجدّه رضي الله عنهم؛ فقاتل قتالا شديدا وهزم الجيوش مرارا فرمى بسهم فى جبهته اليسرى ثبتت فى دماغه، فأنزلوه فى دار وأتوه بطبيب فانتزع النصل فضج زيد. ومات رحمه الله تعالى لليلتين خلتا من شهر صفر سنة اثنتين وعشرين ومائة وعمره اثنان وأربعون سنة؛ فدفنوه فى الحفرة التى يؤخذ منها الطين وأجروا عليه الماء وتفرق أصحابه، ثم ان يوسف بن عمر رئيس جيش هشام تتبع الجرحى فى الدور حتى دل على زيد فى يوم جمعة؛ فأخرجه وقطع الرأس وبعث به إلى هشام فدفع لمن وصل به عشرة آلاف درهم ونصبه على باب دمشق، ثم أرسله إلى المدينة وسار منها إلى مصر، وأما الجسد فصلبه يوسف بالكناسة وأقام عليه الحرس فمكث مصلوبا سنتين ثم ان هشاما آل أمره إلى الحرق بعد أن أخذ بنو العباس دمشق، وآل أمر يوسف إلى أن قطع وجعل على كل باب من أبواب دمشق منه عضو.
وقد أطال المقريزى فى ترجمة زيد وبيان سبب قتله فارجع إليه تجده مبسوطا.
ثم قال المقريزى: وهذا المشهد باق بين كيمان مدينة مصر يتبرك الناس بزيارته ويقصدونه لا سيما فى يوم عاشوراء، والعامة تسميه زين العابدين وهو وهم، وإنما زين العابدين أبوه وليس قبره بمصر بل بالبقيع، انتهى.
ولكن شهرة هذا المشهد بزين العابدين قديمة فقد عدّ ابن جبير مشاهد أهل البيت التى بمصر فى رحلته التى عملها فى أواخر القرن السادس فعدّ منها مشهد على بن الحسين ابن على رضي الله عنهم أجمعين.
الجامع الزينبى
هذا الجامع بخط قناطر السباع من ثمن درب الجماميز، وهو مسجد شهير
جامع وحرم آمن واسع ولم أقف على أول من أنشأه، وإنما فى نزهة الناظرين:
أن الأمير على باشا الوزير المتولى سنة ست وخمسين وتسعمائة أجرى مدة ولايته عدّة عمائر من ضمنها أنه عمر مقام السيدة زينب رضي الله عنها بقناطر السباع عمارة جيدة عظيمة، انتهى.
وفى رسالة الصبان فى أهل البيت: أن الأمير عبد الرحمن كتخدا فى سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف جدّد رحاب السيدة زينب رضي الله عنها، ووسعه/وبنى بجوارها رحاب سيدى محمد العتريس أخى سيدى إبراهيم الدسوقى وأنشأ بها الساقية والحوض.
وفى تاريخ الجبرتى: أن مشهد السيدة زينب، رضي الله عنها، عمره الأمير عبد الرحمن كتخدا القاز دغلى فى جملة عمائر وذلك سنة أربع وسبعين ومائة وألف، فلم يزل على ذلك إلى أن ظهر به خلل ومال شقه فانتدب لعمارته عثمان بيك المعروف بالطنبورجى المرادى فى سنة اثنتى عشرة ومائتين وألف فهدمه وكشف أنقاضه، وشرعوا فى بنائه فأقاموا جدرانه ونصبوا أعمدته وأرادوا عقد قناطره، فحصلت حادثة الفرنسيس فبقى على حالته إلى أن خرج الفرنسيس من أرض مصر وحضرت الدولة العثمانية فأنهى - خدمة الضريح - الأمر للوزير يوسف باشا فأمر بإتمامه على طرف الميرى، ثم وقع التراخى فى ذلك إلى أن استقر قدم محمد على باشا فى ولاية مصر واهتم بذلك فشرعوا فى إكماله وتسقيفه وتقيّد لمباشرة ذلك ذو الفقار كتخدا فتم على أحسن ما كان وأحدثوا به حنفية وفسحة وزخرفوه بالنقوشات والأصباغ.
ولما كان يوم الجمعة رابع عشر شهر ربيع الثانى سنة سبع عشرة ومائتين وألف صليت به الجمعة، فحضر محمد على باشا والدّفتر دار والمشايخ وصلوا به الجمعة، وبعد انقضاء الصلاة عقد الشيخ محمد الأمير المالكى درس وظيفته وأملى حديث:{(إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ)} الآية
(1)
والأحاديث المتعلقة بذلك وخلع عليه الباشا بعد ذلك خلعة، وكذا خلع على الإمام أيضا، انتهى.
وفى بعض نقوشه ما يدل على أنّ المحروقى أجرى فيه عمارة، وكان المرحوم عباس باشا فى جلوسه على تخت مصر مشغوفا بعمائر مشاهد أهل البيت؛ فعزم على عمارته وتوسعته فاخترمته المنية قبل بلوغ آماله رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
(1)
سورة التوبة: 18.
وفى سنة خمس وسبعين ومائتين وألف فى حكم المرحوم سعيد باشا أجريت به العمارة على الرسم الذى كان قد عزم عليه المرحوم عباس باشا فتم بناؤه عليه، وكان ذلك على يد ناظر الأوقاف محب الخيرات المرحوم إبراهيم أدهم باشا، فهو الذى أدخل فيه الرّحبة التى كانت فى جهته البحرية المتصلة بمقام الشيخ العتريس والعيدروس
(1)
، وضرب على الجميع سورا من درابزين الحديد ارتفاعه أكثر من متر وفرشها بترابيع الرخام الأبيض وسقفها على بوائك من الخشب محمولة على أعمدة من الخشب المصبوغ بلون الرخام وجعل عليها ثمانية قباب صغيرة.
وفى ذلك السور باب يوصل إلى المسجد وإلى العيدروس والعتريس، وإلى المشهد الشريف بعد النزول فى سلالم من الرخام، وبين المشهد ومقام العتريس والعيدروس من الجهة البحرية باب فى نهاية الدّرابزين يوصل أيضا إلى المشهد والجامع، ويليه فى الجدار الغربى الجديد باب يسمى الباب المقبول يكون الضريح عن شمال الداخل منه يقفل عليه باب مصفح من نحاس، وبأعلاه لوح رخام أزرق مكتوب عليه بماء الذهب هذا البيت:
بقاع بها صح الحديث مؤرخا
…
بإسناده خير البقاع المساجد
وبأعلى ذلك أقماط وعقود من الحجر النحيت، وبداخله طرقة مفروشة بالرخام تمتد إلى مقصورة الجامع يمينا وشمالا إلى باب المشهد وباب الحنفية، وعن يمين الداخل منه إيوان مفروش بالبلاط يعمل فيه الأذكار ونحوها، وفيه سلم يوصل إلى محل يقاربه.
ويلى ذلك الباب باب يدخل منه إلى الحنفية والمطهرة عليه أبيات فى لوح رخام أزرق هى:
فى ظل أيام السعيد محمد
…
رب الفخار مليك مصر الأفخم
من فائض الأوقاف أتحف زينبا
…
عون الورى آل النبى الأكرم
قد شاد إبراهيم أدهم خدمة
…
هذا البنا للطهر فرض المسلم
من يأت ينوى للوضوء مؤرخا
…
يسعد فإن وضوءه من زمزم
يعنى سنة ست وسبعين ومائتين وألف. وبداخله ساحة مفروشة بالرخام بها إيوانان مسقوفان بأعلى أحدهما إيوان صغير يصعد إليه بسلم، وفى وسط الساحة حنفية وهى
(1)
راجع صفحة 30 وما بعدها من هذا الجزء.
حوض ذو أضلاع مكسو بالرخام، وفيه بزابيز من النحاس الأصفر عليه قبة محمولة على ستة أعمدة من الرخام. وللمطهرة باب صغير على الشارع به تكون الأبواب خمسة وعلى مقصورة الجامع درابزين من الخشب فاصل بينها وبين الطرقة المفروشة بالرخام وفيه ثلاثة أبواب، والمقصورة مفروشة بالحجر النحيت، وفيه أربعة وعشرون عمودا من الرخام الأبيض عليها ثمان وعشرون بائكة من الحجر المعقود، وسقفها من الخشب النقى المنقوش فى وسطه ملقف يأتى بالنور والهواء، والقبلة مصنوعة بالرخام الملوّن /والترابيع، وبها عمودان من الرخام بأعلى كل منهما دائرة مكتوب فى واحدة: لا إله إلا الله. وفى الأخرى: محمد رسول الله. وفوقها آيات قرآنية وبيتان هما:
يا رب أكرم بالسعادة سيدا
…
بأحمد المحروقى يدعى ويحمد
لقد باشر البنيان حقا بهمة
…
فتم بحمد الله والصدر يشهد
ومنبره من الصنعة القديمة وفى المؤخر دكة كبيرة للتبليغ، وفى مقدم المقصورة فى الزاوية التى عن شمال المصلى قفص أنشئ أيام دخول السلطان عبد العزيز مصر ليصلى فيه، وهو عبارة عن خلوة صغيرة قائمة على عمد من خشب يصعد إليها بسلالم من الخشب.
وفى نهاية حائط القبلة باب بسلّم يوصل إلى مخازن فوق الحوانيت التى بالحائط معدة لخزن مهمات الجامع، وعلى سطح الجامع مزاول شمسية وقمرية بعضها مستعملة وبعضها متخرب وله منارة لطيفة.
وأما ضريح كريمة الدّارين السيدة زينب رضي الله عنها فهو فى الناحية الغربية البحرية من الجامع عليه من المهابة والجلال والوقار ما لا يوصف كثرة، وبين يدى باب القبة طرقة صغيرة مفروشة بالرخام عليها بابان كلاهما من الرخام النفيس يقفل عليهما بابان مصفحان بالنحاس أحدهما إلى العتريس والعيدروس وبوجهه هذا البيت:
إن رمت فى شدّة آل النبىّ تجد
…
بنت الرضا زينبا أخت الحسين حمى
والآخر إلى مقصورة الجامع عليه دوائر فيها اسم السلطان سليم بالليقة الذهبية وبأعلى ذلك لوح رخام أزرق فيه هذه الأبيات:
نور بنت النبى زينب يعلو
…
مسجدا فيه قبرها والمزار
قد بناه الوزير صدر المعالى
…
يوسف وهو للعلا مختار
من مليك الملوك سلطان كل
…
فى بنى عثمان إليه يشار
صاحب النصر والفتوح سليم
…
نصر الله جيشه حين ساروا
وكذا خسرو محمد باشا
…
من به عز مصر والأقطار
دام إجلالا كلما قلت أرخ
…
مسجد مشرق به أسرار
107 640 -
(1)
7 462
سنة 1216
يعنى سنة ست عشرة ومائتين وألف، وفى دائر تلك الطرقة إزار خشب به قصيدة أولها:
ضريح بنى الزهراء يعلو به القدر
…
ويمحى عن الزوّار فى بابه الوزر
ضريح به قد شرفت مصر وارتقت
…
كما شرف الأكوان جدهم الطهر
فطف واسع وارج للقبول فإنه
…
مقام على الأعداء شدّ به الأزر
عليهم رضا الرحمن فى كل طرفة
…
يدوم دواما لا يغيره الدهر
وفى نهاية الطرقة دكة يجلس عليها شيخ الصندوق وتحتها قبر يقال له قبر عمر كاشف عتيق الأمير إبراهيم بيك الكبير، ويقال: أنه هو الذى أنشأ باب القبة وهو باب حسن عليه باب من الخشب النقى مصفح بالفضة وضبته مصفحة بالفضة أيضا، وبأعلاه لوح رخام عليه بيتان بالليقة الذهبية هما:
وزينب وردة الزهراء بنت على
…
أخت الحسين لها بين الورى شان
قالت لنا بلسان الشكر واصفة
…
نسل الرسول الذى حياه قرآن
ثم على البرزخ الشريف مقصورة من النحاس الأصفر منقوش بأعلاها بالتفريغ:
يا سيدة زينب يا بنت فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم مدد، سنة ألف ومائتين وعشرة. وبدائرها رفرف من خشب منقوش فيه آية الكرسى بالليقة الذهبية، وعلى المشهد قبة جليلة مزخرفة بوسطها إزار خشب بكرنيش وبروازان من الخشب فى أحدهما سورة الفتح وفى الآخر سورة الحشر، وبها أربع دوائر فيها نقوش مذهبة تشتمل على سورة الإخلاص وأسماء/بعض الصحابة، وبها شبا كان من النحاس على أحدهما: رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد. وعلى
(1)
فى الطبعة الأميرية 645. وما أثبتناه أصوب، راجع حساب الجمل من (الموسوعة العربية الميسرة إشراف محمد شفيق غربال ط دار القلم ومؤسسة فزانكلين - القاهرة 1965) وراجع ص 325.
الثانى: {(إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)}
(1)
، وشبا كان آخران عليهما:
يا آل بيت رسول الله حبكمو
…
فرض من الله فى القرآن أنزله
يكفيكمو فى عظيم الفخر أنكمو
…
من لم يصل عليكم لا خلاق له
وبأعلاها شبابيك أخر معمولة بالجبس والزجاج الملوّن، وبدائرها من الأعلى نقوش مذهبة وألوان مختلفة وفى نهايتها البحرية دكة خشب يتوصل إليها بطرقة من سلم الخلوة التى بجوار القبة، وعند باب الطرقة التى بين المشهد ومقصورة الجامع لوح رخام منقوش فيه:
يا زائريها قفوا بالباب وابتهلوا
…
بنت الرسول لهذا القطر مصباح
وبأسفله: هذا مقام الهاشمية النبوية السيدة زينب بنت فاطمة الزهراء المصطفوية بضعة سيّد الأنام خير البرية، تاريخ انتقالها سنة خمس ومائة من الهجرة النبوية عليهم تسليمات رحمانية سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف. وخارج الطرقة شبا كان من نحاس عليهما هذان البيتان:
كيف أخشى يا آل أحمد ضيما
…
بعد حبى لكم وحسن اعتقادى
يا بحار العطا أأخشى وأنتم
…
سفن للنجاة يوم المعاد
وبجوار الشباكين بئر عليها باب مقفل، ثم فى الجهة القبلية خارج الجامع مطهرته بمرافقها والساقية ومخازن وسبيل ومكتب يقال أنهما من إنشاء مصطفى أغا دار السعادة سنة إحدى ومائة وألف.
ولما كان المرحوم أدهم باشا ناظرا على الأوقاف شرع فى تجديدها، ولم يتم ذلك إلى أن كانت سنة سبع وتسعين ومائتين وألف فى عهد حضرة الخديو الأعظم والداورى الأفخم أفندينا محمد باشا توفيق؛ فأمر أدام الله دولته بتجديد المسجد فشرع فى هدمه من ذلك العام، وابتدئ فى البناء سنة ثمان وتسعين، ثم شرع فى هدم القبة الشريفة عام تسع وتسعين وابتدئ بناؤها عام ثلثمائة وزيد فى اتساعها عما كانت عليه من الجهة الغربية والقبلية، وأدخل فى المسجد الجديد الرحبة التى كانت خارج المسجد القديم
(1)
سورة الأحزاب: 33.
من الجهة البحرية وكانت مفروشة بالرخام ومحوطة بالدرابزين الحديد، وعليها قباب الخشب فى السقف الموضوع على البوائك وأعمدة الخشب التى على حد الرحبة مسمرا بها الدرابزين، وقد كانت هذه الرحبة فى الخطة القديمة طريقا مسلوكا بين المسجد القديم وأماكن كانت على القنطرة متصلة بزاوية الشيخ العتريس، فجعلت هذه الطريق رحبة تابعة للمسجد لمّا هدمت هذه الأماكن التى على القنطرة وجعلت ميدانا واسعا قدام المسجد الشريف. وهذه الرحبة هى التى بين الحائط الذى فيه الأبواب الثلاثة من الجهة البحرية وبين الأعمدة العظيمة جدا المبنية من الحجر النحيت وبينها البوائك وبها الخزائن الشبيهة بالخلاوى الصغيرة.
وقد فرغ من بناء هذا المسجد الجليل وتشييده وزخرفته مع منارته الجميلة الشكل والقبة الشريفة وتشييدها وزخرفتها، ووضع المقصورة التى من النحاس الأصفر المسقفة بالخشب النقى المزركش بالليقة الذهبية وغيرها من الألوان الجميلة على القبر الشريف عام أربع وثلثمائة وألف فجاء مسجدا جميل الشكل بديع الحسن، وكان ذلك كله برعاية ونظر الأمير الكبير محمد زاكى باشا حين كان ناظر ديوان الأوقاف.
وأما الساحة التى بها الحنفية والإيوانان كما تقدم وهى المتصلة بالمطهرة فلم تتغير لا هى ولا المطهرة عن حالهما الأول إلى الآن أعنى سنة 1305، غير أن فسقية المطهرة هدمت وجعل بدلها فى موضعها حنفية وهى حوض عال كبير بقدر الفسقية، وجعل فيه من جهاته الأربع بزابيز نحاس يتوضأ منها وذلك فى سنة ألف وثلثمائة وواحد.
وقد قيل: أنه مزمع على تغيير هذه الساحة بما فيها من الحنفيات مع المطهرة إلى وضع آخر، والله أعلم بما سيكون.
وفى دائر الجامع حوانيت كثيرة من وقفه ويعمل به للسيدة رضي الله عنها حضرتان فى الأسبوع ليلة الأحد وليلة الأربعاء، ومولد كل سنة نحو عشرين يوما، ثم إنى لم أر فى كتب التواريخ: أن السيدة زينب بنت على رضي الله عنها جاءت إلى مصر فى الحياة أو بعد الممات.
وقد ذكر الثقة القدوة أبو الحسين محمد بن جبير الأندلسى الغرناطى فى رحلته التى عملها فى أواخر القرن السادس من الهجرة النبوية: أن ما حصّله العيان بمصر المحروسة من مشاهد الشريفات العلويات رضي الله عنهن، وتلقيناه من التواريخ الثابتة عليها مع تواتر الأخبار بصحة ذلك هو: مشهد السيدة أم كلثوم/بنت القاسم بن محمد بن جعفر ومشهد
السيدة زينب بنت يحيى بن زيد بن الحسين بن على، ومشهد أم كلثوم بنت محمد بن جعفر الصادق، ومشهد السيدة أم عبد الله بن محمد رضي الله عنهم. قال: وهى أكثر من ذلك، انتهى. ولم يذكر مشهد السيدة زينب بنت على أخت الحسين رضي الله عنهم.
وفى كتاب المزارات للسخاوى: أن المنقول عن السلف أنه لم يمت أحد من أولاد الإمام على لصلبه بمصر، انتهى. وإنما يذكر ذلك فى كتب بعض الصوفية وسير الصالحين.
قال الشيخ محمد الصبّان فى رسالته فى أهل البيت: قال الشعرانى فى مننه: أخبرنى سيدى على الخوّاص رضي الله عنه أن السيدة زينب المدفونة بقناطر السباع ابنة الإمام على رضي الله عنه، وأنها فى هذا المكان بلا شك، وكان يخلع نعله فى عتبة الدرب ويمشى حافيا حتى يجاوز مسجدها ويتوسل إلى الله تعالى بها فى أن الله يغفر له، انتهى.
وفى مشارق الأنوار للشيخ حسن العدوى: قال الشعرانى فى كتابه الأنوار القدسية:
قد صحح أهل الكشف أن السيدة زينب بنت الإمام على هى المدفونة بقناطر السباع بلا شك، وأختها السيدة رقية فى المشهد القريب من دار الخليفة قرب جامع ابن طولون ومعها جماعة من أهل البيت، والسيدة سكينة بنت الحسين فى الزاوية التى عند الدرب قرب دار الخليفة أيضا، والسيدة نفيسة فى المشهد القريب من مجراة القلعة عند باب القرافة الصغرى، والسيدة عائشة رضي الله عنها بنت جعفر الصادق فى المسجد الذى له المنارة القصيرة على يسار الخارج من الرميلة، والسيد محمد الأنور عم السيدة نفيسة رضي الله عنها فى الزاوية القريبة من جامع ابن طولون، وأخاه السيد حسن والد السيدة نفيسة فى القبة القريبة من جامع عمرو، وأن رأس زين العابدين ورأس زيد الأبلج فى القبة التى بين التل قرب مجرى القلعة، ورأس السيد إبراهيم بن زيد الأبلج فى المسجد الخارج من المطرية مما يلى الخانقاه، وأن رأس السيد الحسين رضي الله عنه فى المشهد المعروف قرب خان الخليلى بلا شك جئ به من بلاد العجم ومشى أمامه طلائع بن رزيك هو وعسكره حفاة من ناحية الشرقية إلى مصر اه. وذكرنا كلا فى موضعه.
ذكر نبذة من مناقب السيدة زينب رضي الله عنها:
ونقل عن المواهب اللدنية: أن السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها ولدت لعلى رضي الله عنه حسنا وحسينا ومحسنا وأم كلثوم وزينب. قال شارحها الزرقانى: ولدت زينب فى حياة جدّها صلى الله عليه وسلم، وكانت لبيبة جزلة عاقلة لها قوّة جنان، انتهى.
قال العلامة الصبان فى رسالته: ذكر ابن الأنبارى: أنه لما قتل أخوها الحسين رضي الله عنه أخرجت رأسها من الخباء، وأنشدت رافعة صوتها:
ماذا تقولون إن قال النبىّ لكم
…
ماذا صنعتم وأنتم آخر الأمم
بعترتى وبأهلى بعد مفتقدى
…
منهم أسارى ومنهم خضبوا بدم
ما كان هذا جزائى إذ نصحت لكم
…
أن تخلفونى بسوء فى ذوى رحمى
وكان ابن عمها عبد الله الجواد بن جعفر الطيّار ذى الجناحين متزوجا بأختها أم كلثوم؛ فماتت ولم تعقب له فتزوج بزينب رضي الله عنها.
قال السيوطى فى رسالته الزينبية: ولدت زينب لعبد الله بن جعفر عليا وعونا الأكبر وعبّاسا ومحمدا وأم كلثوم وذريتها إلى الآن موجودون بكثرة، انتهى. قال: ويطلق عليهم اسم الأشراف على الاصطلاح القديم من إطلاق اسم الشريف على كل من كان من أهل البيت وإن خص الآن بذرية الحسن والحسين رضي الله عنهما وينسبون إلى النبى صلى الله عليه وسلم، ولا يقال لهم أولاده فى عرف الفقهاء؛ فقد فرّقوا بين من يسمى ولد الرجل وبين من ينسب إليه، انتهى.
وأما قبر العتريس والعيدروس فهما متجاوران أمام باب مزار السيدة زينب رضي الله عنها من بحرية فى ساحة واحدة مفروشة بالرخام محاطة بدرابزين من حديد متصل بدرابزين الرحبة التى عليها القباب، وعليهما سقف واحد من الخشب قائم على ستة أعمدة من الرخام وعلى كل منهما مقصورة من حديد وقبة من خشب. كل ذلك جدد بأمر المرحوم سعيد باشا ومباشرة المرحوم أدهم باشا مع عمارة الجامع، ويلتصق بكل من القبتين لوح رخام فى أحدهما:
شاد سعيد العصر فى مصره
…
خير مقام قد زها مثل العروس
فى نور آل البيت تاريخه
…
كان بناء العتريس والعيدروس
وفى الآخر:
بسرّ أبى المجد الدسوتى وصنوه
…
محمد العتريس كن متوسلا
ترجمة العتريس:
وفى رسالة الصبان أيضا: أن العتريس هذا هو سيدى محمد العتريس أخو سيدى إبراهيم الدسوقى نفعنا الله بهما فى الدارين. انتهى؛ فإذا كان أخاه نسبا فهو محمد العتريس
ابن أبى المجد بن قريش بن محمد بن النجا بن عبد الخالق بن القاسم/بن جعفر بن عبد الخالق بن أبى القاسم الزكى بن على بن محمد الجواد بن على الرضا بن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين ابن الإمام الحسين بن على بن أبى طالب كرم الله وجهه.
ترجمة العيدروس:
وأما العيدروس فهو - كما فى حوادث سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف من تاريخ الحبرتى -: وجيه الدين أبو المراحم عبد الرحمن الحسينى العلوى العيدروسى التريمى
(1)
نزيل مصر، ولد سنة خمس وثلاثين ومائة وألف، ووالده مصطفى بن شيخ بن مصطفى ابن على زين العابدين بن عبد الله بن شيخ بن عبد الله بن شيخ بن عبد الله العيدروس ابن أبى بكر السكران بن عبد الرحمن السقاف ابن محمد مولى الدويلة بن على بن علوى ابن محمد مقدم التربة بتريم، ينتهى نسبه إلى جعفر الصادق ثم إلى الحسين ابن الإمام على رضي الله عنهم أجمعين وأرخه بعضهم بقوله:
لله من سيّد أتى بيوم سعيد ضاء الزمان به نعم الحبيب المجيد يا نعم من وافد بكل خير مديد
إنّ الصفى المصطفى اللوذعىّ الرشيد
…
تاريخ ميلاده آت شريف سعيد
401 590 144 - سنة 1135
ونشأ على عفة وصلاح فى حجر والده وجده رضي الله عنهم، وأجازاه وألبساه الخرقة وصافحاه، وتفقه على السيد وجيه الدين عبد الرحمن وأجازه بمروياته.
وفى سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف توجّه صحبة والده إلى الهند؛ فنزلا بندر الشحر واجتمع بالسيد عبد الله المحضار العيدروس؛ فتلقن منه الذكر وصافحه وشابكه وألبسه الخرقة وأجازه إجازة مطلقة، ثم وصلا بندر سورت واجتمع بأخيه السيد عبد الله الباصر وزار من بها من القرابة والأولياء، ودخلا مدينة بروج
(2)
فزارا محضار الهند السيد
(1)
التريمى: نسبة إلى تريم اسم إحدى مدينتى حضرموت؛ لأن حضرموت اسم للناحية بجملتها، ومدينتاها شبام وتريم وهما قبيلتان سميت المدينتان باسميهما. وقيل: تريم: بالكسر وفتح الياء اسم واد بين المضايق وواد ينبع. راجع (معجم البلدان لياقوت).
(2)
بروج: بفتح الواو وجيم. ويقال: بروص بالصاد المهملة من أشهر مدن الهند البحرية كبرها وأطيبها. راجع (معجم البلدان لياقوت).
أحمد بن شيخ العيدروس ليلة نصف شعبان سنة إحدى وستين
(1)
، ثم رجعا إلى سورت وتوجه والده إلى تريم وتركه عند أخيه وخاله زين العابدين العيدروس، وفى أثناء ذلك ركب إلى بلاده وظهرت له فى هذه السفرة كرامات، ثم رجع إلى سورت وأخذ من السيد مصطفى بن عمر العيدروس، والحسين بن عبد الرحمن العيدروس، والسيد محمد فضل الله العيدروس - أجازه بالسلاسل والطرق وألبسه الخرقة - ومحمد فاخر العباس، والسيد غلام على الحسينى، والسيد غلام صدر الحسينى، والمحدث حافظ يوسف السورتى، والغلام عزيز الله الهندى وغيرهم.
وركب من سورت إلى اليمن فدخل إلى تريم وجدد العهد بذوى رحمه وتوجه منها إلى مكة المشرفة للحج وكانت الوقفة نهار الجمعة، ثم زار جدّه صلى الله عليه وسلم، وأخذ هناك عن الشيخ محمد حياه السندى وأبى الحسن السندى وإبراهيم بن فيض الله السندى وجعفر بن محمد البيتى ومحمد الداغستانى، ورجع إلى مكة فأخذ عن الشيخ السند السيد عمر بن أحمد وأبى الطيب وابن سهل وعبد الله بن سليمان باجرمى وغيرهم، ثم ذهب إلى الطائف وزار الحبر ابن عباس ومدحه بقصائد، واجتمع بالسيد عبد الله ميرغنى وصار بينهما الود الذى لا يوصف.
وفى سنة ثمان وخمسين أذن له بالتوجه إلى مصر؛ فنزل إلى جدة وركب منها إلى السويس وزار سيدى عبد الله الغريب ومدحه بقصيدة، وركب إلى مصر وزار الإمام الشافعى رضي الله عنه وغيره ومدح كلا بقصائد موجودة فى ديوانه وفى رحلته، وهرعت إليه أكابر مصر من العلماء والصلحاء وأرباب السجاجيد والأمراء وصارت له معهم المطارحات المذكورة فى رحلته.
وممن زاره الشيخ عبد الخالق الوفائى فمال إليه لتوافق المشربين، وألبسه الخرقة الوفائية وكنّاه أبا المراحم بعد تمنع كثير وأجازه أن يكنى من شاء.
وفى سنة تسع وخمسين سافر إلى مكة صحبة الحج وتزوّج ابنة عمه وسكن الطائف وابتنى دارا نفيسة، ثم عاد إلى مصر سنة اثنتين وستين مع الحج فمكث بها عاما وعاد إلى الطائف.
وفى سنة أربع وستين أتاه خبر وفاة والده، ثم ورد إلى مصر فى سنة ثمان وستين ومكث عاما ثم عاد إلى مكة مع الحج.
(1)
قوله: سنة إحدى وستين هكذا فى هامش الأصل اهـ وانظره فى ص 11 من الطبعة الأولى.
وفى عام اثنتين وسبعين تزوّج الشريفة رقبة بنت السيد أحمد بن حسن أبا هارون وولدت له السيد مصطفى سنة ثلاث وسبعين.
وفى سنة أربع وسبعين عاد إلى مصر بعياله صحبة الحج وألقى عصاه واستقر بها النّوى، وجمع حواسه لنشر الفضائل وأخلاها عن السوا، وهرعت إليه الفضلاء للأخذ عنه وتلقى هو عن الملّوى والجوهرى والحفنى وأخيه يوسف، وهم تلقوا عنه تبركا وصار أوحد وقته حالا وقالا مع تنويه الفضلاء به، وخضعت له أكابر الأمراء على اختلاف طبقاتهم لا ترد رسائله، ولا يرد سائله، وطار صيته شرقا وغربا. وفى أثناء هذه المدة تعددت له رحلات إلى الصعيد الأعلى وإلى طنتدا ودمياط ورشيد واسكندرية وفوّة وديروط، وزار سيدى إبراهيم الدسوقى رضي الله عنه، وله فى كل هؤلاء قصائد طنانة، ثم سافر إلى الشام فتوجه إلى غزة ونابلس، ونزل إلى دمشق وهرعت إليه/علماء لشام وأدباؤها، واجتمع بالوزير عثمان باشا فى ليلة مولد النبى صلى الله عليه وسلم فى بيت السيد على المرادى، ثم رجع إلى بيت المقدس وعاد إلى مصر وتوجه إلى الصعيد، ثم عاد إلى مصر وزار السيد البدوى رضي الله عنه، ثم ذهب إلى دمياط كعادته فى كل مرة، ثم رجع إلى مصر ثم توجه إلى رشيد ثم إلى اسكندرية ثم منها إلى اسلامبول؛ فحصل له غاية الحظ والقبول وهرعت إليه الناس، ورتب له فى جوالى مصر كل يوم قرشان ولم يمكث بها إلا نحو أربعين يوما وركب منها إلى بيروت ثم إلى صيدا ثم إلى قبرص ثم إلى دمياط، وذلك سنة تسعين ثم دخل المنصورة ثم دخل مصر، وكان مدة مكثه فى الهند عشرة أعوام وحج سبع عشرة مرة، ومن قصائده فى مدح ابن عباس سنة تسع وخمسين:
قسما بسوسن خدّه ووروده
…
وبثغره الالمى وطيب وروده
وبعسجد من وجنتيه وفضة
…
من جسمه وبلؤلؤ فى جيده
وبأحمر من خده وبأسمر
…
من قده وبأبيض من سوده
وبنون حاجبه ونور جبينه
…
وضحى محياه وليل جعيده
إلى أن قال فى جواب القسم تخلصا من الغزل إلى المدح:
إن الملاح الغانيات بأسرها
…
من حسنه الأشهى كبعض عبيده
عشقى له وتغزلى فيه كما
…
مدحى لسامى الحب فى معبوده
غوث بدايته نهاية غيره
…
سار الورى بنزوله وصعوده
مولاى عبد الله نجل السيّد ال
…
عباس مفرد دهره ووجوده
وهى طويلة ومن شعره:
لك الله يا سلمى سلى عن صبابتى
…
وصيب دموعى ما حكته سحاب
وجودى بموتى يا حياتى لكى به
…
يعلى لكلى فى الوجود جناب
وما ثم ما يخفيك عنى وإنما
…
يلذ سؤال فى الهوى وجواب
إذا خاطبت معناك روحى ترنحت
…
بخمر جمال ما حكاه شراب
فى أبيات ومنه:
طاب شربى لخمر تلك الكؤوس
…
فأدرها لنا حياة النفوس
هاتها هاتها فقد راق وقتى
…
بين روح به السرور جليسى
هاتها فالزمان قد طاب حتى
…
غطس القلب فى الجمال النفيس
واسقنى يا حياة روحى وسرّى
…
وامزجنها من ريقك المأنوس
إلى أن قال:
غبت عنى بها فدعنى أغنى
…
إن فى ذا المقام حطيت عيسى
صاح إنى من سكرتى غير صاح
…
فعلام الملام للعيدروس
ومن قصائده:
قف بى على كثب العقيق وبانه
…
إن كنت ذا شوق إلى كثبانه
وابذل غزير الدمع فى أرجائه
…
حتى تسير السفن فى غدرانه
وهى طويلة، ومن كلامه:
أما الفؤاد فكله صب
…
مثل الدموع جميعها صب
ويح الحشاشة حشوها حرق
…
وهى التى بالدمع ما تخبو
من لى بأغيد كله ملح
…
قاسى الفؤاد قوامه الرطب
ومنها فى المدائح:
أبياته فى الشرق ما ذكرت
…
إلا ويرقص عندها الغرب
إلى أن قال:
وإليك بكرا عن مشاغرة
…
زفّت ولا عار ولا ذنب
وفصالها والحمل فى زمن
…
نزر تكوّن أيها الحب
فاستجلها عذراء غانية
…
واسلم ودم يسمو بك الصحب
وقال فى مراسلة للشيخ الحفنى قدس الله سره منها:
/سلام لم يزل من عيدروسى
…
على الحفنى مقدام الهموس
جمال الدين والدنيا فأكرم
…
بتاج الأوليا شمس الشموس
شريف الذات والأوصاف صنوى
…
حبيبى منيتى جالى عكوسى
أخى فى الحس والمعنى جميعا
…
ملاذى عمدتى محيى النفوس
ومن كلامه أيضا:
تجلى وجود الحق فى كل صورة
…
لذا هو عين الكل من غير ريبة
تجلى بنا المولى فنحن مظاهر
…
لوحدته العليا فجل فى طريقتى
وما ثم غير باعتبار ظهوره
…
بقاص ودان جل مولى الخليفة
أخى أثبت الأعيان وانف وجودها
…
وذق وحدة راقت لأهل الحقيقة
وقل ليس مثل الله شئ وأنه الس
…
ميع البصير أشهده فى كل ريبة
وهى طويلة وهى من العقائد المكنونة، وله منظومات ومقاطيع وموشحات كثيرة مثبتة فى دواوينه، ومؤلفاته كثيرة منها: مرقّعة الصوفية ستون كراسا، ومرآة الشموس فى سلسلة القطب العيدروس خمسون كراسا، والفتح المبين على قصيدة العيدروس فخر الدين خمسة وعشرون كراسا وله عليها شرحان آخران أحدهما: ترويح الهموس من فيض تشنيف الكؤوس، والثانى: تشنيف الكؤوس من حميا ابن العيدروس، وفتح الرحمن بشرح صلاة أبى الفتيان ستة كراريس، والترقى إلى الغرف من كلام السلف والخلف عشرة كراريس، والرحلة عشرة كراريس وذيلها خمسة كراريس، والعرف العاطر فى النفس والخاطر، وتنميق السفر ببعض ما جرى له بمصر خمسة كراريس، وعقد الجواهر فى فضل آل بيت النبى الطاهر، ونفائس الفصول المقتطفة من ثمرات أهل الوصول ثمانية كراريس، والجواهر السجية على المنظومة الخزرجية اثنا عشر كراسا، والمنهج العذب فى الكلام على الروح والقلب كراسان، وديوان شعر سماه ترويح البال وتهييج البلبال عشرة كراريس، وإتحاف الخليل فى علم
الخليل أربعة كراريس، والعروض فى علمى: القافية والعروض. أربعة كراريس، والنفحة الإنسية فى بعض الأحاديث القدسية، وحديقة الصفا فى مناقب جده عبد الله ابن مصطفى، وتنميق الطروس فى أخبار جده شيخ ابن عبد الله العيدروس، وإرشاد العناية فى الكتابة تحت بعض آية، ونفحة الهداية فى التعليق.
وله ثلاث كتابات على بيتى المعية وهما:
اعط المعية حقها
…
والزم له حسن الأدب
واعلم بأنك عبده
…
فى كل حال وهو رب
الأولى: إرشاد ذى اللوذعية على بيتى المعية، والثانية: إتحاف ذوى الألمعية فى تحقيق معنى المعية، والثالثة: النفحة الألمعية فى تحقيق معنى المعية. ونثر اللآلئ الجوهرية على المنظومة الدهرية، والتعريف بتعدد شق صدره الشريف، وإتحاف الذائق بشرح بيتى الصادق، ورفع الإشكال فى جواب السؤال، والإرشادات السنية فى الطريقة النقشبندية، والنفحة العلية فى الطريقة القادرية، وإتحاف الخليل بمشرب الجليل الجميل والنفحة المدنية فى الأذكار القلبية والروحية والسرية، وتمشية القلم ببعض أنواع الحكم، وتشنيف الأسماع ببعض أسرار السماع، ورفع الستارة عن جواب الرسالة، والبيان والتفهيم لمتبع ملة إبراهيم، وشرح بيتى ابن العربى وهما:
إنما الكون خيال
…
وهو حق فى الحقيقة
كل من يفهم هذا
…
حاز أسرار الطريقة
وتحرير مسألة الكلام على ما ذهب إليه الأشعرى الإمام، وفتح العليم فى الفرق بين الموجب وأسلوب الحكيم، وقطف الزهر من روض المقولات العشر، ورشحة سرية من نفحة فخرية، وتعريف الثقات بمباشرة شهود وحدة الأفعال والصفات والذات، ورشف السلاف من شراب الأسلاف، والقول الأشبه فى حديث:«من عرف نفسه فقد عرف ربه»
(1)
. وبسط العبارة فى إيضاح معنى الاستعارة، والمتن للعارف الطنتداوى وكتب عليه الشيخ يوسف الحفنى حاشية، ونفحة البشارة فى معرفة الاستعارة وشرحه الشيخ محمد الجوهرى، ومتن لطيف فى اسم الجنس والعلم وشرحه الشيخ أبو الأنوار بن
(1)
قال السمعانى: إنه لا يعرف مرفوعا وإنما يحكى عن يحيى بن معاذ الرازى من قوله، وكذا قال النووى:
أنه ليس بثابت. راجع (تمييز الطيب من الخبيث الديبع).
وفا، وتشنيف السمع ببعض لطائف الوضع وشرحه الشيخ عبد الرحمن/الأجهورى شرحين مبسوطين، وإتحاف السادة الأشراف بنبذة من كلام سيدى عبد الله بالحسين السقاف، وشرح على قصيدة بالحزمة، وحاشية على إتحاف الذائق، وشرح على العوامل النحوية لم يتم، وسلسلة الذهب المتصلة بخير العجم والعرب، وحزب الرغبة والرهبة والاستغاثة العيدروسية وشرحها الشيخ عبد الرحمن الأجهورى، ومرقّعة الفقهاء، وذيل المشرع الروى فى مناقب بنى علوى لم يكمل، والإمدادات السنية فى الطريقة النقشبندية وغير ذلك.
ولما كثر عليه الواردون يتلقون عنه طرق الصوفية - وكان فى أغلب أوقاته فى مقام الغطوس - أمر السيد مرتضى أن يجمع أسانيده فى كتاب فألف باسمه كتابا فى نحو عشرة كراريس سماه (النفحة القدسية بواسطة البضعة العيدروسية)، وذلك فى سنة إحدى وسبعين ولم يزل يعلو ويرقى إلى أن توفى ليلة الثلاثاء ثانى عشر المحرم سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف، وخرجوا بجنازته من بيته الذى تحت قلعة الكبش وقرئ نسبه على دكة الأزهر، وصلى عليه إماما الشيخ أحمد الدردير رضي الله عنه، ودفن بمقام ولىّ الله تعالى العتريس رضي الله عنه تجاه مشهد السيدة زينب رضي الله عنها، ورثى بمراث كثيرة رحمه الله تعالى، انتهى من تاريخ الجبرتى.
ترجمة أبى بكر بن أحمد العيدروسى:
وذكر فى كتاب دائرة المعارف عيدروسيين يظن أنهما من أجداده أو من عمومته.
أحدهما: أبو بكر بن أحمد بن حسين بن عبد الله العيدروسى صاحب دولة آباد أحد أجواد الدنيا.
كان عابدا ناسكا ولد باليمن بمدينة تريم
(1)
، ونشأ بها وحفظ القرآن وغيره وصحب أباه وحذا حذوه، ثم سافر إلى الهند وأقام بها فى أرغد عيش، واجتمع بأعظم سلاطينها المسمى بخرم شاهجان فأنعم عليه وجعل له ما يحتاج إليه كل يوم من طعام ولباس، ثم قطن بمدينة دولة آباد ومات هناك وقبره فيها يزار، وكانت وفاته سنة ثمان وأربعين وألف هجرية.
(1)
راجع ما سبق صفحة 31 من الكتاب.
ترجمة أبى بكر بن حسين العيدروسى:
وثانيهما: أبو بكر بن حسين بن محمد بن أحمد بن حسين ابن الشيخ عبد الله العيدروسى الضرير اليمنى نزيل مكة، ولد بتريم سنة سبع وتسعين وتسعمائة، وحفظ القرآن وكف بصره وحفظ بعض المتون واشتغل وسمع بقراءة أخيه وغيره على مشايخ عصره، وصحب أباه وأعمامه ولبس الخرقة من كثيرين، وبرع فى الحديث والفقه والتصوف وهو الغالب عليه، ثم رحل إلى مكة ولقى بالحرمين جماعة وأخذ عنه جماعة أيضا ثم جلس للتدريس.
وكان لطيفا وقورا حسن الأخلاق مهيبا محسنا إلى من أساء إليه، وكان أكثر كلامه فى الوعظ، ولم يزل بمكة محمود السيرة إلى أن مات بها رحمه الله تعالى فى سنة ثمان وستين وألف ودفن بالمعلاة وقبره هناك يزار اه.
***
حرف السين
جامع سيدى سارية
هو فى قلعة الجبل مشهور وبقربه زاوية الشيخ محمد الكعكى، وبه منبر خشب ودكة وله منارة ومطهرة وأخلية وله أوقاف دارّة، وشعائره الإسلامية مقامة بنظر الشيخ سليم عمر للقلعاوى أحد مدرسى السادة الحنفية بالأزهر، وكان أحد قضاة المحكمة الكبرى بالقاهرة.
وينسب الجامع إلى سيدى سارية رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو الشائع على الألسنة ويذكر ذلك فى بعض الكتب؛ ففى طبقات الشعرانى:
أن الشيخ محمد الكعكى مدفون بزاويته بالقرب من سيدى سارية صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، انتهى.
وفى خطط المقريزى عند ذكر موضع القلعة نقلا عن كتب المزارات: أن أبا الحسن الردينى دفن بخط سارية شرقى تربة الكيروان بالقلعة، انتهى.
وعدّ ابن جبير مشاهد الصحابة رضي الله عنهم التى بمصر فى رحلته فذكر منها مشهد سارية الجبل رضي الله عنه، ولكن لم نر فى كتب التواريخ الصحيحة: أن سيدنا سارية صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى مصر فضلا عن أنه مات بها، والذى وجدناه فى كتاب أسد الغابة فى معرفة الصحابة رضي الله عنهم: «أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه نادى - وهو يخطب على المنبر -: يا سارية الجبل من استرعى الذئب ظلم؛ فسأله على بن أبى طالب - كرم الله وجهه - عن سبب قوله ذلك؛ فقال: وهل كان منى ذلك! قال: نعم. قال: وقع فى خلدى أن المشركين هزموا إخواننا فركبوا أكتافهم وأنهم يمرون بجبل؛ فإن عدلوا إليه قاتلوا من وجدوا وقد ظفروا، وإن جاوزوا هلكوا فخرج منى ما تزعم أنك سمعته. قال: فجاء البشير بالفتح بعد شهر فذكر: أن سارية سمع فى ذلك اليوم فى تلك الساعة حين جاوزوا الجبل صوتا يشبه صوت عمر رضي الله عنه:
يا سارية الجبل الجبل».
ترجمة سارية:
وهو سارية بن زنيم بن عمرو بن عبد الله بن جابر بن محمية ينتهى إلى كنانة انتهى. وذكر قبله سارية بن أوفى الذى وفد إلى النبى صلى الله عليه وسلم؛ فعقد له النبى
صلى الله عليه وسلم فسار إلى بنى مرة، فعرض عليهم الإسلام فأبطئوا فعرض عليهم السيف، فلما أسرف فى القتل أسلموا ومن حولهم وسار إلى النبى صلى الله عليه وسلم فى ألف، انتهى.
جامع ساعى البحر
هو بمصر العتيقة على وجهه مكتب وله منارة قصيرة وبوسطه ضريح يقال له الشيخ محمد ساعى البحر، وله أوقاف بجواره/إيرادها شهريا ثلثمائة قرش، وشعائره مقامة منها بنظر الشيخ محمد أبى عوض، ويعمل به حضرة كل ليلة ثلاثاء ومولد كل سنة فى شهر شعبان.
جامع الست سالمة الحلبية
هو بسوق الخشب على يسرة المار على جامع الزاهد إلى باب البحر، شعائره مقامة تحت نظر عمر خلف الصباغ، وبحواره ضريح الست سالمة داخل درب التركمانى، وهو فى زوايا الهجر ويعرف أيضا بجامع سالم الجديد.
جامع السطوحية
هذا الجامع بخط سويقة اللبن خارج باب الفتوح فى مواجهة الخارج يصعد إليه بدرج، وبه ضريح السيدة عائشة السطوحية تقصدها الناس بالزيارة ولها مولد كل سنة.
أنشأه الأمير عبد الرحمن كتخدا وأنشأ بجواره صهريجا يعلوه مكتب وحوضا كبيرا لسقى الدواب، ووقف عليه أوقافا كثيرة كما بينا ذلك فى ترجمته عند الكلام على مسجد الشيخ مطهر، والآن مقام الشعائر بنظر الأوقاف.
جامع السلاحدار
هذا الجامع بخط بر جوان فى شارع الامشاطيين عن شمال الذاهب من النحاسين إلى باب الفتوح.
أنشأه الأمير سليمان أغا السلاحدار فى سنة خمس وخمسين ومائتين وألف كما هو مكتوب على واجهة بابه، وله بابان من جهة الشارع وباب فى داخل حارة برجوان وسقفه من الخشب النقى قائم على أربعة أعمدة من الرخام، وقبلته مكسوة بالرخام منقوش عليها:{(فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها)}
(1)
، وله منبر من الخشب المتقن الصنعة ودكته كذلك وشبابيكه
(1)
سورة البقرة: 144.
من النحاس، وفى دائر صحنه اثنا عشر عمودا من الرخام وبه حنفية من الرخام وبزابيزها من النحاس الأصفر، وهو معلق وتحته حوانيت من وقفه ومطهرته بالأرض من داخل الحارة، وله منارة مرتفعة حسنة الوضع، وشعائره مقامة دائما، وفيه بسط مفروشة ويلحق به سبيل يعلوه مكتب، وبمزملته أربعة حيضان من الرخام عليها شبابيك من النحاس.
ولما أتم بناءه وقف عليه أوقافا ورتب له ما يقيم شعائره الإسلامية؛ فجعل له إماما وخطيبا ومرقيا ومؤذنين وفراشين ووقادين وبوّابين ونحو ذلك مما يرتب للمساجد العظيمة وصار معمورا بالجماعات والجمعة والعيدين مع ازدحام المصلين فيه، وهو إلى الآن فى غاية من العمارية وإقامة الشعائر.
ترجمة السلاحدار:
والسلاحدار المذكور هو كما فى عدّة مواضع من الجبرتى: الأمير الكبير سليمان أغا السلاحدار تربى فى خدمة العزيز جنتمكان محمد على وخدم فى عدة وظائف، وترقى حتى كان جوقد اريا ثم صار سلاحدارا واشتهر أمره وانتشر صيته وصار من ذوى الحل والعقد وازدادت قوّته وتجبره حتى صار داهية عظمى ومصيبة كبرى، فإنه تسلط على بقايا المساجد والمدارس والتكايا التى بالصحراء ونقل أحجارها إلى داخل باب البرقية المعروف بالغريب، وكذلك ما كان جهة باب النصر وجمع أحجارها خارج باب النصر وأنشأ جهة خان الخليلى وكالة وجعل بها حواصل وطباقا وأسكنها نصارى الأروام والأرمن بأجرة زائدة أضعاف الأجرة المعتادة وكذلك غيرهم ممن رغب فى السكنى، وفتح بها بابا يخرج إلى وكالة الجلابة الشهيرة التى بالخرّاطيين لأنها بظاهرها وأجر الحوانيت كذلك؛ فكانت أجرة الحانوت فى الشهر ثلاثين قرشا بعد أن كانت ثلاثين نصفا، والعجب فى إقدام الناس على ذلك وإسراعهم فى استئجارها قبل فراغ بنائها مع ادعائهم قلة المكاسب ووقف الحال، ثم هم أيضا يستخرجونها من لحم الزبون وعظمه، ثم أخذ بناحية باب النصر مكانا متسعا يسمى حوش عطى - بضم العين وفتح الطاء وآخره ياء تحتية - كان محطا لعربان الطور ونحوهم إذا وردوا بقوافلهم بالفحم وغيره وكذلك أهالى شرقية بلبيس، فأنشأ فى ذلك المكان أبنية عظيمة تحتوى على خانات متداخلة وحوانيت وقهاو ومساكن وطباق وسكن غالبها أيضا الأرمن وخلافهم بالأجرة الزائدة، ثم انتقل إلى جهة خان الخليلى فأخذ الخان المعروف بخان القهوة وما حوله من البيوت والأماكن والحوانيت والجامع المجاور لذلك، وكان عامرا تصلى فيه الجمعة؛ فهدم ذلك جميعه وأنشأ
خانا كبيرا يحتوى على حواصل وطباق وحوانيت وعدتها أربعون، وأنشأ فوق السبيل وبعض الحوانيت زاوية لطيفة يصعد إليها بدرج عوضا عن الجامع، ثم انتقل إلى جهة الخرنفش بخط الامشاطية فأخذ الأماكن والدور وهدمها واجتهد فى تعميرها كذلك، وكان يطلب رب المكان ليعطيه الثمن فلا يجد بدا من الإجابة ليدفع له ما سمحت به نفسه إن شاء عشر الثمن أو أقل أو أزيد بقليل بعد الشفاعة أو واسطة خير، وإذا قيل له إنه وقف لا مسوغ لاستبداله لعدم تخربه أمر بتخريبه ليلا، ثم يأتى بكشاف القاضى فيراه خرابا فيقضى له، ويثقل عليه لفظة وقف. ويقول: إيش يعنى وقف؟ وإذا كان على المكان حكر لجهة وقف أصله لا يدفعه ولا يلتفت لتلك اللفظة أيضا ويتمم عمائره فى أسرع وقت لعسفه وقوة بأسه على أرباب الأشغال والمؤنة، وكان لا يطلق للفعلة الرواح بل يحبسهم على الدوام ويوقظونهم من آخر الليل بالضرب ويبتدئون فى العمل من/وقت صلاة الشافعى إلى قبيل الغروب حتى فى شدة الحر فى رمضان، وإذا ضجوا من الحر والعطش أمرهم مقدم العمارة بالشرب وأحضر لهم السقاء يسقيهم، وظن أكثر الناس أن هذه العمائر لمخدومه لكونه لا يستمع شكوى أحد فيه.
وقال فى موضع آخر: أنه أنشأ بستانا كبيرا بناحية انبابة وسوره وبنى قصرا وأسواقا وأخذ يهدم أبنية من الوكائل والدّور، وينقل أحجارها وأنقاضها فى المراكب ليلا ونهارا إلى البر الآخر لأجل ذلك.
ومن إنشائه الجامع الأحمر الذى بالأزبكية. انتهى.
وكانت وفاته كما فى كتاب وقفيته سنة نيف وستين ومائتين وألف ويقال: إنه ابن فيض الله أزكى كولى تابع قضاء صارى شعبان.
جامع السيدة سكينة
هذا المسجد بخط الخليفة عن شمال الذاهب من الصليبة إلى القرافة الصغرى.
أنشأه الأمير عبد الرحمن كتخدا سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف، ثم أجرى فيه - المرحوم عباس باشا رحمة الله تعالى عليه - عمارة، وله ثلاثة أبواب غير باب الميضأة:
اثنان على الشارع مكتوب على وجه أحدهما:
حرم به بنت الحسين مؤرخ
…
بسكينة تصب المواهب كلها
542 492 85 56 - سنة 1175
وعلى واجهة الآخر:
ذا مسجديا آل طه مؤرخ
…
شمس هدى بنت الحسين سكينه
400 19 452 159 145 - سنة 1175
والثالث: الباب المقبول فى الجهة القبلية يفتح على درب الأكراد مكتوب عليه:
لك مظهر بنت الحسين مؤرخ
…
لج ههنا التابوت فيه سكينة
33 61 840 95 145 - سنة 1174
وهو مقام الشعائر ويشتمل على ستة أعمدة من الرخام ومنبر من الخشب النقى ودكة، وفيه خلوتان يسكنهما الخدمة ومدفن قديم لصاحب البحر وأخيه صاحب النهر الحنفيين المشهورين، وبجوار القبلة شباك مطل على ضريح السيدة سكينة رضي الله عنها، وهو ضريح مجلل بالبهاء والنور عليه تابوت من الخشب من داخل مقصورة كبيرة من النحاس الأصفر متقن الصنعة من إنشاء المرحوم عباس باشا، وبأعلى باب المقصورة بيتان منقوشان فى النحاس وهما:
مقصورة أتقنت لله صنعتها
…
تستوجب الشكر عند الله والناس
تذيع همة منشيها مؤرخة
…
من بعض طيب إحسان لعباس
90 872 21 120 163 - سنة 1266
ويحيط بذلك قبة جليلة مرتفعة بها أربعة أعمدة من الرخام، وإيوان صغير يجلس عليه القراء فى ليالى الحضرة، وبأسفلها إزار من خشب ارتفاعه نحو متر وبأعلاها نقوش وعلى وجه بابها: رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد. وحضرتها كل ليلة خميس ولها مولد كل سنة قبل مولد السيدة نفيسة رضي الله عنهما، وأوقافها تحت نظر الديوان.
وفى إسعاف الراغبين فى أهل البيت للشيخ الصبان: أن السيدة سكينة رضي الله عنها هى بنت الحسين رضي الله عنه، وأن المشهور فى اسمها أنه مكبر بفتح السين وكسر الكاف لكن فى القاموس، وشرح أسماء رجال المشكاة: أنه مصغر بضم السين وفتح الكاف.
قال الشعرانى: أنها مدفونة بالقرافة بقرب السيدة نفيسة رضي الله عنها وكذا فى طبقات المناوى. أنها مدفونة بالمراغة. وكذا فى سيرة الشامى والحلبى.
قال الشعرانى: لما دخلت السيدة نفيسة مصر كانت عمتها السيدة سكينة المدفونة قريبا من دار الخلافة مقيمة بمصر قبلها ولها الشهرة العظيمة فخلعت الشهرة والنذور عليها واختفت.
وفى الفصول المهمة فى فضائل الأئمة لابن الصباغ: أن الحسن بن الحسن بن على رضي الله عنهم خطب من عمه الحسين إحدى ابنتيه فاطمة أو سكينة، وقال: اختر لى إحداهما. فقال: اخترت لك ابنتى فاطمة فهى أكثرهما شبها بأمى فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما فى الدّين فتقوم الليل كله وتصوم النهار.
وأما فى الجمال فتشبه الحور العين.
وأما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله تعالى فلا تصلح لرجل.
وفى كلام غير واحد: أن سكينة رضي الله عنها تزوجت بابن عمها عبد الله بن الحسن فقتل عنها بالطّف ثم تزوجت بعده بأزواج.
واعلم أن ما فى منن الشعرانى الكبرى مخالف لما مرّ فإن فيها: أن سكينة المدفونة بالمحل المتقدم أخت الحسين وتعقب بأن المعروف أن سكينة بنته لا أخته.
وقد عدّ ابن الصباغ فى الفصول المهمة أولاد علىّ الذكور والإناث سبعة/وعشرين ولم يذكر فيهم سكينة.
وعوّل بعض مشايخنا على ما فى المنن وأيده بتصريح النّووى فى تهذيب الأسماء واللغات بأن الصحيح وقول الأكثرين: أن سكينة بنت الحسين توفيت بالمدينة، وعبارة النووى: سكينة بنت الحسين اسمها أميمة. وقيل: أمينة. وقيل: آمنة. قدمت دمشق مع أهلها ثم خرجت إلى المدينة، ويقال: عادت إلى دمشق وقبرها بها. والصحيح وقول الأكثرين: أنها توفيت بالمدينة اه.
ودفع التعقب المتقدم بما ذكره السيوطى فى رسالته الزينبية: أن أولاد علىّ تسعة وثلاثون الذكور أحد وعشرون والإناث ثمانية عشرة، وهذا يقدح فى حصر صاحب الفصول المهمة لهم فى سبعة وعشرين؛ فتكون سكينة ممن أهمله ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.
ويمكن الجمع بين ما مر وما فى المنن بدفن كلتيهما فى ذلك المحل لكن يزيف هذا الجمع قول النووى الصحيح وقول الأكثرين: أن سكينة بنت الحسين رضي الله عنهما توفيت بالمدينة واحتمال نقلها بعيد والله أعلم، انتهت عبارة الإسعاف.
ترجمة السيدة سكينة بنت الحسين:
وفى ابن خلّكان: أن السيدة سكينة بنت الحسين بن على بن أبى طالب رضي الله عنهم كانت سيدة نساء عصرها ومن أجمل النساء وأظرفهن وأحسنهن أخلاقا، وتزوجها مصعب بن الزبير فهلك عنها ثم تزوجها عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام فولدت له قريبا، ثم تزوجها الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان وفارقها قبل الدخول، ثم تزوجها زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان رضي الله عنه فأمره سليمان بن عبد الملك بطلاقها ففعل.
والطرّة السكينية منسوبة إليها ولها نوادر وحكايات مع الشعراء وغيرهم.
ثم قال: وكانت وفاة سكينة رضي الله عنها بالمدينة يوم الخميس لخمس خلون من ربيع الأول سنة سبع عشرة ومائة. وقيل: اسمها آمنة. وقيل: أمينة. وقيل: أميمة.
وسكينة لقب لقبتها به أمها الرباب ابنة امرئ القيس بن عدى، انتهى.
وفى تحفة الأحباب للسخاوى: أن سكينة أوّل علوية قدمت إلى مصر وسبب قدومها أن الأصبغ بن عبد العزيز أمير مصر خطبها من أخيها وبعث مهرها إلى المدينة فحملها أخوها إلى مصر؛ فقالت له: والله لا كان لى بعل. فلما وصلت إلى أبواب مصر مات الأصبغ
(1)
فماتت بكرا بمصر، وهى أقدم وفاة من نفيسة والله أعلم. وعلى باب هذا المشهد قبر الشريف إبراهيم بن يحيى النسابة، وهناك قبر حيدرة وجماعة من الأشراف منهم الشريفة زينب بنت حسن بن إبراهيم بن ملول النسابة، انتهى.
ترجمة صاحب البحر:
وأما صاحبا البحر والنهر فهما مقبوران هناك بلا ريب، وفى حاشية ابن عابدين على الدّر المختار: أن صاحب البحر هو الشيخ زين بن ابراهيم بن نجيم وزين اسمه العلمى.
وقد ترجمه النجم الغزّى فى الكواكب السائرة فقال: هو الشيخ العلامة المحقق المدقق الفهامة زين العابدين الحنفى أخذ العلوم عن جماعة منهم الشيخ شرف الدين البلقينى والشيخ شهاب الدين الشلبى والشيخ أمين الدين بن عبد العال وأبو الفيض السلمى، وأجازه بالإفتاء والتدريس فأفتى ودرس فى حياة أشياخه وانتفع به خلائق كثيرة.
(1)
أى: فى تلك الليلة. راجع (تحفة الأحباب وبغية الطلاب فى الخطط والمزارات، والتراجم والبقاع المباركات للسخاوى ط أولى 1937 م صفحة 115).
وله عدّة مصنفات منها: شرح الكنز، والأشباه والنظائر وصار كتابه عمدة الحنفية ومرجعهم، وأخذ الطريق عن الشيخ العارف بالله تعالى سيدى سليمان الخضيرى.
وكان له ذوق فى حل مشكلات القوم. قال العارف الشعرانى: صحبته عشر سنين فما رأيت عليه شيئا يشينه وحججت معه فى سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة فرأيته على خلق عظيم مع جيرانه وغلمانه ذهابا وإيابا مع أن السفر يسفر عن أخلاق الرجال.
وكانت وفاته سنة تسع وعشرين وتسعمائة، كما أخبرنى بذلك تلميذه الشيخ محمد العليمى اه.
ترجمة صاحب النهر:
وفى خلاصة الأثر: أن صاحب النهر هو عمرو بن إبراهيم بن محمد المنعوت بسراج الدين الشهير بابن نجيم الحنفى المصرى الفقيه المحقق الرشيق العبارة الكامل الاطلاع، كان متبحرا فى العلوم الشرعية غواصا على المسائل الغريبة محققا إلى الغاية سيّال اليراع نديه فى التحرير جامعا لأدوات التفرد فى حسن أسلوبه جم الفائدة وجيها عند الحكام فى زمنه معظما عند الخاص والعام.
أخذ عن أخيه الشيخ زين صاحب البحر وألف كتابه الذى سماه بالنهر الفائق شرح الكنز ضاهى به كتاب أخيه البحر الرائق، لكنه أربى عليه فى حسن السبك للعبارات والتنقيح التام. قال فى أوله بعد البسملة: أحمدك يا من أظهر ما شاء لمن شاء من كنوز هدايته، وأطلع من أحب على دقائق الحقائق بفيض فضله وعنايته، وأصلى وأسلم على نهاية خلاصة الأصفياء، وذخيرة نخبة العلماء من الأنبياء محمد المختار من خيار الأخيار، وعلى آله وصحبه كرام الأبرار، ما تكرر الليل والنهار، وتراسلت قطرات الأمطار فى الأقطار، وتواصلت أبكار نفائس الأفكار. وله فيه مناقشات على شرح أخيه منها قوله فى باب التيمم بعد نقل كلام أخيه وأقول هذا ساقط جدا.
وله غيره من الرسائل والتآليف.
وكانت وفاته رضي الله عنه يوم الثلاثاء سادس شهر ربيع الأول سنة خمس بعد الألف بدرب الأتراك، /ودفن عند أخيه الشيخ زين بجوار السيدة سكينة رضي الله عنها تجاه مقلاة الحمص رحمه الله تعالى. قيل: مات مسموما من بعض النساء ويدل على ذلك كثرة تزوجه وعدم مرضه، انتهى.
جامع الشيخ سليمان
هذا الجامع بشارع محمد علىّ على رأس حارة المناصرة، كان به منبر فأخذ الشارع معظمه وجعل ما يقى منه زاوية بلا مطهرة ولا مئذنة، وشعائرها مقامة بالآذان والصلاة وبداخلها ضريح الشيخ سليمان المذكور عليه تابوت من الخشب ويعمل له مولد كل سنة فى شهر شعبان.
جامع السليمانية
هو ببولاق القاهرة به أربعة وعشرون عمودا من الحجر، وله باب على شارع الجزارين وباب آخر من الجهة الغربية، وله ميضأة وأخلية كثيرة ومنارة وله أوقاف، وشعائره مقامة بنظر الشيخ سليم عمر إمام جامع القلعة الآن.
قال الإسحاقى فى تاريخه: عمّر هذا الجامع الأمير سليمان باشا الخادم المتولى على مصر سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة وعمّر بجواره وكائل وأسواقا وربوعا وغير ذلك.
ولما تولى الأمير محرم بيك أمير اللواء ناظرا على أوقاف سليمان باشا زاد فى الجامع زيادة حسنة ورفع سقفه فصار فى غاية الحسن مقام الشعائر الإسلامية، وعمر أيضا جامع سيدى سارية بقلعة الجبل ووكائل برشيد.
وفى مدة سليمان باشا أحرقت دفاتر ديوان مصر وضبطت أراضى مصر السلطانية والأقطاع والأرزاق والأوقاف، وكتب بذلك دفاتر تسمى التريع معمول بها إلى الآن.
جامع السماك
هذا الجامع بشارع كوم الشيخ سلامة وهو مقام الشعائر وبه أربعة أعمدة من حجر الطبخ، وليس به ما يدل على تاريخ إنشائه ونظارته لديوان الأوقاف، ويعرف أيضا بجامع إبراهيم أغا عزبان؛ لأن هذا الأمير جدّده ووقف عليه وعلى غيره أوقافا منها مكان بدرب الجماميز فى حارة، ومكان بقنطرة عمر شاه ومكان بخط حارة اليهود فى درب الطاحون، ومنفعة خلو بمكان فى خط بين السورين ومنفعة خلو برأس درب الكعكيين، وحصة بقاعة تصفية الفضة بالكعكيين، ومكان بحارة زويلة داخل حارة اليهود وفرن ومكان وطاحون بقنطرة الموسكى، ومخزن لقمح الجراية بالعنبر الشرقى بمصر القديمة، ورزقة أطيان بناحية قليوب وأطيان بمنية الرخا وأطيان بناحية الدقهلية وأطيان
بناحية كفر طنبول من الدقهلية، وأطيان بجزيرة الحجر من المنوفية، وأطيان بناحية بيبان من البحيرة.
وقف ذلك على نفسه ومن بعده على أولاده وأولاد أولاده، فإن انقرضوا فعلى عتقائه وأولادهم فإذا انقرضوا يصرف على هذا الجامع وغيره مما هو مبين.
فأحكار المحلات المحكرة تصرف لأوقافها الأصلية، ويصرف لإمام هذا الجامع خمسون نصفا كل شهر ولخطيبه عشرون وللمرقى خمسة عشر، وللفراش والوقاد خمسة وعشرون، وللبواب خمسة عشر ولخادم المطهرة والأخلية والحنفية والحوض والمزملة ثلاثون نصفا، ولقارئ بالجامع فى كل يوم وقت الصبح والعصر عشرة أنصاف شهريا، ولاثنين مؤذنين ستون نصفا وللمبلغ عشرة أنصاف ولمؤدب الأطفال بمكتب الجامع ثلاثون نصفا، ولأربعة يقرءون بالجامع كل يوم بعد الظهر ربعة شريفة خمسة وتسعون نصفا، ويصرف لشيخهم شهريا عشرون نصفا ولخادم الربعة الشريفة خمسة عشر نصفا، ولخادم الساقية مع كلفة الثور وإبداله بغيره وما يلزم من الطوّانس والقواديس مائة وأربعون نصفا، ولثمن القلل والكيزان عشرة أنصاف ولثمن زيت طيّب خمسة عشر نصفا ولزيت رمضان سبعون نصفا، ولحصر الجامع من عمل الفيوم كل سنة أربعمائة وخمسون نصفا ولثمن قناديل وفتائل كل سنة مائة وأحد وعشرون نصفا، ولكسوة خمسة عشر طفلا من أولا المكتب - مع إعطاء كل واحد منهم خمسة عشر نصفا - ألف وثلثمائة وثمانون نصفا كل سنة، ومصاريف على مكتب قنطرة عمر شاه للمؤدب ثلاثون نصفا وكسوة عشرة أيتام - مع إعطاء كل منهم عشرة أنصاف - تسعمائة وعشرون نصفا سنويا، وأجرة حمل الجراية من المخزن الشرقى المتقدم مع أجرة الطحن والعجن والخبز شهريا عشرون نصفا يصرف منها لمكتب عمر شاه ستة وعشرون رغيفا للأطفال والمؤدب والعريف، ويصرف للمزملاتى بسبيل مكتب عمر شاه ثلاثون نصفا فى نظير السّلب والدلاء والسقى، ويصرف على مصالح زاوية بيبان التى أنشأها الواقف ثمانمائة وعشرة أنصاف، ولثمانية يقرءون الربعة الشريفة كل صباح فى مسكن الواقف بدرب الجماميز مائة وخمسة وعشرون نصفا، ولثلاثة يقرءون به فى رمضان ثلثمائة نصف، ولثلاثة يقرءون فى مواسم رجب وشعبان ورمضان ألف وثمانمائة نصف، ولستة يقرءون الرّبعة بالجامع الأزهر كل يوم مائة نصف وخمسة شهريا. ويصرف على قبر الواقف شهريا فى الخوص والريحان ونحو ذلك عشرة أنصاف، ولاثنين يقرءان عليه كل جمعة ثلاثون نصفا، ولناظر الوقف فى الشهر ستون نصفا ولشادّ الوقف ثلاثون نصفا وللجابى ستون.
وجعل النظر لنفسه ومن بعده للأرشد من أولاده، ثم/من بعدهم لنسلهم ثم لعتقاء الواقف ثم لعقبهم ثم لأعلم الحنفية بمصر.
وما زاد من الريع بعد المصاريف والعمارات يصرف منه قيراطان على قبة السلطان الحنفى، وقيراطان على قبة سيدى أحمد البدوى رضي الله عنه، وقيراطان لسيدى إبراهيم الدسوقى وعشرة قراريط لفقراء الأتراك بالأزهر، وقيراط على المسجونين بالديلم، وقيراطان على مرضى المارستان المنصورى وقيراط على المسجونين بحبس الرحبة، وقيراطان على أعلم علماء الحنفية، وقيراطان على قبة الإمام الشافعى رضي الله عنه، انتهى من كتاب وقفيته.
جامع سنان باشا
هو بثغر بولاق قرب شاطئ النيل.
وفى كتاب وقفيته: أن منشئ هذا الجامع هو سنان باشا ابن على بن عبد الرحمن.
ترجمة سنان باشا:
وفى نزهة الناظرين: أن سنان باشا الوزير تولى على مصر مرتين: الأولى فى الرابع والعشرين من شعبان سنة خمس وسبعين وتسعمائة، وعزل فى ثالث عشر جمادى الآخرة سنة ست وسبعين، ثم عين لفتح اليمن بالوزارة فأرسل عسكرا فى البحر فى نحو عشرين غرابا، وذهب هو برا فى نحو عشرة آلاف مقاتل وعدة من الأمراء، وفتح اليمن على أحسن تدبير وعاد إلى مصر مؤيدا منصورا. وكان تولى بدله بمصر اسكندر باشا فعزل وتولى عليها سنان باشا ثانيا فى أول صفر سنة تسع وسبعين، وعزل فى آخر ذى الحجة سنة إحدى وثمانين وتسعمائة.
ومن محاسن آثاره: حفر الخليج الذاهب إلى الاسكندرية وعمّر فى ثغر بولاق مسجدا وقيسارية وحماما وبالثغر الاسكندرى مسجدا وسوقا وحماما، وشرط نظارة ذلك لمن يكون مفتى الديار الرومية، وعمّر تكية فى طريق الروم وخيراته كثيرة، انتهى.
وفى تاريخ الإسحاقى: أنه ورد عليه أمر شريف بالتوجه إلى فتح بلاد اليمن واسترجاعها من الرنديين العصاة؛ فأخذ معه جماعة من صناجق مصر ولم يرجع من الصناجق أحد واستنقذ اليمن من أيدى العصاة وشتت شملهم وقطع دابرهم، وفى ذلك قيل قصيدة منها:
سنان عزيز القدر يوسف عصره
…
ألم تره فى مصر أحكامه تجرى
تدلى إلى أقصى البلاد بجيشه
…
ومهد ملكا قد تمزق بالشرّ
وشتت شمل الملحدين وردّهم
…
مثال قرود فى الجبال من الذعر
وله مآثر جميلة وآثار حميدة وخيرات لا تنقطع وعدة مساجد وربط وتكايا فى الديار المصرية والشامية والرومية، ولم يكن أحد من خدمة آل عثمان أنشأ مثلها من الخيرات، ثم توجه إلى الأعتاب العالية وولى الوزارة العظمى وفرحت الناس بولايته، انتهى.
وقال فى خلاصة الأثر بعد أن عدد جملة من آثاره: ومن غريب ما وقع له وهو بمصر أنه لما تعين الوزير لالا مصطفى باشا إلى فتح اليمن سار إلى مصر وتقاعس بها عن السير رجاء أن تضم له إمارة الأمراء بمصر إلى سردارية العساكر المعينة لليمن؛ فاتفق مع بعض خواصه أن يضيف سنان باشا ويضع له السم فى المشروب، ثم دعاه فأجاب، وقال للشيخ أدهم بن عبد الصمد: قم نذهب إلى الضيافة؛ فقال له: والله ما أنا بذاهب معك ولكن احترز على نفسك فإن القوم عازمون على أن يضرّوك؛ فلما قدّموا إليه الإناء المسموم فى ماء الشعير المحلى بالسكر لم يتناول منه شيئا ودعا بعض الأمراء الحاضرين إلى شربه؛ فقال له من دعاه: أما أنا فلا أشرب من هذا الإناء. فازداد وهمه؛ فقال رجل واقف للخدمة: إلى متى تتوقفون فى شربه! وتناوله ليشربه فلما وضعه بين شفتيه تناثر لحم فمه فى الحال ووقع مقدم أسنانه وسقط شعر لحيته؛ فعلم الحاضرون بالقصة وقام سنان باشا وهو يقرأ: {(وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ)}
(1)
، ثم عينه السلطان إلى اليمن من صنعاء إلى عدن سردارا على العساكر، فأصلح ما اختل منها، ثم عاد وصادف الحج وأنشأ بمكة آثارا حسنة منها: تعميره حاشية المطاف دائرة حوله مفروشة بالحصى يدور بها دور حجارة منحوتة مبنية حول الحاشية كالإفريز لها؛ فأمر بفرش الحاشية بالحجر الصوّان المنحوت فصار محلا لطيفا دائرا بالمطاف من بعد أساطينه، وصار ما بعد ذلك مفروشا بالحصى الصغار كسائر المسجد الحرام، وعمر سبيل التنعيم وأجرى إليه الماء من بئر بعيدة يجرى منها الماء إليه فى ساقية مبنية بالحصى والنورة وعين لها خادما، وحفر آبارا بقرب المدينة المنورة.
ثم قدم إلى تخت السلطنة فعينه السلطان سليم إلى فتح حلق الوادى ببلاد تونس الغرب وكان النصارى استولوا عليها وأحكموا قلاعها، وأرسل معه مائتى غراب مشحونة بالأبطال
(1)
سورة فاطر: 43.
والمدافع وكانت من أعظم غزوات بنى عثمان؛ فانتصر على الكفار وقتل منهم نحو عشرة آلاف مع الحصار المديد، وكان الكفار بنوا قلعة منيعة أقاموا فى استحكامها ثلاثا وأربعين سنة ففتحها فى ثلاث وأربعين يوما وذلك فى سنة إحدى وثمانين وتسعمائة، وتقلب فى الوظائف وتولى الوزاة العظمى أربع مرات/ثم توفى سنة أربع بعد الألف رحمه الله انتهى باختصار.
مطلب ما وقفه سنان باشا:
ومن آثاره ما فى حجة وقفيته المؤرخة بعشرين ربيع الأول سنة ست وتسعين وتسعمائة:
أنه وقف هذا الجامع وسبيلا ومكتبا وخانا كبيرا بجوار المسجد بوسطه مصلى وقصرا برأس الرصيف المطل على البحر، وخانا طويلا مقابلا لذاك الخان وخانا آخر صغيرا مقابلا للجامع، وبيتا بظاهر الخان الطويل وحماما بجوار الجامع يتبعه أروقة وحوانيت، وبيتا على بركة الفيل وحماما بقرية بنى سويف وخانا بالسويس وحماما بالاسكندرية، ودارا بقرية الأحراز بالقليوبية وطينا بأراضى الأحراز وأطيانا بالمنوفية، وعيّن للجامع مرتبات شهرية وسنوية فللخطيب شهريا ديناران من الذهب ويوميا أربعة أرغفة زنة الرغيف رطل وللإمام دينار ونصف فى الشهر وأربعة أرغفة فى اليوم، وللمرقى فى الشهر خمسة عشر نصفا سليمانية ورغيفان، ولستة مؤذنين ستة دنانير واثنا عشر رغيفا وللبواب دينار ونصف ورغيفان وللفراش كذلك، وللوقاد دينار واحد ورغيفان وللمسبل دينار ونصف ورغيفان، وللميقاتى دينار ونصف وثلاثة أرغفة، ولسوّاق الساقية وملاّء الحنفية والفسقية والأخلية دينار ونصف، ولستين يقرءون كل يوم ختمتين لكل منهم دينار ولكاتب غيبتهم عشرة فضة سليمانية، ولاثنين برسم خدمة الربعة الشريفة ثلاثون نصفا وأربعة أرغفة، ولخادم المصحف ثلاثون نصفا ورغيفان، ولستة يقرءون أحزابا محددة بالجامع فى أوقات معينة مائة وثمانون نصفا سليمانية واثنا عشر رغيفا، ولخادم الستة مصاحف التى بخزينة الجامع عشرون نصفا ورغيفان، ولمبخر الجامع يوم الجمعة مع ثمن البخور من العود القاقلى ثلاثون نصفا ورغيفان، ولواحد وأربعين يقرءون سورة الأنعام بالجامع كل يوم شهريا عشرون دينارا ونصف ولكاتب غيبتهم زيادة عشرة أنصاف، ولمفرق الأجزاء كذلك.
وجعل للمكتب عشرين يتيما ومن بلغ يقرّر بدله، ولهم فى الشهر خمسة دنانير فى نظير الخبز. ويصرف لهم فى آخر رمضان ثلاثون دينارا فى نظير الكسوة، وللمؤدب شهريا دينار وللعريف نصف دينار وأجرة حمل الماء إلى السبيل فى الشهر دينار، ولإمام المصلى بالخان الكبير نصف دينار ورغيفان، وإمام المصلى بخان السويس دينار، ولواحد وأربعين
يقرءون سورة الأنعام بالأزهر عشرون دينارا ونصف، ولثلاثين يقرءون كل يوم جزءا بجامع الغرباء باسكندرية خمسة عشر دينارا فى الشهر، ولكاتب غيبتهم زيادة عشرة فضة.
ويرسل سنويا بالبيت المقدس برسم ثلاثين من حملة كتاب الله العزيز يقرءون ختمة كل يوم مائتان وسبعون دينارا. ويصرف سنويا مع الحاج المصرى ستمائة وأربعون دينارا برسم القراءة بمكة والمدينة على المناصفة، ويرسل مع أمير الحاج كل سنة خمسون دينارا لمتولى إخراج ماء سبيل العمرة من البئر التى هناك، ويرسل عشرون دينارا لاثنين يخدمان بئر العبد بنواحى قطيا. ويصرف سنويا لناظر الغورية خمسة عشر دينارا تصرف فى مصالح وقف الغورية، وجعل النظر لنفسه ثم لشيخ الإسلام بالقسطنطينية ويوكل من يكون أهلا بالديار المصرية، انتهى.
جامع السندبيسى
هذا المسجد ببولاق فى حارة السندبيسى به عمودان من الحجر ومنبر من الخشب، وبه ضريح سيدى أحمد السندبيسى وضريح الشيخ رخا، وهو مقام الشعائر تام المنافع.
جامع سنقر
ويعرف أيضا بالجامع الأخضر. هذا الجامع بسويقة السباعين على البركة الناصرية.
ترجمة الأمير آق سنقر شاد العمائر السلطانية:
عمّره الأمير آق سنقر شاد العمائر السلطانية، وإليه تنسب قنطرة آق سنقر التى على الخليج الكبير بخط قبو الكرمانى قبالة الحبانية.
وأنشأ أيضا دارا جليلة وحمامين بخط البركة الناصرية، وكان من جملة الأوشاقية فى أول أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون، ثم عمله أمير اخور ونقله منها فجعله شاد العمائر السلطانية وأقام فيها مدة فأثرى ثراء كبيرا وعمر ما ذكر، وجعل على الجامع عدة أوقاف، ثم عزل وصودر وأخرج من مصر إلى حلب ثم نقل منها إلى دمشق فمات بها فى سنة أربعين وسبعمائة، اه مقريزى.
وهذا الجامع الآن متخرب وإنما الصلاة جارية فى جزء منه، وعلى وجه منبره: بسم الله الرحمن الرحيم، أمر بعمل هذا المنبر المبارك بالجامع الأزهر مولانا السلطان الملك الظاهر
المجاهد المنصور أبو الفتح الصالحى قسيم أمير المؤمنين لثالث عشر ربيع الأول سنة خمس وستين وثمانمائة.
وهذا يحقق ما اشتهر: أن منبر هذا الجامع نقل إلى الجامع الأزهر ونقل منبر الأزهر إليه وبداخله نخلات بلح، ونظره تحت يد رجل يدعى بحنفى الشيمى القماح بمقتضى تقرير من المحكمة الكبرى، وله أوقاف إيرادها ثمانمائة وستة وسبعون قرشا.
جامع أسنبغا
هذا الجامع فى درب سعادة بجوار عطفة الفرن قرب دار أم حسين بيك. كان متخربا ثم جدد من طرف ذات العصمة والدة حسين بيك ابن العزيز محمد على فى سنة إحدى وسبعين ومائتين وألف، وهو مقام الشعائر تام المنافع/وله أوقاف تحت نظر بعض الأهالى ويعرف هذا الجامع أيضا بجامع الشرقاوى، وكان أول أمره مدرسة تعرف بالبو بكرية.
قال المقريزى: هذه المدرسة بجوار درب العباسى قرب حارة الوزيرية بالقاهرة بناها الأمير سيف الدين أسنبغا بن سيف الدين بكتمر البوبكرى الناصرى ووقفها على فقهاء الحنفية، وبنى بجانبها حوض ماء وسقاية ومكتبا، وذلك سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة وبنى قبالتها جامعا مات قبل تمامه.
وكان يسكن بجوار المدرسة الحسامية تجاه سوق الجوارى؛ فلذا أنشأ هذه المدرسة لقربها منه، ثم فى سنة خمس عشرة وثمانمائة جدد بها منبرا وأقيمت فيها الجمعة انتهى، وليس للجامع الذى قبالتها الآن أثر.
جامع سودون القصروى
هذا المسجد بحارة الباطلية قرب الجامع الأزهر عند المكان المعتاد الدعاء فيه، وبعض الناس يسميه جامع الدعاء. مكتوب على أحد أبوابه: بسم الله الرحمن الرحيم أمر بإنشاء هذا الجامع المبارك محمد سودون القصروى خادم العلم بالقلعة العامرة، وهو مقام الشعائر تام المنافع وبه عمد من الحجر ومنبر ودكة، وله منارة ذهب نصفها وبجداره قليل خلل ويتبعه مسكن لإمامه، ثم فى سنة ثلاث وثلثمائة وألف تهدم وتعطلت شعائره إلى الآن.
وبداخله قبر المرحوم الحاج أحمد كتخداى مستحفظان الخربطلى. توفى يوم الجمعة حادى عشر رجب سنة تسع وأربعين ومائة وألف ولهذا الجامع مرتب بالروزنامجة.
ترجمة سودون القصروى:
وفى الضوء اللامع للسخاوى: أن سودون هذا هو سودون القصروى قصروه من تمراز نائب الشام خدم بعد أستاذه فى بيت السلطان، ثم صار خاصكيا ثم من الدوادارية الصغار فى دولة أينال ثم أمير عشرة فى أيام خشقدم؛ فلما ولى خشداشة خير بك القصروى نيابة غزة استقر عوضه فى نيابة قلعة الجبل إلى أن قدمه يلباى بالبذل، ثم عمله الأشرف قايتباى رأس نوبة النوب ثم عينه لتجريدة سوار فجرح فى الوقعة وحمل إلى حلب فمات بها فى سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة وقد قارب السبعين.
وكان جمّاعا للمال بخيلا وهو صاحب السبيل بحارة الباطلية والجامع الذى هناك، انتهى ..
وفى شرقى الجامع بلصقه زاوية معطلة الشعائر الإسلامية ولها باب إلى الجامع مسدود وينسج بها الآن حصر السمار، وبداخلها قبر رجل صالح - يقال له الشيخ عبد الله - عليه تركيبة داخل بناء يخصه، وفى غربى الجامع خربة مملوءة بالتراب والأحجار أصلها زاوية ومعالمها باقية إلى الآن. واشتهر بين الناس: أن الدعاء يستجاب عندها ويزعمون أن بها قبر حزقيل أحد أصحاب سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام، ولا يكاد أحد يمر من هناك إلا ويقف للدعاء.
وهناك قبر عليه تركيبة وكسوة داخل مقصورة لها باب وشباك يقال: أنه قبر محمد ابن سيدنا أبى بكر الصديق رضي الله عنه.
جامع سودون من زاده
هذا المسجد فى سويقة العزى بشارع سوق السلاح أنشأه مدرسة الأمير سودون.
وهو مسجد مشيد وله بابان: أحدهما بسويقة العزى والثانى بشارع سوق السلاح، وصحنه كشف سماوى مفروش بالرخام الملون وبوسطه حنفية وحوض للماء، وسقف المسجد محمول على أعمدة من الزلط، وبقبلته أربعة أعمدة من الرخام وكذا دكته، وبداخله ضريح منشئه، وشعائره مقامة من أوقافه بمعرفة ناظره السيد عمر الكعكى، ويعرف أيضا بجامع السايس.
ترجمة سودون من زاده:
وفى الضوء اللامع للسخاوى: أن سودون هذا هوسودون من زاده الظاهرى برقوق كان من أعيان خاصكيته، ثم تأمر على عشرة لابنه الناصرى، ثم أعطاه اقطاعا لإمرة ستين فارسا واستقر به خازندارا، ثم استعفى منها خاصة وعاد رأس نوبة كما كان، ثم كان مع جكم ونوروز فى عصيانهما فقبض عليه معهما وسجن بالاسكندرية فى رمضان سنة أربع وثمانمائة، ثم أفرج عنه وصار مقدما بالقاهرة، ثم ولاه الناصر فى سلطنته الثانية عشر ثم قبض عليه فى جمادى الآخر سنة عشر وثمانمائة وحبسه بالاسكندرية، ولم يلبث أن قتل، وهو صاحب المدرسة الهائلة التى بسويقة العزى جعل بها خطبة ودرسا للشافعية وآخر للحنفية، انتهى.
ولم يذكر تاريخ وفاته ولا تاريخ إنشائه لهذه المدرسة.
جامع السويدى
هذا الجامع بمصر القديمة مبنى بالحجر وبه ثلاثة أعمدة من الرخام، وله منارة مبنية بالآجر، وله بمصر العتيقة خمسة دكاكين ومنزل موقوفة عليه إيرادها شهريا مائة وأحد وستون قرشا، وله مرتب فى الروز نامجة فى السنة مائة وسبعون قرشا، وشعائره مقامة من ذلك بنظر الشيخ أحمد نصار، ويقال: أنه من إنشاء أحمد بن طولون.
جامع السيوطى
فى المقريزى: أنه بطرف جزيرة الفيل مما يلى ناحية بولاق. أنشأه القاضى شمس الدين محمد السيوطى ناظر بيت المال، ومات سنة تسع وأربعين وسبعمائة، ثم عمره وزاد فيه ناصر الدين محمد بن محمد بن عثمان بن محمد المعروف بابن البارزى كاتب السر، وأجرى فيه الماء وأقام به الخطبة سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة وصلى/فيه السلطان المؤيد شيخ الجمعة انتهى، ولم يبق الآن لهذا الجامع أثر بالمرة.
***
حرف الشين
جامع الشاذلية
هذا الجامع خارج باب الفتوح فيما بينه وبين باب الشعرية على يمين الداخل من حارة درب البزازرة إلى باب العدوى والخليج، وهو الآن متخرب ولم يبق منه سوى الجدران، ويقال: أنه كان من أحسن الجوامع ونظره لديوان الأوقاف.
جامع الإمام الشافعى رضي الله عنه
هذا الجامع بالقرافة الصغرى حيث مشهد الإمام الشافعى رضي الله عنه بقرب جامع الإمام الليث. أنشأه الأمير عبد الرحمن كتخدا فى مكان المدرسة الصلاحية.
ففى إسعاف الراغبين فى أهل البيت للشيخ الصبان عند ترجمة الإمام الشافعى رضي الله عنه: لما تعطل غالب شعائر المدرسة الصلاحية التى بجوار قبة الشافعى وقل الانتفاع منها هدمها حضرة الأمير عبد الرحمن كتخدا مع أماكن قد اشتراها وبنى الجميع مسجدا عظيما متسعا سنة خمس وسبعين ومائة وألف، وأقام تلك الشعائر فانتفع بها الساكنون والزائرون انتفاعا كليا، انتهى.
والذاهب من القاهرة يدخل أولا فى طرقة مستطيلة مفروشة بالحجر النحت من عمل عبد الرحمن كتخدا وحولها دور ومساكن فيجد باب الميضأة عن يمينه وبعده باب من أبواب المسجد به طرقة طويلة مسقوفة مفروشة من فرش المسجد وعلى واجهته هذا البيت:
مسجد الشافعى بحر علوم
…
أشرقت شمسه بنور محمد
وبعد هذا الباب الباب الكبير تجاه المشهد الشريف يصعد إليه بسلم من الرخام، وأمامه رحبة صغيرة مفروشة بالرخام الترابيع، وبأعلاه لوح مصبوغ بالأخضر مكتوب عليه هذا البيت:
الله نوّر مسجدا تاريخه
…
يزهو به إشراق مجد الشافعى
28 7 602 47 492 - سنة 1176
والباب المذكور مبنى من الرخام وبابه الخشب مصفح بالنحاس، ومن داخله رحبة من الرخام الترابيع بها بابان: باب للمسجد وباب للمشهد، وعن شمال الداخل سبيل من الرخام عليه شباك من النحاس، وله كيزان من نحاس أصفر مربوطة بالسلاسل مكتوب عليه: أنشأ شباك هذا السبيل المبارك - من فضل الله تعالى - أمير اللواء على بيك دفتردار مصر حالا فى شهر الحجة سنة إحدى ومائتين وألف، وهناك فى الحائط حجر مدوّر أسود.
وفى الجامع ستة عشر عمودا من رخام عليه قناطر من حجر، وقبلته فى إحدى زواياه وهى من الرخام جددها محمد أغا سرور وكيل أغاة دار السعادة، وبحائطها قطعة رخام مكتوب فيها: جدد عمارة المدرسة الشريفة وتبيضها وتبليطها وعمارة الميضأة المباركة أمير اللواء الشريف السلطانى على بيك دفتردار مصر حالا تحريرا فى ذى القعدة سنة أربع ومائتين وألف، ومنبره من الخشب بالشغل القديم وبجوار المنبر شباك يجلس فيه الخطيب قبل خطبة الجمعة، وفيه دكة للمبلغين وسقفه من الشغل البلدى القديم المنقوش ..
وفى الجامع عن شمال الخارج من القبة مقصورة من الخشب فيها أضرحة لبعض فضلاء الشافعية منهم: شيخ الإسلام زكريا الأنصارى، والشيخ أبو الحسن المفسر، والشيخ شيبان الراعى.
وفى حائطه الغربية باب يوصل إلى زاوية السادة البكرية فى طرقة مفروشة بالحجر النحت عليه رخامة مكتوب فيها:
أكرم به من مسجد مصباحه
…
كنز الهدى المولى الإمام الشافعى
وله منارة واحدة لقلة السكان فى تلك الجهة، وشعائره مقامة إلى الغاية، ويقرأ فيه درس مرتب بعد صلاة الجمعة، وكانت ميضأة هذا الجامع صغيرة مثمنة الأركان، وهى من إنشاء الأمير عبد الرحمن كتخدا فهدمها الأمير على بيك الكبير ووسعها وعملها مربعة مستطيلة متسعة وبجانبها حنفية ببزابيز وحولها كراسى راحة بحيضان متسعة تجرى مياهها من بعض إلى بعض وماؤها شديد الملوحة. انتهى جبرتى من حوادث سنة سبع وثمانين ومائة وألف.
وفى سنة ثلاثين ومائتين وألف تقريبا عمل المرحوم محمد على باشا مجرى ابتداؤها من مجرى عيون القلعة إلى الإمام الشافعى، وأجرى فيها ماء النيل إلى الميضأة والأخلية وأبطل منها استعمال الماء المالح.
وكان سبب ذلك: أنه لما قتل ابنه إسماعيل بيك بالسودان ونقله إلى مصر بنى له قبرا بقرب الإمام وبنى حوله أبنية وأجرى الماء إليها؛ فكلمه الشيخ حسن القويسنى أن يوصلها إلى مطهرة الإمام ففعل، واستمر استعمالها إلى سنة تسع وثمانين فأجرى ديوان الأوقاف عمارة فى الميضأة والأخلية وجدد ماسورة تحت الأرض متصلة بماسورة وابور الماء الذى عمل لسقى مصر والقاهرة وصارت هى الموصلة الماء إلى الإمام وما حوله من العمائر. وكان أهل تلك الجهة قبل/ذلك يشربون من ماء النيل المجلوب بمجراة سواقى بركة الحبش، ولما أنشئت الماسورة جعلت هناك حنفية لبيع الماء على السكان على جرى عادة الحنفيات؛ فالتزم سعادة الأمير رياض باشا أن يشتريها من ماله كل سنة من الملتزمين
باثنين وسبعين جنيها مصريا ويطلقها للناس إحسانا منه، وذلك من ابتداء سنة اثنتين وتسعين فينقل منها الآن جيرة الإمام الليث وسيدى عقبة والسادات الوفائية وغيرهم مجانا جزاه الله خيرا.
وفى عام ثلاث وثلثمائة وألف تشعث بعض جدران المسجد فتعلقت إرادة عزيز مصر الأكرم أفندينا المفخم محمد توفيق باشا بتجديده وتوسعته لضيقه بالناس التى كانت تجتمع فيه أيام المواسم كالأعياد وغيرها؛ فصدر أمره الكريم بذلك.
وكان الناظر على ديوان الأوقاف وقتئذ الأمير الكبير محمد زكى باشا؛ فانتهض لهذا الأمر انتهاضا حسنا واشترى الأماكن المجاورة للمسجد من جهة الطرقة المبلطة التى كانت بها أبواب المسجد مع البيوت التى عن يسار السالك من هذه الطرقة ذاهبا جهة الإمام الليث رضي الله عنه، وكذا الأماكن المتصلة بالميضأة من الجهة البحرية، وأدخل بعضها مع بعض الطرقة فى المسجد وترك الباقى متسعا قدامه، وشرع فى هدم المسجد القديم فى جمادى الآخرة من هذا العام، وابتدأ حفر الأساس من الجهة المجاورة لمقام شيخ الإسلام زكريا رضي الله عنه.
وكان يوم وضع الأساس يوما مشهودا؛ فحضر لذلك جناب الخديوى المعظم مع أعيان دولته وأمرائها وحضرة المشير الجليل دولتلو الغازى أحمد مختار باشا وحضرات العلماء الكرام والفضلاء الفخام وأعيان مصر وأكابرها؛ فاجتمعوا فى موضع المسجد القديم فى مجلس جليل حافل وزىّ جميل وشكل حسن، وتليت فى هذا المجلس مقالة تتضمن الثناء على حضرة خديوى مصر وأعيان دولته وسبب تجديد المسجد وأن الآمر بذلك حضرة الخديوى مع نسبه الشريف، وتليت مع ذلك قصائد جليلة لبعض
أدباء هذا العصر تتضمن ذلك، وكتب مضمون ذلك كله فى رق متين ووضع مع صرة من النقود فى إناء يسمى متريانا من البلور، ووضع ذلك المتريان فى صندوق من الرصاص على قدره، ووضع ذلك الصندوق فى حجر كبير محفور بقدر الصندوق مغطى بحجر آخر، ووضع ذلك الحجر فى أساس البناء بإزاء شيخ الإسلام وهو أول موضوع فى الأساس، والواضع للصندوق الرصاص فى الحجر بيده حضرة الخديوى اعتناء بهذا المسجد الجليل ومحبة فى هذا الإمام العظيم وخدمة له رضي الله عنه ونفعنا به.
وكان ذلك يوم الثلاثاء سابع شعبان آخر مولد سيدنا الإمام رضي الله عنه فى هذا العام، وجعل المسجد مربعا تربيعا حسنا وحول تربيعه عن الوضع الأول حتى صار المحراب فى وسط الجدار بعد أن كان فى زاوية المسجد الجنوبية الشرقية والراسم لمحرابه العالم الميقاتى الشهير الغازى أحمد مختار باشا، وجعل طوله ثلاثين مترا وعرضه كذلك، وجعلت له رحبة بين المسجد وبين المطهرة طولها ثلاثون مترا فى عرض ثمانية أمتار، ورسم له حنفية فى بيت مستقل وميضأة واسعة فى مكان متسع وبيوت أخلية فى مكان متسع أيضا منعزل عن الميضأة خلفها، وهو الآن جار فيه العمل بالاجتهاد والهمة التامة.
نسأل الله تعالى إتمامه على أحسن حال، وأن ينفعنا بهذا الإمام الجليل رضي الله عنه.
وأما المشهد الشريف والضريح المنيف فهو من أشهر مزارات قرافة مصر، كما فى خطط المقريزى، قال:
توفى الشافعى رضي الله عنه بفسطاط مصر وحمل على الأعناق حتى دفن فى مقبرة بنى زهرة أولاد عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهرى، وعرفت أيضا بتربة أولاد ابن عبد الحكم. قال القضاعى: وقد جرب الناس خير هذه التربة المباركة والقبر المبارك، ثم قال: ولم يزل قبر الشافعى يزار ويتبرك به إلى أن كان يوم الأحد لسبع خلت من جمادى الأولى سنة ثمان وستمائة فانتهى بناء هذه القبة التى على ضريحه.
ذكر من انشا قبة الامام الشافعى رضي الله عنه.
وقد أنشأ هذه القبة المباركة الملك الكامل المظفر المنصور أبو المعالى ناصر الدين محمد ظهير أمير المؤمنين ابن السلطان الملك العادل سيف الدين أبى بكر بن أيوب، وبلغت النفقة عليها خمسين ألف دينار مصرية، وأخرجت فى وقت بنائها عظام كثيرة من مقابر كانت هناك ودفنت فى موضع من القرافة.
وبهذه القبة أيضا قبر السلطان عثمان ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، وقبر أمه شمسه، انتهى.
وفى بدائع الزهور: أن الملك الكامل لما توفيت أمه دفنها عند الإمام الشافعى، ثم شرع فى بناء القبة التى على ضريح الإمام ولم تعمر فى الدنيا قبة مثلها، وأنشأ بها خلاوى برسم الصوفية وحماما وبنى مجراة تنقل من بركة الحبش فى أيام النيل بسواق إلى تربة الإمام وهى باقية إلى الآن، وأنشأ هناك الحوض الذى على الطريق السالكة فكان كما قيل فيها وفى السفينة التى على القبة:
من الكوثر الأعين الجاريه
…
لها قبة تحتها سيد
وبحر لها فوقه جاريه
…
إليها الذى يلتجى بسعد
/انتهى. وكانت السواقى ثلاثة:
إحداها: فى الجبل عند مزرعة تعرف بحوض عفصة وتعرف إلى الآن بساقية أم السلطان، وكان الماء ينقل إليها بواسطة مجراة من الحجر من ساقية مبنية بالحجر تعرف بالنقّالة، وينقل إلى هذه أيضا من ساقية بدير الطين مبنية على حرف النيل، وبين ساقية أم السلطان والإمام الشافعى مجراة باقية إلى الآن على عيون من الحجر كعيون مجراة القلعة، وعليها أسبلة توصل إلى سيدى عقبة والإمام الليث وإلى ساقية الخزانة بالإمام الشافعى، وقد استغنى عنها الآن بالماسورة المارّة الذكر.
وفى الجبرتى: أن على بيك الكبير جدد هذه القبة وكشف ما عليها من الرصاص القديم من أيام الملك الكامل وقد تشعّث وصدئ فجدد ما تحته من الخشب البالى بخشب نقى جديد، ثم جعلوا عليه صفائح الرصاص المسبوك الجديد المثبت بالمسامير العظيمة، وجدد نقوش القبة من داخل بالذهب واللازورد والأصباغ، وكتب بإفريزها تاريخا منظوما انتهى.
وهى قبة شاهقة متسعة مصفح ظاهرها بالرصاص، وقبل الدخول من بابها مكتوب بجوار باب السبيل فى قطعة رخام هيئة طرة هذا البيت:
هذه جنات عدن
…
فادخلوها خالدين
وباب القبة من الرخام عليه باب ضفتان من الخشب المصفح بالفضة، وبأعلاه فى لوح من الرخام هذان البيتان:
إن رمت فضل الشافعى
…
فى مسند قد صح قدما
هو من قريش عالم
…
يملأ طباق الأرض علما
ومن داخل الباب باب آخر وعلى البرزخ الشريف مقصورة مربعة من الخشب المرصع بالصدف والعاج، وفى كل زاوية من زواياها ثلاث صفائح من الفضة، وضبّة باب المقصورة مصفحة بالفضة ولها قفيز من الفضة، وبأعلى بابها أبيات مكتوبة بالصدف:
إن الإمام الشافعى محمدا
…
سلطان مصر له أجل علوم
ناهيك فى ورد الحديث بفضله
…
العالم القرشى فى الإسلام
بالعلم قد ملأ الطباق فأرخت
…
لمحمد للناس خير إمام
122 171 810 82 - سنة 1185
وبأعلى ذلك طرة فيها بعض أوصاف النبى صلى الله عليه وسلم وحولها خمس دوائر فيها لفظ الجلالة وأسماء الخلفاء الأربعة، وفى سقف المقصورة مركب صغيرة من الفضة معلقة فوق البرزخ، وبجانبها عمود من الرخام منقوش فيه: بسم الله الرحمن الرحيم:
(1)
هذا قبر الإمام السيد أبى عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب ابن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف جد النبى صلى الله عليه وسلم، ولد رضي الله عنه سنة خمسين ومائة، وعاش إلى سنة أربع ومائتين، ومات يوم الجمعة آخر يوم من رجب من السنة المذكورة، ودفن فى يومه بعد العصر رضي الله عنه وأرضاه آمين. ويكتنف ذلك العمود شمعدانان كبيران من الفضة موضوعان على تختة من الخشب وحواليها قناديل من البلور الأبيض والأزرق، وأسفل القبة مكسوفى دائرها بالرخام الملون فى ارتفاع مترين وأربعة أخماس متر، وبأعلى ذلك كرنيش من خشب عرضه نحو نصف متر، وبأعلى ذلك برواز من خشب منقوش فيه قصيدة بالليقة الذهبية وكرنيش عليه كتابة كوفية، وفوقه إزار فيه سورة الفتح بالليقة الذهبية أيضا، وفى أركانها أربع كوش من البناء عليها سورة يس بهاء الذهب، وبين كل كوشتين خمسة شبابيك مصنوعة بالجبس والزجاج الملون، وبأعلى ذلك كرنيش فى دائرها عليه آيات قرآنية بماء الذهب، وفيه: أمر بتجديد هذه القبة المباركة على التخصيص وتشييد أفنان وضعها بفنون النقش والترصيص عزيز مصر الحاكم بأمر الله أيد الله بالنصر لواه، وبلغه قصده ورجاه إنه الملك اللطيف ببركة صاحب هذا المقام الشريف.
(1)
سورة النجم: 39 - 41.
وبأعلى ذلك ستة عشر شباكا وفوق ذلك نقش قديم بماء الذهب، وفى أعلى القبة فى دائر مركزها مكتوب بماء الذهب:{(أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)}
(1)
وفى الجهة الغربية من القبة لوح فيه بخط السلطان عبد المجيد حديث: «عالم قريش يملأ طباق الأرض علما»
(2)
، وفى الحائط البحرية رخامة مكتوب فيها: أمر بتجديد هذه القبة مولانا السلطان الملك الأشرف أبو النصر قايتباى عز نصره. وتكملة ذلك فى الحائط الغربية: وكان الفراغ من ذلك فى شهر جمادى الآخرة سنة خمس وثمانين وثمانمائة.
وبداخلها ثلاثة محاريب من الرخام الملون.
/وبلصق المقصورة مقصورتان من الخشب بالصبغ الأخضر فى إحداهما قبور أولاد عبد الحكم وسنذكر تراجمهم. وهناك مقاصير أخر بإحداها قبر الملكة شمسة والدة السلطان الملك الكامل الأيوبى، وفى أخرى قبر السلطان عثمان بن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، وبأعلى القبة من الخارج مركب صغيرة فوق هلال من نحاس تسع من الحب قدر نصف أردب يوضع فيها الحب لأكل الطيور، وفيها سلسلة من حديد لأجل إمكان الصعود إليها. وقد قيل فيها وفى القبة عدة أشعار مذكورة فى المقريزى وغيره منها قول الكاتب بن ملهم:
مررت على قبة الشافعى
…
فعاين طرفى عليها العشارى
فقلت لصحبى: لا تعجبوا
…
فإن المراكب فوق البحار
ومنها لعلاء الدين النابلسى:
لقد أصبح الشافعىّ الإما
…
م فينا له مذهب مذهب
ولو لم يكن بحر
(3)
…
علم لما
غدا وعلى قبره مركب
وقال آخر:
أتيت لقبر الشافعىّ أزوره
…
تعرضنا فلك وما عنده بحر
فقلت: تعالى الله تلك إشارة
…
تشير بأن البحر قد ضمه القبر
(1)
سورة يونس: 62.
(2)
هذا الحديث: أورده الطيالسى فى مسنده وفى سند مجهول وله شواهد. قال العراقى: روى عن الصغانى فى زعمه أنه موضوع وليس بموضوع ولكن لا يخلو عن ضعف. راجع (تمييز الطيب من الخبيث الديبع).
(3)
رواية المؤلف: ولو لم يكن بحر علم لنا. وما أثبت عن رواية (الحقيقة والمجاز فى الرحلة إلى بلاد الشام ومصر والحجاز للنابلسى ص 192 تقديم وإعداد. د. أحمد عبد المجيد هريدى ط الهيئة.).
وقال البوصيرى صاحب البردة:
بقبة قبر الشافعىّ سفينة
…
رست فى بناء محكم فوق جلمود
ومذ غاض طوفان العلوم بقبره استوى الفلك من ذاك الضريح على الجودى
(1)
وفى رحلة النابلسى
(2)
قال: خرجنا إلى زيارة الإمام الشافعى رضي الله عنه فدخلنا إلى قبته المبنية على قبره، فوجدناها قبة واحدة كبيرة متسعة جدا لا يرى مثلها فى البنيان ومتانة الجدران والارتفاع وفى داخلها محراب عظيم. وقبر الإمام الشافعى فى الجهة الشمالية وفيه شباك مطل على القبور فى القرافة وبجانب قبره قبر شيخه وقد رؤى فى المنام وهو يقول: زوروا شيخى فإنى ما أنا بشئ إلا به!.
كذا نقل هذا المناوى فى طبقاته ورأينا على قبة الإمام الشافعى رضي الله عنه من جهة الخارج سفينة مربوطة بالهلال يوضع فيها الحب للطيور وقد قلنا فى ذلك:
يا قبة للإمام الشافعى زهت
…
بها القرافة فى مصر لهيبته
لو لم يكن بها بحر العلوم لما
…
سفينة الحب كانت فوق قبته
انتهى
ومناقب الشافعى - رحمة الله - كثيرة قد صنف الأئمة فيها عدة مصنفات؛ فمن أفردها بالتأليف: داود الظاهرى والساجى وابن أبى حاتم والحاكم والقطان والأصفهانى والبيهقى والرازى وابن المقرى والدارقطنى والسرخسى والمقدسى وإمام الحرمين والزمخشرى والسبكى وابن حجر وغيرهم.
ترجمة الامام الشافعى رضي الله عنه:
وقد أخد الشيخ الصبان من ذلك زبدا فى رسالته إسعاف الراغبين؛ فقال الإمام الشافعى: هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف القرشى المطلبى ابن عم المصطفى صلى الله عليه وسلم يجتمع مع المصطفى فى عبد مناف. وأمه فاطمة بنت عبد الله بن الحسن بن على بن أبى طالب كرم الله وجهه، وقيل: انها أزدية لقى شافع النبى صلى الله عليه وسلم
(1 و 2)) وروى الشطر الأول من البيت الثانى: ومذ غاض طوفان العلوم بموته.
راجع (الحقيقة والمجاز للنابلسى ص 188 و 279).
وهو مترعرع وأسلم، وأبوه السائب كان يوم بدر صاحب رايات بنى هاشم التى كان يقال لها: العقاب وراية الرؤساء ولا يحملها إلا رئيس القوم وكانت لأبى سفيان، فإن لم يكن حاضرا حملها رئيس مثله؛ ولغيبة أبى سفيان فى العير حملها السائب لشرفه وأسر يومئذ وفدى نفسه ثم أسلم بعد ذلك.
ولد رضي الله عنه بغزة سنة خمسين ومائة على الأصح. وقيل: ولد بمنى. وقيل:
بعسقلان. وقيل: باليمن وهى السنة التى مات فيها أبو حنيفة. وقيل: انه ولد يوم مات أبو حنيفة ثم حمل إلى مكة وهو ابن سنتين ونشأ بها، ولما سلموه إلى المعلم ما كانوا يجدون أجرة المعلّم فكان المعلم يقصّر فى التعليم لكن كلما علّم صبيا شيئا تلقّف الشافعى ذلك الشئ ثم إذا قام المعلّم أخذ الشافعى يعلم الصبيان تلك الأشيا؛ فنظر المعلم فرأى الشافعى يكفيه أمر الصبيان أكثر من الأجرة فترك طلب الأجرة منه فتعلم الشافعى القرآن لسبع سنين.
قال الشافعى رضي الله عنه: لما ختمت القرآن دخلت المسجد فكنت أجالس العلماء وأحفظ الحديث أو المسألة، وكان منزلنا فى مكة فى شعب الخيف وكنت فقيرا بحيث ما أملك أن أشترى القراطيس فكنت آخذ العظم وأكتب فيه. وتفقّه أول أمره على مسلم بن خالد الزنجى مفتى مكة، وأذن له فى الإفتاء والتدريس/وهو ابن خمس عشرة سنة ووصل إليه خبر الإمام مالك رضي الله عنه بالمدينة. قال الشافعى: فوقع فى قلبى أن أذهب إليه فاستعرت الموطأ من رجل بمكة وحفظته، ثم قدمت المدينة فدخلت عليه فقلت: أصلحك الله إنى رجل مطلبى من حالتى وقصتى كذا وكذا؛ فلما سمع كلامى نظر إلىّ ساعة وكان لمالك فراسة؛ فقال لى: ما اسمك؟ فقلت: محمد. فقال: يا محمد اتق الله واجتنب المعاصى فإنه سيكون لك شأن. فقلت: نعم وكرامة. فقال: إن الله تعالى ألقى على قلبك نورا فلا تطفئه بالمعصية. ثم قال: إذا كان الغد تجئ نقرأ لك الموطأ.
فقلت: إنى أقرأه من الحفظ ورجعت إليه من الغد وابتدأت بالقراءة، وكلما أردت قطع القراءة خوفا من ملاله أعجبه حسن قراءتى فيقول: يا فتى زد حتى قرأته فى أيام يسيرة ثم أقمت
(1)
فى المدينة إلى أن توفى مالك رحمه الله تعالى. وكان حفظه للموطأ وهو ابن عشر سنين فى تسع ليالى. وقيل: فى ثلاث. ثم قدم بغداد سنة خمس وتسعين ومائة فأقام بها سنتين واجتمع عليه علماؤها ورجع كثير منهم عن مذاهب كانوا عليها
(1)
قوله: ثم أقمت الخ كذا فى إسعاف الراغبين أيضا والمشهور خلافه اه. راجع (هامش ص 26 من الطبعة الأولى).
إلى مذهبه وصنف بها كتابه القديم، ثم عاد إلى مكة فأقام بها مدة ثم عاد إلى بغداد سنة ثمان وتسعين ومائة فأقام بها شهرا، ثم خرج إلى مصر وصنف بها كتبه الجديدة وأقام بها إلى أن توفى.
كان رضي الله عنه إمام الدنيا جمع الله له من العلوم وكثرة الأتباع لا سيما فى الحرمين والأرض المقدسة ما لم يجمع لأحد قبله ولا بعده، وانتشر له من الذكر ما لم ينتشر لأحد سواه؛ ولذا حمل عليه حديث:«عالم قريش يملأ أطباق الأرض علما»
(1)
. قال ابن عبد الحكم: إن أم الشافعى رضي الله عنه لما حملت به رأت كأن كوكب المشترى خرج من بطنها وانقض فوقع منه فى كل مكان شظية؛ فقال لها المعبر: انه يخرج منك عالم عظيم.
وقال الشافعى رضي الله عنه: «رأيت النبى صلى الله عليه وسلم فى النوم؛ فقال:
ادن منى. فدنوت منه فأخذ من ريقه وفتحت فمى فأمرّ من ريقه على لسانى وفمى وشفتى، وقال: امش بارك الله فيك». وقال: «رأيت النبى صلى الله عليه وسلم فى المنام فى زمن الصبا بمكة يؤم الناس فى المسجد الحرام؛ فلما فرغ من صلاته أقبل على الناس يعلمهم فدنوت منه؛ فقلت له: علمنى. فأخرج ميزانا من كمه فأعطانى، وقال: هذا لك» .
قال المناوى: فأوّلت بأن مذهبه أعدل المذاهب وأوفقها للسنة التى هى أعدل الملل. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل لأبيه: «أىّ الرجل كان الشافعى فإنى سمعتك تكثر الدعاء له؟ فقال: يا بنى كان الشافعى رضي الله عنه كالشمس بالنهار وكالعافية للناس فانظر: هل لهذين من خلف أو عنهما عوض» ؟.
وقال أحمد بن حنبل رضي الله عنه: «ما أعلم أحدا أعظم منّة من الشافعى فى زمن الشافعى» !.
ونقل ابن حجر وغيره: أنه لم يقع فى مدة حياته طاعون لا بمصر ولا بغيرها، وكان جهورى الصوت جدا فى غاية من الكرم والشجاعة وجودة الرمى وصحة الفراسة وحسن الأخلاق، وكان كلامه حجة فى اللغة كامرئ القيس ولبيد ونحوهما، وكان أعجوبة فى العلم بأنساب العرب وأيامها وأحوالها وهو أول من صنف فى أصول الفقه.
(1)
راجع ما سبق ص 62 من الكتاب.
نبذة من كلام الشافعى:
ومن كلامه رضي الله عنه: من لم تعزه التقوى فلا عز له. ومنه: زينة العلماء التقوى وحليتهم حسن الخلق، وجمالهم كرم النفس. ومنه: ما أفلح فى العلم إلا من طلبه فى القلة. ومنه: لا يطلب أحد هذا العلم بعزة نفس فيفلح. ومنه: لا عيب بالعلماء أقبح من رغبتهم فيما زهدهم الله فيه وزهدهم فيما رغبهم فيه. ومنه: ليس العلم ما حفظ إنما العلم ما نفع. ومنه: فقر العلماء فقر اختيار، وفقر الجهلاء فقر اضطرار. ومنه:
لا تخرج من علم إلى غيره حتى تحكمه فإن ازدحام الكلام فى السمع مضلة فى الفهم. ومنه:
من شهد فى نفسه الضعف نال الاستقامة. ومنه: من أحب أن ينور الله قلبه فعليه بالخلوة وقلة الأكل، وترك مخالطة السفهاء وبعض أهل العلم الذين ليس معهم إنصاف ولا أدب. ومنه: لو علمت أن شرب الماء ينقص مروءتى ما شربته. ومنه: المروءة عفة الجوارح عمّالا يعنيها وأركانها أربعة: حسن الخلق والتواضع والسخاء ومخالفة النفس.
ومنه: سياسة الناس أشد من سياسة الدواب. ومنه: لا تتكلم إلا فيما يعنيك فإنك إذا تكلمت بالكلمة ملكتك ولم تملكها. ومنه: العاقل من عقله عقله عن كل مذموم. ومنه:
لا تبذل وجهك لمن يهون عليه ردك. ومنه: من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه، ومن وعظه جهرا فقد فضحه وشانه. ومنه: صحبة من لا يخاف العار عار. ومنه:
من سام نفسه فوق ما تساوى رده الله إلى قيمته. ومنه: ما أكرمت أحدا فوق قدره إلا اتضع من قدرى عنده بقدر ما زدت من إكرامه. ومنه: إن الله خلقك حرا فكن كما خلقك. ومنه: الكريم من راعى وداد لحظة وانتمى لمن أفاده لفظة، /واللئيم من إذا ارتفع جفا أقاربه وأنكر معارفه ونسى فضل معلمه. ومنه: من عاشر الكرام صار كريما ومن عاشر اللئام نسب للؤم. ومنه: من برّك فقد أوثقك ومن جفاك فقد أطلقك. ومنه: الكيس العاقل الفطن المتغافل. ومنه: الانبساط إلى الناس مجلبة للقرناء السوء، والانقباض عنهم مكسبة للعداوة فكن بين منقبض ومنبسط. وله نظم بديع اشتهر منه كثير.
توفى رضي الله عنه يوم الجمعة بعد العصر سلخ رجب سنة أربع ومائتين وله أربع وخمسون سنة، ودفن بالقرافة فى القبة المشهورة عليه من الأنس والرحمات والمهابة ما لا يخفى، وأريد بعد مدة نقله إلى بغداد فلما حفروا عليه عبقت رائحة عظيمة غطت حواس الحاضرين فتركوا ذلك.
وقال المزنى: دخلت على الشافعى رضي الله عنه فى علّته التى مات فيها فقلت:
كيف أصبحت؟ قال: أصبحت من الدنيا راحلا ولإخوانى مفارقا، ولكأس الموت شاربا ولسوء أعمالى ملاقيا وعلى الله واردا، فلا أدرى روحى إلى الجنة تصير فأهنيها أو إلى النار فأعزيها، ثم بكى وأنشد:
ولما قسا قلبى وضاقت مذاهبى
…
جعلت رجائى نحو عفوك سلما
تعاظمنى ذنبى فلما قرنته
…
بعفوك ربى كان عفوك أعظما
فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل
…
تجود وتعفو منة وتكرما
فلولاك لم يسلم من ابليس عابد
…
وكيف وقد أغوى صفيك آدما
انتهى باختصار.
وفى ابن خلكان: قال أبو ثور: من زعم أنه رأى مثل محمد بن إدريس فى علمه وفصاحته ومعرفته وثباته وتمكنه فقد كذب كان منقطع القرين فى حياته فلما مضى لسبيله لم يعتض منه.
ومن دعائه:
اللهم يا لطيف أسألك اللطف فيما جرت به المقادير. وهو مشهور بين العلماء بالإجابة وأنه مجرب.
ومن شعره رضي الله عنه:
لو كان بالحيل الغنى لوجدتنى
…
بنجوم أقطار السماء تعلقى
لكنّ من رزق الحجا حرم الغنى
…
ضدان مفترقان أى تفرّق
ومن الدليل على القضاء وكونه
…
بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق
وهو القائل:
ولولا الشعر بالعلماء يزرى
…
لكنت اليوم أشعر من لبيد
ولما مات رثاه خلق كثير منهم: أبو بكر بن محمد بن دريد صاحب المقصورة.
ومن مرثيته:
تسربل بالتقوى وليدا وناشئا
…
وخص بلب الكهل مذهو يافع
وهذب حتى لم تشر بفضيلة
…
إذا التمست إلا إليه الأصابع
فمن يك علم الشافعى إمامه
…
فمرتعه فى ساحة العلم واسع
(1)
سلام على قبر تضمن جسمه
…
وجادت عليه المدجنات الهوامع
لقد غيبت أثراؤه جسم ماجد
…
جليل إذا التفّت عليه المجامع
لئن فجعتنا الحادثات بشخصه
…
لهن لما حكمن فيه فواجع
فأحكامه فينا بدور زواهر
…
وآثاره فينا نجوم طوالع
(2)
انتهى.
ترجمة عبد الحكم وولده:
وفى ابن خلكان: أن بجانب قبر الإمام الشافعى رضي الله عنه مما يلى القبلة قبر أبى محمد عبد الله بن عبد الحكم بن أعين
(3)
بن ليث بن رافع الفقيه المالكى المصرى، وهو الأوسط من القبور الثلاثة.
كان عبد الله أعلم أصحاب مالك بمختلف قوله وأفضت إليه رياسة الطائفة المالكية بعد أشهب وروى عن مالك الموطأ سماعا، وكان من ذوى الأموال والرباع له جاه عظيم وقدر كبير، ويقال: أنه دفع للشافعى رضي الله عنه عند قدومه إلى مصر ألف دينار من ماله، وأخذ له من ابن عسامة
(3)
التاجر ألف دينار ومن رجلين آخرين ألف دينار. وروى بشر بن بكر قال: رأيت مالكا فى النوم بعد موته يقول: إن ببلادكم رجلا يقال له ابن عبد الحكم فخذوا عنه فإنه ثقة.
وكانت ولادة أبى محمد المذكور سنة خمسين أو خمس وخمسين ومائة وتوفى سنة أربع عشرة ومائتين، وكان له ولد يسمى عبد الرحمن من أهل الحديث والتواريخ صنف كتاب فتوح وغيره.
وتوفى سنة سبع وخمسين ومائتين وقبره إلى جانب قبر أبيه من جهة القبلة ومعهما قبر أبى عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الحكم الفقيه الشافعى الذى كنى أبوه به سمع من
(1)
وروى الشطر الثانى: فمرتعه فى باحة العلم واسع.
راجع (ديوان ابن دريد ص 71 دراسة وتحقيق عمر بن سالم ط الدار التونسية للنشر سنة 1973 م).
(2)
اتخذ المؤرخون هذه القصيدة حجة على انتهاء ابن دريد إلى المذهب الشافعى ومنهم السيوطى الذى نسبه إليه (انظر البغية ص 30) راجع (المصدر السابق هامش 1).
(3)
راجع (الصفحة التالية).
ابن وهب وأشهب من أصحاب مالك، ولما قدم الشافعى مصر صحبه وتفقه به وحمل فى المحنة إلى بغداد إلى القاضى أحمد بن أبى دواد الإيادى/فلم يجب إلى ما طلب منه ورد إلى مصر وانتهت إليه الرياسة بها.
وكانت ولادته سنة اثنتين وثمانين ومائة وتوفى سنة ثمان وستين ومائتين، وروى عنه أبو عبد الرحمن النّسائى فى سننه.
وقال المزنى: كنا نأتى الشافعى نسمع منه ونجلس على باب داره ويأتى محمد بن عبد الله بن عبد الحكم فيصعد ويطيل المكث وربما تغدى معه ثم نزل فيقرأ علينا الشافعى؛ فإذا فرغ من قراءته قرب إلى محمد دابته فركبها وأتبعه الشافعى بصره؛ فإذا غاب شخصه قال: وددت لو أن لى ولدا مثله وعلىّ ألف دينار لا أجد لها وفاء.
وحكى عنه قال: كنت أتردد إلى الشافعى فقال قوم من أصحابنا: إن محمدا ينقطع إلى هذا الرجل ويتردد إليه فيرى الناس أنه رغب عن مذهب أصحابه فجعل أبى يلاطفهم ويقول: هو حدث يحب النظر فى اختلاف الأقاويل ويقول لى سرا: يا بنى الزم هذا الرجل فإنك لو جاوزت هذا البلد فقلت: قال أشهب لقيل لك: من أشهب؟ فلزمت الشافعى رضي الله عنه، ثم خرجت إلى العراق فكلمنى القاضى فى مسألة. فقلت: قال أشهب عن مالك. فقال: ومن أشهب؟ فأقبل على جلسائه فقال بعضهم: لا أعرف أشهب ولا أبلق.
ومحمد هذا هو الذى أحضره أحمد بن طولون فى الليل إلى حيث سقايته بالمعافر لما توقف الناس عن الشرب منها والوضوء فشرب وتوضأ؛ فأعجب ابن طولون وصرفه لوقته ووجه إليه بصلة.
وأعين: بفتح الهمزة وسكون العين المهملة وفتح الياء المثناة من تحت وبعدها نون.
وعسامة: بضم العين وفتح السين المهملتين وبعد الألف ميم ثم هاء انتهى.
ترجمة محمد بن الموفق:
وفيه أيضا: أن الفاضل الشيخ نجم الدين الخبوشانى
(1)
مدفون تحت رجلى الإمام الشافعى فى قبته وبينهما شباك. قال: وهو أبو البركات محمد بن الموفق بن سعيد بن على ابن الحسن بن عبد الله الخبوشانى الملقّب نجم الدين الفقيه الشافعى. كان فاضلا كثير الورع تفقه على محمد بن يحيى، وكان يستحضر كتابه المحيط فى شرح الوسيط حتى نقل أنه عدم الكتاب فأملاه من خاطره، وله كتاب تحقيق المحيط فى ستة عشر مجلدا.
(1)
راجع (الصفحة التالية).
ولما استقل السلطان صلاح الدين بملك الديار المصرية قربه وأكرمه وكان يعتقده، ويقال:
أنه ابتنى المدرسة الصلاحية المجاورة لضريح الشافعى بإشارته عليه ثم فوّض تدريسها إليه، وذلك فى سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، وفى هذه السنة بنى البيمارستان فى القصر بالقاهرة.
وكان سليم الباطن قليل المعرفة بأحوال الدنيا. كانت ولادته سنة عشر وخمسمائة بأستوى خبوشان، وتوفى سنة سبع وثمانين وخمسمائة بالمدرسة المذكورة.
وفى كتاب المزارات للسخاوى: أن الشيخ نجم الدين الخبوشانى رد على أهل البدع واستتابهم وأظهر معتقد الأشعرية بالديار المصرية، وكان له دعوة مجابة وكان السلطان صلاح الدين يأتى لزيارته ويسأله الدعاء، وكان عادة المدرس فى بلاد العجم أن يلبس طرطورا على رأسه فظن أنه فى بلاده فلبس الطرطور؛ فلما دخل على الخليفة تبسم كل من هناك فنظر إليهم ثم صلى ركعتين وجلس فخشعوا جميعا اه.
والخبوشانى: بضم الخاء المعجمة والباء الموحدة فشين معجمة فألف فنون نسبة إلى خبوشان بليدة بناحية نيسابور، وأستوى: بضم الهمزة وسكون السين المهملة وفتح المثناة الفوقية أو ضمها ناحية كثيرة القرى من أعمال نيسابور انتهى.
ترجمة ابن عم الشافعى رضي الله عنه:
وقال النابلسى فى رحلته: وفى دهليز قبة الشافعى - رحمه الله تعالى - فى جانب يسار الداخل مكان دفن فيه ابن عم الشافعى رضي الله عنه محمد بن عبد الله بن محمد بن العباس ابن عثمان بن شافع. قال العبادى فى طبقاته: كان من فقهاء أصحاب الشافعى وله مناظرات مع المزنى وتزوج بابنة الشافعى فأولدها أحمد ابن بنت الشافعى.
ترجمة شيخ الاسلام:
وفى جانب يمين الداخل مكان دفن فيه الشيخ أبو الحسن تاج العارفين البكرى شيخ الإسلام الفقيه المفسر المحدث الصوفى كان عظيم الشأن واضح البرهان أخذ العلوم عن جمع من الأعيان منهم شيخ الإسلام زكريا وبرهان الدين بن أبى شريف ودرس بالجامع الأزهر فى التفسير والتصوف. وله تصانيف كثيرة منها: تفاسير ثلاثة أصغر وأوسط وأكبر، وشروح على المنهاج ثلاثة كذلك، وشروح على الإرشاد ثلاثة كذلك، وعدة متون فى الفقه، وعدة رسائل فى التصوف وغير ذلك. توفى سنة نيف وعشرين وتسعمائة ذكره المناوى فى الطبقات.
قال النابلسى: ودفن فى ذلك المكان القاضى (زكريا الأنصارى الشافعى رحمه الله ولد سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة، ثم تحول إلى القاهرة سنة إحدى وأربعين فانقطع
فى الأزهر وحفظ فيه: المنهاج والألفية والشاطبية والرائية. وكان يجوع فيخرج ليلا فيجمع قشر البطيخ ويأكله فسخر الله له رجلا طحانا فصار يتعهده بالطعام والكسوة سنين، وكان يميل إلى الصوفية ويذب عنهم سيما ابن عربى وابن الفارض، وهو ممن كتب فى نصرتهما وجزم بولايتهما، وذلك لأنه لما استفتى السلطان - فى كائنة البقاعى
(1)
- العلماء أفتى أكثرهم بتصويبه/فى تكفيرهما؛ فتوقف شيخ الإسلام زكريا ثم اجتمع بالشيخ محمد الإسلامبولى المجذوب؛ فقال له: اكتب وانصر القوم واذكر فى الجواب: أنه لا يجوز لمن لم يعرف مصطلحهم ذوقا أن يتكلم فيهم وقد عمى آخر عمره.
ومن كلامه:
«إياكم والطعن فى أشياخ زمنكم ولوذوا بهم فى الدنيا ليأخذوا بيدكم فى الآخرة» .
مات رحمه الله تعالى سنة ست وعشرين وتسعمائة عن مائة سنة وثلاث سنين كذا فى الطبقات، وقد ترجمناه فى الكلام على بلده سنيكة.
قال النابلسى: ودفن فى ذلك المكان أيضا (شيبان الراعى) وكان من رؤساء الزهاد وأكابر العارفين. قال الغزالى فى الإحياء: كان الشافعى رضي الله عنه يجلس بين يديه كما يقعد الصبى فى المكتب ويسأله: كيف يفعل فى كذا وكذا. فيقال له: مثلك يسأل هذا البدوى. فيقول: إنه وفق لما علمناه وله أحوال ساميات. وكتب له أبو علىّ بن سينا:
الحكمة صناعة نظرية يستفيد منها الإنسان تحصيل ما عليه الوجود بأسره فى نفسه، وما عليه الواجب فيما ينبغى أن يكتسبه بعلمه وتشرف بذلك نفسه، ويستكمل ويصير عالما معقولا مضاهيا للعالم الموجود ويستعد للسعادة القصوى فى الآخرة، وذلك بحسب الطاقة الإنسانية. والعقل له مراتب وأسماء بحسب تلك المراتب؛ فالأول هو الذى استعد به الإنسان لقبول العلوم النظرية والصنائع الفكرية، وحدّه غريزة يتهيأ بها لإدراك العلوم النظرية، ثم يترقى فى معرفة المستحيل والممكن والواجب ثم ينتهى إلى حد يقمع الشهوات البهيمية واللذات الحسية فتتجلى له صور الملائكة إذا تحلى بحليتها فيعاين الحقائق الدائمة ويعلم بذاته وموضوعه ولماذا خلق؛ فأجابه بما نصه من الأبله الأمىّ إلى الحبر أبى علىّ بن سينا:
وصل كتابك مشتملا على ماهية العقل وحقيقته وقد ألفيته وافيا بمقصودك لا بمقصودى،
(1)
وورد فى ترجمة البقاعى أنه قال: قول أبى حامد الغزالى: «ليس فى الإمكان أبدع مما كان» كلام أهل الوحدة من الفلاسفة والإسلاميين القائلين بأن الله هو الوجود. الخ راجع (الضوء اللامع لأهل القرن التاسع للسخاوى 107:1 ط مكتبة القدسى - القاهرة سنة 1353). ولقد شرح الإمام مبنى قوله: «ليس فى الإمكان» الخ فى (كتاب الإملاء فى إشكالات الإحياء صفحة 49 آخر كتابه إحياء علوم الدين - ط لجنة نشر الثقافة الإسلامية - القاهرة سنة 1356 هـ).
ولست ممن قنع عن الدر بالصدف، واقتنى علوما لم يؤمر بها فاستغرقت فيها همته حتى زلّت به قدم الغرور فى مهواة من التّلف، وكل ما تذروه رياح الموت فالهمة تقتضى تركه والسلام.
ومن كلامه رضى الله تعالى عنه: حقيقة المحبة أرق بلارقاد، وجسم بلا فؤاد، وتهتك فى العباد وتشرد فى البلاد.
مات رحمه الله تعالى بمصر ودفن بالقرافة بقرب الشافعى رضي الله عنه فى التربة التى بها المزنى وبينه وبين المزنى قبر الخياط كان من أكابر الصالحين. كذا ذكره المناوى فى طبقاته، ودفن فى ذلك المكان أيضا الشيخ مرجان الحسنى وغيره.
وفى داخل قبة الشافعى رضي الله عنه قبور أولاد عبد الحكم أصحاب هذا المكان الذى دفن فيه الشافعى وقبر السلطان عثمان وأمه شمسة.
قال النابلسى
(1)
أيضا: ثم جلسنا بعد الزيارة حصة عند الناظر الشيخ محمد الكلبى من ذرية دحية الكلبىّ الصحابى المشهور، وهو رجل من الصالحين له النظر والخدمة فى مزار الإمام الشافعى رضي الله عنه، ثم خرجنا فزرنا بحذاء شباك القبة من الخارج قبر البازى من أئمة الشافعية مع قبور أخر، ثم دخلنا إلى مقامات السادات البكرية بالجانب الغربى من قبة الإمام فوجدنا هناك مكانا عظيما واسع الجوانب يحوى هيبة وشرفا، وهو مسقوف بالسقف اللطيفة ومفروش بالبسط الفاخرة المنيفة فزرنا قبر الشيخ محمد البكرى الكبير الملقب بأبيض الوجه صاحب المعارف الإلهية والحقائق الربانية والقدر الخطير.
وله الديوان المشهور والرسائل المفيدة والكلام الذى كله نور، وعلى قبره الثوب الأخضر والهيبة والجلال.
ترجمة الشيخ محمد البكرى:
قال المناوى فى الطبقات: فيمن مات بالتسعمائة محمد البكرى شيخ الإسلام علم الحرمين ومصر والشام، أخذ علوم الشرع والتصوف عن أبيه شيخ الإسلام أبى الحسن، وتفقه على جماعة أيضا منهم الشهاب عميرة البرلسى، ورزق من القبول والحظ التام عند الخاص والعام ما لا تضبطه الأقلام.
وكان فصيح اللسان ذكى العصر والزمان يلقى دروسا فى التفسير محررة موشحة بمناقشات كبار المفسرين كالزمخشرى وأضرابه، ويأتى فى ذلك بما تقربه العيون
(1)
راجع (الحقيقة والمجاز فى الرحلة إلى بلاد الشام ومصر للنابلسى ص 32 «ط» الهيئة).
وتنشرح له الصدور، وقرر مرة صحيح البخارى فأتى فى تقريره بما يدهش الناظر ويحير الخاطر، واختص فى زمنه بإلقاء دروس التصوف الحافلة البديعة، ولم أر أحدا من علماء عصره كهو فى صفاته وخلو مجلسه من اللغط واللغو والغيبة؛ فكان مجلسه لا يذكر فيه شئ من ذلك البته، بل كله فوائد علمية: إما تفسير بعض آيات قرآنية أو أحاديث نبوية، وسمعته يقول: هذا القص الواقع فى وعاظ زماننا يستحقون عليه القص، وكان عظيم الاعتقاد فى المجاذيب يحبهم ويحبونه ويألفهم ويألفونه رحمه الله.
ووجدنا بالقرب منه فى جهة رأسه قبر ولده الشيخ أبى المواهب، وقبر ولده أيضا الشيخ أبى السرور وعن يساره قبر ولده الآخر الشيخ تاج العارفين، وتحت رجليه قبر ولده الآخر أيضا الشيخ زين العابدين وبالقرب منه أيضا قبور أولاد الشيخ زين العابدين المذكور، وقبر الشيخ أحمد وقبر الشيخ عبد الرحمن وقبر الشيخ/محمد والد حبيبنا وعزيزنا الشيخ زين العابدين وأخيه الشيخ أبى المواهب، وقبر الشيخ محمد هذا بجانب الشباك الكبير المطل على توبة القرافة بالقرب من شباك قبة الإمام الشافعى رضي الله عنه ولكنه غربى وشباك القبة شمالى.
وللشيخ محمد هذا أخ رابع وهو الشيخ عبد الله ابن الشيخ زين العابدين، ولكنه فى خارج هذه المقامات انتهى باختصار من رحلة النابلسى.
وفى خلاصة الأثر: أنه مع شيخ الإسلام - بجامع الإمام الشافعى رضي الله عنه من ذريته زين العابدين بن محيى الدين بن ولى الدين بن جمال الدين يوسف بن زكريا أبى يحيى بن محمد الأنصارى السنيكى الشافعى.
كان أحد عباد الله الصالحين المخصوصين بالأخلاق المرضية والشمائل البهية، ولد بمصر سنة إحدى وألف وبها نشأ وحفظ القرآن وجوده واعتنى به قراءة وكتابة وفهما ورسما، واشتغل فى عنفوان شبابه بالطلب وأخذ عن والده وأكابر شيوخ عصره وشارك الشبراملسى ثم لازمه ملازمة الجفن للعين حتى تخرج عليه، وكان الشبراملسى يحبه لكونه خدنة وصديقه، وله مؤلفات منها: حاشية على شرح الجزرية لجده شيخ الإسلام زكريا فى نحو عشرين كراسا، وشرحا على رسالة جده المسماة بالفتوحات الإلهية سماه المنح الربانية.
وكانت وفاته سنة ثمان وستين وألف بمصر ودفن على أبيه وجده بالقرب من تربة الإمام الشافعى رضي الله عنه وكذا دفن معه ابنه شرف الدين بن زين العابدين بن محيى الدين الشافعى.
كان صدرا من صدور زمانه معظما عند العلماء مقبول الشفاعة متقشفا ورعا دينا.
وله مؤلفات عديدة منها: الطبقات ذكر فيها شيوخه وعلماء عصره، وكان له اعتناء بالأسانيد ومعرفة موالد الشيوخ ووفياتهم، وأقعد فى آخر عمره وانقطع فى بيته، واجتمع عنده كتب جده شيخ الإسلام ومن بعده من أسلافه على كثرتها وأضاف إليها مثلها شراء واستكتابا. وكان حريصا على خطوط العلماء ضنينا بها ولما مات تفرقت كتبه شذر مذر، وكانت تباع بالزنبيل بعد أن كان يشح بورقة منها.
وبالجملة فكان من العلماء النزهين، وكانت ولادته سنة ثلاثين وألف تقريبا، وتوفى سنة اثنتين وتسعين وألف ودفن عند قبر جده القاضى زكريا انتهى.
ثم ان من حوادث جامع الإمام الشافعى رضي الله عنه ما فى تاريخ ابن إياس من حوادث سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة: أن بعض عساكر العثمانية هجمت على مقام الإمام الشافعى رضي الله عنه، ونهبوا ما فيه من البسط والقناديل واحتجوا بتفتيشهم على الجراكسة، وكذلك فعلوا بمقام الإمام الليث رضي الله عنه انتهى.
وهو الآن فى غاية العمارية وإقامة الشعائر ويفرش بالبسط النفيسة، ولا تزال الزوار والوراد مزدحمين هناك خصوصا فى يوم الجمعة وليلة السبت التى هى ليلة حضرته؛ فيجتمع هناك من أول وقت العصر طائفة القراء يبتدئون فى القرآن فيقرءون بغاية الترتيل وشيخ القراء حاضر مستمع فإن فتر هو استمع غيره، وهو الذى يبتدئ القراءة ولا يزالون يتناوبون القراءة حزبا أو جزءا أو نحو ذلك حتى الصبح فيختمون ويقرءون توسلات وأدعية حتى تطلع الشمس، ولهم مرتبات من النقود شهريا ومن الخبز كل ليلة حضرة وهم نحو المائة غير الخدمة الملازمين، ويعمل للإمام كل سنة مولد حافل من أول شعبان إلى نصفه يوقد فى الليلتين الأخيرتين هناك شموع وقناديل كثيرة، ويمتلئ الجامع بمجالس القرآن وسحارات الفول النابت والخبز والقهوة فيقرءون ويأكلون ويشربون أكثر من يوم وليلة غير العزومات التى تكون فى بيوت أهل خطته.
جامع السلطان شاه
هذا الجامع بباب الخرق عن يمين الذاهب إلى باب اللوق على الشارع بقرب سراى الخديوى الأعظم التى بعابدين، وكان قد تهدم وبقى متخربا مدة وكان ناظره محمد أفندى الجريدلى، وكان له منبر من خشب العود جيد الصنعة فباعه ناظره محمد أفندى الجريدلى لسياح من الإفرنج بمبلغ خمسة وعشرين ألف قرش ديوانية ونقله السياح إلى بلاده؛ فلما
اطلع خديوى مصر على ذلك حكم على هذا الناظر والنجار الذى خلعه بالنفى إلى البحر الأبيض فمات الناظر هناك، ثم أمر الخديوى بتجديد الجامع فاستجد سنة ألف ومائتين وتسع وثمانين وأقيمت شعائره.
ومطهرته بمرافقها فى الجانب الآخر من الشارع وقد جعلت لها مجراة بماسورة تحت الأرض تجلب لها الماء من مجراة الوابور الجالب لماء النيل إلى القاهرة، وكانت له ساقية ارتدمت قبل ذلك وبقيت على حالها وبداخله ضريح منشئه عليه مقصورة من الخشب.
جامع سيدى شاهين الخلوتى
هذا المسجد بسفح المقطم مرتفع الأرضية يصعد عليه بمزلقان ومنقوش على بابه فى الحجر: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} {(إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)} الآية
(1)
. أنشأ هذا الجامع ووقفه العبد الفقير إلى الله تعالى جمال الدين عبد الله نجل العارف بالله تعالى الشيخ جاهين الخلوتى افتتاح سنة خمس وأربعين وتسعمائة، /انتهى.
وبه أربعة أعمدة من الحجر وقبلته مشغولة بقطع من الرخام الملون والصدف يكتنفها عمودان من الرخام ومنبر خشب ودكة قائمة على عمود من الرخام.
ترجمة الخلوتى:
والخلوتى هذا هو الشيخ شاهين المحمدى المترجم فى طبقات الشعرانى بأنه أحد أصحاب سيدى عمر الروشنى بناحية توريز العجم. كان من جند السلطان قايتباى ومقربا عنده فسأله أن يخليه لعبادة ربه ففعل وأعتقه، فساح إلى بلاد العجم وأخذ عن شيخه المذكور ثم رجع إلى مصر، فسكن الجبل المقطم وبنى فيه معبدا وحفر له فيه قبرا ولم يزل مقيما به لا ينزل إلى مصر نحو ثلاثين سنة.
وكان له الشهرة العظيمة بالصلاح فى دولة بنى عثمان وتردد الأمراء والوزراء لزيارته ولم يكن ذلك فى مصر لأحد فى زمنه، وكان كثير المكاشفات قليل الكلام جدا تجلس عنده اليوم كاملا لا تكاد تسمع منه كلمة، وكان كثير السهر متقشفا فى اللبس معتزلا عن الناس إلى أن توفاه الله تعالى سنة نيف وتسعمائة رضى الله عنة انتهى.
(1)
سورة التوبة: 18.
وهناك بداخله تربتان إحداهما تربة من الرخام مكتوب بدائرها آية الكرسى، وبأسفل المسجد جملة من خلاوى الصوفية، وله ميضأة ومرافق وبه صهريج صغير وهو الآن غير مقام الشعائر.
وقال النابلسى فى رحلته: وسرنا إلى أن دخلنا جامع الشيخ شاهين الدمرداشىّ نسبة إلى الشيخ دمرداش المحمدى لأنه كان رفيقه واشتهر به، وقد أخذ الشيخ شاهين المذكور عن الشيخ أحمد بن عقبة اليمنى وحسين جلبى المدفون بزاوية الشيخ دمرداش وعن الشيخ عمر الروشنى واشتهر بالصلاح، وكان كثير المكاشفة للناس وكان يغتسل لكل صلاة.
مات سنة أربع وخمسين وتسعمائة ودفن فى زاويته بسفح الجبل، وبنى السلطان عليه قبة ووقف عليه أوقافا، كذا ذكره المناوى فى طبقاته.
ثم قال النابلسى: فدخلنا مزاره ورأينا مقامه فى ذلك الجامع يطل على مزارات القرافة المباركة، وفيه منبر ومحراب لإقامة صلاة الجمعة. وهناك ثلاثة قبور:
القبر الكبير قبر الشيخ شاهين وبجانبه قبر ولده الشيخ جمال الدين، ثم قبر ولد ولده الشيخ محمد شاهين. فوقفنا هناك وقرأنا الفاتحة ودعونا الله تعالى انتهى باختصار.
جامع الشرايبى
هذا الجامع بشارع بركة الأزبكية بالقرب من الرويعى.
أنشأه الشرايبى سنة خمس وأربعين ومائة وألف، وهو قائم على ستة أعمدة من الرخام، وله ساقية تملأ منها حنفيته وميضأته ومرافقه، وفيه ضريح الشيخ على البكرى فلذا عرف بجامع البكرى، وشعائره مقامة من طرف الأوقاف، وفوق مطهرته ومرافقه ربع موقوف عليه انتهى.
ترجمة الشرايبى:
وفى الجبرتى: أن الشرايبى هذا هو الأجلّ الأمثل الخواجا الحاج قاسم بن الخواجا المرحوم الحاج محمد الداده الشرايبى من بيت المجد والسيادة والإمارة والتجارة.
وسبب موته: أنه نزلت بأنثييه نازلة فأشاروا عليه بفصدها وأحضروا له حجّاما ففصده فيها بمنزله الذى خلف جامع الغورى، ثم ركب إلى منزله الذى بالأزبكية فبات تلك الليلة وحضر له المزين فى ثانى يوم ليغير له الفتيلة فوجد الفصد لم يصادف المحل
فضربه بالريشة ثانيا فأصابت فرخ الأنثيين ونزل منه دم كثير؛ فقال له: قتلتنى انج بنفسك. وتوفى من ليلته وهى ليلة السبت ثانى عشر ربيع الآخر سنة سبع وأربعين ومائة وألف؛ فقبضوا على ذلك المزين وأحضروه إلى أخيه السيد أحمد فأمرهم بإطلاقه فأطلقوه، وجهزوا المتوفى وخرجوا بجنازته من بيتهم بالأزبكية فى مشهد عظيم حضره العلماء وأرباب السجاجيد والصناجق والأغاوات والاختيارية والكواخى حتى أن عثمان كتخدا القاز دغلى لم يزل ماشيا أمام نعشه من البيت إلى المدفن بالمجاورين. وفيه أيضا: أن الشيخ البكرى صاحب الضريح هو المجذوب المعتقد السيد على البكرى أقام سنين متجردا ويمشى فى الأسواق عريانا ويخلط فى كلامه وبيده نبوت طويل يصحبه فى غالب أوقاته، وكان يحلق لحيته وللناس فيه اعتقاد عظيم وينصتون إلى تخليطاته ويوجهون ألفاظه ويؤوّلونها على حسب أغراضهم ومقتضيات أحوالهم ووقائعهم. وكان له أخ من مساتير الناس فحجر عليه ومنعه من الخروج وألبسه ثيابا ورغب الناس فى زيارته وذكر مكاشفاته وخوارق كراماته؛ فأقبل الناس عليه من كل ناحية وترددوا لزيارته من كل جهة وأتوا إليه بالهدايا والنذور وجروا على عوائدهم فى التقليد وازدحم عليه الخلائق خصوصا النساء؛ فراج بذلك أمر أخيه واتسعت دنياه ومنعه من حلق لحيته فنبتت وعظمت وسمن بدنه وعظم جسمه من كثرة الأكل والراحة وقد كان قبل ذلك عريانا شقيانا يبيت غالب لياليه بالجوع طاويا بالأزقة فى الشتاء والصيف، وقيد به من يخدمه ويراعيه فى منامه ويقظته وقضاء حاجته، ولا يزال يحدث نفسه ويخلط فى ألفاظه وكلامه وتارة يضحك وتارة يشتم ولا بد من مصادفة بعض الألفاظ لما فى نفس بعض الزائرين وذوى الحاجات؛ فيعدون ذلك كشفا واطلاعا على ما فى نفوسهم وخطرات قلوبهم/ويحتمل أن يكون كذلك فإنه كان من البله المجاذيب المستغرقين فى شهود حالهم. وسبب نسبتهم هذه أنهم كانوا يسكنون بسويقة البكرى لا أنهم من البكرية، ولم يزل هذا حاله حتى توفى فى سنة سبع ومائتين وألف واجتمع الناس لمشهده من كل ناحية ودفنوه فى قطعة من هذا المسجد، وعملوا على قبره مقصورة ومقاما يقصد للزيارة واجتمعوا عند مدفنه فى ليال مخصوصة بالقراء والمنشدين، وازدحم عنده أصناف الخلائق واختلط الرجال بالنساء وصارت هذه العادة مولدا مستمرا يعمل كل سنة إلى الآن، انتهى.
جامع القاضى شرف الدين
هو بخط الحمزاوى بحارة السبع قاعات. بناه جركسى وبه إيوانان ومنبر صغير وصحنه مفروش بالرخام وبه صهريج، وله أوقاف تقام شعائره من ريعها باسم بانيه القاضى شرف الدين الصغير، وأوقاف باسم ابنه محمد شمس الدين وباسم أخيه عبد الجواد الفخرى من عقارات بمصر المحروسة، وأطيان بضواحيها وبالجيزية بحجة مؤرخة بسنة ستة عشر ومائة وألف، وفيها أنه يصرف من ذلك على هذا الجامع وعلى مدفنه بزاوية عبد الجواد الفخرى بقرب الإمام الشافعى رضي الله عنه.
وفى ورقة أخرى: أن القاضى نور الدين عليا الصغير الشهير بأنه كاتب غريب يستحق التكلم على ريع الوقف المذكور لكونه ابن بنت الشهاب أحمد ابن المرحوم شرف الدين الصغير الواقف المشار إليه، وذلك فى شهر المحرم سنة خمس وسبعين وألف.
جامع شريف باشا
هذا الجامع بجوار منزل الأمير شريف باشا الكبير، كان متهدما فجدده ذلك الأمير سنة سبع وسبعين ومائتين وألف، فعرف به بعد أن كان يعرف بجامع أبى الشوارب باسم منشئه رضوان بيك أبى الشوارب، وهو مقام الشعائر وبناؤه من الحجر، وبأعلى محرابه لوح رخام مكتوب عليه: بسم الله الرحمن الرحيم {(فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَ هُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ)}
(1)
، صدق الله العظيم. مع تاريخ التجديد، وبأعلى بابه لوح من الرخام مكتوب عليه أبيات وتاريخ التجديد أيضا، وبه حنفية من الرخام، وله ميضأة ومرافق ومئذنة مرتفعة وبه صهريج مهجور الآن.
جامع شجرة الدر
هو بخط الخليفة بقرب مشهد السيدة سكينة بينه وبين مشهد السيدة نفيسة على الشارع عن شمال الخارج من جهة السيدة سكينة إليها، ويعرف أيضا بجامع الخليفة باسم صاحب ضريح يقال له محمد بيك الخليفة الذى عرفت الخطة به، وكان قد تخرب فجدده ناظره السيد سليمان عيسى من ريع أوقافه وأقيمت شعائره، وذلك فى سنة تسعين ومائتين
(1)
سورة آل عمران: 39.
وألف، وهو يشتمل على أعمدة من الرخام ومنبر من الخشب وله مطهرة وأخلية ومنارة وشعائره مقامة، وفيه قبة بها ضريحان: أحدهما لمحمد الخليفة، والآخر لشجرة الدر منقوش على بابها:
هذا ضريح بالخليفة قد زها
…
وتزخرفت أوصافه للناس
حسنت عمارته وقالت: أرخوا
…
يهنيكم فخرا بنى العباس
135 881 62 164 - سنة 1242
يعنى سنة ألف ومائتين واثنتين وأربعين.
وبالقبة محراب منقوش عليه آية الكرسى وبدائرها إزاران من الخشب منقوش فى أحدهما اسم شجرة الدر والدة الملك المنصور خليل ابن الصالح بن المظفر ابن الملك الكامل بن محمد بن بكر بن أيوب، وبأسفل المنارة لوح مصنوع من الجبس مكتوب فيه تاريخ سنة تسع وخمسمائة، وخارج الجامع مصطبة يصلى عندها على أموات المسلمين الذين يمر بهم من هذا الشارع.
ترجمة شجرة الدر:
وشجرة الدر: هى الملكة عصمة الدين أم خليل شجرة الدر سرية السلطان الملك الصالح نجم الدين أبى الفتوح أيوب وأم ولده السلطان خليل.
ومن أمرها أنها لما مات الملك الصالح نجم الدين أيوب بناحية المنصورة فى قتال الفرنج قامت بالأمر وكتمت موته واستدعت ابنه توران شاه من حصن كيفا، وسلمت إليه مقاليد الأمور وتسلطن بقلعة دمشق فى رمضان سنة سبع وأربعين وستمائة، وقدم إلى الصالحية وأعلن يومئذ بموت الصالح ولم يكن أحد قبل ذلك يتفوه بموته، بل كانت الأمور على حالها والخدمة تعمل بالدهليز والسماط يمد وشجرة الدر تدبر أمور الدولة، وتوهم الكافة أن السلطان مريض ما لأحد إليه وصول، ثم أساء السلطان توران شاه تدبير نفسه فقتله البحرية بعد سبعين يوما من ولايته وبموته انقضت دولة بنى أيوب من مصر، ثم أجمع المماليك البحرية على أن يقيموا بعده فى السلطنة سرية أستاذهم شجرة الدر فأقاموها وحلفوا لها فى عاشر صفر ورتبوا عز الدين أيبك التركمانى مقدم العسكر فسار إلى قلعة الجبل وأنهى ذلك إلى شجرة الدر؛ فقامت بتدبير المملكة وعلّمت على التواقيع بما مثاله والدة خليل ونقش على السكة اسمها ومثاله المستعصمة الصالحية ملكة المسلمين والدة المنصور خليل خليفة أمير المؤمنين وخلعت على المماليك البحرية وأنفقت
فيهم الأموال، ولم يوافق أهل الشأم على سلطنتها وطلبوا الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب حلب فسار إلى دمشق وملكها؛ فانزعج العسكر بالقاهرة وتزوج الأمير عز الدين أيبك التركمانى بشجرة الدر ونزلت له عن السلطنة وكانت مدتها ثمانين يوما، انتهى.
مطلب تولية شجرة الدر السلطنة:
وفى تاريخ الإسحاقى: أن شجرة الدر تولت السلطنة ثلاثة شهور وكانت آخر الدولة الأيوبية، وخلعت نفسها لزوجها المعز أيبك التركمانى فأقام فى المملكة إلى أن قتل.
وسبب قتله: أنه لما تزوجها وسلمت إليه الأمر خطب عليها بنت بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل؛ فبلغها ذلك وأخذها ما يأخذ النساء من الغيرة فتغيرت عليه وتغير عليها وكرهها لأنها كانت تمنّ عليه بأنها ملكته مصر وسلمت إليه الخزائن والأموال، وكانت تتصرف فى مملكته وتأمر وتنهى ومنعته من الاجتماع بزوجته أم ولده نور الدين حتى ألزمته بطلاقها، ولما تمكن الغيظ منه نزل إلى قناطر اللوق وأقام بها أياما؛ فبعثت إليه من حلف عليه وتلطف به وسكن غيظه فطلع إلى القلعة وكانت قد أعدت له من يقتله؛ فلما صعد إليها ودخل الحمام ليلا دخلت عليه ومعها خمسة خدام فأخذ بعضهم بأنثييه وبعضهم بخناقه فاستغاث بها، فقالت لهم: اتركوه. فقالوا: متى تركناه لا يبقى علينا ولا عليك، ثم قتلوه.
فتملك بعده ولده نور الدين المنصور فقبض على شجرة الدر ودخل بها على أمه فقتلها الجوارى بالقباقيب ورماها فى الخندق وهى عريانة على باب القلعة، وبعد أيام دفنت فى التربة التى كانت قد أعدتها لنفسها، فالدهر قد جازاها من جنس العمل لأنها سعت فى قتل الملك المعظم فقتل غريقا حريقا، وترك ثلاثة أيام على شاطئ البحر.
قال الشاعر:
من يحتفر حفرة يوما يصير لها
…
فإن حفرت فوسع حين تحتفر
وسبب قتل الملك المعظم توران شاه ابن الملك الصالح: أنه بعد أن تولى الملك أخذ يهدد زوجة أبيه شجرة الدر ويطالبها بمال أبيه فخافت وكاتبت مماليك الملك الصالح وأخذت تحرضهم عليه؛ وكان الملك المعظم فيه هوج وخفة وميل إلى العكوف بملاذه فنفرت منه النفوس وأخذ فى إبعاد مماليك أبيه، وكان إذا سكر أوقد الشموع وضرب رؤوسها بالسيف وقال: هكذا أفعل بالمماليك البحرية. فاتفقوا على قتله فدخلوا عليه وفى أيديهم
السيوف مجردة فهرب إلى برج خشب كان على شاطئ النيل فأدركوه وضربوه بالسيوف فدخل البرج وأغلق بابه فأطلقوا النار فى البرج وهو يقول: ما أريد ملككم دعونى أرجع إلى الحصن يا مسلمين. فلم يجبه أحد وقطعوه بالسيوف فمات غريقا حريقا ثم تولت المملكة بعده، انتهى.
وفى بدائع الزهور: أنه لما وقع الاتفاق على سلطنة شجرة الدر بايعها القاضى تاج الدين ابن بنت الأعز بالسلطنة على كره منه.
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: لما تولت شجرة الدر للسلطنة عملت مقامة وذكرت فيها: بماذا ابتلى الله الناس بولاية امرأة عليهم. وعند ولايتها ألبسوها خلعة السلطنة وهى قندورة محمل مرقومة بالذهب، وقبّل لها الأمراء الأرض من وراء حجاب، ثم أنعمت بالوظائف السنية على الأمراء وفرقت الأقاطيع الثقال على المماليك، وأغدقت بالأموال والخيول وساست الرعية وخطب باسمها على المنابر بمصر وأعمالها، ويقولون بعد الدعاء للخليفة: واحفظ اللهم الجهة الصالحية ملكة المسلمين عصمة الدنيا والدين أم خليل، وإلى شجرة الدر تنسب نوبة خاتون التى تدور فى القلعة بعد العشاء، ولما بلغ المعتصم بالله وهو ببغداد أن أهل مصر سلطنوا امرأة أرسل يقول: إن لم يكن عندكم رجال تصلح للسلطنة فنحن نرسل من يصلح لها أما سمعتم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»
(1)
.
وقد قيل:
النسا ناقصات عقل ودين
…
ما رأينا لهن عقلا سنيا
ولأجل الكمال لم يجعل الل
…
هـ تعالى من النساء نبيا
فلما بلغها ذلك وبلغ الأمراء والقضاة خلعت نفسها من السلطنة وتزوجت بالأمير أيبك التركمانى وكانت تمن عليه وتقول: لولا أنا ما وصلت إلى السلطنة.
وكانت تركية الجنس شديدة الغيرة فبلغها أن الملك أيبك يخطب بنت صاحب الموصل؛ فصار بينهما وحشة من كل وجه وأضمرت له السوء، ولما طلع إليها لاقته وقبلت يده من غير عادة فظن أن ذلك على وجه الرضا فكان كما قيل:
(1)
رواه أحمد فى مسنده والبخارى والترمذى والنسائى عن أبى بكرة. راجع (الجامع الصغير فى أحاديث البشير النذير للسيوطى).
ألقى العدو بوجه لا قطوب به
…
يكاد يقطر من ماء البشاشات
فأدرب الناس من يلقى أعاديه
…
فى جسم حقد وثوب من مودات
وكان بينهما ما كان.
ولما قتلت شجرة الدر سحبوها من رجليها ورموها فى الخندق وهى عريانة ليس فى وسطها غير اللباس واستمرت مرمية ثلاثة أيام، وقيل: أن بعض الحرافيش نزل إليها تحت الليل وقطع تكة لباسها وكان فيه أكرة لؤلؤ ونافجة مسك، فسبحان من يعز ويذل.
وقد قيل فى المعنى:
لقد هزلت حتى بدا من هزالها
…
كلاها وحتى سامها كل مفلس
ثم حملت إلى المدرسة بجوار بيت الخليفة ودفنت بها، وأوصلها من جوارى الملك الصالح فحظيت عنده وولدت خليلا ثم أعتقها وتزوجها، وكانت معه فى البلاد الشامية وكانت ذات عقل وحزم كاتبة قارئة، وكان لها برو معروف وأوقاف ونالت من الدنيا ما لم تنله امرأة انتهى.
جامع الشعرانى
هذا الجامع بباب الشعرية فوق الخليج الحاكمى عن يمين السالك إلى شارع الموسكى ذو إيوانين، وبه عمد من الرخام عليها سقف من الخشب النقى وبه منبر جليل ودكة ومطهرة وأخلية ومنارة، وهو تام المنافع مفروش بحصر السمار والبسط وشعائره مقامة إلى الغاية، وبداخله ضريح سيدى عبد الوهاب الشعرانى عن يمين القبلة عليه مقصورة من الخشب الأبنوس المنزل بالصدف فوقها قبة شامخة. والذى أنشأ هذا الجامع على ما هو عليه الآن هو القاضى عبد القادر الأرزيكى نسبة إلى خدمة الأمير أرزيك الناشف أحد أمراء الجراكسة اشترى قطعة أرض مكملة الجدار على الخليج الحاكمى تجاه درب الكافورى وعمره أول أمره مدرسة على الصفة التى هو بها، وجعل بها مدفنا لم يرد الله أن يدفن فيه ونقل إليها الشيخ عبد الوهاب الشعرانى، ووقف عليه حصص الطين المتفرقة التى كان يخشى عليها عند انتباه السلطنة للفحص عنها. فكانت وقفا على الشيخ وذريته ونفعا لجميع القاطنين عنده بالمدرسة رجالا ونساء وكان ذلك قدرا حافلا. وكتب مكاتيب الوقف بمضمون ما شرطه وهرع الناس من كل أوب إلى هذه المدرسة وانقطعوا عند الشيخ - وقد ذكرنا سبب بنائها والوقف عليها وترجمة الشيخ الشعرانى فى الكلام
على ناحية قلقشندة التى هى موضع ولادته فراجع ذلك - وعلى مقامه جلالة وهيبة ويقصده الناس بالزيارة كل وقت ليلا ونهارا خصوصا فى ليلة المقرأة وهى ليلة السبت من كل أسبوع؛ فيجتمع الناس هناك بكثرة لا سيما النساء يجتمعن هناك من بعد صلاة الجمعة ويأتين بالنذور والعوائد فتفرق على خدمته بمعرفة ناظر وقفه وهو أحد ذرية الشيخ رضي الله عنه بمقتضى شرط وقفيته.
جامع شهاب الدين
هو بسوق الزلط على يمنة المار على جامع الزاهد إلى باب البحر شعائره مقامة بنظر عمر خلف الصباغ. وقد قال لى بعض من يوثق به: أنه مشهور بدرهم ونصف وأنه مذكور فى المقريزى كذلك ولم أقف عليه فى المقريزى فى الجوامع ولا فى المدارس.
وفى ابن إياس: أن فى تلك الجهة مدرسة للست خديجة بنت درهم ونصف إذ قال:
إن فى يوم الجمعة من سنة ست وعشرين وتسعمائة خطب فى مدرسة الست خديجة بنت درهم ونصف التى بالقرب من جامع التركمانى عند طاحون السدر وكان يوما مشهودا.
وأصل هذه المدرسة قاعة أنشأها الدرهم ونصف، ثم بدا لإبنته خديجة أن تجعلها مدرسة فأنشأت بها المحراب وجعلت بها منبرأ ومئذنة وجعلت فيها خلاوى للصوفية، ثم أوقفت عليها جميع جهاتها المخلفة عن والدها فجاءت من محاسن الزمان اه.
جامع شيخو
هذا اسم جامعين بشارع الصليبة متقابلين على سمت حسن كلاهما من إنشاء الأمير شيخو.
وذكرهما المقريزى فى خططه: أحدهما باسم جامع شيخو والآخر باسم خانقاه شيخو لأنه جعل الأول لخصوص الصلاة ونحوها. والثانى جعل فيه صوفية وبنى لهم مساكن كما سترى؛ فقال المقريزى: هذا الجامع بسويقة منعم فيما بين الصليبة والرميلة تحت قلعة الجبل.
أنشأه الأمير الكبير سيف الدين شيخو الناصرى رأس نوبة الأمراء فى سنة ست وخمسين وسبعمائة ورفق بالناس فى العمل فيه وأعطاهم أجورهم وجعل فيه خطبة وعشرين صوفيا، ثم لما عمر الخانقاه تجاه الجامع نقل الصوفية إليها وزاد عدتهم وهذا الجامع من أجل جوامع ديار مصر.
وقال فى الثانى: هذه الخانقاه فى خط الصليبة خارج القاهرة تجاه جامع شيخو.
أنشأها الأمير شيخو العمرى سنة ست وخمسين وسبعمائة كان موضعها من جملة قطائع ابن طولون وكان مساكن فاشتراها شيخو وهدمها، فكانت مساحة أرضها تزيد عن فدان فاختط بها الخانقاه وحمامين وحوانيت يعلوها مساكن، ورتب بها دروسا فى المذاهب الأربعة ودرسا للحديث ودرسا لإقراء القرآن بالروايات السبع، وجعل لكل درس شيخا وطلبة وشرط عليهم حضور الدرس وحضور وظيفة التصوف، وأقام الشيخ أكمل الدين محمد بن محمود فى مشيخة الخانقاه ومدرس الحنفية وجعل إليه النظر فى أوقافها، وقرر فى تدريس الشافعية الشيخ بهاء الدين أحمد بن على السبكى، وفى تدريس المالكية الشيخ خليل وهو متجند الشكل (وهو صاحب المختصر/المشهور عند المالكية بمتن خليل)، وفى تدريس الحنابلة قاضى القضاة موفق الدين الحنبلى.
ورتب للطلبة فى اليوم الطعام واللحم والخبز وفى الشهر الحلوى والزيت والصابون.
ووقف عليها الأوقاف الجليلة فعظم قدرها واشتهر فى الأقطار ذكرها، وتخرج بها كثير من أهل العلم وأربت فى العمارة على كل وقف فى ديار مصر.
ولما حدثت المحن كان بها مبلغ كبير من المال الذى فاض عن مصروفها؛ فأخذه الملك الناصر فرج وأخذت أحوالها تتناقص حتى صار المعلوم يتأخر صرفه لأرباب الوظائف بها عدة أشهر وهى إلى اليوم على ذلك، انتهى.
ترجمة شيخو:
وقال فى ترجمة شيخو: الأمير الكبير سيف الدين شيخو أحد مماليك الناصر محمد بن قلاوون حظى عند الملك المظفر حاجى بن محمد بن قلاوون، وزادت وجاهته حتى شفع فى الأمراء وأخرجهم من سجن الاسكندرية، ثم انه استقر فى أول دولة الملك الناصر حسن أحد. أمراء المشورة، وفى آخر الأمر كانت القصص تقرأ عليه بحضرة السلطان فى أيام الخدمة وصار زمام الدولة بيده.
ثم فى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة تولى نيابة طرابلس، فلما وصل إلى دمشق أظهر مرسوم السلطان بإقامته فى نيابة دمشق على أقطاع الأمير بيلبك السالمى، وبتجهيز بيلبك إلى القاهرة، فخرج بيلبك من دمشق وأقام شيخو على أقطاعه بها، فما وصل بيلبك إلى القاهرة إلا وقد وصل إلى دمشق مرسوم بإمساك شيخو وتجهيزه إلى السلطان وتقييد مماليكه واعتقالهم بقلعة دمشق فأمسك وجهز مقيدا. فلما وصل إلى قطيا توجهوا به إلى
الاسكندرية فلم يزل معتقلا بها إلى أن خلع السلطان الملك الناصر حسن وتولى أخوه الملك الصالح صالح؛ فأفرج عن شيخو وعدة من الأمراء وذلك فى سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة.
وفى سنة خمس وخمسين صارت الأمور كلها راجعة إليه وزادت عظمته وعلا قدره ونفذت كلمته وكثرت أمواله وأملاكه ومستأجراته حتى قيل له: قارون عصره وعزيز مصره. وأنشأ خلقا كثيرا فقوى بذلك حزبه وجعل فى كل مملكة من جهته عدة أمراء، وصارت نوابه بالشام وفى كل مدينة أمراء كبار وخدموه حتى قيل: كان يدخل كل يوم ديوانه من أقطاعه وأملاكه ومستأجراته بالشام وديار مصر مبلغ وقدره مائتا ألف درهم نقرة وأكثر، وهذا شئ لم يسمع بمثله فى الدولة التركية وذلك سوى الإنعامات السلطانية والتقادم التى ترد إليه من الشام ومصر، وما كان يأخذ من البراطيل على ولاية الأعمال، وجامعه هذا وخانقاهه التى بخط الصليبة لم يعمر مثلهما قبلهما ولا عمل فى الدولة التركية مثل أوقافهما وحسن ترتيب المعاليم بهما، ولم يزل على حاله إلى أن كان يوم الخميس ثامن شعبان سنة ثمان وخمسين وسبعمائة فخرج عليه شخص من المماليك السلطانية يقال له: باى. فجاء وهو جالس بدار العدل وضربه بالسيف فى وجهه وفى يده فارتجت القلعة كلها وكثر هرج الناس حتى مات من الناس جماعة من الزحمة وركب من الأمراء الكبار عشرة - وهم بالسلاح عليهم - إلى قبة النصر خارج القاهرة، ثم أمسك باى فجاء وقرر فلم يعترف بشئ على أحد وقال: أنا قدمت إليه قصة لينقلنى من الجامكية إلى الأقطاع فما قضى شغلى فأخذت فى نفسى من ذلك. فسجن مدة ثم سمّر وطيف به الشوارع وبقى شيخو عليلا من تلك الجراحة لم يركب إلى أن مات ليلة الجمعة السادس والعشرين من ذى القعدة سنة ثمان وخمسين وسبعمائة، ودفن بالحانقاه الشيخونية وقبره بها يقرأ عنده القرآن دائما، انتهى.
وفى ابن إياس من حوادث سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة: أن السلطان طومان باى كان ينزل بجامع شيخو أيام محاربته للسلطان سليم شاه، فلما علم بذلك السلطان أرسل عساكره فانتشرت فى الصليبة وأحرقت الجامع المذكور؛ فاحترق سقف الإيوان الكبير والقبة التى كانت به وفعلوا ذلك لكونه كان ينزل به وقت الحرب وأحرقوا البيوت التى حوله فى درب ابن عزيز، ثم قبضوا على الشرفى يحيى بن العداس خطيب الجامع وأحضروه بين يدى السلطان سليم فهم بضرب عنقه، ثم تشفع فيه وخلص من القتل، انتهى
وفى تاريخ الجبرتى من حوادث سنة إحدى ومائتين وألف: أن الأمير أحمد جاويش وضع فى خزانة هذا الجامع كتبا نفيسة فى علوم شتى وجعلها وقفا فى حال حياته تحت يد الشيخ موسى الشيخونى الحنفى.
ترجمة احمد جاويش:
وهذا الأمير هو أحمد جاويش أرنؤدباش اختيار وجاق التفكجية كان من أهل الخير والصلاح عظيم اللحية منور الشيبة مبجلا عند عظماء الدولة يندفع فى نصرة الحق والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. وكان مسموع الكلمة يحترمونه لجلالته ونزاهته عن الأغراض، وكان حبه فى أهل الفضل زائدا يحضر دروس العلماء ويزورهم ويقتبس أنوار علومهم، ويذهب كثيرا إلى سوق الكتبيين ويشترى الكتب ويوقفها على طلبة العلم، واقتنى كتبا نفيسة وقفها بالجامع المذكور سمع على السيد مرتضى صحيح البخارى /ومسلم وأشياء كثيرة.
وبالجملة؛ فكان من خيار الناس توفى فى شهر شوال من سنة إحدى ومائتين وألف رحمه الله تعالى.
وفيه أيضا من حوادث سنة إحدى وثلاثين ومائتين وألف: أن الشيخ أحمد الطحطاوى الحنفى نودى لوقف الشيخو نيتين واستخلاص أماكنهما وجمع إيرادهما؛ فشرع فى تعمير هما وساعده على ذلك كل من كان يحب الإصلاح فجدد عمارة المسجد وأنشأ بها صهريجا، وفى أثناء ذلك انتقل بأهله إلى دار مليحة بجوار المسجد بالدرب المعروف بدرب الميضأة وقفها بانيها على المسجد، انتهى.
وإلى الآن هذان الجامعان من أحسن جوامع مصر باقيان على صورتهما الأصلية:
بناؤهما بالحجر الآلة ولكل منهما منارة حسنة فوق بابه مشرفة على الشارع، وللجامع القبلى بابان مكتوب على أحدهما وهو الموصل إلى مساكن الصوفية وفوقه المنارة نقشا فى الحجر:{(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ)}
(1)
وبأعلاه لوح رخام منقوش فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم {(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ)،} الآية
(2)
. وبعد ذلك مكتوب:
أمر بإنشاء هذا المكان المبارك والموطن الذى يربو العمل فيه ويبارك العبد الفقير إلى ربه جلّ وعلا وتبارك المستغرق فى بحر نواله المغترف من أفضاله الأمير شيخو العمرى،
(1)
سورة الحجر: 45 والذاريات: 15
(2)
سورة النور: 36
وكان ابتداء الشروع فيه فى شهر ربيع الأول سنة ست وخمسين وسبعمائة، والفراغ منه ومما حواه فى شهر شوال من السنة المذكورة. فتكون العمارة بأجمعها قد تمت فى ظرف سبعة أشهر ولا يبعد ذلك على أمير كان بيده جميع أمور الديار المصرية، ومن داخل هذا الباب باب آخر به لوح من خشب منقوش فيه: بسم الله الرحمن الرحيم:
{(إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ)} إلى آخر الآيات
(1)
.
وبالجامع منبر خشب جليل ومحراب جميل وأعمدة من الرخام وصحنه مفروش كله بالرخام الملون، وبوسطه ميضأة عليها قبة قائمة على ثمانية أعمدة من الرخام وبه حنفية بناؤها بالآجر والمونة، ودكة التبليغ محمولة على أربعة أعمدة من الرخام وسقفه من خشب نقى بالصنعة البلدية القديمة، ومكتوب بدائره آيات قرآنية وبزاويته الشرقية البحرية قبة من الخشب بها قبران مكتوب على شاهد أحدهما: بسم الله الرحمن الرحيم هذا قبر سيدنا ومولانا الشيخ أكمل الدين محمد بن محمود بن أحمد شيخ الحديث وشارح الهداية، تغمده الله بالرحمة والرضوان فى شهر صفر سنة ثمانين وسبعمائة من الهجرة النبوية جدده الفقير بلال أغا دار السعادة الناظر سنة خمس وتسعين وألف.
وبالقبة المذكورة كتابة فيها اسم شيخو السيفى.
ويتبع هذا الجامع: سبيل ومكتب لتعليم أولاد المسلمين، ويتبعه أيضا بجواره مساكن أرضية فوقها مساكن يسكن بالجميع جماعة من صوفية الأتراك، ولهم مرتب كاف.
وبالجامع البحرى منبر من الرخام ودكة من الحجر محمولة على أعمدة من الرخام ومنقوش بأعلاها سورة، وبه ألونة مفروشة بالحجر وسقفها بالخشب النقى محمول على أعمدة من الرخام وصحنه مفروش بالرخام وبوسطه حنفية عليها قبة قائمة على أعمدة من الرخام وله مطهرة وأخلية، وبه فى كثير من الأوقات درس بالتركى يحضره جماعة الصوفية، وبه حوض من الرخام لتسبيل الماء الحلو عليه تاريخ سنة خمسين ومائة وألف فهو مستجد وليس عليه اسم بانية، وإيرادها فى السنة عشرة آلاف قرش وتسعمائة واثنان وثمانون قرشا منها أجرة أماكن سبعة آلاف قرش وخمسة وثلاثون قرشا ديوانيه ومرتب بالروزنامجة ثلاثة آلاف قرش ومائتا قرش واثنان والباقى أحكار، يصرف
(1)
سورة الإنسان الآيات: 5 و 6 و 7 الخ.
من ذلك فى المرتبات وإقامة الشعائر كل سنة سبعة آلاف قرش وثمانمائة وأحد عشر قرشا ديوانيا والباقى يحفظ تحت بد الناظر.
وفى كتاب تحفة الأحباب للسخاوى: أن فى المدرسة الشيخونية التى تجاه الجامع مقبرة بها جماعة من الأولياء والعلماء والفقهاء منهم: الشيخ الصالح شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن محمد اليمنى المعروف بابن عرب. توفى سنة ثلاثين وثمانمائة وحمل من الخانقاه إلى مصلى الموتى تحت القلعة ونزل الأشرف برسباى وصلى عليه، وكان الإمام فى الصلاة قاضى القضاة محمود العينى الحنفى، ثم أعيد إلى الخانقاه ودفن بها ووجد له مبلغ ألفين وسبعمائة درهم فلوس.
وكان أبوه من أهل اليمن فتوجه إلى بلاد الروم ونزل بمدينة برصا وتزوج بأمه فولدت له أحمد هذا وغيره، ونشأ أحمد فى بلاد الروم وقدم إلى القاهرة شابا فنزل بهذه الخانقاه وقرأ على خير الدين خليل بن سليمان بن عبد الله، وكان فقيرا ينسخ بالأجرة ثم بعد مدة نزل من جملة صوفيتها وانقطع فى بيت بها وترك الاجتماع بالناس وأعرض عن محادثة كل أحد واقتصر على ملبس خشن حقير إلى الغاية ويقنع بيسير من القوت، وصار لا ينزل من بيته إلا ليلا لشراء قوته فإذا حاباه أحد من الباعة فيما يريده من القوت تركه وما حاباه به فترك الباعة محاباته، ثم صار لا ينزل إلا كل ثلاث ليال مرة يشترى قوته ولا يقبل من أحد شيئا. وكان يغتسل للجمعة دائما بالخانقاه ويتوجه إلى الجمعة بكرة النهار ومع محبة الناس له صانه الله منهم. فكان إذا مر إلى الجمعة أو لشراء حاجته فلا يجسر أحد على الدنو منه أقام على ذلك نحو ثلاثين سنة، وفى أثناء ذلك ترك النسخ واقتصر على الثلاثين درهما كل شهر، وكانت تمر عليه الأعوام لا يتلفظ بكلمة سوى القراءة والذكر، وفى كل شهر يحمل إليه خادم الخانقاه الثلاثين درهما فلا يأخذها إلا بالعدد عن كل درهم أربعة وعشرون فلسا كما كان الأمر قبل الحوادث، انتهى.
حرف الصاد
جامع الصائم
هذا الجامع بالحسينية على يمينه الداخل من درب عجور إلى جامع الدميرى تجاه حوش الحمص به منبر وخطبة وشعائره مقامة، وبه ضريح صالح يقال له الشيخ الصائم عليه مقصورة من الخشب.
جامع الشيخ صالح أبى حديد
هذا المسجد بخط الحنفى قريب من جامع السلطان الحنفى.
أنشأه حضرة الخديو إسماعيل باشا فى سنة ثمانين ومائتين وألف، وجعل له ستة أبواب ثلاثة على الشارع بالجهة الغربية منقوش على أحدها فى لوح رخام تاريخ سنة ثمانين ومائتين وألف وآيات من القرآن، وعلى آخر فى لوح رخام أيضا حديث: الوضوء سلاح المؤمن؛ وثلاثة بالجهة الشرقية: الأول باب الميضأة، والثانى موصل للحنفية والميضأة أيضا ومكتوب بأعلاه: قال عليه الصلاة والسلام: «من توضأ فأحسن وضوءه فقد استوجب رضوان الله»
(1)
، والثالث مكتوب بأعلاه:{(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)}
(2)
. وهو مشتمل على تسعة أعمدة من الرخام ومحرابه فى زاويته القبلية مكتوب بأعلاه فى لوح رخام أسود: {(كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ)}
(3)
وبأعلى ذلك لوح زجاج دائره أسود ومنبره ملتصق بالجدار القبلى بجوار القبلة وهو من الخشب الجوز والبقس بصنعة دقيقة جدا، وبه كرسى من خشب الجوز أيضا يجلس عليه قارئ سورة الكهف ودكة للتبليغ لها كرانيش بالليقة الذهبية، وسقفه بلدى منقوش بالأصباغ الجميلة بكرانيش مذهبة، وبدائره برواز خشب مكتوب عليه بماء الذهب آيات قرآنية وأرضه مفروشة بالحجر المنحوت؛ وصحنه وصحن الحنفية وطرقة القبة مفروشة بالترابيع الرخام، وبدائر الحنفية أربعة أعمدة من الرخام بأعلاها قبة منقوشة
(1)
الحديث خرجه مسلم عن عقبة بن عامر. راجع (صحيح مسلم كتاب الطهارة).
(2)
سورة البقرة: 222.
(3)
سورة آل عمران 37.
بالأصباغ. وبداخل المسجد ضريح الشيخ صالح أبى حديد عليه تركيبة من الرخام النفيس من داخل مقصورة من النحاس تعلوها قبة مرتفعة مصفحة من الخارج بألواح الرصاص وعليها هلال من نحاس، ومكتوب بدائرها بماء الذهب سورة تبارك الملك وبوسطها من أعلى سورة الإخلاص وأسماء الصحابة العشرة رضي الله عنهم، أرضها مفروشة بالرخام وشبابيكها من الحديد الفرمة مثل شبابيك المسجد، ومكتوب على بابها بماء الذهب:
{(أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)}
(1)
.
وجميع المسجد من الخارج بالحجر وبدائره من أعلى شرفات من الحجر، وله منارة بدور واحد عليها هلال من نحاس.
ويعمل له حضرة كل ليلة أربعاء ومولد كل سنة فى شهر شعبان، وأنشأ الخديو المذكور أيضا تجاهه من الجانب الآخر من الشارع سبيلا عظيما يعلوه مكتب كبير فى غاية الظرافة، ورتب فيه أطفالا ومؤدبين ومعلمين للفنون التى تقرأ فى المدارس، وجعل وجه السبيل جميعه بالرخام وجعل له ثلاثة شبابيك من الحديد المذهب ونقش دائرها بماء الذهب فى الرخام آيات من القرآن، وبجوار شبابيك السبيل لوحان من الرخام بهما تاريخ سنة أربع وثمانين. وبدائر السبيل من الخارج رفرف بكرنيش من الخشب منقوش بماء الذهب وأرضه مفروشة بالترابيع الرخام. وقد وقف على المسجد والسبيل وتوابعهما أوقافا منها بجواره حوانيت وربوع.
ترجمة الشيخ صالح أبى حديد:
وكان الشيخ صالح أبو حديد طريحا لا يقوم ولا يتكلم إلا بألفاظ مقطعة، وكان معتقد الكثير من الناس وينكبون على زيارته والاستفتاح بإشاراته الكلامية ويقفون عندما يفهمون من ذلك فى مهماتهم، وكان أكثر زوّاره النساء فلا يكاد يخلو محله من ازدحامهن وهو ملقى على ظهره ويستنشق فى أنفه كثيرا
وكان للخديو إسماعيل باشا فيه اعتقاد واستبشر بإشارته مرة وحصل ما فهم من إشارته فازداد حبه فيه، ولما مات اعتنى به وجدد له هذه الخيرات الجمة.
(1)
سورة يونس: 62.
جامع الصالح طلائع
هذا الجامع خارج باب زويلة بناه الصالح طلائع بن رزيك المنعوت بالملك الصالح فارس المسلمين نصير الدين وزير الخليفة الفائز بنصر الله الفاطمى.
وسبب بنائه أنه لما خيف على مشهد الإمام الحسين رضي الله عنه إذ كان بعسقلان من هجمة الفرنج وعزم على نقله بنى هذا الجامع ليدفنه به فلما فرغ منه لم يمكنه الخليفة من ذلك، وقال: لا يكون إلا داخل القصور الزاهرة. وبنى المشهد الموجود الآن ودفن به، وتم بناء الجامع المذكور وبنى به صهريجا عظيما وجعل ساقية على الخليج قريب باب الخرق تملأ الصهريج المذكور/أيام النيل.
وبقى هذا الجامع معطلا عن إقامة الجمعة إلى أيام المعز أيبك التركمانى أول ملوك الدولة البحرية فأقيمت به الجمعة، وذلك فى سنة بضع وخمسين وستمائة بحضور رسول بغداد الشيخ نجم الدين عبد الله البادرائى.
ثم لما حدثت الزلزلة سنة اثنتين وسبعمائة تهدم فعمر على يد الأمير سيف الدين بكتمر الجوكندار الناصرى.
ترجمة طلائع:
والصالح طلائع المذكور مات مقتولا وقف له رجال بدهليز القصر وضربوه حتى سقط على الأرض على وجهه، وحمل جريحا لا يعى إلى داره فمات يوم الاثنين تاسع عشر شهر رمضان سنة ست وخمسين وخمسمائة.
وكان الصالح شجاعا كريما جيد الشعر محافظا على الصلوات فرائضها ونوافلها، شديد المغالاة فى التشيع. صنف كتابا سماه الاعتماد فى الرد على أهل العناد جمع له الفقهاء وناظرهم عليه، وهو يتضمن إمامة على بن أبى طالب رضي الله عنه والكلام على الأحاديث الواردة فى ذلك وله شعر كثير فى كل فن؛ فمنه فى اعتقاده:
يا أمة سلكت ضلالا بينا
…
حتى استوى إقرارها وجحودها
ملتم إلى أن المعاصى لم يكن
…
إلا بتقدير الإله وجودها
لو صح ذا كان الإله بزعمكم
…
منع الشريعة أن تقام حدودها
حاشا وكلا أن يكون إلهنا
…
ينهى عن الفحشاء ثم يريدها
انتهى ملخصا من المقريزى ولم يذكر تاريخ بنائه ولا مقدار النفقة عليه ولا ما وقف عليه. وعلى حائطه تاريخ سنة خمسين وستمائة ولعله تاريخ عمارة جرت فيه.
وهذا الجامع الآن فى أول قصبة رضوان خلف القره قول الكائن تجاه باب زويلة، له باب على قصبة رضوان وباب بأول شارع الدرب الأحمر، ومحرابه من أعظم المحاريب وأعمدته من الرخام وبه عمود من حجر السماق وبه منبر عظيم ودكة للتبليغ، وله صحن بوسطه حنفية وصهريج وميضأة ونخلات وهو من المساجد الشهيرة، ولم تزل شعائره مقامة بالجمعة والجماعة وكان يقرأ به درس فى فضائل الأعمال.
وله أوقاف عظيمة تحت نظر ديوان عموم الأوقاف يتحصل من ريعها مع المرتب فى الروز نامجة نحو اثنى عشر ألف قرش.
جامع صاروجا
فى المقريزى: أنه بالقرب من بركة الرطلى مطل على الخليج الناصرى، وكان فى خطة تعرف بجامع العرب فأنشأ بها هذا الجامع ناصر الدين محمد أخو الأمير صاروجا نقيب الجيش بعد سنة ثلاثين وسبعمائة ثم دثرت تلك الخطة فصارت كيمانا انتهى.
ولم يبق الآن لهذا الجامع أثر وخطته صارت مزارع، وكان هناك أشجار من الجميز أدركناها كانت منتزها وكان محلها يعرف بدهليز الملك.
جامع صرغتمش
هذا الجامع بشارع الصليبة عن يمين الذاهب من قناطر السباع إلى قلعة الجبل تجاه مسجد الخضيرى، بنى أول أمره مدرسة فإنه منقوش على بابه الكبير فى الحجر: أمر بإنشاء هذه المدرسة المباركة المقر الأشرف العالى المولوى العالمى العادل الفاضلى السيفى صرغتمش الناصرى، مربى العلماء ومقوى الضعفاء بانى المدارس والمساجد فى ربيع الآخر سنة تسع وخمسين وسبعمائة. وله باب آخر يوصل إلى المطهرة وصحنه مفروش بالرخام الملون وفى دائره عدة خلاو لإقامة المجاورين، وفى وسطه ميضأة أخرى مسقوفة على ثمانية أعمدة من الرخام، وفى جوانبه أربعة ألونة فى أحدها القبلة بحائطها رخام ملون منقوش، وعلى جانبيها لوحان من الرخام منقوش فى كل منهما مما عمل برسم المقر العالى السيفى الملكى الناصرى صرغتمش.
وفى الإيوان المؤخر ضريح شيخ يقال له الشيخ محمد قوام الدين عليه تركيبة رخام مكتوب بدائرها آية الكرسى، وحوله بناء لطيف فيه قبلة وأرضه مفروشة بالرخام الملون، وله منارة ثلاثة أدوار وبه سبيل جعل فيما بعد مكتبا، وله أوقاف تحت نظر الديوان.
وقد ذكرها المقريزى فى المدارس فقال: المدرسة الصرغتمشية خارج القاهرة بجوار جامع الأمير أبى العباس أحمد بن طولون فيما بينه وبين قلعة الجبل. كان موضعها قديما من جملة قطائع ابن طولون ثم صار عدة مساكن فأخذها الأمير سيف الدين صرغتمش الناصرى رأس نوبة النوب وهدمها، وابتدأ فى بناء المدرسة من يوم الخميس من شهر رمضان سنة ست وخمسين وسبعمائة، وانتهت فى جمادى الأولى سنة سبع وخمسين.
وقد جاءت هذه المدرسة من أبدع المبانى وأجلها وأحسنها قالبا وأبهجها منظرا فركب إليها ومعه عدة من الأمراء وقضاة القضاة الأربعة ومشايخ العلم، ورتب مدرس الفقه بها قوام الدين أمير كاتب ابن أمير عمر العميد فألقى الدرس، ثم مد سماط جليل بالهمة الملوكية وملئت البركة التى بها سكرا قد أذيب بالماء فأكل الناس وشربوا وأبيح ما بقى للعامة، وجعل هذه المدرسة وقفا على فقهاء الحنفية الآفاقية، ورتب بها درس حديث وأجرى لهم معاليمها من وقف رتبه.
وقال فيها أدباء العصر شعرا كثيرا وخلع على قوام الدين فى هذا اليوم خلعة سنية وأركبه بغلة رائعة وأجازه بعشرة آلاف درهم عل أبيات مدحه بها مطلعها:
أرأيتم من حاز الرتبا
…
وأتى قربا ونفى ريبا
فبدا علما وسما كرما
…
ونما قدما ولقد غلبا
ترجمة صرغتمش الناصرى:
صرغتمش الناصرى الأمير سيف الدين رأس نوبة جلبه الخواجا الصواف فى سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، فاشتراه السلطان الناصر محمد بن قلاوون بمائتى ألف درهم فضة عنها يومئذ نحو أربعة آلاف مثقال ذهبا، وخلع على الخواجا تشريفا كاملا بحياصة ذهب وكتب له توقيعا بمسامحة مائة ألف درهم من متجره فلم يعبأ به السلطان وصار من جملة الجمدارية وأنعم عليه بعشر طاقات أديم طائفى، ولم يزل خامل الذكر إلى أيام المظفر حاجى بن محمد بن قلاوون فبعثه إلى حلب مع الأمير فخر الدين السلحدار لما استقر فى نيابة حلب. فلما عاد ترقى فى الخدمة وتوجه فى خدمة محمد بن قلاوون إلى
دمشق وصار السلطان يرجع إلى رأيه، فلما عاد من دمشق عظم أمره حتى خلع السلطان الصالح بن قلاوون وأعيد الناصر حسن بن محمد بن قلاوون، فاز دادت عظمته وانفرد بتدبير المملكة فعزل قضاة مصر والشام، ثم حقد عليه السلطان فأمسكه فى رمضان سنة تسع وخمسين مع جماعة من الأمراء، وحملهم إلى الاسكندرية فسجنوا بها وبها مات صرغتمش بعد سجنه بشهرين واثنى عشر يوما فى ذى الحجة سنة تسع وخمسين وسبعمائة.
وكان مليح الصورة جميل الهيئة يقرأ القرآن، ويشارك فى فقه أبى حنيفة وطرف من النحو، وكانت أخلاقه شرسة ونفسه قوية ولما تحدث فى البريد خافه الناس فلم يكن أحد يركب خيل البريد إلا بمرسومه، وباشر الأوقاف فعمرت ولما قبض عليه أخذ السلطان أمواله وكانت شيئا كثيرا يجل عن الوصف انتهى باختصار.
وفى تحفة الأحباب للسخاوى: أن اسم صرغتمش عثمان، انتهى.
جامع الست صفية
هذا المسجد بجهة الحبانية فى حارة الداوودية عن شمال الذاهب من شارع محمد على إلى قلعة الجبل.
وهو مرتفع الأرضية نحو أربعة أمتار وله بابان يصعد إلى كل منهما بعدة سلالم متسعة مستديرة، وله صحن متسع بدائرة إيوان مسقوف بقباب على أعمدة من الحجر والرخام وفى مقصورة الصلاة منبر خشب ودكة وفى دائرها شبابيك لها أبواب من الخشب عليها نقوش، ومطهرته بمرافقها منفصلة عنه بالطريق وشعائره مقامة بنظر ديوان الأوقاف.
وهو من إنشاء عثمان أغا ابن عبد الله أغاة دار السعادة، ثم آل بطريق شرعى لسيدته الملكة صفية كما فى كتاب وقفيته.
وملخص ذلك: أن الملكة علية الذات صفية الصفات والدة السلطان قد وكلت عن نفسها فخر الخواص والمقربين وذخر أصحاب العز والتمكين عبد الرزاق أغا ابن عبد الحليم أغاة دار السعادة فى دعواها: أن عثمان أغا المذكور هو عبدها ومملوكها إلى الآن فحضر بالمحكمة الشرعية وأشهد بوكالته شاهدين عدلين، وقرر دعواه بحضور فخر الأماجد داود أغا ابن عبد الدائم المتولى على وقف الجامع الشريف بجهة الحبانية الذى بناه المرحوم عثمان أغا ابن عبد الله؛ فقال ذلك الوكيل فى الدعوى: ان عثمان أغا المذكور هو عبد ومملوك موكلتى المشار إليها وأنه ليس مأذونا ببناء الجامع ولا بإيقاف بلده الملك له
المعروفة بزاوية تميم من ولاية منوف المشتملة على: أربعمائة فدان ولا بإيقاف المنزل المملوك له بطريق بولاق قرب قنطرة الدوادار المشتمل على: أربعة مخازن وبيت قهوة واثنين وثلاثين دكانا وخمس عشرة خزانة وخمس طواحين واصطبل وخمسة آبار عذبة الماء ومدبغ بقر ومدبغ غنم ومسلخ بقر، فذلك الإيقاف غير صحيح وأريد ضبطه لموكلتى الملكة المشار إليها كسائر أمواله حيث إنه مملوكها وابرز فتوى من شيخ الإسلام بأن الإيقاف المذكور غير شرعى، وكانت صورتها تملك عمرو عبد هند أملاكا وبنى جامعا ووقف ذلك عليه، ثم توفى قبل عتقه فهل لهند ألا تقبل وقف عبدها عمرو وأن تتملك جميع موقوفاته؟ فأجيب بأن وقف عمرو غير صحيح وأن لسيدته ضبط جميع أملاكه كسائر أمواله.
ثم سئل حضرة داود أغا المتولى المذكور، فأجاب بأن المرحوم عثمان أغا معتوق قبل وفاته، وأنه بنى الجامع ووقف البلد وغيرها بإذن معتقته الست صفية وحسن رضاها؛ فأنكر عبد الرزاق الوكيل المذكور عتق المتوفى المذكور وأنكر إذنها له فى بناء الجامع ووقف تلك الأوقاف، فطلبت البينة من داود أغا فعجز عن إقامتها وطلب تحليفها اليمين الشرعى فأرسل القاضى عدلين إلى حضرة الملكة الموكلة لتحليفها، ثم رجع المندوبان وأخبرا القاضى بأنها حلفت اليمين الشرعية بحضور المتولى على طبق دعواها، فحكم القاضى بأن الجامع والقرية وجميع الأسقاع هى/ملك لها ووقفها باطل ونبه على داود أغا برفع يده تحريرا فى أواخر شوال سنة إحدى ومائة وألف هجرية.
وبعد أن دخلت هذه الموقوفات من: القرى والضياع والأسقاع والمزارع والرباع فى ملك الملكة وتصرفاتها جددت وقفها وقفا صحيحا شرعيا مؤيدا مخلدا بحدودها، وجعلت النظر على تلك الأوقاف لفخر الخواص عبد الرزاق أغا ابن عبد الحنان الأمير بدار السعادة، وأطلقت له التصرف فى الموظفين بالعزل والتولية وجعلت له كل يوم عشرين قطعة، ومن بعده لا يخرج النظر عن أغاوات دار السعادة. واشترطت: أن الناظر هو الذى يعطى تقريرات الموظفين، وأن يرتب لضبط الريع وصرفه رجل أمين دين عفيف ماهر فى الكتابة والحساب وله يوميا عشرون قطعة، ولكاتب أمين ماهر يقيد كل جزئية بالدفتر كل يوم خمس قطع، ولجاب متصف بتلك الأوصاف وله اقتدار على التحصيل لا يترك بذمة أحد شيئا من حقوق الوقف ولا يتحيل بحيلة فى أخذ حبة من حقوق الوقف كل يوم خمس قطع، ولواعظ صالح عالم ورع فقيه بمذهب النعمان عارف بأحكام القرآن يعظ الناس فى الجمع والمواسم ويختم الوعظ بالفاتحة لأرواح الأنبياء والمرسلين
والأولياء والصالحين، ولأرواح السلاطين الماضين مع الدعاء للسلطان بدوام الدولة والخلافة، ولحضرة الواقفة الجليلة بازدياد العمر ووفور الشوكة ولسائر المسلمين بحصول المرام كل يوم خمس قطع.
واشترطت: أن يكون الخطيب عالما مجودا زاهدا كريم الأخلاق حسن الفعال يخطب فيه على منوال الشرع الشريف فى الجمع والأعياد خطبة تناسب الأيام والفصول وتوافق الطباع، وليس له أن ينيب عنه أحدا بدون عذر شرعى وله خمس قطع.
وأن يرتب إمامان عالمان عاملان بعلمهما لهما وقوف على التجويد ورسوم القراءات والروايات وقدرة على آداب الإمامة يتناوبان الإمامة فى أوقات الصلوات الخمس على طريق السنة والجماعة، ولا ينيبان أحدا بدون عذر شرعى ولكل منهما خمس قطع.
وأن يرتب أربعة مؤذنون عارفون بعلم الميقات أصحاب عفة وديانة وأصوات حسنة وأخلاق مستحسنة يتناوبون الأذان على المنارة اثنين اثنين، ويجتمعون فى أذان يوم الجمعة ويقرءون التسبيح بعد صلاة الجمعة بالتهليل والتكبير، وفى الثلث الأخير من كل ليلة قرب الصبح يجتمعون على المنارة ويرفعون أصواتهم بالتسبيح والتحميد والدعاء ولكل منهم فى اليوم ثلاث قطع.
وأن يرتب موقت صالح أمين عارف بالميقات يحضر فى كل وقت يعلم المؤذنين بدخول الوقت مع الاحتراس التام وله فى اليوم قطعتان. ويرتب عشرة من حملة القرآن يقرأ كل منهم عشرا عن ظهر قلب فى محفل الجماعة قبل صلاة الجمعة وأتقنهم للقراءة عليه البدء والختم، وله العزل فيهم والتولية بالامتحان على الوجه الحق وله خاصة فى اليوم قطعتان ولكل واحد من الآخرين قطعة واحدة، وبعد ختم القراءة ينشد رجل حسن الصوت عارف بالموسيقى قصيدة نبوية وله فى اليوم قطعتان. ويرتب أيضا رجل حسن الصوت فصيح اللسان ينشد مدائح نبوية قبل صلاة الجمعة ثم يدعو لسلطان الزمان وللواقفة بطول البقاء وحسن التوفيق ولكافة المسلمين ويقرأ الفاتحة عقب الصلاة وله يوميا قطعتان.
ويرتب قارئ حسن الصوت يقرأ على الكرسى الذى فى الجامع سورة (يس) بعد صلاة الصبح وله فى اليوم قطعتان، وآخر يقرأ سورة (عم) بعد صلاة العصر، وآخر يقرأ سورة (تبارك الملك) بعد صلاة العشاء، ولكل منهما قطعة واحدة. ويرتب رجلان لغلق أبواب الجامع وشبابيكه ليلا وفتحها صباحا مع الملاحظة والتعهد للجامع بالتنظيف ونحوه ولكل منهما قطعتان. ويرتب رجل نظيف نزه لتبخير الجامع بلا تبذير ولا تقتير وله فى اليوم
قطعة واحدة ولشراء البخور قطعتان. ورجل أمين لحفظ المصاحف الشريفة التى بالجامع وله فى اليوم قطعة. ورجل زاهد يكون مرقيا وله فى اليوم قطعة واحدة.
ويرتب وقادان صالحان يحفظان الشموع والقناديل ويتعهدان بالنظافة والإيقاد والإطفاء بالأوقات المعلومة مع الاحتراس التام من تلويث الحصر والبسط ولكل منهما قطعتان. ويرتب رجلان قويان برسم الفرش والكنس والتنظيف فى داخل الجامع، واثنان برسم تنظيف الميضأة والأخلية مع عدم التساهل ولكل واحد من الأربعة قطعة واحدة.
ويرتب رجلان عارفان بغرس الأشجار والرياحين وإصلاحها وسقيها برسم خدمة البستان الكائن أمام الجامع ولكل منهما فى اليوم قطعتان.
ويرتب رجلان قويان برسم سقى الأشجار لكل منهما فى اليوم ثلاث قطع، ويرتب رجل ماهر فى التعمير والترميم يتولى إصلاح ما يحتاج إلى إصلاحه.
ونصت الواقفة المذكورة على: ترتيب شخص قارئ فى مسجد المدينة المنورة يتلو كل صباح سورة (يس) ويدعو لها، وعلى ترتيب رجل صالح لخدمة قبر سيدنا بلال مؤذن/رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى بالشام من إيقاد القناديل وغلق الأبواب وفتحها ونحو ذلك، وأن ترسل إلى القبر المذكور شمعتان من الاسكندرى خمس أقات ومثل ذلك إلى حرم مكة المشرفة ومثله إلى الروضة المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام، انتهى.
حرف الضاد
جامع الضوّة
فى المقريزى. أن هذا الجامع فيما بين الطبلخاناه السلطانية وباب القلعة المعروف بباب المدرج على رأس الضوّة.
أنشأه الأمير الكبير شيخ المحمودى لما قدم من دمشق بعد قتل الملك الناصر فرج وإقامة الخليفة أمير المؤمنين المستعين بالله العباسى ابن محمد فى سنة خمس عشرة وثمانمائة وسكن بالاصطبل السلطانى فشرع فى بناء دار يسكنها؛ فلما استبد بسلطنة مصر وتلقب بالملك المؤيد استغنى عن هذه الدار وكانت لم تكمل فعملها جامعا وخانقاه وصارت الجمعة تقام به، انتهى.
وهو الآن موجود على أصل وضعه وكان ينتصب عنده سوق العصر الذى بالمنشية وفى شعائره بعض تعطيل
***
حرف الطاء
جامع الطباخ
قال المقريزى: هذا الجامع خارج القاهرة بخط باب اللوق بجوار بركة الشقاف.
كان موضعه وموضع بركة الشقاف من جملة حكر الزهرى.
أنشأه الأمير جمال الدين أقوش وجدده الحاج على الطباخ فى المطبخ السلطانى أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون، ولم يكن له وقف فقام بمصالحه من ماله مدة، ثم انه صودر فى سنة ست وأربعين وسبعمائة فتعطل مدة نزول الشدة بالطباخ ولم تقم فيه تلك المدة الصلاة.
ترجمة على بن الطباخ:
والطباخ هو على بن الطباخ نشأ بمصر وخدم الملك الناصر محمد بن قلاوون وهو بمدينة الكرك؛ فلما قدم إلى مصر جعله خوان سلار وسلمه المطبخ السلطانى فكثر ماله لطول مدته وكثرة تمكنه ولم يتفق لأحد من نظرائه ما اتفق له من السعادة الطائلة، وذلك أن ما كان يصنع من المهمات والأعراس ونحوها مما يعمل فى الدور السلطانية وعند الأمراء والمماليك والحواشى إنما يتولى أمرها هو بمفرده.
فمما اتفق له فى عمل مهم ابن بكتمر الساقى على ابنة الأمير تنكز نائب الشام أن السلطان الملك الناصر استدعاه آخر النهار الذى عمل فيه المهم المذكور، وقال له: يا حاج على اعمل لى الساعة لونا من طعام الفلاحين. وهو خروف رميس يكون ملهوجا فولى ووجهه معبس فصاح به السلطان: ويلك مالك معبس الوجه! فقال: كيف ما أعبس وقد حرمتنى الساعة عشرين ألف درهم نقرة؟ فقال: كيف حرمتك؟ قال: قد تجمع عندى رءوس غنم وبقر وأكارع وكروش وأعضاد وسقط دجاج وأوز وغير ذلك مما سرقته من المهم وأريد أن أقعد وأبيعه، وقد قلت لى: اطبخ. وحين أفرغ من الطبخ يتلف الجميع؛ فتبسم السلطان وقال له: رح اطبخ وضمان الذى ذكرت علىّ وأمر بإحضار والى القاهرة ومصر، فلما حضرا ألزمهما بطلب أرباب الزفر إلى القلعة وتفرقة ما ناب الطباخ من المهم عليهم واستخراج ثمنه؛ فبلغ ثمنه ثلاثة وعشرين ألف درهم نقرة مع الذى كان له من المعاليم والجرايات ومنافع المطبخ، ويقال: أنه كان يتحصل له
من المطبخ السلطانى فى كل يوم على الدوام مبلغ خمسمائة درهم نقرة ولولده أحمد مبلغ ثلثمائة درهم، فلما تحدث النشوقى الدولة خرج عليه تخاريج وأغرى به السلطان فلم يسمع فيه كلاما ولم يزل على حاله إلى أن مات الملك الناصر وقام من بعده أولاده فصادروه فى سنة ست وأربعين وسبعمائة وأخذوا منه مالا كثيرا.
ومما وجد له خمس وعشرون دارا مشرفة على النيل وغيره فتقسمت حواشى الملك الكامل أملاكه فأخذت أم السلطان ملكه الذى كان على البحر وكانت دورا عظيمة جدا وأخذت أنقاض داره التى بالمحمودية من القاهرة انتهى.
وهو عن شمال الذاهب من باب اللوق إلى جهة قصر النيل بابه على الشارع وبه منبر وخطبة وشعائره مقامة ومنافعه تامة مع قدم عمارته.
جامع الطواشى
هو خارج القاهرة فيما بين الطنبلى وبين الحارات.
أنشأه الطواشى جوهر السحرتى اللالا وهو من خدام الملك الناصر محمد بن قلاوون، ثم انه تأمر فى تاسع عشرى شهر رجب سنة خمس وأربعين وسبعمائة، انتهى من المقريزى.
وهو فى خطة بسوق الزلط على يسرة الذاهب إلى باب الحديد وبه منبر وخطبة وشعائره مقامة ومنافعه تامة، وبه نخلتان وشجرة لبخ وأخرى من العنب وهو تحت نظر الديوان
جامع الطيبرسى
فى المقريزى: أنه بشاطئ النيل فى أرض بستان الخشاب، عمره علاء الدين طيبرس الخازندار نقيب الجيوش صاحب المدرسة الطيبرسية بجوار الأزهر وعمر بجواره خانقاه سنة سبع وسبعمائة، وكانت العمارة متصلة منه إلى الجامع الجديد بمصر ومنه إلى الجامع الخطيرى ببولاق، فيجتمع به الناس للنزهة ويركبون المراكب منه إلى الجامعين المذكورين، ثم تخرب هذا الجامع وصار مخوفا بعد ما كان ملهى وملعبا انتهى ملخصا.
ولعله هو المعروف فى محله الآن بجامع الأربعين فى غربى السراى الاسماعيلية الصغرى وقبلى قنطرة النيل المجاورة لقصر/النيل المعروفة بالكبرى بنحو ستين مترا، وهو مقام الشعائر وبه خطبة وفيه ضريح يعرف بالأربعين وضريح أبى القاسم إمام الجامع.
والشائع: أنه أقدم من جامع العبيط الذى فى شرقيه، والصرف عليه جار من وقف القصر.
***
حرف الظاء
جامع الظاهر
قال المقريزى: هذا الجامع خارج القاهرة بالحسينية أنشأه الملك الظاهر بيبرس البندقدارى العلائى، وكان موضعه ميدانا يعرف بميدان قراقوش وكان منتزه الملك ومحل لعبه بالكرة؛ فلما اهتم بعمارته اختاره فرسم الجامع فى قطعة منه، ورسم بأن يكون بقية الميدان وقفا على الجامع بحكر ورسم بين يديه هيئة الجامع، وأشار أن يكون بابه مثل باب المدرسة الظاهرية وأن يكون على محرابه قبة على قدر قبة الإمام الشافعى رضي الله عنه، وكتب فى وقته الكتب إلى البلاد بإحضار عمد الرخام، وكتب بإحضار الآلات من الحديد والأخشاب النقية برسم الأبواب والسقوف وغيرها وولى عدة مشدين على عمارة الجامع وشرع فى العمارة سنة خمس وستين وستمائة.
ثم فى سنة ست وستين وستمائة أيضا سافر السلطان إلى بلاد الشام فنزل على مدينة يافا وتسلمها من الفرنج وهدم قلعتها وقسم أبراجها على الأمراء، وأخذ من أخشا بها جملة ومن ألواح الرخام التى وجدت فيها ووسق منها مركبا سيرها إلى القاهرة، ورسم بأن يعمل من ذلك الخشب مقصورة فى الجامع والرخام يعمل فى المحراب فاستعمل كذلك.
ولما كملت عمارة الجامع سنة سبع وستين وستمائة نزل إليه فرآه فى غاية ما يكون من الحسن فخلع على مباشريه، ورتب به خطيبا حنفيا ووقف عليه حكر ما بقى من أرض الميدان.
ترجمة الظاهر بيبرس:
والظاهر: هو ركن الدين الملك الظاهر بيبرس البندقدارى أحد المماليك البحرية الذين اختص بهم السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل محمد بن العادل أبى بكر أيوب وأسكنهم قلعة الروضة.
كان أولا من مماليك الأمير علاء الدين أيدكين البندقدارى؛ فلما سخط عليه الملك الصالح أخذ مماليكه ومنهم الأمير بيبرس، وذلك فى سنة أربع وأربعين وستمائة وقدمه على طائفة من الجمدارية، وما زال يترقى فى الخدم إلى أن قتل المعز أيبك التركمانى الفارس أقطاى الجمدار، وكانت البحرية قد انحازت إليه فركبوا فى نحو السبعمائة فلما ألقيت
إليهم رأسه تفرقوا واتفقوا على الخروج إلى الشام، وكان من أعيانهم يومئذ بيبرس البندقدارى فلم يزل ببلاد الشام إلى أن قتل المعز أيبك، وقام من بعده ابنه المنصور علىّ وقبض عليه نائبه الأمير سيف الدين قطز، وجلس على تخت المملكة وتلقب بالملك المظفر فقدم عليه بيبرس فأمّره.
ولما خرج قطز إلى ملاقاة التتار وكان من نصرته عليهم ما كان رحل إلى دمشق فوشى إليه بأن الأمير بيبرس قد تنكر له وتغير عليه وأنه عازم على القيام بالحرب؛ فأسرع قطز بالخروج من دمشق إلى جهة مصر وهو مضمر لبيبرس السوء، فبلغ ذلك بيبرس فاستوحش من قطز وأخذ كل منهما يحترس من الآخر وينتظر الفرصة؛ فبادر بيبرس وواعد الأمير سيف الدين بلبان الرشيدى والأمير سيف الدين بيدغان الركنى
(*)
المعروف بسم الموت
(**)
، والأمير سيف الدين بلبان الهارونى والأمير بدر الدين آنص الأصبهانى؛ فلما قربوا فى مسيرهم من القصر بين الصالحية والسعدية عند القرين انحرف قطز عن الدرب للصيد، فلما قضى منه وطره وعاد والأمير بيبرس يسايره هو وأصحابه طلب بيبرس منه امرأة من سبى التتار فأنعم عليه بها فتقدم ليقبل يده وكانت إشارة بينه وبين أصحابه فعند ما رأوا بيبرس قد قبض على يده بادر الأمير بكتوت الجوكندار وضربه بسيف على عاتقه أبانه واختطفه الأمير آنص وألقاه عن فرسه إلى الأرض ورماه بهادر المغربى بسهم فقتله، وذلك سنة ثمان وخمسين وستمائة ومضوا إلى الدهليز للمشورة فوقع الإتفاق على الأمير بيبرس؛ فتقدم إليه أقطاى المستعرب الجمدار المعروف بالأتابك وبايعه وحلف له ثم بقية الأمراء وتلقب بالملك الظاهر وذلك بمنزله القصير؛ فلما تمت البيعة وحلف الأمراء كلهم قال له الأمير أقطاى: يا خوند لا يتم لك أمر إلا بعد دخولك إلى القاهرة وطلوعك إلى القلعة؛ فركب من وقته ومعه الأمراء يريدون قلعة الجبل فلقيهم فى طريقهم الأمير عز الدين أيدمر الحلبى نائب الغيبة عن المظفر قطز وقد خرج لتلقيه، فأخبروه بما جرى وحلفوه فتقدمهم إلى القلعة ووقف على بابها حتى وصلوا فى الليل؛ فدخلوا إليها وكانت القاهرة قد زينت لقدوم السلطان الملك المظفر قطز وفرح الناس بكسر التتار وعود السلطان فما راعهم إلا والمشاعلى ينادى: معاشر الناس ترحموا على الملك المظفر وادعوا لسلطانكم الملك الظاهر بيبرس؛ فدخل على الناس من ذلك غم شديد ووجل عظيم خوفا من عود البحرية إلى ما كانوا عليه من الجور والفساد وظلم الناس؛ فأول ما بدأ به الظاهر أنه أبطل ما كان قطز أحدثه من المظالم عند سفره، وهو تصقيع الأملاك وتقويمها وأخذ زكاة ثمنها فى كل سنة وجباية دينار من كل إنسان
(*) عن بيدغان الركنى انظر: السلوك، ج 1 و 28/ 435، 534، 655؛ النجوم الزاهرة، ج 7/ 101، 154، 271.
(**) أما سم الموت: فهو أيغان بن عبد الله الركنى، عز الدين، ت 675 هـ. انظر: المنهل الصافى، ج 7/ 187 - 188.
وأخذ ثلث الترك الأهلية فبلغ ذلك فى السنة ستمائة ألف دينار، وكتب بذلك مسموحا قرئ على المنابر فى صبيحة دخوله إلى القلعة.
وفى سنة أربع وستين افتتح قلعة صفد وجهز العساكر إلى سيس ومقدمهم الأمير قلاوون الألفى فحصر مدينة أياس وعدة قلاع.
وفى سنة خمس وستين أبطل ضمان الحشيش من ديار مصر وفتح يافا والشقيف وأنطاكية.
وفى سنة ست وستين قرر الظاهر بديار مصر اربعة قضاة: شافعى ومالكى وحنفى وحنبلى، وحدث غلاء شديد بمصر وعدمت الغلة فجمع الفقراء وعدهم وأخذ لنفسه خمسمائة فقير يمونهم ولابنه السعيد بركة خان خمسمائة فقير وللنائب بيليك الخازندار ثلثمائة فقير، وفرق الباقى على سائر الأمراء ورسم لكل إنسان فى اليوم برطلى خبز فلم ير بعد ذلك فى البلد أحد من الفقراء يسأل.
وفى سنة سبعين خرج إلى دمشق وفى سنة إحدى وسبعين خرج من دمشق إلى مصر فوصل إلى قلعة الجبل وعاد إلى دمشق، فكانت مدة غيبته أحد عشر يوما ولم يعلم بغيبته من فى دمشق حتى حضر، ثم خرج من دمشق يريد كبس التتار فخاض الفرات وأوقع بالتتار على حين غفلة وقتل منهم شيئا كثيرا.
وفى سنة خمس وسبعين سار لحرب التتار فواقعهم على الأبلستين وقد انضم إليهم الروم فانهزموا وقتل منهم كثير، وتسلم قيسارية ونزل بها بدار السلطان ثم خرج إلى دمشق فوعك بها من إسهال وحمى مات منها يوم الخميس التاسع والعشرين من المحرم
ست وسبعين وستمائة وعمره نحو سبع وخمسين سنة، ومدة ملكه سبع عشرة وشهران.
وكان ملكا جليلا عسوفا عجولا كثير المصادرات لرعيته ودواوينه سريع الحركة فارسا مقداما، وفتح الله على يديه جملة بلاد وقلاع مما كان مع الفرنج وغيرهم وعمر الحرم النبوى وقبة الصخرة ببيت المقدس، وزاد فى أوقاف الخليل عليه السلام إلى غير ذلك من الآثار الحميدة رحمه الله تعالى، انتهى ملخصا.
وفى حوادث سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف من تاريخ الجبرتى: أن الفرنساوية لما دخلوا مصر أحدثوا بها أشياء كثيرة منها: أنهم جعلوا هذا الجامع قلعة وجعلوا منارته
برجا ووضعوا على أسواره مدافع وأسكنوا به جماعة من العسكر وبنوا به عدة مساكن لهم، وكان وقتئذ معطل الشعائر بيعت أكثر أنقاضه وعمده، انتهى.
وقد خرب هذا الجامع وبنى داخله الفرن المشهورة بفرن الظاهر المعدة لخبز جراية العساكر الجهادية، ثم أزيل منه الآن الفرن ونظف وأزيلت الأتربة التى كانت محيطة به من جميع جهاته حتى ظهرت جدرانه الأصلية جميعها إلى الأرض، وجعل حواليه رصيف من الحجر وغرست حواليه الأشجار من الجهات الأربع فوق الرصيف، وصار مستقلا بنفسه غير متصل بشئ من الأبنية والطريق محيط به كما أزيلت أيضا مدرسة الظاهر بيبرس المذكورة بين القصرين فقد أخذها الشارع الذاهب إلى بيت القاضى ولم يبق منها إلا جزء يسير من الإيوان الذى عن يمين المدرسة وكان به المنبر، وهو متخرب مع ذلك مع أنه كان رحمه الله تعالى جيد الفعال حميد الخصال.
***
حرف العين
جامع السيدة عائشة النبوية رضي الله عنها
هذا المسجد خارج ميدان محمد على بقرب قره ميدان عن شمال الذاهب إلى القرافة الصغرى من بوّابة حجاج فى خط يعرف بها.
قال الشيخ الصبان فى رسالته فى أهل البيت: قد جدد هذا المسجد ووسعه وأعلى منارته وبنى بجانبه حوضا عام النفع سنة خمس وسبعين ومائة وألف حضرة الأمير عبد الرحمن كتخدا، انتهى.
وهو من المساجد المشهورة المقصودة بالزيارة له ثلاثة أبواب: باب تجاه الضريح الشريف مكتوب على وجهه بيت شعر وهو:
بمقام عائشة المقاصد أرخت
…
سل بنت جعفر الوجيه الصادق
ويليه باب يفتح على المسجد مكتوب على وجهه هذان البيتان:
مسجد ألبس التقى فتراه
…
كبدور تهدى به الأسرار
وعباد الرحمن قد أرخوه
…
تتلألأ بحبه الأنوار
والثالث: باب للميضأة والمراحيض والساقية والمكتب والضريح الشريف عليه مقصورة من الخشب مرصعة بالصدف والعاج يعلوها قبة عظيمة مكتوب على بابها:
لعائشة نور مضئ وبهجة
…
وقبتها فيها الدعاء يجاب
وتجاه القبة بالطرقة التى بينها وبين المسجد قبران مبنيان بالحجر.
قال الشعرانى فى مننه: أخبرنى سيدى على الخواص رضي الله عنه: أن السيدة عائشة رضي الله عنها ابنة جعفر الصادق فى المسجد الذى له المنارة القصيرة على يسار من يريد الخروج من الرميلة إلى باب القرافة، انتهى.
ترجمة السيدة عائشة:
وهى السيدة عائشة بنت جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين وأخت موسى الكاظم. قال المناوى: كانت من العابدات الجاهدات وكانت تقول رضي الله عنها:
وعزتك وجلالك لئن أدخلتنى النار لآخذن توحيدى وأطوف به على أهل النار وأقول: وحدته فعذبنى. /ماتت رضي الله عنها سنة خمس وأربعين ومائة.
وكان أبوها جعفر الصادق رضي الله عنه إماما نبيلا أخذ الحديث عن أبيه: وجده لأمه القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق رضي الله عنه، وعروة وعطاء، ونافع والزهرى.
ومن كلامه رضي الله عنه: لا يتم المعروف إلا بثلاث أن تصغره فى عينك وتستره وتعجله. وقال: لا تأكلوا من يد جاعت ثم شبعت. وقال: أوحى الله إلى الدنيا من خدمنى فاخدميه، ومن لم يخدمنى فاستخدميه. وقال: كف عن محارم الله وامتثل أوامره تكن عابدا، وارض بما قسم لك تكن مسلما، واصحب الناس على ما تحب أن يصحبوك عليه تكن مؤمنا، ولا تصحب الفاجر فيعلمك من فجوره، وشاور فى أمرك الذين يخشون الله. وقال: من أراد عزا بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان فليخرج من ذل المعصية إلى عز الطاعة. وقال: من يصحب صاحب السوء لا يسلم، ومن يدخل مدخل السوء يتهم، ومن لا يملك لسانه يندم. وقال: حكمة تحريم الربا ألاّ يتمانع الناس المعروف. مات رضي الله عنه مسموما سنة ثمان وأربعين ومائة، انتهى.
جامع العادلى
هذا الجامع بالعباسية من ضواحى القاهرة. أنشأه السلطان طومان باى مدرسة ذات إيوانين أحدهما عليه قبة شاهقة وبها منبر من الخشب وعشرة شبابيك، وعلى قبلتها نقوش من ضمنها مولانا السلطان الملك المالك العادل أبو النصر طومان باى، وكان الفراغ فى شهر رمضان سنة ست وتسعمائة، وقد صار تجديده الآن من طرف الأوقاف وهو عامر مقام بعض الشعائر.
ترجمة الملك العادل:
وفى كتاب نزهة الناظرين ما نصه: الملك العادل طومان باى سيف الدين كان من أعيان مماليك قايتباى بويع له بالسلطنة فى الشام، وجلس على السرير بعد ظهر يوم السبت ثامن عشر شهر جمادى الآخرة سنة خمس وتسعمائة، وكانت مدته من حين تغلبه بالشام أربعة أشهر ونصف شهر، ومن حين مبايعته بقلعة الجبل ثلاثة أشهر وثلاثة وعشرين يوما. وبنى مدرسته بالعادلية وتربته خارج باب النصر، ثم هجم عليه العسكر وقتلوه رحمه الله تعالى، انتهى.
جامع القاضى عبد الباسط
هو بخط الخرنفش تجاه دار نقيب الأشراف السيد البكرى، ويعرف أيضا بجامع عباس باشا بسبب أن المرحوم عباس باشا ابن طوسون باشا ابن العزيز محمد على كان ساكنا بالدار التى أمامه وله فيه بعض تغييرات فعرف به، يشتمل على أربعة لواوين وبه خزانة كتب وقبر الشيخ أحمد الشهير بالسبكى، وله مطهرة ومنارة وشعائره مقامة، ويقال له: جامع الباسطى وأوقافه تحت نظر الديوان.
قال المقريزى: هذا الجامع بخط الكافورى من القاهرة كان موضعه من أراضى البستان، ثم صار مما اختط فأنشأه القاضى عبد الباسط بن خليل بن إبراهيم الدمشقى ناظر الجيوش فى سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة، ولم يسخر أحدا فى عمله بل وفى لهم أجورهم حتى كمل فى أحسن هندام وأكيس قالب وأبدع زى ترتاح النفوس لرؤيته وتبتهج عند مشاهدته، فهو الجامع الزاهر والمعبد الباهى الباهر ابتدئ فيه بإقامة الجمعة فى اليوم الثانى من صفر سنة ثلاث وعشرين، ورتب فيه خطيبا وإماما وصوفية وولى مشيخة التصوف عز الدين عبد السلام بن داود بن عثمان المقدسى الشافعى أحد نواب الحكم، وأجرى للفقراء الصوفية الخبز فى كل يوم والمعلوم فى كل شهر، وبنى لهم مساكن وحفر صهريجا يملأ من ماء النيل ويسبل فى كل يوم فعم نفعه وكثر خيره انتهى.
ترجمة عبد الباسط:
وفى الضوء اللامع للسخاوى: أن عبد الباسط هو عبد الباسط بن خليل واختلف فيمن بعده فقيل إبراهيم وهو المعتمد وقيل يعقوب الدمشقى ثم القاهرى. وهو أول من تسمى بعبد الباسط ولد سنة أربع وثمانين وسبعمائة ونقل عنه: أنه فى سنة تسعين كان بدمشق ونشأ بها فى خدمة كاتب سرها البدر محمد بن موسى بن محمد بن الشهاب محمود واختص به، ثم اتصل من بعده بشيخ كان نائبا بدمشق ولم ينفك عنه حتى قدم معه الديار المصرية بعد قتل الناصر فرج وسلطنة المستعين بالله، فلما تسلطن شيخ ولقب بالمؤيد أعطاه نظر الخزانة والكتابة بها ودام فيها مدة اشترى فى أثنائها بيت تنكز فأصلحه وكمله وجعله سكنا له هائلا واستوطنه، وعمر تجاهه مدرسة بديعة انتهت فى أواخر سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة، وسلك طريق عظماء الدولة فى الحشم والخدم والمماليك من سائر الأجناس والندماء وربما ركب بالسرج الذهب والكتبوش الزركش
والسلطان يصغى إليه ويقربه منه ويخلع عليه الخلع السنية السمور وغيرها زيادة على منصبه، بل تكرر نزوله له غير مرة فزادت وجاهته بذلك كله، وصار لا يسلم على أحد إلا نادرا فالتفتت إليه العامة بالتمقت واستماع المكروه كقولهم: يا باسط خذ عبدك. فلم يحتملهم وشكاهم إلى المؤيد فتوعدعم بكل سوء إن لم ينكفوا فأخذوا فى قولهم: يا جبال يا رمال يا الله يا لطيف. فلما طال ذلك عليه التفت إليهم بالسلام وخفض الجناح فسكتوا عنه وأحبوه/ولا زال يترقى إلى أن أثرى جدا وعمر الأملاك الجليلة، وأنشأ القيسارية المعروفة بالباسطية داخل باب زويلة وكان فيروز الطواشى قد شرع فيها مدرسة فلم يتهيأ لإكمالها. كل ذلك وهو كاتب الخزانة وناظر المستأجرات السلطانية بالشام والقاهرة إلى أن استقر به الظاهر ططر فى نظر الجيش عوضا عن الكمال بن البارزى فى سابع ذى القعدة سنة أربع وعشرين، فلما استقر الأشرف بالغ فى التقرب إليه بالتقادم والتحف وفتح له أبوابا فى جمع الأموال، وأنشأ العمائر فزاد اختصاصه به وصار هو المعوّل عليه والمشار فى دولته إليه مع كونه لم يسلم غالبا من معاند له عنده كالدوادار الثانى جانبك والبدرى بن مزهر وجوهر القنقباوى إلا أن مزيد خدمته نفعه، وأضيف إليه أمر الوزر والاستادارية فسدهما بنفسه وببعض خدمه إلى أن مات الأشرف واستقر ابنه العزيز وكان من أعظم القائمين فى سلطنته، ومع ذلك أهين من بعض الخاصكية الأشرفية بالكلام واحتاج إلى الانتماء إلى الأتابك جقمق، ولم يلبث أن صار الأمر إليه فخلع عليه باستمراره فى نظر الجيش ثم قبض عليه وحبسه بالمقعد على باب البحرة المطلة على الحوش من القلعة فى الثامن والعشرين من ذى الحجة سنة اثنتين وأربعين وصمم على أخذ ألف ألف دينار منه، فتلطف به صهره الكمال بن البارزى وغيره من أعيان الدولة حتى صار إلى ثلثمائة ألف دينار فيما قيل، وأخذ منه قطعة قيل أنها من نعل المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد ما نقل إلى البرج بالقلعة وأهين باللفظ غير مرة، ثم أطلق ورسم له بالتوجه إلى الحجاز فأخذ فى التجهيز لذلك، وسافر بعد أن خلع عليه وعلى عتيقه جانبك الاستادار فى ثامن عشر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين، فأقام بمكة إلى موسم سنة أربع فحج ورجع مع الركب الشامى إلى دمشق امتثالا لما أمر به؛ فأقام بها سنوات وزار فى أوائل صفرها بيت المقدس وأرسل بهدية من هناك إلى السلطان، ثم قدم القاهرة فكان يوما مشهودا وخلع عليه وعلى أولاده ونزل إلى داره، ثم أرسل بتقدمة هائلة واستمر إلى أن عاد إلى دمشق بعد أن أنعم عليه فيها بإمرة عشرين، ثم بعد سنين عاد إلى القاهرة مستوطنا لها وفى أثناء استيطانه حج رجبيا فى سنة ثلاث وخمسين وكان ابتداء سيره فى شعبانها فوصل
إلى المدينة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية؛ فزار أولا ثم رجع إلى مكة فأقام بها حتى حج ثم رجع إلى القاهرة بدون زيارة، وكان دخوله لها فى حادى عشر المحرم سنة أربع وخمسين فأقام بها قليلا ثم تمرض أشهرا ومات غروب يوم الثلاثاء رابع شوالها وصلى عليه من الغد بمصلى باب النصر، ودفن بتربته التى أنشأها بالصحراء فى قبر عيّنه لنفسه وأسند وصيته لقاضى الحنابلة البدر البغدادى وعين له ألف دينار يفرقها وله الشطر منها ففرق ذلك بحضرة ولده على باب منزله، وضبط تركته أحسن ضبط ونفذت سائر وصاياه رحمه الله تعالى.
وكان إنسانا حسن الشكل نير الشبه متجملا فى ملبسه ومركبه وحواشيه إلى الغاية وافر الرياسة حسن السياسة كريما واسع العطاء استغنى بالانتماء إليه جماعة راغبا فى المماجنة بحضرته ولو زادت على الحد غاية فى جودة التدبير ووفور العقل، وله من المآثر والقرب المنتشرة بأقطار الأرض ما يفوق الوصف، فمن ذلك ما عمله بكل من المساجد الثلاثة وبدمشق وغزة وبنى مدرسة بالقاهرة وهى التى تجاه منزله بخط الكافورى وأصلح كثيرا من مسالك الحجاز، ورتب سحابة تسير فى كل سنة من كل من دمشق والقاهرة إلى الحرمين ذهابا وإيابا برسم الفقراء والمنقطعين، وحج وهو ناظر الخاص مرتين وأحسن فيهما بل وفيما بعدهما من الحجات لأهلهما إحسانا كثيرا ودخل حلب غير مرة.
ولذا ترجمه ابن خطيب الناصرية فى ذيله لتأريخها، ووصفه بمزيد الإحسان للخاص والعام وصحبة العلماء والفقراء والصلحاء والإحسان إليهم، والمبالغة فى إكرامهم والتنويه بذكرهم عند السلطان وقضاء حوائج الناس حتى شاع ذكره واشتهر إحسانه وصار فردا فى رؤساء مصر والشام.
ولما قدم ابن الجزرى القاهرة أنزله بمدرسته وحضر مجلسه يوم الختم وأجاز له، وكذا سمع على البرهان الحلبى وشيخنا وغيرهم وخرجت له عنهم حديثا كان سأل عنه انتهى باختصار قليل.
ترجمة الشيخ السبكى:
وترجم فى خلاصة الأثر الشيخ السبكى المار الذكر؛ فقال: هو الشيخ أحمد بن خليل بن إبراهيم بن ناصر الدين الملقب بشهاب الدين المصرى الشافعى السبكى نزيل المدرسة الباسطية بمصر وقف المرحوم القاضى عبد الباسط وخطيبها وإمامها.
وذكره الشيخ مدين القوصونى، وقال: هو الفاضل العلامة الفقيه المفيد أخذ عن الشيخ/محمد شمس الدين الصفوى نزيل جامع الحاكم، وهو الذى نشأ عنده من صغره وزوجه ابنته وأخذ عن الشمس الرملى، وكان ملازما للمدرسة المذكورة نهارا وبمنزله بها ليلا، وحج المرة بعد المرة برا وبحرا وجاور.
وله من المؤلفات: حاشية على الشفاء، وشرح على منظومة السيوطى /المتعلقة بالبرزاخ سماه فتح المقيت فى شرح التثبيت عند التبييت وهو قولات وشرح آخر عليها سماه فتح الغفور، وله شرح على منظومة ابن العماد فى النجاسات سماه فتح المبين، ورسالة هدية الإخوان فى مسائل السلام والاستئذان، وله مناسك حج كبيرة وصغيرة وفتاوى من خط شيخه الرملى فى جلد ضخم.
وكان له مهابة فى علوم الحديث والعلوم النظرية وفقه بتكلف.
وكانت وفاته رحمه الله تعالى سنة اثنتين وثلاثين وألف ودفن بفسقية أحدتها بجوار الإيوان الصغير الغربى من المدرسة المذكورة انتهى باختصار.
جامع عبد الحق السنباطى
هذا المسجد جهة الأزبكية داخل درب عبد الحق بالقرب من بيت البكرى القديم وهو مقام الشعائر تام المنافع. ولم يعلم تاريخ إنشائه وبجواره قبر صالح يقال له الشيخ عبد الحق السنباطى، وله أوقاف تحت نظر الشيخ محمد خليل وبه مصحف كبير محلى بالليقة الذهبية.
جامع عبد الدائم
هو بعطفة الحكر من باب اللوق جدده الحاج إبراهيم الدويدار المدابغى على ضريح شيخ يقال له: الشيخ عبد الدائم سنة ثمانين ومائتين وألف وجعل عمده من الحجر، وكان محله فضاء ليس به إلا ضريح الشيخ المذكور، وله أوقاف جارية عليه وشعائره مقامة منها.
جامع عبد العظيم
هذا الجامع بشارع أبى السباع. وكان عامرا وله أوقاف فهدم هو وأوقافه وأخذ الجميع فى الشارع، وكان تحت نظر الشيخ على الشبراوى.
جامع عبد الكريم
ويعرف أيضا بجامع الغيط. هذا المسجد بدرب مصطفى بداخله ضريح يقال له: ضريح سيدى عبد الكريم، وهو مقام الشعائر وله أوقاف وليس به آثار تدل على تاريخ إنشائه.
جامع عبد الكريم
هو داخل حارة الشعرانى على يمنة الذاهب من الحارة إلى برجوان، جدده راغب أفندى أحد غلمان المرحوم عباس باشا، وبه ضريح شيخ يقال له: الشيخ عبد الكريم له حضرة كل أسبوع.
جامع الشيخ عبد الله
هذا الجامع خارج حارة السقائين بالقرب من زاوية الشيخ ريحان عن يمين الذاهب فى الشارع من جهة سراى عابدين إلى سراى إسماعيل باشا المفتش التى جعلت ديوان الداخلية والمالية والحقانية. كان صغيرا واهيا فجدده الخديو إسماعيل وجعل به منبرا لخطبة الجمعة والعيدين. وجعل له ميضأة ومرافق وبئرا وأقام شعائره وجميع ما يلزم له من الدائرة السنية العامرة، وبداخله ضريح ولى الله الشيخ عبد الله جعل عليه مقصورة جليلة ويعمل له مولد كل سنة وله خدمة وزوار. ويقال: أنه من ذرية سيدنا الحسين الأقربين رضي الله عنه.
جامع عابدى بيك
هذا الجامع بمصر القديمة على الشارع مبنى بالحجر، وعلى بابه الكبير لوح رخام منقوش فيه:
أنشأ هذا المسجد - من فضل الله تعالى وعونه العبد الفقير المقر بالعجز والتقصير - عابدى بيك أمير اللواء السلطانى ابن المرحوم أمير باكير غفر الله له سنة إحدى وسبعين بعد الألف.
وبه أربعة أعمدة من الحجر الزلط، وسقفه معقود بالحجر على عدة قباب، وقبلته بالقيشانى الملون وله منارة قصيرة، وله باب آخر من خوخة أبى سعيد وهو مقام الشعائر، وكان تحت نظر السيد عبد الخالق السادات وهو الآن تحت نظر ديوان الأوقاف.
جامع عابدين
هذا الجامع بشارع عابدين بقرب باب السراى الشرقى تجاه درب الملاحفية.
أنشأه الأمير عابدين بيك وهو جامع عظيم يصعد إليه بدرج، وله منارة مرتفعة وشعائره مقامة من أوقافه بنظر الديوان.
وقد أخذت مطهرته ومنافعه من ضمن ما أخذ فى سراى عابدين وعوض عنها زاوية صغيرة بها مطهرة فى باب درب الملاحفية شعائرها مقامة من جهة الديوان.
جامع عابدين الجديد
هذا الجامع أنشأه الخديو إسماعيل باشا فى الجهة القبلية لسراى عابدين. له بابان عظيمان مرتفعان بدرج فى واجهة المسجد الغربية.
أحدهما قريب من الحد البحرى للمسجد يصعد منه بدرج إلى رحبة واسعة فى صدرها سلم مرتفع جدا يصعد منه إلى مدرسة متسعة فوق الرحبة عامرة بالتلامذة لتعليمهم القرآن والكتابة وغير ذلك، وفى هذه الرحبة صهريج كبير لطيف له شباك من نحاس جميل الشكل مما يلى الشارع فيه كيزان من نحاس أصفر يشرب بها المارة الماء من حوض رخام داخل الشباك، وعلى يمين الداخل من هذا الباب باب يتوصل منه إلى المسجد، وهو مسجد بهج مفروش بالأبسطة وفيه منبر جميل الشكل للخطبة ومحرابه مكسو بالرخام النفيس.
والباب الآخر قبلى هذا الباب يصعد منه إلى محل متسع مفروش بالرخام وفى وسطه حنفيات فيها بزابيز عظيمة من نحاس يتوضأ منها للصلاة، وفى ذلك المحل إيوانات ثلاثة:
اثنان صغيران يكتنفان الباب وفيهما شبا كان عظيمان يكتنفان الباب أيضا، والآخر كبير بعرض ذلك المحل مما يلى القبلة وهى مفروشة بالحصر العظيمة، وفى الحائط التى عن يسار المصلى من هذا المحل باب يتوصل منه إلى المسجد، وهذا المسجد عامر مقام الشعائر يصلى فيه الخديوى الجمعة فى أغلب الجمع.
جامع العبيط
هو بجزيرة العبيط المعروفة قديما بجزيرة أروى
(1)
، وتعرف جهته اليوم بالاسماعيلية من داخل السور الغربى لسراى/الاسماعيلية الصغرى، قرب قناطر النيل المسماة بالكوبرى فى شرق جامع الطيبرسى المعروف الآن بالأربعين، وليس به مطهرة وبه ضريح العبيط والشيخ زيدان وشعائره مقامة من وقف القصر.
وفى المقريزى: أن جزيرة أروى تعرف بالوسطى لأنها بين الروضة وبولاق وبين القاهرة والجيزة انحصر عنها الماء بعد سنة سبعمائة وكان يمر بها الرئيس تاج الدين أبو الفداء إسماعيل أول ما انكشفت، ويقول: أنها تصير مدينة أو بلدة. فبنى الناس فيها الدور الجليلة والأسواق والجامع والطاحون والفرن وأنشئوا البساتين والآبار، وكانت فى بعض السنين يركبها الماء أيام زيادته فتمر المراكب فى أزقتها، ولما كثر الرمل بينها وبين البر الشرقى حيث خط الزريبة قل الماء وتلاشت مساكنها منذ كانت الحوادث سنة ست وثمانمائة، انتهى.
جامع عثمان الحطاب
هذا الجامع فى خط الحمزاوى بشارع بيبرس. كان قد وهى فجدده ناظره محمد أبو صالح الصباغ، وله أوقاف قليلة وشعائره مقامة إلى الآن وبه ضريح يقال: أنه ضريح منشئه الشيخ عثمان الحطاب. وليس كذلك فإنه توفى بالقدس كما فى طبقات الشعرانى.
ترجمة عثمان الحطاب:
قال فى الطبقات: كان سيدى عثمان الحطاب رضي الله عنه أجل من أخذ عن سيدى أبى بكر الدقدوسى، وكان من الزهاد المتقشفين له فروة يلبسها شتاء وصيفا وهو محزم بمنطقة من جلد، وكان شجاعا يلعب اللبخة فيخرج له عشرة من الشطار ويهجمون عليه بالضرب فيمسك عصاه من وسطها ويرد ضرب الجميع فلا يصيبه واحدة. هكذا أخبر عن نفسه فى صباه.
وكان رحمه الله رحيما بالأيتام ويقول: أنا قاسيت مرارة اليتم وكان مطرقا على الدوام لا يرفع رأسه إلا لحاجة أو مخاطبة أحد، وكان دائما فى مصالح فقراء الزاوية وغيرهم: إما فى
(1)
عرفها المقريزى وسترد بعد قليل.
غربلة القمح أو تنقيته أو طحنه أو فى خياطة ثياب الفقراء أو تفليتها أو فى الوقود تحت الدست أو فى جمع الحطب أو نحو ذلك، وبلغ الفقراء عنده نحو مائة نفس ولا رزقة له ولا وقف، بل على ما يفتح الله كل يوم وكل من بار عنده شئ من الخضر يقول:
خلوه للشيخ عثمان. وإذا ضاق عليه الحال يطلع إلى السلطان قايتباى فيرسم له بالقمح والعدس والفول والأرز ونحو ذلك.
ولما شرع فى بناء الإيوان الكبير من الزاوية عارضه هناك ربع فيه بنات الخطا فطلع للسلطان؛ فقال: يا مولاى هذا الربع كان مسجدا وهدموه وجعلوه ربعا. فرسم السلطان بهدم الربع وتمكين الشيخ من جعله فى الزاوية فرشوا بعض القضاة فطلع للسلطان وقال:
يا مولانا يبقى عليكم اللوم من الناس ترسمون بهدم ربع بقول فقير مجذوب. فقال السلطان: ثبت عندى صدقه فهدمه فظهر المحراب والعمودان ورآه السلطان بعينه وطلب أن يصرف على العمارة فأبى الشيخ، فقال: أساعدك فى كب التراب. فقال: لا نحن نمهده فيها. فهذا كان سبب علوه إلى الآن وبقية الزاوية كانت زاوية شيخه الشيخ أبى بكر الدقدوسى رضي الله عنه، وكان الشيخ أبو العباس الغمرى يقوم له ويتلقاه من باب الجامع، وكان سيدى إبراهيم المتبولى يحبه ويعظمه.
وأخبر الشيخ نور الدين الشونى: أنه جاور عنده مدة فخرج يتوضأ ليلا فوجد رجلا ملفوفا فى نح فى طريق الميضأة، فقال له: قم ما هو محل نوم. فقال: يا أخى أنا عثمان أخرجتنى أم الأولاد وحلفت ما تخلينى أنام فى البيت هذه الليلة. خرج رضي الله عنه زائرا للقدس فتوفى هناك سنة نيف وثمانمائة، وقال قبل ذلك: كان سيدى أبو بكر الدقدوسى من أصحاب التصريف النافذ أخبر سيدى عثمان الحطاب: أنه حج معه فكان الشيخ فى مكة يضع كل يوم سماطا صباحا ومساء فى ساحة لا يمنع أحدا يدخل ويأكل مدة مجاورته بمكة وهذا أمر ما بلغنا فعله لأحد قبله انتهى.
وفى طبقات الشعرانى: أن هذا الجامع فى محل زاويتين إحداهما كانت للشيخ عثمان المذكور، والأخرى لشيخه الشيخ أبى بكر الدقدوسى رضي الله عنهما.
جامع العجمى
هذا الجامع بالموسكى فى داخل الحارة التى تجاه حارة الفرنج وهو مقام الشعائر، وليس به آثار تدل على تاريخ إنشائه، وبه ضريح الشيخ محمد العجمى، وله أوقاف تحت نظر السيد أحمد العمرى الشبكشى.
جامع العجمى
ويعرف أيضا بجامع مراد بيك ذكره. المقريزى فى عد الجوامع ولم يترجمه، وهو برأس السكة الجديدة تجاه قنطرة الموسكى عند تقاطع شارع السكة الجديدة مع الشارع الآتى من باب الشعرية إلى باب الخرق على يسرة المنعطف من السكة الجديدة إلى باب الخرق به أربعة أعمدة من الرخام وإيوانان وأرضه مفروشة بالرخام ومحرابه بالرخام الملون، وبه منبر وخطبة وله منارة ومطهرة وتحته صهريج وشعائره مقامة وفيه مكتب عامر بتعليم أطفال المسلمين كتاب الله تعالى.
جامع العدوى
وهو خارج باب الشعرية الكبير المعروف بباب العدوى بجوار قنطرة الخليج المعروفة بقنطرة العدوى التى يسلك عليها إلى درب البزازرة والبغالة، وبه ضريح الشيخ عيسى العدوى وضريح الشيخ الخروبى وشعائره مقامة بنظر عنبر أغا ويعمل به مولد للشيخ العدوى كل سنة.
جامع الشيخ العدوى
بكسر العين وسكون الدال المهملتين بعدها واو مكسورة وياء نسبة، هو بعطفة الشنوانى بين جامع الأزهر والمشهد الحسينى تجاه الزقاق الموصل إلى باب الجوهرية أحد أبواب الأزهر على الشارع الجديد الواصل إلى تلول البرقية عن يمين الذاهب فى الشارع من البرقية إلى المشهد الحسينى.
أنشأه الشيخ حسن العدوى الحمزاوى أحد أكابر علماء المالكية بالأزهر سنة ثمان وثمانين ومائتين وألف فى محل دار الست زينب بنت السلطان قلاوون، التى آلت بالوقف إلى سيدنا الحسين رضي الله عنه وتخربت فاشتراها من ديوان الأوقاف وناظره يومئذ الأمير أحمد باشا صادق، واشترى بجوارها دارا صغيرة وبلغ ثمن الجميع ألفا ومائتى جنيه انجليزى، وبنى هذا الجامع فى جزء منها بناء حسنا بالحجر النحيت والدبش، ونقل إليه عمودى رخام من عمد جامع سيدنا الحسين رضي الله عنه كانا تجاه باب المشهد يعرف أحدهما بعمود السيد البدوى، والآخر بعمود الإمام الشافعى رضي الله عنهما ووضعهما أمام المحراب والمنبر، وجعل فيه عشرة أعمدة أخرى من الحجر وعمل له
منبرا من الخشب النقى ودكة تبليغ وسقفه بالخشب وفرش أرضة بالبلاط، وجعل له ميضأة كبيرة وستة عشر مرحاضا ومغطسا ومنارة قصيرة تشرف على الشارع وجعل بابه على الشارع وحوله شبابيك حسنة الوضع، ومكث فى بنائه أقل من سنة وصدر له الإذن من الخديوى إسماعيل بإقامة الجمعة فيه فأقامها به سنة تسع وثمانين ومائتين وألف، وعمل سماطا واسعا دعا إليه كثيرا من الأمراء والعلماء وغيرهم، وفى ابتداء العمارة شرع فى حفر بئر له فظهرت ساقية بوجهين من بناء السلطان قلاوون فأخرج ما فيها من الردم فوجدها متينة معينة فاستعملها للجامع والحمام، وكان بجوار هذه الدار ضريح ظاهر يزار يعرف بضريح الشنوانى ومعه أضرحة أخر؛ فأدخل الجميع فى حدود الجامع وجدد لهم أضرحة وجعل على الجميع مقصورة من الخشب، وبنى لنفسه بجوارهم مدفنا بإذن حاكم الوقت الخديو إسماعيل إكراما له مع منعه من الدفن داخل العمران حفظا للصحة. فأما الشنوانى فمدفنه هناك معروف مشهور واسمه أحمد وقد ترجمه المناوى فى طبقاته فارجع إليها.
ترجمة القضاعى أبى عبد الله:
وأما من معه من أصحاب الأضرحة فقد سمع من أفواه المشايخ: أن أحدهما الخطيب القزوينى صاحب تلخيص المفتاح، ويزعمون أن الآخر هو أبو عبد الله محمد القضاعى ودليلهم أن الخطة هناك كانت تعرف بخطة القضاعى، وليس كذلك فإن القضاعى هذا وأباه مدفونان فى القرافة الكبرى كما قال السخاوى فى تحفة الأحباب، ونصه: أما الشقة الأولى من البقعة الكبرى من القرافة فقد ذكرنا منها ما بين مسجد الأمن إلى مقبرة القضاعين فإنها معدودة من مدافن الشقة الوسطى، فأول ذلك قبر العلامة أبى عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعى قاضى مصر كان إماما عالما زاهدا رحل إلى البلاد فى طلب العلم ووصلى إلى الحجاز والشام والقسطنطينية، وسمع الحديث بمكة وألف الكتب منها: كتابه فى تفسير القرآن عشرين مجلدا، وكتاب الشهاب، وكتاب منثور الحكم، وكتاب الأعداد وغير ذلك.
وكان الفاطميون يعظمونه وكان يبعث أولاده بالليل إلى بيوت الأرامل بالصدقة وإذا أعجبه طعام تصدق به، وشهرته تغنى عن الإطناب فى مناقبه.
توفى سنة أربع وخمسين وأربعمائة.
وبالمقبرة أيضا أبوه سلامة بن جعفر بن على بن عبد الله القضاعى صاحب الخطط، كان من علماء المصريين وكان يكتب العلم عن المزنى ويكتب فى اليوم مائة سطر فلا ينام
حتى يحفظها، وقص عليه أحمد بن طولون رؤيا؛ فقال: رأيت أول الليل نورا سطع حتى ملأحول هذا الجامع وهو مظلم، ورأيت آخر الليل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقلت له: أين أموت وأين أدفن. فأشار بيده هكذا بأصابعه الخمسة، فقال له: عندى فى ذلك أن ما حول هذا الجامع يخرب حتى لا يبقى سواه، وذلك من قوله تعالى:{(فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً)}
(1)
، وأما إشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يقول: هذه خمس لا يعلمهن إلا الله. {(إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)}
(2)
.
قال سلامة القضاعى: أتيت أبى يوما محلوق الرأس فغضب وقال: ما هذه المثلة؟، فقلت له: وما المثلة؟. قال: حلق الرأس واللحية.
وكانت وفاته سنة تسع وتسعين وثلثمائة، انتهى.
ترجمة الشيخ سلامة القضاعى
وفى وفيات الأعيان لابن خلكان: أن أبا عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر بن على ابن حكمون بن إبراهيم بن محمد بن مسلم القضاعى الفقيه الشافعى صاحب كتاب الشهاب تولى القضاء بمصر نيابة من جهة المصريين وتوجه رسولا منهم إلى جهة الروم.
وله عدة تصانيف منها: كتاب الشهاب، ومناقب الإمام الشافعى رضي الله عنه، وكتاب الإنباء عن الأنبياء، وتواريخ الخلفاء، وكتاب خطط مصر، وكان متفننا فى عدة علوم، وحج فى سنة خمس وأربعين وأربعمائة وتوفى بمصر سنة أربع وخمسين وأربعمائة.
والقضاعى: بضم القاف وفتح الضاد المعجمة وبعد الألف عين مهملة، نسبة إلى قضاعة. ويقال: هو من/حمير وهو الأكثر. واسم قضاعة: عمرو بن مالك وينسب إليه قبائل كثيرة منها: كلب وبلىّ وجهينة وعذرة، انتهى.
وأما الجزء الآخر من الدار فأنشأ فيه حماما حسنة وقفها على الجامع، وبنى ربعا على باب الميضأة ووقفه عليه أيضا وبنى بجوار الحمام دارا لسكناه بقرب الباب الأخضر
(1)
سورة الأعراف: 143.
(2)
سورة لقمان: 34.
للمشهد الحسينى، ولقرب هذا الجامع من الأزهر كان فى غاية العمارية مزدحما بقراءة الدروس ليلا ونهارا وقد بلغت النفقة عليه نحو أربعة آلاف جنيه.
والعدوى: بكسر فسكون نسبة إلى عدوة قرية ببلاد البهنسا، وقد ذكرنا ترجمته عند الكلام عليها، ولإمام هذا الجامع وخطيبه الفاضل الجليل والأديب النبيل الشيخ عبد المجيد الشرنوبى المالكى فى مدحه وتاريخ تمامه:
أنور طه بأرجاء الجهات سما
…
أم باب جنة عدن ثغرا ابتسما
أم ذا هو الحرم المصرى شيده
…
إمام أهل الهدى العدوى فانتظما
به الأكابر أقطاب الوجود فلذ
…
بخبهم وارتج الافضال والكرما
على جميل التقى والبر أسسه
…
ونور إخلاصه فوق السماك سما
فنال من ربه ما كان أمله
…
وحاز منقبة بعلو بها الأمما
وهذه منة الرحمن منشؤها
…
خير النبيين من الرسل قد ختما
ومن يكن سيد الكونين ناصره
…
فليرتقى وليضع فوق العلا قدما
وزاده بهجة آل النبى فقد
…
غدا بأفضالهم بين الورى علما
والسبط حامى الحمى عمت مواهبه
…
جواره سره فاسترشد النعما
وأنسه فى علا الإقبال أرخه
…
أنشأت يا حسنا فى حينا حرما
752 130 159 249 - سنة 1290
جامع العراقى
هذا المسجد بحارة التمار من خط الميدان وهو متخرب وليس له أوقاف.
جامع العراقى
هذا المسجد بخط الواجهة من ناحية بولاق داخل عطفة الحكر، به أربعة أعمدة، وله منارة صغيرة جدا ومنبره قديم بصنعة قديمة، وهو مقام الشعائر وبه ضريح سيدى محمد العراقى يعمل له مولد كل سنة فى شهر شعبان، وبجواره حوانيت موقوفة عليه وهو الآن معطل الشعائر لتخربه.
جامع الشيخ العريان
هذا الجامع بشارع سوق الزلط تجاه جامع الزاهد بالقرب من منزل الشيخ العروسى.
أنشأه الشيخ أحمد الشهير بالعريان المتوفى سنة أربع وثمانين ومائة وألف، وهو يشتمل على ستة عشر عمودا من الرخام غير عمودى المحراب، وكان قد حصل فيه خلل فعمره ناظره الشيخ مصطفى العروسى وقام بشعائره جميعها، ويتبعه صهريج بأعلاه مكتب، وله أوقاف جارية عليه، ويعرف أيضا بجامع أبى بدير وهى كنية الشيخ أحمد العروسى صهر الشيخ العريان، وقبره به كما ذكرنا ذلك فى الكلام على منية عروس.
ترجمة الشيخ العريان:
وفى الجبرتى من حوادث سنة أربع وثمانين ومائة وألف: أن الشيخ العريان هو الولى العارف بالله تعالى أحد المجاذيب الصادقين الأستاذ الشيخ أحمد بن حسن النشرتى الشهير بالعريان كان من أرباب الأحوال والكرامات، ولد فى أول القرن وكان أول أمره الصحو ثم غلب عليه السكر فأدركه المحو، وكان له فى بدايته أمور غريبة وكان كل من دخل عليه زائرا يضربه بالجريدة، وكان ملازما للحج فى كل سنة ويذهب إلى موالد سيدى أحمد البدوى المعتادة، وكان أميا لا يقرأ ولا يكتب وإذا قرأ قارئ بين يديه وغلط يقول له: قف فإنك غلطت، وكان يلبس الثياب الخشنة وهى جبة صوف وعمامة صوف حمراء يتعمم بها على لبدة من صوف ويركب بغلة سريعة العدو وملبسه دائما على هذه الصفة، وكان شهير الذكر يعتقده الخاص والعام وتأتى الأمراء والأعيان لزيارته والتبرك به ويأخذ منهم دراهم كثيرة ينفقها على الفقراء المجتمعين عليه.
وأنشأ مسجده تجاه جامع الزاهد بجوار داره وبنى بجواره صهريجا وعمل لنفسه مدفنا وكذا لأهله وأقاربه وأتباعه، واتحد به الشيخ أحمد العروسى واختص به اختصاصا زائدا فكان لا يفارقه سفرا ولا حضرا وزوجه إحدى بناته وهى أم أولاده، وبشّره بمشيخة الجامع الأزهر والرياسة فعادت عليه بركته وتحققت بشارته، وكان مشهورا بالاستشراف على الخواطر. توفى رحمه الله تعالى فى منتصف ربيع الأول وصلى عليه بالأزهر ودفن فى قبره الذى اعده لنفسه فى مسجده اه.
وعلى كل من ضريحه وضريح الشيخ أحمد العروسى مقصورة عملها ذرية الشيخ العروسى وله مولد يعمل كل سنة.
جامع العسكر
قال المقريزى: هذا الجامع بظاهر مصر حيث الفضاء الذى هو اليوم فيما بين جامع أحمد بن طولون وكوم الجارح، وكان/إلى جانب الشرطة والدار التى يسكنها أمراء مصر وكان يجمع فيه الجمعة، وفيه منبر ومقصورة وهو من بناء الفضل بن صالح ابن على بن عبد الله بن عباس فى ولايته إمارة مصر فى سنة تسع وستين ومائة من قبل المهدى محمد بن أبى جعفر المنصور على الصلات والخراج.
ولما ولى عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب على صلات مصر وخراجها من قبل الخليفة المأمون سنة إحدى عشرة ومائتين زاد فى عمارته، ولم يزل هذا الجامع عامرا إلى ما بعد الخمسمائة من الهجرة.
قال ابن المأمون فى تاريخه من حوادث سنة سبع عشرة وخمسمائة: كان يطلق فى الليالى الأربع الوقود وهى مستهل رجب ونصفه ومستهل شعبان ونصفه برسم الجوامع الستة: الأزهر والأنور والأقمر بالقاهرة، والطولونى والعتيق بمصر، وجامع القرافة، والمشاهد التى تتضمن الأعضاء الشريفة، وبعض المساجد التى يكون لأربابها وجاهة جملة كثيرة من الزيت الطيب، ويختص بجامع راشدة وجامع ساحل الغلة بمصر وجامع المقس يسير، ويعنى بجامع ساحل الغلة جامع العسكر فإن العسكر حينئذ كان قد خرب وحملت أنقاضه وصار الجامع بساحل مصر وهو الساحل القديم، انتهى باختصار.
جامع العشماوى
هو فى الأزبكية بشارع العشماوى. كان زاوية صغيرة يقيم بها الشيخ درويش العشماوى ولما مات دفن بها، فهدمها المرحوم عباس باشا ابن عم الخديو إسماعيل واشترى عقارا بجوراها وبناها هذا المسجد فى سنة سبع وستين ومائتين وألف هجرية، وجعل به أربعة أعمدة من الرخام وأقام شعائره إلى الغاية، ووقف عليه أوقافا دارة ورتب له نقودا كل شهر، وعلى محرابه لوح رخام منقوش فيه آيات من القرآن، وعلى وجه الباب لوحان منقوش فى كل منهما أبيات تركية وتاريخ الإنشاء وبه شبابيك بأعلاها قطع من القيشانى، وجعل على ضريح الشيخ درويش مقصورة جليلة من الخشب، وبنى عليه قبة على بابها فى لوح رخام:{(أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)}
(1)
، وهو تحت نظر الشيخ حسن سليمان ولم يزل إلى الآن عامرا بالآذان والجماعات والجمعة ويعمل به حضرة كل ليلة جمعة ومولد كل عام.
(1)
سورة يونس: 62.
وقد أخبرنى ناظره السيد حسن عن والده السيد سليمان - وكان أكبر تلامذة الشيخ العشماوى وأحد أقربائه -: أن الشيخ درويشا هذا كان من الشلبيات وأصله من قرية عشما وكان أبوه من الأشراف المعتبرين، وكان للشيخ درويش هذا أخ كبير عنه وكان يحبه حبا شديدا ثم أنه مرض ومات، وكان الشيخ درويش غائبا عنه فعندما أخبر بموته أخذ عقله وسقط من شباك المحل الذى كان جالسا به وقتئذ، وصار هائما إلى أن أخذ وسجن بالمارستان فقعد به ثلاث سنين ثم خرج منه مجذوبا وسكن بحارة الهدارة التى عند جامع شريف باشا الكبير، واجتمع عليه عدة من الأمراء وغيرهم وأشاعوا عنه الكرامات وعملوا له حضرة كل ليلة جمعة، فصار يجتمع عليه الكثير من الناس ويهادونه بالهدايا والنذور فاشتهر اسمه من ذاك الوقت وذلك فى أوائل سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف، واستمر مقيما بحارة الهدارة إلى سنة خمس وثلاثين ثم انتقل إلى زاويته التى هى محل ضريحه الآن، فأقام بها ورتب الحضرة وأحدث المولد السنوى واستمر على ذلك إلى أن مات فى سنة سبع وأربعين ومائتين وألف ودفن بزاويته هذه وبقيت زاويته مقامة الشعائر، يعمل بها المولد السنوى ويعقد بها مجلس الذكر بمعرفة الشيخ سليمان أكبر تلامذته المتقدم الذكر، ثم ان الشيخ سليمان هذا أعرض للمرحوم عباس باشا بخصوص توسعة الزاوية لكثرة الفقراء المقيمين بها وكان إذ ذاك كتخدا الحكومة المصرية فأجابه بأن هذا غير ممكن الآن وإن شاء الله يكون فى المستقبل، ثم أعقب ذلك سفره إلى الأقطار الحجازية فعند توجهه إلى السفر مر على الزاوية وقرأ الفاتحة وهو تجاه شباك الزاوية فخاطبه السيد سليمان المذكور من الشباك بقوله: إن شاء الله تعود سالما وتبنى لنا الزاوية، فأجابه بقوله:
إن شاء الله. ثم انه حضر واليا على الديار المصرية وهنأته الأمراء والعلماء وبعد ذلك شرع فى تجديد عدة مساجد وزوايا، فذكره أحد العلماء المعروف بالشيخ الجرجاوى: أن زاوية الشيخ العشماوى ضيقة ولازم لها العمارة فأمر فى الحال بإحضار الأمير أدهم باشا وقال له: قم بنفسك واعمل رسما لزاوية العشماوى واشتر ما بجوارها من البيوت واجعلها جامعا متسعا واجعل للضريح مزارا مخصوصا يتوصل إليه من داخل الجامع وخارجه، فصار العمل من ذاك الوقت وجاء جامعا من أحسن الجوامع وأبهجها.
جامع الشيخ عطية
هذا الجامع فى بولاق القاهرة بدرب نصر يفتح على الشارع وبه أربعة أعمدة من الحجر، وله منبر وخطبة وله مطهرة صغيرة وشعائره مقامة وبه ضريح الشيخ عطية.
جامع العفيفى
هذا الجامع بالقرافة الكبرى بالصحراء بقرب جامع السلطان قايتباى وجامع الأشرف ومقام سيدى عبد الله المنوفى، وكان أصله زاوية/صغيرة بنيت على ضريح الشيخ عبد الوهاب أبى يوسف العفيفى رضي الله عنه أحد المدرسين بالجامع الأزهر المتوفى سنة ألف ومائة واثنتين وسبعين فهدمتها الست ممتاز هانم حاجى إحدى حظايا المرحوم العزيز محمد على المعروفة بأم حسين بيك ووسعتها وأنشأتها جامعا بمنبر وخطبة وجعلت لها ميضأة وبئرا معينة وبنت لنفسها فيه قبرا، ولما ماتت دفنت فيه فى سنة ألف ومائتين وأربع وثمانين.
وبه أيضا قبر الشريفة الصالحة زوجة أبى يوسف العفيفى رضي الله عنه توفيت فى اثنين وعشرين من رجب سنة ألف ومائتين واثنتين، وضريح الشيخ فتوح البيجيرمى أحد مدرسى الشافعية بالأزهر توفى سنة ألف ومائتين وثمان وستين، وضريح الشيخ أحمد الشافعى المتوفى سنة ألف ومائتين وثلاث وثلاثين، وضريح الشيخ محمد الأمير الكبير المالكى المترجم فى الكلام على ناحية سنبو وهو جامع عامر مقام الشعائر تحت نظر السيد أحمد العفيفى من ذرية سيدى عبد الوهاب صاحب هذا المقام المشهور.
وله مولد سنوى مشهور جدا يؤتى إليه من جهات الريف بالذبائح وأصناف الأطعمة، وتنصب حوله الصواوين وتوقد الشموع والقناديل وتدور الأذكار والألعاب ليلا ونهارا نحو عشرة أيام.
جامع سيدى عقبة
هذا المسجد بالقرافة الصغرى بالقرب من مسجد الإمام الليث رضي الله عنه خارجا عنه إلى جهة بساتين الوزير فى وسط بيوت وقبور، وهو مقام الشعائر تام المنافع تقام فيه الجمعة والجماعة، وعلى بابه تاريخ تجديده سنة ست وستين وألف وبداخله كتابة فيها: جدد هذا المكان المبارك الوزير محمد باشا السلحدار دام بقاؤه فى سنة ست وستين وألف، وكان أولا زاوية صغيرة فأنشأه وعمره السلحدار المذكور على الصفة التى هو عليها الآن ووقف عليه أوقافا جمة. وفى (كتاب وقفيته): أن هذا المسجد يشتمل على إيوانين أحدهما سفلى به محراب معقود على عمودين من الرخام الأبيض المثمن سفل كل منهما وعلوه قاعدتان من الرخام الأبيض ومكمل ذلك بالرصاص، يجاوره منبر
لطيف من الخشب النقى والإيوان العلوى يفصل بينهما ثلاث بوائك مقنطرة مبنية بالحجر الفص النحيت الأحمر، وبالإيوان الثانى دكة من الخشب برسم المؤذنين لإقامة الصلوات وشباكان أحدهما أصفر من النحاس والثانى حديد مطل على الصحراء، وبأعلى الجامع تسعة شبابيك برسم النور منها شبا كان حديدا والسبعة خشبا يغلق على كل منهما زوجا باب خشبا نقيا، ويعلو الجنب الذى فيه المحراب خمس قمريات من الزجاج الرومى النفيس الملون خلف كل قمرية شباك من الخشب، وفى الجهة الغربية من الجامع مقام مولانا الإمام عقبة المشار إليه دائر عليه مقصورة من الخشب الخرط بها باب يدخل منه إلى ضريح ذلك الإمام، ويعلوه قبة عظيمة معقودة بعلوها هلال من النحاس المطلى بالذهب، وبسفلها اثنتا عشرة طاقة وبجوار المقرنص ثمان طاقات بها قمريات من الزجاج الملون النفيس الرومى مفروشا ذلك كله بالحجر الفص النحيت، والجامع مسقف خشبا نقيا فرخا شاميا مدهونا بأنواع الدهانات الملونة.
وأنشأ ذلك الأمير بجوار الجامع زاوية جعلها مكتبا لطيفا، وهى تشتمل على محراب دائر البناء بالحجر الفص النحيت الأحمر يجاوره من الجهتين شباكان من النحاس الأصفر الاسبيدريه المثمن، يغلق على كل منهما زوجا باب يعلو المحراب مدورة شباك خشبا نقيا، ويعلو كلا من الشباكين شباك معقود بالحجر الفص النحيت به شباك خشب وتجاه الداخل أربع خزائن، وهناك شباكان باذهنج برسم النور وتلقى الهواء، ويجاور المحراب شباكا حديد يغلق على كل منهما زوجا باب، وعلى يمنة الداخل شباك حديد تجاهه خزانة خرستان عليها زوجا باب عربى يعلوه شباك برسم النور والهواء، ويعلو باب الزاوية شباك يجاوره عن يسراه صفة لطيفة. والزاوية مسقفة خشبا نقيا فرخا شاميا مدهونا بأنواع الدهانات الملونة مسبلة الجدر بالبياض مفروشة الأرض بالبلاط الكذان.
وأنشأ الصهريج الكبير المعقود على أربع مراتب وقبة بوسطه وبيارة المكمل بالخافقى وغيره على العادة، وعلى فمه خرزتان مركبتان تعلو أحدهما الأخرى والعليا من الرخام والسفلى من الحجر، ويجاورهما حاصل للماء يصل منه الماء إلى حوضى المزملتين اللتين أنشأهما: إحداهما كبرى وأرضها مفروشة بالرخام الملون النفيس مسقفة فرخا شاميا وبها شباكان، وبجوار باب الدخول المزملة الأخرى يجرى إليها الماء فى مجرى من الرصاص.
وقد وقف ذلك الأمير على هذا الجامع والضريح أوقافا جمة منها المكان الذى بجوار هذا الجامع الكائن بسفح الجبل بجوار سيدى ذى النون المصرى رضي الله عنه والليث بن سعد والإمام الشافعى رضي الله عنهما وزاوية ساداتنا بنى الوفا.
وذلك المكان عمارة جليلة تشتمل على قصر عظيم ودهليز متسع مسقف بالخشب المدهون بالدهانات الملونة، وحوش كبير به ستة عشر بابا ومطبخ برسم القراء والفقراء القاطنين والمترددين فى ليالى الاثنين وليلة المولد وليلة البراءة/ونصف شعبان وليالى شهر رمضان وغير ذلك، وحوض معد لسقى الدواب وساقية لملء الأخلية والمطهرة والمنافع العمومية.
ومنها جميع البستان المستجد وما به من أنشاب النخيل والبلح والرمان والليمون والنارنج وجميع القهوة والوكالة المجاورة لبيت القهوة. ومنها: جملة أطيان صالحة للزرع بعدة جهات كناحية شلقان وناحية بياض بولاية الأطفيحية وناحية نوى وكفورها وناحية نهيا من الجيزية وناحية تل أبى روزن بالشرقية وجميع الرزق الاحباسية المنحلة عن أهلها بناحية شبين القناطر بولاية الغربية وبناحية الكنيسة بولاية الغربية، وجميع الأطيان التى كانت سابقا مرسلة بالشركة على زاوية سيدى عقبة والإمام الشافعى والإمام الليث وأبى العباس المرسى والسيدة نفيسة رضي الله عنهم. وزاوية الشهداء بعد استبدالها ووقفها على خصوص تعلقات سيدى عقبة، وهى بجملة بلاد كالبهنساوية والإخميمية وطموه والمحرقة وغيرها وجميع الرزق الاحباسية المعينة بالافراد الجديد السلطانى، وكذا جميع ما أرصده ذلك الواقف من الجهات الديوانية على المقام والجامع وتوابعهما وقدره فى كل يوم من تاريخه مائة عثمانى وسبعة وثمانون عثمانيا يعدل ذلك فى كل شهر ألفان وثمانمائة نصف فضة عددية وخمسة أنصاف فضة، وجملة ذلك فى السنة ثلاثة وثلاثون ألف نصف وستمائة وستون نصفا فضة منها: ما هو مرتب مقيد بدفتر المستحفظان بقلعة مصر المحروسة واحد وتسعون عثمانيا كل يوم يعدل ذلك فى الشهر ألف نصف أى ألف واحد وثلثمائة نصف وخمسة وستون نصفا فضة جملته فى السنة ستة عشر ألفا وثلثمائة وثمانون نصفا فضة، ومنها مرتب مقيد بدفتر المتقاعدين كل يوم ثمانية وأربعون عثمانيا يعدلها فى الشهر سبعمائة وعشرون نصفا فضة، وفى السنة ثمانية آلاف وستمائة وأربعون نصفا فضة. ومنها مرتب بدفتر جوالى مصر وقدره كل يوم ثمانية وأربعون عثمانيا.
ومنها ما أرصده بدفتر الجوالى السنوى فى كل سنة ألف نصف، وما أرصده بدفتر النطرون فى كل يوم ثلاث وزنات من النطرون المحمول من الطرانة إلى وكالة النطرون ببولاق القاهرة عنها فى كل شهر تسعون وزنة عن كل وزنة عشرون نصفا فضة يعدل ذلك كل يوم ستون نصفا فضة حكم قطيعة الديوان العالى. وجميع ما أرصده برسم أخباز المحيا الشريفة والأيتام والمولد السنوى، وعلف الأثوار والحمار المعد لحمل الأتربة
إلى الكيمان وقدره فى كل شهر سبعة عشر أردبا من الحنطة يصرف من الشون السلطانية بمصر القديمة، ثم ضم رحمه الله جميع ما وقفه على ما وقفه المرحوم بكمش العلائى قبل ذلك على مصالح زاوية سيدى عقبة، وهو قطع أطيان بناحية بهتيم من القليوبية وبناحية جزيرة القرطيين وبناحية كوم برا بالجيزة وبناحية الطرفاية بالجيزة أيضا وبناحية الفزارية وهى مدينة منفلوط وبنواح أخر، وجميع المرتب يوقف ايناخاتون فى السنة ثلاثون نصفا والمرتب بوقف طوغان البكلمشى فى السنة خمسون نصفا، وجميع المسقفات الكائنة ببولاق القاهرة والزريبية التى بخط حوض ابن غزالة ضم جميع ذلك الواقف إلى وقفه وجعله وقفا واحدا يصرف ريعه فى مصالح مقام سيدى عقبة والجامع والسبيل والمكتب وغيرها من تعلقاته، وجعل الجامع وقفا على المسلمين تتوالى فيه الصلوات والخطب فى الجمع والأعياد وتقام فيه الشعائر ويتلى فيه القرآن وتدرس فيه الأحاديث.
وأما الزاوية المجاورة للجامع فجعلها مكتبا لأيتام المسلمين يكون به فقيه قراء وعريف واثنا عشر طفلا لم يبلغوا الحلم، وجعل الصهريج سبيلا للفقراء وجميع المسلمين يملأ فى شهر طوبه من النيل، وجعل نفع الساقية عموميا للمطهرة وغيرها، والمساكن التى بجوار الجامع معدة لسكن الإمام والخدمة ولأربعة سيمانية محافظين.
وشرط أن يبدأ بالعمارة والمرمة ثم يصرف لشيخ القراء كل شهر من شهور الأهلة ستون نصفا فضة بحساب كل يوم أربعة عثامنة، وفى كل سنة اثنا عشر أردبا من القمح، ويصرف لمدرس الحديث كل يوم اثنين فى كل شهر ستون نصفا بحساب كل يوم أربعة عثامنة. وقرر لمشيخة الحديث مفتى السادة المالكية الشيخ إبراهيم اللقانى ومن بعده يقرر الناظر من هو أعلى الناس سندا، ولتسعة فقهاء مع شيخ القراء لقراءة ختمة كل ليلة اثنين فى كل شهر مائتى نصف فضة وسبعين فضة عن كل يوم لكل شخص عثمانيان، وفى السنة لكل شخص ستة أرادب قمح، ولستة من الفقهاء يحضرون درس الحديث فى كل شهر مائة وثمانين نصفا لكل واحد فى كل يوم عثمانيان، ولكل واحد فى كل سنة ستة أرادب قمح، وجعل للناظر فى كل شهر مائة وثمانين نصفا وفى كل سنة أربعة وعشرين أردبا قمحا. ويصرف للمشد فى كل شهر مائة وعشرون نصفا وفى كل شهر أردب قمح وللجابى فى كل شهر خمسة وسبعون نصفا وفى كل شهر أردب قمح، وللمباشر فى كل شهر ستون نصفا وأردب قمح ولأربعة سيمانية من رماة البندق برسم المحافظة /فى كل شهر ثلثمائة وستون نصفا لكل واحد فى اليوم ستة عثامنة ولكل واحد فى الشهر أردب قمح ومن مات منهم يقرر الناظر بدله، ولخطيب الجمع والعيدين مائة وخمسون
نصفا عن كل يوم عشرة عثامنة وأردب قمح شهريا، وللإمام فى الشهر مائة وخمسون نصفا وأردب قمح، وللمرقى خمسة وأربعون نصفا وأردب شهريا ولثلاثة مؤذنين شهريا مائتان وخمسة وعشرون نصفا لكل واحد فى اليوم خمسة عثامنة ولكل أردب قمح شهريا، وللمزملاتى يسقى الناس من الظهر إلى العصر وفى رمضان من الغروب إلى الفجر مائة وعشرون نصفا وأردب قمح شهريا، ولرجل يملا بيوت الأخلية تسعون نصفا شهريا ولرجلين برسم الفرش والكنس للمقام والجامع مائة وخمسون نصفا شهريا ولكل منهما أردب قمح، وللبواب خمسة وسبعون نصفا وأردب شهريا، ولو قاد القناديل خمسة وسبعون نصفا وأردب، ولكناس الأخلية والمطهرة ستون نصفا وأردب، ولكناس الحوش ستون نصفا وأردب وللطباخ تسعون نصفا ونصف أردب، ولرجلين برسم نقابة الفقراء لتوزيع الأطعمة لكل منهما ستون نصفا وأردب، ولمؤدب الأطفال تسعون نصفا شهريا وكل يوم سبعة أرغفة زنة الرغيف ثمان أواق وللعريف ستون نصفا فى الشهر.
جملة المصاريف المارة فى كل شهر (ألفان وثمانمائة وخمسة أنصاف فضة) وهى فى السنة (ثلاثة وثلاثون ألفا وثلثمائة وستون نصفا فضة).
ومن القمح المتحصل من أراضى الوجه القبلى أربعمائة وأربعة عشر أردبا فى السنة، ويصرف أيضا فى ثمن أربعة آلاف راوية من ماء النيل أربعة آلاف وخمسمائة نصف، وفى ثمن سلاسل نحاس وقناديل خمسمائة نصف، وفى ثمن حصر ألف وخمسمائة ذراع بالمصرى تسعمائة نصف، وفى ثمن ثوب أخضر لكسوة المقام الشريف ألف نصف ويجدد فى كل سنتين مرة والكسوة القديمة للفراشين، وفى ثمن دلاء وسلب ونحو ذلك ستمائة نصف وثمن بخور فى ليالى المحياة الشريفة ثلثمائة وستون نصفا ولتسعة قناطير زيتا طيبا سبعمائة نصف، ولمائة رطل من الشمع السكندرى ألف ومائتا نصف عن كل رطل اثنا عشر نصفا، ولأجرة الخبيز وحمله والترّاسين ألف وخمسمائة نصف، ولغسل الصهريج ونزحه مائة نصف، ولمهمات الساقية والحوض وسقى البستان من طوانس وأجرة نجار وخلافها كل سنة ثلاثة آلاف نصف، وأجرة مسافر وسفينة لإحضار الغلال ألفان وستمائة نصف، ولشيخ العرب مقدم درك القرافة وجماعته مائة وعشرون نصفا، وللوازم المحياة كل ليلة اثنين فى السنة ثمانية آلاف نصف فضة منها ثمن ويبة ونصف أرزا يطبخ بالأوز أربعون نصفا، ومنها ثمن اثنى عشر رطلا لحما ثمانية عشر نصف فضة عن كل رطل نصف فضة ونصف نصف فضة، وثمن اثنى عشر رطلا سمنا بقريا اثنان وأربعون نصفا لكل رطل ثلاثة أنصاف ونصف نصف وثمن خمسة وعشرين رطلا من العسل القطر
خمسة وعشرون نصفا لكل رطل نصف فضة وثمن ربع حمص ثلاثة أنصاف، ولخمسة وعشرين رطلا بصلا ثلاثة أنصاف، وللفلفل والملح أربعة أنصاف، ولحملة حطب خمسة عشر نصفا ولرطل بن محمص مدقوق عشرة أنصاف، ويصرف فى كل ليلة اثنين أردبان خبز قرصة ستمائة رغيف زنة الرغيف ثمان أواق.
ويصرف برسم المولد فى شهر شعبان كل سنة ألفا نصف فضة ولمشترى أردب أرز مائة وخمسون نصفا، ويشترى مائة وخمسون رطلا لحما وأربعون رطلا سمنا وخمسون رطلا عسل نحل وعجل جاموس بثلثمائة نصف فضة. وعشر حملات حطب وأزيار ومواجير وقلل وكيزان بمائة نصف، وعشرة أرطال بن وأوقية بخور عود بستين نصفا وأربعة أرطال ماء ورد بعشرين نصفا وويبة حمص بخمسة عشر نصفا وقنطار بصل بخمسة عشر نصفا ولثلثمائة قنديل تسعون نصفا وللفراشين والوقادين تسعون نصفا ولأربعة أشخاص لتسبيل الماء ثلاثون نصفا وأجرة قهوجى كذلك، وثمانية أرادب قمح تعمل ألفين وأربعمائة رغيف تصرف للأيتام والمؤدب والخليفة فى العشر الأخير من رمضان وثمن كسوة للفقيه مائتان وخمسون نصفا وثمن بفتة ستون نصفا وثمن ألاجة عشرون وثمن شاش ستون وثمن قميص عشرون وثمن طاقية عشرة، وأجرة الخياطة عشرون وبابوج عشرون وكسوة الخليفة مائتان وسبعة عشر نصفا، ولكل طفل ثمن ألاجة عشرون نصفا وثمن قميص خمسة عشر وثمن طاقية ثمانية أنصاف وثمن شد سبعة وثمن بابوج ستة، وفى كل صبح لكل يتيم رغيفان وكل من بلغ قطعه الناظر ورتب غيره.
وعين الواقف مرتب الجراية بالشون الشريف كل شهر سبعة عشر أردبا عنها فى السنة مائتان وأربعة أرادب بكيل الشون يعدلها بالكيل الكامل مائة وثلاثة وثمانون أردبا ونصف أردب ونصف ثمن أردب منها مائة وخمسون أردبا برسم المحياة والمولد والأيتام والفقيه والخليفة. فللمحياة فى السنة مائة أردب وللمولد ثمانية أرادب وللأيتام والفقيه /والخليفة اثنان وأربعون أردبا، ولعلف الأثوار والحمير ثلاثة وثلاثون أردبا ونصف أردب ونصف ثمن أردب من القمح يعدل ذلك بحساب الفول خمسون أرباد وربع أردب ونصف ثمن وربع ثمن من أردب.
فصار جميع مصاريف الوقف من الفضة السلطانية خمسة وستين ألفا وخمسمائة وثمانين نصفا ما هو على الوظائف والمرتبات ثلاثة وثلاثون ألفا وستمائة وستون نصفا، وما هو على المشتريات عشرون ألفا وأربعمائة وعشرون نصفا، وما هو على المحياة ثمانية آلاف وعلى المولد ألفان، وكسوة الأيتام والفقيه والخليفة ألف وخمسمائة نصف.
وشرط الواقف النظر لمن يكون أغاة طائفة المحافظين وشرط: أن يتوجه الناظر فى الشهر مرة للنظر فى مصالح الوقف وعزل من قصر فى خدمته وترتيب بدله وكذا إذا غاب واحد منهم لغير الحج الشريف. وأن يصرف فى كل سنة لمحاسب الوقف ثلثمائة نصف فضة، وأن لاّ يبدل شيئا من شروط الوقف وإذا بدل يكون معزولا قبل التبديل بخمسة عشر يوما. وشرط وظيفة الشادية لكتخدا طائفة المحافظين والجباية لمن يكون جاويشا صغيرا لطائفة المحافظين.
وقد تم ذلك فى شهر ربيع الثانى سنة ست وستين وألف من الهجرة النبوية. انتهى باختصار من كتاب وقفية هذا الواقف عليه سحائب الرحمة والرضوان.
وفى نزهة الناظرين: أن الوزير محمدا باشا أبا النور السلحدار قد عمّر فى ولايته على مصر مقام سيدى عقبة رضي الله عنه وجدده ورتب له الخيرات الجارية إلى يومنا هذا، وأمر بترميم الجوامع وتبييضها فلقبه السادة الوفائية بأبى النور. وكانت توليته على مصر فى خامس شعبان سنة اثنتين وستين وألف فأقام وزيرا ثلاث سنين وتسعة أشهر وأربعة أيام، ثم قام عليه جماعة الفقارية وأنزلوه من القلعة قهرا عليه وأسكنوه فى خان حسن أفندى بسوق السلاح انتهى، ولم يذكر تاريخ وفاته.
والمشاهد فى هذا المسجد الآن أنه باق على هذه العمارة وعلى إزاره فى البائكة القبلية قصيدة البردة، وفى الحائط بجوار القبلة من الجهة الشرقية حجر منقوش فيه:{(إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)} الآية
(1)
هذا قبر عقبة بن عامر الجهنى حامل راية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبدائر القبة منطقة خشب منقوش فيها آية الكرسى، وتجاه اللوح الرخام المنقوش قطعة حجر من الحجر الأسود اللماع.
وهناك قبور جماعة من الأفاضل فعن يمين الداخل قبر الشيخ إبراهيم خادم سيدى عقبة عليه كتابة فيها تاريخ سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف وتجاهه قبر الشيخ خليل العقبى. وفى الضوء اللامع للسخاوى: أن قاسم بن قطلوبغا وربما لقب الشرف أبا العدل السودونى نسبة لمعتق أبيه سودون الشيخونى نائب السلطنة الجمال الحنفى ويعرف بقاسم الحنفى، ولد فيما قاله فى المحرم سنة اثنتين وثمانمائة بالقاهرة وتعلل مدة طويلة بمرض حاد وتنقل لعدة أماكن إلى أن تحول قبيل موته بيسير بقاعة بحارة الديلم فلم يلبث أن مات فيها فى ليلة الخميس رابع ربيع الآخر سنة تسع وسبعين، وصلى عليه من الغد تجاه
(1)
سورة التوبة: 18.
جامع الماردانى فى مشهد حافل ودفن على باب المشهد المنسوب لسيدى عقبة عند أبويه وأولاده.
مات أبوه وهو صغير فنشأ يتيما وحفظ القرآن وكتبا، وتكسب بالخياطة وقتا وبرع فيها بحيث كان يخيط بالأسود فى البغدادى فلا يظهر، ثم أقبل على الاشتغال فسمع تجويد القرآن على الزراتيتى وبعض التفسير على العلاء البخارى، وأخد علوم الحديث عن التاج أحمد الفرغانى النعمانى قاضى بغداد وغيره، والفقه عن أول الثلاثة والسراج قارئ الهداية والمجد الرومى وآخرين، وأصوله عن العلاء والسراج والشرف السبكى، وأصول الدين عن العلاء والبساطى، والفرائض والميقات عن ناصر الدين البار ينارى وغيره، والعربية عن العلاء ونحوه، والصرف عن البساطى، والمعانى والبيان عن العلاء والنظام والبساطى، والمنطق عن السبكى.
واشتدت عنايته بملازمة ابن الهمام من سنة خمس وعشرين حتى مات، وارتحل قديما مع شيخه التاج النعمانى إلى الشام بحيث أخذ عنه جامع مسانيد أبى حنيفة للخوارزمى وعلوم الحديث لابن الصلاح وغيرهما، وأجاز له فى سنة ثلاث وعشرين، وكذا دخل الاسكندرية وقرأ بها على الكمال بن خير وغيره، وحج غير مرة وزار بيت المقدس، وعرف بقوة الحافظة والذكاء وأشير إليه بالعلم وأذن له غير واحد بالإفتاء والتدريس، ووصفه ابن الديرى بالشيخ العالم الذكى، وآخرون بالإمام العلامة المحدث الفقيه الحافظ وأقبل على التأليف من سنة عشرين وهلم جرا.
ومما صنفه: شرح قصيدة ابن فرج فى الاصطلاح، وشرح منظومة ابن الجزرى، وحاشية على كل من شرح ألفية العراقى والنخبة وشرحها، وتخريج عوارف المعارف للسهروردى، وأحاديث كل من الاختيار شرح المختار فى مجلدين، والبزدوى فى أصول الفقه، وتفسير أبى الليث، ومنهاج الأربعين والأربعين فى أصول الدين وجواهر القرآن، وبداية الهداية للغزالى والشفاء وكتب منه أوراقا، وإتحاف الأحياء بما فات من تخريج أحاديث الإحياء، ومنية الألمعى بما فات الزيلعى، وبغية الرائد فى تخريج أحاديث شرح العقائد، ونزهة الرائض فى أدلة الفرائض، وترتيب مسند أبى حنيفة لابن المقرى وتبويب مسنده للحارثى، والأمالى على مسند أبى حنيفة فى مجلدين، ومسند عقبة بن عامر الصحابى نزيل مصر، وعوالى كل من الليث والطحاوى، وتعليق مسند الفردوس ورجال كل من الطحاوى فى مجلد، والموطأ لمحمد بن الحسن والآثار له، ومسند أبى حنيفة لابن المقرى، وترتيب كل من الإرشاد للخليلى فى مجلد، والتمييز للجوزقانى فى مجلد، وأسئلة الحاكم للدارقطنى، ومن روى عن أبيه عن جده فى مجلد، والاهتمام الكلى بإصلاح ثقات العجلى
فى مجلد، وزوائد العجلى جزء لطيف وزوائد رجال كل من الموطأ ومسند الشافعى وسنن الدارقطنى على الستة والثقات ممن لم يقع فى الكتب الستة فى أربع مجلدات، وتقويم اللسان وفى الضعفاء فى مجلدين، وفضول اللسان، وحاشية على كل من المشتبه والتقريب، والأجوبة عن اعتراض ابن أبى شيبة على أبى حنيفة فى الحديث، وتبصرة الناقد فى كيد الحاسد فى الدفع عن أبى حنيفة، وترصيع الجوهر النقى كتب منه إلى أثناء التتميم، وتلخيص صورة
(1)
مغلطاى، وتلخيص دولة الترك، ومنتقى درر الأسلاك فى قضاء مصر، وقال: إنه لم يتم. وتاج التراجم فيمن صنف من الحنفية وتراجم مشايخ المشايخ فى مجلد، وتراجم مشايخ شيوخ العصر، وقال: إنه لم يتم. ومعجم شيوخه ومجلد من شرح المصابيح للبغوى ومنها فى غيره شروح لعدة كتب من فقه مذهبه، وهى: القدورى ومختصر المنار ومختصر المختصر ودرر البحار فى المذاهب الأربعة وهو فى تصنيفين، قال: إن المطول منهما لم يتم. وأجوبة عن اعتراضات ابن العز على الهداية وأفرد عدة مسائل وهى: البسملة ورفع اليدين والأسوس فى كيفية الجلوس، والفوائد الجلة فى اشتباه القبلة، والنجدات فى السهو عن السجدات، ورفع الاشتباه عن مسألة المياه، والقول القائم فى بيان حكم الحاكم، والقول المتبع فى أحكام الكنائس والبيع، وتخريج الأقوال فى مسألة الاستبدال، وتحرير الأنظار فى أجوبة ابن العطار، والأصل فى الفصل والوصل، وشرح فرائض كل من الكافى ومجمع البحرين، وقال: إنه مزج. وكذا شرح مختصر الكافى فى الفرائض لابن المجدى وجامعه الأصول فى الفرائض، وقال: إن تصنيفه له كان فى سنة عشرين، والورقات لإمام الحرمين، ورسالة السيد فى الفرائض، وقال:
إنه مطول. وله أعمال فى الوصايا والدوريات وإخراج المجهولات، وتعليقه على القصارى فى الصرف، وحاشية على شرح العزى فى الصرف أيضا للتفتازانى وعلى شرح العقائد، وأجوبة عن اعتراضات العز بن جماعة على أصول الحنفية، وتعليقه على الأندلسية فى العروض وغير ذلك، ومما نظمه رد القول القائل:
إن كنت كاذبة التى حدثتنى
…
فعليك إثم أبى حنيفة أو زفر
الواثبين على القياس تمردا
…
والراغبين عن التمسك بالأثر
فقال:
كذب الذى نسب المآثم للذى
…
قاس المسائل بالكتاب وبالأثر
إن الكتاب وسنة المختار قد
…
دلا عليه فدع مقالة من فشر
(1)
فى الطبعة الأولى: سورة. وما أثبت عن (الضوء اللامع للسخاوى 187:6 مكتبة القدسى 1534 هـ)
وقد ذكره المقريزى فى عقوده وأرّخ مولده كما تقدم لكنه قال تخمينا قال:
وبرع فى فنون من فقه وعربية وأحاديث وغير ذلك.
وهذا المسجد مقام الشعائر إلى الآن جار عليه بعض عوائده الأصلية، ويعمل فيه كثير مما كان يعمل كليالى المحيا وخلافها إلا أنها ليست على خيراتها الأصلية كما هو العادة غالبا فى كل قديم.
ويعمل مولد لسيدى عقبة رضي الله عنه فى شعبان مع مولد الإمام الليث رضي الله عنه، ويقصده الزوار كثيرا فى ليالى الأعياد وخلافها.
وفى رحلة ابن جبير فى ذكر مشاهد بعض أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، والتابعين بقرافة مصر: أن بها مشهد معاذ بن جبل ومشهد عقبة بن عامر الجهنى حامل راية رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشهد صاحب برده ومشهد أبى الحسن صائغه صلى الله عليه وسلم، ومشهد سارية الجبل ومشهد محمد بن أبى بكر الصديق رضي الله عنهما ومشهد أولاده، ومشهد أحمد بن أبى بكر الصديق ومشهد أسماء بنت أبى بكر الصديق رضي الله عنها، ومشهد ابن الزبير بن العوام ومشهد عبد الله بن حذافة السهمى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومشهد ابن حليمة مرضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: والمقيد يبرأ من القطع بصحة ذلك وإنما رسم من أسمائهم ما وجده مرسوما/فى تواريخها. وبالجملة فالصحة غالبة لا يشك فيها إن شاء الله عز وجل اه.
وفى رحلة النابلسى
(1)
قال: قصدنا إلى زيارة عقبة بن عامر الصحابى المشهور رضي الله عنه؛ فدخلنا إلى مزاره فوجدناه عظيم البناء كامل الضياء والسناء، وفيه جامع له منارة ومنبر ومحراب تقام فيه صلاة الجمعة، وحوله بيوت عامرة ودور مسكونة بالبركات غامرة وعند مزاره سيفه وترسه معلقان عند رأسه إلى الآن؛ فوقفنا وقرأنا الفاتحة ودعونا الله تعالى. وقال الهروى فى الزيارات: وفى القرافة قبر عقبة بن عامر الجهنى. والصحيح: أن عقبة بالبصرة والله أعلم.
(قلت): والصحيح أنه فى قرافة مصر.
ترجمة سيدنا عقبة بن عامر:
ثم قال: وهو عقبة بن عامر بن عيسى بن عمرو بن عدى بن عمرو بن رفاعة بن مودود بن عدى الجهنى، وكنيته: أبو عامر سكن مصر وكان واليا عليها من قبل معاوية
(1)
راجع (الحقيقة والمجاز فى الرحلة إلى بلاد الشام ومصر والحجاز للنابلسى صفحة 198 وما بعدها تقديم وإعداد - د. أحمد عبد المجيد هريدى ط الهيئة المصرية العامة للكتاب).
وابتنى بها دارا، وكان قارئا فقيها شاعرا له الهجرة والصحبة والسابقة، وكان صاحب بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهباء التى يقودها فى الأسفار، وتوفى آخر خلافة معاوية سنة ثمان وخمسين ودفن فى مقبرتها بالمقطم وكان يخضب بالسواد كما ذكره المقريزى.
وقال النووى فى تهذيب الأسماء واللغات: عقبة بن عامر سكن دمشق وكانت له دار فى ناحية قنطرة سنان من باب توما، وسكن مصر ووليها لمعاوية بن أبى سفيان سنة أربع وأربعين وتوفى بها سنة ثمان وخمسين، وكان من أحسن الناس صوتا بالقرآن وشهد فتوح الشام، انتهى.
وترجمه الشهاب بن أبى حجلة التلمسانى وأفرده بالتأليف؛ فقال: انه السيد الإمام والسند الهمام عقبة بن عامر الجهنى المصرى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة الشريفة. وحكى عنه ابن عساكر بسنده إليه قال: «بلغنى قدوم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا فى غنيمة لى فرفضتها وقدمت المدينة، فقلت: يا رسول الله بايعنى. قال: بيعة أعرابية أو بيعة هجرية، فبايعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقمت معه؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ألا من كان ههنا من معدّ فليقم. فقام رجال فقمت معهم فقال: اجلس أنت. فصنع ذلك ثلاث مرات، فقلت: يا رسول الله أما نحن من معد؟ قال: لا. قلت: ممن! قال: أنتم من قضاعة بن مالك بن حمير». ولازم النبى صلى الله عليه وسلم، وكان من أصحاب الصّفة ومن خدّام النبى صلى الله عليه وسلم، وصاحب بغلته يقودها بحضرته الشريفة فى الأسفار. وصدر من النبى صلى الله عليه وسلم فى بعض العقبات أنه نزل عن بغلته وأمر عقبة بالركوب ومشى صلى الله عليه وسلم. وقد شهد فتوح مصر والشام وكان هو البريد إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فى فتح دمشق، ووصل المدينة الشريفة فى سبعة أيام ورجع منها فى يومين ونصف ببركة دعائه عند قبر النبى صلى الله عليه وسلم وتشفعه به فى تقريب طريقه.
وكانت مدة ولايته بمصر ثلاث سنوات وبنى بها دارا وكان من الثمانين صحابيا الذين وقفوا على قبلة جامع سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنهم.
وتوفى رضي الله عنه آخر خلافة سيدنا معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنه فى اليوم الذى توفيت فيه سيدتنا عائشة رضي الله عنها يوم الأربعاء ثامن شعبان
سنة ثمان وخمسين على الصحيح، وخلف سبعين فرسا بجعا بها ونبالها أوصى بها فى سبيل الله تعالى، ودفن بالمقطم بمقبرة أهل مصر وقبره ظاهر يتبرك به ويعرف بالإجابة ومما قيل فيه من الشعر:
سقى تربة فيها ضريح ابن عامر
…
سحائب تروى لحده وتوارى
فتى كان من أعلى الصحابة همة
…
وأكرمهم فى عسرة ويسار
أحاديثه عن سيد الخلق دوّنت
…
روى عنه منها مسلم وبخارى
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: رأيت أبى فى النوم فقلت:
ما فعل الله بك؟ قال: غفر لى ورحمنى. قلت: ما فعل الله بعقبة؟ قال: بخ بخ تركته فى الفردوس الأعلى والملائكة تحفه. وليس فى القرافة قبر صحابى ظاهرا معروفا لا خلاف فيه غير قبره.
وقد جاء: أن عمرو بن العاص رضي الله عنه مدفون معه. فيما حكاه بعضهم قال:
وأخبرنى خادم ضريحه الآن أن الذى جدد عليه هذا المشهد الملك العادل. انتهى ملخصا من جوار الأخيار فى دار القرار، وكان ذلك سببا باعثا لحضرة مولانا الوزير على أن عمّر المقام المزبور وزاد فيه توسعة اه.
قال النابلسى: وفى المقريزى أن ولايته على مصر كانت سنتين وثلاثة أشهر اه.
وفى كتاب المزارات للسخاوى: أن قبر السيد عقبة بن عامر الجهنى بالقرافة مشهور والدعاء عنده مستجاب وليس فيه اختلاف ولم يكن فى الجبانة أثبت منه. قيل: وبهذا المشهد قبر عمرو بن العاص وأبى بصرة الغفارى الصحابيين بالقبة التى أنشأها السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بعد هدم القديمة، وعند باب المشهد قبر إدريس بن يحيى الخولانى وكنيته أبو عمرو، وتوفى فى سنة إحدى عشرة ومائتين. وكان أفضل أهل زمانه.
وقيل: أنه أبو مسلم الخولانى وليس كذلك، وإلى جانب هذا المشهد مشهد معروف بمحمد بن الحنفية بن على بن أبى طالب وليس بصحيح؛ فإن المنقول عن السلف: أن أحدا من أولاد الإمام على لصلبه لم يمت بمصر. ويحتمل: أن يكون هذا من ولد محمد بن الحنفية. وعند باب مشهد عقبة قبر أبى بكر المبيض ومن شرقيه قبر ركن الدين الواعظ ومن قبليه قبر أبى القاسم عبد الرحمن الشافعى القرشى، ومعه فى الحومة جماعة من الفقهاء أولاد صولة المالكيين، ومن غربيهم قبر شهاب الدين بن حجلة وقبور أخر اه.
قال النابلسى
(1)
أيضا: وإلى جانب قبر عقبة من الجهة الأخرى قبر نوح أفندى ابن مصطفى أفندى صاحب التصانيف العديدة والرسائل فى فقه الحنفية، وله حاشية على شرح الدرر والغرر. مات فى حدود سنة ثمانين وألف، وقد عمر هو لنفسه هذا المكان الذى فيه قبره وعليه الجلالة والمهابة اهـ باختصار.
وفى خلاصة الأثر: أن نوح بن مصطفى الحنفى رومى الأصل ولد ببلاده ثم رحل إلى مصر وتديّرها، وأخذ الفقه عن عبد الكريم السوسى تلميذا بن غانم المقدسى، وقرأ علوم الحديث رواية ودراية على محمد حجازى الواعظ، وتلقن الذكر ولبس الخرقة وأخذ علوم المعارف عن العارف بالله حسن بن على الخلوتى، وسار ذكره واشتهر فى علوم عديدة سيما التفسير والفقه والأصول والكلام، وألف مؤلفات كثيرة منها: حاشية على الدرر والغرر، والقول الدال على حياة الخضر ووجود الابدال.
وكان حسن الأخلاق وافر الحشمة جم الفضائل، ولم يبرح بمصر مصون العرض والنفس متمتعا بالفضائل حتى توفى سنة سبعين بعد الألف، ودفن بالقرافة الكبرى وبنى عليه بعض الوزراء قبة عظيمة رحمه الله اه.
وعلى قبره بناء قديم متخرب ومكتوب بدائره تحت السقف بردة البوصيرى، وتجاه القبر عمود من الرخام، وهناك قبور كثيرة لأموات المسلمين.
ترجمة الشيخ فخر الدين الزيلعى:
وهناك قبر الزيلعى شارح الكنز وهو: فخر الدين عثمان بن على بن محجن البارعى قدم القاهرة سنة خمس وسبعمائة، ودرس وأفتى ونشر الفقه على مذهب أبى حنيفة وانتفع به الناس. مات رضي الله عنه فى رمضان سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة ودفن بالقرافة. قاله فى حسن المحاضرة.
وهناك قبر ذى النون المصرى رضي الله عنه عليه بناء قديم به عمود من الحجر عليه كتابة بالخط الكوفى، وبقربه قبر عليه قطعة رخام مكتوب فيها: بسم الله الرحمن الرحيم {(لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ)}
(2)
، هذا قبر الشيخ حميد خادم ذى النون المصرى سبعين سنة. توفى فى العشر الأواخر من صفر سنة أربع وثلاثين وستمائة رحم الله من ترحم عليه. وعلى باب المدفن تاريخ سنة ثمان وثمانمائة.
(1)
راجع (المصدر السابق هامش ص 131).
(2)
سورة الصافات: 61.
ترجمة ذى النون:
وسيدى ذو النون: هو أبو الفيض ثوبان بن إبراهيم كان أبوه نوبيا توفى سنة خمس وأربعين ومائتين وكان نحيفا تعلوه حمرة وليس بأبيض اللحية.
ومن كلامه رضي الله عنه: إياك أن تكون للمعرفة مدعيا أو بالزهد محترفا أو بالعبادة متعلقا، وفر من كل شئ إلى ربك. ومنه: كل مدع محجوب بدعواه عن شهود الحق لأن الحق شاهد لأهل الحق بأن الله هو الحق وقوله الحق، ومن كان الحق تعالى شاهدا له لا يحتاج إلى أن يدعى فالدعوى علامة على الحجاب عن الحق.
وكان يقول للعلماء: أدركنا الناس وأحدهم كلما ازداد علما ازداد فى الدنيا زهدا وبغضا، وأنتم اليوم كلما ازداد أحدكم علما ازداد فى الدنيا حبا وطلبا ومزاحمة، وأدركناهم وهم ينفقون الأموال فى تحصيل العلم، وأنتم اليوم تنفقون العلم فى تحصيل الأموال.
وسئل عن السفلة من الخلق من هم؟؛ فقال: من لا يعرف الطريق إلى الله ولا يتعرفه.
وكان يقول: سيأتى على الناس زمان تكون الدولة فيه للحمقى على الأكياس. والأحمق:
من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأمانى. والكيس: من دان نفسه وعمل لما بعد الموت.
وقال رضي الله عنه: إذا تكامل حزن المحزون لم تجد له دمعة وذلك لأن القلب إذارق سلا وإذا جمد وغلظ سخا. وكان يقول: إن الله تعالى أنطق اللسان بالبيان وافتتحه بالكلام وجعل القلوب أوعية للعلم؛ ولولا ذلك كان الإنسان بمنزلة البهيمة يومئ بالرأس ويشير باليد. وكان يقول: كنا إذا سمعنا شابا يتكلم فى المجلس أيسنا من خيره. وقال له رجل: إن امرأتى تقرأ عليك السلام؛ فقال: لا تقرئنا من النساء السلام. وكان يقول: لحنافى العمل وأعربنا فى الكلام فكيف نفلح؟. وكان يقول:
ليس بعاقل من تعلم العلم فعرف به ثم آثر بعد ذلك هواه على علمه، وليس بعاقل من طلب الإنصاف من غيره لنفسه ولم ينصف من نفسه غيره، وليس بعاقل من نسى الله فى طاعته وذكره فى مواضع الحاجة إليه. وكان يقول: قد غلب على العباد والنساك والقراء فى هذا الزمن التهاون بالذنوب حتى غرقوا فى شهوة بطونهم وفروجهم، وحجبوا عن شهود عيوبهم قهلكوا وهم لا يشعرون، /أقبلوا على أكل الحرام وتركوا طلب الحلال ورضوا من العمل بالعلم يستحى أحدهم أن يقول فيما لا يعلم: لا أعلم. هم عبيد الدنيا لا علماء الشريعة إذ لو عملوا بالشريعة لمنعتهم عن القبائح إن سألوا ألحوا وإن
سئلوا شحوا، لبثوا الثياب على قلوب الذئاب، اتخذوا مساجد الله التى يذكر فيها اسمه لرفع أصواتهم باللغو والجدال والقيل والقال، واتخذوا العلم شبكة يصطادون بها الدنيا فإياكم ومجالستهم.
وكان رضي الله عنه يقول: العجب كل العجب من هؤلاء العلماء كيف خضعوا للمخلوقين دون الخالق وهم يدعون أنهم أعلى درجة من جميع الخلائق؟. وقال رضي الله عنه: لما حملت من مصر فى الحديد إلى بغداد لقيتنى امرأة زمنة؛ فقالت لى:
إذا دخلت على المتوكل فلا تهبه ولا ترى أنه فوقك ولا تحتج لنفسك محقا كنت أو متهما لأنك إن هبته سلطه الله عليك، وإن حاججت عن نفسك لم يزدك ذلك إلا وبالا لأنك باهت الله فيما يعلمه، وإن كنت بريئا فادع الله تعالى أن ينتصر لك ولا تنتصر لنفسك فيكلك إليها؛ فقلت لها: سمعا وطاعة.
فلما دخلت على المتوكل سلمت عليه بالخلافة؛ فقال لى: ما تقول فيما قيل فيك من الكفر والزندقة؟ فسكت؛ فقال وزيره: هو حقيق عندى بما قيل فيه. ثم قال لى:
لم لا تتكلم؟. فقلت: يا أمير المؤمنين إن قلت: لا. كذبت المسلمين، وإن قلت:
نعم. كذبت على نفسى بشئ لا يعلمه الله تعالى منى فافعل أنت ما ترى فإنى غير منتصر لنفسى؛ فقال المتوكل: هو رجل برئ مما قيل فيه. فخرجت إلى العجوز فقلت لها:
جزاك الله عنى خيرا فعلت ما أمرتينى به فمن أين لك هذا؟؛ فقالت: من حيثما خاطب به الهدهد سليمان عليه السلام.
وكان رضي الله عنه يقول: كن عارفا واصفا. انتهى من طبقات الشعرانى، باختصار.
جامع العلوة
هذا الجامع بدرب الجنينة من خط الموسكى يطل على الخليج الناصرى، وبه أربعة أعمدة من الحجر ومنافعه كاملة وشعائره قائمة، وله أوقاف تحت نظر الحاج على شحاته ناظر مسجد سيدى عبد الكريم.
ولعله هو الجامع الذى ذكره المقريزى فى عد الجوامع بالجامع المعلق ولم يترجم له.
جامع العليمى
هذا المسجد ببولاق فى وسط بويتات تعرف بالعشش يسكنها الترّاسة وتحوهم.
وهو يشتمل على أربعة أعمدة من الحجر ومنبر من الخشب وبداخله ضريح صالح يقال له:
العليمى. يعمل له مولد كل سنة فى جمادى الآخرة، وهو مقام الشعائر كامل المنافع، وله أوقاف من العشش التى حوله يصرف عليه من ريعها.
جامع الحاج على
هذا المسجد ببولاق. أنشأه على ابن الحاج على بن حياس المعروف بباب أغات الرسائل السلطانية من بولاق، وذلك فى سنة خمس وستين وألف هجرية، ووقف عليه أوقافا مبينة فى حجة وقفيته وهو مقام الشعائر كامل المنافع من مطهرة ومئذنة وغير ذلك.
جامع الأمير على
هذا المسجد فى داخل حارة بنت المعمار بثمن الخليفة. أنشأه الأمير على تابع محمد بيك أمير اللواء فى سنة إحدى عشرة ومائتين وألف، وهو مقام الشعائر كامل المنافع من مطهرة ومئذنة وغير ذلك، وله محلات موقوفة عليه يتولى إيرادها ناظره حسين بيك طوبجى باشا للصرف عليه منه.
جامع الشيخ على البطش
هو فى شارع أبى السباع أخذ بعضه فى شارع سليمان باشا وبقى باقيه متخربا وليس به آثار تدل على تاريخ إنشائه، وفيه ضريح الشيخ على البطش عليه قبة وكان له منزل موقوف عليه فأخذ فى الشارع.
جامع سيدى على البكرى
هو جامع الشرايبى الذى بالأزبكية قرب الجامع الأحمر وقد ذكرناه فى حرف الشين مع ترجمة الشرايبى والبكرى.
جامع سيدى على الترابى
ويعرف أيضا بجامع السبع سلاطين وهو بقلعة الجبل على سورها من الجهة البحرية.
جامع الشيخ على الفراء
هذا المسجد بخط باب البحر على يسرة السالك من سوق الزلط إلى جامع أولاد عنان على رأس درب الجامع، وهو متخرب لم ببق منه إلا المنارة وبعض الأبواب.
كان تحت نظر الحاج عمر خلف الصباغ.
جامع عماد الدين
هذا الجامع بالشارع الجديد الموصل من عابدين إلى قصر النيل بجوار مسجد الشيخ ريحان، أخذ جزء منه فى الشارع وباقيه متخرب وبه أنقاضه، وبداخله ضريح يقال له: ضريح الشيخ عماد الدين، وبدائر بائكته التى من جهة القبلة مكتوب آية الكرسى بخط فارسى، وبإحدى زواياه تاريخ سنة اثنتين وسبعين وألف والناظر على أوقافه رجل يسمى رضوان جلبى.
جامع سيدى عمر بن الفارض
هذا المسجد بسفح المقطم بالقرب من مسجد سيدى شاهين الخلوتى على بابه الخارج لوح رخام مكتوب فيه: هذا مسجد العارف بالله تعالى سيدى عمر بن الفارض رضي الله عنه ونفعنا به، أمير اللواء الشريف السلطانى على بيك قازدغلى أمير الحاج حالا فى /غرة رمضان سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف.
وعلى بابه الداخل تاريخ سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف، وبه منبر وأربعة أعمدة من الرخام حاملة لبائكتين من الحجر وسقفه بلدى من الخشب وأفلاق النخل، وبه قبلتان إحداهما قديمة يكتنفها عمودان صغيران من الحجر الأسود وبداخلها أعمدة صغيرة من الحجر وبها آثار شغل قديم بالصدف، والأخرى جديدة من الحجر وله منارة، وأغلب محلاته متخربة، وبداخله ضريح سيدى عمر بن الفارض رضي الله عنه وجملة قبور، وله مرتب بالروزنامجه ويعمل له مولد كل سنة وهو تحت نظر ذرية الشيخ إسماعيل الفارض.
ترجمة سيدى عمر بن الفارض:
وفى تاريخ ابن خلكان: أن سيدى عمر هذا هو أبو حفص وأبو القاسم عمر بن أبى الحسن على بن المرشد بن على الحموى الأصل المصرى المولد والدار والوفاة المعروف
بابن الفارض المنعوت بالشرف، له ديوان شعر لطيف وأسلوبه فيه رائق ظريف ينحو منحى طريقة الفقراء، وله قصيدة مقدار ستمائة بيت على اصطلاحهم ومنهجهم وما ألطف قوله من جملة قصيدة طويلة:
أهلا بما لم أكن أهلا بموقعه
…
قول المبشر بعد اليأس بالفرج
لك البشارة فاخلع ما عليك فقد
…
ذكرت ثم على ما فيك من عوج
وله من قصيدة أخرى:
لم أخل من حسد عليك فلا تضع
…
سهرى بتشييع الخيال المرجف
واسأل نجوم الليل هل زار الكرى
…
جفنى وكيف يزور من لم يعرف
ومنها:
وعلى تفنن واصفيه بحسنه
…
يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف
وله: دو بيت ومواليا وألغاز.
وسمعت أنه كان رجلا صالحا كثير الخير على قدم التجرد جاور بمكة زادها الله تعالى شرفا زمانا، وكان حسن الصحبة محمود العشرة.
أخبرنى بعض أصحابه أنه ترنم يوما وهو فى خلوة ببيت الحريرى صاحب المقامات:
من ذا الذى ما ساء قط
…
ومن له الحسنى فقط؟
قال: فسمع قائلا يقول: ولم ير شخصه.
محمد الهادى الذى
…
عليه جبريل هبط
وكان يقول: عملت فى النوم بيتين وهما:
وحياة أشواقى إلي
…
ك وحرمة الصبر الجميل
لا أبصرت عينى سوا
…
ك ولا صبوت إلى خليل
وكانت ولادته فى الرابع من ذى القعدة سنة ست وسبعين وخمسمائة بالقاهرة، وتوفى بها يوم الثلاثاء الثانى من جمادى الأولى سنة اثنتين وثلاثين وستمائة ودفن بالغد بسفح المقطم رحمه الله تعالى.
والفارض - بفتح الفاء وبعد الألف راء وبعدها ضاد معجمة - وهو الذى يكتب الفروض للنساء على الرجال، انتهى.
وفى بدائع الزهور: أن والد شرف الدين بن الفارض كان قد برع فى علم الفرائض حتى انفرد به فى عصره، ولما مات شرف الدين بن الفارض دفن تحت العارض - بالعين المهملة - بجوار الجبل المقطم عند مجرى السيل وفيه يقول أبو الحسن الجزار:
لم يبق صيب مزنة إلا وقد
…
وجبت عليه زيارة ابن الفارض
لا غرو أن تسقى ثراه وقبره
…
باق ليوم العرض تحت العارض
كان رحمه الله تعالى فريد عصره فى التصوف وله نظم جيد فى معانى الغراميات، ومن رقائق شعره ما قاله فى الجناس:
خليلىّ إن زرتما منزلى
…
ولم تجداه فسيحا فسيحا
وإن رمتما منطقا من فمى
…
ولم ترياه فصيحا فصيحا
وقد عاشر جماعة من العلماء منهم: الشيخ شرف الدين المستديرى وجلال الدين القزوينى وأمين الدين بن الرفاعى وجلال الدين السيوطى وابن خلكان وأبو القاسم المنفلوطى والسهروردى وغيرهم، ولم يعترض عليه أحد منهم فى نظمه وكانوا فى غاية الأدب معه ودفن تحت رجلى شيخه البقال، انتهى.
وفى كتاب المزارات للسخاوى: أن سلطان المحبين شرف الدين بن الفارض رضي الله عنه تلميذ أبى الحسن على البقال صاحب الفتح الإلهى والعلم الوهبى. نشأ فى عبادة ربه وكان مهيبا من صغره. قال الشيخ نور الدين بن كمال الدين سبط الشيخ شرف الدين:
كان الشيخ معتدل القامة حسن الوجه مشربا بحمرة وإذا تواجد ازداد وجهه نورا وجمالا ويسيل العرق من وجهه حتى يسيل من تحت قدمه، وإذا حضر فى مجلس تظهر على المجلس سكينة وسكون، وكان الناس حتى أكابر الدولة يزدحمون عليه ويقصدون تقبيل يده فيمنعهم من ذلك ويصافحهم، وكانت ثيابه حسنة ورائحته طيبة وينفق نفقة متسعة ويعطى عطاء جزيلا ولا يقبل من أحد شيئا.
قال سبطه: سمعت جدى يقول: كنت فى أول تجريدى أستأذن والدى - وهو خليفة الحكم الشريف بالقاهرة ومصر - وأطلع إلى وادى المستضعفين بالجبل وآوى فيه وأقيم أياما ثم أعود لأجل بركة والدى ومراعاة قلبه فيجد سرورا برجوعى إليه ويلزمنى بالجلوس معه فى مجلس الحكم، ثم أشتاق إلى التجريد فأستأذنه وأعود إلى السياحة وما برحت كذلك حتى سئل والدى أن يكون قاضى القضاة فامتنع واعتزل الناس وانقطع إلى الله عز وجل فى الجامع الأزهر إلى أن توفى؛ فعاودت التجريد والسياحة فلم يفتح على؛
فحضرت يوما إلى المدرسة السيوفية فوجدت شيخا بقالا على بابها يتوضأ وضوءا غير مرتب فاعترضت عليه فإذا هو من أولياء الله تعالى وقال لى: إنما يفتح عليك فى مكة. فذهبت إليها وجاءنى الفتح حين دخلتها ثم انه بعد مدة رجع إلى مصر، وتوفى بالجامع الأزهر بقاعة الخطابة سنة اثنتين وثلاثين وستمائة ودفن بسفح المقطم عند مجرى السيل تحت المسجد المعروف بالعارض وصار قبره بغير حاجز عليه مدة طويلة، فلما كانت أيام السلطان أينال العلائى الأشرف قام رجل من الأتراك يقال له: تمر الإبراهيمى - عتيق الأشرف برسباى - لزيارته هو وابنه برقوق الناصرى عتيق السلطان جقمق العلائى بجماعة من جهتهم فصارا يعملان الأوقات عنده ويطعمان الطعام ويتصدقان على الفقراء، ثم فى سنة نيف وستين وثمانمائة وقف السيفى تمر عليه حصصا من أقطاعه، وأنشأ له مقاما مباركا وجعل له خادما بجامكية وجعل ناظره السيفى برقوقا، فصار يعمل به الأوقات الجليلة إلى أن ولى السلطنة قايتباى المحمودى فجعل برقوقا نائب الشام فقام ولده مقامه.
وحكى عن ابن الفارض رحمه الله تعالى: أنه كان يحب مشاهدة البحر وكان من أجل ذلك يتردد بالمسجد المعروف بالمشتهى فى أيام النيل؛ ففى بعض الأيام سمع قصّارا يقول:
قطع قلبى هذا المقطع كلما يصفو يتقطع. فما زال يصرخ ويبكى حتى ظن الحاضرون أنه مات، وله مناقب عظيمة رضى الله تعالى عنه، انتهى.
جامع عمرو بن العاص
هو بالفسطاط غنى عن التحديد. وهو أول مسجد أسس بديار مصر، وضعه الإمام عمرو بن العاص رضي الله عنه بحضور جمع من الصحابة رضي الله عنهم.
ويقال له: الجامع العتيق وتاج الجوامع ومسجد أهل الراية. وكان سيدى على وفا يسميه قاعة الفرح، وكان الشيخ إبراهيم المتبولى يسميه ميدان الأولياء.
وقد سبق الكلام عليه مبسوطا أول الجوامع لما أنه أولها وضعا فارجع إليه إن شئت.
***
حرف الغين
جامع الغرّيب
هو الجامع المعروف قديما بجامع البرقية.
قال المقريزى: هذا الجامع بالقرب من باب البرقية بالقاهرة عمره الأمير مغلطاى الفخرى أخو الأمير ألماس الحاجب وكمل فى المحرم سنة ثلاثين وسبعمائة.
وكان ظالما عسوفا متكبرا جبارا قبض عليه مع أخيه ألماس فى سنة أربع وثلاثين وسبعمائة وقتل معه انتهى.
وعرف: بالغريب - بالتصغير مع تشديد المثناة التحتية - كما عرف باب البرقية بذلك أيضا من أجل أن به ضريح شيخ يسمى بهذا الاسم كانت له كرامات وخوارق. ويعرف أيضا بجامع عبد الرحمن كتخدا الأمير المشهور صاحب العمائر الكثيرة من أجل أنه عمره بما هو عليه الآن، وهو عامر تام المنافع والمرافق وبه منبر وخطبة إلا أن المصلين به قليلون لقلة العمران حوله، وعنده مصلى الأموات وقربه جملة قبور وفى شعائره تعطيل قليل.
جامع غطاس
هذا الجامع بدرب الجماميز بقرب سراى الأمير شاهين باشا على يسرة السالك إلى السيدة زينب رضي الله عنها ويعرف بحسب الأصل بجامع ذى الفقار، وقد ذكرناه فى حرف الذال.
جامع الغمرى
هذا الجامع بسويقة أمير الجيوش فى شارع مرجوش عن يمين الذاهب من مرجوش إلى باب البحر.
أنشأه الشيخ محمد الغمرى وجعل به منبرا وخطبة. وهو يشتمل على إيوانين وثلاثين عمودا وله منارة ومنافع تامة من مطهرة وكراسى راحة وبئر ونحو ذلك، وبه خزن يسكنها جماعة من طلبة العلم بالأزهر أكثرهم من مجاورى بلاد الشرقية وشعائره مقامة إلى الغاية.
ترجمة الشيخ الغمرى:
وصاحب هذا الجامع هو كما فى الضوء اللامع للسخاوى: محمد بن عمر بن أحمد أبو عبد الله الواسطى الغمرى المحلى الشافعى، ولد بمنية غمر سنة ست وثمانين وسبعمائة تقريبا وحفظ بها القرآن، ثم قدم الأزهر واشتغل بالعلم مدة، وتكسب بالشهادة يسيرا لكونه كان فى غاية التقلل وربما كان يطوى الأسبوع الكامل ويتقوت بقشر الفول والبطيخ ونحو ذلك، وتكسب قبل ذلك ببلده وببلبيس مدة بالخياطة وفى بعض الحوانيت بالعطر حرفة أبيه، ويقال أنه كان يطلب منه الشئ فيبذله لطالبه بدون مقابل فيجئ والده فيخبره فيدعو له، وهذا يدل على خير الأب أيضا، ثم لازم التجرد وصحب غير واحد من السادات وجلّ انتفاعه بالشيخ أحمد الزاهد؛ فإنه أقبل بكليته عليه وأذن له فى الإرشاد وقطن بإشارته المحلة وأخذ بها المدرسة الشمسية فوسعها وعمل فيها خطبة، وابتنى بالقاهرة الجامع بطرف سوق أمير الجيوش بالقرب من خوخة المغازلى وكانت الخطة مفتقرة إليه، وجدد عدة جوامع فى كثير من الأماكن كانت قد دثرت، وأنشأ عدة زوايا مع مشيه على قانون السلف والتحذير من البدع وإعراضه عن بنى الدنيا لا يتناول من هداياهم شيئا إلا فى العمارة والمصالح العامة ويتواضع للفقراء ويجلّ العلماء بالقيام والترحيب.
وكان كريما وقورا وحج غير مرة وزار بيت المقدس وسلك طريق شيخه فى الجمع والتأليف مستمدا منه ومن غيره.
فمن تصانيفه: النصرة فى أحكام الفطرة، ومحاسن الخصال فى بيان وجوه الحلال، والعنوان فى تحريم معاشرة الشبان والنسوان، والحكم المضبوط فى تحريم عمل قوم لوط، والانتصار لطريق الأخيار، والرياض المزهرة فى أسباب المغفرة، وقواعد الصوفية، والحكم المشروط فى بيان الشروط، ومنح المنة فى التلبس بالسنة. فى أربع مجلدات، والوصية الجامعة وأخرى فى المناسك.
وممن أخذ عنه الكمال إمام الكاملية وأبو السعادات البلقينى والزين زكريا والعز السنباطى.
ولم يزل على حاله حتى مات فى ليلة الثلاثاء سلخ شعبان سنة تسع وأربعين وثمانمائة وصلى عليه من الغد، ودفن بجامعه الذى بالمحلة ومات وغالب الجامع لم تكمل عمارته وعجل بصلاة الجمعة فيه بمجرد فراغ الجهة القبلية. واتفق: أن شخصا من أهل الشيخ
المذكور رضي الله عنه يقال له: يلبيل. تبرع من ماله بعمارة المئذنة، انتهى.
وقد تمم بناءه ابنه الشيخ أحمد أبو العباس فى سنة تسع وتسعين وثمانمائة كما يؤخذ من بعض النقوش التى به، ولما مات رحمه الله تعالى دفن بآخرته.
وأمّا ما شاع على الألسنة وكتب على ستر الضريح من أن المدفون بذلك الضريح هو سيدى محمد فلا أصل له.
ترجمة ابى العباس الواسطى:
وقد ترجمه الشعرانى فى طبقاته؛ فقال: هو الشيخ أبو العباس الواسطى رضي الله عنه كان جبلا راسيا وكنزا مطلسما ذاهيبة على الملوك فمن دونهم وكان له كرامات كثيرة، وكان الشيخ الصالح محمد العجمى كاتب الربعة العظيمة التى بجامعه بمصر يقول:
والله لو أدرك الشيخ الجنيد رضي الله عنه سيدى أبا العباس لأخذ عنه الطريق.
وكان رضي الله عنه لا يمكن أحدا صغيرا يمزح مع كبير، ورأى مرة صبيا يغمز رجلا كبيرا فأخرجهما من الجامع ورمى حوائجهما، وكان لا يمكن أمرد يؤذن فى جامعه أيدا حتى يلتحى.
وعمر رضي الله عنه عدة جوامع بمصر وقراها، وكان السلطان قايتباى يتمنى لقاءه فلم يمكنه من ذلك، وجاءه مرة ولده السلطان محمد الناصر على حين غفلة يزوره فلما ولى قال: أخذنا على غفلة. وأحواله كثيرة مشهورة فى بلاد الريف وغيرها.
قال الشعرانى: وقد رأيته مرة واحدة حين نزل إلى بلدنا ساقية أبى شعرة فى حاجة وعمرى نحو ثمان سنين. مات رضي الله عنه فى صفر سنة خمس وتسعمائة ودفن بأخريات الجامع بمصر المحروسة رضى الله تعالى عنه، انتهى.
جامع الغورى
من هذا الاسم مسجدان: أحدهما تحت القلعة فى عرب يسار بجوار قره ميدان على بابه نقوش فى الحجر صورتها: أمر بإنشاء هذا الجامع المبارك السلطان الملك الأشرف قانصوه الغورى عز نصره فى عام خمسة وعشرين وتسعمائة، وله منارة عليها هلال نحاس وبه منبر وخطبة وفيه شبابيك معمولة بالجبس والزجاج الملون، وبداخل حائطه إزار خشب مكتوب فيه آيات من القرآن، وشعائره مقامة بنظر ديوان الأوقاف.
والجامع الآخر فى شارع الغورية بجوار الشرم والجمالون بين الأشرفية والفحامين على يمنة السالك فى الشارع من النحاسين إلى باب زويلة، وله بابان:
أحدهما: وهو الكبير على شارع الغورية تجاه التبليطة يصعد إليه بسلالم.
والثانى: تجاه باب سر الجمالون فى نهاية سوق الفحامين يتوصل منه إلى ميضأته ومراحيضه المنفصلة عنه بطريق السوق المسلوك من الفحامين إلى الوراقين.
أنشأه السلطان قانصوه الغورى مدرسة تشتمل على إيوانين كبيرين وآخرين صغيرين وجعل سقفها على البوائك من غير عمد وفرشها بالرخام الملون وكسا قبلتها ودائر حائطها إلى ارتفاع أكثر من متر بالرخام الملون أيضا، وبأعلى تلك الكسوة إزار من الرخام منقوش بالخط الكوفى به آيات من القرآن، وجعل بها منبرا من الخشب النقى بديع الصنعة يقصده السياحين للفرجة ويقال أن بها طلسما لمنع الذباب أن يدخلها. وقد حصل التنبه لذلك فلم يوجد بها ذباب، وعمل لها منارة عظيمة مرتفعة وأنشأ خانقاه وقبة ومكتبا وسبيلا.
وقد قيل أن القبة المذكورة بنيت للآثار النبوية/كما ذكر ذلك الشيخ حسن بن حسين المعروف بابن الطولونى المولود سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة فى كتابه النزهة السنية فى أخبار الخلفاء والملوك المصرية عند ذكر الملك الأشرف أبى النصر قانصوه الغورى حيث قال: وقد جدد مولانا السلطان عز نصره للمصحف العثمانى الذى بمصر المحروسة بخط مشهد الحسين رضي الله عنه جلدا بعد أن آل جلده الواقى له إلى التلف والعدم ولمكثه من زمن سيدنا عثمان إلى يومنا هذا فألهم الله تعالى مولانا المقام الشريف خلّد الله ملكه بطلبه إلى حضرته بالقلعة الشريفة، ورسم بعمل هذا الجلد المعظم المتناهى فى عمله لاكتساب أجره وثوابه، وأن يعمل له وقاية من الخشب المنقوش بالذهب والفضة وأنواع التحسين، وبرز أمره الشريف بعمارة قبة معظمة تجاه المدرسة الشريفة التى أنشأها بخط الشرابشيين بين سوق الجملون وسوق الخشيبة بمباشرة الجناب العالى الأمير ثانى بيك الخاز ندار وناظر الحسبة الشريفة وما معها، وأن تكون القبة المعظمة المأمور بعملها إن شاء الله تعالى مناظرة فى الحسن والإتقان لما سبق، كما رتبها بنظره الشريف ليكون فيها ما خصها الله تعالى به من تعظيمها بالمصحف الشريف العثمانى والآثار الشريفة النبوية، وغير ذلك من مصاحف وربعات، انتهى.
وقد وقف على جميع ذلك أوقافا جمة ورتب مرتبات كثيرة.
مطلب كتاب الوقفية:
ففى كتاب وقفيته المؤرخة بعشرين من صفر سنة إحدى عشرة وتسعمائة: أنه وقف هذه المدرسة وتوابعها بخط الشرابشيين وجميع السوق المستجد تجاه باب الجمالون المشتمل على أربعة وأربعين حانوتا، ووقف هناك قاعتين برسم الحرير بما يعلوهما من الربع، وبظاهرهما وظاهر الميضأة عشرين حانوتا، وبأسفل الساقية خمسة حوانيت وجميع سوق الجمالون والتربيعة والسوق المستجد تحت المدرسة والشقة الشرقية من سوق الخشيبة، ويشتمل ذلك على مائة وتسعة وعشرين حانوتا وحاصلين ومقعدا كلها مبينة بحدودها فى كتاب الوقفية، وأربعة حوانيت بسوق الوراقين على يمنة السالك من باب العنبريين إلى تربيعة جانى بيك، ووكالة بالوراقين أيضا تعرف بوفا الماوردى، ومكانا بباب الزهومة بقرب حمام الخشيبة ومكانا برأس حارة زويلة بقرب حمام الكويك، ووكالة وحقوقها بباب سر الجمالون تنسب قديما للسيد علاء الدين الجموى الهاشمى، وثلاثة أماكن بخط المهامزيين تشتمل على حوانيت وطباق: أحدها تجاه قيسارية جانبك/جان بك الدوادار، والثانى تجاه الدرب الموصل إلى بيت السيفى كمشبغا الجمالى، والثالث بين قاعة القاضى جلال الدين بن رسلان وشارع القصبة العظمى. ومكانا بقرب المسجد الحسينى وآخر بجواره برأس خان الخليلى، وثمانية حوانيت بخط الشرابشيين بقرب قيسارية جركس، ومكانا بين المدرسة الحلاوية ورأس خان الخليلى وفندقا بخط الخوخ السبع على يمنة السالك من دار الضرب إلى الأزهر ويعرف بخان بهادر، وخانا آخر بجواره ومطبخ السكر بحارة زويلة بدرب يعرف قديما بالجارح وحديثا بصدقة، ومكانا برحبة الأيدمرى بالقرب من مدرسة آل ملك، وبناء بأرض محتكرة برأس حارة زويلة بجوار وقف الداية المعروف بوقف محمد شاه، ومثله بالقرب من خوخة الوز ودارا بقرب ملك خوند الخاصكية ودارين بحارة الروم السفلى بدرب شعشع، ونصف مكان بجوار مسجد سيدى سام بن نوح عليه السلام تجاه سوق الباسطية، وبناء عليه حكر داخل باب سعادة بخط البزيزات بدرب زعرور وأمكنة بخط قنطرة سنقر وقبو الكرمانى؛ ومكانا أسفل الربع الظاهرى بسوق السقطيين والزموطيين، ومكانا بالخط المذكور بظاهر بيت نقيب الجيش، وعمارة بسويقة العزى بقرب بيت السيفى جانبلاط الأشرفى وبناء عليه حكر بقرب الجامع القوصونى، ومكانين بظاهر القاهرة: أحدهما فى الصاغة يعرف بإنشاء الصاحب قاسم بجوار الزقاق الموصل للمدرسة النعمانية، والثانى بخط دار النحاس بالقرب من خوخة الفقيه نصر، وطاحونا بخط الكبش ونصفا بالخط المذكور وبناء عليه
حكر بالجسر الأعظم بقرب قناطر السباع، وآخر بخط قنطرة قدادار بجوار أوقاف الصارمى إبراهيم البرد دار، وآخر بذلك الخط بجوار ربع كمشبغا ومكانا بالحسينية بقرب سويقة الصوانى، ونصف بناء محكر بخط صليبة الحسينية داخل درب الشمسى سنقر اليدبوى ومثله بظاهر باب الشعرية بالكداشيين، ومكانا بدرب ميالة بقرب الطبالة وحماما مطلا على بركة الرطلى وبناءين محكرين بدرب الطباخ على بركة الرطلى ومعصرة خارج باب القنطرة بخط المقسم وأخرى ببولاق بالقرب من جامع الواسطى وأخرى أيضا ببولاق تجاه المدرسة الجبعانية ومكانا ببولاق أيضا بالبرابخية ومكانا بشاطئ النيل، وحماما بجزيرة أروى ونصف حمام بالحلويين بخط القفاصين وبستانا بالقرب من بولاق على يمنة طالب قنطرة فم الخور وأبنية تابعة لذلك البستان وجنينة ببركة الرطلى، وأرض زراعية بالمطرية من ضواحى مصر، وأرضا بناحية منية الأمراء وبناحية بهتيم من الضواحى أيضا، وقراريط بجزيرة الذهب وجزيرة الصابوق بقرب جامع المقياس، وجزيرة بجوار ناحية القطورى من الجيزية، وجزيرة تعرف بالمليحية بجوار السكرية من الأطفيحية، وأرضا بتل بنى تميم من القليوبية وبشلقان ومنية عاصم بالقليوبية أيضا، وأرضا بمنية حبيب من الشرقية وبناحية كباد وناحية منية الخنازير ومنية نشوة وناحية فرسيس وناحية سنبو مقام الجميع من الشرقية، وأرضا بالدقهلية والمرتاحية وأرضا بمحلة روح ومنية السلامى ومنية الميمون ومحلة حسن، وناحية كنيسة وناحية دمر والخمارة وناحية طوخ بنى مزيد وناحية نسهنا والمنشاة القرعة، وبشيرى غون وشبرى زيتون وبسيسطويس وناحية متبول وسيرباى جميعها بالغربية، والتى بسيرباى رزقة خراجية شائعة فى أراضيها ومساحتها ثلثمائة وثلاثة عشر فدانا وثلثاى بالقصبة الحاكمية وأطيانا بناحية بئر شمس وبناحية هيت وبناحية بروا وبناحية الراهب الجميع بالمنوفية، وحصة عبرتها مائة وثلاثة وثلاثون دينارا ديوانية بناحيه أخشا بأبيار وأطيانا بناحية أم حكيم ومحلة بشر وناحية الحافز ومنية يزيد الجميع بالبحيرة، وأطيانا بناحية كوم أدريجة من أعمال البهنسا وبناحية ونا وسفط بوجرجاود هروط وشرونة وسفط العرفاء وكفر أهريت وناحية بنى سامط الجميع بالبهنساوية، وأطيانا بناحية سيف الماس وتعرف بكوم الزبير وأطيانا بناحية جريس وبنى أحمد وطهنشا وإبشاده وبنى سراج جميعها من أعمال الأشمونين، وأطيانا بناحية ريفه وادرنكه وطمه وبناحية ساى وبرديس كلها بالأسيوطية وذلك غير ما وقفه فى البلاد الشامية من الأطيان والعقارات المبينة فى تلك الوقفية.
وقد بين فيها أيضا صرف ريع تلك الأوقاف؛ فمن ذلك أنه يصرف لإمام المدرسة المذكورة شهريا ألف درهم ومائتان ولخطيبها شهريا ستمائة درهم، وللمرقى أربعمائة شهريا ولستة عشر مؤذنين خمسة آلاف وأربعمائة درهم شهريا ولثلاثة يقرءون بالمصحف الذى وقفه الواقف ألف درهم ومائتان، ولاثنين وعشرين يجعلون فرقتين فى وظيفة قراءة قرآن شريف أربعة آلاف وستمائة درهم، ولجماعة يقرءون سورة الكهف بعد صلاة الجمعة وينشدون الأشعار فى مدح النبى صلى الله عليه وسلم وكلام القوم بالألحان ثمانمائة درهم شهريا، وللمبخر كل يوم وقت اجتماع الناس للصلاة خمسمائة درهم؛ ولمفرق الربعة الشريفة يوم الجمعة أربعمائة درهم شهريا، ولخازن الكتب ألف وخمسمائة درهم شهريا ولاثنين بوابين مع خدمة المزملتين ألف ومائتان وأربعة وعشرون درهما، ولستة فراشين ألف وسبعمائة درهم وللوقاد ألف ومائتا درهم، ولشاد المدرسة ألف درهم ولسواق الساقية وثمن الطوانس ونحوها ألف درهم، وللكناس والرشاش للطرقات تجاه بابى المدرسة وحول القبة والخانقاه مائة وثمانون درهما.
ويصرف فى ثمن راويتين من الماء الحلو يصب فى المزملتين خمسمائة درهم، ولخادم خصى يقوم فى خدمة الحريم عند زيارتهم لما فى القبة من الأضرحة والآثار النبوية والمصحف الشريف العثمانى ألف درهم، ولثلاثة يتناوبون القراءة فى المصحف بالقبة واحد بعد الصبح وواحد بعد الظهر والثالث بعد العصر ألف ومائتا درهم.
ويصرف فى ليالى الجمع ثمن مرسين وريحان وجريد أخضر يوضع على الأضرحة مائتا درهم، ولإمام الخانقاه ستمائة درهم وللمبلغ ثلثمائة ولاثنين من أكابر العلماء بوصف مشيخة الصوفية يحضر أحدهما فى نوبة الصبح والآخر فى نوبة العصر ستة آلاف درهم ولخدمة المصحف والربعة أربعمائة درهم ولخدمة السجادة ستمائة درهم، ولثمانين صوفيا وستة عشر مادحا لكل واحد ثلثمائة درهم، ولكاتب الغيبة ستمائة درهم ولطبيب لمرضى الصوفية وأرباب الوظائف خمسمائة درهم، ولشيخ يقرأ فى صحيح البخارى ومسلم بالخانقاه فى شهر رجب وشعبان ورمضان ثلثمائة درهم شهريا ولأربعة فراشين بالقبة والخانقاه ألف وسبعمائة درهم ولخادم ميضأة الخانقاه بما يلزم له من الآلات ثلثمائة وخمسة وعشرون درهما وللوقاد بهما ستمائة درهم، ولاثنين بوابين ألف ومائتا درهم ولمفرق الخبز على الصوفية وأرباب الوظائف ثلثمائة درهم، ولأربعين يتيما من أولاد الفقراء القاصرين يتعلمون القرآن والكتابة بالمكتب أربعة آلاف درهم ولمؤدبهم ستمائة درهم ولعريفهم مائتان، ولخطاط يعلمهم حسن الكتابة ثلثمائة درهم وللمزملاتى بما يلزم له ألف درهم.
ويصرف شهريا فى معلوم نظر الوقف ثمانون دينارا منها باسم السلطان الواقف ثلاثون دينارا بما أن النظر له مدة حياته ومن بعده تصرف لسلطان مصر من ملوك الإسلام على أن يكون ناظرا أول، ومن ذلك عشرون دينارا للناظر الثانى وعشرون لاثنين/من خواص الواقف يتكلمان فى مصالح الوقف وعشرة للنائب على الوقف.
ويصرف للشادين والمباشرين والشهود والجابى والبرددار والصيرفى واحد وعشرون ألفا وأربعمائة درهم شهريا، ولاثنين مهندسين واثنين سباكين واثنين مرخمين وواحد نجار ألف وثلثمائة وخمسون درهما شهريا.
ويصرف من الخبز الحنطة كل يوم سبعمائة وثمانية وثمانون رغيفا زنة الرغيف رطل بالمصرى للموظفين بالمدرسة والخانقاه والقبة والسبيل والمكتب ونحوها.
ويصرف ثمن زيت كل يوم ثمانية أرطال وسدس غير ما يلزم فى ليلة نصف شعبان ونحوها.
ويصرف سنويا من الزجاج والتوابيت وآلات الاستصباح بقدر الكفاية.
ويصرف سنويا توسعة للخدمة والموظفين أحد عشر ألف درهم، وفى رمضان لكسوة المؤدب والعريف والأيتام ثلاثون ألف درهم. ويصرف فى عيد النحر ثمن ثلاث خرفان لإمام المدرسة وشيخى الصوفية وثمن أربع بقرات تذبح وتفرق مع الأضحية المرتبة بديوان الذخيرة والخاص الشريف للمدرسة والخانقاه اثنا عشر ألف درهم. ويصرف فى كل شهر طوبة لملء الصهريج وغسله وتنظيفه وتبخيره اثنان وستون ألف درهم.
وبصرف فى علف بهائم الساقيتين وما يستبدل به ما يموت منها أو يعجز بقدر الكفاية.
ويصرف ما يحتاج برا وبحرا فى إحضار الغلال من النواحى وخزنها، وغير ذلك مما لا بد منه.
وشرط الواقف: أن ما فضل من الريع يحمل إليه يتصرف فيه كيف يشاء، والكلام له فى مدة حياته ومن بعده لسلطان مصر، وأن يكون الناظر الثانى من ذريته فإذا انقرضوا فلمن شرطت له النيابة عنهم.
وقد رتب للشيخ أبى الفضل محمد الأعرج كاتب نسخة الوقفية مدة حياته شهريا ثلاثين درهما ويوميا ثلاثة أرغفة، انتهى من كتاب وقفيته.
ترجمة الملك الغورى:
وفى تاريخ الخميس فى أحوال أنفس نفيس للشيخ حسين بن محمد بن الحسن الديار بكرى: أن الغورى هو الملك الأشرف أبو النصر سيف الدين قانصوه الغورى الظاهرى الأشرفى نسبته إلى طبقة الغور والى الظاهر خشقدم والى الأشرف قايتباى، فإنه كان من مماليك الظاهر خشقدم ثم انتقل إلى الأشرف قايتباى.
كان مولده فى حدود الخمسين وثمانمائة تقريبا بويع له بالسلطنة يوم الاثنين مستهل شوال سنة ست وتسعمائة بقلعة الجبل، وألبس شعار الملك وجلس على التخت فى اليوم المذكور وهو نهار عيد الفطر، وبنى فى سلطنته سور جدة ودائر الحجر الشريف وبعض أروقة المسجد الحرام وباب إبراهيم، وجعل علوه قصرا شاهقا وتحته ميضأة وبنى بركة وادى بدر وعدة خانات وآبار فى طريق الحاج المصرى منها خان فى عقبة أيلة والأزلم، وأنشأ مدرسة علو سوق الجملون بالقاهرة والتربة المقابلة لها من جهة القبلة مع أوقافها.
وأنشأ مجرى الماء من مصر العتيقة إلى قلعة الجبل وعمّر بعض أبراج الاسكندرية اه.
وفى تاريخ الاسحاقى: أنه تولى الملك سنة سبع وتسعمائة وفرح العسكر بولايته، وكان كثير الدهاء ذا فطنة ورأى إلا أنه كان شديد الطمع كثير الظلم محبا للعمارة.
وسبب توليته أن العسكر بعد أن قتلوا الملك طومان باى رأوا قانصوه لين العريكة سهل الإزالة فى أى وقت أرادوا إزالته أزالوه لأنه كان أقلهم مالا وأضعفهم حالا وأوهنهم قوة؛ فقال: أقبل بشرط ألاّ تقتلونى فإن أردتم خلعى من السلطنة فأخبرونى وأنا أوافقكم وأنزل لكم عن الملك، فعاهدوه وبايعوه.
ولما سكنت الفتنة بهذا التدبير صار يلقى الفتنة بينهم ويأخذ هذا بهذا ويلقى لهم دسائس فى الطعام من سم ونحوه حتى أفنى قرانصتهم، ثم اتخذ مماليك لنفسه فصاروا يظلمون وصار هو يصادر الناس ويأخذ أموالهم فجمع من هذا الباب أموالا عظيمة ذهبت فى الأمر سدى، وبطل الميراث فى زمانه واستغاث الناس فيه إلى الواحد القهار.
وحكى: أن جنديا من الجلبان أخذ متاعا من دلاّل ولم يرضه فى قيمته، فقال الدلال:
بينى وبينك شرع الله فضربه بدبوس فتح رأسه. وقال: هذا شرع الله وسقط الدلال مغشيا عليه فكان ذلك سببا لزوال ملكه، ولم يمض إلا قليل وقد برز بجنوده وأمواله وخزائنه
لقتال السلطان سليم خان بحلب، فجاء الخبر: أن الغورى كسرت عساكره وفقد هو تحت سنابك الخيل فى مرج دابق وهرب بقية الجراكسة إلى مصر.
وله مآثر من عمارات وخيرات منها: مدرسته التى برأس الشوائين فرغ من بنائها سنة تسع وتسعمائة، والمدفن الذى يقابلها وكان يود أن يدفن فيه:{(وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ)}
(1)
ومنها منارة الأزهر وجامع المقياس بالروضة وما جاوره من قاعات ومساكن وغير ذلك، وعمارة سبيل المؤمنين بالقرافة وعمارة بندر عقبة أيلة وتمهيد جبالها للسالك فيها وسحابة للفقراء بطريق الحاج كل سنة مستمرة إلى الآن والسواقى بمصر القديمة والمجراة منها إلى القلعة والقبة بالملقة بقرب المطرية وما يليها من الكشك والمجالس المطلة على الملقة، وعمر بمكة المشرفة باب إبراهيم/ عليه السلام، وبيوتا حوله وميضأة خارج باب إبراهيم على يمنة الخارج، ومنها ترخيم حجر البيت الشريف وبنى سور جدة وكانت بلا سور.
وكانت مدة تصرفه فى السلطنة ست عشرة سنة وثلاثة أشهر تقريبا، انتهى.
وفى نزهة الناظرين: أنه أقام سلطانا خمس عشرة سنة وتسعة أشهر وخمسة وعشرين يوما واشتد ملكه وهيبته فهابته الملوك وأرسلت قصادها إليه كملك الهند واليمن والمغرب والروم والمشرق والفرنج وفك الأسارى منهم، وكانت له المواكب الهائلة، وكانت فيه الخصال الحسنة، وكان يصرف إلى مطبخ الجامع الأزهر فى شهر رمضان ستمائة وسبعين دينارا ومائة قنطار من العسل وخمسمائة أردب قمحا، انتهى.
ومن مآثره ما ذكرناه سابقا عن كتاب وقفيته، ومنها ما فى وقفيات أخر إحداها مؤرخة سنة اثننتين وعشرين وتسعمائة وهى أماكن ثلاثة بخط الجامع الأزهر تشتمل على حوانيت ومخازن وقاعات ومساكن بجوار المدرسة الطيبرسية ومكان برحبة موقف المكارية وحوانيت ووكائل أخر بالخط المذكور، ومكان بقناطر السباع تجاه المدرسة البردبكية ومكان بخط الأكفانيين يعرف بقاعة الذهب وأمكنة وحوانيت ووكائل بسوق الوراقين وما جاوره، ومكان بالمهامزيين والعيدانيين بقيسارية العصفر وآخر بخط الرسامين بقرب وقف آل ملك وخزائن السلاح، وبناء محكر بالاخفافيين بقرب مقعد خزائن السلاح، ومكان بالخيميين بقرب خان بهادر، ودار بقرب حمام الخراطين، ومكان بقرب حمام المصبغة، وآخر بخط بين القصرين يعرف بالمستخرج، وآخر برأس
(1)
يشير إلى الآية 34 من سورة لقمان.
خان الخليلى بجوار خان يشباى وآخر برأس حارة الروم، وبناء محكر بخط الوزيرية وحوانيت بباب الشعرية بجوار ملك بن حسامى، وعشرة حوانيت بجوار الطريق الآخذة إلى باب الشعرية وسوق الخشابين وحوانيت هناك بجوار الطريق الموصلة إلى خوخة الصيارف وإلى ميدان القمح، ومكان هناك بجوار زقاق زند الفيل، وبناء معد للسقاية بباب الشعرية أيضا بجوار ملك ابن يانسون، وأمكنة بباب القنطرة بجوار باب الشعرية، ودار بحارة برجوان، وأمكنة بالكعكيين ومكان برأس سوق الجيوش ومكان بخط الحبالين بباب الفتوح وحمام وطباق ببولاق بقرب جامع الخطيرى، وأراضى زراعة بناحية ريفة وادرنكة من الأسيوطية وبناحية قيشة بلنحانا بالبحيرة وبناحية ديمة بالغربية وبناحية طيبة بالأشمونين، وبناحية سنباط ومنية النصارى من الدقهلية ومنية جناح بالغربية وبناحية الزيتون بالبهنسا وبناحية شندويل بالسيوطية، وبناحية منيل البراذعة بالشرقية ومنية كنانة بالغربية وبناحية وسيم بالجيزة ستون فدانا بالقصبة الحاكمية، وبناحية كلا الباب وبناحية شباس بالغربية وبناحية سفط بوجرج بالبهنساوية وبناحية قلتا بالمنوفية وبناحية دبا الكوم بالغربية وبناحية شرونة بهنساوية، وبناحية سليكا دقهلية وسفط العرفا بهنساوية وسفط الخمارة بالأشمونين وبناحية خرشيت غربية ومنية الرخا وتلبنت غربية وببا الكبرى بهنساوية وبناحية منية ربيع جيزية بها مائة فدان بقصبة الناحية.
وشرط: أن يصرف من ريع هذا الوقف كل سنة كلف تجهيز سحابتين صحبة الحج المصرى ذهابا وإيابا لحمل الفقراء من الحجاج وما يلزم من البقسماط والخيش والأجرة برا وبحرا وما يلزم من قرب ماء ولبد وحبال وشقادف وأكفان وأجر جمالة وعكامة وسقائين وفراشين وغير ذلك.
ويصرف شهريا ألف درهم ويوميا عشرون رغيفا لعشرة أيتام يلحقون بالأربعين السابق ذكرهم. ويصرف للعريف مائة درهم زيادة على استحقاقه وخمسة أرغفة لخادم المصحف العثمانى بالقبة. ويصرف للشيخ حسين العجمى الملحق بالصوفية شهريا ثلثمائة درهم ويوميا ثلاثة أرغفة؛ ولساقى الماء بالمدرسة فى أوقات الصلوات شهريا ثلثمائة درهم ويوميا ثلاثة أرغفة، ويزاد للميقاتيين والمؤذنين فى السنة ألف وأربعمائة درهم وللمزملائى شهريا أربعمائة درهم، وللميقاتى والمؤذنين بمنارة الأزهر شهريا ثلاثة آلاف ومائة درهم ويوميا ثلاثون رغيفا، ولكاتب الغيبة لخدمة منارة الأزهر شهريا ثلثمائة ويوميا ثلاثة أرغفة، ولنظار الأوقاف المذكورة أربعة وعشرون ألف درهم شهريا زيادة
على مرتبهم، ولكاتب الأسرار الشريفة بالديار المصرية ونائبه ألفان وخمسمائة درهم وللخصى الخادم بالقبة ألف درهم شهريا.
ويصرف كل سنة من كيهك إلى برمودة فى ثمن ماء عذب يسبل بالسبيل المذكور ثمانية عشر ألف درهم، ويصرف ما يقام به شعائر الجامع الذى أنشأه بعرب يسار عند باب القرافة.
وشرط: أن ما فضل من الريع يصرف فى العمارات وما زاد يشترى به عقارات تلحق بالوقف وتجرى عليها شروطه.
ووقف أوقافا أخرى يصرف ريعها على سبيل المؤمنين ولمسجدهم، وأوقافا يصرف ريعها على مسجد/المقياس، وكل ذلك مبين بحدوده ومقاديره فى كتاب الوقفية اه.
وكذا وقف السلطان طومان باى أوقافا جمة يصرف من ريعها على جهات منها هذا الجامع.
ففى (كتاب وقفيته) المؤرخة بسنة تسعمائة وتسع عشرة: أنه وقف أمكنة بالتبانة وبدار ابن البابا عند بركة الفيل وبدرب الخازن عند البركة أيضا، وأراضى بنواحى الدقهلية منها بناحية ظهر بنى محمد سبعمائة وتسعة وخمسون فدانا وكسر بالقصبة الحاكمية وبناحية الشرقية وعيّن ما يرسل لمكة والمدينة سنويا وهو مائة دينار وسبعة دنانير وستون دينارا لسماط أبينا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام.
ويصرف عشرة دنانير شهريا بالجامع عمرو بن العاص رضي الله عنه، وثمن خمسمائة رى لصهريج الجامع الأزهر، وعشرون دينارا ثمن عجلين لإدارة دواليب منهل عجرود ومنهل نخل. ويصرف شهريا لستة يقرءون القرآن بقبة الغورى لكل واحد دينارا. ويصرف مرتبات الخدمة من: ناظر وكاتب وشاد وشاهد ونحو ذلك وما فضل يضم لوقف الغورى ليصرف فى مصالح المدرسة والقبة والخانقاه والسبيل والمكتب اه.
وفى تاريخ ابن إياس من حوادث سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة: أن الست خوند خان الجركسية مستولدة السلطان الغورى توفيت فى شهر ربيع الأول من السنة المذكورة.
ولما أشيع موتها طلع الخليفة والقضاة الأربعة وسائر الأمراء وأعيان المباشرين وصلى عليها الخليفة عند باب الستارة، ونزلوا بها من باب من سلم الدرج وهى فى بشخانة
زركش، ومشى معها من القلعة إلى المدرسة السلطانية التى فى الشرابشيين فدفنت هناك على أولادها، وكانت جنازتها حافلة وكثر الأسف عليها، انتهى.
وفى تاريخ الجبرتى
(1)
من حوادث سنة ثلاث ومائتين وألف: أن بعض الناس أخبر قاضى العسكر أن بمدفن الغورى بداخل خزانة فى القبة بعضا من آثار النبى صلى الله عليه وسلم، وهو قطعة من قميصه وقطعة من عصاه وميل فأحضر مباشر الوقف وطلب منه إحضار تلك الآثار فأحضرها، ثم عمل لها صندوق ووضعت بداخل بقجة وضمخت بالطيب ووضعت على كرسى ورفعت على رأس بعض الأتباع وركب القاضى والنائب وصحبته بعض المتعممين مشاة بين يديه يجهرون بالصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم حتى وصلوا بها إلى المدفن ووضعوها فى داخل الصندوق ورفعوها فى مكانها بالخزانة، انتهى.
***
(1)
راجع الجزء الثانى ط القاهرة - 1322 هـ صفحه 185 وما بعدها.
حرف الفاء
جامع الفاخرى
فى المقريزى: أن هذا الجامع بسويقة الخادم الطواشى شهاب الدين فاخر المنصورى مقدم المماليك السلطانية. مات من سابع ذى الحجة سنة سبع وثمانمائة. وكان ذا مهابة وأخلاق حسنة مع سطوة شديدة. ولهم بلبان الفاخرى الأمير سيف الدين نقيب الجيوش مات فى سنة سبع وتسعين وستمائة، وولى نقابة الجيش بعد طيبرس الوزيرى وكان جوادا عارفا بأمر الأجناد خيرا كثير الترف، انتهى.
جامع السيدة فاطمة النبوية رضي الله عنها
هذا المسجد بالدرب الأحمر عن شمال الذاهب إلى القلعة فى داخل عطفة تعرف بها.
أنشأه المرحوم عباس باشا إنشاءا حسنا وجعل به ستة أعمدة من الرخام وفرشه بالحجر المنحوت، وجعل فيه منبرا من خشب ودكة وأقيمت فيه الجمعة والجماعات، وعمل له ميضأة وحنفية من الرخام فى وسط محل متسع مفروش بالحجر المنحوت يفصله من طرقة المراحيض درابزين من خشب، وله منارة وبابان: أحدهما إلى الحنفية والميضأة، والآخر إلى ضريح السيدة، وهو ضريح جليل ذو وضع جميل واقع عن يسار القبلة عليه قبة مرتفعة ومقصورة من نحاس أصفر، وخارج القبة رحبة مربعة مفروشة بالحجر المنحوت والحصر السمار والبسط، كما بلى القبلة من الجامع وخارج تلك الرحبة رحبة أخرى صغيرة عليها درابزين من الخشب يجلس فيها الخدمة.
وفى بعض الوثائق: أن الأمير سليمان أفندى الشهير بموسيو أنشأ وعمر زاوية وضريح السيدة فاطمة النبوية رضي الله عنها بقرب درب شغلان وزرع النوى داخل الدرب المعروف بالنبوية على يسرة السالك للتبانة ودرب السباع، وصرف على ذلك مبلغا قدره ستون ألف نصف من الفضة العددية، انتهى.
ولهذا المسجد أوقاف جارية عليه تحت نظر ديوان الأوقاف.
وفى مشارق الأنوار قال العلامة الأجهورى: السيدة فاطمة النبوية بنت سيدنا الحسين السبط رضي الله عنهما مدفونة خلف الدرب الأحمر بزقاق يعرف بزقاق فاطمة
النبوية فى مسجد جليل ومقامها عظيم وعليه من المهابة والجلالة والوقار ما يسر قلوب الناظرين، ولنا فيها أرجوزة عظيمة ولنا بها زيارات. وما اشتهر من أن السيدة فاطمة النبوية بدرب سعادة غير صحيح. وعلى تقدير صحته يحتمل أن يكون معبدها ويحتمل أن تكون فاطمة أخرى من بيت النبوة، انتهى لفظ سيدى عبد الرحمن الأجهورى جد سيدى على الأجهورى، انتهى.
قال الشيخ الصبان فى رسالته فى أهل البيت نقلا عن/الفصول المهمة فى فضائل الأئمة: أن الحسن بن الحسن بن على خطب من عمه الحسين إحدى ابنتيه فاطمة أو سكينة، وقال: اخترلى إحداهما. فقال الحسين: قد اخترت لك ابنتى فاطمة فهى أكثرهما شبها بأمى فاطمة الزهراء رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أما فى الدين فتقوم الليل كله وتصوم النهار، وأما فى الجمال فتشبه الحور العين، انتهى.
ويعمل لها بهذا المسجد حضرة كل ليلة ثلاثاء ومولد كل سنة نحو عشرة أيام ولها زيارات كثيرة ونذور.
جامع الفاكهانى
هو المعروف قديما بجامع الظافر. قال المقريزى: جامع الظافر بالقاهرة فى وسط السوق الذى كان يعرف قديما بسوق السرّاجين، ويعرف اليوم بسوق الشوّائين.
كان يقال له الجامع الأفخر، ويقال له اليوم: جامع الفاكهيين.
ويعرف الآن بجامع الفاكهانى، وهو من المساجد الفاطمية عمره الخليفة الظافر بنصر الله، ووقف حوانيته على سدنته ومن يقرأ فيه، وذلك فى سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، ورتب فيه حلقة تدريس وفقهاء وقراء، وكان موضعه قبل ذلك زريبة تعرف بدار الكباش.
وسبب بنائه: أن خادما رأى من مشرف عال ذباحا قد آخذ رأسين من الغنم فذبح أحدهما ورمى سكينته ومضى ليقضى حاجته، فأتى رأس الغنم الآخر وأخذ السكين بفمه ورماها فى البالوعة فجاء الجزار يطوف على السكين فلم يجدها؛ فناداه الخادم وخلص الكبش منه وبلغ ذلك أهل القصر فأمروا ببناء هذا الجامع فى موضع الزريبة، انتهى ملخصا.
وفى حوادث سنة ثمان وأربعين ومائة وألف من الجبرتى: أن هذا الجامع عمره الأمير أحمد كتخدا الخربطلى وصرف عليه من ماله مائة كيس، وكان إتمامه فى حادى
عشر شوال من السنة المذكورة، وكان المباشر على عمارته عثمان جلبى شيخ طائفة العقادين الرومى، انتهى.
ولهذا الجامع ثلاثة أبواب: أكبرها الباب الذى بشارع العقادين يصعد إليه بدرج، والآخران بحارة خشقدم وعلى مقصورته درابزين من خشب به بابان وبه عمد عظيمة ومنبر من خشب نقى، وله منارة وبصحنه صهريج وله حنفية ومطهرة وبئر، وبه خزانة كتب نافعة بها نسخة معتمدة من صحيح البخارى، وله أوقاف جارية عليه كانت تحت نظر الشيخ أحمد البشارى وشعائره مقامة فى غاية، والمصلون به كثيرون ويعقد به درس فى غالب الأوقات ويصعد إليه بسلالم وتحته حوانيت.
جامع الفخر
فى خطط المقريزى: أن من هذا الأسم ثلاثة جوامع: ببولاق القاهرة، وبالروضة تجاه مدينة مصر، وبجزيرة الفيل ما بين بولاق ومنية السيرج.
أما جامع بولاق فهو موجود تقام فيه الجمعة وكان موضعه يعرف بخط خص الكيالة، وهو مكان كان يؤخذ فيه مكس الغلال. وجامع الروضة باق أيضا تقام فيه الجمعة.
وأما جامع جزيرة الفيل فقد خرب بعد سنة تسع وسبعمائة وموضعه بجوار دار تشرف على النيل تعرف بدار شهاب الدين بن قطينة بقرب الدار الحجازية.
ترجمة الفخر:
والفخر هذا هو محمد بن فضل الله القاضى فخر الدين ناظر الجيش المعروف بالفخر.
كان نصرانيا متألها ثم أكره على الإسلام فامتنع وهم بقتل نفسه وتغيب أياما، ثم أسلم وحسن إسلامه وأبعد النصارى وحج غير مرة وتصدق فى آخر عمره فى كل شهر بثلاثة آلاف درهم نقرة، وبنى عدة مساجد بديار مصر وأنشأ عدة أحواض للسبيل فى الطرقات، وبنى مارستانا بمدينة الرملة وآخر بمدينة بلبيس.
وكان حنفى المذهب وزار القدس مرارا. وكان إذا خدمه أحد مرة صار صاحبه طول عمره، وكان يسعى فى حوائج الناس مع عصبية شديدة لأصحابه مع وجاهته عند
السلطان، وكان أولا كاتب المماليك السلطانية ثم صار إلى وظيفة نظر الجيش وصارت المملكة متعلقة به كلها إلى أن غضب عليه السلطان محمد بن قلاوون وصادره على أربعمائة ألف درهم نقرة، ثم رضى عنه وأمر بإعادة ما أخذ منه إليه فامتنع، وقال: أنا خرجت عنها للسلطان فليبن بها جامعا، فبنى بها الجامع الناصرى المعروف بالجامع الجديد بموردة الخلفاء خارج مصر.
ومات سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة وترك موجودا عظيما إلى الغاية، وإليه تنسب قنطرة الفخر التى على فم الخليج الناصرى بقرب موردة الجبس وقنطرة الفخر التى على الخليج المجاور للخليج الناصرى، وأدركت ولده فقيرا بتكفف الناس، انتهى ملخصا.
وقال السيوطى فى كوكب الروضة: جامع الفخر بالروضة ثالث جامع أنشئ بها وكان يقال له: جامع الفخر. بناه فخر الدين ناظر الجيش فى حدود سنة ثلاثين وسبعمائة، ثم جدده الصاحب شمس الدين المقسى فصار يقال له: جامع المقسى. ثم جدده الملك الأشرف قايتباى أبو النصر فزاد فيه وبالغ فى إتقانه بحيث قل أن يرى فى الجوامع مثله بهجة وذلك سنة ست وثمانين وثمانمائة، وعمل له ناعورة تدور بحمار ينقل قدميه وهو واقف لا يدور وعرف بجامع قايتباى.
ثم زاد فيه سنة إحدى وتسعين وأنشأ حوله الغراس والعمائر الحسنة انتهى.
وهو إلى الآن يعرف بجامع قايتباى وشعائره مقامة وقد ذكرنا طرفا مما يتعلق به فى حرف القاف.
جامع الشيخ فراج
هو ببولاق القاهرة فى درب الشيخ فراج به ثلاثة أعمدة من الحجر، وفى جهته البحرية ضريح يقال له: ضريح الشيخ فراج عليه مقصورة من الخشب، ويعمل له مولد فى شهر شعبان كل سنة وله حضرة كل ليلة ثلاثاء، وشعائره مقامة من ريع أوقافه، وناظره إسماعيل أفندى المهندس.
جامع الشيخ فرج
هذا الجامع بشارع سليمان باشا المستجد كان متهدما. وقد ابتدأ فى عمارته ناظره المعلم سيد أبو غريب، ثم بعد موته أكمله أولاده وصار مقام الشعائر وبداخله ضريح الشيخ فرج المذكور، وله أوقاف تعلم من الحسابات الجارى تقديمها سنويا للديوان من طرف ناظره.
جامع فيروز الجركسى
هو فى درب سعادة بجوار المنجلة عن يمين الذاهب من حارة المنجلة إلى الحمزاوى وهو متخرب ومعطل الشعائر، وله منارة وبه قبة وفوق جانب منه مساكن. وكان أولا يعرف بمدرسة فيروز الجركسى كما فى وثيقة حليمة خاتون بنت محمد الغيطاوى المؤرخة بستة ألف ومائة وسبع وثمانين.
وفى الضوء اللامع للسخاوى: أن فيروزا هذا هو الأمير فيروز الرومى الساقى الجركسى جركس القاسمى المصارع. ترقى بعده إلى أن صار ساقيا فى أواخر الأيام الناصرية فرج ثم فى الأيام المؤيدية، ودام إلى الأيام الأشرفية فحظى فى أولها ثم نفاه إلى المدينة النبوية، ثم رضى عنه وأعاده إلى وظيفته ثم عزله عنها فى مرض موته لكونه تخيل حيث امتنع من تعاطى الشيشنى من شئ أحضره إليه متعللا بالصوم أنه سم وما سلمه من القتل - كما وقع لابن العفيف ورفيقه - إلا الله؛ فلما تسلطن الظاهر استقر به زماما وخازندارا عوضا عن جوهر القنقباى فى سنة اثنتين وأربعين ولم يلبث أن عزله حين هرب العزيز من قاعة البربرية فى أوائل رمضان منها لأنه نسب إلى التقصير فى أمره مع براءته من ذلك، بل ورام نفيه فشفع فيه ولزم بيته حتى مات فى شعبان سنة ثمان وأربعين ودفن بمدرسته التى أنشأها بالقرب من داره عند سوق القرب داخل باب سعاده بالقرب من حارة الوزيرية، وقد أنشأ غيرها من الأماكن.
قال العينى: ولم يكن مشكور السيرة مع طمع زائد. وقال غيره: كان رئيسا حشما وعنده مكارم وأدب وفهم، وكان فى شبيبته جميلا ولكنه مخمول الحركات رحمه الله، انتهى.
جامع الفيلة
قال المقريزى: هو بسطح الجرف المطل على بركة الحبش المعرف الآن بالرصد، بناه الأفضل ابن أمير الجيوش بدر الجمالى سنة ثمان وسبعين وأربعمائة، وبلغت نفقته ستة آلاف دينار وأقيمت فيه الجمعة عند تمامه، وكان بجواره دير النستورية وبئر أبى سلامة وبئر النعش وماؤها يهضم الطعام وهو أصح الأمواه. وشرقى هذا الموضع: جبل المقطم والجبانة والمعافر والقرافة وآخر الاكحول وريحان ورعين والكلاع والاكسوع. وغربيه: المعشوق والنيل وبستان اليهودى إلى القبلة وطموه والأهرام وراشدة وقد خرب ما حوله فتعطل عن الجمعة والجماعة انتهى باختصار. وقد زال هذا الجامع الآن وذهبت أثاره بالمرة.
***
حرف القاف
جامع القادرية
هو من داخل باب القرافة بالقرب من مسجد السيدة عائشة النبوية رضي الله عنها على يمين الذاهب إلى الإمام الشافعى رضي الله عنه.
ويعرف أيضا بجامع علىّ - بضم العين المهملة وفتح اللام وشد الياء بصيغة التصغير - مكتوب على بابه تاريخ سنة سبع وتسعين وستمائة، وهو مقام الشعائر وبه ضريح سيدى على القادرى عليه مقصورة من الخشب الخرط، وعلى بابها تاريخ سنة سبع وتسعين وستمائة وفوقها قبة بها إزار رخام بأعلاه إزار من الخشب، وقبلته مشغولة بالرخام والصدف يكتنفها عمودان صغيران من الرخام عليها تاريخ سنة إحدى وثلاثين ومائة وألف، وبدائر القبة قرآن وتجاهها ضريحان يقال لأحدهما: ضريح سيدى أحمد والآخر ضريح سيدى حسين. وبأعلى جدران المسجد نقوش تفريغا فى الجبس فيها سورة يس، وشعائره مقامة من ريع وقفه وبجواره حوشان موقوفان عليه، ونظره لامرأة يقال لها:
حنيفة أم عثمان. ويعمل به لسيدى علىّ المذكور مولد كل سنة وحضرة كل ليلة جمعة ..
جامع قائم التاجر
هو بقلعة الكبش فى درب القطايعة وفى حجة وقفيته المؤرخة بسنة إحدى وسبعين وثمانمائة أنه بحوش قينار من خط الكبش بالقرب من بيت الأمير سيباى، وهو يشتمل على أربعة أواوين بصدر الإيوان القبلى محراب ومنبر خشب وشبابيك مطلة على الزقاق وخلوة للخطيب، وعلى يسرة الداخل باب يتوصل منه إلى المئذنة.
ولما بناه أجرى عليه مرتبات لإقامة شعائره من ريع أوقافه؛ فجعل للإمام شهريا تسعمائة درهم وللخطيب خمسمائة، وللمرقى مائتين ولخادم الربعة الشريفة ثلثمائة ولثلاثة موقتين لكل واحد مائتين ولتسعة مؤذنين لكل واحد مائتين وللبواب ثلثمائة وللفراش كذلك وللوقاد كذلك، وللقارئ فى المصحف الشريف كل يوم بالجامع شهريا كذلك.
وأما لوازم الساقية والعلوفة/وثمن الزيت فعلى حسب ما يراه الناظر انتهى.
وهو الآن متخرب وغير مقام الشعائر، وعلى بابه منقوش فى الحجر كتابة من ضمنها:
بسم الله الرحمن الرحيم {(إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)} الآية
(1)
.
وبه بئر ونخلة واحدة.
ترجمة قانم التاجر:
وقانم هذا هو كما فى (الضوء اللامع للسخاوى): قانم الجركسى المؤيدى شيخ ويعرف بالتاجر اشتراه المؤيد فى سلطنته فأعتقه وصيره من المماليك السلطانية، ثم صار خاصكيا فى أيام ابنه إلى أن أرسله الأشرف لبلاد جركس لإحضار أقاربه فتوجه ثم عاد فى حدود سنة ثلاثين فأقام دهرا ثم صار من الدوادارية، ثم تأمر إمرة عشرة ثم تأمر على الركب الأول غير مرة وتوجه لمتملك الروم ثم لمتملك العراقيين، ثم جعله أينال من أمراء الطبلخاناه ثم قدمه ثم صار فى أيام المؤيد رأس نوبة النوب، ثم جعله خشداشة الظاهر خشقدم أمير مجلس وعظم جدا ونالته السعادة وقصد فى الحوائج وشاع ذكره وعمر الأملاك الكثيرة، بل أنشأ مدرسة على ظهر الكبش بالقرب من جامع طولون وصار أتابك العساكر، ولم يزل فى ازدياد حتى مات فجأة فى صفر سنة إحدى وسبعين وثمانمائة حين دخوله الخلاء وتحدث الناس فى كونه مسموما وفى غير ذلك، وجهز وأخرج من داره المجاورة للزمامية فى سويقة الصاحب، وصلى عليه بمصلى المؤمنين بحضرة السلطان ومن دنه، ودفن بتربته بالصحراء خارج القاهرة وقد قارب السبعين.
وكان طوالا تام الخلقة مليح الوجه كبير اللحية أبيضها ضخما مهيبا وقورا معظما فى الدول قليل الكلام طالت أيامه فى السعادة رحمه الله وعفا عنه.
جامع قايتباى بقلعة الكبش
هذا المسجد بقلعة الكبش له بابان: أحدهما فى الجهة البحرية مكتوب عليه نقرا فى الحجر: أمر بإنشاء هذه المدرسة المباركة سيدنا ومولانا الشريف السلطان الملك الأشرف أبو النصر قايتباى.
والباب الثانى فى الجهة القبلية وعليه كتابة مثل الأول، وفيه أربعة ألونة بدائرها آيات من القرآن وصحنه مفروش بالرخام الملون، ومنقوش فى الجهة القبلية: أمر بإنشاء
(1)
سورة التوبة: 18.
هذه المدرسة المباركة مولانا السلطان الملك الأشرف أبو النصر قايتباى عز نصره وختم بالصالحات أعماله، وكان الفرغ من ذلك فى شهور سنة سبع وثمانين وثمانمائة.
وبه خلا للصوفية ومنبر ودكة وفى قبلته عمودان من الرخام، وبأعلاها نقرا فى الحجر:
بسم الله الرحمن الرحيم. وله منارة عليها هلال من نحاس وله مطهرة ومرافق.
وهو مقام الشعائر، وله أوقاف يصرف عليه من ريعها، وبجواره سبيل تبع له وبجوار السبيل أثر حوض كبير متهدم.
جامع قايتباى بالروضة
هذا المسجد بمنيل الروضة كان يعرف بجامع الفخر ثم عرف بجامع المقس.
ثم لما جدده الملك الأشرف قايتباى عرف به، وعمله أولا برسم مدرسة كما فى النقوش التى على بابه فإن فيها نقرا فى الحجر: «بسم الله الرحمن الرحيم، أمر بإنشاء هذه المدرسة المعظمة مولانا ذو المقام الشريف السلطان المالك الملك الأشرف أبو النصر قايتباى عز نصره سلطان الإسلام والمسلمين محيى العدل فى العالمين ناصر شريعة سيد المرسلين وباقى الكتابة قد ذهب.
وهو مبنى بالحجر الآلة ويشتمل على إيوانين كبيرين وآخرين صغيرين، وبأعلى قبلته نقشا فى الحجر:{(قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ)}
(1)
، وبه خلوتان وبصحنه شجرة لبخ وميضأة من داخل مكتوب على بابها: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {(إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)}
(2)
، ومنارته بثلاثة أدوار، وبه مكتب لتعليم الأطفال وشعائره مقامة وله أوقاف تحت نظر الديوان.
وفى حوادث سنة ست عشرة ومائتين وألف من تاريخ الجبرتى: أن هذا الجامع احترق هو وما حوله زمن الفرنسيس بسبب أن الفرنسيس كانوا يصنعون البارود بالجنينة التى بجواره وجعلوه مخزنا لما يصنعونه، ثم لما ذهبوا تركوا به جملة من البارود وجانبا من الكبريت فى أنخاخ فدخل رجل من الفلاحين معه غلام وبيد الرجل قصبة يشرب بها الدخان، ففتح ظرفا من ظروف البارود ليأخذ منه شيئا ونسى القصبة بيده فأصابت
(1)
سورة البقرة: 144.
(2)
سورة النمل: 30.
البارود فاشتعل جميعه واحترق المسجد واحترق الرجل والغلام، واستمرت النار فى سقفه طول النهار ثم بعد مدة جدد ما احترق منه وأقيمت شعائره إلى الآن.
وكان يعرف أيضا بجامع السيوطى لإقامة الشيخ جلال الدين السيوطى فيه أيام نزوله بالروضة وقد تكلمنا عليه فى جامع الفخر.
جامع قايتباى بالصحراء
هذا الجامع بالصحراء خارج القاهرة حيث القرافة الكبرى بجوار تربة سيدى عبد الغنى ومقام سيدى عبد الله المنوفى رضي الله عنه وتربة المقر الزينى ابن مزهر ناظر ديوان الإنشاء الشريف.
أنشأه السلطان الأشرف أبو النصر قايتباى وأنشأ بجواره سبيلا ومكتبا وحوضا وساقية وعمل به مدفنا لنفسه، وهو من المساجد المتينة الملوكية به كثير من الرخام الملون ونقوش كثيرة على محرابه وجدرانه، وأرضه مرتفعة يصعد إليه بدرج وشعائره /الآن مقامة قليلا، وقد كان على غاية من إقامة الشعائر كثير الوظائف والمرتبات المبينة فى كتاب وقفيته.
مطلب كتاب وقفية جامع قايتباى:
ففيها: أنه رتب له وللسبيل والمكتب مرتبات حسنة جمة فجعل للإمام فى الشهر خمسمائة درهم من الجدد النحاس، وفى اليوم ثلاثة أرغفة من الخبز زنة الرغيف رطل واحد وللخطيب كذلك، ولتسعة مؤذنين فى الشهر ألفا وتسعمائة درهم، وفى اليوم ثمانية عشر رغيفا ولاثنين قيمين على المؤذنين خمسمائة درهم ولكل منهما رغيفين، ولمشيخة الحضور فى الأوقات الخمس وقراءة الميعاد والتفسير كل يوم جمعة ثلاثة آلاف درهم شهريا وعشرة أرغفة يوميا، ولأربعين من الصوفية مع شيخهم يحضرون به كل يوم للقراءة والدعاء لكل واحد منهم خمسمائة درهم شهريا وثلاثة أرغفة يوميا ويزاد لتسعة منهم لكل واحد فى الشهر خمسون درهما، وهم قراء الصفة الستة وخادم الشيخ وخادم الربعة وكاتب الغيبة.
ويصرف لخمسة يقرءون فى المصاحف بالقبة لكل واحد مائتا درهم شهريا ورغيفان يوميا ولخازن الكتب كذلك، ولمن يقرأ الحديث ثلثمائة درهم وثلاثة أرغفة ومثله موقع
الأوقاف، ولمفرق الربعة الشريفة مائة وخمسون درهما ورغيفان وللمبخريوم الجمعة بثمن البخور ثلثمائة درهم ورغيفان، وللطواشى خادم القبة ستمائة درهم وثلاثة أرغفة، وللمعمار مائتا درهم ومثله مرخم الأوقاف، ولسباك الأوقاف مائة وخمسون درهما، ولملاحظ الخادمين ثلثمائة درهم وثلاثة أرغفة، ولبواب الباب الكبير ثلثمائة درهم ورغيفان، ولبواب الباب الصغير مائتا درهم ورغيفان، ولسوّاق الساقية ستمائة درهم وثلاثة أرغفة.
ويصرف كل ما تحتاج إليه الساقية من ثمن قواديس وطوانس وغير ذلك، ولأربعة فراشين بالقبة والجامع لكل واحد مائتان وخمسون درهما شهريا ورغيفان يوميا، وللكناس تجاه الجامع والحوض كذلك، ولاثنين وقادين لكل واحد مائتان وخمسون درهما شهريا وثلاثة أرغفة يوميا، ولعشرين يتيما بالمكتب الذى فوق السبيل بالجامع لكل واحد مائة درهم شهريا ورغيفان يوميا، ولمؤدبهم أربعمائة وثلاثة أرغفة، وللعريف مائة ورغيفان، ولكسوة الجميع سنويا خمسة عشر ألف درهم، وللمزملاتى بالسبيل الكبير خمسمائة درهم شهريا وثلاثة أرغفة يوميا ولآخر بالسبيل الصغير ثلثمائة درهم شهريا ورغيفان يوميا.
ويصرف توسعة لشيخ الصوفية كل سنة فى شهر رمضان ألف درهم، ولأربعين صوفيا لكل واحد ثلثمائة وخمسون درهما، وتوسعة أيضا لأرباب الوظائف فى شهر رمضان ألفا درهم، وثمن بقرتين يذبحان تجاه الجامع فى العيد الكبير ثمانية آلاف درهم.
وفى يوم عاشوراء توسعة لخدمة الجامع ألفا درهم هكذا فى كتاب وقفيته.
وفيه: أنه وقف عدة أماكن وأراضى زراعة من ذلك هذا المسجد وتوابعه وسبيل وصهريج بسفح الجبل المقطم بخط الحجارين عند مقطع الحجر، وسبيل ومكتب وحانوت وما فوقه بخط تحت الربع تجاه مسجد الحسنات والفتح، ودار كبيرة بخط الباطلية ومكان بدرب الأسوانى بقرب خط الجامع الأزهر، ودار بالباطلية أيضا بزقاق يعرف بدرب النفيس، ومكان بحارة الديلم قرب مدرسة الزينى كافور الزمام ونصف حمام القفاصين بقرب حارة الديلم والكعكيين، ومكان بسوق الغنم القديم قرب فندق القطر، ونصف مكان بخط السوق المذكور، ومكان به أيضا يعرف بالمناخ، ومكان كبير بظاهر باب زويلة بدرب الأوجاقى المعروف قديما بدرب المصرى بقرب أحد أبواب اليانسية، ومكان بسويقة العزى قرب مدرسة السيفى سودون ودرب الهلالية وحمامان يعرفان بحمامى الدود: أحدهما للرجال والآخر للنساء
وما جاورهما من الحوانيت بخط الشارع الأعظم تجاه زقاق حلب بجوار حوض ابن هنس بقرب المسمط، وأماكن بالراحلتين داخل درب الأكراد من الطولونية ومكان بدرب الكوجرى من الطولونية أيضا، ومكان برأس سويقة عبد المنعم قرب المدرسة القانبهية تحت القلعة على يسار السالك من الرميلة إلى الصليبة والمدرسة الشيخونية داخل خوخة تعرف بالخوارزمى، وأمكنة بالصليبة فى درب ابن البابا المعروف قديما بالسيفى تغرى بردى العلائى، وأماكن ببولاق وخان يعرف بخان العنبرى بدمشق بخط سويقة ساروجا وأراضى زراعية فى عدة بلاد.
منها ببلاد الشرقية فى ناحية منشية ابن عنبر، وبناحية البرادعة وبناحية منزل حاتم ومنية يزيد.
ومنها ببلاد الغربية بناحية طمبيخ وناحية مصطاى، وناحية قزمان وسلمون العمار وطرينا والجوهرية، وناحية بلمشت المعروفة بأبى المشط بجزيرة بنى نصر، وناحية قويسنا وسديمة وشيبين الكوم وبرك الحجر وناحية المدار.
ومنها ببلاد المنوفية فى ناحية مناوهل وناحية السنطور ومنيل موسى وبنى عمرين، وناحية الساحل ومنية القرعان وناحية تلا.
ومنها ببلاد القليوبية/فى ناحية تل بنى تميم ومنية الرخا وشبرى الأبراج المعروفة بشبرى التفتيش وناحية العطارة.
ومنها بناحية أبى النمرس من الجيزية.
ومنها بالوجه القبلى فى ناحية أرموه من أعمال الأشمونين وبناحية دروط أم نخلة من الأشمونين أيضا، وفى حاجر بنى سليمان من أعمال البهنسا، وبناحية القايات من البهنساوية.
وبيّن جهات صرف الريع فمنها: ما تقدم بيانه فى الجامع والسبيل والمكتب ولواحقها، ومنها أنه يصرف ثمن ماء عذب لملء السبيل الذى بسفح الجبل والذى بطولون بقدر الكفاية.
ويصرف لثلاثين يتيما بمكتب السبيل أسفل الربع الظاهرى لكل واحد مائة درهم نحاس شهريا ورغيفان يوميا، وللمؤدب أربعمائة درهم وثلاثة أرغفة، ولكسوتهم سنويا عشرون ألف درهم وثمن ماء السبيل المذكور شهريا ألف درهم، ولخمسة عشر يقرءون بشباك السبيل لكل واحد مائة وخمسون درهما ورغيفان، ولثلاثة يقرءون فى المصحف الشريف فى ذلك السبيل لكل واحد أربعمائة وخمسون درهما شهريا ورغيفان
يوميا، وللمزملاتى ستمائة درهم شهريا ورغيفان يوميا وثمن زيت يوقد به فى السبيل مائة وعشرون درهما شهريا، وثمن كيزان وبخور مائة وعشرون درهما سنويا.
وتوسعة فى شهر رمضان لخادم السبيل ثلثمائة درهم، وللسقاء الذى يرش الأرض تجاه السبيل مائة درهم شهريا، وفى مصالح المسجد المعلق فوق السبيل مائتا درهم شهريا وثلاثة أرغفة يوميا، ولمزملاتى السبيل بسفح المقطم ألف درهم ومائتان وأردب قمح شهريا، ولمزملاتى سبيل خط طولون خمسمائة درهم شهريا ورغيفان يوميا، ولمصالح الجامع والساقية والسبيل بناحية سلمون الغبار من الغربية عشرة آلاف درهم سنويا، ولعلوفة ثورين للساقية بناحية مناوهل سبعة عشر أردبا من القمح والفول سنويا، ولناظر الوقف ألفان ومائة درهم شهريا، ولشاد الوقف ألفا درهم وستة أرغفة ولمباشره ألف وخمسمائة درهم وأربعة أرغفة، ولشاهده ثمانمائة درهم وثلاثة أرغفة، ولجابيه وصير فيه ألف وخمسمائة درهم وستة أرغفة.
وتوسعة فى شهر رمضان غير ما تقدم بحسب الحال.
وله وقفية ثانية: وهى عمارة أنشأها بجوار الجامع الأزهر من الجهة الغربية تشتمل على أربعة عشر دكانا بينها وكالة تشتمل على ثمانية وعشرين حاصلا يعلوها سبعة وثلاثون مسكنا وقاعة بدرب الأتراك يعلوها رواق وسبيل يعلوه مكتب وساقية وبئر معينة وحوض خارج درب الأتراك ونصف مكان بخط الأبازرة والمراوحيين تجاه أحد أبواب سوق الشرب بوجهه اثنا عشر حانوتا، وباب يوصل إلى قيسارية بها ثلاثة وثلاثون حانوتا، ومكانان بخط جامع قوصون ومكان بخط معدّية فريج تجاه درب الفواخير على يمين السالك إلى بئر الفول، ومكان بأقصى خط سويقة العزى قرب درب قمارى، ومكان بدرب الماس قرب حمام حليقة بحكر العتمى المطل على بركة الفيل، ومكان بأول حارة اليانسية بالشارع الأعظم ومكان بخط الأزهر قرب موقف المكارية.
وله وقفية ثالثة: تشتمل على مكان بخط التبانة بجوار مدرسة أم السلطان وحصة فى مكان بخط جامع طولون داخل درب الرادنيين بجوار فندق ابن النقاش، ومكان بخط الأزهر بقرب موقف المكارية وأمكنة بخط قنطرة آق سنقر داخل درب البرناق، ومكان بخان الخليلى داخل درب يعرف بعمى قرب خان المقر الكمالى البارزى وبنا أرض محتكرة بالأزبكية قرب زاوية الشيخ وزير، والجامع الأزبكى بشاطئ البركة المعروف بإنشاء سيدة العجم، ومكان بخط السبع قاعات ومطبخ ومكان بجواره داخل درب شمس الدولة،
ونصف بستانين بجزيرة الوجه ببولاق أحدهما بغيط الطويل، والآخر بغيط الجندى.
أراضى زراعة بناحية قرملا من الشرقية.
وجعل هاتين الوقفيتين على قريبه السيفى تمر بن قرقماس والنظر له فى حياته ومن بعده لأولاده وأولادهم، ويصرف من إيرادهما على مصالح السبيل والمكتب والساقية والحوض التى مر بيانها مع ترتيب بواب للوكالة، انتهى من كتاب وقفيته المؤرخة بتواريخ آخرها تسعمائة رحمه الله تعالى.
وفى الضوء اللامع للسخاوى: أن قايتباى هذا هو قايتباى الجركسى المحمودى الأشرفى ثم الظاهرى أحد ملوك الديار المصرية والحادى والأربعون من ملوك الترك البهية ويلقب بدون حصر بالأشرف أبى النصر، خاتمة العظام ونابغة النظام.
ولد تقريبا سنة بضع وعشرين وثمانمائة وقدم مع تاجره محمود بن رستم فى سنة تسع وثلاثين فاشتراه الأشرف برسباى ودام بطبقة الطازية إلى أن ملكه الظاهر جقمق وأعتقه وصيره خاصيا ثم دوادارا ثالثا بعد مامية المظفرى صهر الشهابى بن العينى، ثم امتحن فى أول الدولة الأشرفية أينال ثم تراجع واستمر على دواداريته ثم ارتقى لامرة عشرة، ثم أول سلطنة الظاهر خشقدم لطبلخاناه مع شد الشربخاناه عوضا عن جانبك المشد، ثم للتقدمة ثم صار فى أيام الظاهر بلباى رأس/نوبة النوب عوضا عن خشداشة أزبك من ططخ المتوجه لنيابة الشأم، ثم لم يلبث أن استقر الظاهر تمربغا فى الملك فعمله أتابكا عوضه ثم لم يلبث أن خلع به مع تعزز وتمنع وصار الملك، وذلك قبل ظهر يوم الاثنين ثالث شهر رجب سنة اثنتين وسبعين فدام الدهر الطويل محفوفا بالفضل الجزيل، وظهر بذلك تحقيق ما سلف تصريح المحب الطوخى أحد السادات به مما أضيف لما له من الكرامات حين كون سلطاننا مع كتابيه الطباق لما تزاحم جماعة على الحمل معه لما تحصل به له الارتفاق: قم أنت أيها الملك الأشرف قايتباى؛ فكان ذلك من أفصح المخاطبات ونحوه مشافهته من محمد العراقى خادم المجد شيخ خانقاه سرياقوس كان بقوله: استفق فإنك الملك وكن من الله على حذر وإيقان. وكذا قال له حسن الطنبدى العريان فى سنة إحدى وسبعين: أنت الملك تلو هذا الآن. وهذا يعنى يشبك هو الدوادار المختار بل أرسل له فى أثناء إمرته الظاهر خشقدم مع بعض خاصيته بالبشارة بذلك إما بالفراسة أو بغيرها من المسالك فأعرض عن ذلك وتخيل وخشى من عاقبته معه لما تأمل، ثم أكد تحقيق هذه المكرمة بإرسال ذلك القاصد بعينه لما ولى التقدمة مقترنا بالسؤال
فى أن يكون نظره على أوقافه وبنيه وأخلافه جازما بذلك عازما على عدم الكتم لما هنالك.
إن الهلال إذا رأيت سموه
…
أيقنت أن سيصير بدرا كاملا
بل حكى له العلاء الحنفى نقيب الأشرف بدمشق كان أن الأمير قجماس أخبره أنه رأى فى بعض ليالى بعض الطاعون كأن أناسا توجهوا لطعن جماعة بحراب معهم، وكان هو وصاحب الترجمة قبل ترقيهما ممن راموا قصدهما بالطعن فكفهم عنهما شخص قيل أنه أنس بن مالك خادم النبى صلى الله عليه وسلم، وأخبر بارتقائهما لأمر عظيم وبزيادة هذا عليه فى الارتقاء أو كما قال وان الرائى قصها على السلطان حينئذ فأمره بكتمها عقلا ودربة، وكذا بلغنى عن بعض نواب المالكية ممن كان فى خدمته: أنه رأى كأن شجرة رمان ليس بها سوى حبة واحدة وأن صاحب الترجمة بادر وقطعها؛ فتأوله الرائى بأخذه للملك وأعلمه بذلك واستخبره عماذا يفعل به إذا صار الأمر إليه؛ فأمره بالسكوت عن هذا المنام والاستحياء من ذكر هذا الكلام لأنه ليس فى هذا المقام. وعندى فى تأويله أيضا أنه خاتمة العنقود إذ من عداه لا يفى بالمقصود لما اجتمع فيه من الخصال التى لا توجد مفرقة فى سائر الأقران والأمثال، وأيضا ففى خصوصية الرمان مكثه طويل الزمان ولما استقر فى المملكة أخذ فى الإبقاء والعزل والأخذ والبذل والتحرى لما يراه العدل والتقريب والترحيب والتهديد والتمهيد إلى غير ذلك، والتفت للمشى فى الجوامك والرواتب ونحوها بل نقل بعض المضافات للذخيرة من الأشرف وغيره فى القلعة وغيرها إلى أوقافهم معللا بكون ثوابها يتمحض لهم لأنه فى الحذق المتوصل به لمقاصده غاية، وفى الصدق بالعزم والتجلد والثبات منتصب الراية سيما وله تهجد وتعبد وأوراد وأذكار وتلحينات وتعفف وميل لذوى الهيآت الحسنة والصفات المثنى عنها بالألسنة حتى أنه يتشوق برؤيته لابن حجر وابن الديرى فى صغره ويتلذذ بذكره لهما فى كبره، بل كثيرا ما ينشد ما تمثل به أولهما حين استقرار القاياتى فى القضاء بعد صرفه وقوله: استرحنا.
وقول الآخر: أكرهونا. مشيرا لكونه على رغم أنفه.
عندى حديث ظريف
…
بمثله يتغنى
من قاضيين يعزى
…
هذا وهذا يهنا
فذا يقول: أكرهونا
…
وذا يقول: استرحنا
ويكذبان جميعا
…
ومن يصدق منا
ويقول: مما يروم به تعظيم أولهما وتشريفه موته يعدل موت الإمام أبى حنيفة وتلاوة ومطالعة فى كتب العلم والرقائق وسير الخلفاء والملوك بحيث يسأل القضاة وغيرهم
الأسئلة الجيدة، كل هذا مع حسن المشاكلة والطول والبهاء الذى شرحه يطول.
وكان يكرر توجهه إلى الأماكن كبيت المقدس والخليل وثغور دمياط واسكندرية ورشيد وإدكو لبلوغ التأمل، وأزال كثيرا من الظلامات الحادثات، وزار من هناك من السادات وعيد بجهات من الديار المصرية بل حج فى طائفة قليلة سنة أربع وثمانين تأسيا بمن قبله من الملوك كالظاهر بيبرس والناصر محمد بن قلاوون، ووهب وتصدق وأظهر من تواضعه وخشوعه فى طوافه وعبادته ما عدّ فى حسناته سيما عند سقوط تاجه عن رأسه بباب السلام، بل بلغنى عن بعض الصالحين: أنه أخبر برؤية النبى صلى الله عليه وسلم فى المنام تلك الأيام، وأخبر بأنه من الفرقة الناجية مع أنه حج قبل ترقيه سنة أربع وأربعين، واجتهد فى بناء المشاعر العظام، وأسعد بما لم يتفق لغيره فيه الانتظام كعمارة مسجد الخيف بمنى وعملت فيه قبتان بديعتان إحداهما: على المحراب النبوى الذى بوسطه.
والثانية: على المحراب/المنفرد فى نمطه مع المنارة الفائقة والبوائك الأربعة والبوابة المرتفعة سوى بابين للمسجد شرقى ويمنى إلى غيرها من سبيل له ملاصق يعلو الصهريج الكبير.
وارتقى لمسجد نمرة من عرفة المعروف بالخليل إبراهيم فعمره، واشتمل على بائكتين لجهة القبلة لإظلال الحجاج وقبة على المحراب، وحفر بوسطه صهريجا عشرين ذراعا مع بناء المسطبة التى فى وسطه، ففاقت بهجة واتساعا ورممت قبة عرفة وبيضت مع العلمين التى تميزت بهما، وكذا درج مشعر المزدلفة بعد إصلاحه وتجديده، وعمر بركة خليص المعول عليها وأجرى العين الطيبة الصافية إليها، بل أصلح المسجد الذى هناك بحيث عم الانتفاع بكله سنة أربع وسبعين ثم عمر عين عرفة بعد انقطاعها أزيد من قرن، وأجرى إليها المياه وأصلح تلك الفساقى وعمر سقاية سيدنا العباس وأصلح بئر زمزم والمقام بل وعلو مصلى الحنفى الإمام.
وفى سنة تسع وسبعين جهز للمسجد منبرا عظيما مرتفعا مستقيما، ونصب فى ذى القعدة منها إلى غيرها من الكسوة فى كل سنة، بل أنشأ بجانب المسجد الحرام عند باب السلام مدرسة جليلة بها صوفية وفقراء وتدريس وخزانة للربعات وكتب العلم، وبجانبها رباط للفقراء والطلبة مع تفرقة خبز ودشيشة كل يوم وسبيل هائل.
وكذا أنشأ بالمدينة النبوية مدرسة بديعة بل بنى المسجد الشريف بعد الحريق، وجدد المنبر والحجرة المأنوسة وما جاورها من الجهات المحروسة والمصلى النبوى إلى غيرها من المحراب العثمانى والمنارة الرئيسية، بل رتب لأهل السنة من أهلها والواردين عليها من:
كبير وصغير وغنى وفقير ورضيع وفطيم وخادم وخديم ما يكفيه من: البر والدشيشة والخبز ما يسر.
وعمل أيضا بيت المقدس مدرسة بها شيخ وصوفية ودروس، وبكل من غزة ودمياط للاشتغال والرباط، وبصالحية قطيا جامعا بهيا تكرر نزوله فيه بل خطب به بحضرته يوم عيد الفطر الشافعى الوحيه ويوم الجمعة الخيضرى المحصن بالرفعة، وبالقرين دونها مسجدا وحوضا للبهاثم وجدد من جامع عمرو بن العاص بعض جهاته وجميع الإيوان النفيس المجاور لضريح إمامنا الشافعى بن إدريس، بل زخرف القبة وجددها وأساطينها وعمدها والمنارة وفعل كذلك بالمشهد النفيسى، وعمر إيوان القلعة مع قصرها ودهيستها وحوشها وسائر جهاتها والبحرة وقاعتها، والمقعد الذى يعلو بابها وقصرا هائلا مشرفا على القرافة، بل عمل علو أبواب الحوش قصرا وعمر جامعها الناصرى بعمل قبته بعد سقوطها ومنبره رخاما وغيرهما من أركانه وجهاته مع تبييضها وتبليطها، وفسقية هائلة وسبيلا وصهريجا مجاورين للزردخاناه وعدة سبل إلى غيرها كالمقعد الذى بحدرة البقر عند المكان الذى يفرق به الضحايا من العشر بحيث صارت القلعة من باب المدرج إلى سائر ما اشتملت عليه حتى دور الحريم ومعظم الطباق غاية فى البهجة، وأصلح المجرى الواصلة من البحر إليها، وعمر الميدان الناصرى بل وعمل هناك قصرا بديعا وإن تأخر إكماله، وأنشأ بالصحراء بالقرب من الشيخ عبد الله المنوفى تربة مرونقة وبجانبها مدرسة للجمعة والجماعات ولاجتماع الصوفية بها فى سائر الأوقات وشيخهم قاضى الجماعة ثم ابن عاشر وخطيبها البهاء بن المحرقى، وبها خزانة كتب شريفة وعمل بكل من جانبها وتجاهها ربعا للصوفية وسبيلا وصهريجا وحوضا للبهائم، ثم يعلوه مكتب للأيتام.
كل هذا سوى الربع الذى عمله الدوادار والصهريج، وكان المشارف للسلطان البدرى ابن الكويز ابن أخى عبد الرحمن وللدوادار تغرى بردى الخازندار، ثم جدد فى الرحبة التى بظهر الربع المذكور صهريجا متسعا، وبالكبش مدرسة للجمعة والجماعات بل جدد باب الكبش وعمل علوه ربعا وقفه عليها وحوضا للدواب. كان المشارف على المدرسة والحوض الاستادار، وعلى الباقى نانق المؤيدى وجدد للجاولية ربعا وحوضين بمشارفة إمامه الناصرى الاخميمى، وبالدقى تجاه الجزيرة الوسطانية جامعا حسنا، وبالروضة جامعا هائلا كان من قديم مع صغره ساقطا مائلا فهدمه، وعمل بجانبه ربعا وأنشأ خلفه قاعة صيرها مسجدا بل هناك عدة دكاكين وطاحون وغيرها بمشارفة البدرى بن الطولونى وجامع سلطان شاه هدمه ووسعه بحيث صار هو والذى قبله كالمنشئ لهما، وعمل تجاهه
ربعا علو المطهرة التى أنشأها له بمشارفة الاستادار وجامع الرحمة الذى صار فى بستان نائب جدة جدده بمشارفة شاذبك من صديق الأشرفى برسباى، والجامع الذى بجانب قنطرة قديدار يعرف بشاكر، وأنشأ جامع سلمون القبار ومنارته وبجانبه سبيلا وعدة مزارات كالمنسوب للشيخ عماد الدين بحارة السقائين، عمل قبته ومنارته بل وسع أبوابه والمقام الدسوقى والمقام الأحمدى بمشارفة مغلباى الأشرفى أينال، ويعرف بالبهلوان لهما، وزاوية اليسع قبلى جامع محمود تحت الفارض والزاوية الحمراء تجاه جامع قيدان بمشارفة البدرى أبى البقاء، والمقام الزيادى بين دهروط وطنتدا من الوجه/القبلى بل أنشأ بطنتدا زاوية بها خطبة وغيرها، وكذا عمل زاوية ظاهر الخانقاه بجوار زاوية النبتيتى بها فقراء مقيمون شيخهم محمود العجمى، وعدة جسور كالجسر الهائل ببر الجيزية وما به من القناطر، بل أنشأ فيه قناطر منها فى موضع منه عشرة متلاصقة كان الأتابكى أزبك المباشر لها، وبرجا محكما بالثغر الاسكندرى، وكذا برشيد باشر أولهما البدرى بن الكويز وغيره، وثانيهما مقبل الحسنى الظاهر جقمق وسور التروجة وعدة سبل كالذى بزيادة جامع ابن طولون التى كان الظاهر جقمق هدم البيت الذى بناه ابن النقاش بها، وآخر يعلوه مكتب للأيتام بجوار الجامع المسمى بجامع الفتح بالقرب من القشاشين تحت الربع، بل عمر منارة الجامع وساعد فى عمارته وآخر بسويقة منعم عمله بعد هدم سبيل جانبك الفقيه أميراخور كان فى الطريق، وآخر عند مقطع الحجارين من الجبل المقطم بالقرب من القلعة مع مسجد هناك، وآخر عند درب الأتراك بجوار جامع الأزهر سقى الناس عند فراغه السكر أياما ويعلوه مكتب للأيتام، وبجواره ربع متسع جدا وخان للمسافرين وحوض لسقى البهائم، بل جدد مطهرة الجامع وجاءت حسنة عم الانتفاع بها وبنى منارته التى تعلو بابه الكبير، وأمر بهدم الخلاوى المتجددة بسطحه بعد عقد مجلس فيه بحضرته لضعف عقوده وسقفه وغير ذلك، وكذا حضر إلى المدرسة السيوفية بين العواميد وطلب القضاة لاسترجاع المغصوب منها، وعمرت لإقامة الجمعة والجماعات واستيطان الفقراء بخلاويها مع ما أجراه عليهم من البر، وآخر بين المرج والزيات مع قبة وحوض تعرف بقبة مصطفى لإقامته بها بمشارفة قانصوه دوادار، وبعد مصطفى قامت بشأنها امرأة ثم ملاحظ نزيل زاوية تقى الدين بالمصنع وأحد صوفية الشيخونية وابتنى بالبند قانيين عدة أرباع متقابلة وخانين وحوانيت، وجدد مسجدا مرتفعا كان هناك، وبالقرب منها أماكن بالزجاجين كان بوسطها مسجد عند بئر عذبة وفسقية، وبالخشابين ربعين متقابلين وحواصل وبيوتا وحوضا للبهائم وغير ذلك، مع بناء مسجد
كان أيضا هناك أرضى فرفعه وحسنه، وبباب النصر ربعا ووكالة وحوانيت صار بعضها فى رحبة حاجب الجامع، بل عمل بجانبه أخلية ومطهرة صارت خلف بيت الخطابة سواء، وبالقرب من قنطرة أمير حسين بالشارع ربعا وبيت امرة وسبيلا وصهريجا، بل جدد مسجدا لطيفا كان هناك وبالدجاجين بالقرب من الهلالية ربعين متقابلين وحوانيت ووكالة وغيرها وفى وسطهما سبيل وحوض للدواب، بل حفر بئرا هناك بمشارفة جانم دوادار، كما أنه شارف عمارة بيت أركماس الظاهرى المطل على بركة الفيل أيضا، وعمارة بيت جرباش بالقرب من حدرة البقر، بل اقتطع منه ما بنى فيه رواقا ومقعدا ودوار ليكون بيتا لطيفا لأمير، وعمل مباشرة كاتب السر هناك خانا وطاحونا وفرنا وحوانيت، بل ربعا وشارف شاذبك أيضا عمارة بيت الطنبغا المرقبى بخط سويقة اللالا المطل على الخليج، وبيت فى درب الخازن معروف برد بك المعمار مطل على بركة الفيل مجاور لبيت أمامه البرهانى الكركى، وابتنى عمارة عظيمة على البركة أيضا مضافة لبيت خير بك وبيتا تجاهه أيضا، وآخر بباب سر جامع قوصون مطل عليها أيضا إلى غيرها مما لا يمكن حصره كمكان من جهة سويقة العزى يسكنه ابن الظاهر خشقدم.
وأما الأماكن المبنية والقصور العلية التى صارت إليه ممّا لا ينحصر أيضا كبيت مثقال الساقى المجاور للأزهر تملكه عند نفيه وزاد فيه ربعا وقاعات وغير ذلك، وبيت ابن عبد الرحمن الصيرفى من بين الدرب وبيت ناصر الدين بن أصيل تجاه جامع الأقمر وبيت محمد بن المرجوشى، وله فى عمائره وغيرها الغرام التام فى توسعة الشوارع، وأزال ما يكون لذلك من الموانع.
وبالجملة فلم يجتمع لملك ممن أدركناه ما اجتمع له، ولا حوى من الحذق والذكاء والمحاسن مجمل ما اشتمل عليه ولا مفصلة وربما مدحه الشعراء فلم يلتفت لذلك.
ويقول: لو اشتغل بالمديح النبوى كان أعظم من هذه المسالك، وترجمته تحتمل مجلدات من الأمور الجليات والخفيات، وقد أطال السخاوى فى ترجمته فارجع إليها إن شئت اهـ ملخصا.
وفى نزهة الناظرين: أن الملك الأشرف هو أبو النصر قايتباى الظاهرى المحمودى نسبة للخواجا محمود جالبه والظاهرى جقمق معتقه، وهو السادس عشر من ملوك الجراكسة والحادى والأربعون من ملوك الترك، بويع له يوم خلع الظاهر تمر بغا يوم الاثنين سادس رجب سنة اثنتين وسبعين. فأقام فى السلطنة تسعا وعشرين سنة وأربعة أشهر وعشرين يوما.
وتوفى يوم الأحد من شهر القعدة سنة إحدى وتسعمائة ودفن بقبة بناها بتربة بالصحراء شرقى القاهرة وقبره ظاهر يزار.
وكان ملكا جليلا وسلطانا نبيلا، له اليد الطولى فى الخيرات، والطول الكامل فى إسداء المبرات، وكانت أيامه كالطراز المذهب وهو واسطة عقد ملوك الجراكسة وأطولهم مدة، وسار فى المملكة بشهامة/ما سارها ملك قبله من عهد الناصر محمد بن قلاوون بحيث إنه سافر من مصر إلى الفرات فى طائفة يسيرة من الجند، ولم يول بمصر صاحب وظيفة دينية إلا من كان أصلح الموجودين بعد طول تروية وتمهلة، وسافر إلى الحجاز برسم الحج سنة أربع وثمانين قبل حريق المسجد النبوى فبدأ بزيارة المدينة وفرق فيها ستة آلاف دينار، ثم قدم مكة وفرق بها خمسة آلاف دينار وحج وعاد وزينت البلد لقدومه.
وأنشأ بمكة عند باب السلام مدرسة لطيفة وقرر بها شيخا وصوفية، وبجانبها رباطا للفقراء، وعمل بالمدينة المنورة مدرسة وجدد المنبر والحجر ورتب لأهل المدينة والواردين لها ما يكفيهم، وعمل ببيت المقدس مدرسة.
وأنشأ الميضأة بالجامع الأزهر والفسقية المعتبرة والسبيل والمكتب بباب الأزهر، والمقام الأحمدى، والمقام الدسوقى، وعمل مدرسة بثغر دمياط وجامعا بصالحية قطيا، وجدد من جامع عمر وبعض جهاته وعمر مدرسة بغزة، واجتهد فى بناء المشاعر كعمارة مسجد الخيف بمنى ومسجد نمرة بعرفات، وعمر بركة خليص وأجرى العين إليها وعمر عين عرفات بعد انقطاعها نحو مائة وخمسين سنة وساقية العباس، وأصلح ما بين زمزم وأرسل إلى المسجد الحرام منبرا عظيما، وله بمصر عدة مساجد وسقايات وعمارات نفيسة ومسجد بالروضة كان فى الأصل مسجد للفخر كاتب المماليك البحرية، انتهى.
جامع قايتباى الرماح
هذا الجامع تحت القلعة بالقرب من ميدان محمد على، له باب كبير جهة الميدان عليه تاريخ سنة تسعمائة وثلاثين، وباب آخر داخل درب اللبانة وهو مقام الشعائر وبه قبة مرتفعة على قبر يقال: أنه قبر قايتباى الرماح وقبر آخر لولده محمد الرماح، وبه مكتب وله أوقاف تحت نظر الديوان.
جامع قايتباى
هذا الجامع بشارع الناصرية مرتفع عن أرض الشارع بنحو أربعة أمتار، وله بابان:
أحدهما بالجهة الغربية منقوش عليه فى الحجر: بسم الله الرحمن الرحيم {(إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)}
(1)
الآية، وبجواره سبيل تابع له. والثانى بالجهة البحرية وبجواره باب الميضأة والمرافق، وهو مقام الشعائر كامل المنافع مشتمل عل أربعة ألونة عليها بوائك من الحجر بأحدها محراب يكتنفه عمودان من الرخام ومنبر خشب من الصنعة القديمة وخلوتان مكتوب على باب إحداهما: بسم الله الرحمن الرحيم {(ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ)}
(2)
. وعلى باب الثانية: بسم الله الرحمن الرحيم {(رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَ أَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ)}
(3)
. وبالإيوان الثانى خلوة مكتوب عليها: اللهم إنا نسألك يا على يا كبير يا بصير يا سميع يا قادر يا خبير اغفر للكبير والصغير يا من هو على كل شئ قدير. ويقابلها محل دواليب مكتوب عليه: اللهم إنا نسألك يا ناصر الناصرين يا مالك يوم الدين يا أنيس الذاكرين اغفر لى يا رب والمسلمين.
وسقف المسجد بلدى من الشغل القديم ومنارته بدورين ورأسين وهلالى نحاس، وبأسفله من الجهة الشرقية والقبلية جملة دكاكين موقوفة عليه، وله حوشان: أحدهما بجواره. والثانى بميدان محمد على. وإيراده شهريا مائتان وثمانون قرشا تقريبا.
جامع القبر الطويل
هذا الجامع بشارع القبر الطويل خلف مسجد شجرة الدر. كان أصله زاوية صغيرة بها ضريح يقال لصاحبه: الشيخ محمد. وكانت فى نظارة السيد خليفة الفار ثم صار نظرها للمعلم جمعة راجح رئيس طائفة البنائين فأنشأها مسجدا وزخرفه، وعمل له منارة وميضأة وكراسى راحة، وعمل على الضريح قبة مشيدة ومقصورة من الخشب وسترا من الجوخ، وذلك فى سنة خمس وثمانين ومائتين وألف، وأنشأ بجواره منازل أوقفها عليه لإقامة شعائره وجدد أيضا السبيل القديم الذى هناك والضريح الذى تجاهه المعروف بالأربعين.
(1)
سورة التوبة: 18.
(2)
سورة الحجر: 46.
(3)
سورة الأنبياء: 89.
جامع القبوة
هذا المسجد بمصر القديمة على بابه الذى على الشارع لوح رخام منقوش فيه:
أصل هذا المسجد زاوية للشيخ بدر الدين الخروبى، ثم بعد الخراب والاندراس جددها وجعلها جامعا بخطبة العبد الفقير قيونجى أحمد كتخدا عزبان وسألناكم الفاتحة سنة خمس عشرة ومائة وألف. وله باب آخر من حارة القبوة وبأسفله قبوة معقودة بالحجر يمر الناس من تحتها، وله منارة على دائرها آيات قرآنية وله مطهرة وبئر.
وهذا الجامع هو المعروف قديما بالمدرسة الخروبية وقد ذكرناها فى المدارس وقد وقف الأمير أحمد كتخدا المذكور جملة أوقاف على هذا المسجد وغيره من جهات خيرية.
مطلب صورة وقفية الأمير أحمد كتخدا:
ففى حجة وقفيته المؤرخة بسنة إحدى وعشرين ومائة وألف: أنه وقف عدة أماكن ببولاق ومصر القديمة والقاهرة ومدينة بلبيس، وأطيانا بجزيرة الفيل وبجهة الأشمونين من الصعيد، وغير ذلك من نقود عثامنة وعلوفات وجعل ذلك على ذريته وعتقائه ومن بعدهم على زاوية الشيخ سليمان الخضيرى بعد تأدية الأموال والأحكار ولوازم العمارة، وبعد أن يصرف فى كل سنة خمسة وعشرون ألف نصف ومائتا نصف وسبعة وثمانون نصفا من الفضة العددية، ومن القمح كل سنة أربعة/وأربعون أردبا يصرف ذلك فى هذه الجهات المبينة: خمسة عشر فقيها قراء يعطون كل شهر مائتين وخمسة وعشرين نصفا، وتسعة فقهاء يقرءون سورة «يس» يعطون فى الشهر مائة وأربعة وأربعين نصفا، وللحوض والريحان وتسبيل الماء بالحرم الشريف وقراءة القرآن بالحجرة الشريفة ألف وخمسمائة نصف، وللجامع الخروبى بمصر القديمة ثلاثة آلاف وخمسمائة وثمانية وثلاثون نصفا فضة تصرف للعمارة، والإمام والخطيب والمرقى والملاء والمؤذن وثمن الزيت والفرش، ولخادم الربعة الشريفة وتوسعة رمضان وثمن حصر وقناديل وسلاسل وحبال وشمع اسكندرانى.
ويصرف فى مولد الدمرداش المحمدى ثلاثة آلاف فضة وعشرون أردبا من القمح.
ويصرف لملء الصهريج الذى بمقام سيدى على زين العابدين رضي الله عنه من الماء العذب ألف وثلثمائة وخمسون نصفا ولغسله وتبخيره مائة نصف، وللمزملاتى فى السبيل سبعمائة وعشرون نصفا وستة أرادب من القمح سنويا.
ويصرف لملء السبيل المجاور لمنزله بحارة القصاصين بالقرب من الحسينية كل سنة مائة وأربعون نصفا، وفى مصالح الزاوية التى بجزيرة الفيل مائتان وسبعة وخمسون نصفا، ولماء عذب يصب فى السبيل الكائن بواجهة الوكالة بمدينة انبابة مائة وعشرون نصفا.
وكذلك وقفت زوجة هذا الأمير - الحاجة صائمة - الصهريج المستجد الإنشاء ببولاق القاهرة بحارة الشبراوى بالقرب من مقام سيدى أبى العلا، وجعلت للصرف عليه كل سنة ألفا وسبعمائة وعشرين نصفا فضة لملئه ونزحه وبخوره ونحو ذلك، ويعطى المزملاتى كل سنة ستة أرادب قمحا.
وكان الوكيل لها فى تحرير حجة الوقفية الأمير مصطفى جربجى طائفة عزبان معتوق زوجها المرحوم أحمد كتخدا وتاريخ الحجة سنة ثمان وعشرين ومائة وألف، انتهى.
ترجمة أحمد كتخدا عزبان:
وفى حوادث سنة خمس عشرة ومائة وألف من تاريخ الجبرتى: أن أحمد كتخدا هذا هو الأمير أحمد جربجى عزبان المعروف بالقيونجى، وسبب تسميته بالقيونجى: أن سيده حسن جربجى كان أصله صائغا ويقال له باللغة التركية قيونجى فاشتهر بذلك، وكان سيده فى باب مستحفظان وكان المشارك للمترجم فى الكلمة على جاويش المعروف بظالم على، فلما لبس ظالم على كتخدا بالباب سنة ثمان ومائة وألف ومضى عليه نحو سبعة أشهر انتبذ أحمد جربجى وملك الباب على حين غفلة وأنزل على كتخدا إلى الكشيدة؛ فالتجأ إلى وجاق تفكجيان فسعى إليه جماعة منهم وجماعة من أعيان مستحفظان وردوه إلى بابه بأن يكون اختيارا وضمنوه فيما يحدث منه، واستمر المترجم معززا إلى أن مات فى دوائر سنة عشرين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
وهذا المسجد الآن مقام الشعائر من طرف دائرة المرحوم حسن باشا المنسطرلى.
جامع قراقجا الحسنى
هو بشارع درب الجماميز له باب على الشارع، وباب على عطفة السادات الموصلة إلى بركة الفيل، وفيه أربعة ألونة ومنبر ودكة وله مطهرة، ومنارته بالجانب الآخر من العطفة يتوصل إليها بساباط من الخشب فوق سطح المسجد وتجاهه سبيل تابع له، وهو مقام الشعائر وله إيراد تحت نظر ديوان الأوقاف.
ترجمة قراقجا الحسنى:
وفى الضوء اللامع للسخاوى: أن قراقجا الحسنى هذا هو قراقجا الظاهرى برقوق؟
(1)
تأمر بعد المؤيد وصار فى أيام الأشرف من الطبلخاناة وثانى رءوس النوب، بل تقدم إلى أن استقر به الظاهر رأس نوبة النوب فى سنة اثنتين وأربعين ثم نقله فيها إلى الأخورية الكبرى؛ فأقام فيها سنين وبنى أملاكا حبس أكثرها على مدرسته التى أنشأها بالقرب من قنطرة طقزدمر الحموى، وعمل بها تصوفا وشيخا وأرباب وظائف وقرر فى خطابتها وكذا فى مشيختها ظنا السيد الصلاح الأسيوطى، وكذا عمل أيضا مسجدا ببعض الأماكن قرر فى إمامته بعض طلبة المالكية، وكان دينا متواضعا عفيفا حسن السيرة وقورا حشما أسمر معتدل القدر أبيض اللحية مستديرها متقدما فى الفروسية من محاسن أبناء جنسه.
مات هو وابن له فى يوم السبت ثامن عشر صفر سنة ثلاث وخمسين بالطاعون، وشهد الصلاة عليهما السلطان من الغدو دفنا فى قبر واحد رحمهما الله تعالى اه.
(قلت): وقنطرة طقزدمر الحموى هى المعروفة اليوم بقنطرة درب الجماميز.
جامع قرقماس السيفى
هذا المسجد بالصحراء قرب المدرسة البرقوقية وبجوار تربة قانن طاز وتربة ابن فضل الله وتربة القاضى عبد الباسط.
كان أصله مدرسة أنشأها الأمير قرقماس المقر أحد أمراء الغورى توفى بالشام أيام واقعة الغورى سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة كما فى ابن اياس.
مطلب صورة وقفية قرقماس:
ففى كتاب وقفيته: أوقف هذه المدرسة الأمير المقر الأشرف الكريم العالى المولوى الأميرى العبدى الذخيرى العباسى الظهيرى المجاهدى المرابطى الكافلى السيدى المالكى المخزومى السيفى قرقماس.
وأنشأ بجوارها قصرا وسبيلا وساقية وحوشا لدفن الأموات وربعا وطباقا ومساكن /للصوفية ووقف أوقافا يصرف عليها من ريعها.
وفيه فى حجة أخرى مؤرخة بسنة ست عشرة وتسعمائة: أنه وقف أطيانا فى مديرية الغربية بناحية دنجوية وناحية تبانة ومنية العيسى، ومحلة أبى على القنطرة وناحية سنسى
(1)
فى الأصل برقوف. والتصويب من (الضوء اللامع 216:6 رقم 722 ط القاهرة 1354 هـ).
ومنية يزيد، وأطيانا بمديرية الشرقية فى منية سهيل، وفى مديرية المنوفية بناحية الفرعونية ومكانا بخط الهلالية وآخر بجواره ومكانا بخط دار الضرب.
وشرط: أن يصرف مع الصرف على المدرسة لثلاثة يقرءون صبيحة كل يوم بتربة الواقف فى كل شهر سبعمائة وعشرون درهما من الفلوس الجدد معاملة الديار المصرية، وفى ثمن زيت يوقد على التربة ستون درهما شهريا، وفى ثمن خوص وريحان يوضع على القبر أربعون درهما شهريا، ولخادم التربة فى الشهر مائة وعشرون درهما ولعشرة يقرءون الربعة كل يوم بالأزهر بعد العصر ألف ومائتا درهم شهريا، ولخادم الربعة ويكون من العشرة المذكورين مائة درهم شهريا، وذلك غير ما يصرف لأقاربه وعتقائه وخدمة الوقف من ناظر ومباشر وشاهد وجاب.
وفى حجة أخرى مؤرخة بسنة تسعة عشر وتسعمائة: أنه وقف أمكنة بالصحراء جوار تربة السلطان الأشرف قينال السيفى، ونص على أن يصرف لإمام المدرسة شهريا ستمائة درهم، وللخطيب كذلك وللمؤقت كذلك ولستة مؤذنين ألف ومائتان وللمرقى مائة وخمسون، ولثلاثة يقرءون على قبر الواقف بالصحراء ألف وخمسمائة درهم، ولشيخ الصوفية تسعمائة درهم ولاثنين وعشرين صوفيا ثلاثة آلاف وخمسمائة درهم ولقارئ البخارى مائة وخمسون درهما ولموقع كتاب الوقف كذلك، وللمبخر وثمن البخور مائة درهم ولاثنين فراشين ألف درهم وللوقاد ثلثمائة درهم، وللمزملاتى ألف وسبعمائة درهم وللبواب خمسمائة درهم، ولثلاثة يقرءون بالشباك خمسمائة وأربعون درهما، ولسواق الساقية لملء الحوض والسبيل والميضأتين ألف درهم شهريا.
ويصرف فى ثمن خبز يفرق على التربة أربعمائة درهم، وفى ثمن خوص وريحان مائة وثمانية وأربعون درهما وللرشاش والسقاء وثمن حصر ونحوها خمسة آلاف ومائة درهم، وثمن سبعة قناطير ونصف قنطار بالمصرى زيتا سنويا بحسب وقته، ولسبعة أيتام فى مكتب السبيل لكل واحد ستون درهما من النحاس شهريا، وللمؤدب مائة درهم غير الكسوة السنوية للجميع، ويرسل للمدينة المنورة كل سنة ثلاثون دينارا، وذلك غير ما يصرف للناظر والشاهد والصيرفى والسباك ونحو ذلك، ويصرف توسعة فى رمضان أربعة آلاف درهم وثمن أضحية ستة آلاف درهم.
وفى حجة أخرى: أنه أوقف رزقة خمسة وسبعين فدانا بقليوب ودنجرية، ومنسى غربية ومنية العطار شرقية وبرشو قليوبية ومنية العيسى غربية، والمنصورية وشبرى منت
جيزية وبهتيت، وأخميم ودنوشر ومنية يزيد، وبالمطرية وناحية الطيبة من الأشمونين، وبنوسا ومنية مزاح وبستانا بدمياط، وعقارات عديدة بالمحروسة وأراضى وعقارات كثيرة بدمشق الشام والكرك وبعلبك والرملة ونحوها من البلاد الشامية.
وشرط النظر لنفسه ومن بعده لذريته ثم لعتقائهم وكذلك الريع فإذا انقرضوا رجع للإرصادات المتقدم بيانها، انتهى.
جامع القلعة القديم
هذا الجامع بالقلعة على يسار السالك من باب القلعة الكبير إلى ديوان الخديوى تجاه الطبلخاناه والسبيل الجديد، وهو الذى قال فيه المقريزى: أن هذا الجامع بقلعة الجبل أنشأه الملك الناصر محمد بن قلاوون فى سنة ثمان عشرة وسبعمائة، وكان أولا مكانه جامع قديم وبجواره المطبخ السلطانى والحوائجخاناه والطشتخاناه والفراشخاناه؛ فهدم السلطان الجميع وأدخلها فى هذا الجامع وعمره أحسن عمارة، وعمل فيه من الرخام الملون شيئا كثيرا وعمر فيه قبة جليلة وجعل عليه مقصورة من حديد بديعة الصنعة.
وفى صدر الجامع مقصورة من حديد أيضا برسم صلاة السلطان؛ فلما تم بناؤه جلس فيه السلطان واستدعى جميع المؤذنين بالقاهرة ومصر وسائر الخطباء والقراء وأمر الخطباء. فخطب كل منهم بين يديه وقام المؤذنون فأذنوا وقرأ القراء، فاختار الخطيب خطيب جامع عمرو وجعله خطيبا بهذا الجامع واختار عشرين مؤذنا رتبهم فيه، وجعل به قراء ودرسا وقارئ مصحف، وجعل له من الأوقاف ما يفضل عن مصاريفه فجاء من أجلّ جوامع مصر وأعظمها، وإلى اليوم يصلى به سلطان مصر صلاة الجمعة ويخطب فيه قاضى القضاة الشافعى، انتهى.
وهو الآن معطل الشعائر واستعمل من مدة كلارا
(1)
.
(1)
كلارا: أى (كرار) وهو المكان الذى تحفظ فيه الأطعمة. كلمة لاتينية Cellarium أخذها الترك وقالوا: كلار ثم نقلناها عنهم. راجع (المحكم فى أصول الكلمات العامية لأحمد عيسى بك ص 185 ط أولى 1939 م).
جامع محمد على باشا بالقلعة
هذا الجامع أنشأه وشيده المرحوم الحاج محمد على باشا القوللى مؤسس العائلة المحمدية الخديوية بمصر. بدأ فى عمارته سنة ست وأربعين ومائتين وألف هجرية بعد أن أتم تنظيم القطر المصرى وفرغ من الأعمال الجسيمة النافعة التى نوهنا بذكر بعضها فى مقدمة هذا الكتاب.
وقد اختار لبناء هذا المسجد/قلعة مصر لانتفاع أرباب الدواوين والسرايات بإقامة الصلوات والشعائر الإسلامية فيه، حيث إن جميع الدواوين وأغلب المصالح فى عهده كانت بالقلعة؛ فأعد لذلك قطعة أرض متسعة الفضاء بها آثار مبان باقية كانت لبعض الملوك السالفة؛ فأمر بإزالتها وإزالة ما بها من الأتربة حتى وصل إلى أرضها الأصلية الصحيحة ووضع أساس مسجده عليها، وبنى جدرانه بالحجارة العظيمة الهائلة التى طول كل حجر منها يبلغ ثلاثة أمتار ونصفا تقريبا، وصاروا يضعون فى كل حجرين قضيبا من حديد ويسبكون عليهما بالرصاص حتى ارتفعت الأساسات جميعها بهذه المثابة إلى أن صعد على وجه الأرض، ورسموا المسجد بهيئة فى غاية الحسن على رسم مسجد فى الاستانة العلية يقال له: نور عثمان وجامع سيدى سارية بالقلعة، وأقامو بنيانه بالكيفية السالفة الذكر بالحجر النحيت إلى أن ارتفعت الحيطان، وعمل له أربعة أبواب من الجهة البحرية بابان: أحدهما للصحن والثانى للقبة. ومن الجهة القبلية بابان أيضا، ورصوا فى وجه حيطانه المبنية بالحجر رخاما من المرمر النفيس بارتفاعها من داخل وخارج؛ فالداخل من باب القلعة الشهير بباب الدريس يجد رحبة متسعة بها بابا المسجد والقبة فى مقابلة الداخل؛ فالذى يدخل منه إلى الصحن مكتوب عليه بالرخام حفرا قوله تعالى:{(إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً)}
(1)
محلاة بالذهب وعتبته من الرخام وبابه خشب قديم ومحل الشعاع خشب أيضا وارتفاع الباب المذكور أربعة أمتار وشعاعه الذى هو من الخشب ارتفاعه متر وغلظ الحائط متران.
وأما الصحن المذكور فطوله سبعة وخمسون مترا وعرضه خمسة وخمسون مترا ومسطحه ثلاثة آلاف ومائة وخمسة وثلاثون مترا، ويشتمل على خمسة أواوين يعلوها فى الدائر سبعة وأربعون قبة مركبة على عمد من الرخام المرمر طول كل عمود ثمانية أمتار
(1)
سورة النساء: 103.
خلاف قاعدته، ويبلغ عدد هذه العمد القائمة بدائر الصحن التى ركبت عليها القباب خمسة وأربعين عمودا كل واحد منها بطوقين من نحاس أصفر من أعلى وأسفل، وبين كل عمود والآخر وتر من حديد يبلغ عددها أربعة وتسعين وترا ومعلق بكل قبة سلسلة من النحاس لوضع القناديل. وبه من الجهة اليسرى للداخل من هذا الباب باب المنارة من الخشب المعتاد وعدد درج تلك المنارة مائتان وستة وخمسون درجة خلاف درج المسلة الحديد التى فى آخرها، ثم تجد فى منتصف الجهة اليسرى بين الأواوين باب القبة من جهة الصحن بمصراعين من خشب قديم، وبه نصف دائرة شعاعها من الخشب القديم أيضا وبأعلى هذا الباب مكتوب تاريخ بالتركى، ثم قبل الإيوان الكائن بعد باب القبة فى الجهة اليسرى بمسافة سبعة أذرع تقريبا باب المنارة الثانية التى عدد درجها مثل الأولى وكلاهما دوران كل دور محتاط بدرابزين من النحاس، ومكتوب بأعلى باب كل منهما آية من سورة الفتح، وارتفاع المنارة من أرض الجامع إلى نهاية المسلة الحديد أربعة وثمانون مترا منها خمسة وعشرون مترا وثلثا متر من أرض الجامع إلى سطحه، والباقى ارتفاع المنارة فوق السطح، ثم بالجهة اليسرى المذكورة تسعة شبابيك للقبة مكتوب على كل شباك آية من سورة الفتح أيضا حفرا فى الرخام محلاة بالذهب، وكتب على باب القبة السابق ذكره وقد صادف ما كتب عليه قوله تعالى:{(لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ} - إلى قوله تعالى - {وَ يُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ)}
(1)
، ثم ان صحن المسجد فى وسطه قبة من الخشب مركبة على ثمانية عمد من الرخام كل عمود طوله سبعة أمتار، وتحتها حنفية بقبة من الرخام المرمر بها ستة عشر مصبا يعلو كل واحد لوح مكتوب فيه:{(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)} إلى آخر الآية
(2)
.
وحديث: الوضوء سلاح المؤمن. مقسمين على الألواح، وأمام كل مصب قاعدة من الرخام وبين كل عمودين من عمدها وتر من حديد معلق به سلسلة من النحاس الأصفر لتعليق القناديل، وبأعلاها هلال من النحاس وبجانبها باب الصهريج المركب فوقه الصحن المذكور بخرزة من الرخام المرمر وغطاء من النحاس الأصفر وبه أيضا طلمبة لإخراج المياه، وباب الصحن القبلى مقابل للبحرى وأوصافه كأوصافه، ومكتوب بأعلاه حفرا فى الحجر قوله تعالى:{(سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)}
(3)
ثم بأواوين
(1)
سورة الفتح: 5.
(2)
سورة المائدة: 6.
(3)
سورة الأنعام: 54.
الصحن فى الدائر ثمانية وثلاثون شباكا، طول كل شباك متران ونصف وعرضه متر ونصف وغلظ الحائط متران وبه شباك من نحاس، ثم فى أمام الباب البحرى الذى يدخل منه إلى القبة طرقة بها أربعة وعشرون عمودا من الرخام المرمر مطوقة بأطواق النحاس من أعلاها وأسفلها، طول كل عمود منها ثمانية أمتار سوى قاعدته، وبها اثنان وعشرون وترا من حديد مركب عليها إحدى عشرة قبة بأهلة من النحاس، وأوصاف هذا الباب كأوصاف باب الصحن السابق الذكر، ومكتوب عليه من الخارج قوله تعالى:
{(إِنَّ/الْمُتَّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ * اُدْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ)}
(1)
، ثم تدخل منه إلى المسجد فتجد شكله مربعا تقريبا لأن أطول أضلاعه ستة وأربعون مترا وأقصرها خمسة وأربعون مترا غير إيوان القبلة الذى طوله سبعة عشر مترا وعرضه تسعة أمتار ومساحته مائة وثلاثة وخمسون مترا، وتجدبه قبة كبيرة مرتفعة جدا ارتفاعها فوق أرض الجامع نحو أحد وستين مترا مركبة على أربعة أكتاف من الحجر الفص النحيت وبأسفلها مقدار مترين محلى بالرخام، وعلى القبة المذكورة أربعة أنصاف دوائر أعنى فى كل جهة نصف دائرة وأربعة قباب.
والقبة الكبيرة جميعها منقوش بالبوية العظيمة محلى بماء الذهب، وبدائرها دوائر نقش بالبوية مكتوب فيها بماء الذهب: بسم الله ما شاء الله تبارك الله.
ثم تجد المحراب على الجهة اليسرى للداخل وسقفه نصف دائرة أخرى والقبلة نفسها من الرخام مكتوب فوقها من أعلى دائرة: بسم الله الرحمن الرحيم. بالخط الثلث، وبأسفلها لوح مكتوب فيه:{(رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ)} إلى آخر الآية
(2)
. بالزجاج الملون وبأسفله فوق المحراب مكتوب قوله تعالى: {(فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَ هُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ)}
(3)
ويكتنف المحراب عمودان صغيران من الرخام كل منهما بطوقين من نحاس أصفر أعلى وأسفل، ثم فى الجهة اليسرى بجانب أحد الأكتاف السالفة الذكر كرسى قارئ سورة الكهف مصنوع من الخشب، ودرابزينه من الخشب المفرغ، يصعد إليه بخمس درجات وقد فرش بالجوخ الأحمر، وبيمينه المنبر مصنوع من الخشب محلى بماء الذهب وله خمسة وعشرون درجة مفروشة بالجوخ الأحمر، وله باب بمصراعين من الخشب مكتوب بأعلاه فى دائرة، أفضل الأيام عند الله يوم الجمعة، وفوق مجلس الخطيب منه
(1)
سورة الحجر: 45 و 46.
(2)
سورة إبراهيم: 40.
(3)
سوه آل عمران: 39.
قبة مستطيلة موضوعة على أربعة عمد من الخشب مكتوب بدائرها قوله تعالى: {(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ)}
(1)
إلى آخر الآية، وبأسفل المنبر باب نافذ مكتوب بأعلاه من جهة المحراب فى دائرة صغيرة:
يا قاضى الحاجات. ومن الجهة الأخرى دائرة أيضا مكتوب فيها: يا مجيب الدعوات.
وبينهما طرقة صغيرة بمقدار متر فيها باب به محل صغير تحت المنبر شبيه بمخزن، وفى مقابلة المحراب باب القبة الذى من جهة الصحن يعلوه دكة للمؤذنين بعرض المسجد مركبة على ثمانية أعمدة من الرخام ارتفاع كل واحد ثمانية أمتار، ولها درابزين من النحاس محيط بها وبدائر المسجد من أعلى، وبهذا الدائر أحد وثلاثون شباكا من نحاس أصفر مركب عليها زجاج أبيض، ويليها درابزين آخر بينه وبين الأول مسافة اثنى عشر مترا تقريبا وبه أحد وثلاثون شباكا أيضا مركب عليها زجاج ملون، وبينهما أربعة وعشرون شباكا للقبة الكبيرة بداربزين من النحاس الأصفر مركب عليها شبابيك من نحاس بداخلها زجاج ملون، ويلى الدرابزين الذى يلى القبة من أعلى أربعون شباكا بزجاج ملون، ثم فى دائر كل قبة من القباب الأربعة السالفة الذكر عشرة شبابيك بدرابزين، وجميع الدرابزينات المذكورة لوضع القناديل بها.
ثم فى نصف دائرة المحراب ستة عشر شباكا أمامها طرق بدرابزين، وبدائر الحائط من أسفل ستة وثلاثون شباكا مركب عليها زجاج أبيض، طول كل شباك متران ونصف مكتوب على كل واحد منها شطر من قصيدة البردة، ويتوصل إلى الطرق المذكورة من أبواب لها بالمئذنتين ومن سطح المسجد، وباب القبة القبلى المقابل لبابها البحرى مكتوب عليه من الخارج:{(وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً)}
(2)
، وأمامه طرقة عظيمة بها أحد عشر عمودا من الرخام المرمر، طول كل عمود منها ثمانية أمتار تقريبا، وبها اثنان وعشرون وترا من الحديد يعلوها إحدى عشرة قبة، وأوصافها كأوصاف الطرقة التى بالباب الأول.
ثم انتقل جناب الخديوى الأكبر محمد على باشا إلى رحمة الله تعالى - والمسجد بهذه الهيئة السابقة الذكر - ودفن فى تربة أمر بعملها له نقرا فى الجبل وباشر عملها بنفسه قبل موته، وهى فى الزاوية القبلية الغربية التى عن يمين الداخل من باب القبة الذى من جهة الصحن وقد أرخ موته الشيخ محمد شهاب بقوله:
(1)
سورة الجمعة: 9.
(2)
سورة الجن 18.
عظم الله أجر مصرفكم ذا
…
كان منها لدى المصيبة أنات
قصمت ظهرها المنايا بسيف
…
ما وقاها منه وقاية جنات
يا فريد الزمان يا من سطاه
…
قلبت للعدا ظهور مجنات
أنت يا داورى محمد صنع
…
ولذكرى على شأنك طنات
دولة وحدت وحاشى وكلا
…
أنها بعد دا تعد مئنات
كان للفخر حاجة فقضاها
…
وانثنى راقيا لأرفع قنات
/صاح صح باكيا حلاه وعدّد
…
ليس بدعا إذا علت لك رنات
هو بين الورى وصى أبيهم
…
كافل الكل والنفوس مهنات
إن حقا على عيون البرايا
…
أنها تسكب الدموع مقنات
فلكم أعين لهم أجريت من
…
بحر إحسان ما أفاض مسنات
لم يمت ضيغم أتانا بشبل
…
خلفا منه عند كل مظنات
رب شمس غابت وقد ناب عنها
…
بدر ثم بدا ينير دجنات
فتعزى يا مصر عوضت خيرا
…
بعده واشكرى لربك منات
وعلى قبره عنان امتنان
…
ما لنسجامه الترحم منات
كلما لاح منه عنة فضل
…
تبعتها من الكرامة عنات
حل دار النعيم والكل منا
…
فى لظى الوجد والقلوب معنات
ودعاه رضوان أن زر وأرخ
…
زينت للقدوم عندى جنات
سنة 1265
ثم ان إتمام بناء هذا الجامع بهذه الكيفية كان فى سنة إحدى وستين ومائتين وألف من الهجرة، وأرخه المرحوم الشيخ محمد شهاب فى قصيدته المرسومة على شبابيك القبة والصحن من خارج على كل شباك بيت منها حفرا فى الرخام محلاة بماء الذهب وهى هذه:
عروس كنوز قد تحلت بعسجد
…
مكللة تيجانها بالزبرجد
أم الجنة المبنى عالى قصورها
…
بأبهج ياقوت وأبهى زمرد
أم المكرمات الآصفية أبدعت
…
هيولى أعاجيب بصورة مسجد
هو الفلك الأعلى تنزل وازدهى
…
بزهر الدرارى جامعا كل فرقد
ألا إن تجديد العجيب من البنا
…
يؤكد تأسيس اقتدار المجدد
وهل أثر يا صاح يعرب عن حلى
…
مؤثره دون البناء المشيد
فدع قصر غمدان وأهرام هرمس
…
وإيوان كسرى إن أردت لتهتدى
ودع ارما ذات العماد ونحوها
…
وعرشا لبلقيس كصرح ممرد
ودع أموى الشام وانزل بمصرنا
…
وبادر إلى هذا بإيماء مرشد
فلو عددت فى الكون بدأ بدائع
…
لكان به ختم لذاك التعدد
كأن الليالى الوالدات عجائبا
…
أصبن بعقم بعد هذا التولد
لئن صار فى الدنيا وحيدا تفردا
…
فلا غرو والمنشى له ذو تفرد
مليك جليل الشان ليس كمثله
…
جليل بعلياه اقتدى كل مقتدى
محمد آثار على مآثر
…
عزيز افتخار ساد كل مسود
هو المنهل العذب الذى دون ورده
…
تزاحمت الأقدام فى كل مورد
هو الغيث يحيى كل قطر بجوده
…
فيخضل من قطر الندى وجهه الندى
هو الشمس لم تحجب سناها غمامة
…
ولا أنكرت أضواءها عين أرمد
له همم تسمو إلى هامة العلا
…
إذا حددت لا تنتهى بالتحدد
فكم آية فى صفحة الدهر خطها
…
لتتلى وأحكام التلاوة سرمدى
وكم غرة فى جبهة الكون أسفرت
…
بإحسانه عن وجه عز وسودد
وكم مكرمات منه أوفت بعهدها
…
إذا وعدت تأبى تخلف موعد
وكم صدقات واصلتها صلاته
…
مسبلها يجرى بوقف مؤبد
/وكم منشآت كالرواسى تخالها
…
حصونا جرت فى البحر ذات نشيد
وكم مسجد مبناه يشهد أنه
…
على وفق معنى إنما يعمر ابتدى
محاسن شتى قد تجمع شملها
…
وصار انتظاما عقد در منضد
فزانت به الدنيا مقلد جيدها
…
وقالت لأهل الدهر هل من مقلد
له الله من راع حمى حومة العلا
…
وراعى الرعايا إذ تروح وتغتذى
بسطوته الركبان سارت وحدثت
…
عن البحر فى مد وجزر لمعتدى
وقد أيدته فى المعارك نصرة
…
بفتح مبين عن متين مسدد
إذا جاء نصر الله والفتح بالضحى
…
فويل لكل العاديات بمرصد
وربت كهف دون صف ولم يكن
…
إذا زلزت يوما ليوجد فى الغد
مدافع إبراهيم بالرعد حوله
…
تقول: تلونا السجدة الآن فاسجد
فسل عنه نجدا إذ تيمم منجدا
…
وما لعداه من إغاثة منجد
وسل واقعات الزنج والروم إذ سطا
…
بسمر القنا الخطى وبيض المهند
وسل يمنا والشام واذكر وقائعا
…
وأورد صحيح النقل عن كل مسند
وسل هل عسير كان يوم مصابهم
…
عسيرا وقد باءوا بشمل مبدد
خطوب دهتهم فى مصادمة الوغى
…
بمنصور جيش فى الحروب مؤيد
رعى الله هاتيك المعاهد كلها
…
وحيا محياها بحسن التعهد
وحلى طلا الأدوار دوما وصانها
…
بدولة هذا الداورى عن تجرد
هو الكوكب الأسنى الذى من ضيائه
…
قد اقتبست أضواء كل توقد
هو الروض يشجى السمع ساجع ورقه
…
ويعرب عن ألحان كل مغرد
ثناء كورد طاب نفح شميمه
…
وأزهاره تزهو بخدّ مورّد
وجاه عظيم دونه السعد خادم
…
إلى مجده الأعلى انتمى كل سيد
وعز يجازى الظالمين بصنعهم
…
إلى أن يؤدوا جزية الذل عن يد
وفضل هو البحر الذى عم فيضه
…
وخص بجدوى جوده كل مجتدى
وحظ سما فوق السماكين حظوة
…
وسامى العلا فخرا بأسعد مسعد
ألا وهو قطب الوقت غيث زمانه
…
منار الهدى المقصود فى كل مقصد
فأنعم به من منعم متفضل
…
وأكرم به من مكرم منغمد
معاليه جلت عن نظير وأصبحت
…
باهى جميع العالمين بمفرد
أنام الأنام المستظلين فى حمى
…
أمان وأمن من تخوف مفسد
فيجفو الذى يبدى الجفاء تغضبا
…
ويعفو عن العبد الكثير التودّد
ويجمل فى الحالين لينا وقسوة
…
فذاك لتلطيف وذا لتشدد
فعرج على تلك المآثر وابتهج
…
بآثار هذاك الخديو الممجد
وسل سامع الداعى دوام حياته
…
وطول المدى وابسط أكفك وامدد
وزر حرما مهما تشاهد جماله
…
نظرت بديع الصنع فى كل مشهد
وعاين سنا حسن القبول منزها
…
لطرفك فى روض البهاء المخلد
وهاك عقودا من معان أجادها
…
بيان بنا هذا البديع المجدد
مبان إذا أمعنت فيها مؤرخا
…
تريك على قدر العزيز محمد
سنة 1261
ثم ان العزيز محمد على باشا كان قد مرض فقام بأمور الحكومة المصرية أكبر أنجاله المرحوم إبراهيم باشا، وذلك فى سنة/ 64 فلم يلبث إلا قليلا وانتقل إلى رحمة الله تعالى فى أواخر السنة المذكورة.
ثم تولى بعده المرحوم الحاج عباس باشا فى سنة 65، فأمر بإتمام هذا المسجد الشريف فأحضرت أرباب الصنائع ونقشوا الأكتاف بعد بياضها ودهنها بالبوية الملونة بلون الرخام وبلطوا المسجد ودهنوا أقبابه بالبوية المحلاة بماء الذهب، وكتب فيه بماء الذهب من الجهة اليمنى فى دائرة تجاه نصف دائرة المحراب: لا إله إلا الله. وكتب فى محاذاتها فى دائرة أخرى من الجهة اليسرى: محمد رسول الله. وبأعلى نصف الدائرة التى من جهة باب القبة الكائن من جهة الصحن دائرة مكتوب فيها: على كرم الله تعالى وجهه، وفى محاذاتها دائرة مكتوب فيها: عثمان رضى الله تعالى عنه. وفى مقابلة اسم على دائرة مكتوب فيها: أبو بكر رضى الله تعالى عنه. وفى مقابلة اسم عثمان دائرة مكتوب فيها: عمر رضى الله تعالى عنه. وكل ذلك بالخط الثلث المجوف بماء الذهب، ثم فرشت الطرقة التى بين عمد الدكة وحائط المسجد بالرخام الأبيض وفرش صحن المسجد جميعه بالرخام الكبير، وكذا فرشت الطرقتان المقابلتان لبابى القبة البحرى والقبلى بالرخام الأبيض، ثم أمر بفرش المسجد جمعه بالحصر والأبسطة القرمانى وعملت أسياخ من الحديد علقت بسلاسل النحاس المعلقة بالقباب والدوائر ووضع بها أربعمائة وثمانية عشرة قدرا من البلور لأجل إيقادها بالمواسم وليالى الأعياد، وكذا وضع بالقبة الكبيرة نجفة من البلور النفيس باثنين وسبعين فنارا ونجفة أمام المحراب بثلاثة وخمسين فنارا، ونجفة أمام باب القبة من جهة الصحن بنسعة وحمسين فنارا، ونجفة أمام باب القبة البحرى
بأربعة وعشرين فنارا، ثم أمر باستحضار تركيبة وستر من الإستانة فأحضرا ووضعا فى الجهة السالفة الذكر على التربة المذكورة، والتركيبة من الرخام الأبيض مكتوب عليها آيات قرآنية محلاة بماء الذهب، وهى ثلاثة أدوار وارتفاعها بالشواهد نحو خمسة أمتار وعرضها متران وطولها ثلاثة أمتار ونصف، والستر المذكور من القطيفة الخضراء مخيش بالقصب والتلى مكتوب على دوائره الأربع سورة {(هَلْ أَتى)} بالقصب، ثم أمر بإعمال مقصورة من النحاس الأصفر فعملت وكتب عليها: والى ملك مصر عباس باشا. ووضع بداخل المقصورة المذكورة سبعة شمعدانات من الفضة ارتفاع كل واحد متران، ووضع بها أيضا شمعدانان صغيران ارتفاع كل واحد متر ووضع بها عدة مصاحف محلاة بالذهب ودلائل خيرات، وعلق أمام بابها نجفة من البلور النفيس بها أربعة وعشرون فنارا، ورتب لهذا المسجد عدة وظائف ومرتبات ومصالح لإقامة الشعائر.
وعمل لذلك وقفية بين فيها جميع ما يصرف من الاستحقاقات لأربابها بحسب ما هو مشروط فى الوقفية وهذه صورتها:
وقفية من قبل المرحوم الحاج عباس باشا والى مصر كان مؤرخه فى 9 رجب سنة 1269. نمرة 76 أرصد ووقف وسبل وأبد وأكد وخلد وتصدق لله سبحانه وتعالى بجميع المبلغ المرتب بديوان الروز نامجه العامرة تابع الدعا كوى الذى قدره كل سنة مائة وخمسون ألف قرش بحساب كل قرش منها أربعون نصفا فضة الجارى فى تصرف حضرة مولانا الوزير المعظم يشهد له بذلك التذكرتان الديوانيتان المكملتان بالختم والعلامة على العادة فى ذلك المؤرخة إحداهما فى 6 ذى الحجة سنة 1267. والأخرى فى 25 شعبان سنة 1268، يصرف المبلغ المذكور المرصد فى مصالح المسجد وإقامة شعائره الإسلامية المعمور بذكر الله تعالى الكائن بقلعة مصر المحروسة الذى فيه مدفن المرحوم الحاج محمد على باشا المعروف بإنشاء وتجديد جده المشار إليه وعلى مصالح مدفن جده المشار إليه بالمسجد المذكور مبلغا وقدره مائة وخمسون ألف قرش على ما بين فيه.
فما يصرف فى مصالح ومهمات المسجد المذكور تسعة وثمانون ألفا وثمانمائة وتسعة وثلاثون ترشا مصرية وستة وثلاثون نصفا فضة.
وما يصرف من ذلك لرجل من أهل الدين والصلاح والعفة والنجاح يكون فقيها عالما حنفى المذهب يجعل إماما راتبا بالمسجد المذكور ليصلى بالناس الصلوات الخمس فى أوقاتها وصلاة القيام فى شهر رمضان ثلاثة آلاف قرش.
وما يصرف لرجل خطيب بالمسجد المذكور ليصلى بالناس الجمعة والعيدين سبعمائة وعشرون قرشا، وما يصرف لرجل شافعى المذهب يصلى بالناس الصلوات الخمس على مذهبه تسعمائة قرش، وما يصرف لرجل ميقاتى يكون حاد البصر ليصرف الأوقات للآذان بالمسجد المذكور سبعمائة وعشرون قرشا، وما يصرف لثمانية مؤذنين أصواتهم حسنة يؤذنون فى الأوقات المعلومة بالمسجد المذكور ويقيمون الشعائر الإسلامية التى تختص بالمؤذنين من تبليغ وما شابهه مما جرى به التوارث فى المساجد الإسلامية أربعة آلاف وثمانمائة قرش، وما يصرف لرجل من حفظة كتاب الله المبين يكون حسن الصوت عالما بأحكام/القرآن يقرأ سورة الكهف فى كل يوم جمعة بعد السلام بالمسجد أربعمائة قرش وثمانون قرشا، وما يصرف لرجل يبخر وقت صلاة الجمعة بالمسجد مائتان وأربعون قرشا، وما يصرف لمن يكون إماما راتبا حنفيا بالمسجد نظير قراءته فى كل يوم ساعتين من بعد صلاة الظهر خلا يومى الخميس والجمعة درسا واحدا فى الفقه على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان ستمائة قرش، وما يصرف لرجل عالم مقرئ للشيخ المذكور ثلثمائة وستون قرشا، وما يصرف لثمانية أشخاص طلبة ألفان وثمانمائة وثمانون قرشا، وما يصرف لرجل عالم متفقه يقرأ حصة حديث بعد الظهر فى يومى الخميس والجمعة بالمسجد المذكور سبعمائة وعشرون قرشا، وما يصرف لرجل مقرئ للمذكور ثلثمائة وستون قرشا، وما يصرف لستة من الطلبة يحضرون حصة الحديث على الشيخ المذكور ألفان ومائة وستون قرشا.
وما يصرف لرجل مخزنجى لحفظ مهمات المسجد سبعمائة وعشرون قرشا، وما يصرف لأربعة من الفراشين يكونون معدين لكنس المسجد وتنظيفه ونفض الأبسطة والحصر وتنظيف الشبابيك ألفان ومائة وستون قرشا، وما يصرف لرجل خادم ليصرف المياه من اللوالب للميضأة والحنفيات وبيوت الأخلية أربعمائة وثمانون قرشا، وما يصرف لثلاثة يكونون وقادين بالمسجد ألف وأربعمائة وأربعون قرشا، وما يصرف لرجلين معدين لتنظيف المطهرة والميضأة والحنفيات وبيوت الأخلية تسعمائة وستون قرشا.
وما يصرف لثلاثة سقائين أحدهم لسقى المصلين الماء والإثنان للرش والنظافة ألف وأربعمائة وأربعون قرشا، وما يصرف لرجل شاد بالمسجد المذكور لينظر فى مصالحه ويضع كل شى فى محله أربعمائة وثمانون قرشا، وما يصرف لأربعة رجال من أصحاب البصر يكونون بوابين بالمسجد ألف وتسعمائة وعشرون قرشا، وما يصرف لرجل بحفظ الحنفيات ويباشرها أربعمائة وثمانون قرشا، وما يصرف لرجل كاتب مباشر يتعاطى قبض الوارد
وصرفه فى جهاته بمعرفة الناظر ألف وثمانمائة قرش، وما يصرف لرجل من أهل الدين والصلاح يكون ذا معرفة ودراية بحيث يقرأ ويكتب ويحسن الإدارة ليجعل مشرفا على المباشر ستة آلاف قرش.
وما هو فى ثمن حصر متوفى تسعة آلاف ومائتان وخمسة وثمانون قرشا، وما يصرف فى ثمن البسط برسم فرش المسجد سبعة آلاف وأربعمائة وخمسة وستون قرشا، وما يصرف فى ثمن مائة واحد وتسعين قنطارا من الزيت وأحد وخمسين رطلا برسم وقود المسجد والمنارتين على العادة ثلاثة وثلاثون ألفا وخمسمائة وأربعة عشر قرشا وعشرة أنصاف فضة، وما يصرف فى ثمن أربعة قناطير من الشمع الاسكندرانى برسم الوقود فى شهر رمضان ألفان وأربعمائة قرش، وما يصرف فى ثمن مقشات برسم الكنس مائة فرش، وما يصرف فى ثمن خيش فيومى برسم المسح أربعة وثمانون قرشا، وما يصرف فى ثمن ستة قرب جلد لاحتياج السقائين مائتان وأربعون قرشا، وما يصرف فى ثمن بخور يبخر به المسجد والمدفن على العادة مائة وعشرون قرشا، وما يصرف فى ثمن قناديل تعلق بالمسجد ثمانمائة وأحد عشر قرشا وعشرة أنصاف فضة، وما يصرف على مهمات المدفن المعد لجد مولانا الوزير المشار إليه بالمسجد خمسون ألفا واثنان وعشرون قرشا.
وما هو لعشرة رجال أفندية خوجات يقرءون فى كل يوم من بعد صلاة الصبح ختمة شريفة سوية ويقرءون أيضا فى كل ليلة جمعة خمسة عشر ألف قرش، وما يصرف لعشرة رجال قراء من حفظة كتاب الله المبين يقرءون فى كل يوم من بعد صلاة الظهر إلى وقت العصر ختمة شريفة بالمسجد ومن بعد صلاة العصر يقرءون أيضا سورة الإخلاص عشرين ألف مرة عددا مضبوطا عشرة آلاف وثمانمائة قرش.
وما هو لتسعة رجال ورجل عاشر يكون رئيسا عليهم يقرءون دلائل الخيرات بتمامها فى كل ليلة جمعة وكل ليلة اثنين ثلاثة آلاف وتسعمائة وستون قرشا.
وما يصرف فى ثمن خبز قرصة فى مدة تسعة أشهر من كل سنة، وهى ما عدا رجب وشعبان ورمضان يفرق على الفقراء والمساكين من الرجال والنساء فى كل ليلة جمعة ألفان ومائتان وخمسون قرشا، وما يصرف فى ثمن خبز قرصة يشترى فى رجب وشعبان ورمضان ألف وخمسمائة قرش، وما يصرف فى ثمن أربعة عجول جاموس تذبح وتفرق يوم عيد الأضحى وأيام التشريق الثلاثة ألف قرش، وما يصرف فى ثمن شيرج يوقد به فى المدفن الكائن بالمسجد المعروف بإنشاء وتجديد المغفور له المرحوم الحاج محمد على باشا
خمسمائة وسبعون قرشا. وما يصرف فى ثمن شمع من سمك يوقد فى كل ليلة جمعة وليلة اثنين ألف ومائتان وأربعة وستون قرشا، وما يصرف فى ثمن شمع من سمك أيضا يوقد فى شهر رمضان خاصة بالمدفن ألف وثمانية وثمانون قرشا. /وما يصرف فى ثمن خوص وريحان رطبين يوضعان على القبر فى كل ليلة جمعة مائة وعشرون قرشا.
وما هو للتربى نظير خدمته ومباشرته مائة وعشرون قرشا، وما هو للتفرقة فى أيام العيدين بمعرفة الناظر ألف ومائتان وخمسون قرشا، وما يصرف فى إجراءات وخيرات وقربات بجهات يأتى ذكرها فيه من ثمن خبز قرصة يفرق على القراء بمقرأة سيدنا الإمام الحسين تسعمائة قرش، وبمقرأة السيدة زينب أربعمائة وخمسون قرشا، وبمقرأة السيدة نفيسة أربعمائة وخمسون قرشا، وبمقرأة السيدة سكينة ثلثمائة قرش وبمقرأة السيدة رقية ثلثمائة قرش، وبمقرأة السيدة فاطمة النبوية ثلثمائة قرش، وبمقرأة الإمام الشافعى تسعمائة قرش، وبمقرأة الأستاذ عبد الوهاب الشعرانى ألف وثمانمائة قرش، وبمقرأة السلطان الحنفى ألف وثمانمائة قرش، وبمقرأة الأستاذ المنوفى تسعمائة قرش، وبمقرأة الأستاذ الخواص ألف ومائتا قرش، وبمقرأة الشيخ المنادى تسعمائة قرش.
وما يبقى من المبلغ المرصد يحفظ تحت يد الناظر ليكمل ما زاد فى ثمن ما يزيد من مشتروات مهمات المسجد والمدفن المذكورين إذا زادت الأسعار وإذا نقصت يضم الزائد من ثمنها على الباقى بيد الناظر، ليصرف جميع ذلك فيما يحتاج إليه الحال للمسجد والمدفن على حسب ما يراه الناظر مما يكون فيه البقاء والدوام والاستمرار. فإن تعذر الصرف فى هذه الجهات صرف لجهة مدفن المغفور له مولانا الحاج أحمد طوسون باشا والد حضرة صاحب السعادة الواقف، ولجهة مدفن المرحوم السلطان العادل طومان باى الشهير بالعادلى الكائن بجوار العباسية المعمورة. فإن تعذر الصرف على الجهتين المذكورتين صرف للفقراء والمساكين والأرامل من المسلمين أينما كانوا وحيثما وجدوا أبد الآبدين.
وشرط فى إرصاد وقفه شروطا حث عليها منها: أن النظر على ذلك من تاريخه لحضرة وكيل الديوان الكتخدائى بقلعة المحروسة سعادة حسن باشا ابن المرحوم مميش مانسطرلى ثم لمن يلى وظيفته وهلم، وعند أيلولة ذلك للفقراء والمساكين من المسلمين فلمن يكون واليا بحكومة مصر المحروسة حين ذاك ومنها: أن يعمل حساب المصاريف المذكورة شهرا فشهرا وعند تمام السنة يحرر جامعة ببيان ما صرف وما بقى من أصل المبلغ المرصد وتختم وترصد تحت يد الناظر ومنها: أن الذى يبقى من الإيراد بعد صرف المعين فى كل
سنة يحفظ تحت يد الناظر إلى وقت الاحتياج إليه أى كل ما تجمد يشترى به عقارا يستغل لجهة الوقف ويصرف ريعه فى مصاريفه على الوجه المشروح أعلاه ومنها: أن تقرير أرباب الوظائف والخدم يكون بمعرفة الناظر.
وهذا جميع ما نص بالوقفية المذكورة.
ثم انتقل الجناب المعظم الحاج عباس باشا إلى رحمة الله تعالى فى سنة سبعين ومائتين وألف هجرية، وولى بعده فى هذه السنة المرحوم محمد سعيد باشا فحضر للجامع المذكور لزيارة والده الحاج محمد على باشا ورأى اسم المرحوم عباس باشا على المقصورة فأمر بإزالته والاكتفاء بوالى ملك مصر وأمر بطلى المقصورة فطليت.
وقد كان ثم وقف على مصالح هذا الجامع جملة أطيان، وعمل لذلك وقفية بين فيها جميع ما يعمل لإقامة الشعائر وما يصرف لأرباب الوظائف وغيرهم على حسب ما هو مشرط بالوقفية وهذه صورتها.
وقفية من قبل المرحوم مولانا الوزير محمد سعيد باشا والى مصر كانت مؤرخة فى 25 ذى الحجة سنة 1273 ثلاث وسبعين ومائتين وألف نمرة 120 وقف الأطيان الرزقة التى بلا مال الاحباسية التى قدرها ألفان وخمسون فدانا ما هو بمديرية الغربية ثلثمائة فدان، وما هو بمديرية نصف ثانى وسطى بالوجه القبلى ألف فدان وسبعمائة فدان وخمسون فدانا.
أنشأ الواقف المذكور وقفه هذا على المسجد المعمور بذكر الله تعالى الكائن بقلعة مصر المنصورة، الذى أنشأه وجدده حضرة مولانا الوزير المعظم المرحوم الحاج محمد على باشا، يصرف من ريع ذلك فى كل سنة من سنى الأهلة مبلغ مائة ألف قرش وثلاثة وعشرون ألف قرش ومائة قرش وأربعون قرشا روميا، وذلك على ما يبين فيه لرجل من أهل الدين والصلاح يكون عالما حنفى المذهب نظير قراءته كل يوم ساعتين قبل وقت الظهر بالمسجد ما عدا يومى الخميس والجمعة درسا واحدا فى الفقه على مذهب أبى حنيفة النعمان ثلاثة آلاف وستمائة قرش، ويصرف لرجل عالم مقرئ إليه فى كل سنة واحدة ألف وثمانمائة قرش، ويصرف إلى عشرة أنفار طلبة يحضرون عليه كل يوم أربعة آلاف وثمانمائة قرش، ويصرف إلى رجل عالم متفقه لقراءة حصة حديث بعد وقت الظهر يوم السبت والإثنين ألفان وأربعمائة قرش، ويصرف إلى رجل عالم يكون مقرئا له ستمائة قرش، ويصرف إلى ستة أنفار طلبة يحضرون عليه ألفان ومائة وستون قرشا، ويصرف فى كل سنة إلى عشرة أنفار قراء من حفظة كلام الله/المبين يقرءون
فى كل يوم بعد صلاة الصبح ختمة شريفة، ويقرءون أيضا ختمة شريفة فى ليلة الجمعة من بعد صلاة العصر، ويقرءون أيضا سورة الإخلاص ثلاثين ألف مرة خمسة عشر ألف قرش. ويصرف إلى خمسة أنفار يقرءون دلائل الخيرات فى كل ليلتى جمعة واثنين سنويا ألف وثمانمائة قرش. ويصرف إلى شخص رئيس منهم زيادة عن المرتب له فى كل سنة ثلثمائة وستون قرشا.
ويصرف فى ثمن خبز قرصة يشترى فى مدة تسعة أشهر عدا رجب وشعبان ورمضان من كل سنة يفرق على الفقراء ألفا قرش ومائتان وخمسون قرشا. ويصرف فى ثمن خبز فى رجب وشعبان ورمضان من كل سنة يفرق على الفقراء والمساكين ألف وخمسمائة قرش. ويصرف فى ثمن خمسة عجول جاموس وعشرة رؤوس غنم تذبح وتفرق فى يوم عيد الأضحى وأيام التشريق على الفقراء ثلاثة آلاف قرش. ويصرف فى ثمن شمع من سمك يوقد بالمسجد فى ليلة الجمعة والاثنين بمدفن المرحوم الحاج محمد على باشا خمسمائة قرش، ويصرف فى ثمن خوص وريحان راتب جمعى فى كل سنة مائة وعشرون قرشا. ويصرف إلى التفرقة فى أيام العيدين على الفقراء والمساكين فى كل سنة ألف ومائتان وخمسون قرشا. ويصرف فى ثمن زيت طيب فى شهر رمضان وليالى المواسم بالجامع فى كل سنة سبعة آلاف قرش. ويصرف فى ثمن شمع من سمك فى الليالى المذكورة فى كل سنة خمسمائة قرش. ويصرف فى ثمن أربع شمعات. اسكندرانى وزن الجميع أربعمائة رطل توقد بالقبلة والمدفن فى شهر رمضان وقت صلاة التراويح خمسة آلاف قرش.
ويصرف إلى السادة القراء بالمقرأة الكبيرة بقبة أبى عبد الله الحسين سنويا بمعرفة شيخ المقرأة ستة آلاف قرش.
ويصرف إلى السادة القراء بمقرأة قبة الإمام الشافعى محمد بن إدريس فى كل سنة بمعرفة شيخ المقرأة ستة آلاف قرش.
ويصرف إلى السادة القراء بمقرأة قبة الليث بن سعد فى كل سنة بمعرفة شيخ المقرأة ستة آلاف قرش.
ويصرف إلى السادة القراء بمقرأة سيدى أحمد البدوى فى كل سنة بمعرفة شيخ المقرأة ستة آلاف قرش.
ويصرف إلى السادة القراء بمقرأة السيدة زينب بنت الإمام على فى كل سنة بمعرفة شيخ المقرأة ستة آلاف قرش.
ويصرف إلى السادة القراء بمقرأة السيدة نفيسة بنت السيد حسن الأنور فى كل سنة ستة آلاف قرش.
ويصرف إلى السادة القراء بمقرأة سيدى إبراهيم الدسوقى فى كل سنة ستة آلاف قرش.
ويصرف إلى السادة القراء بمقرأة السيدة سكينة بنت الإمام الحسين فى كل سنة ثلاثة آلاف قرش.
ويصرف إلى السادة القراء بمقرأة السيدة فاطمة النبوية فى كل سنة ثلاثة آلاف قرش.
ويصرف إلى السادة القراء بمقرأة سيدى عبد الوهاب الشعرانى فى كل سنة ثلاثة آلاف قرش.
ويصرف إلى السادة القراء بمقرأة سيدى عبد الله المنوفى فى كل سنة ثلاثة آلاف قرش.
ويصرف إلى السادة القراء بمقرأة سيدى عبد المتعال خليفة سيدى أحمد البدى فى كل سنة ثلاثة آلاف قرش.
ويصرف إلى السادة القراء بمقرأة السيدة عائشة النبوية فى كل سنة ثلاثة آلاف قرش.
ويصرف إلى السادة القراء بمقرأة السيدة رقية فى كل سنة ثلاثة آلاف قرش.
ويصرف لرجل كاتب مباشر يتعاطى قبض وصرف الإيراد ويحرر به دفترا شهريا بملاحظة واطلاع الناظر سنويا ثلاثة آلاف قرش. ويصرف لرجل يجعل مشرفا على المباشر وعلى إجراء إدارة شعائر المسجد والمدفن سنويا ثلاثة آلاف قرش.
وما يبقى من ريع الوقف المذكور بعد ذلك يحفظ تحت يد الناظر على ذلك ليصرف منه ما يحتاج الحال إليه لعمارة المسجد المذكور ومرمته وطلاء قبة المسجد وجدرانه كما هى عليه الآن وما فيه البقاء لعينه وفى تجديد كسوة مقام حضرة الوزير المعظم المرحوم الحاج محمد على باشا.
وشرط فيها: أن الناظر على ذلك والمتولى عليه يبدأ من ريعه بإصلاح الأراضى المذكورة من الحرث والتقصيب وتنظيف مساقيها وعمارة جسورها وما يحتاج الحال إليه لتصير الأراضى المذكورة صالحة للزراعة والإجارة ليكثر ريعها ومنها: أن النظر على ذلك
من تاريخه أعلاه إلى سعادة حسن باشا ناظر ديوان الداخلية ومن بعده لمن يلى وظيفته، ثم مشروط أنه إن تعذر الصرف على الجامع يصرف الريع على المدفنين بمصر والاسكندرية وبأيلولة الوقف للمدفنين يكون النظر لناظرهما حين ذاك، وإن تعذر الصرف على المدفنين أيضا يصرف الريع على الفقراء والمساكين وبأيلولة ذلك للفقراء والمساكين يكون النظر على الوقف لمن يكون والى مصر.
انتهت صورة الوقفية وهذا جميع ما نص فيها.
ثم أحدث خمس ليالى مواسم بالجامع المذكور منها: ليلة المعراج الشريف بإحيائها بتلاوة القرآن وبقراءة قصة المعراج بحضوره مع حضرات العلماء الأعلام والذوات الفخام والتجار العظام وغيرهم من أرباب الطرق ورؤساء التكايا، وذلك بعد /تناولهم الطعام من مائدة فاخرة تصنع لهم بديوان الخديوى، ومنها ليلة نصف شعبان بهذه المثابة ثم ثلاث ليال من رمضان منها ليلتا المولد أعنى ليلة الثالث عشر وليلة الرابع عشر؛ لأنه لما توفى بالاسكندرية أحضروه فى الثالث عشر ودفن فى الرابع عشر فأحدث عمل المولد فى هاتين الليلتين، وليلة سبع وعشرين من رمضان التى هى ليلة القدر يتلى فيها تفسير سورة القدر، ويوقد بالجامع فى كل ليلة من تلك الليالى اثنا عشر ألف قنديل داخلا وخارجا وستمائة شمعة من سمك خلاف الشمع الاسكندرانى الذى يوقد بالشمعدانات التى بوجه القبلة وداخل المقصورة.
وإلى وقتنا هذا جار عمل تلك الليالى بقلعة مصر العامرة.
ثم انتقل المرحوم محمد سعيد باشا إلى رحمة الله تعالى فى سنة 1279 هجرية وتولى بعده الخديو إسماعيل باشا فى 28 رجب من السنة المذكورة.
وفى هذه السنة قدم مولانا السلطان عبد العزيز إلى مصر فهيئت لإقامته بالقلعة سراية المرحوم محمد على باشا فأقام بها سبعة أيام، وفى يوم الجمعة خرج للصلاة بالمسجد المذكور فى موكب عظيم بمقدمته الذوات الفخام مشاة على الأقدام إلى أن دخلوا الجامع المذكور، وصلى الجمعة فى الكشك الذى أعد له فيه بجوار منبر الجامع، وكان قد صنع له كشك بالمسجد الحسينى وبالمسجد الزينبى لصلاته فيهما فاتفق أنه لم يصل فيهما، ثم بعد ذلك أمر الخديو إسماعيل باشا إحضار سترا آخر من الإستانة العلية؛ فأحضر ووضع على الضريح وهو من حرير أخضر مخيش بالقصب الأصفر والأبيض والأحمر مكتوب عليه بمقابلة باب المقصورة أبيات وهى:
هذا مقام حل فى روضه
…
من أسس المجد بخير جزيل
وشيد العليا بتدبيره
…
وأسعد الدنيا بقدر جليل
حفيده المخدوم أجرى له
…
فى البر سترا فاض لابن السبيل
وقدره المفرد نادى له
…
بمفرد يسمو لفكر نبيل
محمد المجد علىّ له
…
آجاد إسماعيل سترا جميل
سنة 1280
وهذه الأبيات مكتوبة فى الوسط وبجوارها من الجهة اليمنى فى مقابلة باب المقصورة أيضا دائرة مكتوب فيها: يا حنان يا منان. وبوسط الدائرة: محمد عليه السلام، والدائرة التى من الجهة اليسرى مكتوب فيها: يا ستار يا غفار. ومكتوب بوسطها: علىّ رضي الله عنه. وبأعلى الأبيات المذكورة فى الدور الوسط مكتوب قوله تعالى: {(الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ)}
(1)
، وبأعلى الدور الثالث من الجهة المذكورة مكتوب: عثمان رضي الله عنه. وفى جانب الستر مكتوب: {(وَ سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً)} إلى آخر الآية
(2)
، وبأعلاها فى الدور الأسفل مكتوب فى دوائر صغيرة من أعلى وأسفل:{(إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ)} إلى آخر الآية
(3)
، وقوله تعالى:{(نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ)} إلى آخر الآية
(4)
. وبوسط الستر من الجهة المذكورة دوائر مكتوب بها آيات قرآنية، وبالدور الثالث الأعلى دوائر مكتوب فيها: محمد عليه السلام، أبو بكر الصديق رضي الله عنه، عمر الفاروق رضي الله عنه. وبأسفل الستر من جهة الشاهد دائرتان مكتوب بهما قوله تعالى:{(يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ قِيلَ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)}
(5)
صدق الله العظيم.
وبأسفل الستر أيضا من جهة الشاهد أربع دوائر صغار مكتوب فيها آخر آية الكرسى المكتوب أولها بالجانب الأيسر، ثم بالدور الوسطانى دائرتان مكتوب بهما:{(عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً)}
(6)
، واسم الكاتب وهو إبراهيم رشيد المولوى،
(1)
سورة إبراهيم: 39.
(2)
سورة الزمر: 73.
(3)
سورة فصلت: 30.
(4)
سورة فصلت: 31.
(5)
سورة الزمر: 75.
(6)
سورة الإنسان: 6.
ومكتوب بالدور الثالث: الله جل جلاله. وبالجانب الأيسر دوائر صغيرة وكبيرة مكتوب بالصغيرة من أعلى وأسفل: {(رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا)}
(1)
إلى آخر السورة، ومكتوب بالكبيرة قوله تعالى:{(سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ)}
(2)
إلى آخر الآية، وبأعلى هذا الدور فى الدائرة الثالثة الكبيرة مكتوب أول آية الكرسى، وبدور الستر الوسطانى ثلاث دوائر مكتوب فيها:{(إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً)}
(3)
{(إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً)}
(4)
وبالدور الثالث ثلاث دوائر مكتوب فيها: علىّ رضي الله عنه، حسن رضي الله عنه، حسين رضي الله عنه.
وجميع الكتابة بالقصب المخيش والثلث المجوف إلا القليل فإنه بالنسخ، ثم أمر بإعمال أبواب المسجد فصنعت له أبواب من خشب الجوز بسماعات من النحاس، ثم أمر بعمل محلات أدب فعملت بالجانب الأيمن للداخل من رحبة المسجد وهى ست عشرة خلوة اثنان بباب مخصوص للذوات وأربع عشرة لجميع الناس، وتجاه ذلك طرقة كبيرة بباب آخر ويقابله باب يدخل منه إلى محل متسع به حنفيات من الرخام ومصلى بها قبلة من الرخام، وبالمصلى باب داخله محلات مخازن وبها أيضا قبتان من خشب إحداهما مكسوة بالرصاص، ثم أحاط رحبة الجامع المذكور بسور/من الحجر وعمل له طرقة ووضع فوقه درابزين من النحاس وأحاطه بدائر الجامع كله، وأهدى مصحفين شريفين بماء الدهب بخط المرحوم إبراهيم أفندى رشدى المولوى، وهما بالمقصورة مع مصاحف ودلائل أهديت من طرف أفراد العائلة الخديوية.
ثم لما آن للدّين أن يبلغ مناه وينجلى عنه صداه تولى مركز الخديوية الجليلة أفندينا محمد باشا توفيق؛ فنظر إلى هذا المسجد بعين الاحترام، وصار ملازما على حفظ آثار أسلافه الفخام؛ فيحضر فيه بنفسه وأكابر دولته فى كل ليلة من ليالى المواسم السالفة الذكر، ويغمر أهل هذا المسجد بإحساناته العامة وفواضله الشاملة التامة، ووضع به نجفة من البلور النفيس أمام باب القبة القبلى وتمم ما نقص من العمارات به، وأمر بتصليح رخام الصحن وإعادة رصاص القبب الذى سقط منها، وأمر حفظه الله بعمل بيارق وستارة
(1)
سورة البقرة: 286.
(2)
سورة الزمر: 73.
(3)
سورة الإنسان: 22.
(4)
سورة الإنسان: 5.
للمنبر من القطيفة المخيشة بالقصب فعملت، وأهدى لهذا المسجد أيضا هدية نفيسة من جملتها: مصحف بخط اسلامبولى ومحلى بماء الذهب، ونسخة دلائل بالخط الاسلامبولى أيضا ومحلاة بماء الذهب، وأرسل إليه عبد الحليم باشا ساعة كبيرة دقاقة وضعت فى الوجهة القريبة من الصحن بأعلى القبب لها ثلاث مينات وموضوعة داخل كشك من الساج ارتفاعها ثلاثة عشر مترا خلاف ارتفاع سطح الجامع وعرضها أربعة أمتار تحيط بها طرقة بدرابزين من الساج وبأعلاها قبة من الساج أيضا، ويصعد إلى كشكها بسلالم من خشب ونحاس، وثمن هذه الساعة ستة عشر ألف وينتى كما هو المشهور.
جامع قلمطاى
هذا المسجد بشارع درب الحصر من تمن الخليفة به عمودان من الزلط وضريح عليه مقصورة من الخشب، ومكتوب بأعلى قبلته نقشا فى الخشب آيات قرآنية وأحاديث نبوية ومكتوب أيضا:
أنشأ هذه الخطبة فى هذا المسجد المعروف قديما بزاوية سيدى قلمطاى الجمالى الأمير حسن أفندى كتخدا عزبان ابن المرحوم الأمير ناصف على فى جمادى الثانية سنة أربع وعشرين ومائة وألف، وهو مقام الشعائر وليس له أوقاف سوى بعض أحكار تحت يد ناظره الشيخ محمد القهوجى.
جامع القمارى
هو داخل حارة عبد الله بيك بالسروجية عن يمين المار فى الشارع من الصليبة إلى جهة باب زويلة مقام الشعائر الإسلامية، وسقفه من الخشب وبه عمود واحد من الحجر وبه خطبة وله مطهرة ومنارة، وبأسفله ضريح رجل صالح يقال له: القمارى. عليه تابوت من الخشب وكسوة من الجوخ.
جامع قواديس
هو جامع ابن الرفعة بحارة عابدين وقد ذكر فى حرف الألف.
جامع قوصون
قال المقريزى: هذا الجامع بالشارع خارج باب زويلة ابتدأ عمارته الأمير قوصون فى سنة ثلاثين وسبعمائة، وكان موضعه دارا بجوار حارة المصامدة من جانبها الغربى تعرف
بدار أقوش نميلة، ثم عرفت بدار الأمير جمال الدين قتال السبع الموصلى؛ فأخذها من ولده وهدمها وتولى بناءه شاد العمائر واستعمل فيه الأسرى، وكان قد حضر من بلاد توريز بنّاء فبنى مئذنتى هذا الجامع على مثال المئذنة التى عملها خواجا على شاه وزير السلطان أبى سعيد فى جامعه بمدينة توريز، وأول خطبة أقيمت فيه يوم الجمعة من شهر رمضان سنة ثلاثين وسبعمائة وخطب يومئذ قاضى القضاة جلال الدين القزوينى بحضور السلطان، ولما انقضت صلاة الجمعة أركبه الملك الناصر بغلة بخلعة سنية.
ترجمة الأمير قوصون:
وقوصون: هو الأمير الكبير المنعوت بسيف الدين. حضر من بلاد بركة إلى مصر صحبة خوند بنت أزبك امرأة الملك الناصر محمد بن قلاوون فى الثالث والعشرين من ربيع الآخر سنة عشرين وسبعمائة ومعه أشياء للتجارة قيمتها خمسمائة درهم؛ فطاف بذلك فى أسواق القاهرة وتحت القلعة وفى داخلها؛ فاتفق فى بعض الأيام أنه دخل إلى الإصطبل السلطانى ليببع ما معه فأحبه بعض الأوجاقية، وكان صبيا جميلا طويلا له من العمر ما يقارب الثمانى عشرة سنة فصار يتردد إلى الأوجاقى إلى أن رآه السلطان فوقع منه بموقع وأمر بإحضاره إليه وابتاع منه نفسه ليصير من جملة المماليك السلطانية؛ فنزله من جملة السقاة وشغف به وأحبه حبا كثيرا فأسلمه للأمير بكتمر الساقى وجعله أمير عشرة، ثم أعطاه إمرة طبلخاناه ثم جعله أمير مائة مقدم ألف ورقاه حتى بلغ أعلى المراتب وأرسل إلى البلاد؛ فأحضر إخوته وأهله وزوجه بابنته وتزوج السلطان أخته، واحتص به السلطان بحيث لم ينل أحد عنده ما ناله، ولما احتضر السلطان جعله وصيا على أولاده وعهد لابنه أبى بكر فأقيم فى الملك من بعده، وأخذ قوصون فى أسباب السلطنة وخلع أبا بكر المنصور بعد شهرين وأخرجه إلى مدينة قوص ببلاد الصعيد، ثم قتله وأقام كجك ابن السلطان وله من العمر خمس سنين ولقبه بالملك الأشرف وتقلد نيابة السلطنة بديار مصر فأمّر من حاشيته وأقاربه ستين أميرا، وأكثر من العطاء وبذل الأموال والإنعام فصار أمر الدولة كله بيده.
هذا وأحمد ابن السلطان الملك الناصر مقيم بمدينة الكرك فخافه قوصون وأخذ فى التدبير عليه فلم يتم له ما أراد من ذلك، وتحركت عليه الأمراء بمصر وحاصروه بالقلعة وقبضوا عليه/فى ليلة الأربعاء آخر شهر رجب سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، ونهبت داره وسائر دور حواشيه وأسبابه وحمل إلى الإسكندرية فقتل بها.
وكان كريما يفرق فى كل سنة للأضحية ألف رأس غنما وثلثمائة بقرة ويفرق ثلاثين حياصة ذهبا، ويفرق كل سنة عدة أملاك فيها ما يبلغ ثمنه ثلاثين ألف درهم، وله من الآثار بديار مصر سوى هذا الجامع الخانقاه بباب القرافة والجامع تجاهها وداره التى بالرميلة تحت القلعة تجاه باب السلسلة وحكر قوصون.
وفى تاريخ الجبرتى من حوادث خمس عشرة ومائتين وألف: أنه سقط فى هذه السنة النصف الأعلى من منارة جامع قوصون فهدم جانبا من بوائك الجامع ومال نصفها الأسفل على الدور المقابلة له بعطفة الروز نامجى وبقى مسندا كذلك قطعة واحدة وأظن أن سقوطها كان بالبارود بفعل الفرنساوية، انتهى.
وفى سنة تسعين ومائتين وألف أخذ منه جانب فى فتح شارع محمد على زالت فيه مئذنته ومرافقه، ثم عمل له رسم بمعرفتنا وجرى الشروع فى تعميره من طرف الأوقاف ورسمت فيه مدرسة لتعليم الأطفال وبنيت بجواره مساكن وحوانيت موقوفة عليه، وبه قبة قديمة وشعائره معطلة لعدم تمام عمارته وهو تحت نظر ديوان عموم الأوقاف.
جامع قيدان
هذا الجامع خارج القاهرة على الجانب الشرقى للخليج ظاهر باب الفتوح مما يلى قناطر الأوز. تجاه أرض البعل قد زال ولم يبق إلا بعض جدرانه وهو فى المقريزى.
***
حرف الكاف
جامع كاتم السر
هذا الجامع بشارع الحبانية تجاه مدرسة السلطان محمود.
كان قد تخرب فجدده المرحوم محمد على باشا فى سنة خمس وخمسين ومائتين وألف وهو مشرف على الخليج يصعد إليه بسلالم من الحجر، وبه عمودان من الزلط وبقبلته عمودان من الرخام وبه شبابيك بالزجاج الملون، وله منارة ومطهرة وبئر وشعائره مقامة من إيراد أوقافه تحت نظر الأوسطى على المكوجى، وبه ضريح يقال له: ضريح الشيخ كاتم السر وضريح آخر مكتوب عليه آية الكرسى.
جامع الكاملية
هو بشارع النحاسين بخط بين القصرين فى صف جامع المارستان المنصورى بجوار المدرسة البرقوقية، وهو جامع ملوكى عامر بالأذان والصلوات والجمعة والجماعة ومنافعه لم تزل تامة.
وكان أول وضعه مدرسة مشهورة تعرف بالكاملية ذكرها المقريزى وغيره.
قال المقريزى: الكاملية بخط بين القصرين تعرف بدار الحديث.
أنشأها الملك الكامل سنة اثنتين وعشرين وستمائة، وهى ثانية دار عملت للحديث، والأولى بناها الملك العادل بدمشق وقف هذه المدرسة الملك الكامل على المشتغلين بالحديث النبوى ومن بعدهم على فقهاء الشافعية، ووقف عليها الربع الذى بجوارها على باب الخرنفش ويمتد إلى الدرب المقابل للجامع الأقمر، وكان موضعه من جملة القصر الغربى ثم صار موضعا يسكنه القماحون، وكان موضع المدرسة سوقا للرقيق ودارا تعرف بابن كستول، وما برحت تلك المدرسة بيد أعيان الفقهاء إلى أن كانت الحوادث سنة ست وثمانمائة فتلاشت كما تلاشى غيرها وولى تدريسها صبى جاهل حتى نسيت.
وقال فى بدائع الزهور: إن المدرسة الكاملية هى أول دار بنيت للحديث بالقاهرة قيل: لما حفر أساسها وجد فيها صنم كبير من الذهب؛ فأمر الملك الكامل أن يضرب
دنانير ويصرف على بنائها فبنيت من وجه حل اه. وقد انقطعت منها دروس الحديث وغيره وصارت كغيرها من الجوامع للصلاة والخطبة.
ترجمة الملك الكامل:
قال المقريزى: الملك الكامل هو ناصر الدين أبو المعالى محمد بن الملك العادل سيف الدين أبى بكر محمد بن نجم الدين أيوب بن شاذى بن مروان الكردى الأيوبى خامس ملوك بنى أيوب الأكراد بديار مصر. ولد لخمس وعشرين من ربيع الأول سنة ست وسبعين وخمسمائة وخلف أباه الملك العادل على بلاد الشرق؛ فلما استولى على مملكة مصر قدم الملك الكامل إلى القاهرة سنة ست وتسعين وخمسمائة، ونصبه أبوه نائبا عنه بديار مصر وأقطعه الشرقية وجعله ولى عهده وأسكنه قلعة الجبل.
فلما مات الملك العادل ببلاد الشام استقل هو بمملكة مصر فى جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وستمائة وهو على محاربة الفرنج بالمنزلة العادلية قريبا من دمياط، ولما فرغ من حرب الفرنج سار إلى بلاد الشام فملك فيها بلادا ثم عاد إلى مصر وحفر بحر النيل فيما بين المقياس وبر مصر، وعمل فيه بنفسه واستعمل فيه الملوك من أهله والأمراء والجند، وتردد مرارا بين مصر والشام ووقعت معه حروب شديدة ثم نزل به زكام وهو بدمشق فدخل فى ابتدائه الحمام فاندفعت المواد إلى معدته فتورم وثارت فيه حمى، فنهاه الأطباء عن القئ فلم يصبر وتقيأ فمات لوقته آخر نهار الأربعاء الحادى والعشرين من رجب سنة خمس وثلاثين وستمائة عن ستين سنة منها ملكه أرض مصر نحو أربعين سنة استبد فيها بعد موت أبيه عشرين سنة وخمسة وأربعين يوما.
وكان يحب العلم وأهله ويؤثر مجالستهم وشغف بسماع الحديث النبوى وحدّث، /وكان يناظر العلماء بمسائل غريبة فمن أجاب عنها حظى عنده، وكان يبيت عنده بقلعة الجبل عدة من أهل العلم على أسرة بجانب سريره ليسامروه، وكان يطلق الأرزاق الدارة لمن يقصده لهذا.
وكان مهيبا حازما سديد الرأى حسن التدبير عفيفا عن الدماء، وكان يباشر أمور مملكته بنفسه من غير اعتماد على وزير ولا غيره، وإذا ابتدأت زيادة النيل خرج وكشف الجسور ورتب الأمراء لعملها، ثم يتفقدها بنفسه فعمرت أرض مصر فى أيامه عمارة جيدة، وكان يخرج من زكوات الأموال التى تجبى من الناس سهمى الفقراء والمساكين
ويعين مصرف ذلك لمستحقيه شرعا، ويفرز منه معاليم الفقهاء والصلحاء وأقام على كل طريق خفراء لحفظ المسافرين.
وكان كثير السياسة حسن المداراة إلا أنه كان مغرما بجمع المال مجتهدا فى تحصيله، وأحدث فى البلاد حوادث سماها الحقوق لم تعرف قبله. ومن نظمه:
إذا تحققتم ما عند صاحبكم
…
من الغرام فذاك القدر يكفيه
أنتم سكنتم فؤادى وهو منزلكم
…
وصاحب البيت أدرى بالذى فيه
ودفن أوّلا بقلعة دمشق، ثم نقل إلى جوار جامع بنى أمية، انتهى من المقريزى باختصار.
وفى بدائع الزهور: أن الملك الكامل كان له اجتماع بشرف الدين بن الفارض، وكان يميل إلى فن الأدب ويطارح الشعراء، ومما وقع له مع المظفر الشاعر الأعمى أنه قال: أجز على نصف هذا البيت وهو:
قد بلغ العشق منتهاه.
فقال المظفر: ومادرى العاشقون ما هو!.
فقال الكامل: وإنما غرّهم دخولى.
فقال المظفر فيه: فهاموا به وتاهوا.
فقال الكامل: ولى حبيب يرى هوانى.
فقال المظفر: وما تغيرت عن هواه.
فقال الكامل: رياضة الخلق فى احتمالى.
فقال المظفر: وروضة الحسن فى حلاه.
فقال الكامل: أحور سود العيون ألمى.
فقال المظفر: يعشقه كل من يراه.
فقال الكامل: ريقته كلها مدام.
فقال المظفر: ختامها المسك من لماه.
فقال الكامل: ليلته كلها رقاد.
فقال المظفر: وليلتى كلها انتباه اه.
وأخباره كثيرة فى كتب التواريخ.
جامع الكيخيا
هذا الجامع بالأزبكية قرب رصيف الخشاب بجوار ضريح الشيخ محمد أبى قوطه كما فى حجة وقفيته وهو الآن فى نهاية شارع عابدين، والكيخيا محرفة عن الكتخدا التى هى كلمة تركية معناها الوكيل.
وفى تاريخ الجبرتى: أن هذا الجامع أنشأه الأمير عثمان كتخدا القازدغلى، ولما تمم بناءه فى سنة سبع وأربعين ومائة وألف عين فيه للتدريس العلامة الشيخ عمر بن على ابن يحيى بن مصطفى الطحلاوى المالكى الأزهرى، وجعل إمامه وخطيبه الفقيه الحنفى الشيخ حسن بن نور الدين المقدسى، وأول ما صلى فيه وقع به ازدحام عظيم حتى ان الأمير عثمان بيك ذا الفقار حضر للصلاة متأخرا فلم يجد له محلا يصلى فيه فرجع وصلى بجامع أزبك، وقد ملئت المزملة التى أنشئت بجوار المسجد بالسكر المذاب وشرب منها عامة الناس وطافوا بالقلل لشرب من بالمسجد من الأعيان.
وقد عمل المنشئ سماطا عظيما فى بيت كتخداه سليمان كاشف الكائن برصيف الخشاب، وخلع فى ذلك اليوم على الخطيب والمدرس وأرباب الوظائف وفرق على الفقراء دراهم كثيرة.
وبعد ذلك شرع فى بناء الحمام الذى بجوار الجامع المعروف الآن بحمام الكيخيا اه.
وهو الآن مقام الشعائر وبه اثنان وعشرون عمودا أكثرها من الرخام وقبلته مشغولة بالرخام الملون وبها عمودان من معدن أسود، وجميع بوائكه من الحجر الآلة وسقفه خشب بصنعة بلدية، وفى صحنه لوح رخام به كتابه وباب السبيل والمكتب فى الطريق الموصل للمسجد، وكان على باب السبيل لوح رخام مكتوب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم جدد هذا الصهريج المبارك عبد الله جوربجى من صدقات وخيرات المرحوم الأمير عثمان كتخدا مستحفظان قازدغلى واقف هذا المكان الواقع تاريخه فى اثنين وعشرين من جمادى الآخرة سنة خمس وستين ومائة وألف، وقد سقط هذا اللوح عند هدم وجه السبيل وحفظ عند خادم المسجد وناظره السيد رضوان البكرى.
ترجمة عثمان كتخدا القازدغلى:
ثم ان منشئ هذا المسجد كما فى الجبرتى هو الأمير عثمان كتخدا القازدغلى تابع حسن جاويش القازدغلى والد عبد الرحمن كتخدا صاحب العمائر. تنقل فى مناصب الوجاقات فى أيام سيده وبعدها إلى أن تقلد الكتخدئية وصار من أرباب الحل والعقد وأصحاب المشورة، واشتهر ذكره ونما صيته خصوصا لما تقلبت الدول وظهرت الفقارية.
ولما وقع الفصل فى سنة ثمان وأربعين ومائة وألف، ومات الكثير من أعيان مصر غنم المترجم أموالا كثيرة من المصالحات والتركات.
ولم يزل أميرا متكلما بمصر وافر الحرمة مسموع الكلمة/إلى أن قتل مع من قتل ببيت محمد بيك الدفتر دار، ولم يكن مقصودا بالذات فى القتل انتهى.
ومن مآثره كما فى حجة وقفيته المؤرخة بسنة تسع وأربعين ومائة وألف ما ملخصه أنه لما أراد بناء المسجد والسبيل والمكتب والحمام اشترى أملاكا كثيرة نحو خمسة وعشرين موضعا من رباع وبيوت وخلافها، وجعل فيها هذا الجامع وما يتبعه، ووقف عليه أوقافا من رباع وحوانيت وخانات ونحو ذلك ما بين أملاك وخلوات فى عدة جهات كالأزبكية وخط الساحة والموسكى، وسويقة الصاحب وخط الوزيرية وخط بين القصرين وباب البحر وباب النصر والحبانية وخط الأزهر وغير ذلك.
ووقف أطيانا فى عدة جهات كناحية اللخميين والخرقانية ورزقة بالزاوية الحمراء من ضواحى القاهرة قدرها أربعة عشر فدانا، وبجزيرة الفيل ثمانية وعشرين فدانا وأرضا بناحية غمرين من المنوفية، ورزقة بناحية بنى غمرين وأرضا بناحية منية بشارو. أنشأ باللخميين مسجدا ودولابى ساقية على شط البحر، وبالزاوية الحمراء قصرا وجنينة ورتب بدفتر المتقاعدين بالمدينة المنورة كل سنة برسم قراءة القرآن مائة وأربعة وستين عثمانيا، وبدفتر متقاعدين جاويشان بالأنبار الشريف كل شهر عشرة أرادب قمح، وبدفتر الأيتام برسم قراءة القرآن مائتين وستة وسبعين عثمانيا، وبدفتر الكشيدة أربعة وخمسين عثمانيا برسم كسوة الأيتام وقراءة القرآن بباب البغداد لى بالقلعة، وبدفتر مستحفظان برسم مصاريف مكتب وسبيل زاوية القلعة مائتى عثمانى، وبدفتر مستحفظان برسم مصاريف مسجد الأزبكية مائتين أيضا.
وقد ألحق بهذا الوقف وقف زوجته الست آمنة خاتون بنت الأمير حسن جوربجى مستحفظان تابع الأمير مصطفى كتخدا مستحفظان الشهير بالفندقلى بموجب وقفية مؤرخة بسنة اثنتين وأربعين بما فيها من شروط الإدخال والإخراج وغير ذلك ومن مضمونها خلوات وأملاك بجهات:
منها بخط الشيخ حبيب وبزقاق حزم وبخط الوزيرية بسوق الرقيق القديم، وبحارة سويدان بقرب سويقة الصاحب وبخط الحبانية وبدرب القابودان، وفى المكان المعروف بالقصر فى بولاق وبخط البراذعية بالقرب من جامع الماردانى، وبخط التبانة وبحارة القصاصين وبباب الفتوح، وجنينة بقبة الغورى وساقيتين هناك ودولاب ورزقة بالقبة أيضا وخمسة أصول جميز بالعادلية، ورزقة بناحية تتا قدرها اثنا عشر فدانا ضريبة الفدان ستون نصفا فضة، وبناحية غمرين أحد عشر فدانا كذلك، وبناحية الخرقانية تسعة عشر فدانا كذلك وبناحية برقامة من البحيرة عشرة أفدنة والضريبة ثلاثون نصفا وعشرة أفدنة بناحية الأرمينة والضريبة ستون نصفا، وبناحية شبرى بسيون من الغربية تسعة وثلاثون فدانا وبمنية جعفر من الغربية أيضا ثلاثة وثلاثون فدانا وكسور، وبصا الحجر سبعة وخمسون فدانا وبناحية ديبى بالبحيرة مائة وتسعة وستون فدانا وكسور، وعلوفة بدفتر المتقاعدين بالمدينة المنورة ستون عثمانيا وبدفتر المتقاعدين بخزينة مستحفظان مائتان، وأطيان بالبهنساوية فى الجرنوس وشم البصل وكوم الروم وبدهروط البكرية وبنى غيطان والبلغرتين وجنينة وطاحون بالبهنساوية أيضا.
وكيفية صرف الريع: أن يصرف للإمام شهريا ستون نصفا بشرط أن يكون شافعيا ولمدرس حنفى مائة وخمسون نصفا شهريا ولسبعة يحضرون درسه مائتان وعشرة أنصاف ولمدرس شافعى تسعون نصفا، ولثلاثة يحضرون عليه تسعون، ولمدرس الحديث مع ستة من الطلبة مائتان وعشرة أنصاف، ولأربعة مؤذنين ثلثمائة وستون نصفا، وللمرقى عشرون نصفا وللمبلغ عشرون نصفا، ولاثنين فراشين تسعون نصفا، ولاثنين وقادين مائة وخمسون نصفا، وللبواب تسعون نصفا ولكناس المطهرة تسعون نصفا، ولخازن مهمات المسجد عشرون نصفا، وللمزملاتى ثلاثون نصفا، ولثمن قلل مع أجرة خادمها خمسة وأربعون نصفا، ولخادم الأباريق خمسة عشر نصفا ولإثنين سقاءين ثلثمائة نصف ولثمن ليف وحلفاء ونحو ذلك ثمانون نصفا، ولثمن بخور للصهريج والقلل ثلاثون نصفا، ولمؤدب الأطفال بالمكتب تسعون نصفا، وللعريف ثلاثون نصفا، ولثلاثين يتيما يتعلمون بالمكتب ثلثمائة نصف، ولخمسة عشر يقرءون بالمسجد كل يوم ختمة فى الشهر مائة،
وخمسون نصفا، ولشيخ القراء وهو الداعى ثلاثون نصفا وللمنادى فى أوقات الصلاة بالسوق بقوله: الصلاة يا مفلحون. خمسة عشر نصفا ولمفرق الربعة الشريفة خمسة عشر نصفا، وتوسعة على الخدمة فى رمضان كل سنة مائة نصف، ولكسوة أيتام المكتب فى رمضان ثلاثون ظهرا من العرقشيم الفارسكورى وثلاثون شدا وثلاثون طاقية حمراء وخمسة عشر مقطعا من القماش المنفلوطى وثلثمائة نصف فضة للجميع، وللمؤدب ظهران من الفارسكورى ومقطع منفلوطى ومائة وعشرون نصفا، وللعريف/ظهر وشد وطاقية ومقطع وخمسة وستون نصفا.
ويشترى للمسجد من الزيت الطيب فى كل شهر خمسة وستون رطلا وفى رمضان أربعة قناطير، وللمنارة فى المواسم خمسة أرطال ومن الشمع فى رمضان عشرة أرطال وحصر لفرش المسجد بقدر الكفاية، ولثمن قناديل وقرايات ستمائة نصف فى السنة وفى نزح الصهريج مائة وعشرون نصفا، وفى ثمن ماء عذب ينقل للصهريج فى شهر طوبة اثنا عشر ألف نصف، ولثمن قوادبس وطوانس للساقية فى السنة سبعمائة وعشرون نصفا، وللنجار مائة وعشرون نصفا فى كل سنة، وفى عليق ثورين للساقية مائة وعشرون نصفا كل شهر.
ولمباشر الوقف فى الشهر تسعون نصفا وللشاد كذلك، وللجابى ثلثمائة نصف فى الشهر، وفى السنة كسوة ظهران ومقطع قماش.
ويصرف لجامع سويدان وجامع ناحية اللخميين وجامع الخرقانية كفايتها المبينة فى مواضعها، وكذلك تصرف كفاية السبيل والمكتب اللذين بالقلعة فى باب البغداد لى ولمجاورى الشوام بالأزهر برسم قراءة ختمة قرآن شهريا ستمائة وأربعون نصفا ولرواق السليمانية كذلك ثلثمائة وسبعة أنصاف، ولثمن حصر للرواق المذكور فى السنة مائتان وثلاثة وسبعون نصفا، ولرواق الجاوة لقراءة ختمة مائتان وثلاثة عشر نصفا شهريا وثمن حصر فى السنة ثلاثة وستون نصفا، ولرواق الأكراد فى الشهر ثلثمائة وعشرة أنصاف وفى السنة مائة نصف، ولثمن خبز قرصة يفرق على قبر الإمام الشافعى رضي الله عنه فى السنة سبعمائة وعشرون نصفا، وعلى قبر الإمام الليث أربعمائة وثمانون نصفا، وعلى قبر السيدة نفيسة رضي الله عنها كذلك، وعلى متولى تفرقة الخبز فى الشهر ثلاثون نصفا، ولمن يحمل دست الطبيخ من المطبخ إلى رواق معمر بالأزهر فى الشهر خمسة وأربعون نصفا.
وبرسم تكية العميان التى أنشأها بالأزهر فى الشهر خمسة وسبعون نصفا، وفى ثمن ماء عذب بإزاء التكية المذكورة وثمن قلل وكيزان وأباريق فى الشهر مائة وخمسون نصفا، وفى ثمن زيت لإيقاد خمسة قناديل بتلك التكية بحسب وقته وفى ثمن حصر لها فى السنة بحسب وقته.
وللعميان فى نظير قراءة أربع ختمات فى أربع ليالى المواسم ليلة المعراج، وليلة نصف شعبان، وليلة عيد الفطر، وليلة عيد الأضحى فى السنة اثنا عشر ألف نصف، وإرسالية صحبة الحاج المصرى إلى مكة والمدينة برسم دوارق ماء توضع بجهات هناك سبعة وخمسون ريالا حجرا.
وللناظر الأصلى فى السنة ستة آلاف نصف، وللناظر الحسبى ألفان، ولكاتب الرومية ألف نصف، ولأغا طائفة مستحفظان وكتخدا مستحفظان بقلعة الجبل برسم مساعدة ناظر الوقف لهما معا ثلاثة آلاف نصف، وفى ثمن جاموستين تذبحان فى الأضحية وتفرقان على أهل المسجد المذكور والمكتب والصهريج ونحو ذلك ألفا نصف.
وما فضل من الريع يقسم أربعة أقسام؛ فالربع للست آمنة خاتون وبعد موتها يضم لجهة الوقف، والربع لأولاد الواقف ذكورا وإناثا ولإبن عمه وذريته وبنت خالته سوية، ثم نسلهم ثم يرجع إلى الوقف، والربع للعتقاء ومن بعدهم إلى الحرمين، والربع يشترى به عقارات للوقف؛ فهو الذى أنشأ زاوية العميان بالأزهر وله مرتبات فى جهات أخرى تقبل الله منه.
جامع كتخدا قيصرلى
هذا الجامع بخط ميدان الغلة خارج باب الشعرية داخل درب سيدى محمد التمار، وهو من إنشاء الأمير على كتخدا قيصرلى، وفى وسطه عمود واحد من رخام، وفى جانبى محرابه عمودن صغيران من الرخام، وبه ضريح بانيه عليه تركيبة من الرخام، وعلى الضريح لوح رخام قيه تاريخ ألف ومائة وثمان وثلاثين ولعله تاريخ موت بانيه على كتخدا المذكور.
والظاهر: أنه هو المترجم فى تاريخ الجبرتى بأنه الأمير على كتخدا المعروف بالداودية مسحفظان، وكان من أعيان الينكجرية وأصحاب الكلمة مع مشاركة مصطفى
كتخدا الشريف، وكان من الأعيان المعدودين، ولم يزل نافذ الكلمة وافر الحرمة إلى أن مات على فراشه.
ولما بناه ذلك الأمير وقف عليه أوقافا جزيلة وأقام شعائره كما يجب.
مطلب صورة وقفية الأمير على كتخدا:
وقد رأيت فى كتاب وقفيته المحرر فى محكمة جامع سيدى أحمد الزاهد ما ملخصه:
وقف حضرة الأمير على كتخدا طائفة عزبان سابقا وباش اختيار الطائفة المذكورة حالا الشهير بالقيصر لى ابن المرحوم السيد الشريف عبد الرحمن جميع العقارات والخلوات والمتأجرات والجرايات والعتامنة المعينة بمستند إيقافه الشرعى المسطر من الباب العالى فى غرة ربيع الأول سنة أربع وثلاثين ومائة وألف، والتسعة إلحاقات بوقفه المرقوم المسطر أحدها من الباب العالى فى ربيع الآخر سنة أربع وثلاثين وستة منها: مسطرة فى محكمة باب الشعرية تاريخ أحدها وثانيها ثمانية عشر ذى الحجة سنة ست وثلاثين، وثالثها سنة ثمان وثلاثين ورابعها إحدى وأربعين، وخامسها سنة اثنتين وأربعين وسادسها كذلك، والثامن فى سنة أربع وأربعين/والتاسع فى سنة ست وأربعين بعد المائة والألف فى الجميع، وشرط لنفسه الشروط العشرة وجعل المعول على ما سيذكر فى هذا، ثم ألحق بوقفه الحوش الذى بناه بخط حمام جمدار وجمع الحصة التى قدرها السدس أربعة قراريط وكسر فى المعصرة والسيرجة والطاحون التى بداخل المعصرة بحارة حمام جمدار من مصر القديمة، وجميع الربعين والمكان والمسجد والمدرسة والمطهرة والصهريج والحوض والمدفن المستجدة الإنشاء والعمارة بمصر المحروسة خارج باب الشعرية بخط ميدان الغلة داخل درب سيدى محمد التمار ودرب سيدى محمد قابه.
ونص فى الوقفية على أن يصرف الريع أولا فى عمارة الوقف، ثم لناظر الوقف كل سنة ثلاثة آلاف وستمائة نصف فضة، وللكاتب كل سنة ألفان ومائة واحد وستون نصفا فضة، وللجابى ألفان وثمانمائة وثمانون نصفا، ولملء الصهريجين: الكبير الذى بجوار القنطرة والصغير الذى بجوار المدرسة فى شهر طوبة القبطى كذلك، ولخدام الصهريج الكبير ألف وثمانون نصفا ولخدام الصهريج الصغير ثلثمائة وستون نصفا، وثمن قلل ودلاء وسلب بصهريج المدرسة مائة وثمانون نصفا، ولمؤدب الأطفال بمكتب فوق الصهريج الكبير كل سنة ثلثمائة وستون نصفا، وللعريف كل سنة مائة وثمانون نصفا، وفى كل سنة من أواخر رمضان كسوة عشرة أطفال لكل ولد ظهر وقميص وطاقية وشد، وللفقيه والعريف ظهر وقميص ولكل ولد فى السنة عشرة أنصاف فضة.
وفى شعبان لعمل المولد ألفان وأربعمائة وخمسون نصفا، وليلة عيد الفطر ألف ومائة وعشرة أنصاف، وفى ليلة عيد الأضحى لعمل المولد كذلك. ويصرف فى ثمن زيت طيب ستمائة وستون رطلا للاستصباح فى أحد عشر شهرا بحسب سعر وقته.
وفى رمضان ثمن قنطارين زيتا وفى رمضان أيضا ثمن شمع اسكندرى عشرة أرطال بسعر وقته، وثمن قناديل وسلاسل فى رمضان مائتا نصف فضة.
ويصرف كل سنة فى مولد النبى صلى الله عليه وسلم، وفى ليلة المعراج، وفى مولد سيدنا الحسين رضي الله عنه، وفى ليلة نصف شعبان ثمن زيت أربعون نصفا فضة، وفى للطوانس والقواديس بحسبه، ولنجار الساقية خمسة وأربعون نصفا، وفى الفول والبرسيم بحسب وقته لثور الساقية، وفى الحصر ونحوها بحسبه ولمدرس بالمدرسة فى كل سنة ثلاثة آلاف وستمائة نصف فضة، ولعشرة طلبة يحضرون الدرس ويقرءون القرآن فى كل شهر لكل واحد ثلاثون نصفا، ولخادم الربعة الشريفة فى الشهر خمسة أنصاف وتكون الطلبة غير متأهلين بل قاطنين بالمدرسة يحضرون ثلاثة دروس فى النهار ويقرءون بالمدفن، ويصلى واحد منهم صلاة الصبح إماما فى وقت صلاة الحنفى.
وشرط: أن يكون المدرس هو الإمام والخطيب بالمسجد، وأن يرتب بواب وفراش ووقاد وسواق للساقية وملاء للفسقية، وآخر للحوض وملء القلل ونقل الماء لطبخ طبيخ الطلبة بالمدرسة وخادم للمطهرة والأخلية، وطباخ وثلاثة مؤذنون أحدهم مبلغ ومشد وكلارجى ومبخر.
ويصرف للإمامة فى الشهر ستون نصفا وللخطبة ثلاثون ولإمام صلاة الحنفى عشرة، وللمرقى خمسة ولكل مؤذن أربعون وللفراش عشرون وللوقاد خمسة وأربعون، وله توسعة فى رمضان مائة وعشرون وتوسعة للمؤذنين تسعون وللبواب فى الشهر اثنان وعشرون، ولخادم المطهرة والفسقية والحنفية والمستحم والحوض والأخلية كل سنة مائتان وخمسة وعشرون وللسواق خمسة وأربعون، وللمبخر فى أجرته وفى ثمن البخور فى السنة مائة نصف، وللقارئ على الكرسى قبل الظهر والعصر كل شهر خمسة عشر، وللميقاتى فى الشهر تسعون ولخازن الكتب فى السنة مائتان وفى مرمة الكتب مائة.
ويصرف ثلاثة قناطير سمن وخمسة قناطير عسل قطر وأربعة أرادب أرز وثمانية أرادب عدس مجروش وستون حملة حطب رومى، ولطباخ الشوربة فى الشهر ثلاثون
نصفا، وللقراء فى كل ليلة جمعة عشرة أنصاف وللكلارجى فى الشهر تسعون، ولخمسة وثلاثين شخصا من القابجية والجوربجية بباب عزبان لكل واحد ثلاثون فى السنة، ولجميعهم فى السنة من القمح أحد وسبعون أردبا، ولكل ولد من العشرة الأطفال كل يوم خمسة أرغفة وكذا للعريف، وللفقيه عشرة زنة الرغيف أربع أواق، ولكل طالب خمسة وللبواب رغيفان وللسواق ثلاثة وللفراش رغيفان ومثله خادم المطهرة وخادم الصهريج والطباخ وللميقاتى أربعة وكذا كل مؤذن.
وجملة أخباز المدرسة ثلاثة وثمانون رغيفا زنة الرغيف أربع أواق، وأجرة الخباز بحسب وقته وللمدرس أربعة أرادب قمحا فى السنة وللمشد ثلاثة.
ويصرف ألف ومائة وأربعون نصفا بحساب الزنجرلى منها مائة وسبعة أنصاف تفرق بمدفن الواقف على الطلبة وفقهاء المدرسة والفقراء والمساكين/ولسقاء بئر زمزم بمكة فى السنة أربعمائة وخمسون نصفا ولسقاء حرم المدينة فى مقابلة ملء عشرة دوارق أربعمائة وخمسون نصفا، وما بقى بعد الاصطلاحات والمصاريف المذكورة يكون ثلثاه لأولاد الواقف وزوجته، وإن ماتت فللأولاد ومن بعدهم للعتقاء والثلث للعتقاء فإذا انقرضوا فلعتقاء الأولاد.
وجعل النظر لنفسه ومن بعده للأرشد من أولاده، ويكون الكلارجى من العتقاء والمباشر من أولاده أو من العتقاء، وأن أجرة المكان سكن الواقف مائتان وعشرة أنصاف تسكنه الذرية والعتقاء وأولادهم.
وألحق بذلك الوقف وكالة بخط خان الخليلى برأس سوق الفناجين والقوافين ويعرف سابقا بخان اللبن الجارى أصل النصف والربع من ذلك بوقف المرحوم السلطان طومنباى العادل، وثلثا قيراط شركة وقف المرحوم جاهين الجمالى، وتاريخ الحجة ثمانية عشر صفر سنة سبع وثلاثين ومائة وألف
ووقف أيضا عشر جرايات بالقبر الشريف مرتب سبيل وقنطرة بنام. (أى: اسم) أولاد وعيال وعتقاء السيد الواقف بموجب تذكرة من الديوان العالى بالختم والعلامة مخلدة تحت يده.
ووقف قبل ذلك بموجب حجة عشر جرايات وجميع عليق مرتب سبيل وقنطرة بنام أولاد وعيال وعتقاء الواقف لتصير الجملة عشرين جراية مع العلايق، وجعل حكم هذا الوقف حكم وقفه السابق، انتهى.
وهذا المسجد الآن تحت نظر رجل يقال له: الشيخ محمد بلال.
جامع كراى
فى المقريزى: أن هذا الجامع بالريدانية خارج القاهرة. عمره الأمير سيف الدين كراى المنصورى فى سنة إحدى وسبعمائة لكثرة ما كان هناك من السكان، فلما خربت تلك الأماكن تعطل هذا الجامع، وهو الآن قائم وجميع ما حوله دائر انتهى.
وقد زالت الآن آثاره بالكلية وموضعه كيمان فى خارج باب النصر.
جامع الكردى
هذا الجامع بشارع سويقة اللالا. يصعد إليه بدرج وعلى بابه لوح رخام منقوش فيه:
وجامع ذكر بالعبادة قد سما
…
بنور وإشراق إشارته تروى
لمنشئه أخبار ثبت صحيحة
…
بأن له فى بعثه جنة المأوى
أقام شعار الدين فيه على هدى
…
صلاة وتدريسا إلى عالم النجوى
ومن خالص الأموال يبذل طالبا
…
إلى العفو لا منا لديه ولا لأوى
هو السيد المقدام أوحد عصره
…
محرم أفديه حقيقا من الأسوى
ومذ لاح للتاريخ فيه سعوده
…
بنى مسجد الله أسس بالتقوى
وبدائره من الأعلى أبيات من البردة وبه خزانة كتب جليلة، وله ميضأة وكراسى راحة وبئر وبجوار الميضأة نخيل وأشجار، ومنارته بدورين وبأسفله عدة حواصل، وشعائره مقامة بنظر ديوان الأوقاف.
وكان يعرف أولا بجامع محرم أفندى وبه ضريح الشيخ الكردى عليه مقصورة من الخشب، وانظر من المراد بالكردى.
ترجمة الشيخ عمر الكردى:
وفى طبقات الشعرانى جماعة كردية منهم: الشيخ خضرو الشيخ شرف الدين بالحسينية ومنهم الشيخ عمر الكردى الذى قال فيه: أنه كان مقيما ببركة ميدان خارج القاهرة، وكان يغتسل لكل فريضة صيفا وشتاء، وكان الأمراء والخوندات والأكابر يأتونه
بالأطعمة الفاخرة والحلاوات فيطعمها للحشاشين الذين يتفرجون ويقول لهم: يا إخوانى مالى أرى أعينكم حمراء. لا يزيد على ذلك، وكان النقباء يلومونه على عدم إطعامهم من هذا الطعام فأراهم فيه آية زهدتهم فيه.
قال الشيخ أمين الدين إمام جامع الغمرى: ولما دفناه فى تربة خشقدم كان من الحاضرين سيدى إبراهيم المتبولى، فقال: وعزة ربى ما رأيت أصبر منه نازل فى قطعة من جهنم وما فيه شعرة تتغير رضي الله عنه، انتهى.
وفى الضوء اللامع للسخاوى: أن خشقدم اللالا عمل إحدى قاعاته بالقرب من درب الرميلة جامعا تقام فيه الجمعة، انتهى.
جامع الكردى
هو بالحسينية بين جامع البيومى وباب المذبح القديم الذى يسلك منه إلى العباسيه.
وهو جامع صغير أنشأه الأمير عبد الرحمن كتخدا فى نحو سنة ألف ومائة وسبعين ومنافعه تامة وشعائره مقامة من طرف ديوان الأوقاف، وفيه أضرحة لجماعة من الصالحين منهم الشيخ شمس الدين والشيخ أبو الخير الطويل وسادات حسنية هكذا على الألسنة.
ترجمة الشيخ شرف الدين الكردى:
وأشهر هذه الأضرحة، ضريح الشيخ شرف الدين الكردى المعروف به هذا الجامع.
قال الشعرانى فى طبقاته: هو مدفون بظاهر القاهرة بالحسينية وله مقام عظيم وكرامات كثيرة وله حضرة كل ليلة أربعاء وهو أخو الشيخ خضر الكردى فى الطريق، وكان من أصحاب سيدى أبى السعود بن أبى العشائر ومناقبهما مشهورة ماتا سنة سبع وستين وستمائة رضى/الله عنهما، انتهى.
وحضرته مستمرة إلى الآن وله مولد سنوى أكثر من يعتنى به طائفة الجزارين؛ لأن مساكنهم حوله، ولهم فيه اعتقاد زائد ويحلفون به وينذرون له النذور.
ترجمة سيدى اسماعيل الخشاب:
وممن دفن بهذا الجامع كما فى الجبرتى نادرة الزمان السيد إسماعيل بن سعد الشهير بالخشاب توفى سنة ثلاثين ومائتين وألف.
كان أبوه نجارا فتولع هو بحفظ القرآن، ثم بطلب العلم فجد فى التحصيل حتى نجب فى فقه الشافعية والمعقول بقدر الحاجة، ونزل فى حرفة الشهادة بالمحكمة الكبرى وطالع كتب الأدب والتاريخ؛ فحفظ كثيرا من الأشعار والمراسلات والحكايات الصوفية انتهى.
وقال الشعر الرائق والنثر الفائق، وصحب بلطف سجاياه ودماثة أخلاقه وكرم شمائله أرباب المظاهر من الكتاب والأمراء والتجار وتنافسوا فى صحبته وارتاحوا لمنادمته، وكان الوقت إذ ذاك غاصا بالأكابر فى هنئ من العيش.
ولما رتب الفرنساوية ديوانا، لقضايا المسلمين تعين فى كتابة التاريخ لحوادث الديوان؛ لأن القوم كان لهم مزيد اعتناء بضبط الحوادث اليومية فى سجلهم وتوزيعها على الجيش، فكان يرقم كل ما يصدر فى المجلس من أمر أو نهى أو خطاب أو جواب أو خطأ أو صواب.
وقرروا له كل شهر سبعة آلاف فضة مضافة لما هو فيه من حرفة الشهادة، وكان ديوانهم ضحوة يومين فى الجمعة؛ فجمع من ذلك عدة كراريس ولا أدرى ما فعل بها.
ولما رجع الشيخ حسن العطار من سياحته رافقه ووافقه ولازمه، فكانا يقطعان الليل بأحاديث أرق من نسيم السحر ويجولان فى فنون الأدب والتاريخ والمحاضرات وهما حينئذ فريدا عصرهما لم يعززا بثالث فى تلك الشئون التى أربت على المثانى والمثالث.
ولما مات بقى الشيخ حسن العطار فريدا، وجمع له ديوان شعره وهو صغير الحجم له شهرة بين المتؤدبين، وله قصيدة غزل فى شاب من كتاب الفرنساوية كان جميل الصورة لطيف الطبع فصيح اللسان أديبا أولها:
علقته لؤلؤىّ الثغر باسمه
…
فيه خلعت عذارى بل حلى نسكى
ملكته الروح طوعا ثم قلت له
…
متى ازديارك لى أفديك من ملك
فقال لى وحميا الراح قد عقلت
…
لسانه وهو يثنى الجيد من ضحك
إذا غز الفجر جيش الليل وانهزمت
…
منه عساكر ذاك الأسود الحلك
فجاءنى وجبين الصبح مشرقة
…
عليه من شفق آثار معترك
فى حلة من أديم الليل رصعها
…
بمثل ما أنجم فى قبة الفلك
فخلت بدرابه جنت نجوم دجى
…
فى أسود من ظلام الليل محتبك
وافى وولى بعقل غير مختبل
…
من الشراب وستر غير منهتك
وله غير ذلك ولم يزل على رقته ولطافته مع كرم النفس والعفة وكثرة الإنفاق.
وكان له صاحب يسمى أحمد العطار بباب الفتوح توفى فتزوج بزوجته وهى تصف، وكان لها ولد من المتوفى فتبناه ورفهه بالملابس وأشفق به وزوجه وأنفق فى زواجه مالا كثيرا ثم مات الولد؛ فجزع عليه جزعا شديدا وبكى وانتحب، واختارت أمه دفنه بجامع الكردى بالحسينية ثم اتخذت مسكنا ملاصقا لقبره أقامت به نحو ثلاثين سنة مع دوام عمل الثريد والكعك بالعجمية والسكر للمقرئين والزائرين، والمترجم طوع يدها فى كل ما طلبته تسخيرا من الله تعالى لها ولأقاربها لا لذة له فى ذلك مع أنها عجوز شوهاء وهو نحيف البنية ضعيف الحركة، بل معدومها وابتلى بحصر البول إلى أن توفى ودفن عند ابنه المذكور.
وكثيرا ما كنت أتذكر قول القائل فى ذلك:
ومن تراه بأولاد السوى فرحا
…
فى عقله عزه إن شئت وانتدب
أولاد صلب الفتى قلت منافعهم
…
فكيف يلمح نفع إلا بعد الجنب
مع أنه كان كثير الانتقاد على غيره فيما لا يدانى انتقاده لهذه المرأة وحواشيها، انتهى.
جامع الكرمانى
كان هذا الجامع فى غربى قناطر السباع، وكان عامرا فتخرب ولم يبق إلا أثار تدل عليه، وصار موضعه بستانا للأمير حبيب أفندى من زمن العزيز محمد على، وبقى ضريح الشيخ الكرمانى فى وسط البستان ظاهرا عليه إلى الآن قبة.
جامع الكريرى
هذا الجامع بشارع البلاقسة من باب اللوق، كان قديما فاستجد بناؤه فى سنة أربع وثمانتين ومائتين وألف، وأقيمت شعائره وبه عمود واحد، وله مطهرة ومرافق وله أوقاف تحت نظر الشيخ محمد الخضرى.
جامع الشيخ/كشك
هذا المسجد بجوار مسجد القبر الطويل خارج بواية السيدة سكينة رضي الله عنها بينها وبين السيدة نفيسة عن شمال الذاهب إليها وهو مقام الشعائر، وبه ضريح الشيخ محمد كشك وضريح الشيخ مصطفى الحبال وضريح الشيخ على الحباك وضريح الشيخ محمد البرمونى، وله ميضأة وشعائره مقامة من إيراد محلات بجواره موقوفة عليه ونظارته تحت يد الشيخ عبد المجيد البرمونى.
ترجمة الشيخ على الحباك:
والشيخ على الحباك المذكور ترجمه الجبرتى، فقال: هو الفاضل الصالح الشيخ على بن محمد الحباك الشافعى الشاذلى تفقه على الشيخ عيسى البراوى، وبه تخرج وأخذ الطريقة الشاذلية عن الشيخ محمد كشك وإليه انتسب، ولما توفى جعل شيخا على المريدين وسار فيهم سيرا مليحا وكان يصلى إماما بزاوية بقلعة الجبل.
وكان شيخا حسن العشرة لطيف المجاورة طارحا للنكات متواضعا، وقد صارت له مريدون وأتباع خاصة غير أتباع شيخه.
توفى فى يوم الإثنين الثالث والعشرين من شعبان سنة خمس وتسعين ومائة وألف انتهى
جامع كمال الدين
هو خارج باب الفتوح على يمنة الخارج منه إلى الوايلية.
أنشأه الحاج كمال الدين التاجر فى أيام الظاهر برقوق؛ ذكره المقريزى فى جوامع الحسينية ولم يترجمه وهو جامع لطيف؛ وبه قبر بانيه ظاهر يزار وقبور آخرين منهم المعتقد الشيخ سالم المزين تلميذ الشيخ على البيومى.
توفى بعد سنة ثمانية ومائتين وألف، وشعائره مقامة ويعمل له مولد سنوى.
جامع الكومى
هذا الجامع بضواحى القاهرة جهة الوايلية الصغرى، بناؤه بالدبش والطوب النئ وبه أربعة أعمدة من الحجر، وله منبر وخطبة وبه بئر وميضأة واخلية.
جدده رجل يعرف بمحمد حسين البيومى فى سنة ثلاث وسبعين ومائتين وألف بإذن من ديوان المحافظة، وبجواره من الجهة البحرية أشجار، وبالجنوب الشرقى ضريح يقال له:
ضريح سيدى على الكومى وشعائره مقامة.
جامع كوم الشيخ سلامة
هذا الجامع بكوم الشيخ سلامة حيث العلوة برأس شارع الموسكى عن شمال الذاهب من هذا الشارع إلى بولاق، والآن شعائره مقامة ومنافعه تامة وبه منبر وخطبة، وكان له باب إلى شارع الموسكى يصعد منه إليه بعدة درج فسد ذلك الباب وبقى له بابان بداخل حارة كوم الشيخ سلامة، وله شبابيك على الشارع ومكتب جميل، ويعرف بجامع الشيخ عبد الغنى باسم خطيبه الشيخ عبد الغنى الملوانى المالكى أحد المدرسين بالأزهر وشيخ سجادة البيومية. توفى سنة اثنتين وتسعين ومائتين وألف.
ويظهر أن هذا الجامع هو المراد فى حجة وقفية المرحوم زين الدين عبد المعطى ابن الشيخ شمس الدين محمد سبط الفاضل بهاء الدين محمد النشوى الشافعى المؤرخة بسنة تسع عشرة وألف هجرية. قال فيها: ان زين الدين المشار إليه وقف المسجد الذى أنشأه ظاهر القاهرة خارج قنطرة الموسكى بالقرب من جامع أزبك وجميع الأماكن المستجدة علو المسجد وبجواره والاصطبل والمزملة والمطهرة وحوض الدواب؛ وحدّ ذلك القبلى ينتهى إلى غيط الحمزاوى، والبحرى إلى الطريق السالك وقبة سلم المسجد والشبابيك الحديد والمزملة، والشرقى إلىّ بناء الخواجا ولى الدين، والغربى إلى طاحون هناك.
ووقف أرضا بناحية الشوبك من الأطفيحية عشرين فدانا وحصة من أنشاب أرض الغيط بناحية الخصوص بما فيها من الساقية والسبارج والبيوت والمخازن وحصة من أرض ناحية بجام بالضواحى ثلاثين فدانا بالقصبة الحاكمية، وأضاف إلى ذلك وقف الزينى أبى النصر وهو أرض بجهة الأشمونين قرب البهنساوية، وجعل النظر من بعده لنائب قلعة مصر، ثم لناظر وقف الحرمين، ورتب لإمام هذا المسجد كل سنة أربعمائة وثمانين نصفا من الفضة الجديدة معاملة الديار المصرية وثلاثة أرادب بالكيل المصرى ولأربعة يقرءون بالمسجد من المغرب إلى العشاء مائة وأربعين نصفا فى السنة، ولمن يقرأ على الكرسى وقت الظهر والعصر مائة وعشرين نصفا وللمؤذن وهو المبلغ والفراش والبواب والوقاد ستمائة نصف وثلاثة أرادب سنويا، ولثمن قدور زجاج
وسلاسل نحاس ثمانين نصفا، وثمن زيت مائتين وثلاثين نصفا، وثمن حصر سمار كذلك، وثمن أنخاخ حلفاء تفرش حول الفسقية عشرين نصفا، ولملاء الفسقية والحوض والحنفية وبيوت الأخلية والمزملة تسعمائة نصف وثلاثة أرادب سنويا، ولعشرة أيتام بالمكتب الذى فوق مزملة المسجد فى السنة تسعمائة وعشرين نصفا، وغلة برسم الجراية خمسة عشر أردبا، وللمؤدب مائتين وأربعين نصفا وأربعة أرادب كل سنة، وثمن أدل وكيزان للسبيل ستين نصفا غير ما رتبه للقراءة والريحان ونحوه على قبر جده ووالده ووالدته وأخيه ونحوهم، وما رتبه لناظر الوقف وللشاد والشاهدين والعتقاء، ويقرر الحاكم الحنفى عشرة يقرءون فى المسجد كل يوم وقت العصر ويصرف لهم سنويا ألفان ومائة وستون نصفا، ولخادم الربعة مائة/وثمانون، انتهى.
***
حرف اللام
جامع الإمام الليث/رضي الله عنه
هذا المسجد بنى على مشهد الإمام الليث بن سعد رضي الله عنه بالقرافة الصغرى بقرب مشهد الإمام الشافعى رضي الله عنه منقوش على بابه فى الحجر هذان البيتان:
إذا رمت المكارم من كريم
…
فيمم من بنى لله بيتا
فذاك الليث من يحمى حماه
…
ويكرم جاره حيا وميتا
ومن داخله باب منقوش عليه فى الحجر: أمر بإنشاء هذا المكان الشريف من فضل الله تعالى سيدنا ومولانا السلطان المالك الملك الأشرف أبو النصر قانصوه الغورى، وكان الفراغ من ذلك فى شهر جمادى الآخر سنة خمس وثمانين وثمانمائة.
وبأعلاه دائرتان مكتوب فى كل منهما: السلطان الملك الأشرف قانصوه الغورى عز نصره.
وهو مسجد صغير به منبر خشب بصنعة قديمة وبداخله ضريح الإمام الليث رضي الله عنه عليه قبة من البناء الحسن ومنقوش فى الحجر على بابها:
بسم الله الرحمن الرحيم. {(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ)}
(1)
، هذا مقام سيدنا ومولانا الإمام الليث بن سعد.
وبزواياها أربعة أعمدة من الرخام عليها كرانيش خشب مكتوب فيها: {(إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً)}
(2)
، وبدائرها واحد وعشرون شباكا مصنوعة من الجبس والزجاج الملون وبها ثلاثة محاريب، وعلى ضريح الإمام مقصورة من الخشب المرصع بالصدف والعاج وبجوار محراب المسجد باب فيه ضريح سيدى شعيب منقوش بأعلاه فى الحجر:
بسم الله الرحمن الرحيم: {(أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)}
(3)
هذا مقام سيدنا ومولانا الشيخ شعيب ابن الإمام الليث بن سعد نفعنا الله بهم.
(1)
سورة الأحزاب: 23
(2)
سورة الفتح: 1.
(3)
سورة يونس: 62.
وعلى ضريحه مقصورة وعن يمين الداخل من الجامع خلوة بها ضريح يعرف بالشيخ جمال الدين.
ولهذا الجامع منارة قصيرة ومطهرته ومرافقه منعزلة عنه، وهناك زاوية للفقراء لهم مرتب من الطعام والقهوة من زمن الإمام رضي الله عنه، ولها خدمة وأوقاف ومرتب فى الروزنامجة وشيخ يتولى أمرها، وهى بجوار المسجد وفيها باب إليه ولا تكاد القهوة تنقطع منها ليلا ونهارا ويسمحون بها لكل داخل، وقبل الدخول إلى هذا الجامع والمشهد باب ينزل منه بسلالم إلى طرقة مستطيلة مفروشة بالحجر المنحوت، وعلى جانبيها مساكن مسكونة وبجوار هذا الباب سبيل عليه مكتب.
وفى خطط المقريزى عند ذكر السبعة التى تزار بالقرافة: أن قبر الإمام الليث قد اشتهر عند المتأخرين وأول ما عرفته من خبر هذا القبر: أنه وجدت مصطبة فى آخر قباب الصدف، وكانت قباب الصدف أربعمائة قبة فيما يقال عليها مكتوب: الإمام الفقيه الزاهد العالم الليث بن سعد بن عبد الرحمن أبو الحارث المصرى مفتى أهل مصر، كما ذكر فى كتاب هادى الراغبين فى زيارة قبور الصالحين لأبى محمد عبد الكريم ابن عبد الله بن عبد الكريم بن على بن محمد بن على بن طلحة، وكتاب مرشد الزوار للموفق بن عثمان.
مطلب اول من بنى على قبر الامام الليث:
وذكر الشيخ محمد الأزهرى فى كتابه فى الزيارة: أن أول من بنى عليه وحيز كبير التجار أبو زيد المصرى بعد سنة أربعين وستمائة.
ولم يزل البناء يتزايد إلى أن جدد الحاج سيف الدين المقدم عليه قبته أيام الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون قبيل سنة ثمانين وسبعمائة، ثم جددت فى أيام الناصر فرج بن الظاهر برقوق على يد الشيخ أبى الخير محمد ابن الشيخ سليمان المادح فى محرم سنة إحدى عشرة وثمانمائة، ثم جددت فى سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة على يد امرأة قدمت من دمشق فى أيام المؤيد شيخ عرفت بمرحبا بنت إبراهيم بن عبد الرحمن أخت عبد الباسط.
وكان لها معروف وبر توفيت فى التاسع والعشرين من ذى القعدة سنة أربعين وثمانمائة.
ويجتمع بهذه القبة فى كل ليلة سبت جماعة من القراء فيتلون القرآن الكريم تلاوة حسنة حتى يختموا ختمة كاملة عند السحر، ويقصد المبيت عندهم للتبرك
بقراءة القرآن عدة من الناس، ثم تفاحش الجمع وأقبل النساء والأحداث والغوغاء فصار أمرا منكرا لا ينصتون لقراءة ولا يتعظون بمواعظ، بل يحدث منهم على القبور ما لا يجوز ثم زادوا فى التعدى حتى حفروا ما هنالك خارج القبة من القبور وبنوا مبانى اتخذوها مراحيض وسقايات ماء ويزعم من لا علم عنده: أن هذه القراءة فى كل ليلة سبت عند قبر الليث قديمة من عهد الإمام الشافعى رضي الله عنه وليس ذلك بصحيح، وإنما حدثت بعد السبعمائة من سنى الهجرة بمنام ذكر بعضهم أنه رآه، وكانوا إذ ذاك يجتمعون للقراءة عند قبر أبى بكر الادفوى انتهى.
وفى رحلة النابلسى قال: ذهبنا إلى زيارة الإمام أبى المكارم الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهرى أبى الحرث المصرى أحد الأعلام، ومكانه مكان عظيم عليه الهيبة والوقار وعلى قبره قبة معقودة بالأحجار، وبجواره حارة وبيوت يسكنها الناس وتحكى عنه الكرامات/الكثيرة؛ فوقفنا عند قبره وقرأنا الفاتحة ودعونا الله تعالى ومدحنا المقام بأبيات
(1)
، ثم خرجنا من ذلك المكان وزرنا فى خارجه الولى المشهور بأبى الظهور فى قبة مستقلة عظيمة وهيبة وافرة، وزرنا أيضا فى قبة أخرى يحيى الشبيه الولى الكامل، ثم ذهبنا إلى مزار الولى الجليل العارف بالله تعالى الشيخ عدى بن مسافر رضي الله عنه.
وفى سنة أربع وتسعين ومائتين وألف أجرى إسماعيل بيك ابن المرحوم راتب باشا الكبير عمارة بمشهد الإمام الليث فجدد بالقبة إيوانا بقناطر من الحجر وكذلك بالجامع، ورفع أرض القبة وفرشها بالبلاط وكذا داخل المقصورة، وكان سقف الجامع منخفضا وكان من أفلاق النخل فأزاله ورفع البناء، وجعل السقف من الخشب النقى وصبغ جميع ذلك بالبوية، ووسع محل القهوة وغير سقفها البوص بسقف من الخشب، وجدد بجوار الجامع خلوة بابها فى الجامع لحفظ مهماته ولأبيه رحمه الله مرتب من الجراية فى مقرأته كما له فى أغلب مقارئ مصر.
وقد ذكرنا جملة من ترجمة الإمام الليث رضي الله عنه فى الكلام على قلقشندة لما قيل: أنه ولد بها. وكانت ولادته سنة أربع وتسعين، ومات يوم الجمعة رابع عشر شعبان سنة خمس وسبعين ومائة، وقيل: خمس وستين ومائة وتوفى يوم الخميس.
وقيل: يوم الجمعة فى منتصف شعبان سنة خمس وسبعين ومائة.
(1)
أولها:
بأبى المكارم سيد السادات
…
وهو الإمام الليث ذو البركات
لما تزل مصر وسائر أهلها
…
فى نعمة وعناية وهبات
راجع: (الحقيقة والمجاز فى الرحلة إلى بلاد مصر والشام للنابلسى ص 199).
وفى كتاب المزارات للسخاوى: أن بمشهد الإمام الليث أيضا قبر ابنه الإمام الفقيه المحدث شعيب بن الليث بن سعد كان من أجلاء العلماء المعدودين المحدثين. قال ابن أبى الدنيا: حج شعيب بن الليث سنة فتصدق بمال فمر عليه رجل من العلماء فسأل عنه فقيل له: هذا الكريم ابن الكريم مات رحمه الله بعد أبيه وعلى قبره باب يغلق ومعه فى القبر أخوه لأمه محمد بن هارون الصدفى
وقد ذكرنا أيضا (ترجمة سيدى شعيب مع ترجمة والده بقلشندة) وبالمشهد أيضا قبر الشيخ جمال الدين وهو القبر الخشب الذى على باب المشهد.
كان مشهورا بالصلاح وكان الناس يتبركون به ويرون منه أحوالا وكان الغالب عليه الجذب.
وبالتربة أيضا جماعة من القراء والخدم وعند الخروج من الباب الشرقى تجد قبرا من حجر تحت عقد السلم الذى يصعد منه إلى السطح. قيل: أنه قبر سعد بن عبد الرحمن والد الإمام الليث رضي الله عنه عده القرشى فى طبقة التابعين والأصح: أنه لا يعرف له قبر.
وإلى جانب المشهد من الجهة الشرقية تربة بها قبر الشيخ أبى بكر الهاوى وعز الدين البلقاوى وعند شباك مشهد الإمام قبر شبل الدولة العسقلانى.
هكذا مكتوب على عمود القبر وأنه توفى سنة تسع وعشرين وستمائة، انتهى.
وهناك مشاهد كثيرة فانظرها فى كتاب المزارات، ويعمل للإمام الليث مقرأة كل ليلة سبت كمقرأة الإمام الشافعى رضي الله عنهما، وهى مختصة من عدة أجيال بالطائفة الدلجية من قرية دلجة بالصعيد الأوسط قرب ملوى. فمنهم: الشيخ والقرّاء كأنها وراثة فلذا استثناهم الأمير عبد الرحمن كتخدا من رواق الصعايدة بأمر الشيخ على الصعيدى.
وإلى الآن لا حق لهم فى رواق الصعايدة ولا يكتبون فى دفترهم لاختصاصهم بمرتباته من جراية وخلافها.
ويعمل له مولد فى شهر شعبان بعد مولد الإمام الشافعى رضي الله عنهما.
ويزعم بعض أهل العلم: أن زاوية الإمام الليث رضي الله عنه فى محل جامع ابن عبد الظاهر ولا دليل له على ذلك غاية ما فى المقريزى: أن هذا الجامع قبلى قبر الإمام الليث كان موضعه يعرف بالخندق. أنشأه القاضى فتح الدين محمد بن عبد الله بن عبد الظاهر ابن نشوان بن عبد الظاهر الجذامى السعدى الروحى من ولد روح بن زنباع الجذامى بجوار قبر أبيه، وأقيمت فيه الجمعة سنة ثلاث وثمانين وستمائة.
ولد بالقاهرة وسمع من ابن الجميزى وحدث وكتب فى الإنشاء وساد فى دولة المنصور بن قلاوون بعقله ورأيه وهمته، ولم يكن مجيدا فى صناعة الإنشاء إلا أنه دبر الديوان وباشره أحسن مباشرة، ومن شعره:
إن شئت تنظرنى وتنظر حالتى
…
فانظر إذا هب النسيم قبولا
فتراه مثلى رقة ولطافة
…
ولا جل قلبك لا أقول عليلا
فهو الرسول إليك منى ليتنى
…
كنت اتخذت مع الرسول سبيلا
ولم يزل هذا الجامع عامرا إلى أن حدثت المحن سنة ست وثمانمائة، واختلت القرافة لخراب ما حوله وهو اليوم قائم على أصوله، انتهى ملخصا.
وبقرب مشهد الإمام الليث بين الإمام الشافعى وسيدى عقبة رضي الله عنهما عن يمين الخارج من البوابة التى يتوصل منها لسيدى عقبة رضي الله عنه مشهد يعرف بإخوة سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام، والآن لم يبق لتلك البوابة أثر.
قال السخاوى فى كتاب المزارات: هو مشهد له بابان يعرف باليسع وروبيل، ويقال:
أن به روبيل بن يعقوب عليهما الصلاة والسلام وكل ذلك غير صحيح.
وسبب التكلم به وإشاعته ما حكى ابن عثمان فى تاريخه: أن رجلا/بات فى هذا المكان وقرأ سورة يوسف ونام فرأى قائلا يقول: هذه والله قصتنا من أعلمك بها؟ فقال:
القرآن الذى أنزله الله على قلب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فمن أنت؟.
قال: أنا روبيل أخو يوسف.
فلما أصبح أخبر الناس بما رأى فبنوا عليه هذا المشهد، والمكان مبارك يزار بحسن النية ولم ينقل عن أحد من أهل التاريخ أن أحدا من الأنبياء مات بمصر غير يوسف الصديق بن يعقوب عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، وحكايته مشهورة فى دفنه ونقلته، انتهى.
ويؤخذ من حاشية ابن عابدين على الدر المختار
(1)
: أن يعقوب عليه السلام مات بمصر فإنه قال فى الجنائز عند الكلام على نقل الميت: وأما نقل يعقوب ويوسف عليهما السلام من مصر إلى الشام ليكونا مع أبائهما الكرام فهو شرع من قبلنا ولم يتوفر فيه شروط كونه شرعا لنا اه.
(1)
راجع (المصدر المذكور 629:1 الطبقة الثالثة بولاق 1323 هـ).
جامع لاشين السيفى
هو بشارع الحوض المرصود قرب ورشة الأسلحة عن يمين السالك من الصليبة إلى قناطر السباع والبغالة منقوش على شق بابه فى الحجر (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر)، الآية. وعلى شقه الآخر: أمر بإنشاء هذا المسجد السلطان الملك الظاهر جقمق فى تاسع شهر شعبان سنة 854 وباقى التاريخ مطموس. وبأعلى ذلك: محمد جقمق أبو سعيد عز نصره.
وطرقة الباب مفروشة بالرخام الملون وبه أربع بوائك من الحجر قائمة على أعمدة من الرخام وبه ضريح وله منارة ومطهرة وبئر.
ومن وقفه منزل وثمانية دكاكين بجواره وله مرتب بالروزنامجه وبعض أحكار، وشعائره مقامة من ذلك تحت نظر الشيخ على سيد أحمد.
وفى الضوء اللامع للسخاوى: أن لاشين هذا هو لاشين الظاهرى جقمق حسام الدين الزرد كاش ويعرف باللالا، وقد يقال بالشين بدل الجيم اشتراه استاذه قبل سنة ست وثلاثين فى حال إمرته وأعتقه، فلما تسلطن كتبه خاصكيا ثم جعله خاصكيا تم أمير عشرة وجعله لالة ولده الفخرى عثمان المستقر بعده فى السلطنة فدام على ذلك سنين.
وعمّر جامعا بالجسر الأعظم بالقرب من الكبش على بركة الفيل فى سنة أربع وخمسين وأوائل التى بعدها، وجعل عليه أوقافا جمة ثم استقر بعد موت تغرى برمش اليشبكى بمكة فى سنة أربع وخمسين زرد كاشا وهو على اقطاعه الأول إمرة عشرة، واستمر إلى أن رقاه المنصور لشد الشر بخاناه.
ثم صار فى أيام الأشرف قايتباى أمير مجلس وتأمر على المحمل فى سنة ثمانين.
وكان عاقلا ساكنا فيه فضل وتقريب لبعض الأخيار، ولما كبر وظهر عجزه إلا فيما لا بد منه ولزم أكبر أولاده الشهابى أحمد المشى عنه فيما عدا ذلك أعفى عن الخدمة إلى أن مات يوم الأربعاء ثانى عشر جمادى الأولى سنة ست وثمانين ودفن بتربته فى القرافة رحمه الله تعالى.
***
حرف الميم
جامع الماردانى
قال المقريزى: هذا الجامع بجوار خط التبانة خارج باب زويلة كان مكانه أولا مقابر أهل القاهرة ثم عمر أماكن؛ فلما كان فى سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة أخذت الأماكن من أربابها، وتولى شراءها النشو فلم ينصف فى أثمانها وهدمت وبنى مكانها هذا الجامع؛ فبلغ مصروفه زيادة على ثلثمائة ألف درهم عنها نحو خمسة عشر ألف دينار سوى ما حمل إليه من الأخشاب والرخام وغيره من جهة السلطنة، وأخذ ما كان فى جامع راشدة من العمد فعملت فيه وجاء من أحسن الجوامع، وأول خطبة أقيمت فيه يوم الجمعة رابع عشر رمضان سنة أربعين وسبعمائة.
ترجمة الأمير الماردانى:
والماردانى: هو الأمير الكبير ألطنبغا الماردانى الساقى أمّره الملك الناصر محمد بن قلاوون وقدمه وزوجه ابنته فلما مات السلطان وتولى بعده ابنه الملك المنصور أبو بكر وشى به الماردانى، وذكر لقوصون: أنه يريد إمساكه فتحيل قوصون وخلع الملك المنصور وقتله مع أن الماردانى كان قد عظم عند المنصور أكثر مما كان عند أبيه.
ولما قامت الأمراء على قوصون وحاصروه بالقلعة كان ألطنبغا الماردانى أصل ذلك كله، وفى الليلة التى حصل فيها ذلك لقوصون طلع عنده وصار يشاغله طول الليل والأمراء والمشايخ عنده وما زال يساهره حتى نام، وكان من قيام الأمراء وركوبهم عليه ما كان وأمسك وأخرج إلى الاسكندرية وقتل بها، وبعد ذلك أخذ الماردانى فى التعاظم وقويت نفسه وصار يقف فوق التمرتاشى وكان أغاته فشق ذلك عليه وكتم فى نفسه إلى أن ملك الصالح إسماعيل؛ فتمكن التمرتاشى وصار الأمر له وعمل على الماردانى فلم يشعر بنفسه إلا وقد أخرج على خمسة رؤوس من خيل البريد إلى نيابة حماة فى شهر ربيع الأول من سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، وبعد شهرين نقل إلى نيابة حلب فأقام بها يسيرا ومرض ومات مستهل صفر سنة أربع وأربعين وسبعمائة.
وكان شابا طويلا رقيقا حسن الصورة لطيفا معشق الخطرة كريما صائب الحدس عاقلا، انتهى ملخصا.
وهذا الجامع متسع جدا مرتفع البناء وبه أعمدة كثيرة من الرخام، وبجدرانه ألواح من الرخام بعضها منقوش عليه آيات قرآنية وعلى يمين المنبر لوح رخام منقوش فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم، أنشأ هذا الجامع/المبارك العبد الفقير إلى الله تعالى الراجى عفو ربه ألطنبغا الساقى الملكى الناصرى، وذلك فى شهور سنة أربعين وسبعمائة وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبأعلى محرابه قبة منقوشة ومنبره من الخشب الخرط بصنعة بديعة وبصحته حنفية يفصل بينها وبين مقصورة الصلاة تخشيبة تعلوها ألواح من الخشب فيها آيات قرآنية، وله ثلاثة أبواب: أحدها بشارع التبانة وآخر بحارة الماردانى، والثالث بعطفة الطرلوى، ومطهرته مع الساقية منفصلة عنه فى العطفة المذكورة وهو الآن معطل ومحتاج إلى العمارة، وأوقافه تحت نظر ديوان الأوقاف وإيرادها سنويا خمسة آلاف ومائتان وعشرة قروش، منها فى الروزنامجة ألف وسبعمائة وثلاثة وتسعون قرشا، وأجرة أماكن ثلاثة آلاف وثلثمائة وثمانية وأربعون قرشا، وأحكار ثمانية وستون قرشا يصرف من ذلك مرتب البواب مائة وثلاثة وثلاثون قرشا ومرتب الجابى ثمانون قرشا.
جامع المارستان
هو فى شارع النحاسين عند جامع الصالح أيوب عن شمال الذاهب من الأشرفية إلى الحسينية ذو بناء متين ورونق حسن متسع مستوفى المنافع قائم الشعائر الإسلامية، وله منارة شاهقة يؤذن عليها أذان سلطانى، وبه منبر وخطبة وصحنه مفروش بالحجر ومقصورته كذلك وفيها حصر السمار والبسط.
وهذا الجامع الذى عناه المقريزى بقوله: المدرسة المنصورية هى من داخل باب المارستان الكبير المنصورى بخط بين القصرين بالقاهرة. أنشأها هى والقبة التى تجاهها والمارستان الملك المنصور قلاوون الألفى الصالحى على يد الأمير علم الدين سنجر الشجاعى ورتب بها دروسا أربعة فى المذاهب الأربعة ودرسا للطب، ورتب بالقبة درسا للحديث ودرسا للتفسير وكان لا يتولى ذلك إلا أجل الفقهاء ثم هى اليوم كما قيل:
تصدر للتدريس كل مهوس
…
بليد يسمى بالفقيه المدرس
فحق لأهل العلم أن يتمثلوا
…
ببيت قديم شاع فى كل مجلس
لقد هزلت حتى بدا من هزالها
…
كلاها وحتى سامها كل مفلس
وبالقبة قبر تضمن الملك المنصور سيف الدين قلاوون وابنه الملك الناصر محمد بن قلاوون والملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن محمد بن قلاوون. وهى من أعظم المبانى الملوكية وبها قاعة جليلة فى وسطها فسقية يصل إليها الماء من فوارة بديعة الزى، والقاعة مفروشة بالرخام الملون معدة لإقامة الخدام الملوكية المعروفين فى الدولة التركية بالطواشية، ولهم ما يكفيهم من الخبز النقى واللحم الطيب المطبوخ والمعاليم الوافرة، ولهم حرمة وكلمة نافذة وجانب مرعى بعد شيخهم من أعيان الناس ولا يبرحون فى عبادة.
وفى القبة: دروس على المذاهب الأربعة تعرف بدروس وقف الصالح، وذلك أن الصالح إسماعيل بن محمد بن قلاوون قصد عمارة مدرسة فاخترمته المنية دون غرضه؛ فأقام الأمير أرغون العلائى زوج أمه فى وقف قرية تعرف بدهمشا الحمام من الأعمال الشرقية فأثبته بطريق الوكالة عن أم الصالح ورتب ما كان الصالح قرره لو أنشأ مدرسة، وهو وقف جليل يتحصل منه فى السنة نحو أربعة آلاف دينار ذهبا ثم تلاشى أمر ذلك الوقف.
وفى القبة: قراء يتناوبون القراءة ليلا ونهارا بالشبابيك المطلة على الشارع، وبها إمام راتب فى الصلوات الخمس وبها خزانة كتب جليلة كان فيها أحمال من الكتب فيها أنواع العلوم من وقف المنصور وغيره، وبها خزانة فيها ثياب المقبورين بها.
وبهذه القبة يوضع ما يتحصل من مال أوقاف المارستان تحت أيدى الخدام، وإذا قلد السلطان أحدا إمارة كان يعقد له ذلك عند هذه القبة فيحلفه عند القبر، وكانت هذه العادة تفعل قبل ذلك فى المدرسة الصالحية.
وفى سنة تسعين وستمائة أمر الملك الأشرف خليل بن قلاوون بنقل أبيه من القلعة إلى هذه القبة، فنقل فى موكب حتى دفن فيها بعد أن صلى عليه بالجامع الأزهر.
ولما عاد الملك الأشرف خليل من فتح عكا فعين أربع ضياع من ضياع عكا وصور؛ ليقفها على مصالح المدرسة والقبة المنصورية مما تحتاج إليه من ثمن زيت وشمع ومصابيح وبسط وعلى كلفة الساقية وعلى خمسين مقرئا يرتبون لقراءة القرآن الكريم بالقبة، وإمام راتب فى محراب القبة وستة خدام يقيمون بها، وكتب بذلك كتاب وقف، وعمل بالقبة مجمعا عظيما قرئت فيه ختمة كريمة، انتهى باختصار من خطط المقريزى فى ذكر المدارس.
وقال فى ذكر المارستانات: هذا المارستان الكبير المنصورى كان قاعة ست الملك ابنة العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله أبى تميم معد، ثم عرف بدار فخر الدين جهاركس بعد
الدولة الفاطمية وبدار موسك، ثم عرف بالملك المفضل بن العادل بن أيوب وصار يقال لها:
الدار القطبية. إلى أن/أخذها الملك المنصور من ابنة العادل المعروفة بالقطبية وعوضت عنها قصر الزمرد برحبة باب العيد، ورسم بعمارتها مارستانا وقبة ومدرسة فتمت فى أحد عشر شهرا وأيام على يد سنجر الشجاعى، وكان ذرع هذه الدار عشرة آلاف وستمائة ذراع.
وسبب بناء ذلك أن الملك المنصور لما توجه وهو أمير إلى غزاة الروم سنة خمس وسبعين وستمائة أصابه بدمشق قولنج عظيم فعالجته الأطباء بأدوية أخذت له من مارستان نور الدين الشهيد فبرأ ونذر: إن آتاه الله الملك أن يبنى مارستانا. فلما تسلطن أخذ فى عمل ذلك وولى الأمر سنجر الشجاعى أمر عمارته، فأبقى القاعة على حالها وعملها مارستانا وهى ذات إيوانات أربع لكل إيوان شاذروان وبدور قاعتها فسقية يصير إليها من الشاذروانات الماء.
مبحث مارتب للمارستان:
ولما نجزت العمارة وقف عليها الملك بديار مصر وغيرها ما يقارب ألف ألف درهم فى كل سنة، ورتب مصاريف المارستان والقبة والمدرسة ومكتب الأيتام، ثم استدعى قدحا من شراب المارستان وشربه، وقال: قد وقفت هذا على مثلى فمن دونى وجعلته وقفا على: الملك والمملوك والجندى والأمير والكبير والصغير والحر والعبيد والذكور والإناث.
ورتب فيه العقاقير والأطباء وسائر ما يحتاج إليه وجعل فيه فراشين من الرجال والنساء وقرر لهم المعاليم، ونصب الأسرة للمرضى وفرشها وأفرد لكل طائفة من المرضى موضعا قسما للرجال وقسما للنساء، وجعل الماء يجرى فى جميعها، وأفرد مكانا لطبخ الطعام والأدوية ومكانا لتركيب المعاجين والأكحال ونحوها، ومكانا للخزن ومكانا لتفرقة الأشربة والأدوية ومكانا لدرس الطب.
وجعل النظر لنفسه ثم لأولاده ثم لحاكم المسلمين الشافعى، وضمن وقفه كتابا تاريخه يوم الثلاثاء ثالث عشر صفر سنة ثمانين وستمائة، وبلغ مصروف الشراب منه فى كل يوم خمسمائة رطل سوى السكر، ورتب فيه عدّة ما بين أمناء ومباشرين للإدارة ولاستخراج مال الوقف، ومباشرين فى المطبخ وفى عمارة الأوقاف، وقرر فى القبة خمسين مقرئا يتناوبون القرآن ليلا ونهارا وإماما راتبا ورئيسا للمؤذنين عندما يؤذنون فوق منارة ليس فى إقليم مصر أجلّ منها، ورتب بها درسا لتفسير القرآن فيه مدرس ومعيدان وثلاثون طالبا ودرس حديث، وجعل بها خزانة كتب وستة خدام طواشية، ورتب بالمدرسة إماما
راتبا ومتصدرا لإقراء القرآن، ودروسا أربعة على المذاهب الأربعة، ورتب بمكتب السبيل معلمين يقرئان الأيتام، ورتب لكل يتيم رطلين من الخبز يوميا مع كسوة الشتاء والصيف.
فلما ولى الأمير جمال الدين أقوش نائب الكرك نظر المارستان أنشأ به قاعة للمرضى وتحت حجارة الجدر حتى صارت كأنها جديدة، وجدّد تذهيب الطراز بالمدرسة والقبة، وعمل خيمة تظل الأقفاص طولها مائة ذراع، وأبطل حوض ماء بجانب الباب كانت الناس تتأذى من رائحته وأنشأ عوضه سبيلا.
وقد تورّع طائفة عن الصلاة فى هذه المدرسة والقبة وعابوا المارستان لكثرة عسف الناس فى عمله وإخراب عمائر الغير ونقل أنقاضها إليه؛ فقد نقل من قلعة الروضة ما احتاج إليه من العمد الصوّان والرخام والقواعد والأعتاب وغير ذلك، ومدح غير واحد هذه العمارة منهم شرف الدين البوصيرى، فمما قال فيها:
مدينة علم والمدارس حولها
…
قرى أو نجوم بدرهنّ منير
إلى أن قال:
بناها سعيد فى بقاع سعيدة
…
بها سعدت قبل المدارس نور
انتهى باختصار:
وفى ابن إياس: أنه فى سنة سبع وتسعين وثمانمائة أمر الأمير الكبير أزبك الأتابكى من ططح (صاحب جامع الأزبكية) بتجديد عمارة المدرسة المنصورية التى بدهليز البيمارستان وعمل الفسقية التى بها قبة وجدد بها منبرا، وأقام بها خطبة ولم يعهد قبل ذلك أن أحدا من الأتابكية قبله أقام بها خطبة.
وفى سنة ثمانمائة واثنتين فى دولة الناصر فرج أراد أيتمش البجاسى الأتابكى أن يفعل ذلك فتعذر عليه وأفتاه بعض العلماء بعدم جواز ذلك لمخالفته شروط الواقف، فلما تولى الأتابكية تمراز الشمسى بعد ذلك أبطل الخطبة منها؛ فلما قتل تمراز وأعيد أزبك إلى الأتابكية أعاد بها الخطبة واستمرت إلى الآن، انتهى.
وفى حجة مؤرخة بثمانية المحرم سنة خمس وسبعين ومائة وألف: أن الملك المنصور أبا المظفر قلاوون الصالحى قسيم أمير المؤمنين وقف جميع القبة والمدرسة والمارستان بصدر الدهليز الجامع لذلك ومكتب السبيل والصهريج وما يتبع ذلك داخلا وخارجا، ويجمع ذلك سور دائر عليه وجميع الحوانيت والأماكن والحواصل والخزائن والربوع والطباق
والعقارات الكائنة بخط المدارس الكاملية والصالحية والظاهرية وغير ذلك مع الأطيان المرصدة على تلك المصالح مع ما ألحق بذلك من قبل السلطان الأشرف برسباى والمرحومة جانم عتيقة الجمالى/يوسف زوجة يشبك الدوادار خازن السلطان الموما إليه، ويشتمل ذلك على الحكم بنظر الأمير عبد الرحمن كتخدا بموجب تقرير مؤرخ فى شهر الحجة سنة أربع وسبعين ومائة وألف، وفيه: أن له أن يؤجر عقارات الوقف بأجرة المثل فما فوقها ثلاث سنين فما دونها، ويؤجر الأراضى ثلاثين سنة بأجرة المثل كذلك، ولا يدخل عقدا على عقد ولا يؤجره لمن يخشى سطوته.
ويصرف ريعه فى وجوهه المشترطة ولا يولى على الوقف يهوديا ولا نصرانيا.
ويصرف على مصالح القبة والمدرسة والمكتب والصهريج ما يلزم لها من حصر وزيت طيب وشمع سكندرى وزجاج وسلاسل وأحبال وزحاحيف وثمن ألواح لأولاد المكتب ومحابر وأقلام بحسب ما يراه الناظر.
ويصرف على المارستان كل ما يحتاج إليه المرضى من الأدوية والفرش والغطاء والسرر، ويصنع كل صنف من الأشربة من المعاجين والذرورات والشيافات ونحو ذلك فى أوانه ويدخر فى أوعية معدة له، فإذا فرغ عمل مثله ولا يصرف لأحد إلا بقدر الحاجة ويقدم الأحوج فالأحوج.
ويصرف كل يوم ثمن مشموم للمرضى وزبادى فخار لأغذيتهم، وأقداح زجاج لأشربتهم وكيزان وأباريق فخار وسرج وقناديل لوقودهم، ومكبات خوص لتغطية أغذيتهم ومراوح خوص يستعملونها فى الحر.
ويصرف ما يلزم لتكفين من يموت منهم وتغسيله وتحنيطه ودفنه. ويصرف على من يكون مريضا فى بيته وهو فقير حتى يشفى.
وإذا قصر الإيراد عن الكفاية يقدم الأهم فالأهم، وتفصيلات هذه المصاريف موضحة فى ثلاثة كتب من رق الغزال. تاريخ أحدها ثلاثة عشر من الحجة سنة أربع وثمانين وستمائة، وثانيها: مؤرخ باثنى عشر من صفر سنة خمس وثمانين وستمائة، وفيه بيان الضم والإلحاق الذى صار للوقف. وتاريخ الثالث: أربع وعشرون من رجب سنة ست وثمانين وستمائة اه.
والآن قد بطل هذا المارستان بالمرة وبطل أكثر مرتبات القبة والمدرسة، ومما بقى من مرتبات القبة درس مالكى يقرأ صبح كل يوم خميس، ولم تزل الجمعة والجماعة والأذان السلطانى محافظا عليها بتلك المدرسة.
ترجمة الشيخ عمر البجاوى:
وفى طبقات الشعرانى: أن الشيخ عمر البجاوى المغربى سكن فى قبة المارستان هذه إلى أن مات بها فى سنة عشرين وتسعمائة وكان أولا فى جامع آل ملك بالحسينية، ثم انتقل إلى جامع محمود فنازعه أهل القرافة فرجع إلى هذه القبة.
وكان دخوله مصر أيام السلطان الغورى وحصل له القبول التام عند الخاص والعام، وكان يخبر بالوقائع قبل وقوعها فتقع كما أخبر، وكان وجهه كالقنديل المنور وكان طويلا وليس له عمامة وإنما يتطرح بملاءة على عرقية، وكان الشيخ محمد عنان يحبه حبا شديدا، ولما مات دفن بالقرافة فى حوش عبد الله بن وهب بالقرب من القاضى بكار اه.
جامع محب الدين
هذا المسجد على يمينة السالك من الخرنفش إلى باب سر المارستان المنصورى برأس الزقاق بشارع خان أبى طقية، وهو عظيم البنيان ذو إيوانين وصحنه مفروش بالرخام الملون ومحرابه مكسو بالرخام النفيس، ومنبره دقيق الصنعة مرصع بالعاج والآبنوس، وشعائره مقامة، وله أوقاف تحت نظر ديوان الأوقاف وصاحبه محب الدين أبو الطيب.
جامع المحكمة
هو ببولاق متخرب وله بابان منقوش على أحدهما: أمر ببناء هذا الجامع المبارك المعز الأشرف العالم المولوى الزينى أبو زكريا يحيى، وباقى الكتابة ممحو.
وعلى الباب الآخر آية قرآن وتاريخ تمام بنائه وهو فى شعبان سنة اثنتين وثمانمائة.
جامع المحكمة
هو بقناطر السباع فى ساحة السيدة زينب رضي الله عنها بين قرة قول السيدة والخليج الحاكمى على يسرة السالك من مشهد السيدة إلى الحوض المرصود كان جامعا كبيرا بمنبر وخطبة ومنافع تامة.
وأول أمره كان مدرسة أنشأها الأمير بردبك الأشرفى الدوادار الثانى فى زمن أستاذه السلطان أينال العلائى، ولها شبابيك مطلة على الخليج الحاكمى قاله السخاوى فى كتاب تحفة الأحباب، وقد أزيل هذا الجامع بالمرة بعد سنة ثمانين ومائتين وألف وجعل محله ميدانا أمام جامع السيدة زينب رضي الله عنها.
جامع المحكمة
هو بشارع خط باب الشعرية بجوار درب المحكمة على يسرة السالك من رأس الشارع المقابل لوكالة الزيت إلى سوق الجراية ورقعة الغلة، وهو صغير يصعد إليه بدرج وشعائره مقامة.
جامع سيدى محمد الأنور
هذا الجامع بخط الخليفة بالقرب من مسجد السيدة سكينة رضي الله عنها عن يمين الذاهب إلى القرافة الصغرى، له باب على الشارع يدخل منه فى طرقة مستطيلة مفروشة بالحجر، وعلى وجهه بيت شعر فى لوح رخام يتتضمن تاريخ عمارة جرت فيه سنة خمس وتسعين ومائة وألف وهو:
مسجد حلّ فيه نجل لزيد
…
ذلك الأنور الأجل محمد
سنة 1195.
وهو مسجد صغير قائم على عمود واحد وبه منبر من الخشب وله منارة قصيرة، وشعائره مقامة من طرف ديوان الأوقاف، وفى الطرقة باب المطهرة وشجرة لبخ وبه مسكن، وبداخل المسجد ضريح سيدى محمد الأنور رضي الله عنه عليه قبة جليلة وفوق القبر تابوت كبير من خشب.
وفى رسالة الشيخ الصبان: أن السيد محمد الأنور هو ابن زيد بن الحسن المثنى بن الحسن السبطين على بن أبى طالب، فهو عم السيدة نفيسة رضي الله عنها.
قال الشعرانى فى مننه: أخبرنى سيدى على الخوّاص أن الإمام محمد الأنور عم السيدة نفيسة فى المشهد القريب من عطفة جامع ابن طولون مما يلى دار الخليفة فى الزاوية التى هناك ينزل لها بدرج، انتهى.
وهذه الصفة كانت قديما وأما الآن فقد بدلت تلك الزاوية بمسجد مرتفع ورونق مقام ذلك الإمام رضي الله عنه.
هذا والمنقول عن النسابين: عدم ذكر محمد هذا فى أولاد زيد بن الحسن والله أعلم، انتهى.
جامع محمد بن أبى بكر
هذا المسجد فى مصر القديمة بشارع باب الوداع قريبا من الباب عن يسرة السالك مشرقا إلى باب الوداع بجوار قبر منهدم يعرف بالكردى. ويعرف هذا الجامع أيضا بجامع الصغير وكان يعرف بجامع زمام، وهو مقام الشعائر وله أوقاف تحت نظر بعض الأهالى عرف بأبى القاسم محمد بن أبى بكر الصديق رضي الله عنهما؛ لأن رأسه مدفون به وكان يعرف أيضا بمسجد زمام. قال السخاوى فى تحفة الأحباب: وبظاهر مصر قبر أبى القاسم محمد بن الإمام أبى بكر الصديق بن أبى قحافة.
مات مقتولا بأمر معاوية بن حديج لأربع عشرة خلت من شهر صفرسنة ثمان وثلاثين.
وكان مولده سنة حجة الوداع وقيل أنه أحرق بالنار ودفن فى ذلك الموضع؛ فلما كان بعد سنة أتى زمام مولى محمد بن أبى بكر إلى الموضع فحفر عليه فلم يجد سوى الرأس فأخذه ومضى به إلى المسجد المعروف بمسجد زمام فدفنه فيه وبنى عليه المسجد.
ويقال: أن الرأس فى القبلة وبه سمى مسجد زمام. وقيل: لما شق بعض أساس الدار التى كانت لمحمد بن أبى بكر وجد رمّة رأس قد ذهب فكها الأسفل فشاع فى الناس أنها رأس محمد بن أبى بكر الصديق رضي الله عنهما، فتبادر الناس ونزلوا فى الجدار وموضعه قبلة للمسجد القديم، وحفروا محراب مسجد زمام وطلب الرأس منه فلم يوجد، وحفروا أيضا الزاوية الشرقية من هذا المسجد والمحراب القديم المجاور له والزاوية الغربية من المسجد فلم يجدوا شيئا، وكان هذا الرأس معروفا مشهورا بين كيمان مصر.
وفى أوائل دولة الملك الأشرف برسباى جدد هذا المكان المقر تاج الدين الشوبكى الشامى والى القاهرة، وعمل فيه الأوقات وأمر مشايخ الزوار أن يزوروه.
وهو مكان مبارك مشهور بإجابة الدعاء عند أهل مصر.
واختلف فى كونه صحابيا أولا؛ فمنهم من عده فى الصحابة لأنه ولد فى حجة الوداع ومنهم من لم يعده فيهم.
وكان محمد كثير العبادة وكنيته: أبو القاسم. والقاسم ولده هو عالم المدينة وأحد الفقهاء السبعة رحمة الله عليهم أجمعين اه.
وسبب قتله رضي الله عنه: أنه لما قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه فى ذى الحجة سنة خمس وثلاثين وقد خرج من مصر ستمائة رجل إلى قتله قام شيعته بمصر وعقدوا لمعاوية بن حديج عليهم وبايعوه على الطلب بدم عثمان. فسار بهم إلى الصعيد، فبعث إليه محمد بن أبى حذيفة بن عتبة بجيش فانهزم، ثم سار معاوية إلى برقة ورجع؛ فبعث إليه ابن أبى حذيفة بجيش آخر فاقتتلوا بخربتا
(1)
ثم جاء معاوية بن أبى سفيان إلى مصر، فمنعه ابن أبى حذيفة أن يدخلها وأبى أن يسلمه قتلة عثمان؛ فقال معاوية: لا يكون بيننا وبينكم حرب. فخرج إليه ابن أبى حذيفة وعبد الرحمن ابن عديس وكنانة بن بشر وأبو شمر بن أبرهة وغيرهم من قتلة عثمان؛ فلما بلغوا لدّ من بلاد فلسطين سجنهم بها معاوية فهربوا من السجن غير أبى شمر، وتبعهم صاحب فلسطين فقتلهم، فلما بلغ على بن أبى طالب رضي الله عنه قتل ابن أبى حذيفة بعث قيس بن سعد بن عبادة الأنصارى مصر؛ فاستمال الخارجة بخربتا ودفع إليهم عطياتهم ووفدوا عليه فأحسن إليهم - ومصر يومئذ من جيش على رضي الله عنه إلا أهل خربتا الخارجين بها فاجتهد معاوية بن أبى سفيان وعمرو بن العاص فى إخراج قيس من مصر ليغلبا على أمرها فامتنع عليهم بالدهاء والمكايدة؛ فاحتال معاوية على إخراجه بمكيدة عملها، فقال لأهل الشأم: لا تسبوا قيسا فإنه شيعة لنا ألا ترون ما يفعل بإخوانكم بخربتا يجرى عليهم عطياتهم ويؤمن سربهم ويحسن إليهم!. فسمع جواسيس على بالعراق فأنهاه إليه محمد بن أبى بكر وغيره فاتهم قيسا، فكتب إليه يأمره بقتال أهل خربتا وهم عشرة آلاف فأبى قيس وكتب لعلى: أنهم وجوه أهل مصر وأشرافهم وقد رضوا منى بأن أومن سربهم، وأجرى عليهم أرزاقهم وقد علمت أن هواهم مع معاوية فلست بكائدهم بأمر أهون على وعليك من الذى أفعل بهم وهم أسود العرب؛ فأبى عليه/ إلا قتالهم فامتنع قيس وكتب إلى على: إن كنت تتهمنى فاعزلنى.
(1)
خربتا: هكذا ضبط فى كتاب ابن عبد الحكم وقد ضبطه الحازمى: خرنبا - بالنون ثم الباء - وهو خطأ. قال القضاعى: وهو يعد كور مصر ثم كور الحوف الغربى وهو حوالى الإسكندرية.
وخربتا: سألت عنه كتاب مصر فمنهم من قال: بفتح الخاء ومنهم من قال: بكسرها وله ذكر فى حديث محمد بن أبى بكر الصديق رضي الله عنه، ومحمد بن أبى حذيفة بن عتبة بن ربيعة المتغلب على مصر المملوك لعثمان ومعاوية وحديج، وهو الآن خراب لا يعرف.
راجع (معجم البلدان لياقوت الحموى).
وقد كتب معاوية إلى بعض بنى أمية بالمدينة: أن جزى الله قيسا خيرا قد كف عن إخواننا الذين قاتلوا فى دم عثمان واكتموا ذلك لئلا يعزله على إن بلغه ذلك، فلما بلغ عليا ذلك قال رؤساء حزبه: تحول قيس. فقال على: ويحكم إنه لم يفعل.
فقالوا: لتعزلنه فإنه بدل. فلم يزالوا به حتى كتب إليه: قد احتجت إليك فأقدم.
فلما قرأ الكتاب قال: هذا من مكر معاوية ولولا الكذب لمكرت به مكرا يدخل عليه بيته. ثم ولى على بدله الأشتر بن مالك فلما قدم القلزم شرب شربة عسل فمات فأخبر على بذلك فقال: لليدين وللفم. وقال عمرو بن العاص: إن لله جنودا من العسل. ثم ولى على رضي الله عنه محمد بن أبى بكر رضي الله عنه على مصر، وجمع له صلاتها وخراجها فدخلها فى نصف رمضان سنة سبع وثلاثين فلقيه قيس بن سعد، فقال له:
لا يمنعنى عزله إياى من نصحى لك، ولقد عزلنى عن غير وهن ولا عجز فاحفظ ما أوصيك به يدم صلاح حالك: دع معاوية بن حديج ومسلمة بن مخلد وبسر بن أرطاة ومن ضوى إليهم: لا تكفهم عن رأيهم فإن أتوك فاقبلهم وإن تخلفوا عنك فلا تطلبهم، وألن جناحك لهذا الحى من مضر وقرب عليهم مكانك وارفع عنهم حجابك، وانظر هذا الحى من مدلج فد عهم وما غلبوا عليه يكفوا عنك شأنهم، وأنزل الناس منازلهم فإن استطعت أن تعود المرضى وتشهد الجنائز فافعل، فإن هذا لا ينقصك إنك والله ما عملت لتظهر الخيلاء وتحب الرياسة والله موفقك.
فعمل محمد بخلاف ما أوصاه به قيس فبعت إلى ابن حديج والخارجة معه يدعوهم إلى بيعته فلم يجيبوه، فبعث إلى دور الخارجة فهدمها ونهب أموالهم وسجن ذراريهم فنصبوا له الحرب، فلما علم أنه لا قوة له بهم أمسك عنهم ثم صالحهم على أن يسيرهم إلى معاوية وأن ينصب لهم جسرا يجوزون عليه ولا يدخلون الفسطاط ففعلوا ولحقوا بمعاوية، فلما أجمع على ومعاوية رضي الله عنهما على الحكمين أغفل على أن يشترط على معاوية ألا يقاتل أهل مصر، فلما انصرف على إلى العراق بعث معاوية عمرو بن العاص رضي الله عنهما فى جيوش الشأم إلى مصر فاقتتلوا قتالا شديدا انهزم فيه أهل مصر، ودخل عمرو الفسطاط وتغيب محمد بن أبى بكر فأقبل معاوية بن حديج فى رهط ممن كان يعينه على من كان يمشى فى قتل عثمان رضي الله عنه، وطلب محمد بن أبى بكر فدلتهم عليه امرأة، فقال: احفظونى فى أبى بكر، فقال ابن حديج، قتلت ثمانين رجلا من قومى فى عثمان وأتركك وأنت صاحبه!، فقتله ثم جعله فى جيفة حمار وأحرقه بالنار.
وكانت ولاية محمد بن أبى بكر رضي الله عنهما خمسة أشهر ومقتله لأربع عشرة خلت من شهر صفر سنة ثمان وثلاثين ثم وليها عمرو بن العاص من بعده انتهى من خطط المقريزى.
وفى حارة الباطلية عند جامع سودون القصروى المعروف بجامع المدعى ضريح فى خلوة يعرف بضريح محمد بن أبى بكر الصديق رضي الله عنهما، وعليه تابوت مرقوم فى كسوته اسمه، وله خادم وشباك على الطريق ويزوره كل من مر عليه بقراءة الفاتحة والدعاء عنده.
جامع محمد أبى الدلائل
هو فى بولاق داخل حارة المذبح وهو صغير جدا، وشعائره مقامة وبه خطبة، وبداخله ضريح سيدى محمد المذكور يعمل له حضرة كل ليلة أحد ومولد كل سنة مع مولد السلطان أبى العلاء.
جامع محمد بدر
هو فى بولاق القاهرة بدرب الشيخ فراج به خمسة أعمدة من الرخام وبه ضريح يقال: أنه ضريح سيدى محمد بن بدر، وبجواره ضريح يقال له: ضريح الشيخ أحمد الفقيه يعلوهما معاقبة واحدة عظيمة وبه أيضا ضريح يقال له: ضريح سيدى سعد.
جامع محمد بن صارم
فى المقريزى: أن هذا الجامع بخط بولاق خارج القاهرة. أنشأه محمد بن صارم شيخ بولاق فيما بين بولاق وباب البحر، انتهى.
جامع محمد باشا عزت
هو عند باب قره ميدان تحت القلعة. أنشأه عزت محمد باشا المتولى على مصر سنة إحدى عشرة ومائة وألف بعد ارتحال إسماعيل باشا الوزير، وجعل فيه خطبة كما فى تاريخ الجبرتى، فإنه قال: ومن مآثر محمد باشا عزت تعمير الأربعين الذى بجوار باب تره ميدان، وأنشأ فيه جامعا بخطبة وتكية لفقراء الخلوتية من الأروام وأسكنهم بها.
وأنشأ تجاهها مطبخا ودار ضيافة للفقراء وفى علوها مطبخا ومكتبا للأطفال يقرءون فيه القرآن ورتب لهم ما يكفيهم، وأنشأ فيما بينهما وبين البستان المعروف بالغورى حماما فسيحة مفروشة بالرخام الملون، وجدد بستان الغورى وغرس فيه الأشجار ورمم قاعة الغورى التى بالبستان، وعمر بجوار المنزل سكن أمير اخور وبنى مصطبة عظيمة برسم الباس القفاطين، انتهى.
ويظهر أن هذا الجامع قد زال الآن وصار محله من ميدان محمد على بالمنشية.
جامع محمد بيك أبى الذهب
هذا الجامع بجوار الأزهر ليس بينهما فاصل إلا الطريق وقليل حوانيت، وهو معلق يصعد إليه بدرج وله ثلاثة أبواب على وجه أحدها/الذى فى حائط القبلة هذان البيتان:
أنشأت يا مولى الأكابر مسجدا
…
ولواء نصرك فى البرية يسعد
ولك العناية بالسعادة أرخت
…
حاز الفضائل والكمال محمد
وعلى الباب الثانى: وهو الذى تجاه الطريق الموصل إلى المشهد الحسينى:
أمير اللواء الأكرمين محمد
…
بمسجده حاز الفضائل والذهب
عليه ضياء للقبول مؤرخ
…
بسعد لقد دام العزيز أبو الذهب
والثالث: عند الميضأة فى الطريق النافذ إلى الكعكيين، وفى داخل الباب الأول طرقة مستطيلة مفروشة بالحجر توصل إلى مقصورة الجامع وإلى التكية والميضأة.
ولمقصورة الجامع ثلاثة أبواب على أحدها هذان البيتان:
أمير اللوا أنشأت لله مسجدا
…
عليه بهاء العز جل الذى وهب
لك الفوز فيه بالثواب مؤرخ
…
لقد حاز ألطاف القبول أبو الذهب
على الثانى:
فريد الآن مسجده تحلى
…
بما سرّ النواظر والمسامع
لواء النصر شيده فأرخ
…
مكان محمد للخير جامع
وعلى الثالث: كتابة لم يظهر منها إلا بيت:
فيه لواء النصر لاح مؤرخا
…
لمحمد خير المساجد يشمل
وبها ثمانية شبابيك من النحاس ومنبره مشغول بالصدف، وخارج المقصورة من الجهة اليسرى فى نهاية الرحبة مدفن الأمير محمد بيك أبى الذهب عليه مقصورة من النحاس الأصفر، وعلى القبر تركيبة من الرخام عليها نقوش فيها آيات قرآنية، وعلى أحد الشاهدين هذه الأبيات:
هذا مقام عزيز مصر أميرها
…
عين الأكابر ذى العلا والسودد
أعنى أبا الذهب الذى فى عصره
…
كانت له الأقطار فى طوع اليد
تجرى على طول المدى صدقاته
…
بدروس علم أو عمارة مسجد
فسحائب الرحمات يصحبها الرضا
…
تهمى عليه فى المساء وفى الغد
والحور فى المأوى له قد أرخت
…
دار الكرامة مسكن لمحمد
وعلى الشاهد الآخر:
يا واقفين بقبرنا
…
لا تعجبوا من أمرنا
بالأمس كنا مثلكم
…
وغدا تكونوا مثلنا
وبجواره قبر ابنته عديلة هانم زوجة إبراهيم بيك الألفى، وبجوار ذلك خزانة الكتب.
ثم ان هذا الجامع كان أصل إنشائه برسم مدرسة وهو إلى الآن يدرس فيه كثيرا.
ففى تاريخ الجبرتى من حوادث سنة تسع وثمانين ومائة وألف: أن الأمير محمد بيك أبا الذهب شرع فى آخر سنة سبع وثمانين ومائة وألف فى بناء مدرسته التى تجاه الجامع الأزهر، وكان محلها رباعا متخربة فاشتراها من أربابها وهدمها وأمر ببنائها على هذه الصفة، وهى على مثال جامع السنانية الكائن بشاطئ النيل ببولاق، فرتب لنقل الأتربة وحمل الجير والرماد والطين عدة كبيرة من قطارات البغال، وكذلك الجمال لشيل الأحجار العظيمة كل حجر واحد على جمل، وطحنوا لها الجبس الحلوانى المصيص ورموا أساسها أوائل شهر الحجة ختام السنة المذكورة، ولما تم عقد قبتها العظيمة وما حولها من القباب المعقودة على الأواوين وبيضوها نقشوا داخلها بالألوان والأصباغ، وعملوا لها شبابيك عظيمة كلها من النحاس الأصفر المصنوع، وعمل بظاهرها فسحة مفروشة من الرخام المرمر، وبوسطها حنفية وبدائرها مساكن للصوفية الأتراك، وبداخلها عدة كراسى راحة وكذلك بدورها العلوى، وبأسفل ذلك ميضأة عظيمة تمتلئ بالماء من
نوفرة بوسطها نصب فى صحن كبير من الرخام المصنوع - نقلوه إليها من بعض الأماكن القديمة، - ويفيض منه فيملأ الميضأة، وحول الميضأة عدة كراسى راحة.
وأنشأ لذلك ساقية فلما حفروها خرج ماؤها حلوا فعد ذلك أيضا من سعده مع أن جميع الآبار والسواقى التى بتلك الخطة ماؤها فى غاية الملوحة. وأنشأ أسفل ذلك صهريجا عظيما يملآ منه الماء ويمتلئ فى كل سنة من ماء النيل.
وأنشأ حوضا عظيما لسقى الدواب وعمل بأعلى الميضأة ثلاثة أماكن برسم جلوس المشايخ الثلاثة المفتين يجلسون بها حصة من النهار/لإفادة الناس بعد إملاء الدروس.
وقرر فيها الشيخ أحمد الدردير مفتى المالكية، والشيخ عبد الرحمن العريشى مفتى الحنفية، والشيخ حسنا الكفراوى مفتى الشافعية.
ولما تم البناء فرشت جميعها بالحصر ومن فوقها البسط الرومى من داخل وخارج حتى فرجات الشبابيك ومساكن الطباق.
ولما استقر جلوس المفتين المذكورين بالأماكن الثلاثة التى أعدت لهم أضرت بهم الرائحة الصاعدة إليهم من المراحيض التى من أسفل فأعلموا الأمير بذلك فأمر بإبطالها وبنوا خلافها بعيدا عنها.
وتقرر فى خطابتها الشيخ أحمد الراشدى، وترتب بها غالب المدرسين بالأزهر مثل الشيخ على الصعيدى والشيخ أحمد الدردير، والشيخ محمد الأمير والشيخ عبد الرحمن العريشى والشيخ حسن الكفراوى، والشيخ أحمد يونس والشيخ أحمد السمنودى والشيخ على الشنويهى، والشيخ عبد الله اللبان والشيخ محمد الحفناوى والشيخ محمد الطحلاوى، والشيخ الجداوى والشيخ أبى الحسن القلعى والشيخ البيلى، والشيخ محمد الحريرى والشيخ منصور المنصورى والشيخ أحمد جاد الله والشيخ محمد المصيلحى. وقرر درسا ليحيى أفندى شيخ الأتراك.
وتقرر السيد عباس إماما راتبا، وفى وظيفة التوقيت الشيخ محمد الصبان، وجعل بها خزانة كتب عظيمة وجعل خازندارها محمد أفندى حافظ وينوب عنه الشيخ محمد الشافعى الجناحى.
ورتب للمدرسين الكبار فى كل يوم مائة وخمسين نصفا فضة، ورتب لمن دونهم خمسين نصفا، ومن الطلبة من رتب له عشرة أنصاف فى كل يوم، ومنهم من له أكثر
وأقل وبقدر عدد الدراهم أرادب من البر فى كل سنة، ولما انتهى أمرها فى شهر شعبان سنة ثمان وثمانين حضر الأمير المذكور واجتمع المشايخ والطلبة وأرباب الوظائف وصلوا بها الجمعة، وبعد انقضاء الصلاة جلس الشيخ على الصعيدى على الكرسى وأملى حديث:
«من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا فى الجنة»
(1)
، فلما انقضى ذلك أحضرت الخلع والفراوى فألبس الشيخ عليا الصعيدى والشيخ الراشدى الخطيب والمفتين الثلاثة فراوى سمور، وباقى المدرسين فراوى نافا بيضا، وأنعم على الخدمة والمؤذنين وفرق عليهم الذهب والبقاشيش، وتنافس الفقهاء والأشياخ والطلبة وتحاسدوا وتفاتنوا.
ووقف على ذلك أمانة قويسنا وغيرها ولم يصرف ذلك إلا سنة واحدة، فإنه لما مات تأمر أتباعه وتقاسموا البلاد ومن جملتها أمانة قويسنا فبرد أمر المدرسة وعوضوا عن ذلك الوكالة التى أنشأها على بيك ببولاق لمصرف أجر الخدمة وعليق الأثوار بعد ما أضعفوا المعاليم ونقصوها ووزعوا عليهم ذلك الإيراد القليل.
ولم يزل الحال يتناقص ويضعف حتى بطل التوقيت والأذان، بل والصلاة فى أكثر الأوقات، وخلق فرشها وبسطها وعتقت وبليت وسرق بعضها، وأغلق أحد أبوابها المواجهة للطريق الموصل للمشهد الحسينى، بل أغلقت جميعها شهورا مع كون الأمراء أصحاب الحل والعقد أتباع الواقف ومماليكه لكن لما دخل عليهم الطمع ظهر الخلل فى كل شئ حتى فى نظام دولتهم وإقامة ناموسهم، انتهى.
ترجمة محمد بيك ابى الذهب:
ثم انه قبل ذلك ترجم هذا الأمير فقال: هو الأمير الكبير محمد بيك أبو الذهب تابع على بيك الشهير بالكبير اشتراه أستاذه فى سنة خمس وسبعين فأقام مع أولاد الخزنة اياما قليلة وكان إذ ذاك إسماعيل بيك خازندار، فلما قلد إسماعيل بيك الإمارة قلد الخازندارية مكانه وطلع مع مخدومه إلى الحج، ورجع أوائل سنة ثمان وسبعين وتأمر فى تلك السنة وتقلد الصنجقية، وعرف بأبى الذهب بسبب أنه لما تلبس بالخلعة بالقلعة صار بفرق البقاشيش ذهبا، وفى حال ركوبه ومروره جعل ينثر الذهب على الفقراء الجعيدية حتى دخل منزله فعرف بذلك فإنه لم يتقدم نظيره لغيره ممن تقلد الإمارة، واشتهر عنه هذا اللقب وسمع شهرته بذلك فكان لا يضع فى جيبه إلا الذهب ولا يعطى إلا الذهب
(1)
رواه أحمد فى مسنده عن ابن عباس. راجع (الجامع الصغير فى أحاديث البشير النذير للسيوطى)
ويقول: أنا أبو الذهب فلا أمسك إلا الذهب.
وعظم شأنه فى زمن قليل ونوّه مخدومه بذكره وعيّنه فى المهمات الكبيرة.
وكان سعيد الحركات مؤيد العزمات لم يعهد عليه الخذلان قط، واستكثر من شراء المماليك والعبيد حتى اجتمع عنده فى الزمن القليل ما لا يتفق لغيره فى الزمن الكثير وتقلدوا المناصب والأمريات؛ فلما تمهدت البلاد بسعده المقرون بيأس أستاذه ثم خالفوا عليه ضم المتشردين وغمرهم بالإحسان، واستمال براقى أركان الدولة واستلانوا جانبه فجنحوا إليه وأحبوه وأعانوه وتعصبوا له وقاتلوا بين يديه حتى أزاحوا على بيك وخرج هاربا من مصر إلى الشام، واستقر المترجم بمصر وساس الأمور وقلد المناصب وجبى الأموال والغلال وأرسلها إلى الدولة، وأظهر الطاعة وقلد مملوكه إبراهيم بيك إمارة الحاج وصرف العلائف وعوائد العربان، وأرسل الغلال والصرر للحرمين وتحرك على بيك للرجوع إلى مصر وجيش الجيوش، فلم يهتم المترجم لذلك وكاد له كيدا بأن جمع القرانصة والذى يظن فيهم النفاق، وأسر إليهم أن يراسلوا على بيك/ويستعجلوه فى الحضور وينمقوا مساوى للمترجم ويعدوه بنصرته متى حضر. ففعلوا ذلك فراج عليه واعتقد صحته وأرسل إليهم بالجوابات وأعادوا الرسالة لذلك باطلاع مخدومهم وإشارته، فقوى عزم على بيك على الحضور وأقبل بجنوده إلى الديار المصرية؛ فخرج إليه ولاقاه بالصلاحية وأحضره أسيرا حتى مات بعد أيام قليلة وانقضى أمره، وارتاح المترجم من قبله وجمع باقى الأمراء المطرودين وأكرمهم واستوزرهم وقلدهم المناصب ورد إليهم بلادهم وعوائدهم واستعبدهم بالإحسان والعطايا؛ فثبتت دولته وارتاحت النواحى من الشرور والتجاريد وهابته العربان وأمنت السبيل وسلكت الطرق، ووصلت المجلوبات من الجهات للتجارات وحضر والى مصر خليل باشا وطلع إلى القلعة، وحضرت للمترجم المرسومات والخطابات من الدولة وسيف وخلعة، فلبس ذلك فى الديوان ونزل فى أبهة عظيمة وانفرد بإمارة مصر، وأهمل أمر أتباع أستاذه على بيك فأقام أكثرهم بمصر بطالا، وحضر إلى مصر مصطفى باشا النابلسى من أولاد العضم والتجأ إليه فأكرم نزله ورتب له الرواتب وكاتب الدولة وطلب له ولاية مصر فأجيب إلى ذلك، ووصلت إليه التقاليد والتقادم فى ربيع الثانى سنة تمان وثمانين، ووجه خليل باشا إلى ولاية جدة وسافر من القلزم.
ثم قال: وبالجملة فإن المترجم كان آخر من أدركنا من المصريين شهامة وصرامة وسعدا وحزما وحكما وسماحة وحلما، وكان قريبا للخير يحب العلماء والصلحاء ويميل
بطبعه إليهم ويعظمهم وينصت لكلامهم ويعطيهم العطايا الجزيلة، ويكره المخالفين للدين ولم يشتهر عنه شئ من الموبقات والمحرمات ولا ما يشينه فى دينه أو يخل بمروءته، بهى الطلعة جميل الصورة أبيض اللون معتدل القامة والبدن مسترسل اللحية مهيب الشكل وقورا محتشما، قليل الكلام والالتفات ليس بمهزار ولا خوار ولا عجول، مبجلا فى ركوبه وجلوسه يباشر الأحكام بنفسه، ولولا ما فعله آخرا من قتل أهل يافا بإشارة وزرائه لكانت حسناته أكثر من سيئاته، وذلك أنه توجه إلى البلاد الشامية بقصد محاربة الظاهر عمر واستخلاص ما بيده من البلاد فبرز خيامه إلى العادلية وفرق الأموال والتراحيل على الأمراء والعساكر والمماليك، واستعد لذلك استعدادا عظيما فى البر والبحر وأنزل بالمراكب الذخيرة والجبخانة والمدافع والقنابر، وسافر بجموعه وجيوشه فى أوائل المحرم من سنة تسع وثمانين، وأخذ صحبته مراد بيك وابراهيم بيك طنان وإسماعيل بيك تابع إسماعيل بيك الكبير، وترك بمصر إبراهيم بيك وباقى الأمراء والباشا الذى بالقلعة وهو مصطفى باشا النابلسى وأرباب العكاكيز والخدم والوجاقية.
ولما وصل إلى جهة غزة ارتجت البلاد لوروده ولم يقف أحد فى وجهه وتحصن أهل يافا بها وكذلك الظاهر عمر بعكا، فلما وصل إلى يافا حاصرها وضايق أهلها فامتنعوا عليه وحاربوه من داخل وحاربهم من خارج ورمى عليهم بالمدافع والمكاحل والقنابر عدة أيام وليال؛ فكانوا يصعدون إلى أعلى السور ويسبون المصريين وأميرهم سبا قبيحا، ولم يزالوا بالحرب عليها حتى نقبوا أسوارها وهجموا عليها من كل ناحية وملكوها عنوة ونهبوها وقبضوا على أهلها وربطوهم فى الحبال والجنازير وسبوا النساء والصبيان وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، ثم جمعوا الأسرى خارج البلد ودوروا فيهم السيف فقتلوهم عن آخرهم، ولم يميزوا بين الشريف والنصرانى والعالم والجاهل ولا بين الظالم والمظلوم وبنوا من رؤوس القتلى عدة صوامع وجعلوا وجوهها بارزة تنسف عليها الأتربة والرياح والزوابع.
ثم ارتحل عنها طالبا عكا فلما بلغ الظاهر عمر ما وقع بيافا اشتد خوفه وخرج من عكا هاربا وتركها وحصونها؛ فوصل إليها المترجم ودخلها من غير مانع وأذعنت له باقى البلاد ودخلوا تحت طاعته وخافوا سطوته وداخله من السرور والفرح ما لا مزيد عليه، وأرسل البشائر إلى مصر وأمر بزينتها فنودى بذلك وزينت مصر وبولاق والقاهرة وخارجها زينة عظيمة، وعمل بها وقدات وشنكات وأفراح ثلاثة أيام بلياليها، وذلك فى أوائل شهر ربيع الثانى، وعند انقضاء ذلك ورد الخبر بموته واستمر يفشو ويزيد
حتى وردت السعاة بتصحيح ذلك وشاع بين الناس وصاروا يتعجبون ويتلون قوله تعالى: {(حَتّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ)}
(1)
. وذلك أنه لما تم له الأمر وملك البلاد المصرية والشامية وأذعن الجميع لطاعته أرسل إسماعيل أغا أخا على بيك الغزاوى إلى اسلامبول يطلب أمر مصر والشام، وأرسل صحبته أموالا وهدايا فأجيب إلى ذلك وأعطوه التقاليد والخلع واليرق والداقم؛ فأرسل له يبشره بتمام الأمر فوافاه ذلك يوم دخول عكا فامتلأ فرحا وحم بدنه فى الحال فأقام محموما ثلاثة أيام ومات ليلة الأربعاء ثامن ربيع الأول سنة تسع وثمانين ومائة وألف وأخفوا موته على بعضهم، ثم ظهر ذلك وارتبك العرضى وجردوا على/بعضهم السلاح بسبب الأموال؛ فحضر مراد بيك وصدهم وكفهم عن بعضهم وجمع كبراءهم وتشاوروا فى أمرهم؛ فاتفق رأيهم على الرحيل وأخذوا رمة سيدهم صحبتهم فعند ذلك غسلوه وكفنوه ولفوه فى المشمعات ووضعوه فى عربة وارتحلوا طالبين الديار المصرية؛ فوصلوا فى ستة عشر يوما ليلة الرابع والعشرين من شهر ربيع الثانى أواخر النهار وأرادوا دفنه بالقرافة؛ فحضر الشيخ على الصعيدى وأشار بدفنه فى مدرسته تجاه الجامع الأزهر فحفروا له قبرا فى الإيوان الصغير الشرقى وبنوه ليلا، ولما أصبح النهار عملوا له مشهدا وخرجوا بجنازته من بيته الذى بقوصون، ومشى أمامه المشايخ والعلماء والأمراء وجميع الأحزاب والأوراد وأولاد المكاتب وأمام نعشه مجامر العنبر والعود حتى وصلو به إلى مدفنه، وعملوا عنده عدة ختمات وقراآت وصدقات نحو الأربعين يوما، انتهى؛ فسبحان مالك الممالك الحى الذى لا يموت.
وقفية محمد بيك أبى الذهب:
وفى كتاب وقفيته المؤرخ بثمانية من شوال سنة ثمان وثمانين ومائة وألف: أنه وقف ذلك المسجد والتكية والصهريج والحوض بخط الأزهر، ووقف فى أسفل المسجد ثلاثة وثلاثين حانوتا وتسع خزائن فوقها تسعة مقاعد، وفى خان الزركشية سبعة عشر حاصلا وعشر طباق وفى ربع ذلك الخان ثلاثة بيوت، وبجوار باب الخان حانوتا وحانوتا بجوار وكالة قايتباى وعمارة ببولاق على شط البحر بظاهر وكالة الخرنوب تعرف بعمارة على بك أمير اللواء تشتمل على قيسارية بداخلها من الصفين حوانيت وخزائن، وبخارجها حوانيت وقهاو ووكالة فيها ثلاثة وعشرون حاصلا وفوقها ثمانية وعشرون مسكنا.
(1)
سورة الانعام: 44.
ووقف أراضى كثيرة صالحة للزرع فى نواح متعدد منها بولاية الغربية ناحية قويسنا وشرانيس وكفر الأقرع ودملو وكفر السعديين وعرب الرمل ومنية الحوفيين وجزيرة منية الحوفيين وناحية بجيرم وناحية الرمال. ومنها بولاية جرجا ناحية بلسفورة وبندار الكرمانية وجزيرة بندار، وناحية الصلعا وجزيرة جوبلى والبقلى والرمال بناحية بندار الكرمانية.
ووظف وظائف بمرتبات جسيمة فجعل بالمدرسة ستة عشر مدرسا منهم ثلاثة من شيوخ الحنفية. لأولهم فى اليوم مائة وخمسون نصفا وفى السنة مائة وخمسون أردبا، ولمقرئه فى اليوم أربعة عشر نصفا وفى السنة عشرة أرادب، ولعشوة من الطلبة يحضرون درسه فى اليوم سبعون نصفا وفى السنة مائة أردب. ولثانى الشيوخ فى اليوم سبعون نصفا وفى السنة ثلاثون أردبا ولمقرئه فى اليوم عشرة أنصاف وفى السنة عشرة أرادب، ولعشرين طالبا يحضرون درسه فى اليوم مائة وأربعون نصفا وفى السنة مائتا أردب. ولثالثهم فى اليوم خمسون نصفا وفى السنة ثلاثون أردبا، ولمقرئه فى اليوم أربعة عشر نصفا وفى السنة عشرة أرادب، ولسبعة من الطلبة يحضرون درسه فى اليوم تسعة وأربعون نصفا.
ومنهم ستة من شيوخ المالكية. لأولهم مقرئان واثنان وعشرون طالبا ومرتباتهم كمرتبات أول الحنفية وطلبته. ولثانيهم مقرئان أيضا وثمانية وعشرون طالبا ومرتبه مع المقرئين كالأول ولطلبته فى اليوم مائة وستة وعشرون نصفا وفى السنة مائة وثمانون أردبا. ولثالثهم خمسون نصفا وثلاثون أردبا وله مقرئ وسبعة من الطلبة مرتبهم بحسب ما قبله وكذلك الرابع. ولخامسهم عشرون نصفا وثلاثون أردبا ومقرؤه كما قبله وله أربعة من الطلبة مرتبهم كما سبق. والسادس كالخامس إلا أن طلبته خمسة.
ومنهم سبعة من شيوخ الشافعية لأولهم مقرئ وعشرة من الطلبة مرتباتهم كمرتبات أول المالكية مع طلبته. ولكل من: ثانيهم وثالثهم ورابعهم وخامسهم خمسون نصفا يوميا وخمسون أردبا شهريا ومقرئ كل وطلبته كما قبله. وللسادس فى اليوم ثلاثون نصفا وفى السنة ثلاثون أردبا وله مقرئ وسبعة من الطلبة مرتبهم كما سبق. وللسابع عشرون نصفا وثلاثون أردبا ولمقرئه وسبعة من طلبته مثل ما مر ويفتى ويدرس كل منهم فى مذهبه وفيما يشاء من تفسير وحديث وغيره. ولشيخ التكية فى اليوم خمسون نصفا وفى السنة خمسون أردبا. ولكل واحد من ثلاثة وخمسين طالبا من الأتراك المقيمين بالتكية فى اليوم عشرة أنصاف وفى السنة عشرة أرادب، ولكل من قارئ
فضائل رمضان وفضائل ليلة نصف شعبان وفضائل ليلة القدر وفضائل المولد النبوى وقصة المعراج فى اليوم ثلاثة أنصاف وفى السنة عشرة أرادب. ولاثنين يقرءان بالقراآت السبع فى اليوم عشرون نصفا وفى السنة عشرون أردبا. ولخمسة عشر يقرءون فى المسجد خمسة عشر جزءا فى اليوم خمسة وسبعون نصفا وفى السنة مثلها أرادب ومثلهم خمسة عشر يقرءون الربعة كل يوم. ولعشرة من الصالحين يقرءون سورة الإخلاص فى اليوم ألفى مرة لكل واحد خمسة عشر نصفا فى اليوم وخمسة أرادب فى السنة.
/وللإمام خمسون نصفا وخمسون أردبا وللخطيب كذلك، وللمرقى فى اليوم نصف واحد وفى السنة خمسة أرادب. ولقارئ سورة الكهف يوم الجمعة كل يوم خمسة أنصاف وفى السنة خمسة أرادب. وللمبخر كل يوم ثمانية أنصاف وثلث نصف، ولخمسة مؤذنين فى اليوم خمسون نصفا وفى السنة خمسون أردبا، وللميقاتى خمسة عشر نصفا وثلاثون أردبا ولخازن الكتب ستون نصفا وستون أردبا ولثلاثة بوابين فى اليوم أربعة وعشرون نصفا ولثلاثة كناسين فى اليوم ثلاثون نصفا ولاثنين يخدمان المطهرة فى اليوم أربعة عشر نصفا وفى السنة عشرة أرادب. ولأربعة وقادين فى اليوم أربعون نصفا وفى السنة أربعون أردبا ولبواب الميضأة فى اليوم عشرة أنصاف، ولثلاثة مزملاتية فى اليوم خمسة عشر نصفا ومثلها فى السنة أردبا، ولخادم المزيرة بالتكية فى اليوم عشرة أنصاف ولاثنين سقاءين فى اليوم عشرون نصفا، ولخادم حوض الدواب فى اليوم عشرة أنصاف، ولثلاثة سواقين بالساقية فى اليوم اثنا عشر نصفا وفى السنة عشرة أرادب ولنجار الساقية فى اليوم نصف نصف وفى السنة أربعة أرادب.
ويصرف فى مهمات المسجد والتكية والساقية والصهريج كل سنة مائة ألف وأربعة وستون ألفا وخمسمائة نصف، وبرسم عليق أثوار الساقية الأربعة فى السنة ثلاثون أردبا من الفول، ولشراء اثنين وأربعين قنطارا من الزيت الطيب للاستصباح فى المسجد والتكية والمنارة والمطهرة فى السنة اثنان وأربعون ألف نصف فضة، وفى ثمن شمع اسكندرانى لمحراب المسجد فى رمضان أربعة آلاف نصف، وفى ثمن حصر فى السنة أحد عشر ألف نصف وفى ثمن زجاج وسلاسل وحبال وتوابيت ستة آلاف نصف، وفى ثمن مكانس وزحاحيف ومزاريق ألف وخمسمائة نصف، وفى ثمن ماء عذب للصهريج فى السنة ثلاثون ألف نصف، وفى أجرة نزح الصهريج وبخوره وثمن سلاب ودلاء وقلل فى السنة ثمانمائة نصف، وفى ثمن قرب شعارى ودلاء للرش ونحوه فى السنة ألف وخمسمائة نصف، وفى ثمن طوانس وقواديس وحلفاء وكلالات ودهن للساقة
ألفان وثمانمائة نصف، وفى أجرة جرش الفول عليق الأثوار ستمائة نصف، وفى ثمن تبن تسعة آلاف وستمائة نصف ولربيع الأثوار سبعة آلاف ومائتا نصف وفى أجرة كسح المسجد خمسة آلاف نصف، وفى أجرة مراكب لنقل غلال الوقف ومصاريفها ببولاق أربعة وثلاثون ألف نصف، وفى ثمن عجول جاموس تذبح فى عيد الأضحى وتفرق على الفقراء والمساكين سبعة آلاف وخمسمائة نصف.
ولناظر الوقف فى السنة مائة وخمسة وعشرون ألف نصف فضة وخمسمائة أردب قمحا، وللمباشر سبعة آلاف ومائتا نصف فى السنة وخمسون أردبا، وللجابى ثلاثة آلاف نصف وعشرة أرادب ولشاد الوقف كذلك. وما فضل من الريع بعد ذلك فهو للواقف وأولاده ومن بعده لعتقائه وأولادهم، فإذا انقرضوا كان الثلثان لعميان الأزهر والثلث لناظر الوقف فإن تعذر ذلك فللفقراء والمساكين.
وقد أذن للموظفين بسفر الحج إلى بيت الله الحرام وبغياب ثلاثين يوما لزيارة سيدى أحمد البدوى رضي الله عنه وصلة الرحم.
وقد جعل فى خزانة كتبه نحو ستمائة وخمسين كتابا منها جملة وافرة من كتب التفسير ككتاب الفخر الرازى والكشاف والدر المنثور والبحر والبيضاوى والجلالين وحواشيه وأبى السعود وغير ذلك.
وجملة من كتب الحديث كالسنن الستة وشروحها والشفاء والجمع بين الصحيحين والمواهب اللدنية وغير ذلك.
وجملة من كتب القراآت. وجملة من كتب التصوف وفقه المذاهب الأربعة، وكتب النحو والمعانى والبيان والصرف واللغة والمنطق والتوحيد والفرائض والتواريخ، وغير ذلك.
وشرط فى وقفيته: أنه إذا ضاع شئ من كتب الوقف يلزم خازن الكتب تعويضه.
وأما أموال الديوان التى على الأطيان فتصرف من الفائض، انتهى.
***
جامع محمد بك المبدول
كان هذا الجامع بداخل حارة الزير المعلق بجوار سراى عابدين.
أنشأه الأمير محمد بك المبدول فى سنة اثنتى عشرة ومائتين وألف، وكان به قبر منشئه عليه تركيبة من الرخام مكتوب عليها: هذا قبر محمد بك أمير اللواء وتاريخ وفاته وهو سنة ثلاث وعشرين ومائتين وألف، وكان على يسار قبلته لوح رخام منقوش عليه:{(إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)}
(1)
{(كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ)}
(2)
أنشأ هذا المسجد أمير اللواء محمد بك أمير الحاج سابقا غفر الله له وللمسلمين فى سنة اثنتى عشرة ومائتين وألف.
وله أوقاف تحت نظر الديوان وقد أزيل هذا الجامع الآن بسبب ما حدث من الشوارع والتنظيم الجديد، وعمل بجوار جامع الخلوتى مدفن نقلت إليه جثة محمد بك المذكور وجثة الشيخ البرمونى صاحب جامع البرمونى والشيخ الكريدى صاحب جامع الكريدى وغيرهم ممن أخذت مساجدهم فى الشوارع والتنظيمات/التى بحارة عابدين.
ولما بناه ذلك الأمير وقف عليه أوقافا سجلت فى سجل القاضى وقد أخذت صورة ذلك وحفظت فى ديوان الأوقاف.
وحاصل ما فيها أن أمير اللواء محمد بيك الأزبكاوى أمير الحاج سابقا ابن عبد الله معتوق أمير اللواء حسن بك حاكم ولاية جرجا وقف جميع المسجد والساقية بحارة عابدين داخل الدرب الجديد وما به من الصهريج والمكتب وجميع المكان الكبير بجوار المسجد وأماكن أخر. وحماما بحارة عابدين.
وجعل النظر من بعده وبعد أولاده وعتقائه لشيخ الجامع الأزهر؛ فإن تعذر المصرف فللفقراء، ولكن تاريخ تلك الحجة ما انتهى إلينا هو سنة أربعين بعد المائتين والألف فلعل هذا التاريخ محرف.
(1)
سورة النمل: 30.
(2)
سورة آل عمران: 37.
جامع الشيخ محمد الدواخلى
هذا الجامع فى كفر الطماعين عن يمين السالك منه إلى قصر الشوك بحارة عطفة الدواخلى به منبر لخطبة الجمعة والعيدين، وشعائره مقامة ومنافعه تامة إلا أنه لا مئذنة له.
قال الجبرتى: أنشأه السيد محمد بن أحمد بن محمد المعروف بالدواخلى الشافعى تجاه دار سكنه القديمة بكفر الطماعين، وجعل فيه منبرا وخطبة وكان قد اشتهر ذكره خصوصا أيام الفرنساوية وانتفع انتفاعا عظيما.
ثم صادمه الدهر بالنكبات فمات ولده أحمد ولم يكن له سواه فحزن عليه حزنا شديدا ودفنه بمسجده المذكور وعمل عليه مقاما ومقصورة، ثم أخرج منفيا إلى دسوق فأقام بها شهرا ثم نقل إلى المحلة الكبرى بشفاعة المحروقى فأقام بها إلى أن مات ودفن بها سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وألف، انتهى.
وقد ترجمناه فى الكلام على بلدته محلة الدواخلى وإلى الآن مقصورته موجودة بها.
جامع محمد السعيد
هذا الجامع بميدان القطن وهو مقام الشعائر كامل المنافع، وبصحنه شجرتان ونخلتان وبه صهريج له خرزة من الرخام يملأ كل سنة وهو تحت نظر ديوان الأوقاف.
جامع محمد ميالة
هو بباب الشعرية كان متخربا فجدده محمد الكواء، وبه أربعة أعمدة من الآجر وله منبر وخطبة وشعائره مقامة، وبه ضريح يقال له: ضريح الشيخ محمد ميالة وله أوقاف.
جامع المحمدى
هذا الجامع بشارع الصليبة بالقرب من جامع شيخو تجاه منزل الأمير عبد اللطيف باشا له باب على الشارع يصعد إليه بسلالم، وآخر صغير من داخل درب السماكين يوصل إلى الميضأة والكراسى، وكان قد وهى فجدده حضرة الأمير عبد اللطيف باشا فى سنة
سبع وثمائنين ومائتين وألف على ما هو عليه، وهو مسقوف على غير أعمدة، وبه طارتان من الحجر متقابلتان وبه منبر من الخشب وخطبة وعلى مطهرته مساكن للإمام والخدمة، وبه ضريح الأستاذ المحمدى عليه قبة مرتفعة بداخلها محراب يكتنفه عمودا رخام بجوار كل عمود لوح رخام على هيئة قبلة وبه نقوش عجيبة، ومكتوب بأعلى أحدهما:{(أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ)}
(1)
، وبأعلى الثانى:{(إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً)}
(2)
الآية، وبدائر القبة من الخارج كتابة وكذا دائر المئذنة، ويتبعه سبيل له شباك على الشارع، وله بالروزنامجة خمسة وأربعون قرشا كل شهر، وله منزل موقوف عليه وشعائره مقامه من ذلك ومن طرف الأمير المذكور، ويعمل به مولد كل سنة للشيخ المحمدى.
جامع محمود
هو بسفح الجبل المقطم فى القرافة الصغرى وهو من مساجد الخطبة ينسب لمحمود ابن سالم بن مالك الطويل من أجناد السرى بن الحكم أمير مصر بعد سنة مائتين من الهجرة ويقال: أن السرى ركب يوما فعارضه رجل فى طريقه ووعظه بما غاظه. فالتفت فرأى محمودا فأمره بضرب عنقه ففعل، ثم ندم على ذلك وكثر أسفه وبكاؤه وتاب وحسنت توبته، وخرج من الجندية وأقبل على العبادة واتخذ هذا المسجد وأقام فيه وتوفى سنة خمس وخمسين وستمائة.
وكان أيضا نقيب الأشراف اهـ من المقريزى باختصار. وهو الآن غير موجود.
جامع محمود الكردى
هو فى آخر قصبة رضوان وفى أول الخيمية تجاه البيت الكبير المتخرب المعروف ببيت خليل باشا بين عطفة زقاق المسك وجامع أينال على يسرة السالك من باب زويلة إلى الصليبة، وهو اليوم مقام الشعائر تام المنافع وبه خطبة وله منارة.
وهذا الجامع هو المدرسة المحمودية التى ذكرها المقريزى بقوله: المدرسة المحمودية بخط الموازنيين خارج باب زويلة تجاه دار القردمية يشبه أن موضعها كان فى القديم
(1)
سورة القصص 31.
(2)
سورة الفتح: 1.
من جملة الحارة التى كانت تعرف بالمنصورية. أنشأها الأمير جمال الدين محمود بن على الاستادار فى سنة سبع وتسعين وسبعمائة، ورتب بها درسا وعمل فيها خزانة كتب لا يعرف اليوم بديار مصر ولا الشام مثلها وهى باقية إلى اليوم لا يخرج لأحد منها كتاب إلا أن يكون فى المدرسة، وبهذه الخزانة كتب الإسلام من كل فن وهذه المدرسة من أحسن مدارس مصر.
ترجمة محمود بن على الاستادار:
محمود بن على بن أصفر عينه الأمير جمال الدين الاستادار ولى شد باب رشيد بالاسكندرية مدة، وكانت واقعة الفرنج بها فى سنة سبع وستين وسبعمائة وهو مشد؛ فيقال:
أن ماله الذى وجد له حصله يومئذ ثم أنه سار إلى القاهرة/فلما كانت أيام الظاهر برقوق خدم استادارا عند الأمير سودون باق، ثم استقر شاد الدواوين إلى أن مات الأمير بهادر المنجكى استادار السلطان فاستقر عوضا عنه، ثم خلع عليه واستقر مشير الدولة فصار يتحدث فى دواوين السلطنة الثلاثة: المفرد والخاص وديوان الوزارة. ونفذت كلمته فى سائر المملكة.
فلما زالت دولة الظاهر برقوق بحضور الأمير يلبغا الناصرى نائب حلب بعساكر الشام إلى القاهرة واختفى الظاهر ثم أمسكه هرب هو وولده فنهبت دوره، ثم انه ظهر من الاستتار وقدم للأمير يلبغا الناصرى مالا كثيرا فقبض عليه وقيده وسجنه بقلعة الجبل وأقيم بدله فى الاستادارية الأمير علاء الدين آقبغا الجوهرى، فلما زالت دولة يلبغا الناصرى بقيام الأمير منطاش عليه قبض على آقبغا الجوهرى فيمن قبض عليه من الأمراء وأفرج عن الأمير محمود وألبسه قباء مطرزا بذهب وأنزله إلى داره ثم قبض عليه وسجن بخزانة الخاص؛ فكانت جملة ما حمله للأمير يلبغا الناصرى وللأمير منطاش ثمانية وخمسين قنطارا من الذهب المصرى، ولما عاد الظاهر برقوق إلى المملكة خلع عليه واستقر استادارا، ولم يزل فى تولية وخلع ومصادرة إلى أن مات سنة تسع وتسعين وسبعمائة ودفن بمدرسته وقد أناف عن الستين.
وكان كثير الصلاة والعبادة مواظبا على قيام الليل إلا أنه كان شحيحا مسيكا شرها فى الأموال، وأكثر من ضرب الفلوس بديار مصر حتى فسد بكثرتها حال إقليم مصر، وكان جملة ما حمل من ماله بعد نكبته مائة قنطار ذهبا وأربعين قنطارا عنها ألف ألف دينار وأربعمائة ألف دينار عينا وألف ألف درهم فضة، وأخذ له من البضائع والغلال والقنود
(1)
والأعسال ما قيمته ألف ألف درهم وأكثر اهـ باختصار.
(1)
القند والقندة والقنديد: كله عصارة قصب السكر إذا جمد ومنه يتخذ الفانيذ، وسويق مقنود ومقند معمول بالقنديد. راجع (لسان العرب: قند).
جامع محمود محرم
هو بدرب المسمط على يسرة السالك من رأس شارع رحبة العيد المشهور بشارع حبس الرحبة طالبا المشهد الحسينى.
كان إنشاؤه سنة ست وأربعين وتسعمائة كما هو منقوش على عمود فيه من رخام.
ثم جدده الخواجا الحاج محمود محرم سنة سبع ومائتين وألف كما هو مكتوب على بابه، ووقف عليه أوقافا وشعائره مقامة منها، وبه منبر وخطبة وبه خزانة كتب عليها قيم يتعهدها ويغير منها للطالبين.
ترجمة محمود محرم:
وفى تاريخ الجبرتى من حوادث سنة ثمان ومائتين وألف.
إن محمود محرم: هو الخواجا المعظم والملاذ المفخم سيدى الحاج محمود بن محرم أصل والده من الفيوم واستوطن مصر وتعاطى التجارة وسافر إلى الحجاز مرارا واتسعت دنياه، وولد له الحاج محمود المذكور وتربى فى العز والرفاهية.
ولما ترعرع وبلغ رشده خالط الناس وشارك وأخذ وأعطى وظهرت نجابته وسعادته حتى كان إذا أمسك التراب صار ذهبا فسلم له والده قياد الأمور، فشاع خبره بالديار المصرية والحجازية والشامية والرومية، وعرف بالصدق والأمانة والنصح، وأذعنت له الشركاء والوكلاء وأحبه الأمراء وتداخل فيهم بعقل وحشمة وحسن سير وفطانة ومداراة وتؤدة وسياسة وأدب وحسن تخلص فى الأمور الجسيمة، وعمر داره وزخرفها وجعل لها قاعة عظيمة وحولها بستان بديع، وزوج ابنه سيدى أحمد، وعمل له مهما دعا إليه إلأكابر وتفاخر فيه إلى الغاية، وعمر المسجد بجوار بيته قريبا من حبس الرحبة فجاء فى غاية الإتقان والبهجة، ووقف عليه جهات ورتب فيه وظائف تدريس.
وكان وقورا محتشما جميل الطباع مليح الأوضاع ظاهر العفاف كامل الأوصاف، حج من القلزم ورجع فى البر فى أحمال مجملة، وهيئة زائدة مكملة، فمات فى هذه السنة فى الطريق ودفن بالخيوف رحمه الله.
وللشيخ مصطفى الصاوى فيه مدائح عديدة منها قصيدة فى التهنئة بالفرح أولها:
بشرى بأفراح المنى والمنن
…
لاحت علينا بالسرور الحسن
ومعاهد الأكوان فاحت بالشذا
…
مسكا وطيبا فى العلا والسكن
انتهى.
وفى هذا المسجد ضريح يقال أنه ضريح الشيخ إبراهيم البقاعى المفسر.
جامع المخفى
هو بدير النحاس بين فم الخليج ومصر القديمة بجوار البرودخانات، ويعرف أيضا بجامع جقمق وهو قائم على ستة وثلاثين عمودا بعضها من الزلط وبعضها من الرخام وبوسطه ثلاث نخلات، وله ميضأة وبئر ومنارة بدورين. وبناؤه قديم جدا، وبجواره منازل موقوفة عليه من طرف بشير أغا ونظره لديوان الأوقاف، وبه ضريح الشيخ محمد المخفى ظاهر يزار، ويعمل له مولد كل سنة وحضرة كل ليلة سبت.
جامع مدين
هذا الجامع فى خط باب الشعرية بداخل حارة مدين قائم على أربعة أعمدة من الرخام وبأرضه فرش من الرخام الملون، ومنافعه كاملة وشعائره مقامة ولمطهرته ساقية ويتبعه بجواره صهريج له شباك حديد وأوقافه تحت نظر السيد عبد الخالق السادات. وبه ضريح سيدى مدين ويعمل له مولد كل سنة وهو المترجم فى طبقات سيدى عبد الوهاب الشعرانى حيث قال فيها:
ترجمة سيدى مدين:
ومنهم/الشيخ مدين بن أحمد الأشمونى رضي الله عنه أحد أصحاب سيدى الشيخ أحمد الزاهد رضي الله عنه كان من أكابر العارفين وانتهت إليه تربية المريدين فى مصر وقراها، وتفرعت عنه السلسلة المتعلقة بطريقة أبى القاسم الجنيد رضي الله عنه.
قالوا: وكان رضاعه على يد سيدى أحمد الزاهد وفطامه على يد سيدى الشيخ محمد الحنفى، فإنه لما توفى سيدى أحمد الزاهد جاء سيدى مدين إلى سيدى محمد
الحنفى وصحبه وأقام عنده مدة فى زاويته مختليا فى خلوة، ثم انه طلب من سيدى محمد إذنا بالسفر إلى زيارة الصالحين بالشام وغيره؛ فأعطاه الشيخ إذنا فأقام مدة طويلة سائحا فى الأرض لزيارة الصالحين، ثم رجع إلى مصر فأقام بها واشتهر وشاع أمره وانتشر وقصده الناس واعتقدوه وأخذوا عليه العهود وكثرت أصحابه فى إقليم مصر وغيرها.
ولما بلغ أمره سيدى الشيخ أبا العباس السرسى خليفة سيدى محمد الحنفى قال:
لا إله إلا الله ظهر مدين بعد هذه المدة الطويلة، والله لقد أقام عند سيدى فى هذه الزاوية نحو الأربعين يوما حتى كمل.
وهو من ذرية سيدى أبى مدين المغربى التلمسانى رضي الله عنه وجده الأدنى على المدفون بطبلية بالمنوفية ووالده مدفون فى أشمون جريس وكلهم أولياء صالحون، وأول من جاء من بلاد المغرب جده الذى فى طبلية؛ فدخلها وهو مغربى فقير لا يملك شيئا فجاء جوع شديد فمر به إنسان يقود بقرة حلابة، فقال له: احلب لى شيئا من اللبن أشربه فقال: انه ثور. فصارت فى الحال ثورا ولم تزل ثورا إلى أن ماتت، ووقع له كرامات كثيرة فلم يمكنوه أن يخرج من بلدهم طبلية حتى مات.
وأما والد سيدى مدين رحمه الله تعالى فانتقل إلى أشمون فولد له سيدى مدين فاشتغل بالعلم حتى صار يفتى الناس، واستسلم من أشمون عدّة بيوت من النصارى منهم: أولاد إسحاق ومنهم الصديرية والمقامعة والمساعية، وهم مشهورون فى بلد أشمون.
ثم تحرك فى خاطره طلب الطريق إلى الله تعالى واقتفاء آثار القوم فقالوا له:
لا بد لك من شيخ. فخرج إلى مصر فوافق سيدى محمدا الغمرى حين جاء إلى القاهرة يطلب الآخر ما يطلب سيدى مدين، فسألوا عن أحد يأخذون عنه من مشايخ مصر فدلوهما على سيدى محمد الحنفى فهما بين القصرين وإذا بشخص من أرباب الأحوال قال لهما: ارجعا ليس لكما نصيب الآن عند الأبواب الكبار ارجعا إلى الزاهد. فرجعا إليه فلما دخلا تنكر عليهما زمانا ثم لقنهما وأخلاهما ففتح على سيدى مدين رضي الله عنه فى ثلاثة أيام. وأما سيدى محمد الغمرى فأبطأ فتحه نحو خمس عشرة سنة
وكان سيدى مدين إذا رأى فقيرا لا يحضر مجلس الذكر يخرجه ولا يدعه يقيم عنده، وخرج فقير يوما من الزاوية فرأى جرة خمر مع إنسان فكسرها؛ فبلغ الشيخ رضى الله
عنه ذلك فأخرجه من الزاوية وقال: ما أخرجته لأجل إزالة المنكر وإنما هو لإطلاق بصره رأى المنكر والفقير لا يجاوز بصره موضع قدميه.
وكان الشيخ عبادة أحد أعيان السادة المالكية ينكر على سيدى مدين رضي الله عنه، ويقول: إيش هذه الطريق التى يزعم هؤلاء نحن لا نعرف إلا الشرع. فلما انقلب بعض أصحاب الشيخ عبادة إلى سيدى مدين وصحبوه وتركوا حضور درسه ازداد انكارا؛ فأرسل سيدى مدين وراءه يدعوه إلى حضور مولده الكبير الذى يعمل له فى كل سنة فحضر، فقال الشيخ: لا أحد يتحرك ولا يقوم ولا يفسح له فوقف الشيخ عبادة فى صحن الزاوية حتى كاد يتمزق من الغيظ ساعة طويلة، ثم رفع سيدى مدين رأسه وقال: افسحوا للشيخ عبادة. فأجلسه بجانبه، وقال له: سؤال حضر. فقال الشيخ عبادة: سل. فقال: هل يجوز عندكم القيام للمشركين مع عدم الخوف من شرهم؟.
فقال: لا. فقال سيدى مدين: بالله عليك أغضبت حين لم يقم لك أحد؟. فقال:
نعم. فقال: لو قال لك إنسان لا أرضى عليك إلا إذا كنت تعظمنى كما تعظم ربك ماذا تقول له؟. قال: أقول له كفرت. فدارت فيه الكلمة فانتصب قائما على رؤوس الأشهاد وقال: ألا اشهدوا أننى قد أسلمت على يد سيدى مدين. ولازمه إلى أن مات رحمه الله تعالى ودفن فى تربة الفقراء.
ووقائع سيدى مدين وكراماته كثيرة شهيرة بين مريديه وغيرهم. توفى رضي الله عنه سنة نيف وخمسين وثمانمائة.
ترجمة سيدى محمد الشويمى:
ومن أصحابه سيدى محمد الشويمى المدفون قبالة قبره رضي الله عنه كان من أرباب الأحوال العظيمة، وكان يعمل هلالات المآذن والضبب، وكان يجلس بعيدا عن سيدى مدين وكل من مر على خاطره شئ قبيح يسحب العصا وينزل عليه.
وكان رضي الله عنه يقول لأصحابه: عليكم بذكر الله تعالى تقضى لكم جميع حوائجكم، وهو الذى زرع الخروبة التى هى قريب من التيه فى طريق الحجاز حين توضأ سيدى مدين رضي الله عنه لما سافر إلى الحج، ووقائعه كثيرة مشهورة.
مات رضي الله عنه بعد سيدى مدين ودفن قبالة قبره كما تقدم.
ترجمة سيدى أحمد الحلفاوى:
ومن أصحاب سيدى مدين أيضا سيد أحمد الحلفاوى رضي الله عنه كان رجلا صالحا سليم الباطن، وكان يمشى بحلفايته بحضرة/الشيخ فى الزاوية وكان الشويمى يتأثر من ذلك ويقول له: أنت قليل الأدب. فغضب منه يوما فهجره فلما كان قبيل الغروب آخر اليوم الثالث جاء له الشويمى وصالحه، وقال له: رأيت الحق يغضب لغضبك يا أخى ولم يفتح على بشئ من مواهب الحق منذ هجرتك.
توفى رحمه الله ودفن بصحن الزاوية، ودفن بهذا الجامع سيدى محمد بن أحمد الشمسى المالكى ابن أخت الشيخ مدين.
ترجمة سيدى محمد الشمسى:
وهو كما فى الضوء اللامع للسخاوى: محمد بن أحمد بن عبد الدائم الشمسى الأشمونى القاهرى المالكى ابن أخت الشيخ مدين ووالد أحمد الماضى، ويعرف بين جماعة خاله بابن عبد الدائم، ولد فى سنة أربع عشرة وثمانمائة بأشمون جريس منوفية ونشأ بها فحفظ القرآن وتلاه فيما قال مع جميع ما أثبته فى ترجمته تجويدا، وكذا لابن كثير على التاج ابن تمريه ولأبى عمرو على الزين طاهر، وحفظ الرسالة وابن الحاجب الأصلى والفرعى إلا قليلا. منه وألفية ابن مالك. ولازم الزين عبادة فى الفقه وأخذ عن البساطى جانبا من مختصر الفقيه خليل، وقرأ فى العربية على البرهان بن حجاج الابناسى، والصحيحين على البدر بن التنيسى والشفاء على الولى السنباطى، والرسالة القشيرية والعوارف السهروردية على الزين القاموسى. وسمع على المناوى والرشيدى والتلوانى والبخارى.
وصحب خاله وتلقن منه واختلى عنده وألبسه الخرقة وأذن له فى ذلك ولقن فى حياته جمعا من النسوة ونحوهن ورام بعد موت خاله الإقامة بزاوية عبد الرحمن بن بكتمر التى كانت إقامة خاله أولا بها فما مكن.
ثم لا زال ينتقل من مكان إلى مكان حتى استقر بالمدرسة البقرية داخل باب النصر، وله الخلاصة المرضية فى سلوك طريق الصوفية.
وبالجملة: فهو كثير الذكر والتلاوة مع مزيد التواضع والرغبة فى لقاء الناس للأخذ عنه والتردد إليهم لذلك تعلل مدة بضيق النفس والربو والسعال.
ومات فى ليلة الثلاثاء سادس جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين وثمانمائة، وصلى عليه من الغد فى جمع متوسط تجاه مصلى باب النصر، ودفن بتربة فقراء خاله وقام بتكفينه وتجهيزه تغرى بردى القادرى خازندار الدوادار الكبير عفا الله عنه اه.
ملخصا ..
جامع المرازقة
هو بخط شارع رحبة باب العيد على رأس الطريق الموصل إلى قصر الشوك ودرب الطبلاوى، وهو مقام الشعائر وبه منبر وخطبة وبه ضريح الشيخ مرزوق اليمانى الذى تنسب إليه المرازقة وهم طائفة من أتباع السيد البدوى يقال: أن أسماءهم دائرة بين محمد ومصطفى والشيخ مرزوق.
جامع المرحومى
هو بمصر القديمة مقام الشعائر ليس به زخرفة ولا كتابة وله مطهرة ومنارة.
ويقال: أنه من إنشاء الشيخ المرحومى وبداخله ضريحه وضريح الشيخ جمعة الأزهرى، ويعمل لهما حضرة كل ليلة جمعة ومولد كل سنة، وبوجهه ستة دكاكين موقوفة عليه، وله منزل موقوف عليه أيضا ونظره لرجل يعرف بالشيخ أحمد نصار.
ترجمة المرحومى:
وفى طبقات الشعرانى: أن المرحومى هذا هو الشيخ شهاب الدين أحد أصحاب العارف بالله تعالى سيدى مدين. كان طريقه المجاهدة والتقشف، وكان يلبس الفروة صيفا وشتاء يلبسها على الوجهين، وكان دائما مطرقا إلى الأرض ويقرئ الأطفال بمصر العتيقة بالقرب من سيدى محمد ساعى البحر، وكان يقول: ذهبت الطريق وذهب عشاقها وصار الكلام فيها معدودا من البدعة، وكان الغالب عليه الخشوع والبكاء. من أجل أصحابه أبو السعود الجارحى والشيخ سليمان الخضيرى رضي الله عنهما اه.
جامع مرزة
هو فى بولاق بشارع خط الحبو. أنشأه الأمير مصطفى جوربجى مرزة سنة ألف ومائة وعشر وبه أربعة ألونة، وصحنه مفروش بالرخام الملون بشكل حسن، وحائط إيوان القبلة مكسو بالقيشانى والرخام الملون المقسم برونق لطيف، ومحرابه مشغول بالرخام والصدف ومنبره من الخشب النقى بصنعة بلدية قديمة، وعلى دائره آيات قرآنية، وتاريخ بنائه واسم بانيه على بابه الثانى من داخل فى هذه الأبيات:
قد جاء فى القرآن حقا إنما
…
يا فوز من يسموبه برهانه
ولمن أقام شعار إسلام غدا
…
والحور تخدمه كذا ولدانه
وكفاك هذا يا سمى المصطفى
…
عزا من البارى جزاه جنانه
أرخت مسجده الشريف بجامع
…
يزهو إلى يوم الوفا بنيانه
إنى لأحمده على إحسانه
…
لا بدع إن نظرت له غزلانه
صلى العزيز على العزيز المصطفى
…
ما طاب ورد أو زهت أغصانه
والآل والأصحاب ما افترا لحيا
…
أو لاح برق أو همت سحبانه
ما قال مبتكر المديح مؤرخا
…
لاح الفلاح
ومنافعه تامة وشعائره مقامة بالأذان والجمعة والجماعة على الدوام وله أوقاف دارّة.
جامع مرشة
هذا الجامع داخل حارة الفوالة تهدم جميعه وتعطلت شعائره وبنيت فى بعض منه مساكن تحت يد الشيخ مصطفى الشهيدى.
جامع المرصفى
هذا الجامع بين قنطرة الأمير حسين وبين جامع الأمير حسين.
وكان أوّلا زاوية لسيدى على المرصفى فبنى جامعا بمنبر وخطبة وشعائره مقامة، وله به ضريح مشهور بزار على الدوام وله حضرة كل يوم أحد وتزوره النساء يومها
كثيرا ويذكرن مع الذاكرين ويعطين الخدمة نقودا، وله مولد كل سنة فى شهر شعبان وبوسطه صهريج يملأ كل سنة وقد ذكرنا ترجمته فى الكلام على مرصفة.
جامع المرأة
هو فى شارع تحت الربع قرب حارة الفرن على يسرة الذاهب من باب زويلة إلى باب الخرق به منبر وخطبة ومطهرة ومنارة وشعائره مقامة، ويدخل إليه بدهليز مفروش بالحجر وبصحنه شجرة لبخ وبداخله مقصورة من الخشب بها قبران عليهما ستران من الجوخ مكتوب على أحدهما: هذا مقام الست فاطمة النبوية. والظاهر: أنه هو مسجد رشيد الدين الذى ذكره المقريزى فقال: هذا المسجد خارج باب زويلة بخط تحت الربع على يسرة من سلك من دار التفاح يريد قنطرة الخرق بناه رشيد الدين البهائى اه.
جامع المزهر
هو بحارة برجوان داخل العطفة النافذة من شارع بين القصرين إلى الخرنفش.
أنشأه الأمير أبو بكر مزهر الأنصارى ناظر ديوان الإنشاء، وذلك بعد سنة ثمانين وثمانمائة كما فى النقوش التى على منبره وسبيله، وهو محكم البناء باق على هيئته الأصلية شعائره مقامة من ريع أوقافه، وله بابان أحدهما قبلى والآخر شرقى مقوصر وفوقه منارة حسنة وبابه مصراعان من الخشب النقى ملبسان بصفائح النحاس الأصفر بصنعة بلدية قديمة وبداخله دركة، وباب آخر عليه مصراعان مطعمتان بسن الفيل بتقاسيم هندسية وبالجامع أربعة أواوين بكل من الإيوانين الكبيرين عمودان من الرخام الأبيض بقواصر حسنة، وليس فى الإيوانين الصغيرين أعمدة بل سقفهما على أكتاف من الحائط، ومحرابه مكسو بالرخام الملون يكتنفه عمودان من حجر السماق الأصفر ومنبره من الخشب الجيد الصنعة مطعم بالعاج المفرغ بالصنعة القديمة وأشكال التقاسيم، وعليه نقوش منها:
أيا من قد بنى لله بيتا
…
لك التعويض من رب كريم
عمرت لمستجد بالذكر باق
…
بمنبره اللطيف المستديم
ستلقى فى غد بيتا عظيما
…
بناه الله فى دار النعيم
نجاه محمد خير البرايا
…
نبى الله ذى الجاه العظيم
وعلى وجه بابه بالخط الكوفى آية: {(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ} - إلى قوله تعالى - {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)}
(1)
، وبالمرآة أمام الخطيب فى صعوده:{(إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً)} .
وبأعلى مصراعى بابه:
يا منبر بحديقة
…
فى روض مجد مزهر
وبأسفلهما: وكان فراغه فى عام سنة خمس وثمانين وثمانمائة. وقبته مطعمة بالعاج، وعليها هلال من جنسها وبجوار المحراب شباكان بأحدهما نقوش فيها:
عمل عبد العال النقاش. وبالشباك الآخر باب صغير يوصل إلى خزانة صغيرة معلقة برسم خزن ذخائره، ويقال: أنه كان به حمل من النحاس المفرغ بالأشكال الهندسية برسم وضع القناديل كان معلقا أمام المحراب فعبثت به أيدى الخائنين، وفى إيوان المحراب دواليب مطعمة بالعاج أيضا وبمؤخره دكة تبليغ وجميع صحنه وأوانيه مفروش بالرخام الملون بالأحمر والأصفر والأبيض والأسود بتقاسيم حسنة، وجميعه مسقوف بالخشب النقى المنقوش بالليقة الذهبية وبوسطه منور مثمن الشكل، وله مطهرة وأخلية ينزل إليها بسلم من الحجر تملأ من بئر معينة وبجوارها مصلى به محراب، ويتبعه سبيل مفروش بالرخام وسقفه منقوش بالليقة الذهبية وبه نقوش فيها: أمر بإنشاء هذا السبيل المبارك العبد الفقير المعترف الأمير العالى القاضوى الأصيلى الصيريفى العالمى العاملى المجدونى الربى أبو بكر مزهر الأنصارى الشافعى ناظر ديوان الإنشاء الشريف الملكى الأشرفى غفر له وللمسلمين، وكان الفراغ منه فى عام أربع وثمانين وثمانمائة. وكل هذه العمارة باقية على أصلها إلا المطهرة فقد أجرى فيها ناظره سابقا - السيد حسين القصبجى أحد كتبة المحكمة الكبرى بالقاهرة - عمارة فجدد الأخلية فى محلها ونقل الميضأة إلى ما هى عليه الآن، أو كانت فى محل مظلم ضيق، وقد توفى هذا الناظر سنة تسع وثمانين ومائتين وألف وصار النظر لديوان الأوقاف، وله أوقاف ذات ريع قائم بشعائره وشعائر زاوية الأربعين التى بجواره بها ضريح يقال له: الأربعين، ولها بئر ومطهرة وليس لها ريع.
ترجمة ابن مزهر:
وفى ابن اياس: أن ابن مزهر هذا هو القاضى زين الدين أبو بكر بن مزهر.
كان ناظر الجيش إلى سنة سبع وستين وثمانمائة فقلده السلطان الملك الظاهر أبو سعيد سيف الدين خشقدم الناصرى المؤيدى كتابة السر عوضا عن ابن الديرى.
(1)
سوره النحل: 90.
وفى سنة خمس وسبعين عقد السلطان مجلسا فى الحوش وجمع فيه القضاة الأربعة وهم: القاضى ولى الدين السيوطى الشافعى، والقاضى محب الدين بن الشحنة الحنفى، والقاضى سراج الدين بن حرير المالكى، والقاضى عز الدين الحنبلى. وحضر الشيخ أمين الدين الأقصراى والشيخ محيى الدين الكافيجى، فشكا إليهم السلطان بأن الخزائن قد نفد ما فيها من المال وأن العدو سوار المخذول قد استولى على البلاد وقتل العباد وقد فسدت الأحوال، وكان القاضى أبو بكر بن مزهر كاتب السر الشريف هو المتكلم فى هذا المجلس عن لسان السلطان فقال: إن السلطان يقصد أن يخرج أوقاف الجوامع والمدارس ويترك لها ما يقوم بالشعائر فقط، ويقوى العسكر بما يتحصل من الأوقاف حتى يتقووا به على الخروج إلى التجاريد. فقال الشيخ أمين الدين الأقصراى:
لا سبيل إلى ذلك ولكن السلطان إذا أراد أن يعمل شيئا يخالف الشرع لا يجمعنا فإنا نخاف أن الله تعالى يسألنا يوم القيامة ويقول لنا: لم لا نهيتموه عن ذلك لما ظهر لكم الحق! وأغلظ على السلطان فى القول فانجبه منه وانفصل المجلس مانعا ولم يمكنه من شئ من ذلك.
وفى سنة اثنتين وثمانين سافر ابن مرهر مع السلطان وجملة من العلماء إلى الفرات ثم اعترى السلطان مرض فرجع.
وفى سنة ست وثمانين مستهل جمادى الآخرة طلع القضاة ليهنئوا السلطان بالشهر على العادة فتغير خاطره على القاضى كاتب السر ابن مزهر وعلى قاضى القضاة الشافعى ولى الدين السيوطى وعلى القاضى الحنبلى، واستمر كاتب السر معزولا نحو ثمانية عشر يوما ثم ان السلطان خلع عليه وأعاده إلى وظيفته كما كان.
فلما نزل من القلعة إلى بيته زينت له المدينة بالشمع والزينة واستقبلته المغانى، وكان يوما مشهودا بالتهانى، وفى ذلك يقول زين الدين أبو الخير بن النحاس:
مقام ابن مزهر فوق السها
…
وقد زاد ربى إجلاله
وظيفته الدهر تسمو به
…
ولم تك تصلح إلا له
وفى سنة اثنتين وتسعين سافر مع الأمير آقبردى الدوادار إلى نحو جبل نابلس بسبب العربان فمرض هناك فرجع عليلا، وأقام مدة وهو منقطع فى بيته إلى أن مات ثالث رمضان من هذه السنة وله من العمر نحو خمس وسبعين سنة.
وكانت مدة ولايته فى كتابة السر بمصر نحو عشرين سنة، وكان آخر أعيان الرؤساء من المباشرين فى الديار المصرية ورثاه ابن اياس بهذه الأبيات:
صارت مرامله كمثل أرامل
…
تبكى بأعينها دما وتترب
وكذا الدواة تسودت أقلامها
…
حزنا عليه وأقسمت لا تكتب
وفى سادس عشر رمضان خلع السلطان على ابنه القاضى بدر الدين أبى بكر بن مزهر واستقر به كاتب السر بالديار المصرية عوضا عن أبيه، فنزل من القلعة فى موكب عظيم والقضاة قدامه وأعيان الناس .. انظر ابن اياس.
جامع المزهرية
هو بالحسينية على يمنة السالك من باب الفتوح إلى شارع البغالة، تجاه حارة البزازرة شعائره مقامة وبه خطبة وله منارة.
ترجمة محمد بن أبى بكر بن مزهر:
وهذا الجامع - كما فى الضوء اللامع للسخاوى - كان أول أمره مدرسة بناها الأمير محمد بن أبى بكر بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الخالق بن عثمان البدر ابن الزين بن البدر الأنصارى الدمشقى الأصل القاهرى الشافعى، ويعرف كسلفه بابن مزهر. ولد فى رمضان سنة ستين وثمانمائة وأمه رومية اسمها شكر باى، ونشأ فى كنفهما فى أوفر عز ورفاهية بحيث كان لختانه وليمة هائلة. وقال فيه شيخ الشعراء الشهاب الحجازى وغيره.
وأكمل حفظ القرآن ثم صلى به بمقام الحنفية من المسجد الحرام فى سنة إحدى وسبعين يعنى وثمانمائة لما حج به والده فى الرجبية بملاحظة فقيهه الشمس بن قاسم، وتفقه فقرأ المنهاج وجمع الجوامع وغيرهما وعرض على جماعة كثيرين، وأخذ عن فقيهه ابن قاسم والجمال الكورانى، وكذا عن الكمال بن أبى شريف وأخيه والنجم ابن عرب والزين زكريا فى آخرين وتميز بذكائه، وولى نظر الخاص بعد التاج بن المقسى فباشرها مدة تكلف أبوه بسببها كثيرا، ثم الحسبة بعد يشبك الجمالى عدة، وناب عن والده فى كتابة السر بالديار المصرية، ثم استقل بها بعد موته وحمدت إذ ذاك مباشرته وذكرت كفاءته وتودده وأدبه ولطفه وإقباله على الفضلاء والطلبة مع حسن شمائله ورقة طباعه، كل ذلك مع اشتغال فكره بالقيام/بما كلف به مما يفوق الوصف،
وكثر الدعاء له من أحباب والده وزوجة والده ابنة الأمير لاجين واستولدها عدة أولاد وفى غضون ذلك حج حين كون صهره أمير الحاج سنة إحدى وثمانين، وشرع فى بناء مدرسة بالقرب من سويقة اللبن. قال: كانت الخطة فيما بلغنى محتاجة إليها اه. ملخصا ..
جامع الشيخ مسعود
هو بدرب الأقماعية بخط باب الشعرية وهو قديم وبه أربعة أعمدة من الحجر ومنبر، وفى وسطه ضريح الشيخ مسعود وأبنيته واهية لكنه مقام الشعائر بمعرفة ناظره محمد الكوّاء ويعمل للشيخ مسعود مولد كل سنة.
جامع الست مسكة
هو بسوق مسكة قرب جامع الشيخ صالح أبى حديد بخط الحنفى له بابان منقوش بأعلى أحدهما فى الرخام: بسم الله الرحمن الرحيم أمرت بإنشاء هذا الجامع المبارك الفقيرة إلى الله تعالى الحاجة إلى بيت الله الزائرة قبر رسول الله عليه الصلاة والسلام الست الرفيعة مسكة سنة ست وأربعين وسبعمائة. ومنقوش بدائره من الخارج فى الحجر سورة يس وهو غير مقام الشعائر لتخربه، وبه منبر مكتوب عليه:{(إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ)} الآية، وكان الفراغ من الجامع المبارك فى شهور سنة ست وأربعين وسبعمائة.
وقبلته مشغولة بالرخام الملون وسقفه صنعة قديمة فى غاية الإتقان، وأعمدته من الرخام ودكته صغيرة مركبة على ثمانية أعمدة من الرخام أيضا، وبدائره من داخل إزار خشب مكتوب فيه أبيات من البردة، وبداخله من الجهة الغربية قبر الست مسكة عليه مقصورة من الخشب، وبوسط صحنه بئر وبدائره شرافات من الجبس ونقوشات جميلة من الجبس أيضا، وميضأته ومراحيضه خارجان عنه، وله عقار موقوف عليه تحت نظر الديوان،
وقال المقريزى فى ذكر الجوامع: هذا الجامع بالقرب من قنطرة آق سنقر التى على الخليج الكبير خارج القاهرة.
أنشأته الست مسكة جارية الناصر محمد بن قلاون، وأقيمت فيه الجمعة عاشر جمادى الآخرة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة انتهى.
وقال عند ذكر الأحكار: لما عمّرت الست مسكة هذا الجامع فى الحكر المعروف بها بسويقة السباعين بقرب جوار حكر الست حدق بنى الناس حوله حتى صار متصلا بالعمارة من سائر جهاته، وسكنه الأمراء والأعيان وأنشئوا به الحمامات والأسواق وغير ذلك.
ترجمة الست حدق ومسكة:
وكانت حدق ومسكة من جوارى السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، نشأتا فى داره وصارتا قهرمانتين لبيت السلطان يقتدى برأيهما فى عمل الأعراس السلطانية والمهمات الجليلة التى تعمل فى الأعياد والمواسم، وترتيب شئون الحريم السلطانى وتربية أولاد السلطان وطال عمرهما وصار لهما من الأموال الكثيرة والسعادات العظيمة ما يجلّ وصفه، وصنعتا برا ومعروفا كبيرا واشتهرتا وبعد صيتهما وانتشر ذكرهما، انتهى ..
جامع المسيحية
هو بعرب يسار. أنشأه والى مصر الوزير مسيح باشا المتولى فى سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة.
وسبب بنائه كما فى نزهة الناظرين: أنه كان يعتقد فى الشيخ نور الدين القرافى أحد علماء عصره اعتقادا زائدا واختص بصحبته فعمر له هذا الجامع، ووقف عليه أوقافا وجعلها بيد الشيخ نور الدين يتصرف فيها كما يحب وجعل النظر له ولذريته من بعده.
ترجمة الوزير مسيح باشا:
وكان الوزير مسيح باشا خازندار السلطان سليم ثم ولاّه السلطان مراد ابن السلطان سليم على مصر فى أول شوال سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة، وكانت مدته خمس سنوات وسبعة أشهر ونصفا وقد قطع دابر السرّاق التى كانت فى زمن حسين باشا، وحصل فى زمنه مزيد الأمن وعمرت مصر فى مدته وقد اختص بصحبة الشيخ القرافى وعمر له الجامع.
وأمر كتاب المراسيم بأن يكتبوا على غالب الأحكام والمراسيم:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:{(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)}
(1)
يا عباد الله اجتهدوا فى دين الله واعملوا بشرع الله. فانظر إلى هذه المنقبة الحسنة والحصلة المستحسنة رحمه الله تعالى انتهى من النزهة.
(1)
سورة الحجرات: 10.
وهو مقام الشعائر وبه خطبة وله منارة وله بالروزنامجة كل سنة ألفان ومائتا قرش يستلمها ناظره الشيخ على نور الدين، وفيه قبر الشيخ نور الدين القرافى عليه مقصورة من الخشب وبه قبر آخر يقال: أنه لمنشئه مسيح باشا.
جامع مصطفى باشا
هو جامع بشتاك بدرب الجماميز وقد مر ذكره فى حرف الباء.
جامع الشيخ مصطفى المنادى
هذا المسجد بشارع درب الجماميز على يمين السالك من الشارع إلى السيدة زينب رضي الله عنها بجوار عطفة حبيب أفندى، ويعرف أيضا بجامع نقيب الجيش باسم بانيه الأصلى يصعد إليه بسلالم من الحجر، وله بابان على الشارع وباب من داخل العطفة يوصل إلى المقصورة، وبه إيوانان وصحن مسقوف وبه منبر ودكة وله منارة وبأعلى دائره من الداخل آيات قرآنية وفوق محرابه شباك على هيئة دائرة به زجاج ملون وشعائره مقامة من أوقافه، ويفرش/به بسط أمام القبلة وبأعلى بابه مكتب لتعليم الأطفال وله بئر وأمامه سبيل.
وفى الجامع قبر نقيب الجيش من داخل خلوة صغيرة، وقبر الشيخ مصطفى المنادى عليه تابوت من الخشب مكسو بكسوة من الجوخ وعليه عساكر من النحاس، وذلك داخل مقصورة من الخشب، وله أوقاف دارة ومرتب بالروزنامجة وشعائره مقامة بنظر الديوان.
وتجاه هذا المسجد زاوية متخربة وسبيل تابعان له، وبداخل الزاوية محراب به عمودان من الرخام وبالسبيل شباك من النحاس.
وله حضرة كل ليلة سبت جامعة ومولد سنوى مع مولد السيدة زينب رضي الله عنها.
ترجمة الشيخ مصطفى المنادى:
وكان أميا معتقدا صاحب كرامات ظاهرة أخذ عنه الطريق جماعة من الأكابر منهم الشيخ القويسى شيخ الجامع الأزهر، والشيخ محمد الخناتى الشافعى أحد أكابر مدرسى الأزهر. وكان له دكان يجلس فيه جهة زاوية الجلشنى، وكان أمراء مصر يزورونه ويتبركون به، ودفن معه ابنه الشيخ على المنادى الشافعى كان عالما مدرسا وكان موظفا
بالإفتاء فى ديوان الأوقاف ومعهما أيضا الشيخ حسن المنادى ابن أخى الشيخ مصطفى المنادى، انتهى.
جامع الشيخ مطهر
هذا الجامع برأس السكة الجديدة عند تقاطعها مع الشارع الموصل من باب زويلة إلى باب النصر بحذاء جامع الأشرفية عن شمال الذاهب إلى النحاسين. بناه الأمير عبد الرحمن كتخدا. وكان أصله المدرسة المعروفة بالسيوفية التى قال فيها المقريزى:
هذه المدرسة بالقاهرة وهى من جملة دار الوزير المأمون البطائحى وقفها السلطان الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب على الحنفية وقرر فى تدريسها مجد الدين محمد الجبتى، وجعل له النظرو من بعده إلى من له النظر فى أمور المسلمين، وعرفت بالسيوفية من أجل أن سوق السيوفيين كان على بابها، وقد وقف على مستحقيها اثنين وثلاثين حانوتا بخط سويقة أمير الجيوش وباب الفتوح وحارة برجوان. وهى أول مدرسة وقفت على الحنفية بديار مصر وهى باقية بأيديهم، انتهى باختصار.
وكان بجوارها مسجد يعرف بمسجد الحلبيين ذكرها المقريزى أيضا فقال:
هو فيما بين باب الزهومة ودرب شمس الدولة على يسرة من سلك من حمام خشية طالبا البندقانيين.
بناه طلائع بن رزيك بعد أن أخرج من موضعه رمة الخليفة الظافر ونقلها إلى تربة القصر، وسمى هذا المسجد بالمشهد، وعمل له بابين أحدهما يوصل إلى دار المأمون البطائحى التى هى اليوم مدرسة تعرف بالسيوفية، انتهى.
ويؤخذ من كتاب تحفة الأحباب فى المزارات: أن هذه المدرسة كانت موردا للصالحين والعباد ومحلا للمجاهدات فى الطاعات حيث قال:
إن المدرسة السيوفية ظهر منها جماعة من الصالحين وفتح فيها على الشيخ العارف شرف الدين بن الفارض من شيخه البقال وفيه: أن فى داخل مقصورة مسجد الحلبيين بجوار هذه المدرسة قبر الشيخ العارف بالله تعالى عز الدين بن أبى العز محمد المدعو عبد العزيز ينتهى نسبه من جهة أمه إلى القطب الربانى سيدى عبد القادر الكيلانى. توفى سنة
تسع وثمانمائة انتهى. وليس لمسجد الحلبيين اليوم أثر ولعله أدخل منه جانب فى المدرسة السيوفية لما بنيت جامعا.
وفى هذا الجامع ضريح يزار يقال له: الشيخ مطهر عرف الجامع به ولو ثبت دخول شئ فى هذا الجامع لاحتمل أن هذا هو ضريح الشيخ عز الدين بن أبى العز.
ولما بناه الأمير عبد الرحمن كتخدا اعتنى به اعتناء زائدا ورتب له ما تقام به شعائره الإسلامية، وجعل فيه مدرسين وطلبة وقراء وعين له جانبا عظيما من ربع أوقافه الجمة وعين لكل وظيفة شيئا. ففى كتاب وقفيته: أنه يصرف فى معاليم الخدمة من فراشين ووقادين ومؤذنين وبوابين ونحو ذلك كل سنة ثمانية آلاف ومائتان وثمانون نصفا فضة، وفى معاليم المدرسين والطلبة وقراء الربعة والدلائل، والداعى وهو الشيخ ستة وعشرون ألفا ومائتان وثمانون نصفا، وفى لوازم المزملة والصهريج اللذين بجواره سبعة آلاف وثلثمائة وخمسة عشر نصفا، وفى لوازم المكتب الذى فوق الصهريج عشرة آلاف وخمسمائة وستون نصفا فضة.
ومن المبايعات والإخراجات لذلك المسجد اثنا عشر ألفا وثلثمائة وخمسة وستون نصفا فضة سنويا، وثمن أربعة من فحول الجاموس تذبح فى عيد الأضحى وتفرق على أهل المسجد والفقراء، وماء عذب سبعة آلاف وتسعمائة وستون نصفا فضة اه.
ثم ان هذا الجامع كان متسعا فأخذ منه فى فتح السكة الجديدة جانب وعمر ما بقى منه، ولم يزل مقام الشعائر والجمعة والجماعة إلى اليوم، وفيه درس فى فقه الإمام مالك كل أسبوع مرة موظف فيه شيخ رواق الصعائدة بالأزهر بمرتب من وقف هذا الأمير.
ترجمة عبد الرحمن كتخدا وعمائره:
وهو كما فى تاريخ الجبرتى: الأمير الكبير والمقدام الشهير عبد الرحمن كتخدا ابن حسن جاويش القازدغلى أستاذ سليمان جاويش أستاذ إبراهيم كتخدا مولى جميع الأمراء المصرية.
ومبدأ إقبال الدنيا عليه أنه لما مات عثمان كتخدا القازدغلى واستولى سليمان جاويش الجوخدار على/موجودة، ولم يعط المترجم الذى هو ابن سيد أستاذه شيئا، ولم يجد من يساعده فى إيصال حقه إليه من طائفة باب الينكجرية حنق منه وخرج من بابهم وانتقل إلى وجاق العزب، وحلف أنه لا يرجع إلى وجاق الينكجرية ما دام سليمان جاويش الجوخدار حيا وبرّ فى قسمه. فإنه لما مات سليمان جاويش ببركة الحاج سنه
اثنتين وخمسين ومائة وألف بادر سليمان كتخدا الجاويشية زوج أم المترجم واستأذن عثمان بيك فى تقليده جاويشا للسرداريه عوضا عن سليمان جاويش، لأنه وارثه ومولاه فأحضروه ليلا وقلدوه ذلك، وأحضر الكتاب والدفاتر وسلموه مفاتيح الخشخانات والتركة بأجمعها، وكانت شيئا كثيرا، وكذلك تقاسيط البلاد ولم تطمع نفس عثمان بيك فى شئ، وأخذ المترجم عرضيه من باب العزب ورجع إلى باب الينكجرية فنما أمره من حينئذ وحج صحبة عثمان بيك سنة خمس وخمسين، وأقام هناك إلى سنة إحدى وستين ثم حضر مع الحجاج فتولى كتخدا الوقف سنتين وشرع فى بناء المساجد وعمل الخيرات وإبطال المنكرات فأبطل خمامير حارة اليهود، وأول عمارة له بعد رجوعه السبيل والمكتب الذى يعلوه بين القصرين.
ثم أنشأ جامع المغاربة وعمل عند بابه سبيلا ومكتبا وميضأة، وأنشأ تجاه باب الفتوح مسجدا بمنارة وصهريجا ومكتبا، وأنشأ مدفنا للست السطوحية وأنشأ بالقرب من تربة الأزبكية سقاية وحوضا لسقى الدواب ويعلوه مكتب، وفى الحطابة كذلك وعند جامع الدشطوطى كذلك.
ومن إنشائه أيضا الزيادة التى بمقصورة الجامع الأزهر، وهى الإيوان الكبير المشتمل على خمسين عمودا من الرخام تحمل مثلها من البوائك المقوصرة المرتفعة المتخذة من الحجر المنحوت وسقف أعلاها بالخشب النقى، وبتى به محرابا جديدا وعمل بجواره منبرا، وأنشأ بابا عظيما تجاه حارة كتامة، وبنى بأعلاه مكتبا بقناطر معقودة على أعمدة من الرخام، وجعل بداخل الباب رحبة متسعة وجعل بها صهريجا وسقاية لشرب المارين، وعمل بها لنفسه مدفنا وجعل عليه قبة وبنى رواقا لمجاورى الصعائدة ومنارة بجواره، وبابا آخر جهة مطبخ الجامع ومنارة وجدد مدرسة الطيبرسية وجدد باب المزينين وبنى عليه منارة ومكتبا وأنشأ بجواره ساقية وميضأة ورواقا، وأنشأ رواقا آخر للتكرور وبنى جامع المشهد الحسينى وعمل به صهريجا وزاد فى مرتباته وفى مرتبات الأزهر.
وأنشأ عند باب البرقية المعروف بالغريب جامعا وصهريجا وحوضا وسقاية ومكتبا ورتب فيه تدريسا، وكذلك فى جهة الأزبكية بقرب كوم الشيخ سلامة، وعمر المسجد الذى بجوار ضريح الإمام الشافعى رضي الله عنه مكان المدرسة الصالحية، وعمل عند باب قبة الإمام المقصورة الكبيرة التى بها ضريح شيخ الإسلام زكريا الأنصارى، وعمر المشهد النفيسى ومشهد السيدة زينب والسيدة سكينة والسيدة رقية والسيدة عائشة والسيدة فاطمة.
وأنشأ الجامع والرباط تجاه عابدين وجامع أبى السعود الجارحى ومسجد شرف الدين الكردى بالحسينية والمسجد الذى بخط الموسكى، وبنى للشيخ الحفنى دارا بجواره وجعل لها بابا يوصل إليه وعمر المدرسة السيوفية المشهورة بالشيخ مطهر بخط باب الزهومة وبنى لوالدته بها مدفنا. وأنشأ خارج باب القرافة حوضا وسقاية وصهريجا، وجدد المارستان المنصورى وهدم أعلى القبة الكبيرة المنصورية والقبة التى كانت من خارج الفسحة ولم يعد عمارتها، بل سقف قبة المدفن فقط وترك الأخرى مكشوفة، ورتب له خيرات زيادة عن البقايا القديمة.
ومن عمائره دار سكنه التى بحارة عابدين وكانت من الدور العظيمة المحكمة الوضع وإنشاءاته كثيرة جدا حتى اشتهر بذلك، وسمى صاحب الخيرات والعمائر فى مصر والشام والروم.
وعدد المساجد التى أنشأها وجددها وأقيمت بها الجمعة والجماعة ثمانية عشر مسجدا غير الزوايا والمدارس والأسبلة والسقايات والمكاتب والحيضان والقناطر والرباطات والجسور.
وكان له فى هندسة الأبنية وحسن وضع العمائر ملكة يقتدر بها على ما يرومه من الوضع من غير مباشرة ولا مشاهدة، ولو لم يكن له من المآثر إلا ما أنشأه فى الجامع الأزهر والمشهد الحسينى والزينبى والنقيسى لكفاه شرفا، ولم يزل هذا شأنه إلى أن عظم أمر على بيك وأخرجه منفيا إلى الحجاز وذلك فى أوائل شهر القعدة سنة ثمان وسبعين ومائة وألف فأقام بالحجاز اثنتى عشرة سنة، ثم لما سافر يوسف بيك أميرا بالحج صمم على إحضاره معه إلى مصر فأحضره وذلك فى سابع شهر صفر سنة تسعين ومائة وألف، ثم استولى عليه المرض فمكث فى بيته مريضا أحد عشر يوما ومات، وخرجوا بجنازته فى مشهد حافل حضرها العلماء والأمراء والتجار ومؤذنو المساجد وأولاد المكاتب، وصلى عليه بالأزهر ودفن فى مدفنه الذى أعده لنفسه بالأزهر عند الباب القبلى غير أنه - عفا الله عنه - كان يقبل الرشا ويتحيل على مصادرة بعض الأغنياء فى أموالهم واقتدى به فى ذلك غيره حتى/صارت سنّة مقررة وطريقة مسلوكة ليست مستنكرة.
وكان رحمه الله تعالى مربوع القامة أبيض اللون مسترسل اللحية ويغلب عليها البياض معجبا بنفسه يشار إليه بالبنان انتهى باختصار.
وقد وقف رحمه الله تعالى أوقافا كثيرة ورتب مرتبات جمة، ففى (كتاب وقفيته) عدة وقفيات منها:
وقفية مؤرخة بثمانية عشر ربيع الأول سنة أربع وسبعين ومائة وألف، تشتمل على جملة من أوقافه منها: عمائره بالجامع الأزهر وخمسة عشر حانوتا بخط الأزهر، ورقعة غلة كبيرة ورقعة صغيرة بالخط المذكور، والمسجد الذى بخط قبو الزيتية بالشارع الأعظم على يسرة السالك إلى قنطرة الموسكى. والمسجد بحارة عابدين وزاوية بها أيضا ومكان كبير وقاعة حياكة كلاهما بالحارة المذكورة، وساقية معينة بعرب يسار تجاه مسجد قانصوه الغورى وبجوارها حوض كبير وبيت قهوة وحوش، وبالقرافة الصغرى ساقية على يمنة طالب الإمام الشافعى رضي الله عنه بجوارها حوض كبير، وقصر كبير بطريق بولاق قرب شونة الحطب الصعيدى يسكنه الوزراء والأغاوات الواردون من طرف الدولة العلية بأجر مبينة فى الوقفية ويتبعه جنينة صغيرة.
ومن الأطيان حصة قدرها اثنان وعشرون قيراطا فى كامل أراضى منية كتامة بولاية الغربية يوزع ريعها على جهات مبينة فى الوقفية، وحصة خمسة عشر قيراطا من كامل أراضى ناحية ديبى وتفينا ومملحة بولاية البحيرة ومثلها بناحية قراى أبراج بالبحيرة أيضا، وإيراد جميع تلك الأطيان فى السنة ألف ألف ومائة وخمسون ألفا ومائتان وثلاثة وثلاثون نصفا فضة يصرف منها فى مال الديوان ثلثمائة ألف وتسعة وثمانون الفا وثمانمائة وأربعون نصفا ويصرف الباقى فى الجهات التى عينها وهى:
يصرف فى لوازم الزيادة المختلطة بالأزهر وما يتبع ذلك من الأروقة والسبيل والمكتب والقرآن والتدريس والجرايات والأحكار ونحو ذلك فى السنة مائتان وتسعون ألفا وثلثمائة وخمسون نصفا فضة.
ويصرف فى لوازم المسجد والسبيل والساقية بقبو الزيتية ستة عشر ألفا ومائة وعشرون نصفا فضة. وفى لوازم الساقيتين والحوض بعرب يسار وعرب قريش ثلاثون ألفا وتسعمائة وثمانون نصفا. وفى لوازم المسجد والساقية والزاوية بعطفة الزير المعلق عشرة آلاف وسبعمائة وأربعون نصفا فضة، ولمدرس بمسجد السيدة زينب رضي الله عنها ثلثمائة نصف ولعشرة يقرءون ختمة ببيت الواقف كل ليلة جمعة فى السنة عشرة آلاف وستمائة وخمسة وعشرون نصفا فضة ويصرف ستة عشر ألف نصف فى ثمن أربع جاموسات وأربعة أرادب أرز أبيض ومائة وعشرين رطلا سمنا، وما يلزم من
الحطب وأجرة طباخ وثمن عشرين ألف رغيف كل ذلك برسم أربعة ولائم ببيت الواقف فى أربعة أوقات فى السنة: يوم عاشوراء وليلة مولد النبى صلى الله عليه وسلم وليلة المعراج وليلة النصف من شعبان ثمن الجاموسة ألفا نصف فضة وثمن أردب الأرز خمسمائة نصف، وثمن الرطل السمن ثمانية فضة. ويصرف ألف وثمانمائة وخمسون نصفا فضة فى كل سنة ثمن خمسة آلاف رغيف وقنطار ونصف من الجبن المسلوق وثمن عشرة روايا ماء عذب، وأجرة من يحمل ذلك إلى سبيل علام برسم فقراء الحجيج القادمين مع الحج المصرى ثمن الخبز ألف نصف وثمن الجبن أربعمائة وخمسون نصفا وثمن الماء ثلثمائة نصف وأجرة الحمل مائة نصف. ويصرف فى ثمن ألفى رى من ماء النيل يصب بصهريج مصطفى باشا بباب السيدة نفيسة رضي الله عنها ألفان وخمسمائة نصف، وفى ثمن ماء يصب بصهريج الشواربية تجاه كوم الشيخ سلامة ألف نصف، وفى ثمن أربعمائة وعشرين جبّة صوف مخيطة تفرق سنويا على المجانين فى المارستان وعلى العميان فى الأزهر ثلاثون ألفا وأربعمائة نصف ثمن الجبة الكبيرة ثمانون فضة والصغيرة أربعون، وفى ثمن مائتى حرام طولونى تفرق أوائل الشتاء على المرضى والخدمة بالمارستان، وعلى المنقطعات برباط الخرنفش وعلى المؤذنين والميقاتية بمساجد الواقف أربعة وعشرون ألف نصف فضة. ويصرف فى ثمن قمصان بداوى بفتة مصبوغة تفرق فى عيد الفطر على النساء بالمارستان والمنقطعات أربعة آلاف نصف وثمن مائة وخمسين قفطانا مصبغية ومثلها قمصانا من القماش الأبيض السيوطى تفرق فى عيد الفطر على المنقطعين والمرضى ستة عشر ألف وخمسمائة نصف ثمن القفطان ثلاثون نصفا والقميص ثلاثون. ويصرف من النقود ثلثمائة ريال حجر بطاقة تفرق بعضها على من يوجد بمصر من التكرور بعد قدوم الحاج كانوا قادمين أو مقيمين وبعضها فى أوائل رمضان على دراويش جامع أزبك والمرضى بالمارستان والنساء المنقطعات، فيعطى كل واحد ريالا صحيحا وعبرة ذلك المبلغ من الأنصاف خمسة وعشرون ألفا وخمسمائة نصف، ويفرق/فى أوائل رمضان أيضا ثلثمائة ريال بطاقة منها على قابجية باب مستحفظان ثمانون وعلى قابجية باب عزبان أربعون، وعلى جاويشية أو جاق باب جاويشان ثمانون وعلى جاويشية باب متفرقة ثلاثون وعلى جاويشية نقيب الأشراف خمسة وعشرون، وعلى كتبة باب شيخ الإسلام خمسة وعشرون. ويصرف للناظر والمباشر ثلاثون ألف نصف وفى أحكار الوقف خمسة آلاف نصف ومائة وتسعة وستون نصفا يكون جميع ما مرّ
خمسمائة وستين ألفا وسبعمائة وأربعة وثلاثين نصفا فضة، ثم ما بقى وهو مائة وتسعة وتسعون ألفا وستمائة وتسعة وخمسون نصفا فضة يضاف على متحصل وقفية أخرى لهذا الأمير، وهى ما بين فى حجة ثانية من كتاب وقفيته وملخصها:
مسجد الشيخ مطهر وصهريجه ومكتبه ومكان بجوار الصهريج وثلاثة أروقة برحاب المسجد وبخط بين القصرين صهريج ومكتب ومنزلان وربع وطابونة وزاوية وقهوة وبسوق الدجاجين هناك نحو عشرة حوانيت وبالنحاسين حانوت، وبخط الوزيرية وكالة وطاحون وربع فوقهما ومنزل ووكالة أخرى وحوانيت وربع فوقها، وبطريق بولاق جنينة كبيرة بجوارها صهريج وحوض وبتلك الجهة ساقية بأربعة وجوه وحوض كبير، وبناحية سديمة من الغربية رزقة احباسية وكذا بناحية السكرية من الغربية أيضا، وبناحية منية كتامة وبناحية محلة القصب الشرقية وبناحية بنا بوصير وبناحية صا الحجر وبناحية قرنتو وبناحية أبشيش وكوم الجاموس وبناحية كرمين جميعها بولاية الغربية، وبناحية تلامن المنوفية وبناحية أرمنية وبناحية برقامة وبناحية جبارس وبناحية سرنباى جميعها من ولاية البحيرة، وبناحية قليوب وبخط سويقة اللبن مسجد وصهريج ومكتب وحوض وضريح الست عائشة السطوحية، وبذلك الخط ثمانية وعشرون حانوتا وطابونة ووكالة فوقها ربع، وبقنطرة الأمير حسين حوض يعلوه مكتب ومسكن وبجوار درب المنجمة ساقية وحوض يعلوه مكتب وبجواره مكان، وبحارة الحطابة تحت القلعة صهريج وحوض وساقية وحوانيت وطابونة وبيت قهوة ومصبغة وطاحونة، وبالقلعة ساقية وحوض وبخط الخيميين زاوية بجوار جامع الجنابكية وحوانيت، وأروقة وعمائر بالجامع الأزهر وساقية هناك ومكان بجوار الساقية وحوانيت وخزائن، وبخط قنطرة الموسكى مسجد وساقية وحوض وفرن وطاحون وحوش، وبحوش المغاربة مسجد وحوض وصهريج وبيت قهوة ومصبغة وساقية ومنزل صغير وحوش ومدق قماش وطاحونتان وفرن، وتجاه الدشطوطى مصبغة وبالزير المعلق حوش به قيعان ومساكن وذلك غير علوفات العثامنة، ويكون إيراد تلك الوقفية الثانية بما فيها من العلوفات ستمائة ألف واثنين وعشرين ألفا ومائة وأحدا وسبعين نصفا يضاف إليها فائض الوقفية الأولى. ويصرف منها المسجد الشيخ مطهر ولواحقه ما تقدم بيانه. ويصرف فى لوازم الزاوية التى بين القصرين ثمانية آلاف وثلثمائة وثمانية وتسعون نصفا وفى لوازم الصهريج التابع لها ثمانية آلاف نصف.
وفى لوازم المكتب فوقها ثلاثة عشر ألف نصف ومائة وعشرة أنصاف، ولبواب الربع
بين القصرين وقنديله ألف نصف وعشرون نصفا، وفى لوازم السبيل والحوض والسواقى بطريق بولاق أحد عشر ألفا وستمائة وثمانون نصفا.
وصرة ترسل للحرمين مع الحاج المصرى عشرون ألفا وستمائة وثمانية وتسعون نصفا، ولقراءة الربعة الشريفة بالمشهد الحسينى ألف وتسعمائة وثمانون نصفا سنويا، وثمن ستمائة رغيف للقراء عند الإمامين الشافعى والليث، ومائة رغيف تفرق على المجانين كل يوم وخمسة وعشرين على الكلاب خمسة عشر ألفا وتسعون نصفا كل سنة، وثمن كسوة للتكرور كل سنة فى العيد مائة وستون ألفا وتسعمائة وستة وعشرون نصفا، وفى لوازم وقف الحطابة والقلعة ثلاثة وثمانون ألفا وثمانمائة وخمسة وأربعون نصفا، وفى لوازم الطيبرسية واحد وثلاثون ألفا وثمانمائة وأربعة وثمانون نصفا.
وفى وقف الموسكى والغريب ثمانية وسبعون ألفا ومائتان واثنا عشر نصفا، وفى وقف الدشطوطى الذى جعل ثوابه لوالدته ستة وعشرون ألفا وخمسة وثلاثون نصفا كل سنة.
ومن إنشائه مسجد بناحية سديمة من الغربية عند مدفن الشيخ طيفور بن عيسى وهو:
أبو يزيد البسطامى (وقد ترجمناه فى الكلام على ساقية قلتة) ووقف عليه رزقة عبرتها ستة وعشرون فدانا ومبلة لتعطين الكتان وقراريط فى مبلات أخر جميعها بالناحية، وعمّر ضريح السيدة زينب رضي الله عنها ومسجدها، ووقف عليه ستة حوانيت ومرتب ثمانين عثمانيا علوفة، وعمّر مشهد السيدة نفيسة رضي الله عنها وساقية هناك وحوضا، ووقف على ذلك مائة عثمانى علوفة، ووقف من القمح المغربل خمسمائة أردب سنويا تجعل تسعة وستين جراية وثلثى جراية يصرف منها لعمل الشربة بمطبخ/الأزهر جرايتان يعمل منهما كل يوم دست شربة يفرق على مجاورى التكرور، وأحد عشر جراية تعمل هريسة فى ذلك المطبخ كل يوم اثنين وتفرق على المجاورين والفقراء، وخمسة عشر جراية يعمل منها كل يوم نصف أردب خبزا مائة وأربعين رغيفا وزن الرغيف أوقيتان تفرق على عميان الأزهر والمؤذنين بمنارة الابتغاوية، وإحدى وأربعون جراية وثلثان تعمل خبزا وزن الرغيف أوقية ونصف تفرق على أهل الأروقة والمكاتب بالأزهر والمرضى والمجانين بالمارستان.
وفى وقفية أخرى مؤرخة بسنة أربع وسبعين ومائة وألف: أن من أوقافه مكان بخط السيدة سكينة رضي الله عنها داخل الدرب على يسرة السالك إلى مسجد شجرة الدر وحانوتان بخط الخليفة ومنزلان وربع وقاعة، وجدد مسجد السيدة سكينة
وضريحها وساقية، وخصص لذلك كل سنة تسعة عشر ألفا ومائة وخمسة وتسعين وخمسة نصفا.
وزاوية الشيخ رضوان بحارة عابدين بشق الثعبان وجعل لها سنويا أربعة آلاف ومائة وخمسة وثمانين نصفا.
وشرط: أن يصرف من فائض هذه الأوقاف كل سنة ثمانية وعشرون ألفا وخمسمائة وثمانية أنصاف فى عمل شربة أرز ولحم بمطبخ السيدة نفيسة، وفى ثمن خبز يفرق عند مقامها وعند مقام شرف الدين الكردى وأبى السعود الجارحى فى ليالى المقارى.
وفى وقفية أخرى مؤرخة بسنة خمس وسبعين ومائة وألف: أنه وقف بخط السيدة سكينة عشرة حوانيت ومكانين وبحارة عابدين سبعة حوانيت تضم غلتها إلى فائض الأوقاف السالفة. ويصرف منها دست جراية بالأنبار الشريف عبرتها اثنان وسبعون أردبا فى السنة يعمل خبزا برسم النساء المنقطعات بالرباط ونحوهن زيادة على مرتبهن.
ويصرف فى لوازم المسجد الذى أنشاه بجوار الرباط ثلاثة آلاف ومائتان وسبعة وأربعون نصفا، وفى مصاريف السيدة سكينة أربعة آلاف وثمانمائة وثمانون نصفا، وفى ثمن خمسين طرحة لمرضى النساء بالمارستان ألف نصف كل سنة.
ونص على: أنه إذا ماتت امرأة من نساء الرباط يصرف لتجهيزها مائتا نصف.
وفى وقفية أخرى بالتاريخ السابق: أنه وقف مكانا بالرميلة جهة باب القرافة الصغرى خمس قاعات بحجيراتها وقطعة أرض تجاه القاعات بها نخل قليل، وقاعة وحجرتها بظاهر درب الأكراد من خط الخليفة وأرضا بناحية ديبة وناحية دفينة وناحية فزارة وناحية مملحة من أعمال البحيرة، وزاوية بحارة الحمصانى من جهة طولون وفسقية ماء ببندر ينبع من الأرض الحجازية.
وأنه يصرف فى لوازم زاوية الشيخ محمد الأنور ثمانية آلاف وثلثمائة وخمسة وتسعون نصفا، وفى لوازم زاوية السيدة رقية ألفان ومائة وخمسون نصفا، وفى لوازم مسجد السيدة عائشة والحوض والساقية خمسة وعشرون ألفا وستمائة وخمسة عشر نصفا، وفى لوازم زاوية السيد حسن الأنور ألف وخمسمائة وتسعون نصفا، وفى لوازم زاويه زين العابدين ثلاثة آلاف ومائة وعشرون نصفا، وفى وليمة فى شهر رمضان بمنزل الواقف واحد وأربعون ألفا وثلثمائة وثمانون نصفا.
ومعلوم الناظر والمباشر ألفان وخمسمائة وثمانون نصفا، وما بقى بعد ذلك وبعد مال الديوان يكون للواقف ومن بعد يكون نصفه لذريته ونصفه لعتقائه.
وفى حجة أخرى مؤرخة بسنة تسعين ومائة وألف: أن الأمير محمدا جاويش طائفة مستحفظان ابن عبد الله القازدغلى معتوق الواقف أبطل بطريق الوكالة عن الواقف مدة غيابه بالأقطار الحجازية جملة مما رتبه الواقف. وذلك بما للواقف من الشروط فى أصل وقفيته من ذلك: أنه أبطل مقدارا كبيرا من السمن والأرز ولحم الجاموس الذى يطبخ بمطبخ الأزهر فى شهر رمضان، وأبطل الخمسين قميصا البداوى من البفتة المصبوغة والخمسين طرحة وجميع الصدقة التى كانت تفرق على التكرور فى شهر ربيع، وما كان يصرف فى رمضان على المرضى ودراويش جامع أزبك، وجميع الصدقة التى كانت تفرق على قابجية باب مستحفظان وغيره من الأبواب ومائتى القميص من البفتة المحلاوى ومائتى الطقية من الجوخ الأحمر، والخمسة والأربعين قميصا التى كانت برسم النساء واللحم الذى كان يفرق كل يوم، وخمس الولائم التى كانت تعمل بمنزل الواقف والأطعمة التى كانت تفرق به فى شهر رمضان والخبز والجبن والماء الذى كان يرسل إلى الحجاج، والخمسة والعشرين رغيفا التى كانت تفرق على الكلاب. فكانت قيمة ما أبطله من هذه الفروع مائتين وتسعة وخمسين ألفا ومائة وخمسة وعشرين نصفا فضة كل سنة، انتهى ..
جامع مظفر الدين بن الفلك
فى المقريزى: أن هذا الجامع بسويقة الجميزة من الحسينية خارج القاهرة.
أنشأه مظفر الدين ابن الفلك، انتهى.
جامع معاذ
هو فى حارة البرقية بقرب الدراسة عند رأس الشارع الجديد الواصل إلى تلول البرقية كان أصله/مدرسة بنيت على مشهد معاذ بن داود.
قال السخاوى فى كتاب المزارات: وفى قبلى الأزهر حارة من حارات العبيدية عرفت بالبرقية بسبب أن طائفة من الجند المغاربة نزلوا بها فنسبت إليهم بها مدرسة على
الطريق مكتوب على بابها: هذا مشهد السيد الشريف معاذ بن داود بن محمد بن عمر بن الحسن ابن على بن أبى طالب رضي الله عنهم.
توفى فى ربيع الأول سنة خمس وتسعين ومائتين وعليه قبة، انتهى.
وقد شرع الآن ديوان الأوقاف فى تعمير هذا الجامع وأقيم على بنائه محمد بيك الميهى.
جامع المعرف
هذا الجامع ببولاق بخط رملة العرب. أنشأه سلامة بن أحمد بن على الشهير بالمعرف من أعيان رؤساء المراكب بساحل بولاق فى سنة أربع وأربعين وألف هجرية، ووقف عليه أوقافا وشرط النظر لنفسه ومن بعده لذريته ثم لذريتهم وهكذا.
وله أوقاف يصرف عليه من ريعها كما فى حجة وقفيته وهو الآن مقام الشعائر تام المنافع من مطهرة ومئذنة ونحو ذلك ..
جامع المعلق
هو بخط الجمالية عن شمال الذاهب من المشهد الحسينى إلى باب النصر تجاه قره قول الجمالية ويعرف أيضا بجامع الجمال أو الجمالى، وهو معلق يصعد إليه بعدة درج.
وكان أولا مدرسة تعرف بمدرسة الأمير جمال الدين الاستادار.
وذكرها المقريزى فى ذكر المدارس فقال:
هذه المدرسة برحبة باب العيد كان موضعها قيسارية يعلوها طباق موقوفة؛ فأخذها الأمير جمال الدين وابتدأ بشق أساسها سنة عشر وثمانمائة وانتهت عمارتها سنة إحدى عشرة وثمانمائة، ونقل إليها جملة مما كان بمدرسة الأشرف شعبان التى كانت بالصوة تجاه الطبلخاناة من قلعة الجبل من شبابيك تحاس مكفت بالذهب والفضة وأبواب مصفحة بالنحاس المكفت ومصاحف وكتب حديث وفقه وغيره، اشترى ذلك من الملك الصالح حاجى بن الأشرف بمبلغ ستمائة دينار، وكانت قيمتها عشرة أمثال ذلك.
ورتب فيها شيخا وصوفية ودروسا فى المذاهب الأربعة والحديث والتفسير، وجعل لكل مدرس ثلثمائة درهم فلوسا فى الشهر، ولكل طالب ثلاثين درهما وثلاثة أرطال من الخبز.
ورتب بها إماما وقومة ومؤذنين وفراشين ومباشرين وأكثر من وقف الدور عليها، وجعل فائض وقفها مصروفا لذريته إلا أنه أخذ جميع آلاتها وموقوفاتها من الناس غصبا، وأعمل فيها الصناع بأبخس أجرة، وبعد القبض عليه وقتله سنة اثنتى عشرة وثمانمائة مال السلطان إلى هدمها وإرجاع الأوقاف إلى أهلها، ثم رجع عن ذلك واستشنع أن يهدم بيت بنى على اسم الله تعالى يعلن فيه بالأذان خمس مرات فى اليوم والليلة وتتحلق فيه حلق العلم وتتعلم فيه أيتام المسلمين.
ثم استفتى السلطان العلماء فأفتاه بعض المالكية بأن بناء هذه المدرسة بهذا الوجه لا يصح فندب الشهود إلى تقويمها فقوموها باثنى عشر ألف دينارا ذهبا، وحمل المبلغ إلى أولاد جمال الدين حتى تسلموه وباعوا بناءها للسلطان وأشهد أنه وقف أرض هذه المدرسة بعد ما استبدل بها. ثم وقف البناء ومزق وقف جمال الدين وجددلها وقفية تتضمن جميع ما قرره جمال الدين فى وقفيته، وأفرزلها ما يقوم بكفايتها ومحامن المدرسة اسم جمال الدين ورنكه، وكتب اسم السلطان الناصر فرج بدائر صحنها من أعلاه، وعلى قناديلها وبسطها وسقوفها وصارت تعرف بالناصرية.
وبعد موت السلطان وتقدم الأمير شمس الدين محمد أخى جمال الدين استرد بحكم القضاة جميع أوقاف أخيه ومدرسته إلى ما نص عليه أخوه، واستولى على حاصل كبير كان قد اجتمع بالمدرسة من فاضل ريعها، وكتب هو وصهره شرف الدين ابن العجمى كتابا اخترعاه جعلوه كتاب وقف المدرسة وزادوا فيه: أن جمال الدين اشترط النظر على المدرسة لأخيه شمس الدين وذريته، وأثبتوا هذا الكتاب على يد قاضى القضاة، واستمر الأمر على هذا البهتان إلى أن ثار بعض صوفيتها وأثبت أن النظر لكاتب السر فنزعت من يد شمس الدين وتولى نظرها محمد بن البارزى كاتب السر، واستمر الأمر على ذلك فكانت قصة هذه المدرسة من أعجب ما سمع، انتهى.
ولم يزل هذا الجامع إلى الآن عامرا تقام فيه الجمعة والجماعة غير أنه لقرب المساجد إليه مع ما ذكر فى أصل إنشائه كانت الصلاة فيه قليلة والنفوس إلى غيره تميل.
جامع المغاربة
هذا الجامع خارج باب الشعرية قرب جامع الدشطوطى والعدوى.
والظاهر: أن هذا الجامع هو الذى سماه المقريزى جامع الكيمختى وقال: أنه يعرف اليوم بجامع الجنينة. قال: وهو بجانب موضع الكيمخت على شاطئ الخليج من جملة أرض الطبالة. كان موضعه دارا اشتراها معلم الكيمخت، وكان يعرف بالحموى وعملها جامعا، فضمن المعلم بعده رجل يعرف بالرومى فوقف عليه مواضع وجدد له مئذنته سنة اثنتين وثمانمائة، ووسع فى الجامع قطعة كانت منشرا، وكان قبل ذلك قد جدد عمارته شخص يعرف بالفقيه زين/الدين ريحان بعد سنة تسعين وسبعمائة وعمر بجانبه مساكن ..
وهو الآن عامر بعمارة ما حوله ومقام الشعائر، انتهى.
جامع المغربى
هذا الجامع فى سوق النمارسة تجاه عطفة الشيشينى على يمين الذاهب من درب سعادة إلى الحمزاوى به منبر وخطبة، وله منارة ومطهرة وليس به عمد بل سقفه على بوائكه وشعائره مقامة.
وكان يعرف بجامع الخصى - بضم الخاء المعجمة وتشديد الصاد المهملة وياء النسبة - فتخرب وبقى إلى سنة إحدى وتسعين ومائتين وألف فعمره رجل مغربى يعرف بالحاج مصطفى وزخرفه وأنفق فى تعميره مالا جسيما فعرف به.
ويظهر: أن هذا الجامع هو المدرسة الزمامية التى ذكرها المقريزى فى المدارس؛ فقال: المدرسة الزمامية برأس خط البندقانيين من القاهرة فيما بين البندقانيين وسويقة الصاحب بناها الأمير الطواشى زين الدين مقبل الرومى زمام الدور الشريفة للسلطان الظاهر برقوق فى سنة سبع وتسعين وسبعمائة، وجعل بها درسا وصوفية ومنبرا يخطب عليه كل جمعة وبينها وبين المدرسة الصاحبية دون مد الصوت فيسمع المصلى بأحد الموضعين تكبير الآخر. وهذا ونظائره من شنيع ما حدث بالقاهرة فى غير موضع انتهى.
وقد زالت الآن المدرسة الصاحبية وبنى مكانها مساكن، وفى قطعة منها زاوية تعرف بزاوية بئرم.
جامع المغربى
هذا المسجد ببولاق القاهرة فى شارع درب الكرشة بقرب الجوابر.
وهو مقام الشعائر تام المنافع يفصل بينه وبين مطهرته الطريق.
جامع مغلباى طاز
هذا المسجد بحارة بنت المعمار من ثمن الخليفة غير مقام الشعائر لتخربه وبداخله ضريح منشئه الأمير مغلباى طاز، وله منارة ذات شكل حسن جدا وبدائره من الأسفل آيات قرآنية بالخط الثلث ونظره تحت ديوان عموم الأوقاف.
جامع المقس
هو خارج باب البحر عن شمال الذاهب من الشارع الكبير إلى محطة السكة الحديد وكان يعرف بجامع البحر، ويعرف اليوم بجامع أولاد عنان.
وقد ذكرناه بهذا الاسم فى حرف الألف.
جامع المقياس
هذا الجامع بقلعة الروضة فى الزاوية الغربية تجاه الجيزة. بناه أبو النجم بدر الجمالى بأمر الخليفة المستنصر بالله الفاطمى فى نحو سنة ثمانين وأربعمائة ثم عمره الملك الصالح نجم الدين أيوب، ثم هدمه الملك المؤيد شيخ المحمودى ووسعه وشرع فى بنائه سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة فمات قبل تمامه، وأكمله بعده الملك الظاهر جقمق ووقف عليه أوقافا وكانت عليه كتابة بالقلم القرماطى تدل على بعض ذلك زالت عند تخريبه بأيدى الفرنساوية زمن دخولهم هذه الديار. وكان به ثمانية وثلاثون عمودا ومنبر وثلاثة عشر شباكا مطلة على النيل وارتفاع منارته أربعة وعشرون مترا، وفيه سلالم موصلة إلى النيل عدتها ثمانية عشر ربما كانت تجعل مقياسا للنيل فى الأزمان السابقة.
ويقال: أن هذه السلالم جلس عليها أبو جعفر النحاس وهو يقطع بيت شعر فمر به بعض الناس فظنه ساحرا يسحر النيل فدفعه فى النيل فغرق، انتهى من كتابنا المتعلق بمقياس الروضة.
وممن عمر هذا الجامع أيضا السلطان قانصوه الغورى، ووقف عليه أوقافا ورتب به مرتبات حسنه جمة.
ففى (كتاب وقفيته) المؤرخة فى سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة: أنه وقف عليه جميع البناء بخط مكاسة الحطب بقرب سوق دار النحاس وقرب المسجد الأقفهسى وجنينة واصطبلا هناك وثلث الفندقين المعروفين بالمكارم والرباع والمخازن والحوانيت بخط صناعة الزكايب والقماحين، وأرض زراعة بالروضة المعروفة بالميدان والبرك بقرب جامع الريس، وهى عشرون فدانا بالقصبة الحاكمية وأرضا فى جزيرة الطائر بالجيزية وجزيرة تجاه دير الطين وجزيرة الصابونى، وأرضا بناحية شوشة بالبهنساوية وعقارا بمصر القديمة بخط دار النحاس وآخر بشاطئ النيل.
ونص على: أن يصرف لإمام الجامع شهريا خمسمائة درهم من الفلوس الجدد ويوميا ثلاثة أرغفة، وللخطيب أربعمائة درهم نحاس وثلاثة أرغفة وللمرقى مائتان وثلاثة أرغفة.
ولسبعة عشر صوفيا مع شيخهم خمسة آلاف وأربعمائة درهم شهريا وللقارئ فى المصحف بالجامع ثلثمائة درهم وثلاثة أرغفة، ولقارئ البخارى فى رجب وشعبان ورمضان ثلثمائة درهم شهريا وثلاثة أرغفة يوميا، ولسبعة ميقاتية ثلاثة آلاف درهم شهريا واثنان وعشرون رغيفا يوميا وللوقاد كذلك، وللكناس والفراش معا ستمائة درهم ولسواق الساقية سبعمائة درهم وأربعة أرغفة وللرشاش سبعمائة درهم وثلاثة أرغفة، ولاثنين بوابين ألف ومائتا درهم شهريا وستة أرغفة يوميا، ولنجار الساقية ثمانية وأربعون درهما وللخولى بالجنينة ثلثمائة درهم وثلاثة أرغفة وللسبال اثنان وسبعون درهما شهريا.
ويصرف ثمن ستين رطلا زيتا فى كل شهر بحسبه وأجرة الطحن والخبز شهريا ألف ومائتا درهم ولكاتب الغيبة ثلثمائة درهم/وثلاثة أرغفة. وللمباشر ستمائة درهم وأربعة أرغفة وللشاهد خمسمائة درهم وثلاثة أرغفة وللشاد مثل المباشر والجابى مثل الشاهد.
ويصرف سنويا للتوسعة ثلاثة آلاف وثمانمائة ولزيت رمضان ونصف شعبان قنطار زيت بحسبه، وثمن قناديل وسلاسل ألف ومائتان وثمن شمع سكندرى لرمضان ستمائة درهم، وثمن علف لأثوار الساقية بقدر الكفاية اه.
ولم يزل هذا الجامع تحت نظر بنى الرداد خدمة المقياس ولهم نواب فيه، ثم انه تخرب وتعدى عليه الفرنساوية وانتهكوا حرمته وبقى متخربا إلى أن جدده المرحوم حسن
باشا المنتيرلى وجعله أصغر مما كان عليه وعرف به ودفن فيه، وشعائره مقامة من طرف ذريته إلى الآن وبه ضريح ولىّ يقال له: عبد الرحمن بن عوف.
يزعم الناس أنه الصحابى المشهور أحد العشرة المبشرين بالجنة وليس كذلك.
جامع السادة المتابلة
هذا المسجد ببولاق فى جوار مشهد السلطان أبى العلاء به أربعة أعمدة من الحجر وبه منبر ومطهرة وله منارة قصيرة، وبه ضريح السادة المتابلة عليه قبة من الخشب.
ويقال: أنهم من سادات اليمن وهو فى نظارة السيد عبد الخالق السادات.
جامع منجك
قال المقريزى: هذا الجامع يعرف موضعه بالثغرة تحت قلعة الجبل خارج باب الوزير.
أنشأه الأمير سيف الدين منجك اليوسفى فى مدة وزارته بديار مصر فى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وصنع فيه صهريجا فصار يعرف إلى اليوم بصهريج منجك، ورتب فيه صوفية وقرر لهم فى كل يوم طعاما ولحما وخبزا وفى كل شهر معلوما، وجعل فيه منبرا ورتب فيه خطيبا يصلى بالناس صلاة الجمعة وجعل على هذا الموضع عدة أوقاف منها ناحية بلقينة بالغربية، وكانت مرصدة برسم الحاشية فقومت بخمسة وعشرين ألف دينار فاشتراها من بيت المال وجعلها وقفا على هذا المكان.
ترجمة منجك اليوسفى:
ومنجك: هو الأمير سيف الدين اليوسفى. كان أحد السلاحدارية بمصر فتوجه إلى أحمد بن الناصر محمد بن قلاوون وهو محاصر بالكرك فقطع رأسه وأحضرها إلى مصر فأعطى إمرة وتنقل فى الدول، ثم أخرج من مصر إلى دمشق وجعل حاجبا بها، ثم حضر إلى القاهرة سنة ثمان وأربعين وسبعمائة فرسم له بإمرة تقدمة ألف وخلع عليه خلع الوزارة فاستقر وزيرا واستادارا للملك الناصر حسن، وتصرف تصرفا كبيرا بالتولية والعزل وغير ذلك وشهد له بالتدبير فى أموال المملكة، ثم عزل من الوزارة ثم تولى أمر شد البحر فجبى أموالا كثيرة، ثم أعيد إلى الوزارة بعد أربعين يوما
فأحدث حوادث كثيرة واشتد ظلمه وكان النساء قد أسرفن فى عمل القمصان والبغالطيق فأمر بقطع أكمامهنّ وأخرق بهنّ.
ثم فى سنة إحدى وخمسين قبض عليه وقيد ووقعت الحوطة على حواصله فوجدت له زرد خاناه حمل خمسين جملا وصندوق فيه جوهر، ثم حمل إلى الاسكندرية واستمر مسجونا إلى أن خلع الملك الناصر حسن وأقيم بدله أخوه الملك الصالح صالح، فأمر بالإفراج عنه، ثم غضب عليه فاختفى مدة ثم قبض عليه وسجن بالاسكندرية، فلما خلع الملك الصالح وأعيد السلطان حسن أنعم عليه بنيابة طرابلس ثم جعل نائب حلب ثم فر منها، ثم قبض عليه بدمشق فحمل إلى مصر وعليه بشت صوف علىّ وعلى رأسه مئزر صوف فرضى عنه السلطان وأعطاه أمرة طبلخاناه ببلاد الشام.
وفى سلطنة الملك الأشرف شعبان ولاه نيابة السلطنة بدمشق سنة تسع وستين، ثم ولاه نيابة مصر سنة خمس وسبعين وجعل تدبير المملكة إليه واستمر على ذلك إلى أن مات حتف أنفه سنة ست وسبعين وسبعمائة ودفن بتربته المجاورة لجامعه.
وله سوى الجامع من الآثار خان منجك بالقاهرة ودار منجك برأس سويقة العزى بقرب مدرسة السلطان حسن، وله عدة آثار بالبلاد الشامية، انتهى باختصار.
وابن اياس سمى هذا الجامع خانقاه حيث قال: وكانت وفاة الأتابكى منجك اليوسفى فى يوم الخميس تاسع عشر ذى الحجة سنة ست وسبعين وسبعمائة، ودفن فى الخانقاه التى أنشأها فى رأس الصوة تجاه الطبلخاناه السلطانية، وله من العمر نحو سبعين سنة اه.
وهذا الجامع إلى الآن عامر مقام الشعائر من طرف الأوقاف العمومية وبه قبر منشئه مكتوب عليه بعد آية الكرسى: هذا قبر المعز الأشرف العالى المولوى السيفى منجك كافل المملكة الشريفة الإسلامية. توفى يوم الخميس بعد العصر تاسع عشر ذى الحجة سنة ست وسبعين وسبعمائة، ودفن بكرة يوم الجمعة العشرين من دى الحجة، غفر الله له ولمن يترحم عليه.
جامع منشأة المهرانى
هو فى بقعة كانت تعرف بالكوم الأحمر مرصدة لعمل أقمنة الطوب الآجرية فيما بين بستان الحلى وبحر النيل عمره السلطان الملك الظاهر بيبرس سنة إحدى وسبعين
وستمائة، ووقف عليه وقفا وجعل النظر فيه لذريته، وقد تعطلت إقامة الجمعة فيه لخراب ما حوله، انتهى من المقريزى.
جامع المؤمنين
هذا الجامع فى الجانب القبلى لميدان محمد علىّ تحت القلعة/ويعرف أيضا بجامع المتولى وبجامع الغورى، وجدرانه وعمده من الحجر وسقفه قباب من الحجر وعلى قبلته اسم الملك أبى النصر قانصوه الغورى - عز نصره - وفوق ذلك بخط دقيق: الله ربى.
وبأعلاه بخط غليظ: الله حق.
وهو متخرب غير مقام الشعائر وبجواره محل معد لتغسيل القتلى ونحوهم، وفيه حجر يغسل عليه الميت ويقصده المرضى يستشفون بتخطيه، وهناك حوضان يملآن ماء يغتسل فيهما المرضى أيضا، وذلك عادة مستمرة إلى الآن ويظهر من النقوش التى على قبلة هذا المسجد وغيرها أن السلطان الغورى جدد هذا الجامع ولواحقه أو رمم ذلك.
وفى (كتاب وقفيته) المؤرخة بسنة تسع وتسعمائة: أنه وقف جميع العمارة المستجدة الإنشاء بأسفل قلعة الجبل بسبيل المؤمنين بظاهر الميدان السلطانى قريبا من باب السلسلة الحد القبلى ينتهى إلى سور الميدان السلطانى وإلى ملك محمد الخياط القلعى، والبحرى إلى الرميلة وفيه البابان المتوصل منهما إلى المصلى والحوض المسبل وبابا الميضأة والمغسل، والشرقى إلى الرميلة وفيه باب المزملة، والغربى إلى الرميلة وإلى أماكن بيد أربابها.
ووقف رزقة ثلثمائة فدان بناحية ذات الكرم بالجيزية، وجعل ريع ذلك لشعائر هذا المسجد والسبيل ولواحقهما؛ فيصرف للإمام شهريا تسعمائة درهم وللمؤذن أربعمائة وخمسون درهما، وللفراش والوقاد ألف درهم وللبواب خمسمائة درهم ولخادم السبيل تسعمائة درهم شهريا، ولمغسل الأموات بالمغسلين ستمائة درهم.
وفى ثمن زيت للاستصباح فى المسجد شهريا ثلثمائة درهم ولسواق ساقية الميدان السلطانى كذلك، وللكناس والرشاش تجاه العمارة كذلك، وللسباك مائة وخمسون درهما وللشيخ محمد بن مزاحم برسم نيابة الوقف ألف درهم شهريا وللمباشر خمسمائة درهم ولاثنين شاهدين خمسمائة درهم، وللشاد ستمائة درهم وللصير فى أربعمائة درهم وللعامل ثلثمائة درهم ولملء الصهريج ما يكفيه، وثمن حصر وقناديل وسلاسل وأدوات
للسبيل وزيت للتوسعة وأضحية فى العيد الكبير بقدر الكفاية. ويصرف ما يحتاج إليه فى تجهيز أموات المسلمين من كفن وحنوط ومغسلين وحمالين وقابرين ونحو ذلك، انتهى.
والآن جرى تجديد العمارة التى تكتنف الجامع من طرف ديوان الأوقاف.
جامع المؤيد
قال المقريزى: هذا الجامع بجوار باب زويلة من داخله كان موضعه خزانة شمائل حيث يسجن أرباب الجرائم وقيسارية سنقر الأشقر ودرب الصفيرة وقيسارية بهاء الدين أرسلان. أنشأه السلطان الملك المؤيد أبو النصر شيخ المحمودى الظاهرى.
وكان السبب فى اختيار هذا المكان دون غيره أن السلطان حبس فى خزانة شمائل هذه أيام تغلب الأمير منطاش وقبضه على المماليك الظاهرية فقاسى فى ليلة من البق والبراغيث شدائد؛ فنذر لله تعالى: إن تيسر له ملك مصر أن يجعل هذه البقعة مسجدا لله عز وجل ومدرسة لأهل العلم. فاختار لذلك هذه البقعة وفاء لنذره.
وفى رابع جمادى الآخرة سنة ثمان عشرة وثمانمائة كان ابتداء حفر الأساس.
وفى خامس صفر سنة تسع عشرة وقع الشروع فى البناء واستقر فيه بضع وثلاثون بناء ومائة فاعل، ووفيت لهم ولمباشريهم أجورهم من غير أن يكلف أحد فى العمل فوق طاقته ولا سخر فيه أحد بالقهر. فاستمر العمل إلى يوم الخميس سابع عشر ربيع الأول فأشهد عليه السلطان أنه وقف هذا المسجد لله تعالى، ووقف عليه عدة مواضع بديار مصر وبلاد الشام وتردد ركوب السلطان إلى هذه العمارة عدة مرار، وفى شعبان طلبت عمد الرخام وألواح الرخام لهذا الجامع فأخذت من الدور والمساجد وغيرها.
وفى يوم الخميس سابع عشر شوال نقل باب مدرسة السلطان حسن بن محمد بن قلاوون والتنور النحاس المكفت إلى هذه العمارة وقد اشتراهما السلطان بخمسمائة دينار، وهذا الباب هو الذى عمل لهذا الجامع وهذا التنور هو التنور المعلق تجاه المحراب.
وانعقدت جملة ما صرف فى هذه العمارة إلى سلخ ذى الحجة سنة تسع عشرة على أربعين ألف دينار، ثم نزل السلطان فى عشرى المحرم إلى هذه العمارة ودخل خزانة الكتب التى عملت هناك، وقد حمل إليها كتبا كثيرة فى أنواع العلوم كانت بقلعة الجبل، وقدم له ناصر الدين محمد البارزى كاتب السر خمسمائة مجلد قيمتها ألف دينار
فأقر ذلك بالخزانة وأنعم على ابن البارزى بأن يكون خطيبا وخازن الكتب هو ومن بعده من ذريته.
وفى يوم الجمعة ثانى جمادى الأولى سنة عشرين أقيمت الجمعة به ولم يكمل منه سوى الإيوان القبلى.
وفى يوم السبت خامس شهر رمضان منها ابتدئ بهدم ملك بجوار ربع الملك الظاهر بيبرس مما اشتراه الأمير فخر الدين عبد الغنى بن أبى الفرج الاستادار ليعمل ميضأة واستمر العمل هناك، ولازم الأمير فخر الدين الإقامة بنفسه واستعمل مماليكه وجد فى العمل كل يوم فكملت فى سلخه بعد خمسة/وعشرين يوما ووقع الشروع فى بناء حوانيت على بابها من جهة تحت الربع يعلوها طباق.
وبلغت النفقة على هذا الجامع إلى أخريات شهر رمضان سنة عشرين سوى عمارة الأمير فخر الدين المذكور زيادة على سبعين ألف دينارا.
وفى ربيع الآخر سنة إحدى وعشرين ظهر بالمئذنة التى أنشئت على بدنة باب زويلة التى تلى الجامع اعوجاج إلى جهة دار التفاح. فكتب محضر من جماعة المهندسين أنها مستحقة الهدم وعرض على السلطان فرسم بهدمها فهدمت، وسقط منها حجر على ملك تجاه باب زويلة هلك تحته رجل فغلق باب زويلة خوفا على المارة مدة ثلاثين يوما، ولم يعهد مثل هذا قط منذ بنيت القاهرة.
وقال أدباء العصر فى سقوط المنارة المذكورة شعرا، ومن أحسنه ما قاله الأديب شمس الدين محمد بن أحمد بن كمال الجوجرى أحد الشهود:
منارة لثواب الله قد بنيت
…
فكيف هدت فقالوا نوضح الخبرا
أصابت العين أحجارا بها انفلقت
…
ونظرة العين قالوا تفلق الحجرا
وفى سنة اثنتين وعشرين رتبت فيه الدروس للشافعية والمالكية والحنابلة، وخلع على مشايخ الدروس بحضرة السلطان؛ فدرس ابن حجر بالمحراب وأقبل السلطان ليحضر عنده فى إلقاء الدرس ومنعه من القيام له فاستمر جالسا فيما هو بصدده وجلس عنده مليا، ورتب فيه أيضا فى تلك السنة تدريس القراءات السبع.
وفى يوم الجمعة الحادى والعشرين من شوال من هذه السنة نزل السلطان إلى هذا الجامع وأمر المباشرين بمد السماط العظيم والسكر الكثير؛ فملئت البركة التى بالصحن من
السكر المذاب، وجلس السلطان بالقرب من البركة على تخت فأكل الناس ونهبوا من أنواع المطاعم والحلوى وارتووا من السكر وحملوا ما قدروا عليه، ثم خلع على قاضى القضاة شمس الدين محمد بن سعد الديرى الحنفى كاملية صوف بفروسمور واستقر فى مشيخة التصوف وتدريس الحنفية، وجلس بالمحراب والسلطان عن يمينه وعن يساره قاضى القضاة ومشايخ العلم وحضر أمراء الدولة؛ فألقى درسا مفيدا إلى أن قربت الصلاة فصعد المنبر ناصر الدين محمد بن البارزى كاتب السر؛ فخطب وصلى ثم خلع عليه واستقر شهاب الدين الأذرعى فى إمامة الصلوات الخمس وخلع عليه وكان يوما مشهودا.
ولما مات المقام الصارمى إبراهيم بن السلطان دفن بالقبة الشرقية، ونزل السلطان فشهد دفنه يوم الجمعة ثانى عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وعشرين، وجلس حتى صلى الجمعة وخطب له كاتب السر محمد البارزى خطبة بليغة.
وفى آخر الشهر استقر فى نظر الجامع الأمير مقبل الدوادار وكاتب السر ابن البارزى معا ثم مات ابن البارزى، واستمر الأمير مقبل إلى أن مات السلطان يوم الاثنين ثامن المحرم سنة أربع وعشرين وثمانمائة فدفن بالقبة الشرقية ولم تكن عمرت. فشرع فى عمارتها حتى كملت فى ذى القعدة من السنة المذكورة، وكذا الدرج التى يصعد منها إلى الجامع من داخل باب زويلة لم تعمل إلا فى رمضان منها، وبقيت بقايا كثيرة من حقوق الجامع لم تعمل من ذلك القبة المقابلة للقبة المدفون تحتها السلطان والبيوت المعدة لسكن الصوفية وغير ذلك؛ فأفرد لعمارتها نحو عشرين ألف دينار واستمر نظر الجامع بعد موت السلطان بيد كاتب السر اه. ملخصا.
وفى كتاب المزارات للسخاوى: أن الملك المؤيد لما بنى هذا الجامع طلب له عمد الرخام وألواح الرخام من الدور والمساجد وهدم لأجله مسجد الأقدام الذى بالقرافة الكبرى، وحسّن له الناس هدمه حيث إنه فى وسط الخراب فصار إلى الآن كوما من جملة الكيمان وكان مسجدا عامرا والناس يأتون لزيارته من الآفاق؛ لأنه أحد المساجد السبعة التى بالقرافة المجاب عندها الدعاء، وكان مرتفعا عن الأرض يصعد إليه بدرج وكان واسع الفناء حسن البناء ..
ويزعم العوام: أن به قبر آسية امرأة فرعون ويسمون الموضع بها وليس بثابت.
قيل: إنما سمى هذا الجامع بمسجد الأقدام لأن مروان بن الحكم لما دخل مصر بايعه أهلها إلا جماعة من المعافر وغيرهم؛ فقالوا: لا نترك بيعة ابن الزبير. فأمر مروان
بقطع أيدى المعافريين وأرجلهم وقتلهم على بئر المعافر فى هذا الموضع، وكانوا ثمانين رجلا فسمى المسجد بهم لأنه بنى على آثارهم انتهى.
ولما أنشأ الملك المؤيد شيخ هذا الجامع العامر الرحيب، وأنشأ خانقاه للصوفية ومارستانا للمرضى وصهاريج وقف على ذلك أوقافا جمة من عقارات وأطيان ورتب خدمة ووظف وظائف وأجرى خيرات كثيرة ..
ففى (كتاب وقفيته) ما ملخصه: وقف مولانا السلطان المؤيد الجامع المحدود بحدود أربعة:
الحد الشرقى إلى الشارع داخل بابى زويلة تجاه قيسارية الفاضل، والبحرى إلى الطريق الموصل إلى/المحمودية وباب الفرج والحمام، وفى هذا الحد الباب الموصل إلى الميضأة وبيوت الطلبة والحمام والساقية، والحد الغربى إلى الطريق الموصل إلى باب الخرق تجاه دار التفاح وفى هذا الحد ضريح الشيخ أبى النور، والقبلى جهة تحت الربع.
وجميع المكان الكامل أرضا وبناء المستجد الإنشاء خانقاه بجيزية مصر المحروسة المعروف بالخروبية.
وحده القبلى ينتهى إلى البحر الأعظم تجاه المقياس والروضة، والحد البحرى إلى الرواق وفيه البئر، والحد الشرقى إلى البحر الأعظم وفيه الساقية، والحد الغربى إلى البحر وإلى الزقاق المتوصل منه إلى الجنينة وفى هذا الحد الباب الأول.
وجميع المكان المستجد الإنشاء مارستانا الكائن بخط الرملة بالصوة تحت القلعة المحروسة جعله برسم ضعفاء النساء والرجال، وحده القبلى ينتهى إلى الصوة تجاه القلعة، والبحرى إلى بيت الجناب السيفى سنقر المعروف قديما بأرغون، والحد الشرقى إلى ساقية الأشرف وفيه الباب الكبير ومكتب السبيل المعد للأيتام وأحد عشر حانوتا والسبيل، والحد الغربى إلى سوق الخيل. وجميع المكان الذى ظاهر القاهرة تجاه الحد الغربى للجامع المذكور ويعرف ذلك المكان بالحصريين ينتهى حده القبلى إلى الطريق الموصل إلى البراذعيين تجاه مسجد نور الدين الفيومى، والحد البحرى إلى الطريق الموصل قديما إلى دار التفاح والحد الشرقى إلى الشارع وفيه ستة عشر حانوتا، والحد الغربى إلى الطريق الموصل إلى دار التفاح وفيه الباب وثلاثة عشر حانوتا.
وجميع الطباق السبعة المبينة على السور بباب زويلة وحدها القبلى والغربى إلى قيسارية ابن عصفور، والبحرى إلى الجامع والشرقى إلى علوى باب زويلة.
وجميع المكان الذى بالقاهرة بخط الطراشة وحده القبلى إلى الطريق وفيه ستة حوانيت، والبحرى إلى أملاك بأيدى أربابها، والشرقى إلى قاعة الطباخ، والغربى إلى الزقاق.
وجميع الحوانيت الخمسة المجاورة للسبيل من حقوق هذا الجامع.
وجميع المكان بظاهر القاهرة المعروف قديما بدار التفاح والسقطيين وحده القبلى ينتهى إلى البراذعيين والبحرى إلى الفندق الذى بالسقطيين، والغربى إلى طاحون البراذعية والشرقى إلى الطريق وفيه الباب المعروف بباب دار التفاح ويفصل بين ذلك وبين الجامع الطريق السلطانى.
وجميع المكان بالمحمودية من القاهرة: حده القبلى ينتهى إلى الجامع المستجد والبحرى إلى باب الفرج، والشرقى إلى باب المحمودية، والغربى بعضه إلى وقف الطواشى وبعضه إلى الجامع المستجد.
وجميع الحمام بخط المحمودية: حده القبلى إلى بئر ساقية الجامع والبحرى إلى باب الفرج وفيه معالم البئر التى من حقوق معالم المستوقد، والشرقى إلى الطريق الموصل إلى باب الفرج وفيه الباب وثلاثة حوانيت وحوض سبيل، والغربى إلى ربع الظاهر.
وجميع البناء الذى بداخل باب الشعرية من القاهرة، وفيه ساقية وصهريج وذرعه من قبلى إلى بحرى ثلاثة وأربعون ذراعا، ومن الشرقى إلى الغربى ستة وثلاثون ذراعا وحده القبلى ينتهى إلى خليج اللؤلؤة وفيه الزريبة والساقية، والبحرى إلى الطريق وفيه الحوانيت والسبيل والساحة المكشوفة المعدة لبيع الغلال التى هى أسفل الحوانيت ومساحتها بالتكسير ستون ذراعا بذراع العمل، والشرقى إلى الشون وإلى جامع المغاربة وفيه باب السبيل، والغربى إلى الزقاق المعروف بزند الفيل.
وجميع الوكالة التى بخط رحبة العيد من القاهرة: حدها القبلى ينتهى إلى خربة مشحونة بالأتربة، والبحرى إلى الطريق الموصل إلى خانقاه سعيد السعداء، والشرقى إلى مكان يعرف بملك القبانى وقف الخانقاه الصلاحية وفيه الباب الكبير، والغربى إلى الزقاق وفيه أربعة أبواب وساقية. وجميع الصهريج داخل باب النصر بجوار الخانقاه البيبرسية:
حده القبلى ينتهى إلى خانقاه بيبرس، والبحرى إلى الطريق وفيه الباب والشرقى إلى الخانقاه المذكورة، والغربى إلى الحوانيت التى من وقف الظاهرية العتيقة
وجميع البناء بخط قناطر السباع بظاهر القاهرة، وحده القبلى إلى فندق وقف ابن صورة، والبحرى إلى مكان وقف تاج الدين الشنشى، والشرقى إلى الطريق والغربى إلى بركة قارون.
وجميع البناء بخط الجسر الأعظم بظاهر القاهرة، وحده القبلى إلى طريق تجاه الكبش والمصلى والبحرى إلى بركة الحمصانيين، والشرقى إلى طريق قناطر السباع، والغربى إلى بركة الحمصانيين.
وجميع أنشاب البستان الذى بخط جزيرة الفيل من ظاهر القاهرة ينتهى حده القبلى إلى بستان المقر العالى الركنى بيبرس، والبحرى إلى بستان القبطى والشرقى إلى الطريق وفيه الباب والغربى إلى البحر الأعظم.
وجميع البناء الكامل خارج باب زويلة وباب القوس بظاهر القاهرة والباب الجديد بخط الصليبة الطولونية بجوار حمام النائب، وينتهى حده القبلى إلى حمام النائب والبحرى إلى الجزع المغروز بالشركة بين هذا البناء وبين بناء يعرف بفتق المرأة الكامل /والشرقى إلى الزقاق وفيه الباب، والغربى إلى الزقاق الموصل إلى بيت جاهين.
وجميع المكان بمنشأة المهرانى: وحده القبلى إلى الطريق وفيه الفاخورة، والبحرى إلى البحر الأعظم والشرقى إلى المغلاة والغربى إلى الأملاك.
وجميع الصهريج بباب القلعة بالمرمى: وحده القبلى إلى قاعة بجواره والبحرى إلى جنينة وستعد مستجد، والشرقى إلى المرمى، والغربى إلى الزقاق المجاور للمسجد العتيق.
وجميع أراضى منية قيصر بالقليوبية، وجميع أراضى الجزائر بالمنوفية وعدتها أربعة، وجميع أراضى اللوادى بالأعمال المنوفية المعروفة بجزائر قايتباى، وجميع الحصة التى قدرها النصف من جزيرة بنى فراس الكائنة بالسيوطية، وجميع الحصه التى قدرها النصف بناحية قاو من الأخميمية، وجميع قطعة الأرض بناحية الدير وأم على بناحية قوص، وجميع قطعة الجزيرة التى بين الجزيرة وشطنوف، وجميع ناحية سنباط بالفيوم، وجميع ناحية أبى رقبة بالمنوفية وقطعة أرض بناحية شنوان بالمنوفية مساحتها ستون فدانا بالقصبة الحاكمية وقطعة بناحية كومشيش بالمنوفية أيضا، وجميع الرزقة بناحية وسيم بالجيزة مائة فدان، وقطعة أرض بناحية دمريس من عمل الأشمونين أربعمائة فدان، وجميع معصرة القصب بما فيها من الآلات والنحاس الذى وزنه
مائتان وستون قنطارا بالمصرى. وجميع الساقية المعروفة بساقية محفوظ من أعمال البهنسا التى مساحتها سبعمائة وثمانية وثمانون فدانا وسدس فدان بالقصبة الحاكمية. وجميع البستان من أراضى المطرية من ضواحى القاهرة بجميع تعلقاته. وجميع الحصة التى هى النصف شائعا فى عمارة السوق بظاهر دمشق المحروسة، وجملة من الحوانيت والرباع والخانات والبساتين والطواحين وغير ذلك من العقارات فى دمشق وحلب وصفد وحماه، وفى أعمال هذه المدن وقفا صحيحا شرعيا نافذا مرضيا، وجعل للناظر التحدث فيه على ما يراه بالمصلحة فيما رتبه به. فيرتب شيخا للصوفية يكون حنفيا عالما له قدم عال فى طريق التصوف حسن الهيئة حسن الاعتقاد حافظا للنقول والتأويلات واختلاف المذاهب، له قدرة على حل المشكلات وإقامة الأدلة وتسهيل العسير، ويكون قائما بدرس مذهب أبى حنيفة بهذا الجامع ويحضر وظيفة التصوف بذلك الجامع كل يوم بعد العصر على عادة الخوانق والجوامع، ويصرف له فى كل شهر من الفضة البيضاء خمسمائة وخمسون نصفا أو ما يقوم مقام ذلك من النقود. ويرتب معه خمسون طالبا حنفيا ويحضرون أيضا درس التصوف ولكل منهم شهريا أربعون نصفا فضة، وكل يوم أربعة أرطال من الخبز، ويرتب شافعيا بتلك الصفات وأربعين طالبا شافعيا، وللشيخ شهريا مائة وخمسون نصفا، وللطالب أربعون ويوميا أربعة أرطال خبزا. ويرتب مالكيا معه خمسة وعشرون طالبا، وللشيخ مائة نصف، وللطالب أربعون شهريا وأربعة أرطال خبزا يوميا. ويرتب حنبليا معه عشرة، وللشيخ مائة نصف وللطالب أربعون نصفا شهريا. ويرتب محدثا معه عشرون طالبا وله مائة وخمسون نصفا وللطالب أربعون، وكل يوم أربعة أرطال خبزا، ويرتب مقرئا للقراءات السبع والشواذ ومعه عشرة، وله مائة وخمسون نصفا وللطالب أربعون نصفا شهريا، وأربعة أرطال خبزا يوميا ..
ويرتب أربعة أئمة أحدهم بالمحراب فى الإيوان القبلى له شهريا مائة وعشرون نصفا ويوميا أربعة أرطال خبزا، ولكل من الثلاثة الآخرين. ستون نصفا ويرتب رجلين حافظين للقرآن بصوت حسن يقرءان فى المصحف أحدهما كل يوم وله فى الشهر أربعون نصفا، والآخر يوم الجمعة فقط وله فى الشهر ثلاثون نصفا، ويرتب بالشباك سبع عشرة جوقة كل جوقة سبعة أشخاص يتناوبون القراءة ليلا ونهارا، ولكل منهم خمسة أنصاف. ويرتب كاتب غيبة له شهريا خمسة عشر نصفا وخطيبا وله مائة نصف وخازن كتب بالجامع وله أربعون نصفا ويوميا أربعة أرطال خبزا.
وشرط أن لا يخرج الكتب من الجامع وأن وظيفة خزن الكتب ووظيفة الخطبة يكونان لأبى عبد الله محمد بن البارزى ومن بعده لمن يصلح من ذريته.
ويرتب سبعة عشر مؤذنا حسان الأصوات يؤذنون على المنارات الثلاث التى جعلها لهذا الجامع، ولكل منهم شهريا خمسة عشر نصفا، ولهم كاتب غيبة له شهريا أربعون نصفا ويوميا أربعة أرطال خبزا وخادما لجماعة الصوفية على عادة الخوانق، وله فى الشهر ستون نصفا، وفى اليوم أربعة أرطال خبزا.
ويرتب شيخا يشتغل بالكتاب المعروف بالطحاوى ومعه عشرة طلبة، وله مائة وخمسون نصفا وللطالب أربعون نصفا شهريا.
ويرتب خمسة رجال لخدمة الربعات على التتاوب لكل منهم أربعون نصفا شهريا وأربعة أرطال خبزا يوميا. ويرتب عشرة فراشين لكل ثلاثون نصفا شهريا. ويرتب سبعة /وقادين لكل عشرون نصفا، ويرتب رجلين لخدمة سجادات الصوفية لكل أربعون نصفا شهريا وأربعة أرطال خبزا يوميا.
ويرتب قارئا لعقيدة التوحيد وله عشرون نصفا شهريا، ولسواق الساقية ستون نصفا، وللمزملاتى الذى فى سبيل الجامع ثلاثة وأربعون نصفا وللآخر الذى فى سبيل القلعة خمسة عشر.
ويرتب خادمين للقبتين من الطواشية لكل منهما أربعون نصفا شهريا وأربعة أرطال خبزا يوميا. ويرتب مادحا حسن الصوت ومبخرا وشحنة وقبانيا ومخبريا وأمينا على الحواصل ومزملا بدهليز الجامع، ولكل واحد من هؤلاء أربعون نصفا شهريا وأربعة أرطال خبزا يوميا.
ويرتب كناسا للأرض المحيطة بالجامع ويرشها وله فى الشهر ثلاثون نصفا.
ويرتب عشرة من القراء حسان الأصوات يكونون قراء الصفة عن يمين المحراب ويساره وقت حضور الصوفية بعد العصر يقرءون بالتهليل والتكبير، ولكل فى الشهر أربعون نصفا وفى اليوم أربعة أرطال.
ويرتب لكاتب غيبة الصوفية ستون نصفا وأربعة أرطال
ويرتب طبيبا طبائعيا وكحالا وجرائحيا وكاتب طبقة ومهندسا ومرخما وسباكا، ولكل من السبعة ثلاثون نصفا فى الشهر.
ويرتب أربعة بوابين لأحدهم وهو من يكون بالباب الكبير ستون نصفا، ولبواب الباب المقابل لدار التفاح خمسة وأربعون، ولكل من الثالث والرابع فى البابين الآخرين ثلاثون نصفا.
ويرتب خمسة وستين يتيما منهم فى الجامع المذكور خمسون لهم مؤدب وعريف، للمؤدب ثلاثون نصفا شهريا ورطلان خبزا يوميا، وللعريف خمسة عشر شهريا ورطلان يوميا ولكل يتيم عشرة أنصاف شهريا ورطلان يوميا.
ومنهم بالقلعة المحروسة خمسة عشر يتيما لمؤدبهم ثلاثون نصفا شهريا ورطلان من الخبز يوميا وللعريف وكل طفل مثل ما قبله. ويرتب موقعا يتعاهد كتب الوقف وله أربعون نصفا. ويرتب شاهدين يضبطان أحوال العمارة لكل منهما ثلاثون نصفا وشاهدين عدلين لديوان الوقف يضبطان متحصل الريع ولكل منهما ستون نصفا.
ويرتب أمينا عارفا بالحساب وله تسعون نصفا وشادا لاستخراج الريع واستخلاصه وإعانة الجابى وله مائتا نصف وجابيا وله مائة نصف. ويرتب بزد دارا يتولى طلب الغريم وغيره مما عادة مثله أن يتولاه وله عشرون نصفا. وشرط أن كل من قرر له خبز قرصة يلزمه حضور وظيفة التصوف كل يوم، ويصرف من الباقى ثمن الزيت بقدر الكفاية وكذلك الماء لملء الصهريج، وكذا كسوة الأيتام صيفا وشتاء، ويصرف لقارئ البخارى فى رمضان كل عام ثلثمائة نصف وكل يوم أربعة أرطال من الخبز.
ويصرف كل عام ألفان وخمسمائة نصف لمصالح المدرسة التى أنشأها أبو محمود العينى الحنفى ناظر الأحباس المبرورة بالديار المصرية بقرب بيت الصاحب كريم الدين ابن الغنام عند الجامع الأزهر: حدها القبلى إلى الطريق وفيه الباب، والبحرى إلى ملك ابن الحسام، والشرقى إلى الطريق، والغربى إلى ملك بانيها يعطى هذا المبلغ للشيخ بدر الدين العينى يصرفه فيها، ويصرف لشيخ الصوفية بالخانقاه المستجدة المعروفة قديما بالخروبية كل شهر مائتا نصف وأربعة أرطال خبزا يوميا، ولكل من جماعة الصوفية بتلك الخانقاه وهم عشرون ثلاثون نصفا شهريا ورطلان خبزا فى اليوم، ولكل من المؤذنين ثلاثون نصفا وللقيم الوقاد بها ثلاثون نصفا ورطلا خبز، ولبوابها ثلاثون نصفا ورطلا خبز. ويصرف لها ما يكفى من الزيت وللكاتب تسعون نصفا، ورتب لجماعة الصوفية فى رمضان قنطارا من اللحم الضأن بالمصرى يصرف لكل نصف رطل مع الكفاية من الأرز المفلفل.
ولشيخ الصوفية الشيخ أبى عبد الله الديرى الحنفى مائة نصف زيادة على ما تقدم يكون ذلك ستمائة نصف وعشرة أرطال خبز وثلاثة أرطال لحما كل يوم، وراويتى جمال وثلاثة علائف شعير مغربل وجملتها نصف وربع ويبه.
وشرط أن مريد حجة الفريضة يجرى عليه معلومة ومن يحج متنفلايؤتى ببدله، وأن الصوفية يلازمون الجامع، وأن حضور الدرس يكون على العادة، وأن ما بقى بعد تلك المصاريف يكون لأولاده ثم لعقبهم فإذا انقرضوا فلعتقائه ثم للحرمين الشريفين، وجعل النظر لنفسه ثم للأرشد فالأرشد من ذريته الذكور خاصة لكن بالاشتراك مع من يكون دوادارا كبيرا ومع كاتب السر مجتمعين غير منفردين، فإن تعذر نظر ذريته كان النظر للدوادار وكاتب السر معا، ويصرف لكل منهما خمسمائة نصف شهريا فإن تعذر فلحاكم المسلمين بالديار المصرية وتاريخ الحجة رابع جمادى الآخرة سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة، انتهى.
ترجمة السلطان المؤيد:
والملك السلطان المؤيد هو كما فى الضوء اللامع للسخاوى
(1)
: شيخ المحمودى، ثم الظاهرى برقوق المؤيد أبو النصر الجركسى الأصل ولد تقريبا سنة سبعين وسبعمائة وكان قدومه للقاهرة فى أول سنة ثلاث وثمانين أو آخر/التى قبلها فى السنة التى قدم فيها أنص والد الظاهر برقوق وهو ابن اثنتى عشرة سنة فعرض - وهو جميل الصورة - على الظاهر برقوق قبل سلطنته فرام شراءه من جالبه فاشتط فى الثمن ولم يلبث أن مات، فاشتراه الخواجا محمود شاد البزدى تاجر المماليك بثمن يسير فنسب محموديا لذلك، وقدمه لبرقوق وهو حينئذ أتابك العساكر فأعجبه فأعتقه، ونشأ ذكيا فتعلم الفروسية من اللعب بالرمح ورمى النشاب والضرب بالسيف والصراع وسباق الخيل وغير ذلك، ومهر فى جميع ذلك مع جمال الصورة وكمال القامة وحسن العشرة وأول ما كان فى الكثابية ثم فى الخاصكية ثم فى السقاة واختص بسيده إلى الغاية مع غضبه عليه بسبب نهيه غير مرة عن التهتك والميل إلى اللهو والطرب ولكن لم يعزله عن وظيفته ولا أبعده، ثم أنعم عليه بامرة عشرة فى سلطنته الثانية وذلك فى ثانى عشر صفر سنة أربع وتسعين وكان ممن سجن قبل ذلك من مماليكه فى فتنة منطاش بخزانه شمائل ونذر حينئذ:
(1)
راجع (هذا المصدر صفحة 308 ترجمة رقم 1190).
إن نجاه الله تعالى منها أن يجعلها مسجدا. ففعل ذلك فى سلطنته بعد بضع وعشرين سنة، وتأمر على الحاج سنة إحدى وثمانمائة بعد موت أستاذه وناب فى طرابلس.
ولما نازل اللنك حلب خرج مع العساكر فأسر ثم خلص من اللنك بحيلة عجيبة وهى: أنه لما أسر استمر فى أسر اللنكية إلى أن فارقوا دمشق، ثم رجعوا فاغتم وقت رحيلهم وألقى نفسه بين الدواب وستره الله؛ فمشى إلى قرية من عمل صفد ثم توصل إلى طرابلس وركب البحر إلى الطينة ثم مشى فى البر إلى قطيا فبالغ الوالى فى إكرامه بعد أن كان جفاه لكونه لم يعرفه واعتذر وقدم له خيلا. فركب ودخل القاهرة وأعيد كما كان أولا لنيابة طرابلس، ثم ولى نيابة الشام وجرت له من الخطوب والحروب ما ذكر فى الحوادث، بل وأشير إليه فى ترجمته من تاريخ ابن خطيب الناصرية وملك وكانت مدة كونه فى السلطنة ثمان سنين وخمسة أشهر وثمانية أيام، وأقام فى الملك عشرين سنة ما بين نائب ومتغلب وأتابك وسلطان.
وكان شهما شجاعا عالى الهمة كثير الرجوع إلى الحق محبا فى العدل متواضعا يعظم العلماء ويكرمهم ويحسن إلى أصحابه ويصفح عن جرائمهم يحب الهزل والمجون مستترا ومحاسنه جمة.
وحدث بصحيح البخارى عن السراج البلقينى بإجازة معينة وكانت معه فى أسفاره لا يفارقها، وكان يعظم الشرع وحملته وكان محبا فى الصلاة لا يقطعها وإن عرض له عارض بادر فى قضائها، وكان مفرطا فى الشجاعة افتتح حصونا وخطب له بقيسارية ثم جهز ولده إبراهيم فظفر بابن قرمان وأحضره أسيرا، ولما أصابته عين الكمال مات ابنه إبراهيم ثم مات هو بعده بقليل، وذلك فى المحرم سنة أربع وعشرين وثمانمائة اه.
وقال العينى فى تاريخه: لما مات السلطان المؤيد كان فى الخزانة ألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار من الذهب على ما قيل فلم تمض السنة وفيها دينار واحدا.
قال: وهو من طائفة من الجراكسة يقال لهم: كرموك. ويقال: أنه من ذربة أينال ابن ركماس بن سرناس بن طحا بن جرباش بن كرموك وكان كرموك كبير طائفة وكذلك نسله ..
وعمل العينى فى سيرته أرجوزة سماها الجوهر وكذا أفردها ابن ناهض فى مجلد حافل، وتكرر نزوله فى سنة اثنتين وعشرين إلى بيت الناصرى بن البارزى ببولاق وعام فى البحر غير مستتر مع ما به من ألم رجله وضربان المفاصل.
وقال المقريزى فى عقوده: كان شجاعا مقداما يحب أهل العلم ويجالسهم، ويجل الشرع النبوى ويذعن له ولا ينكر على الطالب أن يمضى من بين يديه إلى قضاة الشرع بل يعجبه ذلك، وينكر على أمرائه معارضة القضاة فى أحكامهم غير مائل إلى شئ من البدع، له قيام فى الليل إلى التهجد أحيانا، لكنه كان بخيلا مسيكا يشح حتى بالأكل لجوجا غضوبا نكدا حسودا معيانا يتظاهر بأنواع المنكرات فحاشا سبابا شديد المهابة حافظا لأصحابه غير مفرط فيهم ولا مضيع لهم، وهو أكبر أسباب خراب مصر والشام لكثرة ما كان يثيره من الشرور والفتن أيام نيابته بطرابلس ودمشق، ثم ما أفسده فى أيام ملكه من كثرة المظالم ونهب البلاد وتسليط أتباعه على الناس، وأرخ وفاته بعد تنوع الأسقام وتزايد الآلام قبيل ظهر يوم الاثنين تاسع المحرم وقد زاد على الخمسين، وصلى عليه خارج باب القلة وحمل إلى جامعه فدفن بالقبة قبيل العصر ولم يشهد دفنه كبير أحد من الأمراء والمماليك، واتفق فى أمره موعظة فيها أعظم عبرة وهو: أنه لما غسل لم توجد له منشفة ينشف بها فنشف بمنديل بعض من حضر غسله ولا وجد له مئزر تستر به عورته حتى أخذ له مئزر صوف صعيدى من فوق رأس بعض جواريه فستر به ولا وجد له طاسة يصب عليه الماء بها حين غسله مع كثرة ما خلفه من المال.
واقعة الزرب
وفى نزهة الناظرين: أن جماعة الزرب تحصنوا بالجامع المؤيد وبيان ذلك أنه فى سنة ست وسبعين وألف حصلت واقعة مهولة عرفت بواقعة/الزرب وأصلها:
أن جماعة من البغاة كانوا بالشام وخرجوا مع حسن باشا فى أراضى حلب وكثر منهم الأذى والفسق والفجور فانزعج منهم العالم ووصل خبرهم إلى مسامع السلطان محمد؛ فجرد عليهم فقتل منهم الكثير وانتهب أموالهم، والذى نجا منهم حضر إلى مصر وأخذ يتعيش فى سبب من الأسباب فمنهم من عمل خبازا يصنع الخبز ومنهم من أخذ يصنع الكباب ومنهم من دخل التكايا وتدروش، ومنهم من دخل العسكر بطائفة العزب والينكشارية وجعلوا ملجأهم إلى خمسة أشخاص منهم وهم: كور يوسف وأصلان وفضلى الميمنلى وقرافضلى وكورعلى. وأدخلوا معهم محمد بك أمير اللواء فكانوا عصبة للفساد برؤوسهم المذكرين وفتكوا بأمراء كثيرين ونهبوا أموالهم كدرويش كتخدا ومراد كتخدا وأويس بيك، وجعلوا بيت محمد بيك المذكور ديوانا لهم وقد اتسعت دائرته حتى صار له الحل والعقد فى جميع بلاد مصر، وقلد الوظائف العالية لأتباعه وأكثر من سفك الدماء فى العسكر فخربت من أجل ذلك الخانات وغلقت الدور وصودرت
التجار فى أموالها وجعلوا على كل تاجر غرامة يكتب بها حجة بأنه اقترضها وذلك بعد الحبس والضرب، وكان من شعارهم ركوب الحمير العوالى وحولهم أعوانهم كجنود الدجال، ثم لما اتسع نطاق فسادهم فى المدينة وكثر بغيهم ونهبهم لأموال الناس احتمى بعض التجار بالجامع الأزهر فأتوا إلى الوزير وطلبوا منه الأمر بقتلهم، فلما سمع العلماء ذلك غلقوا أبواب الجامع فأتوا إليه وحاصروه فنزل إليهم زعيم مصر فأهانوه فرجع إلى الباشا وأخبره فصار بتحيل فيما يفعله فى قطع دابر هؤلاء المفسدين، وكان فى أثناء تلك الحادثة أصلان نازل فى روضة بجانب حديقة شيخ الإسلام الشيخ شرف الدين فغضب الشيخ من ذلك ومما رآه من أفعالهم الذميمة؛ فتوجه إلى الأزهر وعرض الأمر على العلماء فقاموا وتوجهوا إلى قاضى العسكر وطلبوا منه أصلان ليحاكموه، فطلبه قاضى العسكر فعصى فأثبتوا عليه الكفر وحكموا بقتله، وكان أصلان هذا قد توجه عند الباشا وهو فى أمن لظنه أنه لن يقدر عليه أحد، فلما دخل عند الباشا غمز عليه فقطعت رأسه فبلغ الخبر جنوده وكانوا فى ذلك اليوم قد خرجوا للنزهة بالبساتين فأتوا على حميرهم متسلحين إلى باب العزب فلم يمكنهم الدخول إلى القلعة فرجعوا وتحصنوا بالمؤيد، فاستفتى عمر باشا حاكم مصر العلماء فأفتوه بأنه يقابلهم بما يقابلونه به وإن انهدم من الجامع شئ فيبنى. فأمر العسكر بالزحف عليهم ومعهم اثنا عشر مدفعا، وضاقت الأزقة من كثرة الراكب والراجل وضربوا عليه بالمدافع والبندق إلى وقت العصر، فلما رأوا أن لا قدرة لهم على ذلك طلبوا الأمان وفتحوا الأبواب ورموا أسلحتهم وصار القبض على أغلبهم فقطعت رؤوسهم عند باب زويلة وأخذت أموالهم لبيت المال وقتل من بقى منهم، وذلك يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من صفر سنة ست وسبعين وألف.
وقال بعضهم فى ذلك:
قوم بمصر عتوا بالظلم ثم طغوا
…
إذا أتاهم فتى سوء إليه صغوا
هم زربة حين زالوا مصرنا أمنت
…
قالوا متى هلكوا أرخت حين بغوا
انتهى.
وفى تاريخ الجبرتى من حوادث رأس القرن الحادى عشر: أن الأمير أحمد باشا كتخدا إبراهيم باشا الذى مات بمصر قد أجرى فى مدة ولايته على مصر ترميم هذا الجامع، وكان قد تداعى إلى السقوط فأمر بالكشف عليه وعمره ورفعه، انتهى.
حكاية الواعظ الرومى:
وفيه أيضا: أن رجلا روميا واعظا جلس يعظ الناس بجامع المؤيد سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف وازدحم عليه المسجد وأكثرهم أتراك، ثم انتقل عن الوعظ وذكر ما يفعله أهل مصر بضرائح الأولياء وإيقاد الشموع والقناديل عليها وشنع على ذلك وعلى من يقول بالاطلاع على اللوح المحفوظ. وذكر: أنه لا يجوز بناء القباب على ضرائح الأولياء والتكايا ويجب هدم ذلك، وذكر أيضا وقوف الفقراء بباب زويلة فى ليالى رمضان.
فلما سمع حزبه بذلك خرجوا بعد صلاة التراويح ووقفوا بالنبابيت والأسلحة، فهرب الذين يقفون بالباب فقطعوا الجوخ والأكر وهم يقولون: أين الأولياء؟.
فذهب بعض الناس إلى العلماء بالأزهر وأخبروهم بقول ذلك الواعظ وكتبوا فتوى من الشيخ النفراوى والشيخ أحمد الخليفى بأن كرامات الأولياء لا تنقطع بالموت، وأن إنكاره اطلاع الأولياء على اللوح المحفوظ لا يجوز ويجب على الحاكم زجره عن ذلك، وأخذ بعضهم تلك الفتوى ودفعها للواعظ وهو فى مجلس وعظه؛ فلما قرأها غضب وقال: أيها الناس إن علماء بلدكم أفتوا بغير ما ذكرت لكم وأريد أن أباحثهم فى مجلس قاضى العسكر، فهل منكم من يساعدنى على ذلك وينصر الحق؟، فقالوا له: نحن معك لا نفارقك. فنزل عن الكرسى واجتمع عليه زيادة عن ألف نفس، ومر بهم من وسط القاهرة إلى أن دخل بيت القاضى قريب العصر فانزعج القاضى وسألهم عن مرادهم.
/فقدموا إليه الفتوى وطلبوا منه إحضار المفتين والبحث معهم، فقال القاضى: اصرفوا هذا الجمع ثم نحضرهم ونسمع دعواكم. فقالوا: ما تقول فى هذه الفتوى؟. قال: هى باطلة. فطلبوا منه أن يكتب لهم حجة ببطلانها، فقال: إن الوقت قد ضاق والشهود ذهبوا إلى منازلهم. وخرج الترجمان وقال لهم ذلك فضربوه واختفى القاضى بحريمه وما وسع النائب إلا أن كتب لهم حجة حسب مرامهم.
ثم اجتمع الناس وقت الظهر بالمؤيد لسماع المواعظ على عادتهم فلم يحضر لهم الواعظ فسألوا عن المانع من حضوره، فقال بعضهم: أظن القاضى منعه من الوعظ. فقام رجل متهم وقال: أيها الناس من أراد أن ينصر الحق فليقم معى. فتبعه الجم الغفير.
فمضى بهم إلى مجلس القاضى، فلما رآهم القاضى ومن فى المحكمة طارت عقولهم من الخوف وفر الشهود ولم يبق إلا القاضى فدخلوا عليه وقالوا له: أين شيخنا؟ فقال:
لا أدرى. فقالوا له: قم فاركب معنا إلى الديوان لنكلم الباشا فى هذا الأمر ونسأله أن يحضر لنا أخصامنا الذين قضوا بقتل شيخنا ونتباحث معهم فإن ثبت دعواهم نجوا من أيدينا وإلا قتلناهم. فركب القاضى معهم مكرها وتبعوه من خلفه وأمامه إلى أن طلعوا إلى الديوان فسأله الباشا عن سبب حضوره فى غير وقته، فقال: انظر إلى هؤلاء الذين ملئوا الديوان والحوش فهم الذين أتوابى، وعرفه عن قصتهم وما وقع منهم بالأمس واليوم وأنهم ضربوا الترجمان وأتوا اليوم وأركبونى قهرا. فأرسل الباشا إلى كتخدا الينكشارية وكتخدا العزب وقال لهما: اسألا هؤلاء عن مرادهم. فسألاهم فقالوا: نريد إحضار النفراوى والخليفى ليبحثا مع شيخنا فأعطاهم الباشا بيورلديا ونزلوا إلى جامع المؤيد، وأتوا بالواعظ وأصعدوه على الكرسى؛ فصار يعظهم ويحرضهم على اجتماعهم فى غد بالمؤيد ليذهبوا بجمعيتهم إلى القاضى، وحضهم على الانتصار للدين وافترقوا على ذلك.
وأما الباشا فإنه لما أعطاهم البيورلدى أرسل بيورلديا إلى إبراهيم بيك وقيطاس بيك يعرفهما ما حصل وما فعله العامة من سوء الأدب وقصدهم تحريك الفتن فجمع الأمراء الصناجق والأغاوات فى بيت الدفتردار، وأجمعوا رأيهم على أن يخرجوا من حق هؤلاء وينفوا ذلك الواعظ من البلد، وأمروا الأغا أن يركب للقبض على من يجده منهم وأن يدخل جامع المؤيد ويطرد من يسكنه من السفط. فركب الأغا وأرسل الجاويشية إلى جامع المؤيد فلم يجدوا منهم أحدا وجعل يتفحص عليهم فمن ظفر به أرسله إلى باب أغاته فضربوا بعضهم ونفوا بعضهم وسكنت الفتنة وفى ذلك يقول الشيخ حسن الحجازى:
مصر قد حل بها واعظ
…
عن منهج صدق أعرض
أبدى جهلا فيها قولا
…
منه الحبلى حالا تجهض
فأساء الظن بسادات
…
أحكام الدين بها تنهض
إذ قال لنا: من أين لكم
…
ختم بالخير لهم يفرض
وكرامات لهم انقطعت
…
بالموت زيارتهم ترفض
وتهد جميع قبابهم
…
ومرتبهم كلا ينقض
وعل اللوح المحفوظ فما
…
للهادى مطلع يعرض
وخرفات شتى الألسن
…
بها إن فاهت شرعا تقرض
وغلا واستوغل واستعلى
…
وعلينا العسكر قد حرض
وإلى القاضى ذهبوا جهرا
…
كى يكتب ما فيه منقض
وبه نحو الباشا انطلقوا
…
فارتاع وما عنهم أعرض
ولهم أمضى ما قد طلبوا
…
أن يبقى الواعظ واستنهض
فى الحال صناجق والأمرا
…
فى قمع أولئك واستحضض
فإذا قاموا معه صدقا
…
وأزالوا كل من استعرض
والواعظ فر وقيل قتل
…
وعليه الخزى قد استربض
وكفانا الله مؤنته
…
وله أرخ عيب أمرض
انتهى.
ترجمة الشيخ خليل بن محمد المغربى:
وفى الجبرتى أيضا: أن هذا الجامع كان به خزانة كتب معتبرة وكان المغير عليها الإمام الفقيه المحدث المحقق الشيخ خليل بن محمد المغربى الأصل المالكى المصرى أتى والده من المغرب إلى مصر، ثم ولد المترجم فنشأ على عفة وصلاح وأقبل على تحصيل المعارف فأدرك منها مقصوده وحضر دروس الشيخ الملوى والسيد البليدى وغيرهما من فضلاء الوقت، وفاق أقرانه فى التحقيقات واشتهر، وكان حسن الإلقاء والتقرير حاد القريحة جيد الذهن، تولى الخزانة المذكورة مدة فأصلح ما فسد منها ورم ما تشعث.
ومن مؤلفاته شرح المقولات العشر وهو مفيد جدا.
توفى يوم الخميس الخامس والعشرين من المحرم سنة سبع وسبعين ومائة وألف بالرى، وهو منصرف من الحج رحمه الله تعالى، انتهى.
وهذا الجامع إلى الآن من أشهر الجوامع وأعظمها وأوسعها وشعائره مقامة وبه منبر وخطبة، وعلى محرابه قبة مرتفعة وله مقصورة يفصلها من الصحن جدار، ودائر صحنه مفروش بالرخام الملون وفى وسطه حنفية وأشجار وبداخله أربعة مدافن أحدها للمنشئ والثانى لزوجته والآخران لابنه وبنته وبه صهريج، وله ثلاثة أبواب أكبرها /بشارع السكرية. والآخران بالجدار البحرى يفتح أحدهما على المطهرة بقرب شارع تحت الربع، والآخر بقرب الاشراقية وأرض الجامع مرتفعة عن أرض الشارع بنحو
خمسة أمتار وتحته جملة دكاكين على شارع السكرية، وقد هدمت جدران هذا الجامع ما عدا الذى فيه القبلة وأعيدت بأمر الخديو السابق إسماعيل باشا، وصرف على ذلك من خزانة ديوان الأوقاف فقارب التمام على هيئته الأصلية والعزم على عمل مطهرته أحسن مما كانت.
وأما المقصورة التى فيها المنبر والدكة فباقية على أصلها وفيها أعمدة جليلة من الرخام تحمل سقفا من الخشب النقى القديم الصنعة العديم المثال فإن ذلك السقف يقصد للفرجة لقلة وجود مثله.
***
حرف النون
جامع نائب الكرك
هذا الجامع بظاهر الحسينية مما يلى الخليج تخرب بخراب ما حوله.
أنشأه الأمير جمال الدين أقوش الرومى السلاحدار الناصرى المعروف بنائب الكرك.
توفى سنة سبع وسبعمائة، انتهى مقريزى.
ترجمة نائب الكرك:
وقال فى ذكر الدور: أن نائب الكرك هو الأمير أقوش الأشرفى جمال الدين، ولاّه الملك الناصر محمد بن قلاوون نيابة دمشق بعد مجيئه من الكرك، ثم عزل واعتقل ثم أفرج عنه وجعل رأس الميمنة لتنكز وصار يقوم له إذا قدم دون غيره من الأمراء.
وكان لا يلبس مصقولا ويمشى من داره التى بين الخرنفش وباب سر المارستان المنصورى إلى الحمام وهو حامل المئزر والطاسة وحده فيدخل الحمام. ويخرج عريانا، فاتفق أن رجلا عرفه فحك له رجله بالحجر وغسله وهو لا يكلمه فلما صار إلى بيته طلب الرجل وضربه وقال له: أنا مالى مملوك ما عندى غلام ما لى طاسة حتى تتجرأ على!.
وكان يتوجه إلى معبد فى الجبل الأحمر وينفرد فيه اليوم والثلاثة ويرجع وذيله على كتفه، وباشر نظر المارستان المنصورى ثم أخرج إلى نيابة طرابلس سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، ثم قبض عليه واعتقل فى دمشق ثم نقل إلى صفد ثم أخرج إلى الاسكندرية فمات بها معتقلا سنة ست وثلاثين.
وكان عسوفا جبارا مات عدة من الناس تحت الضرب قدامه، وكان كريما إلى الغاية وعرف بنائب الكرك لأنه أقام فى نيابتها من سنة تسعين وستمائة إلى سنة تسع وسبعمائة انتهى.
الجامع الجديد الناصرى
قال المقريزى: هذا الجامع بشاطئ النيل من ساحل مصر الجديد عمره القاضى فخر الدين محمد بن فضل الله ناظر الجيش باسم السلطان الملك الناصر حسن محمد بن قلاوون، وكان الشروع فيه يوم التاسع من المحرم سنة إحدى عشرة وسبعمائة، وانتهت عمارته فى ثامن صفر سنة اثنتى عشرة وسبعمائه، وأقيم فى خطابته قاضى القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة الشافعى، ورتب فى إمامته الفقيه تاج الدين بن مرهف فأول ما صلى فيه صلاة الظهر من يوم الخميس ثامن صفر المذكور، وأقيمت فيه الجمعة يوم الجمعة تاسع صفر، وخطب عن قاضى القضاة بدر الدين ابنه جمال الدين.
ولهذا الجامع أربعة أبواب وفيه مائة وسبعة وثلاثون عمودا منها عشرة من صوان فى غاية السمك والطول، وجملة ذرعه أحد عشر ألف ذراع وخمسمائة ذراع بذراع العمل من ذلك طوله من قبليه إلى بحريه مائة وعشرون ذراعا، وعرضه من شرقيه إلى غربيه مائة ذراع، وفيه ستة عشر شباكا من حديد وهو يشرف من قبليه على بستان العالمة وينظر من بحريه بحر النيل. وكان موضع هذا الجامع فى القديم مغمورا بماء النيل ثم انحسر عنه النيل وصار رملة فى زمن الملك الصالح نجم الدين أيوب يمرغ الناس فيها دوابهم أيام احتراق النيل، وما برح هذا الجامع من أحسن منتزهات مصر إلى أن خرب ما حوله وفيه إلى الآن بقية وهو عامر، انتهى.
قلت: وقد زال هذا الجامع ولم يبق له أثر وموضعه الآن حوش كبير من وقف السادات يعرف بحوش التكية كائن عند فم الخليج بحرى سراى السادات التى هناك كما يؤخذ ذلك من كتاب وقفيتهم فإنه ذكر فيه: أن الحد القبلى للسراى المذكورة ينتهى بعضه للخلاء وبعضه للدرب القديم المعروف بدرب الحجارة وبعضه لمدرسة طيبرس العبدانى ولمقام الشيخ الجمل وباقيه لوكالة السمن، والحد البحرى ينتهى بعضه للخلاء وبعضه للتربة المعدة لدفن أموات المسلمين وبعضه للجامع الجديد ولقطعة الأرض الجارية وفى الجامع المذكور وباقيه لمطهرة الجامع المذكور، والحد الشرقى ينتهى للطريق السالك للخلاء وإلى باب مصر القديمة والكيمان، والحد الغربى ينتهى للطريق السالك منها لدار النحاس وبعضه للخربة الحادثة فى أوقاف أسيادنا بنى الوفا، انتهى.
جامع الناصرية
هو بشارع النحاسين بجوار القبة المنصورية والمارستان المنصورى، الذى هو المدرسة المنصورية عن يسار الذاهب من النحاسين إلى الحسينية، وشعائره مقامة بالأذان السلطانى والجمعة والجماعة، وهو المعروف فى خطط المقريزى بالمدرسة الناصرية.
قال فى الخطط: هذه المدرسة بجوار القبة المنصورية من شرقيها كان/موضعها حماما، فأمر الملك العادل زين الدين كتبغا المنصورى بإنشاء مدرسة موضعه.
فوضع أساسها وارتفع بناؤها إلى نحو الطراز المذهب الذى بظاهرها فكان من خلعه ما كان. فلما عاد السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى مملكة مصر سنة ثمان وتسعين وستمائة أمر بإتمامها وقد اشتراها قبل الإشهاد بوقفها فكملت فى سنة ثلاث وسبعمائة، وهى من أجل مبانى القاهرة وبابها من أعجب ما عملته أيدى بنى آدم فإنه من الرخام الأبيض البديع الزى الفائق الصناعة نقل إلى القاهرة من كنيسة من كنائس عكا وأخذه كتبغا من ورثة الأمير بيدار وعمله على باب هذه المدرسة.
وأنشأ الملك الناصر من داخل بابها قبة جليلة لكنها دون قبة أبيه ونقل إليها أمه، ووقف عليها قيسارية الأمير على بخط الشرابشيين والربع الذى يعلوها وكان يعرف بالدهيشة، ووقف حوانيت بخط باب الزهومة ودارا خارج دمشق.
فلما مات ابنه أنوك من الخاتون طغاى دفنه بهذه القبة وعمل عليها وقفا يختص بها، ورتب فيها أربعة دروس على المذاهب الأربعة فى الأربعة أواوين، وأجرى عليهم المعاليم ورتب بها إماما وجعل بها خزانة كتب، وكان يجلس بدهليزها الطواشية وكان يفرق بها على سائر أرباب الوظائف السكر فى كل شهر ولحوم الأضاحى فى كل سنة، وهى اليوم عامرة من أجل المدارس، انتهى من المقريزى باختصار.
جامع نجم الدين
هذا الجامع خارج باب البحر بطريق بولاق.
أنشأه نجم الدين بن غازى دلال المماليك، وأقيمت فيه الجمعة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ولقلة السكان حوله يغلق فى غير يوم الجمعة اه. مقريزى.
جامع سيدى نصر
هذا الجامع ببولاق فى درب نصر. وهو صغير وبه ضريح يقال له: ضريح سيدى نصر. يعمل له مولد فى شهر شعبان وحضرة كل ليلة سبت وشعائره مقامة، وكان ناظره المعلم أحمد زهدة شيخ اللحادين.
جامع نعمان
هذا الجامع بالداوودية. أنشأه الأمير رجب أغا فى غرة جمادى الأولى سنة خمس وثمانين وتسعمائة كما فى بعض الآثار، وهو مسجد عامر وله بابان وبه منبر وخطبة وبه ضريح معتقد يقال له: ضريح الشيخ نعمان. وله أوقاف تحت نظر ديوان عموم الأوقاف شعائره مقامة من ريعها، وقد أخذ منه جزء فى الشارع الجديد المعروف بشارع محمد على فصار مشطورا غير معتدل الصفوف، وصار على الشارع وعلى رأس حارة الداوودية، وشعائره مقامة بالأذان والخطبة والجماعات.
الجامع النفيسى
هذا الجامع خارج خط الخليفة داخل البوابة الكبيرة الموصلة إلى القرافة الصغرى بقرب العيون، التى عليها مجرى القلعة عن شمال الذاهب إلى القرافة.
وحدده فى كتاب المزارات وغيره بأنه فى درب السباع بين القطائع وأرض العسكر التى عرفت فيما بعد بكوم الجارح.
قال المقريزى: الجامع بالمشهد النفيسى. قال ابن المتوج: هذا الجامع آمر بإنشائه الملك الناصر محمد بن قلاوون فعمر فى شهور سنة أربع عشرة وسبعمائة، وولى خطابته علاء الدين محمد بن نصر الله بن الجوهرى شاهد الخزانة السلطانية. وأول خطبته فيه يوم الجمعة الثامن صفر السنة المذكورة، وحضر أمير المؤمنين المستكفى بالله أبو الربيع سليمان وولده وابن عمه والأمير كهرداش متولى شد العمائر السلطانية وعمارة هذا الجامع ورواقاته والفسقية المستجدة.
وقيل: ان جميع المصروف على هذا الجامع من حاصل المشهد النفيسى، وما يدخل إليه من النذور ومن الفتوح. قاله المقريزى فى ذكر الجوامع.
وقال فى ذكر المشاهد: لما توفيت السيدة نفيسة رضي الله عنها دفنت فى منزلها وهو الموضع الذى به قبرها الآن ويعرف بخط درب السباع ودرب بزرب، وأراد زوجها إسحاق بن الصادق أن يحملها ليد فدفنها بالمدينة فسأله أهل مصر أن يتركها ويدفنها عندهم لأجل البركة.
قيل: أنهم جمعوا له اثنى عشر ألف درهم فتركها مدفونة عندهم، وقبرها أحد المواضع المعروفة بإجابة الدعاء بمصر، وهى أربعة: سجن نبى الله يوسف الصديق عليه الصلاة والسلام، ومسجد موسى صلوات الله عليه، وهو الذى يطرا، ومشهد السيدة نفيسة رضي الله عنها، والمخدع الذى على يسار المصلى فى قبلة مسجد الأقدام بالقرافة.
فهذه المواضع لم يزل المصريون ممن أصابته مصيبة أو لحقته فاقة أو جائحة يمضون إلى أحدها فيدعون الله تعالى فيستجاب لهم مجرب ذلك.
ويقال: أنها حفرت قبرها هذا بيدها وقرأت فيه مائة وتسعين ختمة: ثم قال:
وذكر غير واحد من علماء الأخبار بمصر: أن هذا قبر السيدة نفيسة رضي الله عنها بلا خلاف، وقد زار قبرها من العلماء والصالحين خلق لا يحصى عددهم.
ويقال: أن أول من بنى على قبر السيدة نفيسة عبيد الله بن السرى بن الحكم أمير مصر، ومكتوب فى اللوح الرخام الذى على باب ضريحها وهو الذى كان مصفحا بالحديد بعد البسملة ما نصه:{(نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَ فَتْحٌ قَرِيبٌ)}
(1)
لعبد الله ووليه معد أبى تميم الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه المكرمين أمر بعمارة هذا الباب السيد الأجل أمير الجيوش سيف الإسلام ناصر الأنام كافل قضاة المسلمين وهادى دعاة المؤمنين عضد الله به الدين وأمتع بطول بقائه المؤمنين وأدام قدرته وأعلى كلمته، وشد عضده بولده الأجل الأفضل سيف الإمام جلال الإسلام شرف الأنام ناصر الدين خليل أمير المؤمنين، زاد الله فى علائه وأمتع المؤمنين بطول بقائه فى شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة.
والقبة التى على الضريح جددها الخليفة الحافظ لدين الله فى سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة وأمر بعمل الرخام الذى بالمحراب اه.
(1)
سورة الصف: 13.
وفى كتاب المزارات للسخاوى: أن نظر المشهد النفيسى صار للخلفاء العباسية، وأول من تولى النظر عليه المعتضد بالله أبو الفتح أبو بكر بن المستكفى بالله بتوقيع سلطانى من السلطان الناصر حسن سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة.
وفى تاريخ الجبرتى: أن الأمير عبد الرحمن كتخدا عمر المشهد النفيسى ومسجده وبنى الضريح على هذه الهيئة الموجودة، وجعل لزيارة النساء طريقا بخلاف طريق الرجال، وذلك فى سنة ثلاث وسبعين ومائه وألف.
وقال فى ترجمة الشيخ محمد بن إسماعيل النفراوى المالكى: أنه لما جدد الأمير عبد الرحمن كتخدا المشهد النفيسى عمل أبياتا منها بيتان كتبا على باب الضريح بالذهب على الرخام وهما:
عرش الحقائق مهبط الأسرار
…
قبر النفيسة بنت ذى الأنوار
حسن بن زيد بن الحسن نجل الإما
…
م على ابن عم المصطفى المختار
ومنها ما كتبه على باب القبة:
عبد رحمن لعفو قد ترجى
…
قد بناها روضة للزائرين
فلذا أرختها يا زائريها
…
ادخلوها بسلام آمنين
ويدخل إلى هذا الجامع من طرقة طويلة مفروشة بالحجر المنحوت بعد النزول من نحو ثلاثة سلالم، وعن يمين الداخل فى تلك الطرقة مطهرة الجامع من ميضأة ومرافق ومصنع وبجوارها مكتب جدد فى زمن نظارة المرحوم أدهم باشا، وعن اليمين والشمال عدة خلا وللصوفية وفى نهايتها بابان: أحدهما يدخل منه إلى الضريح ومن الآخر إلى الجامع.
والباب الذى إلى الضريح يدخل منه إلى طرقة مفروشة بالرخام الأبيض بها نحو الأربعة سلالم وزيادة، وعن شمال الداخل منها سبيل وجهه من الرخام عليه كيزان من النحاس الأصفر، وعن اليمين بقرب نهايتها المشهد الشريف له باب من الرخام والقيشانى ويكتنفه عمودان صغيران من حجر السماق وحائط القبة من الأسفل مكسو بالرخام والقيشانى نحو ثلثى قامة، وفى أعلاها آيات قرآنية وفيها قبلة بالرخام والقيشانى وأخرى من الخشب، وعلى البرزخ الشريف مقصورة من النحاس الأصفر المتين وبجوار باب المشهد من الخارج إيوان يجلس عليه القراء فى ليلة الحضرة فيه قبلة
وباب صغير إلى الضريح لا يفتح إلا فى أيام المولد وشباك مطل على مدافن السادة العباسية التى دفن بها فى سنة سبع وعشرين وتسعمائة كما فى ابن إياس الخليفة يعقوب العباسى رحمه الله تعالى، اه.
وتجاه الباب الكبير باب للمسجد يصعد إليه بسلالم من الرخام وعليه من الخشب المصفح بالنحاس وعلى وجهه مما يلى الجامع البيتان المتقدمان من كلام النفراوى:
عرش الحقائق مهبط الأسرار
…
إلخ
فلعلهما نقلا من باب الضريح إلى باب الجامع، وتحت البيتين تاريخ سنة اثنتين وسبعين ومائتين وألف وهو تاريخ تتميم عمارة أجراها محب الخيرات المرحوم عباس باشا رحمه الله تعالى. فإنه جدد المقصورة وبعض الأبواب والرخام والدرابزينات وغير ذلك، وتحت التاريخ سطر فيه:
«رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد» .
وبالجامع سبعة عشر عمودا من الرخام ومنبر خشب ودكة للتبليغ، وسقفه خشب بصنعة بلدية، وهناك خلوتان صغيرتان أبوابهما إلى الجامع ويكتنفهما ثلاثة أحجار فى الحائط من الحجر الأسود اللماع، وبجوار ذلك لوح قيشانى صغير فيه خط كوفى ويوسطه طرة مكتوب فيها: توكلت على خالقى. وفى مؤخر الجامع درابزين من الخشب حائل بينه وبين الطرقة الموصلة له.
وللمسجد باب آخر فى الحائط التى عن شمال القبلة خارجه طرقة طويلة مفروشة بالحجر، وفى خارجها باب بجوار ضريح الست جوهرة وهناك سبيل ومدافن كثيرة، وهو مسجد جامع ورحاب واسع، وشعائره مقامة إلى الغاية ولا يخلو من الازدحام لكثرة زوار هذه السيدة ذات المناقب الكثيرة والبركات الشهيرة، فترى الناس يهرعون إليها رجالا ونساء لزيارتها والتماس بركتها سيما عند الشدائد وخصوصا فى ليلة حضرتها وهى كل ليلة/اثنين.
ولهذا المشهد والجامع إيراد عظيم يبلغ كل سنة خمسة وعشرين ألف قرش وتسعمائة وثلاثة عشر قرشا منها ثمانية عشر ألف قرش وستمائة وثمانية وثلاثون قرشا إيجار مائة وخمسين فدانا موقوفة عليها وستة آلاف قرش ومائتان وثلاثة وثلاثون قرشا إيجار عقارات من رباع وحوانيت ونحوها، ومائتان وثلاثة قروش أحكار ومرتب فى الروزنامجه ثمانمائة وسبعة وثلاثون قرشا. يصرف للخدمة من ذلك كل سنة خمسة آلاف ومائتان وثمانية
وثمانون قرشا ولنحو الزيت والحصر والبسط وملء الميضأة ونحو ذلك ثلاثة عشر ألف قرش وسبعون قرشا ويحفظ الباقى فى ديوان الأوقاف لنحو العمارات.
وذلك غير النذور والعوائد الآتية من الزوار، لكن ذلك يأخذه الخدمة ولا يحسب فى الإيراد ومن ذلك إيراد القنديل المعلق فى القبة فوق المقصورة بجوار الضريح، فإن من كان بعينه داء من رمد ونحوه من أهل المحروسة وغيرهم رجالا ونساء يذهب فى ليلة الحضرة إلى الزيارة فيبيت هناك ويكحل عينه من زيت ذلك القنديل ويدفع للوقاد ما تيسر من النقود، ويرون فى ذلك شفاء فإذا تم الشفاء يأتون بالنذور والهدايا، ولذلك القنديل شهرة تامة فى هذه الخاصية وقد ترجم هذه السيدة الكريمة جماعة من المؤرخين
ترجمة السيدة نفيسة رضي الله عنها:
قال المقريزى: نفيسة ابنة الحسن بن زيد بن الحسن بن على بن أبى طالب أمها أم ولد تزوجها إسحاق بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين فولدت له ولدين القاسم وأم كلثوم لم يعقبا.
وكانت نفيسة من الصلاح والزهد على الحد الذى لا مزيد عليه فيقال: أنها حجت ثلاثين حجة وكانت كثيرة البكاء تديم قيام الليل وصيام النهار؛ فقيل لها: ألا ترفقين بنفسك!. فقالت: كيف أرفق بنفسى وأمامى عقبة لا يقطعها إلا الفائزون!.
وكانت تحفظ القرآن وتفسيره، وكانت لا تأكل إلا فى كل ثلاث ليال أكله.
وذكر أن الإمام الشافعى رضي الله عنه زارها من وراء الحجاب وقال لها: ادعى لى.
وكان صحبته عبد الله بن عبد الحكم، وماتت رضي الله عنها بعد موت الإمام الشافعى رضي الله عنه بأربع سنين. وقيل: أنها كانت فيمن صلى على الإمام الشافعى وقد توفيت رضي الله عنها فى شهر رمضان سنة ثمان ومائتين ودفنت فى منزلها المعروف بخط درب السباع ودرب بزرب. ويقال: أنها حفرت قبرها هذا وقرأت فيه مائة وتسعين ختمة وأنها لما احتضرت خرجت من الدنيا وقد انتهت فى حزبها إلى قوله تعالى: {(قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)}
(1)
ففاضت نفسها مع قوله تعالى:
(الرحمة) اه. باختصار.
وفى ابن خلكان: أنها دخلت مصر مع زوجها إسحاق بن جعفر. وقيل: دخلت مع أبيها الحسن وأن قبره بمصر.
(1)
سورة الأنعام: 12.
ويروى أن الإمام الشافعى رضي الله عنه لما دخل مصر حضر إليها وسمع عليها الحديث، وكان للمصريين فيها اعتقاد عظيم وهو إلى الآن باق كما كان، ولما توفى الإمام الشافعى أدخلت جنازته إليها وصلت عليه فى دارها، وكانت فى موضع مشهدها اليوم، ولما ماتت عزم زوجها على حملها إلى المدينة فسأله المصريون بقاءها عندهم فدفنت فى الموضع المعروف بها الآن بين القاهرة ومصر عند المشاهد، وهذا الموضع يعرف يوم ذاك بدرب السباع فخرب الدرب ولم يبق هناك سوى المشهد وقبرها مشهور بإجابة الدعاء عنده وهو مجرب اه.
وفى إسعاف الراغبين فى فضائل أهل البيت للشيخ محمد الصبان: وأن المشهور بمصر أن السيدة نفيسة رضي الله عنها هى بنت الحسن بن زيد بن الحسن أن جمهور النسّابين يقولون: أنها بنت زيد بن الحسن بن على ولدت بمكة سنة خمس وأربعين ومائة، ونشأت بالمدينة فى العبادة والزهد وكانت ذات مال، فكانت تحسن إلى الزمنى والمرضى وعموم الناس، ولما ورد الشافعى مصر كانت تحسن إليه وربما صلى بها فى رمضان ولما قدمت مصر كانت بها بنت عمها السيدة سكينة ولها بها الشهرة التامة فخلعت عليها الشهرة فصار للسيدة نفيسة القبول التام بين الخاص والعام وماتت وهى صائمة فألزموها الفطر فقالت: واعجباه لى منذ ثلاثين سنة أسأل الله تعالى أن ألقاه وأنا صائمة أفطر الآن هذا لا يكون. ثم قرأت سورة الأنعام فلما وصلت إلى قوله تعالى: {(لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ)}
(1)
ماتت وكانت قد حفرت قبرها بيدها وقرأت فيه ستة آلاف ختمة، ولما ماتت دفنت فيه ببيتها فى درب السماع بالمراغة محل معروف بينه وبين مشهد ها الذى بزار الآن مسافة، ثم ظهرت فى هذا المكان الذى يزار الآن لأن حكم الحال فى البرزخ حكم إنسان تدلى فى تيار جار فيظهر بعد ذلك فى مكان آخر اه.
وفى رحلة النابلسى: أن قبر السيدة نفيسة رضي الله عنها معروف بإجابة الدعاء مقصود للزيارة من كل جهة، ولما وصلنا إلى القرافة للزيارة ابتدأنا بزيارة قبرها فدخلنا نحن والجماعة الذين كانوا معنا إلى مزارها المعمور، فإذا هو ملآن من الناس مع كمال الخشوع والحضور والنساء هناك وجدناهن تقرأ لهن القرآن امرأة حافظة بالصوت العالى وكوكب الهيبة والجلال فى سماء تلك الحضرة متلألئ/فوقفنا وقرأنا الفاتحة ودعونا الله تعالى، ثم دخلنا إلى معبدها هناك وصلينا فيه ركعتين بقصد
(1)
سورة الأنعام: 127.
حصول البركة، وفيه شباكان مطلان على قبور الخلفاء العباسيين عليهما من الحديد شبكة، وقرأنا الفاتحة ثانيا ودعونا الله تعالى وخرجنا بأدب وحضور
(1)
اه.
وفى كتاب المزارات للسخاوى: أن سبب قدوم السيدة نفيسة إلى مصر أنها حجت ثلاثين حجة راكبة فى بعضها وماشية فى بعضها، وكانت تقرأ القرآن وتفسيره وتقول:
إلهى لك علىّ زيارة قبر خليلك إبراهيم عليه الصلاة والسلام. فحجت سنة وقضت حجتها وتوجهت مع زوجها إلى بيت المقدس فزارت قبر الخليل وأتت مع زوجها إلى مصر فى رمضان سنة ثلاث وتسعين ومائة. وكان لقدومها إلى مصر أمر عظيم تلقاها الرجال والنساء بالهوادج من العريش، ونزلت أولا عند كبير التجار بمصر جمال الدين عبد الله بن الجصاص - بالجيم - وقيل: بالحاء. وكان من أصحاب المعروف والبر فأقامت عنده شهورا يأتى إليها الناس من سائر الآفاق للتبرك، ثم تحولت إلى مكانها المدفونة به وهبه لها أمير مصر السرى بن الحكم. وسبب ذلك: أن بنتا يهودية زمنة تركتها أمها عندها وذهبت إلى الحمام فشفاها الله تعالى ببركة السيدة رضي الله عنها وأسلمت، ثم أسلمت أمها ثم أسلم أبوها ثم أسلم جماعة من الجيران يقال أن عدد من أسلم فى هذه الحادثة سبعون نفرا ودارا فى ذلك النهار أو تلك الليلة.
ولما شاع ذلك لم يبق احد إلا يقصد زيارتها وكثر الناس على بابها؛ فطلبت الرحيل إلى بلاد الحجاز فشق على أهل مصر وسألوها الإقامة فأبت فركب إليها السرى بن الحكم وسألها الإقامة؛ فقالت: إنى امرأة ضعيفة وقد شغلونى عن جمع زادى لمعادى ومكانى قد ضاق بهذا الجمع الكثيف. فقال لها: أما ضيق المكان فإن لى دارا واسعة بدرب السباع فأشهد الله أنى قد وهبتها لك وأسألك أن تقبليها منى. وأما الجموع الوافدة فقررى معهم أن يكون ذلك يومين فى الجمعة وباقى أيامك فى خدمة مولاك، فجعلت لهم يوم السبت ويوم الأربعاء إلى أن توفيت فى هذا المكان.
وكراماتها ومناقبها جليلة وقد أقبل على زيارتها فى الحياة وبعد الممات خلق لا يحصون من العلماء والخلفاء والأولياء وغيرهم. قيل: أن الخلعى كان يقول عند زيارتها:
السلام والتحية والإكرام من العلى الرحمن على السيدة نفيسة الطاهرة المطهرة سلالة البررة وابنة علم العشرة الإمام حيدرة. السلام عليك يا ابنة الإمام الحسن المسموم أخى
(1)
راجع (رحلة الحقيقة والمجاز للنابلسى ص 189 ط الهيئة المصرية اليامة الكتاب).
الإمام الحسين سيد الشهداء المظلوم: السلام عليك يا بنت فاطمة الزهرا وسلالة خديجة الكبرى، رضى الله تبارك وتعالى عنك وعن جدك وأبيك وحشرنا فى زمرة والديك وزائريك.
اللهم بما كان بينك وبين جدها ليلة المعراج اجعل لنا من همنا الذى نزل بنا انفراج، واقض حوائجنا فى الدنيا والآخرة يا رب العالمين.
وزاد بعضهم على هذا على الدعاء فقال: السلام والتحية والإكرام على أهل بيت النبوة والرسالة، والسلام والرحمة على بنت الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن المثنى الحسن السبط بن على المجتبى وابن فاطمة الزهرا، أنتم غياث لكل قوم فى اليقظة والنوم، فلا يحرم فضلكم إلا محروم، ولا يطرد عن بابكم إلا مطرود، ولا يواليكم إلا مؤمن تقى، ولا يعاديكم إلا منافق شقى.
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وأعطنى خير ما رجوت بهم، وبلغنى خير ما أملت فيهم. يا آل بيت المصطفى، إنما السر والسلامة فيكم جئتكم قاصدا فبالله اقبلونى فقد حسبت عليكم. اللهم إنى ألوذ إليك بحب آل محمد صلى الله عليه وسلم أرجو بذلك رحمة الرحمن منى الدعاء بحبهم لك دائما يا دائم المعروف والغفران.
وكان بعضهم يقف عند هذا المشهد ويقول:
يا رب إنى مؤمن بمحمد
…
وبآل بيت محمد بتوال
فبحقهم كن لى شفيعا منقذا
…
من فتنة الدنيا وشر مآل
وكان بعضهم يقول:
يا بنى الزهراء والنور الذى
…
ظن موسى أنه نار قبس
لا أوالى قط من عاد كو
…
إنه آخر سطر فى عبس
وقد أخذ أرباب الدولة فى العمارة بجوار ضريح السيدة نفيسة رضي الله عنها للتبرك بها قديما وحديثا فمنهم الستر الرفيع والحجاب المنيع أم السلطان الملك العادل سيف الدين أبى بكر بن أيوب بن شاذى الكردى أنشأت رباطا بجوارها، والملك الناصر محمد بن قلاوون أمر بإنشاء جامع بخطبة وشيد بناءه.
ولما توفى الخليفة أمير المؤمنين أبو العباس أحمد بن العباسى المعروف بالأسمر فى سنة إحدى وسبعمائة أمر السلطان الناصر محمد بن قلاوون أن يدفن بالمشهد النفيسى
فدفن هناك وبنيت له قبة وهو أول خليفة دفن بمصر من العباسيين، وكان دخوله مصر سنة ستين وستمائة فى دولة السلطان بيبرس البندقدارى، وكانت مدة خلافته أربعين سنة وبجوار المشهد قبور جماعة من العباسين.
وادعى/قوم: أن السيدة نفيسة ورابعة العدوية كانتا متعاصرتين وليس كذلك.
فإن السيدة رابعة العدوية أم الخير بنت إسماعيل البصرى توفيت سنة خمس وثلاثين ومائة فى خلافة السفاح، وكان مولد السيدة نفيسة فى سنة خمس وأربعين ومائة فكان بين مولد السيدة نفيسة وموت رابعة العدوية عشر سنين اه.
ومن حوادث هذا المشهد والجامع ما فى تاريخ ابن إياس من حوادث سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة: أن العساكر العثمانية عند تغلبهم على الديار المصرية وكسرهم للسلطان طومان باى. وعساكره جاء جماعة منهم على مصر القديمة وطلعوا من على باب القرافة الكبرى إلى المشهد النفيسى، ودخلوا الفرنج وداسوا على القبر وأخذوا القناديل الفضة والشموع والبسط وغير ذلك، وقتلوا من وجدوه مختفيا هناك من المماليك الجراكسة وفعلوا ذلك فى عدة مساجد كالجامع الأزهر وجامع ابن طولون والجامع الحاكمى انتهى.
نادرة العنز:
وفى تاريخ الجبرتى من حوادث سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف: أن خدام المشهد النفيسى أظهروا عنزا صغيرا مدربا وكان كبيرهم إذ ذاك الشيخ عبد اللطيف وزعموا: أن جماعة أسرى ببلاد النصارى توسلوا بالسيدة نفيسة رضي الله عنها، وأحضروا ذلك العنز لذبحه فى ليلة يجتمعون فيها للذكر والدعاء ويتوسلون فى خلاصهم من الأسر، فاطلع عليهم الكافر فزجرهم وسبهم ومنعهم من ذبح العنز؛ فرأى فى المنام رؤيا أهالته فأعتقهم وأعطاهم دراهم وصرفهم مكرمين، فحضروا إلى مصر ومعهم العنز وذهبوا بها إلى المشهد النفيسى وكثرت فيها الخرافات. فمن قائل: أنهم أصبحوا فوجدوها عند المقام. ومن قائل: فوق المنارة. ومن قائل: سمعناها تتكلم. ومنهم من يقول: السيدة أوصت عليها وأن الشيخ سمع كلامها من القبر، ثم أنه أبرزها للناس وجعلها بجانبه، وجعل يقول ما يقول من الخرافات التى يستجلب بها الدنيا وتسامع الناس بذلك، وأقبلوا من كل فج رجالا ونساء لزيارتها وأتوا للشيخ بالنذور والهدايا، وعرفهم: أنها لا تأكل إلا قلب اللوز والفستق ولا تشرب إلا ماء الورد والسكر المكرر فأتوه من ذلك بالقناطير وعمل الناس للعنز قلائد الذهب وأطواق الذهب وافتتنوا بها،
وشاع الخبر عند الأمراء وأكابر النساء فجعلن يرسلن كل على قدر مقامه من النذور وازدحمن على زيارتها، فأرسل الأمير عبد الرحمن كتخدا إلى الشيخ عبد اللطيف يلتمس منه حضوره إليه بالعنز ليتبرك هو وحريمه بها، فركب الشيخ بغلته والعنز فى حجره وصحبته الطبول والبيارق والجم الغفير من الناس حتى دخل بيت ذلك الأمير على تلك الحالة وصعد بها إلى مجلسه وعنده كثير من الأمراء فتلمس بها وأمر بإدخالها إلى الحريم للبركة، وكان قد أوصى بذبحها وطبخها فلما أخذوها ذبحوها وعملوها قممه وأخرجوها مع الغذاء فى صحن فأكلوا منها، وصار الشيخ عبد اللطيف يأكل والأمير يقول: كل يا شيخ من هذا الرميس السمين. فيقول: والله إنه طيب ونفيس. وهو لا يعلم أنه عنزه وهم يتغامزون ويضحكون، فلما أكلوا وشربوا القهوة طلب الشيخ العنز فعرفه الأمير أنها التى كالت بين يديه فى الصحن وأكل منها فبهت عند ذلك، ثم بكته الأمير ووبخه وأمر أن يوضع جلد العنز على عمامته وأن يذهب به كما جاء بجمعيته وبين يديه الطبول والأشاير، ووكل به من أوصله إلى محله على تلك الصورة، وفى ذلك يقول الأديب الكامل الشاعر الثائر عبد الله بن سلامة الإدكاوى:
ببنت رسول الله طيبة السنا
…
نفيسة لذ تظفر بما شئت من عز
ورم من جداها كل خير فإنها
…
لطلابها يا صاح أنفع من كنز
ومن أعجب الأشياء تيس أراد أن
…
يضل الورى فى حبها منه بالعنز
فعاجلها من نوّر الله قلبه
…
يذبح وأضحى الشيخ من أجلها مخزى
جامع نقيب الجيش
هو بدرب الجماميز عند عطفة حبيب أفندى على يمنة السالك من الشارع إلى قناطر السباع، ويعرف أيضا بجامع الشيخ مصطفى المنادى.
وقد ذكرناه فى حرف الميم.
جامع النوبى
هذا المسجد بدرب النوبى داخل درب مصطفى، وهو مقام الشعائر ولم أقف على تاريخ إنشائه، وبه ضريح يقال له: ضريح الشيخ أحمد النوبى.
والناظر على أوقافه الشيخ إبراهيم ضرغام.
***
حرف الهاء
جامع الهياتم
هذا الجامع بحارة الهياتم من خط الحنفى. أنشأه الأمير يوسف جربجى وعلى بابه رخامة بها هذه الأبيات:
بشراك أحييت البقاع بمسجد
…
فيه الثناء كذا السنا مجموع
وسبيل ماء قال رائى حسنه
…
هذا السبيل بحكمة مصنوع
/رغبت أناس فى مساجد أسست
…
فسبيلهم بثوابهم مشفوع
ومشيد يوسف حظه أرخته
…
بشرى ومسجد يوسف مرفوع
وحائط وجهه منقوشة وبها شبابيك مركب عليها نحاس وعلى كل منها رخامة منقوش فى إحداها: «الصلاة عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين»
(1)
وفى الثانية: {(إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً)}
(2)
وفى الثالثة: «أول الوقت رضوان الله ووسط الوقت رحمة الله وآخر الوقت عفو الله»
(3)
صدق النبى المكى المدنى.
وعلى الرابعة: عجلوا بالصلاة قبل الفوت وعجلوا بالتوبة قبل الموت.
وهو مسجد معلق بأسفله دكاكين موقوفة عليه وأعمدته من الرخام وقبلته رخام منقوش وبه منبر خشب قديم وسقفه صنعة بلدية وله ميضأة ومراحيض وبئر، وبلصقه سبيل تابع له يعلوه مكتب وعلى بابه لوح رخام عليه أبيات تتضمن تاريخ سنة سبع وسبعين ومائة وألف، وعلى باب من داخل هذا الباب لوح رخام منقوش فيه هذا البيت:
فى ماء هذا السلسبيل سرى الشفا
…
ومزاجه فى الشرب من تسنيم
وله شباك مكتوب بأعلاه:
لله بالتقوى تأسس مسجد
…
يروى الفضائل بالفضائل يوصف
فزهى بإشراق وزان بمكتب
…
بسنا ضيا القرآن أضحى يعرف
(1)
رواه البيهقى فى شعب الإيمان بسند ضعيف عن عمر به مرفوعا. راجع (تمييز الطيب من الخبيث للديبع)
(2)
سورة النساء: 103.
(3)
رواه الدارقطنى بسند صحيح عن أبى محذورة. راجع (الجامع الصغير فى أحاديث اليشير البذير للسيوطى)
ويدل يا منشيه عنك بأنما
…
لله أخلص فيه منك المصرف
فلك الرضا عن مسجد أرخته
…
وسبيلك الفردوس بشرى يوسف
قال الجبرتى فى حوادث سنة ثمان وثمانين ومائة وألف: لما بنى المرحوم يوسف جربجى مسجد الهياتم قرب منزله بخط أبى محمود الحنفى جعل إمامه الفقيه الفرضى الأصولى الصالح الشيخ أحمد بن محمد بن محمد بن شاهين الراشدى الشافعى فأعاد دروس الحديث فيه، انتهى.
***
حرف الواو
جامع السادات الوفائية
هذا المسجد بسفح الجبل المقطم شرقى مسجد الإمام الشافعى وسيدى عقبة رضي الله عنهما، كان أصله زاوية تعرف بزاوية السادات أهل الوفاء فجددها مسجدا على ما هى عليه الآن الوزير عزت محمد باشا بأمر كريم من السلطان عبد الحميد فى سنة إحدى وتسعين ومائة وألف؛ ففى كتاب وقفية هذا الجامع: أنه لما ورد الخط الشريف السلطانى من حضرة سيدنا ومولانا السلطان المغازى عبد الحميد خطابا لحضرة سيدنا ومولانا الوزير عزت محمد باشا محافظ مصر المحمية بأن يخرج القدر الآتى ذكره من مال الخزينة العامرة برسم عمارة الزاوية الشريفة كعبة الأسرار القدسية بسفح الجبل المقطم، المعروف بغراس أهل الجنة المعروفة بزاوية السادات أهل الوفاء، المشمولة بنظر سيد السادات مولانا السيد الشيخ محمد أبى الأنوار بن وفا بموجب التمسكات الشرعية المخلدة بيده، وقابل ذلك الوزير الأمر بالسمع والطاعة وفوض أمر العمارة والصرف عليها للناظر المشار إليه، وأبرز فرمانه الشريف لطرف الروزنامجة لإخراج القدر المعين بالخط الشريف الخاقانى ليصرفه الناظر فيما هو مأمور به؛ فعند ذلك شرع الأستاذ المشار إليه فيما هو مفوض إليه وأزال كامل ما بالزاوية وما هو تبع لها من الأود والخلاوى والمساكن والمنافع وغير ذلك من الأبنية القديمة، وأحضر المؤن والآلات المحكمة والرجال القادرين على العمل، وأنشأ محل ذلك بناء جديد يشتمل على واجهة بحرية مبنية بالحجر الفص النحيت الأحمر بها باب مقنطر مدائنى بجلستين يمنة ويسرة يعلوه سكفة من الرخام المرمر الأبيض مكتوب عليها أبيات، وتجاه هذا الباب من الخارج سلم ثلاث درج مبنى بالحجر الفص النحيت ومصطبة برسم الركوب، ويدخل من هذا الباب إلى فسحة كبيرة مستطيلة مفروشة بالحجر النحيت مبنى دائر جهاتها بالحجر النحيت الأحمر بها تجاه الداخل باب المسجد، وهو باب مقنطر مبنى بالرخام المرمر الأبيض ملمع بالذهب الأحمر يعلوه سكفة من الرخام المرمر الأبيض مكتوب على عارضته علو السكفة المذكورة بالذهب الأحمر: بسم الله الرحمن الرحيم {(وَقالُوا}
(1)
.
ومكتوب على السكفة أربعة تواريخ فى ضمن بيتين وهما:
/باب شريف قد رفى بينى الوفا
…
الحب فيه أفضل الأقطاب
سنة 1191 سنة 1191
قالت لنا أنوار سر جنابه
…
لا شك هذا أكمل الأبواب
سنة 1191 سنة 1191
وبجانبى الباب دائرتان من الرخام الأبيض يمنة ويسرة مكتوب على إحداهما بيتان بالذهب الأحمر وهما:
لسلطاننا عبد الحميد مكارم
…
أقام بها للدين ركنا مشيدا
له النصر من آل الوفاء مؤرخ
…
تدوم وتبقى بالصلاح مؤيدا
سنة 1191
وعلى الدائرة الثانية بيتان بالذهب الأحمر وهما:
عبد الحميد بجاه النصر معتصم
…
عن الملوك بأوصاف الثنا فاقا
حزت الفلاح أبا الأنوار دم فرحا
…
أعطاك ربك أنوارا وإشراقا
وبجوار باب المسجد المذكور شباك يعلوه دائرة من الرخام الأبيض مكتوب عليها بالذهب الأحمر:
حيا الله سلطان البرية نصره
…
وأيده المولى الحميد بمجده
وجازاه عن آل الوفا أحسن الجزا
…
وأولى أبا الأنوار سائر قصده
ومكتوب عليها أيضا نثرا: قد كمل بناء هذا الحرم الوفائى السعيد بعناية الله الملك الحميد فى غاية عام إحدى وتسعين ومائة وألف من هجرة من له العز والشرف صلى الله عليه وسلم. يغلق على الباب المذكور مصراعا باب من خشب الجوز مصفحان بصفائح
(1)
سورة فاطر: 34 و 35.
النحاس الأصفر بكل منهما حلقة من النحاس الأصفر، ويعلو ذلك الباب من داخل المسجد لوح مكتوب عليه هذا البيت:
والأولياء وإن جلت مراتبهم
…
فى رتبة العبد والسادات سادات
ويدخل من الباب المذكور إلى مسجد شريف جامع لجميع المحاسن أعلاه قناديل تقارن الثريا تقام فيه الصلوات الخمس بالجماعات والجمعة والعيدان والسنن معمور بذكر الله تعالى وتلاوة القرآن.
ويشتمل هذا المسجد على محراب مبنى بالرخام الملون به يمنة ويسرة عمودان صغيران من الرخام المرمر الأبيض يعلوه تاج من خشب الجوز منقوش بالذهب الأحمر، يجاوره منبر من خشب الجوز له باب بمصرا عين من خشب الجوز منقوش بالذهب الأحمر، وسلم عشر درج يعلوه قبة بأربعة عساكر وهلال من النحاس المصفى المموه بالذهب المحلول. وبالمسجد أربعة أواوين: أحدها تجاه الداخل به المنبر والمحراب واثنان على يمنة الداخل والرابع على يسرته وبينها الصحن يوصل إليه مجاز مفروش بالرخام الملون.
والمسجد مسقف جميعه روميا بالخشب النقى به إزار من الخشب مكتوب عليه باللازورد والذهب الأحمر قصيدة فى مدح بنى الوفا، وأرضه مفروشة بالبلاط الكذان دائر جهاته بالحجر الفص النحيت الأحمر الجديد، وبحائط المحراب والمنبر من أوله إلى آخره أرزة كبيرة من الرخام المرمر الملون، وبه ستة عشر عمودا من الرخام المرمر الأبيض عليها اثنان وعشرون بائكة معقودة بالحجر النحيت، وبالسقف أربعة ممارق وقبة من الخشب برسم النور يعلوها هلال من النحاس المموه بالذهب المحلول، وبحائط المسجد الغربى اثنا عشر شباكا قمريات بالصحن دكة خشب برسم الاستقبال، وبالمسجد ثلاث خلوات إحداها برسم الخطيب بجوار المنبر على عارضته بابها بالذهب الأحمر: رب افتح يا فتاح. فهو تاريخ للبناء.
والثانية لوقاد المصابيح بالمسجد وما يتعلق بالوقادة من الأحمال والقناديل وغير ذلك مكتوب على عارضة بابها بالذهب الأحمر: {(اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)}
(1)
والثالثة لشيخ السجادة مكتوب على عارضة بابها بالذهب الأحمر: «اللهم هب لنا الخلوة معك والعزلة عما سواك» . وبجوار الخلوة باب يوصل للمساكن ودواليب من الخشب، وبالصحن مقصورة ضريح القطب الكبير سيدى أبى الحسن على وفا ووالده القطب الغوث الفرد الجامع الختم المحمدى كما نص عليه الشيخ الأكبر الإمام ابن العربى والعارف الشعرانى وغير واحد.
(1)
سورة النور: 35.
تشتمل تلك المقصورة على درابزين من خشب الجوز مموه بالذهب الأحمر، وباب بمصراعين من خشب الجوز مصفح بصفائح النحاس، ورفرف فى الجهات الأربع والأسفل من دائرة المقصورة مبنى من الجهات الأربع بالرخام المرمر الأبيض يعلوها قبة منقوشة بالذهب محمولة على ستة أعمدة من الرخام المرمر الأبيض، وستة أكتاف متصلة بسقف المسجد مدهونة بالدهانات الملونة، وبالمقصورة عساكر من النحاس/المصفى المموه بالذهب ويعلو قبتها هلال من النحاس المصفى المموه بالذهب، وعلى دائرة المقصورة أبيات بالذهب أولها:
هذه روضة وهذا مقام
…
مزهر نوره وقطب إمام
هذه جنة بروض رضاها
…
خير آل نزيلهم لا يضام
وآخرها:
بالرضا فى ضريح جدك أرخ
…
حى قطب الأقطاب هذا المقام
سنة 1191
وعلى باب المقصورة بيتان هما:
إن باب الله طه جدكم
…
ولكم قدر على عن على
كل من يرجو الوفا من بابكم
…
وأتى من غيركم لم يدخل
وعلى رفرف القبة من الجهات الأربع بالذهب الأحمر آيات شريفة، وبجوار المقصورة حوض كبير من الرخام المرمر موضوع به الرمل الأحمر على العادة فى ذلك، وتجاه باب المقصورة تاج من الرخام المرمر الأبيض بأربع وجوه مكتوب بالذهب على الوجه الأول: لا إله إلا الله الواحد الحى الدائم العلى الحكيم. وعلى الثانى: محمد رسول الله الفاتح الخاتم أصل الوفا المشفع العظيم. وعلى الثالث مكتوب نسب حضرة روح أرواح اللطائف المحمدية وسر أسرار كنز المواهب الرحمانية: الأستاذ أبى الحسن على وفا بن محمد بن محمد بن محمد النجم بن عبد الله بن أحمد بن مسعود بن عيسى بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد الله بن عبد الكريم بن محمدين عبد السلام بن حسين بن أبى بكر بن على ابن محمد بن أحمد بن على بن محمد بن إدريس التاج ابن إدريس الأكبر ابن عبد الله المحض ابن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن على بن أبى طالب كرم الله وجهه ورضى عنه.
وتجاه باب المقصورة العتبة التى تقبل، وبالإيوان الأول الذى على يمنة الداخل من باب المسجد ثلاث مقصورات على كل منها درابزين من الخشب النقى بالأولى: ضريح
القطب الربانى سيدى أبى الإسعاد ابن وفا وضريح سيدى عبد الفتاح أبى الإكرام ابن وفا، وبالثانية: ضريح القطب الربانى سيدى محمد أبى الفتح ابن وفا. وبالثالثة:
ضريح القطب الربانى سيدى يحيى أبى اللطف ابن وفا.
والإيوان الثانى الذى على يمنة الداخل من المسجد أيضا به ثلاث مقصورات على كل منها درابزين من الخشب بالأولى: ضريح القطب المعظم سيدى عبد الوهاب أبى التخصيص ابن وفا، وبالثانية: ضريح القطب المعظم سيدى يوسف أبى الإرشاد ابن وفا، وبالثالثة: ضريح القطب المعظم سيدى عبد الخالق أبى الخير بن وفا، وضريح القطب المعظم سيدى محمد أبى الإشراق بن وفا، وضريح القطب المعظم سيدى محمد أبى هادى بن وفا، وضريح القطب المعظم سيدى أحمد أبى الإمداد ابن وفا.
والإيوان الثالث الذى على يسرة الداخل من المسجد به مقصورة كذلك بها ضريح القطب المعظم سيدى عبد الرحمن أبى الفضل الشهيد ابن وفا، وبالإيوان المذكور الشباك الذى علوه الدائرة بجوار باب المسجد، وله مطهرة بها مصلى بمحراب وفسقية وحنفية وسبعة كراسى راحة وساقية، وله منارة بدورين عليها هلال نحاس مصفى مموه بالذهب، ويتبع ذلك عمارة واسعة بجوار المسجد تشتمل على: دهاليز وتبليطات وبسطات وقصور ومساكن ذات رواشن وخورنقات وخلاو ومخازن لأمتعة الوقف ولوازمه من نحاس وفرش وزيت وقناديل وغير ذلك، وقاعات لطعام سماط الموالد ومطابخ وبيت عجين وطابونة وطاحون فرد فارسى كامل، وبيت قهوة ودست كبير برسم الماء ومصاطب وكلارات
(1)
ووكالة لربط دواب الزوار ونحوهم وحوش كبير فيه مدافن وصهريج وبزابيز وحنفيات وكراسى راحة. وتلك الأبنية بالحجر الفص النحيت الأحمر الجديد وبعضها مفروش بالبلاط الكذان وبعضها بالرخام وسقوفها من الخشب النقى وشبابيكها من الخشب الخرط النقى وسلالمها معقودة بالبلاط الكذان إلى غير ذلك ..
وصرف مولانا الأستاذ المشار إليه مبلغا قدره من الأكياس المصرية التى عبرة كل كيس منها خمسة وعشرون ألف نصف فضة مائة كيس وستة وعشرون كيسا وواحد وعشرون ألف نصف وأربعمائة نصف وخمسون نصفا فضة ديوانيا.
استهلك ذلك فى ثمن مؤن وأجر من جير وجبس وطين ورماد وطوب ودبش وأحجار نحيت وبلاط ورخام وأخشاب متنوعة وقصار وأغلاق ودبلاق وأنخاخ ومسمار
(1)
راجع ما سبق هامش ص 179.
حديد وقريقيات ورزز حديد ونحاس ورصاص ودهانات وزجاج، وأجرة فعلة وبنائين ومهندسين ونحاتين ونجارين ونشارين وخراطين ومبلطين ومبيضين ومرخمين وسباكين ودهانين وقمرياتية ونقاشين، ونقل أتربة إلى الكيمان وغير ذلك مما احتاج إليه كل ذلك من مال الخزينة العامرة، وما صرفه الأستاذ المومى إليه من ماله أحد وعشرون ألف نصف وأربعمائة وخمسون نصفا فضة باقى مبلغ الصرف المعين بمفرداته وتفاصيله بالدفتر المحرر فى شأن ذلك تحت يد الأستاذ، والتمس حضرته الإذن الكريم من شيخ مشايخ الإسلام مولانا الشريف محمد أفندى قاضى القضاة يومئذ بمصر المحمية لمن يعتمد عليه من عدول مجلسه/الشريف بالتوجه معه صحبة معمارجى باشا وأهل الخبرة للكشف على ذلك وقطع قيمة البناء فأجابه لذلك. وحضر الجم الغفير من الأعيان وغيرهم فوجد البناء مشتملا على الأوصاف المشروحة وذرع بذراع العمل المعتاد فبلغ ثلاثا وعشرين ألف ذراع ومائة وخمسة عشر ذراعا مكسر ابحساب الشطرنج، وبلغت قيمته من الأكياس أحدا وأربعين كيسا مصريا وخمسة عشر ألف نصف ومائة وسبعين نصفا فضة ديوانيا بحساب كل ذراع خمسة وأربعين نصفا فضة عددية، وذلك خارج عن ثمن البلاط وجبس البلاط وجبس البياض والأخشاب والرخام والرصاص والنحاس والحديد والزجاج والدهانات وأجرة الشغالة وأرباب الصنائع وقدر ذلك خمسة وثمانون كيسا مصرية وستة آلاف نصف ومائتا نصف واثنان وثمانون نصفا فضة بما فى ذلك من ثمن قطنى هندى وأطلس وصندل وبفته هندى برسم ستر المقام الكبير الوفائى كيس واحد وثمن حصر نقش أحمر وأبيض برسم فرش المسجد كيس واحد وكسور وثمن ذهب وفضة دستات يرسم نقش القبة الشريفة ودوائر المسجد والتواريخ ثلاثة أكياس مصرية وكسور، وثمن صفائح نحاس أصفر محلى بالذهب المحلول برسم الأبواب وهلالات برسم القبة الشريفة، والمنبر والمنارة ثلاثة أكياس وكسور وثمن جوخ وقطنى وألاجات وشاشات كساوى برسم المعلمين أرباب الحرف والصنائع المشروحة وغيرهم كيس واحد وكسور.
وبعد شهادة كاتب العمارة وشهادة أمينها وطوائف المعلمين وأهل الخبرة المعينين لذلك حكم القاضى بجريان كامل البناء الموصوف فى أوقاف ساداتنا بنى الوفا نفع الله بهم المسلمين. وأمر بكتابة ذلك وقيد بسجل الديوان فى السادس والعشرين من شهر الله المحرم افتتاح سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف انتهى ملخصا من كتاب وققيته.
وهذا الجامع باق على معالمه المشروحة إلى الآن وشعائره مقامة على الوجه الأكمل، وأوقافه كثيرة تحت يد ناظره أبى الوفاء السيد عبد الخالق السادات فرع هذه الشجرة الطيبة الوفائية، ويعمل به كل ليلة جمعة حضرة جامعة وكل سنة فى شعبان مولد حافل، ثم ان لهؤلاء السادات فضلا تليدا وعزا قديما وجديدا فهم غنيون عن التعريف فائقون على كل شريف، ينتهى نسبهم إلى سيدنا الحسن بن الإمام على رضي الله عنهم كما تقدم بيانه. وأكبرهم شهرة وجلالا وأوفرهم حرمة وأحوالا: سيدى محمد وفا رضي الله عنه ابن سيدى محمد بن محمد.
ترجمة سيدى محمد وفا:
قال الشعرانى فى طبقاته: كان سيدى محمد وفا من أكابر العارفين وأخبر ولده سيدى على أنه هو خاتم الأولياء صاحب الرتبة العلية وكان أميّا وله لسان غريب فى علوم القوم، وله مؤلفات كثيرة حتى فى صباه نظما ونثرا منها: كتاب العروس وكتاب الشعائر وديوان عظيم، وله رموز مطلسمة لم يفك أحد معناها فيما نعلم وسمى وفالأن بحر النيل توقف فى أوان الوفاء فعزم أهل مصر على الرحيل فجاء إلى البحر وقال:
اطلع بإذن الله تعالى فطلع سبعة عشر ذراعا وأوفى فسمى وفا.
وسئل ولده سيدى على أن يشرح تائيته فقال: لا أعرف مراده لأنه لسان أعجمى على أمثالنا.
ومن كلامه رضي الله عنه فى كتاب فصول الحقائق: أعوذ بالله من شياطين الخلق والكون وأبالسة العلم والجهل وأغيار المعرفة والنكرة، اللهم إنى أعوذ بك وبسبق قدمك من شر حدودك وبظلمة ذاتك من نور صفاتك، وبقوة سلوبك من ضعف إيجادك وبظلمة عدمك من نور تأثيراتك، وأعدنى اللهم بك منك فى كل شئ بكل ذلك كذلك من وجه العلم ولا كيف كذلك من حيث العقل، ولا بذلك من جهة قصد النفس ولا كذلك من حيث تصّور الفهم أعوذ بك من كل ذلك كذلك من حيث إنه كذلك لا من حيث إنك ولى ذلك.
اللهم أغنى بديموميتك عن بقاء آلائك وبإحاطة وجودك عن تصوّر الواحد والأحد، وبقيومية قيامك عن استقامة تقويم المدد وغيبتى فى ظلمة ذاتك التى تعجز فيها الأبصار والبصائر، وتستجيل فيها معارف العقول الإلهية ذات الأسرار والسرائر، وأستغفرك بلسان الحق لا بلسان الوقاية والنظر بعين التلاشى لا بعين الرعاية، والجذب بسر العدم لا بقوة الهداية، والتلاشى بنفى الرسم لا برسوم الولاية،
سبحانك من وجه ما أنت لا من وجه ما أنا، سبحانك من وجه الوجه المنزه عن وسم الأسماء والكنى، سبحانك فى الحيث الذى لا يلتحق به البقاء ولا الفنا أحاشيك عن العلم والقول، وأنزهك عن القوة والحول وأشاكل لا فى المنة والطول، وأمد لك يد التأييد لا يد الوسيلة، وأسألك بسبح التفضل لا فضل الفضيلة، وأعوذ بك من تحليل التحويل ومحاولات الحيلة.
اللهم أرنى وجهك لا من حيث كل شئ هالك، واسلك بى لا سبيل المهالك والهالك.
اللهم إنى أسألك بذات عدمك وبذات وجودك، وبالذات المجردة وبالذات المتصفة بذات التكوين والتلوين، وبالذات الفاعلة وبالذات المنفعلة.
اللهم اجعلنى عينا لذات الذوات ومشرقا لأنوارها المشرقات/ومستودعا لأسرارها المكتتمة فى غيوبها المبهمات.
اللهم إنى أنزهك لا لتنزيه الحس لك عن أوصاف الجسم والنفس عن شهوات الطبع والعقل وأخلاق النفس والقلب، وأنزهك عن كل ذلك ونده ومثله وخلافه وغيره تنزيها معجوزا عن تصوره وتوهمه، انتهى.
وساق الشعرانى جملة من كلامه الذى لا تسعه العقول ثم قال: وقد ذكرنا مناقبه فى كتاب مستقل رضي الله عنه، وفى كتاب مناهل الصفا باتصال نسب السادات بالمصطفى تأليف الشيخ على أبى جابر الإيتائى وهو رسالة ذكر فيها نسب السادات الوفائية:
أن سيدى محمدا هو ابن محمد النجم السكندرى يقال أنه مغربى الأصل وأن أصلهم من صفاقس - بفتح الصاد والفاء وضم القاف آخره سين مهملة - بلد بافريقية على البحر شربهم من الآبار قاله فى القاموس. وفى المعجم: أنها شرقى المهدية وبها بساتين كثيرة وكانت ولادته بالاسكندرية سنة اثنتين وسبعمائة وفى ديباجة شرح الفتح للتاج الوسيمى أن كنيته: أبو الفضل وفا. وفى بعض المجاميع: أنه أبو التدانى. أخذ الطريق عن داود ابن باخلا وياقوت العرشى، انتهى.
ترجمة سيدى على وفا:
وترجم الشعرانى ابنه الأستاذ سيدى على وفا أيضا، وساق جملة كبيرة من مناقبه وكلامه فقال: كان سيدى على وفا ابن سيدى محمد وفا رضي الله عنهما فى غاية الظرف والجمال لم ير فى مصر أجمل منه وجها ولا ثيابا، وله نظم شائع وموشحات ظريفة سبك فيها أسرار أهل الطريق، وله عدة مؤلفات شريفة وأعطى لسان الفرق والتفصيل زيادة على الجمع وقليل من الأولياء من أعطى ذلك.
وله كلام عال فى الأدب ووصايا نفيسة نحو مجلدات ألخصها لك فى هذه الأوراق بذكر عيونها الواضحة وحذف الأشياء العميقة؛ لأن الكتاب يقع فى يد أهله وغير أهله فأقول وبالله التوفيق، ثم ساق جملة من كلامه البحر الخضم الذى ليس له ساحل ونحن نذكر من ذلك طرفا من واضحه فنقول:
كان رضي الله عنه يقول: مولدى سحر ليلة الأحد حادى عشر محرم سنة إحدى وستين وسبعمائة وتوفى سنة إحدى وثمانمائة كما قيل.
وكان يقول فى حديث ليلة الإسراء: فدخلت فإذا أنا بآدم أى فإذا أنا فى صورة حقيقة آدم وناطق بناطقته. وكذلك القول فى جميع من رآه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تلك الليلة فصرح بأنه ظهر بصور حقائق الكل وجميع نواطقهم وزاد عليهم بما زاد ونحن الوارثون لرقائقهم.
وكان يقول: أولوالعزم من الرسل سبعة وهم: آدم ونوح وإبراهيم وموسى وداود وسليمان وعيسى عليهم الصلاة والسلام وأطال فى السر فى ذلك.
وكان يقول: إنما كانت شريعة محمد صلى الله عليه وسلم لا تقبل النسخ لأنه جاء فيها بكل ما جاء به من تقدمه وزيادة خاصة، ونزلت شريعته من الفلك الثامن المكوكب فلك الكرسى وهو فلك ثابت فلذلك قبلت شرائع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام النسخ دون شريعته وأطال فى ذلك.
وكان يقول: من أعجب الأمور قول الحق لموسى عليه الصلاة والسلام: {(لَنْ تَرانِي)}
(1)
أى مع كونك ترانى على الدوام فافهم.
وكان يقول فى قول الجنيد: لون الماء لون إنائه. حين سئل عن المعرفة والعارف هو على قسمين: أحدهما أن الماء على لون وإناؤه لا لون له كالأوانى الشفافة الساذجة من الصبغ فيكون الإناء مشهودا على لون مائه. والثانى عكسه فيكون الماء مشهودا على لون إنائه. وفى الأول المشهود هو لون الماء والوهم فى تشبهه فى الإناء والثانى عكسه، فليس التحقيق إلا فى الافراد كل حقيقة بنفسها فى كل مقام بحسبه فافهم.
وكان يقول فى قوله تعالى: {(أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ)}
(2)
، أى: كإحاطته فيما هو البحر بأمواجه معنى وصورة فهو حقيقة كل شئ وهو ذات كل شئ وكل شئ عينه وصفته فافهم.
وكان يقول: من لم يشهد إلا واحدا فليس عنده زائد، ومن لم يشهد إلا حقا فاعل
(1)
يشير إلى قوله تعالى: (قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي) سورة الأعراف: 143.
(2)
سورة فصلت: 54.
فى خلق قابل ليس عنده باطل، ومن لم يشهد إلا أمر الرحمن ليس عنده أمر الشيطان وقس على هذا فلكل مقام مقال فافهم.
وكان يقول: من علم أن لا إله إلا الله لم يبق لأحد عنده ذنب.
وكان يقول: ما عبد عابد معبودا إلا من حيث رأى له وجها إلهيا ولكن الكامل يدعو ناطقة النواطق إلى الإنطلاق من قيد وجه إلهى محجوب بمرتبة مألوهه وأطال فى ذلك.
وكان يقول: لولا الواجب ما ظهر الممكن ولولا الممكن ما ظهر الواجب واجبا فلكل واحد أثر فى الآخر كالعلة والمعلول والفعل والمفعول والعالم والمعلوم.
وكان يقول: لا يسود أحد قط فى قوم إلا أن آثرهم ولم يشاركهم فيما يستأثرون به.
وكان يقول: كنية الشيطان أبو مرة تدرى من هى المرة التى هذا أبوها؟ هى النفس الجسمانية ذات الشئون المنكرة شهوة بهيمية فلا هى حرة وغضب كلبى سبعى فلا هى برة. تدرى لم سميت مرة؟ لأنها ما دخلت فى شئ إلا أفسدته كما يفسد الحنظل اللبن فافهم.
وكان يقول: لا تهجر ذات أخيك ولكن اهجر ما تلبس به من المذمومات فإذا تاب من ذلك فهو أخوك فافهم.
وكان يقول: الشيطان نار/وحضرة الرب نور، والنور يطفئ النار فجاهده بنور ربك.
وكان يقول: إذا وجدت من يدعو إلى الله فأجبه ولا يصدنك كونه من الطائفة التى انتميت إلى غيرها بمثل ذلك صدّ الأشقياء قبلك؛ فقال اليهود: لو جاء محمد منا لاتبعناه ولكن جاء من العرب فلا نتبعه. فكان الجن أعقل منهم حيث قالوا: يا قومنا أجيبوا داعى الله وآمنوا به. وكان يقول: النفس ماله الإدراك والروح ما به الإدراك فى كل مقام بحسبه. ومن هنا سمى القرآن روحا وعيسى روحا وجبريل روح الوحى النبوى المرسل من المعانى الجلالية، وميكائيل روح هذا الوحى فى المراتب الجمالية.
وكان يقول: كل ما أرضى العارف بالله أرضى معروفه وكل ما أغضبه أغضب معروفه. كما جاء فى الحديث: «إن الله يرضى لرضا عمر ويغضب لغضبه» وجاء مثل ذلك فى حق فاطمة وبلال وعلى وسلمان وخبيب؛ فاعملوا أيها المريدون على أن يرضى عنكم العارفون إن أردتم رضا ربكم.
وكان يقول فى معنى قول بعض الصوفية: أن الحق ذات كل شئ والمحدثات أسماؤه. معنى الأول أن كل شئ لا يقيمه ويوجده ويحققه إلا الحق؛ لأن الذات هى المقوّمة المحققة للعرض ولما كان الحق من المحدثات بهذه المنزلة هو قيومها الذى لا قيام لها دونه أطلقوا عليه ذاتها. وأما كونها أسماءه فلأنها دالة عليه دلالة لازمة لها كما هو دلالة المفعول على فاعله والإسم ما دل بذاته على ما وضع له؛ فمن ثم سموا المحدثات أسماء بقيومها الذى أوجدها فافهم إلى آخر ما هو مبسوط فى الطبقات؛ فعليك به ترى بحرا زاخرا.
وفى مناهل الصفاء: أن أباه مات وهو طفل فنشأ هو وأخوه أحمد فى كفالة وصيهما أبى حفص الزيلعى، فلما بلغ سيدى على تسع عشرة سنة جلس مكان أبيه وعمل الميعاد وشاع ذكره، ولما انتقل قال أخوه سيدى أحمد لمن حضر: الشاهد يعلم الغائب شاهد الإدراك وشاهد الخبر لا تضيعونا يضيعكم الله وأستاذنا ما مات ولكن كما قيل:
ما غاب ساقينا ولكن ربما
…
حجبت أشعتها صدى الأكوان
وفى المنح سمعته يقول فى المشهد الشريف فى قوله تعالى: {(خِتامُهُ مِسْكٌ)}
(1)
إذا حسبت لفظة (مسك) بحساب جمل الغالب والمغلوب، وهو أن الميم بأربعة والسين بستة والكاف باثنين فالمجموع اثنا عشر، واحسب اسم على فالعين بسبعة واللام بثلاثة والياء بواحد.
والقاعدة: أن الحرف المشدد بحرفين فتكون الياء مكررة فالمجموع اثنا عشر فكأنه يقول: ختامه على. وفى ذلك فليتنا فس المتنافسون.
وفى الضوء اللامع للسخاوى: أن سيدى على هذا هو على بن محمد بن محمد بن وفا أبو الحسن القرشى الأنصارى السكندرى الأصل المصرى الشاذلى المالكى الصوفى أخو أحمد ويعرف كسلفه بابن وفا. ومن ذكر فى آبائه محمدا ثالثا فقد وهم، ولد سنة تسع وخمسين وسبعمائة بالقاهرة ومات أبوه وهو صغير فنشأ هو وأخوه فى كفالة وصيهما الشمس محمد الزيلعى فأدبهما وفقههما، وكان هذا على أحسن حال وأجمل طريقة فلما بلغ سبع عشرة سنة جلس مكان أبيه وعمل الميعاد وشاع ذكره وبعد صيته وانتشر أتباعه وذكر بمزيد اليقظة وجودة الذهن والترقى فى الأدب والوعظ.
وكان أكثر إقامته فى الروضة قريب المشتهى، وحصل له أتباع وأحدث ذكرا بألحان وأوزان يجمع الناس عليه، وله نظم كثير واقتدار على جلب الخلق مع خفة ظاهرة.
(1)
سورة المطففين: 26.
قال: قال شيخنا فى أنبائه: اجتمعت به مرة فى دعوة فأنكرت على أصحابه إيماءهم إلى جهته بالسجود فتلا هو وهو يدور فى وسط السماع: {(فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ)}
(1)
، فنادى من كان حاضرا من الطلبة: كفرت كفرت. فترك المجلس وخرج هو وأصحابه قال: وكان أبوه معجبا به وأذن له فى الكلام على الناس وهو دون العشرين اه.
وهذا غير مستقيم مع كونه فى الدرر أرخ موت والده سنة خمس وستين وسبعمائة، فالله أعلم. قال: ثم قال شيخنا: وله من التصانيف الباعث على الخلاص فى أحوال الخواص، والكوثر المترع من الأبحر الأربع. يعنى فى الفقه، وديوان شعر وموشحات وفصول مواعظ، وشعره ينعق بالاتحاد المفضى إلى الإلحاد وكذا نظم أبيه، وفى أواخر أمره نصب فى داره منبرا وصار يصلى الجمعة هو ومن يصاحبه مع أنه مالكى المذهب يرى أن الجمعة لا تصح فى البلد ولو كبر إلا فى المسجد العتيق من البلد. قال ومن شعره:
أنا مكسور وأنتم أهل جبر
…
فارحمونى فعسى يجبر كسرى
يا كرام الحى يا أهل العطايا
…
انظروا لى واسمعوا قصة فقرى
قال: وقال فى معجمه: أنه اشتغل بالآداب والعلوم وتجرد مدة وانقطع، ثم تكلم على الناس ورتب لأصحابه أذكارا بتلاحين مطبوعة استمال بها قلوب العوام ونظم ونثر، وكان أصحابه يتغالون فى محبته وتعظيمه ويفرطون فى ذلك، لقيته مرة أو مرتين وسمعت كلامه قال: وقال فى ترجمة أبيه: من درره أنه أنشأ قصائد على طريق ابن الفارض وغيره من الاتحادية/ونشأ ابنه على طريقته فاشتهر فى عصرنا كاشتهار أبيه ثم أخوه أحمد من بعده ثم ذريتهم ولأتباعهم فيهم غلوّ مفرط قال:
وقال المقريزى: أنه كان جميل الطريقة مهيبا معظما صاحب كلام بديع ونظم جيد وتعددت أتباعه وأصحابه ودانوا بحبه واعتقدوا رؤيته عبادة وتبعوه فى أقواله وأفعاله، وبالغوا فى ذلك مبالغة زائدة وسموا ميعاده المشهد، وبذلوا له رغائب أموالهم.
هذا مع تحجبه وتحجب أخيه التحجب الكثير إلا عند عمل الميعاد أو البروز لقبر أبيهما أو تنقلهما إلى الأماكن بحيث نالا من الحظ ما لم يرتق إليه من هو فى طريقتهم حتى مات. قال: يعنى بمنزله فى الروضة فى يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من ذى الحجة
(1)
سورة البقرة: 115.
سنة سبع وثمانمائة ودفن عند أبيه بالقرافة. قال: قال: ولم أرقط على جنازة من الخفر ما رأيت على جنازته وأصحابه أمامه يذكرون الله بطريقة تلين لها قلوب الجفاة.
قال: وقال غيره: كان فقيها عارفا بفنون من العلم بارعا فى التصوف حسن الكلام فيه يعجب الصوفية غالبه مستحضرا للتفسير، بل له تفسير ونظم جيد وديوان متداول بالأيدى وجيد شعره أكثر من رديئه، وأما لحنه فى نظمه فى التلاحين والحقائق وتركيزه للأنغام فغاية لا تدرك وتلامذته يتغالون فيه إلى حد يفوق الوصف اه.
وللحافظ الزين العراقى الباعث على الخلاص من حوادث القصاص أشار فيه للرد على صاحب الترجمة قال: وقال لى شيخنا التقى الشمنى: أن مصنفه الماضى عمله لردد وهو فى عقود المقريزى اه.
ترجمة سيدى احمد وفا واولاده:
وأما أخوه سيدى أحمد فهو أبو العباس شهاب الدين ولد بظاهر مصر سنة ست وخمسين وسبعمائة، ونشأ على طريقة حسنة ملازما للخلوة والانجماع عن الناس حتى مات سنة أربع عشرة وثمانمائة، ودفن بالقرافة عند أبيه وأخيه وكان عنده سكون.
وفى المنح عن أخيه سيدى على أنه قال فى حقه: هذا خزانة العلم وأنا أنفق منها.
وأنه قال: من رآنا اثنين فهو بفرد عين ومن رآنا واحدا فهو بعينين.
ولقد شوهدت منه أحوال دلت على كمال عرفانه، وكان يقول: وعزة الرب المعبود ما همّت نفسى بفاحشة ولا فعلتها قط. وأولاده كلهم نجباء وهم خمسة: أحدهم أبو الجود حسن مات سنة ثمان وثمانمائة. الثانى أبو المكارم إبراهيم ولد سنة ثمان وثمانين وسبعمائة وتوفى سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة مطعونا. الثالث أبو الفضل محمد المدعو عبد الرحمن الشهيد ولد قبل السبعين وسبعمائة، ونشأ على طريقة أبيه واشتغل وحضر مجلس السراج البلقينى، وتولع بالنظم وعمل المقاطيع الجياد على طريقة ابن نباتة.
وكان حسن الأخلاق كثير المعاشرة، وكان من محاسن الدهر ذكاء ولطفا وسخاء غرق فى بحر النيل سنة أربع عشرة وثمانمائة.
الرابع الإمام فتح الدين أبو الفتح محمد، ولد بمصر قريبا من سنة سبعين وأخذ عن العز بن جماعة والشمس البساطى والبرماوى، وبرع وقال الشعر وصار أعلم بنى الوفا.
مات بالروضة سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة ودفن بتربتهم بالقرافة، وهو حامل راية مجدهم بعمل الميعاد وتدريس فقه المالكية مذهب سلفهم.
وفى الضوء اللامع للسخاوى: أن محمدا هذا هو محمد بن أحمد بن محمد ابن محمد النجم محمد فتح الدين أبو الفتح بن الشهاب أبى العباس السكندرى الأصل القاهرى المالكى الشاذلى وهو بكنيته أشهر، ويعرف بابن وفا وأظنه النجم ثالث المحمدين وقد يحذف محمد الثالث، بل ربما يحذف الثانى ويقتصر فيهما على ابن وفا، ولد قريبا من سنة تسعين وسبعمائة بالقاهرة ونشأ بها فحفظ القرآن وكتبا، وأخذ عن العز بن جماعة والبساطى والبرماوى وغيرهم، وسمع مجلس الختم من البخارى على ناصر الدين الفاقوسى فى سنة إحدى وثلاثين، وبرع وقال الشعر الحسن وتكلم على الناس بعد عمه على ابن محمد وفا وصار أعلم بنى وفا قاطبة وأشعرهم، وكان على يشير إلى أن مدد أبى الفتح من أبيه مع كون الأب لم يتكلم، وحضر مجلسه الأكابر كالبساطى والبرماوى وغيرهما من شيوخه والشرف عيسى المالكى المغربى، بل وممن حضر عنده الظاهر جقمق قبل سلطنته وقد حضرت مجلسه وسمعت كلامه، وكان له رونق وحلاوة ولكلامه عشاق.
مات بالروضة فى يوم الاثنين مستهل شعبان. وقيل: رابعه سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة وحمل إلى مصر؛ فصلى عليه بجامع عمرو ودفن بتربتهم بالقرافة وقد زاد على الستين وكانت جنازته مشهودة. ومن نظمه:
يا من لهم بالوفا يشار
…
بإنكم تعمر الديار
لخوفنا أنتمو أمان
…
لقلبنا أنتمو قرار
بوبلكم جدبنا خصيب
…
بوجهكم ليلنا نهار
لكم تشد الرحال شوقا
…
وبيتكم حقه يزار
وله أيضا قصيدة أولها:
الروح منى فى المحبة ذاهبه
…
فاسمح بوصل لا عدمتك ذاهبه
عرفت أياديك الكرام بأنها
…
تأسو الجراح من الخلائق قاطبه
/قد خصك الرحمن منه خصائصا
…
فحللت من أوج الكمال مراتبه
ومن نظمه:
لقد تعطشنا فروحوا بنا
…
نرو بهذا الوقت وقت الرواح
وإن نأى الساقى فنوحو معى
…
عونا فإنى لا أطيق النواح
اه.
الخامس: أبو السادات يحيى ولد سنة ثمان وتسعين وسبعمائة. وله شعر وتكلم على الناس ورزق القبول ومات سنة سبع وخمسين وثمانمائة.
وأما الأستاذ أبو المراحم محمد بن أبى الفضل محمد فقد خلف عمه يحيى فى المشيخة والتكلم ولم يكن يظن به ذلك ولكن الولد سر أبيه.
مات سنة سبع وستين وثمانمائة فى الروضة بين البحرين ودفن بتربتهم.
وأما ابنه أبو الفضل محمد محب الدين المجذوب، فكان شديد الذكاء متين الذوق وربما قرأ يسيرا فى النحو وغيره وخلف والده فى التكلم والمشيخة وعرض له جذب. ويقال: أنه انتقل إلى مذهب الشافعى رضي الله عنه بعد أن عرض له الجذب. مات سنة ثمان وثمانين وثمانمائة وصلى عليه بجامع الماردانى ثم سبيل المؤمنين ودفن بتربتهم.
وأعقب ابنه إبراهيم ولد فى حدود سبعين وثمانمائة، ونشأ فى كنف أبيه وحفظ القرآن والمختصر وألفية ابن مالك وغيرها واستقر فى المشيخة بعد أبيه ومات فى أوائل القرن العاشر، وخلفه فى المشيخة ولده أبو الفضل محمد بن أبى المكارم.
قال الشعرانى فى الذيل: سيدى أبو الفضل ذو المفاخر والمآثر ختام الدوائر صحبته عشرين سنة. مات سنة نيف وأربعين وتسعمائة يوم الجمعة فى المشهد حال جلوسه بعد صلاة الصبح بعد انقطاعه فى بيته نحو السنتين وهو يقلل من الأكل مع مجاهدته وهيبته. دفن مع أسلافه وصلى عليه بمكة صلاة الغائب، وخلف فى زاويته ابنه البرهان أبا المكارم إبراهيم ولد فى حدود عشرين وتسعمائة؛ فقام مقام أبيه مع فطنته ونباهته وعلو همته حفظ القرآن ورسالة ابن أبى زيد، وورقات إمام الحرمين والآجرومية وقرأ الرسالة على أبى الحسن المالكى وقرأها مع الورقات على السيد الأرميونى وحج سنة تسع وأربعين، ومات سنة ست أو ثمان وستين وتسعمائة، ورثاه الإمام محمد الفارضى بقوله:
إذا قضى الواحد المجيد
…
أمرا فما تفعل العبيد
فسلم الأمر من قريب
…
فليس نبدى ولا نعيد
ولما حضرته الوفاة قال لإبنيه أبى الفضل وأبى العطاء: ليس عندى ما تختصمان عليه وإنما علىّ خمسمائة قرش فاسعيا فى قضائها. فتوفى وليس عنده شئ، فجلسا فى زاويتهم مدة مديدة؛ فإذا شخص أوصى بثلث ماله لسيدى إبراهيم فوجد ثلث ماله خمسمائة قرش فقضيا بها دينه.
وخلفه ابنه أبو الفضل محمد فى المشيخة فكان على قدم عظيم ذا تواضع عميم، وكان يحث عليه وتوفى سنة ثمان وألف.
وكان هو وأخوه أبو العطاء عبد الرزاق كأنهما روح واحدة فى جسمين يضرب بهما المثل فى الاتفاق. مات أبو العطاء سنة خمس وألف فى حياة أخيه وهو والد أبى الإسعاد وأبى المكارم وأبى الإشراق ومن كلامه:
إلهى لئن أوعدت بالنار من عصى
…
فوعدك بالإحسان ليس له خلف
وإن كنت ذا بطش شديد وقوة
…
فمن وصفك الافضال والمن واللطف
ركبنا خطايانا وسترك مسبل
…
وليس لأمر أنت ساتره كشف
إذا نحن لم نبسط إليك أكفنا
…
فمن ذا الذى نرجو ومن ذا الذى يعفو
وابنه أبو المكارم ويقال: أبو الاكرام عبد الفتاح. كان ذا حال وصلاح ورفق وتواضع وفلاح وأوراد وكرم وحلم، وخلف عمه أبا الفضل فى المشيخة بإشارته وقرأ على الأجهورى وغيره.
مات ليلة الجمعة سنة أربع وخمسين وألف بمصر القديمة ودفن بزاويتهم.
وأما الأستاذ أبو اللطف يحيى ابن الشيخ أمين الدين بن أبى العطاء فكان ذا تواضع ولين وعبادة وشفقة على الفقراء، وكانت رؤيته تذكر بالله. خلف عمه أبا الاكرام فى السجادة تفقه على الأجهورى وحج قبل توليته السجادة وجاور بمكة والمدينة سنين.
وكان قوّالا للحق أمّارا بالمعروف وانقادت له الدولة، وكان يخرج لزواره حاملا القهوة والفطور بيده مات سنة سبع وستين وألف.
وأما أبو الإسعاد يوسف بن أبى العطاء فقد أحرز قصب السبق فى ميدان السيادة وكانت ولادته سنة ثلاث أو أربع وتسعين وتسعمائة، وأخذ عن علماء العصر كالشيخ سالم السنهورى والشيخ سالم الشبشيرى، وأنفق عمره فى الطاعة بين علم وذكر وحج
وقدس وتصدق وقضى حوائج لا يخشى/فى الله لومة لائم مع تواضع وحسن سيرة وسريرة وجمال صورة لا يسمح الزمان بمثله.
وقرأ بمنزله: المواهب والجامع الصغير وبعض تفسير البيضاوى والشفاء ولازمه الشيخ على الأجهورى والشيخ أحمد المقرى والشيخ أحمد الدواخلى وغيرهم، وقرأ أيضا سيرة ابن سيد الناس بحاشيتها نور النبراس وبعض صحيح مسلم وابن أبى جمرة والهمزية بشرح ابن حجر وشعب الإيمان والحكم العطائية وتفسير الثعالبى وغير ذلك.
توفى سنة إحدى وخمسين وألف ودفن بزاويتهم، ومن أولاده الأستاذ أبو التخصيص عبد الوهاب بن أبى الإسعاد يوسف، ولد سنة ثلاثين وألف ومات سنة ثمان وتسعين وألف حج مع أبيه وتفقه على جماعة أجلاء، وروى بالإجازة عن عالم المدينة المنورة الشيخ عبد الرحمن الخيارى الشافعى، وقال الشعر الرائق وله ديوان عظيم ودانت له الدولة والعلماء واعتقدوه وهو على غاية من التواضع.
وكذا أخوه أبو الحسن على بن أبى الإسعاد يوسف كان مكبا على القرآن والعلم والذكر والعبادة والأوراد. ولد سنة أربعين وألف، وتوفى سنة تسع وثمانين وألف بالمدينة المنورة ودفن بالبقيع بقرب الإمام مالك. كان والده يخاطبه بالتعظيم فى صغره وكان يمزح ولا يقول إلا صدقا وحج مرارا وزار القدس وابن عمه أبو الفضل محمد ابن أبى الاكرام بن أبى العطا، ولد فى بضع وأربعين وألف ومات سنة أربع وثمانين ودفن بتربتهم ولم يعقب.
وكان رحمه الله تعالى أبيض وسيما ربعة جميلا جسيما وكان أطلس لا لحية له ذا جود وإنعام وتواضع، يأكل مع الفقراء على سفرة واحدة ويشرب من أى قلة تيسرت، وشقيقه أبو العطاء عبد الرزاق بن أبى الاكرام.
كان حسن الشمائل كثير الفضائل عالى الهمة متواضعا كثير العبادة، ولد فى بضع وأربعين وألف ومات سنة خمس وتسعين ودفن بتربتهم.
وأما أبو الإرشاد يوسف بن أبى التخصيص عبد الوهاب فكان من أهل الكشف والزهد فى الدنيا يده مبسوطة بالكرم جدا يؤثر الغير على نفسه تولى مشيخة السجادة والكنى بعد موت أبيه سنة ثمان وتسعين وألف، ومات سنة اثنتى عشرة ومائة وألف، وخلف أولادا ذكورا وإناثا لم يبق منهم إلا ذكران: الأستاذ عبد الفتاح أبو الإكرام
والأستاذ محمد أبو الإشراق، وبعد موته قام مقامه فى المشيخة والكنى أخوه الأستاذ أبو الخير عبد الخالق بن أبى التخصيص، واشتغل بالعلم والذكر وتفقه على الشيخ عبد الباقى الزرقانى المالكى والشيخ إبراهيم الفيومى وغيرهما، وله الموشحات الرقيقة والكرامات الرفيعة وقد انفرد بالكنى بيت أولاد السادات بمصر خاصة من سيدى محمد أبى الوفا إلى سيدى عبد الخالق، وهى صبغة الله لمن توضع عليه ولو كبيرا وربما كانت تحوله من حال إلى حال كما هو مشاهد.
قال أبو الإرشاد الشيخ على الأجهورى: هى بإلهام من الله يفتح به على صاحب السجادة منهم لينطق به للمتلبس بما فتح به عليه أو يتلبس به بعد.
وقال الشيخ إبراهيم الاقصراى الشاذلى: أول من أظهر الكنى سيدى على بن وفا قال سيدى محمد الزرقانى فى شرح المواهب: بلغنى أن سبب الكنى فى العرب أنه كان لهم ملك ولد له ولد توسم فيه النجابة فشغف به وأحب أن يفرده بموضع بعيد عن العمارة ليتخلق بأخلاق مؤدبيه ولا يعاشر من يضيع عليه بعض زمانه، فنقله إلى منزل فى البرية ورتب له من يؤدبه بالآداب العلمية والملكية، وأضاف له بعض أقرانه ليؤانسوه وجعل الملك كل سنة يمضى إليه ومعه أباء أقرانه فيسأل عنهم ابن الملك فيقال له: هذا أبو فلان وهذا أبو فلان فيعرفهم بإضافتهم إلى أبنائهم فظهرت الكنى فى العرب انتهى.
ثم تركها الأغلب من الناس وأحياها ساداتنا بنو الوفا فكانوا أحق بها وأهلها، وفيها تحفظ من البدعة المخالفة للشرع التى اصطلح عليها الناس من تلقيبهم بعلم الدين ونور الدين ونحو ذلك.
***
حرف الياء
جامع القاضى يحيى
ويعرف بجامع الشيخ فرج هذا الجامع عند قنطرة الموسكى بقرب جامع الحفنى.
أنشأه القاضى يحيى زين الدين الأستدارار فى سنة أربعين وثمانمائة ومنقوش بدائره فى الحجر {(إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ)} الآية، وتاريخ سنة أربعين وثمانمائة.
وبحائطه الشرقية باب صغير من الخارج يتوصل منه إلى ضريح وبأعلى هذا الباب نقوش فى الحجر: هذا ضريح الشيخ الصالح سيدى فرج السطوحى.
وهو مقام الشعائر تام المنافع وله أوقاف تحت نظر الديوان.
جامع يحيى بن عقب
هذا الجامع بالكعكيين بجوار زاوية الشيخ الدردير، جدد عمارته الأمير سليمان بيك الخربطلى سنة سبع وخمسين بعد الألف، وله بابان متجاوران أحدهما إلى المطهرة والآخر إلى المسجد بدهليز مستطيل. وهو مسجد صغير وفيه منبر ودكة من الخشب وعمودان من الرخام ومحرابه مصنوع بالرخام الملون وبدائر سقفه آيات منقوشة وله منارة وبئر وشعائره مقامة، وتحت هذا المسجد من/جهة الطريق التى يتوصل منها إلى حارة خشقدم ضريح سيدى يحيى بن عقب له مولد سنوى قبيل نصف شعبان، وللناس فيه اعتقاد زائد ويحلفون به فى خصوماتهم، ويتردد إليه المغاربة المنسوبون لطريقة ابن عيسى لقراءة أحزابهم وإقامة أذكارهم، وله أوقاف يصرف عليه من ريعها تحت نظر الشيخ محمد الهوارى المغربى، وتجاهه سبيل تابع له مفروش بالرخام يعلوه مكتب عامر بتعليم أطفال المسلمين القراءة والكتابة.
جامع يوسف بن المغربى
فى المقريزى: أن هذا الجامع بالقرب من بركة قرموط مطل على الخليج الناصرى.
أنشأه صلاح الدين يوسف بن المغربى رئيس الأطباء بديار مصر وبنى بجانبه قبة دفن فيها وعمل به درسا وقراء ومنبرا يخطب عليه فى يوم الجمعة، وكان عامرا
بعمارة ما حوله فلما خرب خط بركة قرموط تعطل، وهو آيل إلى أن ينقض ويباع كما بيعت أنقاض غيره، انتهى.
جامع يوسف عزبان
هذا الجامع بدرب البرابرة بالموسكى.
أنشأه الأمير يوسف كتخدا عزبان فى سنة ثمان وعشرين ومائة وألف كما هو منقوش على لوح رخام بأعلى بابه مع آية: {إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ} وفوقه لوح آخر منقوش فيه: باسم الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله. وتاريخ الإنشاء أيضا، وهو مقام الشعائر تام المنافع وله أوقاف تحت نظر محمد محمود الدمياطى.
جامع يوسف الفرغل
هذا المسجد تجاه مسجد بدر الدين الأنائى بشارع الزرايب.
أنشأه سيدى يوسف الفرغل سنة تسع ومائة وألف كما وجد فى أوراق تتعلق بوقفيته، وبه ضريحه عليه مقصورة من الخشب فوقها قبة مرتفعة، وله مرتب بالروزنامجة خمسة وستون قرشا شهريا، وله مولد سنوى ونظره للسيد حمودة مصباح.
***
تم الجزء الخامس ويليه الجزء السادس أوله (مدرسة ابن حجر)