المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفصل الثاني في مراتب الدعاء غير المشروع، ومظاهر غلو المتأخرين - الدعاء ومنزلته من العقيدة الإسلامية - جـ ٢

[جيلان بن خضر العروسي]

فهرس الكتاب

‌الفصل الثاني في مراتب الدعاء غير المشروع، ومظاهر غلو المتأخرين فيه وحكم من دعا غير الله عز وجل

ويشتمل على ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: في مراتب الدعاء غير المشروع، وحكم كل مرتبة.

المبحث الثاني: في مظاهر غلو المتأخرين في دعاء غير الله عز وجل.

المبحث الثالث: في حكم من دعا غير الله تعالى وذكر أقوال العلماء في ذلك.

ص: 481

‌المبحث الأول في مراتب الدعاء غير المشروع وحكم كل مرتبة

إن الدعاء غير المشروع تتفاوت مراتبه ودرجاته، فليس كله على مرتبة واحدة فمنه ما هو في أعلى مراتب الشرك يخرج صاحبه من الملة، ومنه ما هو قريب من ذلك ومنه ما هو بدعة.

ولا بد من بيان كل مرتبة على حدة حتى تتميز تلك المراتب بعضها عن بعض ولا يحصل تداخل بينها فيحصلَ لَبْس وشبهة لبعض الناس الذين لا يميزون بين تلك المراتب فيظنونها مرتبة واحدة.

ومن هنا صار هذا البيان أمرًا ضروريًا لأن الإنسان ربما يقع في مرتبة من تلك المراتب فيظنها معصية صغيرة، بينما هي في الحقيقة كفر محض وشرك، واضح بل يظن بعض المسلمين ما هو من الشرك الواضح قربة وطاعة وعبادة.

وذلك لغلبة الجهل بضروريات الإسلام وأساسه الذي هو كلمة الإخلاص وما تقتضيه وما يناقضها أو يناقض كمالها.

فوجَبَ على من يعرف حقيقة ذلك شَرْحُه وتَوْضيحه حتى يَعْرِفَ من لا يعرف وحتى تقوم الحجة وتبرأ الذمة ويهلك من هلك عن بينة ويحي من حي عن بينة.

ثم إن هذه المراتب قد تدرج الشيطان في تزيينها لابن آدم فيزين له

ص: 483

أخفها وأسهلها أولًا، ثم ينقله إلى درجة أخرى حتى يصل إلى مرتبة متناهية في البعد عن الإسلام فيخرجه عن الملة الحنيفية السمحة إلى ملة الكفر والشرك، وذلك أن الشيطان - بلطف كيده - يُحَسِّنُ أولًا الدعاء عند القبر وأنه أرجح منه في بيته ومسجده فإذا تقرر هذا عنده نقله إلى درجة أخرى من الدعاء عنده إلى الدعاء به والاقسام على الله به، ثم إذا تقرر هذا عنده نقله إلى دعائه نفسه، ثم ينقله إلى أن يتخذ قبره وثنًا، يعكف عليه ويسجد له ويطوف به، وحتى يرى الصلاة إليه أفضل من الصلاة إلى القبلة ويقول: هذه قبلة الخواص والكعبة قبلة العوام، ثم ينقله حتى يعتقد أن الزيارة إليه أفضل من حج البيت مرات متعددة، ثم ينقله إلى دعاء الناس إلى عبادته، واتخاذه عيدًا ومنسكا

(1)

.

ونحن نذكر هذه المراتب بالإجمال ثم بالتفصيل وهي كالآتي:

1 -

سؤال الميت حاجة.

2 -

سؤال الحي الغائب.

3 -

سؤال الحي الحاضر.

4 -

سؤال الميت أن يدعو الله له.

5 -

سؤال الحي الغائب أن يدعو الله له.

6 -

سؤال الحي الحاضر أن يدعو الله له.

7 -

سؤال الله تعالى بغير أسمائه الحسنى وصفاته العليا.

8 -

سؤال الله تعالى عند قبر نبي أو ولي أو ما يعتقد كذلك.

9 -

سؤال غير الله تعالى مع الله تعالى بالعطف والمشاركة.

10 -

سؤال غير الله تعالى بنية الشفاعة والوساطة.

وهذه هي أقسام المراتب بالإجمال، وهناك اعتبار آخر لتقسيم

(1)

إغاثة اللهفان: 1/ 167 - 168، وقاعدة في التوسل: 149، ومنهاج السنة: 2/ 439 - 440.

ص: 484

السؤال فيقال:

1 -

إما أن يسأل الله تعالى فقط.

2 -

أو أن يسأل المخلوق فقط.

3 -

أو أن يسألهما جميعًا.

4 -

أو أن يسأل سؤالًا مطلقًا ولا يعين المسؤول

(1)

.

ونحن هنا نختار التقسيم الأول لأنه مفصل فنقول وبالله التوفيق:

‌المرتبة الأولى

(2)

:

وهي أن يسأل الميت حاجة أو يستغيث به فيها:

وذلك بأن يسأل الميت تفريج الكربات، ونيل المرادات، والحصول على الطلبات والوصول إلى الرغبات.

مثل أن يسأله أن يزيل مرضه، أو مرض دوابه، أو يَقْضِي دَيْنَه، أو ينتقم له من عدوه، أو يعافي نفسه وأهله ودوابه.

كأن يقول أحدهم: يا سيدي فلان أغثني، أو أستغيث بك أو أستجير بك، أو أعوذ بك، أو انصرني على عدوي، أو ارزقني ولدًا، أو وسع علي رزقي أو غير ذلك.

وقد يغالي بعضهم حتى يطلب من الميت هداية القلوب، وغفران الذنوب وحسن الخاتمة وتسهيل أمور الآخرة من ضيق القبر، وسؤال الملكين والجواز على الصراط والنجاة من النار.

(1)

انظر جلاء العينين في محاكمة الأحمديين ص: 472، وانظر أيضًا ص: 539 - 540 وما تقدم ص 158.

(2)

انظر عن هذه المرتبة: الرد على البكري 55، وقاعدة في التوسل: 149، والفتاوى: 27/ 72، ومنهاج السنة: 1/ 482، وإغاثة اللهفان: 1/ 168، وزاد المعاد: 1/ 527.

ص: 485

ومما ينبغي أن يعلم أن الاستغاثة بالميت لا تجوز مطلقًا أي في الأشياء التي يقدر عليها في الحياة وفيما لا يقدر عليه.

قال شيخ الإسلام: "فالاستغاثة المنفية نوعان: أحدهما الاستغاثة بالميت مطلقًا في كل شيء، والثاني الاستغاثة بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الخالق"

(1)

.

وهذه المرتبة لها صورتان:

الصورة الأولى: أن يسأل الميت وقد حضر عند قبره ووقف عليه أو قدام شباكه أو أمام باب القبة.

وهذا كالذي يقع من الزائرين عند الأضرحة والقباب والمشاهد حيث يصرخون وينادون ويستغيثون بصاحب القبر ويقولون: يا أيها الولي الفلاني أنا ببابك أرجو منك أن تفعل لي كذا وكذا.

الصورة الثانية: أن يسأل الميت ويستغيث به ويناديه من مكان بعيد، ومسافات شاسعة بينه وبين المستغاث به الصحارى والفيافي والجبال بل البحار مما لم يجر الله العادة على سماع الرجل الحي للنداء والاستغاثة من مثل تلك الأمكنة فضلًا المقبور الساكن تحت الأجداث والجنادل عن والتراب، والذي هو في شغل شاغل إما بالنعيم أو بالجحيم إذ القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار.

‌حكم هذه المرتبة:

هذه المرتبة أبعد هذه المراتب عن الشرع وهي شرك صريح وكفر بواح يجب أن يستتاب صاحبه، فإن تاب وإلا قتل

(2)

.

(1)

الرد على البكري ص: 245.

(2)

الرد على البكري: 55 والفتاوى: 27/ 72.

ص: 486

والسبب في كون هذه المرتبة شركًا وجهان

(1)

في الأولى وثلاثة أوجه في الثانية.

الوجه الأول: أن الداعي في هذه المرتبة نادى غير الله تعالى، ووَجَّه طلبه وقَلْبَه إلى غير الله تعالى واستغاث به طالبًا كشف ضره، أو جلب نفع له مما لا يقدر عليه غير الله تعالى.

وهذا هو الدعاء الذي هو العبادة ولبها ومخها وقطب رحاها، فَصَرْفُ هذا الله تعالى عبادة وطاعة وإخلاص وتوحيد، وصَرْفُه لغير الله تعالى شركٌ وضلال وكفر وتنديد.

الوجه الثاني: أن هذا الداعي اعتقد في المدعو قوة غيبية، وسلطانًا غيبيًا، وتأثيرًا بالقوة الغيبية التي ليست من جنس قوة البشر، ولا من صفاتهم، لأنه اعتقد للمدعو أنه يقدر على إيصال النفع، أو دفع الضر عنه بقوة غيبية لا ترى ولا تلامس الأشياء الملامسة المعروفة لدى البشر.

وهذه الصفة خاصة بالله تعالى لا تليق بغيره سبحانه وتعالى عما يشركون.

فَاعْتقادُهَا الله وإفراده بالاتصاف بها، توحيد وإخلاص وعبادة، واعتقاد اتصاف الغير بها شرك وضلال.

وهذان الوجهان موجودان في الصورتين جميعًا وتزيد الصورة الثانية وجهًا ثالثًا وهو ما يأتي:

الوجه الثالث: أن الداعي اعتقد علم الغيب، والسمع والبصر المحيطين لغير الله تعالى حيث ناداه من مكان بعيد، وهذا الاعتقاد صرف لصفات الجلال والجمال - التي لا تليق بغير الله تعالى ولا يمكن أن

(1)

انظر في ذكر الوجه الأول والثالث صيانة الإنسان: 373، وفتاوى عبد الحي اللكنوي: 1/ 264 بواسطة تعليق أبي الحسن الندوي على رسالة التوحيد: 140 - 141، وحكم الله الواحد الصمد ص: 7 - 8.

ص: 487

يتصف بها أحد إلا إياه - إلى المدعو الضعيف الذي لا يسمع ولا يبصر ولا يعلم الغيب، وهذا هو الشرك بعينه وسيأتي إن شاء الله تعالى نقل كلام العلماء في كفر من اعتقد علم الغيب لغيره تعالى

(1)

.

وهذا الوجه الثالث لا يلزم في الصورة الأولى لأن العلماء اختلفوا في سماع الأموات عند قبورهم والمسائل الاجتهادية يعذر فيها المخالف إذا اختار أحد الأوجه المختلف فيها فلهذا لا يمكن أن يعترض بالوجه الثالث عليهم وإنما يلزمهم الوجهان الأولان فقط.

والحاصل أن أهل هذه المرتبة من جنس عباد الأصنام فلا فرق بينهم وبين المشركين ولهذا قد يتمثل لهم الشيطان في صورة الميت المستغاث به كما كان يتمثل لعباد الأصنام وأهل الكتاب من أصناف المشركين، وقد يدعو أحدهم ويستغيث بمن يعظمه فيأتيه الشيطان على صورته أحيانًا، وقد يخاطبهم ببعض الأمور الغائبة على صورة المكاشفة كما كان يخاطب الكهان وقد يرى أحدهم القبر قد انشق وخرج منه الميت فعانقه أو صافحه أو كلمه فيظن أن الميت هو الذي فعل ذلك أو يظن أن الله صور ملكًا على صورته، ويقول أحدهم: هذا سر الشيخ وحاله.

وفي الحقيقة إنما هو الشيطان تمثل على صورته ليضل المشرك به المستغيث به كما تدخل الشياطين في الأصنام وتكلم عابديها وتقضي بعض حوائجهم كما كان ذلك في مشركي العرب قبل الإسلام وفي غيرهم من أصناف المشركين وأهل الكتاب

(2)

.

(1)

سيأتي ص: 537.

(2)

انظر الرد على البكري: 55 - 56، وقاعدة جليلة: 154 - 158، والجواب: 1/ 326 - 328 و 318 - 319، والصفدية: 1/ 190 - 193، و 2/ الصحيح: 2/ 292، ومنهاج السنة: 1/ 483 و 4913، وإغاثة اللهفان: 1/ 167، والفتاوى: 17/ 456.

ص: 488

‌المرتبة الثانية:

أن يسأل الحي الغائب ويناديه ويستغيث به من مسافات بعيدة.

وهذه المرتبة لها صورتان:

الصورة الأولى: أن يسأله ما يقدر عليه لو كان حاضرًا غير بعيد، مثل أن يسأله مساعدته في ضائقة مالية أو يطعمه من جوع، أو يكسوه من عري، أو ينقذه من بئر وقع فيه.

هذا كله فيما إذا كان المدعو المستغاث به يستطيع أن يغيث الداعي بقوته البشرية العادية.

وأما إذا كان الداعي يريد من المدعو أن يغيثه بقوته التي فوق قوة البشر وطاقتهم فهو من الصورة الثانية.

فهذه الصورة الأولى يوجد فيها من المحاذير اعتقاد علم الغيب لغير الله تعالى واعتقاد سمع المدعو لنداء الغائب وصراخه وغواثه، وهذا يقتضي أن له سمعًا محيطًا شاملًا للداعي وأحواله بل ربما للكون كله.

كما أن فيه من المحذور تعليق القلب بغير الله تعالى في السر والعلن، وتوجيه النيات والإرادات والقصود إلى من لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا فضلًا عن غيره.

الصورة الثانية: أن يسأله ما لا يقدر عليه لو كان حاضرًا مثل أن يسأله شفاء المريض، وإزالة موت نزل به وإهلاك عدو، وتوسعة في الرزق، وقد يصل الأمر إلى أن يطلب منه هداية القلوب وغفران الذنوب.

فهذه الأمور يعتقد الداعي فيها أن المدعو يستطيع التأثير فيها بقوته التي فوق مستوى البشر سواء اعتقد أن تلك القوة مستقلة في التأثير أو سبب وشافعة وواسطة له

(1)

. كما كان يعتقده كفار قريش في الأصنام

(1)

انظر كلام رشيد رضا بهامش صيانة الإنسان: 374، 212.

ص: 489

حيث يعتقدون فيها الوساطة قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18].

‌حكم هذه المرتبة:

هذه المرتبة هي أيضًا من الشرك بل هي من أعظم الشرك

(1)

وذلك لوجهين

(2)

في الصورة الثانية، ولوجه واحد في الأولى، ففي الصورة الثانية يوجد صرف لب العبادة الذي هو الدعاء لغير الله تعالى، وصرف العبادة لغير الله شرك هذا هو الوجه الأول، والوجه الثاني أن الداعي اعتقد علم الغيب وصفات الجلال والجمال المختصة بالله تعالى لغيره تعالى ومن اعتقد ذلك لغيره تعالى فقد أشرك، وهذا الوجه الثاني السبب في الحكم على الصورة الأولى بالشرك.

وهذه المرتبة قد وقعت صورها في كثير ممن ينتسب إلى الإسلام ومن مشركي الجاهلية الأولى ومن أهل الكتاب لا سيما النصارى.

والحكايات في الاستغاثات بالغائبين الذين يعتقد فيهم كثيرة جدًّا، وقد تقضي حوائجهم ويغاثون ويرون الشيخ الذي استغاثوا به، وذلك أن الشياطين يفعلون معهم مثل ما يفعلون مع مشركي الجاهلية والنصارى وغيرهم حيث يرى أحدهم شيخًا يحسن الظن به ويقول له: أنا الشيخ فلان ويتسمى باسم المستغاث به وربما يغيث من استغاث به ويقضي حاجته، وهذا واقع موجود اعترف به كبار المحققين.

فقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله هذا الأمر ثم قال: "وأعرف من ذلك وقائع كثيرة في أقوام استغاثوا بي وبغيري في حال غيبتنا عنهم فرأوني أو ذاك الآخر الذي استغاثوا به قد جئنا في الهواء ورفعنا عنهم، ولما حدثوني بذلك بينت لهم أن ذلك إنما هو شيطان تصور بصورتي وصورة

(1)

الفتاوى: 27/ 81 - 82.

(2)

انظر صيانة الإنسان: 373.

ص: 490

غيري من الشيوخ الذين استغاثوا بهم ليظنوا أن ذلك كرامات للشيخ فتقوى عزائمهم في الاستغاثة بالشيوخ الغائبين والميتين.

وهذا من أكبر الأسباب التي بها أشرك المشركون وعبدة الأوثان، وكذلك المستغيثون من النصارى بشيوخهم. . ."

(1)

.

‌المرتبة الثالثة:

أن يسأل الحي الحاضر.

وهذا تحته صورتان:

الصورة الأولى: أن يسأله ما يقدر عليه بقدرته البشرية المحدودة الطاقة، فهذا جائز بدليل قوله تعالى:{فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص: 15].

فموسى عليه السلام يستطيع بقوته البشرية أن يغيث الرجل الذي استغاثه من عدوه وينقذه منه ويدفعه عنه، وهو حاضر معه حضورًا ذاتيًا لا لبس في هذا.

وبدليل قوله تعالى: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} الأنفال: 72]. "فهذا نصر بالقوة البشرية وهو جائز ولهذا قال بعض العلماء والاستغاثة تجوز في الأسباب الظاهرة العادية من الأمور الحسية في قتال أو إدراك عدو أو سبع أو نحوه كقولهم يا لزَيدٍ، يَا لَلمسلمين، بحسب الأفعال الظاهرة بالفعل، وأما الاستغاثة بالقوة والتأثير، أو في الأمور المعنوية من الشدائد كالمرض وخوف الغرق والضيق والفقر وطلب الرزق من خصائص الله لا يطلب فيه غيره

(2)

".

(1)

قاعدة في التوسل: 154 - 155، والجواب الصحيح: 18/ 319 - 320، والرد على البكري: 48 - 51، والصفدية: 2922، والفتاوى: 17/ 457.

(2)

القول النفيس: 50 - 51 نقلًا عن صنع الله الحنفي الحلبي، وتيسير العزيز:234.

ص: 491

وقد سمى بعضهم الاستغاثة

(1)

في الأمور الظاهرة بدعاء العادة وعرفه بأنه "ما يطلبه الناس بعضهم من بعض مما يقدرون عليه بالأسباب التي سخرها الله لهم".

الصورة الثانية: أن يسأل الحي الحاضر ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى مثل شفاء المريض وكشف الكروب ودفع المرهوب، ونيل المرغوب، مما لا يقدر عليه إنسان بقوته البشرية بل يحتاج إلى قوة غيبية وسلطان غيبي، بأن يكون تأثيره بدون مباشرة الأسباب، العادية سواء اعتقد تأثير تلك القوة تأثيرًا مستقلًا أو بالتوسط لدى المؤثر الحقيقي، وهذه الصورة كثيرًا ما تقع من المريدين في شيوخهم فيطلب المريد من شيخه إزالة مرض وكشف ضر وإيصال نفع بل ربما يطلب منه ستر العيوب وغفران الذنوب والخطايا والنجاة من النار والمساعدة في سؤال القبر وغير ذلك.

وربما يحبذ بعض شيوخ الضلال لمريديه دعاءه والاستغاثة به في حياته ومماته وحضوره ومغيبه

(2)

.

‌حكم هذه المرتبة:

ففي الصورة الأولى يكون السؤال جائزًا لا مانع منه ولكن سؤال الناس ليس مأمورًا به إلا في سؤال العلم

(3)

.

وذلك لأن أصل سؤال الخلق الحاجات الدنيوية التي لا يجب عليهم فعلها ليس واجبًا على السائل ولا مستحبًا، بل المأمور به سؤال الله تعالى والرغبة إليه والتوكل عليه.

وسؤال الخلق في الأصل محرم لكنه أبيح للضرورة، وتركه توكلًا

(1)

وهو الشيخ رشيد رضا في تعليقه على صيانة الإنسان ص: 374. ومثله في كلام أبي السمح عبد الظاهر في حياة القلوب: 31.

(2)

انظر الرد على البكري: 351، وما تقدم ص:470.

(3)

قاعدة جليلة: 37، والرد على البكري:99.

ص: 492

عليه واعتياضًا بسؤال الخالق أفضل، قال تعالى:{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الانشراح: 7 - 8] أي ارغب إلى الله تعالى لا إلى غيره

(1)

. كما يفيده تقديم المعمول على العامل.

وعنه صلى الله عليه وسلم أنه طائفة بايع من أصحابه وأسرّ إليهم كلمة خفيفة ألا تسألوا الناس شيئًا، قال راوي الحديث عوف بن مالك:"فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط السوط من يده فلا يقول لأحد ناولني إياه"

(2)

.

وقال صلى الله عليه وسلم: "لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه"

(3)

.

وإنما يباح من السؤال سؤال من له عند غيره حق من عين أو دين كالأمانات والغنيمة وغيره من الأموال المشتركة وسؤال النفقة لمن تجب عليه والغريم لمن عليه دينه ونحو ذلك

(4)

.

وأما غير ذلك فلا يستحب السؤال بل هو مكروه إما تحريمًا أو تنزيهًا لأن "سؤال المخلوقين فيه ثلاث مفاسد: مفسدة الافتقار إلى غير الله وهي من نوع الشرك، ومفسدة إيذاء المسؤول وهي من نوع ظلم الخلق، وفيه ذل لغير الله وهو ظلم للنفس، فهو مشتمل على أنواع الظلم الثلاثة"

(5)

.

وأما الحكم في الصورة الثانية وهي أن يسأل الحاضر ما لا يقدر عليه فهو الشرك المبين، لأن الدعاء عبادة، وقد صرفها الداعي لهذا المدعو العاجز.

(1)

قاعدة في التوسل: 34، والرد على البكري:98.

(2)

أخرجه مسلم: 2/ 721 رقم 1043، وتقدم ص:423.

(3)

أخرجه البخاري: 3/ 335 رقم 1470 من حديث أبي هريرة ورقم 1471 من حديث الزبير ومسلم: 2/ 721 رقم 1042 من حديث أبي هريرة.

(4)

قاعدة في التوسل: 37.

(5)

المرجع السابق: 41 - 42، والرد على البكري:103.

ص: 493

ووجه كون هذا الدعاء عبادة هو أن الداعي اعتقد فيه التأثير بقوة غيبية حيث طلب منه ما هو فوق طاقة البشر، ولأجل هذا طلب منه جلب نفع أو دفع ضر، فاعتقد فيه خاصية من خصائص الربوبية من التأثير الغيبي، ثم صرف له خاصية من خصائص الألوهية ألا وهو توجه القلب والقالب إلى دعائه وندائه والاستغاثة به ورجائه لقضاء حوائجه، وخوفه من عدم الاستجابة له إلى غير ذلك من أنواع العبادات التي يتضمنها الدعاء.

‌المرتبة الرابعة

(1)

:

أن يسأل الميت أن يدعو الله له.

وهذه لها صورتان:

إحداهما: أن يسأل ميتًا عند قبره وباب قبته ومشهده أن يدعو الله له.

كالذي يفعله زوار القباب والأضرحة والمشاهد، يقول أحدهم: يا أيها الولي الفلاني ادع الله لي أن يفعل بي كذا وكذا.

وقد يظن أحدهم أن هذا مثل أن يسأل أحدهم في حياته فلا فرق عنده بين الحياة والموت.

فهذه الصورة حكمها أنها من البدع المنكرة الشنيعة، وأنها من وسائل الشرك، وأنها الباب الموصل إلى دعاء الميت نفسه فيما بعد.

وقد اتفق المسلمون على أنها بدعة

(2)

.

وقد يصل الحكم في هذه الصورة إلى الشرك الأكبر إذا أراد من

(1)

انظر عن هذه المرتبة الرد على البكري: 56، وقاعدة في التوسل: 149، والفتاوي: 27/ 75 - 76.

(2)

الرد على البكري: 56.

ص: 494

صاحب القبر الشفاعة والواسطة الشركية التي يعتقدها الذين قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3]. وسيأتي بحث الشفاعة الشركية قريبًا في المرتبة العاشرة.

ففي هذه الصورة مفاسد عظيمة، من صرف القلوب إلى غير باريها وفاطرها، والافتقار إلى غيره سبحانه وتعالى، وإيذاء المقبور بتكليفه سؤال الله تعالى، إن قُدِّرَ أنه يسأل الله تعالى.

ثم فيها الجزم بأن الولي الفلاني يستطيع السؤال، ومن يدري ما هو فيه من النعيم أو الجحيم؟ لأن مذهب أهل السنة أنه لا يجزم بذلك إلا في الوارد.

ثم إنه فتح لباب الشرك ولذرائعه التي يتدرج منها الشيطان إلى الشرك الأكبر، وقد قال السلف: إن البدعة باب للشرك.

ثم إن الظن بأنه لا فرق بين الحياة والموت وقياس أحدهما على الآخر ظَنٌّ سيئ وقياس مع الفارق وهو فاسد الاعتبار لأن طلب الدعاء منه في حال حياته ليس فيه محذور ولا مفسدة فإن أحدًا من الأنبياء عليهم السلام لم يعبد في حياته بحضوره فإنه ينهى من يعبده ويشرك به ولو كان شركًا صغيرًا كما قال صلى الله عليه وسلم: "لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان"

(1)

ونهى من قال: وفينا نبي يعلم ما في غد"

(2)

.

وأما بعد موته فيخاف الفتنة والإشراك به كما أشرك بالمسيح والعزير وغيرهما عند قبورهم وغير قبورهم

(3)

.

(1)

أخرجه أبو داود: 5/ 259 رقم 4980، والنسائي في عمل اليوم: 544 رقم 984، وأحمد: 10/ 384 - 394، 398، والطيالسي ص: 57، وابن السني: 314 رقم 666، وصححه النووي في الأذكار ص: 318، والألباني في الصحيحة رقم 137.

(2)

أخرجه البخاري: 9/ 202 رقم 5147، وابن ماجه: 1/ 611 رقم 1897.

(3)

قاعدة في التوسل: 138، وانظر كلامًا نفيسًا حول الفرق بين الحياة والموت في الفتاوى: 27/ 80 - 81، وما سيأتي ص: 777 - 850.

ص: 495

الصورة الثانية: وهي ما إذا سأل الميت أن يدعو الله له بعيدًا عن قبره - فهذه الصورة كثيرًا ما تقع ممن يدعون الأموات، فقد يقع أحدهم في شدة أو كرب فينادي صاحبه الولي ويستغيث به ويشتكي إليه هذه الشدة ويطلب منه الوساطة عند الله تعالى فيقول يا ولي الله فلان ادع الله لي أن يزيل عني كذا وكذا، أو يعطيني كذا وكذا.

والسبب في وقوع هذه الصورة من كثير ممن ينتسب إلى الإسلام، ظنهم أنهم لم يشركوا حيث لم يدعوا الولي لمباشرة قضاء الحوائج بنفسه، بل طلبوا منه سؤال الله فقط، وهذا مثل ما يطلب منه وهو حي أن يدعو لمن طلب منه الدعاء، فلا فرق عندهم بين الحياة والموت، هكذا ظنوا ولا ينفعهم ظنهم هذا لأمرين:

الأول: أنهم وإن لم يشركوا بطلب الدعاء منه لكنهم أشركوا من جهة أنهم ظنوا أنه يعلم الغيب ويسمع النداء، وقد ذكر الشيخ محمد

(1)

إسماعيل الشهيد ظنهم هذا ثم رد عليهم بقوله: "وهذا باطل فإنهم وإن لم يشركوا عن طريق طلب قضاء الحاجة، فإنهم أشركوا عن طريق النداء، فقد ظنوا أنهم يسمعون نداءهم عن بعد كما يسمعون نداءهم عن قرب"

(2)

.

وقد ذكر نحو هذا الكلام صاحب صيانة الإنسان

(3)

.

الأمر الثاني: أن ظنهم أنه ليس هناك فرق بين الحياة والموت ظن

(1)

هو محمد إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي الملقب بالشهيد لاستشهاده في معركة الإنجليز بالهند عام 1247 هـ، له جهود طيبة في محاربة البدع والخرافات ورسالته رد الإشراك من أحسن الرسائل وهي مفيدة جدًّا، انظر رد الإشراك بتحقيق محمد عزيز شمس، والمسك الأذفر للألوسي: 326، ومعجم المؤلفين: 9/ 58.

(2)

رسالة التوحيد للدهلوي: 66 - 67.

(3)

صيانة الإنسان: 212.

ص: 496

سيئ وقد تقدم ما في ذلك من المفسدة وخوف الفتنة في حال الموت دون الحياة.

والحكم في هذه الصورة أنها شرك، لأن صاحبها قد زعم أن الولي المدعو يعلم الغيب ويسمع كلامه في كل زمان ومكان، ويشفع له في كل حين وأوان، فهذا شرك صريح، فإن علم الغيب من الصفات المختصة بالله تعالى.

هذا ما قاله الشيخ الدهلوي والشيخ بشير السهسواني وغيرهما

(1)

.

ولكن بعض عبارات ابن تيمية ربما يفهم منها أن هذه المرتبة لا تصل إلى الشرك فإنه قال: "الثانية أن يقال للميت أو الغائب من الأنبياء والصالحين ادع الله لي أو ادع لنا ربك أو اسأل الله لنا كما تقول النصارى لمريم وغيرها، فهذا لا يستريب عالم أنه غير جائز، وأنه من البدع التي لم يفعلها أحد من سلف الأمة، وإن كان السلام على أهل القبور جائزًا، ومخاطبتهم جائزة"

(2)

.

وهذا الكلام يدل على أن شيخ الإسلام لا يرى أن هذه المرتبة شرك، بل يراها بدعة

(3)

فقط، وشبيه بهذا كلامه الآخر حيث قال:"فعلم أنه لا يجوز أن يسأل الميت شيئًا لا يطلب منه أن يدعو الله له ولا غير ذلك، ولا يجوز أن يشكي إليه شيء من مصائب الدنيا والدين، ولو جاز أن يشكى إليه ذلك في حياته، فإن ذلك في حياته لا يفضي إلى الشرك، وهذا يفضي إلى الشرك. . ."

(4)

.

(1)

رسالة التوحيد: 67، وصيانة الإنسان: 212، وحكم الله الواحد ص:10.

(2)

قاعدة في التوسل: 149، وضمن الفتاوى: 1/ 351.

(3)

ويحتمل على بعد - أن الحكم بالبدعية قاصر بالصورة الأولى وهي السؤال عند القبر ولا يشمل الغائب عن القبر لأن كلام الشيخ يشمل الصورتين فيحمل على الأولى دون الثانية.

(4)

قاعدة جليلة: 151.

ص: 497

وهذا الكلام يحتمل أنه يرى أنه يفضي ويجر إلى الشرك وأنه في ذاته ليس بشرك بل ذريعة إلى الشرك فقط.

ولكن لشيخ الإسلام كلام آخر يوافق كلام الذين عدوا هذه المرتبة شركًا فإنه قال: "ومن رحمة الله تعالى أن الدعاء المتضمن شركًا كدعاء غيره أن يفعل، أو دعائه أن يدعو الله أو نحو ذلك. . ."

(1)

.

فيفهم من هذه العبارة أن دعاء غير الله أن يدعو الله تعالى متضمن للشرك.

فهو إِذَنْ شِرْكٌ، كما يدل مقارنته بين دعاء غير الله أن يفعل وبين دعائه أن يدعو الله على أنه يرى أنه لا فرق بين المرتبتين في الحكم، كما أن شيخ الإسلام جعل الخطاب بنحو سل الله لنا أن ينصرنا على عدونا، سل الله أن يغفر لنا وغير ذلك من أعظم أنواع الشرك

(2)

.

وهناك أمر آخر وهو أن ما تقدم لنا من التفريق بين ما إذا كان قريبًا من القبر وبين ما إذا كان بعيدًا عنه، لاختلاف العلماء في سماع الميت القريب، فيكون القائل به مجتهدًا متأولًا بخلاف البعيد، فلم يختلف في عدم سماعه فيكون القائل به غير متأول.

ثم إنه ربما يفهم من كلام شيخ الإسلام أيضًا أنه لا يرى الفرق بين القرب من الميت والبعد عنه فإنه ذكر صورًا مما يقع من المستغيثين بالأموات فذكر من يأتي القبر فيقول: أنا في حسبك، ومن يقول للميت: اقض ديني واغفر ذنبي، ومن يقول: سل لي ربك، ومن يقول: يا سيدي الشيخ فلان أو سيدي يا رسول الله نشكو إليك ما أصابنا من العدو، وذكر أن منهم من يظن أن الرسول أو الشيخ يعلم ذنوبه وحوائجه

إلخ. ثم قال بعد هذا كله فإن هذا الفعل منه ما هو كفر صريح ومنه ما هو

(1)

اقتضاء الصراط: 356.

(2)

انظر قاعدة في التوسل ص: 19.

ص: 498

منكر ظاهر، سواء قُدِّرَ أَنَّ الميت الخطاب كما إذا خوطب من يسمع قريب، أو قُدِّرَ أنه لا يسمعه كما إذا خوطب من بعيد، فإن مجرد سماع الميت للخطاب لا يستلزم أنه قادر على ما يطلب الحي منه، وكونه قادرًا عليه لا يستلزم أن نسأله ونطلب منه كل ما يقدر عليه"

(1)

وكلامه هذا يحمل على أن احتمال السماع لا يمنع الحكم على أن الطلب من الميت ممنوع ومنكر مطلقًا ولا ينافي الفرق الملاحظ من ناحية أخرى وهي ناحية الحكم بوصول هذه الصورة إلى الشرك أو عدم وصولها إلى الشرك، ومن المعلوم أن شيخ الإسلام ممن يرى أن المجتهد المتأول يختلف حكمه عن غير المتأول

(2)

.

كما أنه قد صرح في مكان آخر بأن الاختلاف في سماع الميت لنداء الحي لا يقتضي الحكم بالكفر على المخالف

(3)

.

والذي يظهر - والله أعلم - أن الحكم في هذه المسألة له اعتباران:

فالاعتبار الأول أن الداعي لم يسأل الميت ولم يطلب منه إلا دعاءه الله تعالى ولم يطلب منه قضاء حاجته بنفسه فبهذا الاعتبار قد لا يكون هذا الطلب مخرجًا له من الإسلام، ففيه احتمال التأويل وفيه شبهة قد تكون مانعة من الحكم بالشرك.

وقد يقال: إن هذا الاحتمال لا ينفع لأن المشركين الأوائل كانوا يرون أن آلهتهم تشفع وتسأل الله لهم ولم يعتقدوا لها الاستقلال.

ويمكن أن يجاب عن هذا بأنهم وَجَّهوا السؤال لها ودَعَوْهَا من

(1)

الرد على البكري: 30.

(2)

انظر كلامه في هذه المسألة: الاستقامة: 1/ 31، 37، 163 - 166، والرد على البكري: 259 والمنهاج: 5/ 239 - 252.

(3)

قال في الفتاوى: 12/ 492 "وأيضًا فإن السلف أخطأ كثير منهم في كثير من هذه المسائل، واتفقوا على عدم التكفير بذلك مثل ما أنكر بعض الصحابة أن يكون الميت يسمع نداء الحي

إلخ".

ص: 499

دون الله تعالى، ولم يصرحوا في الدعاء بهذا المراد فلم يقولوا لأصنامهم: ادعوا الله لنا أو سلوا الله لنا بل قالوا افعلوا لنا كذا وكذا.

وهناك فرق بين دعائه بأن يفعل بنفسه وبين دعائه بأن يدعو، وهذا الفرق كاف في التفريق بين الحكمين وإن كان الذي طلب أن يفعل، مراده الشفاعة والوساطة لا أن يستقل بالفعل والتأثير.

والاعتبار الثاني: أن الداعي نادى الميت من مكان بعيد، وفي ذلك اعتقاد لعلمه للغيب ولسماعه لصراخه وغوائه، وهذا الاعتقاد شرك أكبر، فبهذا يكون الطلبُ من الميت سؤال الله تعالى شركًا أكبر.

وإلى هذا الاعتبار أشار شيخ الإسلام أيضًا في معرض رده على من قال إنه صلى الله عليه وسلم يسمع صلاة المصلي عليه من البعيد، فقال: وقول القائل: إنه يسمع صوت السلام من البعيد ممتنع، فإنه إن أراد وصول صوت المصلي إليه، فهذا مكابرة وإن أراد أنه هو يكون بحيث يسمع أصوات الخلائق من بعيد فليس هذا إلا لله رب العالمين الذي يسمع أصوات العباد كلهم

وليس أحد من البشر بل ولا من الخلق يسمع أصوات العباد كلهم ومن قال: هذا في بشر فقوله من جنس قول النصارى الذين يقولون: إن المسيح هو الله، وأنه يعلم ما يفعله العباد ويسمع أصواتهم ويجيب دعاءهم. قال تعالى:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ}

الآية إلى قوله تعالى: {وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}

(1)

[المائدة: 72 - 76]

ففي هذا أن من اعتقد سماع أصوات العباد لغير الله يُعَدُّ من جنس النصارى أي فهو مشرك مثلهم، وربما يقال: إن هذا لازم لهم، وليس لازم المذهب بمذهب

(2)

فيجاب بأنه كذلك إلا أن كثيرًا منهم يلتزم بهذا

(1)

الرد على الأخنائي: 210 - 211 مع الرد على البكري والصارم المنكي: 146 - 147.

(2)

انظر التحقيق في هذه المسألة: في القواعد النورانية ص: 128، وما سيأتي ص:537.

ص: 500

اللازم ويعتقده ويدافع عنه وقد تقدم

(1)

عنه وقد تقدم في مبحث علاقة الدعاء بالعقيدة ما يدل على اعتقادهم لذلك ومن المعلوم أن لازم المذهب مذهب إذا التزم به صاحب المذهب.

‌المرتبة الخامسة:

أن يسأل الحي الغائب أن يدعو الله له.

وهذا كالذي يقع من المريدين في شيوخهم فقد يتفانى بعضهم في تعظيم، شيخه حتى يظن أن شيخه يعلم به وبأحواله وبمراده، فإذا وقع في شدة ينادي شيخه فيطلب منه أن يدعو الله له حتى يكشف الله عنه شدته بدعاء شيخه.

فهذه المرتبة حكمها كالصورة الثانية من المرتبة السابقة - أعني المرتبة الرابعة -.

‌المرتبة السادسة:

أن يسأل الحي الحاضر أن يدعو الله، له وهذا كالذي يقع من المؤمنين حيث يطلب بعضهم من بعض الدعاء.

فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم الطالب من عمر رضي الله عنه الدعاء عندما أراد العمرة فقال له: أشركنا يا أخي في دعائك"

(2)

.

وقال: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول

ثم سلوا الله لي الوسيلة

(3)

.

(1)

تقدم ص: 256.

(2)

أخرجه أبو داود: 2/ 169 رقم 1498، والترمذي 5/ 56 رقم 3562، وابن ماجه: 2/ 966 رقم 2894، وأحمد: 1/ 29، 2/ 59.

والحديث في إسناده عاصم بن عبيد الله وهو العدوي ضعيف كما في التقريب رقم 3065 وقد ضعفه الألباني في ضعيف الجامع: 6/ 6292.

(3)

أخرجه مسلم: 1/ 288 رقم 384.

ص: 501

والرسول صلى الله عليه وسلم يقصد بهذا الأمر والطلب نفع المأمور والإحسان إليه "وهو صلى الله عليه وسلم أيضًا ينتفع بتعليمهم الخير وأمرهم به، وينتفع أيضًا بالخير الذي يفعلونه من الأعمال الصالحة ومن دعائهم له"

(1)

.

ومثل النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن المحسن المتبع لسنته صلى الله عليه وسلم إذا أمر أحدًا بأمر كان مقصوده بذلك انتفاع المأمور وحصول مصلحته وله أجر الناصح، وإذا قال لغيره: ادع لي، فإنه يقصد شيئين:

الأول: انتفاع الداعي إذ يحصل له مثل دعائه كما في حديث: "ما من مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب بدعوة إلا وكل الله به ملكًا كلما دعا لأخيه بدعوة قال الملك آمين ولك بمثل"

(2)

.

والثاني: أن ينتفع هو أيضًا باستجابة الله دعاء ذلك الداعي.

فتحصل مما سبق أن هذه المرتبة السادسة لها صورتان:

إحداهما: أن يقصد بهذا الطلب شيئين:

أولهما: انتفاع الداعي بهذا الدعاء لأنه يحصل له مثل دعائه، فهو عندما يأمره بالدعاء له يقصد أن يحصل للداعي هذا الأجر.

وثانيهما: انتفاعه باستجابة الله دعاء ذلك الداعي له، وهذا مثل ما يقصد الآمر بالمعروف فإنه ينتفع المأمور بعمله ويكون للآمر مثل أجره.

الصورة الثانية: أن يقصد بطلب الدعاء انتفاعه باستجابة الله دعاء ذلك الداعي فقط بدون أن يقصد انتفاع الداعي بذلك.

فالحكم في الصورة الأولى أنه جائز بل هو مستحب لأن فيه

(1)

قاعدة في التوسل: 43.

(2)

أخرجه مسلم: 4/ 2094 رقم 2732، ورقم 2733، وأبو داود: 2/ 186 رقم 1534، وانظر الكلام على طرق الحديث في الصحيحة: 3/ 326 - 328.

ص: 502

الإحسان إلى الخلق وطلب الأجر من الله تعالى فيكون قائمًا بحق الله وحق عباده ويكون السؤال راجحًا على الترك

(1)

.

وفي الصورة الثانية أيضًا جائز وهل هو منهي عنه فيكون خلاف الأولى أو مكروهًا تنزيهًا ويدل على أنه خلاف الأولى الأحاديث المانعة من السؤال فهي عامة كما يدل له ما ورد في حديث السبعين ألفًا أنهم لا يسترقون، والرقية نوع من الدعاء

(2)

.

لكن الذي يظهر من ظواهر الأخبار أنه ليس خلاف الأولى لما ورد عن كثير من الصحابة أنهم طلبوا الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليهم.

وقد نقل ابن مفلح

(3)

عن شيخ الإسلام أنه ذكر أنه منهي عنه وإن كان لا يأثم قال ابن مفلح: "ومن سأل غيره الدعاء لنفعه أو نفعهما أثبت، وإن قصد نفع نفسه فقط نهي عنه كالمال، وإن كان قد لا يأثم، كذا ذكره شيخنا، وظاهر كلام غيره خلافه كما هو ظاهر الأخبار". ثم ساق ابن مفلح حديث

(4)

أم سليم في طلبها من النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء لأنس، وكثير من الصحابة الذين طلبوا الدعاء

(5)

.

ويفهم من كلام ابن مفلح هذا أن هناك صورة ثالثة وهي: أن يقصد

(1)

الرد على البكري: 100، وقاعدة في التوسل: 43 - 44، والواسطة بين الحق والخلق ضمن الفتاوى: 1/ 133 - 134.

(2)

انظر قاعدة في التوسل: 135، ومع الفتاوى: 1/ 328.

(3)

ابن مفلح هو محمد بن مفلح بن محمد الفقيه الحنبلي شمس الدين تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية اشتغل بالفقه وبرع فيه إلى الغاية (ت 763 هـ)، الدرر الكامنة: 4/ 261.

(4)

أخرجه البخاري: 4/ 228 رقم 1982.

(5)

الفروع: 2/ 602، وانظر قول شيخ الإسلام في الواسطة المطبوعة ضمن الفتاوى: 1/ 134 قال: "ومثل هذا السؤال لا يأمر الله به قط بل قد نهى عنه، إذ هذا سؤال محض للمخلوق من غير قصده لنفعه ولا لمصلحته وانظر أيضًا قاعدة في التوسل: 42 - 44، والرد على البكري: 99 - 100.

ص: 503

بطلبه انتفاع الداعي فقط، فهذه الصورة نادرة الوقوع أو لا تقع مطلقًا لأن من طبيعة البشر أيًا كان أنه لا يقوم بعمل إلا وله فيه غرض دنيوي أو أخروي

(1)

.

والذي يظهر أن قول شيخ الإسلام بأن طلب الدعاء من الغير خلاف الأولى يحمل على أن ذلك ليس على حكم الأصالة، وإنما بسبب ما ينضم إلى ذلك من المحذور، ولهذا ورد عن بعض السلف

(2)

كراهية طلب الدعاء منهم لما يخاف من الفتنة، فقد ذكر الإمام الشاطبي رحمه الله أن كراهية السلف طلب الدعاء منهم لدخول أمر زائد على أصل الطلب فصار الدعاء بتلك الزيادة مخالفًا للسنة لا على حكم الأصالة بل بسبب ما ينضم إليه من الأمور المخرجة عن الأصل مثل أن يلزم منه أن يعتقد في الذي طلب الدعاء منه أنه يقبل دعاؤه أو يخاف أنه وسيلة إلى أن يعتقد فيه ذلك أو يعتقد أنه سنة تلزم أو يجري في الناس مجرى السنة الملتزمة

(3)

.

هذا ومن هذه المرتبة السادسة استغاثة الخلائق في المحشر بالأنبياء فإن الأنبياء والمستشفعين بهم في مكان واحد يرى بعضهم ويسمعون كلام بعضهم.

(1)

انظر كلام شيخ الإسلام في هذا في كتاب التوحيد وإخلاص العمل ص: 156 - 157.

(2)

قد أخرج الطبري في تهذيب الآثار - كما عزاه إليه الشاطبي في الاعتصام -: 2/ 24 - 25 عن عمر أنه كتب لمن طلب منه الدعاء أني لست بنبي ولكن إذا أقيمت الصلاة فاستغفر لذنبك ونحوه عن سعد بن أبي وقاص وحذيفة وإبراهيم النخعي أنهم كرهوا الدعاء لمن طلب منهم وانظر هذه الآثار أيضًا في تلبيس إبليس ص. وأخرج أبو خيثمة بإسناده عن إبراهيم النخعي قوله: "كانوا يجلسون ويتذاكرون العلم والخير، ثم يتفرقون، لا يستغفر بعضهم لبعض ولا يقول: يا فلان ادع لي". اهـ كتاب العلم ص: 146 رقم 159 وصحح الألباني إسناد هذا الأثر.

(3)

الاعتصام للشاطبي: 2/ 23 - 25.

ص: 504

وبهذا نعلم أنه لا يصح الاحتجاج بهذه الاستغاثة على دعاء الموتى.

‌المرتبة السابعة

(1)

:

أن يسأل الله تعالى بغير أسمائه الحسنى وصفاته العليا سواء كان ذلك الغير ميتًا أو غائبًا أو حاضرًا، وسواء كان ذلك السؤال توسلًا به وبجاهه وحرمته أو إقسامًا به، فالصور الممكنة ستة، فالسؤال بالميت إما بالتوسل أو بالإقسام، وكذا بالغائب أو الحاضر إما بالتوسل أو الإقسام فهذه ست صور.

فهذه الصور يأتي الكلام عليها مفصلًا في مبحث التوسل إن شاء الله تعالى ونوجز الكلام عليها هنا.

فبالنسبة إلى التوسل فحكمه أنه بدعة ولم ينقل عن أحد من الصحابة والتابعين وسلف الأمة أنهم كانوا يدعون بمثل هذا الدعاء

(2)

.

هذا إذا كان المتوسل به ميتًا أو غائبًا.

وأما إذا كان حاضرًا، فإن كان المتوسلُ به الحاضر دعا الله تعالى وتوسَّلَ السائلُ المُتوسِّلُ بدعائه إلى الله تعالى فهذا جائز كما في حديث الأعمى حيث دعا له النبي صلى الله عليه وسلم، ودعا الأعمى أيضًا متوسلًا بدعائه وكما في حديث عمر حيث دعا العباس وطلب من الله السقيا ودعا عمرُ أيضًا متوسلًا بدعاء العباس رضي الله عنهم جميعًا.

وأما إذا كان الحاضر لم يدع الله تعالى فلا يجوز التوسل بذاته أو جاهه لأنه لم يرد، ولما فيه من المفاسد التي تجر إلى الشرك، وسيأتي بيان بعض تلك المفاسد في مبحث التوسل إن شاء الله تعالى.

(1)

انظر عن هذه المرتبة قاعدة جليلة: 152، والفتاوى 27/ 83، ومنهاج السنة: 1/ 482، وإغاثة اللهفان: 1/ 168، وزاد المعاد: 1/ 527.

(2)

الفتاوى: 27/ 83.

ص: 505

وأما الإقسام على الله بغيره فحكمه حرام لما روي في حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه من أن أعرابيًا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، جُهِدَتِ الأنفسُ وضاعت العيالُ ونُهِكَتِ الأموال وهلكت الأنعام، فَاسْتَسْقِ اللَّهَ لنا فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويحك أتدري ما تقول؟

ثم قال: ويحك إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه، شأن الله أعظم من ذلك"

(1)

.

وقد ذكر الفقهاء من أصحاب

(2)

أبي حنيفة وغيرهم أبي حنيفة وغيرهم أنه لا يجوز أن يقسم أحد بالمخلوق فجمهور العلماء لا يسوغون الحلف بغير الله تعالى من الأنبياء والملائكة ولا تنعقد اليمين بذلك، وهذه إحدى الروايتين عن أحمد، والرواية الأخرى تنعقد اليمين بالنبي صلى الله عليه وسلم خاصة دون غيره.

وعلى هذا يحمل ما روي عنه من إجازة التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم خاصة هذا على فرض ثبوت تلك الرواية عن أحمد.

فالجمهور من العلماء لا يجيزون القسم بغير الله تعالى.

وروي عن أحمد مثل ذلك أيضًا

(3)

.

(1)

أخرجه أبو داود: 5/ 94 رقم 4724، والدارمي في الرد على الجهمية ص: 41 رقم 71، وابن خزيمة في التوحيد ص 69، والآجري في الشريعة ص: 293، وابن أبي عاصم في السنة: 10/ 294 رقم 575، واللالكائي في السنة ص: 394 رقم 656، والحديث قد استغربه الحافظ ابن كثير في التفسير: 1/ 310، وضعفه الألباني لأن فيه محمد بن إسحاق وهو مدلس لم يصرح بالسماع، ثم إن في إسناده اختلافًا، انظر ظلال الجنة: 1/ 252، لكن ابن القيم قواه في تهذيب مختصر سنن أبي داود: 8/ 94 - 98 وقال ابن تيمية وليس فيه إلا ما له شاهد من رواية أخرى الفتاوى 16/ 435، هذا وقد توسعت في الكلام على هذا الحديث في رسالتي جهود الإمام أبي داود السجستياني، وتبين من دراسته اختلاف النقاد في تقويته وتضعيفه ورجحان ضعفه والله أعلم.

(2)

قاعدة جليلة: 50 - 51، 55، 63، 106، والفتاوى: 24/ 335 - 336، وإغاثة اللهفان: 1/ 168، والمحلى: 8/ 32، والمغني: 80/ 721، وروضة الطالبين: 11/ 6 - 7، والفروع لابن مفلح: 6/ 340.

(3)

الفتاوى: 1/ 140 - 141، و 24/ 335 - 336، وقاعدة في التوسل: 50 - 51، 55، 63، 106، 145، والجواب الباهر: 31 - 32.

ص: 506

ولعل هذه الرواية هي الراجحة لموافقتها لأقوال الجمهور، ولأنه لم يعلم عن أحد من السلف أنه أجاز القسم بغير الله تعالى، والأهم من ذلك أن الأحاديث الكثيرة صحت في النهي عن الحلف بغير الله تعالى ولا تخفى على مثل الإمام أحمد مع حرصه الشديد على التمسك بالسنة، ومن تلك الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم:"من حلف بغير الله فقد أشرك"

(1)

.

وهذا وعيد شديد وتحذير بالغ فمن هنا يبعد كل البعد أن يصح عن الإمام أحمد تجويزه صحة القسم بالنبي الله كما يبعد - والله أعلم - صحة تجويزه التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، ولهذا أفتى أبو محمد العز بن عبد السلام رحمه الله بأنه لا يقسم على الله بالأنبياء والملائكة والأولياء.

وأما بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعلق القول به على صحة الحديث وذكر أنه إن صح فينبغي أن يكون خاصًّا بالنبي

(2)

.

وسيأتي الكلام على الحديث وهو حديث الضرير وعدم دلالته على ذلك.

ويحمل التوسل الذي أجازه الإمام أحمد - على فرض صحة الرواية عنه ـ على التوسل بالإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم ومحبته واتباعه

(3)

.

والحاصل أنه قد اتفق العلماء على عدم جواز الإقسام بالمخلوق على المخلوق ومنعوا من ذلك، فإذا ثبت هذا فمن باب أولى أن يمنع أن يقسم بالمخلوق على الخالق فشأن الله أعظم من أن يقسم عليه بمخلوق كما في الحديث المتقدم.

(1)

تقدم تخريجه ص: 455.

(2)

فتاوى العز بن عبد السلام: 126 - 127 وفتاوى ابن تيمية: 1/ 141، وقاعدة في التوسل: 147، والأزهية:173.

(3)

قاعدة في التوسل ص: 62، وضمن الفتاوى: 1/ 221.

ص: 507

ومن هنا يتضح أن الحكم في الصور التي فيها الإقسام على الله تعالى بغيره أنه محرم، ولكنه لا يصل إلى الشرك الأكبر إلا في بعض الأحيان، وقد أُوِّلَ حديثُ من حلف بغير الله فقد أشرك، إلى الشرك الأصغر وسيأتي الكلام عليه مع بيان قول من قال: إنه شرك أصغر ومن قال: إنه شرك أكبر

(1)

.

‌المرتبة الثامنة

(2)

:

أن يدعو الله تعالى عند قبر نبي أو ولي أو ما يعتقد أنه كذلك أو مطلق المقابر.

فهذه المرتبة لها ثلاث صور:

الأولى: أن يقصد القبر ويتحراه للدعاء عنده وليس له غرض آخر معتقدًا أن الدعاء هناك أجوب، وأسرع، وأن لذلك المكان خصوصية في إجابة الدعاء، وأن الدعاء في المقابر والمشاهد أفضل من الدعاء في المسجد والبيت والسجود والأسحار.

والثانية: أن يقصد القبر للزيارة والدعاء عنده معتقدًا لما تقدم، وذلك كالذي يحصل من الذين يزورون القبر الزيارة البدعية حيث كانوا يَجْمَعون بين النيَّتَيْنِ: نية زيارة القبر ونية الدعاء عنده.

والثالثة: أن يحصل الدعاء عند القبر بحكم الاتفاق بدون قصد سابق وتَحَرٍّ كمن يدعو الله في طريقه ويتفق أن يمر بالقبور، أو من يزورها فيسلم عليها ويسأل الله العافية له وللموتى كما جاءت به السنة

(3)

.

وهذه المرتبة سيأتي الكلام عليها مفصلًا إن شاء الله تعالى في الكلام

(1)

سيأتي ص: 909 - 912.

(2)

انظر: إغاثة اللهفان: 18/ 169، وزاد المعاد: 1/ 527، ومنهاج السنة: 1/ 482، والفتاوى: 24/ 335.

(3)

اقتضاء الصراط المستقيم: 336.

ص: 508

على الدعاء عند الأضرحة والقباب.

وحكم هذه المرتبة في الجملة أنها من البدع المحدثة في الدين إلا الصورة الأخيرة فهي جائزة بشروط سيأتي التنبيه عليها إن شاء الله تعالى.

‌المرتبة التاسعة:

سؤال غير الله تعالى مع الله.

وهذه المرتبة تحصل بتشريك غير الله مع الله تعالى إما بالعطف أو الإتيان بما يدل على المشاركة.

وهذه المرتبة كانت كثيرة الوقوع في المشركين الأوائل، ولهذا نجد الله تعالى قد كرر التحذير من دعاء غير الله مع الله تعالى في آيات محكمات، منها قوله تعالى:{فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الشعراء: 213]{وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [القصص: 88]{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18].

ولكن الشيطان لما عرف بُعْدَ المسلمين ونفرتهم عن إِقْرَان غيرِ الله وإشراكه مع الله في اللفظ وَعِظَمَ ذلك عندهم، زَيَّن لهم مراتب أخرى تكون أخفى من هذه المرتبة قد لا يظنونها أنها تصل إلى الشرك فيقعون فيها.

ومع وضوح كون هذه المرتبة شركًا صريحًا أنزل الله فيه آيات واضحات تحذر منه وقع فيها بعض من ينتسب إلى الإسلام، فكان بعضهم يقول: يا سيدي فلان ويا الله فيعطف الله على مدعوه أو بالعكس فإنا لله وإنا إليه راجعون.

فهم يدعون مشايخهم وأولياءهم ويعدون أسماءهم مستغيثين بهم ومستنجدين ويذكرون الله في جملتهم "كأنه واحد من تلك الأعداد"

(1)

.

(1)

معارج الألباب: 43.

ص: 509

فعند هؤلاء دعاء الله تعالى ودعاء الشيخ أو الولي من باب واحد فالكل يُدْعَى ومن هنا يَذْكُر الكل لقضاء حاجته بل ربما وصل عند بعضهم أن باب الولي أسرع في الإجابة كما سيأتي.

‌حكم هذه المرتبة:

إن هذه المرتبة شرك واضح وكفر بواح، قال تعالى:{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون: 117].

‌المرتبة العاشرة:

سؤال غير الله تعالى بنية الشفاعة.

قد تقدم لنا ذكر معنى الشفاعة والمناسبة بينها وبين الدعاء في مبحث التعريفات والآن نذكر هنا الشفاعة الشركية التي هي إحدى مراتب دعاء غير الله تعالى.

هذا وقد كثر الخوض في الشفاعة ومسائلها وأنواعها وألفت فيها رسائل

(1)

مستقلة، فلذا أجتزئ الكلام عليها حسب ما يتعلق بموضوع البحث حتى تكتمل جوانب البحث فأقول وبالله التوفيق:

إن الشفاعة الشركية هي مرتبة من مراتب الدعاء غير المشروع ولها صورتان:

1 -

الصورة الأولى أن يسأل الميت عند قبره الشفاعة والوساطة كالذي يقع من الزائرين للأموات حيث ينادون صاحب القبر: يا أيها الولي الفلاني اشفع لنا عند ربك، وتوسط لنا في كذا وكذا.

(1)

منها رسالة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي ومنها رسالة مقدمة في جامعة أم القرى وأخرى في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

ص: 510

2 -

والصورة الثانية: أن يسأل الميت بعيدًا عن قبره كالذي يقع من المتعلقين بالصالحين حيث يكون هجيراهم ودأبهم في حلهم وترحالهم طلب الشفاعة من الولي الفلاني.

والحكم في الشفاعة يتوقف على معرفة أقسامها فلذا أشير إلى أقسامها بالإيجاز وبالله التوفيق ..

الشفاعة قسمان:

1 -

شفاعة مثبتة.

2 -

شفاعة منفية.

فالشفاعة المثبتة هي التي استوفت شرطين:

الأول: إذن الله تعالى للشافع أن يشفع، قال تعالى:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255].

وقال سبحانه: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 22].

الثاني: رضاه عمن أذن للشافع أن يشفع فيه أي رضاه عن المشفوع، قال تعالى:{وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28]، وقال تعالى:{وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: 56].

ومن المعلوم أن الله سبحانه لا يرضى إلا عن أهل التوحيد والإخلاص الذين لا يدعون غيره فهذه الشفاعة خاصة بالمؤمنين الصادقين فلهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال له أبو هريرة: "من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه"

(1)

.

وفي معنى هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل

(1)

أخرجه البخاري: 1/ 193 رقم 99.

ص: 511

كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئًا"

(1)

فشيئًا نكرة في سياق النفي فتعم.

فمن دعا غير الله تعالى أيًا كان فقد أشرك فلا تناله شفاعة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه ففي الحديثين السابقين "جعل النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الأسباب التي تنال بها شفاعته تجريد التوحيد عكس ما عند المشركين أن الشفاعة تنال باتخاذهم أولياءهم شفعاء وعبادتهم وموالاتهم من دون الله، فقلب النبي صلى الله عليه وسلم ما في زعمهم الكاذب، وأخبر أن سبب الشفاعة هو تجريد التوحيد فحينئذ يأذن الله للشافع أن يشفع"

(2)

.

وأما الشفاعة المنفية فهي الشفاعة الشركية التي يعرفها الناس عند الإطلاق ويفعلها بعضهم مع بعض وهي أن يشفع الشفيع إلى غيره ابتداء فيقبل شفاعته.

فأما إذا أذن له في أن يشفع فشفع فهي في الحقيقة منه فإنه الذي أذن والذي قبل والذي رضي عن المشفوع والذي وفقه لفعل ما يستحق به الشفاعة وقوله

(3)

.

وعرفها بعضهم بقوله: هي أن يحمل الشافع المشفوع عنده على فعل أو ترك كان أراد غيره - حكم به أم لا - فلا تتحقق الشفاعة إلا بترك الإرادة وفسخها لأجل الشفيع"

(4)

.

والمقصود هنا بيان الشفاعة الشركية التي تحصل من الداعين للأموات وذلك أن أحدهم إذا وقع في مشكلة ما ينادي ويستغيث بالميت قائلًا: يا سيدي فلان اشفع لي عند ربك أو توسط لي عند الله أو نحو هذا.

(1)

أخرجه البخاري: 11/ 96 رقم 6304، ومسلم: 1/ 188/ 199 من حديث أبي هريرة وأخرجه أيضًا البخاري من حديث أنس برقم 6305، ومسلم برقم 200.

(2)

مدارج السالكين: 1/ 341.

(3)

إغاثة اللهفان: 18/ 172، والفتاوى: 1/ 118.

(4)

تفسير المنار: 1/ 255، والإبداع في مضار الابتداع:208.

ص: 512

وبعضهم يطلب الشفاعة من الأموات أنبياء أو غيرهم من الملائكة والصلحاء في الدار الآخرة، يطلب ذلك الآن في الدنيا فيقول: يا رسول الله اشفع لي يوم القيامة فيطلبها من الرسول صلى الله عليه وسلم قبل مجيء وقتها.

وهذه الشفاعة المذكورة ممنوعة في حق الله تعالى، وذلك لأن الشافع في هذه الحالة قَدْ أَثَّرَ في تغيير اختيار المشفوع عنده، فصار شريكًا له في المطلوب، والله منزه عن ذلك

(1)

.

وهذه هي الشفاعة التي نفاها القرآن الكريم، قال تعالى:{وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأنعام: 51]، وقال تعالى:{وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} [البقرة: 123].

وقال تعالى: {وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ} [الأنعام: 70].

وقال تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ} [السجدة: 4].

وقال تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [الزمر: 44].

فاتضح من هذه الآيات أن هذه الشفاعة قد نفاها القرآن وقطع جذورها واستأصل شأفتها حتى لا يعلق أحد قلبه بغير الله تعالى وحتى يتحقق تجريد التوحيد الله تعالى فأبى أهل الضلال إلا معارضته فأثبتوها بدون شروط، وتعلقوا بها في دعائهم لغير الله تعالى.

وقابل هؤلاء آخرون من أهل البدع من الخوارج والمعتزلة فنفوها

(1)

الصفدية: 2/ 291.

ص: 513

وقالوا لا شفاعة إلا الشفاعة التي لفصل القضاء أو رفع الدرجات، وأما الشفاعة فيمن استحق العذاب أو في إخراج من دخل النار فلم يثبتوها.

وتوسط أهل الحق فأثبتوا ما أثبته الله، ونفوا ما نفاه الله، وهذه هي عادة أهل الحق في المسائل العلمية الاعتقادية والمسائل العملية فهم وسط بين الغالي والجافي كما أن هذه الأمة وسط بين الأمم.

والحاصل أن الناس في الشفاعة على ثلاثة أقوال: فالمشركون والنصارى والمبتدعون من الغلاة في المشايخ وغيرهم يجعلون شفاعة من يعظمونه عند الله كالشفاعة المعروفة في الدنيا، والمعتزلة والخوارج أنكروا شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر، وأما أهل السنة والجماعة فيقرون بشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر وشفاعة غيره لكن لا يشفع أحد حتى يأذن الله ويحد له حدا

(1)

.

هذا وقد علمنا مما سبق أن الشفاعة الشركية هي التي لم تستوف شروط الشفاعة المثبتة أي التي بدون إذن المُشَفِّع وبدون رضاه، ومن أنواع هذه الشفاعة المنفية الشفاعة التي أثبتها الفلاسفة وقلدهم فيها بعض من ينتسب إلى الملل السماوية.

فالفلاسفة أثبتوا شفاعة شركية أعظم شركًا من شفاعة المشركين حيث أجازوا دعاء الجواهر العلوية - الشمس والقمر والكواكب - وكذلك الأرواح التي يسمونها العقول والنفوس ويسميها من انتسب إلى أهل الملل الملائكة.

وهذا الذي يَدَّعُونه من الشفاعة لآلهتهم أعظم كفرًا من كفر مشركي العرب فإن الفلاسفة لا يقولون: إنَّ الشفيع يسأل الله والله يجيب دعوته كما يقوله المشركون الذين يقولون: إن الله خالق بقدرته ومشيئته فإن هؤلاء عندهم أنه لا يعلم الجزئيات ولا يُحدِث شيئًا بمشيئته وقدرته.

(1)

الصفدية: 2/ 291.

ص: 514

وإنما العالم فاض عنه فيقولون: إذا توجه الداعي إلى من يدعوه كتوجهه إلى الموتى عند قبورهم وتوجهه إلى الأرواح العالية فإنه يفيض عليه ما يفيض من ذلك المعظم الذي دعاه واستغاث به وخضع له من غير فعل من ذلك الشفيع ولا سؤال منه الله تعالى كما يفيض شعاع الشمس على ما يقابلها من الأجسام الصقيلة كالمرآة ونحوها ثم ينعكس الشعاع من ذلك الجسم الصقيل إلى حائط أو غيره

(1)

.

ولأجل هذا يرون دعاء الموتى عند قبورهم وغير قبورهم ويتوجهون إليهم، وكثير منهم ومن غيرهم من الجهال يرون أن الصلاة والدعاء عند قبور الأنبياء والصالحين من أهل البيت وغيرهم أفضل من الصلوات الخمس والدعاء في المساجد وأفضل من حج البيت العتيق، كما أنهم جعلوا الفائدة في زيارة قبورهم من هذا الوجه، وقالوا: إن الأرواح المفارقة تجتمع هي والأرواح الزائرة فيقوى تأثيرها

(2)

.

‌الحكم:

ولا يخفى بعد إيراد اعتقاد هؤلاء في معنى الشفاعة أن هذه الشفاعة التي أثبتوها هي من أعظم الشرك بالله تعالى.

وهذا الذي ذكروه هو السبب الرئيسي في عبادة أصناف المشركين لغير الله تعالى.

قال ابن القيم: "وبهذا السر عبدت الكواكب واتخذت لها الهياكل وصنفت لها الدعوات واتخذت الأصنام المجسدة لها، وهذا بعينه هو الذي أوجب لعباد القبور اتخاذها أعيادًا وتعليق الستور عليها، وإيقاد

(1)

الرد على المنطقيين: 535 - 536، والصفدية: 2/ 287، والرد على البكري: 62، 267 - 268، وملحق المصنفات:97.

(2)

الرد على المنطقيين: 103 - 104، وإغاثة اللهفان: 1/ 169 - 170، والرد على البكري: 167 - 168.

ص: 515

السرج عليها وبناء المساجد عليها وهو الذي قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم إبطاله ومحوه بالكلية، وسد الذرائع المفضية إليه. . وهو سر عبادة الأصنام، وهو الذي بعث الله رسله وأنزل كتبه بإبطاله وتكفير أصحابه وأباح دماءهم وأموالهم وأوجب لهم النار.

والقرآن من أوله إلى آخره مملوء من الرد على أهله وإبطال مذهبهم، قال تعالى {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الزمر: 43].

فأخبر أن الشفاعة لمن له ملك السموات والأرض وهو الله وحده فهو الذي يشفع بنفسه إلى نفسه ليرحم عبده فيأذن هو لمن يشاء أن يشفع فيه فصارت الشفاعة في الحقيقة إنما هي له"

(1)

.

ثم إن هذا الذي ذكروه ومثلوا له بشعاع الشمس هو من أصول الشرك ومن المقاييس الفاسدة التي قال فيها بعض السلف: "ما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس"

(2)

.

وهي من أقوال من يقول: إن الدعاء إنما تأثيره بكون النفس تتصرف في العالم لا يكون الله يجيب الداعي وهي مبنية على أن الله تعالى ليس بفاعل مختار يخلق الحوادث بمشيئته واختياره

(3)

. وقد تقدم بحمد الله وتوفيقه ذكر ذلك

(4)

.

(1)

إغاثة اللهفان: 1/ 170.

(2)

أخرجه الدارمي في مسنده من قول ابن سيرين: 1/ 58 رقم 195.

(3)

الرد على البكري: 268، وملحق المصنفات:97.

(4)

سبق في ص: 315.

ص: 516

‌المبحث الثاني في مظاهر غلو المتأخرين في دعاء غير الله تعالى

ومما لا شك فيه أن المشركين الأوائل كانوا يعتقدون في آلهتهم التي يدعونها اعتقادات باطلة ويقدسونها بأنواع من التقديسات ويصرفون لها أنواعًا من العبادات ولكن المتأخرين ممن يدعون الأموات والغائبين فَاقُوهم وتجاوزوهم بمراحل لم يصل إليها أسلافهم ومتقدموهم ووقفوا بمواقف خطيرة جدًّا ما كان يُتصوّر أن أي مسلم آمن بدين الله يقف بها، ويعتقدها ويتبناها ولكن هذا هو الواقع المرير الذي وصل إليه حال المسلمين، فقد وقفوا مواقف خطيرة وحكوا حكايات عجيبة، فمنهم من زعم أن دعاء الموتى أفضل وأسرع إجابة من دعاء الله تعالى، فقد وصلت الوقاحة بهؤلاء إلى أنهم لم يقتصروا على دعاء الموتى وتجويزه بل بلغ بهم الأمر إلى أن يجعلوا دعاء الموتى أفضل من دعاء الله، فمنهم من يحكي أن بعض المريدين استغاث بالله فلم يغثه واستغاث بشيخه فأغاثه، فَإِغَاثةُ الشيخ أسرع من إغاثة الله تعالى تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.

ومنهم من يحكي أن بعض المأسورين دعى الله فلم يخرجه فدعا بعض الموتى فجاءه فأخرجه إلى بلاد الإسلام

(1)

.

(1)

انظر الرد على البكري ص: 347 - 349 و 351، ومنهاج السنة: 2/ 441، و 1/ 474 - 476، وملحق المصنفات: 106، والقول الفصل النفيس: 97، والسيد البدوي بين الحقيقة والخرافة: 315، وروح المعاني: 24/ 11.

ص: 517

ولم يقتصروا على دعائهم للأموات بأنفسهم بل دعوا المسلمين إلى ذلك فصنفوا المصنفات في تجويز ذلك وتبريره بل في استحبابه ومشروعيته وتفننوا في كثرة التأليف فمن مؤلف في ألفاظ الأدعية التي تقال في المشاهد والمزارات وفيها الكفر الصريح والشرك الواضح، وآخر ينظم القصائد الشركية في الاستغاثة بغير الله تعالى وآخر يؤلف في تبرير هذا العمل وتزيينه ويجمع الشبهات والحكايات والمنامات إلى غير ذلك من الكتب الخرافية المنتشرة في ديار المسلمين، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ولم يقتصر هؤلاء على دعاء الأموات والتأليف فيه بل ألف بعضهم في دعاء الكواكب والنجوم ومخاطبتها وبعضهم صنف في خواص الحروف والدعاء بأسماء معينة في أوقات معينة، فأدخلوا بذلك دين المشركين من الصابئة والفلاسفة في دين المسلمين، فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية مذهب الفلاسفة ثم ذكر أن كثيرًا من متأخري المتصوفة والمتكلمين أدخلوه في دين الحنفاء حتى صنف بعضهم تصنيفًا في ذلك مثل مصنف بعضهم المسمى (السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم) وآخرون صنفوا في الحروف وطبائعها والدعاء بأسماء ذكروها في أوقات مخصوصة

(1)

.

هذا وسأذكر - بعون الله وتوفيقه - بعض المواقف والمظاهر التي يتضح بها مدى ما وصل إليه غلو المتأخرين على الأوائل وبالله التوفيق.

1 -

ومن مظاهر غلوهم على الأولين اعتقادهم التصرف المطلق في الكون لمدعويهم المقبورين أو الغائبين بخلاف الأولين حيث يعتقدون الشفاعة والوساطة لدى الإله الأكبر فقط، فلم يكونوا يعتقدون لمدعويهم التصرف بأنفسهم، وسيأتي التدليل على ذلك في مبحث إقرارهم للربوبية من باب الشبهات.

(1)

الرد على البكري: 302، وانظر الكلام على الأدعية المبنية على الحروف في الاعتصام أيضًا: 2/ 20.

ص: 518

وأما المتأخرون فكثير منهم يعتقد التصرف المطلق لمدعوه، وقد ذكرنا ذلك بما فيه الكفاية في مبحث

(1)

علاقة الدعاء بتوحيد الربوبية ولله الحمد.

2 -

ومن مظاهر غلوهم: أن الأولين كانوا يدعون معبوديهم في حال السعة والرخاء واليسر.

وأما في حال الشدة والضيق ونزول المصائب كالتطام الأمواج وخوف الغرق والهلاك، فلا يدعون إلا الله تعالى لمعرفتهم أنه لا ينقذ من تلك الشدة إلا الواحد القهار.

قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [يونس: 22].

وقال: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ} [الإسراء: 67].

وقال: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} [لقمان: 32].

هذا ما ذكره الله عنهم من إخلاص الدعاء عند التطام الأمواج، وقد ذكر الله عنهم إخلاصهم الدعاء عند الشدائد بصفة عامة فقال:{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41)} [الأنعام: 40، 41].

(1)

تقدم ص: 255، وانظر أيضًا السيد البدوي ص: 3 ومقدمة مصرع التصوف ص: 4، ومصباح الظلام: 24، والبريلوية: 68، 69.

ص: 519

وقال: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ} [الأنعام: 63، 64].

وقال: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} [يونس: 12].

وقال: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} [فصلت: 51].

وفي آيات متعددة ذكر الله إخلاصهم الله تعالى الدعاء في حال الشدة ونزول الضر وإشراكَهُمُ بالله في الرخاء والسعة.

هذا عادة المشركين الأوائل يلتجئون إلى الله تعالى دعاء ورغبة ورهبة عند اشتداد الكرب وقرب الهلاك، فقد روى الحسن البصري عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي: يا حصين كم تعبد اليوم إلهًا؟ قال أبي: سبعة ستًا في الأرض وواحدًا في السماء، قال: فأيهم تعد لرغبتك ورهبتك؟ قال: "الذي في السماء. . ."

(1)

.

وأما المتأخرون فحالتهم أدهى وأمر وأشد غلوًا وبعدًا عن إخلاص الدعاء الله تعالى فهم إذا وقعوا في شدة وأيقنوا بالهلاك وقرب الموت يستغيثون بالولي الفلاني.

فمثلًا عند التطام الأمواج ينسون دعاء الله تعالى ولا يخطر في بالهم

(1)

أخرجه الترمذي: 5/ 519 برقم 3483، والطبراني في الأوسط: 3/ 9 رقم 3006، وفي الدعاء: 3/ 1450 رقم 1393، واللالكائي في السنة ص: 652 رقم 1184 من طريق شبيب بن شيبة عن الحسن عن عمران به، وشبيب متكلم فيه كما في الميزان: 2/ 262، وفي سماع الحسن البصري عن عمران خلاف كما في جامع التحصيل: 195، 197، وقد أخرجه ابن خزيمة من طريق آخر في كتاب التوحيد: 1/ 277 رقم 177 لكن فيه ضعف أيضًا وانظر الأربعين في صفات رب العالمين للذهبي ص: 90 رقم 30 وضمن ست رسائل للذهبي ص: 90.

ص: 520

إلا الاستغاثة بالولي والشيخ الفلاني، وهذا الأَمر متواتر عنهم تواترًا يقطع أَي شبهةٍ على من يحاول الدفاع عنهم بشبهة واهية.

ومع هذا التواتر عنهم نذكر طرفًا من أَقوال الثقات الذين أَخبروا بذلك عن مشاهداتهم أَو عن مشاهدات الثقات الذين أَخبروهم، وذلك قطعًا للشبهة وإزالةً للريبة وإقامةً للحجة، وإلَّا فالأَمر لا يحتاج إلى تطويل وإسهابٍ لوضوحه، لولا الدفاع المميت لبعض من يحاول التشبث بالعادات والتقاليد، ولو كانت شركًا صريحًا ما دام أَنها توافق رغباته وشهواته ومأَلوفاته وعادات قومه، والله المستعان وهو الهادي إلى سواء السبيل.

هذا ونختار بعض أَقاويل العلماء الثقات في ذلك:

1 -

فمن العلماء الذين ذكروا ذلك الشيخ حسين بن مهدي النعمي رحمه الله فإنه قال: "وطالما شاهدنا عباد أَرباب هذه القباب، إذا التطمت عليهم أَمواج البحر العباب سمعت ذكر الزيلعي والحداد، وكل يدعو شيخه عند ذلك الاضطراب إذ لكل طريقة لا ينتحي سواها في الهتف والانتساب"

(1)

.

2 -

ومنهم الإمام الشوكاني رحمه الله فقد ذكر أَن هؤلاء المتأَخرين وصلوا في الاعتقاد في الأَموات إلى حد لم يبلغه المشركون الأَوائل وذلك أَنهم كانوا يخلصون في الشدة بخلاف المعتقدين في الأَموات فإنهم إذا دهمتهم الشدائد استغاثوا بالأَموات ونذروا لهم النذور وقل من يستغيث بالله سيما في تلك الحال، وهذا يعلمه كل من له بحث عن أَحوالهم.

ثم قال الشوكاني: "ولقد أَخبرني بعض من ركب البحر للحج أَنه اضطرب اضطرابًا شديدًا فسمع من أَهل السفينة من الملاحين وغالب الراكبين معهم ينادون الأَموات ويستغيثون بهم ولم يسمعهم يذكرون الله

(1)

معارج الأَلباب: 43.

ص: 521

قط، قال: ولقد خشيت في تلك الحال الغرق لما شاهدته من الشرك بالله"

(1)

.

3 -

ومنهم الشيخ صديق حسن خان رحمه الله فقد وصف ما رآه من حالة الملاحين في رحلته للحج حيث ركب المركب من الحديدة إلى جدة مع الحجَّاج فيقول: "ومن العجائب التي لا ينبغي إخفاؤها أن الملاحين إذا ترددوا في أمر المركب من جمود الريح أو هبوبها مخالفة أو شيئًا من الخوف على السفينة وأهلها كانوا يهتفون باسم الشيخ عيدروس وغيره من المخلوقين مستغيثين ومستعينين به ولم يكونوا يذكرون الله عز وجل أبدًا أو يدعونه بأسمائه الحسنى، وكنت إذا سمعتهم ينادون غير الله ويستعينون بالأولياء خفت على أهل المركب خوفًا عظيمًا من الهلاك، وقلت في نفسي: بالله العجب، كيف يصل هذا المركب بأهله إلى ساحل السلامة فإن مشركي العرب قد كانوا لا يذكرون آلهتهم الباطلة في مثل هذا المقام. . .

وهؤلاء القوم الذين يسمون أنفسهم المسلمين يدعون غير الله ويهتفون بأسماء المخلوقين ولقد صدق تعالى فيما قال: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} "

(2)

[يوسف: 106].

4 -

ومنهم الشيخ سليمان بن عبد الله رحمهما الله، فقد ذكر إخلاص المشركين الدعاء الله تعالى في الشدائد ثم قال: "وأما عباد القبور فكم ذا بينهم وبين المشركين الأولين من التفاوت العظيم في الشرك فإنهم إذا أصابتهم الشدائد برًا وبحرًا أخلصوا لآلهتهم وأوثانهم التي يدعونها من دون الله»

(3)

.

(1)

الدر النضيد: 36.

(2)

رحلة الصديق إلى البيت العتيق: 171، وانظر كلامه أيضًا في الدين الخالص: 1/ 186 و 211، وقطف الثمر: 105 - 107، و 113.

(3)

تيسير العزيز: 220.

ص: 522

5 -

ومنهم الشيخ علي محفوظ صاحب كتاب الإبداع في مضار الابتداع، فقد ذكر أن الشفاعة لا تكون إلا إذا أذن الله للشفيع ثم ذكر أنه قد يغفل عن هذا العوام فتراهم إذا نزل بهم أمر خطير وخطب جسيم في بر أو بحر تركوا دعاء الله تعالى، ودعوا غيره فينادون بعض الأولياء كالبدوي والدسوقي وزينب معتقدين أنهم يتصرفون في الأمور، ولا تسمع منهم أحدًا يخص مولاه بتضرع ودعاء، وقد لا يخطر له على بال أنه لو دعا الله وحده ينجو من تلك الشدائد

(1)

.

ومما يبين غلوهم في دعائهم للولي في حال الشدة، أنهم إذا كانوا ينذرون للولي في الرخاء بعيرًا أو تبيعًا أو شاة أو دينارًا أو درهمًا أو نحو ذلك فإذا أصابتهم الشدة زادوا ضعف ذلك فجعلوا له بعيرين أو تبيعين أو شاتين أو دينارين أو درهمين أو غير ذلك

(2)

.

فكلما اشتد الكرب والضيق عليهم ازداد غلوهم في مدعويهم وبُعْدُهم عن الطريق المستقيم. ومما يؤكد ذلك أيضًا أنهم لم يقتصروا على دعائهم والاستغاثة بهم بل ادعوا أنه أولى من دعاء الله تعالى وأسرع في الإجابة، لأن هؤلاء يعتقدون أن دعاء الأموات والاستغاثة بهم عند قبورهم أو غير قبورهم أنفع لهم من دعاء الله تعالى في المساجد والأسحار حيث لا يحضرون المساجد، ويعمرون المشاهد، ويحصل لهم رقة وخشوع وحضور قلب عند المشاهد ودعاء الأموات مما لا يحصل مثله بل قريب منه في الصلوات والسجود ودعاء الله تعالى

(3)

.

3 -

ومن مظاهر تجاوزهم الحد على السابقين أن المشركين الأوائل إذا جهدوا في الأيمان وأرادوا تأكيد القسم أقسموا بالله تعالى، قال تعالى:

(1)

الإبداع في مضار الابتداع: 212.

(2)

معارج القبول: 1/ 445.

(3)

الرد على البكري 349، وملحق المصنفات: 105، وروح المعاني: 24/ 11.

ص: 523

{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ} [النحل: 38]، فهؤلاء كفار قريش مع إنكارهم للبعث يقسمون بالله تعالى على ذلك.

وأما المتأخرون فقد انتكست عندهم المفاهيم وتغيرت فطرهم وعقولهم فكانوا إذا جهدوا في أيمانهم وأرادوا التأكيد أقسموا بالولي، وإذا حلف الرجل بالله وبأسمائه فإنه لا يطمئن باله ولا يرتاح قلبه ولا يصدق الحالف حتى يحلف له بشيخه، كما أن الحالف لا يتورع أن يحلف أشد الأيمان باسم الله تعالى كاذبًا فاجرًا وأما باسم الولي فلا يمكن أن يحلف كاذبًا.

وقد يُلْزِمُ بعضُ من نصب على القضاء الخصمَ بالحلف باسم الشيخ أو على باب العتبة إلى غير ذلك.

قال الشيخ حسين النعمي رحمه الله: "وكثيرون - لا يدخلون تحت حد الإحصاء - إذا كان الحلف باسم الله أقدم عليه الحالف بلا مبالاة حتى إذا طلب منه الحلف بصاحب القبر وبالأخص إذا ألزمه محلفه بإمساك حلق باب النصب فلا يتجاسر قط إن كانت يمينًا فاجرة وقد لا يرضى المحلوف له إلا بذلك دون الرسم الشرعي، ويعتقد أنه إن أقدم الحالف فإن كان بارًا وإلا بادره الولي بالعقوبة العاجلة والبطشة الكبرى".

ثم ذكر الشيخ النعمي وقائع من ذلك

(1)

.

وهذا الأمر متواتر عن العامة قد فشا فيهم وانتشر انتشار النار في الهشيم، قال الشوكاني رحمه الله: "وقد توارد إلينا من الأخبار ما لا يشك معه أن كثيرًا من هؤلاء القبوريين أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجرًا فإذا قيل له بعد ذلك: احلف بشيخك ومعتقدك الولي الفلاني تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحق، وهذا من أبين

(1)

معارج الألباب: 174 - 175، وانظر الرد على البكري: 348، وملحق المصنفات: 105، وتفسير المنار: 1/ 58.

ص: 524

الأدلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال: إنه تعالى ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة"

(1)

.

4 -

ومن مظاهر غلو المتأخرين في دعاء غير الله تعالى أن الأولين كان غالب ما يدعونه من الصالحين من الملائكة والأنبياء وأتباعهم أو من غير المكلفين من الجمادات كالأشجار والأحجار والأنهار، وهذه الجمادات مطيعة الله تعالى، قال تعالى:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44].

وأما المتأخرون فكانوا يدعون الطواغيت الذين يَدَّعُونَ الولاية المطلقة والتصرف في الكون والقطبية والغوثية فيصدقهم هؤلاء البلهاء المغرورون فيستغيثون بهم في كشف الملمات، وقضاء الحاجات، ودفع المضرات، ونيل المسرات، مع أن هؤلاء الطواغيت شواهد كذبهم ظاهرة، وعلى صفحات وجوههم بادية، فهم ما بين مجاذيب لا يصلون ولا يتطهرون ولا يتنظفون، بل هم مجمع الأوساخ والقاذورات، وما بين ساحر يحتال بأنواع من الشعوذة والدجل التي لا تخفى إلَّا على الخفافيش، وما بين كذاب استأجر جماعة يتجسسون له ما خفي ويلفقون له الكرامات واعتمادًا على هذا التجسس يدعي العلم بالمغيبات والمكاشفات، مع أنه "من أهل الفجور لا يحضر للمسلمين مسجدًا ولا يرى لله راكعًا ولا ساجدًا ولا يعرف السنة والكتاب ولا يهاب البعث ولا الحساب"

(2)

.

وإن وجد في بعض من يدعونه صالح فإنه مع براءته عنهم فقد لفق القائمون على قبره حكايات وأساطير يندى لها الجبين ليستولوا على أموال المخدوعين والزائرين الطائفين بضريحه الناذرين لصندوقه.

ثم إننا لسنا الذين نقول إن هؤلاء المدعوين هم من أفسق الناس بل

(1)

نيل الأوطار: 4/ 95.

(2)

تطهير الاعتقاد: 4، 24.

ص: 525

"الذين يدعونهم هم الذين يحكون عنهم الفجور من الزنا والسرقة وترك الصلاة وغير ذلك"

(1)

.

5 -

ومن مظاهر غلوهم على الأولين أنهم يجعلون الولد إن عاش ملكًا للمقبور ثم يشترونه منه إن قدر أنه عاش بأثمان باهظة تصرف للنصابين على باب الضريح وفي بعض البلدان لا يحلقون شعر المولود إلّا عند باب ضريح الشيخ الَّذي نذر له وربما يمكث المولود بشعره الَّذي ولد به سنوات إذا لم يتمكن الوالد من توفير المال اللازم لشراء الولد من الولي المنذور له.

وإن كان المولود بنتًا يقسم مهرها للولي.

وهذه الأمور قد فشت في هذه الأمة وموجودة فعلًا في نواح كثيرة منها وأنا أعرف ذلك وقد عايشت تلك الأمور وعرفتها عن كثب وقرب ولكن لا بأس بالاستشهاد ببعض كلام الثقات في هذا الموضوع الَّذي قد يظن بعض من لم يعايش ذلك أنه مبالغة وتهويل.

ومن العلماء الذين أخبروا عن ذلك الأمير الصنعاني فإنه ذكر استغاثة القبوريين بأوليائهم وطلبهم منهم ما لا يطلب إلا من الله ثم قال: «بل أعجب من هذا أن القبوريين وغيرهم من الأحياء من أتباع من يعتقدون فيه قد يجعلون له حصة من الولد إن عاش ويشترون منه الحمل في بطن أمه ليعيش لهم ويأتون بمنكرات ما بلغ إليها المشركون الأوائل» .

ثم ذكر من أتى بنصف مهر ابنته إلى من يتولى قبض أموال النذور

(1)

كشف الشبهات: 170، وانظر ما ذكره الشعراني في طبقاته: 2/ 142 عن إِبراهيم العريان أنه يطلع المنبر ويخطب عريانًا، ويخرج الريح بحضرة الأكابر، وما ذكره عن علي وحيش: 2/ 149 - 150 أنه يسكن في خانات العاهرات وأنه يشفع إلى الله لمن يخرج من عندهن حتى يغفر له، وأنه يأمر شيخ البلد بأن يمسك له رأس الحمارة وما ذكره عن شيخه شعبان: 2/ 186 أنه لا يلبس إلا قطعة تغطي السوأتين، وانظر نحو هذا في دراسات تاريخية للعمري ص:267.

ص: 526

ثم قال: "وهذا شيء ما بلغ إليه عباد الأصنام وهو داخل تحت قول الله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} [النحل: 56] بلا شك ولا ريب»

(1)

.

وذكر نحو هذا أيضًا الشوكاني

(2)

والنعمي

(3)

رحمهما الله تعالى.

6 -

ومن غلوهم أنهم يستشفعون بالله ورسوله على مدعويهم نحو البدوي ويقول أحدهم مخاطبًا البدوي سقت عليك الله ورسوله أو توسلت إليك بالله ورسوله، وهذا ما لم يصل إليه المشركون الأوائل

(4)

. فتبين مما سبق: أن المتأخرين وصلوا إلى مرحلة لم يصل إليها الأوائل وبهذا يستحقون الأوصاف التي ذكرها الله تعالى للمشركين وهم أحق بها منهم لأن المشركين الأوائل من هذه الحيثيثة «أصح عقولًا وأخف شركًا من هؤلاء»

(5)

.

قال المفسر الألوسي في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ. . .} [يونس: 22]: "الآية دالة على أن المشركين لا يدعون غيره تعالى في تلك الحال، وأنت خبير بأن الناس اليوم إذا اعتراهم أمر خطير وخطب جسيم في بر أو بحر دعوا من لا يضر ولا ينفع ولا يرى ولا يسمع، فمنهم من يدعو الخضر والياس، ومنهم من ينادي أب الخميس والعباس، ومنهم من يستغيث بأحد الأئمة، ومنهم من يضرع إلى شيخ من مشايخ الأمة، ولا ترى فيهم أحدًا يخص مولاه بتضرعه ودعائه، ولا يكاد يمر له ببال أنه لو دعا الله وحده ينجو من هاتيك الأهوال.

(1)

تطهير الاعتقاد: 27 - 28.

(2)

الدر النضيد: 36.

(3)

معارج الألباب: 176.

(4)

انظر الحكايات في هذا في كتاب السيد البدوي بين الحقيقة والخرافة: 310، 314، 320.

(5)

كشف الشبهات: 171، وانظر ملحق المصنفات:94.

ص: 527

فبالله تعالى عليك قل لي: أي الفريقين من هذه الحيثيثة أهدى سبيلًا؟؟ وأي الداعيين أقوم قيلًا؟؟ وإلى الله المشتكى من زمان عصفت فيه ريح الجهالة وتلاطمت أمواج الضلالة وخرقت سفينة الشريعة واتخذت الاستغاثة بغير الله تعالى للنجاة ذريعة، وتعذر على العارفين الأمر بالمعروف وحالت دون النهي عن المنكر صنوف الحتوف"

(1)

.

فرحم الله الألوسي ما تجاوز الحقيقة، فهذا الَّذي اشتكى منه هو الواقع المرير الَّذي يعيش فيه بعض أفراد هذه الأمة، فنسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى إخلاص التوحيد ونبذ الشرك فهو المستعان وعليه التكلان.

(1)

روح المعاني: 11/ 98.

ص: 528

‌المبحث الثالث

في حكم من دعا غير الله تعالى

لقد دلّ القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة وأجمع العلماء على كفر من دعا غير الله تعالى وصرّح بذلك كثير من علماء المذاهب وإليك تفصيل ذلك:

‌أ - أدلة ذلك من القرآن الكريم:

لقد تنوعت دلالة القرآن على كفر من دعا غير الله تعالى وجاءت بأساليب شتّى وبطرق متنوعة، ونذكر تلك الأساليب حسب المستطاع على شكل مجموعات:

المجموعة الأولى: آيات تدل على أن الدعاء عبادة فقد دلت آيات عدة على كون الدعاء عبادة، وهذا يدل على أن من صرفه لغير الله تعالى فقد أشرك وكفر لأن من صرف شيئًا من العبادات لغير الله تعالى فقد أشرك، والله قد أمر بإخلاص العبادة له ونهى عن الإشراك به في غير ما آية، قال تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5]، وقال عز من قائل:{قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} [الزمر: 11]، وقال سبحانه:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء: 36]، وقال:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].

ص: 529

فهذه الآيات وغيرها تدل على أن صرف العبادة الله تعالى وحده إخلاص وتوحيد، وصرفها لغيره إشراك وتنديد.

فمن أمثلة الآيات الدالة على كون الدعاء عبادة: قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60].

وقوله تعالى: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [مريم: 48، 49].

وقوله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6)} [الأحقاف: 5، 6].

وقد تقدم بحمد الله بيان دلالة هذه الآيات على كون الدعاء عبادة وعلى إطلاق العبادة على الدعاء

(1)

.

والمقصود هنا أن نبيّن أن الدعاء عبادة وأن صرف العبادة لغير الله شرك وكفر.

الثانية: آيات وصفت دعاء غير الله بأنه شرك أو كفر ووصفت الداعين بصفة الشرك أو الكفر، وهي صريحة واضحة الدلالة على المقصود، وهي كثيرة جدًا منها قوله تعالى:{إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} [فاطر: 14]، وقوله:{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} [الأنعام: 40، 41]، وقوله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا} [الجن: 20]، وقوله تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ

(1)

تقدم ص: 29، 66 - 71، 115.

ص: 530

مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون: 117].

قال الشيخ سليمان بن عبد الله في هذه الآية: "والآية نص في أن دعاء غير الله والاستغاثة به شرك أكبر"

(1)

.

وقوله تعالى: {قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ} [الأعراف: 37]، وقوله تعالى:{ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [غافر: 12].

فقد بيّنت هذه الآية أن الَّذي يكره إخلاص الدعاء لله تعالى ويفرح ويستبشر إذا دعي أصحاب القبور كافر ومشرك.

فهذه الآيات واضحة الدلالة على شرك من دعا غير الله تعالى وكفره والعياذ بالله.

الثالثة: آيات دلت على أن دعاء الله وحده في الشدة إخلاص وتوحيد وأن دعاء غير الله في الرخاء شرك وكفر واتخاذ أنداد لله تعالى، فمن تلك الآيات قوله تعالى:{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 65، 66].

وقوله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 53 - 55].

وقوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ

(1)

تيسير العزيز الحميد: 237.

ص: 531

قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} [الزمر: 8].

وقوله سبحانه: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} [الأنعام: 40، 41].

الرابعة: آيات تتوعد من دعا غير الله بالعذاب والهلاك وأنه من جملة المعذبين. قال تعالى: {فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ} [الشعراء: 213].

وقوله تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون: 117].

الخامسة: آيات تصف من دعا غير الله بالظلم والضلال، والظلم والضلال كثيرًا ما يطلقان على الكفر

(1)

.

قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]. وقال تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 116]. وقال تعالى: {فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [المائدة: 12].

أمثلة ذلك:

قال تعالى: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} [يونس: 106].

(1)

فقد صح في حديث ابن مسعود مرفوعًا: "أينا لم يظلم نفسه. . . وفيه ألم تسمع قول لقمان إن الشرك لظلم عظيم" البخاري مع الفتح: 1/ 87 رقم 32. وقد ذكر الشاطبي استعمالات الضلال في كتاب الله تعالى ثم خلص إلى القول: "إن الضلال في غالب الأمر إنما يستعمل في موضوع يزل صاحبه لشبهة تعرض له أو تقليد من عرضت له الشبهة، فيتخذ ذلك الزلل شرعًا ودينًا يدين به مع وجود واضحة الطريق الحق ومحض الصواب" الاعتصام: 1/ 139.

ص: 532

وقال تعالى: {يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12)} [الحج: 12] الضلال البعيد) [الحج: 12].

وقال تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} [الرعد: 14].

‌ب - الأدلة - من السنّة المشرفة:

لقد تنوعت دلالة السنّة المطهرة على كفر من دعا غير الله تعالى كما تنوعت دلالة الكتاب العزيز.

فمن السنّة ما دلّ على كون الدعاء عبادة نحو حديث «الدعاء هو العبادة»

(1)

، وحديث «أفضل العبادة الدعاء»

(2)

.

ومن المعلوم أن صرف العبادة لغير الله شرك كما تقدم.

ومن السنّة ما دلّ على وجوب إفراد الله بالدعاء والسؤال والاستعانة نحو حديث ابن عباس في وصية النبي صلى الله عليه وسلم له: "إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله"

(3)

.

ومن السنّة ما دلّ على أن من دعا غير الله تعالى يدخل النار دخول

(1)

و

(2)

تقدم تخريج الحديثين من ص: 54 إلى ص: 59.

(3)

أخرجه الترمذي: 4/ 667 رقم 2516، وأحمد 1/ 263، 303، 307، وابن السني في عمل اليوم ص: 202 رقم 425، وابن أبي عاصم في السنة: 1/ 138 رقم 136، والقضاعي: 1/ 434 رقم 745.

والحديث قد صححه الترمذي وقد ذكر ابن رجب أن طرقه كثيرة عن ابن عباس وذكر من رواه عنه ثم قال: وأصح الطرق كلها طريق حنش الصنعاني التي خرجها الترمذي كذا قاله ابن منده وغيره وذكر أنه روي من حديث علي وأبي سعيد وسهل وعبد الله بن جعفر، وأن أسانيدها فيها ضعف كما ذكره العقيلي وأن طريق حنش التي في الترمذي حسنة جيدة، انظر جامع العلوم ص: 174، وقال ابن تيمية: وهذا الحديث معروف مشهور وقد يروى مختصرًا وقوله: إذا سألت فاسأل الله هو من أصلح ما روي عنه: "قاعدة في التوسل ص: 35" وقد صححه الألباني في ظلال الجنة: 1/ 138.

ص: 533

الخلود فيدل من هنا على كونه كفرًا والعياذ بالله، من ذلك حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال:"قال النبي صلى الله عليه وسلم كلمة وقلت أخرى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: من مات وهو يدعو من دون الله ندًا دخل النار، وقلت أنا من مات وهو لا يدعو الله ندًا دخل الجنة"

(1)

.

‌ج - الإجماع:

قد أجمع العلماء على كفر من دعا غير الله تعالى وجعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم.

وقد حكى إجماع العلماء على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: "فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم، ويتوكل عليهم ويسألهم جلب المنافع، ودفع المضار، مثل أن يسألهم غفران الذنوب، وهداية القلوب، وتفريج الكروب، وسد الفاقات، فهو كافر بإجماع المسلمين"

(2)

.

وقد نقل هذا الإجماع عن شيخ الإسلام غير واحد مقررين له، منهم صاحب الفروع

(3)

وصاحب الإنصاف

(4)

وصاحب الغاية

(5)

وصاحب الإقناع

(6)

وشارحه

(7)

ونقله راضيًا مقررًا له صاحب القواطع في كتابه

(8)

(1)

أخرجه البخاري في التفسير: 8/ 176 رقم 4497، والجنائز: 3/ 110 رقم 1238، ومسلم: 1/ 94 رقم 92، وأحمد في المسند: 1/ 374، 462، 464.

(2)

الواسطة بين الحق والخلق: ضمن الفتاوى: 1/ 124.

(3)

هو مُحَمَّد بن مفلح أبو عبد الله المقدسي (ت 763 هـ) وهو من تلاميذ شيخ الإسلام ومؤلف الفروع في الفقه الحنبلي نقل هذا الكلام في كتابه الفروع: 6/ 165.

(4)

هو المرداوي علي بن سليمان علاء الدين ذكره عن شيخ الإسلام في الإنصاف: 10/ 327.

(5)

هو مرعي بن يوسف المقدسي الكرمي (ت 1033 هـ) ذكره في كتابه غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى: 6/ 279.

(6)

هو أبو النجا شرف الدين الحجاوي، انظر الإقناع: 4/ 297.

(7)

هو الشيخ البهوتي منصور بن يونس ذكره في كشف القناع عن متن الإقناع: 6/ 168.

(8)

هو ابن حجر الهيتمي انظر الإعلام بقواطع الإسلام ص 95، وتيسير العزيز: 229، ومصباح الظلام: 343، وتحفة الطالب والجليس:106.

ص: 534

عن صاحب الفروع. وهذا الإجماع الَّذي ذكروه إجماع صحيح معلوم بالضرورة من الدين، وقد نصّ العلماء من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم في باب حكم المرتد، على أن من أشرك بالله كفر أي من عبد مع الله غيره بنوع من أنواع العبادات، وقد ثبت بالكتاب والسنّة والإجماع أن دعاء الله عبادة له فيكون صرفه لغير الله شركًا

(1)

.

‌د - أقوال العلماء في حكم من دعا غير الله تعالى أو استعان به:

لقد بيّن الله تعالى في كتابه أوضح بيان حكم من دعا غير الله وكرر ذلك في مواضع كثيرة وبأساليب متنوعة، وذلك لأن الشرك في الدعاء هو الأكثر وقوعًا من غيره من أنواع الشرك كما تقدم

(2)

.

ومع وضوح هذا الحكم وضوح الشمس في رائعة النهار فقد وقع من بعض الناس التردد فيه، ومن آخرين تأويله، ومن غير هؤلاء الزعم بأنه خاص بمن مضى وغبر.

فلهذا أنقل كلام العلماء في المسألة لأن أولئك المترددين لا يقتنعون بمجرد الأدلة ولو كانت واضحة إلا إن نقل لهم من علماء المذاهب الفقهية ظنًا منهم أن الذين يعتنون بالكلام في مثل هذه المسائل من العلماء المتشددين، أو أنهم أتوا بمذهب جديد.

وهذا هو الَّذي اقتضى نقل كلام أهل العلم من فقهاء المذاهب وغيرهم لبيان سبق هؤلاء العلماء إلى هذا المعنى وأن من يؤكد على هذا ليس شاذًا ولكن له سلف صالح، ولتحصل الطمأنينة والثقة لمن يريد معرفة الحق، وأما من يريد التمسك بمألوفاته وعاداته ولا يريد التحول إلى الحق ولو ظهر له بالأدلة الواضحة، فهذا لا برجي انتفاعه بكلام أهل العلم لقصده الفاسد وإصراره على رأيه وعدم تجرده للحق وحبه له.

(1)

تيسير العزيز الحميد: 229، مصباح الظلام: 343، والقول الفصل: 16 - 17.

(2)

تقدم ص:

ص: 535

وما على من يدعوه إلا بيان الحق وإقامة الحجة ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بيّنة.

‌أقوال علماء الحنفية:

قد ذكر علماء الحنفية أمورًا كثيرة وعدوها مما يخرج عن الملة وهي أقل بكثير من دعاء غير الله تعالى وغالب ما ذكروه ليس هناك نص صريح بخصوصه في التكفير من الكتاب والسنّة وقد يكون بعضه لا يسلم لهم التكفير به

(1)

.

وقد تقدم كثرة النصوص القطعية المصرحة بالتكفير في دعاء غير الله تعالى: "بل لا نعلم نوعًا من أنواع الكفر والردة ورد فيه من النصوص مثل ما ورد في دعاء غير الله"

(2)

. فمن باب أولى أن يقول هؤلاء الذين يكفرون بما هو أقل من ذلك بكفر من دعا غير الله تعالى.

ومما يؤكد أن علماء الحنفية يكفرون بدعاء غير الله تعالى أنهم يتشددون في باب الأدعية فقد حرموا التوسل المبتدع كما سيأتي النقل عنهم

(3)

.

كما يؤكد ذلك أيضًا علماء الحنفية بما يفيد أنهم يكفرون من دعا غير الله تعالى وننقل هنا بعض كلامهم في ذلك:

1 -

فمن ذلك قولهم: "من قال: أرواح المشايخ حاضرة تعلم يكفر"

(4)

.

ودعاء غير الله تعالى يستلزم اعتقاد ذلك، إذ الداعي لو لم يعتقد

(1)

انظر تحفة المحتاج للهيتمي: 9/ 79، وفتح القدير لابن الهمام: 4/ 409، والعلم الشامخ: 413، والزواجر عن اقتراف الكبائر: 1/ 28، وروضة الطالبين للنووي: 10/ 66.

(2)

النبذة الشريفة ضمن مجموعة الرسائل النجدية: 4/ 602.

(3)

سيأتي ص:

(4)

الفتاوى البزازية: 3/ 326 بهامش الفتاوى الهندية الجزء السادس، ومجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر: 1/ 699، والبحر الرائق لابن نجيم: 5/ 134.

ص: 536

سماع المدعو وعلمه بدعائه لما دعا ولا فتح فاه بالنداء والصراخ وقد تقدم الكلام على هذا في مبحث علاقة الدعاء بالتوحيد

(1)

، وقد يقال: إن هذا من التكفير باللازم ولا يكفر به إذ لازم المذهب ليس بمذهب

(2)

، فنقول جوابًا لهذا وبالله التوفيق:

- إن الصحيح

(3)

في لازم المذهب أن ما كان من اللوازم يرضاه القائل بعد وضوحه له فهو قوله: "وما لا يرضاه فليس بقوله، فلو قال قولًا ولزِمَ هذا القولَ لازمٌ فاسدٌ وهو لم يشعر بذلك ففي هذه الحالة لا يلزمه، وأما ما لو ظهر له يرضاه فهو لازم له وهو قائل به".

- إذا عرفنا هذا فالداعون لغير الله تعالى والمستغيثون بأصحاب القباب يلتزمون بهذا القول وكثير منهم يعتقد حضور أرواح المشايخ وقد تقدم نقل عباراتهم في ذلك وسيأتي بعضها

(4)

.

2 -

ومن ذلك قولهم: إن الرجل إذا تزوج امرأة بغير شهود فقال الرجل والمرأة: إن الله ورسوله شاهدان قالوا: إن هذا القول كفر، وعللوا ذلك بأنه اعتقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب وهو ما كان يعلم الغيب حين كان في الأحياء فكيف بعد الموت؟

(5)

.

فإذا كان علماء الحنفية يكفرون من يعتقد شهادة النبي صلى الله عليه وسلم على النكاح فكيف بمن يعتقد علم الولي بما في ضمير الداعي وباستغاثته وندائه؟

(1)

تقدم ص:، وانظر زيادة على ما تقدم في هذا التلازم: حكم الله الواحد الصمد ص: 8.

(2)

انظر العلم الشوامخ وحاشيته: الأرواح النوافخ ص: 412 - 413.

(3)

القواعد النورانية: 128 - 129، والنونية مع شرحها للهراس: 2/ 234.

(4)

تقدم ص:، وسيأتي ص:

(5)

الفتاوى البزازية: 3/ 576، وفتاوي قاضي خان: 3/ 576، والبحر الرائق: 3/ 88، والمسايرة لابن الهمام مع شرحها المسامرة لابن شريف ص: 211 - 212، وشرح الفقه الأكبر للقاري: 225، وحكم الله الواحد الصمد: 12، والفتاوى الهندية: 2/ 266.

ص: 537

3 -

من ذلك قولهم: من ادعى علم الغيب لنفسه أو صدق من يدعي ذلك كفر

(1)

.

4 -

ومن ذلك قولهم: إن ظن أن الميت يتصرف في الأمور دون الله تعالى واعتقد ذلك كفر

(2)

.

5 -

ومن ذلك قولهم: إن الرجل إذا خرج يوم النيروز مع المجوس موافقة لهم فيما يفعلونه في يوم عيدهم أو أهدى ولو بيضة إلى المجوسي في ذلك اليوم كفر وذلك لأنه عظم عيد الكفرة أو تشبه بهم

(3)

.

فإذا كان هذا قول العلماء بمن عظم يوم النيروز بنوع من التعظيم فكيف بمن يعظم ما يعبد من دون الله كأصحاب القبور؟ ومما لا شك فيه أن الَّذي عظم يوم النيروز لا يبلغ تعظيمه مبلغ المستغيث الواقع في الشدة الَّذي ينادي ويستغيث بمن ينقذه معظمًا له وراجيًا وخائفًا صارفًا له خالص تذلله وخضوعه بل ومحبته له، فإذا كان علماء الحنفية يكفرونه بمجرد إهداء البيضة بدون أن يقوم بالقلب مثل ما يقوم بالمكروب المستغيث فمن باب أولى تكفيرهم للمكروب المستغيث.

6 -

ومن ذلك قولهم: إن الرجل إذا ذبح لقدوم الحاج أو الغزاة أو السلطان أو تهنئته اتفقوا على كون الذبيحة ميتًا على اختلاف بينهم في كفر الذابح

(4)

.

(1)

البحر الرائق: 5/ 130، ومجمع الأنهر: 1/ 699، وشرح الفقه الأكبر للقاري:221.

(2)

البحر الرائق: 2/ 298، ورد المحتار على الدر المختار: 2/ 439، وحكم الله الواحد: 12 - 13.

(3)

الفتاوى البزازية: 3/ 333 و 577، والبحر الرائق: 5/ 133، وشرح الفقه الأكبر: 282، ومجمع الأنهر: 1/ 706.

(4)

البزازية: 3/ 349 و 577 والبحر الرائق: 5/ 133، والفتاوى الهندية: 2/ 277، وشرح الفقه الأكبر: 293، ونحوه في معالم السنن: 4/ 278، والموافقات: 2/ 208 - 210.

ص: 538

فإذا كان صرف عبادة الذبيحة لغير الله كفرًا فلأن يكون صرف الدعاء كفرًا أولى وأحرى لكونه لب العبادة وروحها.

7 -

ومن ذلك قولهم: إنه يخاف الكفر على من قال: بحياتي وحياتك

(1)

.

8 -

ومن ذلك قولهم فيما يفعله بعض النساء وهو صريح فيما نحن بصدده قالوا: "والذي شاع في زماننا - وكثير من نساء المسلمين مبتليات بذلك - هو أنهن في وقت طلوع الجدري للأطفال يفعلن صورة باسم ذلك الجدري ويعبدنها، ويطلبن منها شفاء الأولاد، ويعتقدن أن ذلك الحجر يشفي هذه الأطفال، فتلك النساء يصرن كافرات بهذا الفعل وبهذا الاعتقاد وبرضا أزواجهن بهذا الفعل يصيرون كفارًا.

ومن هذا القبيل أنهن يذهبن إلى عين ماء ويعبدن ذلك الماء ويذبحن على ذلك الماء شاة بالنية التي أضمرنها، فهاتيك العابدات للماء والذابحات يصرن كافرات، وتكون الشاة نجسة ولا يحل أكلها.

ومثل ذلك أنهن يتخذن صورة في البيوت، ويعبدنها مثل عبادة المجوس، وعند وضع المولود ينقشنها بالزنجفر، ويقطرن عليها الزيت ويعبدنها باسم الصنم الَّذي يقال له بهاني وكلما فعلن شيئًا مثل هذا يصرن كافرات ويبنَّ من أزواجهن"

(2)

.

وهذا النص مع دلالته على كفر من دعا غير الله تعالى يرد على أولئك الذين يزعمون أن الشرك لم يقع في هذه الأمة أو يقولون: إن بعض العلماء المتشددين هم الذين تفردوا بالتكفير في مثل هذه المسائل.

(1)

البزازية: 3/ 348، والبحر الرائق: 4/ 311، 5/ 134، وفتح القدير لابن الهمام: 4/ 10، والفتاوى الهندية: 2/ 281، وشرح الفقه الأكبر:291.

(2)

الفتاوى الهندية: 2/ 282، وأصل الكلام فيه باللغة الفارسية وترجم إلى العربية في هامش الكتاب وهو منقول في الأصل من كتاب مجموع النوازل.

ص: 539

9 -

ومن ذلك ما قالوا في قولهم: "يا شيخ عبد القادر شيئًا لله": إنه كفر

(1)

. ففي هذه الكلمة نداء الشيخ عبد القادر وطلب شيء منه إكرامًا لله فهو سؤال وتوسل بالله إلى الشيخ عبد القادر

(2)

.

وقد علل بعضهم منع هذه الكلمة بأنها تتضمن نداء الأموات من أمكنة بعيدة.

ومن اعتقد أن غير الله سبحانه وتعالى حاضر وناظر، وعالم للخفي والجلي في كل وقت وآن فقد أشرك، والشيخ عبد القادر مع شهرة مناقبه وفضائله لم يثبت شرعًا أنه كان قادرًا على سماع الاستغاثة والنداء من أمكنة بعيدة، وعلى إغاثة هؤلاء المستغيثين واعتقاد أنه رحمه الله كان يعلم أحوال مريديه في كل وقت ويسمع نداءهم من عقائد الشرك

(3)

.

وهذه الكلمة فيها الاستشفاع بالمخلوق على الله تعالى وقد استعظم ذلك النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال له الأعرابي: "إنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك فقال: ويحك إن شأن الله عظيم"

(4)

.

10 -

ومن ذلك ما قاله الشيخ قاسم

(5)

في شرح درر البحار في باب النذر: "النذر الَّذي يقع من أكثر العوام بأن يأتي إلى قبر بعض الصلحاء

(1)

الفتاوى الخيرية: 1/ 182 نقلًا عن كتاب قيد الشرائد ونظم الفوائد لكن صاحب الفتاوى الخيرية نازعه في الحكم بالتكفير، وانظر أيضًا رسالة التوحيد: 141 - 142، وحكم الله الواحد ص:12.

(2)

رسالة التوحيد للدهلوي: 141 - 142، والفتاوى الخيرية: 1/ 182.

(3)

مجموع فتاوى عبد الحي اللكنوي: 1/ 264 بواسطة تعليق أبي الْحَسَن الندوي على رسالة التوحيد ص: 140 - 141.

(4)

تقدم تخريجه ص: 506.

(5)

هو قاسم بن قطلوبغا زين الدين المصري المعروف بقاسم الحنفي وقد شرح درر البحار في فقه الاختلاف بين المذاهب وله كتب كثيرة في الحديث وعلومه (ت 879 هـ)، البدر الطالع: 2/ 45 - 47، ومعجم المؤلفين: 8/ 111.

ص: 540

قائلًا: يا سيدي إن رد غائبي أو عوفي مريضي أو قضيت حاجتي فلك من الذهب أو الطعام أو الشمع كذا وكذا باطل إجماعًا بوجوه منها: أن النذر للمخلوق لا يجوز، ومنها أنه ظن الميت يتصرف في الأمر، واعتقاد هذا كفر، إلى أن قال: وقد ابتلى الناس بذلك ولاسيما في مولد البدوي"

(1)

.

قال الشوكاني: وتأمل ما أفاده من حكاية الإجماع على بطلان النذر المذكور وأنه كفر عنده مع ذلك الاعتقاد

(2)

.

11 -

ومن علماء الحنفية الذين صرحوا بما يفيد منع دعاء الأموات وأنه مما أجمع العلماء على منعه وأنه عبادة لا يجوز صرفه لغير الله تعالى الشيخ محمد طاهر الفتني

(3)

، فإنه ذكر كراهية الإمام مالك قول القائل: زرنا قبره صلى الله عليه وسلم وأن العلة في ذلك أن لفظ الزيارة صار مشتركًا بين ما شرع وبين ما لم يشرع ثم قال: "فإن منهم من قصد بزيارة قبور الأنبياء والصلحاء أن يصلي عند قبورهم ويدعو عندها، ويسألهم الحوائج وهذا لا يجوز عند أحد من علماء المسلمين فإن العبادة وطلب الحوائج والاستعانة حق لله وحده"

(4)

.

(1)

انظر مفيد المستفيد: 304، والرسائل الشخصية: 177 - 178، والدر النضيد: 40، وحكم الله الواحد: 12 - 13، والإبداع في مضار الابتداع: 189، وانظر هذا في كتب علماء الحنفية: شرح الدر المختار للحصكفي: 1/ 207 وحاشيته المسماة برد المحتار لابن عابدين: 2/ 439 - 440، وحاشية مراقي الفلاح على نور الإيضاح للطحطاوي: 571، والبحر الرائق لابن نجيم: 2/ 320 - 321، والفتاوى الخيرية للرملي: 1/ 17 - 18 و 4/ 417، والفتح الرحماني للفرغاني: 2/ 233 - 235.

(2)

الدر النضيد: 40.

(3)

هو محمد طاهر الفتني الكجراتي الهندي الصديقي يلقب بملك المحدثين، محدث مفسر لغوي مؤلف كتاب مجمع البحار وتذكرة الموضوعات وغيرها من المؤلفات الممتعة في الحديث وغريبه (ت 987 هـ) شهيدًا. انظر مقدمة نصب الراية: 47 رقم 79، ومعجم المؤلفين: 10/ 100.

(4)

مجمع بحار الأنوار: 2/ 444 مادة زور.

ص: 541

12 -

ومن ذلك ما قاله صنع الله الحلبي

(1)

الحنفي في رده على من زعم أن للأولياء تصرفًا في الحياة وبعد الممات على سبيل الكرامة:

"هذا وإنه قد ظهر الآن فيما بين المسلمين جماعات يدعون أن للأولياء تصرفاتٍ في حياتهم وبعد مماتهم ويستغاث بهم في الشدائد والبليات، وبهممهم تكشف المهمات فيأتون قبورهم وينادونهم في قضاء الحاجات .. " إلى أن قال: "وهذا كلام فيه تفريط وإفراط بل فيه الهلاك الأبدي والعذاب السرمدي لما فيه من روائح الشرك المحقق، ومصادمة الكتاب العزيز المصدق، ومخالفة لعقائد الأئمة وما اجتمعت عليه الأمة"

(2)

.

13 -

ومن علماء الحنفية المتأخرين الشاه ولي الله الدهلوي

(3)

فإنه بعد أن ذكر تعريف الشرك ومظاهره وقوالبه ومظانه عند المشركين وذكر منها السجود قال:

"ومنها أنهم كانوا يستعينون بغير الله في حوائجهم من شفاء المريض وغناء الفقير وينذرون لهم ويتوقعون إنجاح مقاصدهم بتلك النذور، ويتلون أسماءهم رجاء بركتها.

فأوجب الله تعالى عليهم أن يقولوا في صلواتهم: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، وقال تعالى:{فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} .

(1)

هو صنع الله بن صنع الله الحلبي الأصل المكي سكنا الحنفي واعظ فقيه محدث، له من المؤلفات أرجوزة في الحديث، وسيف الله على من كذب على أولياء الله، وهذا الكلام منقول منه، (ت 1120 هـ)، معجم المؤلفين: 5/ 24.

(2)

القول الفصل: 48/ 49، وتيسير العزيز الحميد: 232، وحكم الله الواحد الصمد:13.

(3)

هو أحمد بن عبد الرحيم بن وجيه الدين المعروف بشاه ولي الله الدهلوي الهندي العمري الحنفي له جهود في خدمة السنة ومحاربة البدعة إلا أنه قد يميل في بعض الأحيان إلى عبارات المتصوفة والله يرحمه، (ت 1176 هـ)، انظر ترجمته في فهرس الفهارس: 2/ 1119، ومعجم المؤلفين: 1/ 272.

ص: 542

وليس المراد من الدعاء العبادة كما قاله بعض المفسرين بل هو الاستعانة لقوله تعالى: {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ}

(1)

.

وقوله وليس المراد من الدعاء العبادة .. إلخ، يعلم ما فيه بما تقدم من إطلاق الدعاء على النوعين وتلازمهما وأنه في مثل هذا الموضع في العبادة أظهر

(2)

، وقال أيضًا:"واعلم أن طلب الحوائج من الموتى عالمًا بأنه سبب لإنجاحها كفر يجب الاحتراز عنه تحرمه هذه الكلمة - يريد بها كلمة التوحيد - والناس اليوم فيها منهمكون"

(3)

.

ومن أصرح كلام الدهلوي رحمه الله قوله: "كل من ذهب إلى بلدة أجمير أو قبر سالار ومسعود أو ما ضاهاها لأجل حاجة يطلبها فإنه أَثِمَ إِثْمًا أكبرَ من القتل والزنا وليس مثله إلا مثل من كان يعبد المصنوعات أو مثل من كان يدعو اللات والعزى"

(4)

. فقد صرح بأن الذاهب لطلب الحاجة من القبور مثل الداعي للّات.

14 -

ومن علماء الحنفية الذين صرحوا بكون دعاء الأموات وندائهم كفرًا وشركًا ونددوا بذلك وجاهدوا في سبيل ذلك - الشيخ محمد إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي الشهيد

(5)

.

فمما قاله في رسالته المسماة رسالة التوحيد أو تقوية الإيمان ما ترجمته: "نداءُ الأموات من بعيد أو قريب للدعاء - إشراك في العلم، وقال الله تعالى:{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} وقد دلت هذه الآية على أن المشركين قد أمعنوا في السفاهة فقد عدلوا عن الله القادر العليم إلى أناس

(1)

حجة الله البالغة: 1/ 62، والدين الخالص: 1/ 289.

(2)

مر ص: 115.

(3)

البصائر: 273، نقلًا عن الخير الكثير للدهلوي ص:105.

(4)

البصائر ص: 271 - 272 نقلًا عن التفهيمات للدهلوي: 2/ 45.

(5)

تقدمت ترجمته ص: 496.

ص: 543

لا يسمعون دعاءهم وإن سمعوا ما استجابوا وهم لا يقدرون على شيء فظهر من ذلك أن الذين يستغيثون بالصالحين الذين كانوا في الزمن السابق من بعيد وقد يكتفي بعض الناس فيقولون: يا سيدنا ادع الله لنا يقضي حاجتنا ويظنون أنهم ما أشركوا فإنهم ما طلبوا منهم قضاء الحاجة وإنما طلبوا منهم الدعاء وهذا باطل فإنهم وإن لم يشركوا عن طريق طلب قضاء الحاجة فإنهم أشركوا عن طريق النداء، فقد ظنوا أنهم يسمعون نداءهم عن بعد كما يسمعون نداءهم عن قرب وكان ذلك سواء في حقهم ولذلك نادوا من مكان بعيد مع أن الله سبحانه وتعالى قال:{وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ}

(1)

.

ولهذا الدهلوي الشهيد في تلك الرسالة عدة تصريحات بشرك من دعا غير الله واستغاث به

(2)

.

15 -

وممن صرح بكون دعاء غير الله شركًا الشيخ عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي (ت 1239 هـ) فإنه قال: "قد أفرط الناس من هذه الأمة في باب الاستعانة بالأرواح الطيبة، فما يفعله الجهلة والعوام وما يعتقدون لها من استقلال في كل عمل فهو من غير شك شرك جلي"

(3)

.

فقد صرح بأنه يوجد في هذه الأمة من غلا في الأرواح واعتقد لها الاستقلال واستعان بها وفي هذا رد على من ينكر وقوع مثل هذا الاعتقاد في هذه الأمة المحمّدية كما أنه صرح بأن مثل هذا الاعتقاد شرك جلي.

(1)

تقوية الإيمان: 65 - 67.

(2)

المرجع نفسه ص: 25، 28، ومواضع أخر، فهذا الكتاب له تأثير قوي في شبه القارة الهندية يقابل تأثير كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحم الله الجميع، انظر ما كتبه الشيخ إحسان إلهي ظهير في كتابه البريلوية ص: 168، ومترجمه إلى العربية الشيخ أبو الحسن الندوي ص: 6، والشيخ محمد عطاء الله حنيف في تقديمه لرسالة رد الإشراك ص: 3، وما كتبه محقق الرسالة محمد عزيز شمس في المقدمة ص:6.

(3)

مجموع فتاوى عبد العزيز ص: 121 نقلًا عن هامش رسالة التوحيد ص: 67.

ص: 544

16 -

ومن علماء الحنفية الذين صرحوا بكفر من دعا غير الله تعالى الشيخ رشيد أحمد الجنجوهي

(1)

.

فقد قال: "من قال للعوام: إن الفيض يحصل من قبور الأولياء فقد فتح باب الشرك"

(2)

.

وقال أيضًا: "الاستمداد من القبور حرام"

(3)

.

ولما ذكر الحكاية التي تنسب إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني: أنه أخرج فلكًا مشحونًا بعد اثني عشر سنة قال: "إنما هي من أكاذيب الجهلاء لا أصل لها وهذه العقيدة شرك ينبغي التوبة منها"

(4)

.

17 -

ومن علماء الحنفية الذين صرحوا بذلك الشيخ محمود الألوسي

(5)

المفسر حيث قال: "إن الناس قد أكثروا من دعاء غير الله تعالى من الأولياء الأحياء منهم والأموات وغيرهم، مثل يا سيدي فلان أغثني، وليس ذلك من التوسل المباح في شيء، واللائق بحال المؤمن عدم التفوه بذلك وأن لا يحوم حول حماه، وقد عده أناس من العلماء شركًا، وإن لا يكنه فهو قريب منه، ولا أرى أحدًا ممن يقول ذلك إلا وهو يعتقد أن المدعو الحي الغائب أو الميت المغيب يعلم الغيب أو يسمع النداء،

(1)

هو العلامة رشيد أحمد بن هداية أحمد بن بير بخش الحنفي الرامبوري ثم الجنجوهي أثنى عليه الحسني بالصدق والعفاف والتوكل والتفقه (ت 1323 هـ)، نزهة الخواطر: 8/ 148.

(2)

فتاوى رشيدية: 2/ 121 بواسطة البصائر: 446.

(3)

فتاوى رشيدية: 2/ 89 بواسطة البصائر: 445.

(4)

فتاوى رشيدية: 2/ 4 بواسطة البصائر: 445.

(5)

هو الشيخ محمود بن عبد الله الحسيني شهاب الدين أبو الثناء، مفسر نحوي وقد تولى ولاية الإفتاء ببغداد ثم عزل من الدولة العثمانية وارتحل إلى القسطنطينية وهو مع محاربته لعقيدة الشرك والبدع إلا أن له بعض الميل إلى المتصوفة وإشاراتهم كما هو حال أغلب علماء وقته (ت 1270 هـ) انظر ترجمته في المسك الأذفر: 64 - 85، وفهرس الفهارس: 1/ 139، ومعجم المؤلفين: 12/ 175.

ص: 545

ويقدر بالذات أو بالغير على جلب الخير ودفع الأذى وإلا لما دعاه ولا فتح فاه وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم"

(1)

.

وللألوسي نحو هذا الكلام في عدة مواضع من تفسيره روح المعاني

(2)

.

18 -

ومن علماء الحنفية المتأخرين الذين نددوا بدعاء غير الله تعالى وصرحوا بكفر فاعله - العلامة محمد سلطان المعصومي

(3)

، فقد ألف رسالة مهمة جامعة لأقوال علماء الحنفية السابقين الذين حكموا بالكفر على من طلب المدد من غير الله واستغاث به وناداه من دون الله، وسمى رسالته بـ "حكم الله الواحد الصمد في حكم الطالب من الميت المدد".

ومما ذكره في هذه الرسالة رسالة مؤلفة في الاستمداد بالشيخ عبد القادر وفيها ما معناه: "أطلب منك الإمداد يا سلطان السلاطين ويا ملك الملوك أمددنا وأعنا".

وفيها أيضًا: "المدد يا غوث غوثان المدد"، وضرب عدة أمثلة من هذا القبيل ثم قال: "اعلموا يا أيها المسلمون - وفقني الله وإياكم لما فيه رضاه ويا أيها الحنفيون هداني الله تعالى وإياكم إلى الصراط المستقيم أن هذه الكلمات كلها شرك وكفر وضلال في الدين الإسلامي والشرع المحمَّدي، والمذهب الحنفي، بل المذاهب الأربعة إجماعًا وقائلها مشرك لا تصح صلاته ولا صيامه ولا حجه ولا إمامته إلا إذا تاب وآمن

(1)

روح المعاني: 6/ 128.

(2)

انظر: 24/ 11 و 13/ 17 و 17/ 212 و 11/ 98.

(3)

هو أبو عبد الكريم محمد سلطان بن أبي عبد الله محمد أورون بن محمد المعصومي الخجندي ولد في بلدة خجندة من بلاد ما وراء النهر ثم هاجر إلى مكة بعد استيلاء الروس على التركستان وله جهود مشكورة في نشر السنة ومحاربة البدعة وكان مدرسًا في دار الحديث بمكة، ترجم لنفسه ووصف هجرته وما وقع له، طبعت تلك الترجمة مع كتابه حكم الله الواحد.

ص: 546

وأعلن توبته كما أشهر شركه"

(1)

.

أقوال المالكية:

إن الإمام مالكًا رحمه الله تعالى قد تشدد في باب الدعاء فمنع من قول الداعي يا سيدي ويا حنان من الألفاظ التي لم ترد في الكتاب والسنّة، وأمر بالالتزام في الأدعية باللفظ الوارد عن الأنبياء يا رب يا رب

(2)

.

فإذا كانت سيرته هكذا من الالتزام والتقيد في باب الدعاء بالوارد - فلا يمكن أن يجيز التوسل المبتدع فضلًا عن أن يجيز دعاء غير الله تعالى ونداءه والاستغاثة به واللهج بذكره في كل وقت وآن، فالذي يمنع من قول الداعي المخلص لله أن يقول لله تعالى: يا سيدي فمن باب أولى وأحرى أن يمنع من قول الداعي يا ولي الله فلان افعل لي كذا، فهذا ظاهر واضح.

ثم إن مالكًا رحمه الله كره الوقوف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم للدعاء له أو الدعاء عنده

(3)

، وكره لأهل المدينة التردد للسلام عليه

(4)

كما كره أن يقال زرنا قبره صلى الله عليه وسلم

(5)

.

فتحصل مما سبق أن الإمام مالكًا رحمه الله من أشد الناس محاربة للبدع لاسيما في باب الدعاء، فمن هنا يفهم عدم تجويزه لما هو شرك من باب أولى، وعلماء مذهبه لا بد أنهم يتبعون منهجه في ذلك فقد

(1)

حكم الله الواحد الصمد: 4 - 7.

(2)

انظر العتبية مع البيان والتحصيل: 1/ 456 و 17/ 423.

(3)

الشفا للقاضي عياض: 2/ 671، نقلًا عن المبسوط لإسماعيل القاضي، والمنتقى للباجي: 1/ 296، والرد على الأخنائي: 46، 104، والجواب الباهر: 59، 65، والصارم:125.

(4)

العتبية: 18/ 444، والشفا: 676، والمنتقى: 1/ 296، والرد على الأخنائي: 46، 96.

(5)

الشفا: 2/ 667، والجواب الباهر: 58، والصارم: 263، 271 - 279، ومجمع البحار: 2/ 444.

ص: 547

صرح بعضهم بما يفيد كفر من دعا غير الله تعالى فممن صرح بذلك القاضي عياض رحمه الله تعالى حيث قال: "إن كل مقالة صرحت بنفي الربوبية أو الوحدانية، أو عبادة أحد غير الله أو مع الله - فهو كفر"

(1)

، فقوله أو عباده أحد غير الله أو مع الله يدخل فيه من يدعو غير الله دخولًا أوليًا لأن الدعاء هو العبادة ولبها ومخها.

وقال القاضي أيضًا: "إن من نزع من الكلام لمخلوق بما لا يليق إلا في حق خالقه غير قاصد للكفر والاستخفاف ولا عامد للإلحاد، فإن تكرر هذا منه وعرف به - دل على تلاعبه بدينه، واستخفافه بحرمة ربه، وجهله بعظيم عزته وكبريائه وهذا كفر لا مرية فيه"

(2)

.

وقد ذكر القرافي المالكي الأدعية التي تخرج عن الإسلام وبعضها أقل بكثير مما نحن فيه ثم قال: "فينبغي للسائل أن يحذر هذه الأدعية وما يجري مجراها حذرًا شديدًا لما تؤدي إليه من سخط الديانة والخلود في النيران، وحبوط الأعمال وانفساخ الأنكحة واستباحة الأرواح والأموال، وهذا فساد كله يتحصل بدعاء واحد من هذه الأدعية ولا يرجع إلى الإسلام ولا ترتفع أكثر هذه المفاسد إلّا بتجديد الإسلام والنطق بالشهادتين فإن مات على ذلك كان أمره كما ذكرناه نسأل الله العافية من موجبات عقابه"

(3)

.

أقوال الشافعية:

إن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى أحد أئمة السنة الذين حاربوا البدعة ونشروا السنة فهو وإن لم نجد له نصًا صريحًا في الموضوع لعدم وقوع هذه المسألة في عصره كما تقدم بيان ذلك ولكن وجدنا له نصًا يستنبط منه مذهبه في الموضوع وهو أن الشافعي قال:

(1)

الشفا لعياض: 2/ 1065 - 1066.

(2)

المصدر السابق: 2/ 1093.

(3)

الفروق للقرافي: 4/ 265.

ص: 548

"من حلف باسم من أسماء الله فحنث، فعليه الكفارة لأن اسم الله غير مخلوق، ومن حلف بالكعبة أو بالصفا والمروة فليس عليه الكفارة لأنه مخلوق، وذاك غير مخلوق"

(1)

.

فإذا كان الشافعي رحمه الله لا يرى الحلف بغير أسماء الله تعالى فلا يعقل أن يجيز الدعاء بغير أسماء الله الحسنى ولو كانت معظمة كالكعبة والصفا والمروة وأسماء الأنبياء.

وقد تبع الشافعي علماء مذهبه وقد صرح بمنع مثل هذه الأدعية بعض متقدميهم.

فمنهم إمام الأئمة ابن خزيمة أحد كبار فقهاء المحدِّثين ويعد من الشافعية

(2)

فإنه قال: "هل سمعتم عالمًا يجيز أن يقول الداعي: أعوذ بالكعبة من شر خلق الله؟ أو يجيز أن يقول: أعوذ بالصفا والمروة أو أعوذ بعرفات ومنى من شر ما خلق؟

هذا لا يقوله ولا يجيز القول به مسلم يعرف دين الله، محال أن يستعيذ مسلم بخلق الله من شر خلقه

(3)

".

ومنهم الإمام الخطابي الفقيه المحدث اللغوي، فإنه نقل كلام الإمام أحمد في عدم جواز الاستعاذة بالمخلوق فأقره

(4)

.

ومنهم البيهقي الذي قال فيه إمام الحرمين: "ما من شافعي إلا وللشافعي عليه في عنقه منة إلا البيهقي فإنه له على الشافعي منة لتصانيفه في نصرته لمذهبه وأقاويله"

(5)

.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في آداب الشافعي ومناقبه: 193، والبيهقي في الأسماء ص:، ومعرفة السنن والآثار: 1/ 113، وأبو نعيم في الحلية: 9/، والسنة للالكائي: 2/ 211.

(2)

طبقات الشافعية للسبكي: 3/ 109.

(3)

كتاب التوحيد: 1/ 401 - 402.

(4)

معالم السنن 4/ 332 - 333.

(5)

طبقات الشافعية: 4/ 10 - 11.

ص: 549

فهذا الإمام البيهقي ذكر بعض أحاديث الاستعاذة بكلمات الله تعالى ثم قال: "ولا يصح أن يستعيذ بمخلوق من مخلوق"

(1)

.

وممن صرح بكفر من دعا غير الله تعالى من علماء الشافعية الإمام المقريزي

(2)

الشافعي رحمه الله فإنه قال: "وشرك الأمم كله نوعان شرك في الإلهية وشرك في الربوبية، فالشرك في الإلهية والعبادة هو الغالب على أهل الإشراك وهو شرك عباد الأصنام وعباد الملائكة وعباد الجن وعباد المشايخ والصالحين الأحياء والأموات الذين قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ويشفعوا لنا عنده وينالنا بسبب قربهم من الله وكرامته لهم قرب وكرامة

"

(3)

.

وقال في زيارة القبور: إنها على ثلاثة أقسام: "قوم يزورون الموتى فيدعون لهم وهذه الزيارة شرعية، وقوم يزورونهم يدعون بهم فهؤلاء هم المشركون في الألوهية والمحبة، وقوم يزورونهم فيدعونهم أنفسهم وهؤلاء هم المشركون في الربوبية"

(4)

وقوله في الذين يدعون بالمقبورين: إنهم مشركون في الألوهية قد يعترض عليه بأنه لا يصل إلى الشرك الأكبر إلا في بعض الأحيان ويعلم ذلك مما ذكرناه في مبحث مراتب دعاء غير الله تعالى، ولعله يريد بذلك من يقصد من الدعاء بهم الشفاعة الشركية لا مطلق التوسل بهم والله أعلم.

(1)

الأسماء والصفات للبيهقي: 241.

(2)

هو أحمد بن علي بن عبد القادر أبو العباس الحسيني البعلي القاهري المعروف بالمقريزي، أحب علم الحديث فواظب عليه حتى اتهم بالظاهرية وله جهود في خدمة العقيدة السلفية، وكان متبحرًا في التاريخ ومؤلفاته تشهد بذلك كما قاله الشوكاني، (ت 845 هـ)، البدر الطالع: 1/ 79 - 81.

(3)

تجريد التوحيد: 14.

(4)

المصدر نفسه: 20.

ص: 550

ومنهم أبو شامة

(1)

الشافعي فقد ذكر ما وقع من جهال العوام: من انتمائهم إلى طريقة الفقر والتصوف واعتقادهم في المشايخ المتصوفة الضالين المضلين ثم قال: "وبهذه الطرق وأمثالها كان مبادئ ظهور الكفر من عبادة الأصنام وغيرها" ثم ذكر ما تفعله العامة من تخليق الحيطان والعمد وإيقاد السرج على المواضع يزعم أحد أنه رأى في المنام أحدًا ممن اشتهر بالصلاح والولاية إلى أن يصل بهم الحال إلى تعظيم تلك الأماكن ورجاء الشفاء وقضاء الحوائج منها بالنذر وهي مما بين عيون وشجر وحائط وحجر

(2)

.

ومنهم ابن حجر الهيتمي الشافعي

(3)

في شرحه لحديث الأربعين عند الكلام على حديث: "إذا سألت فاسأل الله" أن من اعتقد النفع والضر لغير الله كفر

(4)

، وقد ألف كتابًا مستقلًا سماه الأعلام بقواطع الإسلام ذكر فيه أنواعًا كثيرة من الأقوال والأفعال كل واحد منها ذكر أنه يخرج من الإسلام وغالب ما ذكره لا يساوي عشر ما نحن فيه

(5)

، وكثير مما ذكره أنه يخرج من الإسلام لم يرد فيه نص مثل ما ورد في دعاء غير الله تعالى من الأدلة الدالة على كفر مرتكبه.

وقد نقل في هذا الكتاب عن صاحب الفروع إجماع العلماء على كفر من جعل بينه وبين الله واسطة ثم أقر ما نقله

(6)

.

(1)

هو عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الشافعي الدمشقي عني بالحديث وبرع في فنون العلم وقيل بلغ رتبة الاجتهاد وصفه الذهبي بالحافظ العلامة المجتهد (ت 665 هـ)، تذكرة الحفاظ: 4/ 1460، وطبقات الشافعية: 8/ 165.

(2)

الباعث على إنكار البدع والحوادث: 23.

(3)

هو أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي بالتاء المثناة المكي الفقيه الصوفي يعتمد على تآليفه المتأخرون من الشافعية والرجل له مناصرة لبعض البدع عفا الله عنه (ت 974 هـ)، انظر فهرس الفهارس: 1/ 337

(4)

الفتح المبين: 174، وقارن بما في مفيد المستفيد: 405، والدر النضيد:40.

(5)

مفيد المستفيد: 305 - 306.

(6)

انظر ما تقدم ص: 534.

ص: 551

أقوال علماء الحنابلة:

قد تقدم

(1)

نقل كلام الخلال وارث علم أحمد أنه لا يجوز أن يقال أعيذك بالسماء أو بالأنبياء والملائكة الخ. كما تقدم

(2)

نقل كلام ابن بطة الحنبلي في ذلك.

وممن صرح بكفر من دعا غير الله تعالى من علماء الحنابلة الشيخ أبو الوفا بن عقيل

(3)

الحنبلي رحمه الله فقد قال: "لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم فسهلت عليهم إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم قال: وهم عندي كفار لهذه الأوضاع، مثل تعظيم القبور وإكرامها بما نهى عنه الشرع من إيقاد النيران وتقبيلها وتخليقها، وخطاب الموتى بالحوائج، وكتب الرقاع فيها يا مولاي افعل بي كذا وكذا، وأخذ تربتها تبركًا، وإفاضة الطيب على القبور، وشد الرحال إليها، وإلقاء الخرق على الشجر اقتداء بمن عبد اللات والعزى

"

(4)

.

فقد صرح في هذا الكلام السابق بأن خطاب الموتى بالحوائج كفر.

وقد نقل هذا الكلام كثير من علماء الحنابلة وغيرهم

(5)

فأقروه، فهم قائلون بما قاله ابن عقيل من كفر من خاطب الموتى بالحوائج.

وقال ابن عقيل أيضًا في الكلام على الصوفية: "وقد سمعنا عنهم أن الدعاء عند حدو الحادي

مجاب، اعتقادًا أنه قربة، وهذا كفر

(1)

و

(2)

تقدم ص: 427.

(3)

تقدمت ترجمته: 477.

(4)

تلبيس إبليس ص: 402، وإغاثة اللهفان: 1/ 152، ومفيد المستفيد: 301، والدر النضيد: 40، وتيسير العزيز:228.

(5)

فقد نقله ابن الجوزي في تلبيس إبليس ص: 402، وابن القيم في الإغاثة: 1/ 152، وابن مفلح في الفروع:، وابن عبد الوهاب في مفيد المستفيد ص: 301، والشوكاني في الدر:40.

ص: 552

أيضًا لأن من اعتقد المكروه والحرام قربة كان بهذا الاعتقاد كافرًا والناس بين تحريمه وكراهيته"

(1)

.

فإذا كان ابن عقيل يكفر من اعتقد ذلك فكيف بمن اعتقد استجابة الدعاء بواسطة الأولياء؟ فضلًا عمن دعاهم واستغاث بهم وناداهم سرًا وجهارًا واعتقد سماعهم وعلمهم به وبما هو فيه، فهذا بلا شك أشد كفرًا ممن ذكره ابن عقيل رحمه الله، فمقتضى قوله أنه يكفر هؤلاء من باب أولى وأحرى.

ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد تقدم قوله في حكاية الإجماع على كفر من جعل الواسطة بينه وبين الله يدعوهم ويتوكل عليهم وأنه نقله كثير من علماء الحنابلة وغيرهم فأقروه

(2)

.

وقال شيخ الإسلام أيضًا فكل من غلا في نبي أو رجل صالح، وجعل فيه نوعًا من الإلهية مثل أن يدعوه من دون الله مثل أن يقول: يا سيدي فلان أغثني، أو أجرني، أو أنت حسبي، أو أنا في حسبك، فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل

(3)

.

ومنهم ابن القيم رحمه الله فمن أقواله ما ذكره في مدارج السالكين في باب التوبة بقوله: "ومن أنواعه - أي الشرك - طلب الحوائج من الموتى والاستغاثة بهم، والتوجه إليهم وهذا أصل شرك العالم، فإن الميت قد انقطع عمله وهو لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا فضلًا عمن استغاث به وسأله قضاء حاجته أو سأله أن يشفع له إلى الله فيها

"

(4)

.

وذكر رحمه الله تعالى زيارة القبور الزيارة الشرعية للدعاء لهم

(1)

تلبيس إبليس: 373.

(2)

تقدم ص: 534.

(3)

الوصية الكبرى إلى الشيخ عدي ضمن الفتاوى: 3/ 395، وعنه الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الرسائل الشخصية ص: 177، ومفيد المستفيد ص:291.

(4)

مدارج السالكين: 1/ 346.

ص: 553

والترحم عليهم والاستغفار ثم قال: "فأبى المشركون إلا دعاء الميت والإشراك به والإقسام على الله به وسؤاله الحوائج والاستعانة به والتوجه إليه بعكس هديه صلى الله عليه وسلم فإنه هدي توحيد وإحسان إلى الميت، وهدي هؤلاء شرك وإساءة إلى نفوسهم وإلى الميت"

(1)

.

وذكر رحمه الله أنه يجب على الإمام هدم الأمكنة التي يعصى الله فيها فذكر مسجد ضرار ثم قال "فمشاهد الشرك التي تدعو سدنتها إلى اتخاذ من فيها أندادًا من دون الله أحق بالهدم وأوجب"

(2)

.

ومنهم الحافظ ابن عبد الهادي رحمه الله فإنه قال: ما ملخصه إن المبالغة في تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم بالحج إلى قبره والسجود له والطواف به واعتقاد أنه يعلم الغيب وأنه يعطي ويمنع ويملك لمن استغاث به من دون الله الضر والنفع وأنه يقضي حوائج السائلين ويفرج كربات المكروبين وأنه يشفع فيمن يشاء ويدخل الجنة من يشاء - فهذه المبالغة مبالغة في الشرك وانسلاخ من ذمة الدين

(3)

.

ومنهم الحافظ بن رجب رحمه الله فإنه قال: "إن قول العبد لا إله إلا الله يقتضي أن لا إله له غير الله، والإله هو الذي يطاع فلا يعصى هيبة له وإجلالًا ومحبة وخوفًا ورجاءً، وتوكلًا عليه وسؤالًا منه ودعاء له ولا يصلح ذلك كله إلا لله عز وجل، فمن أشرك مخلوقًا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية كان ذلك قدحًا في إخلاصه في قول لا إله إلا الله ونقصًا في توحيده وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك، وهذا كله من فروع الشرك"

(4)

.

(1)

زاد المعاد: 1/ 527

(2)

زاد المعاد: 3/ 571، 507.

(3)

الصارم المنكي ص: 351.

(4)

كلمة الإخلاص وتحقيق معناها: 23 - 24.

ص: 554

علماء آخرون صرحوا بكفر من دعا غير الله:

وقد صرح علماء آخرون غير من ذكرناهم بكفر من دعا غير الله تعالى وقرروا ذلك في مؤلفاتهم وهم كثيرون منهم:

الشيخ محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني (ت 1182 هـ) فقد قال: إن من اعتقد في شجر أو حجر أو قبر أو ملك أو جني أو حي أو ميت أنه ينفع أو يضر أو أنه يقرب إلى الله، أو يشفع عنده في حاجة من حوائج الدنيا بمجرد التشفع به والتوسل به إلى الرب تعالى

فإنه قد أشرك مع الله غيره واعتقد ما لا يحل اعتقاده كما اعتقده المشركون في الأوثان، فضلًا عمن ينذر بماله وولده لميت أو حي أو يطلب من ذلك الميت ما لا يطلب إلا من الله تعالى من الحاجات من عافية مريضه أو قدوم غائبه أو نيله لأي مطلب من المطالب فإن هذا هو الشرك بعينه الذي كان ويكون عليه عباد الأصنام"

(1)

.

وقال أيضًا: "ومن نادى الله ليلًا ونهارًا وسرًا وجهارًا وخوفًا وطمعًا ثم نادى معه غيره فقد أشرك في العبادة فإن الدعاء من العبادة"

(2)

.

ومنهم الشيخ حسين بن مهدي النعمي (ت 1187 هـ) فقد قال بعد كلام طويل له في الموضوع: فحينئذ علمت - إن شاء الله تعالى بالبرهان الصحيح واليقين الذي لا يخالطه أدنى ريبة ولا ينتابه أو يتصور عليه وهم أو يتطفل عليه شك - أن دعاء المخلوق، وقصده بذلك من متفاحش الظلم ومتبالغ الشرك ومنازعة في خاص حق الله، وخضوع وتذلل بخالص عبادته لسواه، إذ روح كونك عبدًا له تعالى هو هذا المقام، وهذا التكيف والتصور بهذه الحالة .... "

(3)

.

(1)

تطهير الاعتقاد: 19 - 20 ونحوه في ص: 24.

(2)

المصدر نفسه ص: 26.

(3)

معارج الألباب ص: 193، وهذا الكتاب من أحسن ما ألف في التنديد بدعاء غير الله تعالى، فقد ناقش هذه المسألة مناقشة منطقية بأسلوب قوي فجزى الله مؤلفه عن الإسلام خيرًا.

ص: 555

فقد صرح النعمي رحمه الله بأن دعاء غير الله تعالى من أبلغ الشرك وأفحش الظلم إذ هو وضع للعبادة التي هي من خصائص الله في غير محلها الذي هو المخلوق.

ومنهم الإمام محمد بن علي بن محمد الشوكاني (ت 1250 هـ) فإنه قال: إن من اعتقد في ميت من الأموات أو من الأحياء أنه يضره أو ينفعه إما استقلالًا أو مع الله تعالى أو ناداه أو توجه إليه أو استغاث به في أمر من الأمور التي لا يقدر عليها المخلوق لم يخلص التوحيد لله ولا أفرده بالعبادة إذ الدعاء بطلب وصول الخير إليه ودفع الضر عنه هو نوع من أنواع العبادة، وإن الشرك هو دعاء غير الله تعالى، أو اعتقاد القدرة لغيره فيما لا يقدر عليه سواه، أو التقرب إلى غيره بشيء مما لا يتقرب به إلا إليه

(1)

.

وقال أيضًا: إن الواجب على كل من اطلع على شيء مما يفعله المعتقدون في القبور أن يبلغهم الحجة الشرعية ويقول لمن صار يدعو الأموات عند الحاجات ويستغيث بهم عند حلول المصيبات وينذر لهم وينحر لهم النحور، ويعظمهم تعظيم الرب سبحانه: إن هذا الذي يفعلونه هو الشرك الذي كانت عليه الجاهلية

(2)

.

وقال أيضًا: "وكم سرى عن تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام، منها اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام وعظم ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضرر فجعلوها مقصدًا لطلب قضاء الحوائج وملجأ لنجاح المطالب وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم وشدوا إليها الرحال وتمسحوا بها واستغاثوا، وبالجملة إنهم لم يدعوا شيئًا مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه فإنا لله وإنا إليه راجعون.

(1)

الدر النضيد ص: 18.

(2)

المصدر نفسه: 24.

ص: 556

ومع هذا المنكر الشنيع والكفر الفظيع لا نجد من يغضب لله ويغار حمية للدين الحنيف لا عالمًا ولا متعلمًا ولا أميرًا ولا وزيرًا ولا ملكًا

"

(1)

.

فقد صرح الشوكاني رحمه الله بأن صرف الدعاء لغير الله تعالى شرك لكون الدعاء عبادة كما صرح بأن التقرب إلى غير الله بما يتقرب به إلى الله شرك وأن هذا هو عين ما يفعله مشرك الجاهلية وأن قصد القبور لطلب قضاء الحوائج منكر شنيع وكفر فظيع.

ومنهم الإمام محمد صديق خان

(2)

رحمه الله فقد قال: "فمن استغاث بغيره - أي الله - في الشدائد ودعا غيره فيها فقد كفر"

(3)

.

وقال أيضًا: "والألوهية التي تسميها العامة في زماننا الولاية، والسر، وسر السر، ويسمون أهلها الفقراء والمشايخ

ويظنون أن الله جعل لخواص الخلق منزلة يرضى أن العامي يلتجئ إليهم ويرجوهم، ويخافهم، ويستغيث بهم ويستعين منهم، في قضاء حوائجه،

هي الشرك الجلي الذي لا يغفره الله تعالى أبدًا"

(4)

.

وقال أيضًا: "فالدعاء هو التوحيد، فمن دعا غير الله فقد أشرك، ودعاء غيره سبحانه شرك لا شك فيه"

(5)

.

أقوال أئمة الدعوة في ذلك:

أما أقوال أئمة الدعوة في ذلك فبحر لا ساحل له لأن الخصومة

(6)

(1)

نيل الأوطار: 4/ 95، وله كلام نحو هذا في البدر الطالع: 2/ 6.

(2)

هو أبو الطيب صديق بن حسن بن علي القنوجي البخاري محدث مفسر فقيه له جهود في نشر العقيدة السلفية والسنة النبوية، (ت 1307 هـ)، انظر ترجمته في مقدمة شيخنا عاصم بن عبد الله القريوتي لكتابه قطف الثمر.

(3)

الدين الخالص: 1/ 183.

(4)

المرجع نفسه: 1/ 182.

(5)

المرجع نفسه: 1/ 222.

(6)

مصباح الظلام: 301.

ص: 557

التي وقعت بينهم وبين غيرهم في هذه المسألة وهي أكبر مسألة دار عليها الجدل منذ زمن الأنبياء والرسل، فالرسل أول ما يطلبون من أممهم إفراد الله تعالى بالعبادة التي هي متضمنة لنوعي الدعاء، فكل نبي يقول لقومه:{يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59، 65، 73، 85].

ولقد مكث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة يدعو إلى هذا الأصل ثلاث عشرة سنة إلى أن استقام الدين وفهمت العقيدة الصحيحة، وأُفرد اللهُ تعالى بنوعي الدعاء وظهر الإسلام وانتشر.

ثم لما ظهر بعض بوادر الفساد في الاعتقاد قيض الله تعالى من يذب عن العقيدة ويكشف انتحال المبطلين وينفي تحريف الغالين مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها"

(1)

فممن قيضهم الله لذلك أئمة السلف وعلماء الحديث فجزاهم الله عن الإسلام خيرًا.

ثم لما ظهرت بوادر الفساد في الاعتقاد في القرون الأخيرة وضعفت العقيدة في نفوس الناس ووقع الشرك وانتشر دعاء غير الله تعالى والاستغاثة بالصالحين قيض الله تعالى في القرن الثاني عشر شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأتباعه لنصرة العقيدة الصحيحة وبيانها بالحجة والبرهان ثم بالسيف والسنان، وكان الشيخ يصرح بأن دعوته تقوم على النهي عن دعوة غير الله تعالى

(2)

.

فلهذا كثر كلامه رحمه الله تعالى في هذه المسألة فكان يصرح بها مرات كثيرة، فتارة يتكلم عن الوسائل والأسباب التي تؤدي إليها وتارة عن عواقبها الوخيمة إلى غير ذلك، فكتبه ورسائله تدور حول هذا المعنى وإن

(1)

أخرجه أبو داود: 4/ 480 رقم 4291، والحاكم: 4/ 522، والخطيب في التاريخ: 1/ 61 - 62 والحديث قد سكت عليه الحاكم والذهبي، وقد صححه الألباني في الصحيحة: 2/ 150 رقم 599، وصحيح الجامع: 2/ 142 رقم 1868.

(2)

انظر الرسائل الشخصية، القسم الخامس ص:36.

ص: 558

كانت بأساليب متنوعة وبعبارات شتى، وإليك مقتطفات أقواله:

قال رحمه الله: "اعلم أن نواقض الإسلام عشرة" فذكر الناقض الأول ثم قال: "الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم كفر إجماعًا"

(1)

.

وعقد في كتاب التوحيد بابًا بعنوان "باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره" وذكر في مسائل هذا الباب المسألة الثالثة: أن هذا هو الشرك الأكبر

(2)

.

وقال أيضًا: "وأما النذر له - أي القبر - ودعاؤه والخضوع له فهو من الشرك الأكبر"

(3)

.

وقال أيضًا: "فمن عبد الله ليلًا ونهارًا ثم دعا نبيًا أو وليًا عند قبره فقد اتخذ إلهين اثنين، ولم يشهد أن لا إله إلا الله لأن الإله هو المدعو"

(4)

.

وقال الشيخ سليمان بن عبد الله: (ت 1233 هـ) بعد أن ذكر الآيات والأحاديث وأقوال العلماء في هذا الموضوع:

وقد تبين بما ذكر

أن دعاء الميت والغائب والحاضر فيما لا يقدر عليه إلا الله والاستغاثة بغير الله في كشف الضر أو تحويله هو الشرك الأكبر بل هو أكبر أنواع الشرك، لأن الدعاء مخ العبادة، ولأن من خصائص الإلهية إفراد الله بسؤال ذلك، إذ معنى الإله هو الذي يعبد لأجل هذه الأمور، ولأن الداعي إنما يدعو إلهه عند انقطاع أمله مما سواه، وذلك خلاصة التوحيد، وهو انقطاع الأمل مما سوى الله فمن صرف شيئًا

(1)

مؤلفات الشيخ القسم الأول العقائد ص: 385، وانظر كلام الشيخ مطولًا في كتاب مفيد المستفيد المطبوع ضمن مؤلفات الشيخ قسم العقيدة: 1/ 281 - 309، والرسائل الشخصية: 212 - 213، والقسم الثالث، الفتاوى ص: 62 - 63.

(2)

كتاب التوحيد: 50 - 51.

(3)

القسم الثالث، الفتاوى:70.

(4)

الرسائل الشخصية: 166.

ص: 559

من ذلك لغير الله فقد ساوى بينه وبين الله وذلك هو الشرك"

(1)

.

وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن (ت 1285 هـ):

"فإذا عرفت بصحيح المنقول وصريح المعقول أن الدعاء عبادة وأن

مدلوله السؤال والطلب، فمن صرف من هذه العبادات شيئًا لغير الله فقد

أشرك مع الله غيره في عبادته كائنًا ما كان لعموم النهي عن دعوة غير الله

في القرآن كله من أوله إلى آخره فمن ادعى أنه يصرف منه شيء لأحد

سوى الله فقد صادم الكتاب والسنة وخالف ما اجتمعت عليه دعوة الرسل

من أولهم إلى آخرهم فيما دعوا إليه أممهم بقولهم: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}

(2)

[الأعراف: 56، 64، 72، 84].

آراء علماء مكة في عام 1218 هـ:

وقد اجتمع علماء مكة ونجد في عام 1218 هـ فتناقشوا في مسألة دعاء غير الله تعالى فقرروا أن من دعا غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله أشرك الشرك الأكبر، وهذا نص بيانهم:

"إن من قال: يا رسول الله، وقال: يا ابن عباس، أو يا عبد القادر أو غيرهم من المخلوقين طالبًا بذلك دفع شر أو جلب خير من كل ما لا يقدر عليه إلا الله من شفاء المريض والنصر على العدو والحفظ من المكروه ونحو ذلك - أنه مشرك الشرك الأكبر الذي يهدر دمه ويبيح ماله، وإن كان يعتقد أن الفاعل المؤثر في تصريف الكون هو الله وحده، لكنه قصد المخلوقين بالدعاء متشفعًا بهم ومتقربًا لهم لقضاء حاجته من الله بسرهم وشفاعتهم له فيها أيام البرزخ"

(3)

.

(1)

تيسير العزيز الحميد: 243.

(2)

القول الفصل: 34.

(3)

الهداية السنية: 27 - 28، والدرر السنية في الأجوبة النجدية: 1/ 110 - 111، ونحوه في: 1/ 304 - 305، وهذا أصله بيان مُوَقَّعٌ من علماء الحرم المكي عند دخول الموحدين مكة، وكان من جملة العلماء الموقعين على البيان عبد الملك =

ص: 560

هذا وقد وافق هؤلاء الذين ذكرنا أقوالهم علماء آخرون

(1)

من القدماء والمحدثين أعرضنا صفحًا عن حكاية أقوالهم اكتفاء بالذين أوردنا كلامهم.

هذا والمسألة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار لا تحتاج إلى كل هذا لولا أن بعض الناس يظن أنها من أقوال طائفة معينة تعتبر في نظره متشددة أو أصحاب مذهب جديد فهذا هو الذي اقتضى أن نُطوِّل بذكر آراء العلماء من جميع الطوائف حتى يعلم الحق ويتضح الصواب والله ولي التوفيق ..

الخلاصة:

فقد اتضح مما سبق أن علماء المذاهب قد صرحوا بكفر من استغاث بغير الله تعالى وناداه من بعيد وكذلك من ادعى معرفة الغيب أو صدق من ادعاه أو من ذبح لغير الله أو حلف بغير الله أو غير ذلك مما سبق، وهذا دليل واضح على أن الحكم بكفر من دعا غير الله تعالى مما لم ينفرد به مذهب معين أو بعض العلماء كما يتوهمه بعضهم، وقد رأيت أقوال العلماء ونصوصهم الصريحة وغير الصريحة الدالة على كفر من دعا غير الله تعالى واستغاث به.

وربما يقول قائل: إن المتقدمين من السلف الصالح لم يصرحوا بكفر من دعا غير الله تعالى.

= القليعي مفتي الحنفية وحسين المغربي مفتي المالكية وعقيل بن يحيى العلوي وغيرهم.

(1)

انظر رأي الشيخ ابن باز في مجموع فتاواه: 1/ 158، 167، ورأي تقي الدين الهلالي في السراج المنير: 27/ 28، ورأي الألباني في مقدمة الآيات البيان ص: 10، ورأي الشيخ محمد بن عبد السلام في القول الجلي ص: 29، ورأي محمد خليل الهراس في دعوة التوحيد: 55، ورأي الشيخ مبارك المِيلي في رسالة الشرك ومظاهره ص: 192، وغير هؤلاء كثيرون.

ص: 561

1 -

فيقال له إن القرآن الكريم قد بيَّن ذلك أوضح بيان بأساليب متنوعة ولا يمكن لأحد أن ينكر أو يتوقف في ذلك.

فعلماء السلف الصالح المتقدمون لهم القدح المُعَلَّى في معرفة دلالات القرآن وأحكامه، فهم قائلون بما صرح به القرآن ومعتصمون به، فتكفير من دعا غير الله من مذهبهم إذ روي عنهم أنهم قالوا: إذا صح الحديث فهو مذهبهم

(1)

، فتكفير من دعا غير الله تعالى جاءت به آيات محكمات وأحاديث صحيحة، فهو إذًا من مذهبهم وهم قائلون به.

2 -

إن مسألة دعاء غير الله تعالى لم تكن موجودة في الصدر الأول وذلك لبعد وقوع الشرك في عهد السلف الصالح في وقت قوة الإسلام ولكن لما ضعف الإسلام وانتشر الجهل ببديهيات الإسلام سول الشيطان لبعض المسلمين دعاء الأولياء والاستغاثة بهم.

فلهذا لم ينقل عن السلف الكلام في هذه المسألة لأن السلف يكرهون الخوض في المسائل التي لم تقع والتي هي مسائل خيالية جدلية فرضية.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما الحجاج إلى القبور والمتخذون لها أوثانًا ومساجد وأعيادًا هؤلاء لم يكن على عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم منهم طائفة تعرف ولا كان في الإسلام قبر ولا مشهد يحج إليه بل هذا إنما ظهر بعد القرون الثلاثة"

(2)

.

وقال غيره: "إن الاعتقاد في الأموات إنما حدث بعد موت الإمام أحمد ومن في طبقته من أهل الحديث والفقهاء والمفسرين"

(3)

.

والسلف الصالح منهم من أنكر بعض البدع التي تتعلق بالقبور فقد

(1)

انظر مراجع هذا القول في مقدمة صفة الصلاة للألباني: 24 - 30.

(2)

الرد على الأخنائي: 66، ونحوه في الجواب الباهر:57.

(3)

القول الفصل النفيس: 15.

ص: 562

أنكر الإمام أحمد ما يقع عند قبر الحسين بكربلاء

(1)

.

والذي يظهر أن الذي يقع في ذلك الوقت لا يصل إلى حد دعوة القبر من دون الله تعالى لوضوح هذا الأمر في ذلك الوقت، وحتى ولو فرضنا وقوعه لا يكون بالصورة التي وقعت في المتأخرين من اتخاذ شهر معين عيدًا للقبر والحج إليه كما يشير إلى ذلك كلام شيخ الإسلام السابق، فيكون الواقع من ذلك من بعض الأفراد لا بشكل جماعي، ويكون قاصرًا في الدعاء عندها لا دعاء أصحابها والله أعلم.

3 -

إن هذا السبب الذي تقدم من وضوح العقيدة في الصدر الأول - لاسيما فيما يتعلق بتوحيد الألوهية - هو السبب في عدم كثرة التأليف والردود في هذا الباب، لأن السلف لم يكونوا يؤلفون إلا فيما يرون أن الناس يحتاجون إليه من المسائل التي أثير حولها الجدل أو يخشى أن يلتبس فيها الأمر.

وأما مسألة حكم من دعا غير الله تعالى فليست محل اختلاف فيما بينهم لوضوح أمرها في كتاب الله العزيز وسنة النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه.

ويشهد لهذا الذي قلناه ما ذكره شيخ الإسلام من أن السلف لم يتكلموا في القدرية الدافعين بالقدر الأمر والنهي والطاعنين به على الرب وإنما تكلموا في المكذبين به لوجود هؤلاء بكثرة دون الأولين، وقد تقدم نحو هذا فيما سبق والله أعلم.

ويشهد لهذا أيضًا أن بعض أئمة السلف، وهو ابن خزيمة، عَدَّ وقوع ذلك من مسلم محالًا كما تقدم

(2)

كما يشهد له أن بعض أئمة السلف تعرضوا للكلام في هذه المسألة عندما احتاجوا للكلام بسبب خوضهم في مسألة القرآن وممن تعرض للكلام فيها الإمام أحمد ونعيم بن حماد والبخاري وسوار القاضي والخلال وابن خزيمة وابن بطة والخطابي والبيهقي، وقد نقلنا عباراتهم فيما تقدم

(3)

.

(1)

اقتضاء الصراط: 305 - 306، ونحوه في الجواب الباهر:63.

(2)

تقدم ص: 427.

(3)

تقدم ص: 426 - 428.

ص: 563

هذا ومما ينبغي أن يفهم أن الحكم بالكفر الذي سبق الكلام عليه مقيد بما هو معلوم عند أهل العلم من بلوغ الدعوة وإقامة الحجة.

وقد بيّن تقييد هذا الحكم بهذا القيد كثير من العلماء منهم شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه وكرره وأعاده في عدة مواضع من كتبه الكثيرة.

من ذلك قوله رحمه الله في هذه المسألة التي نحن فيها وهي دعاء غير الله تعالى ما ملخصه: إننا نعلم بالضرورة أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يشرع لأمته دعاء الأموات كما لم يشرع السجود لميت ولا لغيره بل نعلم أنه نهى عن ذلك "وأن ذلك من الشرك الذي حرمه الله تعالى ورسوله، لكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يكن تكفيرهم بذلك حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مما يخالفه"

(1)

.

وقال أيضًا في الحكم العام في هذه المسألة: «وحقيقة الأمر في ذلك أن القول قد يكون كفرًا فيطلق القول بتكفير صاحبه فيقال: من قال كذا فهو كافر لكن الشخص المعين الذي قاله لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها وهذا كما في نصوص الوعيد

فإن الشخص المعين لا يشهد عليه بالوعيد، فلا يشهد على معين من أهل القبلة بالنار لجواز ألا يلحقه الوعيد لفوات شرط أو ثبوت مانع فقد لا يكون التحريم بلغه

وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون بلغته ولم تثبت عنده أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون عرضت له شبهات يعذره الله تعالى بها"

(2)

.

ولشيخ الإسلام نحو هذا الكلام في عدة مواضع من كتبه

(3)

.

(1)

الرد على البكري ص: 376، والذي في غاية الأماني: 1/ 18 نقلًا عن الرد على البكري (لم يمكن تكفيرهم) وهو الأوفق للسياق، ومثله في جلاء العينين ص:484.

(2)

المسائل الماردينية: 65 - 70.

(3)

انظر من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية "الرد على البكري" ص: 258 إلى 259، والاستقامة: 1/ 163 - 166، ومنهاج السنة: 5/ 239 - 252، ونقض المنطق: 45 - 46، والإيمان: 190، والفتاوى: 11/ 407 - 413، 12/ 485 - 501، 3/ 229 - 231. =

ص: 564

ومنهم أيضًا شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فقد بيّن أن الجاهل الذي لم تبلغه الحجة لا يكفر لا سيما الذي لم يقصر ولم يكن يعيش في بيئة انتشر التوحيد وعلماؤه فيها

(1)

.

هذا ومع تصريح شيخي الإسلام المتقدم بأن الحكم بالكفر متوقف على بلوغ الحجة نجد بعض الناس يتهمهما وكذلك يتهم من يعتني بالعقيدة الصحيحة ويحذر من الشرك ودعاء غير الله تعالى - بتكفير المسلمين وأن هذا فعل الخوارج.

وهذه تهمة باطلة لا أساس لها من الصحة فقد علمنا أن التكفير إنما يكون لمن بلغته الحجة الرسالية.

ثم إن بعض الناس اعتمد على ما ينقل من عدم تكفير أهل القبلة فتوسع في ذلك توسعًا غير مرضي، فصار يؤول كل ما يقع من الشركيات

= وانظر ما نقله صاحب مصباح الظلام عن شيخ الإسلام ص: 197.

(1)

انظر مؤلفات الشيخ القسم الثالث المشتمل على السيرة والفتاوى القسم الخاص بالفتاوى ص: 37، قال في رسالته إلى الشريف من الفتاوى ص: 11: "وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبر عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم من ينبههم .... ".

ونقله في روضة الأفكار لابن غنام: "المختصر: 2/ 273" والدرر السنية: 1/ 52، وصيانة الإنسان: 416، والهدية السنية: 34 - 35، وكشف الشبهتين: 76، ومصباح الظلام: 43، 325.

وقد بقي مما يتعلق بهذه المسألة هل الشرط في قيام الحجة مجرد بلوغها أو فهمها ثم العناد بعد الفهم .. يراجع في هذا رسالة أبا بطين في هذا الموضوع المطبوعة ضمن مجموعة الرسائل والمسائل النجدية: 4/ 510 - 523، والرسائل الشخصية: 220، وقسم الفتاوى: 12 - 13، وروضة الأفكار لابن غنام:"المختصر: 2/ 276" ورسالة الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن آل الشيخ المطبوعة تحت عنوان حكم تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة وكشف الشبهتين للشيخ سليمان بن سحمان: 91 - 96.

وانظر في هذا المصدر الأخير حكم المعرض عن الحق: 87، وطبقات المكلفين لابن القيم ص: 98 - 103، ومفتاح دار السعادة: 1/ 58.

ص: 565

حتى ولو قامت على أصحابها الحجة، ويعترض بهذا على من يدعو إلى التوحيد وإخلاص نوعي الدعاء لله تعالى ويحذر من الشرك ومن دعاء الأموات والاستغاثة بهم.

وستأتي مناقشة هذه الشبهة

(1)

في الباب الرابع إن شاء الله تعالى. هذا وما تقدم من اشتراط بلوغ الدعوة وإقامة الحجة هو المذهب الراجح وهناك مذهب آخر له أدلة قوية، وهو أنه لا يشترط ذلك وقد ذهب إليه من المتقدمين الحافظ ابن منده فقد بوّب في كتابه التوحيد بعنوان "ذكر الدليل على أن المجتهد المخطئ في معرفة الله عز وجل ووحدانيته كالمعاند" ثم أورد قوله تعالى:{وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} وقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما سئل عن الأخسرين أعمالًا: كفرة أهل الكتاب وأن منهم أهل حروراء وذكر أدلة أخرى

(2)

.

وعلى هذه الأدلة مؤاخذات فإن الآيات وردت في الكافر الأصلي ونحن في المسلم لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: 115] وقد قال علي رضي الله عنه في أهل حروراء: من الكفر فروا

(3)

.

(1)

سيأتي ص: 853، 896.

(2)

كتاب التوحيد لابن منده: 1/ 314، وقد ذهب الشيخ أبا بطين إلى نحو كلام ابن منده كما في مجموعة الرسائل والمسائل النجدية: 4/.

(3)

أخرجه المروزي في تعظيم قدر الصلاة برقم.

ص: 566

‌الفصل الثالث

في الأدعية المبتدعة وما ورد في التحذير من الابتداع في الدعاء وغيره من العبادات، وآثارها الضارة، وأسباب انتشارها، وأنواعها

ويشتمل على مبحثين:

المبحث الأول: فيما ورد في التحذير من الابتداع في الدين عمومًا وفي الدعاء خصوصًا.

المبحث الثاني: في أنواع الأدعية المبتدعة.

ص: 567

‌المبحث الأول

فيما ورد في التحذير من الابتداع في الدين عمومًا وفي الدعاء خصوصًا من الكتاب والسنة، وآثار السلف، وأقوال العلماء، وآثار الأدعية المبتدعة الضارة وأسباب انتشارها.

ويشتمل على تمهيد وأربعة مطالب.

‌تمهيد:

إن الدعاء من أجلّ العبادات وأعلاها، والعبادات مبناها على التوقيف من الشارع الحكيم لا على الهوى والابتداع، فإن الإسلام مبني على أصلين أحدهما: أن نعبد الله وحده لا شريك له، والثاني: أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ولا نعبده بالأهواء والبدع

(1)

.

فأي عبادة لم يتوافر فيها هذان الأصلان لا تقبل بل هي مردودة على صاحبها.

فلذا ينبغي للإنسان أن يلزم الأدعية المشروعة فإنها معصومة كما يتحرى في سائر عباداته الصورة المشروعة فإن هذا هو الصراط المستقيم

(2)

.

ثم إن الأدعية المشروعة كثيرة جدًا ووافية للغرض على أكمل الحالات فلا حاجة لابتداع أدعية أخرى.

وقد وردت أدعية صحيحة تشمل جميع أحوال الإنسان من صحة وسقم ونعمة ومصيبة وفرح وسرور كما أنها تعم أغلب أوقات الإنسان من

(1)

انظر ص: 605 الهامش.

(2)

الرد على البكري: 72، 73، وقاعدة في التوسل ص: 146، وضمن الفتاوى: 1/ 346.

ص: 569

ليل ونهار وصباح ومساء، وقد حفظت تلك الأدعية في دواوين السنة العامة وفي كتب خاصة بالأدعية والأذكار فالسعادة كل السعادة لمن التزم الأدعية المشروعة الصحيحة وحافظ عليها واجتنب الأدعية المبتدعة.

ولا يشك من له اعتناء بالكتاب والسنة أن "الاقتصار على الدعوات الصحيحة المشروعة أولى من الدعوات المجموعات"

(1)

والأوراد والأحزاب الصوفية هذا في الدعوات المجموعة الخالية عن الشركيات والاعتداء، وأما التي فيها هذه الأمور فهي من باب أولى، ونحن - إن شاء الله تعالى - نبحث عن الأدعية المبتدعة لأسباب عدة منها:

1 -

أن البدعة هي الباب الموصل إلى الشرك.

2 -

أن كثيرًا من الأدعية المبتدعة مشتملة على اعتداء في الدعاء وشرك وتوسل بدعي.

3 -

أن كثيرًا من الناس اعتقدوا أفضليتها على الأوراد والأدعية الواردة فصرفوا أنفس الأوقات فيها وهجروا الأدعية الثابتة وفي هذا بلاء عظيم.

4 -

أن تلك الأدعية مع بدعيتها قارنتها بدع أخرى من الاجتماع لقراءتها ورفع الصوت بها والتمايل عند قراءتها حتى يغمى على بعضهم، فوجب نصحهم وبيان الحق في ذلك.

‌المطلب الأول: في التحذير من الابتداع في الدين:

قد وردت عدة آيات في التحذير من الابتداع في الدين، فمن تلك الآيات:

قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].

(1)

قواعد الأحكام: 2/ 171.

ص: 570

وقوله تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء: 171]. قال قتادة: لا تبتدعوا

(1)

.

وقوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21].

وقوله عز من قائل: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد: 27].

وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 159].

وقد قرن الله سبحانه وتعالى البدعة بالشرك في قوله: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33] فالإثم والبغي قرينان والشرك والبدعة قرينان. وذلك لأن كلًا منهما يلزم منه التنقيص، فالشرك يلزم منه تنقيص الله تعالى والبدعة يلزم منها تنقيص الرسول صلى الله عليه وسلم حيث زعم المبتدع أنها خير من السنة وأولى بالصواب أو أنها هي السنة مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يشرعها

(2)

.

وقد وردت أيضًا أحاديث كثيرة تكفلت كتب السنّة المطهرة بإيرادها في أبواب خاصة فبعض تلك الأبواب يسمى كتاب

(3)

الاعتصام، وبعضها كتاب السنة

(4)

أو اتباع السنة.

وكثير من علماء الحديث أفردوا مؤلفات خاصة في الحث على الالتزام بالسنّة والحض عليها والتحذير من البدع وتسمى بكتب السنّة في

(1)

أخرجه ابن المنذر عنه كما في الدر المنثور: 2/ 248.

(2)

إغاثة اللهفان: 1/ 50 - 51.

(3)

انظر صحيح البخاري مع الفتح: 13/ 245 - 344.

(4)

انظر سنن أبي داود: 5/ 4 - 132، وابن ماجه المقدمة والدارمي: 1/ 43 - 46.

ص: 571

اصطلاح المتقدمين وهي كثيرة

(1)

.

ومن تلك الأحاديث الكثيرة التي اشتملت عليها هذه الكتب:

حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" وفي رواية: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد"

(2)

.

وهذا الحديث أحد الأحاديث التي تدور عليها أصول الإسلام كما قاله أحمد وغيره

(3)

.

وكان يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة يوم الجمعة مكررًا تحذيره من الابتداع: "أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة"

(4)

فلم يستثن رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بدعة بل أطلق وعمم.

وقال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين عضّوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة"

(5)

.

(1)

ذكر الكتاني منها نحو 16 كتابًا، انظر الرسالة المستطرفة: 37 - 39.

(2)

أخرجه البخاري: 5/ 301 رقم 2697، ومسلم: 3/ 1343 رقم 1718.

(3)

الرد على البكري ص: 75، والاعتصام: 1/ 68.

(4)

أخرجه مسلم: 2/ 592 رقم 867، والدارمي: 1/ 61 رقم 212، والمروزي في السنة: 22، وابن أبي عاصم في السنة: 1/ 16 رقم 24، وابن وضاح ص: 23، كلهم من حديث جابر به مرفوعًا.

(5)

أخرجه أبو داود: 5/ 14 رقم 4607، والترمذي: 5/ 44 رقم 2676، وابن ماجه: 1/ رقم 42، والدارمي: 1/ 44 - 45 رقم 96، والمروزي ص: 21 - 22، وابن أبي عاصم في السنة: 1/ 17 - 20 و 29، وابن حبان (موارد رقم 102 ص 56)، وابن وضاح: 23، 29، والآجري في الشريعة: 46 - 47، والحاكم: 1/ 95 - 96، وقال صحيح ليس له علة ووافقه الذهبي وصححه أيضًا ابن حبان والترمذي والألباني في ظلال الجنة: 1/ 17.

ص: 572

كما وردت آثار كثيرة في التحذير من البدعة، من ذلك:

ما قاله ابن مسعود رضي الله عنه: "إن أحسن الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها

"

(1)

.

وقال أيضًا: "القصد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة"

(2)

ونحوه عن أبي بن كعب

(3)

وأبي الدرداء

(4)

.

وقال ابن مسعود أيضًا: "كيف أنتم إذا لبستم فتنة يهرم فيها الكبير ويربو فيها الصغير ويتخذها الناس سنّة إذا ترك منها شيء قيل تركت السنة، قالوا: متى ذلك؟ قال: إذا ذهبت علماؤكم، وكثرت قراؤكم، وقلّت فقهاؤكم، وكثرت أمراؤكم، وقلّت أمناؤكم، والتمست الدنيا بعمل الآخرة وتفقه لغير الدين"

(5)

.

وهذا الأثر له حكم الرفع لأنه إخبار عن أمور مغيبة تقع في المستقبل، وهذا مما لا مجال للاجتهاد فيه فهو مرفوع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.

(1)

أخرجه البخاري موقوفًا: 13/ 249 رقم 7277، والدارمي: 1/ 61 رقم 213، والمروزي في السنة: 23، وابن وضاح: 24، وأصحاب السنن مرفوعًا كما في الفتح: 13/ 253.

(2)

أخرجه الدارمي: 1/ 63 رقم 223، والمروزي في السنة: 25، والبيهقي: 3/ 19، وأحمد في الزهد ص: 159، والحاكم: 1/ 103، وصححه ووافقه الذهبي وصححه أيضًا الألباني في صلاة التراويح:6.

(3)

أخرجه ابن المبارك في الزهد: 2/ 21، وأبو نعيم في الحلية: 1/ 252 - 253، واللالكائي في السنة: 1/ 54، وأحمد في الزهد ص: 197، وابن أبي شيبة في المصنف: 14/ 6 رقم 17375.

(4)

أخرجه المروزي في السنة: 27 - 28، واللالكائي في السنة: 1/ 88.

(5)

الدارمي: 1/ 58، وابن وضاح: 34، والحاكم: 4/ 514، واللالكائي في السنة: 1/ 91 رقم 123.

وقال الألباني: رواه الدارمي بإسنادين أحدهما صحيح والثاني حسن. اهـ. صلاة التراويح: 5.

ص: 573

وقد وقع هذا الذي أخبر به المصطفى صلوات الله وسلامه عليه فقد كان بعض الناس يغضب إذا أعرض من يحاول التمسك بالسنة - عن نحو التوسل المبتدع أو ترك الدعاء عقب الصلوات بالصورة الجماعية - ويتهمه بالخروج عن أهل السنة والجماعة وإنشاء مذهب خامس.

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم وكل بدعة ضلالة"

(1)

.

وقال حسان بن عطية أحد التابعين:

ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها، ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة"

(2)

.

وقد ورد ما يؤيد هذا الأثر مرفوعًا من حديث غضيف بن الحارث في قصة رفع الأبدي على المنبر يوم الجمعة: "ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة، فتمسكٌ بسنة، خيرٌ من إحداث بدعة"

(3)

.

(1)

أخرجه الدارمي: 1/ 61، والمروزي: 23، وابن وضاح ص: 10، واللالكائي: 1/ 86، وأحمد في الزهد ص: 162، ووكيع في الزهد: 2/ 590 رقم 315، وأبو خيثمة في العلم ص: 122 رقم 54. وقال الهيثمي في المجمع: 1/ 181 بعد أن عزاه إلى الطبراني في الكبير: رجاله رجال الصحيح وقال الألباني: هذا إسناده صحيح ثم بين رواية إبراهيم النخعي عن ابن مسعود تحمل على السماع لقوله: "إذا حدثتكم عن رجل عن عبد الله فهو الذي سمعت وإذا قلت: قال عبد الله فهو عن غير واحد". انظر تعليق الألباني على كتاب العلم لأبي خيثمة ص: 122.

(2)

الدارمي: 1/ 44، وابن وضاح: 37، واللالكائي: 1/ 93.

(3)

رواه أحمد: 4/ 105، والمروزي في السنة: ص 27، والبزار كما في كشف الأستار: 1/ 82، واللالكائي: 1/ 91. وقد جود الحافظ سنده في الفتح: 13/ 253 مع أن فيه أبا بكر بن أبي مريم وقد قال فيه الحافظ نفسه ضعيف وكان قد سرق بيته فاختلط (التقريب رقم 7974) وقال الهيثمي في الأثر وفيه أبو بكر بن أبي مريم وهو منكر الحديث (المجمع: 1/ 188) ولكن له شواهد تقويه منها ما رواه ابن وضاح مرفوعًا لا يحدث رجل في الإسلام بدعة إلا ترك من السنة ما هو خير منها. انظر البدع والحوادث ص: 38.

ص: 574

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وإذا كان هذا جواب هذا الصحابي في أمر له أصل في السنة فما ظنك بما لا أصل له فيها فكيف بما يشتمل على ما يخالفها؟ "

(1)

.

فمما يصدق هذا الأثر ما نحن فيه فإنه لما ابتدعت الأدعية المحدثة ترك الناس الأدعية المأثورة الواردة في الكتاب والسنّة، فلا تجد من يلازمها ويطبقها حسب ورودها إلا القليل من المتمسكين المعتصمين بالآثار وما أقلهم!

وذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن من يكتم الحق يقيم موضعه باطلًا ثم قال: وهكذا أهل البدع، لا نجد أحدًا ترك بعض السنة التي يجب التصديق بها والعمل إلا وقع في بدعة ولا نجد صاحب بدعة إلا ترك شيئًا من السنة كما جاء في الحديث:"ما ابتدع قوم بدعة إلا وتركوا من السنة مثلها" رواه الإمام أحمد، وقد قال تعالى:{فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة: 14] فلما تركوا حظًا مما ذكروا به اعتاضوا بغيره فوقعت بينهم العداوة والبغضاء"

(2)

.

‌المطلب الثاني: في الأدلة الدالة على منع الابتداع في الأدعية الراتبة:

وهناك أدلة كثيرة تدل على أن باب الدعاء توقيفي لا ينبغي الخروج عما رسمه الشارع في الجملة وذلك في الأدعية الراتبة التي تتكرر ويلازمها المكلف، أو في التي تختص بوقت معين أو صفة معينة.

وأما مطلق الأدعية التي تحصل من المكلف بدون تحرّ وتلازم فهي ليست توقيفية، ولكن الأفضل فيها الالتزام بالمأثور إلا إنّ عرضت له حاجة فينص عليها مثل أن يمرض له شخص عزيز عليه أو يخاف أحدًا

(3)

فهذا ليس مما نحن فيه، لأن المقصود هنا الأدعية التي يلازمها العبد

(1)

الفتح: 3/ 255.

(2)

الإيمان لابن تيمية ص: 153.

(3)

انظر المنهاج للحليمي: 1/ 523، 533.

ص: 575

ويجعلها راتبة مكررة، ففي هذه الحالة لا يجوز الابتداع فيها.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: "الأذكار والدعوات من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على الاتباع وليس لأحد أن يسنَّ منها غير المسنون، ويجعله عادة راتبة يواظب الناس عليها بل هذا ابتداع دين لم يأذن به الله بخلاف ما يدعو به المرء أحيانًا من غير أن يجعله سنة"

(1)

.

الأحاديث الواردة في ذلك:

1 -

ما ورد في حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: "اللهم أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت، فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة واجعلهن آخر ما تتكلم به" قال: فردّدتها على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بلغت:"اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت" قلت: ورسولك، قال:"لا، ونبيك الذي أرسلت"

(2)

.

فقد منع النبي صلى الله عليه وسلم استبدال كلمة بأخرى مع صحة المعنى واستقامة التركيب والأسلوب، فكيف يكون الأمر في اختراع أوراد وأحزاب طويلة على عدد الأيام والشهور؟ لا شك أن هذا أولى بالمنع.

قال الحافظ ابن حجر: "وأولى ما قيل في الحكمة في رده صلى الله عليه وسلم على من قال: الرسول بدل النبي، أن ألفاظ الأذكار توقيفية، ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس فتجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به

فيقتصر فيه على اللفظ الوارد بحروفه، وقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف، ولعله أوحى إليه بهذه الكلمات فتعين أداؤها بحروفها"

(3)

.

(1)

ملحق المصنفات: 46 وهو ملخص من كتب ابن تيمية.

(2)

أخرجه البخاري: 1/ 357 رقم 247 و 11/ 109، ومسلم: 4/ 2081 رقم 2710.

(3)

الفتح: 11/ 112 وانظر نحوه في: 1/ 358.

ص: 576

وقد ذكر النووي أيضًا هذا التعليل لمنع استبدال كلمة الرسول بالنبي فاستحسنه

(1)

.

2 -

ما ورد في عدة أحاديث تتعلق بالأدعية والأذكار من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم تلك الأدعية كما يعلمهم القرآن. فهذا التشبيه بتعليم القرآن يدل على أنها تحفظ وتنقل نقلًا حرفيًا كما في القرآن ولا تغير.

فمن تلك الأحاديث: حديث الاستخارة:

فقد ورد فيه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن"

(2)

.

فقد قيل في وجه هذا التشبيه أن ذلك في تحفظ حروفه وترتيب كلماته ومنع الزيادة والنقص منه والدرس له والمحافظة عليه

(3)

.

وحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن يقول: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات"

(4)

.

قال الباجي شارح الموطأ: "قوله: كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة دليل على تأكده وما ندب إليه من تحفظ ألفاظه"

(5)

.

3 -

ما ورد من الأحاديث في بعض الأدعية من تقييد الأجر والثواب على لفظ معين مثل من قال كذا فله كذا. فمن لم يأت بذلك اللفظ لا

(1)

شرح النووي لمسلم: 17/ 33.

(2)

البخاري: 3/ 48 رقم 1162، والترمذي: 2/ 345 رقم 480، وأبو داود: 2/ 188 رقم 1538.

(3)

الفتح: 11/ 184.

(4)

أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 215 رقم 33 ومن طريقه مسلم في صحيحه: 1/ 413 رقم 590.

(5)

المنتقى: 1/ 358.

ص: 577

يشمله ظاهر الحديث. فلو لم يكن هناك سر وحكمة في تلك الألفاظ المعينة لما قيد ترتب الثواب والأجر عليها ترتبَ الجزاء على الشرط.

قال بعض العلماء: إن الأعداد الواردة كالذكر عقب الصلوات إذا رتب عليها ثواب مخصوص فزاد الآتي بها على العدد المذكور لا يحصل له الثواب المخصوص لاحتمال أن يكون لتلك الأعداد حكمة وخاصية تفوت بمجاوزة ذلك العدد.

وعلل ذلك بعضهم بأن من شأن العظماء إذا حدوا شيئًا أن يوقف عنده ويعد الخارج عنه مسيئًا للأدب، ومثّل ذلك بعضهم بالدواء إذا زيد على وصف الطبيب لا يحصل الانتفاع به بل ربما يضر

(1)

.

4 -

ما ورد عن بعض الصحابة أنهم طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم دعاء يدعون به، فلو كان الدعاء لا يحتاج إلى توقيف وتعليم وبيان لدعوا به من عند أنفسهم، وهم أهل الفصاحة والبلاغة، وقد عرفوا ما يدعى به من خيري الدنيا والآخرة، ولكن لمعرفتهم أن الدعاء عبادة وأنه يحتاج إلى توقيف من النبي صلى الله عليه وسلم طلبوا تعليمه.

ومما ورد في ذلك ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم"

(2)

.

فقد طلب الصديق الأكبر رضي الله عنه تعليم الدعاء فأرشده صلى الله عليه وسلم إلى هذا الدعاء.

قال الحافظ رحمه الله: "وفي هذا الحديث من الفوائد استحباب

(1)

الفتح: 2/ 330.

(2)

أخرجه البخاري: 2/ 317 رقم 834، ومسلم: 4/ 2078 رقم 2705.

578

ص: 578

طلب التعليم من العالم خصوصًا في الدعوات المطلوب فيها جوامع الكلم"

(1)

.

وقد ورد من الصديق حديث آخر طلب فيه تعليمه ما يقوله في الصباح والمساء وهو ما ورد في صحيفة عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: "إن أبا بكر الصديق قال: يا رسول الله علّمني ما أقول إذا أصبحت، وإذا أمسيت، فقال يا أبا بكر قل: اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة لا إله إلا أنت رب كل شيء ومليكه، أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان الرجيم وشركه وأن أقترف على نفسي سوءًا أو أجره إلى مسلم"

(2)

.

الآثار الواردة في ذلك:

وقد حذر السلف الصالح من الابتداع في الدعاء عندما ظهر ما يمكن عده بداية انحراف عن الدعاء المشروع وذلك في أواخر عهد الصحابة.

ومن ذلك ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما فيما أوصى به مولاه عكرمة، فإنه قال لعكرمة:"حَدِّثِ الناسَ كل جمعة مرة، فإن أبيت فمرتين، فإن أكثرت فثلاث مرات .. إلى أن قال: "فانظر السجع من الدعاء فاجتنبه، فإني عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يفعلون إلّا ذلك الاجتنابَ"

(3)

.

(1)

الفتح: 2/ 320.

(2)

جزء ابن عرفة ص: 91 رقم 85 والأحاديث العوالي من جزء ابن عرفة ص: 23 رقم 4، والترمذي: 5/ 542 رقم 3529، والبخاري في الأدب: 2/ 613 رقم 1204، والطبراني في الدعاء: 2/ 924 رقم 289 وقد حسنه الحافظ في نتائج الأفكار وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه الترمذي: 5/ 467، والطبراني في الدعاء: 2/ 923 رقم 228، وأحمد في المسند: 1/ 9، 10، وابن منده في التوحيد: 2/ 160، وصححه الحافظ أيضًا في نتائج الأفكار: ل 169/ أ.

(3)

أخرجه البخاري. انظر البخاري مع الفتح: 11/ 138 رقم 6337.

ص: 579

فهذا يدل على أن ابن عباس رضي الله عنهما ما كان ينهى عكرمة إلا عن أمر كان يوجد عند الناس ولو بصورة نادرة.

ولكن يحتمل أن يقال: إن هذا ليس نهيًا عن الأمر الواقع، ولكنه فَهْمٌ فهمه ابن عباس من تتبع أدعية النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته فلم يجد فيها السجع المتكلف فخاف أن يقوله عكرمة فنهاه، أو أنه فهم من نحو قوله صلى الله عليه وسلم:"سيأتي أقوام يعتدون في الدعاء"

(1)

أن السجع في الدعاء سيقع فنهاه عنه.

ولكن هناك نص آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما أصرح من هذا النص في المطلوب وهو ما ذكره أبو سليمان الخطابي رحمه الله عندما ذكر غلط كثير من الناس في مثل قولهم: يا رب طه ويس ويا رب القرآن العظيم، قال:"وأول من أنكر ذلك ابن عباس رحمه الله"

(2)

فهذا الأثر إن ثبت دليل على بداية الانحراف في الأدعية وابتداع كلمات غير واردة في الكتاب والسنة في أواخر القرن الأول لأن ابن عباس توفي في الثلث الأخير من القرن الأول عام 68 هـ.

ويؤيد وقوع ذلك ما روي عن عروة بن الزبير أحد فقهاء السبعة وكبار التابعين أنه كان إذا عرض عليه دعاء فيه سجع عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه قال: كذبوا لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه سجاعين

(3)

.

ويدل أثر ابن مسعود وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما على أن

(1)

تقدم ص: 174.

(2)

شأن الدعاء للخطابي ص: 17 ثم رأيت شيخ الإسلام ذكر أن ابن أبي حاتم أخرج هذا الأثر بإسناده في كتاب الرد على الجهمية فساق إسناده. انظر منهاج السنة: 2/ 252 - 253، وأخرجه الجوزقاني في الأباطيل: 2/ 287، واللالكائي: 2/ 230 رقم 376، والبيهقي في الأسماء ص: 312، والمقدسي في اختصاص القرآن رقم 12، وابن بطة في الإبانة: ق 2/ 483 كلهم من طريق علي بن عاصم وهو صدوق يخطئ كما في التقريب: 4758.

(3)

الحوادث والبدع للطرطوشي ص: 121.

ص: 580

الابتداع في باب الذكر والدعاء قد حصل في عهد مبكر إذ وفاة ابن مسعود سنة 32 من الهجرة.

وهذا الأثر هو ما روي أن ابن مسعود وأبا موسى أنكرا على قوم يجلسون حلقًا في المسجد ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصى فيقول: "كبروا مائة فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة فيهللون مائة ويقول: سبحوا مائة فيسبحون مائة، فوقف عليهم ابن مسعود فقال لهم: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا يا أبا عبد الرحمن حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون

"

(1)

.

فقد أنكر هذان الصحابيان الجليلان الاجتماع للذكر على هذه الصورة المعينة كما أنكرا عد الذكر بالحصى.

وقد علمنا في التعريف العلاقة بين الذكر والدعاء فهما متلازمان أو مترادفان، فهذه البدعة التي أنكراها من البدع الإضافية لأن أصل الذكر مشروع وإنما السبب في كونه بدعة ما قارنه من الكيفية التي لم تكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وأكثر الأدعية المبتدعة التي سنذكرها من هذا الباب فهي من البدع الإضافية.

هذا وقد وردت قصة أخرى أسبق من هذه في زمن عمر رضي الله عنه إذ روي أنه كتب إليه عامل له أن ههنا قومًا يجتمعون فيدعون

(1)

أخرجه الدارمي: 1/ 60 رقم 210، وابن وضاح ص: 11 - 13 - 21، ونحوه عن ابن مسعود أيضًا أخرجه ابن وضاح ص:12.

قال الألباني في إسناد الدارمي: "وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات رجال البخاري في صحيحه غير عمارة وهو ثقة"(التعقب الحثيث ص: 47) وقال في سند ابن وضاح سنده إلى الصلت صحيح وهو ثقة من أتباع التابعين إلا أنه منقطع، راجع الضعيفة: 1/ 112، والتعقب:42.

ص: 581

للمسلمين وللأمير، فكتب إليه عمر: أقبل وأقبل بهم معك، فأقبل وقال عمر للبواب: أعد لي سوطًا فلما دخلوا على عمر أقبل على أميرهم ضربًا بالسوط

(1)

.

فهذه الحادثة تدل على حدوث البدعة الإضافية في الدعاء في وقت مبكر جدًا وعلى أن عمر رضي الله عنه ينكر أشد الإنكار الابتداع في كيفية الدعاء لأن أصل الدعاء للأمير والمسلمين مشروع كما سيأتي

(2)

.

وقد حذر بعد هؤلاء الصحابة أيضًا كثيرون من السلف ومن بعدهم، وإليك كلام بعض هؤلاء.

فمن علماء السلف الذين حكوا عن السلف تركهم للدعاء المبتدع الإمام إبراهيم النخعي فإنه قال حاكيًا عن الصحابة وكبار التابعين: "كانوا يجلسون ويتذاكرون العلم والخير، ثم يتفرقون لا يستغفر بعضهم لبعض، ولا يقول: يا فلان ادع لي"

(3)

.

وممن حذر من الابتداع في الأدعية الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة فقد شدد في الابتداع في الدعاء، فإنه قال في قوم يجتمعون لقراءة القرآن:"لا بأس أن يجتمعوا ويكره الدعاء بعد فراغهم"

(4)

وهذا غاية ما يكون في إنكار الابتداع في الدعاء، لأن أصل الدعاء الجماعي أحيانًا مشروع كما سيأتي

(5)

.

كما أن مالكًا رحمه الله تعالى سئل عن الذي يقول في دعائه: يا سيدي فكرهه وقال: "أحب إلي أن يدعو بما في القرآن، وبما دعت به

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف: 8/ 558 رقم 6242.

(2)

سيأتي ص: 670.

(3)

أخرجه ابن أبي خيثمة في كتاب العلم ص: 146 رقم 159 وصحح إسناده الألباني.

(4)

الحوادث والبدع ص: 63.

(5)

سيأتي ص: 669.

ص: 582

الأنبياء يا رب وكره الدعاء بيا حنّان"

(1)

.

فرحم الله مالكًا ما أشد تمسكه بالسنة وتحذيره من البدع!! فهو رحمه الله يكره الدعاء بغير الألفاظ التي ثبتت في الكتاب والسنة والتي دعا بها الأنبياء.

وروي عنه أيضًا كراهته للدعاء عند ختم القرآن. فقد سئل عن الذي يقرأ القرآن فيختمه ثم يدعو؟ قال: "ما سمعت أنه يدعو عند ختم القرآن، وما هو من عمل الناس"

(2)

هذا شأن الإمام مالك في هذه الأمور التي تعد من البدع الإضافية، فكيف لو رأى دعاء غير الله تعالى ونداء من في القبور لقضاء الحاجات والاستغاثة بهم لنيل الطلبات؟ وقد نقل عن مالك أنه ينكر دعاء الإمام في رمضان ويقول:"ولا أرى أن يعمل به"

(3)

.

فإذا كان ينكر مثل الدعاء الذي ليس فيه أي محذور سوى تعيين الكيفية فكيف بما هو أعظم من ذلك بكثير؟

كما وردت عنه أشياء

(4)

أخرى أنكرها وعدها بدعًا مما يتعلق بكيفية الدعاء.

(1)

العتبية مع البيان والتحصيل: 1/ 456، 17/ 423، والفتاوى: 1/ 224، 207 و 10/ 285.

وقد نقل نحو كلام مالك هذا عن ابن عيينة كما في جامع العلوم لابن رجب ص: 100، وعن بعض أصحاب أبي حنيفة وهو ابن أبي عمران وغيره كما في قاعدة التوسل: 1/ 207.

(2)

المدخل لابن الحاج: 2/ 299، والحوادث والبدع: 62 - 68، وفتاوى الشاطبي: 206 - 208، وستأتي الإشارة إلى هذا ص:670.

(3)

الحوادث والبدع للطرطوشي ص: 60، 62.

(4)

من ذلك ما ذكره الطرطوشي في الحوادث ص: 63 من إنكاره التقليص وهو رفع الصوت بالدعاء ورفع اليدين. وانظر أيضًا العتبية مع البيان: 18/ 13 إلا أنه جعله من رواية مالك عن أبي سلمة ومن ذلك ما ذكره أيضًا الطرطوشي ص: 64 من إنكاره القيام للدعاء عند دخول المسجد والخروج منه وكذلك ما ذكره في ص: 64 نفسها من إنكاره الدعاء خلف الصلاة قائمًا وقال ليس بصواب ولا أحب لأحد أن يفعله. ومن ذلك إنكاره لمسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء كما في العتبية: 18/ 49.

ص: 583

ومنهم الإمام أحمد:

فقد سئل عن الصلاة خلف من يقنت؟ فقال: "وقد كان المسلمون يصلون خلف من يقنت وخلف من لا يقنت، فإذا زاد في القنوت حرفًا أو دعا بمثل إنا نستعينك أو عذابك الجد أو نحفد، فإن كنت في الصلاة فاقطعها"

(1)

.

وكان الإمام أحمد رحمه الله يمنع من الدعاء بحوائج الدنيا في الصلاة إلا بالمأثور

(2)

.

يشير الإمام أحمد رحمه الله بقوله بمثل إنا نستعينك .. إلخ إلى القنوت الوارد عن عمر بن الخطاب أنه قنت به. وقد صح إسناده إلى عمر رضي الله عنه

(3)

.

فإذا كان الإمام أحمد يمنع من ذلك مع كونه مرويًا عن عمر بن الخطاب لكن كأنه لم يثبت لديه أو رأى أنه لا ينبغي الزيادة على قنوت النبي صلى الله عليه وسلم.

فإذا كان هذا حال أحمد مع الدعاء المأثور فكيف يقول في الأدعية المخترعة المبتدعة التي امتلأت بها كتب الفقهاء المتأخرين فضلًا عن الصوفية والقبوريين الذين يجيزون دعاء غير الله تعالى؟

هذا وقد تقدم منع علماء السلف من مثل قول الداعي أعوذ بالكعبة والصفا والعرش والكرسي، فقد صرح بعدم جواز نحو هذا كل من نعيم بن حماد والبخاري وابن خزيمة والخلال وابن بطة وغيرهم

(4)

.

(1)

رسالة الصلاة لابن القيم ص: 171.

(2)

انظر طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى: 1/ 22.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة 2/ 314 - 315، 42، والبيهقي: 2/ 210، وصَحَّح الإسناد الألباني في الإرواء: 2/ 170، وروي أيضًا هذا القنوت عن علي أيضًا كما في ابن أبي شيبة: 2/ 314.

(4)

انظر نصوص كلامهم في ص: 426 - 428.

ص: 584

ومنهم الإمام أبو القاسم الطبراني (ت 360 هـ):

فإنه عندما بدأ ظهور الأدعية المبتدعة في شكل مؤلفات قام إلى جمع الأدعية المأثورة الصحيحة فكان ذلك سببًا لتأليف كتاب مستقل نافع في الأدعية المأثورة وآدابها وقد بيّن في خطبة كتابه أن هذا هو الباعث له على التأليف فقال: "هذا كتاب ألفته جامعًا لأدعية رسول الله صلى الله عليه وسلم، حداني على ذلك أني رأيت كثيرًا من الناس قد تمسكوا بأدعية سجع، وأدعية وضعت على عدد الأيام، مما ألفها الوراقون لا تروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن أحد من التابعين بإحسان مع ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكراهية للسجع في الدعاء والتعدي فيه"

(1)

.

ومنهم أبو سليمان الخطابي (ت 388 هـ):

فإنه جاء بعد الطبراني فاشتكى أيضًا من انتشار الأدعية المبتدعة بين العوام فقال: "وقد أولع كثير من العامة بأدعية منكرة اخترعوها، وأسماء سموها، ما أنزل الله بها من سلطان.

وقد يوجد في أيديهم دستور من الأسماء والأدعية يسمونه (ألف اسم) صنعها لهم بعض المتكلفين من أهل الجهل، والجرأة على الله عز وجل أكثرها زور وافتراء على الله عز وجل فليتجنبها الداعي إلا ما وافق منها الصواب

"

(2)

.

ثم ضرب الخطابي بعض الأمثلة لما وقع على ألسنة العامة وكثير من

(1)

الدعاء للطبراني: 2/ 785، وقد حصل لعالم آخر مثل الذي ذكره الطبراني عن نفسه في سبب تأليفه وذلك العالم هو الشيخ محمد بن محمد الصالحي المنيحي (ت 785 هـ) فقد ألف كتابًا في الطاعون وما ينبغي العمل عند وقوعه وذكر أن سبب تأليفه ما رآه من الأدعية المبتدعة التي يدعو بها الناس عندما وقع الطاعون سنة (764 هـ). انظر مخطوطة كتابه في مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية رقم 4472 أفلام.

(2)

شأن الدعاء ص: 16.

ص: 585

القصاص من الألفاظ المستهجنة المهجورة والتي لا تليق بمخاطبة الله تعالى ومناجاته

(1)

.

ومنهم عبيد الله بن محمد بن بطة (ت 387 هـ):

فقد قال: "ومن البدع النظر في كتب العزائم

(2)

والعمل بها"

(3)

.

والمراد بها الكتب التي ألفت في الأدعية التي يراد بها الرقية غير الشرعية وتقدم قول ابن بطة: "هل يجوز أن يعوذ إنسان نفسه أو غيره بمخلوق مثله فيقول: أعيذ نفسي بالسماء أو بالجبال أو بالأنبياء أو بالعرش أو بالكرسي أو بالأرض"

(4)

.

ومنهم محمد بن الوليد الطرطوشي (ت 520 هـ):

فإنه تعجب من الإعراض عن الدعوات المأثورة واختيار ألفاظ الشعراء والكتاب بدلًا عنها فقال في هذا المعنى: "ومن العجب العجاب أن تعرض عن الدعوات التي ذكرها الله في كتابه عن الأنبياء والأصفياء مقرونة بالإجابة ثم تنتقي ألفاظ الشعراء والكتّاب كأنك قد دعوت في زعمك بجميع دعواتهم ثم استعنت بدعوات من سواهم"

(5)

.

ومنهم أبو بكر بن العربي المالكي (ت 543 هـ):

فإنه ذكر الإلحاد في أسماء الله تعالى وأنه يكون بالزيادة فيها كما يكون بالنقصان منها ثم قال: "كما يفعله الجهال الذين يخترعون أدعية

(1)

المصدر نفسه: 17 - 18.

(2)

العزائم: الرقى، وعزم الراقي كأنه أقسم على الداء. اهـ. اللسان مادة عزم: 5/ 2932.

(3)

الشرح والإبانة لابن بطة ص: 337.

(4)

الإبانة: ق 2/ 480 - 481 وتقدم نقل كلامه كاملًا في ص: 427 - 428.

(5)

الفتوحات الربانية: 1/ 17.

ص: 586

يسمون فيها الباري بغير أسمائه ويذكرونه بما لم يذكره من أفعاله إلى غير ذلك مما لا يليق به، فحَذَارِ منها، ولا يَدْعُوَنَّ أحدٌ منكم إلا بما في الكتب الخمسة وهي كتاب البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي فهذه الكتب هي بَدْءُ الإسلام، وقد دخل فيها ما في الموطأ الذي هو أصل التصانيف، وذروا سواها ولا يقولن أحد: أختار دعاء كذا فإن الله قد اختار له وأرسل بذلك إلى الخلق رسوله"

(1)

.

وهذا ابن العربي المالكي قد تشدد في هذا حتى منع الدعاء بما في خارج الكتب الخمسة، وما ذلك إلا لما رأى من الأدعية المبتدعة المنتشرة في وقته، فماذا يقول لو رأى الأدعية المنتشرة اليوم والتي تشتمل على الاستمداد بالأموات؟؟

ومنهم القاضي عياض بن موسى اليحصبي (ت 544 هـ):

فإنه ذكر فوائد الدعاء ثم ذكر الأدعية المنسوبة إلى الأنبياء محذرًا منها فقال: "أذن الله في دعائه، وعلم الدعاء في كتابه لخليقته، وعلم النّبي صلى الله عليه وسلم الدعاء لأمته، واجتمعت فيه ثلاثة أشياء: العلم بالتوحيد، والعلم باللغة، والنصيحة للأمة فلا ينبغي لأحد أن يعدل عن دعائه صلى الله عليه وسلم، وقد احتال الشيطان للنّاس من هذا المقام، فقيض لهم قوم سوء يخترعون لهم أدعية يشتغلون بها عن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأشد ما في الحال أنهم ينسبونها إلى الأنبياء والصالحين فيقولون: دعاء نوح، دعاء يونس، دعاء أبي بكر الصديق، فاتقوا الله في أنفسكم ولا تشتغلوا من الحديث إلا بالصحيح"

(2)

.

وهذه الأدعية المنسوبة إلى الأنبياء والصالحين التي أشار إليها القاضي عياض توجد إلى اليوم عند الروافض في كتبهم المؤلفة في الأدعية

(1)

أحكام القرآن لابن العربي: 2/ 816.

(2)

الفتوحات الربانية: 1/ 17.

ص: 587

المعتبرة لديهم، وما أكثر أدعيتهم المبتدعة بل الشركية.

ومنهم الإمام المحدث اللغوي الحسن بن محمد الصغاني (ت 650 هـ):

فإنه أشار إلى الأحاديث الموضوعة في فضيلة رجب وغيره من الشهور والليالي وذكر أن الصحيح ما ورد في الكتب الستة وغيرها من كتب أهل الحديث، ثم قال:

"وهذا من جنس اعتناء بعض الأغبياء الجهال والعوام الضلال دعوتهم بدعاء "تمخيتا، وتمشيشا، وشمخيتا" ودعوتهم في الشدائد بأسماء أصحاب الكهف وبدعاء يمسح "وفي خ شمعخ" وغيره من الدعوات المجهولات بزعمهم أن هذا من الأسماء العظام، والأدعية المستجابة عند العلام، أو أنه من التوراة والإنجيل، ولسنا ملتزمين في شريعتنا بتلك الدعوات في الصباح والمساء، ولم يقل به أحد من العلماء والصلحاء بل وضعه أغبياء الأدباء، وسفهاء القصاص لتغرير العوام وجمع الحطام، والشيطان في أكثر الأحيان يُظْهر لتلك الأسماء تأثيراتٍ ومنافعَ لأجل تغرير الجهال وافتتانهم، وربما يكون التلفظ بتلك الألفاظ كفرًا لأنا لا نعرف معناها بالعربية، وقد قال الله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] وهو يقول: آهيا، شراها، آدونا لراهيا وشا (أصباؤت) فكن متفطنًا لهذه الدقيقة فقد ضل بها خلق كثير، وقانا الله تعالى البدع والأهواء والفتنة المدلهمة الظلماء كالليلة السوداء. وكذلك الاعتناء بألف اسم واسم واحد، يدعو بعض العوام بها ولم يرد فيها خبر ولا أثر عن السلف الصالحين، وأئمة الهدى بل بعضها كفر، إذ أسماء الله تعالى توقيفية لا يجوز لنا أن ندعو إلا بما ورد في الكتاب والسنة فنقول: يا كريم ولا نقول يا سخي"

(1)

.

(1)

موضوعات الصغاني: 61 - 63، وتحذير المسلمين: 171 - 172.

ص: 588

وقد تعقب الصغانيَّ عبدُ العزيز الغماري في كلامه هذا، وذكر أنه ورد الدعاء بأسماء أهل الكهف موقوفًا عن ابن عباس بسند ضعيف

(1)

.

وهذا التعقب لا قيمة له، لأن الغماري ممن يُجيز التوسل البِدْعي، فمن هنا ينكر على الصغاني لمخالفته له، وأما محاولته للتقوية فليس بشيء فكأنه يشير إلى ما ذكره السيوطي في الدر المنثور

(2)

عن ابن عباس أسماءهم ثم ذكر بلاغًا أن أسماءهم تسكن الحريق ومثل هذه البلاغات لا تنفع في تقوية الأدعية الموضوعة التي يظهر وضعها جليًا، إلا عند من طمس الله بصيرته، واعتاد الأدعية المبتدعة وألفها فكان يدافع عنها دفاع المستميت والله المستعان.

ومنهم القرطبي أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري (ت 671 هـ):

فقد قال: "فعلى الإنسان أن يستعمل ما في كتاب الله وصحيح السنة من الدعاء، ويدع ما سواه، ولا يقول: أختار كذا، فإن الله تعالى قد اختار لنبيه وأوليائه وعلمهم كيف يدعون"

(3)

.

وقال أيضًا عند تعداده لأوجه الاعتداء في الدعاء: "ومنها: أن يدعو بما ليس في الكتاب العزيز ولا في السنّة فيتخير ألفاظًا مفقّرة، وكلمات مسجعة، وقد وجدها في كراريس لهؤلاء لا أصل لها ولا معول عليها فيجعلها شعاره، ويترك ما دعا به رسوله صلى الله عليه وسلم وكل هذا يمنع من استجابة الدعاء"

(4)

.

والقرطبي في هذا الكلام يشير إلى الأحزاب المجموعة التي يلتزم بها أصحابها، وأما لو دعا في بعض الأحيان بما يستحضره من حوائجه

(1)

التهاني في التعقب على موضوعات الصغاني للغماري؛ 67.

(2)

الدر المنثور: 4/ 217.

(3)

الجامع لأحكام القرآن: 4/ 231.

(4)

الجامع لأحكام القرآن: 7/ 226.

ص: 589

التي يحتاج إليها من أمور الدنيا والآخرة من دون تقيد بالمأثور فلا حرج فيه، وإنما الممنوع جعلها شعاره وديدنه كأنها السنة.

ومنهم الإمام أبو العباس أحمد بن إدريس القرافي (ت 684 هـ).

فإنه ذكر الأدعية المكفرة والمحرمة التي لا تخرج عن الإسلام ثم قال: "واعلم أن الجهل بما تؤدي إليه هذه الأدعية ليس عذرًا" ثم بيّن أن الله تعالى بعث رسله إلى خلقه ليتعلموا ويعملوا وأن من ترك ذلك فهو عاص وأن الجاهل في العبادات كالعامد.

ثم استدل على ذلك بقول نوح عليه السلام: "إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم" أي بجواز سؤاله: "فاشترط العلم بالجواز قبل الإقدام على الدعاء وهذا يدل على أن الأصل في الدعاء التحريم إلا ما دل الدليل على جوازه" ثم قال: وهذه قاعدة جليلة يتخرج عليها كثير من الفروع الفقهية".

ثم قال محذرًا من الأدعية الباطلة:

"فينبغي للسائل أن يحذر هذه الأدعية وما يجري مجراها حذرًا شديدًا لما تؤدي إليه من سخط الديان، والخلود في النيران، وحبوط الأعمال وانفساخ الأنكحة، واستباحة الأرواح والأموال، وهذا فساد كله يتحصل بدعاء واحد من هذه الأدعية، ولا يرجع إلى الإسلام، ولا ترتفع أكثر هذه المفاسد إلا بتجديد الإسلام والنطق بالشهادتين، فإن مات على ذلك كان أمره كما ذكرنا نسأل الله العافية من موجبات عقابه"

(1)

.

فقد بيّن القرافي رحمه الله مخاطر الأدعية المبتدعة وأنها تؤدي إلى فساد عظيم في الدين وأنها ربما تخرج عن الإسلام والعياذ بالله.

ومنهم الإمام شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيمية (ت 728 هـ)

فإنه قال: "وينبغي للخلق أن يدعوا بالأدعية الشرعية التي جاء بها الكتاب والسنّة فإنه لا ريب في فضله وحسنه وأنه الصراط المستقيم صراط الذين

(1)

الفروق: 4/ 264 - 265.

ص: 590

أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا"

(1)

.

ونكتفي بهذا القدر من أقوال أهل العلم في التحذير من الأدعية المبتدعة.

مناقشة الحنفية في قولهم بأفضلية غير المأثور خارج الصلاة:

وهذه الأحاديث والآثار الماضية تدل على أفضلية الالتزام بالأدعية المأثورة وأن الابتداع فيها مذموم جدًا، وهذه الدلالة واضحة جدًا لكن بعض علماء الحنفية ذهبوا إلى أن غير المأثور أفضل، وعللوا ذلك بأن حفظ الأدعية وتكرارها يذهب برقة القلب، ولكنهم قالوا لا يجوز في الصلاة الدعاء إلا بما ورد في القرآن أو السنة، وأما إذا دعا بغير ذلك فتفسد صلاته

(2)

.

وهذا القول الذي ذهب إليه الحنفية في الصلاة ترده الأحاديث الكثيرة الدالة على جواز الدعاء في الصلاة بما يتخيره الداعي كما في حديث ابن مسعود في التشهد المشهور، وفيه:"ثم ليتخير من الدعاء ما شاء"

(3)

وقوله صلى الله عليه وسلم: "وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء"

(4)

ولم يقيد الدعاء بشيء

(5)

.

(1)

قاعدة التوسل ص: 146، وضمن الفتاوى: 1/ 346.

(2)

الأصل للشيباني: 1/ 202، والفتاوى الهندية: 5/ 218، وحاشية ابن عابدين: 1/ 523 - 524، والبزازية: 4/ 41، وفتح القدير: 1/ 225، والمنتقي للباجي: 1/ 361، والفتاوى: 20/ 366، والمبسوط: 4/ 9 وفي بعض هذه المصادر زيادة وهي أنه يجوز طلب ما يستحيل طلبه من غير الله ومثلوا له بنحو اغفر لعمي أو ارزقني الحج وأصلح أمري والعن الظالمين بخلاف نحو اكسني ثوبًا أو اقضِ ديوني فهذه تبطل الصلاة. ثم إن عدم الدعاء بغير المأثور في الصلاة روي عن الإمام أحمد أيضًا كما في شرح المهذب: 2/ 416، والمغني: 1/ 547 - 550.

(3)

البخاري: 2/ 32132 رقم 835.

(4)

تقدم تخريجه ص: 220.

(5)

انظر شرح المهذب: 3/ 416.

ص: 591

وأما قولهم: إن الأفضل في غير الصلاة الدعاء بغير المأثور فقول مرجوح وتعليلهم بأنه يذهب الرقة يعترض عليه بأمور منها:

1 -

إن الفاتحة وغيرها مثل التشهد ونحوه تتكرر كل يوم فعلى هذا نترك هذه الأذكار ونأتي بغيرها، ولا يقول بهذا مسلم.

2 -

ثم إن بعض الأدعية المأثورة ورد تقييدها بأوقات معينة تتكرر كل وقت كأدعية النوم واليقظة والصباح والمساء فهل نتركها ونأتي بأدعية جديدة؟

3 -

إن المفاسد التي في الدعاء غير المأثور أرجح من هذه المفسدة الواحدة المحتملة التي في المأثور فمراعاة دفع المفاسد المحققة أولى من مراعاة مفسدة واحدة محتملة، وسنذكر بعض تلك المفاسد المحققة التي في الدعاء غير المأثور.

4 -

إن ما في الدعاء المأثور من الأسرار والحكم يذهب بهذه المفسدة المحتملة ويجعلها لا قيمة لها.

5 -

ثم إن الغالب في الدعاء حضور القلب وتوجهه كما تقدم

(1)

فلا ترد هذه المفسدة من الأصل.

‌المطلب الثالث: في آثار الأدعية المبتدعة ونتائجها السيئة:

إن الأدعية المبتدعة لها آثارها السيئة على عقيدة المسلم وأعماله التعبدية، وتلك الآثار الخطيرة كثيرة نوجزها فيما يأتي إن شاء الله تعالى.

1 -

إن الأدعية المبتدعة لا تفي بالغرض المطلوب من العبادات من تزكية النفوس، وتطهيرها من الرعونات، وتقريبها إلى باريها وتعليقها بربها رجاء ورغبة ورهبة، فهي لا تشفي عليلًا ولا تروي غليلًا ولا تهدي سبيلًا.

وأما الأدعية المشروعة فهي الدواء الناجع والبلسم الشافي للأدواء النفسية والأمراض القلبية والأهواء الشيطانية، فهي تحبب إلى النفوس

(1)

تقدم ص: 296.

ص: 592

الطيبة مناجاة خالقها والتملق له والتضرع إليه والتذلل له والانطراح بين يديه، فهي تجبر القلوب المنكسرة، وتشفي النفوس العليلة ولا تحيط العبارة بما يجد الداعي الملتزم بالدعاء المشروع من لذة المناجاة وحلاوة الضراعة بين يدي الرؤوف الودود ذي العرش الكريم، إذ في ألفاظ الأدعية المشروعة ما يأخذ بالألباب ويجذبها إلى باريها ويوصلها إلى محبة الله تعالى والتعلق به خوفًا ورجاءً، فمن يستبدلها بالأدعية المبتدعة فقد استبدل الخبيث بالطيب واستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير وترك النصيب الأوفى والحظ الأوفر.

2 -

إن الأدعية المبتدعة تفوت العبد الأجر العظيم والثواب الجزيل الذي يحصل لمن التزم بالأدعية الواردة وحافظ عليها وطبقها حسب ورودها ليل نهار، فهذا الداعي قد حاز السبق وتعرض لنفحات الرب واستفتح أبواب الرحمة وتعرض لفضل جود الرب بأقرب وسيلة، بخلاف الداعي المبتدع فقد فوت على نفسه الأجر والثواب، وتعرض لسخط الله وغضبه وابتدع في دين الله ما لم يشرعه فهو على خطر.

3 -

عدم إجابة الأدعية المبتدعة مع أن الهدف الأساسي للداعي في الغالب هو إجابة مطلوبه ونيل مرغوبه ودفع مرهوبه، والأدعية المبتدعة لا يجاب الداعي بها في الغالب وإن كان قد يجاب المضطر لأسباب سيأتي ذكرها

(1)

.

فالعاقل يجتهد في الالتزام والتقيد بالأسباب التي تسرع في إجابة دعائه كما يجتهد في الابتعاد عما يسبب له عدم الإجابة، وقد دلت الأدلة على أن المبتدع لا يقبل الله منه عمله

(2)

، والدعاء هو من العمل الذي

(1)

سيأتي ص: 814.

(2)

من ذلك حديث: كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد، ومن ذلك أيضًا حديث علي مرفوعًا: "من أحدث فيها حدثًا فعليه لعنة الله

" وفيه: "لا يقبل منه صرفًا ولا عدلًا" البخاري: 4/ 81 رقم 1867 وحديث الخوارج تحقرون صلاتهم إلخ .. ومن ذلك أيضًا أثر الحسن البصري "صاحب البدعة لا تقبل له صلاة

" إلخ. أخرجه ابن وضاح: 27، والآجري في الشريعة: 94، ونحوه عن الأوزاعي =

ص: 593

يرجو الداعي قبوله، فإذا كان لا يقبل منه هذا الدعاء الذي ابتدع فيه فلماذا يسعى هذا الداعي المبتدع فيما يحبط عمله ويمنعه من الوصول إلى إجابة مطلوبه؟ كما أنه يحتمل أن لا يقبل له جميع أعماله، فعلى هذا يكون أثر الابتداع أشد حيث تسبب له في رد جميع الأعمال

(1)

.

4 -

إن الأدعية المبتدعة تشتمل في الغالب على محذور شرعي وقد يكون ذلك المحذور وسيلة من وسائل الشرك وذرائعه، إذ البدعة تجر إلى الشرك والضلال، فمن الأدعية البدعية التي تجر إلى الشرك، التوسل البدعي فهو الذي فتح الباب لدعاء غير الله والاستغاثة والاستمداد بغير الله إذ لولا اعتماد الجهال عليه لما حصل ما حصل، وقد يكون ذلك المحذور اعتداء في الدعاء ومجاوزة للحد وسوء أدب في خطاب الرب ومناجاته، وقد يكون ذلك المحذور ما يصحب تلك الأدعية من بدع أخرى من تحديدها بأوقات معينة وبصفات خاصة ومن رفع الأصوات على نغمات معينة وإيقاعات خاصة وأسجاع مصطنعة وتراكيب ركيكة تمجها الأسماع وتستقبحها القريحة السليمة.

والأدعية المبتدعة لا تخلو في الغالب من الاشتمال على بعض هذه الأمور فهي لا بد أن توقع في المحاذير والمفاسد التي لا ينجو منها إلّا من التزم بالأدعية الصحيحة واعتنى بها حفظًا وتطبيقًا ونشرًا، جعلنا الله تعالى منهم بفضله وكرمه.

قال الخطابي رحمه الله: "أولى ما يدعى به ويستعمل منه ما صحت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثبت عنه بالأسانيد الصحيحة، فإن الغلط يعرض كثيرًا في الأدعية التي يختارها الناس، لاختلاف معارفهم وتباين مذاهبهم في الاعتقاد والانتحال، وباب الدعاء مطية مظنة للخطر، وما

= وهشام بن حسان وأيوب السختياني أخرجها عنهم ابن وضاح في ص: 4 و 27، ورواه أسد بن الفرات مرسلًا كما أخرجه ابن وضاح ص:7.

(1)

انظر هذا الموضوع في الاعتصام: 1/ 107 - 112.

ص: 594

تحت قدم الداعي دحض فليحذر فيه الزلل وليسلك منه الجدد الذي يؤمن معه العثار، وما التوفيق إلا بالله عز وجل"

(1)

.

فرحم الله الخطابي فماذا يقول لو رأى ما وصل إليه المسلمون في باب الدعاء من تجاوزات خطيرة وصلت إلى حد دعاء غير الله تعالى والاستغاثة به حتى صار ذلك أمرًا معروفًا إذا أنكر قامت القيامة واتهم المنكر بأنواع التهم من الشذوذ والتطرف والمذهب الخامس وبغض الصالحين وتنقصهم وغير ذلك؟!

وقال الغزالي: "والأولى أن لا يجاوز الدعوات المأثورة فإنه قد يعتدي في دعائه فيسأل ما لا تقتضيه مصلحته، فما كل أحد يحسن الدعاء"

(2)

.

5 -

إن الأدعية المبتدعة من التزم بها واعتادها قلما يرجع عنها إلى الأدعية المشروعة إلَّا في بعض الأحيان التي يوفق الله فيها من يشاء وذلك لأن القلوب متى اشتغلت بالبدع أعرضت عن السنن

(3)

، وذلك لأن الملتزم بتلك الأدعية المبتدعة يعتقدها مشروعة ويدافع عنها بكل قواه كل من ينكر عليه، ولا يستمع إلى حجة ولا برهان، ولا يفكر في حجة المنكر ولا يجري في خلده احتمال كونها غير مشروعة جريًا على عادته ومألوفه وتحسينًا للظن بالذين ابتدعوها.

وقد ذكر السلف الصالح رضوان الله عليهم أن صاحب البدعة لا يراجع السنة الصحيحة ولا يعود إليها

(4)

ويؤيد ما ورد عن السلف ما جاء في حديث الخوارج.

"يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية ثم لا يعودون

(1)

شأن الدعاء للخطابي: 2 - 3.

(2)

الإحياء: 1/ 363، وعنه في الأذكار:353.

(3)

اقتضاء الصراط: 383.

(4)

فقد ذكر ذلك الدارمي عن ابن سيرين: 1/ 61 رقم 214، وذكره ابن وضاح عن أبي عمرو الشيباني ص:54.

ص: 595

فيه"

(1)

، ثم إذا كان هذا الداعي هو المبتدع لها بداية يكون عليه الإثم الزائد بحسب من يتبعه.

قال الإمام الشاطبي رحمه الله: "وإذا ثبت أن كل بدعة تبتدع فلا تزاد على طول الزمان إلا مضيًا واشتهارًا وانتشارًا فعلى وزان ذلك يكون إثم المبتدع لها، كما أن من سنّ سنّة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة"

(2)

.

6 -

إن استعمال الأدعية البدعية وترك الأدعية المشروعة من باب استبدال الطيب بالخبيث والنافع بالضار والخير بالشر وهو غبن فاحش، وتهور ظاهر وفي ذلك إماتة للسنن وإحياء للبدع، وهذا تحريف للشريعة الغراء، ولكن مع الأسف الشديد هذا هو واقع المسلمين المرير، فقد تغيرت عندهم المفاهيم الإسلامية "فجعلوا التوحيد شركًا، والشرك توحيدًا، وجاهدوا في إحياء البدع وإماتة السنن، وضاربوا بالأحزاب والأوراد والتوسلات الكتاب والسنّة، فترى الأميين منهم يحفظون الاستغاثات والمنظومات والميمة والمنبهجة وكثيرًا مما يسمونه التخمير ومع ذلك إذا قاموا إلى الصلاة وقرأوا قصار السور حرفوا وقرأوا بلغتهم العامية"

(3)

.

وهؤلاء الذين أماتوا السنن وأحيوا البدع عليهم إثم آخر غير إثم الابتداع وذلك الإثم يتضاعف تضاعف إثم البدعة بالعمل بها لأنها كلما تجدد العمل بالبدعة تجددت إماتة السنة

(4)

.

ونضرب مثالين ظاهرين استبدلوا فيهما بالدعاء المشروع دعاء مبتدعًا:

(1)

أخرجه مسلم بهذا اللفظ من حديث أبي ذر رضي الله عنه: 2/ 750 رقم 1067.

(2)

الاعتصام: 1/ 122.

(3)

السنن والمبتدعات: 191.

(4)

الاعتصام: 1/ 122.

ص: 596

أ - استبدلوا دعاء الاستخارة المشروع وصلاتها بأشياء مبتدعة، منها ما هو شرك:

1 -

وذلك كالذهاب إلى الكهنة والرمالين والسحرة.

2 -

ومنهم من استبدلها بالاستخارة بالسبحة والهمهمة عليها وعدها عددًا معينًا قائلين: "الله، محمد، علي، أبو جهل"

(1)

.

3 -

والبعض ممن يصليها زاد في كيفية الدعاء المشروع وهو أنه ينوي قبل النوم بعد الدعاء نية حادثة، وهي قولهم:"اللهم إن كان هذا الأمر خيرًا لي فأرني في منامي بياضًا أو خضرة أو ماءً جاريًا، وإن كان شرًا فأرني في منامي سوادًا أو دخانًا أو حمرة"

(2)

.

3 -

ومنهم من يفتح مصحفًا أينما اتفق ويقرأ أي آية يقع النظر عليها أو سطرًا معينًا

(3)

.

ب - استبدالهم صلاة الاستسقاء ودعاءه والخروج لها إلى ظاهر البلد بالذهاب إلى قبة الشيخ ودعائه، أو الدعاء هناك، قال النعمي رحمه الله: "فإن العامة في كثير من حالاتهم وتقلبهم قد أبدلوا معالم الشرع بسواها

فجعلوا الذهاب إلى قبة الشيخ والتضرع له والإلحاح عليه عوضًا عن الخروج إلى ظاهر البلد للاستسقاء، والإنابة إلى الله في كشف تلك النازلة"

(4)

.

7 -

ومما يؤكد هذا الذي سبق هو أنه كان للعرب قبل الإسلام أدعية وتحايا كثيرة تحمل تفاؤلات جمة وتمنيات عامة، وأصلها الدعاء بالخير والحب ثم جاء الإسلام فأبدل تلك التحايا بأنواع الأدعية المقرونة باسم الله تعالى

(5)

والتي فيها طلب البركة والخير العميم، فمن ترك تلك

(1)

السنن والمبتدعات.

(2)

الإسلام وتقاليد الجاهلية: 62.

(3)

انظر شرح الفقه الأكبر للقاري: 221.

(4)

معارج الألباب: 170، وذكر الألوسي نحوه في غاية الأماني: 1/ 86.

(5)

الإسلام وتقاليد الجاهلية: 148.

ص: 597

الأدعية النبوية المباركة واستبدلها بأدعية مخترعة فقد تشبه بأولئك الجاهلين، كما أنه تشبه بأهل الكتاب في اختراعهم للأدعية المخالفة لما جاءت به رسلهم، فما أشبه أوراد الصوفية وأحزابهم بتراتيل أهل الكتاب لأدعيتهم في النغمات والإيقاعات والتمايلات وغير ذلك

(1)

.

8 -

إن الذي يلازم الأدعية المبتدعة المخترعة لاسيما التي هي مؤلفة من أحزاب وأوراد يكون في الغالب جاهلًا لمعناها وتنصرف همته إلى ألفاظها وإلى سردها سردًا بدون تدبر مع أن المطلوب في الدعاء إحضار القلب والإخلاص في السؤال، وهذا الداعي بمثل هذه الأدعية غير سائل بل هو حاك لكلام غيره ثم إن اختياره ذلك الدعاء على غيره من الأدعية لأجل الذي نظمه وإعجابه به

(2)

ففي ذلك تقديس لهذا الذي جمعها ورفع له فوق منزلته من حيث يعتقد الداعي أن لأدعيته خاصية لا توجد في غيرها، وإلا لما داوم عليها ليل نهار بل يصرح أتباع الطرق الصوفية بأن ورد شيخهم وحزبه أفضل من حزب وورد الشيخ الفلاني، بل منهم من يفضله على القرآن مرات كما وقع للتيجانيين وسيأتي نقل ذلك عنهم

(3)

.

‌المطلب الرابع: في أسباب انتشار الأدعية المبتدعة:

تمهيد:

لقد تكلمت فيما سبق

(4)

عن الأسباب التي أدت إلى انتشار الأدعية الشركية وفي هذا المطلب أشير إلى نبذة يسيرة عن الأسباب التي تؤدي إلى الابتداع في الدين عمومًا معتنيًا ببيان الأسباب المباشرة لانتشار الأدعية المبتدعة خصوصًا، ومما ينبغي أن يعلم أن الأسباب التي ذكرت لانتشار

(1)

انظر المنار: 2/ 73.

(2)

انظر إتحاف السادة المتقين: 5/ 44، والمنهاج للحليمي: 1/ 528.

(3)

يأتي ص: 658، 663.

(4)

سبق ص: 438 - 479.

ص: 598

الأدعية الشركية هي أيضًا أسباب لانتشار الأدعية البدعية، وإنما لم أكتف بذلك لأنه قد نص بعض العلماء على ذلك في موضوع البدعة فاحتاج الأمر إلى بيان ذلك، ثم هناك بعض الجوانب التي تخص موضوع البدعة.

أسباب انتشار الأدعية المبتدعة:

1 -

الجهل بالكتاب والسنة، فقد ضعف لدى بعض المسلمين الاعتصام بالكتاب والسنّة والتمسك الصحيح بالعمل بما فيهما من غير زيادة ولا نقصان فلم يعتنوا العناية اللائقة بالتطبيق الصحيح للعبادات فأدى ذلك إلى جهل المشروع، فكثرت البدع والحوادث، فمن ذلك جَهْلُ كثيرٍ من المسلمين الأدعية الصحيحة ومكانتها العظيمة من الثواب العظيم والأجر الجزيل، مع وجازتها مع الفصاحة والبلاغة واشتمالها على أهم ما يطلب من خيري الدنيا والآخرة، ومع خلوها من التراكيب الفاسدة والاعتداء في الدعاء بل هي في غاية الأدب في خطاب الله تعالى ومناجاته والتضرع إليه والابتهال لديه لقد أدى جهل هذا إلى عدم الاعتناء بها حفظًا واستعمالًا ونشرًا وتعليمًا فتساهل الناس فيها شيئًا فشيئًا حتى جهلوها، فانتشرت في أوساطهم الأدعية المبتدعة المخترعة التي يروج لها أصحابها من المتصوفة ومن على شاكلتهم فانتشرت الأحزاب والأوراد المقيدة بعدد الأيام والأسابيع والشهور وانتشر التوسل المبتدع وغير ذلك من أنواع الأدعية المبتدعة.

2 -

الثاني: الإعراض عن الأدعية المشروعة التي هي كثيرة جدًا ووافية لحاجات ومتطلبات الرجل المسلم لأنها عامة لأوقاته ليل نهار وللعوارض التي تعرض له من مرض وفرح وسرور وهم وغم ولجميع المناسبات التي تحصل للإنسان، ولكن الشيطان يحبب إلى القلوب الأدعية المبتدعة فتعرض عن المشروعة.

فقد ذكر شيخ الإسلام أن سبب اشتغال قلوب بعض الناس بأنواع من العبادات المبتدعة من الأدعية وغيرها إعراضهم عن المشروع أو بعضه

ص: 599

بقلوبهم حتى ولو قاموا بصورة المشروع مع هجر الحقيقة المقصودة منه "وإلَّا فمن أقبل على الصلوات الخمس بوجهه وقلبه عارفًا بما اشتملت عليه من الكلم الطيب والعمل الصالح واهتم بها كل الاهتمام أغنته عن كل ما يتوهم فيه خير من جنسها"

ومن اعتاد الدعاء المشروع في أوقاته كالأسحار وأدبار الصلوات والسجود ونحو ذلك، أغناه عن كل دعاء مبتدع في ذاته أو في بعض صفاته، فعلى العاقل أن يجتهد في اتباع السنّة في كل شيء من ذلك ويعتاض عن كل ما يظن من البدع أنه خير بنوعه من السنن فإنه من يتحرى الخير يعطه ومن يتوقى الشر يوقه

(1)

.

3 -

الأحاديث الضعيفة والموضوعة والحكايات والمنامات:

فقد يرد حديث ضعيف أو موضوع، أو تروى حكاية أو رؤية في دعاء مخصوص فيخفى ضعف تلك الأحاديث والحكايات على بعض أهل العلم ويظنها صحيحة فيعمل بها ويتقرب إلى الله تعالى بها ثم يقلده أتباعه في ذلك فتصير سنة متبعة

(2)

فإذا أنكر ذلك أحد احتج بذلك العالم وبما احتج به من الأحاديث الضعيفة وأنها لو لم تكن صحيحة لما عمل بها ومن هذا الباب انتشار الأدعية التي فيها التوسل المبتدع لاعتماد من أجازه على مثل هذه الحجة الضعيفة.

فمن أسباب انتشار التوسل المبتدع: اعتمادهم على الأدلة الضعيفة كما أنهم أعرضوا وانحرفوا عن الأصول الواضحة

(3)

التي تدل على منع الدعاء بغير أسماء الله وصفاته.

ومن هذا الباب ما يضعه بعضهم من الثواب العظيم والأجر الجزيل للدعاء المبتدع فيغتر به الجاهل ويحسن الظن بذلك الأجر العظيم، ولا

(1)

اقتضاء الصراط ص: 384، وانظر إغاثة اللهفان: 1/ 166، وانظر نحوه في الفتاوى: 19/ 274.

(2)

الأجوبة النافعة للألباني: 63، وانظر الاعتصام: 1/ 260 - 264.

(3)

انظر الاعتصام: 1/ 239، و 224.

ص: 600

يخفى ما يتسبب من تحبيذ الصوفية لأدعية وأحزاب مشايخهم وأورادهم وما اخترعوه لها من الفضائل والخصائص، حتى صارت عند العوام بل بعض الفقهاء هي المقدمة على الأدعية الصحيحة بل على القرآن لدى البعض كما وقع لدى التيجانيين مع صلاة الفاتح وجوهرة الكمال وسيأتي ذلك

(1)

. وهؤلاء الذين يضعون الأحاديث والحكايات للأدعية المبتدعة على أصناف: فمنهم الملاحدة الباطنية الذين يريدون أن يشغلوا المسلمين عن أدعية الكتاب والسنة بأدعية مبتدعة مخترعة يشغلونهم بها، فمقصودهم إفساد الدين الإسلامي بإدخال البدع فيه

(2)

.

ومنهم من يبتدع طلباً للمال والاسترزاق أو طلباً للشهرة فقد ورد في الأثر ما يؤيد هذا وهو ما روي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه ستأتي فتن سيكثر فيها انتشار القرآن فيقرأه المؤمن والمنافق، فيقول الرجل من هؤلاء القراء:"ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن؟ ما هم بمتبعي حتى ابتدع لهم غيره" فيتخذ مسجداً ويبتدع كلاماً ليس من كتاب الله ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم

(3)

.

وهذا الأثر -وإن روي موقوفاً على معاذ- لكن له حكم الرفع لأنَّه من الإخبار بالغيب مما ليس للرأي فيه مجال، ومثله ما روي عن شاب كان في بني إسرائيل فابتدع طلباً للمال والشرف

(4)

ومنهم من يضع تلك الأدعية ظناً أنها تقوي الدين وتحببه إلى العامة قال بعضهم: "وإن كثيراً من البدع في العقائد والأحكام قد دخلت على المسلمين بتساهل رؤساء

(1)

يأتي ص: 658، 663.

(2)

انظر الاعتصام: 18/ 252 - 258، والسنن والمبتدعات: 225، والتحفة السنية:52.

(3)

أخرجه أبو داود: 5/ 17 رقم 4611، وابن وضاح ص: 25، 26، والآجري في الشريعة: 47 - 48، واللالكائي: 1/ 89 ورجاله ثقات.

(4)

انظر ابن وضاح ص: 28، رواه عن الحسن البصري وخالد الريفي من قولهما، ومثل هذا يستأنس به.

ص: 601

الدين وتوهمهم أنها تقوي أصل العقيدة، وتخضع العامة لسلطان الدين أو لسلطانهم المستند إلى الله"

(1)

.

4 -

صعوبة الكتب التي ألفت في الأدعية الصحيحة على العوام إما لأنها طويلة مسوقة بأساليب عالية عن فهم غير المتخصص، أو لأنها اختلط فيها الصحيح بالضعيف فلا يستطيع الإنسان العادي التمييز بينهما، كما أن بعضها مقتصر على بعض أنواع الأدعية ولا يفي المتعطش بكل رغباته

(2)

فيقتصر العامي على كتب الأدعية المبتدعة المنتشرة والتي هي سهلة عليه ومرتبة على وجه جذاب يأخذ بألباب العوام وأوقاتهم فيميلون إليها فتنتشر بينهم حتى تكون هي الغالبة دون الأدعية المشروعة.

5 -

تحريف الأدلة الواردة في الأدعية الصحيحة عن مواضعها، وذلك بأن يَرِدَ دليل صحيح من الكتاب والسنة بالندب إلى دعاء مَّا مطلقاً فإذا أتى به المكلف في الجملة من غير تقييد كان إتيانه على السنة ويعضده الدليل وأما إن أتى المكلف في ذلك بكيفية مخصوصة أو زمان مخصوص أو مكان مخصوص أو مقارناً لعبادة مخصوصة، والتزم ذلك بحيث صار متخيلاً أن الكيفية أو الزمان أو المكان مقصود شرعاً من غير أن يدل الدليل عليه كان الدليل بمعزل عن ذلك المعنى المستدل عليه، فعلى هذا إذا ندب الشارع إلى الذكر والدعاء مطلقاً ولكن المبتدع قيده بأوقات مخصوصة على صفة مخصوصة وذلك كالدعاء الجماعي بعد الصلوات المفروضة يكون ذلك ابتداعاً فهو حصل بسبب تحريف الدعاء الوارد الصحيح عن مناطه إلى مناط آخر موهماً أن المناطين واحد

(3)

.

6 -

تأثر بعض المسلمين بأهل الكتاب الذين حرفوا دينهم وأحدثوا في دينهم البدع، ومن تلك البدع التي أحدثوها في دينهم قراءتهم

(1)

تفسير المنار: 2/ 73.

(2)

الأوراد المأثورة ص: 5.

(3)

الاعتصام: 1/ 249 - 250.

ص: 602

وتراتيلهم لكتبهم ولأدعيتهم بأصوات ونغمات تشبه أصوات المتصوفة الذين يجتمعون لقراءة الأدعية والأحزاب والأوراد المبتدعة، فبين الطائفتين شبه قوي، وتَأثُّرُ إحداهما بالأخرى ظاهرٌ، قال بعضهم واصفاً لما رآه في إحدى الكنائس:"ولقد دخلت كنيسة "بيت لحم" فسمعت هناك أصواتاً خيّل إليّ أنها أصوات طائفة من أهل الطريق يقرؤون حزب البر مثلاً، ثم علمت أنهم قسيسون، فهذه البدع قد سرت إلينا منهم كما سرت إليهم من الوثنيين استحساناً منهم ما استحسنوه من أولئك توهماً أنه يفيد الدين أبهة وفخامة ويزيد الناس به استمساكاً"

(1)

.

هذه بعض الأسباب التي أدت إلى انتشار الأدعية المبتدعة على الصورة التي نراها ونكتفي بهذا القدر في ذلك، وندخل في ذكر أنواع الأدعية المبتدعة.

(1)

المنار: 2/ 73، وانظر أيضاً: 10/ 328 حيث ذكر الشيخ رشيد رضا أنه لم يجد سبباً لعناية العوام بالأحزاب المبتدعة إلا الغلو في تعظيم الرؤساء ومضاهاة أهل الكتاب حيث أنه لا فرق بين أوراد الصوفية وأوراد وأحزاب النصارى.

ص: 603

‌المبحث الثاني

في أنواع الأدعية المبتدعة

ويحتوي على أربعة أنواع:

1 -

النوع الأول: الدعاء عند الأضرحة والقباب.

2 -

النوع الثاني: التوسل بالذوات.

3 -

النوع الثالث: الأدعية والأوراد الراتبة.

4 -

النوع الرابع: الأدعية الجماعية.

‌النوع الأول: الدعاء عند الأضرحة والقباب:

النوع الأول من الأدعية المبتدعة: دعاء الله تعالى عند الأضرحة والقباب.

ومن المعلوم أن الدعاء من أهم العبادات شرعه الله تعالى لعباده ووعد بالإجابة عليه تفضلاً وتكرماً.

وقد شرع الله له آداباً، منها الأمكنة الفاضلة والأزمنة الفاضلة جعلها أقرب في الإجابة من غيرها، كما رغب في الدعاء مطلقاً بدون تقييد بزمان أو مكان.

ولكن الشيطان زيّن لبعض الناس أن يستبدلوا هذا المشروع الطيب بالمبتدع الخبيث، إذ استبدلوا الدعاء في المساجد والأسحار والسجود،

ص: 604

بالدعاء عند الأضرحة والقباب والشبابيك، وظنوا أن الدعاء عند الأضرحة أَجْوَبُ منه في المساجد والبيوت، بل تجاوزوا ذلك إلى دعاء صاحب الضريح وندائه والاستغاثة به، واستبدلوا الزيارة الشرعية التي للدعاء للميت والاستغفار له بالزيارة البدعية التي للدعاء عنده أو الإقسام به أو التوسل به، بل ربما لدعائه وطلب الحوائج منه، فاقتضى هذا الصنيع منهم يبين أن يبين الحكم الشرعي في ذلك والأدلة الدالة على منعه وبالله التوفيق.

هذا ونلخص البحث في هذا في أمرين:

1 -

الأدلة على كون الدعاء عند الأضرحة بدعة.

2 -

حكم الدعاء عند الأضرحة.

‌الأدلة على كون الدعاء عند الأضرحة بدعة:

1 -

إن الدعاء عبادة عظيمة من أهم العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف؛ لأن دين الإسلام مبني على أصلين عظيمين

(1)

:

1 -

أحدهما: أن لا نعبد إلا الله، وهو معنى شهادة أن لا إله إلا الله.

2 -

وثانيهما: أن لا نعبد الله إلا بما شرع لا بالحوادث والبدع، وهو معنى شهادة أن محمد رسول الله.

فالعبادة لا تصح ولا تقبل إلا بشرطين أساسيين: الإخلاص لله، وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

فثبت بهذا أن مبنى العبادة على التوقيف، ومن أهمها الدعاء، فلو كان الدعاء عند الأضرحة يتعبد به الله تعالى لشرعه الله ورسوله ولفعله السلف الصالح، فلم يرد في الكتاب والسنة ما يدل على مشروعية تحري

(1)

انظر عن هذين الأصلين: منهاج السنة: 1/ 481 و 25/ 448، والرد على البكري: 52، وقاعدة في التوسل: 41، 123 - 124، 158، والعبودية: 170، واقتضاء الصراط: 451 - 452، والتدمرية:63.

ص: 605

الدعاء عند القبر، مع كثرة ما ورد في باب الأدعية، وكثرة مصنفات السلف فيها التي ذكروا فيها آدابها ومواقيتها وأماكنها وغير ذلك ولم نجد أحداً منهم قال بمشروعية التحري للدعاء عند القبر.

فدل هذا على أنه لم يرد في الشرع ولم يفعله السلف الصالح فثبت أنه بدعة إذ لو كان خيراً لسبقونا إليه وهم أحرص الناس على الخير.

وهذه المسألة بيانها يتوقف على معرفة قاعدة أصولية مهمة وهي أن "الترك الراتب سنة، كما أن الفعل الراتب سنة، بخلاف ما كان تركه لعدم مقتض، أو فوات شرط، أو وجود مانع، وحدث بعده صلى الله عليه وسلم من المقتضيات والشروط وزوال المانع ما دلت الشريعة على فعله حينئذ كجمع القرآن في مصحف، وجمع الناس في التراويح على إمام واحد، وتعلم العربية

بما يحتاج إليه في الدين بحيث لا تتم الواجبات أو المستحبات الشرعية إلا به، وإنما تركه صلى الله عليه وسلم لفوات شرطه، أو وجود مانع، فأما ما تركه من جنس العبادات -مع أنه لو كان مشروعاً لفعله أو أذن فيه ولفعله الخلفاء بعده والصحابة- فيجب القطع بأن فعله بدعة وضلالة، ويمتنع القياس في مثله"

(1)

.

هذا ويوضح هذا الدليل السابق الدليل الآتي:

2 -

إن الصحابة رضوان الله عليهم قد وقعوا في مصائب جسيمة ووقائع أليمة ومع هذا لم ينقل عنهم أنهم قصدوا قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبور كبار الصحابة رضوان الله عليهم، بل عملوا المشروع الوارد مثل خروجهم إلى الصحراء في الاستسقاء، وكذلك لم ينقل عن التابعين والأئمة بعدهم أنهم تحروا القبر للدعاء.

(1)

القواعد النورانية: 102، وانظر اقتضاء الصراط: 278 - 282، وإعلام الموقعين: 2/ 370، وانظر هذه القاعدة أيضاً في الاعتصام للشاطبي: 1/ 360 - 365، فقد أوضح هذه القاعدة بذكر الأمثلة لها وشرحها شرحاً وافياً كما شرحها في كتابه الآخر: الموافقات في أصول الشريعة: 3/ 71 - 77.

ص: 606

ويدل على أنهم لم يفعلوا ذلك عدم النقل عنهم إذ لو فعلوا لنقل عنهم كما نقل عملهم المشروع.

لأن مثله مما تتوافر الدواعي والهمم على نقله بل على نقل ما دونه، وقد قال وارث علم السلف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"وما أحفظ لا عن صحابي ولا عن تابعي ولا عن إمام معروف أنه استحب قصد شيء من القبور للدعاء عنده ولا روى أحد في ذلك شيئاً لا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من الأئمة المعروفين، وقد صنف الناس في الدعاء وأوقاته وأمكنته، وذكروا فيه من الآثار، فما ذكر أحد منهم في فضل الدعاء عند شيء من القبور حرفاً واحداً فيما أعلم"

(1)

.

فإذا ثبت أن الصحابة والتابعين لهم بإحسان لم يكونوا يقصدون القبر للدعاء عنده، يقال لمن يستحسن ذلك: إن الأمر لا يخلو:

1 -

إما أن يكون الدعاء عنده أفضل منه في غير تلك البقعة.

2 -

وإما أن لا يكون أفضل.

فعلى تقدير أنه أفضل يقال له:

لا يجوز أن يخفى علم ذلك على الصحابة والسلف الصالح فتكون القرون الثلاثة المفضلة جاهلة بهذا الفضل، ويعلمه من بعدهم.

وكذلك لا يجوز أن يعلموا ما فيه من الفضل ويزهدوا فيه مع حرصهم على كل خير لا سيما الدعاء، فإن المضطر يتشبث بكل سبب، وإن كان فيه نوع كراهة، فكيف يكونون مضطرين في كثير من الدعاء وهم يعلمون فضل الدعاء عند القبور ثم لا يقصدونه؟ هذا محال طبعاً وشرعاً.

وأما على تقدير أن الدعاء عندها ليس بأفضل، فيقال له:

إن قصد الدعاء عندها مع عدم فضله، ضلالة ومعصية

(2)

لأنها

(1)

اقتضاء الصراط: 368 - 369، وانظر نحوه في: إغاثة اللهفان: 1/ 158.

(2)

اقتضاء الصراط: 340، وإغاثة اللهفان: 1/ 159.

ص: 607

عبادة، فتقييدها وتخصيصها بمكان معين بدون دليل بدعة سيئة وضلال بيّن، وبدعيتها يأتي من هذا التخصيص فهي بدعة إضافية إذ أصل الدعاء مشروع وإنما صار بدعة بسبب تحري المكان وقصده بدون أن يكون هذا التحري مشروعاً. ثم إذا علمنا أن ترك الصحابة والسلف الصالح للدعاء عند القبر حجة على بدعيته نذكر دليلاً آخر وهو سعي الصحابة في منع الدعاء عند القبر واجتهادهم في منع وسائله وذرائعه وهو الدليل الآتي:

3 -

إن الصحابة رضوان الله عليهم: "لما فتحوا أرض الشام والعراق وغيرهما إذا وجدوا قبراً يقصد الدعاء عنده غيبوه"

(1)

وأخفوه.

كما أنهم لما فتحوا بيت المقدس لم يقصدوا قبر الخليل ولا غيره من الأنبياء للدعاء ولا للصلاة، بل إذا رأوا أحداً ينتاب مكاناً معيناً للصلاة ونحوها نهوه وزجروه، ومن ذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا رآهم ينتابون مكاناً يصلون فيه لكونه صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن ذلك ويقول:"هكذا هلك أهل الكتاب اتخذوا آثار أنبيائهم بيعاً، من عرضت له منكم فيها الصلاة فليصل، ومن لم يعرض له منكم فيه الصلاة فلا يصل"

(2)

.

ومن ذلك ما فعل الصحابة بقبر دانيال، فقد روى ابن إسحاق عن أبي خلدة خالد بن دينار قال: حدثنا أبو العالية قال: "لما فتحنا تستر وجدنا في بيت مال الهرمزان سريراً عليه رجل ميت، عند رأسه مصحف له، فأخذنا المصحف، فحملناه إلى عمر بن الخطاب، فدعا له كعباً، فنسخه بالعربية، فأنا أول رجل من العرب قرأه، قرأته مثلما أقرأ القرآن هذا، فقلت لأبي العالية: ما كان فيه؟ فقال: سيرتكم وأموركم، ولحون

(1)

منهاج السنة: 2/ 438، ونحوه في: 1/ 480 - 481، وإغاثة اللهفان: 1/ 158.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة: 2/ 376 - 377، وقال الألباني: وسنده صحيح على شرط الشيخين، تحذير الساجد 137، وأشار إلى صحة إسناده ابن تيمية في قاعدة التوسل:102.

ص: 608

كلامكم، وما هو كائن بعد، قلت: فما صنعتم بالرجل؟ قال: حفرنا بالنهار ثلاثة عشر قبراً متفرقة، فلما كان الليل دفناه، وسوينا القبور كلها، لنعميه على الناس لا ينبشونه، قلت: وما يرجون منه؟ قال: "كانت السماء إذا حبست عليهم، برزوا بسريره فيمطرون، قلت: من كنتم تظنون الرجل؟ قال: رجل يقال له دانيال

"

(1)

.

وهذا الأثر ثابت عن أبي العالية

(2)

رفيع بن مهران الرياحي التابعي الكبير وكان حاضراً للقصة فصح بذلك هذا الفعل من الصحابة رضوان الله عليهم.

قال ابن كثير: وهذا إسناد صحيح إلى أبي العالية

(3)

.

وقد ورد في رواية أخرى أن الذي أمرهم بإخفاء قبره هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد روى ابن أبي شيبة بإسناده عن أنس "أنهم لما فتحوا تستر، قال: فوجد رجلاً أنفه ذراع في التابوت كانوا يستظهرون ويستمطرون به فكتب أبو موسى إلى عمر بن الخطاب بذلك فكتب عمر أن هذا نبي من الأنبياء، والنار لا تأكل الأنبياء والأرض لا تأكل الأنبياء فكتب أن انظر أنت وأصحابك -يعني أصحاب أبي موسى- فادفنوه في مكان لا يعلمه أحد غيركما قال: فذهبت أنا وأبو موسى فدفناه"

(4)

.

وهذا الصنيع من الصحابة رضوان الله عليهم للمحافظة على صفاء العقيدة وحماية الأمة الإسلامية من الشرك ووسائله، وهو دليل على دقة

(1)

سيرة ابن إسحاق، رواية يونس بن بكير ص: 66، والبداية: 2/ 37، وتاريخ الطبري: 4/ 92 - 93، ومنهاج السنة: 12/ 480 و 2/ 438، واقتضاء:339.

(2)

انظر التقريب رقم 1953.

(3)

البداية: 2/ 37.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف: 13/ 28 رقم 15666 عن حماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني، وهو عبد الملك بن حبيب عن أنس به، وهذا إسناد رجاله ثقات، وقال ابن كثير: وعن أنس بن مالك بإسناد جيد فذكر قطعة منه "البداية والنهاية": 2/ 38.

ص: 609

فهم الصحابة لما يفسد العقيدة أو يشوبها بالخلل والنقصان، وأما المتأخرون فلو ظفروا بمثل هذا القبر المنسوب إلى نبي لاحتفلوا به وبنوا عليه قبة مذهبة وطافوا به واعتكفوا حوله ودعوه من دون الله تعالى، وهذا ليس تخميناً بل يصدقه الواقع فكم من قباب وأضرحة شيدت على قبور بسبب حكايات ومنامات وليس لها دليل ولا حجة سوى من يدعي المنام إما حلماً من الشيطان وتلبيساً منه، أو للتأكل والاسترزاق، قال ابن القيم: ولو ظفر به المستأخرون لجالدوا عليه بالسيوف ولعبدوه من دون الله فهم قد اتخذوا من القبور أوثاناً يداني من لا هذا ولا يقاربه"

(1)

.

4 -

إن السلف الصالح رضوان الله عليهم كرهوا تحري الدعاء عند القبر واعتبروه بدعة.

أ - فمن ذلك ما روي عن علي بن الحسين زين العابدين رضي الله عنهما، فإنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو فنهاه فقال:"ألا أحدثكم حديثاً سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله قال: "لا تتخذوا قبري عيداً ولا بيوتكم قبوراً وصلوا علي وسلموا حيثما كنتم فسيبلغني سلامكم وصلاتكم"

(2)

.

ب - ومن ذلك ما روي عن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم: قال سهيل بن أبي سهيل: رآني الحسن بن الحسن بن

(1)

إغاثة اللهفان: 1/ 158.

(2)

أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة ص: 33 رقم 20، وأبو يعلى في مسنده: 1/ 361 رقم 469، وقال الحافظ ابن عبد الهادي في الصارم ص: 295: "قد رواه أبو يعلى والحافظ أبو عبد الله المقدسي في الأحاديث المختارة وهو حديث محفوظ عن علي بن الحسين زين العابدين وله شواهد كثيرة". اهـ. وقال الألباني: "حديث صحيح بطرقه وشواهده""فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ص 34"، وقال الألباني في تحذير الساجد ص: 140 فيه علي بن عمر بن الحسين وهو مستور. اهـ.

وقد علمت من كلام ابن عبد الهادي أنه محفوظ من زين العابدين، كما أن له شواهد منها ما يأتي بعده ويؤيده إخراج المقدسي له في المختارة.

ص: 610

علي بن أبي طالب عند القبر فناداني وهو في بيت فاطمة يتعشى فقال: هلم إلى العشاء، فقلت: لا أريده، فقال: ما لي رأيتك عند القبر؟ فقلت: سلمت على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إذا دخلت المسجد فسلم، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تتخذوا بيتي عيداً ولا تتخذوا بيوتكم قبوراً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم، لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء"

(1)

.

فتبين من هذين الأثرين أن قصد قبر النبي صلى الله عليه وسلم للدعاء عنده من اتخاذه عيداً وذلك أن علي بن الحسين زين العابدين وهو أفضل التابعين من أهل البيت -نهى ذلك الرجل من أن يتحرى الدعاء عند قبره صلى الله عليه وسلم واستدل بالحديث الذي سمعه من أبيه عن جده وهو أعلم بمعناه من غيره، وكذلك ابن عمه حسن بن حسن شيخ أهل بيته -كره أن يقصد القبر للسلام ونحوه، غير دخول المسجد، ورأى أن ذلك من اتخاذه عيداً.

فهذه السنة مخرجها من أهل البيت وأهل المدينة الذين لهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم قرب النسب وقرب الدار؛ لأنهم إلى ذلك أحوج من غيرهم فكانوا لها أضبط

(2)

.

جـ - ومن ذلك ما روي عن مالك رضي الله عنه أنه قال: "لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ولكن يسلم ويمضي"

(3)

.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف: 3/ 345، وإسماعيل القاضي في فضل الصلاة ص: 39 رقم 30، وعبد الرزاق في المصنف: 3/ 577 رقم 6694، وأخرجه سعيد بن منصور كما في اقتضاء الصراط ص: 109، 322، والعقود الدرية ص: 224، والكواكب الدرية ص: 155، هذا ولهذين الأثرين شاهد من حديث أبي هريرة، تقدم تخريجه ص:457.

(2)

اقتضاء الصراط: 324، وإغاثة اللهفان: 1/ 151.

(3)

ذكره عن مالك إسماعيل القاضي في المبسوط، ونقله عنه عياض في الشفا: 2/ 671، وانظر الرد على الأخنائي: 46، 96، 104، والاقتضاء ص: 365، والصارم: 125، والمنتقى للباجي: 1/ 196، والرد على البكري: 281، 231، ومنهاج السنة: 2/ 444.

ص: 611

وقال مالك أيضاً: "ذلك لأن هذا هو المنقول عن ابن عمر أنه كان يقول: "السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبت أو يا أبتاه" ثم ينصرف، ولا يقف يدعو

(1)

فرأى مالك ذلك من البدع"

(2)

.

وقال مالك أيضاً: "لا بأس لمن قدم من سفر أن يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي عليه ويدعو له، ولأبي بكر وعمر، فقيل له: فإن ناساً من أهل المدينة لا يقدمون من سفر ولا يريدونه، يفعلون ذلك في اليوم مرة أو أكثر وربما وقفوا في الجمعة أو في الأيام المرة والمرتين أو أكثر عند القبر فيسلمون، ويدعون ساعة؟ فقال: لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه ببلدنا، وتركه واسع، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك ويكره إلَّا لمن جاء من سفر أو أراده"

(3)

فإذا كان هذا في حق خير خلق الله وأكرمهم على الله وسيد ولد آدم

(4)

فكيف يكون رأي الإمام مالك في قبر غيره؟.

فكلام الإمام مالك هذا يدل على أنه يرى الدعاء عند القبر بدعة

(5)

.

ولا شك في أن ذلك بدعة وضلالة ومخالف للسنة

(6)

.

(1)

أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 166 رقم 68، والقاضي إسماعيل ص: 81 رقم 98 - 101 وهو صحيح عن ابن عمر، انظر تعليق الألباني على فضل الصلاة ص:81.

(2)

الرد على الأخنائي نقلاً عن المبسوط: 104، والصارم:125.

(3)

رواه في المبسوط ونقله عنه في الشفاء: 2/ 676، وانظر الرد على الأخنائي ص: 46، والصارم المنكي ص: 115، والاقتضاء: 366، 367، والمنتقى للباجي: 1/ 296.

(4)

منهاج السنة: 2/ 444.

(5)

الفتاوي: 27/ 110، والرد على البكري:26.

(6)

الفتاوي: 27/ 128.

ص: 612

وهو مما ابتدعه بعض أهل القبلة مضاهاة للنصارى وغيرهم من المشركين فأصله من دين المشركين لا من دين عباد الله المخلصين

(1)

، ويحتمل كلام مالك أنه يريد بالدعاء الذي كرهه هو الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم بصيغة الصلاة أو غيرها مع طول القيام.

وهذا الاحتمال هو الذي فهمه بعض العلماء، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"وأما ما زاد على ذلك مثل الوقوف للدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم مع كثرة الصلاة والسلام عليه فقد كرهه مالك وقال: هو بدعة لم يفعلها السلف ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها"

(2)

.

ومثله ابن عبد الهادي

(3)

.

ويحتمل أن الإمام مالكاً رحمه الله يريد ما يعم كل ذلك من الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم أو الدعاء لنفسه.

وهذا الذي يقتضيه صنيع شيخ الإسلام ابن تيمية فإنه استدل به في كل ذلك

(4)

.

ومما يستفاد من كلام الإمام مالك رحمه الله أنه إذا كان يكره أن يطيل الرجل الوقوف عند قبره صلى الله عليه وسلم للدعاء له أو عنده فكيف بمن لا يقصد لا السلام عليه ولا الدعاء له، وإنما يقصد دعاءه وطلب حوائجه منه، ويرفع صوته عنده، فيؤذي الرسول ويشرك بالله، ويظلم نفسه؟

(5)

.

ولا يخالف هذا الذي سبق عن مالك، ما قاله مالك في رواية ابن وهب:"إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم ودعا يقف ووجهه إلى القبر الشريف لا إلى القبلة ويدنو ويسلم، ولا يمس القبر بيده"

(6)

.

(1)

الفتاوى: 27/ 130.

(2)

الجواب الباهر: 47، والمطبوع مع الفتاوى: 27/ 384، والقاعدة: 1/ 232.

(3)

الصارم: 151 - 152.

(4)

انظر الجواب الباهر: 57 و 58 - 59 و 65.

(5)

الجواب الباهر: 58، والصارم المنكي:152.

(6)

الشفا: 2/ 671، والمنتقى: 1/ 296.

ص: 613

فإن المراد بقوله: "ودعا" هو الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم بلفظ الصلاة ويؤيد هذا سياق الكلام لقوله فيما بعد "ويدنو ويسلم" إلخ. كما يؤيده أن أبا الوليد الباجي

(1)

أنه قال: "وعندي يدعو للنبي صلى الله عليه وسلم بلفظ الصلاة ولأبي بكر لما في حديث ابن عمر من الخلاف"

(2)

، أي يدعو لأبي بكر وعمر بلفظ السلام، لا بلفظ الصلاة. كما يؤيده ما نقله في المبسوط عن مالك أنه قال:"لا بأس لمن قدم من سفر أو خرج إلى سفر أن يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي عليه ويدعو له ولأبي بكر وعمر" وقد تقدم نقله كاملاً قريباً.

كما يؤيد ذلك الجمع بين الروايات عن مالك فلا يكون هناك اختلاف فيما روي عن مالك من كون الدعاء عند القبر بدعة، وكونه جائز

(3)

.

ويحتمل أنه أراد الدعاء اليسير

(4)

الذي يجيء ضمناً وتبعاً، ولكن سياق الحكاية عن مالك لا يؤيد هذا الاحتمال بل يدل على أن مالكاً يرى عدم جواز الدعاء مطلقاً.

5 -

ومما يدل على أن السلف يرون الدعاء عند القبر بدعة أنهم قالوا في الرجل يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يدعو مستقبلًا القبر الشريف، بل عليه إذا أراد الدعاء أن يستقبل القبلة.

هذا هو مذهب الأئمة الأربعة، وغيرهم من أئمة الإسلام قالوا: إن الرجل إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وأراد أن يدعو لنفسه فإنه يستقبل القبلة

(1)

هو سليمان بن خلف بن سعد التجيبي الأندلسي القرطبي حافظ، إمام، علامة (ت 494 هـ) انظر السير: 18/ 535، وتذكرة الحفاظ: 3/ 1178.

(2)

المنتقى: 1/ 296، وعنه في الشفا: 2/ 672، وقاعدة جليلة ضمن الفتاوى: 1/ 231، والرد على الأخنائي ص: 105، والصارم المنكي:126.

(3)

الصارم: 260.

(4)

الرد على الأخنائي ص: 105.

ص: 614

ويدعو في مسجده، ولا يستقبل القبر ويدعو لنفسه.

واختلفوا في وقت السلام عليه فقال الثلاثة -مالك والشافعي وأحمد-: يستقبل الحجرة ويسلم عليه من تلقاء وجهه، وقال أبو حنيفة: لا يستقبل الحجرة وقت السلام كما لا يستقبلها وقت الدعاء باتفاقهم.

ثم في مذهبه قولان: قيل يستدبر الحجرة وقيل يجعلها عن يساره، فهذا نزاعهم في وقت السلام، وأما في وقت الدعاء فلم يتنازعوا في أنه إنما يستقبل القبلة لا الحجرة كما يستقبل القبلة إذا دعا بعرفة والصفا والمروة، وعند الجمرات

(1)

.

وأما ما يروى عن بعض العلماء أنهم ذكروا الدعاء بعد السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فهو إن ثبت محمول على أنهم إنما أرادوا الدعاء اليسير الذي لم يُتَحَرَّ وإنما جاء ضمناً، وسيأتي أن الدعاء اليسير بدون تحر والذي يجيء ضمناً جائز، ويدل على هذا الحمل ألفاظ الأدعية المروية عنهم في ذلك فإنها يسيرة وفي ضمن السلام: فقد روي عن أحمد رحمه الله في منسك المروذي

(2)

أنه قال: "ثم ائت الروضة، وهي ما بين القبر والمنبر فصل فيها وادع بما شئت ثم ائت قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر صيغة السلام والشهادتين والثناء على الرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر الدعاء للرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: "فجزاك الله أفضل ما جزى نبياً عن أمته، ورفع درجتك العليا وتقبل شفاعتك الكبرى، وأعطاك سؤلك في الآخرة والأولى، كما تقبل من إبراهيم" ثم ذكر الدعاء لنفسه بقوله: "اللهم احشرنا في زمرته وتوفنا على

(1)

قاعدة في التوسل ص: 68، أو المطبوعة ضمن الفتاوى: 1/ 352 - 353، 229 - 230، والرد على البكري: 25، ومنهاج السنة: 2/ 444، والرد على الأخنائي: 31، والعقود الدرية: 224، مع تصحيف في النسخة، والكواكب الدرية: 155 - 156، والفتاوى: 27/ 117، 190، والجواب الباهر:17.

(2)

هو أبو بكر أحمد بن محمد بن الحجاج صاحب الإمام أحمد وكان أجلّ أصحابه وأورعهم (ت 275 هـ)، تاريخ بغداد: 4/ 423، والعبر: 1/ 396، والسير: 13/ 173.

ص: 615

سنته، وأوردنا حوضه واسقنا بكأسه مشرباً روياً لا نظمأ بعده أبداً"

(1)

.

فهذا الدعاء للنفس بعد الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم إنما جاء ضمناً ولم يتحر ثم، إنه يسير، ومما يستفاد من ألفاظ الأدعية التي ذكرها الإمام أحمد أنه "لم يذكر أن يطلب منه صلى الله عليه وسلم شيئاً ولا يقرأ عند القبر قوله:{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ} الآية، كما لم يذكر مالك ذلك ولا المتقدمون من جمهور العلماء"

(2)

لأن هذه الأمور مما أحدث بعد القرون المفضلة، "فالسلف كلهم متفقون على أن الزائر لا يسأله شيئاً ولا يطلب منه ما يطلب منه في حياته، ويطلب منه يوم القيامة لا شفاعة، ولا استغفاراً ولا غير ذلك، وإنما نزاعهم في الوقوف للدعاء له والسلام عليه عند الحجرة"

(3)

.

هذا ومما يدل على أن هذا الدعاء اليسير الذي ذكره أحمد لم يتحر فيه أن أحمد رحمه الله قال قبل ذلك: "ثم ائت الروضة

وادع بما شئت" فهذا يدل على أن الروضة هي المكان الذي يتحرى فيه الدعاء فلهذا أطلق الإمام أحمد الدعاء فيها، والزائر للمسجد عليه التحري والاجتهاد للدعاء في الروضة لا عند القبر.

وهذه النصوص من أئمة السلف وبعض الأئمة الأربعة ترد على المتأخرين الذين يَدَّعُوْن أنهم على مذهبهم فإن بعضهم قد استحب الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم وغيره

(4)

.

(1)

الرد على الأخنائي: 105، 106، والصارم:126.

(2)

الرد على الأخنائي ص: 126، والصارم:126.

(3)

الرد على الأخنائي ص: 106، والصارم:127.

(4)

انظر فتح القدير لابن الهمام 3/ 95 - 96، والمدخل لابن الحاج: 1/ 252، ومراقي الفلاح: 1/ 294 - 295، وانظر ما ادعاه الداجوي في البصائر من أن القبور ترقق القلب والدعاء مطلوب عند الرقة. البصائر ص: 87، كما في الإرشاد:262.

ص: 616

فتبين مما سبق أن علماء السلف أجمعوا في قبر النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه أشرف الخلق وأكرمهم على الله، وأفضل الأولين والآخرين، على أنه لا يستقبل عند الدعاء فضلاً أن يدعي من دون الله ويتخذ قبره عيداً، فكيف بقبر غيره ممن هو دونه بكثير؟

(1)

.

ويعلم من هذا أنه إذا اتفق السلف في أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم لا يتحرى الدعاء عنده دل ذلك على أن السلف يرون أن تحري باقي القبور بدعة من باب أولى وأحرى.

6 -

ومما يدل على بدعية تحري الدعاء عند القبور أن النبي الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة عند القبور وإليها، ونهى عن اتخاذها مساجد.

فقد روى أبو مرثد الغنوي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها"

(2)

، وقال في مرضه الذي لم يقم منه:"لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا"

(3)

، وقد نصح أمته وأوصاهم قبل أن يموت بخمس، فقال:"ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك"

(4)

. والعلة في النهي عن الصلاة عند القبور كون ذلك يؤدي إلى الافتتان بها، فمن باب أولى النهي عن الدعاء عندها لأن الفتنة هنا أشد.

قال شيخ الإسلام: "إن العلة التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم لأجلها عن الصلاة عندها إنما هو لئلا تتخذ ذريعة إلى نوع الشرك بقصدها، وبالعكوف عليها وتعلق القلوب بها رغبة ورهبة، ومن المعلوم أن المضطر في الدعاء الذي قد نزلت به نازلة، فيدعو لاستجلاب خير كالاستسقاء أو لدفع شر كالاستنصار، فحاله بافتتانه بالقبور إذا رجا الإجابة عندها أعظم من حال

(1)

قاعدة ضمن الفتاوى: 1/ 359، والفتاوى: 27/ 122، ومنهاج السنة: 2/ 444.

(2)

أخرجه مسلم: 2/ 668 رقم 972.

(3)

تقدم تخريجه ص: 456.

(4)

تقدم تخريجه ص: 457.

ص: 617

من يؤدي الفرض عندها في حال العافية، فإن أكثر المصلين في حال العافية لا تكاد تفتن قلوبهم بذلك إلا قليلاً، أما الداعون المضطرون ففتنتهم بذلك عظيمة جداً، فإذا كانت المفسدة والفتنة التي لأجلها نهي عن الصلاة عندها متحققة في حال هؤلاء كان نهيهم عن ذلك أوكد وأوكد"

(1)

، وذلك لأن الحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً، وقد تحقق وجود العلة هنا فالدعاء عند القبر ذريعة بدون شك ولا ريب إلى دعاء صاحب القبر فيكون منهياً عنه عند القبر كما نهي عن الصلاة عنده.

وهذا الذي سبق يبين أن علة النهي عن اتخاذ القبور مساجد هو الخوف من عبادتها وقد نص على هذه العلة الإمام الشافعي

(2)

وغيره، وهذا القول هو القول الصحيح من قولي العلماء

(3)

.

وقيل النجاسة، وهذا قول ضعيف

(4)

لأنَّه لا يمكن في قبور الأنبياء ادعاء النجاسة كما هو واضح.

ثم من العجب العجاب، أنه مع صحة الأحاديث الناهية عن اتخاذ القبور مساجد يقول بعض الناس:"إنّ من اتخذ مسجداً قرب رجل صالح أو صلى في مقبرة قصداً للتبرك بآثاره وإجابة دعائه هناك والاستظهار بروحه فلا حرج"

(5)

.

(1)

اقتضاء الصراط: 337 - 338، ونحوه في منهاج السنة: 2/ 439.

(2)

انظر الأم: 1/ 246.

(3)

انظر في هذا: منهاج السنة: 2/ 439، ورأس الحسين ص: 189، وإغاثة اللهفان: 1/ 147، والمغني لابن قدامة: 2/ 72.

(4)

ملحق المصنفات: 90، وحاشية ابن عابدين: 1/ 352، وأحكام الجنائز للألباني ص: 215، وتحذير الساجد له: 44 - 45، وأبطله في إغاثة اللهفان بتسعة وجوه: 1/ 147.

(5)

انظر إكمال الإكمال للأبي: 2/ 234، ومقالات الكوثري: 157 - 159، وانظر أيضاً ما نقله الصنعاني عن البيضاوي في سبل السلام: 1/ 256، وشرح الزرقاني على الموطأ: 4/ 233، وفيض القدير للمناوي: 4/ 466.

ص: 618

ولا يخفى أن هذا مصادمة للنص الصحيح الصريح في دلالته، ولا سبب لهذا -والله أعلم- إلا الجري وراء مألوفات العوام والتقليد الأعمى.

وقد يكون هذا من تأثير الروافض في عوام أهل السنّة؛ لأن من آداب زيارة الأئمة عندهم صلاة الزائر عند الفراغ وإهداءها إلى المزور وإن كان ممن يدعون له العصمة فالأفضل الصلاة عند رأسه، ولا يتقدم على القبر ولا يساويه ولا يستدبره، كما أن من الآداب عندهم الدعاء بعد الصلاة وتقبيل العتبة

(1)

.

ومما يدل على تأثيرهم في أهل السنة ما ذكره ابن كثير من بعض ملوك أهل السنّة من قصد قبور أئمتهم للدعاء عنده

(2)

. وذكر نحوه ابن الجوزي

(3)

.

ومما يزيد هذا الدليل وضوحاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى

(4)

عن الصلاة عند طلوع الشمس وغروبها واستوائها لسد ذريعة الشرك لئلا يفضي ذلك إلى التشبه بالذين يسجدون لها ويدعونها، كما يفعله أهل دعوة الشمس والقمر والكواكب الذين يدعونها بأنواع الأدعية، فيعلم من هذا أن دعوة الشمس والسجود لها هو محرم في نفسه أعظم تحريماً من الصلاة التي نهى عنها لئلا يفضي إلى دعاء الكواكب، كذلك لما نهى عن اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد -فنهى عن قصدها للصلاة عندها لئلا يفضي ذلك إلى

(1)

انظر المصباح للكفعمي ص: 179، 492، 493، 494، 503، 504، وأخرج الكليني في الكافي في زيارة الحسين بإسناده عن أبي عبد الله قال:"إذا فرغت من السلام على الشهداء فائت قبر أبي عبد الله "ع" فاجعله بين يديك ثم تصل ما بدا لك" الكافي: 3/ 362 ط/ ح.

(2)

البداية والنهاية: 12/ 152، وانظر ما يقع في المشهد الكاظمي من الازدحام في: دراسات تاريخية للعمري ص: 258.

(3)

المنتظم لابن الجوزي: 8/ 105.

(4)

قد روى ذلك عدة من الصحابة منهم ابن عمر وأبو هريرة وغيرهم، حديث ابن عمر في البخاري: 2/ 60 رقم 585، ومسلم: 1/ 567 رقم 827، وحديث أبي هريرة في البخاري: 2/ 61 رقم 588، ومسلم: 1/ 566 رقم 825.

ص: 619

دعائهم والسجود لهم - كان دعاؤهم والسجود لهم أعظم تحريماً من اتخاذ قبورهم مساجد

(1)

، وذلك لأن الحكم في المقاصد والغايات أشد من الوسائل والذرائع، وهذا كله يدل على أن الدعاء عند القبور وسيلة وذريعة إلى دعاء صاحب القبر أكثر من كون الصلاة عند طلوع الشمس ذريعة إلى عبادتها أو دعائها فيكون أولى بالمنع وأحرى وأوكد.

7 -

إن من قواعد الشرع الأصلية العظيمة قاعدة سد الذرائع، فهي قاعدة اتفق عليها العلماء، والدعاء عند القبر ذريعة إلى دعاء صاحب القبر، وذلك أن الشيطان العدو اللدود للإنسان يتلطف في إغوائه فيزين له في بداية أمره الدعاء عند القبر وأنَّه أرجح منه في بيته ومسجده وأوقات الأسحار، فإذا تقرر ذلك عنده نقله إلى درجة أخرى وهي الدعاء به، والإقسام على الله به، وهذه الدرجة أعظم من التي قبلها، فإذا قرر الشيطان عنده أن الإقسام على الله به، والدعاء به أبلغ في تعظيمه واحترامه، وأنجع في قضاء حاجته، نقله إلى درجة أخرى، وهي دعاء صاحب القبر من دون الله تعالى، فإذا تقرر ذلك نقله إلى درجة أخرى وهي اتخاذ قبره وثناً يعكف عليه ويوقد عليه القنديل، ويعلق عليه الستور ويبني عليه القبة، ويعبده بالسجود له والطواف به وتقبيله واستلامه، والحج إليه والذبح عنده.

ثم إذا تقرر هذا ينقله إلى درجة أخرى وهي دعوة الناس إلى عبادته واتخاذه عيداً ومنسكاً وأن ذلك أنفع لهم في دنياهم وآخرتهم

(2)

.

(1)

قاعدة في التوسل: 1/ 164 - 165، 321، والجواب الباهر: 72، ورأس الحسين ص: 189 - 190، واقتضاء الصراط ص: 63، 334، والفتاوى: 27/ 123 - 124، والجواب الكافي: 137 - 138، ومفيد المستفيد: مؤلفات الشيخ قسم العقائد: 287 - 288.

(2)

إغاثة اللهفان: 1/ 167 - 168، ومنهاج السنة: 2/ 439 - 440، وانظر ما تقدم ص: 483 - 484.

ص: 620

ولهذا سد الشارع الحكيم على الشيطان هذه المداخل وحسم مادة الشرك ومنع من كل ما يؤدي إلى دعاء غير الله تعالى، ومن هنا يعلم سر منع الشريعة الإسلامية من تحري الدعاء عند القبر؛ لأن ذلك من أقرب الوسائل التي توصل إلى دعاء صاحب القبر، ومع أن الشارع قد سد هذه الطرق ومنعها، قد وقع ذلك، وحصل من بعض المسلمين اعتقاد إجابة الدعاء عند القبور فأدى ذلك إلى مفاسد كثيرة، وفتن بسببه خلائق من القبوريين حتى صاروا يقيمون الأعياد عندها في يوم معين من السّنة ويقصدون ذلك اليوم كما تقصد عرفة ومنى ومزدلفة بل ربما أكثر من ذلك، وصاروا يسافرون إليها من مسافات بعيدة ويشدون الرحل لقصد الدعاء والعبادة عندها أو الدعاء بها أو دعائها، وهذا الذي يفعل عندها هو بعينه الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:"لا تتخذوا قبري عيداً"

(1)

.

وقد أنكر العلماء ذلك إنكاراً شديداً، منهم الإمام أحمد رحمه الله، فإنه أنكر ذلك وقال: وقد أفرط الناس في هذا جداً وأكثروا وذكر ما يفعل عند قبر الحسين

(2)

.

فإذا كان هذا الحال في وقت الإمام أحمد وشدة إنكاره لما يقع في زمانه، فكيف لو رأى ما يفعله القبوريون في هذا الزمان؟

وهذه المفاسد الكثيرة سببها اعتقادهم استجابة الدعاء عند القبر أكثر من غيره، وأنَّه أفضل هناك، وإلا فلو لم يقم بالقلب اعتقاد فضل الدعاء عند القبور لانمحت هذه الفتن والمفاسد التي عمّت بلاد المسلمين وشب عليها الصغير وشاب عليها الكبير، فتحصل من هذا أنه إذا كان اعتقاد فضل إجابة الدعاء عندها يؤدي إلى هذه المفاسد كان حراماً، كالصلاة عندها وأولى، وكان ذلك فتنة للخلق وفتحاً لباب الشرك، وإغلاقاً لباب الإيمان

(3)

.

(1)

تقدم تخريجه ص: 457.

(2)

اقتضاء الصراط: 305 - 306.

(3)

اقتضاء الصراط من 377.

ص: 621

‌حكم الدعاء عند الأضرحة:

إن الدعاء عند قبر ولي أو نبي أو ما يعتقد أنه قبر نبي أو ولي ولم يكن كذلك له ثلاث صور - كما تقدم

(1)

- والحكم يختلف بحسب اختلاف الصور:

فالصورة الأولى: أن يقصد القبر ويتحراه للدعاء عنده فقط معتقداً أن الدعاء هناك أجوب وأن لذلك المكان خصوصية في إجابة الدعاء، وأن الدعاء هناك أفضل من الدعاء في المساجد والبيوت.

الثانية: أن يقصد القبر للزيارة والدعاء عنده معتقداً لما تقدم.

الثالثة: أن يحصل الدعاء عند القبر بحكم الاتفاق بدون قصد وتحر كمن يدعو الله في طريقه، ويتفق أن يمر بالقبور، أو من يزورها فيسلم عليها ويسأل الله العافية له وللموتى كما جاءت به السنّة

(2)

.

‌الحكم في هذه الصور:

إن الصورة الأولى والثانية فيهما تحري الدعاء عند القبر، والتحري له حكم خاص لأن الرجل ما يتحرى ويخصص مكاناً معيناً للدعاء إلا وقد سيطر على لبه وعقله اعتقاد أن لذلك المكان خصوصية ودخلاً في إجابة الدعاء، فلذا توجه إلى تلك البقعة، والأصل في الشرع "أنه لا يستحب للداعي أن يستقبل إلا ما يستحب أن يصلي إليه، ألا ترى أن الرجل لما نهي عن الصلاة إلى جهة المشرق وغيرها فإنه ينهى أن يتحرى استقبالها وقت الدعاء"

(3)

فمن هنا صار تحري الدعاء عند القبر ممنوعاً.

وأما لو وقع الدعاء ضمناً بدون تحر فالحكم يختلف "كما أن من دخل المسجد فصلى تحية المسجد ودعا في ضمنها لم يكره ذلك، أو

(1)

تقدم ص: 508.

(2)

اقتضاء الصراط المستقيم ص: 336.

(3)

اقتضاء الصراط: 365، وعنه في الصارم المنكي ص:282.

ص: 622

توضأ في مكان وصلى هناك ودعا في ضمن صلاته لم يكره ذلك، ولو تحرى الدعاء في تلك البقعة أو في مسجد لا خصيصة له في الشرع دون غيره من المساجد نهي عن هذا التخصيص"

(1)

.

فتبين من هذا أن تحري الدعاء عند القبر بدعة منكرة وهي من البدع التي تضارع دين النصارى بل يخشى أن تصل في بعض الأحوال إلى الشرك الواضح

(2)

، فهو وإن لم يصل في جميع صوره إلى الشرك لكنه باب واسع يوصل إلى الشرك وذريعة إليه.

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "أما بناء القباب عليها فيجب هدمها ولا علمت أنه يصل إلى الشرك الأكبر، وكذلك الصلاة عنده، وقصده لأجل الدعاء فكذلك لا أعلمه يصل إلى ذلك، ولكن هذه الأمور من أسباب حدوث الشرك فيشتد نكير العلماء لذلك

وذكر العلماء أنه يجب التغليظ في هذه الأمور لأنَّه يفتح باب الشرك"

(3)

.

وأما الحكم في الصورة الثالثة: وهي ما إذا لم يتحر الدعاء عند القبر، وجاء عند القبر للزيارة فقط، أو مر على المقبرة فسلم ودعا لأهل المقبرة ثم دعا لنفسه، فالحكم في هذه الصورة أن الدعاء لا بأس به لأنَّه وقع ضمناً وتبعاً، ولم يقصد ويدل على ذلك الأحاديث الواردة في السلام على أهل القبور.

(1)

الاقتضاء ص: 370.

(2)

انظر مؤلفات الشيخ القسم الثالث: الفتاوى: 60، وقد ذكر شيخ الإسلام أن تحري استقبال الجهة التي فيها المعظم في الدعاء شرك واضح وأنَّه من البدع التي تضارع دين النصارى. اهـ. انظر الاقتضاء ص: 365، ونحوه قول الشوكاني (فهو على خطر الوقوع في الشرك فضلاً عن كونه عاصياً) الدر النضيد:47.

(3)

مؤلفات الشيخ القسم الثالث، الفتاوي: 70، وانظر الرد على البكري ص: 26، هذا وربما يفهم من كلام ابن تيمية المنقول في الحاشية السابقة أنه شرك ولكن كما أشرنا أن ذلك إذا اقترن بالدعاء عند القبر تعظيم له يصل إلى حد الشرك أو قصد الاستمداد من روح الميت المزور مما يفيض عليه كما تقدم في ص:515.

ص: 623

فقد ورد في حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قوله عليه الصلاة والسلام: "أسأل الله لنا ولكم العافية"

(1)

، وفي حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً:"ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين"

(2)

.

وهذا الدعاء الذي لم يتحر فيه يكون في الغالب يسيراً وخفيفاً كما في الحديثين السابقين، وعلى هذا يحمل ما ورد عن بعض السلف أنهم ذكروا في المناسك أنه بعد تحية النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة والسلام عليه يدعو مستقبل القبلة "فقد ذكر الإمام أحمد وغيره أنه يستقبل القبلة، ويجعل الحجرة عن يساره لئلا يستدبره، وذلك بعد تحيته والصلاة والسلام، ثم يدعو لنفسه، وذكر أنه إذا حَيَّاه وصلى عليه يستقبل وجهه -بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، فإذا أراد الدعاء جعل الحجرة عن يساره واستقبل القبلة ودعا وهذا مراعاة منهم لذلك، فإن الدعاء عند القبر لا يكره مطلقاً، بل يؤمر به للميت كما جاءت به السنة فيما تقدم ضمناً وتبعاً، وإنما المكروه أن يتحرى المجيء للقبر للدعاء عنده"

(3)

فتقرر بهذا جواز الدعاء الواقع عند القبر بدون تحر.

ولكن جواز الدعاء إذا وقع بدون تحر ليس أمراً متفقاً عليه بين العلماء فقد اختلف السلف في ذلك، فمنهم من منع الدعاء مطلقاً، ومنهم من أجاز ذلك بشروط.

فالمنقول عن السلف والذي تقتضيه عباراتهم أنهم يكرهون الوقوف عند القبر مطلقاً وقد تقدم قول مالك رحمه الله: "لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ولكن يسلم ويمضي".

فهذا يقتضي أن مالكاً يرى عدم الوقوف عند القبر مطلقاً سواء تحرى الدعاء أم لا.

(1)

أخرجه مسلم: 2/ 671 رقم 975.

(2)

أخرجه مسلم: 2/ 671 رقم 974.

(3)

اقتضاء الصراط: 364، والصارم:281.

ص: 624

وهذا هو الذي مال إليه شيخ الإسلام، فإنه بعد أن ذكر هذا القول قال:"وهو أصح"

(1)

وذلك لأن الوقوف عند القبر للدعاء حتى ولو لم يتحر فيه صاحبه فإنه يخشى أن يكون ضرراً لغيره ممن يرونه لاسيما إذا كان الداعي ممن يقتدى به ففيه تغرير لهم وإيهام.

فالأولى الاقتصار على السلام الوارد في زيارة القبور وعلى الدعاء الذي تضمنه بدون زيادة عليه.

‌الخلاصة:

إن جواز الدعاء عند القبر له عدة شروط، قلما تتوافر في غير الملتزم بالزيارة الشرعية وتلك الشروط هي:

1 -

عدم التحري.

2 -

وقوعه ضمناً وتبعاً لا استقلالاً.

3 -

أن يكون يسيراً.

4 -

أن لا يحصل به تغرير علي غيره

(2)

.

5 -

واشترط ابن الهمام الحنفي صاحب فتح القدير أن يكون قائماً

(3)

.

وهذا الشرط يقتضيه المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينقل أنه عكف عند القبر، وأما ما تفعله بعض الطوائف من الجلوس عند البقيع وغيره من القبور وقراءة الأدعية المكتوبة فبدعة ظاهرة لمخالفته لهذه الشروط كلها مع ما فيه من التوسل المبتدع، والسجع المتكلف، والبكاء المفتعل، وقراءة الادعية بأصوات تشبه الغناء، والاجتماع على ذلك إلى غير ذلك من البدع المصاحبة لعمل أولئك الطوائف من الرافضة ومقلديهم من القبوريين.

(1)

اقتضاء الصراط: 370.

(2)

انظر هذا الشرط عند الشوكاني في الدر النضيد ص: 47.

(3)

فتح القدير: 2/ 142، والبحر الرائق: 2/ 196، والفتاوى الهندية: 1/ 166.

ص: 625

‌النوع الثاني: التوسل بالذوات:

إن التوسل بالذوات قد انتشر في أدعية المتأخرين حتى كاد أن لا يخلو منه دعاء من أدعيتهم، كأنه شرط أساسي لقبول الدعاء، وكأن الله سبحانه وتعالى لا يقبل الدعاء إلا إذا توسل إليه الداعي بأنبيائه وأوليائه وأحبابه.

ثم إن بعض الناس جعلوه ذريعة لإباحة وتسويغ دعاء غير الله والاستغاثة بالأموات والغائبين، وسموا ذلك توسلاً بهتاناً وكذباً وزوراً وافتراءً.

فاقتضى هذا الحاجة إلى معالجة قضايا التوسل وبيان بعض جوانبه المهمة؛ لأن دراسة جميع مسائله وقضاياه تحتاج إلى رسالة مستقلة تلم بجميع جوانبه.

فلهذا أقتصر على بعض مسائله التي هي ضرورة لاكتمال جوانب البحث في الرسالة والله ولي التوفيق.

‌المعنى اللغوي لكلمة التوسل:

التوسل

(1)

مصدر لتوسل يقال: توسلت إليه أي تقرّبت إليه، وتوسلت إلى الله وسيلة أي عملت عملاً أتقرب به إليه، فمعناه التقرب، ومن معناه الرغبة والطلب، يقال: وسل إذا رغب، والواسل الراغب إلى الله تعالى ومنه قول الشاعر:

أرى الناس لا يدرون ما قدر أمرهم

بلى كل ذي دين إلى الله واسل

(2)

(1)

انظر معنى هذه المادة في الكتب التالية: مجاز القرآن: 1/ 164، والصحاح: 5/ 1841، والطبري: 6/ 226، والمخصص: 12/ 224، والعين: 7/ 298، وتهذيب اللغة: 13/ 67، ومعجم مقاييس اللغة: 6/ 110، واللسان: 8/ 4837، والنهاية: 5/ 185، وتاج العروس: 8/ 154، والمفردات:523.

(2)

البيت للبيد بن ربيعة العامري، انظر ديوانه ص: 132، ومعجم مقاييس اللغة: 6/: 110، وتهذيب اللغة: 13/ 67، والعين: 7/ 298.

ص: 626

ويقال أيضاً: وَسَّل فلان إلى ربه وسيلة، إذا عمل عملاً تقرب به إليه، والوسيلة هي الفعيلة من قول القائل توسلت إلى فلان بكذا بمعنى تقربت إليه، ومنه قول عنترة:

إنَّ الرجال لهم إليكِ وسيلةٌ

أَنْ يأخذوكِ تَكَحْلِي وتَخَضَّبِي

(1)

يعني بالوسيلة القربة وفيه معنى الرغبة، قال الراغب الأصفهاني:"والوسيلة التوصل إلى الشيء برغبة، وهي أخص من الوصيلة لتضمنها لمعنى الرغبة".

والوسيلة أيضاً ما يتقرب به إلى الغير والجمع الوسيل والوسائل، ويحتمل أنه بمعنى الحاجة في بيت عنترة المتقدم كما قال أبو عبيدة معمر بن المثنى.

فتحصل من هذا أن الوسيلة تطلق على الأمور التالية:

1 -

القربة.

2 -

الرغبة.

3 -

الحاجة.

4 -

وورد إطلاقها على المنزلة عند الملك، ومنه اللهم رب هذه الدعوة. . . آت محمداً الوسيلة".

وهذه المعاني متقاربة بل هي متداخلة ومتلازمة فإن الرغبة والحاجة والتقرب قرائب في المعنى ويستلزم بعضها بعضاً.

فهذا هو معنى التوسل والوسيلة حسبما تدور عليه عبارات اللغويين.

وأما المعنى الشرعي فهو أيضاً مأخوذ من هذا المعنى اللغوي، فهو:

التقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة على وفق ما شرعه الله تعالى.

ويكون معنى ابتغاء الوسيلة إلى الله الوارد في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا

(1)

ديوان عنترة ص: 33.

ص: 627

الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35]. هو "التوسل إليه باتباع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم"

(1)

.

هذا هو إطلاق التوسل في اللغة وفي الشرع.

وأما التوسل في عرف بعض المتأخرين فيطلق على التوسل بالذوات الفاضلة كما يطلق على دعاء غير الله تعالى والاستغاثة به.

فقد تغيرت المفاهيم عندهم ودخل في الأسماء الشرعية تحريف عن وضعها الشرعي، فالعبادة عندهم لا تطلق إلا على نحو السجود والركوع، ومثل ذلك يقال في معنى الشرك والكفر وغير ذلك.

وقد تسبب هذا في أنهم أجازوا دعاء الموتى ونداءهم باسم التوسل.

فهذا هو السبب الذي اقتضى البحث في موضوع التوسل؛ لأنَّه لو سد باب إباحة التوسل البدعي لانسد باب دعاء غير الله تعالى؛ لأن التوسل البدعي هو الباب الرئيسي الذي يدخل منه الشيطان ليزين لبعض الناس دعاء غير الله تعالى.

‌خلاصة الكلام في هذه المسألة

(2)

:

إن لفظ التوسل فيه اشتراك وإجمال قد حصل بسببه لبس وخلط وإيهام.

وذلك لأن التوسل يطلق شرعاً وفي عبارة السلف على أمرين:

أحدهما: التوسل والتقرب إلى الله تعالى بما شرعه من الإيمان به

(1)

قاعدة في التوسل: 48.

(2)

انظر هذه الخلاصة في الكتب التالية: قاعدة في التوسل: 14، 48، 50، 79 - 80، واقتضاء: 416، والرد على البكري: 45، ومصباح الظلام: 178، وتحفة الجليس: 120 - 121، ومعارج الألباب: 168، 183، والمنار: 2/ 73، وإرشاد الناظر: 237، ومعارج القبول: 1/ 500، وشرح الطحاوية:203.

ص: 628

وتوحيده والإيمان برسوله وتصديقه ومحبته وطاعته، وجميع الأعمال الصالحة المشروعة.

وثانيهما: طلب الدعاء والشفاعة من الرجل الحي الحاضر مثل قول عمر رضي الله عنه: كنا نتوسل إليك بنبينا إلى آخره، وسيأتي مفصلاً إن شاء الله تعالى.

وهذان الإطلاقان صحيحان ثابتان واردان في الشرع وفي عبارة السلف، إلا أن هناك إطلاقين آخرين عند المتأخرين لا يعرفون من التوسل إلا إياهما.

وهذان الإطلاقان:

أحدهما التوسل بذوات الصالحين.

وثانيهما: نداء الأموات والغائبين واستغاثتهم، والصراخ والهتاف بأسمائهم.

فهذان المعنيان يطلق عليهما لفظ التوسل عند المتأخرين، مع أن هذا إطلاق لم يكن معروفاً لا في اللغة العربية ولا في الشرع ولا في إطلاقات السلف.

وحتى لا يقول أحد: إننا نفتري على الآخرين ننقل هنا كلام أحد المتأخرين وهو سلامة العزامي

(1)

، فإنه ذكر أن التوسل بالذوات الفاضلة على ثلاثة أنواع فقال:

النوع الأول: أن يسأل الله مستشفعاً بهم كأن يقول: اللهم إني

(1)

سلامة بن هندي العزامي القضاعي النقشبندي، صوفي له ترجمة طويلة في آخر كتابه البراهين الساطعة، يعرف من تلك الترجمة توغله في التصوف والخرافات، وله مؤلفات في نشر البدع ومحاربة السنة، منها فرقان القرآن، والبراهين الساطعة (ت 1376 هـ) وقد اعتمد على كتاباته العلوي المالكي فيما انتحله في كتابه المفاهيم.

ص: 629

أسألك بنبيك محمد أو أتوجه إليك به

(1)

.

النوع الثاني: أن يطلب المتوسل من المتوسل به أن يشفع إلى الله في حوائجه بأن يدعو الله له في قضائها

(2)

.

النوع الثالث: أن يطلب نفس الحوائج منه وهو يريد منه وهو يريد أن يتسبب في قضائها من الله بشفاعته فيها عند الله سبحانه

(3)

.

فقد صرح العزامي في هذا الكلام بأن التوسل بالذوات يطلق ويراد منه ثلاثة أنواع:

1 -

السؤال بهم.

2 -

التشفع بهم والمراد به الشفاعة الشركية التي تقدمت.

3 -

طلب الحوائج منهم أنفسهم.

فهو قد أدخل الشفاعة أيضاً في معنى التوسل كما أطلقها أيضاً على الاستغاثة ونداء الميت لطلب الحوائج منه، فهو بهذا يجيز بل يستحسن طلب قضاء الحوائج من الموتى وهو يصرح بهذا، والشرط الوحيد الذي يشترطه هو عدم اعتقاد الربوبية فإنه قال:"ولا يفسد التوسل بالأنبياء والصالحين إلَّا أن يجعلهم أرباباً من دون الله ويتخذ هذا الجعل وسيلة إليهم أن يشفعوا له، فهذا لا ينفعه شيء من التوسل ولا غيره"

(4)

.

وسيأتي

(5)

مناقشة ما يتعلق بمسألة قولهم: إن عدم اعتقاد الربوبية كاف في عدم الشرك.

(1)

فرقان القرآن بين صفات الخالق وصفات الأكوان: 117.

(2)

المرجع نفسه: 121 - 122.

(3)

المرجع نفسه: 122. وقد ذكر السمهودي أيضاً أن التوسل "يطلق على الطلب من النبي صلى الله عليه وسلم لكونه سبباً وشافعاً". اهـ. وفاء الوفاء: 4/ 1374.

(4)

فرقان القرآن ص: 127 - 128.

(5)

سيأتي ص: 856.

ص: 630

إن هذا التوسع في معنى التوسل والخلط بين الأسماء الشرعية التي جاء بها الكتاب والسنّة وبين الأسماء المبتدعة المستحدثة، هو أحد الأمور التي يلبس بها الشيطان على كثير من الناس فيظنون البدعة سنة والمنكر معروفاً.

مع العلم بأننا لم نجد أحداً من المفسرين واللغويين فسر التوسل بالتوسل بالذوات على هذا الوجه الذي ذكروه، وقد تقدم نقل كلام اللغويين الذي لا يخرج عن معنى التوسل المشروع.

وبعد أن انتهينا من التعريف لمعنى التوسل نذكر أنواعه وبالله التوفيق.

‌أقسام التوسل:

ينقسم التوسل إلى قسمين: مشروع، وممنوع. وكلاهما ينقسم إلى أنواع:

‌أنواع التوسل المشروع:

أوصلها بعضهم

(1)

إلى ستة أنواع، وعند التأمل ترجع تلك الأنواع المشروعة إلى ثلاثة أنواع:

‌أ - التوسل بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا:

ويدخل تحته التوسل بإضافة اسم الرب جل وعلا إلى عباده الصالحين كما في حديث عائشة رضي الله عنها: "اللهم رب جبريل

(1)

قد ذكر الشيخ محمد بشير السهسواني للتوسل المشروع ستة أنواع:

1 -

التوسل بالأسماء الحسنى.

2 -

التوسل بالأعمال الصالحة.

3 -

التوسل بتصديق النبي صلى الله عليه وسلم والإيمان به.

4 -

التوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم في حال حياته.

5 -

التوسل بإضافة الرب إلى عباده الصالحين نحو رب جبريل

إلخ.

6 -

التوسل بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

انظر صيانة الإنسان: 203 - 206.

ص: 631

وميكائيل وإسرافيل

"

(1)

.

فإن هذا توسل إلى الله تعالى بربوبيته لهؤلاء العباد المكرمين، فالربوبية صفة من صفاته العليا، فهذا قسم داخل تحت التوسل بالأسماء الحسنى والصفات العليا وليس قسيماً له فلا حاجة لعده قسماً آخر.

والتوسل بأسماء الله الحسنى مشروع قد أمرنا الله به، قال تعالى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180].

وفي الأمر بالدعاء بالأسماء الحسنى نهى عن الدعاء بغيرها.

وفي معنى هذه الآية قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: "إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة"

(2)

.

فمن معاني الإحصاء السؤال بها، وقد ذكر بعض العلماء أنه لا يجوز الدعاء بغير الأسماء التسعة والتسعين

(3)

فهذا القول وإن كان فيه نظر -لما ثبت من الدعاء بغيرها- لكنه يدل بطريق الأولى على عدم جواز الدعاء بغير أسماء الله وصفاته من أسماء المخلوقين.

‌ب - التوسل بالأعمال الصالحة:

ويدخل تحته التوسل بالإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وتصديقه وطاعته واتباعه، والتوسل بمحبة الصالحين في الله ولله، لأن هذا توسل بعمل الداعي وليس قسيماً له فلا حاجة لعده قسماً آخر، كما يدخل تحته التوسل بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا أيضاً توسل بعمل الداعي وليس قسيماً له كما هو واضح.

وقد شرع الله لنا التوسل بالأعمال الصالحة التي عملها الداعي، وقد ورد هذا التوسل في آيات عدة ذكر الله فيها أدعية الأنبياء والصالحين التي

(1)

يأتي تخريجه ص 735.

(2)

تقدم ص: 203.

(3)

انظر الفتح: 11/ 220، والفتاوى: 6/ 142، والفتاوى الكبرى المصرية: 1/ 632.

ص: 632

توسلوا فيها بأعمالهم الصالحة، فمن تلك الآيات {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16)} [آل عمران: 16]. {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} [آل عمران: 193]. {رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83)} [المائدة: 83]. {رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109)} [المؤمنون: 109].

ومنه حديث أصحاب الغار المشهور

(1)

حيث توسل أحدهم ببره لوالديه والثاني بعفته والثالث بأدائه للحقوق.

وهذا النوع الثاني تحته صورتان:

إحداهما: التوسل بالأعمال الصالحة إلى طلب حصول ثواب الله تعالى ورحمته ورضوانه فإن الأعمال الصالحة هي الوسيلة التامة إلى سعادة الدارين.

ومن هذه الصورة الآيات السابقة، ففي تلك الآيات توسل بالإيمان إلى طلب المغفرة والرحمة.

وثانيتهما: التوسل بالأعمال الصالحة التي سبق للمتوسل أن عملها -إلى طلب إجابة دعائه وإعطاء سؤله وقضاء حوائجه ونيل مرامه في الدنيا

(2)

.

ويظهر من تتبع الأدعية المأثورة الواردة في الكتاب والسنة -كثرة الصورة الأولى التي الهدف الأكبر منها الأمر الأخروي.

وأما الصورة الثانية فأقل من الأولى، فهي ليست بكثيرة بالنسبة إلى الأولى ولكنها جائزة ثبتت بأدلة صحيحة منها حديث الغار.

والمقصود بهذا الكلام أن التوسل بالأعمال الصالحة إلى طلب قضاء الحاجات الدنيوية قليل في الأدعية الواردة إذا قسناه إلى التوسل بها إلى

(1)

أخرجه البخاري: 4/ 408 رقم 2215، ومسلم: 4/ 2099 رقم 2743.

(2)

انظر الإشارة إلى الصورتين في قاعدة التوسل: 122 - 123.

ص: 633

طلب النجاة من النار وطلب المغفرة ونحو ذلك من الأمور التي تتعلق بالآخرة، فهذا كثير في الأدعية الواردة.

وأما التوسل بالأعمال على قضاء الحوائج بإجابة الدعوات فهو أيضاً مأثور وثابت -وإن كان أقل من ذلك- ولم يرد في الأدعية القرآنية ولكنه ثابت صحيح، ومما ورد من ذلك حديث أصحاب الغار السابق.

ومن ذلك ما روي بإسناد صحيح عن هلال الوزان حدثنا عبد الله بن عكيم الجهني أحد الصحابة: "أنه أرسل إليه الحجاج بن يوسف، فقام فتوضأ ثم صلى ركعتين"، ثم قال:"اللهم إنك تعلم أني لم أزن قط، ولم أسرق قط، ولم آكل مال يتيم قط، ولم أقذف محصنة قط، إن كنت صادقاً فادرأ عني شره"

(1)

.

هذا الصحابي قد توسل بأعماله الصالحة السابقة، ولم يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا بأبي بكر وعمر وغيرهما من السابقين الأولين، فالتوسل بالأعمال الصالحة التي عملها المتوسل في حياته جائز ومشروع، فيدخل في ذلك توسل الرجل بإيمانه بالنبي صلى الله عليه وسلم وطاعته ومحبته فإن هذه الأمور من عمل الرجل المتوسل وليست أمراً أجنبياً عنه ولكن من المعروف أن غالب المتوسلين بالذوات لا يعرفون هذا المعنى الصحيح ولا يخطر في مخيلتهم إلا المعنى المبتدع، فلهذا لا يصح تأويل توسلهم المبتدع بهذا المعنى الصحيح؛ لأنَّه حمل لكلام المتكلم على غير مراده.

‌جـ - التوسل بطلب الدعاء من الحي الحاضر:

فهذا النوع من التوسل جائز لثبوته من فعل الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

أخرجه الفسوي في التاريخ: 1/ 231، ومن طريقه الخطيب في تاريخ بغداد: 1/ 4، وذكره المزي في تهذيب الكمال: 15/ 318، وهلال هو ابن أبي حميد الجهني مولاهم وهو ثقة كما في التقريب رقم 7333، وهو قد صرح بالسماع من ابن عكيم فالإسناد صحيح.

ص: 634

وإقراره لهم حيث كان أحدهم يأتيه فيطلب منه صلوات الله وسلامه عليه الاستسقاء لعموم المسلمين، أو يأتي فيطلب حاجته الخاصة كما طلب منه الأعمى الدعاء له برد البصر وغير ذلك من الأمثلة.

ولا يشترط في هذا أن يكون المطلوب منه أفضل من الطالب، فقد طلب عمر رضي الله عنه ومعه السابقون الأولون من العباس بن عبد المطلب الاستسقاء، ومما لا شك فيه أن عمر أفضل من العباس رضي الله عن الجميع.

وهذا النوع الثالث تحته صورتان

(1)

:

إحداهما: أن يطلب من الحي الحاضر الدعاء فيدعو الحي الحاضر بدون أن يدعو الطالب المتوسل.

وثانيتهما: أن يطلب الدعاء من الحي الحاضر، ثم يدعو بنفسه أن يتقبل الله دعاء المتوسَّل به، أو يؤمِّنَ على دعائه، ففي هذه الصورة يوجد دعاء أن أحدهما من الحي المطلوب منه الدعاء، والآخر من الطالب نفسه.

وهذا مثل ما وقع في حديث استسقاء عمر وطلبه من العباس الدعاء فدعا العباس ودعا معه عمر والحاضرون. ومثله ما وقع في حديث الأعمى حيث دعا له النبي صلى الله عليه وسلم ودعا الأعمى أيضاً أن يتقبل الله دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له ومن جملة دعائه "فشفعه في" أي تقبل شفاعته ودعاءه لي وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى

(2)

.

‌التوسل غير المشروع:

إن أنواع التوسل غير المشروع ثلاثة قد تقدم

(3)

ذكرها آنفاً ولا

(1)

انظر عن هاتين الصورتين: قاعدة في التوسل: 123.

(2)

يأتي ص: 748.

(3)

تقدم ص: 629.

ص: 635

حاجة لإعادتها وقد علمنا أن إطلاق اسم التوسل عليها لم يرد في الكتاب والسنّة وكلام السلف، لاسيما القسم الثاني الذي بمعنى الشفاعة الشركية والقسم الثالث الذي بمعنى الاستغاثة وطلب الحوائج والاستمداد من الموتى.

فهذه الإطلاقات محدثة مبتدعة ابتدعها المتأخرون، لتبرير وتسويغ دعاء غير الله تعالى بهذا الاسم -التوسل- المفتري عليه والذي حرفوا معناه وحقيقته الشرعية للتستر على دعاء غير الله تعالى.

والحقيقة لا تتغير بالادعاء وتغيير الأسماء، فإن العبرة بالمعاني والمقاصد لا بالألفاظ والعبارات.

فهذا التوسل بأنواعه الثلاثة ممنوع وبعضه أشد منعاً من بعض، وقد تقدم الكلام على النوعين الأخيرين في مبحث مراتب الدعاء غير المشروع، وهنا نتكلم على النوع الأول الذي هو السؤال بالذوات. وإليك بيان ذلك:

‌الأدلة على بدعية التوسل بالذوات:

إن التوسل بالذوات الفاضلة من البدع التي انتشرت في أدعية المتأخرين انتشاراً واسعاً مع بدعيته، حتى كاد أن لا يخلو منه دعاء من أدعيتهم وهم يزعمون مشروعيته واستحبابه مع وضوح بدعيته، ونحن نوجز هنا الأدلة الدالة على بدعيته وبالله التوفيق وعليه التكلان.

1 -

إن الدعاء من أهم العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف، والتوسل بالذوات لم يشرع في كتاب ولا سنة صحيحة صريحة، فهو بدعة لا يجوز التعبد به في الدعاء الذي هو من أهم العبادات، وقد سبق كيف نهى الشارع الحكيم عن الابتداع في الدين وحذر من ذلك أشد التحذير.

فدين الإسلام مبني على أصلين عظيمين ألا نعبد إلا الله وألا نعبده إلا بما شرع، فلم يثبت أن الله شرع لنا التعبد بالتوسل بالذوات فلا يجوز التعبد به.

ص: 636

2 -

إن الله

(1)

سبحانه وتعالى قد ذكر في كتابه أدعية الأنبياء وأتباعهم وهي كثيرة جداً، فلم يذكر في واحدة منها هذا التوسل البدعي، وإنما الذي ذكره الله هو التوسل المشروع وهو التوسل بالإيمان والعمل الصالح.

ولنضرب نماذج من أدعية الأنبياء وأتباعهم حتى تتضح الصورة الصحيحة للتوسل المشروع ولا يلتبس الحق بالباطل.

من ذلك دعاء يوسف عليه السلام: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)} [يوسف: 101]، فقد توسل يوسف عليه السلام بالثناء على الله تعالى بما أنعم عليه من الملك وعلم الرؤيا، كما توسل باسم من أسماء الله تعالى وهو فاطر السموات والأرض، وتوسل بولاية الله له، وهذا هو التوسل المشروع ولم يتوسل بالأنبياء السابقين قبله من آبائه الكرام وغيرهم فلم يقل:"اللهم إني أسألك بجاه أو منزلة أو شرف آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام".

ومن ذلك دعاء سليمان عليه السلام: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)} [النمل: 19] فقد سأل الله تعالى وتوسل إليه برحمته التي هي من صفاته العليا أن يدخله في عباده الصالحين ولم يتوسل إليه بآبائه إبراهيم ومن بعده إلى داود عليهم السلام.

ومن ذلك دعاء أيوب عليه السلام: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)} [الأنبياء: 83]. فقد توسل إلى الله تعالى بكونه أرحم الراحمين وهو توسل بالأسماء الحسنى ولم يتوسل بآدم ولا نوح ولا الملائكة المقربين ولا بحملة العرش كما يفعله المولعون بالتوسل المبتدع.

(1)

انظر الإشارة إلى هذا الوجه في التوسل أنواعه: 46 - 47.

ص: 637

وإذا تجاوزنا أدعية الأنبياء عليهم السلام إلى أدعية أتباعهم التي ذكرها الله تعالى في كتابه نجدهم يتوسلون إلى الله تعالى بالتوسل المشروع ولا نجد حرفاً واحداً من توسلهم بأنبيائهم مع أنهم بلا شك يحبون أنبيائهم أكثر من غيرهم.

فمن أمثلة ذلك ما ذكره الله تعالى عن الحواريين الذين مع عيسى عليه السلام قال تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53)} [آل عمران: 52، 53] فقد توسلوا بإيمانهم بما أنزل الله وباتباعهم الرسول عيسى عليه السلام، ولم يتوسلوا بذات عيسى ولا بجاهه ولا بحرمته ولا شرفه.

ومن ذلك ما ذكره الله عن الذين يقاتلون مع نبي من أنبياء بني إسرائيل {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250)} [البقرة: 250].

فهؤلاء توسلوا إلى الله تعالى بربوبيته التي هي من مقتضى إجابته للدعاء ولم يتوسلوا بأنبياء بني إسرائيل ولا بالنبي الذي يقاتلون معه.

ومن ذلك ما ذكره الله في قوله: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا} [آل عمران: 146، 147].

ومن ذلك ما ذكره الله عن أدعية صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم نجد فيها حرفاً واحداً من التوسل المبتدع، فمن أمثلتها قوله تعالى:{وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (75)} [النساء: 75]. فهؤلاء المستضعفون لم يتوسلوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا بصحابته الكرام وإنما توجهوا إلى الله تعالى بربوبيته فقط بل طلبوا منه أن يجعل لهم من عنده من يتولاهم وينصرهم ففي

ص: 638

قولهم {مِن لَدُنكَ} ما يشعر أنهم لم يلتفتوا في هذا الدعاء لا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ولا صحابته بل جردوا الطلب الله تعالى أن ييسر لهم من يشاء لينصرهم.

ومنها قول النصارى الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83)} [المائدة: 83]. ومنها قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)} [الحشر: 10]. فقد توسلوا بربوبيته ورأفته ورحمته، وطلبوا الدعاء لمن سبقهم فجاء المتأخرون فعكسوا القضية فتركوا المأمور به وهو الدعاء لمن سبقهم وارتكبوا المحظور وهو الدعاء بهم أو دعاؤهم من دون الله تعالى.

3 -

إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد علم أمته كل خير، ومما علمها الأدعية المباركة وقد جمعها علماء السنّة المشرفة، فبعضهم جمعها ضمن الموضوعات المتفرقة كأصحاب السنن الستة والمسانيد والمعاجم، وبعضهم جمعها في مؤلف مستقل وهؤلاء أيضاً كثيرون كما سبق

(1)

. وهؤلاء الجامعون للأدعية النبوية لم ينقلوا حرفاً واحداً من توسل النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء السابقين بطريق صحيح صريح، كما لم يذكروا أنه أمر أصحابه بالتوسل به وبجاهه أو بجاه الأنبياء السابقين وشرفهم، ولا نجد في تلك الأدعية المباركة، التوسل المبتدع الذي يلهج به المتأخرون والذي لا يخلو منه دعاء من أدعيتهم.

اللهم إلا ما قد يشتبه من ذلك في حديث الضرير وسيأتي التنبيه عليه وما يشبهه وأن ذلك ليس من التوسل المبتدع على فرض صحة تلك الأحاديث.

(1)

مر ص: 163.

ص: 639

4 -

قد ذكر علماء السنة والآثار أدعية الصحابة والتابعين فإذا بحثنا فيها فلا نجد توسلهم بحبيبهم المصطفى صلوات الله وسلامه عليه ورضي الله عنهم، ولا نجد توسلهم بكبار الصحابة أبي بكر وعمر، فهل ترى أن المتأخرين يحبون النبي صلى الله عليه وسلم أكثر منهم؟ كلا.

5 -

إن التوسل بالذوات لو كان جائزاً عند الصحابة لما جاء الأعمى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بل جلس في بيته وتوسل بجاهه، ولما عدل عمر وَمن معه إلى العباس ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر أن يطلب من أويس القرني الاستغفار بل كان يكفيه أن يقول: اللهم أني أسألك بحق أويس القرني

(1)

.

6 -

أننا قد ذكرنا

(2)

تشدد السلف الصالح في الأدعية وتحذيرهم الشديد من الابتداع في الدين عموماً وفي الأدعية خصوصاً وذكرنا -بحمد الله- ما يدل على أن الالتزام بالأدعية المأثورة هو الأولى، وإن كان غير المأثور الذي هو المفضول جائزاً لكن السلف الصالح ومن تبعهم من الفقهاء المعتبرين حذروا من الأدعية المبتدعة، فدل هذا على أن التوسل المبتدع قد حذر منه السلف ضمناً، مع أنه لم يقع في زمانهم الابتداع بالتوسل ونحوه إلا بصورة نادرة إذا قارناه بما وقع للمتأخرين، هذا على فرض ثبوت ما يروى عن بعضهم من التوسل بالذاوات وإلا فيظهر أنه لم يقع التوسل المبتدع إلَّا في القرون المتأخرة.

فإذا كان السلف ينكرون على من يقول: يا سبحان يا غفران ونحو هذا

(3)

مع أنه إنما نادى صفة من صفات الله وأراد التوسل بها إلى الله تعالى، فكيف يكون إنكارهم على من ينادي الولي أو القبر متوسلاً به إلى الله تعالى؟ بل كيف يكون إنكارهم على من يطلب المدد والاستغاثة من دون الله تعالى؟

(1)

انظر معارج القبول: 1/ 483.

(2)

انظر ص: 569 - 592.

(3)

شأن الدعاء للخطابي ص: 17.

ص: 640

السلف الذين أنكروا الابتداع في الأدعية الإمام مالك رحمه الله ومن فإنه كان يكره أن يقول الداعي يا سيدي بل يقول كما قالت الأنبياء يا رب، كما أنكر

(1)

غير هذا مما ابتدع في الدعاء في زمانه، فإذا كان مالك إمام دار الهجرة يكره في الدعاء إلا متابعة الأنبياء في قولهم مع صحة المعنى في نحو يا سيدي، فكيف تكون كراهة مالك للتوسل المبتدع بل ولطلب المدد؟ فلا يشك عاقل أن كراهته له أشد.

7 -

إن الذي يتوسل

(2)

في الدعاء يعتقد أنه مشروع في الدعاء وينوي به التعبد والتقرب والطاعة وأنه مما يستجاب به الدعاء وما كان من هذا النوع فإما أن يكون واجبًا وإما أن يكون مستحبًا، إذ العبادات لا تكون إلا أحدهما، فما ليس بواجب ولا مستحب فليس بعبادة ودعاء الله تعالى عبادة، والتوسل بالذوات ليس بواجب ولا مستحب، فثبت بهذا كون التوسل بالذوات غير عبادة فهو إذن بدعة.

8 -

إن العلماء اختلفوا

(3)

في مسألة دعاء الله تعالى والتوسل إليه بغير التسعة والتسعين اسمًا التي وردت في الحديث، فمن العلماء من قال: لا يدعي بغير التسعة والتسعين وإن كان يسمى بها ويخبر بها عنه، فالدعاء لا يجوز إلا بما في هذا العدد، فهذا القول وإن كان مرجوحًا لكن المقصود أنه إذا كان العلماء منهم من يجيز الدعاء بغير التسعة والتسعين مع ثبوت كونه من الأسماء الحسنى، دل هذا على تشدد العلماء في باب الدعاء وتحذيرهم عن الابتداع فيه، فيدل هذا على أنه لا يجوز من باب أولى دعاء الله تعالى بما لم يثبت كونه من الأسماء الحسنى ولا من صفاته نحو الأنبياء والأولياء، وذلك لأن الله تعالى قيد دعاءه بالأسماء الحسنى فقال:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180]. ففي هذه الآية أمر

(1)

انظر ص: 582، وانظر معنى الكراهة عند السلف ص:647.

(2)

انظر في هذا، قاعدة في التوسل: 92، 107.

(3)

انظر في هذا الاختلاف: الفتاوى: 6/ 141 - 143، والفتاوى الكبرى المصرية: 1/ 216، وفتح الباري: 11/ 220.

ص: 641

بالدعاء بها ونهى عن الدعاء بغيرها كما قال تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب:]، فهو نهى أن يدعوا لغير آبائهم، وفي هذه الآية أيضًا أن الله تعالى لا يدعى إلا بالأسماء الحسنى، فالحسنى اسم تفضيل أي لا يدعى إلا بالاسم الأحسن، وأما الاسم الحسن أو الذي ليس بسيء وإن لم يحكم بحسنه فلا يدعى به وإن كان يجوز ذلك في باب الإخبار عنه وأما في باب الدعاء فلا.

9 -

إن علماء السلف رحمهم الله تعالى قد فهموا من أحاديث الاستعاذة بالله وكلماته أنه لا تجوز الاستعاذة بالمخلوق.

وقد تقدم -بحمد الله- ذكر نصوص كلامهم في ذلك

(1)

.

وكذلك ينبغي لنا أن نفهم مما ورد في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر بالتوسل بأسماء الله تعالى أنه لا يجوز التوسل بذوات المخلوقين.

فكلا المسألتين - متطابقة والمأخذ واحد.

10 -

إن السؤال بالذوات سؤال بسبب لا يقتضي المطلوب، لأن الله سبحانه وتعالى لم يجعل السؤال بالذوات سببًا لحصول المطلوب لأنه سؤال بذات لا رابط بينها وبين ذات السائل، لأن السائل إذا توسل بإيمانه وأعماله الصالحة فقد توسل بسبب له علاقة وارتباط به لأن أعماله له الأجر عليها، ومن ذلك إجابة الدعاء، وأما ذات مخلوق آخر فأي وسيلة بينهما وأي علاقة تربطهما؟

(2)

.

اللهم إلا إن توسل بإيمانه بالنبي صلى الله عليه وسلم ومحبته له أو محبته للصالحين ولكن هذا القصد قلما يخطر ببال المتوسلين بالذوات.

(1)

تقدم ص 426 - 428.

(2)

انظر قاعدة في التوسل: 107، والرد على البكري: 40، وشرح الطحاوية:202.

ص: 642

وحاصل هذا الوجه أنهم يقولون إن التوسل سبب لإجابة الدعاء، فهم مطالبون بأمرين: أحدهما الدليل على أنه سبب لتحصيل الإجابة، وثانيهما الدليل على أنه سبب مشروع لا يحرم فعله فإنه ليس كل ما كان سببًا كونيًا يجوز تعاطيه، فإن قتل المسافر قد يكون سببًا لأخذ ماله وكلاهما محرم

(1)

.

وهؤلاء المدافعون عن مشروعية التوسل ليس لديهم الأدلة الكافية لإثبات هذين الأمرين إلا بعض الشبهات وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى.

11 -

إن اعتقاد مشروعية التوسل بالذوات أدى إلى مفاسد جسيمة وعواقب وخيمة، وما كان كذلك فلا يمكن أن يشرعه الله تعالى، لأن الشريعة الإسلامية إنما جاءت بترجيح المصالح وتكثيرها وتقليل المفاسد وإزالتها فثبت بهذا أنه بدعة لم يشرعه الله تعالى.

وإليك بيان بعض تلك المفاسد التي في التوسل بالذوات:

أ- إن التوسل بالذوات هو الباب الرئيسي الذي دخل منه الشيطان إلى المسلمين لنشر دعاء غير الله تعالى والاستغاثة بالأموات والاستمداد بهم.

ولا يستريب في هذا من له اهتمام ومعرفة بأسباب انتشار الشركيات والبدع، فتجويز التوسل يؤدي بلا شك إلى انتشار دعاء غير الله تعالى لأن الشيطان يزين للإنسان أولًا الدعاء بمن يعتقد فيه ثم ينقله إلى دعائه نفسه والعياذ بالله.

ب - إن من مفاسده صرف الافتقار إلى غير الله تعالى، فقد قال الإمام النووي رحمه الله في التوسل المشروع، الذي هو التوسل بالأعمال الصالحة إن في ذلك نوعًا من ترك الافتقار المطلق إلى الله تعالى

(2)

.

(1)

الرد على البكري: 230 و 86 - 87، والفتاوى: 1/ 137.

(2)

الأذكار للنووي: 355.

ص: 643

فإذا كان الإمام النووي رحمه الله يخاف من ترك الافتقار المطلق في التوسل بالأعمال مع ثبوته ومشروعيته فكيف يكون الأمر في التوسل بالذوات حيث علق الداعي قلبه بغير الله والتفت في دعائه إلى غير الله تعالى؟ فالتوسل المبتدع يتضح فيه ترك الافتقار المطلق من العبد أكثر من وضوحه في التوسل المشروع، فإذا قدرنا أنه لم يلتفت بقلبه إلى المتوسل به ولم يترك الافتقار المطلق إلى الله تعالى فلماذا أقحم اسم المخلوق في مخاطبة الله ومناجاته؟

ففيه بلا شك ترك الافتقار المطلق إلى الله تعالى وهذه مفسدة عظيمة.

جـ - إن التوسل بالذوات هو الذي فتح للعوام نداء الأموات والاستغاثة بهم بحجة أن ذلك توسل لعدم معرفة بعضهم بالفرق بين الأمرين، ولتساهل آخرين، ولاعتقاد البعض أن الكل جائز من باب واحد فالولي أعطي السلطة الغيبية والتصرف المطلق عند هؤلاء فلا مانع من الطلب منه إلى غير ذلك.

د - إن التوسل له أثر واضح في اعتقاد المتوسل أن المتوسل به له أثر في إجابة الدعاء إذ لو كان يعتقد أنه ليس له أثر مَّا في استجابة الدعاء فوجوده وعدمه سواء، لما أجهد نفسه بزيادة ذكر اسم المتوسل به أثناء مخاطبة الله تعالى.

مع أن المعلوم أن المتوسل به ليس له دخل في الاستجابة إذ لا علم له بمن يتوسل به حتى يقال: إنه دعا الله تعالى أو شفع عند الله. ولهذه المفاسد وغيرها يترجح منع التوسل البدعي وبدعيته وأن الله سبحانه وتعالى لا يشرع ما يترتب عليه مثل هذه المفاسد حاشا وكلا شرع الله من ذلك.

ثم إن من القواعد المقررة سد الذرائع ولا يخفى أن التوسل المبتدع ذريعة إلى هذه المفاسد والتي منها دعاء غير الله تعالى والاستغاثة به.

ص: 644

فلو أن العلماء منعوا العوام من التوسل البدعي، لما وصل العوام إلى ما نراهم فيه من دعاء الأموات ليلًا ونهارًا واللهج بأسمائهم عند كل ملمة، وجعل ذلك هجيراهم ودأبهم.

12 -

التوسل بالذوات هو مثل الإقسام بالذوات وقد ورد النهي عن القسم بمخلوق فقد قال صلى الله عليه وسلم: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك"

(1)

.

فكما أنه لا يجوز أن يحلف بمخلوق فكذلك لا يجوز أن يقسم على الله بمخلوق ولا يسأل بنفس مخلوق، فالسؤال بالمخلوق والإقسام به كلاهما من باب واحد، وقد تقدم بيان أن العلماء منعوا الحلف بغير الله ومنهم من جعله من الشرك الأكبر كما منعوا الإقسام على الله تعالى بالمخلوق

(2)

.

ومن هذا الباب التوسل البدعي. فهو مثل القسم والحلف بغير الله تعالى فلا فرق بين ذلك.

13 -

ثم يقال لمن يجيز الإقسام على الله تعالى بالمخلوق أو السؤال به: ما هو الضابط الذي تتبعه في السؤال بالمخلوقات والإقسام بها؟ هل يقسم بكل مخلوق أو بالمخلوقات المعظمة أو ببعضها؟.

فإن قال بكل مخلوق لزمه أن يسأل بالشياطين، فهذا لا يقوله مسلم وإن قال بالمعظمة فيقال: هل هو خاص بنوع معين أم لا؟ فإن قال بالمخلوقات التي أقسم الله بها لزمه السؤال بالليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وبكل ذكر وأنثى ولزمه أن يسأله بالشمس والقمر والكواكب مع أنها عبدت من دون الله.

وإن قال بمعظم دون معظم فيقال له: بعض المخلوقات وإن كان أفضل من بعض فكلها مشتركة في أنه لا يجعل شيء منها ندًا لله تعالى، فلا يعبد ولا يتوكل على أحد من المخلوقات كائنًا ما كان، ونهى الله عن

(1)

تقدم ص: 455.

(2)

تقدم ص: 506.

ص: 645

الشرك به في أي مخلوق، قال تعالى:{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)} [آل عمران: 79].

والله سبحانه سوى بين المخلوقات فلم يجعل لأحد منها سواء كان نبيًا أو غيره أن يقسم به ولا يتوكل عليه ولا يرغب إليه، فكذلك السؤال إما أن يسوغ بالكل وإما ألا يسوغ مطلقًا أو بكل معظم والتفريق بين معظم ومعظم كتفريق من فرق، فزعم أنه يجوز الحلف ببعض المخلوقات دون بعض فكما أن هذا فرق باطل فكذلك الآخر

(1)

.

14 -

ثم إن مسألة التوسل أمر اختلف فيه العلماء ما بين مجيز ومحرم أفلا يكون منعه من باب اجتناب الشبهات التي أمرنا بالاجتناب ومحرم عنها في مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"

(2)

، فإذا كان الفقهاء يراعون الخلاف حتى في المسائل التي أدلتها ضعيفة فلماذا لا نراعي هنا الخلاف مع قوة الأدلة التي تدل على المنع وقد ذكرناها؟

فالإنصاف يقتضي أن نراعي هنا أكثر فأكثر لعلاقة المسألة بإخلاص العبادة لله الذي ضده الكفر والعياذ بالله، وسيأتي قريبًا

(3)

قول بعض علماء الحنفية: إن مثل هذا لا ينبغي أن يطلق إلَّا بنص قطعي أو إجماع قوي وكلاهما ممتنع، فالوجه المنع، وقول آخرين منهم: إنما يروي في مثل هذا لا يكون حجة في باب العقائد.

15 -

ثم إن التوسل بالذوات لو قلنا بجوازه فلا يخلو إما أن نقول: إن التوسل المشروع أفضل منه أو هو أفضل ولا يمكن لأحد أن يدعي أنه هو الأفضل، فإذا كان الأمر كذلك فلماذا نترك الأفضل ونبحث عن

(1)

قاعدة في التوسل: 108 - 112.

(2)

حديث صحيح رواه عدة من الصحابة منهم الحسن وأنس وابن عمر حديث الحسن أخرجه أحمد: 1/ 2001، والترمذي: 4/ 668 رقم 2518، والحاكم: 4/ 99، وسكت عنه وقال الذهبي: سنده قوي، وانظر الإرواء: 1/ 44 رقم 12.

(3)

انظر ص: 653.

ص: 646

المفضول؟ فهل هذا إلا استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير؟

16 -

إن كثيرًا من العلماء السابقين ذهبوا إلى منع التوسل بالذوات ونص غير واحد منهم على أنه لا يجوز.

قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله ونقله عنه أصحابه مقررين له:

"ويكره أن يدعو الله إلا به". وفي رواية عن أبي يوسف عن أبي حنيفة: "لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به"، والدعاء المأذون فيه المأمور به - ما استفيد من قوله تعالى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180]. "ويكره أن يقول في دعائه أسألك بمعقد العز من عرشك"، وقالوا أيضًا: "ويكره أن يقول في دعائه أعطني بحق فلان كذا وبحق محمد صلى الله عليه وسلم كذا أو بحق أنبيائك وأولياءك أو بحق البيت أو المشعر الحرام

"

(1)

.

والمراد من قول أبي حنيفة رحمه الله يكره أن يدعو الله إلا به أو لا ينبغي

كراهة التحريم كما هي عادة السلف يطلقون هذه العبارات على ما هو محرم وهي لغة الكتاب والسنة والسلف الصالح، قبل أن يحدث

(1)

الجامع الصغير مع شرح القاضي خان: 2/ 2 ل 322، وفوائد الجامع الصغير للصدر الشهيد: ل 97، والنافع الكبير لمن يطالع الجامع الصغير للكنوي ص: 395، والهداية للمرغيناني: 4/ 96، والمختار في الفتوى مع شرحه الاختيار: 4/ 164، والفتاوى البزازية: 3/ 351، وتبيين الحقائق شرح كنز الحقائق للزيلعي: 6/ 31، ودرر الحكام في شرح غرر الأحكام: 1/ 321، والخلاصة: 4/ 326، والبناية شرح الهداية للعيني: 9/ 380 - 384، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم: 8/ 207، والتحرير المختار مع رد المحتار: 2/ 309، والكفاية شرح الهداية مع حاشيته نتائج الأفكار: 8/ 498، والدر المختار: 2/ 630، ورد المحتار مع حاشية ابن عابدين: 5/ 395 - 397، والفتاوى الهندية: 5/ 318، وانظر القاعدة الجليلة نقلًا عن القدوري ص: 50، واقتضاء الصراط المستقيم: 407، وإغاثة اللهفان: 1/ 168، وشرح الطحاوية لابن أبي العز: 202، وشرح الإحياء للزبيدي: 2/ 285، 5/ 44، وشرح الفقه الأكبر للقاري:198.

ص: 647

المصطلح المتعارف عليه بين الفقهاء المتأخرين من التفريق بين الكراهة والتحريم.

فاللائق حمل كلام أئمة السلف على ما هو مرادهم لا على مصطلحات المتأخرين وقد بيّن ابن القيم رحمه الله غلط المتأخرين على الأئمة، بسبب عدم مراعاة مراد الأئمة من إطلاق مثل هذه العبارات

(1)

.

وقد نص علماء الحنفية على أن مراد الإمام في هذه العبارة السابقة -التحريم-.

قال ابن عابدين: "وتحمل الكراهة المذكورة على كراهة التحريم"

(2)

.

وقال غيره: "إن المروي عن محمد رحمه الله نصًا أن كل مكروه حرام إلا أنه لما لم يجد فيه نصًا قاطعًا لم يطلق عليه الحرام، وعن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله أنه إلى الحرام أقرب"

(3)

.

وبما تقدم يتبين أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله لا يجيز الدعاء إلا بالله وبأسمائه الحسنى وصفاته العليا وهذا هو التوسل الشرعي الوارد في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} ولهذا قال رحمه الله تعالى:

"والدعاء المأذون فيه المأمور به ما استفيد من قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} .

فرحم الله الإمام ما أدق فقهه، فقد فهم رحمه الله تعالى أن الدعاء

عبادة وأنه لا يجوز بغير المأذون فيه والمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأن العبادة توقيفية، وأن الدعاء بغير أسمائه الحسنى وصفاته العليا -غير مأذون فيه-.

(1)

إعلام الموقعين: 1/ 39 - 43، ونحوه في العلم الشامخ ص:102.

(2)

حاشية ابن عابدين على رد المحتار نقلًا عن ابن أمير حاج: 5/ 396.

(3)

الهداية: 4/ 78، وإعلام الموقعين: 1/ 41.

ص: 648

فلهذا كره أن يقول الرجل أسألك بمعقد العز من عرشك لأنه ليس دعاء بأسماء الله وصفاته فلا يجوز. والعلة في المنع من الدعاء المذكور هو ما صرح به الإمام رحمه الله من أن الدعاء خاص بالوارد المأذون فيه، وهو ما دلت عليه الآية المذكورة، ويتبين من هذا أن سبب منعه من الدعاء المذكور هو عدم كونه توسلًا بالأسماء الحسنى والصفات العليا.

وبهذا يتضح ضعف ما علل به متأخروا فقهاء الحنفية منع الإمام أبي حنيفة من الدعاء المذكور بأن العبارة توهم - على رواية معقد العز من عرشك بتقديم العين - تعلق عزه بالعرش، وهو محدث، والله تعالى بجميع صفاته قديم، لم يزل موصوفًا بها في الأزل

(1)

، وقالوا: إن معناه لا ينكشف لكل أحد

(2)

.

وقالوا على رواية مقعد العز من عرشك بتقديم القاف على العين

(3)

: لا ريب في منعه لأنه يكون من القعود الذي هو الجلوس لاستحالته على الله تعالى.

ووجه ضعف ما عللوا به، هو أن علة المنع في كلام الإمام واضحة جدًا وهو عدم جواز دعاء الله تعالى إلا ما دلت عليه الآية، وهي علة عامة تعم هذا المثال الذي ذكره الإمام وغيره مما يدخل في التوسل البدعي أو الشركي.

وهؤلاء المتأخرون ظنوا أن علة المنع هو ما في المثال من الإيهام.

وقد يقال: إن الإيهام المذكور سبب من أسباب المنع إلا أنه ليس هو السبب الذي يدل عليه كلام الإمام.

ثم على كلام هؤلاء إن هذا الإيهام لو لم يكن لجاز هذا الدعاء، وهذا خلاف مراد الإمام المفهوم من سياق كلامه.

(1)

و

(2)

انظر كتب الحنفية السابقة.

(3)

شرح الإحياء للزبيدي: 5/ 24.

ص: 649

ومما يدل على ضعف قولهم اعتراض بعضهم على الإيهام الذي ذكروه وأنه لا محذور فيه، لأن تعلق الصفة بشيء حادث لا يوجب حدوث تلك الصفة

(1)

.

وبعضهم تأول وقال: إن العز صفة للعرش ولا مانع من ذلك

(2)

.

وهذا كله يدل زيادة على ما سبق على ضعف ما عللوا به، وأن الصحيح ما يدل عليه كلام الإمام من اشتراط كونه بالله وأسمائه وصفاته.

ولهذه العلة نفسها كره الإمام قول الرجل في دعائه أسألك بحق فلان أو بحق أنبيائك ورسلك، لأنه ليس دعاء بالله ولا بأسمائه وصفاته.

ولكن فقهاء الحنفية المتأخرون عللوا أيضًا سبب المنع بأنه لا حق لمخلوق على الله تعالى، فيعترض عليهم بأن الله أثبت على نفسه تفضلًا وتكرمًا حقًا لعباده الموحدين كما في حديث معاذ المتفق عليه "أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ "

(3)

.

فثبت بهذا ضعف علتهم هذه أيضًا.

وبهذا يعلم دقة فقه السلف وغوصهم على المعاني، وأن المتأخرين قد يصعب عليهم معرفة مرادهم، وأنهم يعللون كلام السابقين بغير مرادهم.

ويعلم أيضًا أن أبا حنيفة وأصحابه لا يجيزون التوسل البدعي، ولم يخالف في هذا من أصحابه إلا أبو يوسف في بعض صوره، وتبعه الفقيه أبو الليث فقد قالا: بجواز قوله: بمعاقد العز من عرشك".

(1)

نتائج الأفكار تكملة فتح القدير: 8/ 498 - 499، وابن عابدين على رد المحتار: 5/ 395، وانظر تحقيق هذه المسألة في جامع الرسائل: 1/ 177 - 183، والفتاوى: 6/ 268 - 288.

(2)

تبيين الحقائق: 6/ 31.

(3)

أخرجه البخاري: 6/ 58 رقم 2856، ومسلم: 1/ 58 رقم 30.

ص: 650

وأما قول الرجل بحق فلان وحق أنبيائك ورسلك

إلخ، فقد اتفق

(1)

جميع أصحاب أبي حنيفة أبو يوسف وغيره على عدم جوازه، فلم يختلفوا في هذه المسألة وإنما خلاف أبي يوسف خاص بمسألة "معاقد العز من عرشك" وذلك لأن أبا يوسف إنما أجازه احتجاجًا بما ورد من الأثر إلا أن الأثر الذي احتج به ضعيف جدًا بل هو موضوع، وهو ما روي من طريق عمر بن هارون البلخي عن ابن جريج، عن داود بن أبي عاصم عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"اثنتا عشرة ركعة تصليهن من ليل أو نهار، وتتشهد بين كل ركعتين، فإذا تشهدت في آخر صلاتك فائن على الله عز وجل وصل على النبي صلى الله عليه وسلم واقرأ وأنت ساجد فاتحة الكتاب سبع مرات، وآية الكرسي سبع مرات وقل: لا إلا إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، ثم قال: "اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك واسمك الأعظم، وكلماتك التامة، ثم سل حاجتك، ثم ارفع رأسك ثم سلم يمينًا وشمالًا، ولا تعلموها السفهاء فإنهم يدعون بها فيستجاب"

(2)

.

قال ابن الجوزي: هذا حديث موضوع بلا شك، وإسناده [مخبط] كما ترى، وفي إسناده عمر بن هارون قال ابن معين فيه كذاب، وقال ابن حبان يروى عن الثقات المعضلات ويدعي شيوخًا لم يرهم

(3)

.

وقد قال فيه ابن مهدي وأحمد والنسائي: متروك الحديث، وقال أبو داود: غير ثقة، وقال علي بن المديني والدارقطني: ضعيف جدًا

(4)

.

(1)

حاشية ابن عابدين على رد المحتار: 5/ 397.

(2)

أخرجه البيهقي في الدعوات: ل 36/ أ، وابن الجوزي في الموضوعات: 2/ 142، والواحدي في كتاب الدعاء كما في عدة الحصن مع التحفة ص:177.

(3)

الموضوعات: 2/ 142 - 143، ونصب الراية: 4/ 273، وزيادة كلمة مخبط منه.

(4)

الكامل لابن عدي: 5/ 1688، المجروحين: 2/ 90 - 91، والميزان: 3/ 228، والتهذيب: 7/ 501.

ص: 651

ثم تفرد به عن عمر بن هارون - عامر بن خداش وهو صاحب مناكير

(1)

.

هذا ما يتعلق بنقد هذا الحديث من جهة الإسناد.

وقد انتقده ابن الجوزي أيضًا من جهة المعنى بأنه قد صح

(2)

عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن القراءة في السجود.

وقد نقل كلام ابن الجوزي الحافظ الزيلعي وأقره

(3)

وقال الشوكاني: هذا من أعظم الدلائل على كون هذا المروي موضوعًا

(4)

.

وهذا الانتقاد من جهة المتن قوي جدًا يدل على وضع هذا الحديث دلالة واضحة لأن علماء مصطلح الحديث ذكروا أن مما يدل على وضع الحديث مخالفته للحديث الصحيح، وقد تقدم ذكر هذا

(5)

.

وقد روي نحوه من طريق آخر من رواية أنس ولكنه فيه كذاب

(6)

أيضًا.

فثبت بهذا أن الأثر الوارد في السؤال بمعاقد العز الذي تمسك به أبو يوسف في إجازته لهذا الدعاء - موضوع.

وقد اتضح من هذا أن الصواب قول أبي حنيفة من عدم جواز

(1)

الترغيب والترهيب للمنذري: 1/ 244، والميزان: 2/ 359، والمغني: 1/ 459، وانظر تحفة الذاكرين: 177 - 178.

(2)

صح ذلك من حديث علي وابن عباس أخرجهما مسلم: 1/ 348 - 350 رقم 480، 481.

(3)

نصب الراية: 4/ 273.

(4)

تحفة الذاكرين ص: 178.

(5)

تقدم ص: 337.

(6)

انظر تنزيه الشريعة: 2/ 330، ذكر حديثًا في قصة الهجرة وأن جبريل علم النبي صلى الله عليه وسلم دعاء وفيه: "أسأله بمعاقد العز من عرشك

" قال ابن عراق في ص: 1/ 74 إن عبدالله بن قيس كذبه الأزدي وانظر أيضًا الميزان: 2/ 473، فقد ذكر الذهبي عن الأزدي تكذيبه وأقره.

ص: 652

الدعاء إلا بالمأذون فيه من الدعاء بالله وأسمائه وصفاته، وأن قوله بمعاقد العز من عرشك أو بحق فلان غير جائز لأنه ليس من الدعاء المأذون فيه من أسماء الله وصفاته.

وأن قول أبي يوسف ضعيف لأمرين:

1 -

كون الأثر الذي احتج به موضوعًا.

2 -

ما ذكره علماء الحنفية في رد حجة أبي يوسف من أن هذا الأثر الذي احتج به أبو يوسف خبر واحد فيما يخالف القطعي، والمتشابه الذي كهذا الدعاء إنما يثبت بالقطعي

(1)

.

ومعلوم أن خبر الواحد إذا خالف القطعي يرد ما لم يمكن الجمع.

ومن هنا قال بعض علماء الحنفية: "فالحق أن مثله لا ينبغي أن يطلق إلا بنص قطعي أو بإجماع قوي، وكلاهما منتف، فالوجه المنع"

(2)

.

ولهذا قال ابن عابدين بعد أن ذكر بعض صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم المبتدعة، وذكر اختلاف المتأخرين في جوازها وعدمه: "أقول: ومقتضى كلام أئمتنا المنع من ذلك إلا فيما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم

"

(3)

.

علماء الحنفية المتأخرين الذين قالوا بمثل هذا القول: الشيخ علي محفوظ صاحب كتاب الإبداع، فإنه ذكر التوسل بمعنى الإقسام بذاته صلى الله عليه وسلم وأنه لم يرد عن الصحابة ولا يعرف في شيء من الأدعية المشهورة المأثورة عنهم ثم قال:"وما يروى في ذلك فضعيف لا يصلح حجة في باب العقائد"

(4)

.

(1)

الهداية: 4/ 96، وتبيين الحقائق: 6/ 31، ورد المحتار مع حاشية ابن عابدين: 5/ 396، والفتاوى الهندية: 5/ 318، ونقل هذا القول عن ابن عابدين السمنودي في سعادة الدارين ص:167.

(2)

حاشية ابن عابدين على رد المحتار: 5/ 396.

(3)

المصدر نفسه: 5/ 396.

(4)

الإبداع في مضار الابتداع: 212.

ص: 653

وإذا اتضح أن المنع من التوسل بغير أسماء الله تعالى وصفاته - هو مذهب أبي حنيفة وأصحابه، وأنهم اتفقوا في منع مثل "بحق أنبيائك ورسلك" بدون اختلاف فيما بينهم تبين كذب من زعم أن ابن تيمية هو الذي ابتدع منع التوسل بالذوات.

وأن العلماء مجمعون على جوازه، كما ادعى ذلك السبكي

(1)

والنبهاني

(2)

. والكوثري الذي قال: "وقد جرى عمل الأمة على التوسل والزيارة إلى أن ابتدع إنكار ذلك - الحراني فرد أهل العلم كيده في نحره

(3)

.

ومن العجب العجاب أن الكوثري متفان في تقليد أبي حنيفة في الفروع والدفاع عنه ولو أدى ذلك إلى اتهام بعض الصحابة كما فعل مع أنس بن مالك

(4)

، ومن هنا لقبه بعض أصدقائه بمجنون أبي حنيفة

(5)

.

ومع هذا كله يترك تقليد أبي حنيفة في الأصول كما هو شأن المقلدين المتأخرين، فهذه المسألة التي نحن بصددها خير شاهد على ما نقول.

فقد اتضح بدون أدنى شك أن مذهب أبي حنيفة المنع من التوسل البدعي، وهذا منقول عن أبي حنيفة في أغلب كتب علماء الحنفية. وقد تقدمت الإشارة في الحاشية إليها، ويبعد كل البعد ألا يطلع الكوثري على تلك الكتب الحنفية لأن المسألة مذكورة في أغلب كتبهم، والكوثري

(1)

شفاء السقام: 171.

(2)

شواهد الحق: 54 - 55، ونحو هؤلاء الداجوي فإنه ادعى الإجماع على ذلك أيضًا كما في إرشاد الناظر:231.

(3)

المقالات للكوثري: 397.

(4)

انظر التنكيل: 1/ 65 وما بعدها.

(5)

بدع التفاسير: 179 الهامش، وانظر رسالة في الذب عن أبي الحسن الأشعري: 127 الهامش.

ص: 654

حريص على فقههم، ويرى أن له ميزات على غيره من المذاهب

(1)

.

فكيف يمكن عدم اطلاعه على تلك النصوص في تلك الكتب؟

والظاهر أن الهوى وبغضه لشيخ الإسلام ابن تيمية هو الذي حمله على ما قال، وأعماه عن تقليد إمامه في هذه المسألة وغيرها من مسائل أصول العقيدة والله أعلم.

ومثل الكوثري البوطي فإنه قال: "وأما ما يتعلق بالتوسل بجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره من الصالحين والمقربين، فلا نعلم أي نقاش أو بحث دار حول ذلك في عصر السلف بقرونه الثلاثة المشهود لها بالفضل"، ثم ذكر بعض الأحاديث التي يتعلق بها من يجيز التوسل البدعي ثم قال:"والمهم أن هذا هو كل ما وصلنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وبقية السلف في شأن التوسل، وظل الأمر على ذلك حتى جاء الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى ففرق بين التوسل بالأنبياء والصالحين في حال حياتهم والتوسل بهم بعد موتهم فأجاز ذلك بهم في الحالة الأولى وحرمه في الحالة الثانية، ولا ندري لهذا التفريق أي مستند يرجع إلى عصر السلف"

(2)

.

ثم زعم أن أدلة التوسل في حال الحياة مطلقة تجري على إطلاقها

(3)

.

وفي هذا الكلام الذي ذكره البوطي عدة دعاوي:

1 -

إن السلف لم يتكلموا في هذا الموضوع.

2 -

إن ابن تيمية هو المبتدع لهذا الكلام.

3 -

إنه فرق بين الحالتين الحياة والموت.

(1)

انظر ما كتبه في ذلك في تقدمته لنصب الراية للزيلعي من ص: 17 - 60 وهي المطبوعة مفردة بتحقيق أبو غدة بعنوان فقه أهل العراق وحديثهم.

(2)

السلفية مرحلة مباركة: 154 - 155.

(3)

المصدر نفسه: 156.

ص: 655

4 -

إنه لا دليل على هذا التفريق.

5 -

بل الدليل على عدم التفريق لإطلاق أدلة التوسل التي تعم الحالتين.

‌الجواب عن هذه الدعاوي:

إن هذه الدعاوي التي ادعاها البوطي غير صحيحة بل هي باطلة وبيان ذلك كالآتي:

أ - أما ما ادعاه من عدم كلام السلف في هذا الموضوع فغير صحيح لما عرفت من كلام أبي حنيفة وأصحاب مذهبه.

ثم من غير الحنفية قد تكلم فيه آخرون منهم العز بن عبد السلام فقد تكلم في هذه المسألة وأشار إلى حديث الضرير وأنه إن صح فهو مقصور على النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

. وهو قبل شيخ الإسلام ابن تيمية فإنه توفي عام 660 هـ.

وبهذا اندفعت الدعوتان الأوليتان فثبت أن ابن تيمية ليس مبتدعًا تلك المسألة وليس أول قائل بها بل سبقه أبو حنيفة وأصحابه والعز بن عبد السلام وقد يكون هناك آخرون لم نطلع على كلامهم، بل شيخ الإسلام ابن تيمية يمنع من إحداث قول لم يسبق إليه من السلف، فتبين بهذا أنه متبع للأدلة متبع ولكلام السلف وليس مبتدعًا.

ب - والتفريق بين الحالتين الذي ادعاه غير حاصل وذلك للأمور التالية:

(1)

فتاوى العز بن عبد السلام: 126 - 127، والأزهية: 173 - 174، وفيض القدير: 2/ 134 - 135، وفتاوي ابن تيمية: 1/ 141، وقاعدة في التوسل:147.

ثم إني رأيت في فتاوى ابن رشد أبي الوليد (ت 520 هـ) مثل كلام ابن عبد السلام، فصرح بأنه خاص به صلى الله عليه وسلم إن صح الحديث. فيكون ابن رشد سبق العز وابن تيمية كليهما لكني لم أجد أحدًا ذكر كلام ابن رشد وهذا مما جعل في صحة هذه الفتوى عن ابن رشد شكًا، ولكن مما يقوي ثبوتها عنه ما نقله محقق الكتاب د. المختار التليلي أن هذه المسألة توجد في بعض كتب المالكية: المعيار للونشريسي: نوازل الجامع: 12/ 314.

انظر: فتاوى ابن رشد القرطبي: 3/ 1622 رقم 640.

ص: 656

1 -

إن التوسل الذي أجازه ابن تيمية غير التوسل الذي منعه وهذا يعرف مما سبق لنا ذكره في تعريف التوسل.

2 -

إن ابن تيمية لا يعلق الحكم على الحياة والموت وإنما مدار الحكم عنده على المشروع الوارد فما ورد في الشرع أجازه، وما لم يرد منعه لأن الدعاء عبادة توقيفية، والدليل على ذلك أن ابن تيمية لا يجيز التوسل بالحي الغائب لأنه لم ينقل أن الصحابة في غزواتهم وهجراتهم توسلوا بالنبي صلى الله عليه وسلم الغائب عنهم والذي لم يدع لهم، فلو كانت المسألة تدور على الحياة والموت لأجاز التوسل بالحي الغائب.

3 -

ثم إن الفرق بين حالتي الحياة والموت -واضح جدًا، وأمر منطقي تقتضيه الأدلة الشرعية والعقلية فليس بصحيح قوله إنه لا دليل على الفرق بين الحالتين وسيأتي بيان الفرق بين الحالتين إن شاء الله تعالى

(1)

.

د - إن ادعاء الإطلاق في الأدلة فيه نظر لا يخفى، فهل يريد به أنها مطلقة ولم تقيد بحال الحياة؟ فهذا غير مقبول، فإن حديث الضرير الذي استدل به - في حال الحياة، مع العلم بأنه ليس توسلًا بالغائب فضلًا عن الميت بل هو توسل بالحاضر، وحديث التوسل بالعباس على نقيض دعواه كما هو واضح لأنه توسل بالحاضر، وحديث فاطمة بنت أسد موضوع، وحديث مالك الدار منكر، فلو صح يمكن الاستدلال به فقط دون غيره من الأدلة، فلم يبق مما استدل به إلا ما زعمه من الاستدلال على التوسل بالتبرك الواقع من الصحابة بعرقه صلى الله عليه وسلم وشعره ووضوئه، فهذا التبرك صحيح، ولكن الفرق واضح بين التوسل والتبرك، وذلك لأن التوسل لا يستلزم حضور المتوسل به، وأما التبرك فيقتضي حضور الشيء المتبرك به

(2)

.

(1)

سيأتي ص: 850.

(2)

انظر مناقشة الألباني للبوطي في خلطه بين التوسل والتبرك في كتاب الشيخ الألباني: دفاع عن الحديث النبوي والسيرة ص: 77 - 78، وذكر الألباني أيضًا أنهما يفترقان في أن التبرك يرجى به الخير العاجل وأن التوسل عام في العاجل والآجل، كما أن التوسل لا يستعمل إلا الدعاء.

انظر التوسل أنواعه وأحكامه ص: 158.

ص: 657

وسيأتي تفصيل مناقشة هذه الشبهات التي أجبنا عليها إجمالًا في الباب الرابع إن شاء الله تعالى. .

وقد اتضح مما تقدم -ولله الحمد- أن التوسل بالذوات في الدعاء بدعة، وأن الأدلة الكثيرة تشهد ببدعيته، وأن كثيرًا من العلماء منعوه منهم الإمام أبو حنيفة وأصحابه، وأن شيخ الإسلام ابن تيمية لم ينفرد بمنعه.

‌النوع الثالث: الأحزاب والأوراد الراتبة:

إن الدعاء عبادة وهي توقيفية، فلا يجعل ما كان مطلقًا مقيدًا وبالعكس، ومع ذلك قد التزم أناس بأدعية معينة في أوقات معينة على هيئات خاصة من الاجتماع وغير ذلك، وانتشر هذا في كثير من الناس، حتى صار كثير من المتصوفة والمتفقرة وكثير من العامة لا يعرفون إلا الأدعية المبتدعة.

وأما الأدعية الصحيحة الثابتة فلا يستعملها إلا المتمسكون بالسنّة وقليل ما هم.

وأما الآخرون فلكل شيخ طريقة دعاء خاص، يسمى بحزب فلان أو ورده، فأتباع ذلك الشيخ يحافظون عليه قراءة وتبركًا وتقديسًا أشد من محافظتهم على القرآن الكريم، وهذا ليس مبالغة بل هو الواقع المرير.

فقد ألزموا أنفسهم أو ألزموا أن يقرأوا لكل يوم حزبًا معينًا، فإذا يجب أن يقضى.

وكل أهل طريقة يرون أن حزبهم أفضل من الأحزاب الأخرى، بل جاوز بعضهم هذا إلى أن فضل حزبه المخترع على القرآن الكريم بستة آلاف مرة، فقد ادعى التيجاني الكذاب الدجال أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن فضل صلاة الفاتح، فأخبرني "أولًا بأن المرة الواحدة منها تعدل من القرآن ست مرات، ثم أخبرني ثانيًا بأن المرة الواحدة منها تعدل من كل تسبيح وقع في الكون ومن كل ذكر ومن كل دعاء كبير أو صغير، ومن القرآن ستة

ص: 658

آلاف مرة لأنه من الأذكار

(1)

.

كما أن التيجانيين يعتقدون أنها من كلام الله تعالى، وأنها وردت من الحضرة القدسية مكتوبة بقلم القدرة في صحيفة نورانية، وأنها لم تكن من تأليف أحد من البشر، وإنما هي من كلام الله تعالى كالأحاديث القدسية

(2)

.

بل وصل الأمر إلى أن قالوا: "من لم يعتقد أنها -أي صلاة الفاتح- من القرآن لم يصب الثواب فيها"

(3)

.

وأما وجه كون هذه الأحزاب والأوراد بدعة فهو كونها راتبة مقيدة بوقت خاص فلكل يوم ورد خاص فلا يدعي في ذلك اليوم بورد اليوم الآخر.

فأشبه شيئًا مشروعًا فكأن الشيخ الذي وضعه صار مُشَرعًا لا يجوز تجاوز ما وضعه.

فمثل هذا يسمى بدعة إضافية من حيث إن أصل الدعاء مشروع ولكن التقييد ليس مشروعًا، فصار بدعة من حيث التقييد والتخصيص، فالبدعة الإضافية لها جهتان: جهة أصل المشروعية وجهة الكيفية، قال الإمام الشاطبي رحمه الله:

وأما البدعة الإضافية فلها شائبتان: إحداهما لها من الأدلة متعلق فلا تكون من تلك الجهة بدعة، والأخرى ليس لها متعلق إلا مثل ما للبدعة الحقيقية، وسميت إضافية لأنها لم تتخلص لأحد الطرفين فهي من جهة

(1)

جواهر المعاني: 1/ 136، والتحفة السنية بتوضيح الطريقة التيجانية ص: 55، والأنوار الرحمانية ص:25.

(2)

رماح حزب الرحيم بهامش الجواهر: 2/ 139 و 60، وجواهر المعاني: 1/ 137 - 138.

(3)

الأنوار الرحمانية ص: 28 نقلًا عن الإفادة الأحمدية ص: 80.

ص: 659

الأصل لها دليل قائم، ومن جهة الكيفيات أو الأحوال أو التفاصيل لم يقم عليها دليل، مع أنها محتاجة إلى الدليل أيضًا في الكيفيات

(1)

.

فمن هنا لا يقال: لا مانع من الأدعية المبتدعة ما لم تشتمل على المحظور من الاعتداء وغيره، لأننا نقول: إن الدوام على الأدعية وملازمتها مدة طويلة يجعلها سنة راتبة ويجعلها في مصاف الأدعية المشروعة.

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "الأذكار والدعوات من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على الاتباع، وليس لأحد أن يسن منها غير المسنون ويجعله عادة راتبة يواظب الناس عليها، بل هذا ابتداع دين لم يأذن به الله بخلاف ما يدعو به المرء أحيانًا من غير أن يجعله سنة"

(2)

.

ثم إن هذه الأحزاب لو كانت خالية مما يقارنها من أنواع البدع لا يشك مسلم أن الأفضل والأحسن أن يلتزم الأكمل والأفضل وهي الأدعية النبوية "فإنها أفضل وأكمل باتفاق المسلمين من الأدعية التي ليست كذلك وإن قالها بعض الشيوخ -فكيف يكون في عين الأدعية ما هو خطأ أو إثم أو غير ذلك، ومن أشد الناس عيبًا من يتخذ حزبًا ليس بمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان حزبًا لبعض المشايخ، ويدع الأحزاب النبوية التي كان يقولها سيد بني آدم وإمام الخلق، وحجة الله على عباده"

(3)

فالمتخذ حزبًا مبتدعًا قد استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.

والأدعية والأوراد التي عند بعض المتصوفة قد تضم إلى كونها مبتدعة اشتمالها على الشرك والاعتداء في الدعاء والتوسل البدعي، كما يقارئها أنواع أخر من البدع والمفاسد.

(1)

الاعتصام للشاطبي: 1/ 286 - 287.

(2)

ملحق المصنفات ص: 46.

(3)

الفتاوى: 22/ 525، وانظر نحوه في قواعد الأحكام: 2/ 171.

ص: 660

1 -

فمن اشتمالها على الشرك: أنهم ذكروا

(1)

أنه ينبغي للمريد أثناء الذكر استحضار صورة الشيخ في القلب، والتصور بأن عموداً من النور يخرج من قلبه، ويدخل قلب المريد ويسمون هذا استمداداً، أي الشيخ يهدي القلب ويمده بالهداية، وهذا كفر صريح.

ومن العجب أنه وصل الأمر ببعضهم إلى استحضار صورة الشيخ أثناء الصلاة بحجة منع الوسواس

(2)

.

وهذا الاستحضار يسمى عندهم بالمراقبة، استبدلوا مراقبة الله تعالى الذي هو الإحسان الوارد في حديث جبريل عليه السلام بمراقبة الشيخ واستحضاره، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ومن أمثلة أحزاب وأوراد المتصوفة التي فيها الشرك الصريح مع الاعتداء ما جاء في وظيفة ابن مشيش وهي:

"اللهم انشلني من أوحال التوحيد وألقني في بحار الوحدة"

(3)

فتوحيد الرسل أوحال من الطين فيدعو الله أن ينشله منها، كما أنه يدعو بإغراقه في بحار الوحدة فيتحد مع الله تعالى عما يقول الظالمون

(4)

، وهذه الوظيفة يلازمها المبتدعة ليل نهار، قال الشيخ عبد الرحمن الوكيل يخبر عن ذكرياته في الصبا: "وما زال الصبي يذكر أن صلوات ابن بشيش، ومنظومة الدردير كانتا أحب التراتيل إلى أولئك الشيوخ -أي شيوخ قريته-

(1)

انظر جواهر المعاني: 1/ 123، والتحفة السنية: 39 والسراج المنير: 39، ورماح حزب الرحيم: 2/ 2.

(2)

السراج المنير: 65 - 66، وانظر ما ذكره الشقيري في السنن والمبتدعات ص: 188، وما ذكره صاحب الصلة بين التصوف والتشيع ص: 437 من استحضار صورة الأئمة عند النطق بتكبيرة الإحرام، وانظر ما ادعاه العزامي من تذكر المريد لأستاذه: البراهين الساطعة: 450 - 455.

(3)

التصوف بين الحق والخلق: 83 نقلاً عن الوظيفة التي طبعها الصوفية الشاذليون، ومصرع التصوف ص:3.

(4)

مصرع التصوف الهامش ص: 243.

ص: 661

وما زال يذكر أن أصوات الشيوخ كانت تشرق بالدموع وتئن فيها الآهات حين كانوا ينطقون من الأولى: "اللهم انشلني من أوحال التوحيد!! " ومن الثانية: "وجد لي بجمع الجمع منك تفضلاً" يا للصبي الغرير التعس المسكين

فما كان يدري أنه بهذه الصلوات المجوسية يطلب أن يكون هو الله هوية وماهية وذاتاً وصفة، ما كان يدري ما التوحيد الذي يضرع إلى الله أن ينشله من أوحاله ولا ما جمع الجمع الذي يبتهل إلى الله أن يمن به عليه؟ "

(1)

.

فالصلاة البشيشية لها قدر عظيم عند الصوفية حيث يعتنون بها أشد الاعتناء، ومن مظاهر اعتنائهم أنهم يأخذون إجازتها عن شيوخهم ويهتمون بتلك الإجازة حتى وصل الأمر أن ادعوا أن من طرقها الإجازية ما كان من طريق الخضر عليه السلام عن عبد السلام بن مشيش صاحبها

(2)

، فقد جعلوا الخضر الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمنى أن يصبر موسى ليقص الله علينا من أخباره جعلوه يأخذ الإجازة عن ابن بشيش، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ب - ومن اشتمالها على الاعتداء في الدعاء ما يوجد في تلك الأدعية من سوء مناجاة الله تعالى وخطابه حيث يطلبون من الله تعالى ما لا يليق بهم، كمنازل الأنبياء وتعطيل الأمر والنهي نحو الذي يوجد في حزب البحر للشاذلي من قوله:"اللهم اعصمني في الحركات والسكنات" فهذا طلب للعصمة وهي من منازل الأنبياء

(3)

، قال شيخ الإسلام: "ويوجد في كلامه -أي الشاذلي- وكلام غيره، أقوال وأدعية وأحزاب، تستلزم تعطيل الأمر والنهي، مثل أن يدعو أن يعطيه الله إذا عصاه أعظم مما يعطيه إذا أطاعه، ونحو هذا مما يوجب أنه يجوز عنده أن يجعل الذين اجترحوا

(1)

مقدمة مصرع التصوف: 3.

(2)

انظر روح المعاني: 15/ 327.

(3)

انظر روح المعاني: 11/ 148 فقد حاول الألوسي تأويله بأنه طلب الحفظ من الذنب مع إمكانه، ونحوه في جلاء العينين نقلاً عن الشعراني ص:83.

ص: 662

السيئات كالذين آمنوا وعملوا الصالحات بل أفضل منهم، ويدعون بأدعية فيها اعتداء كما يوجد في حزب الشاذلي"

(1)

.

ولا يقولن قائل: إن تلك الأحزاب هي أذكار وتسابيح وتحاميد وليست من الدعاء الذي نحن نبحث فيه، وذلك لعدة أمور منها ما تقدم في تعريف الدعاء من ترادفهما أو تلازمهما، ومنها أن تلك الأحزاب الشاذلية بالخصوص وغيرها بالعموم ممزوجة بالدعاء.

يقول الدكتور عبد الحليم محمود في ثنائه على طريقة الشاذلي في الذكر: "وكانت طريقته في أكثر الأحيان أن يمزج الذكر بالدعاء

"

(2)

.

ومع هذا الاعتداء السافر الذي هو منهي عنه في الدعاء، فالصوفية يفضلون أحزابهم وأورادهم على الأدعية المأثورة كما يفضل كل شيخ حزبه ويذكر له خصوصية، فمن ذلك أن الشاذلي كان يحبذ قراءة أحزابه فمما قال في حزبه الكبير:"من قرأه كان له ما لنا وعليه ما علينا"

(3)

ويقول في حزب البحر: "حفظوه لأولادكم فإن فيه اسم الله الأعظم"

(4)

مع أن حزب البحر تراكيبه العربية غير مستقيمة في بعض المواضع من ناحية المعنى ولا ترابط بينها.

وهناك أوائل السور المبدوءة بالحروف المقطعة

(5)

، مع أن مثل هذه الحروف المقطعة لم ترد في الأدعية المأثورة.

ومثل الشاذلي التجاني، فقد ادعى لصلاة الفاتح إتيان الملك بها ومعادلتها للقرآن مرات، كما ادعى لجوهرة الكمال أفضليتها على جميع

(1)

الفتاوى: 14/ 358 - 359 و 8/ 232، وملحق المصنفات:38.

(2)

أبو الحسن الشاذلي: 152.

(3)

أبو الحسن الشاذلي: 153 و 176.

(4)

المرجع نفسه ص: 43.

(5)

انظر تلك التراكيب وأوائل السور في المرجع نفسه: 168 - 169.

ص: 663

العبادات

(1)

، مع أن جوهرة الكمال المزعومة كلام ركيك وفيها كلمات لا يستقيم بناؤها على القواعد العربية مثل الصراط الأسقم والمطلسم.

قال الشيخ تقي الدين الهلالي رحمه الله: "وأنت إذا نظرت في كلمات هذه الصلاة -من أولها إلى آخرها- وجدتها في غاية البعد عن الكلام الفصيح ولم تستبعد صدور الأسقم والمطلسم من مؤلفها"

(2)

.

جـ - وتشتمل تلك الأوراد والأحزاب على التوسل المبتدع، فهو كثير في تلك الأحزاب وكلما تأخر الزمان واشتدت غربة الإسلام كثر انتشاره في أحزاب متأخري الصوفية، وقلدهم العوام، ثم انتشر هذا الوباء حتى في أدعية الفقهاء المتأخرين.

ومن دعاء الشاذلي -إن صح- "اللهم إني أسألك بجاه محمد المصطفى، وإبراهيم الذي وفي، وبحرمة كل رسول ونبي، وصديق وولي وشهيد، وصالح، وتقي

"

(3)

.

ويقول في حزب الفتح: "أسألك بحرمة الأستاذ بل بحرمة النبي الهادي صلى الله عليه وسلم، وبحرمة الاثنين، والأربعة، وبحرمة السبعين والثمانية، وبحرمة أسرارها منك إلى محمد رسولك

"

(4)

.

د - ثم إن الأحزاب والأوراد الصوفية يقترن بها مع بدعيتها أشياء أخرى من المحاذير والمفاسد والبدع الأخرى، ومن ذلك:

1 -

أن المريد الصوفي يبقى في هذه الأوراد سنين عديدة يكررها فيتعودها فتصير له عادة، وطبعاً لا يتنبه عند قراءتها فيغفل عن ذكر الله تعالى.

(1)

الجواهر: 1/ 136، 138، والرماح 2/ 82، والسنن والمبتدعات: 245 نقلاً عن شرح صلوات الدردير ص: 37.

(2)

الهدية الهادية: 111 والتحفة: 62.

(3)

أبو الحسن الشاذلي: 157.

(4)

أبو الحسن الشاذلي: 165.

ص: 664

فأما لو لم يقيد نفسه بهذه الأوراد التي ما أنزل الله بها من سلطان وذكر الله تعالى ودعاه بما حضر له متى وجد نشاطاً وهمة وإقبالاً على الله تعالى فإن ذلك يكون له تأثير على نفسه وعلى قبول دعوته.

2 -

أنهم يأخذون العهد من المريد لئلا يترك فيوجبون عليه شيئاً لم يكلفه الله، فربما يقع في حرج شديد إن لم يتركها

(1)

.

3 -

إن بعضها يكتنفه الغموض

(2)

والخفاء فلا يدري ما معناه؟ فعندهم إشارات غامضة تارة إلى وحدة الوجود، وتارة إلى رفع التكليف، وتارة إلى الحب والغرام.

4 -

إنهم يجتمعون لقراءة تلك الأحزاب بصوت واحد ويرفعون أصواتهم على نغمات معينة، وقد يصحب ذلك الصفق بالأيدي والضرب بالدف مع تمايل وتكسر وصياح حتى يغمى على بعضهم إلى غير ذلك مما هو معروف.

وأشهر كتاب عندهم في الأدعية والأذكار والصلاة والسلام على النبي المختار صلى الله عليه وسلم هو كتاب دلائل الخيرات" وهذا الكتاب متداول بكثرة بين الناس حتى أن بعض الفقهاء يروونه بالإجازات

(3)

.

وهذا الكتاب مشتمل على اعتداء في الدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم زيادة على ما يترتب على التزام صيغة مبتدعة من الصلاة واعتقاد أنها أفضل من الصيغ الواردة في الصلاة والسلام، واعتقاد أن تلك الصيغ فيها

(1)

انظر عن هذين المحذورين إتحاف السادة المتقين: 5/ 26 - 27.

(2)

انظر ما ذكره أحمد صبحي عن حزب الدسوقي والبدوي من تشابههما في الغموض والإشارة إلى الغرام في كتابه السيد البدوي ص: 103.

(3)

انظر ما ذكره علماء ديوبند في كتابهم في عقيدتهم المسمى المهند على المفند ص: 42 بأن شيوخهم يرون قراءته وروايته بالإجازة وما ذكر في مقدمة مقالات الكوثري من إجازاته لكتاب الدلائل ص: 72، وقطف الثمر في رفع أسانيد المصنفات للفلاني ص:244.

ص: 665

خصائص وميزات ما أنزل الله بها من سلطان، وربما اعتقد بعضهم فضله على القرآن

(1)

، وإن لم يصرح بلسانه ولكنه عملياً يفضل حيث يلازم قراءته ويعتني به أكثر من القرآن.

ومن أمثلة الاعتداء الذي في دلائل الخيرات قوله في ثلاثة مواضع: "اللهم صل على سيدنا محمد عدد معلوماتك وأضعاف ذلك"

(2)

، ففي هذا جعل معلومات الله معلومات محدودة

(3)

.

وقوله: "اللهم صلِّ على سيدنا محمد حتى لا يبقى من الصلاة شيء" وقوله: "اللهم ارحم سيدنا محمداً حتى لا يبقى من الرحمة شيء" وقوله: "اللهم بارك على سيدنا محمد حتى لا يبقى من البركة شيء".

ثم في الكتاب أشياء عليها لوائح الوضع والكذب مثل حزب يوم الجمعة، وثواب من قرأه، ذكر أن له ثواب حجة مقبولة وعتق رقبة من ولد إسماعيل، وإعطاء قصر في الجنة بكل حرف، وأن وجهه كالقمر وكفه في كف حبيبي محمد صلى الله عليه وسلم.

وهذا الحزب قال شارح الدلائل: العمدة في ذلك على المؤلف فلم يجدوا له أصلاً غير ما ذكره المؤلف

(4)

.

الخلاصة: أن الالتزام بالأحزاب والأوراد التي لم يرد بها الشرع -بدعة- وأن الأولى التزام الأدعية المأثورة، فالأوراد المبتدعة فيها مفاسد جسيمة من الاشتمال على الشرك أو الاعتداء أو غير ذلك.

‌النوع الرابع: الأدعية الجَمَاعية:

وهي الأدعية التي يدعو بها جماعة من الناس على كيفية معينة أو

(1)

الرسائل الشخصية ص: 37.

(2)

و

(3)

السراج المنير: 28.

(4)

السنن والمبتدعات: 241.

ص: 666

يدعو واحد منهم ويُؤمِّن الآخرون على دعائه، وهي أدعية كثيرة نذكر بعضها على سبيل الإيجاز.

1 -

الأدعية الجَمَاعية بعد الصلوات:

فالدعاء في أثناء الصلاة لا سيما في السجود، وفي التشهد الأخير، مشروع ومتفق عليه، فهو أولى بدون شك.

وأما الدعاء بعد الفراغ من الصلاة فقد اختلف فيه، فمن قائل باستحبابه ومن قائل بعدم ذلك

(1)

.

والذي تدل عليه أحاديث صفة النبي صلى الله عليه وسلم وأنَّه لم يكن يداوم على ذلك لأنَّه لو كان يداوم عليه لنقله من نقل صفة صلاته صلى الله عليه وسلم، ويدل على أصل مشروعيته أدلة أخرى مثل قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: أوصيك يا معاذ لا تدعن في

(1)

قد بوب البخاري في صحيحه في كتاب الدعوات بابين بعنوانين: أحدهما: باب الدعاء في الصلاة، وثانيهما: باب الدعاء بعد الصلاة. انظر البخاري مع الفتح: 11/ 131، 132، وكذلك فعل ابن خزيمة أيضاً في صحيحه فقد عقد باباً بعنوان باب جامع الدعاء بعد السلام، وأورد ثلاثة أحاديث ثم بوب بعنوان باب التعوذ بعد السلام، وأورد حديثين، ثم بوّب باب الأمر بمسألة الرب في دبر الصلاة فذكر حديثاً. انظر صحيح ابن خزيمة " 1/ 366 - 369".

وهذا الصنيع من البخاري وابن خزيمة يدل على أنهما يريان مشروعية الدعاء بعد الصلاة.

وأما ابن القيم فقد نفى ثبوت الدعاء بعد الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم مطلقاً، انظر زاد المعاد: 1/ 257، وجلاء الأفهام: 175 - 176، وربما يفهم نحوه من كلام شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى: 1/ 199 - 206، وقد ناقش الحافظ ابن حجر ابن القيم في نفيه ثبوت الدعاء مطلقاً فأورد خمسة أحاديث تدل على الدعاء بعد الصلاة. انظر الفتح: 11/ 133.

ولكن ابن القيم ذهب إلى أفضلية الدعاء في الصلاة فقط في رسالته في الصلاة ص: 152 فإنه قال بعد ذكر التشهد الأخير: "والدعاء في هذا المحل قبل السلام أفضل من الدعاء بعد السلام وأنفع للداعي"، وهذا كما هو واضح لا ينفي ثبوت الدعاء بعد السلام وإنما ينفي الأفضلية.

ص: 667

دبر كل صلاة أن تقول: "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"

(1)

.

وقد مال ابن القيم رحمه الله إلى أنه لا بأس بالدعاء بعد الفراغ من الصلاة ولكن بعد أن قدم بين يدي دعائه الأذكار المشروعة بعد السلام

(2)

.

هذا الذي تقدم في الدعاء بعد الصلاة بدون اجتماع عليه، وأما إذا اجتمعوا عليه بأن يدعو الإمام أو أحد المصلين ويؤمن الآخرون كما هو منتشر في كثير من بلدان المسلمين فهو بدعة إلا إن وقع أحياناً فيجوز.

وأما إذا كان دائماً بعد كل صلاة فهو بدعة لأنَّه لم يعهد ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته والسلف الصالح

(3)

.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: "الاجتماع على القراءة والذكر والدعاء حسن مستحب إذا لم يتخذ ذلك عادة راتبة كالاجتماعات المشروعة ولا اقترن به بدعة منكرة"

(4)

.

وقد روي عن الإمام أحمد رحمه الله أنه أجاز الدعاء للإخوان إذا اجتمعوا بدون تعمد مسبق، وبدون الإكثار من ذلك حتى لا يصير عادة تتكرر

(5)

.

(1)

أخرجه أبو داود: 2/ 181 رقم 1522، والنسائي: 3/ 45 رقم الباب: 60، وفي عمل اليوم رقم 109، وأحمد 5/ 245، 247، وابن خزيمة: 1/ 369 رقم 751، والحاكم: 1/ 273، وصححه ووافقه الذهبي وصححه الألباني في صحيح الجامع: 6/ 304 رقم 7846.

(2)

زاد المعاد: 1/ 258.

(3)

الفتاوى الكبرى المصرية: 1/ 188 - 189 و 210، أو مجموعة ابن قاسم: 22/ 492 - 504، 511، 508 - 523، واقتضاء الصراط: 303 - 307، والاعتصام للشاطبي فقد توسع في هذه المسألة وبينها بياناً شافياً، انظر منه: 1/ 27، وانظر كلاماً طويلاً له ذكر قواعد مهمة من: 1/ 349 - 2/ 52 و 2/ 351، وكذلك ذكره الشاطبي في فتاواه ص: 127 - 128.

(4)

الفتاوى الكبرى المصرية: 1/ 210، أو مجموع الفتاوى لابن قاسم: 22/ 523، ونحوه في: 20/ 196.

(5)

الاقتضاء: 304.

ص: 668

وقال الإمام الشاطبي رحمه الله:

"لو فرضنا أن الدعاء بهيئة الاجتماع وقع من أئمة المساجد في بعض الأوقات للأمر يحدث عن قحط أو خوف من ملم لكان جائزاً. . . إذا لم يقع ذلك على وجه يخاف منه مشروعية الانضمام، ولا كونه سنة تقام في الجماعات ويعلن به في المساجد كما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء الاستسقاء بهيئة الاجتماع وهو يخطب

"

(1)

.

فأصل الدعاء عقب الصلوات بهيئة الاجتماع بدعة وإنما يباح منه ما كان لعارض كقنوت النازلة.

وإنما كان هذا الدعاء بعد الصلوات بهيئة الاجتماع بدعة، مع ثبوت مشروعية الدعاء مطلقاً وورود بعض الأحاديث بمشروعية الدعاء بعد الصلوات خاصة لما قارنه من هذه الهيئة الاجتماعية ثم الالتزام بها في كل الصلوات حتى تصير شعيرة من شعائر الصلاة.

فقد وصل الأمر في بعض البلاد إلى أن اعتقد الجهال بأن الدعاء بعد الصلوات بالصورة الجَمَاعية من مستحبات الصلاة، مثل الراتبة التي تصلى بعد الصلاة أو أوكد منها.

فإذا لم يدع لهم الإمام -بعد الصلاة- يرون أن صلاتهم ناقصة ويسيئون الظن فيه ويتهمونه بأنواع من التهم، فهذه المفسدة إنما حصلت من التزام الأئمة بالدعاء عقب الصلوات في تلك البلدان.

فأما لو دعا الإمام بعض الأحيان مثل أن تقع نازلة فيدعو بها عقب الصلوات وأَمَّن على ذلك المأمومون ففي هذه الحالة لا يكون الدعاء

(1)

الاعتصام: 2/ 23. وذكر ابن نجيم الحنفي في الأشباه والنظائر: 382 - 384 أن الاجتماع للدعاء للنوازل مختلف فيه فمن العلماء من يراه بدعة ومنهم من يرى الجواز.

ص: 669

بدعة، فيكون مثل ما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم بالاستسقاء في خطبة الجمعة عندما طلب منه الأعرابي ذلك

(1)

.

2 -

ومثل الدعاء عقب الصلوات -الدعاء للأئمة في خطبة الجمعة. فقد نص العلماء على أن الالتزام به في كل خطبة بدعة وأما لو دعا لهم للحاجة فليس ببدعة

(2)

.

وأتت بدعيته من جهة الالتزام وعدم الترك -لأن ذلك يؤدي إلى الاعتقاد بأنه من شروط الخطبة وأنَّه شعيرة من شعائره، مع أن أصل الدعاء للأئمة مشروع ومطلوب، فإن إمام المسلمين أحق من يدعي له؛ لأن بصلاحه صلاح الأمة، فالدعاء له دعاء للأمة.

3 -

ومثل ذلك الاجتماع للدعاء بصفة دورية في مكان معين فقد عده كثير من العلماء من البدع

(3)

.

(1)

انظر تخريجه ص: 298.

(2)

انظر الاعتصام: 1/ 27 - 28، وفتاوى العز بن عبد السلام ص: 47 - 48.

(3)

قد تقدم ذكر إنكار أبي موسى وابن مسعود على القوم الذين يجتمعون للذكر ص: 477، وقد أنكر الإمام الحسن البصري على الذين يجتمعون للدعاء في بيت معين كما في البدع لابن وضاح ص: 14 كما ذكر في ص: 19، إنكار عمر بن الخطاب على من يجتمع للدعاء للمسلمين وللأمير وتقدم ص، وانظر ما ذكره الطرطوشي في الحوادث ص: 62 - 68، من كراهة مالك للاجتماع لختم القرآن في ليلة من ليالي رمضان كما ذكر كراهة مالك للدعاء عقب الفراغ من قراءة القرآن بصورة جماعية ص: 63، وانظر كلام الإمام أحمد وغيره في اقتضاء الصراط: 304 - 307، وقد تقدم ص 478 حكاية النخعي عن الصحابة والتابعين عدم طلب الدعاء بعضهم من بعض. وقد نقل الشاطبي في فتاواه كراهة مالك الاجتماع لقراءة الحزب وقوله: إنه شيء أحدث وأن السلف كانوا أرغب في الخير فلو كان خيراً لسبقونا إليه ثم نقل ما ذكره الطرطوشي عن مالك من كراهته الاجتماع لختم القرآن في رمضان، انظر فتاوى الشاطبي: 206 - 208، وانظر موضوع الدعاء عقب ختم القرآن في الصلاة وخارجها في: رسالة مرويات دعاء ختم القرآن للشيخ بكر أبو زيد وخلاصة كلامه أن ذلك لم يثبت مرفوعاً وإنما ثبت عن أنس موقوفاً خارج الصلاة وتبعه بعض التابعين وأما في الصلاة فلم يثبت لا مرفوعاً ولا موقوفاً وروي عن فعل أهل =

ص: 670

4 -

ومن الأدعية البدعية الجماعية ما يحصل من بعض الناس في أعمال الحج من الطواف والسعي، وغيرها، حيث إن بعضهم يؤجرون من يدعو لهم ويرددون وراءه أدعية معينة لكل شوط، بدون أن يكون لكل أحد الدعاء في حاجته الخاصة التي يريدها، وقد يكون بعض هؤلاء المرددين لصوت الداعي لا يعرفون معنى ما يدعو به الداعي، إما لكونهم لا يعرفون اللغة العربية أو للأخطاء التي تحصل من الداعي وتحريفه للكلام ومع هذا يحاكونه في دعائه، وهذه الأدعية إنما جاءتها البدعية من جهتين:

الأولى تخصيص كل شوط بدعاء خاص مع عدم وروده.

الثانية: الهيئة الجماعية مع رفع صوت وحكاية ألفاظ بدون تدبر واستحضار معنى.

قال الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله:

"وأما ما أحدثه بعض الناس من تخصيص كل شوط من الطواف أو السعي بأذكار مخصوصة أو أدعية مخصوصة فلا أصل له، بل مهما تيسر من الذكر والدعاء كفي"

(1)

.

ومثل الطواف والسعي ما يقع عند الزيارة للقبر النبوي أو قبور الشهداء أو البقيع أو غير ذلك من ترديد الزائرين صوت المزورين، قال الشيخ الألباني -حفظه الله- في تعداده لبدع الزيارة في المدينة النبوية: تلقين من يعرفون بالمزورين جماعات الحجاج بعض الأذكار والأوراد عند الحجرة أو بعيداً عنها بالأصوات المرتفعة، وإعادة هؤلاء ما لقنوا

=مكة والبصرة كما روي عن الإمام أحمد وأن الدعاء في الصلاة أمر تعبدي ينبغي الوقف على النص ومورده وقد ذكر أبو المظفر السمعاني عن بعضهم أن الدعاء عند الختم بدعة حسنة، انظر الحجة في بيان المحجة: 1/ 363.

(1)

التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة ص: 35، وانظر بعض تلك الأدعية المبتدعة في مناسك الحج والعمرة للألباني ص: 50 رقم 43، 44، 46، 50، 65 - 66، 71، 104.

ص: 671

بأصوات أشد منها

(1)

. وبما تقدم اتضح أنواع الأدعية المبتدعة وبهذا القدر نكتفي في سرد أنواع الأدعية المبتدعة، وبه نختم مباحث باب الدعاء غير المشروع، ونبدأ الآن في الإجابة على بعض الشبهات التي أوردها المجيزون للدعاء غير المشروع، والله المستعان وعليه التكلان.

(1)

مناسك الحج والعمرة في الكتاب والسنة وآثار السلف للألباني ص: 63 رقم 166.

ص: 672

‌الباب الرابع في مناقشة بعض شبه المجيزين للدعاء غير المشروع

ويحتوي على تمهيد وثلاثة فصول:

التمهيد: في أنواع الشبهات وأسبابها والجواب الإجمالي عنها.

الفصل الأول: في مناقشة ما احتجوا به من الأدلة الصحيحة.

الفصل الثاني: في مناقشة ما احتجوا به من الأدلة غير الصحيحة.

الفصل الثالث: في مناقشة ردودهم وإجاباتهم عن الأدلة المانعة للدعاء غير المشروع.

ص: 673

‌الفصل الأول في مناقشة ما احتجوا به من الأدلة الصحيحة

ويحتوي على مبحثين:

المبحث الأول: ما احتجوا به من القرآن.

المبحث الثاني: ما احتجوا به من السنّة الصحيحة.

ص: 675

‌تمهيد

إن الشيطان لبس على كثير من الناس فأوقع في قلوبهم الشبهات التي أظهر لهم أنها تدل على جواز دعاء الموتى والغائبين والاستغاثة من دون الله تعالى.

وقد سعى بعض أهل الضلال بترويج تلك الشبه، فألفوا فيها رسائل تدافع عن صنيع القبوريين وأعمالهم الشركية، وتبحث لهم عن الشبهات ولو كانت أوهى من خيط العنكبوت.

فاغتر بتلك الرسائل بعض الناس وظن أن فيها حججاً وبراهين وإنما هي في الحقيقة أوهام وظنون، وخيالات، وزبالة أفكار في مقابلة ومعارضة الآيات البينات والحجج القاطعات المانعة من الدعاء غير المشروع.

وقد ظهر لي بالتتبع أنه لا يوجد لديهم دليل صحيح صريح، وإنما يوجد لهم دليل صحيح غير صريح، أو صريح ضعيف، أو مكذوب، ثم إن أغلب تلك الشبهة إنما تدل على جواز التوسل بالذوات، وأما ما يدل على جواز دعاء الموتى فقليل جداً، ولكن هؤلاء يفسرون التوسل بما يشمل الطلب من الموتى كما تقدم

(1)

. وهذا هو السبب الذي اقتضى مناقشتهم فيما يستدلون به على التوسل. والسبب الثاني أن التوسل هو السبب الرئيسي الذي جر إلى فتح باب الشرك ودعاء غير الله تعالى على

(1)

تقدم ص: 630.

ص: 677

مصراعيه كما تقدم.

فلهذا فمناقشتهم في أدلتهم في التوسل مهمة جداً لأن الخلاف فيه خلاف في أصل من أصول العقيدة، ألا وهو إخلاص الدعاء الله تعالى وليس خلافاً فرعياً لا يمس العقيدة حتى نتركهم فيما ذهبوا إليه أو نعذرهم فيما اجتهدوا فيه إن كان هناك اجتهاد.

فلهذا فإني أرى أن مناقشتهم في أدلتهم التي استدلوا بها على جواز التوسل من ضروريات البحث في هذه الرسالة، كما أن مناقشتهم فيما استدلوا به على جواز الاستغاثة بغير الله ضرورة، فكلاهما سواء لأن مآلهما واحد، ولهذا فإني عند ذكر احتجاجهم أجمع بين استدلالهم على التوسل وبين استدلالهم على الاستغاثة، فأناقش كليهما بدون تفريق، وقد أخص واحداً منهما على حسب ما يقتضيه المقام.

وهذه الشبهات قد لا يدرك مدى الحاجة إلى بيانها وكشف زيفها من يعيش في مجتمع انتشرت فيه العقيدة السلفية الصحيحة، وإنما يدرك ذلك من يعيش في بعض البلاد التي يوجد فيها من يدعو إلى دعاء الموتى والغائبين، ويلبس على العوام بتلك الشبه ويعارض بها الداعين إلى إخلاص نوعي الدعاء الله تعالى.

فالدعاة إلى التوحيد الخالص يحتاجون في مثل تلك البلاد إلى معرفة هذه الشبه وكيفية مناقشتها، حتى يستطيعوا دحضها وإبطالها فبذلك تقوم الحجة وتبرأ الذمة، ويهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة.

ومما ينبغي أن يعلم أن أصحاب هذه الشبه يتبع بعضهم بعضاً في الاحتجاج بها، ويقلد لاحقهم سابقهم بدون تبصر ولا بحث عن أدلة حتى إن بعض معاصريهم كان ينتحل كلام من سبقه من أهل مشربه بحروفه.

ص: 678

وهذا هو الذي اقتضى تتبع من احتج بهذه الشبه حتى يتضح تقليدهم الأعمى.

‌أنواع الشبهات التي احتجوا بها:

يمكن حصر تلك الشبه في أنواع ثلاثة:

‌النوع الأول

(1)

:

نصوص صحيحة مجملة غير صريحة لم يفهموها فهماً صحيحاً ولم يفقهوا ما دلت عليه، ويحتجون بها من غير فهم لمعناها، إما لجهلهم الحاصل لهم من قصورهم في أدوات الفهم أو في مقاصد الشريعة، أو للهوى الذي يُعْمِيهم عن معناها الحقيقي الذي يوافق المحكم، وهذا ما نتكلم عليه -إن شاء الله تعالى- في الفصل الأول.

‌النوع الثاني:

أدلة غير صحيحة، وقد تكون صريحة فيما يحتجون بها، وربما تكون غير صريحة، فهم يحتجون بها مع عدم صحتها؛ لأنَّه لا يهمهم صحتها ما دامت توافق أهواءهم ورغباتهم ومألوفاتهم.

وهذا النوع الثاني سنتكلم عليه -بعون الله- في الفصل الثاني.

‌النوع الثالث:

إجاباتهم عن الأدلة المانعة للدعاء غير المشروع، وشبهاتهم التي يوردونها على الأدلة الصحيحة، ومرادهم بها دفع دلالتها الصريحة على منع الدعاء غير المشروع، وأن تلك الأدلة لا تنطبق عليهم.

وهذا النوع الثالث سنتكلم عليه في الفصل الثالث إن شاء الله تعالى.

(1)

انظر عن النوع الأول والثاني: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح: 1/ 317، ومصباح الظلام: 305، وانظر أيضاً ما تقدم ص:446.

ص: 679

وقبل الخوض في الجواب التفصيلي عن هذه الشبهات نتكلم بإيجاز عن الأسباب الرئيسية الباعثة لإثارة هذه الشبهات، والله الموفق.

‌الأسباب الباعثة على إثارة هذه الشبهات:

الأسباب

(1)

الرئيسية لإثارة هذه الشبهات ثلاثة:

‌السبب الأول: الجهل:

وهو إما جهل بأدوات الفهم، أو جهل بمقاصد الشريعة، وذلك لأن الجهل إنما يحصل في مسائل الدين "إما لعدم الرسوخ في معرفة كلام العرب، والعلم بمقاصدها، وإما لعدم الرسوخ في العلم بقواعد الأصول التي من جهتها تستنبط الأحكام الشرعية وإما لعدم الأمرين جميعاً"

(2)

.

فعدم الرسوخ في معرفة كلام العرب يجعل الإنسان يفهم من الآيات والأحاديث الصحيحة غير ما تدل عليه فيستدل بها على حكم لا تدل عليه.

وعدم الرسوخ في قواعد الأحكام، ومقاصد الشريعة، يجعله يحتج لنفسه "بأدلة فاسدة وبأدلة صحيحة اقتصاراً بالنظر على دليل مَّا، واطراحاً للنظر في غيره من الأدلة الأصولية والفروعية العاضدة لنظره، أو المعارضة له"

(3)

.

فيأخذ ببعض الأدلة دون الإحاطة بباقي الأدلة، ودون النظر إلى مقاصد الشريعة التي جاءت متكاملة متناسقة متعاضدة فيأتي هذا الجاهل إلى دليل مَّا فيأخذ بظاهره دون الإحاطة بمراميه ومقاصده، ودون النظر

(1)

انظر شرحاً وافياً لهذه الأسباب في الاعتصام للشاطبي: 2/ 293 - 362، وفي: 1/ 220 - 285.

(2)

المرجع السابق: 1/ 220.

(3)

المرجع نفسه: 1/ 222.

ص: 680

إلى ملابساته وما يكتنفه من أدلة أخرى من عمومات الكتاب والسنة.

‌السبب الثاني

(1)

: تحسين الظن بالعقل:

إن الله سبحانه جعل للعقول في إدراكها حداً لا تتعداه، فالعقول مداركها محدودة ومتناهية، ولا تحيط بالشيء من جميع الجوانب، فلا يمكن أن تستقل بإدراك مصالحها الدنيوية فضلاً عن الأخروية، فلهذا وغيره لا يمكن أن يجعل العقل حاكماً بإطلاق بل الحاكم بإطلاق هو الشرع، ومع هذا فإن العقل السليم لا يخالف النص الصريح الصحيح بل يعاضده ويناصره، ولا تأتي الشريعة بما يناقض العقل، ولكن قد تأتي بما تحار فيه العقول.

وهذا هو حقيقة العقل مع الشرع فهو تابع ومنقاد للشرع، فهو معه كالعامي مع العالم

(2)

وأما عدم إدراك هذه الحقيقة لمقدار العقل، ورفعه فوق منزلته، فينشأ عنه مفاسد، منها تحسين الظن بالعقل حتى يعارض النصوص الواضحة بالشبهات التي هي من زبالة الأفكار وحثالة الأوهام، فيترك النص الواضح الجلي لما يتصور في عقله القاصر من شبهات وهمية واعتراضات خيالية التي هي كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً.

‌السبب الثالث: اتباع الهوى:

فاتباع الهوى من الأسباب الرئيسية لمعارضة أدلة الكتاب والسنة الصحيحة، وهو ملازم لمن يترك الاعتصام بهما، ومن هنا سمي من يترك الاعتصام بهما -في الأحاديث وكلام السلف- بأهل الأهواء لأنهم "اتبعوا أهواءهم، فلم يأخذوا الأدلة الشرعية مأخذ الافتقار إليها، والتعويل عليها

(1)

المرجع نفسه: 2/ 318.

(2)

درء تعارض العقل والنقل: 7/ 327، وشرح الطحاوية: 390 - 391، والفتاوى: 3/ 339، وانظر ما تقدم ص:370.

ص: 681

حتى يصدروا عنها، بل قدموا أهواءهم، واعتمدوا على آرائهم، ثم جعلوا الأدلة الشرعية منظوراً فيها من وراء ذلك"

(1)

.

فمن هنا اشتق لهم الاسم مما غلب عليهم وهو الهوى فسمّوا أهل الأهواء

(2)

.

ولكونهم متبعين لأهوائهم تركوا الأصول الواضحة المحكمة التي تمنع من الدعاء غير المشروع وأخذوا بالمشتبهات، وحرفوا الأدلة الصحيحة عن مدلولاتها وأولوها إلى غير مقصودها، كما لجأوا إلى الأدلة الواهية من الموضوعات والحكايات والمنامات، فنسأل الله تعالى أن يقينا شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا وهو الهادي إلى الصراط المستقيم.

‌الجواب الإجمالي عن هذه الشبهات:

‌1 - الجواب الأول

(3)

:

إن هذه الشبهات التي احتجوا بها ما صح منها يعد من المتشابهات والواجب في مثل هذا رد المتشابهات إلى المحكمات، وهذا هو شأن الراسخين في العلم.

قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7)} [آل عمران: 7].

فالآيات والأحاديث الدالة على منع الدعاء غير المشروع محكمات

(1)

الاعتصام: 2/ 176، والفتاوى: 10/ 568.

(2)

الاعتصام: 1/ 144.

(3)

انظر عن هذا الجواب: الاعتصام: 1/ 220 - 226، والنبذة الشريفة ضمن الرسائل النجدية: 4/ 619، وكشف الشبهات ص:160.

ص: 682

فهي صريحة في دلالتها، قطعية الثبوت، وقطعية الدلالة، وذلك أن القرآن الكريم كله في التوحيد وبيان ما يناقضه أو يناقض كماله من الذرائع والوسائل، وبيان جزاء أهل التوحيد وأهل من اتصف بضده في الدنيا والآخرة

(1)

.

وقد تقدم أنه لم يرد في القرآن الكريم في نوع من أنواع الشرك والكفر -مثل ما ورد في الدعاء بنوعيه- مما يدل على التحذير منه وكفر من ارتكبه، ومثل القرآن السنة النبوية التي تشرح القرآن وتبينه، فإذا كان الأمر كذلك فالواجب أن يرد ما يشتبه أنه يخالف هذا المحكم البين إليه لا أن يؤخذ بالمتشابهات ويتعسف في تأويل المحكمات كما هو صفة الذين في قلوبهم زيغ، وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الذين يتبعون المتشابهات فقال في حديث عائشة رضي الله عنها:"فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم"

(2)

.

‌2 - الجواب الثاني:

إن هؤلاء الذين يحتجون بهذه الشبهات لا يقبلون في باب العقائد -حسب زعمهم- إلّا القطعي من الأدلة، إذ من أصولهم

(3)

المقررة لديهم أن غير قطعيِّ الثبوتِ والدلالةِ -يريدون بذلك ما لم يكن متواتراً صريح الدلالة- لا يقبل، فالأحاديث المشهورة الصحيحة الثابتة الصريحة الدلالة-

(1)

مدارج السالكين: 3/ 450، وشرح الطحاوية: 38، وتيسير العزيز: 38 - 39، وفتح المجيد:15.

(2)

أخرجه البخاري: 8/ 209 رقم 4547، ومسلم: 4/ 2053 رقم 2665، وأبو داود: 5/ 6 رقم 4598.

(3)

انظر شروطهم العشرة لإفادة الدليل النقلي لليقين، والخلاف في إفادته اليقين أو عدم الإفادة في: المحصل للرازي: 71، والمواقف للإيجي: 40، وأصول الدين للبغدادي: 12 - 13، ويراجع شرح المقاصد للتفتازاني: 1/ 6، وشرح العقائد النسفية له أيضاً:101.

ص: 683

يردونها في باب العقائد بهذه القاعدة المقررة لديهم ولكنهم تناقضوا -في هذه المسألة التي معنا- لاحتجاجهم إما بما هو ليس صريح الدلالة أو بما هو غير ثابت أصلاً، وهكذا شأن من لم يعتصم بالكتاب والسنّة فلا بد أن يتناقض.

قال ابن عبد البر رحمه الله في معرض رده على من احتج بحديث ضعيف في مسألة الاستواء: "وهم لا يقبلون أخبار الآحاد العدول، فكيف يسوغ لهم الاحتجاج بمثل هذا من الحديث لو عقلوا أو أنصفوا؟ "

(1)

.

وقد تنبه بعض علماء الحنفية إلى هذا الذي يلزم من استدل بهذه الحجج المتشابهات من التناقض فمنع من التوسل بالذوات بهذه الحجة كما تقدم

(2)

، وهذا هو اللازم لكل من يريد أن لا يتناقض في قواعده التي أَصَّلَها وقررها بنفسه، فعليه أن يلتزم بها سواء كانت له أو عليه.

‌3 - الجواب الثالث:

إن النصوص التي استدلوا بها إما نصوص صحيحة ولكنها غير صريحة، وإما نصوص صريحة ولكنها ضعيفة أو موضوعة مكذوبة وليس لديهم دليل صحيح ثابت صريح، ففي الأدلة الصحيحة -نطالبهم بدلالتها الصريحة على مرادهم، ولن يجدوا إلى ذلك سبيلاً.

وفي الأدلة غير الصحيحة نطالبهم بإثبات صحتها، فإذا لم يثبتوا صحتها وثبوتها -يسقط احتجاجهم بها ولا يلتفت إليه.

‌4 - الجواب الرابع:

إننا لو سلمنا دلالة تلك الأدلة التي ساقوها -على ما احتجوا به-

(1)

التمهيد لابن عبد البر: 7/ 132 - 133.

(2)

انظر ما تقدم نقله ص: 653.

ص: 684

دلالة صريحة تكون تلك الأدلة معارضة للأدلة الأخرى الدالة على المنع أليس الواجب في هذه الحالة -الجمع إن أمكن- ثم الترجيح-؟؟

فإذا اخترنا الجمع وذهبنا إليه فإننا نجد أن تلك الأدلة التي احتجوا بها الصحيح منها يدل على ما يوافق الأدلة المانعة من الدعاء غير المشروع، كما ستأتي الإشارة إلى ذلك عند المناقشة التفصيلية.

وإذا لم يمكن الجمع نذهب إلى الترجيح، وقد أشرنا أن الأدلة الدالة على المنع من الدعاء غير المشروع أقوى ثبوتاً ودلالة لأنها قطعية الثبوت وقطعية الدلالة، وأما الأدلة التي احتجوا بها فهي ما بين صريح غير صحيح الدلالة وما بين ضعيف أو مكذوب صريح الدلالة.

هذا بعض ما يجاب به عن شبههم إجمالاً، وبعد أن رأينا أنه يمكن الاكتفاء بهذه الأجوبة الإجمالية لقوتها ووضوحها لمن يريد الحق ويتحراه وينشده، فإننا نشرع في الإجابة التفصيلية زيادة في البيان ورغبة في إقناع من بقيت عنده شبهة أو شك فيما يتعلق بهذا الباب.

وإليك مناقشة بعض الآيات التي احتجوا بها أولاً، ثم بعض الأحاديث الصحيحة ثم الأحاديث الضعيفة والواهية والموضوعة، ثم الحكايات والنظريات القياسية، ثم ردودهم وإجاباتهم فهذا أوان الشروع في ذلك وبالله التوفيق.

ص: 685

‌المبحث الأول في مناقشة بعض ما احتجوا به من كتاب الله العزيز

لقد تعلق المجيزون للدعاء غير المشروع بعدة آيات زعموا أنها تدل لهم، فنحن نورد هنا تسع آيات من أهم الآيات التي استدلوا بها مبينين ما وجهة نظرهم ثم نناقشهم حسب يسره الله تعالى.

‌الآية الأولى:

قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89)} [البقرة: 89].

استدل بهذه الآية بعضهم

(1)

على التوسل بالذوات لأن اليهود استفتحوا بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل وجوده أي توسلوا به واحتج هؤلاء على هذا بما رواه عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

"كانت يهود خيبر تقاتل غطفان، فكلما التقوا هزمت يهود خيبر،

(1)

احتج به داود بن جرجيس في المنحة الوهبية: 31، وكما في منهاج التأسيس: 393، والغماري في إتحاف الأذكياء: 7 - 8، وفي الرد المحكم: 156، والعزامي في فرقان: القرآن 119، وصاحب المفاهيم:51.

ص: 686

فعاذت اليهود بهذا الدعاء: "اللهم إنا نسألك بحق محمد النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلَّا نصرتنا عليهم" قال: فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء فهزموا غطفان، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كفروا به فأنزل الله وقد كانوا يستفتحون بك يا محمد على الكافرين"

(1)

.

الجواب عن هذا من ناحيتين: إحداهما: ناحية الإسناد، وثانيتهما: ناحية المتن.

أما ناحية الإسناد: فنقول وبالله التوفيق:

إن عبد الملك بن هارون قال فيه ابن معين: كذاب، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: متروك ذاهب الحديث، وقال ابن حبان: يضع الحديث، وقال أحمد ضعيف الحديث، وقال الدارقطني عن أبيه: وأبوه أيضاً متروك أي فهما متروكان، وقال السعدي: دجال كذاب، وقال ابن عدي: له أحاديث غرائب عن أبيه عن جده عن الصحابة مما لا يتابعه عليه أحد، وقال الحاكم: روي عن أبيه أحاديث موضوعة

(2)

.

وأبوه هارون بن عنترة قال فيه ابن حبان: منكر الحديث جداً يروي المناكير الكثيرة حتى يسبق إلى قلب المستمع لها أنه المتعمد لذلك من كثرة ما روى مما لا أصل له، لا يجوز الاحتجاج به بحال وقد تقدم قول الدارقطني فيه، ولكن وثقه بعضهم، وقال الذهبي: الظاهر أن النكارة من الراوي عنه

(3)

.

(1)

أخرجه الآجري في الشريعة: 447 - 448، والحاكم: 2/ 363، ومن طريقه البيهقي في الدلائل: 2/ 76 - 77، كلهم من طريق عبد الملك بن هارون.

(2)

تاريخ يحيى بن معين: 3/ 350 رقم 1688، والضعفاء الصغير للبخاري: 73 رقم 218، والعلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد: 2/ 395، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 5/ 374، وأحوال الرجال للسعدي الجوزجاني: 68 رقم 77، والكامل لابن عدي: 5/ 1942، والمجروحين لابن حبان 2/ 133، والمدخل للحاكم: 1/ 170 رقم 129، والميزان: 2/ 666، والضعفاء للدارقطني ص: 289 رقم 362.

(3)

المجروحين: 3/ 93، الميزان: 4/ 284 - 285، والضعفاء للدارقطني رقم 362.

ص: 687

وقد ضعف الحفاظ هذه الرواية:

فقد قال الحاكم بعد أن أخرج الحديث: "أدت الضرورة إلى إخراجه في التفسير وهو غريب من حديثه" وتعقبه الذهبي بقوله: "لا ضرورة في ذلك، فعبد الملك متروك هالك"

(1)

.

وقال الحافظ ابن حجر تعقيباً على كلام الحاكم: "وأي ضرورة تحوج إلى إخراج من يقول فيه يحيى بن معين: كذاب في المستدرك على البخاري ومسلم؟ وما هذا إلا اعتذار ساقط"

(2)

، وضعف إسنادها أيضاً السيوطي

(3)

.

ثم إن الحاكم نفسه قد قال في عبد الملك: روى عن أبيه أحاديث موضوعة كما سبق، فكيف يخرج له بعد هذا في المستدرك؟ وما هذا إلا من تناقضاته، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن ذكر قول ابن معين السابق:"وهذا الحديث من جملتها"

(4)

وبهذا نصل إلى سقوط هذه الرواية من ناحية الإسناد.

ومع وضوح سقوط هذه الرواية من جهة الإسناد حاول الغماري تقويتها مع اعترافه بضعفها فذكر أن للأثر طرقاً، فقد أخرج أبو نعيم من طريق عطاء والضحاك عن ابن عباس نحوه.

كما أخرج أبو نعيم أيضاً من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس به

(5)

.

(1)

المستدرك: 2/ 263.

(2)

العجاب في بيان الأسباب للحافظ: ل 18/ ب وعنه في تحفة القاري في الرد على الغماري: 45.

(3)

الدر المنثور: 1/ 88.

(4)

قاعدة في التوسل: 115.

(5)

الرد المحكم: 156، وهذه الطرق ذكرها السيوطي في الدر المنثور: 1/ 88 نقلاً عن دلائل النبوة لأبي نعيم ولم أجدها في المطبوع من الدلائل.

ص: 688

الجواب عن هذا أن هذه الطرق الثلاثة لا تزيد هذا الأثر قوة لأنها في غاية الضعف والوهن لأن عطاء هو الخراساني فعطاء الذي يروي التفسير عن ابن عباس هو الخراساني كما ذكره الحافظ

(1)

.

وعطاء الخراساني مختلف فيه ومع هذا لم يسمع من ابن عباس كما قاله أحمد ويحيى بن معين وغيرهما

(2)

.

والضحاك هو ابن مزاحم وثقه الجمهور وضعفه القطان، واتفق كل علماء الجرح على أنه لم يسمع من ابن عباس شيئاً ولم يره

(3)

.

وأما الكلبي عن أبي صالح فالكلبي كذبه كثيرون وقد قال هو عن نفسه لسفيان الثوري: كل ما حدثتك عن أبي صالح فهو كذب، فهو اعترف بكذبه وقال الحافظ: متهم بالكذب ورمي بالرفض

(4)

.

وكذلك شيخه أبو صالح وهو باذام مولى أم هانئ قال فيه الحافظ: ضعيف يرسل وضعفه كثيرون، ثم إنه لم يسمع من ابن عباس أيضاً

(5)

.

وبهذا عرفنا أن هذه الطرق كلها في غاية الضعف والوهن فلا تزيد الأثر إلا وهنًا على وهن، وقد يكون فيها علل أخرى ولكن لم نستطع الكشف عنها لأن السيوطي في الدر المنثور لم يسق الإسناد ولم أجدها في دلائل النبوة لأبي نعيم المطبوع وإنما الذي في المطبوع: ص 19 رواية سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس وستأتي، ولعله حذف من المطبوع أو وهم السيوطي في إسناده إلى الدلائل والله أعلم.

ثم هاهنا أمر مهم وهو أن ما زعمه الغماري من تقوية الأثر بطريق عطاء والضحاك فيه نظر واضح وهو أن الغماري اعتمد في هذه الروايات

(1)

فتح الباري: 8/ 667، وتهذيب التهذيب: 7/ 213.

(2)

المراسيل لابن أبي حاتم: 157 رقم 294، وجامع التحصيل: 290 رقم 522.

(3)

المراسيل لابن أبي حاتم: 94 - 97 رقم 152، والميزان: 2/ 325، وجامع التحصيل: 242 رقم 304.

(4)

الميزان: 3/ 557، والتقريب رقم 5901.

(5)

الميزان: 1/ 296، وجامع التحصيل: 177 رقم 55، والتقريب: رقم 634.

ص: 689

فيما يظهر على السيوطي في الدر المنثور، ولكن الطبري وابن أبي حاتم أخرجا عن الضحاك عن ابن عباس ما يخالف ذلك.

كما أخرج الطبري من طريق ابن جريج عن عطاء قوله: "كانوا يستفتحون على كفار العرب بخروج النبي صلى الله عليه وسلم "

(1)

.

وأخرج هو وابن أبي حاتم عن الضحاك عن ابن عباس قوله: "كانوا يستظهرون يقولون: نحن نعين محمداً عليهم وليسوا كذلك يكذبون"

(2)

.

فهذه الرواية التي توافق رواية الجماعة أولى على فرض ثبوت طريقة أبي نعيم عنهما، فتبين بهذا أنه لا يوجد ما يصلح للتقوية إلا طريق الكلبي وقد عرفت أنه متهم.

ثم إن هذه الرواية لو كانت ضعيفة فقط فهي مخالفة للرواية الصحيحة فهي في اصطلاح المحدثين منكرة فهي إن سلمت من الوضع لا تسلم من كونها منكرة لهذه المخالفة وإليك هذه الرواية الصحيحة التي خالفتها هذه الرواية.

وهي ما رواه محمد بن إسحاق صاحب السيرة قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال: حدثني أشياخ منا قالوا: لم يكن أحد من العرب أعلم بشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم منا، كان معنا يهود، وكانوا أهل كتاب، وكنا أصحاب وثن، فكنا إذا بلغنا منهم ما يكرهون قالوا: إن نبياً مبعوثاً الآن قد أظل زمانه نتبعه، فنقتلكم معه قتل عاد وإرم، فلما بعث الله رسوله اتبعناه وكفروا به، ففينا والله وفيهم أنزل الله عز وجل:{وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ}

(3)

.

(1)

تفسير الطبري: 1/ 412.

(2)

تفسير الطبري: 1/ 412، وتفسير ابن أبي حاتم: 1/ 275 رقم 909، وعزاه إلى ابن أبي حاتم ابن تيمية في قاعدة التوسل: 114، وذكره ابن كثير عن الضحاك عن ابن عباس بدون عزو: 1/ 124.

(3)

السير والمغازي رواية يونس: 84، وسيرة ابن هشام: 1/ 211، والطبري: 1/ 410، ودلائل النبوة للبيهقي: 2/ 5 - 76، وعزاه في الدر: 1/ 87 إلى ابن المنذر وإلى أبي نعيم في الدلائل.

ص: 690

وهذه الرواية إسنادها لا يقل عن رتبة الحسن لأن ابن إسحاق صرح بالتحديث فزال ما يخشى من التدليس، والكلام فيه معروف والذي عليه أكثر النقاد أنه حسن الحديث إذا صرح بالسماع لاسيما في المغازي والسير كالذي نحن فيه

(1)

.

وأما عاصم بن عمر فمن رجال الجماعة قال فيه الحافظ: ثقة عالم بالمغازي وهو تابعي من الرابعة

(2)

.

والشيوخ الذين حدث عنهم من الصحابة ولا تضر جهالتهم؛ لأن الصحابة كلهم عدول فهم أيضاً آل من الأنصار رضي الله عنهم.

فالحديث له حكم الرفع لأنَّه حكاية عن وقائع حدثت في عهد النبوة وكانت سبباً لنزول الآية

(3)

.

ويؤيد هذه الرواية الصحيحة ثلاث طرق أخرى ومراسيل عن التابعين، وإليك بيان تلك الطرق.

1 -

طريق سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس:

أخرجه ابن إسحاق قال: حدثني محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه

وفيه قول معاذ بن جبل وغيره لهم: اتقوا الله وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم وتخبروننا أنه مبعوث

إلخ

(4)

. وهذه الطريقة وإن كان فيها ضعف

(5)

لكنها تتقوى بالأولى.

(1)

انظر الميزان: 3/ 468 - 475.

(2)

التقريب: رقم 3071.

(3)

انظر تحقيق أحمد شاكر للطبري: 2/ 333.

(4)

أخرجه الطبري: 1/ 410 - 411، وابن أبي حاتم في تفسيره: 1/ 276 رقم 911، وأبو نعيم في الدلائل: 19، وعزاه في قاعدة التوسل إلى ابن أبي حاتم: 114، وعزاه في الدر المنثور: 1/ 88، إلى ابن المنذر أيضاً.

(5)

فقد قال الحافظ في محمد بن أبي محمد: مجهول، تفرد عنه ابن إسحاق: التقريب رقم 6276.

ص: 691

2 -

طريق عطية العوفي عن ابن عباس وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا" يقول: يستنصرون بخروج محمد صلى الله عليه وسلم على مشركي العرب"

(1)

، وهذه الطريقة فيها ضعف

(2)

أيضاً.

3 -

طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وناس من الصحابة في الآية قال: "كانت العرب تمر باليهود فيؤذونهم وكانوا يجدون محمداً صلى الله عليه وسلم في التوراة فيسألون الله تعالى أن يبعثه نبياً فيقاتلون معه العرب"

(3)

.

وهذا الإسناد كثيراً ما يروي به السدي تفسير الصحابة ولكن فيه كلام

(4)

.

والحاصل أن هذه الروايات الثلاثة تؤيد رواية ابن إسحاق الحسنة فترتفع من الحسن إلى الصحة، ثم يقوي هذه الرواية الصحيحة مراسيل التابعين الذين فسروا هذه الآية فمنهم قتادة وأبو العالية وعلي الأزدي وابن زيد ومجاهد وتقدم عن عطاء والضحاك، فقد قال الثلاثة الأول أنهم كانوا يقولون: "اللهم ابعث هذا الذي نجده في التوراة يعذبهم ويقتلهم

"

(5)

.

وقال ابن زيد كانت يهود يستفتحون على كفار العرب يقولون: أما

(1)

أخرجه ابن جرير: 1/ 411.

(2)

لأن العوفي ضعفه أكثر النقاد وهو شيعي مدلس. اهـ. الميزان: 3/ 79 - 80.

(3)

أخرجه البيهقي في الدلائل: 2/ 536، وأخرجه الطبري من قول السدي: 1/ 411 - 412.

(4)

قال أحمد في السدي وهو الكبير إسماعيل بن عبد الرحمن: إنه ليحسن الحديث إلا أن هذا التفسير الذي يجيء به قد جعل له إسناداً واستكلفه، التهذيب: 1/ 314، وانظر تهذيب الكمال: 3/ 1136 الهامش.

(5)

أخرج هذه الروايات عن هؤلاء الثلاثة -قتادة وأبي العالية وعلي الأزدي-، ابن جرير بإسناده إليهم: 1/ 411، وأخرج ابن أبي حاتم طريق أبي العالية: 1/ 276 رقم 912، وعزاه إلى ابن أبي حاتم ابن تيمية في قاعدة التوسل: 115، وعزا في الدر: 11/ 88 رواية قتادة إلى عبد بن حميد وأبي نعيم.

ص: 692

والله لو قد جاء النبي الذي بشر به موسى وعيسى -أحمد- لكان لنا عليكم"

(1)

.

وقال مجاهد: "يستفتحون بمحمد صلى الله عليه وسلم تقول: إنه يخرج"

(2)

.

وهناك رواية أخرى من طريق معمر عن قتادة قال: "كانوا يقولون إنه سيأتي نبي"

(3)

، وبهذه الطرق اتضح جلياً أن الرواية المعروفة المحفوظة عن ابن عباس هي رواية ابن إسحاق وقد أيدته هذه الروايات الكثيرة المستفيضة، وبهذا يعلم نكارة رواية عبد الملك بن هارون لمخالفتها لهذه الروايات المعروفة مع ما في عبد الملك من تهمة الوضع وبهذا نصل إلى بطلان ما احتجوا به سنداً.

وأما ناحية المتن فنقول وبالله التوفيق:

إن هذا الأثر منقوض من جهة المعنى بعدة أوجه:

1 -

إن هذا الأثر يدل على أن الآية نزلت في يهود خيبر الذين يقاتلون غطفان، وهذا يخالف ما اتفق عليه أهل التفسير والسير من أن الآية نزلت في يهود المدينة وهم بنو قينقاع وقريظة والنضير، وهم الذين كانوا يخبرون الأوس والخزرج بقرب بعثة نبي جديد، وهذه المخالفة تدل على كذب هذه الرواية.

قال شيخ الإسلام بعد أن ذكر هذه المخالفة: "فكيف يقال نزلت في يهود خيبر وغطفان؟ فإن هذا من كذاب جاهل لم يحسن كيف يكذب"

(4)

.

(1)

أخرجه ابن جرير: 1/ 412.

(2)

أخرجه ابن جرير: 1/ 412.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم: 1/ 275 رقم 910 وعزاه إليه شيخ الإسلام في قاعدة التوسل: 114.

(4)

قاعدة في التوسل: 115، أو الفتاوى: 1/ 300.

ص: 693

2 -

إن هذا يخالف ما ثبت تاريخياً ودل عليه القرآن الكريم، وهو أن اليهود لم ينتصروا منذ أن خالفوا أنبياءهم وكتب الله عليهم الذلة والمسكنة، فلم يعرف في التاريخ غلبة اليهود للعرب ولا لغيرهم بل هم دائماً مغلوبون، أو كانوا يحالفون العرب فيحالف كل فريق فريقاً فلم يكونوا ينتصرون، بمجردهم، وإنما كانوا يقاتلون مع حلفائهم

(1)

.

فهذه الرواية تدل على انتصار اليهود على العرب وهذا لم ينقله أحد غير هذا الكذاب ولو كان هذا مما وقع لكان مما تتوافر دواعي الصادقين على نقله.

3 -

ثم إن هذه الرواية لو صحت -مع أن دون ذلك خرط القتاد- لا يستقيم الاحتجاج بها لأمرين وهما:

أ - إن هذه الحكاية عن فعل اليهود الذين كانوا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وقد وصفهم الله تعالى بالتحريف والتبديل فيمكن أن يكون هذا الدعاء بهذا الأسلوب التوسلي من بدعهم وتحريفهم، ويقوي هذا التحريف أن الله تعالى لم يذكر لنا عن موسى وبقية أنبياء بني إسرائيل مثل هذا التوسل المبتدع.

ولا يقال إن الله تعالى قد أقرهم على هذا التوسل المبتدع؛ لأن الله تعالى إنما ذكر هذا احتجاجاً عليهم باعترافهم بهذا النبي الكريم قبل مبعثه.

ويدل على هذا أن الله تعالى ذكر في النصارى أنهم ابتدعوا الرهبانية ومع ذلك لم يحافظوا عليها قال تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد: 27].

فكما أن احتجاج الله على النصارى بما ابتدعوه من الرهبنة لا يدل

(2)

(1)

انظر: الرد على البكري: 58، وقاعدة في التوسل: 116 - 117.

(2)

يراجع في هذا الاعتصام في مواضع منها: 1/ 290 - 291، 339.

ص: 694

على إقرارهم على هذا العمل، فكذلك احتجاج الله تعالى على اليهود بما ابتدعوه من التوسل بالذات -لا يدل على إقرار الله تعالى لهم.

ب - إن هذا

(1)

لو ثبت أنه من شريعة موسى -مع أنه لا يمكن إثبات أنه من شريعة موسى- فلا يصح دليلاً أيضاً لأن شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا إلا فيما ورد شرعنا بموافقته.

وقد أخبرنا الله تعالى عن سجود إخوة يوسف وأبويه له، وعن قول الذين غلبوا على أمرهم {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21)} [الكهف: 21].

والسجود لغير الله، واتخاذ المساجد على القبور لا يجوز في شرعنا، وهذا التوسل بالذوات لو ثبت يكون مثل هذا فلا يجوز في شرعنا.

والحاصل أن التفسير الصحيح للآية هو أن اليهود كانوا يستفتحون أي يطلبون الفتح وهو النصر كقوله تعالى: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} [الأنفال: 19] أي يطلبون من الله النصر بالتعجيل بإرسال الرسول الذي يقاتلون معه حتى ينتصروا، فالذي يطلبونه هو تعجيل إرسال الرسول الذي يجدونه عندهم في التوراة ويجدون انتصاره على المشركين، أو المعني أنهم كانوا يخبرون الذين يحاربونهم أنه قد قرب زمن بعثة نبي فسوف ننتصر معه عليكم.

فالآية يدور معناها بين الإخبار بقرب بعثته وبين سؤال الله تعالى أن يعجّل ببعثته.

‌الآية الثانية:

قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248)} [البقرة: 248].

(1)

انظر الإشارة إلى هذا الوجه في قاعدة التوسل: 116.

ص: 695

استدل بهذه الآية بعضهم على التوسل بآثار الأنبياء؛ لأن هؤلاء كانوا ينصرون على الأعداء بسبب تقديمهم للتابوت.

وأن "هذا في الحقيقة ليس إلا توسلاً بآثار أولئك الأنبياء، إذ لا معنى لتقديمهم التابوت بين أيديهم في حروبهم إلا ذلك، والله سبحانه وتعالى راض عن ذلك بدليل أنه رده إليهم وجعله علامة وآية على صحة ملك طالوت، ولم ينكر عليهم ذلك الفعل"

(1)

.

والجواب عن هذه الشبهة -بعون الله وتوفيقه- بعدة وجوه:

1 -

إن هذه

(2)

الآية ليس فيها ما يدل على أنهم يتوسلون بالتابوت، وإنما غاية ما في الآية أن مجيء التابوت جعل آية وعلامة على صحة ملك طالوت، وذلك دليل على صدق ما أخبرهم به رسولهم من أن الله ملك طالوت عليهم، وهذا واضح من الآية وقد فسر هذه الآية على هذا المعنى جمهور المفسرين. قال ابن جرير رحمه الله تعالى في معنى السكينة بعد أن ذكر ما قيل في معنى السكينة من الأقاويل الواردة في تفسيرها عن السلف، قال: أولى الأقوال بالحق في معنى السكينة ما قاله عطاء ابن أبي رباح من الشيء تسكن إليه النفوس من الآيات التي يعرفونها، وذلك لأن السكينة في كلام العرب الفعيلة من قول القائل: سكن فلان إلى كذا وكذا إذا اطمأن إليه وهدأت عنده نفسه فهو يسكن سكوناً وسكينة، ثم ذكر رحمه الله تعالى أن السكينة تحتمل أن تكون كل ما ذكر لأن كل ذلك آيات كافيات تسكن إليهن النفوس وتثلج بها الصدور

(3)

.

(1)

مفاهيم ص: 64 ولم أطلع من سبقه إلى الاستدلال بالآية على هذا الفهم، اللهم إلا ما ذكره الكليني في الكافي أن آيات الأنبياء عصا موسى وحجره وقميص يوسف وخاتم سليمان آلت إلى أئمة الشيعة وأن سلاح النبي صلى الله عليه وسلم آل إليهم أيضاً وأن هذا السلاح مثل التابوت في بني إسرائيل انظر الكافي: 1/ 180 - 185.

(2)

انظر الإشارة إلى هذا الوجه والثالث في مفاهيمنا ص: 72.

(3)

ابن جرير 2/ 611 - 613.

ص: 696

2 -

وأما ما روي في القصة أنهم كانوا إذا لقوا عدواً لهم قدموه أمامهم، وزحفوا معه فلا يقوم لهم معه عدو ولا يظهر عليهم أحد حتى إذا كثر اختلافهم على أنبيائهم سلبوا

فهذا من الأخبار الإسرائيليات فلا نصدقه ولا نكذبه ولا نستطيع أن نحتج به على أمر شرعي لاسيما وهو يتعلق بأصل الدين وبتوحيد العبادة الله تعالى.

3 -

إن هذا لو ثبت يكون من باب التبرك وليس من باب التوسل وبينهما فرق كما تقدم

(1)

.

4 -

ولو ثبت أنهم توسلوا بالتابوت -مع أن دون ذلك خرط القتاد- فلا يصح الاحتجاج بهذه القصة الأمور:

أ - إنها شرع من قبلنا وليس شرعاً لنا إلا فيما أقرته شريعتنا، وهذه المسألة جاءت مخالفة له فقد نهينا عن تتبع آثار الأنبياء.

ب - إن البقية التي في التابوت هي من آثار موسى مثل عصاه ورضاض الألواح، وقيل: عصا موسى وعصا هارون وشيء من الألواح، وقد ثبت التبرك بأثر نبينا صلى الله عليه وسلم، ويمكن أن يحمل هذا على مثل ذلك، ولكن لا يقاس على الأنبياء غيرهم لأنَّه قياس مع الفارق.

ج - إن مما يقوي أننا لا نتبع شرع من قبلنا في مثل هذا ما روي عن عمر بن الخطاب حيث زجره الرسول صلى الله عليه وسلم عندما رأى في يده صحيفة من التوراة

(2)

.

د - إن تتبع الآثار هو سبب ضلال الأمم السابقة وهلاكهم، قال عمر

(1)

تقدم ص: 657.

(2)

أخرجه أحمد: 3/ 387، والبزار كما في كشف الأستار: 1/ 78 - 79 من حديث جابر بن عبد الله قال الحافظ: ورجاله موثقون إلا أن في مجالد ضعفاً "الفتح: 13/ 334"، وللحديث شواهد يتقوى بها منها حديث عمر وعبد الله بن ثابت وأبي الدرداء. انظر مجمع الزوائد: 1/ 173 - 174.

ص: 697

رضي الله عنه: "إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا يتبعون آثار نبيهم فيتخذونها كنائس وبيعاً"

(1)

.

هـ -ويمكن أن يشرع لهم في دينهم تعظيم ذلك التابوت والاستنصار به كما أنه شرع لنا تعظيم الكعبة والحجر الأسود، ولا يقاس على ذلك كما هو معلوم.

‌الآية الثالثة:

قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: 1].

هذه الآية قد اسْتُدِلَّ بها

(2)

على جواز السؤال بالمخلوق والإقسام به، فيجاب عن ذلك بأنه قد ورد في "الأرحام" قراءتان

(3)

، نصب الأرحام عطفاً على لفظ الجلالة وهذه القراءة هي قراءة العامة.

والقراءة الأخرى جر الأرحام عطفاً على الضمير في به وهذا جائز على القول الصحيح كما قال ابن مالك:

وعود خافض لدى عطف على

ضمير خفض لازماً قد جعلا

وليس عندي لازماً إذ قد أتى

في النظم والنثر الصحيح مثبتاً

(4)

فعلى قراءة العامة ليست الآية مما نحن فيه، وهذه القراءة رجحها الطبري والبغوي وغيرهما لأن العطف على الضمير المجرور لا يكاد يوجد في كلام العرب إلا قليلاً ومعنى الآية على هذه القراءة: اتقوا الله واتقوا

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف: 2/ 376، وابن وضاح في البدع ص 41، وقال الألباني: وسنده صحيح على شرط الشيخين. اهـ. تحذير الساجد: 137.

(2)

احتج بهذه الآية عثمان الناصري تلميذ ابن جرجيس كما في مصباح الظلام ص: 297 واستدل بها صاحب البصائر: 380 على التوسل بالأحياء.

(3)

انظر عن القراءتين: البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة ص: 73، وابن جرير: 4/ 226، ومعالم التنزيل: 10/ 389 العامة قرأوا بالنصب وقرأ حمزة بالخفض.

(4)

الألفية مع شرح ابن عقيل: 2/ 239.

ص: 698

الأرحام أن تقطعوها أو اتقوا الله في الأرحام كما نقله ابن جرير عن كثير من مفسري السلف

(1)

.

أما على قراءة الجر وهي أيضاً جائزة في اللغة على القول الصحيح كما ذهب إليه ابن مالك -يكون المعنى- واتقوا الله الذي إذا تساءلتم بينكم، قال السائل للمسؤول: أسألك به وبالرحم وهذا ليس من باب الإقسام على المخلوق بالمخلوق، بل هو من باب طلب إيفاء حق الرحم فهو تذكير لما يستحقه من صلة الرحم أو يقال: هو إخبار عما كانوا يقولونه، ولا يدل على جوازه في الشرع، والأول أولى.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وهذا إخبار عن سؤالهم، وقد يقال إنه ليس بدليل على جوازه، فإن كان دليلاً على جوازه فمعنى قوله: أسألك بالرحم ليس إقساماً بالرحم -والقسم هنا لا يسوغ- لكن بسبب الرحم أي لأن الرحم توجب لأصحابها بعضهم على بعض حقوقاً.

ومن هذا الباب ما روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أن ابن أخيه عبد الله بن جعفر كان إذا سأله بحق جعفر أعطاه، وليس هذا من باب الإقسام، فإن الإقسام بغير جعفر أعظم بل من باب حق الرحم لأن حق الله إنما وجب بسبب جعفر، وجعفر حقه على عليّ"

(2)

.

ومما يؤيد أن الآية على قراءة الجر ليست من باب الإقسام ما تقدم

(3)

من النهي عن الحلف بغير الله تعالى واتفاق العلماء على عدم جواز الإقسام بغير الله تعالى.

فلا يمكن حمل معنى الآية على أمر ورد النهي عنه واتفق العلماء على منعه.

(1)

تفسير ابن جرير: 4/ 227.

(2)

قاعدة في التوسل: 1/ 339، واقتضاء الصراط: 421 - 422.

(3)

تقدم ص: 506.

ص: 699

‌الآية الرابعة:

قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64)} [النساء: 64]، استدل بهذه الآية جماعة

(1)

على جواز طلب الدعاء من الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا: الآية وإن وردت في أقوام معينين في حالة الحياة تعم بعموم العلة كل من وجد فيه ذلك الوصف في الحياة وبعد الموت، فتعم الحالتين الحياة والموت وقالوا: ويؤيد هذا حكاية العتبي وحكاية مالك مع المنصور وستأتي مناقشة هاتين الحكايتين إن شاء الله تعالى في مبحث الحكايات.

الجواب: إن هذه الآية لا تدل على ما ادعوه لوجوه:

1 -

أن الآية خاصة بحياة النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لأن الآية نزلت فيمن ترك الرسول صلى الله عليه وسلم وذهب إلى الطاغوت وتحاكم إليه، فهذا أساء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وترك حقاً من حقوقه واعتدى على حق الرسول صلى الله عليه وسلم وهو التحاكم إليه.

فهذا لا تتحقق توبته إلا بالمجيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم والاعتراف بالخطأ بترك التحاكم إليه، ويدل على ذلك أن "لو" من حروف الشرط. وحرف الشرط يدل على أن وجود الجواب يتوقف على وجود الشرط، ففي هذه الآية قد اشترط الحصول التوبة مجيئهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم واستغفارهم الله واستغفار الرسول صلى الله عليه وسلم لهم، ومثل هذا الشرط لم يأت في الكتاب والسنّة لغير هذا الذنب فدل ذلك على أن ذنب التحاكم إلى غير الرسول صلى الله عليه وسلم مع وجوده ليس إساءة إلى الله، فقط بل فيه اعتداء على حقوق الرسول صلى الله عليه وسلم ولذا اشترط مجيئهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم

(2)

.

(1)

منهم السبكي في شفاء السقام: 86 - 87، 182، وذكر شيخ الإسلام أن منهم من يتأولها كما في قاعدة التوسل 19، ودحلان في خلاصة الكلام: 247، والدرر ص: 22، والغماري في الرد المحكم: 44، والعزامي في البراهين:414.

(2)

تفسير المنار: 5/ 190 - 191.

ص: 700

2 -

ثم الخطاب في جاؤوك، يدل على حال الحياة لأنه لا يقال لمن جاء إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه جاء الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما يقال جاء قبر الرسول صلى الله عليه وسلم.

3 -

قوله: "استغفر لهم" يدل على حال الحياة، لأن استغفار الرسول صلى الله عليه وسلم لمن أتاه إنما يتحقق في حياته صلوات الله وسلامه عليه، وأما أنه يستغفر بعد موته لمن أتاه فهذا يحتاج إلى نص صحيح صريح وليس هناك نص صريح صحيح، وسيأتي مناقشة حديث عرض الأعمال الذي يدل على الاستغفار مع أن حديث العرض لو صح إنما يدل على عرض جميع أعمال الأمة وليس لمن جاءه فقط.

4 -

إن الصحابة رضوان الله عليهم لم يفهموا من الآية العموم مع أنهم أعلم الناس بمعاني القرآن ومراد الله تعالى به، إذ لو فهموا من الآية عمومها لحالتي الحياة والموت لطلبوا من النبي الله صلى الله عليه وسلم بعد موته الاستغفار لهم وحل مشكلاتهم، فقد اختلفوا بعد لحوقه بالرفيق الأعلى - مباشرة في أمور مهمة للغاية مثل اختلافهم في محل دفنه وفي ميراثه وفي الخلافة، وحصلت لهم كروب وحروب مثل وقعة الجمل وصفين، وفي هذا ظلم بعضهم لنفسه، ومع هذا لم يأتوا إلى قبره صلوات الله وسلامه عليه ولم يطلبوا منه لا استغفارًا ولا غيره، وقد كانوا في حياته يراجعونه فيما هو أقل من هذا بكثير فكان الرجل منهم يراجعه فيما يقع بينه وبين أهله، فلو فهموا العموم لأتوه ولو أتوه لنقل إلينا لأنه مما تتوافر الهمم على نقله - فدل تركهم الدائم على أنهم لم يفهموا من الآية العموم.

وقد سبق لنا

(1)

أن الترك الراتب مع وجود المقتضي وعدم المانع سنة، وقد حصل هنا المقتضي وهو ظلم بعضهم لنفسه ولا مانع من الإتيان، فدل هذا على أن ترك المجيء سنة، فعلى هذا فلو قلنا: إن الآية عامة لزم منه أن خير القرون قد عطلوا هذا الواجب وأغفلوه حتى جاء

(1)

سبق ص: 606.

ص: 701

المتأخرون وعملوا به وهذا لا يقول به من يعرف البون الشاسع بين السلف والمتأخرين في الحرص على الخير، ومن المعلوم "أنه لا يجوز إحداث تأويل في آية، أو سنة، لم يكن على عهد السلف ولا عرفوه ولا بيّنوه للأمة؛ فإن هذا يتضمن أنهم جهلوا الحق في هذا وضلوا عنه"

(1)

. وبهذا اتضح أن من قال: إنها تدل على العموم فقد خالف بذلك "إجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر المسلمين فإن أحدًا منهم لم يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته أن يشفع له ولا سأله شيئًا ولا ذكر ذلك أحد من أئمة المسلمين في كتبهم"

(2)

.

5 -

ثم إن المجيء إليه صلى الله عليه وسلم في حياته لو دُعِيَ إليه مسلم ظلم نفسه ليستغفر له -وجب عليه المجيء مع القدرة لأن المنافقين هم الذين {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ} [المنافقون: 5].

ولا يمكن أن نقول: كذلك فيمن دعي إلى قبره "ليستغفر له، ومن سوى بين الأمرين وبين المدعوين وبين الدعوتين فقد جاهر بالباطل وقال على الله وكلامه ورسوله وأمناء دينه غير الحق"

(3)

.

ونكتفي بهذا القدر لأن كثيرًا من المحققين المحققين

(4)

قد بيّنوا عدم الآية على ما زعم هؤلاء بأوجه كثيرة فلا حاجة للتطويل.

‌الآية الخامسة:

قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ

(1)

الصارم: 321.

(2)

قاعدة في التوسل: 19.

(3)

الصارم: 321.

(4)

منهم: الحافظ ابن عبد الهادي في الصارم المنكي من ص: 319 - 323، ومنهم الشيخ بشير السهسواني في صيانة الإنسان بين ذلك في 16 وجهًا من ص: 28 - 47، وذكر بعض الأوجه أيضًا شيخ الإسلام في قاعدة في التوسل ص:19.

ص: 702

وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35)} [المائدة: 35].

قد استدل بهذه الآية بعضهم على مشروعية الاستغاثة بالصالحين وجعلهم وسيلة بين الله تعالى وبين العباد، والقسم على الله تعالى بهم وعلى الطلب من الموتى والغائبين دعاء الله تعالى.

وقالوا: إن الوسيلة في الآية عامة تشمل التوسل بالذوات الفاضلة

(1)

، وفسر بعض هؤلاء المستدلين الوسيلة في الآية بأنها "كل ما جعله الله سببًا في الزلفى عنده ووصلة إلى قضاء الحوائج منه، والمدار فيها على أن يكون للوسيلة قدر وحرمة عند المتوسل إليه"

(2)

.

‌الجواب عن هذه الآية على وجوه:

أ - إننا قد ذكرنا فيما مضى

(3)

معنى التوسل في اللغة والشرع وعبارات السلف، وليس من معناه اللغوي ولا الشرعي التوسل بهذا المعنى المحدث الذي هو التوسل بالذات، فلا يجوز حمل الآية على المعنى الذي لم يكن متعارفًا عليه وقت النزول، فلهذا لم نجد أحدًا من مفسري السلف فسر الآية بالتوسل بالذوات وستأتي قريبًا عباراتهم

(1)

استدل بهذه الآية كثيرون: منهم داود بن جرجيس في المنحة الوهبية ص: 25، 30، وكما في تحفة الطالب والجليس: 119 - 121، ومنهاج التأسيس ص: 348، والتيجاني كما في جواهر المعاني: 1/ 217، والكوثري في المقالات: 378 - 379، وذكر الألوسي في روح المعاني: 6/ 124 - 125 استدلال بعضهم بالآية على الاستغاثة والتوسل والإقسام، وممن احتج بها على جواز التوسل والاستغاثة سلامة القضاعي العزامي في البراهين الساطعة: 392، وانتحل كلامه بحروفه صاحب المفاهيم ص: 54، ومنهم النبهاني فقد نقل عن الرملي الشافعي وعبد الغني النابلسي والوفائي الأزهري أنهم استدلوا بالآية على جواز الاستغاثة بالأنبياء والأولياء بعد موتهم، انظر شواهد الحق: 141 - 142.

(2)

انظر كلام سلامة العزامي في البراهين: 392 - 393، وعنه صاحب المفاهيم منتحلًا ص:54.

(3)

تقدم ص: 626.

ص: 703

وألفاظهم، فعلى هذا يكون تفسير الوسيلة في الآية بالتوسل بالذات -من التفسير بالرأي المجرد وهو مذموم كما هو معروف، ولهذا لم نجد أيضًا أحدًا ممن ألف في تفسير القرآن الكريم أو شرح معاني غريبه -ذكر هذا المعنى الذي هو التوسل بالذوات، وهذا كله يدل على أن الوسيلة في الآية هو التقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة التي يكتسبها الإنسان بنفسه لا بأمر خارج عنه أجنبي لا علاقة له به.

ب - إن قوله تعالى: {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} أمر بطلب الوسيلة إلى الله تعالى والأمر للوجوب إن لم يصرف بدليل آخر فلو قلنا: إن الوسيلة هنا تشمل التوسل بالذوات، لزم أن التوسل بالذوات واجب إذ لا صارف لهذا الأمر، وقد أجمع المسلمون على أن التوسل بالذوات غير واجب وإنما الخلاف في الجواز وعدمه ولم يقل باستحبابه إلا بعض المتأخرين بدون دليل، ولو طلبوا بالصارف الذي صرفه عن الوجوب لم يجدوا فثبت بهذا أنه غير مراد من الآية وليس داخلًا في عمومها.

ج - إن هذا الأمر بطلب الوسيلة كان ينبغي للنبي صلى الله عليه وسلم أن يبيّنه للأمة إما بقوله أو عمله وذلك عملًا بقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح أو حسن أنه توسل بذاته الشريفة أو بالأنبياء أو الملائكة المقربين أو بصحابته في أدعيته الكثيرة المتواترة، والتي صنفت فيها المجلدات والتي فيها جميع أنواع صيغ الدعاء بأساليب شتى، فكيف يعقل ترك النبي صلى الله عليه وسلم لبيان هذا الأمر الإلهي؟

د - إن الصحابة لم يطبقوا هذا الأمر الإلهي بالتوسل بالذوات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وقت وقوعهم في الشدائد والعظائم، فلم ينقل أن السرايا والمسافرين منهم توسلوا به، فلو كانت الآية تعني ابتغاء الوسيلة بذوات الأنبياء لرأينا في أدعية الصحابة التي نقلت بألفاظ كثيرة، وفي مناسبات شتي، توسلهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبكبار الصحابة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وباقي العشرة وأصحاب بدر وبيعة الرضوان، فكيف فاتهم هذا الفهم

ص: 704

لعموم الآية وأدركه المتأخرون؟

وقد ذكرنا فيما مضى أن الترك

(1)

الراتب مع وجود المقتضي وعدم المانع سنة متبعة كما قرره العلماء المحققون.

هـ - إن الوسيلة التي أمرنا بابتغائها من العبادات والطاعات بلا شك ولا ريب والعبادات مبناها على التوقيف، ولم يأت نص صحيح صريح في كون التوسل بالذوات من الطاعات التي يتقرب بها إلى الله تعالى فإذا لم يأت نص فهو من البدعة وليس من الطاعات التي شرع لنا التعبد بها والتي أمرنا بابتغاء الوسيلة إلى الله بها.

و- الآية تدل على عكس فهم هؤلاء، لأن فيها تقديم المعمول وهو يفيد الحصر فقد قدم الجار والمجرور وهو "إليه" على المتعلق به وهو "الوسيلة"، أي اطلبوا القربة إلى الله وحده لا إلى غيره، فالتوسل البدعي توجه إلى غير الله وتعليق للقلب بغير الله، وليس فيه حصر التوجه والتعلق على الله الذي تفيده الآية بتقديم الجار والمجرور، ويدل على أن التوسل البدعي ليس فيه حصر التوجه ما خافه الإمام النووي رحمه الله من التوسل بالأعمال الصالحة، فإنه ذكر حديث الغار وتوسل الثلاثة بأعمالهم وإن العلماء استحبوا لمن وقع في شدة أن يدعو بصالح عمله عملًا بحديث الغار، ثم قال رحمه الله:"وقد يقال في هذا شيء لأن فيه نوعًا من ترك الافتقار المطلق إلى الله تعالى، ومطلوب الدعاء الافتقار"، ثم أجاب عن الاستشكال بأن النبي صلى الله عليه وسلم صَوَّبَ أعمالهم فدل على جوازه

(2)

.

فإذا كان مثل النووي رحمه الله يخاف في التوسل المشروع عدم حصر الافتقار في الله تعالى، فكيف يكون الأمر في التوسل المبتدع؟ لا شك أن ترك الافتقار المطلق فيه أولى وأظهر.

(1)

سبق ص: 606.

(2)

الأذكار: 355.

ص: 705

ز - إن لفظ الوسيلة الذي ورد في هذه الآية هو مثل لفظ الوسيلة

الذي ورد في آية الإسراء {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57)} [الإسراء: 56، 57].

ففي هذه الآية لا يمكن تفسير الوسيلة بما يشمل التوسل بالذوات لأن ذلك خلاف سياق الآية، فالآية تبين أن المدعوين أنفسهم يطلبون إلى الله الزلفى والقربة، ويرجون رحمته ويخافون عذابه فكيف أنتم تدعونهم مع هذا؟، بل اللائق بكم أن تدعوا وتطلبوا الزلفى إلى الله كما هم يطلبونها من الله تعالى وحده وهذا واضح من الآية بحمد الله تعالى فهي في نفي الواسطة إلى الله تعالى فيشمل ذلك التوسل البدعي، فكما أن الوسيلة في آية الإسراء لا تعم التوسل البدعي فكذلك لا تعمه في آية المائدة وخير ما فسر القرآن بالقرآن، ومن فرق بين المتماثلين فعليه البيان والبرهان، ولا برهان له إلا الاحتمالات الواهية والظنون الكاذبة.

ح - إن الوسيلة التي أمرنا بابتغائها لا بد أن يبينها الله لنا في كتابه لأنها مما يقربنا إليه وهي من الدين، وقد قال تعالى في أول هذه السورة:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، فإذا لم يرد في القرآن الكريم كله التوسل بالذوات ولا مرة واحدة، ولم يحك الله لنا هذا التوسل في أدعية الأنبياء والصالحين وابتهالاتهم ومناجاتهم مع الله تعالى وهي كثيرة جدًا في القرآن الكريم، دل ذلك على أن هذا التوسل ليس مما يقربنا إلى الله تعالى وليس من الدين في شيء وليس من أدعية الأنبياء والصالحين، فثبت أنه محدث في الدين وأنه ليس مرادًا من الآية.

فثبت بما تقدم - ولله الحمد - أن معنى الآية: ليس في التوسل بذوات الصالحين وإنما معناها تقربوا إلى الله بطاعته والعمل بما يرضيه كما

ص: 706

قاله قتادة وأبو وائل وعطاء ومجاهد والحسن وعبدالله بن كثير

(1)

، وقاله حذيفة أيضًا

(2)

ويرجع إلى هذا المعنى تفسير

(3)

عبد الرحمن بن زيد الوسيلة بالمحبة، أي تحببوا إلى الله أي تقربوا إلى الله بطلب رضاه ومحبته، وكذلك تفسير السدي

(4)

بالمسألة والقربة لأن المعنى اطلبوا منه المسألة والقربة ولا تسألوا غيره.

وكذلك ما روي عن ابن عباس

(5)

أنه فسرها بالحاجة، أي اطلبوا منه الحاجة ولا تطلبوا من غيره، قال الألوسي:"وكأن المعنى حينئذ اطلبوا متوجهين إليه حاجتكم فإن بيده عز شأنه مقاليد السموات والأرض، ولا تطلبوها متوجهين إلى غيره فتكونوا كضعيف عاذ بقرملة"

(6)

.

فكل هذه المعاني في إخلاص الطاعة لله وإفراده بالمحبة والسؤال والحاجة وليس فيها ما يدل على طلب الحاجة من الله بواسطة الذوات، ثم إن هذه المعاني متقاربة فلذا قال ابن كثير بعد أن حكى تفسيرها بالقربة: "وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه

(7)

.

(1)

أخرج ذلك الطبري بأسانيده عنهم: 6/ 226، كما أخرجه عن قتادة، عبد بن حميد وابن المنذر كما في الدر المنثور: 2/ 280.

(2)

أخرجه الحاكم: 2/ 78، وصححه ووافقه الذهبي.

(3)

و

(4)

أخرجهما الطبري بإسناده إليهما: 6/ 227.

(5)

رواه ابن الأنباري في الوقف والطبراني في الكبير في سؤال نافع بن الأزرق لابن عباس وفيه: "أخبرني عن قوله تعالى وابتغوا إليه الوسيلة، قال: الوسيلة الحاجة قال: وهل تعرف العرب ذلك؟، قال: نعم أما سمعت عنترة وهو يقول:

إن الرجال لهم إليك وسيلة

أن يأخذوك تكحلي وتخضبي

انظر الاتقان: 1/ 158، والمنار: 6/ 305، ومسائل نافع تحقيق محمد عبد الباقي:290.

(6)

روح المعاني: 6/ 124 وقوله: كضعيف عاذ بقرملة: القرملة واحدة القرمل وهو نبات أو شجر صغار ضعاف لا شوك له، وهو مثل يقال لمن يستعين بمن لا دفع له، وبأذل منه. اهـ. اللسان مادة قرمل: 6/ 3607.

(7)

تفسير ابن كثير: 2/ 52.

ص: 707

ويدل على أن هذه المعاني مآلها واحد أن ابن جرير الطبري فسر الوسيلة بالقربة ثم قال: "وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل"، ثم ساق أقوال من فسرها بالقربة والمسألة والمحبة استدلالًا على أنها مثل تفسيره

(1)

.

وصنع القرطبي مثل صنع الطبري أيضًا

(2)

.

وذلك أن مفسري السلف قد يقع في عباراتهم تباين في الألفاظ يحسبها من لا علم له اختلافًا، وليس كذلك، فإن منهم من يعبر عن الشيء بلازمه أو بنظيره، ومنهم من ينص على الشيء بعينه، والكل بمعنى واحد في أكثر الأماكن

(3)

.

وبما تقدم من تفسير السلف وعلماء التفسير للوسيلة في الآية بما حاصله التقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة، يعلم ما في قول بعضهم في تعريف الوسيلة:"كل ما جعله الله سببًا في الزلفى عنده ووصلة إلى قضاء الحوائج منه". ثم هنا أمر آخر وهو أن الخلاف في جعل الله التوسل بالذوات سببًا للزلفى عنده، فهو مورد النزاع فيحتاج إلى دليل خارجي يثبت أنه سبب للزلفى ووصلة إلى قضاء الحاجات، لأن الأسباب الشرعية لا بد من ثبوتها بالأدلة وإلا لجعل الناس أسبابًا للقربات من عند أنفسهم وادعوا أنها أسباب

(4)

.

(1)

الطبري: 6/ 226 - 227.

(2)

القرطبي: 6/ 159.

(3)

تفسير ابن كثير وانظر مقدمة تفسيره: 1/ 5، والفتاوى: 13/ 333، وما بعدها و 5/ 160 - 163.

(4)

ومما ينبغي أن يعلم في الأسباب ثلاثة أمور:

أ - السبب المعين لا يستقل بالمطلوب بل لا بد له من أسباب أخر وصرف الموانع.

ب - لا يجوز أن يعتقد أن الشيء سبب إلا بعلم.

جـ - الأعمال الدينية لا يتخذ منها شيء سببًا إلا بالشرع لأن العبادة توقيفية، انظر الفتاوى: 1/ 137، والرد على البكري: 86 - 87 و 230.

ص: 708

والأسباب الشرعية للتقرب إلى الله ولقضاء الحاجات معروفة في الكتاب والسنّة، والتوسل البدعي ليس منها، فمن ادعى أنه منها فعليه البيان بالأدلة الثابتة الصحيحة التي تدل على أن الله تعالى جعل التوسل بالذوات سببًا لقضاء الحاجات، ولا يقبل ذلك بالادعاء لأنه أمر شرعي تعبدي فلا بد من النص الواضح على أنه سبب، ولا يكفي في كون الشيء سببًا يتوسل به إلى الله تعالى أن يكون له قدر وحرمة عند المتوسل إليه، وذلك لأن المتوسل إليه إذا لم يأمرنا بأن نتقرب إليه بذلك الذي له قدر وحرمة عنده يكون التوسل إليه من إساءة الأدب إليه، ومن الافتئات عليه لاسيما وقد بيّن لنا ما نتوسل به إليه وسكت عن هذا من غير نسيان، ثم إن فيه اتهامًا له بعدم النصح لنا بعدم البيان لما فيه الخير لنا أو التقصير في ذلك وحاشا الشارع الحكيم من ذلك.

ثم إن هذا الكلام فتح لباب الشرك الذي أمرنا بسد الذرائع إليه، إذ أصل شرك العالم هو بسبب ادعاء الواسطة بين الله وبين خلقه وادعاء الحرمة والقدر عند الله للمعبودين، فثبت بهذا أن المدار في جواز التوسل وعدمه ليس على الحرمة والقدر، وإنما المدار على الشرع، فما أجازه الشرع وجعله سببًا للتوسل جاز، وما لم يرد في الشر، لا يكون سببًا للتوسل لأن المدار على الاتباع لا على القياس والاستحسان.

ط - ويقال أيضًا: إن الآية الكريمة تحث على تقوى الله تعالى والتقرب إليه بما يرضاه من الأعمال الصالحة، كما تحث على الجهاد في سبيله، وهذه الأمور كلها الهدف منها النفع الأخروي الآجل، وليس في سياق الآية ما يدل من قريب ولا من بعيد على طلب النفع الدنيويّ العاجل، أو التقرب إليه بالذوات لطلب النفع العاجل، فالآية فيما هو أسمى من ذلك الذي هو الأمر الأخروي فقوله:{وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} يكتنفه الأمر بالتقوى والأمر بالجهاد ثم هو مذيل بتعليل ذلك بأنه يؤدي إلى الفلاح، وهذا السياق كله يدل على أن المقصود من الآية الأمر الأخروي والله أعلم.

ص: 709

ويؤيد هذا الوجه الأخير ما ذكره شيخ الإسلام من أن قوله تعالى: {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} معطوف على قوله: {اتقوا الله} وأنه من باب عطف الخاص على العام فيكون ابتغاء الوسيلة من تمام تقوى الله تعالى، وأن الفائدة من ذكر الخاص بعد العام هو ما في الخاص من مزية تستحق التنويه بها

(1)

.

ولا يمكن لأحد أن يدعي أن التوسل بالذوات له مزية على غيره من أنواع الطاعات التي يحصل بها تقوى الله تعالى.

‌الآية السادسة:

قوله تعالى في قصة سليمان عليه السلام: {قَالَ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38)} [النمل: 38].

استدل بها بعضهم

(2)

على جواز طلب ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى من المخلوق.

الجواب عن هذا على وجوه:

1 -

إن سليمان عليه السلام عندما طلب من الملأ الذين معه - كان فيهم الجن والشياطين وهم آتاهم الله تعالى قدرة يستطيعون إحضار مثل هذا وقد سخرهم الله له. قال تعالى: {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ} [الأنبياء: 82] وقال: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ

} [سبأ: 13]، وقال:{وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37)} [ص: 37]، فهو قد طلب منهم ما يقدرون عليه فلم يطلب ما لا يقدرون عليه.

2 -

ثم

(3)

إن القصة من أدلة التوحيد لأن الرجل الذي عنده علم من

(1)

العبودية ص: 80.

(2)

استدل بها ابن جرجيس في المنحة الوهبية ص: 30، وكما في القول الفصل: 24، وتحفة الجليس: 39 - 42، والعزامي في: البراهين: 407، وعنه منتحلًا بدون إشارة صاحب المفاهيم:95.

(3)

انظر هذه الأجوبة الثاني والثالث والرابع في تحفة الطالب: 39 - 42، والقول الفصل: 25 - 28.

ص: 710

الكتاب توسل إلى الله بتوحيده وإلاهيته وكرر ذلك في دعائه، وقد روي

(1)

أنه يعرف الاسم الأعظم فهو طالب من الله راغب إليه سائل له، وقد روي أنه قال:"يا ذا الجلال والإكرام" أو قال: "يا إلهنا وإله كل شيء إلهًا واحدًا لا إله إلا أنت ائتني بعرشها"، وقيل إنه توضأ وصلى ركعتين ودعا الله تعالى ولم يدع سليمان ولا توسل به ولا بالأنبياء السابقين بل توجه إلى الله تعالى بالدعاء والصلاة.

3 -

ثم إن سليمان ليس داعيًا بل هو آمر وقد ذكرنا الفرق بين المعنيين فيما تقدم

(2)

، وذلك لأن سليمان عليه السلام ملك يأمر رعيته بما يقدرون عليه وهكذا حال الملوك وغيرهم، خصوصًا إذا كان مما يحبه الله ويرضاه

4 -

ثم إن هذا من باب طلب الدعاء من الحي الحاضر لا سيما إذا كان معروفًا بإجابة الدعاء، فإن الرجل قيل: إنه كان يعرف الاسم الأعظم الذي إذا دعى الله به أجاب ولا يشترط في طلب الدعاء أن يكون المطلوب منه أفضل من الطالب، كما في طلب النبي صلى الله عليه وسلم من عمر إشراكه في الدعاء وطلب عمر من العباس الاستسقاء وأمر النبي الله صلى الله عليه وسلم لعمر بطلب الاستغفار من أويس القرني

(3)

، وبهذا علم أن هذا ليس من الطلب من الغائب ولا من الميت وإنما من الحاضر.

5 -

ثم إن هذا الأمر من سليمان يمكن أن يكون بوحي من الله سبحانه وتعالى لأنه نبي يعمل ما يعمله بالوحي، وقد يريد الله تعالى إظهار فضل أتباع نبيه سليمان عليه السلام وإظهار كرامتهم عند الله تعالى، فيأمر سليمان بأن يأمر الحاضرين بالتسابق في تقديم الدعاء إلى الله تعالى فمنهم

(1)

انظر هذه الروايات التي في هذه القصة تخريجها في تفسير الطبري: 19/ 163، والدر المنثور: 5/ 109.

(2)

سبق ص: 18.

(3)

قد أخرجت هذه الأحاديث في ص: 501، 720، وحديث أويس في مسلم برقم 2542.

ص: 711

الجن والشياطين ومنهم الإنس، ففي قبول الدعاء من أتباع النبي كرامة لهذا التابع كما أنه من جهة معجزة للرسول المتبوع.

فهذه القصة تحتمل أن تكون بوحي فلهذا لا يمكن القياس عليها.

6 -

ثم إن هذه القصة قد وقعت في شريعة غير شريعتنا، ومن المعلوم أن شرع من قبلنا ليس شرعًا لنا إلا فيما وافق شرعنا، وقد علم قطعًا في شرعنا أنه لا يجوز طلب ما لا يقدر عليه إلا الله إلا من الله تعالى.

‌الآية السابعة:

قوله تعالى في حق موسى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص: 15].

احتجوا

(1)

بهذه الآية على جواز الاستغاثة بالأموات والغائبين، كما احتجوا أيضًا بالأحاديث الواردة في مطلق الاستغاثة والإعانة، مثل ما ورد في حديث

(2)

الشفاعة الكبرى: "فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم

(3)

وحديث

(4)

ابن عباس في قصة هاجر من قولها: "أغث إن كان عندك غواث"

(5)

، وما روي

(6)

أن جبريل قال لإبراهيم عليهما

(1)

انظر الاحتجاج بهذه الآية: في الأزهية في أحكام الأدعية نقلًا عن الجزري ص: 174.

(2)

انظر الاستدلال به في شفاء السقام: 190، وشواهد الحق نقلًا عن الجوهر المنظم ص: 138، والدرر ص: 18، والبراهين: 417، وعنه منتحلًا في مفاهيم: 54، والمقالات للكوثري ص:395.

(3)

أخرجه البخاري: 3/ 338 رقم 1475 من حديث ابن عمر، وانظر رقم 3340 من حديث أبي هريرة ومسلم من حديث أبي هريرة رقم 194 ومن حديث أنس 193.

(4)

انظر الاحتجاج به في شفاء السقام: 188، وفي الأزهية ص:175.

(5)

أخرجه البخاري: 6/ 396 رقم 3364 من حديث ابن عباس.

(6)

انظر ذكر احتجاجهم بهذا الحجة - في كشف الشبهات -: مؤلفات الشيخ: 1/ 178.

ص: 712

السلام لما ألقي في النار ألك حاجة فقال أما إليك فلا

(1)

.

قالوا: وهذه الأمور فيها الاستغاثة بغير الله تعالى.

‌الجواب

(2)

:

1 -

إن هؤلاء الذين يذكرون ما تقدم على أحد احتمالين: إما أنهم لم يفهموا الاستغاثة الممنوعة من المباحة ولم يستطيعوا التمييز بينهما، وإما أنهم يتعمدون التشويش وتلفيق الحجج والشبهات، وعلى كل فنقول جوابًا لهذا ولذاك سائلين الله تعالى التوفيق.

2 -

إن الاستغاثة على قسمين جائزة وممنوعة.

فالجائزة: الاستغاثة بالحي الحاضر فيما يقدر عليه، وهي ما كان "في الأسباب الظاهرة العادية من الأمور الحسية في قتال، أو إدراك عدو، أو سبع أو نحوه، كقولهم يا لَزَيْدٍ يا للمسلمين كما ذكروا ذلك في كتب النحو"

(3)

.

وأما القسم الممنوع فهو أن يستغاث بالمخلوق الحاضر فيما لا يقدر، وكذلك بالغائب أو الميت فيما يقدر عليه حيًا ولا فيما لا يقدر.

فالاستغاثة الممنوعة محصورة بالاستغاثة بالقوة والتأثير الغيبي أو في الأمور المعنوية من الشدائد، كالمرض وخوف الغرق والضيق والفقر وطلب الرزق ونحوه

(4)

.

(1)

انظر ما تقدم ص: 337.

(2)

انظر الجواب عن هذه الشبهة: في الرد على البكري: 67، وكشف الشبهات: 1/ 178، وتطهير الاعتقاد 27، والدر النضيد: 24، وتيسير العزيز: 234، وعقيدة الشيخ محمد:464.

(3)

تيسير العزيز: 234.

(4)

القول الفصل: 51 والانتصار لحزب الله: 45 - 46، وأصل الكلام لصنع الله الحلبي.

ص: 713

فهذه الاستغاثة من خصائص الله تعالى لا يطلب فيها غيره، والسبب في منع الاستغاثة بغير الله في هذا لأن "ما لا يقدر عليه من الأمور العامة الكلية كهداية القلوب ومغفرة الذنوب، والنصر على الأعداء، وطلب الرزق من غير جهة معينة والفوز بالجنة والإنقاذ من النار ونحو ذلك غايةٌ في القصد والإرادة، فسؤاله وطلبه غاية في السؤال والطلب، وفي ذلك من الذل وإظهار الفاقة والعبودية ما لا ينبغي أن يكون لمخلوق أو يقصد به غير الله"

(1)

.

وقد تقدم

(2)

ذكر ما يبين في مبحث مراتب الدعاء غير المشروع، فاتضح مما سبق أن ما استدلوا به كله من القسم الأول الجائز فإن موسى عليه السلام في المثال الأول قادر على إغاثة الرجل الذي استغاث به وهو حي حاضر، ومثل ذلك ما ورد في أحاديث الشفاعة فإن الأنبياء حاضرون مع الناس فيطلبون منهم الدعاء والشفاعة، وذلك في مقدورهم، ومما يدل على ذلك دلالة واضحة أن الناس يذهبون إليهم واحدًا بعد واحد، فلو كان من الاستغاثة المدعية لما تجشموا الذهاب في ذلك الموقف الحرج بل اكتفوا بذكر أسمائهم أو ندائهم والصراخ بأسمائهم بدون أن يحضروا عندهم ويتجشموا الذهاب إليهم.

فدل هذا على أن هذه الاستغاثة من باب طلب الدعاء من الحي الحاضر، ومن النوع استغاثة هاجر فإنها لما سمعت صوتًا طلبت من صاحب الصوت أن يغيثها وهو حاضر قريب إليها.

وأما ما روي في قصة إبراهيم على فرض صحته فإنه أيضًا من هذا النوع، فإن جبريل شديد القوى كما وصفه الله يقدر على إغاثة إبراهيم وإلقائه خارج النار، أو إلقاء النار في مكان بعيد.

(1)

تحفة الطالب والجليس: 104.

(2)

تقدم ص: 494.

ص: 714

‌الآية الثامنة:

قوله تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الزمر: 34، الشورى: 22].

استدل

(1)

بهذه الآية بعضهم على جواز دعاء الأولياء في قبورهم، أي أن الأولياء إذا أرادوا شيئًا في قبورهم وطلبوه من الله فلا بد أن يحصل ويتحقق فإذا كان الأمر كذلك فإذا دعاهم أحد فإنهم يشاءون له الإجابة.

الجواب عن هذا بوجوه:

1 -

يلزم على تفسير الآية بقول هؤلاء الذين فسروها بالمشيئة المطلقة للأولياء أن الأولياء في قبورهم لهم التصرف المطلق في الكون، فهم لا يشاؤون أيّ شيء إلا كان، ولا يقول بهذا مسلم لأن المشيئة المطلقة ليست إلا الله تعالى.

2 -

إن الآية ليست في الأولياء فقط بل تشمل جميع المؤمنين كما يدل عليه أول الآية في سورة الشورى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الآية: 22]، وفي سورة الزمر أيضًا في جميع المؤمنين كما رجحه ابن جرير الطبري مستدلًا بمقابلة هذه الآية بالآية التي قبلها {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ} [آية: 32]، وبقوله:{أولئك المتقون} [آية: 33]، وبقراءة من قرأ (والذين جاءوا بالصدق وصدقوا به)

(2)

.

فإذا ثبت أن قوله تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} في الموضعين عام لكل المؤمنين يلزم على قولهم أن كل المؤمنين لهم المشيئة المطلقة في القبور ويتصرفون في الإجابة فيجوز دعاؤهم لقضاء الحاجات وتفريج الكربات.

(1)

انظر ذكر احتجاج بعض الناس بهذه الآية في الرسائل الشخصية: مؤلفات الشيخ: 5/ 205، وقطف الثمر ص:105.

(2)

تفسير ابن جرير: 24/ 4، وعنه نقل الحافظ في الفتح مقررًا: 13/ 395.

ص: 715

وهؤلاء يخصون الدعاء بالأولياء فقط ولا يقولون بذلك في عامة المؤمنين.

3 -

إن هذا التفسير خلاف الأدلة الصحيحة، فقد دلت النصوص الصحيحة أن الميت ليس له تصرف في الأمور الدنيوية، وليس لمشيئته تأثير على ما يجري في الدنيا.

4 -

سياق الآية يدل على أنها جزاء في الجنة وليس في القبور، ويدل على ذلك قوله تعالى:{فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ} في آية الشورى، كما يدل على ذلك مقابلة هؤلاء الصنف المصدقين بالمكذبين الذين قال الله فيهم:{أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ} فكما أن هذا يقع في الآخرة فكذلك الآخر.

5 -

ثم لو سلمنا جدلًا أن المراد من الآية أن لهم المشيئة المطلقة في القبر يلزمنا أنهم يعلمون ما يجري في الدنيا وهذا يخالف النصوص وتأتي تلك النصوص في حديث عرض الأعمال.

6 -

إن التفسير الصحيح للآية هو ما تدل عليه آيات أخر مثل هذه الآية تمامًا وهي واضحة أن هذه المشيئة هي في الجنة وأنهم ما يشاءون ويشتهون شيئًا إلا حصل لهم، ومن تلك الآيات قوله تعالى:{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)} [ق: 31 - 35] وقوله تعالى: {قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16)} [الفرقان: 15، 16].

فهاتان الآيتان في الجنة بدون شك ولا ريب، فكذا الآية التي احتجوا بها، فكل هذه الآيات في الجنة لا في البرزخ، ومثل هذه الآيات قوله تعالى:{وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ} [الزخرف: 71].

فتبين مما سبق أن المراد من الآية ليس مشيئة مطلقة وإنما هي مشيئة

ص: 716

خاصة بما يشتهونه في الجنة، ودل على هذه الآيات الأخرى والسياق وأقوال المفسرين.

فقد فسر ابن جرير

(1)

وابن كثير

(2)

والقرطبي

(3)

وغيرهم الآية بالطلب في الجنة بعد قيام الساعة، ولم نطلع على أحد فسرها بما يدل على الطلب أيام البرزخ في القبر، فيكون تفسيرها بذلك من التفسير بالرأي المذموم الذي نهينا عنه كما يكون أيضًا مخالفًا لسياق الآية.

قال الشيخ محمد صديق حسن خان رحمه الله في رد هذه الشبهة: "إن ذلك وعد لهم والله لا يخلف الميعاد وهذا لهم في الآخرة كما صرحت به الآيات والأحاديث ودعوى العموم بعيدة محالة، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن

"

(4)

.

‌الآية التاسعة:

قوله تعالى: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5)} [النازعات: 5].

قد احتجوا بهذه الآية على دعاء الموتى وندائهم بالحوائج، وقالوا هي الأرواح الفاضلة فإنها إذا فارقت البدن يظهر لها آثار في أحوال هذا العالم فهي المدبرات أمرًا، فإن الإنسان قد يرى شيخه في المنام ويسأله عن مشكلة فيرشده إليها

(5)

.

(1)

الطبري: 5/ 24، 26/ 22.

(2)

ابن كثير: 4/ 53، 111.

(3)

الجامع للأحكام: 15/ 257، 16/ 20.

(4)

قطف الثمر: 105.

(5)

انظر هذا القول في تفسير الرازي: 30/ 32، وأساس التقديس ص: 77، وقد نقل الكوثري في المقالات ص: 382 قول الرازي من تفسيره ومن المطالب العالية وامتدحه، وانظر روح المعاني: 30/ 30 - 32، وقد احتج بالآية داود بن جرجيس كما في تحفة الطالب ص:58.

ص: 717

‌الجواب:

1 -

إن هذا التفسير من التفسير بالرأي المجرد المذموم لأنه لم يرد عن مفسري السلف ولا يدل عليه نظم القرآن وسياقه.

2 -

قد فسر علماء التفسير من السلف المدبرات بالملائكة ولم يختلفوا في ذلك، وإنما اختلفوا في تفسير النازعات والناشطات والسابحات والسابقات، وأما المدبرات فلم يختلفوا في تفسيرها بالملائكة، قال ابن كثير رحمه الله:"قال علي ومجاهد وعطاء وأبو صالح والحسن وقتادة والربيع بن أنس والسدي هي الملائكة، زاد الحسن تدبر الأمر من السماء إلى الأرض يعني بأمر ربها عز وجل ولم يختلفوا في هذا"

(1)

، فعلى هذا فلا يجوز إحداث تفسير لم يذهبوا إليه لأن ذلك يعد مخالفة لاتفاقهم.

3 -

ثبت أن المراد من المدبرات هي الملائكة التي تدبر الأمور الكونية بأمر الله تعالى، ومع تدبيرها للكون لا يجوز دعاؤهم ولا الاستغاثة بهم.

لأننا نعلم أن الملائكة يدعون لنا بالاستغفار ومع ذلك لا نطلب منهم ذلك، لأن ذلك إنما يكون منهم بالأمر الكوني لا يزيد بسؤال سائل

(2)

، وفي هذا رد لما نقل عن بعضهم من القول بأن رفع اليدين إلى السماء في الدعاء لأجل دعاء الملائكة

(3)

فالملائكة لا يدعون من دون الله تعالى، قال تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} .

وجاء تفسيرها بالملائكة كما سيأتي

(4)

.

(1)

تفسير ابن كثير: 4/ 466، وانظر أيضًا الدر المنثور: 6/ 310 - 311، وقال ابن القيم: نقلًا عن ابن عطية: إنه لا يحفظ خلافًا في أنها الملائكة: مفتاح دار السعادة: 2/ 617، والإغاثة: 2/ 95 - 96.

(2)

انظر ما سيأتي نقله في ص: 777.

(3)

انظر ما تقدم نقله عن الرازي من تأسيس التقديس ص: 286.

(4)

سيأتي ص: 890.

ص: 718

4 -

ثم إن القول بأن أرواح الموتى هي المدبرة للأمور فيه خطورة بالغة وفتح لباب الشرك على مصراعيه، وهل عبدت الأصنام إلا بمثل هذا، بل لا يعتقد أكثر عباد الأصنام لها التدبير استقلالًا كما سيأتي

(1)

، فاعتقاد التدبير للأموات من أشنع المسائل التي صرّح بها بعض من ينتسب إلى الإسلام وهي من أقوال الصابئة وبعض الفلاسفة الذين يعتقدون تأثيرًا وارتباطًا لأرواح الموتى بالأحياء، ولا يتصور من مسلم أن يتفوه بمثل هذا مع وضوح مناقضته لبديهيات الإسلام، فالقول بهذا مع مناقضته للإسلام "رجوع إلى عبادة الملائكة والنجوم والأنفس المفارقة وهذا حقيقة دين الصابئة"

(2)

.

وبهذه الآية نصل إلى الانتهاء من ذكر أهم الآيات التي احتجوا بها والإجابة عليها بما يوضح أنها لا تدل على مقصودهم بل هي على نقيض قصدهم.

ومن هنا نقول: إننا لم نجد لهم دليلًا صريحًا من الكتاب العزيز يدل لما ذهبوا إليه من جواز دعاء غير الله تعالى من الأموات والغائبين أو التوسل بهم.

والآن نبدأ في عرض ما بقي من حججهم من السنة الصحيحة والإجابة عليها وبالله التوفيق.

(1)

ص: 893.

(2)

تحفة الطالب ص: 58.

ص: 719

‌المبحث الثاني في مناقشة بعض ما احتجوا به من السنة الصحيحة

ومن الأحاديث الصحيحة التي استدلوا بها:

1 -

ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيسقون"

(1)

.

قد احتج بهذا الحديث طائفة

(2)

ممن أجازوا السؤال بالذوات، والاستشفاع بها، أو استحبوا ذلك ومنهم من احتج به على جواز الاستغاثة بغير الله تعالى.

(1)

أخرجه البخاري: 2/ 494 رقم 1010 و 7/ 77 رقم 3710، وابن سعد في الطبقات: 4/ 28 - 29، والفسوي في المعرفة والتاريخ: 1/ 504، وابن حبان في صحيحه "الإحسان": 4/ 228 رقم 2850، وابن خزيمة في صحيحه: 2/ 337 رقم 1421، والطبراني في الدعاء: 2/ 252 رقم 965، و 3/ 333 رقم 2211.

(2)

وممن احتج به ابن الحاج في المدخل: 1/ 248 - 249، وابن حجر الهيتمي كما في شواهد الحق: 137 - 138، والسمهودي في وفاء الوفاء: 4/ 1375، وزيني دحلان في الدرر السنية 11 - 13، وفي خلاصة الكلام: 243 - 244، والسمنودي في سعادة الدارين: 171، والكوثري في محق التقول في مسألة التوسل ضمن المقالات: 380، 388 والنبهاني في شواهد الحق: 137 - 138، والغماري في إتحاف الأذكياء: 15 - 16، والرد المحكم: 162 - 164، والداجوي كما في البصائر: 91، والعزامي في البراهين: 432 - 435، وعنه بدون إشارة صاحب المفاهيم: 69 - 71، والبوطي في: السلفية مرحلة: 154.

ص: 720

‌الجواب كالآتي:

إن هذا الحديث ليس من التوسل بالذوات والسؤال بها.

وإنما هو من التوسل المشروع وهو طلب الدعاء من الحي الحاضر، ويدل على ذلك أمور:

1 -

إن علماء السلف فهموا من هذا الحديث التوسل المشروع، ويدل لذلك صنيع الإمام البخاري

(1)

رحمه الله تعالى فقد بوّب لهذا الحديث بقوله:

"باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا" وأورد تحت هذا الباب هذا الحديث وحديث ابن عمر رضي الله عنهما.

ربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي فما ينزل حتى يجيش كل ميزاب:

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

وقد اعترض

(2)

على البخاري بعضهم، لإيراد هذين الحديثين تحت الباب المذكور لأن الحديثين في نظر المعترض ليس فيهما ما يدل على طلب الاستسقاء من الإمام، وعند التأمل يظهر دقة استنباط البخاري وصحته وأن الحديثين يدلان على سؤال الناس الإمام الاستسقاء ولا صحة لاعتراض من اعترض عليه، والسبب في هذا الاعتراض أن لفظ التوسل قد دخل فيه لبس وخلط فمفهومه في لغة الصحابة غير مفهومه عند المتأخرين. قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:

"ولفظ التوسل والاستشفاع ونحوهما دخل فيها من تغيير لغة الرسول

(1)

انظر البخاري مع الفتح: 2/ 494، ومثل البخاري الطبراني في الدعاء إذ عقد باباً بعنوان "باب ما ينبغي للإمام من استحضار الصالحين عند الاستسقاء: 2/ 1252، رقم الباب 160".

(2)

انظر هذا الاعتراض في الفتح: 2/ 494.

ص: 721

وأصحابه ما أوجب غلط من غلط عليهم في دينهم ولغتهم"

(1)

.

وذلك لأن التوسل والتوجه ونحوهما لفظ فيه إجمال واشتراك بحسب الاصطلاح، فمعناه في لغة الصحابة أن يطلب منه الدعاء والشفاعة، فيكونون متوسلين ومتوجهين بدعائه وشفاعته، ودعاؤه وشفاعته صلى الله عليه وسلم من أعظم الوسائل عند الله عز وجل.

وأما في لغة كثير من الناس فمعناه أن يسأل الله تعالى ويقسم عليه بذاته

(2)

، فالمعنى الصحيح لقول عمر رضي الله عنه:"كنا نتوسل بنبينا فتسقينا" -كنا نطلب منه الدعاء والشفاعة ونطلب من الله أن يقبل دعاءه وشفاعته "ونحن نقدمه بين أيدينا شافعاً وسائلاً لنا -بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم فإنه كان يدعو للمتوسل به المستشفع به، والناس يدعون معه"

(3)

.

وليس معناه أننا نذكر اسمه في الدعاء مع غيبته كأن يقال: اللهم إنا نسألك بحرمة نبيك وجاهه. .. إلخ.

2 -

إن الثابت في الأحاديث الصحاح أن الصحابة كان توسلهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء وغيره -بطلب الدعاء منه، وذلك كما في حديث أنس وعائشة رضي الله عنهما، بل قد ثبت أن الكفار كانوا يتوسلون بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا يطلبون منه الدعاء ليسقيهم الله تعالى، كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

فحديث أنس هو ما رواه البخاري ومسلم عن أنس، أن رجلاً دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً فقال:

يا رسول الله هلكت المواشي، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا

(1)

قاعدة في التوسل: 79 - 80، ومع الفتاوى: 1/ 246.

(2)

المرجع نفسه: 152، أو الفتاوى: 1/ 344.

(3)

قاعدة في التوسل: 126، أو الفتاوى: 1/ 314 - 315.

ص: 722

قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال: اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيئاً

(1)

.

وأما حديث عائشة رضي الله عنها فهو قولها:

"شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يوماً يخرجون فيه قالت: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد الله ثم قال: "إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم

"

(2)

.

فقد صرح في الحديث أنهم شكوا إليه تأخر المطر وهذه الشكوى لأجل أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم.

فالصحابة لم يكونوا يتوسلون بذكر اسمه فقط بدون أن يدعو لهم النبي صلى الله عليه وسلم وبدون أن يعلمه وبدون أن يحضروا عنده.

وأما توسل الكفار واستشفاعهم بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد أخرجه البخاري تحت باب إذا استشفع المشركون بالمسلمين عند القحط من طريق مسروق قال: أتيت ابن مسعود فقال:

"إن قريشاً أبطؤوا عن الإسلام فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها، وأكلوا الميتة والعظام، فجاءه أبو سفيان فقال: يا محمد جئت تأمر بصلة الأرحام، وإن قومك هلكوا فادع الله

فدعا

(1)

أخرجه البخاري: 2/ 412 رقم 932، ومواضع أخر ومسلم: 2/ 612 رقم 897.

(2)

أخرجه أبو داود: 1/ 692 رقم 1173، وابن حبان [موارد] ص: 160 رقم 604، والحاكم: 1/ 328، والطحاوي: 1/ 192، والطبراني في الدعاء: 3/ 1769 - 1773 رقم 2170 - 2174 ورقم 2185، وقد قال فيه أبو داود: حديث غريب إسناده جيد، وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي وقد حسنه الألباني في الإرواء: 3/ 135 رقم 668.

ص: 723

رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقوا الغيث فأطبقت عليهم سبعاً وشكا الناس كثرة المطر فقال: اللهم حوالينا ولا علينا، فانحدرت السحابة عن رأسه فَسُقُوا الناسُ حولهم"

(1)

.

فدلت هذه الأحاديث على أن التوسل المعهود في حياة النبي صلى الله عليه وسلم هو المجيء إليه وطلب الدعاء منه وهذا يفسر التوسل الوارد في كلام عمر رضي الله عنه: "كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا" فكما أن قوله الأول نتوسل إليك بنبينا يحمل على هذا كما دلت عليه هذه الأحاديث، يحمل قوله:"وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا" على التوسل المعهود بينهم وهو طلب الدعاء من الحي الحاضر الذي يدعو، قال شيخ الإسلام: والصحابة رضي الله عنهم "كانوا إذا أجدبوا إنما يتوسلون بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم واستسقاءه، لم ينقل عن أحد منهم أنه كان في حياته صلى الله عليه وسلم سأل الله تعالى بمخلوق لا به ولا بغيره، لا في الاستسقاء ولا غيره"

(2)

.

3 -

ويدل لهذا أيضاً ما رواه عبد الرزاق من طريق عكرمة عن ابن عباس: "أن عمر استسقى بالمصلى فقال للعباس: قم فاستسق فقام العباس فقال: اللهم إن عندك سحاباً وإن عندك ماء .. اللهم شفعنا في أنفسنا وأهلينا، اللهم إنا شفعنا إليك عمن لا منطق له عن بهائمنا، وأنعامنا، اللهم لا نرغب إلا إليك وحدك لا شريك لك

"

(3)

.

ففي هذا تصريح بطلب عمر من العباس رضي الله عنهما الدعاء،

(1)

البخاري مع الفتح: 2/ 510 رقم 1020.

وانظر خبر مجيء أبي سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم في دلائل البيهقي: 2/ 329، ولحديث ابن مسعود شاهد من حديث كعب بن مرة أخرجه ابن أبي شيبة برقم 9274، والطبراني في الدعاء برقم 2191.

(2)

قاعدة في التوسل ص: 65.

(3)

مصنف عبد الرزاق: 3/ 92 - 93، عن إبراهيم بن محمد وهو ابن أبي يحيى عن حسين بن عبد الله وهو الهاشمي عن عكرمة عن ابن عباس به وإسناده ضعيف لضعف ابن أبي يحيى، والهاشمي.

ص: 724

وهو التوسل المشروع ولم يكتف عمر بذكر اسم العباس في الدعاء فقط، بل طلب منه الدعاء، ثم إن قول العباس فشفعنا في أنفسنا إلخ يدل على أن كل الحاضرين مشتركون في الدعاء وأنهم يشفعون في أنفسهم وأهليهم كما يشفعون عن البهائم.

ثم إن قوله لا نرغب إلّا إليك يؤكد إفراد الله تعالى بالرغبة والسؤال وهذا كله يدل على أن التوسل الوارد في قول عمر معناه طلب الدعاء من الحي الحاضر.

4 -

كما يشهد لذلك أيضاً ما ورد في بعض طرق الحديث عن أنس قال: "كانوا إذا قحطوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم استسقوا به، فيستسقي لهم فيسقون فلما كان في إمارة عمر"

(1)

.

فهذا واضح في طلب الدعاء منه صلى الله عليه وسلم، وكذلك العباس إنما طلب منه عمر الدعاء فكلمة استسقوا السين والتاء فيها للطلب أي طلبوا منه الدعاء بالسقيا.

5 -

ومما يشهد لذلك أيضاً صيغة ما دعا به العباس حين طلب منه عمر فإنه قال: "اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث"

(2)

.

فلو كان توسل عمر بالذات لما دعا العباس ولسكت لأنَّه يكفي توسل عمر بذاته بل يكفي عدم حضور العباس معهم بذاته، فيكتفي بذكر

(1)

أخرجه ابن حبان (الإحسان: 4/ 228) والإسماعيلي كما في الفتح: 2/ 495، والإسناد صحيح لاتحاد مخرج الإسناد مع إسناد البخاري.

(2)

أخرجه الطبراني في الدعاء من طريق الزبير بن بكار: 3/ 1795 رقم 2211. وعزاه الحافظ في الفتح إلى الزبير بن بكار في الأنساب (الفتح: 2/ 497)، وأخرجه الحاكم: 3/ 334 من طريق الزبير أيضاً، مختصراً وسكت عنه وقال الذهبي: داود متروك وسيأتي بعد قليل بيان ما في هذا الأثر من علل ص: 729.

ص: 725

اسم العباس في الدعاء بدون أن يدعو العباس وبدون أن يحضر كما يفعله المتأخرون.

6 -

إن هذا التوسل لو كان توسلاً بالذات لما عدل عمر والصحابة عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بالعباس، وكان يمكنهم أن يأتوا قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيتوسلوا به أو يقولوا وهم في الصحراء: اللهم إنا نسألك بجاه نبيك أو نحوه ولكنهم عدلوا عن هذا إلى التوسل بالعباس.

ولا شك أنهم أعلم منا بما أمر الله به ورسوله من الأدعية وغيرها وما هو أقرب إلى الإجابة.

فدل هذا العدول عن التوسل بالأفضل إلى التوسل بالمفضول على أن التوسل بالأفضل لم يكن ممكناً

(1)

.

وقد ذكرنا فيما سبق

(2)

أن من القواعد الأصولية المقررة أن الترك الراتب مع وجود المقتضي وعدم المانع -يدل على أن الترك سنة وأن خلافه بدعة.

ومما يدل على أن الصحابة يرون أن ترك التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم هو السنة أنهم لم يكونوا في حياته يتوسلون بغيره مع حضوره معهم، فلو كان التوسل به مشروعاً بعد موته لما عدلوا عنه.

قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:

"فلو كان توسلهم به في مماته كتوسلهم به في حياته لكان توسلهم به أولى من توسلهم بعمه العباس ويزيد وغيرهم.

فهل كان فيهم في حياته من يعدل عن التوسل به والاستشفاع إلى التوسل بالعباس وغيره؟ وهل كانوا وقت النوازل والجدب يَدَعُونه، ويأتون

(1)

قاعدة في التوسل: 131.

(2)

سبق ص: 606.

ص: 726

العباس أم هل يفعل هذا مؤمن؟ فلو كان التوسل به في مماته كما كان في حياته لزم أن يكون المهاجرون والأنصار إما جاهلين بهذه التسوية وهذا الطريق أو أنهم سلكوا في مطلوبهم أبعد طريق، وكلاهما لا يصفهم به إلا من كان من جنس الرافضة الأراذل القادحين في أولئك الأفاضل. ثم سلف الأمة وأئمتها سلكوا سبيل الصحابة في التوسل في الاستسقاء بالأحياء الصالحين الحاضرين.

ولم يذكر أحد منهم ذلك التوسل بالأموات لا من الرسل ولا من الأنبياء ولا من الصالحين"

(1)

.

وأما جواب من

(2)

قال: إن عمر رضي الله عنه فعل ذلك للإشارة إلى جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل.

فيقال في

(3)

جوابه:

1 -

إنه يمتنع في العادة أن يلجأ المضطر في حالة الشدة إلى المشكوك فيه مع وجود من يتيقن إجابة دعائه، فالمضطر يلجأ إلى أعظم من يخلصه وينسى غيره.

ويدل لهذا صنيع المشركين في الشدة. قال تعالى:

{وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: 67].

قال شيخ الإسلام على لسان الصحابة: "فلم نعدل عن الأمر المشروع

وفي ذلك ترك السنة المشروعة وعدول عن الأفضل وسؤال الله بأضعف السببين، مع القدرة على أعلاهما ونحن مضطرون غاية الاضطرار في عام الرمادة الذي يضرب به المثل في الجدب"

(4)

.

(1)

الرد على البكري: 126 - 127.

(2)

قد أجاب بهذا دحلان في الخلاصة: 244، وفي الدرر: 13، والكوثري في محق التقول: 388 والغماري في الإتحاف 16، والرد المحكم:162.

(3)

التوسل وأنواعه ص: 65.

(4)

قاعدة في التوسل: 65، وضمن الفتاوى: 1/ 225.

ص: 727

2 -

ثم إن بيان الجواز يكفي فيه المرة الواحدة وقد تكرر من عمر هذا كما تدل عليه كلمة "كان".

3 -

ثم إن هذا العدول ليس من عمر فقط بل فعله معاوية أيضاً حيث استسقى بيزيد بن الأسود، فقد روي عن سليم بن عامر الخبائري.

"أن السماء، قحطت، فخرج معاوية بن أبي سفيان وأهل دمشق يستسقون فلما قعد معاوية على المنبر قال: أين يزيد بن الأسود الجرشي؟ فناداه الناس فأقبل يتخطى الناس فأمره معاوية فصعد المنبر فقعد عند رجليه فقال معاوية: "اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بخيرنا وأفضلنا اللهم إنا نستشفع إليك بيزيد بن الأسود الجرشي، يا يزيد ارفع يديك إلى الله فرفع يزيد يديه ورفع الناس أيديهم.

فما كان أوشك أن ثارت سحابة في الغرب كأنها ترس، وهبت لها ريح فسقينا حتى كاد الناس أن لا يبلغوا منازلهم"

(1)

.

وقد صحح إسناد هذا الأثر الحافظ في التلخيص والإصابة

(2)

، وكذلك فعل الضحاك بن قيس استسقى بيزيد بن الأسود

(3)

، فلا يمكن أن يقال: إن معاوية والضحاك فعلا أيضاً لبيان الجواز، فاجتماع هؤلاء الثلاثة إلى العدول عن النبي صلى الله عليه وسلم وعدم إنكار أحد من الصحابة عليهم يدل على أن العدول هو المشروع.

وهناك رواية أخرى في استسقاء معاوية بأبي مسلم الخولاني

(4)

.

(1)

أخرجه الفسوي في المعرفة والتاريخ: 2/ 380 - 381، وأبو زرعة الدمشقي في تاريخه 1/ 602 رقم 1703، وابن سعد في الطبقات: 7/ 444. وذكره الذهبي في السير: 4/ 137، ونسبه الحافظ في التلخيص إلى اللالكائي وغيره.

(2)

انظر: تلخيص الحبير: 2/ 101، والإصابة: 6/ 698.

(3)

المعرفة والتاريخ: 2/ 381، وأبو زرعة: 1/ 602 رقم 1704، وذكر في الإرواء: 3/ 140، أن رجاله ثقات لكنه منقطع.

(4)

أخرجها أحمد في الزهد: 392، قال الألباني: وسنده منقطع "الإرواء: 3/ 141".

ص: 728

وأما من

(1)

أجاب عن عدول عمر رضي الله عنه إلى العباس بأن ذلك - مبالغة من عمر في التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم ما استطاع وذلك لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقال في جوابه:

إن هذا يمكن أن يكون سبباً في تخصيص العباس دون غيره من الصحابة ولا يكون سبباً للعدول

(2)

.

ثم يعترض عليه بأن التعليل بالقرابة لا يمكن في صنيع معاوية والضحاك فليست العلة مطردة. وكذلك إجابة

(3)

من أجاب بأن ذلك للاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في إكرام العباس وإجلاله، واحتج بما روي من طريق داود بن عطاء عن زيد بن أسلم عن ابن عمر قال:

"استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس بن عبد المطلب فخطب عمر فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرى للعباس ما يرى الولد للوالد، فاقتدوا أيها الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم واتخذوه وسيلة إلى الله

"

(4)

.

وهذه الرواية فيها عدة علل

(5)

وعلى فرض ثبوتها فإنما تدل على سبب التخصيص فقط، ولا تدل على سبب العدول المتنازع عليه.

كما أن هذا يعترض عليه بقصة معاوية والضحاك -فلا يمكن أن

(1)

ممن أجاب بهذا السمنودي في سعادة الدارين: 175، والغماري في الرد: 163، والعزامي في البراهين: 434، وعنه انتحل صاحب المفاهيم: 70، ومنهم أيضاً الكوثري في محق التقول: 388، والهرري في الصراط المستقيم:55.

(2)

التوسل أنواعه: 72.

(3)

منهم الغماري في الإتحاف: 16، والرد المحكم:162.

(4)

تقدم تخريجه ص: 725.

(5)

انظر الكلام عليها في التوسل أنواعه: 71 - 72.

قال الألباني ما حاصله:

1 -

داود ضعيف، والذهبي قال: داود متروك.

2 -

ساعدة بن عبيد الله المزني لم أجد له ترجمة.

3 -

الاضطراب في السند مرة عن زيد عن أبيه من طريق هشام بن سعد، ومرة عنه عن ابن عمر وهشام أقوى من داود.

ص: 729

يقال فيه: إن ذلك للقرابة أو للاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.

ثم إن قول عمر في هذه الرواية على فرض صحتها -وأنَّى لها الصحة؟ -: "واتخذوه وسيلة إلى الله" أي اجعلوه يدعو لكم، وليس معناه: اذكروا اسمه فقط، فلا حجة فيه كما ادعاه بعضهم

(1)

.

وأما من

(2)

أجاب بأن عمر إنما عدل إلى العباس رضي الله عنهما خوفاً على ضعفاء المسلمين وعوامهم.

1 -

فيقال: هذا الظن لا دليل عليه لأن الاطلاع على مقاصد عمر رضي الله عنه من الغيب، ولم يرد في لفظ الحديث ما يدل عليه.

2 -

ثم هل يقال مثل هذا في معاوية والضحاك، هل العلة في الكل الخوف؟

3 -

ثم لو سلم ذلك فيقال إذا كان الخليفة الملهم رضي الله عنه يخاف على الذين في القرن الأول المفضل مع قوة نور النبوة، فكيف لا يخاف على الخلوف الذين بعدوا عن نور النبوة وعادوا إلى الجاهلية الأولى؟

فلا بد من القول إما بأن المتأخرين أعلم منهم وأفقه .. إلخ، فلا يخاف عليهم، وإما بأن الخوف في المتأخرين أشد وأنهم أولى بأن يبتعدوا عما يزلزل إيمانهم بالله تعالى من ذرائع الشرك ووسائله، ومن تلك الذرائع التوسل بالذوات الذي باسمه أجاز من أجاز الاستغاثة بغير الله تعالى.

وأما قول الكوثري: إن قول عمر: كنا نتوسل إليك بنبينا غير خاص بعهده صلى الله عليه وسلم، بل يشمله وما بعده إلى عام الرمادة والتقييد تقييد بدون مقيد

(3)

.

(1)

انظر ما ادعاه الكوثري في المقالات: 386.

(2)

قد أجاب بهذا دحلان في الخلاصة: 244، والدرر: 13، ويوسف الدجوي كما في كتاب التوسل بالنبي وجهلة الوهابيين: 272، والسمنودي في سعادة الدارين:175.

(3)

محق التقول: ضمن المقالات: 388.

ص: 730

وقوله أيضاً: إن قوله: وإنا نتوسل إليك بعم نبينا إنشاء للتوسل بذات العباس وليس خبراً وكذلك كنا نتوسل إليك بنبينا إنشاء وليس خبراً، أو أنه منصب على ما قبل هذا القول، فالصحابة على هذا كانوا يتوسلون بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته، وبعد لحوقه بالرفيق الأعلى.

وأما قصر ذلك على ما قبل وفاته صلى الله عليه وسلم تقصير عن هوى، وتحريف لنص الحديث وتأويل بدون دليل

(1)

.

فهذا القول الذي زعمه الكوثري باطل وافتراء على الصحابة بل هو الأنسب بأن يوصف بما قاله من كونه تقصيراً عن هوى وتحريفاً وتأويلاً بلا دليل، وهذا ليس تحاملاً عليه ولكن لما ثبت وورد في طرق الحديث من التقييد بعهد النبي صلى الله عليه وسلم نصاً مصرحاً به.

فقد أخرج الحديث نفسه ابن حبان والإسماعيلي في مستخرج البخاري مقيداً وإليك لفظه: "عن أنس قال: كانوا إذا قحطوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم استسقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فيستسقى لهم، فيسقون، فلما كان بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في إمارة عمر قحطوا فخرج عمر بالعباس يستسقي به فقال: "اللهم إنا كنا إذا قُحِطنا على عهد نبيك صلى الله عليه وسلم واستقينا به فسقيتنا به، وإنا نتوسل إليك اليوم بعم نبيك صلى الله عليه وسلم فاسقنا، قال فسقوا"

(2)

. فتبين بهذا أنه جاء مقيداً بعهده صلى الله عليه وسلم وأنَّه خبر لا إنشاء، وفائدة الخبر هو ذكر إجابة الله لهم سابقاً وأنَّه لا يخيبهم كما قال زكريا عليه السلام:{وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4)} [مريم: 4].

وأما القول بأن قول عمر كنا نتوسل بنبينا إذا قلنا توسل بالذات لا يحتاج إلى تقدير، وأما إذا قلنا إنه توسل بدعائه فيحتاج إلى تقدير مضاف محذوف ولا حاجة إلى الحذف والقول به بدون أي حاجة

(3)

.

(1)

المرجع نفسه: 380.

(2)

أخرجه ابن حبان: الإحسان 4/ 228 رقم 2850، والإسماعيلي كما في الفتح: 2/ 495.

(3)

محق التقول ضمن المقالات: 388.

ص: 731

فيقال: بأنه لا حاجة إلى تقدير مضاف لأن معنى التوسل والتوجه والاستشفاع في عرف الصحابة ولسانهم هو التوسل بالدعاء، ولا يفهمون منه غير هذا كما تقدم بيان ذلك فلا نقدر أَيَّ محذوف.

أو يقال: "بأنه لا بد من تقدير مضاف إما بدعاء أو بذات نبينا والأدلة تؤيد تقدير بدعاء نبينا"

(1)

.

والجواب الأول أولى لأن هذا التوهم لحاجة الكلام إلى التقدير إنما وقع عندما حصل خلط ولبس في معنى التوسل، وأما الأوائل فلا يفهمون منه إلا التوسل بالدعاء.

وبهذا اتضح أن الحديث إنما يدل على التوسل بدعاء الحي الحاضر ولا يدل على التوسل بذوات الموتى أو الغائبين.

ومن الأحاديث الصحيحة التي استدلوا

(2)

بها على نفع الأموات وجواز دعائهم ما ورد في أحاديث الإسراء من قوله صلى الله عليه وسلم: "مررت على موسى يصلي في قبره"، ومراجعته للنبي صلى الله عليه وسلم في تخفيف الصلاة.

وحديث صلاة موسى في قبره أخرجه مسلم

(3)

، وأما حديث المراجعة فمتواتر من طرق كثيرة في أحاديث الإسراء

(4)

.

ولكن صلاة موسى، وقصة مراجعته، وكذلك صلاة الأنبياء خلف

(1)

التوسل أنواعه: 55، ونحوه في البصائر: 337، وروح المعاني: 6/ 126.

(2)

احتج به داود بن جرجيس في المنحة الوهبية ص: 5، وتلميذه كما في مصباح الظلام ص: 245، وصاحب المفاهيم: 169 - 170، وانظر جلاء العينين ص:441.

(3)

صحيح مسلم: 4/ 1845 رقم 2375، 1/ 157 رقم 172، ومع إخراج مسلم له قال ابن القيم مظهراً عدم طمأنينته من صحته في النفس منه حسيلة هل قاله: والحق ما قال ذو الفرقان". اهـ. النونية مع شرح الهراس: 1/ 293.

(4)

وانظر تفسير ابن كثير: 3/ 2 - 24، فهو أوسع من وقفت على كلامه في إيراد طرق تلك الأحاديث وفيها المراجعة.

ص: 732

الرسول صلى الله عليه وسلم، كل هذا لا يدل إلَّا على حياة الأنبياء في قبورهم حياة برزخية لا نعلم حقيقتها وكيفيتها، وثبوت هذه الحياة لا يستلزم جواز دعائهم ولا الاستغاثة بهم لأوجه:

1 -

الأنبياء في حال حياتهم الدنيوية لا يجوز دعاؤهم ولا الاستغاثة بهم إلا فيما يقدرون عليه، فمن باب أولى إذا انتقلوا من هذه الدار أن لا يجوز ذلك.

2 -

الغائب عن النبي صلى الله عليه وسلم في حال حياة النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يطلب منه الدعاء والشفاعة والاستغاثة فمن باب أولى في حال وفاته صلوات الله وسلامه عليه.

3 -

إن دعاء الأنبياء -وإن كانوا أحياء في قبورهم- يستلزم اعتقاد أنهم يعلمون بمن يدعوهم ويستغيث بهم، ويسمعون نداءه واستغاثته والعلم المحيط والسمع المحيط من خواص الله تعالى.

4 -

ولو فرضنا علمهم وسمعهم لذلك فلا يجوز دعاؤهم لأن الأنبياء كانوا يحذرون من يفعل ذلك معهم في حال حياتهم بل يحذرون مما هو أقل من ذلك، فقد ورد عن نبينا صلى الله عليه وسلم قوله لمن قال له: ما شاء الله وشئت: "أجعلتني الله ندًا"

(1)

، ولما سمع قول الفتاة في العرس:"وفينا نبي يعلم ما في غد" نهاها

(2)

.

5 -

ثم ما يفعلونه في الحياة البرزخية من الأمر الكوني فلا يزيد بسؤال السائل، وذلك مثل دعاء حملة العرش والملائكة للمؤمنين فلا يجوز مع علمنا بأن الملائكة يدعون لنا أن ندعوهم وكذلك الأنبياء بعد مماتهم، وسيأتي بيان هذا

(3)

.

(1)

تقدم تخريجه: 455.

(2)

تقدم تخريجه: 495.

(3)

سيأتي ص: 777.

ص: 733

ومن تلك الأحاديث الصحيحة التي استدلوا بها "اللهم رب جبريل وإسرافيل وميكائيل ومحمد النبي صلى الله عليه وسلم أعوذ بك من النار".

استدل به بعضهم

(1)

على التوسل وزعم أن "تخصيص هؤلاء بالذكر في معنى التوسل بهم فكأنه يقول: "اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بجبريل

إلخ".

‌الجواب:

1 -

الحديث ليس فيه توسل بالذوات، وإنما هو توسل بصفة من صفات الله وهي ربوبيته لهؤلاء الملائكة، فهو يدعو رب هؤلاء ولم يدع هؤلاء كما أنه لم يدع بهؤلاء، والحكمة في التوسل بربوبية الله لهؤلاء الثلاثة كما قال ابن القيم: إن الله وكلهم بالحياة فجبريل بالوحي الذي به حياة القلوب، وميكائيل بالمطر وبه حياة الأبدان، وإسرافيل بالنفخ في الصور وبه حياة العالم وعود الروح إلى الجسد، فالتوسل إليه سبحانه في حياة القلب بالهداية بربوبيته لهؤلاء الموكلين بالحياة له مناسبة وتأثير في حصول المطلوب

(2)

.

2 -

ثم إن الحديث باللفظ الذي استدلوا به ضعيف

(3)

ولكن الحديث جاء من طريق صحيح وفيه ما يدل على أن المراد بالإضافة إلى هؤلاء هو التوسل بربوبية الله لهم وهو ما روي من طريق عائشة رضي الله عنها قالت: "كان إذا قام من الليل افتتح صلاته: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت

(1)

قد استدل به دحلان في الدرر 30، وخلاصة الكلام: 252، والعلوي في مفاهيم: 68 - 69، والسمنودي في سعادة الدارين: 185 - 186.

(2)

زاد المعاد: 4/ 205، وإغاثة اللهفان: 2/ 96، ومفتاح السعادة: 1/ 108.

(3)

فقد أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة ص: 52 رقم 103، والحاكم: 3/ 622، وسكت عليه هو والذهبي وقد ضعفه الألباني في الصحيحة: 4/ 59، وقد حسنه الحافظ في نتائج الأفكار: 1/ 383 وكأنه حسنه لشواهده، والله أعلم.

ص: 734

تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم"

(1)

.

ففي هذا الحديث جاء قوله: "فاطر السموات

" فلا يمكن ادعاء أنه من باب التوسل بالذوات.

فدل هذا الحديث على أن هذا الدعاء توسل بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا من ربوبيته لملائكته المقربين وخلقه السموات والأرض وعلمه للغيب والشهادة وأما تأويل ذلك إلى التوسل البدعي وادعاء أنه أراد اللهم إني أتوسل إليك بهؤلاء ادعاء باطل لا دليل عليه، ولا قرينة لفظية ولا معنوية تدل عليه، وهل الرسول صلى الله عليه وسلم عجز أن يقول: اللهم إني أتوسل إليك بجبريل بدل أن يقول: اللهم رب جبريل

وهو أفصح الخلق صلوات الله وسلامه عليه؟.

ثم إن قوله: "ومحمد النبي صلى الله عليه وسلم" يلزم منه على ادعاء أنه توسل بالذوات -توسل النبي صلى الله عليه وسلم بذاته- فيلزم الدور.

ويلزم

(2)

هؤلاء أيضاً التوسل بالمخلوقات الحقيرة أو الشياطين فإنه قد ورد إضافة الرب إلى الشياطين، ففي حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه مرفوعاً: "إذا أويت إلى فراشك: اللهم رب السموات السبع وما أظلت، ورب الأرضين وما أقلت، ورب الشياطين وما أضلت: كن لي جاراً من شر خلقك

"

(3)

، وفي حديث صهيب نحوه

(4)

.

‌حديث الضرير:

وهو ما رواه أبو جعفر عمير بن يزيد عن عمارة بن خزيمة عن

(1)

صحيح مسلم: 1/ 534 رقم 770.

(2)

انظر البصائر ص: 437.

(3)

أخرجه الترمذي: 5/ 539 رقم 3523، وقد ضعفه في ضعيف الجامع: 1/ 158.

(4)

أخرجه النَّسَائِي في عمل اليوم ص: 367 رقم 543 - 547، وابن السني برقم 524، وابن حبان رقم 2377، والحاكم: 1/ 446 وصححه ووافقه الذهبي.

ص: 735

عثمان بن حنيف: "أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ادع الله أن يعافيني، قال: إن شئت دعوت لك، وإن شئت أخرت ذلك فهو خير"، وفي رواية:"وإن شئت صبرت فهو خير لك" فقال: ادعه، فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه فيصلي ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء:

"اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني توجهت بك إلى ربك في حاجتي هذه، فتقضى لي، اللهم فَشَفْعْهُ فِيَّ وشَفِّعْنِي فيه، قال: ففعل الرجل فبرأ".

قد استدل بهذا الحديث طائفة

(1)

ممن أجازوا السؤال بالذوات الفاضلة.

كما استدل به الذين أجازوا نداء الموتى والاستغاثة بهم وقالوا: إن فيه نداء النبي صلى الله عليه وسلم، وهو غائب، واحتجوا في هذا بقصة تعليم عثمان للرجل التي في بعض طرق الحديث.

وقد ذكر بعض

(2)

هؤلاء الذين استدلوا بهذا الحديث أن هذا الحديث أصرح حديث وأصح حديث في الباب وحجة قاصمة.

ولتشبث هؤلاء بهذا الحديث واعتنائهم به ظناً منهم أنهم وجدوا الدليل القوي فيما ذهبوا إليه -لا بد من دراسة هذا الحديث سنداً ومتناً ومناقشة ما ادعوه ليعلم عدم دلالة الحديث على دعواهم بل دلالته على نقيضها.

(1)

منهم السبكي في شفاء السقام: 175 - 179، والسمهودي في الوفا: 4/ 1372، والزركشي في الأزهية ص: 172، والهيتمي كما في شواهد الحق: 137، ودحلان في خلاصة الكلام: 241، 258، والدرر: 8، 35، والسمنودي في سعادة الدارين: 179 - 180، وعثمان بن منصور تلميذ ابن جرجيس كما في مصباح الظلام: 296، والكوثري في محق التقول: 379، 389، والعزامي في الفرقان: 119، 126، والغماري في الإتحاف: 4 - 5، والهرري في الصراط لمستقيم: 54 - 55 والبوطي في السلفية مرحلة ص: 154.

(2)

وهو السمنودي في سعادة الدارين: 179 - 180.

ص: 736

‌دراسة الإسناد:

قد اشتهر هذا الحديث عن أبي جعفر.

فقد رواه عنه أربعة: شعبة بن الحجاج، وحماد بن سلمة، وهشام الدستوائي، وروح بن القاسم.

فهؤلاء الأربعة وإن اتفقوا في الرواية عن أبي جعفر إلا أنهم اختلفوا في شيخ أبي جعفر، فشعبة وابن سلمة روياه عن أبي جعفر عن عمه عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حُنَيْف.

وأما هشام الدستوائي وروح بن القاسم فروياه عن أبي جعفر عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف، وسيأتي الكلام على هذا الاختلاف في الإسناد والمتن إن شاء الله تعالى.

فأقوى هذه الطرق طريق شعبة لأنَّه أحفظهم وأتقنهم، وقد رواه عن شعبة ثلاثة عثمان بن عمر وروح بن عبادة، وغندر.

فأما رواية عثمان فقد أخرجها الترمذي

(1)

والنسائي

(2)

كلاهما عن محمود بن غيلان.

وأخرجه أحمد

(3)

وعبد بن حميد

(4)

وابن ماجه

(5)

عن أحمد بن منصور بن يسار. وابن خزيمة

(6)

عن محمد بن بشار وأبي موسى.

والطبراني عن إدريس بن جعفر العطار

(7)

، والحاكم من طريق

(1)

الترمذي: 5/ 569 رقم 3578.

(2)

عمل اليوم والليلة 417 رقم 659.

(3)

المسند: 4/ 138.

(4)

المنتخب: 1/ 341 رقم 379.

(5)

ابن ماجه: 1/ 441 رقم 1385.

(6)

صحيح ابن خزيمة: 2/ 225 رقم 1219.

(7)

الدعاء للطبراني: 2/ 1289 رقم 1051، والمعجم الكبير: 9/ 19 رقم 8311.

ص: 737

الحسن بن مكرم

(1)

، ومن طريق العباس بن محمد الدوري

(2)

، والبيهقي عن الحاكم بطريق الدوري

(3)

.

وأخرجه البيهقي أيضاً من طريق محمد بن يونس

(4)

، وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير على صورة التعليق عن شيخه علي وهو ابن المديني

(5)

.

كل هؤلاء -وهم: محمود بن غيلان وأحمد وابن حميد وابن يسار وابن بشار وأبو موسى والعطار وابن مكرم والدوري وابن يونس وابن المديني- عن عثمان بن عمر عن شعبة عن أبي جعفر عن عمارة بن خزيمة عن عثمان بن حنيف به.

وأما رواية روح بن عبادة:

فقد أخرجها أحمد ثنا روح قال: ثنا شعبة به

(6)

.

والبيهقي في الدعوات من طريق أحمد بن الوليد، ثنا روح

(7)

.

وقال البيهقي في الدلائل: ورويناه في كتاب الدعوات بإسناد صحيح عن روح بن عبادة عن شعبة

(8)

.

وأما رواية غندر محمد بن جعفر، فقد أخرجها الحاكم من طريق عبد الله بن أحمد عن أبيه ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة به

(9)

.

(1)

المستدرك: 1/ 519.

(2)

المرجع نفسه: 1/ 313.

(3)

دلائل النبوة: 6/ 166.

(4)

المرجع نفسه: ووقع عنده اسم عمارة عامر بن خزيمة.

(5)

التاريخ الكبير للبخاري: 6/ 610.

(6)

المسند: 4/ 138.

(7)

الدعوات للبيهقي: ل 22/أ.

(8)

الدلائل للبيهقي: 6/ 167.

(9)

المستدرك: 1/ 519 ولم أجد هذه الطريقة في المسند.

ص: 738

وأما بالنسبة إلى لفظ الحديث فقد اتفقت رواية شعبة في قوله: "اللهم فشفعه فيّ" ثم اختلفت في قوله: "وشفعني فيه" فبعضهم شك في زيادتها.

وأما طريق حماد بن سلمة، فقد أخرجه الإمام أحمد رحمه الله عن مؤمل وهو ابن إسماعيل قال: ثنا حماد يعني ابن سلمة، قال: ثنا أبو جعفر الخطمي عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف به

(1)

، وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير تعليقاً عن شيخه شهاب بن عباد عن حماد به

(2)

، وأخرجه أيضاً النَّسَائِي عن محمد بن معمر قال: حدثنا حبان قال: حدثنا حماد به

(3)

، وأخرجه ابن أبي خيثمة حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا حماد بن سلمة به

(4)

.

وأما طريق هشام بن أبي عبد الله الدستوائي فأخرجه النَّسَائِي عن محمد بن المثنى قال: حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن أبي جعفر عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه به

(5)

، وأخرجه البخاري في التاريخ تعليقاً عن شيخه محمد بن المثنى به

(6)

.

ولفظ هشام الدستوائي: "فشفعه فيّ وشفعني في نفسي"، ولفظ حماد بن سلمة عند النَّسَائِي:"اللهم شفع فيَّ نبيي وشفِّعْنِي في نفسي".

وأما طريق روح بن القاسم فقد روى عنه راويان:

شبيب بن سعيد الحبطي، وعون بن عمارة البصري.

(1)

المسند: 4/ 138.

(2)

التاريخ الكبير للبخاري: 6/ 209.

(3)

عمل اليوم والليلة: 417 رقم 658.

(4)

هكذا ساق إسناده شيخ الإسلام في قاعدة في التوسل ص: 98.

(5)

عمل اليوم والليلة: 418/ 660.

(6)

التاريخ الكبير: 6/ 210.

ص: 739

‌رواية شبيب بن سعيد:

فقد روى عنه ثلاثة: ولداه أحمد وإسماعيل ابنا شبيب، وعبد الله بن وهب.

‌وأما رواية أحمد بن شبيب:

فلها أربعة طرق، وقد أخرجها ابن السني من طريق العباس بن فرح الرياشي، والحسين بن يحيى الثوري

(1)

.

والحاكم من طريق أبي عبد الله محمد بن علي بن زيد الصائغ

(2)

.

ومن طريق الحاكم البيهقي

(3)

.

ثلاثتهم -العباس الرياشي، والحسين الثوري، والصائغ- عن أحمد بن شبيب بن سعيد به، بدون ذكر القصة في أول الحديث.

وخالف هؤلاء الثلاثة يعقوب الفسوي، فزاد في أول الحديث قصة أخرجها في تاريخه فقال: ثنا أحمد بن شبيب بن سعيد، ثنا أبي عن روح بن القاسم إلخ وذكر القصة

(4)

.

ومن طريقه البيهقي في الدلائل

(5)

، ومن طريقه أيضاً عبد الغني المقدسي في كتاب الترغيب في الدعاء

(6)

.

‌وأما رواية إسماعيل بن شبيب:

فقد أخرجها البيهقي من طريق أبي عروبة عن العباس بن الفرج ثنا

(1)

عمل اليوم والليلة: 296 رقم 628.

(2)

المستدرك: 1/ 526.

(3)

الدلائل: 6/ 167.

(4)

انظر تاريخ الفسوي: 3/ 272، اقتبسه المحقق من البداية: 6/ 162، وتاريخ الإسلام: 1/ 219.

(5)

الدلائل: 6/ 168.

(6)

الترغيب في الدعاء والحث عليه رقم الحديث 59.

ص: 740

إسماعيل بن شبيب وذكر القصة

(1)

.

ولكن هذه الرواية فيها احتمال خطأ أحد الرواة لأن ابن السني أخرجها من هذه الطريقة فجعلها من رواية أحمد لا إسماعيل وليس فيها كما تقدم.

أما رواية عبدالله بن وهب:

فقد أخرجها البخاري في تاريخه عن شيخه عبد المتعال بن طالب حدثنا ابن وهب عن أبي سعيد وهو شبيب عن روح بن القاسم به ولم يسق لفظه

(2)

وأخرجها الطبراني في كتبه الدعاء

(3)

، والمعجم الصغير

(4)

، والمعجم الكبير

(5)

عن طاهر بن عيسى عن أصبغ بن الفرج عن ابن وهب عن أبي سعيد المكي وهو شبيب بن سعيد عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي المدني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف وزاد قصة في أوله وهي:

"إن رجلًا كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حاجة له، وكان عثمان لا يلتفت إليه، ولا ينظر في حاجته فلقي ابن حنيف فشكا ذلك إليه فقال له عثمان بن حنيف: ايت الميضأة فتوضأ ثم ايت المسجد فصل فيه ركعتين، وقل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك، فيقضي لي حاجتي، وتذكر حاجتك حتى أروح معك، فانطلق الرجل فصنع ما قال له، ثم أتى باب عثمان بن عفان رضي الله عنه، فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة فقال: حاجتك، فذكر حاجته،

(1)

الدلائل: 167/ 6.

(2)

التاريخ الكبير: 6/ 210.

(3)

الدعاء: 2/ 1287 رقم 1050.

(4)

المعجم الصغير: 1/ 183 - 184.

(5)

المعجم الكبير: 9/ 17 رقم 8311.

ص: 741

وقضاها له، وقال له: ما فهمت حاجتك حتى كان الساعة، وقال له: ما كان لك من حاجة فسل، ثم إن الرجل خرج من عند عثمان فأتى عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيرًا ما كان ينظر إلي في حاجتي ولا يلتفت إلي حتى كلمته في، فقال عثمان بن حنيف: ما كلمته فيك، ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه ضرير فذكر الحديث وفي آخره، قال ابن حنيف: والله ما تفرقنا حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضرر قط".

‌رواية عون بن عمارة البصري:

أخرجه الحاكم من طريق العباس الدوري ثنا عون بن عمارة البصري ثنا روح بن القاسم به بدون القصة

(1)

.

فتكون رواية عون بن عمارة المجردة عن القصة راجحة على رواية شبيب بن سعيد التي فيها القصة لموافقتها لرواية الجماعة، وإن كان ضعيفًا ولأنه قد اختلف على شبيب في زيادة القصة، وقد يقال: إن عونًا قد اختلف عليه فقد أخرج الطبراني في الدعاء هذا الحديث من طريقه عن روح بن القاسم عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه فذكر القصة، وقال الطبراني:"وَهِمَ عون في الحديث وهمًا فاحشًا" وأبدى محقق كتاب الدعاء احتمال كون الوهم من شيخ الطبراني وليس من عون بدليل رواية الحاكم السابقة

(2)

.

‌الخلاصة:

1 -

أن أقوى الطرق طريق شعبة لكونه أحفظ من روى هذا الحديث عن أبي جعفر، ولأنه لم يختلف عليه فيه.

2 -

أن شعبة وحماد بن سلمة اتفقا على أن شيخ أبي جعفر هو عمارة بن خزيمة بن ثابت.

(1)

المستدرك: 1/ 526.

(2)

الدعاء: 2/ 1290 رقم 1053.

ص: 742

3 -

وخالفهما هشام الدستوائي وروح بن القاسم فجعلا شيخ أبي جعفر أبا أمامة بن سهل بن حنيف.

4 -

اتفقت رواية شعبة وابن سلمة وهشام الدستوائي في عدم زيادة القصة في أول الحديث.

5 -

اختلف على روح بن القاسم بذكر القصة في أوله وعدم ذكرها فروى عنه عون بن عمارة البصري بدون القصة مثل الجماعة، وروى عنه شبيب بن سعيد فاختلف عليه فروى عنه ابنه أحمد بدون القصة في أكثر الروايات عنه، وانفرد يعقوب الفسوي عنه بزيادة القصة في أولها.

وروي عن شبيب ابنه إسماعيل وابن وهب بزيادة القصة، فاتضح من هذا أن زيادة القصة في أول الحديث منكرة وذلك للآتي:

1 -

ضعف المتفرد بها وهو شبيب

(1)

.

2 -

مخالفته للثقات الذين لم يذكروها.

3 -

اضطرابه فيها حيث يزيد مرة ولا يزيد مرة أو يقال: الاختلاف عليه فيها.

وقد ذكر شيخ الإسلام

(2)

ابن تيمية ما في هذه الزيادة من علل ونقدها سندًا ومتنًا، وإليك خلاصة كلامه في ذلك، فقد ذكر أربعة علل تتعلق بالإسناد فقال: فهذه الزيادة فيها عدة علل:

1 -

انفراد هذا بها عمن هو أكبر وأحفظ منه:

(1)

قد ذكر النقاد ضعف شبيب إلا في حال روايته نسخة يونس بن زيد الأيلي برواية ابنه أحمد ففي هذه الحالة أحاديثه مستقيمة، ففي غير تلك الحالة روايته ضعيفة لا سيما رواية ابن وهب عنه كما هنا انظر الكلام عليه في الكامل لابن عدي: 4/ 1346، والميزان: 2/ 262، وقاعدة في التوسل: 96 - 98، ومقدمة الفتح: 409، والتوسل أنواعه:93.

(2)

انظر قاعدة في التوسل: 100 - 105.

ص: 743

2 -

وإعراض أهل السنن عنها.

3 -

واضطراب لفظها.

4 -

وأن راويها عرف له عن روح هذا أحاديث منكرة.

ومثل هذا يقتضي حصول الريب والشك في كونها ثابتة فلا حجّة فيها.

ثم أجاب رحمه الله تعالى على فرض صحتها:

1 -

بأن الاعتبار بما رواه الصحابي لا بما فهمه إذا كان اللفظ الذي رواه لا يدل على فهمه بل على خلافه لأن قوله: "فشفعه فيّ" لا يستقيم فيمن لم يشفع له الرسول الله صلى الله عليه وسلم لو لم يدع له، لأن الشفاعة إنما تكون في حياته صلى الله عليه وسلم لمن أتى إليه ودعا له الرسول صلى الله عليه وسلم.

2 -

ثم إن مثل هذا الأمر لا تثبت به شريعة كسائر ما ينقل عن آحاد الصحابة في جنس العبادات أو الإباحات أو الإيجابات أو التحريمات - إذا لم يوافقه غيره من الصحابة عليه - وكان ما يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم يخالفه لا يوافقه لم يكن فعله سنة يجب على المسلمين اتباعها، بل غايته أن يكون ذلك مما يسوغ فيه الاجتهاد، ومما تنازعت فيه الأمة فيجب رده إلى الله والرسول، مثل إدخال ابن عمر الماء في عينيه في الوضوء، وغسل أبي هريرة إلى العضد، وغير ذلك مما فعله آحاد الصحابة ولم يجمعوا عليه.

3 -

وأما قول من قال من العلماء: إن قول الصحابي حجة فمقيد بما إذا لم يخالفه غيره من الصحابة ولم يعرف نص يخالفه أو اشتهر ولم ينكروه، وأما إذا كانت السنة تدل على خلافه كانت الحجة في السنة بلا ريب عند أهل العلم.

4 -

ثم إنه لو ثبت عن عثمان بن حنيف أو غيره أنه يستحب التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته من غير أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم داعيًا وشافعًا- يرد أن عمر وأكابر الصحابة لم يروا هذا مشروعًا بعد مماته كما كان يشرع في حياته لأنهم كانوا يتوسلون به في حياته في الاستسقاء فلما مات لم يتوسلوا به وإذا قدر أن بعض الصحابة أمر غيره بالتوسل بذاته لا بشفاعته، ولم يأمر

ص: 744

بالدعاء المشروع بل ببعضه وترك سائره المتضمّن للتوسل بشفاعته- كان ما فعله عمر هو الموافق للسنة، وكان المخالف لعمر محجوجًا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الحديث الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم حجة عليه لا له.

‌رجال الإسناد:

ليس في رجال الإسناد من يحتمل أن يكون فيه كلام إلا أبا جعفر وهو الخطمي، كما جاء مصرحًا به في مصادر كثيرة التي أخرجت الحديث والتي تقدمت الإشارة إليها

(1)

.

كما يؤيد ذلك أن أبا جعفر الذي يروي عنه شعبة ويروي عن عمارة بن خزيمة هو الخطمي

(2)

واسمه عمير بن يزيد بن عمير بن حبيب الأنصاري المدني البصري الخطمي، وقد وثقه ابن معين والنسائي وابن مهدي وابن نمير والعجلي والطبراني، وقال أبو الحسن ابن المديني هو مدني قدم البصرة، وليس لأهل المدينة عنه أثر ولا يعرفونه

(3)

.

وقال الحافظ فيه: صدوق الحافظ السادسة

(4)

، وهذه العبارة من الحافظ تدل على أن حديثه في مرتبة الحسن، وبهذا يعرف عدم صحة قول من ذهب إلى أن أبا جعفر ليس الخطمي وأنه الرازي وهو ضعيف

(5)

.

(1)

نذكر بعضها على سبيل الأمثلة: مسند أحمد: 4/ 138، وفيه الخطمي وفي رواية أبو جعفر المديني وهو الخطمي، ومنها عمل اليوم للنسائي ص: 418، وسماه أبا جعفر عمير بن يزيد بن خرشة وصحيح ابن خزيمة: 2/ 225، وعنده أبو جعفر المديني، والدعاء للطبراني وعنده الخطمي في: 2/ 1288 و 1289.

(2)

انظر العلل للإمام أحمد: 1/ 188، والكنى للدولابي: 1/ 136، والتهذيب: 8/ 151.

(3)

تهذيب التهذيب: 8/ 151.

(4)

التقريب رقم 5190.

(5)

قد جاء في بعض نسخ الترمذي أنه ليس الخطمي واغتر بهذا السهسواني في صيانة الإنسان ص: 376 وأشار الصنعاني في تطهير الاعتقاد إلى أن في إسناده مقالًا ص: 19 وممن مال إلى أنه غير الخطمي الشقيري في السنن والمبتدعات ص: 125 - 126.

ص: 745

‌أقوال النقاد في الحديث:

قد رجع أبو زرعة الرازي رواية شعبة عن أبي جعفر عن عمارة عن عثمان، على رواية الدستوائي عن أبي جعفر عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عثمان لكون شعبة أحفظ

(1)

لكن خالفه ابن أبي حاتم فرجح رواية الدستوائي فقال في ترجيحه تابع هشامًا الدستوائي روح بن القاسم وهو ممن يجمع حديثه ثقة، وهو أشبع متنًا، فروايتهما أصح

(2)

.

وقال علي بن المديني: "وما أرى روح بن القاسم إلا قد حفظه"

(3)

، فعلى قول ابن المديني وابن أبي حاتم تكون رواية الدستوائي وروح بن القاسم أرجح لتقوية رواية أحدهما بمتابعة الآخر، ولكن يعترض على هذا بأن شعبة أيضًا توبع، تابعه حماد بن سلمة، ثم إن شعبة أقوى من الدستوائي وروح بن القاسم فتساوت الروايتان فلا يمكن ترجيح إحداهما على الأخرى، فيحتمل أن هذا الاختلاف من أبي جعفر فهو الذي اضطرب فيه فمرة روى هكذا ومرة هكذا، وإن كان الأمر كذلك دل على ضعف حفظه.

وأبدى الحافظ ابن حجر احتمال كون أبي جعفر روى بطريقين

(4)

، ولكن هذا الاحتمال لا يلجأ إليه إلا عند التأكد من كون الراوي المختلف عليه حافظًا ضابطًا، وأبو جعفر ليس من الحفاظ المتقنين ويدل على ذلك هذا الاضطراب في اسم شيخه، وفي المتن حيث يقول مرة: فشفعني في نفسي، ومرة وشفعني فيه، ومرة فشفعه فيّ.

والحاصل: أن الحديث فيه الأمور التالية:

1 -

اضطراب أبي جعفر في اسم شيخه فيما يتعلق بالسند وكذلك

(1)

علل ابن أبي حاتم: 2/ 189.

(2)

المرجع نفسه: 2/ 190.

(3)

الدعاء للطبراني: 2/ 1290 رقم 1052.

(4)

نتائج الأفكار وعنه في الفتوحات الربانية: 4/ 302.

ص: 746

في المتن تارة يقول فشعفه فيّ وتارة يقول: فشفعني فيه، ومرة وشفعني في نفسي وتارة يذكر الوضوء والصلاة وتارة لا يذكر، وهذا يدل على أقل تقدير على عدم ضبطه للقصة، أو روايته لها بالمعنى.

2 -

ليس قويًا يعتمد عليه فيما انفرد به من السنن التي لم يشاركه فيها غيره، لأنه ليس من الحفاظ المتقنين الذين يقبل ما تفردوا به، ويدل على ذلك أن الحافظ ابن حجر قال فيه: صدوق، وهذه المرتبة هي مرتبة الحسن وهو من ليس تام الضبط.

3 -

تفرده

(1)

بقصة وقعت بمحضر الصحابة وتعد من أقوى المعجزات الدالة على صدقه صلى الله عليه وسلم، ومثل هذا مما تتوافر الدواعي والهمم على نقله.

فهذه الأمور تجعل في النفس في صحة هذا الحديث وفي ضبط أبي جعفر لألفاظه شيئًا والله أعلم.

‌الكلام على حديث الأعمى من جهة المعنى:

فحديث الأعمى -إن ثبت- يدل على التوسل المشروع وهو طلب الدعاء من الحي الحاضر، لأن ألفاظ الحديث:"تدل على أن ذلك مشروع إذا كان -الرسول صلى الله عليه وسلم حيًا مسؤولًا سائلًا لله"

(2)

ولا تدل على التوسل به إذا لم يكن سائلًا وإليك تفصيل هذا:

أ- إن الأعمى

(3)

جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم طالبًا منه الدعاء له، فلو كان يكفي مجرد التوسل بذكر اسم الرسول صلى الله عليه وسلم لجلس في بيته وقال: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد أن ترد علي بصري، أو مثل هذا ولم يتعب نفسه بالمجيء والحضور إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

(1)

أشار إلى هذا الثالث محمد طاهر في البصائر ص: 332، 334.

(2)

الرد على البكري: 127.

(3)

انظر معارج القبول: 1/ 483.

ص: 747

ب - إنه لم يكتف بالحضور فقط بل طلب صراحة من النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء له فقال: "ادع الله أن يعافيني".

ولم يفعل مثل ما يفعله بعض المريدين مع شيوخهم حيث يعتقدون أن الشيخ مطلع على الأسرار وأنه يعرف حوائج المريدين، فلا حاجة لإخباره ولا للطلب منه، ومثل ذلك ما يفعله بعض القبوريين الذين يقولون للولي عند زيارته:"العارف لا يعرف"

(1)

.

جـ ـ وعده

(2)

صلى الله عليه وسلم إياه بالدعاء إن لم يصبر، "إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك"، والرسول صلى الله عليه وسلم خير من وفي بما وعد، فلا يقال: لم يثبت في ألفاظ الحديث أنه دعا له.

د - إصرار

(3)

الأعمى على الدعاء فقد ورد في بعض طرقه أنه قال: "ادع الله لي مرتين أو ثلاثًا"

(4)

وفي رواية: "ألا تصبر؟، قال: يا رسول الله ليس لي قائد وقد شق علي

"

(5)

.

فبعد هذا الإصرار على الدعاء لا بد أن النبي صلى الله عليه وسلم أن يفي له بما وعد وهو الدعاء له.

هـ ـ ما ورد في لفظ الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم شفع في نبيي

"

(6)

وفي رواية: "اللهم شفعه فيّ"

(7)

، وهذا يدل علي أن النبي صلى الله عليه وسلم شفع له، ودعا الله له. وإلا فكيف يطلب الأعمى من الله تعالى قبول شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم تحصل الشفاعة ولم تقع من النبي صلى الله عليه وسلم؟.

(1)

اعترف بهذه الحقيقة الغماري في الرد المحكم ص: 271.

(2)

انظر التوسل أنواعه ص: 76.

(3)

انظر التوسل أنواعه ص: 76.

(4)

عمل اليوم والليلة للنسائي: 417 رقم 658، والتاريخ الكبير للبخاري: 6/ 109.

(5)

عمل اليوم والليلة لابن السني: 296 رقم 628.

(6)

النسائي، عمل اليوم والليلة: 417 في رواية حماد بن سلمة.

(7)

عند النسائي وغيره في رواية شعبة والدستوائي.

ص: 748

وـ ما ورد في الروايات من قوله "وتشفعني فيه"

(1)

. إذ يطلب الأعمى أن يقبل الله تعالى شفاعته التي يطلب فيها من الله تعالى قبول شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة الأعمى، وليس المراد أنه يشفع للنبي صلى الله عليه وسلم في حاجة للنبي، وإنما المراد أنه يدعو الله تعالى أن يقبل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيه فهو كالشفاعة في الشفاعة

(2)

، فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد شفع له ودعا له.

ز - إن العلماء فهموا من هذا الحديث التوسل بدعاء النبي- صلى الله عليه وسلم، ولهذا:"ذكره العلماء في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه المستجاب وما أظهر الله ببركة دعائه من الخوارق والإبراء من العاهات فإنه صلى الله عليه وسلم ببركة دعائه لهذا الأعمى أعاد الله عليه بصره"

(3)

.

ح - قد ثبت بهذه الأدلة دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم للأعمى، فإذا ثبت دعاؤه له فلا يمكن أن يقاس عليه من لم يدع الرسول صلى الله عليه وسلم له، إذ من شرط القياس المماثلة ولا توجد هنا مماثلة، إذ الفرق "ثابت شرعًا وقدرًا بين من دعا له النبي صلى الله عليه وسلم، وبين من لم يدع له فلا يجوز أن يجعل أحدهما كالآخرة"

(4)

.

ط - وقد دل عمل الصحابة ومن بعدهم على الفرق المذكور لأنه "لو كان كل أعمى توسل به وإن لم يدع له الرسول صلى الله عليه وسلم بمنزلة ذلك الأعمى لكان عميان الصحابة أو بعضهم يفعلون مثل ما فعل الأعمى، وأن كل أعمى دعا بدعاء ذلك الأعمى وفعل كما فعل من الوضوء والصلاة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وإلى زمننا هذا لم يوجد على وجه الأرض أعمى،

(1)

عند أحمد: 4/ 138، والبيهقي في الدعوات: ل 22 في رواية روح عن شعبة المتقدمة.

(2)

قاعدة في التوسل: 276 - 277.

(3)

قاعدة في التوسل ضمن المجموع: 1/ 266.

(4)

الرد على البكري: 129، وقاعدة في التوسل:133.

ص: 749

فعدولُهم عن هذا إلى هذا - مع أنهم السابقون الأولون المهاجرون والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان فإنهم أعلم منا بالله ورسوله، وبحقوق الله ورسوله وما يشرع من الدعاء، وينفع، وما لم يشرع ولا ينفع، وما يكون أنفع من غيره

- دليلٌ على أن المشروع ما سلكوه دون ما تركوه"

(1)

.

وقد ذكرنا فيما مضى

(2)

أن الترك الراتب سنة متبعة وأن خلافه بدعة.

ي - لو سلمنا دلالته على التوسل بالذات الغائبة - لا نسلم أنه عام في كل الأحوال والأشخاص بل هو قضية عين

(3)

عموم لها فهو خاص بمن دعا له الرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو هذا الأعمى الذي جاءه وطلب منه الدعاء.

ولو تنازلنا وقلنا: إنه ليس خاصًا بهذا الأعمى أو بمن دعا له في حياته - لا نسلم أنه يعم غير النبي صلى الله عليه وسلم فهو خاص به، لأنه لا يمكن قياس غير النبي صلى الله عليه وسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وإلى هذا ذهب العز بن عبد السلام رحمه الله على فرض صحة الحديث

(4)

.

ك - ثم لو سلمنا دلالته على العموم - وهيهات ذلك - فهو حديث عن قواعد الشرع فلا يعمل به لمخالفته للقطعيات من نصوص الكتاب والسنّة

(5)

.

ل ـ ثم لو سلمنا دلالته على التوسل بالذوات تنازلًا مع المخالف-

(1)

الرد على البكري: 130، وقاعدة في التوسل ص: 134، ومع الفتاوى: 1/ 326.

(2)

تقدم ص: 606.

(3)

الرد على البكري: 129.

(4)

فتاوى العز بن عبد السلام ص: 126 - 127، والأزهية: 173 - 174.

(5)

ذكر نحو هذا الشيخ حمد بن معمر في النبذة الشريفة ضمن الرسائل النجدية: 4/ 622، وقد تقدم كلام علماء الأحناف في هذا ص:653.

ص: 750

لا نسلم دلالته على الاستغاثة ونداء الموتى ودعائهم، لأن هذا الحديث غاية ما يدل عليه أن الأعرابي طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو مع حضوره في حياته صلى الله عليه وسلم، فأين هذا من دعاء الأموات والالتجاء إليهم في الشدائد؟ ومن هنا يعلم أننا لو تنازلنا وقلنا: إن الحديث يدل على جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في مغيبه فلا يدل على جواز دعائه والاستغاثة به والاستنجاد به وذلك لأن "الفرق بين هذين متفق عليه بين المسلمين: المتوسل إنما يدعو الله ويخاطبه ويطلب منه لا يدعو غيره إلا على سبيل استحضاره لا على سبيل الطلب منه، وأما الداعي والمستغيث فهو الذي يسأل المدعو ويطلب منه ويستغيثه ويتوكل عليه"

(1)

.

والذي يستحق السؤال والاستغاثة والتوكل هو الله وحده، وهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه، ولا يمكن أن يدعى ويسأل غير الله تعالى، كما لا يمكن قياس سؤاله صلى الله عليه وسلم ودعائه على السؤال به والتوسل به فالفرق شاسع بين البابين.

وأما تعليمه صلى الله عليه وسلم الأعمى الدعاء فلا ينافي دعاءه صلى الله عليه وسلم له، لأن دعاء الأعمى ووضوءه وصلاته من التوسل بالأعمال الصالحة، ويكون دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له من التوسل بدعاء الحي الحاضر "فحصل الدعاء من الجهتين"

(2)

.

وبهذا تسقط دعوى من يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يدع للأعمى وإنما أرشده إلى الصلاة والتوسل به فقط

(3)

.

وأما قوله: "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد" فليس معناه بذات أو جاه نبيك وذلك لأن معنى التوسل والتوجه في لسان

(1)

الفتاوى: 3/ 276.

(2)

الرد على البكري: 129.

(3)

انظر هذه الدعوى في الرد المحكم للغماري: 156.

ص: 751

الشرع وسلف هذه الأمة هو التوسل بالدعاء، وقد تقدم شرح ذلك

(1)

.

أو نقول: إنه لا بد من التقدير إما أن يقدر بذات أو بدعاء والأدلة تدل على أن المقدر، دعاء، وهذا الجواب الثاني - وإن ذكره بعض العلماء

(2)

- لكن الجواب الأول أولى لأن أصل وضع الكلمة لا يحتاج إلى تقدير مضاف محذوف، والأصل عدم التقدير، وأما قوله:"وشفعني في نفسي" فأقوى الطرق ليس فيه هذا اللفظ وهي رواية شعبة، وأقواها رواية فشفعه فيّ وشفعني فيه، لورودها في طريق شعبة القوية.

وأما على تقدير كونها محفوظة فمعناه "إنه طلب أن يكون شفيعًا لنفسه مع دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ولو لم يدع له النبي صلى الله عليه وسلم كان سائلًا مجردًا كسائر السائلين، ولا يسمى مثل هذا شفاعة، وإنما تكون الشفاعة إذا كان هناك اثنان يطلبان أمرًا فيكون أحدهما شفيعًا للآخر بخلاف الطالب الواحد الذي لم يشفع غيره"

(3)

.

وأما توجيه الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم في قول الأعمى: "إني توجهت بك إلى ربي" وفي رواية: "يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي". فليس فيه دليل على نداء الغائب والاستغاثة به وذلك:

1 -

لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان حاضرًا عند الأعمى، كما يدل على ذلك سياق الرواية، وليس هناك دليل على أن الأعمى ذهب إلى مكان آخر، فصلى فدعا فيه بهذا الدعاء.

وأما ما ورد في بعض رواية شبيب عن روح بن القاسم من زيادة

(1)

انظر ص: 628.

(2)

قد ذكر هذا الجواب الشيخ محمد طاهر في البصائر ص: 337، والشيخ الألباني في التوسل ص: 81، والألوسي في روح المعاني: 6/ 126، وعنه في جلاء العينين ص: 567، وقد تقدم نحو هذا في ص:732.

(3)

قاعدة في التوسل: 100.

ص: 752

القصة والقول في آخرها، قال ابن حنيف: والله ما تفرقنا حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضرر قط.

فقد ذكرنا أن هذه الرواية منكرة وبيّنا ما فيها من العلل، فتبين بهذا أنها لا يقوم بها حجة.

2 -

ثم لو سلمنا صحتها -يكون معنى الخطاب والنداء هو خطاب ونداء استحضار-: "يطلب به استحضار المنادى في القلب فيخاطب الشهوده بالقلب كما يقول المصلي: "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته" والإنسان يفعل مثل هذا كثيرًا يخاطب من يتصوره في نفسه وإن لم يكن في الخارج من يسمع الخطاب"

(1)

.

3 -

وأما الإجابة

(2)

بأن الخطاب والنداء لم يثبت في طرق الحديث ففيه نظر، فأكثر طرق الحديث إما فيها النداء بيا محمد أو فيها الخطاب بقوله:"إني توجهت بك إلى ربي" فإذا ثبت أصل الحديث فالخطاب ثابت ولكن قد عرفت أن أصل الحديث في ثبوته تردد، واحتمال رواية هذا الحديث بالمعنى وارد بسبب ما نراه من الاختلاف في ألفاظه.

وأما ما ورد في بعض طرق حديث حماد بن سلمة فيما رواه ابن أبي خيثمة حدثنا مسلم بن إبراهيم ثنا حماد بن سلمة "اللهم فشفعني في نفسي وشفع نبيي في رد بصري"، وإن كانت حاجة فعل مثل ذلك أو قال:"افعل مثل ذلك" فهذه الرواية فيها عدة علل:

أ - تفرد حماد

(3)

بن سلمة بها من بين سائر من روى هذا الحديث أحفظ وأقوى منه فهو لو خالف واحدًا منهم يعتبر شاذًا فكيف وقد خالف جميعهم؟

(1)

اقتضاء الصراط ص: 416، والقول الفصل: 116 و 145.

(2)

وقد ذكرت هذه الإجابة في النبذة الشريفة ضمن الرسائل النجدية: 4/ 622، ومصباح الظلام ص:208.

(3)

انظر قاعدة في التوسل ص: 99.

ص: 753

وأما الإجابة

(1)

عن هذا التفرد بأنه من زيادة الثقة وهي مقبولة فسيأتي أن هذا ليس مطردًا

(2)

.

ب - ومما يقوي شذوذ هذه الزيادة أن الرواة عن حماد بن سلمة لم يتفقوا على ذكرها فقد روى عنه ثلاثة: مسلم بن إبراهيم، ومؤمل بن إسماعيل، وحبان بن هلال، فرواية مسلم عند ابن أبي خيثمة ورواية مؤمل عند أحمد ورواية حبان عند النسائي، ولم تذكر هذه الزيادة إلا في رواية مسلم بن إبراهيم فهي أيضًا شاذة عن حماد بن سلمة.

جـ - ويحتمل أن هذه الزيادة رويت بالمعنى فحصل فيها تغيير، قال شيخ الإسلام:"واختلاف الألفاظ يدل على أن مثل هذه الرواية قد تكون بالمعنى"

(3)

.

د - ويحتمل أيضًا أن هذه الزيادة قد تكون مدرجة من كلام عثمان بن حنيف لا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ويدل على ذلك لفظ هذه الزيادة إذ وردت بلفظ:"وإن كانت حاجة فعل ذلك" والمفترض أنها إذا كانت من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون بلفظ الخطاب: "وإن كانت لك حاجة فعلت مثل ذلك"

(4)

.

وقد اتضح مما سبق - ولله الحمد - أن حديث الأعمى - على فرض ثبوته - لا يدل على التوسل بالذوات وإنما يدل على التوسل بدعاء الحي الحاضر.

وقد تقدم

(5)

ذكر استدلالهم بحديث الشفاعة الكبرى وبحديث هاجر: "أغث إن كان عندك غواث"، وبينا عدم دلالتهما على مرادهم بما لا يدع مجالًا للشك.

(1)

الرد المحكم: 155.

(2)

يأتي ص: 765.

(3)

قاعدة في التوسل: 99.

(4)

المرجع السابق في المكان نفسه.

(5)

ص: 712.

ص: 754

ومن هنا نقول: لم نجد لهم دليلًا صريحًا من السنة الصحيحة يدل على جواز دعاء الأموات أو الغائبين أو التوسل بذواتهم.

وبعد أن أنهينا الكلام على الأدلة الصحيحة ندخل في ذكر أدلتهم غير الصحيحة ومناقشتها وبالله التوفيق وهو المستعان.

ص: 755

‌الفصل الثاني

في مناقشة ما احتجوا به

من الأدلة غير الصحيحة

ويحتوي على ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: الأحاديث الضعيفة.

المبحث الثاني: الأحاديث الواهية والموضوعة.

المبحث الثالث: الحكايات والنظريات.

ص: 757

‌المبحث الأول في الأحاديث الضعيفة

احتج من يجيز الدعاء غير المشروع بأحاديث ضعيفة جدًا، وغالبها خارجة عن الموضوع، والباقي لا يمكن انجباره للضعف الشديد الذي فيه، وسأذكر هنا أهم حديث ضعيف احتجوا به وأناقشه وبالله التوفيق وهو:

‌حديث عرض الأعمال على النبي صلى الله عليه وسلم

-:

وهو ما روي مرفوعًا: "حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم، ووفاتي خير لكم تعرض أعمالكم علي، فما رأيت من خير حمدت الله وما رأيت من شر استغفرت الله لكم".

فهذا الحديث قد احْتُجَّ

(1)

به على جواز دعاء النبي صلى الله عليه وسلم والطلب منه

(1)

قد احتج به جماعة منهم الهيتمي كما في الدرر السنية ص: 25، ودحلان في الخلاصة: 247، والدرر: 25، وعثمان بن منصور تلميذ ابن جرجيس كما في مصباح الظلام: 206، والنبهاني في شواهده ص: 138، والعزامي في البراهين: 421، والغماري في الرد المحكم: 181 - 186، وعنه نقل في المفاهيم منتحلًا: 172 - 173، كما احتج به أيضًا في ص:57.

وللغماري أيضًا رسالة خاصة بهذا الحديث سماها "نهاية الآمال في صحة وشرح حديث عرض الأعمال". حاول فيها تصحيح الحديث وتقويته، وادعى في مقدمتها أن الألباني خالف الصناعة الحديثية في تضعيفه للحديث ولكنه لم يستطع أن =

ص: 759

لعلمه بذلك، ثم لم يكتف هؤلاء بالنبي صلى الله عليه وسلم، بل عدوا الحكم إلى غيره لأن هذا الحديث هو عمدة من يدعي أن الموتى يعلمون بندائهم ودعاء الأحياء لهم، لأن شفاعتهم ووساطتهم للسائلين فرع عن علمهم بسؤالهم وحوائجهم.

وقد بلغ الأمر ببعضهم إلى القول بأن "مخاطبته صلى الله عليه وسلم بعد موته أبلغ، لأن أعمال أمته تعرض عليه في قبره"

(1)

.

فادعى أن الخطاب بعد الموت أبلغ من الخطاب في الحياة وهذه مبالغة وغلو شديد.

هذا وإن عرض الأعمال لم يقتصروا فيه على النبي صلى الله عليه وسلم كما قلنا بل جاوزوا به إلى غيره، فالروافض قالوا بعرض الأعمال على أئمتهم، فقد روى الكليني في كافيه الذي هو عمدة عندهم: أن قوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} أنهم الأئمة

(2)

.

وروي أيضًا عن علي الرضا أحد الأئمة عندهم أنه قال له أحدهم: "ادع الله لي ولأهل بيتي فقال: أو لست أفعل؟ والله إن أعمالكم لتعرض على في كل يوم وليلة، قال: فاستعظمت ذلك فقال لي: أما تقرأ كتاب الله عز وجل: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} قال: هو والله علي بن أبي طالب عليه السلام"

(3)

.

وقد عقد الصفار

(4)

عدة أبواب

(5)

في إثبات عرض الأعمال على

= يناقش الشيخ الألباني فيما ذكره من الشذوذ الذي في الحديث، هذا وسوف أناقش ما ورد في هذه الرسالة من النقاط المهمة إن شاء الله تعالى.

(1)

انظر كلام عثمان بن منصور تلميذ ابن جرجيس في مصباح الظلام: 206.

(2)

الكافي: 1/ 171، ونحوه في بصائر الدرجات: 442، 447، 448، 450.

(3)

الكافي: 1/ 171، والبصائر ص:449.

(4)

هو محمد بن الحسن بن فروخ أبو جعفر وادعوا أنه تلميذ للحسن العسكري (ت 290 هـ)، انظر معجم المؤلفين: 9/ 208 ومقدمة البصائر.

(5)

قد عقد باب الأعمال تعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم والأئمة عليهم السلام من ص: 444 - 446، ثم باب عرض الأعمال على الأئمة: 447 - 448، ثم باب عرض =

ص: 760

الأئمة في كتابه بصائر الدرجات، الذي يعتبر من أهم مصادرهم الأصلية، ثم ساق عجائب وغرائب، في تلك الأبواب، فانظر إلى مدى ما وصل إليه اعتقاد عرض الأعمال، لأنه لو اقتصر على النبي صلى الله عليه وسلم لكان الأمر أخف، ولكن ادعى ذلك هؤلاء لأئمتهم كما ترى، وادعى آخرون من المريدين لشيوخهم.

فعقيدة عرض الأعمال على الأموات هي أصل لدعائهم، لأن الواحد من هؤلاء الذين يدعون الأموات لو تصور أن مدعوه لا يعلم بأعماله لم يدعه، ولم يطمع في أنه يشفع له عند الله تعالى ويتوسط له فكل ذلك فرع عن تصوره بعلمه ومعرفته به وبأحواله.

هذا ومناقشة حديث العرض من ناحيتين ناحية الإسناد وناحية المتن:

‌مناقشة الحديث من ناحية الإسناد:

قد أخرج هذا الحديث البزار في مسنده فقال: "حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، عن سفيان، عن عبدالله بن السائب، عن زاذان عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله ملائكة سياحين يبلغون عن أمتي السلام"، قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم

".

قال البزار: لا نعلمه يروى عن عبد الله إلا بهذا الإسناد"

(1)

.

هذا الحديث يشتمل على شطرين وقد رواه كثيرون فاقتصروا على الشطر الأول، وخالفهم عبد المجيد بن أبي رواد فزاد الشطر الثاني.

فالشطر الأول قد روي عن سفيان وهو الثوري بهذا الإسناد من

= الأعمال على الأئمة الأحياء: 449 - 450، ثم باب الأئمة تعرض عليهم الأعمال في أمر العمود الذي يرفع للأئمة وما يصنع بهم في بطون أمهاتهم: 451 - 454.

(1)

كشف الأستار: 1/ 397 رقم 845.

ص: 761

طرق متعددة، فهو مشهور مستفيض عن الثوري قد رواه عنه عدد كثير اطلعنا على رواية نحو عشرة منهم، وهم: عبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان، ووكيع بن الجراح، وعبدالله بن المبارك، ومعاذ بن معاذ، وعبد الرزاق بن همام وعبدالله بن نمير، ومحمد بن يوسف الفريابي وأبو إسحاق الفزاري، وفضيل بن عياض.

وإليك تفصيل هذه الطرق ومن أخرجها:

طريق عبد الرحمن بن مهدي: أخرجه أحمد في المسند

(1)

.

طريق القطان: أخرجه إسماعيل القاضي

(2)

.

طريق وكيع: أخرجه ابن أبي شيبة

(3)

، وأحمد

(4)

، والنسائي

(5)

، وابن حبان

(6)

.

طريق ابن المبارك: أخرجه النسائي

(7)

.

طريق معاذ بن معاذ: أخرجه أحمد

(8)

، والنسائي

(9)

.

طريق عبد الرزاق: أخرجه هو في مصنفه

(10)

، ومن طريقه النسائي والطبراني

(11)

.

طريق عبدالله بن نمير: أخرجه أحمد

(12)

.

(1)

المسند: 1/ 441.

(2)

فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: 34 رقم 21.

(3)

المصنف: 11/ 474 رقم 11770.

(4)

المسند: 1/ 441.

(5)

سنن النسائي: 3/ 37 رقم الباب 46.

(6)

موارد الظمآن ص: 594 رقم 2393.

(7)

عمل اليوم والليلة للنسائي: 167 رقم 66.

(8)

المسند: 1/ 452.

(9)

سنن النسائي: 3/ 37 رقم الباب 46.

(10)

المصنف: 2/ 215 رقم 3116، ومن طريق الدبري عنه في سير أعلام النبلاء: 17/ 105.

(11)

سنن النسائي: 3/ 37 رقم الباب 46، والمعجم الكبير: 10/ 271 رقم 10529.

(12)

المسند: 1/ 387.

ص: 762

طريق الفريابي: أخرجه الدارمي

(1)

.

طريق أبي إسحاق الفزاري: أخرجه الحاكم

(2)

، والطبراني

(3)

، وأبو نعيم

(4)

.

طريق فضيل بن عياض أخرجه الطبراني

(5)

.

وقد روى أبو إسحاق الفزاري هذا الحديث عن الأعمش والثوري فيكون الأعمش متابعًا للثوري.

وقد ذكر الدارقطني أن ممن رواه من أصحاب الثوري، فضيل بن عياض وغيره.

كما ذكر ممن تابع الثوري -الأعمش والحسين الحلقاني ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى والعوام بن حوشب وشعبة كل هؤلاء تابعوا الثوري فرووه عن عبد الله بن السائب عن زاذان عن ابن مسعود

(6)

به واقتصروا على الشطر الأول.

والحاصل أن الذين عرفنا أسماءهم ممن روى هذا الحديث عن الثوري مقتصرين على الشطر الأول، هم عشرة وهم ثقات أثبات، وهم أوثق أصحاب الثوري، بل أوثق تلك الطبقة على الإطلاق، وخالفهم عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، فزاد الشطر الثاني: "حياتي خير لكم

".

(1)

مسند الدارمي: 2/ 225 رقم 2777.

(2)

المستدرك: 2/ 421.

(3)

المعجم الكبير: 10/ 270 رقم 10528 فجعله عن الأعمش.

(4)

أخبار أصبهان: 2/ 25.

(5)

المعجم الكبير: 10/ 271 رقم 10530.

(6)

الصارم المنكي: 193 نقلًا عن العلل للدارقطني.

وقد أخرج الطبراني في الكبير طريق الفزاري عن الأعمش برقم 10528 كما تقدم.

ص: 763

فهذه الزيادة شاذة، أو منكرة، فعلى قول من وثق عبد المجيد فهي شاذة، وعلى قول من ضعفه فهي منكرة وذلك لتفرده بها ومخالفته بذلك الثقات، مع أنه مختلف فيه فقد وثقه بعضهم وضعفه بعضهم، وهم كثيرون وممن وثقه أحمد، وابن معين، وأبو داود.

وهؤلاء الذين وثقوه بينوا مع ذلك أنه مبتدع داعية في الأرجاء.

وممن ضعفه الحميدي وأبو حاتم وعبد الرزاق والدارقطني ومحمد بن يحيى وابن سعد والساجي وابن حبان، وبين هؤلاء الذين ضعفوه أنه روي أحاديث عن ابن جريج لم يتابع عليها، وروي عن مالك أحاديث أخطأ فيها، وقال ابن حبان: كان يقلب الأخبار ويروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك

(1)

.

وهذا الجرح المفسر مقدم على التوثيق مع أن الذين وثقوه بينوا أنه داعية إلى الإرجاء.

وأيضًا فلو قلنا: إنه ثقة يكون هذا الحديث شاذًا لأنه من مخالفة الثقة لمن هو أرجح منه ضبطًا واتقانًا وعددًا.

كل واحد منهم أعلى مكانة من عبد المجيد، ويعرف هذا بالرجوع إلى تراجمهم، وفيهم من هو في أعلى درجات الحفظ والإتقان باتفاق المحدثين، كعبد الرحمن بن مهدي ويحيى القطان ووكيع بن الجراح وابن المبارك وأبي إسحاق الفزاري فهؤلاء أئمة الحديث ورؤساء تلك الطبقة وأخص أصحاب الثوري.

(1)

انظر العلل لأحمد: 2/ 113، وتاريخ يحيى: 3/ 61 رقم 325، وأحوال الرجال: 153 رقم 269، والضعفاء الصغير للبخاري رقم 239، والمجروحين: 2/ 160، والكامل: 5/ 1982، والجرح والتعديل: 6/ 64، والميزان: 2/ 648، والمغني: 570، والتهذيب: 6/ 381، وانظر ما ذكره المروذي في العلل ومعرفة الرجال عن أحمد، في ترجمة عبد المجيد: أن أبا عبدالله يحدث عن المرجيء إذا لم يكن داعية أو مخاصمًا. اهـ. العلل ومعرفة الرجال ص: 124 رقم 213.

ص: 764

فلو خالف عبد المجيد واحدًا من هؤلاء -يعد شاذًا فكيف وقد خالف جميعهم؟ فهو شاذ بدون أدنى شك، بل يمكن اعتبار هذه الزيادة منكرة باعتبار الكلام الذي في عبد المجيد.

وربما يقول قائل: إن هذه الزيادة تعد من زيادة الثقة باعتبار قول من وثق عبد المجيد فلا بأس بها. فنقول جوابًا لهذا الادعاء المفترض:

هذه القاعدة ليست مطردة عند نقاد الحديث، وإنما كانوا ينظرون إلى القرائن والأحوال

(1)

.

فالذي يدل عليه كلام الحفاظ مثل أحمد وغيره أن زيادة الثقة إن لم يكن مبرزًا في الحديث والتثبت على غيره ممن لم يذكر الزيادة ولم يتابع عليها فلا يقبل تفرده، وإن كان ثقة مبرزًا في الحفظ على من لم يذكرها ففيه عن أحمد روايتان

(2)

.

وقد نقل الحافظ ابن حجر عن العلائي قوله: "وكلام الأئمة المتقدمين في هذا الفن كعبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل والبخاري وأمثالهم يقتضي أنهم لا يحكمون في هذه المسألة بحكم كلي، بل عملهم في ذلك دائر مع الترجيح بالنسبة إلى ما يقوى عند أحدهم في كل حديث حديث"

(3)

.

ووجه عدم قبول زيادة الثقة مطلقًا -هو لأجل ما يحصل من غلبة الظن أن الثقة الواحد الزائد هو الذي أخطأ، حيث إن مخرج الحديث واحد فيرويه جماعة من الحفاظ الأثبات على وجه، ويرويه ثقة دونهم في

(1)

انظر في هذا البحث الكتب التالية: النكت لابن حجر: 2/ 603 - 613 و 686 - 702، وتوضيح الأفكار: 1/ 339، 343، وفتح الباري: 10/ 203، وشرح علل الترمذي: 306 - 316، ومقدمة الإلزامات والتتبع للشيخ مقبل: 11 - 22.

(2)

شرح علل الترمذي: 309.

(3)

النكت على ابن الصلاح: 2/ 604، وفتح المغيث: 1/ 217، وتوضيح الأفكار: 1/ 344.

ص: 765

الضبط والاتقان على وجه يشتمل على زيادة تخالف ما رووه إما في المتن وإما في الإسناد، فكيف تقبل زيادته وقد خالفه من لا يغفل مثلهم عنها لحفظهم أو كثرتهم، أو لهما معًا كما هنا؟ ولا سيما إن كان شيخهم ممن يجمع حديثه ويعتني بمروياته كالزهري وأضرابه مثل الثوري كما هنا.

بحيث يقال: إنه لو رواها لسمعها منه حفاظ أصحابه، ولو سمعوها لرووها ولما تطابقوا على تركها، والذي يغلب على الظن في هذا وأمثاله تغليط راوي الزيادة

(1)

.

فحاصل كلام الأئمة أن الزيادة إنما تقبل ممن يكون حافظًا متقنًا حيث يستوي مع من زاد عليهم في ذلك، فإن كانوا أكثر منه عددًا أو كان فيهم من هو أحفظ منه أو كان غير حافظ، ولو كان في الأصل صدوقًا فإن زيادته لا تقبل

(2)

.

فاتضح مما سبق أن هذا الحديث ضعيف، وقد ضعفه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في السلسلة الضعيفة رقم 975، وفي ضعيف الجامع رقم 2745 و 2746، وقال:"فاتفاق جماعة من الثقات على رواية الحديث عن سفيان دون آخر الحديث: "حياتي

" ثم متابعة الأعمش له على ذلك، مما يدل عندي على شذوذ هذه الزيادة لتفرد عبد الحميد بن عبد العزيز بها، لاسيما وهو متكلم فيه من قبل حفظه

ثم نقل الكلام فيه وقال:

"وإذا عرفت ما تقدم فقول الحافظ الهيثمي في المجمع: 6/ 24 رواه البزار ورجاله رجال الصحيح فهو يوهم أنه ليس فيهم من هو متكلم فيه.

ولعل السيوطي اغتر بهذا حين قال في الخصائص الكبرى: 2/ 281، سنده صحيح، ولهذا فإني أقول: إن الحافظ العراقي -شيخ الهيثمي- كان أدق في التعبير عن حقيقة إسناد البزار حين قال عنه في تخريج الإحياء: 4/ 128:

(1)

النكت: 2/ 688.

(2)

النكت: 690.

ص: 766

"ورجاله رجال الصحيح إلا أن عبد المجيد بن أبي رواد وإن أخرج له مسلم ووثقه ابن معين والنسائي فقد ضعفه بعضهم".

قلت: وأما قوله هو أو ابنه في طرح التثريب في شرح التقريب: 3/ 297: "إسناده جيد" فهو غير جيد عندي، وكان يكون كذلك لولا مخالفة عبد المجيد للثقات على ما سبق فهي علة الحديث

(1)

".

وقد أشار إلى هذه العلة البزار

(2)

والحافظ ابن كثير

(3)

. وقد سبقا الألباني.

ولهذا فاتهام الألباني

(4)

بعدم الإنصاف مردود بقول هذين الحافظين.

هذا وفي الحديث علة أخرى وهي أن عبد المجيد قد وصفه كثير من النقاد بأنه داعية إلى الإرجاء وأنه غال في ذلك.

وهذا الحديث يؤيد مذهبه لأنه يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر لأمته ومن يستغفر له الرسول صلى الله عليه وسلم دائمًا فلا يخاف عليه من المعاصي ما دام يشهد بالإسلام، وهذا المعنى يقوي مذهب الإرجاء.

وقد ذهب علماء الجرح والتعديل إلى أن الداعية لا يقبل حديثه فيما يؤيد مذهبه لا سيما إذا كان غاليًا في هواه، وهذا المذهب هو الصحيح في رواية المبتدع

(5)

.

(1)

السلسلة الضعيفة: 2/ 404.

(2)

حيث قال: "لم نعرف آخره يروى عن عبد الله إلا من هذا الوجه انظر كشف الأستار: 3، والبداية: 5/ 241.

(3)

البداية: 5/ 241، فقد نقل كلام البزار مقررًا له وذكر أن أوله يروى من طرق متعددة.

(4)

انظر ما قاله الغماري في مقدمة نهاية الآمال ص: 8.

(5)

انظر في هذه المسألة الكتب التالية: أحوال الرجال للجوزجاني ص: 32، والكفاية ص: 195، ومقدمة ابن الصلاح: 115، وشرح علل الترمذي: 83 - 86، وشرح النخبة ص: 50، وتدريب الراوي: 1/ 325، وتوضيح الأفكار: 2/ 234 - 235، ومال المعلمي في التنكيل: 1/ 42 - 52، إلى القبول.

ص: 767

كما أن في الحديث علة أخرى وهي أن هذا الحديث روي عن ابن مسعود مرفوعًا في عرض الأعمال على الله تعالى.

وهو ما رواه ابن عدي من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"تعرض أعمال بني آدم في كل يوم اثنين، وفي كل يوم خميس فيرحم المترحمين ويغفر للمستغفرين ويترك أهل الحقد بغلهم".

أخرجه ابن عدي في ترجمة عبيد الله بن زحر مشيرًا إلى أنه مما أنكر عليه حيث قال في آخر كلامه: "ولعبيد الله بن زحر غير ما ذكرت من الحديث ويقع في أحاديثه ما لا يتابع عليه"

(1)

.

وقد وثقه بعضهم وضعفه بعضهم حتى قال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات، وإذا روى عن علي بن يزيد أتى بالطامات، وإذا اجتمع في إسناد خبر عبيدالله وعلي بن يزيد والقاسم أبو عبد الرحمن - لم يكن ذلك الخبر إلا مما عملته أيديهم

(2)

.

وهذه الطريقة وإن كانت ضعيفة لكنها يمكن أن يعل بها الحديث، إذ هذه الطريقة واردة في حق الله تعالى، والسابقة في حق الرسول صلى الله عليه وسلم.

هذا وللحديث طريقان آخران:

أ - أحدهما: عن أنس وله عنه طريقان فيهما كذابان:

أولاهما: طريق أبي سعيد الحسن بن علي العدوي ثنا خراش ثنا مولاي أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حياتي خير لكم، وموتي خير لكم، أما حياتي فأحدث لكم وأما موتي فتعرض علي أعمالكم عشية الاثنين

(1)

الكامل: 4/ 1632 - 1633.

(2)

المجروحين: 2/ 62 - 63، والميزان: 3/ 7.

ص: 768

والخميس، فما كان من عمل صالح حمدت الله عليه، وما كان من عمل سيئ، استغفرت لكم"

(1)

.

فالعدوي الحسين بن علي كذاب اتهمه بالكذب ابن عدي

(2)

وابن حبان

(3)

وقال الدارقطني: كذاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل

(4)

.

وخراش بن عبدالله قال ابن عدي: مجهول

(5)

وقال ابن حبان: لا يحل كتب حديثه إلا للاعتبار ثم ذكر حديثًا من روايته فقال مع أشياء تشبه هذا إذا تأملها من هذا الشأن صناعته علم أنه كان يضع الحديث

(6)

.

فبهذا يعرف أن هذه الطريقة موضوعة فلا يفرح بها

(7)

.

ثانيهما: طريق يحيى بن خدام حدثنا محمد بن عبد الملك بن زياد أبو سلمة الأنصاري ثنا مالك بن دينار عن أنس به نحوه وفيه: "تعرض علي أعمالكم كل خميس"

(8)

. فهذه الطريقة أيضًا موضوعة لأن الأنصاري أبا سلمة قال فيه العقيلي: منكر الحديث

(9)

. وقال ابن حبان: منكر الحديث جدًا يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم، لا يجوز الاحتجاج به بحال

(10)

.

(1)

أخرجه ابن عدي في الكامل: 3/ 945.

(2)

المرجع نفسه: 3/ 946.

(3)

المجروحين: 1/ 241.

(4)

سؤالات السهمي رقم 284 ص 211.

(5)

الكامل: 3/ 946.

(6)

المجروحين: 1/ 288.

(7)

السلسلة الضعيفة: 2/ 406.

(8)

المرجع السابق ونسبه إلى أبي طاهر المخلص في الثاني من العاشر من حديثه: ق 2/ 212.

(9)

الضعفاء: 4/ 96.

(10)

المجروحين: 2/ 266 وسماه محمد بن عبدالله بن زياد وكذلك العقيلي.

ص: 769

وقال ابن طاهر: "كذاب وله طامات"

(1)

، وقال الذهبي: متهم

(2)

.

وأما يحيى بن خدام فقال الذهبي: صدوق إن شاء الله ما علمت به بأسًا إلا قول أبي أحمد الحاكم الحافظ في الكنى في ترجمة أبي سلمة وروى عنه يحيى بن خدام أحاديث منكرة فالله أعلم الحمل فيها على أبي سلمة أو على ابن خدام

(3)

.

ب - وثانيهما: حديث عن التابعي بكر بن عبدالله المزني مرسلًا، وله عنه ثلاث طرق:

الأولى: عن غالب القطان عنه أخرجه ابن سعد من طريق

(4)

وإسماعيل القاضي

(5)

قال: حدثنا سليمان بن حرب قال: ثنا حماد بن زيد قال: حدثنا غالب القطان به.

وقد صحح هذا الإسناد ابن عبد الهادي إلى بكر المزني

(6)

.

الثانية: عن كثير بن يسار أبي الفضل عنه، أخرجه إسماعيل القاضي

(7)

حدثنا الحجاج بن منهال قال: ثنا حماد بن سلمة عن كثير أبي الفضل به.

الثالثة: عن جسر بن فرقد عنه، أخرجه الحارث بن أبي أسامة عنه في مسنده

(8)

من طريق جسر بن فرقد عن بكر به، وهذا إسناد ضعيف

(1)

الميزان: 3/ 598.

(2)

ديوان الضعفاء: رقم 3803.

(3)

الميزان: 4/ 372.

(4)

الطبقات لابن سعد:

(5)

فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: 36/ 26.

(6)

الصارم المنكي: 193.

(7)

فضل الصلاة: 27.

(8)

بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث: ل 113 / ب، والمطالب العالية: 4/ 23.

ص: 770

لاتفاقهم على ضعف جسر بن فرقد

(1)

وبهذا نعلم مدى عدم صحة ما قاله بعضهم: رواه أيضًا الحارث بن أسامة في مسنده بسند صحيح

(2)

. فكيف يكون السند صحيحًا وفيه من اتفق النقاد على تضعيفه؟

والحاصل أن الحديث بجميع طرقه ضعيف، وأحسنها مرسل بكر بن عبدالله المزني، ومن المعروف أن المرسل من أقسام الضعيف لا يحتج به، ولا يمكن تقويته بالطريقين الآخرين لشدة ضعف حديث أنس، حيث إن فيه وضاعًا ولنكارة حديث ابن مسعود.

وهذا هو الذي تقتضيه الصناعة الحديثية لا ما ادعاه الغماري من أنها تقتضي تصحيحه وأن من ضعفه ليس بمنصف

(3)

.

وأما من ناحية المتن فمن وجوه:

أ - إنه ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الأعمال تعرض على الله يوم الاثنين والخميس، فقد روى أبو هريرة مرفوعًا: "تعرض الأعمال في كل يوم خميس واثنين، فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئًا إلا امرءًا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: اركوا

(4)

هذين حتى يصطلحا، اركوا هذين حتى يصطلحا"

(5)

.

وفي حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما: "ذانك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم"

(6)

.

(1)

الميزان: 1/ 398، والمجروحين: 1/ 217.

(2)

ذكره الغماري في الرد المحكم: 182، وعنه منتحلًا صاحب المفاهيم:173.

(3)

مقدمة نهاية الآمال: 8.

(4)

اركوا: يقال: ركاه يركوه إذا أخره، النهاية: 2/ 261.

(5)

مسلم: 4/ 1987 رقم 2565/ 36، وأحمد في المسند: 2/ 268، 329، 484، والدارمي رقم 1758.

(6)

المسند: 5/ 200، 201، 205، 209، وأبو داود: رقم 2419 (7/ 100)، والدارمي: رقم 1757، وقد صحح الحديث الألباني في الإرواء: 4/ 102 رقم 948.

ص: 771

فإذا ثبت بهذا عرض الأعمال على الله سبحانه وتعالى كل خميس واثنين يكون القول بثبوت هذا العرض على النبي صلى الله عليه وسلم تشريكًا للمخلوق بالخالق، وتشبيهًا للمخلوق بالخالق، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه في حياته كان يحب أن تعرض أعماله على الله وهو صائم فكيف يقال: إن الأعمال تعرض عليه صلى الله عليه وسلم؟

وعلى هذا فيحتمل أن بعض الرواة جعل للنبي صلى الله عليه وسلم ما ورد في حق الله تعالى، ويقوى هذا الاحتمال ما تقدم من أن حديث ابن مسعود في عرض الأعمال على النبي صلى الله عليه وسلم قد ورد في لفظ بعرض الأعمال على الله، وإن كانت الرواية ضعيفة، لأن الحديث طرقه لا تخلو من ضعف فيمكن إعلال بعضها ببعض.

ب - إن النبي صلوات الله وسلامه عليه لما كان في الحياة الدنيوية لم يكن يعلم بأحوال من غاب عنه إلا عندما يوحى إليه.

وقد أمره الله تعالى أن يبين للناس أنه لا يعلم الغيب إلا في الأمور التي أوحى إليه فيها، وأما العلم بكل الأشياء من جميع المغيبات وجميع أحوال من غاب عنه من أصحابه - فهذا هو الذي أمره الله أن يبين للناس أنه لا يعلمه-، قال تعالى:{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} [الأعراف: 188].

والأحاديث الدالة على هذا كثيرة، منها قصة الإفك، فلم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم براءة عائشة رضي الله عنها إلا بعد نزول القرآن، وقصة ضياع عقد عائشة حيث أمر بطلبه مع وجوده تحت البعير الذي تركبه عائشة رضي الله عنها

(1)

.

والحاصل أنه إذا كان صلوات الله وسلامه عليه لا يعلم الغيب إلا ما

(1)

البخاري: 1/ 431 رقم 334، ومسلم: 1/ 279 رقم 367.

ص: 772

علّمه الله في الدنيا، فكيف نقول بعلمه في البرزخ؟ إلا على قول الغلاة الذين قالوا: إن علم الله تعالى وعلم النبي صلى الله عليه وسلم، متساويان، وأن آية سورة الأعراف الماضية إنما كانت في أول الأمر قبل أن يوحى إليه بجميع الغيب

(1)

.

فعلى هذا القول فقط يمكن الادعاء، وبطلان هذا القول واضح لا شك فيه وكذلك ما يلزم منه هذا القول فهو باطل.

جـ - إن هذا الحديث يخالف الأحاديث الصحيحة الثابتة، منها حديث الحوض المتواتر حيث ورد فيه:"ليردن علي ناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني، فأقول أصحابي فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقًا سحقًا لمن غير بعدي"

(2)

. وفي رواية أبي هريرة عند البخاري: "إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك"

(3)

.

فهذا الحديث يدل دلالة واضحة على عدم علم النبي صلى الله عليه وسلم بما أحدثه هؤلاء بعده صلوات الله وسلامه عليه، فيناقض حديث عرض الأعمال

(1)

انظر ما ادعاه الصاوي على الجلالين: 2/ 97، والبريلوية: 87، وغاية الأماني: 1/ 35.

(2)

البخاري: 11/ 464 رقم 6582، ومسلم: رقم 2304 من حديث أنس ومن حديث ابن مسعود، والبخاري: رقم 6576، ومسلم: رقم 2297، ومن حديث أبي سعيد، البخاري: رقم 6584، ومسلم: 2291، ومن حديث أسماء بنت أبي بكر: البخاري: 6593، ومسلم: 2293، ومن حديث عائشة: مسلم: 2294، ومن حديث أم سلمة: مسلم: 2295، ومن حديث حذيفة: مسلم: 2297، فالحديث متواتر يفيد العلم القطعي كما صرح بذلك الحافظ في الفتح: 11/ 467، ومع هذا نازع الغماري في تواتره بل زعم أن حديث العرض أكثر منه ومع طريقًا لأنه على حد زعمه جاء من 20 طريقًا ولم يستطع أن يذكر تلك الطرق بل أحال على أخيه في هذا الادعاء كما ادعى أن حديث الحوض يخالف الكتاب والسنة.

وهذا من الهوى والتعصب حيث وصل إلى حد يجعل الحديث المتواتر ضعيفًا والضعيف متواترًا.

(3)

البخاري: 11/ 464 رقم 6585.

ص: 773

الذي يدل على علمه بأعمال أمته، فهذا ضعيف وذاك متواتر، ومن المعروف أن القطعي لا يعارض بالضعيف وإنما يكون مردودًا.

د - إن العرض إنما ثبت في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم خاصة دون سائر الأعمال كما في حديث أوس بن ثابت رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي، قال: فقالوا: يا رسول الله فكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟، قال: يقولون بليت، قال: إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء صلى الله عليه وسلم"

(1)

.

وإذا ثبت عرض الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيقال: لماذا خص الصلاة إذا كانت كل الأعمال تعرض عليه فيكون التخصيص بدون فائدة؟

فعلى هذا يحتمل أن بعض الرواة ظن عموم عرض الأعمال استنباطًا من عرض الصلاة فروى بالعموم.

ومما يقوي هذا الاحتمال أن حديث ابن مسعود السابق اتفق أغلب الرواة على رواية عرض الصلاة فقط، وانفرد عبد المجيد بن عبد العزيز

(1)

أخرجه أحمد في المسند: 4/ 8، وأبو داود: 1/ 635 رقم 1047، 2/ 184 رقم 1531، والنسائي: 3/ 75، وإسماعيل القاضي في فضل الصلاة رقم 22، وابن ماجه: 1/ 524 رقم 550، والدارمي: 1/ 307 رقم 1580، والحاكم في المستدرك: 1/ 278، وصححه ووافقه الذهبي، وقد اختلف في الحديث فمنهم من صححه ومنهم من قال: إن فيه علة خفية. انظر القول البديع ص: 159، وجلاء الأفهام: 36 - 41، وتعليق الألباني على فضل الصلاة ص: 35، وللحديث شواهد كثيرة منها حديث ابن مسعود المتقدم: "إن الله ملائكة

إلخ" وغير ذلك من الشواهد الكثيرة انظرها في المراجع السابقة، القول البديع وجلاء الأفهام وتعليق الألباني. وقال ابن عبد الهادي: رواته كلهم مشهورون بالصدق والأمانة والثقة والعدالة، ولذلك صححه جماعة من الحفاظ كأبي حاتم ابن حبان، والحافظ عبد الغني المقدسي وابن دحية، ولم يأت من تكلم فيه وعلله بحجة بيّنة. اهـ. الصارم ص:200.

ص: 774

برواية عرض الأعمال عامة، وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله بعد أن أورد نصوصًا في عرض الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:"فهذه النصوص التي ذكرنا تدل على أنه يسمع سلام القريب، ويبلغ سلام البعيد وصلاته، لا أنه يسمع ذلك من المصلي والمسلم، وإذا لم يسمع الصلاة والسلام من البعيد إلا بواسطة فإنه لا يسمع دعاء الغائب واستغاثته بطريق الأولى والأحرى، والنص إنما يدل على أن الملائكة تبلغه الصلاة والسلام ولم يدل على أنه يبلغه غير ذلك"

(1)

.

وقال رحمه الله أيضًا: "وقول القائل: إنه يسمع الصلاة من البعيد ممتنع، فإنه إن أراد وصول صوت المصلي إليه فهذه مكابرة، وإن أراد أنه هو يكون بحيث يسمع أصوات الخلائق من بعيد، فليس هذا إلا لله رب العالمين الذي يسمع أصوات العباد كلهم، قال تعالى:{أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80)} [الزخرف: 80]، وقال:{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} الآية [المجادلة: 7]، وليس أحد من البشر بل ولا من الخلق أصوات العباد كلهم

"

(2)

.

هـ - ثم إنه لو ثبت عرض الأعمال لا يصح الاستدلال به علي جواز الدعاء بالرسول صلى الله عليه وسلم أو دعائه، وذلك لأمور:

1 -

إنه صلى الله عليه وسلم كان يستغفر لأمته في حياته فلم يكن الصحابة يسألون الله تعالى بذلك الاستغفار، ولم يدعوا الرسول صلى الله عليه وسلم به مع أنه أبلغ وأقطع من استغفاره بعد موته.

2 -

الدعاء عبادة، ولم يشرع لنا هذا الدعاء لأنه لو شرع لسبقنا إليه خير القرون، ومن قال بمشروعيته فقد جهلهم

(3)

.

(1)

الرد على البكري: 34، وانظر أيضًا الرد على الأخنائي: 208 - 209.

(2)

الرد على الأخنائي: 210 - 211.

(3)

مصباح الظلام ص: 209، وهذه مفاهيمنا:88.

ص: 775

3 -

إن عرض الأعمال على فرض ثبوته يكون مثل ما كان يقع في حياة النبي صلى الله عليه وسلم من الأخبار التي تصله عن بعض الصحابة الذين غابوا عنه، إما في سرية أو تجارة أو الذين هاجروا إلى الحبشة أو المدينة وهو في مكة، ولم يثبت أن أحدًا من هؤلاء الصحابة ممن وقعوا في الشدة والكرب أنهم استغاثوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقد وقع كثير منهم في الشدة كما في قصة خبيب بن عدي، وأصحاب بئر معونة

(1)

، والمهاجرين إلى الحبشة الذين طال مكثهم هناك أكثر من عشر سنوات ومرت عليهم ظروف قاسية

(2)

. لم ينقل أنهم استغاثوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا توسلوا بجاهه، وقد قال خبيب بن عدي عندما أرادوا قتله:

لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا

قبائلهم واستجمعوا كل مجمع

إلى أن قال:

إلى الله أشكو غربتي ثم كربتي

وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي

فذا العرش صبرني على ما يراد بي

فقد بضعوا لحمى وقد ياس مطمعي"

(3)

.

ولم يقل خبيب: إلى رسول الله أشكو بل إلى الله أشكو بصيغة الحصر بتقديم الجار والمجرور. وقد أُقِرُّوا على هذا من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

ولو تتبع ما وقع للصحابة من الشدائد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته لطال البحث.

والمقصود أنهم لم يدعوا باستغفار الرسول صلى الله عليه وسلم ولا توسلوا بذلك.

4 -

ثم إن الله سبحانه وتعالى حذر من دعاء الملائكة والأنبياء في

(1)

البخاري، المغازي: 7/ 378 - 386.

(2)

البخاري، المغازي: 7/ 484 - 485.

(3)

سيرة ابن هشام: 2/ 176، وقال ابن هشام: وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها، ولكن قد ثبت بعض الأبيات في الصحيح، انظر البخاري مع الفتح: 7/ 379، وقد ذكر الحافظ أن عند أبي الأسود عن عروة زيادة في البيت فذكر البيتين الأولين، انظر الفتح: 7/ 384.

ص: 776

قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57)} [الإسراء: 56، 57]، فنهى سبحانه عن دعاء الملائكة والأنبياء مع إخباره لنا أن الملائكة يدعون لنا ويستغفرون، ومع هذا فليس لنا أن نطلب ذلك منهم، وكذلك الأنبياء والصالحون وإن كانوا أحياء في قبورهم، وإن قُدِّرَ أنهم تعرض عليهم أعمال الأحياء وأنهم يدعون لذلك فليس لأحد أن يطلب منهم ذلك ولم يفعل ذلك أحد من السلف، لأن ذلك ذريعة إلى الشرك بهم وعبادتهم من دون الله تعالى، بخلاف الطلب من أحدهم في حياته، فإنه لا يفضي إلى الشرك لأنهم لا يقرون أحدًا على الشرك.

ولأن ما تفعله الملائكة ويفعله الأنبياء والصالحون بعد الموت هو بالأمر الكوني، فلا يؤثر فيه سؤال السائلين، بخلاف سؤال أحدهم في حياته، فإنه يشرع إجابة السائل، وبعد الموت انقطع التكليف عنهم فما يفعلونه بعد الموت فهو أمر محدود يفعلون منه ما أمر الله به، لا يزداد بسؤال السائلين فليس في سؤالهم إياه منفعة بل مضرة

(1)

.

ثم إنهم إذا شفعوا لعبد بعد إذن الله لهم - شفعوا رغبة في رضا الله تعالى وطاعة له فقط

(2)

.

وأما تأييد الحديث

(3)

بما ثبت من شهادته صلى الله عليه وسلم على أمته يوم القيامة بالقول بأن ذلك يستلزم علمه بأعمالها - فمنقوض من وجوه:

1 -

إن شهادته صلى الله عليه وسلم لا يلزم أن تكون على أعمالهم بالتفصيل وإنما

(1)

الرد على البكري: 115 - 116 و 234 - 235، 262، وقاعدة في التوسل: 136 - 137 و 151، وضمن الفتاوى: 1/ 354، والفتاوى: 27/ 81.

(2)

القائد إلى تصحيح العقائد ص: 101.

(3)

انظر نهاية الآمال: 19 - 23، والرد المحكم: 183، وعنه في مفاهيم منتحلًا:173.

ص: 777

هي خاصة بالشهادة بإيمانهم به وبما جاء به وبأنه بلغهم، كما قاله ابن جرير ونقله أيضًا عن عطاء وقتادة

(1)

، وهذا هو قول المفسرين.

2 -

إن هذه الشهادة قد جاء تفسيرها مرفوعًا من حديث ابن مسعود: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41)} قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شهيدًا عليهم ما دمت فيهم، فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد"

(2)

.

فعلى هذا التفسير فهي خاصة بدوام النبي صلى الله عليه وسلم في الأمة ولا تشمل ما بعد وفاته صلوات الله وسلامه عليه.

3 -

هذه الشهادة التي ثبتت للرسول صلى الله عليه وسلم مثل شهادة باقي الأنبياء على أممهم، وقد صرح في قصة عيسى أنها شهادة مقيدة بدوام عيسى عليه السلام في قومه ولا تعم ما بعد الموت، قال تعالى:{مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117)} [المائدة: 117].

(1)

تفسير الطبري: 2/ 10، 11 و 17/ 208.

(2)

أخرجه الحميدي: 1/ 56 برقم 102 عن ابن عيينة عن المسعودي عن جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه عن ابن مسعود به، وابن جرير: 5/ 92، 93 من طريقين عن ابن عيينة، والمسعودي مختلط ورواه عنه ابن عيينة ولم يذكروه فيمن سمع منه قبل الاختلاط كما في الكواكب: 285 - 289، فالإسناد ضعيف ولكن المسعودي قد توبع فقد أخرجه أبو يعلى في مسنده: 8/ 436 برقم 5020 من طريق مسعر حدثني معن عن جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه فهذا يمكن أن يتقوى به الحديث إلا أنه خالف في جد جعفر فجعله أمية وهو الضمري وهو ثقة وأما ابن حريث فمقبول وفيه اختلاف آخر فقد رد في إحدى طريقيه عند ابن جرير مرسلًا ولعل هذا الاختلاف من المسعودي، ومعن أقوى من المسعودي، فالحديث من رواية جعفر بن عمرو بن أمية الضمري ويشهد لصحة الحديث آية المائدة في قصة عيسى، وقد ذكر الحديث الهيثمي في مجمع الزوائد: 7/ 19 وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، هذا وقد روى ابن مسعود حديثًا آخر يتعلق بهذه الآية وهو متفق عليه، البخاري: 4582، ومسلم:800.

ص: 778

4 -

هذه الشهادة مثل شهادة هذه الأمة على الأمم السابقة، ولم يلزم من ذلك اطلاع هذه الأمة على تفاصيل أحوال الأمم السابقة كما هو واضح.

5 -

هذه الشهادة جاء تفسيرها وبيان كيفيتها في الأحاديث الصحيحة منها حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدعى نوح يوم القيامة فيقول: لبيك وسعديك يا رب فيقول: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيشهدون أنه قد بلغ، ويكون الرسول عليكم شهيدًا، فذلك قوله جل ذكره: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]، والوسط: العدل"

(1)

. فقد صرح في هذا الحديث بأن هذه الأمة ونبيها يشهدون لنوح عليه السلام بالتبليغ فقط وعلى هذا تكون شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة أيضًا بتبليغها وإيمانها فقط، وليس على جميع أعمال الأمة والله أعلم، فاتضح مما سبق أن شهادته صلى الله عليه وسلم على أمته لا تقتضي ولا تستلزم أن تعرض أعمالهم عليه.

وأما الأثر الذي استدل به

(2)

الغماري لتقوية الحديث وهو ما رواه ابن المبارك أخبرنا رجل من الأنصار عن المنهال بن عمرو أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: "ليس من يوم إلا يعرض فيه على النبي صلى الله عليه وسلم أمته غدوة وعشيًا، فيعرفهم بأسمائهم وأعمالهم، فلذلك يشهد عليهم. يقول الله تعالى:{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41)}

(3)

.

فقد قال ابن كثير رحمه الله: "إنه أثر، وفيه انقطاع، فإن فيه رجلًا مبهمًا لم يسم وهو من كلام سعيد بن المسيب لم يرفعه"

(4)

أي فهو

(1)

البخاري: 8/ 171 رقم 4487، 7349.

(2)

نهاية الآمال: 22، والرد المحكم: 183، وعنه صاحب المفاهيم منتحلًا:173.

(3)

الزهد لابن المبارك، ونسبه إليه ابن كثير: 1/ 199، والحافظ في الفتح: 9/ 99.

(4)

تفسير ابن كثير: 1/ 499.

ص: 779

ضعيف لوجود هذه العلل من جهالة الرجل الأنصاري، وكونه مقطوعًا أي من كلام التابعي لم يرفعه، حتى تقول: إنه مرسل يحتج به عند بعضهم، ثم هو معارض بالأدلة القطعية مثل ما سبق في حديث الحوض حيث صرح هنا بأنه يعرفهم بأسمائهم وأعمالهم مع أنه يقال له: لا تدري ما أحدثوا بعدك. وعبارة ابن كثير المتقدمة أدق من قول الحافظ ابن حجر في أثر سعيد بن المسيب إنه مرسل

(1)

.

فقد تعلق الغماري بعبارة الحافظ بأنه مرسل، والصحيح ما قاله ابن كثير من أنه ليس مرسلًا لأنه لم يرفعه فلا ينفع القول بأن مراسيل ابن المسيب قوية.

ثم هذا الأثر في هذه الآية معارض بثلاثة أحاديث مرفوعة وردت في تفسير الآية وهي:

1 -

حديث ابن فضالة، فقد أخرج الطبراني وابن أبي حاتم وغيرهما من طريق يونس بن محمد بن فضالة الظفري عن أبيه "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم في بني ظفر ومعه ابن مسعود وناس من أصحابه فأمر قارئًا فقرأ، فأتى على هذه الآية {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41)} فبكى حتى ضرب لحياه ووجنتاه، فقال: يا رب هذا على من أنا بين ظهرانيه فكيف بمن لم أره؟ "

(2)

.

2 -

حديث عبد الرحمن بن لبيبة عن أبيه قال: "كان إذا قرأ هذه الآية {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا

} بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم: وقال: "يا رب هذا شهدت على من أنا بين ظهرانيه فكيف بمن لم أره؟ "

(3)

.

3 -

حديث ابن مسعود الذي تقدم

(4)

.

(1)

الفتح: 9/ 99.

(2)

مجمع الزوائد: 7/ 4، وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات.

(3)

مجمع الزوائد: 7/ 4، وقال: رواه الطبراني، وعبد الرحمن بن لبيبة لم أعرفه وبقية رجاله ثقات.

(4)

تقدم ص: 778.

ص: 780

4 -

ويؤيد هذه الأحاديث ما ورد في عيسى من قوله: {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا .... } الآية [المائدة: 117]، وأما ما قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله بعد ذكره لأثر سعيد بن المسيب:"ففي هذا المرسل ما يرفع الإشكال الذي تضمنه حديث ابن فضالة والله أعلم"

(1)

فقد سبق أنه ليس مرسلاً وإنما هو مقطوع، ويعترض عليه بما سبق بيانه من الأدلة القاطعة على عدم العرض، فلو صحت أحاديث العرض يمكن أن يلجأ إلى الجمع، وأما ما دام أنها ضعيفة فلا يمكن أن تعارض الأدلة الصحيحة كما هو معروف في فمن المصطلح من أنه لا يعل الصحيح بالضعيف، كما أن الأحاديث الواردة في تفسير الآية أقوى بمجموعها من أثر ابن المسيب.

وقد ذهب ابن كثير

(2)

إلى ترجيح حديثي ابن فضالة وابن مسعود على أثر سعيد بن المسيب، وهذا الذي ذهب إليه ابن كثير هو الراجح لما تقدم من الأدلة الكثيرة الشاهدة له والله أعلم ..

وبهذا اتضح سقوط احتجاجهم بحديث العرض وعليه نقتصر لأنَّه أهم حديث ضعيف يدل لقولهم، والآن نبدأ في مناقشة الأحاديث الواهية والموضوعة وبالله التوفيق ومنه نستمد العون والسداد.

(1)

الفتح: 9/ 99.

(2)

تفسير ابن كثير: 1/ 499.

ص: 781

‌المبحث الثاني الأحاديث الواهية والموضوعة

ومن الأحاديث الواهية التي احتجوا بها

(1)

:

ما روي عن سواد بن قارب من أنه أنشد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبياتاً منها:

فأشهد أن الله لا رب غيره

وأنك مأمون على كل غائب

وأنك أدنى المرسلين وسيلة

إلى الله يا ابن الأكرمين الأطايب

وكن لي شفيعاً يوم لا ذو شفاعة

بمغن فتيلاً عن سواد بن قارب

قالوا: لم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله أدنى المرسلين وسيلة، ولا قوله وكن لي شفيعاً.

‌الجواب عن هذين البيتين من ناحيتين:

‌أولاً: ناحية الإسناد:

قد روي خبر سواد بن قارب في صحيح البخاري في سؤال عمر بن الخطاب له عن إسلامه وما كانت تأتي به الجن وإخبارها له ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

انظر الاحتجاج به في الدرر السنية ص: 29 وفي الخلاصة: 251، والبراهين: 410، ومفاهيم: 79، وانظر ذكر احتجاجهم به في الرسائل الشخصية: مؤلفات الشيخ: 5/ 206.

ص: 782

ولا يوجد في الصحيح محل الشاهد، وأما الطرق التي فيها محل الشاهد فكلها واهية جداً، وهذه الطرق هي نحو ستة طرق، وإليك بيانها:

أ - ما روي من طريق علي بن منصور الأنباري عن عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي عن محمد بن كعب القرظي قال: "بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات يوم جالس

فذكر سؤال عمر عن كهانته في الجاهلية وفي آخره أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأنشده شعراً وفيه البيتان

(1)

، وهذا الإسناد فيه عدة علل:

1 -

علي بن منصور مجهول كما قاله الذهبي

(2)

.

2 -

عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي متفق على تركه كما قاله الذهبي أيضاً

(3)

.

3 -

الانقطاع بين محمد بن كعب القرظي وعمر بن الخطاب إذ ولادة محمد بن كعب في سنة 40 على الصحيح كما قاله الحافظ

(4)

، فلم يدرك قصة عمر مع سواد بن قارب رضي الله عنهما.

ولهذا قال الحافظان الذهبي وابن كثير رحمهما الله تعالى أن هذا الطريق منقطع

(5)

، وذكر الهيثمي هذا الطريق وطريقاً آخر ثم قال:"وكلا الإسنادين ضعيف"

(6)

.

(1)

أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 608 - 610، والبيهقي في الدلائل: 2/ 253، وأخرجه أبو يعلى في معجمه ص: 263 رقم 329، وعزاه إليه ابن كثير في البداية: 2/ 309، والطبراني في الكبير: 7/ 109 - 111 رقم 6475، والأحاديث الطوال: 25/ 256 - 259، وأبو نعيم في الدلائل: 1/ 31 - 32، والأصبهاني في دلائل النبوة ص: 131 - 132 رقم 144.

(2)

و

(3)

السيرة النبوية للذهبي: 131.

(4)

التقريب: 6257.

(5)

تلخيص المستدرك للذهبي: 3/ 609، والسيرة النبوية له ص: 131، والبداية: 2/ 310.

(6)

مجمع الزوائد: 8/ 250.

ص: 783

فتبين مما سبق أن هذه الطريقة واهية جداً لاجتماع هذه العلل الثلاثة فيها، إذ الواحدة منها كافية لإسقاطه عن الاعتبار فكيف وهي مجتمعة؟

ب - ما روي من طريق سعيد بن عبيد الله الوصافي عن أبيه عن أبي جعفر محمد بن علي وهو الباقر قال: دخل سواد بن قارب السدوسي على عمر بن الخطاب به وفيه قوله: وإنك أدنى المرسلين وسيلة، وليس فيه فكن لي شفيعاً

(1)

، وهذه الطريقة فيها عدة علل أيضاً.

1 -

سعيد بن عبيد الله الوصافي ضعفه أبو حاتم وذكره ابن حبان في الثقات

(2)

. ومن المعروف تساهل ابن حبان في توثيق المجاهيل.

2 -

أبوه عبيد الله الوصافي تركه الفلاس والنسائي وابن حبان، وضعفه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم وغيرهم

(3)

.

3 -

الانقطاع بين أبي جعفر الباقر وعمر بن الخطاب فإن أبا جعفر وُلِدَ وَالِدُه الذي هو زين العابدين بعد وفاة عمر فضلاً عنه

(4)

.

فتبين بهذا أن هذا الطريق ضعيف جداً لا يصلح للاعتبار والاعتضاد، وبما تقدم يعلم أن قول الحافظ في الفتح: وهما طريقان مرسلان يعضد أحدهما الآخر

(5)

. فيه نظر إذ أن كلاً منهما إسناده ضعيف جداً فكيف يصلح للاعتضاد؟ إلا إن أراد الحافظ أصل القصة لورودها في

(1)

أخرجه الخرائطي في هواتف الجان ص: 148 رقم 3، وعزاه الحافظ في الفتح: 7/ 179، إلى ابن أبي خيثمة وغيره كما عزاه في الإصابة إلى ابن أبي خيثمة ومحمد بن هارون الروياني: 3/ 219 رقم 3585، كما عزاه ابن كثير في البداية إلى الخرائطي: 2/ 311.

(2)

الجرح والتعديل: 4/ 38، وثقات ابن حبان: 8/ 264، والميزان: 2/ 150، والمغني: 1/ 380.

(3)

الكامل: 4/ 1630، والمجروحين: 2/ 63، والميزان: 3/ 17، والتهذيب: 7/ 55.

(4)

قال الذهبي في زين العابدين: ولد في سنة ثمان وثلاثين ظناً وكان يوم كربلاء 23 سنة. اهـ. سير أعلام النبلاء: 4/ 386.

(5)

الفتح: 7/ 179.

ص: 784

الصحيح دون الزيادة التي في الطريقين المرسلين.

جـ - ما روي من طريق زياد بن يزيد بن بادويه أبو بكر القصري قال: حدثنا محمد بن تراس الكوفي قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن البراء قال: بينما عمر إلخ .. وفيه البيتان، وفيه أنك أدنى المرسلين شفاعة بدل وسيلة

(1)

. فهذا الإسناد فيه عدة مقادح:

1 -

أبو بكر القصري زياد بن يزيد مجهول.

2 -

محمد بن تراس الكوفي كذلك مجهول، قال ذلك فيهما الذهبي وسيأتي نص كلامه.

3 -

أبو بكر بن عياش ثقة إلا أنه لما كبر ساء حفظه

(2)

.

4 -

وأبو إسحاق هو السبيعي، ثقة إلا أنه مدلس وقد اختلط

(3)

ولم يصرح بالسماع، كما أن سماع أبي بكر بن عياش منه ليس بالقوي كما قاله أبو حاتم

(4)

، وهذه العلل الثلاث الأخيرة ربما يستغنى عنها لأن الحمل على الضعيف أولى من الحمل على الثقة ولهذا لم يتعرض لها الذهبي، بل حمل على العلتين الأوليتين فقال:"هذا حديث منكر بالمرة، ومحمد بن تراس وزياد مجهولان لا تقبل روايتهما وأخاف أن يكون موضوعاً على أبي بكر بن عياش، ولكن أصل الحديث مشهور"

(5)

.

يريد قصة سواد بن قارب مع عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وليس في أصل الحديث البيتان المذكوران.

(1)

أخرجه البيهقي في الدلائل: 22/ 248 - 251، وعزاه إليه ابن كثير في التفسير: 4/ 16 - 168، ووقع في إسناده تصحيف وعزاه في البداية: 2/ 312 إلى ابن عساكر أيضاً.

(2)

التقريب: رقم 7985.

(3)

الكواكب النيرات: 41 ص 341.

(4)

علل ابن أبي حاتم: 351، وتهذيب التهذيب: 12/ 37، وهامش الكواكب النيرات ص:356.

(5)

السيرة النبوية للذهبي ص: 130.

ص: 785

وهذه الطريقة لا تصلح للاعتبار فقد خاف الذهبي أن تكون موضوعة.

د - ما روي من طريق الفضل بن عيسى القرشي عن العلاء بن زيدل عن أنس بن مالك فذكر القصة بطولها وفي آخرها قوله:

فكن لي شفيعاً يوم لا ذو شفاعة

سواك بمغن عن سواد بن قارب

(1)

وهذه الطريقة فيها العلاء بن زيدل، قال فيه ابن المديني: يضع الحديث، وقال البخاري والعقيلي وابن عدي: منكر الحديث، وقال ابن حبان والحاكم: روى عن أنس نسخة موضوعة

(2)

.

وهذه الطريقة في غاية الضعف لا تصلح للاعتضاد كما هو واضح.

هـ - ما روي من طريق محمد بن السائب الكلبي عن أبيه عن عمر بن حفص، وفيه قوله: وكن لي شفيعاً

(3)

. والكلبي متهم بالكذب

(4)

.

و- ما روي من طريق الحسن بن عمارة عن عبد الله بن عبد الرحمن قال: دخل سواد بن قارب على عمر فذكر الحديث بطوله

(5)

.

فهذه الطريقة أيضاً في غاية الوهن فالحسن بن عمارة قال فيه الحافظ: متروك

(6)

.

فتبين مما سبق أن هذه الطرق كلها واهية جداً لأنها لا تخلو من كذاب، أو متروك، أو مجهول، فمن هنا يعرف أنه لا يصلح الاحتجاج

(1)

عزاه الحافظ في الإصابة: 2/ 219، وفي الفتح: 72/ 179، إلى ابن شاهين.

(2)

الكامل: 5/ 1862، والمجروحين: 2/ 180، والميزان: 30/ 99، والتهذيب: 8/ 183.

(3)

ذكره الحافظ ابن كثير في البداية بدون عزو: 2/ 312.

(4)

التقريب: رقم 5900

(5)

عزاه الحافظ في الإصابة: 3/ 220 إلى الحسن بن سفيان.

(6)

التقريب: رقم 1264.

ص: 786

بما ورد فيها من البيتين المذكورين، إذ يعد زيادة البيتين رواية منكرة لعدم وقوعها في روايات الثقات الذين رووا أصل القصة ولم يذكروا البيتين.

هذا ما يتعلق بناحية الإسناد.

‌ثانياً: ناحية المتن:

وأما ما يتعلق بالمتن فنقول وبالله التوفيق: إنه لو صحت هذه الطرق فلا دليل على المدعي لأمور

(1)

:

فإن قوله: وإنك أدنى المرسلين وسيلة إلى الله يحتمل في معناه أوجهاً:

أظهرها: أنه صلى الله عليه وسلم أقرب المرسلين إلى الله منزلة ورتبة وقدراً وقد تقدم ذكر معنى الوسيلة وأنها تطلق على المنزلة

(2)

.

وثانيها: أنه وسيلة إلى الله في التبليغ والرسالة وأن شريعته أقرب إلى الله تعالى من شرائع المرسلين.

وثالثها: أنه وسيلة في الدعاء للناس حال حياته على معنى قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ

} [النساء: 64].

ومثل ذلك كونه وسيلة في الشفاعة العظمى يوم القيامة ..

ولا يفهم منه أنه وسيلة بعد الممات في الحياة البرزخية مع تلك الاحتمالات الظاهرة فمن ادعى فعليه البرهان، والدليل إذا دخله الاحتمال بطل به الاستدلال لاسيما أن تلك الاحتمالات أظهر من الاحتمال المدعي.

وأما قوله: وكن لي شفيعاً يوم لا ذو شفاعة، فعلى تقدير ثبوته

(1)

انظر في هذا: مصباح الظلام ص: 220، وصيانة الإنسان: 287 - 289، والبصائر ص:356.

(2)

تقدم ص: 627.

ص: 787

فمعناه طلب الدعاء منه صلى الله عليه وسلم بالشفاعة يوم القيامة بعد الإذن.

وهذا طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم ما يقدر عليه وهو الدعاء فلا يمكن أن يدعي أنه يدل على طلب الشفاعة أو الدعاء منه في الحياة البرزخية.

‌ومن الأحاديث الواهية التي احتجوا بها

(1)

: خبر مازن بن الغضوب أو الغضوبة وهو ما روي من طريق هشام بن الكلبي عن أبيه قال: حدثني عبد الله العماني قال مازن بن الغضوبة فذكر حديثاً طويلاً وفيه أنه أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إليك رسول الله خبت مطيتي

تجوب الفيافي من عمان إلى العرج

لتشفع لي يا خير من وطئ الحصا

فيغفر لي ذنبي وأرجع بالفلج

(2)

الإسناد فيه:

هشام بن محمد بن السائب الكلبي متروك رافضي

(3)

، وأبوه الكلبي كذلك متروك رافضي وقد تقدم

(4)

آنفاً.

وقال الهيثمي: رواه الطبراني من طريق هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه وكلاهما متروك

(5)

. وعلى كل فالحديث ضعيف جداً.

ولو صح فالمعنى واضح لا غبار عليه فهو في طلب الشفاعة من الرسول صلى الله عليه وسلم في مغفرة الذنب مثل قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ} [النساء: 64]، وذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وهذا ليس من مورد النزاع.

(1)

احتج به دحلان في الدر.

(2)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير: 20/ 337 - 339، والأحاديث الطوال: 25 رقم 62، والخطابي في غريب الحديث: 1/ 447، وأبو نعيم في الدلائل ص: 32 - 33، والبيهقي في الدلائل: 2/ 258، وعزاه الحافظ في الإصابة: 5/ 704 رقم 7591 إلى ابن السكن وابن قانع.

(3)

قال الدارقطني وغيره: متروك، وقال ابن عساكر رافضي ليس بثقة، الميزان: 4/ 304.

(4)

تقدم ص: 786.

(5)

مجمع الزوائد: 8/ 248.

ص: 788

‌توسل آدم بالنبي صلى الله عليه وسلم:

وهو ما روي من طريق أبي الحارث عبد الله بن مسلم الفهري حدثنا إسماعيل بن مسلمة أنبأ عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر مرفوعاً: "لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي، فقال: يا آدم وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه؟ قال: يا رب لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي، فرأيت على قوائم العرش مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك. فقال: غفرت لك، ولولا محمد لما خلقتك"

(1)

.

قد احتج جماعة بهذا

(2)

الحديث على جواز التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: إن هذا توسل بذاته ولا يمكن القول بأن هذا توسل بدعائه لكونه قبل وجوده.

‌مناقشة هذا الحديث سنداً:

قد تكلم كبار نقاد الحديث وجهابذاته على هذا الحديث فحكموا بوضعه وبطلانه فمن الحفاظ الذين حكموا بوضعه وبطلانه:

(1)

أخرجه الطبراني في الصغير: 2/ 82 - 83، والحاكم في المستدرك: 2/ 615، والبيهقي في الدلائل: 5/ 489.

وقد ساق في المعجم الصغير إسناده هكذا (حدثنا أحمد بن سعيد المدني الفهري حدثنا عبد الله بن إسماعيل المدني عن عبد الرحمن بن زيد) ولعله خطأ مطبعي.

(2)

ممن احتج به البكري كما في الرد على البكري ص: 4، والسبكي في الشفا: 172، والزركشي في الأزهية ص: 173، والهيتمي كما في شواهد الحق: 137، والسمهودي في الوفا: 4/ 1371، ودحلان في الخلاصة: 242، والدرر 9، والسمنودي في سعادة الدارين ص: 157، والعزامي في البراهين: 394، والفرقان: 117، والكوثري في محق التقول: 391، وابن جرجيس كما في منهاج التأسيس ص: 391، والغماري في الإتحاف: 5 - 7، والرد المحكم: 121، 141، والعلوي في مفاهيم ص: 46 - 47، والبوطي في السلفية:155.

ص: 789

1 -

الذهبي فقد حكم بوضعه وبطلانه

(1)

.

1 -

وابن حجر حكم ببطلانه

(2)

.

3 -

وابن تيمية حكم بوضعه وبأنه لا أصل له

(3)

.

4 -

وابن عبد الهادي

(4)

.

5 -

والألباني

(5)

.

وعِيْبَ على الحاكم إخراج هذا الحديث وقوله: "صحيح الإسناد، وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب"

(6)

مع أن الحاكم نفسه ذكر عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في كتابه "المدخل" في المجروحين وقال: "روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا يخفى على من تأملها من أهل الصناعة أن الحمل فيها عليه"

(7)

.

وأما محاولة

(8)

تقوية عبد الرحمن بن زيد بأنه لم يتهم بالكذب فيرده كلام الحاكم نفسه السابق من أنه روى أحاديث موضوعة فهذه محاولة يائسة.

(1)

تلخيص المستدرك: 2/ 615 قال: قلت: بل موضوع وعبد الرحمن واه، وقال في الميزان: 2/ 504 في ترجمة عبد الله بن مسلم الفهري: روى خبراً باطلاً فيه (يا آدم لولا محمد ما خلقتك).

(2)

اللسان: 3/ 359 - 360.

(3)

الرد على البكري ص: 4 - 21 و 59، ومنهاج السنة: 7/ 131.

(4)

الصارم المنكي ص: 36.

(5)

السلسلة الضعيفة: 1/ 38/ 25، والتوسل أنواعه وأحكامه ص: 102 - 114.

(6)

المستدرك: 2/ 615.

(7)

المدخل ص: 154، وانظر اللسان في ترجمة الحاكم حيث نص على وهم الحاكم، ونص على عبد الرحمن بن زيد. اللسان: 5/ 233، وانظر أيضاً الميزان: 3/ 608، والتذكرة: 3/ 1042 - 1045. ويراجع للتوسع في الكلام على الحديث السلسلة الضعيفة: 1/ 38 - 45، والتوسل أنواعه: 102 - 114، ومفاهيمنا: 20 - 30.

(8)

انظر هذه المحاولة من الكوثري في المقالات: 391، والغماري في الرد المحكم ص:131.

ص: 790

وكذلك تأييده

(1)

بالحكاية المكذوبة عن مالك وسيأتي مناقشتها قريباً.

هذا من ناحية السند، ومن ناحية المتن فالحديث منقوض بأوجه:

1 -

إن الراجح في تفسير الكلمات التي تلقاها آدم ما ورد في آية أخرى {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)} [الأعراف: 23].

وهذا ما رجحه إمام المفسرين الطبري

(2)

رحمه الله، وأولى ما يفسر القرآن بالقرآن فإذا وجد فلا يعدل عنه.

2 -

قد ذكر ابن جرير وأبو حاتم الأقوال الواردة في تفسير الكلمات وليس فيها هذا المزعوم، وقد نص ابن أبي حاتم بأنه قد اختلف في تفسير الآية على ستة أوجه، ثم ذكرها واحدة تلو الأخرى ولم يذكر هذا

(3)

.

3 -

إن التفسير الذي ورد عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم يخالف هذا.

فقد أخرج الطبري عن يونس بن عبد الأعلى قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} الآية، قال: لقاهما هذه الآية: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)}

(4)

.

فلو كان عند عبد الرحمن بن زيد حديث مرفوع في تفسير الآية لما عدل عنه إلى غيره.

4 -

ثم إن في الرواية أن آدم هو الذي اطلع بنفسه على اسم

(1)

انظر المقالات ص: 391

(2)

ابن جرير الطبري: 1/ 245.

(3)

تفسير ابن أبي حاتم: 1/ 135 - 137.

(4)

تفسير الطبري: 1/ 243.

ص: 791

النبي صلى الله عليه وسلم والآية تدل على أنه تلقى الكلمات من الله تعالى، فهذه الرواية المكذوبة تخالف الآية.

5 -

لو كان آدم عليه السلام قد قال هذا وحصلت له التوبة به لكانت أمة محمد عليه الصلاة والسلام أحق به منه.

وقد علم كل عالم بالآثار أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أمته به، ولا نقل عن أحد من الصحابة الأخيار، ولا نقله أحد من العلماء الأبرار

(1)

.

6 -

إن التوبة تكون بالاعتراف بالذنب والإقرار له والاستغفار، ويتضمن ذلك قوله:{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)} .

وإذا حصلت المغفرة بالتوبة حصل المقصود بها لا بغيرها

(2)

.

7 -

إن من المعلوم بالاضطرار أن الكفار والفساق لا يحتاج أحدهم إذا تاب إلى الله بالإقسام بأحد فكيف يحتاج آدم إلى ما لا يحتاج إليه أحد من المذنبين؟

(3)

.

8 -

ثم إنه لو ثبت لم يكن فيه حجة. لأنَّه شرع من قبلنا، وليس شرعاً لنا إلا إذا ورد شرعنا بموافقته ومن المعلوم أن شرعنا لم يرد بالإقسام بالمخلوق على الخالق في التوبة وغيرها.

9 -

إن

(4)

هذه الرواية تخالف القطعي من خلق آدم وبنيه لأجل العبادة لا لأجل محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات: 56]. وقد ذكر علماء علوم الحديث أن علامات وضع الحديث من مخالفته للقطعي كما تقدم

(5)

.

(1)

و

(2)

انظر الوجه الخامس والسادس في الرد على البكري ص: 11، وانظر الخامس أيضاً في منهاج السنة: 7/ 132.

(3)

انظر الوجه السابع في منهاج السنة: 7/ 131.

(4)

انظر الإشارة إلى هذا الوجه في البصائر ص: 352، والتوسل أنواعه:125.

(5)

تقدم ص: 337.

ص: 792

10 -

ومما يقوي وضع الحديث وبطلانه أن بعض الشيعة ذكروا بأسانيدهم عن أبي عبد الله (جعفر الصادق)، أن الله عرض على آدم في الميثاق ذريته وفيهم النبي صلى الله عليه وسلم وعليٌّ وفاطمة والحسن والحسين فحسدهم، وفي رواية عندهم لم يقر بالولاية لهم فطرد لهذا من الجنة، فلما تاب من حسده وأقر بالولاية ودعا بحق الخمسة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين -غفر الله له- وذلك قوله تعالى:{فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ}

(1)

.

والظاهر أن بعض الضعفاء نقل عن هؤلاء الروافض هذا الذي عندهم من توسل آدم بحق هؤلاء الخمسة، فقصره على النبي صلى الله عليه وسلم، ومثل هذا الصنيع معروف من الذين يسرقون الأحاديث فيركبون لها أسانيد أو متوناً بزيادة أو نقصان تعمية وإخفاء.

ومن العجب أن هؤلاء الذين ادعوا توسل آدم بالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقتصروا عليه، بل ما نجا نوح في السفينة ولا إبراهيم في النار إلا بالدعاء به وهذا عين ما تزعمه الروافض في أئمتهم.

قال زيني دحلان في المواهب: ويرحم الله ابن جابر حيث قال:

به قد أجاب الله آدم إذا دعا

ونجى في بطن السفينة نوح

وما ضرت النار الخليل لنوره

ومن أجله نال الفداء ذبيح"

(2)

.

‌حديث فاطمة بنت أسد:

وهو ما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما ماتت فاطمة

(1)

تفسير العياشي: 1/ 41، وتفسير الصافي، الكاشاني: 1/ 82 - 83، والطبرسي: 1/ 89، 87، 88.

وانظر نحوه في الكافي: 2/ 6، وفي: 4/ 393 ط حـ.

وانظر كلام ابن الجوزي في وضع حديث سؤال آدم بمحمد وعلي في الموضوعات: 2/ 3.

(2)

خلاصة الكلام: 250.

ص: 793

بنت أسد أم علي رضي الله عنها دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس عند رأسها فقال: "رحمك الله يا أمي، كنت أمي بعد أمي، تجوعين وتشبعينني، وتعرين وتكسينني، وتمنعين نفسك طيباً وتطعميني، تريدين بذلك وجه الله والدار الآخرة"، ثم أمر أن تغسل ثلاثاً ثلاثاً، فلما بلغ الماء الذي فيه الكافور سكبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، ثم خلع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه، فألبسها إياه، وكفنها ببرد فوقه ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطاب وغلاماً أسود يحفرون، فحفروا قبرها، فلما بلغوا اللحد حفره رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وأخرج ترابه بيده، فلما فرغ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضطجع فيه، وقال:"الله الذي يحيى ويميت وهو حي لا يموت اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقنها حجتها ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين" وكبر عليها أربعاً وأدخلها اللحد هو والعباس وأبو بكر رضي الله عنهما.

فقد احتجوا

(1)

بهذا الحديث على جواز التوسل بالذوات.

والجواب عن هذا الحديث من ناحيتين:

أ - ناحية الإسناد: روي هذا الحديث عن أنس وابن عباس وجابر رضي الله عنهم وروي مرسلاً عن محمد بن الحنفية، ومحمد بن عمر بن علي بن أبي طالب.

1 -

حديث أنس أخرجه الطبراني في الكبير

(2)

والأوسط

(3)

، ومن

(1)

قد احتج به السمهودي في وفاء الوفاء: 4/ 1373، ودحلان في الخلاصة ص: 241، والدرر 7 - 8، والسمنودي في سعادة الدارين: 156، والعزامي في البراهين: 393، والفرقان: 120، والكوثري في محق التقول: 379، 391 والغماري في الإتحاف: 2 - 4، والرد المحكم: 193، والبوطي في السلفية مرحلة: 155، والعلوي في مفاهيم ص:65.

(2)

المعجم الكبير: 24/ 351 رقم 871.

(3)

الأوسط: 1/ 152 رقم 191.

ص: 794

طريقه أبو نعيم في الحلية

(1)

عن أحمد بن حماد -زغبة-

(2)

حدثنا روح بن صلاح حدثنا سفيان الثوري عن عاصم الأحول عن أنس، وهذا الإسناد فيه عدة علل:

أ - روح بن صلاح قد اختلفوا فيه وثقه ابن حبان والحاكم، وضعفه ابن عدي وقال بعد أن ساق له حديثين: له أحاديث ليست بالكثيرة، وفي بعض حديثه نكرة، وقال ابن ماكولا: ضعفوه، وقال ابن يونس: رويت له مناكير، وقال الدارقطني: ضعيف في الحديث

(3)

.

فالجرح هنا مقدم لأمرين:

1 -

إن الذين ضعفوه الدارقطني، وابن عدي، من المعتدلين

(4)

، وأما الذين وثقوه ابن حبان والحاكم فمعروفون بالتساهل

(5)

.

2 -

الجرح هنا مفسر وهو روايته المناكير.

ب - تفرده بهذا الحديث حيث لم يرو عن سفيان غيره، والتفرد عن مثل سفيان الثوري علة؛ لأن الشيخ إذا كان ممن يجمع حديثه كالثوري وانفرد أحد تلامذته عنه بحديث ولم يكن من الحفاظ المتقنين فإنه يرد ويعد منكراً

(6)

، وهنا انفرد روح بهذا دون بقية أصحاب سفيان وليس هو من الحفاظ المتقنين، وقد أشار إلى هذه العلة الطبراني فقال: لم يرو هذا الحديث عن عاصم الأحول إلا سفيان الثوي تفرد به روح بن صلاح

(7)

(1)

الحلية: 3/ 121.

(2)

وقع في المعجمين المطبوعين عن ابن رغبة وهو خطأ لأن زغبة لقب له كما في التقريب.

(3)

الثقات: 8/ 244، والكامل: 3/ 1006، والميزان: 2/ 58، واللسان: 2/ 465 - 466.

(4)

ذكر من يعتمد قوله ص: 159، وفتح المغيث: 3/ 359.

(5)

المرجعان السابقان والصارم ص 95، 36، واللسان: 1/ 14، والتنكيل: 1/ 66 وما بعدها و 437 - 438، والرد على التعقب الحثيث: 18 - 21.

(6)

مقدمة صحيح مسلم: 1/ 7، وانظر ما تقدم في ص:765.

(7)

الأوسط: 1/ 153.

ص: 795

كما أشار إلى ذلك أبو نعيم، فقال: غريب من حديث عاصم والثوري لم نكتبه إلا من حديث روح بن صلاح تفرد به

(1)

.

وقد أعل هذا الحديث بهاتين العلتين الشيخ الألباني

(2)

حفظه الله

ج - ثم إن في النفس شيئاً من سماعه من سفيان الثوري لأن صلاحاً توفي 233 وهو مصري، ووفاة الثوري عام 161 وبين الوفاتين ما يقارب 74 سنة فلا بد لصحة سماعه من الثوري أن يكون سنه نحو عشرين سنة قبل وفاة الثوري حتى يمكن طلبه للعلم وسماعه من كبار الشيوخ.

ويقوي هذا أن ابن حبان عندما ذكره في الثقات قال: روح بن صلاح من أهل مصر يروي عن يحيى بن أيوب وأهل بلده

(3)

.

فخص روايته عن أهل بلده، والثوري كوفي، كما أنه لم يذكره المزي في تهذيبه في تلاميذ الثوري مع محاولته الاستقصاء.

2 -

حديث ابن عباس أخرجه الطبراني في الأوسط

(4)

، وابن عبد البر

(5)

تعليقاً من طريق سعدان بن الوليد السابري عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال: لما ماتت فاطمة أم علي بن أبي طالب ألبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه، واضطجع معها في قبرها، فقالوا: ما رأيناك صنعت ما صنعت بهذه؟ فقال: إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبر بي منها إنما ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة، واضطجعت معها ليهون عليها.

وفي هذا الإسناد سعدان بن الوليد السابري، وهو مجهول، قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وفيه سعدان بن الوليد، ولم أعرفه

(1)

الحلية: 3/ 121.

(2)

في السلسلة الضعيفة: 1/ 32 رقم 23، والتوسل أنواعه:109.

(3)

الثقات لابن حبان: 8/ 244.

(4)

كما في مجمع الزوائد: 9/ 257.

(5)

الاستيعاب لابن عبد البر: 4/ 1891 رقم 4052.

ص: 796

وبقية رجاله ثقات

(1)

.

3 -

حديث جابر أخرجه ابن شبة

(2)

من طريق القاسم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جده عبد الله بن عقيل عن جابر به.

وهذه الطريقة ضعيفة جداً لأن فيها القاسم بن محمد الهاشمي، قال فيه أبو حاتم: متروك وقال أحمد: ليس بشيء، وقال أبو زرعة: أحاديثه منكرة

(3)

.

4 -

مرسل محمد بن الحنفية: أخرجه ابن شبة

(4)

من طريق عبد العزيز، وهو ابن محمد الدراوردي عن عبد الله بن جعفر بن المسور بن مخرمة عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي بن أبي طالب به.

وليس فيه التوسل المذكور إلا أن فيه أنه قرأ فيه القرآن.

وهذا الإسناد فيه عبد العزيز وهو الدراوردي وهو مختلف فيه

(5)

وهو مرسل أيضاً.

5 -

مرسل محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب:

أخرجه ابن أبي عاصم

(6)

ومن طريقه ابن الأثير

(7)

من طريق عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن فاطمة بنت أسد في قميصه، واضطجع في قبرها وجزاها خيراً.

فعبد الله بن محمد هو العلوي، قال فيه الحافظ: مقبول

(8)

ووالده

(1)

مجمع الزوائد: 9/ 257.

(2)

تاريخ المدينة: 1/ 124.

(3)

الميزان: 3/ 379.

(4)

تاريخ المدينة: 1/ 123.

(5)

قد ذكروا أنه إذا حدث من حفظه يهم، انظر الميزان: 2/ 633 - 634.

(6)

كما في الإصابة: 8/ 60.

(7)

أسد الغابة: 6/ 217 رقم 7168.

(8)

التقريب: رقم 3595.

ص: 797

محمد بن عمر قال فيه أيضاً: صدوق من السادسة، وروايته عن جده مرسلة

(1)

.

فإذا كانت روايته عن جده علي بن أبي طالب مرسلة فكيف بروايته المرفوعة؟ فهي معضلة.

والحاصل أنه قد تحصل لنا أن الحديث قد روي من خمسة طرق، ثلاثة موصولة ومرسلان فلم تخل واحدة منها من عدة علل فهو شديد الضعف، ومع هذا لم يرد التوسل المزعوم إلا في طريقة واحدة وهي طريق أنس، فهذه الأحاديث يمكن أن يعل بها الحديث لأن الكل ضعيف فيعل بعضه ببعض.

ولكن هذه الطرق الضعيفة تدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يدع بالدعاء المزعوم، فتكون زيادة الدعاء الذي فيه التوسل منكرة.

هذا على فرض تقوية هذه الطرق مع أنها ضعيفة جداً لا يمكن تقويتها بمجيئها من عدة طرق، فلا يزيد بعضها بعضاً إلا وهناً وضعفاً.

هذا ما يتعلق بأسانيد هذا الحديث.

وأما من ناحية المتن فهو منقوض من عدة وجوه أيضاً:

أ - إن في

(2)

هذا الحديث مبالغة وإطراء متجاوزاً المألوف في ذلك العهد النبوي.

ب - إن

(3)

فيه ركاكة الألفاظ.

جـ - هذا الحديث يخالف هديه وسنته في غسل جنازة المرأة وذلك في أمور:

1 -

سكبه بيده الشريفة لم يرد إلا في هذه القصة، وأما الذي ورد

(1)

المرجع نفسه: رقم 6170.

(2)

و

(3)

أشار إليهما عبد الرحمن الدوسري، انظر هامش صيانة الإنسان:129.

ص: 798

في غسل بنته زينب أنه أمرهن بالغسل، ولم يسكب بنفسه، فقد روى البخاري ومسلم عن محمد بن سيرين عن أم عطية قالت:"دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل ابنته، فقال: اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافوراً، فإذا فرغتن فآذنني، قالت: فلما فرغنا ألقى إلينا حقوه فقال: أشعرنها إياه ولم يزد على ذلك. . ."

(1)

.

2 -

ثم إلباسه إن كان بيده ففيه مخالفة هديه في كفن المرأة الذي دل عليه الحديث السابق.

3 -

إن الحفر بيده وإخراجه التراب بيده والاضطجاع فيه كلها لم تعهد إلا في هذا الحديث الضعيف، مخالفاً هديه صلى الله عليه وسلم المشهور عنه وهو من المبالغة والإطراء.

4 -

ثم لفظُ الدعاء الذي بدأ بلفظ الغيبة ثم الخطاب بعيدٌ عن الأسلوب المعهود في الدعوات المأثورات "اللهم أنت

" ولم نر في غير هذا الدعاء (الله الذي. . .).

5 -

ومما يدل على ضعفه أن الراوي اعترف بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل هذه الأفعال إلا في هذه المرة، ولكنه أراد أن يبرر ذلك بما ذكره، وهيهات.

د - يمكن أن يكون هذا من وضع الغلاة في علي رضي الله عنه ليرفعوا من شأنه وشأن أسرته بمثل هذه المبالغات، وأن بعضهم سرق ذلك منهم، ويؤيد ما نقول من المبالغة واحتمال أن بعضهم أخذه من الشيعة، أن الكليني روى بسنده عن أبي عبد الله ما يشبه هذه الروايات مع بعض الاختلاف وذكر أنه أدخلها القبر واضطجع فيه ثم زاد "أنه انكب عليها طويلاً يناجيها ويقول لها ابنك ابنك، ثم خرج وسوى عليها ثم

(1)

البخاري مع الفتح: 3/ 133 رقم 1261، ومسلم: 2/ 646 رقم 939.

ص: 799

انكب على قبرها فسمعوه يقول: لا إله إلا الله اللهم إني استودعها إياك، ثم ذكر أنهم سألوه عن سبب الانكباب فأجاب بأنها سئلت عن ربها ورسولها فأجابت وسئلت عن وليها وإمامها فارتج عليها، فقلت ابنك ابنك"

(1)

، وهذا واضح أنه من وضع الشيعة.

‌من الأحاديث الموضوعة التي استدلوا بها حديث دعاء حفظ القرآن وعيسى وهو:

" اللهم إني أسألك بمحمد نبيك، وإبراهيم خليلك، وموسى نجيك، وعيسى كلمتك وروحك، وبتوراة موسى وإنجيل عيسى وزبور داود وفرقان محمد. . .".

استدل به بعضهم

(2)

على جواز التوسل المبتدع.

وهذا الحديث قد روي من حديث أبي بكر الصديق وابن مسعود وابن عباس ومرسل الزهري.

أ - حديث أبي بكر الصديق أخرجه أبو الشيخ في كتاب ثواب

(3)

الأعمال وأبو العباس ابن إبراهيم بن تركمان في كتاب الدعاء

(4)

. كلاهما من طريق الحسن بن عرفة العبدي حدثنا زيد بن الحباب العكلي حدثنا عبد الملك بن هارون بن عنترة الشيباني عن أبيه أن أبا بكر الصديق أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أتعلم القرآن فيتفلت مني فقال النبي صلى الله عليه وسلم قل: "اللهم. . .".

وهذا الحديث بهذا الإسناد موضوع كما أشار

(5)

إلى ذلك شيخ

(1)

الكافي: 1/ 377.

(2)

قد استدل به الغماري في إتحاف الأذكياء ص: 5، وسبقه إلى الاستدلال به السمنودي في سعادة الدارين ص:186.

(3)

عزاه إليه شيخ الإسلام في قاعدة التوسل: 83، والسيوطي في اللآلي: 2/ 357.

(4)

نسبه إليه السيوطي في اللآلي: 2/ 357.

(5)

قاعدة في التوسل ص: 83 - 84، والموضوعات: 3/ 174 - 175.

ص: 800

الإسلام ابن تيمية وابن الجوزي لأن فيه عبد الملك بن هارون بن عنترة وقد تقدم بيان أنه وضاع

(1)

.

2 -

ثم إن أباه ضعفه الدارقطني أيضاً فقال: "وأبوه أيضاً متروك"

(2)

.

3 -

ثم الانقطاع بين هارون بن عنترة وبين الصديق كما في بعض الطرق فعلى هذا فهو إعضال كما عبر به السيوطي

(3)

. أو بين جد عبد الملك وهو عنترة الشيباني وبين الصديق. فعلى هذا يكون انقطاعاً كما عبر به أبو موسى المديني

(4)

.

4 -

وقد حكم نقاد الحديث بوضع هذا الحديث منهم ابن الجوزي وشيخ الإسلام

(5)

والسيوطي

(6)

وابن عراق

(7)

.

‌حديث ابن مسعود:

أخرجه الخطيب في الجامع من طريق موسى بن إبراهيم المروزي نا وكيع عن عبيدة عن شقيق عن ابن مسعود مرفوعاً وفيه: "أسألك بحق محمد رسولك ونبيك وإبراهيم خليلك. . ."

(8)

.

وهذا حديث موضوع أيضاً، قال الذهبي رحمه الله تعالى في ترجمة

(1)

تقدم ص: 687.

(2)

الضعفاء والمتروكون للدارقطني: 289/ 362، ونقل في الميزان في ترجمة ابنه تضعيف الدارقطني له وفي ترجمة الأب قول الدارقطني: يحتج به. وكذلك في التهذيب: 11/ 10 فليحرر.

(3)

اللآلي: 2/ 357.

(4)

نقله عنه شيخ الإسلام في قاعدة التوسل ص: 84.

(5)

الموضوعات: 3/ 174 - 175، وقاعدة في التوسل: 83 - 84.

(6)

اللآلي: 2/ 357.

(7)

تنزيه الشريعة: 2/ 322.

(8)

الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: 2/ 261/ 1793.

ص: 801

موسى بن إبراهيم بعد أن نقل عن يحيى تكذيبه وعن الدارقطني وغيره أنه متروك.

قال: فمن بلاياه، قال: حدثنا وكيع عن عبيدة فذكر ما تقدم

(1)

وزاد في تنزيه الشريعة نقلاً عن الذهبي قوله: "فإما وضعه أو سرقه ممن وضعه وركب له إسناداً والله أعلم

(2)

".

وأخرجه ابن الجوزي أيضاً من طريق عمر بن الصبح عن أبي عبد الله الشامي ومحمد بن أبي عائشة السندي عن يزيد بن عمر عن عمر بن عبد العزيز عن مجاهد بن جبر عن ابن مسعود مرفوعاً.

قال ابن الجوزي: هذا حديث موضوع والمتهم به عمر بن الصبح

(3)

.

وقال شيخ الإسلام في هذه الطريقة: إنها أضعف من الطريق الأول

(4)

. وعمر بن صبح قال فيه ابن حبان: كان ممن يضع الحديث على الثقات، لا يحل كتابة حديثه إلا على جهة التعجب لأهل الصناعة فقط

(5)

.

‌حديث ابن عباس:

أخرجه الطبراني في الدعاء

(6)

من طريق موسى بن عبد الرحمن

(1)

الميزان: 4/ 199.

(2)

تنزيه الشريعة: 2/ 322، ولعل هذه الجملة سقطت من النسخة المطبوعة من الميزان.

(3)

الموضوعات: 3/ 175، ووقع في الإسناد في النسخة المطبوعة خطأ والتصويب من اللآلي.

(4)

قاعدة في التوسل: 88، يعني بالأول طريق موسى بن عبد الرحمن المروزي.

(5)

المجروحين: 2/ 88.

(6)

الدعاء للطبراني: 3/ 1422 رقم 1334.

ص: 802

الصنعاني المفسر، حدثني ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس (ح) وحدثنا

(1)

مقاتل بن حيان عن مجاهد عن ابن عباس، وموسى بن عبد الرحمن هذا من الكذابين قال فيه ابن حبان: دجال يضع الحديث، وضع على ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس كتاباً في التفسير جمعه من عطاء كلام الكلبي ومقاتل بن سليمان وألزقه بابن جريج عن عن ابن عباس، ولم يحدث به ابن عباس ولا عطاء سمعه ولا ابن جريج سمع من عطاء

(2)

.

وقال ابن عدي: منكر الحديث

(3)

.

وقال الذهبي: مشهور هالك

(4)

. وقال فيه أيضاً: دجال

(5)

.

‌مرسل الزهري:

وهو ما روي من حديث أحمد بن إسحاق الجوهري، حدثنا أبو الأشعث حدثنا زهير بن العلاء العتبي

(6)

حدثنا يوسف بن يزيد عن الزهري ورفع الحديث قال: "من سره أن يحفظ فليصم سبعة أيام وليكن إفطاره في آخر الآيام السبعة على هؤلاء الكلمات. . ."

(7)

.

(1)

قوله وحدثنا معطوف على حدثني ابن جريج فيكون من كلام الصنعاني وليس من كلام الطبراني كما ظنه محقق كتاب الدعاء فحكم على الإسناد بالانقطاع.

(2)

المجروحين: 2/ 242.

(3)

الكامل: 6/ 3348.

(4)

المغني للضعفاء: 2/ 334.

(5)

ديوان الضعفاء ص: 311 رقم 4291.

(6)

هكذا في الأصل والذي في تهذيب الكمال: 1/ 488، زهير بن العلاء القيسي.

(7)

عزاه شيخ الإسلام في القاعدة ص: 8. إلى أبي الشيخ الأصبهاني كما عزاه إلى أبي موسى المديني في أماليه وأبي عبد الله المقدسي وذكر أن إخراج هؤلاء لهذا الحديث الموضوع على عادة المتقدمين من ذكر جميع ما في الباب من دون تقيد بالصحيح ولا يدل على أنهم يعتقدون ثبوته وإنما هم يجعلون العهدة على الناقل لذكرهم الإسناد.

ص: 803

وهذا مرسل أيضاً موضوع. فإن زهير بن العلاء قال فيه أبو حاتم: أحاديثه موضوعة

(1)

.

وقال شيخ الإسلام بعد أن ساق إسناد مرسل الزهري: "وهذه أسانيد مظلمة لا يثبت بها شيء"

(2)

.

ثم إن العلماء ذكروا أن مراسيل الزهري من أضعف المراسيل قال يحيى بن سعيد القطان: مرسل الزهري شر من مرسل غيره لأنَّه حافظ كلما قدر أن يسمي سمي، وإنما يترك من لا يستجيز أن يسميه وقال فيه وفي مرسل قتادة: هو بمنزلة الريح

(3)

وقال ابن معين: مراسيل الزهري ليس بشيء

(4)

.

والحاصل أن هذا الحديث موضوع بكل طرقه لأن في كل الطرق أحد الوضاعين.

وقد أصاب ابن الجوزي في حكمه عليه بالوضع

(5)

وتبعه السيوطي

(6)

وابن عراق

(7)

، وقبلهما شيخ الإسلام

(8)

.

هذا ما يتعلق بالإسناد.

وأما من ناحية المتن ففي بعض طرقه أنه يكتب هذا الدعاء في إناء نظيف أو في صحفة قوارير بعسل وزعفران وماء مطر.

(1)

الميزان: 2/ 83، والمغني: 10/ 351، وأبو الأشعث هو أحمد بن المقدام وثقوه إلا أن أبا داود تركه لمزاح فيه الميزان: 1/ 158 ولم أطلع على ترجمة الجوهري ويوسف بن يزيد.

(2)

قاعدة في التوسل ص: 88.

(3)

جامع التحصيل ص: 87.

(4)

المراسيل لابن أبي حاتم ص 3، وتقدمه الجرح والتعديل ص:246.

(5)

الموضوعات: 3/ 174 - 175.

(6)

اللآلي المصنوعة: 2/ 357.

(7)

تنزيه الشريعة: 2/ 322.

(8)

قاعدة في التوسل: 87 - 89.

ص: 804

وهذا دليل آخر على وضعه.

فكتابة القرآن والأدعية بالزعفران والعسل من التلاعب بالقرآن الكريم، ولم يعهد في شيء من الأحاديث الصحيحة كتابة الرقى بهذه الكيفية، وإنما يفعل هذا المشعوذون الدجالون الأكالون لأموال ضعفاء العقول، وقد يكون هذا من وضع بعض أهل الأهواء فقد روى الكليني في الكافي هذا الدعاء عن أبي عبد الله الصادق بهذه الكيفية

(1)

، فكتابة الحروز والاعتقاد بالخرافات منتشر بين هؤلاء ثم تتسرب هذه الاعتقادات إلى عوام المسلمين بطريق المتصوفة، كما أن الوضاعين للحديث يسرقون هذه الأحاديث التي عندهم ثم يركبون لها أسانيد أخر.

‌ومن الأحاديث الموضوعة التي احتجوا بها ما روي مرفوعاً: "إذا كانت لكم إلى الله حاجة فسلوه بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم".

قد احتج بهذا الحديث الموضوع بعضهم

(2)

على جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث حكم عليه الحفاظ بالوضع والبطلان، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:"حديث باطل لم يروه أحد من أهل العلم ولا هو في شيء من كتب الحديث"

(3)

. وقال أيضاً: "وهو كذب موضوع من الأحاديث المشينات التي ليس لها زمام ولا خطام"

(4)

.

وقال الشيخ الألباني - حفظه الله تعالى-: "لا أصل له"

(5)

.

(1)

الكافي: 2/ 419، ونحوه في المصباح للكفعمي ص:197.

(2)

قد احتج به العزامي في البراهين: 437، وصاحب بغية المستفيد كما في التيجانية ص: 169، وذكر شيخ الإسلام أنهم يروونه في التوسل كما في الاقتضاء: 415، والرد على البكري:45.

(3)

الرد على البكري ص: 45، والقاعدة الجليلة ص: 129، 147، والفتاوى: 1/ 346، 319.

(4)

الرد على البكري: 11 - 12، واقتضاء الصراط: 415، والفتاوى: 126/ 27 و 24/ 335.

(5)

السلسلة الضعيفة: 1/ 30/ 22.

ص: 805

وقال الألوسي: لم يروه أحد من أهل العلم ولا هو شيء في كتب الحديث

(1)

.

وقد أراد سلامة العزامي أن يقويه بأنه ثابت المعنى وإن لم يرد التصريح بخصوص هذا اللفظ وأن المختار جواز الرواية بالمعنى متى صح فهم الراوي وحسنت معرفته بالعربية

(2)

، ويلزم على قوله هذا صحة رواية الأحاديث الموضوعة إذا صح معناها واستقامت ألفاظها، والقول بهذا في غاية الخطورة لأمور:

1 -

إن هذا ليس من رواية الحديث بالمعنى في شيء؛ لأن ذلك حيث يثبت الحديث لكن الراوي لا يستحضر لفظه فيجوز له روايته بالمعنى، وأما هذا الحديث المزعوم فلم يرد بهذا اللفظ ولا بمعناه حتى يصح روايته بالمعنى.

2 -

إن هذا الكلام قول من يقول: إنه يجوز نسبة كل كلام حسن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا المذهب هو مذهب الكرامية وهم يجيزون الوضع في الترغيب والترهيب

(3)

.

3 -

إن هذا خلاف إجماع المسلمين الذين يعتد بهم كما قاله النووي

(4)

. وذلك لأنَّه داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار"

(5)

. وفي رواية: "من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار" أخرجها البخاري من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه

(6)

.

4 -

إن هذا الحديث بعد ثبوت وضعه لا يجوز الاستدلال به بأي

(1)

روح المعاني: 6/ 137 ولعله نقله عن شيخ الإسلام.

(2)

البراهين الساطعة: 437.

(3)

الموضوعات لابن الجوزي: 1/ 96، وفتح المغيث: 12/ 264، والوضع لفلاتة: 1/ 310 - 316.

(4)

تقريب الإرشاد: 1/ 284.

(5)

حديث متواتر كما في الفتح: 1/ 203.

(6)

البخاري: 1/ 201 رقم 109.

ص: 806

حال لا بلفظه ولا بمعناه، والعلماء الذين أجازوا العمل بالضعيف لا يجيزون العمل بالموضوع بأي حال.

5 -

هذا الحديث يشبه ما يأمر به الصوفية مريديهم من أن يتوسلوا بجاههم أو جاه غيرهم وقد يصل الحال ببعضهم إلى الأمر بدعائه أو بدعاء قبره بعد الوفاة

(1)

.

ومما يشبه هذا الحديث الموضوع ما نقل عن الشاذلي أنه قال: "إذا عرضت لكم إلى الله حاجة فتوسلوا إليه بالإمام أبي حامد"

(2)

.

ومما ينبغي أن يعلم أن الحكم بوضع هذا الحديث ليس معناه نفي جاهه صلى الله عليه وسلم فإن جاهه صلى الله عليه وسلم ومقامه عند الله عظيم، فقد وصف الله تعالى موسى بقوله:{وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69)} [الأحزاب: 69] وقال في عيسى: {وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [آل عمران: 45] فإذا كان موسى وعيسى وجيهين عند الله عز وجل فكيف بسيد ولد آدم صاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون، وصاحب الكوثر والحوض المورود وهو إمام الأنبياء إذا اجتمعوا وخطيبهم إذا وفدوا، ذو الجاه العظيم صلى الله عليه وسلم وآله؟ ولكن جاه المخلوق عند الخالق تعالى ليس كجاه المخلوق عند المخلوق فإنه لا يشفع أحد إلا بإذنه

(3)

.

‌من الأحاديث الموضوعة التي احتجوا بها:

" إذا أعيتكم الأمور -أو إذا تحيرتم في الأمور- فعليكم بأصحاب القبور، أو فاستعينوا بأهل القبور".

قد احتج به بعضهم

(4)

على الاستغاثة بأصحاب القبور عند

(1)

انظر ما تقدم ص: 470.

(2)

أبو الحسن الشاذلي ص: 53.

(3)

قاعدة في التوسل: 1/ 319 - 320.

(4)

قد احتج به البريلوي في الأمن والعلى ص: 44 كما ذكره الشيخ إحسان في البريلوية ص: 60، واحتج به أيضاً الملا الداجوي كما في إرشاد الناظر ص: 33، 309، 310، وأيده بآية:{وَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} .=

ص: 807

المدلهمات وحدوث النائبات، وهذا الحديث موضوع باتفاق أهل الحديث.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: "فهذا الحديث كذب مفترى على النبي صلى الله عليه وسلم بإجماع العارفين بحديثه لم يروه أحد من العلماء بذلك، ولا يوجد في شيء من كتب الحديث المعتمدة"

(1)

.

وقال أيضاً: "هذا مكذوب باتفاق أهل العلم لم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم أحد من علماء الحديث"

(2)

.

كما أن شيخ الإسلام عده من الأحاديث المكذوبة التي هي من جنس أكاذيب الرافضة

(3)

.

وذكره ابن القيم من الأحاديث المكذوبة التي وضعها أشباه عباد الأصنام من المقابرية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تناقض دينه وما جاء به

(4)

.

‌ومن الأحاديث الموضوعة التي احتجوا بها:

" لو اعتقد أحدكم بحجر لنفعه" وفي لفظ: "لو أحسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه الله به".

هذا الحديث من الأحاديث المشتهرة على الألسنة التي يستدلون بها على جواز دعاء غير الله تعالى، ولشهرته على الألسنة وضعه السخاوي في المقاصد الحسنة

(5)

.

وقد حكم الحفاظ عليه، بالوضع، فممن حكم عليه بالوضع شيخ الإسلام

(6)

.

=وانظر في حكاية استدلالهم به: معارج الألباب: 203، وكتب شيخ الإسلام الآتية في الأرقام التالية.

(1)

قاعدة في التوسل ص: 152، أو المطبوعة ضمن الفتاوى: 1/ 356.

(2)

الرد على البكري: 302 - 303، ونحوه في اقتضاء الصراط:337.

(3)

منهاج السنة: 1/ 483.

(4)

إغاثة اللهفان: 1/ 167.

(5)

انظر المقاصد الحسنة ص: 341 رقم 883.

(6)

منهاج السنة: 1/ 483، ونقل حكمه هذا في المقاصد: 341، وفي الفوائد الموضوعة في الأحاديث الموضوعة ص: 107 رقم 188.

ص: 808

وابن القيم فقد ذكره من جملة الأحاديث الموضوعة التي بسببها انتشر الشرك وأنَّه من وضع المشركين عباد الأوثان

(1)

.

كما ذكره من الأحاديث التي وضعها أشباه عباد الأصنام من المقابرية والتي تناقض دين الإسلام، والله بعث رسوله صلى الله عليه وسلم بقتل من حسن ظنه بالأحجار

(2)

.

وقال الحافظ ابن حجر: لا أصل له

(3)

.

ونقل السخاوي كلام شيخ الإسلام والحافظ فأقره

(4)

.

ونقل الملا علي القاري كلام السخاوي وابن تيمية فأقره

(5)

.

وحكم عليه بالوضع الشيخ الألباني أيضاً

(6)

.

ثم إن هذا الحديث وأمثاله هو الذي بسببه صار كثير من الناس يحسنون الظن بالكهنة والمشعوذين والدجالين، ولو كان مشركاً كافراً مجاهراً بذلك، ومع هذا يزورونه وينذرون له ويلتمسون دعاءه وبركته

(7)

تحسيناً للظن.

وبهذا القدر نكتفي في مناقشة أدلتهم من الأحاديث الواهية والموضوعة، ونبدأ في مناقشة شبههم من الحكايات والمنامات والعقليات، وبالله نستعين وعليه نتوكل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

(1)

المنار المنيف ص: 139 رقم 319.

(2)

إغاثة اللهفان: 1/ 167.

(3)

المقاصد الحسنة ص: 341 رقم 883.

(4)

المرجع نفسه ص: 341.

(5)

المصنوع من معرفة الحديث الموضوع ص: 147 رقم 248.

(6)

السلسلة الضعيفة: 1/ 452 رقم 450.

(7)

انظر زاد المعاد: 5/ 787.

ص: 809

‌المبحث الثالث في الحكايات والمنامات والنظريات

‌تمهيد في الجواب الإجمالي:

ومما لا شك فيه أن الحكايات لها أثر كبير في انتشار الأدعية الشركية والبدعية، وقد كان كثير من الناس يصدق تلك الحكايات والمنامات ويحتج بها على صحة تلك الأدعية الباطلة ومشروعيتها، كما أن كثيراً من سدنة الأضرحة يختلقون تلك الحكايات ليكثر سواد الزائرين ضعفاء العقول. وقد تقدم ذكر

(1)

أثر الحكايات والسدنة في انتشار الأدعية الشركية والبدعية. والمقصود هنا مناقشة احتجاجهم بتلك الحكايات وبيان عدم حجيتها، وقبل الخوض في ذكر بعض تلك الحكايات نذكر الجواب الإجمالي عن الاحتجاج بالحكايات والنظريات، فنقول وبالله التوفيق:

1 -

الجواب الإجمالي:

أ - إن الله سبحانه وتعالى أكمل دينه وأتم شرعه، قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]. فلا يقبل في دين الله تعالى إلا ما دل عليه الكتاب والسنة أو أجمعت عليه الأمة.

(1)

447، 470.

ص: 810

وأما الحكايات والمنامات فليست من الأدلة الشرعية عند أهل العلم، وكذلك القياس لا يدخل في العبادات لكون مبناها على التوقيف "وإنما المتبع عند علماء الإسلام في إثبات الأحكام هو كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم وسبيل السابقين الأولين، ولا يجوز إثبات حكم شرعي بدون هذه الأصول الثلاثة نصاً أو استنباطاً بحال"

(1)

.

ب - إن أغلب هذه الحكايات والمنامات لا تصح عمن نقلت عنه وإنما هي من اختلاق الدجالين الأكالين لأموال الناس، الذين لا يهمهم إلا قبض النذور والدجل على ضعاف العقول واختلاق الإفك والكذب والزور.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: "المنقول في ذلك إما أن يكون كذباً على صاحبه مثل ما حكى بعضهم عن الشافعي رحمه الله" فذكر الحكاية التي تأتي والتي تقول: إنه يتبرك بقبر أبي حنيفة. ثم قال: "وإما أن يكون المنقول من هذه الحكايات عن مجهول لا يعرف"، ومن المعلوم أننا لا نقبل مثل هذه الحكايات المجهولة الإسناد في الحديث المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكيف بالمنقول عن غيره؟

(2)

.

جـ - ثم إن هذه الحكايات لو صحت إلى أصحابها فلا يمكن أن تكون حجة أيضاً لعدة وجوه:

1 -

يحتمل أنها فهمت عنهم فهماً غير صحيح، فآفة الأخبار رواتها، فيمكن أن تلك الحكايات دخل فيها زيادة أو نقصان أو تأويل على وجه لم يرده أصحابها.

فيحتمل أن صاحب الحكاية قالها أو فعلها "بقيود وشروط كثيرة على وجه لا محذور فيه فحرف النقل عنه"

(3)

.

(1)

اقتضاء الصراط ص: 344، 352، ومصباح الظلام: 303، والصارم 323.

(2)

اقتضاء الصراط: 343 - 344، ومنهاج السنة: 2/ 451 و 3/ 491، وقاعدة في التوسل:154.

(3)

اقتضاء الصراط: 344، 345.

ص: 811

2 -

كما يحتمل أن صاحبها قد اجتهد وأخطأ لأنها محكية عن غير معصوم، والحكايات كما قال ابن كثير رحمه الله:"قصاراها أنها صحيحة إلى من ليس بمعصوم من صحابي أو غيره لأنَّه يجوز عليه الخطأ"

(1)

وقال شيخ الإسلام في معرض بيان حجة هؤلاء: "إن عمدتهم إما أحاديث ضعيفة أو موضوعة أو منقولات عمن لا يحتج بقوله، إما أن يكون كذباً عليه وإما أن يكون غلطاً منه، إذ هي نقل غير مصدق عن قائل غير معصوم، وإن اعتصموا بشيء مما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم حرفوا الكلم عن مواضعه وتمسكوا بمتشابهه وتركوا محكمه كما يفعل النصارى"

(2)

.

3 -

كما يحتمل أنها من تخييل الشيطان لهم فإنه كثيراً مَّا يلبس على الصالحين بتخييل الحكايات والكرامات لهم، وقد يقضي بعض حوائج من استغاث بالأموات وقد يتراءى لبعضهم في صورة من يعتقد فيه، وقد تقدم ذكر

(3)

هذا، وقال الصغاني بعد ذكر الأدعية المبتدعة:"والشيطان في أكثر الأحيان يظهر لتلك الأسماء تأثيرات ومنافع لأجل تغرير الجهال وافتتانهم"

(4)

.

والحاصل أن تلك الحكايات إن صحت عن أصحابها فلا يستقيم الاحتجاج بها، بل ينبغي الرد عليهم وبيان الحق في ذلك بدون محاباة لهم، قال ابن الجوزي في معرض رده على حكايات الصوفية:"وإذ قد ثبت هذا من أقوال شيوخهم وقعت من بعض أشياخهم غلطات لبعدهم عن العلم، فإن كان ذلك صحيحاً عنهم توجه الرد عليهم بدون محاباة في الحق، وإن لم يصح عنهم حذرنا من مثل هذا القول وذلك المذهب من أي شخص صدر"

(5)

.

(1)

البداية والنهاية: 1/ 311 في مبحث قصة الخضر.

(2)

الرد على البكري ص: 352، والعبودية: 130 و 135 و 144.

(3)

تقدم ص: 447، وانظر روح المعاني: 6/ 129.

(4)

موضوعات الصغاني.

(5)

تلبيس إبليس: 168 - 169.

ص: 812

د - ثم إن مثل

(1)

هذه الحكايات موجود عند اليهود والنصارى والمشركين بكثرة، فهل يمكن أن نقبل منهم هذا في صحة مذهبهم؟ فكذلك فيما نحن بصدده لا يمكن أن نقبل الاحتجاج بمثل هذا.

هـ - ثم إن هذه الحكايات -لو صحت من هؤلاء- تكون معارضة للقطعيات من الكتاب والسنة فتكون مردودة.

و- إن العلماء

(2)

رحمهم الله تعالى بينوا حكم مثل هذه الحكايات والمنامات وأنَّه لا يجوز إثبات حكم شرعي بالمنامات، حتى في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يتمثل به الشيطان كما ورد في الحديث

(3)

. وعللوا ذلك بأن حالة النوم ليست حالة ضبط وتحقيق لما يسمعه الرائي.

والحاصل أن شرع الله تعالى كامل وواضح وهو الكتاب والسنة وإجماع الأمة على ضوئهما، وأما الحكايات والمنامات وكذا القياس في العبادات فخارجة عن شرع الله تعالى ودينه.

ز - إن أغلب تلك الحكايات تدور على أن الله قد استجاب لفلان عندما استغاث بالولي أو عندما دعا عند قبره إلى مثل هذه الحكايات.

فهي تدور على الاستدلال بوقائع أجاب الله فيها الدعاء مع مخالفتها للشرع، وهذا لا يستقيم الاحتجاج به الأمور:

1 -

إننا قد ذكرنا فيما تقدم

(4)

أن إجابة الدعاء من مقتضى ربوبية الله تعالى، فلهذا إن الله سبحانه وتعالى قد يجيب الدعاء غير المشروع

(1)

انظر هذا الوجه في اقتضاء الصراط: 344، ومنهاج السنة: 1/ 483، والجواب الباهر: 62، وقاعدة في التوسل:157.

(2)

انظر شرح النووي لمسلم: 1/ 115، وفتح الباري: 12/ 374 - 375 و 389.

(3)

أخرجه البخاري: 12/ 383 من حديث أبي هريرة وأنس وأبي قتادة وأبي سعيد من رقم 6993، إلى 6997، ومسلم من حديث أبي هريرة وأبي قتادة وجابر: 4/ 1775 رقم 2266 - 2268.

(4)

تقدم ص: 233، 248.

ص: 813

فيجيب الله تعالى أحياناً دعاء المشركين، وقد يستسقون فيسقون ويستنصرون فينصرون، وكانوا كما قال الله تعالى:{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)} [الجن: 6]

(1)

.

2 -

إن الاستجابة

(2)

التي تحصل في الدعاء غير المشروع قد يكون سببها اضطرار صاحبها واشتداد حاجته فيكشف الله عنه كربته لأن الله سبحانه يجيب دعوة المضطر ولو كان كافراً قال تعالى: {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20)} [الإسراء: 20]، وقد يكون سببها حسنة تقدمت منه جعل الله إجابة دعوته شكراً لحسنته، وقد يكون سببها أن صاحبها دعا بحرقة وانكسار وذلة وصدق لجأ فيجيب الله دعوته لما قام بقلبه لا لكون دعائه مشروعاً، أو أن الله يجيبه لمحض فضله ورحمته، أو أن الله يجيبه لكونه وافق ما قدره الله تعالى أو وافق وقت الإجابة، لا لأجل مشروعية دعائه.

3 -

وقد يكون

(3)

استدراجاً له، وفي ذلك هلاكه الأبدي، "فكم من عبد دعا دعاء غير مباح فقضيت حاجته في ذلك الدعاء، وكانت سبب هلاكه في الدنيا والآخرة".

قال تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)} [الأنعام: 44].

4 -

إن تأثير الدعاء

(4)

غير المشروع لا يدل على إباحته فضلاً عن مشروعيته، فنحن نعلم أن السحر يؤثر حقيقة كما هو المذهب

(1)

اقتضاء الصراط: 344 - 345، 321، 413.

(2)

المرجع نفسه: 348، 320، وإغاثة اللهفان: 1/ 167، والجواب الكافي ص: 13، وتحفة الذاكرين:177.

(3)

اقتضاء الصراط: 348، 414، وإغاثة اللهفان: 1/ 167، وتحفة الذاكرين ص: 177، وروح المعاني: 6/ 129، وعنه في جلاء العينين ص:574.

(4)

اقتضاء الصراط: 349.

ص: 814

الصحيح

(1)

، وهو كفر فلا ملازمة بين التأثير وبين المشروعية كما هو واضح.

5 -

إن

(2)

فساد هذه الأدعية يربو على مصلحتها، ونفعها قليل وإنما يستجاب لهم في النادر، ولا يبارك لهم حتى في نفس ذلك المطلوب، فهي فتنة في حق من لم يهده الله ولم يفرق بين الأمر الشرعي والأمر الكوني. فتبين بهذا أنه لا ملازمة بين إجابة الدعاء وحصول المقصود به وبين كونه مشروعاً، قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وليس مجرد كون الدعاء حصل به المقصود مما يدل على أنه سائغ في الشريعة

فحصول الغرض ببعض الأمور لا يستلزم إباحته، وإن كان الغرض مباحاً، فإن ذلك الفعل قد يكون فيه مفسدة راجحة على مصلحته، والشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها. . ."

(3)

.

‌الجواب التفصيلي لبعض تلك الحكايات:

فمن تلك الحكايات التي يستدلون بها ويحتجون بها ويَدَّعُوْنَ وقوعَ الاستغاثة بالأموات في الصدر الأول.

‌أثر مالك الدار:

وهو ما روي عن مالك الدار -وكان خازن عمر على الطعام- قال: "أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا فأتى الرجل في المنام فقيل له: ائت عمر فاقرئه السلام وأخبره أنكم مسقون وقل له: عليك الكيس

(1)

تفسير ابن كثير: 1/ 147، وفتح الباري: 10/ 222، وتيسير العزيز:382.

(2)

اقتضاء الصراط: 355، 356، 346.

(3)

قاعدة في التوسل: 91 - 92، أو الفتاوى: 1/ 264 - 265، وانظر الرد على البكري ص:230.

ص: 815

الكيس، فأتى الرجل عمر فأخبره فبكى عمر رضي الله عنه، ثم قال:

"يا رب ما آلو إلا ما عجزت عنه"، وروى سيف بن عمر التميمي في الفتوح أن الذي رأى المنام هو بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة.

قد استدل بهذا الأثر جماعة

(1)

على جواز طلب الدعاء من الرسول صلى الله عليه وسلم بعد وفاته وقاسوا عليه غيره.

‌الجواب عن هذا من وجهين:

‌أ - الوجه الأول ما يتعلق بالإسناد.

قد روي هذا الأثر من طريق الأعمش عن أبي صالح عن مالك الدار به أخرجه ابن أبي شيبة وغيره

(2)

.

قد حكم على إسناد هذا الأثر الحافظ ابن كثير بالصحة حيث ذكر هذا الأثر من طريق البيهقي ثم قال: "وهذا إسناد صحيح"

(3)

.

وأدق منه عبارة الحافظ ابن حجر فإنه قال: "روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الدار"

(4)

.

(1)

منهم السبكي في شفاء السقام: 184 - 185، استدل به على جواز التوسل في البرزخ والهيتمي في الجوهر المنظم كما في شواهد الحق ص: 138، ودحلان في الخلاصة: 242، 258، والدرر: 9، 35، وعثمان بن منصور كما في مصباح الظلام: 302، والعزامي في البراهين: 411، والفرقان: 125، والكوثري في محق التقول: 380، 381، 389 والسمهودي في الوفاء: 4/ 1374، والغماري في إتحاف الأذكياء ص: 10، والرد المحكم ص: 76، 197، والهرري في الصراط المستقيم: 53، وصاحب المفاهيم: 66 - 67، والبوطي في السلفية:155.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف: 11/ 31 - 32 رقم 12051، والبيهقي في دلائل النبوة /، وابن أبي خيثمة في التاريخ والمعرفة.

(3)

البداية والنهاية: 7/ 23 - 94.

(4)

فتح الباري: 2/ 495.

ص: 816

فإن عبارة الحافظ إنما تفيد صحة الإسناد إلى أبي صالح السمان فقط، وذلك لأن مالك الدار مجهول الحال، وقد قال فيه كل من الحافظ المنذري والحافظ الهيثمي: لا أعرفه

(1)

.

وهذه الجهالة هي علة هذا الأثر كما ذكرها الشيخ الألباني -حفظه الله- وقال: "إن مالك الدار غير معروف العدالة والضبط وهذان شرطان أساسيان في كل سند صحيح كما تقرر في علم المصطلح، وقد أورده ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (4/ 1 - 213) ولم يذكر راوياً عنه غير أبي صالح هذا، ففيه إشعار بأنه مجهول ويؤيده أن ابن أبي حاتم نفسه -مع سعة حفظه واطلاعه- لم يحك فيه توثيقاً فبقي على الجهالة"

(2)

.

ولكن يمكن أن يقال: إنه غير مجهول، فقد ذكره ابن حجر في الإصابة في القسم الثالث وهم الذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقد أدركوا الجاهلية ولكن لم يرد في خبر قط أنهم اجتمعوا به صلى الله عليه وسلم، وهم المخضرمون

(3)

، وقال:"له إدراك، وسمع من أبي بكر الصديق، وروى عن الشيخين ومعاذ وأبي عبيدة وروى عنه أبو صالح السمان وابناه عون وعبد الله ابنا مالك"

(4)

فهؤلاء ثلاثة رووا عنه، ثم ذكر الحافظ قصة مروية من طريق عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع المخزومي عن مالك الدار، فهؤلاء أربعة من الرواة رووا عنه، فبهذا ترتفع عنه الجهالة، ويؤيد ذلك أن ابن سعد ذكره في الطبقة الأولى من التابعين في أهل المدينة، وقال:"كان معروفاً"

(5)

.

(1)

انظر الترغيب للمنذري: 2/ 42، ومجمع الزوائد: 3/ 125، والتوسل أنواعه:131.

(2)

انظر التوسل أنواعه ص: 130.

(3)

انظر مراد الحافظ بالقسم الثالث وتفسيره بهذا في مقدمة الإصابة: 1/ 4.

(4)

الإصابة: 6/ 268.

(5)

طبقات ابن سعد: 5/ 12.

ص: 817

وقال أبو عبيدة: "ولاه عمر كيلة عيال عمر، فلما قدم عثمان ولاه القسم، فسمي "مالك الدار" وقال إسماعيل القاضي عن علي بن المديني: "كان مالك الدار خازناً لعمر"

(1)

.

وذكره خليفة في حلفاء بني عدي وقال: "مولى عمر بن الخطاب"

(2)

.

ويقال في سكوت ابن أبي حاتم

(3)

والبخاري

(4)

إن ذلك لا يستلزم جهالته، لا سيما إذا عرفه غيرهما.

ولكن يمكن أن يقال: إن ما سبق يفيد أنه ترتفع عنه جهالة العين فقط ولم ترتفع جهالة الحال إلا أنه يقال: إن قول ابن سعد وكان معروفاً يفيد رفع جهالة الحال لكنه غير صريح في التوثيق.

ولو سلمنا أنه مجهول الحال فقط يمكن أن يقال: إن مجهول الحال إنما يقبل حديثه عند الجمهور إذا لم يأت بما ينكر عليه، كما ذكره الذهبي

(5)

.

وهنا قد أتي بما ينكر عليه، وتفرد بحادثة تتوافر الهمم على نقل مثلها. فتحصل من هذا أن علة هذا الأثر هو تفرد مالك الدار مع كونه مجهول الحال -بحادثة تعد من أهم الحوادث العظيمة- وهي مما تتوافر الهمم على نقله.

وأما إعلاله

(6)

بعدم علم سماع أبي صالح السمان من مالك الدار، وكذلك إدراكه له فقد يقال فيه: إنه سمع من بعض كبار الصحابة كسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وغيرهما، واللقاء ممكن لأن كليهما مدنيان ولا تضر

(1)

الإصابة: 6/ 274 - 275.

(2)

طبقات خليفة ص: 23.

(3)

الجرح والتعديل: 8/ 213 رقم 944.

(4)

التاريخ الكبير: 7/ 304 رقم 1295.

(5)

الميزان: 3/ 426.

(6)

انظر احتمال إعلال الأثر بهاتين العلتين في مفاهيمنا ص: 61 - 62.

ص: 818

عنعنته لأنَّه لم يوصف بالتدليس، فالإسناد على شرط مسلم في الاقتصار على إمكان اللقاء مع المعاصرة، ولكن لا يزال احتمال عدم السماع وارداً ما دام أننا لم نعلم تاريخ وفاة مالك، ولم يصرح أبو صالح بالسماع.

وأما إعلاله

(1)

بعنعنة الأعمش لكونه مدلساً فقد يقال: إن الحافظ الذهبي ذكر أن الأعمش إذا روى عن كبار شيوخه الذين أكثر عنهم كأبي صالح السمان -كما هنا- وأبي وائل وإبراهيم النخعي، فإن روايته هذا المصنف تحمل على السماع

(2)

.

فتبين من هذا أن أقوى العلل التي في الأثر تفرد مالك الدار بهذه الحادثة العظيمة مع جهالة حاله.

‌الوجه الثاني: ما يتعلق بالمتن:

أ - إن الذي يظهر -والله أعلم- أنه قد حصل زيادة في القصة وتغيير، ومما زيد فيها قصة مجيء الرجل إلى القبر، وهذه الزيادة ضعيفة منكرة، وإنما الذي يمكن أن يتقوى من الأثر هو رؤية الرجل المنام.

ويدل على هذا عدة أمور:

1 -

إن الإمام البخاري رحمه الله ذكر هذا الأثر فاقتصر على قول عمر رضي الله عنه: "يا رب ما آلو إلا ما عجزت عنه"

(3)

ولم يذكر مجيء الرجل إلى القبر، فهذا يدل على أن ذلك مما زيد في الرواية.

2 -

ومما يدل أيضاً على أن قصة مجيء الرجل إلى القبر ضعيفة ما رواه عبد الرزاق بن همام الصنعاني عن معمر بن راشد عن إسماعيل أبي المقدام عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: أصاب الناس سنة، وكان رجل

(1)

انظر احتمال إعلال الأثر بهاتين العلتين في مفاهيمنا ص: 61 - 62.

(2)

الميزان: 2/ 224.

(3)

التاريخ الكبير: 7/ 304 رقم 1295.

ص: 819

في بادية فخرج فصلى بأصحابه ركعتين، واستسقى ثم نام فرأى في المنام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتاه وقال: اقرئ عمر السلام وأخبره أن الله قد استجاب لكم وكان عمر قد خرج فاستسقى أيضاً، وأمره فليوف العهد وليشد العقد، قال: فانطلق الرجل حتى أتى عمر فقال: استأذنوا لرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فسمعه عمر فقال: من هذا المفتري على رسول الله؟ فقال الرجل: لا تعجل علي يا أمير المؤمنين فأخبره الخبر، فبكى عمر"

(1)

.

وهذا الإسناد رجاله ثقات وابن عمير ثقة من أوساط التابعين من الثالثة

(2)

ويمكن ادعاء لقائه عمر وأن فيه انقطاعاً والله أعلم.

وفي إسماعيل أبي المقدام كلام لا يضر لأن معمراً عندما سئل عنه أشار إلى أنه لم يكثر من الرواية عنه لعدم إتيانه بالكلام على وجهه

(3)

، وهنا من رواية معمر انتقى من أحاديثه ما أتى به على وجهه.

فهذا الأثر يبين أن الرجل فعل المشروع وهو الخروج إلى الصحراء ثم الصلاة وطلب السقيا من الله تعالى، ولم يأت القبر، والذي رآه في المنام بعد فعل المشروع لا مانع منه من ناحية الشرع.

وهذا يدل على أن الرواية التي فيها أنه أتى القبر غير صحيحة ولا يقال: إن هذه القصة غير تلك القصة وذلك لأن الحمل على التعدد شأن غير المحققين من المحدثين، الذين كلما رأوا اختلافاً في ألفاظ الحديث أو نوع اختلاف في المعنى حملوه على التعدد، وأما المحققون فلا يرون ذلك كما ذكره ابن القيم

(4)

رحمه الله.

(1)

مصنف عبد الرزاق: 3/ 93 - 94.

(2)

التقريب: رقم 3455.

(3)

قد ذكر محقق كتاب الأسامي والكنى لأحمد - عبد الله الجديع كلاماً نفيساً فراجعه رقم 268.

(4)

زاد المعاد: 3/ 42، وشرح الطحاوية ص:186.

ص: 820

3 -

ومما يؤيد أثر عبدالله بن عبيد بن عمير رواية سيف بن عمر عن سهل بن يوسف السلمي عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: كان عام الرمادة في آخر سنة سبع عشرة وأول سنة ثماني عشرة، أصاب أهل المدينة وما حولها جوع فهلك كثير من الناس حتى جعلت الوحوش تأوي إلى الأنس، فكان الناس بذلك حتى أقبل بلال بن الحارث المزني فاستأذن على عمر فقال: أنا رسول رسول الله إليك، يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد عهدتك كيسًا وما زلت على ذلك فما شأنك؟ قال: متى رأيت هذا؟ قال: البارحة، فخرج فنادى في الناس الصلاة جامعة، فصلى بهم ركعتين ثم قام، فقال: أيها الناس أنشدكم الله هل تعلمون مني أمرًا غيره خير منه؟ فقالوا: اللهم لا، فقال: إن بلال بن الحارث يزعم ذية وذية. قالوا: صدق بلال فاستغث بالله ثم بالمسلمين

وأخرج الناس إلى الاستسقاء فخرج وخرج معه العباس بن عبد المطلب ماشيًا فخطب وأوجز وصلى ثم جثا لركبتيه وقال:

"اللهم إياك نعبد وإياك نستعين، اللهم اغفر لنا وارحمنا وارض عنا

"

(1)

.

فهذا الأثر - وإن كان ضعيفًا لأن سيف بن عمر قال فيه الحافظ: ضعيف الحديث عمدة في التاريخ أفحش ابن حبان القول فيه

(2)

-إلا أنه يدل على أن ما يتوهم من عبارة الحافظ في الفتح

(3)

من أن الرجل الذي أتى القبر هو بلال بن الحارث المزني - كما رواه سيف في الفتوح - غير صحيح لأن الحافظ لم ينقل لنا لفظ الأثر عند سيف كما هو، وفي الحقيقة الأثر يدلّ بوضوح وجلاء على أن بلالًا لم يأت القبر وإنما رأى

(1)

أخرجه الطبري: 3/ 98، في حوادث سنة 18، وذكره ابن كثير في البداية: 7/ 93.

(2)

التقريب: رقم 2724.

(3)

فتح الباري: 2/ 496.

ص: 821

رؤيا في المنام، وهو يؤيد ما تقدم من أثر ابن عمير وبهذا تسقط دعوى أن الرجل الذي أتى القبر صحابي وأن الحافظ صححه.

4 -

ويشهد له أيضًا ما رواه سيف أيضًا عن مبشر بن الفضيل عن جبير بن صخر عن عاصم بن عمر بن الخطاب أن رجلًا من مزينة عام الرمادة سأله أهله أن يذبح لهم شاة.

وفيه أنه ذبح الشاة ورأى في المنام الرسول صلى الله عليه وسلم وأمره بإتيان عمر

(1)

فهذه الرواية -وإن كانت ضعيفة- إلا أنها تدل كسابقتها على أن الرجل لم يأت القبر وإنما رأى المنام فقط.

ب - وأما لو قلنا: إن الرواية لم يحصل فيها زيادة فنقول في الجواب:

1 -

إنها على فرض صحتها لا يصح الاستدلال بها لأن الرجل الذي فعل لم يعرف من هو؟ وحتى لو عرف فلا حجة في فعل آحاد الصحابة إذا خالف السنة كما هنا وقد تقدم ذلك

(2)

، ولا يقال إن عمر

(3)

أقره لأنه ربما لم يخبره بالمجيء إلى القبر وإنما أخبره بالرؤيا فقط وليس في الرواية أنه أخبره بالمجيء إلى القبر.

3 -

إن مجيء الرجل إلى القبر يخالف السنة التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي الخروج إلى الصحراء للاستسقاء.

وهكذا فعل الخلفاء الراشدون وكبار الصحابة فلم ينقل أنهم يستسقون بالمجيء إلى القبر.

(1)

أخرجه الطبري في تاريخه: 3/ 99، وذكره ابن كثير في البداية: 7/ 93 - 94، ولكن هذه الرواية فيها نكارة من جهة أخرى إذ فيها أن الرجل قال مناديًا: يا محمداه إلا أن يحمل على ما تقدم في ص: 753 من أن مثل هذا النداء لا يقصد به الا سماع، وقد عرفت أن الأثر ضعيف.

(2)

تقدم: 744.

(3)

مصباح الظلام ص: 304.

ص: 822

4 -

إنها لو صحت يدل قوله صلى الله عليه وسلم: "عليك الكيس الكيس" على أنه صلى الله عليه وسلم أمر عمر بالمشروع وهذا هو الذي فهمه عمر من الرؤيا، حيث أسرع في الاستسقاء بالناس على الوجه المشروع.

5 -

ثم إن الرؤيا ليست من الأدلة الشرعية كما هو معروف ولا يقال

(1)

يستدل بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم على فعله حيث لم يؤنبه في المنام - لأنه صلى الله عليه وسلم كان في الدنيا ربما يعطي السائل المسألة وهو كاره له، وقد قال في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه:"إنهم خيروني أن يسألوني بالفحش أو يبخلوني فلست بباخل"

(2)

.

وقد علم أن الدعاء غير المشروع قد يجاب لأسباب ككون الداعي مضطرًا أو ما يخشى عليه من الفتنة إذا لم يستجب له

(3)

، فلهذا فهذه الرؤية على فرض وقوعها - بعد الذهاب إلى القبر - لا تدل على تحسين النبي صلى الله عليه وسلم وإقراره لعمل الرائي من المجيء إلى القبر والطلب منه الاستسقاء.

‌أثر فتح الكوة:

وهو ما روى أن أهل المدينة قحطوا قحطًا شديدًا فشكوا إلى عائشة فقالت: انظروا قبر النبي صلى الله عليه وسلم فاجعلوا منه كوًا إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف، قال: ففعلوا، فمطروا مطرًا حتى نبت العشب وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم فسمي عام الفتق.

قد احتج

(4)

به على جواز التوسل بالذوات ..

(1)

المرجع السابق: 303.

(2)

أخرجه مسلم: 2/ 730 رقم 1056.

(3)

اقتضاء الصراط ص: 374، وانظر ص:814.

(4)

احتج به جماعة منهم البكري كما في الرد على البكري ص: 27، والسبكي في شفائه ص: 183، والسمنهودي في وفاء الوفاء: 4/ 1374، ودحلان في الدرر: 22، وخلاصة الكلام: 246، والعزامي في الفرقان: 125، والبراهين: 412، والغماري في الإتحاف 10، والرد المحكم: 76 و 197، والعلوي في المفاهيم: 66 - 67.

ص: 823

الجواب عن هذا الأثر من وجهين:

‌الوجه الأول: ما يتعلق بنقد الإسناد:

أخرج هذا الأثر الدارمي في سننه

(1)

: حدثنا أبو النعمان، ثنا سعيد بن زيد، ثنا عمرو بن مالك النكري حدثنا أبو الجوزاء أوس بن عبدالله قال: قحط أهل المدينة .. إلخ.

فهذا الإسناد فيه عدة علل:

1 -

سعيد بن زيد فيه ضعف

(2)

.

2 -

إن أبا النعمان محمد بن الفضل وهو الملقب بعارم قد اختلط، ولم يذكر الدارمي فيمن سمع منه قبل الاختلاط

(3)

.

3 -

إن الأثر لو صح فهو موقوف، فلا حجة فيه لأنه يمكن أن يكون من قبيل الاجتهادات التي تقع من آحاد الصحابة، وقد تقدم أن فعل الصحابي إذا خالف السنة لا يحتج به

(4)

.

وقد ذكر هذه العلل الثلاث

(5)

الشيخ الألباني - حفظه الله - وبقي في الأثر علتان أخريان رابعة وخامسة

(6)

، وهما:

4 -

إن عمرو بن مالك النكري قال فيه ابن عدي في ترجمة أبي

(1)

1/ 43 رقم 93.

(2)

فقد ضعفه يحيى القطان والسعدي والدارقطني، وقال النسائي وغيره: ليس بالقوي، وقال أحمد: ليس به بأس كان يحيى بن سعيد لا يستمرئه. (انظر أحوال الرجال رقم 183، والكامل: 3/ 1212، والميزان: 28/ 1382، والتهذيب: 4/ 33).

(3)

انظر عن اختلاطه ومن روى عنه قبل الاختلاط في: الكواكب النيرات: رقم 52 ص 382 - 393.

(4)

تقدم ص: 744.

(5)

التوسل وأنواعه ص: 139.

(6)

وقد ذكر العلة الخامسة شيخنا الشيخ حماد الأنصاري في تحفة القاري: 52.

ص: 824

الجوزاء: "حدث عنه عمرو بن مالك قدر عشرة أحاديث غير محفوظة"

(1)

.

وهذا الأثر من روايته عنه فيكون غير محفوظ.

وقال البخاري أيضًا في أبي الجوزاء: "في إسناده نظر"

(2)

.

وقد ذكر الحافظ ابن حجر أن كلام البخاري هذا يحمل على رواية خاصة وهي رواية عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء والنكري ضعيف عنده

(3)

، أي البخاري، وقال ابن حبان في ترجمة ابنه يحيى بن عمرو بن مالك النكري:"كان منكر الرواية عن أبيه -يريد يحيى- ثم قال: ويحتمل أن يكون السبب في ذلك منه أو من أبيه أو منهما معًا، ولا نستحل أن يطلق الجرح على مسلم قبل الاتضاح، بل الواجب تنكب كل رواية يرويها عن أبيه لما فيها من مخالفة الثقات والوجود من الأشياء المعضلات، فيكون هو وأبوه جميعًا متروكين من غير أن يطلق وضعها على أحدهما .... "

(4)

.

فيفهم من هذا أن ابن حبان متوقف فيه لا يوثقه ولا يجزم بجرحه ومع هذا فقد ذكره في الثقات وقال: "ويعتبر حديثه من غير رواية ابنه عنه (ت 129 هـ) يخطئ ويغرب"

(5)

.

ولكن هذا ليس توثيقًا مطلقًا فإنه إنما يفيد أنه يعتبر به في المتابعات والشواهد ولا يفيد أنه يقبل تفرده.

(1)

الكامل: 1/ 402، والتهذيب: 1/ 384، وفي الكامل المطبوع تصحيف والتصويب من التهذيب.

(2)

التاريخ الكبير: 1/ 172، والعقيلي: 1/ 124، والكامل: 1/ 402، والتهذيب: 1/ 384.

(3)

التهذيب: 1/ 384.

(4)

المجروحين: 3/ 114، وعنه في الأنساب للسمعاني: 13/ 175.

(5)

الثقات لابن حبان: 7/ 228، والأنساب: 13/ 175، والتهذيب: 8/ 96. وزاد في النقل عن ابن حبان قوله: "يخطئ ويغرب" وهذا غير موجود في النسخة المطبوعة من الثقات.

ص: 825

وقد ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا

(1)

مما يوحي إلى جهالة حاله عنده.

لكن ابن معين قال فيه: ثقة

(2)

.

ووثقه الذهبي أيضًا

(3)

.

وقال الحافظ ابن حجر: "صدوق له أوهام"

(4)

.

فتبين مما سبق أن النكري روايته عن أبي الجوزاء كما هنا، غير محفوظة كما قاله ابن عدي، وأنه ضعيف عند البخاري كما قاله الحافظ، ويعتبر به فقط عند ابن حبان على ما قاله في الثقات، ويتوقف في أحاديثه على ما مال إليه في المجروحين إذا كان من رواية ابنه عنه. ولم نجد له توثيقًا من المتقدمين إلا ابن معين، فيعارض هذا التوثيق بجرح البخاري وابن حبان وابن عدي وهم أكثر عددًا منه، وجرح بعضهم مفسر لاسيما إذا روي عن أبي الجوزاء، كما هنا فيقدم على توثيق ابن معين والذهبي وابن حجر.

فتحصل من هذا أنه لا يقبل فيما تفرد به لاسيما عن أبي الجوراء كما هنا وإنما يعتبر به في المتابعات والشواهد.

5 -

الانقطاع بين عائشة رضي الله عنها وبين أبي الجوزاء أوس بن عبدالله الربعي فقد قال البخاري: "في إسناده نظر"

(5)

.

(1)

الجرح والتعديل: 6/ 259 رقم 1427.

(2)

سؤالات ابن الجنيد ليحيى بن معين: رقم 710 ص 445.

(3)

الميزان: 3/ 286 رقم 6436، والمغني: 2/ 72 رقم 4701.

(4)

التقريب: رقم 5104.

(5)

التاريخ الكبير: 1/ 172، والعقيلي: 1/ 124، والكامل: 1/ 402.

وقد قال الذهبي: إن البخاري لا يقول فيه نظر إلا فيمن يتهمه "الميزان: 1/ 416" ولكن هذا ليس مطردًا كما هنا، فلهذا أول كلامه ابن عدي انظر في هذا المبحث: دراسات في الجرح والتعديل للأعظمي ص: 260.

ص: 826

وقد حمل ابن عدي كلام البخاري هذا على أنه يريد أنه لم يسمع من مثل ابن مسعود وعائشة وغيرهما، لا أنه ضعيف عنده

(1)

.

وقال ابن عدي أيضًا: وأبو الجوزاء روى عن الصحابة ابن عباس وعائشة وابن مسعود وغيرهم وأرجو أنه لا بأس به ولا يصحح روايته عنهم أنه سمع منهم

(2)

.

وممن ذكر عدم سماعه عائشة الحافظ ابن عبدالبر، قال أبو عن زرعة ابن الحافظ العراقي:"وذكر ابن عبد البر في التمهيد أنه لم يسمع من عائشة وحديثه عنها مرسل"

(3)

ونقله عن ابن عبدالبر أيضًا الحافظ في التهذيب فأقره

(4)

.

فهؤلاء الحفاظ البخاري وابن عدي وابن عبد البر والعراقي وابن حجر يقررون عدم سماعه عائشة، فاتضح بهذا أن فيه انقطاعًا.

وبهذه العلل الخمس يتبين ضعف إسناد الأثر ضعفًا شديدًا لأن الواحدة منها تكفي لرده فكيف وهي مجتمعة؟؟

‌الوجه الثاني: ما يتعلق بنقد المتن:

وأما ما يتعلق بنقد متن هذا الأثر فعلى وجوه:

1 -

إن هذا

(5)

الأثر يخالف ما ثبت من الصحابة باتفاق أهل العلم من استسقائهم بالدعاء المشروع إما في المسجد في خطبة الجمعة ونحوها، وإما بالخروج إلى الصحراء وهذا ثابت عنهم قطعًا.

(1)

الكامل: 1/ 402، ومقدمة الفتح: 391 - 392، والتهذيب: 1/ 384.

(2)

الكامل: 1/ 402.

(3)

تحفة المراسيل: ل 3/ أ.

(4)

التهذيب: 1/ 384.

(5)

انظر هذا الوجه الأول في الرد على البكري ص: 27.

ص: 827

ومن المعلوم أن من علامة وضع الحديث مخالفته للقطعي

(1)

.

2 -

ومما يبين

(2)

كذب هذه الرواية أنه لم يكن في حياة عائشة للبيت كوة بل كان بعضه باقيًا على ما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، بعضه مسقوف وبعضه مكشوف، وكانت الشمس تنزل فيه كما ثبت في الصحيحين عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها لم يظهر الفيء بعد

(3)

، ولم تزل الحجرة كذلك حتى زاد الوليد بن عبد الملك في المسجد وأدخلت الحجر في المسجد، ثم بنى حول حجرة عائشة التي فيها القبر جدارًا عاليًا، وبعد ذلك جعلت الكوة لينزل منها إذا احتيج إلى ذلك لأجل كنس أو تنظيف، وأما وجود الكوة في حياة عائشة فكذب بيّن.

3 -

ولو صح

(4)

هذا الأثر - لكان حجة ودليلًا على أن القوم لم يكونوا يقسمون على الله بمخلوق ولا يتوسلون في دعائهم بميت ولا يسألون الله به، وإنما فتحوا على القبر لتنزل الرحمة عليه، ولم يكن هناك دعاء يقسمون به عليه فأين هذا من هذا؟؟

‌حكاية الإمام مالك مع المنصور:

وهب ما روي من طريق يعقوب بن إسحاق بن أبي إسرائيل، حدثنا ابن حميد قال: ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكًا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد،

فاستكان لها أبو جعفر، وقال: يا أبا عبدالله، أأستقبل القبلة

(1)

انظر ما تقدم: ص 337.

(2)

انظر هذا الوجه الثاني في الرد على البكري: 67 - 68 و 28 - 29.

(3)

أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 4 رقم 2، ومن طريقه البخاري: 2/ 6 رقم 522، ومسلم: 1/ 426 رقم 611.

(4)

انظر هذا الوجه الثالث في الرد على البكري ص: 68 و 29.

ص: 828

وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ولِمَ تصرف وجهك عنه، وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله تعالى يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به، فيشفعك الله، قال الله تعالى:{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64)}

(1)

[النساء: 64] وقد احتج بهذه الحكاية جماعة

(2)

على جواز التوسل بالذوات.

‌مناقشة هذه الحكاية رواية ودراية:

فأما رواية فإن في إسناد هذه الحكاية العلل التالية:

العلة الأولى: محمد بن حميد الرازي راوي الحكاية عن مالك متهم بالكذب، قال البخاري: في حديثه نظر، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال الجوزقاني: رديء المذهب، غير ثقة، وقال إسحاق بن منصور الكوسج: أشهد على محمد بن حميد وعبيد بن إسحاق العطار بين يدي الله أنهما كذابان، وقال صالح بن محمد: كل شيء يحدثنا ابن حميد كنا نتهمه فيه، وقال أبو زرعة وابن وارة: صح عندنا أنه يكذب، وقد وثقه أحمد وابن معين، والراجح عدم توثيقه، وأما الذين وثقوه فعذرهم أنهم لم يعرفوه، قال ابن خزيمة عندما قيل له: لو حدث الأستاذ عن محمد بن حميد فإن

(1)

أخرجه بإسناده القاضي عياض في الشفا: 2/ 595 - 596.

(2)

منهم البكري كما في الرد على البكري ص: 24، والسبكي في شفاء السقام ص: 84، 164، والسمهودي في وفاء الوفاء: 4/ 1376، ودحلان في الدرر: 10، والخلاصة: 242، والسمنودي في سعادة الدارين: 159، والكوثري في محق التقول ضمن المقالات: 391، والعزامي في الفرقان: 118، والغماري في الرد المحكم: 90، 197، وقد اعترف بضعف إسنادها إلا أنه قال: فقد تلقاها أهل المذهب بالقبول وعملوا بمقتضاها، كما احتج به الغماري في إتحاف الأذكياء: 11 - 12، وقد اغتر بهذه الحكاية بعض من ليس على مذهب القبوريين. انظر المغني لابن قدامة: 3/ 558.

ص: 829

أحمد قد أحسن الثناء عليه، قال: إنه لم يعرفه ولو عرفه كما عرفناه ما أثنى عليه أصلًا

(1)

.

والسبب في هذا أن الذين كذبوه هم أهل بلده من الخراسانيين الذين خبروا حاله عن كثب، ولعله عندما اجتمع بأحمد وابن معين ببغداد اختار لهم أحاديثه الصحيحة، ويدل لذلك قول ابن معين عندما سأل أبا حاتم الرازي: أي شيء تنقمون عليه؟ فأخبره السبب، فذكر ابن معين أنه عندما قدم أخذوا منه كتاب يعقوب القمي ففرقوا الأوراق وسمعوه

(2)

، فهذا يدل على الرجوع عن توثيقه، وهناك رواية تدل على رجوع أحمد عن توثيقه ذكرها ابن حبان من طريق صالح بن أحمد أبيه

(3)

.

وبهذا نصل إلى أن جرحه مقدم على توثيقه للأمور التالية:

1 -

إنه جرح مفسر.

2 -

إن الذين جرحوه، بعضهم من أهل بلده وهم أخبر بحاله.

3 -

ثم هناك ما يدل على أن الذين وثقوه رجعوا عن توثيقه عندما أخبروا بحاله الحقيقي.

وبهذا يسقط اتهام الكوثري لابن عبد الهادي بإهمال كلام من أثنى عليه، وأنه يذكر الجرح ويغفل التعديل في الأدلة التي تساق ضد شذوذ شيخه

(4)

، يعني ابن تيمية، هكذا زعم الكوثري، ولكن هذه التهمة ساقطة لأن ابن عبد الهادي من النقاد الكبار، يعرف أن ثناء من أثنى عليه لا قيمة له مع ثبوت الجرح المفسر فيتركه.

(1)

أحوال الرجال: رقم 382، والجرح والتعديل: 7/ 232، والكامل: 6/ 2277، والمجروحين لابن حبان: 2/ 303 - 304، وتاريخ بغداد: 2/ 259 - 264، والميزان: 3/ 530، والتهذيب: 9/ 127 - 131، والسير: 11/ 503.

(2)

الجرح والتعديل: 7/ 232.

(3)

المجروحين: 2/ 304.

(4)

المقالات ص: 392.

ص: 830

ثم إن الكوثري نفسه رجح عدم توثيقه في مكان آخر فقال في المقالات: محمد بن حميد الرازي مختلف فيه، وقد كذبه كثيرون أشنع تكذيب

(1)

.

كما قال في موضع آخر: "لا يحتج به عند كثيرين"

(2)

.

وما هذا إلا من التناقض العجيب الذي يقع فيه من يتبع الهوى.

العلة الثانية: الانقطاع بين ابن حميد هذا وبين مالك بن أنس الإمام فإنه لم يسمع من مالك ولم يلقه

(3)

ويدل على هذا أمور:

1 -

أن مولده كما قال الذهبي في حدود الستين ومئة

(4)

وتوفي مالك عام 179 هـ.

2 -

ولم يخرج من بلده حين رحل في طلب العلم إلا وهو كبير مع أبيه كما قاله شيخ الإسلام

(5)

.

3 -

ويؤكد هذا أن أبا جعفر المنصور قد حج عدة مرات: في عام 140 هـ و 144 و 147 و 152، وهذه الأعوام هي التي يمكن أن يجتمع بمالك في المدينة، وأما حجته الأخيرة وهي عام 158 فقد توفي في الحج ولم يصل المدينة

(6)

، ولا يمكن لابن حميد أن يحضر المناظرة في هذه الأعوام التي أشرنا إليها، لأنه لا يمكن أن يحضر المدينة في آخر قدمة قدمها المنصور وهو عام 152 لأمرين:

الأول: أنه لم يولد إلا في حدود الستين كما قاله الذهبي، فهذه المناظرة على فرض صحتها قبل ولادته.

(1)

المقالات ص: 456.

(2)

المصدر نفسه ص: 58.

(3)

الصارم ص: 255.

(4)

سير أعلام النبلاء: 11/ 503.

(5)

قاعدة في التوسل: 67.

(6)

انظر البداية: 10/ 125.

ص: 831

الثاني: لو فرضنا ولادته لا يمكن حضوره المناظرة لأنه لم يرحل إلا وهو كبير، وهو في خراسان، والقصة في المدينة.

وقد حاول الكوثري نفي هذا الانقطاع بأن عمر ابن حميد عند وفاة مالك لا يقل عن نحو خمس عشرة سنة، وهذا الذي قاله يشهد عليه لا له، لأن المناظرة على فرض وقوعها حصلت على أكبر تقدير عام 152 هـ، وبين هذا التاريخ ووفاة مالك عام 179 هـ سبع وعشرون سنة، وباعترافه هذا فابن حميد ولد بعد المناظرة قطعًا، وليس من أهل المدينة ولم يرحل إلا بعد ما كبر وتوفي عام 248 هـ.

العلة الثالثة: إن في الطريق إلى ابن حميد من ليس بمعروف كما قاله شيخ الإسلام

(1)

.

وقال ابن عبد الهادي: "إسناد مظلم منقطع وهو مشتمل على من يتهم بالكذب، وعلى من يجهل حاله"

(2)

.

العلة الرابعة: إن مالكًا رحمه الله لو ثبت عنه -وهيهات ذلك- لم يسندها فهي مقطوعة فليس في ذلك حجة بل الحجة فيما ثبت بالكتاب والسنة.

العلة الخامسة

(3)

: إن محمد بن حميد تفرد برواية هذه الحكاية عن مالك، حيث لم يذكرها أحد من أصحاب مالك المعروفين بالأخذ عنه وهو ضعيف عند أهل الحديث إذا أسند فكيف إذا أرسل حكاية لا تعرف إلا من جهته؟ وأصحاب مالك متفقون على أنه بمثل هذا النقل لا يثبت عن مالك قول له في مسألة في الفقه، بل إذا روى عنه الشاميون ضعفوا روايتهم وإنما يعتمدون على رواية المدنيين والمصريين، فكيف بحكاية تناقض مذهبه المعروف عنه من وجوه كثيرة رواها واحد من الخراسانيين

(1)

قاعدة في التوسل ص: 67.

(2)

الصارم ص: 258.

(3)

انظر هذا الوجه في قاعدة التوسل: 67 - 68.

ص: 832

لم يدركه وهو ضعيف عند أهل الحديث؟؟

وقد قال الخطابي في مثل هذا: "فتجد أصحاب مالك لا يعتمدون من مذهبه -أي في الفقه- إلا ما كان من رواية ابن القاسم والأشهب وضربائهم من تلاد أصحابه، فإذا جاءت رواية عبدالله بن عبد الحكم وأضرابه لم تكن عندهم طائلًا

فإذا كان هذا دأبهم وكانوا لا يقنعون في أمر هذه الفروع وروايتها عن هؤلاء الشيوخ إلا بالوثيقة والثبت، فكيف يجوز لهم في الأمر الأهم والخطب الأعظم؟ "

(1)

.

ويؤيد هذا الوجه أن من القواعد المقررة عند النقاد أن الشيخ إذا كان ممن يجمع حديثه ويشترك في الأخذ عنه كثيرون من الحفاظ المتقنين وذلك كمالك والثوري وشعبة والأعمش، ثم انفرد عن هؤلاء التلاميذ الحفاظ أحد من الرواة ولم يكن من الحفاظ المتقنين، فإن روايته ترد كما ذكره مسلم في مقدمة صحيحة

(2)

وغير واحد من النقاد

(3)

.

‌مناقشة هذه الحكاية دراية:

1 -

إن هذه

(4)

الحكاية تخالف ما ثبت عن مالك رحمه الله من نهيه عن الوقوف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا ثابت عن مالك بأسانيد الثقات في كتب أصحابه كما ذكره إسماعيل بن إسحاق القاضي وغيره مثل العتبي. فقد ذكروا عن مالك أنه سئل عن أقوام يطيلون القيام مستقبلي الحجرة يدعون لأنفسهم فأنكر مالك ذلك

(5)

. وقد حاول الكوثري تضعيف

(6)

رواية إسماعيل القاضي بحكاية

(1)

معالم السنن: 1/ 4.

(2)

مقدمة صحيح مسلم ص: 7.

(3)

انظر ما تقدم ص: 765.

(4)

انظر هذا الوجه في الرد على البكري: 25، وقاعدة في التوسل: 68 - 70، 150.

(5)

انظر مصادر هذه الرواية عن مالك في ص: 547، 611، 615.

(6)

المقالات ص: 393، فقد زعم أن إسماعيل القاضي لم يسندها وأنه عراقي وأن رواية المدنيين والمصريين تخالفه، فأما زعمه بأنه لم يسنده فهذا تخمين وظن فإنه =

ص: 833

ابن حميد هذه وأن ابن وهب روى ما يخالفها وقد تقدم

(1)

أن رواية ابن وهب لا تخالف الرواية المشهورة. كما حاول الغماري الجمع بين الروايتين نقلًا عن غيره: بأن المنع من الدعاء عند القبر للعوام الذين يخاف عليهم سوء الأدب. وأن هذه الحكاية فيمن يعلم آداب الدعاء كالمنصور

(2)

.

وهذا الجمع غير صحيح لأن هذه الحكاية غير ثابتة عنه حتى يجمع بينهما وبين ما ثبت مما يخالفها، ثم إن منع مالك عام يشمل الجميع فمن تأمل الألفاظ الواردة عن مالك في النهي عن الوقوف، يعرف أنه يمنع الوقوف عند القبر للدعاء مطلقًا، وأحكام الشريعة الغراء تأتي عامة شاملة لا تخص طائفة دون طائفة

2 -

إن مالكًا

(3)

رحمه الله كان من أبعد الناس عن البدع، وقد كره قول الرجل: زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم

(4)

وكره تتبع

(5)

الآثار التي بالمدينة حتى كره زيارة قباء مع وروده، وكل ذلك للمحافظة على السنة، فإذا كان الأمر كذلك فلا يمكن أن يأمر بما لم يثبت بالسنة من الدعاء عند القبر.

3 -

إن

(6)

هذه الرواية تخالف ما ثبت عن السلف، فالآثار الواردة

= لم ينقله عن كتاب المبسوط فإنه لم يذكر أنه رآه وقد نقل ابن تيمية وابن عبد الهادي عن الكتاب مباشرة وذكرا ما يفيد أنه أسنده، وأما زعمه أنه عراقي فهو أيضًا غير صحيح لأن إسماعيل لم ينفرد بهذا بل معه العتبي وغيره كما أن رواية ابن وهب المصري لا تخالفه كما نقل عنه ابن القار المصري كراهته التردد لأهل المدينة. انظر قاعدة التوسل ص:69.

(1)

تقدم ص: 613.

(2)

الرد المحكم: 91، ووفاء الوفاء للسمهودي: 4/ 1377.

(3)

انظر هذا الوجه في الرد على البكري ص: 26 - 27.

(4)

تقدم ص: 547.

(5)

ذكره ابن وضاح في البدع ص: 45.

(6)

انظر في قاعدة التوسل ص: 151.

ص: 834

عنهم تدل على أن هذا ليس من عملهم ولا عاداتهم، فلو كان استقبال الحجرة عند الدعاء مشروعًا لكانوا أسبق إلى ذلك لحرصهم على الخير.

4 -

إن لفظ

(1)

الرواية فيها ركاكة من الناحية اللغوية في قوله: "استشفع به فيشفعك الله" لأن الاستشفاع به معناه في اللغة أن يطلب منه الشفاعة كما يستشفع به يوم القيامة، وإذا كان المراد به الاستشفاع منه أي طلب شفاعته فإنما يقال:"استشفع به فيشفعه الله فيك" ولا يقال فيشفعك الله فيه.

وهذا اللفظ الذي في الحكاية يشبه لفظ كثير من العامة الذين يستعملون لفظ الشفاعة في معنى التوسل، فيقول أحدهم اللهم إنا نستشفع إليك بفلان أي نتوسل به وهذا ليس لغة السلف ولا لغة العرب.

5 -

ثم إن عقد المناظرة بين العلماء والخلفاء غير معروف في التاريخ غالبًا لأن المناظرة إنما تعقد بين العلماء، وقد تكون في بعض الأحيان القليلة بحضور بعض الخلفاء وإشرافهم.

وقد ذكر العلماء المناظرة بين مالك وأبي حنيفة وبين مالك وأبي يوسف بحضور بعض خلفاء بني العباس.

6 -

ثم لو صحت

(2)

هذه الحكاية يمكن أن يكون مالك نهى عن رفع الصوت في مسجده صلى الله عليه وسلم، ويكون مالك آمرًا بما أمر الله به من توقيره وتعزيره صلى الله عليه وسلم، لكن وقع تحريف في ألفاظ الحكاية.

فعلي فرض صحتها ليس معنى التوسل الذي في الحكاية هو التوسل في الدنيا بل هو التوسل بشفاعته يوم القيامة، ولكن من الناس من يحرف نقلها مع أن أصلها ضعيف.

والحاصل

(3)

أن هذه الحكاية على هذا الوجه إما أن تكون في غاية

(1)

انظر هذا الوجه في قاعدة التوسل ص: 75 - 80.

(2)

انظر هذا الوجه في قاعدة ص: 76 - 77 و 66.

(3)

الصارم: 259.

ص: 835

الضعف والوهن مكذوبة على مالك أو تكون مغيرة، وإما أن تفسر بما يوافق مذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى، فعلى كل تقدير فليس فيها حجة.

‌حكاية توسل الشافعي بأبي حنيفة رحمهما الله تعالى:

وهي ما روي من طريق عمر بن إسحاق بن إبراهيم قال: نبأنا علي بن ميمون قال: سمعت الشافعي يقول: "إني لأتبرك بأبي حنيفة وأجيء إلى قبره في كل يوم -يعني زائرًا- فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين، وجئت إلى قبره، وسألت الله تعالى الحاجة عنده فما تبعد عني حتى تقضى"

(1)

.

1 -

وقد احتج بهذه الحكاية جماعة

(2)

على التوسل بالذوات والدعاء عند القبور.

وسند هذه الحكاية ضعيف وليس بصحيح كما زعمه بعضهم

(3)

وذلك لأن فيه عمر بن إسحاق بن إبراهيم، وهو غير معروف

(4)

. ثم إنه يظهر جليًا كذب هذه الحكاية من جهة المعنى، قال شيخ الإسلام رحمه الله: هذا كذب معلوم كذبه بالاضطرار عند من له معرفة بالنقل فالشافعي لما قدم بغداد لم يكن ببغداد قبر ينتاب للدعاء عنده ألبتة، بل ولم يكن هذا على عهد الشافعي معروفًا.

2 -

وقد رأى الشافعي بالحجاز واليمن والشام والعراق ومصر من

(1)

تاريخ بغداد: 1/ 123.

(2)

منهم دحلان كما في الخلاصة: 252، والدرر: 30، والكوثري في المقالات ص: 381، والسمنودي في سعادة الدارين: 187، والغماري في الرد المحكم ص: 76، 198.

(3)

وهو الكوثري في المقالات ص: 381.

(4)

السلسلة الضعيفة: 1/ 31، وقال المعلمي: السند إلى الشافعي فيه مجاهيل.

ص: 836

قبور الأنبياء والصحابة والتابعين من كان أصحابها عنده وعند المسلمين أفضل من أبي حنيفة وأمثاله من العلماء، فما باله لم يتوخ الدعاء إلا عنده؟

3 -

ثم إن أصحاب أبي حنيفة الذين أدركوه مثل أبي يوسف ومحمد وغيرهما، لم يكونوا يتحرون الدعاء لا عند أبي حنيفة ولا غيره.

4 -

ثم قد تقدم

(1)

عن الشافعي ما هو ثابت في كتابه من كراهة تعظيم قبور المخلوقين خشية الفتنة بها

(2)

.

5 -

ومما يؤكد كذب هذه الحكاية ما ذكر من مجيء الشافعي إلى قبر أبي حنيفة كل يوم، وهذه مبالغة مكشوفة، إذ لا يتصور في العقل أن الشافعي ليس له عمل كل يوم إلا التردد إلى المقبرة، والوقوف لديها.

‌حكاية التوسل بقبر موسى الكاظم:

وهي ما روي عن الحسن بن إبراهيم الخلال يقول: "ما همني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسلت به إلا سهل الله لي ما أحب"

(3)

.

احتج بهذه الحكاية جماعة

(4)

على جواز التوسل بالذوات والدعاء عند القبور.

‌الجواب:

إن الحكايات والمنامات لا تقوم بها حجة في شرع الله الذي أكمله الله وأتمه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3].

(1)

تقدم ص: 618.

(2)

اقتضاء الصراط المستقيم: 343.

(3)

أخرجه الخطيب في التاريخ: 1/ 120.

(4)

منهم السمنودي في سعادة الدارين: 187، والغماري في الرد المحكم: 76، 198، والكوثري في المقالات:381.

ص: 837

وهذه الحكاية تؤكد ما سبق عند ذكر أسباب انتشار دعاء غير الله تعالى من أن الشيعة لهم أثر في نشر ذلك، إذ موسى الكاظم رحمه الله تعالى يَدَّعُون أنه من أئمتهم الإثني عشر، فاقتدى بهم جهال أهل السنة في التردد على مقبرتهم والدعاء عندها أو دعائها.

‌شبهة

(1)

الوساطة والشفاعة:

ولهؤلاء المدافعين عن دعاء الموتى والاستغاثة بهم شبه نظرية أرادوا بها إثبات مشروعية نداء الأموات من دون الله تعالى والاستغاثة بهم، وهذه الشبه النظرية هي من باب قياس الخالق بالمخلوق مع عدم المماثلة، ومن تلك الشبه شبهة الوساطة والشفاعة:

إذ قالوا نحن مذنبون بعيدون عن الله تعالى وليس لنا قدر ولا جاه عند الله فلذا نجعل أحبابه وأولياءه وسطاء بيننا وبينه، لما نعلم من أن لهم عند الله جاهًا ومنزلة وقدرًا فلا يرد شفاعتهم ووساطتهم، كما أن الملوك يتشفع لديهم بالمقربين لديهم من الوزراء والندماء وفي ذلك سلوك للأدب مع الله تعالى لعدم، أهليتنا لخطاب الله تعالى وعدم معرفتنا لآداب خطابه، كما أن ذلك في سرعة لقضاء حوائجنا

(2)

.

الجواب من وجوه:

‌الوجه الأول:

إن هذه العقيدة هي عقيدة المشركين، فهم لا يعتقدون غير الوساطة والشفاعة لمعبوديهم. قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا

(1)

انظر الاحتجاج بهذه الشبهة في: شواهد النبهاني ص: 147، والخلاصة: 256، والبراهين ص: 408 - 411، وعنه منتحلًا في مفاهيم ص: 78 - 80. وانظر في ذكر احتجاجهم بهذه الشبهة، تلبيس إبليس: 393، ومؤلفات الشيخ: 1/ 155 - 165، 367، ومصباح الظلام: 174، 176، وتطهير الجنان: 56، وروح المعاني: 17/ 212.

(2)

تفسير الرازي: 26/ 241.

ص: 838

{يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18].

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3].

قال الفخر الرازي في تفسير هذه الآية: "وحاصل الكلام لعباد الأصنام أن قالوا: إن الإله الأعظم أجل من أن يعبده البشر لكن اللائق بالبشر أن يشتغلوا بعبادة الأكابر من عباد الله، مثل الكواكب ومثل الأرواح السماوية ثم إنها تشتغل بعبادة الإله الأكبر فهذا هو المراد من قولهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} "

(1)

.

فهذه الآية نص قاطع في أن عبادتهم لغير الله ليست إلا لشيء واحد وهو طلب القربى والزلفى إلى الله تعالى وذلك لأن الآية وردت بصيغة القصر والحصر وهي النفي والاستثناء ففي الآية حصر غرض عبادة الأولياء في التقريب إلى الله تعالى.

وقال تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ} [الزمر: 43].

وقال تعالى: {فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً} [الأحقاف: 28].

والقربان: ما يتقرب به إلى المعبود كما هو معروف وفسره به العلماء.

وإنما قيل للآلهة قربانًا لما أنها غير مقصودة لذواتها ألا تراه يقول في غير هذا الموضع (شفعاء) ويحكى {لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}

(2)

.

وقال تعالى في قصة صاحب آل يس: {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا} [يس: 23].

فهذه الآيات قد دلت على أن مقصود المشركين الأوائل هو الشفاعة والوساطة لا غير.

(1)

تفسير الرازي: 26/ 241.

(2)

معارج الألباب: 185.

ص: 839

ثم إن الذين يدعون الملائكة والصالحين على عدة

(1)

أنواع وكلهم مجمعون على اعتقاد الشفاعة وهم أربع فرق:

1 -

ففرقة قالت: ليس لنا أهلية مباشرة دعاء الله ورجائه بلا واسطة تقربنا إليه وتشفع لنا لعظمته، فتوهموا أن عبادة الواسطة أشد في تعظيم الله من عبادته.

2 -

وفرقة قالت: الأنبياء والملائكة ذو وجاهة عند الله ومنزلة عنده، فاتخذوا صورهم من أجل حبهم لهم ليقربوهم إلى الله زلفى.

3 -

وفرقة جعلتهم قبلة في دعائها وعبادتها.

4 -

وفرقة اعتقدت أن لكل صورة مصورة على صورة الملائكة والأنبياء وكيلًا موكلًا بأمر الله، فمن أقبل على دعائه ورجائه وتبتل إليه قضى ذلك الوكيل ما طلب منه بأمر الله وإلا أصابته نكبة بأمره تعالى.

والحاصل أن المشركين بأصنافهم من عبدة الملائكة والأنبياء والكواكب والأوثان والفلاسفة الذين يعتقدون في العلويات، كلهم يقصدون من دعائهم لمعبوديهم التقريب والوساطة، وإنما يدعون الأصنام والأوثان والهياكل باعتبار أنها تماثيل للصالحين وهي من وسائل التقريب فقط، وهذا حاصل عقيدتهم ومنتهى مزاعمهم، فلم يقولوا: إن المطلوب الذي يطلبونه صار رهينًا في أيدي الوسائط والشفعاء وأنهم مسلطون على الرفع والوضع والنفع والدفع والعطاء والمنع، ويدل على ذلك التعبير القرآني بالشفعاء والقربان والحكاية عنهم بيقربونا، وأن مصب إنكار الأنبياء عليهم هو اتخاذهم للشفعاء

(2)

.

هذه الشبهة جاءت إليهم من قبل تعظيمهم في الظاهر الله تعالى وهي

(1)

تفسير الرازي: 26/ 241 و 17/ 63 و 27/ 130 و 13/ 37 - 39، والهدية السنية ص: 14، وتلبيس إبليس ص: 50، 37، والواسطة بين الحق والخلق ضمن الفتاوى: 1/ 135.

(2)

معارج الألباب: 187.

ص: 840

من كيد الشيطان. قال عبد الرحمن بن مهدي: "قد هلك قوم من هذا الوجه قالوا: الله أعظم من أن ينزل كتابًا أو يرسل رسولًا وثم قرأ {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} ثم قال: فهل هلكت المجوس إلا من جهة التعظيم، قالوا: الله أعظم من أن نعبده نحن ولكن نعبد من هو أقرب إليه منا فعبدوا الشمس وسجدوا لها فأنزل الله: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}

(1)

وقد اتضح مما سبق أن هؤلاء الذين يدعون الأموات لا فرق بينهم وبين المشركين السابقين، لاعتقاد الكل الشفاعة والوساطة دون الخلق والإيجاد.

قال الرازي بعد أن ذكر عقيدة السابقين في الأصنام التي وضعت على صور الأنبياء والأكابر، قال:"ونظيره في هذا الزمان اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور الأكابر على اعتقاد أنهم إذا عظموا قبورهم فإنهم يكونون شفعاء لهم عند الله"

(2)

‌الوجه الثاني:

إن هذا الاعتقاد بالوساطة فيه مفاسد ومحاذير تهدم العقيدة وتزلزل أركانها من ذلك إساءة الظن بالله تعالى.

والاعتقاد بالوساطة يستلزم إساءة الظن بالله تعالى، وبعلمه وسمعه وجوده وكرمه وذلك أن الذي ظن أن الرب سبحانه وتعالى لا يسمع له ولا يستجيب له إلا بواسطة تطلعه على ذلك، أو تسأل ذلك منه فقد ظن بالله ظن السوء، فإنه إن ظن أنه لا يعلم أو لا يسمع إلا بإعلام غيره له وإسماعه، فذاك نفي لعلم الله وسمعه وكمال إدراكه وكفى بذلك ذنبًا، وإن

(1)

إبطال التأويل لأبي يعلى ق 16/ ب، وعلاقة الإثبات والتفويض لرضا نعسان ص:7.

(2)

تفسير الرازي: 17/ 63.

ص: 841

ظن أنه يسمع ويرى ولكن يحتاج إلى من يلينه ويعطفه عليه فقد أساء الظن بإفضال ربه وبره وإحسانه وسعة جوده.

وقد قال تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام: {أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 86، 87] أي: فما ظنكم أن يجازيكم إذا عبدتم معه غيره وظننتم أنه يحتاج في الاطلاع على ضرورات عباده لمن يكون بابًا للحوائج إليه، وهذا بخلاف الملوك فإنهم محتاجون إلى الوسائط لعجزهم وقصور علمهم، فأما من لا يشغله سمع عن سمع وسبقت رحمته غضبه، وكتب على نفسه الرحمة فما تصنع الوسائط عنده؟

فمن اتخذ واسطة بينه وبين الله تعالى فقد ظن به أقبح الظن، ومستحيل أن يشرعه لعباده بل ذلك يمتنع في العقول والفطر

(1)

.

لأنه قد ثبت في العقول والفطر أن الله سبحانه هو المدبر لأمور الخلائق بدون الاستغاثة بأحد، وأنه لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، وأنه "يسمع ضجيج الأصوات، باختلاف اللغات، على تفنن الحاجات، لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه المسائل، ولا يتبرم بإلحاح الملحين"

(2)

.

وأي عقل سليم يترك هذا الرب الجليل ويترك الالتجاء إلى بابه ويطلب الوسطاء فإنه عقل مختل.

3 -

ومن المحاذير التي في ذلك تشبيه الخالق بالمخلوق:

وقد اعترفوا بهذا التشبيه في تجويزهم الوساطة وعللوا جوازها بأن الناس جبلوا على معرفة "أن إكرام عبيد السلطان وأتباعه وتعظيمهم هو من

(1)

تجريد التوحيد: 31 - 13، والجواب الكافي: 143، وإغاثة اللهفان: 1/ 50، والواسطة ضمن الفتاوى: 1/ 126، والفتاوى: 27/ 74، والمدارج: 3/ 27.

(2)

الواسطة بين الحق والخلق، وضمن الفتاوى: 1/ 127.

ص: 842

أحسن وجوه التقرب إليه لقضاء حوائجهم عنده، وكلما كان ذلك العبد أو التابع أقرب له وأحب إليه كان إكرامه وتعظيمه والتوسل به إليه أقرب في نجاح الحاجة وحصول المقصود

"

(1)

.

ولا يخفى ما في هذا التشبيه من المفاسد العظيمة فالله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، ولا يمكن أن يشبه بالملوك والرؤساء وقد علم أن الوسائط بين الملوك والناس يكونون على أحد وجوه ثلاثة، وكلها مستحيلة في حق الله تعالى والوجوه الثلاثة هي:

1 -

لإخبارهم من أحوال الناس بما لا يعرفونه.

2 -

أو يكون الملك عاجزًا عن تدبير الرعية فيحتاج إلى مساعد.

3 -

أو يكون الملك لا يريد الخير لرعيته فيحتاج إلى من يحركه وينصحه

(2)

، وهذه الأوجه الثلاثة مستحيلة في حق الله تعالى، والاعتقاد بالوساطة يستلزم هذه الأوجه.

4 -

ثم من المحاذير التي في اعتقاد الوساطة أن ذلك الاعتقاد يلزم منه الخضوع والتذلل، والتأله من العبد لتلك الوسائط حتى ترفع أمره إلى الله تعالى.

وهذا التأله قبيح في الشرع والعقل صرفه لغير الله تعالى

(3)

.

فلو لم يكن فيه إلا نقص محبة الله تعالى وخوفه ورجائه والتوكل عليه، والإنابة إليه من قلب من يطلب الشفاعة والوساطة بسبب قسمته ذلك بينه سبحانه وتعالى وبين من أشرك به، فينقص ويضعف أو يضمحل ذلك التعظيم والمحبة والخوف والرجاء بسبب صرف أكثره أو بعضه إلى من يطلب شفاعته - لكفى في شناعة اعتقاد الوساطة

(4)

.

(1)

شواهد الحق: 145.

(2)

الواسطة بين الحق، وضمن الفتاوى: 1/ 126 - 127.

(3)

تجريد التوحيد: 33.

(4)

إغاثة اللهفان: 1/ 50.

ص: 843

5 -

ومن المحاذير التي في ذلك أنه قول على الله بغير علم، حيث زعم هؤلاء أن الله وسطاء بينه وبين خلقه لا يفعل شيئًا بدون وساطتهم، فحولوا بذلك قلوب عباده عنه وعن سنته في خلقه ووجهوها إلى القبور وإلى عبيد ضعفاء لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا، ثم سموا هذا توسلًا إليه فهم يتقربون إليه بالشرك به ودعاء غيره من دونه أو معه

(1)

.

وهذا كله يدل على فساد قياس الذين قاسوا الخالق بالمخلوق الملك أو الرئيس فالملك يقبل الشفاعة تارة لحاجته إلى من يشفع إليه، وتارة لخوفه منه، وتارة لجزاء إحسانه ومكافأة له حتى إنه يقبل شفاعة ولده وزوجته وخدمه فإنه محتاج إليهم لأنه لو لم يقبل شفاعتهم لتضرر بذلك.

وشفاعة العباد بعضهم عند بعض كلها من هذا الجنس فلا يقبل أحد شفاعة أحد إلا لرغبة أو رهبة أو حياء أو مودة أو غير ذلك، وهذا بخلاف الشفاعة عند الله فإنه سبحانه لا يخاف أحدًا ولا يرجوه ولا يحتاج إلى أحد

(2)

.

‌الوجه الثالث:

إن الله سبحانه وتعالى لم يجعل واسطة بينه وبين عباده في رفع الحوائج ودفع المضار والله قال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186].

قال بعضهم: والسر في أن الله لم يقل: فقل إني قريب الآية، كما هو عادة أساليب القرآن في الجواب عن الأسئلة الموجهة للرسول صلى الله عليه وسلم، السر في ذلك الإشارة إلى عدم الوساطة في الدعاء حيث لم يجعل الله الوساطة في الجواب على السؤال فكيف بالوساطة في الدعاء نفسه؟

(3)

.

(1)

تفسير المنار: 2/ 72 - 73.

(2)

الواسطة ضمن الفتاوي: 1/ 129، والفتاوى: 27/ 73، وإغاثة اللهفان: 1/ 173.

(3)

تفسير الرازي: 5/ 106، والأزهية: 5/ 28، وإتحاف السادة: 5/ 28.

ص: 844

وهذا مما يعلم فساده بالضرورة من دين الإسلام فإنه لا يوجد في الإسلام وساطة بين الله وبين خلقه، "في الخلق والتدبير، والرَّزْقِ والإحياء والإماتة، وسماع الدعاء وإجابة الداعي، بل الرسل كلهم وأتباع الرسل متفقون على أنه لا يعبد إلا الله وحده فهو الذي يسأل ويعبد، وله يصلى ويسجد، وهو الذي يجيب دعاء المضطرين ويكشف الضر عن المضرورين، ويغيث عباده المستغيثين {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ}

(1)

[فاطر: 3] ".

ومن هذا يتبين أن المسلمين بل الحنفاء جميعًا "ليس بينهم وبين الله تعالى واسطة في العبادة والدعاء والاستغاثة بل يناجون ربهم ويدعونه ويعبدونه بلا واسطة"

(2)

.

والوساطة التي جعلها الله تعالى للأنبياء إنما هي في

(3)

تبليغ رسالته وأمره ونهيه ووعده ووعيده كما قال تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} [الأنعام: 48] و [الكهف: 56].

وقال نوح {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا} [هود: 31].

ومثل هذا ما أمر الله به خاتم رسله أن يقوله: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ

} [الأنعام: 50].

‌الوجه الرابع

ثم إن هذه الشفاعة والوساطة التي يريدها هؤلاء من الأنبياء

(1)

الرد على المنطقيين: 537.

(2)

الرد على البكري: 300 - 301.

(3)

انظر في هذا: الرد على المنطقيين: 537 - 538، والرد على البكري: 301، والواسطة بين الحق ص:، وضمن الفتاوى: 1/ 122 - 123، وملحق المصنفات ص: 97، وتطهير الجنان:59.

ص: 845

والصالحين لا يتصور من عباد الله الصالحين أن يشفعوا فيها ويطلبوا من الله ذلك، لأنهم ممتثلون لأمر الله تعالى فلا يفعلون ما لا يرضاه الله تعالى من الإشراك به.

فإذا دعاهم رجل وتوسط بهم فهم لا يرضون ذلك فيتبرؤون منه ومن دعائه.

ولقد نهى الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من الاستغفار للمشركين فقال: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} الآية [براءة: 113].

وقال في دعوة نوح لابنه: {قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)}

(1)

[هود: 46].

فتحصل من هذا أن الداعي إن كان مستحقًا للعقاب ورد الدعاء، فالنبي أو الصالح لا يعين على ما يكرهه الله ولا يسعى فيما يبغضه الله، وإن لم يكن كذلك فالله أولى بالرحمة

(2)

.

ثم إن الأنبياء والصالحين إنما يشفعون يوم القيامة بعد الإذن وهم يفعلون ذلك طاعة لربهم ورغبة في رضاه، فهم يشفعون لمن أذن لهم فيه وإن لم يطلب منهم

(3)

.

الوجه الخامس: إن قولهم: نحن بعيدون عن الله ومذنبون .. إلخ.

قول باطل من أقوال المشركين فإن الله يقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} .

وقد روي

(4)

في سبب نزولها أن الصحابة قالوا: يا رسول الله، ربنا

(1)

يراجع الواسطة ضمن الفتاوى: 1/ 131.

(2)

الفتاوى: 27/ 75.

(3)

القائد إلى تصحيح العقائد ص: 101 - 102.

(4)

انظر ما تقدم في ص: 268.

ص: 846

قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله هذه الآية.

وقد أمر الله تعالى العباد كلهم بالصلاة له ومناجاته فيها بقولهم: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}

(1)

.

فالعباد يخاطبون الله جل جلاله في صلواتهم ودعواتهم بدون حجاب ولا واسطة توصل خطابهم إليه.

الوجه السادس: شواهد الحال تكذب دعواهم فإن نية الشفاعة والوساطة "على فرضها بعيدة الخطورة في البال، وشواهد هذا ظاهرة في حالاتهم تلك، بحيث إن جماهير من العامة لا يحصون في أقاليم واسعة وأقطار متباعدة، ونواحي متباينة -لما كانوا قد نشأوا لا يعرفون إلا ما وجدوا عليه من قبلهم من الآباء والشيوخ من هذه العقائد الوثنية والمفاسد - فتجدهم إذا شكى أحدهم على الآخر نازلة نزلت فلعله لا يخطر له في بال إلا: هل قد ذهبت إلى الولي

"

(2)

.

فقولهم: إننا نقصد بدعائهم التوسط والشفاعة والتوسل -بعيد عن واقع أحوالهم فالذي تدل عليه أحوالهم وأقوالهم أنهم يريدون من الولي الإجابة والإغاثة، إذ يرون له التصرف المطلق والعلم المحيط وغير ذلك.

وإن كان هذا ليس عامًا في الجميع لأنه يكفي في المنع أن يحصل من البعض.

‌بقية شبهة الشفاعة والوساطة:

ثم إنهم استدلوا على جواز طلب الشفاعة من الأنبياء والصالحين بل على جواز الاستغاثة ودعاء الموتى والغائبين بما ورد في أحاديث الشفاعة المتواترة من طلب الناس الشفاعة من الأنبياء يوم القيامة، وقاسوا على ذلك طلب الشفاعة منهم أو من الصالحين في حال مماتهم ومغيبهم

(1)

الفتاوى: 27/ 74.

(2)

معارج الألباب: 171.

ص: 847

والاستغاثة بهم

(1)

.

واستدلوا

(2)

بأحاديث فيها طلب بعض الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء والشفاعة لهم يوم القيامة. مثل حديث ابن عباس رضي الله عنهما في حديث طويل أن عكاشة بن محصن قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "ادع الله أن يجعلني منهم فقال: أنت منهم"

(3)

.

وحديث ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال: "كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بِوَضُوْئِه وحاجته، فقال لي: "سل" فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة قال: "أو غير ذلك؟ " قلت: هو ذاك، قال: "فأعني على نفسك بكثرة السجود"

(4)

.

‌الجواب:

1 -

إن أحاديث الشفاعة يوم القيامة ليست مما نحن فيه لأن ذلك من سؤال الحي ما يقدر عليه، فيوم القيامة يجمعهم الموقف بعد أن أحياهم الله فليس هو من سؤال الغائب ولا الميت.

ثم إن الأحاديث الأخرى ليست مما نحن فيه أيضًا لأنها تدل على جواز سؤال النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ما يقدر عليه - وهو الدعاء، فهو يقدر على دعاء الله تعالى.

(1)

فممن احتج بذلك السبكي في شفاء السقام: 190 و 253، والنبهاني في شواهد الحق فإنه ساق أربعين حديثًا في الشفاعة من 126 - 135، وداود بن جرجيس كما في مصباح الظلام: 361، والعزامي في البراهين: 417، وانتحله صاحب المفاهيم:54.

(2)

انظر الاستدلال بهذه الأحاديث في شفاء السقام: 186، ومصباح الظلام: 329، ومفاهيم: 80 - 89. وانظر الاستدلال بحديث ربيعة أيضًا في وفاء الوفاء للسمهودي: 4/ 1374.

(3)

أخرجه البخاري: 11/ 405 رقم 6541، 6542، ومسلم: 1/ 199 رقم 220.

(4)

رواه مسلم: 1/ 353 رقم 489.

ص: 848

ويدل لهذا قول عكاشة رضي الله عنه: "ادع الله أن يجعلني منهم" فهو إنما طلب الدعاء وهو أمر مشروع، وهو مثل طلب الاستغفار منه صلى الله عليه وسلم قال تعالى:{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} [النساء: 64].

2 -

ثم إنه لا يمكن القياس على هؤلاء الذين طلبوا الشفاعة من الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته للفارق بينهم ومن بعدهم، إذ هو صلى الله عليه وسلم يمكن أن يعلم من يشفع له ومن لا يشفع له فلهذا وافق في عكاشة وأغلق الباب على الذي بعده.

3 -

ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر في حديث ربيعة الأسلمي ما يشير إلى ما يكون سببًا للدخول في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الإيمان الخالص والعمل الصالح كما في حديث أبي هريرة:"من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: من قال: لا إله إلا الله خالصًا قلبه"

(1)

.

فهذا هو السبب الذي يقتضي الشفاعة فلهذا قال لربيعة الأسلمي فأعنّي بكثرة السجود، فعلى هذا فالذي لا يسجد ولا يؤمن بل يشرك بدعاء غير الله تعالى كيف يعين النبي صلى الله عليه وسلم على شفاعته، بل هو إنما يعين الشيطان على إضلاله وإغوائه نسأل الله السلامة.

4 -

ثم في بعض طرق حديث ربيعة ما يشعر بأنه إنما طلب الدعاء له بالشفاعة ولم يطلب الشفاعة.

(2)

.

ومن جملة شبههم القياسية ما ذكروه من قياس الذوات على الأعمال حيث قالوا:

"إذا جاز السؤال بالأعمال، وهي مخلوقة، فالسؤال بالنبي صلى الله عليه وسلم أولى"

(3)

.

(1)

أخرجه البخاري: 1/ 193 رقم 99، وانظر مصباح الظلام:332.

(2)

الطبراني

(3)

شفاء السقام ص: 174. وانظر قريبًا منه في مصباح الظلام: 180، 189 من استدلال تلميذ ابن جرجيس، وفي جلاء العينين نقلا عن السمهودي ص: 500.

ص: 849

فهذه الشبهة المبنية على أساس جامع الاشتراك بين الأعمال والذوات الفاضلة في كونهما مخلوقين هي من أضعف الشبه، وذلك لأن القياس لا يدخل في باب العبادات إذ مبناها على التوقيف، والاتباع

(1)

.

وهذا القياس فاسد من ناحية أخرى أيضًا وهي أنه قياس مع الفارق وذلك لأن علة صحة التوسل بالأعمال كونها من كسب الإنسان وعمله يرجو عليه الجزاء والثواب في الدنيا والآخرة، وهذا الذي جعلها سببًا للوسيلة وهذه العلة مفقودة في الذوات الفاضلة لأنها أجنبية عن المتوسّل بها، فبهذا يتضح أن هذا القياس قياس مع الفارق وهو فاسد الاعتبار كما هو مقرر في علم الأصول.

ومن شبههم القياسية قياس حال الموت على حال الحياة، قال بعضهم:

"ولو لم يكن للفقيه من الدليل على صحة التوسل، والاستغاثة به صلى الله عليه وسلم بعد وفاته إلا قياسه على التوسل، والاستغاثة به في حياته الدنيا، لكفى فإنه حي الدارين دائم العناية بأمته، متصرف بإذن الله في شؤونها خبير بأحوالها

"

(2)

.

وهذا القياس الذي ذكروه فاسد الاعتبار من وجوه:

1 -

إن الفرق بين الحياة والموت واضح وضوح الشمس في رائعة النهار، وهذه قضية مسلمة منطقية لا جدال فيها بين العقلاء، ومن شرط القياس المماثلة فلا مماثلة بين الحالتين.

2 -

ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء والصالحين كانوا في حياتهم

(1)

مصباح الظلام: 181.

(2)

البراهين الساطعة ص: 421، وهذا الكلام مع خطورته قد انتحله العلوي في كتابه مفاهيم ص: 91، ففي هذا الكلام ما يشير إلى اعتقاد التصرف المطلق. انظر مفاهيمنا:123.

ص: 850

يدعون الله تعالى لمن توسل بدعائهم وطلب منهم الدعاء حيث يسمعون كلامه ويعرفون مراده، وأما في دار البرزخ فلا يمكن ادعاء ذلك وحتى لو حصل منهم الدعاء فرضًا فإنما هو بأمر كوني لا يزيد بسؤال سائل كما تقدم بيانه

(1)

.

3 -

ثم إنه لا يمكن لأحد أن أن الأحكام التي كانت للنبي صلى الله عليه وسلم في حال حياته مستمرة له بعد وفاته، فقد كان في حياته يصلي خلفه فهل يمكن لأحد الآن أن يصلي متجهًا إلى قبره صلوات الله وسلامه عليه؟

وكذلك كان في حياته يطلب منه أن يفتي ويقضي فهل يمكن الآن أن يطلب منه ذلك

(2)

؟

4 -

ثم إن الصحابة في حياته لم يكونوا يستغيثون به في مغيبه ولا يتوسلون بذكر اسمه وجاهه وإنما كانوا يطلبون الدعاء منه إذا كانوا في مجلسه فقط، فمن باب أولى أن لا يستغاث به بعد الموت، "والدعاء داخل في المقدورات العادية كما لا يخفى، وكانوا إذا بعدوا عنه فاحتاجوا أن يراجعوه في شيء كتبوا إليه أو أرسلوا على ما جرت به العادة، فإذا لم يمكن ذلك قال أحدهم: "اللهم أخبر عنا رسولك كما قال عاصم بن ثابت

"

(3)

.

5 -

ثم إنه صلى الله عليه وسلم

(4)

وكذلك الأنبياء والصالحون عندما كانوا في الحياة لا يمكن أن يشرك بهم من دون الله تعالى، وأما بعد وفاتهم فيمكن أن يشرك بهم فيمنع القياس من هنا. وقد فند هذه الشبهة الشيخ أبا بطين

(1)

تقدم ص: 777.

(2)

انظر الرد على البكري ص: 115، و 69 - 70، وقاعدة في التوسل: 151 - 152، ومع الفتاوى: 1/ 355.

(3)

انظر ما تقدم ص: 776.

(4)

القائد إلى تصحيح العقائد ص: 104.

ص: 851

بعدة وجوه قوية

(1)

منطقية لا يمكن لمبتدع الإجابة عنها، فلنقتصر على هذه الأوجه التي ذكرناها ففيها الكفاية لمن يريد الحق.

(1)

انظر تأسيس التقديس ص: 54 - 60.

ص: 852

‌الفصل الثالث

في مناقشة ردودهم وإجاباتهم

عن الأدلة المانعة للدعاء غير المشروع

ويحتوي على تمهيد، وتسع شبه.

ص: 853

‌تمهيد

إن الذين أباحوا دعاء الموتى والغائبين لما رأوا كثرة الأدلة الدالة على منع دعاء غير الله تعالى ودلالتها الواضحة الصريحة وعجزوا عن معارضتها، بحثوا عن شبهات يمكن أن يدفعوا بها دلالة تلك الأدلة على واقعهم المرير وعملهم المشين.

ومقصدهم بذلك ادعاء أن تلك النصوص لا تنطبق على أعمالهم الشركية -وهيهات ذلك- كما أن مقصودهم إخضاع النصوص الشرعية لتوافق ما عليه عباد القبور وسدنة الأضرحة، وهؤلاء المبيحون لدعاء الموتى ينسبون إلى العلم ومعدودون من أهله.

وكان الواجب عليهم النصح الله ولرسوله ولهؤلاء الداعين للأموات من عوام المسلمين، فاستبدلوا بهذا الواجب البحث عن الشبهات التي يمكن أن تدفع عنهم دلالة النصوص الشرعية على واقعهم الشركي، فأتوا بهذه الشبهات التي نناقشها -إن شاء الله تعالى- في هذا الفصل.

والفرق بين هذه الشبهات والتي مرت في الفصلين السابقين هو أن المراد من هذه الشبهات هو منع دلالة النصوص المحرمة لدعاء غير الله تعالى على أعمال القبوريين، وصرفها إلى غيرهم والإجابة اليائسة المستميتة عن النصوص الواضحة المانعة لأعمالهم فهذه الشبهات تتعلق بما يسمى في علم الأصول بتحقيق المناط.

وأما المراد من الشبهات السابقة فهو إثبات مشروعية تلك الأعمال.

ومما ينبغي أن يعلم أن أغلب هذه الشبهات التي في هذا الفصل

ص: 855

إنما أثيرت بعد انتشار دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فلما رأوا انتشارها الواسع أرادوا معارضة هذه الدعوة السلفية المباركة بهذه الشبهة الواهية.

فلهذا لا نجد هذه الشبهات في كلام من سبق هؤلاء ممن هو على مشربهم بخلاف الشبهات التي سبقت في الفصلين السابقين.

ومن هنا رد عليهم شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتبه ورسائله، كما رد عليهم آخرون ممن جاء بعده فجزاهم الله عن الإسلام خير الجزاء .. وهذه المناقشات التي ستأتي إن شاء الله تعالى مجموعة مما تفرق في كلام هؤلاء المحققين السابقين، وإن كان هناك إضافة فقليلة لا تستحق الذكر، والغرض مشاركة هؤلاء في هذا الصنيع المبارك لعل الله ينفع به من يشاء من عباده وهو وحده المرجو لذلك، وهو المستعان وهو ولي التوفيق.

‌الشبهة الأولى

(1)

:

قولهم: إن تلك النصوص فيمن لا يعترف بأن الله هو الخالق الرازق النافع الضار، أي الذي لا يعترف بتوحيد الربوبية، وأما من اعترف بذلك فلا تشمله تلك النصوص ولو دعا غير الله تعالى واستغاث به، وذبح له، ونذر له.

وقالوا: إن من أقر بالربوبية فقد أقر بالألوهية، فعلى هذا فالآيات والأحاديث لا تشمل المسلمين من هذه الأمة المحمدية المرحومة الذين يعترفون بربوبية الله تعالى وأنه الخالق

إلخ.

(1)

انظر الاحتجاج بهذه الشبهة في الدرر السنية: 40 - 41، 32، 35، وخلاصة الكلام ص:، وشواهد الحق: 142 - 149، 153، وفرقان القرآن للعزامي ص: 127 - 128، ومفاهيم 26، ويراجع في الجواب إلى مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كشف الشبهات: 161، والدر النضيد: 16، 19.

ص: 856

الجواب:

حاصل شبهتهم ادعاء الفرق بينهم وبين المشركين الأوائل في اعتقاد الربوبية، وفحوى كلامهم أن الأوائل لا يعترفون بتوحيد الربوبية، بل صرح بذلك بعضهم كما سيأتي.

والصواب الذي لا مرية فيه أن المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ووردت فيهم تلك النصوص - يعترفون بالربوبية - وإليك الأدلة القاطعة:

1 -

قال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31)} [يونس: 31].

2 -

وقال عز من قائل: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89)} [المؤمنون: 84 - 89].

3 -

وقال سبحانه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ

} إلى أن قال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [العنكبوت: 61 - 63].

4 -

وقال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزمر: 38].

5 -

وقال سبحانه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9)} [الزخرف: 9].

6 -

وقال عز من قائل: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: 87].

ص: 857

7 -

وقال تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ

} إلى آخر تلك الآيات [النمل: 60 - 64].

8 -

قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106]، فقد اتفقت أقوال مفسري السلف

(1)

على أن من إيمانهم قولَهم: الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا، وعلى أن شركهم هو عبادتهم غيره ويوضح ذلك ما نقله ابن جرير عن قتادة أنه قال:"إنك لست تلقى أحدًا منهم إلا أنبأك أن الله ربه، وهو الذي خلقه ورزقه وهو مشرك في عبادته"

(2)

.

9 -

ومن الأدلة القطعية على اعترافهم بتوحيد الربوبية، ما ذكره الله عنهم في وقت الشدائد والتطام الأمواج من إخلاص الدعاء الله رب العالمين قال تعالى:{وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: 67]، وقال:{وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [لقمان: 32]، وقال: ? {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54)} [النحل: 53، 54].

قال قتادة بن دعامة رحمه الله في تفسير هذه الآية: "الخلق كلهم يقرون الله أنه ربهم ثم يشركون بعد ذلك"

(3)

.

10 -

الآيات التي تحدثت عن المشركين بأنهم يتخذون مع الله شركاء ووصفتهم بالشرك أو باتخاذهم وجَعْلِهم مع الله آلهة أخرى.

(1)

نقل ذلك عنهم ابن: جرير 13/ 77 - 79، وقد علق البخاري بصيغة الجزم قول عكرمة وذكر الحافظ أن أسانيد ابن جرير عن عطاء ومجاهد صحيحة. انظر الفتح: 13/ 494.

(2)

ابن جرير: 13/ 78.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم، انظر الدر المنثور: 4/ 120.

ص: 858

وذلك لأن الشرك مأخوذ من الشركة فيفيد إقرارهم بالربوبية إلا أنهم يجعلون معه شريكًا في العبادة، كشريكين في شيء مثلًا مع أنهم ما كانوا يساوون آلهتهم بالله في كل شيء بل في المحبة والخضوع لا في الخلق والإيجاد والنفع والضر

(1)

، فتلك الآيات تدل على أنهم لم يزعموا إلا الشراكة. والآيات التي وردت بالصفة المذكورة كثيرة جدًا ويمكن الإشارة إلى بعضها، منها قوله تعالى:{ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54)} [النحل: 54]، ولو قيل يفهم من الآية أن فريقًا منهم يشرك بالرب بعد كشف الضر لاستقام، ومن المعلوم أنه يوجد فيهم حنفاء موحدون.

وقوله تعالى: {وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ} [النحل: 86]، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ

} إلى قوله: {

وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ} [الأنعام: 94].

وقوله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42)} [الإسراء: 42]، فإن قوله:{كما يقولون} صريح في أنهم إنما يدعون الشراكة لا الاستقلال كما هو واضح بين.

12 -

الآيات التي فيها اعتراف المشركين بالمشيئة المطلقة الله تعالى والتي فيها الاحتجاج بالقدر مثل قوله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 148]، وقال تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} [النحل: 224]، وقال تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ} [يس: 47]، ففي هذه الآيات اعتراف منهم

(1)

تطهير الجنان والأركان: 17 - 18 لأحمد آل بوطامي، وتطهير الاعتقاد للصنعاني:6.

ص: 859

بالمشيئة الكونية الله تعالى وإن كان احتجاجهم وزعمهم الجبر غير صحيح.

12 -

الآيات التي وصف الله المشركين فيها بأنهم جعلوا الملائكة بنات لله تعالى، فهم يعبدون الملائكة على أنها بنات الله تعالى، وتقرب إليه، لا على أنها خالقة الكون، قال تعالى: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ

} إلى قوله:

{وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} [الزخرف: 15 - 20]، وقال سبحانه:{أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150) أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153)} [الصافات: 150 - 153].

قال المعلمي رحمه الله تعالى: إن أول ما سرى إلى العرب نسبة الولد إليه تعالى كانوا يقولون: الملائكة بنات الله على معنى أنهم مقربون إليه ولم يقولوا: أبناء الله خشية إيهام أن يكونوا نظراءه فقالوا: بنات الله لأن الإناث عندهم ضعيفات

(1)

.

13 -

الآيات التي وردت بصيغة الاستفهام التقريري، نحو قوله تعالى:{قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [إبراهيم: 10].

وقوله: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [فاطر: 3].

وقوله سبحانه {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ} [النحل: 17].

وقوله جل شأنه: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان: 11].

وقوله تقدست أسماؤه: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ

(1)

القائد إلى تصحيح العقائد ص: 111.

ص: 860

{أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ} [فاطر: 40]. فالاستفهام في هذه الآيات استفهام تقرير لهم لأنهم به مقرون

(1)

.

وقوله تعالى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} [الزمر: 38]، قال مقاتل في تفسير هذه الآية: فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم فسكتوا أي لأنهم لا يعتقدون ذلك فيها، وإنما كانوا يدعونها على معنى أنها وسائط وشفعاء عند الله لا لأنهم يكشفون الضر، ويجيبون دعاء المضطر، فهم يعلمون أن ذلك لله وحده كما قال تعالى:{ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ}

(2)

[النحل: 53، 54].

ومن تلك الآيات قوله تعالى: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ} [الرعد: 16]. قال شيخ الإسلام: "وهذا استفهام إنكار بمعنى النفي، أي ما جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه، فإنهم مقرون أن آلهتهم لم يخلقوا كخلقه وإنما كانوا يجعلونهم شفعاء ووسائط"

(3)

.

14 -

الآيات التي تدل

(4)

على أن المشركين إنما أنكروا على الرسل الدعوة إلى إفراد الله بالعبادة لا أصل العبادة ولا الإقرار بالربوبية، منها قوله تعالى في قصة هود:{أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ} [الأعراف: 70]، وقول قريش:{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} [ص: 5]، {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ. . .} [الزمر: 45]، {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا} [الإسراء: 46].

(1)

تطهير الاعتقاد للصنعاني: 7، ومجموعة الرسائل والمسائل النجدية: 671، والدر النضيد:17.

(2)

تفسير أبي حيان، البحر المحيط:، وعنه في القول النفيس: 102 - 103.

(3)

قاعدة التوسل: 124، وضمن الفتاوى: 1/ 311.

(4)

انظر الإشارة إلى هذا في تطهير الاعتقاد: 12 - 13.

ص: 861

15 -

الآيات الدالة على أنهم إنما يريدون من الأصنام الشفاعة والتقريب فقط، ومن تلك الآيات {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3]. {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18]، {فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً} [الأحقاف: 28]، {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ} [الزمر: 43].

16 -

الآيات الدالة على أنهم يعبدون الله تعالى ويعبدون معه آلهة أخرى، فمن تلك الآيات قول الله تعالى:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} [الزخرف: 26، 27]. وقوله تعالى: {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 75 - 77]. وقوله تعالى: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ} [الكهف: 16].

فالاستثناء في هذه الآيات يدل على أنهم يعبدون الله تعالى مع عبادتهم للآلهة، وهذا هو الذي أوجب الاستثناء وإلا فلو كانوا لا يعبدون الله فضلًا عن كونهم يعتقدون ربوبيتها فلا حاجة إلى هذا الاستثناء.

والخلاصة أن القرآن الكريم قد دل دلالة قطعية وصريحة على أن المشركين لم يكونوا يشركون في الربوبية وإنما كان شركهم في الألوهية ومع هذه الدلالة الواضحة أنكر ذلك بعضهم فلهذا نتبع هذا بالإشارة إلى أقوال العلماء الذين ذكروا ذلك، وقبل ذلك نذكر بعض الأدلة من غير القرآن فنقول وبالله التوفيق:

ومما يدل على أن المشركين يعترفون بتوحيد الربوبية، ما وجد في حكاياتهم وقصصهم من اعتقادهم بالربوبية ويشهد بذلك أشعارهم وما نقل عن حكمائهم وحنفائهم كخطب قس بن ساعدة وزيد بن عمرو وأبي ذر الغفاري قبل إسلامه

(1)

.

(1)

انظر أخبار هؤلاء الحنفاء في سيرة ابن إسحاق رواية يونس: 115 - 119، وحجة الله البالغة: 1/ 124 - 127.

ص: 862

كما يدل على ذلك اعتقادهم بأنهم كانوا على دين إبراهيم وإسماعيل وكانوا يعترفون برسالتهما وإن حصل لهم فيها خبط

(1)

.

كما يدل لذلك ما كانوا يقولونه في تلبيتهم. قال ابن عباس رضي الله عنهما: "كان المشركون يقولون: لبيك لا شريك لك، قال: فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويلكم قد قد" فيقولون: إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك يقولون: هذا وهم يطوفون بالبيت"

(2)

.

الاستشهاد بأقوال العلماء الذين صرحوا باعتراف المشركين بالربوبية:

هذه المسألة واضحة جدًا لا تحتاج إلى تطويل لولا أن بعض الناس ظنوا أن المشركين لا يعترفون بالربوبية -مع وضوح الأدلة- فاقتضى الأمر إلى الاستشهاد بأقوال العلماء الذين صرحوا بذلك، فالعلماء الذين صرحوا بذلك كثيرون، نقتصر على الإشارة إلى بعضهم فنقول وبالله التوفيق:

1 -

فمن العلماء الذين صرحوا بذلك الإمام أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة (ت 267 هـ) فإنه ذكر الفطرة التي فطر الناس عليها ثم قال: "فلست واجدًا أحدًا إلا وهو مقر بأن له صانعًا ومدبرًا، وإن سماه بغير اسمه أو عبد شيئًا دونه ليقربه منه عند نفسه، أو وصفه بغير صفته أو أضاف إليه ما تعالى عنه علوًا كبيرًا، قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} "

(3)

.

2 -

الإمام أبو الحسن الأشعري (ت 324 هـ) فإنه قال: إن الله بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى سائر العالمين، وهم أحزاب وفرق منهم كتابي وبرهمي ودهري، ووثني ومجوسي "وصاحب صنم يعتكف عليه، ويزعم أن له ربًا

(1)

انظر زعمهم ذلك في سيرة ابن إسحاق: 120.

(2)

أخرجه مسلم: 2/ 843 رقم 1185.

(3)

مختلف الحديث: 129.

ص: 863

يتقرب بعبادة ذلك الصنم إليه"

(1)

فبين الأشعري أن أهل الأصنام مقرون بالرب تعالى.

3 -

الإمام أبو محمد علي بن أحمد بن حزم (ت 456 هـ) فإنه ذكر في مسألة الفرق بين الكفر والشرك، أن المشركين واليهود والنصارى والمجوس والبراهمة مقرون بالله تعالى فلم ينكره جملة ويجحده إلا الدهرية فقط

(2)

.

4 -

الشهرستاني محمد بن عبد الكريم المتكلم (ت 548 هـ)، فقد ذكر أن تعطيل العالم عن الصانع لا يعرف قائله إلا ما نقل عن شرذمة قليلة من الدهرية ثم ذكر مجمل مقالتها في تفسير خلق العالم، ثم ذكر أن هذا القول لا يدل على إنكار قائله بالصانع، ثم ذكر أن الفطرة الضرورية دلت على الصانع، ثم ذكر أنه لهذا لم يرد التكليف بمعرفة الصانع وأن هذا هو السبب في كون محل النزاع بين الرسل وبين الخلق في التوحيد ونفي الشريك، ثم استدل على ذلك بقوله تعالى:{ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا} [غافر: 12]، وغير ذلك من الآيات

(3)

.

5 -

القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفراء (ت 458 هـ): "فليس أحد إلا وهو يقر بأن له صانعًا ومدبرًا وإن سماه بغير اسمه. قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ} "

(4)

.

6 -

أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي (ت 597 هـ)، فقد ذكر الفلاسفة ثم قال: "وما قد حكى لهؤلاء الفلاسفة من جحد الصانع محال، فإن أكثر القوم يثبتون الصانع، ولا ينكرون النبوات، وإنما أهملوا

(1)

رسالة إلى أهل الثغر لأبي الحسن الأشعري ص: 79 - 80.

(2)

المحلى: 4/ 245 - 246.

(3)

نهاية الإقدام: 123 - 124، وعنه في درء تعارض العقل: 7/ 396 - 398.

(4)

درء تعارض العقل والنقل: 8/ 359.

ص: 864

النظر فيها، وشذ منهم قليل فتبعوا الدهرية الذين فسدت أفهامهم بالمرة"

(1)

.

وذكر ابن الجوزي أيضًا أن كثيرًا من أهل الهند يعتقدون الربوبية وأن لله ملائكة

(2)

.

7 -

الفخر الرازي محمد بن عمر (ت 604 هـ). فقد ذكر إقرار المشركين بالربوبية في تفسيره في مواضع منه

(3)

، منها قوله:"اعلم أنه ليس في العالم أحد يثبت لله تعالى شريكًا يساويه في الوجوب والقدرة والعلم والحكمة، وهذا مما لم يوجد إلى الآن، لكن الثنوية يثبتون إلهين، أحدهما حكيم يفعل الخير، والثاني سفيه يفعل الشر، وأما الاشتغال بعبادة غير الله ففي الذاهبين إليه كثرة. . ."

(4)

.

8 -

أبو محمد العز بن عبد السلام: (ت 660 هـ) فقد ذكر في قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ} [النحل: 17]، أنه لا يمكن أن يقال: "إنهم كانوا يعظمون الأصنام أكثر من تعظيم الله، لأنه ليس الأمر كذلك بل قالوا:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}

(5)

[الزمر: 3]، وذكر العز أيضًا أن السجود للصنم قد يقصد به التقرب إلى الله تعالى واستدل على ذلك بآية الزمر

(6)

.

9 -

ابن منظور محمد بن مكرم أبو الفضل اللغوي (ت 711 هـ)، فإنه ذكر في مادة "شرك" حديث تلبية الجاهلية وقولهم: إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك ثم قال: اللهم إنا نسألك صحة التوحيد والإخلاص في

(1)

تلبيس إبليس: 49.

(2)

المصدر نفسه ص: 60.

(3)

انظر تفسير الرازي: 13/ 37 - 39، و 26/ 241 و 27/ 130 و 9/ 63، 17/ 63.

(4)

المصدر السابق: 13/ 37، ونحوه في: 2/ 122.

(5)

الفوائد في مشكل القرآن ص: 90.

(6)

انظر الإعلام بقواطع الإسلام ص: 19 - 20، والفروق للقرافي. . .

ص: 865

الإيمان، انظر إلى هؤلاء لم ينفعهم طوافهم ولا تلبيتهم ولا قولهم عن الصنم هو لك ولا قولهم تملكه وما ملك، مع تسميتهم الصنم شريكًا بل حبط عملهم بهذه التسمية، ولم يصح لهم التوحيد مع الاستثناء ولا نفعتهم معذرتهم بقولهم {إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}

(1)

.

10 -

شيخ الإسلام ابن تيمية، فقد قرر هذه المسألة بأدلة مختلفة وذكرها في مواضع كثيرة من كتبه

(2)

نذكر بعضها، فمنها: ما ذكره من أن المتكلمين غاية أمرهم إثبات واجب الوجود "وهذا حق لم ينازع فيه لا معطل ولا مشرك"، لأن الناس متفقون على إثباته إلا ما يحكى عن بعضهم أنه قال: إن العالم حدث بنفسه وهذا لا يعرف قائله وإنما هو يقدر تقديرًا، وهو مما يخطر في قلوب الناس فقط وليس قولًا معروفًا لطائفة معينة"

(3)

.

وقال أيضًا: ومعلوم أن أحدًا من الخلق لم يزعم أن الأنبياء والأحبار والرهبان والمسيح ابن مريم شاركوا الله في خلق السموات والأرض، بل ولا زعم أحد من الناس أن العالم له صانعان متكافئان في الصفات والأفعال، بل ولا أثبت أحد من بني آدم إلهاً مساويًا لله في جميع صفاته بل عامة المشركين بالله مقرون بأنه ليس شريكه مثله"

(4)

.

(1)

لسان العرب: 4/ 2249 مادة شرك.

(2)

انظر بيان تلبيس الجهمية: 2/ 454 - 456، ومنهاج السنة: 1/ 203، 229، 3/ 292 - 29، 330، ودرء تعارض العقل: 7/ 391، 396، وبغية المرتاد: 360، 368، 373، والتدمرية ص: 49، والرد على المنطقيين: 293، وقاعدة في التوسل: 15 - 17 و 124، والفتاوى: 5/ 548 - 549 و 3/ 96 - 97 و 7/ 75 - 77 و 10/ 669، 156 - و 1/ 92 و 2/ 37 - 38، والرد على البكري: 178 - 179، وموافقة صحيح المنقول: 1/ 174 - 175، وجامع الرسائل: 2/ 51 - 53، والتسعينية ضمن الفتاوى الكبرى: 5/ 250.

(3)

منهاج السنة: 3/ 395 - 456.

(4)

الفتاوى: 3/ 96، ونحوه في: 7/ 75.

ص: 866

وقال أيضًا: "وإثبات توحيد الربوبية لم ينازع في أصله أحد من بني آدم وإنما نازعوا في بعض تفاصيله. . . "

(1)

.

وقد نبه شيخ الإسلام رحمه الله على أن هذا الموضع عظيم ينبغي معرفته لالتباسه على بعض الطوائف حتى وقعوا فيما ينافي الإسلام

(2)

.

11 -

ابن القيم شمس الدين أبو عبد الله (ت 751 هـ) فإنه قال بعد أن ذكر اللات والعزى ومناة: "ولم يكن أحد من أرباب الطواغيت يعتقد أنها تخلق وترزق وتميت وتحيي، وإنما كانوا يفعلون عندها وبها ما يفعله إخوانهم اليوم عند طواغيتهم"

(3)

.

12 ـ ابن أبي العز الحنفي علي بن علي (ت 792 هـ) فقد ذكر توحيد الربوبية ثم ذكر أنه لم يذهب إلى نقيضه طائفة معروفة من بني آدم وذكر أنه مفطور في البشر

(4)

.

13 -

المقريزي أحمد بن علي (ت 845 هـ) فإنه ذكر قول المشركين في النار {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 97، 98] ثم قال: "ومعلوم قطعًا أن هذه التسوية لم تكن بينهم وبين الله في كونه ربهم وخالقهم، فإنهم كانوا كما أخبر الله عنهم مقرين بأن الله تعالى وحده هو ربهم وخالقهم. . ."

(5)

.

(1)

الفتاوي: 2/ 37 - 38.

(2)

التسعينية ضمن الفتاوى الكبرى: 5/ 250.

(3)

زاد المعاد: 3/ 506 وقال ابن القيم أيضًا في المقارنة بين النصارى والمشركين: إن المشركين يأنفون من وصف آلهتهم بما يصف النصارى الله به والله أعظم في قلوبهم من ذلك "وإنما شرك القوم أنهم عبدوا من دونه آلهة مخلوقة. . . وزعموا أنها تقربهم إليه لم يجعلوا شيئًا من آلهتهم كفوًا له ولا نظيرًا ولا ولدًا. . .". اهـ. إغاثة اللهفان: 2/ 208، ونحوه في مفتاح دار السعادة: 1/ 121، وطريق الهجرتين ص:45.

(4)

شرح الطحاوية: 16 - 20.

(5)

تجريد التوحيد ص: 15.

ص: 867

14 -

القاري علي بن سلطان الهروي الحنفي (ت 1014 هـ) فقد ذكر أن توحيد الألوهية يستلزم توحيد الربوبية دون العكس لقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ. . .}

(1)

.

15 -

الدهلوي أحمد بن عبد الرحيم (ت 1176 هـ)، فقد ذكر هذه المسألة وقررها في عدة مواضع من كتبه

(2)

بتقرير حسن.

16 -

شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب (ت 1206 هـ) فإنه قد ذكر هذا الأصل وقرره في مواضع

(3)

من كتبه ورسائله على أحسن الوجوه.

17 -

ابن عابدين محمد بن عمر الحنفي (ت 1252 هـ) فقد ذكر في حاشيته على رد المحتار تعقيبًا على كلام المؤلف أن الوثنية لا ينكرون الصانع تعالى كما لا يخفى، ثم ذكر أن عبدة الأوثان كانوا يقرون بالله تعالى، قال تعالى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ. .} الآية، ولكن كانوا لا يقرون بالوحدانية. قال تعالى:{إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ}

(4)

[الصافات: 35].

18 -

ثم هناك علماء كثيرون

(5)

صرحوا بهذا فنكتفي بهذا القدر.

(1)

شرح الفقه الأكبر ص: 51.

(2)

انظر الفوز الكبير ص: 23 - 26، وحجة الله البالغة 1/ 59 - 61 و 125، والبدور البازغة ص: 124، 188، كما في البصائر: 273، 274.

(3)

انظر مؤلفات الشيخ قسم العقيدة: 155 - 157، 200، و 365 - 367، و 398 - 399، والرسائل الشخصية: 5/ 151 - 154 و 44 - 45.

(4)

حاشية ابن عابدين على رد المحتار: 4/ 226 - 227، ونحوه في حاشيته على البحر الرائق: 5/ 139 وقد نقل ابن عابدين في رسائله 1/ 362 عن إبراهيم الحلبي أن غلاة الروافض أسوأ حالًا من المشركين لأنهم اعتقدوا الألوهية في علي، والذين عبدوا الأصنام لم يعتقدوا الألوهية فيها وإنما عبدوها تقربًا إلى الله تعالى الذي هو الإله وإنما سموها آلهة لإشراكهم إياها له تعالى في العبادة.

(5)

قد ذكرنا بعضهم في أثناء ما تقدم منهم قتادة ومقاتل كما تقدم قريبًا ص: 858، 861، ومنهم الكلبي المتخصص في شؤون الجاهلية فقد ذكر في كتابه "الأصنام" أشعارًا وحكايات تدل على ذلك ومن ذلك ما ذكره عن الرجل الذي =

ص: 868

كما اعترف بهذه الحقيقة

(1)

كثير من أهل هذا العصر نكتفي منهم بما ذكره محمد عبد الله دراز، من أن المتدينين مهما بلغوا في الخرافة أي مبلغ لا بد أن يعترفوا بالإله الأعظم، وأما الأصنام والأوثان فيزعمون أنها مهبط لقوة غيبية. . . إلخ

(2)

.

ولا حاجة إلى إطالة البيان لهذا الواضح البين لولا زعم من يقول

(3)

: "إن أولئك المشركين ما كانوا جادين فيما يحكي ربنا عنهم من قولهم مسوغين عبادة الأصنام: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] ".

ثم احتج هذا القائل بشبهة وهي:

1 -

أن الله سبحانه قد نهى المسلمين من سب أصنامهم بقوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108].

= نفرت له الإبل فسب الصنم الذي يريد أن يعبده المسمى بسعد فأنشد:

وَهَلْ سَعْدٌ إِلا صَخْرَةٌ بِتَنُوْفَةٍ. . . من الأرضِ لا يُدْعَى لِغَيٍّ ولا رُشْدِ

أنظر الأصنام ص: 37 كما ذكر هذه الحكاية ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام: 1/ 81، وإغاثة اللهفان: 2/ 159، ومنهم الزجاج في معاني القرآن: 1/ 97 - 99، ومنهم الأمير الصنعاني في تطهير الاعتقاد: 8 - 10، والشوكاني في الدر النضيد 17، ومحمد صديق حسن خان في الدين الخالص: 1/ 209، والسويدي في العقد الثمين: 61 وما بعدها والألوسي في روح المعاني: 15/ 115، والمعلمي في القائد ص: 103 فقال: أما مشركو العرب فإنهم قلدوا غيرهم من الأمم في الشرك العملي فقط.

(1)

انظر ما قاله المودودي في المصطلحات الأربعة ص: 19، وعبد الحليم محمود في أبو الحسن الشاذلي: 90 - 91، وأحمد صبحي منصور في السيد البدوي: 218، 219 - 220، والشيخ زكريا علي يوسف في الإيمان وآثاره: 89 - 90، وانظر كلام المستشرق/ دوزي في كتاب ابن تيمية والتصوف لمصطفى حلمي: 79

(2)

الدين لمحمد عبد الله دراز: 42 - 43.

(3)

وهو العلوي المالكي في مفاهيمه ص: 26 - 27.

ص: 869

وزعم أن قول كلمة نقص في الحجارة التي يعبدونها - يتسبب عنه غضبهم غيرة على تلك الحجارة التي يعتقدون من صميم قلوبهم أنها آلهة تنفع وتضر، وأنهم "لو كانوا صادقين بأن عبادتهم لأصنامهم تقربهم إلى الله زلفى ما اجترؤوا أن يسبوه انتقامًا ممن يسبون آلهتهم، فإن ذلك واضح جدًا في أن الله تعالى في نفوسهم أقل من تلك الحجارة".

الجواب عن هذه الشبهة على وجوه:

الوجه الأول

(1)

:

أن سبهم الذي يخشى أن يقع عند سب آلهتهم هو مقابلتهم لمن سب معبودهم بمثل سبه يريدون محض المجاراة فيتجاوزون الحد فيها، كما يقع كثيرًا من المختلفين في الدين والمذهب، يسب نصراني نبي المسلم فيسب المسلم نبيه ويريد عيسى عليهما الصلاة والسلام، ويسب شيعي -يلاحي سنيًا ويماريه- أبا بكر فيسب عليًا والأول يعلم أن سب عيسى كفر كَسَبِّ محمد عليهما الصلاة والسلام والثاني يعلم أن سب علي فسق

(2)

كسب أبي بكر رضي الله عنهما، ومثل هذا يقع كثيرًا بل كثيرًا مَّا يتساب أخوان من أهل دين واحد يسب أحدهما أب الآخر أو معبوده فيقابله بمثل سبه، يغيظه بسب أبيه مضافاً إليه، ويعده إهانة له، فيسبه مضافًا إلى أخيه إهانة لأخيه، وهذا كله من حب الذات، والجهل الحامل على المعاقبة على الجريمة بارتكابها عينها يهين والده المعظم عنده ومعبوده الذي هو أعظم منه احتماء لنفسه وعصبية لها، وقد جاء في الصحيح عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا: "من الكبائر شتم الرجل والديه

(1)

انظر في هذا تفسير المنار: 7/ 553 - 554، وروح المعاني: 7/ 251.

(2)

ذكر شيخ الإسلام اختلاف العلماء في حكم من سب أحدًا من الصحابة وأن منهم من كفره وحكم بقتله ومنهم من قال لا يكفر ولكنه يعزر ويؤدب ثم مال شيخ الإسلام رحمه الله إلى أن الحكم فيه تفصيل وأن منهم من لا يشك في كفره. اهـ. يراجع الصارم المسلول من ص 567 - 587.

ص: 870

قالوا يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه. . ."

(1)

.

ومما يشهد لهذا الوجه ما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «استب رجل من المسلمين ورجل من اليهود فقال المسلم: والذي اصطفي محمدًا على العالمين، فقال اليهودي: والذي اصطفى موسى على العالمين، فلطم المسلم اليهودي فذهب اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم واشتكى فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تخيروني على موسى»

(2)

.

وقال عليه الصلاة والسلام: "ما ينبغي لعبد أن يقول: إني خير من يونس بن متى"

(3)

، وكل هذا لئلا يفضي إلى المخاصمة والمنازعة ثم يؤدي ذلك إلى الازدراء والانتقاص للمفضول بدون قصد.

وعلى هذا الوجه المتقدم يحمل قوله تعالى: {عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} ، على أن المراد بالعلم المنفي:"العلم الحضوري الباعث على العمل وهو إرادة السب التي يقصد بها إهانة المسبوب، فإن الساب هنا لا يتوجه قصده إلا إلى إهانة مُخَاطَبه الذي سبه"

(4)

.

الوجه الثاني:

ليس المراد أنهم يسبونه صريحًا ولكن يخوضون في ذكره فيذكرونه بما لا يليق به ويتمادون في ذلك بالمجادلة فيزدادون في ذكره بما لا يليق بالله تعالى، وقد قال بهذا الوجه الراغب الأصفهاني

(5)

.

(1)

أخرجه مسلم: 1/ 92 رقم 90، وأحمد 2/ 164، 195، 214، 216.

(2)

البخاري 5/ 70 رقم 2411، 6/ 441 رقم 3408، ومسلم: 4/ 1843 رقم 2373.

(3)

البخاري 6/ 450 رقم 3413، 3416، ومسلم: 4/ 1846 رقم 2376 - 2377.

(4)

المنار: 7/ 554.

(5)

المفردات ص: 220 مادة سب.

ص: 871

فالمراد أنهم يقولون ما يستلزم سبه بحيث يفهم ذلك منهم، وإن لم يَعْلَم ذلك قَائِلُه

(1)

وليس ذلك غرضه.

الوجه الثالث:

أن معنى سبهم لله تعالى هو سبهم وعيبهم لأمر المسلمين فيعود ذلك إلى الله تعالى، لا أنهم كانوا يصرحون بسب الله تعالى لأنهم كانوا يقرون أنه خالقهم وإن أشركوا به، وقد قال بهذا الوجه ابن الجوزي

(2)

.

ويقرب هذا الوجه أن الكفار إذا عيب دينهم فلا بد أن يعيبوا دين المسلمين والشريعة الإسلامية وما جاءت به من العبادات والأحكام، فيؤدي ذلك إلى سب من شرع هذا الدين الحنيف وهو الله تعالى.

الوجه الرابع:

أنهم ربما كان في جهالهم من كان يعتقد بأن إله محمد شيطان يحمله على ادعاء الرسالة، وليس خالق السموات والأرض، فكان يشتم إله محمد على هذا التأويل، وهذا الوجه أبداه الرازي احتمالًا

(3)

.

ويؤيد هذا الوجه أن المتخاصم ربما يعتقد أن خصمه لا يعبد الله تعالى بل يعبد إلهًا آخر، لأنه يصف معبوده بما لا يصح أن يوصف به الله تعالى عنده، وقد ثبت عن بعض المختلفين في الأديان وفي مذاهب الدين الواحد وصف ربهم وإلههم بصفات، ورب خصومهم وإلههم بصفات تناقضها، أو تضادها كما يقول مثبتو الصفات ونفاتها بعضهم في بعض، مع أن الجميع يقولون: إنهم يعبدون الله خالق السموات والأرض وما بينهما وما فيهما

(4)

.

(1)

المنار: 7/ 553.

(2)

زاد المسير: 3/ 102.

(3)

تفسير الرازي: 7/ 147.

(4)

المنار: 7/ 554.

ص: 872

الوجه الخامس:

أن هؤلاء يعلمون أن الله أجل وأعظم من أصنامهم، ولكن تهوى أنفسهم هذه الأصنام أكثر وتحبها حبًا أفضل من حب الله تعالى في أشياء مخصوصة باعتباراتٍ مخصوصة، وليس تفضيلًا مطلقًا، وقد أشار إلى هذا الوجه شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث ذكر هذه الآية والآية الآتية وقول أبي سفيان الآتي فأجاب بهذا الوجه

(1)

.

الوجه السادس:

معنى السب لله تعالى هو تماديهم في الشرك به، فالشرك مسبة لله تعالى، وأي مسبة أعظم من عبادة غيره معه أو ادعاء الولد والصاحبة له؟ ويدل على هذا الحديث القدسي، قال تعالى:"يشتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني ويكذبني وما ينبغي له، أما شتمه فقوله إن لي ولدًا. . ."

(2)

.

وهذا التمادي في الشرك يحصل من التعصب للآلهة وذلك أن الخصم عندما يسمع سبه وسب معبوده -لا يصغي إلى الحجة ولا يلقي لها بالًا بل يحاول أن يدفع البراهين الساطعة والأدلة الدامغة بدون تأمل ولا روية، ولكن عندما يعلم أن خصمه لا يريد إهانته ولا سب معبوده وإنما يريد الحق والإنصاف- يصغي إلى حجة خصمه وأدلته، ويفكر فيها بجد، وقد يصل في النهاية إلى الاقتناع ولهذا أمرنا الله تعالى بالمجادلة بالتي هي أحسن، قال تعالى:{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: 46].

هذا وقد بقيت وجوه أخرى ذكرت

(3)

في توجيه الآية مثل أن المراد

(1)

منهاج السنة النبوية: 5/ 397.

(2)

أخرجه البخاري: 6/ 287 رقم 3193 من حديث أبي هريرة.

(3)

انظر تفسير الرازي: 7/ 147.

ص: 873

من سب الله سب رسوله، أو أن الآية في القائلين بالدهر ونفاة الصانع، وهذه الوجوه ضعيفة لا تناسب سياق الآية فالوجوه السابقة كافية لمن يريد الحق والله الموفق ..

2 -

كما احتج هذا القائل

(1)

أيضًا بآية ثانية زاعمًا أنها تدل على أن الله تعالى أقل في نفوسهم من الحجارة وهي قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الأنعام: 136].

الجواب: أن الآية -بحمد الله- تدل على عكس فهم هذا الزاعم وذلك لأن معناها كما قال ابن عباس ومجاهد.

أنهم -يسمون لله جزءًا من الحرث-، ولشركائهم وأوثانهم جزءًا، فما ذهبت به الريح أو سقط من جزء أوثانهم إلى جزء الله ردوه وقالوا: الله غني عن هذا، وأما ما ذهب من جزء الله إلى جزء أوثانهم لم يردوه وقالوا: إنها فقيرة ومحتاجة.

وقال السدي: "إذا هلك الذي يصنعون لشركائهم وكثر الذي لله قالوا: ليس بُدٌّ لآلهتنا من نفقة، وأخذوا الذي لله فأنفقوه على آلهتهم، وإذا أجدب الذي لله وكثر الذي لآلهتهم قالوا لو شاء أزكى الذي له فلا يردون عليه شيئًا مما للآلهة"

(2)

.

هذان التفسيران المأثوران يدلان على أن الله تعالى أعظم في نفوسهم من آلهتهم، لوصفهم الله تعالى بالغنى على التفسير الأول وبالمشيئة المطلقة على الثاني، ولوصفهم أوثانهم بالفقر والحاجة، وعدم المشيئة.

(1)

انظر مفاهيم: 27.

(2)

الطبري: 8/ 41 - 42، والبغوي: 2/ 133، وابن كثير: 2/ 179، والرازي: 7/ 215.

ص: 874

وهذا واضح جدًا فالآية تدل على عكس ما زعمه، ثم إنا لو سلمنا أنها تدل على أن الله أقل من أصنامهم فلا نسلم أنها تدل على عدم اعتقادهم بالربوبية، لما مر في الآية السابقة من الوجه الخامس من أن التفضيل في أشياء مخصوصة ليس تفضيلًا مطلقًا.

3 -

واحتج أيضًا بشبهة أخرى ثالثة وهي قول

(1)

أبي سفيان يوم أحد "اعل هبل" وقال: "ينادي صنمهم المسمى بهبل أن يعلو في تلك الشدة رب السموات والأرض ويقهره ليغلب هو وجيشه جيش المؤمنين الذي يريد أن يغلب آلهتهم"

(2)

.

الجواب عن هذه الشبهة بوجوه:

1 -

إن معنى اعل هبل -ظهر دينك

(3)

- أو أظهر دينك

(4)

، وعلى هذا فهو يخبر بظهور دين هبل على دين المسلمين وليس على خالق السموات والأرض، أو يدعوه بأن يظهر دينه على دين المسلمين ويؤيد الأول تفسير ابن الجوزي له بقوله:"أي علا دينك"

(5)

.

2 -

ولو سلمنا أن معناه أن هبل أعلى من إله المسلمين فهو على قصد أن إله المسلمين غير خالق السموات والأرض، فإن المشركين لا يعترفون بأن الله هو الذي أرسل محمدًا لله بل يقولون إنه ساحر وكاذب وشاعر إلى آخر ذلك.

ومن الدلائل الصريحة في ذلك قول سهيل بن عمرو في قصة

(1)

أخرجه البخاري: 7/ 349 رقم 4043.

(2)

مفاهيم: 27.

(3)

هكذا فسره ابن إسحاق كما في سيرة ابن إسحاق تحقيق سهيل ذكار: 333 ونقله عنه في الفتح: 7/ 352، وفسره الكلبي في الأصنام: 28 أي علا دينك.

(4)

نقله هكذا عن ابن إسحاق في الروض الأنف: 30/ 170، وفي سيرة ابن هشام: 3/ 93، وفي نسخة لكتاب الأصنام أعل هبل أعل دينَك.

(5)

تلبيس إبليس ص: 57.

ص: 875

الحديبية عندما أملى الرسول صلى الله عليه وسلم على الكاتب وهو علي بن أبي طالب "هذا ما قاضي عليه محمد رسول الله" فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"والله إني لرسول الله وإن كذبتموني، اكتب محمد بن عبد الله"

(1)

.

3 -

وإذا كان هناك احتجاج بكلام الكفار في الحرب فيقال لهذا القائل: ماذا تقول في قول أبي جهل يوم بدر: "اللهم أقطعنا للرحم وأتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة فكان ذلك استفتاحًا منه فنزلت: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ}

(2)

[الأنفال: 19].

فقد استفتح أبو جهل بالرب دون اللات والعزى وهبل.

الخلاصة:

قد تبين مما سبق أن أكثر الأمم معترفون بتوحيد الربوبية، وخاصة مشركو العرب الذين نزل فيهم القرآن وأنهم إنما أشركوا بصرفهم العبادة لغير الله تعالى بزعمهم الشفاعة والوساطة والتقريب، وأن القول بنفي الربوبية لا يعرف إلا ما يقال احتمالًا وافتراضًا أو من شرذمة قليلة فسدت فطرتها فتنكرت لما تفرضه الفطرة، وتوجبه البديهة وتظاهرت بالإنكار مع أنها في الحقيقة تقر بذلك {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل: 14]، وقال موسى لفرعون:{لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ} [الإسراء: 102].

(1)

البخاري: 5/ 331 رقم 2731.

(2)

أخرجه أحمد: 5/ 431، وابن جرير: 9/ 207، والحاكم: 2/ 82، ونسبه في الدر المنثور: 3/ 175، أيضًا إلى ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والنسائي وابن المنذر وغيرهم كلهم من حديث عبد الله بن ثعلبة بن صغير وقد صححه الحاكم ووافقه الذهبي كما صححه الشيخ مقبل بن هادي في الصحيح المسند من أسباب النزول: 72 وللحديث شواهد من مراسيل التابعين، انظرها في الدر وابن جرير:

ص: 876

وهذا الاعتقاد بالوساطة للأصنام والأوثان وغيرها - لا يمنع من أنه قد يوجد

(1)

بعض الأفراد القليلين الذين قد ينسون الله بالكلية فيقصدون آلهتهم فقط وإن كانوا يعترفون ويعلمون بالنظر البرهاني أن لا بد من الاعتراف بالله تعالى.

ولكن مناقشتنا ليست في هؤلاء القلة وإنما هي في جمهور المشركين الذين نزل فيهم القرآن وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فهؤلاء قطعًا يقرون بالربوبية ويعتقدون في الأصنام الشفاعة والتقريب وهم جَادُّونَ فيما يعتقدونه من ذلك كما دلت عليه الأدلة القاطعة التي ذكرناها ولله الحمد.

‌الشبهة

(2)

الثانية:

قالوا: إن دعاء الصالحين والاستغاثة بهم ليس عبادة لهم وبالتالي فليس شركًا ولا تنطبق عليه النصوص الواردة في منع دعاء غير الله تعالى، لأن المراد بالدعاء في تلك الآيات هو العبادة وليس بمعنى السؤال والنداء والطلب.

(1)

انظر ما ذكره ابن الجوزي من تحسين الشيطان لبعضهم أنها الآلهة وحدها "تلبيس إبليس ص: 63" وما ذكره ابن القيم من أن من المشركين من يزعم أن معبوده هو الإله على الحقيقة أو أكبر الآلهة "الجواب الكافي: 135"، وما ذكره الدهلوي من أن بعضهم قد ينسى جلال الله بالكلية فلا يعبد إلا الشريك بدون نية الوساطة "حجة الله البالغة: 1/ 61 ".

ويمكن أن يقال: إن هؤلاء إنما زعموا في معبوداتهم أنها الإله الحق لزعمهم حلول الإله فيها أو سر الإله لا على أنها بذاتها هي الإله الأعظم، انظر بغية المرتاد: 521، أو أن هذا الكلام افتراض من هؤلاء القائلين إذ لا يعرف القائل به كما أشار إليه ابن تيمية. والله أعلم. أو يقال إن هؤلاء القلة ليسوا من أصحاب الأصنام الذين يناقشهم القرآن، وإنما من بعض الدهرية كما يشير إلى ذلك كلام الأشعري السابق.

(2)

انظر هذه الشبهة في خلاصة الكلام: 257، 259، 260، والدرر السنية ص: 34، وانظر حكاية هذه الشبهة عنهم والجواب عنها في كشف الشبهات ص: 164، والقول الفصل ص: 29، وجلاء العينين:445.

ص: 877

وأما الدعاء بمعنى النداء والسؤال فيجوز صرفه لغير الله تعالى، فالممنوع هو دعاء غير الله تعالى بمعنى العبادة لا بمعنى السؤال.

وقالوا: فنحن لم نعبد غير الله تعالى، وإنما المقصود بدعائنا هو التوسل والتشفع فقط لا العبادة.

الجواب عن هذه الشبهة بوجوه:

1 -

إن هذا القول يصادم النصوص الواضحة التي سمت دعاء المسألة عبادة وهي كثيرة: فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «الدعاء العبادة»

(1)

.

ومن ذلك بعض الآيات التي وردت فيها كلمة الدعاء ومتصرفاتها وأريد بها دعاء المسألة نصًا، فلا يمكن تأويلها بالعبادة فهي آيات صريحة في موضع النزاع، منها قوله تعالى:{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} [الأنعام: 40، 41].

وقوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا} [الإسراء: 56].

وقوله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} [الرعد: 14].

فالمراد بالدعاء في هذه الآيات دعاء المسألة كما هو واضح من سياق الآيات.

ويدل على ذلك في الآية الأولى قوله: {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ} لأن الكشف هو إجابة الدعاء. كما يدل على ذلك في الآية الثانية قوله: {فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ

(1)

تقدم تخريجه ص: 54.

ص: 878

عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا} لأن كشف الضر أو تحويله هو إجابة الدعاء.

ويدل السياق في الآية الثالثة مع المثل المضروب وكلمة لا يستجيبون على أن المراد بالدعاء دعاء المسألة.

وقد ذكرنا فيما تقدم

(1)

أمثلة أخرى مع نقل كلام العلماء في ذلك.

2 -

إن أكثر استعمال الدعاء في الكتاب والسنة واللغة ولسان العرب ومن بعدهم من العلماء في السؤال والطلب كما قال العلماء من أهل اللغة وغيرهم

(2)

.

وقد تقدم

(3)

بيان ذلك في تعريف الدعاء ولله الحمد.

ومن الأدلة على أن الاستعمال الأكثر للدعاء إنما هو في السؤال والطلب صنيع المؤلفين من المحدثين وغيرهم، حيث يعقدون في كتبهم بباب الدعوات أو كتاب الدعوات أو مثل هذه العبارة ثم يوردون ما يتعلق بدعاء المسألة فقط

(4)

.

وأغلبهم لا يتعرضون لدعاء العبادة في تلك الكتب والأبواب.

ومثل هؤلاء آخرون الذين أفردوا كتبًا خاصة بالدعاء وهي كتب كثيرة للمتقدمين

(5)

والمتأخرين لم يذكروا في تلك الكتب إلا مما يتعلق بدعاء المسألة.

فهذا يدل على أن الاستعمال الغالب لكلمة الدعاء في لسان المصنفين من العلماء -إنما هو في دعاء المسألة-.

(1)

تقدم ص: 118.

(2)

فتح المجيد ص: 180.

(3)

مر في ص: 27.

(4)

انظر القول الفصل النفيس: 47.

(5)

قد ذكرت في ص: 163 أنها وصلت بعد التتبع حسب الاستطاعة نحو 60 مؤلفًا إلى القرن السادس وأما بعد ذلك فكثيرة جدًا فيصعب حصرها.

ص: 879

3 -

لو سلمنا أن المراد بالدعاء في الآيات -العبادة- لا نسلم بأن دعاء المسألة لا يدخل في العبادة، فإنه إن لم يكن الدعاء من العبادة فلا عبادة يمكن تصورها، لأن الدعاء يتضمن أنواعًا من العبادات وليس عبادة واحدة فقط، فهو يتضمن الرجاء والخوف والتوكل والتضرع والابتهال والخشية والطمع والتوجه إلى الله والإقبال عليه والانطراح بين يديه وحسن الظن بالله، والمراقبة الله، كما أنه يتضمن سؤاله وذكره وثناءه والتوسل إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا.

فإذا لم تكن هذه الأمور عبادة فلا يمكن أن نتصور عبادة وقد وردت الأدلة الصحيحة بأن الدعاء هو العبادة وأنه مخها وروحها، قال صلى الله عليه وسلم في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما: الدعاء هو العبادة "فثبت بهذا أن الدعاء عبادة من أجلّ العبادات فإن لم يكن الإشراك فيه شركًا، فليس في الأرض شرك، وإن كان في الأرض شرك فالشرك في الدعاء أولى أن يكون شركًا من الإشراك في غيره من أنواع العبادات"

(1)

.

فتحصل من هذا أن الدعاء داخل في العبادة، وأن الآيات والأحاديث الواردة في العبادة والتحذير من صرفها لغير الله تعالى تشمل وتعم جميع أنواع العبادت ومن أجلها دعاء المسألة، وقد قدمنا تلازم نوعي الدعاء وأن دعاء العبادة يستلزم الطلب والسؤال، فلا ينفع الخصم تأويل معنى الدعاء إلى العبادة وتضييقه لمفهوم العبادة حيث يظن أنها خاصة بالصلاة والصوم والحج.

قال الأمير الصنعاني جوابًا لمن حصرها في الصلاة والصوم إلخ:

"هذا جهل بمعنى العبادة فإنها ليست منحصرة فيما ذكرت بل رأسها وأساسها الاعتقاد، وقد حصل في قلوبهم ذلك بل يسمونه معتقدًا ويصنعون له ما تفرع عن الاعتقاد من دعائهم وندائهم والتوسل بهم

(1)

تيسير العزيز ص: 219.

ص: 880

والاستغاثة والحلف والنذر وغير ذلك"

(1)

.

4 -

وأما ادعاء

(2)

أن هذا الطلب والسؤال الذي يصرف لغير الله ليس بدعاء بل هو نداء فالآيات إنما وردت في التحذير من الدعاء، وأما النداء للغائب فجائز.

فهذا الادعاء غير صحيح لأمور

(3)

.

أ - إن الله سبحانه وتعالى قد سمي النداء دعاء في كثير من الآيات منها {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4)} [مريم: 2 - 4].

سمي الله النداء دعاء في هذه الآية لأن مدلولهما واحد من باب الترادف على معنى واحد

(4)

، وقال تعالى:{وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً} [البقرة: 171]. فعطف النداء على الدعاء عطف مرادف. وقال تعالى: {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ} [الأنبياء: 76] وسمي ذلك دعاء في آية أخرى فقال: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10)} [القمر: 10].

ب - ثم يقال: وأي فرق بين ما إذا سأل العبد ربه حاجة وبين ما إذا طلبها من غيره ميت أو غائب بأن الأول يسمى دعاء والثاني نداء؟

(5)

.

ولا فرق بين الأمرين لا في اللغة ولا في الشرع.

ج - ثم يقال أيضاً: وأي فرق بين سؤال الميت حاجة وبين سؤالها

(1)

تطهير الاعتقاد للصنعاني ص: 34.

(2)

يراجع خلاصة الكلام: 257.

(3)

القول الفصل: 29، والانتصار لحزب الله ص: 25، وتأسيس التقديس لأبا بطين ص:50.

(4)

القول الفصل: 29، والانتصار لحزب الله ص:25.

(5)

الانتصار لحزب الله ص: 25.

ص: 881

من صنم ونحوه بأن الثاني يسمى دعاء والأول نداء؟ فإن قال: الكل يسمى نداء لا دعاء، فهذا مشاقة للقرآن ومحادة الله ورسوله

(1)

؛ لأنَّه قد وردت آيات كثيرة جداً تسمي نداءَ ما يعبد من دون الله دعاء وذكرنا أمثلتها في التعريف

(2)

فيما تقدم.

5 -

وأما ادعاء أن دعاء الصالحين لا يسمى عبادة وإنما يسمى توسلاً أو شفاعة أو تبركاً إلى آخر تلك التأويلات فهو قول باطل لأن الأسماء لا أثر لها ولا تغير المعاني، ضرورة لغوية وعقلية وشرعية، فتغيير الاسم لا يغير حقيقة المسمى ولا يزيل حكمه

(3)

؛ لأن العبرة بالمقاصد لا بالألفاظ والأسماء، كما يدل على ذلك قوله تعالى:{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5]، وقال عليه الصلاة والسلام: إنما الأعمال بالنيات"

(4)

.

وقد أخبر المصطفى صلوات الله وسلامه عليه أنه سيأتي قوم يشربون الخمر ويسمونها بغير اسمها

(5)

.

فالخمر هي من الخمر ولو سموها -زوراً وبهتاناً- شراباً روحياً أو غير ذلك الأسماء البراقة الخادعة.

وكذلك دعاء -غير الله تعالى- لا يتغير بتسميته توسلاً وتشفعاً وتبركاً، وكذلك تسمية من يعتقدون فيه أولياء لا تخرجهم عن اسم الأصنام والأوثان، إذ هم معاملون لهم معاملة المشركين للأصنام ويطوفون

(1)

المرجع نفسه ص: 25، وتأسيس التقديس ص:52.

(2)

تقدم ص: 32.

(3)

تطهير الاعتقاد: 20، والانتصار لحزب الله ص:10.

(4)

البخاري: 9/ 1 رقم 1، ومسلم: 3/ 1515 رقم 1907.

(5)

أخرجه أبو داود: 4/ 93 رقم 3688، وابن ماجه: 2/ 1333 رقم 4020، وأخرجه البخاري عن شيخه هشام بن عمار على صورة التعليق جازماً به "البخاري مع الفتح: 10/ 51 رقم 5590" والحديث صحيح بلا شك خلافاً لابن حزم وله شواهد ساقها الحافظ ابن حجر في الفتح: 10/ 51 - 52.

ص: 882

بهم طواف الحجاج ببيت الله الحرام ويخاطبون الميت بالكلمات الكفرية ويهتفون بأسمائهم عند الشدائد

(1)

.

قال ابن القيم: فالشرك والكفر هو شرك وكفر لحقيقته ومعناه لا لاسمه ولفظه، فمن سجد لمخلوق وقال: ليس هذا بسجود له هذا خضوع وتقبيل الأرض بالجبهة أو هذا إكرام لم يخرج بهذه الألفاظ عن كونه سجوداً لغير الله، وكذلك من ذبح للشيطان ودعاه واستعاذ به وتقرب إليه بما يحب فقد عبده وإن لم يسم ذلك عبادة

(2)

.

فتبين مما سبق أن ما يفعله عباد القبور من دعاء أصحابها وسؤالهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات والتقرب إليهم بالذبائح والنذور عبادة منهم للمقبورين وإن كانوا لا يسمونه ولا يعتقدونه عبادة.

ومن كيد الشيطان أنه لما علم أن كل من قرأ القرآن أو سمعه ينفر من الشرك ومن عبادة غير الله تعالى ألقى في قلوب الجهال أن ما يفعلونه مع المقربين وغيرهم ليس عبادة لهم وإنما هو توسل وتشفع بهم والتجاء إليهم ونحو ذلك، فسلب العبادة والشرك اسمهما من قلوبهم وكساهما أسماء لا تنفر عنها القلوب

(3)

.

6 -

إن السبب الذي أوقعهم فيما قالوا أنهم ضيقوا مفهوم العبادة وظنوا أنها لا تشمل إلا نحو السجود والركوع.

كما ظنوا أن العبادة لا يكون صرفها لغير الله شركاً إلا إذا اعتقد التأثير من دون الله، وقد صرح بعضهم بذلك. فقال: وإنما النداء الذي يكون عبادة هو نداء من يعتقدون ألوهيته واستحقاقه العبادة، فيرغبون إليه ويخضعون بين يديه فالذي يوقع في الإشراك هو اعتقاد ألوهية غير الله

(1)

تطهير الاعتقاد: 22.

(2)

بدائع الفوائد: 2/ 235.

(3)

الانتصار لحزب الله: 11 - 13.

ص: 883

تعالى واعتقاد التأثير، وأما النداء لمن لا يعتقد ألوهيته ولا تأثيره فليس بشرك وإن كان لميت أو غائب أو جماد

(1)

. وقال غيره: إن العبادة هي اعتقاد ربوبية المخضوع له فإن انتفى ذلك الاعتقاد لم يكن ما يأتي به من الخضوع الظاهري من العبادة شرعاً مهما كان المأتي به ولو سجوداً

(2)

. وهذا باطل لأمور:

أ - لأن الشرك جعل شريك الله تعالى فيما يستحقه ويختص به من العبادة الباطنة والظاهرة، كالحب والخضوع والخوف والرجاء والدعاء

فمتى أشرك مع الله غيره في شيء من ذلك فهو مشرك بربه، قد عدل به سواه وجعل له نداً من خلقه، ولا يشترط في ذلك أن يعتقد له شركة في الربوبية أو استقلالاً بشيء منها

(3)

.

ب - ثم يقال لهم إن ظنكم أن العبادة لا يكون صرفها لغير الله شركاً إلا إذا اعتقد التأثير -يدل على أن الشرك لا يكون إلا اعتقادياً، وأن اللفظ لا يكون كفراً إلا إذا طابق الاعتقاد، وهذا يقتضي سد أبواب الشرائع ويخالف ما ذكره الفقهاء في باب الردة من التكفير بألفاظ يذكرها بعض الناس من غير اعتقاد

(4)

، وهذا الجواب على سبيل التنزل معهم وإلا فكثير منهم يعتقدون ما يقولون.

ج - ثم يقال لهؤلاء الذين ضيقوا مفهوم العبادة: إن السجود عبادة ومثله الدعاء والنذر والذبح فما الفارق الذي أباح صرف هذا دون هذا؟ بل الذي ورد في خصوص الدعاء أكثر مما ورد من السجود

(5)

.

د - ويقال لهم أيضاً: إن هذا جهل بمعنى العبادة فإنها ليست

(1)

خلاصة الكلام ص: 257.

(2)

فرقان الفرقان للعزامي ص: 111.

(3)

تحفة الطالب: 59.

(4)

جلاء العينين ص: 514 - 515.

(5)

الانتصار لحزب الله: 26.

ص: 884

منحصرة في السجود والصلاة والصيام إلخ، "بل رأسها وأساسها الاعتقاد، وقد حصل في قلوبهم ذلك بل يسمونه معتقداً ويصنعون له ما تفرع عن الاعتقاد من دعائهم وندائهم والتوسل بهم والاستغاثة والاستعانة والحلف والنذر وغير ذلك"

(1)

.

هـ - ويقال أيضاً لمن قال: إنه لم يقصد بدعاء الأموات والنحر لهم عبادتهم: "فلأي مقتضى صنعت هذا الصنيع؟ فدعاؤك للميت عند نزول أمر بك لا يكون إلا لشيء في قلبك عبر عنه لسانك، فإن كنت تهذي بذكر الأموات عند عروض الحاجات من دون اعتقاد منك فأنت مصاب بعقلك"

(2)

.

7 -

هذا ومما يدل على أن ادعاءهم بأنهم يريدون من الدعاء التوسل .. الخ ليس صحيحاً أن بعض هؤلاء يعترف بأنه لا فرق بين التوسل والاستشفاع بالأولياء، وبين الاستغاثة والدعاء والنداء وطلب تفريج الكربات من الأولياء فالكل من باب واحد لأن المهم هو عدم اعتقاد التأثير المستقل للأولياء.

ومع هذا إذا نوقشوا واحتج عليهم بأن القسم الثاني الذي هو الاستغاثة .. إلخ شرك صريح بدليل الآيات البينات.

قالوا: إنها تؤول إلى التوسل والشفاعة.

فدل هذا على أن هذا الكلام إنما هو تلبيس للحقائق وتسمية للأشياء بغير اسمها وإلا فهم باعترافهم لا يرون فرقاً بين الأمرين، وأن الكل ليس بمحظور بل هو مستحب وأدب من آداب الدعاء.

وهذه عبارات بعضهم تنادي عليهم بذلك:

قال السبكي: "اعلم أنه يجوز ويحسن التوسل، والاستغاثة،

(1)

تطهير الاعتقاد ص: 34.

(2)

الدر النضيد: 21.

ص: 885

والتشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه سبحانه وتعالى"

(1)

.

ثم ذكر أن معنى الاستغاثة طلب الغوث، فالمستغيث يطلب من المستغاث به أن يحصل له الغوث من غيره، وإن كان أعلى منه، فالتوسل والتشفع والتوجه والاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء والصالحين ليس لها معنى في قلوب المسلمين غير ذلك

وإذا صح المعنى فلا عليك في تسميته توسلاً أو تشفعاً أو توجهاً أو استغاثة.

ثم ذكر أنه لو سلم أن لفظ الاستغاثة يستدعي النصر على المستغاث منه فالعبد يستغيث بالنبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الصالحين متوسلاً بهم إلى الله ليغيثه على من استغاث منه، والمستغاث به في الحقيقة هو الله تعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم واسطة بينه وبين المستغيث

(2)

، ويقول أيضاً:"فالله تعالى مستغاث، فالغوث منه خلقاً وإيجاداً، والنبي صلى الله عليه وسلم مستغاث، والغوث منه تسبباً وكسباً"

(3)

.

فهو يعترف بأن الاستغاثة بالصالحين لا مانع منها، ويعلل ذلك بأن القصد من الاستغاثة بهم كونهم واسطة بين المستغيث بهم وبين الله تعالى.

وقد عرف أن هذا الاعتقاد بالواسطة هو عين ما يعتقده المشركون الأوائل.

كما يري أن إسناد الاستغاثة إلى المخلوق بمعنى أنهم مكتسبون لها ومتسببون فيها لا مانع، فهو يشير بهذا إلى كسب الأشعري المعروف.

فعلى قوله فإسناد الاستغاثة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حال مماته كإسناد الاستغاثة إليه في حال حياته؛ لأن الكل من باب الكسب والتسبب، وأما المؤثر الحقيقي في الحالتين فهو الله تعالى.

(1)

شفاء السقام: 171.

(2)

المصدر نفسه: 183 - 184.

(3)

المصدر نفسه: 188.

ص: 886

وذكر الهيتمي مثل كلام السبكي السابق ولعله نقله منه ومما قاله

(1)

: "فهو سبحانه وتعالى مستغاث به حقيقة والغوث منه خلقاً وإيجاداً، والنبي صلى الله عليه وسلم مستغاث به مجازاً

(2)

والغوث منه تسبباً وكسباً فهو على حد قوله تعالى: وما رميت {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17]، أي وما رميت خلقاً وإيجاداً إذ رميت تسبباً وكسباً ولكن الله رمى خلقًا وإيجاداً، وقوله تعالى: فلم تقتلوهم {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} [الأنفال: 17].

وبالجملة فإطلاق لفظ الاستغاثة لمن يحصل منه غوث باعتبار الكسب أمر معلوم لا شك فيه لغة ولا شرعاً، فإذا قلت: أغثني يا الله، تريد الإسناد الحقيقي باعتبار الخلق والإيجاد، وإذا قلت: أغثني يا رسول الله، تريد الإسناد المجازي باعتبار الكسب والتوسط".

ففي هذا الكلام الأمور التالية:

1 -

أنه يجوز طلب الاستغاثة من الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذا من الصالحين، لأنَّه لا فرق ذلك بين عندهم.

2 -

إن المستغاث به الذي هو النبي صلى الله عليه وسلم أو الولي، يغيث ويقع الغوث منه في حال مماته مثل ما يقع منه في حال حياته بدون أدنى أي فرق بين الحالتين، وقد علم بالضرورة الفرق بين الحالتين، فعدم الفرق باطل.

3 -

إن إسناد الغوث إلى المخلوق إسناد كسب وتسبب، وليس إسناد إيجاد وخلق، وهذه العقيدة في الإسناد في الأفعال هي عامة عندهم الأفعال الاختيارية، وهو قول الأشعري في مسألة قدرة العبد على

(1)

الدر المنظم بواسطة خلاصة الكلام: 253، والدرر السنية: 17، والمواهب اللدنية كما في جلاء العينين ص: 496، وانظر نحو هذا الكلام في المنحة الوهبية لابن جرجيس ص: 4، 25، وفي غاية الأماني: 2/ 340 نقلاً عن رجل عراقي.

(2)

فكلمة المجاز في عبارته لا يراد بها المجاز المصطلح عليه عند علماء البلاغة وإنما المراد به الإشارة إلى مذهب الأشاعرة في الكسب، فالإغاثة قد حصلت عندهم حقيقة من النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 887

الفعل وأن ذلك كسب وليس فعلاً وهو يرجع في الحقيقة إلى قول الجبرية كما تقدمت

(1)

الإشارة إلى ذلك. فهذا اعتراف منهم بأنهم يعتقدون أن الاستغاثة قد وقعت فعلاً وحصلت من المستغاث به، وأنَّه يقدر على الإغاثة وإن كانوا يؤولون في معنى القدرة، وأن المؤثر الحقيقي هو الله تعالى.

4 -

إنه لا فرق بين الاستغاثة وبين التوسل والتشفع وأن المراد من الكل هو توسط النبي أو الولي في قضاء الحاجات.

وقد علمنا أن عقيدة التوسط والشفاعة هي التي يعتقدها المشركون.

وقد نقل

(2)

كلام الهيتمي هذا -أحمد زيني دحلان- واحتج به وممن صرح بذلك الدجوي

(3)

فإنه قال:

"والحاصل أنه لا يكفر المستغيث إلا إذا اعتقد الخلق والإيجاد لغير الله تعالى

فإنه إن اعتقد الإيجاد لغير الله كفر على خلاف للمعتزلة في خلق الأفعال وإن اعتقد التسبب والاكتساب لم يكفر، وأنت تعلم أن غاية ما يعتقد الناس في الأموات هو أنهم متسببون ومكتسبون كالأحياء لا أنهم خالقون موجدون كالإله، إذ لا يعقل أن يعتقد فيهم الناس أكثر من الأحياء، وهم لا يعتقدون في الأحياء إلَّا الكسب والتسبب، فإذا كان هناك غلط فليكن في اعتقاد التسبب والاكتساب لأن هذا هو غاية ما يعتقده المؤمن في المخلوق وإلا لم يكن مؤمناً والغلط في ذلك ليس كفراً ولا شركاً"

(4)

.

(1)

مر في ص: 342.

(2)

خلاصة الكلام: 253 - 254، والدرر السنية: 17 - 18.

(3)

هو يوسف بن أحمد المصري المالكي الضرير له عدة مقالات في نشر البدع ورد السنن نشرها في مجلة الأزهر (ت 1365 هـ). انظر معجم المؤلفين 13/ 272.

(4)

التوسل وجهلة الوهابيين: 279 - 280، وذكر نحوه عنهم في جلاء العينين:449.

ص: 888

وهذا الكلام مع خطورته واعتراف صاحبه بأنه لا يضر قصد الميت للاستغاثة على قضاء الحاجات - قد انتحله بعض المعاصرين

(1)

.

وممن صرح بعدم الفرق بين الاستغاثة والتوسل وغيرهما الكوثري، فقد ذكر أن الاستغاثة والاستعانة والتوسل من باب واحد

(2)

.

هذا ومما يلاحظ على هؤلاء الذين نقلنا كلامهم أنهم احتجوا بمسألة خلق أفعال العباد على المذهب الأشعري، وهذا لا يفيدهم شيئاً بل يبين اعتقادهم ويكشفه على حقيقته لاعتقادهم للموتى ما يعتقدونه للأحياء.

ثم إن مسألة خلق أفعال العباد لا تلازم بينها وبين دعاء الأولياء والصالحين بوجه ما وإنما ظن هؤلاء أن من قال بأن الله يخلق أفعال العباد يبيح ويجيز دعاء الصالحين، ومن قال: إن العبد يخلق أفعال نفسه يحرم عليه ذلك

(3)

.

وهذا ظن سيئ لأن كلا الفريقين لا فرق بينهم في منع طلب ما لا يقدر عليه إلا الله من غير الله تعالى، لأن ذلك ليس من باب الكسب المباشر بل يكون من التأثير بالقوة والسلطان الغيبي بدون مباشرة الأسباب؛ لأن من يدعوهم يعتقد أنهم يؤثرون في حاجته بدون مباشرة للأسباب الظاهرة، وهذا من خصائص الله تعالى.

‌الشبهة الثالثة:

قولهم: إن تلك النصوص إنما وردت في الأصنام فقط، والأولياء والصالحون ليسوا مثل الأصنام، فمن يدعوهم ليس مثل من يدعو الأصنام. والجواب

(4)

:

(1)

وهو العلوي في كتابه مفاهيم يجب أن تصحح ص 105.

(2)

المقالات ص: 395.

(3)

تحفة الطالب ص: 48، وغاية الأماني: 2/ 343.

(4)

انظر هذا الجواب في مؤلفات الشيخ: كشف الشبهات: 162، وتطهير الاعتقاد: 14، والدر النضيد:2.

ص: 889

1 -

إن المشركين الذين وردت فيهم تلك النصوص ليسوا كلهم يعبدون الأصنام فإن منهم من يعبد الأولياء والصالحين، ومنهم من يعبد الملائكة، ومنهم من يعبد الأنبياء، ومنهم من يعبد الأحجار وهي في الأصل صور رجال صالحين، والأدلة على ذلك كثيرة من القرآن الكريم ومن أوضحها قوله تعالى:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57)} [الإسراء: 56، 57].

فهذه الآية في العقلاء بدون شك وإن اختلف المفسرون في تعيينهم:

أ - فقيل الجن، فقد روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:"كان نفر من الإنس يعبدون نفراً من الجن فأسلم النفر من الجن واستمسك الإنس بعبادتهم فنزلت: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} وفي رواية: "فأسلم الجنيون، والإنس الذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون"

(1)

.

ب - وفي رواية أخرى عن عبد الله بن مسعود أنها نزلت في الملائكة ومثله عن عبد الرحمن بن زيد

(2)

.

جـ - وفي رواية أنهم عزير وعيسى وأمه والملائكة، روي ذلك عن ابن عباس ومجاهد

(3)

.

(1)

البخاري: 8/ 397 رقم 4714، ومسلم: 4/ 2321 رقم 3030، والطبري: 15/ 104.

(2)

الطبري: 15/ 105.

(3)

الطبري: 15/ 105 وابن أبي حاتم، قال ابن تيمية: روى ابن أبي حاتم وغيره بأسانيد ثابتة عن شعبة عن السدي سمع أبا صالح عن ابن عباس به هـ "الرد على المنطقيين: 528.

ص: 890

فهذه الأقوال المنقولة عن السلف في تفسير هذه الآية ليس بينها اختلاف؛ لأنها عامة تشمل كل هذه الأقوال إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ثم إنه ليس مراد من فسرها بالجن أو الملائكة أنها خاصة بذلك وإنما مراده مجرد التمثيل.

قال شيخ الإسلام: "وهذه الأقوال كلها حق، فإن الآية تعم كل من كان معبوده عابدًا لله سواء كان من الملائكة أو من الجن أو من البشر والسلف رضي الله عنهم في تفسيرهم يذكرون جنس المراد بالآية على نوع التمثيل، كما يقول الترجمان لمن سأله ما معنى لفظ الخبز فيريه رغيفاً فيقول هذا، فالإشارة إلى نوعه لا إلى عينه.

وليس مرادهم بذلك تخصيص نوع دون نوع مع شمول الآية للنوعين، فالآية خطاب لكل من دعا من دون الله مدعواً وذلك المدعو يبتغي إلى الله الوسيلة ويرجو رحمته ويخاف عذابه، وهذا موجود في الملائكة والجن والإنس"

(1)

.

فمعنى

(2)

الآية أن الذين يدعونهم المشركون هم أنفسهم يتقربون إلى الله بالطاعات ويرجونه ويخافونه فكيف يجوز دعاؤهم؟ وهذا كقوله تعالى: {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ} [الكهف: 102].

وأما القول بأنها لا تعم إلا الذين كانوا أحياء في وقت النزول وهم الملائكة والجن لأنهم هم الذين يتقربون ويرجون ويخافون وقت نزول الآية.

وأما الذين ماتوا مثل عزير ومريم فلا تشملهم

(3)

ففيه نظر؛ لأنَّه يمكن أن يقال: إن الآية تذكر صفتهم في حال حياتهم فقد كانوا يتقربون

(1)

الرد على البكري: 286، والفتاوى: 15/ 226، وعنه في ملحق المصنفات: 102، والفواكه العذاب:38.

(2)

انظر الرد على المنطقيين: 529.

(3)

ذهب إلى ذلك الإمام الطبري رحمه الله: 15/ 106.

ص: 891

إلى الله تعالى

(1)

، ويمكن أن يقال أيضاً: إنهم لا زالوا يتقربون كما ورد أن موسى يصلي في قبره

(2)

، وأما الرجاء والخوف فلا ينقطع إلا بعد دخول الجنة يوم القيامة.

فتبين بهذا أن الآية عامة في المعبودين من العقلاء بدون تخصيص صنف دون صنف.

وقد اتفقت أقوال المفسرين على أن هذه الآية في المدعوين العقلاء وليست في الأصنام وإليك قول الرازي: "اعلم أن المقصود من هذه الآية الرد على المشركين وقد ذكرنا أن المشركين كانوا يقولون: ليس لنا أهلية أن نشتغل بعبادة الله تعالى، فنحن نعبد بعض المقربين من عباد الله، وهم الملائكة، ثم أنهم اتخذوا لذلك الملك الذي عبدوه تمثالاً وصورة، واشتغلوا بعبادته على هذا التأويل، والله تعالى احتج على بطلان قولهم في هذه الآية فقال: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ} وليس المراد الأصنام لأنَّه تعالى قال في صفتهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} وابتغاء الوسيلة إلى الله تعالى لا يليق بالأصنام البتة"

(3)

.

ومما يدل على أن المشركين الذين نزل فيهم القرآن يعبدون غير الأصنام ما بيّنه الله سبحانه وتعالى في كتابه من الشرك بالملائكة، والشرك بالأنبياء، والشرك بالصالحين، والشرك بالكواكب، والشرك بالأصنام، والشرك بالجن، وأصل ذلك كله الشرك بالشيطان، فقال تعالى في الشرك بالملائكة والأنبياء {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80)} [آل عمران: 79، 80] وقال

(1)

انظر وجه ذلك في الرد على البكري ص: 285 - 286.

(2)

أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة: 18/ 157 رقم 172، وأخرجه مسلم أيضاً من حديث أنس في: 4/ 1845 رقم 2375.

(3)

تفسير الرازي: 10/ 232، وانظر فتح القدير: 3/ 237.

ص: 892

تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [المائدة: 116]، وقال في الشرك بالملائكة والأنبياء والصالحين:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء: 57]. وقال: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)} [التوبة: 31].

وقال في الشرك بالملائكة والجن: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41)} [سبأ: 40، 41]. {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)} [الجن: 6]، وقال تعالى في الشرك بالشيطان {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)} [النحل: 100].

2 -

ثم لو سلمنا أن تلك النصوص وردت في الأصنام فقط على سبيل التنزل فإننا نقول: إن تلك الأصنام هي تماثيل لقوم صالحين فقد ثبت في ود وسواع ويغوث .. إلخ أنها أسماء رجال صالحين من قوم نوح. كما ثبت أن اللات رجل يلت السويق للحجيج.

وقد تقدم

(1)

ذكر ذلك.

وعلى هذا فعبادة الأصنام ترجع في الحقيقة إلى عبادة الصالحين فهي الأساس في العبادة وأصل الفتنة.

وقد ذكر كثير من علماء الإسلام هذا المعنى وبينوا أن عبادة الأصنام ترجع إلى عبادة العقلاء من الملائكة والأنبياء والصالحين أو الكواكب

(2)

.

(1)

انظر ص: 461، 464.

(2)

انظر ما ذكره شيخ الإسلام في قاعدة التوسل ص: 155، وضمن الفتاوى: 1/ 361، وما ذكره الرازي في التفسير: 26/ 241، والمراجع التي تقدمت في هامش ص:840.

ص: 893

كما أقر بهذا الباحثون المعاصرون كما ذكر ذلك الدكتور محمد عبد الله دراز فإنه قال: "فاعلم أن كلمات الباحثين في نفسيات المتدينين وعقلياتهم قد تطابقت على أنه ليس هناك دين أياً كانت منزلته من الضلال والخرافة، وقف عند ظاهر الحس، واتخذ المادة المشاهدة معبودة لذاتها وأنَّه ليس أحد من عباد الأصنام والأوثان كان هدف عبادته في الحقيقة هياكلها الملموسة، ولا رأى في مادتها من العظمة الذاتية ما يستوجب لها منه هذا التبجيل والتكريم، وكل أمرهم هو أنهم كانوا يزعمون هذه الأشياء مهبطاً لقوة غيبية أو رمزاً لسر غامض يستوجب منهم هذا التقديس البليغ فهي في نظرهم أشبه شيء بالتمائم والتعويذات التي يتفاءل أو يتبرك بها أو يستدفع بها شيء من الحسد أو السحر

ثم ضرب مثالاً لذلك بالزنوج الذين في جبال النوبة وأنهم يعبدون رجلاً يسألونه دفع البلاء وجلب النفع بالمطر والرزق، ويبالغون في دعائه واسترضائه، فإن لم يحصل مطلوبهم سجنوه وربما قتلوه.

فدل هذا على أنهم يعتقدون فيه علم الأسرار والقدرة على قضاء الحاجات إلى حد محدود، كما هو الحال في المعتقدين في الأولياء والقديسين ولا ذلك يمنع من اعتقادهم في الإله الأعظم"

(1)

.

3 -

ثم إن تلك النصوص عامة شاملة لجميع المدعوين من دون الله سواء كانوا من الأصنام الجامدات أو العقلاء. لأن تلك النصوص وردت بألفاظ العموم فتشمل الجميع.

وبعض تلك النصوص جاءت بألفاظ خاصة بالعقلاء نحو {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)} [النحل: 20، 21]. وليست هذه الآية في الأصنام كما يزعمه من لم يتدبر، لأن الذين لم يخبر به إلا عن العقلاء ولأن الأصنام من الأخشاب والأحجار لا يحلها الموت

(2)

.

(1)

الدين مع الهامش: 42 - 43.

(2)

القول الفصل ص: 36.

ص: 894

وبهذا يتبين أن النصوص عامة لكل المدعوين من العقلاء وغيرهم، ومن ادعى التخصيص بغير العقلاء فعليه البرهان ولا برهان له يدل على الفرق بين العقلاء وغيرهم "لأن الحكم واحد إذا حصل لمن يعتقد في الولي والقبر ما كان يحصل لمن كان يعتقد في الصنم والوثن، إذ ليس الشرك هو مجرد إطلاق بعض الأسماء على بعض المسميات، بل الشرك هو يفعل لغير الله شيئاً يختص به سبحانه سواء أطلق على ذلك الغير ما كان تطلقه عليه الجاهلية أو أطلق عليه اسماً آخر فلا اعتبار بالاسم قط

وقد علم كل عالم أن عبادة الكفار للأصنام لم تكن إلا بتعظيمها واعتقاد أنها تضر وتنفع، والاستغاثة بها عند الحاجة والتقرب لها في بعض الحالات بجزء من أموالهم وهذا كله قد وقع من المعتقدين في القبور

"

(1)

.

وإنما قلنا بأن الآيات جاءت بألفاظ العموم لأنها جاءت بصيغة الموصول وهي من صيغ العموم

(2)

كقوله: والذين تدعون {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13)} [فاطر: 13]، وقوله:{وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ} [يونس: 106]، وقوله:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ} [الإسراء: 56].

فهذه الموصولات في كلام الله وكلام رسوله واقعة على كل مدعو ومعبود نبياً كان أو ملكاً أو صالحاً إنسياً أو جنياً، حجراً أو شجراً متناولة لذلك بأصل الوضع، فإن الصلة كاشفة ومبينة للمراد وهي واقعة على كل مدعو من غير تخصيص، وهي أبلغ وأدل وأشمل من الأعلام الشخصية والجنسية.

(1)

الدر النضيد ص: 18.

(2)

انظر في صيغ العموم: الأحكام للآمدي: 2/ 183 - 184، والأحكام لابن حزم: 3/ 129، وجمع الجوامع: 18/ 409، وإرشاد الفحول ص:115. فقد ذكروا أن أسماء الشرط والاستفهام والموصولات من صيغ العموم.

ص: 895

وهذا هو الوجه في إيثارها على الأعلام، وشرط الصلة أن تكون معهودة عند المخاطب، والمعهود عند من يعقل من أصناف بني آدم أن الأنبياء والملائكة والصالحين قد عُبِدوا مع الله وقصدهم المشركون بالدعاء في حاجاتهم

(1)

.

فتبين مما سبق بطلان القول بأن النصوص واردة في الأصنام، واتضح أنها عامة لكل معبود من دون الله تعالى.

‌الشبهة

(2)

الرابعة:

قولهم: إن المشركين الذين نزل فيهم القرآن لا يشهدون أن لا إله إلا الله ويكذبون الرسول صلى الله عليه وسلم، وينكرون البعث ويكذبون القرآن ونحن نشهد الشهادتين ونؤمن بالبعث ونصلي ونصوم .. إلخ فكيف تجعلوننا مثلهم بمجرد قصدنا الأولياء للشفاعة؟ واحتجوا على هذا بحديث: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا

وحديث أسامة وغيرهما من الأحاديث الآمرة بالكف عمن قال: لا إله إلا الله.

جـ

(3)

- الإقرار بالشهادتين والاعتراف بالشريعة الإسلامية لا يغني عن الاحتراز من الوقوع في نواقض الإسلام، ولا يلزم من ذلك بقاء الرجل على الإسلام ولو أتى بالكفريات وبما يناقض الشهادتين، والأدلة على ذلك كثيرة:

1 -

إجماع

(4)

العلماء رحمهم الله تعالى على أن من صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في شيء وكذبه في شيء يكفر، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ

(1)

تحفة الطالب: 89 - 90.

(2)

انظر في هذا الدرر السنية ص: 40 - 41، ومفاهيم:7.

(3)

يراجع في الجواب إلى مفيد المستفيد: 307، وتطهير الاعتقاد: 31، والدر النضيد: 21، 23.

(4)

انظر في حكاية الإجماع على ذلك الشفا لعياض: 2/ 1072، وما بعدها ويراجع الروضة للنووي: 10/ 71، وجلاء العينين:446.

ص: 896

يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151)} [النساء: 150، 151].

وقد علم أن التوحيد أهم أركان الإسلام فمن أنكره أو أنكر بعض جوانبه فقد كفر.

2 -

وقد وقع في التاريخ الإسلامي ما يدل على إجماع العلماء على تكفير من أنكر بعض الشيء من الدين ومن ذلك:

أ - إجماع الصحابة رضوان الله عليهم على قتال المرتدين بعد مناقشة عمر لأبي بكر وبيانه له، فلم يحصل بينهم في قتالهم خلاف مع أن بعضهم لا زال يقر بالإسلام.

ب - قد حرق علي رضي الله عنه الذين غلوا فيه وألّهوه، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ولا التابعين وقد أنكر عليه ابن عباس الإحراق بالنار، لا أصل قتلهم

(1)

.

3 -

فقهاء المذاهب يعقدون أبواباً في أحكام الردة ولو أن المسلم لا يمكن وقوع الكفر منه لما كانت حاجة إلى عقد تلك الأبواب.

وقد ذكروا في تلك الأبواب ما هو أقل بكثير مما نحن فيه.

4 -

قد وردت آيات تدل على ارتداد من ارتكب بعض الكفريات مع كونهم من أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم يجاهدون معه ويقاتلون الكفار، قال تعالى:{يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا} [التوبة: 74]. وقال سبحانه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا

(1)

انظر ما تقدم ص: 465.

ص: 897

مُجْرِمِينَ (66)} [التوبة: 65، 66]. وهؤلاء كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فلو كان مجرد الشهادتين يمنع الحكم بالكفر لما كفرهم، وحكم بأنهم كفروا بعد إيمانهم.

5 -

كما أنه قد وردت آيات أخر تبين أن من أشرك يبطل عمله حتى ولو كان من الأنبياء والمرسلين مع أن الله عصمهم، فكيف بغيرهم؟ قال تعالى بعد ذكر جملة من الأنبياء:{وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88)} [الأنعام: 88]. وقال جل شأنه: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)} [الزمر: 65].

6 -

الأنبياء والرسل الكرام وجلة الصالحين كانوا يخافون على أنفسهم الشرك، ولو كان مجرد النطق بالشهادتين يكفي ولا يضر الإتيان بما يناقض ذلك لما خافوا على أنفسهم من الشرك. قال إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم:{وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} [إبراهيم: 35، 36]. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الشرك فقال: يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل فقيل له: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلم

(1)

.

7 -

ويقال أيضاً في الجواب: "إن الجامع بين المشركين من الأولين والآخرين موجود وهو الشرك، فالحكم في ذلك واحد لا فرق فيه لعدم الفارق ووجود الجامع.

(1)

أخرجه أحمد: 4/ 403 من حديث أبي موسى، وأخرجه ابن السني ص: 241 رقم 286 من حديث أبي بكر وهناك شاهد آخر من حديث حذيفة وقد صحح الحديث الألباني كما في صحيح الجامع: 3/ 333. وانظر أيضاً النهج السديد ص: 222.

ص: 898

وفي أصول الفقه: إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ويلزم من هذا الاعتراض أن يقال: كل حكم نزل على سبب مخصص في قضية سالفة فهو لا يتعداها إلى غيرها.

وهذا باطل، وتعطيل لجريان الأحكام الشرعية على جميع البرية"

(1)

لأنَّه يلزم من اعتقاد أن الآيات لا تشمل إلا المشركين الأوائل الذين نزلت فيهم أنها لا حكم لها الآن، فالذي يجب على الإنسان إذا قرأ القرآن أن لا يحسب أن المخاصمة كانت مع قوم انقرضوا، بل الواقع أنه ما من بلاء كان فيما سبق من الزمان إلا وهو موجود اليوم بطريق الأنموذج

(2)

بحكم الحديث: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة

"

(3)

.

وأما احتجاجهم بالأحاديث الآمرة بالكف عمن قال: لا إله إلا الله فيقال: إن الأحاديث تدل على وجوب الكف عمن قالها إلا إن تبين منه ما يناقض تلك الكلمة

(4)

، كدعاء غير الله تعالى والاستغاثة بالأولياء .. إلخ.

وقد ثبت في بعض طرق الأحاديث ما يفيد ذلك وهو قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في بعض طرقه عند مسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي وبما جئت به"

(5)

. فقوله صلى الله عليه وسلم: "ويؤمنوا بي وبما جئت به" يدل على وجوب الإيمان بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يكفي مجرد الإيمان بالشهادتين فقط.

كما ورد نحوه في حديث آخر وهو ما أخرجه مسلم أيضاً من حديث أبي مالك الأشجعي عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

(1)

درجات الصاعدين: 59، والدين الخالص: 1/ 232.

(2)

الفوز الكبير في أصول التفسير ص: 11.

(3)

أخرجه البخاري: 7/ 495 رقم 3456، ومسلم: 4/ 2054 رقم 2669.

(4)

تطهير الاعتقاد: 33.

(5)

أخرجه مسلم: 1/ 52 رقم 21/ 34.

ص: 899

"من قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله"

(1)

.

فدل على اشتراط الكفر والبراءة مما يعبد من دون الله وأنَّه لا يكتفي بمجرد النطق بلا إله إلا الله.

ويدل لذلك أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي احتجوا به "إلا بحقها". وفي رواية: "إلا بحق الإسلام"

(2)

.

وحقها إفراد الإلهية والعبودية لله تعالى، والقبوريون لم يفردوا الإلهية والعبادة فلم تنفعهم كلمة الشهادة فإنها لا تنفع إلا مع التزام معناها، كما لم ينفع اليهود قولها لإنكارهم بعض الأنبياء"

(3)

.

وقد صرح بعض العلماء بأن حديث الأمر بالكف بالإقرار بالشهادة خاص بمشركي العرب، وأما من كان يقر بالتوحيد كاليهود فلا يكتفي بقوله: لا إله إلا الله لأنها من اعتقاده، فلا بد من إيمانه بجميع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم

(4)

.

فاتضح بما سبق أن كلمة الشهادتين وإقامة الصلاة .. إلخ إنما يفيد من التزم: بمقتضى ذلك ولم يأت بما يناقضه، وأما من لم يلتزم بذلك وأتى بالنواقض فلا يمنعه.

‌الشبهة

(5)

الخامسة:

قولهم: إن الشرك لا يقع في الأمة المحمدية الأمة المرحومة خير

(1)

أخرجه مسلم: 1/ 53 رقم 23/ 34، وأحمد: 3/ 472.

(2)

البخاري: 1/ 75 رقم 25، ومسلم: 1/ 52 رقم 20، 21، 22.

(3)

تطهير الاعتقاد: 32

(4)

شرح النووي لمسلم: 1/ 207.

(5)

انظر عن هذه الشبهة: مفاهيم ص: 27 ودحض شبهات على التوحيد: 25، والبصائر:474.

ص: 900

الأمم ولا سيما في الجزيرة العربية المطهرة. واحتجوا على هذا بأحاديث:

1 -

حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم"

(1)

.

2 -

وحديث: "اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد"

(2)

فدعاء النبي صلى الله عليه وسلم مجاب فيقتضي ذلك أن قبره لن يعبد.

3 -

وحديث عقبة بن عامر مرفوعاً: "وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم أن تتنافسوا فيها"

(3)

.

الجواب عن الحديث الأول بأوجه:

1 -

إن معنى الحديث: "إنه يئس أن يجتمعوا كلهم على الكفر"

(4)

وأن يرتدوا عن الإسلام عن بكرة أبيهم لأن الله تعالى قد وعد باستخلاف المسلمين في الأرض وتمكينه لهم فيها، وأول ما تنطبق عليه تلك الأرض الموعود أهلها بالتمكين فيها جزيرة العرب. قال تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} [النور: 55].

وقد أجاب الله تعالى دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بأن لا يسلط على أمته عدوًا يستبيح بيضتهم

(5)

.

(1)

أخرجه مسلم: 4/ 2166 رقم 2812، وأحمد في المسند: 3/ 313، 354، وانظر تخريجه مطولاً في حاشية دحض شبهات ص: 25 - 26، والسلسلة الصحيحة: رقم 1608.

(2)

أخرجه أحمد 2/ 246، والحميدي: 2/ 445 رقم 1025، والجندي في فضائل المدينة ص: 39 رقم 51 من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً به، وأخرجه مالك في الموطأ 1/ 172 رقم 85 مرسلاً: 85 عن عطاء بن يسار. والحديث له طرق وهو صحيح انظر النهج السديد: 115.

(3)

أخرجه البخاري: 3/ 209 رقم 1344، ومسلم: 4/ 1795 رقم 2296.

(4)

دحض شبهات: 34.

(5)

مسلم: 4/ 2215 رقم 2889 من حديث ثوبان.

ص: 901

فكل هذا يدل على أن أهل الجزيرة العربية لا يمكن اجتماعهم على الارتداد عن الإسلام.

2 -

الذي ثبت في لفظ الحديث هو نسبة اليأس إلى الشيطان مبنياً للفاعل ولم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم "أيس" بالبناء للمفعول، ولو قدر أنه يئس من عبادته في جزيرة العرب أبد الآبدين فإنما ذلك حسب ظنه وتخمينه لا عن علم؛ لأنَّه لا يعلم الغيب وهذا من مفاتيح الغيب الخمس لأنَّه الأمور المستقبلية

(1)

. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)} [لقمان: 34].

وهذا الظن منه يخالف ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الوجه التالي.

3 -

قد أخبر الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه في أحاديث صحيحة ومتعددة بوقوع الشرك في أمته، ومن ذلك ما هو خاص بالجزيرة، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه:"لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة"

(2)

. وذو الخلصة صنم لدوس كانوا يعبدونه في الجاهلية وهو في جنوب الجزيرة.

وقوله: "لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى"

(3)

.

واللات كانت بالطائف والعزى كانت بوادي نخلة

(4)

قرب مكة.

(1)

دحض شبهات: 36.

(2)

البخاري: 13/ 76 رقم 7116، ومسلم: 4/ 2230 رقم 2906، وأحمد في المسند 2/ 271 وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة: 1/ 38، وفي الأوائل ص: 76 رقم 58 من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف وفيه: "وهو أول شرك في الإسلام".

(3)

مسلم: 4/ 2230 رقم 2907 وقد روى ابن وضاح ص: 85 عن ابن عمر مرفوعاً: "لا تقوم الساعة حتى تنصب الأوثان، وأول من ينصبها أهل مضر من تهامة" ونحوه من قول حذيفة ص: 84 - 85.

(4)

انظر كتاب الأصنام للكلبي ص: 16، 18.

ص: 902

4 -

والواقع التاريخي يؤيد ذلك ولا يمكن إنكار الأمر الواقع، ومن ذلك:

1 -

أن أكثر من في الجزيرة ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فكثير منهم رجعوا إلى الكفر وعبادة الأوثان وكثير صدقوا من ادعى النبوة كمسيلمة وغيره

(1)

.

2 -

القرامطة الذين أخذوا الحجر الأسود وقتلوا الحجيج وأجمعت الأمة على كفرهم كانوا في شرق الجزيرة.

5 -

اعتراف كثير من العلماء السابقين بوقوع الشرك في هذه الأمة ونكتفي باعتراف الرازي فإنه ذكر أقوال الكفار في عبادتهم الأصنام والأسباب الباعثة لهم على عبادتها ثم قال: "ورابعها: أنهم وضعوا هذه الأصنام والأوثان على صور أنبيائهم وأكابرهم، وزعموا أنهم متى اشتغلوا بعبادة هذه التماثيل فإن أولئك الأكابر يكونون شفعاء لهم عند الله تعالى، ونظيره في هذا الزمان اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور الأكابر على اعتقاد أنهم إذا عظموا قبورهم فإنهم يكونون شفعاء لهم عند الله"

(2)

.

وهذا اعتراف من الرازي بأن كثيراً من أهل زمانه يشتغلون بتعظيم القبور وأنَّه مثل عبادة التماثيل عند المشركين.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". فالجواب عنه بوجوه:

1 -

إن الرسول صلى الله عليه وسلم لو لم يخف وقوع الشرك بقبره لما دعا وهو يدل على إمكان وقوعه، وقد دل الواقع على وقوعه، فكم من مستغيث بقبره داع له؟

2 -

إن الحديث يحمل على إجماع الأمة على جعل قبره وثناً كما

(1)

دحض شبهات: 39

(2)

تفسير الرازي: 17/ 63.

ص: 903

حصل في الأمم السابقة وهذا لم يحصل -بحمد الله تعالى- فلا تجتمع هذه الأمة على ضلالة.

3 -

أو يقال كما قال بعض العلماء بأن الله أجاب دعوة نبيه بأن حفظ قبره بالحيطان الثلاثة التي بنيت على قبره صلى الله عليه وسلم، فلا يستطيع أحد أن يصل إليه حتى ولو أراد عبادته ودعاءه من دون الله تعالى.

4 -

قد حذر المصطفى صلوات الله وسلامه عليه من الشرك بقبره في آخر حياته فقال وهو ينازع: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، قالت عائشة: يحذر ما صنعوا"

(1)

. وقال قبل موته بخمس ليال: "ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك"

(2)

.

وهذا التحذير البليغ منه صلى الله عليه وسلم لخوفه أن يتخذ قبره مسجداً ولو كان ذلك لا يمكن وقوعه لما خاف وحذر منه في مثل تلك الحالة التي يحتاج فيه إلى التحذير من الشيء الأهم والأشد خطراً.

وأما الجواب

(3)

عن الحديث الثالث وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي" فعلى وجوه:

1 -

إن الحديث خاص بالصحابة الذين خاطبهم الرسول صلى الله عليه وسلم كما هو ظاهر الخطاب الموجه إليهم -وليس المقصود من الحديث الأمة المحمدية بأجمعها.

وهذا يقتضيه الجمع بين هذا الحديث والأحاديث الدالة على وقوع الشرك وقد تقدمت الإشارة إليها.

2 -

أو أن هذه الأمة تفتن في أول أمرها بغير الشرك من فتنة الدنيا،

(1)

تقدم تخريج الحديث ص: 456.

(2)

تقدم تخريج الحديث ص: 457.

(3)

انظر الإشارة إلى هذا الجواب في البصائر للمتوسلين بالمقابر ص: 375.

ص: 904

ولا يمنع وقوع الشرك في آخرها.

3 -

أو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا قبل أن يوحى إليه بأن الشرك سيقع في طوائف من أمته.

4 -

أو أن الحديث يحمل على أن الشرك لا يقع في جميع الأمة حتى يرجعوا إلى ما كانوا عليه وتجتمع الأمة عليه ولا يمنع من بعضها. والله أعلم.

‌الشبهة

(1)

السادسة:

قول بعضهم: إن أعمال هؤلاء شرك وكفر، ولكنهم لا يعلمون أن ما يفعلونه شرك بل لو عرض أحدهم على السيف لم يقر بأنه شرك بالله تعالى ولا فاعل لما هو شرك، بل لو علم أن ذلك شرك لم يفعله. الجواب:

1 -

إن الحكم بالكفر -والعياذ بالله- لا يشترط فيه أن يعلم متلبسه أنه كفر، فقد ذكر الشوكاني أنه تقرر في باب الردة أنه لا يعتبر في ثبوتها العلم بأن ما فعله كفر ثم قال:"وعلى كل حال فالواجب على من اطلع على شيء من هذه الأمور الشركيات التي اتصف بها القبوريون أن يبلغهم الحجة الشرعية، ويخبرهم بأن هذا هو عين ما يفعله المشركون في الجاهلية. فإذا علموا بهذا علماً لا يبقى معه شك ولا شبهة ثم أصروا على ما هم فيه، أخبرهم بأنهم إن لم يتوبوا فقد حلت دماؤهم وأموالهم وانطبق عليهم حكم المشركين"

(2)

.

2 -

والعلماء صرحوا بأن كلمة الكفر إذا تكلم بها العبد عمداً وإن كانت بغير الاعتقاد -كفر- وممن صرح بذلك علماء الحنفية، ففي أغلب كتبهم في أبواب الردة نصوا على ذلك وقالوا: لا يعذر بالجهل، وقالوا:

(1)

انظر في هذه الشبهة والجواب عنها: الدر النضيد: 23.

(2)

الدر النضيد: 34.

ص: 905

إن ذلك هو الأصح عندهم

(1)

ومثل الحنفية علماء المالكية فقد صرحوا بأن الجهل لا يعذر به عندهم

(2)

، وذهب إلى ذلك بعض علماء الشافعية فيما إذا تهاون بعدم تعلمه

(3)

.

قال الإمام القرافي المالكي بعد أن ذكر الأدعية المحرمة أو المكفرة: "واعلم أن الجهل بما تؤدي إليه هذه الأدعية ليس عذراً عند الله تعالى؛ لأن القاعدة الشرعية دلت على أن كل ما يمكن المكلف دفعه لا يكون حجة للجاهل على الله، فإن الله تعالى بعث رسله إلى خلقه برسالته وأوجب عليهم كافة أن يعملوا بها، فالعلم والعمل بها واجبان، فمن ترك التعلم والعمل وبقي جاهلاً فقد عصى معصيتين لتركه واجبين، وإن علم ولم يعمل فقد عصى معصية واحدة بترك العمل.

وأما الجهل الذي يمكن رفعه لا سيما مع طول الزمان واستمرار الأيام والذي لا يعلم اليوم يعلم في غد، ولا يلزم من تأخير ما يتوقف على هذا العلم فساد فلا يكون عذراً لأحد، ولذلك ألحق مالك الجاهل في العبادات بالعامد دون الناسي؛ لأنَّه جهل يمكنه رفعه فسقط اعتباره، وكذلك قال الله تعالى في كتابه العزيز حكاية عن نوح عليه السلام:{قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} أي بجواز سؤاله فاشترط العلم بالجواز قبل الإقدام على الدعاء وهو يدل على أن الأصل في الدعاء التحريم، إلا ما دل الدليل على جوازه، وهذه قاعدة جليلة يتخرج عليها كثير من الفروع الفقهية"

(4)

.

(1)

انظر الفتاوى البزازية: 3/ 347، والبحر الرائق: 5/ 135، والفتاوى الهندية: 2/ 376، وجلاء العينين ص:515.

(2)

انظر الشرح الصغير للدردير: 4/ 439، وشرح عليش على مختصر خليل: 4/ 477.

(3)

انظر العلم الشامخ ص: 590، وتنبيه الغبي: 23، والعقد الثمين للفاسي: 2/ 176.

(4)

الفروق: 4/ 264 - 265، واعترض عليه ابن الشاط في كون أصل الدعاء التحريم بأن الأصل في الدعاء الندب إلا ما دل الدليل على منعه. انظر البروق بهامش الفروق: 4/ 265.

ص: 906

هذا كلام القرافي المالكي وقد نقل بعض كلامه هذا ابن حجر الهيتمي الشافعي مقرراً له

(1)

.

3 -

ثم إن العلماء الذين أعذروا بالجهل قيدوه بشرط عدم قيام الحجة، فأما إذا قامت الحجة الرسالية فلم يعذروه، كما أن الجاهل إذا كان معرضاً عن طلب الحق ولا يريد الحق إذا تمكن منه فلا يعذر، فقد ذكروا

(2)

أن من الكفر كفر إعراض، وكفر عناد، وإنما الذي يعذر من يريد الهدى ويؤثره ويحبه ولكنه غير قادر عليه ولا على طلبه لعدم مرشد وبعضهم إنما أعذر من المسائل الدقيقة الخفية، وأما مثل هذه المسألة التي هي أصل الإسلام فلم يعذروا فيه بالجهل.

وقد تقدمت

(3)

الإشارة إلى هذه المسألة.

4 -

ثم كون الجهل يعذر به على القول به -لا يجعل الشرك أمراً جائزاً ومباحاً ولا يبيح الدفاع عمن يفعل الشرك ولا السكوت عن إنكاره والرضا به. مثال ذلك لو أن رجلاً كان قريب عهد بالإسلام وشرب الخمر لجهله فهو معذور ولكن هذا لا يبيح لمن يراه أن يسكت عنه ولا أن ينكر على من ينكر عليه، كما أن هذا الشارب للخمر إذا عرف بتحريم الخمر في الإسلام ثم استمر -يكون عاصياً.

ومثل هذا ما نحن فيه لا يصلح الاعتذار بمسألة الجهل عمن يدعو غير الله تعالى في ديار المسلمين، ويعيش بينهم، كما أنه لا يكون له عذر بعد تعريفه وإقامة الحجة عليه.

5 -

ثم إن العاقل ينبغي له الابتعاد عن الشرك وذرائعه والاحتياط في ذلك حتى ولو كانت المسألة مختلفاً فيها، فإذا كان العلماء في المسائل الخلافية في الفروع يأخذون بالأحوط فكيف يكون الأمر في المسائل

(1)

الإعلام بقواطع الإسلام ص: 98

(2)

طبقات المكلفين ص: 98 - 103، وكشف الشبهتين ص: 85 - 89.

(3)

تقدم ص: 565 - 566.

ص: 907

العقدية التي يدور الأمر فيها بين الخروج عن الملة والارتداد والخلود في النار، وإبانة الزوجة وعدم الإرث وغير ذلك، وبين كونه معصية لا تخرج عن الإسلام؟ فالاحتياط فيها أوجب وأوكد بلا شك ولا ريب.

‌الشبهة السابعة

(1)

:

ما قيل إن كفر هؤلاء المعتقدين في الأموات من الكفر العملي لا الكفر الجحودي، وقد قيل مثل ذلك في كفر تارك الصلاة، وكفر تارك الحج وغير ذلك من النصوص التي وردت بالحكم بالكفر، وحملها العلماء على الكفر العملي ولم يحملوها على الكفر الاعتقادي الجحودي.

وذلك لأنهم مؤمنون بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وباليوم الآخر لكن زين لهم الشيطان أن هؤلاء عباد الله الصالحون ينفعون ويشفعون ويضرون فاعتقدوا ذلك جهلاً كما اعتقد ذلك أهل الجاهلية في الأصنام لكن هؤلاء مثبتون للتوحيد لا يجعلون الأولياء آلهة بخلاف الكفار.

الجواب

(2)

عن هذه الشبهة:

إننا نسلم أن الكفر ينقسم إلى قسمين: اعتقادي وعملي. ولكن دعوي أن ما يفعله هؤلاء القبوريون من الكفر العملي في غاية الفساد وذلك للأمور الآتية:

1 -

لأن هذا القائل اعترف بكونه يتعلق بالاعتقاد بقوله هؤلاء المعتقدين في الأموات، وهذا من التناقض.

2 -

ثم ما هو الحامل لهؤلاء على دعاء الأموات والاستغاثة بهم وغير ذلك، هل هو مجرد اللعب والعبث من دون اعتقاد فهذا لا يمكن

(1)

انظر عن هذه الشبهة رسالة الأمير الصنعاني في شرحه لأبياته في مدح الشيخ رقم المخطوطة: 7/ 4392 أفلام، والدر النضيد: 32 - 34، ومصباح الظلام:345.

(2)

انظر الدر النضيد: 34 - 35.

ص: 908

أن يكون عن العقلاء، أم الباعث عليه الاعتقاد في الميت؟

وإذا ثبت أن الحامل على ذلك هو الاعتقاد فكيف يقال إنه كفر عملي؟

3 -

ثم إنه لا يقبل الاعتذار عنهم بأن هذا الاعتقاد ناشئ عن الجهل وتزيين الشيطان، وذلك لأن طوائف الكفر وأهل الشرك قاطبة إنما حملهم على الكفر ودفع الحق والبقاء على الباطل الاعتقاد جهلاً، وهل يمكن أن يقال: إن اعتقاد الكفار اعتقاد علم؟

4 -

قد ثبت أن هؤلاء القبوريين أشد غلواً في الاعتقاد في الأموات من الكفار، وقد بينّا ذلك فيما سبق

(1)

.

5 -

ثم قد تقدم

(2)

-بحمد الله تعالى وتوفيقه- بيان استلزام الدعاء للاعتقاد بصفات الربوبية والألوهية وأنَّه لا يمكن تصور الدعاء بدون اعتقاد، وذكرنا الأدلة على ذلك بما لا يدع مجالاً للشك، فلهذا فالقول بأن دعاء غير الله تعالى كفر عملي -يتنافى مع وضع الدعاء وحقيقته ومقتضى معناه، فهو قول غير صحيح.

‌الشبهة الثامنة

(3)

:

قولهم: إن دعاء الصالحين من دون الله تعالى -من الشرك الأصغر كالحلف بغير الله تعالى والطيرة.

فالإجابة عن هذه الشبهة على أوجه:

أ - لا مساواة بين دعاء غير الله تعالى وبين الحلف بغير الله تعالى

(1)

سبق ص: 517.

(2)

تقدم ص: 248 - 307.

(3)

انظر عن هذه الشبهة مفيد المستفيد: 306، 297، وفيه الرد على من زعم أنه قول لابن القيم، ودرجات الصاعدين: 52، والنبذة الشريفة: 592، والدين الخالص: 1/ 227.

ص: 909

والطيرة، فهناك فروق كثيرة بين الدعاء، والحلف، كما أن هناك فرقاً بين الدعاء والطيرة، فالفروق التي بين الدعاء والحلف هي:

1 -

أن الدعاء من أجلّ العبادات وهو مأمور به شرعاً إما أمر وجوب أو استحباب على ما مر

(1)

في حكمه.

وأما الحلف فلم يأمرنا الله به، فهو ليس من العبادات المأمور بها وإنما هو من المباح، وقد استحب إذا كان هناك مصلحة راجحة في التأكيد بالحلف واليمين، ولهذا ورد في القرآن الكريم أَمْرُ الله نبيه بالقسم في أمر الساعة في ثلاثة مواضع

(2)

، ولم يأت في غير ذلك البتة

(3)

.

وهذه المواضع الثلاثة كلها فيما يتعلق بالتأكيد على بعث العباد ومعادهم، وأما في غير ما يتعلق بأمر المعاد فلم يرد في القرآن الكريم.

2 -

الدعاء يشتمل على الرغبة والرهبة والرجاء والخوف والتوكل وغيرها من لوازم الدعاء، فمن دعا غير الله فقد أشرك في هذه الأنواع من العبادات وليس كذلك الحلف

(4)

.

ب - ويقال لهذا القائل إنه شرك أصغر:

ما الفرق عندك بين السجود لغير الله تعالى وبين الدعاء لغير الله حيث إن الأول شرك أكبر والثاني شرك أصغر عندك، مع أن كليهما قد جاء الأمر بطلبه من العباد، كما أن كليهما من أنواع العبادات، والعبادة صرفها لا يجوز لغير الله تعالى أياً كانت.

ص: 910

مع العلم بأن النهي عن دعاء غير الله تعالى في القرآن أضعاف أضعاف النهي عن السجود لغير الله تعالى، بل لا يعلم نوع من أنواع الكفر والردة ورد فيه من النصوص مثل ما ورد في دعاء غير الله تعالى بالنهي عنه والتحذير من فعله والوعيد عليه

(1)

.

ج - قد وقع

(2)

النهي عن الشرك في الدعاء في أول الإسلام وجاءت آيات كثيرة جداً في التحذير عنه؛ لأن الدعاء لقضاء الحاجات وإغاثة اللهفان وشفاء المريض هو الذي عليه المشركون وهو أصل شركهم والعكوف والذبح ونحوهما فروع عنه.

فلهذا وقع النهي عنه في أول الإسلام بدون تأخير، وأما الحلف بغير الله فلم يرد في القرآن النهي عنه إلا أنه ورد في الأحاديث بعد مدة طويلة وليس في أول الإسلام، وقد وقع من بعض الصحابة ومع ذلك لم يكفرهم الرسول صلى الله عليه وسلم.

فقد حلف عمر بأبيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تحلفوا بآبائكم"، وقال:"من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت"

(3)

.

ويقال

(4)

في الطيرة مثل هذا الذي سبق، فإنها لم يقع النهي عنها في القرآن وفي أول الدعوة، كما أنها قد يقع شيء منها في قلوب المؤمنين الموحدين، فقد ورد في حديث ابن مسعود رضي الله عنه: "الطيرة شرك وما منا إلا

ولكن الله يذهبه بالتوكل"

(5)

.

(1)

المصدر السابق: 601 - 602.

(2)

انظر درجات الصاعدين: 53، والنبذة الشريفة: 613، والدين الخالص: 1/ 227.

(3)

أخرجه البخاري: 5/ 287 رقم 2679، ومسلم: 3/ 1267 رقم 1646.

(4)

النبذة الشريفة ص: 615.

(5)

أخرجه أحمد في المسند: 10/ 389، 138، 440، وأبو داود: 4/ 230 رقم 3910، والترمذي: 4/ 160 رقم 1614، وابن ماجه: 2/ 1170 رقم 3538.

ص: 911

فتبين مما سبق الفرق الواضح بين من استغاث بغير الله في الشدائد مبتهلاً متضرعاً، وبين من حلف بغير الله يميناً مجردة لم يقصد تعظيمه كتعظيم الله، أو خطر في قلبه شيء من الطيرة، فالفرق شاسع جداً ولا يخفى إلا على من طمس الله بصيرته.

هذا وقد مال الأمير الصنعاني إلى أن الحلف بغير الله يخرج من الملة تمسكاً بظاهر الأدلة

(1)

، وذهب الجمهور إلى أنه شرك أصغر، هذا إذا لم يقصد تعظيمه كتعظيم الله وإلا فقد اتفقوا على أنه شرك أكبر، وكذلك الطيرة قد تصل إلى الشرك الأكبر إذا كان يرى المتطير أن ذلك من علم الغيب، وأن الطير تخبره عما هو صائر إليه في المستقبل أو أن الأفلاك تدبر أمر الخلائق

(2)

.

‌الشبهة التاسعة: شبهة المجاز

(3)

العقلي:

قالوا: ينبغي حمل كلام المسلم على محمل حسن، فإذا أسند فعلاً إلى غير الله تعالى وهو مما لا يصح إسناده إلا إلى الله تعالى ينبغي حمله على المجاز العقلي، وهو شائع معروف.

وقالوا: إن القرينة هنا كونه مسلماً موحداً، وإن العلاقة في ذلك هي التسبب والشفاعة.

وقبل الخوض في الجواب عن هذه الشبهة نقدم تعريفاً موجزاً للمجاز العقلي.

(1)

تطهير الاعتقاد: 31، وسبل السلام: 4/ 1433.

(2)

راجع النبذة ص: 616، وتحفة الطالب:126.

(3)

انظر الاحتجاج بهذه الشبهة في: خلاصة الكلام: 245، 255، والدرر السنية: 20، وعنهما منتحلاً في المفاهيم: 16، والبراهين الساطعة: 408، وعنه أيضاً منتحلاً في المفاهيم:95.

ص: 912

‌تعريف المجاز العقلي:

‌كلمة المجاز:

هي في الأصل مَفْعل من جاز المكان يجوزه إذا تعداه إلى مكان آخر، سمي بذلك لأنهم جازوا به معناه الأصلي إلى معنى آخر

(1)

.

وفي الاصطلاح كلمة استعملت في غير ما وضعت له لعلاقة وقرينة مانعة من إرادته

(2)

.

‌وأما المجاز العقلي:

فهو إسناد الفعل أو معناه إلى مُلَابسٍ له -غير ما هو له بتأويل

(3)

فالمراد من معنى الفعل ما يتضمن معنى الفعل من اسم الفاعل واسم المفعول والمصدر والصفة المشبهة واسم التفضيل.

وللفعل ملابسات شتى منها الفاعل والمفعول والزمان والمكان والسبب

(4)

فإذا أسند الفعل إلى هذه الأمور فقد أسند إلى ما يلابسه.

وقوله بتأويل أي بنصب قرينة صارفة للإسناد عن أن يكون إلى ما هو له

(5)

.

وقد عرفه السكاكي بقوله: "هو الكلام المقاد به خلاف ما عند المتكلم من الحكم فيه لضرب من التأويل إفادة للخلاف لا بوساطة وضع، كقولك أنبت الربيع البقل وشفى الطبيب المريض وكسا الخليفة الكعبة" ثم قال شارحاً للتعريف: "وإنما قلت خلاف ما عند المتكلم من الحكم فيه دون أن أقول خلاف ما عند العقل لئلا يمتنع طرده بما إذا قال

(1)

شرح الجوهر المكنون ص: 138، وانظر إرشاد الفحول ص:21.

(2)

شرح الجوهر: 139، ومفتاح العلوم: 359

(3)

التعريفات للجرجاني: 203، وشرح الجوهر:44.

(4)

شرح الجوهر: 44 - 45.

(5)

التعريفات للجرجاني: 203.

ص: 913

الدهري عن اعتقادِ جهلٍ، أو جاهلٌ غيره: أنبت الربيع البقل رائياً إنباتَ البقلِ من الربيع فإنه لا يسمى كلامه مجازاً وإن كان بخلاف العقل في نفس الأمر، ولذلك لا تراهم يحملون نحو:

أشابَ الصغير وأفنى الكبيرَ

كَرُّ الغداة ومَرُّ العَشِي

(1)

على المجاز، ما لم يعلموا أو يغلب في ظنهم أن قائله ما قاله عن اعتقاد. . ."

(2)

.

ويستفاد من تعريفه وشرحه له أن شرط إطلاق المجاز العقلي أن يكون ظاهر الكلام يفيد خلاف ما عند المتكلم حسب ما يفهمه المخاطب من ظاهر حال المتكلم وكلامه.

ومما يوضح معنى المجاز العقلي معرفة ضده وهو الحقيقة العقلية لأنَّه كما قيل: وبضدها تتميز الأشياء.

فلهذا نشير إلى تعريفها بالإيجاز، ومما قيل في تعريفها:

"إسناد الفعل أو ما في معناه إلى ما هو له عند المتكلم في الظاهر"

(3)

.

فقولهم "عند المتكلم" يريدون به أن الاعتبار في الحكم هو ما يراه المتكلم في ذلك الحكم ويعتقده، وليس الواقع ونفس الأمر، وقولهم "في الظاهر" إشارة إلى أنه لا يشترط موافقته لاعتقاد المتكلم الحقيقي. فمثلاً لو أخفى المتكلم عقيدته وتظاهر بالإسناد الحقيقي فنحن نعد إسناداً حقيقية

(4)

.

وقد عرف السكاكي الحقيقة العقلية بقوله:

"وهي الكلام المقاد به ما عند المتكلم من الحكم فيه، كقولك

(1)

البيت للصلتان العبدي وهو قثم بن خبية من شعراء الحماسة. انظر الشعر والشعراء لابن قتيبة: 1/ 509، وخزانة الأدب للبغدادي: 1/ 308.

(2)

مفتاح العلوم: 393، وانظر التلخيص: 47 - 48.

(3)

التلخيص للقزويني: 45.

(4)

انظر شرح الجوهر المكنون: 41، والتلخيص:45.

ص: 914

أنبت الله البقل وشفى الله المريض وكسا خدم الخليفة الكعبة

وإنما قلت: ما عند المتكلم من الحكم فيه، دون أن أقول ما في العقل من الحكم فيه، ليتناول كلام الدهري إذا قال: أنبت الربيع البقل رائياً إنبات البقل من الربيع، وكلام الجاهل إذا قال: شفى الطبيب المريض رائياً شفاء المريض من الطبيب، حيث عُدَّا منهما حقيقتين مع كونهما غير مفيدين لما في العقل من الحكم فيهما"

(1)

.

وبعد هذا العرض للتعريف نبدأ في مناقشة الشبهة والجواب عنها بحول الله تعالى وقوته.

ويكون الجواب على طريقتين إحداهما: طريقة من ينفي وجود المجاز في اللغة، وثانيتهما: طريقة من يثبت وجود المجاز في اللغة.

الجواب على طريقة من ينفي المجاز:

اختلف العلماء في وجود المجاز في اللغة وعدمه، وهذا الخلاف جار

(2)

في المجاز العقلي:

1 -

فقال قوم: لا يوجد المجاز في اللغة أصلاً.

2 -

وقال آخرون: لا يوجد في القرآن الكريم، ويوجد في اللغة.

3 -

وقالت فرقة ثالثة: بوجوده في القرآن وفي اللغة.

وممن قال بالقول الأول: أبو إسحاق

(3)

الإسفراييني وأبو علي

(4)

الفارسي.

(1)

مفتاح العلوم: 399.

(2)

نَصَّ على جريانه في المجاز العقلي البناني في حاشيته على جمع الجوامع: 1/ 308.

(3)

هو إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الأصولي المتكلم الشافعي أحد الأعلام، وصاحب التصانيف، جمع أشتات العلوم (ت 418 هـ)، العبر: 2/ 234، وطبقات الشافعية: 4/ 256.

(4)

هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن محمد واحد زمانه في علم العربية كان عدم المثل. وكان متهماً بالاعتزال، وفضله بعضهم على المبرد (ت 377 هـ)، بغية الوعاة: 1/ 496، والعبر: 2/ 149.

ص: 915

وممن قال بالقول الثاني: الظاهرية وبعض الحنابلة وبعض المالكية وبعض الشافعية.

وممن قال بالثالث: أغلب علماء البلاغة والمتأخرون من الأصوليين والفقهاء

(1)

.

وقد رجح شيخ الإسلام ابن تيمية المذهب الأول ونصره بعدة أوجه

(2)

، كما نصره ابن القيم بأكثر من خمسين وجهًا

(3)

.

وممن رجح هذا القول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي

(4)

والدكتور لطفي عبد البديع

(5)

.

وهذا المذهب الأول هو الراجح لقوة أدلته، وسلامته من الاعتراضات، وإليك بعض تلك الأدلة والاعتراضات:

1 -

إن تقسيم الكلام إلى الحقيقة والمجاز تقسيم حادث بعد انقضاء القرون المفضلة، لم يتكلم به أحد من أئمة اللغة والنحو كالخليل وسيبويه وأبي عمرو بن العلاء

(6)

.

(1)

انظر في حكاية هذه الأقوال ونسبتها إلى أصحابها الكتب التالية: الأحكام للآمدي: 1/ 43، 44، وجمع الجوامع: 1/ 308، والبرهان للزركشي: 2/ 255، والأحكام لابن حزم: 4/ 28، والوصول إلى الأصول: 1/ 97، والمسودة في أصول الفقه: 165، والتمهيد في أصول الفقه: 1/ 80، والإيمان لابن تيمية: 81، ومختصر الصواعق: 2/ 5، والمزهر للسيوطي: 1/ 364 - 366.

(2)

انظر الإيمان من ص: 79 - 105.

(3)

انظر مختصر الصواعق المرسلة: 2/ 2 - 76.

(4)

له رسالة مستقلة في الموضوع سماها منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز وقد طبعت.

(5)

له رسالة مستقلة في الموضوع سماها فلسفة المجاز بين البلاغة العربية والفكر الحديث، والرسالة من منشورات النادي الأدبي بجدة برقم 32.

(6)

الإيمان: 80، ومختصر الصواعق: 2/ 3.

ص: 916

2 -

ثم إن الذين قسموا لم يستطيعوا أن يفرقوا بينهما بحد صحيح جامع مانع

(1)

.

3 -

العرب نطقت بالحقيقة والمجاز على وجه واحد، فجَعْلُ هذا حقيقةً، وهذا مجازاً ضَرْبٌ من التحكم لأن اسم الأسد وضعٍ للسبع كما وضع للرجل الشجاع

(2)

، فمن زعم أنها استخدمت هذا أولاً في ثم في كذا ثانياً فقد ادعى دعوى لا برهان عليها ولا يمكن لبشر على وجه الأرض إثبات ذلك، ولا سبيل إلى العلم بذلك إلا بوحي من الله تعالى

(3)

.

4 -

بعض الكلمات لها معان كثيرة، من ذلك أن بعض حروف المعاني تدل على عدة معان كمن والباء، وكذلك الأسماء الدالة على عدة معان كالرأس يطلق على رأس الإنسان وأول الدرب ومنبع العين وسيد القوم وأول الشهر وغير ذلك.

5 -

إن بعض الكلمات العربية تدل على المعنى وضده كالجون يدل على السواد وعلى البياض، والقر يدل على الطهر والحيض فأيهما حقيقة وأيهما مجاز؟

(4)

.

6 -

"إن الألفاظ المفردة التي هي من أوضاع اللغة لم توضع لتعرف معانيها في أنفسها ولكن لأن يضم بعضها إلى بعض فيعرف فيما بينها فوائد"

(5)

.

فيبطل بهذا ادعاء أن الأسد وضع للحيوان المفترس ولم يوضع للرجل الشجاع .. إلخ.

(1)

الإيمان: 87، 97، ومختصر الصواعق: 1/ 10 - 30.

(2)

الوصول إلى الأصول: 1/ 99، والمزهر: 1/ 365، وفلسفة المجاز:27.

(3)

مختصر الصواعق: 2/ 30.

(4)

انظر نحو هذا الاعتراض في الإيمان: 88 - 89.

(5)

دلائل الإعجاز ص: 415.

ص: 917

وذلك لأنَّه لم يوضع ليدل بمفرده وأما إذا وقع في الكلام التام نحو رأيت أسداً يرمي، فلم يدل إلا على الرجل الشجاع ففي مثل هذا التركيب لا يمكن ادعاء أنه وضع لغير هذا المعنى.

هذا ومما ينبغي أن يفهم أن الذين أنكروا وجود المجاز في اللغة لم ينكروا وجود تلك الأمثلة التي ضربها المثبتون، له، وإنما ذهبوا إلى أن ذلك أسلوب من أساليب اللغة العربية وأن الكل حقيقة، والكلمة إذا استعملت في هذا الأسلوب فهي حقيقة، وإذا استعملت في أسلوب آخر فهي أيضاً حقيقة، ولا يمكن أن نقول: إنها في هذا الأسلوب حقيقية وفي الآخر مجازية. قال الدكتور لطفي عبد البديع:

"إن منازعة القوم في المجاز، إنما كانت منازعة في صحته على أنه خلاف الأصل الذي ينبغي أن يكون عليه الكلام، وإلا فإن ما أطلق عليه المجاز ثابت في اللغة لا يسع أحداً إنكاره وهو أكثر من أن يحصى فالعرب كما ذكر ابن فارس قالت استوى فلان على متن الطريق ولا متن لها، وفلان على جناح السفر ولا جناح للسفر وشابت لمة الليل، وقامت الحرب على ساق وليس لليل لمة ولا للحرب ساق

ولم يؤثر عن أحد ممن سمعوا هذا الضرب من الكلام قبل ظهور القول بالمجاز بعد القرون الثلاثة الأولى أنه على خلاف الأصل، أو أن ألفاظه استعملت في غير ما وضعت له بحيث ينبغي تأويله لدفع شبهة الكذب عنه والمبالغة"

(1)

.

وأما على قول من أثبت المجاز في اللغة فالإجابة تكون على وجوه.

وقبل الخوض في تلك الوجوه لا بد من الإشارة إلى أن العلماء من أهل الأصول وأهل البلاغة الذين أثبتوا المجاز اتفقوا على أن الأصل في

(1)

فلسفة المجاز: 252 - 253، وانظر الوصول إلى الأصول: 1/ 97 - 98.

ص: 918

الكلام الحقيقة

(1)

، فلا يخرج عنها إلا بدليل قوي يصرفه إلى المجاز.

ومن هنا يمكن لنا الطلب من المخالفين إقامة دليل قوي وصارف واضح للكلام عن الحقيقة، ولن يجدوا إلا الاحتمالات البعيدة والقرائن البعيدة، ومع أنه يمكن أن نكتفي بهذا الأصل ونتمسك به، لكنا لا نكتفي بذلك ونتبرع بالجواب عن هذه الشبهة بوجوه:

أ - إن حد المجاز العقلي الذي أشرنا إليه من قبل- لا ينطبق على دعاء الأموات وندائهم والاستغاثة بهم إذا اعتبرنا حال الداعين واعتقادهم فالإسناد الواقع في كلام من يدعو الأموات -إسناد حقيقي ينطبق عليه حد الحقيقة العقلية، ولا ينطبق عليه حد المجاز العقلي، وذلك لأن علماء البلاغة ذكروا أن العبرة في الإسناد ليكون مجازاً عقلياً -أن يكون الحكم المفاد منه خلاف ما يعتقده المتكلم ولا يشترط أن يكون خلاف الواقع ونفس الأمر، وقالوا: إن قول الدهري: أنبت الربيع البقل لا يسمى مجازاً، وكذلك قول الشاعر:

أشاب الصغير وأفنى الكبير

كر الغداة ومر العشي

وكذلك قالوا في نحو شفى الطبيب المريض.

قالوا هذه الأمثلة حقيقة عقلية إذا وقعت ممن يرى تأثير المسند إليه في النسبة وقد تقدم بيان ذلك في التعريف.

فعلى هذا فكثير ممن يدعون الأموات والغائبين، فالإسناد الواقع في كلامهم حقيقة عقلية وليس مجازاً عقلياً، لاعتقادهم التأثير والتصرف في الكون وغير ذلك لمن يدعونهم كما تقدم في مبحث علاقة الدعاء بالعقيدة، فقد بينّا هناك بما لا يدع مجالاً للشك أن كثيراً منهم يعتقد

(1)

جمع الجوامع مع شرح المحلى: 1/ 312، والخصائص لابن جني: 3/ 442، والمزهر: 1/ 361 و 356، وترجيح أساليب القرآن على أساليب اليونان: 151، والرسالة المدنية ص:40.

ص: 919

التأثير والتصرف وسيأتي قريباً نقل عباراتهم الصريحة في اعتقاداتهم وقد علم في علم البلاغة أن الكلام يحمل على الحقيقة إذا لم يعلم حال المتكلم، وأما إذا علم حاله كما هنا فيحمل على الحقيقة من باب أولى.

وعلى هذا فتأويلهم لكلام من يصرح بتصرفه في الكون، وإغاثته لمن يستغيث به في البر والبحر، وعلمه بحال المريد وخواطره.

وكذلك تأويلهم لكلام من يدعو الأموات معتقداً فيمن يدعوه السماع والعلم بحاله وضره ونفعه واستطاعته على الإغاثة .. إلخ فتأويل كلام هؤلاء لا يدخل تحت المجاز العقلي بل هو صريح وواضح أنه من الحقيقة العقلية.

ثم إن بعض علماء البلاغة ذكروا أن تقدير الفاعل الموجد المؤثر في نحو "سرتني رؤيتك" حيث قدر بعضهم "سرني الله وقت رؤيتك" -إن هذا التقدير تقدير لما لم يقصد في الاستعمال، ولا يتعلق به الغرض في التراكيب

(1)

.

ومثل هذا المثال الإسناد الواقع في كلام الداعين لغير الله تعالى لأن المتكلمين به لا يقصدون تقدير الفاعل الذي هو الله تعالى، ولا يتعلق به الغرض في التركيب.

ويزيد هذا الوجه وضوحاً الوجه التالي:

ب - إن كل تأويل يعود على أصل النص بالإبطال فهو باطل

(2)

ومن هذا القبيل تأويل كلام الداعين لغير الله، فإنه يوجد في كلامهم ما يدل صراحة على إخلاص الرجاء والرغبة للمدعو وحده، فلو أولنا كلامهم فقد أبطلنا تلك الدلالة الصريحة على إسناد الرجاء إلى الولي، والتأويل معناه إخبار عن مراد المتكلم لا إنشاؤه.

(1)

حاشية الجوهر المكنون: 48، ونحوه في التعليق على التلخيص: 50 - 51.

(2)

مختصر الصواعق: 1/ 91.

ص: 920

"ويعرف مراد المتكلم بطرق متعددة منها أن يصرح بإرادة ذلك المعنى، ومنها أن يستعمل اللفظ الذي له معنى ظاهر بالوضع، ولا يبين بقرينة تصحب الكلام أنه لم يرد ذلك المعنى، فكيف إذا حف بكلامه ما يدل على أنه أراد حقيقته وما وضع له؟ "

(1)

.

وقد علمنا مراد بعض هؤلاء بما صرحوا به في كلامهم أنهم يريدون إسنادًا حقيقيًا فكيف نؤول كلامهم بما يبطل دلالته؟ وسيأتي سرد كلام بعضهم في مبحث صور من الدعاء غير المشروع" وفيه التصريح بإخلاص الاستغاثة بغير الله تعالى.

فتبين من هذا أن الذي يدعي صرف كلامهم عن ظاهره وحقيقته فقد ادعى معرفته لمراد كلامهم ومراد الواضع أيضًا، فإن لم تكن دعواه مطابقة المراد المتكلم والواضع - كان كاذبًا على المتكلم والواضع معًا

(2)

ومراد هؤلاء الداعين للأموات بكلامهم واضح جدًا، قال النعمي:

"والذي يدل عليه سيرهم وأحوالهم القولية والفعلية أن ما يقع منهم عند التطام موج البحر ونازلة باغتة وجزئيات لا تنحصر - ليس من قبيل التوسل، بل لا يتبادر إلى أذهانهم ولا يخطر في أفكارهم إلا الولي وأما الله تعالى فمنسي أو يشرك معه الولي"

(3)

.

والذي بقي لله في عقائدهم هو الإمكان فقط دون الأثر

(4)

، ومن هنا نستطيع أن نقول:"إن في هذه الألفاظ ما يتعذر أو يتعسر تأويله أو كلها كذلك"

(5)

.

والحاصل أن الحمل على المجاز العقلي إنما يجوز إذا: "لم يصدر

(1)

المرجع نفسه: 1/ 95.

(2)

بدائع الفوائد: 4/ 206.

(3)

معارج الألباب: 178.

(4)

المرجع السابق: 171.

(5)

العلم الشامخ: 590، وتنبيه الغبي: 159، والعقد الثمين للفاسي: 2/ 176.

ص: 921

من ذلك المتكلم شيء من الألفاظ والأعمال الكفرية مما هو كفر بواح وشرك قراح. وأما إذا صدر منه شيء من تلك الألفاظ والأعمال فلا يحمل كلامه على المجاز العقلي"

(1)

.

جـ ـ إن الأمثلة التي ضربوها للمجاز العقلي مثل أنبت الربيع البقل هي في الأمور الظاهرة التي تكون العلاقة والقرينة واضحة، وتكون تلك القرينة من الأسباب الظاهرة ولها تعلق ومباشرة حقيقية، فأما في الأمور التي يكون التأثير فيها بالقوة الغيبية وبدون مباشرة الأسباب الظاهرة فلا يمكن قياس ذلك على تلك الأمثلة، وذلك لعدم المماثلة المشروطة في القياس.

والمشكلة الرئيسية عند هؤلاء أنهم لم يفرقوا بين الإسناد إلى الأسباب الظاهرة التي هي موجودة في كلام العرب وهي محمولة على السببية، وهو الذي سموه بالمجاز العقلي، وبين الإسناد إلى الأسباب الباطنة التي تأثيرها غير مباشر ويكون بقوة غيبية وتأثير غيبي.

ولنضرب الأمثلة على ذلك، فإذا قال القائل أنبت الربيع البقل يكون القائل قد أسند الإنبات إلى غيره تعالى وهو الربيع، وذلك لأنه سبب ظاهر ومباشر، فهنا الحمل على المجاز واضح وواقع في كلام الناس.

والشرع أباح مثل هذا، لأن استحضار السببية عند التكلم - قريب لا لبس فيه وأما إذا قال القائل: رزقني سيدي فلان الولد وأراد أنه تسبب وتوسط له في ذلك، فقد أسند إلى سبب غير مباشر وإلى تأثير غيبي وليس هناك سبب ظاهر حصل من سيدي فلان حتى يحمل الكلام على المجاز العقلي.

فهذا هو الفرق بين المثالين:

ولكن هؤلاء خلطوا بين المثالين وجعلوا الحكم واحدًا، مع أن

(1)

صيانة الإنسان: 245.

ص: 922

استحضار نية السببية في المثال الثاني غير واضح وليس قريب المأخذ من اللفظ.

قال الإمام الدهلوي رحمه الله:

"وكذلك الرزق والشفاء على وجهين فقولنا: رزق الأمير الجند المفهوم منه أنه فرق الأموال التي جمعها بالقوة الناسوتية، وقولنا: "شفى الطبيب المريض" اجتهد كلَّ الجهد، وسعى كلَّ السعي بفكره الذي يشابه فكر المريض بتعيين دواء فيه حرًا وبردًا وغيرهما من خواص العالم فأعقبه الصحة.

وقولنا: رزق الله تعالى خلقه، وشفى الله عبده أنه أراد أن يجتمع إليه المال من غير ملابسة بالأعمال الناسوتية ولا مشابهة بالناسوتية فاجتمع أولًا أو أن يزول مرضه ويحدث فيه الصحة فكان كما أراد"

(1)

.

فالفرق بين المثالين أن الأول يكون تأثير المسند إليه بقوة مناسبة لإنسانيته وبشريته وهي القوة المباشرة الظاهرة وأما الثاني فيكون تأثير المسند إليه بقوة غير مناسبة لبشريته وهى القوة الغيبية وبدون اتصال مباشر ظاهر للأعين والأبصار، والأمثلة التي يدور النقاش فيها من باب المثال الثاني لا الأول كما هو واضح، ويؤيد هذا الوجه ما يلي:

د - ومما يؤيد الفرق بين المثالين أن علماء البلاغة اشترطوا في القرينة أن تكون قريبة المأخذ وواضحة وأن يكون الشبه بين الطرفين جليًا.

وقالوا: إن الأسد لا يطلق على الرجل أبخر الفم مع اشتراكهما في البخر لأن تلك القرينة بعيدة وغير قريبة المأخذ

(2)

، فلا يتبادر الذهن عند إطلاق الأسد على الرجل أن المراد من الإطلاق أنه أبخر الفم بل الذي يتبادر أنه شجاع.

(1)

البدور البازغة ص: 123، بواسطة البصائر: 372 - 373.

(2)

انظر التلخيص: 335، وترجيح أساليب القرآن:156.

ص: 923

هـ - ثم "إن العلماء القائلين بالمجاز لم يقولوا بدخول المجاز والتأويل في كل كلام بل قالوا: "المجاز والتأويل لا يدخل في المنصوص وإنما يدخل في الظاهر المحتمل له"

(1)

.

وهؤلاء الداعون للأموات كلامهم نص واضح جلي في مرادهم فكيف نؤوله ونطلب له الحيل والمخارج ونجادل عنهم؟ {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109)} [النساء: 109]. والعلماء نصوا على أنه ليس كل كلام قابلًا للتأويل، قال البقاعي رحمه الله:

"إنه ليس كل كلام يقبل تأويله وصرفه عن ظاهره، وذلك يرجع إلى قاعدة الإقرار بشيء، وتعقيبه بما يرفع شيئًا مَّا من معناه ولا خلاف عند الشافعية في أنه إن كان مفصولًا لا يقبل، وأما إذا كان موصولًا ففيه خلاف، ومن صورة ما لا ينفع فيه الصرف عن الظاهر كما لو أقر ببيع أو هبة ثم قال: كان ذلك فاسدًا فأقررت بظني الصحة فإنه لا يصدق في ذلك"

(2)

.

والمجاز العقلي القرينة المدعاة ليست متصلة بالكلام بل هي مفصولة فلا خلاف عند الشافعية في عدم اعتباره في الحكم.

وإذا ثبت أنه لا يقبل كل كلام التأويل فمن العلماء من "غلب جانب الحرمة الله ولرسوله فمنع التأويل مطلقًا"

(3)

.

فعلى هذا فلا يقبل التأويل فيما يتعلق بحق الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم مفرقًا بين الكلام الذي يؤول والذي لا يؤول: "إنما نؤول كلام من ثبتت عصمته حتى نجمع بين كلاميه لعدم جواز الخطأ عليه،

(1)

بدائع الفوائد: 1/ 15.

(2)

تنبيه الغبي: 22 - 23، ومنع الجواز:52.

(3)

الشفا لعياض: 2/ 978، وتنبيه الغبي:23.

ص: 924

وأما من لم تثبت عصمته فجائز عليه الخطأ والمعصية والكفر فنؤاخذه بظاهركلامه، ولا يقبل منه ما أول كلامه عليه مما لا يحتمله، أو مما يخالف الظاهر"

(1)

.

فعلى هذا فالتأويل خاص بما وقع في الكتاب والسنّة مما ظاهره التعارض والسبب في أن الذين أجازوا التأويل في الكلام عامة قالوا بعدم جواز دخول التأويل فيما هو نص في مراد المتكلم لا يحتمل غيره، لأن ذلك كذب ظاهر على المتكلم وتحميل لكلامه ما لا يحتمله

(2)

.

ولا يوجد في العلماء من يجيز تأويل كل كلام بدون قيد ولا شرط.

و- ثم إننا لو أولنا كلام هؤلاء باحتمال المجاز العقلي فماذا نفعل بأعمالهم الشركية فهل يمكن تأويلها أيضًا؟ وإذا قلنا نؤول فبأي شيء نؤول سجودهم على أعتاب الأضرحة وطوافهم بالقباب، وذبحهم للقرابين وبذلهم للنذور؟ "فهل هذه الأعمال أيضًا مؤولة، لوقوعها عمن لا يعتقد التأثير مع أن هذه العبادات من خالص حق الله تعالى، وصرفها لغيره شرك؟ "

(3)

.

ز - إن فتح باب التأويل على مصراعيه يؤدي إلى فساد عظيم وخطر جسيم في اللغات والأديان ومصالح الدنيا، فأما فساد اللغات فإن "العبد لا يعلم ما في ضمير صاحبه إلا بالألفاظ الدالة على ذلك فإذا حمل السامع كلام المتكلم على خلاف ما وضع له، وخلاف ما يفهم منه عند التخاطب عاد على مقصود اللغات بالإبطال ولم يحصل مقصود المتكلم ولا مصلحة

(1)

تنبيه الغبي ص: 66 - 67، 136، 196، 253، والعقد الثمين للفاسي: 2/ 190 - 191 وقد ذكر الفاسي عن أبي زرعة ولي الدين ابن الحافظ العراقي أنه قال: "

وأمرنا أن نحكم بالظاهر وإنما يؤول كلام المعصومين" العقد الثمين: 6/ 352.

(2)

الصواعق المرسلة: 1/ 219.

(3)

صيانة الإنسان: 220.

ص: 925

المخاطب، وكان ذلك أقبح من تعطيل اللسان عن كلامه فإن غاية ذلك أن تفوت مصلحة البيان، وإذا حمل على ضد مقصوده فوت مصلحة البيان وأوقع في ضد المقصود

"

(1)

وأما فساد الدين فإن التأويل هو الذي فتح الباب للفرق الزائغة وأصحاب المقاصد السيئة لمحاولة هدم الإسلام تحت ستار التأويل.

ولا يخفى ما فعلته الروافض والجهمية بنصوص الكتاب والسنة الخبرية بدعوى التأويل في أمور العقيدة الهامة، ثم جاءت الباطنية فأعملت معاولها في النصوص المتبقية من الشرائع العملية وأمور المعاد، واحتجت بالحجج التي احتج المأولون السابقون من الجهمية والرافضة الذين أولوا النصوص الخبرية.

فلم يستطع هؤلاء الرد على الباطنية بعد أن تعاونوا في تلك المحاولة اليائسة لهدم الشريعة

(2)

.

وأما فساد مصالح الدنيا، فإنه لا يمكن لأمة من الأمم أن تعيش في ظل نظام التأويل فإنه لو فتح الباب للتأويل لا يمكن لأي قاض أن يحكم في قضية مَّا، ولا يمكن لأي فرد في المجتمع أن يثق بكلام الآخر لاحتماله للتأويل، وبهذا ترفع الثقة من بين الناس.

قال الحافظ ابن عبد البر: "ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبارات"

(3)

.

وقال الغزالي: "إن الألفاظ إذا صرفت عن مقتضى ظواهرها بغير اعتصام بنقل عن صاحب الشرع وبغير ضرورة تدعو إلى ذلك من دليل العقل اقتضى ذلك بطلان الثقة بالألفاظ

والباطن لا ضبط له بل

(1)

الصواعق المرسلة: 1/ 191.

(2)

انظر عن هذا الموضوع فضائح الباطنية للغزالي: 53، والصواعق المرسلة: 1/ 193 - 209، والحموية ص:20.

(3)

التمهيد لابن عبد البر: 7/ 131.

ص: 926

تتعارض فيه الخواطر ويمكن تنزيله على وجوه شتى"

(1)

.

وقال شمس الدين الجزري: "ولو فتح باب تأويل كل كلام ظاهره الكفر لم يكن في الأرض كافر"

(2)

.

وقال الحافظ الذهبي: وإن فتحنا باب الاعتذار عن المقالات وسلكنا طريق التأويلات المستحيلات، لم يبق في العالم كفر ولا ضلال وبطلت كتب الملل والنحل واختلاف الفرق"

(3)

.

وقال ابن رشد في معرض رده على الذين يؤولون أمور المعاد: وأما إذا أوّلت -أي نصوص المعاد- فإنما يؤول الأمر فيها إلى أحد أمرين: إما أن يسلط التأويل على هذه وأشباه هذه في الشريعة فتتمزق الشريعة كلها، وتبطل الحكمة المقصودة منها، وإما أن يقال في هذه كلها: إنها من المتشابهات، وهذا كله إبطال للشريعة ومَحْوٌ لها من النفوس من غير أن يشعر الفاعل لذلك بعظيم ما جناه على الشريعة"

(4)

.

وقال الألوسي: "ولو قلنا: إن الألفاظ لا عبرة لها لأمكن لكل من تكلم بكلام يحكم على قائله بالردة اتفاقًا أن يقول: لم تحكمون بردتي؟ فيذكر احتمالًا ولو بعيدًا يخرج به عما كفر به، ولما احتاج إلى توبة ولا توجه عليه لوم"

(5)

.

حـ - ولكون التأويل يؤدي إلى هذه المفاسد لم يترك الشارع الحكيم الأمور سدى بل أناط الحكم بظواهر الألفاظ وما تقتضيه بأساليبها التركيبية، وأما ما وراء الألفاظ من السرائر والضمائر فإلى الله تعالى، قال عمر رضي الله عنه: "إن أناسًا كانوا يأخذون بالوحي في عهد

(1)

الإحياء: 1/ 49، وتنبيه الغبي:67.

(2)

تنبيه الغبي: 196.

(3)

تاريخ الإسلام للذهبي وعنه في العقد الثمين: 5/ 332.

(4)

الكشف عن مناهج الأدلة: 81، وفلسفة المجاز:68.

(5)

جلاء العينين ص: 515.

ص: 927

رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرًا أمناه وقربناه وليس إلينا من سريرته شيء الله يحاسب سريرته، ومن أظهر لنا سوءًا لم نأمنه ولم نصدقه، وإن قال: إن سريرته حسنة"

(1)

.

وهذا الذي قاله الفاروق رضي الله عنه تبعه فيه كافة العلماء لم يخالف في ذلك منهم أحد، بل أجمع عليه العلماء من أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل الاجتهاد الصحيح

(2)

.

قال ابن حجر الهيتمي الشافعي: "المدار في الحكم بالكفر على الظواهر، ولا نظر للمقصود والنيات ولا نظر لقرائن حاله"

(3)

.

ويدل لذلك الحديث المتفق عليه عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا بشر وأنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضى له على نحو مما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه بشيء، فلا يأخذ منه شيئًا فإنما أقطع له قطعة النار"

(4)

.

ط - إن العلماء لم يعذروا في الألفاظ الكفرية بالتورية ولا بالجهل إلا في بعض صور الجهل التام.

فقد قال العلماء: "لو نطق بكلمة الردة، وزعم أنه أضمر تورية كفر ظاهرًا وباطنًا"

(5)

. وعللوا عدم العذر بحصول التهاون منه

(6)

.

فالحكم إنما يتعلق بالتكلم بألفاظ الكفر فمن تلفظ بها فقد كفر ولا يقبل منه ما يدعيه من الجهل أو التأويل إلا في بعض الصور.

(1)

البخاري مع الفتح: 5/ 251 رقم 2641.

(2)

مصرع التصوف: 252.

(3)

الإعلام بقواطع الإسلام ص: 82.

(4)

أخرجه البخاري: 5/ 288 رقم 2680، ومسلم: 3/ 1337 رقم 1713.

(5)

تنبيه الغبي: 23، والزواجر عن اقتراف الكبائر: 1/ 32، والإعلام بقواطع الإسلام ص:19.

(6)

تنبيه الغبي: 23.

ص: 928

قال بعضهم: "وإن كان قائلها -أي كلمة الكفر- لم يرد ظاهرها فهو كافر بقوله، ضال بجهله، ولا يعذر في تأويله لتلك الألفاظ، إلا أن يكون جاهلًا بالأحكام جهلًا تامًا عامًا، ولا يعذر في جهله لمعصيته لعدم مراجعة العلماء والتصانيف على الوجه الواجب من المعرفة"

(1)

.

ويستفاد من هذا أن الجهل أيضًا ليس بعذر في مثل هذه الأمور الاعتقادية الواضحة، فإن العلماء لم يعذروا بالجهل في باب الكفر إلا في بعض المسائل الدقيقة أو في التي لها شبهة قوية تمنع الحكم حتى تبين وقد تقدمت

(2)

الإشارة إلى ذلك.

ي ـ الأهم من هذا كله هو أن المشركين الذين نزل فيهم القرآن الكريم وحكم بكفرهم كانوا يعتقدون السببية والتوسط، وهذا هو حجة من يرى المجاز العقلي ويبيح إسناد الدعاء لغير الله تعالى.

فلو أن اعتقاد السببية والتوسط ينفع في حمل كلام من يدعو غير الله تعالى على المجاز العقلي، ويمنع من الحكم عليه بالشرك، لكان الله تعالى أعذر المشركين الذين يعتقدون التسبب والوساطة، ولحكم بكفر من يعتقد الاستقلال فقط، وأما من اعتقد أن الأصنام تقربهم إلى الله زلفى وأنها شفعاء عند الله فاستثناهم ولم يحكم بكفرهم، ولكن رأينا أن الله تعالى حكم على الكل بالكفر والشرك في كتابه العزيز، فلا ينفع ادعاء المجاز العقلي ولا الجدال عنهم بمثل هذه التأويلات البعيدة والحيل الفاسدة، قال تعالى:{هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109)} [النساء: 109].

وقد تقدم سابقًا بما لا يدع مجالًا للشك أن المشركين الأوائل كانوا يقرون بالربوبية والتأثير المطلق الله تعالى، وإنما يعتقدون الشفاعة والوساطة

(1)

العلم الشامخ: 590، وتنبيه الغبي:159.

(2)

تقدم ص: 565 - 566، 929.

ص: 929

والتسبب فكما لم ينفعهم ذلك الاعتقاد ولم يعذرهم الله تعالى، فكذلك من دعا غير الله تعالى من الأموات والغائبين وادعى الوساطة والشفاعة والتسبب لا ينفعه ذلك.

مع أننا بينّا أن كثيرًا منهم يعتقد التأثير لا الوساطة فقط، كما بينّا ما في شبهة الوساطة والشفاعة من المحاذير والمفاسد - فلله الحمد وهو المستعان وعليه التكلان.

ص: 930

‌ملحق يشتمل على صور من الأدعية الشركية والبدعية وعلى نماذج من الأدعية الشرعية المأثورة

‌صور من الأدعية الشركية والمبتدعة المنتشرة في العالم الإسلامي:

قد انتشرت الأدعية الشركية والمبتدعة في العالم الإسلامي انتشارًا واسعًا حتى صار بعض الناس يعتقدها أنها هي الدعاء المشروع، وإذا أنكر عليه منكر ظن أنه جاء بدين جديد.

ولكثرة تلك الأدعية المخالفة للدعاء المشروع لا نستطيع حصرها بل ولا عشرها وإنما نقتصر على نماذج منها يعرف منها ما بقي، ونذكر تلك الأدعية وننقلها كما هي مع اشتمال بعضها على الكفر الصريح من دعاء غير الله تعالى والاستغاثة به، وطلب المدد والإنقاذ وغير ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله تعالى؟

ويشتمل بعضها على الاعتداء، وبعضها على التوسل البدعي، وإنما ذكرنا هذه النماذج لئلا يقال: إن دعاء غير الله تعالى الذي تحدثنا عنه طويلًا أمرٌ غير واقع في حياة المسلمين كما ذلك من يقول: إن هذه يزعم الأمة المرحومة لا يقع فيها الشرك، ثم ليقف القارئ بنفسه على تلك الأدعية الشركية والبدعية كما هي، ثم ليحكم هل ادعينا عليهم افتراء أم هي الحقيقة والواقع المرير؟.

وإليك هذه النماذج:

‌أ - صور من الأدعية الشركية والبدعية عند الشيعة:

فهؤلاء عندهم الأدعية الشركية والبدعية الكثيرة جدًا، فهم يدينون

ص: 931

بالاستغاثة والاستمداد من الأئمة ويعدون ذلك من أهم القربات والطاعات، ويدل على مدى صدق ما نقول ما أخرجه الكليني في الكافي أهم كتبهم عن جعفر الصادق في قوله تعالى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} قال: "نحن والله الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العبد إلا بمعرفتنا"

(1)

، ومثله في قوله تعالى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)} نحن الأوصياء"

(2)

.

فهم يعتقدون أن الله لا يقبل عملًا إلا إذا دُعِيَ بالأئمة، فلهذا لا يخلو دعاؤهم غالبًا من الاستمداد بهم أو التوسل بهم، ولكون ذلك كثيرًا عندهم نختار نماذج قليلة من أدعيتهم.

فمن صور الأدعية الشركية المنتشرة لدى الشيعة ما يسمى عندهم بالزيارة الجامعة وهي من أوثق الزيارات عندهم، ويعدونها أحسن الزيارات الجامعة متنًا وإسنادًا

(3)

، وهي طويلة في نحو خمس صفحات، وفيها: "خلقكم الله أنوارًا فجعلكم بعرشه محدقين

أشهد الله وأشهدكم أني مؤمن بكم وبما آمنتم به

مستجير بكم زائر لكم، لائذٌ عائذٌ بقبوركم، مستشفع إلى الله عز وجل بكم، ومتقرب بكم إليه ومقدمكم أمام طلبتي وحوائجي وإرادتي في كل أحوالي وأموري

بكم فتح الله، وبكم يختم، وبكم ينزل الغيث وبكم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وبكم ينفس الهم، ويكشف الضر

"

(4)

.

(1)

الكافي: 1/ 110، وتقدم ص:467.

(2)

المرجع نفسه: 1/ 352.

(3)

الشيعة والتصحيح للموسوي ص: 144، وقد استدل الخميني بما ورد فيها في ولاية الفقيه ص: 52 كما تقدم ص: 466.

(4)

انظر هذه الزيارة في كتابهم من لا يحضره الفقيه: 2/ 370 - 375، وفي الكافي: 3/ 361 ط ح في زيارة الحسين نحو هذا وفيه زيادة: "وبكم يمحو الله ما يشاء، وبكم يثبت وبكم يفك الذل

وبكم تنبت الأرض أشجارها، وبكم تخرج الأرض ثمارها

وبكم تسيخ الأرض التي تحمل أبدانكم وتستقر جبالها

".

ص: 932

ففي هذا الكلام غلو شديد متفاحش، ففيه وصف الأئمة بالقدم وهو إشارة إلى قدم الأئمة وأوليتهم، وقد تسرب منهم إلى الصوفية ويسمونه بالحقيقة المحمدية ويريدون أن أصل العالم من نور محمد وعلي والأئمة

(1)

، كما أن فيه طلب الاستجارة واللياذة والعياذة من غير الله تعالى وفيه خطاب للموتى والغائبين، ولا يقال إنه خطاب لصاحب القبر المزور مثل السلام لأن هؤلاء يريدون خطاب جميع الأئمة، بمن فيهم غائبهم المنتظر مع العلم بأن قبورهم ليست في مكان واحد حتى يصح خطابهم جملة واحدة كأنهم في مكان واحد، كما أن في هذا اعتقاد أنهم الواسطة بين الله وبين الخلق في حوائجهم بل فيه اعتقاد أنهم الواسطة في الحوادث الكونية، من إنزال الغيث وإمساك السماء - تعالى الله عما يقولون - فكأن الله لا يفعل شيئًا إلّا لجبر خاطر الأئمة وإرضائهم، فلولا الأئمة ما أوجد العالم، وكأن الله محتاج إليهم في تدبير الكون تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.

ومن أدعيتهم الشركية مع الحث على الاستغاثة بالإمام علي رضي الله عنه قولهم:

ناد عليًا مظهر العجائب

تجده عونًا لك في النوائب

كل هم وغم سينجلي

بولايتك يا علي يا علي

(2)

وتسربت الاستغاثة بهذين البيتين إلى المتصوفة

(3)

.

ومن أدعيتهم الشركية ما أخرجه صاحب الكافي بسنده عن بعضهم "إذا أحزنك أمر فقل في آخر سجودك، يا جبرئيل، يا محمد، يا جبرئيل،

(1)

انظر في هذا الادعاء الكافي: 1/ 116، والإنسان الكامل: 2/ 46، 61، 74 - 78، وانظر الاعتراف بهذا في الصلة بين الشيعة والتصوف ص: 449 - 456.

(2)

مصباح الكفعمي: 182 - 183، وتحفة العوام:402.

(3)

انظر جواز الاستغاثة بهما عندهم في البريلوية لإحسان إلهي: 57، وفي البصائر ص:.

ص: 933

يا محمد - تكرر ذلك - اكفياني ما أنا فيه فإنكما كافيان واحفظاني بإذن الله فإنكما حافظان"

(1)

.

وقريب من هذا دعاء آخر يسمى دعاء فرج حضرت حجة وهو "يا محمد يا علي، يا علي، يا محمد اكفياني، فإنكما كافيان وانصراني فإنكما ناصران، يا مولانا يا صاحب الزمان، الغوث، الغوث، أدركني أدركني، الساعة، الساعة، العجل، العجل، العجل"

(2)

.

ففي هذا الدعاء الاستغاثة بمحمد وعلي وطلب الكفاية والنصرة منهما ووصفهما بهما، وفيه نداء صاحب الزمان -مهديهم الغائب في السرداب- وطلب الغوث والنجدة والإدراك في الساعة على سرعة وعجل، فبالله عليك ما الذي بقي الله تعالى من مخ الدعاء ولبه وخالصه وهل بقي شيء آخر لا يطلب إلا من الله تعالى!

وأما الاعتداء في أدعيتهم فحدث ولا حرج، فإذا دعا الأئمة واستغاثَ فلا بد أن يلعن من ظلمهم ومن لا يواليهم، ويكفي للدلالة على ذلك ما ورد في الدعاء المشهور عندهم بدعا

(3)

صنمي قريش، ففيه

(1)

الكافي: 2/ 406.

(2)

مصباح الكفعمي: 176، 182 - 183، ومفاتيح الجنان 115 - 116، وذكروا أنه يقرأ لرد الضائع والآبق.

(3)

وفيه قولهم: "والعن صنمي قريش وجبتيهما، وطاغوتيهما وإفكيهما وابنتيهما اللذان خالفا أمرك وأنكرا وحيك وجحدا إنعامك

اللهم العنهما وأتباعهما وأولياءهما وأشياعهما ومحبيهما

لعنًا يعود أوله ولا ينقطع آخره لهم ولأعوانهم وأنصارهم

وذكروا أن عليًا يقنت بدعاء صنمي قريش". انظر: المصباح للكفعمي ص: 552 - 553، وشرعة التسمية في زمن الغيبة: ق 26/ 1، ومفاتيح الجنان: 261، ونفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت: ق 6/ 1، وتحفة العوام ص:، وانظر أيضًا في المصباح للكفعمي: 483 - 484، ونحوه في الكافي: 3/ 359 ح "فلعن الله أمة أسست أساس الظلم والجور عليكم أهل البيت، ولعن الله أمة دفعتكم عن مقامكم

اللهم العن أول ظالم ظلم حق محمد وآل محمد وآخر تابع له على ذلك".

ص: 934

اعتداء وقح على مقام الشيخين أبي بكر وعمر وأمهات المؤمنين رضي الله عنهم.

وأما التوسل البدعي فما أكثره في أدعيتهم فقلما يخلو دعاء من أدعيتهم من التوسل بأئمتهم

(1)

، فكأن التوسل شرط أساسي لقبول الدعاء عندهم. ومن الأدعية الشركية المنتشرة بين الروافض: الدعاء المسمى عندهم بدعاء الاستئذان، أي الدعاء الذي يدعى به قبل دخول المشهد أو قبل دخول المسجد النبوي، وهو: "اللهم إني أعتقد حرمة صاحب هذا المشهد الشريف في غيبته، كما أعتقدها في حضرته، وأعلم أن رسولك وخلفاءك عليهم السلام أحياء عندك يرزقون، يرون مقامي، ويسمعون كلامي، ويردون سلامي، وأنك حجبت عن سمعي كلامهم، وفتحت باب فهمي بلذيذ مناجاتهم

وأستأذنك يا رسول الله وأستأذن خليفتك الإمام المفترض طاعته

أأدخل يا حجة الله

"

(2)

.

وفي هذا الدعاء من الشرك الاعتقاد بأن الأئمة الغائبين الميتين يرونه ويسمعون كلامه ولهذا يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعيد وعلى الحجة الغائب، وفي هذا اعتقاد علم الغيب المحيط لغير الله تعالى، كما أن فيه الاعتقاد بالسمع المحيط لغير الله تعالى.

وقد تسرب هذا الاستئذان على صاحب المشهد من بعيد إلى المتصوفة

(3)

.

(1)

انظر على سبيل المثال لا الحصر الكافي: 2/ 409، 413، ذكر فيه بحق الخمسة - محمد، علي، فاطمة، الحسن، الحسين - و 424، 425، 395، 396، 400، 401، 402.

(2)

المصباح للكفعمي: 472 - 473، وانظر دعاء الاستئذان في مصابيح الجنان: 471، ومفتاح الجنان:524.

(3)

انظر على سبيل المثال استئذان الشاذلي على النبي صلى الله عليه وسلم من أول النهار إلى نصفه في أبو الحسن الشاذلي: 78 - 79، وما ذكره الألوسي في روح المعاني: 18/ 185، وغاية الأماني: 2/ 302.

ص: 935

ومن أدعيتهم الشركية دعاؤهم في زيارة الغائب في السرداب: "السلام على الحق الجديد، والعالم الذي علمه لا يبيد، السلام على محيي المؤمنين ومبير الكافرين"

(1)

.

ففي هذا وصف للغائب بأن علمه باق أبدًا وأنه المحيي المميت وهذه صفات خاصة بالله تعالى، ودعاؤهم أيضًا في زيارته: "اللهم صلِّ على حجتك في أرضك وخليفتك في بلادك

وخير من تقمص وارتدى

ومفرج الكرب، ومزيل الهم وكاشف البلوى"

(2)

، ففي هذا الدعاء من الشرك وصفه بأنه المفرج للكرب .. إلخ، وهذه صفات خاصة بالله تعالى لاسيما وأنها مطلقة ولم تقيد بتفريج كربة معينة مثلًا، وفيه من الغلو وصفه بأنه أفضل من الأنبياء والمرسلين لأنهم داخلون فيمن تقمص وارتدى.

‌ب - صور من الأدعية الشركية أو البدعية عند المتصوفة والقبوريين:

فالأدعية الشركية والبدعية كثيرة في استغاثات المتصوفة والقبوريين وفي نداءاتهم وابتهالاتهم، فكثيرًا ما نجد بعضهم ينظم القصائد في ذلك ويصف من يستغيث به من المخلوقين بأوصاف الربوبية والألوهية، وإليك بعض ذلك:

يقول أحدهم مخاطبًا البدوي راجيًا استغاثته:

أتيت حماك الرحب استمطر الندى

وبذل أيادٍ ما لهن مضارع

وحاشا وكلّا أن أخيب وأن لي

فؤادًا بقصد الغير ما هو قانع

(1)

مفتاح الجنان: 529.

(2)

مفتاح الجنان: 529.

ص: 936

نحوتك أرجو منك سالف عادتي

فجد لي واستعفني بما أنا طامع

أغيرك ينحوه المؤمل أو سوى

رحابك أهل تثنى إليه المطالع

(1)

فهذه الأبيات غاية في التضرع والتملق والانكسار بين يدي البدوي فإذا لم يكن مثل هذا عبادة ودعاء -لغير الله تعالى- فليس هناك ما يتصور أن يكون دعاء لغير الله تعالى، ثم إن هذه الأبيات صريحة في أن المقصود بهذا الدعاء هو البدوي فقط، وليس المراد منها الشفاعة المزعومة إلى الله تعالى فلا ينفع فيها ما يسمى بالمجاز العقلي، وقد تقدمت مناقشة ذلك بحمد الله تعالى.

فقد محض السؤال للبدوي وخصه به وقصره عليه بقوله: أغيرك ينحوه المؤمل وبقوله: وأن لي فؤادًا بقصد الغير

فيدخل في هذا الغير الله سبحانه وتعالى.

ومثله قول آخر في البدوي أيضًا:

وحماك أبغي يا أبا الفتيان في

خطب أهاج القلب من حسراته

من لي سواك أرومه في كشفه

أو ارتجي إن ضقت من وثباته

عار عليك إذا رددت خويدمًا

قصر الفؤاد عليك في حاجاته

(2)

ويقول آخر في البدوي أيضًا:

إني أتيتك يا ذا المشرع العالي

فانظر بلحظك في شأني وفي حالي

ولا تكلني إلى من ليس ينصرني

ولا إلى ذي جفا للعهد لي قالي

ففاقتي لك يا ذا الطول قد علمت

من كسر قلبي ومن حالي ومن قالي

وقد تحاميت في الجاه المديد فلا

تردني خائبًا من فيض إفضالي

ومن أولى بغوث منك يا أملي

ومنتهى رحلتي ومنائي بل وآمالي

(1)

السيد البدوي بين الحقيقة والخرافة ص: 281 و 320 نقلًا عن مخطوطة الجواهر السنية.

(2)

السيد البدوي: 319 نقلًا عن الجواهر ص: 132.

ص: 937

وصن بعزك يا ذا الطول وجهي

عن سؤال غيرك ممن حاله بالي

وقد نزلت بباب فاز قاصده

بكل قصد وتعظيم وإجلال

(1)

وهذه الأبيات صريحة في قصر الدعاء والطلب على البدوي، فبالله عليك قل لي: ماذا أبقى هذا الشاعر الله تعالى؟ فهل لو أخلص أحدنا الدعاء الله تعالى يستطيع أن يقول الله تعالى أكثر من هذا؟

ومن أدعيتهم الشركية قولهم في الشيخ عبد القادر الجيلاني: شيئًا لله يا عبد القادر.

فقد نص كثير من العلماء على أنها شرك كما تقدم

(2)

ففيها استشفاع بالله عليه وقد استعظمه النبي صلى الله عليه وسلم

(3)

ومع هذا، فهذه الكلمة منتشرة في كثير من أرجاء العالم الإسلامي - إلى الآن - فنداء الشيخ عبد القادر والاستغاثة به والغلو فيه منتشر جدًا.

فقد كان بعضهم يدعوه بقوله: "يا غوثي أنت المحيي وأنت المميت، وأن النبي هو القاسم وأنت الموصل"

(4)

.

ففي هذا نداء ودعاء لعبد القادر، ووصف له بصفات الربوبية، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

والشيخ عبد القادر يلقب عندهم بالغوث الأعظم فهم لم يرضوا له أن يكون غوثًا فقط حتى جعلوه هو الغوث الأعظم، فأين الله تعالى في مخيلتهم؟؟ فهذا لم يصل إليه المشركون الأوائل.

وأما التوسل البدعي فبحر

(5)

لا ساحل له في أدعيتهم، لأن من

(1)

السيد البدوي ص: 282 نقلًا عن الجواهر: 124.

(2)

تقدم ص: 540.

(3)

تقدم ص: 506.

(4)

البريلوية لإحسان إلهي ص: 71.

(5)

فالتوسل البدعي كثير في أدعية المتأخرين لاسيما بعد الألف، فيوجد حتى عند بعض العلماء الذين يعدون من الكبار في بعض العلوم فمثلًا انظره لدى مرتضى الزبيدي في شرح الإحياء كما في: 5/ 2 و 118، وما كتبه علماء ديوبند الذين يعتبرون مراجع في القارة الهندية في عقيدتهم المسماة "المهند على المقند" ص: =

ص: 938

استحسن الاستغاثة والاستمداد من الميت فمن باب أولى أن يستحسن التوسل به إلى الله تعالى، فلهذا لا نحتاج إلى ضرب الأمثلة الكثيرة.

فمن أمثلة ذلك ما ذكره أصحاب التيجاني من صيغ التوسل أن يقول: "يا رب توسلت إليك بحبيبك ورسولك وعظيم القدر عندك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في قضاء الحاجة التي أريدها" يقول هذا مائة مرة ثم يقول: "أسألك وأتوجه إليك بجاه القطب الكامل سيدنا أحمد بن محمد التيجاني وجاهه عندك أن تعطيني كذا وكذا، ويسمي حاجته بعينها عشرًا"

(1)

.

ويقول آخر في توسلاته بالأولياء بعد أن عدد أسماء كثيرين متوسلًا بهم:

وبالباز عبد القادر الجيلي

أقرت جميع الأولياء للمزية

وبالقطبى أحمد الرفاعي من حظي

يد المصطفى في القبر فاز بقبلة

بشيخ الدسوقي والدميري والديلمي

والدرديري الرباني هم أهل رفعة وأحمد ابن علوان أحمد البدوي

وأحمد بن إدريس أهل الصبابة

(2)

ونختم هذا بما ذكره الشيخ حسين بن مهدي النعمي من مشاهداته.

قال رحمه الله:

"ومن عجيب ما أتته العامة من الطرائف والغرائب الفاحشة ما شاهدناه بالمعاينة مكتوبًا على راية مشهد من المشاهد: "هذه راية البحر التيار، فلان بن فلان، به أستغيث وأستجير، وبه أعوذ من النار".

وقول بعضهم في قصيدة:

= 37، والزرقاني على الموطأ: 4/ 436، وابن الجوزي في صيد الخاطر ص: 79 وغير هؤلاء كثيرون.

(1)

رماح حزب الرحيم في نحور حزب الرجيم هامش الجواهر: 1/ 265.

(2)

إرشاد الأذكياء في حكم التوسل بالأولياء لعلي بن إبراهيم الصومالي ص: 54.

ص: 939

يا سيدي يا صفي الدين يا سندي

يا عمدتي بل ويا ذخري ومفتخري

أنت الملاذ لما أخشى ضرورته

وأنت لي ملجأ من حادث الدهر

امدد بمواد اللطف منك وكن

لي الكفيل بكشف الضر ونيل الظفر

وامنن علي بتوفيق وعافية

وخير خاتمة مهما انقضى عمري

وكف عنا أكف الظالمين إذا

امتدت بسوء وأمر مؤلم نكر

فإني عبدك الراجي لودك ما

آمله يا صفي السادة الغرر

وقد مددت يد الرجوي على ثقة

مني لنيل الذي أملت من وطري

فلا ندري: أي معنى اختص به الخالق بعد هذه المنزلة من كيفية مطلب أو تحصيل مأرب؟ وماذا أبقى هذا المشرك الخبيث لخالقه من الأمر؟ "

(1)

.

وبعد: فهذه الصور التي نقلناها غيض من فيض، ذكرناها ليطلع القارئ على مدى ما وصل إليه انتشار الأدعية الشركية والبدعية في العالم الإسلامي، ثم ليكون شاهدًا واضحًا على ما كررناه في الرسالة من اعتقاد بعض المسلمين لمن يدعونهم من دون الله تعالى - صفات الربوبية والألوهية - من التصرف المطلق والعلم بالغيب والسمع البصر المحيطين واستحقاق الدعاء والرجاء والخوف .. إلخ.

ثم ليتضح أن ما يدعيه المجادلون عن هؤلاء الداعين للأموات أنهم لا يريدون إلا التوسل والمجاز العقلي والشفاعة

باطل لا أساس له من الصحة، ففي الصور التي نقلناها رَدٌّ على هذا الادعاء، ففيها التصريح بأن المدعو من دون الله تعالى هو المقصود بالدعاء والرغبة واللجأ، وأنه لا ملجأ إلا إليه ولا باب إلا بابه، إلى غير ذلك مما يدفع في وجه من يريد تأويله وتخريجه على محمل لم يرده قائله ولم يدر بخلده ولم يخطر بباله ولم يضمره عند التكلم به.

(1)

معارج الألباب ص: 173.

ص: 940

‌نماذج مختارة من الأدعية المأثورة الواردة في الكتاب والسنة

بعد أن سقنا نماذج من الأدعية الشركية والبدعية يستحسن أن نسوق نماذج من الأدعية المأثورة التي جاءت في الكتاب والسنة الصحيحة، إذْ بضدها تتميز الأشياء؛ وليرى القارئ الفرق الشاسع بين النموذجين فالأدعية المأثورة يتجلى فيها صدق التوجه إلى الله تعالى، وإخلاص الرغبة له، وتجريده بالطلب والالتجاء والتذلل، والانطراح بين يديه، والإعراض عما سوى الله تعالى، وقصر التوجه عليه، وإظهار العجز والمسكنة والفقر إلى رحمة الله تعالى، كما يظهر في الأدعية المأثورة عذوبةُ الألفاظ ووجازتُها، مع غزارة المعاني وسُمُوِّها، واشتمالها على المطالب العالية من خيري الدنيا والآخرة، كما يتضح فيها الإيمان المطلق بربوبية الله تعالى وألوهيته وأسمائه الحسنى وصفاته العلى، فهي في الغالب تتضمن ما يدل على التوحيد بأنواعه الثلاثة، وتُفتَتَح أو تختم باسم عظيم من أسماء الله الحسنى يناسب المقام، كما أنها مشتملة على تنزيهٍ لجناب الله وتعظيمه وتقديسه، كما يتجلى فيها حسن الأدب مع الله تعالى في الخطاب، وحسن عرض الحوائج والرغائب.

كما أنها -من جانب آخر- معصومة مأمونة من الوقوع في الخطأ والزلل، أو الإثم أو اللحن، أو سوء الأدب.

كما أنها بعيدة كل البعد عن أيِّ التفات إلى غير الله تعالى؛ فليس فيها التوسل البدعي -فضلاً عن دعاء غير الله تعالى أو الاستغاثة به-

ص: 942

بخلاف الأدعية غير المأثورة في هذه الأمور كلها.

وإذا وقف القارئ على هذه الفروق الواضحة بين النموذجين وأدرك بنفسه هذه الحقيقة، فإنه يعرف خصائص الأدعية المأثورة، ولا يستبدل الخبيث بالطيب، ولا الذي هو أدنى بالذي هو خير، فيكون من الخاسرين.

وإذا اتضح هذا، فإننا نختار نماذج قليلة -لأنها أمثلة لما هو معلوم ميسر لمن أراده في كتب السنة المشرفة، وفي كتب الأدعية الصحيحة-، ونبدأ أولاً بالأدعية الواردة في الكتاب العزيز:

‌أ - نماذج من الأدعية الواردة في الكتاب العزيز:

{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} .

{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)} [البقرة: 201].

{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)} [البقرة: 286].

{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)} [آل عمران: 8].

{رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16)} [آل عمران: 16].

{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147)} [آل عمران: 147].

{رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ

ص: 943

تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194)} [آل عمران: 191 - 194].

{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)} [يوسف: 101].

{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)} [إبراهيم: 40، 41].

{رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)} [الكهف: 10].

{رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)} [الأحقاف: 15].

{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)} [الحشر: 10].

{رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5)} [الممتحنة: 4، 5].

{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)} .

‌ب - نماذج من الأدعية الواردة في السنّة المطهرة:

" اللهمَّ أَنتَ رَبِّي لا إله إلا أنتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عبدُك، وأنا على عهدِك ووَعْدِك ما استطعتُ، أعوذُ بكَ من شرِّ ما صَنَعْتُ، أَبُوْءُ لَكَ بنِعْمَتِكَ عليَّ، وأَبُوءُ بِذَنْبِي، اغفر لي فإنه لا يغفرُ الذنوب إلا أنت"[سيد الاستغفار، البخاري رقم 6306].

ص: 944

"اللهمَّ اغْفِرْ خَطِيئَتِي وَجَهْلِي، وإسرَافِي فِي أَمْرِي، وما أنت أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي. اللهم اغفر لي جِدِّي وهَزْلِي، وخَطَئِي وعَمْدِي، وكلُّ ذلك عندي. اللهم اغفر لي ما قَدَّمْتُ وما أَخَّرْتُ وما أَسْرَرْتُ وما أَعْلَنْتُ وما أنت أعلمُ بهِ مِنِّي، أنتَ المقدِّمُ وأنت المؤخرُ، وأنتَ على كل شيء قدير"[البخاري ح رقم 6398، ومسلم ح رقم 2719]

"اللهم إني ظلمتُ نفسي كثيراً، ولا يغفر الذنوبَ إلا أنتَ؛ فاغفر لي مغفرةً من عندك وارْحَمْنِي، إنك أنت الغفور الرحيم"[تقدم].

"اللهم إنِّي عَبْدُكَ وابنُ عَبْدِكَ، وابنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حكمُكَ، عدلٌ فيَّ قضاؤُك، أسألكَ بكلِّ اسم هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ به نَفْسَك، أو عَلَّمْتَه أحداً مِنْ خَلْقِكَ، أو أَنْزَلْتَه في كتابِك، أو اسْتَأْثَرْتَ به في علمِ الغيبِ عندَك: أن تجعل القرآنَ العظيمَ ربيعَ قَلْبِي، ونورَ صَدْرِي، وجَلاءَ حزني، وذهابَ هَمِّي"[انظر: السلسلة الصحيحة رقم 198].

"اللهم إني أسألك بأني أشهدُ أنك أنت اللهُ لا إله إلا أنت، الأحدُ الصمدُ، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد"[تقدم].

"اللهم إني أعوذُ بِرضَاكَ من سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِن عُقُوبَتِكَ، وَبِكَ مِنْكَ لا أُحْصِي ثناءً عليكَ، أنتَ كما أثنيتَ على نفسِكَ"[مسلم رقم 486].

"اللهمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنتَ خَيْرُ من زَكَّاهَا، أَنتَ وَلِيُّهَا ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفعُ، ومن قلبٍ لا يَخْشَعُ، ومن نَفْسٍ لا تَشْبَعُ، ومن دعوةٍ لا يُسْتَجَابُ لها"[مسلم رقم 2722].

"اللهمَّ فاطرَ السمواتِ والأرضِ، عالمَ الغيبِ والشهادةِ، لا إله إلا أنتَ ربَّ كلِّ شيءٍ ومليكه، أعوذ بك من شرِّ نفسي، ومن شرِّ الشيطان الرجيمِ وشركه، وأن أَقْتَرِفَ على نفسي سُوءاً أو أَجُرَّهُ على مسلمٍ"[تقدم].

"اللهم إني أعوذُ بك من عذابِ جَهَنَّمَ، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذُ بكَ مِنْ فِتْنَةِ المسيحِ الدجَّال، وأعوذُ بِكَ من فتنةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ"[تقدم].

ص: 945

"اللهم أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إليك، لا مَلْجَأَ ولا مَنْجَا منك إلَّا إلَيْكَ. اللهم آمنتُ بِكِتَابِكَ الذي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الذي أَرْسَلْتَ"[دعاء النوم، تقدم].

"اللهم إني أَسْتَخِيرُكَ بعلمِكَ، وأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ من فَضْلِكَ العظيمِ؛ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ ولا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ، وأنتَ عَلَّامُ الغيوبِ. اللَّهُمَّ إِنْ كنتَ تَعْلَمُ أن هذا الأمرَ "ويسمّي حاجته" خيرٌ لي في دِيْنِي وَمَعَاشي وعاقِبَة أَمْرِي [أو: عَاجِلِ أمري وآجله] فَاقْدُرْهُ لي ويَسِّرْه لي ثم بَارِك لي فيه. وإن كنتَ تعلمُ أن هذا الأمرَ "ويسمّي حاجته" شرٌّ لي في دِيْنِي وَمَعَاشِيْ وَعَاقِبَةِ أَمْرِي [أو: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِه] فاصْرِفْهُ عَنِّي واصرفني عنه، واقدُر لي الخيرَ حيث كان ثم رَضِّنِي به"[دعاء الاستخارة، البخاري رقم 1162، 6382].

"اللهم إنِّي أَسْأَلُكَ الهُدى، والتَّقَى، والعَفَافَ، وَالْغِنَى"[مسلم رقم 2721].

"اللهم أَصْلِحْ لِي دِينِي الذي هو عِصْمَةُ أَمْرِي، وأَصْلِحْ لي دُنْيَايَ التي فيها مَعَاشِي، وأصْلِحْ لي آخِرَتِي التي فيها مَعَادِي، وَاجْعَلِ الحياةَ زِيَادَةً لي في كلِّ خيرٍ، واجْعَلِ الموتَ راحةً لي مِنْ كُلِّ شر"[مسلم رقم 2720].

ص: 946

‌الخَاتِمَة

لقد توصلت -بحمد الله وتوفيقه وإعانته- إلى بعض النتائج الآتية:

1 -

إن الدعاء يزيد في الإيمان والتوحيد، وحياة القلب، ويجعله متعلقاً بالله تعالى محبة ورغبة، ويفتح له باباً عظيماً من لذيذ المناجاة وحلاوة الإيمان، وبشاشته، وبرد اليقين، وراحة البال، وطمأنينة النفس، وانشراح الصدر، وغير ذلك.

2 -

إن الدعاء يتضمن الاعتقاد بربوبية الله تعالى، وقدرته، وجوده وكرمه، وعلمه، وسمعه، وعلوه على خلقه، وغير ذلك الصفات من العليا.

3 -

إن الدعاء يجتمع فيه من أنواع العبادات ما لا يجتمع في غيره، ومن ذلك توجه القلب إلى الله عز وجل، وقصده بالكلية، ورجاء إجابة دعوته والرغبة إليه، والتوكل عليه، والخوف منه وخشيته، ومحبته، والابتهال إليه والتذلل له والتملق، والانطراح بين يديه تعالى، والتبري من الحول والقوة، وذكره باللسان واللهج باسمه، والاستغاثة به، وغير ذلك من أنواع العبادات المتنوعة.

4 -

إن إجابة الدعاء من مقتضى الربوبية، فهي شاملة للخلق مؤمنهم وكافرهم، فالله تعالى يربيهم بالنعم التي منها إجابة دعائهم وقضاء حوائجهم.

5 -

إن الدعاء سبب شرعي من جملة الأسباب التي جعلها الله -عز

ص: 947

وجل- سبباً لنيل المرغوب، ودفع المرهوب، وهو من جملة القضاء ومندرج تحته فليس خارجاً عنه، فالقدر السابق يتضمن الغاية وسببها، لم يتضمن غاية بلا سبب.

6 -

إن الشرك في الدعاء هو أصل شرك العالم، والعكوف والذبح، والنذر، وما إلى ذلك فروع عنه.

7 -

إن الشرك في الدعاء هو أغلب وأكثر أعمال المشركين نحو الأوثان والقبور قديماً وحديثاً.

8 -

إنه لم يرد في كتاب الله العزيز تحذير من أي نوع من أنواع الشرك مثل ما ورد في الدعاء.

9 -

إن الدعاء والعبادة يتعاقبان في كتاب الله تعالى على موضوع واحد أو على موضوعات متشابهة.

10 -

إن الدعاء غير المشروع انتشر في عوام المسلمين بطريق المتصوفة، وتسرب إلى المتصوفة من الرافضة، فهم أول من أحدث في هذه الأمة التعلق بالقبور ورجاء البركة منها ودعاء أصحابها من دون الله تعالى.

11 -

إن التوسل البدعي هو الذي فتح الباب لدعاء غير الله تعالى والاستغاثة به والاستمداد منه، فهو الباب الرئيسي الذي يدخل منه الشيطان ليزين لبعض الناس دعاء غير الله تعالى.

12 -

إنه لا يوجد دليل صحيح صريح لمن يجيز الدعاء غير المشروع، وإنما شبهاتهم تدور بين صحيح غير صريح الدلالة، أو ضعيف أو مكذوب صريح الدلالة.

13 -

إن هؤلاء المجيزين للدعاء غير المشروع يقلد بعضهم بعضاً تقليداً أعمى حتى أن بعض معاصريهم كان ينتحل كلام من سبقه على عواهنه، مع اشتماله على عقائد خطيرة ومفاسد جسيمة.

ص: 948

14 -

إن الشرك في الدعاء أو غيره لا يزال يقتحم فيه كثير من هذه الأمة، فمن الواجب البحث عنه وكشف زيف أهله وباطلهم بشتى الوسائل الممكنة.

هذا وإني أحمد الله سبحانه وتعالى على ما وفقني ويسر لي من إتمام هذا البحث، وأسأله أن ينفعني به فهو المبدي بالنعم ومديمها وهو المسؤول أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم ..

هذا ومما واجهني أثناء البحث كثرة مسائله المتشعبة وكثرة من خاض فيه بحق أو باطل، فقد خاض فيه كثيرون، وكثر التأليف فيه من الجانبين المجيزين للدعاء غير المشروع والمانعين منه.

ولا يخفى صعوبة الاطلاع على جميع ما كتب حول الموضوع، ثم إبراز الجوانب التي تستحق الدراسة ومناقشة ما يستحق المناقشة، ولا يزال الموضوع يؤلف فيه فريق من الناس إلى اليوم محاولين مقاومة انتشار الوعي الصحيح للعقيدة الصحيحة السليمة من الشرك والبدع، والتي هي عقيدة السلف الصالح رضوان الله عليهم، ومع هذه الصعوبة، استعنت بالله تعالى -في إعداد الرسالة وبذلت قصارى جهدي ولم أدخر وسعاً، فما كان صواباً فمن الله تعالى وتوفيقه، وما كان خطأ من فمني ومن تقصيري وجهلي ومن الشيطان ..

والله أسأل أن يعفو عني وعن زلاتي وأسأله أن يسددني لما فيه الحق والصواب وأن يهديني إلى الصراط المستقيم ..

وسبحانك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .. وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك ..

ص: 949

‌فهرس المصادر والمراجع

(حرف الألف)

1 -

الآداب الشرعية والمنح المرعية: لابن مفلح المقدسي أبي عبد الله محمد بن مفلح المقدسي، (ت 763 هـ)، نشر مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، عام 1391 هـ.

2 -

آراء ابن العربي الكلامية: د. عمار طالبي، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، ط. الشروق، بيروت.

3 -

الإبريز لعبد العزيز الدباغ: (ت 1132 هـ)، ط. بولاق، القاهرة، سنة 1292 هـ.

4 -

الإبداع في مضار الابتداع: تأليف علي محفوظ (ت 1361 هـ)، نشر دار الاعتصام.

5 -

أبو الحسن الشاذلي: للدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر، دار التراث العربي.

6 -

إتحاف الأذكياء في جواز التوسل بالأنبياء: للغماري عبد الله محمد الصديق.

7 -

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين: لمرتضى الزبيدي محمد بن محمد، (ت 1205 هـ)، نشر دار الفكر.

8 -

الإتقان في علوم القرآن: للسيوطي عبد الرحمن بن أبي بكر، (ت 911 هـ)، ط. مصطفى الحلبي، الرابعة، 1398 هـ.

9 -

إثبات صفة العلو: لابن قدامة موفق الدين عبد الله بن أحمد، (ت 620، هـ)، تحقيق د. أحمد عطية الغامدي، ط. مؤسسة علوم القرآن، دمشق، سنة 1409 هـ.

ص: 950

10 -

اجتماع الجيوش الإسلامية: لابن قيم الجوزية، (ت 751 هـ)، المكتبة السلفية بالمدينة النبوية.

11 -

أجوبة ابن سيد الناس: مخطوط، مكتبة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري.

12 -

الأجوبة النافعة: تأليف محمد ناصر الألباني، نشر المكتب الإسلامي، ط. ثانية، 1400 هـ، بيروت.

13 -

الاحتجاج بالقدر: لشيخ الإسلام ابن تيمية أحمد بن عبد الحليم، (ت 728 هـ)، ط. المكتب الإسلامي، ط. رابعة، 1404 هـ.

14 -

الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان: لابن بلبان علي الفارسي، (ت 739 هـ)، تحقيق

15 -

أحكام الجنائز: للألباني محمد ناصر الدين، المكتب الإسلامي، ط. أولى، 1388 هـ.

16 -

الإحكام في أصول الأحكام: للآمدي سيف الدين علي بن أبي علي بن محمد، (ت 631 هـ)، بدون.

17 -

أحكام القرآن: لابن العربي أبي بكر محمد بن عبد الله، (ت 543 هـ)، تحقيق علي محمد البجاوي، نشر دار المعرفة، بيروت.

18 -

أحوال الرجال: للجوزجاني أبي إسحاق بن يعقوب، (ت 259 هـ)، تحقيق صبحي السامرائي، ط. الأولى، 1405 هـ، بيروت.

19 -

إحياء علوم الدين: للغزالي أبي حامد محمد بن محمد الغزالي، (ت 505 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

20 -

أخبار أصبهان: للأصبهاني أبي نعيم أحمد بن عبد الله، (ت 430 هـ)، ط. بريل بليدن، عام 1931 م.

21 -

الأدب المفرد مع شرحه فضل الله الصمد: للإمام البخاري محمد بن إسماعيل، (ت) 256 هـ)، المطبعة السلفية، القاهرة، 1378 هـ.

22 -

الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار: للنووي يحيى بن شرف، (ت 676 هـ)، ط. المكتبة الإسلامية، إستانبول، تركيا، ط. الرابعة، 1375 هـ.

23 -

الأربعين في صفات رب العالمين: للذهبي، تحقيق جاسم الدوسري، ط. الدار السلفية، الكويت، 1408 هـ.

24 -

إرشاد الناظر فيما افترى به الغوي الفاجر: لخان بادشاه الباكستاني، طبع

ص: 951

مع البصائر للمتوسلين بالمقابر على نفقة الشيخ خليفة آل ثاني، قطر، 1403 هـ.

25 -

إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل: للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، ط. الأولى، 1399 هـ.

26 -

الأزهية في أحكام الأدعية: للزركشي محمد بن بهادر، (ت 794 هـ)، تحقيق أم عبد الله، بإشراف أبي عبد الله الحداد، نشر دار الفرقان، ط. الأولى، 1408 هـ.

27 -

أساس البلاغة: للزمخشري جار الله أبي القاسم محمود بن عمر، (ت 538 هـ)، دار الكتب بمصر، عام 1972 م، ط 2 ..

28 -

الاستيعاب في معرفة الأصحاب: لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد، (ت 463 هـ)، تحقيق علي محمد البجاوي، نشر مكتبة نهضة مصر، القاهرة.

29 -

الاستقامة: لابن تيمية أحمد بن عبد الحليم، (ت 728 هـ)، تحقيق محمد رشاد سالم، نشر جامعة الإمام، ط. أولى، 1403 هـ.

30 -

أسد الغابة في معرفة الصحابة: لعز الدين ابن الأثير أبي الحسن علي بن محمد الجزري، (ت 630 هـ)، دار الفكر، بدون.

31 -

الإسلام وتقاليد الجاهلية: آدم عبد الله، الألوري، ط. الثانية، مطبعة المدني، القاهرة.

32 -

الأشباه والنظائر: لمقاتل اللخمي، (ت 150 هـ)، تحقيق د. عبد الله شحاتة، 1395 هـ، الهيئة العامة للكتاب المصرية.

33 -

الإصابة في تمييز الصحابة: للحافظ ابن حجر العسقلاني، (ت 852 هـ)، تحقيق علي محمد البجاوي، دار نهضة مصر للطبع والنشر، القاهرة.

34 -

إصلاح المنطق: لابن السكيت، (ت 244 هـ)، تحقيق أحمد محمد شاكر، وعبد السلام محمد، ط. الثالثة، دار المعارف بمصر.

35 -

الأصل الجامع لعبادة الله: لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، (ت 1206 هـ)، المطبوع ضمن مؤلفات الشيخ، قسم العقيدة، نشر جامعة الإمام.

36 -

أصول الدين للبغدادي: أبي منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي، (ت

ص: 952

429 هـ)، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي.

37 -

أصول السرخسي: أبي بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل، (ت 490 هـ)، تحقيق أبي الوفاء الأفغاني، دار المعرفة، بيروت، لبنان.

38 -

الأصل للشيباني: محمد بن الحسن، (ت 189 هـ)، ط. دار المعارف العثمانية، حيدر أباد، الهند ط. الأولى، 1393 هـ.

39 -

الأصنام: للكلبي هشام بن محمد بن السائب، (ت 204 هـ)، تحقيق أحمد زكي، نشر وزارة الثقافة والإرشاد القومي، القاهرة، عام 1384 هـ.

40 -

الاعتصام: للشاطبي أبي إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي، (ت 795 هـ)، المكتبة التجارية، مصر.

41 -

الإعلام بقواطع الإسلام للهيتمي: أحمد بن حجر، (ت 974 هـ)، طبع بهامش الزواجر عن اقتراف الكبائر، دار الكتب العربية، مصر، 1332 هـ.

42 -

أعلام الموقعين عن رب العالمين: لابن قيم الجوزية، شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر، (ت 751 هـ)، تحقيق محمد محيي عبد الحميد.

43 -

إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان: لابن القيم أبي عبد الله محمد بن أبي بكر، (ت 751 هـ)، نشر المكتبة القيمة، القاهرة عام 1983 م.

44 -

اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم، تأليف شيخ الإسلام ابن تيمية أحمد بن عبد الحليم، (ت 728 هـ)، نشر مطابع المجد التجارية، تحقيق محمد حامد الفقي.

45 -

الإقناع: لأبي النجا شرف الدين موسى الحجاوي المقدسي، (ت 968 هـ)، تصحيح وتعليق عبد اللطيف محمد موسى السبكي، المطبعة المصرية بالأزهر.

46 -

إكمال إكمال المعلم: للأبيّ أبي عبد الله محمد بن خلطة الوشتاني المالكي (ت 827 هـ)، نشر دار الكتب العلمية، بيروت.

47 -

ألفية ابن مالك: جمال الدين محمد بن مالك الأندلسي، (ت 672 هـ)، المطبوع مع شرح ابن عقيل، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد.

48 -

الإمام المهدي وظهوره: للشاهروردي جواد حسين الحسيني "معاصر

ص: 953

شيعي"، نشر مكتبة دار الإرشاد، الكويت، ط. الأولى، عام 1405 هـ.

49 -

الأم: للشافعي أبي عبد الله محمد بن إدريس، (ت 204 هـ)، ط. دار الشعب، 1388 هـ.

50 -

الأمصار ذوات الآثار: للذهبي (ت 748 هـ)، تحقيق محمود الأرناؤوط، نشر دار ابن كثير، ط. 1405 هـ.

51 -

الانتصار لحزب الله الموحدين: للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين 1282 هـ، مكتبة الصحابة الإسلامية السالمية، الكويت، ط الثالثة.

52 -

الأنساب: للسمعاني، طبع دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، الهند.

53 -

الإنسان الكامل: للجيلي عبد الكريم بن إبراهيم، (ت 767 - 805 هـ)، في جزأين في مجلد واحد ط. رابعة، 1402 هـ، مصطفى البابي الحلبي.

54 -

الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل، تأليف علاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي، (ت 885 هـ)، ط. الأولى، تحقيق محمد حامد الفقي، عام 1377 هـ، مطبعة السنة المحمدية، مصر، القاهرة.

55 -

الأنوار الرحمانية لهداية التيجانية: للإفريقي عبد الرحمن بن يوسف، (ت هـ)، تصحيح وتعليق إسماعيل الأنصاري، نشر دار الإفتاء.

56 -

الأوراد المأثورة: تأليف محمود مهدي الإستانبولي، ط. 2، 1407 هـ، نشر المكتب الإسلامي.

57 -

أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير: لأبي بكر جابر الجزائري، ط. الثانية، 1407 هـ.

58 -

الإيمان: لابن تيمية، (ت 728)(هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط. الأولى، 1403 هـ.

59 -

الإبانة عن أصول الديانة: لأبي الحسن الأشعري علي بن إسماعيل، (ت 324 هـ)، تحقيق فوقية حسين محمود، جامعة عين شمس، دار الأنصار، القاهرة.

60 -

إرشاد الأذكياء في حكم التوسل بالأولياء: لعلي بن حاج إبراهيم الصومالي، الطبعة الثانية بمقديشو، عام 1402 هـ.

ص: 954

61 -

إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول: للشوكاني، (ت 1250 هـ)، ط. الحلبي، 1356 هـ.

62 -

أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: لمحمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي (ت 1392 هـ)، عالم الكتب.

63 -

إفادة الخبر بنصه في زيادة العمر ونقصه للسيوطي: أبي الفضل عبد الرحمن السيوطي، (ت 911 هـ)، تحقيق عبد الحميد منير شانوحة، مكتبة دار الوفاء، ط. أولى.

64 -

أدرار الشروق على أنواع الفروق لابن الشاط: قاسم بن عبد الله، (ت 723 هـ)، المطبوع بهامش الفروق للقرافي.

(حرف الباء)

65 -

الباعث على إنكار البدع والحوادث: للعلامة أبي شامة الشافعي، (ت 665 هـ)، مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة.

66 -

البحر الرائق شرح كنز الدقائق: لابن نجيم زين العابدين بن إبراهيم، (ت 970 هـ)، نشر دار المعرفة، بيروت.

67 -

بدائع الفوائد: لابن القيم، مصورة دار الكتاب العربي، بيروت.

68 -

البداية والنهاية: للحافظ ابن كثير الدمشقي، (ت 774 هـ)، تحقيق د. أحمد أبو، ملحم، د. علي نجيب عطوة، فؤاد السيد، مهدي ناصر الدين، علي عبد الساتر، الناشر دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1405 هـ.

69 -

البدر الطالع بمحاسن من بعد الفرن السابع: للعلامة محمد بن علي الشوكاني، (ت 1250 هـ)، مطبعة السعادة القاهرة، ط. أولى، 1348 هـ.

70 -

بدع التفاسير: للغماري عبد الله محمد بن الصديق، ط. دار الطباعة المحمدية بالأزهر، 1385 هـ.

71 -

البدع والنهي عنها: للقرطبي محمد بن وضاح، (ت 286 هـ)، تحقيق محمد أحمد دهمان، دار، البصائر، دمشق، ط. الثانية.

72 -

البراهين الساطعة في الرد على بعض البدع الشائعة: للعزامي سلامة هندي القضاعي الصوفي، (ت 1376 هـ)، تقديم الكوثري، ط. أمين الكردي بمصر، 1366 هـ.

ص: 955

73 -

البريلوية، عقائد وتاريخ: تأليف إحسان إلهي ظهير، الناشر إدارة ترجمان السنة، ط. الأولى، 1403 هـ.

74 -

بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمد: لمحمد بن الحسن بن فروخ الصفار، (ت 290 هـ)، ط. طهران، نشر مؤسسة الأعلمي، ط. عام 1362 هـ.

75 -

البصائر للمتوسلين بالمقابر: للشيخ محمد طاهر الباكستاني، طبع على نفقة الشيخ خليفة آل ثان، قطر، عام 1403 هـ.

76 -

بغية المرتاد: لابن تيمية أحمد بن عبد الحليم، (ت 728 هـ)، تحقيق موسى بن سليمان الدويش، نشر مكتبة العلوم والحكم، ط. الأولى، 1408 هـ.

77 -

بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة: للسيوطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر، ط. 2، 1399 هـ.

78 -

بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب: لمحمود شكري الألوسي البغدادي، (ت 1343 هـ)، تصحيح محمد بهجة الأثري، مطابع دار العربي بمصر، 1342 هـ.

79 -

البناية في شرح الهداية: للعيني محمود بن أحمد، (ت 855 هـ)، تصحيح: محمد عمر الرامفوري، دار الفكر، ط. 1، عام 1401 هـ.

80 -

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية: لشيخ الإسلام ابن تيمية، (ت 728 هـ)، تصحيح وتعليق محمد بن القاسم، مطبعة الحكومة، مكة المكرمة، 1392 هـ.

81 -

البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل في مسائل المستخرجة: لأبي الوليد ابن رشد القرطبي، (ت 520 هـ)، وضمنه المستخرجة من الأسمعة المعروفة بالعتبية لمحمد العتبي القرطبي، ت 255 هـ)، تحقيق محمد حجي، ط. دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1404 هـ، ط. الأولى.

(حرف التاء)

82 -

تأويل مختلف الحديث: لابن قتيبة عبد الله بن مسلم، (ت 276 هـ)، تصحيح محمد زهري النجار، نشر دار الجيل، بيروت، ط. عام 1393 هـ.

83 -

تاج العروس شرح القاموس: للزبيدي محمد بن محمد مرتضى الزبيدي، (ت 1205 هـ)، مصورة عن الطبعة الأولى بالمطبعة الخيرية المنشأة بجمالية مصر، عام 1306 هـ.

ص: 956

84 -

تاريخ أبي زرعة الدمشقي عبد الرحمن بن عمرو بن عبد الله بن صفوان النصري، (ت 281 هـ)، تحقيق شكر الله بن نعمة الله القوجاني، نشر مجمع اللغة العربية بدمشق.

85 -

تاريخ بغداد: للخطيب البغدادي، أحمد بن علي، (ت 463 هـ)، نشر دار الكتاب العربي، بيروت.

86 -

تاريخ الرسل والملوك: لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، (ت 310 هـ)، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط. الرابعة، دار المعارف، مصر.

87 -

التاريخ لابن معين: أبي زكريا يحيى بن معين، (ت 234 هـ)، تحقيق أحمد نور سيف، نشر جامعة أم القرى.

88 -

تاريخ المدينة: لابن شبة أبي زيد عمر بن شبة، (ت 262 هـ)، تحقيق فهيم محمد شلتوت، ط. دار الأصبهاني بجدة.

89 -

التاريخ الكبير: للبخاري محمد بن إسماعيل، (ت 256 هـ)، ط. دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، الهند، ط. الأولى.

90 -

تاريخ نجد المسمى بروضة الأفكار والأفهام: للعلامة المؤرخ حسين بن غنام، (ت 1225 هـ)، تهذيب د. ناصر الدين الأسد والشيخ عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ، ط. الثالثة، 1403 هـ، الرياض.

91 -

تجريد التوحيد المفيد: للمقريزي أحمد بن علي، (ت 854 هـ)، تعليق طه محمد الزيني، نشر مكتبة القاهرة لصاحبها علي يوسف، مصر.

92 -

تحذير المسلمين: تأليف محمد بن البشير ظافر الأزهري، (ت بعد 1329 هـ)، تحقيق محيي الدين مستو، دار ابن كثير، بيروت، مكتبة دار التراث، المدينة المنورة، ط. أولى، 1405 هـ.

93 -

تحفة الأحوذي شرح الترمذي: للمباركفوري، أبي العلي محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم، (ت 1353 هـ)، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، المكتبة السلفية، القاهرة.

94 -

تحفة الطالب والجليس في كشف شبه داود بن جرجيس: للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، (ت 1293 هـ)، تحقيق عبد السلام بن برجس.

95 -

تحفة المحتاج بشرح المنهاج: للهيتمي أحمد بن حجر الشافعي المكي،

ص: 957

(ت 974 هـ)، مطبعة مصطفى محمد نشر المكتبة التجارية الكبرى، مصر.

96 -

تخريج الكلم الطيب: للشيخ الألباني، الطبعة الثانية، 1392 هـ، المكتب الإسلامي.

97 -

التدمرية: لشيخ الإسلام ابن تيمية، ط. السلفية بمصر، ط الثالثة: 1400 هـ.

98 -

تذكرة الحفاظ: الشمس الدين الذهبي، (ت 748 هـ)، مصور عن طبعة دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الهند.

99 -

ترجيح أساليب القرآن على أساليب اليونان لابن الوزير، محمد بن المرتضى، (ت 840 هـ)، الناشر، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

10 -

الترغيب في الدعاء والحث عليه: للمقدسي الجماعيلي عبد الغني بن عبد الواحد، (ت 600 هـ)، مخطوط منه صورة بقسم المخطوطات بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية تحت رقم 1313.

101 -

التصوف بين الحق والخلق: تأليف محمد فهر شقفة، الدار السلفية، ط. الثالثة، 1403 هـ.

102 -

التصوف والاتجاه السلفي في العصر الحديث: د. مصطفى حلمي أستاذ بجامعة دار العلوم، القاهرة، نشر دار الدعوة للطبع والنشر، الإسكندرية.

103 -

تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد: للعلامة محمد بن إسماعيل الصنعاني، (ت 1182 هـ)، نشر إدارة البحوث العلمية والإفتاء، الرياض.

104 -

تطهير الجنان والأركان عن درن الشرك والكفران: لأحمد بن حجر آل بوطامي آل ابن علي، إدارة إحياء التراث الإسلامي، الطبعة العاشرة بدولة قطر.

105 -

التعريفات: للشريف علي بن محمد الجرجاني، (ت 816 هـ)، طبع دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط. الأولى، 1403 هـ.

106 -

تفسير ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي، (ت 327 هـ)، تحقيق د. أحمد الزهراني، نشر مكتبة الدار، ط. الأولى، 1408 هـ.

107 -

تفسير البحراني "البرهان في تفسير القرآن": للبحراني الشيعي هاشم بن سليمان، (ت 1107 هـ أو 1109 هـ)، أو 1109 هـ)، تصحيح محمود بن جعفر

ص: 958

الموسوي الزرندي، نشر مؤسسة مطبوعاتي إسماعيليان، قم، إيران.

108 -

تفسير الرازي المشتهر بالتفسير الكبير ومفاتيح الغيب: لفخر الدين الرازي عمر خطيب الري، (ت 604 هـ)، ط. الأولى، 1401 هـ، دار الفكر، بيروت.

109 -

تفسير الطبري "جامع البيان في تفسير القرآن": للطبري محمد بن جرير، (ت 310 هـ)، ط. الحلبي، مصر.

110 -

تفسير الطبرسي "مجمع البيان في تفسير القرآن": للطبرسي الفضل بن الحسن الشيعي، (ت 548 أو 552 هـ)، منشورات مكتبة الرعشي النجفي، قم، إيران، 1403 هـ.

111 -

تفسير العياشي: محمد بن مسعود بن عياش السلمي الشيعي من القرن الثالث الهجري، تصحيح وتحقيق هاشم المحلاتي، نشر المكتبة العلمية الإسلامية، طهران.

112 -

تفسير المنار: للشيخ محمد رشيد رضا، (ت 1350 هـ)، ط. الهيئة المصرية للكتاب، عام 1973 م.

113 -

تقريب التهذيب: لابن حجر أحمد بن علي، (ت 852 هـ)، تحقيق محمد عوامة، ط. دار البشائر الإسلامية، ط. الأولى، 1406 هـ.

114 -

تلبيس إبليس: للحافظ أبي الفرج ابن الجوزي، (ت 597 هـ)، نشر دار البيان للطباعة والنشر.

115 -

تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير: لابن حجر أحمد بن علي، (ت 852 هـ)، تصحيح عبد الله بن هاشم اليماني، ط. الأولى، عام 1384 هـ.

116 -

التلخيص في علوم البلاغة: للقزويني محمد بن عبد الرحمن القزويني الخطيب، (ت 739 هـ) نشر دار الكتب العلمية، بيروت.

117 -

تلخيص المستدرك: للذهبي محمد بن أحمد بن قايماز، (ت 748 هـ)، المطبوع مع المستدرك.

118 -

التمهيد للباقلاني: أبي بكر بن الطيب، (ت 403 هـ)، تحقيق مكارثي اليسوعي، نشر المكتبة الشرقية، بيروت، عام 1957 م.

119 -

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد: لابن عبد البر النمري، (ت

ص: 959

463 هـ)، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية.

120 -

التمهيد في أصول الفقه: للكلوذاني محفوظ بن أحمد بن الحسن أبي الخطاب، (ت 510 هـ)، تحقيق أبو عمشة، نشر مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى.

121 -

تنبيه الأفاضل على ما ورد في زيادة العمر ونقصه من الدلائل: للشوكاني محمد بن علي، (ت 1250 هـ)، طبع ضمن مجموع للشوكاني، طبع تحت اسم أمناء الشريعة، تحقيق إبراهيم إبراهيم هلال.

122 -

تنزيه الشريعة المرفوعة للكناني: أبي الحسن علي بن محمد بن عراق، (ت 963 هـ)، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

123 -

التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل: للمعلمي عبد الرحمن بن يحيى، (ت 1386 هـ)، بتحقيق الألباني، ط. لاهور، باكستان، عام 1401 هـ.

124 -

التوسل أنواعه وأحكامه: للألباني، نشر الدار السلفية، بالكويت، ط. الثالثة.

125 -

التوسل بالنبي وجهلة الوهابيين: لأبي حامد بن مرزوق، ط. تركيا، عام 1981 م، إستانبول.

126 -

توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار: للأمير الصنعاني محمد بن إسماعيل، (ت 1182 هـ)، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، نشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة.

127 -

التوكل على الله عز وجل: لابن أبي الدنيا عبد الله بن محمد بن عبيد، (ت 281 هـ)، تحقيق جاسم الفهيد الدوسري، دار الأرقم، الكويت، ط. الأولى، 1404 هـ.

128 -

تهذيب مختصر سنن أبي داود: لابن القيم شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر، (ت 751 هـ)، طبع مع مختصر المنذري، تحقيق محمد حامد الفقي، ط. السنة المحمدية، 1368 هـ.

129 -

تهذيب الأسماء واللغات: لمحيي الدين النووي، (ت 676 هـ)، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

ص: 960

130 -

تهذيب التهذيب: لابن حجر أحمد بن علي بن حجر، (ت 852 هـ)، مصورة عن طبعة دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الهند.

131 -

تهذيب اللغة لأبي منصور: محمد بن أحمد الأزهري اللغوي (ت 370 هـ)، تحقيق د. عبد الحليم النجار، مراجعة الأستاذ محمد علي النجار، نشر الدار المصرية للتأليف والنشر، ط. مطابع سجل العربي، بدون تاريخ.

132 -

تهذيب الكمال في أسماء الرجال: للمزي جمال الدين أبي الحجاج يوسف، (ت 742 هـ)، تحقيق بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت. ونسخة أخرى وهي المصورة عن المخطوط دار المأمون، دمشق.

133 -

التيجانية: لدخيل الله، علي بن محمد الدخيل، نشر دار طيبة، الرياض.

134 -

تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد للشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبد الوهاب (ت 1233 هـ)، ط. المكتب الإسلامي، ط. الثالثة.

(حرف الثاء)

135 -

الثقات لابن حبان: محمد بن حبان البستي، (ت 354 هـ)، ط. دائرة المعارف العثمانية الهند.

(حرف الجيم)

136 -

جامع بيان العلم وفضله: لابن عبدالبر، أبي عمر يوسف بن عبدالله بن محمد النمري (ت 463 هـ).

137 -

جامع البيان عن تأويل آي القرآن "تفسير الطبري": لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، (ت 310 هـ)، تحقيق أحمد شاكر ومحمود شاكر، ط. دار المعارف، مصر، ونسخة أخرى تقدمت برقم 109.

138 -

جامع التحصيل في أحكام المراسيل: للحافظ صلاح الدين العلائي، (ت 761 هـ)، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، نشر وزارة الأوقاف العراقية، ط. أولى 1398 هـ.

139 -

الجامع الصغير: تأليف محمد وأبي يوسف مع شرح القاضي خان، (ت 592 هـ)، مصورة بالجامعة الإسلامية بالمدينة تحت رقم 1669.

140 -

جامع العلوم والحكم للحافظ عبد الرحمن بن رجب الحنبلي، (ت 795 هـ)، نشر دار المعرفة، بيروت.

ص: 961

141 -

الجرح والتعديل: لابن أبي حاتم الرازي محمد بن إدريس بن المنذر، (ت 327 هـ) مصورة عن دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، الهند، عام 1371 هـ.

142 -

جزء الحسن بن عرفة العبدي، (ت 257 هـ)، تحقيق عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي، مكتبة دار الأقصى، الكويت.

143 -

جزء في مسح الوجه بعد رفعهما للدعاء: للشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد، نشر دار الرشد، الرياض، عام 1404 هـ.

144 -

جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام: لابن قيم الجوزية، (ت 751 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

145 -

جمع الجوامع: للسبكي عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي، (ت 771 هـ)، ط. عيسى الحلبي، بدون.

146 -

جمهرة اللغة لابن دريد الأزدي البصري: أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد، (ت 321 هـ)، دار صادر، بيروت، طبعة روفست، مصورة عن طبعة دائرة المعارف العثمانية، عام 1345 هـ.

147 -

الجواب الباهر لزوار المقابر: لابن تيمية أحمد بن عبد الحليم، (ت 728 هـ)، تحقيق الشيخ سليمان الصنيع وعبد الرحمن المعلمي، المطبعة السلفية، ط. 4.

148 -

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح: لابن تيمية، ط. مطابع المجد التجارية.

149 -

الجواب الكافي: لابن قيم الجوزية محمد بن أبي بكر، (ت 751 هـ)، مؤسسة المصري للكتاب.

150 -

الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: للإمام الحافظ الخطيب البغدادي، تحقيق د. محمود، الطحان، مكتبة المعارف، الرياض. 151 - جواهر المعاني وبلوغ الأماني في فيض سيدي أبي العباس التجاني: تأليف علي حرازم بن العربي الفاسي، (ت 1217 هـ)، ط. مصطفى الحلبي، عام 1382 هـ.

(حرف الحاء)

152 -

حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح: لابن القيم شمس الدين محمد بن أبي

ص: 962

بكر، (ت 751 هـ)، تحقيق د. السيد الجميلي، نشر دار الكتاب العربي، بيروت.

153 -

حاشية الخضري على شرح ابن عقيل للشيخ محمد الخضري كان حياً عام 1250 هـ، دار الفكر، بيروت.

154 -

حاشية رد المحتار على الدر المختار: لابن عابدين محمد أمين، ط. الثانية 1386 هـ، مصطفى الحلبي.

155 -

حكم تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة: تأليف العلامة إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، (ت 1319 هـ)، نشر وتوزيع مكتبة دار الهداية، الرياض، ط. أولى، 1409 هـ.

156 -

حاشية السندي على ابن ماجه للإمام أبي الحسن محمد بن عبد الهادي الحنفي المعروف بالسندي، (ت 1138 هـ)، ط. دار الفكر.

157 -

حجة الله البالغة: تأليف أحمد المعروف بشاه ولي الله ابن عبد الرحيم الدهلوي، (ت 1176 هـ)، ط. دار المعرفة، بيروت، بدون.

158 -

الحجة في بيان المحجة: لقوام السنة التيمي الأصفهاني، (ت 535 هـ)، تحقيق د. محمد ربيع وزميله.

159 -

الحكومة الإسلامية للخميني دروس ألقاها عام 1389 هـ، من منشورات المكتبة الإسلامية الكبرى.

160 -

الحكم العطائية لابن عطاء مع شرحها غيث المواهب العلية في شرح الحكم: لأبي عبدالله بن إبراهيم النفري، (ت 792 هـ).

161 -

حكم الله الواحد الصمد في حكم الطالب من الميت المدد: للمعصومي الخجندي أبو عبد الكريم محمد سلطان، (ت

هـ). 162 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: لأبي نعيم أحمد بن عبدالله الأصبهاني، (ت 430 هـ).

163 -

الحوادث والبدع: لأبي بكر محمد بن الوليد الطرطوشي، (ت 525 هـ)، تحقيق محمد الطالبي، دار الأصفهاني، جدة.

164 -

حياة القلوب بدعاء علام الغيوب: لمحمد عبد الظاهر بن محمد نور الدين الفقيه أبو السمح، (ت 1393 هـ)، ط. 4، 1404 هـ، مطبعة سفير، الرياض.

ص: 963

165 -

الخصائص لابن جني: عثمان بن جني الموصلي، أبو الفتح، (ت 392 هـ).

166 -

خلاصة الكلام في تاريخ البلد الحرام: لأحمد زيني دحلان المكي، (ت 1304 هـ).

(حرف الدال)

167 -

دحض شبهات على التوحيد لأبي بطين عبدالله بن عبد الرحمن النجدي، (ت 1282 هـ)، تحقيق عبد السلام بن برجس، دار العاصمة، الرياض، ط. 2، 1407 هـ.

168 -

دراسات تاريخية: للدكتور ضياء العمري، نشر المجلس العلمي، إحياء التراث الإسلامي، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ط. أولى،

1403 هـ.

169 -

درجات الصاعدين: للبكري محمد بن أحمد الحفظي بن عبد القادر، (ت 1237 هـ)، تحقيق أبي سعيد بن غرامة العمري، مكتبة المعلا، الكويت، ط. الأولى، 1407 هـ.

170 -

الدرر السنية في الرد على الوهابية: لأحمد زيني دحلان، (ت 1304 هـ)، ط. مصطفى الحلبي بمصر، ط. 2، 1386 هـ.

171 -

درء تعارض العقل والنقل: لابن تيمية أحمد بن عبد الحليم، (ت 728 هـ)، تحقيق محمد رشاد سالم نشر جامعة الإمام، ط. الأولى، 1401 هـ.

172 -

الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة: تأليف ابن حجر أحمد بن علي، ت 852 هـ)، نشر دار الجيل، بيروت.

173 -

الدر المنثور في التفسير بالمأثور: للإمام جلال الدين السيوطي، (ت 911 هـ)، ط. دار المعرفة للطباعة والنشر.

174 -

الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد: للشوكاني محمد بن علي، (ت 1250 هـ)، نشر دار الكتب العلمية ضمن الرسائل السلفية للشوكاني.

175 -

الدعاء للطبراني: أبي القاسم سليمان بن أحمد، (ت 360 هـ)، تحقيق محمد سعيد البخاري، ط. دار البشائر الإسلامية، عام 1407 هـ.

176 -

الدعاء: لمحمد بن فضيل بن غزوان الضبي، (ت 195 هـ)، مخطوط

177 -

دعوة التوحيد: للدكتور محمد خليل هراس، دار الكتب العلمية، ط. أولى، 1406 هـ.

ص: 964

178 -

الدعوات: للبيهقي أحمد بن الحسين (ت 458 هـ)، مخطوط.

179 -

دفاع عن الحديث النبوي والسيرة في الرد على البوطي: للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، منشورات مكتبة الخافقين، دمشق.

180 -

دلائل الإعجاز للجرجاني: عبد القاهر بن عبد الرحمن، (ت 474 هـ)، تصحيح محمد رشيد رضا، نشر دار المعرفة، بيروت.

181 -

دلائل النبوة للبيهقي أحمد بن الحسين بن علي، (ت 458 هـ)، تحقيق عبد المعطي القلعجي.

182 -

دلائل الرسوخ في الرد على المنفوخ: للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ، (ت 1293 هـ)، ط. الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف، الرياض، 1402 هـ.

183 -

دلائل النبوة: لأبي نعيم أحمد بن عبدالله الأصبهاني، (ت 431 هـ)، نشر عالم الكتب، بيروت.

184 -

الدين بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان: د. محمد عبدالله دراز، ط. دار القلم، الثانية.

185 -

ديوان الأعشى ميمون بن قيس، (ت 7 هـ)، ط. دار صادر، بيروت، عام 1966 م.

186 -

ديوان أمية بن أبي الصلت، جمع وتحقيق ودراسة الدكتور عبد الحفيظ أستاذ الأدب الجاهلي في جامعة دمشق، ط. 2، عام 1977 م، المطبعة التعاونية، بدمشق.

187 -

ديوان طرفة بن العبد مع شرح الأعلم: للشمنتري، (ت 476 هـ)، تحقيق درية الخطيب، ولطفي الصقال، من مطبوعات مجمع اللغة العربية، بدمشق عام 1395 هـ.

188 -

ديوان عنترة تحقيق وشرح كرم البستاني، ط. دار صادر، بيروت، 1385 هـ.

189 -

ديوان ابن الفارض: أبي حفص وأبي قاسم عمر بن أبي الحسن بن المرشد بن علي المعروف بابن الفارض، المكتبة الثقافية، بيروت، بدون تاريخ الطبع.

190 -

ديوان لبيد بن ربيعة العامري: ط. دار صادر، بيروت، بدون تاريخ.

191 -

ديوان المتنبي مع شرح عبد الرحمن البرقوقي، المكتبة التجارية الكبرى،

ص: 965

بمصر، مطبعة الاستقامة، ط. 2، عام 1357 هـ.

192 -

الدين الخالص: لمحمد صديق حسن خان، (ت 1307 هـ)، تحقيق محمد زهري النجار، نشر مكتبة الفرقان، مصر.

(حرف الراء)

193 -

رأس الحسين: لشيخ الإسلام ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، (ت 728 هـ)، تقديم الدكتور محمد جميل غازي، ط. مطبعة المدني، القاهرة.

194 -

رحلة الصديق إلى البيت العتيق: للصديق حسن خان، (ت 1308 هـ)، تصحيح وتعليق عبد الحكيم شرف الدين، دار ابن القيم، ط. الثالثة، 1406 هـ.

195 -

الرد على الأخنائي واستحباب زيارة خير البرية الزيارة الشرعية: لابن تيمية، تصحيح وتعليق عبد الرحمن المعلمي، نشر دار الإفتاء، الرياض، 1404 هـ.

196 -

رد الإمام عثمان بن سعيد الدارمي على بشر المريسي: (ت 280 هـ)، تحقيق محمد حامد الفقي، نشر في مطبعة الأشراف، لاهور، باكستان، 1402 هـ.

197 -

الرد على الجهمية: للدارمي عثمان بن سعيد، (ت 280 هـ)، تحقيق بدر البدر، نشر الدار السلفية، الكويت، ط. الأولى، 1405 هـ.

198 -

الرد على التعقب الحثيث للحبشي: بقلم محمد ناصر الدين الألباني، مطبعة الترقي، دمشق، 1377 هـ.

199 -

الرد على البكري: لابن تيمية، نشر الدار العلمية، دلهي، الهند، ط. الثانية، 1405 هـ.

200 -

الرد على من قال بقول الفلاسفة في دعاء الموتى: للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، المطبوع ضمن مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، 4/ 383، 404، نشر مكتبة الإمام الشافعي، الرياض.

201 -

الرد على المنطقيين: لابن تيمية، نشر إدارة ترجمان السنة، لاهور، باكستان.

202 -

الرد المحكم المتين على كتاب القول المبين: للغماري أبي الفضل عبدالله محمد الصديق، ط. 2، عام 1374 هـ، مطبعة العهد الجديد.

ص: 966

203 -

رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا: تصحيح خير الدين الزركلي، نشر المكتبة التجارية الكبرى بمصر، 1347 هـ.

204 -

الرسائل الشخصية: الشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ط. الرياض.

205 -

رسالة الأمير الصنعاني: محمد بن إسماعيل، (ت 1182 هـ)، مخطوطة منها صورة بقسم المخطوطات بالجامعة الإسلامية تحت رقم 4392 ف.

206 -

الرسالة القشيرية: لأبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسابوري الشافعي، (376 - 465 هـ)، تحقيق د. عبد الحليم محمود، ومحمود بن الشريف، طبعة حسان، القاهرة، نشر دار الكتب الحديثة بالقاهرة، المجلد الأول، عام 1972 م، المجلد الثاني، 1974 م.

207 -

رسالة في إثبات الاستواء والفوقية: للجويني أبي محمد عبدالله بن يوسف، (ت 438 هـ)، المطبوعة ضمن المجموعة المنيرية، 1/ 174 - 187.

208 -

رسالة في توحيد العبادة: لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، (ت 1206 هـ)، المطبوع ضمن مؤلفات الشيخ قسم العقيدة، 398.

209 -

رسالة التوحيد: لمحمد إسماعيل الدهلوي، (ت 1246 هـ)، تحقيق أبي الحسن علي الحسن الندوي، المكتبة اليحيوية، سهارنفور، الهند.

210 -

رسالة الشرك ومظاهره: لمبارك بن محمد الميلي، (ت 1357 هـ)، مركز شؤون الدعوة بالجامعة الإسلامية بالمدينة ط. الأولى: 1407 هـ.

211 -

الرسالة المدنية: لابن تيمية، تحقيق الوليد بن عبد الرحمن الفريان، ط. دار طيبة، الرياض، ط. الأولى، 1408 هـ.

212 -

الرسالة المستطرفة: لمحمد بن جعفر الكتاني، (ت 1345 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط. الثانية، 1400 هـ.

213 -

روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني: للألوسي أبي الفضل محمود البغدادي، (ت 1270 هـ)، ط. 1398 هـ، دار الفكر، بيروت.

214 -

روضة الطالبين وعمدة المفتين: للإمام النووي (ت 676 هـ)، نشر المكتب الإسلامي، بيروت، ط. 2، 1405 هـ.

215 -

روضة الناظر وجنة المناظر: لابن قدامة موفق الدين أبي محمد عبدالله بن

ص: 967

أحمد المقدسي (ت 620 هـ)، ومعها شرحها نزهة الخاطر العاطر لابن بدران، نشر مكتبة المعارف، الرياض، ط. الثانية، 1404 هـ.

216 -

الرياض النضرة والحدائق النيرة الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة: للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، (ت 1376 هـ)، طبع ونشر الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية، 1405 هـ.

(حرف الزاي)

217 -

زاد المسير في علم التفسير: لابن الجوزي عبد الرحمن أبي الفرج (ت 597 هـ)، ط. المكتب الإسلامي، عام 1384 هـ.

218 -

زاد المعاد في هدي خير العباد: لابن القيم، تحقيق شعيب الأرناؤوط، وعبد القادر الأرناؤوط، ط. مؤسسة الرسالة، ط الثامنة، عام 1405 هـ، 1985 م.

219 -

زغل العلم: للذهبي، أبي عبدالله محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748 هـ)، تحقيق محمد بن ناصر العجمي، نشر مكتبة الصحوة الإسلامية.

220 -

الزواجر عن اقتراف الكبائر: لابن حجر الهيتمي، (ت 974 هـ)، بدون.

221 -

الزهد والرقائق: لابن المبارك أبي عبد الرحمن عبدالله بن المبارك المروزي، (ت) 181 هـ)، نشر مجلس إحياء المعارف، الهند، 1385 هـ.

222 -

الزهد: للإمام أحمد بن حنبل، (ت 241 هـ) نشر دار الكتب العلمية، بيروت.

223 -

الزهد: لهناد بن السري الكوفي، (ت 243 هـ)، تحقيق عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي، نشر دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، ط. الأولى، 1406 هـ.

(حرف السين)

224 -

سؤالات ابن الجنيد أبي إسحاق إبراهيم بن عبدالله الختلي: ليحيى بن معين، (ت 260 هـ)، تحقيق أحمد محمد نور سيف، نشر مكتبة الدار، المدينة المنورة، ط. 1408 هـ.

225 -

سؤال وجواب في أهم المهمات: تأليف عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي التميمي، (ت 1376 هـ)، ط. 2، 1407 هـ، نشر دار العاصمة، هـ، الرياض.

ص: 968

226 -

سبل السلام شرح بلوغ المرام للصنعاني: محمد بن إسماعيل، (ت 1282 هـ)، تحقيق محمد عبد العزيز الخولي، دار الجيل، ط. 1400 هـ.

227 -

سفر السعادة: للفيروز آبادي صاحب القاموس مجد الدين محمد بن يعقوب، (ت 817 هـ)، عني بطبعه عبدالله بن إبراهيم الأنصاري، من منشورات المكتبة العصرية، بيروت، مصورة عن طبعة عام 1346 هـ، صور عام 1405 هـ.

228 -

سعادة الدارين في الرد على الفرقتين الوهابية والظاهرية: للسمنودي المنصوري إبراهيم بن عثمان، كان موجوداً قبل 1320 هـ، طبع عام 1320 هـ، بمصر.

229 -

سلسلة الأحاديث الصحيحة: للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي.

230 -

سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني أيضاً، المكتب الإسلامي.

231 -

السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي: تأليف محمد سعيد رمضان البوطي، دار الفكر، دمشق، سورية، ط. الأولى، 1408 هـ، 1988 م.

232 -

سنن ابن ماجه: أبي عبدالله محمد بن يزيد القزويني، (ت 275 هـ)، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، عيسى الحلبي، بمصر.

233 -

سنن الترمذي: للإمام أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة، (ت 279 هـ)، تحقيق أحمد شاكر وتكملة إبراهيم عطوة، ط. مصطفى الحلبي، ط. الثانية، 1395 هـ.

234 -

سنن الدارمي: لأبي محمد عبدالله بن عبد الرحمن الدارمي، (ت 255 هـ)، طبعة عبدالله هاشم يماني، المدينة المنورة، عام 1386 هـ.

235 -

السنن الكبرى: أبي بكر البيهقي، (ت 458 هـ)، ط. دائرة المعارف العثمانية، الهند.

236 -

السنة: للحافظ أبي بكر بن أبي عاصم، عمرو بن الضحاك بن مخلد، (ت 287 هـ) المكتب الإسلامي، ط. الأولى، 1400 هـ.

237 -

السنة: تأليف محمد بن نصر المروزي، (ت 294 هـ)، المكتبة الأثرية، باكستان.

ص: 969

238 -

السنن والمبتدعات المتعلقة بالأذكار والصلوات: لمحمد عبد السلام، ط. دار الفكر.

239 -

السيد البدوي بين الحقيقة والخرافة: تأليف د. أحمد صبحي منصور، قسم التاريخ، جامعة الأزهر، ط. الأولى، 1403 هـ.

240 -

سيرة ابن هشام: أبي محمد عبد الملك بن هشام الحميري المعافري، (ت 213 هـ)، تحقيق مصطفى السقا وزملائه، ط. مصطفى الحلبي، ط. الثانية.

241 -

سير أعلام النبلاء: للذهبي محمد بن أحمد بن عثمان، (ت 748 هـ)، تحقيق شعيب الأرناؤوط وزملائه ط. مؤسسة الرسالة، بيروت.

242 -

السيرة النبوية للذهبي: تحقيق حسام الدين القدسي، نشر دار الباز، مكة المكرمة، ط. الأولى، 1401 هـ، بيروت، لبنان.

243 -

السير والمغازي: لمحمد بن إسحاق، (ت 151 هـ)، تحقيق سهيل ذكار، ط. الأولى، 1398 هـ.

(حرف الشين)

244 -

شأن الدعاء: للخطابي حمد بن محمد أبي سليمان، (ت 388 هـ)، تحقيق أحمد يوسف الدقاق، ط دار المأمون للتراث، دمشق، ط. الأولى.

245 -

شرح أصول اعتقاد أهل السنة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين: للالكائي هبة الله، (ت 418 هـ)، تحقيق د. أحمد سعد حمدان، نشر دار طيبة الرياض.

246 -

شرح الزرقاني: محمد بن عبد الباقي بن يوسف، (ت 1122 هـ)، دار المعرفة، بيروت، 1401 هـ.

247 -

شرح السنة: تأليف البغوي، أبي محمد الحسين بن مسعود (ت 516 هـ)، تحقيق شعيب الأرناؤوط، ط. الأولى، 1390 هـ، المكتب الإسلامي.

248 -

شرح الطحاوية: لابن أبي العز الحنفي علي بن علي، (ت 792 هـ)، نشر مكتبة الدعوة الإسلامية، شباب الأزهر.

249 -

شرح الفقه الأكبر: لأبي حنيفة الكوفي النعمان بن الثابت، (ت 150 هـ)، للملا علي الهروي القاري الحنفي دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

ص: 970

250 -

شرح مسلم: لمحيي الدين النووي أبي زكريا يحيى بن شرف (ت 676 هـ)، نشر دار إحياء التراث العربي عن الطبعة الأولى، 1347 هـ.

251 -

شرح المهذب للنووي: تحقيق محمد نجيب المطيعي، نشر مكتبة الإرشاد، جدة.

252 -

الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة: لابن بطة عبيد الله بن محمد العكبري (ت 387 هـ)، تحقيق د. رضا نعسان معطي، 1404 هـ، نشر المكتبة الفيصلية بمكة.

253 -

شرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد خليل هراس، ط. الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية.

254 -

شرعة التسمية في زمن الغيبة: لباقر الدامار محمد بن محمد الحسني الشيعي، كان حياً عام 1030 هـ، مخطوط في مكتبة رضا رامبور، تحت رقم 1937 م.

255 -

الشريعة للإمام أبي بكر الآجري، (ت 360 هـ)، تحقيق محمد حامد الفقي، نشر حديث أكاديمي، باكستان ط. الأولى، 1403 هـ.

256 -

شفاء السقام في زيارة خير الأنام: للسبكي علي بن عبد الكافي، (ت 756 هـ)، نشر مكتبة دار جوامع الكلم، القاهرة، ط. 1984 م.

257 -

الشفا بتعريف حقوق المصطفى: للقاضي عياض بن موسى اليحصبي، (ت 544 هـ)، تحقيق علي محمد البجاوي، طبعة عيسى البابي الحلبي القاهرة، عام 1977 م.

258 -

شفاء العليل: لابن قيم الجوزية، شمس الدين أبو عبدالله محمد بن الشيخ، (ت 751 هـ)، تحرير الحساني حسن عبدالله، نشر مكتبة دار التراث، القاهرة، مطبعة السنة المحمدية، 1975 م.

259 -

شواهد الحق للنبهاني: يوسف بن إسماعيل بن يوسف، (ت 1350 هـ)، طبعة مصطفى البابي الحلبي، بمصر، ط. الأولى، 1385 هـ.

260 -

الشيعة والتصحيح: للموسوي، الدكتور موسى، [شيعي معاصر]، طبع 1408 هـ بلوس أنجلوس، أمريكا.

(حرف الصاد)

261 -

الصارم المنكي في الرد على السبكي: لابن عبد الهادي محمد بن أحمد

ص: 971

(ت 744 هـ)، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، عام 1405 هـ.

262 -

الصافي في تفسير القرآن: للكاشاني محمد بن المرتضى، (ت 1090 هـ)، من تفاسير الروافض، نشر المكتبة الإسلامية، طهران.

263 -

الصحاح للجوهري: إسماعيل بن حماد (ت 393 هـ)، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت ط. 2، عام 1399 هـ.

264 -

صحيح البخاري: لمحمد بن إسماعيل البخاري، (ت 256 هـ)، المطبوع مع فتح الباري، بترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، ط. السلفية. 265 - صحيح الجامع الصغير: للألباني ط. المكتب الإسلامي، ط. 2، 1399 هـ.

266 -

صحيح ابن خزيمة السلمي النيسابوري: أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة (ت 311 هـ)، تحقيق د. محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي.

267 -

صحيح مسلم: للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري، (ت 261 هـ)، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، ط. عيسى البابي الحلبي، ط. الأولى، 1374 هـ.

268 -

الصراط المستقيم: للهرري عبدالله بن محمد الشيبي العبدري الحبشي الهرري، ط. في بيروت، السادسة، 1403 هـ.

269 -

صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها: للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، ط. 11، 1403 هـ.

270 -

الصفدية: لابن تيمية، تحقيق محمد رشاد سالم، ط. الثانية، 1406 هـ.

271 -

الصلة بين التشيع والتصوف: لكامل الشيبي [شيعي معاصر]، ط. دار المعارف بمصر.

272 -

الصواعق المنزلة على الطائفة الجهمية والمعطلة لابن القيم، (ت 751 هـ)، تحقيق الدكتور أحمد عطية الغامدي والدكتور علي الفقيهي.

273 -

الصوفية معتقداً ومسلكاً: تأليف د. صابر طعيمة، الأستاذ المشارك بقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بكلية أصول الدين بالرياض، ط. الأولى، 1405 هـ، 1985 م نشر شركة العبيكان للطباعة والنشر، الرياض.

ص: 972

274 -

صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان: تأليف محمد بشير السهسواني، (ت 1326 هـ) مطابع نجد التجارية، الرياض، ط.

الخامسة، 1395 هـ.

275 -

صيد الخاطر: لابن الجوزي عبد الرحمن بن علي، (ت 597 هـ)، تحقيق علي الطنطاوي وناجي الطنطاوي، ط. 2، 1398 هـ، دار الفكر، دمشق.

(حرف الضاد)

276 -

الضعفاء الصغير: للبخاري (ت 256 هـ)، تحقيق محمود إبراهيم زايد، دار الوعي بحلب، ط. الأولى، 1396 هـ.

277 -

الضعفاء للعقيلي (ت 322 هـ)، تحقيق د. عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط. الأولى، 1404 هـ.

278 -

الضعفاء والمتروكون: للدارقطني علي بن عمر، (ت 385 هـ)، تحقيق موفق بن عبدالله، مكتبة المعارف، الرياض.

279 -

ضعيف الجامع الصغير وزياداته "الفتح الكبير": ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، 1399 هـ.

(حرف الطاء)

280 -

طبقات ابن سعد: أبي عبدالله محمد بن سعد الزهري، (ت 230 هـ)، دار بيروت.

281 -

طبقات الشافعية: لتاج الدين السبكي، (ت 771 هـ)، تحقيق محمود محمد الطناحي، عبد الفتاح محمد الحلو، الطبعة الأولى، 1383 هـ، عيسى الحلبي.

282 -

الطبقات الكبرى: للشعراني، عبد الوهاب بن أحمد بن علي الأنصاري، (ت 983 هـ)، نشر المكتبة الشعبية.

283 -

طبقات المكلفين ومراتبهم في الدار الآخرة: تأليف ابن قيم الجوزية، نشر المكتبة الإسلامية العالمية، 1401 هـ.

284 -

ظلال الجنة في تخريج السنة: للشيخ الألباني، المكتب الإسلامي، ط. الأولى، 1400 هـ.

ص: 973

(حرف العين)

285 -

العبادة في الإسلام: للدكتور يوسف القرضاوي، مؤسسة الرسالة، ط. الثانية عشر، 1405 هـ.

286 -

العبر في خبر من غبر: للذهبي، تحقيق أبو هاجر، نشر دار الكتب العلمية.

287 -

العبودية: لشيخ الإسلام ابن تيمية، المكتب الإسلامي، ط. الخامسة، 1399 هـ.

288 -

العتبية في مسائل مذهب الإمام مالك: جمع محمد بن أحمد بن عبد العزيز العتبي القرطبي، (ت 254 هـ)، طبعت مع البيان والتحصيل لابن رشد.

289 -

العجاب في بيان الأسباب: للحافظ ابن حجر أحمد بن علي، (ت 852 هـ)، مخطوط في مكتبة الشيخ حماد الأنصاري.

290 -

العقود الدرية في مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية: لابن عبد الهادي الحنبلي (ت 744 هـ)، ط. مطبعة المدني بالقاهرة.

291 -

العلل ومعرفة الرجال: للإمام أحمد، (ت 241 هـ)، نشر المكتبة الإسلامية، استانبول، 1987 م.

292 -

العلم الشامخ في تفضيل الحق على الآباء والمشايخ: تأليف العلامة صالح بن المهدي المقبلي، (ت 1108 هـ)، ط. مكتبة دار البيان، دمشق.

293 -

عمل اليوم والليلة: لأحمد بن شعيب النسائي، (ت 303 هـ)، تحقيق فاروق حمادة، مؤسسة الرسالة، ط. الثانية، 1406 هـ.

294 -

عمل اليوم والليلة: لابن السني، (ت 364 هـ)، تحقيق بشير محمد عيون، نشر مكتبة دار البيان الطبعة الأولى، 1407 هـ.

295 -

عوارف المعارف: للسهروردي عبد القاهر بن عبد الله، نشر دار الكتاب العربي، بيروت، ط. 2، 1403 هـ، 1983 م.

296 -

عون المعبود شرح سنن أبي داود: للعلامة أبي الطيب آبادي، محمد شمس الحق العظيم، (ت 1329 هـ)، تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، المكتبة السلفية بالمدينة النبوية.

ص: 974

297 -

العين: لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي (100 ت 175 هـ)، تحقيق الدكتور مهدي المخزومي، ود. إبراهيم السامرائي، نشر وزارة الثقافة والإعلام العراقية، ط. عام 1981 م.

(حرف الغين)

298 -

غاية المنتهي في الجمع بين الإقناع والمنتهي: للمقدسي مرعي بن يوسف، (ت 1033 هـ)، مع شرحه مطالب أولي النهى للرحيباني، ط. المكتب الإسلامي، دمشق، 1380 هـ.

299 -

غريب القرآن لابن قتيبة عبدالله بن مسلم، (ت 276 هـ)، تحقيق أحمد صقر، دار الكتب العلمية، بيروت، عام 1398 هـ.

(حرف الفاء)

300 -

الفتاوى: لشيخ الإسلام ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام، (ت 728 هـ)، جمع عبد الرحمن بن القاسم، ط. الرياض.

301 -

فتاوى الإمام الشاطبي: أبي إسحاق إبراهيم بن موسى الأندلسي، (ت 790 هـ)، تحقيق وتقديم محمد أبو الأجفان، الطبعة الثانية، 1406 هـ.

302 -

فتاوى العز بن عبد السلام السلمي الشافعي، (ت 660 هـ)، بتعليق عبد الرحمن بن عبد الفتاح دار المعرفة، ط. 1406 هـ.

303 -

الفتاوى الكبرى أو المصرية: لشيخ الإسلام ابن تيمية، تقديم حسنين مخلوف نشر دار المعرفة، بيروت.

304 -

الفتاوى الهندية: لمجموعة من علماء الهند طبع في الهند وصور حديثاً في بيروت.

305 -

فتح الباري: لابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)، ط. السلفية.

306 -

فتح القدير: للشوكاني، محمد بن علي بن محمد الشوكاني، (ت 1250 هـ)، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر.

307 -

فتح القدير: لابن الهمام محمد بن عبد الواحد، (ت 861 هـ)، نشر المكتبة التجارية الكبرى بمصر.

308 -

الفتح المبين شرح حديث الأربعين: للهيتمي، أحمد بن حجر، (ت 974

ص: 975

هـ)، ط. دار إحياء الكتب العربية القاهرة.

309 -

فتح المجيد شرح كتاب التوحيد: للشيخ عبد الرحمن بن حسن، (ت 1285 هـ) بمراجعة الشيخ ابن باز، نشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، ط. 5، عام 1391 هـ.

310 -

فتح المغيث شرح ألفية الحديث للعراقي: لشمس الدين السخاوي محمد بن عبد الرحمن (ت 902 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط. الأولى، 1402 هـ.

311 -

الفتوحات الربانية على الأذكار النووية لابن علان محمد بن علان الصديقي الشافعي (ت 1057 هـ)، نشر جمعية النشر والتأليف الأزهرية ط. مطبعة السعادة، عام 1347 هـ.

312 -

فجر الإسلام: لأحمد أمين، (ت 1373 هـ) نشر دار الكتاب العربي، بيروت.

313 -

فرقان القرآن بين صفات الخالق وصفات الأكوان: للعزامي سلامة هندي النقشبندي القضاعي، (ت 1376 هـ)، طبع مع الأسماء والصفات للبيهقي بتحقيق الكوثري، ط. 1358 هـ بمطبعة السعادة بمصر.

314 -

الفروع: لابن مفلح المقدسي، شمس الدين أبي عبدالله محمد بن مفلح، (ت 763 هـ)، طبع على نفقة الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني، ط. 2، راجعه عبد الستار أحمد فراج سنة 1388 هـ، دار مصر للطباعة.

315 -

الفصل في الملل والأهواء والنحل: لابن حزم تحقيق محمد إبراهيم نصر، وزميله دار، الجيل بيروت 1405 هـ.

316 -

فصوص الحكم: لمحيي الدين ابن عربي، (ت 638 هـ)، والتعليقات عليه بقلم أبو العلا، دار الكتاب العربي، بيروت، ط. الثانية، ط 400 هـ في جزئين: الأول الفصوص والثاني التعليقات عليه لأبي العلا عفيفي.

317 -

فضائح الباطنية للغزالي: محمد بن محمد (ت 595 هـ)، تحقيق عبد الرحمن بدوي نشر مؤسسة دار الكتب الثقافية، الكويت، حولى.

318 -

فضائل المدينة: للجندي أبي سعيد المفضل بن محمد بن إبراهيم اليمني المكي، (ت 308 هـ)، تحقيق محمد مطيع الحافظ، دار الفكر، 1405 هـ، ط. الأولى بدمشق.

ص: 976

319 -

فض الوعاء في أحاديث رفع اليدين في الدعاء: للسيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، (ت 911 هـ)، تحقيق محمد شكور المياديني، مكتبة المنار، الأردن، 1405 هـ.

320 -

فضل الصلاة: لإسماعيل القاضي، إسماعيل بن إسحاق الجهضمي، المالكي، (ت 282 هـ)، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط. 3، 1397 هـ.

321 -

فوائد الجامع الصغير: للصدر الشهيد عمر بن عبد العزيز البخاري، (ت 536 هـ)، مخطوط، مصورة الجامعة الإسلامية تحت رقم 1269 هـ عن الأصل المحفوظة بمكتبة عارف حكمت، 211 فقه حنفي.

322 -

الفوائد الموضوعة في الأحاديث الموضوعة: للشيخ مرعي بن يوسف الكرمي المقدسي، (ت 1033 هـ)، تحقيق محمد الصباغ، الدار العربية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الثانية، 1397 هـ، 1977 م.

323 -

الفوائد في مشكل القرآن: للعز بن عبد السلام (ت 660 هـ)، تحقيق الندوي، سيد رضوان علي، نشر وزارة الأوقاف الكويتية.

324 -

فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت: للأنصاري عبد العلي محمد بن نظام الدين مطبوع مع المستصفى للغزالي، مصورة عن الطبعة البولاقية، سنة 1322 هـ.

325 -

الفواكه العذاب في الرد على من لم يحكم السنة والكتاب: لابن معمر حمد بن ناصر، (ت 1225 هـ)، تحقيق عبد السلام بن برجس، دار العاصمة، الرياض.

326 -

الفوز الكبير في أصول التفسير: للدهلوي أحمد بن عبد الرحيم، (ت 1176 هـ)، ترجمه إلى العربية سلمان الحسيني الندوي، ط. دار البشائر الإسلامية، ط. الثانية، 1407 هـ.

327 -

فهرس الفهارس: لعبد الحي بن عبد الكبير الكتاني، باعتناء الدكتور إحسان عباس دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط. الثانية، 1402 هـ.

328 -

فيض القدير شرح الجامع الصغير: للعلامة المناوي، عبد الرؤوف بن تاج العارفين، (ت 1031 هـ) ط. 2، دار المعرفة، بيروت.

(حرف القاف)

329 -

قاعدة في التوسل والوسيلة لابن تيمية: ط. ونشر الرئاسة العامة لإدارات

ص: 977

البحوث والإفتاء الرياض، 1404 هـ.

330 -

قانون التأويل: للقاضي أبي بكر بن العربي، (ت 543 هـ)، دراسة وتحقيق محمد السليماني، نشر دار القبلة للثقافة الإسلامية، مؤسسة علوم القرآن، جدة، بيروت، ط. 1، عام 1406 هـ، 1986 م.

331 -

القرى لقاصد أم القرى: لمحب الدين الطبري المكي، (ت 694 هـ)، تحقيق مصطفى السقا، مكتبة ومطبعة مصطفى الحلبي، مصر، الطبعة الثانية، 1390 هـ.

332 -

قطر الولي على حديث الولي: للشوكاني محمد بن علي (ت 1250 هـ)، تحقيق إبراهيم بن إبراهيم، هلال دار الكتب الحديثة، القاهرة.

333 -

قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر: للعلامة صديق حسن خان، (ت 1307 هـ)، تحقيق د. عاصم القريوتي، ط. الأولى، 1404 هـ.

334 -

قواعد الأحكام للإمام العز بن عبد السلام (ت 660 هـ)، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

335 -

قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث: للقاسمي، محمد جمال الدين القاسمي، دار إحياء السنة النبوية، ط. 1399 هـ.

336 -

القواعد النورانية الفقهية: لابن تيمية تحقيق محمد حامد الفقي، نشر دار المعرفة، بيروت، لبنان.

337 -

القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع: للسخاوي، محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر السخاوي، (ت 902 هـ)، المكتبة العلمية للنمنكاني، المدينة المنورة.

338 -

القول الجلي في حكم التوسل بالنبي والولي: للسلفي محمد بن أحمد بن محمد بن عبد السلام، (ت هـ)، تحقيق إسماعيل الأنصاري، نشر إدارات البحوث والدعوة والإرشاد.

339 -

القول الفصل النفيس في الرد على المفتري داود بن جرجيس: للشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الإمام محمد بن عبد الوهاب، (ت 1285 هـ)، تقديم الشيخ إسماعيل بن عتيق، نشر دار الهداية، الرياض، 1405 هـ.

(حرف الكاف)

340 -

الكافي: تأليف أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني الرازي، صححه

ص: 978

نجم الدين الآملي، من منشورات المكتبة الإسلامية، طهران، عام 1388 هـ، ط. المطبعة الإسلامية من كتب الشيعة المهمة.

341 -

نسخة أخرى الكافي: للكليني مع شرحه براءة العقول المطبوع طبعة حجرية عام 1325 هـ، وهي المرموز لها: ط. ح.

342 -

الكامل: لأبي أحمد عبد الله بن عدي، (ت 365 هـ)، دار الفكر، ط. 1404 هـ.

343 -

كتاب التوحيد: لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، (ت 1206 هـ)، ومعه كتاب القول السديد، طبعة مركز شؤون الدعوة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.

344 -

كتاب التوحيد وإخلاص العمل والوجه الله عز وجل: لشيخ الإسلام ابن تيمية تحقيق د. محمد السيد الجليند، نشر دار القبلة، جدة، ط. الثالثة، 1407 هـ.

345 -

كتاب التوحيد: لابن منده أبي عبدالله محمد بن إسحاق، (ت 395 هـ)، تحقيق د علي بن ناصر الفقيهي، ط. الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، الأولى.

346 -

كتاب التوحيد: لابن خزيمة أبي بكر محمد بن إسحاق السلمي، (ت 311 هـ)، مراجعة د. محمد خليل هراس، نشر دار الكتب العلمية، بيروت.

347 -

كتاب العرش وما روي فيه: لابن أبي شيبة محمد بن عثمان العبسي (ت 297 هـ)، تحقيق محمد بن حمد الحمود مكتبة، المعلا، الكويت 1406 هـ.

348 -

الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل: تأليف أبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي، (ت 538 هـ)، نشر دار المعرفة، بيروت.

349 -

كشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي: منصور بن يونس بن إدريس، (ت 1051 هـ)، ط. مطبعة الحكومة، 1394 هـ.

350 -

الكليات "معجم في المصطلحات والفروق اللغوية": لأبي البقاء الكفوي أيوب بن موسى، (ت 1094 هـ)، ط. وزارة الثقافة بدمشق، عام 1975 م.

351 -

كشف الأستار عن زوائد البزار على الكتب الستة: للهيثمي نور الدين

ص: 979

علي بن أبي بكر (ت 807 هـ)، ط. مؤسسة الرسالة.

352 -

كشف الشبهات: لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، المطبوع ضمن مؤلفات الشيخ / قسم العقيدة من منشورات جامعة الإمام.

353 -

كشف الشبهتين للشيخ سليمان بن سحمان، (ت 1349 هـ)، تحقيق آل عبد السلام بن برجس عبد الكريم، دار العاصمة الرياض، 1408 هـ.

354 -

الكشف عن مناهج الأدلة: لابن رشد أبو الوليد، محمد بن أحمد بن محمد، (ت 595 هـ)، طبع مع كتاب له آخر (فصل المقال) بعنوان فلسفة ابن رشد دار الآفاق.

355 -

كلمة الإخلاص وتحقيق معناها: للحافظ ابن رجب الحنبلي (ت 795 هـ)، تحقيق الشيخ الألباني، المكتب الإسلامي، ط. الرابعة، 1397 هـ.

356 -

الكواكب الدرية: للكرمي الحنبلي، مرعي بن يوسف، (ت 1033 هـ)، تحقيق نجم عبد الرحمن خلف، دار الغرب الإسلامي، ط. الأولى، 1406 هـ.

357 -

الكنى: للدولابي، (ت 310 هـ)، تصوير دار الكتب العلمية، بيروت، ط. الثانية، 1403 هـ.

(حرف اللام)

358 -

اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة: للسيوطي، (ت 911 هـ)، نشر المكتبة التجارية الكبرى مصر.

359 -

لسان العرب: لابن منظور محمد بن مكرم بن علي، (ت 711 هـ)، تحقيق عبدالله علي الكبير وزملائه، دار المعارف، مصر. 360 - لسان الميزان: لابن حجر العسقلاني، منشورات الأعلمي، بيروت، ط. 1971 م.

361 -

اللمع: لأبي نصر السراج الطوسي، (ت 378 هـ)، عبدالله بن علي بن يحيى الصوفي تحقيق د. عبد الحليم محمود، وطه عبد الباقي سرور، 1380 هـ، من نشر "لجنة التراث الصوفي" وهو الكتاب الثالث.

(حرف الميم)

362 -

المبسوط: للسرخسي شمس الدين أبي بكر محمد بن أبي سهل، (ت

ص: 980

483 هـ)، نشر دار المعرفة، بيروت، ط. الثانية.

363 -

مجابي الدعوة لابن أبي الدنيا أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا القرني، مؤسسة الرسالة، ط. الثانية، 1406 هـ.

364 -

المجروحين من المحدثين: لابن حبان محمد بن حبان بن أحمد أبي حاتم التميمي البستي، (ت 354 هـ)، تحقيق محمود إبراهيم زايد، دار الوعي بحلب، ط. الأولى، 1396 هـ.

365 -

مجاز القرآن: لأبي عبيدة معمر بن المثنى (ت 210 هـ)، تحقيق فؤاد سزكين، ط. مؤسسة الرسالة، ط. 2، عام 1408 هـ.

366 -

مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر: لشيخي زاده عبد الرحمن بن محمد بن سليمان الرومي، (ت 1078 هـ).

367 -

مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الأخبار: للفتني، محمد طاهر الصديقي الهندي (ت 986 هـ)، ط. دائرة المعارف العثمانية حيدر آباد، سنة 1387 هـ.

368 -

مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي، (ت 807 هـ)، نشر دار الكتاب العربي، بيروت.

369 -

مجموعة الرسائل النجدية لبعض علماء نجد مكتبة الإمام الشافعي الرياض، ط. الثانية، 1408 هـ.

370 -

مجموع فتاوى ومقالات متنوعة: لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله طبع ونشر الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والدعوة والإرشاد الرياض ط. الأولى، 1408 هـ. 371 - محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين: للرازي فخر الدين محمد بن عمر الخطيب، (ت 606 هـ)، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، دار الكتاب العربي، ط. الأولى، 1404 هـ.

372 -

محق التقول في مسألة التوسل للكوثري محمد زاهد، (ت 1373 هـ)، طبع ضمن المقالات له.

373 -

المحكم والمحيط الأعظم في اللغة لابن سيده علي بن إسماعيل بن سيده، (ت 458 هـ)، تحقيق عبد الستار أحمد فرج، ط. المطبعة الأميرية، ببولاق، مصر.

ص: 981

374 -

المحلى: تأليف ابن حزم (ت 456 هـ)، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي، دار الآفاق الجديدة، بيروت.

375 -

المختار للفتوى: لابن مودود الموصلي (ت 683 هـ)، مع شرحه الاختيار لتعليل المختار تحقيق طه محمد الزيني وزميله، ط. المنيرية، مصر، الأولى، 1376 هـ.

376 -

مختصر العلو للعلي الغفار للذهبي أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، نشر المكتب الإسلامي، ط. الأولى، 1401 هـ.

377 -

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة لابن القيم، اختصره محمد الموصلي.

378 -

مدارج السالكين في منازل إياك نعبد وإياك نستعين: لابن القيم، تحقيق محمد حامد الفقي، عام 1375 هـ.

379 -

المدخل: لابن الحاج أبي عبد الله محمد بن محمد العبدري (ت 737 هـ)، نشر دار الكتاب العربي، بيروت، ط. 2، 1972 م.

380 -

المراسيل: لابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي، (ت 327 هـ)، تحقيق شكر الله القوجاني، مؤسسة الرسالة، ط. الأولى، 1397 هـ.

381 -

مراقي الفلاح للشرنبلاني حسن بن عمار الحنفي، (ت 1069 هـ)، ط. مصطفى الحلبي، عام 1366 هـ.

382 -

مرويات دعاء ختم القرآن وحكمه داخل الصلاة وخارجها: بقلم بكر بن عبد الله أبو زيد دار طيبة للنشر، الرياض، ط. الأولى، 1408 هـ.

383 -

المزهر في اللغة للسيوطي عبد الرحمن بن أبي بكر، (ت 911 هـ)، تحقيق محمد أحمد جاد الولي وزملائه نشر دار التراث، القاهرة، ط. 3.

384 -

مسائل الجاهلية التي خالف فيها الرسول الله أهل الجاهلية: لشيخ الإسلام صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الوهاب (ت 1206 هـ)، نشر الجامعة الإسلامية.

385 -

المسائل الماردينية: الشيخ الإسلام ابن تيمية طبعة المكتب الإسلامي.

386 -

المسايرة في العقائد المنجية في الآخرة لابن الهمام، (ت 861 هـ)، مع شرحها المسامرة لكمال بن أبي شريف، (ت 905 هـ)، ط. دائرة المعارف

ص: 982

الإسلامية بعناية احتشام الحق ط. كراجي باكستان.

387 -

المستدرك على الصحيحين للحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله، (ت 405 هـ)، نشر دار الكتب العلمية، بيروت.

388 -

المستصفى من علم الأصول: للغزالي أبي حامد محمد بن محمد، (ت 505 هـ)، مصورة عن الطبعة الأميرية ببولاق نشر دار المعرفة، بيروت.

389 -

المسك الأذفر في نشر مزايا القرن الثاني عشر والثالث عشر: لمحمود شكري الألوسي (ت 1343 هـ)، تحقيق د. عبد الله الجبوري، نشر دار العلوم للطباعة والنشر الرياض، 1402 هـ.

390 -

مسند الإمام أحمد بن حنبل، (ت 241 هـ)، دار صادر، بيروت.

391 -

المسند للحميدي أبي بكر عبد الله بن الزبير، (ت 219 هـ)، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي الناشر المجلس العلمي، كراتشي، باكستان.

392 -

مسند أبي داود الطيالسي: سليمان بن داود بن الجارود، (ت 204 هـ)، ط. دائرة المعارف حيدر آباد الهند.

393 -

مسند الشهاب: للقضاعي أبي عبد الله محمد بن سلامة، (ت 454 هـ)، تحقيق حمدي السلفي، ط. مؤسسة الرسالة، ط. الأولى، عام 1405 هـ.

394 -

المسودة في أصول الفقه لآل تيمية تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.

395 -

مشارق الأنوار على صحاح الآثار: للقاضي عياض بن موسى اليحصبي، (ت 544 هـ)، نشر المكتبة العتيقة ودار التراث بيروت، مصور عن طبعة عام 1333 هـ.

396 -

مصباح الظلام في الرد على من كذب على الشيخ الإمام: للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ (ت 1292 هـ)، تصحيح، الشيخ إسماعيل بن عتيق نشر دار الهداية، الرياض.

397 -

المصباح: للكفعمي إبراهيم بن علي بن الحسن العاملي الشيعي، (ت 905 هـ)، من منشورات الرضى زاهدي، ط. 1405 هـ، قم، إيران.

398 -

المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، تأليف أحمد بن محمد علي الفيومي (ت 770 هـ)، ط. المنيرية بالقاهرة، عام 1922 هـ.

399 -

مصرع التصوف أو تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي وتحذير العباد من أهل العناد للعلامة برهان الدين البقاعي (ت) 885 هـ)، تحقيق عبد الرحمن

ص: 983

الوكيل، مطبعة السنة المحمدية ط. الأولى، 1372 هـ.

400 -

المصطلحات الأربعة في القرآن: لأبي الأعلى المودودي، تعريب محمد كاظم سباق دار القلم، ط. 5، 1391 هـ.

401 -

المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة عبد الله بن محمد، (ت 235 هـ)، ط. الدار السلفية بومباي الهند.

402 -

معارج الألباب في مناهج الحق والصواب: للنعمي حسين بن مهدي (ت 1187 هـ)، تحقيق محمد حامد الفقي، نشر مكتبة المعارف الرياض، ط الثالثة، 1405 هـ.

403 -

معارج القبول لشرح سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد: تأليف الشيخ حافظ بن أحمد حكمي، المطبعة السلفية، القاهرة.

404 -

معالم التنزيل (تفسير البغوي) للإمام البغوي الحسين بن مسعود الفراء، (ت 516 هـ)، تحقيق خالد عبد الرحمن، وزميله ط دار المعرفة بيروت عام 1406 هـ.

405 -

معالم السنن للخطابي البستي أبو سليمان أحمد بن محمد، (ت 388 هـ)، ط. الثانية، 1401 هـ نشر المكتبة العلمية، بيروت.

406 -

معاني الآثار للطحاوي أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة، (ت 321 هـ)، تحقيق محمد سيد جاد الحق ط. الأنوار المحمدية، القاهرة.

407 -

معاني القرآن للأخفش الأوسط، سعيد بن مسعدة، (ت 215 هـ)، تحقيق د. فائز، فارس ط. 2، عام 1401 هـ.

408 -

معاني القرآن للفراء يحيى بن زياد تحقيق أحمد يوسف نجاتي، ومحمد علي النجار، ط. دار الكتب المصرية، 1374 هـ، 1955 م.

409 -

معاني القرآن وإعراب

410 -

المعتمد في أصول الفقه لأبي الحسين البصري محمد بن علي بن الطيب المعتزلي، (ت) 436 هـ)، ضبط خليل الميس نشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط. الأولى، 1403 هـ.

411 -

المعجم الأوسط للطبراني أبي القاسم سليمان بن أحمد اللخمي،

ص: 984

(ت 360 هـ)، تحقيق محمود الطحان نشر مكتبة المعارف، الرياض، ط. الأولى، 1405 هـ.

412 -

المعجم الصغير للطبراني تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، نشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، عام 1388 هـ.

413 -

المعجم الكبير للطبراني، تحقيق حمدي السلفي، ط. وزارة الأوقاف، بغداد.

414 -

معجم المؤلفين: لعمر رضا كحالة نشر دار إحياء التراث العربي، بيروت.

415 -

معجم مقاييس اللغة: لابن فارس أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، (ت 395 هـ)، تحقيق عبد السلام محمد هارون، ط. الأولى بالقاهرة، 1366 هـ، ط. عيسى الحلبي.

416 -

معجم أبي يعلى الموصلي: أحمد بن علي بن المثنى، (ت 307 هـ)، تحقيق إرشاد الحق الأثري، ط. المكتبة العلمية، لاهور، باكستان، 1407 هـ، الأولى.

417 -

المعرفة والتاريخ للفسوي يعقوب بن سفيان، (ت 277 هـ)، تحقيق الدكتور أكرم العمري، مطبعة الإرشاد، بغداد.

418 -

المغني في الضعفاء: للإمام الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان: الذهبي (ت 748 هـ)، تحقيق د نور الدين عتر، طبع على نفقة إدارة إحياء التراث الإسلامي بدولة قطر.

419 -

المغني لابن قدامة أبي محمد عبد الله بن أحمد (ت 620 هـ)، المطبعة اليوسفية، مصر.

420 -

مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لجمال الدين بن هشام الأنصاري، (ت 761 هـ)، تحقيق د. مازن المبارك، وزميله دار الفكر، بيروت، ط. الثالثة، 1972 م.

421 -

مفاهيم يجب أن تصحح للعلوي المالكي محمد نشر دار السلام لاهور، باكستان ط. 2، 1406 هـ.

422 -

مفتاح الجنات في الأدعية المؤلف شيعي مجهول، نشر مكتبة الماحوزي البحرين.

423 -

مفتاح دار السعادة لابن القيم، دار نجد.

ص: 985

424 -

مفتاح العلوم للسكاكي: أبي يعقوب يوسف بن أبي بكر، (ت 626 هـ)، ضبط نعيم، زرزور دار الكتب العلمية، بيروت، ط. الأولى، 1403 هـ.

425 -

المفردات في غريب القرآن: للأصفهاني أبي القاسم الحسين بن محمد، (ت 502 هـ)، دار المعرفة، بيروت.

426 -

مفيد المستفيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، ضمن مؤلفات الإمام القسم الأول، العقيدة، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود.

427 -

مقاتل الطالبين لأبي الفرج الأصفهاني، (ت 356 هـ)، قدم له وأشرف على طبعه كاظم المظفر، ط. الثانية، الناشر محمد كاظم الحاج محمد صادق الكتبي منشورات الرضى، زاهدي النجف، العراق، 1385 هـ.

428 -

المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة: للسخاوي محمد بن عبد الرحمن، (ت 902 هـ)، تحقيق عبد الله محمد الصديق، مكتبة الخانجي بمصر، 1375 هـ. 429 - مقالات الكوثري: محمد زاهد الكوثري (ت 1373 هـ)، مطبعة الأنوار بالقاهرة.

430 -

مقدمة ابن خلدون ط. الدار التونسية للنشر، عام 1984 م.

431 -

مقدمة مفتاح كنوز السنة لمحمد رشيد رضا، نشر إدارة ترجمان السنة لاهور باكستان.

432 -

ملحق المصنفات لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، مؤلفات الشيخ، نشر جامعة الإمام.

433 -

المنار المنيف في الصحيح والضعيف لابن القيم، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعة الإسلامية، ط. الثانية، 1402 هـ.

434 -

المنتخب للحافظ عبد بن حميد (ت 249 هـ)، تحقيق أبي عبد الله مصطفى العدوي، شلبانة مكتبة ابن حجر مكة المكرمة، ط. الأولى، 1405 هـ.

435 -

المنحة الوهبية في رد الوهابية: لداود بن سليمان بن جرجيس، (ت 1299 هـ)، مكتبة أيشق، إستانبول، تركيا، ط. 2، 1393 هـ.

436 -

المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي أبي الفرج

ص: 986

عبد الرحمن بن علي (ت 597 هـ)، ط. دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، الهند، عام 1357 هـ.

437 -

المنتقي شرح موطأ الإمام مالك: للباجي (ت 494 هـ)، نشر دار الكتاب العربي، بيروت، ط. الرابعة، 1404 هـ.

438 -

منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز: للشيخ محمد الأمين الشنقيطي (ت) 1393 هـ المطبوع في آخر أضواء البيان.

439 -

منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس: للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن (ت) 1292 هـ نشر دار الهداية، الرياض، ط. الثانية، 1407 هـ.

440 -

منهاج السنة النبوية في نقص كلام الشيعة القدرية: لابن تيمية، تحقيق محمد رشاد سالم طبع ونشر جامعة الإمام محمد بن سعود، 1406 هـ.

441 -

المنهاج في شعب الإيمان: للحليمي أبي الحسين بن الحسن، (ت 403 هـ)، تحقيق حلمي محمد فودة، دار الفكر، ط. الأولى، 1399 هـ.

442 -

من لا يحضره الفقيه: للقمي الشيعي محمد بن علي بن الحسين بن بابوية، (ت 381 هـ)، تحقيق حسن الموسوي الخرسان، ط دار الكتب الإسلامية، النجف، مطبعة النجف بالعراق، 1377 هـ، ط. 4.

443 -

المهند على المفند في عقائد علماء أهل: ديوبند: للسهارنيوري خليل أحمد، (ت 1346 هـ)، ط. لاهور باكستان، 1984 م.

444 -

موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان للهيثمي، علي بن أبي بكر، (ت 807 هـ)، تحقيق محمد عبد الرزاق حمزة دار الكتب العلمية، بيروت.

445 -

المواقف في علم الكلام للإيجي عبد الرحمن بن أحمد الإيجي، (ت 864 هـ)، عالم الكتب، بيروت.

446 -

الموطأ للإمام مالك بن أنس، ت (179 هـ)، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، نشر دار إحياء التراث العربي.

447 -

الموضوعات: لابن الجوزي تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، نشر المكتبة السلفية بالمدينة النبوية، ط. الأولى، 1386 هـ.

ص: 987

448 -

موضوعات الصغاني: الحسن بن محمد بن الحسن القرشي الصغاني، (ت 650 هـ)، حققه نجم عبد الرحمن خلف، ط. الأولى، 1980 م، 1401 هـ دار نافع للطباعة والنشر.

449 -

ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي تحقيق علي محمد البجاوي، نشر دار المعرفة، بيروت.

(حرف النون)

450 -

النافع الكبير لمن يطالع الجامع الصغير لأبي الحسنات عبد الحي اللكنوي 1264 - 1304 هـ نشر إدارة القرآن والعلوم الإسلامية، كراتشي باكستان، بدون تاريخ.

451 -

النبذة الشريفة النفيسة في الرد على القبوريين للشيخ حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر الحنبلي (ت 1225 هـ)، ضمن مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ط. 2، 1408 هـ نشر مكتبة الإمام الشافعي الرياض.

452 -

نبذة في الدعاء وآدابه وأسبابه: لليافعي عفيف الدين عبد الله بن أسعد، (ت 768 هـ)، طبعت مع فض الوعاء للسيوطي، بتحقيق محمد شكور بن محمود المياديني، ط. مكتبة المنار الأردن، ط. 1، 1405 هـ.

453 -

نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار للحافظ ابن حجر، (ت 852 هـ)، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي منشورات مكتبة المثنى ببغداد مطبعة الإرشاد بغداد ونسخة أخرى مخطوطة منها فلم بقسم المخطوطات بمكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة رقم 1229.

454 -

نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر لابن الجوزي أبي الفرج تحقيق محمد عبد الكريم كاظم الراضي، ط. مؤسسة الرسالة، بيروت، عام 1404 هـ.

455 -

نصب الراية لأحاديث الهداية للزيلعي أبي محمد عبد الله بن يوسف الحنفي، (ت 762 هـ)، ط. 2، دار المأمون، القاهرة.

456 -

نظم المتناثر من الحديث المتواتر: للكتاني أبي الفيض جعفر الحسني، ت 1323 هـ دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

457 -

نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت للكركي علي بن عبد العالي

ص: 988

الرافضي العاملي (ت 945 هـ)، مخطوط بمكتبة رضا لامبور، بالهند، رقم 1998.

458 -

نقض المنطق: تأليف شيخ الإسلام ابن تيمية حققه محمد حامد الفقي، نشر دار الكتب العلمية، بيروت.

459 -

النونية: لابن القيم مع شرحها لمحمد خليل هراس، مكتبة الفاروق الحديثة، مصر.

460 -

النهاية في غريب الحديث والأثر: لابن الأثير أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري، (ت 606 هـ)، تحقيق الطناحي وزميله نشر المكتبة الإسلامية، عام 1383 هـ.

461 -

النهج السديد في تخريج أحاديث تيسير العزيز الحميد: للشيخ جاسم الفهيد الدوسري، دار الخلفاء، الكويت، ط. 1404 هـ.

462 -

نيل الأوطار للشوكاني محمد بن علي بن محمد الشوكاني، (ت 1250 هـ)، ط. مصطفى الحلبي، مصر، الطبعة الأخيرة.

(حرف الهاء)

463 -

الهداية شرح البداية للمرغيناني (ت 593 هـ)، ط. مصطفى الحلبي، مصر.

464 -

الهدية السنية والتحفة الوهابية مجموعة خمس رسائل: جمع وترتيب الشيخ سليمان بن سحمان تعليق محمد رشيد رضا، مطبعة النهضة الحديثة، مكة.

465 -

هذه مفاهيمنا: للشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ، ط. 1، 1406 هـ.

(حرف الواو)

466 -

الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب لابن قيم الجوزية، تحقيق بشير محمد عيون، نشر مكتبة دار، البيان توزيع مكتبة المؤيد.

467 -

الواسطة بين الحق والخلق لشيخ الإسلام ابن تيمية المطبوعة ضمن الفتاوى، الجزء الأول.

468 -

الوجوه والنظائر: للدامغاني الحسين بن محمد تحقيق عبد العزيز سيد الأهل، دار العلم للملايين بيروت ط. 4، عام 1983 م.

ص: 989

469 -

الوصول إلى الأصول لابن برهان أحمد بن علي بن برهان، (ت 518 هـ)، تحقيق أبو زنيد، نشر مكتبة المعارف، الرياض، 1403 هـ.

‌استدراكات على المصادر والمراجع:

(حرف الألف)

470 -

ابن تيمية والتصوف للدكتور مصطفى حلمي، ط. دار الدعوة للطبع والنشر، الإسكندرية، 1982 م.

471 -

الاحتجاج للطبرسي، أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب "شيعي"، (ت في حدود 620 هـ)، بتعليق محمد باقر الموسوي، طبع في مشهد، إيران، 1401 هـ.

472 -

الأحاديث الطوال للطبراني أبي القاسم طبع في آخر الجزء الخامس والعشرين من المعجم الكبير للطبراني، بتحقيق حمدي السلفي، مطبعة الأمة، بغداد، 1983 م.

473 -

الأحاديث العوالي من جزء ابن عرفة العبدي: (ت 257 هـ)، رواية شيخ الإسلام ابن تيمية تحقيق عبد الرحمن الفريوائي، ط. دار الكتب السلفية، بمصر، ط. الأولى، 1407 هـ.

474 -

الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد، (ت 456 هـ)، تحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر، نشر دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط. 2، عام 1403 هـ.

475 -

اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشي: للطوسي أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي "شيعي"، (ت 460 هـ)، حققه حسن المصطفوي طبع في مشهد، إيران.

476 -

الأرواح النوافخ لآثار إيثار الآباء والمشايخ للمقبلي صالح بن المهدي الصنعاني، (ت 1108 هـ)، طبع مع العلم الشامخ له أيضًا، ط. دار البيان، دمشق، عام 1401 هـ.

477 -

الأسامي والكنى لابن حنبل أبي عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني، (ت 241 هـ)، تحقيق عبد الله بن يوسف الجديع، نشر مكتبة دار الأقصى، الكويت، ط. الأولى، 1406 هـ.

ص: 990

478 -

الأسماء والصفات للبيهقي أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي (ت 458 هـ)، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، عام 1405 هـ.

479 -

الأشباه والنظائر لابن نجيم زين العابدين بن إبراهيم بن نجيم، (ت 970 هـ)، تحقيق عبد العزيز محمد الوكيل نشر مؤسسة الحلبي، القاهرة عام 1987 هـ

480 -

الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد للبيهقي أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي (ت 458 هـ)، تخريج أحمد عصام الكاتب، نشر دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط. الأولى، 1401 هـ.

481 -

الأوائل: لابن أبي عاصم أبي بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الشيباني، (ت 287 هـ)، تحقيق محمد بن ناصر العجمي نشر دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، الكويت.

482 -

الإيمان وآثاره والشرك ومظاهره تأليف زكريا علي يوسف، مكتبة السلام العالمية، القاهرة، ط الثانية.

(حرف الباء)

483 -

البارع في اللغة للقالي أبي علي إسماعيل بن القاسم البغدادي، (ت 356 هـ)، تحقيق هاشم الطمعان نشر مكتبة النهضة، بغداد، 1975 م.

484 -

البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة للشيخ عبد الفتاح بن عبد الغني القاضي (ت 1403 هـ) نشر مكتبة الدار بالمدينة المنورة، ط. الأولى، 1404 هـ.

485 -

البرهان في علوم القرآن للزركشي محمد بن عبد الله، (ت 794 هـ)، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم دار المعرفة، بيروت.

486 -

البروق في تعقب مسائل القواعد والفروق لابن الشاط قاسم بن عبد الله، (ت 723 هـ)، طبع بهامش الفروق للقرافي.

487 -

بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث للهيثمي، علي بن سليمان بن أبي بكر، (ت 807 هـ) مخطوط منه صورة بقسم المخطوطات بمكتبة الجامعة الإسلامية، رقم 1248.

488 -

بلوغ المرام من أدلة الأحكام للعسقلاني تحقيق محمد حامد الفقي، نشر دار القلم، بيروت.

ص: 991

(حرف التاء)

489 -

تأسيس التقديس في علم الكلام للرازي محمد بن عمر بن الحسين، (ت 606 هـ)، ط. مصطفى الحلبي، عام 1354 هـ.

490 -

تأسيس التقديس في كشف تلبيس داود بن جرجيس: للشيخ أبا بطين عبد الله بن عبد الرحمن (ت 1382 هـ)، ط. عيسى الحلبي بمصر، 1344 هـ.

491 -

تاريخ الغيبة الكبرى لمحمد الصدر "شيعي معاصر"، ط. دار التعارف للمطبوعات بيروت، ط الثانية، 1403 هـ.

492 -

تبيين الحقائق شرح كنز الحقائق: للزيلعي عثمان بن علي الحنفي (ت 743 هـ) نشر دار المعرفة، بيروت، عن ط. بولاق، 1313 هـ.

493 -

تحذير الساجد في اتخاذ القبور مساجد: للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، ط. 2، عام 1392 هـ، ط. المكتب الإسلامي، بيروت.

494 -

تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين للشوكاني محمد بن علي بن محمد (ت 1250 هـ)، بتعليق محمد بن محمد زبارة نشر دار الكتب العلمية، بيروت.

495 -

تحفة المراسيل: لأبي زرعة ولي الدين أحمد بن عبد الرحيم العراقي، (ت 826 هـ)، مخطوط.

496 -

تحفة عوام مقبول لمؤلف شيعي مجهول ط. مطبعة حيدري برسيس، لاهور، باكستان.

497 -

التحفة العراقية في الأعمال القلبية: تأليف شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية طبعت مع رسالة أمراض القلوب وشفاؤها له أيضًا، نشر المطبعة السلفية، القاهرة، 1386 هـ.

498 -

التحفة السنية بتوضيح الطريقة التجانية: للبرناوي محمد الطاهر ميغري، نشر مركز شؤون الدعوة بالجامعة الإسلامية، ط. الأولى.

499 -

التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز نشر مركز شؤون الدعوة بالجامعة الإسلامية، ط. 7.

500 -

تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي للسيوطي، (ت 911 هـ)،

ص: 992

تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف نشر دار الكتب الحديثة، ط. 2، عام 1385 هـ.

501 -

الترغيب والترهيب للمنذري عبد العظيم بن عبد القوي، (ت 656 هـ)، نشر مكتبة الإرشاد.

502 -

تفسير القرآن العظيم تفسير ابن كثير: لأبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي، (ت 774 هـ)، نشر دار المعرفة، بيروت، 1388 هـ.

503 -

التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير: للنووي أبي زكريا يحيى بن شرف، (ت 676 هـ)، طبع مع شرحه تدريب الراوي، بتحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف ط. الثانية، عام 1385 هـ.

504 -

التهاني في التعقيب على موضوعات الصغاني للغماري عبد العزيز بن محمد بن الصديق نشر دار الأنصار بالقاهرة.

(حرف الجيم)

505 -

جامع الرسائل لابن تيمية تحقيق محمد رشاد سالم نشر دار المدني، ط. 2، 1405 هـ

506 -

جواب أهل العلم والإيمان بتحقيق ما أخبر به رسول الرحمن من أن {قل هو الله أحد} تعدل ثلث القرآن لشيخ الإسلام ابن تيمية، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط الثانية، 1394 هـ.

(حرف الحاء)

507 -

حاشية البناني على شرح المحلى على متن جمع الجوامع: للبناني عبد الرحمن بن جاد الله (ت 1198 هـ)، ط. عيسى البابي الحلبي.

508 -

حاشية مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح للطحطاوي أحمد بن محمد بن إسماعيل (ت 231 هـ)، ط. 2، 1389 هـ، ط. مصطفى الحلبي بمصر.

509 -

الحيوان للجاحظ أبي عثمان عمرو بن بحر، (ت 255 هـ)، تحقيق عبد السلام محمد، هارون ط مصطفى البابي الحلبي.

(حرف الخاء)

510 -

خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب: للبغدادي عبد القادر بن عمر، (ت

ص: 993

1093 هـ)، دار صادر، بيروت على هامشه كتاب المقاصد النحوية للعيني.

(حرف الدال)

511 -

دراسات في الجرح والتعديل: للأعظمي محمد ضياء الرحمن، ط. المطبعة السلفية، بنارس، الهند، ط. الأولى، عام 1403 هـ.

512 -

درر الحكام في شرح غرر الأحكام لمحمد فراموز منلا خسرو، (ت 885 هـ)، ط. أحمد كامل بدار السعادة، تركيا، عام 1329 هـ.

513 -

الدرر السنية في الأجوبة النجدية جمع الشيخ عبد الرحمن بن قاسم القحطاني، ط. مطبعة أم القرى، الأولى، 1352 هـ.

514 -

دلائل النبوة للتيمي إسماعيل بن محمد بن الفضل الأصبهاني، (ت 535 هـ)، إعداد أبي عبد الله الحداد نشر دار طيبة الرياض، ط. الأولى، 1409 هـ.

515 -

ديوان الضعفاء والمتروكين: للذهبي شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان، (ت 748 هـ)، حققه الشيخ حماد الأنصاري، ط. مكتبة النهضة الحديثة بمكة الأولى، 1387 هـ.

(حرف الذال)

516 -

ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل للذهبي، تحقيق أبو غدة ضمن أربع رسائل في علوم الحديث الناشر مكتبة المطبوعات الإسلامية، حلب، ط. الخامسة، 1404 هـ.

(حرف الراء)

517 -

رسالة في الذب عن أبي الحسن الأشعري: لابن درياس أبي القاسم عبد الملك بن عيسى (ت 659 هـ)، تحقيق الدكتور علي بن محمد الفقيهي، ط. الأولى، 1404 هـ.

518 -

رسالة في الطاعون وما ينبغي العمل عند وقوعه: للمنيحي محمد بن محمد الصالحي (ت 785 هـ) مخطوط منه صورة بقسم المخطوطات بمكتبة الجامعة الإسلامية تحت رقم 4472 ف.

519 -

رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم: للفوتي عمر بن سعيد

ص: 994

الطوري، (ت 1283 هـ)، المطبوع بهامش جواهر المعاني، ط. مصطفى الحلبي، عام 1382 هـ.

(حرف السين)

520 -

سؤالات السهمي: حمزة بن يوسف، (ت 428 هـ)، تحقيق موفق بن عبد الله نشر مكتبة المعارف، الرياض، ط. الأولى، 1404 هـ.

521 -

سباحة الفكر في الجهر بالذكر: للكنوي أبي الحسنات محمد عبد الحي (ت 1304 هـ)، تحقيق أبو غدة، ط. دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط الرابعة، 1408 هـ.

522 -

السراج المنير في تنبيه جماعة التبليغ على أخطائهم: للدكتور محمد تقي الدين الهلالي، ط. الأولى، عام 1399 هـ، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب.

523 -

السلم المنورق في علم المنطق: للأخضري عبد الرحمن بن محمد الصغير، كان حيًا عام 941 هـ، طبعت ضمن مجموع المتون في مختلف الفنون باعتناء عبد الله بن إبراهيم الأنصاري طبع على نفقة الشؤون الدينية بدولة قطر.

(حرف الشين)

524 -

شرح حديث العلم لابن رجب زين الدين عبد الرحمن بن رجب، (ت 795 هـ)، تحقيق الشيخ محمد عمر عبد الهادي ط. دار نشر الثقافة، الإسكندرية، مصر.

525 -

شرح ديوان طرفة بن العبد للأعلم الشنتمري يوسف بن سليمان بن عيسى (ت 476 هـ)، تحقيق درية الخطيب ولطفي الصقال، طبع مجمع اللغة العربية دمشق، 1395 هـ.

526 -

شرح الدر المختار للحصفكي محمد علاء الدين الحنفي (ت 1088 هـ)، ط. محمد علي صبيح، القاهرة.

527 -

الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب مالك: للدردير أبي البركات أحمد بن محمد بن أحمد (ت 1201 هـ)، تحقيق د. مصطفى كمال وصفي، طبع على نفقة الشيخ زايد بن سلطان، دار المعارف، مصر، 1974 م.

ص: 995

528 -

شرح عليش على مختصر خليل المسمى منح الجليل على مختصر الخليل: لعليش محمد بن أحمد بن محمد المالكي، (ت 1299 هـ)، نشر مكتبة النجاح بطرابلس، ليبيا.

529 -

شرح القاضي خان على الجامع الصغير: لقاضيخان الحسن بن منصور الفرغاني (ت 592 هـ) مخطوط منه صورة بقسم المخطوطات بالجامعة الإسلامية، رقم 1669.

530 -

الشعر والشعراء لابن قتيبة أبي محمد عبد الله بن مسلم، (ت 276 هـ)، تقديم أحمد شاكر، ط. الثانية، 1386 هـ.

(حرف الصاد)

531 -

الصاوي على الجلالين: لأحمد بن محمد الصاوي الخلوتي، (ت 1241 هـ)، ط. عيسى البابي الحلبي.

532 ـ الصحيح المسند من أسباب النزول: للوادعي مقبل بن هادي، ط. دار الأرقم، الكويت، ط. الثانية.

533 -

صحيح سنن ابن ماجه: تأليف الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، نشر مكتبة التربية العربي لدول الخليج بالرياض، ط. المكتب الإسلامي، ط. الأولى، 1407 هـ.

(حرف العين)

534 -

عدة الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين لابن الجزري أحمد بن محمد بن محمد الدمشقي، (ت 833 هـ)، طبع مع شرحه تحفة الذاكرين للشوكاني، ط. دار الكتب العلمية.

535 -

العقد الثمين في بيان مسائل الدين للسويدي علي بن أبي السعود محمد بن عبد الله (ت 1237 هـ)، ط. المطبعة الميمنية، بمصر، 1325 هـ.

536 -

عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي: تأليف الدكتور صالح بن عبد الله العبود، نشر المجلس العلمي وإحياء التراث الإسلامي بالجامعة الإسلامية، عام 1408 هـ.

537 -

العلل ومعرفة الرجال عن الإمام أحمد، (ت 241 هـ)، رواية المروذي

ص: 996

وغيره تحقيق د. وصي الله بن محمد ط. الدار السلفية بومباي، الهند، الأولى.

538 -

علل الحديث لابن أبي حاتم أبي محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي (ت 327 هـ) نشر مكتبة المثنى ببغداد.

(حرف الغين)

529 -

غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب للسفاريني محمد بن أحمد بن سالم، ت (1188 هـ)، نشر مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، ونسخة أخرى طبعت بمطبعة الحكومة بمكة، 1393 هـ.

540 -

الغيبة: للنعماني محمد بن إبراهيم بن جعفر بن أبي زينب "شيعي" توفي في حدود 342 هـ تحقيق علي أكبر الغفاري مكتبة الصدوق، طهران، إيران.

(حرف الفاء)

541 -

فتاوى ابن رشد: أبي الوليد محمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، (ت 520 هـ)، تحقيق د. المختار بن الطاهر التليلي، ط. دار الغرب الإسلامي، الأولى، 1407 هـ.

542 -

فتاوى ابن الصلاح: أبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري، (ت 643 هـ)، طبع ضمن مجموعة الرسائل المنيرية.

543 -

الفتاوى البزازية: لمحمد بن محمد المعروف بابن البزاز الكردي (ت 827 هـ) طبعت بهامش الفتاوى الهندية.

544 -

فتاوي قاضيخان حسن بن منصور الأوزجندي، (ت 592 هـ)، طبع بهامش الفتاوى الهندية أيضًا.

545 -

الفتح الرحماني في فتاوى السيد ثابت أبي المعاني: للنمنكاني الشيخ حامد مرزا، الفرغاني ط. الثانية، عام 1396 هـ، مطبعة القادر يرنتنك، كراتشي، باكستان.

546 -

الفتوى الحموية الكبرى لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية، المطبعة السلفية، ط. الرابعة، 1401 هـ.

547 -

الفتوحات المكية لابن عربي محيي الدين محمد بن علي الطائي الحاتمي الصوفي، (ت 638 هـ)، تحقيق د. عثمان يحيى، نشر المجلس الأعلى

ص: 997

لرعاية الآداب والفنون، ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1392 هـ.

548 -

الفرج بعد الشدة: للتنوخي أبي علي المحسن بن علي، (ت 384 هـ)، تحقيق عبود الشالجي، دار صادر، بيروت ط. الأولى، 1398 هـ.

549 -

فرق الشيعة للنوبختي الحسن بن موسى "شيعي"(توفي بعد 300 هـ)، تحقيق محمد صادق آل بحر العلوم المطبعة الحيدرية، النجف، العراق.

550 -

الفروق، ويسمى أنوار البروق في أنواء الفروق للقرافي أبي العباس أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن الصنهاجي (ت 684 هـ)، نشر دار المعرفة، بيروت.

551 -

الفهرست لابن النديم محمد بن إسحاق بن محمد الوراق البغدادي، (ت 438 هـ)، تحقيق رضا تجدد ط، طهران، إيران، 1391 هـ.

(حرف القاف)

552 -

قطف الثمر في رفع أسانيد المصنفات في الفنون والأثر: للفلاني صالح بن محمد (ت 1218 هـ)، تحقيق عامر، صبري، دار الشروق، ط. الأولى، عام 1405 هـ.

553 -

القواعد والفوائد الأصولية وما يتعلق بها من الأحكام الفرعية لابن اللحام غلاء الدين علي بن عباس البعلي الحنبلي (ت 803 هـ)، تحقيق محمد حامد الفقي، نشر دار الكتب العلمية، عام 1403 هـ.

554 -

قواعد وعقائد آل محمد "بيان مذهب الباطنية وبطلانه": للديلمي محمد بن الحسن الصنعاني (ت 711 هـ)، تصحيح شدو طمان، ط. 2، نشر إدارة ترجمان السنة بلاهور باكستان.

(حرف الكاف)

555 -

كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون: لحاجي خليفة مصطفى بن عبد الله، (ت 1067 هـ) من منشورات مكتبة المثنى، ببغداد.

556 -

الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري: للكرماني محمد بن يوسف، (ت 787 هـ)، ط. الأولى عام 1352 هـ، مطبعة محمد محمد عبد اللطيف، بمصر.

557 -

الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات: لابن الكيال أبي

ص: 998

البركات محمد بن أحمد (ت 939 هـ)، تحقيق عبد القيوم عبد رب النبي، نشر مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى.

(حرف الميم)

558 -

المجموع المفيد من رسائل وفتاوى الشيخ سعد بن حمد بن عتيق: (ت 1349 هـ)، جمع وترتيب إسماعيل بن سعد بن عتيق، نشر دار الهداية، ط. المطابع الأهلية للأوفست، الرياض، 1403 هـ.

559 -

المخصص لابن سيده: أبي الحسن علي بن إسماعيل الأندلسي، (ت 458 هـ)، المطبعة الأميرية ببولاق، مصر، 1316 هـ.

560 -

مسائل نافع بن الأزرق: تخريج السيوطي عبد الرحمن بن أبي بكر، (ت 911 هـ)، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي مع معجم غريب القرآن المستخرج من البخاري، ط. عيسى البابي الحلبي، ط الثانية.

561 -

المسيحية: لأحمد شلبي، ط. الثامنة، عام 1984 م، نشر مكتبة النهضة المصرية، القاهرة.

562 -

مصنف عبد الرزاق: أبي بكر عبد الرزاق بن همام، (ت 211 هـ)، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، ط. المكتب الإسلامي، بيروت.

563 -

المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: لابن حجر العسقلاني، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي.

564 -

المعجم الوسيط تأليف مجموعة من علماء اللغة المعاصرين برعاية اللغة العربية بمصر، طبع بإشراف عبد السلام هارون نشر دار مجمع إحياء التراث العربي.

565 -

مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين: لأبي الحسن الأشعري، (ت 330 هـ)، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، نشر مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط. 2، عام 1389 هـ. 566 - مناسك الحج والعمرة في الكتاب والسنة وآثار السلف للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى، عام 1395 هـ.

567 -

المنتقى: لابن الجارود أبي محمد عبد الله بن علي النيسابوري (ت 307 هـ)، تحقيق عبد الله هاشم المدني، مطبعة الفجالة الجديدة، القاهرة 1382 هـ.

ص: 999

568 -

الموافقات في أصول الشريعة: للشاطبي أبي إسحاق إبراهيم بن موسى الغرناطي (ت 790 هـ)، بتحقيق محمد عبد الله دراز، ط. المكتبة التجارية الكبرى ط. الثانية، 1395 هـ.

569 -

المهدي وظهوره: للشاهروردي جواد حسين الحسيني الشيعي "معاصر"، نشر مكتبة الإرشاد، الكويت، ط. الأولى، 1405 هـ.

(حرف النون)

570 -

نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر: للحسني عبد الحي بن فخر الدين الندوي، (ت 1341 هـ)، ط. دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، الهند.

571 -

النشر في القراءات العشر: لابن الجزري أبي الخير محمد بن محمد، (ت 833 هـ)، تصحيح على محمد الضباع، نشر دار الكتب العلمية، بيروت.

572 -

نهاية الآمال في صحة شرح حديث عرض الأعمال: للغماري عبد الله بن محمد بن الصديق، ط. عالم الكتب، بيروت، الثانية، 1405 هـ.

573 -

نهاية الأقدام في علم الكلام: للشهرستاني أبي الفتح محمد بن عبد الكريم بن أحمد (ت 548 هـ)، تحقيق جيوم، نشر مكتبة المثنى، ببغداد.

(حرف الواو)

574 -

الوضع في الحديث: للدكتور عمر بن حسن فلاتة، نشر مكتبة الغزالي، بدمشق، ط. الأولى، عام 1401 هـ.

(حرف الهاء)

575 -

هواتف الجان: للخرائطي محمد بن جعفر بن محمد، (ت 327 هـ)، طبع مع رسالتين تحت اسم نوادر الرسائل، بتحقيق إبراهيم صالح، ط. مؤسسة الرسالة الثانية، 1407 هـ.

ص: 1000