الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
(تَقْدِيم)
كتاب الذَّخِيرَة مبتكر فِي الْفِقْه الْمَالِكِي فروعه وأصوله بدع من مؤلفات عصره الَّتِي هِيَ فِي الْأَعَمّ اختصارات أَو شُرُوح وتعليقات وَرُبمَا كَانَت الذَّخِيرَة أهم المصنفات فِي الْفِقْه الْمَالِكِي خلال الْقرن السَّابِع الهجري وَآخر الْأُمَّهَات فِي هَذَا الْمَذْهَب إِذْ لَا نجد لكبار فُقَهَاء الْمَالِكِيَّة المغاربة والشارقة الَّذين عاصروا الْقَرَافِيّ أَو جاؤوا بعده سوى مختصرات لم تعد على مَا أدْركْت من شهرة وانتشار أَن كرست عَن غير قصد تعقيد الْفِقْه وإفراغه من محتواه النظري الخصب وأدلته الاجتهادية الْحَيَّة ليُصبح فِي النِّهَايَة مُجَرّد حك أَلْفَاظ ونقاش عقيم يَدُور فِي حَلقَة مفرغة لَا تنْتج وَلَا تفِيد وَإِذا كَانَ الْمَذْهَب الْمَالِكِي تركز أَكثر فِي الْجنَاح الغربي من الْعَالم الإسلامي فَإِنَّهُ قطع أشواطا متميزة قبل أَن يصل إِلَى تعقيدات عصر الْقَرَافِيّ فقد كَانَت القيروان بِالنِّسْبَةِ لهَذَا الْجنَاح الغربي منطلق إشراق الْفِقْه الْمَالِكِي وأفوله مَعًا فَفِيهَا نشر أَسد بن الْفُرَات (ت. 213) الْمُدَوَّنَة الأولى الَّتِي حوت سماعاته من مَالك وَغَيره الْمَعْرُوفَة بالأسدية فَأَخذهَا سَحْنُون عبد السَّلَام بن سعيد (ت. 240) وصححها على ابْن الْقَاسِم وَسمع من أَشهب وَابْن وهب وَغَيرهم من تلاميذ مَالك وَرجع إِلَى القيروان بالمدونة الْكُبْرَى الَّتِي نسخت الأَسدِية وجمعت
سِتَّة وَثَلَاثِينَ ألف مَسْأَلَة فانتشرت فِي أقطار المغارب والأندلس وظلت ركيزة الْمَذْهَب الْمَالِكِي ومرجع فقهائه طوال الْقُرُون الأولى وَفِي القيروان لاحظ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أبي زيد القيرواني (ت. 386) كسل الهمم عَن إِدْرَاك مدونة سَحْنُون فاختصرها اختصارا غير مخل حل محلهَا وَعفى على الاختصارين الأندلسيين السَّابِقين لفضل بن سَلمَة الْجُهَنِيّ (ت. 319) وَمُحَمّد بن عيشون الطليطلي (ت. 341) ولسوء الْحَظ قَامَ فِي القيروان أَيْضا خلف بن أبي الْقَاسِم البراذعي الْمُتَوفَّى أَوَائِل الْقرن الْخَامِس بِاخْتِصَار مُخْتَصر شَيْخه ابْن أبي زيد القيرواني للْمُدَوّنَة سَمَّاهُ التَّهْذِيب فتقبله النَّاس بِقبُول حسن وَقد ازدادوا حَاجَة إِلَى الِاخْتِصَار حَتَّى إِذا جَاءَ أَبُو عَمْرو بن الْحَاجِب الدِّمَشْقِي (ت. 646) وَاخْتصرَ التَّهْذِيب فزاده تعقيدا وطم السَّيْل مَعَ خَلِيل بن إِسْحَاق الْمصْرِيّ (ت. 749) الَّذِي اختصر مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب فِي بضعَة كراريس فَأصْبح مُخْتَصر خَلِيل الْمُخْتَصر الرَّابِع فِي مسلسل مختصرات الْمُدَوَّنَة عبارَة عَن رموز لَا تفهم يحفظ عَن ظهر قلب وَيقْرَأ أحزابا فِي جَامع الْقرَوِيين وَغَيره وَلَا تفك رموزه إِلَّا بِالرُّجُوعِ إِلَى عشرات المجلدات من الشُّرُوح والحواشي والتعليقات دون إِدْرَاك روح التشريع طبعا وَغدا بعض المدرسين (الْمُحَقِّقين) لَا يخْتم مُخْتَصر خَلِيل إِلَّا بعد أَرْبَعِينَ سنة وَبِذَلِك تقرر جمود الْفِقْه وتحجره وَاسْتمرّ إِلَى أيامنا هَذِه اعْتمد الْقَرَافِيّ فِي الذَّخِيرَة على نَحْو أَرْبَعِينَ من تصانيف الْمَذْهَب الْمَالِكِي وَخص خَمْسَة مِنْهَا كمصادر أساسية يرجع إِلَيْهَا دَائِما ويقارن بَينهَا ويناقش وَكلهَا كتب مُسْتَقلَّة مبتكرة أصيلة (1) مدونة سَحْنُون القيرواني (2) والتفريغ لِعبيد الله بن الْجلاب الْبَصْرِيّ (ت. 368)(3) ورسالة ابْن أبي زيد القيرواني (4) والتلقين للْقَاضِي عبد الْوَهَّاب الْبَغْدَادِيّ (ت. 422)(5) والجواهر الثمينة فِي مَذْهَب عَالم الْمَدِينَة لعبد الله بن شَاس الْمصْرِيّ (ت. 610) وتميزت الذَّخِيرَة - إِلَى ذَلِك - بدقة التَّعْبِير وسعة الْأُفق وسلالة الأسلوب وجودة
التَّقْسِيم والتبويب الْأَمر الَّذِي يضفي عَلَيْهَا من جِهَة أُخْرَى طَابع الْجدّة والحداثة حَتَّى لكأنها كتبت فِي عصرنا الْحَاضِر بقلم أحد أَعْلَام الْفِقْه والقانون تظهر عبقرية مؤلف الذَّخِيرَة وموسوعيته الَّتِي سنتحدث عَنْهَا بعد قَلِيل فِي مزجه بَين الْفِقْه وأصوله واللغة وقواعدها والمنطق والفلسفة والحساب والجبر والمقابلة فِي المواطن الَّتِي تقتضيها وَفِي وَضعه مصطلحات دقيقة ورموزا وَاضِحَة تختصر أَسمَاء الْأَشْخَاص والكتب الَّتِي يكثر تداولها فِي الذَّخِيرَة تقليلا للحجم فكلمة الْأَئِمَّة تَعْنِي عِنْده الشَّافِعِي وَأَبا حنيفَة وَابْن حَنْبَل وش ترمز للشَّافِعِيّ وح لأبي حنيفَة والصحاح تَعْنِي الْمُوَطَّأ وصحيحي البُخَارِيّ وَمُسلم ونجد فِي الذَّخِيرَة دَاخل الْأَبْوَاب والفصول والمباحث وَالْفُرُوع الْمُعْتَادَة عناوين فرعية تضبط المعلومات الإضافية وتحددها وتبرزها أَمْثَال تمهيد تَحْقِيق تَفْرِيع تَنْقِيح تَحْرِير تذييل قَاعِدَة فَائِدَة نَظَائِر فروع مرتبَة وَيُمكن أَن يعد من مميزات الذَّخِيرَة كَذَلِك عناية الْمُؤلف بإبراز أصُول الْفِقْه الْمَالِكِي دحضا للشبهات الَّتِي علقت بالأذهان مُنْذُ قديم قَاصِرَة أصُول الْفِقْه بِالنِّسْبَةِ للمذاهب الْأَرْبَعَة على الإِمَام الشَّافِعِي واعتباره هَذَا الْفَنّ برسالته الَّتِي حددت منهاجه فِي استنباط الْأَحْكَام من الْقُرْآن وَكتب أُخْرَى لَهُ فِي الْقيَاس وَإِبْطَال الِاسْتِحْسَان وَاخْتِلَاف الْأَحَادِيث وَإِذا كَانَ الْقَرَافِيّ مَسْبُوقا فِي هَذَا الْمِضْمَار بِمَا كتبه القَاضِي أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ الْمعَافِرِي الْمُتَوفَّى بفاس عَام 543 فِي شرحيه على الْمُوَطَّأ القبس وترتيب المسالك مِمَّا يدل على سبق مَالك فِي بِنَاء مذْهبه الفقهي على قَوَاعِد أصولية محكمَة لَا شكّ أَن تِلْمِيذه الشَّافِعِي أَخذهَا عَنهُ ووسعها وَألف فِيهَا الرسَالَة والكتب الْمَذْكُورَة فانتشرت حَتَّى أَصبَحت الْأُصُول علما مُسْتقِلّا بِذَاتِهِ إِذا كَانَ ذَلِك فَإِن مزية مؤلف الذَّخِيرَة أَن جعل من شَرطه فِيهَا تتبع الْأُصُول فِي مُخْتَلف الْأَبْوَاب قَائِلا فِي الْمُقدمَة وَبَيَّنْتُ مَذْهَبَ مَالِكٍ رحمه الله فِي أُصُولِ الْفِقْهِ لِيَظْهَرَ عُلُوُّ شَرَفِهِ فِي اخْتِيَارِهِ فِي الْأُصُولِ كَمَا ظَهَرَ فِي الْفُرُوعِ وَيَطَّلِعَ الْفَقِيهُ على مُوَافَقَته
لِأَصْلِهِ أَوْ مُخَالَفَتِهِ لَهُ لِمُعَارِضٍ أَرْجَحَ مِنْهُ فيطلبه حَتَّى يطلع على مدركه وَيمْنَع الْمُخَالفين فِي المناظرات على أَصله نتج عَن كل مَا سبق دَعْوَة عَامَّة فِي الْكتاب إِلَى الِاجْتِهَاد ونبذ التَّقْلِيد الْأَعْمَى فِي الْأَحْكَام الْفِقْهِيَّة إِذْ علاوة على الْمُقدمَة الثَّانِيَة للذخيرة فِي أصُول الْفِقْه وقواعد الشَّرْع الَّتِي خصص الْمُؤلف الْبَابَيْنِ التَّاسِع عشر وَالْعِشْرين مِنْهَا للِاجْتِهَاد وَجَمِيع أَدِلَّة الْمُجْتَهدين قَائِلا فِي حكم الِاجْتِهَاد وَمذهب مَالك وَجُمْهُور الْعلمَاء رضوَان الله عَنْهُم وُجُوبُهُ وَإِبْطَالُ التَّقْلِيدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم} وَقَدِ اسْتَثْنَى مَالِكٌ رحمه الله أَرْبَعَ عَشْرَةَ صُورَة للضَّرُورَة علاوة على ذَلِك لَا يكَاد الْمُؤلف يَأْتِي بِمَسْأَلَة من مسَائِل فروع الْعِبَادَات أَو الْمُعَامَلَات إِلَّا أبان أصل حكمهَا وحجج الْمُخْتَلِفين فِيهَا من الْأَئِمَّة وَالْفُقَهَاء مبرزا أَدِلَّة الْمَالِكِيَّة بِصفة خَاصَّة بعد عبارَة لنا دون إغفال أَدِلَّة الآخرين سيرا مَعَ الخطة الَّتِي قررها فِي الْمُقدمَة وَقد آثرت التَّنْبِيه على مَذْهَب الْمُخَالفين لنا من الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة وَمَآخِذِهِمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَسَائِلِ تَكْمِيلًا لِلْفَائِدَةِ ومزيدا من الِاطِّلَاعِ فَإِنَّ الْحَقَّ لَيْسَ مَحْصُورًا فِي جِهَةٍ فَيَعْلَمُ الْفَقِيهُ أَيُّ الْمَذْهَبَيْنِ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَأَعْلَقُ بِالسَّبَبِ الْأَقْوَى وتتكرر فِي الذَّخِيرَة عِبَارَات ليَكُون الْفَقِيه على بَصِيرَة ليستدل الْفَقِيه تحفيزا للهمم على إِعْمَال الْفِكر وإمعان النّظر واستنكافا عَن التَّقْلِيد والجمود وَأخذ الْمسَائِل أحكاما مسلمة.
الْمُؤلف مؤلف الذَّخِيرَة هُوَ أَحْمد بن إِدْرِيس بن عبد الرحمان بن عبد الله بن يلين الصنهاجي الملقب بشهاب الدّين الْمَعْرُوف بالقرافي وبالمالكي وَقد اتّفق مترجموه على أَنه ينْسب للقرافة وَلم يسكنهَا متناقلين مَا رَوَاهُ ابْن فَرِحُونَ فِي الديباج ص 660 عَن الرحالة ابْن رشيد السبتي صَاحب ملْء العيبة أَن بعض
تلاميذ الْمُؤلف ذكر لَهُ أَن سَبَب شهرته بالقرافي أَنه لما أَرَادَ الْكَاتِب أَن يثبت اسْمه فِي بَيت الدَّرْس كَانَ حِينَئِذٍ غَائِبا فَلم يعرف اسْمه وَكَانَ إِذا جَاءَ للدرس يقبل من جِهَة القرافة فَكتب الْقَرَافِيّ فمرت عَلَيْهِ هَذِه النِّسْبَة وأكد الصَّفَدِي فِي الوافي بالوفيات 6: 233 مَضْمُون هَذِه الرِّوَايَة مضيفا أَن السُّؤَال عَن الْمُؤلف كَانَ عِنْد تَفْرِقَة الجامكية لمدرسة الصاحب بن شكر فَقيل هُوَ بالقرافة فَقَالَ اكتبوه الْقَرَافِيّ فَلَزِمَهُ ذَلِك ويضيف أَصْحَاب كتب التراجم ثَلَاث نسب أُخْرَى للمؤلف هِيَ البهفشيمي والبهنسي والمصري وَقد فسر الصَّفَدِي فِي الوافي بالوفيات 6: 233 النِّسْبَة الأولى قَائِلا إِن أَصله من قَرْيَة من كورة بوش من صَعِيد مصر الْأَسْفَل تعرف ببهفشيم فِي حِين تشكك فِيهَا بَان فَرِحُونَ فِي الديباج ص 66 قَائِلا ولعلها قَبيلَة من قبائل صنهاجة كَمَا تشكك فِي كَون أَصله من بهنسا فِي الصَّعِيد الْمصْرِيّ قَائِلا إِن ذَلِك مِمَّا ذكره بَعضهم تبقى إِذن النِّسْبَة الْأَصْلِيَّة الْمُتَّفق عَلَيْهَا للمؤلف هِيَ الصنهاجي وصنهاجة من أكبر قبائل البربر بجنوب الْمغرب الْأَقْصَى وَهِي أرومة دولة المرابطين مؤسسي مَدِينَة مراكش الَّذين شَمل نفوذهم مُعظم الغرب الإسلامي من أقْصَى بِلَاد الأندلس شمالا إِلَى بِلَاد السودَان جنوبا فِي فَتْرَة تمتد من منتصف الْقرن الْخَامِس الهجري إِلَى منتصف الْقرن السَّادِس 1144 - 1061 / 539 - 453 يُؤَكد
هَذِه النِّسْبَة الصنهاجية للمؤلف اسْم جده الثَّالِث يلين الَّذِي ينْطق بِهِ فِي اللهجة الصنهاجية تَمامًا كَمَا ضَبطه ابْن فَرِحُونَ بياء مثناة من تَحت مَفْتُوحَة وَلَام مُشَدّدَة مَكْسُورَة وياء سَاكِنة مثناة من تَحت وَنون سَاكِنة وَأَصله كَمَا أكده الزميل أَحْمد التَّوْفِيق بِالْهَمْزَةِ إيلين سهلت يَاء كَمَا هُوَ شَأْن الصنهاجيين فِي النُّطْق بِمثل هَذِه الْكَلِمَات وَهُوَ عِنْدهم من جذر إل بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون اللَّام الْمُشَدّدَة المفخمة بِمَعْنى الْبَحْر وَالْخَال والسواد فإيلين أَو يلين بِصِيغَة الصّفة تَعْنِي المسود أَو الأسمر والسمرة شائعة عِنْد الصنهاجيين الَّذين تتاخم مواطنهم فِي جنوب الْمغرب بِلَاد السودَان يتجلى من كل مَا سبق أَن أَحْمد بن إِدْرِيس الصنهاجي مؤلف الذَّخِيرَة مغربي صميم بِدُونِ ريب وَلَا لبس صرح بمغربيته كثير مِمَّن ترجموا لَهُ قَدِيما وحديثا وَجزم بهَا بَعضهم مثل عبد الرؤوف سعد الَّذِي قَالَ فِي تَقْدِيمه لشرح تَنْقِيح الْفُصُول فِي اخْتِصَار الْمَحْصُول فِي الْأُصُول للقرافي وَلَا ريب فِي أَن مؤلفنا رضي الله عنه مغربي مَا فِي ذَلِك شكّ طبعة الْقَاهِرَة 1973 ح وَمِمَّا يُؤَكد استبعاد ولادَة الْمُؤلف فِي بهنسا أَو بهفشيم وَيبين غربته فِي مصر وطروة عَلَيْهَا أَنهم لم يَكُونُوا يعْرفُونَ حَتَّى اسْمه بله مسْقط رَأسه وَهُوَ طَالب نابه يدرس بِإِحْدَى الْمدَارِس الشهيرة فِي الْقَاهِرَة وَيسْتَحق الجامكية. لَا يعرف تَارِيخ ولادَة الْمُؤلف بِاتِّفَاق أَصْحَاب كتب التراجم كَمَا لَا يعرف تَارِيخ انْتِقَاله إِلَى مصر مُنْفَردا أَو مَعَ أَبِيه وَإِن كَانَ الرَّاجِح أَن أَحْمد هُوَ الَّذِي خرج إِلَى مصر بعد أَن بلغ مبلغ الرِّجَال يدل على ذَلِك أَن من بَين شُيُوخه وتلامذته مغاربة وأندلسيين كَمَا سنرى وَالْأَقْرَب إِلَى الْمنطق أَن يتم الِاتِّصَال بهم فِي بَلَده قبل أَن يُهَاجر إِلَى مصر وَأَن وَالِده إِدْرِيس لم يشْتَهر بِعلم وَلَا تِجَارَة تدعوانه إِلَى الالتحاق بِمصْر وَإِن كَانَ هُنَاكَ احْتِمَال الْخُرُوج إِلَى الْحَج أَو طلب الرزق فِي وَقت لم يكن الْمُسلمُونَ يُقِيمُونَ وزنا للحدود السياسية الوهمية ويعتبرون أَرض الْإِسْلَام وَاحِدَة سَوَاء فِي الْمغرب أَو الْمشرق
وعَلى افتراض أَن المُهَاجر هُوَ أَحْمد فإننا نقدر أَن يكون خُرُوجه من الْمغرب خلال العقد الْخَامِس من الْقرن السَّابِع فِي فَتْرَة الِاضْطِرَاب الَّتِي عرفتها نِهَايَة دولة الْمُوَحِّدين وَقبل أَن تتمكن قدم المرينيين مَعَ يَعْقُوب بن عبد الْحق سنة 1258 / 656 وَإِذا قَدرنَا أَنه كَانَ آنذاك فِي الثَّلَاثِينَ من عمره فَتكون وِلَادَته حوالي عَام 1223 / 626 كَمَا استنتج ذَلِك إِسْمَاعِيل الْبَغْدَادِيّ فِي إِيضَاح الْمكنون أَخذ أَحْمد الْقَرَافِيّ عَن شُيُوخ كثرين أشهرهم خَمْسَة مُحَمَّد بن عمرَان الْمَعْرُوف بالشريف الكركي الملقب بشرف الدّين وَهُوَ مغربي ولد بفاس وتفقه فِيهَا على يَد أبي مُحَمَّد صَالح الهسكوري صَاحب التَّقْيِيد الشهير على الرسَالَة الْمُتَوفَّى بفاس سنة 653 قَالَ عَنهُ تِلْمِيذه الْقَرَافِيّ إِنَّه تفرد بِمَعْرِِفَة ثَلَاثِينَ علما وَحده وشارك النَّاس فِي علومهم وَقد هَاجر الشريف الكركي أَيْضا إِلَى مصر وَلَعَلَّ ذَلِك تمّ فِي نفس فَتْرَة الِاضْطِرَاب بَين الدولتين الموحدية والمرينية الَّتِي أَشَرنَا إِلَيْهَا آنِفا وشارك تِلْمِيذه الْقَرَافِيّ فِي الْأَخْذ عَن سُلْطَان الْعلمَاء الْعِزّ بن عبد السَّلَام فَكثر الآخذون عَن الكركي وانتشر علمه هُنَاكَ حَتَّى عد شيخ الْمَالِكِيَّة وَالشَّافِعِيَّة بِمصْر وَالشَّام وَتُوفِّي بِمصْر سنة 1298 / 698 وَأخذ الْقَرَافِيّ كَذَلِك عَن أبي بكر مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْوَاحِد بن عَليّ الإدريسي وَهُوَ مغربي أَيْضا هَاجر إِلَى الْمشرق وَعرف فِيهِ بِابْن أبي سرُور الْمَقْدِسِي الْحَنْبَلِيّ ولقب بشمس الدّين يَقُولُونَ إِنَّه ولد وتفقه بِدِمَشْق وَأقَام مُدَّة بِبَغْدَاد قبل أَن ينْتَقل إِلَى مصر حَيْثُ تصدر للتدريس وَكَانَ أول من ولي منصب قَاضِي قُضَاة الْحَنَابِلَة بالديار المصرية وَبَقِي بهَا إِلَى أَن مَاتَ عَام 1277 / 676 وَدفن بالقرافة لم يذكر أَصْحَاب كتب التراجم من صلَة الْقَرَافِيّ بِهِ سوى أَنه سمع عَلَيْهِ مُصَنفه المعنون بوصول ثَوَاب الْقُرْآن مَعَ أَن لأبي بكر الإدريسي مؤلفات أُخْرَى ككتاب الجدل وعيون الْأَخْبَار وأصول الْقِرَاءَة وتتلمذ الْقَرَافِيّ أَيْضا لأبي عَمْرو عُثْمَان ابْن الْحَاجِب الشَّامي ثمَّ الْمصْرِيّ
مؤلف المختصرات الشهيرة فِي أصُول الْفِقْه وفروعه الْمَالِكِيَّة والكافية والشافية فِي النَّحْو وَالصرْف وَغَيرهَا من كتب الْقرَاءَات والبلاغة وَرُبمَا لم تطل مُدَّة أَخذ الْقَرَافِيّ عَن ابْن الْحَاجِب الَّذِي توفّي سنة 1248 / 646 كَمَا أَخذ الْقَرَافِيّ المعقولات عَن إمامها شمس الدّين عبد الحميد بن عِيسَى الخسر وشاهي تلميذ الإِمَام الرَّازِيّ وشارح كتبه وَلَا يعرف إِن كَانَ الْأَخْذ عَنهُ تمّ فِي الشَّام أَو مصر لِأَن الْمَعْرُوف فِي كتب التراجم أَن الخسر وشاهي انْتقل من مسْقط رَأسه بِفَارِس إِلَى الشَّام ثمَّ الكرك وَرجع أخيرا إِلَى دمشق حَيْثُ توفّي عَام 1254 / 652 على أَن أعظم شُيُوخ الْقَرَافِيّ بالمشرق هُوَ سُلْطَان الْعلمَاء عز الدّين بن عبد السَّلَام الشَّامي الأَصْل قَاضِي مصر وخطيب جَامع عَمْرو بن الْعَاصِ ومدرس الصالحية مؤلف قَوَاعِد الْأَحْكَام فِي مصَالح الْأَنَام ومجاز الْقُرْآن وَغَيرهمَا لَازمه الْقَرَافِيّ طَويلا فِي مجالسة العلمية المتنوعة حَتَّى الْفِقْهِيَّة وَلَو أَن الْعِزّ كَانَ شافعيا إِلَى أَن مَاتَ عَام 1261 / 660 وَيظْهر أثر ذَلِك جليا فِي الذَّخِيرَة حِين يفصل الْقَرَافِيّ القَوْل فِي فروع الشَّافِعِيَّة أَكثر من الْمذَاهب الْأُخْرَى عِنْدَمَا يقارنها بآراء فُقَهَاء الْمَالِكِيَّة لَكِن رغم إعجاب الْقَرَافِيّ بشيخه عز الدّين ابْن عبد السَّلَام فَإِنَّهُ لَا يتَرَدَّد فِي انتقاده وَالرَّدّ على مذْهبه مَتى عنت لَهُ الْحَقِيقَة وبدا وَجه الصَّوَاب شَأْنه فِي ذَلِك مَعَ الشَّيْخَيْنِ خسر وشاهمي والرزاي فِي مناقشة آرائهما ومخالفتها أَحْيَانًا فِي شرح الْمَحْصُول وَهُنَاكَ عَالم آخر تصنفه كتب التراجم من بَين شُيُوخ الْقَرَافِيّ وَأَظنهُ تِلْمِيذه هُوَ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم البقوري بباء مُوَحدَة نِسْبَة إِلَى بقور بلد بالأندلس عَاشَ فِي بلاط المرينين بفاس وزار مصر والحجاز حِين أرْسلهُ أَبُو يَعْقُوب يُوسُف المريني 685 - 1286 / 706 - 1306 إِلَى الْمشرق وَمَعَهُ مصحف قُرْآن حمل بغل ليوقف بِمَكَّة وَكَانَت وَفَاة البقوري بمراكش عَام 1307 / 707 وقبره بهَا مزارة مَقْصُودَة وَمن بَين مؤلفاته حَاشِيَة على كتاب الْقَرَافِيّ فِي
الْأُصُول وَذَلِكَ مِمَّا نستدل بِهِ على أَنه تلميذ لَهُ لَا شيخ وَمن تلاميذ الْقَرَافِيّ المغاربة الَّذين عنوا بكتبه وشرحوها ونشروها أَحْمد بن عبد الرحمان التادلي الفاسي الْمُتَوفَّى عَام 1340 / 741 شَارِح التَّنْقِيح وقاسم ابْن الشَّاط الْأنْصَارِيّ السبتي الْمُتَوفَّى عَام 1323 / 723 صَاحب أنوار البروق فِي تعقب الفروق وَقد حظي هَذَا الْكتاب الْأَخير لَدَى الْفُقَهَاء عُمُوما والمغاربة مِنْهُم بِصفة خَاصَّة حَتَّى اشتهرت فِيهِ قولتهم عَلَيْك بفروق الْقَرَافِيّ وَلَا تقبل مِنْهَا إِلَّا مَا سلمه ابْن الشَّاط وَمُحَمّد بن عبد الله بن رَاشد الْبكْرِيّ القفصي الْمُؤلف المكثر المتوفي بتونس عَام 1335 / 736 الَّذِي أجَازه الْقَرَافِيّ بِالْإِمَامَةِ فِي أصُول الْفِقْه ونشير إِلَى أَن مُحَمَّد بن رشيد السبتي صَاحب ملْء العيبة قصد بدوره أَحْمد الْقَرَافِيّ للأخذ عَنهُ فِي مصر لكنه لم يتَمَكَّن من ذَلِك فَكتب فِي رحلته أسفا دخلت مصر عقب وَفَاته بِثمَانِيَة أَيَّام ففات لقاؤه فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون
…
وَكَانَت وَفَاته يَوْم الْأَحَد متم جُمَادَى الْأَخِيرَة عَام أَرْبَعَة وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَدفن يَوْم الِاثْنَيْنِ غرَّة رَجَب فَلَقِيت أَصْحَابه وَقد فرق جمعهم يحدد هَذَا النَّص علاوة على مَا يفهم مِنْهُ من كَثْرَة تلامذة الْقَرَافِيّ المشارقة وتعلقهم بِهِ تَارِيخ وَفَاته وَدَفنه بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ من الدقة فَلَا يلْتَفت إِلَى مَا يُخَالِفهُ فِي بعض كتب التراجم كَانَ الْقَرَافِيّ كَمَا يَقُول تلميذ تلاميذه الصّلاح الصَّفَدِي حسن الشكل والسمت درس بِجَامِع مصر وبمدرسة طيبرس وبمدرسة الصالحية بعد وَفَاة شرف الدّين السُّبْكِيّ إِلَى أَن مَاتَ وَهُوَ مدرسها وَألف عشرات الْكتب فِي مُخْتَلف فروع الْمعرفَة تشهد بمشاركته الواسعة فِي الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية فَكتب فِي أصُول الدّين وأصول الْفِقْه وفروع الْمَذْهَب الْمَالِكِي وَالْفِقْه الْمُقَارن والفتاوى وَالْأَحْكَام والتوقيت وَالتَّعْدِيل
والحساب والجبر والهندسة والفرائض والديانات وقواعد اللُّغَة وَإِلَى جَانب هَذِه الْعُلُوم النظرية كَانَ الْقَرَافِيّ صناع الْيَد يحسن عمل التماثيل المتحركة فِي الْآلَات الفلكية وَغَيرهَا نقل عَن كِتَابه شرح الْمَحْصُول كَمَا جَاءَ فِي كتاب التَّصْوِير عِنْد الْعَرَب ص 79 قَوْله بَلغنِي أَن الْملك الْكَامِل من سلاطين الدولة الأيوبية بِمصْر 576 - 635 هـ وضع لَهُ شمعدان كلما مضى من اللَّيْل سَاعَة انْفَتح بَاب مِنْهُ وَخرج مِنْهُ شخص يقف فِي خدمَة الْملك فَإِذا انْقَضتْ عشر سَاعَات طلع الشَّخْص على أَعلَى الشمعدان وَقَالَ صبح الله السُّلْطَان بالسعادة فَيعلم أَن الْفجْر قد طلع قَالَ وعملت أَنا هَذَا الشمعدان وزدت فِيهِ أَن الشمعة يتَغَيَّر لَوْنهَا فِي كل سَاعَة وَفِيه أَسد تَتَغَيَّر عَيناهُ من السوَاد الشَّديد إِلَى الْبيَاض الشَّديد إِلَى الْحمرَة الشَّدِيدَة فِي كل سَاعَة لَهَا لون فَإِذا طلع الْفجْر طلع شخص على أَعلَى الشمعدان وأصبعه فِي أُذُنه يُشِير إِلَى الْأَذَان غير أَنِّي عجزت عَن صَنْعَة الْكَلَام توفّي أَحْمد الْقَرَافِيّ بدير الطين من الْقَاهِرَة يَوْم الْأَحَد متم جُمَادَى الْأَخِيرَة عَام 2 / 684 شتنبر 1285 وَدفن يَوْم الِاثْنَيْنِ فاتح رَجَب بالقرافة الْقَرِيبَة من قبر الإِمَام الشَّافِعِي
(مخطوطات الذَّخِيرَة)
تَنْتَشِر مخطوطات الذَّخِيرَة فِي عدد من مكتبات الْمغرب والمشرق وتختلف تجزئاتها الَّتِي وقفنا عَلَيْهَا من سِتَّة إِلَى عشْرين جُزْءا وأكثرها تداولا الثَّمَانِية لَيْسَ فِيهَا مَا كتب فِي حَيَاة الْمُؤلف وأقدمها وأجودها مَا فِي خَزَائِن الْمغرب الْقرَوِيين بفاس وَابْن يُوسُف بمراكش والخزانة الحسنية والخزانة الْعَامَّة بالرباط. فَفِي الْقرَوِيين ثَلَاثَة أَجزَاء فهرست تجاوزا بالخامس وَالسَّادِس وَالثَّامِن
بَيْنَمَا الْخَامِس مختلط معظمه مُكَرر مَعَ الثَّامِن يَبْتَدِئ بِكِتَاب الْجِنَايَات وَيَنْتَهِي بِتمَام الْجَامِع وَبَاقِيه مُكَرر من نُسْخَة أُخْرَى مَعَ السَّادِس بِكِتَاب الْوَصَايَا وَهُوَ بِخَط عبد الْملك بن مُحَمَّد بن عبد الْملك الْحَضْرَمِيّ كتب فِي الْعشْر الآخر لربيع الأول من عَام سَبْعَة وَعشْرين وَسَبْعمائة أَي بعد وَفَاة الْقَرَافِيّ بِخمْس وَأَرْبَعين سنة وَالسَّادِس من نُسْخَة أُخْرَى متلاشية يَبْتَدِئ بِبَقِيَّة كتاب الْوَقْف ثمَّ كتاب الْوَصَايَا وَالثَّامِن أهم الْأَسْفَار الثَّلَاثَة ضخامة مَادَّة وجمال خطّ يَبْتَدِئ بِكِتَاب أُمَّهَات الْأَوْلَاد فالجنايات فموجبات الضَّمَان فالفرائض والمواريث فالجامع حَتَّى نِهَايَة الْكتاب وينقصه فِي الْأَخير صفحة أَو صفحتان وَفِي خزانَة ابْن يُوسُف سِتَّة أسفار من الذَّخِيرَة مُخْتَلفَة التجزئات والخطوط والجودة والصيانة معظمها من الْعَصْر السَّعْدِيّ انتسخت لملوكهم أَو أوقفوها على طلبة الْعلم بخزائن جَوَامِع الْمَدِينَة وَقد فهرس كل جُزْء حسب تجزئة نسخته وَأعْطِي الرقم الْمُنَاسب لَهَا فِي الفهرس فالجزء الرَّابِع فِي فهرس الخزانة مثلا يَبْتَدِئ من حَيْثُ يقف الْجُزْء الأول وَلَا شكّ أَنه الرَّابِع فِي نُسْخَة مجزأَة إِلَى اثْنَي عشر جُزْءا بَيْنَمَا الأول من نُسْخَة سداسية لذَلِك رتبنا الْأَجْزَاء حسب تسلسل موادها وَنَبَّهنَا مَعَ ذَلِك على أرقامها فِي الخزانة ليسهل الرُّجُوع إِلَيْهَا الْجُزْء الأول تَامّ صين فِي الْجُمْلَة بِخَط أندلسي دَقِيق جميل يَنْتَهِي بِتمَام صَلَاة الْخَوْف الَّذِي يَلِيهِ كتاب الْجَنَائِز وَقد تمّ نسخه فِي التَّاسِع عشر من شهر ذِي الْحجَّة عَام تِسْعَة وَعشْرين وَسَبْعمائة أَي بعد سنتَيْن من تَارِيخ نسخ مخطوطة الْقرَوِيين العتيقة ويبتدئ الْجُزْء الثَّانِي الرَّابِع فِي فهرس الخزانة بِكِتَاب الْجَنَائِز وَيَنْتَهِي بِتمَام كتاب الصَّيْد وَهُوَ أَيْضا تَامّ صين فِي الْجُمْلَة بِخَط مغربي وَاضح انتسخ فِي منتصف رَمَضَان عَام اثْنَيْنِ وَخمسين وَتِسْعمِائَة بِمَدِينَة تيوت بالسوس الْأَقْصَى وَكَانَت فِي ذَلِك التَّارِيخ مَدِينَة مهمة بضواحي الْحَاضِرَة الأولى للدولة السعدية مَدِينَة المحمدية الْمُسَمَّاة الْيَوْم تارودانت وَكتب النَّاسِخ اسْمه مُبْهما بهيئة
طغراء الْعُدُول والجزء الثَّالِث الْخَامِس فِي فهرس الخزانة صين يَبْتَدِئ بِكِتَاب النِّكَاح مُشْتَمِلًا على الْأَبْوَاب الثَّلَاثَة الأولى مِنْهُ فِي أقطاب العقد وَيَنْتَهِي مبتورا أثْنَاء الْبَاب الرَّابِع فِي القطب الرَّابِع الَّذِي هُوَ العقد نَفسه وَقد ضَاعَ مِنْهُ بَقِيَّة كتاب النِّكَاح وَكتاب الطَّلَاق كُله وَالْقسم الأول من كتاب الْبيُوع وَلم نعثر على ذَلِك للأسف فِي أَيَّة نُسْخَة أُخْرَى وَلم يبْق فِي هَذَا الْجُزْء سوى اثْنَتَيْنِ وَخمسين ورقة وَهُوَ من تحبيس السُّلْطَان مُحَمَّد الْمهْدي الشَّيْخ على جَامع القصبة بمراكش بتاريخ أَوَاخِر ذِي الْعقْدَة عَام ثَلَاثَة وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة والجزء الرَّابِع الثَّالِث فِي فهرس الخزانة أطول حجما من بَاقِي الْأَجْزَاء وأكثرها مَادَّة من نُسْخَة ملوكية حَبسه أَولا السُّلْطَان السَّعْدِيّ عبد الله الْغَالِب على خزانَة الْجَامِع الْجَدِيد المواسين بمراكش بتاريخ أَوَاخِر صفر عَام ثَمَانِيَة وَسبعين وَتِسْعمِائَة ثمَّ حَبسه السُّلْطَان الْعلوِي مُحَمَّد بن عبد الله على طلبة الْعلم بمراكش عَام 1195 وَهُوَ بِخَط مغربي مجوهر إِلَّا أَنه غلف للصيانة بالبلاستيك الشفاف فطمست بعض سطوره يَبْتَدِئ بالقسم الثَّانِي من كتاب الْبيُوع تليه الْأَقْسَام الْخَمْسَة الْأُخْرَى فَكتب الصُّلْح وَالْإِجَارَة والجعالة والقراض وَالْمُسَاقَاة والمزارعة والمغارسة وإحياء الْموَات وَالْهِبَة وَالصَّدَََقَة وَالْعدة وَالْوَقْف والوصايا وَالْقِسْمَة وَيَنْتَهِي مبتورا أثْنَاء كتاب الشُّفْعَة وَهنا يفتقد فِي مخطوطات خزانَة ابْن يُوسُف أَبْوَاب عديدة من كتاب الْوكَالَة إِلَى كتاب الشَّهَادَات والجزء الْخَامِس السَّابِع فِي فهرس الخزانة صين فِي الْجُمْلَة بِخَط مغربي دَقِيق مليح يدمج أَحْيَانًا فتتعذر قِرَاءَة بعض كَلِمَاته يَبْتَدِئ مبتور الورقة الأولى من كتاب الوثائق تليه كتب الدَّعَاوَى وَالْإِيمَان وَالْعِتْق وَالتَّدْبِير وَالْكِتَابَة وَأُمَّهَات الْأَوْلَاد والجنايات إِلَى تَمام الْحِرَابَة وَهُوَ بِخَط مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْعَزِيز أتم نسخه فِي ربيع الثَّانِي عَام 943
أما السّفر الْأَخير من مخطوطات ابْن يُوسُف الَّذِي كتب عَلَيْهِ الْجُزْء الثَّامِن فِي الفهرس فيشتمل فِي الْوَاقِع على الجزئين السَّابِع وَالثَّامِن من نُسْخَة ثَمَانِيَة كتبت جزءين جزءين فِي أَرْبَعَة أسفار وَقد غلفت أَيْضا صفحات هَذَا السّفر للصيانة بالبلاستيك الشفاف فطمس كثيرا من الْكَلِمَات الَّتِي أَصبَحت قرَاءَتهَا متعذرة يَبْتَدِئ السَّابِع مبتورا بالْكلَام على التَّدْبِير وَالْكِتَابَة وَأُمَّهَات الْأَوْلَاد فِي تسع وَخمسين صفحة فَقَط بَيْنَمَا ضَاعَ معظمه ويشتمل الثَّامِن على كتاب الْجِنَايَات وَكتاب الْفَرَائِض والمواريث وَكتاب الْجَامِع إِلَى نِهَايَة الْكتاب مَعَ بتر صفحات فِي الْأَخير كتبه بِخَط مغربي دَقِيق مدموج مَسْعُود بن يعزا بن إِبْرَاهِيم الولصاني البعقيلي للسُّلْطَان مُحَمَّد الْمهْدي الشَّيْخ وَأتم نسخ الْجُزْء السَّابِع يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع وَعشْرين رَمَضَان عَام اثْنَيْنِ وَخمسين وَتِسْعمِائَة وَفِي الخزانة الْعَامَّة بالرباط سفر من الذَّخِيرَة يَبْتَدِئ بِكِتَاب الْحجر بعده كتب الْغَصْب والاستحقاق واللقطة واللقيط والوديعة والحمالة وَالْحوالَة وَالْإِقْرَار والأقضية والشهادات وَهُوَ من نفس النُّسْخَة الملوكية السَّابِقَة الذّكر الَّتِي كتبهَا مَسْعُود بن يعزا بن إِبْرَاهِيم الولصاني البعقيلي للسُّلْطَان مُحَمَّد الشَّيْخ انْتهى من نسخ هَذَا السّفر ضحوة يَوْم الْأَرْبَعَاء الرَّابِع وَالْعِشْرين من جُمَادَى الثَّانِيَة عَام اثْنَيْنِ وَخمسين وَتِسْعمِائَة ماية لذَلِك نظن أَن هَذَا السّفر يضم الجزءين الْخَامِس وَالسَّادِس من هَذِه النُّسْخَة الثَّمَانِية وَيكون قد سقط من الْجُزْء السَّابِع كتب الوثائق والدعاوى وَالْإِيمَان وَالْعِتْق سفر الخزانة الْعَامَّة صين فِي الْجُمْلَة إِلَّا أَنه وَقع تجليده حَدِيثا فَقص السطر الْأَعْلَى أَو الْأَسْفَل من بعض صفحاته وَفِي الخزانة الحسنية بالرباط الْجُزْء الأول من الذَّخِيرَة متلاش جدا بِفعل الأرضة وَقد كتب بِخَط مشرقي وَاضح يَنْتَهِي بِتمَام كتاب الصَّلَاة فرغ من نسخه مُحَمَّد بن عَليّ الْمَالِكِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشر ذِي الْقعدَة عَام سِتِّينَ وَثَمَانمِائَة أما مخطوطات الذَّخِيرَة الْخمس بدار الْكتب المصرية ومخطوط مكتبة
طرابلس بليبيا فقد حصلنا على مصورات مِنْهَا استعملناها على مَا بهَا من تَصْحِيف وبياضات عِنْد الْمُقَابلَة كَمَا سنرى
(عَملنَا فِي التَّحْقِيق)
بعد تلفيق كل المخطوطات الْمشَار إِلَيْهَا سَابِقًا بَقِي نَاقِصا من كتاب الذَّخِيرَة الْقسم الْأَخير من كتاب النِّكَاح وَكتاب الطَّلَاق كُله وَصدر كتاب الْبيُوع ونتف من أَبْوَاب أُخْرَى نأمل العثور عَلَيْهَا اسْتِقْبَالًا فِي خروم خزانَة الْقرَوِيين وَغَيرهَا لإثباتها فِي طبعة ثَانِيَة وَإِذا كَانَت كثير من أَبْوَاب كتاب الذَّخِيرَة قد قوبلت بِمَا أمكن الْحُصُول عَلَيْهِ من المخطوطات المكررة الَّتِي يكمل بَعْضهَا بَعْضًا فَإِن هُنَاكَ أبوابا أُخْرَى غير قَليلَة لم يتأت مقابلتها لوجودها فِي مخطوطة فريدة أَو لم يُمكن تَحْقِيق كَلِمَات أَو سطور مطموسة فِيهَا بِسَبَب الرُّطُوبَة أَو الأرضة أَو القص بل هُنَاكَ صفحات اسودت وتعذرت قرَاءَتهَا وَعَسَى أَن يُمكن تدارك ذَلِك فِي طبعة مقبلة وَقد رَجعْنَا عِنْد الْمُقَابلَة إِلَى الْمُقدمَة الثَّانِيَة للذخيرة فِي الْأُصُول الَّتِي نشرها سنة 1973 طه عبد الرؤوف سعد ضمن شرح تَنْقِيح الْفُصُول وَإِلَى الْجُزْء الأول الَّذِي طبعته كُلية الشَّرِيعَة بالأزهر عَام 1961 / 1381 بإشراف الشَّيْخَيْنِ عبد الْوَهَّاب عبد اللَّطِيف وَعبد السَّمِيع أَحْمد إِمَام ثمَّ أعادت طبعه وزارة الْأَوْقَاف والشؤون الإسلامية بمطبعة الموسوعة الْفِقْهِيَّة عَام 1982 / 1402 فألفيناه رغم جهود الشَّيْخَيْنِ واجتهاداتهما مليئا بالتصحيف والبتر والعذر لَهما أَنَّهُمَا لم يطلعا فِي إعداده إِلَّا على مخطوطة دَار الْكتب المصرية وَهِي كَثِيرَة الْقلب والحذف والبياضات والتزمنا فِي الهوامش بِذكر السُّور وأرقام الْآيَات القرآنية وَتَخْرِيج الْأَحَادِيث الَّتِي لم يذكر الْقَرَافِيّ مصادرها ورمزنا عِنْد الْمُقَابلَة إِلَى مخطوطات الْقرَوِيين ب ق 5 وق 8 ومخطوطة الخزانة الْعَامَّة بالرباط ب خَ ومخطوطات خزانَة ابْن يُوسُف ب ي ومخطوطات دَار الْكتب المصرية ب د ومخطوطة ليبيا ب ل وَإِلَى الْمُقدمَة المطبوعة ب ت
والجزء الأول المطبوع ب ط وَلَا يفوتنا هُنَا أَن نزجي خَالص الشُّكْر لصديقنا الْأُسْتَاذ الْحَاج الحبيب اللمسي صَاحب دَار الغرب الإسلامي على عنايته الفائقة بنشر التراث الْمَالِكِي الْأَصِيل فَبعد معيار الونشريسي وَالْبَيَان والتحصيل والمقدمات الممهدات لِابْنِ رشد هَا هُوَ يخرج إِلَى النُّور موسوعة أُخْرَى فِي الْفِقْه الْمَالِكِي وأصوله طالما ظلت حبيسة رفوف خَزَائِن المخطوطات واستعصت على كل من حاول نشرها من الْمعَاهد والمؤسسات وَعَسَى أَن تسهم ذخيرة الْقَرَافِيّ إِلَى جَانب مَا ينشر من الْأُمَّهَات الْفِقْهِيَّة فِي تنشيط الدراسات الحديثة الواعدة بِرُجُوع الْمُسلمين إِلَى أَحْكَام الله وَرَسُوله فِي عباداتهم ومعاملاتهم وَالله لَا يضيع أجر من أحسن عملا سلا فِي 10 ربيع الأول عَام 1411 / فاتح شتنبر 1990 مُحَمَّد الحجي
صفحه أولى من مخطوط الْجُزْء الأول من الذَّخِيرَة فِي خزانَة ابْن يُوسُف بمراكش ثمَّ نُسْخَة فِي 29 ذِي حجَّة عَام 729
اللوحة الْأَخِيرَة من الْجُزْء الأول من كتاب الذَّخِيرَة مخطوط خزانَة ابْن يُوسُف بمراكش كتب عَام 729
صفحة أخيرة من مخطوط السّفر السَّابِع من الذَّخِيرَة فِي خزانَة ابْن يُوسُف بمراكش ثمَّ نُسْخَة فِي ربيع الثَّانِي عَام 943
صفحة أولى من مخطوط جُزْء الْبيُوع من الذَّخِيرَة فِي دَار الْكتب المصرية
اللوحة الأولى من الْجُزْء الأول من كتاب الذَّخِيرَة مخطوط عَتيق متلاش بالخزانة الحسنية بالرباط
اللوحة الْأَخِيرَة من الْجُزْء الأول من كتاب الذَّخِيرَة مخطوط الخزانة الحسنية بالرباط كتب عَام 860
اللوحة الْأَخِيرَة من الْجُزْء الثَّانِي من كتاب الذَّخِيرَة الرَّابِع مخطوط خزانَة ابْن يُوسُف بمراكش كتب عَام 952
اللوحة الأولى من الْجُزْء الثَّالِث من كتاب الذَّخِيرَة الْخَامِس مخطوط وقفي مبتور فِي خزانَة ابْن يُوسُف بمراكش
اللوحة الْأَخِيرَة من الْجُزْء الْخَامِس من كتاب الذَّخِيرَة مخطوط خزانَة الْقرَوِيين بفاس كتب عَام 727 أقدم مخطوط للذخيرة وقفنا عَلَيْهِ
اللوحة الْأَخِيرَة من الْجُزْء السَّادِس من كتاب الذَّخِيرَة مخطوط الخزانة الْعَامَّة بالرباط انتسخ للسُّلْطَان مُحَمَّد الْمهْدي الشَّيْخ عَام 952
اللوحة الْأَخِيرَة من السّفر السَّابِع من كتاب الذَّخِيرَة مخطوط خزانَة ابْن يُوسُف بمراكش انتسخ للسُّلْطَان مُحَمَّد الْمهْدي الشَّيْخ عَام 952
اللوحة الْأَخِيرَة من الْجُزْء الثَّامِن من كتاب الذَّخِيرَة مخطوط الْقرَوِيين بفاس تنقصه صفحة أَو صفحتان بعد هَذِه اللوحة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَى سيدنَا ومولانا مُحَمَّد النَّبِي الْمُصْطَفى الْكَرِيم
يَقُولُ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إِلَى رَحْمَةِ رَبِّهِ أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ الْمَالِكِيُّ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي تَجَلَّى لِخَلْقِهِ فِي عَجَائِبِ مُبْتَدَعَاتِ صَنْعَتِهِ وَاحْتَجَبَ عَنْهُمْ بِسُرَادِقَاتِ كَمَالَاتِ هُوِيَّتِهِ وَتَفَرَّدَ بِوُجُوبِ الْوُجُودِ فَهُوَ الْأَبَدِيُّ فِي قَيُّومِيَّتِهِ وَتَوَحَّدَ بِالْإِيجَادِ فَكُلُّ الْأَكْوَانِ خَاضِعَةٌ لِجَلَالِ هَيْبَتِهِ وَتَنَزَّهَ عَنِ الشَّبِيهِ وَالشَّرِيكِ فَهُوَ الْوَاحِد الْأَحَد فِي إلاهيته اسْتَخْلَصَ الْعُلَمَاءَ بِمَوَاهِبِ عِنَايَتِهِ فَأَطْلَعَ شُمُوسَ الْعُلُومِ فِي آفَاقِ سَرَائِرِهِمْ فَأَشْرَقَتْ عَرَصَاتُ الْأَرْوَاحِ بِآثَارِ رَحْمَتِهِ وَأَيْنَعَتْ رِيَاضُ الْأَشْبَاحِ بِثَمَرَاتِ الْمَعَارِفِ فَأَضْحَتْ حَالِيَةً بِجَمِيلِ طَاعَتِهِ فَهُمُ السَّامِعُونَ لِتَفَاصِيلِ مُنَاجَاتِهِ وَالْحَامِلُونَ لِأَعْبَاءِ رِسَالَاتِهِ وَالْعَامِلُونَ بِمَحَاسِنِ مَشْرُوعَاتِهِ فَأُولَئِكَ مِشْكَاةُ أَنْوَارِهِ وَمَعْدِنُ أَسْرَارِهِ وَالْهَائِمُونَ بِجَمَالِ صِفَاتِهِ وَالْهَانِئُونَ بِجَلَالِ عَظَمَةِ ذَاتِهِ وَالْفَانُونَ عَنِ الْأَكْوَانِ بِمُلَاحَظَاتِ بَهَاءِ وَارِدَاتِهِ فَهُمْ خَيْرُ بَرِّيَّتِهِ مِنْ سَائِر مَخْلُوقَاتِهِ وَنَحْنُ الضَّارِعُونَ بِضَعْفِنَا لِجَلَالِهِ وَالْمُبْتَهِلُونَ بِنَقْصِنَا لِكَمَالِهِ أَنْ يَفِيضَ عَلَيْنَا كَمَا أَفَاضَ عَلَيْهِمْ مِنْ نِعْمَتِهِ وَأَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ وَالتَّسْلِيمَاتِ عَلَى أَفْضَلِ الصَّادِرِينَ عَنْ قُدْرَتِهِ مُحَمَّدٍ الْمَبْعُوثِ بِأَفْضَلِ الرَّسَائِلِ وَأَقْرَبِ الْوَسَائِلِ إِلَى دَارِ كَرَامَتِهِ الْجَامِعِ بَيْنَ ذِرْوَةِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَخُلَاصَةِ شَرَفِ الْأَعْرَاقِ فِي حَوْزَتِهِ الْمَخْصُوصِ بِسِيَادَةِ الدُّنْيَا
لعُمُوم رسَالَته واستيلاء ملك
…
ثَنَاء
…
وانفاد
…
. . وَارْتِفَاعِ عُلُوِّ مَنْزِلَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَعِتْرَتِهِ أُسَاةِ الْمَضَايِقِ وَهُدَاةِ الْخَلَائِقِ إِلَى أَفْضَلِ الطَّرَائِقِ مِنْ سِيرَتِهِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْفِقْهَ عِمَادُ الْحَقِّ وَنِظَامُ الْخَلْقِ وَوَسِيلَةُ السَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ وَلُبَابُ الرِّسَالَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ مَنْ تَحَلَّى بِلِبَاسِهِ فَقَدْ سَادَ وَمَنْ بَالَغَ فِي ضَبْطِ مَعَالِمِهِ فَقَدْ شَادَ وَمِنْ أَجَلِّهِ تَحْقِيقًا وَأَقْرَبِهِ إِلَى الْحَقِّ طَرِيقًا مَذْهَبُ إِمَامِ دَارِ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّة واختبارات آرَائِهِ الْمَرْضِيَّةِ لِأُمُورٍ مِنْهَا وُرُودُ الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ فِيهِ وَتَظَاهُرُ الْآثَارِ بِشَرَفِ مَعَالِيهِ وَاخْتِصَاصُهُ بِمَهْبِطِ الرِّسَالَةِ وَامْتِيَازُهُ بِضَبْطِ أَقْضِيَةِ الصَّحَابَةِ حَتَّى يَقُولَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ رحمه الله وَأَمَّا مَالِكٌ رحمه الله فِي أَقْضِيَةِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فَلَا يشق غباره وَيَقُول الشَّافِعِي رحمه الله إِذَا ذُكِرَ الْحَدِيثُ فَمَالِكٌ النَّجْمُ وَيَقُولُ أَيْضًا لِأَبِي يُوسُفَ أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَصَاحِبُنَا يَعْنِي مَالِكًا أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ أَمْ صَاحِبُكُمْ؟ يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ صَاحِبُكُمْ فَقَالَ أَصَاحِبُنَا أَعْلَمُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - أَمْ صَاحِبُكُمْ؟ فَقَالَ صَاحِبُكُمْ فَقَالَ أَصَاحِبُنَا أَعْلَمُ بِأَقْضِيَةِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَمْ صَاحِبُكُمْ؟ فَقَالَ صَاحِبُكُمْ فَقَالَ فَإِذَنْ لَمْ يَبْقَ لِصَاحِبِكُمْ إِلَّا الْقِيَاسُ وَهُوَ فَرْعُ النُّصُوصِ وَمَنْ كَانَ أَعْلَمَ بِالْأَصْلِ كَانَ أَعْلَمَ بِالْفَرْعِ وَمِنْهَا طُولُ عُمُرِهِ فِي الْإِقْرَاءِ وَالْإِفْتَاءِ سِنِينَ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمَا يَنْبُوعُ الِاطِّلَاعِ وَمِنْهَا أَنَّهُ أَمْلَى فِي مَذْهَبِهِ نَحْوًا مِنْ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ مُجَلَّدًا فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يَكَادُ يَقَعُ فَرْعٌ إِلَّا وَيُوجَدُ لَهُ فِيهِ فُتْيَا بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَا يَكَادُ يَجِدُ لَهُ
أَصْحَابُهُ إِلَّا الْقَلِيلَ مِنَ الْمُجَلَّدَاتِ كَالْأُمِّ لِلشَّافِعِيِّ وَفَتَاوَى مُفَرَّقَةٍ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ فِي كُتُبِ أَصْحَابِهِمْ ثُمَّ خَرَّجَ أَصْحَابُهُمْ بَقِيَّةَ مَذَاهِبِهِمْ عَلَى مُنَاسَبَاتِ أَقْوَالِ أَئِمَّتِهِمْ وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّخْرِيجَ قَدْ يُوَافِقُ إِرَادَةَ صَاحِبِ الْأَصْلِ وَقَدْ يُخَالِفُهَا حَتَّى لَوْ عُرِضَ عَلَيْهِ الْمُخَرَّجُ عَلَى أَصْلِهِ لَأَنْكَرَهُ وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ وَلَا خَفَاءَ أَنَّ مَنْ قَلَّدَ مَذْهَبًا فَقَدْ جَعَلَ إِمَامَهُ وَاسِطَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَسُكُونُ النُّفُوسِ إِلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الْقُدْوَةِ أَكْثَرُ مِنْ سُكُونِهَا إِلَى أَتْبَاعِهِ بِالضَّرُورَةِ وَمِنْهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَسْعَدَهُ وَسَدَّدَهُ لِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الَّذِينَ يَنْقُلُ أَبْنَاؤُهُمْ عَنْ آبَائِهِمْ وَأَخْلَافُهُمْ عَنْ أَسْلَافِهِمُ الْأَحْكَامَ وَالسُّنَنَ النَّقْلَ الْمُتَوَاتِرَ بِسَبَبِ جَمْعِ الدَّارِ لَهُمْ ولأسلافهم فَيخرج الْمسند عَنْ حَيِّزِ الظَّنِّ وَالتَّخْمِينِ إِلَى حِيزِ الْعِلْمِ وَالْيَقِينِ وَغَيْرُهُ لَمْ يَظْفَرْ بِذَلِكَ وَلِذَلِكَ لَمَّا شَاهَدَ أَبُو يُوسُفَ مُسْتَنَدَ مَالِكٍ فِي الصَّاعِ وَالْأَذَانِ وَالْأَوْقَاتِ وَكَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّاتِ رَجَعَ عَنْ مَذْهَبِ صَاحِبِهِ إِلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَمِنْهَا مَا ظَهَرَ مِنْ مَذْهَبِهِ فِي أَهْلِ الْمَغْرِبِ وَاخْتِصَاصِهِمْ بِهِ وَتَصْمِيمِهِمْ عَلَيْهِ مَعَ شَهَادَتِهِ عليه السلام لَهُمْ بِأَنَّ الْحَقَّ يَكُونُ فِيهِمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ فَتَكُونُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ لَهُمْ شَهَادَةً لَهُ بِأَنَّ مَذْهَبَهُ حَقٌّ لِأَنَّهُ شِعَارُهُمْ وَدِثَارُهُمْ وَلَا طَرِيقَ لَهُمْ سِوَاهُ وَغَيْرُهُ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَلَمَّا وَهَبَنِي اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ أَنْ جَعَلَنِي مِنْ جُمْلَةِ طلبته الْكَاتِبين فِي صَحِيفَتِهِ تَعَيَّنَ عَلَيَّ الْقِيَامُ بِحَقِّهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَاسْتِفْرَاغِ الْجُهْدِ فِي مُكَافَأَةِ الْإِحْسَانِ فَوَجَدْتُ أَخْيَارَ عُلَمَائِنَا رضي الله عنهم قَدْ أَتَوْا فِي كُتُبِهِمْ بِالْحِكَمِ الْفَائِقَةِ
وَالْأَلْفَاظِ الرَّائِقَةِ وَالْمَعَانِي الْبَاهِرَةِ وَالْحُجَجِ الْقَاهِرَةِ غَيْرَ أَنَّهُمْ يَتَّبِعُونَ الْفَتَاوَى فِي مَوَاطِنِهَا حَيْثُ كَانَتْ وَيَتَكَلَّمُونَ عَلَيْهَا أَيْنَ وُجِدَتْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ مَعَاقِدِ التَّرْتِيبِ وَنِظَامِ التَّهْذِيبِ كَشُرَّاحِ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَمِنْهُمْ مَنْ سَلَكَ التَّرْتِيبَ الْبَدِيعَ وَأَجَادَ فِيهِ الصَّنِيعَ كَالْإِمَامِ الْعَلَّامَةِ كَمَالِ الدِّينِ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ الثَّمِينَةِ رحمه الله وَاقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ الْيَسِيرِ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلَى بَعْضِ التَّوْجِيهِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْفِقْهَ وَإِنْ جَلَّ إِذَا كَانَ مفترقا تبددت حكمته وَقلت طلاوته وبعدت عِنْدَ النُّفُوسِ طِلْبَتُهُ وَإِذَا رُتِّبَتِ الْأَحْكَامُ مُخَرَّجَةً عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرْعِ مَبْنِيَّةً عَلَى مَآخِذِهَا نَهَضَتِ الْهِمَمُ حِينَئِذٍ لِاقْتِبَاسِهَا وَأُعْجِبَتْ غَايَةَ الْإِعْجَابِ بِتَقَمُّصِ لِبَاسِهَا وَقَدْ آثَرْتُ أَنْ أَجْمَعَ بَيْنَ الْكُتُبِ الْخَمْسَةِ الَّتِي عَكَفَ عَلَيْهَا الْمَالِكِيُّونَ شَرْقًا وَغَرْبًا حَتَّى لَا يَفُوتَ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ مَطْلَبٌ وَلَا يُعْوِزُهُ أَرَبٌ وَهِيَ الْمُدَوَّنَةُ وَالْجَوَاهِرُ وَالتَّلْقِينُ والجلاب وَالرِّسَالَةُ جَمْعًا مُرَتَّبًا بِحَيْثُ يَسْتَقِرُّ كُلُّ فَرْعٍ فِي مركزه وَلَا يُوجد فِي غَيره حَيِّزِهِ عَلَى قَانُونِ الْمُنَاسَبَةِ فِي تَأْخِيرِ مَا يَتَعَيَّنُ تَأْخِيرُهُ وَتَقْدِيمِ مَا يَتَعَيَّنُ تَقْدِيمُهُ مِنَ الْكُتُبِ وَالْأَبْوَابِ وَالْفُصُولِ مُتَمَيِّزَةَ الْفُرُوع حَتَّى إِذَا رَأَى الْإِنْسَانُ الْفَرْعَ فَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُ طَالَعَهُ وَإِلَّا أَعْرَضَ عَنْهُ فَلَا يُضَيِّعُ الزَّمَانَ فِي غير مَقْصُوده وَأَعْزِي الْفَرْعَ إِلَى الْمُدَوَّنَةِ إِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا أَوْ خَاصًّا بِهَا
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا عَزَيْتُهُ لِكِتَابِهِ لِيَكُونَ الْفَقِيهُ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ نَقْلِهِ لِعِلْمِهِ بِالْكِتَابِ الْمَنْقُولِ مِنْهُ وَمَتَى شَاءَ رَاجَعَهُ وَمَتَّى وَجَدْتُ الْفَرْع أتم فِي كِتَابه نَقَلْتُهُ مِنْهُ وَأَعْرَضْتُ عَنْ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ مَنْقُولًا فِيهِ إِلَّا الْمُدَوَّنَةَ فَإِنِّي أَدْأَبُ فِي اسْتِيعَابِهَا غَيْرَ أَوَّلِ الطَّهَارَةِ فَإِنَّهُ مُسْتَوْعَبٌ مِنْ غَيرهَا فَإِنَّهُ نَزْرٌ وَمَتَّى كَانَتْ فُرُوعٌ مَنْقُولَةٌ عَنْ وَاحِدٍ سَمَّيْتُهُ فِي الْفَرْعِ الْأَوَّلِ وَأَقْتَصِرُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِي قَالَ وَلَا أُسَمِّيهِ طَلَبًا لِلِاخْتِصَارِ وَإِذَا قُلْتُ قَالَ فِي الْكِتَابِ فَهُوَ الْمُدَوَّنَةُ وَأُقَدِّمُ الْمَشْهُورَ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَقْوَالِ لِيَسْتَدِلَّ الْفَقِيه بتقديمه على مشهوريته إِلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ ذَلِكَ لِتَسَاوِي الْأَقْوَالِ أَوْ لوُقُوع الْخلاف بَين الْأَصْحَاب فِي الْمَشْهُورِ اخْتِلَافًا عَلَى السَّوَاءِ وَهَذَا قَلِيلٌ فِي الْمَذْهَبِ يُعْلَمُ بِقَرِينَةِ الْبَحْثِ فِيهِ وَاخْتَرْتُ أَنْ أَقُول قَالَ صَاحب الْبَيَان أَو قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ أَوْ صَاحِبُ النُّكَتِ لِأَجْمَعَ بَيْنَ الْقَائِلِ وَالْكِتَابِ الْمَقُولِ فِيهِ فَإِنَّ صَاحِبَ الْبَيَانِ قَدْ يَنْقُلُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَصَاحِبُ النُّكَتِ قَدْ يَنْقُلُ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ وَمَتَّى قُلْتُ قَالَ الْمَازِرِيُّ فَهُوَ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ تَرَكْتُهُ لِطُولِ الِاسْمِ وَقَدْ آثَرْتُ التَّنْبِيهَ عَلَى مَذَاهِبِ الْمُخَالِفِينَ لَنَا مِنَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ رحمهم الله وَمَآخِذِهِمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَسَائِلِ تَكْمِيلًا لِلْفَائِدَةِ وَمَزِيدًا فِي الِاطِّلَاعِ فَإِنَّ الْحَقَّ
لَيْسَ مَحْصُورًا فِي جِهَةٍ فَيَعْلَمُ الْفَقِيهُ أَيُّ الْمَذْهَبَيْنِ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَأَعْلَقُ بِالسَّبَبِ الْأَقْوَى وَقَدْ جَعَلْتُ الشِّينَ عَلَامَةً لِلشَّافِعِيِّ وَالْحَاءَ عَلَامَةً لِأَبِي حَنِيفَةَ تَقْلِيلًا لِلْحَجْمِ وَالْأَئِمَّةَ عَلَامَةً لِلشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ حَنْبَلٍ وَالصِّحَاحَ عَلَامَةً لِمُسْلِمٍ وَالْبُخَارِيِّ وَالْمُوَطَّأِ وَأَوْدَعْتُهُ مَا تَحْتَاجُهُ الْأَبْوَابُ مِنَ اللُّغَةِ فِي الِاشْتِقَاقِ وَغَيْرِهِ وَمَا تَحْتَاجُهُ مِنَ النَّحْوِ وَأُضِيفُ الْأَحَادِيثَ إِلَى مُصَنِّفِيهَا لِتَقْوِيَةِ الْحُجَّةِ فِي الْمُنَاظَرَةِ وَالْعِلْمِ بِقُوَّةِ السَّنَدِ مِنْ ضَعْفِهِ وَأَتَكَلَّمُ عَلَى الْأَحَادِيثِ بِمَا تَحْتَاجُهُ مِنْ إِشْكَالٍ أَوْ جَوَابه فِيهِ أَوْ إِثَارَةِ فَائِدَةٍ مِنْهُ وَأُضِيفُ الْأَقْوَالَ إِلَى قَائِلهَا إِنْ أَمْكَنَ لِيَعْلَمَ الْإِنْسَانُ التَّفَاوُتَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِسَبَبِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِخِلَافِ مَا يَقُولُ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ فَلَا يَدْرِي الْإِنْسَانُ مَنْ يَجْعَلُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْقَائِلَيْنِ وَلَعَلَّ قَائِلَهُمَا وَاحِدٌ وَقَدْ رَجَعَ عَنْ أَحَدِهِمَا فَإِهْمَالُ ذَلِكَ مُؤْلِمٌ فِي التَّصَانِيفِ وَأَوْدَعْتُهُ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ وَقَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَأَسْرَارِ الْأَحْكَامِ وَضَوَابِطِ الْفُرُوعِ مَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيَّ بِهِ مِنْ فَضْلِهِ مُضَافًا لِمَا أَجِدُ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ بِحَسَبِ الْإِمْكَان والتيسير
وَقَدْ جَمَعْتُ لَهُ مِنْ تَصَانِيفِ الْمَذْهَبِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ تَصْنِيفًا مَا بَيْنَ شَرْحٍ وَكِتَابٍ مُسْتَقِلٍّ خَارِجًا عَنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَاللُّغَةِ وَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يَجِدُ فِيهَا فَرْعًا إِلَّا نَقَلْتُهُ مُضَافًا لِمَا جَمَعْتُهُ وَأُطَالِعُهَا جَمِيعَهَا قَبْلَ وَضْعِ الْبَابِ وَحِينَئِذٍ أَضَعُهُ وَمَا كَانَ مِنَ الْفُرُوعِ يَنْدَرِجُ تَحْتَ غَيْرِهِ تَرَكْتُهُ فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَةِ اللَّفْظِ بِغَيْرِ فَائِدَةٍ وَأَقْصِدُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُهُ خَالِيًا عَنِ التَّطْوِيلِ الْمُمِلِّ وَالِاخْتِصَارِ الْمُخِلِّ وَأُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْهِ مُقَدِّمَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا فِي بَيَانِ فَضِيلَةِ الْعِلْمِ وآدابه ليَكُون ذَلِك معدنا وَتَقْوِيَةً لِطُلَّابِهِ وَالْمُقَدِّمَةُ الْأُخْرَى فِي قَوَاعِدِ الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ وَمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ نَفَائِسِ الْعِلْمِ مِمَّا يَكُونُ حِلْيَةً لِلْفَقِيهِ وَجُنَّةً لِلْمُنَاظِرِ وَعَوْنًا عَلَى التَّحْصِيلِ وَبَيَّنْتُ مَذْهَبَ مَالِكٍ رحمه الله فِي أُصُولِ الْفِقْهِ لِيَظْهَرَ عُلُوُّ شَرَفِهِ فِي اخْتِيَارِهِ فِي الْأُصُولِ كَمَا ظَهَرَ فِي الْفُرُوعِ ويطلع الْفَقِيه على مُوَافقَة لِأَصْلِهِ أَوْ مُخَالَفَتِهِ لَهُ لِمُعَارِضٍ أَرْجَحَ مِنْهُ فَيَطْلُبَهُ حَتَّى يَطَّلِعَ عَلَى مَدْرَكِهِ وَيُطْلِعَ الْمُخَالِفِينَ فِي الْمُنَاظَرَاتِ عَلَى أَصْلِهِ وَأُنَقِّحُ إِنْ شَاءَ كِتَابَ الْفَرَائِضِ وَأُمَهِّدُ قَوَاعِدَهُ وَمَا عَلَيْهَا مَنْ نُقُوضٍ وَأُقَرِّرُ مَا أَجِدُهُ وَأُودِعُ فِيهِ مِنَ الْجَبْرِ وَالْمُقَابَلَةِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَإِنِّي لَمْ أَرَهُ فِي كُتُبِنَا بَلْ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ مِنَ الْأَسْرَارِ الْعَجِيبَةِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ أَنْ يُخَرَّجَ كَثِيرٌ مِنْ مَسَائِلِ الْفَرَائِضِ وَالْوَصَايَا وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ إِلَّا بِهَا وَأُمَهِّدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ كِتَابَ الْجَامِعِ مِنْهُ تَمْهِيدًا جَمِيلًا وَلَمَّا نَظَرْتُ إِلَى هَذِهِ الْمَقَاصِدِ وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْفَوَائِدِ سَمَّيْتُهُ بِالذَّخِيرَةِ
وَهُوَ ذَخِيرَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لِلْمَعَادِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم
إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ وَلَدٍ صَالح يَدْعُو لَهُ
وَهُوَ ذخيرة لطلبة الْعِلْمِ فِي تَحْصِيلِ مَطَالِبِهِمْ وَتَقْرِيبِ مَقَاصِدِهِمْ فَكُلُّ مَنْ أَرَادَ مِنْهُمْ إِقْرَاءَ كِتَابٍ مِنَ الْكُتُبِ الْخَمْسَة أَو قِرَاءَته وجد فروعه فِيهِ مشروحة ممهدة وَالله تَعَالَى هُوَ المسؤول فِي الْعَوْنِ عَلَى خُلُوصِ النِّيَّةِ وَحُصُولِ الْبُغْيَةِ فَإِنَّ الْخَيْرَ كُلَّهُ بِيَدَيْهِ وَلَا مَلْجَأَ مِنْهُ إِلَّا إِلَيْهِ
(الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى فِي فَضِيلَةِ الْعِلْمِ وَآدَابِهِ)
وَفِيهَا فصلان
(الْفَصْل الْأَوَّلُ فِي فَضِيلَتِهِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَعْنَى)
أَمَّا الْكِتَابُ فَمِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ أَنْ تَقُولَ خير الْبَريَّة من يخْشَى الله تَعَالَى وَكُلُّ مَنْ يَخْشَى اللَّهَ تَعَالَى فَهُوَ عَالِمٌ فَخير الْبَريَّة عَالم بَيَان الْأُولَى قَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصاحات أُولَئِكَ هم خير الْبَريَّة} إِلَى قَوْله {ذَلِك لمن خشِي ربه} فَأثْبت الخشية لخير الْبَريَّة وَهُوَ الْمَطْلُوب وَبَيَان الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عباده الْعلمَاء} أضَاف سُبْحَانَهُ الْخَشْيَةَ إِلَى كُلِّ عَالِمٍ عَلَى وَجْهِ الْحَصْرِ فَيَكُونُ كُلُّ مَنْ يَخْشَى اللَّهَ تَعَالَى فَهُوَ عَالِمٌ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ الثَّانِي قَوْلُهُ تَعَالَى {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وأولو الْعلم قَائِما بِالْقِسْطِ} بَدَأَ بِنَفْسِهِ وَثَنَّى بِالْمَلَائِكَةِ وَثَلَّثَ بِالْعُلَمَاءِ دُونَ سَائِرِ خَلْقِهِ فَيَكُونُ مَنْ عَدَاهُمْ دُونَهُمْ وَهُوَ الْمَطْلُوب
الثَّالِثُ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فضل الله عَلَيْك عَظِيما} وَعَادَةُ الْعَرَبِ فِي سِيَاقِ الِامْتِنَانِ تَأْخِيرُ الْأَفْضَلِ وَتَقْدِيمُ الْمَفْضُولِ عَلَى الْأَفْضَلِ فَتَكُونُ مَوْهِبَتُهُ عليه الصلاة والسلام مِنَ الْعِلْمِ أَفْضَلَ مِنْ مَوْهِبَتِهِ مِنَ الْإِنْزَالِ الْمُتَضَمِّنِ لِلنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ وَهَذَا شَرَفٌ عَظِيمٌ شَبَّ فِيهِ عَمْرٌو عَنِ الطَّوْقِ الرَّابِعُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ سُلَيْمَانَ عليه السلام فِي أَمر الهدهد {لأعذبنه عذَابا شَدِيدا} فَلَمَّا جَاءَ الهدهد قَالَ {أحطت بِمَا لم تحط بِهِ} فاشتدت نَفْسُهُ وَاسْتَعْلَتْ هِمَّتُهُ بِمَا عَلِمَهُ عَلَى سَيِّدِ أَهْلِ الزَّمَانِ وَرَسُولِ الْمَلِكِ الدَّيَّانِ مَعَ عِظَمِ مُلْكِهِ وَهَيْبَةِ مَجْلِسِهِ وَعِلْمِ الْهُدْهُدِ بِحَقَارَةِ نَفْسِهِ وَمَا تَقَرَّرَ عِنْدَ سُلَيْمَانَ عليه السلام مِنْ جَرِيمَتِهِ وَالْعَزْمِ عَلَى عُقُوبَتِهِ فَلَوْلَا أَنَّ الْعِلْمَ يَرْفَعُ مِنَ الثَّرَى إِلَى الثُّرَيَّا لَمَا عَظُمَ الهدهد بعد أَن كَانَ يود أَن لَو كَانَ نَسْيًا مَنْسِيًّا فَلَا جَرَمَ أَبْدَلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ بِالْإِكْرَامِ النَّفِيسِ وَأَسْبَغَ عَلَيْهِ خِلَعَ الرِّسَالَةِ إِلَى بِلْقِيسَ وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ مَا فِي الْمُوَطَّأ من يرد الله خيرا يفقه فِي الدِّينِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْمُبْتَدَأَ مَحْصُورٌ فِي الْخَبَرِ وَالشَّرْطَ اللُّغَوِيَّ مَحْصُورٌ فِي مَشْرُوطِهِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ فَيَكُونُ الْمُرَادُ الْخَيْرُ مَحْصُورٌ فِي الْمُتَفَقِّهِ فَمَنْ لَيْسَ بِمُتَفَقِّهٍ لَا خَيْرَ فِيهِ الثَّانِي مَا فِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ صلى الله عليه وسلم
مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهَا عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ
وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعلم
وَإِن الْعَالم ليَسْتَغْفِر لَهُ من فِي السَّمَوَات وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَة الْأَنْبِيَاء لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَوَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ فَأَمَّا الطَّرِيقُ الَّتِي يُسْلَكُ بِهِ فِيهَا إِلَى الْجَنَّةِ فَمَعْنَاهُ أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ سَبَبٌ مُوصِلٌ إِلَى الْجَنَّةِ وَأَمَّا وَضْعُ الْمَلَائِكَةِ أَجْنِحَتَهَا فَقِيلَ تَكُفُّ عَنِ الطَّيَرَانِ فَتَجْلِسُ إِلَيْهِ لِتَسْتَمِعَ مِنْهُ وَقِيلَ تَكُفُّ عَنِ الطَّيَرَانِ تَوْقِيرًا لَهُ وَقِيلَ تَكُفُّ عَنِ الطَّيَرَانِ لِتَبْسُطَ أَجْنِحَتَهَا لَهُ بِالدُّعَاءِ وَلَوْ لَمْ تَعْلَمِ الْمَلَائِكَةُ أَنَّ مَنْزِلَتَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَسْتَحِقُّ ذَلِكَ لَمَا فَعَلَتْهُ فَيَنْبَغِي لِكُلِّ أَحَدٍ مِنَ الْمُلُوكِ فَمَنْ دُونَهُمْ أَنْ يَتَوَاضَعُوا لِطَلَبَةِ الْعِلْمِ اتِّبَاعًا لِمَلَائِكَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَخَاصَّةِ مَلَكِهِ وَأَمَّا اسْتِغْفَارُهُمْ لَهُ فَهُوَ طَلَبٌ وَدُعَاءٌ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ وَأَحَدُنَا يُسَافِرُ الْبِلَادَ الْبَعِيدَةَ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ لَعَلَّهُ يَدْعُو لَهُ فَمَا ظَنُّكَ بِدُعَاءِ قَوْمٍ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يؤمرون فيا حبذا هَذِه النِّعْمَة وَأما التَّشْبِيه بالبدر فَفِيهِ فَوَائِد إِحْدَاهَا أَنَّ الْعَالِمَ يَكْمُلُ بِقَدْرِ اتِّبَاعِهِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَن النَّبِي عليه السلام هُوَ الشَّمْسُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبشرا وَنَذِيرا وداعيا إِلَى الله بِإِذْنِهِ وسراجا منيرا} والسراج هُوَ الشَّمْس لقَوْله تَعَالَى {وجعلناك سِرَاجًا وهاجا} وَلَمَّا كَانَ الْقَمَرُ يَسْتَفِيدُ ضَوْءَهُ مِنَ الشَّمْسِ
وَكلما كثر توجهه إِلَيْهَا كثر ضوؤه حَتَّى يَصِيرَ بَدْرًا فَكَذَلِكَ الْعَالِمُ كُلَّمَا كَثُرَ توجهه للنَّبِي وإقباله عَلَيْهِ توفر كَمَاله وَثَانِيهمَا أَنَّ الْعَالِمَ مَتَى أَعْرَضَ عَنِ النَّبِيِّ بِكُلِّيَّتِهِ كَسَفَ بَالُهُ وَفَسَدَ حَالُهُ كَمَا أَنَّ الْقَمَرَ إِذَا حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّمْسِ كَسَفَ خِلَافًا لِمَنْ يَزْعُمُ أَنَّ الْعُلُومَ تُتَلَقَّى بِالتَّوَجُّهِ وَلَا يحْتَاج فِيهَا إِلَى النُّبُوَّة وثالثهما أَنَّ الْكَوْكَبَ مَعَ الْبَدْرِ كَالْمَطْمُوسِ الَّذِي لَا أَثَرَ لَهُ وَضَوْءُ الْبَدْرِ عَظِيمُ الْمَنْفَعَةِ مُنْتَشِرُ الْأَضْوَاءِ مُنْبَعِثُ الْأَشِعَّةِ فِي الْأَقْطَارِ بَرًّا وَبَحْرًا وَهَذَا هُوَ شَأْنُ الْعَالِمِ وَأَمَّا الْعَابِدُ فَالْكَوْكَبُ حِينَئِذٍ لَا يَتَعَدَّى نُورُهُ مَحَلَّهُ وَلَا يَصِلُ نَفْعُهُ إِلَى غَيْرِهِ الثَّالِثُ مَا فِي التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ عليه السلام ذُكِرَ لَهُ رَجُلَانِ عَالِمٌ وَعَابِدٌ فَقَالَ عليه السلام
فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ ثُمَّ قَالَ عليه السلام
وَإِن الله تبارك وتعالى وَمَلَائِكَته وَأهل السَّمَوَات وَالْأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا يُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِي النَّاسِ خَيْرًا وَهَذَا الْحَدِيثُ أَبْلَغُ مِنَ الأول بِكَثِير جدا فَإِن فَضله صلى الله عليه وسلم عَلَى أَدْنَاهُمْ أَعْظَمُ مِنْ فَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى الْكَوَاكِبِ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً الرَّابِعُ مَا رَوَى ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي جَامِعِ الْمُخْتَصَرِ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ
مَا جَمِيعُ أَعْمَالِ الْبِرِّ فِي الْجِهَادِ إِلَّا كَنُقْطَةٍ فِي بَحْرٍ وَمَا جَمِيعُ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَالْجِهَادِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَفَضْلِهِ إِلَّا كَنُقْطَةٍ فِي بَحْرٍ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْخَبَرِ
يُوزَنُ مِدَادُ الْعُلَمَاءِ وَدَمُ الشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَرْجَحُ مِدَادُ الْعُلَمَاءِ عَلَى دَمِ الشُّهَدَاءِ
وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَعْلَى مَا لِلشَّهِيدِ دَمُهُ وَأَدْنَى مَا لِلْعَالِمِ مِدَادُهُ فَإِذَا رُجِّحَ الْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى فَمَا الظَّنُّ بِالْأَعْلَى مَعَ الْأَدْنَى
الْخَامِسُ مَا فِي التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ
مَا عِنْد الله شَيْء أَفْضَلُ مِنَ الْفِقْهِ فِي الدِّينِ وَلَفَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى إِبْلِيسَ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ وَلِكُلِّ شَيْءٍ قِوَامٌ وَقِوَامُ الدِّينِ الْفِقْهُ وَلِكُلِّ شَيْءٍ دِعَامَةٌ وَدِعَامَةُ الدِّينِ الْفِقْهُ
السَّادِسُ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ
قَلِيلُ الْفِقْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرِ الْعِبَادَةِ
السَّابِعُ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ
إِنَّ اللَّهَ يَجْمَعُ الْعُلَمَاءَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيَقُولُ يَا مَعْشَرَ الْعُلَمَاءِ إِنِّي لَمْ أُوتِكُمْ عِلْمِي وَحِكْمَتِي إِلَّا لِخَيْرٍ أَرَدْتُهُ بِكُمْ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ مَا كَانَ مِنْكُمْ
وَأَمَّا الْمَعْنَى فَمِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ أَنَّ الْعِلْمَ مُعْتَبَرٌ فِي الْإِلَهِيَّةِ وَكَفَى بِذَلِكَ شَرَفًا عِنْدَ كُلِّ عَاقِلٍ عَلَى الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِهَا وَثَانِيهَا أَنَّ كُلَّ خَيْرٍ مُكْتَسَبٍ فِي الْعَالَمِ فَهُوَ بِسَبَبِ الْعِلْمِ وَكُلَّ شَرٍّ يُكْتَسَبُ فِي الْعَالَمِ فَهُوَ بِسَبَبِ الْجَهْلِ وَالِاسْتِقْرَاءُ يُحَقِّقُ ذَلِكَ ثَالِثُهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَرَادَ بَيَانَ فَضْلِ آدَمَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ عَلَّمَهُ أَسْمَاءَ الْأَشْيَاءِ أَوْ عَلَامَاتِهَا عَلَى خِلَافٍ فِي ذَلِكَ ثُمَّ سَأَلَهُمْ فَلَمْ يَعْلَمُوا وَسَأَلَهُ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ فَاعْتَرَفُوا حِينَئِذٍ بِفَضِيلَتِهِ وَأَمَرَهُمْ بِالسُّجُودِ لَهُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ تَعْظِيمًا لِمَنْزِلَتِهِ وَخَالَفَ إِبْلِيسُ فِي ذَلِكَ فَبَاءَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِقَبِيحِ لَعْنَتِهِ وَهَذَا حَالُ الْعِلْمِ بِأَسْمَاءِ الْأَشْيَاءِ أَوْ عَلَامَاتِهَا فَكَيْفَ بِالْعِلْمِ بِحُدُودِ الدِّينِ وَمَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ وَرَابِعُهَا أَنَّ الْكَلْبَ أَخَسُّ الْأَشْيَاءِ لقذراته وَأَذِيَّتِهِ وَسُوءِ حَالَتِهِ فَإِذَا اتَّصَفَ بِعِلْمِ الِاصْطِيَادِ شَرَّفَهُ الشَّرْعُ وَعَظَّمَهُ وَجَعَلَ صَيْدَهُ حِينَئِذٍ قِوَامَ الْأَجْسَادِ وَمُحْتَرَمًا عَنِ الْإِفْسَادِ
وَخَامِسُهَا أَنَّ الْعَالِمَ يَنْقُلُ عَنِ الْحَقِّ لِلْخَلْقِ فَيَقُولُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَيْكُمْ كَذَا وَأَوْجَبَ عَلَيْكُمْ كَذَا وَأَذِنَ لَكُمْ فِي كَذَا وَأَمَرَكُمْ بِتَقْدِيمِ كَذَا وَتَأْخِيرِ كَذَا فَهُوَ الْقَائِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ وَمُوصِلُهُ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ وَالدَّافِعُ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْمُحَرِّفِينَ وَتَبْدِيلَ الْمُبَدِّلِينَ وَشُبَهَ الْمُبْطِلِينَ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى مَقَامِ الْمُرْسَلِينَ وَلِهَذَا يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنَّ يَتَصَوَّرَ نَفْسَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَيُعَامِلَهَا بِمَا يَلِيقُ بِهَا مِنَ الِاحْتِرَامِ فَإِنَّ الرَّسُولَ إِذَا وَرَدَ مِنْ عِنْدِ مَلِكٍ عَظِيمٍ قَبُحَ عَلَيْهِ أَنْ يَمْشِيَ إِلَى بُيُوتِ الْأُمَرَاءِ وَفِي الْأَسْوَاقِ أَوْ يَتَقَاصَرَ عَنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ صَوْنًا لِتَعْظِيمِ مُرْسِلِهِ وَهَذَا مَعْلُومٌ فِي الْعَوَائِدِ فَكَذَلِكَ طَالِبُ الْعِلْمِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُبْعِدَ نَفْسَهُ عَنِ الدَّنَاءَاتِ بَلْ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْمُبَاحَاتِ صَوْنًا لِشَرَفِ مَنْصِبِهِ وَتَعْزِيزًا لِثَمَرَاتِ مَطْلَبِهِ وَسَادِسُهَا أَنَّ قِيمَةَ الْإِنْسَانِ مَا يُعلمهُ لَا مَا يَعْلَمُهُ لِقَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه الْمَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ وَمَا قَالَ تَحْتَ ثِيَابِهِ وَمَعْنَى هَذَا الِاخْتِبَاءِ أَنَّهُ إِنْ نَطَقَ بِشَرٍّ ظَهَرَتْ خِسَّتُهُ وَدَنَاءَتُهُ وَبِخَيْرٍ ظَهَرَ شَرَفُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْطِقْ بِشَيْءٍ فَهُوَ عَدَمٌ مَحْضٌ عِنْدَ مُشَاهِدِهِ وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه
الْمَرْءُ بِأَصْغَرَيْهِ قَلْبِهِ وَلِسَانِهِ
وَلَمْ يَقُلْ بِيَدَيْهِ أَيْ هُوَ مُعْتَبَرٌ بِهِمَا فَإِنْ رَفَعَاهُ ارْتَفَعَ وَإِنْ وَضَعَاهُ اتَّضَعَ فَالْقَلْبُ مَعْدِنُ الْحِكَمِ وَاللِّسَانُ تُرْجُمَانُهُ وَمَا عَدَاهُ فِي حُكْمِ الْأَعْوَانِ الْبَعِيدَةِ الَّتِي لَا اعْتِدَادَ بِهَا وَأَنْشَدَ عَلِيٌّ رضي الله عنه فِي هَذَا الْمَعْنَى
(النَّاسُ مِنْ جِهَةِ التَّمْثِيلِ أَكْفَاءُ
…
أَبُوهُمُ آدَمٌ وَالْأُمُّ حَوَّاءُ)
(فَإِنْ أَتَيْتَ بِفَخْرٍ مِنْ ذَوِي نَسَبٍ
…
فَإِنَّ نِسْبَتَنَا الطِّينُ وَالْمَاءُ)
(مَا الْفَخْرُ إِلَّا لِأَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّهُمُ
…
عَلَى الْهُدَى لِمَنِ اسْتَهْدَى أَدِلَّاءُ)
(وَقِيمَةُ الْمَرْءِ مَا قَدْ كَانَ يُحْسِنُهُ
…
وَالْجَاهِلُونَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَعْدَاءُ)
(فَاطْلُبْ لِنَفْسِكَ عِلْمًا وَاكْتَسِبْ أَدَبًا
…
فَالنَّاسُ مَوْتَى وَأَهْلُ الْعِلْمِ أَحْيَاءُ)
وَسَابِعُهَا أَنَّ الْعِلْمَ عَلَى عَظِيمِ قَدْرِهِ وَشَرِيفِ مَعْنَاهُ يَزِيدُ بِكَثْرَةِ الْإِنْفَاقِ وَيَنْقُصُ مَعَ الْإِشْفَاقِ وَهَذِهِ فَضِيلَةٌ جَلِيلَةٌ آخِذَةٌ بِآفَاقِ الشَّرَفِ جَعَلَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَهْلِهِ الْقَائِمِينَ بِحُقُوقِهِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ وَثَامِنُهَا أَنَّ الْعُلَمَاءَ وَصَلُوا بِحَقِيقَةِ الْعِلْمِ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ فَشَاهَدُوا الْأَخْطَارَ وَالْأَوْطَارَ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ فَاسْتَلَانُوا مَا اسْتَوْعَرَهُ الْمُتْرَفُونَ وَاسْتَأْنَسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ وَفَازُوا بِمَا قعد عِنْد الْمُقَصِّرُونَ فَهُمْ مَعَ جُلَسَائِهِمْ بِأَشْبَاحِهِمْ وَفِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى بِأَرْوَاحِهِمْ فَلَا جَرَمَ هُمْ أَحْيَاءٌ وَإِنْ مَاتَتِ الْأَبْدَانُ عَلَى مَمَرِّ الدُّهُورِ وَالْأَزْمَانِ غَابَتْ أَعْيَانُهُمْ عَنِ الْعِيَانِ وَصُوَرُهُمْ مُشَاهَدَةٌ فِي الْجِنَانِ والجنان جعلنَا الله تبارك وتعالى مِمَّنْ أَخَذَ مِنْ هُدَاهُمْ بِأَوْثَقِ نَصِيبٍ وَنَافَسَ فِي نَفَائِسِهِمْ إِنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ
(الْفَصْل الثَّانِي فِي آدَابِه)
اعْلَمْ أَنَّ أَعْظَمَهَا الْإِخْلَاصُ لِلَّهِ سبحانه وتعالى فَإِنَّهُ إِذَا فُقِدَ انْتَقَلَ الْعِلْمُ مِنْ أَفْضَلِ الطَّاعَاتِ إِلَى أَقْبَحِ الْمُخَالَفَاتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فويل للمصلين الَّذين هم عَن صلَاتهم ساهون الَّذين هم يراؤون وَيمْنَعُونَ الماعون} وروى ابْن زَيْدٍ فِي جَامِعِ الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ
وَيْلٌ لِمَنْ عَلِمَ وَلَمْ يَنْفَعْهُ عِلْمُهُ
سَبْعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ
وَيْلٌ لِمَنْ لَمْ يَعْلَمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَعَلَّمَهُ
ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيُرْوَى عَنْهُ عليه السلام
يَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى بِطَائِفَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْقُرَّاءِ وَالْمُجَاهِدِينَ إِلَى النَّارِ وَيَقُولُ لِكُلِّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ إِنَّمَا عَمِلْتِ لِيُقَالَ وَقَدْ قِيلَ
الْحَدِيثُ بِطُولِهِ
وروى ابْن أبي زيد أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ
مَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ لِيُمَارِيَ بِهِ أَوْ لِيُبَاهِيَ بِهِ أَوْ لِيُرَائِيَ بِهِ أَوْقَفَهُ اللَّهُ موقف الذل الصغار وَجَعَلَهُ عَلَيْهِ حُجَّةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمَ يَكُونُ الْعلم زينا لأَهله
وروى أيضل عَنْهُ عليه السلام
مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَُرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَحَقِيقَةُ الرِّيَاءِ أَنْ يَعْمَلَ الطَّاعَةَ لِلَّهِ وَلِلنَّاسِ وَيُسَمَّى رِيَاءَ الشِّرْكِ أَوْ لِلنَّاسِ خَاصَّةً وَيُسَمَّى رِيَاءَ الْإِخْلَاصِ وَكِلَاهُمَا يُصَيِّرُ الطَّاعَةَ مَعْصِيَةً وَأَغْرَاضُ الرِّيَاءِ الْبَاعِثَةِ عَلَيْهِ مُنْحَصِرَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ جَلْبِ الْخُيُورِ وَدَفْعِ الشُّرُورِ وَالتَّعْظِيمِ وَيَلْحَقُ بِالرِّيَاءِ التَّسْمِيعُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ عَلِمْتُ كَذَا أَوْ حَفِظْتُ كَذَا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَالتَّسْمِيعُ يَكُونُ بَعْدَ انْعِقَادِ الْعِبَادَةِ مَعْصِيَةً عَلَى الرِّيَاءِ وَبَعْدَ انْعِقَادِهَا طَاعَةً مَعَ الْإِخْلَاصِ لَكِنَّ فِي الْأَوَّلِ يَكُونُ جَامِعًا بَيْنَ مَعْصِيَتَيِ الرِّيَاءِ وَالتَّسْمِيعِ وَفِي الثَّانِي هُوَ عَاصٍ بِالتَّسْمِيعِ فَقَطْ فَتُقَابِلُ سَيِّئَةُ التَّسْمِيعِ حَسَنَةَ الطَّاعَةِ الْمُسَمَّعِ بِهَا فِي الْمُوَازَنَةِ فَرُبَّمَا اسْتَوَيَا وَرُبَّمَا رَجَحَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى حَسَبِ مَقَادِيرِ الطَّاعَاتِ والتسميع وَالْأَصْل فِي التسميع قَول عليه السلام مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ أَسَامِعَ خَلْقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
أَيْ يُنَادِي مُنَادٍ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى عَبْدِي فُلَانٌ عَمِلَ عَمَلًا لِي ثُمَّ تَقَرَّبَ بِهِ لِغَيْرِي نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَاعْلَمْ يَا أَخِي أَنَّ هَذَا مَقَامٌ تَشِيبُ مِنْهُ النَّوَاصِي وَلَا يُعْتَصَمُ مِنْهُ بِالصَّيَاصِي فَيَنْبَغِي لَكَ أَنْ تُوَفِّرَ الْعِنَايَةَ عَلَيْهِ وَالْجِدَّ فِيهِ مُسْتَعِينًا بِاللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ لَمْ يُسَاعِدْهُ الْقَدَرُ وَلم يَنْفَعهُ الحذر وَلَقَد قطع الْكِبْرِ مَنِ اسْتَكْبَرَ
(إِذَا لَمْ يَكُنْ عَوْنٌ مِنَ اللَّهِ لِلْفَتَى
…
فَأَكْثَرُ مَا يَجْنِي عَلَيْهِ اجْتِهَادُهُ)
وَلَكِنِّي أَدُلُّكَ عَلَى أَعْظَمِ الْوَسَائِلِ مَعَ بَذْلِ الِاجْتِهَادِ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ مَعَ بَذْلِ جُهْدِكَ شَدِيدَ الْخَوْفِ عَظِيمَ الِافْتِقَارِ مُلْقِيًا لِلسِّلَاحِ مُعْتَمِدًا عَلَى ذِي الْجَلَالِ مُخْرِجًا لِنَفَسِكَ مِنَ التَّدْبِيرِ فَإِنَّ هَذِهِ الْوَسِيلَةَ هِيَ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى لِمَاسِكِهَا وَطَرِيقُ السَّلَامَةِ لِسَالِكِهَا وَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمَسْئُولُ الْمُبْتَهَلُ لِجَلَالِهِ فِي السَّلَامَةِ مِنْ عَذَابِهِ
(فَمَا لِجِلْدِي بِحَرِّ النَّارِ مِنْ جَلَدٍ
…
وَلَا لِقَلْبِي بِهَوْلِ الْحَشْرِ مِنْ قِبَلِ)
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الرِّيَاءِ قَصْدُ اشْتِهَارِ النَّفْسِ بِالْعِلْمِ لِطَلَبِ الِاقْتِدَاءِ بَلْ هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ فَإِنَّهُ سَعْى فِي تَكْثِيرِ الطَّاعَاتِ وَتَقْلِيلِ الْمُخَالَفَاتِ وَكَذَلِكَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام {وَاجْعَلْ لِي لِسَان صدق فِي الآخرين} قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ يَقْتَدِي بِي مَنْ بَعْدِي وَلِهَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ عليه السلام
بِقَوْلِهِ إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاث علم ينْتَفع بِهِ
حَضًّا عَلَى نَشْرِ الْعِلْمِ لِيَبْقَى بَعْدَ الْإِنْسَانِ لِتَكْثِيرِ النَّفْعِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَرَفَعْنَا لَكَ ذكرك} عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ وَقَالَ الْعُلَمَاءُ بِاللَّهِ يَنْبَغِي لِلْعَابِدِ السَّعْيُ فِي الْخُمُولِ وَالْعُزْلَةِ لِأَنَّهُمَا أَقْرَبُ إِلَى السَّلامَة وَلِلْعَالِمِ السَّعْيُ فِي الشُّهْرَةِ وَالظُّهُورِ تَحْصِيلًا لِلْإِفَادَةِ وَلَكِنَّهُ مَقَامٌ كَثِيرُ
الْخَطَرِ فَرُبَّمَا غَلَبَتِ النَّفْسُ وَانْتَقَلَ الْإِنْسَانُ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى إِلَى طَلَبِ الرِّئَاسَةِ وَتَحْصِيلِ أَغْرَاضِ الرِّيَاءِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَهُوَ حَسَبُنَا فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ الثَّانِي يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يُحْسِنَ ظَاهره وباطنه وسره وعلانيته وأفعاله وأقواله فَلَقَد أحسن من قَالَ
(فَالْعَيْبُ فِي الْجَاهِلِ الْمَغْمُورِ مَغْمُورُ
…
وَعَيْبُ ذِي الشَّرَفِ الْمَذْكُورِ مَذْكُورُ)
(قُلَامَةُ الظُّفْرِ تَخْفَى مِنْ حَقَارَتِهَا
…
وَمِثْلُهَا فِي سَوَادِ الْعَيْنِ مَشْهُورُ)
وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ عليه السلام {إِذا لأذقناك ضعف الْحَيَاة وَضعف الْمَمَات} أَيْ لَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لَعَذَّبْنَاكَ مِثْلَ عَذَابِ غَيْرِكَ فِي الدُّنْيَا مَرَّتَيْنِ وَمِثْلَ عَذَابِهِ فِي الْآخِرَةِ مَرَّتَيْنِ وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضعفين} وَهَذِهِ عَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ مَنْ عَظُمَتْ عَلَيْهِ نِعْمَتُهُ اشْتَدَّتْ عَلَيْهِ نِقْمَتُهُ وَلِذَلِكَ رُجِمَ الْمُحْصَنُ فِي الزِّنَا وَجُلِدَ الْبِكْرُ وَلِأَنَّ اشْتِهَارَهُ بِالْخَيْرِ يَبْعَثُ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِ فَيَحْصُلُ لَهُ كَمَالُ السَّعَادَةِ الدُّنْيَاوِيَّةِ وَوُقُورُ السَّمْتِ وَيَصِيرُ لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا وَاشْتِهَارُهُ بِالدَّنَاءَةِ يُنَفِّرُ النُّفُوسَ مِنْهُ فَتَفُوتُهُ هَذِهِ الْمَنْزِلَةُ بَلْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكْتُمَ مِنَ الْحَقِّ مَا تَنْفِرُ مِنْهُ عُقُولُ جُلَسَائِهِ وَأهل زَمَانِهِ وَأَنْ يُخَاطِبَ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ فَإِنَّهُ إِن يفعل ذَلِك لم يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ مِنْ إِظْهَارِ ذَلِكَ الْحَقِّ وَلَا من غَيره فَفِي الْحَدِيثِ مَنْ خَاطَبَ قَوْمًا بِمَا لَمْ تَصِلْ إِلَيْهِ عُقُولُهُمْ كَانَ عَلَيْهِمْ فِتْنَةً اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى إِظْهَارَهُ كَقَوَاعِدِ الدِّينِ وَإِبْطَالِ شُبَهِ الضَّالِّينَ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ
وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ فَيَعْتَمِدُ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى {وَقل الْحق من ربكُم فَمن شَاءَ فليومن وَمن شَاءَ فليكفر} وَمَنْ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَلَا يَضُرَّهُ غَضَبُ غَيْرِهِ
(إِذَا رَضِيَتْ عَنِّي كِرَامُ عَشِيرَتِي
…
فَلَا زَالَ غَضْبَانًا عَلَيَّ شِرَارُهَا)
قَالَ مَالِكٌ رحمه الله فِي الْمُخْتَصَرِ حَقٌّ عَلَى طَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ وَخَشْيَةٌ وَاتِّبَاعٌ لِأَثَرِ مَنْ مَضَى قَبْلَهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ رحمه الله كَانَ الرَّجُلُ إِذَا طَلَبَ الْعِلْمَ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ يُرَى ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ وَتَخَشُّعِهِ وَلِسَانِهِ وَيَدِهِ وَصَلَوَاتِهِ وَقَالَ عليه السلام مَا ضُمَّ شَيْءٌ إِلَى شَيْءٍ أَحْسَنُ مِنْ علم إِلَى حلم وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه تَعَلَّمُوا لِلْعِلْمِ السَّكِينَةَ وَالْوَقَارَ وَتَوَاضَعُوا لِمَنْ تَتَعَلَّمُونَ مِنْهُ وَلِمَنْ تُعَلِّمُونَهُ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تَكُونُوا مِنْ جَبَابِرَةِ الْعُلَمَاءِ فَلَا يَقُومُ عِلْمُكُمْ بِجَهْلِكُمْ وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ رحمه الله كَانَ الْعَالِمُ فِيمَا مَضَى إِذَا لَقِيَ مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فِي الْعِلْمِ كَانَ يَوْمَ غَنِيمَةٍ أَوْ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ ذَاكَرَهُ أَوْ مَنْ هُوَ دُونَهُ لَمْ يَزْهُ عَلَيْهِ ثُمَّ كَانَ هَذَا الزَّمَانُ أَنْ صَارَ الرَّجُلُ إِذَا لَقِيَ مَنْ فَوْقَهُ انْقَطَعَ عَنْهُ حَتَّى لَا يَرَى النَّاسُ أَنَّ بِهِ حَاجَةً إِلَيْهِ وَإِذَا لَقِيَ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ لَمْ يُذَاكِرْهُ وَيَزْهُو عَلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى أَدْرَكْتُ عِشْرِينَ وَمِائَةً مِنَ الصَّحَابَةِ وَالْأَنْصَارِ مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا وَدَّ أَنَّ صَاحِبَهُ كَفَاهُ الْفُتْيَا وَقَالَ مَالِكٌ جُنَّةُ الْعَالِمِ لَا أَدْرِي فَإِذَا أَخْطَأَ أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهُ وَقَالَ كَانَ الصِّدِّيقُ يُسْأَلُ عَنِ الشَّيْءِ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي وَأَحَدُكُمُ الْيَوْمَ يَأْنَفُ أَنْ يَقُولَ لَا أَدْرِي قَالَ مُطَرِّفٌ رحمه الله مَا رَأَيْتُ أَكْثَرَ قَوْلًا مِنْ مَالِكٍ لَا أَدْرِي وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ إِذَا قُلْتَ لَا أَدْرِي عَلِمْتَ حَتَّى تَدْرِيَ وَإِذَا قُلْتَ أَدْرِي سُئِلت
حَتَّى لَا تَدْرِيَ فَصَارَ لَا أَدْرِي وَسِيلَةً إِلَى الْعِلْمِ وَأَدْرِي وَسِيلَةً لِلْجَهْلِ وَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ قَوْلُ الرَّجُلِ فِيمَا لَا يَعْلَمُ لَا أَعْلَمُ نِصْفُ الْعِلْمِ وَلَمَّا تَعَلَّمَ الْحَسَنُ رضي الله عنه الْعِلْمَ أَقَامَ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ وَأَفْتَى مَالِكٌ رحمه الله بَعْدَ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَحَلَّقَ ابْنَ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَكَانَ يَقُولُ لَا يُفْتِي الْعَالِمُ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ أَهْلًا لِلْفَتْوَى قَالَ سَحْنُونٌ يُرِيدُ الْعُلَمَاءَ قَالَ ابْنُ هُرْمُزَ وَيَرَى هُوَ نَفْسَهُ أَهْلًا لِذَلِكَ الثَّالِثُ أَنْ يُوَفِّيَ الْأَمَانَةَ فِي الْعِلْمِ فَلَا يُعْطِيَهِ لِغَيْرِ أَهْلِهِ وَلَا يَمْنَعَهُ أَهْلِهُ فَإِنَّ الْعِلْمَ يَزِيدُ النَّفْسَ الشِّرِّيرَةَ شَرًّا وَالْخَيِّرَةَ خَيْرًا قَالَ الْمُحَاسَبِيُّ رحمه الله الْعِلْمُ كالغيث ينزل من السَّمَاء كُله حُلْو يزِيد الحلو حلاوة والمر مرَارَة وَقَالَ الْغَزالِيّ رحمه الله تَعْلِيمُ الْعِلْمِ لِأَهْلِ الشَّرِّ كَبَيْعِ السَّيْفِ مِنْ قَاطِعِ الطَّرِيقِ وَبَعَثَ الشَّافِعِيُّ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ رضي الله عنهما يَسْتَعِيرُ مِنْهُ كُتُبًا فَتَوَقَّفَ عَلَيْهِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ
(قُلْ لِلَّذِي لَمْ تَرَ عَيْنُ مَنْ رَآهُ مِثْلَهُ
…
حَتَّى كَأَنَّ مَنْ رَآهُ قَدْ رَأَى مَنْ قَبْلَهُ)
(الْعِلْمُ يَنْهَى أَهْلَهُ أَنْ يَمْنَعُوهُ أَهْلَهُ
…
لَعَلَّهُ يَبْذُلُهُ لِأَهْلِهِ لَعَلَّهُ)
فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِوَقْرِ بَعِيرٍ فَقَوْلُهُ يَنْهَى أَهْلَهُ أَنْ يَمْنَعُوهُ أَهْلَهُ يُفِيدُ الدَّفْعَ لِلْأَهْلِ وَالْمَنْعَ مِنْ غَيْرِ الْأَهْلِ وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَوْلُهُ عليه السلام لَا تُعْطُوا الْحِكْمَةَ لِغَيْرِ أَهْلِهَا فَتَظْلِمُوهَا
سُؤَالٌ إِذْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَى النَّاسِ الْيَوْمَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ الرِّيَاءَ وَالْمُبَاهَاةَ وَسُوءَ الْحَالَةِ فَالْمُعَلِّمُ لَهُمْ مُعِينٌ لَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْمَعَاصِي وَالْإِعَانَةُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ فَيَحْرُمُ التَّعْلِيمُ حِينَئِذٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ نَظَرًا إِلَى الْغَالِبِ جَوَابُهُ هَذَا سُؤَالٌ مُشْكِلٌ وَقَدِ اضْطَرَبَتْ فِيهِ فَتَاوَى الْعُلَمَاءِ فَمِنْهُمْ
من يَقُول لَو اعْتبرنَا لَانْحَسَمَتْ مَادَّةُ التَّعْلِيمِ وَالْإِقْرَاءِ فَيَنْقَطِعُ الشَّرْعُ وَيَفْسُدُ النِّظَامُ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى إِطْفَاءِ نُورِ الْحَقِّ وَإِضْلَالِ الْخَلْقِ حَتَّى يُطَبِّقَ الْأَرْضَ الْكُفْرُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ الْمَفَاسِدَ أَعْظَمُ مِنَ الرِّيَاءِ الَّذِي قَدْ يَقَعُ وَقَدْ لَا يَقَعُ فَإِنَّا وَإِنْ قَطَعْنَا بِوُقُوعِهِ فِي الْجُمْلَةِ لَكُنَّا لَا نَعْلَمُ حَالَ كُلِّ أَحَدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُتَوَلِّي السَّرَائِرِ فَمَا اسْتَوَى الْأَمْرَانِ وَلَا وُقُوعُهُمَا وَلِأَنَّ الْعِلْمَ قُرْبَةٌ مُحَقَّقَةٌ وَهَذِهِ الْمَعَاصِي أُمُورٌ عَارِضَةٌ الْأَصْلُ عَدَمُهَا فِي كُلِّ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بَلْ يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ التَّعْلِيمُ إِلَّا لِمَنْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ سَلَامَتُهُ مِنْ هَذِهِ الْمَعَاصِي طَرْدًا لِقَاعِدَةِ إِلْحَاقِ الْوَسَائِلِ بِالْمَقَاصِدِ وَأَمَّا قَوْلُ الْأَوَّلِينَ إِنَّ اعْتِبَارَ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى انْقِطَاعِ الشَّرْعِ وَتَطْبِيقِ الْكُفْرِ فَأَجَابَ الْغَزَّالِيُّ عَنْهُ فَقَالَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ التَّعْلِيمِ انْقِطَاعُ الشَّرْعِ لِأَنَّ الطِّبَاعَ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّ الرِّئَاسَةِ وَلَا سِيمَا بألقاب الْعُلُوم ومناصب النُّبُوَّة بَلْ نَابَ الطَّبْعُ مَنَابَ الشَّرْعِ فِي النَّظَرِ فَإِنَّ الطِّبَاعَ مَجْبُولَةٌ عَلَى رُؤْيَةِ الْمُسْتَغْرَبَاتِ وَالْفِكْرَةِ فِيهَا وَكَذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ تَحْرِيمِ الرِّيَاءِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ عَدَمُهَا الرَّابِعُ يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ إِذَا تَعَلَّمَ مَسْأَلَةً أَنْ يَنْوِيَ تَعْلِيمَهَا كل من هُوَ من أَهلهَا وَكَذَلِكَ إِذَا عَلَّمَهَا أَنْ يَنْوِيَ التَّوَسُّلَ إِلَى تَعْلِيم كل من يتَعَلَّم مِمَّن علمه فَيكون الْمَنَوِيُّ فِي الْحَالَيْنِ عَدَدًا لَا يُعَدُّ وَلَا يُحْصَى وَلَهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ الْعَدَدِ حَسَنَةٌ فَإِنْ وَقَعَ مَنْوِيُّهُ كَانَ لَهُ عَشْرٌ لقَوْله صلى الله عليه وسلم من هم بحسنة فَلم يعلمهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً وَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عشر وَهَذَا مَتْجَرٌ لَا غَايَةَ لِرِبْحِهِ أَعَانَنَا اللَّهُ تَعَالَى على الْخَيْر كُله.
صفحه فارغه
(الْمُقدمَة الثَّانِيَة)
فِيمَا يتَعَيَّن أَن يكون على خاطر الْفَقِيه مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ وَقَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَاصْطِلَاحَاتِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى تُخَرَّجَ الْفُرُوعُ عَلَى الْقَوَاعِدِ وَالْأُصُولِ فَإِنَّ كُلَّ فِقْهٍ لَمْ يُخَرَّجْ عَلَى الْقَوَاعِدِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَمْ أَتَعَرَّضْ فِيهَا لِبَيَانِ مَدَارِكِ الْأُصُولِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ وَظِيفَةِ الْأُصُولِيِّ لَا مِنْ وَظَائِفِ الْفَقِيهِ فَإِنَّ مُقَدِّمَاتِ كُلِّ عِلْمٍ تُوجَدُ فِيهِ مُسَلَّمَةً فَمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ بِكُتُبِهِ وَاعْتَمَدْتُ فِي هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ عَلَى أَخْذِ جُمْلَةِ كِتَابِ الْإِفَادَةِ لِلْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَهُوَ مُجَلَّدَانِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَجُمْلَةِ الْإِشَارَةِ لِلْبَاجِيِّ وَكَلَامِ ابْنِ الْقَصَّارِ فِي أَوَّلِ تَعْلِيقِهِ فِي الْخِلَافِ وَكتاب الْمَحْصُول للْإِمَام فَخر الدّين بِحَيْثُ أَنِّي لم أَتْرُكْ مِنْ هَذِهِ الْكُتُبِ الْأَرْبَعَةِ إِلَّا الْمَآخِذَ والتقسيم وَالشَّيْءَ الْيَسِيرَ مِنْ مَسَائِلِ الْأُصُولِ مِمَّا لَا يَكَادُ الْفَقِيهُ يَحْتَاجُهُ مَعَ أَنِّي زِدْتُ مَبَاحِثَ وَقَوَاعِدَ وَتَلْخِيصَاتٍ لَيْسَتْ فِي الْمَحْصُولِ وَلَا فِي سَائِرِ الْكُتُبِ الثَّلَاثَةِ وَلَخَّصْتُ جَمِيعَ ذَلِكَ فِي مِائَةِ فَصْلٍ وَفَصْلَيْنِ فِي عِشْرِينَ بَابًا وَسَمَّيْتُهَا تَنْقِيحَ الْفُصُولِ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ لِمَنْ أَرَادَ أَنَّ يَكْتُبَهَا وَحْدَهَا خَارِجَةً عَنْ هَذَا الْكِتَابِ
(الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الِاصْطِلَاحَاتِ وَفِيهِ عِشْرُونَ فَصْلًا)
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الْحَدِّ
وَهُوَ شَرْحُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ بِطَرِيقِ الْإِجْمَالِ وَهُوَ غَيْرُ الْمَحْدُودِ إِنْ أُرِيدَ بِهِ اللَّفْظُ وَنَفْسُهُ إِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ جَامِعًا لِجُمْلَةِ أَفْرَادِ الْمَحْدُودِ مَانِعًا مِنْ دُخُولِ غَيْرِهِ مَعَهُ وَيُحْتَرَزُ فِيهِ مِنَ التَّحْدِيدِ بِالْمَسَاوِي وَالْأَخْفَى وَمَا لَا يُعْرَفُ إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْمَحْدُودِ وَالْإِجْمَالِ فِي اللَّفْظِ وَالْمُعَرِّفَاتُ خَمْسَةٌ الْحَدُّ التَّامُّ وَالْحَدُّ النَّاقِصُ وَالرَّسْمُ التَّامُّ وَالرَّسْمُ النَّاقِصُ وَتَبْدِيلُ لَفْظٍ بِلَفْظٍ مُرَادِفٍ لَهُ أَشْهَرَ مِنْهُ عِنْدَ السَّامِعِ فَالْأَوَّلُ التَّعْرِيفُ بِجُمْلَةِ الْأَجْزَاءِ نَحْوَ قَوْلِنَا الْإِنْسَانُ هُوَ الْحَيَوَانُ النَّاطِقُ وَالثَّانِي التَّعْرِيفُ بِالْفَصْلِ وَحْدَهُ وَهُوَ النَّاطِقُ وَالثَّالِثُ التَّعْرِيفُ بِالْجِنْسِ وَالْخَاصَّةِ كَقَوْلِنَا الْحَيَوَانُ الضَّاحِكُ وَالرَّابِعُ بِالْخَاصَّةِ وَحْدَهَا نَحْوَ قَوْلِنَا هُوَ الضَّاحِكُ وَالْخَامِسُ وَضْعُ أَحَدِ الْمُتَرَادِفَيْنِ مَوْضِعَ الْآخَرِ نَحْوَ مَا هُوَ الْبُرُّ فَتَقُولُ الْقَمْحُ
الْفَصْلُ الثَّانِي فِي تَفْسِيرِ أُصُولِ الْفِقْهِ
فَأَصْلُ الشَّيْءِ مَا مِنْهُ الشَّيْءُ لُغَةً وَرُجْحَانُهُ أَوْ دَلِيلُهُ اصْطِلَاحًا
فَمِنَ الْأَوَّلِ أَصْلُ السُّنْبُلَةِ الْبُرَّةُ وَمِنَ الثَّانِي الْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمَجَازِ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ وَمِنَ الثَّالِثِ أُصُولُ الْفِقْهِ أَيْ أَدِلَّتُهُ وَالْفِقْهُ هُوَ الْفَهْمُ وَالْعِلْمُ وَالشِّعْرُ وَالطِّبُّ لُغَةً وَإِنَّمَا اخْتَصَّ بَعْضُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ بِبَعْضِ الْعُلُومِ بِسَبَبِ الْعُرْفِ وَالْفِقْهُ فِي الِاصْطِلَاحِ هُوَ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ بِالِاسْتِدْلَالِ وَيُقَالُ فَقِهَ بِكَسْرِ الْقَافِ إِذَا فَهِمَ وَبِفَتْحِهَا إِذَا سَبَقَ غَيْرَهُ لِلْفَهْمِ وَبِضَمِّهَا إِذَا صَارَ الْفِقْهُ لَهُ سَجِيَّةً
الْفَصْلُ الثَّالِثُ الْفرق بَين الْوَضع والاستعمال وَالْحمل فَإِنَّهَا تَلْتَبِسُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ
فَالْوَضْعُ يُقَالُ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى جَعْلِ اللَّفْظِ دَلِيلًا عَلَى الْمَعْنَى كَتَسْمِيَةِ الْوَلَدِ زَيْدًا وَهَذَا هُوَ الْوَضْعُ اللُّغَوِيُّ وَعَلَى غَلَبَةِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى حَتَّى يَصِيرَ أَشْهَرَ فِيهِ مِنْ غَيْرِهِ وَهَذَا هُوَ وَضْعُ الْمَنْقُولَاتِ الثَّلَاثَةِ الشَّرْعِيِّ نَحْوَ الصَّلَاةِ وَالْعُرْفِيِّ الْعَامِّ نَحْوَ الدَّابَةِ وَالْعُرْفِيِّ الْخَاصِّ نَحْوَ الْجَوْهَرِ وَالْعَرَضِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالِاسْتِعْمَالُ إِطْلَاقُ اللَّفْظِ وَإِرَادَة عين مُسَمَّاة بالحكم وَهُوَ الْحَقِيقِيَّة أَوْ غَيْرِ مُسَمَّاهُ لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الْمَجَازُ وَالْحَمْلُ اعْتِقَادُ السَّامِعِ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ لَفْظِهِ أَوْ مَا اشْتَمَلَ عَلَى مُرَادِهِ فَالْمُرَادُ كَاعْتِقَادِ الْمَالِكِيِّ أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى أَرَادَ بِالْقُرْءِ الطُّهْرَ وَالْحَنَفِيِّ أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى أَرَادَ الْحيض والمشتمل نَحْو حمل الشَّافِعِي رحمه الله اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ عَلَى جُمْلَةِ مَعَانِيهِ عِنْدَ تَجَرُّدِهِ عَنِ الْقَرَائِنِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ احْتِيَاطًا
الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي الدَّلَالَةِ وَأَقْسَامِهَا
فَدَلَالَةُ اللَّفْظِ فَهْمُ السَّامِعِ مِنْ كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِ كَمَالَ الْمُسَمَّى أَوْ جُزْءَهُ أَوْ لَازِمَهُ وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ وَهِيَ فَهْمُ السَّامِعِ مِنْ كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِ كَمَالَ الْمُسَمَّى وَدَلَالَةُ التَّضَمُّنِ وَهِيَ فَهْمُ السَّامِعِ مِنْ كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِ جُزْءَ الْمُسَمَّى وَدَلَالَةُ الِالْتِزَامِ وَهِيَ فَهْمُ السَّامِعِ مِنْ كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِ لَازِمَ الْمُسَمَّى الْبَيِّنَ وَهُوَ اللَّازِمُ فِي الذِّهْنِ فَالْأَوَّلُ كَفَهْمِ مَجْمُوعِ الْخَمْسَتَيْنِ مِنْ لَفْظِ الْعَشَرَةِ وَالثَّانِي كَفَهْمِ الْخَمْسَةِ وَحْدَهَا مِنَ اللَّفْظِ وَالثَّالِثُ كَفَهْمِ الزَّوْجِيَّةِ مِنَ اللَّفْظِ وَالدَّلَالَةُ بِاللَّفْظِ هِيَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ إِمَّا فِي مَوْضُوعِهِ وَهُوَ الْحَقِيقَةُ أَوْ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الْمَجَازُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ هَذِهِ صِفَةٌ لِلْمُتَكَلِّمِ وَأَلْفَاظٌ قَائِمَةٌ بِاللِّسَانِ وَقَصَبَةِ الرِّئَةِ وَتِلْكَ صِفَةُ السَّامِعِ وَعِلْمٌ أَوْ ظَنٌّ قَائِمٌ بِالْقَلْبِ وَلِهَذَا نَوْعَانِ وَهُمَا الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ لَا يَعْرِضَانِ لِتِلْكَ وَأَنْوَاعُ تِلْكَ ثَلَاثَةٌ لَا تَعْرِضُ لِهَذِهِ
الْفَصْلُ الْخَامِسُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكُلِّيِّ وَالْجُزْئِيِّ
فَالْكُلِّيُّ هُوَ الَّذِي لَا يَمْنَعُ تَصَوُّرُهُ مِنْ وُقُوعِ الشَّرِكَةِ فِيهِ سَوَاءٌ امْتَنَعَ وُجُودُهُ كَالْمُسْتَحِيلِ أَوْ أَمْكَنَ وَلَمْ يُوجَدْ كَبَحْرٍ مِنْ زِئْبَقٍ أَوْ وُجِدَ وَلَمْ يَتَعَدَّدْ كَالشَّمْسِ أَوْ تَعَدَّدَ كَالْإِنْسَانِ وَقَدْ تَرَكْتُ قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا مُحَالٌ وَالثَّانِي أَدَبٌ وَالْجُزْئِيُّ هُوَ الَّذِي يَمْنَعُ تَصَوُّرُهُ مِنَ الشَّرِكَةِ فِيهِ
الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي أَسْمَاءِ الْأَلْفَاظِ
الْمُشْتَرَكُ هُوَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مَعْنَيَيْنِ فَأَكْثَرَ كَالْعَيْنِ وَقَوْلِنَا لِكُلِّ وَاحِدٍ احْتِرَازًا مِنْ أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ فَإِنَّهَا لِمَجْمُوعِ الْمَعَانِي لَا لِكُلِّ وَاحِدٍ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِنَا مُخْتَلِفِينَ فَإِنَّ الْوَضْعَ مُسْتَحِيلٌ لِلْمِثْلَيْنِ فَإِنَّ التَّعَيُّنَ إِنِ اعْتُبِرَ فِي التَّسْمِيَةِ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ كَانَا وَاحِدًا وَالْوَاحِدُ لَيْسَ بِمِثْلَيْنِ
والمتواطئ هُوَ اللَّفْظ الْمَوْضُوع لِمَعْنى كلي مستو فِي محاله كَالرّجلِ والمشكك هُوَ الْموضع لِمَعْنًى كُلِّيٍّ مُخْتَلَفٍ فِي مَحَالِّهِ إِمَّا بِالْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ كَالنُّورِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى السِّرَاجِ وَالشَّمْسِ أَوْ بِإِمْكَانِ التَّغَيُّرِ وَاسْتِحَالَتِهِ كَالْوُجُودِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْوَاجِبِ وَالْمُمْكِنِ أَوْ بِالِاسْتِغْنَاءِ وَالِافْتِقَارِ كَالْمَوْجُودِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجَوْهَرِ وَالْعَرَضِ وَالْمُتَرَادِفَةُ هِيَ الْأَلْفَاظُ الْكَثِيرَةُ لِمَعْنًى وَاحِد كالقمح وَالْبر وَالْحِنْطَة والمتباينة هِيَ الْأَلْفَاظ الْمَوْضُوع لكل وَاحِدٍ مِنْهَا لِمَعْنًى كَالْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ وَالطَّيْرِ وَلَوْ كَانَتْ لِلذَّاتِ وَالصِّفَةِ وَصِفَةِ الصِّفَةِ نَحْوَ زَيْدٌ مُتَكَلِّمٌ فَصِيحٌ وَالْمَنْقُولُ هُوَ اللَّفْظُ الَّذِي غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ الْأَوَّلِ حَتَّى صَارَ أَشْهَرَ مِنَ الْأَوَّلِ وَالْمُرْتَجَلُ هُوَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِمَعْنًى لَمْ يُسْبَقْ بِوَضْعٍ آخَرَ وَالْعَلَمُ هُوَ الْمَوْضُوعُ لِجُزْئِيٍّ كَزَيْدٍ وَالْمُضْمَرُ هُوَ اللَّفْظُ الْمُحْتَاجُ فِي تَفْسِيرِهِ إِلَى لَفْظٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ إِنْ كَانَ غَائِبًا أَوْ قَرِينَةِ تَكَلُّمٍ أَوْ خِطَابٍ فَقَوْلُنَا إِلَى لَفْظٍ احْتِرَازًا مِنْ أَلْفَاظِ الْإِشَارَةِ وَقَوْلِنَا مُنْفَصِلٍ عَنْهُ احْتِرَازًا مِنَ الْمَوْصُولَاتِ وَقَوْلُنَا قَرِينَةِ تَكَلُّمٍ أَوْ خِطَابٍ لِيَدْخُلَ ضَمِيرُ الْمُتَكَلِّمِ الْمُخَاطب وَالنَّص فِيهِ ثَلَاثَة اصْطِلَاحَات قيل هُوَ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى قَطْعًا وَلَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ قَطْعًا كَأَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ وَقِيلَ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى قَطْعًا وَإِنِ احْتَمَلَ غَيْرَهُ كَصِيَغِ الْجُمُوعِ فِي الْعُمُومِ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ قَطْعًا وَتَحْتَمِلُ الِاسْتِغْرَاقَ وَقِيلَ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى كَيْفَ كَانَ وَهُوَ غَالِبُ اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاء
وَالظَّاهِرُ هُوَ الْمُتَرَدِّدُ بَيْنَ احْتِمَالَيْنِ فَأَكْثَرَ هُوَ فِي أَحَدِهِمَا أَرْجَحُ وَالْمُجْمَلُ هُوَ الْمُتَرَدِّدُ بَيْنَ احْتِمَالَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى السَّوَاءِ ثُمَّ التَّرَدُّدُ قَدْ يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ كَالْمُشْتَرِكِ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ كَالْمُتَوَاطِئِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَشْخَاصٍ مُسَمَّاهٍ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَاده} فَهُوَ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَقِّ مُجْمَلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَقَادِيرِهِ وَالْمُبِينُ هُوَ مَا أَفَادَ مَعْنَاهُ إِمَّا بِسَبَبِ الْوَضْعِ أَوْ بِضَمِيمَةِ بَيَانٍ إِلَيْهِ وَالْعَامُّ هُوَ الْمَوْضُوعُ لِمَعْنًى كُلِّيٍّ بِقَيْدٍ تَتْبَعُهُ فِي مَحَالِّهِ نَحْوَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُطْلَقُ هُوَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِمَعْنًى كُلِّيٍّ نَحْوَ رَجُلٍ وَالْمُقَيَّدُ هُوَ اللَّفْظُ الَّذِي أُضِيفَ إِلَى مُسَمَّاهُ مَعْنًى زَائِدٌ عَلَيْهَا نَحْوَ رَجُلٍ صَالِحٍ وَالْأَمْرُ هُوَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِطَلَبِ الْفِعْلِ طَلَبًا جَازِمًا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعْلَاءِ نَحْوَ قُمْ وَالنَّهْيُ هُوَ الْمَوْضُوعُ لِطَلَبِ التَّرْكِ طَلَبًا جَازِمًا وَالِاسْتِفْهَامُ هُوَ طَلَبُ حَقِيقَةِ الشَّيْءِ وَالْخَبَرُ هُوَ الْمَوْضُوعُ لِلَفْظَيْنِ فَأَكْثَرَ أُسْنِدَ مُسَمَّى أَحَدِهِمَا إِلَى مُسَمَّى الْآخَرِ إِسْنَادًا يَقْبَلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ لِذَاتِهِ نَحْوَ زَيْدٌ قَائِمٌ
الْفَصْلُ السَّابِعُ الْفرق بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز وَأَقْسَامِهِمَا
فَالْحَقِيقَةُ هِيَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ فِي الْعُرْفِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ التَّخَاطُبُ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ لُغَوِيَّةٌ كَاسْتِعْمَالِ الْإِنْسَانِ فِي الْحَيَوَانِ النَّاطِقِ وَشَرْعِيَّةٌ كَاسْتِعْمَالِ لَفْظِ الصَّلَاةِ فِي الْأَفْعَالِ الْمَخْصُوصَةِ وَعُرْفِيَّةٌ عَامَّةٌ كَاسْتِعْمَالِ لَفْظِ
الدَّابَّةِ فِي الْحِمَارِ وَخَاصَّةً نَحْوَ اسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْجَوْهَرِ فِي الْمُتَحَيِّزِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ وَالْمَجَازُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ فِي الْعُرْفِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ التَّخَاطُبُ لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُمَا وَهُوَ يَنْقَسِمُ بِحَسَبِ الْوَاضِعِ إِلَى أَرْبَعَة حجاز لُغَوِيٍّ كَاسْتِعْمَالِ الْأَسَدِ فِي الرَّجُلِ الشُّجَاعِ وَشَرْعِيٍّ كَاسْتِعْمَالِ لَفْظِ الصَّلَاةِ فِي الدُّعَاءِ وَعُرْفِيٍّ عَامٍّ كَاسْتِعْمَالِ لَفْظِ الدَّابَّةِ فِي مُطْلَقِ مَا اتَّصَفَ بِالدَّبِيبِ وَخَاصٍّ كَاسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْجَوْهَرِ فِي النَّفِيسِ وَبِحَسَبِ الْمَوْضُوعِ لَهُ إِلَى مُفْرَدٍ نَحْوَ قَوْلِنَا أَسَدٌ لِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ وَإِلَى مُرَكَّبٍ كَقَوْلِهِ
(أَشَابَ الصَّغِير وأفنى الْكَبِير
…
كَرُّ الْغَدَاةِ وَمَرُّ الْعَشِي)
فَالْمُفْرَدَاتُ حَقِيقَةٌ وَإِسْنَادُ الْإِشَابَةِ وَالْإِفْنَاءِ إِلَى الْكَرِّ وَالْمَرِّ مَجَازٌ فِي التَّرْكِيبِ وَإِلَى مُفْرَدٍ وَمُرَكَّبٍ نَحْوَ قَوْلِهِمْ أَحْيَانِي اكْتِحَالِي بِطَلْعَتِكَ فَاسْتِعْمَالُ الْإِحْيَاءِ وَالِاكْتِحَالِ فِي السُّرُورِ وَالرُّؤْيَةِ مَجَازٌ فِي الْإِفْرَادِ وَإِضَافَةُ الْإِحْيَاءِ إِلَى الِاكْتِحَالِ مَجَازٌ فِي التَّرْكِيبِ فَإِنَّهُ مُضَافٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَبِحَسَبِ هَيْئَتِهِ إِلَى الْخَفِيِّ كَالْأَسَدِ للرجل الشجاع والجلي الرَّاجِح كالدابة للحمار وَهَهُنَا دَقِيقَةٌ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَجَازٍ رَاجِحٌ مَنْقُولٌ وَلَيْسَ كُلُّ مَنْقُولٍ مَجَازًا رَاجِحًا فَالْمَنْقُولُ أَعَمُّ مُطْلَقًا وَالْمَجَازُ الرَّاجِحُ أَخَصُّ مُطْلَقًا فَرْعٌ كُلُّ مَحَلٍّ قَامَ بِهِ مَعْنًى وَجَبَ أَنْ يُشْتَقَّ لَهُ مِنْ لَفْظِ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَفْظٌ وَيُمْتَنَعُ الِاشْتِقَاقُ لِغَيْرِهِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي الْأَمْرَيْنِ
فَإِنْ كَانَ الِاشْتِقَاقُ بِاعْتِبَارِ قِيَامِهِ فِي الِاسْتِقْبَالِ فَهُوَ مَجَازٌ إِجْمَاعًا نَحْوَ تَسْمِيَةِ الْعِنَبِ بِالْخَمْرِ أَوْ بِاعْتِبَارِ قِيَامِهِ فِي الْحَالِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ إِجْمَاعًا نَحْوَ تَسْمِيَةِ الْخَمْرِ خَمْرًا أَوْ بِاعْتِبَارِ الْمَاضِي فَفِي كَوْنِهِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا مَذْهَبَانِ أَصَحُّهُمَا الْمَجَازُ هَذَا إِذَا كَانَ مَحْكُومًا بِهِ أَمَّا إِذَا كَانَ مُتَعَلِّقَ الْحُكْمِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ مُطْلَقًا نَحْوَ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}
الْفَصْلُ الثَّامِنُ التَّخْصِيصُ
وَهُوَ إِخْرَاجُ بَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ الْعَامُّ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ فِي الزَّمَانِ إِنْ كَانَ الْمُخَصَّصُ لَفْظِيًّا أَوْ بِالْجِنْسِ إِنْ كَانَ عَقْلِيًّا قَبْلَ تَقَرُّرِ حُكْمِهِ فَقَوْلُنَا أَو مَا يقوم مقَامه احْتِرَاز مِنَ الْمَفْهُومِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُهُ التَّخْصِيصُ وَقَوْلُنَا فِي الزَّمَان احْتِرَاز مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَقَوْلُنَا بِالْجِنْسِ لِأَنَّ الْمُخَصَّصَ الْعَقْلِيَّ مُقَارَنٌ وَقَوْلُنَا قَبْلَ تَقَرُّرِ حُكْمِهِ احْتِرَازًا مِنْ أَنَّ يَعْمَلَ بِالْعَامِّ فَإِنَّ الْإِخْرَاجَ بَعْدَ هَذَا يَكُونُ نَسْخًا
الْفَصْلُ التَّاسِعُ فِي لَحْنِ الْخِطَابِ وَفَحْوَاهُ وَدَلِيلِهِ وَتَنْبِيهِهِ وَاقْتِضَائِهِ وَمَفْهُومِهِ
فَلَحْنُ الْخِطَابِ هُوَ دَلَالَةُ الِاقْتِضَاءِ وَهُوَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ الْتِزَامًا عَلَى مَا لَا يَسْتَقِلُّ الْحُكْمُ إِلَّا بِهِ وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ لَا يَقْتَضِيهِ وَضْعًا نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {وأوحينا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ} تَقْدِيرُهُ فَضَرَبَ فَانْفَلَقَ وَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ} إِلَى قَوْلِهِ {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا} تَقْدِيرُهُ فَأَتَيَاهُ وَقِيلَ هُوَ فَحْوَى الْخِطَابِ وَهُوَ خلاف لَفْظِي
قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَاللُّغَةُ تَقْتَضِي الِاصْطِلَاحَيْنِ وَقَالَ الْبَاجِيُّ هُوَ دَلِيلُ الْخِطَابِ وَهُوَ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ وَهُوَ إِثْبَاتُ نَقِيضِ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ بِهِ لِلْمَسْكُوتِ عَنْهُ وَهُوَ عَشَرَةُ أَنْوَاعٍ مَفْهُومُ الْعِلَّةِ نَحْوَ مَا أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ وَمَفْهُومُ الصِّفَةِ نَحْوَ قَوْلِهِ عليه السلام
فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الثَّانِي الْغِنَى وَالسَّوْمَ مُكَمِّلٌ لَهُ وَفِي الْأَوَّلِ الْعِلَّةُ عَيْنُ الْمَذْكُورِ وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ نَحْوَ مَنْ تَطَهَّرَ صحت صَلَاتُهُ وَمَفْهُومُ الِاسْتِثْنَاءِ نَحْوَ قَامَ الْقَوْمُ إِلَّا زَيْدًا وَمَفْهُومُ الْغَايَةِ نَحْوَ {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} وَمَفْهُومُ الْحَصْرِ نَحْوَ إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ وَمَفْهُومُ الزَّمَانِ نَحْوَ سَافَرْتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمَفْهُومُ الْمَكَانِ نَحْوَ جَلَسْتُ أَمَامَ زَيْدٍ وَمَفْهُومُ الْعَدَدِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} وَمَفْهُومُ اللَّقَبِ وَهُوَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَى مُجَرَّدِ أَسْمَاءِ الذَّوَاتِ نَحْوَ فِي الْغَنَمِ الزَّكَاةُ وَهُوَ أَضْعَفُهَا وَتَنْبِيهُ الْخِطَابِ وَهُوَ مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ عِنْدَ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ أَوِ الْمُخَالَفَةِ عِنْدَ غَيْرِهِ وَكِلَاهُمَا فحوى الْخطاب عِنْد الْبَاجِيّ فترادف تَنْبِيهُ الْخِطَابِ وَفَحْوَاهُ
وَمَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ لِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ إِثْبَاتُ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ بِهِ لِلْمَسْكُوتِ عَنْهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى كَمَا يَتَرَادَفُ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ وَدَلِيلُ الْخِطَابِ وَتَنْبِيهُهُ وَمَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا إِثْبَاتُهُ فِي الْأَكْثَرِ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {فَلَا تقل لَهما أُفٍّ} فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الضَّرْبِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَثَانِيهُمَا إِثْبَاتُهُ فِي الْأَقَلِّ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْك} فَإِنَّهُ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْأَمَانَةِ فِي الدِّرْهَمِ بِطَرِيقِ الأولى
الْفَصْل الْعَاشِر فِي الْحصْر
وَهُوَ إِثْبَاتُ نَقِيضِ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ بِهِ لِلْمَسْكُوتِ عَنْهُ بِصِيغَةِ إِنَّمَا وَنَحْوِهَا وَأَدَوَاتُهُ أَرْبَعٌ إِنَّمَا نَحْوَ إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ وَتَقَدَّمَ النَّفْيُ قَبْلَ إِلَّا نَحْوَ لَا يَقْبَلُ صَلَاةً إِلَّا بِطَهُورٍ وَالْمُبْتَدَأُ مَعَ الْخَبَرِ نَحْوَ قَوْلِهِ عليه السلام تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ فَالتَّحْرِيمُ مَحْصُورٌ فِي التَّكْبِير والتحليل محصورا فِي التَّسْلِيمِ وَكَذَلِكَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ وَتَقْدِيمُ الْمَعْمُولَاتِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} {وهم بأَمْره يعْملُونَ} أَيْ لَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاكَ وَهُمْ لَا يَعْمَلُونَ إِلَّا بِأَمْرِهِ وَهُوَ مُنْقَسِمٌ إِلَى حَصْرِ الْمَوْصُوفَاتِ فِي الصِّفَاتِ نَحْو إِنَّمَا زَيْدٌ عَالِمٌ وَإِلَى حصر
الصِّفَاتِ فِي الْمَوْصُوفَاتِ نَحْوَ إِنَّمَا الْعَالِمُ زَيْدٌ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَقَدْ يَكُونُ عَامًّا فِي الْمُتَعَلِّقِ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ وَقَدْ يَكُونُ خَاصًّا نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا أَنْت مُنْذر} أَيْ بِاعْتِبَارِ مَنْ لَا يُؤْمِنُ فَإِنَّ حَظَّهُ مِنْهُ الْإِنْذَارُ لَيْسَ إِلَّا فَهُوَ مَحْصُورٌ فِي إِنْذَارِهِ وَلَا وَصْفَ لَهُ غَيْرَ الْإِنْذَارِ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ وَإِلَّا فَهَذِهِ الصِّيغَةُ تَقْتَضِي حَصْرَهُ فِي النِّذَارَةِ فَلَا يُوصَفُ بِالْبِشَارَةِ وَلَا بِالْعِلْمِ وَلَا بِالشَّجَاعَةِ وَلَا بِصِفَةٍ أُخْرَى وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُمْ زَيْدٌ صَدِيقِي وَصَدِيقِي زَيْدٌ فَالْأَوَّلُ يَقْتَضِي حَصْرَ زَيْدٍ فِي صَدَاقَتِكَ فَلَا يُصَادِقُ غَيْرَكَ وَأَنْتَ يَجُوزُ أَنْ تُصَادِقَ غَيْرَهُ وَالثَّانِي يَقْتَضِي حَصْرَ صَدَاقَتِكَ فِيهِ وَهُوَ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي صَدَاقَتِكَ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُصَادِقَ غَيْرَكَ عَلَى عَكْسِ الْأَوَّلِ
الْفَصْلُ الْحَادِيَ عَشَرَ خَمْسُ حَقَائِقَ لَا تَتَعَلَّقُ إِلَّا بِالْمُسْتَقْبَلِ مِنَ الزَّمَانِ وبالمعدوم وَهِيَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالدُّعَاءُ وَالشَّرْطُ وَجَزَاؤُهُ
الْفَصْلُ الثَّانِيَ عَشَرَ حُكْمُ الْعَقْلِ بِأَمْرٍ عَلَى أَمْرٍ إِمَّا غير جازم
أَو جازم وَالِاحْتِمَالَاتُ إِمَّا مُسْتَوِيَةٌ فَهُوَ الشَّكُّ أَوْ بَعْضُهَا رَاجِحٌ وَهُوَ الظَّنُّ وَالْمَرْجُوحُ وَهْمٌ وَالْجَازِمُ إِمَّا غَيْرُ مُطَابِقٍ وَهُوَ الْجَهْلُ الْمُرَكَّبُ أَوْ مُطَابِقٌ وَهُوَ إِمَّا لِغَيْرِ مُوجِبٍ وَهُوَ التَّقْلِيدُ أَوْ لِمُوجِبٍ وَهُوَ إِمَّا عَقْلٌ وَحْدَهُ فَإِنِ اسْتَغْنَى عَنِ الْكَسْبِ فَهُوَ الْبَدِيهِيُّ وَإِلَّا فَهُوَ النَّظَرِيُّ أَوْ حِسٌّ وَحْدَهُ وَهُوَ الْمَحْسُوسَاتُ الْخَمْسُ أَوْ مُرَكَّبٌ مِنْهُمَا وَهُوَ الْمُتَوَاتِرَاتُ وَالتَّجْرِيبِيَّاتُ وَالْحَدْسِيَّاتُ وَالْوِجْدَانِيَّاتُ أَشْبَهُ بِالْمَحْسُوسَاتِ فَتَنْدَرِجُ مَعَهَا
الْفَصْلُ الثَّالِثَ عَشَرَ فِي الحكم وأقسامه
الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ هُوَ خِطَابُ اللَّهِ الْقَدِيمُ الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ بِالِاقْتِضَاءِ أَوِ التَّخْيِيرِ فَالْقَدِيمُ احْتِرَازًا مِنْ نُصُوصِ أَدِلَّةِ الْحُكْمِ فَإِنَّهَا خِطَابُ اللَّهِ وَلَيْسَتْ حُكْمًا وَإِلَّا اتَّحَدَ الدَّلِيلُ وَالْمَدْلُولُ وَهِيَ مُحْدَثَةُ وَالْمُكَلَّفِينَ احْتِرَازًا مِنَ الْمُتَعَلِّقِ بِالْجَمَادِ وَغَيْرِهِ وَالِاقْتِضَاءِ احْتِرَازًا مِنَ الْخَبَرِ وَقَوْلُنَا أَوِ التَّخْيِيرِ ليدْخل الْمُبَاحُ وَاخْتُلِفَ فِي أَقْسَامِهِ فَقِيلَ خَمْسَةٌ الْوُجُوبُ وَالتَّحْرِيمُ وَالنَّدْبُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْإِبَاحَةُ وَقِيلَ أَرْبَعَةٌ وَالْمُبَاحُ لَيْسَ مِنَ الشَّرْعِ وَقِيلَ اثْنَانِ التَّحْرِيمُ وَالْإِبَاحَةُ وَفُسِّرَتْ بِجَوَازِ الْإِقْدَامِ الَّذِي يَشْمَلُ الْوُجُوبَ وَالنَّدْبَ وَالْكَرَاهَةَ وَالْإِبَاحَةَ وَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ يَتَخَرَّجُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم
أَبْغَضُ الْمُبَاحِ إِلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ
فَإِنَّ الْبِغْضَةَ تَقْتَضِي رُجْحَان طرف التَّرْكِ وَالرُّجْحَانُ مَعَ التَّسَاوِي مُحَالٌ وَالْوَاجِبُ مَا ذُمَّ تَارِكُهُ شَرْعًا وَالْمُحَرَّمُ مَا ذُمَّ فَاعِلُهُ شَرْعًا وَقَيْدُ الشَّرْعِ احْتِرَازًا مِنَ الْعُرْفِ وَالْمَنْدُوبُ مَا رُجِّحَ فِعْلُهُ عَلَى تَرْكِهِ شَرْعًا مِنْ غير ذمّ وَالْمَكْرُوه مَا رجح عَلَى فِعْلِهِ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ ذَمٍّ وَالْمُبَاحُ مَا اسْتَوَى طَرَفَاهُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ تَنْبِيهٌ لَيْسَ كُلُّ وَاجِبٍ يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَلَا كُلُّ مُحَرَّمٍ يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فكنفقات الزَّوْجَات والأقارب وَالدَّوَاب ورد المغضوب وَالْوَدَائِعِ وَالدُّيُونِ وَالْعَوَارِي فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ وَإِذَا فَعَلَهَا الْإِنْسَانُ غَافِلًا عَنِ امْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا وَقَعَتْ وَاجِبَةً مُجْزِئَةً مُبَرِّئَةً لِلذِّمَّةِ وَلَا ثَوَاب
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمُحَرَّمَاتِ يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ عَنْ عُهْدَتِهَا بِمُجَرَّدِ تَرْكِهَا وَإِنْ لَمْ يَشْعُرْ بِهَا فَضْلًا عَنِ الْقَصْدِ إِلَيْهَا حَتَّى يَنْوِيَ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا فَلَا ثَوَابَ حِينَئِذٍ نَعَمْ مَتَى اقْتَرَنَ قَصْدُ الِامْتِثَالِ فِي الْجَمِيعِ حَصَلَ الثَّوَابُ
الْفَصْلُ الرَّابِعَ عَشَرَ فِي أَوْصَافِ الْعِبَادَة وَهِيَ خَمْسَةٌ
الْأَوَّلُ الْأَدَاءُ وَهُوَ إِيقَاعُ الْعِبَادَةِ فِي وَقْتِهَا الْمُعَيَّنِ لَهَا شَرْعًا لِمَصْلَحَةٍ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْوَقْتُ فَقَوْلُنَا فِي وَقْتِهَا احْتِرَازًا مِنَ الْقَضَاءِ وَقَوْلُنَا شَرْعًا احْتِرَازًا مِنَ الْعُرْفِ وَقَوْلُنَا لِمَصْلَحَةٍ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْوَقْتُ احْتِرَازًا مِنْ تَعْيِينِ الْوَقْتِ لِمَصْلَحَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ لَا لِمَصْلَحَةٍ فِي الْوَقْتِ كَمَا إِذَا قُلْنَا الْأَمْرُ لِلْفَوْرِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ الزَّمَنُ الَّذِي يَلِي وُرُودَ الْأَمْرِ وَلَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ أَدَاءً فِي وَقْتِهِ وَلَا قَضَاءً بعد وقته كمن بَادَرَ لِإِزَالَةِ مُنْكَرٍ أَوْ إِنْقَاذِ غَرِيقٍ فَإِنَّ الْمصلحَة هَهُنَا فِي الْإِنْقَاذِ سَوَاءٌ كَانَ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَوْ غَيْرِهِ وَأَمَّا تَعْيِينُ أَوْقَاتِ الْعِبَادَاتِ فَنَحْنُ نَعْتَقِدُ أَنَّهَا لِمَصَالِحَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا هَذِهِ الْأَوْقَاتُ وَإِنْ كُنَّا لَا نَعْلَمُهَا وَهَكَذَا كُلُّ تَعَبُّدِيٍّ مَعْنَاهُ أَنَّا لَا نَعْلَمُ مصلحَة لَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ طَرْدًا لِقَاعِدَةِ الشَّرْعِ فِي عَادَتِهِ فِي رِعَايَةِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ على سَبِيل التَّفْضِيل فقد تلخص أَن التعييين فِي الْفَوْرِيَّاتِ لِتَكْمِيلِ مَصْلَحَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَفِي الْعِبَادَات لمصَالح فِي الْأَوْقَاتِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ الثَّانِي الْقَضَاءُ وَهُوَ إِيقَاعُ الْعِبَادَةِ خَارِجَ وَقْتِهَا الَّذِي عَيَّنَهُ الشَّرْعُ لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ تَنْبِيهٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَضَاءِ تَقَدُّمُ الْوُجُوبِ بَلْ تَقَدَّمَ سَبَبُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَالْمَازِرِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْمُحَقِّقِينَ خِلَافًا لِلْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّ الْحَائِضَ تَقْضِي مَا حَرُمَ عَلَيْهَا فِعْلُهُ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ وَالْحَرَامُ لَا يَتَّصِفُ بِالْوُجُوبِ وَبَسْطُ ذَلِكَ فِي الطَّهَارَةِ فِي مَوَانِعِ الْحَيْضِ مَذْكُورٌ
ثُمَّ تَقَدُّمُ السَّبَبِ قَدْ يَكُونُ مَعَ الْإِثْمِ كَالْمُتَعَمِّدِ الْمُتَمَكِّنِ وَقَدْ لَا يَكُونُ كَالنَّائِمِ وَالْحَائِضِ وَالْمُزِيلُ لِلْإِثْمِ قَدْ يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ كَالسَّفَرِ وَقَدْ لَا يَكُونُ كَالْحَيْضِ وَقَدْ يَصِحُّ مَعَهُ الْأَدَاءُ كَالْمَرَضِ وَقَدْ لَا يَصِحُّ إِمَّا شَرْعًا كَالْحَيْضِ أَوْ عَقْلًا كَالنَّوْمِ فَائِدَةٌ الْعِبَادَةُ قَدْ تُوصَفُ بِالْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَقَدْ لَا تُوصَفُ بِهِمَا كَالنَّوَافِلِ وَقَدْ تُوصَفُ بِالْأَدَاءِ وَحْدَهُ كَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ الثَّالِثُ الْإِعَادَةُ وَهِيَ إِيقَاعُ الْعِبَادَةِ فِي وَقْتِهَا بَعْدَ تَقَدُّمِ إِيقَاعِهَا عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْخَلَلِ ثُمَّ الْخَلَلُ قَدْ يَكُونُ فِي الصِّحَّةِ كَمَنْ صَلَّى بِدُونِ شَرْطٍ أَوْ رُكْنٍ وَقَدْ يَكُونُ فِي الْكَمَالِ كَالْمُنْفَرِدِ بِالصَّلَاةِ الرَّابِعُ الصِّحَّةُ وَهِيَ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ مَا وَافَقَ الْأَمْرَ وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ مَا أَسْقَطَ الْقَضَاءَ وَالْبُطْلَانُ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ فَصَلَاةُ مَنْ ظَنَّ الطَّهَارَةَ وَهُوَ مُحْدِثٌ صَحِيحَةٌ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ طَهَارَتُهُ وَقَدْ فَعَلَ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْأَمْرِ وَبَاطِلَةٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِكَوْنِهَا لَمْ تَمْنَعْ مِنْ تَرَتُّبِ الْقَضَاءِ وَأَمَّا فَسَادُ الْعُقُودِ فَهُوَ خَلَلٌ يُوجِبُ عَدَمَ تَرَتُّبِ آثَارِهَا عَلَيْهَا إِلَّا أَنْ تلْحق بهَا عوارض على أصولنا يَأْتِي فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ وَغَيْرِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
الْخَامِسُ الْإِجْزَاءُ وَهُوَ كَوْنُ الْفِعْلِ كَافِيًا فِي الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ وَقِيلَ مَا أَسْقَطَ الْقَضَاءُ
الْفَصْلُ الْخَامِسَ عَشَرَ فِيمَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْأَحْكَام
وَهُوَ ثَلَاثَةٌ السَّبَبُ وَالشَّرْطُ وَانْتِفَاءُ الْمَانِعِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ الْأَحْكَامَ وَشَرَعَ لَهَا أَسْبَابًا وَشُرُوطًا وَمَوَانِعَ وَوَرَدَ خِطَابُهُ عَلَى قِسْمَيْنِ خِطَابُ تَكْلِيفٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ وَقُدْرَتُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ كَالْعِبَادَاتِ وَخِطَابُ وَضْعٍ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْخِطَابُ بِكَثِيرٍ مِنَ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَامًّا فِيهَا فَلِذَلِكَ تُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمَجَانِينِ وَالْغَافِلِينَ بِسَبَبِ الْإِتْلَافِ لِكَوْنِهِ مِنْ بَابِ الْوَضْعِ الَّذِي مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ إِذَا وَقَعَ هَذَا فِي الْوُجُودِ فَاعْلَمُوا أَنِّي حَكَمْتُ بِكَذَا وَمِنْ ذَلِكَ الطَّلَاقُ بِالْإِضْرَارِ وَالْإِعْسَارِ وَالتَّوْرِيثُ بِالْأَنْسَابِ وَقَدْ يُشْتَرَطُ فِي السَّبَبِ الْعِلْمُ كَإِيجَابِ الزِّنَا لِلْحَدِّ وَالْقَتْلِ لِلْقِصَاصِ إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَقُولُ السَّبَبُ مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لِذَاتِهِ فَالْأَوَّلُ احْتِرَازٌ مِنَ الشَّرْطِ وَالثَّانِي احْتِرَازٌ مِنَ الْمَانِعِ وَالثَّالِثُ احْتِرَازٌ مِنْ مُقَارَنَتِهِ فُقْدَانَ الشَّرْطِ أَوْ وُجُودَ الْمَانِعِ فَلَا يَلْزَمُ من وجود الْوُجُودُ أَوْ إِخْلَافُهُ بِسَبَبٍ آخَرَ فَلَا يَلْزَمُ مَنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَالشَّرْطُ مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَلَا الْعَدَمُ لِذَاتِهِ فَالْأَوَّلُ احْتِرَازٌ مِنَ الْمَانِعِ وَالثَّانِي احْتِرَازٌ مِنَ السَّبَبِ وَالْمَانِعِ أَيْضًا وَالثَّالِثُ احْتِرَازٌ مِنْ مُقَارَنَتِهِ لِوُجُودِ السَّبَبِ فَيَلْزَمُ الْوُجُودُ عِنْدَ وُجُودِهِ أَوْ قِيَامِ الْمَانِعِ فَيُقَارِنُ الْعَدَمَ وَالْمَانِعُ مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ فَالْأَوَّلُ احْتِرَازٌ مِنَ السَّبَبِ وَالثَّانِي احْتِرَازٌ مِنَ الشَّرْطِ وَالثَّالِثُ احْتِرَازٌ مِنْ
مُقَارَنَةِ عَدَمِهِ لِوُجُودِ السَّبَبِ فَالْمُعْتَبَرُ مِنَ الْمَانِعِ وَجُودُهُ وَمِنَ الشَّرْطِ عَدَمُهُ وَمِنَ السَّبَبِ وُجُودُهُ وَعَدَمه
(فَوَائِد خمس)
الأول الشَّرْطُ وَجُزْءُ الْعِلَّةِ كِلَاهُمَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ فَهُمَا يَلْتَبِسَانِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ جُزْءَ الْعِلَّةِ مُنَاسِبٌ فِي ذَاتِهِ وَالشَّرْطَ مُنَاسِبٌ فِي غَيْرِهِ كَجُزْءِ النِّصَابِ فَإِنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى بَعْضِ الْغِنَى فِي ذَاتِهِ وَدَوَرَانُ الْحَوْلِ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْغِنَى وَإِنَّمَا هُوَ مُكَمِّلٌ لِلْغَنِيِّ الْكَائِنِ فِي النِّصَابِ الثَّانِيَةُ إِذَا اجْتَمَعَتْ أَجْزَاءُ الْعِلَّةِ تَرَتَّبَ الْحُكْمُ وَإِذَا اجْتَمَعَتِ الْعِلَلُ الْمُسْتَقِلَّةُ ترَتّب الحكم أَيْضا فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ جُزْءُ عِلَّةٍ وَبَيْنَ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ؟ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ جُزْءَ الْعِلَّةِ إِذَا انْفَرَدَ لَا يَثْبُتُ مَعَهُ الْحُكْمُ كَأَحَدِ أَوْصَافِ الْقَتْلِ الْعمد والعدوان فَإِن الْمَجْمُوع يسبب الْقِصَاصَ وَإِذَا انْفَرَدَ جُزْؤُهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ قِصَاصٌ وَالْوَصْفُ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ إِذَا اجْتَمَعَ مَعَ غَيْرِهِ تَرَتَّبَ الْحُكْمُ وَإِذَا انْفَرَدَ تَرَتَّبَ مَعَهُ الْحُكْمُ أَيْضًا كَإِيجَابِ الْوُضُوءِ عَلَى مَنْ لَامَسَ وَبَالَ وَنَامَ وَإِذَا انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا وَجَبَ الْوُضُوءُ أَيْضًا الثَّالِثَةُ الْحُكْمُ كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ سَبَبِهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ شَرْطِهِ فَبِمَ يُعْلَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؟ يُعْلَمُ بِأَنَّ السَّبَبَ مُنَاسِبٌ فِي ذَاتِهِ وَالشَّرْطَ مُنَاسِبٌ فِي غَيْرِهِ كَالنِّصَابِ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْغِنَى فِي ذَاتِهِ وَالْحَوَلُ مُكَمِّلٌ لِحِكْمَةِ الْغِنَى فِي النِّصَابِ بِالتَّمَكُّنِ مِنَ التَّنْمِيَةِ الرَّابِعَةُ الْمَوَانِعُ الشَّرْعِيَّةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مِنْهَا مَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ وَاسْتِمْرَارَهُ وَمِنْهَا مَا يمْنَع ابْتِدَاء فَقَطْ وَمِنْهَا مَا اخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يَلْحَقُ بِالْأَوَّلِ أَوْ بِالثَّانِي فَالْأَوَّلُ كَالرَّضَاعِ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ وَاسْتِمْرَارَهُ إِذَا طَرَأَ عَلَيْهِ وَالثَّانِي
كَالِاسْتِبْرَاءِ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ وَلَا يُبْطِلُ اسْتِمْرَارَهُ إِذَا طَرَأَ عَلَيْهِ وَالثَّالِثُ كَالْإِحْرَامِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الصَّيْدِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الصَّيْدِ ابْتِدَاءً فَإِنْ طَرَأَ على الصَّيْد فَهَل تجب إِزَالَة الْيَد عَنهُ؟ خِلَافٌ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ وَكَالطَّوْلِ يَمْنَعُ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ ابْتِدَاءً فَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ فَهَلْ يُبْطِلُهُ؟ فِيهِ خِلَافٌ وَكَوُجُودِ الْمَاءِ يَمْنَعُ التَّيَمُّمَ ابْتِدَاءً فَلَوْ طَرَأَ بَعْدَهُ فَهَلْ يُبْطِلُهُ؟ فِيهِ خِلَافٌ الْخَامِسَةُ الشُّرُوطُ اللُّغَوِيَّةُ أَسْبَابٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا الْوُجُودُ وَمَنْ عَدِمَهَا الْعَدَمُ بِخِلَافِ الشُّرُوطِ الْعَقْلِيَّةِ كَالْحَيَاةِ مَعَ الْعِلْمِ وَالشَّرْعِيَّةِ كَالطَّهَارَةِ مَعَ الصَّلَاةِ وَالْعَادِيَّةِ كَالْغِذَاءِ مَعَ الْحَيَاةِ فِي بَعْضِ الْحَيَوَان
السَّادِسَ عَشَرَ الرُّخْصَةُ
جَوَازُ الْإِقْدَامِ عَلَى الْفِعْلِ مَعَ اشْتِهَارِ الْمَانِعِ مِنْهُ شَرْعًا وَالْعَزِيمَةُ طَلَبُ الْفِعْلِ الَّذِي لَمْ يَشْتَهِرْ فِيهِ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ ثُمَّ الرُّخْصَةُ قَدْ تَنْتَهِي لِلْوُجُوبِ كَأَكْلِ الْمُضْطَرِّ لِلْمَيْتَةِ وَقَدْ لَا تَنْتَهِي كَإِفْطَارِ الْمُسَافِرِ وَقَدْ يُبَاحُ سَبَبُهَا كَالسَّفَرِ وَقَدْ لَا يُبَاحُ كَالْغُصَّةِ لِشُرْبِ الْخَمْرِ
السَّابِعَ عَشَرَ فِي الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ
حسن الشَّيْء وقبحه يُرَاد بهما مَا لاءم الطَّبْع اَوْ نافره نَحْو إنقاذ الْغَرْقَى وَاتِّهَامِ الْأَبْرِيَاءِ أَوْ كَوْنُهُ صِفَةَ كَمَالٍ أَوْ نَقْصٍ نَحْوَ الْعِلْمُ حَسَنٌ وَالْجَهْلُ قَبِيحٌ أَوْ كَوْنُهُ مُوجِبًا لِلْمَدْحِ أَوِ الذَّمِّ الشَّرْعِيَّيْنِ وَالْأَوَّلَانِ عَقْلِيَّانِ إِجْمَاعًا وَالثَّالِثُ شَرْعِيٌّ عِنْدَنَا لَا يُعْلَمُ وَلَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالشَّرْعِ فَالْقَبِيحُ مَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَالْحَسَنُ مَا لَمْ ينْه سُبْحَانَهُ عَنْهُ وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ هُوَ عَقْلِيٌّ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى وُرُودِ الشَّرَائِعِ بَلِ الْعَقْلُ اقْتَضَى ثُبُوتَهُ قَبْلَ الرُّسُلِ وَإِنَّمَا الشَّرَائِعُ مُؤَكِّدَةٌ لِحُكْمِ الْعَقْلِ فِيمَا عَلِمَهُ ضَرُورَةً كَالْعِلْمِ بِحُسْنِ الصِّدْقِ النَّافِعِ وَقُبْحِ الْكَذِبِ الضَّارِّ أَوْ نَظَرًا كَحُسْنِ الصِّدْقِ الضَّارِّ وَقُبْحِ الْكَذِبِ النَّافِعِ أَوْ مُظْهِرَةٌ لِمَا لَمْ يَعْلَمْهُ الْعَقْلُ ضَرُورَةً وَلَا نَظَرًا كَوُجُوبِ آخَرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَتَحْرِيمِ أَوَّلِ يَوْمٍ من شَوَّال وَعِنْدنَا
الشَّرْع الْوَارِد منشىء لِلْجَمِيعِ فَعَلَى رَأْيِنَا لَا يَثْبُتُ حُكْمٌ قَبْلَ الشَّرْعِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّ كُلَّ مَا يثبت بَعْدَ الشَّرْعِ فَهُوَ ثَابِتٌ قَبْلَهُ وَخِلَافًا لِلْأَبْهَرِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا الْقَائِلِ بِالْحَظْرِ مُطْلَقًا وَلِأَبِي الْفَرَجِ الْقَائِلِ بِالْإِبَاحَةِ مُطْلَقًا وَكَذَلِكَ قَالَ بِقَوْلِهِمَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ فِيمَا لَمْ يَطَّلِعِ الْعَقْلُ عَلَى حَالِهِ كَآخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ لَنَا قَوْلُهُ تَعَالَى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} نُفِيَ التَّعْذِيبُ قَبْلَ الْبَعْثَةِ فَيَنْتَفِي مَلْزُومُهُ وَهُوَ الْحُكْمُ فَإِنْ قِيلَ بِأَنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ حُسْنَ الْإِحْسَانِ وَقُبْحَ الْإِسَاءَةِ قُلْنَا مَحَلُّ الضَّرُورَةِ مَوْرِدُ الطِّبَاعِ وَلَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ
الثَّامِنَ عَشَرَ فِي بَيَان الْحُقُوق
فَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ وَحَقُّ الْعَبْدِ مَصَالِحُهُ وَالتَّكَالِيفُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَقَط كالإيمان وَحقّ للعباد فَقَطْ كَالدِّيُونِ وَالْأَثْمَانِ وَقِسْمٌ اخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يَغْلِبُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقُّ الْعَبْدِ كَحَدِّ الْقَذْفِ وَنَعْنِي بِحَقِّ الْعَبْدِ الْمَحْضِ أَنَّهُ لَوْ أَسْقَطَهُ لَسَقَطَ وَإِلَّا فَمَا مِنْ حَقٍّ لِلْعَبْدِ إِلَّا وَفِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ أَمْرُهُ بِإِيصَالِ ذَلِكَ الْحَقِّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ
التَّاسِع عشر فِي بَيَان الْخُصُوص والعموم وَالْمُسَاوَاةِ وَالْمُبَايَنَةِ وَأَحْكَامِهَا
الْحَقَائِقُ كُلُّهَا أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ إِمَّا مُتَسَاوِيَانِ وَهُمَا اللَّذَانِ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وُجُودُ الْآخَرِ وَمِنْ عَدَمِهِ عَدَمُهُ كَالرَّجْمِ وَزِنَا الْمُحْصَنِ وَإِمَّا مُتَبَايِنَانِ وَهُمَا اللَّذَانِ لَا يَجْتَمِعُ أَحَدُهُمَا مَعَ الْآخَرِ فِي مَحَلٍّ كَالْإِسْلَامِ وَالْجِزْيَةِ وَإِمَّا أَعَمُّ مُطْلَقًا أَوْ أَخَصُّ مُطْلَقًا وَهُمَا اللَّذَانِ يُوجَدُ أَحَدُهُمَا مَعَ وُجُودِ كُلِّ أَفْرَادِ الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ كَالْغُسْلِ وَالْإِنْزَالِ الْمُعْتَبَرِ فَإِنَّ الْغُسْلَ أَعَمُّ مُطْلَقًا والإنزال أخص مُطلقًا أَو يكون كل وَاحِد مِنْهُمَا أَعَمَّ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصَّ مِنْ وَجْهٍ وَهُمَا اللَّذَانِ يُوجَدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ الْآخَرِ وَبِدُونِهِ كَحِلِّ النِّكَاحِ مَعَ ملك الْيَمين فيوجد حل النِّكَاح بِدُونِ
الْمَالِك فِي الْحَرَائِرِ وَيُوجَدُ الْمِلْكُ بِدُونِ حِلِّ النِّكَاحِ فِي مَوْطُوءَاتِ الْآبَاءِ مِنَ الْإِمَاءِ وَيَجْتَمِعَانِ مَعًا فِي الْأَمَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا مَانِعٌ فَيُسْتَدَلُّ بِوُجُودِ الْمُسَاوِي عَلَى وُجُودِ مُسَاوِيهِ وَبِعَدَمِهِ عَلَى عَدمه وبوجود الْأَخَص على وجود الْأَعَمّ وينفي الْأَعَمِّ عَلَى نَفْيِ الْأَخَصِّ وَبِوُجُودِ الْمُبَايِنِ عَلَى عَدَمِ مُبَايِنِهِ وَلَا دَلَالَةَ فِي الْأَعَمِّ مِنْ وَجْهٍ مُطْلَقًا وَلَا فِي عَدَمِ الْأَخَصِّ وَلَا وُجُودِ الْأَعَمِّ الْعِشْرُونَ الْمَعْلُومَاتُ كُلُّهَا أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ نَقِيضَانِ وَهُمَا اللَّذَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يَرْتَفِعَانِ كَوُجُودِ زَيْدٍ وَعَدَمِهِ وَخِلَافَانِ وَهُمَا اللَّذَانِ يَجْتَمِعَانِ وَيَرْتَفِعَانِ كَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَضِدَّانِ وَهُمَا اللَّذَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ وَيُمكن ارتفاعهما مَعَ الْخلاف فِي الْحَقِيقَةِ كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَمِثْلَانِ وَهُمَا اللَّذَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ وَيُمْكِنُ ارْتِفَاعُهُمَا مَعَ تَسَاوِي الْحَقِيقَةِ كالبياض وَالْبَيَاض
(الْبَابُ الثَّانِي فِي مَعَانِي حُرُوفٍ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا الْفَقِيه)
الْوَاو لمُطلق الْجمع فِي الْفِعْل دُونَ التَّرْتِيبِ فِي الزَّمَانِ وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ وَالتَّرْتِيبِ نَحْوَ سَهَا فَسَجَدَ ثُمَّ لِلتَّرَاخِي وَحَتَّى وَإِلَى للغاية وَفِي للظرفية والسببية نَحْو قَوْله صلى الله عليه وسلم
فِي النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ
وَاللَّامُ لِلتَّمْلِيكِ نَحْوَ الْمَالِ لِزَيْدٍ وَالِاخْتِصَاصِ نَحْوَ هَذَا ابْنٌ لِزَيْدٍ وَالِاسْتِحْقَاقِ نَحْوَ هَذَا السَّرْجُ لِلدَّابَّةِ وَالتَّعْلِيل نَحوه هَذِهِ الْعُقُوبَةُ لِلتَّأْدِيبِ وَالتَّأْكِيدِ نَحْو إِنَّ زَيْدًا لقائم وَالْقسم نَحْو قَوْله تَعَالَى {لنسفعا بالناصية} وَالْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ نَحْوَ مَرَرْتُ بِزَيْدٍ وَالِاسْتِعَانَةِ نَحْوَ كَتَبْتُ بِالْقَلَمِ وَالتَّعْلِيلِ نَحْوَ سَعِدْتُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَالتَّبْعِيضِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَهُوَ مُنْكَرٌ عِنْدَ أَئِمَّةِ اللُّغَة أَو إِمَّا لِلتَّخْيِيرِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِك صياما} أَوْ لِلْإِبَاحَةِ نَحْوَ أَصْحَبُ الْعُلَمَاءَ أَوِ الزُّهَّادَ فَلَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ أَوْ لِلشَّكِّ نَحْوَ جَاءَنِي زَيْدٌ أَوْ عَمْرٌو أَوْ لِلْإِبْهَامِ نَحْو جَاءَنِي زيدا أَو
عَمْرٌو وَكُنْتَ عَالِمًا بِالْآتِي مِنْهُمَا وَإِنَّمَا أَرَدْتَ التَّلْبِيسَ عَلَى السَّامِعِ بِخِلَافِ الشَّكِّ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ نَحْوَ الْعَدَدِ إِمَّا زَوْجٌ أَوْ فَرْدٌ أَيْ هُوَ متنوع إِلَى هذَيْن النَّوْعَيْنِ وَإِن وكل مَا تضمن مَعْنَاهُ لِلشَّرْطِ نَحْوَ إِنْ جَاءَ زَيْدٌ جَاءَ عَمْرٌو وَمَنْ دَخَلَ دَارِي فَلَهُ دِرْهَمٌ وَمَا تَصْنَعْ أصنع وَأي شَيْء يفعل أفعل وَمَتى قدمت سعدت وَأَيْنَ تجْلِس أَجْلِس وَلَو مِثْلَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ فِي الشَّرْطِ نَحْوَ لَوْ جَاءَ زَيْدٌ أَكْرَمْتُهُ وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الشَّيْءِ لِانْتِفَاءِ غَيْرِهِ فَمَتَى دَخَلَتْ عَلَى ثُبُوتَيْنِ فهما منفيان وَمَتى دخلت على نفيين فهما ثابتان وَمَتَى دَخَلَتْ عَلَى نَفْيٍ وَثُبُوتٍ فَالثَّابِتُ مَنْفِيٌّ وَالْمَنْفِيُّ ثَابِتٌ وَلَوْلَا تَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الشَّيْءِ لوُجُود غَيره لأجل أَن لَا يَثْبُتَ النَّفْيُ الْكَائِنُ مَعَ لَوْ فَصَارَ ثُبُوتًا وَإِلَّا فَحكم لَو لم ينْتَقض فَقَوله صلى الله عليه وسلم
لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ
يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْأَمر لأجل وجود الْمَشَقَّةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى تَقْدِيرِ وُرُودِ الْأَمْرِ وَبَلْ لِإِبْطَالِ الْحُكْمِ عَنِ الْأَوَّلِ وَإِثْبَاتِهِ لِلثَّانِي نَحْوَ جَاءَ زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو وَعَكْسُهَا لَا نَحْوَ زَيْدٌ لَا عَمْرٌو وَلَكِنْ لِلِاسْتِدْرَاكِ بَعْدَ النَّفْيِ نَحْوَ مَا جَاءَ زِيدٌ لَكِنْ عَمْرٌو وَلَا بُدَّ أَنْ يَتَقَدَّمَهَا نَفْيٌ فِي الْمُفْرَدَاتِ أَوْ يَحْصُلَ تَنَاقُضٌ بَيْنَ الْمُرَكَّبَاتِ وَالْعَدَدُ يُذَكَّرُ فِيهِ الْمُؤَنَّثُ وَيُؤَنَّثُ فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَلِذَلِكَ قُلْنَا إِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوء} الْأَطْهَارُ دُونَ الْحُيَّضِ لِأَنَّ الطُّهْرَ مُذَكَّرٌ وَالْحَيْضَةَ مُؤَنَّثَةٌ وَقَدْ وَرَدَ النَّصُّ بِصِيغَةِ التَّأْنِيثِ فَيَكُونُ الْمَعْدُودُ مُذَكَّرًا لَا مُؤَنَّثًا
(الْبَابُ الثَّالِثُ فِي تَعَارُضِ مُقْتَضَيَاتِ الْأَلْفَاظِ)
يُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَى الْحَقِيقَةِ دُونَ الْمَجَازِ وَالْعُمُومِ دُونَ الْخُصُوصِ وَالْإِفْرَادِ دُونَ الِاشْتِرَاكِ وَالِاسْتِقْلَالِ دُونَ الْإِضْمَارِ وَعَلَى الْإِطْلَاقِ دُونَ التَّقْيِيدِ وَعَلَى التَّأْصِيلِ دُونَ الزِّيَادَةِ وَعَلَى التَّرْتِيبِ دُونَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَعَلَى التَّأْسِيسِ دُونَ التَّأْكِيدِ وَعَلَى الْبَقَاءِ دُونَ النَّسْخِ وَعَلَى الشَّرْعِيِّ دُونَ الْعَقْلِيِّ وَعَلَى الْعُرْفِيِّ دُونَ اللّغَوِيّ إِلَّا أَن يدل على خلاف ذَلِك
فروع أَرْبَعَة
الأول يجوز عِنْد الْمَالِكِيَّة اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي حَقَائِقِهِ إِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا أَو مجازاته أَو مجازه وَحَقِيقَته وَبِذَلِك قَالَ الشَّافِعِي رحمه الله وَجَمَاعَة من أَصْحَابه خلافًا لقوم وَهَذَا يشْتَرط فِيهِ دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِهِ وَهَذَا الْفَرْعُ يَبْنِي عَلَى قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْمَجَازَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ جَائِزٌ إِجْمَاعًا وَهُوَ مَا اتَّحَدَ مَحْمَلُهُ وَقَرُبَتْ عَلَاقَتُهُ وَمُمْتَنِعٌ إِجْمَاعًا وَهُوَ مَجَازُ التَّعْقِيدِ وَهُوَ مَا افْتَقَرَ إِلَى عَلَاقَاتٍ كَثِيرَةٍ نَحْوَ قَوْلِ الْقَائِلِ تَزَوَّجَتْ بِنْتُ الْأَمِيرِ وَيُفَسَّرُ ذَلِكَ بِرُؤْيَتِهِ لِوَالِدِ عَاقِدِ الْأَنْكِحَةِ بِالْمَدِينَةِ مُعْتَمِدًا عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ مُلَازِمٌ لِلْعَقْدِ الَّذِي هُوَ مُلَازِمٌ لِلْعَاقِدِ الَّذِي هُوَ مُلَازِمٌ لِأَبِيهِ وَمَجَازٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ حَقِيقَتَيْنِ أَوْ مَجَازَيْنِ أَو مجَاز وَحَقِيقَة فَإِن الْجمع بَين الحقيقتين مَجَازٌ وَكَذَلِكَ الْبَاقِي لِأَنَّ اللَّفْظَ لَمْ يُوضَعْ للمجموع فَهُوَ مجَاز فِيهِ فَنحْن وَالشَّافِعِيّ نَقُولُ بِهَذَا الْمَجَازِ وَغَيْرُنَا لَا يَقُولُ بِهِ
لَنَا قَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ على النَّبِي} وَالصَّلَاةُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الدُّعَاءُ وَمِنَ اللَّهِ تَعَالَى الاحسان فقد اسْتعْمل فِي الْمَعْنيين بِأَنَّهُ يُمْتَنَعُ اسْتِعْمَالُهُ حَقِيقَةً لِعَدَمِ الْوَضْعِ وَمَجَازًا لِأَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تُجِزْهُ وَالْجَوَابُ مَنْعُ الثَّانِي الثَّانِي إِذَا تَجَرَّدَ الْمُشْتَرَكُ عَنِ الْقَرَائِنِ كَانَ مُجْمَلًا لَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ يُعَيِّنُ أحد مسمياته وَقَالَ الشَّافِعِي حمله على الْجَمِيع احْتِيَاطًا الثَّالِثُ إِذَا دَارَ اللَّفْظُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ الْمَرْجُوحَةِ وَالْمَجَازِ الرَّاجِحِ كَلَفْظِ الدَّابَّةِ حَقِيقَةٌ مَرْجُوحَةٌ فِي مُطْلَقِ الدَّابَّةِ مَجَازٌ رَاجِحٌ فِي الْحِمَارِ فَيُحْمَلُ على الْحَقِيقَة عِنْد أبي حنيفَة تَرْجِيحًا لِلْحَقِيقَةِ عَلَى الْمَجَازِ وَعَلَى الْمَجَازِ الرَّاجِحِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ نَظَرًا لِرُجْحَانِهِ وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي ذَلِكَ نَظَرًا لِلتَّعَارُضِ وَالْأَظْهَرُ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ قُدِّمَ مِنَ الْأَلْفَاظِ إِنَّمَا قُدِّمَ لِرُجْحَانِهِ وَالتَّقْدِيرُ رُجْحَانُ الْمجَاز فَيجب الْمصير إِلَيْهِ وَهَا هُنَا دقيقة وَهُوَ أَنَّ الْكَلَامَ إِذَا كَانَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَالْمَجَازُ الرَّاجِحُ بَعْضُ أَفْرَادِ الْحَقِيقَةِ كَالدَّابَّةِ وَالطَّلَاقِ يتَعَيَّن أَن الْكَلَام نَص فِي نَفْيِ الْمَجَازِ الرَّاجِحِ بِالضَّرُورَةِ فَلَا يَتَأَتَّى تَوَقُّفُ الْإِمَامِ رحمه الله وَإِذَا كَانَ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ وَالْمَجَازُ الرَّاجِحُ بَعْضُ أَفْرَادِ الْحَقِيقَةِ فَهُوَ نَص فِي اثبات الْحَقِيقَة بِالضَّرُورَةِ فَلَا يَأْتِي توقفه أَيْضا وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى لَهُ ذَلِكَ إِنْ سُلِّمَ لَهُ فِي نَفْيِ الْحَقِيقَةِ وَالْكَلَامُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ أَوْ فِي إِثْبَاتِ الْمَجَازِ وَالْكَلَامُ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ أَوْ يَكُونُ الْمَجَازُ الرَّاجِحُ لَيْسَ بَعْضَ أَفْرَاد الْحَقِيقَة كالرواية والنجو
الرَّابِعُ إِذَا دَارَ اللَّفْظُ بَيْنَ احْتِمَالَيْنِ مَرْجُوحَيْنِ فَيُقَدَّمُ التَّخْصِيصُ وَالْمَجَازُ وَالْإِضْمَارُ وَالنَّقْلُ وَالِاشْتِرَاكُ عَلَى النّسخ وَالْأَرْبَعَة الأولى على الِاشْتِرَاك وَالثَّلَاثَة الأولى عَلَى النَّقْلِ وَالْأَوَّلَانِ عَلَى الْإِضْمَارِ وَالْأَوَّلُ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّ النَّسْخَ يُحْتَاطُ فِيهِ أَكْثَرَ لِكَوْنِهِ يُصَيِّرُ اللَّفْظَ بَاطِلًا فَتَكُونُ مُقَدِّمَاتُهُ أَكْثَرَ فَيَكُونُ مَرْجُوحًا فَتُقَدَّمُ لِرُجْحَانِهَا عَلَيْهِ وَالِاشْتِرَاكُ مَحْمَلُ حَالِهِ الْقَرِيبَةِ بِخِلَافِ الْأَرْبَعَةِ وَالنَّقْلُ يَحْتَاجُ إِلَى اتِّفَاقٍ عَلَى إِبْطَالٍ وَإِنْشَاءِ وَضْعٍ بَعْدَ وَضْعٍ وَالثَّلَاثَةُ يَكْفِي فِيهَا مُجَرَّدُ الْقَرِينَةِ فَتُقَدَّمُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْإِضْمَارَ أَقَلُّ فَيَكُونُ مَرْجُوحًا وَلِأَنَّ التَّخْصِيصَ فِي بعض الْحَقِيقَة بِخِلَاف الْمجَاز
(الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْأَوَامِرِ)
وَفِيهِ ثَمَانِيَةُ فُصُولٍ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مُسَمَّاهُ مَا هُوَ
أَمَّا لَفْظُ الْأَمْرِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ اسْمٌ لِمُطْلَقِ الصِّيغَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الطَّلَبِ مِنْ سَائِرِ اللُّغَاتِ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادر إِلَى الذِّهْن هَذَا هُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور وَعند بعض الْفُقَهَاء مُشْتَركَة بَين القَوْل وَالْفِعْل وَعند أبي الْحُسَيْن مُشْتَركَة بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الشَّأْنِ وَالشَّيْءِ وَالصِّفَةِ وَقِيلَ هُوَ مَوْضُوع للْكَلَام النفساني دون اللساني وَقيل منزل بَيْنَهُمَا وَأَمَّا اللَّفْظُ الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ الْأَمْرِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ عِنْدَ مَالِكٍ رحمه الله وَعِنْدَ أَصْحَابِهِ لِلْوُجُوبِ وَعِنْدَ أَبِي هَاشِمٍ لِلنَّدْبِ وَلِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا عِنْدَ قَوْمٍ وَعِنْدَ آخَرِينَ لَا يُعْلَمُ حَالُهُ وَهُوَ عِنْدَهُ أَيْضًا لِلْفَوْرِ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ خِلَافًا لِأَصْحَابِنَا الْمَغَارِبَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَقِيلَ بِالْوَقْفِ وَهُوَ عِنْدَهُ لِلتَّكْرَارِ قَالَهُ ابْنُ الْقَصَّارِ مِنِ اسْتِقْرَاءِ كَلَامِهِ وَخَالَفَهُ أَصْحَابُهُ وَقِيلَ بِالْوَقْفِ لَنَا قَوْلُهُ تَعَالَى لِإِبْلِيسَ {مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمرتك} رَتَّبَ الذَّمَّ عَلَى تَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْحَالِ وَذَلِكَ دَلِيلُ الْوُجُوبِ وَالْفَوْرِ وَأَمَّا التَّكْرَارُ فَلِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ كُلِّ زَمَانٍ مِنَ الْفِعْلِ فَإِنْ عُلِّقَ عَلَى شَرْطٍ فَهُوَ عِنْدَهُ وَعِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِهِ وَالشَّافِعِيَّةِ لِلتَّكْرَارِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الْإِجْزَاءِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ
خِلَافًا لِأَبِي هَاشِمٍ لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَتِ الذِّمَّةُ مَشْغُولَةً بَعْدَ الْفِعْلِ لَمْ يَكُنْ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ وَالْمُقَرَّرُ خِلَافُهُ وَعَلَى النَّهْيِ عَنْ أَضْدَادِ الْمَأْمُورِ بِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ مِنَ الْمَعْنَى لَا مِنَ اللَّفْظِ خِلَافًا لِجُمْهُورِ الْمُعْتَزِلَةِ وَكثير من السُّنَّةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عُلُوُّ الْآَمرِ خِلَافًا للمعتزلة وَنَصّ الْبَاجِيّ من أَصْحَاب مَالك وَأَبُو الْحسن من الْمُعْتَزلَة على الاستعلاء وَاخْتَارَهُ الامام فَخر الدّين وَلَمْ يَشْتَرِطْ غَيْرُهُمُ الِاسْتِعْلَاءَ وَلَا الْعُلُوَّ وَالِاسْتِعْلَاءُ فِي الْآَمْرِ مِنَ التَّرَفُّعِ وَإِظْهَارِ الْقَهْرِ وَالْعُلُوُّ يرجع إِلَى هَيْبَة الْآمِر وشرفه وَعُلُوِّ مَنْزِلَتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَأْمُورِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضا إِرَادَةُ الْمَأْمُورِ بِهِ وَلَا إِرَادَةُ الطَّلَبِ خِلَافًا لِأَبِي عَلِيٍّ وَأَبِي هَاشِمٍ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ لَنَا أَنَّهَا مَعْنًى خَفِيٌّ يَتَوَقَّفُ الْعِلْمُ بِهِ عَلَى اللَّفْظِ فَلَوْ تَوَقَّفَ اللَّفْظُ عَلَيْهَا لَزِمَ الدَّوْرُ
الثَّانِي إِذَا وَرَدَ بَعْدَ الْحَظْرِ
اقْتَضَى الْوُجُوبَ عِنْد الْبَاجِيّ ومتقدمي أَصْحَاب مَالك وَأَصْحَاب الشَّافِعِي والامام فَخر الدّين وَعند جمَاعَة من أَصْحَابنَا وَأَصْحَاب الشَّافِعِي الْإِبَاحَة كَقَوْلِه تَعَالَى {وَإِذا حللتم فاصطادوا} بعد قَوْله تَعَالَى {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}
الثَّالِثُ فِي عَوَارِضِهِ
مَذْهَبُ الْبَاجِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابنَا أَنَّهُ إِذَا نُسِخَ يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى الْجَوَازِ وَبِه قَالَ الامام فَخر الدّين وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا وَيَجُوزُ أَنْ يَرِدَ خَبَرًا لَا طَلَبَ فِيهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فليمدد لَهُ الرَّحْمَن مدا} وَأَنْ يَرِدَ الْخَبَرُ بِمَعْنَاهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يرضعن} وَهُوَ كَثِيرٌ
الرَّابِعُ يَجُوزُ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاق
خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالْغَزَّالِيِّ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقَعْ فِي الشَّرْعِ خِلَافًا لِلْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ لَنَا قَوْلُهُ تَعَالَى {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَة
لنا بِهِ} فَسُؤَالُ دَفْعِهِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا} يدل على عدم وُقُوعه وَهَا هُنَا دَقِيقَةٌ وَهِيَ أَنَّ مَا لَا يُطَاقُ قَدْ يَكُونُ عَادِيًّا فَقَطْ نَحْوَ الطَّيَرَانِ فِي الْهَوَاءِ أَوْ عَقْلِيًّا فَقَطْ كَإِيمَانِ الْكَافِرِ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ أَوْ عَادِيًّا وَعَقْلِيًّا مَعًا كَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ فَالْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ هُمَا الْمُرَادَانِ دُونَ الثَّانِي
الْخَامِسُ فِيمَا لَيْسَ من مقتضاة لَا يُوجب الْقَضَاء عِنْد احتلال الْمَأْمُورِ بِهِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ
بَلِ الْقَضَاءَ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ خِلَافًا لِأَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ وَإِذَا تَعَلَّقَ بِحَقِيقَةٍ كُلِّيَّةٍ لَا يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِشَيْءٍ مِنْ جزئياتها وَلَا يُشْتَرَطُ مُقَارَنَتُهُ لِلْمَأْمُورِ بَلْ يَتَعَلَّقُ فِي الأول بِالشَّخْصِ الْحَادِثِ خِلَافًا لِسَائِرِ الْفِرَقِ وَلَكِنَّهُ لَا يعْتَبر مَأْمُورًا إِلَّا حَالَةَ الْمُلَابَسَةِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالْحَاصِلُ قَبْلَ ذَلِكَ إِعْلَامٌ بِأَنَّهُ سَيَصِيرُ مَأْمُورًا لِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى قَدِيمٌ وَالْأَمْرَ مُتَعَلِّقٌ لِذَاتِهِ فَلَا يُوجَدُ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ حَالَةَ عَدمه محَال للْجمع بَين النقيضين وَحَالَة بَقَائِهِ محَال لتَحْصِيل الْحَاصِل فَيتَعَيَّن نَص الْحُدُوثِ وَالْأَمْرُ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ لَا يَكُونُ أَمْرًا بِذَلِكَ الشَّيْءِ إِلَّا أَنْ يَنُصَّ الْآَمْرُ عَلَى ذَلِك كَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم
مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ
وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ تَحَقُّقُ الْعِقَابِ عَلَى التَّرْكِ عِنْدَ القَاضِي أبي بكر الامام فَخْرِ الدِّينِ خِلَافًا لِلْغَزَّالِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَعْفُو عَن كثير}
السَّادِسُ فِي مُتَعَلِّقِهِ بِالْوَاجِبِ الْمُوسَّعِ
وَهُوَ أَنْ يَكُونَ زَمَانُ الْفِعْلِ يَسَعُ أَكْثَرَ مِنْهُ وَقَدْ لَا يكون محدودا بل مغيا بِالْعُمْرِ وَقَدْ يَكُونُ مَحْدُودًا كَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَهَذَا يُعْزَى لِلشَّافِعِيَّةِ مَنْعُهُ بِنَاءً عَلَى تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ وَالْوَاقِعُ بَعْدَ ذَلِكَ
قَضَاءٌ يَسُدُّ مَسَدَّ الْأَدَاءِ وَلِلْحَنَفِيَّةِ مَنْعُهُ بِنَاءً عَلَى تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِآخِرِ الْوَقْتِ وَالْوَاقِعُ قَبْلَهُ نَافِلَة تسد مَسَدَّ الْوَاجِبِ وَلِلْكَرْخِيِّ مَنْعُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاقِعَ مِنَ الْفِعْلِ مَوْقُوفٌ فَإِنْ كَانَ الْفَاعِلُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ فَالْوَاقِعُ فَرْضٌ وَإِلَّا فَهُوَ نقل وَمَذْهَبُنَا جَوَازُهُ وَالْخِطَابُ عِنْدَنَا مُتَعَلِّقٌ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ أَجْزَاءِ الزَّمَانِ الْكَائِنَةِ بَيْنَ الْحَدَّيْنِ فَلَا حرج فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لِوُجُودِ الْمُشْتَرَكِ وَلَمْ يَأْثَمْ بِالتَّأْخِيرِ لبَقَاء الْمُشْتَرك فِي آخِره وأثم إِذَا فَوَّتَ جُمْلَةَ الْوَقْتِ لِتَعْطِيلِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلق الْوُجُوب فَلَا ترد عَلَيْنَا مُخَالَفَةُ قَاعِدَةٍ ألْبَتَّةَ بِخِلَافِ غَيْرِنَا وَكَذَلِكَ الْوَاجِبُ الْمُخَيَّرُ قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ الْوُجُوبُ مُتَعَلِّقٌ بِجُمْلَةِ الْخِصَال وَعِنْدنَا وَعند أهل السّنة أَنه مُتَعَلِّقٌ بِوَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ وَيُحْكَى عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ أَيْضًا أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مَا عُلِمَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ سَيُوقِعُهُ وَهُمْ يَنْقُلُونَ أَيْضًا هَذَا الْمَذْهَبَ عَنَّا وَالْمُخَيَّرُ عِنْدَنَا كَالْمُوسَّعِ وَالْوُجُوبُ فِيهِ مُتَعَلِّقٌ بِمَفْهُومِ أَحَدِ الْخِصَالِ الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا وَخُصُوصِيَّاتُهَا مُتَعَلَّقُ التَّخْيِيرِ فَمَا هُوَ وَاجِبٌ لَا تَخْيِيرَ فِيهِ وَمَا هُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِ لَا وُجُوبَ فِيهِ فَلَا جرم يجْزِيه كل معِين مِنْهَا لتَضَمّنه للقدر الْمُشْتَرَكِ وَفَاعِلُ الْأَخَصِّ فَاعِلُ الْأَعَمِّ وَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِ بَعْضِهَا إِذَا فَعَلَ الْبَعْضَ لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِلْخُصُوصِ الْمُبَاحِ فَاعِلٌ لِلْمُشْتَرَكِ الْوَاجِبِ وَيَأْثَمُ بِتَرْكِ الْجَمِيع لتعطيل الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا وَكَذَلِكَ فَرْضُ الْكِفَايَةِ الْمَقْصُودُ بِالطَّلَبِ لُغَةً إِنَّمَا هُوَ إِحْدَى الطَّوَائِفِ الَّتِي هِيَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا غَيْرَ أَنَّ الْخِطَابَ يَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ أَوَّلَ الْأَمْرِ لِتَعَذُّرِ خِطَابِ الْمَجْهُولِ فَلَا جَرَمَ سَقَطَ الْوُجُوبُ بِفِعْلِ طَائِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنَ الطَّوَائِفِ لِوُجُودِ الْمُشْتَرَكِ فِيهَا وَلَا تَأْثَمُ طَائِفَةٌ مُعينَة إِذا غلب الظَّنِّ فِعْلُ غَيْرِهَا لِتَحُقِّقِ الْفِعْلِ مِنَ الْمُشْتَرَكِ بَينهَا ظنا وَيَأْثَم الْجَمِيع إِذا تواطؤوا عَلَى التَّرْكِ لِتَحَقُّقِ تَعْطِيلِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا إِذَا تَقَرَّرَ تَعَلُّقُ الْخِطَابِ فِي الْأَبْوَابِ الثَّلَاثَةِ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهَا أَنَّ الْمُشْتَرَكَ فِي الْمُوسَّعِ هُوَ الْوَاجِب فِيهِ وَفِي الْكِفَايَة الْوَاجِبُ عَلَيْهِ وَفِي الْخَيْرِ الْوَاجِبُ نَفْسُهُ
فَائِدَةٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ تَحَقَّقُ الْفِعْلِ بَلْ ظَنُّهُ فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ هَذِهِ الطَّائِفَةِ أَنَّ تِلْكَ فَعَلَتْ سَقَطَ عَنْ هَذِهِ وَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ تِلْكَ الطَّائِفَةِ أَنَّ هَذِهِ فَعَلَتْ سَقَطَ عَنْهَا وَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الطَّائِفَتَيْنِ فِعْلُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا سَقَطَ عَنْهُمَا سُؤَالٌ إِذَا تَقَرَّرَ الْوُجُوبُ عَلَى جُمْلَةِ الطَّوَائِفِ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ فَكَيْفَ يَسْقُطُ عَمَّنْ لَمْ يَفْعَلْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ مَعَ أَنَّ الْفِعْل البدني كَصَلَاة الْجِنَازَة مثلا ان الْجِهَاد لَا يَجْزِي فِيهِ أحد عَن أحد وَكَيف يُسَاوِي الشَّرْعُ بَيْنَ مَنْ فَعَلَ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ جَوَابه أَن الْفَاعِل سَاوَى غَيْرَ الْفَاعِلِ فِي سُقُوطِ التَّكْلِيفِ وَاخْتَلَفَ السَّبَبُ فسبب سُقُوطهَا عَنِ الْفَاعِلِ فِعْلُهُ وَعَنْ غَيْرِ الْفَاعِلِ تَعَذُّرُ تَحْصِيلِ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا وَجَبَ الْفِعْلُ فَلَا جرم انْتَفَى الْوُجُوبُ لِتَعَذُّرِ حِكْمَتِهِ قَاعِدَةٌ الْفِعْلُ عَلَى قِسْمَيْنِ مِنْهُ مَا تَتَكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِهِ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَإِنَّ مَصْلَحَتَهَا الْخُضُوعُ لِذِي الْجَلَالِ وَهُوَ مُتَكَرِّرٌ بِتَكَرُّرِ الصَّلَاةِ وَمِنْهُ مَا لَا تَتَكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ بتكرره كإنقاذ الغريق فَإِن الغريق إِذا شيل مِنَ الْبَحْرِ فَالنَّازِلُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْبَحْرِ لَا تحصل مصْلحَته وَكَذَلِكَ إِطْعَامُ الْجَوْعَانِ وَإِكْسَاءُ الْعُرْيَانِ وَقَتْلُ الْكُفَّارِ فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ جَعَلَهُ الشَّرْعُ عَلَى الْأَعْيَانِ تَكْثِيرًا لمصْلحَة وَالْقِسْمُ الثَّانِي عَلَى الْكِفَايَةِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي الْأَعْيَانِ
(فَوَائِدُ ثَلَاثٌ)
الْأُولَى الْكِفَايَةُ وَالْأَعْيَانُ كَمَا يُتَصَوَّرَانِ فِي الْوَاجِبَاتِ يُتَصَوَّرَانِ فِي الْمَنْدُوبَاتِ كَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالتَّسْلِيمِ وَالتَّشْمِيتِ وَمَا يُفْعَلُ بِالْأَمْوَاتِ مِنَ الْمَنْدُوبَاتِ فَهَذِهِ عَلَى الْكِفَايَةِ وَعَلَى الْأَعْيَانِ كَالْوَتْرِ وَالْفَجْرِ وَصِيَامِ الْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ وَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالطَّوَّافِ فِي غَيْرِ النُّسُكِ وَالصَّدَقَاتِ
الثَّانِيَة نقل صَاحب الطّراز وَغَيره على أَن اللَّاحِق من الْمُجَاهدين وَمن َكَانَ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ يَقَعُ فِعْلُهُ فَرْضًا بعد مَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَطَرَدَهُ غَيْرُهُ مِنَ الْعلمَاء فِي سَائِر فروض الْكِفَايَة كمن يلْتَحق بمجهز الْأَمْوَاتِ مِنَ الْأَحْيَاءِ أَوْ بِالسَّاعِينَ فِي تَحْصِيلِ الْعِلْمِ مِنَ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ الطَّالِبَ لِلْعِلْمِ يَقَعُ فِعْلُهُ وَاجِبًا مُعَلِّلًا لِذَلِكَ بِأَنَّ مَصْلَحَةَ الْوُجُوب لم تتَحَقَّق بعد وَلم تقع إِلَّا بِفِعْلِ الْجَمِيعِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ الْجَمِيعِ وَاجِبًا وَيَخْتَلِفُ ثَوَابُهُمْ بِحَسَبِ مَسَاعِيهِمْ الثَّالِثَةُ الْأَشْيَاءُ الْمَأْمُورُ بِهَا عَلَى التَّرْتِيبِ أَوْ عَلَى الْبَدَلِ قَدْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا كَالْمُبَاحِ وَالْمَيْتَةِ من المرتبات وتزويج الْمَرْأَة من أحد الكفأين مِنَ الْمَشْرُوعِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ وَقَدْ يُبَاحُ كَالْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ مِنَ الْمُرَتَّبَاتِ وَالسُّتْرَةُ بِالثَّوْبَيْنِ مِنْ بَاب الْبَدَل وَقد تستجب كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ فِي الظِّهَارِ مِنَ الْمُرَتَّبَاتِ وَخِصَالِ كَفَّارَة الحنت مِمَّا شُرِعَ عَلَى الْبَدَلِ
فَرْعٌ
اخْتَارَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُعَلَّقَ عَلَى الِاسْمِ يَقْتَضِي الِاقْتِصَارَ عَلَى أَوَّلِهِ وَالزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ إِمَّا مَنْدُوب أَو سَاقِط
السَّابِعُ فِي وَسِيلَتِهِ
وَهِيَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ إِلَّا بِهِ وَهُوَ مَقْدُورٌ لِلْمُكَلَّفِ فَهُوَ وَاجِبٌ لِتَوَقُّفِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فَالْقَيْدُ الْأَوَّلُ احْتِرَازًا مِنْ أَسْبَابِ الْوُجُوب وشروطه لِأَنَّهَا لَا تحب إِجْمَاعًا مَعَ التَّوَقُّف وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّحَّةُ بَعْدَ الْوُجُوب والقيد الثَّانِي احْتِرَازًا من توقفه على فِعْلِ الْعَبْدِ بَعْدَ وُجُوبِهِ عَلَى تَعَلُّقِ عِلْمِ الله تَعَالَى وَإِرَادَتِهِ وَقُدْرَتِهِ بِإِيجَادِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ تَحْصِيلُ ذَلِكَ إِجْمَاعًا وَقَالَتِ الْوَاقِفِيَّةُ إِنْ كَانَتِ الْوَسِيلَةُ سَبَبَ الْمَأْمُورِ بِهِ وَجَبَتْ وَإِلَّا فَلَا ثُمَّ الْوَسِيلَةُ إِمَّا أَنْ يَتَوَقَّفَ عَلَيْهَا الْمَقْصِدُ فِي ذَاتِهِ أَوْ لَا يَتَوَقَّفُ وَالْأَوَّلُ إِمَّا شَرْعِيٌّ كَالصَّلَاةِ عَلَى الطَّهَارَةِ أَوْ عُرْفِيٌّ كَنَصْبِ السُّلَّمِ لِصُعُودِ السَّطْحِ أَوْ عَقْلِيٌّ كَتَرْكِ الِاسْتِدْبَارِ لفعل الِاسْتِقْبَال وَالثَّانِي يَجعله وَسِيلَة إِمَّا بِسَبَب الِاشْتِبَاه
كإيجاب خَمْسِ صَلَوَاتٍ لِتَحْصِيلِ صَلَاةٍ مَنْسِيَّةٍ أَوْ كَاخْتِلَاطِ النَّجِسِ بِالطَّاهِرِ وَالْمُذَكَّاةِ بِالْمَيْتَةِ وَالْمَنْكُوحَةِ بِالْأُخْتِ أَوْ لِتَيَقُّنِ الِاسْتِيفَاءِ كَغَسْلِ جُزْءٍ مِنَ الرَّأْسِ مَعَ الْوَجْهِ أَوْ إِمْسَاكِ جُزْءٍ مِنَ اللَّيْلِ مَعَ نَهَار الصَّوْم
الثَّامِن فِي خطاب الْكفَّار
أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْإِيمَانِ وَاخْتَلَفُوا فِي خِطَابِهِمْ بِالْفُرُوعِ قَالَ الْبَاجِيُّ وَظَاهِرُ مَذْهَبِ مَالك رحمه الله خِطَابُهُمْ بِهَا خِلَافًا لِجُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ وَأَبِي حَامِدٍ الاسفرايني لِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهُمْ {قَالُوا لَمْ نَكُ من الْمُصَلِّين} وَلِأَنَّ الْعُمُومَاتِ تَتَنَاوَلُهُمْ وَقِيلَ مُخَاطَبُونَ بِالنَّوَاهِي دُونَ الْأَوَامِرِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَرْجِعُ إِلَى مُضَاعَفَةِ الْعِقَابِ فِي الدَّار الْآخِرَة أَوْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَبَسْطُهُ فِي غَيْرِ هَذِه المقدمه
(الْبَابُ الْخَامِسُ فِي النَّوَاهِي وَفِيهِ ثَلَاثَةُ فَصُولٍ)
الْفَصْل الأول فِي مُسَمّى النَّهْي
وَهُوَ عِنْدَنَا التَّحْرِيمُ وَفِيهِ مِنَ الْخِلَافِ مَا سَبَقَ فِي الْأَمْرِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي إِفَادَتِهِ التَّكْرَارَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ إِفَادَتِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ لَا يُفِيدُ الْفَوْرَ عِنْدَهُ وَمُتَعَلِّقُهُ فِعْلُ ضِدِّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِأَنَّ الْعَدَمَ غَيْرُ مَقْدُورٍ وَعِنْدَ أَبِي هَاشِمٍ عَدَمُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ
الثَّانِي فِي أقسامه
وَإِذا تعلق بأَشْيَاء فإمَّا على الْجَمِيع نَحْو الْخمر وَالْخِنْزِير وَإِمَّا على الْجمع نَحْو الْأُخْتَيْنِ أَو على الْبَدَل نَحْو إِنْ فَعَلْتَ ذَا فَلَا تَفْعَلْ ذَلِكَ كَنِكَاحِ الْأُم بعد ابْنَتهَا أَو على الْبَدَلِ كَجَعْلِ الصَّلَاةِ بَدَلًا مِنَ الصَّوْمِ
الثَّالِثُ فِي لَازِمِهِ
وَهُوَ عِنْدَنَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ خِلَافًا لِأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ مِنَّا وَفَرَّقَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ وَالْإِمَامُ بَيْنَ الْعِبَادَاتِ فَيَقْتَضِي وَبَيْنَ الْمُعَامَلَاتِ فَلَا يَقْتَضِي لَنَا أَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا يَكُونُ لِدَرْءِ الْمَفَاسِدِ الْكَائِنَةِ فِي الْمَنْهِيِّ عَنهُ والمتضمن للمفسدة فَاسِدٌ وَمَعْنَى الْفَسَادِ فِي الْعِبَادَاتِ وُقُوعُهَا عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْخَلَلِ يُوجِبُ بَقَاءَ الذِّمَّةِ مَشْغُولَةً بِهَا وَفِي الْمُعَامَلَاتِ عَدَمُ تَرَتُّبِ آثَارِهَا عَلَيْهَا إِلَّا أَنْ يَتَّصِلَ بِهَا مَا يُقَرِّرُ آثَارَهَا من التَّصَرُّفَات على تَفْضِيل يَأْتِي فِي البيع وَغَيره إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ مُطْلَقًا وَيَدُلُّ عَلَى الصِّحَّةِ لِاسْتِحَالَةِ النَّهْيِ عَنِ الْمُسْتَحِيلِ وَيَقْتَضِي الْأَمْرَ بِضِدٍّ مِنْ أَضْدَادِ الْمَنْهِيِّ عَنهُ
(الْبَابُ السَّادِسُ فِي الْعُمُومَاتِ وَفِيهِ سَبْعَةُ فُصُولٍ)
الْفَصْل الأول أَدَوَاتِ الْعُمُومِ
وَهِيَ نَحْوَ عِشْرِينَ صِيغَة قَالَ الْإِمَامُ وَهِيَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مَوْضُوعَةً لِلْعُمُومِ بذاتها نحول كُلٍّ أَوْ بِلَفْظٍ يُضَافُ إِلَيْهَا كَالنَّفْيِ وَلَامِ التَّعْرِيفِ وَالْإِضَافَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَمِنْهَا كُلٌّ وَجَمِيعٌ وَمَنْ وَمَا وَالْمُعَرَّفُ بِاللَّامِ جَمْعًا وَمُفْرَدًا وَالَّذِي وَالَّتِي وَتَثْنِيَتُهُمَا وَجَمْعُهُمَا وَأَيُّ وَمَتَى فِي الزَّمَانِ وَأَيْنَ وَحَيْثُ فِي الْمَكَان قَالَه عَبْدُ الْوَهَّابِ وَاسْمُ الْجِنْسِ إِذَا أُضِيفَ وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَهَذِهِ عِنْدَنَا لِلْعُمُومِ وَاخْتُلِفَ فِي الْفِعْلِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ نَحْوَ قَوْلِهِ وَالله لَا آكل فَعِنْدَ الشَّافِعِي هُوَ للْعُمُوم فِي المواكيل وَله تَخْصِيصُهُ بِنِيَّتِهِ فِي بَعْضِهَا وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ من مَذْهَبنَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَصح لِأَنَّ الْفِعْلَ يَدُلُّ عَلَى الْمَصْدَرِ وَهُوَ لَا وَاحِدَ وَلَا كَثِيرَ فَلَا تَعْمِيمَ وَلَا تَخْصِيصَ وَاتَّفَقَ الْإِمَامَانِ عَلَى قَوْلِهِ لَا أَكَلْتُ أَكْلًا أَنَّهُ عَامٌّ يَصِحُّ تَخْصِيصُهُ وَعَلَى عَدَمِ تَخْصِيصِ الْأَوَّلِ بِبَعْضِ الْأَزْمِنَةِ أَوِ الْبِقَاعِ لَنَا إِنْ كَانَ عَامًّا صَحَّ التَّخْصِيصُ وَإِلَّا فَمُطْلَقٌ يَصِحُّ تَقْيِيده بِبَعْض حَاله وَهُوَ الْمَطْلُوب وَقَالَ الشَّافِعِي رحمه الله تَرْكُ الْاسْتِفْصَالِ فِي حِكَايَاتِ الْأَحْوَالِ يَقُومُ مَقَامَ الْعُمُوم فِي الْمقَال نَحْو قَوْله صلى الله عليه وسلم لِابْنِ غيلَان حِينَ أَسْلَمَ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ مِنْ غَيْرِ كَشْفٍ عَنْ تَقَدُّمِ عُقُودِهِنَّ أَوْ تَأَخُّرِهَا أَوِ اتِّحَادِهَا أَوْ تَعَدُّدِهَا وَخِطَابُ الْمُشَافَهَةِ لَا يَتَنَاوَلُ مَنْ يُحَدِّثُ بَعْدُ إِلَّا بِدَلِيل وَقَول الصَّحَابِيّ نهى صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ أَوْ قَضَى بِالشُّفْعَةِ أَوْ حكم بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين قَالَ الامام فَخر الدّين رَحمَه الله تَعَالَى لَا عُمُومَ لَهُ لِأَنَّ الْحُجَّةَ فِي الْمَحْكِيِّ لَا فِي
الْحِكَايَةِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ كَانَ يَفْعَلُ كَذَا وَقِيلَ يُفِيدُهُ عُرْفًا وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ إِنَّ سَائِرَ لَيْسَتْ لِلْعُمُومِ فَإِنَّ مَعْنَاهَا بَاقِي الشَّيْءِ لَا جُمْلَتُهُ وَقَالَ صَاحِبُ الصِّحَاحِ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأُدَبَاءِ إِنَّهَا بِمَعْنَى جُمْلَةِ الشَّيْءِ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ من سور الْمَدِينَة الْمُحِيط لَا مِنَ السُّؤْرِ الَّذِي هُوَ الْبَقِيَّةُ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ لِلْعُمُومِ وَالْأَوَّلُ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَالِاسْتِعْمَالُ وَقَالَ الْجُبَّائِيُّ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ لِلْعُمُومِ خِلَافًا لِلْجَمِيعِ فِي حَمْلِهِمْ لَهُ عَلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ وَالْعَطْفُ عَلَى الْعَامِّ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاث قُرُوء} ثمَّ قَالَ تَعَالَى {وبعولتهن أَحَق بردهن} فَهَذَا الضَّمِيرُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عَامًّا فِي جُمْلَةِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ الْعَطْفَ مُقْتَضَاهُ التَّشْرِيكُ فِي الْحُكْمِ الَّذِي سَبَقَ الْكَلَامُ لِأَجْلِهِ فَقَطْ وَقَالَ الْغَزَّالِيُّ الْمَفْهُومُ لَا عُمُومَ لَهُ قَالَ الْإِمَامُ إِنْ عَنَى أَنَّهُ لَا يُسَمَّى عَاما لفظا فَقَرِيبٌ وَإِنْ عَنَى أَنَّهُ لَا يُفِيدُ عُمُومَ انْتِفَاء الحكم فدليل كَون الْمَفْهُوم حجَّة بنفيه وَخَالَفَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصِّيَغِ وَقَالَ بِالْوَقْفِ مَعَ الْوَاقِفِيَّةِ وَقَالَ أَكْثَرُ الْوَاقِفِيَّةِ إِنَّ الصِّيَغَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ وَقِيلَ تُحْمَلُ عَلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ وَخَالَفَ أَبُو هَاشم مَعَ الواقفية فِي الْمجمع الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ وَخَالَفَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ مَعَ الْوَاقِفِيَّةِ فِي الْفَرْدِ الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ لَنَا أَنَّ الْعُمُومَ هُوَ الْمُتَبَادِرُ فَيَكُونَ مُسَمَّى اللَّفْظِ كَسَائِرِ الْأَلْفَاظِ وَلِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي كُلِّ فَرْدٍ وَمَا صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ وَجَبَ انْدِرَاجُهُ تَنْبِيهٌ النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ يُسْتَثْنَى مِنْهَا صُورَتَانِ إِحْدَاهُمَا لَا رَجُلٌ فِي الدَّارِ بِالرَّفْعِ فَإِنَّ الْمَنْقُولَ عَنِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا لَا تَعُمُّ وَهِيَ تُبْطِلُ عَلَى الْحَقِيقَة مَا ادعوهُ من أَن النكرَة عَمَّتْ لِضَرُورَةِ نَفْيِ الْمُشْتَرَكِ وَعِنْدَ غَيْرِهِمْ عَمَّتْ لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لُغَةً لِإِثْبَاتِ السَّلْبِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَفْرَادِهَا وَثَانِيَتُهُمَا سَلْبُ الْحُكْمِ عَنِ الْعُمُومَاتِ
نَحْو لَيْسَ كل بيع حَلَالا فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ نكرَة فِي سِيَاق النَّفْي فَإِنَّهُ لَا يعم لِأَن سَلْبٌ لِلْحُكْمِ عَنِ الْعُمُومِ لَا حُكْمٌ بِالسَّلْبِ عَلَى الْعُمُومِ فَائِدَةٌ النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ سَوَاءٌ دَخَلَ النَّفْيُ عَلَيْهَا نَحْوَ لَا رَجُلَ فِي الدَّارِ أَوْ دَخَلَ عَلَى مَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهَا نَحْوَ مَا جَاءَنِي أَحَدٌ
الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَدْلُولِهِ
وَهُوَ كُلُّ وَاحِدٍ وَاحِد لَا الْكُلُّ مِنْ حَيْثُ هُوَ كُلٌّ فَهُوَ كُلِّيَّةٌ لَا كُلٌّ وَإِلَّا لَتَعَذَّرَ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ فِي حَالَة النَّفْي وَالنَّهْي وَيَنْدَرِجُ الْعَبِيدُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي صِيغَةِ النَّاس وَالدّين آمنُوا ويندرج النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الْعُمُومِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَقِيلَ عُلُوُّ منصبه يَأْبَى ذَلِك وَقَالَ الصير فِي إِنْ صَدَرَ الْخِطَابُ بِالْأَمْرِ بِالتَّبْلِيغِ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ وَإِلَّا تَنَاوَلَهُ وَكَذَلِكَ يَنْدَرِجُ الْمُخَاطَبُ فِي الْعُمُومِ الَّذِي يَتَنَاوَلُهُ لِأَنَّ شُمُولَ اللَّفْظِ يَقْتَضِي جَمِيعَ ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا انْدِرَاجُ النِّسَاءِ فِي خِطَابِ التَّذْكِيرِ قَالَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَقَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ إِنِ اخْتُصَّ الْجَمْعُ بِالذُّكُورِ لَا يَتَنَاوَلُ الْإِنَاثَ وَبِالْعَكْسِ كَشَوَاكِرَ وَشُكْرٍ وَإِنْ لَمْ يَخْتَصَّ كَصِيغَةِ مَنْ تَنَاوَلَهُمَا قَالَ وَقِيلَ لَا يَتَنَاوَلُهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخْتَصًّا فَإِنْ كَانَ متقيدا بعلامة الْإِنَاثِ لَا يَتَنَاوَلُ الذُّكُورَ كَمُسْلِمَاتٍ وَإِنْ تَمَيَّزَ بِعَلَامَةِ الذُّكُورِ كَمُسْلِمِينَ لَا يَتَنَاوَلُ الْإِنَاثَ وَقِيلَ يتناولهن
الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي مُخَصَّصَاتِهِ
وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَيَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ رحمه الله وَعِنْدَ أَصْحَابِهِ تَخْصِيصُهُ بِالْعَقْلِ خِلَافًا لِقَوْمٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {اللَّهُ خَالق كل شَيْء} خَصَّصَ الْعَقْلُ ذَاتَ
الله وَصِفَاته وبالإجماع وَالْكتاب بِالْكتاب خِلَافًا لِبَعْضِ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَبِالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَالْخَفِيِّ للْكتاب وَالسّنة المتواترة ووافقنا الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة وَالْأَشْعَرِيُّ وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ وَخَالَفَنَا الْجُبَّائِيُّ وَأَبُو هَاشم مُطْلَقًا وَقَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ إِنْ خُصَّ قَبْلَهُ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ الْكَرْخِي إِن خصب قَبْلَهُ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَكَثِيرٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ يَجُوزُ بِالْجَلِيِّ دُونَ الْخَفِيِّ وَاخْتُلِفَ فِي الْجَلِيِّ وَالْخَفِيِّ فَقِيلَ الْجَلِيُّ قِيَاسُ الْمَعْنَى وَالْخَفِيُّ قِيَاسُ الشَّبَهِ وَقِيلَ الْجَلِيّ مَا تفهم علته كَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم لَا يَقْضِ الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ وَقِيلَ مَا يُنْقَضُ الْقَضَاءُ بِخِلَافِهِ وَقَالَ الْغَزَّالِيُّ إِنِ اسْتَوَيَا تَوَقَّفْنَا وَإِلَّا طَلَبْنَا التَّرْجِيحَ وَتَوَقَّفَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا إِذَا كَانَ أَصْلُ الْقِيَاسِ مُتَوَاتِرًا فَإِن كَانَ خبر وَاحِد كَانَ الْخِلَافُ أَقْوَى لَنَا اقْتِضَاءُ النُّصُوصِ تَابِعٌ لِلْحُكْمِ وَالْقِيَاسُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْحُكْمِ فَيُقَدَّمُ وَيَجُوزُ عندنَا تَخْصِيص السّنة المتواترة بِالسنةِ المتواترة وَتَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ كَانَتْ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَيَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِي وَأَبِي حَنِيفَةَ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَفَصَلَ ابْنُ أَبَانَ وَالْكَرْخِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَتَوَقَّفَ الْقَاضِي فِيهِ وَعِنْدَنَا يُخَصِّصُ فعله صلى الله عليه وسلم وَإِقْرَارُهُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَفَصَّلَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فَقَالَ إِنْ تَنَاوَلَهُ الْعَامُّ كَانَ الْفِعْلُ مُخَصِّصًا لَهُ وَلِغَيْرِهِ إِنْ عُلِمَ بِدَلِيلٍ أَنَّ حُكْمَهُ كَحُكْمِهِ لَكِنَّ الْمُخَصِّصَ فِعْلُهُ مَعَ ذَلِكَ الدَّلِيلَ وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْعَامُّ مُتَنَاوِلًا لِأُمَّتِهِ فَقَطْ وَعلم بِدَلِيل أَن حكمه حكم أمته وَكَذَلِكَ الْإِقْرَار مُخَصص للشَّخْص الْمَسْكُوت عَنهُ لما خَالف الْعُمُوم ومخصص لغيره إِن علم أَن حكمه على الْوَاحِد حكم عَلَى الْكُلِّ وَعِنْدَنَا الْعَوَائِدُ مُخَصِّصَةٌ لِلْعُمُومِ قَالَ الْإِمَامُ إِنْ عُلِمَ
وُجُودُهُا فِي زَمَنِ الْخِطَابِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَعِنْدَنَا يُخَصِّصُ الشَّرْطُ وَالِاسْتِثْنَاءُ الْعُمُومَ مُطْلَقًا وَنَصَّ الْإِمَامُ على الْغَايَة وَالصّفة وَقَالَ إِن تعقبت الصّفة حملا جَرَى فِيهَا الْخِلَافُ الْجَارِي فِي الِاسْتِثْنَاء وَالْغَايَةِ حَتَّى وَإِلَى فَإِنِ اجْتَمَعَ غَايَتَانِ كَمَا لَوْ قَالَ لَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ حَتَّى يَغْتَسِلْنَ قَالَ الْإِمَامُ فَالْغَايَةُ هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ الثَّانِيَةِ وَالْأُولَى سُمِّيَتْ غَايَةً لِقُرْبِهَا مِنْهَا وَنَصَّ عَلَى الْحس قَوْله تَعَالَى {تدمر كل شَيْء} قَالَ وَفِي الْمَفْهُومِ نَظَرٌ وَإِنْ قُلْنَا إِنَّهُ حجَّة لكَونه أَضْعَف من الْمَنْطُوق لَنَا فِي سَائِرِ صُوَرِ النِّزَاعِ أَنَّ مَا يُدْعَى أَنَّهُ مُخَصِّصٌ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُنَافِيًا وَأَخَصَّ مِنَ الْمُخَصِّصِ فَإِنْ أُعْمِلَا أَوْ ألغيا اجْتمع النقيضان وَإِن أعمل مُطْلَقًا بَطَلَتْ جُمْلَةُ الْخَاصِّ بِخِلَافِ الْعَكْسِ فَيَتَعَيَّنُ وَهُوَ الْمَطْلُوب
الْفَصْل الرَّابِع وَفِيمَا لَيْسَ من مخصصاته
لِلْعُمُومِ سَبَبُهُ بَلْ يُحْمَلُ عِنْدَنَا عَلَى عُمُومِهِ إِذا كَانَ مُسْتقِلّا خلافًا للشَّافِعِيّ وَالْمُزَنِيِّ رضي الله عنهما وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ ينْدَرج فِي الْعُمُوم أولى من وعَلى غَيره ذَلِكَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَعَنْ مَالِكٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَالضَّمِيرُ الْخَاصُّ لَا يُخَصِّصُ عُمُومَ ظَاهِرِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} وَهَذَا عَامٌّ ثُمَّ قَالَ {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} وَهَذَا خَاصٌّ بِالرَّجْعِيَّاتِ نَقَلَهُ الْبَاجِيُّ مِنَّا خِلَافًا للشَّافِعِيّ وَالْمُزْنِيِّ وَمَذْهَبُ الرَّاوِي لَا يُخَصِّصُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيّ رحمهمَا الله خِلَافًا لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَذِكْرُ بَعْضِ الْعُمُومِ لَا يُخَصِّصُهُ خِلَافًا لِأَبِي ثَوْرٍ وَكَوْنُهُ مُخَاطَبًا لَا يُخَصِّصُ الْعَامَّ إِنْ كَانَ خَبَرًا وَإِنْ كَانَ أَمْرًا جُعِلَ جَزَاءً قَالَ الْإِمَامُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مُخَصِّصًا وَذِكْرُ الْعَامِّ فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ أَوِ الذَّمِّ لَا يُخَصِّصُ خِلَافًا لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ وَعَطْفُ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عهد
فِي عَهْدِهِ فَإِنَّ الثَّانِيَ خَاصٌّ بِالْحَرْبِيِّ فَيَكُونُ الأول كَذَلِك عِنْدهم وَلَا يخصص الْعَام بتعقيبه باستثناء أَو صفه أَو حكم لَا يَأْتِي إِلَّا فِي الْبَعْضِ لَا يُخَصِّصُهُ عِنْدَ الْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ وَقِيلَ يُخَصِّصُهُ وَقِيلَ بِالْوَقْفِ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فَالِاسْتِثْنَاءُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} إِلَى قَوْله تَعَالَى {إِلَّا أَن يعفون} فَإِنَّهُ خَاصٌّ بِالرَّشِيدَاتِ وَالصِّفَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء} إِلَى قَوْله تَعَالَى {لَعَلَّ الله يحدث بعد ذَلِك أمرا} أَيِ الرَّغْبَةَ فِي الرَّجْعَةِ وَالْحُكْمُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} إِلَى قَوْله {وبعولتهن أَحَق بردهن} فَإِنَّهُ خَاصٌّ بِالرَّجْعِيَّاتِ فَتَبْقَى الْعُمُومَاتُ عَلَى عُمُومِهَا وتختص هَذِه الْأُمُور بِمن تصلح لَهُ وَلنَا فِي سياقها صُوَرُ النِّزَاعِ أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْعُمُومِ عَلَى عُمُومِهِ فَمَهْمَا أَمْكَنَ ذَلِكَ لَا يُعْدَلُ عَنْهُ تَغْلِيبًا لِلْأَصْلِ (
الْفَصْلُ الْخَامِسُ) فِيمَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ إِلَيْهِ
وَيجوز عِنْدَنَا لِلْوَاحِدِ هَذَا إِطْلَاقُ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ مِنَ الْأَصْحَابِ وَأَمَّا الْإِمَامُ فَحَكَى إِجْمَاعَ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى ذَلِكَ فِي مَنْ وَمَا وَنَحْوِهِمَا قَالَ وَقَالَ الْقفال يجب أَيْضا أقل الْجمع فِي الجموع الْمعرفَة وَقِيلَ يَجُوزُ إِلَى الْوَاحِدِ فِيهَا وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ لَا بُدَّ مِنَ الْكَثْرَةِ فِي الْكُلِّ إِلَّا إِذا اسْتعْمل للْوَاحِد الْمُعظم نَفسه
(الْفَصْل السَّادِس) فِي حكمه بعد التَّخْصِيص
وَلنَا وللشافعية وللحنفية فِي كَوْنِهِ بَعْدَ التَّخْصِيصِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا قَوْلَانِ وَاخْتَارَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَأَبُو الْحُسَيْنِ التَّفْصِيلَ بَيْنَ تَخْصِيصِهِ بِقَرِينَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ عَقْلِيَّةٍ أَوْ سَمْعِيَّةٍ فَيَكُونُ مَجَازًا أَوْ تَخْصِيصِهِ بِالْمُتَّصِلِ كَالشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَالصِّفَةِ فَيَكُونُ حَقِيقَةً وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الْجمع إِلَّا عِيسَى ابْن أَبَانَ وَأَبَا ثَوْرٍ وَخَصَّصَ الْكَرْخِيُّ
التَّمَسُّكَ بِهِ إِذَا خَصَّصَ بِالْمُتَّصِلِ وَقَالَ الْإِمَامُ إِنْ خَصَّصَ تَخْصِيصًا إِجْمَالِيًّا نَحْوَ قَوْلِهِ هَذَا الْعَامُّ مَخْصُوصٌ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ وَمَا أَظُنُّهُ يُخَالِفُ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ لَنَا أَنَّهُ وُضِعَ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَلم يسْتَعْمل فِيهِ فَيكون مجَازًا ومقتضيا ثُبُوتَ الْحُكْمِ لِكُلِّ أَفْرَادِهِ وَلَيْسَ الْبَعْضُ شَرْطًا فِي الْبَعْضِ وَإِلَّا لَزِمَ الدَّوْرُ فَيَبْقَى حُجَّةً فِي الْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ وَالْقِيَاسُ عَلَى الصُّورَةِ الْمَخْصُوصَةِ إِذَا عُلِمَتْ جَائِزٌ عِنْدَ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلَ منا وَعند جَمَاعَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ
(الْفَصْلُ السَّابِعُ) فِي الْفَرْقِ بَينه وَبَين النّسخ وَالِاسْتِثْنَاء
أَن التَّخْصِيص لَا يكون إِلَّا فِيمَا تنَاوله اللَّفْظُ بِخِلَافِ النَّسْخِ وَلَا يَكُونُ إِلَّا قَبْلَ الْعَمَلِ بِخِلَافِ النَّسْخِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَبْلَ الْعَمَلِ وَبَعْدَهَ وَيَجُوزُ نَسْخُ شَرِيعَةٍ بِأُخْرَى وَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا بِهَا وَالِاسْتِثْنَاءُ مَعَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَاللَّفْظَةِ الْوَاحِدَةِ الدَّالَّةِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَلَا يَثْبُتُ بِالْقَرِينَةِ الْحَالِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَالتَّخْصِيصُ كَالْجِنْسِ لِلثَّلَاثَةِ لِاشْتِرَاكِهَا فِي الْإِخْرَاجِ فَالتَّخْصِيصُ وَالِاسْتِثْنَاءُ إِخْرَاجُ الْأَشْخَاصِ والنسخ إِخْرَاج الْأَزْمَان.
(الْبَابُ السَّابِعُ فِي أَقَلِّ الْجَمْعِ)
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مَذْهَبُ مَالِكٍ رحمه الله أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ وَوَافَقَهُ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ والأستاذ أَبُو إِسْحَاق وَعبد الْملك ابْن الْمَاجشون من أَصْحَابه وَعند الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة رحمهمَا الله ثَلَاثَة وَحَكَاهُ القَاضِي عبد الْوَهَّاب عَن مَالك رحمهمَا الله وَعِنْدِي أَن مَحل الْخلاف مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ الْخِلَافُ فِي صِيغَةِ الْجَمْعِ الَّتِي هِيَ الْجِيمُ وَالْمِيمُ وَالْعَيْنُ لَمْ يحسن إِثْبَاتُ الْحُكْمِ لِغَيْرِهَا مِنَ الصِّيَغِ وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا مِنْ صِيَغِ الْجُمُوعِ فَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ جَمْعُ قِلَّةٍ وَهُوَ جَمْعُ السَّلَامَةِ مُذَكَّرًا أَوْ مُؤَنَّثًا وَمِنْ جمع التكسير الْقلَّة مَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ
(بِأَفْعُلٍ وَبِأَفْعَالٍ وَأَفْعِلَةٍ
…
وَفِعْلَةٍ يُعْرَفُ الْأَدْنَى مِنَ الْعَدَدِ)
وَجَمْعُ كَثْرَةٍ وَهِيَ مَا عَدَا ذَلِكَ فَجُمُوعُ الْقِلَّةِ لِلْعَشَرَةِ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ وَجُمُوعُ الْكَثْرَةِ لِلْأَحَدَ عَشَرَ فَأَكْثَرَ هَذَا هُوَ نَقْلُ الْعُلَمَاءِ ثُمَّ قَدْ يُسْتَعَارُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ مَجَازًا وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِنَّمَا هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ فَإِنْ كَانَ الْخِلَافُ فِي جُمُوعِ الْكَثْرَةِ فَأَقَلُّ مراتبها أحد عشر فَلَا معنى لِلْقَوْلِ بالاثنين وَلَا بِالثَّلَاثَةِ وَإِن كَانَ فِي جموع الْقلَّة فَهُوَ يَسْتَقِيم لَكِنَّهُمْ لَمَّا أَثْبَتُوا الْأَحْكَامَ وَالِاسْتِدْلَالَ فِي جُمُوعِ الْكَثْرَةِ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ غَيْرُ مُقْتَصِرِينَ عَلَيْهَا وَأَنَّ مَحل الْخلاف مَا هُوَ أَعم مِنْهَا وَلَا هِيَ
(الْبَابُ الثَّامِنُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ)
وَفِيهِ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي حَدِّهِ
وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ إِخْرَاجِ بَعْضِ مَا دَلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ ذَاتًا كَانَ أَوْ عَدَدًا أَوْ مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ وَهُوَ إِمَّا مَحَلُّ الْمَدْلُولِ أَوْ أَمْرٌ عَامٌّ بِلَفْظِ إِلَّا أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا فَالذَّاتُ نَحْوَ رَأَيْتُ زَيْدًا إِلَّا يَدَهُ وَالْعَدَدُ إِمَّا متناه نَحْو قَوْله عِنْدِي عَشَرَةٌ إِلَّا اثْنَيْنِ أَوْ غَيْرُ مُتَنَاهٍ نَحْوَ اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ إِلَّا أَهْلَ الذِّمَّةِ وَمَحَلُّ الْمَدْلُول نَحْو أعتق رَقَبَة إِلَّا الْكفَّار وصل إِلَّا عِنْد الزَّوَال إِذا قُلْنَا بِأَن الْأَمْرَ لَيْسَ لِلتَّكْرَارِ فَإِنَّ الرَّقَبَةَ أَمْرٌ مُشْتَرَكٌ عَام تقبل أَن تعين فِي مَحَالٍّ كَثِيرَةٍ مِنَ الْأَشْخَاصِ فَإِنَّ كُلَّ شَخْصٍ هُوَ مَحَلٌّ لِأَعَمِّهِ وَكَذَلِكَ الْفِعْلُ حَقِيقَةٌ كُلية تقبل أَن تقع فِي أَي زمَان كَانَ فالأزمنة محَال الْأَفْعَال والأشخاص محَال الْحَقَائِق وَالْأَمر الْعَام نَحْو قَوْله سُبْحَانَهُ {لتأتنني بِهِ إِلَّا أَن يحاط بكم} أَيْ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ فِي كُلِّ حَالَةٍ مِنَ الْحَالَاتِ إِلَّا فِي حَالَةِ الْإِحَاطَةِ بِكُمْ فَالْحَالَةُ أَمْرٌ عَامٌّ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهَا اللَّفْظُ وَكَذَلِكَ مَحَالُّ الْمَدْلُولِ لَيْسَتْ مَدْلُولَةَ اللَّفْظِ فَإِنْ فُرِّعَتْ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُنْقَطِعَ مَجَازٌ فَقَدْ كَمُلَ الْحَدُّ فَإِنَّا إِنَّمَا نَحِدُّ الْحَقِيقَةَ وَإِنْ قُلْتَ هُوَ حَقِيقَةٌ رُدَّتْ بَعْدَ قَوْلِكَ أَوْ أَمْرٌ عَامٌّ أَوْ مَا يَعْرِضُ فِي نَفْسِ الْمُتَكَلِّمِ وَتَكُونُ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ كَأَنَّكَ قُلْتَ أَيُّ شَيْءٍ وَقْعَ عَلَى وَجْهٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَهُوَ اسْتثِْنَاء
الْفَصْلُ الثَّانِي فِي أَقْسَامِهِ
وَهُوَ يَنْقَسِمُ إِلَى الْإِثْبَات وَالنَّفْي والمتصل
والمنقطع وضبطهما مُشْكِلٌ فَيَنْبَغِي أَنْ تَتَأَمَّلَهُ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْفُضَلَاءِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْمُنْقَطِعَ عِبَارَةٌ عَنِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأولى} مُنْقَطِعٌ عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ أَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ بَعْدَ إِلَّا هُوَ بَعْضُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ أَوَّلًا وَمن جنسه وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَة} مُنْقَطِعٌ مَعَ أَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ بَعْدَ إِلَّا هُوَ عَيْنُ الْأَمْوَالِ الَّتِي حُكِمَ عَلَيْهَا قَبْلَ إِلَّا بَلْ يَنْبَغِي أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الْمُتَّصِلَ عِبَارَةٌ عَنْ أَنْ تَحْكُمَ عَلَى جِنْسِ مَا حكمت عَلَيْهِ أَولا بنقيض مَا حكمت عَلَيْهِ بِهِ أَولا فَمَتَى انحرم قَيْدٌ مِنْ هَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ كَانَ مُنْقَطِعًا فَيَكُونُ الْمُنْقَطِعُ هُوَ أَنْ تَحْكُمَ عَلَى غَيْرِ جِنْسِ مَا حَكَمْتَ عَلَيْهِ أَوَّلًا أَوْ بِغَيْرِ نَقِيضِ مَا حَكَمْتَ بِهِ أَوَّلًا وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْآيَتَيْنِ مُنْقَطِعًا لِلْحُكْمِ فِيهِمَا بِغَيْرِ النَّقِيضِ فَإِنَّ نَقِيضَ {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ} يذوقون فِيهَا الْمَوْت وَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ بَلْ بِالذَّوْقِ فِي الدُّنْيَا وَنَقِيضُ لَا {تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} كُلُوهَا بِالْبَاطِلِ وَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ وَعَلَى هَذَا الضَّابِطِ تَخْرُجُ جَمِيعُ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ولسان الْعَرَب
الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي أَحْكَامِهِ
اخْتَارَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدّين أَن الْمُنْقَطع مجَاز وَفِيه خلاف وَوَافَقَهُ القَاضِي عبد الْوَهَّاب وَذكر أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ لَهُ عِنْدِي مِائَةُ دِينَارٍ إِلَّا ثَوْبًا مِنْ هَذَا الْبَابِ وَأَنَّهُ جَائِزٌ عَلَى الْمَجَازِ وَأَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى الْمَعْنَى بِطَرِيقِ الْقيمَة خلافًا لمن قَالَ إِنَّه مُقَدّر بلكن وَلِمَنْ قَالَ إِنَّهُ كَالْمُتَّصِلِ وَيَجِبُ اتِّصَالُ الِاسْتِثْنَاءِ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَادَةً خِلَافًا لِابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ الإِمَام فَخر الدّين إِنْ صَحَّ النَّقْلُ عَنْهُ يُحْمَلْ عَلَى مَا إِذَا نَوَى عِنْدَ التَّلَفُّظِ ثُمَّ أَظْهَرَهُ بَعْدَ ذَلِك وَاخْتَارَ
القَاضِي عبد الْوَهَّاب جَوَاز اسْتثِْنَاء الْأَكْثَر وَوَافَقَهُ الإِمَام فَخر الدّين وَاخْتَارَ القَاضِي أَبُو بكر أَنه يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ وَقِيلَ قَدْ يَجُوزُ الْمُسَاوِي دُونَ الْأَكْثَرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ} وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ أَكْثَرُ وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ اتِّفَاقًا وَمن النَّفْي إِثْبَات خلافًا لأبي حنيفَة رحمه الله وَمِنْ أَصْحَابِهِ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ يَحْكِي التَّسْوِيَة بَينهمَا فِي عدم إِثْبَات نفيض الْمَحْكُومِ بِهِ بَعْدَ إِلَّا لَنَا أَنْهُ الْمُتَبَادِرُ عرفا فَيكون لُغَة لِأَن الْأَصْلَ عَدَمُ النَّقْلِ وَالتَّغْيِير وَاعْلَمْ أَنَّ الْكُلَّ اتَّفَقُوا عَلَى إِثْبَاتِ نَقِيضِ مَا قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ لِمَا بَعْدَهُ وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فَنَحْنُ نُثْبِتُ نَقِيضَ الْمَحْكُومِ بِهِ وَالْحَنَفِيَّةُ يُثْبِتُونَ نَقِيضَ الْحُكْمِ فَيَصِيرُ مَا بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ غَيْرَ مَحْكُومٍ عَلَيْهِ بِنَفْيٍ وَلَا إِثْبَاتٍ وَإِذَا تَعَقَّبَ الِاسْتِثْنَاءَ الْجُمَلُ يُرْجَعُ إِلَى جُمْلَتهَا عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ رحمهمَا الله وَعند أصحابهما وَإِلَى الْأَخِيرَة عِنْد أبي حنيفَة وَمُشْتَرِكٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ عِنْدَ الشَّرِيفِ الْمُرْتَضَى وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَّلَ فَقَالَ إِنْ تَنَوَّعَتِ الْجُمْلَتَانِ بِأَنْ تَكُونَ إِحْدَاهُمَا خَبَرًا وَالْأُخْرَى أَمْرًا عَادَ إِلَى الْأَخِيرَةِ فَقَطْ وَإِنْ لَمْ تَتَنَوَّعِ الْجُمْلَتَانِ وَلَا كَانَ حُكْمُ إِحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى وَلَا أُضْمِرَ اسْمُ إِحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى فَكَذَلِكَ أَيْضًا وَإِلَّا عَاد إِلَى الْكل وَاخْتَارَهُ الإِمَام فَخر الدّين وَتَوَقَّفَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مِنَّا فِي الْجَمِيعِ وَإِذَا عُطِفَ اسْتِثْنَاءٌ عَلَى اسْتِثْنَاءٍ فَإِنْ كَانَ الثَّانِي بِحَرْفِ عَطْفٍ أَوْ هُوَ أَكْثَرُ مِنَ الِاسْتِثْنَاء الأول أَو مُسَاوِيا لَهُ عَاد إِلَى أصل الْكَلَام الاستحالة الْعَطْفِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَإِخْرَاجِ الْأَكْثَرِ أَوِ الْمُسَاوِي وَإِلَّا عَاد إِلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْأَوَّلِ تَرْجِيحًا لِلْقُرْبِ وَنَفْيًا لِلَغْوِ الْكَلَامِ
(فَائِدَتَانِ)
الْأُولَى قَدْ يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ عِبَارَةً عَمَّا لَوْلَاهُ لَعُلِمَ دُخُولُهُ أَوْ مَا لَوْلَاهُ لَظُنَّ دُخُولُهُ أَوْ مَا لَوْلَاهُ لَجَازَ دُخُولُهُ أَوْ مَا لَوْلَاهُ لَقُطِعَ بِعَدَمِ دُخُولِهِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ فَالْأَوَّلُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ النُّصُوصِ نَحْوَ لَهُ عِنْدِي عَشَرَةٌ إِلَّا اثْنَيْنِ وَالثَّانِي الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الظَّوَاهِرِ نَحْوَ اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ إِلَّا زَيْدًا وَالثَّالِثُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الْمَحَالِّ وَالْأَزْمَانِ وَالْأَحْوَالِ نَحْوَ أَكْرِمْ رجلا إِلَّا زيدا أَو مروا وصل إِلَّا عِنْد الزول {لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} وَالرَّابِعُ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْقَطِعُ نَحْوَ رَأَيْتُ الْقَوْمَ إِلَّا حِمَارًا الثَّانِيَةُ أَنَّ إِطْلَاقَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُخَصَّصًا فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاء يرد على الْإِثْبَات وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَالْأَحْكَامِ وَالْأُمُورِ الْعَامَّةِ الَّتِي لَمْ يُنْطَقْ بِهَا فَالْأَوَّلُ نَحْوَ لَا عُقُوبَةَ إِلَّا بِجِنَايَةٍ وَالثَّانِي نَحْوَ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهَارَةٍ وَالثَّالِث نَحْو لَا تسْقط الصَّلَاة عَن امْرَأَة إِلَّا بِالْحَيْضِ وَالرَّابِعُ نَحْوَ قَامَ الْقَوْمُ إِلَّا زَيْدًا وَالْخَامِسُ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلا أَنْ يُحَاطَ بكم} وَلَمَّا كَانَتِ الشُّرُوطُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا الْوُجُودُ وَلَا الْعَدَمُ لَمْ يَلْزَمْ مِنَ الْحُكْمِ بِالنَّفْي قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ لِعَدَمِ الشَّرْطِ الْحُكْمُ بِالْوُجُودِ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ لِأَجْلِ وُجُودِهِ فَيَكُونُ مُطَّرِدًا فِيمَا عدا الشَّرْط
(الْبَابُ التَّاسِعُ فِي الشَّرْطِ)
وَفِيهِ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي أَدَوَاتِهِ
وَهِيَ إِنْ وَإِذَا وَلَوْ وَمَا تَضَمَّنَ مَعْنَى إِنْ فَإِنْ تَخْتَصُّ بِالْمَشْكُوكِ فِيهِ وَإِذَا تَدْخُلُ عَلَى الْمَعْلُومِ وَالْمَشْكُوكِ وَلَوْ تَدْخُلُ عَلَى الْمَاضِي بِخِلَافِهِمَا
الْفَصْلُ الثَّانِي فِي حَقِيقَتِهِ
وَهُوَ الَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ تَأْثِيرُ الْمُؤَثِّرِ وَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ ثُمَّ هُوَ قَدْ لَا يُوجَدُ إِلَّا مُتَدَرِّجًا كَدَوَرَانِ الْحَوْلِ وَقَدْ يُوجَدُ دُفْعَةً كَالنِّيَّةِ وَقَدْ يَقْبَلُ الْأَمْرَيْنِ كَالسُّتْرَةِ فَيُعْتَبَرُ مِنَ الْأَوَّلِ آخِرُ جُزْءٍ مِنْهُ وَمِنَ الثَّانِي جُمْلَتُهُ وَكَذَلِكَ الثَّالِثِ لِإِمْكَانِ تَحَقُّقِهِ فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ عَدَمَهُ اعْتُبِرَ أَوَّلُ أَزْمِنَةِ عَدَمِهِ فِي الثَّلَاثَةِ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِهِ
إِذَا رُتِّبَ مَشْرُوطٌ عَلَى شَرْطَيْنِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا عِنْدَ حُصُولِهِمَا إِنْ كَانَا عَلَى الْجَمْعِ وَإِنْ كَانَا عَلَى الْبَدَلِ حَصَلَ عِنْدَ أَحَدِهِمَا وَإِلَى الْمُعَلق تَعْيِينه لِأَن الْحَاصِل أَن الشَّرْط هُوَ الْمُشْتَرك بَيْنَهُمَا وَإِذَا دَخَلَ الشَّرْطُ عَلَى جُمَلٍ رُجِعَ إِلَيْهَا عِنْدَ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْحَنَابِلَةِ وَإِلَى مَا يَلِيهِ عِنْدَ بَعْضِ الْأُدَبَاءِ وَاخْتَارَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ التَّوَقُّفَ وَاتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ اتِّصَالِ الشَّرْطِ بِالْكَلَامِ وَعَلَى حُسْنِ التَّقْيِيدِ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْخَارِجُ بِهِ أَكْثَرَ مِنَ الْبَاقِي وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهُ فِي اللَّفْظِ وَتَأْخِيرُهُ وَاخْتَارَ الْإِمَامُ تَقْدِيمَهُ خِلَافًا للقراء جَمْعًا بَيْنَ التَّقَدُّمِ الطَّبْعِيِّ وَالْوَضْعِيِّ
(الْبَابُ الْعَاشِرُ فِي الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ)
التَّقْيِيدُ وَالْإِطْلَاقُ أَمْرَانِ اعْتِبَارِيَّانِ فَقَدْ يَكُونُ الْمُقَيَّدُ مُطْلَقًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى قيد آخر كالرقبة الْمَمْلُوكَة هِيَ مُقَيَّدَةٌ بِالْمِلْكِ وَهِيَ مُطْلَقَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِيمَانِ وَقَدْ يَكُونُ الْمُطْلَقُ مُقَيَّدًا كَالرَّقَبَةِ مُطْلَقَةً وَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِالرِّقِّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ حَقِيقَةٍ إِنِ اعْتُبِرَتْ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ فَهِيَ مُطْلَقَةٌ وَإِنِ اعْتُبِرَتْ مُضَافَةً إِلَى غَيْرِهَا فَهِيَ مُقَيَّدَةٌ وَوُقُوعُهُ فِي الشَّرْعِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ مُتَّفِقُ الْحُكْمِ وَالسَّبَبِ كَإِطْلَاقِ الْغَنَمِ فِي حَدِيثٍ وَتَقْيِيدِهَا فِي حَدِيثٍ آخَرَ بِالسَّوْمِ وَمُخْتَلِفُ الْحُكْمِ وَالسَّبَبِ كَتَقْيِيدِ الشَّهَادَةِ بِالْعَدَالَةِ وَإِطْلَاقِ الرَّقَبَةِ فِي الظِّهَارِ وَمُتَّحِدُ الْحُكْمِ مُخْتَلِفُ السَّبَبِ كَالْعِتْقِ مُقَيَّدٌ فِي الْقَتْلِ مُطْلَقٌ فِي الظِّهَارِ وَمُخْتَلِفُ الْحُكْمِ مُتَّحِدُ السَّبَبِ كَتَقْيِيدِ الْوُضُوءِ بِالْمَرَافِقِ وَإِطْلَاقِ التَّيَمُّمِ وَالسَّبَبُ وَاحِدٌ وَهُوَ الْحَدَثُ فَالْأَوَّلُ لَا يُحْمَلُ فِيهِ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ عَلَى الْخِلَافِ فِي دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ رحمه الله وَالثَّانِي لَا يُحْمَلُ فِيهِ إِجْمَاعًا
وَالثَّالِثُ لَا يُحْمَلُ فِيهِ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ عِنْد أَكثر أَصْحَابنَا وَعند الْحَنَفِيَّةِ خِلَافًا لِأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي اخْتِلَافِ الْأَسْبَابِ اخْتِلَافُ الْأَحْكَامِ فَيَقْتَضِي أَحَدُهُمَا التَّقْيِيدَ وَالْآخَرُ الْإِطْلَاقَ وَالرَّابِعُ فِيهِ خِلَافٌ فَإِنْ قُيِّدَ بِقَيْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي مَوْضِعَيْنِ حُمِلَ عَلَى الْأَقْيَسِ مِنْهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ وَيَبْقَى عَلَى إِطْلَاقِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَمُتَقَدِّمِي الشَّافِعِيَّةِ
(الْبَاب الْحَادِي عشر فِي دَلِيل الْخطاب)
وَهُوَ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ حَقِيقَتُهُ وَأَنْوَاعُهُ الْعَشَرَةُ وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابه وَأَصْحَاب الشَّافِعِي وَخَالَفَ فِي مَفْهُومِ الشَّرْطِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ من أَصْحَابنَا وَأَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ وَلَيْسَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَشْرُوطَ لَا يَجِبُ انْتِفَاؤُهُ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا الِانْتِفَاءَ لَيْسَ مَدْلُولًا لِلَّفْظِ وَخَالَفَ فِي مَفْهُومِ الصِّفَةِ أَبُو حنيفَة وَابْنُ سُرَيْجٍ وَالْقَاضِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجُمْهُورُ الْمُعْتَزِلَةِ ووافقنا الشَّافِعِي وَالْأَشْعَرِيُّ وَحَكَى الْإِمَامُ أَنَّ مَفْهُومَ اللَّقَبِ لَمْ يَقُلْ بِهِ إِلَّا الدَّقَّاقُ لَنَا أَنَّ التَّخْصِيصَ لَوْ لَمْ يَقْتَضِ سَلْبَ الْحُكْمِ عَنِ الْمَسْكُوتِ عَنهُ للَزِمَ التَّرْجِيح مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ وَهُوَ مُحَالٌ فَرْعَانِ الْأَوَّلُ أَنَّ الْمَفْهُومَ مَتَى خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ إِجْمَاعًا نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلَادكُم خشيَة إملاق} وَلِذَلِكَ يُرَدُّ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ فِي قَوْلِهِ عليه السلام فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَإِنَّ غَالِبَ أَغْنَامِ الْحِجَازِ وَغَيْرِهَا السَّوْمُ الثَّانِي أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالصِّفَةِ فِي جِنْسٍ هَلْ يَقْتَضِي نَفْيَ ذَلِكَ الْحُكْمِ عَنْ سَائِرِ الْأَجْنَاسِ فَيَقْتَضِي الْحَدِيثُ مَثَلًا نَفْيَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَنْ سَائِرِ الْأَنْعَامِ وَغَيْرِهَا أَوْ لَا يَقْتَضِي نَفْيَهُ إِلَّا عَنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ خَاصَّةً وَهُوَ اخْتِيَارُ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ
(الْبَاب الثَّانِي عشر فِي الْمُجْمَلِ وَالْمُبَيَّنِ وَفِيهِ سِتَّةُ فُصُولٍ)
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْنَى أَلْفَاظِهِ
فَالْمُبَيَّنُ هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ بِالْوَضْعِ عَلَى مَعْنًى إِمَّا بِالْأَصَالَةِ وَإِمَّا بَعْدَ الْبَيَانِ وَالْمُجْمَلُ هُوَ الدَّائِرُ بَيْنَ احْتِمَالَيْنِ فَصَاعِدًا إِمَّا بِسَبَبِ الْوَضْعِ وَهُوَ الْمُشْتَرَكُ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ كَالْمُتَوَاطِئِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جُزْئِيَّاتِهِ فَكُلُّ مُشْتَرَكٍ مُجْمَلٌ وَلَيْسَ كُلُّ مُجْمَلٍ مُشْتَرَكًا وَقَدْ يَكُونُ اللَّفْظُ مُبَيَّنًا مِنْ وَجْهٍ مُجْمَلًا مِنْ وَجْهٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَاده} فَإِنَّهُ مُبَيَّنٌ فِي الْحَقِّ مُجْمَلٌ فِي مِقْدَارِهِ وَالْمُؤَوَّلُ هُوَ الِاحْتِمَالُ الْخَفِيُّ مَعَ الظَّاهِرِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْمَآلِ إِمَّا لِأَنَّهُ يَؤُولُ إِلَى الظُّهُورِ بِسَبَبِ الدَّلِيلِ الْعَاضِدِ أَوْ لِأَنَّ الْعَقْلَ يؤُولُ إِلَى فَهْمِهِ بَعْدَ فَهْمِ الظَّاهِرِ وَهَذَا وَصْفٌ لَهُ بِمَا هُوَ مَوْصُوفٌ بِهِ فِي الْوَقْتِ الْحَاضِرِ فَيَكُونُ حَقِيقَةً وَفِي الْأَوَّلِ بِاعْتِبَارِ مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ وَقَدْ لَا يَقَعُ فَيَكُونُ مَجَازًا مُطْلَقًا
الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَا لَيْسَ مُجْمَلًا
إِضَافَةُ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ إِلَى الْأَعْيَانِ لَيْسَ مُجْمَلًا فَيُحْمَلُ عَلَى مَا يَدُلُّ الْعُرْفُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ عَيْنٍ خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ فَيُحْمَلُ فِي الْمَيْتَةِ عَلَى الْأَكْلِ وَفِي الْأُمَّهَاتِ عَلَى وُجُوهِ الِاسْتِمْتَاعِ وَإِذَا دَخَلَ النَّفْيُ عَلَى الْفِعْلِ كَانَ مُجْمَلًا عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ نَحْوَ
قَوْلِهِ عليه السلام لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ وَلَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ لِدَوَرَانِ النَّفْيِ بَيْنَ الْكَمَالِ وَالصِّحَّةِ وَقِيلَ إِنْ كَانَ الْمُسَمَّى شَرْعِيًّا انْتَفَى وَلَا إِجْمَالَ وَقَوْلُنَا هَذِهِ صَلَاةٌ فَاسِدَةٌ مَحْمُولٌ عَلَى اللُّغَوِيِّ وَإِنْ كَانَ حَقِيقِيًّا نَحْوَ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَلَهُ حُكْمٌ وَاحِدٌ انْتَفَى وَلَا إِجْمَالَ وَإِلَّا تَحَقَّقَ الْإِجْمَالُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي أَقْسَامِهِ
الْمُبَيَّنُ إِمَّا بِنَفْسِهِ كَالنُّصُوصِ وَالظَّوَاهِرِ وَإِمَّا بِالتَّعْلِيلِ كَفَحْوَى الْخِطَابِ أَوْ بِاللُّزُومِ كَالدَّلَالَةِ عَلَى الشُّرُوطِ وَالْأَسْبَابِ وَالْبَيَانُ إِمَّا بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْفِعْلِ كَالْكِتَابَةِ وَالْإِشَارَةِ أَوْ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ أَوْ بِالتَّرْكِ فَيُعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ وَاجِبًا أَوْ بِالسُّكُوتِ بَعْدَ السُّؤَالِ فَيُعْلَمُ عَدَمُ الْحُكْمِ لِلشَّرْعِ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ
الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي حكمه
وَيجوز وُرُود الْجمل فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم خِلَافًا لِقَوْمٍ لَنَا أَنَّ آيَةَ الْجُمُعَةِ وَآيَةَ الزَّكَاةِ مُجْمَلَتَانِ وَهُمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَجُوزُ الْبَيَانُ بِالْفِعْلِ خِلَافًا لقوم
وَإِذَا تَطَابَقَ الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ فَالْبَيَانُ الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ مُؤَكِّدٌ لَهُ وَإِنْ تَنَافَيَا نَحْوَ قَوْلِهِ عليه السلام مَنْ قَرَنَ الْحَجَّ إِلَى الْعُمْرَةِ فَلْيَطُفْ لَهما طَوافا وَاحِدًا وَطَاف عليه الصلاة والسلام لَهُمَا طَوَافَيْنِ فَالْقَوْلُ مُقَدَّمٌ لِكَوْنِهِ يَدُلُّ بِنَفْسِهِ وَيَجُوزُ بَيَانُ الْمَعْلُومِ بِالْمَظْنُونِ خِلَافًا لَلْكَرْخِيِّ
الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي وَقْتِهِ
مَنْ جَوَّزَ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ جَوَّزَ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ وَتَأْخِيرُهُ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ عِنْدَنَا سَوَاءٌ كَانَ لِلْخِطَابِ ظَاهِرٌ أُرِيدَ خِلَافُهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ خِلَافًا لِجُمْهُورِ الْمُعْتَزِلَةِ إِلَّا فِي النَّسْخِ وَمَنَعَ أَبُو الْحُسَيْنِ مِنْهُ فِيمَا لَهُ ظَاهِرٌ أُرِيدَ خِلَافُهُ وَأَوْجَبَ تَقْدِيمَ الْبَيَانِ الْإِجْمَالِيِّ دُونَ التَّفْصِيلِيِّ بِأَنْ يَقُولَ هَذَا الظَّاهِرُ لَيْسَ مُرَادًا وَيَجُوزُ لَهُ عليه الصلاة والسلام تَأْخِيرُ مَا يُوحَى إِلَيْهِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ لَنَا قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثمَّ إِن علينا بَيَانه} وَكلمَة ثمَّ للتراخي فَيجوز التَّأْخِير وَهُوَ الْمَطْلُوب
الْفَصْل السَّادِس فِي الْمُبين لَهُ
يجب الْبَيَان لمن أُرِيد إفهامه فَقَط دون غَيره ثُمَّ الْمَطْلُوبُ قَدْ يَكُونُ عِلْمًا فَقَطْ كَالْعُلَمَاءِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَيْضِ أَوْ عَمَلًا فَقَطْ كَالنِّسَاءِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَفِقْهِهِ أَوِ الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ كَالْعُلَمَاءِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَحْوَالِهِمْ أَوْ لَا عِلْمَ وَلَا عَمَلَ كَالْعُلَمَاءِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكُتُبِ السَّالِفَةِ وَيَجُوزُ إِسْمَاعُ الْمَخْصُوصِ بِالْعَقْلِ مِنْ غَيْرِ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ وِفَاقًا وَالْمَخْصُوصِ بِالسَّمْعِ بِدُونِ بَيَانِ مُخَصِّصِهِ عِنْد النظام وَأبي هَاشم وَاخْتَارَهُ الإِمَام خِلَافًا لِلْجُبَّائِيِّ وَأَبِي الْهُذَيْلِ
(الْبَاب الثَّالِث عشر فِي فعله عليه السلام
وَفِيهِ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي دَلَالَةِ فِعْلِهِ عليه السلام
إِنْ كَانَ بَيَانًا لِمُجْمَلٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ ذَلِكَ الْمُجْمَلِ فِي الْوُجُوبِ أَوِ النَّدْبِ أَوِ الْإِبَاحَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيَانًا وَفِيهِ قُرْبَةٌ فَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ رحمه الله وَابْنِ الْقَصَّارِ وَالْأَبْهَرِيِّ وَالْبَاجِيِّ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ لِلْوُجُوبِ وَعند الشَّافِعِي لِلنَّدْبِ وَعِنْدَ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَالْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ وَأَكْثَرِ الْمُعْتَزِلَةِ عَلَى الْوَقْفِ وَمَا لَا قُرْبَةَ فِيهِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللِّبَاسِ فَهُوَ عِنْدَ الْبَاجِيِّ لِلْإِبَاحَةِ وَعِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا لِلنَّدْبِ وَأَمَّا إِقْرَارُهُ عَلَى الْفِعْلِ فَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ
الْفَصْلُ الثَّانِي فِي اتِّبَاعِهِ
قَالَ جَمَاهِيرُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُعْتَزِلَةِ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ فِي فِعْلِهِ إِذَا عُلِمَ وَجْهُهُ وَجَبَ اتِّبَاعُهُ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهوا} وَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ فِي الْوُجُوبِ وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَلَّادٍ بِهِ فِي الْعِبَادَاتِ فَقَطْ
وَإِذَا وَجَبَ التَّأَسِّي بِهِ وَجَبَ مَعْرِفَةُ وَجْهِ فِعْلِهِ مِنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ إِمَّا بِالنَّصِّ أَوْ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِمَّا عُلِمَ فِيهِ وَجْهُ ثُبُوتِهِ فَيُسَوَّى بِهِ أَوْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ قِسْمَيْنِ فَيَتَعَيَّنُ الثَّالِثُ أَوْ بِالِاسْتِصْحَابِ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ أَوْ بِالْقُرْبَةِ عَلَى نَفْيِ الْإِبَاحَةِ فَيَتَعَيَّنُ النَّدْبُ وَبِالْقَضَاءِ عَلَى الْوُجُوبِ وَبِالْإِدَامَةِ مَعَ التَّرْكِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ عَلَى النَّدْبِ وَبِعَلَامَةِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ كَالْأَذَانِ وَبِكَوْنِهِ جُزْءًا لِسَبَبِ الْوُجُوبِ كَالنَّذْرِ تَفْرِيعٌ إِذَا وَجَبَ الِاتِّبَاعُ وَعَارَضَ فِعْلُهُ قَوْلَهُ فَإِنْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ وَتَأَخَّرَ الْفِعْلُ نَسَخَ الْفِعْلُ الْقَوْلَ كَانَ الْقَوْلُ خَاصًّا بِهِ أَوْ بِأُمَّتِهِ أَوْ عَمِّهِمَا وَإِنْ تَأَخَّرَ الْقَوْلُ وَهُوَ عَامٌّ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ عليه السلام أُسْقِطَ حُكْمُ الْفِعْلِ عَنِ الْكُلِّ وَإِنِ اخْتُصَّ بِأَحَدِهِمَا خَصَّصَهُ عَنْ عُمُومِ حُكْمِ الْفِعْلِ وَإِنْ تَعَقَّبَ الْفِعْلُ الْقَوْلَ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ وَعَمَّ القَوْل لَهُ الأمته عليه السلام خَصَّصَهُ عَنْ عُمُومِ الْقَوْلِ وَإِنِ اخْتَصَّ بِالْأُمَّةِ تَرَجَّحَ الْقَوْلُ عَلَى الْفِعْلِ وَإِنِ اخْتَصَّ بِهِ جَازَ أَنْ يَكُونَ نَسْخُ الشَّيْءِ قَبْلَ وَقْتِهِ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صُحِّحَ الْقَوْلُ لِاسْتِغْنَائِهِ بِدَلَالَتِهِ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ فَإِنْ عَارَضَ الْفِعْلُ الْفِعْلَ بِأَنْ يُقِرَّ شَخْصًا عَلَى فِعْلٍ فَعَلَ عليه السلام ضِدَّهُ فَيُعْلَمُ خُرُوجُهُ عَنْهُ أَوْ يَفْعَلُ عليه السلام ضِدَّهُ فِي وَقْتٍ يُعْلَمُ لُزُومُ مِثْلِهِ لَهُ فِيهِ فَيَكُونُ نَسْخًا لِلْأَوَّلِ
الْفَصْل الثَّالِث فِي تأسيه عليه السلام
مَذْهَبُ مَالِكٍ رحمه الله وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَعَبِّدًا بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ قَبْلَ نُبُوَّتِهِ وَقِيلَ كَانَ مُتَعَبِّدًا لَنَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَافْتَخَرَتْ بِهِ أَهْلُ تِلْكَ الْمِلَّةِ وَلَيْسَ فَلَيْسَ وَأَمَّا بَعْدَ نُبُوَّتِهِ فَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ أَصْحَابه وَأَصْحَاب الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة أَنَّهُ كَانَ مُتَعَبِّدًا بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ وَكَذَلِكَ أُمَّتُهُ إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَمَنَعَ مِنْهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا لَنَا قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقتده} وَهُوَ عَامٌّ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ أُضِيفَ
(الْبَابُ الرَّابِعَ عَشَرَ فِي النَّسْخِ وَفِيهِ خَمْسَةُ فُصُولٍ)
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي حَقِيقَتِهِ
قَالَ الْقَاضِي مِنَّا وَالْغَزَّالِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ هُوَ خِطَابٌ دَلَّ عَلَى ارْتِفَاعِ حُكْمٍ ثَابِتٍ بِخِطَابٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى وَجْهٍ لَوْلَاهُ لَكَانَ ثَابِتًا مَعَ تَرَاخِيهِ عَنْهُ وَقَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ النَّاسِخُ طَرِيقٌ شَرْعِيٌّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِثْلَ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِطَرِيقٍ لَا يُوجَدُ بَعْدَهُ مُتَرَاخِيًا عَنْهُ بِحَيْثُ لَوْلَاهُ لَكَانَ ثَابتا وَرَأى أَن الطَّرِيق أَعم من الْخطاب ليشْمل سَائل المدارك لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَسَخَ وُقُوفَ الْوَاحِدِ لِلْعَشَرَةِ فِي الْجِهَادِ بِثُبُوتِهِ لِلِاثْنَيْنِ وَهُمَا فِي الْقُرْآنِ وَقَوله مثل الحكم لِأَنَّ الثَّابِتَ قَبْلَ النَّسْخِ غَيْرُ الْمَعْدُومِ بَعْدَهُ وَقَوْلُهُ مُتَرَاخِيًا لِئَلَّا يَتَهَافَتَ الْخِطَابُ وَقَوله لَكَانَ ثَابتا احْتِرَازًا من المغيات نَحْوَ الْخِطَابِ بِالْإِفْطَارِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِنَّهُ لَيْسَ نَاسِخًا لِوُجُوبِ الصَّوْمِ وَقَالَ الْقَاضِي مِنَّا وَالْغَزَّالِيُّ الْحُكْمُ الْمُتَأَخِّرُ يُزِيلُ الْمُتَقَدِّمَ وَقَالَ الْإِمَامُ وَالْأُسْتَاذُ وَجَمَاعَةٌ هُوَ بَيَانُ انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْحَقُّ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ دَائِمًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَعَلِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى دَائِمًا فَكَانَ يَسْتَحِيلُ نَسْخُهُ لِاسْتِحَالَةِ انْقِلَابِ الْعِلْمِ وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ الْقَدِيمُ الَّذِي هُوَ خَبَرٌ عَنْهُ
الْفَصْلُ الثَّانِي فِي حُكْمِهِ
وَهُوَ وَاقِعٌ وَأَنْكَرَهُ بَعْضُ الْيَهُودِ عَقْلًا وَبَعْضُهُمْ سَمْعًا وَبَعْضُ الْمُسْلِمِينَ مُؤَوِّلًا لِمَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ بِالتَّخْصِيصِ لَنَا مَا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الْأُمَمُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ لِآدَمَ تَزْوِيجَ الْأَخِ بِأُخْتِهِ غَيْرَ توءمته وَقَدْ نُسِخَ ذَلِكَ وَيَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْكَافَّةِ نسخ الْقُرْآن خلافًا لأبي مسلمة الْأَصْفَهَانِيِّ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَسَخَ وُقُوفَ الْوَاحِدِ لِلْعَشَرَةِ فِي الْجِهَادِ بِثُبُوتِهِ لِلِاثْنَيْنِ وَهُمَا فِي الْقُرْآنِ وَيَجُوزُ نَسْخُ الشَّيْءِ قَبْلَ وُقُوعِهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ كَنَسْخِ ذَبْحِ إِسْحَاقَ قَبْلَ وُقُوعِهِ وَيَجُوزُ نَسْخُ الْحُكْمِ لَا إِلَى بَدَلٍ خِلَافًا لِقَوْمٍ كَنَسْخِ الصَّدَقَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {فقدموا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صَدَقَة} لِغَيْرِ بَدَلٍ وَنَسْخُ الْحُكْمِ إِلَى الْأَثْقَلِ خِلَافًا لِبَعْضِ أَهْلِ الظَّاهِرِ كَنَسْخِ عَاشُورَاءَ بِرَمَضَانَ وَنَسْخُ التِّلَاوَة دون الحكم وَبِالْعَكْسِ كَنَسْخِ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا ألْبَتَّةَ نَكَالًا مِنَ اللَّهِ مَعَ بَقَاءِ الرَّجْمِ وَالْحُكْمُ دون تِلَاوَة كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْجِهَادِ وَهُمَا مَعًا لِاسْتِلْزَامِ إِمْكَانِ الْمُفْرَدَاتِ إِمْكَانَ الْمُرَكَّبِ
وَنَسْخُ الْخَبَرِ إِذَا كَانَ مُتَضَمِّنًا لِحُكْمٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِمَنْ جَوَّزَ مُطْلَقًا أَوْ مَنَعَ مُطْلَقًا وَهُوَ أَبُو عَلِيٍّ وَأَبُو هَاشِمٍ وَأَكْثَرُ الْمُتَقَدِّمِينَ لَنَا أَنَّ نَسْخَ الْخَبَرِ يُوجِبُ عَدَمَ الْمُطَابَقَةِ وَهُوَ مُحَالٌ فَإِذَا تَضَمَّنَ الْحُكْمَ جَازَ نَسْخُهُ لِأَنَّهُ مُسْتَعَارٌ لَهُ وَنَسْخُ الْحُكْمِ جَائِزٌ كَمَا لَوْ عَبَّرْنَا عَنْهُ بِالْأَمْرِ وَيَجُوزُ نَسْخُ مَا قَالَ فِيهِ افْعَلُوا أَبَدًا خِلَافًا لِقَوْمٍ لِأَنَّ صِيغَةَ أَبَدًا بِمَنْزِلَةِ الْعُمُومِ فِي الْأَزْمَانِ وَالْعُمُومُ قَابِلٌ لِلتَّخْصِيصِ وَالنَّسْخِ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي النَّاسِخِ والمنسوخ
يَجُوزُ عِنْدَنَا نَسْخُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ وَعِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَالسُّنَّةُ الْمُتَوَاتِرَةُ بِمِثْلِهَا وَالْآحَادُ بِمِثْلِهَا وَبِالْكِتَابِ وَبِالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ إِجْمَاعًا وَأَمَّا جَوَازُ نَسْخِ الْكِتَابِ بِالْآحَادِ فَجَائِزٌ عَقْلًا غَيْرُ وَاقِعٍ سَمْعًا خِلَافًا لِبَعْضِ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَالْبَاجِيِّ مِنَّا مُسْتَدِلًّا بِتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ عَن بَيت الْمُقَدّس إِلَى الْكَعْبَة لَنَا أَنَّ الْكِتَابَ مُتَوَاتِرٌ قَطْعِيٌّ فَلَا يُرْفَعُ بِالْآحَادِ الْمَظْنُونَةِ لِتَقَدُّمِ الْعِلْمِ عَلَى الظَّنِّ وَيَجُوزُ نسخ السّنة بِالْكتاب عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وَبَعْضِ أَصْحَابِهِ لَنَا نَسْخُ الْقِبْلَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وحيثما كُنْتُم فَوَلوا وُجُوهكُم شطره} وَلَمْ يَكُنِ التَّوَجُّهُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثَابِتًا بِالْكِتَابِ عَمَلًا بِالِاسْتِقْرَاءِ وَيَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ لِمُسَاوَاتِهَا لَهُ فِي الطَّرِيقِ الْعِلْمِيِّ عِنْدَ أَكثر الْأَصْحَاب
وَوَاقِعٌ كَنَسْخِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ بِقَوْلِهِ عليه السلام لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَنَسْخِ الْحَبْسِ فِي الْبُيُوتِ بِالرَّجمِ وَقَالَ الشَّافِعِي رضي الله عنه لَمْ يَقَعْ لِأَنَّ آيَةَ الْحَبْسِ فِي الْبُيُوتِ نُسِخَتْ بِالْجَلْدِ وَالْإِجْمَاعُ لَا يُنْسَخُ وَلَا يُنْسَخُ بِهِ وَيَجُوزُ نَسْخُ الْفَحْوَى الَّذِي هُوَ مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ تَبَعًا لِلْأَصْلِ وَمَنَعَ أَبُو الْحُسَيْنِ مِنْ نَسْخِهِ مَعَ بَقَاءِ الْأَصْلِ دَفْعًا لِلتَّنَاقُضِ بَيْنَ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ مَثَلًا وَحِلِّ الضَّرْبِ وَيَجُوزُ النَّسْخُ بِهِ وِفَاقًا لَفْظِيَّةً كَانَتْ دَلَالَتُهُ أَوْ عَقْلِيَّةً عَلَى الْخِلَافِ وَالْعَقْلُ يَكُونُ نَاسِخًا فِي حَقِّ مَنْ سَقَطَتْ رِجْلَاهُ فَإِنَّ الْوُجُوب سَاقِط عَنهُ قَالَه الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ
الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِيمَا يُتَوَهَّمُ أَنه نَاسخ
زِيَادَةُ صَلَاةٍ عَلَى الصَّلَوَاتِ أَوْ عِبَادَةٍ عَلَى الْعِبَادَاتِ لَيْسَتْ نَسْخًا وِفَاقًا وَإِنَّمَا جَعَلَ أَهْلُ الْعِرَاقِ الْوِتْرَ نَاسِخًا لِمَا فِيهِ مِنْ رَفْعِ قَوْله تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} فَإِنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى الْوُسْطَى تَذْهَبُ لِصَيْرُورَتِهَا غَيْرَ وُسْطَى وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْعِبَادَةِ الْوَاحِدَةِ لَيْسَتْ نَسْخًا عِنْدَ مَالِكٍ رحمه الله وَعِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ وَالشَّافِعِيّ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَقِيلَ إِنْ نَفَتِ الزِّيَادَةُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْمَفْهُومُ الَّذِي هُوَ دَلِيلُ الْخِطَابِ أَوِ الشَّرْطُ كَانَتْ نَسْخًا وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ إِنْ لَمْ يَجُزِ الْأَصْلُ بَعْدَهَا فَهِيَ نَسْخٌ وَإِلَّا فَلَا فَعَلَى مَذْهَبِنَا زِيَادَةُ التَّغْرِيبِ عَلَى الْجَلْدِ لَيْسَتْ نَسْخًا وَكَذَلِكَ تَقْيِيدُ الرَّقَبَةِ
بِالْإِيمَانِ وَإِبَاحَةُ قَطْعِ السَّارِقِ فِي الثَّانِيَةِ وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ إِقَامَةِ الْغَيْرِ مَقَامَهُ عَقْلِيٌّ لَا شَرْعِيٌّ وَكَذَلِكَ لَوْ وَجَبَ الصَّوْمُ إِلَى الشَّفَقِ وَنُقْصَانُ الْعِبَادَةِ نَسْخٌ لِمَا سَقَطَ دُونَ الْبَاقِي إِنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ وَإِنْ تَوَقَّفَ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ هُوَ نَسْخٌ فِي الْجُزْءِ دُونَ الشَّرْطِ وَاخْتَارَ فَخْرُ الدِّينِ وَالْكَرْخِيُّ عَدَمَ النَّسْخِ
الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِيمَا يُعْرَفُ بِهِ النَّسْخُ
يُعَرَفُ بِالنَّصِّ عَلَى الرَّفْعِ أَوْ عَلَى ثُبُوتِ النَّقِيضِ أَوِ الضِّدِّ وَيُعْلَمُ التَّارِيخُ بِالنَّصِّ عَلَى التَّأْخِيرِ أَوِ السَّنَةِ أَوِ الْغَزْوَة أَو الْهِجْرَة وَيعلم نِسْبَةِ ذَلِكَ إِلَى زَمَانِ الْحُكْمِ أَوْ بِرِوَايَةِ مَنْ مَاتَ قَبْلَ رِوَايَةِ الْحُكْمِ الْآخَرِ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ فِي الْخَبَرَيْنِ المتواترين وَهَذَا قَبْلَ ذَاكَ مَقْبُولٌ وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي نَسْخِ الْمَعْلُومِ كَثُبُوتِ الْإِحْصَانِ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ بِخِلَافِ الرَّجْمِ وَشَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي الْوِلَادَةِ دُونَ النَّسَبِ وَقَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ هَذَا مَنْسُوخٌ لَا يُقْبَلُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ اجْتِهَادًا مِنْهُ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ إِنْ قَالَ ذَا نَسْخُ ذَاكَ لَمْ يُقْبَلْ وَإِنْ قَالَ هَذَا مَنْسُوخٌ قُبِلَ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَلِّ لِلِاجْتِهَادِ مَجَالًا فَيَكُونُ قَاطِعًا بِهِ وَضَعَّفَهُ الْإِمَامُ
(الْبَابُ الْخَامِسَ عَشَرَ فِي الْإِجْمَاعِ وَفِيهِ خَمْسَةُ فُصُولٍ)
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي حَقِيقَتِهِ
وَهُوَ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ وَنَعْنِي بِالِاتِّفَاقِ الِاشْتِرَاكَ إِمَّا فِي الْقَوْلِ أَوْ فِي الْفِعْلِ أَوِ الِاعْتِقَادِ وَبِأَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَبِأَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ وَالْعُرْفِيَّاتِ
الْفَصْلُ الثَّانِي فِي حُكْمِهِ
وَهُوَ عِنْدَ الْكَافَّةِ حُجَّةٌ خِلَافًا لِلنَّظَّامِ وَالشِّيعَةِ وَالْخَوَارِجِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تولى} الْآيَةَ وَثُبُوتُ الْوَعِيدِ عَلَى الْمُخَالَفَةِ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ وَقَوْلُهُ عليه السلام
لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى خَطَأٍ
يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى منع القَوْل الثَّالِث وَعدم افصل فِيمَا جَمَعُوهُ فَإِنَّ جَمِيعَ مَا خَالَفَهُمْ يَكُونُ خَطَأً لِتَعْيِينِ الْحَقِّ فِي جِهَتِهِمْ وَإِذَا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ عَلَى قَوْلَيْنِ فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ إِحْدَاثُ
قَوْلٍ ثَالِثٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَجَوَّزَهُ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَفَصَّلَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فَقَالَ إِنْ لَزِمَ مِنْهُ خِلَافُ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ امْتَنَعَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا قِيلَ لِلْجَدِّ كُلُّ الْمَالِ وَقِيلَ يُقَاسِمُ الْأَخَ فَالْقَوْلُ بِجَعْلِ الْمَالِ كُلِّهِ لِلْأَخِ مُنَاقِضٌ لِلْأَوَّلِ وَإِذَا أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى عَدَمِ الْفَصْلِ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْنِ لَا يَجُوزُ لِمَنْ بَعْدَهُمُ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا وَيَجُوزُ حُصُولُ الِاتِّفَاقِ بَعْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الْعَصْرِ الْوَاحِدِ خِلَافًا لِلصَّيْرَفِيِّ وَفِي الْعَصْرِ الثَّانِي لَنَا وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ فِيهِ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ إِجْمَاعَهُمْ عَلَى الْخِلَافِ يَقْتَضِي أَنَّهُ الْحَقُّ فَيَمْتَنِعُ الِاتِّفَاقُ أَوْ هُوَ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الِاتِّفَاقِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَانْقِرَاضُ الْعَصْرِ لَيْسَ شَرْطًا خِلَافًا لِقَوْمٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ لِتَجَدُّدِ الْوِلَادَةِ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَيَتَعَذَّرُ الْإِجْمَاعُ وَإِذَا حَكَمَ بعض الْأمة وَسكت الْبَاقُونَ فَعِنْدَ الشَّافِعِي وَالْإِمَام فَخر الدّين أَنه لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَلَا إِجْمَاعَ وَعِنْدَ الْجُبَّائِيِّ إِجْمَاعٌ وَحُجَّةٌ بَعْدَ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ وَعِنْدَ أَبِي هَاشِمٍ لَيْسَ بِإِجْمَاعٍ وَهُوَ حُجَّةٌ وَعِنْدَ أَبِي عَلِيِّ بن أبي هُبَيْرَة إِنْ كَانَ الْقَائِلُ حَاكِمًا لَمْ يَكُنْ إِجْمَاعًا وَلَا حُجَّةً وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَهُوَ إِجْمَاعٌ وَحُجَّةٌ فَإِنْ قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ قَوْلًا وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ إِنْ كَانَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَلَمْ يَنْتَشِرْ ذَلِكَ الْقَوْلُ فِيهِمْ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مُخَالِفٌ لَمْ يَظْهَرْ فَيَجْرِي مَجْرَى قَوْلِ الْبَعْضِ وَسُكُوتِ الْبَعْضِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَلَيْسَ بِإِجْمَاعٍ وَلَا حُجَّةٍ وَإِذَا جَوَّزْنَا الْإِجْمَاعَ السُّكُوتِيَّ فَكَثِيرٌ مِمَّنْ لَمْ يعتبرانقراض الْعَصْرِ فِي الْقَوْلِيِّ اعْتَبَرَهُ فِي السُّكُوتِيِّ وَالْإِجْمَاعُ الْمَرْوِيُّ بِالْآحَادِ حُجَّةٌ خِلَافًا لِأَكْثَرِ النَّاسِ لِأَنَّ هَذِه الإجماعات
وَإِنْ لَمْ تُفِدِ الْقَطْعَ فَهِيَ تُفِيدُ الظَّنَّ وَالظَّنُّ مُعْتَبَرٌ فِي الْأَحْكَامِ كَالْقِيَاسِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ غَيْرَ أَنَّا لَا نُكَفِّرُ مُخَالِفَهَا قَالَهُ الْإِمَامُ قَالَ وَإِذا اسْتدلَّ أهل الْعَصْر الأول بِدَلِيلٍ وَذَكَرُوا تَأْوِيلًا وَاسْتَدَلَّ الْعَصْرُ الثَّانِي بِدَلِيلٍ آخَرَ وَذَكَرُوا تَأْوِيلًا آخَرَ فَلَا يَجُوزُ إِبْطَالُ التَّأْوِيلِ الْقَدِيمِ وَأَمَّا الْجَدِيدُ فَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ إِبْطَالُ الْقَدِيمِ بَطَلَ وَإِلَّا فَلَا وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عِنْدَ مَالِكٍ رحمه الله فِيمَا طَرِيقُهُ التَّوْقِيفُ حُجَّةٌ خِلَافًا لِلْجَمِيعِ وَمِنَ النَّاسِ مَنِ اعْتَبَرَ إِجْمَاعَ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَإِجْمَاعَ الْعِتْرَةِ عِنْدَ الْإِمَامِيَّةِ وَإِجْمَاعُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ حُجَّةٌ عِنْدَ أَبِي حَازِمٍ وَلَمْ يَعْتَدَّ بِخِلَافِ زِيدٍ فِي تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ مَعَ مُخَالَفَةِ مَنْ أَدْرَكَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ خِلَافًا لِقَوْمٍ قَالَ وَمُخَالَفَةُ مَنْ خَالَفَنَا فِي الْأُصُولِ إِنْ كَفَّرْنَاهُمْ لَمْ نَعْتَبِرْهُمْ وَلَا يَثْبُتُ تَكْفِيرُهُمْ بِإِجْمَاعِنَا لِأَنَّهُ فَرْعُ تَكْفِيرِهِمْ وَإِنْ لَمْ نُكَفِّرْهُمُ اعْتَبَرْنَاهُمْ وَيُعْتَبَرُ عِنْدَ أَصْحَابِ مَالِكٍ رحمه الله مُخَالَفَةُ الْوَاحِدِ فِي إِبْطَالِ الْإِجْمَاعِ خِلَافًا لِقَوْمٍ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ وَاخْتُلِفَ فِي تَكْفِيرِ مُخَالِفِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ قَطْعِيٌّ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلِذَلِكَ قُدِّمَ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَقِيلَ ظَنِّيٌّ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي مُسْتَنَدِهِ
وَيَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ رحمه الله انْعِقَادُهُ عَنِ الْقِيَاسِ وَالدَّلَالَةِ وَالْأَمَارَةِ وَجَوَّزَهُ قَوْمٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الشُّبْهَةِ وَالْبَحْثِ
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَنْعَقِدُ عَنِ الْأَمَارَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنَ الدَّلَالَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ الْأَمَارَةِ الْجَلِيَّةِ وَغَيْرِهَا
الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي الْمُجْمِعِينَ
فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ جُمْلَةُ الْأُمَّةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِانْتِفَاءِ فَائِدَةِ الْإِجْمَاعِ وَلَا الْعَوَامُّ عِنْدَ مَالِكٍ رحمه الله وَعِنْدَ غَيْرِهِ خِلَافًا لِلْقَاضِي لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فَرْعُ الْأَهْلِيَّةِ وَلَا أَهْلِيَّةَ فَلَا اعْتِبَارَ وَالْمُعْتَبَرُ فِي كُلِّ فَنٍّ أَهْلُ الِاجْتِهَادِ فِي ذَلِكَ الْفَنِّ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِي غَيْرِهِ فَيُعْتَبَرُ فِي الْكَلَامِ الْمُتَكَلِّمُونَ وَفِي الْفِقْهِ الْفُقَهَاءُ قَالَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَقَالَ لَا عِبْرَةَ بِالْفَقِيهِ الْحَافِظِ لِلْأَحْكَامِ وَالْمَذَاهِبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا وَالْأُصُولِيُّ الْمُتَمَكِّنُ مِنَ الِاجْتِهَادِ غَيْرُ الْحَافِظِ لِلْأَحْكَامِ خِلَافه مُعْتَبَرٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُ الْمُجْمِعِينَ إِلَى حَدِّ التَّوَاتُرِ بَلْ لَوْ لَمْ يَبْقَ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ إِلَّا وَاحِدٌ كَانَ قَوْلُهُ حُجَّةً وَإِجْمَاعُ غَيْرِ الصَّحَابَةِ حُجَّةٌ خِلَافًا لِأَهْلِ الظَّاهِرِ
الْفَصْل الْخَامِس فِي الْمجمع عَلَيْهِ
كُلُّ مَا يَتَوَقَّفُ الْعِلْمُ بِكَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً عَلَيْهِ لَا يَثْبُتُ بِالْإِجْمَاعِ كَوُجُودِ الصَّانِعِ وَقُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ وَالنُّبُوَّةِ وَمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَحُدُوثِ الْعَالَمِ وَالْوَحْدَانِيَّةِ فَيَثْبُتُ وَاخْتَلَفُوا فِي كَوْنِهِ حُجَّةً فِي الْحُرُوبِ وَالْآرَاءِ وَيَجُوزُ اشْتِرَاكُهُمْ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ بِمَا لَمْ يُكَلَّفُوا بِهِ
(الْبَابُ السَّادِسَ عَشَرَ فِي الْخَبَرِ وَفِيهِ عَشَرَةُ فُصُولٍ)
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي حَقِيقَتِهِ
وَهُوَ الْمُحْتَمِلُ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ لِذَاتِهِ احْتِرَازًا مِنْ خَبَرِ الْمَعْصُومِ وَالْخَبَر عَن خلاف الضَّرُورَة وَقَالَ الجاحظ وَيجوز عُرُوُّهُ عَنِ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاط الْإِرَادَة فِي حَقِيقَته كَوْنِهِ خَبَرًا وَعِنْدَ أَبِي عَلِيٍّ وَأَبِي هَاشِمٍ الْخَبَرِيَّةُ مُعَلَّلَةٌ بِتِلْكَ الْإِرَادَةِ وَأَنْكَرَهُ الْإِمَامُ لِخَفَائِهَا فَكَانَ يلْزم أَن لَا يُعْلَمَ خَبَرٌ الْبَتَّةَ وَلِاسْتِحَالَةِ قِيَامِ الْخَبَرِيَّةِ بِمَجْمُوعِ الْحُرُوفِ لِعَدَمِهِ وَلَا بِبَعْضِهِ وَإِلَّا لَكَانَ خَبَرًا وَلَيْسَ فَلَيْسَ
الْفَصْل الثَّانِي فِي التَّوَاتُر
وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ مَجِيءِ الْوَاحِدِ بَعْدَ الْوَاحِدِ بِفَتْرَةٍ بَيْنَهُمَا وَفِي الِاصْطِلَاحِ خَبَرُ أَقْوَامٍ عَنْ أَمْرٍ مَحْسُوسٍ يَسْتَحِيلُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ عَادَةً وَأَكْثَرُ الْعُقَلَاءِ عَلَى أَنَّهُ مُفِيدٌ لِلْعِلْمِ فِي الْمَاضِيَاتِ وَالْحَاضِرَاتِ وَالسُّمَنْيَةُ أَنْكَرُوا الْعِلْمَ وَاعْتَرَفُوا بِالظَّنِّ وَمِنْهُمْ مَنِ اعْتَرَفَ بِهِ فِي الْحَاضِرَاتِ فَقَطْ
وَالْعِلْمُ الْحَاصِلُ مِنْهُ ضَرُورِيٌّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَّالِيِّ وَالْمُرْتَضِي وَالْأَرْبَعَةُ لَا تُفِيدُ الْعِلْمَ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَتَوَقَّفَ فِي الْخَمْسَةِ قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَالْحَقُّ أَنَّ عَدَدَهُمْ غَيْرُ مَحْصُورٍ خِلَافًا لِمَنْ حَصَرَهُمْ فِي اثْنَيْ عَشَرَ عِدَّةَ نُقَبَاءِ مُوسَى عليه السلام أَوْ عِشْرِينَ عِنْدَ أَبِي الْهُذَيْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يغلبوا مِائَتَيْنِ} أَوْ أَرْبَعِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسبك الله وَمن اتبعك من الْمُؤمنِينَ} وَكَانُوا حِينَئِذٍ أَرْبَعِينَ أَوْ سَبْعِينَ عَدَدَ الْمُخْتَارِينَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى عليه السلام أَوْ ثَلَاثَمِائَةٍ عَدَدَ أَهْلِ بَدْرٍ أَوْ عَشَرَةً عَدَدَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ وَهُوَ يَنْقَسِمُ إِلَى اللَّفْظِيِّ وَهُوَ أَنْ تَقَعَ الشَّرِكَةُ بَيْنَ ذَلِكَ الْعَدَدِ فِي اللَّفْظِ الْمَرْوِيِّ وَالْمَعْنَوِيُّ وَهُوَ وُقُوعُ الِاشْتِرَاكِ فِي مَعْنًى عَامٍّ كَشَجَاعَةِ عَلِيٍّ وَسَخَاءِ حَاتِمٍ وَشَرْطُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ إِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ لَنَا غَيْرَ الْمُبَاشِرِ اسْتِوَاءُ الطَّرَفَيْنِ وَالْوَاسِطَةِ وَإِنْ كَانَ الْمُبَاشِرَ فَيَكُونُ الْمُخْبَرُ عَنْهُ مَحْسُوسًا فَإِنَّ الْإِخْبَارَ عَنِ الْعَقْلِيَّاتِ لَا يُحَصِّلُ الْعِلْمَ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي الطُّرُقِ المحصلة للْعلم غير التَّوَاتُر
وَهِيَ سَبْعَةٌ كَوْنُ الْمُخْبَرِ عَنْهُ مَعْلُومًا بِالضَّرُورَةِ أَوِ الِاسْتِدْلَالِ أَوْ خَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ خَبَرِ الرَّسُولِ عليه السلام أَوْ خَبَرِ مَجْمُوعِ الْأُمَّةِ أَوِ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ عَنِ الْوِجْدَانِيَّاتِ فِي نُفُوسِهِمْ أَوِ الْقَرَائِنِ عِنْدَ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَّالِيِّ وَالنَّظَّامِ خِلَافًا لِلْبَاقِينَ
الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي الدَّالِّ عَلَى كَذِبِ الْخَبَرِ
وَهُوَ خَمْسَةٌ مُنَافَاتُهُ لِمَا عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ أَوِ النَّظَرِ أَوِ الدَّلِيلِ الْقَاطِعِ أَوْ فِيمَا شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ مُتَوَاتِرًا وَلَمْ يَتَوَاتَرْ كَسُقُوطِ الْمُؤَذِّنِ يَوْم الْجُمُعَة وَلم يخبر إِلَّا وَاحِد وكقواعد الشَّرْع أَولهمَا جَمِيعًا كَالْمُعْجِزَاتِ أَوْ طُلِبَ فِي صُدُورِ الرُّوَاةِ أَوْ كُتُبِهِمْ بَعْدَ اسْتِقْرَاءِ الْأَحَادِيثِ فَلَمْ يُوجَدْ
الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ
وَهُوَ خَبَرُ الْعَدْلِ أَوِ الْعُدُولِ الْمُفِيدِ لِلظَّنِّ وَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ رحمه الله وَعِنْدَ أَصْحَابِهِ حُجَّةٌ وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الْعَمَلِ بِهِ فِي الدُّنْيَوِيَّاتِ وَالْفَتْوَى وَالشَّهَادَاتِ وَالْخِلَافُ إِنَّمَا هُوَ فِي كَوْنِهِ حُجَّةً فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِينَ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ لِمُبَادَرَةِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم إِلَى الْعَمَلِ بِهِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُخْبِرِ الْعَقْلُ وَالتَّكْلِيفُ وَإِنْ كَانَ تَحَمُّلُ الصَّبِيِّ صَحِيحًا وَالْإِسْلَامُ وَالضَّبْطُ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُبْتَدِعَةِ إِذَا كَفَّرْنَاهُمْ فَعِنْدَ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ مِنَّا وَالْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُمْ وَفَصَّلَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَأَبُو الْحُسَيْنِ بَيْنَ مَنْ يُبِيحُ الْكَذِبَ وَغَيْرِهِ وَالصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ عُدُولٌ إِلَّا عِنْدَ قِيَامِ الْمُعَارِضِ وَالْعَدَالَةُ اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ وَبَعْضِ الصَّغَائِرِ وَالْإِصْرَارِ عَلَيْهَا وَالْمُبَاحَاتِ الْقَادِحَةِ فِي الْمُرُوءَةِ ثُمَّ الْفَاسِقُ إِنْ كَانَ فِسْقُهُ مَظْنُونًا قُبِلَتْ رِوَايَتُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ مَقْطُوعًا
بِهِ قبل الشَّافِعِي رِوَايَةَ أَرْبَابِ الْأَهْوَاءِ إِلَّا الْخَطَّابِيَّةَ مِنَ الرَّافِضَةِ لِتَجْوِيزِهِمُ الْكَذِبَ لِمُوَافَقَةِ مَذْهَبِهِمْ وَمَنَعَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مِنْ قَبُولِهَا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي شَارِبِ النَّبِيذ من غير سكر فَقَالَ الشَّافِعِي أَحُدُّهُ وَأَقْبَلُ شَهَادَتَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ فِسْقَهُ مَظْنُونٌ وَقَالَ مَالِكٌ رحمه الله أَحُدُّهُ وَلَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ كَأَنَّهُ قَطَعَ بِفِسْقِهِ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَجْهُولِ وَتَثْبُتُ الْعَدَالَةُ إِمَّا بِالِاخْتِبَارِ أَوْ بِالتَّزْكِيَةِ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِي التَّزْكِيَةِ وَالتَّجْرِيحِ فَشَرَطَهُ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ فِي التَّزْكِيَةِ وَالتَّجْرِيحِ فِي الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ وَاشْتَرَطَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي تَزْكِيَةِ الشَّهَادَةِ فَقَطْ وَاخْتَارَهُ الإِمَام فَخر الدّين وَقَالَ الشَّافِعِي يُشْتَرَطُ إِبْدَاءُ سَبَبِ التَّجْرِيحِ دُونَ التَّعْدِيلِ لِاخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فِي ذَلِكَ وَالْعَدَالَةُ شَيْءٌ وَاحِدٍ وَعَكَسَ قَوْمٌ لِوُقُوعِ الِاكْتِفَاءِ بِالظَّاهِرِ فِي الْعَدَالَةِ دُونَ التَّجْرِيحِ وَنَفَى ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِيهِمَا وَيُقَدَّمُ الْجَرْحُ عَلَى التَّعْدِيلِ إِلَّا أَنْ يُجَرِّحَهُ بِقَتْلِ إِنْسَانٍ فَيَقُولُ الْمُعَدِّلُ رَأَيْتُهُ حَيًّا وَقِيلَ يُقَدَّمُ الْمُعَدِّلُ إِذَا زَادَ عَدَدُهُ
الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي مُسْتَنَدِ الرَّاوِي
فَأَعْلَاهُ أَنْ يَعْلَمَ قِرَاءَتَهُ عَلَى شَيْخِهِ أَوْ إِخْبَارَهُ بِهِ أَوْ بِتَفَكُّرِ أَلْفَاظِ قِرَاءَتِهِ وَثَانِيهَا أَنْ يَعْلَمَ قِرَاءَةَ جَمِيعِ الْكِتَابِ وَلَا يَذْكُرَ الْأَلْفَاظَ وَلَا الْوَقْتَ وَثَالِثُهَا أَنْ يَشُكَّ فِي سَمَاعِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ رِوَايَته يخلاف الْأَوَّلِينَ وَرَابِعُهَا أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى خَطِّهِ فَيَجُوزُ عِنْد الشَّافِعِي وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد خلافًا لأبي حنيفَة
الْفَصْلُ السَّابِعُ فِي عَدَدِهِ
وَالْوَاحِدُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ يَكْفِي خِلَافًا لِلْجُبَّائِيِّ فِي اشْتِرَاطِهِ
اثْنَيْنِ أَوْ يُعَضِّدُ الْوَاحِدَ ظَاهِرٌ أَوْ عَمَلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَوِ اجْتِهَادٌ أَوْ يَكُونُ مُنْتَشِرًا فِيهِمْ وَلَمْ يُقْبَلْ فِي الزِّنَا إِلَّا أَرْبَعَةٌ لَنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ قَبِلُوا خَبَرَ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَحْدَهَا وَهُوَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى
الْفَصْلُ الثَّامِنُ فِيمَا اخْتلف فِيهِ من الشُّرُوط فِي الْقَبُولِ
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ إِذَا لَمْ يَقْبَلْ رَاوِي الْأَصْلِ الْحَدِيثَ لَا تُقْبَلُ رِوَايَةُ الْفَرْعِ قَالَ الْإِمَامُ إِنْ جَزَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ تُقْبَلْ وَإِلَّا عُمِلَ بِالرَّاجِحِ وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ إِذَا شَكَّ الْأَصْلُ فِي الْحَدِيثِ لَا يَضُرُّ ذَلِكَ خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ وَالْمَنْقُولُ عَنْ مَالِكٍ رحمه الله أَنَّ الرَّاوِيَ إِذَا لَمْ يَكُنْ فَقِيهًا فَإِنَّهُ كَانَ يَتْرُكُ رِوَايَتَهُ وَوَافَقَهُ أَبُو حنيفَة وَخَالَفَهُ الْإِمَامُ وَجَمَاعَةٌ قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَلَا يُخِّلُ بِالرَّاوِي تَسَاهُلُهُ فِي غَيْرِ الْحَدِيثِ وَلَا جَهْلُهُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا الْجَهْلُ بِنَسَبِهِ وَلَا خِلَافُ أَكْثَرِ الْأُمَّةِ لِرِوَايَتِهِ وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مُخَالَفَةَ الْحُفَّاظِ لَا تَمْنَعُ مِنَ الْقَبُولِ وَلَا كَوْنَهُ عَلَى خِلَافِ الْكِتَابِ خِلَافًا لِعِيسَى بْنِ أَبَانَ وَلَا كَوْنَ مَذْهَبِهِ بِخِلَافِ رِوَايَتِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَفِيهِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ قَالَ الْحَنَفِيَّة إِن خصصه زجع إِلَى مَذْهَبِ الرَّاوِي لِأَنَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ ظَاهر الْخَبَر أولى وَقَالَ الشَّافِعِي إِنْ خَالَفَ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ رُجِعَ إِلَى الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ رُجِعَ إِلَيْهِ وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ إِنْ كَانَ تَأْوِيلُهُ عَلَى خِلَافِ الضَّرُورَةِ تُرِكَ وَإِلَّا وَجَبَ النَّظَرُ فِي ذَلِك
وَإِذَا وَرَدَ الْخَبَرُ فِي مَسْأَلَةٍ عِلْمِيَّةٍ وَلَيْسَ فِي الْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ مَا يُعَضِّدُهُ رُدَّ لِأَنَّ الظَّنَّ لَا يَكْفِي فِي الْقَطْعِيَّاتِ وَإِلَّا قُبِلَ وَإِنِ اقْتَضَى عَمَلًا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى قُبِلَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ لَنَا حَدِيثُ عَائِشَة رضي الله عنها الْمُتَقَدّم فِي التقاء الْخِتَانَيْنِ
الْفَصْلُ التَّاسِعُ فِي كَيْفِيَّةِ الرِّوَايَةِ
إِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَوْ أَخْبَرَنِي أَوْ شَافَهَنِي فَهَذَا أَعْلَى الْمَرَاتِبِ وَثَانِيهَا أَنْ يَقُولَ قَالَ عليه السلام وَثَالِثُهَا أَمَرَ عليه السلام بِكَذَا أَوْ نَهَى عَنْ كَذَا وَهَذَا كُلُّهُ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى أَمْرِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام خِلَافًا لِقَوْمٍ وَرَابِعُهَا أَنْ يَقُولَ أُمِرْنَا بِكَذَا أَوْ نهينَا عَن كَذَا فعندنا وَعند الشَّافِعِي يُحْمَلُ عَلَى أَمْرِهِ عليه السلام خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ وَخَامِسُهَا أَنْ يَقُولَ السُّنَّةُ كَذَا فَعِنْدَنَا يُحْمَلُ عَلَى سُنَّتِهِ عليه السلام خِلَافًا لِقَوْمٍ وَسَادِسُهَا أَنْ يَقُولَ عَنِ النَّبِيِّ عليه السلام قِيلَ يُحْمَلُ عَلَى سَمَاعِهِ هُوَ وَقِيلَ لَا وَسَابِعُهَا كُنَّا نَفْعَلُ كَذَا وَهُوَ يَقْتَضِي كَوْنَهُ شَرْعًا وَأَمَّا غَيْرُ الصَّحَابِيِّ فَأَعْلَى مَرَاتِبِهِ أَنْ يَقُولَ حَدَّثَنِي أَوْ أَخْبَرَنِي أَوْ سَمِعْتُهُ وَلِلسَّامِعِ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ حَدَّثَنِي وَأَخْبَرَنِي وَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ فُلَانٍ إِنْ قَصَدَ إِسْمَاعَهُ خَاصَّةً أَوْ فِي جَمَاعَةٍ وَإِلَّا فَيَقُولُ سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ
وَثَانِيهَا أَنْ يُقَالَ لَهُ أَسَمِعْتَ هَذَا مِنْ فُلَانٍ فَيَقُولَ نَعَمْ أَوْ يَقُولَ بَعْدَ الْفَرَاغِ الْأَمْرُ كَمَا قُرِئَ فَالْحُكْمُ فِيهِ مِثْلُ الْأَوَّلِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ وَرِوَايَةِ السَّامِعِ وَثَالِثُهَا أَنْ يَكْتُبَ إِلَى غَيْرِهِ سَمَاعَهُ فَلِلْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ بِكِتَابِهِ إِذَا تَحَقَّقَهُ أَوْ ظَنَّهُ وَلَا يَقُولُ سَمِعْتُ وَلَا حَدَّثَنِي وَيَقُولُ أَخْبَرَنِي وَرَابِعُهَا أَنْ يُقَالَ لَهُ هَلْ سَمِعْتَ هَذَا فَيُشِيرُ بإُصْبُعِهِ أَوْ بِرَأْسِهِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ وَلَا يَقُولُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ أَخْبَرَنِي وَلَا حَدَّثَنِي وَلَا سَمِعْتُهُ وَخَامِسُهَا أَنْ يُقْرَأَ عَلَيْهِ فَلَا يُنْكِرُ بِإِشَارَةٍ وَلَا عِبَارَةٍ وَلَا يَعْتَرِفُ فَإِنْ غُلِبَ عَلَى الظَّنِّ اعْتِرَافُهُ لَزِمَ الْعَمَلُ وَعَامَّةُ الْفُقَهَاءِ جَوَّزُوا رِوَايَتَهُ وَأَنْكَرَهَا الْمُتَكَلِّمُونَ وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ إِلَّا أَخْبَرَنِي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ لَوْ قَالَ الْقَارِئُ لِلرَّاوِي بَعْدَ قِرَاءَةِ الْحَدِيثِ أَرْوِيهِ عَنْكَ قَالَ نَعَمْ وَهُوَ السَّادِسُ وَفِي مِثْلِ هَذَا اصْطِلَاحٌ لِلْمُحَدِّثِينَ وَهُوَ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ شَبَّهَ السُّكُوتَ بِالْإِخْبَارِ وَسَابِعُهَا إِذَا قَالَ لَهُ حَدِّثْ عَنِّي مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ وَلَمْ يَقُلْ لَهُ سَمِعْتَهُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُحَدِّثًا لَهُ بِهِ وَإِنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي التَّحَدُّثِ عَنْهُ وَثَامِنُهَا الْإِجَازَةُ تَقْتَضِي أَنَّ الشَّيْخَ أَبَاحَ لَهُ أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ وَذَلِكَ إِبَاحَةٌ لِلْكَذِبِ لَكِنَّهُ فِي عُرْفِ الْمُحَدِّثِينَ مَعْنَاهُ أَنَّ مَا صَحَّ عِنْدَكَ أَنِّي سَمِعْتُهُ فَارْوِهِ عَنِّي وَالْعَمَلُ عِنْدَنَا بِالْإِجَازَةِ جَائِزٌ خِلَافًا لِأَهْلِ الظَّاهِرِ فِي اشْتِرَاطِهِمُ الْمُنَاوَلَةَ وَكَذَلِكَ إِذَا كَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّ الْكِتَابَ الْفُلَانِيَّ رَوَيْتُهُ فَارْوِهِ عَنِّي إِذَا صَحَّ عِنْدَكَ فَإِذَا صَحَّ عِنْدَهُ جَازَتْ لَهُ الرِّوَايَةُ وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ لَهُ مُشَافَهَةً مَا صَحَّ عِنْدَكَ مِنْ حَدِيثِي فاروه عني
الْفَصْلُ الْعَاشِرُ فِي مَسَائِلَ شَتَّى
فَالْأُولَى الْمَرَاسِيلُ عِنْد مَالك وَأبي حنيفَة وَجُمْهُور الْمُعْتَزلَة حجَّة خلافًا للشَّافِعِيّ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَرْسَلَ حَيْثُ جَزَمَ بِالْعَدَالَةِ فَتَكُونُ حُجَّةً. وَنَقْلُ الْخَبَرِ بِالْمَعْنَى عِنْدَ أَبِي الْحُسَيْنِ وَالشَّافِعِيّ وَأبي حنيفَة رضي الله عنهم جَائِزٌ خِلَافًا لِابْنِ سِيرِينَ وَبَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ أَلَّا تَزِيدَ التَّرْجَمَةُ وَلَا تَنْقُصَ وَلَا تَكُونَ أَخْفَى لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِنَّمَا هُوَ إِيصَالُ الْمَعَانِي فَلَا يَضُرُّ فَوَاتُ غَيْرِهَا وَإِذَا زَادَتْ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى وَالْمَجْلِسُ مُخْتَلِفٌ قُبِلَتْ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا وَيَتَأَتَّى الذُّهُولُ عَنْ تِلْكَ الزِّيَادَةِ فِيهِ قُبِلَتْ وَإِلَّا لم تقبل
(الْبَابُ السَّابِعَ عَشَرَ فِي الْقِيَاسِ وَفِيهِ سَبْعَةُ فُصُولٍ)
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي حَقِيقَتِهِ
وَهُوَ إِثْبَاتُ مِثْلِ حُكْمٍ مَعْلُومٍ لِمَعْلُومٍ آخَرَ لِأَجْلِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي عِلَّةِ الْحُكْمِ عِنْدَ الْمُثْبِتِ فَالْإِثْبَاتُ الْمُرَادُ بِهِ الْمُشْتَرك بَين الْعلم والاعتقاد وَالظَّن وَنَعْنِي بِالْمَعْلُومِ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْمَظْنُونِ وَالْمَعْلُومِ وَقَوْلُنَا عِنْدَ الْمُثْبِتِ لِيَدْخُلَ فِيهِ الْقِيَاسُ الْفَاسِدُ
الْفَصْلُ الثَّانِي فِي حُكْمِهِ
وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ رضي الله عنهم خِلَافًا لِأَهْلِ الظَّاهِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} وَلِقَوْلِ مُعَاذٍ رضي الله عنه أَجْتَهِدُ رَأْيِي بَعْدَ ذِكْرِهِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ عِنْدَ مَالِكٍ رحمه الله لِأَنَّ الْخَبَرَ إِنَّمَا يَرِدُ لِتَحْصِيلِ الْحُكْمِ وَالْقِيَاسُ مُتَضَمِّنٌ لِلْحِكْمَةِ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْخَبَرِ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي الدنيويات اتِّفَاقًا
وَهُوَ إِنْ كَانَ بِإِلْغَاءِ الْفَارِقِ فَهُوَ تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ عِنْدَ الْغَزَّالِيِّ أَوْ بِاسْتِخْرَاجِ الْجَامِعِ مِنَ الْأَصْلِ ثُمَّ تَحْقِيقِهِ فِي الْفَرْعِ فَالْأَوَّلُ تَخْرِيجُ الْمَنَاطِ وَالثَّانِي تَحْقِيقُهُ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي الدَّالِّ على الْعلَّة
وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ النَّصُّ وَالْإِيمَاءُ وَالْمُنَاسَبَةُ وَالشَّبَهُ وَالدَّوَرَانُ والسبر والطرد وتنقيح المناط فَالْأول النَّص على الْعلَّة وَهُوَ ظَاهر وَالثَّانِي الْإِيمَاء وَهُوَ خَمْسَةٌ الْفَاءُ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ} وَتَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ نَحْوَ تَرْتِيبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى قَوْلِهِ وَاقَعْتُ أَهْلِي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ قَالَ الإِمَام فَخر الدّين سَوَاءٌ كَانَ مُنَاسِبًا أَوْ لَمْ يَكُنْ وَسُؤَالُهُ عليه السلام عَنْ وَصْفِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ نَحْوَ قَوْلِهِ عليه السلام أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا جَفَّ وَتَفْرِيقُ الشَّارِعِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فِي الْحُكْمِ نَحْوَ قَوْلِهِ عليه السلام الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ أَوْ وُرُودُ النَّهْيِ عَنْ فِعْلٍ يَمْنَعُ مَا تَقَدَّمَ وُجُوبه الثَّالِث الْمُنَاسب مَا تَضَمَّنَ تَحْصِيلَ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَرْءَ مَفْسَدَةٍ فَالْأَوَّلُ كَالْغِنَى عِلَّةً لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ وَالثَّانِي كَالْإِسْكَارِ عِلَّةً لِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَالْمُنَاسِبُ يَنْقَسِمُ إِلَى مَا هُوَ فِي مَحَلِّ الضَّرُورَاتِ وَإِلَى مَا هُوَ فِي مَحَلِّ الْحَاجَاتِ وَإِلَى مَا هُوَ فِي مَحَلِّ التَّتِمَّاتِ فَيُقَدَّمُ الْأَوَّلُ عَلَى الثَّانِي وَالثَّانِي عَلَى الثَّالِثِ عِنْدَ التَّعَارُضِ فَالْأَوَّلُ نَحْوَ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ وَهِيَ حِفْظُ النُّفُوسِ وَالْأَدْيَانِ وَالْأَنْسَابِ وَالْعُقُولِ وَالْأَمْوَالِ وَقِيلَ وَالْأَعْرَاضِ وَالثَّانِي مِثْلَ تَزْوِيجِ الْوَلِيِّ الصَّغِيرَةَ فَإِنَّ النِّكَاحَ غَيْرُ ضَرُورِيٍّ لَكِنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَيْهِ فِي تَحْصِيلِ الْكُفْءِ لِئَلَّا يَفُوتَ وَالثَّالِثُ مَا كَانَ حَثًّا عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ كَتَحْرِيمِ تَنَاوُلِ الْقَاذُورَاتِ
وَسَلْبِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَاتِ عَنِ الْأَرِقَّاءِ وَنَحْوَ الْكِتَابَاتِ وَنَفَقَاتِ الْقَرَابَاتِ وَتَقَعُ أَوْصَافٌ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ هَذِهِ الْمَرَاتِبِ كَقَطْعِ الْأَيْدِي بِالْيَدِ الْوَاحِدَةِ فَإِنَّ شَرْعِيَّتَهُ ضَرُورِيَّةٌ صَوْنًا لِلْأَطْرَافِ وَلِلْأَعْضَاءِ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ لَيْسَ مِنْهُ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ الْجَانِي فِيهِ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ بِالْغَيْرِ وَقَدْ يَتَعَذَّرُ وَمِثَالُ اجْتِمَاعِهَا كُلِّهَا فِي وَصْفٍ وَاحِدٍ أَنَّ نَفَقَةَ النَّفْسِ ضَرُورِيَّة والزوجات حاجية وَالْأَقَارِبِ تَتِمَّةٌ وَاشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ فِي الشَّهَادَةِ ضَرُورِيٌّ صَوْنًا لِلنُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ وَفِي الْإِمَامَةِ عَلَى الْخِلَافِ حَاجَةٌ لِأَنَّهَا شَفَاعَةٌ وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ لِإِصْلَاحِ حَالِ الشَّفِيعِ وَفِي النِّكَاحِ تَتِمَّةٌ لِأَنَّ الْوَلِيَّ قَرِيبٌ يَزَعُهُ طَبْعُهُ عَنِ الْوُقُوعِ فِي الْعَارِ وَالسَّعْيِ فِي الْإِضْرَار وَقيل حاجية عَلَى الْخِلَافِ وَلَا تُشْتَرَطُ فِي الْإِقْرَارِ لِقُوَّةِ الْوَازِعِ الطَّبْعِيِّ وَدَفْعُ الْمَشَقَّةِ عَنِ النُّفُوسِ مَصْلَحَةٌ وَلَوْ أَفْضَتْ إِلَى مُخَالَفَةِ الْقَوَاعِدِ وَهِيَ ضَرُورِيَّةٌ مُؤَثِّرَةٌ فِي التَّرْخِيصِ كَالْبَلَدِ الَّذِي يَتَعَذَّرُ فِيهِ الْعُدُولُ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَمْثَلِهِمْ حَالًا لِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ وَكَذَلِكَ يَلْزَمُ فِي الْقُضَاةِ وَوُلَاةِ الْأُمُور وحاجية فِي الْأَوْصِيَاءِ عَلَى الْخِلَافِ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ وَتَمَامِيَّةٌ فِي السِّلْمِ وَالْمُسَاقَاةِ وَبَيْعِ الْغَائِبِ فَإِنَّ فِي مَنْعِهَا مَشَقَّةً عَلَى النَّاسِ وَهِيَ مِنْ تتمات معاشهم عَلَى النَّاسِ وَهِيَ مِنْ تَتِمَّاتِ مَعَاشِهِمْ وَهُوَ أَيْضًا يَنْقَسِمُ إِلَى مَا اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ وَإِلَى مَا أَلْغَاهُ وَإِلَى مَا جُهِلَ حَالُهُ وَالْأَوَّلُ يَنْقَسِمُ إِلَى مَا اعْتُبِرَ نَوْعُهُ فِي نَوْعٍ لِحُكْمٍ كَاعْتِبَارِ نَوْعِ الْإِسْكَارِ فِي نَوْعِ التَّحْرِيمِ وَإِلَى مَا اعْتُبِرَ جِنْسُهُ فِي جِنْسِهِ كَالتَّعْلِيلِ بِمُطْلَقِ الْمَصْلَحَةِ كَإِقَامَةِ الشُّرْبِ مَقَامَ الْقَذْفِ لِأَنَّهُ مَظِنَّتُهُ وَإِلَى مَا اعْتُبِرَ نَوْعُهُ فِي جِنْسِهِ كَاعْتِبَارِ الْأُخُوَّةِ فِي التَّقْدِيمِ فِي الْمِيرَاثِ فَتَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ وَإِلَى مَا اعْتُبِرَ جِنْسُهُ فِي نوع الحكم
كَإِسْقَاطِ الصَّلَاةِ عَنِ الْحَائِضِ بِالْمَشَقَّةِ فَإِنَّ الْمَشَقَّةَ جِنْسٌ وَهُوَ أَيِ الْإِسْقَاطُ نَوْعٌ مِنَ الرُّخَصِ فتأثير النَّوْع فِي مُقَدَّمٌ عَلَى تَأْثِيرِ النَّوْعِ فِي الْجِنْسِ وَتَأْثِيرُ النَّوْعِ فِي الْجِنْسِ مُقَدَّمٌ عَلَى تَأْثِيرِ الْجِنْسِ فِي النَّوْعِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى تَأْثِيرِ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ وَالْمُلْغَى نَحْوَ الْمَنْعِ مِنْ زِرَاعَةِ الْعِنَبِ خَشْيَةَ الْخَمْرِ وَالَّذِي جُهِلَ أَمْرُهُ هُوَ الْمَصْلَحَةُ الْمُرْسَلَةُ الَّتِي نَحْنُ نَقُولُ بِهَا وَعِنْدَ التَّحْقِيقِ هِيَ عَامَّةٌ فِي الْمَذَاهِبِ الرَّابِعُ الشَّبَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ هُوَ الْوَصْفُ الَّذِي لَا يُنَاسِبُ بِذَاتِهِ وَيَسْتَلْزِمُ الْمُنَاسِبَ لِذَاتِهِ وَقَدْ شَهِدَ الشَّرْعُ لِتَأْثِيرِ جِنْسِهِ الْقَرِيبِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ الْقَرِيبِ وَالشَّبَهُ يَقَعُ فِي الْحُكْمِ كَشَبَهِ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ بِالْحُرِّ وَشَبَهِهِ بِسَائِرِ الْمَمْلُوكَاتِ وَعِنْدَ ابْنِ عُلَيَّةَ يَقَعُ الشَّبَهُ فِي الصُّورَةِ كَرَدِّ الْجِلْسَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى الْجِلْسَةِ الْأُولَى فِي الْحُكْمِ وَعِنْدَ الْإِمَامِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ إِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْحُكْمِ أَوْ لِمَا هُوَ عِلَّةٌ لِلْحُكْمِ صَحَّ الْقِيَاسُ وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ الْقَاضِي مِنَّا الْخَامِسُ الدَّوَرَانُ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ اقْتِرَانِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ مَعَ ثُبُوتِ الْوَصْفِ وَعَدَمِهِ مَعَ عَدَمِهِ وَفِيهِ خِلَافٌ وَالْأَكْثَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ يَقُولُونَ بِكَوْنِهِ حُجَّةً السَّادِسُ الْبر وَالتَّقْسِيمُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مُعَلَّلًا بِكَذَا أَوْ بِكَذَا أَوْ بِكَذَا وَالْكُلُّ بَاطِلٌ إِلَّا كَذَا فَيَتَعَيَّنُ السَّابِعُ الطَّرْدُ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ اقْتِرَانِ الْحُكْمِ بِسَائِرِ صُوَرِ الْوَصْفِ وَلَيْسَ مُنَاسِبًا وَلَا مُسْتَلْزِمًا لِلْمُنَاسِبِ وَفِيهِ خِلَافٌ الثَّامِنُ تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ وَهُوَ إِلْغَاءُ الْفَارِقِ فَيَشْتَرِكَانِ فِي الْحُكْمِ
الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي الدَّالِّ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْعلَّة وَهُوَ خَمْسَةٌ
الْأَوَّلُ النَّقْضُ وَهُوَ وُجُودُ الْوَصْفِ بِدُونِ الْحُكْمِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ ثَالِثُهَا إِنْ وُجِدَ الْمَانِعُ فِي صُورَةِ النَّقْضِ فَلَا يَقْدَحُ وَإِلَّا قَدَحَ وَرَابِعُهَا إِنْ نُصَّ عَلَيْهَا لَمْ يَقْدَحْ وَإِلَّا قَدَحَ وَجَوَابُ النَّقْضِ إِمَّا بِمَنْعِ وُجُودِ الْوَصْفِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ أَوْ بِالْتِزَامِ الْحُكْمِ فِيهَا الثَّانِي عَدَمُ التَّأْثِيرِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مَوْجُودًا مَعَ وَصْفٍ ثُمَّ يُعْدَمُ ذَلِكَ الْوَصْفُ وَيَبْقَى الْحُكْمُ فَيَقْدَحُ ذَلِكَ فِي غَلَبَتِهِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَهُوَ وُجُودُ الْحُكْمِ بِدُونِ الْوَصْفِ فِي صُورَةٍ أُخْرَى فَلَا يَقْدَحُ لِأَنَّ الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ يَخْلُفُ بَعْضُهَا بَعْضًا الثَّالِثُ الْقَلْبُ وَهُوَ إِثْبَاتُ نَقِيضِ الْحُكْمِ بِعَيْنِ الْعِلَّةِ كَقَوْلِنَا فِي الِاعْتِكَافِ لُبْثٌ فِي مَكَانٍ مَخْصُوصٍ فَلَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ قِيَاسًا عَلَى الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَيَكُونُ الصَّوْمُ شَرْطًا فِيهِ فَيَقُولُ السَّائِلُ لُبْثٌ فِي مَكَانٍ مَخْصُوصٍ فَلَا يَكُونُ الصَّوْمُ شَرْطًا فِيهِ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَهُوَ إِمَّا أَنْ يَقْصِدَ بِهِ إِثْبَاتَ مَذْهَبِ السَّائِلِ أَوْ إِبْطَالَ مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ فَالْأَوَّلُ كَمَا سَبَقَ وَالثَّانِي كَمَا يَقُولُ الْحَنَفِيُّ الْمَسْحُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْوُضُوءِ فَلَا يَكْفِي فِيهِ أَقَلُّ مَا يُمْكِنُ أَصْلُهُ الْوَجْهُ فَيَقُولُ الشَّافِعِيُّ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْوُضُوءِ فَلَا يُقَدَّرُ بِالرُّبُعِ أَصْلُهُ الْوَجْهُ الرَّابِعُ الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ وَهُوَ تَسْلِيمُ مَا ادَّعَاهُ الْمُسْتَدِلُّ مُوجَبَ عِلَّتِهِ مَعَ بَقَاءِ الْخِلَافِ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ
الْخَامِسُ الْفَرْقُ وَهُوَ إِبْدَاءُ مَعْنًى مُنَاسِبٍ لِلْحُكْمِ فِي إِحْدَى الصُّورَتَيْنِ مَفْقُودٍ فِي الْأُخْرَى وَقَدْحُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ لَا يُعَلَّلُ بِعِلَّتَيْنِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْفَارِقُ إِحْدَاهُمَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدِمِهِ عَدَمُ الْحُكْمِ لِاسْتِقْلَالِ الْحُكْمِ بِإِحْدَى العلنين
الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي تَعَدُّدِ الْعِلَلِ
يَجُوزُ تَعْلِيلُ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَّتَيْنِ مَنْصُوصَتَيْنِ خِلَافًا لبعضِهِمْ كَوُجُوبِ الْوُضُوءِ عَلَى مَنْ بَالَ وَلَامَسَ وَلَا يَجُوزُ بمستنطتين لِأَن الأَصْل عدم الِاسْتِقْلَال فيجعلان عِلّة وَاحِدَة
الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي أَنْوَاعِهَا وَهِيَ أَحَدَ عَشَرَ نوعا
الأول التَّعْلِيل بِالْمحل فِيهِ خِلَافٌ قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ إِنْ جَوَّزْنَا أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ قَاصِرَةً جَوَّزْنَاهُ كَتَعْلِيلِ الْخَمْرِ بِكَوْنِهِ خَمْرًا وَالْبُرُّ يُحَرَّمُ الرِّبَا فِيهِ لِكَوْنِهِ بُرًّا الثَّانِي الْوَصْفُ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُنْضَبِطًا جَازَ التَّعْلِيلُ بِالْحِكْمَةِ وَفِيهِ خِلَافٌ وَالْحِكْمَةُ هِيَ الَّتِي لِأَجْلِهَا صَارَ الْوَصْفُ عِلَّةً كَذَهَابِ الْعَقْلِ الْمُوجِبِ لِجَعْلِ الْإِسْكَارِ عِلَّةً الثَّالِثُ يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِالْعَدَمِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ فَإِنَّ عَدَمَ الْعِلَّةِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْمَعْلُولِ الرَّابِعُ الْمَانِعُونَ مِنَ التَّعْلِيلِ بِالْعَدَمِ امْتَنَعُوا مِنَ التَّعْلِيلِ بِالْإِضَافَاتِ لِأَنَّهَا عَدَمٌ الْخَامِسُ يَجُوزُ تَعْلِيلُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ خِلَافًا لِقَوْمٍ كَقَوْلِنَا نَجِسٌ فَيُحَرَّمُ
السَّادِسُ يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِالْأَوْصَافِ الْعُرْفِيَّةِ كَالشَّرَفِ وَالْخِسَّةِ بِشَرْطِ اطِّرَادِهَا وَتَمْيِيزِهَا عَنْ غَيْرِهَا السَّابِعُ يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِالْعِلَّةِ الْمُرَكَّبَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ كَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ الثَّامِنُ يَجُوزُ التَّعْلِيلُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا بِالْعِلَّةِ القاصرة وَعند الشَّافِعِي وَأكْثر الْمُتَكَلِّمين خلافًا لأبي حنيفَة وَأَصْحَابِهِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ مَنْصُوصَةً لِأَنَّ فَائِدَةَ التَّعْلِيلِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ التَّعْدِيَةُ لِلْفَرْعِ وَقَدِ انْتَفَتْ وَجَوَابُهُمْ نَفْيُ سُكُونِ النَّفْسِ لِلْحُكْمِ وَالِاطِّلَاعُ عَلَى مَقْصُودِ الشَّرْعِ فِيهِ التَّاسِعُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِالِاسْمِ الْعَاشِرُ اخْتَارَ الْإِمَامُ أَنه لايجوز التَّعْلِيلُ بِالْأَوْصَافِ الْمُقَدَّرَةِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ كَتَعْلِيلِ الْعِتْقِ عَنِ الْغَيْرِ بِتَقْدِيرِ الْمِلْكِ الْحَادِيَ عَشَرَ يَجُوزُ تَعْلِيلُ الْحُكْمِ الْعَدَمِيِّ بِالْوَصْفِ الْوُجُودِيِّ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الْمُقْتَضَى عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لِلْأَكْثَرِينَ فِي التَّوَقُّفِ وَهَذَا هُوَ تَعْلِيلُ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ بِالْمَانِعِ فَهُوَ يَقُولُ الْمَانِعُ هُوَ ضِدُّ عِلَّةِ الثُّبُوتِ وَالشَّيْءُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ضِدِّهِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يَحْسُنُ فِي الْعَادَةِ أَنْ يُقَالَ لِلْأَعْمَى إِنَّهُ لَا يُبْصِرُ زَيْدًا لِلْجِدَارِ الَّذِي بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا يَحْسُنُ ذَلِكَ فِي الْبَصِيرِ
الْفَصْلُ السَّابِعُ فِيمَا يَدْخُلُهُ الْقِيَاسُ وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَنْوَاع
الْأَوَّلُ اتَّفَقَ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى جَوَازِهِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَيُسَمُّونَهُ إِلْحَاقَ الْغَائِبِ بِالشَّاهِدِ الثَّانِي أَجَازَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَجَمَاعَةٌ الْقِيَاسَ فِي اللُّغَاتِ وَقَالَ ابْنُ جِنِّي هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأُدَبَاءِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ الثَّالِثُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِجْرَاءُ الْقِيَاسِ فِي الْأَسْبَابِ كَقِيَاسِ اللُّوَاطِ عَلَى الزِّنَا فِي وُجُوبِ الْحَدِّ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ إِنَّهُ مُوجِبٌ لِلْعِبَادَةِ كَغُرُوبِهَا الرَّابِعُ اخْتَلَفُوا فِي دُخُولِ الْقِيَاسِ فِي الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ قَالَ الْإِمَامُ وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَدْخُلُهُ قِيَاسُ الِاسْتِدْلَالِ بِعَدَمِ خَوَاصِّ الشَّيْءِ عَلَى عَدَمِهِ دُونَ قِيَاسِ الْعِلَّةِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِعْدَامِ فَإِنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ الْخَامِسُ قَالَ الْجُبَّائِيُّ والْكَرْخِيُّ لَا يَجُوزُ إِثْبَاتُ أُصُولِ الْعِبَادَاتِ بِالْقِيَاسِ السَّادِسُ يَجُوزُ عِنْدَ ابْنِ الْقصار والباجي وَالشَّافِعِيّ جَرَيَانُ الْقِيَاسِ فِي الْمُقَدَّرَاتِ وَالْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ خِلَافًا لأبي حنيفَة وَأَصْحَابِهِ لِأَنَّهَا أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ السَّابِعُ يَجُوزُ الْقِيَاسُ عِنْد الشَّافِعِي على الرُّخص خلافًا لأبي حنيفَة وَأَصْحَابِهِ الثَّامِنُ لَا يَدْخُلُ الْقِيَاسُ فِيمَا طَرِيقُهُ الْخِلْقَةُ وَالْعَادَةُ كَالْحَيْضِ وَلَا فِيمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ عَمَلٌ كَفَتْحِ مَكَّةَ عَنْوَةً وَنَحْوِهِ
(الْبَابُ الثَّامِنَ عَشَرَ فِي التَّعَارُضِ وَالتَّرْجِيحِ وَفِيهِ خَمْسَةُ فُصُولٍ)
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ اخْتَلَفُوا هَلْ يَجُوزُ تَسَاوِي الْأَمَارَتَيْنِ
فَمَنَعَهُ الْكَرْخِيُّ وَجَوَّزَهُ الْبَاقُونَ وَالْمُجَوِّزُونَ اخْتَلَفُوا فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مِنَّا وَأَبُو عَلِيٍّ وَأَبُو هَاشِمٍ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ يَتَخَيَّرُ وَيَتَسَاقَطَانِ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ قَالَ الْإِمَامُ فَخر الدّين رحمه الله إِنْ وَقَعَ التَّعَارُضُ فِي فِعْلٍ وَاحِدٍ بِاعْتِبَارِ حُكْمَيْنِ فَهَذَا مُتَعَذِّرٌ وَإِنْ وَقَعَ فِي فِعْلَيْنِ وَالْحُكْمُ وَاحِدٌ كَالتَّوَجُّهِ إِلَى جِهَتَيْنِ لِلْكَعْبَةِ فَيَتَخَيَّرُ وَقَالَ الْبَاجِيُّ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ إِذَا تَعَارَضَا فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ تَخَيَّرَ وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ يَتَعَيَّنُ الْحَظْرُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْأَشْيَاءَ عَلَى الْحَظْرِ وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ يَتَعَيَّنُ الْإِبَاحَةُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْأَشْيَاءَ عَلَى الْإِبَاحَةِ فَالثَّلَاثَةُ رَجَعُوا إِلَى حُكْمِ الْعَقْلِ عَلَى أُصُولِهِمْ وَإِذَا نُقِلَ عَنْ مُجْتَهِدٍ قَوْلَانِ فَإِنْ كَانَا مَوْضِعَيْنِ وَعُلِمَ التَّارِيخُ عُدَّ الثَّانِي رُجُوعًا عَنِ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ حُكِيَ عَنْهُ الْقَوْلَانِ وَلَا يحكم عَلَيْهِ بِرُجُوع وَإِن كَانَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَقُولَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ فَإِنْ أَشَارَ إِلَى تَقْوِيَةِ أَحَدِهِمَا فَهُوَ قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ فَقِيلَ يَتَخَيَّرُ السَّامِعُ بَينهمَا
الْفَصْل الثَّانِي فِي التَّرْجِيح
وَالْأَكْثَرُونَ اتَّفَقُوا عَلَى التَّمَسُّكِ بِهِ وَأَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَقَالَ يَلْزَمُ التَّخْيِيرُ أَوِ التَّوَقُّفُ
وَيُمْتَنَعُ التَّرْجِيحُ فِي الْعَقْلِيَّاتِ لِتَعَذُّرِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ القطعتين ومذهبنا وَمذهب الشَّافِعِي التَّرْجِيحُ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ خِلَافًا لِقَوْمٍ وَإِذَا تَعَارَضَ دَلِيلَانِ فَالْعَمَلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ وَجْهٍ أَوْلَى مِنَ الْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَهُمَا إِنْ كَانَا عَامَّيْنِ مَعْلُومَيْنِ وَالتَّارِيخُ مَعْلُومٌ نَسَخَ الْمُتَأَخِّرُ الْمُتَقَدِّمَ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا سَقَطَا وَإِنْ عُلِمَتِ الْمُقَارَنَةُ خُيِّرَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَا مَظْنُونَيْنِ فَإِنْ عُلِمَ الْمُتَأَخِّرُ نُسِخَ الْمُتَقَدِّمُ وَإِلَّا رُجِعَ إِلَى التَّرْجِيحِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَعْلُومًا وَالْآخَرُ مظنونا والمتأخر الْمَعْلُومُ نَسَخَ أَوِ الْمَظْنُونُ لَمْ يَنْسَخْ وَإِنْ جُهِلَ الْحَالُ تَعَيَّنَ الْمَعْلُومُ وَإِنْ كَانَا خَاصَّيْنِ فَحُكْمُهُمَا حُكْمُ الْعَامَّيْنِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَامًّا وَالْآخَرُ خَاصًّا قُدِّمَ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ لِأَنَّه لَا يَقْتَضِي عَدَمَ إِلْغَاءِ أَحَدِهِمَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَامًّا مِنْ وَجْهٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} مَعَ قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} وَجَبَ التَّرْجِيحُ إِنْ كَانَا مَظْنُونَيْنِ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي تَرْجِيحَاتِ الْأَخْبَارِ
وَهِيَ إِمَّا فِي الْإِسْنَاد أَو فِي الْمَتْن فَالْأَوَّلُ قَالَ الْبَاجِيُّ رحمه الله يَتَرَجَّحُ بِأَنَّهُ فِي قَضِيَّةٍ مَشْهُورَةٍ وَالْآخَرُ لَيْسَ كَذَلِكَ أَوْ رُوَاتُهُ أَحْفَظُ أَوْ أَكْثَرُ أَوْ مَسْمُوعٌ مِنْهُ عليه السلام وَالْآخَرُ مَكْتُوبٌ بِهِ أَوْ مُتَّفَقٌ عَلَى رَفْعِهِ إِلَيْهِ عليه السلام أَوِ اتَّفَقَ رُوَاتُهُ عِنْدَ إِثْبَاتِ الْحُكْمِ بِهِ أَوْ رِوَايَةُ صَاحِبِ الْقَضِيَّةِ أَوْ إِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ أَوْ رِوَايَتُهُ أَحْسَنُ نَسَقًا أَوْ سَالِمٌ مِنَ الِاضْطِرَابَاتِ أَوْ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالْآخَرُ لَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ رحمه الله أَو يكون روايه فَقِيهًا أَوْ عَالِمًا بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ عُرِفَتْ عَدَالَتُهُ بِالِاخْتِبَارِ أَوْ عُلِمَتْ بِالْعَدَدِ الْكَثِيرِ أَوْ ذُكِرَ سَبَبُ عَدَالَتِهِ أَوْ لَمْ يَخْتَلِطْ عَقْلُهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ أَوْ كَوْنُهُ مَنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ أَوْ لَهُ اسْمٌ وَاحِدٌ أَوْ لَمْ تُعْرَفْ لَهُ رِوَايَةٌ فِي زَمَنِ الصِّبَا وَالْآخَرُ لَيْسَ كَذَلِكَ أَوْ يَكُونُ مَدَنِيًّا وَالْآخَرُ مَكِّيًّا أَوْ رِوَايَة مُتَأَخّر الْإِسْلَام وَأما تَرْجِيح الْمَتْن قَالَ الْبَاجِيُّ رحمه الله يَتَرَجَّحُ السَّالِمُ مِنَ الاضطرابات وَالنَّصُّ فِي الْمُرَادِ أَوْ غَيْرُ مُتَّفَقٍ عَلَى تَخْصِيصِهِ أَوْ وَرَدَ عَلَى غَيْرِ سَبَبٍ أَوْ قَضَى بِهِ عَلَى الْآخَرِ فِي مَوْضِعٍ أَوْ وَرَدَ بِعِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ أَوْ يَتَضَمَّنُ نَفْيَ النَّقْصِ عَنِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَالْآخَرُ لَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ رحمه الله أَوْ يَكُونُ فَصِيحَ اللَّفْظِ أَوْ لَفْظُهُ حَقِيقَةً أَوْ يَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَوْ يُؤَكَّدُ لَفْظُهُ بِالتَّكْرَارِ أَوْ يَكُونُ نَاقِلًا عَنْ حُكْمِ الْعَقْلِ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَوِ السَّلَفِ عَلَى خِلَافِهِ مَعَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ أَوْ كَانَ فِيمَا لَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَالْآخَرُ لَيْسَ كَذَلِكَ
الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي تَرْجِيحِ الأقيسة
قَالَ الْبَاجِيُّ رحمه الله يَتَرَجَّحُ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ على الآخر بِالنَّصِّ على علته أَو لِأَنَّهُ يَعُودُ عَلَى أَصْلِهِ بِالتَّخْصِيصِ أَوْ عِلَّتُهُ مُطَّرِدَةٌ مُنْعَكِسَةٌ أَوْ تَشْهَدُ لَهَا أُصُولٌ
كَثِيرَةٌ وَالْآخَرُ عَلَى خِلَافِهَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَوْ يَكُونُ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ فَرْعُهُ مِنْ جِنْسِ أَصْلِهِ أَوْ عِلَّتُهُ مُتَعَدِّيَةٌ أَوْ تَعُمُّ فُرُوعُهُا أَوْ هِيَ أَعَمُّ أَوْ هِيَ مُنْتَزَعَةٌ مِنْ أَصْلٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ أَوْ أَقَلُّ أَوْصَافًا وَالْقِيَاسُ الْآخَرُ لَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ رحمه الله أَوْ يَكُونُ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ مُتَّفَقًا عَلَى عِلَّتِهِ أَوْ أَقَلُّ خِلَافًا أَوْ بَعْضُ مقدماته بقينية أَوْ عِلَّتُهُ وَصْفٌ حَقِيقِيٌّ وَيَتَرَجَّحُ التَّعْلِيلُ بِالْحِكْمَةِ عَلَى الْعَدَمِ وَالْإِضَافِيِّ وَالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَالتَّقْدِيرِيِّ وَالتَّعْلِيلُ بِالْعَدَمِ أَوْلَى مِنَ التَّقْدِيرِيِّ وَتَعْلِيلُ الْحُكْمِ الْوُجُودِيِّ بِالْوَصْفِ الْوُجُودِيِّ أَوْلَى مِنَ الْعَدَمِيِّ بِالْعَدَمِيِّ وَمِنَ الْعَدَمِيِّ بِالْوُجُودِيِّ وَالْوُجُودِيِّ بِالْعَدَمِيِّ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْعَدَمِ يَسْتَدْعِي تَقْدِيرَ الْوُجُودِ وَبِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ أَوْلَى مِنَ التَّقْدِيرِيِّ لِكَوْنِ التَّقْدِيرِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَالْقِيَاسُ الَّذِي يَكُونُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي أَصْلِهِ أَقْوَى أَوْ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِالتَّوَاتُرِ أَقْوَى مِمَّا لَيْسَ كَذَلِكَ
الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي تَرْجِيحِ طُرُقِ الْعِلَّةِ
قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ رحمه الله الْمُنَاسَبَةُ أَقْوَى مِنَ الدَّوَرَانِ خِلَافًا لِقَوْمٍ وَمِنَ التَّأْثِيرِ وَالسَّبْرِ الْمَظْنُونِ وَالشَّبَهِ وَالطَّرْدِ وَيَتَرَجَّحُ الْمُنَاسِبُ الَّذِي اعْتُبِرَ نَوْعُهُ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ عَلَى مَا اعْتبر جنسه
فِي نَوعه أَو نوع الحكم فِي جِنْسِهِ أَوْ جِنْسِهِ فِي جِنْسِهِ لِأَنَّ الْأَخَصَّ بِالشَّيْءِ أَرْجَحُ وَأَوْلَى بِهِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ مُتَعَارِضَانِ وَالثَّلَاثَةُ رَاجِحَةٌ عَلَى الرَّابِعِ ثُمَّ الْأَجْنَاسُ عَالِيَةٌ وَسَافِلَةٌ وَمُتَوَسِّطَةٌ وَكُلَّمَا قَرُبَ كَانَ أَرْجَحَ وَالدَّوَرَانُ فِي صُورَةٍ أَرْجَحُ مِنْهُ فِي صُورَتَيْنِ وَالشَّبَهُ فِي الصِّفَةِ أَقْوَى مِنْهُ فِي الْحُكْمِ وَفِيه خلاف
(الْبَابُ التَّاسِعَ عَشَرَ فِي الِاجْتِهَادِ)
وَهُوَ اسْتِفْرَاغُ الْوُسْعِ فِي الْمَطْلُوبِ لُغَةً وَاسْتِفْرَاغُ الْوُسْعِ فِي النَّظَرِ فِيمَا يَلْحَقُهُ فِيهِ لَوْمٌ شَرْعِيٌّ اصْطِلَاحًا وَفِيهِ تِسْعَةُ فُصُولٍ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي النَّظَرِ
وَهُوَ الْفِكْرُ وَقِيلَ تَرَدُّدُ الذِّهْنِ بَيْنَ أَنْحَاءِ الضَّرُورِيَّاتِ وَقِيلَ تَحْدِيقُ الْعَقْلِ إِلَى جِهَةِ الضَّرُورِيَّاتِ وَقِيلَ تَرْتِيبُ تَصْدِيقَاتٍ يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى عِلْمٍ أَوْ ظَنٍّ وَقِيلَ تَرْتِيبُ تَصْدِيقَيْنِ وَقِيلَ تَرْتِيبُ مَعْلُومَاتٍ وَقِيلَ تَرْتِيبُ مَعْلُومَيْنِ فَهَذِهِ سَبْعَةُ مَذَاهِبَ وَأَصَحُّهُا الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ وَهُوَ يَكُونُ فِي التَّصَوُّرَاتِ لِتَحْصِيلِ الْحُدُودِ الْكَاشِفَةِ عَنِ الْحَقَائِقِ الْمُفْرَدَةِ عَلَى تَرْتِيبٍ خَاصٍّ كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكِتَابِ وَفِي التَّصْدِيقَاتِ لِتَحْصِيلِ الْمَطَالِبِ التَّصْدِيقِيَّةِ عَلَى تَرْتِيبٍ خَاصٍّ وَشُرُوطٍ خَاصَّةٍ حُرِّرَتْ فِي عِلْمِ الْمَنْطِقِ وَمَتَّى كَانَ فِي الدَّلِيلِ مُقَدِّمَةٌ سَالِبَةٌ أَوْ جُزْئِيَّةٌ أَوْ مَظْنُونَةٌ كَانَتِ النَّتِيجَةُ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا تَتْبَعُ أَخَسَّ الْمُقَدِّمَاتِ وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى مَا صَحِبَهَا من أشرفها
الْفَصْلُ الثَّانِي فِي حُكْمِهِ
وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وُجُوبُهُ وَإِبْطَالُ التَّقْلِيدِ لقَوْله تَعَالَى {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم} وَقَدِ اسْتَثْنَى مَالِكٌ رحمه الله أَرْبَعَ عَشْرَةَ صُورَةً لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ الْأُولَى قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ قَالَ مَالِكٌ يَجِبُ عَلَى الْعَوَامِّ تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْأَحْكَامِ وَيَجِبُ عَلَيْهِمُ الِاجْتِهَادُ فِي أَعْيَانِ الْمُجْتَهِدِينَ كَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِينَ الِاجْتِهَادُ فِي أَعْيَانِ الْأَدِلَّةِ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا لِمُعْتَزِلَةِ بَغْدَادَ وَقَالَ الْجُبَّائِيُّ يَجُوزُ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ فَقَطْ
فُرُوعٌ ثَلَاثَةٌ
الْأَوَّلُ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ إِذَا اسْتَفْتَى الْعَامِّيُّ فِي نَازِلَةٍ ثُمَّ عَادَتْ لَهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى تِلْكَ الْفَتْوَى لِأَنَّهَا حَقٌّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعِيدَ الِاسْتِفْتَاءَ لِاحْتِمَالِ تَغَيُّرِ الِاجْتِهَادِ الثَّانِي قَالَ الزَّنَاتِيُّ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَذَاهِبِ فِي النَّوَازِلِ وَالِانْتِقَالُ مِنْ مَذْهَبٍ الى مَذْهَب بِثَلَاثَة شُرُوط أَلا يجمع بَينهَا عَلَى وَجْهٍ يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ كَمَنْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ صَدَاقٍ وَلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ فَإِنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لَمْ يَقُلْ بِهَا أَحَدٌ وَأَنْ يَعْتَقِدَ فِيمَنْ يُقَلِّدُهُ الْفَضْلَ بِوُصُولِ أَخْبَارِهِ إِلَيْهِ وَلَا يُقَلِّدُهُ رَمْيًا فِي عَمَايَةٍ وَأَلَّا يَتَتَبَّعَ رُخَصَ الْمَذَاهِبِ قَالَ وَالْمَذَاهِبُ كُلُّهُا مَسَالِكُ إِلَى الْجَنَّةِ وَطُرُقٌ إِلَى السَّعَادَةِ فَمَنْ سَلَكَ مِنْهَا طَرِيقًا وَصَّلَهُ تَنْبِيهٌ قَالَ غَيْرُهُ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَذَاهِبِ وَالِانْتِقَالُ إِلَيْهَا فِي كُلِّ مَا لَا يُنْقَضُ فِيهِ حُكْمُ الْحَاكِمِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ
مَا خَالَفَ الْإِجْمَاعَ أَوِ الْقَوَاعِدَ أَوِ النَّصَّ أَوِ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ فَإِنْ أَرَادَ رحمه الله بِالرُّخَصِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ فَهُوَ حَسَنٌ مُتَعَيِّنٌ فَإِنَّ مَا لَا نقره مَعَ تأكده بِحكم الْحَاكِم فَأولى أَن لَا نقره قَبْلَ ذَلِكَ وَإِنْ أَرَادَ بِالرُّخَصِ مَا فِيهِ سُهُولَةٌ عَلَى الْمُكَلَّفِ كَيْفَ كَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ مَنْ قَلَّدَ مَالِكًا فِي الْمِيَاهِ وَالْأَرْوَاثِ وَتَرَكَ الْأَلْفَاظَ فِي الْعُقُودِ مُخَالِفًا لِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَاعِدَةٌ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ فَلَهُ أَنْ يُقَلِّدَ مَنْ شَاءَ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِغَيْرِ حَجْرٍ وَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ عَلَى أَنَّ مَنِ اسْتَفْتَى أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما أَوْ قَلَّدَهُمَا فَلَهُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَغَيْرَهُمَا وَيَعْمَلَ بِقَوْلِهِمَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَمَنِ ادَّعَى رَفْعَ هَذَيْنِ الْإِجْمَاعَيْنِ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ الثَّالِثُ إِذَا فَعَلَ الْمُكَلَّفُ فِعْلًا مُخْتَلَفًا فِي تَحْرِيمِهِ غَيْرَ مُقَلِّدٍ لِأَحَدٍ فَهَلْ نُؤَثِّمُهُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ أَوْ لَا نُؤَثِّمُهُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحْلِيلِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ إِضَافَتُهُ إِلَى أَحَدِ الْمَذْهَبَيْنِ أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ وَلَمْ يَسْأَلْنَا عَنْ مَذْهَبِنَا فَنُجِيبَهُ وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا فِيهِ نَصًّا وَكَانَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ يَقُولُ فِي هَذَا الْفَرْعِ إِنَّهُ آثِمٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَجِبُ عَلَيْهِ أَلَّا يُقْدِمَ عَلَى فِعْلٍ حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ وَهَذَا أَقْدَمَ غَيْرَ عَالِمٍ فَهُوَ آثِمٌ بِتَرْكِ التَّعَلُّمِ وَأَمَّا تَأْثِيمُهُ بِالْفِعْلِ نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا عُلِمَ مِنَ الشَّرْعِ قُبْحُهُ أَثَّمْنَاهُ وَإِلَّا فَلَا الثَّانِيَةُ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ وَيُقَلَّدُ الْقَائِفُ الْعَدْلُ عِنْدَ مَالِكٍ رحمه الله وَرُوِيَ لَا بُدَّ مِنِ اثْنَيْنِ الثَّالِثَة قَالَ يجوز عِنْدَهُ تَقْلِيدُ التَّاجِرِ فِي قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ إِلَّا أَن تتَعَلَّق
الْقِيمَةُ بِحَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا بُدَّ مِنِ اثْنَيْنِ لِدُرْبَةِ التَّاجِرِ بِالْقِيَمِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنِ اثْنَيْنِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ الرَّابِعَةُ قَالَ وَيَجُوزُ تَقْلِيدُ الْقَاسِمِ بَيْنَ اثْنَيْنِ عِنْدَهُ وَابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَقْبَلُ قَوْلَ الْقَاسِمِ لِأَنَّه شَاهِدٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ الْخَامِسَةُ قَالَ يُقَلَّدُ الْمُقَوِّمُ لِأَرْشِ الْجِنَايَاتِ عِنْدَهُ السَّادِسَةُ قَالَ يُقَلَّدُ الْخَارِصُ الْوَاحِدُ فِيمَا يَخْرُصُهُ عِنْدَ مَالِكٍ رحمه الله السَّابِعَةُ قَالَ يُقَلَّدُ عِنْدَهُ الرَّاوِي فِيمَا يَرْوِيهِ الثَّامِنَةُ قَالَ يُقَلَّدُ الطَّبِيبُ عِنْدَهُ فِيمَا يَدَّعِيهِ التَّاسِعَةُ قَالَ يُقَلَّدُ الْمَلَّاحُ فِي الْقِبْلَةِ إِذَا خَفِيَتْ أَدِلَّتُهَا وَكَانَ عَدْلًا دَرِيًّا بِالسَّيْرِ فِي الْبَحْرِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ كَانَتْ صِنَاعَتُهُ فِي الصَّحْرَاءِ وَهُوَ عَدْلٌ الْعَاشِر قَالَ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ أَنْ يُقَلِّدَ عَامِّيٌّ عَامِّيًّا إِلَّا فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ لِضَبْطِ التَّارِيخِ دُونَ الْعِبَادَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ قَالَ وَيَجُوزُ عِنْدَهُ تَقْلِيدُ الصَّبِيِّ وَالْأُنْثَى وَالْكَافِرِ وَالْوَاحِدِ فِي الْهَدِيَّةِ وَالِاسْتِئْذَانِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ قَالَ يُقَلَّدُ الْقَصَّابُ فِي الذَّكَاةِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا وَمَنْ مِثْلُهُ يَذْبَحُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ قَالَ يُقَلَّدُ مَحَارِيبُ الْبِلَادِ الْعَامِرَةِ الَّتِي تَتَكَرَّرُ الصَّلَاةُ فِيهَا وَيُعْلَمُ أَنَّ إِمَامَ الْمُسْلِمِينَ بَنَاهَا وَنَصَبَهَا أَوِ اجْتَمَعَ أَهْلُ الْبَلْدَةِ عَلَى بِنَائِهَا قَالَ لِأَنَّه قَدْ عَلِمَ أَنَّهَا لَمْ تُنْصَبْ إِلَّا بَعْدَ اجْتِهَادِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ وَيُقَلِّدُهَا الْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ وَأَمَّا غَيْرُ تِلْكَ فَعَلَى الْعَالِمِ الِاجْتِهَادُ فَإِنْ تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ صَلَّى إِلَى الْمِحْرَابِ إِذَا كَانَ الْبَلَدُ عَامِرًا لِأَنَّه أَقْوَى مِنَ الِاجْتِهَادِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَأَمَّا الْعَامِّيُّ فَيُصَلِّي فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ قَالَ يُقَلَّدُ الْعَامِّيُّ فِي تَرْجَمَةِ الْفَتْوَى بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ أَوْ
الْعَجَمِيِّ وَفِي قِرَاءَاتِهَا أَيْضًا وَلَا يَجُوزُ لِعَالِمٍ وَلَا لِجَاهِلٍ التَّقْلِيدُ فِي زَوَالِ الشَّمْسِ لِأَنَّه مُشَاهَدٌ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِيمَنْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ
أَفْتَى أَصْحَابُنَا رضي الله عنهم بِأَنَّ الْعِلْمَ عَلَى قِسْمَيْنِ فَرْضُ عَيْنٍ وَفَرْضُ كِفَايَةٍ وَحَكَى الشَّافِعِي فِي رِسَالَتِهِ وَالْغَزَّالِيُّ فِي إِحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ فَفَرْضُ الْعَيْنِ الْوَاجِبِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ هُوَ عِلْمُهُ بِحَالَتِهِ الَّتِي هُوَ فِيهَا مِثَالُهُ رَجُلٌ أَسْلَمَ وَدَخَلَ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ طَعَامًا لِغِذَائِهِ قُلْنَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا يَعْتَمِدُهُ فِي ذَلِكَ أَوْ أَرَادَ الزَّوَاجَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا يَعْتَمِدُهُ فِي ذَلِكَ أَوْ إِنْ أَرَادَ أَنْ يُؤَدِّيَ شَهَادَةً فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ شُرُوطَ التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَصْرِفَ ذَهَبًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ حُكْمَ الصَّرْفِ فَكُلُّ حَالَةٍ يَتَّصِفُ بِهَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فِيهَا فَعَلَى هَذَا لَا يَنْحَصِرُ فَرْضُ الْعَيْنِ فِي الْعِبَادَاتِ وَلَا فِي بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ كَمَا يَعْتَقِدُ كَثِيرٌ مِنَ الْأَغْبِيَاءِ وَعَلَى هَذَا الْقِسْمِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم
طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ
فَمَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ حَالَةٌ فَعَلِمَ وَعَمِلَ بِمُقْتَضَى عِلْمِهِ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ تَعَالَى طَاعَتَيْنِ وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ وَلَمْ يَعْمَلْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ مَعْصِيَتَيْنِ وَمَنْ عَلِمَ وَلَمْ يَعْمَلْ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ طَاعَةً وَعَصَى اللَّهَ مَعْصِيَةً فَفِي هَذَا الْمَقَامِ يَكُونُ الْعَالِمُ خَيْرًا مِنَ الْجَاهِلِ وَالْمَقَامُ الَّذِي يَكُونُ الْجَاهِلُ فِيهِ خَيْرًا مِنَ الْعَالِمِ مَنْ شَرِبَ خَمْرًا يَعْلَمُهُ وَشَرِبَهُ آخَرُ يَجْهَلُهُ فَإِنَّ الْعَالِمَ يَأْثَمُ بِخِلَافِ الْجَاهِلِ فَهُوَ أَحْسَنُ حَالًا من الْعَالم
وَكَذَلِكَ مَنِ اتَّسَعَ فِي الْعِلْمِ بَاعُهُ تَعْظُمُ مُؤَاخَذَتُهُ لِعُلُوِّ مَنْزِلَتِهِ بِخِلَافِ الْجَاهِلِ فَهُوَ أَسْعَدُ حَالًا مِنَ الْعَالِمِ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَأَمَّا فَرْضُ الْكِفَايَةِ فَهُوَ الْعِلْمُ الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِحَالَةِ الْإِنْسَانِ فَيَجِبُ عَلَى الْأُمَّةِ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ يَتَفَقَّهُونَ فِي الدِّينِ لِيَكُونُوا قُدْوَةً لِلْمُسْلِمِينَ حِفْظًا لِلشَّرْعِ مِنَ الضَّيَاعِ وَالَّذِي يَتَعَيَّنُ لِهَذَا مِنَ النَّاسِ مَنْ جَادَ حِفْظُهُ وَحَسُنَ إِدْرَاكُهُ وَطَابَتْ سَجِيَّتُهُ وَسَرِيرَتُهُ وَمَنْ لَا فَلَا
الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي زَمَانِهِ
اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ بَعْدَ وَفَاتِهِ عليه السلام وَأَمَّا فِي زَمَنِهِ فَوُقُوعُهُ مِنْهُ عليه السلام قَالَ بِهِ الشَّافِعِي وَأَبُو يُوسُفَ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ وَأَبُو هَاشِمٍ لم يكن متعبدا بِهِ وَلقَوْله تَعَالَى {إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحى} وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَانَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الْحُرُوبِ دُونَ الْأَحْكَامِ قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَتَوَقَّفَ أَكْثَرُ الْمُحَقِّقِينَ فِي الْكُلِّ وَأَمَّا وُقُوعُ الِاجْتِهَاد فِي زَمَنه عليه السلام وَمن غَيْرِهِ فَقَلِيلٌ وَهُوَ جَائِزٌ عَقْلًا فِي الْحَاضِرِ عِنْدَهُ عليه السلام وَالْغَائِبِ عَنْهُ وَقَدْ قَالَ لَهُ مُعَاذٌ رضي الله عنه أَجْتَهِدُ رَأْيِي
الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي شَرَائِطِهِ
وَهِيَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَعَانِي الْأَلْفَاظِ وَعَوَارِضِهَا مِنَ التَّخْصِيصِ وَالنَّسْخِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ وَمِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَا يَتَضَمَّنُ الْأَحْكَامَ وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ آيَةٍ وَلَا
يُشْتَرَطُ الْحِفْظُ بَلِ الْعِلْمُ بِمَوَاضِعِهَا لِيَنْظُرَهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا وَمِنَ السُّنَّةِ مَوَاضِعُ أَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ دُونَ حِفْظِهَا وَمَوَاضِعُ الْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِلَافِ وَالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَشَرَائِطِ الْحَدِّ وَالْبُرْهَانِ وَالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ وَالتَّصْرِيفِ وَأَحْوَالِ الرُّوَاةِ وَيُقَلَّدُ مَنْ تَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ. وَلَا يُشْتَرَطُ عُمُومُ النَّظَرِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُحَصِّلَ صِفَةَ الِاجْتِهَادِ فِي فَنٍّ دُونَ فَنٍّ وَفِي مَسْأَلَةٍ دُونَ مَسْأَلَةٍ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ.
الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي التَّصْوِيبِ
. قَالَ الْجَاحِظُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَنْبَرِيُّ بِتَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي أُصُولِ الدِّينِ بِمَعْنَى نَفْيِ الْإِثْمِ لَا بِمَعْنَى مُطَابَقَةِ الِاعْتِقَادِ وَاتَّفَقَ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى فَسَادِهِ. وَأَمَّا فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَاخْتَلَفُوا هَلْ لِلَّهِ تَعَالَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حُكْمٌ مُعَيَّنٌ فِي الْوَاقِعِ أَمْ لَا؟ وَالثَّانِي قَوْلُ مَنْ قَالَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَمِنْهُمُ الْأَشْعَرِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مِنَّا وَأَبُو عَلِيٍّ وَأَبُو هَاشِمٍ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ تَعَالَى حُكْمٌ مُعَيَّنٌ فَهَلْ فِي الْوَاقِعَةِ حُكْمٌ لَوْ كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى حُكْمٌ مُعَيَّنٌ لَحَكَمَ بِهِ أَمْ لَا؟ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْقَوْلُ بِالْأَشْبَهِ وَهُوَ قَول جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُصَوِّبِينَ. وَالثَّانِي قَوْلُ بَعْضِهِمْ وَإِذَا قُلْنَا بِالْمُعَيَّنِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ ظَنِّيٌّ أَوْ قَطْعِيٌّ أَوْ لَيْسَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَالثَّانِي هُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ والمتكلمين وَنقل عَن الشَّافِعِي وَهُوَ عِنْدَهُمْ كَدَفِينٍ يُعْثَرُ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ
وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ عَلَيْهِ دَلِيلًا ظَنِّيًّا فَهَلْ كُلِّفَ الْإِنْسَانُ بِطَلَبِ ذَلِكَ الدَّلِيلِ فَإِنْ أَخْطَأَهُ تَعَيَّنَ التَّكْلِيفُ إِلَى مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَهُوَ قَوْلٌ أَوْ لَمْ يُكَلَّفْ بِطَلَبِهِ لِخَفَائِهِ وَهُوَ قَول كَافَّة الْفُقَهَاء مِنْهُم الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة رضي الله عنهم وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ عَلَيْهِ دَلِيلًا قَطْعِيًّا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُكَلَّفَ مَأْمُورٌ بِطَلَبِهِ وَقَالَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ إِنَّ أَخْطَأَهُ اسْتَحَقَّ الْعِقَابَ وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ يُنْقَضُ قَضَاءُ الْقَاضِي إِذَا خَالَفَهُ قَالَ الْأَصَمُّ يُنْقَضُ وَقَالَ الْبَاقُونَ لَا يُنْقَضُ وَالْمَنْقُولُ عَنْ مَالِكٍ رحمه الله أَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَقَالَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ ظَنِّيٌّ وَمُخَالِفُهُ مَعْذُورٌ وَالْقَضَاءُ لَا يُنْقَضُ لَنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ الشَّرَائِعَ لِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ الْخَالِصَةِ أَوِ الرَّاجِحَةِ أَوْ دَرْءِ الْمَفَاسِدِ الْخَالِصَةِ أَوِ الرَّاجِحَةِ وَيَسْتَحِيلُ وُجُودُهَا فِي النَّقِيضَيْنِ فَيَتَّحِدُ الْحُكْمُ احْتَجُّوا بِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْمُجْتَهِدَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَّبِعَ مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَلَوْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ وَكَذَلِكَ مَنْ قَلَّدَهُ وَلَا نَعْنِي بِحُكْمِ اللَّهِ إِلَّا ذَلِكَ فَكُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَتَكُونُ ظُنُونُ الْمُجْتَهِدِينَ تَتْبَعُهَا الْأَحْكَامُ كَأَحْوَالِ الْمُضْطَرِّينَ وَالْمُخْتَارِينَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَيْتَةِ فَيَكُونُ الْفِعْلُ الْوَاحِدُ حَلَالًا حَرَامًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى شَخْصَيْنِ كالميتة
الْفَصْل السَّابِع فِي نقض الِاجْتِهَاد
أَمَّا فِي الْمُجْتَهِدِ فِي نَفْسِهِ فَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَّقَ طَلَاقَهَا الثَّلَاثَ عَلَى الْمِلْكِ بِالِاجْتِهَادِ فَإِنْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ لَمْ يُنْقَضْ وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ نُقِضَ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ إِمْسَاكُ الْمَرْأَةِ
وَأَمَّا الْعَامِّيُّ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِقَوْلِ الْمُفْتِي ثمَّ تغير اجْتِهَاده فَالصَّحِيح أَنه تَجِبُ الْمُفَارَقَةُ قَالَهُ الْإِمَامُ وَكُلُّ حُكْمٍ اتَّصَلَ بِهِ قَضَاءُ الْقَاضِي اسْتَقَرَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَضَاءُ مِمَّا يُنْقَضُ فِي نَفْسِهِ
الْفَصْلُ الثَّامِن فِي الاستفتاء
إِذَا اسْتُفْتِيَ مُجْتَهِدٌ فَأَفْتَى ثُمَّ سُئِلَ ثَانِيَةً عَنْ تِلْكَ الْحَادِثَةِ فَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لِاجْتِهَادِهِ الْأَوَّلِ أَفْتَى وَإِنْ نَسِيَ اسْتَأْنَفَ الِاجْتِهَادَ فَإِنْ أَدَّاهُ إِلَى خِلَافِ الْأَوَّلِ أَفْتَى بِالثَّانِي قَالَ الْإِمَامُ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُعَرِّفَ الْعَامِّيَّ لِيَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الِاسْتِفْتَاءُ إِلَّا إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الَّذِي يَسْتَفْتِيهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالْوَرَعِ فَإِنِ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ فِي الْفَتْوَى فَقَالَ قَوْمٌ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ فِي أَعْلَمِهِمْ وَأَوْرَعِهِمْ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ قَوْمٌ لَا يَجِبُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْكُلَّ طُرُقٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ عَلَى الْعَوَامِّ فِي عَصْرٍ تَرْكَ النَّظَرِ فِي أَحْوَالِ الْعُلَمَاءِ وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْأَوَّلِ فَإِنْ حَصَلَ ظَنُّ الِاسْتِوَاءِ مُطْلَقًا فَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ كَمَا قِيلَ فِي الْأَمَارَاتِ وَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ يَسْقُطُ عَنْهُ التَّكْلِيفُ وَيَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَإِنْ حَصَلَ ظَنُّ الرُّجْحَانِ مُطْلَقًا تَعَيَّنَ الْعَمَلُ بِالرَّاجِحِ وَإِنْ حَصَلَ مِنْ وَجْهٍ فَإِنْ كَانَ فِي الْعِلْمِ وَالِاسْتِوَاءِ فِي الدِّينِ فَمِنْهُمْ مَنْ خَيَّرَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ الْأَخْذَ بِقَوْلِ الْأَعْلَمِ قَالَ الْإِمَامُ وَهُوَ الْأَقْرَبُ وَلِذَلِكَ قُدِّمَ فِي إِمَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ فِي الدِّينِ وَالِاسْتِوَاءِ فِي الْعِلْمِ فَيَتَعَيَّنُ الْأَدْيَنُ
فَإِنْ رُجِّحَ أَحَدُهُمَا فِي دِينِهِ وَالْآخَرُ فِي عِلْمِهِ فَقِيلَ يَتَعَيَّنُ الْأَدْيَنُ وَقِيلَ الْأَعْلَمُ قَالَ وَهُوَ الْأَرْجَحُ كَمَا مَرَّ
الْفَصْلُ التَّاسِعُ فِيمَنْ يتَعَيَّن عَلَيْهِ الاستفتاء
الَّذِي تَنْزِلُ بِهِ الْوَاقِعَةُ إِنْ كَانَ عَامِّيًّا وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِفْتَاءُ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الِاجْتِهَادِ قَالَ فَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِفْتَاءُ وَإِنْ بَلَغَ دَرَجَةَ الِاجْتِهَادِ وَكَانَ قَدِ اجْتَهَدَ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ حُكْمٌ فَاتَّفَقُوا عَلَى تَعَيُّنِهِ فِي حَقِّهِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَجْتَهِدْ فَأَكْثَرُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ رحمه الله وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رحمهم الله يَجُوزُ مُطْلَقًا وَقِيلَ يَجُوزُ لِلْعَالِمِ تَقْلِيدُ الْأَعْلَمِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَقِيلَ يَجُوزُ فِيمَا يَخُصُّهُ دُونَ مَا يُفْتِي بِهِ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ إِنْ ضَاقَ وَقْتُهُ عَنِ الِاجْتِهَادِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ لَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم} وَلَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي أُصُولِ الدِّينِ لِمُجْتَهِدٍ وَلَا لِلْعَوَامِّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} وَلِعِظَمِ الْخَطَرِ فِي الْخَطَأِ فِي جَانِبِ الرُّبُوبِيَّةِ بِخِلَافِ الْفُرُوعِ فَإِنَّهُ رُبَّمَا كَفَرَ فِي الْأَوَّلِ ويثاب فِي الثَّانِي جزما
(الْبَابُ الْعِشْرُونَ فِي جَمِيعِ أَدِلَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ وَتَصَرُّفَاتِ الْمُكَلَّفِينَ)
وَفِيهِ فَصْلَانِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الْأَدِلَّةِ
وَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ أَدِلَّةُ مَشْرُوعِيَّتِهَا وَأَدِلَّةُ وُقُوعِهَا فَأَمَّا أَدِلَّةُ مَشْرُوعِيَّتِهَا فَتِسْعَةَ عَشَرَ بِالِاسْتِقْرَاءِ وَأَمَّا أَدِلَّةُ وُقُوعِهَا فَلَا يَحْصُرُهَا عَدَدٌ فَلْنَتَكَلَّمْ أَوَّلًا عَلَى أَدِلَّةِ مَشْرُوعِيَّتِهَا فَنَقُولُ هِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْقِيَاسُ وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ وَالْمَصْلَحَةُ الْمُرْسَلَةُ وَالِاسْتِصْحَابُ وَالْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ وَالْعَوَائِدُ وَالِاسْتِقْرَاءُ وَسَدُّ الذَّرَائِعِ وَالِاسْتِدْلَالُ وَالِاسْتِحْسَانُ وَالْأَخْذُ بِالْأَخَفِّ والعصمة وَإِجْمَاع أهل الْكُوفَة وَإِجْمَاع الْعشْرَة وَإِجْمَاعُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ فَأَمَّا الْخَمْسَةُ الْأُولَى فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا وَأَمَّا قَوْلُ الصَّحَابِيِّ فَهُوَ حجَّة عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ مُطْلَقًا لِقَوْلِهِ عليه السلام أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنْ خَالَفَ الْقِيَاسَ فَهُوَ حُجَّةٌ وَإِلَّا فَلَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما حُجَّةٌ دُونَ غَيْرِهِمَا وَقِيلَ قَوْلُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ حُجَّةٌ إِذَا اتَّفَقُوا
الْمَصْلَحَةُ الْمُرْسَلَةُ
وَالْمَصَالِحُ بِالْإِضَافَةِ إِلَى شَهَادَةِ الشَّرْعِ لَهَا بِالِاعْتِبَارِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مَا شَهِدَ الشَّرْعُ بِاعْتِبَارِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ الَّذِي تَقَدَّمَ وَمَا شَهِدَ الشَّرْعُ بِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ نَحْوَ الْمَنْعِ مِنْ زِرَاعَةِ الْعِنَبِ لِئَلَّا يُعْصَرَ مِنْهُ الْخَمْرُ وَمَا لَمْ يَشْهَدْ لَهُ بِاعْتِبَارٍ وَلَا بِإِلْغَاءٍ وَهُوَ الْمَصْلَحَةُ الْمُرْسَلَةُ وَهِيَ عِنْدَ مَالِكٍ رحمه الله حُجَّةٌ وَقَالَ الْغَزَّالِيُّ إِنْ وَقَعَتْ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ أَوِ التَّتِمَّةِ فَلَا تُعْتَبَرُ وَإِنْ وَقَعَتْ فِي مَحَلِّ الضَّرُورَةِ فَيَجُوزُ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَيْهَا اجْتِهَادُ مُجْتَهِدٍ وَمِثَالُهُ تَتَرُّسُ الْكُفَّارِ بِجَمَاعَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَوْ كَفَفْنَا عَنْهُمْ لَصَدَمُونَا وَاسْتَوْلَوْا عَلَيْنَا وَقَتَلُوا الْمُسْلِمِينَ كَافَّةً وَلَوْ رَمَيْنَاهُمْ لَقَتَلْنَا التُّرْسَ مَعَهُمْ قَالَ فَيُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ أَنْ تَكُونَ كُلِّيَّةً قَطْعِيَّةً ضَرُورِيَّةً فَالْكُلِّيَّةُ احْتِرَازٌ عَمَّا إِذَا تَتَرَّسُوا فِي قَلْعَةٍ بِمُسْلِمِينَ فَلَا يَحِلُّ رَمْيُ الْمُسْلِمِينَ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ تِلْكَ الْقَلْعَةِ فَسَادٌ عَامٌّ وَالْقَطْعِيَّةُ احْتِرَازٌ عَمَّا إِذَا لَمْ يُقْطَعْ بِاسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ عَلَيْنَا إِذَا لَمْ نَقْصِدِ التُّرْسَ وَعَنِ الْمُضْطَرِّ يَأْكُل قِطْعَة من فَخذه والضرورية احْتِرَاز عَن الْمُنَاسِبِ الْكَائِنِ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ وَالتَّتِمَّةِ
لَنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا بَعَثَ الرُّسُلَ لِتَحْصِيلِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ عَمَلًا بِالِاسْتِقْرَاءِ فَمَهْمَا وَجَدْنَا مَصْلَحَةً غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهَا مَطْلُوبَةٌ لِلشَّرْعِ
الِاسْتِصْحَابُ
وَمَعْنَاهُ أَنَّ اعْتِقَادَ كَوْنِ الشَّيْءِ فِي الْمَاضِي أَوِ الْحَاضِرِ يُوجِبُ ظَنَّ ثُبُوتِهِ فِي الْحَالِ أَوِ الِاسْتِقْبَالِ وَهَذَا الظَّنُّ عِنْدَ مَالِكٍ وَالْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ وَالْمُزَنِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الصَّيْرَفِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ خِلَافًا لِجُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ لَنَا أَنَّهُ قَضَاءٌ بِالطَّرَفِ الرَّاجِحِ فَيَصِحُّ كَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ وَاتِّبَاعِ الشَّهَادَاتِ
الْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ
وَهِيَ اسْتِصْحَابُ حُكْمِ الْعَقْلِ فِي عَدَمِ الْأَحْكَامِ خِلَافًا للمعتزلة والأبهري وَأبي الْفرج منا وَثُبُوت عَدَمِ الْحُكْمِ فِي الْمَاضِي يُوجِبُ ظَنَّ عَدَمِهِ فِي الْحَالِ فَيَجِبُ الِاعْتِمَادُ عَلَى هَذَا الظَّنِّ بَعْدَ الْفَحْصِ عَنْ رَافِعِهِ وَعَدَمِ وُجُودِهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ طَائِفَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ
الْعَوَائِدُ
وَالْعَادَةُ غَلَبَةُ مَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي عَلَى النَّاسِ وَقَدْ تَكُونُ هَذِهِ الْغَلَبَةُ فِي سَائِرِ الْأَقَالِيمِ كَالْحَاجَةِ لِلْغِذَاءِ وَالتَّنَفُّسِ فِي الْهَوَاءِ وَقَدْ تَكُونُ خَاصَّةً بِبَعْضِ الْبِلَادِ كَالنُّقُودِ وَالْعُيُوبِ وَقَدْ تَكُونُ خَاصَّةً بِبَعْضِ الْفِرَقِ كَالْأَذَانِ لِلْإِسْلَامِ وَالنَّاقُوسِ لِلنَّصَارَى فَهَذِهِ الْعَادَةُ يُقْضَى بِهَا عِنْدَنَا لِمَا تَقَدَّمَ فِي الِاسْتِصْحَابِ
الِاسْتِقْرَاءُ
وَهُوَ تَتَبُّعُ الْحُكْمِ فِي جُزْئِيَّاتِهِ عَلَى حَالَةٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ فِي صُورَةِ
النِّزَاعِ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ كَاسْتِقْرَائِنَا الْفَرْضَ فِي جزئياته بِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي على الرحلة فَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْوَتْرَ لَوْ كَانَ فَرْضًا لَمَا أُدِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَهَذَا الظَّنُّ حُجَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ
سَدُّ الذَّرَائِعِ
الذَّرِيعَةُ الْوَسِيلَةُ لِلشَّيْءِ وَمَعْنَى ذَلِكَ حَسْمُ مَادَّةِ وَسَائِلِ الْفَسَادِ دَفْعًا لَهُ فَمَتَى كَانَ الْفِعْلُ السَّالِمُ مِنَ الْمَفْسَدَةِ وَسِيلَةً إِلَى الْمَفْسَدَةِ مَنَعْنَا مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ تَنْبِيهٌ يُنْقَلُ عَنْ مَذْهَبِنَا أَنَّ مِنْ خَوَاصِّهِ اعْتِبَارَ الْعَوَائِدِ وَالْمَصْلَحَةِ الْمُرْسَلَةَ وَسَدِّ الذَّرَائِعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَمَّا الْعُرْفُ فَمُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ وَمَنِ اسْتَقْرَأَهَا وَجَدَهُمْ يُصَرِّحُونَ بِذَلِكَ فِيهَا وَأَمَّا الْمَصْلَحَةُ الْمُرْسَلَةُ فَغَيْرُنَا يُصَرِّحُ بِإِنْكَارِهَا وَلَكِنَّهُمْ عِنْدَ التَّفْرِيعِ تَجِدُهُمْ يُعَلِّلُونَ بِمُطْلَقِ الْمَصْلَحَةِ وَلَا يُطَالِبُونَ أَنْفُسَهُمْ عِنْدَ الْفَوَارِقِ وَالْجَوَامِعِ بِإِبْدَاءِ الشَّاهِدِ لَهَا بِالِاعْتِبَارِ بَلْ يَعْتَمِدُونَ عَلَى مُجَرَّدِ الْمُنَاسَبَةِ وَهَذَا هُوَ الْمَصْلَحَةُ الْمُرْسَلَةُ وَأَمَّا الذَّرَائِعُ فَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا مُعْتَبَرٌ إِجْمَاعًا كَحَفْرِ الْآبَارِ فِي طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ وَإِلْقَاءِ السُّمِّ فِي أَطْعِمَتِهِمْ وَسَبِّ الْأَصْنَامِ عِنْدَ مَنْ يُعْلَمُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَسُبُّ اللَّهَ تَعَالَى حِينَئِذٍ وَثَانِيهَا مُلْغًى إِجْمَاعًا كَزِرَاعَةِ الْعِنَبِ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ خَشْيَةَ الْخَمْرِ وَالشَّرِكَةِ فِي سُكْنَى الْآدَرِ خَشْيَةَ الزِّنَا وَثَالِثُهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَبُيُوعِ الْآجَالِ اعْتَبَرْنَا نَحْنُ الذَّرِيعَةَ فِيهَا وَخَالَفَنَا غَيرنَا
فَحَاصِلُ الْقَضِيَّةِ أَنَّا قُلْنَا بِسَدِّ الذَّرَائِعِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِنَا لَا أَنَّهَا خَاصَّةٌ بِنَا وَاعْلَمْ أَنَّ الذَّرِيعَةَ كَمَا يَجِبُ سَدُّهَا يَجِبُ فَتْحُهَا وَيُكْرَهُ وَيُنْدَبُ وَيُبَاحُ فَإِنَّ الذَّرِيعَةَ هِيَ الْوَسِيلَةُ فَكَمَا أَنَّ وَسِيلَةَ الْمُحَرَّمِ مُحَرَّمَةٌ فَوَسِيلَةُ الْوَاجِبِ وَاجِبَة كالسعي للمجمعة وَالْحَجِّ وَمَوَارِدُ الْأَحْكَامِ عَلَى قِسْمَيْنِ مَقَاصِدُ وَهِيَ الْمُتَضَمِّنَةُ لِلْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ فِي أَنْفُسِهَا وَوَسَائِلُ وَهِيَ الطُّرُقُ الْمُفْضِيَةُ إِلَيْهَا وَحُكْمُهَا حُكْمُ مَا أَفْضَتْ إِلَيْهِ مِنْ تَحْرِيمٍ أَوْ تَحْلِيلٍ غَيْرَ أَنَّهَا أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنَ الْمَقَاصِدِ فِي حُكْمِهَا فَالْوَسِيلَةُ إِلَى أَفْضَلِ الْمَقَاصِدِ أَفْضَلُ الْوَسَائِلِ وَإِلَى أَقْبَحِ الْمَقَاصِدِ أَقْبَحُ الْوَسَائِلِ وَإِلَى مَا هُوَ مُتَوَسِّطٍ مُتَوَسِّطَةٌ وَيُنَبِّهُ عَلَى اعْتِبَارِ الْوَسَائِلِ قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} فَأَثَابَهُمْ عَلَى الظَّمَأِ وَالنَّصَبِ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ فِعْلِهِمْ لِأَنَّهُمَا حَصَلَا لَهُمْ بِسَبَبِ التَّوَسُّلِ إِلَى الْجِهَادِ الَّذِي هُوَ وَسِيلَةٌ لِإِعْزَازِ الدِّينِ وَصَوْنِ الْمُسْلِمِينَ فَالِاسْتِعْدَادُ وَسِيلَةٌ إِلَى الْوَسِيلَةِ
قَاعِدَةٌ
كُلَّمَا سَقَطَ اعْتِبَارُ الْمَقْصِدِ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْوَسِيلَةِ فَإِنَّهَا تَبَعٌ وَقَدْ خُولِفَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي الْحَجِّ فِي إِمْرَارِ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِ مَنْ لَا شَعْرَ لَهُ مَعَ أَنَّهُ وَسِيلَةٌ إِلَى إِزَالَةِ الشَّعْرِ فَيَحْتَاجُ إِلَى مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ تَنْبِيهٌ قَدْ تَكُونُ وَسِيلَةُ الْمُحَرَّمِ غَيْرَ مُحَرَّمَةٍ إِذَا أَفْضَتْ إِلَى مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ
كَالتَّوَسُّلِ إِلَى فِدَاءِ الْأَسْرَى بِدَفْعِ الْمَالِ إِلَى الْعَدُوِّ الَّذِي حَرُمَ عَلَيْهِمُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِكَوْنِهِمْ مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ عِنْدَنَا وَكَدَفْعِ مَالٍ لِرَجُلٍ يَأْكُلُهُ حَرَامًا حَتَّى لَا يَزْنِيَ بِامْرَأَةٍ إِذَا عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ إِلَّا بِهِ وَكَدَفْعِ الْمَالِ لِلْمُحَارِبِ حَتَّى لَا يَقْتَتِلَ هُوَ وَصَاحِبُ الْمَالِ وَاشْتَرَطَ مَالِكٌ فِيهِ الْيَسَارَةَ وَمِمَّا يُشَنَّعُ بِهِ عَلَى مَالِكٍ رحمه الله عَلَيْهِ مُخَالَفَتُهُ لِحَدِيثِ بَيْعِ الْخِيَارِ مَعَ رِوَايَتِهِ لَهُ وَهُوَ مَهْيَعٌ مُتَّسِعٌ وَمَسْلَكٌ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ فَلَا يُوجَدُ عَالِمٌ إِلَّا وَقَدْ خَالَفَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَدِلَّةً كَثِيرَةً وَلَكِنْ لِمُعَارِضٍ رَاجِحٍ عَلَيْهَا عِنْدَ مُخَالِفِهَا وَكَذَلِكَ تَرَكَ مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ لِمُعَارِضٍ رَاجِحٍ عِنْدَهُ وَهُوَ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَلَيْسَ هَذَا بَابًا اخْتَرَعَهُ وَلَا بِدْعًا ابْتَدَعَهُ وَمِنْ هَذَا الْبَاب مَا يروي عَن الشَّافِعِي رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ إِذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي أَوْ فَاضْرِبُوا بِمَذْهَبِي عُرْضَ الْحَائِطِ فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ مَعَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ فَهَذَا مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَلَيْسَ خَاصًّا بِهِ وَإِنْ كَانَ مَعَ وُجُودِ الْمُعَارِضِ فَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَلَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ خَاصًّا بِمَذْهَبِهِ كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُهُمْ
الِاسْتِدْلَالُ
وَهُوَ مُحَاوَلَةُ الدَّلِيلِ الْمُفْضِي إِلَى الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ مِنْ جِهَةِ الْقَوَاعِدِ لَا مِنَ الْأَدِلَّةِ الْمَنْصُوبَةِ وَفِيهِ قَاعِدَتَانِ
الْقَاعِدَةُ الْأُولَى فِي الْمُلَازَمَاتِ
وَضَابِطُ الْمَلْزُومِ مَا يَحْسُنُ فِيهِ لَوْ وَاللَّازِمُ مَا يَحْسُنُ فِيهِ اللَّامُ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لفسدتا} وَكَقَوْلِنَا إِنْ كَانَ هَذَا الطَّعَامُ مُهْلِكًا فَهُوَ حَرَامٌ تَقْدِيرُهُ لَوْ كَانَ مُهْلِكًا لَكَانَ حَرَامًا
فَالِاسْتِدْلَالُ إِمَّا بِوُجُودِ الْمَلْزُومِ أَوْ بِعَدَمِهِ أَوْ بِوُجُودِ اللَّازِمِ أَوْ بِعَدَمِهِ فَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ مِنْهَا اثْنَانِ مُنْتِجَانِ وَاثْنَانِ عَقِيمَانِ فَالْمُنْتِجَانِ الِاسْتِدْلَالُ بِوُجُودِ الْمَلْزُومِ عَلَى وُجُودِ اللَّازِمِ وَبِعَدَمِ اللَّازِمِ عَلَى عَدَمِ الْمَلْزُومِ فَكُلُّ مَا أَنْتَجَ وُجُودُهُ فَعَدَمُهُ عَقِيمٌ وَكُلُّ مَا أَنْتَجَ عَدَمُهُ فَوُجُودُهُ عَقِيمٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ اللَّازِمُ مُسَاوِيًا لِلْمَلْزُومِ فَتُنْتِجُ الْأَرْبَعَةُ نَحْوَ قَوْلِنَا لَوْ كَانَ هَذَا إِنْسَانًا لَكَانَ ضَاحِكًا بِالْقُوَّةِ ثُمَّ الْمُلَازَمَةُ قَدْ تَكُونُ قَطْعِيَّةً كَالْعِشْرَةِ مَعَ الزَّوْجِيَّةِ وَظَنِّيَّةً كَالنَّجَاسَةِ مَعَ كَأْسِ الْحَجَّامِ وَقَدْ تَكُونُ كُلِّيَّةً كَالتَّكْلِيفِ مَعَ الْعَقْلِ فَكُلُّ مُكَلَّفٍ عَاقِلٌ فِي سَائِرِ الْأَزْمَانِ وَالْأَحْوَالِ فَكُلِّيَّتُهَا بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ لَا بِاعْتِبَارِ الْأَشْخَاصِ وَجُزْئِيَّةً كَالْوُضُوءِ مَعَ الْغُسْلِ فَالْوُضُوءُ لَازِمٌ لِلْغُسْلِ إِذَا سَلِمَ مِنَ النَّوَاقِضِ حَالَ إِيقَاعِهِ فَقَطْ فَلَا جَرَمَ لَمْ يَلْزَمْ مِنِ انْتِفَاءِ اللَّازِمِ الَّذِي هُوَ الْوُضُوءُ انْتِفَاءُ الْمَلْزُومِ الَّذِي هُوَ الْغُسْلُ لِأَنَّه لَيْسَ كُلِّيًّا بِخِلَافِ انْتِفَاءِ الْعَقْلِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ انْتِفَاءَ التَّكْلِيفِ فِي سَائِرِ الصُّوَرِ
الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ
أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَنَافِعِ الْإِذْنُ وَفِي الْمَضَارِّ الْمَنْعُ بِأَدِلَّةِ السَّمْعِ لَا بِالْعَقْلِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَقَدْ تَعْظُمُ الْمَنْفَعَةُ فَيَصْحَبُهَا النَّدْبُ أَوِ الْوُجُوبُ مَعَ الْإِذْنِ وَقَدْ تَعْظُمُ الْمَضَرَّةُ فَيَصْحَبُهَا التَّحْرِيمُ عَلَى قَدْرِ رُتْبَتِهَا فَيُسْتَدَلُّ عَلَى الْأَحْكَامِ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ
الِاسْتِحْسَانُ
قَالَ الْبَاجِيُّ هُوَ الْقَوْلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ حُجَّةً إِجْمَاعًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَقِيلَ هُوَ الْحُكْمُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَهَذَا اتِّبَاعٌ لِلْهَوَى فَيَكُونُ حَرَامًا إِجْمَاعًا
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ هُوَ الْعُدُولُ عَمَّا حُكِمَ بِهِ فِي نَظَائِرِ مَسْأَلَةٍ إِلَى خِلَافِهِ لِوَجْهٍ أَقْوَى مِنْهُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْعُدُولُ عَنِ الْعُمُومِ إِلَى الْخُصُوصِ اسْتِحْسَانًا وَمِنَ النَّاسِخِ إِلَى الْمَنْسُوخِ وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ هُوَ تَرْكُ وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الِاجْتِهَادِ غَيْرِ شَامِلٍ شُمُولَ الْأَلْفَاظِ لِوَجْهٍ أَقْوَى مِنْهُ وَهُوَ فِي حُكْمِ الطَّارِئِ عَلَى الْأَوَّلِ فَبِالْأَوَّلِ خَرَجَ الْعُمُومُ وَبِالثَّانِي خَرَجَ ترك الْقيَاس الْمَرْجُوح للْقِيَاس الرَّاجِح لعدم طريانه عَلَيْهِ وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضِ الْبَصْرِيِّينَ منا وَأنْكرهُ الْعِرَاقِيُّونَ
الْأَخْذ بالأخف
هُوَ عِنْد الشَّافِعِي رحمه الله حُجَّةٌ كَمَا قِيلَ فِي دِيَةِ الْيَهُودِيِّ إِنَّهَا مُسَاوِيَةٌ لِدِيَةِ الْمُسْلِمِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَهُوَ قَوْلُنَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ ثُلُثُهَا أَخْذًا بِالْأَقَلِّ فَأَوْجَبَ الثُّلُثَ فَقَطْ لِأَنَّه مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَمَا زَادَ مَنْفِيٌّ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ
الْعِصْمَةُ
وَهِيَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيٍّ أَوْ لِعَالِمٍ احْكُمْ فَإِنَّكَ لَا تَحْكُمُ إِلَّا بِالصَّوَابِ فَقَطَعَ بِوُقُوعِ ذَلِكَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَقَطَعَ جُمْهُورُ الْمُعْتَزِلَةِ بِامْتِنَاعِهِ وَتَوَقَّفَ الشَّافِعِي فِي امْتِنَاعِهِ وَجَوَازِهِ وَوَافَقَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ رحمه الله
إِجْمَاعُ أَهْلِ الْكُوفَةِ
ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ لِكَثْرَةِ مَنْ وَرَدَهَا مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم كَمَا قَالَ مَالِكٌ فِي إِجْمَاعِ الْمَدِينَةِ فَهَذِهِ أَدِلَّةُ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَحْكَامِ
قَاعِدَةٌ
يَقَعُ التَّعَارُضُ فِي الشَّرْعِ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَالْبَيِّنَتَيْنِ وَالْأَصْلَيْنِ وَالظَّاهِرَيْنِ وَالْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ وَيَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ. فَالدَّلِيلَانِ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {إِلَّا مَا ملكت أَيْمَانكُم} وَهُوَ يَتَنَاوَلُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي الْمِلْكِ وَقَوله {وَأَن تجمعُوا بَين الْأُخْتَيْنِ} يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الْجَمْعِ مُطْلَقًا وَلِذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه حَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ وَأَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَذَلِكَ كَثِيرٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَل يخبر بَيْنَهُمَا أَوْ يَسْقُطَانِ؟ وَالْبَيِّنَتَانِ نَحْوَ شَهَادَةٍ بَيِّنَةٍ بِأَنَّ هَذِهِ الدَّارَ لِزَيْدٍ وَشَهَادَةٍ أُخْرَى بِأَنَّهَا لِعَمْرٍو فَهَلْ تَتَرَجَّحُ إِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ؟ خِلَافٌ وَالْأَصْلَانِ نَحْوَ رَجُلٍ قَطَعَ رَجُلًا مَلْفُوفًا نِصْفَيْنِ ثُمَّ نَازع أولياؤه فِي أَنَّهُ كَانَ حَيًّا حَالَةَ الْقَطْعِ فَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنَ الْقِصَاصِ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْحَيَاةِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي نَفْيِ الْقِصَاصِ وَثُبُوتِهِ أَوِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَلْفُوفًا فِي ثِيَابِ الْأَمْوَاتِ أَوِ الْأَحْيَاءِ وَنَحْوَ الْعَبْدِ إِذَا انْقَطَعَ خَبَرُهُ فَهَلْ تَجِبُ زَكَاةُ فِطْرِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ حَيَاتِهِ أَوْ لَا تَجِبُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ خِلَافٌ وَالظَّاهِرَانِ نَحْوَ اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَإِنَّ الْيَدَ ظَاهِرَةٌ فِي الْمِلْكِ وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا يَد فسوى الشَّافِعِي بَيْنَهُمَا وَرَجَّحْنَا نَحْنُ أَحَدَهُمَا بِالْعَادَةِ
وَنَحْوَ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ مُنْفَرِدَيْنِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَالسَّمَاءِ مُصْحِيَةٌ فَظَاهِرُ الْعَدَالَةِ الصِّدْقُ وَظَاهِرُ الصَّحْوِ اشْتِرَاكُ النَّاسِ فِي الرُّؤْيَةِ فَرَجَّحَ مَالِكٌ الْعَدَالَةَ وَرَجَّحَ سَحْنُونٌ الصَّحْوَ وَالْأَصْلُ وَالظَّاهِرُ كَالْمَقْبَرَةِ الْقَدِيمَةِ الظَّاهِرِ تَنْجِيسُهَا فَتَحْرُمُ الصَّلَاةُ فِيهَا وَالْأَصْلُ عَدَمُ النَّجَاسَةِ وَكَذَلِكَ اخْتِلَافُ الزَّوْجَيْنِ فِي النَّفَقَةِ ظَاهِرُ الْعَادَةِ دَفعهَا وَالْأَصْل بَقَاؤُهَا فغلبنا نَحن الأول وَالشَّافِعِيّ الثَّانِيَ وَنَحْوَ اخْتِلَافِ الْجَانِي مَعَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي سَلَامَةِ الْعُضْوِ أَوْ وُجُودِهِ الظَّاهِرُ سَلَامَةُ أَعْضَاءِ النَّاسِ وَوُجُودُهَا وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَغْلِيبِ الْأَصْلِ عَلَى الْغَالِبِ فِي الدَّعَاوَى فَإِنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَالْغَالِبُ الْمُعَامَلَاتُ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْمُدَّعِي مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْوَرَعِ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَغْلِيبِ الْغَالِبِ عَلَى الْأَصْلِ فِي الْبَيِّنَةِ فَإِنَّ الْغَالِبَ صِدْقُهَا وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَائِدَةٌ الْأَصْلُ أَنْ يَحْكُمَ الشَّرْعُ بِالِاسْتِصْحَابِ أَوْ بِالظُّهُورِ إِذَا انْفَرَدَ عَنِ الْمُعَارِضِ وَقَدِ اسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ أُمُورٌ لَا يُحْكَمُ فِيهَا إِلَّا بِمَزِيدِ تَرْجِيحٍ يُضَمُّ إِلَيْهِ أَحَدُهَا ضَمَّ الْيَمِينِ إِلَى النُّكُولِ فَيَجْتَمِعُ الظَّاهِرَانِ وَثَانِيهَا تَحْلِيفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَجْتَمِعُ اسْتِصْحَابُ الْبَرَاءَةِ مَعَ ظُهُورِ الْيَمِينِ وَثَالِثُهَا اشْتِبَاهُ الْأَوَانِي وَالْأَثْوَابُ يُجْتَهَدُ فِيهَا عَلَى الْخِلَافِ فَيَجْتَمِعُ الْأَصْلُ مَعَ ظُهُورِ الِاجْتِهَادِ وَيُكْتَفَى فِي الْقِبْلَةِ بِمُجَرَّدِ الِاجْتِهَادِ لِتَعَذُّرِ
انْحِصَارِ الْقِبْلَةِ فِي جِهَةٍ حَتَّى يَسْتَصْحِبَ فِيهَا فَهَذِهِ أَدِلَّةُ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَحْكَامِ وَتَفَاصِيلُ أَحْوَالِهَا وَأَمَّا أَدِلَّةُ وُقُوعِ الْأَحْكَامِ بَعْدَ مَشْرُوعِيَّتِهَا فَلَا تُعَدُّ وَلَا تَقِفُ عِنْدَ حَدٍّ فَهِيَ أَدِلَّةُ وُقُوعِ أَسْبَابِهَا وَحُصُولِ شُرُوطِهَا وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهَا وَهِيَ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ وَهِيَ إِمَّا مَعْلُومَةٌ بِالضَّرُورَةِ كَدَلَالَةِ زِيَادَةِ الظِّلِّ عَلَى الزَّوَالِ أَوْ كَمَالِ الْعِدَّةِ عَلَى الْهِلَالِ وَإِمَّا مَظْنُونَةٌ كَالْأَقَارِيرِ وَالْبَيِّنَاتِ وَالْأَيْمَانِ وَالنُّكُولَاتِ وَالْأَيْدِي على الْأَمْلَاك وشعائر الْإِسْلَام عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي الْمِيرَاثِ وَشَعَائِرِ الْكُفْرِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَانِعٌ مِنَ الْمِيرَاثِ وَهَذَا بَابٌ لَا يُعَدُّ وَلَا يُحْصَى
الْفَصْلُ الثَّانِي فِي تَصَرُّفَاتِ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْأَعْيَانِ
وَهِيَ إِمَّا نَقْلٌ أَوْ إِسْقَاطٌ أَوْ قَبْضٌ أَوْ إِقْبَاضٌ أَوِ الْتِزَامٌ أَوْ خَلْطٌ أَوْ إِنْشَاءُ مِلْكٍ أَوِ اخْتِصَاصٌ أَوْ إِذْنٌ أَوْ إِتْلَافٌ أَوْ تَأْدِيبٌ وَزَجْرٌ
النَّقْلُ
يَنْقَسِمُ إِلَى مَا هُوَ بِعِوَضٍ فِي الْأَعْيَانِ كَالْبيع وَالْقَرْض أَو فِي الْمَنَافِع كَالْإِجَارَةِ وتندرج فِيهَا الْمُسَاقَاةُ وَالْقِرَاضُ وَالْمُزَارَعَةُ وَالْجَعَالَةُ وَإِلَى مَا هُوَ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْهَدَايَا وَالْوَصَايَا وَالْعُمْرَى وَالْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالزَّكَوَاتِ وَالْغَنِيمَةِ وَالْمَسْرُوقِ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ
الْإِسْقَاطُ
إِمَّا بِعِوَضٍ كَالْخَلْعِ وَالْعَفْوِ عَلَى مَالٍ وَالْكِتَابَةِ وَبَيْعِ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ وَالصُّلْحِ عَلَى الدَّيْنِ وَالتَّعْزِيرِ فَجَمِيعُ هَذِهِ تُسْقِطُ الثَّابِتَ وَلَا تَنْقُلُهُ إِلَى الْبَاذِلِ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ كالإبراء من الدُّيُون وَالْقصاص والتعزيز وحد الْقَذْف
وَالطَّلَاق والعناق وَإِيقَافِ الْمَسَاجِدِ فَجَمِيعُ هَذِهِ تُسْقِطُ الثَّابِتَ وَلَا تَنْقُلُهُ
الْقَبْضُ
وَهُوَ إِمَّا بِإِذْنِ الشَّرْعِ وَحْدَهُ كَاللُّقَطَةِ وَالثَّوْبِ إِذَا أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فِي دَارِ إِنْسَانٍ وَمَالِ اللَّقِيطِ وَقَبْضِ الْإِمَامِ الْمَغْصُوبَ مِنَ الْغَاصِبِ وَأَمْوَالِ الْغَائِبِينَ وَأَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ وَالزَّكَوَاتِ أَوْ بِإِذْنِ غَيْرِ الشَّرْعِ كَقَبْضِ الْمَبِيعِ بِإِذْنِ البَائِع والمستام وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالرُّهُونِ وَالْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ وَالْعَوَارِي وَالْوَدَائِعِ أَوْ بِغَيْرِ إِذْنٍ لَا مِنَ الشَّرْعِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ كَالْغَصْبِ الْإِقْبَاضُ كَالْمُنَاوَلَةِ فِي الْعُرُوضِ وَالنُّقُودِ وَبِالْوَزْنِ وَالْكَيْلِ فِي الْمَوْزُونَاتِ وَالْمَكِيلَاتِ وَبِالتَّمْكِينِ فِي الْعَقَارِ وَالْأَشْجَارِ وَبِالنِّيَّةِ فَقَطْ كَقَبْضِ الْوَالِدِ وَإِقْبَاضِهِ لِنَفْسِهِ مِنْ نَفْسِهِ لِوَلَدِهِ الِالْتِزَامُ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالنُّذُورِ وَالضَّمَانِ بِالْوَجْهِ أَوْ بِالْمَالِ الْخَلْطُ إِمَّا بِشَائِعٍ وَإِمَّا بَيْنَ الْأَمْثَالِ وَكِلَاهُمَا شَرِكَةٌ إِنْشَاءُ الْأَمْلَاكِ فِي غَيْرِ مَمْلُوكٍ كَإِرْقَاقِ الْكُفَّارِ وَإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَالِاصْطِيَادِ وَالْحِيَازَةِ فِي الْحَشِيشِ وَنَحْوِهِ الِاخْتِصَاص بالمنافع كالإقطاع والسبق إِلَى المباحثات وَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ وَالْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ النُّسُكِ كَالْمَطَافِ وَالْمَسْعَى وَعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَمَرْمَى الْجِمَارِ وَالْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ وَالْأَوْقَافِ الْإِذْنُ إِمَّا فِي الْأَعْيَانِ كَالضِّيَافَاتِ أَوْ فِي الْمَنَائِحِ أَوْ فِي الْمَنَافِعِ كَالْعَوَارِي وَالِاصْطِنَاعِ بِالْحَلْقِ وَالْحِجَامَةِ أَوْ فِي التَّصَرُّفِ كَالتَّوْكِيلِ وَالْإِيصَاءِ
الْإِتْلَافُ إِمَّا لِلْإِصْلَاحِ فِي الْأَجْسَادِ وَالْأَرْوَاحِ كَالْأَطْعِمَةِ وَالْأَدْوِيَةِ وَالذَّبَائِحِ وَقَطْعِ الْأَعْضَاءِ الْمُتَآكِلَةِ أَوْ لِلدَّفْعِ كَقَتْلِ الصَّوَالِّ وَالْمُؤْذِي مِنَ الْحَيَوَانِ أَوْ لِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى كَقَتْلِ الْكُفَّارِ لِمَحْوِ الْكُفْرِ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَإِفْسَادِ الصُّلْبَانِ أَوْ لِنَظْمِ الْكَلِمَةِ كَقِتَالِ الْبُغَاةِ أَوْ لِلزَّجْرِ كَرَجْمِ الزُّنَاةِ وَقَتْلِ الْجُنَاةِ. التَّأْدِيبُ وَالزَّجْرُ إِمَّا مُقَدَّرٌ كَالْحُدُودِ أَوْ غَيْرُ مُقَدّر كالتعزيز وَهُوَ مَعَ الْإِثْمِ فِي الْمُكَلَّفِينَ أَوْ بِدُونِهِ فِي الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَالدَّوَابِّ. فَهَذِهِ أَبْوَابٌ مُخْتَلِفَةُ الْحَقَائِقِ وَالْأَحْكَامِ فَيَنْبَغِي لِلْفَقِيهِ الْإِحَاطَةُ بِهَا لِتَنْشَأَ لَهُ الْفُرُوقُ وَالْمَدَارِكُ فِي الْفُرُوعِ. وَهَذَا تَمَامُ الْمُقدمَة وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل.
صفحه فارغه
(كِتَابُ الطَّهَارَةِ)
(الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الطَّهَارَةِ)
الطَّهَارَةُ فِي اللُّغَةِ التَّبْرِئَةُ مِنَ الْأَدْنَاسِ وَيُقَالُ طَهُرَ بِضَمِّ الْهَاءِ وَفَتْحِهَا طَهَارَةً فِيهِمَا وَالطُّهْرُ وَهُوَ أَيْضًا ضِدُّ الْحَيْضِ وَالْمَرْأَةُ طَاهِرَةٌ مِنَ الدَّنَسِ وَالْعُيُوبِ وَطَاهِرٌ مِنَ الْحَيْضِ بِالتَّاءِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَالْمَطْهَرَةُ الْإِدَاوَاتُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَتُسْتَعْمَلُ الطَّهَارَةُ مَجَازًا فِي التَّنَزُّهِ عَنِ الْعُيُوبِ فَيُقَالُ قَلْبٌ طَاهِرٌ وَعِرْضٌ طَاهِرٌ تَشْبِيهًا لِلدَّنَسِ الْمَعْلُومِ بِالدَّنَسِ الْمَحْسُوسِ. وَأَمَّا الطَّهَارَةُ فِي الشَّرْعِ فَلَيْسَتْ شَيْئًا مِنْ أَنْوَاعِ الْعِلَاجِ بِالْمَاءِ وَلَا بِغَيْرِهِ لِجَزْمِنَا بِطَهَارَةِ بُطُونِ الْجِبَالِ وَتُخُومِ الْأَرْضِ بَلْ هِيَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ قَدِيمٌ وَهِيَ إِبَاحَةٌ فَالْمَعْنَى بِطَهَارَةِ الْعَيْنِ إِبَاحَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ مُلَابَسَتَهَا فِي صَلَوَاتِهِمْ وَأَغْذِيَتِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَتُطْلَقُ عَلَى الْعِلَاجِ بِالْمَاءِ وَغَيْرِهِ مَجَازًا وَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ طَهَارَةُ حَدَثٍ وَطَهَارَةُ خَبَثٍ وَالنَّجَاسَةُ فِي اللُّغَةِ مُلَابَسَةُ الْأَدْنَاسِ وَتُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِي الْعُيُوبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} تَشْبِيهًا لِلدَّنَسِ الْمَعْلُومِ بِالْمَحْسُوسِ وَيُقَالُ نَجِسَ الشَّيْءُ بِكَسْرِ الْجِيمِ يَنْجَسُ بِفَتْحِهَا نَجَسًا بِفَتْحِهَا أَيْضًا فَهُوَ نَجِسٌ بِكَسْرِهَا. وَهِيَ فِي الشَّرْعِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ قَدِيمٌ وَهِيَ تَحْرِيمٌ فَمَعْنَى نَجَاسَةِ الْعَيْنِ تَحْرِيمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ مُلَابَسَتَهَا فِي صَلَوَاتِهِمْ وَأَغْذِيَتِهِمْ وَنَحْوِهَا ثُمَّ يُطْلَقُ عَلَى الْمَعْفُوِّ عَنْهُ أَنَّهُ نَجِسٌ نَحْوَ دَمِ الْجِرَاحِ السَّائِلَةِ وَبَوْلِ السَّلَسِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ جِنْسِهَا
عَلَيْهَا مَجَازًا وَلِأَجْلِ هَذَا التَّحْدِيدِ لَا تَكُونُ الْعَذِرَةُ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ نَجِسَةً وَلَا طَاهِرَةً لِعَدَمِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْأَفْعَالِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ. تَتْمِيمٌ كُلُّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ وَسَبَبُ الطَّهَارَةِ عَدَمُ سَبَبِ النَّجَاسَةِ لِأَنَّ عَدَمَ الْعِلَّةِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْمَعْلُولِ وَلَمَّا كَانَتْ عِلَّةُ النَّجَاسَةِ الِاسْتِقْذَارَ عَمَلًا بِالْمُنَاسَبَةِ وَالِاسْتِقْرَاءِ وَالدَّوَرَانِ وَكَانَتِ النَّجَاسَةُ تَحْرِيمًا كَانَ عَدَمُ الِاسْتِقْذَارِ عِلَّةً لِعَدَمِ ذَلِكَ التَّحْرِيمِ وَإِذَا عُدِمَ التَّحْرِيمُ ثَبَتَتِ الْإِبَاحَةُ وَهِيَ الطَّهَارَةُ كَمَا تَقَدَّمَ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مُطَّرِدَةٌ فِي الشَّرْعِ وَغَيْرِهِ فَكُلُّ عِلَّةٍ لِتَحْرِيمٍ يَكُونُ عَدَمُهَا عِلَّةً لِلْإِبَاحَةِ كَالْإِسْكَارِ لَمَّا كَانَ عِلَّةً لِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ كَانَ عَدَمُهُ عِلَّةً لِإِبَاحَتِهَا. فَإِنْ قِيلَ تَعْلِيلُ النَّجَاسَةِ بِالِاسْتِقْذَارِ غَيْرُ مُطَّرِدٍ وَلَا مُنْعَكِسٍ أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِدَلِيلِ الْمُخَاطِ وَالْبُصَاقِ وَالْعَرَقِ الْمُنْتِنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهَا مُسْتَقْذَرَةٌ وَلَيْسَتْ نَجِسَةً وَأَمَّا الثَّانِي فَلِنَجَاسَةِ الْخَمْرِ وَلَيْسَتْ مُسْتَقْذَرَةً. قُلْنَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَمُسْتَثْنَى لِضَرُورَةِ الْمُلَابَسَةِ وَأَمَّا الثَّانِي فَالْعَكْسُ غَيْرُ لَازِمٍ فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ لِأَنَّ بَعْضَهَا يَخْلُفُ بَعْضًا وَنَجَاسَةُ الْخَمْرِ مُعَلَّلَةٌ بِالْإِسْكَارِ وَبِطَلَبِ الْإِبْعَادِ وَالْقَوْلُ بِنَجَاسَتِهَا يُفْضِي إِلَى إِبْعَادِهَا وَمَا أَفْضَى إِلَى الْمَطْلُوبِ فَهُوَ مَطْلُوبٌ فَيَكُونُ التَّنْجِيسُ مَطْلُوبًا. وَقُدِّمَتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ تَكْمِيلًا لِفَائِدَةِ الْكَلَامِ عَلَى لَفْظِ الطَّهَارَةِ وَالِاكْتِفَاءِ بِهِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى النَّجَاسَةِ. وَهَذَا الْكِتَابُ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَقَاصِدَ وَوَسَائِلَ لِتِلْكَ الْمَقَاصِدِ وَالْوَسَائِلُ يَتَقَدَّمُ فِعْلُهَا شَرْعًا فَيَجِبُ تَقَدُّمُ الْكَلَامِ عَلَيْهَا وَضْعًا. فَأَوَّلُ الْوَسَائِلِ مَحَلُّ الْمَاءِ وَلَمَّا كَانَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِي الْأَعْضَاءِ يَتَوَقَّفُ عَلَى طَهَارَتِهَا حَتَّى يُلَاقِيَ الْمَاءُ الطَّهُورُ الْأَعْضَاءَ الطَّاهِرَةَ وَجَبَ بَيَانُ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ مَا هِيَ ثُمَّ كَيْفِيَّةُ إِزَالَتِهَا فَهَذِهِ أَرْبَعُ وَسَائِلَ.
الْوَسِيلَةُ الْأُولَى مَحَلُّ الْمَاءِ وَهُوَ الْإِنَاءُ وَهُوَ فِي اللُّغَة مُشْتَقّ من أَنى يأنى إِنَّا وَهُوَ التَّنَاهِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {غَيْرَ نَاظِرِينَ إناه} أَي انتهاءه {عين آنِية} أَي متناه حَدهَا و {حميم آن} أَيْ مُتَنَاهٍ حَرُّهُ وَلَمَّا كَانَ الْإِنَاءُ لَا بُد أَن يتناهى خرطه أَو حرزه أَوْ سَبْكُهُ عَلَى حَسَبِ جَوْهَرِهِ فِي نَفْسِهِ سُمِّيَ إِنَاءً لِذَلِكَ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ: الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الْجُلُودِ وَفِي الْجَوَاهِرِ وَلَا بُدَّ فِي اسْتِعْمَالِهَا مِنْ طَهَارَتِهَا وَلِطَهَارَتِهَا سَبَبَانِ: السَّبَبُ الْأَوَّلُ الذَّكَاةُ مُطَهِّرَةٌ لِسَائِرِ أَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ وَجِلْدِهِ وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِي إِبَاحَةِ أَكْلِهِ كَالْحُمُرِ وَالْكِلَابِ وَالسِّبَاعِ عَلَى رِوَايَتَيِ الْإِبَاحَةِ وَالْمَنْعِ لِإِزَالَةِ الذَّكَاةِ الْفَضَلَاتِ الْمُسْتَقْذَرَةَ الْمُوجِبَةَ لِلتَّنْجِيسِ عَلَى سَائِرِ الْوُجُوهِ عَلَى الْحَيَوَانِ إِلَّا الْخِنْزِيرَ لقَوْله تَعَالَى {قل لَا أجد فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لحم خِنْزِير فَإِنَّهُ رِجْس} وَالرِّجْسُ فِي اللُّغَةِ الْقَذَرُ فَكَمَا أَنَّ الْعَذِرَةَ لَا تَقْبَلُ التَّطْهِيرَ فَكَذَلِكَ الْخِنْزِيرُ لِأَنَّه سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّمِ وَلَحْمِ الْمَيْتَةِ وَهُمَا لَا يَقْبَلَانِ التَّطْهِيرَ فَكَذَلِكَ هُوَ. وَلِأَنَّ الذَّكَاةَ فِي الشَّرْعِ سَبَبٌ لِحُكْمَيْنِ إِبَاحَةِ الْأَكْلِ وَالطَّهَارَةِ وَالذَّكَاةُ لَا تُفِيدُ الْإِبَاحَةَ فِيهِ إِجْمَاعًا فَكَذَلِكَ الطَّهَارَةُ وَلِهَذَا الْمدْرك منع ابْن حبيب تطهيرالذكاة لما لم يُؤْكَل لَحْمه وَوَافَقَهُ الشَّافِعِي وَلِابْنِ حَبِيبٍ أَيْضًا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْعَادِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَزَاد أَبُو حنيفَة عَلَيْنَا بِطَهَارَةِ اللَّحْمِ مَعَ الْجِلْدِ وَإِنْ قَالَ بِتَحْرِيمِ أَكْلِهِ. وَمَنَعَ مَالِكٌ رحمه الله الصَّلَاةَ عَلَى جُلُودِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَإِنْ ذُكِّيَتْ وَتَوَقَّفَ
فِي الْكِيمُخْتِ فِي الْكِتَابِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَرُوِيَ عَنْهُ الْجَوَازُ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ هِيَ مُحَرَّمَةٌ فَلَا تُؤَثِّرُ الذَّكَاةُ فِيهَا كَالْخِنْزِيرِ أَوْ مَكْرُوهَةٌ فَتُؤَثِّرُ كَالسِّبَاعِ وَالْكِيمُخْتُ يَكُونُ مِنْ جُلُودِ الْحُمُرِ وَمِنْ جُلُودِ الْبِغَالِ قَالَ وَقَدْ أَبَاحَهُ مَرَّةً وَأَجَازَ الصَّلَاةَ فِيهِ عَلَى مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ. السَّبَبُ الثَّانِي الدِّبَاغُ فِي الْجَوَاهِرِ وَهُوَ اسْتِعْمَالُ مَا فِيهِ قَبْضٌ وَقُوَّةٌ عَلَى نَزْعِ الْفَضَلَاتِ وَهُوَ مُخْتَلِفٌ بِحَسَبِ غِلَظِ الْجِلْدِ وَرِقَّتِهِ وَلِينِهِ وَصَلَابَتِهِ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَلَا يَكْفِي التشميس وَهُوَ مطهر لِجُمْلَةِ الْجُلُودِ إِلَّا الْخِنْزِيرَ لِلْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلِأَنَّ الذَّكَاةَ أَقْوَى مِنَ الدِّبَاغِ لِاقْتِضَائِهَا إِبَاحَةَ الْأَكْلِ مَعَ التَّطْهِيرِ وَلِنَزْعِهَا الْفَضَلَاتِ مِنْ مَعَادِنِهَا قَبْلَ تَشَبُّثِهَا بِأَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ وَغِلَظِهَا وَقَدْ سَقَطَ اعْتِبَارُهَا فِي الْخِنْزِيرِ فَكَذَلِكَ الدِّبَاغُ. وَطَهَارَةُ غَيْرِ الْخِنْزِيرِ مَخْصُوصَةٌ عِنْدَهُ بِالْمَاءِ وَالْيَابِسَاتِ دُونَ الْمَائِعَاتِ وَالصَّلَاةِ وَالْبَيْعِ لِأَنَّ قَوْلَهُ عليه السلام أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ مُطْلَقٌ فِي الطَّهَارَةِ وَإِنْ كَانَ عَامًّا فِي الْأُهُبِ وَالْأَصْلُ فِي الْمَيْتَةِ النَّجَاسَةُ فَيَتَعَيَّنُ الْمَاءُ لِمُطْلَقِ الطَّهَارَةِ لِقُوَّتِهِ وَالْيَابِسَاتُ لِعَدَمِ مُخَالِطِهَا وَبَقِيَ مَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى الْأَصْلِ. وَعَنْهُ أَنَّهَا عَامَّةٌ لِزَوَالِ السَّبَبِ الْمُنَجِّسِ وَهُوَ الْفَضَلَاتُ الْمُسْتَقْذَرَةُ وَلِأَنَّ الدِّبَاغَ يَرُدُّ الْأَشْيَاءَ إِلَى أُصُولِهَا قَبْلَ الْمَوْتِ وَالْحَيَوَانَاتُ عِنْدَنَا طَاهِرَةٌ قَبْلَهُ فَكَذَلِكَ بَعْدَهُ بِالدِّبَاغِ وَلِهَذَا الْمَدْرَكِ قَالَ الشَّافِعِي رضي الله عنه لَا يُطَهَّرُ الْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ بِالدِّبَاغِ لِأَنَّهُمَا نَجِسَانِ قَبْلَ الْمَوْتِ عِنْدَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَدَاوُدُ يُؤَثِّرُ الدِّبَاغُ فِي جِلْدِ الْخِنْزِيرِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ لَا يُؤَثِّرُ إِلَّا فِيمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ يُشَبَّهُ الدِّبَاغُ بِالْحَيَاةِ أَوْ بِالذَّكَاةِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا.
قَاعِدَةٌ إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ تَارَةً تَكُونُ بِالْإِزَالَةِ كَالْغَسْلِ بِالْمَاءِ وَتَارَةً بِالْإِحَالَةِ كَالْخَمْرِ إِذَا صَارَ خَلًّا أَوِ الْعَذِرَةَ إِذَا صَارَتْ لَحْمَ كَبْشٍ وَتَارَةً بِهِمَا كَالدِّبَاغِ فَإِنَّهُ يُزِيلُ الْفَضَلَاتِ وَيُحِيلُ الْهَيْئَاتِ أَوْ لِأَنَّه يَمْنَعُهُ مِنَ الْفَسَادِ كَالْحَيَاةِ. الْفَصْلُ الثَّانِي الْعِظَامُ وَكُلُّ عَظْمٍ طَاهِرٍ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي الْوَسِيلَةِ الثَّالِثَةِ. الْفَصْلُ الثَّالِثُ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَفِي الْجَوَاهِرِ مُحَرَّمَةُ الِاسْتِعْمَالِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِقَوْلِهِ عليه السلام الَّذِي يَشْرَبُ مِنْ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ وَعِلَّتُهُ السَّرَفُ أَوِ الْخُيَلَاءُ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوِ الْأَمْرَانِ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلَانِ فِي الذَّهَبِ الْمُمَوَّهِ بِالرَّصَاصِ أَوْ غَيْرِهِ وَإِلْحَاقُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ أَوَانِيَ الْيَاقُوتِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَعَدَمُ إِلْحَاقِ أَبِي الْوَلِيدِ لَهَا لِأَنَّ الْمُفَاخَرَةَ بِهَا خَاصَّةً بِالْخَوَاصِّ وَكَرَاهَةُ ابْنِ سَابِقٍ لِذَلِكَ لِوُجُودِ جُزْءِ الْعلَّة. فرعان: الأول قَالَ اسْتِعْمَال المضبب والشعوب وَالَّذِي فِيهِ حَلْقَةُ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ مِنْ مِرْآةٍ أَوْ آنِيَةٍ مَكْرُوهٌ عِنْدَهُ وَمَمْنُوعٌ عِنْدَ أَبِي الْوَلِيدِ وَغَيْرُ مَمْنُوعٍ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ نَظَرًا إِلَى وُجُودِ الْمُحَرَّمِ فَيُمْنَعُ أَوْ إِلَى الْيَسَارَةِ فَلَا يُمْنَعُ أَوْ إِلَيْهِمَا فَيُكْرَهُ. الثَّانِي قَالَ تَحْرِيمُ اقْتِنَاءِ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عَنِ ابْنِ الْجَلَّابِ لِأَنَّه وَسِيلَةٌ لِاسْتِعْمَالِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ لَوْ لَمْ يَجُزِ الِاتِّخَاذُ لَفُسِخَ بَيْعُهَا وَقَدْ أَجَازَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسَائِلَ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ سَابِقٍ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ بَاطِلٌ لِجَوَازِ مِلْكِهِا إِجْمَاعًا بِخِلَافِ اتِّخَاذِهَا وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الْخِلَافُ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى عَمَلِهَا وَالضَّمَانِ عَلَى مُفْسِدِ صَنْعَتِهَا وَالْمُخَالِفُ يُجِيزُ ذَلِكَ أَيْضا.
الْوَسِيلَة الثَّانِيَة المَاء وَهُوَ إِمَّا مُطَهِّرٌ أَوْ مُنَجِّسٌ أَوْ لَا مُطَهِّرٌ وَلَا مُنَجِّسٌ أَوْ مُخْتَلِطٌ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ. الْقِسْمُ الْأَوَّلُ الْمُطَهِّرُ وَهُوَ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ مِنَ السَّمَاءِ أَوِ الْأَرْضِ أَوِ الْبَحْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طهُورا} وَقَوله {ليطهركم بِهِ} وَقَوْلِهِ عليه السلام فِي الْمُوَطَّأِ لَمَّا سَأَلَهُ رَجُلٌ إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ فَإِنْ تَوَضَّأْنَا مِنْهُ عَطِشْنَا أَفَنَتَوَضَّأُ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ قَالَ عليه السلام هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ. قَاعِدَةٌ فَعُولٌ عِنْدَ الْعَرَبِ يَكُونُ صِفَةً نَحْوَ غَفُورٍ وَشَكُورٍ وَيَكُونُ لِلَّذِي يُفْعَلُ بِهِ الْفِعْلُ نَحْوَ الْحَنُوطِ وَالسَّحُورِ والبخور لما يتحنط بِهِ ويتسحر بِهِ ويبتخر بِهِ فَالطَّهُورُ عِنْدَنَا لِلَّذِي يُتَطَهَّرُ بِهِ مُتَعَدٍّ خلافًا ح فَإِنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَهُ طَاهِرٌ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ كَوْنُهُ سَبَبَ الطَّهَارَةِ عِنْدَنَا فَيَنْحَصِرُ الْمُطَهِّرُ فِيهِ بِسَبَبِ تَخْصِيصِ الشَّرْعِ لَهُ بِالذِّكْرِ وَمَنْعِ الْقِيَاسِ فِي الْأَسْبَاب وَلَو سلم الْمَنْع هَهُنَا لكَونه ذرع الْجَامِع الَّذِي هُوَ عِلّة فِي الأَصْل وَالْأَصْل هَهُنَا لَيْسَ مُعَلِّلًا لِوُجُوبِ تَطْهِيرِ مَا هُوَ فِي غَايَةِ النَّظَافَةِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ النَّبِيذِ وَغَيْرِهِ عَنْ مَقَامِ التَّطْهِيرِ أَوْ لَيْسَ سَبَبًا فَيُشَارِكُهُ فِي الطَّاهِرِيَّةِ غَيْرُهُ فَلَا يَخْتَصُّ التَّطْهِيرُ بِهِ لَنَا قَوْله تَعَالَى {ليطهركم بِهِ} وَهُوَ نَصٌّ فِي الْبَابِ وَلَوْ صَحَّ مَا ذَكَرُوهُ لَمَا صَحَّ جَوَابُهُ عليه السلام فِي مَاءِ الْبَحْرِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَلَبَطَلَ مَعْنَى قَوْلِهِ عليه السلام جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرَابُهَا طَهُورًا لِأَنَّ طَهَارَةَ التُّرَابِ لَمْ تَخْتَصَّ بِهِ عليه السلام وَإِنَّمَا الَّذِي اخْتصَّ بِهِ المطهر بِهِ.
احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ وَبِقَوْلِ جرير:
…
…
…
…
(عَذَاب الثنايا ريقهن طهُور
…
)
والريق لَا يطهر وَلِأَن الأَصْل فِي فعول أَن يجْرِي على فَاعل فِي تعديته وقصره وطاهر قَاصِر فطهور مثله. وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَجَازٌ لِلْمُبَالَغَةِ لِأَنَّ الَّذِي يُتَطَهَّرُ بِهِ أَفْضَلُ أَنْوَاعِ الْمَاءِ فَاسْتُعِيرَ لِشَرَابِ الْجَنَّةِ تَرْغِيبًا فِيهِ وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي وَعَنِ الثَّالِثِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الطّهُور هَهُنَا جَار على طَاهِر بل معزل عَنْهُ وَيُوَضِّحُهُ اسْتِحَالَةُ قَبُولِ الطَّهَارَةِ لِلزِّيَادَةِ فِي الْمَطَر وَالْبَحْر فَلَا يُمكن إِلْحَاقه بصبور وشكور ثُمَّ إِنَّا لَوْ سَلَّمْنَا إِمْكَانَ الْقِيَاسِ عَلَى الْمَاءِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى طَاهِرٍ لَانْدَفَعَ الْقِيَاسُ بِالْفَارِقِ وَهُوَ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْمَاءُ مِنَ الرِّقَّةِ وَاللَّطَافَةِ. فَإِنْ قَالُوا الْخَلُّ وَمَاءُ اللَّيْمُونِ أَلْطَفُ مِنْهُ. قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ وَيَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِمَا أَحَسَّ مِنَ الْمُمَانَعَةِ لِيَدِهِ مَا لَا يُحِسُّ فِي الْمَاءِ وَلِأَنَّ أَجْزَاءَ الْخُبْزِ لَا يُفَرِّقُهَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِخِلَافِهِ وَلِأَنَّ مَاءَ اللَّيْمُونِ إِذَا اسْتُعْمِلَ لِزَوَالِ الْعَرَقِ سَدَّ الْمَسَامَّ وَمَنَعَ انْبِعَاثَ الْعَرَقِ وَأَمَّا إِحَالَةُ الْأَلْوَانِ فَلَيْسَ لِرِقَّتِهِ وَإِنَّمَا هُوَ بِإِحَالَتِهِ لَهَا. إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا الْبَحْث فَيلْحق بِالطَّهُورِ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ وَالْأَصَالَةِ الْمُتَغَيِّرُ بِجَرْيهِ عَلَى الْمَعَادِنِ أَوْ بِطُولِ الْمُكْثِ وَالطُّحْلُبُ وَالطِّينُ الْكَائِنُ فِيهِ وَكُلُّ مَا هُوَ مِنْ قَرَارِهِ مِنَ التَّبْصِرَةِ وَمَا يَكُونُ عَنِ الْبَرَدِ وَالْجَلِيدِ وَالنَّدَى وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا تَغَيَّرَ بِالْمَعَادِنِ الْجَارِي عَلَيْهَا وَالْآنِيَةِ الْمَصْنُوعَةِ مِنْهَا وَقَدْ فَرَّقَ أَهْلُ الْعِلْمِ بَيْنَهُمَا وَلَا فَرْقَ وَقَدْ كَانَ عليه السلام يَتَوَضَّأُ مِنَ الصُّفْرِ وَلَمْ يَكْرَهْ أَحَدٌ الْوُضُوءَ مِنَ الْحَدِيدِ
مَعَ سُرْعَةِ التَّغْيِيرِ فِيهِمَا لَا سِيَّمَا فِي الْبِلَاد الحارة وَكَانَ عمر ابْن عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنهما يُسَخَّنُ لَهُ الْمَاءُ فِي الصُّفْرِ. فُرُوعٌ أَحَدَ عَشَرَ: الْأَوَّلُ فِي الْجَوَاهِرِ التُّرَابُ الْمَطْرُوحُ عَمْدًا فِي الْمَاءِ لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ إِلْحَاقًا لِلطَّارِئِ بِالْأَصْلِيِّ وَقِيلَ لَا يَلْحَقُ بِهِ لِفَارِقِ الضَّرُورَةِ. الثَّانِي الْمِلْحُ مُلْحَقٌ بِالتُّرَابِ عِنْدَ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَبِالْأَطْعِمَةِ عَن الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ وَقِيلَ الْمَعْدِنِيُّ كَالتُّرَابِ نَظَرًا إِلَى الْأَصْلِ وَالْمَصْنُوعُ كَالطَّعَامِ لِإِضَافَةِ غَيْرِهِ إِلَيْهِ غَالِبًا. الثَّالِثُ قَالَ الْمُلَازِمُ لِلْمَاءِ إِذَا اخْتَصَّ بِبَعْضِ الْمِيَاهِ قِيلَ لَيْسَ يُطَهِّرُ لِعَدَمِ الْعُمُومِ وَقِيلَ مُطَهِّرٌ لِعَدَمِ الِانْفِكَاكِ. الرَّابِعُ قَالَ الْمَاءُ الْقَلِيلُ إِذَا وَقَعَ فِيهِ طَاهِرٌ لَمْ يُغَيِّرْهُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ يَسْلُبُهُ التَّطْهِيرَ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي النَّجَاسَةِ مَعَ الْمَاءِ الْقَلِيلِ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ. الْخَامِسُ مِنَ الطَّرَّازِ الْمُسَخَّنُ بالشمس مَكْرُوه وَقَالَهُ ش خلافًا ح وَذَلِكَ من وجهة الطِّبِّ لِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ رضي الله عنه عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهُ عليه السلام دَخَلَ عَلَيْهَا وَقَدْ سَخَّنَتْ مَاءً فِي الشَّمْسِ فَقَالَ عليه السلام لَا تَفْعَلِي هَذَا يَا حُمَيْرَاءُ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ وَنَحْوِهِ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ وَلَمْ يَصِحَّ فِيهِ حَدِيثٌ قَالَ الْغَزَّالِيُّ يَخْرُجُ مِنَ الْإِنَاءِ فِي الشَّمْسِ مِثْلُ الْهَبَاءِ بِسَبَبِ التَّشْمِيسِ فِي النُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ فَيَعْلَقُ بِالْأَجْسَامِ فَيُورِثُ الْبَرَصَ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِصَفَائِهِمَا وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُسَخَّنُ بِالنَّارِ وَالشَّمْسِ كَغَيْرِهِ.
السَّادِسُ قَالَ فِي الْكِتَابِ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِمَا يَقَعُ الْبُصَاقُ فِيهِ وَالْمُخَاطُ وَخَشَاشُ الْأَرْضِ مِثْلُ الزُّنْبُورِ وَالْعَقْرَبِ وَالصَّرَّارِ وَبَنَاتِ وَرْدَانَ مِنَ التَّنْبِيهَاتِ الْخَشَاشُ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا وَضَمِّهَا وَتَخْفِيفِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ صِغَارُ دَوَابِّ الْأَرْضِ وَالزُّنْبُورِ بِضَمِّ الزَّايِ وَالْخُنْفُسَاءِ بِضَمِّ الْخَاءِ مَمْدُودَةً وَالصَّرَّارُ بِالصَّادِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْأَوْلَى سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمَا يُسْمَعُ مِنْ صَوْتِهِ فَإِنْ لَمْ تُفَرَّقْ أَجْزَاءُ ذَلِكَ أَوْ يَطُولُ مُكْثُهُ فَمَا وَقَعَ فِيهِ طَاهِرٌ فَإِنْ تَفَرَّقَ أَوْ طَالَ مُكْثُهُ فَالْمَاءُ مُضَافٌ وَقَالَ أَشْهَبُ يُنَجَّسُ. وَأَمَّا الطَّعَامُ فَإِنْ تَفَرَّقَ فِيهِ أَوْ غَلَبَ فَلَا يُؤْكَلُ لِاحْتِيَاجِهِ إِلَى الذَّكَاةِ وَقِيلَ يُؤْكَلُ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ إِلَيْهَا عَلَى الْخِلَافِ. السَّابِعُ قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ إِذَا شُكَّ فِيمَا يُفْسِدُ الْمَاءَ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ عَلَى الطَّهُورِيَّةِ وَقَدْ نَهَى مَالِكٌ رحمه الله عَنِ اسْتِعْمَالِ الْبِئْرِ الْقَرِيبَةِ مِنَ الْمَرَاحِيضِ فَقَالَ تُتْرَكُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَإِنْ طَابَتْ وَإِلَّا تُرِكَتْ وَوَجْهُهُ أَنَّ الظَّاهِرَ إِضَافَةُ التَّغَيُّرِ إِلَى الْمَرَاحِيضِ. الثَّامِنُ مِنَ الطَّرَّازِ إِذَا رَاعَيْنَا وَصْفَ الْمَاءِ دُونَ مُخَالِطِهِ وَكَانَ مَعَهُ دُونَ المَاء الْكَافِي فَكَلمهُ بِمَاءِ رَيْحَانٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ فَهَلْ يُتَطَهَّرُ بِهِ لِعَدَمِ التَّغَيُّرِ أَوْ لَا يُتَطَهَّرُ بِهِ لِكَوْنِهِ مُتَطَهِّرًا بِغَيْرِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ جَزْمًا وَهُوَ الطَّاهِرُ وَفَرَّقَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا إِذَا خُلِطَ بِمَا يَكْفِيهِ مَائِعًا لَمْ يُغَيِّرْهُ وَتَوَضَّأَ بِهِ وَفَضَلَ قَدْرُ ذَلِكَ الْمَائِعِ أَنَّهُ يُجْزِيهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُجْزِئُ قَالَ صَاحِبُ تَهْذِيبِ الطَّالِبِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ إِذَا دَهَنَ الدَّلْوَ الْجَدِيدَ بِالزَّيْتِ وَاسْتَنْجَى مِنْهُ لَا يَجْزِيهِ فَيَغْسِلُ مَا أَصَابَ مِنْ ثِيَابِهِ لِأَنَّ الْمُضَافَ عِنْدَهُ لَا يُجْزِئُ فِي غَسْلِ النَّجَاسَاتِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ يُعِيدُ الِاسْتِنْجَاءَ دُونَ غَسْلِ ثِيَابِهِ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الْمُضَافِ قَالَ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ هَلْ يُزِيلُ الْمُضَافُ حُكْمَ النَّجَاسَةِ أَوْ عَيْنَهَا فَقَطْ وَهُوَ
الصَّوَابُ لِأَنَّه لَا يُتَوَضَّأُ بِهِ وَمَنْ أَزَالَ بِهِ حُكْمَ النَّجَاسَةِ فَلِضَعْفِهَا لِإِزَالَتِهَا بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَالِاخْتِلَافُ فِي وُجُوبِهَا مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي الْمُضَافِ هَلْ يَرْفَعُ الْحَدَثَ أَمْ لَا وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ يُنَجِّسُ الثِّيَابَ بِبَلِّ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ إِذَا زَالَ عَيْنُهَا فَبَعِيدٌ لِأَنَّ الْبَاقِيَ فِي الْمَوْضِعِ حُكْمٌ لَيْسَ لِعَيْنٍ فَلَا يُنَجِّسُ إِنَّمَا تُنَجِّسُ الْأَعْيَانُ. التَّاسِعُ مِنْهُ أَيْضًا الْقَطِرَانُ تَبْقَى رَائِحَتُهُ فِي الْوِعَاءِ وَلَيْسَ لَهُ جِسْمٌ يُخَالِطُ الْمَاءَ لَا بَأْسَ بِهِ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ فِي الْبَوَادِي. الْعَاشِرُ مِنْهُ أَيْضًا الْحَشِيشُ وَوَرَقُ الشَّجَرِ يَتَسَاقَطُ فِي الْمَاءِ فَيُغَيِّرُهُ لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ مِنَّا. الْحَادِيَ عَشَرَ قَالَ إِذَا وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ نَجَاسَةٌ أَوْ عَيْنٌ طَاهِرَةٌ وَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ فَهُوَ مُطَهِّرٌ وَلَا يشْتَرط وُصُوله الْقلَّتَيْنِ خلافًا ش لِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِحَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ وَإِنْ صَحَّحْنَاهُ فَهُوَ بِالْمَفْهُومِ وَاسْتِدْلَالُنَا بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَحَدِيثِ بِئْرِ بُضَاعَةَ اسْتِدْلَالٌ بِالْمَنْطُوقِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَفْهُومِ إِجْمَاعًا وَإِذا ظهر بطلَان مَذْهَب الشَّافِعِي فمذهب أبي حنيفَة بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فِي قَوْلِهِ إِنَّ الْمَاءَ وَإِنْ كَانَ فَوْقَ الْقُلَّتَيْنِ وَيُمْكِنُ وُصُولُ النَّجَاسَةِ إِلَى أَجْزَائِهِ بِالْحَرَكَةِ فَهُوَ نَجِسٌ لِأَنَّ أَدِلَّتَنَا وَأَدِلَّةَ الشَّافِعِي تَرُدُّ عَلَيْهِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ. الْقِسْمُ الثَّانِي المنجس وَهُوَ مَا تغير لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ بِنَجَسٍ وَفِي الْجَوَاهِرِ خَالَفَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الرَّائِحَةِ وَقِيلَ قَوْلُهُ مُنَزَّلٌ عَلَى الْمُجَاوَرَةِ دُونَ الْحُلُولِ لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ قِيلَ لَهُ عليه السلام أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا الْحَيْضُ وَلُحُومُ الْكِلَابِ وَالنَّتَنُ فَقَالَ عليه السلام
(إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ)
يَعْنِي إِلَّا مَا غَيَّرَهُ وَقَالَ فِيهِ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرَوَى فِيهِ الْبَغْدَادِيُّونَ إِلَّا مَا غُيِّرَ لَوْنُهُ أَو طعمه أَو رِيحه وَجه قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ الثِّيَابَ لَا تُنَجَّسُ بِرَوَائِحِ النَّجَاسَاتِ فَكَذَلِكَ الْمَاءُ لِأَنَّه أَقْوَى فِي الدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ وَلِأَنَّ الرَّائِحَةَ لَوْ كَانَ
تَغَيُّرُهَا مُعْتَبَرًا لَذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ مِنَ التَّبْصِرَةِ إِنْ كَانَتِ الرَّائِحَةُ عَنِ الْمُجَاوَرَةِ لَمْ يَخْرُجْ عَنِ الطَّهُورِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ عَمَّا حَلَّ فِيهِ مِنَ الطِّيبِ كَانَ مُضَافًا وَكَذَلِكَ الْبَخُورُ لِأَنَّ النَّارَ تَصْعَدُ بِأَجْزَائِهِ وَيُوجَدُ طَعْمُهُ فِيهِ وَلِهَذَا قِيلَ لَا يُؤْكَلُ الْمَطْبُوخُ بِالْمَيْتَةِ وَوَافَقَهُ صَاحِبُ الطَّرَّازِ عَلَى ذَلِكَ. فَرْعَانِ: الْأَوَّلُ مِنْ شَرْحِ التَّلْقِينِ تَثْبُتُ النَّجَاسَةُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ إِذَا بَيَّنَهَا أَوْ كَانَ مَذْهَبُهُ كَمَذْهَبِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَعْتَقِدَ مَا لَيْسَ نَجِسًا نَجِسًا وَلَا تُشْتَرَطُ الشَّهَادَةُ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ رضي الله عنه سَأَلَ صَاحِبَ الْحَوْضِ هَلْ تَرِدُ حَوْضَكَ السِّبَاعُ فَلَوْلَا أَنَّ خَبَرَهُ يُقْبَلُ لَمَا سَأَلَهُ. الثَّانِي فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ إِذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ قَالَ مَالِكٌ رحمه الله فِي الْكِتَابِ مُطَهِّرٌ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ السَّابِقِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ يَتَيَمَّمُ وَيَتْرُكُهُ وَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى وَلَمْ يَعْلَمْ أَعَادَ فِي الْقُوت فَحَمَلَ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلَهُ عَلَى التَّنْجِيسِ لِإِبَاحَتِهِ التَّيَمُّمَ وَالْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ مُرَاعَاةٌ لِلْخِلَافِ وَحَمَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِتَخْصِيصِهِ الْإِعَادَةَ بِالْوَقْتِ وَالتَّيَمُّمِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ يُجْتَنَبُ وَفِي السُّنَنِ سُئِلَ عليه السلام عَنِ الْمَاءِ وَمَا يُؤَثِّرُ فِيهِ مِنَ الدَّوَابِّ وَالسِّبَاعِ فَقَالَ عليه السلام إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ مَفْهُومُهُ أَنَّ مَا دُونُ ذَلِكَ يَحْمِلُ الْخَبَثَ وَلِأَنَّ النُّفُوسَ تَعَافُ الْقَلِيلَ إِذَا وَقَعَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ وَمَا لَمْ يَرْضَهُ الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ أَوْلَى أَلَّا يَرْضَاهُ لِرَبِّهِ وَالْكَرَاهَةُ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمَدَنِيِّينَ وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ هُوَ مَشْكُوكٌ فِيهِ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ طَهُورٌ وَلَا نَجِسٌ لِتَعَارُضِ الْمَآخِذِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ لِيَخْرُجَ عَنِ الْعُهْدَةِ إِجْمَاعًا. فَرْعٌ فِي الْجَوَاهِرِ عَلَى هَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَحْنُونٍ وَأَبُو الْحَسَنِ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي أَوَّلًا ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي صَلَاةً أُخْرَى لِيَسْلَمَ أَوَّلًا مِنَ النَّجَاسَة المتوهمة
وَقِيلَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَيُصَلِّي صَلَاةً وَاحِدَةً لِعَدَمِ تَحَقُّقِ النَّجَاسَةِ فَإِنْ أَحْدَثَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَصَلَّى وَاحِدَةً عَلَى الْقَوْلَيْنِ لِحُصُولِ مُلَاقَاةِ الْمَاءِ لِلْأَعْضَاءِ أَوَّلًا. مِنَ التَّبْصِرَةِ وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ وَفَرَّعْنَا عَلَى أَنَّهُ يُصَلِّي صَلَاتَيْنِ ثُمَّ حَضَرَتْ صَلَاةٌ أُخْرَى تَيَمَّمَ وَصَلَّى صَلَاةً وَاحِدَةً. وَالْمَاءُ الْقَلِيلُ كَالْجَرَّةِ وَالْإِنَاءِ وَالْبِئْرِ الْقَلِيلَةِ الْمَاءِ. الْقِسْمُ الثَّالِثُ الْمَاءُ الَّذِي لَا يُطَهِّرُ وَلَا يُنَجِّسُ وَهُوَ مَا تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ بِطَاهِرٍ غَيْرِ لَازِمٍ لَهُ وَخَالَفَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الرَّائِحَةِ وَكَذَلِكَ مِيَاهُ النَّبَاتِ كَمَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ. فَرْعَانِ: الْأَوَّلُ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْحَدَثِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَعْضَاءِ نَجَاسَةٌ وَلَا وَسَخٌ قَالَ مَالِكٌ رحمه الله فِي الْكِتَابِ لَا يُتَوَضَّأُ بِمَاءٍ تُوُضِّئَ بِهِ مَرَّةً قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ تَوَضَّأَ. مِنَ التَّنْبِيهَاتِ حَمَلَ قَوْلَ مَالِكٍ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ شُيُوخِنَا عَلَى وُجُودِ غَيْرِهِ فَإِذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ فَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فَهُمَا مُتَّفِقَانِ وَعَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ الْمُخْتَصِرِينَ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ هُمَا مُخْتَلِفَانِ وَقَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْقَصَّارِ يَتَيَمَّمُ مَنْ لَمْ يَجِدْ سِوَاهُ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ مُطَهِّرٌ مَكْرُوهٌ لِلْخِلَافِ فِيهِ وَقِيلَ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ عَدَمُ سَلَامَتِهِ مِنَ الْأَوْسَاخِ وَدُهْنِيَّةُ الْبَدَنِ الثَّانِي أَنَّهُ أُدِّيَتْ بِهِ عِبَادَةٌ فَلَا تُؤَدَّى بِهِ عِبَادَةٌ كَالرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ وَلَا يَلْزَمُ الثَّوْبَ الَّذِي صَلَّى بِهِ فَإِنَّ مَصْلَحَتَهُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ الثَّالِثُ أَنَّ الْأَوَّلِينَ لَمْ يَجْمَعُوا مَا سَقَطَ عَنْ أَعْضَائِهِمْ فِي أَسْفَارِهِمْ مَعَ شِدَّةِ ضَرُورَاتِهِمْ لِقِلَّةِ الْمَاءِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ. الْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ يُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ قَالَ ابْنُ شَاسٍ وَيُصَلِّي صَلَاة وَاحِدَة.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ إِنَّمَا هُوَ الْمَجْمُوعُ عَنِ الْأَعْضَاءِ لَا الَّذِي يَفْضُلُ فِي الْإِنَاءِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ وَلَا الْمُسْتَعْمَلُ فِي بَعْضِ الْعُضْوِ إِذَا جَرَى لِلْبَعْضِ الْآخَرِ تَحْرِيرٌ إِذَا قُلْنَا بِسُقُوطِ الطَّهُورِيَّةِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ سَبَبُهُ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا كَوْنُهُ أُدِّيَتْ بِهِ عِبَادَةٌ وَالثَّانِي إِزَالَتُهُ الْمَانِعَ فَإِنِ انْتَفَيَا مَعًا كَالرَّابِعَةِ فِي الْوُضُوءِ فَلَا مَنْعَ وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ احْتَمَلَ الْخِلَافَ كَالْمُسْتَعْمَلِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ أَوْ فِي التَّجْدِيدِ فَإِنَّهُ لَمْ يَزَلْ مَانِعًا وَإِنْ أُدِّيَتْ بِهِ عِبَادَةٌ وَغُسْلُ الذِّمِّيَّةِ مِنَ الْحَيْضِ أَزَالَ مَانِعَ وَطْئِهَا لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ وَلَمْ تؤدبه عِبَادَةٌ وَفِي قَوْلِ مَالِكٍ رحمه الله نَصٌّ صَرِيحٌ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ وَلَا يُتَوَضَّأُ بِمَا توضىء بِهِ مَرَّةً إِشَارَةً لِلْعِبَادَةِ وَإِزَالَةِ الْمَانِعِ مَعًا وَنقل صَاحب الطّراز عِنْد التَّفْرِقَة بَين الْحَدث والتجديد قَالَ وَسوى أَبُو حنيفَة فِي الْمَنْعِ وَيُرَدُّ عَلَى مَنْ قَالَ بِنَجَاسَتِهِ أَن السّلف الصَّالح كَانُوا يتوضؤن وَالْغَالِبُ تَطَايُرُ الْبَلَلِ عَلَى ثِيَابِهِمْ وَالْتِصَاقُ ثِيَابِهِمْ بِأَعْضَائِهِمْ وَهِيَ مَبْلُولَةٌ وَمَا نُقِلَ عَنْهُمُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى طَهَارَتِهِ الْفَرْعُ الثَّانِي مِنَ التَّبْصِرَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْبِئْرِ يَقَعُ فِيهَا سَعَفُ النَّخْلِ وَوَرَقُ الزَّيْتُونِ فَيَتَغَيَّرُ لَوْنُ الْمَاءِ إِنْ تَوَضَّأَ بِهِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ لِأَنَّه لَا يَتَغَيَّرُ إِلَّا وَقَدْ تَغَيَّرَ طَعْمُهُ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْغَدِيرِ تَرِدُهُ الْمَاشِيَةُ فَتُغَيِّرُهُ بِرَوْثِهَا مَا يُعْجِبُنِي وَلَا أُحَرِّمُهُ وَالْمَعْرُوفُ مِنَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ غَيْرُ مُطَهِّرٍ الْقِسْمُ الرَّابِعُ الْمُخْتَلِطُ مِنَ الطَّهُورِ وَغَيْرِهِ وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا إِنَّ الْبَاقِيَ عَلَى خِلْقَتِهِ طَهُورٌ وَغَيْرَ الْبَاقِي غَيْرُ طَهُورٍ بِأَنْ يَكُونَ مُتَغَيِّرًا بِقَرَارِهِ أَوْ لَازِمِهِ إِلَى لَوْنِ نَجَاسَةٍ وَقَعَتْ فِي بَعْضِهِ فَالْتَبَسَ بِالْبَعْضِ الْآخَرِ أَوْ بِصَيْرُورَةِ مَاءِ بَعْضِ النَّبَاتِ كَمَاءِ الْوَرْدِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى صِفَةِ الطَّهُورِ ثُمَّ يَلْتَبِسُ بِالطَّهُورِ وَفِي الْجَوَاهِرِ فَإِنْ وَجَدَ مَا يَتَيَقَّنُ طَهُورِيَّتَهُ لَمْ يَجْتَهِدْ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلِلْأَصْحَابِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ يَتَوَضَّأُ بِالْإِنَاءَيْنِ وُضُوءَيْنِ وَيُصَلِّي صَلَاتَيْنِ وَيَغْسِلُ أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ مِنَ الْإِنَاءِ الثَّانِي قَبْلَ وُضُوئِهِ مِنْهُ إِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا نَجِسًا لِإِمْكَانِ
الْوُصُولِ إِلَى الْيَقِينِ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ خَمْسٍ قَالَ الْأَصْحَابُ وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِقَوْلِ مَالِكٍ رحمه الله وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ مِثْلَهُ إِلَّا الْغَسْلَ مِنَ الْإِنَاءِ الثَّانِي قَبْلَ الْوُضُوءِ لِعَدَمِ تَيَقُّنِ النَّجَاسَةِ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يَتَحَرَّى أَحَدَهُمَا فَيَتَوَضَّأُ بِهِ كَمَا يُصَلِّي إِلَى جِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ عِنْدَ الْتِبَاسِ جِهَةِ الْكَعْبَةِ فَرْعٌ عَلَى هَذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الِاجْتِهَادُ فِي الْأَوَانِي يَخْتَصُّ بِالْبَصِيرِ وَقِيلَ لَا يَخْتَصُّ بَلْ يَصِحُّ مِنَ الْأَعْمَى لِإِدْرَاكِهِ الطَّعْمَ وَالرَّائِحَةَ وَزِيَادَةَ الْإِنَاءِ بَعْدَ نَقْصِهِ وَقَالَ سَحْنُونٌ أَيْضًا يَتَيَمَّمُ وَيَتْرُكُهَا وَلَا يُشْرَعُ لَهُ التَّحَرِّي كَأُخْتِهِ مِنَ الرَّضَاعِ إِذَا اخْتَلَطَ بِأَجْنَبِيَّةٍ قَالَ الطَّرْطُوشِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ بِخِلَافِ الثِّيَابِ الْمُشْتَبِهَةِ فَإِنَّهُ لَا بَدَلَ لَهَا وَهَهُنَا بَدَلٌ وَهُوَ التَّيَمُّمُ وَقَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِذَا أَصَابَتِ النَّجَاسَةُ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ وَجُهِلَ لَا يُصَلِّي فِيهِمَا حَتَّى يَغْسِلَهُمَا وَإِنَّمَا يَتَحَرَّى فِيهِمَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ فَلَوْ شَكَّ فِي مَوْضِعٍ مِنَ الثَّوْبِ وَتَيَقَّنَ الْإِصَابَةَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ غَسَلَ الْمُتَيَقَّنَ وَنَضَحَ الْمَشْكُوكَ وَإِذَا قُلْنَا بِالتَّحَرِّي فِي الثَّوْبَيْنِ فَلَا يَتَحَرَّى فِي جِهَاتِ الثَّوْبِ إِذَا اخْتَلَطَ عَلَيْهِ النَّجِسُ بِالطَّاهِرِ مِنَ الْجِهَتَيْنِ وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّحَرِّيَ فِي الثَّوْبَيْنِ يُوجِبُ الصَّلَاةَ فِي أَحَدِهِمَا بِغَيْرِ غَسْلٍ وَلَا بُدَّ مِنَ الْغَسْلِ فِي الثَّوْبِ نَعَمْ لَوْ لَمْ يَجِدْ مِنَ الْمَاءِ مَا يَعُمُّ الثَّوْبَ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَ الثَّوْبِ وَضَاقَ الْوَقْتُ تَحَرَّى وَفِي الْجَوَاهِرِ يَتَحَرَّى بَيْنَ الثَّوْبَيْنِ وَلَمْ يَشْتَرِطِ الضَّرُورَةَ قَالَ وَقِيلَ إِنَّهُ يُصَلِّي بِكُلِّ وَاحِدٍ صَلَاةً قَالَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ قَالَ فَلَوْ أَصَابَ بَعْضَ ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ لَمْ يَجُزِ التَّحَرِّي وَلَوْ قَسَمَهُ بِنِصْفَيْنِ لَمْ يَجُزِ التَّحَرِّي بَيْنَهُمَا لِجَوَازِ انْقِسَامِ النَّجَاسَةِ فِيهِمَا وَلَوْ أَصَابَتْ أَحَدَ الْكُمَّيْنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ جَازَ الِاجْتِهَادُ كَالثَّوْبَيْنِ بِاخْتِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ قَالَ فَإِنْ فَصَلَهُمَا جَازَ الِاجْتِهَادُ إِجْمَاعًا بَيَانٌ النَّضْحُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْغَسْلِ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْبَعِيرُ الَّذِي
يَسْتَقِي نَاضِحًا وَيَنْطَلِقُ عَلَى الرَّشِّ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى مَا يَكْثُرُ صَبُّ الْمَاءِ فِيهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {عينان نضاختان} وَقيل ينْطَلق على مَا يفور مِنَ السُّفْلِ كَالْفَوَرَانِ فَرْعٌ إِذَا قُلْنَا يُصَلِّي بِكُلِّ إِنَاءٍ صَلَاةً فَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا قَلَّ وَبَيْنَ مَا كَثُرَ كَمَا فَرَّقْنَا فِي تَرْتِيبِ الصَّلَوَاتِ أَشَارَ الطَّرْطُوشِيُّ إِلَى الْفَرْقِ قَاعِدَةٌ الْأَصْلُ أَلَّا تُبْنَى الْأَحْكَامُ إِلَّا عَلَى الْعِلْمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ علم} لَكِنْ دَعَتِ الضَّرُورَةُ لِلْعَمَلِ بِالظَّنِّ لِتَعَذُّرِ الْعِلْمِ فِي أَكْثَرِ الصُّوَرِ فَتَثْبُتُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ لِنُدْرَةِ خَطَئِهِ وَغَلَبَةِ إِصَابَتِهِ وَالْغَالِبُ لَا يُتْرَكُ لِلنَّادِرِ وَبَقِيَ الشَّكُّ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ إِجْمَاعًا ثُمَّ شَرْطُ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ اقْتِبَاسُهُ مِنَ الْأَمَارَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ شَرْعًا ثُمَّ حَيْثُ ظَفِرْنَا بِالْعِلْمِ لَا نَعْدِلُ عَنْهُ إِلَى الظَّنِّ كَتَحْصِيلِ صَلَاةٍ مِنْ خَمْسٍ بِفِعْلِ الْخَمْسِ وَحَيْثُ لَمْ نَظْفَرْ بِهِ اتَّبَعْنَا الظَّنَّ ثُمَّ الظَّنُّ قَدْ يَنْشَأُ عَنْ أَمَارَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَتَتَعَدَّدُ مَوَارِدُهُ فَيُتَخَيَّرُ كَإِخْبَارِ بَيِّنَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ بِمَا يُسْتَفَادُ مِنَ الشَّهَادَةِ وَقَدْ لَا تَتَعَدَّدُ مَوَارِدُهُ بل تَنْحَصِر جِهَة الظَّن الناشىء عَنِ الْأَمَارَةِ فِي مَوْرِدٍ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْنَا اتِّبَاعُ ذَلِكَ الْمَوْرِدِ كَجِهَةِ الْكَعْبَةِ فَإِنَّ الْمَظْنُونَ عَنِ الْأَمَارَةِ فِيهَا لَيْسَ إِلَّا جِهَةً وَاحِدَةً وَمَا عَدَا تِلْكَ الْجِهَةَ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ عَدَمُ كَوْنِ الْكَعْبَةِ فِيهَا وَقَدْ لَا يَنْشَأُ عَنْ أَمَارَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَلَا يُعْتَبَرُ شَرْعًا وَإِنْ كَانَ أرجح فِي النَّفس من الناشىء عَنِ الْأَمَارَةِ الشَّرْعِيَّةِ كَشَهَادَةِ أَلْفٍ مِنْ عُبَّادِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِفَلَسٍ فَإِنَّا لَا نَتَّبِعُ هَذَا الظَّنَّ وَلَا يَثْبُتُ الْفَلَسُ وَإِنْ قَوِيَ فِي أَنْفُسِنَا صِدْقُهُمْ وَكَذَلِكَ الْأُخْتُ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ لَمَّا لَمْ يَنْصُبِ الشَّرْعُ عَلَيْهَا أَمَارَةً وَجَبَ التَّوَقُّفُ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَتَخَرَّجُ مَسْأَلَةُ الْأَوَانِي وَكَثِيرٌ مِنْ مَسَائِلِ الْمَذْهَبِ
فُرُوعٌ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ لَوْ صَلَّى بِمَا يَغْلِبُ على طنه طَهُورِيَّتُهُ ثُمَّ تَيَقَّنَ نَجَاسَتَهُ غَسَلَ أَعْضَاءَهُ وَتَوَضَّأَ وَأعَاد وَإِن ظن ذَلِك فَقَوْلَانِ مبينان عَلَى نَقْضِ الظَّنِّ بِالظَّنِّ كَالْمُصَلِّي إِلَى الْقِبْلَةِ يَظُنُّ خَطَأَ فِعْلِهِ الثَّانِي قَالَ يَتَرَتَّبُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ إِذَا تَوَضَّأَ بِالْإِنَاءَيْنِ وَصَلَّى وَحَضَرَ صَلَاةً أُخْرَى وَطَهَارَتُهُ بَاقِيَةٌ وَالَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ ثَانِيًا مَعْلُومٌ صَلَّى بِطَهَارَتِهِ وَغَسَلَ أَعْضَاءَهُ مِنَ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ أَوَّلًا وَتَوَضَّأَ مِنْهُ وَصَلَّى وَإِنْ لَمْ تَكُنْ طَهَارَتُهُ بَاقِيَةً أَوْ كَانَتْ لَكِنَّهُ لَا يَعْلَمُ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ آخِرًا تَوَضَّأَ بِالْإِنَاءَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ الثَّالِثُ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يُعْتَقَدُ أَنَّهُ تَوَضَّأَ بِنَجَسٍ وَلَوْ كَثُرَتِ الْأَوَانِي وَالْمُجْتَهِدُونَ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ إِذَا اخْتَلَفَ ثَلَاثَةٌ فِي ثَلَاثَةِ أَوَانٍ نَجِسٍ وَطَاهِرَيْنِ تَوَضَّأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّا يَرَاهُ طَاهِرًا وَيَؤُمُّ أَحَدُهُمْ ثُمَّ الثَّانِي وَلَا يَؤُمُّهُمُ الثَّالِثُ لِأَنَّ إِمَامَةَ الْأَوَّلِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّجِسُ مَعَ أَحَدِ الْمَأْمُومَيْنِ أَوْ مَعَهُ وَالثَّانِي يُحْتَمَلُ أَنْ يَقُولَ الثَّالِثُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّجِسُ وَقَعَ فِي حَقِّي فَصَلَاةُ إِمَامِي صَحِيحَةٌ وَإِمَامَةُ الثَّالِثُ تَتَعَيَّنُ النَّجَاسَةَ لَهُ فَلَمْ تَجُزْ وَمَتَى زَادَ عَدَدُ الْأَوَانِي أَوْ عَدَدُ الرِّجَالِ إِذَا بَقِيَ وَاحِدٌ طَاهِرٌ جَازَتِ الْإِمَامَةُ أَبَدًا حَتَّى يَبْقَى وَاحِدٌ مِنْهَا فَيَمْتَنِعُ فَإِنْ كَانَتِ الْأَوَانِي اثْنَتَيْنِ وَأَمَّ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ الثَّانِي عِنْدَ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ إِلَّا أباثور لِعَدَمِ تَيَقُّنِ الْخَطَأِ وَلِأَنَّ الْمَأْمُومَ يَرَى أَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ صَحِيحَةٌ فِي حَقِّهِ فَيَجُوزُ لَهُ اتِّبَاعُهَا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى تَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ كَمَا قَالَ فقد قَالَ أَصْحَاب الشَّافِعِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ مُطْلَقًا لِأَجْلِ الشَّكِّ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الصَّلَاةُ الْأُولَى صَحِيحَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ فِي اقْتِدَائِهِ وَفِي الِاقْتِدَاءِ الثَّانِي تَبْطُلُ إِحْدَى صَلَاتَيْهِ فَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُمَا لِيَخْرُجَ عَنِ الصَّلَاةِ بِيَقِينٍ وَقَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ الِاقْتِدَاءُ الثَّانِي فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ بَاطِلٌ لِأَنَّ فِيهِ يَتَعَيَّنُ تَقْدِيرُ النَّجَاسَةِ
الرَّابِعُ قَالَ حَيْثُ قُلْنَا بِالِاجْتِهَادِ بَيْنَ الْمَاءَيْنِ فَقَدْ خَرَّجَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ جَوَازَ الِاجْتِهَاد بَين المَاء وَالْبَوْل خلافًا ش وح لِأَنَّ حَقِيقَةَ الِاجْتِهَادِ تُمَيِّزُ الْحَقَّ عَنِ الْبَاطِلِ وَهَهُنَا كَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ هُوَ الَّذِي تَقْتَضِيه أصولنا وَبِه أَقُول الْوَسِيلَة الثَّانِيَة تَمْيِيزُ النَّجِسِ مِنْ غَيْرِهِ وَالْعَالَمُ إِمَّا جَمَادٌ أَوْ نَبَاتٌ أَوْ حَيَوَانٌ وَفِي الْجَوَاهِرِ وَالْأَوَّلَانِ طَاهِرَانِ إِلَّا الْمُسْكِرَاتِ لِلْإِسْكَارِ لِأَنَّهَا مَطْلُوبَةُ الْإِبْعَادِ وَالْقَوْلُ بِتَنْجِيسِهَا يُفْضِي إِلَى إِبْعَادِهَا وَالْمُفْضِي إِلَى الْمَطْلُوبِ مَطْلُوبٌ وَالْحَيَوَانُ فِيهِ أَرْبَعَةُ فُصُولٍ الْأَوَّلُ فِي أَقْسَامِهِ وَالثَّانِي فِي أَجْزَائِهِ وَالثَّالِثُ فِيمَا يَنْفَصِلُ عَنْهُ وَالرَّابِعُ فِيمَا يُلَابِسُهُ الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي أقسامة وَهِي خَمْسَة الأول وَفِي الْجَوَاهِرِ الْحَيُّ كُلُّهُ طَاهِرٌ عَمَلًا بِالْأَصْلِ وَلِأَنَّ الْحَيَاةَ عِلَّةُ الطَّهَارَةِ عَمَلًا بِالدَّوَرَانِ فِي الْأَنْعَام فَإِنَّهَا حَال حَيَاتهَا حَيَّة ظَاهِرَة وَحَالَ مَوْتِهَا لَيْسَتْ حَيَّةً وَلَا طَاهِرَةً وَالدَّوَرَانُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ الْمَدَارُ الدَّائِرُ فَيَلْحَقُ بِهِ مَحَلُّ النِّزَاعِ كَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنْ قِيلَ الْأَنْعَامُ الْمُذَكَّاةُ طَاهِرَةٌ فَبَطَلَ الدَّوَرَانُ قُلْنَا عِلَلُ الشَّرْعِ تَخْلُفُ بَعْضَهَا وَالذَّكَاةَ عِلَّةٌ مُطَهِّرَةٌ إِجْمَاعًا الثَّانِي قَالَ الْمَيْتَةُ حَتْفَ أَنْفِهَا كُلُّهَا نَجِسَةٌ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْفَضَلَاتِ الْمُسْتَقْذَرَةِ إِلَّا مَيْتَةَ الْبَحْرِ لِقَوْلِهِ عليه السلام فِي الْمُوَطَّأِ
هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ
وَالْحِلُّ دَلِيلُ الطَّهَارَةِ الثَّالِثُ قَالَ مَيْتَةُ مَا لَيْسَتْ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ طَاهِرَةٌ لِعَدَمِ الدَّمِ مِنْهُ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ الِاسْتِقْذَارِ لِقَوْلِهِ عليه السلام فِي الْبُخَارِيِّ
إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ
وَلَوْ كَانَ يَنَجَسُ بِالْمَوْتِ مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ مَوْتُهُ لَكَانَ
عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ بِإِفْسَادِ الطَّعَامِ وَقَالَ أَشْهَبُ وَالشَّافِعِيّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَنَجَسُ لِأَنَّ الْمَوْتَ عِنْدَهُمَا عِلَّةُ التَّنْجِيسِ دُونَ احْتِقَانِ الدَّمِ لِقِلَّتِهِ وَوَافَقْنَاهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَنْعَامَ إِذَا قُطِعَتْ مِنْ أَوْسَاطِهَا وَخَرَجَتْ دِمَاؤُهَا أَنَّهَا نَجِسَتْ بِالْمَوْتِ مَعَ انْتِفَاءِ الدَّمِ فَإِذَا اسْتَدْلَلْنَا نَحْنُ بِالذَّكَاةِ احْتَجُّوا بِهَذِهِ الصُّورَةِ وجوابنا عَنْهُ أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُسَلِّطْنَا عَلَى الْحَيَوَانِ إِلَّا بِشَرْطِ انْتِفَاعِنَا بِهِ وَأَنْ نَسْلُكَ أَقْرَبَ الطُّرُقِ فِي ذَلِكَ وَأَقْرَبُ الطُّرُقِ هُوَ الذَّكَاةُ فِي الْمَوْضِعِ الْمَخْصُوصِ فَمَنْ عَدَلَ عَنْهُ لَمْ يُرَتِّبِ الشَّرْعُ عَلَى فِعْلِهِ أَثَرًا فَسَوَّى بَيْنِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَبَيْنَ الَّتِي احْتَقَنَتْ فِيهَا الْفَضَلَاتُ زَجْرًا لَهُ فَرْعَانِ الْأَوَّلُ لِلْمَازِرِيِّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ أَلْحَقَ ابْنُ الْقَصَّارِ الْبُرْغُوثَ بِمَا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ لِوُجُودِ الدَّمِ فِيهِ وَأَلْحَقَهُ سَحْنُونٌ بِمَا لَا نفس لَهُ وَألْحق أَبُو حنيفَة الْبَعُوضَ بِالْجَرَادِ مَعَ وُجُودِ الدَّمِ فِيهِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ النَّظَرُ إِلَى أَصَالَةِ الدَّمِ أَوْ طُرُوِّهِ الثَّانِي مِنَ الطَّرَّازِ إِذَا مَاتَ الْبُرْغُوثُ أَوِ الْقَمْلَةُ فِي الطَّعَامِ أَلْحَقَهُ ابْنُ الْقَصَّارِ بِمَا لَهُ نَفْسٌ وَخَالَفَهُ سَحْنُونٌ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا دَمٌ فَإِنْ كَانَ وَافَقَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ابْنَ الْقَصَّارِ فِي التَّنْجِيسِ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا يَقُولُونَ لَا يُؤْكَلُ طَعَامٌ مَاتَ فِيهِ أَحَدُهُمَا لِأَنَّ عَيْشَهُمَا مِنْ دَمِ الْحَيَوَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى بِنَجَاسَةِ الْقَمْلَةِ لِكَوْنِهَا مِنَ الْإِنْسَانِ تُخْلَقُ بِخِلَافِ الْبُرْغُوثِ فَإِنَّهُ مِنَ التُّرَابِ وَلِأَنَّهُ وَثَّابٌ فَيَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ كَشْفٌ لِلنَّفْسِ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ يُقَالُ لِذَاتِ الشَّيْءِ نَحْوَ جَاءَ زَيْدٌ نَفْسُهُ وَلِلرُّوحِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {الله يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا} وَلِلدَّمِ كَقَوْلِ ابْنِ دُرَيْدٍ
(خَيْرُ النُّفُوسِ السَّائِلَاتُ جَهْرَةً
…
عَلَى ظُبَاةِ الْمُرْهَفَاتِ وَالْقَنَا)
وَمِنْهُ سُمِّيَتِ النُّفَسَاءُ لِخُرُوجِ الدَّمِ مِنْهَا
فَقَوْلُ الْعُلَمَاءِ مَا لَيْسَتْ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ احْتِرَازٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَإِلَّا فَكُلُّ دَمٍ يَسِيلُ فَلَا مَعْنَى لِلتَّقْيِيدِ حِينَئِذٍ الرَّابِعُ الْآدَمِيُّ إِذَا مَاتَ طَاهِر عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِغُسْلِهِ وَإِكْرَامِهِ يَأْبَى تَنْجِيسَهُ إِذْ لَا مَعْنَى لِغُسْلِ الْمَيْتَةِ الَّتِي هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْعَذِرَةِ وَلِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى عَلَى سَهْلِ بْنِ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَوْ كَانَ نَجِسًا مَا فَعَلَ عليه السلام ذَلِكَ الْخَامِسُ الْكَلْبُ فِي الْجَوَاهِرِ أَطْلَقَ سَحْنُونٌ وَعَبْدُ الْمَلِكِ عَلَيْهِ التَّنْجِيسَ وَكَذَلِكَ الْخِنْزِيرُ إِمَّا لِنَجَاسَةِ عَيْنِهِمَا وَإِمَّا لِمُلَابَسَتِهِمَا النَّجَاسَةَ فَيُرْجَعُ إِلَى نَجَاسَةِ السُّؤْرِ وَقَدْ قَالَ عليه السلام فِي الْمُوَطَّأِ
إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا
وَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَتَخَرَّجُ فُرُوعُ الْمَذْهَبِ فَنَذْكُرُهَا فِي أَثْنَاءِ فقهه وَالْكَرم عَلَى أَلْفَاظِهِ فَنَقُولُ قَوْلُهُ إِذَا وَلَغَ هَلْ يخْتَص بِالْمَاءِ علا بِالْغَالِبِ أَوْ يَعُمُّ الْمَاءَ وَالطَّعَامَ لِحُصُولِ السَّبَبِ فِي الْجَمِيعِ قَوْلَانِ وَقَوْلُهُ الْكَلْبُ هَلْ يَخْتَصُّ بِالْمَنْهِيِّ عَنِ اتِّخَاذِهِ فَتَكُونَ اللَّامُ لِلْعَهْدِ أَوْ يَعُمُّ الْكِلَابَ لِعُمُومِ السَّبَبِ قَوْلَانِ وَإِذَا قُلْنَا بِالْعُمُومِ فَوَلَغَ فِي الْإِنَاءِ جَمَاعَةُ كِلَابٍ أَوْ كَلْبٌ مِرَارًا هَلْ تَتَدَاخَلُ مُسَبَّبَاتُ الْأَسْبَابِ كَالْأَحْدَاثِ أَوْ يُغْسَلُ لِكُلِّ كَلْبٍ سَبْعًا وَلِلْكَلْبِ كَذَلِكَ قَوْلَانِ وَقَوْلُهُ فَلْيَغْسِلْهُ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ أَوِ الْوُجُوبِ قَوْلَانِ إِمَّا لِأَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ لَكِن هَهُنَا قَرَائِنُ صَرَفَتْهُ عَنْهُ وَإِمَّا لِلْخِلَافِ فِي صِيغَةِ الْأَمْرِ وَهَلْ هَذَا الْأَمْرُ تَعَبُّدٌ لِتَقْيِيدِهِ بِالْعَدَدِ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ وَدَلَالَةِ الدَّلِيلِ عَلَى طَهَارَةِ الْحَيَوَانِ كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ هُوَ مُعَلَّلٌ بِدَفْعِ مَفْسَدَةِ الْكَلْبِ عَنْ بَنِي آدَمَ لِأَنَّ الْكَلْبَ فِي أول مُبَاشرَة
الْمَاءِ يَعْلَقُ لُعَابُهُ بِالْإِنَاءِ وَهُوَ سُمٌّ وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ أَمْرُهُ عليه السلام فِي بَعْضِ الطُّرُقِ بِاسْتِعْمَالِ التُّرَابِ لِزَوَالِ اللُّزُوجَةِ الْحَامِلَةِ لِلسُّمِّ وَأَمَّا عدد لسبع فمناسب بِخُصُوصِيَّةٍ لِدَفْعِ السُّمُومِ وَالْأَسْقَامِ قَالَ عليه السلام فِي مَرَضِهِ
أَهْرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لم تحلل أَو كيتهن
وَقَالَ عليه السلام
مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَة يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ وَلَا سِحْرٌ
وَلِذَلِكَ أَمَرَ بِالرُّقَى سَبْعًا فِي قَوْلِهِ
أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا نَجِدُ
وَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ سَلَامٌ مِنَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ هُوَ مُعَلَّلٌ بِنَجَاسَتِهِ لِقَوْلِهِ عليه السلام
طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعًا
وَالطَّهَارَةُ ظَاهِرَةٌ فِي النَّجَاسَةِ وَيَخْرُجُ عَلَى هَذَا هَلْ يُغْسَلُ بِالْمَاءِ الَّذِي فِي الْإِنَاءِ لِطَهَارَتِهِ أَوْ لَا يُغْسَلُ لِنَجَاسَتِهِ قَوْلَانِ وَهَلْ يُؤْكَلُ الطَّعَامُ أَوْ يُطْرَحُ قَوْلَانِ وَهَلْ يَمْتَنِعُ الْقِيَاسُ عَلَى الْكَلْبِ لِأَنَّه تَعَبُّدٌ أَوْ يَلْحَقُ بِهِ الْخِنْزِيرُ بِجَامِعِ الِاسْتِقْذَارِ قَوْلَانِ وَهَلْ هَذَا الْأَمْرُ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّه تَعَبُّدٌ وَالْعِبَادَاتُ لَا تُؤَخَّرُ أَوْ لَا يتعيين غسله إِلَّا عِنْد إِرَادَته اسْتِعْمَالَهُ بِنَاءً عَلَى نَجَاسَتِهِ قَوْلَانِ؟ وَاخْتَارَ عَبْدُ الْحَقِّ وَسَنَدٌ التَّأْخِيرَ فُرُوعٌ أَرْبَعَةٌ مِنَ الطَّرَّازِ الْأَوَّلُ الْأَمْرُ بِالْغَسْلِ مُخْتَصٌّ بِالْإِنَاءِ فَلَوْ وَلَغَ من حَوْض أَو نهر لَا يَتَعَدَّى الْحُكْمُ إِلَيْهِ لِأَنَّه تَعَبُّدٌ الثَّانِي الْحُكْمُ مُخْتَصٌّ بِوُلُوغِهِ فَلَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ أَوْ رجله فَلَا أثر لذَلِك خلافًا ش الثَّالِثُ إِذَا اسْتُعْمِلَ الْإِنَاءُ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ قَبْلَ غَسْلِهِ هَلْ يُعْتَدُّ بِهِ أَوْ يُغْسَلُ سَبْعًا بَعْدَ ذَلِكَ يَتَخَرَّجُ عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي غَسْلِهِ قَالَ الْبَاجِيُّ لَا
تُشْتَرَطُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُشْتَرَطَ قِيَاسًا عَلَى اشْتِرَاطِهَا فِي النَّضْحِ وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ فَإِنَّ الْغَسْلَ مِمَّا يُزِيلُ اللُّعَابَ وَالنَّضْحَ لَا يُزِيلُ شَيْئًا فَكَانَ تَعَبُّدًا بِخِلَافِ إِنَاءِ الْكَلْبِ الرَّابِعُ هَلْ يُشْتَرَطُ الدَّلْكُ قِيَاسًا عَلَى الْوُضُوءِ لِجَامِعِ التَّعَبُّدِ بِهِ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ وَيَكْفِي إِمْرَارُ الْمَاءِ عَلَيْهِ؟ لَيْسَ فِي ذَلِكَ نَصٌّ وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يُشْتَرَطَ لِأَنَّ غَسْلَهُ خَرَجَ عَنِ الْمُتَعَارَفِ وَإِمْرَارُ الْمَاءِ قَدْ يُسَمَّى غَسْلًا وَقَدْ قَدَّمْتُ الْمَشْهُورَ عَنْ مَالِكٍ رحمه الله فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ عَلَى الْعَادَةِ فِي الْكِتَابِ تَحْقِيقٌ قَالَ فِي الْكِتَابِ وَقَدْ كَانَ يُضَعِّفُهُ وَقَالَ قَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ وَمَا أَدْرِي مَا حَقِيقَتُهُ مِنَ التَّنْبِيهَاتِ قِيلَ يَضْعُفُ الْعَمَلُ بِهِ تَقْدِيمًا لِلْكِتَابِ وَالْقِيَاسِ عَلَيْهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ أَكْلَ مَا أَمْسَكَ الْكِلَابُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ غَسْلًا وَالْقِيَاسُ عَلَى سَائِرِ الْحَيَوَانِ وَقِيلَ يَضْعُفُ الْعَدَدُ وَقِيلَ إِيجَابُهُ لِلْغَسْلِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَمَا أَدْرِي مَا حَقِيقَتُهُ أَيْ مَا الْمُرَادُ بِهِ مِنَ الْحُكْمِ وَيُقَالُ وَلَغَ يَلَغُ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا مِنَ الطَّرَّازِ يُضَعِّفُ عِلَّةَ الْحُكْمِ حَتَّى يُقَاسَ عَلَيْهِ الْخِنْزِير الْفَصْل الثَّانِي فِي أَجزَاء الْحَيَوَان وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ لَحْمِهِ فِي الْجَوَاهِرِ وَالْعَظْمُ وَالْقَرْنُ وَالظِّلْفُ وَالسِّنُّ كَاللَّحْمِ لِحُلُولِ الْحَيَاةِ فِيهَا وَانْحِصَارِ فَضَلَاتِهَا فِيهَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَتَكُونُ نَجِسَةً وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ لَا تَنْجَسُ بِالْمَوْتِ لِقِلَّةِ فَضَلَاتِهَا بِخِلَافِ اللَّحْمِ وَهَلْ تَلْحَقُ أَطْرَافُ الْقُرُونِ وَالْأَظْلَافُ بِأُصُولِهَا أَوْ بِالشُّعُورِ لِعَدَمِ حُلُولِ الْحَيَاةِ فِيهَا قَوْلَانِ وَالْأَصْوَافُ وَالْأَوْبَارُ وَالشُّعُورُ طَاهِرَةٌ قَالَهُ فِي الْكتاب وَوَافَقَهُ أَبُو حنيفَة وَتردد قَول الشَّافِعِي
حُجَّتُنَا أَنَّهَا طَاهِرَةٌ قَبْلَ الْمَوْتِ فَتَكُونُ طَاهِرَةً بَعْدَهُ عَمَلًا بِالِاسْتِصْحَابِ وَاسْتَحْسَنَ فِي الْكِتَابِ غَسْلَهَا لِأَنَّ الْجِلْدَ قَدْ يَعْرَقُ بَعْدَ الْمَوْتِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ مَا نُتِفَ مِنْهَا فَهُوَ غَيْرُ طَاهِرٍ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَيْتَةِ وَفِي شَعْرِ الْخِنْزِيرِ خِلَافٌ فَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ كَشُعُورِ الْمَيْتَةِ وَمَذْهَبُ أَصْبَغَ أَنَّهُ كَالْمَيْتَةِ وَنَابُ الْفِيلِ نَجِسٌ لِتَعَذُّرِ ذَكَاةِ الْفِيلِ غَالِبًا فَيَكُونُ كَعِظَامِ الْمَيْتَةِ وَقِيلَ طَاهِرٌ لِشَبَهِهِ بِالْقَرْنِ وَالْأَظْلَافِ وَقَالَ مُطَرِّفٌ إِنْ صُلِقَ فَهُوَ طَاهِرٌ كَالْمَدْبُوغِ مِنَ الْجُلُودِ الْمَيِّتَةِ وَإِلَّا فَلَا وَشَعْرُ الرِّيشِ كَالصُّوفِ وَعَظْمُهُ إِنْ حَلَّ فِيهِ الدَّمُ كَالْعَظْمِ وَإِنْ لَمْ يَحُلَّ فِيهِ الدَّمُ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي طَرَفِ الْقَرْنِ وَالظِّلْفِ وَالْجِلْدُ بِخِلَافِ اللَّحْمِ فِي تَطْهِيرِ الذَّكَاةِ لَهُ فِي السِّبَاعِ إِمَّا بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ وَإِمَّا لِأَنَّ الدِّبَاغَ يَعْمَلُ فِي جِلْدِ الْمَيْتَةِ دُونَ لَحْمِهَا فَكَانَ أَخَفَّ وَكُلُّ شَيْءٍ أُبِينَ عَنْ حَيٍّ مِمَّا تُحِلُّهُ الْحَيَاةُ فَهُوَ مَيِّتٌ لِأَنَّه عليه السلام قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يحتذون أَسْنِمَةَ الْإِبِلِ وَأَلْيَاتِ الْغَنَمِ فَقَالَ مَا أُبِينَ عَنِ الْحَيِّ فَهُوَ مَيِّتٌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي الْمُنْفَصِلِ عَنِ الْحَيَوَانِ وَفِي الْجَوَاهِرِ مَا لَيْسَ لَهُ مَقَرٌّ كَالدَّمْعِ وَالْعَرَقِ فَطَاهِرٌ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ عليه السلام اسْتَقْبَلَهُمْ عَلَى فَرَسٍ عَرِيٍّ وَفِي الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَتَوَضَّأُ بِمَا أَفْضَلَتِ الْحُمُرُ؟ قَالَ عليه السلام نَعَمْ وَبِمَا أَفْضَلَتِ السِّبَاعُ وَلِأَنَّ الْحَيَاةَ عِلَّةُ الطَّهَارَةِ فَتَكُونُ أَجْزَاءُ الْحَيِّ طَاهِرَةً إِلَّا مَا أَخْرَجَهُ الدَّلِيلُ وَالْمِسْكُ وَفَأْرَتُهُ طَاهِرَانِ لِأَنَّه عليه السلام كَانَ يَتَطَيَّبُ بِهِ
وَالدَّمُ الْمَسْفُوحُ نَجِسٌ إِجْمَاعًا وَغَيْرُ الْمَسْفُوحِ طَاهِرٌ على الْأَصَح بقوله تَعَالَى {أَو دَمًا مسفوحا} فَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَا لَيْسَ بِمَسْفُوحٍ مُبَاحُ الْأَكْلِ فَيَكُونُ طَاهِرًا وَالْأَعْيَانُ النَّجِسَةُ كَالْبَوْلِ وَالدَّمِ وَنَحْوِهِمَا لَا يُقْضَى عَلَيْهَا بِنَجَاسَةٍ فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ لِصِحَّةِ صَلَاةِ حَامِلِ الْحَيَوَانِ الْحَيِّ كَمَا وَرَدَتِ السُّنَّةُ صَلَّى بِصَبِيٍّ وَلَوْ حَمَلَ الْإِنْسَانُ عُصْفُورًا وَصَلَّى بِهِ لَمْ أَعْلَمْ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ خِلَافًا وَالدِّمَاءُ كُلُّهَا سَوَاءٌ حَتَّى دَمُ الْحِيتَانِ طَرْدًا لِلْعِلَّةِ وَخَصَّصَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ ذَكَاتَهُ وَلِمَالِكٍ فِي دَمِ الذُّبَابِ وَالْقُرَادِ قَوْلَانِ كَمَا سَبَقَ وَعَفَا مَالِكٌ رحمه الله مَرَّةً عَنْ يَسِيرِ الْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ كَيَسِيرِ الدَّمِ وَأَلْحَقَهُ مَرَّةً بِالْبَوْلِ لِمَزِيدِ اسْتِقْذَارِهِ عَلَى الدَّمِ وَفِي الطَّرَّازِ الْقَيْءُ وَالْقَلْسُ طَاهِرَانِ إِنْ خَرَجَا عَلَى هَيْئَةِ طَعَامٍ وَالْمَعِدَةُ عِنْدَنَا طَاهِرَةٌ لِعِلَّةِ الْحَيَاةِ وَالْبَلْغَمُ وَالصَّفْرَاءُ وَمَرَائِرُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَالدَّمُ وَالسَّوْدَاءُ نَجِسَانِ فَإِذَا خَالَطَ الْقَيْءُ أَوِ الْقَلْسُ أَحَدَهُمَا أَوْ عَذِرَةً تَنْقَلِبُ إِلَى جِهَةِ الْمَعِدَةِ تَنَجَّسَ وَالْبَوْلُ وَالْعَذِرَةُ نَجِسَانِ مِنْ بَنِي آدَمَ وَقِيلَ إِلَّا مِمَّنْ لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ أُمَّ قَيْسٍ أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ إِلَيْهِ عليه السلام فَأَجْلَسَهُ فِي حِجْرِهِ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ فَدَعَا عليه السلام بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ وَقِيلَ ذَلِكَ فِي الذَّكَرِ دُونَ الْأُنْثَى لِأَنَّه تَمِيلُ النُّفُوسُ إِلَيْهِ فَيُحْمَلُ بِخِلَافِهَا وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ غِذَاءَ الْجَنِينِ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ وَهُوَ نَجِسٌ إِجْمَاعًا وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَالنَّضْحُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى إِتْبَاعِهِ بِالْمَاءِ وَهُوَ طَرِيٌّ فَذَهَبَتْ أَجْزَاءُ الْمَاءِ بِأَجْزَاءِ النَّجَاسَةِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ التَّطْهِيرِ مِنَ التَّبْصِرَةِ وَلَا خِلَافَ فِي نَجَاسَةِ ثُفْلِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَأْكُلَا فِي الْجَوَاهِرِ وَهُمَا طَاهِرَانِ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ مُبَاحِ الْأَكْلِ مَكْرُوهَانِ من
الْمَكْرُوهِ نَجِسَانِ مِنَ الْمُحَرَّمِ لِمَا فِي مُسْلِمٍ
قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَوْمٌ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَنَةَ فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَ لَهُمْ عليه السلام بِلِقَاحٍ وَأَمَرَهُمْ أَن يشْربُوا من أبوالهم وَأَلْبَانِهَا
الْحَدِيثَ مَعَ قَوْلِهِ عليه السلام
إِنِ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا
وَالْمُرَادُ بِالْجَعْلِ الْمَشْرُوعِيَّةُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى طَهَارَتِهَا وَإِلَّا لَمَا أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ وَلِأَنَّ غِذَاءَ الْمُبَاحِ طَاهِرٌ وَأَمْعَاءَهُ طَاهِرَةٌ وَإِلَّا لَمَا كَانَتْ مُبَاحَةً وَتَغَيُّرُ الطَّاهِرِ فِي الطَّاهِرِ لَا يُنَجِّسُهُ كَالْمُتَغَيِّرِ فِي الْآنِيَةِ وَأَمَّا الْمُحَرَّمُ فَتَخْتَلِطُ رُطُوبَاتُ الْأَمْعَاءِ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ نَجِسَةٌ فَيُنَجَّسُ الطَّعَامُ وَقد ظهر بذلك الْمَكْرُوه وَقيل هما نَجِسَانِ مِنَ الْجَمِيعِ طَرْدًا لِعِلَّةِ الِاسْتِقْذَارِ وَفَرَّقَ لِلْمَشْهُورِ بِأَنَّ الِاسْتِقْذَارَ فِي الْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ أَتَمُّ مِنْهُ فِي مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَالْقَاصِرُ عَنْ مَحَلِّ الْإِجْمَاعِ لَا يَلْحَقُ بِهِ فَلَا يُنَجِّسُ أَرْوَاثَ الْمَأْكُولِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَالْمَذْيُ وَكُلُّ رُطُوبَةٍ أَوْ بَلَلٍ يَخْرُجُ مِنَ السَّبِيلَيْنِ فَهُوَ نَجِسٌ وَمِنْهُ الْمَنِيُّ خِلَافًا ش إِمَّا لِأَنَّ أَصْلَهُ دَمٌ أَوْ لِمُرُورِهِ فِي مَجْرَى الْبَوْلِ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ طَهَارَةُ مَنِيِّ مَا بَوْلُهُ طَاهِرٌ مِنَ الْحَيَوَانِ وَقَدْ وَرَدَ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ الْفَضَلَاتِ فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ لَا يُقْضَى عَلَيْهَا بِالنَّجَاسَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَيْسَ أَصْلُهُ نَجِسًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ عِلَّةُ التَّنْجِيسِ الِاسْتِقْذَارُ بِشَرْطِ الِانْفِصَالِ وَقَدْ حَصَلَتِ الْعِلَّةُ بِشَرْطِهَا فَيَتَعَيَّنُ التَّنْجِيسُ لِأَنَّا نَتَكَلَّمُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ وَيُحَقِّقُ ذَلِكَ مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَغْسِلُ الْمَنِيَّ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى أَثَرِ الْغَسْلِ فِيهِ وَمِنْهُ أَنَّ رَجُلًا نَزَلَ ضَيْفًا بِعَائِشَةَ رضي الله عنها فَأَصْبَحَ يَغْسِلُ ثَوْبَهُ فَقَالَتْ لَهُ إِنَّمَا كَانَ
يَجْزِيكَ إِنْ رَأَيْتَهُ أَنْ تَغْسِلَ مَكَانَهُ وَإِنْ لَمْ تَرَ نَضَحْتَ حَوْلَهُ لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِهِ عليه السلام فَرْكًا فَيُصَلِّي وَالْأَلْبَانُ طَاهِرَةٌ مِنْ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَكَذَلِكَ لَبَنُ بَنَاتِ آدَمَ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُنَّ لِحُرْمَتِهِنَّ وَلِأَنَّ الرَّضَاعَ جَائِزٌ وَبعد انْقِضَاءِ زَمَنِ الضَّرُورَةِ إِلَيْهِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُبَاحًا لَمُنِعَ وَلَبَنُ الْخِنْزِيرِ نَجِسٌ وَمَا عَدَا ذَلِك فمختلف فِيهِ فَقيل طَاهِر قياسيا عَلَى لَبَنِ بَنَاتِ آدَمَ وَلِبُعْدِ الِاسْتِحَالَةِ وَضَعْفِ الِاسْتِقْذَارِ وَقِيلَ تَابِعَةٌ لِلُّحُومِ لِأَنَّهَا فَضَلَاتُهَا وَقِيلَ مَكْرُوهَةٌ مِنَ الْمُحَرَّمِ الْأَكْلِ وَالْبَيْضُ طَاهِرٌ مُطْلَقًا لِأَنَّه مِنَ الطَّيْرِ وَهُوَ طَاهِرٌ الرَّابِعُ فِيمَا يُلَابِسُهُ وَفِيهِ فُرُوعٌ ثَمَانِيَةٌ الْأَوَّلُ فِي الْجَوَاهِرِ مَا غِذَاؤُهُ النَّجَاسَةُ أَوْ غَالِبُ غِذَائِهِ فَرَوْثُهُ نَجِسٌ لِكَوْنِ الْمُنْفَصِلِ أَجْزَاءَ الْمُتَنَاوَلِ وَقِيلَ طَاهِرٌ لِبُعْدِ الِاسْتِحَالَةِ الثَّانِي قَالَ الْأَعْرَاقُ طَاهِرَةٌ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا يَتَنَاوَلُ النَّجَاسَةَ وَكَذَلِكَ الْبَيْضُ وَاللَّبَنُ لِبُعْدِ الِاسْتِحَالَةِ وَقِيلَ نَجِسَةٌ نَظَرًا لِلتَّوَلُّدِ الثَّالِثُ قَالَ رَمَادُ الْمَيْتَةِ وَالْمُتَحَجِّرُ فِي أَوَانِي الْخَمْرِ نَجِسٌ لِأَنَّه جُزْءُ النَّجَاسَةِ وَقِيلَ طَاهِرٌ لِلِاسْتِحَالَةِ الرَّابِعُ قَالَ الْحَيَوَانُ الَّذِي شَأْنُهُ أَكْلُ النَّجَاسَةِ الْمُلَازِمُ لَنَا كَالْهِرِّ وَالْفَأْرَةِ يُقْضَى بِطَهَارَتِهِ حَتَّى تَتَعَيَّنَ نَجَاسَتُهُ وَغَيْرُ الْمُلَازِمِ كَالطَّيْرِ إِنْ تَعَيَّنَتْ نَجَاسَتُهُ قُضِيَ بِهَا فَإِنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ فَمَكْرُوهٌ فِي الْمَاءِ لِيَسَارَتِهِ وَيُؤْكَلُ الطَّعَامُ لِحُرْمَتِهِ وَقِيلَ يَنْجَسُ عَمَلًا بِالْغَالِبِ وَقِيلَ طَاهِرٌ عَمَلًا بِالْأَصْلِ الْخَامِسُ مُرَتَّبٌ عَلَى الرَّابِعِ مِنَ التَّبْصِرَةِ إِنْ تَوَضَّأَ بِهَذَا الْمَاءِ وَصَلَّى قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَمَرَهُ بِالتَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِهِ لِنَجَاسَتِهِ
السَّادِسُ فِي الْجَوَاهِرِ سُؤْرُ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَشَارِبِي الْخَمْرِ كَسُؤْرِ الْجَلَّالَةِ وَلَا يُصَلَّى بِثِيَابِهِمْ حَتَّى تُغْسَلَ وَثَوْبُ غَيْرِ الْمُصَلِّي كَذَلِكَ إِلَّا مَا كَانَ عَلَى رَأْسِهِ وَيُصَلِّي فِي ثِيَابِ الْمُصَلِّينَ إِلَّا فِي الْوَسَطِ الَّذِي يُقَابِلُ الْفَرْجَ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ لِقِلَّةِ مَعْرِفَةِ الِاسْتِبْرَاءِ فِي النَّاسِ مِنْ غَيْرِ الْعُلَمَاءِ السَّابِعُ مِنَ التَّبْصِرَةِ إِذَا طُبِخَ اللَّحْمُ بِمَاءٍ نَجِسٍ قَالَ مَالِكٌ يُغْسَلُ وَيُؤْكَلُ وَقَالَ أَيْضًا لَا يُؤْكَلُ وَهُوَ أَحْسَنُ لقبُول أَجزَاء اللَّحْم النَّجَاسَة وَكَذَلِكَ الزَّيْتُونِ يُطْرَحُ فِي مَاءٍ نَجِسٍ وَالْبَيْضُ يُطْبَخُ فِيهِ أَوْ يُوجَدُ بَعْضُهُ فَاسِدًا نَجِسًا وَقَدْ طُبِخَ مَعَ غَيْرِهِ قَوْلَانِ الثَّامِنُ مِنْهَا أَيْضًا أَجْرَى مَالِكٌ رحمه الله الْمَاءَ النَّجِسَ مُجْرَى الْمَيْتَةِ لَا يُسْقَى لِبَهِيمَةٍ وَلَا نَبَاتٍ وَقَالَ أَيْضًا يَجُوزُ وَقَالَ ابْنُ مُصْعَبٍ لَا يُسْقَى مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ بِخِلَافِ الزَّرْعِ وَالنَّخْلِ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا يُؤْكَلُ الْحَيَوَانُ أَوِ النَّبَاتُ الَّذِي شَرِبَهُ حَتَّى تَطُولَ مُدَّتُهُ وَتَتَغَيَّرَ أَعْرَاضُهُ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا بَأْسَ أَنْ يَعْلِفَ النَّحْلُ الْعَسَلَ النَّجِسَ وَفِي التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ عليه السلام
نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا
قَاعِدَةٌ تُبَيِّنَ مَا تَقَدَّمَ وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا حَكَمَ بِالنَّجَاسَةِ فِي أَجْسَامٍ مَخْصُوصَةٍ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ مَوْصُوفَةً بِأَعْرَاضٍ مَخْصُوصَةٍ مُسْتَقْذَرَةٍ وَإِلَّا فَالْأَجْسَامُ كُلُّهَا مُتَمَاثِلَةٌ وَاخْتِلَافُهَا إِنَّمَا وَقَعَ بِالْأَعْرَاضِ فَإِذَا ذَهَبَتْ تِلْكَ الْأَعْرَاضُ ذَهَابًا كُلِّيًّا ارْتَفَعَ الْحُكْمُ بِالنَّجَاسَةِ إِجْمَاعًا كَالدَّمِ يَصِيرُ مَنِيًّا ثُمَّ آدَمِيًّا وَإِنِ انْتَقَلَتْ تِلْكَ الْأَعْرَاضُ إِلَى مَا هُوَ أَشَدُّ اسْتِقْذَارًا مِنْهَا ثَبَتَ الْحُكْمُ فِيهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى كَالدَّمِ يَصِيرُ قَيْحًا أَوْ دَمَ حَيْضٍ أَوْ مَيْتَةً وَإِنِ انْتَقَلَتْ إِلَى أَعْرَاضٍ أَخَفَّ مِنْهَا فِي الِاسْتِقْذَارِ فَهَلْ يُقَالُ هَذِهِ الصُّورَةُ قَاصِرَةٌ عَنْ مَحَلِّ الْإِجْمَاعِ فِي الْعِلَّةِ فَيَقْصُرُ عَنْهَا فِي الْحُكْمِ أَوْ يُلَاحَظُ أَصْلُ الْعِلَّةِ لَا كَمَالُهَا فَيُسَوَّى بِمَحَلِّ الْإِجْمَاعِ؟ هَذَا مَوْضِعُ النَّظَرِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي جُمْلَةِ هَذِهِ الْفُرُوع
الْمُتَقَدِّمَةِ وَلِذَلِكَ فَرَّقَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بَيْنَ اسْتِحَالَةِ الْخَمْرِ إِلَى الْخَلِّ قَضَوْا فِيهِ بِالطَّهَارَةِ وَبَيْنَ اسْتِحَالَةِ الْعِظَامِ النَّجِسَةِ إِلَى الرَّمَادِ لِمَا فِيهِ مِنْ بَقِيَّةِ الِاسْتِقْذَارِ وَعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَظْهَرُ بُطْلَانُ قَوْلِ الْقَائِلِ إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ مِنْ بَابِ الرُّخَصِ مُحْتَجًّا بِأَنَّ سَبَبَ تَنْجِيسِ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ مُلَاقَاتُهُ لِلنَّجَاسَةِ فَمَا مِنْ مَاءٍ يَصِلُ إِلَى الْمَحَلِّ إِلَّا وَيَتَنَجَّسُ وَالثَّانِي يَتَنَجَّسُ بِالْأَوَّلِ وَهَلُمَّ جَرًّا حَتَّى لَوْ فُرِضَ صَبُّ الْمَاءِ مِنْ أَعْلَى جَبَلٍ بِإِبْرِيقٍ نَجُسَ مَا فِي الْإِبْرِيقِ فَوْقَ الْجَبَلِ بِالنَّجَاسَةِ الْكَائِنَةِ أَسْفَلَهُ بِسَبَبِ مُلَاقَاةِ كُلِّ جُزْءٍ لِجُزْءٍ تَنَجَّسَ قَبْلَهُ بِأَنْ تُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْأَعْرَاضَ الْمَخْصُوصَةَ الْمُسْتَقْذَرَةَ الَّتِي حَكَمَ الشَّرْعُ لِأَجْلِهَا بِالنَّجَاسَةِ مَنْفِيَّةٌ بِالضَّرُورَةِ فِيمَا بَعُدَ عَنِ النَّجَاسَةِ فَلَا يَكُونُ نَجِسًا الْوَسِيلَةُ الرَّابِعَةُ إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ وَالْكَلَامُ فِي حَقِيقَتِهَا وَحُكْمِهَا وَالْمُسْتَثْنَيَاتُ مِنْ أَجْنَاسِهَا فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي حَقِيقَتِهَا وَيَتَعَلَّقُ الْغَرَضُ بِنَفْسِ الْفِعْلِ وَبِمَاذَا يَكُونُ وَفِي أَيِّ مَحَلٍّ يَكُونُ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ نَفْسُ الْفِعْلِ وَفِي الْجَوَاهِرِ وَلَا بُدَّ مِنْ إِذْهَابِ عَيْنِهَا وَأَثَرِهَا فَإِنْ بَقِيَ الطَّعْمُ فَهِيَ بَاقِيَةٌ وَأَمَّا اللَّوْنُ وَالرِّيحُ فَإِنْ كَانَ زَوَالُهُمَا مُتَيَسَّرًا أُزِيلَا وَإِلَّا تُرِكَا كَمَا يُعْفَى عَنِ الرَّائِحَةِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ إِذَا عَسِرَ زَوَالُهَا مِنَ الْيَدِ أَوِ الْمَحَلِّ فُرُوعٌ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ فِي الْجَوَاهِرِ إِذَا انْفَصَلَتِ الْغُسَالَةُ عَنِ الْمَحَلِّ مُتَغَيِّرَةً فَهُمَا نَجِسَانِ وَإِلَّا فَطَاهِرَانِ
الثَّانِي لَا يَضُرُّ بَقَاءُ بَعْضِ الْغُسَالَةِ فِي الْمَحَلِّ إِذَا كَانَتْ مُتَغَيِّرَةً وَلَا يُشْتَرَطُ الْعَصْرُ الثَّالِثُ قَالَ إِذَا لَمْ يُتَيَقَّنْ مَحَلُّ النَّجَاسَةِ غُسِلَ الثَّوْبُ أَوِ الْجَسَدُ كُلُّهُ لِتَحْصِيلِ يَقِينِ الطَّهَارَةِ الرَّابِعُ قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي إِزَالَتِهَا وَقِيلَ تُشْتَرَطُ قَاعِدَةٌ التَّكَالِيفُ عَلَى قِسْمَيْنِ أَوَامِرُ وَنَوَاهٍ فَالنَّوَاهِي بِجُمْلَتِهَا يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ مِنْ عُهْدَتِهَا وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا وَلَا شَعَرَ بِهَا نَحْوَ خُرُوجِنَا عَنْ عُهْدَةِ شُرْبِ كُلِّ خَمْرٍ لَمْ نَعْلَمْهُ وَقَتْلِ كُلِّ إِنْسَانٍ لَمْ نَعْرِفْهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْأَوَامِرُ عَلَى قِسْمَيْنِ مِنْهَا مَا تَكُونُ صُورَةُ فِعْلِهِ كَافِيَةً فِي تَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ بِغَيْرِ نِيَّةٍ كَرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَأَدَاءِ الدُّيُونِ وَالْوَدَائِعِ وَنَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ وَالرَّقِيقِ وَالْبَهَائِمِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ خرج عَن عهدتها لِأَن الْمصَالح المفصودة مِنْهَا الِانْتِفَاعُ بِتِلْكَ الْأَعْيَانِ وَقَدْ حَصَلَتْ فَلَا يَضُرُّ فَقْدُ النِّيَّةِ وَمِنْهَا مَا لَا تَكُونُ صُورَةُ فِعْلِهِ كَافِيَةً فِي تَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَالصِّيَامِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا تَعْظِيمُ الرَّبِّ تَعَالَى وَإِجْلَالُهُ وَالْخُضُوعُ لَهُ بِهَا وَذَلِكَ إِنَّمَا يَحْصُلُ إِذَا قَصَدَ اللَّهَ سبحانه وتعالى بِهَا كَمَنْ عَظَّمَ إِنْسَانًا بِصُنْعِ طَعَامٍ لَهُ فَأَكَلَهُ غَيْرُ مَنْ قَصَدَهُ فَإِنَّ التَّعْظِيمَ لِلْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي فَمَنْشَأُ الْخِلَافِ فِي إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ هَلِ اللَّهُ سبحانه وتعالى حَرَّمَ عَلَى عِبَادِهِ الْمُثُولَ بَيْنَ يَدَيْهِ مُلَابِسِينَ لِلنَّجَاسَاتِ فَتَكُونُ مِنْ بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ فَيُسْتَغْنَى عَنِ النِّيَّةِ أَوْ أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَطَهَّرُوا مِنَ الْخَبَثِ كَمَا يَتَطَهَّرُونَ مِنَ الْحَدَثِ فَتَكُونُ مِنْ بَابِ الْمَأْمُورَاتِ الَّتِي لَا تَكْفِي صُورَتُهَا فِي تَحْصِيلِ مَصْلَحَتِهَا فَتَحْتَاجُ إِلَى النِّيَّة؟
تَتِمَّةٌ فِي الْجَوَاهِرِ إِذَا شَكَّ فِي إِصَابَةِ النَّجَاسَةِ الْمَحَلَّ نَضَحَهُ لِمَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ عليه السلام أُتِيَ بِحَصِيرٍ قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طول مَا قد لبث فنضحه صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى عَلَيْهِ فَإِنْ تَحَقَّقَ الْإِصَابَةَ وَشَكَّ فِي النَّجَاسَةِ فَقَوْلَانِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاسْتِقْذَارَ سَبَبٌ وَالْإِصَابَةَ شَرْطٌ وَتَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِسَبَبِهِ أَقْوَى مَنْ تَعَلُّقِهِ بِشَرْطِهِ لِأَنَّه يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ السَّبَبِ وُجُودُ الْحُكْمِ بِخِلَافِ الشَّرْطِ فَإِنْ شَكَّ فِيهِمَا فَلَا يَنْضَحُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا ثُمَّ هَلْ يَفْتَقِرُ النَّضْحُ إِلَى نِيَّةٍ لِكَوْنِهِ تَعَبُّدًا لِنَشْرِهِ النَّجَاسَةَ مِنْ غَيْرِ إِزَالَةٍ فَأَشْبَهَ الْعِبَادَاتِ أَوْ لَا يَفْتَقِرُ لِكَوْنِهَا طَهَارَةَ نَجَاسَةٍ؟ وَالنَّضْحُ عَامٌّ لِمَا شكّ فِيهِ الْجَسَد فَيتَعَيَّن غسله لقَوْل عليه السلام
إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ مِنْهُ
فَأَمَرَهُ بِالْغَسْلِ لِلشَّكِّ وَقِيلَ يَنْضَحُ طَرْدًا لِلْعِلَّةِ وَالْقَوْلَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّه أَمَرَ بِغَسْلِ الْأُنْثَيَيْنِ إِنْ خَشِيَ أَنْ يُصِيبَهُمَا مَذْيٌ وَهَذَا يَقْتَضِي اسْتِثْنَاءَ الْجَسَدِ مِنْ قَاعِدَةِ النَّضْحِ وَقَالَ أَيْضًا فِيهَا النَّضْحُ طَهُورٌ لِمَا شُكَّ فِيهِ وَهَذَا عَامٌّ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطَّرَّازِ وَصَاحِبِ النُّكَتِ وَالْقَاضِي فِي التَّنْبِيهَاتِ نَقْلُهُ عَنِ الْعِرَاقِيِّينَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ فَإِنَّهُ لَمَّا نَصَّ عَلَى خُصُوصِ الْجَسَدِ أَمَرَ بِالْغَسْلِ وَحَيْثُ عَمَّمَ أَدْرَجَهُ مَعَ غَيْرِهِ فَيُحْتَمَلُ التَّخْصِيصُ وَحَكَى ابْنُ شَعْبَانَ وَجَمَاعَةٌ الْقَوْلَ الثَّانِيَ وَقَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ قَوْلِ الْمَغَارِبَةِ وَالْعِرَاقِيِّينَ وَظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ فَرْعٌ فِي الْجَوَاهِرِ مُرَتَّبٌ عَلَى مَنْ أُمِرَ بِالنَّضْحِ فَصَلَّى بِلَا نَضْحٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وسَحْنُونٌ يُعِيدُ الصَّلَاةَ لِتَرْكِهِ فَرْضًا وَقَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ وَعَبْدُ الْمَلِكِ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ بِأَنَّ النَّضْحَ مُسْتَحَبٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي
ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ النَّضْحُ وَاجِبٌ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ مُزِيلًا لِمُسْتَقْذَرٍ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِي الصَّلَاةِ بِخِلَافِ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُعِيدُ أَبَدًا فِي الْعَمْدِ وَالْجَهْلِ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ خُفِّفَ فِيمَنِ احْتَلَمَ فِي ثَوْبِهِ فَلَمْ يَنْضَحْ مَا لَمْ يَرَهُ لِخِفَّةِ ذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الْأَصْحَابِ بِالْإِعَادَةِ مِنَ النِّسْيَانِ نَظَائِرُ خَمْسَةٌ الْأَصْلُ أَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَسْقُطُ مَعَ النِّسْيَانِ وَأَسْقَطَهُ مَالِكٌ رحمه الله فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ فِي النَّضْحِ وَغَسْلِ النَّجَاسَةِ وَالْمُوَالَاةِ فِي الْوُضُوءِ وَالتَّرْتِيبِ فِي الْمَنْسِيَّاتِ وَالتَّسْمِيَةِ فِي الذَّكَاةِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ فِي هَذِهِ الْخَمْسَةِ لِضَعْفِ مَدْرَكِ الْوُجُوبِ بِسَبَبِ تَعَارُضِ الْمَآخِذِ فَقَوِيَ الْإِسْقَاطُ بِعُذْرِ النِّسْيَانِ الْقِسْمُ الثَّانِي بِمَاذَا يَكُونُ التَّطْهِيرُ وَهُوَ إِمَّا إِحَالَةٌ كَالْخَمْرِ يَصِيرُ خَلًّا أَوْ إِزَالَةٌ كَالْغَسْلِ بِالْمَاءِ أَوْ بِهِمَا كَالدِّبَاغِ فُرُوعٌ الْأَوَّلُ فِي الْجَوَاهِرِ لَا يَجُوزُ التَّطْهِيرُ بِغَيْرِ الْمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} وَالطَّهُورُ هُوَ الَّذِي يُتَطَهَّرُ بِهِ كَمَا سَلَفَ أَوَّلَ الْكِتَابِ فَيَكُونُ ذَلِكَ نَصًّا عَلَى سَبَبِيَّتِهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ سَبَبِيَّةِ غَيْرِهِ فَإِنْ قَاسَ الْحَنَفِيَّةُ غَيْرَهَ عَلَيْهِ بِجَامِعِ الْمَائِعِيَّةِ مَنَعْنَا صِحَّةَ الْقِيَاسِ فِي الْأَسْبَابِ وَإِذَا سَلِمَتْ صِحَّتُهُ فَرَّقْنَا بِالْيُسْرِ وَالرِّقَّةِ وَاللَّطَافَةِ فَإِنْ قَالُوا الْخَلُّ وَمَاءُ اللَّيْمُونِ أَلْطَفُ مِنْهُ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ بِدَلِيلِ أَنَّ الْخُبْزَ لَا يُفَرِّقُ أَجْزَاءَهُ الْخَلُّ وَلَا اللَّيْمُونُ بِخِلَافِهِ وَأَنَّ اللَّيْمُونَ إِذَا وُضِعَ فِي مَوَاضِعِ الْعَرَقِ سَدَّهَا لِلُزُوجَتِهِ وَمَنَعَهَا مِنَ الْخُرُوجِ بِخِلَافِ الْمَاءِ وَإِمَّا إِزَالَتُهُ لِأَلْوَانِ الْمَطْبُوعِ فَذَلِكَ لِإِحَالَتِهِ اللَّوْنَ لَا لِلَطَافَتِهِ الثَّانِي إِذَا مَسَحَ السَّيْفَ أَوِ الْمُدْيَةَ الصَّقِلَيْنِ أَجْزَأَ عَنِ الْغَسْلِ لِمَا فِي الْغَسْلِ مِنْ إِفْسَادِهِمَا وَقِيلَ لِأَنَّه لَمْ يَبْقَ مِنَ النَّجَاسَةِ شَيْءٌ وَلَوْ مَسَحَ الْبَدَنَ مَسْحًا بَلِيغًا حَتَّى تَذْهَبَ النَّجَاسَةُ فِي الْحِسِّ لَمْ يَطْهُرْ لِبَقَاءِ بَعْضِ أَجْزَائِهَا غَالِبًا وَقِيلَ يطهر
الثَّالِثُ قَالَ فِي الْكِتَابِ يَغْسِلُ مَوَاضِعَ الْمَحَاجِمِ فَإِنْ مَسَحَ أَعَادَ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ لِيَسَارَةِ دَمِ الْمَحَلِّ الرَّابِعُ إِذَا مَسَحَ الدَّمَ مِنْ فَمِهِ بِالرِّيقِ حَتَّى ذَهَبَ فَفِي افْتِقَارِهِ لِلْغَسْلِ قَوْلَانِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ والصَّحِيحُ تَطْهِيرُهُ بِالْمَاءِ إِنْ كَانَ كَثِيرًا وَإِلَّا عُفِيَ عَنْهُ وَلَا يُطَهِّرُ الرِّيقُ شَيْئًا الْقِسْمُ الثَّالِثُ فِي أَيِّ مَحَلٍّ يَكُونُ التَّطْهِيرُ وَالْأَعْيَانُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مِنْهَا مَا لَا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ كَلَحْمِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ وَمِنْهَا مَا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ كَالْجَسَدِ وَالثَّوْبِ وَمِنْهَا مَا اخْتُلِفَ فِيهِ وَفِيهِ صُوَرٌ ثَلَاثٌ وَالثَّوْبُ وَمِنْهَا اخْتُلِفَ فِيهِ وَفِيهِ صُوَرٌ ثَلَاثٌ الْأُولَى جِلْدُ الْمَيْتَةِ هَلْ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ؟ وَقَدْ تَقَدَّمَ الثَّانِيَةُ تَطْهِيرُ الْخَمْرِ بِوَضْعِ الْمِلْحِ فِيهَا وَنَحْوِهِ حَتَّى تَصِيرَ خَلًّا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ يَجُوزُ عَلَى كَرَاهِيَةٍ أَوْ يُمْنَعُ وَالْقَوْلَانِ لِمَالِكٍ رحمه الله وَلِسَحْنُونٍ إِنِ اقْتَنَاهَا امْتَنَعَ وَإِنْ عَمِلَ عَصِيرًا فَصَارَ خَلًّا جَازَ الثَّالِثَةُ الزَّيْتُ النَّجِسُ وَفِي الْجَوَاهِرِ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ طَهَارَتَهُ بِالْغَسْلِ وَقِيلَ لَا يُطَهَّرُ لِأَن لزوجة الزَّيْت تمنع إِخْرَاج المَاء لنجاسة أَمَّا إِذَا كَانَتِ النَّجَاسَةُ لَا تَخْرُجُ مَعَ الْمَاءِ كَمَيْتَةٍ أَوْ شَحْمِ خِنْزِيرٍ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تُطَهَّرُ وَصُورَةُ الْغَسْلِ أَنْ يُجْعَلَ فِي قِرْبَةٍ أَوْ جَرَّةٍ وَيُلْقَى عَلَيْهِ مِثْلُهُ مَاءً أَوْ نَحْوَهُ وَيُخَضْخَضَ ثُمَّ يُقْلَبَ فَمُ الْإِنَاءِ إِلَى أَسْفَلَ وَهُوَ مَسْدُودٌ سَاعَةً فَيَصِيرَ الدُّهْنُ إِلَى الْقَعْرِ وَيَبْقَى الْمَاءُ عِنْدَ الْفَمِ فَيُفْتَحَ فَيَخْرُجَ الْمَاءُ وَيُمْسَكَ الدُّهْنُ ثُمَّ يُسْكُبَ عَلَيْهِ مَاءٌ آخَرُ قَالَ الْمَازِرِيُّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَنَحْوهَا الْفَصْلُ الثَّانِي فِي حُكْمِهَا فِي الْجَوَاهِرِ قَالَ الْقَاضِيَانِ ابْنُ الْقَصَّارِ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَذْهَبُ كُلُّهُ عَلَى وُجُوبِ الْإِزَالَةِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي إِعَادَةِ مَنْ صَلَّى بِهَا بِنَاءً عَلَى كَوْنِهَا شَرْطًا فِي
الصَّلَاةِ أَمْ لَا وَقَالَ الْمَازِرِيُّ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى تَأْثِيمِ الْمُصَلِّي بِهَا وَمَعْنَى قَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ إِنَّهَا سُنَّةٌ أَنَّ حُكْمَهَا عُلِمَ بِالسُّنَّةِ وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَجَمَاعَةٌ هِيَ سُنَّةٌ وَالْخِلَافُ فِي إِعَادَةِ مَنْ صَلَّى بِهَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ تَرَكَ السُّنَنَ مُتَعَمِّدًا وَاللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمَغَارِبَةِ يَقُولُونَ فِي الْمَذْهَبِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْوُجُوبُ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ لِإِلْزَامِهِ الْإِعَادَةَ بَعْدَ الْوَقْتِ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا وَالِاسْتِحْبَابُ لِأَشْهَبَ لِاسْتِحْبَابِهِ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا وَالْوُجُوبُ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ دُونَ النِّسْيَانِ وَالْعَجْزِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ لِإِيجَابِهِ الْإِعَادَةَ عَلَى غَيْرِ الْمَعْذُورِ بَعْدَ الْوَقْتِ وَأُمِرَ الْمَعْذُورُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ فُرُوعٌ أَرْبَعَةٌ مِنَ الطَّرَّازِ الْأَوَّلُ إِذَا ذَكَرَ النَّجَاسَةَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ قَطَعَ صَلَاتَهُ أَمْكَنَهُ طَرْحُهُ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ عَلَى ظَاهِرِ الْكِتَابِ وَقِيلَ لَا يَقْطَعُ إِذَا طَرَحَ مَا عَلَيْهِ لِتَوِّهِ لِأَنَّه صلى الله عليه وسلم َ - خَلَعَ نَعْلَهُ وَلَمْ يُعِدْ وَقِيلَ لَا يَقْطَعُ فِي الْحَالَيْنِ إِمَّا لِأَنَّ إِزَالَةَ النَّجَاسَةِ أَخَفُّ أَوْ قِيَاسًا عَلَى الرُّعَافِ وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّحَرُّزَ مِنَ النَّجَاسَةِ مُمْكِنٌ بِخِلَافِ الرُّعَافِ زَادَ ابْنُ الْجَلَّابِ فِي هَذَا الْفَرْعِ إِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ طَرْحُهُ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ وَيُعِيدُهَا فِي الْوَقْتِ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ حَتَّى فَرَغَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ اسْتِحْبَابًا فَإِنْ تَعَمَّدَ خُرُوجَ الْوَقْتِ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَعَبْدُ الْمَلِكِ يُعِيدُ بَعْدَ الْوَقْتِ فَرْعٌ مُرَتَّبٌ إِذَا قُلْنَا يَقْطَعُ وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ مَا لَا يَسَعُ بَعْدَ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ رَكْعَةً فَيَتَخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ إِذَا تَشَاغَلَ بِرَفْعِ الْمَاءِ مِنَ الْبِئْرِ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ وَهَذَا أَوْلَى بِالتَّمَادِي لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِالنَّجَاسَةِ أَخَفُّ مِنَ الصَّلَاةِ بِالْحَدَثِ لِوُجُوبِ رَفعه إِجْمَاعًا
الثَّانِي إِنْ قُلْنَا بِالْقَطْعِ فَنَسِيَ بَعْدَ رُؤْيَتِهَا وَأَتَمَّ الصَّلَاةَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُعِيدُ وَإِنْ ذَهَبَ الْوَقْتُ لِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ بِرُؤْيَتِهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَقْطَعُ وَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّهُ يَنْزِعُ وَلَا يَقْطَعُ فَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ وَلَوْ كَانَ ذَاهِبًا قَبْلَ الصَّلَاةِ وَنَسِيَهَا فَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ إِنَّ عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ وَإِنَّهُ مُفَرِّطٌ وَاسْتَضْعَفَهُ بِنَاءً عَلَى اخْتِصَاصِ الْوُجُوبِ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ الثَّالِثُ إِذَا كَانَتِ النَّجَاسَةُ تَحْتَ قَدَمَيْهِ فَرَآهَا فَتَحَوَّلَ عَنْهَا خَرَجَتْ عَلَى الْخِلَافِ فِي الثَّوْبِ إِذَا أَمْكَنَهُ طَرْحُهُ وَإِنْ كَانَتْ حَوْلَ رِجْلَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ الرَّابِع قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الإيباني إِذَا كَانَ أَسْفَلَ نَعْلِهِ نَجَاسَةٌ فَنَزَعَهُ وَوَقَفَ عَلَيْهِ جَازَ كَظَهْرِ حَصِيرٍ الْخَامِسُ مِنَ الْبَيَانِ قَالَ مَالِكٌ إِذَا عَلِمَ فِي ثَوْبِ إِمَامِهِ نَجَاسَةً إِنْ أَمْكَنَهُ إِعْلَامُهُ فَلْيَفْعَلْ وَإِنْ لَمْ يُمكنهُ وَصلى أعَاد فِي الْوَقْت قَالَ يحي بن يحي الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ وَإِنَّمَا خَصَّصَهَا مَالِكٌ بِالْوَقْتِ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ كُلُّ مُصَلٍّ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ وَكَذَلِكَ مَنْ عَلِمَ أَن الإِمَام غير متوضىء فَلْيُعْلِمْهُ بِذَلِكَ وَلِيَسْتَأْنِفْ عِنْد سَحْنُونٍ وَالَّذِي يَأْتِي على مَذْهَب ابْن قَاسم أَنَّ الْكَلَامَ لِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُ الْبِنَاءَ وَعدم الِاسْتِئْنَاف وَقيل فِي الملتبس إِنْ أَمْكَنَهُ إِعْلَامُهُ بِقِرَاءَةِ آيَةِ الْمُدَّثِّرِ أَوْ آيَةِ الْوُضُوءِ فَعَلَ وَتَمَادَى عَلَى صَلَاتِهِ مَعَ الْمُسْتَخْلف الإِمَام وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَقَالَ يحي ابْن يحي وَسَحْنُونٌ لَهُ أَنْ يَخْرِقَ الصُّفُوفَ وَيُعْلِمَهُ وَلَا يَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ وَبَقِيَّةُ أَحْكَامِ النَّجَاسَةِ تَأْتِي فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ حُجَّةُ الْوُجُوبِ قَوْله تَعَالَى {وَثِيَابَكَ فطهر} وَقَوْلُهُ عليه السلام فِي الصَّحِيحِ فِي صَاحِبَيِ الْقَبْرِ
إِنَّ هَذَيْنِ لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ بِكَبِيرٍ كَانَ أَحدهمَا
يمشي بالنميمة وَالْآخر لَا يستبرىء مِنَ الْبَوْلِ
وَمِنْ سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْهُ عليه السلام
اسْتَبْرِئُوا مِنَ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ
وَلِأَنَّ الْبَوْلَ تَتَعَلَّقُ بِهِ طَهَارَةُ حَدَثٍ وَطَهَارَةُ خَبَثٍ وَالْأُولَى وَاجِبَةٌ إِجْمَاعًا فَيَكُونُ الْآخَرُ كَذَلِكَ عَمَلًا بِاتِّحَادِ السَّبَبِ حُجَّةُ النَّدْبِ مَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ عليه السلام خَلَعَ نَعْلَهُ فَخَلَعَ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ نِعَالَهُمْ فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ مَا بَالُكُمْ خَلَعْتُمْ نِعَالَكُمْ قَالُوا رَأَيْنَاكَ خَلَعْتَ فَخَلَعْنَا قَالَ عليه السلام إِن جِبْرِيل أَخْبرنِي أَن فِيهَا قذرا وَيرى أَذًى وَلَمْ يُعِدْ صَلَاتَهُ وَلَا أَبْطَلَ مَا مَضَى مِنْهَا وَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ يَحْمِلُ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ ابْنَتَهُ رضي الله عنها فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا وَالْغَالِبُ عَلَى ثِيَابِ الصِّبْيَانِ النَّجَاسَةُ وَقَدْ أَلْقَتْ قُرَيْشٌ عَلَى ظَهْرِهِ عليه السلام سَلَى جَزُورٍ بِدَمِهَا وَلَمْ يَقْطَعْ صَلَاتَهُ وَلَا نُقِلَ أَنَّهُ أَعَادَهَا وَلَمَّا تَعَارَضَتِ الْمَآخِذُ كَانَ النِّسْيَانُ مُسْقِطًا لِلْوُجُوبِ لِضَعْفِ مَأْخَذِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي الْمُسْتَثْنَيَاتِ مِنْ أَجْنَاسِهَا وَتَقَدَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ قَاعِدَةٌ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَأْمُورٍ يَشُقُّ عَلَى الْعِبَادِ فِعْلُهُ سَقَطَ الْأَمْرُ بِهِ وَكُلَّ مَنْهِيٍّ شَقَّ عَلَيْهِمُ اجْتِنَابُهُ سَقَطَ النَّهْيُ عَنْهُ وَالْمَشَاقُّ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مَشَقَّةٌ فِي الْمَرْتَبَةِ الْعُلْيَا فَيُعْفَى عَنْهَا إِجْمَاعًا كَمَا لَوْ كَانَتْ طَهَارَةُ الْحَدَثِ أَوِ الْخَبَثِ تُذْهِبُ النَّفْسَ أَوِ الْأَعْضَاءَ وَمَشَقَّةٌ فِي الْمَرْتَبَةِ الدُّنْيَا فَلَا يُعْفَى عَنْهَا إِجْمَاعًا كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ فِي الشِّتَاءِ وَمَشَقَّةٌ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ فَمُخْتَلَفٌ فِي إِلْحَاقِهَا بِالْمَرْتَبَةِ الْعُلْيَا فَتُؤَثِّرُ فِي
الْإِسْقَاطِ أَوْ بِالْمَرْتَبَةِ الدُّنْيَا فَلَا تُؤَثِّرُ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ يَتَخَرَّجُ الْخِلَافُ فِي فُرُوعِ هَذَا الْفَصْلِ نَظَرًا إِلَى أَنَّ هَذِهِ النَّجَاسَةَ هَلْ يَشُقُّ اجْتِنَابُهَا أَمْ لَا وَفِي هَذَا الْفَصْلِ تِسْعَ عَشْرَةَ صُورَةً الصُّورَةُ الْأُولَى قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ يَسِيرًا مِنَ الدَّمِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ مَضَى عَلَى صَلَاتِهِ كَانَ دَمَ حَيْضٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِنْ نَزَعَهُ فَلَا بَأْسَ مِنَ الطَّرَّازِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَإِنْ رَآهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ نَزَعَهُ وَإِنَّمَا الرُّخْصَةُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا وَهَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَقَالَ صَاحِبُ الْغَرَائِبِ إِنْ صَلَّى بِهِ عَامِدًا أَعَادَ بِخِلَافِ السَّاهِي وَالْعِلَّةُ فِي الْعَفو عَنهُ تكرره لاخفاؤه وَاخْتُلِفَ فِي الْيَسِيرِ قَالَ مَالِكٌ رحمه الله قدر الدِّرْهَم قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ قَدْرُ الْمَخْرَجِ لِأَنَّه مَعْفُوٌّ عَنهُ وَأنكر مَالك رحمه الله فِي العتيبة التَّحْدِيدَ وَقَالَ أَبُو طَاهِرٍ الْخِنْصَرُ يَسِيرٌ وَالْخِلَافٌ فِيمَا فَوْقَهُ إِلَى الدِّرْهَمِ مِنَ الطَّرَّازِ سَوَّى مَالِكٌ رحمه الله بَيْنَ الدِّمَاءِ فِي الْعَفْوِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَلْحَقَ فِي الْمَبْسُوطِ دَمَ الْحَيْضِ بِالْبَوْلِ وَإِذَا قُلْنَا بِالْعَفْوِ عَنْهُ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ إِضَافَتِهِ لِلْحَائِضِ أَوْ لِغَيْرِهَا وَقَالَ اللَّخْمِيُّ يُخْتَلَفُ فِي الدَّمِ الْيَسِيرِ يَكُونُ فِي ثَوْبِ الْغَيْرِ ثُمَّ يَلْبَسُهُ الْإِنْسَانُ لِإِمْكَان الِانْفِكَاكِ عَنْهُ وَإِذَا قُلْنَا لَا يُعْفَى عَنْ دَمِ الْحَيْضِ فَدَمُ الْمَيْتَةِ مِثْلُهُ عِنْدَ ابْنِ وَهْبٍ ويعفى عَنهُ عِنْد ابي حَبِيبٍ كَدَمِ الْمُذَكَّاةِ اسْتِصْحَابًا لِحِكْمَةٍ قَبْلَ الْمَوْتِ وَإِذَا قُلْنَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ دَمِ الْمَيْتَةِ فَهَلْ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ دَمِ الْخِنْزِيرِ عَلَى ظَاهِرِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الدِّمَاءِ فِي الْكِتَابِ أَوْ بِفَرْقٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ دَمِ الْمَيْتَةِ بِأَنَّهُ كَانَ مَعْفُوًّا عَنْهُ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَمُبَاحَ الْأَكْلِ إِذَا لَمْ يُسْفَحْ وَبَيْنَ دَمِ الْحَيْضِ بِأَنَّهُ دَمُ إِنْسَانٍ وَالْإِنْسَانُ لَا يَتَمَيَّزُ عَنْ دَمِهِ
وَإِذَا قُلْنَا يُعْفَى عَنْ دَمِ الْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ فَهَلْ يُعْفَى عَنِ الْيَسِيرِ مِنْ لَحْمِ الْمَيْتَةِ لِأَنَّه عَلَى حُكْمِ الدَّمِ أَوْ لَا يُعْفَى عَنْهُ؟ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِإِمْكَانِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ مِنَ الْبَيَانِ سُئِلَ مَالِكٌ رحمه الله عَمَّا يَنْسِجُهُ النَّصَارَى وَيَسْقُونَهُ بِالْخُبْزِ الْمَبْلُولِ وَيُحَرِّكُونَهُ بِأَيْدِيهِمْ وَهُمْ أَهْلُ نَجَاسَةٍ قَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ يَلْبَسُونَهَا قَدِيمًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَلَا فَرْقَ فِي الْقِيَاسِ بَيْنَ مَنْسُوجِهِمْ وَمَلْبُوسِهِمْ فِي الِانْتِفَاعِ الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ مِنَ التَّبْصِرَةِ قَالَ مَالِكٌ رحمه الله إِذَا وَقَعَتْ قَطْرَةٌ مِنْ بَوْلٍ أَوْ خَمْرٍ فِي طَعَامٍ أَوْ دُهْنٍ لَا يُنَجَّسُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا وَقَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ فِي حِبَابِ الزَّيْتِ تَقَعُ فِيهَا الْفَأْرَةُ وَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ إِنَّ هَذَا لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فَلَا يَكُونُ رُخْصَةً وَهُوَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهَا إِذَا تَعَارَضَتِ الْمَفْسَدَةُ الْمَرْجُوحَةُ وَالْمَصْلَحَةُ الرَّاجِحَةُ اغْتُفِرَتِ الْمَفْسَدَةُ فِي جَنْبِ الْمَصْلَحَةِ كَقَطْعِ الْيَدِ الْمُتَآكِلَةِ لِبَقَاءِ النَّفْسِ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ فِي الشَّرْعِ وَالنُّقْطَةُ النَّجِسَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْمَفْسَدَةِ وَكُلُّ نُقْطَةٍ مِنَ الْمَائِعِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَصْلَحَةٍ فَنُقْطَةٌ مُعَارَضَةٌ بِنُقْطَةٍ وَبَقِيَّةُ الْمَائِعِ سَالِمٌ مِنَ الْمُعَارِضِ فَيَكُونُ الْمَائِعُ طَاهِرًا فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ ذَلِكَ بِالْقَلِيلِ مِنَ الْمَائِعِ قُلْنَا الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ الأول أَن أعظم الْمَفْسَدَةِ فِي إِرَاقَةِ الْمَائِعِ الْكَثِيرِ أَتَمُّ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ الْمَفْسَدَةَ يَنْدُرُ وُجُودُهَا فَغَلَبَتْ فِي الْقَلِيلِ طَلَبًا لِلِاحْتِيَاطِ الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا بَأْسَ بِطِينِ الْمَطَرِ وَمَاءِ الْمَطَرِ المنتفع وَفِيهِ الْعَذِرَةُ وَالْبَوْلُ وَالرَّوْثُ وَمَا زَالَتِ الطُّرُقُ كَذَلِكَ وَهُمْ يُصَلُّونَ بِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ مَا لَمْ تَكُنِ النَّجَاسَةُ غَالِبَةً أَوْ عينا قَائِمَة قَالَ أَبُو طَاهِر وَلَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ وَافْتَقَرَ إِلَى الْمَشْيِ فِيهِ لَمْ يَجِبْ غَسْلُهُ كَثَوْبِ الْمُرْضِعَةِ
الصُّورَة الْخَامِسَة فِي الْجَوَاهِر الْجرْح بمصل الدَّمَ وَغَيْرَهُ يُعْفَى عَنْهُ مَا لَمْ يَتَفَاحَشْ الصُّورَةُ السَّادِسَةُ الدُّمَّلُ يَسِيلُ يُعْفَى عَنْهُ مَا لَمْ يَتَفَاحَشْ الصُّورَةُ السَّابِعَةُ قَالَ ثَوْبُ الْمُرْضِعِ يُعْفَى عَن بَوْل الصَّبِي فِيهِ مالم يَتَفَاحَشْ قَالَ فِي الْكِتَابِ وَأَسْتَحِبُّ لَهَا ثَوْبًا آخَرَ لِصَلَاتِهَا الصُّورَةُ الثَّامِنَةُ قَالَ الْأَحْدَاثُ تَسْتَنْكِحُ وَيَكْثُرُ قَطْرُهَا وَإِصَابَتُهَا الثَّوْبَ فَيُعْفَى عَنْهَا مَا لَمْ يَتَفَاحَشْ فَرْعٌ إِذَا عُفِيَ عَنِ الْأَحْدَاثِ فِي حَقِّ صَاحِبِهَا عُفِيَ عَنْهَا فِي حَقِّ غَيره لسُقُوط اعْتِبَارهَا شَرْعِيًّا وَقِيلَ لَا يُعْفَى عَنْهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِأَنَّ سَبَبَ الْعَفْوِ الضَّرُورَةُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْغَيْرِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ صَلَاةُ صَاحِبِهَا بِغَيْرِهِ إِمَامًا الصُّورَةُ التَّاسِعَةُ قَالَ بَوْلُ الْخَيْلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْغَازِي فِي أَرْضِ الْحَرْبِ وَقِيلَ مُطْلَقًا يُعْفَى عَنْهُ مَا لَمْ يَتَفَاحَشْ الصُّورَةُ الْعَاشِرَةُ قَالَ دم عَلَى السَّيْفِ أَوِ الْمُدْيَةِ الصَّقِيلَيْنِ يُعْفَى عَنْ أَثَرِهِ دُونَ عَيْنِهِ الصُّورَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ الْخُفُّ يُمْشَى بِهِ عَلَى أَبْوَالِ الدَّوَابِّ وَأَرْوَاثِهِا يَكْفِي فِيهِ الْمسْح وَقيل الْغسْل فُرُوعٌ الْأَوَّلُ مِنَ الطَّرَّازِ قَالَ سَحْنُونٌ مَسْحُ الْخُفِّ بِالْأَمْصَارِ وَالْمَوَاضِعِ الَّتِي تَكْثُرُ فِيهَا الدَّوَابُّ وَمَا لَا تَكْثُرُ فِيهِ الدَّوَابُّ لَا يُعْفَى عَنهُ الثَّانِي من الطّراز حد الْمسْح أَن لَا يُخْرِجَ الْمَسْحُ شَيْئًا مِثْلَ الِاسْتِجْمَارِ فِي خُرُوجِ الْحَجَرِ نَقِيًّا وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ يُشْتَرَطُ انْقِطَاعُ الرِّيحِ وَلَيْسَ شَرْطًا كَمَا فِي الِاسْتِنْجَاءِ الثَّالِثُ مِنْهُ أَيْضًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي النَّوَادِرِ يُغْسَلُ الْخُفُّ مِنْ بَوْلِ الْكَلْبِ وَلَا يُمْسَحُ وَيُشْبِهُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ الدَّجَاجُ الْمُخَلَّاةُ لِنُدْرَتِهَا فِي الطرقات
الرَّابِعُ مِنْهُ لَوْ مَشَى بِخُفِّهِ عَلَى نَجَاسَةٍ وَلَا مَاءَ مَعَهُ فَلْيَخْلَعْهُ وَيَتَيَمَّمْ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ مِنَ الْوُضُوءِ وَالنَّجَاسَةُ لَا بَدَلَ لَهَا الصُّورَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ فِي الْجَوَاهِرِ النَّعْلُ إِذَا مَشَى بِهِ عَلَى أَرْوَاثِ الدَّوَابِّ وَأَبْوَالِهَا دَلَّكَهُ وَصَلَّى لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ عَنْهُ عليه السلام أَنه قَالَ إِذا وطىء أَحَدُكُمْ بِنَعْلِهِ الْأَذَى كَانَ التُّرَابُ لَهُ طَهُورًا وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا وَطِئَ أَحَدُكُمُ الْأَذَى بِخُفِّهِ فَطَهُورُهَا التُّرَابُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَجْزِيه لِخِفَّةِ النَّزْعِ بِخِلَافِ الْخُفِّ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ قَالَ بَوْلُ مَنْ لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ يُغْسَلُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يُسْتَثْنَى وَقِيلَ الذَّكَرُ فَقَطْ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ قَالَ إِذَا مَشَى بِرِجْلِهِ عَلَى نَجَاسَةٍ هَلْ يَجِبُ غَسْلُهَا لِخِفَّتِهِ أَوْ يَلْحَقُ بِالنَّعْلِ لِتَكَرُّرِ ذَلِكَ وَالتَّفْرِقَةُ لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ الْمَرْأَةُ لَمَّا كَانَتْ مَأْمُورَةً بِإِطَالَةِ ذَيْلِهَا لِلسَّتْرِ جَعْلَ الشَّرْعُ مَا بَعْدَهُ طَهُورًا لَهُ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنِ امْرَأَةٍ أَنَّهَا قَالَتْ لِأُمِّ سَلَمَةَ إِنِّي امْرَأَةٌ أُطِيلُ ذَيْلِي وَأَمْشِي فِي الْمَكَانِ الْقَذِرِ فَقَالَتْ قَالَ لَهَا النَّبِيُّ عليه السلام
يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ
وَقِيلَ هَذَا حَدِيثٌ مَجْهُولٌ لِأَنَّه عَنِ امْرَأَةٍ لَا تُعْرَفُ حَالُهَا وَحَمَلَهُ مَالِكٌ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ عَلَى الْقَشْبِ الْيَابِسِ وَالْقَشْبُ بِسُكُونِ الشِّينِ الْمُعْجَمَة هُوَ الرَّجِيعُ الْيَابِسُ وَأَصْلُهُ الْخَلْطُ بِمَا يُفْسِدُ وَقَشَبَ الشَّيْءَ إِذَا خَلَطَهُ بِمَا يُفْسِدُ وَهُوَ رَجِيعٌ مَخْلُوطٌ بِغَيْرِهِ وَقَالَ التُّونُسِيُّ الْأَشْبَهُ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ الطُّرُقُ مِنْ أَرْوَاثِ الدَّوَابِّ وَأَبْوَالِهَا وَإِنْ كَانَتْ رَطْبَةً كَمَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْخُفِّ وَهَذَا تَخْرِيجٌ حَسَنٌ بِجَامِعِ الْمَشَقَّة وَهِي فِي الثَّوَاب أَعْظَمُ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُمْكِنُهُ نَزْعُ خُفِّهِ لِيَجِفَّ بَعْدَ الْغَسْلِ وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَجِدُ ثَوْبًا غَيْرَ ثَوْبِهِ حَتَّى يَنْزِعَهُ
وَفِي أَبِي دَاوُدَ فِي امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لَنَا طَرِيقًا إِلَى الْمَسْجِدِ مَبْنِيَّةً فَكَيْفَ نَفْعَلُ إِذَا مُطِرْنَا فَقَالَ عليه السلام أَلَيْسَ بَعْدَهَا طَرِيقٌ أَطْيَبُ مِنْهَا قَالَتْ بَلَى قَالَ فَهَذِهِ بِهَذِهِ فَقِيلَ يُطَهِّرُ الْخُفَّ مَا بَعْدَهُ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْكِتَابِ وَخَرَّجَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ مَنْ مَشَى بِرِجْلِهِ مَبْلُولَةً عَلَى نَجَاسَةٍ ثُمَّ عَلَى مَوْضِعٍ جَافٍّ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ قَالَ وَدَمُ الْفَمِ يمجه بالريق حَتَّى يذهب لم يَرَ طَهَارَتَهُ بِذَلِكَ فِي الْكِتَابِ وَقِيلَ يُطَهَّرُ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْرِيرُهُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ قَالَ دَمُ الْمَحَاجِمِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْخِلَافِ فِي إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ مِنَ الطَّرَّازِ يَسِيرُ الْبَوْلِ وَالْعُذْرَةِ يَعْلَقُ بِالذُّبَابِ ثُمَّ يَجْلِسُ عَلَى الْمَحَلِّ يُعْفَى عَنْهُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ فِي الْجَوَاهِرِ الْأَحْدَاث على المخرجين مَعْفُو عَن أَثَرهَا وَيتَعَلَّق الْغَرَض هَهُنَا بأَرْبعَة أَطْرَاف الأول بآداب قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَهِيَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَدَبًا الْأَوَّلُ مِنَ الْجَوَاهِرِ طَلَبُ مَكَانٍ بَعِيدٍ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ كَانَ عليه السلام إِذَا ذَهَبَ أَبْعَدَ الثَّانِي قَالَ يَسْتَصْحِبُ مَا يَزِيلُ بِهِ الْأَذَى الثَّالِثُ قَالَ أَنْ يَتَّقِيَ الْمَلَاعِنَ لِقَوْلِهِ عليه السلام
اتَّقُوا اللَّاعِنَيْنِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا اللَّاعِنَانِ قَالَ الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ ظِلِّهِمْ
وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ مَجَالِسُهُمْ وَالشَّجَرُ لِصِيَانَةِ الثَّمَرِ وَالْأَنْهَارُ لِصِيَانَةِ الْمَوَارِدِ
وَسُمِّيَتْ هَذِهِ مَلَاعِنَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْمَكَانِ بِمَا يَقَعُ فِيهِ كَتَسْمِيَةِ الْحَرَمِ حَرَامًا وَالْبَلَدِ آمِنًا لِمَا حَلَّ فِيهِمَا مِنْ تَحْرِيمِ الصَّيْدِ وَأَمْنِهِ وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْمَوَاضِعُ يَقَعُ فِيهَا لَعْنُ الْفَاعِلِ الْغَائِطِ مِنَ النَّاسِ سُمِّيَتْ مَلَاعِنَ الرَّابِعُ قَالَ يَجْتَنِبُ الْمَوْضِعَ الصُّلْبَ حَذَرًا مِنَ الرَّشَاشِ الْخَامِسُ قَالَ يَجْتَنِبُ الْمِيَاهَ الدَّائِمَةَ الْمَحْبُوسَةَ لِقَوْلِهِ عليه السلام فِي مُسْلِمٍ
لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلَ مِنْهُ
وَمَحْمَلُهُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا عَلَى سَدِّ الذَّرِيعَةِ عَنْ فَسَادِهِ لِئَلَّا يَتَوَالَى ذَلِكَ فَيَفْسُدَ الْمَاءُ عَلَى النَّاسِ السَّادِسُ قَالَ تَقْدِيمُ الذِّكْرِ قَبْلَ دُخُولِ مَحَلِّ الْخَلَاءِ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ إِنَّ هَذِه الحشوش مختصرة فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْخَلَاءَ فَلْيَقُلْ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُحَدِّثُونَ يَرْوُونَ الْخُبْثَ بِإِسْكَانِ الْبَاءِ وَالصَّوَابُ ضَمُّهَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاض والحشوش بِالْحَاء المهلمة الْمَضْمُومَةِ وَشِينَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ الْمَرَاحِيضُ وَاحِدُهَا الْحُشُّ وَهُوَ النَّخْلُ الْمُجْتَمِعُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا وَكَانُوا يَسْتَتِرُونَ بِهَا قَبْلَ اتِّخَاذِ الْكُنُفِ وَأَصْلُهَا مِنَ الْحَشِّ بِالْفَتْحِ وَهُوَ الزَّبْرُ يَكْتَنِفُ الْكَنَفَ أَوْ يَبْرُزُ مِنْهُ فِيهَا وَمَعْنَى مُحْتَضَرَةٍ أَيْ تَحْضُرُهَا الشَّيَاطِينُ قَالَ غَيْرُهُ الْخُبْثُ جَمْعُ خَبِيثٍ وَالْخَبَائِثُ جَمْعُ خَبِيثَةٍ فَأَمَرَ عليه السلام بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ ذُكُورِ الْجِنِّ وَإِنَاثِهَا قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَالْخُبْثُ بِالضَّمِّ لُغَةً الْمَكْرُوهُ يَقُولُ ذَلِكَ قَبْلَ دُخُولِهِ إِلَى مَوْضِعِ الْحَدَثِ أَوْ بَعْدَ وُصُولِهِ إِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ غَيْرَ مُعَدٍّ لِلْحَدَثِ وَقِيلَ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ مُعَدًّا لَهُ كَمَا جَرَى الْخِلَافُ فِي جَوَازِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْخَاتَمِ مَكْتُوبًا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ جَوَّزَ مَالِكٌ رحمه الله أَنْ يَدْخُلَ الْخَلَاءَ وَمَعَهُ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ مَكْتُوبًا عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَجَوَّزَ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْخَاتَمِ وَفِيهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ لَمْ يَكُنْ مَنْ مَضَى يَتَحَرَّزُ مِنْهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَنَا أَسْتَنْجِي بِهِ وَفِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهَذَا مَحْمُولٌ مِنَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَعْسُرُ قَلْعُهُ وَإِلَّا فَاللَّائِقُ بِوَرَعِهِ
غَيْرُ هَذَا وَكَرِهَ ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ وَهَذَا أَحْسَنُ لِكَرَاهَةِ مَالِكٍ رحمه الله مُعَامَلَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى لِنَجَاسَتِهِمْ وَفِي التِّرْمِذِيِّ كَانَ عليه السلام إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ وَضَعَ خَاتَمَهُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُدَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ النَّهْيُ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ بِالْيُمْنَى وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ السَّابِعُ قَالَ يُدِيمُ السَّتْرَ حَتَّى يَدْنُوَ مِنَ الْأَرْضِ لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ عليه السلام
كَانَ إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ لَا يَرْفَعُ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنَ الْأَرْضِ
وَيُرْوَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى لِإِبْرَاهِيمَ عليه السلام إِنِ اسْتَطَعْتَ أَلَّا تَنْظُرَ الْأَرْضُ عَوْرَتَكَ فَافْعَلْ فَاتَّخَذَ السَّرَاوِيلَ الثَّامِنُ قَالَ يَبُولُ جَالِسًا إِنْ كَانَ الْمَكَانُ طَاهِرًا لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَبُولُ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ وَمَا كَانَ عليه السلام يَبُولُ إِلَّا قَاعِدًا وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنِ التَّنْجِيسِ فَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ رَخْوًا نَجِسًا فَلَهُ أَنْ يَبُولَ قَائِمًا لِمَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ عليه السلام أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ خَلْفَ حَائِطٍ فَقَامَ كَمَا يَقُومُ أَحَدُكُمْ فَبَالَ وَالسُّبَاطَةُ مَوْضِعُ الزُّبَالَةِ وَرَمْيِ الْقَاذُورَاتِ فَلِذَلِكَ بَالَ عليه السلام قَائِمًا التَّاسِعُ الصَّمْتُ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ لَا يَخْرُجُ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفَيْنِ عَنْ عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَرُدُّ سَلَامًا لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ عليه السلام مَرَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَلَّا يُشَمِّتَ عَاطِسًا وَلَا يَحْمَدَ إِنْ عَطِسَ وَلَا يُحَاكِيَ مُؤذنًا الْعَاشِر قَالَ يجْتَنب الْبَوْل فِي الْحجر لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ نَهَى عليه السلام أَن يبال فِي الْحجر قِيلَ لِأَنَّهَا مَسَاكِنُ الْجِنِّ وَقِيلَ خَشْيَةَ أَذِيَّةِ الْهَوَامِّ الْخَارِجَةِ مِنْهَا إِمَّا بِسُمِّهَا وَإِمَّا بِتَنْفِيرِهَا إِيَّاهُ فَيَتَنَجَّسُ الْحَادِي عَشَرَ قَالَ يَجْتَنِبُ الْمُسْتَحَمَّ لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ
لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأَ فِيهِ أَوْ يَغْتَسِلَ مِنْهُ فَإِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ الثَّانِي عَشَرَ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ كَانَ عليه السلام إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي وَرُبَّمَا قَالَ غُفْرَانَكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ قِيلَ اسْتِغْفَارُهُ لِتَرْكِ الذِّكْرِ حَالَةَ الْحَاجَةِ وَعَادَتُهُ الذِّكْرُ دَائِمًا وَقِيلَ إِظْهَارًا لِلْعَجْزِ عَنْ شُكْرِ النِّعَمِ وَقِيلَ لِأَنَّ عَادَتَهُ الِاسْتِغْفَارُ حَتَّى كَانَ يُحْفَظُ عَنْهُ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةُ مَرَّةٍ فَجَرَى عَلَى عَادَتِهِ وَوَرَدَ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ تَرْكَ الذِّكْرِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ طَاعَةٌ تَأْبَى الِاسْتِغْفَارَ وَعَلَى الثَّانِي أَنَّ النِّعَمَ فِي كُلِّ وَقْتٍ مَعْجُوزٌ عَنْ شُكْرِهَا فَمَا وَجْهُ الِاخْتِصَاصِ وَالصَّحِيحُ الثَّالِثُ الثَّالِثَ عَشَرَ فِي الْجَوَاهِرِ يَجْتَنِبُ الْقِبْلَةَ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ قَوْلِهِ عليه السلام إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا فَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ لَا سَاتِرَ فِيهِ وَلَا مَرَاحِيضَ فَلَا يَجُوزُ اسْتِقْبَالُهَا وَلَا اسْتِدْبَارُهَا وَإِنْ وُجِدَ السَّاتِرُ وَالْمَرَاحِيضُ جَازَ ذَلِكَ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما رَآهُ عليه السلام فِي بَيْتِ حَفْصَةَ مُسْتَدْبِرًا الْكَعْبَةَ مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَإِنْ وُجِدَ المرحاض بِغَيْر ستْرَة كَمِرْحَاضِ السُّطُوحِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْحَاجَةِ قَالَ مَالِكٌ رحمه الله وَلَمْ تُعْنَ هَذِهِ الْمَرَاحِيضُ بِالْحَدِيثِ وَيُسَمَّى مِرْحَاضُ السُّطُوحِ كِرْيَاسًا وَمَا كَانَ فِي الْأَرْضِ كَنِيفًا وَإِنْ وُجِدَ السَّاتِرُ بِغَيْرِ مِرْحَاضٍ جَازَ أَيْضًا لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ثُمَّ جَلَسَ يَبُولُ إِلَيْهَا فَقِيلَ لَهُ أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَا فَقَالَ لَا إِنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْفَضَاءِ فَإِنْ كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ
الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُ فَلَا بَأْسَ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ وَالْخِلَافُ يُخَرَّجُ عَلَى عِلَّةِ هَذَا الْحُكْمِ فَقيل إجلالا لجِهَة الْكَعْبَة لما روى البرَاز عَنْهُ عليه السلام مَنْ جَلَسَ يَبُولُ قُبَالَةَ الْقِبْلَةِ فَذَكَرَ فَيَنْحَرِفُ عَنْهَا إِجْلَالًا لَهَا لَمْ يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ ذَلِكَ لِحُرْمَةِ الْمُصَلِّينَ وَالْحُشُوشُ لَا يُصَلَّى فِيهَا وَهَذَا أَوْلَى لِجَمْعِهِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ كَشْفٌ إِبَاحَةُ اسْتِقْبَالِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ بِالْبَوْلِ مَخْصُوصٌ بِبِلَادِ الشَّامِ وَالْيَمَنِ وَكُلِّ مَا هُوَ شَمَالَ الْبَيْتِ أَوْ جَنُوبَهُ فَإِنَّ الشَّامَ شَمَالُهُ وَالْيَمَنَ جَنُوبُهُ فَيَكُونُ الْبَائِلُ حِينَئِذٍ يُقَابِلُ الْبَيْتَ وَالْمُصَلِّينَ بِجَنْبِهِ لَا بِعَوْرَتِهِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ أَمَّا مَنْ كَانَ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ قَبِلْتَهُ فَيُنْهَى عَنِ اسْتِقْبَالِهِمَا وَاسْتِدْبَارِهِمَا وَيُبَاحُ الْجَنُوبُ وَالشَّمَالُ صَوْنًا لِمَا أَشَارَ الشَّرْعُ لِصَوْنِهِ مِنَ الْكَعْبَةِ أَوِ الْمُصَلِّينَ وَمَنْ قِبْلَتُهُ النَّكْبَاءُ الَّتِي بَيْنَ الْجَنُوبِ وَالصَّبَا كَبِلَادِ مِصْرَ يَسْتَقْبِلُ النَّكْبَاءَ الَّتِي بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْجَنُوبِ أَوْ يَسْتَدْبِرُهَا وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ سَائِرَ الْجِهَاتِ وَصَمِّمْ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ خَاصٌّ مُنَبِّهٌ وَلَيْسَ عَامًّا لِلْأَقْطَارِ فَإِنَّهُ عليه الصلاة والسلام خَاطَبَ بِهِ أَهْلَ الْمَدِينَةِ وَهُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّمَالِ فَكَانَ الْحَدِيثُ مُوَافِقًا لَهُمْ تَتْمِيمٌ الرِّيَاحُ ثَمَانِيَةٌ الصَّبَا وَهِيَ الشَّرْقِيَّةُ وَالدَّبُّورُ وَهِيَ الْغَرْبِيَّةُ وَالْجَنُوبُ وَهِيَ الْقِبْلِيَّةُ وَتُسَمَّى الْيَمَانِيَّةَ وَالشَّمَالِيَّةُ وَهِيَ الَّتِي تُقَابِلُهَا وَتُسَمَّى بِمِصْرَ الْبَحْرِيَّةَ لِكَوْنِهَا تَأْتِي مِنْ جِهَةِ بَحْرِ الرُّومِ وَتُسَمَّى الْجَنُوبِيَّةُ الْمِرِّيسِيَّةَ لِكَوْنِهَا تَمُرُّ عَلَى مِرِّيسَةَ مِنْ بِلَادِ السُّودَانِ وَكُلُّ رِيحٍ بَيْنَ رِيحَيْنِ فَهِيَ نَكْبَاءُ لِكَوْنِهَا نَكْبَتْ عَنْ مجْرى جاريتها فَالْأُصُولُ أَرْبَعَةٌ وَالنَّوَاكِبُ أَرْبَعَةٌ وَتَأْتِي تَتِمَّةُ ذَلِكَ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَرْعَانِ الْأَوَّلُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَا يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِأَنَّه لَيْسَ قبْلَة
الثَّانِي قَالَ اللَّخْمِيّ الْجِمَاع كالبول يُجَامع كشف الْعَوْرَة وَقيل يجوز فِي الفلوات لعدم الفصلة وَهِيَ جُزْءُ الْعِلَّةِ وَقِيلَ إِنْ كَانَا مَكْشُوفَيْنِ مُنِعَ فِي الصَّحَارِي وَيَخْتَلِفُ فِي الْبُيُوتِ وَإِنْ كَانَا مَسْتُورَيْنِ جَازَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الطَّرَفُ الثَّانِي فِيمَا يُسْتَنْجَى مِنْهُ وَالِاسْتِنْجَاءُ طَلَبُ إِزَالَةِ النَّجْوِ وَقِيلَ إِزَالَةُ الشَّيْءِ عَنْ مَوْضِعِهِ وَتَخْلِيصُهُ مِنْهُ استنجت الرطب ونجوته وأجنيته وَالنَّجْوُ الْفَضْلَةُ الْمُسْتَقْذَرَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّجْوَ جَمْعُ نَجْوَةٍ وَهِيَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ فَلَمَّا كَانَ النَّاسُ يَسْتَتِرُونَ بِهَا غَالِبًا سُمِّيَتْ بِهَا لِتَلَازُمِهَا وَقِيلَ مِنْ نَجَوْتُ الْعُودَ أَيْ قَشَرْتُهُ وَقِيلَ مِنَ النِّجَاءِ وَهُوَ الْخَلَاصُ مِنَ الشَّيْءِ وَكَذَلِكَ سُمِّيَتْ غَائِطًا لِأَنَّ الْغَائِطَ هُوَ الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ وَالْغَالِب إلقاؤها فِيهِ فَلَمَّا لَا زمها سُمِّيَ بِهَا وَكَذَلِكَ سُمِّيَ بَرَازًا بِفَتْحِ الْبَاءِ لِأَنَّ الْبَرَازَ هُوَ الْمُتَّسَعُ مِنَ الْأَرْضِ كَانُوا يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَسُمِّيَتْ بِهِ لِذَلِكَ وَسُمِّيَ خَلَاءً لِأَنَّه يُذْهَبُ بِسَبَبِهَا إِلَى الْمَكَانِ الْخَالِي وَالِاسْتِجْمَارُ طَلَبُ اسْتِعْمَالِ الْجِمَارِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ جَمْعُ جَمْرَةٍ وَهِيَ الْحَصَاةُ وَمِنْهُ الْجِمَارُ فِي الْحَجِّ وَقِيلَ مِنَ الِاسْتِجْمَارِ بِالْبَخُورِ وَالْحَجَرُ يُطَيِّبُ الْمَوْضِعَ كَمَا يُطَيِّبُهُ الْبَخُورُ وَلِذَلِكَ سُمِّيَ اسْتِطَابَةً لِمَا فِيهِ مِنْ تَطْيِيبِ الْمَوْضِعِ وَالِاسْتِبْرَاءُ طَلَبُ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْحَدَثِ لِأَنَّ الِاسْتِفْعَالَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ غَالِبًا لِطَلَبِ الْفِعْلِ كَالِاسْتِسْقَاءِ لِطَلَبِ السَّقْيِ وَالِاسْتِفْهَامِ لِطَلَبِ الْفَهْمِ إِذَا تَقَرَّرَتْ مَعَانِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فَفِي الْجَوَاهِرِ الِاسْتِنْجَاءُ يَكُونُ عَمَّا يَخْرُجُ مِنَ الْمَخْرَجَيْنِ مُعْتَادًا سِوَى الرِّيحِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ إِزَالَةُ عَيْنِ النَّجَاسَةِ وَهِيَ زَائِلَةٌ فِي الرِّيحِ وَلِقَوْلِهِ عليه السلام
لَيْسَ مِنَّا مَنِ اسْتَنْجَى مِنَ الرِّيحِ
وَيَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ فِيمَا عَدَا الْمَنِيِّ وَكَذَلِكَ الْمَذْيِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ عَنْهُ عليه السلام
إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ يَسْتَطِيبُ بِهن فَإِنَّهَا تجزىء
عَنهُ
قَالَ الشَّيْخ أَبُو بكر وَغَيره ويجزىء أَيْضًا فِي النَّادِرِ كَالْحَصَى وَالدَّمِ وَالدُّودِ وَأَمَّا الْمَنِيُّ وَالْمَذْيُ فَلَا يَسْتَنْجِي مِنْهُمَا لِمَا فِيهِمَا مِنَ التَّخَيُّطِ الَّذِي يُوجِبُ نَشْرَهُمَا بِالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ وَلِأَنَّ الْحَدِيثَ إِنَّمَا جَاءَ فِيمَا يُذْهَبُ فِيهِ إِلَى الْغَائِطِ وَهَذَانِ لَا يُذْهَبُ فِيهِمَا إِلَى الْغَائِطِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ جَوَّزَ الْقَاضِي الِاسْتِجْمَارَ مِنَ الدَّمِ وَالْقَيْحِ وَشِبْهِهِ وَيُحْتَمَلُ الْمَنْعُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّجَاسَةِ الْغَسْلُ وَتُرِكَ ذَلِكَ فِي الْبَوْل وَالْغَائِط للضَّرُورَة وَلَا ضَرُورَة هَا هُنَا وَأَمَّا الْحَصَى وَالدُّودُ يَخْرُجَانِ جَافَّيْنِ فَعِنْدَ الْبَاجِيِّ هُوَ طَاهِرٌ كَالرِّيحِ لَا يَسْتَنْجِي مِنْهُ وَلِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ إِنَّمَا شُرِعَ لِإِزَالَةِ عَيْنِ النَّجَاسَةِ وَلَيْسَ هَا هُنَا عَيْنٌ وَإِنْ وُجِدَ فِيهِ أَدْنَى بِلَّةٍ عُفِيَ عَنْهَا كَأَثَرِ الِاسْتِجْمَارِ وَإِنْ كَانَتِ الْبِلَّةُ كَثِيرَةً اسْتَجْمَرَ مِنْهَا لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ مَا يُسْتَجْمَرُ مِنْهُ بِخِلَافِ الدَّمِ فَرْعَانِ لَهُ أَيْضًا الْأَوَّلُ الْمَرْأَةُ لَا يُجْزِيهَا الْمَسْحُ بِالْحَجَرِ مِنَ الْبَوْلِ لِتَعَدِّيةِ مَخْرَجِهِ إِلَى جِهَةِ الْمَقْعَدَةَ وَكَذَلِكَ الْخَصِيُّ الثَّانِي يَجِبُ عَلَى الثَّيِّبِ أَنْ تَغْسِلَ مِنْ فَرْجِهَا مَا تَغْسِلُ الْبِكْرُ لِأَنَّ مَخْرَجَ الْبَوْلِ قبل مخرج الْبكارَة والثوبة وَإِنَّمَا تَخْتَلِفَانِ فِي الْغَسْلِ مِنَ الْحَيْضِ فَتَغْسِلُ الثَّيِّبُ كُلَّ شَيْءٍ ظَهَرَ مِنْ فَرْجِهَا حَالَةَ جُلُوسِهَا وَالْبِكْرُ مَا دُونَ الْعُذْرَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْبَوْلَ يَجْرِي عَلَيْهِ وَإِلَيْهِ فَيُغْسَلُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَهُ مِنْ حُكْمِ الْبَاطِن بِدَلِيل أَنه لَا يستجيب غَسْلُهُ فِي الْجَنَابَةِ كَالْفَمِ وَالْأَنْفِ وَفِي الْجَوَاهِرِ وَيَجِبُ غَسْلُ الذَّكَرِ كُلِّهِ مِنَ الْمَذْيِ خِلَافًا ح وش لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ الْمِقْدَادَ سَأَلَهُ عليه السلام عَنِ الرَّجُلِ يَدْنُو مِنْ أَهْلِهِ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَذْيُ فَقَالَ عليه السلام
إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَنْضَحْ فَرْجَهُ وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ والفرج ظَاهر فِي جملَة الذّكر وَقَالَ السيخ أَبُو بكر ابْن الْمُنْتَابِ يَغْسِلُ مَوْضِعَ
الْأَذَى خَاصًّا قِيَاسًا عَلَى الْبَوْلِ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ تَجِبُ النِّيَّةُ فِي الْغَسْلِ لِأَنَّه عِبَادَةٌ لتعدية الْغسْل مَحل الْأَذَى وَقيل لَا تحب لِأَنَّه مِنْ بَابِ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَتَعْدِيَةُ مَحَلِّهِ مُعَلَّلٌ بِقَطْعِ أَصْلِ الْمَذْيِ وَالْمَذْيُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ السَّاكِنَةِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَالذَّالِ الْمُتَحَرِّكَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الطّرف الثَّالِث فِيمَا يستنجى بِهِ وَفِي الْجَوَاهِر هُوَ المَاء والأحجار وَجَمعهَا أَفْضَلُ لِإِزَالَةِ الْعَيْنِ وَالْأَثَرِ وَلِأَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ كَانُوا يَجْمَعُونَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْأَحْجَارِ فَمَدَحَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المتطهرين} وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَاءِ أَفْضَلُ مِنَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَحْجَار والاقتصار على الْأَحْجَار مجزىء لقَوْله عليه السلام فِي الحَدِيث السَّابِق
تجزىء عَنْهُ
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يُكْرَهُ الْمَاءُ لِأَنَّهُ مطعوم وَقَالَ ابْن حبيب لَا يجزىء مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ وَخَصَّصَ الْأَحَادِيثَ بِالسَّفَرِ وَعَدَمِ الْمَاءِ وَيَقُومُ مَقَامَ الْأَحْجَارِ كُلُّ جَامِدٍ طَاهِرٍ مُنْقٍ لَيْسَ بِمَطْعُومٍ وَلَا ذِي حُرْمَةٍ وَلَا شَرَفٍ سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ نَوْعِ الْأَرْضِ كَالْكِبْرِيتِ وَنَحْوِهِ أَوْ غَيْرِ نَوْعِهَا كَالْخَزَفِ وَالْحَشِيشِ وَنَحْوِهِمَا خِلَافًا لِأَصْبَغَ لِقَوْلِهِ عليه السلام فِي الْبُخَارِيِّ
ائْتِنِي بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَلَا تَأْتِيَنِّي بِعَظْمٍ وَلَا رَوَثٍ
وَاسْتِثْنَاءُ هَذَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْأَحْجَارَ وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَلِأَصْبَغَ إِنَّ طَهَارَة الْحَدث والخبث اشتراكا فِي التَّطْهِيرِ بِالْمَاءِ وَالْجَمَادِ فَكَمَا لَا يُعْدَلُ بِغَيْرِ الْمَاءِ مِنَ الْمَائِعِ فَلَا يُعْدَلُ بِغَيْرِ جِنْسِ الْأَرْضِ مِنَ الْجَمَادِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالِاسْتِنْجَاءِ أَنَّ مَقْصُودَ الِاسْتِنْجَاءِ إِزَالَةُ الْعَيْنِ فَكُلُّ مَا أَزَالَهَا حَصَّلَ الْمَقْصُودَ وَالتَّيَمُّمُ تَعَبُّدٌ فَلَا يَتَعَدَّى مَحَلَّ النَّصِّ وَاشْتَرَطْنَا الطَّهَارَةَ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ وَالطَّهَارَةُ لَا تُحَصَّلُ بِالنَّجَاسَةِ وَلِقَوْلِهِ عليه السلام فِيمَا تَقَدَّمَ
لَا تَأْتِيَنِّي بِعَظْمٍ وَلَا رَوَثٍ
وَاشْتَرَطْنَا أَلَّا يَكُونَ مَطْعُومًا صَوْنًا لَهُ عَنِ الْقَذَرِ وَقَدْ نُهِيَ عَنِ الرَّوَثِ لِأَنَّه طَعَامٌ لِلْجَانِّ فَأَوْلَى طَعَامُنَا وَاشْتَرَطْنَا أَلَّا يَكُونَ ذَا حُرْمَةٍ حَذَرًا مِنْ أَوْرَاقِ الْعِلْمِ وَحِيطَانِ الْمَسَاجِدِ وَنَحْو ذَلِك
وَاشْتَرَطْنَا عَدَمَ الشَّرَفِ احْتِرَازًا مِنَ الْجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ وَاشْتَرَطْنَا الْمُنَقَّى احْتِرَازًا مِنَ الزُّجَاجِ وَالْبِلَّوْرِ وَنَحْوِهِمَا لِنَشْرِهِ النَّجَاسَةَ مِنْ غَيْرِ إِزَالَةٍ فَرْعٌ قَالَ فَإِنِ اسْتَنْجَى بِعَظْمٍ أَوْ رَوَثٍ أَوْ طَعَامٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ خِلَافًا ش لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ إِزَالَةُ الْعَيْنِ وَفِي الْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ خِلَافٌ لِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ فَرْعٌ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَوْ عَلِقَتْ بِهِ رُطُوبَةُ الْمَيْتَةِ أَوْ تَعَلَّقَتِ الرَّوْثَةُ عَلَى الْمَحَلِّ تَعَيَّنَ الْغَسْلُ فُرُوعٌ الْأَوَّلُ قَالَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ رحمه الله جَوَازُ الِاسْتِجْمَارِ بِالْحُمَمِ لِأَنَّه لَمْ يَذْكُرْهُ عليه السلام فِي اسْتِثْنَائِهِ وَمَنْعُهُ مَرَّةً لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ قَدِمَ وَفْدُ الْجِنِّ عَلَيْهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ اِنهَ أُمَّتَكَ أَنْ يَسْتَجْمِرُوا بِعَظْمٍ أَوْ رَوَثٍ أَوْ حُمَمَةٍ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَنَا فِيهَا رِزْقًا فَنَهَى عليه السلام عَنْ ذَلِكَ الثَّانِي لَوِ اسْتَجْمَرَ بِأَصَابِعِهِ أَوْ ذَنَبِ دَابَّةٍ أَوْ شَيْءٍ مُتَّصِلٍ بِحَيَوَانٍ وَأَنْقَى أَجْزَأَ خِلَافًا ش فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالْأَحْجَارِ إِنْ كَانَ تَعَبُّدًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ الصُّوفُ وَالْخِرَقُ وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ الْإِزَالَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ بِالْجَمِيعِ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ قَلْعِ صُوفٍ مِنْ ذَنَبِ دَابَّةٍ فَيَسْتَنْجِي بِهِ أَوْ يَسْتَنْجِي بِهِ مُتَّصِلًا فَلَا هُوَ أَعْطَى التَّعْمِيمَ حُكْمَهُ وَلَا هُوَ أَعْطَى التَّخْصِيصَ حُكْمَهُ الثَّالِثُ إِذَا انْفَتَحَ مَخْرَجٌ لِلْحَدَثِ وَصَارَ مُعْتَادًا اسْتَجْمَرَ مِنْهُ وَلَا يَلْحَقُ بِالْجَسَدِ وَمَا قَارَبَ الْمَخْرَجَ مِمَّا لَا انْفِكَاكَ عَنْهُ غَالِبًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَخْرَجِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم كَانُوا يَسْتَنْجُونَ مَعَ اخْتِلَافِ حَالَاتِهِمْ وَلَا يَسْتَعْمِلُونَ الْمَاءَ وَالْغَالِبُ وُقُوعُ مِثْلِ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَخَالَفَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّجَاسَةِ الْغَسْلُ
الطّرف الرَّابِع فِي كَيْفيَّة الِاسْتِنْجَاء يُكْرَهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْيَمِينِ إِلَّا لِضَرُورَةٍ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ
لَا يُمْسِكْ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُولُ وَلَا يَتَمَسَّحْ مِنَ الْخَلَاءِ بِيَمِينِهِ وَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الْإِنَاءِ
فَيَبْدَأُ بِغَسْلِ يَدِهِ الْيُسْرَى قَبْلَ الْمُلَاقَاةِ لِأَنَّه أَبْعَدُ عَنْ عُلُوقِ النَّجَاسَةِ بِيَدِهِ ثُمَّ يَغْسِلُ مَحَلَّ الْبَوْلِ أَوَّلًا لِئَلَّا تَتَنَجَّسَ يَدُهُ بِالْبَوْلِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ عَادَتُهُ إِدْرَارَ الْبَوْلِ عِنْدَ غَسْلِ مَحَلِّ الْغَائِطِ فَلَا فَائِدَةَ حِينَئِذٍ بِتَعْجِيلِهِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إِلَى مَحَلِّ الْغَائِطِ وَيُرْسِلُ الْمَاءَ وَيُوَالِي الصَّبَّ عَلَى يَدِهِ غَاسِلًا بِهَا الْمَحَلَّ وَيَسْتَرْخِي قَلِيلًا لِيَتَمَكَّنَ مِنَ الْإِنْقَاءِ وَيُجِيدَ الْعَرْكَ حَتَّى تَزُولَ اللُّزُوجَةُ وَلَا يَضُرُّهُ بَقَاءُ الرَّائِحَةِ بِيَدِهِ وَأَمَّا الْأَحْجَارُ فَيَسْتَنْجِي بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ لِكُلِّ مَخْرَجٍ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ
مَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ
وَيَبْدَأُ بِمَخْرَجِ الْبَوْلِ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ أَنْقَى بِدُونِهَا أَجْزَأَهُ خِلَافًا ش لِأَنَّ الْوَاحِدَ وِتْرٌ فَيَخْرُجُ بِهِ عَنِ الْعُهْدَةِ وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَالشَّيْخُ إِسْحَاقُ يَلْزَمُهُ طَلَبُهَا لِمَا فِي مُسْلِمٍ
لَا يَسْتَجْمِرْ أَحَدُكُمْ بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ
وَلِأَنَّهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَيُتَوَقَّفُ عَلَى سَبَبِهِ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ وَالْحَجَرُ الَّذِي لَهُ ثَلَاثَة شعب يجزىء وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ لَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَتَتَعَيَّنُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثَةِ إِنْ لَمْ يَحْصُلِ الْإِنْقَاءُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فِي صِفَةِ الِاسْتِجْمَار ثَلَاثَة مَذَاهِب أَحدهمَا أَنْ يَمْسَحَ بِكُلِّ حَجَرٍ مِنَ الثَّلَاثِ جُمْلَةَ الْمَخْرَجِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَثَانِيهَا يَمْسَحُ بِالْأَوَّلِ الْجِهَةَ الْيُمْنَى ثُمَّ يُدِيرُهُ حَتَّى يَتَنَاهَى إِلَى مُؤَخِّرِ الْيُسْرَى وَيَبْدَأُ بِالْحَجَرِ الثَّانِي مِنْ مُقَدَّمِ الْيُسْرَى حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى مُؤَخِّرِ الْيَمِينِ ثُمَّ يُدِيرُهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى مُقَدَّمِهَا وَيُدِيرُ الثَّالِثَ عَلَى جَمِيعِهَا لِمَا رَوَى فِي ذَلِكَ مَالِكٌ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ
يُقْبِلُ
بِحَجَرٍ وَيُدْبِرُ بِحَجَرٍ وَيُحَلِّقُ بِثَالِثٍ
وَهَذَا خِلَافُ مَا عُهِدَ فِي الزَّمَنِ الْقَدِيمِ وَفِيهِ الْأَعْرَابُ الْجُلُفُ وَلَمْ يُلْزِمُوا بِتَحْدِيدٍ مَعَ عُمُومِهِ وَعُمُومِ البلوي فروع أَرْبَعَة الأول الِاسْتِبْرَاءُ وَاجِبٌ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ عليه السلام مَرَّ بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ مَكَّةَ أَوِ الْمَدِينَةِ فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا فَقَالَ عليه السلام
إِنَّ هَذَيْنِ يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ ثُمَّ قَالَ بَلَى كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَنْثِرُ مِنْ بَوْلِهِ وَكَانَ الْآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ بَيْنَ النَّاسِ
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
لايستتر
قَالَ الْهَرَوِيّ فِي الغريبين
الرِّوَايَة لايستنثر
من الاستنثاروهو الجذب والنثر وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَشْرَعُ فِي الْوُضُوءِ قَبْلَ خُرُوجِ جَمِيعِ الْبَوْلِ فَيَخْرُجُ الْبَوْلُ بَعْدَهُ فَيُصَلِّي بِغَيْرِ وُضُوءٍ فَيَلْحَقُهُ الْعَذَابُ لَكِنْ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ وَيَقْعُدَ وَيَتَنَحْنَحَ لَكِنْ يَفْعَلُ مَا يرَاهُ كَافِيا فِي حَاله ويستبرىء ذَلِكَ بِالنَّفْضِ وَالسَّلْتِ الْخَفِيفِ وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ مُسْنَدًا أَنَّهُ عليه السلام قَالَ
إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلْيَنْتُرْ ذَكَرَهُ ثَلَاثًا وَيَجْعَلْهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ السَّبَّابَةِ وَالْإِبْهَامِ فَيُمِرُّهَا مِنْ أَصْلِهِ إِلَى كَمَرَتِهِ
الثَّانِي لَوْ تَرَكَ الِاسْتِنْجَاءَ وَالِاسْتِجْمَارَ وَصَلَّى بِالنَّجَاسَةِ أَعَادَ الصَّلَاةَ أَبَدًا إِذَا كَانَ عَامِدًا قَادِرًا أَوْ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ عَلَى قَاعِدَةِ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَلِمَالِكٍ رحمه الله فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ
مَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ
وَرِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ
مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ
وَالْوِتْرُ يَتَنَاوَلُ الْمَرَّةَ الْوَاحِدَةَ فَإِذَا نَفَاهَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ وَلِأَنَّهُ مَحَلٌّ تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَيُعْفَى عَنْهُ كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ قَالَ اللَّخْمِيُّ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ قَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَسْتَحِبُّ لَهُ أَنْ يُعِيدَ وُضُوءَهُ وَصَلَاتَهُ فِي الْوَقْتِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ كَأَنَّ ابْنَ الْجَلَّابِ رَاعَى فِي ذَلِكَ اسْتِخْرَاجَ النَّجَاسَةِ مِنْ غُضُونِ الشَّرَجِ فَيَكُونُ مُحْدِثًا فَلِذَلِكَ أَمَرَ بِإِعَادَةِ الْوُضُوءِ الثَّالِثُ إِذَا عَرِقَ فِي الثَّوْبِ بَعْدَ الِاسْتِجْمَارِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَابْنُ
رُشْدٍ يُعْفَى عَنْهُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى وَقَدْ عُفِيَ عَنْ ذَيْلِ الْمَرْأَةِ تُصِيبُهُ النَّجَاسَةُ مَعَ إِمْكَانِ شَيْلِهِ فَهَذَا أَوْلَى وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ كَانُوا يَسْتَجْمِرُونَ وَيَعْرَقُونَ وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ يَنْجَسُ لِتَعَدِّي النَّجَاسَةِ مَحَلَّ الْعَفْوِ الرَّابِعُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَوْ لَمْ يَذْكُرِ الِاسْتِجْمَارَ حَتَّى فَرَغَ مِنْ تَيَمُّمِهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ اسْتَجْمَرَ وَأَعَادَ التَّيَمُّمَ فَإِنْ صَلَّى قَبْلَ إِعَادَةِ التَّيَمُّمِ فَلَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا بُدَّ أَنْ يَتَّصِلَ بِالصَّلَاةِ وَقَدْ فَرَّقَهُ بِإِزَالَةِ النَّجْوِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجزئهُ كمن تيَمّم ثمَّ وطىء نَعْلُهُ عَلَى رَوَثٍ فَإِنَّهُ يَمْسَحُهُ وَيُصَلِّي الْكَلَامُ عَلَى الْمَقَاصِدِ وَفِيهِ سِتَّةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ فِي مُوجِبَاتِ الْوُضُوءِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ مُوجِبًا وَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ أَسْبَابٌ وَمَظِنَّاتٌ لِتِلْكَ الْأَسْبَابِ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ السَّبَبُ وَالسَّبَبُ فِي اللُّغَةِ الْحَبْلُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فليمدد بِسَبَب إِلَى السَّمَاء} أَيْ فَلْيَمْدُدْ بِحَبْلٍ إِلَى سَقْفِ بَيْتِهِ فَإِنَّ السَّقْفَ يُسَمَّى سَمَاءً أَيْضًا لِعُلُوِّهِ ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ فِي الْعِلَلِ لِكَوْنِ الْعِلَّةِ مُوَصِّلَةً لِلْمَعْلُولِ كَمَا يُوَصِّلُ الْحَبْلُ إِلَى الْمَاءِ فِي الْبِئْرِ وَفِي الْعِلْمِ أَيْضًا لِكَوْنِهِ مُوَصِّلًا لِلْهِدَايَةِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَآتَيْنَاهُ من كل شَيْء سَببا} أَيْ عِلْمًا يَهْتَدِي بِهِ السَّبَبُ الْأَوَّلُ الْفَضْلَةُ الْخَارِجَةُ مِنَ الدُّبُرِ وَتُسَمَّى غَائِطًا وَنَجْوًا وَبِرَازًا وَخَلَاءً فَالْغَائِطُ أَصْلُهُ الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ مِنَ الْأَرْضِ وَالنَّجْوُ جَمْعُ نَجْوَةٍ وَهِيَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ وَالْبَرَازُ بِفَتْحِ الْبَاءِ مَا بَعُدَ عَنِ الْعِمَارَةِ مِنَ الْمَوَاضِعِ وَمِنْهُ بَرَزَ الْفَارِسُ لِقَرْنِهِ وَبَرَزَتِ الثَّمَرَةُ مِنْ أَكْمَامِهَا وَالْخَلَاءُ الْمَوْضِعُ الْخَالِي مِنَ النَّاسِ وَلَمَّا كَانَتِ الْفَضْلَةُ تُوضَعُ فِي الْأَوَّلِ وَيَسْتَتِرُ بِهَا بِالثَّانِي وَيَذْهَبُ بِسَبَبِهَا لِلثَّالِثِ وَالرَّابِعِ اسْتِتَارًا عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ سُمِّيَتْ بِجَمِيعِ ذَلِكَ لِلْمُلَازَمَةِ وَمن
تَسْمِيَتِهَا بِالرَّابِعِ قَوْلُهُ عليه السلام
اتَّقُوا اللَّاعِنَيْنِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا اللَّاعِنَانِ قَالَ صلى الله عليه وسلم َ - الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طُرُقِ النَّاسِ وَظِلَالِهِمْ
الثَّانِي الْبَوْلُ الثَّالِثُ الرِّيحُ الْخَارِجُ مِنَ الدُّبُرِ خِلَافًا ش فِي اعْتِبَارِهِ الْخَارِجَ مِنَ الذِّكْرِ وَفَرْجِ الْمَرْأَةِ وَإِنْ كَانَ نَادِرًا الرَّابِعُ الْوَدْيُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِهَا وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَكَسْرِهَا وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَيُقَالُ وَدَى وَأَوْدَى وَهُوَ الْمَاءُ الْأَبْيَضُ الْخَارِجُ عُقَيْبَ الْبَوْلِ بِغَيْرِ لَذَّةٍ وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ قَوْله تَعَالَى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ من الْغَائِط} وَمَعْنَاهُ أَوْ جَاءَ أَحَدُكُمْ مِنَ الْمَكَانِ الْمُطْمَئِنِّ فَجَعَلَ تَعَالَى الْإِتْيَانَ مِنْهُ كِنَايَةً عَمَّا يَخْرُجُ فِيهِ عُدُولًا عَنِ الْفُحْشِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْخَارِجُ غَالِبًا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ هُوَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ أَسْبَابًا الْخَامِسُ الْمَذْيُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِهَا وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الذَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَيُقَالُ مَذَى وَأَمْذَى وَهُوَ الْمَاءُ الْأَصْفَرُ الْخَارِجُ مَعَ اللَّذَّةِ الْقَلِيلَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَمَرَ الْمِقْدَادَ أَنْ يَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - عَنِ الرَّجُلِ إِذَا دَنَا مِنْ أَهْلِهِ فَخَرَجَ الْمَذْيُ مِنْهُ مَاذَا عَلَيْهِ؟ قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه فَإِنَّ عِنْدِيَ ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - وَإِنِّي أَسْتَحِي أَنْ أَسْأَلَهُ قَالَ الْمِقْدَادُ فَسَأَلْتُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ
إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَنْضَحْ فَرْجَهُ وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ
وَالْمُرَادُ بِالنَّضْحِ هَهُنَا الْغَسْلُ فَيَجِبُ غَسْلُ الذَّكَرِ قَبْلَ الْوُضُوءِ وَهَلْ يَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ لِأَنَّه عِبَادَةٌ لِوُجُوبِ غَسْلِ مَا لَمْ تَمَسَّهُ نَجَاسَةٌ أَوْ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ لِكَوْنِ الْغَسْلِ مُعَلَّلًا بِقَطْعِ أَصْلِ الْمَذْي؟ قَولَانِ
السَّادِسُ الْمَاءُ الْأَبْيَضُ يَخْرُجُ مِنَ الْحَامِلِ وَيُعْرَفُ بِالْهَادِي يَجْتَمِعُ فِي وِعَاءٍ لَهُ يَخْرُجُ عِنْدَ وَضْعِ الْحَمْلِ أَوْ مُوجِبِ السَّقْطِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِم فِي العتيبة يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصر لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة (كلمة غير وَاضِحَة) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ الْأَحْسَنُ عَدَمُ الْوُجُوبِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ مُعْتَادًا السَّابِعُ الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ مِنَ الْحَيْضِ قَالَ الْمَازِرِيُّ هُمَا حَيْضٌ إِنْ تَبَاعَدَ بَيْنَهُمَا وَبَين الطُّهْر وَمَا عَقِبَيْهِ وَمَضَى مِنَ الزَّمَانِ مَا يَكُونُ طُهْرًا أُوجِبَ الْوُضُوءُ دُونَ الْغَسْلِ عِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ وَوَجْهُهُ قَوْلُ أُمِّ عَطِيَّةَ كُنَّا لَا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ والكدرة بعد الطُّهْر قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَتُسَمَّى هَذِهِ التَّرِيَّةَ قَالَ صَاحِبُ الْخِصَالِ وَكَذَلِكَ إِذَا خَرَجَا عُقَيْبَ النِّفَاسِ الثَّامِنُ الْحَقْنُ الشَّدِيدُ وَيُقَالُ الْحَاقِنُ لِمَدَافِعِ الْبَوْلِ والحاقب لمداف الْغَائِطِ وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِلْفَضْلَتَيْنِ الْحُقْبَةُ وَالْحُقْنَةُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِنْ صَلَّى وَهُوَ يُدَافِعُ الْحَدَثَ يُعِيدُ بَعْدَ الْوَقْتِ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ قَالَ الْأَشْيَاخُ إِنْ مَنَعَهُ ذَلِكَ مِنْ إِتْمَامِ الْفُرُوضِ أَعَادَ بَعْدَ الْوَقْتِ أَوْ مِنْ إِتْمَامِ السُّنَنِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ كَمَا اخْتُلِفَ فِي مُتَعَمِّدِ تَارِكِ السُّنَنِ هَلْ يُعِيدُ بَعْدَ الْوَقْتِ أَمْ لَا؟ وَإِنْ مَنَعَهُ مِنَ الْفَضَائِلِ لَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ فَمَتَى كَانَ بِحَيْثُ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ وَمَتَى كَانَ يُوجِبُ إِعَادَةَ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ اسْتُحِبَّ مِنْهُ الْوُضُوءُ التَّاسِعُ قَالَ صَاحِبُ الْخِصَال الْقَرْقَرَةُ الشَّدِيدَةُ تُوجِبُ الْوُضُوءَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَخَرَّجَ ذَلِكَ عَلَى تَفْضِيلِ ابْنِ بَشِيرٍ فَهَذِهِ الْمُوجِبَاتُ إِنْ خَرَجَتْ عَنِ الْعَادَةِ وَاسْتَغْرَقَتِ الزَّمَانَ فَلَا يُشْرَعُ الْوُضُوءُ مِنْهَا لِأَنَّ مَقْصُودَهُ أَنْ يُوقِعَ الصَّلَاةِ بِطَهَارَةٍ لَيْسَ بَعْدَهَا حَدَثٌ وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَسْتَغْرِقِ الزَّمَانَ فَفِيهَا ثَلَاثُ حَالَاتٍ الْأُولَى أَنْ يَسْتَنْكِحَ وَيُكْثِرَ تَكْرَارَهُ فَيَسْقُطَ إِيجَابُهُ عِنْدَ مَالِكٍ رحمه الله كَمَا
قَالَ فِي الْكتاب خلافًا ش وح لِمَا فِي السُّنَنِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ عليه السلام إِنَّ بِيَ النَّاسُورَ يَسِيلُ مِنِّي فَقَالَ عليه السلام
إِذَا تَوَضَّأْتَ فَسَالَ مِنْ فَرَقِكَ إِلَى قَدَمِكَ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْكَ
وَقِيَاسًا عَلَى دَمِ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْغُسْلَ فَإِنْ خَرَجَ عَنِ الْعَادَةِ لَمْ يُوجِبْهُ وَهُوَ دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ رحمه الله إِيجَابُهُ وَإِنْ تَكَرَّرَ نَظَرًا لِجِنْسِهِ وَإِذَا سَقَطَ الْإِيجَابُ بَقِيَ النَّدْبُ وَمُرَاعَاةً لِلْجِنْسِ وَالْخِلَافِ فَرْعَانِ مُرَتَّبَانِ الْأَوَّلُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِذَا اسْتُحِبَّ لَهُ الْوُضُوءُ اسْتُحِبَّ لَهُ غَسْلُ فَرْجِهِ قِيَاسًا عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْمُسْتَحَاضَةُ وَقَالَ سُحْنُونُ لَا يُسْتَحَبُّ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ أَخَفُّ مِنَ الْحَدَثِ بِدَلِيلِ أَنَّ صَاحِبَ الْجَرْحِ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ غَسْلُ الْيَسِيرِ مِنْ دَمِهِ وَيُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ مِنْ يَسِيرِ السَّلَسِ الثَّانِي قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْإِبْيَانِيُّ يُبَدِّلُ الْخِرْقَةَ أَوْ يَغْسِلُهَا عِنْدَ الصَّلَاةِ وَقَالَ سُحْنُونُ لَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَغَسْلُ الْفَرْجِ أَهْوَنُ فَإِنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رضي الله عنه كَانَ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ حِينَ كَبِرَ وَمَا كَانَ يَزِيدُ عَنِ الْوُضُوءِ الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ زَمَانُ وُجُودِهِ أَقَلَّ وَفِي الْجَوَاهِرِ فَيَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ السَّالِمِ عَنِ الضَّرُورَةِ وَعِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ لَا يَجِبْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا خَاطَبَ عِبَادَهُ بِالْمُعْتَادِ إِذْ هُوَ غَالِبُ التَّخَاطُبِ وَهَذَا لَيْسَ بِمُعْتَادٍ وَيُؤَكِّدُ هَذَا حَمْلُ الْأَلْفَاظِ فِي التَّكَالِيفِ وَالْوَصَايَا وَالْأَوْقَافِ وَالْمُعَامَلَاتِ عَلَى الْغَالِبِ بِالْإِجْمَاعِ الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يَسْتَوِيَ الْحَالَانِ وَفِي الْجَوَاهِرِ فَيَجِبُ الْوُضُوءُ لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ وَقِيلَ لَا يَجِبُ لِخُرُوجِهِ عَن الْعَادة فروع أَرْبَعَة الْأَوَّلُ إِذَا كَثُرَ الْمَذْيُ لِلْعُزْبَةِ فَفِي الْكِتَابِ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ لِخُرُوجِهِ عَلَى
وَجْهِ الصِّحَّةِ وَقَالَ بَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ لِخُرُوجِهِ عَنِ الْعَادَةِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَالْمَدَارُ عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ فِي هَذَا عَلَى وجود الذة فَإِنْ وُجِدَتْ وَجَبَ الْوُضُوءُ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا يَشْهَدُ لَهُ الْمَنِيُّ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ لِطُولِ الْعزبَة بِغَيْر لذ لَا يُوجِبُ غُسْلًا قَالَ وَقَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ وَالتُّونِسِيُّ إِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى النِّكَاحِ أَوِ التَّسَرِّي وَجَبَ وَلَمْ يُفَصِّلَا وَالْأَشْبَهُ التَّفْصِيلُ وَيُلْزِمُ ابْنُ الْجَلَّابِ أَنْ يُرَاعِيَ فِي سَلَسِ الْبَوْلِ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّدَاوِي الثَّانِي فِي الْجَوَاهِرِ إِذَا لَمْ يَجِبِ الْوُضُوءُ بِالسَّلَسِ هَلْ يَسْقُطُ حُكْمُهُ بِاعْتِبَارِ غَيْرِهِ حَتَّى يَؤُمَّ بِهِ؟ قَوْلَانِ مَنْشَؤُهُمَا أَنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ اعْتِبَارَهُ فَتَجُوزُ الْإِمَامَةُ بِهِ وَالْقِيَاس على إِمَامَة الْمُتَيَمم وَهُوَ مُحدث بالمتوضيء وَيُنْظَرُ إِلَى اخْتِصَاصِ السَّبَبِ الْمُسْقِطِ لِاعْتِبَارِهِ بِصَاحِبِهِ وَهُوَ الضَّرُورَةُ فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْعِلَّةِ بِدُونِهَا الثَّالِثُ قَالَ إِذَا خَرَجَ الْمُعْتَادُ الْمُوجِبُ عَلَى الْعَادَةِ مِنْ غَيْرِ الْمَخْرَجِ فَلِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ بِهِ قَوْلَانِ نَظَرًا لِجِنْسِهِ أَوْ لِكَوْنِ مَحَلِّهِ غَيْرَ مُعْتَادٍ وَاللَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا خَاطَبَ عِبَادَهُ بِالْمُعْتَادِ الرَّابِعُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ إِذَا كَانَ النَّاسُورُ يَطْلُعُ فِي كُلِّ حِينٍ وَيَرُدُّهُ بِيَدِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا غَسْلُ يَدِهِ فَإِنْ كَثُرَ ذَلِكَ سَقَطَ غَسْلُ الْيَدِ وَيُرْوَى بِالنُّونِ وَهُوَ عَرَبِيٌّ وَبِالْبَاءِ وَهُوَ عَجَمِيٌّ حَكَاهُ الزُّبَيْدِيُّ وَبِالْبَاءِ وَجَعُ الْمَقْعَدَةِ وَتَوَرُّمُهَا مِنْ دَاخِلٍ وَخُرُوجُ الثَّآلِيلِ وَبِالنُّونِ انْتِفَاخُ عُرُوقِهَا وَجَرَيَانُ الدَّمِ وَمَادَّتِهَا وَقِيلَ بِالْبَاءِ لِلْمَقْعَدَةِ وَبِالنُّونِ لِلْأَنْفِ الْأَعْلَى لِلْأَعْلَى وَالْأَسْفَلُ لِلْأَسْفَلِ فَإِنَّ النُّونَ يُنَقَّطُ أَعْلَاهَا وَالْبَاءَ أَسْفَلهَا قَالَ صَاحب الطّراز فَعِنْدَ الشَّافِعِي رحمه الله يجب الْوضُوء لمسه دبره هَا هُنَا وَعِنْدَ حَمْدِيسٍ مِنْ أَصْحَابِنَا يُفَرِّقُ بَيْنَ أَنْ يَتَكَرَّرَ فَلَا يَنْقُضُ أَوْ لَا فَيَنْقُضُ وَإِذَا قُلْنَا بِعَدَمِ النَّقْضِ فَتَنْجَسُ الْيَدُ لِأَنَّ بِلَّةَ الْفَرْجِ نَجِسَةٌ وَعِنْدَ مَنْ يَقُولُ
بِطَهَارَتِهَا إِلْحَاقًا لَهَا بِالْعَرَقِ لِخُرُوجِهَا مِنْ مَسَامِّ الْجِلْدِ تَكُونُ الْيَدُ طَاهِرَةً الْعَاشِرُ فِي التَّلْقِينِ الرِّدَّةُ خِلَافًا ش لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَئِنْ أَشْرَكْتَ ليحبطن عَمَلك} وَنَحْوِهِ بَعْدَ الرُّجُوعِ إِلَى الْإِسْلَامِ لِبُطْلَانِ الْوُضُوءِ السَّابِقِ فَيَصِيرُ مُحْدِثًا قَالَ الْمَازِرِيُّ لَا يَبْطُلُ الْوضُوء ومستند هَذَا القَوْل وَهُوَ قَول الشَّافِعِي رحمه الله قَوْله تَعَالَى {وَمن يرْتَد مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّار هم فِيهَا خَالدُونَ} تَحْقِيقٌ الْقَاعِدَةُ الْأُصُولِيَّةُ أَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَتُحْمَلُ الْآيَةُ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فَلَا يَحْصُلُ الْحُبُوطُ بِمُجَرَّدِ الرِّدَّةِ حَتَّى يَتَّصِلَ بِهَا الْمَوْتُ وَالْجَوَابُ لِمَالِكٍ رحمه الله أَنَّ الْآيَةَ رُتِّبَ فِيهَا أَمْرَانِ وَهُمَا حُبُوطُ الْعَمَلِ وَالْخُلُودُ فِي النَّارِ عَلَى أَمْرَيْنِ وَهُمَا الرِّدَّةُ وَالْوَفَاةُ عَلَيْهَا فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ لِلْأَوَّلِ وَالثَّانِي لِلثَّانِي فَلَمْ يَتَعَيَّنْ صَرْفُ الْآيَةِ الْأُولَى لِلثَّانِيَةِ لِعَدَمِ التَّعَارُضِ وَلَا يَكُونَانِ مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ كَمَا لَوْ قِيلَ
فَمَنْ جَاهَدَ مِنْكُمْ فَيَمُتْ فَلَهُ الْغَنِيمَةُ وَالشَّهَادَةُ
فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ حَقٌّ وَلَيْسَ الْمَوْتُ شَرْطًا فِي الْغَنِيمَةِ إِجْمَاعًا الْحَادِي عَشَرَ فِي الْجَوَاهِرِ الشَّكُّ فِي الْحَدَثِ بعد الطَّهَارَة فِي حق غير الموسوس يوجوب الْوضُوء خلافًا ش وح وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ وَرُوِيَ عَنهُ فِي غَيره الِاسْتِصْحَاب فَأَجْرَى الْقَاضِيَانِ أَبُو الْفَرَجِ وَأَبُو الْحَسَنِ وَالْأَبْهَرِيُّ رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى ظَاهِرِهَا وَحَمَلَهَا أَبُو يَعْقُوبَ الرَّازِيُّ عَلَى النَّدْبِ وَكَذَلِكَ إِذَا شَكَّ فِي الطَّهَارَةِ وَالْحَدَثِ جَمِيعًا أَوْ تَيَقُّنِهِمَا جَمِيعًا وَشَكَّ فِي الْمُتَقَدِّمِ أَوْ
تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ أَوْ بَعْضِهَا وَعَلِمَ تَأَخُّرَهَا أَوْ شَكَّ فِيهِ أَوْ عَلِمَ تَقَدُّمَهَا وَشَكَّ فِي طُرُوِّ الْحَدَثِ وَأَمَّا الْمُوَسْوَسُ فَأَطْلَقَ ابْنُ شَاسٍ رحمه الله الْقَوْلَ بِاعْتِبَارِ أَوَّلِ خَوَاطِرِهِ لِأَنَّه حِينَئِذٍ فِي حَيِّزِ الْعُقَلَاءِ وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ وَالتُّونِسِيُّ وَاللَّخْمِيُّ إِذَا تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ تَوَضَّأَ وَإِنْ كَانَ مُوَسْوَسًا وَعَكْسُهُ يُعْفَى عَنِ الْمُوَسْوَسِ وَالْفَرْقُ اسْتِصْحَابُ الْأَصْلِ السَّابِقِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ إِذَا تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ وَهُوَ غَيْرُ مُوَسْوَسٍ فَفِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ الْوُجُوبُ وَالنَّدْبُ وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي صَلَاةٍ أَمْ لَا وَالثَّلَاثَةُ لِمَالِكٍ رحمه الله وَعِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ الشَّكُّ فِي الرِّيحِ مُلْغًى وَفِي الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ مُعْتَبَرٌ وَفَرَّقَ أَيْضًا بَيْنَ الشَّكِّ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي وَبَيْنَ الشَّكِّ فِي الْحَالِ فِي الرِّيحِ فَقَالَ فِي الْمَاضِي يَجِبُ وَفِي الْحَاضِرِ لَا يَجِبُ إِذَا كَانَ مُجْتَمِعَ الْحِسِّ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَهَذِهِ التَّفْرِقَةُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ
إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الْمَسْجِدِ فَوَجَدَ ريحًا بَين ألييه فَلَا يَخْرُجْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا
قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فُرُوعٌ مُتَنَاقِضَةٌ قَالَ مَالِكٌ رحمه الله فِيمَنْ شَكَّ فِي الطَّهَارَةِ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ فَاعْتَبَرَ الشَّكَّ وَقَالَ فِيمَنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَأَلْغَى الشَّكَّ وَفِيمَنْ شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا يَبْنِي عَلَى ثَلَاثٍ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ فَاعْتَبَرَ الشَّكَّ وَقَالَ فِيمَنْ شَكَّ هَلْ سَهَا أَمْ لَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَأَلْغَى الشَّكَّ وَقَالَ فِيمَنْ شَكَّ هَلْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ لَا يَصُومُ فَأَلْغَاهُ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فِي الْمَذْهَبِ وَالشَّرِيعَةِ فَعَلَى الْفَقِيهِ أَنْ يَعْلَمَ السِّرَّ فِي ذَلِكَ قَاعِدَةٌ الْأَصْلُ أَلَّا يُعْتَبَرَ فِي الشَّرْعِ إِلَّا الْعِلْمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} لِعَدَمِ الْخَطَأِ فِيهِ قَطْعًا لَكِنْ تَعَذَّرَ الْعِلْمُ فِي أَكْثَرِ الصُّوَرِ فَجَوَّزَ
الشَّرْعُ اتِّبَاعَ الظُّنُونِ لِنُدْرَةِ خَطَئِهَا وَغَلَبَةِ إِصَابَتِهَا وَبَقِيَ الشَّكُّ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ فَكُلُّ مَشْكُوكٍ فِيهِ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ وَيَجِبُ اعْتِبَارُ الْأَصْلِ السَّابِقِ عَلَى الشَّكِّ فَإِنْ شَكَكْنَا فِي السَّبَبِ لَمْ نُرَتِّبِ الْمُسَبَّبَ أَوْ فِي الشَّرْطِ لَمْ نُرَتِّبِ الْمَشْرُوطَ أَوْ فِي الْمَانِعِ لَمْ نَنْفِ الْحُكْمَ فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا لَا تَنْتَقِضُ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي وَجْهِ اسْتِعْمَالِهَا فالشافعي رحمه الله يَقُولُ الطَّهَارَةُ مُتَيَقَّنَةٌ وَالْمَشْكُوكُ فِيهِ مُلْغًى فَنَسْتَصْحِبُهَا مَالك رحمه الله يَقُولُ شُغْلُ الذِّمَّةِ بِالصَّلَاةِ مُتَيَقَّنٌ يحْتَاج إِلَى سَبَب مبرىء وَالشَّكُّ فِي الشَّرْطِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الْمَشْرُوطِ فَيَقَعُ الشَّكُّ فِي الصَّلَاةِ الْوَاقِعَةِ بِالطَّهَارَةِ الْمَشْكُوكِ فِيهَا وَهِي السَّبَب المبرىء وَالْمَشْكُوكُ فِيهِ مُلْغًى فَيَسْتَصْحِبُ شُغْلَ الذِّمَّةِ وَكَذَلِكَ إِذَا شَكَّ فِي عَدَدِ صَلَوَاتِهِ فَقَدْ شَكَّ فِي السَّبَب المبرىء فَيَسْتَصْحِبُ شُغْلَ الذِّمَّةِ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُكَلَّفُ بِسَبَبٍ مبرىء وَكَذَلِكَ الْعِصْمَةُ مُتَيَقَّنَةٌ وَالشَّكُّ فِي السَّبَبِ الْوَاقِعِ فَيَسْتَصْحِبُهَا وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْفَقِيهِ تَخْرِيجُ فُرُوعِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَتْمِيمٌ قَدْ يَكُونُ الشَّكُّ نَفْسُهُ سَبَبًا كَمَا يَجِبُ السُّجُودُ بَعْدَ السَّلَامِ عَلَى الشَّك فالسبب هَهُنَا مَعْلُومٌ وَهُوَ الشَّكُّ فَإِنَّ الشَّاكَّ يَقْطَعُ بِأَنَّهُ شَاكٌّ وَالَّذِي انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى إِلْغَائِهِ هُوَ الْمَشْكُوكُ فِيهِ لَا الشَّكُّ فَلَا يَلْتَبِسْ عَلَيْكَ ذَلِكَ فَرْعٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِذَا صَلَّى شَاكًّا فِي الطَّهَارَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَهَا قَالَ مَالِكٌ صَلَاتُهُ تَامَّةٌ لِأَنَّ الشَّرْطَ الطَّهَارَةُ وَهِيَ حَاصِلَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ سَوَاءٌ عُلِمَتْ أَمْ لَا وَقَالَ الْأَشْهَبُ وَسَحْنُونُ هِيَ بَاطِلَةٌ لِأَنَّه غَيْرُ عَامِلٍ عَلَى قَصْدِ الصِّحَّةِ الثَّانِي عَشَرَ الْمَنِيُّ يَخْرُجُ بَعْدَ الْغَسْلِ قَالَ مَالِكٌ رحمه الله لَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْوُضُوءُ وَقَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ أَوْجَبَ سُحْنُونُ مَرَّةً بِهِ الْغَسْلَ وَمَرَّةً الْوُضُوءَ وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ فِي وُجُوبِهِ يَعْنِي الْوُضُوءَ قَوْلَانِ الْوُجُوبُ لِلْبَغْدَادِيِّينَ وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ الْجَلَّابِ وَهُوَ مُلْحَقٌ بِدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ الَّذِي وَرَدَ الْحَدِيثُ فِيهِ
بِجَامِعِ إِيجَابِ حَيْضِهَا لِلْغُسْلِ فَكَمَا أَوْجَبَ أَحَدُهُمَا الْوُضُوءَ حَالَةَ قُصُورِهِ عَنِ الْغُسْلِ يُوجِبُ الْآخَرُ الثَّالِثَ عَشَرَ دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ يُسْتَحَبُّ مِنْهُ الْوُضُوءُ عِنْد مَالك رحمه الله خلافًا ش وح وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي الرِّسَالَةِ يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ وَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَهْرَاقُ الدِّمَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - فَاسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - فَقَالَ عليه السلام لِتَنْظُرْ إِلَى عَدَدِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنِّ مِنَ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ قَدْرَ ذَلِكَ مِنَ الشَّهْرِ فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ وَلْتَسْتَتِرْ بِثَوْبٍ ثُمَّ لِتُصَلِّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ زَادَ عُرْوَةُ ثُمَّ تَتَوَضَّأْ لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّهُ خَرَجَ فِي الصَّلَاةِ أَكْمَلَتْهَا وَأَجْزَأَتْ عَنْهَا قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَنِيِّ الْخَارِجِ بَعْدَ الْغَسْلِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لُزُومُ الْخُرُوجِ بِخِلَافِ الْمَنِيِّ وَإِنَّمَا بَابُهُ سَلَسُ الْبَوْلِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَرَضِ وَلَوْ خَرَجَتْ فَضْلَةُ الْمَنِيِّ فِي الصَّلَاةِ أَبْطَلَتْهَا اتِّفَاقًا بِخِلَافِ سَلَسِهِ وَدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ. الرَّابِعَ عَشَرَ رَفْضُ النِّيَّةِ كَمَا إِذَا عَزَمَ عَلَى النَّوْمِ فَلَمْ يَنَمْ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ ظَاهِرُ الْكِتَابِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْوُجُوبِ لِقَوْلِهِ فِيمَنْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ بَيْنَ فَخِذَيْهَا لَا غُسْلَ عَلَيْهِمَا إِلَّا أَنْ يُنْزِلَا وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ شَعْبَانَ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ النِّيَّةِ تَخْصِيصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ تَعَالَى وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ وَالثَّانِي مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ كَجُزْءِ الطَّهَارَةِ وَذَهَابُ الْجُزْءِ يَقْتَضِي ذَهَابَ الْحَقِيقَةِ الْمُرَكَّبَةِ وَلِأَنَّ الْعَزْمَ على منافي الطَّهَارَة بنافي النِّيَّةَ الْفِعْلِيَّةَ فَأَوْلَى أَنْ يُنَافِيَ الْحُكْمِيَّةَ. الْخَامِسَ عَشَرَ رُؤْيَةُ الْمَاءِ بَعْدَ التَّيَمُّمِ وَقَبْلَ الصَّلَاةِ يُوجِبُ اسْتِعْمَالَهُ وَبُطْلَانَ الْإِبَاحَةِ السَّابِقَةِ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ مَشْرُوطٌ بِدَوَامِ عَدَمِ الْمَاءِ إِلَى الشُّرُوعِ فِيهَا عَلَى مَا يَأْتِي تَقْرِيرُهُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْقِسْمُ الثَّانِي مَظِنَّاتُ الْأَسْبَابِ: وَالْمَظِنَّةُ فِي اللُّغَةِ وَاصْطِلَاحِ الْعُلَمَاءِ الَّتِي يُوجَدُ عِنْدَهَا الظَّنُّ مِنْ بَابِ مَقْتَلٍ وَمَضْرَبٍ الَّذِي هُوَ الْقَتْلُ وَالضَّرْبُ فَجعله مَكَان الظَّن مجَاز وَهِي ثَمَان: الْمَظِنَّةُ الْأُولَى مَسُّ الذَّكَرِ بِبَاطِنِ الْكَفِّ عِنْدَ مَالِكٍ وَبِبَاطِنِ الْأَصَابِعِ أَيْضًا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ كَمَا حَكَاهُ فِي الْكِتَابِ يُوجِبُ الْوُضُوءَ خِلَافًا ح لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ
إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ
وَقَالَ أَشْهَبُ بَاطِنُ الْأَصَابِعِ لَا يُوجِبُ وُضُوءًا وَوَجْهُ تَخْصِيصِ بَاطِنِ الْكَفِّ وَالْأَصَابِعِ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ اللَّمْسَ يَكُونُ بِهِمَا وَلِأَنَّ فِيهِمَا مِنَ اللُّطْفِ وَالْحَرَارَةِ الْمُحَرِّكَيْنِ لِلْمَذْيِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهِمَا وَلِأَنَّ الْأَصَابِعَ أَصْلُ الْيَدِ بِدَلِيلِ تَكْمِيلِ الْعَقْلِ فِيهِمَا وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الْأَصَابِعَ أَقَلُّ حَرَارَةً وَلُطْفًا مِنْ بَاطِنِ الْكَفِّ فَلَا تلْحق بِهِ. وَلَا يشْتَرط اللَّذَّة عِنْد المغاربة وَبَعض البغدادين وَتُشْتَرَطُ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ قِيَاسًا عَلَى لَمْسِ النِّسَاءِ وَلِحَدِيث طلق قَالَ قدمنَا على سَوَّلَ الله صلى الله عليه وسلم َ - فَجَاءَ رَجُلٌ كَأَنَّهُ بَدَوِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَرَى فِي مَسِّ الرَّجُلِ ذَكَرَهُ بَعْدَ مَا يَتَوَضَّأُ فَقَالَ
(هَلْ هُوَ إِلَّا بِضْعَةٌ مِنْكَ)
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِوُجُودِ اللَّذَّةِ وَعَدَمِهَا وَعِنْدَ جَمِيع الْمَغَارِبَةِ بِتَعْيِينِ الْكَفِّ وَالْأَصَابِعِ لِلْوُجُوبِ وَقَالُوا طَلْقٌ مِنَ الْمُرْجِئَةِ فَيَسْقُطُ حَدِيثُهُ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْجمع وَقَالَ مَالك فِي العتيبة لَا يَجِبُ مِنْ مَسِّهِ وُضُوءٌ كَمَا قَالَهُ أَبُو حنيفَة وَأَوْرَدَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى حَدِيثِ بُسْرَةَ عَشَرَةَ أَسْئِلَةٍ: أَحدهَا أَن رِوَايَة عَنْهَا مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ وَهُوَ كَانَ يُحَدِّثُ فِي زَمَانه مَنَاكِير وَلذَلِك لم يقبل طَلْحَة مِنْهُ الرِّوَايَة وَقَالَ لَا أَعْرِفُهُ. وَثَانِيهَا أَنَّهُ أَرْسَلَ رَجُلًا مِنَ الشُّرَطِ لِيَنْقُلَ لَهُ مَا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ طَلْحَة وَالرجل مَجْهُول.
وَثَالِثُهَا أَنَّ رَبِيعَةَ شَيْخَ مَالِكٍ رحمه الله قَالَ لَوْ شَهِدَتْ بُسْرَةُ فِي بَقْلَةٍ مَا قَبِلْتُهَا. وَرَابِعُهَا رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ رحمه الله أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ سُنَّةٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ عِنْدَهُ هَذَا الْحَدِيثُ ثُمَّ يَسْتَجِيزُ هَذَا الْقَوْلَ. وَخَامِسُهَا قَوْلُ ابْنِ مَعِينٍ لَمْ يَصِحَّ فِي مَسِّ الذَّكَرِ حَدِيثٌ. وَسَادِسُهَا أَنَّ الرَّجُلَ أَوْلَى بِنَقْلِهِ مِنْ بُسْرَةَ. وَسَابِعُهَا أَنَّهُ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْقَلَ مُسْتَفِيضًا وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ دَلَّ عَلَى ضَعْفِهِ. وَثَامِنُهَا إِنْكَارُ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم لحكمه كعلي وَابْن مسعودفيقول عَليّ مَا أُبَالِي مسته أَوْ مَسِسْتُ طَرْفَ أَنْفِي وَيَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ إِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْكَ نَجِسًا فَاقْطَعْهُ. وَتَاسِعُهَا سَلَّمْنَا صِحَّتَهُ لَكِنْ نَحْمِلُهُ عَلَى غَسْلِ الْيَدِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَجْمِرُونَ ثُمَّ يَعْرَقُونَ ثُمَّ يُؤْمَرُ مَنْ مَسَّ مَوْضِعَ الْحَدَثِ بِالْوُضُوءِ الَّذِي هُوَ النَّظَافَةُ. وَعَاشِرُهَا أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ طَلْقٍ وَالْقِيَاسِ عَلَى سَائِرِ الْأَعْضَاءِ. وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَرْوَانَ كَانَ عَدْلًا وَلِذَلِكَ كَانَتِ الصَّحَابَةُ تَأْتَمُّ بِهِ وَتَغْشَى طَعَامَهُ وَمَا فَعَلَ شَيْئًا إِلَّا عَنِ اجْتِهَادٍ وَإِنْكَارُ عُرْوَةَ لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِ، وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ الرَّجُلَ مَعْلُومٌ عِنْدَ عُرْوَةَ وَإِلَّا لَمَا حَسُنَتْ إِقَامَةُ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ بِهِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُرْوَةَ سَمِعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهَا. وَعَنِ الثَّالِثِ أَنَّ عَدَمَ اسْتِقْلَالِ الْمَرْأَةِ فِي الشَّهَادَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ قَبُولِ رِوَايَتِهَا وَإِلَّا لَمَا قُبِلَتْ رِوَايَةُ عَائِشَةَ رضي الله عنها. وَعَنِ الرَّابِعِ أَنَّهُ لَمْ يَطْعَنْ فِي الصِّحَّةِ وَإِنَّمَا تَرَدَّدَ فِي دَلَالَةِ اللَّفْظِ هَلْ هِيَ لِلْوُجُوبِ أَوِ النَّدْبِ؟
وَعَنِ الْخَامِسِ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ فَقَدْ صَحَّ عِنْدَ غَيْرِهِ. وَعَنِ السَّادِسِ وَالسَّابِعِ أَنَّ الْخَبَرَ رَوَاهُ نَحْوُ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. وَعَنِ الثَّامِنِ أَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُمْ وَثَبَتَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ وَلَا يَجِبُ فِي الصَّحَابِيِّ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى سَائِرِ الْأَحَادِيثِ. وَعَنِ التَّاسِعِ أَنَّ لَفْظَ الشَّارِعِ إِذَا وَرَدَ حُمِلَ عَلَى عُرْفِهِ حَتَّى يَرِدَ خِلَافُهُ. وَعَنِ الْعَاشِرِ أَنَّ حَدِيثَ طَلْقٍ لَا يَصِحُّ وَالْقِيَاسُ قُبَالَةَ النَّصِّ فَاسِدٌ قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ الَّذِي تَقَرَّرَ عِنْدَ الْمَغَارِبَةِ أَنَّ مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ أُمِرَ بِالْوُضُوءِ مَا لَمْ يُصَلِّ فَإِنْ صَلَّى أُمِرَ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ وَكَذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ نَافِعٍ وَأَشْهَبُ وَقَالَ سَحْنُونُ وَالْعُتْبِيُّ لَا يُعِيدُ مُطْلَقًا قَالَ اللَّخْمِيُّ الْإِعَادَةُ مُطْلَقًا رِوَايَةُ الْمَدَنِيِّينَ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْعَامِدُ يُعِيدُ مُطْلَقًا وَالنَّاسِي فِي الْوَقْتِ وَقَالَ سَحْنُونُ أَيْضًا يُعِيدُ فِي الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثِ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَسِّهِ نَاسِيًا أَوْ عَلَى ثَوْبٍ خَفِيفٍ أَوْ بِذِرَاعِهِ أَوْ بِظَاهِرِ كَفِّهِ أَوْ قَصَدَ إِلَى مَسِّهِ بِشَيْءٍ مِنْ أَعْضَائِهِ سِوَى يَدِهِ. وَتَحْصِيلُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمَغَارِبَةِ أَنَّ مَسَّهُ بِبَاطِنِ الْكَفِّ وَالْأَصَابِعِ دُونَ حَائِلٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَغَيْرُ ذَلِكَ لَا يَنْقُضُهُ. فِي الْجَوَاهِرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ الْعَمَلُ مِنَ الرِّوَايَاتِ عَلَى وُجُوبِ الْوُضُوءِ مِنْهُ مِنْ فَوْقِ ثَوْبٍ أَوْ مِنْ تَحْتِهِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ رحمه الله الْوُجُوبُ مِنْ فَوْقِ الْغِلَالَةِ الْخَفِيفَةِ.
فُرُوعٌ ثَمَانِيَةٌ: الْأَوَّلُ مِنَ الطَّرَّازِ إِذَا مَسَّهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ أَوْ بِحَرْفِ كَفِّهِ أَوْ بِأُصْبُعٍ زَائِدَةٍ انْتَقَضَ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ خِلَافٌ وَالْقِيَاسُ عَلَى سَائِرِ الْأَحْدَاثِ يَقْتَضِي أَنَّ الْقَصْدَ لَا يُشْتَرَطُ وَكَذَلِكَ عُمُومُ الْحَدِيثِ. الثَّانِي فِي الْجَوَاهِرِ لَوْ مَسَّ ذكره بعد قطعه لم ينْتَقض وضوؤه لِأَنَّه صَارَ لَيْسَ بِذَكَرٍ لَهُ وَالْحَدِيثُ إِنَّمَا وَرَدَ فِي ذَكَرِهِ وَلِذَهَابِ اللَّذَّةِ مِنْهُ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَوِ اسْتَدْخَلَتْهُ لَمْ يَجِبْ عَلَى صَاحِبِهِ غُسْلٌ. الثَّالِثُ قَالَ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُ الْخِتَانِ بِذَكَرِ الْمَخْتُونِ وَلَا بِذَكَرِ الْغَيْرِ خِلَافًا ش لِأَنَّه لَيْسَ ذَكَرًا لَهُ. الرَّابِعُ قَالَ لَا وُضُوءَ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ مَسِّ فَرْجِهَا قَالَهُ فِي الْكِتَابِ لِأَنَّ فَرْجَهَا لَيْسَ بِذَكَرٍ فَيَتَنَاوَلَهُ الْحَدِيثُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ عَلَيْهَا الْوُضُوءَ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه
(مَنْ أَفْضَى بِيَدِهِ إِلَى فَرْجِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ)
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ قَالَ عليه السلام
(وَيْلٌ لِلَّذِينِ يَمَسُّونَ فُرُوجَهُمْ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ فَقُلْتُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا لِلرِّجَالِ فَمَا بَالُ النِّسَاءِ فَقَالَ عليه السلام إِذَا مَسَّتْ إِحْدَاكُنَّ فَرْجَهَا فَلْتَتَوَضَّأْ)
وَرُوِيَ عَنْهُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَنْ تُلَطِّفَ وَبَيْنَ أَلَّا تُلَطِّفَ فَيَجِبُ الْوُضُوءُ مِنَ الْأَوَّلِ لِوُجُودِ اللَّذَّةِ وَسَأَلَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ مَالِكًا عَنِ الْإِلْطَافِ فَقَالَ أَنْ تُدْخِلَ يَدَهَا بَيْنَ شَفْرَيْهَا. وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي بَقَاءِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ عَلَى ظَاهِرِهَا أَوْ جَعْلِ التَّفْصِيلِ تَفْسِيرًا لِلْإِطْلَاقَيْنِ أَوْ جَعْلِ الْمَذْهَبِ عَلَى قَوْلَيْنِ النَّقْضُ مُطْلَقًا أَوِ التَّفْصِيلُ ثَلَاثَ طُرُقٍ. الْخَامِسُ قَالَ لَا يَنْتَقِضُ الْوضُوء بِمَسّ الدبر وَانْفَرَدَ حمد يس بِإِيجَاب مس
حَلْقَةِ الدُّبُرِ لِلْوُضُوءِ تَخْرِيجًا عَلَى إِيجَابِ مَسِّ الْمَرْأَةِ لِفَرْجِهَا وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لَا يُوجِبُهُ. السَّادِسُ قَالَ مَسُّ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ فَرْجَهُ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَن أيقين الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ عَلَى مَذْهَبِ الْمَغَارِبَةِ وَعَلَى مَذْهَبِ الْبَغْدَادِيِّينَ فِي مُرَاعَاةِ اللَّذَّةِ فَفِي أَيِّ فَرْجٍ اعْتَادَ وُجُودَهَا أَوْجَبَ الْوُضُوءَ. السَّابِعُ لَا ينتفض وُضُوءُ مَنْ مَسَّ ذَكَرَ غَيْرِهِ وَقَالَ الْأَيْلِيُّ الْبَصْرِيّ من أَصْحَابنَا ينتفض. الثَّامِنُ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِهِ قَالَ أَشْهَبُ مَنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ لَا يَرَى الْوُضُوءَ مِنَ الْمُلَامَسَةِ أَعَادَ أَبَدًا وَمَنْ صَلَّى خلف من لَا يرى الْوضُوء من مس الذَّكَرِ لَمْ يُعِدْ لِأَنَّ الْوُضُوءَ مِنَ الْمُلَامَسَةِ ثَابِتٌ بِالْقُرْآنِ الْمُتَوَاتِرِ وَمِنْ مَسِّ الذَّكَرِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ وَقَالَ سَحْنُونُ يُعِيدَانِ جَمِيعًا فِي الْوَقْتِ. الْمَظِنَّةُ الثَّانِيَةُ الْمُلَامَسَةُ قَالَ فِي الْكِتَابِ مَسُّ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ لِلَذَّةٍ مِنْ فَوْقِ ثَوْبٍ أَوْ مِنْ تَحْتِهِ أَوْ قُبْلَةٌ فِي غَيْرِ الْفَمِ يُوجِبُ الْوُضُوءَ خِلَافًا ح فِي اشْتِرَاطِهِ التَّجَرُّدَ وَالتَّعَانُقَ وَالْتِقَاءَ الْفَرْجَيْنِ مَعَ الِانْتِشَارِ وَلِمَنْعِ مُحَمَّد ابْن الْحَسَنِ إِيجَابَ الْمُلَامَسَةِ مُطْلَقًا وَخِلَافًا ش فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ اللَّذَّةِ مَعَ نَقْضِهِ أَصْلَهُ بِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ لَنَا قَوْله تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} وَفِي اشْتِرَاطِ اللَّذَّةِ مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلِي وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ. وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ كُنْتُ نَائِمَةً إِلَى جَنْبِ النَّبِيِّ
- صلى الله عليه وسلم َ - ففقدت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - مِنَ اللَّيْلِ فَلَمَسْتُهُ بِيَدِي فَوَقَعْتُ عَلَى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ الْحَدِيثَ. تَمَسَّكَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ مَنْ لَمَسَ زَوْجَتَهُ انْتَقَضَ وضوؤه بَلْ نُقِلَ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُ بَعْضَ زَوْجَاتِهِ وَلَا يَتَوَضَّأُ نَقَلَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْإِفْضَاءُ وَالتَّغَشِّي وَالرَّفَثُ وَالْمُلَامَسَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى كِنَايَاتٌ عَنِ الْوَطْءِ وَلِأَنَّ السَّبَبَ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا هُوَ الْمَذْيُ وَيُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى اعْتِبَارِ مَظِنَّةٍ لَهُ. وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ تَمَسُّكَهُمْ بِعُمُومِ الْبَلْوَى هُنَا وَفِي مَسْأَلَةِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى يَجِبُ اشْتِهَارُهُ وَإِلَّا فَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ لِأَنَّ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبلوى يكثر السؤوال فِيهِ فَيَكْثُرُ الْجَوَابُ عَنْهُ فَيَشْتَهِرُ وَهُمْ نَقَضُوا هَذِهِ الْقَاعِدَةَ بِإِيجَابِ الْوُضُوءِ مِنَ الْحِجَامَةِ وَالدَّمِ السَّائِلِ مِنَ الْجَسَدِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ كَانَ عليه السلام يَتْلُو طُولَ عُمُرِهِ {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} وَهُوَ مَقْطُوعٌ بِهِ مُتَوَاتِرٌ. وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ الْحَدِيثَ غَيْرُ صَحِيحٍ طَعَنَ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ هَذِهِ اللَّفْظَةُ لَا تُحْفَظُ وَإِنَّمَا الْمَحْفُوظُ كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ. وَعَنِ الثَّالِثِ أَنَّ قَوْلَهُ مَدْفُوعٌ بِقَوْلِ عَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهم إِنَّ الْقُبْلَةَ تُوجِبُ الْوُضُوءَ. وَعَنِ الرَّابِعِ أَنَّ مَظِنَّةَ الشَّيْءِ تُعْطِي حُكْمَ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَإِنْ أَمْكَنَ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ كَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ مَظِنَّةَ الْإِنْزَالِ أُعْطِيَ حُكْمَهُ وَالنَّوْمُ مَظِنَّةُ الْحَدَثِ وَأُعْطِيَ حُكْمَهُ مَعَ إِمْكَانِ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ وَعَلَى رَأْيِهِمُ الْمُبَاشَرَةُ مَعَ التَّجَرُّدِ وَمَا مَعَهُ مَظِنَّةٌ أَيْضًا.
وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَلْمُوسُ عُضْوًا أَوْ شَعْرًا مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَجْنَبِيَّةٍ أَو محرم وَبَيْنَ قَلِيلِ الْمُبَاشَرَةِ وَغَيْرِهَا وَبَيْنَ الْيَدِ وَالْفَمِ وَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ إِذَا وُجِدَتِ اللَّذَّةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ. فُرُوعٌ ثَمَانِيَةٌ: الْأَوَّلُ فِي الْجَوَاهِرِ الْقُبْلَةُ فِي الْفَمِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا اللَّذَّةُ لِأَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْهَا غَالِبًا فَأُقِيمَتِ الْمَظِنَّةُ مَقَامَهَا وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ وُجُودُهَا كَالْمَشَقَّةِ فِي السَّفَرِ لَا نَعْتَبِرُهَا مَعَ وُجُودِ مَظِنَّتِهَا وَهِيَ الْمَسَافَةُ الْمَحْدُودَةُ لَهَا وَرُوِيَ عَنْهُ اعْتِبَارُهَا قَالَ الْبَاجِيُّ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الْكِتَابِ. الثَّانِي إِذا وجد الملامس اللَّذَّةَ وَلَمْ يَقْصِدْهَا أَوْ قَصَدَهَا وَلَمْ يَجِدْهَا فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ عَلَى الْمَنْصُوصِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِوُجُودِ اللَّذَّةِ وَهِيَ السَّبَبُ وَأَمَّا الثَّانِي قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لِأَنَّ الْقَلْبَ الْتَذَّ لِأَجْلِ قَصْدِهِ لِذَلِكَ وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ اللَّذَّةُ لَا إِرَادَةُ اللَّذَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ إِذَا قَصَدَ مَسَّهَا مِنْ فَوْقِ حَائِلٍ كَثِيفٍ قَالَ اللَّخْمِيُّ هَذَا يَتَخَرَّجُ عَلَى رَفْضِ الطَّهَارَةِ. وَاسْتَقْرَأَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَدَمَ النَّقْضِ هُنَا فِي مَسْأَلَةِ الرَّفْضِ وتعب بِالْفَرْقِ بِمُقَارَنَةِ الْفِعْلِ. الثَّالِثُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِذَا كَانَ اللَّمْسُ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ خَفِيفٍ يَصِلُ بَشَرَتَهَا إِلَى بَشَرَتِهِ وَجَبَ الْوُضُوءُ خِلَافًا ش لِوُجُودِ اللَّذَّةِ وَإِنْ كَانَ كَثِيفًا قَالَ مَالِكٌ رحمه الله فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونُ وَابْنُ حَبِيبٍ فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ عَلَى هَذَا دَفْعًا لِلتَّنَاقُضِ قَالَ اللَّخْمِيُّ أَمَّا إِذَا ضَمَّهَا اسْتَوَى الْخَفِيفُ وَالْكَثِيفُ. الرَّابِعُ فِي الْجَوَاهِرِ الْمَلْمُوسُ إِذَا وَجَدَ اللَّذَّةَ تَوَضَّأَ خِلَافًا ش فِي أحد قوليه
لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا خَاطَبَ اللَّامِسَ بِقَوْلِهِ {أَو لَا مستم النِّسَاء} لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي اللَّذَّةِ فَيَشْتَرِكَانِ فِي مُوجِبِهَا كَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَلْمُوسُ لَذَّةً فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَقْصِدَ فَيَكُونُ لَامِسًا فِي الْحُكْمِ. الْخَامِسُ قَالَ لَوْ نَظَرَ فالتذ بمداومة النّظر وَلم ينتشر ذَلِكَ مِنْهُ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الْمُلَامَسَةُ وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ يُؤَثِّرُ. السَّادِسُ الْإِنْعَاظُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ مَالِكٌ رحمه الله لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِيهِ غَيْرُ مُنْضَبِطَةٍ فَيُهْمَلُ بِخِلَافِ اللَّمْسِ فَإِنَّ غَالِبَهُ الْمَذْيُ قَالَ اللَّخْمِيُّ قِيلَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ لِأَنَّ غَالِبَهُ الْمَذْيُ وَأَرَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عَادَتِهِ فَإِنِ اخْتَلَفَتْ عَادَتُهُ تَوَضَّأَ أَيْضًا وَإِنْ أَنَعَظَ فِي الصَّلَاةِ وَعَادَتُهُ عَدَمُ الْمَذْيِ مَضَى عَلَيْهَا وَإِلَّا قَطَعَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْإِنْعَاظُ لَيْسَ بِالْبَيِّنِ فَإِنْ كَانَ شَأْنُهُ الْمَذْيَ بَعْدَ زَوَالِ الْإِنْعَاظِ وَأَمِنَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ أَتَمَّهَا فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلُ قَضَى الصَّلَاةَ وَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ جَرَى عَلَى الْخِلَافِ. السَّابِعُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّ ظُفُرِ الزَّوْجِ وَالسِّنِّ وَالشَّعْرِ إِذَا الْتَذَّ خِلَافًا ش وَلَمْ يَرَهُ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّة فِي الشّعْر. وَالْعجب من الشَّافِعِي رحمه الله أَنَّهُ نَقَضَ الْوُضُوءَ بِمَسِّ أُذُنِ الْمَيِّتَةِ وَلَمْ يَنْقُضْهُ بِمَسِّ أَظْفَارِ أَنَامِلِ الْحَيَّةِ مَعَ قَوْلِهِ إِنَّ شَعْرَ الْمَيِّتَةِ نَجِسٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَيًّا لِأَنَّ كُلَّ مُتَّصِلٍ بِالْحَيَّةِ فَهُوَ عَلَى حُكْمِهَا فَمَا بَالُهُ هُنَا لَا يَكُونُ عَلَى حُكْمِهَا لَا سِيَّمَا وَهُوَ لَا يُرَاعِي اللَّذَّةَ وَقَدِ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ إِذَا قَالَ إِنْ مَسِسْتُ امْرَأَتِي فَهِيَ طَالِقٌ أَوْ عَبْدِي فَهُوَ حُرٌّ فَمَسَّ ظَفُرَهُمَا طُلِّقَتْ وَعُتِقَ الْعَبْدُ. قَاعِدَةٌ أُصُولِيَّةٌ يَتَخَرَّجُ عَلَيْهَا فُرُوعُ هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ. وَهِيَ أَنَّ الشَّرْعَ إِذَا نَصَبَ سَبَبًا لِحُكْمٍ لِأَجْلِ حِكْمَةٍ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا ذَلِكَ السَّبَبُ هَلْ يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِتِلْكَ الْحِكْمَةِ لِأَنَّهَا سَبَبُ جَعْلِ السَّبَبِ سَبَبًا وَالْأَصْلُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْفَرْع أَولا يَجُوزُ ذَلِكَ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّ حِكْمَةَ جَعْلِ السَّرِقَةِ سَبَبَ الْقَطْعِ صَوْنُ الْأَمْوَالِ وَحِكْمَةَ جَعْلِ الْإِحْصَانِ مَعَ الزِّنَا سَبَبَ الرَّجْمِ
صَوْنُ الْأَنْسَابِ وَحِكْمَةَ جَعْلِ الْمَسَافَةِ الْمُعَيَّنَةِ فِي السَّفَرِ سَبَبَ الْقَصْرِ الْمَشَقَّةُ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا مَعَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْعِ تَرْتِيبِ أَحْكَامِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ بِدُونِهَا وَإِنْ وُجِدَتِ الْحِكَمُ فَكَذَلِكَ هُنَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى اللَّمْسَ سَبَبًا لِلْوُضُوءِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى اللَّذَّةِ فَهَلْ يَجُوزُ اتِّبَاعُ اللَّذَّةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَمَا فِي التَّذَكُّرِ وَالْإِنْعَاظِ أَولا يُرَاعَى ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ حَتَّى لَا يُوجِبَ الْوُضُوءَ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ وَإِنْ رَقَّ أَوْ يَتَوَسَّطَ بَيْنَ الرُّتْبَتَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. تَمْهِيدٌ يَظْهَرُ مِنْهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ رحمه الله عَلَى الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ. أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَطَفَ الْمُلَامَسَةَ عَلَى الْمَجِيءِ مِنَ الْغَائِطِ وَالَّذِي يُفْعَلُ فِي الْغَائِطِ لَا يُوجِبُ غَسْلًا فَتُحْمَلُ عَلَى مَا لَا يُوجِبُ غَسْلًا تَسْوِيَةً بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَإِن كُنْتُم جنبا فاطهروا} فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْمُلَامَسَةِ الْجِمَاعَ لَزِمَ التَّكْرَارُ وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الصِّحَاحِ إِنَّ اللَّمْسَ اللَّمْسُ بِالْيَدِ يُقَالُ لَمَسَهُ يَلْمِسُهُ بِضَمِّ الْمِيمِ فِي الْمُضَارِعِ وَبِكَسْرِهَا. وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَلِأَنَّ أَئِمَّةَ اللُّغَةِ قَالُوا اللَّمْسُ الطَّلَبُ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عليه السلام
(الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ)
وقَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنِ الْجَانِّ {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا} أَي طلبناها. وَلَمَّا كَانَتِ النِّسَاءُ تُلْمَسُ طَلَبًا لِلَّذَّةِ قَالَ الله تَعَالَى {أَو لامستم النِّسَاء} وَالْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ فَيَكُونُ هَذَا نَصًّا عَلَى إِبْطَالِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَعَلَى اشْتِرَاطِ اللَّذَّةِ وَالطَّلَبِ. الْمَظِنَّةُ الثَّالِثَةُ النَّوْمُ وَلَيْسَ حَدَثًا فِي نَفْسِهِ وَنَقَلَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَوْلًا إِنَّهُ حَدَثٌ وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْمَذْهَبِ فَهُوَ يُوجِبُ الْوُضُوءَ لِكَوْنِهِ مَظِنَّةَ
الرِّيحِ لِقَوْلِهِ عليه السلام
(الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ فَإِذَا نَامَتِ الْعَيْنَانِ انْفَتَحَ الْوِكَاءُ)
عَلَى أَنَّ أَبَا عُمَرَ قَالَ فِي التَّمْهِيدِ هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ إِلَّا أَنَّ مَعْنَاهُ مَعْلُومٌ بِالْعَادَةِ وَجَرَتْ عَادَةُ الْفُقَهَاءِ بِذِكْرِهِ فَذَكَرْتُهُ. وَالْوِكَاءُ الْخَيْطُ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ الشَّيْءُ وَالسَّهُ أَصله الْعَجز وَيَقُولُونَ رجل سِتَّة وَامْرَأَةٌ سَتْهَاءُ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ أَوِ الْمَرْأَةُ كَبِيرَةَ الْعَجُزِ ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِي حَلْقَةِ الدبر وَهُوَ المُرَاد هَهُنَا وَأَصْلُ اللَّفْظَةِ سَتَهٍ مِثْلَ قَلَمٍ فَحُذِفَتِ التَّاءُ الَّتِي هِيَ عَيْنُ الْكَلِمَةِ فَبَقِيَ سَهُ وَيُرْوَى بِحَذْفِ لَامِ الْكَلِمَةِ الَّتِي هِيَ الْهَاءُ وَإِثْبَاتِ الْعَيْنِ الَّتِي هِيَ التَّاءُ. فَشَبَّهَ عليه السلام الْإِنْسَانَ بِزِقٍّ مَفْتُوحٍ لَا يَمْنَعُ خُرُوجَ الرِّيحَ مِنْهُ إِلَّا الْحَوَاسُّ وَذَهَابُهَا بِمَنْزِلَةِ ذَهَابِ الْخَيْطِ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الزِّقُّ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي النَّوْمِ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةٌ فَضَبَطَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ بِالزَّمَانِ وَكَيْفِيَّةِ النَّوْمِ فَقَالَ طَوِيلٌ ثَقِيلٌ نَاقِضٌ بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ وَقَصِيرٌ خَفِيفٌ غَيْرُ نَاقِضٍ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْهُ وَخَفِيفٌ طَوِيلٌ يُسْتَحَبُّ مِنْهُ الْوُضُوءُ وَثَقِيلٌ قَصِيرٌ فِيهِ قَوْلَانِ: وَضَبَطَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَمِيدِ بِهَيْئَةِ النَّائِمِ فَإِن كَانَ يُتَهَيَّأُ مِنْهُ الْخُرُوجُ مَعَ الطُّولِ نَقَضَ كَالرَّاقِدِ وَعَكْسُهُ كَالْقَائِمِ وَالْمُحْتَبِي لَا يَنْقُضُ وَإِنْ كَانَ الطُّولُ فَقَطْ كَالْحَالَتَيْنِ مُسْتَنِدًا وَعَكْسُهُ كَالرَّاكِعِ فَفِيهِمَا قَوْلَانِ وَهَذَا الضَّبْطُ أَشْبَهُ بِرِوَايَاتِ الْكِتَابِ وَمَقْصُودُ الْجَمِيعِ مَظِنَّةُ الْخُرُوجِ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ خَرَجَ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ انْتَقَضَ وَعَكْسُهُ لَا يَنْتَقِضُ وَإِنِ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فَهُوَ كَالشَّاكِّ فِي انْتِقَاضِ وُضُوئِهِ. وَهَذَا الْكَلَامُ عَلَى النَّوْمِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ فَلْنَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ التَّفْصِيلِ فَنَقُولُ: لِلنَّائِمِ إِحْدَى عَشْرَةَ حَالَةً: الْأُولَى السَّاجِدُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ إِذَا اسْتَثْقَلَ خِلَافًا
ح لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم} الْآيَةَ قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ مَعْنَاهُ قُمْتُمْ مِنَ الْمَضَاجِعِ فَجَعَلَ النَّوْمَ سَبَبًا وَاخْتَارَ هَذَا التَّفْسِيرَ مَالِكٌ رحمه الله وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرِ النَّوْمَ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ فَوَجَبَ حَمْلُ هَذَا عَلَيْهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ إِذَا أَرَدْتُمُ الْقِيَامَ لِلصَّلَاةِ مُحْدِثِينَ عَلَى أَيِّ حَالَةٍ كُنْتُمْ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ لِمَا قِيلَ لَهُ عليه السلام صَلَّيْتَ وَقَدْ نِمْتَ فَقَالَ عليه السلام
(تَنَامُ عَيْنِي وَلَا يَنَامُ قَلْبِي)
فَلَوْ كَانَ نَوْمُ الْقَلْبِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْوُضُوءِ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْكَلَامِ مَعْنًى الثَّانِيَةُ الرَّاكِعُ إِذَا اسْتَثْقَلَ نوماُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ خِلَافًا ح لِمَا سَبَقَ الثَّالِثَةُ الْمُضْطَجِعُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ رَاعَى مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ الِاسْتِثْقَالَ فِي الِاضْطِجَاعِ وَلَمْ يَرَهُ الْقَاضِي فِي التَّلْقِين هَهُنَا وَلَا فِي السُّجُودِ الرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ الرَّاكِبُ وَالْجَالِسُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا اسْتَثْقَلَ وَطَالَ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ وَإِلَّا فَلَا قَالَ وَبَيْنَ الْعِشَائَيْنِ طَوِيلٌ خلافًا ش وح قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا وُضُوءَ عَلَى الرَّاكِبِ وَالرَّاكِعِ وَالْجَالِسِ إِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَنِدٍ وَمُرَاعَاةُ الشَّافِعِيَّةِ انْضِمَامَ الْمَخْرَجِ مِنَ الْجَالِسِ فِي عَدَمِ الْإِيجَابِ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّه إِذَا ضَعُفَتِ الْقُوَّةُ الْمَاسِكَةُ وَانْصَبَّ الرِّيحُ إِلَى الْمَخْرَجِ لَمْ يَمْنَعْهُ الِانْضِمَامُ فَإِنَّ الرِّيحَ أَلْطَفُ مِنَ الْمَاءِ وَالْمَاءُ لَا يَنْضَبِطُ بِسَبَبِ الضَّمِّ فَالرِّيحُ أَوْلَى بِذَلِكَ. السَّادِسَةُ الْمُحْتَبِي قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ لِأَنَّه لَا يَثْبُتُ لَوِ اسْتَثْقَلَ بِخِلَافِ الْجَالِسِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَرَّقَ مَالِكٌ رحمه الله فِي الْعُتْبِيَّةِ بَيْنَ مَنْ نَامَ قَاعِدًا وَطَالَ فِي انْتِظَارِ الصَّلَاةِ وَبَين من لَا ينتظرها وَقيل لَهُ وَبِمَا رَأَى الرُّؤْيَا قَالَ ذَلِكَ أَحْلَامٌ لِأَنَّ مُنْتَظِرَ الصَّلَاةِ لَا يُمَكِّنُ نَفْسَهُ مِنْ كَمَالِ النَّوْمِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَهُوَ ضَرُورَةٌ تَحْصُلُ لِلنَّاسِ فِي انْتِظَارِ الصَّلَاةِ وَالْحُلْمُ قَدْ يَكُونُ
حَدِيثَ النَّفْسِ وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا يَحْصُلُ مَعَ خِفَّةِ النَّوْمِ وَلِذَلِكَ تَكْثُرُ الرُّؤْيَا آخِرَ اللَّيْلِ بَعْدَ أَخْذِ النَّهْمَةِ مِنَ النَّوْمِ. فَرْعٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِذَا سَقَطَ الْمُحْتَبِي قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ من أَصْحَاب الشَّافِعِي إِذَا زَالَتْ أَلْيَتَاهُ أَوْ إِحْدَاهُمَا قَبْلَ انْتِبَاهِهِ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ وَإِنِ انْتَبَهَ لِزَوَالِهِمَا لَمْ تَنْتَقِضْ قَالَ وَهَذَا حَسَنٌ. قَالَ صَاحِبُ التَّنْبِيهَاتِ الْمُحْتَبِي هُوَ الْجَالِسُ قَائِمَ الرُّكْبَتَيْنِ جَامِعًا يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ بِالتَّشْبِيكِ وَالْمَسْكِ. السَّابِعَةُ الْمُسْتَنِدُ قَالَ الْقَاضِي فِي الْإِشْرَافِ هُوَ عِنْدَ مَالِكٍ رحمه الله كَالْجَالِسِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم كَانُوا يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ وَلَا يُعَرُّونَ عَنِ النَّوْمِ وَالِاسْتِنَادُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ هُوَ كَالْمُضْطَجِعِ لِأَنَّه بِاسْتِنَادِهِ خَرَجَ عَنْ هَيْئَةِ الْجُلُوسِ مُعْتَمِدَ الْأَعْضَاءِ مُنَحِّلَهَا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَهَذَا أَحْسَنُ. الثَّامِنَةُ الْقَائِمُ. التَّاسِعَةُ الْمَاشِي. الْعَاشِرَةُ الْمُسْتَنِدُ الْقَائِمُ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ مَا اسْتَثْقَلَ نَوْمًا فِي هَذِهِ الْحَالَاتِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَإِلَّا فَلَا. الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ إِذَا اسْتَثْفَرَ وَارْتَبَطَ ثُمَّ نَامَ قَالَ الطَّرْطُوشِيُّ الَّذِي يَأْتِي عَلَى الْمَذْهَبِ أَنْ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ. فَائِدَةٌ الْفَرْقُ بَيْنَ السِّنَةِ وَالْغَفْوَةِ وَالنَّوْمِ أَنَّ الْأَبْخِرَةَ مُتَصَاعِدَةٌ عَلَى الدَّوَامِ فِي الْجَسَدِ إِلَى الدِّمَاغِ فَمَتَى صَادَفَتْ مِنْهُ فُتُورًا أَوْ إِعْيَاءً اسْتَوْلَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ مَعْدِنُ الْحِسِّ وَالْحَرَكَةِ فَيَحْصُلُ فِيهِ فُتُورٌ وَهُوَ السِّنَةُ فَإِنْ عَمَّ الِاسْتِيلَاءُ حَاسَّةَ الْبَصَرِ فَهُوَ غَفْوَةٌ وَإِنْ عَمَّ جَمِيعَ الْجَسَدِ فَهُوَ نَوْمٌ مُسْتَثْقَلٌ. وَالْأَوَّلَانِ لَا وُضُوءَ فِيهِمَا لِمَا فِي مُسْلِمٍ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم َ - ينامون ثمَّ يصلونَ وَلَا يتوضؤن وَمِنْهُ أَيْضًا أَعْتَمَّ النَّبِيُّ عليه السلام ذَاتَ لَيْلَةٍ بِالْعِشَاءِ حَتَّى
رَقَدَ النَّاسُ وَاسْتَيْقَظُوا وَرَقَدُوا وَاسْتَيْقَظُوا فَقَامَ عُمَرُ رضي الله عنه وَقَالَ الصَّلَاةَ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي هَذَا كَثِيرَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رحمه الله مَنْ نَامَ عَلَى هَيْئَةٍ مِنْ هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ اخْتِيَارًا مِثْلَ الرَّاكِعِ وَالْقَائِمِ وَالسَّاجِدِ وَالْجَالِسِ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى الْمُضْطَجِعِ وَالْمَائِلِ وَالْمُسْتَنِدِ مُحْتَجًّا بِمَا يُرْوَى فِي التِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ نَامَ وَهُوَ سَاجِدٌ حَتَّى غَطَّ وَنَفَخَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ قَدْ نِمْتَ فَقَالَ إِنَّ الْوُضُوءَ لَا يَجِبُ إِلَّا عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا فَإِنَّهُ إِذَا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ وَضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَنْكَرَهُ. الْمَظِنَّةُ الرَّابِعَةُ الْخَنْقُ مِنَ الْجِنِّ قَالَ فِي الْكِتَابِ يُوجِبُ الْوُضُوءَ دُونَ الْغَسْلِ سَوَاءٌ كَانَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا لِشِدَّةِ اسْتِيلَائِهِ عَلَى الْحَوَاسِّ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ حَالَاتِهِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُوجِبُ الْغَسْلَ إِنْ دَامَ يَوْمًا أَو أَيَّامًا قَالَ الشَّافِعِي رحمه الله قِيلَ مَا جُنَّ إِنْسَانٌ إِلَّا أَنْزَلَ. الْمَظِنَّةُ الْخَامِسَةُ الْإِغْمَاءُ يُوجِبُ الْوُضُوءَ لِمَا سَلَفَ قَالَهُ فِي الْكِتَابِ. الْمَظِنَّةُ السَّادِسَةُ ذَهَابُ الْعَقْلِ بِالْجُنُونِ لَا بِالْجِنِّ قَالَ فِي الْكِتَابِ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ. الْمَظِنَّةُ السَّابِعَةُ السُّكْرُ قَالَ فِي الْكِتَابِ يُوجِبُ الْوُضُوءَ فَإِنَّ النُّصُوصَ الْمُوجِبَةَ لِلْوُضُوءِ مِنَ النَّوْمِ تُوجِبُهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَوْ رُدُّوا لِإِحْسَاسِهِمْ لَمْ يَرْجِعُوا بِخِلَافِ النَّائِمِ. الْمَظِنَّةُ الثَّامِنَةُ الْهَمُّ الْمُذْهِبُ لِلْعَقْلِ بِغَلَبَتِهِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ قِيلَ لَهُ هُوَ قَاعِدٌ قَالَ أُحِبُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ قَالَ يَحْتَمِلُ الِاسْتِحْبَابُ أَنْ يَكُونَ خَاصًّا بِالْقَاعِدِ بِخِلَافِ الْمُضْطَجِعِ لِتَمَكُّنِهِ مِنَ الْأَرْضِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَامًّا فِيهِمَا فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ مُوجبا للْوُضُوء عندنَا. تزييل وَقَعَ بَيْنِي وَبَيْنَ بَعْضِ فُضَلَاءِ الشَّافِعِيَّةِ خِلَافٌ هَلْ هَذِهِ الْأُمُورُ نَوَاقِضُ لِلطَّهَارَةِ أَوْ مُوجِبَاتٌ لِلْوُضُوءِ وَالْتَزَمْتُ أَنَّهَا مُوجِبَاتٌ.
وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ مَنْ لَمْ يُحْدِثْ قَطُّ ثُمَّ أَرَادَ الصَّلَاةَ فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْوُضُوءِ إِجْمَاعًا وَيَبْقَى الْخِلَافُ فِي مُدْرِكِ هَذَا الْوُجُوبِ فَإِنَّا قُلْنَا إِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مُوجِبَةٌ فَسَبَبُ هَذَا الْأَمْرِ مَا تَقَدَّمَ مِنْهُ مِنَ الْإِحْدَاثِ وَإِنْ قُلْنَا إِنَّهَا لَيْسَتْ مُوجِبَةً بَلْ نَاقِضَةٌ لِلطَّهَارَةِ فَلَا عِبْرَةَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ إِحْدَاثِهِ لِأَنَّهَا لَمْ تَرِدْ عَلَى طَهَارَةٍ فَتَنْقُضَهَا وَيَجِبُ الْوُضُوءُ لِكَوْنِهِ شَرْطًا فِي الصَّلَاةِ كَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ. وَأَكْثَرُ عِبَارَاتِ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا مُوجِبَةٌ لِلْوُضُوءِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إِنَّهَا نَاقِضَةٌ لِلطَّهَارَةِ وَجَمَعَ الْقَاضِي فِي التَّلْقِينِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ بَابُ مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَيَنْقُضُهُ بَعْدَ صِحَّتِهِ وَالْخِلَافُ يَرْجِعُ إِلَى مُدْرِكِ الْحُكْمِ لَا الْحُكْمِ. فَصْلٌ فِي مُوجِبَاتٍ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَهِيَ نَحْوُ عَشْرَةٍ: الْأَوَّلُ مَسُّ الدُّبُرِ وَيُسَمَّى الشَّرَجَ بِفَتْحِ الشِّينِ وَفَتْحِ الرَّاءِ تَشْبِيهًا لَهُ بِشَرَجِ السُّفْرَةِ الَّتِي يُؤْكَلُ عَلَيْهَا وَهُوَ مُجْتَمَعُهَا وَكَذَلِكَ تُسَمَّى الْمَجَرَّةُ شَرَجَ السَّمَاءِ عَلَى أَنَّهَا بَابُهَا وَمُجْتَمَعُهَا وَمَسُّهُ لَا يُوجب الْوضُوء خلافًا ش وَحمد يس مِنْ أَصْحَابِنَا. الثَّانِي الْأُنْثَيَانِ لَا يُوجِبُ مَسُّهُمَا وضُوءًا خلافًا لعروة بن الزبير لاندارجهما فِي مَعْنَى الْفَرْجِ عِنْدَهُ. الثَّالِثُ الْأَرْفَاغُ وَاحِدُهَا رُفْغٌ بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ طَيُّ أَصْلَيِ الْعَجُزِ مِمَّا يَلِي الْجَوْفَ وَيُقَالُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَقِيلَ هُوَ الْعَصَبُ الَّذِي بَيْنَ الشَّرَجِ وَالذَّكَرِ قَالَ الْقَاضِيَ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَمَسُّهَا لَيْسَ بِشَيْءٍ فَلَا يُوجِبُ وُضُوءًا خِلَافًا لِعُمَرَ رضي الله عنه لِقَوْلِهِ عليه السلام
(مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)
خَصَّهُ دُونَ سَائِرِ الْجَسَدِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ غَيْرِهِ مِنَ الْجَسَدِ فَإِنْ عَارَضُوا الْمَفْهُومَ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ فَرَّقْنَا بِأَنَّهُ سَبَبُ الْمَذْيِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ.
الرَّابِعُ مَسُّ ذَكَرِ الصَّبِيِّ وَفَرْجِ الصَّبِيَّةِ لَا يُوجِبُ وُضُوءًا خِلَافًا ش لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مَظِنَّةَ اللَّذَّةِ. الْخَامِسُ فَرْجُ الْبَهِيمَةِ لَا يُوجِبُ وُضُوءًا خِلَافًا لِلَّيْثِ لِأَنَّه لَيْسَ مَظِنَّةَ اللَّذَّةِ. السَّادِسُ الدَّمُ يَخْرُجُ مِنَ الدُّبُرِ أَوِ الْحَصَا أَوِ الدُّود لَا يُوجب وضُوءًا خلافًا ش وح لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُم من الْغَائِط} وَخِطَابُ الشَّارِعِ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ الْمُعْتَادِ وَهَذِهِ لَيْسَتْ مُعْتَادَةً قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يُخَالِطْهُ أَذًى قَالَ التُّونِسِيُّ وَلَوْ خَالَطَهُ الْأَذَى لَكَانَ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّه غَيْرُ مُعْتَادٍ. وَحَصَى الْإِحْلِيلِ إِنْ خَرَجَ عُقَيْبَهُ بَوْلٌ تَوَضَّأَ وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ مَنْ خَرَجَ مِنْ دُبُرِهِ دَمٌ صَافٍ أَوْ دُودٌ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ. السَّابِعُ أَكْلُ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ أَوْ شُرْبُهُ لَا يُوجِبُ وُضُوءًا خِلَافًا لِأَحْمَدَ فِي لُحُومِ الْإِبِلِ وَلِعَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَجَمَاعَةٍ مَعَهُمَا رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ عليه السلام أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الْوُضُوءِ فَمَحْمُولَةٌ عَلَى الْوُضُوءِ اللُّغَوِيِّ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ. الثَّامِنُ الْقَهْقَهَةُ لَا تُوجِبُ الْوُضُوءَ خِلَافًا ح لِأَنَّهَا لَا تُوجِبُهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَلَا تُوجِبُهُ دَاخِلَهَا قِيَاسًا عَلَى الْعُطَاسِ وَالسُّعَالِ أَوْ نَقُولُ لَوْ أَوْجَبَتْهُ دَاخِلَ الصَّلَاةِ لَأَوْجَبَتْهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ قِيَاسًا عَلَى الرِّيحِ وَأَمَّا مَا يُرْوَى عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ فَدَخَلَ رَجُلٌ فِي بَصَرِهِ ضُرٌّ فَتَرَدَّى فِي حُفَيْرَةٍ كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ فَضَحِكَ طَوَائِفُ مِنْهُمْ فَلَمَّا قَضَى عليه السلام أَمَرَ كُلَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ ضَحِكَ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ فَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ لَا يَصِحُّ مِنْ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ
وَلَوْ سَلَّمْنَا صِحَّتَهُ فَهِيَ قَضِيَّةُ عَيْنٍ يُحْتَمَلُ أَنَّ بَعْضَهُمْ خَرَجَ مِنْهُ رِيحٌ فَأَرَادَ عليه السلام سَتْرَهُ بِذَلِكَ. التَّاسِعُ الْقَيْءُ وَالْقَلْسُ وَالْحِجَامَةُ وَالْفَصَادَةُ وَالْخَارِجُ مِنَ الْجَسَدِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ لَا تُوجِبُ وُضُوءًا خِلَافًا ح لِأَنَّ مَا يُرْوَى عَنْهُ عليه السلام
(الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ)
وَمِنْ قَوْلِهِ
(إِذَا رَعَفَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَغْسِلْ عَنْهُ الدَّمَ ثُمَّ لْيُعِدْ وُضُوءَهُ وَلْيَسْتَقْبِلْ صَلَاتَهُ)
وَمِنْ قَوْلِهِ عليه السلام
(إِذَا قَاءَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ)
أَوْ قَلَسَ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ لَا يَثْبُتُ مِنْهَا شَيْءٌ. وَالْقِيَاسُ عَلَى الْإِحْدَاثِ بِجَامِعِ النَّجَاسَةِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ تَعَبُّدٌ لِإِيجَابِ الْغَسْلِ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ لِغَيْرِ الْمُتَنَجِّسِ وَالْقِيَاسُ فِي التَّعَبُّدِ مُتَعَذِّرٌ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الْجَامِعَةِ. الْعَاشِرُ ذَبْحُ الْبَهَائِمِ وَمَسُّ الصُّلْبِ وَالْأَوْتَانِ وَالْكَلِمَةُ الْقَبِيحَةُ وَالنَّظَرُ لِلشَّهْوَةِ وَقَلْعُ الضِّرْسِ وَإِنْشَادُ الشِّعْرِ وَالتَّقْطِيرُ فِي الْمَخْرَجَيْنِ أَوْ إِدْخَالُ شَيْءٍ فِيهِمَا أَوْ أَذَى مُسْلِمٍ أَوْ حَمْلُ مَيِّتٍ أَوْ وَطْءُ نَجَاسَةٍ رَطْبَةٍ لَا تُوجِبُ وُضُوءًا خِلَافًا لِقَوْمٍ عَمَلًا بِالْأَصْلِ حَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي مَرَاتِبِ الْإِجْمَاعِ. تَنْقِيحٌ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْوُضُوءِ مِمَّا يَحْصُلُ فِي الْغَائِطِ بِقَوْلِهِ {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِط} قَالَ أَبُو حنيفَة رحمه الله السَّبَبُ فِي ذَلِكَ هُوَ الْخَارِجُ النَّجِسُ الْمُوجِبُ لِاسْتِخْبَاثِ جُمْلَةِ الْجَسَدِ كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ كَانَ بِهِ بَرَصٌ أَوْ جُذَامٌ بِبَعْضِ أَعْضَائِهِ كُرِهَتْ جُمْلَتُهُ عُرْفًا فَكَذَلِكَ يُسْتَخْبَثُ شَرْعًا فَيَلْحَقُ بِهِ كُلُّ خَارِجٍ نَجِسٍ كَالْحِجَامَةِ وَنَحْوهَا. وَقَالَ الشَّافِعِي رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ الْمُعْتَبَرُ الْمَخْرَجُ لِأَنَّه هُوَ الْمَفْهُومُ الْمُطَّرِدُ عِنْدَ قَوْلِهِ {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُم من الْغَائِط} أَيْ مَا خَرَجَ مِنْ هَذَيْنِ الْمَخْرَجَيْنِ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ كَانَ طَاهِرًا أَوْ نَجِسًا مُعْتَادًا أَوْ نَادرا.
وَقَالَ مَالِكٌ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ الْمُعْتَبَرُ الْخَارِجُ وَالْمَخْرَجُ الْمُعْتَادَانِ اللَّذَانِ يُفْهَمَانِ مِنَ الْآيَةِ وَهُمَا تَعَبُّدَانِ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِمَا بَلْ يُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ أَخْذِ مَحَلِّ الْحُكْمِ قَيْدًا فِي الْعِلَّةِ الَّذِي هُوَ مُنْكَرٌ بَلْ هَذَا مِنْ بَابِ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَحَلِّ الْحُكْمِ لِتَعَذُّرِ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَالنَّقْلِ مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ. تَفْرِيعٌ فِي الْجَوَاهِرِ كُلُّ سَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ الْمُعْتَبَرَةِ يَمْنَعُ مِنَ الصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَسُجُودِ السَّهْوِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ أَوْ جِلْدِهِ أَوْ حَوَاشِيهِ أَوْ بِقَضِيبٍ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اللَّمْسِ عُرْفًا لِلِاتِّصَالِ وَكَذَلِكَ حَمْلُهُ فِي خَرِيطَةٍ أَوْ بِعَلَاقَةٍ أَوْ صُنْدُوقٍ مَقْصُودٍ لَهُ. وَلَا بَأْسَ بِحَمْلِهِ فِي وِعَاءٍ مَقْصُودٍ لِغَيْرِهِ أَوْ مَسِّ كُتُبِ التَّفْسِيرِ أَوِ الْفِقْهِ الْمُتَضَمِّنَةِ لَهُ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودُ دُونَهُ وَكَذَلِكَ الدِّرْهَمُ عَلَيْهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ مَنَعَهُ بَعْضُهُمْ تَعْظِيمًا لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا مُعَلِّمُ الصِّبْيَانِ فَلَا يُكَلَّفُ الطَّهَارَةَ لِمَسِّ الْأَلْوَاحِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ وَلَمْ يَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَاسْتَحَبَّ أَيْضًا لِلصِّبْيَانِ مَسَّ الْأَجْزَاءِ أَوِ اللَّوْحِ عَلَى وُضُوءٍ وَكَرِهَ لَهُمْ مَسَّ جُمْلَةِ الْمُصْحَفِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ. وَلِمَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ يُعَلَّقُ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَالصَّبِيِّ فِي الْعُنُقِ إِذَا احْتُرِزَ عَلَيْهِ أَوْ جُعِلَ فِي شَيْءٍ يُكِنُّهُ وَلَا يُعَلَّقُ بِغَيْرِ مَا يُكِنُّهُ. وَكَذَلِكَ يُكْتَبُ لِلْحُمَّى قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لِأَنَّه خَرَجَ عَنْ هَيْئَةِ الْمُصْحَفِ وَصَارَ كَكُتُبِ التَّفْسِيرِ يَحْمِلُهَا الْمُحْدِثُ. وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ أَمَّا الْكتاب فَقَوله تَعَالَى {إِنَّه
لقرآن كريم فِي كتاب مَكْنُون لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ} وَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّهُ تَعَالَى نَهَى عَنْ مُلَامَسَةِ الْقُرْآنِ وَمَسِّهِ لِغَيْرِ الطَّاهِرَيْنِ إِجْلَالًا وَالْمُحْدِثُ لَيْسَ بِطَاهِرٍ فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ مَسِّهِ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهَا صِيغَةُ حَصْرٍ تَقْتَضِي حَصْرَ الْجَوَازِ فِي الْمُتَطَهِّرِينَ وَعُمُومَ سَلْبِهِ فِي غَيْرِهِمْ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّخْصِيصِ فَيَحْصُلُ الْمَطْلُوبُ. فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ نَهْيٌ وَإِلَّا لَكَانَتْ مَجْزُومَةَ الْأَجْزَاءِ وَمُؤَكَّدَةً بِنُونِ التَّأْكِيدِ. سَلَّمْنَا لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُطَهَّرِينَ أَهْلُ الْأَرْضِ بَلْ أَهْلُ السَّمَاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي عبس {بأيدي سفرة كرام بررة} سُورَة عِيسَى 15 16. سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ أَهْلُ الْأَرْضِ لَكِنِ الْمُطَهَّرُونَ عَامٌّ فِي الْمُطَهَّرِ مُطْلَقٌ فِي التَّطْهِيرِ فَلِمَ لَا تَكْفِي الطَّهَارَةُ الْكُبْرَى وَلَا تَنْدَرِجُ الصُّغْرَى لِخِفَّتِهَا؟ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ الصِّيغَةَ لَوْ كَانَتْ خَبَرًا لَلَزِمَ الْخُلْفُ فِيهِ لِأَنَّا نَجِدُ كَثِيرًا مِنْ غَيْرِ الطَّاهِرَيْنِ يَمَسُّهُ وَالْخُلْفُ فِي خَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ نَهْيًا وَقَدْ حَكَى النُّحَاةُ فِي الْفِعْلِ الْمُشَدَّدِ الْآخِرِ أَنَّ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَحْكِيهِ حَالَةَ النَّهْيِ عَلَى الرَّفْعِ الثَّانِي سلمنَا أَنه خبر لفظا وَنهي مَعْنًى كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلين} {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء} وَالْمرَاد الْأَمر كَذَلِك هَهُنَا يَكُونُ الْمُرَادُ النَّهْيَ وَعَنِ الثَّانِي مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لَوْ كَانَ الْمُرَادُ أَهْلَ السَّمَاءِ لَكَانَ يَقْضِي أَنَّ فِي السَّمَاءِ مَنْ لَيْسَ بِمُتَطَهِّرٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى أهل الأَرْض.
وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلْعُمُومِ فَيَشْمَلُ أَهْلَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّخْصِيصِ فَيَحْصُلُ الْمَطْلُوبُ. وَعَنِ الثَّالِثِ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ الْمُتَطَهِّرُ عَلَى أَعْلَى مَرَاتِبِهِ تَعْظِيمًا لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ عليه السلام كَتَبَ كِتَابًا إِلَى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِالْيَمِينِ (أَلَّا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ) وَهَذَا الْحَدِيثُ يُؤَكِّدُ التَّمَسُّكَ بِالْآيَةِ لِأَنَّه عَلَى صِيغَتِهَا. تَحْقِيقٌ قَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ هَذِهِ النُّصُوصَ لَا تَتَنَاوَلُ الصِّبْيَانَ كَسَائِرِ التَّكَالِيفِ فَكَمَا لَا يكون تَركهم لتِلْك التكاليف رخصَة فَكَذَلِك هَهُنَا وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْ مُلَامَسَةِ الْقُرْآنِ لِغَيْرِ الْمُتَطَهِّرِ كَالنَّهْيِ عَنْ مُلَامَسَتِهِ لِغَيْرِ الطَّاهِرِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَشْعُرُ بِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْ مُلَامَسَتِهِ مَوْصُوفٌ بِالتَّكْلِيفِ أَوْ غَيْرُ مَوْصُوفٍ فَيَكُونُ الْجَوَازُ فِي الصّبيان رخصَة.
(الْبَابُ الثَّانِي فِي الْوُضُوءِ)
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي فَرَائِضه وَهِي سَبْعَة
وَالْوَضُوءُ بِفَتْحِ الْوَاوِ الْمَاءُ وَبِضَمِّهَا الْفِعْلُ وَحُكِيَ عَنِ الْخَلِيلِ الْفَتْحُ فِيهِمَا وَالْأَوَّلُ الْأَشْهَرُ وَكَذَلِكَ الْغُسْلُ وَالْغَسْلُ وَالطُّهُورُ وَالطَّهُورُ وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الْوَضَاءَةِ وَهِيَ النَّظَافَةُ وَالْحُسْنُ وَيُقَالُ وَجْهٌ وَضِيءٌ أَيْ سَالِمٌ مِمَّا يَشِينُهُ وَلَمَّا كَانَ الْوُضُوءُ يُزِيلُ الْحَدَثَ الَّذِي هُوَ مَانِعٌ لِلصَّلَاةِ سُمِّيَ وُضُوءًا وَفِيه
ثَلَاثَة فُصُول الْأَوَّلُ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْرِيرُهُ الثَّانِي النِّيَّةُ وَفِيهَا تِسْعَةُ أَبْحَاثٍ الْبَحْثُ الْأَوَّلُ فِي حَقِيقَتِهَا وَهِيَ قَصْدُ الْإِنْسَانِ بِقَلْبِهِ مَا يُرِيدُهُ بِفِعْلِهِ فَهِيَ مِنْ بَابِ الْعُزُومِ وَالْإِرَادَاتِ لَا مِنْ بَابِ الْعُلُومِ وَالِاعْتِقَادَاتِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْإِرَادَةِ الْمُطْلَقَةِ أَنَّ الْإِرَادَةَ قَدْ تَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ الْغَيْرِ بِخِلَافِهَا كَمَا نُرِيدُ مَغْفِرَةَ اللَّهِ جل جلاله وَتُسَمَّى شَهْوَةً وَلَا تُسَمَّى نِيَّةً وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَزْمِ أَنَّ الْعَزْمَ تَصْمِيمٌ عَلَى إِيقَاعِ الْفِعْلِ وَالنِّيَّةُ تَمْيِيزٌ لَهُ فَهِيَ أَخْفَضُ مِنْهُ رُتْبَةً وَسَابِقَةٌ عَلَيْهِ. الْبَحْثُ الثَّانِي فِي مَحَلِّهَا وَهُوَ الْقَلْبُ لِأَنَّه مَحَلُّ الْعَقْلِ وَالْعِلْمُ وَالْإِرَادَةُ وَالْمَيْلُ وَالنَّفْرَةُ وَالِاعْتِقَادُ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ أَنَّ الْعَقْلَ فِي الدِّمَاغِ لَا فِي الْقَلْبِ فَيَلْزَمُ عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ النِّيَّةَ فِي الدِّمَاغِ لَا فِي الْقَلْبِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْرَاضَ كُلَّهَا أَعْرَاضُ النَّفْسِ وَالْعَقْلِ فَحَيْثُ وُجِدَتِ النَّفْسُ وُجِدَ الْجَمِيعُ قَائِمًا بِهَا فَالْعَقْلُ سَجِيَّتُهَا وَالْعُلُومُ وَالْإِرَادَاتُ صِفَاتُهَا.
وَيَدُلُّ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُم قُلُوب يعْقلُونَ بهَا} {مَا كذب الْفُؤَاد مَا رأى} {أُولَئِكَ كتب فِي قُلُوبهم الْإِيمَان} {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قلب} {وَختم الله على قُلُوبهم} وَلَمْ يَصِفِ اللَّهُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ بِالدِّمَاغِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَحَلَّهَا الْقَلْبُ وَلِذَلِكَ قَالَ الْمَازِرِيُّ أَكْثَرُ الْمُتَشَرِّعِينَ وَأَقَلُّ أَهْلِ الْفَلْسَفَةِ عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ فِي الْقَلْبِ وَأَقَلُّ الْمُتَشَرِّعِينَ وَأَكْثَرُ الْفَلَاسِفَةِ عَلَى أَنَّهَا فِي الدِّمَاغِ. الْبَحْثُ الثَّالِثُ فِي دَلِيلِ وُجُوبِهَا وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّين} لأي يُخْلِصُونَهُ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ لَيْسَ مَأْمُورًا بِهِ فَوَجَبَ أَلَّا يُبَرِّئَ الذِّمَّةَ مِنَ الْمَأْمُورِ بِهِ. وَقَوْلُهُ عليه السلام فِي مُسْلِمٍ
(إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ)
. وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْأَعْمَالَ مُعْتَبَرَةٌ بِالنِّيَّاتِ فَإِنَّ خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ مَحْذُوفٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا قُرِّرَ بِهِ فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مَا لَا نِيَّةَ فِيهِ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. وَهَذَا الْحَدِيثُ يَتَنَاوَلُ سَائِرَ الْأَعْمَالِ لِعُمُومِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ. وَأَمَّا آخِرُ الْحَدِيثِ فَمُشْكِلٌ لِأَجْلِ أَنَّ الشَّرْطَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ الْمَشْرُوطِ وَهُنَا اتَّحَدَ الشَّرْطُ وَالْمَشْرُوطُ لِأَنَّه إِعَادَةُ اللَّفْظ بِعَيْنِه.
وَتَحْقِيقُهُ أَنْ يَقُولَ مَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ مُضَافَةً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي الْقَصْدِ فَهِجْرَتُهُ مَوْكُولَةٌ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي الثَّوَابِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ مُضَافَةً إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ مَوْكُولَةٌ إِلَيْهَا وَمَنْ وُكِلَ عَمَلُهُ إِلَى مَا لَا يَصْلُحُ لِلْجَزَاءِ عَلَيْهِ فَقَدْ خَابَ سَعْيُهُ نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ مِنْ كُلِّ مُوبِقَةٍ. وَإِنَّمَا قُدِّرَ مَوْكُولَةٌ لِأَنَّ خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ إِذَا كَانَ مَجْرُورًا لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ عَامِلٍ فِيهِ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا قُدِّرَ فَبَايَنَ الشَّرْطُ الْمَشْرُوطَ. إِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَهِيَ وَاجِبَةٌ فِي الْوُضُوءِ وَنَقَلَ الْمَازِرِيُّ عَدَمَ وُجُوبِهَا عَنْ مَالِكٍ رحمه الله وَخَرَّجَ عَلَى ذَلِكَ الْغُسْلَ. الْبَحْثُ الرَّابِعُ فِي حِكْمَةِ إِيجَابِهَا وَهِيَ تَمْيِيزُ الْعِبَادَات عَن الْعَادَات ليتميز مَا لله عَن مَا لَيْسَ لَهُ أَوْ تَمْيِيزُ مَرَاتِبِ الْعِبَادَاتِ فِي أَنْفُسِهَا لِتَتَمَيَّزَ مُكَافَأَةُ الْعَبْدِ عَلَى فِعْلِهِ وَيَظْهَرُ قَدْرُ تَعْظِيمِهِ لِرَبِّهِ. فَمِثَالُ الْأَوَّلِ الْغُسْلُ يَكُونُ تَبَرُّدًا وَعِبَادَةً وَدَفْعُ الْأَمْوَالِ يَكُونُ صَدَقَةً شَرْعِيَّةً وَمُوَاصَلَةً عُرْفِيَّةً وَالْإِمْسَاكُ عَنِ الْمُفْطِرَاتِ يَكُونُ عِبَادَةً وَحَاجَةً وَحُضُورُ الْمَسَاجِدِ يَكُونُ مَقْصُودًا لِلصَّلَاةِ وَتَفَرُّجًا يَجْرِي مَجْرَى اللَّذَّاتِ. وَمِثَالُ الْقِسْمِ الثَّانِي الصَّلَاةُ تَنْقَسِم إِلَى فرص وَمَنْدُوبٍ وَالْفَرْضُ يَنْقَسِمُ إِلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ قَضَاءً أَوْ أَدَاءً وَالْمَنْدُوبُ يَنْقَسِمُ إِلَى رَاتِبٍ كَالْعِيدَيْنِ وَالْوِتْرِ وَغَيْرِ رَاتِبٍ كَالنَّوَافِلِ. وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي قُرُبَاتِ الْمَالِ وَالصَّوْمِ وَالنُّسُكِ فَشُرِعَتِ النِّيَّةُ لِتَمْيِيزِ هَذِهِ الرُّتَبِ وَلِأَجْلِ هَذِهِ الْحِكْمَةِ تُضَافُ صَلَاةُ الْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْعِيدَيْنِ إِلَى أَسْبَابِهَا لِتَمْيِيزِ رُتْبَتِهَا وَكَذَلِكَ تَتَعَيَّنُ إِضَافَةُ الْفَرَائِضِ إِلَى أَسْبَابِهَا لِتَتَمَيَّزَ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَسْبَابَ قُرَبٌ فِي نَفْسِهَا بِخِلَافِ أَسْبَابِ الْكَفَّارَاتِ لَا تُضَافُ إِلَيْهَا لِأَنَّهَا مُسْتَوِيَةٌ.
وَسوى أَبُو حنيفَة رحمه الله بَيْنَ الصَّلَوَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ فِي عَدَمِ الْإِضَافَةِ إِلَى الْأَسْبَابِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا ذَكَرْنَاهُ لَا سِيَّمَا وَمُعْظَمُ أَسْبَابِ الْكَفَّارَاتِ جِنَايَاتٌ لَا قُرُبَاتٌ وَاسْتِحْضَارُهَا حَالَةَ التَّقَرُّبِ لَيْسَ بِحَسَنٍ وَأَمَّا الصَّلَوَاتُ فَكُلُّهَا مُخْتَلِفَةٌ حَتَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِقَصْرِ الْقِرَاءَةِ فِي الْعَصْرِ وَطُولِهَا فِي الظُّهْرِ. وَهَذِهِ الْحِكْمَةُ قَدِ اعْتُبِرَتْ فِي سِتِّ قَوَاعِدَ فِي الشَّرِيعَةِ فَنَذْكُرُهَا لِيَتَّضِحَ لِلْفَقِيهِ سِرُّ الشَّرِيعَةِ فِي ذَلِكَ. وَهِيَ الْقُرُبَاتُ وَالْأَلْفَاظُ وَالْمَقَاصِدُ وَالنُّقُودُ وَالْحُقُوقُ وَالتَّصَرُّفَاتُ. الْقَاعِدَةُ الْأُولَى الْقُرُبَاتُ فَالَّتِي لَا لَبْسَ فِيهَا لَا تَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ كَالْإِيمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَتَعْظِيمِهِ وَإِجْلَالِهِ وَالْخَوْفِ مِنْ نِقَمِهِ وَالرَّجَاءِ لِنِعَمِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَى كَرَمِهِ وَالْحَيَاءِ مِنْ جَلَالِهِ وَالْمَحَبَّةِ لِجَمَالِهِ وَالْمَهَابَةِ مِنْ سُلْطَانِهِ. وَكَذَلِكَ التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَسَائِرُ الْأَذْكَارِ فَإِنَّهَا مُتَمَيِّزَةٌ لِجَنَابِهِ سبحانه وتعالى وَكَذَلِكَ النِّيَّةُ مُنْصَرِفَةٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِصُورَتِهَا فَلَا جَرَمَ لَمْ تَفْتَقِرْ إِلَى نِيَّةٍ أُخْرَى وَلَا حَاجَةَ إِلَى التَّعْلِيلِ بِأَنَّهَا لَوِ افْتَقَرَتْ إِلَى نِيَّةٍ لَلَزِمَ التَّسَلْسُلُ وَلِذَلِكَ يُثَابُ الْإِنْسَانُ عَلَى نِيَّةٍ مُفْرَدَةٍ وَلَا يُثَابُ عَلَى الْفِعْلِ مُفْرَدًا لِانْصِرَافِهَا بِصُورَتِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْفِعْلُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ مَا لِلَّهِ وَمَا لِغَيْرِهِ وَأَمَّا كَوْنُ الْإِنْسَانِ يُثَابُ عَلَى نِيَّةٍ حَسَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَعَلَى الْفِعْلِ عَشْرًا إِذَا نَوَى فَإِنَّ الْأَفْعَالَ مَقَاصِدُ وَالنِّيَّاتِ وَسَائِلُ وَالْوَسَائِلَ أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنَ الْمَقَاصِدِ. الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ الْأَلْفَاظُ إِذَا كَانَتْ نُصُوصًا فِي شَيْءٍ غَيْرِ مُتَرَدِّدَةٍ لَمْ تَحْتَجْ إِلَى نِيَّةٍ لِانْصِرَافِهَا بِصَرَاحَتِهَا لِمَدْلُولَاتِهَا فَإِنْ كَانَتْ كِنَايَةً أَوْ مُشْتَرِكَةً مُتَرَدِّدَةً افْتَقَرَتْ إِلَى النِّيَّةِ. الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ الْمَقَاصِدُ مِنَ الْأَعْيَانِ فِي الْعُقُودِ إِنْ كَانَتْ مُتَعَيِّنَةً اسْتَغْنَتْ عَمَّا يُعَيِّنُهَا كَمَنِ اسْتَأْجَرَ بِسَاطًا أَوْ قَدُومًا أَوْ ثَوْبًا أَوْ عِمَامَةً لَمْ يَحْتَجْ إِلَى تَعْيِينِ الْمَنْفَعَةِ فِي الْعَقْدِ لِانْصِرَافِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِصُوَرِهَا إِلَى مَقَاصِدِهَا عَادَةً.
وَإِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ مُتَرَدِّدَةً كَالدَّابَّةِ لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ وَالْأَرْضِ لِلزَّرْعِ وَالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ افْتَقَرَتْ إِلَى التَّعْيِينِ. الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ النُّقُودُ إِذَا كَانَ بَعْضُهَا غَالِبًا لَمْ يُحْتَجْ إِلَى تَعْيِينِهِ فِي الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ احْتَاجَ إِلَى التَّعْيِينِ. الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ الْحُقُوقُ إِذَا تَعَيَّنَتْ لِمُسْتَحِقِّهَا كَالدَّيْنِ الْمَنْقُولِ فَإِنَّهُ مُعَيَّنٌ لِرَبِّهِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ مِثْلَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا تَعَيَّنَتْ لَهُ كَالْإِيمَانِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ. وَإِنْ تَرَدَّدَ الْحَقُّ بَيْنَ دَيْنَيْنِ أَحَدُهُمَا بِرَهْنٍ وَالْآخَرُ بِغَيْرِ رَهْنٍ فَإِنَّ الدَّفْعَ يَفْتَقِرُ فِي تَعْيِينِ الْمَدْفُوعِ لِأَحَدِهِمَا إِلَى النِّيَّةِ. الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ التَّصَرُّفَاتُ إِذَا كَانَتْ دَائِرَةً بَيْنَ جِهَاتٍ شَتَّى لَا تَنْصَرِفُ لِجِهَةٍ إِلَّا بِنِيَّةٍ كَمَنْ أَوْصَى عَلَى أَيْتَامٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَاشْتَرَى سِلْعَةً لَا تَتَعَيَّنُ لِأَحَدِهِمْ إِلَّا بِالنِّيَّةِ وَمَتَى كَانَ التَّصَرُّفُ مُتَّحِدًا انْصَرَفَ لِجِهَتِهِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ فَإِنَّ مُبَاشَرَةَ الْعَقْدِ كَافِيَةٌ فِي حُصُولِ مُلْكِهِ فِي السِّلْعَةِ وَمَنْ مَلَكَ التَّصَرُّفَ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ بِالْوَكَالَةِ لَا يَنْصَرِفُ التَّصَرُّفُ لِلْغَيْرِ إِلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ أَغْلَبُ فَانْصَرَفَ التَّصَرُّفُ إِلَيْهِ وَالنِّيَّةُ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ مَقْصُودُهَا التَّمْيِيزُ وَمَقْصُودُهَا فِي الْعِبَادَاتِ التَّمْيِيزُ وَالتَّقَرُّبُ مَعًا. سُؤَالٌ هَذَا التَّقْرِير يُشْكِلُ بِالتَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ مُتَمَيِّزٌ بِصُورَتِهِ لِلَّهِ تبارك وتعالى فَلِمَ افْتَقَرَ إِلَى النِّيَّةِ؟ جَوَابُهُ أَنَّ التَّيَمُّمَ خَارِجٌ عَنْ نَمَطِ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّهَا كُلَّهَا تَعْظِيمٌ وَإِجْلَالٌ وَلَيْسَ فِي مَسِّ التُّرَابِ وَمَسْحِهِ عَلَى الْوَجْهِ صُورَةُ تَعْظِيمٍ بَلْ هُوَ شِبْهُ الْعَبَثِ وَاللَّعِبِ فَاحْتَاجَ إِلَى النِّيَّةِ لِيُخْرِجَهُ مِنْ حَيِّزِ اللَّعِبِ إِلَى حَيِّزِ التَّقَرُّبِ. تَنْبِيهٌ إِذَا ظَهَرَتْ حِكْمَةُ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فَلْيُعْلَمْ أَنَّ مُلَاحَظَتَهَا سَبَبُ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي اشْتِرَاطِهَا فِي صِيَامِ رَمَضَان وَالْوُضُوء فزفر يَقُول فِي الأول وَأَبُو حنيفَة رحمه الله يَقُولُ فِي الثَّانِي هُمَا مُتَعَيِّنَانِ بِصُوَرِهِمَا وَلَيْسَ لَهُمَا رُتَبٌ فَلَا حَاجَةَ إِلَى النِّيَّةِ
وَمَالك وَالشَّافِعِيّ رضي الله عنهما يَقُولَانِ الْإِمْسَاكُ فِي رَمَضَانَ قَدْ يَكُونُ لِعَدَمِ الْمُفْطِرَاتِ وَالْوُضُوءُ قَدْ يَكُونُ لِلتَّعْلِيمِ فَيَحْتَاجَانِ إِلَى مَا يُمَيِّزُ كَوْنَهُمَا عِبَادَةً عَنْ غَيْرِهِمَا. الْبَحْثُ الْخَامِسُ فِيمَا يَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الْأَعْمَالُ كُلُّهَا إِمَّا مَطْلُوبٌ أَوْ مُبَاحٌ وَالْمُبَاحُ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَا مَعْنَى لِلنِّيَّةِ فِيهِ وَالْمَطْلُوبُ نَوَاهٍ وَأَوَامِرٌ. فَالنَّوَاهِي كُلُّهَا يُخْرِجُ الْإِنْسَانَ عَنْ عُهْدَتِهَا وَإِنْ لَمْ يَشْعُرْ بِهَا فَضْلًا عَنِ الْقَصْدِ إِلَيْهَا مِثَالُهُ زَيْدٌ الْمَجْهُولُ لَنَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْنَا دَمَهُ وَمَالَهُ وَعِرْضَهُ وَقَدْ خَرَجْنَا عَنْ عُهْدَةِ ذَلِكَ النَّهْيِ وَإِنْ لَمْ نَشْعُرْ بِهِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْمَجْهُولَاتِ. نَعَمْ إِنْ شَعَرْنَا بِالْمُحَرَّمِ وَنَوَيْنَا تَرْكَهُ لِلَّهِ تبارك وتعالى حَصَلَ لَنَا مَعَ الْخُرُوجِ عَنِ الْعُهْدَةِ الثَّوَابُ لِأَجْلِ النِّيَّةِ فَهِيَ شَرْطٌ فِي الثَّوَابِ لَا فِي الْخُرُوجِ عَنِ الْعُهْدَةِ. وَالْأَوَامِرُ عَلَى قِسْمَيْنِ الْأَوَّلُ مِنْهَا مَا يَكُونُ صُورَةُ فِعْلِهِ كَافِيَةً فِي تَحْصِيلِ مَصْلَحَتِهِ كَأَدَاءِ الدُّيُونِ وَالْوَدَائِعِ وَالْغُصُوبِ وَنَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ فَإِنَّ الْمَصْلَحَةَ الْمَقْصُودَةَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ انْتِفَاعُ أَرْبَابِهَا وَذَلِكَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَصْدِ الْفَاعِلِ لَهَا فَيُخْرِجُ الْإِنْسَانَ عَنْ عُهْدَتِهَا وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا. وَالْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الْأَوَامِرِ مَا تَكُونُ صُورَةُ فِعْلِهِ لَيْسَتْ كَافِيَةً فِي تَحْصِيلِ مَصْلَحَتِهِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ كَالصَّلَوَاتِ وَالطَّهَارَاتِ وَالصِّيَامِ وَالنُّسُكِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا تَعْظِيمُهُ تَعَالَى بِفِعْلِهَا وَالْخُضُوعُ لَهُ فِي إِتْيَانِهَا وَذَلِكَ إِنَّمَا يَحْصُلُ إِذَا قُصِدَتْ مِنْ أَجْلِهِ سبحانه وتعالى فَإِنَّ التَّعْظِيمَ بِالْفِعْلِ بِدُونِ قَصْدِ الْمُعَظَّمِ مُحَالٌ كَمَنْ صَنَعَ ضِيَافَةً لِإِنْسَانٍ انْتَفَعَ بِهَا غَيْرُهُ فَإِنَّا نَجْزِمُ بِأَنَّ الْمُعَظَّمُ الَّذِي قُصِدَ إِكْرَامُهُ هُوَ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي فَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الَّذِي أَمَرَ فِيهِ الشَّرْعُ بِالنِّيَّاتِ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ يَتَخَرَّجُ خِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي إِيجَابِ النِّيَّةِ فِي إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى عِبَادِهِ مُجَانَبَةَ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ حَالَةَ الْمُثُولِ بَيْنَ يَدَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْمَأْمُورَاتِ الَّتِي لَا تَكْفِي صُورَتُهَا فِي تَحْصِيلِ مَصْلَحَتِهَا فَتَجِبُ فِيهَا النِّيَّةُ
وَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَى عِبَادِهِ مُلَابَسَةَ الْخَبَثِ فَيَكُونُ عِنْدَهُ مِنْ بَابِ الْمَنْهِيَّاتِ فَلَا يَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. الْبَحْثُ السَّادِسُ فِي شُرُوطِ النِّيَّةِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمُكْتَسَبِ النَّاوِي فَإِنَّهَا مُخَصِّصَةٌ وَتَخْصِيصُ غَيْرِ الْمَفْعُولِ لِلْمُخَصَّصِ مُحَالٌ. وَأَشْكَلَ هَذَا الشَّرْطُ بِنِيَّةِ الْإِمَامِ الْإِمَامَةَ فَإِنَّ صَلَاتَهُ حَالَةَ الْإِمَامَةِ مُسَاوِيَةٌ لِصَلَاتِهِ حَالَةَ الِانْفِرَادِ فَهَذِهِ النِّيَّةُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُكْتَسَبٍ وَلَا مُكْتَسَبٌ فَيُشْكِلُ. وَأَجَابَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ بِأَنَّ النِّيَّةَ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ تَتَعَلَّقَ بِمُكْتَسَبٍ اسْتِقْلَالًا وَيَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِتَوَابِعِ ذَلِكَ الْمُكْتَسَبِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُكْتَسَبَةً كَمَا تَتَعَلَّقُ بِالْوُجُوبِ فِي الصُّبْح وَالنَّدْب فِي صَلَاة الضُّحَى وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَيْسَ الْوُجُوبُ وَالنَّدْبُ مُكْتَسَبًا لِلْعَبْدِ فَإِنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ وَاجِبَةُ الْوُجُودِ قَدِيمَةٌ صِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى سُبْحَانَهُ فَحَسُنَ الْقَصْدُ إِلَيْهَا تَبَعًا لِقَصْدِ الْمُكْتَسِبِ وَكَذَلِكَ الْإِمَامَةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِعْلًا زَائِدَةً عَلَى الصَّلَاةِ مُكْتَسَبًا فَإِنَّ الْقَصْدَ إِلَيْهَا تَبَعًا لِقَصْدِ الْمُكْتَسِبِ. الشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمَنْوِيُّ مَعْلُومًا أَوْ مَظْنُونًا فَإِنَّ الْمَشْكُوكَ تَكُونُ فِيهِ النِّيَّةُ مُتَرَدِّدَةً فَلَا تَنْعَقِدُ وَلِذَلِكَ لَا يَصِحُّ وُضُوءُ الْكَافِرِ وَلَا غُسْلُهُ قَبْلَ انْعِقَادِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُمَا عِنْدَهُ غَيْرُ مَعْلُومَيْنِ وَلَا مَظْنُونَيْنِ. فُرُوعٌ: الْأَوَّلُ لَوْ شَكَّ فِي طَهَارَتِهِ وَقُلْنَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ أَوْ كَانَ شَكُّهُ غَيْرَ مُسْتَنِدٍ إِلَى سَبَبٍ فَتَوَضَّأَ فِي الْحَالَتَيْنِ احْتِيَاطًا ثُمَّ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ قَوْلَانِ أَمَّا لَوْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ فَلَا تَرَدُّدَ.
الثَّانِي لَوْ تَوَضَّأَ مُجَدَّدًا ثُمَّ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ فَفِي كِتَابِ سَحْنُونَ لَا يُجْزِئُهُ وَعِنْدَ أَشْهَبَ يُجْزِئُهُ. الثَّالِثُ لَوْ أَغْفَلَ لُمْعَةً مِنَ الْغَسْلَةِ الْأُولَى وَغَسَلَ الثَّانِيَةَ بِنِيَّةِ الْفَضِيلَةِ فَفِي الْإِجْزَاءِ قَوْلَانِ وَخَرَّجَ أَصْحَابُنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَنَحْوَهَا عَلَى أَنَّ الْقَصْدَ إِلَى الْفَضَائِلِ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ اعْتِقَادِ حُصُولِ الْفَرَائِضِ فَقَدِ انْدَرَجَتْ نِيَّةُ الْفَرْضِ فِي نِيَّةِ الْفَضِيلَةِ وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ النِّيَّةَ مِنَ الْقُصُودِ وَالْإِرَادَاتِ لَا مِنْ بَابِ الْعُلُومِ وَالِاعْتِقَادَاتِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّاسِيَ لِفَرْضِهِ الْفَاعِلَ لِلنَّفْلِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى اعْتِقَادِ حُصُولِ الْفَرْضِ وَالِاعْتِقَادُ لَيْسَ بِنِيَّةٍ كَمَا تَقَدَّمَ. نَظَائِرُ ثَمَانِيَةٌ فِي الْمَذْهَبِ وَقَعَ فِيهَا إِجْزَاءُ غَيْرِ الْوَاجِبِ: أَرْبَعَةٌ فِي الطَّهَارَةِ وَهِيَ مَنْ جَدَّدَ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدَثَ وَمَنْ غَسَلَ الثَّانِيَةَ بِنِيَّةِ الْفَضِيلَةِ وَقَدْ بَقِيَتْ لُمْعَةٌ مِنَ الْأُولَى وَمَنِ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ نَاسِيًا لِلْجَنَابَةِ وَمَنْ تَوَضَّأَ احْتِيَاطًا ثُمَّ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ. وَثَلَاثَةٌ فِي الصَّلَاةِ وَهِيَ مَنْ سَلَّمَ مِنَ اثْنَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عُقَيْبَ ذَلِكَ بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ سَلَّمَ وَفَعَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ سَلَّمَ أَوْ أَعَادَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا فِي صَلَاتِهِ الْأُولَى. وَالثَّامِنَةُ فِي الْحَجِّ وَهِيَ مَنْ نَسِيَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَقَدْ طَافَ طَوَافَ الْوَدَاعِ وَبَعُدَ عَنْ مَكَّةَ. وَالْمَشْهُورُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ يَخْتَلِفُ. وَلَا يُشْكِلُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ خَمْسٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي خَمْسًا مَعَ شَكِّهِ فِي وُجُوبِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ شَكَّهُ سَبَبًا لِإِيجَابِ الْجَمِيعِ فَالْجَمِيعُ مَعْلُومُ الْوُجُوب.
وَلَا يُشْكِلُ أَيْضًا مَنْ شَكَّ أَصَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا فَإِنَّهُ يَنْوِي صَلَاةَ رَكْعَةٍ رَابِعَةٍ لِيُتِمَّ صَلَاتَهُ مَعَ شَكِّهِ فِي وُجُوبِهَا لِأَنَّا نَمْنَعُ الشَّكَّ فِيهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّا نَقْطَعُ بِشَغْلِ ذِمَّتِهِ بِالصَّلَاةِ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ عِنْد الْحَنَفِيّ أَو يقطع عِنْد الْمَالِكِي وَالشَّافِعِيّ بِإِيقَاعِ الْأَرْبَعِ وَمَا حَصَلَ ذَلِكَ فَالْقَطْعُ الْأَوَّلُ مُسْتَصْحَبٌ. الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ مُقَارِنَةً لِلْمَنَوِيِّ لِأَنَّ أَوَّلَ الْعِبَادَةِ لَوْ عَرَا عَنِ النِّيَّةِ لَكَانَ أَوَّلُهَا مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْقُرْبَةِ وَغَيْرِهَا وَآخِرُ الصَّلَاةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَوَّلِهَا وَتَبَعٌ لَهُ بِدَلِيلِ أَنَّ أَوَّلَهَا إِنْ نَوَى نَفْلًا أَوْ وَاجِبًا أَوْ قَضَاءً أَوْ أَدَاءً كَانَ آخِرُهَا كَذَلِكَ فَلَا تَصِحُّ. وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ الصَّوْمُ لِلْمَشَقَّةِ وَالزَّكَاةُ فِي الْوِكَالَةِ عَلَى إِخْرَاجِهَا عَوْنًا عَلَى الْإِخْلَاصِ وَدَفْعًا لِحَاجَةِ الْفَقِيرِ مِنْ بَاذِلِهَا فَتَتَقَدَّمُ النِّيَّةُ عِنْدَ الْوَكَالَةِ وَلَا تَتَأَخَّرُ لِإِخْرَاجِ الْمَنْوِيِّ. فَرْعٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ جَوَّزَ ابْنُ الْقَاسِمِ تَقَدُّمَ النِّيَّةِ عِنْدَمَا يَأْخُذُ فِي أَسْبَابِ الطَّهَارَةِ بِذَهَابِهِ إِلَى الْحَمَّامِ أَوِ النَّهْرِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَخَالَفَهُ سَحْنُونُ فِي الْحَمَّامِ وَوَافَقَهُ فِي النَّهْرِ وَفَرَّقَ بِأَنَّ النَّهْرَ لَا يُؤْتَى غَالِبًا إِلَّا لِذَلِكَ فَتَمَيَّزَتِ الْعِبَادَةُ فِيهِ بِخِلَافِ الْحَمَّامِ فَإِنَّهُ يُؤْتَى لِذَلِكَ وَلِإِزَالَةِ الدَّرَنِ وَالرَّفَاهِيَةُ غَالِبَةٌ فِيهِ فَلَمْ تَتَمَيَّزِ الْعِبَادَةُ وَافْتَقَرَتْ إِلَى النِّيَّةِ وَقِيلَ لَا تُجْزِئُ النِّيَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ حَتَّى تَتَّصِلَ بِفِعْلِ الْوَاجِبِ وَقِيلَ إِذَا نَوَى عِنْدَ أَوَّلِ الْوُضُوءِ وَهُوَ أَوَّلُ السُّنَنِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الثَّوَابَ عَلَى السُّنَنِ وَالتَّقَرُّبُ بِهَا إِنَّمَا يَحْصُلُ عِنْدَ النِّيَّةِ وَقِيلَ إِنْ عَزَبَتْ نِيَّتُهُ قَبْلَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَبَعْدَ الْيَدَيْنِ لَا يُجْزِئُهُ وَإِنِ اتَّصَلَتْ بِهِمَا وَعَزَبَتْ قَبْلَ الْوَجْهِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْمَضْمَضَةَ مِنَ الْوَجْهِ وَبِهَا غَسْلُ طَاهِرِ الْفَمِ وَهِيَ الشَّفَةُ مِنَ الْوَجْهِ. الْبَحْثُ السَّابِعُ النِّيَّة على الْقسمَيْنِ فِعْلِيَّةٌ مَوْجُودَةٌ وَحُكْمِيَّةٌ مَعْدُومَةٌ وَكَذَلِكَ الْإِخْلَاصُ وَالْإِيمَانُ.
فَيَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَنْ يَعْزِمَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ مَا دَامَ حَيًّا مُسْتَطِيعًا قَبْلَ حُضُورِهَا وَحُضُورِ أَسْبَابِهَا فَإِذَا حَضَرَتْ وَجَبَ عَلَيْهِ النِّيَّةُ وَالْإِخْلَاص الفعليات فِي أَوَّلِهَا وَيَكْفِي الْحُكْمِيَّانِ فِي بَقِيَّتِهَا لِلْمَشَقَّةِ فِي اسْتِمْرَارِهَا بِالْفِعْلِ وَكَذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَوْ وَزَنَ زَكَاتَهُ وَعَزَلَهَا لِلْمَسَاكِينِ ثُمَّ دَفَعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ اكْتَفَى بِالْحُكْمِيَّةِ وَأَجْزَأَتْ وَلَمْ يُشْتَرَطِ الْإِيمَانُ الْفِعْلِيُّ فِي ابْتِدَائِهَا لِصُعُوبَةِ الْجَمْعِ وَأَفْرَدَتِ النِّيَّةَ دُونَهُ لِأَنَّهَا مُسْتَلْزَمَةٌ لَهُ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ. فُرُوعٌ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ تَكْفِي الْحكمِيَّة بشرك عَدَمِ الْمُنَافِي قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إِذَا تَوَضَّأَ وَبَقِيَتْ رِجْلَاهُ فَخَاضَ بِهَا نَهْرًا وَمَسَحَ بِيَدَيْهِ رِجْلَيْهِ فِي الْمَاءِ وَلَمْ يَنْوِ بِذَلِكَ غَسْلَ رِجْلَيْهِ لَا يُجْزِئُهُ غَسْلُ رِجْلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يُرِيدُ إِذَا قَصَدَ بِذَلِكَ غَيْرَ الْوُضُوءِ بَلْ إِزَالَةَ الْقَشْبِ وَقَالَ صَاحِبُ النكت مَعْنَاهُ أَنه ظن كَمَال وضوءه فَرَفَضَ نِيَّتَهُ أَمَّا لَوْ بَقِيَ عَلَى نِيَّتِهِ وَالنَّهْرُ قَرِيبٌ أَجْزَأَهُ. قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ النِّيَّةُ الْحُكْمِيَّةُ تَتَنَاوَلُ الْفِعْلَ مَا لَمْ تَتَنَاوَلْهُ النِّيَّةُ الْفِعْلِيَّةُ بِخُصُوصِهِ فَإِنَّ النِّيَّةَ الْخَاصَّةَ بِهِ أَقْوَى كَمَا لَوْ قَامَ لِرَكْعَةٍ وَقَصَدَ أَنَّهَا خَامِسَةٌ وَهِيَ رَابِعَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَسَدَتِ الصَّلَاةُ أَوْ صَامَ يَوْمًا فِي الصَّوْمِ الْمُتَتَابِعِ يَنْوِي بِهِ النَّذْرَ بَطَلَ التَّتَابُعُ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي صَلَاةِ مَنْ قَامَ إِلَى اثْنَيْنِ وَصَلَّى بَقِيَّةَ صَلَاتِهِ بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ ثُمَّ ذَكَرَ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُجْزِئُهُ وَعِنْدَ ابْنِ الْمَوَّازِ يُجْزِئُهُ سَلَّمَ أَوْ لَمْ يُسَلِّمْ لِأَنَّ النِّيَّةَ الْحُكْمِيَّةَ مُتَحَقِّقَةٌ فَلَا تَبْطُلُ إِلَّا بِرَفْضٍ الثَّانِي إِذَا رَفَضَ النِّيَّةَ الْحُكْمِيَّةَ بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ رحمه الله أَنَّهَا لَا تَفْسُدُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا وَهُوَ التَّمْيِيزُ حَالَةَ الْفِعْلِ وَرُوِيَ عَنْهُ فَسَادُهَا لِأَنَّهَا جُزْءٌ مِنَ الطَّهَارَةِ وَذَهَابُ جُزْءِ الطَّهَارَةِ يُفْسِدُهَا قَالَ صَاحِبُ
النُّكَتِ إِذَا رَفَضَ النِّيَّةَ فِي الطَّهَارَةِ أَوِ الْحَجِّ لَا يَضُرُّ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّيَّةِ التَّمْيِيزُ وَهُمَا مُتَمَيِّزَانِ بِمَكَانِهِمَا وَهُوَ الْأَعْضَاءُ فِي الْوُضُوءِ وَالْأَمَاكِنُ الْمَخْصُوصَةُ فِي الْحَج فَكَانَ استغناؤها عَنِ النِّيَّةِ أَكْثَرَ وَلَمْ يُؤَثِّرِ الرَّفْضُ فِيهِمَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ الثَّالِثُ قَالَ الْمَازِرِيُّ رحمه الله تَكْفِي النِّيَّةُ الْحُكْمِيَّةُ فِي الْعَمَلِ الْمُتَّصِلِ فَلَوْ نَسِيَ عُضْوًا وَطَالَ ذَلِكَ افْتَقَرَ إِلَى تَجْدِيدِ النِّيَّةِ فَإِنَّ الِاكْتِفَاءَ بِالْحُكْمِيَّةِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَيَقْتَصِرُ فِيهَا الْعَمَلُ الْمُتَّصِلُ وَكَذَلِكَ مَنْ خَلَعَ خُفَّيْهِ وَشَرَعَ فِي غَسْلِ رِجْلَيْهِ الْبَحْثُ الثَّامِنُ فِي أَقْسَامِ الْمَنْوِيِّ وَأَحْوَالِهِ الْمَنْوِيُّ مِنَ الْعِبَادَاتِ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ كَالصَّلَاةِ وَالثَّانِي مَقْصُودٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا مَعَ كَوْنِهِ مَقْصُودًا لِغَيْرِهِ فَهُوَ أَيْضًا مَقْصُودٌ لِنَفْسِهِ كَالْوُضُوءِ وَالثَّانِي مَقْصُودٌ لِغَيْرِهِ فَقَطْ كَالتَّيَمُّمِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ بِتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ دُونَ التَّيَمُّمِ وَالْمَقْصُودُ بِالنِّيَّةِ إِنَّمَا هُوَ تَمْيِيزُ الْمَقْصُودِ لِنَفْسِهِ لِأَنَّه الْمُهِمُّ فَلَا جَرَمَ إِذَا نَوَى التَّيَمُّمَ دُونَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ فَقَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ أَحَدُهُمَا لَا يُجْزِئُ لِكَوْنِهِ مِمَّا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ وَالثَّانِي يُجْزِئُهُ لِكَوْنِهِ عِبَادَةً وَالَّذِي هُوَ مَقْصُودٌ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ يَتَخَيَّرُ الْمُكَلَّفُ بَيْنَ قَصْدِهِ لَهُ لِكَوْنِهِ مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ وَبَيْنَ قَصْدِهِ لِلْمَقْصُودِ مِنْهُ دُونَهُ فَالْأَوَّلُ كَقَصْدِهِ الْوُضُوءَ وَالثَّانِي كَقَصْدِهِ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ فَإِنْ نَوَى الصَّلَاةَ أَوْ شَيْئًا لَا يُقْدَمُ عَلَيْهِ إِلَّا بِارْتِفَاعِ الْحَدَثِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِبَاحَةُ صَحَّ لِاسْتِلْزَامِ هَذِهِ الْأُمُورِ رَفْعَ الْحَدَثِ فُرُوعٌ سَبْعَةٌ الْأَوَّلُ فِي الْجَوَاهِرِ إِذَا نَوَى مَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْوُضُوءُ كَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَحْدَهُ
فَالْمَشْهُورُ أَنَّ حَدَثَهُ لَا يَرْتَفِعُ لِأَنَّ الْحَدَثَ عِبَارَةٌ عَنِ الْمَنْعِ الشَّرْعِيِّ وَصِحَّةُ هَذَا الْفِعْلِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى رَفْعِ الْمَنْعِ فَلَا تَسْتَلْزِمُهُ فَيَكُونُ حَدَثُهُ بَاقِيًا وَقِيلَ يَرْتَفِعُ نَظَرًا إِلَى أَصْلِ الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ لِهَذِهِ الْأُمُورِ. الثَّانِي إِذَا نَوَى رَفْعَ بَعْضِ الْأَحْدَاثِ نَاسِيًا لِغَيْرِهَا أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ رَفْعُ الْمَنْعِ وَقَدْ حَصَلَ وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ عَلَى التَّحْقِيقِ أَنَّهُ نَوَى رَفْعَ سَبَبِ بَعْضِ الْأَحْدَاثِ لِأَنَّ الْأَسْبَابَ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهَا لِاسْتِحَالَةِ رَفْعِ الْوَاقِعِ. الثَّالِثُ قَالَ إِذَا نَوَى اسْتِبَاحَةَ صَلَاةٍ بِعَيْنِهَا وَأَخْرَجَ غَيْرَهَا مِنْ نِيَّتِهِ فَقِيلَ يَسْتَبِيحُ مَا نَوَاهُ وَمَا لَمْ يَنْوِهِ لِأَنَّ حَدَثَهُ قَدِ ارْتَفَعَ بِاعْتِبَارِ مَا نَوَاهُ وَذَلِكَ يَقْتَضِي اسْتِبَاحَةَ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَلَيْسَ لِلْمُكَلَّفِ أَنْ يَقْتَطِعَ مُسَبِّبَاتِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ عَنْهَا فَلَوْ قَالَ أَتَزَوَّجُ وَلَا يَحِلُّ لِيَ الْوَطْءُ أَوْ أَشْتَرِي السِّلْعَةَ وَلَا يَحْصُلُ لِيَ الْمِلْكُ لم يعْتَبر ذَلِك فَكَذَلِك هَهُنَا وَقِيلَ تَبْطُلُ طَهَارَتُهُ لِلتَّضَادِّ وَلَا تَسْتَبِيحُ شَيْئًا وَقِيلَ تَخْتَصُّ الْإِبَاحَةُ بِالْمَنْوِيِّ لِقَوْلِهِ عليه السلام
(الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)
. الرَّابِعُ قَالَ الْمَازِرِيُّ إِذَا نَوَى رَفْعَ بَعْضِ الْأَحْدَاثِ مُخْرِجًا لِغَيْرِهِ مِنْ نِيَّتِهِ فَفِيهِ الثَّلَاثَةُ الْأَقْوَالُ الَّتِي فِي تَخْصِيصِ الصَّلَاةِ بِالْإِبَاحَةِ. الْخَامِسُ قَالَ الْمَازِرِيُّ لَوْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ وَالتَّبَرُّدَ أَجْزَأَهُ لَأَنَّ مَا نَوَاهُ مَعَهُ حَاصِلٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ فَلَا تَضَادَّ وَقِيلَ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ النِّيَّةِ أَنْ يَكُونَ الْبَاعِثَ على الْعِبَادَة طَاعَة الله تَعَالَى فَقَط وَهَهُنَا الْبَاعِثُ الْأَمْرَانِ. السَّادِسُ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ لَوْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ وَقَالَ لَا أَسْتَبِيحُ أَوْ نَوَى الِاسْتِبَاحَةَ وَقَالَ لَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ أَوْ نَوَى امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ تبارك وتعالى وَقَالَ لَا أَسْتَبِيحُ وَلَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ لَمْ يَصِحَّ وُضُوؤُهُ لِلتَّضَادِّ. السَّابِعُ إِذَا فَرَّقَ النِّيَّةَ عَلَى الْأَعْضَاءِ فَنَوَى الْوَجْهَ وَحْدَهُ ثُمَّ كَذَلِكَ الْيَدَيْنِ إِلَى آخِرِ الطَّهَارَةِ فَقَوْلَانِ مَنْشَؤُهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْحَدَثَ هَلْ يَرْتَفِعُ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ وَحْدَهُ أَوْ لَا بُدَّ فِي ارْتِفَاعِهِ مِنْ غسل الْجَمِيع؟
وَيَخْرُجُ عَلَى ذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ وَهِيَ إِذَا مَسَّ ذَكَرَهُ فِي غُسْلِ جَنَابَتِهِ بَعْدَ غَسْلِ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ وَأَعَادَ وُضُوءَهُ فَإِنَّهُ يَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ لِأَنَّ حَدَثَ الْجَنَابَةِ قَدِ ارْتَفَعَ عَنِ الْمَغْسُولِ قَبْلَ ذَلِكَ عَنْ أَعْضَائِهِ وَغَيْرُ الْجُنُبِ يَجِبُ عَلَيْهِ نِيَّةُ الْوُضُوءِ وَلَا يُعِيدُ النِّيَّةَ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ لِأَنَّ الْحَدَثَ لَمْ يَرْتَفِعْ عَنِ الْأَعْضَاءِ السَّابِقَةِ فَهُوَ جُنُبٌ وَالْجُنُبُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ الْوُضُوءَ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ يَتَخَرَّجُ عَلَى رَأْيِ أَبِي الْحَسَنِ إِذَا مس ذكره بعد غسله بفور ذَلِك أَن لَا يَنْوِيَ الْوُضُوءَ لِأَنَّ النِّيَّةَ الْحُكْمِيَّةَ كَمَا تُسْتَصْحَبُ فِي آخِرِ الْعِبَادَةِ تُسْتَصْحَبُ بِفَوْرِهَا وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يجرئ الْخلاف هَهُنَا. وَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَنْ غَسَلَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ وَأَدْخَلَهَا فِي الْخُفِّ ثُمَّ غَسَلَ الْأُخْرَى وَأَدْخَلَهَا فِي الْخُفِّ هَلْ يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا قَوْلَانِ. الْبَحْثُ التَّاسِعُ فِي مَعْنَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ الْمُتَطَهِّرُ يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ. اعْلَمْ أَنَّ الْحَدَثَ لَهُ مَعْنَيَانِ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ أَحَدُهُمَا الْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ يُقَالُ أَحْدَثَ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَثَانِيهِمَا الْمَنْعُ الْمُرَتَّبُ عَلَى هَذِهِ الْأَسْبَابِ فَإِنَّ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ سَبَبٌ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ فَقَدْ مَنَعَهُ اللَّهُ تبارك وتعالى مِنَ الْإِقْدَامِ عَلَى الْعِبَادَةِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وَلَيْسَ يُعْلَمُ لِلْحَدَثِ مَعْنًى ثَالِثٌ بِالِاسْتِقْرَاءِ. وَالْقَصْدُ إِلَى رَفْعِ الْحَدَثِ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ مُحَالٌ لِاسْتِحَالَةِ رَفْعِ الْوَاقِعِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْمَنْوِيُّ هُوَ رَفْعُ الْمَنْعِ وَإِذَا ارْتَفَعَ الْمَنْعُ ثَبَتَتِ الْإِبَاحَةُ فَيَظْهَرُ بِهَذَا الْبَيَانِ بُطْلَانُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحَدَثَ يَرْتَفِعُ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ عَلَى حِيَالِهِ لِأَنَّ الْمَنْعَ بَاقٍ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى تَكْمُلَ الطَّهَارَةُ وَبُطْلَانُ الْقَوْلِ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثِ فَإِنَّ الْإِبَاحَةَ حَاصِلَةٌ بِهِ فَيَكُونُ الْحَدَثُ مُرْتَفِعًا ضَرُورَةً وَإِلَّا لَاجْتَمَعَ الْمَنْعُ مَعَ الْإِبَاحَةِ وَهُمَا ضِدَّانِ. سُؤَالٌ إِذَا كَانَ الْحَدَثُ مَنْعًا شَرْعِيًّا وَالْمَنْعُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمُهُ قَدِيمٌ وَاجِبُ الْوُجُودِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ رَفْعُ وَاجِبِ الْوُجُودِ؟ جَوَابُهُ هَذَا السُّؤَالُ عَامٌّ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ الْمَحْكُومِ بِتَجَدُّدِهَا عِنْدَ الْأَسْبَابِ
وَالْجَوَابُ فِي الْجَمِيعِ أَنَّ الْحُكْمَ مُرْتَفِعٌ وَمُتَجَدِّدٌ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهِ لَا بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ وَالتَّعَلُّقُ عَدَمِيٌّ مُمْكِنُ الِارْتِفَاعِ وَلَوْ كَانَ قَدِيمًا فَإِنَّ الْقَدِيمَ لَا يَسْتَحِيلُ رَفْعُهُ إِلَّا إِذَا كَانَ وُجُودِيًّا عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ الْفَرْضُ الثَّالِثُ اسْتِيعَابُ غَسْلِ جَمِيعِ الْوَجْهِ وَحَدُّهُ طُولًا مِنْ مَنَابِتِ الشَّعْرِ الْمُعْتَادِ إِلَى مُنْتَهَى الذَّقَنِ لِلْأَمْرَدِ وَاللِّحْيَةِ لِلْمُلْتَحِي وَنُرِيدُ بِقَوْلِنَا الْمُعْتَادِ خُرُوجَ النَّزْعَتَيْنِ وَالصَّلَعِ عَنِ الْغَسْلِ وَدُخُولَ الْغَمَمِ فِيهِ والنزعان هُمَا الْخَالِيَتَانِ مِنَ الشَّعْرِ عَلَى جَنْبَيِ الْجَبِينِ وَالذَّاهِبَتَانِ عَلَى جَنْبَيِ الْيَافُوخِ وَالْغَمَمُ مَا نَزَلَ مِنَ الشَّعْرِ عَلَى الْجَبِينِ وَمِنَ الْعِذَارِ إِلَى الْعِذَارِ عَرْضًا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَاللَّحْيُ الْأَسْفَلُ مِنَ الْوَجْهِ عِنْدَ سَحْنُونٍ وَلَيْسَ مِنْهُ عِنْدَ التُّونِسِيِّ وَمُقْتَضَى قَوْلِ الْقَاضِي فِي التَّلْقِينِ خُرُوجُ الْبَيَاضِ الَّذِي بَيْنَ الْأُذُنِ وَالْعِذَارِ وَأَطْرَافِ اللَّحْيِ الْأَسْفَلِ لِلْأُذُنَيْنِ عَنِ الْوَجْهِ وَفِي الْبَيَاضِ الَّذِي بَين العذار وَالْأَذَان ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ يَجِبُ غَسْلُهُ فِي الْأَمْرَدِ وَالْمُلْتَحِي لمَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأبي حنيفَة رضي الله عنهم لِأَنَّه يُوَاجِهُ مَارِنَ الْأَنْفِ لِأَنَّه لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْوَجْهِ لَأُفْرِدَ بِمَاءٍ غَيْرِ مَاءِ الْوَجْهِ كَسَائِرِ الْمَسْنُونَاتِ وَلَا يَجِبُ فِيهِمَا لِمَالِكٍ أَيْضًا وَلِلْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ لِأَنَّ الْمُوَاجَهَةَ لَا تَقَعُ عَلَيْهِ غَالِبًا وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَلْزَمُهَا فِدْيَةٌ إِذَا غَطَّتْهُ فِي الْإِحْرَامِ وَالْوُجُوبُ فِي الْأَمْرَدِ فَقَطْ لِلْأَبْهَرِيِّ لِأَنَّ الْعِذَارَ يَمْنَعُ الْمُوَاجَهَةَ وَإِذَا قُلْنَا بِعَدَمِ الْوُجُوبِ غُسِلَ سُنَّةً فِي حَقِّ الْأَمْرَدِ وَالْمُلْتَحِي عِنْدَ الْقَاضِي وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ الْغَسْلِ فِي الْمُلْتَحِي لِأَنَّه خَرَجَ عَنْ وَصْفِ الْمُوَاجَهَةِ كَالَّذِي تَحْتَ الشَّعْرِ الْكَثِيفِ وَإِذَا قُلْنَا بِالْغَسْلِ فَلَا يُجَدِّدُ مَاءً لِأَنَّه لَا يُمْكِنُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ لِاتِّصَالِهِ فَلَوْ جَدَّدْنَا لَهُ الْمَاءَ لَزِمَ التَّكْرَارُ فِي الْوَجْهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَسْنُونَاتِ
فَرْعَانِ الْأَوَّلُ قَالَ صَاحِبُ النَّوَادِرِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَغْسِلُ مَا تَحْتَ مَارِنِهِ وَالْمَارِنُ طَرَفُ الْأَنْفِ وَمَا غَارَ مِنْ أَجْفَانِهِ وَأَسَارِيرِ جَبْهَتِهِ بِخِلَافِ الْجِرَاحِ الَّتِي بَرِئَتْ غَائِرَةً أَوْ كَانَتْ خَلْقًا وَبِخِلَافِ مَا تَحْتَ الذَّقَنِ الثَّانِي فِي الْجَوَاهِرِ يَجِبُ إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَى مَنَابِتِ الشَّعْرِ الْخَفِيفِ الَّذِي تَظْهَرُ الْبَشَرَةُ مِنْهُ بِالتَّخْلِيلِ كَالْحَاجِبَيْنِ وَالْأَهْدَابِ وَالشَّارِبِ وَالْعِذَارِ وَنَحْوِهَا وَلَا يَجِبُ فِي الْكَثِيفِ وَقِيلَ يَجِبُ لِأَنَّ الْخِطَابَ مُتَنَاوِلٌ لَهُ بِالْأَصَالَةِ وَلِغَيْرِهِ بِالرُّخْصَةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا وَيَجِبُ غَسْلُ مَا طَالَ مِنَ اللِّحْيَةِ وَقِيلَ لَا يَجِبُ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ يُنْظَرُ إِلَى مَبَادِيهَا فَيَجِبُ أَوْ مُحَاذِيهَا فَلَا يَجِبُ كَمَا قِيلَ فِيمَا زَادَ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ قَالَ الْمَازِرِيُّ عَلَى الْأَوَّلِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَالثَّانِي لِلْأَبْهَرِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ تُحَرَّكُ اللِّحْيَةُ مِنْ غَيْرِ تَخْلِيلٍ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يُخَلِّلُهَا وَهُوَ يَحْتَمِلُ الْإِيجَابَ وَالنَّدْبَ وَجْهُ الْوُجُوب قَوْله تَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم} وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَمِنَ السُّنَّةِ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ ثُمَّ خَلَّلَ لِحْيَتَهُ وَقَالَ بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ قَالَ الْبُخَارِيُّ هَذَا أَصَحُّ مَا فِي الْبَابِ وبالقياس على غسل الْجِنَايَة وَقَالَ مَالك ذَلِك مَحْمُول على وضوء الْجِنَايَة لِأَنَّه مُطْلَقٌ فَلَا يَعُمُّ وَأَمَّا الْآيَةُ فَجَوَابُهَا أَنَّ الْوَجْهَ مِنَ الْمُوَاجَهَةِ وَاللِّحْيَةَ مِنَ الْمُوَاجَهَةِ الْآنَ فَلَا جَرَمَ وَجَبَ غَسْلُهَا وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ تَوَضَّأَ مَرَّةً فَغَسَلَ وَجْهَهُ بِغُرْفَةٍ وَكَانَ عليه السلام كَثَّ اللِّحْيَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْغُرْفَةَ لَا تَعُمُّ الْوَجْهَ وَتَخْلِيلَ اللِّحْيَةِ وَالْبَشَرَةَ الَّتِي تَحْتَهَا
قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَكَمَا وَجَبَ غَسْلُ الْبَاطِنِ إِذَا ظَهَرَ كَمَوْضِعِ الْقَطْعِ مِنَ الشَّفَةِ وَأَثَرِ الْجِرَاحِ الظَّاهِرَةِ يَجِبُ أَنْ يَسْقُطَ غَسْلُ مَا ظَهَرَ إِذَا بَطَنَ فُرُوعٌ أَرْبَعَةٌ مِنَ الطَّرَّازِ الْأَوَّلُ إِذَا سَقَطَ الْوُجُوبُ اسْتَوَى عَلَى ذَلِكَ كَثِيفُ اللِّحْيَةِ وَخَفِيفُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَوْلُ الْقَاضِي يَجِبُ إِيصَالُ الْمَاءِ لِلْخَفِيفِ لَا يُنَاقِضُهُ لِأَنَّه إِذَا أَمَرَّ يَدَهُ عَلَيْهَا وَحَرَّكَهَا وَصَلَ الْمَاءُ إِلَى الْمَحَالِّ الْمَكْشُوفَةِ فَإِنْ لَمْ يَصِلِ الْمَاءُ لِقِلَّتِهِ هُنَا يَقُولُ الْقَاضِي لَا يُجْزِئُهُ خِلَافًا ح الثَّانِي رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَ عَلَيْهِ تَخْلِيلُ لِحْيَتِهِ فِي الْجَنَابَةِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ وَرَوَى أَشْهَبُ أَنَّ عَلَيْهِ تَخْلِيلَهَا قِيَاسًا عَلَى شَعْرِ الرَّأْسِ الثَّالِثُ إِذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ فِي الْجَنَابَةِ فَهُوَ سُنَّةٌ وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْوُجُوبِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجَنَابَةِ وَالْوُضُوءِ أَنَّ الْوَجْهَ مِنَ الْمُوَاجَهَةِ فَانْتَقَلَ الْحُكْمُ لِظَاهِرِ اللِّحْيَةِ وَالْجَنَابَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ الرَّابِعُ إِذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ التَّخْلِيلُ فِي الْوُضُوءِ فَلَا بُدَّ مِنْ إِمْرَارِ الْيَدِ عَلَيْهَا بِالْمَاءِ وَتَحْرِيكِ يَدِهِ عَلَيْهَا لِأَنَّ الشَّعْرَ يُدْفَعُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ فَإِنْ حُرِّكَ حَصَلَ الِاسْتِيعَابُ فِي غَسْلِ الظَّاهِرِ خِلَافًا ح فِي اقْتِصَارِهِ عَلَى الْمَسْحِ الْفَرْضُ الرَّابِعُ غَسْلُ الْيَدَيْنِ مَعَ الْمرْفقين وَقِيلَ لَا يَجِبُ غَسْلُ الْمِرْفَقَيْنِ حُجَّةُ الْأَوَّلِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه تَوَضَّأَ وَأَدَارَ الْمَاءَ عَلَيْهِمَا وَقَالَ عِنْدَ كَمَالِ وُضُوئِهِ هَكَذَا تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْله تَعَالَى {إِلَى الْمَرَافِقِ} فَقِيلَ إِلَى بِمَعْنَى مَعَ كَقَوْلِهِ تبارك وتعالى حِكَايَة عَن عِيسَى بن مَرْيَمَ عليه السلام {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} أَي مَعَ الله وَكَذَلِكَ {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالهم إِلَى أَمْوَالكُم} وَقيل هِيَ
لِلْغَايَةِ وَاخْتُلِفَ فِي الْغَايَةِ هَلْ تَدْخُلُ مَعَ الْمُغَيَّا أَوْ لَا تَدْخُلُ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا هُوَ مِنَ الْجِنْسِ فَيَدْخُلُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يَدْخُلُ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْغَايَةِ الْمُنْفَصِلَةِ بِالْحِسِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} فَإِنَّ اللَّيْلَ مُنْفَصِلٌ عَنِ النَّهَارِ بِالْحِسِّ فَلَا تَدْخُلُ وَبَيْنَ مَا لَا يَكُونُ مُنْفَصِلًا بِالْحِسِّ كَالْمَرَافِقِ فَيَدْخُلُ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ هَذَا خِلَافُهُمْ فِي الْغَايَةِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْغَايَةِ الَّتِي فِي الْآيَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا غَايَةً لِلْمَغْسُولِ لِأَنَّه الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ السَّابِقُ لِلْفَهْمِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ الْيَدُ اسْمٌ لِلْعُضْوِ والمغيا لَا بُدَّ أَنْ تَتَقَرَّرَ حَقِيقَتُهُ قَبْلَ الْغَايَةِ ثمَّ ينبسط إِلَى الْغَايَة وَهَهُنَا لَا تَكْمُلُ حَقِيقَةُ الْمُغَيَّا الَّذِي هُوَ غَسْلُ الْيَدِ إِلَّا بَعْدَ الْغَايَةِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ غَايَةً لَهُ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ غَايَةً لِلْمَتْرُوكِ وَيَكُونُ الْعَامِلُ فِيهَا فِعْلًا مُضْمَرًا حَتَّى يَبْقَى مَعْنَى الْآيَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ وَاتْرُكُوا مِنْ آبَاطِكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَالْغَايَةُ لَا تَدْخُلُ فِي الْمُغَيَّا عَلَى الْخِلَافِ فَتَبْقَى الْغَايَةُ وَهِيَ الْمَرَافِقُ مَعَ الْمَغْسُولِ وَعَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ يَتَخَرَّجُ الْخِلَافُ هُنَاكَ فِي الْكَعْبَيْنِ تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ إِلَى غَايَةٌ لِلْمَغْسُولِ يَقْتَضِي أَنَّ لَفْظَ الْيَدِ اسْتُعْمِلَ مَجَازًا فِي بَعْضِهَا كَآيَةِ السَّرِقَةِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهَا غَايَةُ الْمَتْرُوكِ يَقْتَضِي أَنَّ الْيَدَ اسْتُعْمِلَتْ حَقِيقَةً فِي كُلِّهَا لَكِنْ يَقْتَضِي الْإِضْمَارَ وَإِذَا تَعَارَضَ الْمَجَازُ وَالْإِضْمَارُ اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي أَنَّ الْمَجَازَ أَرْجَحُ أَوْ يَسْتَوِيَانِ؟ الثَّانِي الْمِرْفَقُ يُقَالُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ فُرُوعٌ ثَمَانِيَةٌ الْأَوَّلُ مَنْ قُطِعَ مِنَ السَّاعِدِ أَوْ مِنَ الْمِرْفَقَيْنِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّ الْقَطْعَ يَأْتِي عَلَيْهَا
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ وَالتَّيَمُّمُ مِثْلُهُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يُرِيدُ فِي اسْتِيعَابِ الْمِرْفَقَيْنِ لَا فِي الْوُجُوبِ لِاخْتِصَاصِ التَّيَمُّمِ عِنْدَنَا بِالْكُوعَيْنِ الثَّانِي فِي الطَّرَّازِ لَوْ وَقَعَ الْقَطْعُ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَقَدْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنَ الْمِرْفَقَيْنِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ خِلَافًا لِمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ لِأَنَّ مُوجِبَ الْأَمْرِ قَدْ حَصَلَ قَبْلَ الْقَطْعِ الثَّالِثُ لَوْ بَقِيَتْ جِلْدَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالذِّرَاعِ أَوِ الْمِرْفَقِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يَجِبُ غَسْلُهَا لِأَنَّ أَصْلَهَا فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ وَإِنْ جَاوَزَتْ إِلَى الْعَضُدِ لَمْ تَجِبِ اعْتِبَارًا بِأَصْلِهَا وَمَوْضِعِ اسْتِمْدَادِ حَيَاتِهَا وَإِنِ انْقَطَعَتْ مِنَ الْعَضُدِ وَتَعَلَّقَتْ بِالْمِرْفَقِ أَوِ الذِّرَاعِ وَجَبَ غَسْلُهَا قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَا لَا يَجِبُ فِي أَصْلِ خِلْقَتِهِ لَا يَكُونُ وَاجِبًا وَلِهَذَا الْمَعْنَى يُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْفَرْعِ وَبَيْنَ السَّلَعَةِ إِذَا ظَهَرَتْ فِي الذِّرَاعِ الرَّابِعُ إِذَا وَجَدَ الْأَقْطَعُ مَنْ يُوَضِّئُهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بِأَجْرٍ كَمَا يَلْزَمُهُ شِرَاءُ الْمَاءِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَقَدَرَ عَلَى مَسِّ الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ تَدُلُّكٍ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَسَقَطَ عَنْهُ الْمَعْجُوزُ عَنْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْغَسْلِ الْإِمْسَاسُ مَعَ الدَّلْكِ فَإِذَا فَاتَ أَحَدُهُمَا فَلَا غَسْلَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَسْحُ وَجْهِهِ بِالْأَرْضِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَجُوزُ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى مَسِّ الْمَاءِ وَاعْتِبَارًا بِمَا لَا تَصِلُ الْيَدُ إِلَيْهِ مِنَ الظَّهْرِ الْخَامِسُ مَنْ طَالَتْ أَظْفَارُهُ عَنْ أَصَابِعِهِ كَأَهْلِ السِّجْنِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ وَجَبَ عَلَيْهِمْ غَسْلُ الْخَارِجِ عَنِ الْأَصَابِعِ فَإِنْ تَرَكُوهُ خَرَجَ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا طَالَ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الشَّعْرَ زِيَادَةٌ عَلَى الْعُضْوِ وَالظُّفُرُ مِنْهُ لِأَنَّ أَصْلَهُ حَيٌّ بِمَنْزِلَةِ الْعُضْوِ وَإِنَّمَا فَارَقَتْهُ الْحَيَاةُ لَمَّا طَالَ فَأَشْبَهَ الْأُصْبُعَ الشَّلَّاءَ
السَّادِسُ مَنْ لَهُ أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ فِي كَفِّهِ قَالَ يَجِبُ غَسْلُهَا لِأَنَّهَا مِنَ الْيَدِ فَيَتَنَاوَلُهَا الْخِطَابُ وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَتْ لَهُ كَفٌّ زَائِدَةٌ فِي ذِرَاعِهِ وَجَبَ غَسْلُهَا تَبَعًا لِمَحَلِّ الْفَرْضِ قَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ يَدٌ زَائِدَةٌ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ فَإِنْ كَانَ أَصْلُهَا فِي الْعَضُدِ أَوِ الْمَنْكِبِ وَلَهَا مِرْفَقٌ وَجَبَ غَسْلُهَا لِمِرْفَقِهَا لِتَنَاوُلِ الْخِطَابِ لَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِرْفَقٌ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْخِطَابِ سَوَاءٌ بَلَغَتْ أَصَابِعُهَا لِلْمِرْفَقِ أَمْ لَا السَّابِعُ قَالَ فِي تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وُجُوبُهُ فِي الْيَدَيْنِ وَاسْتِحْبَابُهُ فِي الرِّجْلَيْنِ لِمَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَابْنِ حَبِيبٍ وَعَدَمُ الْوُجُوبِ فِيهِمَا لِابْنِ شَعْبَانَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ الرُّجُوعَ إِلَى تخليلها وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ أَمْرَانِ هَلْ خُلَلُ الْأَصَابِعِ مِنَ الْبَاطِنِ فَيَسْقُطُ كَدَاخِلِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ وَالْعَيْنِ أَوْ مِنَ الظَّاهِرِ فَيَجِبُ؟ وَهَلْ مُحَاكَّتُهَا وَتَدَافُعُهَا حَالَةَ الْغسْل تقوم مقَام الْغسْل أَو لَا؟ فَرْعٌ مُرَتَّبٌ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَبْدَأُ بِتَخْلِيلِ الرِّجْلَيْنِ بِخِنْصَرِ الْيُمْنَى لِأَنَّه يُمْنَى أَصَابِعِهَا وَيَخْتِمُ بِإِبْهَامِهَا لِأَنَّه يُسْرَى أَصَابِعِهَا وَيَبْتَدِئُ بِإِبْهَامِ الْيُسْرَى لِأَنَّه يُمْنَى أَصَابِعِهَا وَيَخْتِمُ بِخِنْصَرِهَا الثَّامِنُ قَالَ فِي الْخَاتَمِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الْوَاضِحَةِ يُحَرِّكُهُ إِنْ كَانَ ضَيِّقًا وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ يُحَرِّكُهُ مُطْلَقًا وَلِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يُحَرِّكُهُ مُطْلَقًا لِأَنَّه يَطُولُ لُبْسُهُ فَجَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ قِيَاسًا عَلَى الْخُفِّ قَالَ وَإِذَا جَوَّزْنَا الْمَسْحَ عَلَيْهِ وَكَانَ ضَيِّقًا فَنَزَعَهُ بَعْدَ وُضُوئِهِ وَلَمْ يَغْسِلْ مَوْضِعَهُ لَمْ يُجْزِهِ إِلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ إِصَابَةَ الْمَاءِ لِمَا تَحْتَهُ وَقَدْ عُلِمَ الِاخْتِلَافُ فِيمَنْ تَوَضَّأَ وَعَلَى يَدِهِ خَيْطٌ مِنْ عَجِينٍ فَإِنْ كَانَ الْخَاتَمُ ذَهَبًا لَمْ يُعْفَ عَنْ غَسْلِ مَا تَحْتَهُ فِي حَقِّ الرِّجَالِ لِتَحْرِيمِهِ عَلَيْهِمْ وَالْحُرْمَةُ تُنَافِي الرُّخْصَةَ قَالَ سَحْنُونُ لُبْسُهُ فِي الصَّلَاةِ يُوجِبُ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ
الْفَرْضُ الْخَامِسُ مَسْحُ جَمِيعِ الرَّأْسِ فِي الْكِتَابِ يَمْسَحُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ عَلَى الرَّأْسِ كُلِّهِ وَدَلَالِيِّهِمَا وَلَا يُحَلُّ الْمَعْقُوصُ خِلَافًا ش فِي اقْتِصَارِهِ على أقل مَا يُسمى مسحا وَلأبي ح فِي اقْتِصَارِهِ عَلَى النَّاصِيَةِ وَحَدُّهُ مِنْ مَنْبَتِ الشَّعْرِ الْمُعْتَادِ إِلَى الْقَفَا وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ إِلَى مُنْتَهَى مَنْبَتِ الشَّعْرِ مُحْتَجًّا بِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عليه السلام مَسَحَ رَأْسَهُ حَتَّى أَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ تَحْتِ أُذُنَيْهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ وَالْأَحَادِيثُ الثَّابِتَةُ أَنَّهُ عليه السلام بَلَغَ إِلَى الْقَفَا وَمِنَ الْأُذُنَيْنِ إِلَى الْأُذُنَيْنِ وَجَوَّزَ ابْنُ مَسْلَمَةَ تَرْكَ الثُّلُثَ وَالْقَاضِي أَبُو الْفَرَجِ تَرْكَ الثُّلُثَيْنِ وَأَوْجَبَ أَشْهَبُ النَّاصِيَةَ وَعَنْهُ أَيْضًا بَعْضٌ غَيْرُ مَحْدُودٍ حُجَّةُ الْمَشْهُورِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْقِيَاسُ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وامسحوا برؤوسكم} وَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ تُؤَكَّدُ بِمَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِالْعُمُومِ لِقَوْلِهِمُ امْسَحْ بِرَأْسِكَ كُلِّهِ وَالتَّأْكِيدُ تَقْوِيَة لما كَانَ ثَابتا فِي الأَصْل وَثَانِيهمَا أَنَّهَا صِيغَةٌ يَدْخُلُهَا الِاسْتِثْنَاءُ فَيُقَالُ امْسَحْ بِرَأْسِكَ إِلَّا نِصْفَهُ أَوْ إِلَّا ثُلُثَهُ وَالِاسْتِثْنَاءُ عِبَارَةٌ عَمَّا لَوْلَاهُ لَانْدَرَجَ الْمُسْتَثْنَى تَحْتَ الْحُكْمِ وَمَا مِنْ جُزْءٍ إِلَّا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ هَذِهِ الصِّيغَةِ فَوَجَبَ انْدِرَاجُ جُمْلَةِ الْأَجْزَاءِ تَحْتَ وُجُوبِ الْمَسْحِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَثَالِثُهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَفْرَدَهُ بِذِكْرِهِ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ أَقَلَّ جُزْءٍ مِنَ الرَّأْسِ لَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْوَجْهِ لِأَنَّه لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ مُلَامَسَةِ جُزْءٍ مِنَ الرَّأْسِ وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعِمَامَتِهِ وَلَوْ كَانَ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ جَائِزًا لَمَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالنَّاصِيَةِ
وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَنَقُولُ عُضْوٌ شُرِعَ الْمَسْحُ فِيهِ بِالْمَاءِ فَوَجَبَ أَنْ يَعُمَّهُ حُكْمُهُ قِيَاسًا عَلَى الْوَجْهِ فِي التَّيَمُّمِ أَوْ نَقُولُ لَوْ لَمْ يَجِبِ الْكُلُّ لَوَجَبَ الْبَعْضُ وَلَوْ وَجَبَ الْبَعْضُ لَوَجَبَ الْبَعْضُ الْآخَرُ قِيَاسًا عَلَيْهِ وَهَذَا قِيَاسٌ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْفَارِقُ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ إِنَّ الْفِعْلَ فِي الْآيَةِ مُتَعَدٍّ فيستغنى عَن الْبَاء فَتكون للتبغيض صَوْنًا لِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَنِ اللَّغْوِ قُلْنَا الْجَواب عَنهُ من وُجُوه أَحدهمَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنِ الْبَاءِ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ فِعْلَ الْمَسْحِ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ أَحَدُهُمَا بِنَفْسِهِ وَالثَّانِي بِالْبَاءِ إِجْمَاعًا كَقَوْلِنَا مَسَحْتُ يَدِي بِالْمِنْدِيلِ فَالْمِنْدِيلُ الْمُزِيلُ عَنِ الْيَدِ وَإِذَا قُلْنَا مَسَحْتُ الْمِنْدِيلَ بِيَدِي فَالْيَدُ الْمُزِيلَةُ وَالْمِنْدِيلُ الْمُزَالُ عَنْهُ وَالرُّطُوبَةُ فِي الْوُضُوءِ إِنَّمَا هِيَ فِي الْيَدِ فَتُزَالُ عَنْهَا بِالرَّأْسِ فَيَكُونُ مَعْنَى الْآيَةِ فامسحوا أَيْدِيكُم برؤوسكم فَالْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمَحْذُوفُ وَهُوَ الْمُزَالُ عَنْهُ وَالرَّأْسُ الْمَفْعُولُ الثَّانِي الْمُزَالُ بِهِ فَالْبَاءُ عَلَى بَابِهَا لِلتَّعْدِيَةِ الثَّانِي سَلَّمْنَا أَنَّهَا لَيْسَتْ لِلتَّعْدِيَةِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلْمُصَاحَبَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {تنْبت بالدهن} بِضَمِّ التَّاءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عُدِّيَ بِالْهَمْزَةِ فَتَتَعَيَّنُ الْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ لِأَنَّه لَا يَجْتَمِعُ عَلَى الْفِعْلِ مُعَدِّيَانِ وَكَقَوْلِنَا جَاءَ زَيْدٌ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَالْبَاءُ فِي هَذَا الْقَوْلِ لِلْمُصَاحَبَةِ دُونَ التَّعْدِيَةِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلتَّعْدِيَةِ لَحَسُنَ أَنْ تَقُومَ الْهَمْزَةُ مَقَامَهَا فَيُقَالَ أَجَاءَ زَيْدٌ مِائَةَ دِينَارٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الثَّالِثُ سَلَّمْنَا أَنَّهَا لَيْسَتْ لِلْمُصَاحَبَةِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً لِلتَّأْكِيدِ فَإِنَّ كُلَّ حَرْفٍ يُزَادُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَهُوَ لِلتَّأْكِيدِ قَائِمٌ مُقَامَ إِعَادَةِ الْجُمْلَةِ مَرَّةً أُخْرَى والتأكيد أرجح مِمَّا ذكر تموه من التبغيض فَإِنَّهُ مجمع عَلَيْهِ والتبغيض مُنْكَرٌ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ حَتَّى إِنَّ ابْنَ جِنِّي شَنَّعَ عَلَيْهِ وَقَالَ لَا يَعْرِفُ الْعَرَبُ الْبَاء للتبغيض
فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مَجَازًا مَرْجُوحًا وَحَمْلُ كِتَابِ اللَّهِ تبارك وتعالى عَلَى الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنَ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ فَضْلًا عَنِ الْمُنْكَرِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ تَعْمِيمُ الْوَجْهِ فِي التَّيَمُّمِ إِنَّمَا ثَبَتَ بِالسنةِ وَكَانَ مُقْتَضى الْبَاء فِيهِ التبغيض فَنَقُولُ عَلَى مَا ذَكَرْتُمُوهُ تَكُونُ السُّنَّةُ مُعَارِضَةً لِلْكِتَابِ وَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ لَا تَكُونُ مُعَارِضَةً بَلْ مُبَيِّنَةً مُؤَكِّدَةً وَعَدَمُ التَّعَارُضِ أَوْلَى وَأَمَّا وَجْهُ الْقَوْلِ بِالثُّلُثَيْنِ فَلِأَنَّهُ عُضْوٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَالثُّلُثُ فِي حَيِّزِ الْقِلَّةِ بِدَلِيلِ إِبَاحَتِهِ لِلْمَرِيضِ وَالْمَرْأَةِ الْمُتَزَوِّجَةِ مَعَ الْحَجْرِ عَلَيْهِمَا وَوَجْهُ الرُّبُعِ مَسْحُهُ عليه السلام بِالنَّاصِيَةِ وَالْعِمَامَةِ وَالنَّاصِيَةُ نَحْوُ الرُّبُعِ وَوَجْهُ الِاقْتِصَارِ عَلَى أَقَلِّ مَا يُسَمَّى مسحا أَن الْبَاء للتبغيض وَلَيْسَ الْبَعْضُ أَوْلَى مِنَ الْبَعْضِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى أَقَلِّ مَا يُسَمَّى مَسْحًا وَقَدْ عَرَفْتَ مَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فُرُوعٌ أَحَدَ عَشَرَ الْأَوَّلُ حُكِي فِي تَعَالِيقِ الْمَذْهَبِ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ لِسَحْنُونَ فَقَالَ تَوَضَّأْتُ لِلصُّبْحِ وَصَلَّيْتُ بِهِ الصُّبْحَ وَالظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ ثُمَّ أَحْدَثْتُ وَتَوَضَّأْتُ فَصَلَّيْتُ الْعِشَاءَ ثُمَّ تَذَكَّرْتُ أَنِّي نَسِيتُ مَسْحَ رَأْسِي مِنْ أَحَدِ الْوُضُوءَيْنِ لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا هُوَ؟ فَقَالَ سَحْنُونُ امْسَحْ بِرَأْسِكَ وَأَعِدِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فَذَهَبَ فَأَعَادَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَنَسِيَ مَسْحَ رَأْسِهِ فَجَاءَ إِلَيْهِ فَقَالَ أَعَدْتُ الصَّلَوَاتِ وَنَسِيتُ مَسْحَ رَأْسِي فَقَالَ لَهُ امْسَحْ بِرَأْسِكَ وَأَعِدِ الْعِشَاءَ وَحْدَهَا فَفَرَّقَ سَحْنُونُ بَيْنَ الْجَوَابَيْنِ مَعَ أَنَّ السَّائِلَ نَسِيَ فِي الْحَالَتَيْنِ وَوَجْهُ الْفِقْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ أَمَرَهُ أَوَّلًا بِإِعَادَةِ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا لِتَطَرُّقِ الشَّكِّ لِلْجَمِيعِ وَالذِّمَّةُ مُعَمَّرَةٌ بِالصَّلَوَاتِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْمُبَرِّئَ فَلَمَّا أَعَادَهَا بِوُضُوءِ الْعِشَاءِ صَارَتِ الصَّلَوَاتُ الْأَرْبَعُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا قَدْ صُلِّيَتْ بِوُضُوءَيْنِ الْوُضُوءِ الْأَوَّلِ
وَالثَّانِي وَأَمَّا الْعِشَاءُ فَصُلِّيَتْ بِوُضُوئِهَا أَوَّلًا وَأُعِيدَتْ بِوُضُوئِهَا أَيْضًا فَلَمْ يُوجَدْ فِيهَا إِلَّا وُضُوءٌ وَاحِدٌ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي نَسِيَ مِنْهُ مَسْحَ الرَّأْسِ فَلَمْ تَتَحَقَّقْ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْهَا فَتَجِبُ إِعَادَتُهَا وَأَحَدُ الْوُضُوءَيْنِ فِي الصَّلَوَاتِ الْأَوَّلِ صَحِيحٌ جَزْمًا بِأَنَّهُ مَا نَسِيَ الْمَسْحَ إِلَّا مِنْ أَحَدِهِمَا وَإِذَا وَقَعَتْ بِوُضُوءَيْنِ صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ صَحَّتْ بِالْوُضُوءِ الصَّحِيحِ فَلَا تُعَادُ وَلَا فَرْقَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الصَّلَوَاتُ الْأُوَلُ كُلُّ وَاحِدَةٍ بِوُضُوءٍ أَوْ كُلُّهَا بِوُضُوءٍ وَهَذَا فَرْعٌ لَا يَكَادُ تَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِيهِ الثَّانِي مَنْ نَسِيَ مَسْحَ رَأْسِهِ وَذَكَرَهُ فِي الصَّلَاةِ وَفِي لِحْيَتِهِ بَلَلٌ قَالَ مَالِكٌ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ لَا يُجْزِئُهُ مَسْحُهُ بِذَلِكَ الْبَلَلِ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ بَعْدَ مَسْحِ رَأْسِهِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ الْوُجُوبَ وَالنَّدْبَ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يُجْزِئُهُ إِنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً قَرِيبًا وَكَانَ فِي الْبَلَلِ فَضْلٌ بَيِّنٌ قَالَ الْمَازِرِيُّ الْمَسْأَلَةُ تَتَخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَحُجَّةُ عَبْدِ الْمَلِكِ مَا رُوِيَ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْنِفْ لِرَأْسِهِ مَاءً الثَّالِثُ فِي الْجِلَابِ لَا يُسْتَحَبُّ فِيهِ التَّكْرَارُ وَهِيَ إِحْدَى خَمْسِ مَسَائِلَ لَا يُسْتَحَبُّ فِيهَا التَّكْرَارُ هَذِهِ وَالْوَجْهُ وَالْيَدَانِ فِي التَّيَمُّمِ وَالْجَبَائِرُ وَالْخُفَّانِ لِأَنَّ حِكْمَةَ الْمَسْحِ التَّخْفِيفُ إِذْ لَوْلَا ذَلِكَ لَشَرَّعَهُ اللَّهُ عز وجل غَسْلًا فَلَوْ كُرِّرَ لَخَرَجَ بِتَكْرَارِهِ عَنِ التَّخْفِيفِ فَتَبْطُلُ حِكْمَتُهُ الرَّابِعُ فِي الْجَوَاهِرِ يُجْزِئُ الْغَسْلُ عَنِ الْمَسْحِ فِيهِ عِنْدَ ابْنِ شَعْبَانَ لِأَنَّ الْغَسْلَ إِنَّمَا سَقَطَ لُطْفًا بِالْمُكَلَّفِ فَإِذَا عَدَلَ إِلَيْهِ أَجْزَأَهُ كَالصَّوْمِ فِي السَّفَرِ وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْمَسْحَ وَحَقِيقَتُهُ مُبَايَنَةٌ لِلْغَسْلِ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ وَكَرِهَهُ آخَرُونَ لِتَعَارُضِ الْمَآخِذِ الْخَامِسُ مَا انْسَدَلَ مِنَ الشَّعْرِ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ قَالَ الْمَازِرِيُّ فِيهِ قَوْلَانِ كَالْمُنْسَدِلِ مِنَ اللِّحْيَةِ نَظَرًا إِلَى مَبَادِئِهِ فَيَجِبُ أَوْ مُحَاذِيهِ فَلَا يَجِبُ
قَالَ ابْنُ يُونُسَ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ عَائِشَةَ وَجُوَيْرِيَّةَ زَوْجَتَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم َ - وَصَفِيَّةَ زَوْجَ ابْنِ عُمَرَ كُنَّ إِذَا تَوَضَّأْنَ أدخلن أَيْدِيهنَّ تَحت الْوِقَايَة فيمسحن جَمِيع رؤوسهن وَقَالَ مَالِكٌ تَمْسَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى مَا اسْتَرْخَى مِنْ دَلَالِيهَا وَإِنْ كَانَ شَعْرُهَا مَعْقُوصًا مَسَحَتْ عَلَى ضُفُرِهَا. وَكَذَلِكَ الطَّوِيلُ الشَّعْرِ مِنَ الرِّجَالِ إِذَا ضَفَّرَهُ وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ يُمِرُّ بِيَدَيْهِ عَلَى قَفَاهُ ثُمَّ يُعِيدُهُمَا مِنْ تَحْتِ شِعْرِهِ إِلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِذَا كَانَ فِي شَعْرِهَا خَيْطٌ أَوْ شَعْرٌ لَمْ يُجَزْ مَسْحُهَا حَتَّى تَنْزِعَهُ إِذَا لَمْ يَصِلِ الْمَاءُ إِلَى شَعْرِهَا بِشَيْءٍ لِلَعْنِهِ عليه السلام الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ. السَّادِسُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا تَوَضَّأَ وَحَلَقَ رَأْسَهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إِعَادَةُ مَسْحِهِ وَكَذَلِكَ قَالَ فِيمَنْ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِم وَبَلغنِي عَن عبد الْعَزِيز ابْن أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ قَالَ هَذَا مِنْ لَحْنِ الْفِقْهِ. قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَا يُعْرَفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُخَالِفٌ إِلَّا ابْنَ جَرِيرٍ الطَّبَرِيَّ لِأَن الْفَرْض قد سقط أَولا فزاول الشَّعْرِ لَا يُوجِبُهُ كَمَا إِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ أَوْ تَيَمَّمَ ثُمَّ قُطِعَ أَنْفُهُ وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ كَانُوا يَحْلِقُونَ بِمِنًى ثُمَّ يَنْزِلُونَ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ إِعَادَةُ مَسْحِ رَأْسِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يُعَادُ الْغُسْلُ لِلْجَنَابَةِ وَهِيَ أَوْلَى لِأَنَّ مَنَابِتَ الشَّعْرِ لَمْ تُغْسَلْ قَبْلَ الْحَلْقِ وَهِيَ مِنَ الْبَشَرَةِ الْمَأْمُورِ بِغَسْلِهَا وَأَمَّا كَلَامُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهَذَا مِنْ لَحْنِ الْفِقْهِ فَكَلَامٌ مُحْتَمَلٌ. قَالَ ابْنُ دُرَيْد اللّحن فطنة وَمِنْهُ قَوْلُهُ عليه السلام وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضِ أَيْ أَفْطَنَ لَهَا. وَأَصْلُ اللَّحْنِ أَنْ تُرِيدَ الشَّيْءَ فَتُوَرِّيَ عَنْهُ وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ
(وَحَدِيثٌ أَلَذُّهُ وَهْوَ مِمَّا
…
يَشْتَهِي النَّاعِتُونَ يُوزَنُ وزنا)
(منطق صائب وتلحن أَحْيَانًا
…
وَأَحْلَى الْحَدِيثِ مَا كَانَ لَحْنًا)
قَالَ ابْنُ يُونُسَ ذَكَرَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ اللَّحْنَ بِإِسْكَانِ الْحَاءِ الْخَطَأُ وَبِفَتْحِهَا الصَّوَابُ فَمَنْ رَوَاهَا بِالْإِسْكَانِ فَمَعْنَاهُ أَنَّ الْقَوْلَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ خَطَأٌ وَبِالتَّحْرِيكِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ النَّقْضِ صَوَابٌ وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ عَابَ قَوْلَ مَالِكٍ وَوَافَقَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَقَالَ لَا يتلفت إِلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ أَرَادَ تَخْطِئَةَ غَيْرِنَا. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي النُّكَتِ يَحْتَمِلُ كَلَامه التصويب والتخطئة فلإن اللَّحْنَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْخُفَّيْنِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ أَنَّ الشَّعْرَ أَصْلٌ وَالْخُفَّ فَرْعٌ فَإِذَا زَالَ رَجَعَ إِلَى الْأَصْلِ وَفَرَّقَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ بِأَنَّ مَاسِحَ الرَّأْسِ مَقْصُودُهُ الرَّأْسُ لَا الشَّعْرُ فَإِنْ كَانَ الرَّأْسُ مِنَ التَّرَاوُسِ فَقَدْ صَادَفَ الْوَاجِبَ وَإِنْ كَانَ الرَّأْسُ الْعُضْوَ فَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْمَسْحِ وَالشَّعْرُ تَبَعٌ بِخِلَافِ الْخُفِّ فَإِنَّهُ الْمَقْصُودُ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْأَظْفَارِ هِيَ تَبَعٌ أَيْضًا. قَالَ وَقَدْ فَرَّعَ أَصْحَابُنَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّحْنِ الْخَطَأُ إِذَا قُطِعَتْ بَضْعَةٌ مِنْهُ بَعْدَ الْوُضُوءِ أَنَّهُ يَغْسِلُ مَوْضِعَ الْقَطْعِ أَوْ يَمْسَحُ إِنْ تَعَذَّرَ الْغَسْلُ وَهُوَ تَخْرِيجٌ فَاسِدٌ فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ لِأَحَدٍ فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الصَّحَابَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ كَانُوا يُجْرَحُونَ وَيُصَلُّونَ بِجِرَاحِهِمْ مِنْ غَيْرِ إِعَادَةٍ وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ أَنَّ رَجُلًا رُمِيَ بِسَهْمٍ وَهُوَ يُصَلِّي وَنَزَفَهُ الدَّمُ فَرَكَعَ وَسَجَدَ وَمَضَى فِي صَلَاتِهِ. السَّابِعُ قَالَ فِي الْكِتَابِ الْأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ وَيَسْتَأْنِفُ لَهُمَا الْمَاءَ فَإِنْ نَسِيَ حَتَّى صَلَّى فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ وَيَمْسَحُهُمَا لِلْمُسْتَقْبَلِ وَكَذَلِكَ إِنْ نَسِيَ دَاخِلَهُمَا. قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ هُمَا فِي الرَّأْسِ قِيلَ فِي وُجُوبِ الْمَسْحِ وَقِيلَ فِي الْمَسْحِ دُونَ الْوُجُوبِ وَاعْتُذِرَ بِهَذَا عَنْ عَدَمِ الْإِعَادَةِ وَالْقَوْلَانِ لِلْأَصْحَابِ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ يَغْسِلُ بَاطِنَهُمَا مَعَ الْوَجْهِ وَيَمْسَحُ ظَاهِرَهُمَا مَعَ الرَّأْسِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ يُغْسَلَانِ مَعَ الْوَجْهِ. حُجَّةُ الْأَوَّلِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَالْمِقْدَادَ وَالرَّبِيعَ رضي الله عنهم ذَكَرُوا وُضُوءَهُ عليه السلام وَكُلُّهُمْ مَسَحَ أُذُنَيْهِ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَفِيهِمَا عَنْهُ عليه السلام قَالَ الْأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ إِلَّا أَنَّهُ يَرْوِيهِ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ وَقَدْ تكلم فِيهِ. حجَّة الثَّانِي قَالَ المزري إِنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ مَسْحَهُمَا لَا يُجْزِئُهُ عَنِ الرَّأْسِ مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الرَّأْسِ يُجْزِئُ مَسْحُهُ. حُجَّةُ الثَّالِث قَول عليه السلام فِي سُجُودِهِ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ فَأَضَافَهُمَا لِلْوَجْهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الْوَجْهَ يُرَادُ بِهِ هُنَا الْجُمْلَةُ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْخُضُوعِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا الْمَجَازُ جَائِزٌ كَمَا قَالَ تبارك وتعالى {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبك} أَيْ ذَاتُهُ وَصِفَاتُهُ. وَهُوَ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ عليه السلام فَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ وَجْهِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ فَإِذَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ رَأْسِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أُذُنَيْهِ فَأَضَافَهُمَا إِلَى الرَّأْسِ كَمَا أَضَافَ الْعَيْنَيْنِ إِلَى الْوَجْهِ. وَأَمَّا تَجْدِيدُ الْمَاءِ فَقَدِ احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ مَسْحَهُمَا سُنَّةٌ وَإِلَّا لَمُسِحَا مَعَ الرَّأْسِ بِمَائِهِ كَالصُّدْغِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَجْزَاءِ الرَّأْسِ وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِي إنَّهُمَا سنة ويجدد المَاء لَهما. وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ لَا يُجَدَّدُ مُحْتَجًّا بِأَنَّ كل من وصف وضوء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - لَمْ يَنْقُلِ التَّجْدِيدَ بَلِ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ لَمْ يَذْكُرِ الْأُذُنَ أَصْلًا لِاعْتِقَادِ أَنَّهُمَا مِنَ الرَّأْس.
حجتنا أَنَّهُمَا مباينان للرأس حَقِيقَة وَحكما أم الْحَقِيقَة فبالمشاهدة فإنهماغضاريف مُنْفَرِدَةٌ عَنِ الرَّأْسِ بِحَاجِزٍ خَالٍ مِنَ الشَّعْرِ وَأَمَّا حُكْمُهُمَا فَلَا خِلَافَ أَنَّ مَسْحَهُمَا بَعْدَ مَسْحِ الرَّأْسِ وَالْمُحْرِمُ لَا يُؤْمَرُ بِحَلْقِ شَعْرِهِمَا وَجِنَايَتُهُمَا مُنْفَرِدَةٌ بِأَرْشِهَا وَإِذَا تَحَقَّقَ التَّبَايُنُ وَجَبَ تَجْدِيدُ الْمَاءِ لَهُمَا. وَفِي الْمُوَطَّأِ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يُجَدِّدُ لَهُمَا الْمَاءَ وَهُوَ شَدِيدُ الِاتِّبَاعِ جِدًّا وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم. فُرُوعٌ مُرَتَّبَةٌ: الْأَوَّلُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِذَا قُلْنَا مَسْحُهُمَا سُنَّةٌ فَلَا يَمْسَحُهُمَا بِمَاءِ الرَّأْسِ قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ فَعَلَ أَعَادَ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ إِنْ شَاءَ جَدَّدَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُجَدِّدْ وَيَمْسَحُ بِمَاءِ الرَّأْسِ وَإِنْ قُلْنَا إِنَّ مَسَحَهُمَا وَاجِبٌ فَتَرَكَهُمَا سَهْوًا وَصَلَّى فَلَا يُخْتَلَفُ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ وَالَّذِي صَرَفَ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنِ الْإِعَادَةِ إِجْمَاعُ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى الصِّحَّةِ. وَاخْتُلِفَ فِي التَّعْلِيلِ فَقِيلَ هُوَ اسْتِحْسَانٌ وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ السَّبَبُ اجْتِمَاعُ خِلَافَيْنِ فِي كَوْنِهِمَا مِنَ الرَّأْسِ وَوُجُوبِ مَسْحِهِمَا. فَإِنْ تَرَكَهُمَا عَمْدًا اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالْوُجُوبِ فَتَعْلِيلُ الْأَبْهَرِيِّ يَقْتَضِي صِحَّةَ الصَّلَاةِ وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا يُعِيد الْوضُوء وَحمل قَول مَالك على السَّهْو اسْتِحْسَان. الثَّانِي فِي كَيْفِيَّةِ مَسْحِهِمَا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ عِيسَى بن دِينَار يَقْبِضُ أَصَابِعَ يَدِهِ إِلَّا السَّبَّابَتَيْنِ يَبُلُّهُمَا وَيَمْسَحُ بِهِمَا أُذُنَيْهِ مِنْ دَاخِلٍ وَخَارِجٍ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالْأَمْكَنُ أَنْ يَبُلَّ إِبْهَامَيْهِ وَسَبَّابَتَيْهِ فَيَمْسَحُ بِإِبْهَامَيْهِ ظُهُورَهُمَا وَبِسَبَّابَتَيْهِ بُطُونَهُمَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصر وَيدخل أصبعيه
لِأَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُدْخِلُ أُصْبُعَيْهِ فِي صِمَاخَيْهِ لِأَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُدْخِلُ أُصْبُعَيْهِ فِي جُحْرَيْ أُذُنَيْهِ خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَتَبَّعَ غُضُونَهُمَا اعْتِبَارًا بِغُضُونِ الْوَجْهِ فِي التَّيَمُّمِ وَالْخُفَّيْنِ. الثَّالِثُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِذَا قُلْنَا إِنَّ مَسْحَهُمَا سُنَّةٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَيُفَارِقُ الْغَسْلَ وَالْوُضُوءَ عَلَى ظَاهِرِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَارِكِهِمَا فِي الْوُضُوءِ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ وَتَارِكِ دَاخِلِهِمَا فِي الْغُسْلِ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ ظَاهِرُهُمَا وَبَاطِنُهُمَا مُسْتَوِيَيْنِ فِي الْوُضُوءِ وَدَاخِلُهُمَا فِي الْجَنَابَةِ مَسْنُونٌ فَقَطْ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ يَكُونُ ظَاهِرُهُمَا فِي الْوُضُوءِ وَاجِبًا وَدَاخِلُهُمَا سُنَّةً فَيَسْتَوِي الْمَسْنُونُ مِنْهُمَا فِي الطَّهَارَتَيْنِ. الثَّامِنُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يَمْسَحُ عَلَى الْحِنَّاءِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِنْ كَانَ لِلضَّرُورَةِ جَازَ مِنْ حَرٍّ وَشِبْهِهِ أَوْ يَكُونُ فِي بَاطِنِ الشَّعْرِ لِتَغْيِيرِهِ وَقَتْلِ دَوَابِّهِ فَالْأَوَّلُ لَا يَمْنَعُ كَالْقِرْطَاسِ عَلَى الصُّدْغِ وَكَمَا مَسَحَ عليه السلام عَلَى نَاصِيَتِهِ وَعِمَامَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ مُنِعَ الْمَسْحُ خِلَافًا لِابْنِ حَنْبَلٍ وَجَمَاعَةٍ مَعَهُ فَإِنَّ الْمَاسِحَ عَلَيْهِ لَيْسَ مَاسِحًا. فَرْعَانِ مُرَتَّبَانِ: الْأَوَّلُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِنْ كَانَتِ الْحِنَّاءُ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِ الشَّعْرِ مِنْهَا شَيْءٌ لَا يَمْنَعُ لِأَنَّ مَسْحَ الْبَاطِنِ لَا يَجِبُ وَقَدْ أَجَازَ الشَّرْعُ التَّلْبِيدَ فِي الْحَجِّ وَفِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عليه السلام لَبَّدَ رَأْسَهُ لِئَلَّا يَدْخُلَهُ الْغُبَارُ وَالشَّعَثُ وَالتَّلْبِيدُ يَكُونُ بِالصَّمْغِ وَغَيْرِهِ. الثَّانِي قَالَ إِذَا خَرَجَ الْحِنَّاءُ مِنْ بَعْضِ تَعَارِيجِ الشَّعْرِ يُخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ مِنَ الرَّأْسِ. التَّاسِعُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا تَمْسَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى خِمَارِهَا وَلَا غَيْرِهِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يُرِيدُ إِذَا أَمْكَنَهَا الْمَسْحُ على رَأسهَا وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة.
وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخِمَارِ وَالْعِمَامَةِ كَالْخُفَّيْنِ وَاشْتُرِطَ اللُّبْسُ عَلَى طَهَارَةٍ لِمَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ عليه السلام مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ وَفِي أَبِي دَاوُدَ مَسَحَ عَلَى عمَامَته ومفرقه. ومستندنا قَوْله تَعَالَى {وامسحوا برؤوسكم} قَالَ سِيبَوَيْهٍ بِالْبَاء للتَّأْكِيد مَعْنَاهُ رؤوسكم أَنْفُسِهَا وَقَوْلُهُ عليه السلام بَعْدَ الْوُضُوءِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إِلَّا بِهِ وَكَانَ قَدْ مَسَحَ رَأْسَهُ فِيهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ مَسَحَ عَلَى غَيْرِهِ لَكَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ شَرْطًا وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ. وَلَنَا أَيْضًا الْقِيَاسُ عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ. الْعَاشِرُ قَالَ فِي الْكِتَابِ تَمْسَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى شَعْرِهَا الْمَعْقُوصِ وَالضَّفَائِرِ مِنْ غَيْرِ نَقْضٍ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَلَوْ رَفَعَتِ الضَّفَائِرَ مِنْ أَجْنَابِ الرَّأْسِ وَعَقَصَتِ الشَّعْرَ فِي وَسَطِ الرَّأْسِ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ لِأَنَّهُ حَائِلٌ كَالْعِمَامَةِ. الْحَادِي عَشَرَ مَسْحُ الرَّقَبَةِ وَالْعُنُقِ لَا يُسْتَحَبُّ خِلَافًا ش لِعَدَمِ ذِكْرِهِ فِي وُضُوئِهِ عليه السلام. إِيضَاحُ قَوْله تَعَالَى {وامسحوا برؤوسكم} إِنْ رَاعَيْنَا الِاشْتِقَاقَ مِنَ التَّرَاوُسِ وَهُوَ كُلُّ مَا عَلَا فَيَتَنَاوَلُ اللَّفْظُ الشَّعْرَ لِعُلُوِّهِ وَالْبَشَرَةَ عِنْدَ عَدَمِهِ لِعُلُوِّهَا مِنْ غَيْرِ تَوَسُّعٍ وَلَا رخصَة وَإِن قُلْنَا إِن الرَّأْس الْعُضْوُ فَيَكُونُ ثَمَّ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ امْسَحُوا شعر رؤوسكم فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمَسْحُ عَلَى الْبَشَرَةِ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ النَّصُّ فَيَكُونُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا عِنْدَ عَدَمِ الشَّعْرِ بِالْإِجْمَاعِ لَا بِالنَّصِّ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ يَكُونُ الشَّعْرُ أَصْلًا فِي الرَّأْسِ فَرْعًا فِي اللِّحْيَةِ وَالْأَصْلُ الْوَجْهُ. الْفَرْضُ السَّادِسُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ مَعَ الْكَعْبَيْنِ، وَقِيلَ إِلَيْهِمَا دُونَهُمَا وَهُمَا النَّاتِئَانِ فِي السَّاقَيْنِ لِقَوْلِهِ عليه السلام
وَيْلٌ
لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ فَلَوْ كَانَ مَعْقِدَ الشِّرَاكِ لَمَا عُوقِبَ عَلَى تَرْكِ الْعَقِبِ وَفِي قَوْله تَعَالَى {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} إِشَارَةٌ إِلَيْهِمَا لِأَنَّ الْيَدَ لَهَا مِرْفَقٌ وَاحِدٌ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ النَّاتِئَ فِي ظَهْرِ الْقَدَمِ لَكَانَ لِلرَّجُلِ كَعْبٌ وَاحِدٌ فَكَانَ يَقُولُ
إِلَى الْكِعَابِ كَمَا قَالَ
إِلَى الْمَرَافِقِ لِتَقَابُلِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ فَلَمَّا عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ إِلَى التَّثْنِيَةِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ الْكَعْبَانِ اللَّذَانِ فِي طَرَفِ السَّاقِ فَيَصِيرُ مَعْنَى الْآيَةِ اغْسِلُوا كُلَّ رِجْلٍ إِلَى كَعْبَيْهَا. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا اللَّذَانِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ فَيَكُونُ غَايَةَ الْغَسْلِ وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ الْكِتَابِ وَالثَّانِي فِي غَيْرِهِ. وَالْكَعْبَانِ يَدْخُلَانِ فِي الْغَسْلِ عَلَى الْمَذْهَبِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْمِرْفَقَيْنِ. فَرْعَانِ: الْأَوَّلُ تَخْلِيلُ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ مُسْتَحَبٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ وَاجِبٌ وَقِيلَ مَكْرُوهٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ شِدَّةُ الِالْتِصَاقِ وَصِغَرُ الْحَجْمِ الْمُوجِبَانِ لِلتَّحَاكِّ وَالتَّدَلُّكِ. الثَّانِي أَقْطَعُ الرِّجْلَيْنِ يَغْسِلُ الْكَعْبَيْنِ بِخِلَافِ أَقْطَعِ الْيَدَيْنِ لِتَقَارُبِهِمَا فِي الرِّجْلَيْنِ بَعْدَ الْقَطْعِ. تَمْهِيدٌ قَوْله تَعَالَى {وَأَرْجُلَكُمْ} قُرِئَ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْخَفْضِ أَمَّا الرَّفْعُ فَتَقْدِيرُهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ اغْسِلُوهَا وَالنَّصْبُ عطف على اليدن وَالْخَفْضُ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ فَحَمَلَهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَدَاوُدُ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ جَمْعًا بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ وَحَمَلَهُ الشِّيعَةُ عَلَى تَعَيُّنِ الْمَسْحِ وَتَأَوَّلُوا قِرَاءَةَ النَّصْبِ بِأَنَّ الرِّجْلَ مَعْطُوفٌ عَلَى الرَّأْسِ قَبْلَ دُخُولِ حَرْفِ الْجَرِّ عَلَيْهِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
(مُعَاوِيَ إِنَّنَا بَشَرٌ فَأَسْجِحْ
…
فَلَسْنَا بِالْجِبَالِ وَلَا الْحَدِيدَا)
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ لَيْسَ تَتَعَدَّى بِنَفْسِهَا لِنَصْبِ خَبَرِهَا بِخِلَافِ الْمَسْحِ لَا يَتَعَدَّى لِمَفْعُولَيْنِ بِنَفْسِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ أَحَدَ مَفْعُولَيْهِ الْمَنْصُوبَ مُضْمَرٌ فَيَكُونُ الرَّأْسُ الْمَفْعُولَ الثَّانِيَ فَيَتَعَيَّنُ لَهُ حَرْفُ الْجَرِّ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْخَفْضُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ وَالنَّصْبُ عَلَى حَالَةِ عَدَمِهِمَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْأَصْلُ النَّصْبُ وَإِنَّمَا الْخَفْضُ عَلَى الْجِوَارِ كَقَوْلِ الْعَرَب هَذَا حجر ضَبٍّ خَرِبٍ وَوَرَدَ عَلَيْهِمْ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمِثَالَ لَا لَبْسَ فِيهِ بِخِلَافِ الْآيَةِ فَإِنَّ الْمَسْحَ فِي الرِّجْلَيْنِ مُمْكِنٌ وَلَيْسَ يُمْكِنُ أَنْ يُوصَفَ الضَّبُّ بِالْخَرَابِ. وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْعَطْفَ فِي الْآيَةِ يَأْبَى ذَلِكَ لِاقْتِضَائِهِ التَّشْرِيكَ بِخِلَافِ الْمِثَالِ. تَذْيِيلٌ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَنْبَغِي فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ أَنْ يَخْتِمَ الْمُتَطَهِّرُ أَبَدًا بِالْمَرَافِقِ وَالْكَعْبَيْنِ مُرَاعَاةً لِظَاهِرِ الْغَايَةِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ وَإِنْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ أَجْزَأَ لَكِنَّ الْأَدَبَ أولى. الْفَرْض السَّابِع الْمُوَالَاة. وَهِيَ حَقِيقَةٌ فِي الْمُجَاوَرَةِ فِي الْأَعْيَانِ وَهُنَا الْمُجَاوَرَةُ فِي الْأَفْعَالِ وَمِنْهُ الْأَوْلِيَاءُ وَالْوَلَاءُ وَالتَّوَالِي. وَفِي الْجَوَاهِرِ فِي حُكْمِهَا خَمْسَةُ أَقْوَالٍ الْوُجُوبُ مَعَ الذِّكْرِ وَالْوُجُوبُ مُطْلَقًا وَعَدَمُهُ مُطْلَقًا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَمْسُوحِ فَلَا يَجِبُ وَبَيْنَ الْمَغْسُولِ فَيَجِبُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَمْسُوحِ الْبَدَلِيِّ كَالْجَبِيرَةِ وَالْخُفَّيْنِ فَيَجِبُ وَالْمَمْسُوحُ الْأَصْلِيُّ فَلَا يَجِبُ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ تَدُورُ عَلَى مَدَارِكَ أَحَدُهَا آيَةُ الْوُضُوءِ وَالِاسْتِدْلَالُ بِهَا لِلْوُجُوبِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا قَوْله تَعَالَى {إِذَا قُمْتُمْ} فَإِنَّهُ شَرْطٌ لُغَوِيٌّ وَالشُّرُوطُ
اللُّغَوِيَّةُ أَسْبَابٌ وَالْأَصْلُ تَرْتِيبُ جُمْلَةِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {فَاغْسِلُوا} الْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ فَيَجِبُ تَعْقِيبُ الْمَجْمُوعِ لِلشَّرْطِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ الثَّالِثُ قَوْله تَعَالَى {فَاغْسِلُوا} صِيغَةُ أَمْرٍ وَالْأَمْرُ لِلْفَوْرِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ فَيَتَخَرَّجُ الْخِلَافُ فِي الْفَرْعِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْأَصْلِ. الْمُسْتَنَدُ الثَّانِي أَنَّهُ عليه السلام تَوَضَّأَ مَرَّةً فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ وَقَالَ هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إِلَّا بِهِ فَنَفَى الْقَبُولَ عِنْدَ انْتِفَائِهِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى وُجُوبه ثمَّ هَهُنَا نَظَرٌ وَهُوَ أَنَّهُ عليه السلام هَلْ أَشَارَ إِلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَرَّةً مَرَّةً وَهُوَ الصَّحِيحُ أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنَ الْقُيُودِ فَتَجِبُ الْمُوَالَاةُ وَيَرُدُّ هَذَا الِاحْتِمَالَ أَنَّهُ لَوْ كَانَتِ الْإِشَارَةُ لِقُيُودِهِ لَانْدَرَجَ فِي ذَلِكَ الْمَاءُ الْمَخْصُوصُ وَالْفَاعِلُ وَالْمَكَانُ وَالزَّمَانُ وَغَيْرُهُ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ الْإِشَارَةُ إِلَى الْمَجْمُوعِ فَإِنْ خَرَجَ شَيْءٌ بِالْإِجْمَاعِ بَقِيَ الْحَدِيثُ مُتَنَاوِلًا لِصُورَةِ النِّزَاعِ وَأَمَّا إِسْقَاطُ الْوُجُوبِ مَعَ النِّسْيَانِ فَلِضَعْفِ مُدْرِكِ الْوُجُوبِ الْمُتَأَكِّدِ بِالنِّسْيَانِ وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَمْسُوحِ وَغَيْرِهِ فَلِخِفَّةِ الْمَمْسُوحِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ وَأَمَّا الْمَمْسُوحُ الْبَدَلُ فَنَظَرًا لِأَصْلِهِ. فُرُوعٌ سِتَّةٌ: الْأَوَّلُ التَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ لَا يَضُرُّ قَالَ الْقَاضِي لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ لِقُوَّةِ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلِأَنَّهُ عليه السلام فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ شَرَعَ فِي وُضُوءٍ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَامِيَّةٌ ضَيِّقَةُ الْكُمِّ فَتَرَكَ عليه السلام وُضُوءَهُ وَأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ كُمِّهِ مِنْ تَحْتِ ذَيْلِهِ حَتَّى غَسَلَهَا وَهَذَا تَفْرِيقٌ يَسِيرٌ وَلِمَا فِي مُسْلِمٍ قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَجَعْنَا مَعَهُ عليه السلام مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِمَاءٍ فِي الطَّرِيقِ فَعَمَدَ قَوْمٌ عِنْدَ الْعَصْرِ فَتَوَضَّئُوا وَهُمْ عِجَالٌ فَانْتَهَى إِلَيْهِمْ وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ لَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ فَقَالَ عليه السلام
وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ
فَإِنَّ هَذَا التَّفْرِيقَ يَسِيرٌ لِقَوْلِهِ تَلُوحُ أَعْقَابُهُمْ وَمَا يُرَى ذَلِكَ إِلَّا إِذَا كَانَ الْبَلَلُ مَوْجُودًا. الثَّانِي قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا عَجَزَ الْمَاءُ فِي الْوُضُوءِ فَقَامَ لِأَخْذِهِ إِنْ كَانَ قَرِيبًا بَنَى وَإِنْ تَبَاعَدَ وَجَفَّ وُضُوؤُهُ ابْتَدَأَ لِأَنَّ الْقَرِيبَ فِي حُكْمِ الْمُتَّصِلِ وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ فِي الْحَدِيثِ أَمَرَ تَارِكِي الْأَعْقَابِ بِالْإِسْبَاغِ لَا بِالْإِعَادَةِ وَأَمَّا إِذَا كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُ لَا يَكْفِيهِ فَإِنَّهُ يُخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ فَرَّقَ بِغَيْرِ سَبَبٍ. وَالتَّقْيِيدُ بِالْجُفُوفِ لِأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَابْنِ حَنْبَلٍ وَجَمَاعَةٍ فَكَانَ قِيَامُ الْبَلَلِ عِنْدَهُمْ بَقَاء أثر الْوضُوء فيتصل الْأَخير بأثر السغل السَّابِقِ وَقِيلَ الْمُعْتَبَرُ الطُّولُ فِي الْعَادَةِ حَكَاهُ الْقَابِسِيُّ لِاخْتِلَافِ الْجَفَافِ بِاخْتِلَافِ الْأَبْدَانِ وَالْأَزْمَانِ. الثَّالِثُ فِي الطَّرَّازِ إِذَا قُلْنَا إِنَّهَا وَاجِبَةٌ مَعَ الذِّكْرِ هَلْ يُشْتَرَطُ مَعَ الذِّكْرِ التَّمَكُّنُ أَمْ لَا وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ إِذَا نَسِيَ عُضْوًا وَذَكَرَهُ فِي مَوْضِعٍ لَا مَاءَ فِيهِ وَلَمْ يَجِدْهُ حَتَّى طَالَ هَلْ يَبْتَدِئُ أَوْ يَبْنِي وَكَذَلِكَ إِذَا نَسِيَ النَّجَاسَةَ ثُمَّ ذَكَرَهَا فِي الصَّلَاةِ هَلْ تَبْطُلُ عِنْدَ الذِّكْرِ أَوْ يَنْزِعُهَا وَيَتَمَادَى فِي ذَلِكَ خِلَافٌ حَكَاهُ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ إِنْ أَخَّرَ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ بَنَى. وَإِنْ طَالَ وَلَمْ يَتَوَانَ فِي الطَّلَبِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْإِبْيَانِيُّ هُوَ كَالْحَائِضِ تُبَادِرُ لِلطُّهْرِ لَا تُرَاعِي وَقْتَ ابْتِدَائِهَا وَقَالَ صَاحِبُ النُّكَتِ حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ عَجَزَ مَاؤُهُ فِي ابْتِدَاءِ الطَّهَارَةِ حَكَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الشُّيُوخِ. الرَّابِعُ قَالَ إِذَا نَسِيَ لُمْعَةً لَا يُعْفَى عَنْهَا وَحَكَى الْبَاجِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ دِينَارٍ فِيمَنْ لَصِقَ بِذِرَاعَيْهِ قَدْرُ الْخَيْطِ مِنَ الْعَجِينِ أَوْ غَيْرِهِ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إِلَى مَا تَحْتَهُ يُصَلِّي بِذَلِكَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ غَاسِلًا وَلِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى الصُّبْحَ وَقَدِ اغْتَسَلَ لِجَنَابَةٍ فَكَانَ بِكَفَّيْهِ مِثْلُ الدِّرْهَمِ لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا مَوْضِعٌ لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ فَسَلَتَ مِنْ شَعْرِهِ الْمَاءَ وَمَسَحَ وَلَمْ يُعِدِ الصَّلَاةَ إِلَّا أَنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ ضَعَّفَهُ وَقِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنَ الرَّأْسِ وَمِنْ بَيْنِ الْأَصَابِعِ وَالْخَاتَمِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُعِيدُ الصَّلَاةَ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ لَمْ يُنْقَلْ حُكْمُ الْفَرْضِ إِلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ تَوَضَّأَ وَعَلَى يَدَيْهِ مِدَادٌ فَرَآهُ بعد
الصَّلَاةِ لَمْ يُغَيِّرْهُ الْمَاءُ إِذَا أَمَرَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ كَاتِبًا فَإِنَّهُ رَأَى الْكَاتِبَ مَعْذُورًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ الْخَامِسُ الْمُوَالَاةُ فَرْضٌ فِي الْوُضُوءِ وَالْغَسْلِ خِلَافًا لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَفُرِّقَ بِأَنَّ الْمُوَالَاةَ إِنَّمَا تَكُونُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ وَالْوُضُوءُ أَعْضَاءٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَالْغَسْلُ وَاحِدٌ وَهُوَ الْبَدَنُ السَّادِسُ إِذَا نَسِيَ شَيْئًا مِنْ فُرُوضِ طَهَارَتِهِ إِنْ كَانَ فِي الْقُرْبِ فَعَلَهُ وَمَا بَعْدَهُ وَإِنْ طَالَ فَعَلَهُ وَحْدَهُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِنْ كَانَ مَغْسُولًا وَطَالَ ابْتَدَأَ وَإِنْ كَانَ مَمْسُوحًا مَسَحَهُ فَقَطْ وَرَوَاهُ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ أَمَّا إِنْ كَانَ الْمَنْسِيُّ مَسْنُونًا وَذَكَرَهُ بِالْقُرْبِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ يُعِيدُ مَا بَعْدَهَا بِخِلَافِ نِسْيَانِ الْمَفْرُوضِ وَقَالَ فِي الْوَاضِحَةِ خلاف ذَلِك
(الْفَصْلُ الثَّانِي) فِي مَسْنُونَاتِهِ
وَالسُّنَّةُ فِي اللُّغَةِ الطَّرِيقَةُ لَكِنَّ عُرْفَ الشَّرْعِ خَصَّصَهُ بِبَعْضِ طَرَائِقِهِ. قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْفَضِيلَةِ وَالْفَرِيضَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ يُؤْمَرُ بِفِعْلِهِ إِذَا تَرَكَهُ مِنْ غَيْرِ إِعَادَةِ الصَّلَاةِ وَالثَّانِيَ لَا يُؤْمَرُ بِفِعْلِهَا إِذَا تَرَكَهَا وَلَا بِالْإِعَادَةِ وَالثَّالِثَ تُعَادُ لِتَرْكِهِ الصَّلَاةَ. وَالْفَرْضُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْفُرْضَةِ الْحِسِّيَّةِ وَهِيَ الْمُحَدَّدَةُ وَالْفُرُوضُ الشَّرْعِيَّةُ كَذَلِكَ فَسُمِّيَتْ فُرُوضًا. وَالْفَضِيلَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْفَضْلِ وَهُوَ الزَّائِدُ لِأَنَّهَا زَائِدَةٌ عَلَى الْوَاجِبِ.
وَمَسْنُونَاتُ الْوُضُوءِ سَبْعَةٌ
: السُّنَّةُ الْأُولَى فِي الْجِلَابِ غَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إِدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ لِكُلِّ مُرِيدِ
الْوُضُوءِ مُحْدِثًا أَوْ مُجَدِّدًا أَوْ يَدَاهُ طَاهِرَتَانِ خلافًا بن حَنْبَلٍ فِي إِيجَابِهِ لِذَلِكَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ دُونَ غَيْرِهِ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ
إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وُضُوئِهِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ مِنْهُ
وَالْبَيَاتُ إِنَّمَا يَكُونُ بِاللَّيْلِ مَعَ نَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ وَأَلْحَقْنَا بِهِ نَوْمَ النَّهَارِ وَالْمُسْتَيْقِظَ بِجَامِعِ الِاحْتِيَاطِ لِلْمَاءِ وَقَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي إِنَائِهِ أَلْحَقْنَا بِهِ الْوُضُوءَ مِنَ الْإِبْرِيقِ لِأَنَّ الْمُتَوَقَّعَ مِنْ وَضْعِ الْيَدِ فِي الْمَاءِ مُتَوَقَّعٌ مِنْ وَضْعِ الْمَاءِ فِي الْيَدِ لَا سِيَّمَا وَالْمَوْضُوعُ فِي الْيَدِ أَقَلُّ فَيَكُونُ أَقْرَبَ لِلْفَسَادِ. وَفِي الْجَوَاهِرِ قِيلَ غَسْلُهُمَا تَعَبُّدٌ وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ الْقَوْلُ بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ مُفْتَرِقَتَيْنِ لِأَنَّ شَأْنَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ التَّعَبُّدِيَّةِ لَا يُغْسَلُ عُضْوٌ حَتَّى يُفْرَغَ مِنَ الْآخَرِ وَلَا يُجْمَعَانِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي النَّظَافَةِ قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُفْرِغَ عَلَى الْيُمْنَى فَيَغْسِلَهَا ثُمَّ يُدْخِلَهَا فِي إِنَائِهِ ثُمَّ يَصُبَّ عَلَى الْيُسْرَى وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُفْرِغُ عَلَى يَدَيْهِ فَيَغْسِلُهُمَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَإِذَا كَانَتْ يَدَاهُ نَظِيفَتَيْنِ غَسَلَهُمَا عِنْدَ مَالِكٍ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاخْتِيَارُهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ. السُّنَّةُ الثَّانِيَةُ الْمَضْمَضَةُ فِي الْجَوَاهِرِ الْمَضْمَضَةُ مُعْجَمَةٌ وَهِيَ تَطْهِيرُ بَاطِنِ الْفَمِ فِي الْغَسْلِ وَالْوُضُوءِ وَأَصْلُهَا تَحْرِيكُ الْمَاءِ فِي الْإِنَاءِ وَكَذَلِكَ تَحْرِيكُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ وَالِاسْتِنْشَاقُ جَذْبُ الْمَاءِ بِالْخَيَاشِيمِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ تَقُولُ اسْتَنْشَقْتُ الشَّيْءَ إِذَا شَمَمْتُهُ وَالِاسْتِنْثَارُ اسْتِفْعَالٌ مِنَ النَّثْرَةِ وَهِيَ الْأنف وَمن النثر وَهُوَ الْجَذْبُ. وَأَمَّا ظَاهِرُ الشَّفَتَيْنِ فَغَسْلُهُمَا وَاجِبٌ وَأَوْجَبَهُمَا أَو حنيفَة وَابْنُ حَنْبَلٍ فِي الْجَنَابَةِ لِقَوْلِهِ عليه السلام
خَلِّلُوا الشَّعْرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَ فَإِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً وَفِي الْأَنْفِ شَعْرٌ وَفِي الْفَمِ بَشَرٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى هُمَا وَاجَبَتَانِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغَسْلِ لِأَنَّهُ عليه السلام وَاظَبَ عَلَيْهِمَا فِي وُضُوئِهِ وَغَسْلِهِ وَهُوَ الْمُبَيِّنُ عَنِ الله تَعَالَى.
وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ الِاسْتِنْشَاقَ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ بِهِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَإِنَّمَا فَعَلَ الْمَضْمَضَةَ وَفِعْلُهُ عَلَى النَّدْبِ. السُّنَّةُ الثَّالِثَةُ الِاسْتِنْشَاقُ وَهُوَ غَسْلُ دَاخِلِ الْأَنْفِ فَأَمَّا مَا يَبْدُو مِنْهُ فَهُوَ مِنَ الْوَجْهِ فَيَجْذِبُ الْمَاءَ بِرِيحِ الْأَنْفِ وَأَنْكَرَ مَالِكٌ رحمه الله فِي الْمَجْمُوعَةِ الِاسْتِنْشَاق من غير وضع إبهامه وسباته عَلَى أَنْفِهِ وَقَالَ هَكَذَا يَفْعَلُ الْحِمَارُ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ
إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً ثُمَّ لْيَنْثُرْ وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ وَلَا تَجِبُ هِيَ وَلَا الْمَضْمَضَةُ فِي الطَّهَارَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا مِنْ بَاطِنِ الْجَسَدِ كَدَاخِلِ الْأُذُنَيْنِ وَمَوْضِعِ الثُّيُوبَةِ مِنَ الْمَرْأَةِ وَدَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ وَهَذِهِ الْمَوَاضِعُ لَا يَجِبُ غَسْلُهَا وَلَا مَسْحُهَا فَكَذَلِكَ هَاتَانِ لَا يتناولهما مَنْ يَغْتَسِلُ لِلْجَنَابَةِ وَلَا لِلْوُضُوءِ وَتُحْمَلُ السُّنَّةُ الْوَارِدَةُ فِيهِمَا عَلَى النَّدْبِ قِيَاسًا عَلَى نَظَائِرِهِمَا فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ وَلِقَوْلِهِ عليه السلام لِلْأَعْرَابِيِّ الْمُسِيءِ لِصَلَاتِهِ
إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ خَرَّجَهُ النَّسَائِيُّ وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ ذِكْرُهُمَا. وَفِي أَبِي دَاوُدَ
لَا تَتِمُّ صَلَاة أحدكُم حَتَّى يتَوَضَّأ كَمَا أمره الله تَعَالَى. قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ الْفَمَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ تَطْهِيره من النَّجَاسَة وَإِذا وصل القئ إِلَيْهِ أَفْطَرَ فَمَدْفُوعٌ بِعَدَمِ وُجُوبِ تَطْهِيرِ دَاخِلِ الْأُذُنَيْنِ وَدَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ إِذَا اكْتَحَلَ بِمُرَاةِ خِنْزِيرٍ وَنَحْوه وبالقئ إِذَا اسْتَدْعَاهُ وَوَصَلَ إِلَى خَيَاشِيمِهِ وَلَمْ يَنْزِلْ إِلَى أَنْفِهِ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ أَوْ وَصَلَ إِلَى فَمِهِ فَلَمْ يَمْتَلِئْ فَإِنَّهُ لَا يُنْقَضُ الْوُضُوءُ عِنْدَهُمْ إِلَّا بِالِامْتِلَاءِ حَتَّى يَسِيلَ بِنَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ طَاهِرٍ لَنَقَضَ يَسِيرُهُ وَكَثِيرُهُ. أَصْلُهُ الدَّمُ فِي غَيْرِ الْفَمِ عِنْدَهُمْ وَبِبَلْعِ الرِّيقِ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَهُوَ لَوْ بلعه
مِنَ الظَّاهِرِ أَفْطَرَ وَعِنْدَهُمْ لَوْ جُرِحَ فِي خَدِّهِ فَنَفَذَتْ إِلَى فَمِهِ كَانَتْ جَائِفَةً وَالْجَائِفَةُ لَا تَكُونُ فِي ظَاهِرِ الْجَسَدِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه السلام
فَإِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً
فَالْمُرَادُ بِهِ الشُّعُورُ الْكَثِيرَةُ وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْغَسْلِ بِدَلِيلِ شَعْرِ دَاخِلِ الْأُذُنَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ. فُرُوعٌ أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ قَالَ يُسْتَحَبُّ الْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا مَا لَمْ يَكُنْ صَائِمًا. الثَّانِي قَالَ حَكَى ابْنُ سَابِقٍ فِي كَيْفِيَّةِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا يَتَمَضْمَضُ ثَلَاثًا بِثَلَاثِ غُرُفَاتٍ وَيَسْتَنْشِقُ ثَلَاثًا كَذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالثَّانِي لِأَصْحَابِهِ غُرْفَةٌ وَاحِدَةٌ لَهُمَا. وَجْهُ الْأَوَّلِ مَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا وَالْقِيَاسُ عَلَى سَائِرِ الْأَعْضَاءِ. وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ عليه السلام تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ غُرْفَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِثَلَاثِ غُرُفَاتٍ فَجَعَلَهُمَا كَعُضْوٍ وَاحِدٍ. الثَّالِثُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَوْ تَرَكَهُمَا عَامِدًا حَتَّى صَلَّى فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَلِغَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ يُعِيدُ بَعْدَ الْوَقْتِ إِمَّا لِكَوْنِهِمَا عِنْدَهُ وَاجِبَتَيْنِ وَإِمَّا لِأَنَّ تَرْكَ السُّنَنِ لَعِبٌ وَعَبَثٌ. وَقَالَ صَاحب الْجَوَاهِر إِن تَركهَا نَاسِيًا حَتَّى صَلَّى لَمْ يُعِدِ الصَّلَاةَ وَيُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ مَا تَرَكَ مُطْلَقًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَالَ الْقَاضِي لَا يُعِيدُهُمَا بَعْدَ الصَّلَاةِ لِأَنَّ السُّنَنَ لَا تُعَادُ بَعْدَ الْوَقْتِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِنْ أَرَادَ بِعَدَمِ الْإِعَادَةِ إِذَا لَمْ يُرِدْ صَلَاةً فَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأ يفعلهما لما يستقيل إِنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ
وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ عَدَمَ فِعْلِهِمَا مُطْلَقًا فَلَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ تَرْكَهُمَا نَقْصٌ فِي الطَّهَارَةِ كَتَرْكِ الِاسْتِنْجَاءِ فَتَكْمُلُ الطَّهَارَةُ لِلصَّلَاةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ. الرَّابِعُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يَفْعَلُهُمَا بِالْيَمِينِ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَيَسْتَنْثِرُ بِالْيَسَارِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْهُ عليه السلام وَفِي النَّسَائِيِّ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه تَمَضْمَضَ فَاسْتَنْشَقَ وَفَعَلَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى ذَلِكَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ هَذَا طَهُورُ النَّبِيِّ عليه السلام. تَنْبِيهٌ قُدِّمَتِ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ عَلَى الْوَاجِبَاتِ وَهُمَا مِنَ الْمَسْنُونَاتِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا لِيَطَّلِعَ بِهِمَا عَلَى حَالِ الْمَاءِ فِي رِيحِهِ وَطَعْمِهِ فَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِطَهُورٍ اسْتَعْمَلَ غَيْرَهُ وَتَرَكَهُ لِمَنَافِعِهِ لِئَلَّا يُفْسِدَهُ فَيَضِيعَ الْمَاءُ وَيَكْثُرَ التَّعَبُ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ. الثَّانِي أَنَّهُمَا أَكْثَرُ أَقْذَارًا وَأَوْضَارًا مِنْ غَيْرِهِمَا فَكَانَتِ الْعِنَايَةُ بِتَقْدِيمِهِمَا أَوْلَى. السُّنَّةُ الرَّابِعَةُ فِي الْجَوَاهِرِ مَسْحُ الْأُذُنَيْنِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ لَهُمَا ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا خِلَافًا ش فِي غَسْلِ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَأَمَّا مَا قَرُبَ مِنَ الصِّمَاخَيْنِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ وَلَا صَبُّ الْمَاءِ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَضَرَّةِ فَلَيْسَ بِمَشْرُوعٍ وَلَعَلَّ هَذَا الْقَوْلَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْجلاب وَيدخل أصبعيه فِي صماخيه. من ظَاهِرُ الْأُذُنَيْنِ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ قَالَ ابْنُ شَاسٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَقِيلَ مِمَّا يَلِي الْوَجْهَ وَيُقَالُ إِنَّ الْأُذُنَ فِي ابْتِدَاءِ خَلْقِهَا تَكُونُ مُغْلَقَةً كَزِرِّ الْوَرْدِ فَإِذَا كَمُلَ خَلْقُهَا انْفَتَحَتْ عَلَى الرَّأْسِ فَالظَّاهِرُ لِلْحِسِّ الْآنَ كَانَ بَاطِنًا أَوَّلًا وَالْبَاطِنُ كَانَ ظَاهِرًا فَيَبْقَى النَّظَرُ هَلْ يُعْتَبَرُ حَالُ الِانْتِهَاءِ لِأَنَّهُ الْوَاقِعُ حَالَ وُرُودِ الْخِطَابِ أَوْ يُعْتَبَرُ الِابْتِدَاءُ عَمَلًا بِالِاسْتِصْحَابِ. السُّنَّةُ الْخَامِسَةُ قَالَ رَدُّ الْيَدَيْنِ مِنْ مُؤَخَّرِ الرَّأْسِ إِلَى مُقَدَّمِهِ وَأَنْ يَبْدَأَ بِهِ وَفِي الْمُوَطَّأِ عَن عمر بن يحي الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَامُ يَتَوَضَّأُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ نَعَمْ فَدَعَا بِوَضُوئِهِ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدِهِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِهِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ فَقِيلَ الْوَاوُ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ إِذِ الْوَاقِعُ أَنَّهُ أَدْبَرَ بِهِمَا وَأَقْبَلَ وَقِيلَ أَقْبَلَ بِهِمَا عَلَى قَفَاهُ وَأَدْبَرَ بِهِمَا عَنْ قَفَاهُ فَإِنَّ الْإِقْبَالَ وَالْإِدْبَارَ مِنَ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ وَقِيلَ بَدَأَ مِنْ وَسَطِ الرَّأْسِ وَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أَدْبَرَ بِهِمَا عَلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى مَوْضِعِ ابْتِدَائِهِ وَيَمْنَعُ هَذَا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ
مِنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ وَأَنَّ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ كُلَّهَا تُبْتَدَأُ مِنْ أَطْرَافِهَا لَا مِنْ أَوْسَاطِهَا. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْجَلَّابِ يَبْدَأُ مِنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ إِلَى قَفَاهُ وَاضِعا أَصَابِعه عَلَى وَسَطِ رَأْسِهِ رَافِعًا رَاحَتَيْهِ عَنْ فَوْدَيْهِ ثُمَّ يُقْبِلُ بِهِمَا لَاصِقًا رَاحَتَيْهِ بِفَوْدَيْهِ مُفَرِّقًا أَصَابِعَ يَدَيْهِ فَهَذِهِ الصِّفَةُ لَمْ تُعْلَمْ لِغَيْرِهِ قَصَدَ بِهَا عَلَى زَعْمِهِ عَدَمَ التَّكْرَارِ وَخَالَفَ السُّنَّةَ إِذِ التَّكْرَارُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ مَا قَالَهُ لِأَنَّ التَّكْرَارَ إِنَّمَا يَكُونُ بِتَجْدِيدِ الْمَاءِ بِدَلِيلِ أَنَّ دَلْكَ الْيَدِ مِرَارًا بِمَاءٍ وَاحِدٍ لَا يُعَدُّ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَكَذَلِكَ هَهُنَا. السُّنَّةُ السَّادِسَةُ فِي الْجَوَاهِرِ التَّرْتِيبُ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ بِوُجُوبِهِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ بِاسْتِحْبَابِهِ. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى عَدَلَ عَنْ حُرُوفِ التَّرْتِيبِ وَهِيَ الْفَاءُ وَثُمَّ إِلَى الْوَاوِ الَّتِي لَا تَقْتَضِي إِلَّا مُطْلَقَ الْجَمْعِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ وَقَوْلُ عَلِيٍّ رضي الله عنه مَا أُبَالِي إِذَا أَتْمَمْتُ وُضُوئِي بِأَيِّ أَعْضَائِي بَدَأْتُ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما لَا بَأْسَ بِالْبِدَايَةِ بِالرِّجْلَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ خَرَّجَ الْأَثَرَيْنِ الدَّارَقُطْنِيُّ مَعَ
صُحْبَةِ عَلِيٍّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - طُولَ عُمُرِهِ فَلَوْلَا اطِّلَاعُهُ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ لَمَا قَالَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَالْقِيَاسُ عَلَى الْعُضْوِ الْوَاحِدِ بِجَامِعِ أَنَّ الْآيَةَ إِذَا دَلَّتْ عَلَى حُصُولِ الطَّهَارَةِ فِي الْعُضْوِ الْوَاحِدِ فِي الْجُمْلَةِ فَعَدَمُ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ فِي الْأَعْضَاءِ أَوْلَى لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْأَعْضَاءِ بِصِيغَةِ إِلَى الدَّالَّةِ عَلَى الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَجِبْ ذَلِكَ فَأَوْلَى أَلَّا يَجِبَ مَا لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ. وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ الْأَصْحَابِ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَا نُبَالِي بَدَأْنَا بِأَيْمَانِنَا أَوْ بِأَيْسَارِنَا فَلَا حُجَّةَ فِيهِ على الشَّافِعِي لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِوُجُوبِهِ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ. حُجَّةُ الْوُجُوبِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَنَاسِبَاتِ فِي الْغَسْلِ وَهِيَ الرِّجْلَانِ وَمَا قَبْلَ الرَّأْسِ بِالرَّأْسِ وَالْأَصْلُ ضَمُّ الشَّيْءِ إِلَى مُنَاسِبِهِ وَمَا خُولِفَ الْأَصْلُ إِلَّا لِغَرَضِ التَّرْتِيبِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ غَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام
هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إِلَّا بِهِ وَكَانَ مُرَتَّبًا وَإِلَّا كَانَ التَّنْكِيسُ وَاجِبًا وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ. وَالْقِيَاسُ عَلَى الصَّلَاةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَمِلٌ عَلَى قُرُبَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ. فَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ الرِّجْلَيْنِ أَيْضًا مَمْسُوحَتَانِ بِدَلِيلِ قِرَاءَةِ الْخَفْضِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ حَالَةَ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ فَإِنَّ الْمَاسِحَ عَلَى خُفَّيْهِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَاسِحُ رِجْلَيْهِ كَمَا يَصْدُقُ عَلَى الْمَسْحِ بِالذِّرَاعِ إِنْ كَانَ مِنْ فَوْقِ الثَّوْبِ فَلَا يَحْصُلُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْمُتَنَاسِبَاتِ بَلِ الْجَمْعُ بَيْنَهَا. وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ الْإِشَارَةَ فِي الْحَدِيثِ إِلَى غَسْلِ الْمَرَّةِ لَا إِلَى الْجَمِيعِ وَإِلَّا يَلْزَمُ التَّخْصِيصُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَهُوَ خِلَافُ الأَصْل أم تَجِبُ هَذِهِ الْقُيُودُ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ. وَعَنِ الثَّالِثِ بِالْفَرْقِ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ الصَّلَاةَ مَقْصِدٌ وَالطَّهَارَةَ وَسِيلَةٌ وَالْمَقَاصِدُ أَعْلَى رُتْبَةً مِنَ الْوَسَائِلِ فَلَا يَلْزَمُ الْإِلْحَاقُ. وَثَانِيهَا أَنَّ الْمُصَلِّيَ يُنَاجِي رَبَّهُ فَيُشَبَّهُ بِقَارِعِ بَابٍ عَلَى رَبِّهِ لمناجاته فَكَانَ
الْوَاجِبُ أَنْ يَقِفَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا يَسْتَفْتِحَ أَمْرَهُ بِالْجُلُوسِ وَيُثَنِّيَ بِالرُّكُوعِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى حَالَةِ الْقِيَامِ ثُمَّ إِذَا تَقَرَّبَ إِلَى رَبِّهِ بِالثَّنَاءِ عَلَى جَلَالِهِ وَالتَّذَلُّلِ بِرُكُوعِهِ لِعَظِيمِ عَلَائِهِ حَسُنَ مِنْهُ حِينَئِذٍ هَيْئَةُ الْجُلُوسِ. وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ طَرَفٌ وَاحِدٌ وَهُوَ رَفْعُ الْحَدَثِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي الْأَعْضَاءِ. وَثَالِثُهَا أَنَّ الصَّلَاةَ لَوْ لَمْ تَكُنْ مُرَتَّبَةً لَبَطَلَتِ الْإِمَامَةُ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى لِلْإِمَامِ عِنْدَ الْمَأْمُومِ ضَابِطٌ يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى أَيِّ رُكْنٍ شَرَعَ فِيهِ الْإِمَامُ فَتَبْطُلُ مَصَالِحُ الْإِمَامَةِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ. فَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى الْوُجُوبِ فَأَخَلَّ بِهِ ابْتَدَأَ عبد ابْن زِيَادٍ وَقِيلَ لَا يُعِيدُ لِأَنَّا إِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِهِ فَلَيْسَ شَرْطًا فِي الصِّحَّةِ. وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ فَتَرْكُهُ عَمْدًا فَهُوَ كَالنِّسْيَانِ وَقِيلَ يُعِيدُ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَعَمُّدِ تَرْكِ السُّنَنِ هَلْ يُبْطِلُ أَمْ لَا وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ فَضِيلَةٌ وَاسْتِحْبَابٌ فَلَا إِعَادَةَ وَحَيْثُ قُلْنَا يَبْدَأُ فَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْمَاءِ ابْتَدَأَ لِلْيَسَارَةِ وَإِنْ بَعُدَ وَجَفَّ وُضُوؤُهُ فَقَوْلَانِ بِالْبِنَاءِ وَالِابْتِدَاءِ. تَفْرِيعٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِذَا بَدَأَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ بِوَجْهِهِ ثُمَّ بِرَأْسِهِ ثُمَّ بِرِجْلَيْهِ أَعَادَ وُضُوءَهُ إِنْ كَانَ عَامِدًا أَوْ جَاهِلًا وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا قَالَ مَالِكٌ أَخَّرَ مَا قَدَّمَ مِنْ غَسْلِ ذِرَاعَيْهِ وَلَا يُعِيدُ مَا بَعْدَهُ كَمَا لَوْ تَرَكَ غَسْلَهُمَا حَتَّى طَالَ أَعَادَهُمَا فَقَطْ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُؤَخِّرُ مَا قَدَّمَ ثُمَّ يَغْسِلُ مَا يَلِيهِ طَالَ أَوْ لَمْ يَطُلْ لِتَحْصِيلِ حَقِيقَةِ التَّرْتِيبِ فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يُعِدْ غَسْلَ رِجْلَيْهِ وَقَعَ غَسْلُ ذِرَاعَيْهِ آخِرًا فَلَوْ بَدَأَ بِوَجْهِهِ ثُمَّ رَأْسِهِ ثُمَّ ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ رِجْلَيْهِ أَعَادَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ رَأْسَهُ فَقَطْ فَيَرْتَفِعُ الْخَلَلُ حَيْثُ قَدَّمَهُ عَلَى مَحَلِّهِ وَعِنْدَ غَيْرِهِ يَمْسَحُ رَأْسَهُ ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُعِدْ مَسْحَ رَأْسَهُ فَكَأَنَّهُ أَسْقَطَهُ فَوَقَعَ غَسْلُ يَدَيْهِ بَعْدَ وَجْهِهِ وَلَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ قَبْلَ ذِرَاعَيْهِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ يُعِيدُ مَسْحَ رَأْسِهِ لِأَنَّهُ مَا وَقَعَ بَعْدَ يَدَيْهِ وَيُعِيدُ غَسْلَ رِجْلَيْهِ لهَذِهِ الْعلَّة ويتفق ابْن الْقَاسِم وَغَيره هَهُنَا وَإِذَا قُلْنَا يُعِيدُ مَسْحَ رَأْسِهِ
وَغَسْلَ رِجْلَيْهِ فَبَدَأَ بِرِجْلَيْهِ فَيَحْتَمِلُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ الْإِجْزَاءَ لِأَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ يُعْتَدُّ بِهِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ وَوَقَعَ غَسْلُ رِجْلَيْهِ بَعْدَ مَسْحِ رَأْسِهِ فَلَا خَلَلَ فِيهِ فَإِذَا أَعَادَ غَسْلَ رِجْلَيْهِ فَقَطْ وَقَعَ بَعْدَ ذِرَاعَيْهِ وَبَعْدَ الرَّأْسِ أَعْنِي فِي الطَّهَارَةِ الْأُولَى فَيَحْصُلُ التَّرْتِيبُ بِمَجْمُوعِهِمَا وَأَعَادَ رَأْسَهُ لِيَقَعَ بَعْدَ الْيَدَيْنِ وَعِنْدَ غَيْرِهِ إِذَا مَسَحَ رَأْسَهُ أَعَادَ رِجْلَيْهِ لِيَكُونَ آخِرَ فِعْلِهِ. فَإِنْ غَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ رِجْلَيْهِ ثُمَّ رَأْسِهِ ثُمَّ ذِرَاعَيْهِ فَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ يُعِيدُ رَأْسَهُ ثُمَّ رِجْلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدَّمَهُمَا وَرَأْسَهُ عَلَى يَدَيْهِ فَيُؤَخِّرُ مَا قُدِّمَ فَيَمْسَحُ رَأْسَهُ لِيَقَعَ ذَلِكَ بَعْدَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ. فَلَوْ أَنَّهُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا بَدَأَ بِرِجْلَيْهِ ثُمَّ بِرَأْسِهِ فَيَحْتَمِلُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يُجْزِئَهُ لِأَنَّ مَسْحَهُ رَأْسَهُ الْأَوَّلَ قَدْ وَقَعَ بَعْدَ الرِّجْلَيْنِ أَوَّلًا وَإِنَّمَا مَسَحَ رَأْسَهُ الْآنَ لِيَقَعَ بَعْدَ ذِرَاعَيْهِ وَعِنْدَ غَيْرِهِ يُعِيدُ رِجْلَيْهِ بَعْدَ رَأسه ليَكُون آخر فعله. فول بَدَأَ بِوَجْهِهِ ثُمَّ رِجْلَيْهِ ثُمَّ ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ رَأْسِهِ أَعَادَ رِجْلَيْهِ فَقَطِ اتِّفَاقًا لِأَنَّ يَدَيْهِ غُسِلَتْ بَعْدَ وَجْهِهِ وَمَسَحَ رَأْسَهُ بَعْدَ يَدَيْهِ فَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ بَعْدَ رَأْسِهِ وَقَدْ ذَهَبَ الْخَلَلُ. وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ وَعِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ الْمُقَدَّمَ عَلَى الْوَجْهِ يُلْغَى وَالْمُقَدَّمَ عَلَى الْيَدَيْنِ بَعْدَ الْوَجْهِ يُلْغَى وَالْمُؤَخَّرَ بَعْدَ الْيَدَيْنِ مِنْ قَبْلِ الرَّأْسِ يُلْغَى وَالْمُؤَخَّرَ بَعْدَ الرَّأْسِ قَبْلَ الرِّجْلَيْنِ يُلْغَى. وَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمُقَدَّمُ فِي حُكْمِ الْمُلْغَى عَلَى مَا قَدَّمَهُ عَلَيْهِ وَمَا وَقَعَ بَعْدَ الْمُقَدَّمِ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْهُ فَهُوَ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْمُقَدَّمُ مُلْغًى فِي حَقِّ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ ثَابِتًا فِي حَقِّ مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ فَالَّذِي بَدَأَ بِذِرَاعَيْهِ ثُمَّ وَجْهِهِ ثُمَّ رَأْسِهِ ثُمَّ رِجْلَيْهِ عِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ لَمَّا بَدَأَ بِذِرَاعَيْهِ قَبْلَ وَجْهِهِ كَانَ غَسْلُ ذِرَاعَيْهِ مُلْغًى وَيُعِيدُ وَجْهَهُ لِأَنَّهُ لَوِ اسْتَفْتَى حِينَئِذٍ عَالِمًا لَقَالَ لَهُ اغْسِلْ وَجْهَكَ وَيَكُونُ غَسْلُ وَجْهِهِ أَوَّلًا غَيْرَ مُعْتَدٍّ بِهِ ثُمَّ كَانَ شَأْنُهُ بَعْدَ وَجْهِهِ أَنْ يَغْسِلَ يَدَيْهِ فَمَسْحُهُ رَأسه بعد وَجهه ملغى للوقوعه قَبْلَ مَوْقِعِهِ وَلَوِ اسْتَفْتَى حِينَئِذٍ لَقِيلَ لَهُ اغْسِلْ ذِرَاعَيْكَ وَإِذَا أُلْغِيَ مَسْحُ رَأْسِهِ كَانَ الصَّوَابُ أَنْ يَغْسِلَ ذِرَاعَيْهِ فَغَسْلُ رِجْلَيْهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ مُلْغًى لِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْوَجْهُ فَيُعِيدُ مِنْ ذَلِكَ إِلَى آخِرِ وُضُوئِهِ وَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَمَّا قَدَّمَ يَدَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ كَانَ ذَلِكَ مُلْغًى فِي حَقِّ الْوَجْهِ فَيَقَعُ مَسْحُ رَأْسِهِ بَعْدَ الْيَدَيْنِ وَالْوَجْهِ وَذَلِكَ مَوْضِعُهُ فَرَتَّبَ الرَّأْسَ عَلَى سَبْقِ الْيَدَيْنِ لَهُ وَالرِّجْلَيْنِ عَلَى الرَّأْسِ وَيَبْقَى الْخَلَلُ بَيْنَ الْيَدَيْنِ وَالْوَجْهِ فَقَطْ فَإِذَا أَعَادَ غَسْلَ يَدَيْهِ انْجَبَرَ الْخَلَلُ. وَإِذَا بَدَأَ بِذِرَاعَيْهِ ثُمَّ رَأْسِهِ ثُمَّ وَجْهِهِ ثُمَّ رِجْلَيْهِ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَعَ الْيَدَانِ مُقَدَّمَتَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ وَكَذَلِكَ الرَّأْس وَالرجلَانِ مُؤَخَّرَتَيْنِ عَنِ الْجَمِيعِ وَهُوَ الصَّوَابُ فَيُعِيدُ يَدَيْهِ وَرَأْسَهُ فَقَطْ وَعِنْدَ الْغَيْرِ يُعِيدُ يَدَيْهِ وَرَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ. فَإِنْ بَدَأَ بِالرَّأْسِ ثُمَّ الْوَجْهِ ثُمَّ الْيَدَيْنِ ثُمَّ الرِّجْلَيْنِ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ يُعِيدُ رَأْسَهُ لِيَتَأَخَّرَ عَنْ يَدَيْهِ وَلَا يُعِيدُ رِجْلَيْهِ لِيُوقِعَهُ بَعْدَ رَأْسِهِ وَعِنْدَ الْغَيْرِ يَمْسَحُ رَأْسَهُ ثُمَّ وَجْهَهُ فَإِنْ بَدَأَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ رِجْلَيْهِ ثُمَّ وَجْهِهِ ثُمَّ يَدَيْهِ أَعَادَ رَأْسَهُ ثُمَّ رِجْلَيْهِ اتِّفَاقًا. وَلَوْ بَدَأَ بِرِجْلَيْهِ ثُمَّ وَجْهِهِ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ رَأْسِهِ أَعَادَ رِجْلَيْهِ وِفَاقًا. وَلَوْ بَدَأَ بِرِجْلَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ وَجْهِهِ ثُمَّ رَأْسِهِ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ يُعِيدُ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَقَطْ لِأَنَّ رِجْلَيْهِ مُقَدَّمَتَانِ عَلَى مَا حَقُّهُمَا أَنْ تَتَأَخَّرَا عَنْهُ وَكَذَلِكَ يَدَاهُ تَقَدَّمَتْ عَلَى الْوَجْهِ وَحُكْمُهُمَا التَّأْخِيرُ وَمَسْحُ الرَّأْسِ لَمْ يَقَعْ مُقَدَّمًا عَلَى مَا يَتَقَدَّمُهُ وَعِنْدَ الْغَيْرِ يُعِيدُ يَدَيْهِ ثُمَّ رَأْسَهُ لِيَقَعَ بَعْدَ الْيَدَيْنِ ثُمَّ رِجْلَيْهِ وَلَوْ بَدَأَ بِرِجْلَيْهِ ثُمَّ رَأْسِهِ ثُمَّ وَجْهِهِ ثُمَّ يَدَيْهِ لَأَعَادَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ وفَاقا وَلَو قلت هَهُنَا بِيَدَيْهِ ثُمَّ بِالْوَجْهِ أَعَادَ يَدَيْهِ إِلَى آخِرِ وُضُوئِهِ وِفَاقًا. فُرُوعٌ خَمْسَةٌ: الْأَوَّلُ فِي الْجَوَاهِرِ يُسْتَحَبُّ الِابْتِدَاءُ بِالْيَمِينِ مِنَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لِقَوْلِهِ
عَلَيْهِ السَّلَامُ
إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِمَيَامِنِهِ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَأَدْخَلَهُ سَحْنُونُ فِي الْكِتَابِ وَلِأَنَّهُ // (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) //. الثَّانِي قَالَ الْمَازِرِيُّ إِذَا أَمَرَ الْمُتَوَضِّئُ أَرْبَعَةَ رِجَالٍ أَنْ يُطَهِّرُوا أَعْضَاءَهُ مَعًا فَقَالَ بَعْضُ مَنْ أَوْجَبَ التَّرْتِيبَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُنَكِّسِ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَدِّمْ مَا وَجَبَ تَقْدِيمُهُ. الثَّالِثُ فِي الطَّرَّازِ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ مُخْتَصٌّ بِالْوَاجِبِ دون الْمسنون وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ مَا لَا يَجِبُ أَصْلُهُ كَيْفَ يَجِبُ وَصْفُهُ. الرَّابِعُ لَوْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ حَتَّى صَلَّى قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ يُعِيدُ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِهِ قَالَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ إِعَادَةِ الْوُضُوءِ لِأَجْلِهِ وَإِعَادَةِ الصَّلَاةِ أَنَّ إِعَادَةَ الْوُضُوءِ مُرَغَّبٌ فِيهِ بِدَلِيلِ الْأَمْرِ بِالتَّجْدِيدِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ عليه السلام
لَا تُصَلُّوا فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ. الْخَامِسُ إِذَا نَكَّسَ مَسْنُونُ وُضُوئِهِ فَبَدَأَ بِالْوَجْهِ قَبْلَهُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِنْ كَانَ سَاهِيًا لم يعد وَجهه قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ عَامِدًا فَظَاهِرُ الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَبْتَدِئُ الْوُضُوءَ وَسَوَّى بَيْنَ الْمَفْرُوضِ وَالْمَسْنُونِ. سُؤَالٌ نَدَبَ الشَّرْعُ لِتَقْدِيمِ الْيُمْنَى مِنَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْجَنْبَيْنِ فِي الْغَسْلِ وَالْوُضُوءِ وَلَمْ يَنْدُبْ لِتَقْدِيمِ الْيُمْنَى مِنَ الْأُذُنَيْنِ أَوِ الْفَوْدَيْنِ أَوِ الْخَدَّيْنِ أَوِ الصُّدْغَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَمَا الْفَرْقُ؟ جَوَابُهُ أَنَّ أُولَئِكَ الْأَعْضَاءَ الْمُقَدَّمَةَ اشْتَمَلَتْ عَلَى مَنَافِعَ تَقْتَضِي شَرَفَهَا فَقَدَّمَهَا الشَّرْعُ لِذَلِكَ. بَيَانُهُ الْيَدُ الْيُمْنَى فِيهَا مِنَ الْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيَّةِ وَالْقُوَّةِ وَوُفُورِ الْخَلْقِ وَالصَّلَاحِيَّةِ لِلْأَعْمَالِ مَا لَيْسَ فِي الْيَسَارِ وَذَلِكَ أَنَّ الْخَاتَمَ يَضِيقُ فِي الْيُمْنَى
وَيَتَّسِعُ فِي الْيَسَارِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الرِّجْلَيْنِ وَمَنِ اعْتَبَرَ ذَلِكَ وَجَدَهُ مُقْتَضَى الْخِلْقَةِ الْأُولَى مَا لَمْ تُعَارِضْهُ عَادَةٌ فَاسِدَةٌ عَنِ الْخَلْقِ الْأَصْلِيِّ. وَأَمَّا الْأُذُنَانِ وَنَحْوُهُمَا فَمُسْتَوِيَانِ فِي الْمَنَافِعِ وَصِفَاتِ الشَّرَفِ فَلَمْ يُقَدِّمِ الشَّرْعُ يَمِينَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى يَسَارِهِ وَقَدَّمَ الْجَنْبَ الْأَيْمَنَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْأَعْضَاءِ الشَّرِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ. تَذْيِيلٌ يَبْدَأُ بِالْأَعَالِي فِي الطَّهَارَةِ لِشَرَفِهَا لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْوَجْهُ مِنَ الْحَوَاسِّ وَالنُّطْقِ وَيُثَنِّي بِالْيَدَيْنِ لِكَثْرَةِ دُخُولِهِمَا فِي الطَّاعَةِ وَغَيْرِهَا وَيُقَدِّمُ الرَّأْسَ عَلَى الرِّجْلَيْنِ لِشَرَفِهِ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْقُوَى الْمُدْرِكَةِ وَالْحِكْمَةِ وَقُدِّمَ الْفَمُ عَلَى الْأَنْفِ لِشَرَفِهِ بِالذَّوْقِ وَالنُّطْقِ وَقُدِّمَ الْفَرْجَانِ مُحَافَظَةً عَلَى الطَّهَارَةِ مِنَ النَّقْضِ. السُّنَّةُ السَّابِعَةُ غَسْلُ الْبَيَاضِ الَّذِي بَيْنَ الصُّدْغَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ قَالَ الْمَازِرِيُّ انْتَقَدَ هَذِهِ السُّنَّةَ عَلَى الْقَاضِي أَصْحَابُنَا وَقَالُوا إِنْ كَانَ مِنَ الْوَجْهِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْقَفَا سَاقِطٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ قَالَ وَلَعَلَّهُ ظَفِرَ بِحَدِيثٍ يُوجِبُ كَوْنَهُ سُنَّةً أَوْ يَكُونُ سُنَّةً مُرَاعَاةً للْخلاف على سَبِيل التَّوَسُّع.
الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي فَضَائِلِهِ وَهِيَ سَبْعَةٌ
الْفَضِيلَةُ الْأُولَى التَّسْمِيَةُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ اسْتَحْسَنَهَا مَالِكٌ رحمه الله مَرَّةً وَأَنْكَرَهَا مَرَّةً وَقَالَ أَهُوَ يَذْبَحُ مَا عَلِمْتُ أَحَدًا يَفْعَلُ ذَلِكَ وَنَقَلَ ابْنُ شَاسٍ عَنْهُ التَّخْيِيرَ وَعَنِ ابْنِ زِيَادٍ الْكَرَاهَةَ. وَأَفْعَالُ الْعَبْدِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مِنْهَا مَا شُرِّعَتْ فِيهِ التَّسْمِيَةُ وَمِنْهَا مَا لَمْ تُشَرَّعْ فِيهِ وَمِنْهَا مَا تُكْرَهُ فِيهِ. الْأَوَّلُ كَالْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ عَلَى الْخِلَافِ وَذَبْحِ النُّسُكِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَمِنْهُ مُبَاحَاتٌ لَيْسَتْ بِعِبَادَاتٍ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ. وَالثَّانِي كَالصَّلَوَاتِ وَالْأَذَانِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ والأذكار وَالدُّعَاء.
وَالثَّالِثُ الْمُحَرَّمَاتُ إِذِ الْغَرَضُ مِنَ التَّسْمِيَةِ حُصُولُ الْبَرَكَةِ فِي الْفِعْلِ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهَا وَالْحَرَامُ لَا يُرَادُ كَثْرَتُهُ وَكَذَلِكَ الْمَكْرُوهُ. وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ تَتَحَصَّلُ مِنْ تَفَارِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ فِي الْمَذْهَبِ فَمَا ضَابِطُ مَا شُرِعَ فِيهِ التَّسْمِيَةُ مِنَ الْقُرُبَاتِ وَالْمُبَاحَاتِ مِمَّا لَمْ يُشْرَعْ فِيهِ؟ قُلْتُ وَقَعَ الْبَحْثُ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْفُضَلَاءِ وَعَسُرَ الْفَرْقُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ قَدْ قَالَ إِنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ مَعَ الْأَذْكَارِ وَمَا ذكر مَعهَا لِأَنَّهَا بركَة فِي نَفسهَا. وَورد عَلَيْهِ أَنَّ الْقُرْآنَ مِنْ أَعْظَمِ الْبَرَكَاتِ مَعَ أَنَّهَا شُرِعَتْ فِيهِ. وَالْأَصْلُ فِي شَرْعِيَّتِهَا فِي الْوُضُوءِ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام
لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ
خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ إِلَّا أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ بِوُجُوبِهَا مَعَ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ قَالَ عَنْهُ لَا أَعْرِفُ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثًا // (جَيِّدَ الْإِسْنَادِ) //. الْفَضِيلَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْجَوَاهِرِ السِّوَاكُ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ
لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ
وَفِي أَبِي دَاوُدَ
كَانَ يُوضَعُ لَهُ صلى الله عليه وسلم َ - وُضُوؤُهُ وَسِوَاكُهُ
وَالْكَلَامُ فِي وَقْتِهِ وَآلَتِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ. أَمَّا وَقْتُهُ فَقَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يَسْتَاكُ قَبْلَ الْوُضُوءِ وَيَتَمَضْمَضُ بَعْدَهُ لِيَخْرُجَ الْمَاءُ بِمَا يَنْثُرُهُ السِّوَاكُ وَلَا يَخْتَصُّ السِّوَاكُ بِهَذِهِ الْحَالَةِ بَلْ فِي الْحَالَاتِ الَّتِي يَتَغَيَّرُ فِيهَا الْفَمُ كَالْقِيَامِ مِنَ النَّوْمِ أَوْ بِتَغْيِيرِ الْفَمِ لِمَرَضٍ أَوْ وَجَعٍ أَوْ صَمْتٍ كَثِيرٍ أَوْ مَأْكُولٍ مُتَغَيِّرٍ. وَأَمَّا الْآلَةُ فَهِيَ عِيدَانُ الْأَشْجَارِ لِأَنَّهُ سُنَّةُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - وَسُنَّةُ السَّلَفِ أَوْ بِأُصْبُعِهِ إِنْ لَمْ يَجِدْ وَيَفْعَلُ ذَلِكَ مَعَ الْمَاءِ فِي الْمَضْمَضَةِ لِأَنَّهُ يُخَفف القلح
وَالْقَلَحُ صُفْرَةُ الْأَسْنَانِ فَإِنِ اسْتَاكَ بِأُصْبُعٍ فَجَعَلَهَا سِوَاكًا لِلسِّنِّ أَوْلَى مِنْ جَعْلِ السِّنِّ سِوَاكًا لِلْأُصْبُعِ وَيَتَجَنَّبُ مِنَ السِّوَاكِ مَا فِيهِ أَذًى لِلْفَمِ كَالْقَصَبِ فَإِنَّهُ يَجْرَحُ اللِّثَةَ وَيُفْسِدُهَا وَكَالرَّيْحَانِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَقُولُ الْأَطِبَّاءُ فِيهِ فَسَادٌ وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ. وَأَمَّا كَيْفِيَّتُهُ فَيُرْوَى عَنْهُ عليه الصلاة والسلام
اسْتَاكُوا عَرْضًا وَادَّهِنُوا غِبًّا أَيْ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ وَاكْتَحِلُوا وِتْرًا فَالسِّوَاكُ عَرْضًا أَسْلَمُ لِلَّثَةٍ مِنَ التَّقَطُّعِ وَالْأَدْهَانُ إِنْ كَثُرَتْ تُفْسِدُ الشَّعْرَ وَتَنْثُرُهُ. وَالسِّوَاكُ وَإِنْ كَانَ مَعْقُولَ الْمَعْنَى فَعِنْدِي أَنَّهُ مَا عَرِيَ مِنْ شَائِبَةِ تَعَبُّدٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَوِ اسْتَعْمَلَ الْغَسُولَاتِ الْجَلَّاءَةَ عِوَضًا مِنَ الْعِيدَانِ لَمْ يَأْتِ بِالسُّنَّةِ. الْفَضِيلَةُ الثَّالِثَةُ فِي التَّلْقِينِ تَكْرَارُ الْمَغْسُولِ وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ لَمْ يُوَقِّتْ مَالِكٌ رحمه الله فِي التَّكْرَارِ إِلَّا مَا أَسْبَغَ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَغَيْرُهُ يُرِيدُ بِهِ نَفْيَ الْوُجُوبِ لَا نَفْيَ الْفَضِيلَةِ وَكَذَلِكَ قَالَ وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْآثَارُ فِي التَّوْقِيتِ قَالَ صَاحِبُ التَّنْبِيهَاتِ التَّوْقِيتُ التَّقْدِيرُ مِنَ الْوَقْتِ وَهُوَ الْمِقْدَارُ مِنَ الزَّمَانِ فَمَعْنَاهُ لَمْ يُقَدِّرْ عَدَدًا قَالَ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ مَعْنَاهُ لَمْ يُوجِبْ مِنْ قَوْله تَعَالَى {كِتَابًا مَوْقُوتًا} أَيْ فَرْضًا لَازِمًا وَلَيْسَ بِصَوَابٍ وَرُوِيَ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَقَالَ
هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إِلَّا بِهِ
فَأَثْبَتَ الْقَبُولَ عِنْدَ ثُبُوتِهِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ غَيْرِهِ وَيُرْوَى عَنْهُ عليه السلام
مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا ثَلَاثًا
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ اللَّخْمِيُّ فَالْأُولَى وَاجِبَةٌ وَالثَّانِيَةُ سُنَّةٌ وَالثَّالِثَةُ فَضِيلَةٌ وَالرَّابِعَةُ مُخْتَرَعَةٌ إِذَا أَتَى بِهَا عُقَيْبَ الثَّالِثَةِ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَبْلَ الصَّلَاةِ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ فَإِنْ صَلَّى بِهِ كَانَ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ فَضِيلَةً لِقَوْلِهِ عليه السلام
الْوُضُوءُ عَلَى الْوُضُوءِ نُورٌ عَلَى نُورٍ
وَقَوْلِهِ فِي الرَّابِعَةِ
فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَقَدْ تَعَدَّى وَظَلَمَ وَالتَّجْدِيدُ زِيَادَةٌ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَدَلِيلُ تَحْرِيمِ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ عليه السلام لَمَّا تَوَضَّأَ ثَلَاثًا
هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي وَوُضُوءُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَقَدْ تَعَدَّى وَظَلَمَ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ قَالَ الْأَصِيلِيُّ لَيْسَ هَذَا بِثَابِتٍ. وَالْوُضُوءُ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ فَيَكُونُ مَعْنَى مَا رُوِيَ فِي الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ وَيَكُونُ الِاخْتِصَاصُ بِالْغُرَّةِ لَا بِالْوُضُوءِ وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه السلام فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَيَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا التَّأْكِيدُ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِمَا وَاحِدًا وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ اسْتَزَادَ مِنْ بَابِ الِاسْتِفْعَالِ وَهُوَ طَلَبُ الْفِعْلِ وَالْإِنْسَانُ لَهُ حَالَتَانِ تَارَةً يَتَوَضَّأُ بِنَفْسِهِ فَيُقَالُ إِنَّهُ زَادَ الرَّابِعَةَ وَتَارَةً يَسْتَعِينُ بِغَيْرِهِ فِي سَكْبِ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ فَيَطْلُبُ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ زِيَادَةَ الرَّابِعَةِ فَيُقَالُ لَهُ اسْتَزَادَ. وَجَوَّزَ مَالِكٌ رحمه الله فِي الْمُدَوَّنَةِ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْوَاحِدَةِ وَقَالَ أَيْضًا لَا أُحِبُّهَا إِلَّا مِنْ عَالِمٍ يَعْنِي لِأَنَّ مِنْ شَرط الِاقْتِصَار عَلَيْهَا الإسباغ وَذَلِكَ لَا بضبطه إِلَّا الْعُلَمَاءُ وَإِذَا لَمْ يُسْبِغْ وَأَسْبَغَ فِي الثَّانِيَةِ كَانَ بَعْضُ الثَّانِيَةِ فَرْضًا وَهُوَ مَا حَصَلَ بِهِ الْإِسْبَاغُ فِي بَقِيَّةِ الْأُولَى وَبَقِيَّتُهَا فَضِيلَةٌ وَهُوَ مَا عَدَا ذَلِكَ وَإِلَى أَنْ يَأْتِيَ بِرَابِعَةٍ تَخْتَصُّ بِهَا الْمَوَاضِعُ الْمَتْرُوكَةُ أَوَّلًا وَلَا تَعُمُّ لِئَلَّا يَقَعَ فِي النَّهْيِ. فَرْعٌ فِي الْجَوَاهِرِ إِذَا شَكَّ فِي أَصْلِ الْغَسْلِ ابْتَدَأَهُ لِأَنَّهُ فِي عُهْدَةِ الْوَاجِبِ حَتَّى يَفْعَلَهُ وَإِنْ شَكَّ هَلْ هِيَ ثَالِثَةٌ أَوْ رَابِعَةٌ قَالَ الْمَازِرِيُّ تَنَازَعَ الْأَشْيَاخُ فِي فِعْلِهَا هَلْ تُكْرَهُ مَخَافَةَ أَنْ تَكُونَ مُحَرَّمَةً أَوْ لَا تُكْرَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنَ الطَّهَارَةِ مُتَوَجِّهًا عَلَى الْإِنْسَانِ وَالْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ فِي الطَّهَارَة وركعات الصلات مِنَ الْعَدَدِ فَيُصَلِّي الرَّكْعَةَ وَإِنْ شَكَّ هَلْ هِيَ رَابِعَةٌ وَاجِبَةٌ أَوْ خَامِسَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَيَلْحَقُ بِهَذَا صَوْمُ التَّاسِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ إِذَا شَكَّ فِيهِ فَإِنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ الْمَنْدُوبِ وَالْمُحَرَّمِ
قَاعِدَةٌ إِذَا تَعَارَضَ الْمُحَرَّمُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَحْكَامِ الْأَرْبَعَةِ قُدِّمَ الْمُحَرَّمُ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُحَرَّمَ لَا يَكُونُ إِلَّا لِمَفْسَدَةٍ وَعِنَايَةُ الشَّرْعِ وَالْعُقَلَاءِ بِدَرْءِ الْمَفَاسِدِ أَشَدُّ مِنْ عِنَايَتِهِمْ بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَلِأَنَّ تَقْدِيمَ الْمُحَرَّمِ يُفْضِي إِلَى مُوَافَقَةِ الْأَصْلِ وَهُوَ التَّرْكُ فَمَنْ لَاحَظَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ قَالَ بالتراك وَمَنْ قَالَ يَغْسِلُ يَقُولُ الْمُحَرَّمُ رَابِعَةٌ بَعْدَ ثَالِثَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ وَلَمْ يَتَيَقَّنْ ثَالِثَةً فَلَا يَحْرُمُ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الصَّوْمِ وَمَا أَظُنُّ فِي الصَّلَاةِ خِلَافًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْفَضِيلَةُ الرَّابِعَةُ الِاقْتِصَادُ وَالرِّفْقُ بِالْمَاءِ مَعَ الْإِسْبَاغِ وَالْإِسْبَاغُ التَّعْمِيمُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} أَيْ عَمَّمَهَا وَأَنْكَرَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَوْلَ مَنْ قَالَ حَدُّ الْوُضُوءِ أَنْ يَقْطُرَ أَوْ يَسِيلَ قَالَ ابْنُ يُونُسَ أَيْ أَنْكَرَ التَّحْدِيدَ قَالَ مَالِكٌ رَأَيْتُ عَبَّاسًا قَالَ صَاحِبُ التَّنْبِيهَاتِ عَبَّاسٌ بِبَاءٍ وَاحِدَةٍ مِنْ تَحْتِهَا وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ وَمِنَ الشُّيُوخِ مَنْ يَقُولُ عَيَّاشًا بِالْيَاءِ وَالشِّينِ وَهُوَ خَطَأٌ يَتَوَضَّأُ بِثُلُثِ مُدِّ هِشَامٍ وَيَفْضُلُ لَهُ مِنْهُ وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ وَأَعْجَبَنِي ذَلِكَ وَفِي الْبُخَارِيِّ كَانَ عليه السلام يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِذَا كَانَ الْمُغْتَسِلُ مُعْتَدِلَ الْخَلْقِ كَاعْتِدَالِ خَلْقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - فَلَا يَزِيدُ فِي الْمَاءِ عَلَى الْمُدِّ فِي الْوُضُوءِ وَالصَّاعِ فِي الْغُسْلِ وَإِنْ كَانَ ضَئِيلًا فَلْيَسْتَعْمِلْ مِنَ الْمَاءِ مَا يَكُونُ نِسْبَتُهُ إِلَى جَسَدِهِ كَنِسْبَةِ الْمُدِّ وَالصَّاعِ إِلَى جَسَدِهِ عليه الصلاة والسلام فَإِنْ تَفَاحَشَ الْخَلْقُ فَلَا يَنْقُصُ عَنْ مِقْدَارِ أَنْ يَكُونَ نِسْبَتُهُ إِلَى جَسَدِهِ كَنِسْبَةِ الْمُدِّ وَالصَّاعِ إِلَى جَسَدِهِ صلى الله عليه وسلم َ - الْفَضِيلَةُ الْخَامِسَةُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ أَنْ يَجْتَنِبَ الْخَلَاءَ لِنَهْيِهِ عليه السلام عَنْ ذَلِكَ مَخَافَةَ الْوَسْوَاسِ الْفَضِيلَةُ السَّادِسَةُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ يَجْعَلُ الْإِنَاءَ عَنِ الْيَمِينِ لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ
السَّلَامُ لِذَلِكَ وَلِأَنَّهُ أَمْكَنُ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمُكْنَةَ إِنَّمَا تُتَصَوَّرُ فِي الْأَقْدَاحِ وَمَا تَدْخُلُ الْأَيْدِي إِلَيْهِ أَمَّا الْأَبَارِيقُ فَالتَّمَكُّنُ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِجَعْلِهِ عَلَى الْيَسَارِ لِيَسْكُبَ الْمَاءَ بِيَسَارِهِ فِي يَمِينِهِ الْفَضِيلَةُ السَّابِعَةُ قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي الرِّسَالَةِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ بِأَثَرِ الْوُضُوءِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ
خَاتِمَةٌ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا بَأْسَ بِالْمَسْحِ بِالْمِنْدِيلِ بَعْدَ الْوُضُوءِ خِلَافًا لِأَصْحَابِ الشَّافِعِي مُحْتَجِّينَ بِمَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها لَمَّا وَصَفَتْ غُسْلَهُ عليه السلام
قَالَتْ ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِالْمِنْدِيلِ فَرَدَّهُ وَقَالَ إِنَّهُ يذهب بِنور الْوَجْه حجتناما رُوِيَ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ مَسَحَ وَجْهَهُ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ وَفِي التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ عليه السلام كَانَتْ لَهُ خِرْقَةٌ يُنَشِّفُ فِيهَا بَعْدَ الْوُضُوءِ وَضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ لَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ وَلِأَنَّ الْمَسْحَ يُؤَدِّي إِلَى النَّظَافَةِ فَإِنَّ الْمَاءَ إِذَا بَقِيَ فِي شَعْرِهِ قَطَرَ مِنَ اللِّحْيَةِ عَلَى الثَّوْبِ فَعَلِقَ بِهِ الْغُبَارُ فَيَنْطَمِسُ لَوْنُهُ وَكَذَلِكَ يَعْلَقُ مَاءُ رِجْلَيْهِ بِذُيُولِ ثَوْبِهِ وَحَدِيثُ مُسْلِمٍ لَا يُنَافِي مَا قُلْنَا لِأَنَّا نَقُولُ بِإِبَاحَةِ تَرْكِهِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَالْقِيَاسُ مَعَنَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَيُؤَكِّدُهُ أَنَّ غُسَالَةَ الْمَاءِ نَجِسَةٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ فَيَجِبُ إِزَالَتُهَا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَرْعٌ وَإِذَا أُبِيحَ التَّنْشِيفُ فَهَلْ يُبَاحُ قَبْلَ الْفَرَاغِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ عَلَى رَأْيِ ابْنِ الْجَلَّابِ لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ تَفْرِيقُ الطَّهَارَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَعَلَى الْمَشْهُورِ يَجُوزُ لِيَسَارَتِهِ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ قُلْتُ لِمَالِكٍ أَيَفْعَلُ ذَلِكَ قَبْلَ غَسْلِ رِجْلَيْهِ قَالَ نَعَمْ وَإِنِّي لأفعله
(الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْغُسْلِ وَفِيهِ فَصْلَانِ)
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي أَسْبَابِهِ
وَهِيَ سَبْعَةَ عَشَرَ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ وَإِنْزَالُ الْمَاءِ الدَّافِقِ مِنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالشَّكُّ فِي أَحَدِهِمَا مَا لَمْ يُسْتَنْكَحْ ذَلِكَ وَتَجْدِيدُ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْوِلَادَةُ وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ جَافًّا وَانْقِطَاعُ دَمِ الْحَيْضِ وَانْقِطَاعُ دَمِ النِّفَاسِ وَالْمَوْتُ فِي غَيْرِ الشُّهَدَاءِ فَهَذِهِ أَسْبَابُ الْوُجُوبِ وَتَلِيهَا أَسْبَابُ النَّدْبِ وَهِيَ شُهُودُ الْجُمُعَةِ وَشُهُودُ صَلَاةِ عِيدِ الْأَضْحَى وَشُهُودُ صَلَاةِ عِيدِ الْفِطْرِ وَإِحْرَامُ الْحَجِّ وَدُخُولُ مَكَّةَ وَالرَّوَاحُ لِعَرَفَةَ لِلْوُقُوفِ وَمُبَاشَرَةُ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَانْقِطَاعُ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ وَانْقِطَاعُ دَمِ الْمَرْأَةِ الَّتِي شَأْنُهَا أَلَّا تَحِيضَ فَإِنَّهَا لَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ بِسَبَبِهِ وَتَغْتَسِلُ لِانْقِطَاعِهِ وَالْمَقْصُود بالْكلَام هَهُنَا الْخَمْسَةُ الْأُوَلُ فَغَيْرُهَا نَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذِهِ الْخَمْسَةُ هِيَ أَسْبَابُ الْجَنَابَةِ وَالْجَنَابَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنَ التَّجَنُّبِ وَهُوَ الْبُعْدُ وَمِنْهُ الرَّجُلُ الْأَجْنَبِيُّ مِنْكَ أَيِ الْبَعِيدُ عَنْ قَرَابَتِكَ وَصُحْبَتِكَ وَمِنْهُ الْمَجَانَبَةُ لِلْقَبَائِحِ وَلَمَّا كَانَ الْمُتَّصِفُ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ بَعِيدًا مِنَ الْعِبَادَاتِ سُمِّيَ جُنُبًا وَقِيلَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْجَنْبِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي حُصُولِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ مُبَاشَرَةُ النِّسَاءِ فَيَحْصُلُ اجْتِمَاعُ الْجَنْبِ مَعَ الْجَنْبِ حِسًّا لِذَلِكَ السَّبَبُ الْأَوَّلُ فِي الْجَوَاهِرِ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ يُوجِبُ الْغُسْلَ أَوْ مِقْدَارُ
الْحَشَفَةِ مِنْ مَقْطُوعِهَا لِمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ
إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ وَجَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ
وَفِي مُسْلِمٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عليه السلام عَنْ ذَلِكَ وَعَائِشَةُ رضي الله عنها جَالِسَةٌ فَقَالَ عليه السلام
إِنِّي لَأَفْعَلُ ذَلِكَ ثُمَّ أَغْتَسِلُ
فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ قَالَ الْعُلَمَاءُ هِيَ نَاسِخَةٌ لِمَا تَقَدَّمَهَا مِنْ قَوْلِهِ عليه السلام فِي مُسْلِمٍ لِلْأَنْصَارِيِّ الَّذِي مَرَّ عَلَيْهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ بِالْمَاءِ فَقَالَ
لَعَلَّنَا أَعْجَلْنَاكَ؟ قَالَ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ عليه السلام إِذَا أُعْجِلْتَ أَوْ قَحَطْتَ فَلَا غُسْلَ
وَمِنْ قَوْلِهِ عليه السلام فِي مُسْلِمٍ
إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ
أَيْ إِنَّمَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِي الطُّهْرِ مِنْ إِنْزَالِ الْمَاءِ الدَّافِقِ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَانَتْ هَذِهِ رُخْصَةً فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَتْ وَقَالَ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ عليه السلام
إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ
مَحْمُولٌ عَلَى النَّوْمِ فَإِنَّ الْوَطْءَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ إِنْزَالٍ لَا يُوجِبُ شَيْئًا إِجْمَاعًا وَهَذَا أَوْلَى مِنَ النَّسْخِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ عَامًّا فِي الْمَاءَيْنِ فَهُوَ مُطْلَقٌ فِي الْحَالَيْنِ النَّوْمِ وَالْيَقَظَةِ فَحَمْلُهُ عَلَى النَّوْمِ تَقْيِيدٌ لِلْمُطْلَقِ وَالتَّقْيِيدُ أَوْلَى مِنَ النَّسْخِ لِمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْتِقَاءَ الْخِتَانَيْنِ يُوجِبُ الْغُسْلَ أَنَّهَا طَهَارَةُ حَدَثٍ فَتَتَعَلَّقُ بِنَوْعٍ مِنَ اللَّمْسِ كَالْوُضُوءِ وَلِأَنَّ الْتِقَاءَ الْخِتَانَيْنِ سَبَبٌ قَوِيٌّ لِخُرُوجِ الْمَنِيِّ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُهُ كَاللَّمْسِ لَمَّا كَانَ سَبَبًا قَوِيًّا لِلْمَذْيِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُهُ قَاعِدَةٌ أُصُولِيَّةٌ اللَّفْظُ إِذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا يَكُونُ لَهُ مَفْهُومٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يُقْدِمُونَ عَلَى ذَلِكَ الْخَوْف غَزْوٍ أَوْ فَضِيحَةٍ فَلَا يَدُلُّ مَفْهُومُهُ عَلَى جَوَازِ قَتْلِ الْأَوْلَادِ إِذَا أُمِنَ ذَلِكَ إِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَنَقُولُ لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى النَّاسِ الْخِتَانُ لَمْ يَدُلَّ مَفْهُومُ اللَّفْظِ
عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ إِذَا لَمْ يُوجَدِ الْخِتَانَانِ فَلَا جَرَمَ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يَجِبُ الْغُسْلُ بِالْإِيلَاجِ فِي الْحَيَّةِ وَالْمَيِّتَةِ وَالْبَهِيمَةِ خِلَافًا ح فِي قَوْلِهِ فَرْجُ الْمَيِّتَةِ غَيْرُ مَقْصُودٍ فَأَشْبَهَ الْكُوَّةَ وَلَنَا عُمُومُ الْحَدِيثِ وَالنَّقْضُ عَلَيْهِ بِالْعَجُوزِ الْفَانِيَةِ وَالْمَجْذُومَةِ وَالْبَرْصَاءِ وَيَجِبُ بِالْإِيلَاجِ فِي فَرْجِ الْخُنْثَى الْمُشكل خلافًا لأَصْحَاب الشَّافِعِي لِعُمُومِ الْخَبَرِ وَقِيَاسًا عَلَى دُبُرِهِ وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ خَرَّجَهُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَى نَقْضِ الطَّهَارَةِ بِالشَّكِّ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يَجِبُ بِاسْتِدْخَالِ الْمَرْأَةِ ذَكَرَ الْبَهِيمَةِ كَمَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ بِفَرْجِ الْبَهِيمَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ وَالنَّوْمِ وَالْيَقَظَةِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لِعُمُومِ الْخَبَرِ فَرْعَانِ الْأَوَّلُ فِي الْجَوَاهِرِ إِذَا عُدِمَ الْبُلُوغُ فِي الْوَاطِئِ أَوِ الْمَوْطُوءِ أَوْ فِيهِمَا أَمَّا الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يُنْزِلَ يُرِيدُ لِنُقْصَانِ لَذَّتِهِ وَفُتُورِ شَهْوَتِهِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى أُصْبُعِ رَجُلٍ لَوْ غَيَّبَهُ فِيهَا وَقَالَ أَصْبَغُ فِي الْوَاضِحَةِ يَغْتَسِلُ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ عَدَمُ الْبُلُوغِ فِي الْمَوْطُوءَةِ وَهِيَ مِمَّنْ تُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ قَالَ ابْنُ شَاسٍ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَّادِ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا إِنَّمَا أُمِرَتْ بِالْوُضُوءِ لِتَكَرُّرِهِ بِخِلَافِ الْغُسْلِ كَمَا أُمِرَتْ بِالصَّلَاةِ دُونَ الصَّوْمِ وَقَالَ أَشْهَبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ عَدَمُ الْبُلُوغِ فِيهِمَا قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ يَقْتَضِي الْمَذْهَبُ أَلَّا غُسْلَ عَلَيْهِمَا وَقَدْ يُؤْمَرَانِ بِهِ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ
الثَّانِي إِذَا جَامَعَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ وَوَصَلَ مَاؤُهُ إِلَى فَرْجِهَا فَإِنْ أَنْزَلَتْ وَجَبَ الْغُسْلُ وَإِنْ لَمْ تُنْزِلْ وَلَمْ تَلْتَذَّ لَمْ يَجِبْ وَإِنِ الْتَذَّتْ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا إِنْزَالٌ فَقَوْلَانِ الْوُجُوب لِأَن التذاذهاا قَدْ يَحْصُلُ بِهِ الْإِنْزَالُ وَهُوَ الْغَالِبُ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ لِقَوْلِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا إِلَّا أَنْ تَكُونَ قَدِ الْتَذَّتْ وَعَدَمُ الْوُجُوبِ رِوَايَةٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِذَا قُلْنَا تَبْطُلُ الطَّهَارَةُ بِرَفْضِ النِّيَّةِ وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ وَيُؤَيِّدُ قَوْلَ مَالِكٍ قَوْلُهُ عليه السلام فِي الصَّحِيحِ
إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ وَجَبَ الْغُسْلُ
فَالشَّرْطُ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ تَمْهِيدٌ يُوجِبُ الْتِقَاءَ الْخِتَانَيْنِ نَحْوُ سِتِّينَ حُكْمًا وَهِيَ تَحْرِيمُ الصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَسُجُودِ الْقُرْآنِ وَسُجُودِ السَّهْوِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلِهِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْإِقَامَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَيُفْسِدُ الصَّوْمَ وَيُوجِبُ فِسْقَ مُتَعَمِّدِهِ وَالْكَفَّارَةَ لِذَلِكَ وَالتَّعْزِيزَ عَلَيْهِ وَفَسَادَ الِاعْتِكَافِ وَالتَّعْزِيزَ عَلَيْهِ وَفِسْقَ مُتَعَمِّدِهِ لَا سِيَّمَا إِذَا تَكَرَّرَ أَوْ وَقَعَ فِي الْمَسْجِدِ وَفَسَادَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَفِسْقَ مُتَعَمِّدِهِ وَالتَّعْزِيزَ عَلَيْهِ وَالْهَدْيَ وَأَمَّا الْمُضِيُّ فِي الْفَاسِدِ فَمُسَبَّبٌ عَنِ الْإِحْرَامِ وَتَحْلِيلِ الْمَبْتُوتَةِ وَتَقْرِيرِ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى فِي الصَّحِيحِ وَالْمِثْلِ فِي الْفَاسِدِ وَوَطْءِ الشُّبْهَةِ وَالتَّفْوِيضِ وَالْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ فِي الْمَمْلُوكَةِ قَبْلَ الْمِلْكِ وَبَعْدَهُ وَالْمُسْتَكْرَهَةِ وَالْجَلْدِ والتعزيز فِي الزِّنَا وَالرَّجْمِ وَالتَّفْسِيقِ وَتَحْرِيمِ الْمُظَاهَرَةِ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَلُحُوقِ الْوَلَدِ فِي الْحَلَالِ وَالْإِمَاءِ الْمُشْتَرَكَاتِ وَوَطْءِ الشُّبْهَاتِ وَجَعْلِ الْأَمَةِ فِرَاشًا وَإِزَالَةِ ولَايَة الْإِجْبَار عَن الْكَبِيرَة وتحصين الزَّوْجَيْنِ والفيتة فِي الْإِيلَاءِ وَالْعَوْدِ فِي الظِّهَارِ عَلَى الْخِلَافِ وَتَحْرِيمِ أُمِّ الزَّوْجَةِ وَجَدَّاتِهَا وَبِنْتِ الزَّوْجَةِ وَبَنَاتِهَا وَبَنَاتِ أَبْنَائِهَا وَفِسْقِ الْمُتَعَمِّدِ لِارْتِكَابِ الْمَمْنُوعِ مِنْ ذَلِكَ وَتَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي الْإِمَاءِ وَتَفْسِيقِ فَاعِلِهِ وَتَحْرِيمِ وَطْءِ الزَّوْجِ فِي اسْتِبْرَاءِ وَطْء الشُّبْهَة وتعزيزه لِمَنْ فَعَلَ وَكُلُّ مَوْضِعٍ حُرِّمَ عَلَى الرِّجْلِ الْمُبَاشَرَةُ حُرِّمَ عَلَى الْمَرْأَةِ التَّمْكِينُ إِذَا عَلِمَتْ بِالتَّحْرِيمِ أَوْ ظَنَّتْهُ ظَنًّا مُعْتَبَرًا
تَنْبِيهٌ فَرْجُ الْمَرْأَةِ يُشْبِهُ عَقْدَ الْخَمْسَةِ وَالثَّلَاثِينَ وَهُوَ جَمْعُ الْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ فَهَذِهِ الثَّلَاثُونَ وَإِلْصَاقُ الْوُسْطَى بِالْكَفِّ وَهُوَ الْخَمْسَةُ فَإِذَا جُمِعَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ فَإِذَا كَانَ بَطْنُ الْكَفِّ إِلَى فَوْقَ فَالثَّلَاثُونَ مَجْرَى الْبَوْلِ وَالْخَمْسَةُ مَجْرَى الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْوَطْءِ وَالْوَلَدِ فَإِنْ قُلِبَتِ الْيَدُ كَانَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ وَمَوْضِعُ خِتَانِ الْمَرْأَةِ هُوَ فِي الْخَمْسَةِ الْعُلْيَا فَيَكُونُ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ عِبَارَةً عَنْ مُقَابَلَتِهِمَا كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ الْتَقَى الْفَارِسَانِ إِذَا تَقَابَلَا وَجَبَلَانِ مُتَلَاقِيَانِ إِذَا كَانَا مُتَقَابِلَيْنِ وَلَوِ الْتَقَيَا عَلَى التَّحْقِيقِ بِأَنْ يَقَعَ خِتَانُهُ عَلَى خِتَانِهَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنَ الْحَشَفَةِ وَلَا غَيْرِهَا فِي مَجْرَى الْوَطْءِ فَلَا يَجِبُ غُسْلٌ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِتَابِ بَلْ إِنَّمَا تَتَحَقَّقُ مُلَاقَاةُ خِتَانِ الرَّجُلِ بِخِتَانِ الْمَرْأَةِ بِمَغِيبِ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ فَهَذَا الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ السَّبَبُ الثَّانِي فِي الْجَوَاهِرِ إِنْزَالُ الْمَاءِ الدَّافِقِ مَقْرُونًا بِلَذَّةٍ يُوجِبُ الْغُسْلَ وُجِدَ مِنَ الرَّجُلِ أَوِ الْمَرْأَةِ وَهُوَ مِنَ الرَّجُلِ فِي اعْتِدَالِ الْحَالِ أَبيض ثخنين دَفَّاقٌ يَخْرُجُ مَعَ الشَّهْوَةِ الْكُبْرَى رَائِحَتُهُ كَرَائِحَةِ الطَّلْعِ أَوِ الْعَجِينِ يَعْقُبُهُ فُتُورٌ وَمَنِيُّ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَذْيِ خُرُوجُهُ مَعَ اللَّذَّةِ الْكُبْرَى بِخِلَافِ الْمَذْيِ قَالَ صَاحِبُ الطّراز وَلَا يشْتَرط فِي إِنْزَال الْمَرْأَة مَائَهَا لِأَنَّ عَادَتَهُ أَنْ يَنْدَفِعَ إِلَى دَاخِلِ الرَّحِمِ لِيُخْلَقَ مِنْهُ الْوَلَدُ وَرُبَّمَا دَفَعَهُ الرَّحِمُ إِلَى خَارج وَلَيْسَ عَلَيْهَا انْتِظَار خُرُوجه لَكمَا الْجَنَابَةِ بِانْدِفَاعِهِ إِلَى الرَّحِمِ فَإِنْ خَرَجَ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَبَعْدَ الْغُسْلِ غَسَلَتْ فَرْجَهَا وَتَوَضَّأَتْ وَإِنْ صَلَّتْ قَبْلَ خُرُوجِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهَا وَتَغْسِلُ فَرْجَهَا وَتَتَوَضَّأُ لِمَا يُسْتَقْبَلُ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام
إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ
تَقْدِيرُهُ إِنَّمَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِالْمَاءِ الطَّهُورِ مِنْ إِنْزَالِ الْمَاءِ الدَّافِقِ وَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ لَهُ عليه السلام الْمَرْأَةُ تَرَى فِي الْمَنَامِ مَا يَرَى الرَّجُلُ أَتَغْتَسِلُ؟ فَقَالَ لَهَا عليه الصلاة والسلام
نَعَمْ فَلْتَغْتَسِلْ
فَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها وَهَلْ تَرَى ذَلِكَ الْمَرْأَةُ؟ فَقَالَ لَهَا عليه الصلاة والسلام
تَرِبَتْ يَمِينُكِ وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ
وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تُنْزِلُ الْمَنِيَّ وَعَلَى
ذَلِكَ دَلَّ التَّشْرِيحُ فِي الطِّبِّ وَأَنَّ لِلْمَرْأَةِ أُنْثَيَيْنِ مُلْتَصِقَيْنِ فِي أَصْلِ مَجْرَى الْوَطْءِ يَتَدَفَّقُ مِنْهُمَا الْمَنِيُّ وَمَجْرَى الْوَطْءِ لِلْمَرْأَةِ بِمَنْزِلَةِ الذَّكَرِ أُنْثَيَا كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي أَصْلِهِ وَالطُّولُ كَالطُّولِ وَقَدْ يَقَعُ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الطُّولَيْنِ وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام
تَرِبَتْ يَمِينُكِ
قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى الْمُرَادُ نَفْيُ الْغِنَى وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ مَعْنَاهُ ضَعِيف عَقْلُكَ أَتَجْهَلِينَ هَذَا؟ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ مَعْنَاهُ التَّحْضِيضُ عَلَى التَّعَلُّمِ نَحْوَ قَوْلِهِمْ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ وَقِيلَ أَصَابَتْ يَدُكِ التُّرَابَ وَلَمْ يَدْعُ عَلَيْهَا بِالْفَقْرِ وَقِيلَ
ثَرِبَتْ
بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ مِنَ الثَّرْبِ الَّذِي هُوَ إِصَابَةُ الشَّحْمِ أَيِ اسْتَغْنَتْ وَهِيَ لُغَةٌ فِيهِ بِإِبْدَالِ الْمُثَنَّاةِ مِنَ الْمُثَلَّثَةِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا لِلْإِنْكَارِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهَا افْتَقَرْتِ حَتَّى تَلْتَصِقَ يَدُكِ بِالتُّرَابِ تَقُولُ الْعَرَبُ تَرِبَ إِذَا افْتَقَرَ وَأَتْرَبَ إِذَا اسْتَغْنَى وَقَوْلُهُ عليه السلام
مِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ
قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ قَالَ عليه السلام فِي الصَّحِيحَيْنِ
إِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ أَذْكَرَ وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ آنَّثَ
وَرُوِيَ إِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ أَوْ عَلَا أَشْبَهَ الْوَلَدُ أَخْوَالَهُ وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ أَوْ عَلَا أَشْبَهَ أَعْمَامَهُ لِأَجْلِ الْغَلَبَةِ وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ وَعَلَا كَانَ الْوَلَدُ أُنْثَى لِأَجْلِ السَّبق وأسبه أَخْوَالَهُ لِأَجْلِ الْغَلَبَةِ وَالْكَثْرَةِ وَإِنْ سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ وَغَلَبَ مَاءُ الْمَرْأَةِ بَعْدَهُ وَكَانَ أَكْثَرَ كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا يُشْبِهُ أَخْوَالَهُ وَإِنْ سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ وَمَاءُ الرَّجُلِ أَكْثَرُ كَانَ الْوَلَدُ أُنْثَى يشبه أَعْمَامه تَفْرِيغ فِي الْجَوَاهِرِ فَلَوْ خَرَجَ بِغَيْرِ لَذَّةٍ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ قِيَاسًا عَلَى دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي إِيجَابُهُ لِقَوْلِهِ عليه السلام
إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ
وَلِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ أَنَّ مَنِ اسْتَيْقَظَ وَوَجَدَ الْمَنِيَّ وَلَمْ يَرَ احْتِلَامًا أَنَّ عَلَيْهِ الْغُسْلَ فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى قَالَ مُجَاهِدٌ إِذَا لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَفِي أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ عليه السلام سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَجِدُ الْبَلَلَ وَلَا يَذْكُرُ احْتِلَامًا قَالَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَفِي الرَّجُلِ يَرَى الِاحْتِلَامَ وَلَا يَجِدُ بَلَلًا لَا غُسْلَ عَلَيْهِ
وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْأَوَّلِ فَهَلْ يُسْتَحَبُّ مِنْهُ الْوُضُوءُ أَوْ يَجِبُ يُخَرَّجُ ذَلِكَ عَلَى الْخَارِجِ النَّادِرِ هَلْ يُوجِبُ أَمْ لَا وَلَوِ اقْتَرَنَتْ بِهِ لَذَّةٌ غَيْرُ مُعْتَادَةٍ كَمَنَ بِهِ حَكَّةٌ أَوِ اغْتَسَلَ بِمَاءٍ حَارٍّ فَوَجَدَ لَذَّةً فَأَنْزَلَ فييه خِلَافٌ فَأَوْجَبَهُ سَحْنُونُ وَلَوْ وُجِدَتِ اللَّذَّةُ الْمُعْتَادَةُ مُتَقَدِّمَةً عَلَى الْإِنْزَالِ كَمَنْ يُجَامِعُ أَوْ يَلْتَذُّ بِغَيْرِ جِمَاعٍ ثُمَّ يُنْزِلُ بَعْدَ ذَلِكَ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْوُجُوبُ لِمَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ أَكْتَفِي بِاللَّذَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ إِنِ اغْتَسَلَ أَعَادَ الْغُسْلَ لِأَنَّ الْإِيلَاجَ وَالْمَاءَ سَبَبَانِ فَيَجِبُ الْغُسْلُ كَمَنْ بَالَ بَعْدَ وُضُوئِهِ مِنَ اللَّمْسِ وَعَدَمُ الْوُجُوبِ لِعَدَمِ الْمُقَارَنَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالتَّفْرِقَةُ لِمُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ جَامَعَ فَاغْتَسَلَ لَهُ فَلَا يَجِبُ لِأَنَّهُ مِمَّا أَدَّى حُكْمَهُ وَبَيْنَ عَدَمِ الِاغْتِسَالِ فَيَغْتَسِلُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِي الْمُلَاعِبِ يُعِيدُ الصَّلَاةَ بَعْدَ الْغُسْلِ لِأَنَّ سَبَبَ الْحَدَثِ يَقُومُ مَقَامَهُ كَاللَّمْسِ وَالنَّوْمِ وَأَنَّهُمَا أُقِيمَا مَقَامَ الْوَدْيِ وَالرِّيحِ وَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ مَقَامَ الْمَنِيِّ وَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ وَالْإِعَادَةُ قَبْلَ الْخُرُوجِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ السَّبَبِ وَبَعْدَ خُرُوجِهِ بَعْدَهُ جُنُبًا مِنْ حِينِ الْمُلَاعَبَةِ وَمَنْ صَلَّى جُنُبًا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُجَامِعِ يُعِيدُ الصَّلَاةَ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَلَا يغْتَسل لِأَن سَبَب قَدْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ غُسْلُهُ وَالْوُضُوءَ مَأْمُورٌ بِهِ قِيَاسًا عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ بِجَامِعِ الْخُرُوجِ عَنِ الْعَادَةِ وَأَمَّا إِعَادَةُ الصَّلَاةِ مِنَ الْأَوَّلِ فَلَا يُنَافِي مَا هُنَا لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ جُنُبًا مِنْ حِينِ الْجِمَاعِ فَقَدِ اغْتَسَلَ فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ الْمُلَاعِبِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِقَامَةُ السَّبَبِ مَقَامَ السَّبَب بِخِلَافِ الْأَصْلِ وَإِذَا وُجِدَ الْمُسَبِّبُ أُضِيفَ الْحُكْمُ إِلَيْهِ وَسَقَطَ سَبَبُهُ كَالْمَسِّ إِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْإِمْذَاءُ بَطَلَ حُكْمُهُ وَكَانَ الْحُكْمُ لِلْمَذْيِ حَتَّى يجب غسل الذّكر لَكِن يُقَال هَهُنَا إِذَا لَغَيْتُمُ الْأَوَّلَ تَكُونُ الصَّلَاةُ وَقَعَتْ قَبْلَ نَقْضِ الطَّهَارَةِ فَلَا إِعَادَةَ \ فَنُجِيبُ بِأَنَّ الْإِيلَاجَ إِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْإِنْزَالُ كَانَتِ الْجَنَابَةُ قَائِمَةً لم ينْفَصل
حُكْمُهَا وَلَمْ يُكْمُلِ السَّبَبُ أَوَّلًا وَلَا آخِرًا بَلِ الْمَجْمُوعُ هُوَ السَّبَبُ لِأَنَّ هَذَا الْإِنْزَالَ عَنْ تِلْكَ الْمُجَامَعَةِ فَأَشْبَهَ اسْتِدَامَةَ الْمُجَامَعَةِ فَكَأَنَّ حُكْمَ الْمُجَامَعَةِ مُسْتَمِرٌّ حَتَّى يُنْزِلَ وَنَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْحَيْضُ لَا يَرْتَفِعُ حُكْمُهُ حَتَّى يَكْمُلَ جَمِيعُهُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُعِيدُ الْغُسْلَ وَالصَّلَاةَ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَقَالَ آخَرُونَ يُعِيدُ الْغُسْلَ دُونَ الصَّلَاةِ مُلَاحَظَةً لِاسْتِقْلَالِ الْأَقْوَالِ بِالسَّبَبِيَّةِ وَإِنْ عُرِّيَ عَنِ اللَّذَّةِ وَمَتَى قُلْنَا بِعَدَمِ إِعَادَةِ الْغُسْلِ فَالْإِعَادَةُ اسْتِحْبَابٌ فَرْعٌ مُرَتَّبٌ قُلْنَا فِيمَنْ أَوْلَجَ ثُمَّ اغْتَسَلَ إِنَّهُ يَغْتَسِلُ أَيْضًا إِذَا أَنْزَلَ فَلَوْ أَنَّهُ أَنْزَلَ أَوَّلًا فَاغْتَسَلَ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ بَقِيَّةُ مَاءٍ فَمُقْتَضَى الْأَصْلِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ يَغْتَسِلُ لِأَنَّ حَدثهُ الْآن كَمَا كمل فَأَشْبَهَ مَنِ اغْتَسَلَ بَعْدَ إِيلَاجِهِ وَقَبْلَ إِنْزَالِهِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لَا يَجِبُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ خُرُوجِهِ قَبْلَ الْبَوْلِ أَوْ بَعْدَهُ خِلَافًا ش فِي إِيجَابِهِ الْغُسْلَ فِي الْحَالَيْنِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَجِبُ قَبْلَ الْبَوْلِ لِأَنَّهُ بَقِيَّةُ الْمَاءِ الْمُعْتَبَرِ وَلَا يَجِبُ بَعْدَهُ لِخُرُوجِهِ بِغَيْرِ دَفْقٍ وَلَا شَهْوَةٍ وَإِذَا قُلْنَا بِعَدَمِ الْغُسْلِ فَقِيلَ يَجِبُ الْوُضُوءُ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ حَنْبَلٍ قِيَاسًا عَلَى الْمَذْيِ وَلِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُوجِبِ الْغُسْلَ فَلَا أقل من الْوُضُوءِ وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَابْنُ الْجَلَّابِ هُوَ مُسْتَحَبٌّ قِيَاسًا عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَارْتِكَابُ هَذَا صَعْبٌ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ لِمَنْ تَقَدَّمَ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْمُتَقَدِّمُونَ فِي إِيجَابِهِ الْغُسْلَ أَوِ الْوُضُوءَ فَالْخُرُوجُ عَنْ قَوْلِ الْجَمِيعِ مَحْذُور
وَكَذَلِكَ مَنْ جَامَعَ وَلَمْ يُنْزِلْ وَاغْتَسَلَ ثُمَّ أَنْزَلَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَلَيْهِ الْغُسْلُ فُرُوعٌ سِتَّةٌ الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْكِتَابِ قَالَ سَحْنُونُ قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَرَأَيْتَ الْمُسَافِرَ يَكُونُ عَلَى وُضُوءٍ أَوْ غَيْرِ وُضُوءٍ وَيَطَأُ أَهْلَهُ أَوْ جَارِيَتَهُ وَلَيْسَ مَعَهُ مَاءٌ قَالَ قَالَ مَالِكٌ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وهما سَوَاء قَالَ صَاحب الطّراز اخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ هُمَا سَوَاءٌ قِيلَ الْمُتَوَضِّئُ وَالْمُحْدِثُ وَقِيلَ الزَّوْجَةُ الْمَمْلُوكَةُ لِأَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا لِحَقِّ الزَّوْجَةِ فِي الْوَطْءِ وَالْأَوَّلُ بَيِّنٌ لِأَنَّ لِلزَّوْجَةِ أَنْ تَمْنَعَ وَيَسْقُطَ حَقُّهَا لأجل الْعِبَادَة وَقَالَ الشَّافِعِي لَهُ ذَلِكَ إِنْ كَانَ مَعَهُمَا مَاءٌ يَغْسِلَانِ بِهِ النَّجَاسَةَ عَنْ فَرْجِهِمَا حُجَّتُنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الصَّلَاةَ بِالطَّهَارَةِ الْكَامِلَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَهُمَا قَادِرَانِ فَلَا يَتَسَبَّبَانِ فِي إِبْطَالِهَا وَيَرْجِعَانِ إِلَى لبتيمم قِيَاسًا عَلَى مَنْ مَعَهُ مَاءٌ فَيُهْرِقُهُ وَيَتَيَمَّمُ وَلِهَذَا قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ لِلزَّوْجَيْنِ الْمُتَوَضِّئَيْنِ أَنْ يُقَبِّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ إِذَا لم يكن مَعَهُمَا مَاء يتوضئان بِهِ وَقَالَ التُّونُسِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لَوْ طَالَ عَدَمُ الْمَاءِ فِي سَفَرِهِ جَازَ لَهُ الْوَطْءُ قِيَاسًا عَلَى الْجَرِيحِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْجرْح يطول بُرْؤُهُ غَالِبا خلافًا عَدَمِ الْمَاءِ الثَّانِي إِذَا مَنَعْنَاهُ مِنَ الْوَطْءِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ مَنَعْنَاهُ مِنَ الْبَوْلِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَاءٌ وَحَقْنَتُهُ خَفِيفَةٌ قَالَ ابْن الْقَاسِم فَإِذا كَانَتِ الْحَقْنَةُ مُثْقَلَةً لَا يُمْنَعُ وَلَا يُخْتَلَفُ فِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ إِنْ فَعَلَ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَوَقع الْخلاف فِي الْمُحدث بريق الْمَاءَ وَيَتَيَمَّمُ وَيُجْزِئُهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ حُجَّتُنَا آيَةُ التَّيَمُّمِ الثَّالِثُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لِلْمَجْرُوحِ أَوِ الْمَشْجُوجِ أَنْ يَطَأَ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ
لِطُولِ أَمْرِهِ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ الْمُرَادُ اللَّذَانِ يَتَيَمَّمَانِ لِأَنَّ مَنْ بِهِ شَجَّةٌ وَاحِدَةٌ لَا تَمْنَعُهُ الْغُسْلَ هُوَ كَالْمُسَافِرِ لَا يَطَأُ أَهْلَهُ إِنْ عَدِمَ الْمَاءَ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ هَذَا عُدُولٌ عَنِ الْمَقْصُودِ بِمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الصَّلَاةِ بِلَا جَنَابَةٍ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَسَبَّبَ فِي إِبْطَالِ ذَلِكَ وَوَرَدَ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ صَاحِبُ الشَّجَّةِ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهَا بَدَلًا مِنَ الْغُسْلِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُنْهَى عَنِ الْوَطْءِ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ يَطُولُ الرَّابِعُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يَنَامُ الْجُنُبُ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا خلافًا لأهل الْعرَاق ابْن حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِنَا حُجَّتُنَا مَا فِي الْمُوَطَّأِ وَالصَّحِيحَيْنِ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه ذَكَرَ لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - أَنَّهُ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ لَهُ عليه الصلاة والسلام
تَوَضَّأْ ثُمَّ اغْسِلْ ذَكَرَكَ وَنَمْ
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهُ عليه السلام
كَانَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَمَسُّ مَاءً
قَالَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ سُوَيْدٌ هَذَا الْحَدِيثُ خَطَأٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ طَعَنُوا فِيهِ وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ هَذَا الْوُضُوءِ فَقِيلَ لِيَنَامَ عَلَى إِحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ وَقِيلَ لِيَنْشَطَ فَيَغْتَسِلَ وَقِيلَ إِنَّ الْأَرْوَاحَ تُرْفَعُ إِلَى الْعَرْشِ لِتَسْجُدَ إِلَّا مَنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ وَهَذَا يَبْطُلُ بِالْحَائِضِ وَقِيلَ إِنَّ النُّفُوسَ إِذَا اسْتَشْعَرَتْ أَنَّهَا مُتَقَرِّبَةٌ مَالَتْ إِلَى جَنَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ أَقْرَبَ لِلْمَوَاهِبِ الرَّبَّانِيَّةِ فَإِنَّ مَنْ أَسَاءَ اسْتَوْحَشَ وَمَنْ أَحْسَنَ اسْتَبْشَرَ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ وَلَمْ يَقُلْ بِوُجُوبِهِ إِلَّا أَهْلُ الظَّاهِرِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِنِ اقْتَصَرَ الْجُنُبُ عَلَى فِعْلِ ابْنِ عمر رضي الله عنهما فَحَسَنٌ فَفِي الْمُوَطَّأِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَوْ يَطْعَمَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَكَانَ يَتْرُكُ غُسْلَ رِجْلَيْهِ لِسُقُوطِ غُسْلِهِمَا مَعَ الْخُفِّ قَالَ مَالِكٌ فِي الْكِتَابِ وَالْجُنُبُ بِخِلَافِ الْحَائِضِ
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَيْضَ مُسْتَمِرٌّ يُبْطِلُ كُلَّ وُضُوءٍ يُفْعَلُ لِلنَّوْمِ وَإِنْ عَلَّلْنَا بِالنَّشَاطِ لِلْغُسْلِ ظَهَرَ الْفَرْقُ أَيْضًا لِتَعَذُّرِهِ فِي حَقِّهَا مَعَ أَنَّهُ فِي الْجَوَاهِرِ قَالَ يَتَخَرَّجُ أَمْرُهَا بِالْوُضُوءِ عَلَى عِلَّةِ الْأَمْرِ بِهِ وَحَكَى قَوْلًا بِوُجُوبِ وُضُوءِ الْجُنُبِ فُرُوعٌ مُرَتَّبَةٌ الْأَوَّلُ إِذَا عَدِمَ الْمَاءَ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْوَاضِحَةِ لَا يَتَيَمَّمُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَتَيَمَّمُ الثَّانِي إِذَا تَوَضَّأَ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ بَقِيَّةُ الْمَنِيِّ أَوْ أَحْدَثَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ قَالَ اللَّخْمِيُّ عَلَى تَعْلِيلِنَا بِالْمَبِيتِ عَلَى إِحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ يُعِيدُ حُجَّةُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ فِي الْحَدِيثِ أَمْرَهُ بِغَسْلِ ذَكَرِهِ بَعْدَ الْوُضُوءِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا تَنْقُضُهُ نَوَاقِضُ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى قَالَ صَاحب الطّراز وَلِأَن الْوضُوء هَهُنَا طَهَارَةٌ عَنِ الْجَنَابَةِ بِاعْتِبَارِ النَّوْمِ فَلَا يَنْقُضُهُ إِلَّا الْجَنَابَةُ الطَّارِئَةُ بَعْدَهُ الثَّالِثُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا بَأْسَ أَنْ يُعَاوِدَ أَهْلَهُ وَيَأْكُلَ قَبْلَ الْوُضُوءِ خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْأَمْرَيْنِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ مِنَ اللَّيْلِ أَوِ النَّهَارِ وَهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ وَفِي رِوَايَة وَهن تسع نسْوَة قيل لأنس أَو كَانَ يُطِيقُهُ؟ قَالَ كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ ثَلَاثِينَ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْوُضُوءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلِأَنَّ الْجِمَاعَ يَنْقُضُ الْغُسْلَ وَالْوُضُوءَ بَدَلٌ مِنَ الْغُسْلِ فَلَا يُشَرَّعُ الْوُضُوءُ لِنَاقِضِهِ وَإِنَّمَا تُشَرَّعُ الطَّهَارَةُ لِمَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ وَتَكْمُلُ مَصْلَحَتُهُ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ قَوْلِهِ عليه السلام
إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا
فَيَدُلُّ عَلَى الشَّرْعِيَّةِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَنَحْنُ لَا نَكْرَهُ الْوُضُوءَ وَأَمَّا الْأَكْلُ فَلِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ غَسَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عَن فُقَهَاء الْأَمْصَار
مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ يُعِيدُ مَنْ أَحْدَثَ نَوْمَةً نَامَ فِيهَا مُحْتَجًّا بِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَرْضِهِ بِالْحَرَّةِ فَرَأَى فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ وَأَعَادَ الصَّلَاةَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَمْ يُعِدْ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ وَالْأَثَرُ فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْوَاضِحَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ يَلْبَسُهُ وَلَا يَنْزِعُهُ فَيُعِيدُ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ نَامَ فِيهِ قَالَ الْبَاجِيُّ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا يَجْعَلُونَ هَذَا تَفْسِيرًا لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ وَهُوَ عِنْدِي غَيْرُ بَيِّنٍ بَلْ هُوَ اخْتِلَافُ قَوْلٍ. قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يُرِيدُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ فِيمَنْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ. قَالَ وَعُذْرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ مَتَى شَكَّ فِي طَهَارَتِهِ أَوْ ظَنَّ نَقْضَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَهَلْ يَسْتَوِي فِي طَرَيَانِ الشَّكِّ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا قَوْلَانِ وَمَتَى غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الطَّهَارَةُ لَا إِعَادَةَ وَوَجَبَ الْعَمَلُ بِذَلِكَ الظَّنِّ فَلَو تَوَضَّأ وَوجد بللاعقيبه فَغَالِبُ الظَّنِّ أَنَّ ذَلِكَ الْبَلَلَ مِنَ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تُوجِبُ الْفَرْقَ بَيْنَ الثَّوْبَيْنِ فَإِنَّ الَّذِي لَا يُفَارِقُهُ الشَّكُّ فِي الطَّهَارَةِ مُتَحَقِّقٌ فِي جُمْلَةِ لَيَالِيهِ وَالَّذِي يُفَارِقُهُ مَا يَدْرِي مَا طَرَأَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ ظَنُّ الطَّهَارَةِ سَالِمًا فِي مُعَارَضَةِ الشَّكِّ وَالطَّهَارَتَانِ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ سَوَاءٌ. أَمَّا لَوْ كَانَ الْمَنِيُّ رَطْبًا أَعَادَ مِنْ أَحْدَثِ نَوْمَةٍ نَامَهَا فِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا. فَرْعٌ مُرَتَّبٌ قَالَ إِذَا قُلْنَا يُعِيدُ مِنْ أَحْدَثِ نَوْمَةٍ وَكَانَ غَيْرُهُ يَنَامُ فِيهِ قَبْلَهُ قَالَ سَحْنُونُ لَا شَيْءَ عَلَى الْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْأَمَارَةِ فِي حَقِّهِ. الْخَامِسُ إِذَا رَأَتِ امْرَأَةٌ فِي ثَوْبِهَا دَمَ حَيْضٍ لَا تَدْرِي أَنَّهُ مِنْهَا أَوْ مِنْ شَيْءٍ أَصَابَهَا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِنْ لَمْ يُفَارِقْهَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا أَوْ كَانَ يَلِي جَسَدَهَا اغْتَسَلَتْ وَأَعَادَتْ جَمِيعَ صَلَاةٍ صَلَّتْهَا فِيهِ يُرِيدُ أَنَّهَا تُسْقِطُ أَيَّامَ الطُّهْرِ وَتُعِيدُ الصِّيَامَ الْوَاجِبَ مِنْ يَوْمِ أَنْ صَامَتْ فِيهِ مَا لَمْ يُجَاوِزْ أَيَّامَ حَيْضَتِهَا وَإِنْ كَانَتْ تَلْبَسُهُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ أَعَادَتْ مِنْ أَحْدَثِ لُبْسَةٍ كَوَاجِدِ الْجَنَابَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ
تُعِيدُ صَوْمَ يَوْمٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ دَمُ حَيْضٍ انْقَطَعَ مَكَانُهُ قَالَ التُّونِسِيُّ إِنْ كَانَتْ نُقْطَةً أَعَادَتْ يَوْمًا وَإِنْ كَانَتْ نُقَطًا أَعَادَتْ بِعَدَدِهَا أَيَّامًا فَيُحْمَلُ كَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّهُ دَمٌ كَثِيرٌ مُتَفَرِّقٌ. السَّبَبُ الثَّالِثُ فِي الْجَوَاهِرِ الشَّكُّ فِي تَحَقُّقِ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَالْإِنْزَالِ فَإِنْ وَجَدَ بَلَلًا وَلَا يَدْرِي أَهْوَ مَذْيٌ أَوْ مَنِيٌّ وَأَيْقَنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَرَقٍ قَالَ مَالِكٌ لَا أَدْرِي مَا هَذَا قَالَ ابْنُ نَافِعٍ يَغْتَسِلُ وَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ لَا يَلْزَمُهُ إِلَّا الْوُضُوءُ مَعَ غَسْلِ الذَّكَرِ وَقَالَ ابْنُ سَابِقٍ هَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ فِي تَيَقُّنِ الطَّهَارَةِ وَالشَّكِّ فِي الْحَدَثِ. السَّبَبُ الرَّابِعُ تَجَدُّدُ الْإِسْلَامِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْكِتَابِ عَلَيْهِ الْغُسْلُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ يَكْفِيهِ الْوُضُوءُ وَفَرَّقَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْنَ مَنْ أَجْنَبَ فَيَغْتَسِلُ وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يُجْنِبْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إِلَّا الْوضُوء. قَالَ ابْن شاش وَالْمَشْهُور اخْتِصَاص الْوُجُوب بِالْجِنَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فَأَمَّا الْوُجُوبُ عَلَى مَنْ أَجْنَبَ وَمَنْ لَمْ يُجْنِبْ فَمُشْكِلٌ وَأَمَّا التَّفْرِقَةُ فَقَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ هُوَ مَأْمُورٌ بِالْوُضُوءِ إِجْمَاعًا وَإِذَا لَمْ يُسْقِطِ الْإِسْلَامُ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ فَأَوْلَى أَلَّا يُسْقِطَ الْأَكْبَرَ وَلِأَنَّ الْحَائِضَ إِذَا أَسْلَمَتْ بَعْدَ طُهْرِهَا لَا تَتَوَضَّأُ حَتَّى تَغْتَسِلَ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي هُوَ مُسْتَقْبِلُهَا مِنْ شَرْطِهَا الطَّهَارَةُ مِنَ الْحَدَثَيْنِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَحْصِيلُ الشَّرْطِ لَا أَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِأَمْرِ تَقَدُّمِ الْإِسْلَامِ فَيَسْقُطُ لِقَوْلِهِ عليه السلام
الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ بَلْ هَذَا الْأَمْرُ أَوْجَبَهُ الْإِسْلَامُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَالطَّهَارَةَ مِنْ آثَارِ الْإِسْلَامِ فَلَا يُسْقِطُهُمَا الْإِسْلَامُ وَأَمَّا الِاسْتِحْبَابُ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَكَمَا قَالَ مَالِكٌ رحمه الله لَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم َ - أَمَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِالْغُسْلِ وَأَكْثَرُ مَنْ أَسْلَمَ مُحْتَلِمٌ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجَنَابَةِ وَالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ أَنَّ الْجَنَابَةَ صَدَرَتْ فِي وَقْتٍ لَمْ يُخَاطِبْ فِيهَا أَحْكَامَ الْفُرُوعِ وَإِذَا سَقَطَ الْخِطَابُ بِالْحُكْمِ سَقَطَ الْخِطَابُ بِأَسْبَابِهِ وَشُرُوطِهِ وَمَوَانِعِهِ لِأَنَّ الْخِطَابَ بِهَا لِأَجْلِهِ وَأَمَّا الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ الصَّادِرُ فِي الْكُفْرِ فَيَلْزَمُ هَذَا التَّقْرِيرَ سُقُوطُهُ أَيْضًا لَكِنْ يَجِبُ الْوُضُوءُ لِلصَّلَاةِ لَا لِلْحَدَثِ السَّابِقِ بَلْ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا} الْآيَةَ فَدَلَّتْ عَلَى إِيجَابِ الْوُضُوءِ دُونَ الْغُسْلِ. فَإِنْ قُلْتَ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى {حَتَّى تَغْتَسِلُوا} فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ شَرْطٌ. قُلْتُ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى جَنَابَةِ الْإِسْلَامِ جَمْعًا بَيْنَ الْآيَةِ وَعَدَمِ أَمْرِهِ عليه السلام لِمَنْ أَسْلَمَ بِالِاغْتِسَالِ. وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْغُسْلُ لِأَنَّهُ مُسْتَقْبِلٌ أَعْظَمَ الْقُرَبِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَطَهَّرَ لَهَا كَمَا يَتَطَهَّرُ للْإِحْرَام وَدخُول مَكَّة وشهود الْجُمُعَة وَهَهُنَا أَوْلَى. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَنَّهُ عليه السلام أَمر قبس بْنَ عَاصِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْوُجُوبِ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِهِ النَّظَافَةُ لَا الْعِبَادَةُ بِدَلِيلِ أَمْرِهِ بِالسِّدْرِ وَالسِّدْرُ إِنَّمَا يُقْصَدُ لِلنَّظَافَةِ وَلَعَلَّهُ رَآهُ مُشَوَّهًا بِالدَّرَنِ. فُرُوعٌ سِتَّةٌ: الْأَوَّلُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ إِذَا اغْتَسَلَ قَبْلَ إِسْلَامِهِ وَهُوَ عَازِمٌ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ لِمَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ عليه السلام بَعَثَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أَثَالٍ سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ وَسَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ عليه السلام
أَطْلِقُوهُ إِلَى تَمَامِهِ فَانْطَلَقَ إِلَى جَبَلٍ قَرِيبٍ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَأَسْلَمَ وَلِأَنَّ الْكُفْرَ يَحْصُلُ بِالِاعْتِقَادِ إِجْمَاعًا.
وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَحْصُلُ الْإِيمَانُ بِمُجَرَّدِ الِاعْتِقَادِ لِأَنَّهُ ضِدَّهُ فَإِذَا ارْتَفَعَ أَحَدُ الضِّدَّيْنِ تَعَيَّنَ الْآخَرُ وَلِأَنَّهُ عليه السلام قَبِلَ إِسْلَامَ الْجَارِيَةِ وَلَمْ يَصْدُرْ مِنْهَا إِلَّا إِشَارَتُهَا إِلَى السَّمَاءِ أَوْ لَا يَحْصُلُ الْإِيمَانُ إِلَّا بِالْإِقْرَارِ؟ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ بِشَرْطِ إِمْكَانِ التَّلَفُّظِ وَآيُ الْقُرْآنِ تَشْهَدُ لَهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَ الْإِيمَانَ فِي كِتَابِهِ ذَكَرَهُ مَقْرُونًا بِالْبَاءِ كَقَوْلِهِ {وَمن لم يُؤمن بِاللَّه وَرَسُوله} وَآمَنَ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ قَالَ أَرْبَابُ عِلْمِ الْبَيَانِ إِنَّمَا دَخَلَتْ هَذِهِ الْبَاءُ لِأَنَّ الْفِعْلَ مُضَمَّنٌ مَعْنَى أَقَرَّ وَالْإِقْرَارُ يَتَعَدَّى بِالْبَاءِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْ بِقَلْبِهِ وَيُقِرَّ بِلِسَانِهِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْآيَاتِ كَمَا قَالَ الْفَرَزْدَقُ
(كَيْفَ تَرَانِي قَالِبًا مِجَنِّي
…
قَدْ قَتَلَ اللَّهُ زِيَادًا عَنِّي)
أَيْ صَرْفَهُ بِالْقَتْلِ فَضُمِّنَ قَتَلَ مَعْنَى صَرَفَ فَعَدَّاهُ بِعْنَ كَمَا يَتَعَدَّى صَرَفَ وَهُوَ مِنْ أَسْرَارِ كَلَامِ الْعَرَبِ وَجَوَامِعِ كَلِمِهَا لِتَعْبِيرِهَا عَنِ الْجُمْلَتَيْنِ بِجُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ صَرَفَهُ فَقَتَلَهُ فَقَالَ قَتَلَهُ عَنِّي فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ تَظْهَرُ صِحَّةُ الْغُسْلِ وَعَلَى الثَّانِي يُشْكِلُ لِأَنَّ الْإِيمَانَ إِذَا لَمْ يُقْبَلْ فَأَوْلَى الْغُسْلُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ التَّلَفُّظَ اللَّاحِقَ لَمَّا صَحَّحَ التَّصْدِيقَ السَّابِقَ صَحَّحَ الْغُسْلَ السَّابِقَ أَيْضًا فَيَكُونُ الْإِيمَانُ الْقَلْبِيُّ وَالْغُسْلُ مَوْقُوفَيْنِ عَلَى التَّلَفُّظِ فَإِذَا تَلَفَّظَ صَحَّا جَمِيعًا وَيَصِحُّ الْغُسْلُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْأَدْنَى يَتْبَعُ الْأَعْلَى الثَّانِي لَوْ كَانَ الْكَافِرُ يَعْتَقِدُ دِينًا يَقْتَضِي الْغُسْلَ مِنَ الْجَنَابَةِ فَاغْتَسَلَ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ الظَّاهِرُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ وَقَدْ خَرَّجَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ
عَلَى غُسْلِ الذِّمِّيَّةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إِلَى إِعَادَتِهِ بَعْدَهُ بِاعْتِبَارِ إِبَاحَةِ الْوَطْءِ بِهِ الثَّالِثُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يَنْوِي بِغُسْلِهِ الْجَنَابَةَ فَإِنْ نَوَى الْإِسْلَامَ أَجْزَأَهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ نَوَى بِذَلِكَ الطُّهْرَ عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ كَمَا أَنَّ الْوُضُوءَ إِذَا نَوَى بِهِ الصَّلَاةَ ارْتَفَعَ الْحَدَثُ عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ الرَّابِعُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ يَتَيَمَّمُ فَإِنْ أَدْرَكَ الْمَاءَ اغْتَسَلَ وَيَنْوِي بِتَيَمُّمِهِ الْجَنَابَةَ عِنْدَ فِعْلِ الصَّلَاةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَيَمُّمُهُ عِنْدَ فِعْلِ الصَّلَاةِ وَأَحْكَامُهُ أَحْكَامُ الْمُتَيَمِّمِ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنْ تَعَذَّرَ الْغُسْلُ فَلَا يَتَيَمَّمُ الْخَامِسُ قَالَ ابْنُ شَاسٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ غُسْلُ الْكَافِرِ إِذَا أَسْلَمَ تَعَبُّدٌ وَعَلَى الْمَشْهُورِ مُعَلَّلٌ بِالْجَنَابَةِ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ غُسْلُ مَنْ لَمْ يُجْنِبْ السَّادِسُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يُؤْمَرُ مَنْ أَسْلَمَ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ إِنْ كَانَ قَزَعًا وَنَحْوه وَاسْتحبَّ الشَّافِعِي حَلْقَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ عَن عثيم بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا أَسْلَمْتُ قَالَ لِي عليه السلام
أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ
وَمَعْنَاهُ الَّذِي هُوَ زِيُّ الْكُفْرِ وَإِلَّا فَقَدَ كَانَ النَّاسُ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا بِغَيْرِ حَلْقٍ السَّبَبُ الْخَامِسُ إِلْقَاءُ الْوَلَدِ جَافًّا قَالَ الْقَاضِي فِي التَّلْقِينِ يُوجِبُ الْغُسْلَ وَرَوَاهُ أَشْهَبُ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا وَمَعْنَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَيْهَا بِخُرُوجِ مَائِهَا وَالْوَلَدُ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَائِهَا لِأَنَّهُ مِنْهُ خُلِقَ فَيَجِبُ عَلَيْهَا بِخُرُوجِهِ وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ مَاءَهَا قَدِ اسْتَحَالَ عَنْ هَيْئَتِهِ الَّتِي مِنْهَا الْغُسْلُ فَأَشْبَهَ حَالَةَ السَّلَسِ بَلْ هَذَا أَشَدُّ بُعْدًا
(الْفَصْلُ الثَّانِي فِي كَيْفِيَّةِ الْغُسْلِ)
وَصِفَةُ سَائِرِ الْأَغْسَالِ وَاحِدَةٌ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فُرُوضٍ وَسُنَنٍ وَفَضَائِلَ فَفُرُوضُهُ خَمْسَةٌ الْأَوَّلُ الْمَاءُ الطَّهُورُ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْرِيرُهُ لَكِنْ كَرِهَ مَالِكٌ رحمه الله فِي الْكِتَابِ الِاغْتِسَالَ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَالْقَصْرِيَّةِ وَالْبِئْرِ الْقَلِيلَةِ الْمَاءِ إِذَا وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ بدا وَفِي مُسلم قَالَ عليه السلام
لايغتسل أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ
وَهُوَ يُفْسِدُهُ إِمَّا لِنَجَاسَتِهِ عَلَى رَأْيِ الْحَنَفِيَّةِ وَإِمَّا لِأَنَّ النُّفُوسَ تَعَافُهُ لِلطَّعَامِ وَالشَّرَابِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ طَهُورًا وَفِي الْكِتَابِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنِ الْبِئْرِ الْقَلِيلَةِ الْمَاءِ يَأْتِيهَا الْجُنُبُ وَلَيْسَ مَعَهُ مَا يَغْرِفُ بِهِ وَفِي يَده قذره قَالَ يَحْتَالُ حَتَّى يَغْسِلَ يَدَهُ. قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَجْهُ الْحِيلَةِ أَنْ يَرْفَعَ الْمَاءَ بِفِيهِ وَيَغْسِلَ يَدَيْهِ بِهِ أَعْلَى الْبِئْرِ مِرَارًا إِنْ أَمْكَنَ الصُّعُودُ أَوْ يَسْكُبَ عَلَى يَدِهِ مِنْ فَمه ويغسلها عِنْد الْحَائِط الْبِئْرِ إِنْ تَعَذَّرَ الصُّعُودُ حَتَّى لَا يَبْقَى فِي يَدِهِ مَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ فِي إِفْسَادِ الْمَاءِ. الْفَرْضُ الثَّانِي النِّيَّةُ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَبَاحِثُهَا فِي الْوُضُوءِ فَلْنَكْتَفِ بِمَا هُنَاكَ وَنَذْكُرْ مَا يَخْتَصُّ بِهَذَا الْبَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ إِذَا اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ أَوْ لِلتَّبَرُّدِ وَلَمْ يَنْوِ الْجَنَابَةَ لَا يُجْزِئُهُ لِقَوْلِهِ عليه السلام
إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى
قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ رَوَى أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ وَابْنُ كِنَانَةَ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْإِجْزَاءَ وَأَفْتَوْا بِهِ قِيَاسًا عَلَى مَنْ تَوَضَّأَ لِنَافِلَةٍ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ لِلْفَرِيضَةِ. وَلِأَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ إِنَّمَا شُرِعَ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ إِذْ لَا يُؤْمَرُ بِهِ مَنْ لَا يُصَلِّيهَا فَالْغُسْلُ لَهَا يَتَضَمَّنُ رَفْعَ مَا يَمْنَعُ مِنْهَا كَالْوُضُوءِ لِلنَّافِلَةِ.
وَالْفَرْقُ لِلْمَشْهُورِ أَنَّ النَّافِلَةَ تَتَضَمَّنُ رَفْعَ الْحَدَثِ لِتَحْرِيمِ فِعْلِهَا بِالْحَدَثِ فَإِذَا نَوَاهَا فَقَدْ نَوَى لَازِمَهَا عَلَى وَجْهِ الِالْتِزَامِ بِخِلَافِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ رَفْعُ الْحَدَثِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ لَا يَصِحُّ إِلَّا بَعْدَ رَفْعِ الْحَدَثِ فَيَتَضَمَّنُ الْقِيَاسَ السَّابِقَ بَلْ يُؤَكِّدُ ذَلِكَ وَنَقُولُ كُلُّ سَبَبَيْنِ بَيْنَهُمَا تَلَازُمٌ شَرْعِيٌّ فَإِنَّ الْقَصْدَ إِلَى أَحَدِهِمَا قَصْدٌ لِلْآخَرِ كَالصَّلَاةِ مَعَ رَفْعِ الْحَدَثِ وَالْعِبَادَةِ مَعَ أَجْزَائِهَا. فَإِنِ اغْتَسَلَ لِجَنَابَةٍ نَاسِيًا لِجُمُعَتِهِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي عَدَمِ الْإِجْزَاءِ خِلَافًا ش ح وَقَالَ ابْنُ عبد الْحَكِيم وَأَشْهَبُ وَابْنُ أَبِي سَلَمَةَ يُجْزِئُهُ قَالَ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي الْعَكْسَ لِأَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ لَا تُجْزِئُ الْجُمُعَةُ عَنِ الْجَنَابَةِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ تُجْزِئُ الْجُمُعَةُ عَنِ الْجَنَابَةِ وَلَا تُجْزِئُ الْجَنَابَةُ عَنِ الْجُمُعَةِ. أَمَّا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فَرَأَى أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ لَا يَتَضَمَّنُ رَفْعَ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةُ تَتَضَمَّنُ النَّظَافَةَ فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودَانِ وَأَمَّا عَبْدُ الْمَلِكِ فَرَأَى أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ لَا يَصِحُّ مِنَ الْجُنُبِ وَإِنَّمَا شُرِعَ فِي حق الطَّاهِر فالقصد إِلَيْهَا قصد للزمها كَمَا تَقَدَّمَ. فَرْقٌ يُجْزِئُ غُسْلُ الْجَنَابَةِ عَنِ الْوُضُوءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْوِيَهُ وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْوِيَهُ مَعَ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَأَخْفَضُ رُتْبَةً وَإِذَا أَجْزَأَ عَنِ الْأَعْلَى فَأَوْلَى أَنْ يُجْزِئَ عَنِ الْأَدْنَى وَالْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْوُضُوءَ بَعْضُ أَجْزَاءِ الْجَنَابَةِ وَالْأَقَلُّ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ وَغُسْلُ الْجُمُعَةِ فِي كُلِّ أَعْضَاء الْجَنَابَة. وَثَانِيهمَا أَن الْوضُوء وَاجِب مِنَ الْجِنْسِ فَضَمُّ الشَّيْءِ إِلَى جِنْسِهِ أَقْرَبُ مِنْ ضَمِّهِ إِلَى غَيْرِ جِنْسِهِ. وَلَوِ اغْتَسَلَ لِجُمُعَتِهِ وَجَنَابَتِهِ وَنَوَاهُمَا مَعًا فَالْإِجْزَاءُ فِي الْكِتَابِ لِأَن الْمَقْصُود
مِنَ الْجَنَابَةِ رَفْعُ الْحَدَثِ وَمِنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ النَّظَافَةُ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْمَقْصُودَيْنِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِم يَنْفِي الْإِجْزَاءِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِغُسْلِ جُمْلَةِ جَسَدِهِ لِلْجَنَابَةِ فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بَلْ جَعَلَ الْجُمُعَةَ مُشْتَرَكَةً فَلَا يَكُونُ آتِيًا بِمَا أُمِرَ بِهِ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. قَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْزِئَهُ عَنْ جُمُعَتِهِ دُونَ جَنَابَتِهِ لِضَعْفِ الْغُسْلِ بِالتَّشْرِيكِ وَهُوَ أَضْعَفُ الْغُسْلَيْنِ وَتَوَهَّمَ رحمه الله أَنَّهَا مُخَرَّجَةٌ عَلَى مَنْ مَشَى فِي حَجَّةٍ وَاحِدَةٍ لِنَذْرِهِ وَفَرْضِهِ فَإِنَّ فِيهَا اخْتِلَافًا وَقَالَ مَالِكٌ أَحَقُّهُمَا بِالْقَضَاءِ أَوْجَبُهُمَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَلِ الْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ كَمَا تَرَى. وَقَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا حَاضَتْ أَخَّرَتْ غُسْلَهَا حَتَّى تَطْهُرَ قَالَ ابْنُ يُونُسَ يَنْبَغِي إِذَا طَهُرَتْ مِنَ الْحَيْضِ وَلَمْ تَغْتَسِلْ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْجُنُبِ فِي الْقِرَاءَةِ وَالْوُضُوءِ قَبْلَ النَّوْمِ لِتَمَكُّنِهَا مِنَ الْغُسْلِ حِينَئِذٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُجْزِئُهَا غُسْلٌ وَاحِدٌ لَهُمَا وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ إِنْ نَسِيَتِ الْجَنَابَةَ أَجْزَأَهَا لِأَنَّ الْحَيْضَ أَشَدُّهُمَا مَنْعًا وَقَالَ سَحْنُونُ إِنْ نَسِيَتِ الْحَيْضَ لَمْ يُجْزِئْهَا لِاخْتِصَاصِ الْحَيْضِ بِالْمَنْعِ مِنَ الْوَطْءِ وَلِأَنَّهُ النَّاسِخُ لِحُكْمِ الْجَنَابَةِ وَالْحُكْمُ لِلنَّاسِخِ لِبُطْلَانِ الْمَنْسُوخِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يُجْزِئُهَا قِيَاسًا عَلَى أَسْبَابِ الْأَحْدَاثِ فِي الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَة فِي الشَّجَّة إِذا كَانَت مَوْضِعَ الْوُضُوءِ إِنْ غَسَلَهَا بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ يُجْزِئُ عَنِ الْجَنَابَةِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ تُجْزِئُ نِيَّةُ الْوُضُوءِ عَنِ الْغُسْلِ وَيَبْنِي عَلَى الْمَغْسُولِ وَنِيَّةُ الْغُسْلِ عَنِ الْوُضُوءِ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا فَرْضُ طَهَارَةٍ. الْفَرْضُ الثَّالِثُ تَعْمِيمُ الْجَسَدِ بِالْغُسْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُم جنبا فاطهروا} وَقَوله تَعَالَى {حَتَّى تغتسلوا} وَاللَّفْظُ ظَاهِرٌ فِي الِاسْتِغْرَاقِ.
الْفَرْضُ الرَّابِعُ التَّدْلِيكُ قَالَ فِي الْكِتَابِ فِي الْجُنُبِ وَالْمُتَوَضِّئِ يَأْتِي النَّهْرَ يَنْغَمِسُ فِيهِ نَاوِيًا الطُّهْرَ لَا يُجْزِئُهُ إِلَّا أَنْ يَتَدَلَّكَ خِلَافًا ش ح. قَالَ فِي الرِّسَالَةِ وَمَا شَكَّ فِيهِ عَاوَدَهُ بِالْمَاءِ وَالدَّلْكِ وَيُتَابِعُ عُمْقَ سُرَّتِهِ وَتَحْتَ حَلْقِهِ وَحَاجِبَيْهِ وَبَاطِنَ رُكْبَتَيْهِ وَرُفْغَيْهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَبُو الْفَرَجِ إِذَا وَالَى الصَّبَّ بِالْمَاءِ أَوْ أَطَالَ الْمُكْثَ تَحْتَ الْمَاءِ حَتَّى عَلِمَ وُصُولَهُ لِلْبَشَرَةِ أَجْزَأَهُ فَرَأَى أَنَّ الدَّلْكَ لَا يَجِبُ لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ لِلْإِيصَالِ. وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ حَقِيقَةُ الْغُسْلِ لُغَةً الْإِيصَالُ مَعَ الدَّلْكِ فَيَجِبُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلِذَلِكَ تُفَرِّقُ الْعَرَبُ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْغَمْسِ لِأَجْلِ التَّدْلِيكِ فَتَقُولُ غَمَسْتُ اللُّقْمَةَ فِي الْمَرَقِ وَلَا تَقُولُ غَسَلْتُهَا أَوْ نَقُولُ حَقِيقَتُهُ الْإِيصَالُ فَقَطْ لِقَوْلِ الْعَرَبِ غَسَلَتِ السَّمَاءُ الْأَرْضَ إِذَا أَمْطَرَتْهَا وَاعْتَبَرَ أَصْحَابُنَا التَّدْلِيكَ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ وَالتَّيَمُّمِ وَالْخُفَّيْنِ لِأَنَّهَا طَهَارَاتٌ فَتُسَوَّى فِي ذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ لَوْ أَلْقَتِ الرِّيحُ التُّرَابَ عَلَى وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ أَوْ تَلَقَّى الْمَطَرَ بِرَأْسِهِ أَجْزَأَهُ. حُجَّتُنَا أَنَّ الْمُحْدِثَ مَمْنُوعٌ مِنَ الْعِبَادَاتِ وِفَاقًا وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ عَلَى ذَلِكَ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ وَأَمَّا مَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِهِ عليه السلام لِأُمِّ سَلَمَةَ
إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تُحْثِي الْمَاءَ عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيضِي الْمَاءَ عَلَيْكِ فَتَطْهُرِينَ وَفِي أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام
الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ لَمْ
يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ
فَهِيَ مُطْلَقَةٌ فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِعْمَالِ فَتُحْمَلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَلِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ أَرْجَحَ مِمَّا ذَكَرَهُ الْخَصْمُ. فَرْعٌ إِنْ عَجَزَ عَنْ تَدْلِيكِ بَعْضِ جَسَدِهِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ سَحْنُونُ يُعِدُّ لَهُ خِرْقَةً وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ يَسْقُطُ كَمَا يَسْقُطُ فَرْضُ الْقِرَاءَةِ عَن
الْأَخْرَسِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ اتِّخَاذُ خِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَشَاعَ مِنْ فِعْلِهِمْ وَفَرَّقَ أَيْضًا بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكثير. الْفَرْض الْخَامِس الْفَوْر قَالَه ابْنُ يُونُسَ وَدَلِيلُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ. وَأَمَّا سُنَنُهُ قَالَ الْقَاضِي ثَلَاثٌ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى الْوُجُوب وَزَاد ابْن يُونُس رَابِعَة دَاخِلِ الْأُذُنَيْنِ. وَأَمَّا فَضَائِلُهُ فَفِي التَّلْقِينِ خَمْسٌ الْبَدَاءَةُ بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ ثُمَّ بِإِزَالَةِ الْأَذَى ثُمَّ الْوُضُوءُ ثُمَّ تَخْلِيلُ أُصُولِ شَعْرِهِ ثُمَّ يَغْرِفُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ بَدَأَ بِغَسْلِ يَدَيْهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعْرِهِ ثُمَّ يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ غُرُفَاتٍ بِيَدِهِ ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جلده كُله فَغسل الْيَدَيْنِ هَهُنَا إِنْ كَانَ مِنْ نَجَاسَةٍ فَهُوَ وَاجِبٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ نَوْمٍ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَقدم لكَون أَعْضَاء الْوضُوء أشرف الْجَسَدِ وَمَحَلَّ الْعِبَادَةِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ اتَّفَقَ أئئمة الْفِقْهِ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ سَوَاءٌ طَرَأَتِ الْجَنَابَة على الْحَدث أَو الطَّهَارَة إِلَّا الشَّافِعِي فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ إِنْ كَانَ مُحْدِثًا قَبْلَ الْجَنَابَةِ. وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ الْقَاضِي بِدُخُولِهِ مَعَهُ إِذَا اجْتمعَا أَو سبقت الْجَنَابَة فَكَذَلِك هَهُنَا وَلِأَنَّ الْكُبْرَى تَدْخُلُ فِي الْكُبْرَى فَالصُّغْرَى أَوْلَى. فَإِنِ اغْتَسَلَ مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ بَعْدَ الْغُسْلِ لَا وَجْهَ لَهُ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ قَبْلَهُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْوُضُوءِ بَعْدَ الْغُسْلِ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَاءٌ يُسْبِغُ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ غَسَلَ أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ أَوَّلًا بِنِيَّةِ الْجَنَابَةِ ثُمَّ غَسَلَ مَا بَقِيَ مِنْ جَسَدِهِ وَحْدَهُ وَقَدْ فَعَلَهُ عليه الصلاة والسلام خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ. تَمْهِيدٌ يَقَعُ التَّدَاخُلُ فِي الشَّرِيعَةِ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ
الْأَوَّلُ الطَّهَارَاتُ كَالْوُضُوءِ إِذَا تَعَدَّدَتْ أَسْبَابُهُ أَوْ تَكَرَّرَ السَّبَبُ الْوَاحِدُ وَالْغُسْلُ إِذَا اخْتَلَفَتْ أَسْبَابُهُ أَوْ تَكَرَّرَ السَّبَبُ الْوَاحِدُ وَالْوُضُوءُ مَعَ الْجَنَابَةِ وَفِي تَدَاخُلِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ خِلَافٌ. الثَّانِي الْعِبَادَاتُ كَسُجُودِ السَّهْوِ إِذَا تَعَدَّدَتْ أَسْبَابُهُ وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ مَعَ الْفَرْضِ وَالْعُمْرَةُ مَعَ الْحَجِّ. الثَّالِثُ الْكَفَّارَاتُ كَمَا لَوْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ مِرَارًا بِخِلَافِ الْيَوْمَيْنِ أَوِ الْأَكْثَرِ خِلَافًا ح فِي إِيجَابِهِ كَفَارَّةً وَاحِدَةً فِي جُمْلَةِ رَمَضَانَ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الرَّمَضَانَيْنِ. الرَّابِعُ الْحُدُودُ إِذَا تَمَاثَلَتْ وَهِيَ أَوْلَى بِالتَّدَاخُلِ مِنْ غَيْرِهَا لِكَوْنِهَا أَسْبَابًا مُهْلِكَةً وَحُصُولُ الزَّجْرِ بِوَاحِدٍ مِنْهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِيلَاجَ سَبَبُ الْحَدِّ وَالْغَالِبُ تَكَرُّرُ الْإِيلَاجَاتِ فَلَوْلَا تَدَاخُلُ الْحُدُودِ هَلَكَ الزَّانِي وَإِنَّمَا يَجِبُ تَكَرُّرُهَا إِذَا تَخَلَّلَتْ بَيْنَ أَسْبَابِهَا لِأَنَّ الْأَوَّلَ مِنْهَا مُوجِبٌ لِسَبَبِهِ السَّابِقِ فَلَوِ اكْتَفَيْنَا بِهِ لَأَهْمَلْنَا الْجَنَابَةَ فَيَكْثُرُ الْفَسَادُ وَلِأَنَّا عَلِمْنَا أَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَفِ بِزَجْرِهِ فَحَسُنَ الثَّانِي. الْخَامِسُ الْعَدَدُ يَقَعُ التَّدَاخُلُ فِيهَا عَلَى تَفْصِيلٍ نَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. السَّادِسُ الْأَمْوَالُ كَدِيَةِ الْأَطْرَافِ مَعَ النَّفْسِ إِذَا سَرَتِ الْجِرَاحَةُ وَالصَّدَقَاتُ فِي وَطْءِ الشُّبْهَاتِ وَيَدْخُلُ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْمُتَأَخِّرِ وَالْمُتَأَخِّرُ فِي الْمُتَقَدِّمِ وَالطَّرَفَانِ فِي الْوَسَطِ وَالْقَلِيلُ فِي الْكَثِيرِ وَالْكَثِيرُ فِي الْقَلِيلِ. فَالْأَوَّلُ نَحْوَ الْأَطْرَافِ مَعَ النَّفْسِ إِذَا سَرَتِ الْجِرَاحَةُ وَالْجَنَابَةِ مَعَ الْحَيْضِ وَالْوُضُوءِ مَعَ الْغُسْلِ وَالصَّدَاقِ الْمُتَقَدِّمِ مَعَ الْمُتَأَخِّرِ إِنِ اتَّحَدَتِ الشُّبْهَةُ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنَ الْمَذْهَبِ اعْتِبَارُ الْحَالَةِ الْأُولَى كَيْفَ كَانَتْ لِأَنَّ الْوُجُوبَ حَصَلَ عِنْدَهَا فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهَا وَالِانْتِقَالُ مَذْهَب الشَّافِعِي. وَالثَّانِي نَحْوَ الْحَيْضِ فِي الْجَنَابَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَيْهِ وَالْحُدُودِ الْمُتَأَخِّرَةِ مَعَ الْمُتَقَدِّمِ عَلَيْهَا مِنْ جِنْسِهَا عددا وَالْكَفَّارَات.
وَالثَّالِثُ نَحْوَ الْمَوْطُوءَةِ بِالشُّبْهَةِ وَكَانَتْ حَالُهَا الْوُسْطَى أَعْظَمَ صَدَاقًا. وَالرَّابِعُ كَالْأُصْبُعِ مَعَ النَّفْسِ إِذَا سَرَتِ الْجِرَاحَةُ وَالصَّدَاقِ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ إِذَا كَانَ أَقَلَّ وَالْعُمْرَةِ مَعَ الْحَجِّ وَالْوُضُوءِ مَعَ الْغُسْلِ. وَالْخَامِسُ كَالْأَطْرَافِ إِذَا اجْتَمَعَتْ مَعَ النَّفْسِ وَالْحُدُودِ مَعَ الْحَدِّ الْأَوَّلِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالِاغْتِسَالَاتِ وَالْوُضُوءَاتِ إِذَا تَعَدَّدَتْ أَسْبَابُهَا أَوِ اخْتَلَفَتْ. فَرْعٌ جَوَّزَ فِي الْكِتَابِ أَنْ يُؤَخِّرَ غَسْلَ رِجْلَيْهِ مِنْ وُضُوئِهِ حَتَّى يَفْرُغَ الْغُسْلُ فَيَغْسِلَهُمَا فِي مَكَانٍ طَاهِرٍ لما فِي البُخَارِيّ من مَيْمُونَةَ رضي الله عنها أَدْنَيْتُ لَهُ عليه السلام غُسْلَهُ مِنَ الْجَنَابَةِ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ أَفْرَغَ بِهِمَا عَلَى فَرْجِهِ وَغَسَلَهُ بِشِمَالِهِ ثُمَّ أَفْضَى بِيَدِهِ إِلَى الْأَرْضِ فَدَلَكَهَا دَلْكًا شَدِيدًا ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مَلْءَ كَفَّيْهِ ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ ذَلِكَ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِالْمِنْدِيلِ فَرَدَّهُ وَلِأَنَّ الْبَدَاءَةَ لَمَّا كَانَتْ بِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لِشَرَفِهَا كَانَ الْخَتْمُ بِهَا شَرَفًا وَفَضْلًا. قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَعَنْهُ فِي الْمَبْسُوطِ لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى تَأْخِيرِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فَعَلَى هَذَا إِذَا أَخَّرَهُمَا أَعَادَ الْوُضُوءَ وَرَاعَى فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمُوَالَاةَ وَرَاعَى فِي الْأُولَى تَبَعِيَّةَ الْوُضُوءِ لِلْغُسْلِ وَأَنَّ الْجَمِيعَ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تَفْرِيقَ. وَإِذَا قُلْنَا يُؤَخِّرُ غَسْلَهُمَا فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَمْسَحُ عَلَى رَأْسِهِ وَقَالَ الْبَاجِيُّ لَا يَمْسَحُ بَلْ إِذَا غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ غَرَفَ عَلَى رَأْسِهِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ عليه السلام غَسَلَ فَرْجَهُ ثُمَّ تَمَضْمَضَ واستنشق وَغسل وَجهه وَيَديه ثمَّ صب عَلَى رَأْسِهِ وَجَسَدِهِ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَبِأَيِّ نِيَّةٍ يَغْسِلُهُمَا قَالَ صَاحِبُ الرِّسَالَةِ يَنْوِي بِذَلِكَ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَنْوِيَ الْوُضُوءَ.
وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ تَمَامَ الْوُضُوءِ دُونَ غُسْلِهِ لِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لَا يُجْزِئُ عَنِ الْوَاجِبِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ
يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعْرِهِ فَقَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى فِيهِ مَصَالِحُ إِحْدَاهَا تَسْهِيلُ إِيصَالِ الْمَاءِ إِلَى الْبَشَرَةِ وَأُصُولِ الشَّعْرِ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْوَاضِحَةِ وَثَانِيهمَا مُبَاشَرَةُ الشَّعْرِ بِالْيَدِ عَلَى حَسَبِ الْإِمْكَانِ وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَجْمُوعَة. وَثَالِثهَا تَأْنِيسُ الْجَسَدِ بِالْمَاءِ لِئَلَّا يَقْشَعِرَّ فَيَمْرَضَ. قَالَ الْبَاجِيُّ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ عَلَيْهِ تَخْلِيلُ لِحْيَتِهِ لِأَنَّ الْفَرْضَ قَدِ انْتَقَلَ إِلَى الشَّعْرِ فَيَسْقُطُ إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَى الْبَشَرَةِ وَرِوَايَةُ أَشْهَبَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي الْحَدِيثِ
ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعْرِهِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَشَرَةُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجَنَابَةِ وَالْوُضُوءِ عَلَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ الطَّهَارَةَ الصُّغْرَى أَقْرَبُ لِلتَّخْفِيفِ لِجَوَازِ الْبَدَلِ فِيهَا عَنِ الْغُسْلِ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ بِخِلَافِ الْغُسْلِ. فُرُوعٌ ثَمَانِيَةٌ: الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْكِتَابِ الْحَائِضُ وَالْجُنُبُ لَا تَنْقُضُ شَعْرَهَا فِي غُسْلِهَا وَلَكِنْ تَضْغَثُهُ خِلَافًا لِابْنِ حَنْبَلٍ فِي الْحَائِضِ وَاللَّخْمِيِّ فِيهِمَا لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا سَأَلَتْهُ عليه السلام فِي حَلِّ ضَفْرِ شَعْرِ رَأْسِهَا فِي الْجَنَابَةِ فَقَالَ إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تُحْثِي عَلَى رَأْسِكَ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيضِي عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ. الثَّانِي إِذَا كَانَ عَلَى ذَكَرِ الْجُنُبِ نَجَاسَةٌ فَغَسَلَهُ بِنِيَّةِ الْجَنَابَةِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ الْأَظْهَرُ الْإِجْزَاءُ وَقِيلَ لَا يُجْزِئُ حَتَّى يَغْسِلَهُ بِنِيَّةِ الْجَنَابَةِ فَقَطْ.
الثَّالِثُ فِي الْجِلَابِ الْجُنُبُ طَاهِرُ الْجَسَدِ وَالْعَرَقِ لِمَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ عليه السلام لَقِيَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ جُنُبٌ فَانْسَلَّ فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ فَتَفَقَّدَهُ عليه السلام فَلَمَّا جَاءَ قَالَ
أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقِيتَنِي وَأَنَا جُنُبٌ فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ حَتَّى أَغْتَسِلَ فَقَالَ عليه السلام
سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ
الرَّابِعُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يَجُوزُ عُبُورُهُ وَلُبْثُهُ فِي الْمَسْجِد خلافًا لداود والمزني فيهمَا وَالشَّافِعِيّ فِي الْعُبُورِ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ
وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنِ الْمَسْجِدِ فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِجُنُبٍ وَلَا حَائِض
حجَّة الشَّافِعِي قَوْله تَعَالَى {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} فاستثناء السَّبِيلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِقَاعٌ فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْآيَةِ لَا تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ. جَوَابُهُ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِضْمَارِ بَلِ الْمُرَادُ الصَّلَاةُ نَفْسُهَا نُهِينَا عَنْ قُرْبَانِهَا سُكَارَى وَجُنُبًا إِلَّا فِي السَّفَرِ فَإِنَّا نَقْرَبُهَا جُنُبًا بِالتَّيَمُّمِ وَخُصَّ السَّفَرُ بِالذِّكْرِ لِعَدَمِ الْمَاءِ فِيهِ غَالِبًا وَهَذَا تَفْسِيرُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالْأَوَّلُ لِزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ رضي الله عنهما. حُجَّةُ الثَّالِثِ قَوْلُهُ عليه السلام
إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ وَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجَبِهِ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ عَدَمِ تَنَجُّسِهِ وَمَنْعِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ كَالْقِرَاءَةِ. إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَسْجِدِ بَيْتِ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْوَاضِحَةِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُؤَجِّرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَإِنْ كَانَ يَرْجِعُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْإِجَارَةِ حَانُوتًا. الْخَامِسُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَهُوَ مُرَتَّبٌ إِذَا احْتَاجَ لِيَنَامَ فِي الْمَسْجِدِ لِعَدَمِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَكَذَلِكَ كَلُّ مَا يُمْنَعُ مِنْهُ الْجُنُبُ يُبَاحُ لَهُ بِالتَّيَمُّمِ إِذَا عُدِمَ
الْمَاءُ وَإِذَا احْتَلَمَ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِ تَيَمُّمٍ وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَيَمَّمَ. حُجَّتُنَا أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ فَخَرَجَ مِنْ غَيْرِ تَيَمُّمٍ وَلِأَنَّ اشْتِغَالَهُ بِالتَّيَمُّمِ لُبْثٌ مَعَ الْجَنَابَةِ. السَّادِسُ قَالَ مَالِكٌ لَا يَدْخُلُ الْكَافِرُ الْمَسْجِدَ خِلَافًا ش ح زَادَ فِي الْجَوَاهِرِ وَإِن أذن لَهُ الْمُسلم وَمنعه الشَّافِعِي فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَيَشْتَرِطُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِذْنَ الْمُسْلِمِ فِي دُخُولِهِ. حُجَّتُنَا قَوْله تَعَالَى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْجُنُبِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَأَمَّا رَبْطُهُ عليه السلام ثُمَامَةَ بْنَ أَثَالٍ فِي الْمَسْجِدِ فَذَلِكَ كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مَنْسُوخٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ. السَّابِعُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا صَلَّى نَاسِيًا لِلْجَنَابَةِ ثُمَّ ذَكَرَهَا بَعْدَ خُرُوجِهِ إِلَى السُّوقِ يَرْجِعُ وَلَا يَتَمَادَى لِغَرَضِهِ وَيَغْتَسِلُ وَيُصَلِّي قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى ضِيقِ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ عَلَى قَضَائِهَا فَإِنَّ الْقَضَاءَ وَاجِبٌ عِنْدَ الذِّكْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَقِمِ الصَّلَاة لذكري} . الثَّامِنُ فِي الطَّرَّازِ يُفَارِقُ الْجُنُبُ الْحَائِضَ فِي جَوَازِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ظَاهِرًا وَمَسِّ الْمُصْحَفِ لِلْقِرَاءَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْحَائِضِ لِحَاجَةِ التَّعْلِيمِ وَخَوْفِ النِّسْيَانِ. قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يَقْرَأُ الْآيَةَ وَنَحْوَهَا عَلَى وَجْهِ التَّعَوُّذِ وَلَا يُعَدُّ قَارِئًا وَلَا لَهُ ثَوَابُ الْقِرَاءَةِ. تَنْبِيهٌ حَمْلُ الْقُرْآنِ عَلَى قسمَيْنِ أَحدهمَا لَا يَذْكُرُ إِلَّا قُرْآنًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى
{كذبت قوم لوط الْمُرْسلين} فَيَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ قِرَاءَتُهُ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْقُرْآنِ وَلَا تَعَوُّذَ فِيهِ وَثَانِيهِمَا هُوَ تَعَوُّذٌ كَالْمُعَوِّذَتَيْنِ فَتَجُوزُ قِرَاءَتُهُمَا لِضَرُورَةِ دَفْعِ مَفْسَدَةِ الْمُتَعَوَّذِ مِنْهُ. وَالْأَصْلُ فِي الْمَنْعِ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ قَالَ عليه الصلاة والسلام
لَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ
وَالْمُتَعَوِّذُ لَا يُعَدُّ قَارِئًا وَكَذَلِكَ الْمُبَسْمِلُ وَالْحَامِدُ فَبَقِيَ مَا عَدَا هَذِهِ الصُّوَرِ عَلَى الْمَنْعِ.
(الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْمَسْحِ الَّذِي هُوَ بَدَلٌ مِنَ الْغُسْلِ)
وَفِيهِ فَصْلَانِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ
قَالَ فِي الْكِتَابِ يَمْسَحُ عَلَيْهَا فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ أَعَادَ الصَّلَاةَ أَبَدًا خِلَافًا ح فِي قَوْلِهِ بِعَدَمِ الْإِعَادَةِ لِأَنَّ الْمَسْحَ لَا يَجِبُ عِنْدَهُ لِاقْتِضَاءِ الْقُرْآنِ الْغُسْلَ وَالزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ نَسْخٌ عِنْدَهُ وَنَسْخُ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مُمْتَنَعٌ إِجْمَاعًا وَقَالَ بِمَسْحِ الْخُفَّيْنِ لِوُصُولِ أَحَادِيثِهِ إِلَى التَّوَاتُرِ عِنْدَهُ فَأَمْكَنَ النَّسْخُ. احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ انْكَسَرَتْ إِحْدَى زَنْدَيَّ فَأَمَرَنِي عليه السلام أَنْ أَمْسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ وَاهِيَةٌ فَنَعْدِلُ إِلَى الْقِيَاسِ عَلَى الْخُفَّيْنِ بِجَامِعِ الضَّرُورَةِ وَبِطْرِيقِ الْأَوْلَى لِمَزِيدِ الشِّدَّةِ وَيُؤَكِّدُ هَذَا الْقِيَاسَ مَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عليه السلام بَعَثَ سَرِيَّةً فَأَصَابَهُمُ الْبَرْدُ فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - أَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْعَصَائِبُ الْعَمَائِمُ وَالتَّسَاخِينُ الْخِفَافُ وَإِذَا جَازَ الْمَسْحُ لِضَرُورَةِ الْبَرْدِ فَأَوْلَى الْجِرَاحُ. قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَلَا فَرْقَ فِي الْمَذْهَبِ بَيْنَ تَرْكِ الْجَبِيرَةِ أَوْ بَعْضِهَا وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ يُجْزِئُ أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ عَلَى أَصْلِهِمْ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ. حُجَّتُنَا أَنَّ الْعُضْوَ كَانَ يَجِبُ اسْتِيعَابُهُ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ
وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي ذِمَّتِهِ بِيَقِينٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُ بَرَاءَتِهِ بِمَا ذَكَرَهُ الْخَصْمُ مِنَ الطَّهَارَةِ. سُؤَالٌ مَسْحُ الْخُفِّ وَالتَّيَمُّمُ بَدَلَانِ مِنَ الْغُسْلِ وَلَا يَجِبُ تَعْمِيمُهَا فِي مَوَاضِعِ الْغَسْلِ لِجَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى أَعْلَى الْخُفَّيْنِ وَالْكُوعَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ. جَوَابُهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْجَبِيرَةِ وَالْخُفَّيْنِ أَنَّهَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْغَسْلِ بِخِلَافِ الْخُفَّيْنِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ أَنَّهُ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بَدَلٌ عَنْ أَصْلِ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ لَا بَدَلَ عَنْ أَجْزَائِهِمَا فَالْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ لَمْ يُهْجَرَا بَلْ هُمَا مَطْلُوبَانِ فَوَجَبَتِ الْعِنَايَةُ بِمُرَاعَاةِ أَجْزَائِهِمَا وَالتَّيَمُّمُ فَقَدَ أَعْرَاضَ الطَّهَارَتَيْنِ فَلَا يُرَاعَى فِيهِ أَجْزَاؤُهُمَا. فُرُوعٌ سِتَّةٌ: الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا كَانَ الْجُنُبُ يَنْكَبُّ الْمَاءُ عَنْ جُرْحِهِ أَوْ شَجَّتِهِ غَسَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ إِذَا صَحَّ فَإِنْ لم يغسل حَتَّى صَلَوَاتٍ كَثِيرَةً وَهُوَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُصِيبُهُ الْوُضُوءُ أَعَادَ صَلَاتَهُ مِنْ حِينِ قَدَرَ عَلَى مَسِّهِ بِالْمَاءِ كَاللُّمْعَةِ. قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يُرِيدُ فِي غَسْلِ جَسَدِهِ لَا أَنَّهُ لَا يَمْسَحُهَا فَإِذا صَحَّ غسل الْموضع الَّذِي كَانَ بمسح عَلَيْهِ كَالْخُفِّ إِذَا نَزَعَهُ إِلَّا أَنْ يَبْرَأَ الْجُرْحُ وَهُوَ عَلَى وُضُوئِهِ الْأَوَّلِ كَمَا إِذَا نَزَعَ خُفَّهُ وَهُوَ عَلَى وُضُوئِهِ الْأَوَّلِ فَإِنْ كَانَتِ الشَّجَّةُ فِي رَأْسِهِ وَمَسَحَهَا لِلْوُضُوءِ لَا يُجْزِئُهُ الْمَسْحُ عَنِ الْجَنَابَةِ وَهَذَا الْفَرْعُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَنَابَةَ تُجْزِئُ بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ لِأَنَّهُمَا فَرْضَانِ فَأَجْزَأَ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ كَالْحَيْضِ مَعَ الْجَنَابَةِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ فَإِنِ اغْتَسَلَ لِجَنَابَتِهِ أَعَادَ حِينَ الْغُسْلِ قَالَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُعِيدُ الْمَوْضِعَ إِذَا تَرَكَهُ نَاسِيًا فَقَطْ وَالْمُتَأَوِّلُ وَالْعَامِدُ يُعِيدَانِ الْغُسْلَ. سُؤَالٌ تَنُوبُ نِيَّةُ الْوُضُوءِ عَنْ نِيَّةِ الْجَنَابَةِ وَلَا تَنُوبُ نِيَّةُ التَّيَمُّمِ للْوُضُوء عَن
نِيَّةِ التَّيَمُّمِ لِلْغُسْلِ إِذَا نَسِيَهُ وَإِنْ كَانَ بَدَلًا مِنَ الْوُضُوءِ فَرْضًا كَالْجَنَابَةِ وَنَقَلَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا. جَوَابُهُ أَنَّ التَّيَمُّمَ عَنِ الْوُضُوءِ بَدَلَ الْوُضُوءِ وَهُوَ بَعْضُ الْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمَ عَنِ الْجَنَابَةِ بَدَلٌ عَنْ غَسْلِ جَمِيعِ الْجَسَدِ وَبَدَلُ الْبَعْضِ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ وَالْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ أَصْلَانِ فِي لُمْعَةِ الْجَبِيرَةِ مُتَسَاوِيَانِ فِيهَا بِإِجْزَاءِ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ. الثَّانِي قَالَ فِي الْكِتَابِ يَمْسَحُ عَلَى الدَّوَاءِ وَالْمَرَارَةِ عَلَى الظُّفُرِ وَالْقِرْطَاسِ عَلَى الصُّدْغِ لِلضَّرُورَةِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْغُسْلُ مُتْلِفًا بَلْ لِمُجَرَّدِ الضَّرُورَةِ أَوْ خَوْفَ زِيَادَةِ الْمَرَضِ أَوْ تَأْخِيرِ الْبُرْءِ خِلَافًا ش فِي اشْتِرَاطِهِ التَّلَفَ. الثَّالِثُ لَوْ سَقَطَتِ الْجَبِيرَةُ قَبْلَ الْبُرْءِ أَوْ حَلَّهَا لِلتَّدَاوِي قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِنْ قَدَرَ أَنْ يَمْسَحَ نَفْسَ الْجُرْحِ وَجَبَ وَإِلَّا رَدَّ الْجَبِيرَةَ فِي حِينِهِ وَمَسَحَ عَلَيْهَا فَإِنِ احْتَاجَتِ الْمُدَاوَاةُ إِلَى طُولٍ فَهَلْ يُعِيدُهَا أَوْ يَبْنِي عَلَى قَصْدِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَيَتَخَرَّجُ فِيهَا الْخِلَافُ الَّذِي فِي نَاسِي بَعْضِ طَهَارَتِهِ ثُمَّ ذَكَرَهُ بِحَيْثُ لَا مَاءَ وَطَالَ عَلَيْهِ طَلَبُهُ لِلْمَاءِ أَوْ هُرِيقَ مَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ وَطَالَ ذَلِكَ. قَالَ فَإِنْ كَانَتِ الْجَبِيرَةُ فِي ذِرَاعِهِ فَمَسَحَ عَلَيْهَا لَمْ يُعِدْ مَا بَعْدَهَا لِأَنَّ التَّرْتِيبَ قَدْ وَقَعَ فِي وُضُوئِهِ أَوَّلًا وَاتَّصَفَ بِالْكَمَالِ بِخِلَافِ مَنْ نَسِيَ بَعْضَ طَهَارَتِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ سُقُوطِ الْجَبِيرَةِ وَالْعُصَابَةِ الْعُلْيَا الَّتِي عَلَيْهَا الْمَسْحُ كَالْخُفِّ الْأَعْلَى إِذَا نَزَعَهُ. الرَّابِعُ إِذَا كَثُرَتِ الْخِرَقُ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ إِنْ أَمْكَنَ الْمَسْحُ عَلَى السُّفْلَى لَا يَمْسَحُ عَلَى الْعُلْيَا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يُجْزِئُ وَيَتَخَرَّجُ ذَلِكَ عَلَى لُبْسِ خُفٍّ عَلَى خُفٍّ لِأَنَّهُ إِذَا انْتَقَلَ الْفَرْضُ لِلْجَبِيرَةِ لَا يَجِبُ مَحَلٌّ مَخْصُوصٌ بَلِ الْإِمْرَارُ بِالْيَدِ. فَرْعٌ مُرَتَّبٌ مِنَ الطَّرَّازِ إِذَا قُلْنَا لَا يَمْسَحُ إِلَّا عَلَى أَقَلِّ مَا يُمْكِنُ لَا يَمْسَحُ عَلَى الْكَثِيفِ الْمُسْتَغْنَى عَنْهُ وَهَذَا الْكَلَامُ فِي الِارْتِفَاعِ وَأَمَّا الْعَرْضُ فَلَا يجوز
أَنْ يُؤْخَذَ مِنَ الْمَوْضِعِ السَّالِمِ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ ضَرُورَةِ شَدِّهِ وَكَذَلِكَ الْعُصَابَةُ إِنْ أَمْكَنَ حَلُّهَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ حَلَّهَا وَمَسَحَ عَلَى الْجُرْحِ إِنْ تَعَذَّرَتْ مُبَاشَرَتُهُ بِالْمَسْحِ. الْخَامِسُ قَالَ فِي الطَّرَّازِ لَا يُعِيدُ مَا صَلَّى بِالْمَسْحِ عَلَى الْجَبِيرَةِ خِلَافًا ش قِيَاسًا عَلَى مَا صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ وَالْخُفَّيْنِ وَصَلَاةِ الْمَرِيضِ وَالْخَائِفِ وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ هَلْ هِيَ شَرْطٌ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْجَبِيرَةِ أَمْ لَا فَعِنْدَ الشَّافِعِي هِيَ شَرْطٌ مُحْتَجًّا بِحَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا شَجَّةٌ فِي رَأسه فَاحْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحَابه على تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ فَقَالُوا مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُول صلى الله عليه وسلم َ - أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ
قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَلَا سَأَلُوا إِذا لم يعلمُوا وَإِنَّمَا شِفَاء الغى السُّؤَالُ وَإِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَشُدَّ عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ. وَجَوَابُهُ أَنَّ التَّيَمُّمَ لَوْ كَانَ طَهَارَةً لَمْ يُحْتَجْ إِلَى الْغُسْلِ لِأَنَّا لَا نَعْنِي بِالطَّهَارَةِ إِلَّا مَا أَزَالَ الْمَانِعَ الشَّرْعِيَّ وَلِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ طَهَارَتَيْنِ خِلَافُ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ فِي الْأَحْدَاثِ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى حَالَتَيْنِ حَتَّى يَكُونَ مَعْنَاهُ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ إِنْ عَجَزَ عَنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَيَشُدَّ عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ إِنْ أَمْكَنَهُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ وَمِثْلُ هَذَا الْإِضْمَارِ مُجْمَعٌ عَلَى جَوَازِهِ وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ عَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ غَيْرُ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ وَحُمِلَ كَلَامُ الشَّارِعِ عَلَى مُوَافَقَةِ قَوَاعِدِهِ وَطَرْدِ عَوَائِدِهِ وَمَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرْتُمُوهُ وَلِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ بِالْمَسْحِ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَإِنِ ابْتَدَأَ لُبْسَهَا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْإِعَادَةِ وَإِذَا ثَبَتَ الْجَوَازُ بِدُونِ الطَّهَارَةِ لَا تَكُونُ شَرْطًا فِيهِ. وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَمُنْدَفِعٌ بِفَارِقِ الضَّرُورَةِ فَإِنَّ الْجُرْحَ يَأْتِي بِغَيْرِ عِلْمٍ.
السَّادِسُ فِي الْجَوَاهِرِ إِذَا كَانَ الْمَوْضِعُ لَا يُمْكِنُ وَضْعُ شَيْءٍ عَلَيْهِ وَلَا مُلَاقَاتُهُ بِالْمَاءِ فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ التَّيَمُّمِ وَلَا يُمْكِنُ مَسُّهُ بِالتُّرَابِ وَجَبَ تَرْكُهُ فَلَا غُسْلَ وَلَا مَسْحَ لِأَنَّهُ الْمَقْدُورُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ التَّيَمُّمُ لِيَأْتِيَ بِطَهَارَةٍ تَامَّةٍ وَالْغُسْلُ تَرْجِيحًا لِلْأَصْلِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا فَائِدَتَانِ الْأُولَى إِيقَاعُ الطَّهَارَةِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَدَثِ عَبَثٌ لَكِنَّهُ جَازَ عَلَى الْجَبَائِرِ وَالْخِفَافِ لمسيس الْحَاجة لهَذِهِ الْأُمُور لَيْلًا يَعْتَادَ الْمُكَلَّفُ تَرْكَ الْمَسْحِ وَالْغُسْلَ فَيَثْقُلَا عَلَيْهِ عِنْدَ إِمْكَانِهِمَا الثَّانِيَةُ يُفَرَّقُ الْفَصْلُ مِنَ الْجَسَدِ إِنْ كَانَ فِي الرَّأْسِ قِيلَ لَهُ شَجَّةٌ أَوْ فِي الْجِلْدِ قِيلَ لَهُ خَدْشٌ أَوْ فِيهِ وَفِي اللَّحْمِ قِيلَ لَهُ جُرْحٌ وَالْقَرِيبُ الْعَهْدِ الَّذِي لَمْ يُفْتَحْ يُقَالُ لَهُ خُرَّاجٌ فَإِنْ فُتِحَ قِيلَ لَهُ قَرْحٌ أَوْ فِي الْعَظْمِ قِيلَ لَهُ كَسْرٌ أَوْ فِي الْعَصَبِ عَرْضًا قِيلَ لَهُ بَتْرٌ وَطُولًا قِيلَ لَهُ شَقٌّ وَإِنْ كَانَ عَدَدُهُ كَثِيرًا سُمِّيَ شَدْخًا أَوْ فِي الْأَوْرِدَةِ وَالشَّرَايِينِ قِيلَ لَهُ انْفِجَارٌ وَهَذِهِ الْفَائِدَةُ مُحْتَاجٌ إِلَيْهَا فِي قَوْلِ الْجَلَّابِ وَالتَّهْذِيبِ مَنْ كَانَتْ لَهُ شِجَاجٌ أَوْ جِرَاحٌ أَوْ قُرُوحٌ فَيَعْلَمُ الْفَرْقَ بَيْنَهَا فِي اللُّغَةِ
(الْفَصْلُ الثَّانِي فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ)
وَالْكَلَامُ فِي حُكْمِهِ وَشُرُوطِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ أَمَّا حُكْمُهُ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ قَالَ فِي الْكِتَابِ يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ وَالْمُقِيمُ ثُمَّ قَالَ لَا يَمْسَحُ الْمُقِيمُ وَهَذَا اللَّفْظُ يَقْتَضِي أَنَّهُ رَجَعَ عَنِ الْأَوَّلِ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ إِنِّي لَأَقُولُ الْيَوْمَ مَقَالَةٌ مَا قُلْتُهَا قَطُّ قَدْ أَقَامَ عليه الصلاة والسلام بِالْمَدِينَةِ عشر سنسن وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ فِي خِلَافَتِهِمْ وَذَلِكَ خَمْسٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً فَلَمْ يَرَهُمْ أَحَدٌ يَمْسَحُونَ وَإِنَّمَا كَانَتِ الْأَحَادِيثُ بِالْقَوْلِ وَكِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ وَيُعْمَلَ بِهِ
وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ لَا أَمْسَحُ فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ فِيهَا آخِرُ مَا فَارَقْتُهُ عَلَيْهِ الْمَسْحُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ وَالْمَازِرِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ بِالْمَنْعِ عَلَى الْإِطْلَاقِ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ كَالْفِطْرِ فِي السَّفَرِ جَائِزٌ وَالْأَفْضَلُ تَرْكُهُ وَقَدْ يَتْرُكُ الْعَالِمُ مَا يُفْتِي بِجَوَازِهِ فَقَدْ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنِي سَبْعُونَ مِنْ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَأَخْبَارُ الْمَسْحِ قَدْ وَرَدَتْ فِي الصِّحَاحِ إِلَّا أَنْ يُقَالَ نَزَلَتِ الْمَائِدَةُ بَعْدَهَا كَمَا يَزْعُمُ جَمَاعَةٌ لَكِنْ فِي مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ رَأَيْتُهُ عليه السلام بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ كَانَ يُعْجِبُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ لِأَنَّ إِسْلَامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ الْمَائِدَةِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ قَبْلَ مَوْتِهِ عليه السلام بِيَسِيرٍ وَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ فِي الْحَضَرِ قَوْله تَعَالَى {وَأَرْجُلَكُمْ} بِالْخَفْضِ إِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ
أَتَى سُبَاطَةَ قوم فَبَال قَائِما وَمسح على خفيه
والبساطة الْمِزْبَلَةُ وَهِيَ مِنْ خَوَاصِّ الْحَضَرِ وَفِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ وَقَّتَ لِلْحَاضِرِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالتَّوْقِيتُ فَرْعُ الْجَوَازِ وَوَجْهُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ أَنَّ الْمَشَقَّةَ إِنَّمَا تَعْظُمُ فِي نَزْعِ الْخُفِّ فِي السَّفَرِ لِفَوَاتِ الرِّفَاقِ وَقَطْعِ الْمَسَافَاتِ مَعَ تَكْرَارِ الصَّلَوَاتِ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ سَفَرُ الْبَحْرِ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ لِجِنْسِ السَّفَرِ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ السَّفَرُ فِي الْبَرِّ فَكَانَ سَفَرُ الْبَحْرِ تَبَعًا لَهُ وَلِأَنَّ الطَّهَارَةَ مُشَابِهَةٌ لِلصَّلَاةِ لِكَوْنِهَا شَرْطَهَا وَلِإِبْطَالِ الْحَدَثِ لَهُمَا وَرُخْصَةُ الْقَصْرِ فِي الصَّلَاةِ تَخْتَصُّ بِالسَّفَرِ فَكَذَلِكَ الطَّهَارَةُ فَتَكُونُ رُخْصَةً فِي عِبَادَةٍ تَخْتَصُّ بِالسَّفَرِ أَصْلُهُ الصَّوْمُ فُرُوعٌ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِذَا قُلْنَا لَا يَمْسَحُ إِلَّا الْمُسَافِرُ فَيُشْتَرَطُ فِي السَّفَرِ الْإِبَاحَةُ قِيَاسًا عَلَى الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ وَلِأَنَّ الرُّخَصَ لَا تُسْتَبَاحُ بِالْمَعَاصِي وَإِذَا قُلْنَا يَمْسَحُ الْحَاضِرُ وَالْمُسَافِرُ فَهَلْ يَمْسَحُ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ؟ قَوْلَانِ وَالصَّحِيحُ الْمَسْحُ لِأَنَّ عَدَمَ الِاخْتِصَاصِ يَصِيرُ طَرْدِيًّا فِي الرُّخْصَةِ الثَّانِي قَالَ فِي الْكِتَابِ لَيْسَ لِلْمَسْحِ تَوْقِيت خلافًا ح وش قَالَ صَاحب
الطَّرَّازِ رَوَى أَشْهَبُ عَنْهُ يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهَذَا الْقَوْلُ إِنَّمَا يُنْسَبُ إِلَيْهِ فِي كِتَابِ السِّرِّ الَّذِي بَعَثَهُ إِلَى الرَّشِيدِ وَالْأَصْحَابُ يُنْكِرُونَهُ فَقَالَ فِيهِ عَلَى زَعْمِ النَّاقِلِ يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَفِي مُسْلِمٍ رَخَّصَ لَنَا عليه السلام إِذَا كُنَّا مُسَافِرِينَ أَلَّا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْغُسْلُ بِالْقُرْآنِ فَلَا يُتْرَكُ إِلَّا لِدَلِيلٍ مَعْلُومٍ رَاجِحٍ عَلَيْهِ وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ مَا رَوَاهُ سَحْنُونُ فِي الْكِتَابِ عَنْ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ قَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ مِنْ فَتْحِ الشَّامِ وَعَلَيَّ خُفَّايَ فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَقَالَ كَمْ لَكَ مُنْذُ لَمْ تَنْزِعْهُمَا؟ فَقُلْتُ لَبِسْتُهُمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْيَوْمَ الْجُمُعَةُ ثَمَانٍ فَقَالَ أَصَبْتَ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لَوْ لَبِسْتُ الْخُفَّيْنِ وَرِجْلَايَ طَاهِرَتَانِ وَأَنَا على وضوء لم أبال أَن لَا أَنْزِعَهُمَا حَتَّى أَبْلُغَ الْعِرَاقَ وَأَقْضِيَ سَفَرِي وَلِأَنَّ التَّوْقِيتَ يُنَافِي أُصُولَ الطَّهَارَاتِ فَإِنَّهَا دَائِرَةٌ مَعَ أَسْبَابِهَا لَا مَعَ أَزْمَانِهَا وَإِذَا تَقَابَلَتِ الْأَخْبَارُ بَقِيَ مَعَنَا النَّظَرُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ وَابْنُ مَعِينٍ حَدِيثَانِ لَا أَصْلَ لَهُمَا وَلَا يَصِحَّانِ حَدِيثُ التَّوْقِيتِ وَحَدِيثُ التَّسْلِيمَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه إِنْكَارُ الْمَسْحِ أَصْلًا وَأَنَّ الْمَائِدَةَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنِ الْمَسْحِ وَفِي أَبِي دَاوُد عَن أبي عُمَارَةِ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ يَوْمًا قَالَ يَوْمَيْنِ قَالَ وَثَلَاثًا قَالَ نَعَمْ وَمَا شِئْتُ قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سَنَدِهِ اخْتِلَافٌ الثَّالِثُ إِذَا فَرَّعْنَا عَلَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ وَمَسْحِ الْمُقِيمِ ثُمَّ سَافَرَ قَبْلَ تَمَامِ مُدَّتِهِ هَلْ يَبْنِي عَلَى ذَلِكَ مُدَّةَ الْمُسَافِرِ أَمْ لَا؟ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى الْمُسَافِرِ إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ هَلْ يَبْنِي عَلَيْهَا صَلَاةَ الْمُقِيم أم لَا؟ وَقَالَ الشَّافِعِي ينْزع بعد يَوْم وَلَيْلَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة يُقيم مُدَّة الْمُسَافِر
وَأَمَّا شُرُوطُهُ فَعَشَرَةٌ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ جِلْدًا طَاهِرًا مَخْرُوزًا سَاتِرًا لِمَحَلِّ الْفَرْضِ وَيُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ فِيهِ لِذَوِي الْمُرُوءَةِ لُبِسَ عَلَى طَهَارَةٍ بِالْمَاءِ كَامِلَةٍ وَأَنْ يَكُونَ لَابِسُهُ حَلَالًا غَيْرَ مُرَفَّهٍ فَالْأَوَّلُ احْتِرَازٌ مِنَ الْخِرَقِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهَا لَيْسَتْ خُفًّا لِلْعَرَبِ وَلَا تَعُمُّ الْحَاجَةُ إِلَيْهَا وَلَا وَرَدَتْ بِهَا الرُّخْصَةُ الثَّانِي احْتِرَازٌ مِنْ جِلْدِ الْمَيْتَةِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ بِالنَّجِسِ لَا تَجُوزُ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُعْتَادُ الَّذِي وَرَدَتْ فِيهِ السُّنَّةُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ الضَّرُورَةُ الثَّالِثُ احْتِرَازٌ مِنَ الْمَرْبُوطِ لِمَا تَقَدَّمَ الرَّابِعُ فِي الْجَوَاهِرِ احْتِرَازٌ مِمَّا دُونَ الْكَعْبَيْنِ فَإِنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فَقَدْ قَصُرَ الْبَدَلُ عَنِ الْمُبْدَلِ وَالْأَصْلُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ غَسَلَ مَا بَقِيَ جَمَعَ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْبَدَلَ هُوَ الْمَشْرُوعُ سَادًّا مَسَدَّ الْمُبْدَلِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَرَوَى الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ رحمه الله فِي الْمُحْرِمِ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ إِذَا قَطَعَهُمَا دُونَ الْكَعْبَيْنِ وَيُمِرُّ الْمَاءَ عَلَى مَا بَدَا قَالَ الْبَاجِيُّ وَالَّذِي قَالَ هَذَا إِنَّمَا هُوَ الْأَوْزَاعِيُّ وَهُوَ كَثِيرُ الرِّوَايَةِ فَلَعَلَّهُ وَهِمَ وَلَعَلَّ ذَلِكَ يُخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي أَنَّ غَسْلَ الْكَعْبَيْنِ غَيْرُ وَاجِبٍ فَرْعٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِذَا قَطَعَ الْخُفَّ إِلَى فَوْقِ الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ خرج عَن مَوضِع الْغسْل قإن كَانَ ذَلِكَ لَا يُرَى مِنْهُ الْقَدَمُ جَازَ الْمَسْحُ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ حَتَّى قَالَ الشَّافِعِي إِنْ كَانَ فِيهِ شَرْجٌ يُفْتَحُ وَيُغْلَقُ إِنْ أُغْلِقَ جَازَ الْمَسْحُ وَإِنْ فُتِحَ غَلْقُهُ بَطَلَ الْمَسْحُ الْخَامِسُ احْتِرَازٌ مِنَ الْوَاسِعِ جِدًّا أَوِ الْمَقْطُوعِ قَطْعًا فَاحِشًا قَالَ فِي الْكِتَابِ إِنْ كَانَ قَلِيلًا مَسَحَ وَإِلَّا فَلَا وَتَحْدِيدُ الْكَثِيرِ بِالْعرْفِ خلافًا لأبي ح فِي تَحْدِيدِهِ بِثَلَاثَةِ أَصَابِعَ فَإِنَّ الْمَعْلُومَ مِنْ عَادَةِ النَّاسِ أَنَّهُمْ لَا يَعْزِفُونَ عَنِ الْقطع
الْيَسِيرِ لَا سِيَّمَا الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم مَعَ غَزْوِهِمْ وَكَثْرَةِ أَسْفَارِهِمْ فَكَانَ الْجَوَازُ فِي الْقَلِيلِ مَعْلُومًا وَأَمَّا مَنْ حَدَّهُ بِغَيْرِ الْعُرْفِ فَرِوَايَةُ الْمُتَقَدِّمِينَ ظُهُورُ الْقَدَمِ أَوْ جُلُّهَا وَحَدَّهُ الْبَغْدَادِيُّونَ بِإِمْكَانِ الْمَشْيِ فِيهِ فَرَاعَى الْأَوَّلُونَ ظُهُورَ الْمُبْدَلِ وَالْآخَرُونَ فَقْدَ الْحَاجَةِ إِلَى اللُّبْسِ فَإِنْ شَكَّ فِي مُجَاوَزَةِ الْقَطْعِ لِلْقَدْرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَمْسَحُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْغَسْلُ السَّادِسُ احْتِرَازٌ مِنَ الْمُحْدِثِ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سَأَلَ أَبَاهُ رضي الله عنهما عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَ إِذَا أَدْخَلْتَ رِجْلَيْكَ فِي الْخُفِّ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ فَامْسَحْ عَلَيْهِمَا وَرَوَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَالَ ثُمَّ أَهَوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ يَعْنِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - قَالَ دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْلَا الطَّهَارَةُ لَمَا جَازَ الْمَسْحُ قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الطَّهَارَةِ وَقَالَ صَاحب الطّراز قَالَ أَبُو حنيفَة رضي الله عنه لَا تُشْتَرَطُ الطَّهَارَةُ حَالَةَ اللُّبْسِ بَلْ لَوْ لَبِسَهُمَا مُحْدِثًا وَأَدْخَلَ الْمَاءَ فِيهِمَا حَتَّى عَمَّ رِجْلَيْهِ صَحَّ فَالشَّرْطُ عِنْدَهُ وُرُودُ الْحَدَثِ وَهُوَ لَابِسُهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ قَالَ ابْن اللُّبْسَ عَادَةٌ لَا عِبَادَةٌ وَالطَّهَارَةُ إِنَّمَا تُشْتَرَطُ فِي الْعِبَادَاتِ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ حُكْمُ الطَّهَارَةِ فِي اللُّبْسِ عِنْدَ طُرُوِّ الْحَدَثِ وَالرِّجْلُ مَكْنُونَةٌ فِي الْخُفِّ فَلَا يُصَادِفُهَا الْحَدَثُ وَهَذَا تَهْوِيلٌ لَيْسَ عَلَيْهِ تَعْوِيلٌ فَإِنَّ الْحَدَثَ لَيْسَ جِسْمًا يُحْجَبُ بِالْخِفَافِ وَإِنَّمَا هُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مُتَعَلِّقٌ بِمَا دَلَّ النَّصُّ عَلَى تَعَلُّقِهِ بِهِ ثُمَّ قَالَ رضي الله عنه يُشْكِلُ بِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا ظَاهِرُ قَوْلِهِ عليه السلام
أَدْخَلْتُهُمَا وَهُمَا طَاهِرَتَانِ
فَعَلَّلَ الطَّهَارَةَ بِالْمُقَارَنَةِ الثَّانِي إِذَا كَانَ اكْتِنَانُ الرِّجْلِ فِي الْخُفِّ يَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ الْحَدَثِ فَيَنْبَغِي إِذا نزع الْخُف أَو الْجَبِيرَة لَا يَجِبُ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الْمَسْتُورَةِ بِهِمَا لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْحَدَثِ بِهَا السَّابِعُ احْتِرَازٌ مِنَ التَّيَمُّمِ قَالَهُ فِي الْكِتَابِ وَقَالَ أَصْبَغُ يَمْسَحُ إِذَا لَبِسَهُمَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلَوْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ لَبِسَهُمَا لَا يَمْسَحُ لِانْتِفَاضِ تَيَمُّمِهِ بِتَمَامِ صَلَاتِهِ وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى رَفْعِ الْحَدَثِ فَأَصْبَغُ يَرَاهُ وَمَالِكٌ لَا يرَاهُ
تَحْقِيقٌ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَدَثَ لَهُ مَعْنَيَانِ الْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ كَالرِّيحِ وَنَحْوِهِ وَلِذَلِكَ يُقَالُ أَحْدَثَ إِذَا وُجِدَ مِنْهُ سَبَبٌ مِنْهَا وَالثَّانِي الْمَنْعُ الشَّرْعِيُّ مِنَ الْإِقْدَامِ عَلَى الصَّلَاةِ حَتَّى يَتَطَهَّرَ وَهُوَ الَّذِي تُرِيدُهُ الْفُقَهَاءُ بِقَوْلِهِمْ يَنْوِي فِي وُضُوئِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالتَّيَمُّمُ يُبِيحُ إِجْمَاعًا وَمَعَ الْإِبَاحَةِ لَا مَنْعَ فَيَكُونُ الْحَدث قد ارْتَفع ضَرُورَة قلا مَعْنَى لِقَوْلِنَا إِنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَأَمَّا الِاحْتِجَاجُ بِوُجُوبِ الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ فَلَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي بَقَاءَ الْمَنْعِ مَعَ الْإِبَاحَةِ فَإِنَّ اجْتِمَاعَ الضِّدَّيْنِ مُحَالٌ عَقْلًا وَالشَّرْعُ لَا يَرِدُ بِخِلَافِ الْعَقْلِ فَإِنْ كَانَ الْحَدَثُ مُفَسَّرًا بِغَيْرِ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُبْرَزَ حَتَّى نَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ أَوِ الْقَبُولِ فَإِنَّا لَا نَجِدُ غَيْرَ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ الثَّامِنُ احْتِرَازٌ مِنْ غَسْلِ إِحْدَى الرِّجْلَيْنِ وَإِدْخَالِهَا فِي الْخُفِّ قَبْلَ غَسْلِ الرِّجْلِ الْأُخْرَى فَإِنَّهُ لَا يَمْسَحُ حَتَّى يَخْلَعَ ثُمَّ يَلْبَسُهُمَا بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ خلافًا لأبي ح وَمُطَرِّفٍ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ عَنْ مَالِكٍ رضي الله عنه فِيمَنْ لَيْسَ مَعَهُ مِنَ الْمَاءِ إِلَّا مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ لَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ أَتَمَّ وُضُوءَهُ قَالَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ بَعْدَ وُضُوئِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فالأصحاب يخرجُون هَذَا الْفَرْع بطريقين يبْقى أَنَّ الْحَدَثَ هَلْ يَرْتَفِعُ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ بِانْفِرَادِهِ أم لَا يرْتَفع إِلَّا بعد كَمَا الطَّهَارَةِ؟ فَإِنْ قُلْنَا بِالِارْتِفَاعِ فَمَذْهَبُ مُطَرِّفٍ وَإِلَّا فَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَهِيَ مُفَرَّعَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ الْحَدَثَ هُوَ الْمَنْعُ الشَّرْعِيُّ مِنَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَتَطَهَّرَ الْمُحْدِثُ وَهُوَ مَمْنُوعٌ قَبْلَ الْكَمَالِ بِالْإِجْمَاعِ فَكَيْفَ يَلِيقُ أَنْ يُقَالَ الْحَدَثُ يَرْتَفِعُ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ بِانْفِرَادِهِ وَمَا يَظْهَرُ بَعْدَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ عَلَى التَّحْقِيقِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الْمَاءِ مَا يَكْفِيهِ لِبَعْضِ طَهَارَتِهِ وَهُوَ مُحْدِثٌ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ الْمَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ كَانَتِ الطَّهَارَةُ تَحْصُلُ فِي بَعْضِ الْأَعْضَاءِ يُوجَبُ اسْتِعْمَالُهُ فِي بعض
الْأَعْضَاء كمن مَعَه لَا يَكْفِيهِ لإزالته النَّجَاسَةِ إِلَّا عَنْ بَعْضِ أَعْضَائِهِ فَإِنَّهُ يُزِيلُ مِنْهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ. وَالطَّرِيقُ الْأُخْرَى أَنَّ الْمُسْتَدِيمَ لِلشَّيْءِ هَلْ يَكُونُ كَالْمُبْتَدِئِ لَهُ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ وَهُوَ دَاخِلُهَا أَوْ لَا يَلْبَسُ الثَّوْبَ وَهُوَ لَابِسُهُ أَمْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ وَهُوَ أَصْلٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. فَرْعَانِ: الْأَوَّلُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ الشَّرْطُ حُصُولُ الطَّهَارَةِ غُسْلًا أَوْ وُضُوءًا وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يَمْسَحُ عَلَى طَهَارَةِ الْغُسْلِ. الثَّانِي قَالَ لَوْ تَوَضَّأَ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ لُمْعَةً فِي وَجْهِهِ أَوْ يَدَيْهِ فَغَسَلَ ذَلِكَ وَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ لَا يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُمَا بَعْدَ غَسْلِ اللُّمْعَةِ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ وَعَلَى قَوْلِ مُطَرِّفٍ يَمْسَحُ. التَّاسِعُ احْتِرَازٌ مِنَ الْمُحْرِمِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ لُبْسُ الْخُفَّيْنِ فَإِنْ لَبِسَهُمَا لَمْ يَجُزْ لَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا قَالَ الْبَاجِيُّ وَعِنْدِي يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ أَنْ تَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَمْنُوعَةً مِنْ لُبْسِهِمَا. سُؤَالٌ الْمُحْرِمُ وَالْغَاصِبُ لِلْخُفِّ كِلَاهُمَا عَاصٍ بِاللُّبْسِ وَالْغَاصِبُ إِذَا مَسَحَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ فَمَا الْفَرْقُ؟ جَوَابُهُ أَنَّ الْغَاصِبَ يُؤْذَنُ لَهُ فِي الصَّلَاةِ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنَّمَا أَدْرَكَهُ التَّحْرِيمُ مِنْ جِهَةِ الْغَصْبِ فَأَشْبَهَ الْمُتَوَضِّئَ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ وَالذَّابِحَ بِالسِّكِّينِ الْمَغْصُوبَةِ فَيَأْثَمَانِ وَتَصِحُّ أَفْعَالُهُمَا وَأَمَّا الْمُحْرِمُ فَلَمْ يُشْرَعْ لَهُ الْمَسْحُ أَلْبَتَّةَ. الْعَاشِرُ احْتِرَازٌ مِنَ الْمُتَرَفِّهِ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا اخْتَضَبَتِ الْمَرْأَةُ بِالْحِنَّاءِ وَهِيَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَلَبِسَتِ الْخُفَّ فَتَمْسَحُ عَلَيْهِ إِذَا أَحْدَثَتْ أَوِ الرَّجُلُ يُرِيدُ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ فَيَلْبَسُهُ لِيَمْسَحَ إِذَا اسْتَيْقَظَ لَا يُعْجِبُنِي وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّذِي يُرِيدُ الْبَوْلَ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْوَاضِحَةِ يُعِيدُ أَبَدًا
وَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ وَأَصْبَغُ يُكَرَهُ ذَلِكَ وَالصَّلَاةُ تَامَّةٌ لِأَنَّ الْخُفَّ لَا يُشْتَرَطُ فِي لُبْسِهِ نِيَّةُ الْقُرْبَةِ فَلَا يَضُرُّهُ فِيهِ الرَّفَاهِيَةُ. حُجَّةُ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَنَّ الْخُفَّ إِنَّمَا شُرِّعَ لُبْسُهُ لِلْوُضُوءِ لَا لِمُتْعَةِ اللُّبْسِ فَلَا تتْرك عَزِيمَة غسل الرجلَيْن لغير ضَرُورَة. وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ الْمَسْحِ فَقَالَ فِي الْكِتَابِ يَمْسَحُ ظُهُورَ الْخُفَّيْنِ وَبُطُونَهُمَا وَلَا يَتَتَبَّعُ غُصُونَهُمَا وَهِيَ كَسْرُوهُمَا وَيَنْتَهِي إِلَى الْكَعْبَيْنِ مَارًّا عَلَى الْعَقِبَيْنِ من أَسْفَل وَمن فَوق وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَمْسَحُ أَسْفَلَهُمَا وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى مِنْ أَعْلَاهُ وَلَكِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - يَمْسَحُ ظَهْرَ خُفَّيْهِ وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَمْسَحُ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ وَضَعَّفَهُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَخَالَفَ ابْنُ شَعْبَانَ فِي غُضُونِ الْخُفَّيْنِ وَالْجَبْهَةِ فِي التَّيَمُّمِ. حُجَّةُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْغُضُونَ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ وَالْبَاطِنُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلطَّهَارَةِ لِأَنَّ الْمَسْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ. فُرُوعٌ اثْنَا عَشَرَ: الْأَوَّلُ قَالَ سَحْنُونُ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَمْسَحُ عَلَى الْمَهَامِيزِ قَالَ الْبَاجِيُّ قَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ وَجَمَاعَةُ أَصْحَابِهِ لَا يَجِبُ الْإِيعَاب وَالْوَاجِب عِنْد الشَّافِعِي رضي الله عنه أَقَلُّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْم وَعند أبي حنيفَة ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ وَعِنْدَ ابْنِ حَنْبَلٍ مَسْحُ أَكْثَرِهِ. حُجَّتُنَا أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ صَحَّ فِيهِ الْفِعْلُ وَجب إِذْ لوانتفى الْوُجُوبُ لَمَا صَحَّ أَصْلُهُ السَّاقُ وَإِذَا كَانَ الْوُجُوبُ مُتَقَرِّرًا فِي آخِرِ الْعُضْوِ وَجَبَ إِيعَابُهُ كَسَائِرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ. الثَّانِي صِفَةُ الْمَسْحِ فِي الْكِتَابِ وَضْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِ الرِّجْلِ مِنْ ظَهْرِهَا وَالْيُسْرَى تَحْتَ أَصَابِعِهَا مَارًّا بِهِمَا إِلَى مَوْضِعِ الْوُضُوءِ قِيَاسًا عَلَى الْوُضُوءِ لِأَنَّهُ بَدَلُهُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَقِيلَ عَكْسُهُ وَعِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ
الْيُمْنَى عَلَى حَالَتِهَا وَالْيُسْرَى يَبْدَأُ بِهَا مِنَ الْعَقِبِ إِلَى الْأَصَابِعِ لِيَسْلَمَ مِنْ آثَارِ الْعَقِبِ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ ظَاهِرُ الْكِتَابِ يَقْتَضِي جَعْلَ الْيُمْنَى عَلَى أَعْلَى الْيُسْرَى وَيَفْعَلُ فِي الْيُسْرَى كَذَلِكَ وَهُوَ وَهْمٌ فَإِنَّ الْإِشَارَةَ إِلَى الْبِدَايَةِ فَقَطْ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ يَجْعَلُ الْيُمْنَى تَحْتَ الْيُسْرَى وَالْيُسْرَى مِنْ فَوْقِهَا لِأَنَّهُ أَمْكَنُ فِي مَسْحِهَا الثَّالِثُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يُجْزِئُ مَسْحُ الْبَاطِنِ عَنِ الظَّاهِرِ وَلَا الْعَكْسُ لَكِنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الظَّاهِرِ يُوجِبُ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ وَقَالَ سَحْنُونُ لَا يُعِيدُ مُطْلَقًا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَقَوْلُهُ لَا يُجْزِئُ يُحْتَمَلُ فِي الْفِعْلِ وَفِي الْحُكْمِ وَهُوَ قَول ابْن نَافِع وَيُعِيد عِنْد أَبَدًا وَهُوَ أَقْعَدُ بِأَصْلِ مَالِكٍ لِأَنَّ الْخُفَّ بَدَلٌ فَيَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ مُبْدَلِهِ وَلِأَنَّهُ لَوِ انْخَرَقَ بَاطِنُهُ خَرْقًا فَاحِشًا لَا يَمْسَحُ عَلَيْهِ. وَالْمَذْهَبُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ انْتَقَلَ إِلَى الْخُفِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ خُفٌّ كَالتَّيَمُّمِ لَا يُرَاعَى فِيهِ مَوَاضِعُ الْوُضُوءِ وَلَا الْغُسْلُ فَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَسْفَلِ قَالَ لَا يُجْزِئُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَ أَشْهَبُ يُجْزِئُهُ. فَرْعٌ مُرَتَّبٌ قَالَ إِذَا قُلْنَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ قَالَ ابْنُ أبي زيد يُعِيد الْوضُوء لعدم المولاة وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ قَوْلٌ بِإِعَادَةِ أَسْفَلِهِ وَحْدَهُ. الرَّابِعُ قَالَ فِي الْكِتَابِ يُزِيلُ الطِّينَ مِنْ أَسْفَلِ الْخُفِّ لِيُصَادِفَهُ الْمَسْحُ فَلَوْ مَسَحَ الطِّينَ أَوْ غَسَلَهُ لِيَمْسَحَ الْخُفَّ ثُمَّ نَسِيَ لَمْ يُجْزِهِ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ لِعَدَمِ نِيَّةِ الطَّهَارَةِ قَالَهُ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَلَوْ غَسَلَ بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُجْزِئُهُ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِعَادَةُ لِيَأْتِيَ بِالْمَشْرُوعِ غَيْرَ تَابِعٍ. الْخَامِسُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا لَبِسَ خُفَّيْنِ عَلَى خُفَّيْنِ مَسَحَ الْأَعْلَى وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ الْمَنْعَ. حُجَّةُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْأَحَادِيثَ وَرَدَتْ مِنْ غَيْرِ اسْتِفْصَالٍ وَلِأَنَّ الضَّرُورَةَ كَمَا تَدْعُو الْخُف الْوَاحِد تَدْعُو الْخُفَّيْنِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَالْخِلَافُ إِنَّمَا هُوَ فِي لبسهما عقيب
غَسْلٍ أَمَّا لَوْ لَبِسَ الْأَوَّلَ عُقَيْبَ غَسْلٍ وَالثَّانِيَ بَعْدَ مَسْحٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يَنْبَغِي الْعَكْسُ وَحُجَّةُ الْمَنْعِ أَنَّ الْخُفَّ الْأَعْلَى إِنْ كَانَ بَدَلًا مِنَ الْأَسْفَلِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ لِلْبَدَلِ بَدَلٌ وَهُوَ غَيْرُ مَعْهُودٍ أَوْ مِنَ الرَّجُلِ فَيَلْزَمُ أَلَّا يُعِيدَ الْمَسْحَ عَلَى الْأَسْفَلِ إِذَا نَزَعَ الْأَعْلَى السَّادِسُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ثُمَّ لَبِسَ أُخْرَى بَعْدَ الْمَسْحِ مَسَحَ عَلَى الْأُخْرَى لِقِيَامِ مَسْحِ الْخُفِّ مَقَامَ غَسْلِ الرِّجْلِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ لَا يَمْسَحُ لِأَنَّ الْمَسْحَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ لِوُجُوبِ الْغَسْلِ عِنْدَ النَّزْعِ فَلَا يَقُومُ مَقَامَ الْغَسْلِ كَالتَّيَمُّمِ وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلُبْسِهِمَا بَعْدَ الْغَسْلِ لِأَنَّ الْغَسْلَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ السَّابِعُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ إِذَا مَسَحَ الْأَعْلَى ثُمَّ نَزَعَهُ مَسَحَ الْأَسْفَلَ وَأَجْزَأَهُ خِلَافًا ح فَإِنْ أَخَّرَ ذَلِكَ أَعَادَ الْوُضُوءَ كَالَّذِي يفرق وضوءه وَرَأى أَبُو حنيفَة أَنَّ الْخُفَّيْنِ شَيْءٌ وَاحِدٌ بَدَلٌ مِنَ الرِّجْلِ فَإِذَا لَمْ تَظْهَرْ بَقِيَ حُكْمُ الْمَسْحِ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْخُفَّيْنِ وَالْجُرْمُوقَيْنِ وَقَالَ يَمْسَحُ الْخُفَّ إِذَا نَزَعَ الْجُرْمُوقَ الْأَعْلَى لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَيُؤَيِّدُ قَوْلَهُ مَنْ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ حَلَقَ شَعْرَهُ لَا يُعِيدُ مَسْحًا حُجَّتُنَا الْقِيَاسُ عَلَى مَنْ نَزَعَ الْخُفَّ عَنِ الرِّجْلِ وَعَلَى الْجَبَائِرِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَأَمَّا نَزْعُ خُفِّهِ بَعْدَ الْمَسْحِ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْغَسْلُ لِمَالِكٍ وَالْوُضُوءُ لَهُ أَيْضًا وَلَا يَتَوَضَّأُ وَلَا يَغْسِلُ لِلْحُسْنِ حُجَّةُ الْمَشْهُورِ انْتِقَالُ حُكْمِ الْمَسْحِ لِلرِّجْلِ وَالرِّجْلُ لَا تُمْسَحُ فَتُغْسَلُ وَقَوْلُهُ عليه السلام
إِذَا أَدْخَلْتَ رِجْلَيْكَ فِي الْخُفِّ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ فَامْسَحْ عَلَيْهِمَا مَا شِئْتَ وَمَا بَدَا لَكَ مَا لَمْ تَخْلَعْهُمَا أَوْ تُصِيبَكَ جَنَابَةٌ
فَاشْتَرَطَ عَدَمَ النَّزْعِ وَالْقِيَاسُ عَلَى نزع العصائب
حُجَّةُ الْوُضُوءِ أَنَّ الْمَسْحَ رَفْعُ الْحَدَثِ فَإِذَا نُزِعَ تَجَدَّدَ الْحَدَثُ وَهُوَ لَا يَتَبَعَّضُ لِأَنَّا لَا نَجِدُ شَيْئًا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فِي عُضْوٍ دُونَ غَيْرِهِ فَيَعُمَّ فَيَجِبُ الْوُضُوءُ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ النَّزْعَ لَيْسَ بِحَدَثٍ بَلِ الْحَدَثُ هُوَ مَا سَلَفَ وَقَدْ عُمِلَ بِمُوجَبِهِ إِلَّا غَسْلَ الرِّجْلِ أُبْدِلَ بِالْمَسْحِ فَإِذَا ذَهَبَ الْمَسْحُ أُكْمِلَتِ الطَّهَارَةُ بِالْغَسْلِ حُجَّةُ الثَّالِثِ الْقِيَاسُ عَلَى حَلْقِ الرَّأْسِ فَإِذَا قُلْنَا يَمْسَحُ عَلَى الْأَسْفَلِ فَنَزَعَ فَردا من الأعلين قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَمْسَحُ تِلْكَ الرِّجْلَ عَلَى الْأَسْفَلِ وَقَالَ سَحْنُونُ وَابْنُ حَبِيبٍ يَنْزِعُ الْأُخْرَى وَيَمْسَحُ الْأَسْفَلَيْنِ حُجَّةُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمَلْبُوسَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ الْبِدَايَةِ وَالْقِيَاسُ عَلَى مَا إِذَا لَبِسَ ابْتِدَاءً عَلَى إِحْدَى رِجْلَيْهِ خُفَّيْنِ وَعَلَى رِجْلٍ خُفًّا وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ خَلْعِ أَحَدِ الْخُفَّيْنِ الْمُنْفَرِدَيْنِ أَنَّ الْخُفَّ بَاقٍ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ وَهُنَاكَ بِالْخَلْعِ بَطَلَتِ الْبَدَلِيَّةُ بِسَبَبِ الْغَسْلِ فِي إِحْدَى الرِّجْلَيْنِ إِذْ لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا حُجَّةُ سَحْنُونَ أَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَتَبَعَّضُ فِي الِانْتِقَاضِ وَالْخِفَافُ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فَيَبْطُلُ فِيهِمَا كَمَا لَوْ كَانَا عَلَى الرِّجْلَيْنِ وَإِذَا قُلْنَا يَمْسَحُ مَا تَحْتَ الْمَنْزُوعِ فَمَسَحَ ثُمَّ لَبِسَ الْمَنْزُوعَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي العتيبة يُمْسَحُ عَلَيْهِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الرِّجْلِ الْأُخْرَى خُفًّا آخَرَ فَإِنَّ الْبَدَلِيَّةَ قَدْ حَصَلَتْ بِسَتْرِ الرِّجْلَيْنِ بِجِنْسِ الْخُفِّ الثَّامِنُ فِي الْجِلَابِ إِذَا كَانَ عَلَى كُلِّ رِجْلٍ خُفٌّ فَنَزَعَ إِحْدَى الرِّجْلَيْنِ نَزَعَ الْأُخْرَى وَغَسَلَ لِئَلَّا يَجْمَعَ الْبَدَلَ وَالْمُبْدَلَ وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْإِشْرَافِ عَنْ أَصْبَغَ يَمْسَحُ اللَّابِسَةَ وَيَغْسِلُ الْمَنْزُوعَةَ التَّاسِعُ لَوْ تَعَسَّرَ نَزْعُ الْخُفِّ الْبَاقِي قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ إِنَّهُ يَغْسِلُ الْمَنْزُوعَةَ وَيَمْسَحُ الْأُخْرَى عَلَى ذَلِكَ الْخُفِّ حِفْظًا لِمَالِيَّةِ الْخُفِّ وَقِيَاسًا عَلَى الْجَبِيرَةِ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْبَغْدَادِيِّينَ مَنْعُ الْإِجْزَاءِ لِتَعَذُّرِ الْمَشْيِ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَة
قَالَ ابْنُ شَاسٍ وَيَنْتَقِلُ إِلَى التَّيَمُّمِ وَاسْتَحْسَنَهُ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَقِيلَ يُمَزِّقُ الْخُفَّ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْعِبَادَةِ عَلَى الْمَالِيَّةِ الْعَاشِرُ قَالَ فِي الْكِتَابِ كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ يَمْسَحُ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ أَسْفَلَهُمَا جِلْدٌ يَبْلُغُ مَوْضِعَ الْوُضُوءِ مَخْرُوزٌ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَالْجُرْمُوقَانِ عَلَى ظَاهِرِ الْكِتَابِ الْجَوْرَبَانِ الْمُجَلَّدَانِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ هُمَا الْخُفَّانِ الْغَلِيظَانِ لَا سَاقَ لَهُمَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ هُوَ الْمَعْرُوفُ وَنَقَلَ ابْنُ بَشِيرٍ هُمَا خُفٌّ عَلَى خُفٍّ فَيَكُونُ فِيهِمَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ حُجَّةُ الْجَوَازِ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ عليه السلام تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ وَوُجْهَةُ الثَّانِي أَنَّ الْقُرْآنَ اقْتَضَى الْغَسْلَ فَلَا يُخْرَجُ عَنْهُ إِلَّا بِمُتَوَاتِرٍ مِثْلِهِ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ لَمْ يُخَرِّجْهَا أَحَدٌ مِمَّنِ اشْتَرَطَ الصِّحَّةَ وَقَدْ ضَعَّفَهَا أَبُو دَاوُدَ بِخِلَافِ أَحَادِيثِ الْخُفَّيْنِ فَإِنَّهَا مُتَوَاتِرَةٌ وَلِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ اللفائف والفائف لَا يُمْسَحُ عَلَيْهَا وَأَمَّا مَا يُرْوَى عَنِ السَّلَفِ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْمُجَلَّدَيْنِ وَيَتَخَرَّجُ هَذَا الْخِلَافُ أَيْضًا فِي الْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ وَهِيَ أَنَّ الرُّخَصَ إِذَا وَقَعَتْ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ هَلْ يُلْحَقُ بِهَا مَا فِي مَعْنَاهَا لِلْعِلَّةِ الْجَامِعَةِ بَيْنَهُمَا أَو يغلب بِالدَّلِيلِ الثَّانِي لِلْمُتَرَخِّصِ قَوْلَانِ الْحَادِي عَشَرَ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا تَزَحْزَحَتْ رِجْلَاهُ إِلَى سَاقِ الْخُفِّ نَزَعَهُمَا وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ وَإِنْ خَرَجَ الْعَقِبَانِ إِلَى السَّاقِ قَلِيلًا وَالْقَدَمُ عَلَى حَالِهَا فَرَدَّهُمَا مَسَحَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يُعَدُّ خَلْعًا لَهُمَا بِخِلَافِ الثَّانِي قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِنْ كَانَ بِقَصْدِهِ أَخْرَجَ عَقِبَهُ خُرِّجَ عَلَى رَفْضِ الطَّهَارَةِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قَصْدِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ الثَّانِي عَشَرَ فِي الْجَوَاهِرِ يُكَرَهُ التَّكْرَارُ وَالْغَسْلُ فِيهِمَا وَيُجْزِئُ إِن فعل
وَقَدْ تَقَدَّمَ خِلَافُ ابْنِ حَبِيبٍ فِي الْغَسْلِ وَسَبَبُ الْكَرَاهَةِ فِي التَّكْرَارِ أَنَّ الْغَسْلَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ وَالتَّكْرَارُ يُنَافِيهِ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ فِي السُّنَّةِ عَلَى خِلَافِهِ وَأَمَّا الْغَسْلُ فَلِأَنَّ الْمَسْحَ أَوَّلُ مَرَاتِبِ الْغَسْلِ فَيَقَعُ الْمَأْمُورُ بِهِ تَبَعًا وَالْأَصْلُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا
(الْبَابُ الْخَامِسُ فِي بَدَلِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَهُوَ التَّيَمُّمُ)
وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ لُطْفًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا وَإِحْسَانًا إِلَيْهَا وَلِيَجْمَعَ لَهَا فِي عِبَادَتِهَا بَيْنَ التُّرَابِ الَّذِي هُوَ مَبْدَأُ إِيجَادِهَا وَالْمَاءِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ اسْتِمْرَارِ حَيَاتِهَا إِشْعَارًا بِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَادَةَ سَبَبُ الْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ وَالسَّعَادَةِ السَّرْمَدِيَّةِ جَعَلَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَهْلِهَا مِنْ غَيْرِ مِحْنَةٍ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ مِنَ الْأَمِّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَهُوَ الْقَصْدُ يُقَالُ أَمَّهُ وَأَمَمَهُ وَتَأَمَّمَهُ إِذَا قَصَدَهُ وَأَمَّهُ أَيْضًا شَجَّهُ فِي وَسَطِ رَأْسِهِ وَمِنَ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَلَا تيمموا الْخَبيث مِنْهُ تنفقون} أَيْ لَا تَقْصِدُوهُ ثُمَّ نُقِلَ فِي الشَّرْعِ لِلْفِعْلِ الْمَخْصُوصِ وَأَوْجَبَهُ لِتَحْصِيلِ مَصَالِحِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ قبل خواتها وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأُمِرَ عَادِمُ الْمَاءِ بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اهْتِمَامَ الشَّرْعِ بِمَصَالِحِ الْأَوْقَاتِ أَعْظَمُ مِنَ اهْتِمَامِهِ بِمَصَالِحِ الطَّهَارَةِ فَإِنْ قُلْتَ فَأَيُّ مَصْلَحَةٍ فِي إِيقَاعِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا دُونَ مَا قَبْلَهُ وَبعده مَعَ جَزْمِ الْعَقْلِ بِاسْتِوَاءِ أَفْرَادِ الْأَزْمَانِ قُلْتُ اعْتَمَدَ الْعُلَمَاءُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّا اسْتَقْرَأْنَا عَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى فِي شَرْعِهِ فَوَجَدْنَاهُ جَالِبًا لِلْمَصَالِحِ وَدَارِئًا لِلْمَفَاسِدِ وَكَذَلِكَ
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما إِذَا سَمِعْتَ نِدَاءَ اللَّهِ تَعَالَى فَارْفَعْ رَأْسَكَ فَتَجِدُهُ إِمَّا يَدْعُوكَ لِخَيْرٍ أَوْ لِيَصْرِفَكَ عَنْ شَرٍّ فَمِنْ ذَلِكَ إِيجَابُ الزَّكَوَاتِ وَالنَّفَقَاتِ لِسَدِّ الْخَلَّاتِ وأروش الْجِنَايَات جبرا للملتفات وَتَحْرِيمُ الْقَتْلِ وَالزِّنَا وَالْمُسْكِرِ وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ صَوْنًا لِلنُّفُوسِ وَالْأَنْسَابِ وَالْعُقُولِ وَالْأَمْوَالِ وَإِعْرَاضًا عَنِ الْمُفْسِدَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّاتِ وَالْأُخْرَوِيَّاتِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْمَلِكَ إِذَا كَانَ مِنْ عَادَتِهِ إِكْرَامُ الْعُلَمَاءِ وَإِهَانَةُ الْجُهَلَاءِ ثُمَّ رَأَيْنَاهُ خَصَّصَ شَخْصًا بِالْإِكْرَامِ وَنَحْنُ لَا نَعْرِفُ حَالَهُ فَإِنَّهُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّنَا أَنَّهُ عَالِمٌ عَلَى جَرَيَانِ الْعَادَةِ وَكَذَلِكَ مَا تُسَمِّيهِ الْفُقَهَاءُ بِالتَّعَبُّدِ مَعْنَاهُ أَنَا لَا نَطَّلِعُ عَلَى حِكْمَتِهِ وَإِنْ كُنَّا نَعْتَقِدُ أَنَّ لَهُ حِكْمَةً وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا حِكْمَةَ لَهُ وَلِأَجْلِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَمَرَ مَالِكٌ رحمه الله بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ لِتَرْكِ السُّنَنِ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ حِينَئِذٍ تُحَصِّلُ مَصْلَحَةَ الْوَقْتِ وَالسُّنَّةِ وَمَجْمُوعُهُمَا مُهِمٌّ بِخِلَافِ خَارِجِ الْوَقْتِ لِذَهَابِ مَصْلَحَةِ الْوَقْتِ وَلَا يَلْزَمُ مِنَ الِاهْتِمَامِ بِمَجْمُوعِ مَصْلَحَتَيْنِ الِاهْتِمَامُ بِإِحْدَاهُمَا ثُمَّ يَبْحَثُ الْفُقَهَاءُ فِي هَذَا الْبَابِ فِي أَسْبَابِهِ وَالَّذِي يُؤْمَرُ بِالتَّيَمُّمِ مَنْ هُوَ وَالَّذِي يُتَيَمَّمُ بِهِ وَصِفَةِ التَّيَمُّمِ وَالْمُتَيَمَّمِ لَهُ وَوَقْتِ التَّيَمُّمِ وَالْأَحْكَامِ التَّابِعَةِ لِلتَّيَمُّمِ فَهَذِهِ فُصُولٌ سَبْعَةٌ
(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي أَسْبَابِهِ وَهِيَ سِتَّةٌ)
الْأُولَى عَدَمُ الْوِجْدَانِ لِلْمَاءِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ بَذْلِ الْجُهْدِ فِي الطَّلَبِ فِي حَقِّ مَنْ يُمْكِنُهُ اسْتِعْمَالُهُ وَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الطَّلَبِ إِلَى حِينِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْوُضُوءَ وَاجِبٌ إِجْمَاعًا فَيَجِبُ طَلَبُ الْمَاءِ لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ إِلَّا بِهِ وَهُوَ مَقْدُورٌ لِلْمُكَلَّفِ فَهُوَ وَاجِبٌ فَيَكُونُ طَلَبُ الْمَاءِ وَاجِبًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْعَجْزُ فَيَتَيَمَّمُ حِينَئِذٍ وَلِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاء} أَيْ بَعْدَ الطَّلَبِ قَالَ صَاحِبُ
الطَّرَّازِ الطَّلَبُ الْوَاجِبُ عَلَى قَدْرِ الْوُسْعِ وَالْحَالَةِ الْمَوْجُودَة فقد روى ابْن الْقَاسِم فِي العتيبة لَا بَأْسَ بِسُؤَالِ الْمُسَافِرِ أَصْحَابَهُ الْمَاءَ فِي مَوضِع يكثر فِيهِ أما مَوضِع يعْدم فَلَا وَرَوَى أَشْهَبُ إِنَّمَا يَطْلُبُهُ مِمَّنْ يَلِيهِ ويرجوه فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يطْلب أَرْبَعِينَ رَجُلًا وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَأَصْبَغُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَطْلُبُ فِي الرُّفْقَةِ الْعَظِيمَةِ مِمَّنْ حَوْلَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا يُعِيدُ وَإِنْ كَانَتِ الرُّفْقَةُ يَسِيرَةً وَلَمْ يَطْلُبْهُ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ وَشِبْهُهُمَا وَهُمْ مُتَقَارِبُونَ فَلْيُعِدْ أَبَدًا لِكَثْرَةِ الرَّجَاءِ وَقَالُوا الْمَرْأَةُ الَّتِي لَا تَخْرُجُ تُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ ثُمَّ تَخْرُجُ فَتَطْلُبُ إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَفِي الْجَوَاهِرِ أَرْبَعُ حَالَاتٍ إِحْدَاهُمَا تَحَقُّقُ الْعَدَمِ حَوْلَهُ فَيَتَيَمَّمُ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ الثَّانِيَةُ أَنْ يَتَوَهَّمَهُ حَوْلَهُ فَلْيَفْحَصْ فَحْصًا لَا مَشَقَّةَ فِيهِ وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ وَالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الثَّالِثَةُ أَنْ يَعْتَقِدَ قُرْبَهُ فَيَلْزَمُهُ السَّعْيُ لَهُ وَحَدُّ الْقُرْبِ عَدَمُ الْمَشَقَّةِ وَفَوَاتِ الرُّفْقَةِ وَرُوِيَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ مَنْ شَقَّ عَلَيْهِ نِصْفُ الْمِيلِ فَقَالَ سَحْنُونُ لَا يَعْدِلُ لِلْمِيلَيْنِ وَإِنْ كَانَ آمِنًا لِأَنَّ الْبُعْدَ يُؤَدِّي إِلَى خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَقَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ قَرْيَةٍ يُرِيدُ قَرْيَةً أُخْرَى وَهُوَ غَيْرُ مُسَافِرٍ إِنْ طَمِعَ فِي الْمَاءِ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ مَضَى إِلَيْهِ وَإِلَّا تَيَمَّمَ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ الِاخْتِيَارِيَّ إِلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ وَهُوَ مَذْهَبُهُ فِي الْمُوَطَّأِ فَإِنَّ التَّيَمُّمَ لَا يُؤَخِّرُ عَنْ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ بَعْدَ الشَّفَقِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ امْتِدَادِهِ لَا يُؤَخِّرُ تَيَمُّمَهُ إِلَى الشَّفَقِ قَالَ التُّونِسِيُّ وَيَتَخَرَّجُ فِيهَا قَوْلٌ آخَرُ بِالتَّأْخِيرِ إِلَى مَا بَعْدَ الشَّفَقِ لِقَوْلِهِ
فِي الْحَضَرِ
بِخِلَافِ إِنْ رَفَعَ الْمَاءَ مِنَ الْبِئْرِ أَوْ ذَهَبَ إِلَى النَّهْرِ أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ وَكَذَلِكَ خَرَّجَهُ ابْنُ حَبِيبٍ أَيْضًا قَالَ وَهُوَ عِنْدِي لَا يَصِحُّ لِغَلَبَةِ الْمَاءِ فِي الْحَضَرِ بِخِلَافِ الصَّحْرَاءِ مَا بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ
حُجَّةُ الْمَذْهَبِ قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} وَهُوَ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ وِجْدَانُهُ وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ قَالَ أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنَ الْجُرُفِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْمِرْبَدِ تَيَمَّمَ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ صَلَّى وَالْمِرْبَدُ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى مِيلَيْنِ قَالَ الْقَاضِي فِي التَّنْبِيهَاتِ الْجُرُفُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَالرَّاءِ وَالْمِرْبَدُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالْبَاءِ بِوَاحِدَةٍ مِنْ تَحْتِهَا وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ إِنَّمَا يُشْرَعُ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ الْوَقْتِ قَالَ سَحْنُونُ لَا يَعْدِلُ الْخَارِجُ مِنَ الْقرْيَة إِلَى ميل وَكَذَلِكَ الْمُسَافِر يُرِيد لَا يَخْرُجُ عَنْ مَقْصِدِهِ وَهُوَ لَا يُخَالِفُ قَوْلَ مَالِكٍ فَإِنَّ قَوْلَ مَالِكٍ مَحْمُولٌ عَلَى الَّذِي يَكُونُ ذَلِكَ قَصْدُهُ الرَّابِعَةُ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ حَاضِرًا لَكِنْ لَيْسَ لَهُ آلَةٌ تُوصِلُ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِأَنَّهُ فَاقِدٌ وَلَوْ وَجَدَهُ لَكِنْ إِنِ اشْتَغَلَ بِالنَّزْعِ خَرَجَ الْوَقْتُ قَالَ فِي الْكِتَابِ يُعَالِجُهُ عِنْدَ الْمَغَارِبَةِ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَيَتَيَمَّمُ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَلَوْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ لَكِنْ لَوِ اسْتَعْمَلَهُ خَرَجَ الْوَقْتُ قَالَ ابْنُ شَاسٍ يَسْتَعْمِلُهُ عِنْدَ الْمَغَارِبَةِ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ وَيَتَيَمَّمُ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ وَحَكَاهُ الْأَبْهَرِيُّ رِوَايَةً قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَلَا فَرْقَ عِنْدِي بَيْنَ تَشَاغُلِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ أَوْ بِاسْتِخْرَاجِهِ مِنَ الْبِئْرِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ الصَّلَاةُ فِي الْوَقْتِ قَالَ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَفَرَّقَ ابْنُ الْقَصَّارِ أَيْضًا فَقَالَ فِي الْجُمُعَةِ يَتَوَضَّأُ وَلَوْ خَافَ فَوَاتَهَا لِأَنَّ الظُّهْرَ هِيَ الْأَصْلُ وَوَقْتُهَا بَاقٍ وَسَوَّى بَيْنَهُمَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِجَامِعِ الْفَرِيضَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتَيَمَّمُ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ احْتِيَاطًا قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي النُّكَتِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّزْعِ مِنَ الْبِئْرِ وَالِاسْتِعْمَالِ أَنَّ الْمُسْتَعْمِلَ وَاجِدٌ وَالنَّازِحَ فَاقِدٌ وَإِنَّمَا هُوَ يَتَسَبَّبُ لِيَجِدَ
فَرْعَانِ الْأَوَّلُ لَوْ كَانَ مَعَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ قدر كِفَايَة أحدهم مَاء وأحدهم جنب وَالْآخَرُ مُحْدِثٌ وَالثَّالِثُ مَيِّتٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْحَيُّ أَوْلَى وَيُيَمَّمُ الْمَيِّتُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ لِلْمَيِّتِ لِأَنَّ الْحَيَّ يُصَلِّي بِطَهَارَتِهِ عَلَى الْمَيِّتِ وَغَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ وَالْمَيِّتِ يُصَلَّى عَلَيْهِ بِهَا فَقَطْ وَلِأَنَّ حَالَةَ طَهَارَةِ الْحَيِّ تَعُودُ عَلَى الْمَيِّتِ وَحَالَ طَهَارَةِ الْمَيِّتِ لَا تَعُودُ عَلَى الْحَيِّ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ لِلْمَيِّتِ وَاحْتَاجَ إِلَيْهِ الْحَيُّ لِيَشْرَبَهُ أَخَذَهُ وَيُقَوَّمُ بِثَمَنِهِ لِلْوَارِثِ وَلَيْسَ لَهُ دَفْعُ مِثْلِهِ إِذَا رَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ بَيْنَهُمَا فَالْحَيُّ أَوْلَى بِهِ وَقَالَ الْقَاضِي الْمَيِّتُ أَوْلَى بِهِ فَعَلَى الْبَحْثِ الْأَوَّلِ إِذَا كَانَ مَعَ رَجُلٍ مَا يَغْتَسِلُ بِهِ وَوَجَدَ جُنُبًا وَمَيِّتًا يَكُونُ الْحَيُّ أَوْلَى بِهِبَتِهِ مِنَ الْمَيِّتِ خِلَافًا ش فِي قَوْلِهِ إِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ طَهَارَةِ الْمَيِّتِ النَّظَافَةُ وَلَا تَحْصُلُ إِلَّا بِالْمَاءِ وَطَهَارَةُ الْحَيِّ الْمَقْصُودُ مِنْهَا الْإِبَاحَةُ وَالتَّيَمُّمُ كَافٍ فِي ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ آخِرُ عَهْدِهِ مِنَ الدُّنْيَا بِالطَّهَارَةِ وَالْحَيُّ يَتَطَهَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ وَجَوَابُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِطَهَارَةِ الْمَيِّتِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَالنَّظَافَةُ تَبَعٌ وَلِهَذَا إِذَا لَمْ يُوجَدِ الْمَاءُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ حَتَّى يُيَمَّمَ وَكَذَلِكَ الشَّهِيدُ لَمَّا لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ لَمْ يُغَسَّلْ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ آخِرُ عَهْدِهِ مِنَ الصَّلَوَاتِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكْمُلَ وَالْجُنُبُ أَوْلَى مِنَ الْمُحْدِثِ لِعُمُومِ مَنْعِ الْجَنَابَةِ وَلِأَنَّ الْجُنُبَ مُسْتَعْمِلٌ جُمْلَةَ الْمَاءِ وَالْمُحْدِثَ يَتْرُكُ بَعْضَهُ بِلَا انْتِفَاعٍ وَعَلَى هَذَا لَوِ اجْتَمَعَ جُنُبٌ وَحَائِضٌ هَلْ تَكُونُ الْحَائِضُ أَوْلَى لِكَوْنِهَا تَسْتَفِيدُ بِالْغُسْلِ أَكْثَرَ مِنَ الْجُنُبِ أَوْ يَسْتَوِيَانِ؟ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الْغُسْلَ وَاحِدٌ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ بَعْضُ الْغُسْلِ لِلْجَنَابَةِ
الثَّانِي قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا كَانَ مَعَهُ مَا يَكْفِيهِ لِلْوُضُوءِ وَهُوَ جُنُبٌ تَيَمَّمَ وَلَا يَتَوَضَّأُ فِي أَوَّلِ تَيَمُّمِهِ وَلَا ثَانِيهِ وَيَغْسِلُ بِذَلِكَ الْمَاءِ النَّجَاسَةَ خِلَافًا ش فِي أَمْرِهِ بِالْوُضُوءِ حَتَّى يَصِيرَ فَاقِدًا لِلْمَاءِ لَنَا أَنَّهُ بَدَلٌ وَالْبَدَلُ هُوَ الَّذِي شَأْنُهُ أَنْ يَحِلَّ مَحَلَّ الْمُبْدَلِ وَلَا يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ صُورَةِ النِّزَاعِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ فِي كَوْنِهِ يَجْمَعُ بَيْنَ مَسْحِهِ وَغَسْلِ غَيْرِهِ أَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ لَا عَنِ الْمَغْسُولِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّجَاسَةِ أَنَّ الْمَاءَ يُطَهِّرُ مِنَ الْخَبَثِ كُلَّ مَوْضِعٍ غُسِلَ بِهِ وَلَوْ قَلَّ بِخِلَافِ الْمُحْدِثِ لَا تَحْصُلُ طَهَارَتُهُ إِلَّا بِجُمْلَةِ الْغُسْلِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْغُسْلِ لِلْجَنَابَةِ وَالتَّيَمُّمِ لِلْجَنَابَةِ فِي كَوْنِ الْوُضُوءِ شُرِّعَ مَعَ الْغُسْلِ دُونَ التَّيَمُّمِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ جِنْسِ الْغُسْلِ شُرِّعَ بَيْنَ يَدَيْهِ أُهْبَةً لَهُ كَالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ قَبْلَ الْوُضُوءِ وَالْإِقَامَةِ بَيْنَ يَدَيِ الصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ بَيْنَ يَدَيِ النَّجْوَى وَهُوَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ التَّيَمُّمِ فَلَا يُشْرَعُ تَهَيُّؤًا لَهُ وَثَانِيهِمَا أَنَّ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ أَشْرَفُ الْجَسَدِ لِكَوْنِهَا مَوْضِعَ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ فَكَانَتِ الْبَدَاءَةُ بِهِ أَوْلَى وَالتَّيَمُّمُ شُرِعَ فِي عُضْوَيْنِ مِنْهَا فَالْوُضُوءُ يَأْتِي عَلَيْهِمَا وَعَلَى غَيْرِهِمَا فَلَا مَعْنَى لِلْبِدَايَةِ بِالْوُضُوءِ السَّبَبُ الثَّانِي فِي الْجَوَاهِرِ الْخَوْفُ مِنْ فَوَاتِ النَّفْسِ أَوْ عُضْوٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ أَوْ زِيَادَةِ مَرَضٍ أَوْ تَأَخُّرِ بُرْءٍ أَوْ حُدُوثِ مَرَضٍ يُخَافُ مَعَهُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَرَوَى بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ لَا يَتَيَمَّمُ لِتَوَقُّعِ الْمَرَضِ أَوْ لِزِيَادَتِهِ أَوْ تَأَخُّرِ الْبُرْء أَو مُجَرَّدِ الْأَلَمِ فَلَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِن كُنْتُم مرضى} وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن
عَمْرو ابْن الْعَاصِ قَالَ احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ فَأَشْفَقْتُ إِنِ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلَكَ فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ فَذُكِرَ ذَلِك للنَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - فَقَالَ يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ فَأَخْبَرْتُهُ الَّذِي مَنَعَنِي مِنَ الِاغْتِسَالِ وَقُلْتُ سَمِعْتُ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ الله كَانَ بكم رحِيما} فَضَحِك صلى الله عليه وسلم َ - وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا وَلِأَنَّ الْفِطْرَ أُبِيحَ لِلْمَرِيضِ مَعَ عدم الْأَذَى فههنا أولى وَخَالَفنَا الشَّافِعِي رحمه الله فِي تَأْخِيرِ الْبُرْءِ وَحُجَّتُنَا عَلَيْهِ أَنَّهُ ضَرَرٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مَنْفِيًّا قِيَاسًا عَلَى تَوَقُّعِ الْمَرَضِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حرج} قَاعِدَةٌ الْمَشَاقُّ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ الْعِبَادَةُ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فِي الْبَرْدِ وَالصَّوْمِ فِي النَّهَارِ الْأَطْوَلِ وَالْمُخَاطَرَةِ بِالنُّفُوسِ فِي الْجِهَادِ وَنَحْوُ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ تَخْفِيفًا فِي الْعِبَادَةِ لِأَنَّهَا قُرِّرَتْ مَعَهُ وَالْقِسْمُ الثَّانِي تَنْفَكُّ الْعِبَادَةُ عَنْهُ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ نَوْعٌ فِي الْمَرْتَبَةِ الْعُلْيَا كَالْخَوْفِ عَلَى النُّفُوسِ وَالْأَعْضَاءِ وَالْمَنَافِعِ فَهَذَا يُوجِبُ التَّخْفِيفَ لِأَنَّ حِفْظَ هَذِهِ الْأُمُورِ هُوَ سَبَبُ مَصَالِحِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلَوْ حَصَّلْنَا هَذِهِ الْعِبَادَةَ لِثَوَابِهَا لَذَهَبَ أَمْثَالُهَا وَنَوْعٌ فِي الْمَرْتَبَةِ الدُّنْيَا كَأَذَى وَجَعٍ فِي أُصْبُعٍ فَتَحْصِيلُ هَذِهِ الْعِبَادَةِ أَوْلَى مِنْ دَرْءِ هَذِهِ الْمَشَقَّةِ لِشَرَفِ الْعِبَادَةِ وَخِسَّةِ هَذِهِ الْمَشَقَّةِ النَّوْعُ الثَّالِثُ مَشَقَّةٌ بَيْنَ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ فَمَا قَرُبَ مِنَ الْعُلْيَا أَوْجَبَ التَّخْفِيفَ وَمَا قَرُبَ مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يُوجِبْ وَمَا تَوَسَّطَ يُخْتَلَفُ فِيهِ لِتَجَاذُبِ الطَّرَفَيْنِ لَهُ فَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَتَخَرَّجُ الْفَتَاوَى فِي مَشَاقِّ الْعِبَادَاتِ تَتْمِيمٌ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ تَخْتَلِفُ الْمَشَاقُّ بِاخْتِلَافٍ رُتَبِ الْعِبَادَاتِ فَمَا كَانَ
فِي نَظَرِ الشَّرْعِ أَهَمَّ اشْتُرِطَ فِي إِسْقَاطِهِ أَشَدُّ الْمَشَاقِّ أَوْ أَعَمُّهَا فَإِنَّ الْعُمُومَ بِكَثْرَتِهِ يَقُومُ مَقَامَ الْعِظَمِ كَمَا سَقَطَ التَّطَهُّرُ مِنَ الْخَبَثِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ بِسَبَبِ التَّكْرَارِ كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ وَثَوْبِ الْمُرْضِعِ وَكَمَا سَقَطَ الْوُضُوءُ فِيهَا بِالتَّيَمُّمِ لِكَثْرَةِ عَدَمِ الْمَاءِ أَوِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ أَوِ الْعَجْزِ عَنِ اسْتِعْمَالِهِ وَمَا لَمْ تَعْظُمْ رُتْبَتُهُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ تُؤْثَرُ فِيهِ الْمَشَاقُّ الْخَفِيفَةُ وَجَمِيعُ بَحْثِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ يَطَّرِدُ فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ فَكَمَا وُجِدَتِ الْمَشَاقُّ فِي الْوُضُوءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مُتَّفَقٍ عَلَى اعْتِبَارِهِ وَمُتَّفَقٍ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ وَمُخْتَلَفٍ فِيهِ كَذَلِكَ نَجِدُ فِي الصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتَوَقَانِ الْجَائِعِ لِلطَّعَامِ عِنْدَ حُضُورِ الصَّلَاةِ وَالتَّأَذِّي بِالرِّيَاحِ الْبَارِدَةِ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ وَالْمَشْيِ فِي الْوَحْلِ وَغَضَبِ الْحُكَّامِ وَجُوعِهِمُ الْمَانِعِ مِنِ اسْتِيفَاءِ النَّظَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ فِي الْبَيْعِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ سُؤَالٌ مَا ضَابِطُ الْمَشَقَّةِ الْمُؤْثَرَةِ فِي التَّخْفِيفِ مِنْ غَيْرِهَا؟ فَإِنَّا إِذَا سَأَلْنَا الْفُقَهَاءَ يَقُولُونَ ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى الْعُرْفِ فَيُحِيلُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ وَيَقُولُونَ لَا نَحُدُّ ذَلِكَ فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ الْفُقَهَاءِ إِلَّا الْعَوَامُّ وَالْعَوَامُّ لَا يَصِحُّ تَقْلِيدُهُمْ فِي الدِّينِ؟ جَوَابُهُ هَذَا السُّؤَالُ لَهُ وَقْعٌ عِنْد الْمُحَقِّقين إِن كَانَ سهلا فِي بَادِي الرَّأْيِ وَنَحْنُ نَقُولُ مَا لَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِتَحْدِيدِهِ يَتَعَيَّنُ تَقْرِيبُهُ بِقَوَاعِدِ الشَّرْعِ لِأَنَّ التَّقْرِيبَ خبر مِنَ التَّعْطِيلِ لِمَا اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ فَنَقُولُ عَلَى الْفَقِيهِ أَنْ يَفْحَصَ عَنْ أَدْنَى مَشَاقِّ تِلْكَ الْعِبَادَةِ الْمُعَيَّنَةِ فَيُحَقِّقَهُ بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ أَوِ اسْتِدْلَالٍ ثُمَّ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْمَشَاقِّ مِثْلَ تِلْكَ الْمَشَقَّةِ أَوْ أَعْلَى جَعَلَهُ مَسْقَطًا وَإِنْ كَانَ أَدْنَى لَمْ يَجْعَلْهُ مِثَالُهُ التَّأَذِّي بِالْقَمْلِ فِي الْحَجِّ مُبِيحٌ لِلْحَلْقِ بِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فَأَيُّ مَرَضٍ آذَى مِثْلَهُ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ أَبَاحَ وَإِلَّا فَلَا وَالسّفر مُبِيح الْفطر بِالنَّصِّ فَيُعْتَبَرُ بِهِ غَيْرُهُ مِنَ الْمَشَاقِّ سُؤَالٌ آخَرُ مَا لَا ضَابِطَ لَهُ وَلَا تَحْدِيدَ وَقَعَ فِي الشَّرْعِ عَلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٌ اقْتُصِرَ فِيهِ عَلَى أَقَلِّ مَا تَصْدُقُ عَلَيْهِ تِلْكَ الْحَقِيقَةُ كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَاشْتَرَطَ أَنَّهُ
كَاتِبٌ يَكْفِي فِي هَذَا الشَّرْطِ مُسَمَّى الْكِتَابَةِ وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى الْمَهَارَةِ فِيهَا فِي الْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ وَكَذَلِكَ شُرُوطُ السَّلَمِ فِي سَائِرِ الْأَوْصَافِ وَأَنْوَاعِ الْحِرَفِ يُقْتَصَرُ عَلَى مُسَمَّاهَا دُونَ مَرْتَبَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْهَا وَالْقِسْمُ الْآخَرُ مَا وَقَعَ مُسْقِطًا لِلْعِبَادَاتِ لَمْ يَكْتَفِ الشَّرْعُ فِي إِسْقَاطِهَا بِمُسَمَّى تِلْكَ الْمَشَاقِّ بَلْ لِكُلِّ عِبَادَةٍ مَرْتَبَةٌ مُعَيَّنَةٌ مِنْ مَشَاقِّهَا الْمُؤْثَرَةِ فِي إِسْقَاطِهَا فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ؟ جَوَابُهُ الْعِبَادَاتُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَصَالِحِ الْمَعَادِ وَمَوَاهِبِ ذِي الْجَلَالِ وَسَعَادَةِ الْأَبَدِ السَّرْمَدِيَّةِ فَلَا يَلِيقُ تَفْوِيتُهَا بِمُسَمَّى الْمَشَقَّةِ مَعَ يَسَارَةِ احْتِمَالِهَا وَلِذَلِكَ كَانَ تَرْكُ الرُّخَصِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ أَوْلَى وَلِأَنَّ تَعَاطِيَ الْعِبَادَةِ مَعَ الْمَشَقَّةِ أَبْلَغُ فِي إِظْهَارِ الطَّاعَةِ وَأَبْلَغُ فِي التَّقَرُّبِ وَلِذَلِكَ قَالَ عليه السلام أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ أَحَمَزُهَا أَيْ أَشَقُّهَا وَقَالَ أَجْرُكَ عَلَى قَدْرِ نَصَبِكَ وَأَمَّا الْمُعَامَلَاتُ فَتَحْصُلُ مَصَالِحُهَا الَّتِي بُذِلَتِ الْأَعْوَاضُ فِيهَا بِمُسَمَّى حَقَائِقِ الشُّرُوطِ بَلِ الْتِزَامُ غَيْرِ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى كَثْرَةِ الْخِصَامِ وَنَشْرِ الْفَسَادِ وَإِظْهَارِ الْعِنَادِ فُرُوعٌ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِذَا تَيَمَّمَ الْمَرِيضُ مِنَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ أَحْدَثَ حَدَثَ الْوُضُوءِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ لَمْ يَتَوَضَّأْ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ تُسْقِطُ حُكْمَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَيَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ لِلْجَنَابَةِ الثَّانِي قَالَ إِذَا قَدَرَ الْمَرِيضُ عَلَى الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ قَائِمًا فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي عَرَقِهِ فَخَافَ إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ انْقَطَعَ عَرَقُهُ وَدَامَ عَلَيْهِ الْمَرَضُ قَالَ مُطَرِّفٌ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَأَصْبَغُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي إِيمَاءً لِلْقِبْلَةِ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ زَوَالِ عَرَقِهِ لَمْ يُعِدْ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ تَأْخِيرُ الْبُرْءِ
الثَّالِثُ قَالَ إِذَا عَظُمَتْ بَطْنُهُ حَتَّى لَا يَتَمَكَّنَ مِنْ تَنَاوُلِ الْمَاءِ أَوْ أَدْرَكَهُ الْمَيْدُ فِي الْبَحْرِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ نَفْسَهُ يَتَيَمَّمُ لِأَنَّهُ وُسْعُهُ السَّبَبُ الثَّالِثُ الْجِرَاحُ الْمَانِعَةُ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ قَالَ فِي الْكِتَابِ قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ إِذَا عَمَّتْهُ الْجِرَاحُ؟ قَالَ يَتَيَمَّمُ قِيلَ فَأَكْثَرُهُ جَرِيحٌ! قَالَ يَغْسِلُ الصَّحِيحَ وَيَمْسَحُ الْجَرِيحَ قِيلَ لَهُ لَمْ يَبْقَ إِلَّا يَدٌ أَوْ رِجْلٌ صَحِيحَةٌ قَالَ لَا أَحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ فِيهَا شَيْئًا وَأَرَى أَنْ يَتَيَمَّمَ وَقَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ مَنْ كَانَتْ بِهِ جِرَاحٌ فِي أَكْثَرِ جَسَدِهِ وَهُوَ جُنُبٌ أَوْ فِي أَكْثَرِ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ وَهُوَ مُحْدِثٌ يَتَيَمَّمُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِن كَانَ مُرَاده أَن الْأَكْثَر متفرق فِي الْجَسَدِ مَنَعَ مَسَّ السَّالِمِ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِلَّا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِ الْكتاب وموافق لأبي حنيفَة فَإِنَّ أَصْحَابَ الرَّأْيِ يَقُولُونَ إِنْ كَانَ أَقَلُّهُ مَجْرُوحًا جَمَعَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالتَّيَمُّمِ أَوْ سَالِمًا كَفاهُ التَّيَمُّم وَعند الشَّافِعِي لَا يَكْفِي فِيمَا صَحَّ إِلَّا الْغُسْلُ وَإِنْ قَلَّ وَإِذَا مَسَحَ وَغَسَلَ يَتَيَمَّمُ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِيمَنْ وَجَدَ بَعْضَ كِفَايَتِهِ مِنَ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَسْتَعْمِلُهُ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ فَقَالُوا لَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - فَقَالَ قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَلَا سَأَلُوا إِذْ لم يعلمُوا إِنَّمَا شفَاه الْعِيِّ السُّؤَالُ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ ويعصر أَوْ يَعْصِبَ عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ يُرِيدُ أَنَّ إِحْدَى هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ تُجْزِئُهُ عَلَى حَسَبِ حَالِ الْمَجْرُوحِ وَلَا مَعْنَى لِلتَّيَمُّمِ مَعَ الْغَسْلِ لِأَنَّ الْبَدَلَ وَالْمُبْدَلَ مِنْهُ لَا يَجْتَمِعَانِ فَرْعٌ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي النُّكَتِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ إِذَا لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلَّا يَدٌ أَوْ رِجْلٌ فَغَسَلَ الصَّحِيحَ وَمَسَحَ الْجِرَاحَ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّهُ لم يَأْتِ بِالْغسْلِ وَلَا يُبدلهُ الَّذِي هُوَ التَّيَمُّمُ وَلَوْ تَحَمَّلَ الْمَشَقَّةَ وَغَسَلَ الْجَمِيعَ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ حَقُّهُ فَإِذَا أَسْقَطَهُ سقط كمن صلى قَائِما مَعَ الْمُبِيح الْجُلُوسِ السَّبَبُ الرَّابِعُ غَلَاءُ الْمَاءِ إِنْ كَانَ لَا يَجِدُ الْمَاءَ إِلَّا بِثَمَنٍ وَهُوَ قَلِيلُ الدَّرَاهِمِ يَتَيَمَّمُ أَوْ كَثِيرُهَا اشْتَرَاهُ مَا لَمْ يَكْثُرِ الثَّمَنُ فَيَتَيَمَّمُ أَمَّا الشِّرَاءُ فَقِيَاسًا عَلَى الرّفْع من
الْبِئْرِ وَالطَّلَبِ فِي الْفَلَوَاتِ بِجَامِعِ الْمَشَقَّةِ وَأَمَّا إِذَا كَثُرَ الثَّمَنُ فَلَا يَشْتَرِيهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَضَرَّةِ وَلَيْسَ فِي الْكَثِيرِ حَدٌّ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِأَضْعَافِ ثَمَنِهِ إِلَّا بِثَمَنِهِ أَوْ شِبْهِهِ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَيْسَ عَلَيْهِ شِرَاءُ الْقِرْبَةِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ قَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُحَدَّ بِالثُّلُثِ وَاعْتبر أَصْحَاب الشَّافِعِي مُطلق الزِّيَادَة فرع فِي الْجَوَاهِرِ لَوْ وُهِبَ لَهُ الْمَاءُ لَزِمَهُ قَبُولُهُ عِنْدَ الْقَرَوِيِّينَ لِعَدَمِ الْمِنَّةِ فِي مِثْلِ هَذَا وَلَا يَلْزَمُهُ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَقِيلَ إِنَّمَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ ثَمَنِ الْمَاءِ وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ يَلْزَمُهُ الْمَاءُ قَوْلًا وَاحِدًا بِخِلَافِ الثَّمَنِ السَّبَبُ الْخَامِسُ خَوْفُ الْعَطَشِ عَلَى نَفْسِهِ قَالَهُ فِي الْكِتَابِ وَفِي التَّفْرِيعِ وَإِنْ خَافَهُ عَلَى غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ قَالَهُ ش ح قَالَ صَاحِبُ الْكِتَابِ يَكْفِي ضَرَرُ الْعَطَشِ مِنْ غَيْرِ تَلَفٍ كَالْجَبِيرَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ خَوْفِ الْعَطَشِ الْآنَ أَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ السَّبَبُ السَّادِسُ فِي الْجَوَاهِرِ الْخَوْفُ عَلَى النَّفْسِ أَوِ الْمَالِ مِنَ السَّارِقِ أَوِ السَّبُعِ وَقِيلَ الْخَوْفُ عَلَى الْمَالِ لَا يبح
(الْفَصْل الثَّانِي فِيمَن أُبِيح لَهُ التَّيَمُّم)
قَالَ فِي الْكِتَابِ يَتَيَمَّمُ الْجُنُبُ وَالْمُحْدِثُ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ النَّخَعِيِّ مَنْعَ الْجُنُبِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ لَنَا عُمُومُ قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} الْآيَةَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ عليه السلام رَأَى رَجُلًا مُعْتَزِلًا لَمْ يُصَلِّ فَقَالَ لَهُ يَا فُلَانُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أصابني جَنَابَة وَلَا مَاء معي قَالَ عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ إِنَّمَا شُرِعَ لِاسْتِدْرَاكِ مَصْلَحَةِ الْوَقْتِ وَهَذَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ فِيهِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ
وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا يَتَيَمَّمُ الْحَاضِرُ إِذَا فَقَدَ الْمَاءَ وَخَشِيَ فَوَاتَ الْوَقْتِ قَبْلَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ الْمَسْجُونُ وَقَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهُمَا مَا مَرَّ وَالثَّانِي الْإِعَادَةُ بَعْدَ الْوَقْتِ إِذَا وَجَدَ المَاء لمَالِك أَيْضا الشَّافِعِي وَالثَّالِثُ أَنَّ الْحَاضِرَ يَطْلُبُ الْمَاءَ وَإِنْ طَلَعَتِ الشَّمْس إِلَّا أَن يكون لَهُ عذر لمَالِك أَيْضا فِي الْمُوازِية وَهُوَ قَول أبي حنيفَة إِنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ حَاضِرٌ إِلَّا مَرِيضٌ أَوْ مَحْبُوسٌ قَالَ ابْنُ شَاسٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ مَالك أَن يعبد أَبَدًا وَجْهُ الْمَشْهُورِ عُمُومُ آيَةِ التَّيَمُّمِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ عليه السلام لَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدِهِ ثُمَّ رَدَّ عليه السلام زَادَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ عليه السلام إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ السَّلَامَ إِلَّا أَنِّي لَمْ أَكُنْ عَلَى طُهْرٍ فَإِذَا شُرِعَ التَّيَمُّمُ فِي الْحَضَرِ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ رَدِّ السَّلَامِ فَالصَّلَاةُ أَوْلَى وَفِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ أَبُو ذَرٍّ انْتَقَلْتُ بِأَهْلِي إِلَى الرَّبَذَةِ فَكُنْتُ أُجْنِبُ وَأُعْدَمُ الْمَاءَ الْخَمْسَةَ الْأَيَّامِ وَالسِّتَّةَ فَأَعْلَمْتُ بذلك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - فَقَالَ الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ حِجَجٍ قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَأَبُو ذَرٍّ انْتَقَلَ لِلْإِقَامَةِ حُجَّةُ الْمَنْعِ أَنَّ آيَةَ التَّيَمُّمِ وَرَدَتْ فِي الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْهُمَا وَالْقِيَاسُ عَلَيْهِمَا مَدْفُوعٌ بِفَارِقِ غَلَبَةِ عَدَمِ الْمَاءِ فِي السَّفَرِ وَعَجْزِ الْمَرِيضِ عَنِ اسْتِعْمَالِهِ وَلِأَنَّ الْوُضُوءَ عِبَادَةٌ شُطِرَتْ فِي التَّيَمُّمِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ شَرْطًا فِيهَا قِيَاسًا عَلَى تَشْطِيرِ الصَّلَاةِ بِالْقَصْرِ فَرْعَانِ مُرَتَّبَانِ الْأَوَّلُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِذَا قُلْنَا يَتَيَمَّمُ فَآخِرَ الْوَقْت
الثَّانِي إِذَا مَنَعْنَا التَّيَمُّمَ فِي الْحَضَرِ فَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي السَّفَرِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ حَكَى الْبَاجِيُّ عَنِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ كُلَّ مَنْ قَالَ بِقَصْرِهِ عَلَى السَّفَرِ رَأَى ذَلِكَ وَقَالَ الْقَاضِي يَجُوزُ فِي أَقَلِّ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ سَفَرٌ
(الْفَصْل الثَّالِث فِي الْمُتَيَمم بِهِ)
فِي الْجَوَاهِرِ هُوَ التُّرَابُ وَالْحَصْبَاءُ وَالسِّبَاخُ والجص والنورة غير مطبوختين وَجَمِيعُ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ إِذَا لَمْ تُغَيِّرْهَا الصَّنْعَةُ بِطَبْخٍ أَوْ نَحْوِهِ سَوَاءٌ وُجِدَ التُّرَابُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ خِلَافًا ش وَابْنِ شَعْبَانَ مِنَّا فِي قَصْرِ التَّيَمُّمِ عَلَى التُّرَابِ وَخَصَّصَ ابْنُ حَبِيبٍ الْإِجْزَاءَ بِعَدَمِ التُّرَابِ وَيَجُوزُ بِالْمِلْحِ عِنْدَ مَالك وَابْن الْقَاسِم وَلَا يجوز عَن أَشْهَبَ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي الْمِلْحِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْمَنْعُ لِمَالِكٍ لِأَنَّهُ طَعَامٌ وَالْجَوَازُ لِابْنِ الْقَصَّارِ لِأَنَّهُ أَجْزَاءٌ مِنَ الْأَرْضِ احْتَرَقَتْ وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْمَعْدِنِيِّ فَيَجُوزُ لِأَنَّهُ أَجْزَاءُ الْأَرْضِ احْتَرَقَتْ بِحَرِّ الشَّمْسِ وَبَيْنَ الْمَصْنُوعِ لِمُخَالَطَتِهِ لِغَيْرِهِ بِالصَّنْعَةِ وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَتَيَمَّمُ عَلَى الرُّخَامِ كَالزُّمُرُّدِ وَالْيَاقُوتِ وَلَا الشَّبِّ وَالزَّاجِ وَالزَّرْنِيخِ وَالْكُحْلِ وَالْكِبْرِيتِ لِأَنَّهَا عَقَاقِيرُ قَالَ سُلَيْمَانُ فِي السُّلَيْمَانِيَّةِ إِنْ أَدْرَكَهُ الْوَقْتُ فِي أَرْضِهَا وَلَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ أَجْزَأَهُ قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ يَتَيَمَّمُ عَلَى الْمَغْرَةِ لِأَنَّهُ تُرَابٌ مِنْهُ الْأَحْمَرُ وَالْأَصْفَرُ وَالْأَسْوَدُ يُرِيدُ إِذَا كَانَ غَيْرَ مَطْبُوخٍ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ الْمُتَوَلِّدُ فِي الْأَرْضِ مِنْهُ مَا يُشَاكِلُهَا كَالزَّرْنِيخِ وَالْكُحْلِ وَالْمَغْرَةِ فَيَجُوزُ بِهِ التَّيَمُّمُ وَقَالَ أَبُو بكر الْوَقَّاد لَا يتَيَمَّم وَأما المنطرفة كَالْفِضَّةِ وَنَحْوِهَا فَلَا يَتَيَمَّمُ بِهِ قَوْلًا وَاحِدًا وَأما النخيل وَالْحَلْفَاءُ وَالْحَشِيشُ وَنَحْوُهُ إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَلْعِهِ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ وَابْنُ الْقَصَّارِ يَتَيَمَّمُ بِهِ فَيَضْرِبُ بِيَدِهِ الْأَرْضَ عَلَيْهَا وَأَجَازَهُ الْوَقَّادُ فِي الْخَشَبِ إِذَا عَلَا وَجْهَ الْأَرْضِ كَمَا فِي الْغَابَاتِ لِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ وَلِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَبْرُكُ عَلَى الْأَرْضِ فَبَرَكَ عَلَى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ حَنِثَ وَلَوْ بَرَكَ عَلَى جِذْعٍ وَشِبْهِهِ لَمْ يَحْنَث
فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْمُتَيَمَّمَ بِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ جَائِزٌ اتِّفَاقًا وَهُوَ التُّرَابُ الطَّاهِرُ وَغَيْرُ جَائِزٍ اتِّفَاقًا وَهُوَ الْمَعَادِنُ وَالتُّرَابُ النَّجِسُ وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ مَا عدا ذَلِك حجتنا على الشَّافِعِي رضي الله عنه قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا} قَالَ ثَعْلَبٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ كَأَبِي عُبَيْدَةَ وَالْأَصْمَعِيِّ الصَّعِيدُ وَجْهُ الْأَرْضِ مِنَ الصُّعُودِ وَهُوَ الْعُلُوّ وَمِنْه سميت الفتاة صعدة لعلوها فَكل صَعِدَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَهُوَ صَعِيدٌ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ فَإِنْ قِيلَ قَوْله تَعَالَى {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} وَصِيغَةُ مِنْهُ تَقْتَضِي التَّبْعِيضَ وَالتَّبْعِيضُ إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي التُّرَابِ لَا فِي الْحَجَرِ وَكَذَلِكَ لَفْظُ الْمَسْحِ لَا يُتَصَوَّرُ إِلَّا مَعَ التُّرَابِ إِذْ لَا يَصْدُقُ مَسَحْتُ يَدِي بِالْمِنْدِيلِ إِلَّا وَفِي الْيَدِ شَيْءٌ يُزَالُ قُلْنَا السُّؤَالَانِ جَلِيلَانِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ أَنَّ مِنْ كَمَا تَكُونُ لِلتَّبْعِيضِ تَكُونُ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ كَقَوْلِنَا بِعْت من هَهُنَا إِلَى هَهُنَا وَابْتِدَاءُ الْفِعْلِ فِي التَّيَمُّمِ هُوَ الْمَسْحُ مِنَ الْحَجَرِ الثَّانِي أَنَّهَا تَكُونُ لِبَيَانِ الْجِنْسِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان} فَيَكُونُ الْمُرَادُ امْسَحُوا مِنْ هَذَا الْجِنْسِ الطَّهُورِ الطَّاهِرِ فَإِنَّهُ الْمُرَادُ عِنْدَنَا بِالطَّيِّبِ احْتِرَازًا مِنَ النَّجِسِ الثَّالِثُ أَنَّ الْحَجَرَ لَوْ سُحِقَ لَمْ يَصِحَّ التَّيَمُّمُ بِهِ مَعَ إِمْكَانِ التَّبْعِيضِ فَيَكُونُ ظَاهِرُ اللَّفْظِ عِنْدَكُمْ مَتْرُوكًا فَيَسْقُطُ الِاسْتِدْلَالُ وَعَنِ الثَّانِي أَنْ نَقُولَ الْغَالِبُ عَلَى الْحَجَرِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْأَرْضِ إِذَا مَرَّتْ عَلَيْهَا الْيَدَانِ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِمَا مَا يُغَبِّرُهُمَا فَصَحَّ الْمَسْحُ لِذَلِكَ وَأَمَّا الْحَجَرُ الَّذِي دُلِّكَ مِرَارًا أَوْ غُسِلَ وَهُوَ بَيِّنُ الْغَسْلِ فَنَادِرٌ وَالْخِطَابُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْغَالِب
وَأَمَّا الطَّيِّبُ فَلَيْسَ الْمُنْبَتَّ خِلَافًا لَهُ حَيْثُ اسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذن ربه} لِأَنَّ الطَّيِّبَ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْمُلَائِمُ لِلطِّبَاعِ المستحسن اللَّائِقُ بِالسِّيَاقِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {الطَّيِّبَات للطيبين والطيبون للطيبات} وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمُنْبَتَّاتِ بَلِ الْبَعِيدَاتِ مِنَ الدَّنَاءَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَقَوْلُهُ عليه السلام مَنْ تَصَدَّقَ بِكَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا طَيِّبًا الْمُرَادُ الْحَلَالُ لِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِلسِّيَاقِ فِي الْإِنْفَاقِ وَقَوْلُهُ والبلد الطّيب إِنَّمَا حُمِلَ عَلَى الْمُنْبِتِ لِأَنَّ السِّيَاقَ فِي الزِّرَاعَةِ وَالسِّيَاقُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فِي الطَّهَارَاتِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالطَّيِّبِ الطَّاهِرَ لِأَنَّ الْمُنَاسِبَ لِلسِّيَاقِ التَّطَهُّرُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أحد قبلي نصرت بِالرُّعْبِ مسيرَة شهروأحلت لِيَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَبُعِثْتُ لِلْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ صَلَّى الْحَدِيثَ وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه السلام فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَتُرَابُهَا طَهُورًا فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِلشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْأَرْضَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى التُّرَابِ وَغَيْرِهِ وَالْقَاعِدَةُ الْأُصُولِيَّةُ أَنَّ تَخْصِيصَ بَعْضِ أَنْوَاعِ الْعَامِ بِالذِّكْرِ لَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ نَعَمْ يَدُلُّ عَلَى شَرَفِهِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ تَنْبِيهٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ سُئِلَ عَنِ الْحَصَا وَالْجَبَلُ يَكُونُ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَجِدُ تُرَابًا أَيَتَيَمَّمُ عَلَيْهِ؟ قَالَ نَعَمْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ عَدَمَ التُّرَابِ شَرْطٌ بَلْ وَقَعَ ذَلِكَ اتِّفَاقٌ فِي السُّؤَال فروع أَرْبَعَة الأول قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا وَجَدَ الطِّينَ وَعَدِمَ التُّرَابَ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ وَيُجَفِّفُهُ مَا اسْتَطَاعَ وَيَتَيَمَّمُ بِهِ خِلَافًا ش فِي قَوْلِهِ الطِّينُ لَا يُسَمَّى صَعِيدًا وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الطِّينَ تُرَابٌ وَمَاءٌ وَالْمَاءُ أَفْضَلُ مِنَ التُّرَابِ وَالْأَفْضَلُ لَا يُوجِبُ قُصُورًا فِي الْمَفْضُولِ
الثَّانِي قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا تَيَمَّمَ عَلَى مَوْضِعٍ نَجِسٍ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ قَالَ وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ مَنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ غَيْرِ طَاهِرٍ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَكَذَلِكَ هَذَا عِنْدِي وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْإِشْرَافِ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ والأبهري لَا يجْزِيه وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة وَنقض أَبُو حنيفَة أَصْلَهُ فِي أَنَّ الشَّمْسَ تُطَهِّرُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ أَبُو الْفَرَجِ أَظُنُّ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ رَأَى أَنَّ النَّجَاسَةَ لَمَّا لَمْ تَظْهَرْ عَلَيْهِ كَانَ كَالْمَاءِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ فَلَا يُنَجِّسُهُ إِلَّا مَا غَيَّرَهُ كَالْمَاءِ قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَجِبُ إِيصَالُ التُّرَابِ فِيهِ إِلَى الْبَشَرَةِ إِذْ لَوْ تَيَمَّمَ عَلَى الْحَجَرِ الصَّلْدِ أَجْزَأَهُ وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ قَصْدُ الْأَرْضِ وَضَرْبُهَا بِالْيَدِ وَالْمُرْتَفِعُ مِنَ التُّرَابِ النَّجِسِ إِلَى الْأَعْضَاءِ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ خَلَلٌ فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَإِنَّمَا هُوَ حَامِلٌ لِنَجَاسَةٍ لَمْ يَتَعَمَّدْهَا فَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ عَلَى قَاعِدَةِ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَوْ لِأَنَّ الْغُبَارَ يَنْتَقِلُ مَعَ الرِّيحِ الْجَارِيَةِ عَلَى هَذَا الْمَكَانِ وَالتَّيَمُّمُ إِنَّمَا يَقَعُ عَلَى أَعْلَى الْمُنْتَقِلِ الطَّاهِرِ وَلَمَّا كَانَ الْمَذْهَبُ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ إِذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تغيره أَنه نجس احْتَاجَ الْأَصْحَاب هَهُنَا إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التُّرَابِ الَّذِي لَمْ يَتَغَيَّرْ فَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الْمَاءُ يَنْقُلُ الْمُحْدِثَ إِلَى كَمَالِ الطَّهَارَةِ فَاشْتُرِطَ فِيهِ مَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِي التُّرَابِ الَّذِي لَا يَنْقُلُ إِلَى كَمَالِ الطَّهَارَةِ وَقَالَ غَيْرُهُ الْمَاءُ يُتَوَصَّلُ إِلَى نَجَاسَتِهِ بِالْحَوَاسِّ بِخِلَافِ التُّرَابِ فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ فِيهِ الِاجْتِهَادُ فَإِذَا أَخْطَأَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُنْتَقِلَ إِلَيْهِ مِنَ التُّرَابِ لَا يَقْطَعُ بِطَهَارَتِهِ وَإِنَّمَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ فَنَقْضُ الظَّنِّ بِالْعِلْمِ مُتَّجِهٌ وَأَمَّا نَقْضُ الظَّنِّ بِالظَّنِّ فَلَا كَالْمُجْتَهِدِ فِي الْكَعْبَةِ إِذَا أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ حَيْثُ يُؤْمَرُ بِالِاجْتِهَادِ وَلَوْ أَمْكَنَهُ الْعِلْمُ بِالْكَعْبَةِ أَعَادَ أَبَدًا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَصْبَغُ هَذَا إِذَا لَمْ يَعْلَمْ نَجَاسَتَهُ فَإِنْ عَلِمَ أَعَادَ أَبَدًا وَوَجْهُ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ قَوْله تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طيبا} وَالطّيب هَهُنَا الطَّاهِرُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَهَذَا لَيْسَ بِطَاهِرٍ وَلِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَحْصُلُ بِالنَّجَاسَةِ
قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَلَوْ تَغَيَّرَ بِالنَّجَاسَةِ لَمْ يُجْزِهِ وِفَاقًا فَرْعٌ مُرَتَّبٌ إِذَا مَنَعْنَا التَّيَمُّمَ مِنَ التُّرَابِ الْمَذْكُورِ فَهَلْ نَكْرَهُهُ بِالتُّرَابِ الَّذِي تيَمّم بِهِ مُدَّة لِأَجْلِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ كَمَا فِي الْمَاءِ فَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي النَّوَادِرِ لَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ مِنَ التُّرَابِ هُوَ مَا عَلِقَ بِالْيَدَيْنِ أَمَّا مَا بَقِيَ فَهُوَ كَالْمَاءِ الْبَاقِي فِي الْإِنَاءِ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ إِجْمَاعًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي السَّاقِطِ الَّذِي بَقِيَ مِنَ الْأَعْضَاءِ الثَّالِثُ فِي الْجِلَابِ لَا يَتَيَمَّمُ عَلَى لَبَدٍ وَلَا حَصِيرٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا غُبَارٌ خِلَافًا ح لَنَا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَعِيدٍ فَلَا يُجْزِئُ الرَّابِعُ فِي الْجَوَاهِرِ مَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا مَا يَتَيَمَّمُ بِهِ كَالْمَصْلُوبِ وَالْخَائِفِ مِنَ النُّزُولِ عَنِ الدَّابَّةِ وَالْمَرِيضِ لَا يَجِدُ مَنْ يُنَاوِلُهُ ذَلِكَ فَأَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ يُصَلِّي وَيَقْضِي إِذَا وَجَدَ مَاءً أَوْ تُرَابا لِابْنِ الْقَاسِم فِي العتيبة وَعبد الْملك ومطرف وَابْن عبد الحكم وَالشَّافِعِيّ وَلَا صَلَاةَ وَلَا قَضَاءَ لِمَالِكٍ وَابْنِ نَافِعٍ وَيَقْضِي وَلَا يُصَلِّي فِي الْحَال لأصبغ وَأبي حنيفَة وَيُصَلِّي وَلَا يَقْضِي لِأَشْهَبَ فَوَجْهُ الصَّلَاةِ فِي الْحَالِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ عليه السلام أَرْسَلَ أُنَاسًا فِي طَلَبِ قِلَادَةِ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَأَدْرَكَتْهُمُ الصَّلَاةُ فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ وَلم يكن إِذا ذَاكَ تَيَمُّمٌ فَشَكَوْا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ فَكَانَ شَرْعًا عَامًّا حَتَّى يَرِدَ رَافِعُهُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الصَّلَاةِ فِي الْحَالِ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ وَمَا لَا يُقْبَلُ لَا يُشْرَعُ فِعْلُهُ وَلِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَجْنَبَ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْجُنُبَ يَتَيَمَّمُ فَلَمْ يُصَلِّ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْإِعَادَةِ أَنَّهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ فَلَا إِعَادَةَ إِلَّا بِأَمْرٍ جَدِيدٍ
وَالْأَصْلُ عَدَمُ ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ يُصَلِّيَانِ كَمَا أُمِرَا وَلَا يُعِيدَانِ وَلِأَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَأْمُرْ مَنْ ذَهَبَ لِلْقِلَادَةِ بِإِعَادَةٍ وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ مَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلِ الطَّهَارَةُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ أَوْ فِي الْأَدَاءِ فَمَنْ رَأَى أَنَّهَا شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ لَمْ يُوجِبِ الصَّلَاةَ فِي الْحَالِ وَهَذَا مُشْكِلٌ مِنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ لَيْسَ مَشْرُوطًا بِالطَّهَارَةِ وَإِلَّا لَكَانَ لِكُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا لَا تَجِبُ عَلَيَّ الصَّلَاةُ حَتَّى أَتَطَهَّرَ وَأَنَا لَا أَتَطَهَّرُ فَلَا يَجِبُ عَلَيَّ شَيْءٌ لِأَنَّ وُجُوبَ الطَّهَارَةِ تَبَعٌ لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ فَإِذَا سَقَطَ أَحَدُهُمَا سَقَطَ الْآخَرُ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ كَالْحَوْلِ مَعَ الزَّكَاةِ وَالْإِقَامَةِ مَعَ الْجُمُعَةٍ وَالصَّوْمِ لَا يَتَحَقَّقُ الْوُجُوبُ حَالَةَ عَدَمِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ تَحْصِيلُهُ فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ أَمْرًا آخَرَ فَلَعَلَّهُ يَكُونُ مُسْتَقِيمًا
(الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي صِفَةِ التَّيَمُّمِ)
فَأَوَّلُ ذَلِكَ النِّيَّةُ وَاجِبَةٌ فِيهِ خِلَافًا لِلْأَوْزَاعِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَبَاحِثُهَا فِي الْوُضُوءِ فَلْنَكْتَفِ بِمَا هُنَاكَ وَيَنْوِي اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ سَوَاءٌ كَانَ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ فَلَوِ اجْتَمَعَا وَكَانَ نَاسِيًا لِلْجَنَابَةِ فَرِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا عَدَمُ الْإِجْزَاءِ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ حِينَئِذٍ يَكُونُ بَدَلًا عَنِ الْوُضُوءِ وَهُوَ بَعْضُ أَعْضَاءِ الْجَنَابَةِ وَالْبَدَلُ عَنِ الْبَعْضِ لَا يَنُوبُ مَنَابَ الْبَدَلِ عَنِ الْكُلِّ وَهُوَ التَّيَمُّمُ عَنِ الْجَنَابَةِ وَالْأُخْرَى يُجْزِيهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ ارْتِفَاعُ الْمَنْعِ مِنَ الصَّلَاةِ وَهُوَ وَاحِدٌ فَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ أَسْبَابِهِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْكِتَابِ بِنِيَابَةِ الْوُضُوءِ عَنِ الْجَنَابَةِ فِي الْجَبِيرَةِ إِذَا مَسَحَهَا وَهُوَ جُنُبٌ ثُمَّ بَرِئَتْ وَغَسَلَهَا بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ وَنَصَّ اللَّخْمِيُّ عَلَى النِّيَابَةِ مُطْلَقًا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ عَنِ الْوُضُوءِ الَّذِي هُوَ بَعْضُ الْجَنَابَةِ وَالْوُضُوءُ أَصْلٌ فِي نَفْسِهِ وَإِذَا نَوَى اسْتِبَاحَةَ الْفَرْضِ اسْتَبَاحَ النَّفْلَ لِأَنَّ الْأَدْنَى يَتْبَعُ الْأَعْلَى فِي نَظَرِ الشَّرْعِ وَلِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْفَرَائِضَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَكْمُلُ بِالنَّوَافِلِ فَكَانَتْ كَالْأَجْزَاءِ لَهَا وَلَا يُصَلِّي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ بِتَيَمُّمِ الصُّبْحِ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يكون
تَبَعًا لِلنَّفْلِ وَقِيلَ يُصَلِّي لِحُصُولِ الِاسْتِبَاحَةِ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَلَوْ نَوَى فَرْضَيْنِ صَحَّ وَلَا يُصَلِّي أَكْثَرَ مِنْ فَرْضٍ وَاحِدٍ عَلَى الْمَشْهُورِ ثُمَّ يَسْتَعْمِلُ الصَّعِيدَ قَالَ فِي الْكِتَابِ يَضْرِبُ الْأَرْضَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا ضَرْبَةً وَاحِدَةً فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِمَا شَيْءٌ نَفَضَهُ نَفْضًا خَفِيفًا وَمَسَحَ بهما وَجهه ثمَّ يضْرب أُخْرَى لِلْيَدَيْنِ وَيَضَعُ الْيُسْرَى عَلَى الْيُمْنَى فَيُمِرُّهَا مِنْ فَوْقِ الْكَفِّ إِلَى الْمِرْفَقِ وَمِنْ بَاطِنِ الْمِرْفَقِ إِلَى الْكُوعِ وَيَفْعَلُ بِالْيُسْرَى كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ شَاسٍ وَأَجَازَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ وَعَبْدُ الْحَقِّ مَسْحَ كَفِّ الْيُمْنَى قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْيُسْرَى وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ تَرْكَهَا حَتَّى يَصِلَ كُوعَ الْأُخْرَى وَيَمْسَحَ الْكُوعَيْنِ وَاخْتَارَهُ وَالْقَوْلَانِ مُؤَوَّلَانِ مِنَ الْكِتَابِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَالثَّانِي ظَاهِرُ الْكِتَابِ وَوَجْهُهُ أَنَّ كَفَّهُ الْيُمْنَى كَمَا تَمْسَحُ ذِرَاعَهُ فَكَذَلِكَ ذِرَاعُهُ يَمْسَحُ كَفَّهُ وَالتَّكْرَارُ فِي التَّيَمُّمِ غَيْرُ مَطْلُوبٍ فَلَا يُؤْمَرُ بِمَسْحِ كَفِّهِ بكفه وَلِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِمَا فِي كَفِّهِ الْيَمِينِ مِنَ التُّرَاب وَوجه الأول أَن الأَصْل أَن لَا يَشْرَعَ فِي عُضْوٍ إِلَّا بَعْدَ كَمَالِ مَا قَبْلَهُ وَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الرِّسَالَةِ إِذَا وَصَلَ الْكُوعَ مَسَحَ بِبَاطِنِ إِبْهَامِ الْيُسْرَى ظَاهِرَ إِبْهَامِهِ الْيُمْنَى وَكَذَلِكَ فِي الْيُسْرَى قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدٌّ كَالْوُضُوءِ وَهَذِهِ الصِّفَةُ وَإِنْ لَمْ تَرِدْ فَلَيْسَتْ تَحَكُّمًا بَلْ لَمَّا عَلِمَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ الْإِيعَابَ مَطْلُوبٌ وَالصَّعِيدُ لَيْسَ يَعُمُّ بِسَيَلَانِهِ كَالْمَاءِ اخْتَارُوا هَذِهِ الصِّفَةَ لِإِفْضَائِهَا لِمَقْصُودِ الشَّارِعِ وَفِعْلُ الْوَسَائِلِ لِتَحْصِيلِ الْمَقَاصِدِ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَعَادَتِهِ قَالَ مَالك فِي العتيبة يجْزِيه ضَرْبَة إِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُعِيدُ فِي وَقْتٍ وَلَا غَيْرِهِ وَعِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حنيفَة يُعِيدُ مُطْلَقًا لَنَا مَا فِي مُسْلِمٍ وَالْبُخَارِيِّ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخطاب رَضِي
اللَّهُ عَنْهُمَا أَمَا تَذْكُرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ أَنَا وَأَنْتَ فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا فَلَمْ نَجِدِ الْمَاءَ فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ كَمَا تَتَمَرَّغُ الدَّابَّةُ وَصَلَّيْتُ فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - فَقَالَ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْكَفَّيْنِ فَقَالَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ يَا عَمَّارُ فَقَالَ عَمَّارُ إِنْ شِئْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ فَقَالَ بَلْ نُوَلِّيكَ مِنْ ذَلِكَ مَا تَوَلَّيْتَ وَيُرْوَى إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ الْأَرْضَ ثُمَّ تَنْفُخَ ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ وَيُرْوَى أَنْ تَقُولَ هَكَذَا وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ إِلَى الْأَرْضِ وَنَفَضَ يَدَيْهِ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ نَقْلُ شَيْءٍ مِنَ الْأَرْضِ فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ وَإِنَّمَا ضَرَبَ أَوَّلًا لِيَخْرُجَ مِنَ الْعُهْدَةِ وَلِأَن تكْرَار التَّيَمُّمِ كَتَرْكِ تَكْرَارِ الْوُضُوءِ لَا تُعَادُ لِأَجْلِهِ الصَّلَاةُ فِي الْوَقْتِ وَلَا فِي غَيْرِهِ وَقَالَ أَيْضًا فِي الْكِتَابِ إِنْ تَيَمَّمَ إِلَى الْكُوعَيْنِ أَعَادَ التَّيَمُّمَ وَالصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ فَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ أَعَادَ التَّيَمُّمَ فَقَطْ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يُعِيدُ عِنْدَ ابْنِ نَافِعٍ أَبَدًا وَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي ح وَش لِإِطْلَاقِ الْيَدِ فِي التَّيَمُّمِ وَتَقْيِيدِهَا فِي الْوُضُوءِ وَالْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْوَجْهِ حُجَّةُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْيَدَ أُطْلِقَتْ فِي السَّرِقَةِ فَحُمِلَتْ عَلَى الْكُوعِ فَكَذَلِكَ هَهُنَا وَلِأَنَّ الْيَدَ لَوْ لَمْ تَصْدُقْ عَلَى الْكُوعَيْنِ لما قيل فِي الْوضُوء {إِلَى الْمرَافِق} لِأَن المغيا يَجِبُ أَنْ تَكْمُلَ حَقِيقَتُهُ قَبْلَ الْغَايَةِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَتْ إِلَّا لِلِاسْتِثْنَاءِ مَكَانَ إِلَى لِإِخْرَاجِ العضدين وَيمْنَع هَهُنَا حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِاخْتِلَافِ الْحُكْمِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا وُضُوءٌ وَالْآخَرَ تَيَمُّمٌ قَاعِدَةٌ أُصُولِيَّةٌ الْمُطْلَقُ مَعَ الْمُقَيَّدِ عَلَى أَرْبَعِ أَقْسَامٍ تَارَةً يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ وَالسَّبَبُ كَالْوُضُوءِ وَالسَّرِقَةِ فَلَا حَمْلَ إِجْمَاعًا وَتَارَةً يَتَّحِدَانِ كَمَا لَوْ ذَكَرَ الرَّقَبَةَ فِي الظِّهَارِ مَرَّتَيْنِ مُطْلَقَةً وَمُقَيَّدَةً بِالْإِيمَانِ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَتَارَةً يَخْتَلِفُ السَّبَبُ وَيَتَّحِدُ الْحُكْمُ كَالرَّقَبَةِ فِي الْقَتْلِ مُقَيَّدَةً بِالْإِيمَانِ وَمُطْلَقَةً فِي الظِّهَارِ وَفِي
الْحَمْلِ مَذْهَبَانِ وَتَارَةً يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ وَيَتَّحِدُ السَّبَبُ كَالْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ فَالسَّبَبُ وَاحِدٌ وَهُوَ الْحَدَثُ وَالْحُكْمُ مُخْتَلِفٌ وَهُوَ الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ وَفِي الْحَمْلِ مَذْهَبَانِ فَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَتَخَرَّجُ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ وَيَظْهَرُ أَنَّ إِلْحَاقَ التَّيَمُّمِ بِالْوُضُوءِ أَوْلَى مِنْ إِلْحَاقِهِ بِالسَّرِقَةِ لَكِنْ يُؤَكَّدُ الْمَذْهَبُ مِنْ جِهَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كَحَدِيثِ عَمَّارٍ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ مَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ وَلَمْ يُذْكَرِ الْمِرْفَقَيْنِ وَرِوَايَةُ الْمُرْفَقَيْنِ مُنْكَرَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ شُعْبَةُ كَانَ سَلَمَةُ يَقُولُ الْوَجْهَ وَالذِّرَاعَيْنِ فَقَالَ لَهُ مَنْصُورٌ ذَاتَ يَوْمٍ انْظُرْ مَا تَقُولُ فَإِنَّهُ لَا يَذْكُرُ الذِّرَاعَيْنِ غَيْرُكَ وَلَوْ صَحَّتْ لَحَمَلْنَاهَا عَلَى الْفَضِيلَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَأَمَّا الْخَصْمُ فَيُعَطِّلُ أَحَدَهُمَا وَلِأَنَّ الْيَدَ تُغْسَلُ جُمْلَتُهَا لِلْجَنَابَةِ فَإِذَا أَبْدَلَ التَّيَمُّمَ مِنَ الْغَسْلِ تَيَمَّمَ عَلَى بَعْضِهَا وَتَرَكَ الْعَضُدَانِ فَكَذَلِكَ إِذَا أَبْدَلَ مِنَ الْوُضُوءِ تَرَكَ بعض مَا يغسل للْوُضُوء وَعَكسه الْوَجْه لما كَانَ يُوعَبُ لِلْجَنَابَةِ أُوعِبَ بَدَلًا مِنَ الْوُضُوءِ وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ شُرِعَ فِيمَا لَمْ يُسْتَرْ عَادَةً فَأُسْقِطَ مِنْ مَحَالِّ الطَّهَارَةِ مَا سُتِرَ عَادَةً وَلِذَلِكَ لَمْ يُشَرَعْ فِي الرَّأْسِ لِسَتْرِهِ بِالْعِمَامَةِ وَلَا فِي الرِّجْلَيْنِ لِسَتْرِهِمَا بِالنَّعْلِ وَشُرِعَ فِي الْوَجْهِ لِكَوْنِهِ بَادِيًا فَكَذَلِكَ يُقْتَصَرُ عَلَى الْكُوعَيْنِ لِكَوْنِهِمَا الْبَادِيَيْنِ هَذَا الْكَلَامُ فِي الْإِجْزَاءِ وَالْأَفْضَلُ الْبُلُوغُ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ لِأَنَّهُ فِعْلُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ يَتَيَمَّمُ إِلَى الْآبَاطِ مِنْ أَسْفَلَ وَالْمَنَاكِبِ مِنْ فَوْقَ لِأَنَّ الْيَدَ اسْمٌ لِلْجُمْلَةِ وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ إِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ أَعَادَ التَّيَمُّمَ فَقَطْ فَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا بُدَّ مِنْ إِعَادَتِهِ وَلَوْ كَانَ سَابِغًا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ تَنَفَّلَ بَعْدَ فَرْضِهِ وَاسْتَمَرَّ تَنَفُّلُهُ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ ثُمَّ ذَكَرَ فَإِنَّهُ يُعِيدُ التَّيَمُّمَ وَلَا يَتَنَفَّلُ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ النَّاقِصِ وَكَذَلِكَ إِذَا عَلِمَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْوَقْتِ فَلَا يَتَنَفَّلُ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ حَتَّى يُعِيدَ التَّيَمُّمَ
فَائِدَةٌ الْكُوعُ آخِرُ السَّاعِدِ وَأَوَّلُ الْكَفِّ وَالْمِرْفَقُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَبِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْفَاءِ أَوَّلُ السَّاعِدِ وَالْإِبْهَامُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مِثْلَ الْإِكْرَامِ وَهُوَ الْأُصْبُعُ الْعُظْمَى مِنَ الْيَدِ وَالْبِهَامُ بِغَيْر همز جمع بهم والبهم جَمِيع بَهِيمَةٍ وَهُوَ وَاحِدُ أَوْلَادِ الضَّأْنِ ذَكَرًا كَانَ أَمْ أُنْثَى وَهِيَ لِلضَّأْنِ مِثْلُ السَّخْلِ لِلْمَعْزِ فُرُوعٌ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يَعُمُّ وَجْهَهُ وَلِحْيَتَهُ بِالْمَسْحِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ فَمَا لَا يُجْزِئُ فِي الْوُضُوءِ لَا يُجْزِئُ فِي التَّيَمُّم وَجوز ابْن مسلمة ترك الْيَسِير وَأَبُو حنيفَة تَرْكَ الرُّبُعِ لِأَنَّ الْمَسْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ لنا قَوْله تَعَالَى {فامسحوا بوجوهكم وَأَيْدِيكُمْ} كَمَا فِي الْوُضُوءِ الثَّانِي قَالَ يُخْتَلَفُ فِي مَسْحِ الْوَجْهِ بِجَمِيعِ الْيَدِ فَجَوَّزَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَسْحَ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ بِأُصْبُعٍ إِنْ أَوْعَبَ وَيَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي التَّيَمُّمِ وَقَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ لَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَسْحِ يَقْتَضِي آلَةً لِلْمَسْحِ وَالْآلَةُ الْمُعْتَادَةُ هِيَ الْكَفُّ وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى أَكْثَرِهِ وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ الْآيَةَ اقْتَضَتِ الْمَسْحَ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ الثَّالِثُ قَالَ ابْنُ شَاسٍ يُخَلِّلُ أَصَابِعَهُ وَيَنْزِعُ الْخَاتَمَ قِيَاسًا عَلَى الْوُضُوءِ وَقَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ تَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ فِي التَّيَمُّمِ أَوْلَى مِنَ الْوُضُوءِ لِبُلُوغِ الْمَاءِ مَا لَا يَبْلُغُهُ التُّرَابُ قَالَهُ ابْنُ شَعْبَانَ قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَمَا رَأَيْتُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَنْزِعُ الْخَاتَمَ وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَنْزِعُهُ لِأَنَّهُ أَخَفُّ مِنَ الْوُضُوءِ
وَقَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ فِي الْوُضُوءِ فَإِذَا قُلْنَا بِالْوُجُوبِ ثَمَّ لَمْ يبعد الْوُجُوب هَهُنَا الرَّابِع قَالَ ابْن شَاس حكمه فِي الم والاة وَالتَّرْتِيبِ حُكْمُ الْوُضُوءِ وَقَالَهُ فِي الْكِتَابِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي أَدِلَّةِ الْحُكْمَيْنِ وَلِأَنَّ الْعُلَمَاءَ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا إِلَّا الْأَعْمَشُ فَإِنَّهُ قَالَ يَبْدَأُ فِي التَّيَمُّمِ بِالْيَدَيْنِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَكَذَلِكَ التَّدْلِيكُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الْوُضُوءِ لَوْ سَفَّتِ الرِّيحُ التُّرَابَ عَلَيْهِ لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ قُلْنَا إِنَّ الْمُنْغَمِسَ فِي الْمَاءِ يُجْزِيهِ لِأَنَّ الْوُضُوءَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إِيعَابِ الْأَعْضَاءِ بِالْمَاءِ فَإِذَا أَوْعَبَهَا أَجْزَأَهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَأَمَّا التَّيَمُّمُ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الْإِيعَابُ بِدَلِيلِ التَّيَمُّمِ عَلَى الْحَجَرِ فَلَا بُدَّ مِنَ الْإِيعَابِ بِصُورَةِ الْمَسْحِ فَإِذَا لَمْ يَتَدَلَّكْ لَمْ يَحْصُلِ التَّيَمُّمُ أَلْبَتَّةَ وَالْفَرْقُ مَذْهَبُ الشَّافِعِي
(الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي الْمُتَيَمَّمِ لَهُ)
قَالَ فِي التَّلْقِينِ وَهُوَ كُلُّ قُرْبَةٍ لَزِمَ التَّطَهُّرُ لَهَا كَالصَّلَاةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَغُسْلِ الْمَيِّتِ تَنْبِيهٌ وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى قَوْلِهِ مَا يَلْزَمُ التَّطَهُّرُ لَهُ احْتِرَازًا مِنَ الْحَائِضِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهَا الطُّهْرُ لِلْوَطْءِ وَلَا تتيمم ولنفصل ذَلِك فُرُوعًا أَحَدَ عَشَرَ الْأَوَّلُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ يَتَيَمَّمُ الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ لِخُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَلَمْ أَحْفَظْ عَنْ مَالِكٍ فِيهِمَا فِقْهًا وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فِي النَّوَادِرِ لَا يَتَيَمَّمُ لِنَافِلَةٍ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ لَهَا
لَنَا قَوْله تَعَالَى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} وَهُوَ عَامٌّ فِي جِنْسِ الصَّلَاةِ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ الْوضُوء للنافلة ثمَّ قَالَ {فَلم تجدو مَاء فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا} فَشُرِعَ التَّيَمُّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ يُتَوَضَّأُ لَهَا الثَّانِي قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا أَحْدَثَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ لَا يتَيَمَّم خلافًا لأبي ح قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْوُضُوءِ وَيُصَلِّي وَحْدَهُ فَلَا يَتَيَمَّمُ لِإِدْرَاكِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ أَحْدَثَ مَعَ الْإِمَامِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ لِذَلِكَ وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجَمَاعَة وَالْجُمُعَة وَقد سلم أَبُو حنيفَة بِذَلِكَ وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ الْوُضُوءَ شَرْطٌ وَاجِبٌ وَالْجَمَاعَةَ فَضِيلَةٌ وَالْوَاجِبُ لَا يُتْرَكُ لِأَجْلِ الْفَضِيلَةِ وَقِيلَ يَتَيَمَّمُ لِخَوْفِ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ وَعَلَى هَذَا يَتَيَمَّمُ لِفَوَاتِ الْعِيدَيْنِ قَالَ وَلَوْ خَافَ فَوَاتَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ إِنْ تَوَضَّأَ وَيُدْرِكُ الصُّبْحَ وَيُدْرِكُهُمَا إِنْ تَيَمَّمَ قَالَ يَتَوَضَّأُ الثَّالِثُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يُصَلِّي الْجِنَازَةَ بِالتَّيَمُّمِ إِلَّا الْمُسَافِرُ الَّذِي لَا يَجِدُ الْمَاءَ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْحَضَرِ الْمَاءُ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهَا فَلَا حَاجَةَ إِلَى التَّيَمُّمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَأَمْكَنَ التَّأْخِيرُ حَتَّى يُوجَدَ الْمَاءُ أُخِّرَتْ وَإِلَّا صَلَّوْا بِالتَّيَمُّمِ قَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ إِذَا خَرَجَ لِلْجِنَازَةِ وَهُوَ طَاهِرٌ ثُمَّ أَحْدَثَ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً تَيَمَّمَ وَإِنْ خَرَجَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ لَمْ يتَيَمَّم وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَتَيَمَّمُ كَقَوْلِهِ فِي الْعِيدَيْنِ وَيَجِيءُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا كَمَا تَقَدَّمَ الرَّابِعُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ مِنْ مَسْجِدُهُ فِي سُوقِهِ أَوْ دَخَلَ مَسْجِدًا فَأَرَادَ تَحِيَّتَهُ أَوْ أَرَادَ الْقِرَاءَةَ وَهُوَ جُنُبٌ لَا يَتَيَمَّمُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ يَتْرُكُهُ الْخَامِسُ قَالَ فِي الْكِتَابِ مَنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ فِي سَفَرِهِ يَتَيَمَّمُ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ وَيَقْرَأُ حِزْبَهُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ وَقَالَ عَبْدُ الْملك
لَا يَتَيَمَّمُ إِلَّا لِلْمَكْتُوبَةِ لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ أُجِيزَتْ لَهُ الْفَرِيضَةُ لِلضَّرُورَةِ وَلِذَلِكَ مَنَعَ الصَّلَاةَ أَوَّلَ الْوَقْتِ لِجَوَازِ التَّأْخِيرِ لَنَا آيَةُ التَّيَمُّمِ قَالَ فَيصَلي النافة مُتَّصِلَةً بِهَا أَوْ بِالْفَرْضِ الَّذِي قَبْلَهَا وَإِذَا نَوَى بِتَيَمُّمِهِ النَّافِلَةَ فَعَلَ سَائِرَ النَّوَافِلِ فَإِذَا نَوَى مَسَّ الْمُصْحَفِ فَعَلَ الْقِرَاءَةَ وَسُجُودَ التِّلَاوَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَسِّ الْمُصْحَفِ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ بِهِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَوْ يُقَالُ الْوضُوء لمس الْمُصحف مُخْتَلف فِيهِ يضعف عَنِ الْوُضُوءِ؟ وَهُوَ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ السَّادِسُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا قَدَّمَ النَّافِلَةَ عَلَى الْفَرِيضَةِ أَعَادَ التَّيَمُّمَ لِلْفَرِيضَةِ لِبُطْلَانِهِ بِالْفَرَاغِ مِنْهَا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ حُجَّةُ الْبُطْلَانِ أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ مُحْدِثٌ فَلَا يُشْرَعُ لَهُ التَّيَمُّمُ إِلَّا لِضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ إِلَّا عِنْدَ دُخُولِ الصَّلَاةِ وَلِهَذِهِ الْعلَّة لَا يجمع بَين فرضين وَحجَّة عَدَمِ الْبُطْلَانِ أَنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ فَلَا يَبْطُلُ إِلَّا بِوُجُودِ الْمُبْدَلِ أَوِ الْحَدَثِ فَيَسْتَمِرُّ حُكْمُهُ إِلَى ذَلِكَ السَّابِعُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ إِذَا تَيَمَّمَ الْجُنُبُ لِلنَّوْمِ لَا يَتَنَفَّلُ وَلَا يَمَسُّ مُصْحَفًا وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ ذَلِكَ كَالْخِلَافِ فِي الْوُضُوءِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَلَوْ تَيَمَّمَ لِلْفَرِيضَةِ فَلَهُ فِعْلُهَا وَفِعْلُ النَّافِلَةِ بَعْدَهَا وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ حَتَّى يُحْدِثَ وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ الْحَدَثُ الطَّارِئُ لَا يَمْنَعُ الْقِرَاءَةَ لِتَقَدُّمِ الِاسْتِبَاحَةِ وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ فَإِنَّ الْجَنَابَةَ ثَابِتَةٌ وَإِنَّمَا التَّيَمُّمُ مُبِيحٌ إِلَى حِينِ الْحَدَثِ فَمَنِ ادَّعَى بَقَاءَ الْإِبَاحَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ الثَّامِنُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يُصَلِّي بِهِ مَكْتُوبَتَيْنِ قَالَ اللَّخْمِيُّ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ عَدَمُ الْجَمْعِ مُطْلَقًا فِي الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ لِمَا تَقَدَّمَ وَالْجَمْعُ قِيَاسًا عَلَى مُبْدَلِهِ وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ إِذَا اجْتَمَعَتَا فِي الْأَدَاءِ كَالظُّهْرِ مَعَ الْعَصْرِ آخِرَ الْقَامَة
الْأُولَى وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا فَيَجُوزُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ مَنْ يَطْلُبُ الْمَاءَ وَمَنْ لَا يَطْلُبُهُ كَالْمَجْدُورِ وَالْمَحْصُوبِ فَيَجُوزُ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَالْمَذْهَبُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ مُسْنِدًا عَنِ ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ لَا يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ إِلَّا صَلَاةً وَاحِدَةً قَالَ الطَّرْطُوشِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْبَنِي عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا يُتَيَمَّمُ لَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا وَأَنَّ الطَّلَبَ وَاجِبٌ وَأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَإِنْ جَمَعَ قَالَ ابْن الْقَاسِم فِي العتيبة يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَلَوْ أَعَادَ أَبَدًا كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ وَقَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ يُعِيدُ أَبَدًا وَقَالَ أَصْبَغُ يُعِيدُ الْمُشْتَرِكَةَ فِي الْوَقْتِ وَالْمُبَايِنَةَ أَبَدًا التَّاسِعُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِذَا قُلْنَا لَا يَجْمَعُ بَيْنَ فَرْضَيْنِ فَهَلْ يَجْمَعُ بَيْنَ فَرْضٍ وَسُنَّةٍ أَوْ فَرْضٍ مُعَيَّنٍ وَفَرْضٍ عَلَى الْكِفَايَةِ؟ الْمَذْهَبُ الْجَوَازُ إِذَا قَدَّمَ الْفَرْضَ وَقَالَ سَحْنُونُ إِذَا تَيَمَّمَ لِلْعِشَاءِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَن لَا يُصَلِّيَ الْوِتْرَ وَإِذَا قُلْنَا يُصَلِّي الْجِنَازَةَ بِتَيَمُّمِ الْفَرِيضَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَثْرَةِ الْجَنَائِزِ وَقِلَّتِهَا وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ لَا يُصَلِّي عَلَى جَنَائِزَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ إِسْقَاطٌ لِفَرَائِضَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَاحِدَةٌ الْعَاشِرُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِذَا تَيَمَّمَ لِصَلَاةٍ ثُمَّ ذَكَرَ غَيْرَهَا فَإِنْ كَانَتِ الْمَذْكُورَةُ فِي التَّرْتِيبِ بَعْدَهَا تَيَمَّمَ لَهَا إِذَا فَرَغَ مِنَ الْأُولَى وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَهَا لَمْ يَجُزْ تَيَمُّمُهُ لِلْأُخْرَى الْحَادِي عَشَرَ قَالَ لَوْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ خَمْسٍ تَيَمَّمَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لِئَلَّا يَتَيَمَّمَ لِلْفَرْضِ قَبْلَهُ
(الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي وَقْتِ التَّيَمُّمِ)
قَالَ ابْنُ شَاسٍ إِنَّمَا شُرِعَ التَّيَمُّمُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ عَلَى الْمَعْرُوفِ وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ قَبْلَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ فَالرَّاجِي يَتَيَمَّمُ آخِرَ الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ وَالْآيِسُ أَوَّلَهُ وَالشَّاكُّ وَسَطَهُ وَرُوِيَ آخِرَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَقِيلَ بَلْ وَسَطَهُ إِلَّا الرَّاجِي فَإِنَّهُ يُؤَخِّرُهُ وَقِيلَ آخِرَهُ إِلَّا الْآيِسَ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ وَنَبْسُطُ ذَلِكَ عَلَى الْعَادَةِ فَنَقُولُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يَتَيَمَّمُ مُسَافِرٌ أَوَّلَ الْوَقْتِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ آيِسًا فَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ وَالْمَرِيضُ وَالْخَائِفُ يَتَيَمَّمَانِ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ نَافِعٍ لَا يَتَيَمَّمُ أَحَدٌ إِلَّا أَنْ يَخَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ حَنْبَلٍ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ مَعَ بَقَاءِ الْوَقْتِ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَتَيَمَّمُ الْمُسَافِرُ أَوَّلَ الْوَقْتِ مُطْلَقًا وَلَمْ يُفَرِّقْ قَالَ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ بِدُخُولِ الْوَقْتِ قَدْ وَجَبَتِ الصَّلَاةُ فَيُمَكَّنُ الْمُكَلَّفَ مِنْ فِعْلِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَخْتَلِفَ بِاخْتِلَافِ الْأَعْذَارِ فَإِنْ سَقَطَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ لِعُذْرٍ كَالْمَجْدُورِ يَتَيَمَّمُ أَوَّلَ الْوَقْتِ لِإِدْرَاكِ فَضِيلَةِ الْوَقْتِ وَعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي التَّأْخِيرِ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إِنْ سَقَطَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ لِعَدَمِهِ أَوْ لعدم المناول أَو عدم الْأَمْن االموصل إِلَيْهِ كَالْآيِسِ مِنَ الْمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ يَتَيَمَّمُ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَكَذَلِكَ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ عبد الحكم وَابْن الْمَاجشون وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حنيفَة وَهُوَ عَلَى خِلَافِ أَصْلِهِ لِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ عِنْدَهُ بِآخِرِ الْوَقْتِ وَأَمَّا الرَّاجِي فَيَتَيَمَّمُ آخِرَ الْوَقْتِ تَوَقُّعًا لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَة وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ لِأَنَّ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ تُتْرَكُ لِرُخْصَةِ الْجَمْعِ وَالطَّهَارَةُ لَا تُتْرَكُ لِرُخْصَتِهِ وَإِنَّمَا تُتْرَكُ لِلْعَجْزِ وَأَمَّا الَّذِي لَا يَرْتَجِي وَلَا يَيْأَسُ كَالْجَاهِلِ بِموضع المَاء
يَتَيَمَّمُ وَسَطَ الْوَقْتِ عِنْدَ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَابْنِ الْجَلَّابِ فَرْعٌ لَا إِعَادَةَ عَلَى مَنْ أَوْقَعَ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لَهُ إِلَّا أَرْبَعَةٌ فَإِنَّهُمْ يُعِيدُونَ فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلُ الشَّاكُّ فَإِنَّهُ كَالْمُقَصِّرِ فِي حَدْسِهِ وَلَوْ أَنَّهَا نِهَايَتُهُ لَأَوْشَكَ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ قَالَ فِي الْكِتَابِ مَنْ أُمِرَ بِالتَّيَمُّمِ وَسَطَ الْوَقْتِ فَفَعَلَ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ فَإِنَّهُمْ يُعِيدُونَ إِلَّا الْمُسَافِرَ فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يَصِلُ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ فَتَيَمَّمَ أَوَّلَهُ وَصَلَّى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُعِيدُهَا فِي الْوَقْتِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لِأَنَّ هَذِهِ الْإِعَادَةَ مُسْتَحَبَّةٌ وَالْمُسَافِرُ جُوِّزَ لَهُ تَرْكُ نِصْفِ الْعَزِيمَةِ وَالْمُسْتَحَبَّةُ أَوْلَى وَيُعِيدُ غَيْرُهُ كَالْفَاقِدِ إِذَا وَجَدَ الْمَاءَ وَأَمَّا قَوْلُهُ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يَصِلُ الْمَاءَ أَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فِي الْوَقْتِ لِأَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ لَا يَمْنَعُ مِنْ تَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ كَمَا لَا يَمْنَعُ النَّافِلَةَ فَإِذَا فَعَلَ أَجْزَأَ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ لَصَحَّتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ كَانَ اعْتِقَادُ وِجْدَانِ الْمَاءِ يَمْنَعُ مِنَ الصِّحَّةِ لَكَانَتْ فَاسِدَةً تُعَادُ أَبَدًا فَالْفَائِتُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ إِنَّمَا هُوَ فَضِيلَةُ الطَّهَارَةِ فَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ يُعِيدُ لِتَحْصِيلِهَا قَالَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِنْ لَمْ يُعِدْ فِي الْوَقْتِ أَعَادَ أَبَدًا لِأَنَّ اعْتِقَادَ الْوِجْدَانِ يَمْنَعُ التَّيَمُّمَ تَنْزِيلًا لِلِاعْتِقَادِ مَنْزِلَةَ الرُّؤْيَةِ إِلَّا أَنَّهُ إِذَا صَلَّى وَلَمْ يَجِدْ مَاءً تَبَيَّنَ فَسَادُ اعْتِقَادِهِ وَصِحَّةُ صَلَاتِهِ وَإِذَا قُلْنَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَهُوَ الْقَامَةُ الْأُولَى عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ الْغُرُوبُ وَيُعِيدُ مَنْ صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ إِلَى الِاصْفِرَارِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ النَّجَاسَةَ مَنَافِيةٌ مُقَارَنَةً وَالصَّلَاةُ هَهُنَا بِغَيْرِ مُنَافٍ الثَّانِي النَّاسِي لِلْمَاءِ فِي رَحْلِهِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا ذَكَرَ النَّاسِي أَعَادَ فِي الْوَقْتِ فَإِنْ ذَكَرَ وَهُوَ الصَّلَاةِ قَطَعَهَا وَأَعَادَهَا بِالْوُضُوءِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَرَوَى الْمَدَنِيُّونَ الْإِعَادَةَ مُطْلَقًا وَهُوَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَعبد الْملك وَابْن عبد الحكم وَوَافَقَ أَبُو حنيفَة الْمَشْهُور وَاخْتلف قَول الشَّافِعِي وَفرق بعض
أَصْحَابِهِ بَيْنَ النَّاسِي فَلَا يُجْزِئُهُ لِتَفْرِيطِهِ وَبَيْنَ الْجَاهِلِ الَّذِي جَعَلَ الْمَاءَ فِي سَاقِيَتِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَيُجْزِيهِ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ قَالَ ابْنُ شَاسٍ وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَدَمَ الْإِعَادَةِ مُطْلَقًا وَلَوْ أَدْرَجَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَقْطَعْ وَلَمْ يَقْضِ وَوَافَقَهُ ابْنُ يُونُسَ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الطَّرَّازِ وَالَّذِي فِي الْكِتَابِ لَا عِلْمَ عِنْدِهِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الْقِسْمَيْنِ. حُجَّةُ الْمَشْهُورِ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْمَاءِ سَقَطَ بِالْأَعْذَارِ كَاللُّصُوصِ وَالسِّبَاعِ وَتَقْلِيدِ إِنْسَانٍ فِي عَدَمِ الْمَاءِ وَالنِّسْيَانُ عُذْرٌ فَيَسْقُطُ وَإِخْبَارُ نَفْسِهِ كَإِخْبَارِ غَيْرِهِ لَهُ وَهُوَ نَاسٍ. حُجَّةُ الْوُجُوبِ أَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ لَا يُنَافِيهِ النِّسْيَانُ وَإِنَّمَا يُنَافِيهِ الْعَدَمُ وَالتَّيَمُّمُ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الْوُجُودِ لِلْآيَةِ وَلَمْ يَتَحَقَّقِ الشَّرْطُ وَقِيَاسًا عَلَى نِسْيَانِ الرَّقَبَةِ فِي مِلْكِهِ فِي الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ وَعَلَى الْجَبِيرَةِ إِذَا صَحَّتْ وَنَسِيَ أَنْ يَنْزِعَهَا وَيَغْسِلَ مَا تَحْتَهَا وَعَلَى الْخُفِّ إِذَا نَسِيَ غَسْلَ مَا تَحْتَهُ وَالْعِلَّةُ فِي الْجَمِيعِ نِسْيَانُ الشَّرْطِ وَقَوْلُهُ إِنْ ذَكَرَهُ فِي الصَّلَاةِ قَطَعَهَا لِأَنَّهُ مَعْنًى تُعَادُ الصَّلَاةُ لِأَجْلِهِ فِي الْوَقْتِ فَتُقْطَعُ لَهُ قِيَاسًا عَلَى مَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ إِحْرَامِهِ مُنْفَرِدًا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَيَتَخَرَّجُ فِيهَا قَوْلُ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ كَمَنْ نَسِيَ ثَوْبَهُ الطَّاهِرَ وَصَلَّى بِنَجِسٍ ثُمَّ ذَكَرَهُ فِي الصَّلَاةِ. فَرْعٌ مُرَتَّبٌ لَوْ سَأَلَ رُفْقَتَهُ الْمَاءَ فَنَسُوهُ فَلَمَّا تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَجَدُوهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إِنْ ظَنَّ أَنَّهُمْ إِنْ عَلِمُوا بِهِ مَنَعُوهُ لَا يُعِيدُ وَإِلَّا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَلَوْ تَيَقَّنَ الْمَاءَ فِي رَاحِلَتِهِ وَاخْتَلَطَتْ فِي الْقَافِلَةِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُفَرِّطٍ فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ قَدْ يَشْتَغِلُ بِشَدِّ مَتَاعٍ أَوْ إِصْلَاحِ شَأْنٍ فَيَعْرِضُ لَهُ ذَلِك كثيرا ولأصحاب الشَّافِعِي فِيهِ قَوْلَانِ. الثَّالِثُ الْخَائِفُ مِنَ اللُّصُوصِ. الرَّابِعُ الْعَادِمُ مَنْ يُنَاوِلُهُ الْمَاءَ لِتَقْصِيرِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ رحمه الله فِي الْكِتَابِ.
هَذَا حُكْمُ مَنْ أَوْقَعَ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَفِي الْجَوَاهِرِ وَأَمَّا مَنْ أَخَّرَ مَا أَذِنَ لَهُ فِي تَقْدِيمِهِ فَلَا إِعَادَةَ وَمَنْ قَدَّمَ مَا أَذِنَ لَهُ فِي تَأْخِيرِهِ فَقيل يُعِيد فِي الْوَقْت وَقيل وَبعده وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلِ التَّأْخِيرُ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى أَوِ الْأَوْجَبِ وَقِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْعَالِمِ فَيُعِيدُ مُطْلَقًا وَبَيْنَ الظَّانِّ فَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَمَنْ قدم مَا أَمر يتوسطه فَلَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ أَمَرْنَاهُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ فَنَسِيَ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ بَعْدَ الْوَقْتِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ كُلُّ مَنْ أَمَرْنَاهُ بِإِعَادَةٍ فِي الْوَقْتِ فَنَسِيَ أَعَادَ بَعْدَ الْوَقْتِ
الْفَصْلُ السَّابِعُ فِي الْأَحْكَامِ التَّابِعَةِ لِلتَّيَمُّمِ
وَفِيهِ فُرُوعٌ عَشَرَةٌ: الْفَرْعُ الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْكِتَابِ الْآيِسُ مِنَ الْمَاءِ لَا يُعِيدُ خِلَافًا لطاووس لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ خَرَجَ رَجُلَانِ لِسَفَرٍ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ مَعَهُمَا مَاءٌ فَتَيَمَّمَا وَصَلَّيَا ثُمَّ وَجَدَا الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ فَأَعَادَ أَحَدُهُمَا الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ وَلَمْ يُعِدِ الْآخَرُ ثُمَّ أَتَيَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لِلَّذِي لَمْ يُعِدْ أَصَبْتَ السُّنَّةَ وَأَجْزَأَتْكَ صَلَاتُكَ وَقَالَ لِلْآخَرِ لَكَ الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ وَقِيَاسًا عَلَى الْجَبِيرَةِ وَالْقَصْرِ لِلصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ فَإِذَا زَالَتْ أَعْذَارُهُمْ لَا يُعِيدُونَ فَكَذَلِك هَهُنَا. الثَّانِي قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا طَلَعَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مَعَهُ مَاءٌ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَقْطَعُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْله وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَقْطَعُ إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ قَبْلَ السَّلَامِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَقْطَعُ. لَنَا أَنه مأذوق لَهُ فِي الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ وَالْأَصْلُ بَقَاء ذَلِك
الْإِذْن وَلقَوْله تَعَالَى {وَلَا تَطْلُبُوا أَعمالكُم} وَالْعَمَلُ كَانَ مَعْصُومًا قَبْلَ طَرَيَانِ الْمَاءِ وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ. حُجَّةُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْأَصْلَ إِيقَاعُ الصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَقَدْ قَدَرَ فَيَجِبُ وَلِأَنَّ كُلَّ مَا أَبْطَلَ الطَّهَارَةَ خَارِجَ الصَّلَاةِ أَبْطَلَهَا دَاخِلَ الصَّلَاةِ. جَوَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ يَنْتَقِضُ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَسُؤْرِ الْحِمَارِ فَإِنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ ببطلانها. نقوض سنة: يَحْتَجُّ الْخَصْمُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَمَةِ تُعْتَقُ فِي الصَّلَاةِ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ وَالْعُرْيَانِ يَجِدُ ثَوْبًا فِي الصَّلَاةِ وَالْمُسَافِرِ يَنْوِي الْإِقَامَةَ فِي أَثْنَائِهَا وَنَاسِي الْمَاءِ فِي رَحْلِهِ وَالْوَالِي يَقْدَمُ عَلَى وَالٍ آخَرَ فِي إِتْيَانِ الْجُمُعَةِ وَذِكْرِ الصَّلَاةِ فِي صَلَاةٍ وَالْفَرْقِ بَيْنَ صُورَةِ النِّزَاعِ وَبَيْنَ الْأُولَى وَالثَّانيَِة أَنَّهُمَا دخلا بِغَيْر بدل وَهَهُنَا بِبَدَلٍ وَهُوَ التَّيَمُّمُ مَعَ أَنَّ ابْنَ يُونُسَ قَالَ إِذَا عُتِقَتِ الْأَمَةُ بَعْدَ رَكْعَةٍ وَهِيَ مَكْشُوفَةُ الرَّأْسِ قَالَ أَشْهَبُ تَتَمَادَى وَلَا تُعِيدُ فِي وَقْتٍ وَلَا غَيْرِهِ كَالْمُتَيَمِّمِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِنْ لَمْ تَجِدْ مَنْ يُنَاوِلُهَا خِمَارًا وَلَا وَصَلَتْ إِلَيْهِ فَلَا تُعِيدُ وَإِنْ قَدَرَتْ أَعَادَتْ فِي الْوَقْتِ وَبَيْنَ الثَّالِثَةِ أَنَّ الْإِبْطَالَ وُجِدَ مِنْ جِهَتِهِ وَفِعْلِهِ بِكَوْنِهِ قَصَدَ الْإِقَامَةَ وَالْقَصْرُ رُخْصَةٌ فِي السَّفَرِ وَبَيْنَ الرَّابِعَةِ أَنَّهُ مَنْسُوبٌ لِلتَّفْرِيطِ لِنِسْيَانِهِ وَبَيْنَ الْخَامِسَةِ أَنَّ اسْتِنَابَةَ الثَّانِي عَنِ الْأَوَّلِ كَالْوَكِيلِ وَأَمَّا التَّيَمُّمُ فَهُوَ بَدَلٌ عَنِ الْوُضُوءِ وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ أَبْقَيْنَا الْأَوَّلَ لَتَرَكْنَا الِاحْتِيَاطَ لِلنَّاسِ كَافَّةً فِي جَمْعِهِمْ وَبَيْنَ السَّادِسَةِ أَنَّ نِسْيَانَ الصَّلَاةِ كَانَ مِنْ قِبَلِهِ فَهُوَ مُفَرِّطٌ وَلِأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ جَعَلَ الْوَقْتَ لِلْمَنْسِيَّةِ لِقَوْلِهِ عليه السلام
فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتٌ لَهَا
الْحَدِيثَ فَتَكُونُ الْحَاضِرَةُ حِينَئِذٍ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا وَمَنْ صَلَّى قَبْلَ الْوَقْتِ أَعَادَ أَمَّا الْمُتَيَمِّمُ فَصَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا بشروطها فتجزئه.
الثَّالِثُ قَالَ صَاحِبُ الْإِشْرَافِ إِذَا وَجَدَهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ لَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ إِذَا خَشِيَ فَوَاتَ الْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ يَخْشَ فَالْعُلَمَاءُ عَلَى بُطْلَانِ تَيَمُّمِهِ إِلَّا أَبَا سَلَمَةَ. لَنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اشْترط عَدو وُجُودِ الْمَاءِ وَهُوَ وَاجِدٌ. الرَّابِعُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا وَجَدَ الْجُنُبُ الْمَاءَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ وَخُرُوجِ الْوَقْتِ اغْتَسَلَ لِلْمُسْتَقْبَلِ وَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ فَيُعِيدُ مَا صَلَّى فِي الْوَقْتِ الَّذِي وَجَدَ فِيهِ الْمَاءَ. لَنَا مَا فِي أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ لِأَبِي ذَرٍّ
الصَّعِيدُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمْسِسْهُ بَشَرَتَهُ وَحَكَى صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الَّتِي اعْتَمَدَ عَلَيْهَا الْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ فِي أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَهُوَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُشْكِلَةِ وَقَدْ آنَ أَنْ نَكْشِفَ عَنْهُ فَنَقُولَ كَيْفَ يَسْتَقِيمُ قَوْلُنَا التَّيَمُّمُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ مَعَ أَنَّ الْحَدَثَ لَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا الْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ كَالرِّيحِ لِلْوُضُوءِ وَالْوَطْءِ لِلْغُسْلِ مَثَلًا وَالثَّانِي الْمَنْعُ الشَّرْعِيُّ مِنَ الْإِقْدَامِ عَلَى الْعِبَادَةِ حَتَّى نَتَطَهَّرَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَصَدَهُ الْفُقَهَاءُ بِقَوْلِهِمْ يَنْوِي الْمُتَطَهِّرُ رَفْعَ الْحَدَثِ فَإِنَّ رَفْعَ الْأَسْبَابِ مُحَالٌ. فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ الْأَوَّلَ فَكَذَلِكَ الْوُضُوءُ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الثَّانِي فَقَدِ ارْتَفَعَ بِالضَّرُورَةِ فَإِنَّ الْإِبَاحَةَ ثَابِتَةٌ إِجْمَاعًا وَمَعَ الْإِبَاحَةِ لَا مَنْعَ فَهَذَا بَيَانٌ ضَرُورِيٌّ لَا مَحِيصَ عَنْهُ. وَأَمَّا مَا يُتَمَسَّكُ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ عليه السلام لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ
صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ وَكَانَ مُتَيَمِّمًا وَمِنْ إِيجَابِ الْغسْل على الْجنب إِذا وَجب الْمَاءُ وَمِنْ عَدَمِ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَوَاتِ فَتَخَيُّلَاتٌ لَا تَحْقِيقَ لَهَا. أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ لِيَتَبَيَّنَ مَا عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِنَ الْفِقْه
لَا عَلَى الْخَبَرِ وَالْكَلَامُ مُحْتَمِلٌ لِلْأَمْرَيْنِ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا نَقُولُ عَلَى وَفْقِ الدَّلِيلِ الضَّرُورِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَأَمَّا وُجُوبُ الْغُسْلِ عَلَى الْجُنُبِ فَإِنَّ الْمَاءَ فِيهِ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ لِلتَّقَرُّبِ مَا لَيْسَ فِي التُّرَابِ فَوَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ عِنْدَ وُجُودِهِ لِمُنَاسَبَتِهِ لِمَعْنَى التَّقَرُّبِ لَا أَنَّ الْحَدَثَ بَاقٍ. وَأَمَّا عَدَمُ الْجَمْعِ بَيْنَ صَلَوَاتٍ فَذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ فِيهِ وَفِي الْوُضُوءِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا} إِلَى قَوْله تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا} وَالشُّرُوطُ اللُّغَوِيَّةُ أَسْبَابٌ وَالْأَصْلُ تَرْتِيبُ الْمُسَبَّبَاتُ عَلَى الْأَسْبَابِ وَكَذَلِكَ كَانَ عَلِيٌّ رضي الله عنه يَرَى أَلَّا يَجْمَعَ بَيْنَ فَرْضَيْنِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إِنَّ الْوُضُوءَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَكَذَلِكَ التَّيَمُّمُ. وَأَمَّا وُجُوبُ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ إِذَا وَجَدَهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلِمَا تَقَدَّمَ مِنْ مُنَاسَبَتِهِ لِلنَّظَافَةِ وَأَصَالَتِهِ لَا لِبَقَاءِ الْحَدَثِ. وَقَدِ اشْتَدَّ نَكِيرُ صَاحِبِ الْقَبَسِ وَإِنَّهُ لَمَعْذُورٌ قَالَ رَفْعُ التَّيَمُّمِ لِلْحَدَثِ هُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فَإِنَّ الْمُوَطَّأَ كِتَابُهُ الَّذِي كَانَ يُعْنَى بِهِ وَيُقْرَأُ عَلَيْهِ طُولَ عُمُرِهِ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ الْقَائِلُ فِيهِ يَؤُمُّ الْمُتَيَمِّمُ الْمُتَوَضِّئِينَ لِأَنَّ الْمُتَيَمِّمَ قَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَلَيْسَ الَّذِي وَجَدَ الْمَاءَ بِأَطْهَرَ مِنْهُ وَلَا أَتَمَّ صَلَاةً وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ رَفْعُ الْحَدَثِ بِالتَّيَمُّمِ مُغَيٌّ بِطَرَيَانِ الْمَاءِ كَمَا أَن رفع بِالْوضُوءِ مغي بِطَرَيَانِ الْحَدَثِ. وَكَذَلِكَ اشْتَدَّ تَعَجُّبُ الْمَازِرِيِّ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ لَعَلَّ الْخِلَافَ فِي اللَّفْظِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى رَفْعِ التَّيَمُّمِ لِلْحَدَثِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِن يُرِيد ليطهركم} وَبِقَوْلِهِ عليه السلام
جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا
وَحَكَى فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْمُسَيَّبِ وَابْنِ شِهَابٍ.
وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَيْنِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ إِذَا وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ وَقَبْلَ الصَّلَاةِ قَالَ وَفَائِدَةُ رَفْعِ الْحَدَثِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ وَطْءُ الْحَائِضِ إِذَا طَهُرَتْ بِهِ وَلُبْسُ الْخُفَّيْنِ بِهِ وَعَدَمُ وُجُوبِ الْوُضُوءِ إِذَا وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَهُ وَإِمَامَةُ الْمُتَيَمِّمِ الْمُتَوَضِّئِينَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ زَادَ ابْنُ شَاسٍ التَّيَمُّمَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَتَكُونُ خَمْسَةً. نَظَائِرُ خَمْسَةٌ التَّيَمُّمُ وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَالْمَسْحُ عَلَى شَعْرِ الرَّأْسِ وَالْغَسْلُ عَلَى الْأَظْفَارِ وَفِي الْجَمِيعِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ وَالْمَذْهَبُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ عَدَمُ الرَّفْعِ. الْخَامِسُ قَالَ فِي الْكِتَابِ يَؤُمُّ الْمُتَيَمِّمُ الْمُتَوَضِّئِينَ وَإِمَامَةُ الْمُتَوَضِّئِ لَهُمْ أَحَبُّ إِلَيَّ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَلَى أَصْلِنَا فَيُكَرَهُ لِأَنَّهَا حَالَةُ ضَرُورَةٍ كَصَاحِبِ السَّلَسِ وَالْإِجْزَاءِ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ صَلَّى مُتَيَمِّمًا بِالْمُتَوَضِّئِينَ وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ خَلْفَ مَنْ يُومِئُ وَالْقَارِئِ خَلْفَ الْأُمِّيِّ أَنَّ السُّجُودَ وَالْقِرَاءَةَ مِنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ فَالْإِخْلَالُ بِهِمَا إِخْلَالٌ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ فَالْمَأْمُومُ حِينَئِذٍ آتٍ بِصَلَاةٍ لَا سُجُودَ فِيهَا وَلَا قِرَاءَةَ لِأَنَّ الصَّلَاتَيْنِ وَاحِدَةٌ وَأَمَّا الطَّهَارَةُ فَلَا تَبَعِيَّةَ فِيهَا وَلَا اخْتِلَاطَ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهَا الِاسْتِبَاحَةُ وَهِيَ حَاصِلَةٌ. السَّادِسُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا نَوَى بِتَيَمُّمِهِ الصَّلَاةَ جَاهِلًا لِلْجَنَابَةِ وَصَلَّى لَا يُجزئهُ وَيُعِيد أبدا وَهُوَ قَول أبي حنيفَة قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَرُوِيَ عَنْهُ الْإِجْزَاءُ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَيُعِيد فِي الْوَقْت. وَجه الأول قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى وَهُوَ لَمْ يَنْوِ الْجَنَابَةَ فَلَا تَرْتَفِعُ وَلِأَنَّ الَّذِي نَوَاهُ لَيْسَ بِمَانِعٍ لِلصَّلَاةِ لِانْدِرَاجِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فِي الْأَكْبَرِ فَأَشْبَهَ مَا إِذَا نَوَى الْأَكْلَ أَوِ الشُّرْبَ وَلَوْ سَلَّمْنَا
عَدَمَ الِانْدِرَاجِ لَكِنَّ التَّيَمُّمَ لِلْوُضُوءِ بَدَلٌ عَنِ الْوُضُوءِ وَالْوُضُوءُ نَفْسُهُ بَعْضُ أَعْضَاءِ الْجَنَابَةِ فَلَا يُجْزِئُ عَنْهَا فَيَكُونُ بَدَلَهُ كَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَوَجْهُ الْإِجْزَاءِ أَنَّ صُورَةَ التَّيَمُّمِ لَهُمَا وَاحِدَةٌ وَمُوجِبُهُ لَهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ عَدَمُ الْمَاءِ فَيُجْزِئُ كَالْوضُوءِ للريح عَن الوضوئ مِنَ الْمَسِّ. فَلَوْ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ ثُمَّ تَبَيَّنَ عَدَمَهَا هَلْ يُجْزِئُهُ عَنِ الْوُضُوءِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ يُجْزِئُهُ. السَّابِعُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا تَيَمَّمَتِ الْحَائِضُ وَصَلَّتْ بَعْدَ طُهْرِهَا لَا يَطَؤُهَا زَوْجُهَا حَتَّى يَكُونَ مَعَهُمَا مِنَ الْمَاءِ مَا يَغْتَسِلَانِ بِهِ جَمِيعًا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يُرِيدُ حَتَّى يَكُونَ مَعَهُمَا مِنَ الْمَاءِ مَا يَتَطَهَّرَانِ بِهِ مِنَ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ شَعْبَانَ لَهُ وَطْؤُهَا بِالتَّيَمُّمِ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي. لَنَا أَنَّ التَّيَمُّمَ لَيْسَ بِطَهَارَةٍ فَيَقْتَصِرَ بِهِ عَلَى الصَّلَاةِ. حُجَّةُ الْجَوَازِ أَنَّهُ طَهَارَةٌ لِلصَّلَاةِ فَيَكُونُ طَهَارَةً لِغَيْرِهَا عَمَلًا بِارْتِفَاعِ الْمَنْعِ فِي الصُّورَتَيْنِ. الثَّامِنُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِذَا تَيَمَّمَ رَجُلَانِ فِي سَفَرٍ أَوْ نَفَرٌ يَسِيرٌ فَقَالَ رَجُلٌ وَهَبْتُ هَذَا الْمَاءَ لِأَحَدِكُمَا وَهُوَ يَكْفِي أَحَدَهُمَا قَالَ سَحْنُونُ مَنْ أَسْلَمَهُ لِصَاحِبِهِ انْتَقَضَ تَيَمُّمُ التَّارِكِ لَهُ وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ هُوَ لِأَحَدِكُمْ إِلَّا فِي الْعَدَدِ الْكَثِيرِ كَالْجَيْشِ فَلَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُ الْبَاقِينَ وَإِنْ قَلَّ كَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ قَوْلَهُ يُوجِبُ التَّشْرِيكَ بَيْنَهُمْ وَنَصِيبُ كُلِّ وَاحِد لَا يَقع بِهِ الكفارية بِخِلَافِ قَوْلِهِ هُوَ لِأَحَدِكُمَا فَإِنَّهُمَا لَوْ تَقَارَعَا عَلَيْهِ حَصَلَ لِأَحَدِهِمَا فَمَنْ أَسْلَمَهُ مَعَ جَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ فَإِذَا كَانَ اثْنَانِ كَانَ ظَنُّ أَحَدِهِمَا لِحَوْزِهِ أَقْرَبَ مِنَ الثَّلَاثَةِ وَكُلَّمَا كَثُرَ الْعَدَدُ ضَعُفَ الظَّنُّ وَلَوْ وَجَدُوهُ فِي الصَّحْرَاءِ بَعْدَ تَيَمُّمِهِمْ بِمَكَانٍ لَا ينسون فِيهِ إِلَى تَفْرِيطٍ فَإِنْ بَدَرَ إِلَيْهِ أَحَدُهُمْ فَتَوَضَّأ بِهِ قَالَ سَحْنُون فِي العتيبة لَا يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُ الْبَاقِينَ فَلَوْ أَعْطَوْهُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمُ اخْتِيَارًا قَالَ سَحْنُونُ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَنْتَقِضُ تيممهم أَجْمَعِينَ وَقَالَ فِي الجموعة لَا يَنْتَقِضُ إِلَّا تَيَمُّمُ الْمُسَلَّمِ إِلَيْهِ لِأَنَّهُمْ قَبْلَ حَوْزِهِ لَا يُعَدُّونَ مَالِكِينَ لَهُ وَإِنَّمَا مَلَكَهُ مَنْ حَازَهُ كَالصَّيْدِ وَلَوْ سَلِمَ مِلْكُهُمْ فَالَّذِي يُصِيبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا تَقَعُ بِهِ الْكِفَايَةُ كَمَا لَوْ وَهَبَهُ لِجَمِيعِهِمْ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِذَا وَجَدَ الرُّجَلَانِ فِي السَّفَرِ مِنَ الْمَاءِ كِفَايَةَ أَحَدِهِمَا فَيَتَشَاحَّانِ عَلَيْهِ يَتَقَاوَمَانِهِ لِأَنَّ الْمُقَاوَمَةَ شِرَاءٌ وَشِرَاءُ الْمَاءِ وَاجِبٌ فَإِنْ تَرَكَ أَحَدُهُمَا الْمُقَاوَمَةَ قَبْلَ بُلُوغِهِ الْقَدْرَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ شِرَاؤُهُ بِهِ وَصَلَّى أَعَادَ الصَّلَاةَ أَبَدًا فَلَوْ كَانَا مُعْدَمَيْنِ كَانَ لَهُمَا التَّيَمُّمُ جَمِيعًا إِلَّا أَنْ يُجِيبَا إِلَى الْقُرْعَةِ فَمَنْ صَارَ لَهُ انْتَقَضَ تَيَمُّمُهُ وَكَانَ عَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ صَاحِبِهِ دَيْنًا وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا كَانَ لِلْمُوسِرِ الْوُضُوءُ بِهِ وَيُؤَدِّي لِشَرِيكِهِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ إِلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إِلَى نَصِيبِهِ مِنْهُ فَيُقَسَّمُ وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ لَا تَلْزَمُ الْمُقَاوَمَةُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ إِلَّا أَنْ يَتَشَاحَّا وَأَمَّا إِنْ تَرَكَاهَا وَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا الْمَاءَ لِصَاحِبِهِ لَمْ يَنْتَقِضْ تَيَمُّمُ الدَّافِعِ قَالَ وَذَلِكَ بَعِيدٌ عِنْدِي. قَاعِدَةٌ الْمَوَانِعُ الشَّرْعِيَّةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ يُمْنَعُ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً كَالرَّضَاعِ يَمْنَعُ النِّكَاحَ قَبْلَهُ وَطَارِئًا عَلَيْهِ. وَالثَّانِي يُمْنَعُ ابْتِدَاءً فَقَطْ كَالِاسْتِبْرَاءِ يَمْنَعُ النِّكَاحَ ابْتِدَاءً وَإِذَا طَرَأَ عَلَيْهِ لَا يُبْطِلُهُ. الثَّالِثُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَالْإِحْرَامِ يَمْنَعُ مِنْ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الصَّيْدِ ابْتِدَاءً وَإِنْ طَرَأَ عَلَى الصَّيْدِ اخْتُلِفَ فِيهِ وَكَذَلِكَ الْمَاءُ مَعَ التَّيَمُّمِ وَعَلَى الْفَقِيهِ أَنْ يَنْظُرَ فِي رَدِّ الْفُرُوعِ إِلَى أَقْرَبِ الْأُصُولِ إِلَيْهَا فَيَعْتَمِدَ عَلَيْهِ. التَّاسِعُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَوْ وَجَدَ الْمُتَيَمِّمُ مَاءً فَتَوَضَّأَ بِهِ وَصَلَّى أَوْ لَمْ يُصَلِّ ثُمَّ عَلِمَ بِنَجَاسَتِهِ قَالَ سَحْنُونُ لَا يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُهُ قَالَ وَيُرِيد بِالنَّجسِ غَيْرَ الْمُتَيَقَّنِ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِعَدَمِ اتِّصَالِ تَيَمُّمِهِ بِصَلَاتِهِ. الْعَاشِرُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِذَا أَصَابَ الْمُتَيَمِّمَ بَوْلٌ وَلَا مَاءَ مَعَهُ مَسَحَهُ بِالتُّرَابِ وَأَعَادَ فِي الْوَقْتِ لِأَنَّهُ يزِيل الْعين.
صفحه فارغه
(الْبَابُ السَّادِسُ فِي الْحَيْضِ)
وَلْنُقَدِّمِ الْكَلَامَ عَلَى لَفْظِهِ وَحَقِيقَتِهِ وَسَبَبِهِ ثُمَّ الْكَلَامَ عَلَى فِقْهِهِ أَمَّا لَفْظُهُ فَحَكَى صَاحِبُ التَّنْبِيهَاتِ فِيهِ احْتِمَالَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ حَاضَتِ السَّمُرَةُ إِذَا خَرَجَ مِنْهَا مَاءٌ أَحْمَرُ فَشَبَّهَ دَمَ الْحَيْضِ بِهِ. وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْحَيْضَ وَالْمَحِيضَ مُجْتَمَعُ الدَّمِ وَمِنْهُ الْحَوْضُ لِاجْتِمَاعِ الْمَاءِ فِيهِ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْحَوْضَ مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ وَالْحَيْضَ مِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ فَهُمَا مُتَبَايِنَانِ وَلِذَلِكَ جَعَلَهُمَا صَاحِبُ الصِّحَاحِ فِي بَابَيْنِ وَتَقُولُ حَاضَتِ الْمَرْأَةُ تَحِيضُ حَيْضًا وَمَحِيضًا فَهِيَ حَائِضٌ وَحَائِضَةٌ وَقَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ إِنْ أَرَدْتَ الْحَالَةَ الْمُسْتَمِرَّةَ وَالصِّفَةَ الْمُعْتَادَةَ قُلْتَ حَائِضٌ وَطَاهِرٌ وَطَالِقٌ وَإِنْ أَرَدْتَ الْحَالَةَ الْحَاضِرَةَ قُلْتَ حَائِضَةٌ وَطَاهِرَةٌ وَطَالِقَةٌ وَالْحَيْضَةُ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ وَلَوْ دَفْعَةً بِفَتْحِ الْحَاءِ وَلَكِنَّ اصْطِلَاحَ الْمَذْهَبِ عَلَى أَنَّهَا الْمُدَّةُ الَّتِي تَعْتَدُّ بِهَا مِنْ زَمَانِ الْحَيْضِ فِي الْعَدَدِ وَالِاسْتِبْرَاءِ وَالْحِيضَةُ بِكَسْرِ الْحَاءِ الِاسْمُ وَالْخِرْقَةُ الَّتِي تَسْتَثْفِرُ بِهَا وَكَذَلِكَ الْمَحِيضَةُ. وَالْحَيْضُ وَالطُّهْرُ يُسمى كل وَاحِد مِنْهَا قُرْءًا وَقُرْءًا بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِهَا
وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ قِيلَ الْإِطْلَاقُ عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاكِ وَقِيلَ مُتَوَاطِئٌ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ الْمُشْتَرَكِ فَقِيلَ اجْتِمَاعُ الدَّمِ فِي الْجَسَدِ زَمَانَ الطُّهْرِ أَوْ فِي الرَّحِمِ زَمَانَ الْحَيْضِ فَإِنَّ أَصْلَ الْقُرْءِ الْجَمْعُ وَمِنْهُ قَرَأْتُ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ إِذَا جَمَعْتُهُ وَمِنْهُ الْقِرَاءَةُ لِلْكُتُبِ فَإِنَّهُ جَمْعُ حَرْفٍ إِلَى حَرْفٍ وَكَلِمَةٍ إِلَى كَلِمَةٍ وَقِيلَ الْمُشْتَرَكُ الزَّمَانُ لِقَوْلِهِمْ جَاءَ فُلَانٌ لِقُرْئِهِ أَيْ لِزَمَانِهِ وَلَمَّا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَمَانٌ يَخُصُّهُ قِيلَ لَهُ قُرْءٌ وَتَقُولُ الْعَرَبُ اسْتُحِيضَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا اسْتَمَرَّ دَمُهَا بَعْدَ أَيَّامِهِ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ وَتَحَيَّضَتْ أَيْ قَعَدَتْ أَيَّامَ حَيْضِهَا وَفِي الْحَدِيثِ
تَحَيَّضِي فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتًّا أَوْ سَبْعًا
وَأَمَّا حَقِيقَتُهُ فَهُوَ غُسَالَةُ الْجَسَدِ وَفَضَلَاتِ الْأَغْذِيَةِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِلْبَقَاءِ وَلِذَلِكَ عَظُمَ نَتَنُهُ وَقَبُحَ لَوْنُهُ وَاشْتَدَّ لَذْعُهُ وَامْتَازَ عَلَى دَمِ الْجَسَدِ وَكَذَلِكَ عَلَى الَّذِي مِنْهُ دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِحَيْضَةٍ أَيْ عِرْقٌ انْشَقَّ فَخَرَجَ مِنْهُ دَمُ الْجَسَدِ وَلَيْسَ بِغُسَالَةٍ فَيَجْتَمِعُ ذَلِكَ مِنَ الْوَقْتِ إِلَى الْوَقْتِ ثُمَّ يَنْدَفِعُ فِي عُرُوقِ الدَّمِ فَيَخْرُجُ مِنْ فُوَّهَاتِهَا إِلَى تَجْوِيفِ الرَّحِمِ فَيَجْتَمِعُ هُنَاكَ ثُمَّ يَنْدَفِعُ فِي عُنُقِ الرَّحِمِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْوَطْءِ وَجَعَلَ اللَّهُ سبحانه وتعالى ذَلِكَ عَلَمًا عَلَى بَرَاءَةِ الْأَرْحَامِ وَحِفْظًا لِلْأَنْسَابِ. وَأَمَّا سَبَبُهُ فَقِيلَ لَمَّا أَعَانَتْ حَوَّاءُ آدَمَ عَلَى الْأَكْلِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا هَذَا الدَّمَ عُقُوبَةً لَهَا يُبْعِدُهَا عَنْ طَاعَةِ رَبِّهَا حَالَةَ مُلَابَسَتِهِ لَهَا وَأَقَرَّ ذَلِكَ فِي بَنَاتِهَا وَقِيلَ أَوَّلُ مَا امْتُحِنَ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ. وَأَمَّا فِقْهُهُ فَنُمَهِّدُ لَهُ بِالنَّظَرِ فِي أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَأَقْسَامِ الْحَيْضِ وَدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ وَدَمِ النِّفَاسِ فَهَذِهِ أَرْبَعَة فُصُول.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ
وَأَقَلُّ الْحَيْضِ غَيْرُ مَحْدُودٍ بَلِ الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ حَيْضٌ سَوَاءٌ كَانَتَا فِي أَوَّلِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ خِلَافًا لِمَكْحُولٍ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَبْعَثْنَ إِلَيْهَا بِالدِّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ فَتَقُولُ لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ وَالدِّرَجَةُ بِكَسْرِ الدَّالِّ وَفَتْحِ الرَّاءِ جَمْعُ دُرْجَةٍ بِضَمِّ الدَّالِّ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْخِرْقَةُ وَالْكُرْسُفُ الْقُطْنُ وَهُوَ أليق بالرحم اللينه وَتَجْفِيفِهِ لِمَا يَجِدُهُ وَصَفَائِهِ. وَالدَّفْعَةُ مِنَ الدَّمِ حيض خلافًا لأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي أَنَّهُمَا لَا يُعِدَّانِ حَيْضًا إِلَّا مَا كَانَ يَعْتَدُّ بِهِ فِي الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ فَحَدَّدَهُ أَبُو حنيفَة وَابْن مسلمة بِثَلَاثَة أَيَّام وَالشَّافِعِيّ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. وَفِي التَّفْرِيعِ أَقَلُّ الْحَيْضِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ فِي الْعِدَدِ وَالِاسْتِبْرَاءِ لِعَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ الْمَازِرِيُّ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فِي الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ وَفِي الْكِتَابِ فِي كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ إِذَا رَأَتِ الدَّمَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَتَسْأَلُ عَنْهُ النِّسَاءَ فَإِنْ قُلْنَ يَقَعُ بِهِ الِاسْتِبْرَاءُ اسْتَبْرَأَتْ بِهِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادَ تَفْرِقَةُ مَالِكٍ بَيْنَ الْعَدَدِ وَالصَّلَاةِ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ عَدَمُ التَّفْرِقَةِ فَتَكُونُ الدَّفْعَةُ تَحْرُمُ بِهَا الصَّلَاةُ وَتَنْقَضِي بِهَا الْعِدَّةُ فَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ وَبَعْضِ يَوْمٍ. وَالْمَعْرُوفُ مِنَ الْمَذْهَبِ التَّفْرِقَةُ لِقَوْلِهِ عليه السلام
دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ فَإِذَا رَأَيْتِ ذَلِكَ فَاتْرُكِي الصَّلَاة
وَقَوله تَعَالَى {فل هُوَ أَذَى فاعتزلوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض} وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ النِّفَاسِ غَيْرُ مَحْدُود فَكَذَلِك
فُرُوعٌ أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ قَالَ فِي التَّلْقِينِ يَمْنَعَانِ أَحَدَ عَشَرَ حُكْمًا وُجُوبَ الصَّلَاةِ وَصِحَّةَ فِعْلِهَا وَفِعْلَ الصَّوْمِ دُونَ وُجُوبِهِ وَالْجِمَاعُ فِي الْفَرْجِ وَمَا دُونَهُ وَالْعِدَّةُ وَالطَّلَاقُ وَالطَّوَافُ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ وَالِاعْتِكَافُ وَفِي الْقِرَاءَةِ رِوَايَتَانِ أَمَّا الْأَوَّلُ وَالثَّانِي فَبِالْإِجْمَاعِ فَرْعٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَوْ بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ رَكْعَةٌ فَابْتَدَأَتْ تُصَلِّي الْعَصْرَ فَلَمَّا فَرَغَتِ الرَّكْعَةُ غَابَتِ الشَّمْسُ وَحَاضَتْ قَالَ سَحْنُونُ تَقْضِيهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَحِضْ إِلَّا بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا كَمَا لَوْ لَمْ تُصَلِّهَا وَقَالَ أَصْبَغُ لَا تَقْضِيهَا لِأَنَّ مَا تَوَقَّعَهُ بَعْدَ الْغُرُوبِ لَوْ كَانَ زَمَنَ أَدَاءٍ لَكَانَتْ مَنْ إِذَا حَاضَتْ فِيهِ وَلَمْ تُصَلِّ الْعَصْرَ يَسْقُطُ عَنْهَا وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَمَعْنَاهُ فَقَدْ أَدْرَكَ وَجُوبَهَا لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُصَلِّيهَا فَلَا يَكُونُ أَدَاءً وَخَبَرُ الشَّرْعِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا. وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ وُجُوبُ الصَّوْمِ قَالَ الْمَازِرِيُّ أَنْكَرَهُ عَلَى الْقَاضِي جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْوَاجِبِ مَا يُعَاقَبُ تَارِكُهُ وَالْحَائِض لَا تعاقب على الصَّوْمِ وَالشَّيْءُ لَا يُوجَدُ بِدُونِ حَقِيقَتِهِ وَحْدَهُ فَلَا يَكُونُ الصَّوْمُ وَاجِبًا وَهُوَ مُحَرَّمٌ وَوَافَقَ الْقَاضِيَ عَلَى ذَلِكَ أَبُو الطَّاهِرِ وَجَمَاعَةٌ شُبْهَتُهُمْ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْحَائِضَ تَنْوِي الْقَضَاءَ إِجْمَاعًا وَالْقَضَاءُ فَرْعُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ. الثَّانِي لَوْ كَانَ الصَّوْمُ لَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ لَكَانَ وُجُوبُهُ مُنْشَأً فِي زَمَنِ الْقَضَاءِ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا احْتَاجَتْ إِلَى إِضَافَتِهِ لِرَمَضَانَ السَّابِقِ. وَجَوَابُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْقَضَاءَ فَرْعُ تَحَقُّقِ سَبَبِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لَا الْأَدَاءِ وَالسَّبَبُ مُتَحَقِّقٌ فِي حَقِّهَا وَهُوَ رُؤْيَة الْهلَال.
وَجَوَابُ الثَّانِي أَنَّ الْحَاجَةَ لِإِضَافَتِهِ لِمَا سَبَقَ لَتَعَيَّنَ نِسْبَتُهُ إِلَيْهِ فَإِنَّ الْوُجُوبَ يَثْبُتُ حَالَةَ الطُّهْرِ مُضَافًا لِذَلِكَ السَّبَبِ وَمَقْصُودُ النِّيَّةِ تَمْيِيزُ الْعِبَادَاتِ عَنِ الْعَادَاتِ أَوْ تَمْيِيزُ مَرَاتِبِ الْعِبَادَاتِ وَلَا تَمْيِيزَ لِهَذَا الصَّوْمِ إِلَّا بِسَبَبِهِ فَوَجَبَتْ إِضَافَتُهُ إِلَيْهِ كَمَا تُضَافُ الصَّلَوَاتُ إِلَى أَسْبَابِهَا. وَأَمَّا الْوَطْءُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} فَحَرُمَ وَنَبَّهَ عَلَى سَبَبِ الْمَنْعِ وَهُوَ الْأَذَى وَهَذَا الظَّاهِرُ يَقْتَضِي اعْتِزَالَهُنَّ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَقَدْ قَالَ بِهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لَا سِيَّمَا إِذَا قُلْنَا فِي الْمَحِيضِ اسْمُ زَمَانِ الْحَيْضِ فَإِنَّ هَذَا الْبِنَاءَ يَصْلُحُ لِلْمَصْدَرِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ يَقْتَضِي اقْتِصَارَ تَحْرِيمِ الْمُبَاشَرَةِ لِلْفَرْجِ فَقَطْ لَا سِيَّمَا إِنْ قُلْنَا إِنَّ الْمَحِيضَ اسْمُ مَكَانِ الْحَيْضِ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ وَابْنِ حَبِيبٍ وَلَوْلَا السُّنَّةُ لَكَانَ النَّظَرُ مَعَهُمَا لِأَنَّ النُّصُوصَ تَتَّسِعُ عِلَلُهَا. وَالْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ جَمَعَ بَيْنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَفِي الْمُوَطَّأِ وَالصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا أَمَرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم َ - فَتَأْتَزِرُ بِإِزَارٍ ثُمَّ يُبَاشِرُهَا وَفِي أَبِي دَاوُدَ عَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ عليه السلام كَانَ صلى الله عليه وسلم َ - يُبَاشِرُ الْمَرْأَةَ مِنْ نِسَائِهِ وَهِيَ حَائِضٌ إِذَا كَانَ عَلَيْهَا إِزَارٌ يَبْلُغُ أَنْصَافَ الْفَخِذَيْنِ أَوِ الرُّكْبَتَيْنِ. فَائِدَتَانِ: الْأُولَى سَبَبُ سُؤَالِهِمْ لَهُ حَتَّى نزل قَوْله تَعَالَى {ويسئلونك عَن الْمَحِيض} فَقِيلَ كَانُوا يَعْتَزِلُونَ مَوَاضِعَ الْحُيَّضِ كَالْيَهُودِ فَسَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْحَرَامَ الْجِمَاع بقوله تَعَالَى {فِي الْمَحِيض} وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْآيَةِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا قَوْله تَعَالَى {فَإِذا تطهرن فأتوهن} وَالْمُرَادُ بِالْإِتْيَانِ الْوَطْءُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَمْنُوع مِنْهُ هُوَ الْوَطْء وَأَنه هُوَ المغيا بِحَتَّى لِيَلْتَئِمَ السِّيَاقُ وَثَانِيهِمَا أَنَّا نَحْمِلُ الْمَحِيضَ عَلَى اسْمِ مَكَانِ الْحَيْضِ وَقِيلَ سَأَلُوا لِأَنَّهُمْ يجتنبون
الْحُيَّضَ فِي الْقُبُلِ وَيَأْتُونَهُنَّ فِي الدُّبُرِ فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالِاعْتِزَالِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَأَبَاحَ بَعْدَ الطُّهْرِ الْقُبُلَ فَقَطْ بِقَوْلِهِ {مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله} . الثَّانِيَةُ لَيْسَ عَلَى وَاطِئِ الْحَائِضِ كَفَّارَةٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ لَوَازِمِ التَّحْرِيمِ بِدَلِيلِ الْغَصْبِ وَالْغَيْبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ حِينَئِذٍ مِنْ دَلِيل يقررها وَلم يُوجد فيقرر. وَقَالَ الشَّافِعِي وَابْنُ حَنْبَلٍ وَجَمَاعَةٌ يُكَفِّرُ وَأَوْجَبَ الْحَسَنُ كَفَّارَةَ رَمَضَان وَأحمد يُخبرهُ بَيْنَ دِينَارٍ وَنِصْفِ دِينَارٍ وَقَتَادَةُ يُوجِبُ بِإِصَابَتِهِ فِي الدَّمِ دِينَارَيْنِ وَبَعْدَ انْقِطَاعِهِ نِصْفَ دِينَارٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ يُوجِبُ إِنْ أَصَابَهَا أَوَّلَ الدَّمِ دِينَارًا وَفِي آخِرِهِ نِصْفَ دِينَارٍ وَلَعَلَّ هَذِهِ الْأُمُور مِنْهُم اسْتِحْسَانٌ لِدَفْعِ السَّيِّئَةِ بِالْحَسَنَةِ فَرْعٌ فِي الْجَوَاهِرِ يَحْرُمُ وَطْؤُهَا بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ وَقَبْلَ الْغُسْلِ خلافًا للأبي حنيفَة فِي إِبَاحَتِهِ ذَلِكَ إِذَا انْقَضَى أَكْثَرُ الْحَيْضِ وَهُوَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ عِنْدَهُ أَوْ وُجِدَ مَعْنًى يُنَافِي حُكْمَ الْحَيْضِ مِثْلَ حُضُورِ آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عِنْدَهُ مُتَعَلِّقٌ بِآخِرِ الْوَقْتِ أَوْ يَتَيَمَّمُ لِلصَّلَاةِ وَوَافَقَهُ ابْنُ بُكَيْرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي الْإِبَاحَةِ. لَنَا قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يطهرن فَإِذا تطهرن فأتوهن} فَاشْتَرَطَ انْقِطَاعَ الدَّمِ وَالْغُسْلَ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْغُسْلُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التوابين وَيُحب المتطهرين} مَدْحًا وَحَثًّا عَلَى التَّطْهِيرِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُكْتَسَبٌ وَانْقِطَاعُ الدَّمِ لَيْسَ بِمُكْتَسَبٍ. وَأَمَّا قَول أبي حنيفَة إِنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ الدَّمُ فَيَزُولُ بِزَوَالِ عِلَّتِهِ فَيُشْكِلُ عَلَيْهِ بِانْقِطَاعِهِ قَبْلَ الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ فَلَوْ تييمت عَلَى مَذْهَبِنَا فَفِي جَوَازِ وَطْئِهَا بَعْدَ أَيَّامِ الدَّمِ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ هَلْ يَرْفَعُ الْحَدَثَ أَمْ لَا.
فرع فِي الْكتاب يجْبر الْمُسلم زَوجته الذِّمِّيَّة عَلَى غُسْلِ الْحَيْضِ دُونَ الْجَنَابَةِ لِأَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَغْسِلَ وَعَنْ مَالِكٍ فِي غَيْرِ الْكِتَابِ لَا يُجْبِرُهَا لِأَنَّ الْغُسْلَ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ هُوَ الْغُسْلُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ مِنْهَا لِأَنَّهَا لَا تَنْوِي الْوُجُوبَ قِيلَ هُوَ يَنْوِي عَنْهَا فَقِيلَ كَيْفَ يَنْوِي الْإِنْسَانُ عَنْ غَيْرِهِ قِيلَ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ يَنْوِي غَيْرُ الْمَغْسُولِ. أُجِيبَ بِأَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ فِعْلُ النَّاوِي فَلِذَلِكَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ فَإِنَّ نِيَّةَ الْإِنْسَانِ إِنَّمَا تُخَصِّصُ فِعْلَهُ دُونَ فِعْلِ غُسْلِ غَيْرِهِ وَغُسْلُ الذِّمِّيَّةِ لَيْسَ فِعْلَ الزَّوْجِ فَنِّيَّتُهُ لَهُ كَنِيَّتِهِ لِصَلَاةِ غَيْرِهِ وَأَمَّا غُسْلُ الْمَيِّتِ فَفِعْلُ النَّاوِي فَظَهَرَ الْفَرْقُ وَعُلِمَ أَنَّ الْمُمْكِنَ مِنَ الذِّمِّيَّةِ لَيْسَ هُوَ شَرْطَ الْوَطْءِ وَشَرْطُ الْوَطْءِ لَيْسَ مُمْكِنًا مِنْهَا حَالَةَ الْكُفْرِ وَفِي هَذَا الْمَقَامِ اضْطَرَبَتْ آرَاءُ الْأَصْحَابِ وَتَزَلْزَلَتْ عَلَيْهِمُ الْقَوَاعِدُ فَرَأَوْا أَنَّ أَحَدَ الْإِشْكَالَيْنِ لَازِمٌ إِمَّا إِبَاحَةُ الْوَطْءِ بِدُونِ شَرْطِهِ أَو اعْتِقَاد مَا لَيْسَ بِشَرْطٍ شَرْطًا وَكَشْفُ الْغِطَاءِ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَقُولَ: قَاعِدَةٌ خِطَابُ الشَّرْعِ قِسْمَانِ خِطَابُ وَضْعٍ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى عِلْمِ الْمُكَلَّفِ وَلَا قُدْرَتِهِ وَلَا إِرَادَتِهِ وَلَا نِيَّتِهِ وَهُوَ الْخِطَابُ بِالْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَخِطَابُ تَكْلِيفٍ يَفْتَقِرُ إِلَى ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُهُ فِي مُقَدّمَة الْكتاب وَالْغسْل من الْحيض مِنَ الْحَيْضِ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى خِطَابَانِ خِطَابُ وَضْعٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ شَرْطٌ وَخِطَابُ تَكْلِيفٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ عِبَادَةٌ وَالْخِطَابُ الثَّانِي هُوَ الْمُحْتَاجُ إِلَى النِّيَّةِ فَعَدَمُ النِّيَّةِ يَقْدَحُ فِيهِ دُونَ الْأَوَّلِ فَيَبْطُلُ كَوْنُ هَذَا الْغُسْلِ عِبَادَةً وَيَبْقَى كَوْنُهُ شَرْطًا وَلَا يَلْزَمُ إِبَاحَةُ الْمُسْلِمَةِ إِذَا اغْتَسَلَتْ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِأَنَّهَا مُكَلَّفَةٌ بِخِلَافِ الذِّمِّيَّةِ وَكَانَ الْأَصْلُ إِبَاحَتَهَا خُولِفَ الدَّلِيلُ ثمت فَيبقى هَا هُنَا عَلَى مُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ. وَأَمَّا مَسُّ الْمُصْحَفِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ} وَلِقَوْلِهِ عليه السلام لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ لَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ إِلَّا طَاهِرٌ.
وَأَمَّا الْمَسْجِدُ فَلِقَوْلِهِ عليه السلام لَا يَحِلُّ الْمَسْجِدُ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَأَجَازَهُ ابْنُ مَسْلَمَةَ وَقَالَ هُمَا طَاهِرَانِ وَإِنَّمَا يُخْشَى مِنْ دَمِ الْحَيْضِ. وَأَمَّا جَوَازُ الْقِرَاءَةِ فَلِمَا يُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا كَانَتْ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهِيَ حَائِضٌ وَالظَّاهِرُ اطِّلَاعُهُ عليه السلام وَأَمَّا الْمَنْعُ فَقِيَاسًا عَلَى الْجُنُبِ وَالْفَرْقُ لِلْأَوَّلِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَنَّ الْجَنَابَةَ مُكْتَسَبَةٌ وَزَمَانُهَا لَا يَطُولُ بِخِلَافِ الْحَيْضِ. فُرُوعٌ: الْأَوَّلُ قَالَ صَاحِبُ النُّكَتِ إِذَا وَقَعَ دَمُ الْحَيْضِ وَلَمْ تَغْتَسِلْ فَهِيَ كَالْجُنُبِ فِي الْمَنْعِ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَالْوُضُوءِ لِلنَّوْعِ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ أَمْرَهَا. الثَّانِي قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ إِذَا رَأَتِ الدَّمَ قَبْلَ أَيَّامِ حَيْضَتِهَا قَبْلَ وَقْتِ الْعَادَةِ إِنْ كَانَ حَيْضُهَا مِنَ الْأَمَامِ مَا يَمْنَعُ الْإِصَابَةَ جُعِلَ حَيْضًا وَإِلَّا كَانَ حَيْضَةً وَاحِدَةً قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَفِي الْقَدْرِ الْمَانِعِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا مَا فِي الْكِتَابِ مِنَ الْإِحَالَةِ عَلَى الْعُرْفِ وَالْأَرْبَعَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ. الثَّالِثُ إِذَا انْقَطَعَتِ الْحَيْضَةُ فَحَاضَتْ يَوْمًا وَطَهُرَتْ يَوْمًا قَالَ فِي الْكتاب تلْغي أَيَّام النَّقَاء خلافًا لأبي ح فَإِذَا كَمُلَ مِنْ أَيَّامِ الدَّمِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ قَالَ أَيْضًا فِي الْكِتَابِ تُلَفِّقُ مِنْ أَيَّامِ الدَّمِ أَيَّامَهَا وَتَسْتَطْهِرُ بِثَلَاثٍ وَالْأَيَّامُ الَّتِي تُلْغَى هِيَ فِيهَا طَاهِرٌ تُصَلِّي وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَتَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ إِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ إِذْ لَعَلَّهُ لَا يَرْجِعُ إِلَيْهَا وَلَا تَكُونُ حَائِضًا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ تَتَيَقَّنَ دَمَ الْحَيْضِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَسْتَطْهِرُ يَرِدُ إِذَا كَانَتْ دُونَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَفِيهَا خَمْسَةُ أَقْوَالِ الَّتِي تَأْتِي فِي الْمُعْتَادَةِ إِذَا جَاوَزَ دَمُهَا عَادَتَهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ تَكُونُ مُسْتَحَاضَةً فَخَالَفَ فِيهِ ابْنُ مَسْلَمَةَ عَلَى تَفْصِيلٍ فَإِنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ عِنْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِذا مضى
مِنَ الْأَيَّامِ أَكْثَرُ الْحَيْضِ وَأَقَلُّ الطُّهْرِ كَانَ الْآتِي بَعْدَ ذَلِكَ حَيْضًا تَامًّا وَتُلَفِّقُ أَيَّامَ الطُّهْرِ كَمَا يُلَفِّقُ الْحُيَّضُ فَإِذَا كَانَ الْحَيْضُ يَوْمًا بِيَوْمٍ لَفَّقَتْ مِنْ أَيَّامِ الدَّمِ خَمْسَةَ عشر يَوْم وَلَا تَكُونُ مُسْتَحَاضَةً وَإِنْ كَانَ الْحَيْضُ يَوْمًا وَالطُّهْرُ يَوْمَيْنِ لَمْ تُلَفِّقْ أَيَّامَ الْحَيْضِ وَإِلَّا فَقَدْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ فَتَكُونُ مُسْتَحَاضَةً. وَضَابِطُهُ أَنَّ أَيَّامَ الدَّمِ إِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ أَيَّامِ الطُّهْرِ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَحِيضُ أَكْثَرَ مِنْ زَمَنِ طُهْرِهَا وَإِنْ كَانَ زَمَنُ الطُّهْرِ أَكْثَرَ أَوْ مُسَاوِيًا فَهِيَ عِنْدَهُ حَائِضٌ بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ الدَّمِ وَطَاهِرٌ فِي أَيَّامِ الِانْقِطَاعِ وَالْمَذْهَبُ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ إِذَا يُعْلَمُ أَنَّ الدَّمَ الْأَوَّلَ وَالْأَخِيرَ حَيْضَةٌ فَالْأَيَّامُ الْمُتَخَلِّلَةُ لَيْسَتْ فَاصِلَةً بَيْنَ حَيْضَيْنِ فَلَا يكون طهرا. حجَّة أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ أَنَّ حَدَّ الطُّهْرِ غَيْرُ مَوْجُود هَا هُنَا فَيَلْزَمُ انْتِفَاءُ الْمَحْدُودِ فَلَا يَكُونُ يَوْمُ النَّقَاءِ طُهْرًا فَيَكُونُ حَيْضًا إِذْ لَا وَاسِطَةَ. جَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الطُّهْرَ مَحْدُودٌ بِحَسَبِ الْعدَد لَا بِحَسب الْعِبَادَة وَثَانِيهمَا أَن أَبَا حنيفَة قَدْ يُجَوِّزُ وَطْأَهَا فِي يَوْمِ النَّقَاءِ إِذَا اغْتَسَلَتْ أَوْ تَيَمَّمَتْ وَذَلِكَ دَلِيلُ الطُّهْرِ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ فَلِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه إِذَا رَأَتِ الْمُسْتَحَاضَةُ الطُّهْرَ وَلَوْ سَاعَةً فَلْتَغْتَسِلْ. فَرْعَانِ مُرَتَّبَانِ. الْأَوَّلُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ إِذَا رَأَتِ الدَّمَ فِي الْيَوْمِ وَلَوْ سَاعَةً حَسِبَتْهُ مِنْ أَيَّامِ الدَّمِ وَإِنِ اغْتَسَلَتْ فِي بَاقِيهِ وَصَلَّتْ. الثَّانِي لَوْ طَلَّقَهَا فِي إِبَّانِ النَّقَاءِ قَالَ التُّونِسِيُّ مُخَيَّرٌ عَلَى رَجَعْتِهَا وَفِي النُّكَتِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الشُّيُوخِ لَا يُخَيَّرُ لِأَنَّهُ زَمَانٌ يَجُوزُ الْوَطْءُ فِيهِ وَالْأول أظهر لقَوْله تَعَالَى {فطلقوهن لعدتهن} أَيْ لِاسْتِقْبَالِهَا وَهَذِهِ لَا تَسْتَقْبِلُ عِدَّتَهَا.
الرَّابِعُ قَالَ فِي الْكِتَابِ عَلَامَةُ الطُّهْرِ الْقَصَّةُ الْبَيْضَاءُ إِنْ كَانَتْ تَرَاهَا وَإِلَّا فَالْجُفُوفُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهِيَ أَنْ تُدْخِلَ الْخِرْقَةَ جَافَّةً فَتَخْرُجُ جَافَّةً كَذَلِكَ. وَالْقَصَّةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ الْقَصِّ بِفَتْحِ الْقَافِ وَهُوَ الْجِيرُ وَمِنْه نَهْيه صلى الله عليه وسلم َ - عَنْ تَقْصِيصِ الْقُبُورِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ أَنَّهَا تُشْبِهُ الْبَوْلَ وَرَوَى أَنَّهَا تُشْبِهُ الْمَنِيَّ وَلَعَلَّ ذَلِكَ مُخْتَلِفٌ فِي النِّسَاءِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهَا إِنْ رَأَتِ الْجُفُوفَ وَعَادَتُهَا الْقَصَّةُ فَلَا تُصَلِّي حَتَّى تَرَاهَا إِلَّا أَنْ يَطُولَ ذَلِكَ قَالَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الطُّولُ خَوْفُ فَوَاتِ الصَّلَاةِ وَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ الِاخْتِيَارِيُّ أَوْ هُوَ الضَّرُورِيُّ قَالَ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا لَا تَنْتَظِرُ زَوَالَ الْقَصَّةِ بَلْ تَغْتَسِلُ إِذَا رَأَتْهَا لِأَنَّهَا عَلَامَةُ الطُّهْرِ قَالَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَنْ عَادَتُهَا الْجُفُوفُ لَا تَطْهُرُ بِالْقَصَّةِ وَمَنْ عَادَتُهَا الْقَصَّةُ تَطْهُرُ بِالْجُفُوفِ لِأَنَّ الْحَيْضَ دَمٌ ثُمَّ صُفْرَةٌ ثُمَّ تَرِيَّةٌ ثُمَّ كُدْرَةٌ ثُمَّ قَصَّةٌ ثُمَّ جَفَافٌ قَالَ ابْن شاش قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَامَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فِي حَقِّ مَنِ اعْتَادَتْهَا فَيَكُونُ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَيَدُلُّ لِلْمَذْهَبِ عَلَى أَنَّ الْقَصَّةَ أَبْلَغُ أَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِدَاخِلِ الرَّحِمِ وَالْخِرْقَةُ لَا تَصِلُ إِلَى ذَلِكَ وَقَوْلُ عَائِشَةَ رضي الله عنها لَا تعجلين حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا تَطْهُرُ حَتَّى تَرَى الْجَفَافَ ثُمَّ تَجْرِي بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنْ عَادَتِهَا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَيَتَخَرَّجُ فِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لَا تَغْتَسِلُ حَتَّى تَرَى الْقَصَّةَ لِأَنَّهَا أَبْلَغُ وَالثَّانِي أَنَّهَا تَنْتَظِرُ عَادَةَ أَقَارِبِهَا مِنْ أَهْلِهَا فَإِنْ رَأَتْ عَادَتَهُنَّ اتَّبَعَتْهَا وَإِلَّا كَانَتْ عَلَى حُكْمَيْنِ إِذَا رَأَتْ خِلَافَ عَادَتِهِنَّ فَإِنِ اخْتَلَفَ أَقَارِبُهَا فَأَخَوَاتُهَا أَقْرَبُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَأُمُّهَا وَخَالَاتُهَا أَقْرَبُ مِنْ عَمَّاتِهَا. فُرُوعٌ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِذَا اغْتَسَلَتْ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ ثُمَّ رَأَتْ قَطْرَةَ دَمٍ أَوْ غُسَالَتَهُ لَمْ تُعِدِ الْغسْل وتتوضا وَهَذِه تسمى التربة بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ
الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ لِقَوْلِ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها
كُنَّا لَا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا وَفِي الْكِتَابِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ لَا تُصَلِّي مَا دَامَتْ تَرَى التِّرِيَّةَ شَيْئًا مِنْ حَيْضٍ أَوْ حَمْلٍ لِأَنَّهُ دَمٌ مِنَ الرَّحِمِ وَقِيَاسًا عَلَى مَا إِذَا تَمَادَى يَوْمًا وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَعُدُّهُمَا طُهْرًا. الثَّانِي قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِنْ خَرَجَتِ الْخِرْقَةُ بِالدَّمِ وَحَشَتْ غَيْرَهَا ثُمَّ أَخْرَجَتْهَا آخِرَ النَّهَارِ جَافَّةً كَانَتْ طَاهِرًا مِنْ قَبْلِ هَذَا الْحَشْوِ بِخِلَافِ مَا إِذَا رَأَتْ فِي الْحَشْوِ الثَّانِي الْقَصَّةَ فَإِنَّهَا تَكُونُ طَاهِرًا مِنْ حِينِ خُرُوجِهَا لِأَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِ الدَّمِ كَالصَّدِيدِ ثُمَّ عَلَيْهَا اعْتِبَارُ حَالِ خُرُوجِهَا فَإِنْ تَيَقَّنَتْهُ وَإِلَّا عَمِلَتْ بِالْأَحْوَطِ. الثَّالِثُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَقُومَ قَبْلَ الْفَجْرِ لِتَنْظُرَ طُهْرَهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ مَصَابِيحُ قَالَ وَالْقِيَاسُ ذَلِكَ لَكِنَّ الْعَمَلَ أَسْقَطَهُ فَتَعْتَبِرُهُ عِنْدَ إِرَادَةِ النَّوْمِ فَإِنِ اسْتَيْقَظَتْ بَعْدَ الْفَجْرِ وَهِيَ طَاهِرٌ وَحَزَرَتْ تَقَدُّمَهُ مِنَ اللَّيْلِ عَمِلَتْ عَلَى مَا قَامَتْ عَلَيْهِ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ حَتَّى تَتَيَقَّنَ الطُّهْرَ وَيَجِبُ عَلَيْهَا أَيْضًا أَنْ تَنْظُرَ عِنْدَ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ فِي أَوَائِلِهَا وُجُوبًا مُوَسَّعًا وَفِي أَوَاخِرِهَا وُجُوبًا مُضَيَّقًا بِقَدْرِ مَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ وَرَوَى صَاحِبُ الْمُنْتَقَى عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها إِنْكَارَ قِيَامِ النِّسَاءِ بِالْمَصَابِيحِ بِاللَّيْلِ فَيَتَفَقَّدْنَ الطُّهْرَ وَقَالَتْ لَمْ يَكُنِ النِّسَاءُ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ وَهِيَ أَكْثَرُ عِلْمًا وَدِينًا
الْفَصْلُ الثَّانِي فِي الْحُيَّضِ
وَهُنَّ سِتٌّ: الْأُولَى الْمُبْتَدَأَةُ إِنِ انْقَطَعَ دَمُهَا لِعَادَةِ لِدَاتِهَا أَوْ دُونِهَا طَهُرَتْ وَإِنْ زَادَ فَثَلَاثُ رِوَايَاتٍ فَفِي الْكِتَابِ تَمْكُثُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَرِوَايَةُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ تَغْتَسِلُ مَكَانَهَا
وَرِوَايَة ابْن وهب تستظهر وَقَالَ الشَّافِعِي رحمه الله إِذَا رَأَتِ الدَّمَ عَلَى غَالِبِ الْحُيَّضِ سِتًّا أَوْ سَبْعًا فَمُسْتَحَاضَةٌ. حُجَّةُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ عليه السلام تَتْرُكُ الْمَرْأَةُ الصَّلَاةَ نِصْفَ دَهْرِهَا وَهَذَا لَا يُفْهَمُ إِلَّا إِذَا كَانَتْ تَحِيضُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ نِصْفَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَرُدُّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَلِأَنَّ الْخَمْسَةَ عَشَرَ قَدْ تَكُونُ عَادَةً فَهِيَ زَمَانُ حَيْضٍ وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ أَوَّلَ دَمِهَا حَيْضٌ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ. وَوَجْهُ الِاسْتِظْهَارِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ رَوَى الْمَدَنِيُّونَ وَالْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ لَمَّا سَأَلَتْهُ اقْعُدِي أَيَّامَكِ الَّتِي كُنْتِ تَقْعُدِينَ وَاسْتَظْهِرِي بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنَ الْجَسَدِ أَشْكَلَ أَمْرُهُ فَتَسْتَظْهِرُ لَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَصْلُهُ لَبَنُ الْمُصَرَّاةِ وَلِأَنَّ الدَّمَ لَمَّا كَانَ فَضْلَةَ الْغِذَاءِ وَغُسَالَةَ الْجَسَدِ فَلِذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْبَدَنِ مِنَ الدَّعَةِ وَالْغِذَاءِ وَالْأَحْوَالِ النَّفْسَانِيَّةِ فَكَانَ الِاسْتِظْهَارُ فِيهِ مُتَعَيَّنًا. وَوَجْهُ عَدَمِ الِاسْتِظْهَارِ أَنَّ إِلْحَاقَهَا بِأَقْرَانِهَا أَمْرٌ اجْتِهَادِيٌّ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ كَدَمِ الِاسْتِظْهَارِ وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُعْتَادَة. تمسك الشَّافِعِي بِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ قَالَتْ حَمْنَةُ بنت جحش كنت أسحاض حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ عليه السلام أَسْتَفْتِيهِ وَأُخْبِرُهُ فَوَجَدْتُهُ فِي بَيْتِ أُخْتِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً فَمَا تَرَى فِيهَا قَدْ مَنَعَتْنِي الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ قَالَ أَنْعِتُ لَكِ الْكُرْسُفَ فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ قَالَتْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ اتَّخِذِي ثَوْبًا قَالَتْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا أَثِجُّ ثَجًّا قَالَ سَآمُرُكِ بِأَمْرَيْنِ أَيَّهُمَا فَعَلْتِ أَجْزَأَ عَنِ الْآخَرِ وَإِنْ قَوِيتِ عَلَيْهِمَا فَأَنْتِ أَعْلَمُ إِنَّمَا هَذِهِ رَكْضَةٌ مِنْ رَكَضَاتِ الشَّيْطَانِ فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ اغْتَسِلِي حَتَّى إِذَا رَأَيْتِ أَنَّكِ قَدْ طَهُرْتِ وَاسْتَنْقَيْتِ فَصَلِّي ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا وَصُومِي فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِيكِ وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي كُلَّ شَهْرٍ حِينَ تَحِيضُ النِّسَاءُ فِي مِيقَاتِ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ وَإِنْ قَوِيتِ عَلَى أَنْ
تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي الْعَصْرَ فَتَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فَافْعَلِي وَتَغْتَسِلِينَ مَعَ الْفَجْرِ وَتُصَلِّينَ فَافْعَلِي وَصُومِي إِنْ قَدَرْتِ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا أَحَبُّ الْأَمْرَيْنِ إِلَيَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يُقَالُ إِنَّ حَمْنَةَ كَانَتْ مُبْتَدَئَةً وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ
سِتًّا أَوْ سَبْعًا اعْتِبَارًا بَلِدَاتِهَا إِنْ كُنَّ يَحِضْنَ سِتًّا فَسِتًّا أَوْ سَبْعًا فَسَبْعًا قَالَ وَقِيلَ كَانَتْ لَهَا عَادَةً فَنَسِيَتْهَا هَلْ هِيَ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ فَأَمَرَهَا أَنْ تَجْتَهِدَ فِي عَادَتِهَا وَلِهَذَا قَالَ
فِي عِلْمِ اللَّهِ أَيْ مَا عَلِمَهُ مِنْ ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُهُ
مِنْ رَكَضَاتِ الشَّيْطَانِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَصْلُ الرَّكْضِ الضَّرْبُ بِالرِّجْلِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الشَّيْطَانَ وَجَدَ بِتِلْكَ سَبِيلًا لِلتَّشْكِيكِ عَلَيْهَا وَأَمَرَهَا بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ وَجَمْعِهَا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ هُوَ الْأَصْلُ فِي جَمْعِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَصَاحِبِ السَّلَسِ فَائِدَةٌ اللِّدَاتُ بِكَسْرِ اللَّامِ جَمْعُ لِدَةٍ وَهِيَ الَّتِي وُلِدَتْ مَعَهَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ وَكَذَلِكَ التَّرْبُ الَّذِي خَرَجَ مَعَ الْإِنْسَانِ إِلَى التُّرَابِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَجَمْعُهُ أَتْرَابٌ. الثَّانِيَةُ الصَّغِيرَةُ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ وَنَحْوِهَا فَدَمُهَا لَيْسَ بِحَيْضٍ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَيَرْجِعُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى مَا يَقُولُهُ النِّسَاءُ فَإِن شككن أخذن بالأحوط. قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَة قَالَ الشَّافِعِي رَأَيْتُ جَدَّةً بِالْيَمَنِ بِنْتَ عِشْرِينَ سَنَةً. الثَّالِثَةُ الْآيِسَةُ قَالَ مَالِكٌ رحمه الله فِي الْعُتْبِيَّةِ يُسْأَلُ عَنْهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ إِنَّ مِثْلَهَا تَحِيضُ كَانَ حَيْضًا وَإِنْ قُلْنَ مِثْلُهَا لَا تَحِيضُ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ تَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي وَلَا يَكُونُ حَيْضًا وَلَا تَغْتَسِلُ لَهُ وَإِنْ أَشْكَلَ الْأَمْرُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ كَانَ حَيْضًا. قَالَ ابْنُ شَاسٍ وَالْآيِسَةُ بِنْتُ السَّبْعِينَ وَالثَّمَانِينَ وَبِنْتُ الْخَمْسِينَ عِنْدَ أَبِي إِسْحَاقَ. حُجَّتُهُ قَوْلُ عُمَرَ رضي الله عنه بِنْتُ الْخَمْسِينَ عَجُوزٌ فِي الْغَابِرِينَ وَقَوْلُ عَائِشَةَ رضي الله عنها إِنِ امْرَأَةٌ تُجَاوِزُ الْخَمْسِينَ فَتَحِيضُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ قرشية.
الرَّابِعَةُ الْمُعْتَادَةُ فَإِنْ نَقَصَ دَمُهَا مِنْ عَادَتِهَا أَوْ تَسَاوَى طَهُرَتْ وَإِنْ زَادَ فَخَمْسَةُ أَقْوَالٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الَّذِي كَانَ يَقُولُهُ مَالِكٌ طُولَ عُمُرِهِ إِنَّهَا تَقْعُدُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ إِلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى الِاسْتِظْهَارِ. قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الَّذِي رَجَعَ عَنْهُ مَالِكٌ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَبِهِ يَقُولُ الْمَدَنِيُّونَ وَابْنُ مَسْلَمَةَ وَبِالثَّانِي قَالَ الْمِصْرِيُّونَ. الثَّالِثُ تَقْتَصِرُ عَلَى الْعَادَةِ وَهُوَ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَالشَّافِعِيّ وَأبي حنيفَة. الرَّابِع لأبي الجهم الاجتياط فِيمَا بَعْدَ الثَّلَاثِ فَتَصُومُ وَتُصَلِّي وَلَا تُوطَأُ ثُمَّ تُعِيدُ الْغُسْلَ وَتُعِيدُ الصَّوْمَ. الْخَامِسُ لِلْمُغِيرَةِ وَأَبِي مُصْعَبٍ الِاحْتِيَاطُ مِنْ حِينِ مُفَارَقَةِ الْعَادَةِ وَلَا تُعِيدُ الْغُسْلَ إِنْ تَمَادَى بِهَا الدَّمُ فَوْقَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِأَنَّ الْغَيْبَ كَشَفَ أَنَّهُ دَمُ اسْتِحَاضَةٍ وَالسَّابِقُ يَقُولُ لَعَلَّهُ حَصَلَ دَمُ حَيْضٍ فِي أَثْنَاءِ هَذَا الدَّمِ. سُؤَالٌ الصَّلَاةُ مِنَ الْحَائِضِ حَرَامٌ وَمِنَ الطَّاهِرِ وَاجِبَةٌ وَالْقَاعِدَةُ مَتَى تَعَارَضَ الْمُحَرَّمُ وَالْوَاجِبُ قُدِّمَ الْحَرَامُ تَرْجِيحًا لِدَرْءِ الْمَفَاسِدِ عَلَى تَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَغْلِيبًا لجَانب الأَصْل فَكَانَ الِاحْتِيَاط هَهُنَا تَرْكَ الْعِبَادَةِ. جَوَابُهُ أَنَّ تَحْرِيمَ الصَّلَاةِ مَشْرُوطٌ بِالْعِلْمِ بِالْحَيْضِ وَهُوَ غَيْرُ حَاصِلٍ فَانْتَفَى التَّحْرِيمُ جزما. حجَّة الأول الحَدِيث الْمُتَقَدّم فِي المبتدئة. حُجَّةُ الثَّانِي حَدِيثُ الِاسْتِظْهَارِ. حُجَّةُ الثَّالِثِ أَنَّ الْغَالِبَ الْبَقَاءُ عَلَى الْعَوَائِدِ فَيَكُونُ الزَّائِدُ اسْتِحَاضَةً وَمَا فِي الْمُوَطَّأِ وَالصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ عليه السلام لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ فِي الْحَيْضَةِ يَتَمَادَى دَمُهَا
إِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ
دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا ثُمَّ اغْتَسِلِي
وَصَلِّي وَهُوَ حُجَّةُ الِاسْتِظْهَارِ فَإِنَّ الْحَيْضَةَ قَدْ يَزِيدُ قَدْرُهَا وَقَدْ يَنْقُصُ. فُرُوعٌ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ إِذَا كَانَتْ عَادَتُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا تَسْتَظْهِرُ بِشَيْءٍ وَقَالَ فِي كتاب مُحَمَّد تسنظهر يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ شَطْرَ الْعُمر فِي سِيَاق الْمُبَالغَة فِي الذَّم فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْغَايَةُ وَالنِّهَايَةُ. الثَّانِي لَوْ تَأَخَّرَ الدَّمُ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ ثُمَّ خَرَجَ فَزَادَ عَلَى قَدْرِهِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ لَا تَزِيدُ فِي الِاسْتِظْهَارِ عَلَى الثَّلَاثِ. الثَّالِثُ تَثْبُتُ الْعَادَةُ بِمَرَّةٍ قَالَهُ الْغَافِقِيُّ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْوَاضِحَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كَمَا بَدَأَكُمْ تعودُونَ} وَاعْتبر أَبُو حنيفَة مَرَّتَيْنِ وَمِنْهُ الْعِيدُ. الْخَامِسَةُ الْمُتَحَيِّرَةُ فَفِي الْكِتَابِ سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَمَّنْ حَاضَتْ فِي شَهْرٍ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَفِي آخَرَ سِتَّةَ أَيَّامٍ وَفِي آخَرَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتُحِيضَتْ كَمْ تَجْعَلُ عَادَتَهَا قَالَ لَا أَحْفَظُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا وَلَكِنَّهَا تَسْتَظْهِرُ عَلَى أَكْثَرِ أَيَّامِهَا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ تَسْتَظْهِرُ عَلَى أَقَلِّ أَيَّامِهَا إِنْ كَانَتْ هِيَ الْأَخِيرَةَ لِأَنَّهَا الْمُسْتَقِرَّةُ وَيَقُولُ ابْنُ الْقَاسِمِ لَعَلَّ عَادَتَهَا الْأُولَى عَادَتْ إِلَيْهَا بِسَبَبِ زَوَالِ سُدَّةٍ مِنَ الْمَجَارِي. وَقَوْلُ مَالِكٍ الْأَوَّلُ إِنَّهَا تَمْكُثُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ تَنْتَقِلُ. قَالَ وَيَتَخَرَّجُ فِيهَا قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهَا لَا تَسْتَظْهِرُ بِشَيْءٍ على القَوْل يَنْفِي الِاسْتِظْهَارِ عُمُومًا. السَّادِسَةُ فِي الْجِلَابِ الْحَامِلُ تَحِيضُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ مُحْتَجًّا بِأَنَّ اللَّهَ
تَعَالَى جَعَلَ الدَّمَ دَلِيلَ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَلَوْ حَاضَتْ لَبَطَلَ الدَّلِيلُ وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام
دَمُ الْحَيْضِ أَسُودُ يُعْرَفُ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلَاةِ
فَمَحْمُولٌ عَلَى الْحَائِلِ. لَنَا مَا فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ فِي الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ إِنَّهَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إِجْمَاعًا وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ وَكَمَا جَازَ النِّفَاسُ مَعَ الْحَمْلِ إِذَا تَأَخَّرَ أَحَدُ الْوَلَدَيْنِ فَكَذَلِكَ الْحَيْضُ وَلِقَوْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها لما راقها وَجه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَو رآاك الشَّاعِرُ مَا قَالَ شِعْرَهُ إِلَّا فِيكَ وَهُوَ قَوْلُهُ:
(وَمُبَرَّأً مِنْ كُلٍّ غُبَّرِ حَيْضَةٍ
…
وَفَسَادِ مُرْضِعَةٍ وَدَاءِ مُغِيلِ)
مَعْنَاهُ أَنَّ الْحَيْضَ إِذَا جَرَى عَلَى الْوَلَدِ فِي الرَّحِمِ أَكْسَبَهُ بِسَوَادِهِ غَبَرَةً فِي جِلْدِهِ فَيَكُونُ أَقْتَمَ عَدِيمَ الْوَضَاءَةِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَمْرٌ مُتَعَارَفٌ عِنْدَهُمْ وَأَمَّا دَلَالَتُهُ عَلَى الْبَرَاءَةِ فَهِيَ عَلَى سَبِيلِ الْغَالِبِ وَحَيْضُ الْحَامِلِ هُوَ الْقَلِيلُ وَالنَّادِرُ فَلَا يُنَاقِضُ دَلَالَةَ الْغَالِبِ. فُرُوعٌ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ لَمْ يَقُلْ مَالِكٌ فِي الْحَامِلِ إِنَّهَا تَسْتَظْهِرُ قَدِيمًا وَلَا حَدِيثًا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِنِ اسْتَمَرَّ دَمُهَا عَلَى عَادَتِهَا قَبْلَ الْحَمْلِ وَزَادَ دَمُهَا فِي بَعْضِ الشُّهُورِ تَجْرِي فِيهَا الْخَمْسَةُ الْأَقْوَالُ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي الْحَائِلِ وَإِنْ لَمْ تَسْتَمِرَّ عَلَى عَادَتِهَا فَإِمَّا أَنْ تَنْقَطِعَ أَوْ تَنْقُصَ أَوْ تَزِيدَ فَإِنِ انْقَطَعَتْ أَوْ نَقَصَتْ وَدَامَ ذَلِكَ حَيْضًا ثُمَّ أَتَاهَا الدَّمُ فَزَادَ عَلَى عَادَتِهَا الْأُولَى فَفِيهَا ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ الْخَمْسَةُ السَّابِقَةُ السَّادِسُ يُجْتَهَدُ لَهَا فِي ذَلِكَ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَيْسَ أَوَّلُ الْحَمْلِ كَآخِرِهِ وَلَيْسَ لِذَلِكَ حَدٌّ إِلَّا الِاجْتِهَادُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِنْ رَأَتْ ذَلِكَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَنَحْوِهَا تَرَكَتِ الصَّلَاةَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَنَحْوَهَا وَفِي التَّفْرِيعِ إِلَى عِشْرِينَ يَوْمًا وَإِنْ جَاوَزَتْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَإِلَى الْعِشْرِينَ وَقَالَ فِي التَّفْرِيعِ إِلَى الثَّلَاثِينَ السَّابِعُ أَنَّهَا تَقْعُدُ أَقْصَى عَادَةِ الْحَوَامِلِ لِمَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ الثَّامِنُ أَنَّهَا تضَاعف
أَيَّامَهَا الَّتِي كَانَتْ لَهَا قَبْلَ الْحَمْلِ وَتَغْتَسِلُ قَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَقَالَ قَالَ مَالِكٌ تَجْلِسُ فِي أَوَّلِ الشُّهُورِ عَادَتَهَا وَالِاسْتِظْهَارُ وَفِي الثَّانِي ضِعْفَ أَيَّامِ حَيْضَتِهَا وَالِاسْتِظْهَارُ وَفِي الثَّالِثِ تَجْلِسُ مِثْلَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَفِي الرَّابِعِ تُرَبِّعُهَا وَهَكَذَا حَتَّى تَبْلُغَ سِتِّينَ يَوْمًا فَلَا تَزِيدُ لِأَنَّهُ أَقْصَى مُدَّةِ النِّفَاسِ فَهُوَ أَعْظَمُ دَمٍ يَجْتَمِعُ فِي الرَّحِمِ بِسَبَبِ الْحَمْلِ وَأَنْكَرَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَقَالَ هُوَ خَطَأٌ وَقَالَ النِّفَاسُ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الْوَضْعِ وَالِاسْتِحَاضَةُ أَوْلَى بِهَا وَمَذْهَبُهُ أَنَّ الْحَامِلَ لَا تَزِيدُ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَأَمَّا إِنْ رَأَتْهُ أَوَّلًا بِزِيَادَةٍ وَقَدْ كَانَ قَبْلُ مُسْتَقِيمًا فَهِيَ فِي أَوَّلِهِ حَائِضٌ لِلزِّيَادَةِ مُسْتَحَاضَةٌ فِي قَدْرِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْخِلَافِ الْمَاضِي فَكَأَنَّهُ يَكُونُ حَيْضًا بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ فَهَذِهِ عَادَةٌ انْتَقَلَتْ تَبْنِي عَلَيْهَا مَا يَفْعَلُ بِالْحَامِلِ. وَجْهُ الِاجْتِهَادِ أَنَّ الْحَمْلَ يَحْبِسُ الدَّمَ عَنِ الْخُرُوجِ فَإِذَا خَرَجَ كَانَ زَائِدًا وَرُبَّمَا اسْتَمَرَّ لِطُولِ الْمُكْثِ. وَوَجْهُ عَدَمِ الِاسْتِظْهَارِ هُوَ أَنَّهُ دَمٌ ثَبَتَ بِالِاجْتِهَادِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ كَأَيَّامِ الِاسْتِظْهَارِ. الثَّانِي لَوْ رَأَتِ الْحَامِلُ صُفْرَةً أَوْ كُدْرَةً قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فِي الْكِتَابِ لَا تُصَلِّي حَتَّى تَنْقَطِعَ عَنْهَا لِأَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها كَانَتْ تَأْمُرُ النِّسَاءَ بِذَلِكَ. الثَّالِثُ إِذَا رَأَتِ الْحَامِلُ مَاءً أَبْيَضَ عُقَيْبَ سَبَبِ إِسْقَاطٍ أَوْ نَحْوِهِ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ دُونَ الْغُسْلِ وَلَا يَلْحَقُ بِالدَّمِ لِخُرُوجِهِ عَنْ صِفَتِهِ وَالْوُضُوءِ لِكَوْنِهِ خَارِجًا مُعْتَادًا مِنَ الْفَرْجِ.
الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ
وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى الدَّمِ الْمُعْتَبر قَالَ ابْنُ شَاسٍ إِذَا حَكَمْنَا بِالِاسْتِحَاضَةِ فَالْحَائِضُ إِمَّا مُبْتَدَأَةٌ أَوْ مُعْتَادَةٌ وَكِلَاهُمَا إِمَّا مُمَيِّزَةٌ أَوْ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ فَهَذِهِ أَقْسَامٌ أَرْبَعَةٌ
الْأَوَّلُ الْمُبْتَدَأَةُ الْمُمَيِّزَةُ فَحَيْضَتُهَا مُدَّةُ تَمْيِيزِهَا مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَأَمَّا الْمُبْتَدَأَةُ غَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهَا وَأَمَّا الْمُعْتَادَةُ الْمُمَيِّزَةُ فَحَيْضَتُهَا مُدَّةُ التَّمْيِيزِ لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ تَخْتَلِفُ وَالتَّمْيِيزَ لَا يَخْتَلِفُ وَالنَّظَرَ إِلَى اللَّوْنِ اجْتِهَادٌ وَالْعَادَةَ تَقْلِيدٌ وَالِاجْتِهَادَ أَوْلَى وَأَمَّا الْمُعْتَادَةُ غَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْعَادَةِ لِلْمُغِيرَةِ وَأَبِي مُصْعَبٍ فَإِذَا شَكَّتْ أَهُوَ انْتِقَالُ عَادَةٍ أَوِ اسْتِحَاضَةٌ اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ وَصَامَتْ وَلَا يُصِيبُهَا زَوْجُهَا احْتِيَاطًا فَإِنِ انْقَطَعَ الدَّمُ لِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا عَلِمَتِ انْتِقَالَ الْعَادَةِ فَكَانَتِ الْمُدَّةُ كُلُّهَا حَيْضًا وَإِنِ اسْتَمَرَّ الدَّمُ عُلِمَ أَنَّهَا اسْتِحَاضَةٌ وَثَبَتَ حَيْضُهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَادَتِهَا وَتَقْضِي الصَّوْمَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الزِّيَادَةِ عَلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. الثَّانِي قَالَ مُطَرِّفٌ تَبْلُغُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. الثَّالِثُ الِاسْتِظْهَارُ عَلَى الْعَادَةِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تَتَجَاوَزُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَقَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ تَتَجَاوَزُ بِالْيَوْمَيْنِ وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَأَنْكَرَهُ سَحْنُونٌ. فُرُوعٌ تِسْعَةٌ: الْأَوَّلُ اسْتُحِبَّ لِلْمُسْتَحَاضَةِ فِي الْكِتَابِ أَنْ تَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَا يُخْتَلَفُ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا وَاخْتُلِفَ إِذَا كَانَتْ جَاهِلَةً فَتَرَكَتِ الصَّلَاةَ فَأَنْكَرَ سَحْنُونٌ مَا ذُكِرَ مِنْ سُقُوطِهَا بِالْجَهْلِ وَاسْتُحِبَّ لَهَا الْوُضُوءُ وَلَمْ يُسْتَحَبَّ لَهَا الْغُسْلُ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ حَمْنَةَ لِأَنَّ تَرْكَ الْغُسْلِ // (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) // وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْوُضُوءِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى عدم وجوب الْغسْل إِلَّا أَن تشك ودهب أَبُو ح وَش وَجَمَاعَةٌ إِلَى وُجُوبِ الْوُضُوءِ عَلَيْهَا وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ أَنَّ حَدِيثَ وُجُوبِهِ لَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِمَّنِ اشْتَرَطَ الصِّحَّةَ قَالَ أَبُو دَاوُدَ زَادَ عُرْوَةُ ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ وَقَالَ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها وَأَنْكَرَهَا صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّهُ إِذَا خَرَجَ فِي الصَّلَاة أتمتها وأجزأتها.
وَوجه الاسحباب أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْأَحْدَاثِ كَالسَّلَسِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَضْلَةِ الْمَنِيِّ أَنَّهَا تُوجِبُ الْوُضُوءَ دُونَ الْغُسْلِ عَدَمُ الْحَرَجِ فِيهَا لِنُدْرَتِهَا بِخِلَافِهِ وَإِنَّمَا وِزَانُهُ سَلَسُ الْمَنِيِّ لَا جَرَمَ يُسْتَحَبُّ مِنْهُ الْوُضُوءُ وَلَوْ خَرَجَتْ فَضْلَةُ الْمَنِيِّ فِي الصَّلَاةِ أَبْطَلَتْهَا وِفَاقًا بِخِلَافِ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ. الثَّانِي قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا انْقَطَعَ دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْغُسْلِ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْوُضُوءَ مُسْتَحَبٌّ فَلَا يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ كَالسَّلَسِ وَوَجْهُ الثَّانِي أَمْرُهُ عليه السلام لِحَمْنَةَ بِهِ حِينَ أَمَرَهَا بِالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَكَانَ الْأَصْلُ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ تُرِكَ الْعَمَلُ بِالْغُسْلِ فِي الِابْتِدَاءِ وَكَانَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَأْمُرَانِ الْمُسْتَحَاضَةَ بِهِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ إِنْ قَوِيَتْ عَلَى ذَلِكَ نَقَلَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ ابْنُ شَاسٍ تَغْتَسِلُ مِنْ طُهْرٍ إِلَى طُهْرٍ إِنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً وَإِلَّا فَغُسْلُهَا عِنْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهَا بِالِاسْتِحَاضَةِ يَكْفِي. الثَّالِثُ الْمُسْتَحَاضَةُ تُوطَأُ خِلَافًا لِابْنِ عُلَيَّةَ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّ حَمْنَةَ بِنْتَ جَحْشٍ كَانَت مُسْتَحَاضَة بأتيها زَوجهَا وَلقَوْله تَعَالَى {حَتَّى يطهرن} وَهَذِهِ طَاهِرٌ وَلِأَنَّ مُطَلِّقَهَا لَا يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ فَتُوطَأُ قِيَاسًا عَلَى مَوْضِعِ الْإِجْمَاعِ. الرَّابِعُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا رَأَتِ الدَّمَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ الطُّهْرَ خَمْسَةً ثُمَّ الدَّمَ أَيَّامًا ثُمَّ الطُّهْرَ سَبْعَةً فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَرَادَ مُسْتَحَاضَةً فِي الدَّمِ الثَّانِي وَقِيلَ فِي السَّبْعَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِرَبْطِ هَذَا الدَّمِ بِالسَّبْعَةِ بَعْدَهُ وَأَرَى أَنَّهُ يُرِيدُ بَعْدَ السَّبْعَةِ وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا أَيْضًا فَقَالَ التُّونِسِيُّ رَاعِي الطُّهْرَ خَمْسَةً وَالْأَيَّامُ أَقَلُّهَا يَوْمَانِ فَيَكُونُ الْجَمِيعُ سَبْعَةً مَعَ سَبْعَةٍ الطُّهْرُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَجَاءَ الدَّمُ وَلَمْ يَكْمُلِ الطُّهْرُ. وَقِيلَ الدَّمُ الْآتِي بَعْدَ السَّبْعَةِ عَلَى صِفَةِ الِاسْتِحَاضَةِ قَبْلَهَا قَالَ التُّونِسِيُّ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ أَيَّامُ الدَّمِ ثَلَاثَةً وَالدَّمُ الْآتِي بَعْدَ السَّبْعَةِ مِنْ جِنْسِ الْآتِي فِي الثَّلَاثَةِ الَّتِي بَعْدَ الْخَمْسَةِ فَلِذَلِكَ جَعَلَهَا مُسْتَحَاضَةً وَيَنْبَغِي إِذَا كَانَ عَلَى صِفَةِ الْحَيْضِ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا وَالْمُسْتَحَاضَةُ تَرَى دَمًا تُنْكِرُهُ قَالَ وَالَّذِي قَالَهُ صَوَابٌ.
الْخَامِسُ إِذَا تَغَيَّرَ دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ إِلَى الْغِلَظِ وَالسَّوَادِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِنْ لَمْ يَمْضِ بَعْدَ الْحَيْضِ زَمَانٌ هُوَ أَقَلُّ الطُّهْرِ عَلَى مَا تقدم فالستحاضة بَاقِيَةٌ وَإِنْ مَضَى فَهُوَ حَيْضٌ فَإِنْ تَمَادَى عَلَى صِفَتِهِ أَوْ تَغَيَّرَ قَالَ مُطَرِّفٌ تَجْلِسُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَفَرَّقَ عَبْدُ الْمَلِكِ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ ابْتِدَاءِ الِاسْتِحَاضَةِ فَقَالَ فِي تِلْكَ تَجْلِسُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَفِي هَذِهِ تَسْتَظْهِرُ بِثَلَاثٍ وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ إِنْ عَلِقَ بِهَا دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ بَعْدَ أَيَّامِ حَيْضَتِهَا لن تَسْتَظْهِرَ يُرِيدُ بَعْدَ أَنْ تَغْتَسِلَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَرَّةً تَسْتَظْهِرُ وَمَرَّةً لَا تَسْتَظْهِرُ قَالَ اللَّخْمِيُّ إِذَا جَاءَ الْمُسْتَحَاضَةَ دَمُ الْحَيْضِ وَزَادَ على الْعَادة وَهُوَ مثل الِاسْتِحَاضَة فَلَا تحاط لَهُ وَإِنْ كَانَ مِثْلَ دَمِ الْحَيْضِ فَهِيَ حَائِضٌ وَإِنْ أَشْكَلَ فَالْأَحْسَنُ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ وَقِيلَ تَسْتَظْهِرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقِيلَ تَجْلِسُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. السَّادِسُ لَوْ تَمَادَى دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الطُّهْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ رَأَتِ الدَّمَ بَعْدَ الِاسْتِحَاضَةِ بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ قَالَ التُّونِسِيُّ إِنْ أَشْبَهَ الْحَيْضَ فَهُوَ حَيْضٌ وَإِنْ أَشْبَهَ الِاسْتِحَاضَةِ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَهَذَا مُشْكِلٌ بِأَنَّهَا رَأَتِ ابْتِدَاءَ الدَّمِ بَعْدَ طُهْرٍ تَامٍّ فَلَا تُرَاعِي صِفَتَهُ كَمَا لَوِ انْقَطَعَتِ الِاسْتِحَاضَةُ مُدَّةَ أَقَلِّ الطُّهْرِ ثُمَّ رَأَتِ الدَّمَ نَعَمْ لَوْ جَاءَ فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ دَلَّتْ قَرِينَتُهَا عَلَى أَنَّهُ حَيْضٌ أَوْ قَبْلَ الْعَادَةِ عَلَى صِفَةِ الْحَيْضِ فَقَرِينَةُ الصِّفَةِ تَدُلُّ عَلَى الْحَيْضِ. فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْعَادَةِ عَلَى غَيْرِ صِفَةِ الْحَيْضِ فَاسْتِحَاضَةٌ لِانْتِفَاءِ الْقَرَائِنِ وَفِيهِ عَلَى هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّ دَمَ الْمَرَضِ قَدِ انْقَطَعَ وَالْحَيْضُ لَا يَتَغَيَّرُ زَمَانُهُ وَالِاحْتِيَاطُ أَحْسَنُ فَلَا تَدَعُ الصَّلَاةَ إِلَّا بِمَا لَا يُشْكِلُ أَنَّهُ دَمُ حَيْضٍ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ السَّابِعُ إِذَا كَانَتْ لَا تَرَى الدَّمَ إِلَّا عِنْدَ وُضُوئِهَا فَإِذَا قَامَتْ ذَهَبَ عَنْهَا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ لَا تَدَعُ الصَّلَاةَ إِلَّا أَنْ تَرَى دَمًا تُنْكِرُهُ يَعْنِي الْمُسْتَحَاضَةَ أَمَّا غَيْرُهَا فَتَغْتَسِلُ مِنْهُ وَلَا تَدَعُ الصَّلَاةَ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ فَإِذَا جَاوَزَ ذَلِكَ أَيَّامَهَا فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ لَا تَغْتَسِلُ لَهُ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي هَذِهِ أَنَّهَا تَشُدُّهُ وَتُصَلِّي مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ كَالْمُسْتَحَاضَةِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ لِأَنَّهَا مُسْتَنْكَحَةٌ بِذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الشَّيْطَانِ قَالَ قَالَ ابْن أبي زيد معنى قَوْله مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهَا تَغْتَسِلُ عِنْدَ
كُلِّ وُضُوءٍ حَتَّى تُجَاوِزَ الْأَيَّامَ وَالِاسْتِظْهَارَ ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ قَالَ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ عَلَيْهَا غُسْلٌ وَهُوَ أَوْلَى بِتَفْسِيرِ قَوْلِهِ مِنَ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ. وَالْمُسْتَنَدُ فِي هَذَا الْحُكْمِ أَنَّ امْرَأَةً اسْتَفْتَتْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما فَقَالَتْ كُلَّمَا أَقْبَلْتُ أُرِيدُ الطَّوَافَ هَرَقْتُ الدَّمَ ثُمَّ إِذَا ذَهَبْتُ ذَهَبَ قَالَ إِنَّمَا ذَلِكَ رَكْضَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ فَاغْتَسِلِي ثُمَّ اسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَطُوفِي وَقَالَ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَمُرَادُهُ بِعَدَمِ الْغُسْلِ إِذَا أَصَابَهَا ذَلِكَ فِي زَمَنِ الِاسْتِحَاضَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ. الثَّامِنُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يُسْتَحَبُّ لِلْمُسْتَحَاضَةِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ إِذَا تَطَهَّرْنَ أَنْ يُطَيِّبْنَ فُرُوجَهُنَّ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْهُ عليه الصلاة والسلام عَنْ غُسْلِهَا مِنَ الْحَيْضِ فَأَرَاهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ قَالَ
خُذِي فُرْصَةً مِنْ مِسْكٍ فَتَطَهَّرِي بِهَا قَالَتْ كَيْفَ أَتَطَهَّرُ بِهَا قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ تَطَهَّرِي بِهَا قَالَتْ عَائِشَةُ فَأَخَذْتُهَا إِلَيَّ فَقُلْتُ لَهَا تَتَبَّعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ
التَّاسِعُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ مَالِكٌ إِذَا تَرَكَتِ الْمُسْتَحَاضَةُ الصَّلَاةَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الِاسْتِظْهَارِ جَاهِلَةً لَا إِعَادَةَ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْإِعَادَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ قَالَ وَلَوْ طَالَ ذَلِكَ أَيْضًا عَلَيْهَا لِأَنَّهَا مُتَأَوِّلَةٌ وَالْقَضَاءُ إِنَّمَا وَرَدَ فِي النَّاسِي وَالنَّائِمِ لِتَفْرِيطِهِمَا وَقِيلَ تُعِيدُ إِنْ كَانَ يَسِيرًا وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ تُعِدْهُ قَالَ وَقَدْ سَأَلْتُ شَيْخَنَا ابْنَ رِزْقٍ فَقَالَ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِلْخِلَافِ أَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ قَضَائِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَكَذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ
الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي النِّفَاسِ
وَالْكَلَامُ عَلَى لَفْظِهِ وَحَقِيقَتِهِ. أَمَّا لَفْظُهُ فَالنِّفَاسُ فِي اللُّغَةِ وِلَادَةُ الْمَرْأَةِ لَا نَفْسُ الدَّمِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ وَالصِّحَاحِ وَلِذَلِكَ يُقَالُ دَمُ النِّفَاسِ وَالشَّيْءُ لَا يُضَافُ لِنَفْسِهِ وَهُوَ بِكَسْر
النُّونِ وَالْمَرْأَةُ نُفَسَاءُ بِضَمِّهَا وَفَتْحِ الْفَاءِ وَالْمَدِّ وَالْجَمْعُ نِفَاسٌ بِكَسْرِهَا وَفَتْحِ الْفَاءِ. وَلَيْسَ فِي الْكَلَام مَا وَزنه فعلا يُجْمَعُ عَلَى فِعَالٍ غَيْرُ نُفَسَاءَ وَعُشَرَاءَ وَيُجْمَعَانِ أَيْضًا عَلَى نَفَسَاوَاتٍ وَعُشَرَاوَاتٍ بِضَمِّ الْأَوَّلِ وَفَتْحِ الثَّانِي وَيُقَالُ نَفِسَتِ الْمَرْأَةُ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَبِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَالْوَلَدُ مَنْفُوسٌ وَفِي الْحَدِيثِ
وَمَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ
وَلَا يَتَعَيَّنُ اشْتِقَاقُهُ مِنَ النَّفْسِ بِمَعْنَى الدَّمِ لِأَنَّ النَّفْسَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الرُّوحِ وَالدَّمِ وَالْجَسَدِ وَالْعَيْنِ يُقَالُ أُصِيبَ فُلَانٌ بِنَفْسٍ أَيْ عَيْنٍ وَالنَّافِسُ الْعَائِنُ وَنَفْسُ الشَّيْءِ ذَاتُهُ نَحْوَ رَأَيْتُ زَيْدًا نَفْسَهُ وَالنَّفْسُ قَدْرُ دَبْغَةٍ مِمَّا يُدْبَغُ بِهِ الْأَدِيمُ مِنَ الْقَرَظِ وَغَيْرِهِ وَمَعَانِي هَذَا اللَّفْظِ كَثِيرَةٌ. وَأَمَّا حَقِيقَتُهُ فَهِيَ أَنَّ دَمَ الْحَيْضِ إِذَا اشْتَغَلَ الرَّحِمُ بِالْوَلَدِ انْقَسَمَ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ أَصْفَاهُ وَأَعْدَلُهُ يَتَوَلَّدُ مِنْهُ لَحْمُ الْجَنِينِ فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ تَتَوَلَّدُ مَنِ الْمَنِيَّيْنِ وَاللَّحْمَ يَتَوَلَّدُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ وَالْقِسْمُ الَّذِي يَلِيهِ فِي الِاعْتِدَالِ يَتَوَلَّدُ مِنْهُ لَبَنُ الْجَنِينِ غِذَاؤُهُ الَّذِي يَحِلُّ بَعْدَ الْوَضْعِ فِي الثَّدْيِ وَالثَّالِثُ الْأَرْدَأُ يَجْتَمِعُ فَيَخْرُجُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَدَمُ النِّفَاسِ فِي الْحَقِيقَةِ دَمُ حَيْضٍ اجْتَمَعَ. وَفِي الْفَصْلِ فُرُوعٌ خَمْسَةٌ: الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْكِتَابِ غَايَتُهُ سِتُّونَ يَوْمًا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْعُرْفِ وَكَرِهَ التَّحْدِيدَ وَقَالَ الشَّافِعِي سِتُّونَ وَأَبُو حنيفَة أَرْبَعُونَ وَمَقْصُودُ الْفَرِيقَيْنِ أَنْ يَكُونَ أَرْبَعُ حِيَضٍ فَلَمَّا كَانَ أَبُو حنيفَة يَقُولُ أَكْثَرُ الْحَيْضِ عَشَرَةٌ قَالَ أَكْثَرُ النِّفَاسِ أَرْبَعُونَ وَلما قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ خَمْسَةَ عَشَرَ قَالُوا أَكْثَرُهُ سِتُّونَ وَذَلِكَ كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى عَوَائِدَ عِنْدَهُمْ وَأَمَّا أَقَلُّهُ فَلَا حَدَّ لَهُ كَالْحَيْضِ خِلَافًا ح فِي أَنَّ أَقَلَّهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَحَدَ عَشَرَ لِيَزِيدَ النِّفَاسُ عَلَى الْحَيْضِ عِنْدَهُ بِيَوْم وَفَائِدَة الْخلاف هَهُنَا وَفِي الْحَيْضِ قَضَاءُ مَا مَضَى مِنَ الصَّلَوَاتِ وَيَرِدُ عَلَى التَّحْدِيدِ
أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى النُّصُوصِ وَلَا نُصُوصَ فَلَا تَحْدِيدَ وَأَنَّ الرُّجُوعَ فِي هَذَا إِلَى مَا يَقُولُهُ النِّسَاءُ مُتَعَيَّنٌ. الثَّانِي قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا انْقَطَعَ ثُمَّ رَأَتْهُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَنَحْوِهَا كَانَ نِفَاسًا وَإِنْ بَعُدَ كَانَ حَيْضًا وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَقَلِّ الطُّهْرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِذَا كَانَ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ فَهُوَ نِفَاس وَالشَّافِعِيّ مِثْلَهُ مَرَّةً وَمِثْلَنَا أُخْرَى وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَشْكُوكٌ فِيهِ يُعْمَلُ فِيهِ بِالِاحْتِيَاطِ. لَنَا أَنَّ الطُّهْرَ التَّامَّ فَصْلٌ بَيْنَ دَمَيْنِ مَانِعَيْنِ مِنَ الْعِبَادَةِ فَلَا يَلْحَقُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ قِيَاسًا عَلَى الْحَيْضَتَيْنِ. الثَّالِثُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا زَادَ عَلَى الْعَادَةِ كَانَ اسْتِحَاضَةً قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ تَسْتَظْهِرُ إِلَى السَّبْعِينَ لِأَنَّ الدَّمَ قَدْ يَزِيدُ كَالْحَيْضِ. وَجْهُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ اجْتِهَادٌ فَلَا يُزَادُ فِيهِ كَزَمَانِ الِاسْتِظْهَارِ. الرَّابِعُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ إِذَا وَلَدَتْ وَلَدًا وَبَقِيَ آخَرُ إِلَى شَهْرَيْنِ وَالدَّمُ مُتَمَادٍ فَدَمُهَا مَحْمُولٌ عَلَى عَادَةِ النِّفَاسِ وَلِزَوْجِهَا الرَّجْعَةُ قَالَ وَقِيلَ إِنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْحَامِلِ حَتَّى تَضَعَ الْوَلَدَ الثَّانِيَ وَقَدِ اخْتَلَفَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ. لَنَا أَنَّ حَقِيقَةَ دَمِ النِّفَاسِ مَوْجُودَةٌ وَأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ خُرُوجِ الدَّمِ إِنَّمَا هُوَ انْغِلَاقُ فَمِ الرَّحِمِ لِسَبَبِ الْحَمْلِ وَقَدِ انْفَتَحَ بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ الْخَارِجُ دَمَ نِفَاسٍ فَلَا يَتَوَقَّفُ جَعْلُهُ نِفَاسًا عَلَى الثَّانِي قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَالَّذِي يَرَى أَنَّهُ حَيْضٌ يَقُولُ تَجْلِسُ مُدَّةَ حَيْضِ الْحَامِلِ فَقَطْ وَقَالَ لَو جَعَلْنَاهُ نفاسا على وَهُوَ شَهْرَانِ وَتَضَعُ آخَرَ فَإِنْ قُلْنَا تَجْلِسُ شَهْرَيْنِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ النِّفَاسُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَلَا قَائِلَ بِهِ وَإِنْ قُلْنَا لَا تَجْلِسُ مَعَ أَنَّهُ دَمٌ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ فَذَلِكَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَالْوَاجِبُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا وَالنِّفَاسُ بَعْدَ الْوَلَدِ الثَّانِي. فَرْعٌ إِذَا قُلْنَا إِنَّهُ نِفَاسٌ فَوَضَعَتِ الثَّانِيَ بَعْدَ شَهْرَيْنِ قَالَ التُّونِسِيُّ
يَكُونُ الثَّانِي نِفَاسًا فَإِنَّهُ كَأَيِّ وَلَدٍ فِي وِعَائِهِ بِدَمِهِ وَلِأَنَّ الرَّحِمَ يَنْصَبُّ إِلَيْهِ عِنْدَ حَرَكَةِ الْوَضْعِ مِنَ الدَّمِ مَا لَا يَنْصَبُّ إِلَيْهِ قَبْلَ الْوَضْعِ فَلَوْ وَضَعَتِ الثَّانِيَ قَبْلَ تَمَامِ النِّفَاسِ الْأَوَّلِ أَلْغَتِ الْمَاضِيَ وَاسْتَأْنَفَتْ مِنَ الثَّانِي. وَقَالَ أَبُو حنيفَة النِّفَاسُ مِنَ الْأَوَّلِ فَإِنْ أَتَمَّتْ أَرْبَعِينَ لَمْ يَكُنِ الثَّانِي نِفَاسًا وَتَابَعَهُ الشَّافِعِيَّةُ مُحْتَجِّينَ بِأَنَّ الحيضتين لَا يتصلان فَكَذَلِك النفاسان وَقِيَاسًا على مَا إِذا اتصلا قَبْلَ الْوِلَادَةِ. الْخَامِسُ لَوْ وَضَعَتِ الْوَلَدَ جَافًّا فَفِي الْغُسْلِ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهَا وَمَاؤُهَا لَوْ خَرَجَ لَوَجَبَ الْغُسْلُ أَو الْوضُوء فَكَذَلِكَ هُوَ أَوْ أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ الطّور إِلَى طور الْحَصَا وَنَحْوه. انْتهى الْجُزْء الأول من كتاب الذَّخِيرَة يَلِيهِ الْجُزْء الثَّانِي وأوله كتاب الصَّلَاة