المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌(كتاب الصَّلَاة) وَالصَّلَاةُ فِي اللُّغَةِ الدُّعَاءُ وَمِنْهُ قَوْله - الذخيرة للقرافي - جـ ٢

[القرافي]

فهرس الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

(كتاب الصَّلَاة)

وَالصَّلَاةُ فِي اللُّغَةِ الدُّعَاءُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وصل عَلَيْهِم إِن صلواتك سكن لَهُم} أَيْ دَعَوَاتُكَ وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْعِبَادَةُ صَلَاةً قِيلَ مَجَازًا لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنَ الدُّعَاءِ وَقِيلَ هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الصَّلَوَيْنِ وَهُمَا عِرْقَانِ فِي الردف وأصلهما الصَّلَاة وَهُوَ عِرْقٌ فِي الظَّهْرِ يَفْتَرِقُ عِنْدَ عَجَبِ الذَّنَبِ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ دُرَيْدٍ فِي صِفَةِ الْفَرَسِ

(قَرِيبُ مَا بَيْنَ الْقَطَاةِ وَالْمَطَا

بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْقَذَالِ وَالصَّلَا)

وَلِذَلِكَ كُتِبَتِ الصَّلَاةُ بِالْوَاوِ فِي الْمُصْحَفِ قَالَ صَاحِبُ التَّنْبِيهَاتِ قِيلَ هُمَا عَظْمَانِ يَنْحَنِيَانِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَلَمَّا كَانَا يَظْهَرَانِ مِنَ الرَّاكِعِ سُمِّيَ مُصَلِّيًا لِذَلِكَ وَفِعْلُهُ صَلَاةً وَمِنْهُ الْمُصَلِّي وَهُوَ الثَّانِي مِنْ حَلْبَةِ السِّبَاقِ لِأَنَّ رَأْسَ فَرَسِهِ يَكُونُ عِنْدَ صَلْوَى

ص: 5

الأول وَقيل لِأَنَّهَا ثَانِيَة الْإِيمَان كالثاني فِي حلبة السباق وَقيل لِأَن فَاعِلَهَا مُتَابِعٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - كَمَا يُتَابِعُ الْفَرَسُ الثَّانِي الْأَوَّلَ وَقِيلَ هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ تَصْلِيَةِ الْعُودِ بِالنَّارِ لِيَقُومَ وَلَمَّا كَانَتْ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ كَانَتْ مُقَوِّمَةً لِفَاعِلِهَا وَقِيلَ مِنَ الصِّلَةِ لِأَنَّهَا تَصِلُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ أُطْلِقَ هَذَا الِاسْمُ عَلَيْهَا بِطَرِيقِ النَّقْلِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَوْ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَازِرِيِّ وَالْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ وَجَمَاعَةٍ وَاخْتَلَفُوا فِي وَجْهِ الْمجَاز فَقيل لما كَانَ الدُّعَاء جزءها وَهُوَ قَوْله تَعَالَى آمِرًا لَنَا {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيم} فَسُمِّيَتْ صَلَاةً مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ بِاسْمِ الْجُزْءِ وَقِيلَ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ لِأَنَّ كُلَّ مُصَلٍّ خَاضِعٌ مُتَذَلِّلٌ لِرَبِّهِ مُشْبِهٌ لِلدَّاعِي فِي ذَلِكَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا لَيْسَ فِي اللَّفْظِ نَقْلٌ وَلَا مَجَازٌ وَهُوَ مَذْهَبُهُ فِي سَائِرِ الْأَلْفَاظِ الشَّرْعِيَّةِ بَلْ لَفْظُ الصَّلَاةِ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ اللُّغَوِيَّةِ وَهِيَ الدُّعَاءُ فَإِذَا قِيلَ لَهُ الدُّعَاءُ لَيْسَ مُجْزِئًا وَحْدَهُ وَيَصِحُّ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ -

يَقُولُ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ؟ نقُول عَدَمُ الْإِجْزَاءِ لِدَلَالَةِ الْأَدِلَّةِ عَلَى ضَمِّ أُمُورٍ أُخْرَى لِلدُّعَاءِ لَا مِنْ لَفْظِ الصَّلَاةِ وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْأَوَّلِ فَهَلْ لَمَّا نَقَلَ الشَّرْعُ هَذَا اللَّفْظَ جَعَلَهُ مُتَوَاطِئًا لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ أَوْ جَعَلَهُ مُشْتَرِكًا كَلَفْظِ الْعَيْنِ فِي اللُّغَةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى مَا فِيهِ

ص: 6

الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَعَلَى مَا لَا رُكُوعَ فِيهِ وَلَا سُجُودَ كَصَلَاةِ الْجَنَازَةِ وَعَلَى مَا لَا تَكْبِيرَ فِيهِ وَلَا سَلَامَ كَالطَّوَافِ وَعَلَى مَا لَا حَرَكَةَ لِلْجِسْمِ فِيهِ كَصَلَاةِ الْمَرِيضِ الْمَغْلُوبِ وَلَيْسَ بَيْنَ هَذِهِ الصُّوَرِ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ فَيَكُونُ اللَّفْظ مُشْتَركا

قَاعِدَة تقربات الْعباد على ثَلَاثَة أَقْسَامٍ أَحَدُهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ كَالْمَعَارِفِ وَالْإِيمَانِ بِمَا يَجِبُ وَيَسْتَحِيلُ وَيَجُوزُ عَلَيْهِ سبحانه وتعالى وَثَانِيها حق للعباد فَقَطْ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ مُتَمَكِّنُونَ مِنْ إِسْقَاطِهِ وَإِلَّا فَكل حق للْعَبد فَفِيهِ حق الله تَعَالَى وَهُوَ أمره بإيصاله لمستحقه كاداء الدُّيُون ورد الغضوب والودائع وَثَالِثهَا حق لله تَعَالَى وَحقّ للعباد وَالْغَالِبُ مَصْلَحَةُ الْعِبَادِ كَالزَّكَوَاتِ وَالصَّدَقَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْأَمْوَالِ الْمَنْذُورَاتِ وَالْهَدَايَا وَالضَّحَايَا وَالْوَصَايَا وَالْأَوْقَافِ وَرَابِعُهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم َ - والعباد كالأذان فحقه تَعَالَى التَّكْبِيرَاتِ وَالشَّهَادَةِ بِالتَّوْحِيدِ وَحَقُّ رَسُولِهِ عليه السلام الشَّهَادَةُ لَهُ بِالرِّسَالَةِ وَحَقُّ الْعِبَادِ الْإِرْشَادُ لِلْأَوْقَاتِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَالْمُنْفَرِدِينَ وَالدُّعَاءُ لِلْجَمَاعَاتِ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِينَ وَالصَّلَاةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَالنِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّشَهُّدِ وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَتَوَابِعِهَا مِنَ التَّوَرُّكِ وَالْكَفِّ عَنِ الْكَلَامِ وَكَثِيرِ الْأَفْعَالِ وَعَلَى حَقِّهِ عليه السلام كَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالتَّسْلِيم وَالشَّهَادَةِ لَهُ بِالرِّسَالَةِ وَعَلَى حَقِّ الْمُكَلَّفِ وَهُوَ دُعَاؤُهُ لِنَفْسِهِ بِالْهِدَايَةِ وَالِاسْتِعَانَةِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَغَيْرِهَا وَالْقُنُوتُ وَدُعَاؤُهُ فِي السُّجُودِ وَالْجُلُوسِ لِنَفْسِهِ وَقَوْلُهُ سَلام عَلَيْنَا وَعَلَى حَقِّ الْعِبَادِ كَالدُّعَاءِ لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ والقنوت وَطَلَبِ الْإِعَانَةِ وَالسَّلَامِ عَلَى

ص: 7

عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَالسَّلَامِ عَلَى الرَّسُولِ عليه السلام وَالتَّسْلِيمِ آخِرَ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَاضِرِينَ فَلِذَلِكَ كَانَتِ الصَّلَاةُ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ بَعْدَ الْإِيمَانِ

تَمْهِيدٌ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ كَانَ الْمَفْرُوضُ مِنَ الصَّلَاةِ قبل الْخمس رَكْعَتَيْنِ غدوا وَرَكْعَتَيْنِ عشيا مَا كَانَ عليه السلام يُصَلِّي بِمَكَّةَ تِسْعَ سِنِينَ وَفُرِضَتِ الْخَمْسُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ مَسْلَمَةَ مِنْ أَصْحَابنَا فرض الصَّلَوَات الْخمس نَاسخ لما كَانَ يَجِبُ عَلَى النَّاسِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَقِيلَ وُجُوبُهُ لَمْ يُنْسَخْ عَنْهُ عليه السلام فِي خَاصَّتِهِ قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ لَمْ تَخْتَلِفِ الْآثَارُ وَلَا الْعُلَمَاءُ فِي أَن الصَّلَاة أَنَّهَا فرضت بِمَكَّة لَيْلَة الْإِسْرَاء أَتَى جِبْرِيلُ مِنَ الْغَدِ لِصَبِيحَةِ الْإِسْرَاءِ فَصَلَّى بِهِ الصَّلَوَاتِ لِأَوْقَاتِهَا فِي يَوْمَيْنِ لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ فَرْضِهَا فَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أُكْمِلَتْ صَلَاةُ الْحَضَرِ أَرْبَعًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَبَعْضُ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ الزِّيَادَةُ كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فُرِضَتْ أَرْبعا أَرْبعا إِلَّا الْمغرب فرضت ثَلَاثًا وَالصُّبْحَ رَكْعَتَيْنِ وَيُعَضِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {فَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تقصرُوا من الصَّلَاة} وَقَوله عليه الصلاة والسلام إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ عليه السلام إِنَّمَا هِيَ صَدَقَهٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ يَعْنِي الْقَصْرَ وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ قَالَ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ

ص: 8

عَنْهَا أصح إِسْنَادًا وَالْجَوَاب لَهُ عَن النُّصُوص أَن ذَلِك بَعْدَ الْإِتْمَامِ بِالْمَدِينَةِ وَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {حَافظُوا على الصَّلَوَات} وَقَوله تَعَالَى {أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس} وَهِي الظّهْر وَالْعصر ((إِلَى غسق اللَّيْل)) الْمغرب وَالْعشَاء ((وَقُرْآن الْفجْر)) الصُّبْحُ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فِي جَمَاعَةٍ وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ عليه السلام فِي الْمُوَطَّأِ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَمَنْ جَاءَ بِهن لم يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ لم يَأْتِ بِهن فَلَيْسَ لَهُ عِنْد الله عَهْدٌ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجنَّة وَفِي التِّرْمِذِيّ أَنه عليه السلام قَالَ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ فَإِنِ انْتُقِصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ تبارك وتعالى انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكْمِلُ بِهَا مَا انْتُقِصَ مِنَ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ وَفِي الْكِتَابِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ بَابا

ص: 9

(الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الْأَوْقَاتِ)

وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ التَّوْقِيتِ وَهُوَ التَّحْدِيدُ وَسُمِّيَ الزَّمَانُ وَقْتًا لَمَّا حُدِّدَ بِفِعْلٍ مُعَيَّنٍ فَكُلُّ وَقْتٍ زَمَانٌ وَلَيْسَ كُلُّ زَمَانٍ وَقْتًا وَالزَّمَانُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ اقْتِرَانُ حَادِثٍ بِحَادِثٍ قَالَ الْمَازِرِيُّ إِنِ اقْتَرَنَ خَفِيٌّ بِجَلِيٍّ سُمِّيَ الْجَلِيُّ زَمَانًا نَحْوَ جَاءَ زيد طُلُوع الشَّمْس فطلوع الشَّمْس زمَان المجئ إِذَا كَانَ الطُّلُوعُ مَعْلُومًا وَالْمَجِيُّ خَفِيًّا وَلَوْ خَفِيَ طُلُوعُ الشَّمْسِ عِنْدَ ضَرِيرٍ أَوْ مَسْجُونٍ قلت لَهُ تطلع الشَّمْس عِنْد مجئ زيد فَيكون المجي زَمَانَ الطُّلُوعِ وَقِيلَ هُوَ حَرَكَاتُ الْفَلَكِ فَإِذَا تحرّك الْفلك بالشمس على أفقها فَهُوَ النَّهَارُ أَوْ تَحْتَهُ فَهُوَ اللَّيْلُ وَقَدْ نَصَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَزْمَانَ أَسْبَابًا كَمَا نَصَبَ الْأَوْصَافَ وَفِيهَا سَبْعَةُ فُصُولٍ

‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي أَقْسَامِهَا

قَالَ صَاحِبُ التَّلْقِينِ وَهِيَ تَنْقَسِمُ إِلَى وَقْتِ أَدَاءٍ وَوَقْتِ قَضَاءٍ وَإِلَى

ص: 10

مَا لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَلَا تَأْخِيرُهُ كَوَقْتِ الصُّبْحِ وَإِلَى مُوَسَّعٍ كَوَقْتِ الظُّهْرِ وَمُضَيَّقٍ كَوَقْتِ الْمَغْرِبِ وَإِلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْفَوَاتُ كَوَقْتِ الصُّبْحِ وَإِلَى مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْفَوَاتُ كَوَقْتِ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ فَإِنَّ الظُّهْرَ يَكُونُ أَدَاءً إِلَى الْغُرُوبِ وَالْمَغْرِبَ إِلَى الْفَجْرِ وَبَقِيَ عَلَيْهِ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ وَفِي الْجَوَاهِرِ هُوَ أَرْبَعَةٌ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى يُصَلِّيَ الصُّبْحَ وَبَعْدَ الصَّلَاةِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى الْغُرُوبِ وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ النَّاسُ وَلَا يَلْحَقُ بِهَا الزَّوَالُ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ وَيَلْحَقُ عَلَى رِوَايَةٍ وَالْمُسْتَنَدُ مَا فِي مُسلم أَنه قَالَ عليه السلام لَا تَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا فَتُصَلُّوهَا عِنْدَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَفِي مُسْلِمٍ ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوتَانا حَتَّى تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ وَحِينَ تَقُومُ قَائِمَةُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ وَحِينَ تُضِيفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْكِتَابِ وَمَا أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْفَضْلِ إِلَّا وَهُمْ يهجرون وَيُصَلُّونَ فِي نِصْفِ النَّهَارِ وَكَرِهَهُ الشَّافِعِيُّ إِلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهَذِهِ الْآثَارُ مُعَارِضَةٌ لِقَوْلِهِ عليه السلام فِي مُسْلِمٍ مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ وَقتهَا وَهَذَا عَام فِي المفروضات الْمَنْسِيَّاتِ وَالْأَوَّلُ عَامٌّ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ

ص: 11

وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ فَلَا جَرَمَ اسْتُثْنِيَتِ الْفَوَائِتُ وَمَا كَانَ مُؤَكَّدًا كَرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ لِتَأَكُّدِهِ بِالْعَادَةِ وَالنَّهْيُ نَهْيُ كَرَاهَةٍ فَيُصَلِّي الْقِيَامَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ الْجَنَائِزُ وَسُجُود التِّلَاوَة بعد الصُّبْح وَالْعصر وَقيل الْحمرَة على مَا فِي الْكتاب وَالْمَنْع فِيهَا فِي الْمُوَطَّأِ وَتَخْصِيصُ الْجَوَازِ بِمَا بَعْدَ الصُّبْحِ عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ أَمَّا إِذَا خَشِيَ عَلَى الْمَيِّت صَلَّى عَلَيْهِ مُطْلَقًا تَقْدِيمًا لِلْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ صَوْنُ الْمَيِّتِ عَنِ الْفَسَادِ عَلَى الْمَكْرُوهِ الَّذِي هُوَ الْوَقْتُ قَالَ صَاحِبُ التَّلْقِينِ وَوَقْتُ الْأَدَاءِ يَنْقَسِم خَمْسَةِ أَضْرُبٍ وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَهُوَ أَوَّلُ الْأَوْقَاتِ وتوسعة وَهُوَ آخِره وَوَقْتُ عُذْرٍ وَهُوَ أَوْقَاتُ الْجَمْعِ لِلْمُسَافِرِ وَوَقْتٌ مُشَابِهٌ لِوَقْتِ الْفَضِيلَةِ وَوَقْتُ الضَّرُورَةِ وَهُوَ مَا قَبْلَ الْغُرُوبِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ أَوِ الشَّمْسِ لِأَرْبَابِ الْأَعْذَارِ قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ وَقْتِ التَّوْسِعَةِ وَوَقْتِ الرُّخْصَةِ أَنَّ التَّأْخِيرَ إِلَى التَّوْسِعَةِ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَالتَّأْخِيرَ لِوَقْتِ الرُّخْصَةِ لَا يَجُوزُ إِلَّا لِعُذْرٍ لَوْلَاهُ لَمْ يَكُنْ إِمَّا حَظْرًا وَإِمَّا نَدْبًا وَيَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الظُّهْرِ مَثَلًا إِلَى آخِرِ الْقَامَةِ الْأُولَى مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا يَجُوزُ بَعْدَ الْقَامَةِ إِلَّا لِعُذْرٍ لَوْلَاهُ لَكَانَ آثِمًا عَلَى الْمَشْهُورِ وَإِنْ كَانَ مُؤَدِّيًا أَوْ مُضَيِّعًا لِمَنْدُوبٍ عَلَى غَيْرِ الْمَشْهُورِ فِي مُتَعَمِّدِ تَأْخِيرِ الظُّهْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ إِمَّا حَظْرًا وَإِمَّا نَدْبًا

‌الْفَصْلُ الثَّانِي فِي وَقْتِ صَلَاةِ الظُّهْرِ

وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَهِيَ شِدَّةُ الْحَرِّ يُقَالُ ظُهْرٌ وَظَهِيرَةٌ فَكَأَنَّهُ وَقْتُ ظُهُورِ مَيْلِ

ص: 12

الشَّمْسِ أَوْ غَايَةِ ارْتِفَاعِهَا لِأَنَّ الْمُرْتَفِعَ ظَاهِرٌ أَوْ لِأَنَّ وَقْتَهَا أَظْهَرُ الْأَوْقَاتِ بِسَبَبِ الظِّلِّ وَتُسَمَّى الْهَجِيرَةَ مِنَ الْهَاجِرَةِ وَهِيَ شِدَّةُ الْحَرِّ وَتُسَمَّى الْأُولَى لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا جِبْرِيلُ برَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - وَلذَلِك بَدَأَ الْعلمَاء بهَا فِي التصنيف وَأَوَّلُ وَقْتِهَا الزَّوَالُ وَهُوَ نُزُولُ الشَّمْسِ عَنْ وسط السَّمَاء وعلامته زِيَادَةُ الظِّلِّ بَعْدَ نُقْصَانِهِ

تَنْبِيهٌ قَدْ يُعْلَمُ من غير زِيَادَة الظل لَكِن يحزر خَطًّا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُسَامِتًا لِخَطِّ الزَّوَالِ فِي السَّمَاءِ بِالطُّرُقِ الْمَعْلُومَةِ عِنْدَ أَرْبَابِ الْمَوَاقِيتِ وَيَضَع فِيهِ قَائِما وَعند الزَّوَالِ يَخْرُجُ ظِلُّ الْقَائِمِ مِنَ الْخَطِّ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ الظِّلِّ خُصُوصًا فِي الصَّيْفِ فَهَذَا أَوَّلُ الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ إِلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ بَعْدَ الظِّلِّ الَّذِي زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ آخِرُ الِاخْتِيَارِيِّ إِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثيله

‌الْفَصْل الثَّالِث فِي وَقت صَلَاة الْعَصْر

وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْعَشِيِّ فَإِنَّهُ يُسَمَّى عَصْرًا وَقِيلَ مِنْ طَرَفِ النَّهَارِ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ طَرَفٍ مِنَ النَّهَارِ عَصْرًا وَفِي الْحَدِيثِ حَافِظُوا عَلَى الْعَصْرَيْنِ صَلَاةٌ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلَاةٌ قَبْلَ غُرُوبِهَا يُرِيدُ الصُّبْحَ وَالْعَصْرَ وَأَوَّلُ وَقْتِهَا إِذا

ص: 13

صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَوَقْتُ الْفَضِيلَةِ مِنْهُ مَا دَامَتِ الشَّمْسُ نَقِيَّةً وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ مَا رَأَيْتُ مَالِكًا يُحَدِّدُ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ قَامَتَيْنِ بَلْ يَقُولُ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ الْفَضِيلَةَ إِلَى الْقَامَتَيْنِ بَعْدَ زِيَادَةِ ظِلِّ الزَّوَالِ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ فَإِنَّ الشَّمْسَ حِينَئِذٍ تَكُونُ نَقِيَّةً قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَلِأَصْحَابِنَا أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا قَبْلَ انْتِهَاءِ الْقَامَةِ الْأُولَى بِقَدْرِ أَربع رَكْعَات فِي الْعَصْرِ لِقَوْلِهِ عليه السلام فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ وَصلى فِي الْعَصْر حِين صَار ظلّ كل شَيْء مثله وَاللَّفْظ ظَاهر من الْجُمْلَةِ وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلُ وَقْتِهَا آخِرُ الْقَامَتَيْنِ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ عَنِ الْقَاسِم بن مُحَمَّد مَا أَدْرَكْنَا النَّاسَ إِلَّا وَهُمْ يُصَلُّونَ الْعَصْرَ بِعَشِيٍّ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْعَصْرَ بَعْدَ الْقَامَتَيْنِ وَهُوَ معَارض بِحَدِيث جِبْرِيلَ فَإِنْ صَلَّى الْعَصْرَ قَبْلَ الْقَامَةِ الْأُولَى لَا يجْزِيه وَقَالَ أَشْهَبُ أَرْجُو إِنْ صَلَّى الْعَصْرَ قَبْلَ الْقَامَة وَالْعشَاء قبل الشَّفق أَن يجْزِيه وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ قَدْ يُصَلِّيهمَا كَذَلِك عِنْد رحيله وَلِأَنَّ الْقَامَةَ الْأُولَى لَوْ لَمْ تَكُنْ وَقْتًا لَهَا لَمَا جَازَ تَقْدِيمُهَا لِلْعُذْرِ

فَائِدَةٌ مَنْ علم وَقت الظّهْر علم وَقت الْعَصْر بِأَن يَزِيدُ عَلَى ظِلِّ الزَّوَالِ سِتَّةَ أَقْدَامٍ وَنِصْفًا بِقَدَمِهِ فَإِنَّهُ قَامَةُ كُلِّ أَحَدٍ غَالِبًا وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ ظِلَّ الزَّوَالِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ أبي زيد من غلق يَدَهُ وَجَعَلَهَا بَيْنَ نَحْرِهِ عَلَى تَرْقُوَتِهِ وَبَيْنَ حَنَكِهِ وَخِنْصَرِهِ مِمَّا يَلِي

ص: 14

التَّرْقُوَةَ وَاسْتَقْبَلَ الشَّمْسَ قَائِمًا لَا يَرْفَعُ حَاجِبَيْهِ فَإِنْ رَأَى قُرْصَ الشَّمْسِ فَقَدْ دَخَلَ الْعَصْرُ وَإِنْ كَانَ قُرْصُهَا عَلَى حَاجِبَيْهِ لَمْ يَدْخُلْ وَيُعْرَفُ الظُّهْرُ بِأَنْ تَضْرِبَ وَتَدًا فِي حَائِطٍ تَكُونُ الشَّمْسُ عَلَيْهِ عِنْدَ الزَّوَالِ فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ انْظُرْ طَرَفَ ظِلِّ الْوَتَدِ وَاجْعَلْ فِي يَدِكَ خَيْطًا فِيهِ حَجَرٌ مُدَلًّى مِنْ أَعْلَى الظِّلِّ فَإِذَا جَاءَ الْخَيْطُ عَلَى طَرَفِ الظِّلِّ فَخُطَّ مَعَ الْخَيْطِ خَطًّا طَوِيلًا فَإِنَّهُ يَكُونُ خَطًّا لِلزَّوَالِ أَبَدَ الدَّهْرِ فَمَتَى وَصَلَ ظِلُّ ذَلِكَ الْوَتَدِ إِلَيْهِ فَقَدْ زَالَتِ الشَّمْسُ فَفِي الشتَاء يصل إِلَيْهِ أَسْفَل وَفِي الصَّيف يصل إِلَيْهِ فَوْقَ

‌الْفَصْلُ الرَّابِعِ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ

وَهِي مشقة مِنَ الْغُرُوبِ وَلَا تُسَمَّى عِشَاءً لُغَةً وَلَا شرعا وَفِي الصَّحِيحِ النَّهْيُ عَنْ تَسْمِيَتِهَا عِشَاءً قَالَ فِي الْكِتَابِ وَقْتُهَا غُرُوبُ قُرْصِ الشَّمْسِ دُونَ الشُّعَاعِ إِلَى حِينِ الْفَرَاغِ مِنْهَا لِلْمُقِيمِينَ وَيَمُدُّ الْمُسَافِرُ الْمَيْلَ وَنَحْوَهُ وَرِوَايَةُ الْمُوَطَّأِ إِلَى الشَّفَقِ وَهُوَ اخْتِيَار الْبَاجِيّ وَأبي حنيفَة وَوَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ امْتِدَادُ وَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيِّ لِقَوْلِهِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ فِي الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ قَرْيَتِهِ يُرِيدُ قَرْيَةً أُخْرَى وَهُوَ غَيْرُ مُسَافِرٍ وَعَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ إِنْ طَمِعَ فِي إِدْرَاكِ الْمَاءِ قَبْلَ الشَّفَقِ أَخَّرَ الصَّلَاةَ حُجَّةُ الْمَشْهُورِ أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى إِقَامَتِهَا فِي سَائِرِ

ص: 15

الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَلَوْ كَانَ مُمْتَدًّا لَفَعَلْتَ فِيهَا مَا تَفْعَلُهُ فِي الظُّهْرِ وَغَيْرِهَا مِنَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ إِنَّ إِجْمَاعَهُمْ لِوُقُوعِ الْخِلَافِ فِي امْتِدَادِ وَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيّ احْتِيَاطًا لِأَن وَقْتُهَا غَيْرَ مُمْتَدٍّ وَهَذَا بِخِلَافِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَحَدِيثُ جِبْرِيلَ فِي كَوْنِهِ صَلَّى بِهِ عليه السلام الْمَغْرِبَ فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ حجَّة الثَّانِي مَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ حُمْرَةُ الشَّفَقِ وَالْقِيَاسُ عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى عَدَمِ امْتِدَادِ وَقْتِهَا فَمَا حَدُّهُ؟ فَعِنْدَنَا مَا تقدم وللشافعية قَولَانِ إِحْدَاهمَا يُعْتَبَرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ الطَّهَارَةُ وَلُبْسُ الثِّيَابِ وَالْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ وَفِعْلُ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهِيَ قَضَاءٌ أَوْ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ فَقَدْ أَحْرَمَ فِي الْوَقْتِ وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ غَيْرُ مَمْدُودٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ امْتِدَادِهَا إِلَى مَغِيبِ الشَّفق لما فِي الْمُوَطَّأ أَنه عليه السلام قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ وَقَرَأَ بِالْمُرْسَلَاتِ قَالَ وَهَذَا مِمَّا يُقَوي امتداد وَقتهَا لانه لايجوز امتداد وَقتهَا إِلَى بَعْدِ الشَّفَقِ قَالَ وَإِذَا قُلْنَا بِالِامْتِدَادِ وَالِاشْتِرَاكِ فَهَل تخص الْعِشَاءُ قَبْلَ الشَّفَقِ بِمِقْدَارِ فِعْلِهَا؟ أَوْ تَمْتَدُّ بَعْدَ الشَّفَقِ بِمِقْدَارِ الْمَغْرِبِ؟ وَهَلْ يُجْزِئُ تَقْدِيمُ الْعِشَاءِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ؟ وَهَلْ يَأْثَمُ بِتَأْخِيرِ الْمغرب إِلَى بعد الشَّفق؟ يخْتَلف فِي جَمِيعِ ذَلِكَ كَمَا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ

‌الْفَصْل الْخَامِس فِي وَقت الْعشَاء

وَالْعِشَاءُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ مَمْدُودًا أَوَّلُ الظَّلَامِ وَعَتَمَةُ اللَّيْل ثلثه وظلمته

ص: 16

وَأَعْتَمَ الْقَوْمُ إِذَا سَارُوا حِينَئِذٍ وَالْعَتَمَةُ أَيْضًا الْإِبْطَاءُ وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ كَانَ يَغْضَبُ وَيَصِيحُ إِذَا سَمِعَ مَنْ يُسَمِّيهَا الْعَتَمَةَ وَيَقُولُ إِنَّمَا هِيَ الْعِشَاءُ لِمَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ لَا يَغْلِبَنَّكُمُ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ فَإِنَّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْعشَاء وَإِنَّمَا تعتم بحلاب الْإِبِل والسهر فِي ذَلِك أَن الْعَادة أَن العظماء إِذا سموا شَيْئا باسم ايليق الْعُدُولُ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَنْقِيصِهِمْ وَالرَّغْبَةِ عَنْ صَنِيعِهِمْ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْظَمُ الْعُظَمَاءِ قَدْ سَمَّاهَا الْعشَاء فِي قَوْله تَعَالَى {عشَاء يَبْكُونَ} {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ} وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْهُ عليه السلام

لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَهَذَا يَقْتَضِي الْجَوَازَ وَأَوَّلُ وَقْتِهَا مَغِيبُ الشَّفَقِ وَهُوَ الْحُمْرَةُ دُونَ الْبَيَاضِ لِقَوْلِ الْعَرَبِ هَذَا الثَّوْبُ أَشَدُّ حُمْرَةً مِنَ الشَّفَقِ وَلَوْ كَانَ الْبَيَاضُ لَمَا صَحَّ ذَلِكَ الْكَلَامُ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَا تُعْتَبَرُ الصُّفْرَةُ أَيْضًا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وروى ابْن الْقَاسِم عَنهُ أَيْضا أَن الْبيَاض الَّذِي يشك فِيهِ مَعَ الْحمرَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة مَغِيبُ الْبَيَاضِ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُصَلِّيهَا لِمَغِيبِ الْقَمَرِ لِثَلَاثٍ وَهَذَا رُبْعُ اللَّيْلِ وَيُعَضِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس إِلَى غسق اللَّيْل} وَالْغَسَقُ اجْتِمَاعُ الظُّلْمَةِ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَحَدِ النيرين

ص: 17

فَيَتَعَلَّقُ بِالثَّانِي مِنْهُمَا أَصْلُهُ صَلَاةُ الصُّبْحِ مَعَ الْفَجْرَيْنِ وَلِأَنَّ الشَّفَقَ مِنَ الشَّفَقَةِ وَهِيَ رِقَّةُ الْقَلْبِ فَكُلَّمَا كَانَ أَرَقَّ كَانَ أَوْلَى بِالِاسْمِ وَالْبَيَاضُ أَرَقُّ مِنَ الْحُمْرَةِ وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِصَلَاةٍ ضَرُورِيَّةٍ مِنَ الدِّينِ وَسَبَبُ الضَّرُورِيِّ لَا يَثْبُتُ الابيقين وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ جِبْرِيلَ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّهُ بَيَانٌ لِلْغَايَةِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ وَعَنِ الثَّالِثِ أَنَّهُ عِبَادَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَحَدِ النَّيِّرَيْنِ فَيَتَعَلَّقُ بِأَقْرَبِهِمَا إِلَى الشَّمْسِ أَصْلُهُ الصُّبْحُ وَعَنِ الرَّابِعِ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ فَإِذَا غَابَ فَقَدْ وَجَبَتِ الصَّلَاةُ وَعَنِ الْخَامِسِ أَنَّهُ بَاطِلٌ بِإِثْبَاتِهِمْ آخِرَ وَقْتِ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إِجْمَاعٍ بَلْ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى خِلَافِهِمْ وَكَذَلِكَ أثبتوا وَقْتَ الْمَغْرِبِ إِلَى الشَّفَقِ وَوَقْتَ الظُّهْرِ آخِرَ الْقَامَتَيْنِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَفِي الْكِتَابِ يَمْتَدُّ وَقْتُهَا الِاخْتِيَارِيُّ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَكَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَعِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ إِلَى نِصْفِ اللَّيْل وَعند أبي حنيفَة اللَّيْلُ كُلُّهُ وَعِنْدَ النَّخَعِيِّ رُبْعُ اللَّيْلِ حُجَّةُ الثُّلُثِ حَدِيثُ جِبْرِيلَ حُجَّةُ النِّصْفِ رِوَايَةٌ فِيهِ وَمَا فِي الْمُوَطَّأ أَن عمر ابْن الْخَطَّابِ رضي الله عنه كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَن صل الْعشَاء مَا بَيْنك وَبَين ثلث اللَّيْل فَإِن أَخَّرْتَ فَإِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ

‌الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي وَقْتِ الصُّبْحِ

وَالصُّبْحُ وَالصَّبَاحُ أَوَّلُ النَّهَارِ وَقِيلَ مِنَ الْحُمْرَةِ الَّتِي عِنْدَ ظُهُورِهِ وَمِنْهُ

ص: 18

صَبَاحَةُ الْوَجْهِ لِحُمْرَتِهِ وَتُسَمَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ لِتَفَجُّرِ النُّورِ كَالْمِيَاهِ وَأَوَّلُ وَقْتِهَا طُلُوعُ الْفَجْرِ الْمُسْتَطِيرِ الصَّادِقِ وَهُوَ الثَّانِي وَلَا يُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ الْكَاذِبُ وَهُوَ الَّذِي لَا يَمْتَدُّ مَعَ الْأُفُقِ بَلْ يَطْلُبُ وَسَطَ السَّمَاءِ وَكَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ لَا يَعْرِفُ حَقِيقَتَهُ وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ عَامُّ الْوُجُودِ فِي سَائِرِ الْأَزْمِنَةِ وَهُوَ خَاصٌّ بِبَعْضِ الشِّتَاءِ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ الْمَجَرَّةُ فَمَتَى كَانَ الْفَجْرُ بِالْبَلْدَةِ وَنَحْوِهَا طَلَعَتِ الْمَجَرَّةُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَهِيَ بَيْضَاءُ فَيَعْتَقِدُ أَنَّهَا الْفَجْرُ فَإِذَا بَايَنَتِ الْأُفُقَ ظَهَرَ مِنْ تَحْتِهَا الظَّلَامُ ثُمَّ يَطْلُعُ الْفَجْرُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمَّا غَيْرُ الشِّتَاءِ فَيَطْلُعُ أَوَّلَ اللَّيْلِ أَو نصفه فَلَا يَطْلُعُ آخِرَهُ إِلَّا الْفَجْرُ الْحَقِيقِيُّ ثُمَّ يَمْتَدُّ وَقْتُهَا الِاخْتِيَارِيُّ إِلَى الْإِسْفَارِ وَهُوَ فِي الْكِتَابِ وَقِيلَ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَا يَصِحُّ عَنْ مَالِكٍ غَيْرُهُ وَجْهُ الْأَوَّلِ حَدِيثُ جِبْرِيلَ وَوَجْهُ الثَّانِي مَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ إِذا صليتم الْفجْر إِلَى أَن يطلع قرص الشَّمْسِ الْأَوَّلُ وَفِي رِوَايَةٍ وَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهَا مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ لِتَحْرِيمِ الطَّعَامِ عَلَى الصَّائِمِ وَهُوَ لَا يَحْرُمُ إِلَّا نَهَارا وَقَالَ الْأَعْمَش هِيَ من اللَّيْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَة النَّهَار مبصرة} وَآيَةُ النَّهَارِ هِيَ الشَّمْسُ وَلِقَوْلِهِ عليه السلام

صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ وَالصُّبْحُ لَيْسَتْ عَجْمَاءُ وَقَوْلُ أُميَّة بن أبي الصلث

(وَالشَّمْسُ تَطْلُعُ كُلَّ آخِرِ لَيْلَةٍ

حَمْرَاءَ تُبْصِرُ لَوْنهَا يتوقد)

ص: 19

وَقَالَ الْمَازِرِيُّ قِيلَ هُوَ وَقْتُ بِدَايَةٍ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ وَعَنِ الْحَدِيثِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ هُوَ لَيْسَ بِحَدِيثٍ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ وَعَنِ الشِّعْرِ أَنَّ الْخَلِيلَ قَالَ النَّهَارُ أَوَّلُهُ مِنَ الْفَجْرِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالشَّمْسِ ضِيَاؤُهَا على حذف الْمُضَاف ويؤكد تَقْرِير هَذِه الْأَوْقَات حَدِيث جِبْرِيل فِي التِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ

أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ فَصَلَّى بِيَ الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ وَكَانَتْ قَدْرَ الشِّرَاكِ وَصَلَّى بِيَ الْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُهُ وَصَلَّى بِيَ الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ وَصَلَّى بِيَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ وَصَلَّى بِيَ الْفَجْرَ حِينَ حَرُمَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ صَلَّى بِيَ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُهُ وَصلى بِي الْعَصْر حِين كَانَ ظله مِثْلَيْهِ وَصَلَّى بِيَ الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ وَصَلَّى بِيَ الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَصَلَّى بِي الْفجْر فأسفر ثمَّ الْتفت إِلَيّ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ وَالْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُصَلِّي بِصَلَاةِ جِبْرِيلَ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم َ -

فُرُوعٌ سِتَّةٌ الْأَوَّلُ الِاشْتِرَاكُ عِنْدَنَا وَاقِعٌ فِي الْأَوْقَات خلافًا (ش. ح) وَابْنِ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِنَا لَنَا وُجُوهٌ أَحدهَا الْأَوْقَات الدَّالَّةُ عَلَى جَمْعِهِ عليه السلام بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ دُونَ غَيْرِهَا وَلَوْلَا الِاشْتِرَاكُ لَرُوعِيَتِ الضَّرُورَةُ فِي غَيْرِهَا كَمَا رُوعِيَتْ فِيهَا وَإِلَّا يلْزم نقض الْعلَّة لَا لِمُوجَبٍ وَثَانِيهَا أَنَّ أَرْبَابَ الضَّرُورَاتِ

ص: 20

يُدْرِكُونَ الصَّلَاتَيْنِ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَقَبْلَ الْفَجْرِ مَعَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مَا خَرَجَ وَقْتُهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ فَيَكُونُ وَقْتُهَا بَاقِيًا وَلَا مَعْنَى لِلِاشْتِرَاكِ إِلَّا ذَلِكَ ثَالِثُهَا قَوْلُهُ عليه السلام أَمَّنِي جِبْرِيلُ مَرَّتَيْنِ الْحَدِيثَ وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ صَلَّى بِهِ الْعَصْرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَصَلَّى بِهِ الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي ذَلِكَ الْوَقْتَ فَيَكُونُ مُشْتَرِكًا احْتَجُّوا بِحَدِيث عبد الله ابْن عمر وَفِيه وَقت الظّهْر مالم يَدْخُلْ وَقْتُ الْعَصْرِ وَبِحَدِيثِ جِبْرِيلَ وَأَنَّهُمَا يُوجِبَانِ حصر الْأَوْقَات وَأما أَوْقَات الضرورات فخاصة بِهِمْ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي قَوْلُهُ عليه السلام مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ فَلَا بُدَّ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى أَفْضَلِ الْأَوْقَاتِ وَالثَّانِي عَلَى مَا فِيهِ تَفْرِيطٌ أَوْ عُذْرٌ وَعَنِ الثَّالِثِ أَنَّ مَعْنَى اخْتِصَاصِ الْوَقْتِ بِأَرْبَابِ الضَّرُورَاتِ أَنَّهُمْ غَيْرُ مُقَصِّرِينَ فِيهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ مَا خرج وقته التَّفْرِيع إِذَا قُلْنَا بِالِاشْتِرَاكِ فَالْمَشْهُورُ الْمَنْقُولُ فِي الْجَوَاهِرِ أَنَّهُ خَاصٌّ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ وَقَالَ التُّونِسِيُّ الِاشْتِرَاكُ فِي آخِرِ الْقَامَةِ الْأُولَى بِقَدْرِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ وَمَنْشَأُ الْقَوْلَيْنِ قَوْلُهُ عليه السلام

فَصَلَّى بِيَ الْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ إِنْ حَمَلْنَا الصَّلَاةَ على أَسبَابهَا وَهُوَ مَجَازٌ كَانَ الِاشْتِرَاكُ وَاقِعًا فِي الْقَامَةِ الثَّانِيَة أَو على أَحْكَامهَا وَهُوَ الْحَقِيقَة كَانَ الِاشْتِرَاك فِي آخر الأولى وَلَا يتَّجه فِي قَوْله عليه السلام فَصَلَّى بِيَ الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ إِلَّا الِابْتِدَاءُ وَالْمَجَازُ وَيَكُونُ مِنْ إِطْلَاقِ لَفْظِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ وَكَذَلِكَ الْمَغْرِبُ وَالصُّبْحُ فَيَتَأَكَّدُ الْمَشْهُورُ بِهَذِهِ الصَّلَوَات قَالَ صَاحب التَّلْخِيص فَمَا بَيْنَ الْقَامَتَيْنِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ

ص: 21

مُشْتَرك بَين الصَّلَاتَيْنِ مقسوم بَينهَا بِقدر اشْتِرَاك مُسْتَقل بِذَاتِهِ قَالَ وَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ عِنْدَ الزَّوَالِ وَالْعَصْرَ بإثره لم تجب عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ عَلَى الْقَوْلِ بِالِاشْتِرَاكِ وَحَكَاهُ صَاحِبُ اللُّبَابِ وَقَالَ أَشْهَبُ الِاشْتِرَاكُ عَامٌّ فِي الثَّانِيَةِ بِدَلِيلِ أَرْبَابِ الضَّرُورَاتِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّلْقِينِ وَابْنُ الْقَصَّارِ وَغَيرهمَا تخْتَص الظُّهْرُ بِمِقْدَارِهَا عِنْدَ الزَّوَالِ وَالْعَصْرُ بِمِقْدَارِهَا عِنْدَ الْغُرُوبِ لِوُجُوبِ إِيقَاعِ الظُّهْرِ قَبْلَ الْعَصْرِ وَفَوَاتِ الظُّهْرِ مَعَ إِيجَابِ الْعَصْرِ آخِرَ النَّهَارِ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ وَعِنْدَ بَعْضِ الْأَصْحَابِ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ مُطْلَقًا وَبقول تَقَدُّمِ الظُّهْرِ لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ لَا لِعَدَمِ الِاشْتِرَاكِ الثَّانِي قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ تَجِبُ الصَّلَاةَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وُجُوبًا مُوَسَّعًا مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَعند زفر يجب تَأْخِير الْوَقْتِ بِقَدْرِ مَا تَوَقَّعَ فِيهِ الصَّلَاةَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ يُكْتَفَى بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ مِنْهُمْ تَجِبُ إِمَّا بِالشُّرُوعِ أَوْ بِالتَّأْخِيرِ إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بآخر الْوَقْتِ هَلْ هِيَ نَافِلَةٌ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَوْ مَوْقُوفَةٌ فَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ مُكَلَّفٌ أَثْبَتْنَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَإِلَّا كَانَتْ نَفْلًا وَرَوَى الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ مَنْ مَاتَ وَسَطَ الْوَقْتِ أَثِمَ وَعِنْدَنَا لَا يَأْثَمُ

قَاعِدَةٌ الْوَاجِبُ الْمُخَير وَالْمُوَسَّعُ وَالْكِفَايَةُ كُلُّهَا مُشْتَرِكَةٌ فِي أَنَّ الْوُجُوبَ

ص: 22

مُتَعَلِّقٌ بِأَحَدِ الْأُمُورِ فَفِي الْمُخَيَّرِ بِأَحَدِ الْخِصَالِ والموسع بِأحد الْأَزْمَان الكامنة بَيْنَ طَرَفَيِ الْوَقْتِ وَفِي الْكِفَايَةِ بِأَحَدِ الطَّوَائِفِ وَمَتَى تَعَلَّقَ الْوُجُوبُ بِقَدْرٍ مُشْتَرَكٍ كَفَى فِيهِ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهِ وَلَا يَتَعَيَّنُ الْإِخْلَالُ بِهِ إِلَّا بِتَرْكِ جَمِيعِ أَفْرَادِهِ فَلَا جَرَمَ خَرَجَ الْمُكَلف عَن الْعهْدَة بِأَيّ زمَان كَانَ منهلا إِلَّا بِتَرْكِ جَمِيعِهَا فَمَنْ لَاحَظَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ وَهُوَ الْحق قَالَ الْوَقْت كُله طرف الْوُجُوب لِتَحَقُّقِ الْمُشْتَرَكِ فِي جُمْلَةِ أَجْزَائِهِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ وَمَنْ لَاحَظَ أَنَّ الْوَقْتَ سَبَبٌ وَالْإِجْزَاءُ حَاصِلٌ بِالْفِعْلِ أَوَّلَ الْوَقْتِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ تَرَتُّبِ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا حُكِمَ بِأَنَّ أَوَّلَهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ وَمَنْ لَاحَظَ أَنَّ حَقِيقَةَ الْوَاجِبِ مَا يَلْحَقُ الْإِثْمُ بِتَرْكِهِ وَهَذَا إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ آخِرَ الْوَقْتِ قَالَ الْوُجُوبُ مُخْتَصٌّ بِهِ وَمن أشكلت عَلَيْهِ الْحجَّاج قَالَ بِالْوَقْفِ وَالْحق الأبلج معنى مَا تَقَدَّمَ فِي تَقْرِيرِ الْقَاعِدَةِ

فَرْعٌ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الَّذِي تَقْتَضِيهِ أُصُولُ مَذْهَبِ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْوَاجِب الْمُخَير إِلَّا لبدل وَهُوَ الْعَزْم على أَدَائِهَا فِي الْوَقْتِ لِأَنَّ مَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَلَمْ يَفْعَلْ وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَى الْفِعْلِ فَهُوَ مُعْرِضٌ عَنِ الْأَمْرِ بِالضَّرُورَةِ وَالْمُعْرِضُ عَنِ الْأَمْرِ عَاصٍ وَالْعَاصِي يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ وَاخْتَارَ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ عَدَمُ وُجُوبِ هَذَا الْعَزْمِ لِأَنَّ الْأَمْرَ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْفِعْلِ فَقَطْ وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُجُوبِ غَيره وَلِأَن الْبَدَل يقوم مقَام الْبَدَل فَيَلْزَمُ سُقُوطُ الْمَأْمُورِ بِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ الثَّالِثُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَا تَزَالُ الصَّلَاةُ أَدَاءً مَا بَقِيَ الْوَقْتُ الضَّرُورِيُّ لِأَنَّ الْأَدَاءَ إِيقَاع الْعِبَادَة فِي وَقتهَا الْمَحْدُود لَهَا وَلِهَذَا الْوَقْتُ مَحْدُودٌ لَهَا فَإِذَا تَعَمَّدَ التَّأْخِيرَ إِلَى آخر

ص: 23

الضَّرُورِيِّ لَا يَأْثَمُ عِنْدَ ابْنِ الْقَصَّارِ حَمَلًا لِقَوْلِهِ عليه السلام مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ عَلَى إِدْرَاكِ الْأَدَاءِ وَالْمُؤَدِّي لَيْسَ بِآثِمٍ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ لَوْ قِيلَ بِالْإِثْمِ لَمْ يَبْعُدْ لِلتَّأْخِيرِ عَنِ الْوَقْتِ الْمَحْدُودِ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ قَالَ وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ تَعَمَّدَ التَّأْخِيرَ حَتَّى بَقِيَ زَمَانُ رَكْعَةٍ فَقَطْ أَنَّهُ عَاصٍ وَرَجَّحَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ الْأَوَّلَ مُحْتَجًّا بِأَنَّ الْعِبَادَةَ تَسْقُطُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِالْأَعْذَارِ وَلَوْلَا أَنَّ الْوَقْتَ بَاقٍ لم يسْقط وَأَنْكَرَ الْإِجْمَاعَ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْقَصَّارِ يَأْبَاهُ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ اتَّفَقَ أَصْحَابُ مَالِكٍ عَلَى امْتِنَاعِ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ إِلَى مَا بَعْدَهُ مِنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ وَأَنَّهُ لَا تجوز إِلَّا لِضَرُورَةٍ وَهُوَ الْقَامَةُ فِي الظُّهْرِ وَالْقَامَتَانِ فِي الْعَصْرِ أَوْ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ وَمَغِيبُ الشَّفَقِ فِي الْمَغْرِبِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ لَهُ وَقْتَيْنِ وَانْقِضَاءُ نِصْفِ اللَّيْلِ فِي الْعِشَاءِ الأخيره والإسفار فِي الصُّبْح لقَوْله عليه السلام

تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ الْحَدِيثَ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ فِي السَّلَفِ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ مُضَيِّعٌ لِصَلَاتِهِ وَإِنْ كَانَ مُؤَدِّيًا وَأَمَّا تَرْكُهَا حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ فَمِنَ الْكَبَائِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوف يلقون غيا}

ص: 24

الرَّابِعُ فِي التَّأْخِيرِ وَالتَّعْجِيلِ قَالَ فِي الْكِتَابِ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ فِي الشِّتَاءِ والصيف والفيء ذِرَاعٍ كَمَا أَمَرَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَاسْتحبَّ الشَّافِعِي رحمه الله التَّعْجِيل أول الْوَقْت أَبُو حنيفَة التَّأْخِيرُ إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ لِلْفَذِّ وَالْجَمَاعَةِ لَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ إِنَّ أَهَمَّ أُمُورِكُمْ عِنْدِي الصَّلَاةُ فَمَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ دِينَهُ وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ ثُمَّ كَتَبَ أَنْ صَلُّوا الظُّهْرَ إِذَا كَانَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا إِلَى أَنْ يَكُونَ ظِلُّ أَحَدِكُمْ مِثْلَهُ حجَّة الشَّافِعِي مَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ صَلِّ الظّهْر إِذا زاغت الشَّمْس وَعَن أَبِي دَاوُدَ كَانَ عليه السلام يُصَلِّي الظُّهْرَ إِذا زَالَت الشَّمْس وَكَانَ يشْعر بِالدَّوَامِ وَالْعَادَةِ وَفِيهِ أَيْضًا سُئِلَ عليه السلام عَنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ فَقَالَ

الصَّلَاةُ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا حجَّة أبي حنيفَة مَا فِي الْمُوَطَّأ أَن أَبَا هُرَيْرَة سُئِلَ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَقَالَ لِلسَّائِلِ صَلِّ الظُّهْرَ إِذَا كَانَ ظِلُّكَ مِثْلَكَ وَالْعَصْرَ إِذا كَانَ ظلك مثليك وَجَوَاب الشَّافِعِي أَنَّ كِتَابَهُ لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ تَحْذِيرٌ عَنْ قبل الزَّوَال أَو يَخُصُّهُ بذلك فِي نَفسه جمعا بَين كِتَابَته وَعَن الثَّانِي أَن نعلم أَن الْأَذَان بعد الزَّوَال لِاجْتِمَاع النَّاس

ص: 25

وَالنَّفْل وَهَذِه سنة السّلف وَجَوَاب أبي حنيفَة عَمَّا فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ لَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ إِذَا كَانَ ظِلُّ الزَّوَالِ كَذَلِكَ أَوْ لَعَلَّهُ سُئِلَ عَنْ آخِرِ الْوَقْتِ فَلَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ عُمَرَ خِلَافٌ بَلْ قَوْلُ عُمَرَ أَرْجَحُ لِكَوْنِهِ إِمَامَ الْمُسْلِمِينَ وَأَكْثَرَ فَحْصًا عَنْ دِينِهِمْ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَالْفَيْءُ ذِرَاعٌ فَالْفَيْءُ لَا يُقَالُ إِلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ لِأَن الظل يفِيء للزِّيَادَة بَعْدَ النُّقْصَانِ أَيْ يَرْجِعُ وَأَمَّا الذِّرَاعُ فَقَالَ التُّونِسِيُّ هُوَ رُبْعُ الْقَامَةِ فَإِنَّهُ الْغَالِبُ مِنْ كُلِّ إِنْسَانٍ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ عِلَّةُ ذَلِكَ اجْتِمَاعُ النَّاسِ وَأَمَّا الْفَذُّ فَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُ وَكَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي الرِّسَالَةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَالْعِرَاقِيِّينَ فِيهِ وَفِي الْجَمَاعَةِ الْمُتَوَفِّرَةِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ قَلِيلًا لِأَنَّ مَسَاجِدَ الْجَمَاعَاتِ أَصْلٌ فِي الصَّلَوَاتِ وَمَا عَدَاهُمْ تَبَعٌ لَهُمْ

فَرْعٌ مُرَتَّبٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ ظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّ الذِّرَاعَ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ لِشِدَّةِ الْحَرِّ لذهابه بِهِ وَقَالَ أَشهب وَالشَّافِعِيّ يُؤَخر ذراعين لما فِي أبي دَاوُود إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَإِذَا اشْتَدَّ الْحر فأبردوا عَن الصَّلَاة قَالَ أَبُو دَاوُود حَتَّى رَأَيْنَا الْفَيْءَ فِي التُّلُولِ وَمَعْنَى الْإِبْرَادِ الدُّخُول

ص: 26

فِي وَقْتِ الْبَرْدِ نَحْوَ أَتْهَمَ وَأَنْجَدَ إِذَا دَخَلَ تِهَامَةَ وَنَجْدًا وَأَصْبَحَ وَأَمْسَى إِذَا دَخَلَ فِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ وَالتُّلُولُ جَمْعُ تَلٍّ وَهُوَ الرَّابِيَةُ وَفَيْحُ جَهَنَّمَ انْتِشَارُ حَرِّهَا وَأَصْلُهُ السِّعَةُ وَمِنْهُ مَكَانٌ أَفْيَحٌ وَأَرْضٌ فَيْحَاءُ أَيْ وَاسِعَةٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ جَهَنَّمَ حَقِيقَةً كَمَا رُوِيَ إِنَّ النَّارَ اشْتَكَتْ إِلَى رَبِّهَا أَنْ قَدْ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا فِي نَفَسَيْنِ نَفَسٌ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٌ فِي الصَّيْفِ فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَهُ مِنَ الْحَرِّ فِي الصَّيف فَهُوَ من نَفسهَا وَأَشد مَا تَرَوْنَهُ مِنَ الْبَرْدِ فِي الشِّتَاءِ فَهُوَ مِنْهَا وَقِيلَ أَرَادَ التَّشْبِيهَ وَاخْتُلِفَ فِي إِبْرَادِ الْفَذِّ فَقَالَ ابْن حبيب لَا يبرد وَاشْترط الشَّافِعِي فِي الْإِبْرَادِ أَرْبَعَةَ شُرُوطٍ الِاجْتِمَاعُ فِي الْمَسْجِدِ وَشِدَّةُ الْحَرِّ وَالْبِلَادُ الْحَارَّةِ كَالْحِجَازِ وَبَعْضِ الْعِرَاقِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي إِتْيَانِ النَّاسِ الْمَسْجِدَ مِنْ بَعْدُ وَاخْتَارَ الْبَاجِيُّ إِلْحَاقَ الْفَذِّ بِالْجَمَاعَةِ بِجَامِعِ الْحر المشغل عَن مَقَاصِد الصَّلَاة قَالَ كالأحوال النَّفْسَانِيَّةِ نَحْوِ إِفْرَاطِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ مَعَهُمَا

فَرْعٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ لَا تُؤَخَّرُ الْعَصْرُ عَنْ وَقْتِهَا مِثْلُ الظُّهْرِ قَالَ الْبَاجِيُّ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهَا تُدْرِكُ النَّاسَ مُتَأَهِّبِينَ بِخِلَافِ الظُّهْرَ فَإِنَّهَا تَأْتِي وَقْتَ قَائِلَةٍ وَدَعَةٍ وَسَوَّى فِي التَّلْقِينِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ فِي النَّوَادِرِ لِتَحْصِيلِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَرَوَى مَالِكٌ وَمُسلم الَّذِي تفوته صَلَاة الْعَصْر فكأنهما وتر أَهله وَمَا لَهُ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَتَرْتُ الرَّجُلَ إِذَا قَتَلْتَ لَهُ قَتِيلًا وَأَخَذْتَ مَالَهُ وَقَالَ

ص: 27

الْخَطَّابِيُّ وُتِرَ نُقِصَ وَبَقِيَ وِتْرًا وَلِأَنَّ النَّفْلَ بَعْدَهَا مَمْنُوعٌ فَتُؤَخَّرُ حَتَّى يَتَنَفَّلَ النَّاسُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ تُؤَخَّرُ مَا دَامَتِ الشَّمْسُ نَقِيَّةً وَأَمَّا الْمَغْرِبُ فَيُتَعَجَّلُ أَوَّلُ وَقْتِهَا لِلْعَمَلِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْمُبَادَرَةُ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا الْعِشَاءُ فَقَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا لِئَلَّا تَفُوتَ النَّاسَ بِسَبَبِ اشْتِغَالِهِمْ بِأَعْشِيَتِهِمْ وَلَا تُؤَخَّرُ جِدًّا وَقَدْ أَنْكَرَ فِي الْكِتَابِ تَأْخِيرَهَا إِلَى ثلث اللَّيْل خلافًا (ش وح) وَرَوَى الْعِرَاقِيُّونَ تَأْخِيرَهَا لِذَلِكَ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ مَكَثْنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ نَنْتَظِرُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم َ - لصَلَاة الْعشَاء خرج عَلَيْنَا حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا أَدْرِي أَشَيْءٌ شَغَلَهُ فِي أَهْلِهِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَقَالَ حِينَ خَرَجَ إِنَّكُمْ تَنْتَظِرُونَ صَلَاةً مَا يَنْتَظِرُهَا أَهْلُ دِينٍ غَيْرُكُمْ وَلَوْلَا أَنْ يَثْقُلَ عَلَى أُمَّتِي لَصَلَّيْتُ بِهِمْ هَذِهِ السَّاعَةَ ثُمَّ أَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَهَذَا الْحَدِيثُ كَمَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّأْخِيرِ يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ التَّأْخِيرِ لِانْتِفَاءِ ذَلِكَ فَإِنَّ لَوْلَا تَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الشَّيْءِ لِوُجُودِ غَيْرِهِ وَلِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فَلَا أَدْرِي أَشَيْءٌ شَغَلَهُ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَادَتَهُمْ خِلَافُ ذَلِكَ وَفِي الْجَوَاهِرِ قِيلَ تَقْدِيمُهَا أَفْضَلُ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بالتقديم إِن اجْتمع النَّاس وينتظرون إِن أبطأوا وَاسْتَحَبَّ ابْنُ حَبِيبٍ تَأْخِيرَهَا فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ قَلِيلا لطول اللَّيْل وَفِي ليَالِي رَمَضَان أَكثر من ذَلِكَ تَوْسِعَةً عَلَى النَّاسِ فِي الْإِفْطَارِ وَأَمَّا الصُّبْح فتعجيلها أفضل على ظَاهر الْكتاب عِنْد الشَّافِعِي خلافًا (ح) مُحْتَجًّا بِأَنَّ الْوَاقِعَ مِنَ التَّغْلِيسِ كَانَ لضَرُورَة أَنهم أَرْبَابُ ضَرُورَاتٍ فِي أَعْمَالِهِمْ وَفِلَاحَتِهِمْ وَأَنَّ الْأَصْلَ

ص: 28

التَّأْخِيرُ لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَهُوَ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ صَلَّى حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ ثُمَّ قَالَ مَا صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم َ - هَذِهِ الصَّلَاةَ هَذَا الْوَقْتَ إِلَّا فِي هَذِهِ اللَّيْلَة فِي هَذَا الْمَكَان يعْنى يَوْم الْجمع فِي الْحَجِّ لَنَا مَا فِي مُسْلِمٍ سُئِلَ عليه السلام أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ فَقَالَ الصَّلَاةُ لأوّل وَقتهَا وَمَا فِي أبي دَاوُود أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ وَآخِرُهُ عَفْوُ اللَّهِ وَمَا فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها كَانَ نِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ يَشْهَدْنَ الْفَجْرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ مَا يُعْرَفْنَ مِنَ الْغَلَس والتلفع التلفف والمرط الكساء الغليظ وَكَانَ يشْعر بِالدَّوَامِ وَلِقَوْلِهِ عليه السلام إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ لَيْلًا فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَلَوْلَا التَّغْلِيسُ لَمَا حَسُنَ تَقْدِيمُ الْأَذَانِ وَفِي أبي دَاوُود أَنه عليه السلام أَسْفَرَ مَرَّةً بِالصُّبْحِ ثُمَّ لَمْ يَعُدْ إِلَى الْإِسْفَارِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْله عليه السلام أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى تَعَدِّي وَقْتِ الظَّنِّ إِلَى وَقْتِ الْيَقِينِ وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ وَلَمْ يَقُلْ أَسْفِرُوا بِالصَّلَاةِ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ إِذَا ثَبَتَ أَنَّ التَّغْلِيسَ أَفْضَلُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فِعْلُهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ فِي الْإِسْفَارِ أَفْضَلُ مِنَ التَّغْلِيسِ مُنْفَرِدًا لِأَنَّ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى فَضِيلَةِ الْوَقْتِ بِدَلِيلِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لَيْلَةَ الْمَطَرِ

ص: 29

تَمْهِيدٌ الْأَصْلُ أَنَّ الْمُبَادَرَةَ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ إِظْهَارِ الطَّوَاعِيَةِ وَالْأَمْنِ مِنْ تَفْوِيتِ مَصْلَحَةِ الْعِبَادَةِ إِلَّا أَنْ يَقُومَ مُعَارِضٌ رَاجِحٌ كَالْحَرِّ فَإِنَّ الْإِبْرَادَ مُقَدَّمٌ عَلَى مَصْلَحَةِ الْعِبَادَةِ لِأَنَّ الْمَشْيَ فِي الْحَرِّ الشَّدِيدِ يُذْهِبُ الْخُشُوعَ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ أَوْصَافِ الصَّلَاةِ وَلِهَذَا أُمِرْنَا بِالْمَشْيِ إِلَى الْجَمَاعَةِ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَإِنْ فَاتَتِ الْمُبَادِرَةُ وَصَلَاةُ الْجَمَاعَةِ وَبَرَكَةُ الِاقْتِدَاءِ وَهَذَا عَمَّمَهُ الشَّرْعُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَلِذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ إِذَا تَعَارَضَ الشُّغْلُ وَالصَّلَاةُ فَالْأَخْيَارُ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَقْدِيمِ الشُّغْلِ لِيَتَفَرَّغَ لِلْخُشُوعِ وَقَالَ غَيْرُهُ يَنْبَغِي أَنْ تُؤَخَّرَ الصَّلَاةُ بِكُلِّ مُشَوِّشٍ وَيُؤَخِّرُ الْحَاكِمُ الْحُكْمَ لِأَجْلِهِ كَإِفْرَاطِ الظَّمَأِ وَالْجُوعِ وَالْحُقْنَةِ لقَوْله صلى الله عليه وسلم َ - فِي الصَّحِيحِ

إِذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ وَالصَّلَاةُ زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ

وَأَحَدُكُمْ صَائِمٌ فَلْيَبْدَأْ بِالْعَشَاءِ

تَتِمَّةٌ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَمْ أَرَ مَالِكًا يُعْجِبُهُ هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ إِنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّيَ الصَّلَاةَ وَمَا فَاتَتْهُ وَلَمَا فَاتَهُ مِنْ وَقْتِهَا أَعْظَمُ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى النَّاسَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَتَمَكَّنَ الْوَقْتُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يُرِيدُ لَمْ يَكُنْ يَأْخُذُ بِعُمُومَهِ لَكِن يُرَاعِي أَوَّلَ الْوَقْتِ فِي الْجُمْلَةِ وَلِأَنَّ رَاوِيَ هَذَا

ص: 30

الْحَدِيثِ مِنَ الْمُرْجِئَةِ فَلَا يَأْخُذُ مَالِكٌ بِحَدِيثِهِ الْخَامِسُ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى فِيهَا تِسْعَةُ مَذَاهِبَ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ هِيَ الصُّبْحُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيّ وَالظُّهْرُ عِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَالْعَصْرُ عِنْدَ أبي حنيفَة وَالْمَغْرِبُ عِنْدَ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ قَالَ وَقِيلَ الْعِشَاءُ وَقِيلَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَقِيلَ مُبْهَمَةٌ فِي الْخَمْسِ كَمَا أُخْفِيَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَسَاعَةُ الْجُمُعَةِ قَالَ وَلَوْ قِيلَ إِنَّهَا الْجُمُعَةُ لَاتَّجَهَ وَنَقَلَهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ غَيْرِهِ وَنَقَلَ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا الْعَصْر وَالصُّبْح وَالْوُسْطَى مُؤَنّثَة أَوسط أما من الْفَضِيلَة فَلقَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا} {وَقَالَ أوسطهم} أَوْ مِنَ التَّوَسُّطِ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ وَهُوَ مُشْتَرِكٌ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَالصُّبْحُ أَحَقُّ بِالْمَعْنَيَيْنِ أَمَّا الْفَضْلُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفجْر كَانَ مشهودا} وَفِي الصَّحِيحَيْنِ تَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مشهودا} وَقَوله عليه السلام

لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْح لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا دَلِيلُ

ص: 31

فَضْلِهِمَا وَالصُّبْحُ أَفْضَلُهُمَا لِمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْهُ عليه السلام

مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّهَا قَامَ نصف لَيْلَة وَمن صلى الصُّبْح فِي جمَاعَة فَكَأَنَّهَا صلى اللَّيْل كُله فَتكون الصُّبْح أفضل الْخمس وَلِأَنَّهَا أَكثر مشقة وَتَأْتِي فِي وَقت الرَّغْبَةِ عَنِ الصَّلَاةِ إِلَى النَّوْمِ فَتَكُونُ أَقْرَبَ للتضييع فيناسب الاهتمام بالحث على حفظهَا لتخصصها بِالذِّكْرِ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ فَتَكُونُ هِيَ الْمُرَادَةُ مِنْهُ وَأَمَّا التَّوَسُّطُ بِاعْتِبَارِ الْوَقْتِ فَلِأَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ عَمَّا قَبْلَهَا وَعَمَّا بَعْدَهَا عَنِ الْمُشَارَكَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا حُجَّةُ الظُّهْرِ تَوَسُّطُهَا وَقْتَ الظَّهِيرَةِ وَحُجَّةُ الْعَصْرِ مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ عليه السلام يَوْمَ الْأَحْزَابِ شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مَلَأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا أَوْ أَنَّهَا تَأْتِي فِي وَقْتِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَتَضِيعُ فنبه على الْمُحَافظَة عَلَيْهَا كَمَا قَالَ فِي الْجُمُعَةِ {وَذَرُوا الْبَيْعَ} حُجَّةُ الْمَغْرِبِ تَوَسُّطُ عَدَدِهَا بَيْنَ الثُّنَائِيَّةِ وَالرُّبَاعِيَّةِ وَعدم امتداد وَقتهَا وتجسيم الشَّرْعِ لَهَا وَإِتْمَامُهَا فِي السَّفَرِ حُجَّةُ الْعِشَاءِ اخْتِصَاصُهَا بِعَدَمِ تَعَلُّقِهَا بِشَيْءٍ مِنَ النَّهَارِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا وَلِقَوْلِهِ عليه السلام فُضِّلْتُمْ بِهَا عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ وَلَمْ تُصَلِّهَا أُمَّةٌ قَبْلَكُمْ وَلِأَنَّ النَّوْمَ قَدْ يَغْلِبُ فِيهَا فَتُضَيَّعُ حُجَّةُ الْخَمْسِ أَنَّهَا الْأَوْسَط لَهَا لكَونهَا فَردا وَمَا لأوسط لَهُ إِذَا أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْوَسَطُ كَانَ كِنَايَةً عَنْ جَمِيعِهِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا أَخَفُّ مَشَقَّةً مِنْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ لِإِتْيَانِهَا وَقْتَ

ص: 32

فَتْرَةٍ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ فَتَنْحَطُّ رُتْبَتُهَا وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ الْمَتْرُوكَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ ثَلَاثَةٌ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْمَغْرِبُ فَلَعَلَّ الْإِشَارَةَ للْجَمِيع أَو غَيرهَا من الثَّلَاث أوهي لَكِنْ يَكُونُ تَفْضِيلُهَا عَلَى مَا مَعَهَا فَلَا يَتَنَاوَلُ الصُّبْحَ وَعَنِ الثَّالِثِ أَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الصُّبْحَ أَفْضَلُ بِالنَّصِّ الصَّرِيحِ فَلَا يُدْفَعُ بِالِاسْتِدْلَالِ وَعَنِ الرَّابِعِ مَا تَقَدَّمَ فِي الثَّالِثِ وَعَنِ الْخَامِسِ أَنَّ الْكِنَايَةَ لَا يُعْدَلُ إِلَيْهَا إِلَّا عِنْدَ عَدَمِ التَّصْرِيحِ وَقَدْ وُجِدَ كَمَا تَقَدَّمَ وَلِأَنَّ الثَّالِثَ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ وَسَطًا لِلْخَمْسَةِ لِتَأَخُّرِهِ عَنِ اثْنَيْنِ وَتَقَدُّمِهِ عَلَى اثْنَيْنِ

قَاعِدَةٌ الْأَصْلُ فِي كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَقِلَّتِهِمَا أَنْ يَتْبَعَا كَثْرَةَ الْمَصْلَحَةِ فِي الْفِعْلِ وَقِلَّتَهَا وَكَثْرَةَ الْمَفْسَدَةِ وَقِلَّتَهَا كَتَفْضِيلِ التَّصَدُّقِ بِالدِّينَارِ عَلَى الدِّرْهَمِ وَإِحْيَاءُ الرَّجُلِ الْأَفْضَلِ أَفْضَلُ مِنْ إِحْيَاءِ الْمَفْضُولِ وَإِثْمُ الْأَذِيَّةِ فِي الْأَعْرَاضِ وَالنُّفُوسِ أَعْظَمُ مِنَ الْأَذِيَّةِ فِي الْأَمْوَالِ وَكَذَلِكَ غَالِبُ الشَّرِيعَةِ وَقَدْ يَسْتَوِي الْفِعْلَانِ فِي الْمَصْلَحَةِ وَالْمَفْسَدَةِ مِنْ كُلِّ وَجه وَيُوجب الله سُبْحَانَهُ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ كَإِيجَابِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ دُونَ غَيْرِهَا مَعَ مُسَاوَاتِهَا لِنَفْسِهَا وَكَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ مَعَ غَيْرِهَا مِنَ التَّكْبِيرَاتِ وَأَبْعَدُ مِنْ هَذَا عَنِ الْقَاعِدَةِ تَفْضِيلُ الْأَقَلِّ مَصْلَحَةً عَلَى الْأَكْثَرِ كَتَفْضِيلِ الْقَصْرِ عَلَى الْإِتْمَامِ مَعَ اشْتِمَالِ الْإِتْمَامِ على مزِيد

ص: 33

الْخُضُوعِ وَالْإِجْلَالِ وَأَنْوَاعِ التَّقَرُّبِ وَكَتَفْضِيلِ الصُّبْحِ عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ عِنْدَنَا وَتَفْضِيلِ الْعَصْرِ عَلَى رَأْيِ مَنْ قَصَرَ الْقِرَاءَةَ فِيهَا عَلَى مَا وَرَدَتِ السّنة بِهِ وَكَتَفْضِيلِ رَكْعَةِ الْوِتْرِ عَلَى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْفَاعِل الْمُخْتَار يفضل مَا شَاءَ على مَا شَاءَ وَمَنْ شَاءَ عَلَى مَنْ شَاءَ سبحانه وتعالى إِلَيْهِ يَرْجِعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ السَّادِسُ فِي إِثْبَاتِ الْأَوْقَاتِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِذَا حَصَلَ الْغَيْمُ أَخِّرْ حَتَّى يَتَيَقَّنَ الْوَقْتُ وَلَا يَكْتَفِي بِالظَّنِّ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ وَالْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْوُصُولَ إِلَى الْيَقِينِ مُمْكِنٌ فِي الْوَقْتِ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ الثَّانِي أَنَّ الْقِبْلَةَ يَجُوزُ تَرْكُهَا فِي الْخَوْفِ وَالنَّافِلَةِ بِخِلَافِ الْوَقْتِ قَالَ وَيجوز التَّقْلِيد الْمَأْمُون كايمة الْمَسَاجِدِ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلِ الْمُسْلِمُونَ يَهْرَعُونَ لِلصَّلَاةِ عِنْدَ الْإِقَامَةِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ مِقْيَاسٍ وَكَذَلِكَ المؤذنون لقَوْله عليه السلام الْمُؤَذِّنُونَ أُمَنَاءُ وَفِي الْجَوَاهِرِ مَنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ فَلْيَجْتَهِدْ لِيَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ وَإِنْ خَفِيَ ضوء الشَّمْس اسْتدلَّ بالاورد وَالْأَعْمَالِ وَسُؤَالِ أَرْبَابِهَا وَيَحْتَاطُ قَالَ وَرَوَى مُطَرِّفٌ عَن مَالك أَن مِنْهُ الصَّلَاة فِي الْغَيْم وَتَأْخِير الظُّهْرِ وَتَعْجِيلُ الْعَصْرِ وَتَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ حَتَّى لَا يشك فِي اللَّيْل وتعجيل الْعشَاء ويتحرى فِي ذَهَابَ الْحُمْرَةِ وَتَأْخِيرُ الصُّبْحِ حَتَّى لَا يَشُكَّ فِي الْفَجْرِ

‌الْفَصْلُ السَّابِعُ فِي أَوْقَاتِ الضَّرُورَاتِ

وَهِي الْجُنُون وَالْإِغْمَاء وَالصبَا وَالْكفْر وَالْحيض وَالنّفاس زَاد

ص: 34

صَاحِبُ التَّلْقِينِ النِّسْيَانَ وَأُفَصِّلُ ذَلِكَ فَأَقُولُ قَالَ فِي الْكِتَابِ الْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْحَائِضُ وَالْكَافِرُ إِنْ كَانَ ذَلِكَ بِالنَّهَارِ قَضَوْا ذَلِكَ الْيَوْمَ أَوْ بِاللَّيْلِ قَضَوْا صَلَاةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَوْ مَا يُقْضَى فِيهِ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ قَضَوُا الْأَخِيرَةَ مِنْهُمَا قَالَه صَاحِبُ الطَّرَّازِ يُرِيدُ زَالَتْ أَعْذَارُهُمْ وَيُرِيدُ بِالْقَضَاءِ الْفِعْلَ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ} لأَنهم يَقْضُونَ الصَّلَاةَ الَّتِي خَرَجَ وَقْتُهَا قَالَ فَإِنْ زَالَ الْعُذْرُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ الْأَوَّلِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَهَا وَإِنْ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ أَوْ غَابَ الشَّفَقُ صَلَّوْهُمَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِي وَعند أبي حنيفَة الْأَخِيرَةَ فَقَطْ إِلَّا أَنْ يُدْرِكَ مِنَ الْأُولَى تَكْبِيرَةً لَنَا أَنَّ وَقْتَ الْأُولَى مُشَارِكٌ لِوَقْتِ الثَّانِيَةِ فِي الضَّرُورَةِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا أُخِّرَتِ الْمَغْرِبُ لَيْلَةَ عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْحَائِضِ تَطْهُرُ قَبْلَ الْفَجْرِ تُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ قَضَوُا الْأَخِيرَة مِنْهُمَا وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ فِي التَّقْدِيم أَحَدُهُمَا كَقَوْلِنَا وَالْآخَرُ يُدْرِكُهُمَا بِوَقْتِ الطَّهَارَةِ وَإِيقَاعِ رَكْعَة وَفِي الْجَدِيد قَولَانِ يُدْرِكُ الصَّلَاتَيْنِ بِرَكْعَةٍ وَالِثَانِي بِتَكْبِيرَةٍ نَظَرًا لِلِاشْتِرَاكِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ لَهُمَا لَنَا مَا فِي الْمُوَطَّأ قَالَ عليه السلام

مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مُشَارَكَةِ الظُّهْرِ لَهَا فِي هَذَا الْقَدْرِ وَأَنَّهَا لَا تُدْرَكُ بِأَقَلِّ مِنْهُ وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِهِ عليه السلام فِي مُسْلِمٍ

إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الْعَصْر قبل الشَّمْسِ فَلْيُتِمَّ الصَّلَاةَ فَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا لِأَنَّ إِدْرَاكَ السُّجُودِ فَرْعُ إِدْرَاكِ الرُّكُوعِ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَا تَلْزَمُ الصَّلَاةُ بِأَقَلِّ مِنْ إِدْرَاكِ رَكْعَةٍ وَقَالَ أَشْهَبُ تَلْزَمُ بِالرُّكُوعِ فَقَطْ قَالَ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ آخِرَ الْأَوْقَاتِ لِأُولَى الصَّلَاتَيْنِ وَسَبَبُ

ص: 35

الْخِلَافِ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ هَلْ هُوَ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الْأُولَى إِلَى آخِرِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ أَوْ تَخْتَصُّ الْأُولَى بِمِقْدَارِهَا مِنْ آخِرِ وَقْتِهَا وَالْأَخِيرَةُ بِمِقْدَارِهَا مِنْ آخِرِ وَقْتِهَا وَيَظْهَرُ الْخِلَافُ فِي أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْفَجْرِ هَلْ تُدْرَكُ بِهَا الصَّلَاتَانِ أَوِ الْعِشَاءُ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ مَسْلَمَةَ وَكَذَلِكَ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ لِلْحَائِضِ الْمُسَافِرَةِ تُدْرِكُ الْعِشَاءَ خَاصَّةً عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالصَّلَاتَيْنِ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي هَذَا الْمَقَامِ إِشْكَالَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مُقْتَضَى الْخِلَافِ فِي آخِرِ الْأَوْقَاتِ لِأُولَى الصَّلَاتَيْنِ أَوْ أُخْرَاهُمَا يَقْتَضِي الْخِلَافَ فِيمَنْ سَافَرَ قَبْلَ الْغُرُوبِ بِرَكْعَةٍ هَلْ يَقْصُرُ الظُّهْرَ أَمْ لَا وَلَا يَكَادُ يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ مَوْجُودٌ مَشْهُورٌ فِي الْعِشَاءِ فَهَلِ الْحُكْمُ وَاحِدٌ أَوْ مُخْتَلِفٌ وَيَحْتَاجُ حِينَئِذٍ إِلَى الْفَرْقِ وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ يَلْزَمُ أَيْضًا أَنَّ الْحَائِضَ إِذَا طَهُرَتْ قَبْلَ الْغُرُوب بِرَكْعَة أَن يَجِبَ عَلَيْهَا الظُّهْرُ وَيَسْقُطَ الْعَصْرُ بِنَاءً عَلَى أَنه آخِرُ الْوَقْتِ لِلصَّلَاةِ الْأُولَى وَلَمْ أَرَهُ فِي الْمَذْهَب غَايَة مَا رَأَيْته فروع الأول الْمَازِرِيُّ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إِذَا أَخَّرَتِ الْعَصْرَ إِلَى قَبْلِ الْغُرُوبِ بِرَكْعَةٍ فَحَاضَتْ فَإِنَّهَا تَقْضِيهَا فَإِنْ كَانَ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذِهِ الرَّكْعَةَ لِلظُّهْرِ بِنَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَوَاخِرِ الْأَوْقَاتِ فَحَاضَتْ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَلَمْ تَحِضْ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ فَتَقْضِيهَا فَقَدِ اسْتَوَى الْبَابَانِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ أَو كَانَت التَّسْوِيَة خَاصَّة فَهَذَا الْمُتَأَخر الْمَحْكِيُّ عَنْهُ فَيَكُونُ الْفَرْقُ لِغَيْرِهِ أَنَّ الْمُسَافِرَ يَقْصُرُ الْعَصْرَ إِذَا سَافَرَ قَبْلَ الْغُرُوبِ بِرَكْعَةٍ

ص: 36

وَلَا يقْتَصر الْعِشَاءَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إِذَا سَافَرَ قَبْلَ الْفجْر بِرَكْعَة إِن اهْتِمَامَ الشَّرْعِ بِالْمَغْرِبِ فِي الْوَقْتِ أَكْثَرُ مِنَ الظّهْر لتضييقه الْوَقْت فِي الْمغرب عَلَى الْمَشْهُورِ وَتَوْسِيعِهِ لِلظُّهْرِ إِجْمَاعًا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَعْلِ آخِرِ الْوَقْتِ لِلْمَغْرِبِ لِمَزِيدِ اهْتِمَامِ الشَّرْعَ جَعَلَهُ لِلظُّهْرِ فَافْتَرَقَا الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ اخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ إِذَا نَسِيَتِ الظُّهْرَ وَصَلَّتِ الْعَصْرَ وَحَاضَتْ لِرَكْعَةٍ مِنَ النَّهَارِ هَلْ يَسْقُطُ الظُّهْرُ أَمْ لَا وَإِذَا نَسِيَ الْمُسَافِرُ الظُّهْرَ فِي السَّفَرِ وَصَلَّى الْعَصْرَ وَقَدِمَ قَبْلَ الْغُرُوب فَبَيْنَمَا تَوَضَّأ غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَهَلْ يُصَلِّيهَا حَضَرِيَّةً أَوْ سَفَرِيَّةً وَإِذَا سَافَرَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ نَاسِيًا لِلظُّهْرِ لِرَكْعَةٍ فَهَلْ يُصَلِّيهَا سَفَرِيَّةً أَوْ حَضَرِيَّةً وَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ بِثَوْبٍ نَجِسٍ وَالْعَصْرَ بِثَوْبٍ طَاهِرٍ ثُمَّ عَلِمَ بِنَجَاسَةِ الثَّوْبِ قَبْلَ الْغُرُوبِ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فَهَلْ تَسْقُطُ إِعَادَةُ الظُّهْرِ أَمْ لَا وَخرج قَوْلَيْهِ فِيهَا عَلَى اخْتِصَاصِ الْعَصْرِ بِمِقْدَارِهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ فَيَكُونُ آخِرُ الْوَقْتِ لَهَا أَوْ لَا يَخُصُّ فَيَكُونُ الْوَقْتُ لِلظُّهْرِ فَيَلْحَقُهَا أَحْكَامُ الْقَصْرِ وَالسَّفَرِ وَالْإِعَادَةِ إِلَّا أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ إِنَّمَا حَكَاهُ إِذَا فَعَلَ إِحْدَى الصَّلَاتَيْنِ أَمَّا إِذَا اجْتَمَعَ الصَّلَاتَانِ فَلَمْ أَرَ فِيهَا خِلَافًا وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ يَقُولُ إِذَا أَسْقَطْنَا صَلَاةً أَسْقَطْنَا مَا بَعْدَهَا فَلَا يُمْكِنُ إِسْقَاطُ الظُّهْرِ وَإِيجَابُ الْعَصْرِ فِي حَقِّ مَنْ حَاضَتْ وَإِذَا أَوْجَبْنَا صَلَاةً أَوْجَبْنَا مَا بَعْدَهَا فِي حَقِّ مَنْ طَهُرَتْ وَهَذَا الْكَلَامُ إِنَّمَا يَسْلَمُ مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْعُذْرِ وَعَدَمِهِ أَمَّا إِذَا قُلْنَا إِنَّ آخِرَ الْوَقْت لأولى الصَّلَاتَيْنِ وطهرت اخْتَصَّتِ الظُّهْرَ بِزَوَالِ الْعُذْرِ فَيَجِبُ بِخِلَافِ الْعَصْرِ وَعَكْسُهُ إِذَا طَهُرَتْ

ص: 37

فُرُوعٌ ثَمَانِيَةٌ الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْكِتَابِ فِيمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ لَا يقْضِي الصُّبْح خلافًا ش فتمهد الْوَقْتَ الَّذِي يَقْتَضِي طَرَيَانَ الْعُذْرِ فِيهِ سُقُوطُ الصَّلَاة فعندنا وَقْتُ الْأَدَاءِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ وَعِنْدَ مُعْظَمِ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا مَضَى مِنَ الْوَقْتِ قَدْرُ فِعْلِ الصَّلَاةِ ثُمَّ طَرَأَ الْعُذْرُ بَعْدَهُ سَقَطَتْ

قَاعِدَةٌ الْمُعَيَّنَاتُ لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ وَمَا فِي الذمم لَا يكون معينا كَانَ مَا فِي الذِّمَمِ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ بِأَيِّ فَرْدٍ شَاءَ مِنْ نَوْعِهِ وَالْمُعَيَّنُ لَا يَقْبَلُ الْبَدَلَ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُحَالٌ وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ يَظْهَرُ أَثَرهَا فِي الْمُعَامَلَات وَهَهُنَا أَيْضًا لِأَنَّ الْأَدَاءَ مُعَيَّنٌ بِوَقْتِهِ فَلَا يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ وَالْقَضَاءُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ يَتَعَيَّنُ حَكْمُهُ بِخُرُوجِهِ فَهُوَ فِي الذِّمَّةِ وَالْقَاعِدَةُ ان من شُرُوط الِانْتِقَالِ إِلَى الذِّمَّةِ تَعَذُّرَ الْعَيْنِ كَالزَّكَاةِ مَثَلًا مَا دَامَتْ مُعَيَّنَةً بِوُجُودِ نِصَابِهَا لَا تَكُونُ فِي الذِّمَّةِ وَإِذَا تَلِفَ النِّصَابُ بِعُذْرٍ لَا يضمن فَكَذَلِك إِذا تعذر الْأَدَاء بِعُذْر لَا يَجُبِ الْقَضَاءُ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْقَضَاءِ التَّمَكُّنُ مِنَ الْإِيقَاعِ أَوَّلَ الْوَقْتِ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِي ضَمَانِ الزَّكَاةِ تَأَخُّرُ الْجَابِي فِي الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ بَعْدَ وَقْتِ الْوُجُوبِ وَكَمَا لَوْ بَاعَ صَاعًا مِنْ صَبْرَةٍ وَتَمَكَّنَ مِنْ كَيْلِهِ ثُمَّ تَلِفَتِ الصَّبْرَةُ مِنْ غَيْرِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ لَا يُخَاطَبُ بِالتَّوْفِيَةِ وَلِهَذَا أَجْمَعْنَا فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ يَقْدُمُ أَوِ الْمُقِيمِ يُسَافِرُ عَلَى اعْتِبَارِ آخر الْوَقْت

ص: 38

الثَّانِي قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ فاسقط الْإِعَادَة قِيَاسا على الْحَائِط وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا يَقْضِي مَا خَرَجَ وَقْتُهُ إِذَا كَانَ الْإِغْمَاءُ مُتَّصِلًا بِمَرَضٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَأَمَّا الصَّحِيحُ يُغْمَى عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ فَيَقْضِيَهَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَقْضِي الْخَمْسَ فَمَا دُونَهُنَّ دُونَ مَا زَادَ مُحْتَجًّا بِأَنَّ عَمَّارًا أُغْمِيَ عَلَيْهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً قَضَاهَا وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ أُغَمِيَ عَلَيْهِ الْأَيَّامَ فَلَمْ يَقْضِهَا وَأَوْجَبَ ابْنُ حَنْبَلٍ الْإِعَادَةَ مُطْلَقًا قِيَاسًا عَلَى النَّائِمِ وَالسَّكْرَانِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ اتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ بَلَغَ مُطْبِقًا أَنَّهُ لَا يَقْضِي شَيْئًا

تَمْهِيدٌ الْقَضَاءُ عَلَى الصَّحِيحِ إِنَّمَا يَجِبُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ غَيْرَ أَمْرِ الْأَدَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ نَصٌّ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا وَرَدَ فِي النَّوْمِ وَالنِّسْيَانِ فَقِيَاسُنَا مَعْضُودٌ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَقِيَاسُ الْحَنَابِلَةِ مَدْفُوعٌ بِفَارِقِ أَنَّ النّوم وَالسكر مكتسبان فَلَو أثر فِي السُّقُوطِ لَكَانَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً لِلتَّعْطِيلِ وَأَمَّا تَفْرِقَةُ الْحَنَفِيَّةِ فَهِيَ خِلَافُ الْأُصُولِ فَإِنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا يَسْقُطُ يَسْقُطُ مُطْلَقًا كَالْحَيْضِ وَمَا لَا يَسْقُطُ لَا يَسْقُطُ مُطْلَقًا كَالنَّوْمِ الثَّالِثُ قَالَ فِي الْكِتَابِ وَقْتُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي الْإِغْمَاء مَغِيبِ الشَّمْسِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ اللَّيْلُ كُلُّهُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا أَنَّ الْأَخِيرَةَ

ص: 39

تَتَعَيَّنُ إِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْهُمَا وَتَسْقُطُ الْأُولَى فَإِنْ زَاحَمَ الْعَصْرَ غَيْرُ الظُّهْرِ كَصَلَاةٍ مَنْسِيَّةٍ فالوقت للمنسية عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَتَسْقُطُ الْحَاضِرَةُ وَعِنْدَ أَصْبَغَ يُصَلِّيهمَا ولانب الْقَاسِمِ فِيهَا تَرَدُّدٌ وَالَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْوَقْتَ اسْتَحَقَّتْهُ الْمَنْسِيَّةُ فَلَمْ يَبْقَ لِلْحَاضِرَةِ شَيْءٌ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّهَا أَدْرَكَتْ وَقْتَهَا لقَوْله عليه السلام مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ وَكَذَلِكَ لَوْ طَهُرَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فَلِمَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّهَا تُصَلِّيهِمَا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَعِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ تَسْقُطُ الْمَغْرِبُ فَكَذَلِكَ الْخِلَافُ فِي الْمُسَافِرَةِ تَطْهُرُ قَبْلَ الْفَجْرِ بِثَلَاثٍ الرَّابِعُ قَالَ ابْنُ أبي زيد فِي النَّوَادِر لم يخْتَلف فِي الْحَائِضِ إِنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهَا وَقْتُ الطَّهَارَةِ غَيْرَ مَا يُدْرَكُ بِهِ الصَّلَاةَ وَفِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ قَوْلَانِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَحَدُهُمَا يُشْتَرَطُ كَالْحَائِضِ بِجَامِعِ الْعُذْرِ وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ خِطَابِهِ زَوَالُ الْعَقْلِ وَقَدْ عَقَلَ وَفَرَّقَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ بَيْنَ الْكَافِرِ وَالْحَائِضِ بِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْفُرُوعِ بِخِلَافِهَا وَلِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ قِبَلِهِ بِخِلَافِهَا وَسَوَّى بَيْنَهُمَا سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ وَالْقَاضِي فِي تَلْقِينِهِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يُنَاسِبُ عَدَمَ التَّغْلِيظِ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَا يُعْتَبَرُ وَقْتُ الطَّهَارَةِ فِي أَرْبَابِ الْأَعْذَارِ عَلَى الْإِطْلَاقِ عِنْدَ سَحْنُونٍ وَأَصْبَغَ وَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ يُعْتَبَرُ فِي الْجَمِيعِ إِلَّا الْكَافِرَ وَاسْتَثْنَى ابْنُ حَبِيبٍ مَعَهُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَأَجْرَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْخِلَافَ فِي الْجَمِيعِ قَالَ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلِ الطَّهَارَةُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ أَوْ فِي الْأَدَاءِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ شَرْطَ الْوُجُوبِ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُهُ على الْمُكَلف كالإقامة فِي الصَّوْم لإتمام وَإِنَّمَا تَجِبُ شُرُوطُ الْأَدَاءِ لِأَجْلِ تَقَرُّرِ الْوُجُوبِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهَا وَالطَّهَارَةُ تَجِبُ إِجْمَاعًا فَلَا تَكُونُ شَرْطًا فِي الْوُجُوبِ عَلَى قَوْلٍ وَأَلْزَمَ اللَّخْمِيُّ التَّيَمُّمَ لِمَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ

ص: 40

إِذَا عُدِمَ الْمَاءُ وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَإِذَا قُلْنَا بِاشْتِرَاط الطَّهَارَة على الْمَشْهُور إِلَّا الْكَافِر فَقَالَ صَاحِبُ التَّلْقِينِ يُضَافُ لِلطَّهَارَةِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَغَيْرُهُ مِمَّا تَتَوَقَّفُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ الْخَامِسُ لَوْ طَرَأَ عَائِقٌ بَعْدَ وَقْتِ الطَّهَارَةِ كَالْحَدَثِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ تَقْضِي الْحَائِضُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ مَا لَزِمَهُمَا أَمَّا لَوْ عَلِمَا بَعْدَ الطَّهَارَةِ وَقَبْلَ الصَّلَاةِ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي تَطَهَّرَا بِهِ نَجِسٌ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا بَعْدَ الطُّهْرِ الثَّانِي قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا حَتَّى صَلَّيَا وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا وَسَوَّى بَيْنَهُمَا سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِم فِي الْمُوازِية التَّسْوِيَة بَين الْمَاءِ وَالْحَدَثِ وَرَأَى طَرَيَانَ الْعُذْرَ كَاسْتِمْرَارِهِ بِجَامِعِ عَدَمِ التَّمَكُّنِ وَرَأَى سَحْنُونٌ أَنَّ بِالطُّهْرِ تَعَلُّقِ الْخِطَابِ وَأَمَّا تَفْرِقَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلِأَنَّ الْحَدَثَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الصَّلَاةِ وَنَجَاسَةُ الْمَاءِ تَخْلِي حَدَثَ الْحَيْضِ عَلَى حَالِهِ وَهُوَ مَانِعٌ مِنَ الْوُجُوبِ وَهَذَا الْفَرْقُ يَنْقَدِحُ فِي الْحَائِضِ خَاصَّةً مَعَ تَعْمِيمِ الْحُكْمِ فِيهِمَا السَّادِسُ إِذَا قَدَرَتْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فَأَحْرَمَتْ بِالظُّهْرِ ثُمَّ تَبَيَّنَ خَطَؤُهَا فَإِنْ كَانَتْ صَلَّتْ رَكْعَةً شَفَّعَتْهَا إِنْ كَانَتْ تُدْرِكُ رَكْعَةً قَبْلَ الْغُرُوبِ وَإِلَّا قَطَعَتْ فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهَا ذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إِنْ كَانَ بَعْدَ رَكْعَةٍ شَفَّعَتْهَا وَسَلَّمَتْ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ ثَلَاثٍ كَمَّلَتْهَا وَهِيَ نَافِلَةٌ ثُمَّ تُصَلِّي الْعَصْرَ وَقَالَ أَصْبَغُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَوْ قَطَعَتْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لَكَانَ وَاسِعًا وَلَوْ عكست فقدرت الْوَقْت للعصر فَقَط وصلتها ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ قَالَ مَالِكٌ فِي

ص: 41

الْمَوَّازِيَّةِ تُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ كَمَا وَجَبَا وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا تُعِيدُ الْعَصْرَ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ تُصَلِّي الظُّهْرَ فَقَطْ إِلَّا إِنْ بَقِي بعد قَدْرِ رَكْعَةٍ فَأَكْثَرَ وَصَحَّ تَقْدِيرُهَا لِلصَّلَاتَيْنِ لَكِنْ بَدَأَتْ بِالْعَصْرِ نَاسِيَةً فَفِي الْجَوَاهِرِ تُصَلِّي الظُّهْرَ لِإِدْرَاكِهَا وَقْتَهَا وَتُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الْعَصْرِ لِوُقُوعِهَا فِي الزَّمَانِ الْمُخْتَصِّ بِالظُّهْرِ كَمَنْ أَوْقَعَ الْعَصْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَقِيلَ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهَا إِنَّمَا تَجِبُ لِأَجْلِ الْمَنْسِيَّةِ فِي الْوَقْتِ السَّابِعُ فِي الْجَوَاهِرِ حُكْمُ الصَّبِيِّ حُكْمُ الْحَائِضِ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فَلَوِ احْتَلَمَ بَعْدَمَا صَلَّى وَجَبَتِ الْإِعَادَة عندنَا وَعند أبي حنيفَة خلافًا ش مُتَمَسِّكًا بِأَنَّ الزَّوَالَ سَبَبٌ فِي الشَّرْعِ لصَلَاة وَاحِدَة إِجْمَاعًا لما نقل فِي حَقِّ الصَّبِيِّ أَوْ فَرْضٌ فِي حَقِّ الْبَالِغِ وَقَدْ أَوْقَعَ صَلَاةً فَلَا تَجِبُ أُخْرَى وَإِلَّا لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ الزَّوَالُ سَبَبًا لِصَلَاتَيْنِ وَالْمُقَرَّرُ خِلَافُهُ وَفِي الْجَوَاهِرِ قِيلَ بِنَفْيِ الْإِعَادَةِ وَكَذَلِكَ الْخلاف لَو بلغ بعد الظّهْر وَقبل الْجُمُعَةِ لَنَا أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ مِنْهُ نَفْلٌ وَآخِرُ الْوَقْت هُوَ الْمُعْتَبر كَمَا تقدم وَهُوَ مُقْتَضى الْوُجُوب وَالنَّفْلُ لَا يُجْزِئُ عَنِ الْوَاجِبِ الثَّامِنُ إِذَا ذَهَبَ عَقْلُهُ بِدَوَاءٍ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ بعض الشفعوية إِنْ لَمْ يَكُنِ الْغَالِبُ إِزَالَتُهُ لِلْعَقْلِ أَسْقَطَ الْغَرَض وَإِن كَانَ لَمْ يَسْقُطْ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا يَسْقُطُ مُطْلَقًا كَمَا لَوْ شَرِبَ مُسْكِرًا لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مُسْكِرٌ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ وَاجِبَةٌ إِجْمَاعًا وَحَيْثُ أَجْمَعْنَا عَلَى السُّقُوطِ فَيُعْذَرُ مِنْ غَيْرِ صنعه وَهَهُنَا لَيْسَ كَذَلِك

ص: 42

(الْبَابُ الثَّانِي فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ)

فَأَمَّا الْأَذَانُ فِي اللُّغَةِ فَهُوَ الْإِعْلَامُ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَصْلُهُ مِنَ الْأُذُنِ كَأَنَّهُ أَوْدَعَ مَا عَمِلَهُ أُذُنَ صَاحِبِهِ ثُمَّ اشْتَهَرَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ بِالْإِعْلَامِ بِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ فَاخْتَصَّ بِبَعْضِ أَنْوَاعِهِ كَمَا اخْتَصَّ لَفْظُ الدَّابَّةِ وَالْبِشَارَةِ وَالنِّسْيَان وَالْقَارُورَةِ وَالْخَابِيَةِ بِبَعْضِ أَنْوَاعِهَا وَأَذَّنَ إِذَا أَعْلَمَ بِفَتْح الذَّال وتشديدها وَأذن لَهُ فِي شَيْء أَبَاحَهُ لَهُ بِكَسْرِ الذَّالِ مُخَفَّفَةً وَهُوَ أَيْضًا بِمَعْنَى عَلِمَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ من الله} وَبِمَعْنى اسْتمع وَمِنْه قَوْله عليه السلام

وَمَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ كَإِذْنِهِ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ وَالْمِئْذَنَةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْمَنَارَةُ وَالْإِقَامَةُ مِنَ الْقِيَامِ لِأَنَّ النَّاسَ يَقُومُونَ لِلصَّلَاةِ بِسَبَبِهَا وَمَعْنَى قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ أَيِ اسْتَقَامَ إِيقَاعُهَا وَآنَ الدُّخُولُ فِيهَا وَفِي الْبَابِ خَمْسَةُ فُصُولٍ

ص: 43

‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ الْأَذَانِ

وَهُوَ سَبْعَ عَشْرَةَ جُمْلَةً مِنَ الْكَلَامِ وَقَوْلُ الْأَصْحَابِ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً مَجَازٌ عَبَّرُوا بِالْكَلِمَةِ عَنِ الْكَلَامِ وَإِلَّا فَهُوَ ثَمَانِيَة وَسِتُّونَ كلمة وَالْخلاف فِي مَوَاضِع مِنْهُ أَحَدُهَا التَّكْبِيرُ فَعِنْدَنَا مَثْنَى وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَرْبَعٌ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مُخْتَلِفَةٌ فِي ذَلِكَ وَتَتَرَجَّحُ رِوَايَةُ مَذْهَبِنَا بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهَا مَوضِع إِقَامَته عليه السلام حَالَة اسْتِقْلَال أَمْرِهِ وَكَمَالِ شَرْعِهِ إِلَى حِينِ انْتِقَالِهِ لِرِضْوَانِ رَبِّهِ وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ كَذَلِكَ يَسْمَعُهُ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بِرِوَايَةِ الْخَلَفِ عَنِ السَّلَفِ رِوَايَةً متواترة مخرجة لَهُ من حِين الظَّن والتخمين إِلَى حِين الْيَقِين وَأَمَّا الرِّوَايَاتُ الْأُخَرُ فَلَا تُفِيدُ إِلَّا الظَّنَّ وَهُوَ لَا يُعَارِضُ الْقَطْعَ وَلِذَلِكَ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ وَثَانِيهَا تَرْجِيعُ الشَّهَادَتَيْنِ خَالَفَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ مُحْتَجًّا بِأَنَّ سَبَبَ التَّرْجِيعِ قَدِ انْتَفَى فَيَنْتَفِي وَذَلِكَ أَنَّ سَبَبَهُ إِغَاظَةُ الْمُشْرِكِينَ بِالشَّهَادَتَيْنِ أَوْ أَمْرُهُ أَبَا مَحْذُورَةَ بِالْإِعَادَةِ لِلتَّعْلِيمِ أَوْ أَنَّهُ كَانَ شَدِيدُ الْبُغْضِ لَهُ عليه السلام فَلَمَّا أسلم وَمد فِي الْأَذَانِ وَوَصَلَ إِلَى الشَّهَادَتَيْنِ أَخْفَى صَوْتَهُ حَيَاء من قومه فَدَعَاهُ عليه السلام وَعَرَّكَ أُذُنَهُ وَأَمَرَهُ بِالتَّرْجِيعِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْحُكْمَ قَدْ يَنْتَفِي سَبَبُهُ وَيَبْقَى كَالرَّمَلَانِ فِي الْحَجِّ لِإِغَاظَةِ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ بَاقٍ لِقَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه مَا لِي أَرَى الرَّمَلَانِ وَلَا من أرِي مَعَ أَنه مُخَالف فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَكِن قولة عمر وَغَيره

ص: 44

حجَّة عَلَيْهِ لنا مَا تقدم من الْمَدِينَة وَمَا فِي أبي دَاوُود أَنَّهُ عليه السلام قَالَ لِأَبِي مَحْذُورَةَ فِي تَعْلِيمِهِ الْأَذَانَ تَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ تَرْفَعُ بِهَا صَوْتَكَ ثُمَّ تَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا الله أشهد أَن مُحَمَّد رَسُول الله أشهد أَن مُحَمَّد رَسُول الله تخفي بهَا صَوْتك ثمَّ ترفع بِالشَّهَادَةِ وَكَمَّلَ لَهُ الْأَذَانَ إِلَى قَوْلِهِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ ثُمَّ قَالَ لَهُ فَإِنْ كَانَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ قُلْتَ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ

فَرْعٌ قَالَ فِي الْكِتَابِ يَكُونُ صَوْتُهُ فِي تَرْجِيعِ الشَّهَادَتَيْنِ أَرْفَعَ مِنَ الْأَوَّلِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ هَذَا يَقْتَضِي الْإِسْمَاعَ بِالْأَوَّلِ وَهُوَ الْحَقُّ لِأَنَّهُ أَذَانٌ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْإِعْلَامِ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَخْفِضُ التَّكْبِيرَ عَلَى مَا فِي الْكتاب وَهِي رِوَايَة أَشهب عَنهُ وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ خَفْضَهُ مِنَ الْكِتَابِ وَهُوَ غَلَطٌ قَالَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ يُرَجِّعُ الْمُؤَذِّنُ الْأَوَّلُ بِخِلَافِ مَنْ بَعْدَهُ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ اخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ فَقِيلَ يَخْفِضُ فِيهِ الصَّوْتَ مِثْلَ مَا قَبْلَ التَّرْجِيعِ وَيَبْتَدِئُ الرَّفْعَ مِنَ التَّرْجِيعِ وَقِيلَ يَرْفَعُ أَوَّلًا ثُمَّ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ مِنَ التَّرْجِيعِ إِلَى آخِرِهِ وَاخْتَارَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ مُوَافَقَةِ الْأَحَادِيثِ فِي عُلُوِّ الصَّوْتِ وَمِمَّا فِيهِ مِنَ الْإِعْلَامِ وَثَالِثُهَا الصَّلَاةُ

ص: 45

خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ عِنْدَنَا مَشْرُوعَةٌ خِلَافًا ش ح فِي أحد قوليهما لنا إِجْمَاع الْمَدِينَةِ وَحَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ الْمُتَقَدِّمُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ اخْتُلِفَ فِي حِينِ مَشْرُوعِيَّتِهِ فَقِيلَ إِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه أَمَرَ بِهِ فَفِي الْمُوَطَّأِ قَالَ مَالِكٌ بَلَغَنِي أَنَّ الْمُؤَذِّنَ جَاءَ يُؤْذِنُ عُمَرَ بِالصَّلَاةِ فَوَجَدَهُ نَائِمًا فَقَالَ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ فَقَالَ لَهُ اجْعَلْهَا فِي نِدَاءِ الصُّبْحِ وَقِيلَ أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - لما تقدم فِي حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ عُمَرَ إِنْكَارًا لِمَا قَالَهُ الْمُؤَذِّنُ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الصُّبْحِ

فُرُوعٌ ثَلَاثَةَ عَشَرَ الْأَوَّلُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَسَّعَ مَالِكٌ رحمه الله فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصِرِ فِي تَرْكِ ذَلِكَ لِمَنْ كَانَ مُنْفَرِدًا وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ يُشْرَعُ فِي الْعِشَاءِ وَقَالَ النَّخَعِيُّ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَاسْتَحْسَنَ الْأَوَّلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لمن كَانَ وَحده أَو لمن مَعَه مِمَّن لَيْسَ بِنَائِمٍ قَالَ وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْأَذَانَ مُتَّبَعٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ أَلَا تَرَاهُ يُحَيْعِلُ وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ وَيُحْمَلُ قَوْلُ مَالِكٍ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ الْأَذَانَ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَاخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ هَلْ يُقَالُ مَرَّتَيْنِ قِيَاسًا عَلَى التَّكْبِيرِ أَوْ مَرَّةً لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ فَيَكُونُ مَرَّةً كَقَوْلِنَا قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ الثَّانِي التَّثْوِيبُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ هُوَ عِنْدَنَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ خِلَافًا ح مُحْتَجًّا بِأَنَّ بِلَالًا كَانَ إِذَا أَذَّنَ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم َ - قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَرَوَوْا أَن عمر لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ جَاءَ أَبُو مَحْذُورَةَ وَقَدْ أَذَّنَ فَقَالَ الصَّلَاةَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَيَّ على

ص: 46

الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رضي الله عنه وَيْحَكَ أَمَجْنُونٌ أَنْتَ مَا كَانَ فِي دُعَائِكَ الَّذِي دَعَوْتَ مَا نَأْتِيكَ حَتَّى تَأْتِيَنَا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ سُنَّةً لَمْ يُنْكِرْهُ وَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَكَرِهَ تَنَحْنُحَ الْمُؤَذِّنِ عِنْدَ الْفَجْرِ ليعلم النَّاس ويركعون وَرُوِيَ أَنه حدث فِي زمَان مُعَاوِيَةَ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ إِذَا أَذَّنَ عَلَى الصَّوْمَعَةِ دَارَ إِلَى الْأَمِيرِ وَاخْتَصَّهُ بِحَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ إِلَى حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ ثُمَّ يَقُولُ الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَأَقَرَّ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز وَأَجَازَهُ ابْن الْمَاجشون فِي الْمَبْسُوطِ وَذَكَرَ فِي صِفَةِ التَّسْلِيمِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْأَمِيرُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيّ على الْفَلاح وَالصَّلَاة يَرْحَمُكَ اللَّهُ قَالَ وَأَمَّا فِي الْجُمُعَةِ فَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْأَمِيرُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ قَدْ حَانَتِ الصَّلَاةُ قَدْ حَانَتِ الصَّلَاةُ وَعَادَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ تَأْبَى هَذِهِ الْمُحْدَثَاتِ

فَائِدَةٌ التَّثْوِيبُ مِنْ قَوْلِهِمْ ثَابَ إِلَيْهِ جِسْمُهُ إِذَا رَجَعَ بَعْدَ الْمَرَضِ وَالْبَيْتُ مَثَابَةٌ لِلنَّاسِ أَيْ مَرْجِعٌ لَهُمْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَصْلُهُ الْإِعْلَامُ يُقَالُ ثَوَّبَ إِذا لوح بِثَوْبِهِ وللفرق بَيْنَ ثَابَ وَتَابَ مُعْجَمًا وَمُهْمَلًا أَنَّ الْأَوَّلَ لِلرُّجُوعِ وَالثَّانِي لِلْإِقْلَاعِ وَمِنْهُ التَّوْبَةُ مِنَ الذَّنْبِ أَيِ الْإِقْلَاعُ عَنْهُ الثَّالِثُ أَنْكَرَ فِي الْكِتَابِ التَّطْرِيبَ فِي الْأَذَانِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ مُؤَذِّنِي الْمَدِينَةِ يَطْرَبُ يَعْنِي الْعَمَلَ عَلَى خِلَافِهِ وَالتَّطْرِيبُ مِنَ الِاضْطِرَابِ الَّذِي يُصِيب الْإِنْسَان من الْخَوْف أَو الْفَرح مشبه بتقطيع الصَّوْت وترعيده

ص: 47

بِذَلِكَ وَكَرِهَهُ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّشْبِيهِ بِالْغِنَاءِ الَّذِي بنزه التَّقَرُّبُ عَنْهُ وَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَكَذَلِكَ التَّحْزِينُ بِغَيْرِ تَطْرِيبٍ وَلَا يُبَالِغُ فِي الْمَدِّ بَلْ يَكُونُ عَدْلًا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ مُحَدَّدًا عَالِيًا الرَّابِعُ أَنْكَرَ فِي الْكِتَابِ دَوَرَانَ الْمُؤَذِّنِ وَالْتِفَاتَهُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهِ وَبَلَغَنِي عَنهُ إِجَازَته للإسماع وَأنكر الإدارة إِنْكَارًا شَدِيدًا وَفِي الْجَوَاهِرِ لَا يُحَوِّلُ صَدْرَهُ عَنِ الْقِبْلَةِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَفِي الْجُلَّابِ لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ إِلَى الْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا مبتدئا وَفِي أثْنَاء أَذَانه وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِنْ أَذَّنَ عَلَى الْمَنَارِ فَلَهُ أَنْ يَدُورَ بِجَمِيعِ جَسَدِهِ عَنِ الْقِبْلَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَتْرُكُ الِاسْتِقْبَالَ بِوَجْهِهِ وَلَا بِقَدَمَيْهِ كَانَ فِي مَنَارٍ أَوْ غَيْرِهِ وَيَلْوِي عُنُقَهُ فِي حَيَّ على الصَّلَاة حَيّ عَلَى الْفَلَاحِ لِيُسْمِعَ النَّوَاحِيَ وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ يَثْبُتَ بِجَمِيعِ جَسَدِهِ فِي جَمِيعِ أَذَانِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَنَارِ لَوَى عُنُقَهُ وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ الِاسْتِقْبَالَ فِي الْإِقَامَةِ أَيْضًا وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ رَأَيْتُ الْمُؤَذِّنِينَ بِالْمَدِينَةِ وُجُوهَهُمْ إِلَى الْقِبْلَةِ وَرَأَيْتُهُمْ يُقِيمُونَ عَرْضًا يَخْرُجُونَ مَعَ الْإِمَامِ وَهُمْ يُقِيمُونَ يَعْنِي أَنَّهُمْ ذُرِّيَّةُ الصَّحَابَةِ يَنْقِلُونَ عَنِ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ وَفِي أَبِي دَاوُدَ رَأَيْتُ بِلَالًا يُؤذن ويدور وَيتبع هَهُنَا وَهَهُنَا وأصبعاه فِي أُذُنَيْهِ وَفِيه عَن أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ بِلَالًا خَرَجَ إِلَى الْأَبْطَحِ فَأَذَّنَ فَلَمَّا بَلَغَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ لَوَى عُنُقَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَمْ يَسْتَدِرْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْعِلْمِ

ص: 48

الْخَامِسُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يُؤَذِّنُ قَاعِدًا إِلَّا مِنْ عُذْرٍ إِذَا كَانَ مَرِيضًا يُؤَذِّنُ لِنَفْسِهِ وَأَجَازَ فِي الْحَاوِي قَاعِدًا وَرَاكِبًا وَجْهُ الْأَوَّلِ الِاتِّبَاعُ لِلسَّلَفِ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْإِقَامَةِ وَالْخُطْبَةِ وَلِأَنَّ الدُّعَاءَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يَقْتَضِي الِاهْتِمَامَ وَالْجُلُوس تَقْصِير الْوَجْه الثَّانِي أَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِعْلَامُ وَهُوَ حَاصِلٌ وَلِأَنَّ الْأَذَانَ مِنَ السُّنَنِ التَّابِعَةِ لِلْفَرَائِضِ فَأَشْبَهَ نَوَافِلَ الصَّلَاةِ السَّادِسُ وَسَّعَ فِي الْكِتَابِ فِي تَرْكِ وَضْعِ الْإِصْبَعَيْنِ فِي الْأُذُنَيْنِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَأَيْتُهُمْ بِالْمَدِينَةِ لَا يَفْعَلُونَهُ وَاسْتَحْسَنَهُ الشَّافِعِيُّ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ وَقَوْلُنَا أَرْجَحُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْتَحْسَنًا لَكَانَ فِي مَسْجِدِهِ عليه السلام قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْإِقَامَةُ كَالْأَذَانِ السَّابِعُ فِي الْجَوَاهِر يجْزم آخر كل جملَة مِنَ الْأَذَانِ وَلَا يَصِلُهَا بِمَا بَعْدَهَا وَيُدْمِجُ الْإِقَامَةَ لِلْعَمَلِ فِي ذَلِكَ الثَّامِنُ قَالَ فِي الْكِتَابِ يُؤَذِّنُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ وَاخْتَارَ فِي الْمُخْتَصَرِ الْوُضُوءَ وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْمَعُونَةِ وَالشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ عليه السلام فِي التِّرْمِذِيِّ لَا يُؤَذِّنُ إِلَّا مُتَوَضِّئٌ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْإِقَامَةُ لِأَنَّهَا أَذَانٌ وَإِعْلَامٌ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عليه السلام فِي الصَّحِيحَيْنِ

بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ لِمَنْ شَاءَ

فَرْعٌ مُرَتَّبٌ إِذا لم يكره الْحَدث فكرهه ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لِلْجُنُبِ وَأَجَازَهُ أَبُو

ص: 49

الْفَرَجِ فِي الْحَاوِي وَسَحْنُونٌ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ يُكْرَهُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لِلْجُنُبِ أَمْ لَا فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ السَّلَامَ إِلَّا أَنِّي لَمْ أَكُنْ عَلَى طُهْرٍ يَعْنِي لِمَا فِي السَّلَامِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ التَّاسِعُ قَالَ فِي الْكِتَابِ يَجُوزُ أَرْبَعَةُ مُؤَذِّنِينَ لِمَسْجِدٍ وَاحِدٍ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ رَأَيْتُ بِالْمَدِينَةِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مُؤَذِّنًا وَكَذَلِكَ بِمَكَّةَ يُؤَذِّنُونَ مَعًا فِي أَرْكَانِ الْمَسْجِد كل وَاحِد لَا يَنْقَضِي بِأَذَانِ صَاحِبِهِ فَأَمَّا الْمَسْجِدُ الْكَبِيرُ فَيَجُوزُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ رَجُلٌ يُسْمِعُ مَنْ يَلِيهِ لِأَنَّ كُلَّ جَمَاعَةٍ يَحْتَاجُونَ لِلْإِعْلَامِ وَأَمَّا الصَّغِيرُ فَتَوَالِي الْأَذَانِ فِيهِ أَبْلَغُ مِنْ جَمْعِهِ بِحَسْبِ الْوَقْتِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَمَّا الصُّبْحُ وَالظُّهْرُ وَالْعِشَاءُ فَيُؤَذِّنُونَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ إِلَى الْعَشَرَةِ وَفِي الْعَصْرِ إِلَى الْخَمْسَةِ وَفِي الْمَغْرِبِ وَاحِدٌ فَقَطْ التُّونِسِيُّ يُرِيدُ أَوْ جَمَاعَةً مُجْتَمِعِينَ فَإِنْ تَشَاحُّوا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ بِشَرْطَيْنِ التَّسَاوِي فِي الْإِمَامَة وَأَن لَا يَكُونَ صَاحِبَ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ مُقَدَّمٌ وَتَصِحُّ الْقُرْعَةُ فِي الْمَغْرِبِ وَغَيْرِهَا وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْلُهُ عليه السلام لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يستهموا عَلَيْهِ لاستهموا وَقد اخْتَصَمَ قَوْمٌ بِالْقَادِسِيَّةِ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ سَعْدٌ وَكَرِهَ الْحَنَفِيَّةُ تَكْرَارَهُ فِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ بِخِلَافِ الشَّاغِرِ مُحْتَجِّينَ بِأَنَّ التَّكْرَارَ يُؤَدِّي إِلَى تَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ بِاعْتِمَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى أَذَانِ نَفْسِهِ وَجَوَابُهُ أَنَّ مَنِ اعْتَادَ الْأَذَانَ حَقَّقَ الْوَقْتَ فَلَا يَخْتَلِفُونَ غَالِبًا

ص: 50

الْعَاشِرُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يَفْصِلُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَة إِلَّا الْمغرب عندنَا وَعند أبي حنيفَة خِلَافًا لِصَاحِبَيْهِ فِي الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا بِجِلْسَةٍ كَالْخُطْبَتَيْنِ وَلِلشَّافِعِيِّ فِي الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كُنَّا بِالْمَدِينَةِ إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ ابْتَدَرُوا السَّوَارِيَ يَرْكَعُونَ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ الْغَرِيبَ لَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَحْسَبُ أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ صُلِّيَتْ مِنْ كَثْرَة من يُصليهَا وَجَوَابه مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَتَوَارَتْ بِالْحِجَابِ وَهَذَا يَقْتَضِي عدم الْفَصْل وَعمل الْمَدِينَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ آخِرُ الْعَمَلَيْنِ مِنْ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - الْحَادِيَ عَشَرَ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يُسَلِّمُ فِي أَذَانِهِ وَلَا يَرُدُّ سَلَامًا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ خُرُوجِ الْأَذَانِ عَنْ نِظَامِهِ وَلِأَنَّهُ الْعَمَل فِي السَّلَفِ

فَرْعٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَإِنْ عَرَضَ لَهُ مُهِمٌّ كَأَعْمَى يُخْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْوُقُوعِ فِي حفير فَفِي الْوَاضِحَة يتَكَلَّم ويبتدئ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي قِيَاسًا عَلَى الْخُطْبَةِ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِيهَا مَمْنُوعٌ إِلَّا لِضَرُورَةٍ وَأَمَّا التَّسْلِيمُ عَلَيْهِ فَالْمَذْهَبُ مَنْعُهُ قَالَ التُّونِسِيُّ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَرُدُّ إِشَارَةً يَجُوزُ كَالْمُصَلِّي قَالَ وَالْفَرْقُ أَنَّ أُبَّهَةَ الصَّلَاةِ وَعَظَمَتَهَا تَمْنَعُ مِنَ الِانْحِرَافِ فِي الْكَلَامِ بِخِلَافِ الْأَذَان وَلذَلِك منعناه السَّلَامَ فِي الْخُطْبَةِ وَأَبَحْنَاهُ فِي الْجُمُعَةِ قَالَ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ إِشَارَةً وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ وَاخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا وَخَرَجَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْجَوَازِ جَوَازِ التَّسْلِيمِ

ص: 51

عَلَيْهِ وَإِذَا قُلْنَا لَا يَرُدُّ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ يَرُدُّ بَعْدَ فَرَاغِهِ كَالْمَسْبُوقِ يَرُدُّ عَلَى الْإِمَامِ إِذَا أَتَمَّ صَلَاتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُؤَذِّنِ وَالْمُصَلِّي فِي الرَّدِّ بِالْإِشَارَةِ أَنَّهَا لَيْسَتْ سَلَامًا وَإِنَّمَا هِيَ بَدَلُ الْبَدَل إِنَّمَا شُرِعَ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمُبْدَلِ مِنْهُ وَالْمُصَلِّي يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْكَلَامُ فَشُرِعَتْ لَهُ وَالْمُؤَذِّنُ لَوْ سَلَّمَ لَمْ يَبْطُلْ أَذَانُهُ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا فَكَانَ الْأَحْسَنُ التَّأْخِيرَ حَتَّى يَفْرُغَ كَمَا فَعَلَ عليه السلام فِي رَدِّ السَّلَامِ حَتَّى تَيَمَّمَ على الْجِدَار لكَرَاهَة ذكر اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ جُنُبٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ فَإِنْ تَكَلَّمَ بَنَى قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يُرِيدُ إِذَا كَانَ يَسِيرًا وَسَوَّى فِيهِ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ لِأَنَّ الْإِعْلَامَ يَحْصُلُ بِخِلَافِ الْكَثِيرِ الثَّانِيَ عَشَرَ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ إِنْ نَكَّسَ ابْتَدَأَ وَقَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِنْ نَسِيَ شَيْئًا مِنْهُ فَإِنْ طَالَ لَمْ يَبْنِ وَإِنْ قَرُبَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْقَلِيلِ وَيُعِيدُ فِي الْكثير من مَوضِع نَسِيَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُعِيدُ الْيَسِيرَ فِي الْقُرْبِ لَنَا أَنَّ تَرْكَ الْكَلِمَةِ وَنَحْوِهَا قَدْ لَا يَعْلَمُهَا السَّامِعُ وَإِنْ عَلِْمَهَا عَلِمَ أَنَّهُ غَلَطَ فَعَوْدُهَا لَا يَحْصُلُ إِعْلَامًا وَرُبَّمَا لُبِّسَ عَلَى السَّامِعِ فَلَا يَشْرَعُ

فَرْعَانِ مُرَتَّبَانِ الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِنْ أَرَادَ الْأَذَانَ فَأَخْطَأَ فَأَقَامَ أَعَادَ الْأَذَانَ وَقَالَ ابْنُ الْجُلَّابِ إِنْ أَرَادَ الْأَذَانَ فَأَقَامَ أَوِ الْإِقَامَةَ فَأَذَّنَ أَعَادَ حَتَّى يَكُونَ عَلَى نِيَّةٍ لفعله

ص: 52

وَيَسْتَمِرُّ عَلَيْهَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ نِيَّةَ التَّقَرُّبِ لِأَنَّهُ قربَة من القربان وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَبْهَرِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ قُرْبَةٌ فَتَجِبُ فِيهِ النِّيَّة لقَوْله عليه السلام الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَكَذَلِكَ صَاحَبُ تَهْذِيبِ الطَّالِبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ نِيَّةَ الْفِعْلِ وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ نِيَّةِ التَّقَرُّبِ لِوُجُودِهَا فِي الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمُبَاحَاتِ بِدُونِ التَّقَرُّبِ وَلِذَلِكَ يَقُولُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ يُعِيدُ حَتَّى يَكُونَ عَلَى صَوَابٍ مِنْ فِعْلِهِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ الْأَصْحَابِ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ وَقيل إِن أَرَادَ الْأَذَان فأذ لَا يُعِيدُ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِأَنَّهَا مُثَنَّى وَهَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ عَدَمَ اشْتِرَاطِ نِيَّةِ التَّقَرُّبِ فَإِنَّهُ قَدْ صَحَّحَ الْإِقَامَةَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدِ التَّقَرُّبَ بِهَا الثَّانِي قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ جُنَّ فِي بَعْضِهِ ثُمَّ أَفَاقَ بَنَى فِيمَا قَرُبَ وَقَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْإِقَامَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَبْنِي فِي الطُّولِ وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ بَعْدَ الطُّولِ لَبْسٌ فَلَا شرع فَلَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي الْإِقَامَةِ فَأَرَادَ غَيْرُهُ إِتْمَامَهَا قَالَ أَشْهَبُ يَبْتَدِئُهَا وَإِنْ بَنَى أَجْزَأَهُ وَسَوَّى بَيْنَ الْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ وَالْمَوْتِ وَسَوَّغَ فِيهِ الِاسْتِخْلَافَ قِيَاسًا عَلَى الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ إِذَا سَبَقَ الْإِمَامُ الْحَدَثَ وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأَذَانِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْإِمَامِ يَسْبِقُهُ الْحَدَثُ وَفَرَّقَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ بِأَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ فِي الصَّلَاةِ يَأْتِي بِجَمِيعِهَا فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الْأَذَانِ وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِالْخُطْبَةِ فَإِنَّ الْخَلِيفَةَ يَأْتِي بِالْبَعْضِ الثَّالِثَ عَشَرَ مَا فِي الصِّحَاح إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثمَّ صلو عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بهَا عشرا ثمَّ سَأَلُوا لِيَ الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تنبغي إِلَّا لعبد من عباد الله وأرجوا أَنْ أَكُونَ أَنَا

ص: 53

هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ شَفَاعَتِي قَالَ الْمَازِرِيُّ اخْتُلِفَ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ إِحْدَاهَا إِذَا أَذَّنَ مُؤَذِّنُونَ هَلْ يَحْكِيهِمْ لِقَوْلِهِ عليه السلام

إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ فَيُؤْمَرُ بِتَكْرِيرِهِ أَوْ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمُؤَذِّنِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَثَانِيهَا إِذَا رَجَعَ الْمُؤَذِّنُ هَلْ يَكْتَفِي بِالْأَوَّلِ لِحُصُولِ الْمِثْلِيَّةِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ مِثْلَ مَا يَقُولُ وَلِأَن الترجيع إِنَّمَا هُوَ الإسماع وَالسَّامِعُ لَيْسَ بِمُسْمِعٍ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ يُكَرِّرُ نَظَرًا لِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَثَالِثُهَا هَلْ يُكَرر مَعَه آخِرَ الْأَذَانِ قَوْلَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ هَلْ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ أَمْ لَا؟ أَوْ يُقَالُ إِنَّ قَوْلَهُ مِثْلَ صِيغَةِ تَشْبِيهٍ وَيَكْفِي فِيهِ وَجْهٌ وَاحِدٌ لُغَةً أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَعْلَى مَرَاتِبِ التَّشْبِيهِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْحَقِيقَةُ وَالثَّانِي مَجَازٌ قَالَ فِي الْكِتَابِ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ وَذَلِكَ فِيمَا يَقَعُ فِي قَلْبِي إِلَى آخِرِ التَّشَهُّدِ يَعْنِي لِأَنَّهُ ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَمَا عَدَاهُ دُعَاءٌ لِلصَّلَاةِ وَالسَّامِعُ لَيْسَ بِدَاعٍ إِلَيْهَا وَيُؤَيِّدُ مَا وَقَعَ فِي قَلْبِهِ رحمه الله وَأَنَّهُ الْحَقُّ مَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ عليه السلام

قَالَ مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ رضيت بِاللَّه رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولا وبالاسلام دينا غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ زِيَادَةً عَلَى التَّمْجِيدِ وَالتَّوْحِيدِ وَالتَّشَهُّدِ

تَنْبِيهٌ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَو فعل ذَلِك رجل لم أربه بَأْسًا نَقَلَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَإِنْ أَتَمَّ الْأَذَانَ مَعَهُ فَلَا بَأْسَ وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْمُنْتَقى وَصَاحب

ص: 54

النُّكَتِ وَحُكِيَ عَنْ سَحْنُونٍ ذَلِكَ وَقَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَعَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ بَلْ مَعْنَاهُ إِن فعل الاقتصاد فَلَا بَأْسَ وَهُوَ اللَّائِقُ إِذْ لَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ وَافَقَ ظَاهِرَ اللَّفْظِ لَا بَأْسَ وَإِنَّمَا يَحْسُنُ ذَلِكَ إِذَا خَالَفَ الظَّاهِرَ وَاقْتَصَرَ وَقَالَ مَالِكٌ فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ يُكْمِلُ الْأَذَانَ مَعَهُ وَيُبَدِّلُ الْحَيْعَلَتَيْنِ بالحوقلتين لِمَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ عليه السلام

قَالَ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ أحدكُم اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَسَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى آخِرِ الْأَذَانِ وَقَالَ عِنْدَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ وَكَمَّلَ الْأَذَانَ

فَائِدَةٌ الْحَوْلُ مَعْنَاهُ الْمُحَاوَلَةُ وَالتَّحَيُّلُ وَالْقُوَّةُ مَعْنَاهَا الْقُدْرَةُ وَمَعْنَى الْكَلَامِ لَا حِيلَةَ لَنَا وَلَا قُدْرَةَ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَشِيئَتِهِ فَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ فِي الْكِتَابِ يَحْكِي فِي النَّافِلَةِ دُونَ الْفَرِيضَةِ وَفِي الْجَوَاهِرِ رَوَى أَبُو مُصْعَبٍ يَحْكِي فِيهِمَا وَجَوَّزَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَمَنَعَ سَحْنُونٌ وَالشَّافِعِيُّ فِيهِمَا فَمَنْ نَظَرَ إِلَى قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ فَقُولُوا مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ جَوَّزَ وَمَنْ نَظَرَ إِلَى أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ فَالْعِنَايَةُ بِهَا أَوْلَى مَنْعٍ وَمَنْ نَظَرَ إِلَى تَأَكُّدِ الْفَرِيضَةِ مَنْعَ فِيهَا خَاصَّةً وَجَوَّزَ فِي النَّافِلَة كَمَا اخْتصّت سُجُود التِّلَاوَةِ وَالصَّلَاةِ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ وَعَلَى الرَّاحِلَةِ إِلَى غَيْرِ الْكَعْبَةِ تَفْرِيعٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِذَا قُلْنَا لَا يَحْكِيهِ فِي الْفَرِيضَةِ حَكَاهُ بَعْدَ فَرَاغِهَا وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ

ص: 55

وَإِذَا قُلْنَا يَحْكِيهِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ أَوْ فِي الْفَرْض فَقَطْ فَلَا يَتَجَاوَزُ التَّشَهُّدَيْنِ فَلَوْ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَصِيلِي لَا تَبْطُلُ صَلَاتَهُ لِأَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ وَحَكَى صَاحِبُ النُّكَتِ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ الْبُطْلَانَ لِأَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَهُوَ مُقْتَضَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْجَهْلَ مِثْلُ الْعَمْدِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ أَبْطَأَ الْمُؤَذّن جَوَّزَ فِي الْكِتَابِ أَنْ يَقُولَ قَبْلَهُ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى عَنْهُ يَقُولُ بَعْدَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ نظرا إِلَى ظَاهر الحَدِيث فَإِنَّ جَوَابَ الشَّرْطِ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَهُ وَالْأَوَّلُ أَفْقَهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الذِّكْرُ وَهُوَ حَاصِلٌ مُطْلَقًا

فَرْعٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ إِذَا انْتَهَى الْمُؤَذِّنُ إِلَى آخِرِ الْأَذَانِ يَحْكِيهِ إِنْ شَاءَ وَهَذَا الْفَرْعُ أَهْمَلَهُ أَبُو سَعِيدٍ فَنَقَلَهُ إِذَا أَتَمَّ الْأَذَانَ فَلَا بَأْسَ قَالَ صَاحب الطّراز وَفِيه فَوَائِد أَحدهَا أَنَّهُ يَكْتَفِي بِذِكْرِ أَوَّلِ الْأَذَانِ عَنْ آخِرِهِ لِأَن الْمَقْصُود غير ذَلِك الذّكر وَهُوَ حَاصِل وَثَانِيها أَنَّهُ إِذَا سَمِعَ مُؤَذِّنًا آخَرَ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ مِنْ هَذَا الْفَرْعِ أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ حِكَايَتُهُ كَآخِرِ الْأَذَانِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَلْزَمُهُ بِخِلَافِ آخِرِ الْأَذَان قَالَ وَالَّذِي يُوضح هَذَا الْخلاف أَنَّ الْفَذَّ يُقِيمُ لِنَفْسِهِ وَالْجَمَاعَةُ يُقِيمُ لَهَا وَاحِد فَلَو كَانَ تكْرَار الْحِكَايَة لَاسْتُحِبَّ لِكُلِّ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ أَنْ يُقِيمَ الصَّلَاةَ إِذَا أَقَامَهَا الْمُؤَذِّنُ بَعْدَ أَذَانِهِ أَغَالِيطُ الْمُؤَذِّنِينَ فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْأَذَانِ أَحَدُهَا اللَّهُ أكبر يمدون بعد الْبَاء فيصيرا كبارًا وَالْأَكْبَارُ جَمْعُ كُبَرٍ وَالْكُبَرُ الطَّبْلُ فَيَخْرُجُ الْأَذَانُ إِلَى

ص: 56

مَعْنَى الْكُفْرِ وَثَانِيهَا يَمُدُّونَ فِي أَوَّلِ أَشْهَدُ فَيَخْرُجُ إِلَى حَيِّزِ الِاسْتِفْهَامِ وَالْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا إِنْشَائِيًّا وَكَذَلِكَ يَصْنَعُونَ فِي أَوَّلِ الْجَلَالَةِ وَثَالِثُهَا الْوُقُوفُ عَلَى لَا إِلَهَ وَهُوَ كُفْرٌ وتعطيل فقد شاهدت ذَلِك فِي مُؤذن الْجَامِعِ الْكَبِيرِ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَكَانَ يَمُدُّ إِلَى أَنْ يَفْرُغَ نَفَسُهُ هُنَالِكَ ثُمَّ يَبْتَدِئُ إِلَّا اللَّهُ وَرَابِعُهَا لَا يُدْغِمُونَ تَنْوِينَ مُحَمَّدًا فِي الرَّاءِ بعده وَهُوَ لَحْنٌ خَفِيٌّ عِنْدَ الْقُرَّاءِ وَخَامِسُهَا لَا ينطلقون بِالْهَاءِ مِنَ الصَّلَاةِ فَيَخْرُجُ الْكَلَامُ إِلَى الدُّعَاءِ إِلَى صلا النَّار وسادسها لَا ينطقون بِالْحَاء من الْفَلاح فَخرج الْكَلَامُ عَنِ الْمَقْصُودِ فَوَائِدُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَكْبَرُ هَلْ مَعْنَاهُ كَبِيرٌ لِاسْتِحَالَةِ الشِّرْكَةِ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَغَيْرِهِ فِي الْكِبْرِيَاءِ وَصِيغَةُ أَفْعَلُ إِنَّمَا تَكُونُ مَعَ الشِّرْكَةِ أَوْ مَعْنَاهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لِأَنَّ الْمُلُوكَ وَغَيْرَهُمْ فِي الْعَادَةِ يُوصَفُونَ بِالْكِبْرِيَاءِ فَجِيئَتْ صِيغَةُ أَفْعَلٍ بِنَاءً عَلَى الْعَادَةِ وَحَيَّ مَعْنَاهُ الدُّعَاءُ لِلشَّيْءِ تَقُولُ الْعَرَبُ حَيَّ عَلَى الثَّرِيدِ أَيِ أَقْبِلْ وَكَذَلِكَ هَلَّا بِمَعْنَاهُ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَيُقَالُ حَيْهَلَا بِالتَّنْوِينِ وبغيرتنوين بتسكين اللَّام وبتحريكها مَعَ الْألف ويعدى بعلى كَمَا فِي الْأَذَان وبإلى وبالباء وَمِنْه الْحَدِيثُ إِذَا ذُكِرَ الصَّالِحُونَ فَحَيْهَلَا بِعُمَرَ وَالْفَلَاحُ فِي اللُّغَة الْخَيْر الْكثير أَفْلَحَ الرَّجُلُ إِذَا أَصَابَ خَيْرًا وَالْإِلَهُ الْمَعْبُودُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيَ الْمَعْبُودِ كَيْفَ كَانَ لِوُجُودِ المعبودين فِي الْوُجُود كالأصنام وَالْكَوَاكِب بل ثمَّ صِفَةٌ مُضْمَرَةٌ تَقْدِيرُهَا لَا مَعْبُودَ مُسْتَحِقٌّ لِلْعِبَادَةِ إِلَّا اللَّهُ وَمَنْ لَمْ يُضْمِرْ هَذِهِ الصِّفَةَ لَزِمَهُ أَنْ يَكُونَ تَشَهُّدُهُ كَذِبًا

‌الْفَصْلُ الثَّانِي فِي حُكْمِهِ

قَالَ اللَّخْمِيُّ الْأَذَانُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ سُنَّةٌ وَهُوَ الْأَذَانُ فِي الْمَسَاجِدِ وَعَرَفَةَ وَمِنًى وَالْعدَد الْكثير فِي السّفر والايمة حَيْثُ كَانُوا وَمُخْتَلَفٌ فِي

ص: 57

وُجُوبه وَهُوَ أَذَان الْجُمُعَة قَالَ وَالْأَحْسَن وُجُوبه لتَعلق الْأَحْكَام كَتَحْرِيمِ الْبَيْعِ وَوُجُوبِ السَّعْيِ وَمُسْتَحَبٌّ وَهُوَ أَذَانُ الْفَذِّ الْمُسَافِرِ وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ أَمْ لَا وَهُوَ أَذَانُ الْفَذِّ فِي غَيْرِ السّفر وَالْجَمَاعَةُ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إِلَى إِعْلَامِ غَيْرِهَا وَالْقَوْلَانِ لِمَالِكٍ قَالَ وَالصَّوَابُ عَدَمُ الِاسْتِحْبَابِ لِعَدَمِ حِكْمَةِ الْأَذَانِ وَمَكْرُوهٌ وَهُوَ الْأَذَانُ لِلْفَوَائِتِ وَالسُّنَنِ وَأَذَانُ النِّسَاءِ فَرْقٌ الْفَذُّ فِي السَّفَرِ فِي مَوضِع لَيْسَ فِيهِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فَشُرِعَ لَهُ إِظْهَارُهَا وَسَرَايَا الْمُسْلِمِينَ تقصده فَيحْتَاج إِلَى الذب عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْحَاضِرِ فَإِنَّهُ مُنْدَرِجٌ فِي شَعَائِرِ غَيْرِهِ وَصِيَانَتِهِ وَفِي الْجَوَاهِرِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ مُتَأَخَّرِي الْأَنْدَلُسِيِّينَ وَالْقَرَوِيِّينَ أَنَّ الْأَذَانَ وَاجِبٌ لِإِقَامَةِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ فَعَلَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ سَقَطَ عَنْ جُمْلَتِهِمْ قَالُوا وَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي مَسَاجِد الْجَمَاعَات ومواضع الأيمة وَحَيْثُ يقْصد الدُّعَاء للصَّلَاة وَعَن البغدادين أَنَّهُ سُنَّةٌ وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وُجُوبَهُ عَلَى الْكِفَايَةِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْجَمَاعَةِ الرَّاتِبَةِ وَعَلَّلَهُ بِإِظْهَارِ الشَّعَائِرِ وَضَبْطِ الْأَوْقَاتِ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي الْأَذَانِ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا إِظْهَارُ الشَّعَائِرِ وَالتَّعْرِيفُ بِأَنَّ الدَّارَ دَارُ إِسْلَامٍ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ يُقَاتَلُ أهل الْقرْيَة على تَركه حَتَّى يَفْعَلُوا إِن عجز عَن قهرهم على إِقَامَة إِلَّا بِالْقِتَالِ وَهُوَ مَذْهَب ابْن الطّيب وَثَانِيهمَا الدُّعَاء للصَّلَاة والإعلام بوقتها وَهُوَ جُلُّ الْمَقْصُودِ مِنْهُ فَحَكَى الْبَغْدَادِيُّونَ أَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَفَرْضٌ عِنْدَ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَوَقَعَ لِمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَمَعْنَاهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَتَأَوَّلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ سُنَّةٌ بِأَنَّ مَعْنَاهُ لَيْسَ شرطا فِي الصَّلَاة ومنشأ الْخلاف فِي قاعدتين إِحْدَاهمَا أَنه عليه السلام أَمَرَ بِالْأَذَانِ بِلَالًا وَأَبَا مَحْذُورَةَ وَغَيْرَهُمَا وَالْخِلَافُ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ فِي حَمْلِ الْأَمْرِ عَلَى الْوُجُوبِ أَو على

ص: 58

النَّدْبِ وَثَانِيَتُهُمَا أَنَّ الصَّلَوَاتِ وَاجِبَةٌ وَصِحَّتُهَا مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى مَعْرِفَةِ دُخُولِ وَقْتِهَا وَالْخِلَافُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِيمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ وَهُوَ مَقْدُورٌ لِلْمُكَلَّفِ هَلْ يَكُونُ وَاجِبًا أَمْ لَا؟ سُؤَالٌ إِذَا رَتَّبَ اللَّهُ تَعَالَى وُجُوبَ شَيْءٍ عَلَى سَبَبٍ أَوْ شَرْطٍ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُهُمَا وَلَا يَبْحَثُ عَنْهُمَا إِجْمَاعًا كَتَرْتِيبِ الرَّجْمِ عَلَى الزِّنَا وَالْإِحْصَانِ وَالْقَطْعِ عَلَى السَّرِقَةِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُهُمَا وَلَا الْبَحْثُ عَنْهُمَا وَإِنَّمَا يَجِبُ تَحْصِيل مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْوَاجِبُ بَعْدَ تَحَقُّقِ سَبَبِ وُجُوبِهِ كَتَوَقُّفِ الْحَجِّ وَالْجُمُعَةِ عَلَى السَّعْيِ لَهُمَا بَعْدَ تَحَقُّقِ وجوبهما وأسبابهما فَلَو خولفت هَذِه الْقَاعِدَة هَهُنَا فَإِنَّ الْأَوْقَاتَ أَسْبَابُ الْوُجُوبِ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالِاسْتِطَاعَةِ فِي الْحَجِّ جَوَابُهُ أَنَّ أَسْبَابَ الْوُجُوبِ عَلَى قِسْمَيْنِ مِنْهَا مَا يَجُوزُ أَنْ يُعَرَّى عَنْهُ الْمُكَلَّفُ فِي جُمْلَةِ عُمْرِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَحْثُ عَنْهُ كَالسَّرِقَةِ وَنَحْوِهَا وَمِنْهَا مَا يُقْطَعُ بحصوله فِي الْجُمْلَة من غير تعْيين قيقطع بِتَرْتِيبِ الْوُجُوبِ فِي ذِمَّتِهِ لِقَطْعِهِ بِسَبَبِهِ وَإِذَا قَطَعَ بِالْوُجُوبِ تَعَيَّنَ الْإِيقَاعُ فَيَتَعَيَّنُ الْبَحْثُ عَنْ تَعْيِينِ السَّبَبِ حَتَّى لَا يَقَعَ الْفِعْلُ قَبْلَهُ فَيكون مَعْصِيَةً غَيْرَ مُجْزٍ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام عَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْأَذَانَ لَيْلَة الْإِسْرَاء فِي السَّمَاء بهيئته وَصفته وَكَانَ بِمَكَّةَ مَعَ بَقِيَّةٍ مِنَ الْكُفَّارِ فَكَانَتِ الصَّلَاة اختلاسا إِلَى بعد الْهِجْرَة وَفِي الْمُوَطَّأ أَنه عليه السلام أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ خَشَبَتَيْنِ يَضْرِبُ بِهِمَا لِيَجْتَمِعَ النَّاسُ لِلصَّلَاةِ فَأُرِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ خَشَبَتَيْنِ فِي النَّوْمِ فَقَالَ إِنَّ هَاتَيْنِ لَنَحْوٌ مِمَّا يُرِيدُهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم َ - فَقِيلَ أَلَا تُؤَذِّنُونَ لِلصَّلَاةِ؟ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - حِين اسْتَيْقَظَ

ص: 59

فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَأَمَرَ عليه السلام بِالْأَذَانِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عليه السلام اهْتَمَّ كَيْفَ يَجْمَعُ النَّاسَ لِلصَّلَاةِ؟ فَقيل لَهُ تنصب راية عِنْد حُضُور الصَّلَاةِ فَإِذَا رَأَوْهَا آذَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَلَمْ يُعْجِبْهُ فَذُكِرَ لَهُ الْقَنْعُ يَعْنِي الشَّبُّورَ فَلَمْ يُعْجِبْهُ وَقَالَ هُوَ مِنْ أَمْرِ الْيَهُودِ وَذُكِرَ لَهُ النَّاقُوسُ فَقَالَ هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ ابْعَثُوا رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلَاةِ يعْنى بقول الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ وَيُرْوَى اتَّخِذُوا نَارًا مِثْلَ الْمَجُوسِ وَيُرْوَى نَوِّرُوا بِاللَّيْلِ وَدَخِّنُوا بِالنَّهَارِ وَيُرْوَى أَنَّ عمر رضي الله عنه رأى مثل ابْن زَيْدٍ وَتَابَعَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي الرُّؤْيَا بِضْعَةَ عَشَرَ

فَائِدَةٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرْوَى الْقَبْعُ بِالْبَاءِ مَفْتُوحَةً وَبِالنُّونِ سَاكِنَةً قَالَ وَسمعت أَبَا عمر يَقُول الثبع بالثاء الْمُثَلَّثَة والجميع اسماء للبوق فبللنون من اقناع الصَّوْت وَالرَّأْس وَهُوَ رَفْعُهُ وَبِالْبَاءِ مِنَ السِّتْرِ يُقَالُ قَبَعَ رَأْسَهُ فِي جَيْبِهِ إِذَا أَدْخَلَهُ فِيهِ

تَمْهِيدٌ هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَجْتَهِدُ فِيمَا بِهِ يَعْرِفُ الْوَقْتَ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الِاجْتِهَادِ فِي الْأَحْكَامِ كَمَا ظَنَّهُ أَبُو الطَّاهِرِ وَغَيْرُهُ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَجَعَلُوهُ من المسئلة الْأُصُولِيَّةِ هَلْ لَهُ عليه السلام أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الْأَحْكَامِ أَمْ لَا؟ لِأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ وُجُوبُ تَعَرُّفِ الْوَقْتِ وَهَذَا لَمْ يَقَعْ فِيهِ اجْتِهَادٌ بَلْ وَقَعَ فِي الطُّرُقِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى ذَلِكَ وَالطُّرُقُ لَيْسَتْ أَحْكَامًا كَمَا لَوْ وَجَبَ علينا ان ننقذ الغريق

ص: 60

فَاجْتَهَدْنَا فِي فِعْلِ ذَلِكَ هَلْ يَكُونُ بِسَفِينَةٍ أَو بِحَبل أَو خطام أَو بالسباحة إِلَيْهِ فَإِنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ أَحْكَامًا وَإِنَّمَا الْحُكْمُ وُجُوبُ الْإِنْقَاذِ وَلِذَلِكَ يَجْتَهِدُ النَّاسُ فِي تَعَرُّفِ الْوَقْت بالخطوط الْمَوْضُوعَة عَلَى الْحِيطَانِ وَالرُّخَامَاتِ وَسَائِرِ الْآلَاتِ وَلَا يُعَدُّونَ مُجْتَهِدِينَ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَمَّا وَقَعَتِ الرُّؤْيَا احْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ وَحْيًا مِنَ النُّبُوَّةِ كَمَا أَقَامَ عليه السلام يُوحَى إِلَيْهِ فِي أَوَّلِ نُبُوَّتِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فِي الْمَنَامِ وَكَمَا أُوحِيَ لِإِبْرَاهِيمَ عليه السلام فِي الْمَنَامِ بِذَبْحِ وَلَدِهِ وَعَلِمَ ذَلِكَ عليه السلام بِوَحْيٍ سَابِقٍ أَوْ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ تُفِيدُ الْقَطْعَ أَوِ الظَّنَّ الْغَالِبِ بِأَنَّهَا وَحْيٌ فَعَدَلَ عَنِ الِاجْتِهَادِ إِلَى الْوَحْيِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَا مُنَبِّهَةٌ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ وَلَيْسَتْ وَحْيًا فَرَجَعَ إِلَيْهَا عليه السلام لِرُجْحَانِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ لَا لِكَوْنِهَا وَحْيًا وَالْمَصْلَحَةُ فِي ذَلِكَ أَرْجَحُ مِنْ كُلِّ مَا تَقَدَّمَ قَبْلَهَا لِتَحْصِيلِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالشَّهَادَةِ بِالرِّسَالَةِ وَإِعْلَامِ الْخَلْقِ وَمُبَايَنَةِ شَعَائِرِ الْكُفْرِ وَإِظْهَارِ اخْتِصَاصِ الْأُمَّةِ وَفِي الْبُخَارِيِّ الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرْوَى بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ فَالْكَسْرُ مَعْنَاهُ سُرْعَةُ الْمَشْيِ وَمِنْهُ أَنَّهُ عليه السلام فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ فَإِذَا وَجَدَ فُرْجَةً نَصَّ وَالْفَتْحُ قِيلَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَتُطَوَّلُ أَعْنَاقُهُمْ حَتَّى لَا يَصِلَ الْعَرَقُ إِلَى أَفْوَاهِهِمُ الَّتِي كَانُوا يُؤَذِّنُونَ بِهَا وَقِيلَ أَطْوَلُ رَجَاءً مِنْ قَوْلِهِمْ تَطَاوَلَتْ إِلَيْهِ الْأَعْنَاقُ وَطَالَ عُنُقِي إِلَى رَجَائِكَ وَقِيلَ أطول أعناقا وَعَبَّرَ بِالْعُنُقِ عَنِ الصَّوْتِ لِأَنَّهُ مَحَلُّهُ وَفِي أَبِي دَاوُدَ الْمُؤَذِّنُ

ص: 61

يُغْفَرُ لَهُ مَدَى صَوْتِهِ وَيَشْهَدُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ وَمَعْنَاهُ يُغْفَرُ لَهُ بِسَبَبِ إِسْمَاعِهِ وَنَشْرِهِ لِذِكْرِ اللَّهِ فِي مَدِّ صَوْتِهِ لِأَنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ وَشَهَادَةُ الْجَمَادَاتِ لَهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُخْلَقَ بِهَا إِدْرَاكًا وَحَيَاةً عِنْدَ الْأَذَانِ فَتُضْبَطَ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِي الْمُوَطَّأ أَنه عليه السلام قَالَ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ النِّدَاءَ فَإِذَا قُضِيَ الْأَذَان أقبل حَتَّى إِذا ثوب بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ حَتَّى إِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ فَيَقُولُ اذْكُرْ كَذَا وَاذْكُر كَذَا لما لم يكن يذكر وَحَتَّى يَضِلَّ الرَّجُلُ أَنْ يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى وَالتَّثْوِيبُ الْإِقَامَةُ وَهُوَ مِنَ الرُّجُوعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ يُصَدِّقُ عَلَى تَكْرَارِ اللَّفْظِ فِي الْأَذَانِ لِأَنَّهُ رُجُوعُ إِلَيْهِ وَعَلَى الدُّعَاءِ الَّذِي بَعْدَ الْأَذَانِ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ لِلَفْظِ الْأَذَانِ وَعَلَى الْإِقَامَةِ لِأَنَّهَا رُجُوعٌ إِلَى الْأَذَانِ وَقَدْ رُوِيَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَيُرْوَى يَظَلُّ الرَّجُلُ بِالظَّاءِ الْقَائِمَةِ بِمَعْنَى يَصِيرُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {ظَلَّ وَجْهُهُ مسودا} {فيظللن رواكد على ظَهره} وَيُرْوَى يَضِلُّ مِنَ الضَّلَالِ بِالضَّادِ السَّاقِطَةِ

فَائِدَةٌ لَا يتَوَهَّم من هَذَا أَن الْأَذَان وَالْإِقَامَة أفضل من الصَّلَاة لهروب الشَّيْطَان فِيهَا دُونَ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْمَفْضُولَ قَدْ يَخْتَصُّ بِمَا لَيْسَ للفاضل كَمَا قَالَ عَلَيْهِ

ص: 62

السَّلَام

أفضلكم عَلِيٌّ وَأَقْرَأُكُمْ أُبَيٌّ وَأَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ وَأَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ مَعَ فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى الْجَمِيعِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ وَكَذَلِكَ تَعَرَّضَ الشَّيْطَانُ لَهُ عليه السلام فِي صلَاته فهم يربطه ثمَّ تَركه كَمَا جَاءَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَإِذَا سَلَكَ عُمَرُ رضي الله عنه فَجًّا سَلَكَ الشَّيْطَانُ فَجًّا غَيْرَهُ فَهُرُوبُهُ مِنْ عُمَرَ وَإِلْمَامُهُ بِهِ عليه السلام كَهُرُوبِهِ مِنَ الْأَذَانِ وَتَسَلُّطِهِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الْمُوَطَّأِ سَاعَتَانِ تُفْتَحُ فِيهِمَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَقَلَّ دَاعٍ تُرَدُّ عَلَيْهِ دَعْوَتُهُ حَضْرَةُ النِّدَاءِ بِالصَّلَاةِ وَالصَّفُّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيُرْوَى فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ وَنُزُولُ الْغَيْثِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ

فَرْعٌ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ الْأَذَانُ أَمِ الْإِمَامَةُ؟ فَقِيلَ الْأَذَانُ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ تَهْذِيبِ الطَّالِبِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي التَّكْبِيرَاتِ وَالشَّهَادَةِ بِالتَّوْحِيدِ وَحَقِّهِ عليه السلام فِي الشَّهَادَةِ لَهُ بِالرِّسَالَةِ وَحَقِّ الْعِبَادِ فِي الْإِعْلَامِ بِالْوَقْتِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَالْمُنْفَرِدِينَ وَالدُّعَاءِ لِلْجَمَاعَةِ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِينَ بِخِلَافِ الْإِمَامَةِ فَإِنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَتَحَدَّدْ لَهُ إِلَّا الْجَهْرُ بِالذِّكْرِ لِلْإِعْلَامِ بِالْأَذْكَارِ وَلِذَلِكَ قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه لَوْلَا الْخَلِيفَةُ لَكُنْتُ مُؤَذِّنًا أَي الْخلَافَة سُؤال لم كَانَ عليه السلام مُؤذنًا؟ لِأَن أَفْضَلَ الْخَلْقِ شَأْنُهُ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى

ص: 63

أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ بَلْ كَانَ إِمَامًا وَلَمْ يُؤَذِّنْ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي سَفَرِهِ جَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْأَذَانَ مُشْتَمِلٌ عَلَى دُعَاءِ النَّاس إِلَى الصَّلَاة فَلَو أذن لَكَانَ التَّخَلُّف على إِجَابَتِهِ شَدِيدَ الْحَرَجِ فَكَانَ يَشُقُّ عَلَى النَّاسِ وَثَانِيهَا أَنَّهُ إِنْ قَالَ أَشْهَدُ أَنِّي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ غَيَّرَ نَظْمَ الْأَذَانِ وَإِنْ قَالَ أشهد أَن مُحَمَّد رَسُولُ اللَّهِ أَوْهَمَ رِسَالَةَ غَيْرِهِ وَثَالِثُهَا أَنَّ الْأَذَان يحْتَاج إِلَى رصد ومراقبة وَالِاشْتِغَالُ بِأَعْبَاءِ الرِّسَالَةِ وَمَصَالِحِ الْأُمَّةِ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْإِمَامَةِ وَقِيلَ الْإِمَامَةُ أَفْضَلُ لِإِفَادَتِهَا فَضْلَ الْجَمَاعَةِ وَهِيَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ لِلْأَذَانِ

‌الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي صِفَةِ الْمُؤَذّن

فَفِي الْجَوَاهِرِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا عَاقِلًا مُمَيِّزًا ذَكَرًا بَالِغًا عَدْلًا عَارِفًا بِالْمَوَاقِيتِ صَيَّتًا حَسَنَ الصَّوْتِ فَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِ كَافِرٍ أَوْ مَجْنُون أَو سَكرَان أَو مختبط أَوِ امْرَأَةٍ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُؤَذِّنُ الصَّبِيُّ وَلَا يُقِيمُ إِلَّا مَعَ النِّسَاءِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُهُ وَجَوَّزَ مَالِكٌ فِي الْحَاوِي الْأَذَان لَهُ والقاعد وَالرَّاكِبِ وَالْجُنُبِ وَمُنِعَ الْإِقَامَةَ وَمُنِعَ فِي الْكِتَابِ أَذَانُهُ وَقَالَ لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ إِمَامٌ وَهُوَ لَا يَكُونُ إِمَامًا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَإِنْ جَوَّزَ إِمَامَةَ الصَّبِيِّ حُجَّةُ الْمَنْعِ مَا فِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ عليه السلام

الْمُؤَذِّنُونَ أُمَنَاءُ وَقَالَ يَؤُمُّكُمْ أَقْرَأُكُمْ وَيُؤَذِّنُ لَكُمْ خِيَارُكُمْ وَهَذَا حُجَّةٌ لسَائِر

ص: 64

الشُّرُوطِ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَازِعٌ شَرْعِيٌّ فَيُحِيلُ الْوُثُوقَ بِأَمَانَتِهِ عَلَى الْأَوْقَاتِ وَلِأَنَّهَا وِلَايَةٌ عَلَى وَسِيلَةِ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَاتِ حُجَّةُ الْجَوَازِ مَا رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ كَانَ عُمُومَتِي يَأْمُرُونَنِي بِالْأَذَانِ لَهُمْ وَأَنَا لَمْ أَحْتَلِمْ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ شَاهِدٌ وَلَمْ يُنْكِرْ وَلِأَنَّهُ ذِكْرُ اللَّهِ وَخَبَرٌ عَنْ أَمْرٍ وَاقع يصحان مِنْهُ كَمَا تصح أخباره فِي الاسْتِئْذَان والوسائل وَغير ذَلِك قَالَه صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَلِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ التَّنَفُّلِ بِالصَّلَاةِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ التَّنَفُّلِ بِالْأَذَانِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْوَسَائِلَ أَخْفَضُ مِنَ الْمَقَاصِدِ حُجَّةُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ أَنَّهَا آكَدُ مِنَ الْأَذَانِ لِلُزُومِهَا لِلْفَذِّ حَتَّى قِيلَ إِنْ تَرَكَهَا عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ حُجَّةُ تَفْرِقَةِ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْهُ أَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو إِلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.

فُرُوعٌ خَمْسَةٌ الْأَوَّلُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يُسْتَحَبُّ حُسْنُ الْهَيْئَةِ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ مَنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ فِي ثِيَابِ شَعْرٍ أَوْ سَرَاوِيلَ فَلْيُعِدْ إِنْ لَمْ يُصَلُّوا وَخَالَفَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ الثَّانِي لَمْ يُكْرَهُ فِي الْكِتَابِ أَذَان الْأَعْمَى قَالَ وَكَانَ مؤذنه عليه السلام أَعْمَى يَعْنِي ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ إِذَا كَانَ أَمِينًا إِلَّا أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي الْوَقْتِ إِلَى مَا يَقَعُ فِي نَفْسِهِ بَلْ يَسْتَخْبِرُ الثِّقَةَ ويتثبت وفضلهما أَشهب على الْبعد إِذا سددوا الْوَقْتَ وَالْقِبْلَةَ وَفَضَّلَ الْعَبْدَ إِذَا كَانَ رِضًى عَلَى الْأَعْرَابِيِّ وَالْأَعْرَابِيَّ إِذَا كَانَ رِضًى عَلَى وَلَدِ الزِّنَا الثَّالِثُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ ظَاهِرُ الْمَذْهَب كَرَاهِيَة أَذَان النِّسَاء خلافًا

ص: 65

لِ (ش) وَ (ح) غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ لَا يُجْزِئُ عَنِ الرِّجَالِ حُجَّتُنَا أَنَّ رَفْعَ صَوْتِهَا مَكْرُوهٌ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْفِتْنَةِ وَمِنْ تَرْكِ الْحَيَاءِ الرَّابِعُ فِي الْجَوَاهِرِ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَى الْأَذَانِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَاخْتُلِفَ فِي إِجَارَةِ غَيْرِهِ مِنْ آحَادِ النَّاسِ عَلَى الْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ فَالْمَشْهُورُ الْمَنْعُ مِنَ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدَةً وَالْجَوَازُ فِي الْأَذَانِ مُنْفَرِدًا وَمَعَ الصَّلَاةِ وَعِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْجَوَازُ فِيهِمَا مُطْلَقًا وَعِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ الْمَنْعُ فِيهِمَا مُطْلَقًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَتَرَدَّدَ النَّقْلُ عَنِ الشَّافِعِي قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى جَوَازِ الرُّزْقَةِ وَقَدْ أَرْزَقَ عُمَرُ بن الْخطاب الْمُؤَذِّنِينَ وَكَذَلِكَ تَجُوزُ الرُّزْقَةُ لِلْحَاكِمِ وَإِنِ امْتَنَعَتِ الْإِجَارَةُ عَلَى الْحُكْمِ حُجَّةُ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ فِعْلٌ يَجُوزُ التَّبَرُّعُ بِهِ عَنِ الْغَيْرِ فَلَا يَكُونُ كَوْنُهُ قُرْبَةً مَانِعًا مِنَ الْإِجَارَةِ فِيهِ قِيَاسًا عَلَى الْحَجِّ عَنِ الْغَيْرِ وَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَكَتْبِ الْمَصَاحِفِ وَالسِّعَايَةِ عَلَى الزَّكَاةِ وَيَمْتَنِعُ فِي الْإِمَامَةِ مُفْرَدَةً لِأَنَّ فِعْلَ الْإِمَامِ فِعْلُ الْمُنْفَرِدِ وَفِعْلُ الْمُنْفَرِدِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ حُجَّةُ مَنْ جَوَّزَهَا مُنْفَرِدَةً مُلَاحَظَةُ الْتِزَامِهِ لِلْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ عَيْنًا فَجَازَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ قَالَ الْمَازِرِيُّ قَالَ بَعْضُ أَشْيَاخِي يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ فِي الْمَنْعِ إِذَا كَانَ ثَمَّ فِعْلٌ لَا يَلْزَمُ الْمُصَلِّي كَمَا يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ إِذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى الْوَاجِبِ حُجَّةُ الْمَنْعِ مَا فِي أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ عَن عُثْمَان بن أبي العَاصِي أَنَّهُ قَالَ مِنْ آخِرِ مَا عُهِدَ إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -

أَنِ اتَّخَذَ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَإِذَا امْتُنِعَ فِي الْأَذَانِ امْتُنِعَ فِي الْإِمَامَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِكَوْنِهَا أَدْخَلَ فِي بَابِ التَّقَرُّبِ وَالتَّعَلُّقِ بِالذِّمَّةِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْجِهَاد

ص: 66

وَجَوَابه أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَرَعِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ الْجِهَادَ يَتَعَيَّنُ بِالْحُضُورِ بِخِلَافِ الْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ

فَرْعٌ مُرَتَّبٌ فِي الْجَوَاهِرِ إِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَاسْتُؤْجِرَ عَلَيْهَا ثُمَّ طَرَأَ مَا يَمْنَعُ الْإِمَامَةَ فَهَلْ يَحُطُّ مِنَ الْأُجْرَةِ بِسَبَبِ عَجْزِهِ قَوْلَانِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْأَتْبَاعِ هَل لَهَا حَظّ من الثّمن أَو لَا قَالَ الْمَازِرِيُّ احْتَجَّ الْقَائِلُ بِعَدَمِ الْحَطِّ بِمَا وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ مَنِ اشْتَرَى عَبْدًا لَهُ مَالٌ أَوْ شَجَرًا مُثْمِرًا فَاسْتَحَقَّ المَال من يَد العَبْد وجائحة تصيب الثَّمَرَة لَا يوجبان حَطِيطَةً مِنَ الثَّمَنِ وَاحْتَجَّ الْآخَرُ بِأَنَّ حِلْيَةَ السَّيْف التابعة لَهُ إِذا اسْتَحَقَّتْ فَلَهَا حَطُّهَا مِنَ الثَّمَنِ وَكَذَلِكَ سِلْعَةٌ من صَفْقَة فِيهَا سلع قَالَ إِنَّمَا سَقَطَ اعْتِبَارُ الْأَوَّلِينَ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ مَضْمُونَةٌ بِالْقَبْضِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْبَائِعِ سَقْيٌ وَأَنَّ الْعَبْدَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا وَقَعَتِ الْمُعَاوَضَةُ عَلَى تَقْدِيرِ يَدِهِ عَلَى مَالِهِ وَهَذَا قَدْ فَعَلَهُ الْبَائِعُ وَلَمْ يُبْطَلْ قَالَ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْأَحْسَنُ الْحَطِيطَةُ بِقَدْرِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ زَادَهُ لِأَجْلِ الْمَالِ قِيَاسًا عَلَى مَا إِذَا تَعَذَّرَ عَلَى الْمَرْأَةِ شِوَارُهَا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ مِنَ الصَّدَاقِ قَدْرُ مَا يُعْلَمُ أَنَّ الزَّوْجَ زَادَهُ لِأَجْلِهِ مَعَ أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ انْتِزَاعَهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ الْأَتْبَاعِ مَقْصُودَةً بِالْأَعْوَاضِ أَمْرٌ مَقْطُوعٌ بِهِ بَلْ نَقُولُ التَّبَعَ قَدْ يَرْتَفِعُ عَنْهُ التَّحْرِيمُ الثَّابِتُ لَهُ مُنْفَرِدًا كَحِلْيَةِ السَّيْفِ التَّابِعَةِ لَهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ بَيْعُهَا مُنْفَرِدَةً بِجِنْسِهَا وَيَجُوزُ تَبَعًا قَالَ صَاحِبُ النُّكَتِ يَحُطُّ مِنَ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ الْإِمَامَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِمَامَةَ لَوْ عَقَدَ عَلَيْهَا مُنْفَرِدَةً صَحَّ وَكُرِهَ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ وَمَالِ الْعَبْدِ الْخَامِسُ مِنَ الْبَيَانِ قَالَ سَحْنُونٌ إِذَا كَانَ الْمُؤَذِّنُونَ إِذَا صعدوا الْمنَار

ص: 67

عَايَنُوا مَا فِي الدُّورِ وَطَلَبَ أَهْلُهَا مَنْعُهُمْ مِنَ الصُّعُودِ مُنِعُوا وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الدُّورِ عَلَى الْبُعْدِ بَيْنَهُمُ الْفِنَاءُ الْوَاسِعُ وَالسِّكَّةُ الْوَاسِعَةُ لِأَنَّ هَذَا مِنَ الضَّرَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ قَالَ صَاحب الْبَيَان وَهَذَا على أصل مَالك فِي أَنَّ الِاطِّلَاعَ مِنَ الضَّرَرِ الْوَاجِبِ الْإِزَالَةِ وَمَنْ يَرَى مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ اطِّلَاعًا عَلَى جَارِهِ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ وَيُقَالُ لِلْجَارِ اسْتُرْ عَلَى نَفْسِكَ يُفَرِّقُ بِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ لَيْسَ بِمَالك بل طَالب مَنْدُوبًا بِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ قَالَ وَهَذَا حُكْمُ الدُّورِ الْبَعِيدَةِ إِلَّا أَنْ لَا يَتَبَيَّنَ فِيهَا الذُّكُورُ مِنَ الْإِنَاث والهبآت

‌الْفَصْل الرَّابِع فِيمَا يُؤذن لَهُ

وَهُوَ الصَّلَوَاتُ الْمَفْرُوضَةُ عَلَى الْأَعْيَانِ الْمُؤَدَّاةُ فِي مَسَاجِد الْجَمَاعَات وَالْأَيمَة حَيْثُ كَانُوا فَالْمَفْرُوضَةُ احْتِرَازٌ مِنَ النَّوَافِلِ لِعَدَمِ التَّوْقِيتِ فِيهَا وَأَمَّا صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ فَتَوَفُّرُ الدَّوَاعِي عَلَيْهَا مُغْنٍ عَنِ الْإِعْلَامِ وَلَا يُنَادَى لَهَا الصَّلَاة جَامِعَة وعَلى الْأَعْيَانِ احْتِرَازٌ مِنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ وَقتهَا حَتَّى يعلم بِهِ بل سنتها وُجُودُ الْمَيِّتِ لَا الْوَقْتُ وَالْأَذَانُ إِنَّمَا هُوَ إِعْلَامٌ بِالْأَوْقَاتِ وَقَوْلُنَا الْمُؤَادَّةُ احْتِرَازٌ مِنَ الْفَوَائِتِ فَفِي الْكتاب من نسي صلوَات كَثِيرَة تجزيه الْإِقَامَةُ لِكُلِّ صَلَاةٍ بِلَا أَذَانٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُؤَذِّنُ لَهَا وَتَرَدَّدَ الشَّافِعِيُّ وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَة فِي صلَاته عليه السلام يَوْمَ الْوَادِي لَمَّا نَامُوا عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى

ص: 68

طَلَعَتِ الشَّمْسُ هَلْ أَذَّنَ لَهَا أَمْ لَا فَفِي الْمُوَطَّأِ أَمَرَ بِالْإِقَامَةِ فَصَلَّى بِهِمْ وَلَمْ يَذْكُرْ أَذَانَا وَفِي أَبِي دَاوُدَ ذَكَرَ الْأَذَانَ وَهُوَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ عليه السلام بَعْدَ صَلَاتِهِ بِهِمْ مَنْ نَسِيَ الصَّلَاةَ فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإِن الله تَعَالَى يَقُول {أقِم الصَّلَاة لذكري} وَهُوَ يَقْتَضِي عَدَمَ الِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهَا وَالْأَذَانُ شُغْلٌ عَنْهَا وَقَوْلنَا فِي جماعات الْمَسَاجِد احْتِرَازٌ مِنَ الْوَاحِدِ إِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِالْإِقَامَةِ وَرُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنه يُؤذن سرا وَقَوْلنَا وَالْأَيمَة حَيْثُ كَانُوا فَفِي الْكِتَابِ إِذَا خَرَجَ إِمَامُ الْمِصْرِ فِي الْجِنَازَةِ فَتَحْضُرُهُ الصَّلَاةُ يُؤَذَّنُ لَهَا وَيُقَامُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قِيلَ هُوَ إِمَامُ الْجَامِع المجمعة لِأَنَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَهُ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ فَيَتَوَقَّى أَمْرَهُ لِيَجْتَمِعَ لَهُ النَّاسُ وَكَذَلِكَ كُلُّ إِمَامٍ مَشْهُورٍ يُؤَذَّنُ لَهُ لِيَجْتَمِعُوا

فُرُوعٌ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يُنَادَى لِصَلَاةٍ قَبْلَ وَقْتِهَا إِلَّا الصُّبْحُ وَوَافَقَهُ الشَّافِعِيُّ وَخَالَفَنَا أَبُو حنيفَة وَسوى بَين سَائِر الصَّلَوَات لما فِي البُخَارِيّ أَنه عليه السلام

قَالَ إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادي ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ

ص: 69

فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَذَانَيْهِمَا إِلَّا أَنْ يَرْقَى ذَا وَيَنْزِلَ ذَا وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى ذَلِكَ يَنْقُلُهُ الْخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ نَقْلًا مُتَوَاتِرًا وَلَمَّا اطَّلَعَ أَبُو يُوسُفَ عَلَى ذَلِكَ رَجَعَ عَنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ تَأْتِي فِي وَقْتِ نَوْمٍ وَحَاجَةٍ إِلَى الِاغْتِسَالِ لِكَثْرَةِ الِاجْتِمَاعِ بِالنِّسَاءِ لَيْلًا وَفِي النَّاسِ الْبَطِيءُ وَالسَّرِيعُ والفضيلة فِي التلغيس فَيتَعَيَّن الْأَذَانُ قَبْلَ الْفَجْرِ احْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عليه السلام

قَالَ لِبِلَالٍ لَا تُؤَذِّنْ حَتَّى يَسْتَبِينَ لَكَ الْفَجْرُ وَمَدَّ يَدَيْهِ عَرْضًا وَلِأَنَّ الْأَذَانَ قَبْلَ الْوَقْتِ كَذِبٌ فَيَحْرُمُ وَجَوَابُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَدِيثَ طَعَنَ فِيهِ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ وَلَوْ سَلَّمْنَا صِحَّتَهُ فَيُحْمَلُ الْأَذَانُ عَلَى الْإِقَامَةِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُشَابَهَةِ وَلِأَنَّهَا إِعْلَامٌ فِي نَفْسِهَا وَالْإِعْلَامُ هُوَ الْأَذَانُ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّهُ إِعْلَامٌ بِوَقْتِ التَّأَهُّبِ لِلصَّلَاةِ لَا بِوَقْتِ فِعْلِهَا فَلَيْسَ كَذِبًا

فَرْعٌ إِذَا قُلْنَا بِتَقْدِيمِ أَذَانِهَا عَلَى وَقْتِهَا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ الْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ اللَّيْلِ غَيْرَ مَحْدُودٍ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ عليه السلام

لَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ سُحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَالسُّحُورُ آخِرُ اللَّيْلِ وَقَالَ ابْنُ

ص: 70

وَهْبٍ سُدُسُ اللَّيْلِ الْأَخِيرُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ حِينِ خُرُوجِ وَقْتِ الْعِشَاءِ نِصْفَ اللَّيْلِ وَنقل الْمَازرِيّ يُؤذن لَهما بَعْدَ الْعِشَاءِ وَإِنْ صَلَّيْتَ أَوَّلَ اللَّيْلِ لِقَوْلِهِ عليه السلام

إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْفَجْرِ فَجَازَ تَقْدِيمُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا كَالنِّيَّةِ مَعَ الصَّوْمِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْأَذَانَ حِينَئِذٍ إِعْلَامٌ بِالتَّأَهُّبِ لِلنَّوْمِ لَا لِلصَّلَاةِ فَهُوَ عَلَى خِلَافِ حِكْمَةِ الْأَذَانِ فَلَا يُشْرَعُ الثَّانِي أَنْكَرَ فِي الْكِتَابِ تَقْدِيمَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ عَلَى الزَّوَالِ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ فَإِنَّهُ جَوَّزَ أَذَانَهَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ ظُهْرًا فَحُكْمُهَا حُكْمُ الظُّهْرِ وَإِن كَانَت بَدَلا وَالْبدل يتبع الْمُبدل الثَّالِثُ فِي الْجَوَاهِرِ إِذَا جَمَعَ الْإِمَامُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ يُؤَذِّنُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَهُوَ فِي الْكِتَابِ وَالْأُولَى فَقَطْ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَلَا يُؤَذِّنُ مُطْلَقًا حَكَاهُ صَاحِبُ الْجُلَّابِ وَيُقِيمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَهَذِهِ الْمَقَالَاتُ مَحْكِيَّةٌ فِي جَمْعِهِ عليه السلام وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَمَّا غَيْرُ الْإِمَامِ فَتُجْزِئُهُمْ إِقَامَتَانِ لِلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَكْفِي إِقَامَةُ الْأُولَى حُجَّةُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْأَذَان للصَّلَاة فِي حق الأيمة مِنْ شَعَائِرِهَا فَلَا يُتْرَكُ مَعَ إِمْكَانِهِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ تَوَفُّرُ الْجَمْعِ لِلثَّانِيَةِ كَمَا لَا يَمْنَعُهُ لِلْأُولَى وَقِيَاسًا عَلَى الْإِقَامَةِ

ص: 71

حُجَّةُ الثَّانِي مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ لَمَّا وَصَفَ حَجَّةَ النَّبِيِّ عليه السلام عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ فَقَالَ فِي الْجَمْعِ بِعَرَفَةَ ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا وَقَالَ فِيهِ حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا حُجَّةُ الثَّالِثِ مَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ عليه السلام جَمَعَ بِمُزْدَلِفَةَ فَلَمْ يَذْكُرْ أَذَانًا وَذَكَرَ الْإِقَامَةَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَلِأَنَّ الْأَذَانَ إِعْلَامٌ لِلْغَائِبِ وَالْجَمْعُ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ حَضَرَ حُجَّةُ الرَّابِعِ مَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَصَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ يَحْتَمِلُ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَلِأَنَّ الْجَمْعَ يُوجِبُ تَعَلُّقَ إِحْدَى الصَّلَاتَيْنِ بِالْأُخْرَى فَكَأَنَّ الْإِقَامَةَ الْأُولَى وَقَعَتْ لَهُمَا جَمِيعًا الرَّابِعُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي قَوْمٍ بَنَوْا مَسْجِدًا فَتَنَازَعُوا فِيهِ فَاقْتَسَمُوهُ بِجِدَارٍ لَيْسَ لَهُمْ قِسْمَتُهُ قَالَ أَشْهَبُ فَإِنْ فَعَلُوا لَمْ يَجْزِهِمْ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ وَكَذَلِكَ مَسْجِدَانِ مُتَلَاصِقَانِ أَوْ مَسْجِدٌ فَوْقَ مَسْجِدٍ لِأَنَّ الْأَذَانَ مِنْ شَعَائِر الْمَسَاجِد

ص: 72

‌الْفَصْل الْخَامِس فِي الْإِقَامَة

فَفِي الْجُلَّابِ هِيَ عَشْرُ كَلِمَاتٍ يُرِيدُ عَشْرَ جمل من الْكَلَام وَإِلَّا فَهُوَ اثْنَان وَثَلَاثُونَ كَلِمَةً وَهَذَا مَجَازٌ مَشْهُورٌ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ بِاسْمِ الْجُزْءِ كَمَا أَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْقَصِيدَةَ كَلِمَةً وَهِيَ مَرَّةً مَرَّةً إِلَّا التَّكْبِيرُ خِلَافًا لِ (ح) فِي قَوْلِهِ هِيَ مرَّتَيْنِ وَكَذَلِكَ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ وَخِلَافًا لِ (ش) فِي قَوْلِهِ هِيَ مَرَّةً مَرَّةً إِلَّا التَّكْبِيرُ وَالْإِقَامَةُ لَنَا مَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ وَالْأَحَادِيثُ قَدْ وَرَدَتْ عَلَى وَفْقِ الْمَذَاهِبِ كلهَا لَكِن أرجحها مَا وَافق عمل الْمَدِينَةِ وَفِي الْجُلَّابِ هِيَ سُنَّةٌ آكَدُ مِنَ الْأَذَانِ وَفِي الْكِتَابِ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ وَلَا إِقَامَةٌ وَإِنْ أَقَمْنَ فَحَسَنٌ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَجَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَ عَلَيْهَا أَذَانٌ وَلَا إِقَامَةٌ وَاسْتِحْسَانُ إِقَامَتِهِنَّ لِلشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا إِذَا أَقَمْنَ لِأَنْفُسِهِنَّ لَا لِلْجَمَاعَاتِ لِأَنَّهُمَا ذكر فَأَشْبَهت النّسخ قَالَ

ص: 73

صَاحب الطّراز وَرُوِيَ عَن مَالك عَدَمُ الِاسْتِحْسَانِ لِأَنَّ أَزْوَاجَهُ عليه السلام لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُنَّ ذَلِكَ قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيّ فِي كَونه يُقيم أَنَّ الصَّبِيَّ يُؤْمَرُ بِذَلِكَ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَيُمَرَّنُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا يُنْكَرُ رَفْعُ صَوْتِهِ

فُرُوعٌ عَشَرَةٌ الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا بَأْسَ أَنْ يُقِيمَ غَيْرُ مَنْ أَذَّنَ خِلَافًا لِ (ش) فِي الْكَرَاهَةِ مُحْتَجًّا بِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّ زِيَادَ بْنَ الْحَارِث قَالَ أَمرنِي عليه السلام أَن أذن فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَأَذَّنْتُ فَأَرَادَ بِلَالٌ أَنْ يُقِيمَ فَقَالَ عليه السلام إِنَّ أَخَا صُدَاءٍ أذن فَمن أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ أَمْرِ الْإِمَامِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ بِالْإِمَامَةِ مِنْهُ عليه السلام لَا بِالْفَتْوَى لِأَنَّ زِيَادًا كَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ فَأَرَادَ عليه السلام تأليفه لما فِي أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَازِنِيِّ حِينَ رَأَى الْأَذَانَ فِي مَنَامِهِ فَأَمَرَهُ عليه السلام أَنْ يُلْقِيَهُ عَلَى بِلَالٍ فَفَعَلَ فَأَذَّنَ بِلَالٌ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَنَا رَأَيْتُهُ وَأَنَا كُنْتُ أُرِيدُهُ فَقَالَ عليه السلام فَأَقِمْ أَنْتَ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ عَنِ الْأَذَانِ بِدَلِيلِ تَوَجُّهِهَا عَلَى الْمُنْفَرِدِ دُونَهُ فَجَازَ أَنْ يَقَعَا مِنِ اثْنَيْنِ كَالْإِقَامَةِ وَالْإِمَامَةِ الثَّانِي قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يُقِيمُ رَاكِبًا وَفِي الْجُلَّابِ رِوَايَتَانِ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يُنَادِي بِالصَّلَاةِ عَلَى الْبَعِيرِ

ص: 74

فَإِذَا نَزَلَ أَقَامَ وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَفْعَله لِأَن السّنة إِيصَال الْإِقَامَةِ بِالصَّلَاةِ وَالنُّزُولُ عَنِ الدَّابَّةِ وَعَقْلُهَا وَإِصْلَاحُ الْمَتَاع طول الثَّالِث إِذا كَانَ الْمُسْتَحبّ إيصالها بِالصَّلَاةِ فَهَل يبعد الْمُؤَذّن عَن الإِمَام مِثْلِ الْجَامِعِ الْوَاسِعِ يَخْرُجُ إِلَى بَابِهِ أَوْ يَصْعَدُ عَلَى سَطْحِهِ فَيُقِيمُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَفْعَلُ إِنْ كَانَ يُسْمِعُ مَنْ حَوْلَهُ وَإِلَّا فَهُوَ خطأ وَقَالَ مَالك فِي الْمَجْمُوعَةِ وَأَشْهَبُ يُقِيمُ فِي الصَّحْنِ وَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سَمِعَ الْإِقَامَةَ وَهُوَ بِالْبَقِيعِ فَأَسْرَعَ الْمَشْيَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَلَوْ كَانَتِ الْإِقَامَةُ فِي دَاخِلِ الْمَسْجِدِ لَمْ يَسْمَعْهَا وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ الْخَفِيفِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ مَا لَمْ يُحْرِمِ الْإِمَامُ فَإِذَا أَحْرَمَ فَلَا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ وَلَا يُقِيمُ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ إِقَامَةِ الْمُؤَذِّنِ الرَّابِعُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِنْ نَسِيَ الْإِقَامَةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ تَعَمَّدَ فَلْيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَعِنْدَ ابْنِ كِنَانَةَ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ فَقَدْ جَوَّزَ النَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ لِلْفَذِّ تَرْكَ الْإِقَامَةِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَذَانِ

فَرْعٌ مُرَتَّبٌ قَالَ فَلَوْ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُؤثر نقصا فَسجدَ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الطُّلَيْطِلِيِّ يُعِيدُ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ فِي الصَّلَاةِ مَا لَيْسَ مِنْهَا كَمَنْ زَادَ جَاهِلًا الْخَامِسُ قَالَ لَو تَركهَا جهلا حَتَّى أَحْرَمَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا

ص: 75

يَقْطَعُ قَالَ وَلَوْ أَنَّهُ بَعْدَ إِحْرَامِهِ أَقَامَ وَصلى فقد أَسَاءَ وليستغفر الله تَعَالَى قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يُرِيدُ أَنَّهُ أَقَامَ ثُمَّ أَحْرَمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَكُونُ قَدْ خَرَجَ مِنَ الْإِحْرَام الأول بنيته وَقَوله الْمنَافِي لَهُ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ وَلَوْ تَمَادَى عَلَى إِحْرَامِهِ الْأَوَّلِ أَعَادَ الصَّلَاةَ سُؤَالٌ كَيْفَ يُطْلَقُ لَفْظُ الِاسْتِغْفَارِ الْمُخْتَصُّ بِالذُّنُوبِ فِي ترك السّنَن وَتركهَا لَيْسَ ذَنبا حَتَّى يسْتَغْفر جَوَابه أَن الله سبحانه وتعالى يُحْرِمُ الْعَبْدَ مِنَ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِالنَّوَافِلِ وَالْفَرَائِضِ عُقُوبَةً لَهُ عَلَى ذَنْبِهِ وَيُعِينُهُ عَلَى التَّقَرُّبِ بِسَبَبِ طَاعَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لنهدينهم سبلنا} وَلقَوْله تَعَالَى {فَأَما من أعْطى وَاتَّقَى} إِلَى قَوْله {فسنيسره لليسرى} (وَأما من بخل وَاسْتغْنى) إِلَى قَوْله {فسنيسره للعسرى} فَإِذَا اسْتَغْفَرَ مِنْ ذُنُوبِهِ غُفِرَتْ لَهُ بِفَضْلِ الله وَأمن حِينَئِذٍ من الِابْتِلَاء بالمؤاخذة بالحرمان السَّادِسُ مَنْ خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ تَرَكَ الْإِقَامَةَ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ تَقْدِيمًا لِلْفَرْضِ عَلَى فَضِيلَةِ الْإِقَامَةِ وَيَشْكُلُ عَلَيْهِ تَرْكُ الْإِسْرَاعِ الشَّدِيدِ وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ حِفْظًا لِلْخُشُوعِ السَّابِعُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ صَلَّى أَهْلُهُ لَا تُجْزِئُهُ إِقَامَتُهُمْ

ص: 76

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَأَكُّدِ الْإِقَامَةِ وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ يُقِيمُ أَحَبُّ إِلَيَّ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهَا أُهْبَةٌ لِلصَّلَاةِ وَلِذَلِكَ شُرِعَتْ فِي الْفَوَائِتِ وَجْهُ الثَّانِي أَنَّهَا دُعَاءٌ لِلصَّلَاةِ وَهَذَا إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّ الْفَذِّ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْكِتَابِ مَنْ صَلَّى فِي بَيته لَا تكفيه إِقَامَة أهل مصر وَلِلشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ قَدْ أَدَّى فِيهِ حَقَّ الْإِقَامَةِ فَلَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْفَذِّ كَمَا لَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْجَمَاعَةِ الْكَائِنِينَ فِي الْمَسْجِدِ حُجَّةُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُمْ فِي صلواتهم فَأشبه مَسْجِدا آخر ومسافر مَعَ مُقِيمٍ الثَّامِنُ قَالَ فِي الْكِتَابِ يَنْتَظِرُ الْإِمَامُ بَعْدَ الْإِقَامَةِ قَلِيلًا قَدْرَ مَا تَسْتَوِي الصُّفُوفُ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَلَا يَكُونُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقُرْآنِ شَيْءٌ وَقَدْ كَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ رضي الله عنهما يُوَكِّلَانِ رَجُلًا لِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ فَإِذَا أخبروهما بِذَلِكَ كَبَّرَا وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ كَبَّرَ الْإِمَامُ مُحْتَجًّا بِمَا يُرْوَى أَنَّ بِلَالًا قَالَ يَا رَسُول الله إِنَّك لتستغني بأمين وَلَا يصدق الْمُؤَذِّنَ فِي قَوْلِهِ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ لَنَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه قَالَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي قَدْ خَرَجْتُ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى تَأَخُّرِ خُرُوجِهِ وَلِأَنَّ الْمُنْفَرِدَ لَا يُحْرِمُ حَتَّى يَفْرُغَ وَكَذَلِكَ الْجَمَاعَةُ وَجَوَابُهُمْ أَنَّ الْحَدِيثَ لَيْسَ فِي الصِّحَاحِ وَلَا مَشْهُور وَلَعَلَّ السَّبق يتَفَاوَت بقراءتهما لَا بِتَعْجِيلِ الْإِحْرَامِ وَأَمَّا التَّصْدِيقُ فَإِنَّ مَعْنَى قد قَامَت الصَّلَاة تأهبوا لَهَا كَمَا نقُول قَدْ قَامَتِ الْحَرْبُ فَالْكُلُّ صَادِقٌ سَوَاءٌ أَحْرَمَ الْإِمَامُ أَوْ تَأَخَّرَ فَإِذَا كَانَتْ إِخْبَارًا عَنِ التَّأَهُّبِ فَهُوَ حَاصِلٌ فَلَا كَذِبَ فِي التَّأَخُّرِ وَأَمَّا تَسْوِيَةُ الصُّفُوفِ فَفِي

ص: 77

مُسْلِمٍ كَانَ عليه السلام يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلَاةِ وَيَقُولُ اسْتَوُوا فِي الصُّفُوفِ وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ وَفِي الْبُخَارِيِّ رَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنَّا يُلْزِقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ وَفِي أَبِي دَاوُدَ أَنه عليه السلام قَالَ

أَقِيمُوا الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ وَلَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قطع صفا قطعه الله

التَّاسِعُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا تَوْقِيتَ لِقِيَامِ النَّاسِ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَإِنَّ فِيهِمُ الْقَوِيَّ وَالضَّعِيفَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَامَ الْإِمَامُ فَإِنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ بِالْمُسَارَعَةِ فَيَمْتَثِلُ وَقَالَ زُفَرُ عِنْدَ قَوْلِهِ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ يَقُومُونَ بِقَدْرِ مَا إِذَا اسْتَوَتِ الصُّفُوفُ وَفَرَغَتِ الْإِقَامَةُ الْعَاشِرُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ مَالِكٌ إِذَا أُقِيمَتْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ وَهُوَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى إِنْ طَمَعَ فِي فَرَاغِهَا قَبْلَ رُكُوعِ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الْأُولَى أَتَمَّهَا وَدَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ قَبْلَ الْحَاضِرَةِ وَإِنْ يَئِسَ قَطَعَهَا وَدخل مَعَه ثمَّ اسْتَأْنف الصَّلَاتَيْنِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُتِمَّهَا رَكْعَتَيْنِ إِنْ كَانَ قَدْ رَكَعَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تُبْطِلُوا أَعمالكُم} إِلَّا أَن يخَاف فَوَات رَكْعَة الْإِمَامِ فَيَقْطَعَ مِنْ رَكْعَةٍ بِسَلَامٍ قَالَ فَإِنْ كَانَ يُصَلِّي تِلْكَ الصَّلَاةَ بِعَيْنِهَا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ إِنْ لَمْ يَرْكَعْ قَطَعَ وَإِنْ أَمْكَنَهُ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ رُكُوعِ الْإِمَامِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَصَلَاتُهُ مَعَ الْإِمَامِ إِنَّمَا هِيَ نَافِلَةٌ لِامْتِنَاعِ صَلَاة الْعَصْر قبل الظُّهْرِ وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يُصَلِّي نَافِلَة وَلم

ص: 78

يُصَلِّي الْفَرِيضَة وَإِنَّمَا جَوَّزنَا هَهُنَا ذَلِكَ لِمَا فِي الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْإِقَامَة من تعريضه لِسُوءِ الظَّنِّ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ وَيَخْرُجُ

ص: 79

(الْبَابُ الثَّالِثُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ)

الشَّرْطُ فِي اللُّغَةِ الْعَلَامَةُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَقَدْ جَاءَ أشراطها} أَي علاماتها قد تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ حَقِيقَتُهُ اصْطِلَاحًا وَشُرُوطُهَا وَهِيَ عَشَرَةٌ الْأَوَّلُ الْعِلْمُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ فَإِنَّ الْوَقْتَ سَبَبٌ وَالْعِلْمَ بِدُخُولِهِ شَرْطٌ قَالَ صَاحِبُ التَّلْقِينِ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ فِي تَعْلِيق لَا يَجُوزُ لِعَالِمٍ وَلَا عَامِّيٍّ أَنْ يُقَلِّدَ فِي وَقت الظّهْر لِأَنَّهُ شَاهد بالحس فالوصول إِلَى الْيَقِين مُمْكِنٌ فَلَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ الثَّانِي طَهَارَةُ الْحَدَثِ وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهَا وَهِيَ شَرْطٌ فِي الِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ فَلَوْ زَالَتْ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ غَلَبَة بطلت الصَّلَاة الثَّالِثُ طَهَارَةُ الْخَبَثِ فِي الْجَسَدِ وَالثَّوْبِ وَالْمَكَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَثِيرٌ مِنْ فُرُوعِهَا فِي الطَّهَارَةِ وَنَذْكُر هَهُنَا نُبْذَةً مِنْهَا أَمَّا الْجَسَدُ فَفِيهِ فُرُوعٌ أَرْبَعَةٌ وَفصل الْفَرْع الأول فَفِي الْكتاب إِذا سَالَ أَو قطر فَيَغْسِلُهُ عَنْهُ ثُمَّ يَبْنِي وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ إِنْ كَانَ يَسِيرًا فَتَلَهُ وَمَضَى قِيَاسًا على كَانَ كَثِيرًا فَقِيلَ يَقْطَعُ قَالَ وَهُوَ الْأَقْيَسُ وَقِيلَ يَغْسِلُهُ وَيَتَمَادَى عَلَى الرُّعَافِ الثَّانِي مَنِ انْكَسَرَ عَظْمُهُ فَجَبَرَ بِعَظْمِ مَيْتَةٍ قَالَ صَاحِبُ الْإِشْرَافِ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَسْرُهُ وَقَالَ

ص: 80

الشَّافِعِيُّ يَكْسِرُ وَيَنْزِعُ إِذَا خَافَ الْمَشَقَّةَ دُونَ التَّلَفِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ يَقْلَعُهُ وَإِنْ أَدَّى إِلَى التَّلَفِ حُجَّتُنَا أَنَّهُ جُرِحَ فَيَسْقُطُ كَدَمِ الْجِرَاحِ وَلِأَنَّهُ صَارَ بَاطِنًا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَكَلَ مَيْتَةً الثَّالِثُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِذَا سَقَطَتِ السِّنُّ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ رَدُّهَا عَلَى قَوْلِنَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ قَالَ الظَّاهِرُ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ مَا أُبِينَ عَنِ الْحَيِّ فَهُوَ مَيْتَةٌ وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ مُقْتَضَى مَذْهَبِ ابْنِ وهب وَابْن الْمَوَّاز لِأَنَّهُ ينجس جملَته بِالْمَوْتِ وَكَذَلِكَ بَعْضُهُ بِخِلَافِ الْأَنْعَامِ فَإِنَّ جُمْلَتَهَا تَنْجُسُ بِالْمَوْتِ فَيَنْجُسُ جُزْؤُهَا إِذَا انْفَصَلَ مِنْهَا وَهِيَ حَيَّةٌ الرَّابِع فِي الْجَوَاهِر لَو جعل فِي حزامه الْمَرْتَكَ الْمَعْمُولَ مِنْ عِظَامِ الْمَيْتَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ النَّجَاسَاتِ فَلَا يُصَلِّي بِهِ حَتَّى يَغْسِلَهُ وَأَجَازَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ الصَّلَاةَ بِهِ

‌فَصْلٌ فِي الرعاف

فَفِيهِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَرْعًا الْأَوَّلُ فِي اشْتِقَاقِهِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الرُّعَافِ الَّذِي هُوَ السَّبْقُ فَقَوْل الْعَرَبُ فَرَسٌ رَاعِفٌ إِذَا كَانَ يَتَقَدَّمُ الْخَيْلَ ورعف فلَان الْخَيل إِذا تقدمها وَقَالَ رعف يرعف بِفَتْح الْعين فِي الْمَاضِي وَضم الْمُسْتَقْبَلِ وَفَتْحِهِ وَالشَّاذُّ الضَّمُّ فِيهِمَا وَلَمَّا كَانَ الدَّمُ يَسْبِقُ إِلَى الْأَنْفِ سُمِّيَ رُعَافًا الثَّانِي قَالَ اللَّخْمِيُّ الدَّمُ فِي الرُّعَافِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ يَسِيرٌ يُذْهِبُهُ الْفَتْلُ فَفِي الْجَوَاهِرِ يَسْتَوِي فِيهِ الظَّنُّ وَالشَّكُّ فَإِنَّهُ يَفْتِلُهُ وَكَثِيرٌ لَا يُذْهِبُهُ الْفَتْلُ وَلَا يُرْجَى انْقِطَاعُهُ لِعَادَةٍ تَقَدَّمَتْ فَهَذَانِ لَا يَخْرُجُ لَهُمَا مِنَ الصَّلَاةِ يَفْتِلُ الْأَوَّلَ على رُؤُوس الْأَنَامِلِ وَيَكُفُّ الْآخَرَ مَا اسْتَطَاعَ وَكَثِيرٌ يُذْهِبُهُ الْفَتْلُ لِثَخَانَتِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ فَكَانَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يمسحه بأصابعه حَتَّى تختضب فَيَغْمِسَهَا فِي حَصْبَاءِ الْمَسْجِدِ وَيَرُدُّهَا وَقَالَ مَالِكٌ لَا أُحِبُّ ذَلِكَ فَرَاعَى مَالِكٌ قَدْرَ النَّجَاسَةِ

ص: 81

وَتَفَاحُشِهَا وَرَاعَى عَبْدُ الْمَلِكِ الْمَوَاضِعَ دُونَ الْقَدْرِ وَكثير يذهبه الفتل فَهَذَا يَخْرُجُ لِغَسْلِهِ وَيَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ بَعْدَ الْغَسْلِ إِنْ شَاءَ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَيَخْرُجَ مِنَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا رُخْصَةٌ عَلَى خِلَافِ الْأُصُولِ غَيْرُ لَازِمَةٍ وَإِذَا خَرَجَ فَلَهُ شُرُوطٌ سِتَّةٌ أَنْ يُمْسِكَ أَنْفَهُ وَأَنْ يَغْسِلَ فِي أَقْرَبِ الْمَوَاضِع وَأَن لَا يمشي على نَجَاسَة وَأَن لَا يتَكَلَّم عمدا وَلَا سَهوا وَأَن لَا يتلطخ كثير من جسده أَو ثِيَابه وَأَن لَا يَبْعُدَ الْمَكَانُ جِدًّا وَلَا يُشْتَرَطُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَصَاحِبُ الطَّرَّازِ وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حنيفَة تَبْطُلُ طَهَارَتُهُ وَيَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ النَّجِسَ يُبْطِلُ الْوُضُوءَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَنْهُ لَنَا مَا يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إِجْمَاعًا وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمُوَطَّأ أَيْضا مِثْلُ هَذَا فِي مُخَالَفَةِ الْأُصُولِ لَا يُقْدِمُ السَّلَفُ عَلَيْهِ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ ظَاهِرٍ فَإِنْ كَانَ تَكَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ حِينَ خُرُوجِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ تَبْطُلُ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا إِمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا وَقَالَ سَحْنُونٌ إِذَا تَكَلَّمَ سَهْوًا فِي غَسْلِ الدَّمِ وَالْمُسْتَخْلَفُ لم يفرغ من صلَاته حمله عِنْد خَلِيفَته وَفِي كتاب ابْن سَحْنُون إِذا تَكَلَّمَ الرَّاعِفُ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ حَمَلَهُ الْإِمَامُ عَنْهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِنْ تَكَلَّمَ فِي ذَهَابه نَاسِيا بطلت وَإِنْ تَكَلَّمَ فِي رُجُوعِهِ لَمْ تَبْطُلْ وَجْهُ الْبُطْلَانِ مُطْلَقًا انْسِلَاخُهُ مِنْ هَيْئَةِ الْمُصَلِّينَ بِالرُّعَافِ وَالْكَلَام وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث إِن كَانَ مَطْعُونًا عَلَيْهِ مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيَبْنِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ

ص: 82

وَرَأَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ حَالَةَ الرُّجُوعِ إِقْبَالٌ عَلَى الصَّلَاةِ فَيَكُونُ الْكَلَامُ مُنَافِيًا لَهَا بِخِلَافِ الذَّهَابِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ سَهَا وَالْمَأْمُومُ رَاجِعٌ فَوَجَدَ الْإِمَامَ قَدْ سَلَّمَ لَمْ يَلْزَمْهُ سَهْوُهُ قَالَهُ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ لَوْ أَبْطَلَ الْإِمَامُ صَلَاتَهُ عَمْدًا حَالَةَ خُرُوجِ الْمَأْمُومِ بَطَلَتْ عَلَيْهِ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ وَلَوْ مَشى على عشب يَابِس بطلت صلَاته عِنْد سَحْنُونٍ خِلَافًا لِابْنِ عَبْدُوسٍ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَإِنْ كَانَ لَيْلًا فَلْيُدَلِّكْ نَعْلَهُ وَإِنْ كَانَ نَهَارًا فَلْيَنْظُرْ إِلَى أَسْفَلِهَا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسَامَحَةِ فِي الرَّطْبِ إِذَا دُلِّكَ فضلا عَن العشب وَقد تقدم فِي الطَّهَارَة معنى العشب وَلم يفرق وَأَمَّا فِي الْجَوَاهِرِ فَقَدْ حُكِيَ فِي الْكَلَامِ سَهْوًا وَالْمَشْيُ عَلَى النَّجَاسَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ تَبْطُلُ مُطْلَقًا لَا تَبْطُلُ مُطْلَقًا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الرُّجُوعِ فَتَبْطُلُ وَبَيْنَ الذَّهَابِ فَلَا تَبْطُلُ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَا إِمَامًا وَلَا غَيْرَهُ وَكَذَلِكَ أَبُو الطَّاهِرِ

تَفْرِيعٌ فَإِنْ آثَرَ الرَّاعِفُ ابْتِدَاءَ الصَّلَاةِ مِنْ أَوَّلِهَا فَلْيَأْتِ بِمَا يُنَافِيهَا لِئَلَّا يَكُونَ قَدْ زَادَ فِي الصَّلَاةِ مَا لَيْسَ مِنْهَا وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ فَإِنِ ابْتَدَأَهَا وَلَمْ يَقْطَعْهَا فَسَدَتْ وَإِنْ آثَرَ التَّمَادِيَ حَيْثُ قُلْنَا لَهُ الْخُرُوجُ فَإِنْ وَقَفَ الدَّمُ فَتَلَهُ

ص: 83

عَلَى أَنَامِلِهِ فَإِنْ زَادَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يَفْتِلُهُ عَلَى أَرْبَعِ أَصَابِعٍ إِلَى الْأُنْمُلَةِ فَإِنْ وَصَلَ إِلَى الْوُسْطَى أَعَادَ صَلَاتَهُ احْتِيَاطًا قَالَ صَاحِبُ النُّكَتِ إِذَا زَادَ عَلَى الْأَنَامِلِ الْأُوَلِ وَابْتَلَّتِ الْأَصَابِعُ كُلُّهَا أَوْ جُلُّهَا لَا يُبَاحُ لَهُ الْبِنَاءُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ هَذَا التَّحْدِيدُ عَسِيرٌ بَلْ يُقَالُ مَا لَا يَزِيدُ على رُؤُوس الْأَنَامِلِ لَا يَجِبُ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْهُ لِأَنَّهَا حَالَةُ السَّلَفِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَفْتِلَهُ بِإِبْهَامِهِ فَإِنْ عَسُرَ فَتْلُهُ وَجَبَ الِانْصِرَافُ فَإِنْ لَمْ يَنْصَرِفْ فَسَدَتِ الصَّلَاةُ قَالَ وَهَذَا الْفَتْلُ إِنَّمَا شُرِعَ فِي مَسْجِدٍ مُحْصِبٍ غَيْرِ مَفْرُوشٍ حَتَّى ينزل المفتول فِي ذَلِك الْحَصْبَاءِ أَمَّا الْمَفْرُوشُ فَيَخْرُجُ مِنْ أَوَّلِ مَا يَسِيلُ أَوْ يَقْطُرُ أَحْسَنُ لِأَنَّهُ يُنَجِّسُ الْمَوْضِعَ وَحَيْثُ قُلْنَا لَا يَخْرُجُ لِكَوْنِ الدَّمُ لَا يَنْقَطِعُ بِغَسْلٍ وَلَا غَيْرِهِ فَأَضَرَّ بِهِ الدَّمُ قَالَ صَاحب الطّراز قَالَ ملك يُوصي بِالصَّلَاةِ وَكَانَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ يَأْمُرُ بِذَلِكَ فِي هَذِه الْحَالة وَاخْتلف فِي تَفْسِيرِ الضَّرَرِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مَعْنَاهُ فِي جِسْمِهِ كَالْأَرْمَدِ إِذا سجد يتَضَرَّر رَأسه وَوَجهه وَكَذَلِكَ هَذَا وَلِأَنَّ الْمَوَادَّ تَنْصَبُّ إِلَى الْوَجْهِ وَالْأَنْفِ حَالَة الرُّكُوع وَالسُّجُود فتكثر الدِّمَاء فيضربه الاستفراغ وَقَالَ غَيره بل مَعْنَاهُ يتَضَرَّر بِالتَّلْوِيثِ كَمَا قُلْنَا فِي الطِّينِ الْخَضْخَاضِ يُصَلِّي فِيهِ إِيمَاءً لِيَسْلَمَ مِنَ التَّلْوِيثِ وَالدَّمُ أَقْبَحُ مِنَ الطِّينِ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ فَإِنَّ الْعَجْزَ عَنْ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ لَا يُسْقِطُ وُجُوبَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَمَا قُلْنَا فِي الْعَجْزِ عَنِ السُّتْرَةِ فِي الْعُرَاةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الدَّمِ وَالطِّينِ أَنَّ الطين يدْخل فِي الْعَينَيْنِ وَالْأَنْفِ فَيَشْغَلُ عَنِ

ص: 84

الصَّلَاةَ وَإِذَا قُلْنَا بِالْإِيمَاءِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُومِئ للرُّكُوع وَالسُّجُودِ وَيَقُومُ وَيَقْعُدُ وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمَعُونَةِ يُومِئُ لِلسُّجُودِ وَيَأْتِي بِالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ قَالَ وَهُوَ أطهر وَإِذا صلى بإيماء انْقَطع الدَّمُ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَقَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ قَالَ أَعَادَ عِنْدَ أَشْهَبَ قَالَ وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ قَوْلٌ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ الثَّالِثُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا رَعَفَ خَلْفَ الْإِمَامِ وَذَهَبَ لِغَسْلِ الدَّمِ يُصَلِّي فِي أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَذَلِكَ إِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ إِلَّا فِي الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى الْمَسْجِدِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ الرُّعَافُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَيَقْتَصِرُ مِنْهُ عَلَى الضَّرُورَةِ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ يَقْتَضِي الرُّجُوعَ وَلَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ لِأَجْلِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ الَّتِي الْتَزَمَهَا فِي صَلَاتِهِ وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ إِنْ رَجَا رَكْعَةً رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ نَافِلَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الصَّلَاةِ وَلَا ضَرُورَةَ إِلَيْهَا قَالَ فَلَوْ كَانَتْ صَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ رَجَعَ إِلَيْهِ وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ لِفَضِيلَةِ الْبُقْعَةَ عِنْدَ مَالِكٍ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ لَا يَرْجِعُ فَإِنْ قَدَّرَ انْصِرَافَ الْإِمَامِ فَأَتَمَّ مَكَانَهُ وَتبين خَطؤُهُ قَالَ ابْن الْقَاسِم تجزيه لِأَنَّهُ عَمِلَ مَا يَجُوزُ لَهُ مِنَ الِاجْتِهَادِ وَلِذَلِكَ يَلْزَمُ إِذَا قَدَّرَ بَقَاءَهُ فَأَخْطَأَ

تَنْبِيهٌ تعَارض هَهُنَا مَحْذُورَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مُفَارَقَةَ الْإِمَامِ بَعْدَ الْتِزَامِ الصَّلَاةِ مَعَهُ لَا تَجُوزُ وَالثَّانِي الْحَرَكَاتُ إِلَى الْأَمَامِ فِعْلٌ زَائِدٌ فِي الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ وَلَا بُد

ص: 85

لِلرَّاعِفِ مِنْ أَحَدِهِمَا بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْإِمَامِ فَيَحْتَاجُ إِلَى الْخُرُوج فَالْمَشْهُورُ مُرَاعَاةُ الْأَوَّلِ وَوُجُوبُ الرُّجُوعِ لِوُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ وُجُوبَ الِاقْتِدَاءِ رَاجِحٌ بِالِاسْتِصْحَابِ لِثُبُوتِهِ قَبْلَ الرُّعَافِ بِخِلَافِ الْآخَرِ وَثَانِيهَا أَنَّ الزِّيَادَةَ إِنَّمَا تَمْنَعُ وَتُفْسِدُ إِذَا كَانَتْ خَالِيَةً مِنَ الْقُرْبَةِ وَهَذِهِ وَسِيلَةٌ لِلْقُرْبَةِ فِي الِاقْتِدَاءِ فَتَكُونُ قُرْبَةً وَثَالِثُهَا أَنَّ هَذِهِ حَالَةُ ضَرُورَةٍ فَتُؤَثِّرُ فِي عَدَمِ اعْتِبَارِ الْحَرَكَاتِ وَلَا تُؤَثِّرُ فِي تَرْكِ الِاقْتِدَاءِ كَمَا فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ فَإِنَّ الرُّجُوعَ جَوَّزَتْهُ الزِّيَادَةُ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ بِطُولِ الِانْتِظَارِ لِأَجْلِ الِاقْتِدَاءِ الَّذِي لَمْ يَجِبْ فَكَيْفَ إِذَا وَجَبَ وَأَمَّا الْجُمُعَةُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى الْجَامِعِ وَلَوْ عَلِمَ انْصِرَافَ النَّاسِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ لِأَنَّ الْجَامِعَ مِنْ جُمْلَةِ شُرُوطِهَا فَلَا تَصِحُّ دُونَهُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ إِذَا انْصَرَفَ النَّاسُ أَتَمَّ الْجُمُعَةَ فِي أَدْنَى مَوْضِعٍ يُصَلِّي فِيهِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَلِأَنَّ الْمَسْجِدَ إِنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ اسْتِكْمَالِ الشُّرُوطِ وَقَدْ فَاتَتِ الْجَمَاعَةُ وَالْإِمَامُ فَلَا يَجِبُ الْجَامِعُ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ أَحَدٌ ثَمَّةَ رَكْعَةً وَهُوَ مَسْبُوقٌ لَأَتَمَّهَا ثَمَّةَ مُنْفَرِدًا وَكَذَلِكَ الرَّاعِفُ وَابْنُ الْقَاسِمِ يَرَى أَنَّ الْأَصْلَ اسْتِقْلَالُ كُلِّ شَرْطٍ بِنَفْسِهِ وَأَنَّ صَلَاةَ الْمُنْفَرِدِ عَنِ الْجَامِعِ إِنَّمَا تَصِحُّ لأجل اتِّصَاله بالصفوف فَهِيَ ضَرُورَة منفية هَهُنَا وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ سَيْلٌ يُضِيفُ إِلَيْهَا أُخْرَى ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا وَهُوَ يَجْرِي عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ لَا يَدْرِي مِنْ أَيَّتِهَا هِيَ فَيُضِيفُ إِلَيْهَا أُخْرَى مُرَاعَاةً لِقَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ وَيُعِيدُ أَرْبَعًا لِعَدَمِ شَرْطِ الْجُمُعَةِ وَهُوَ الْمَسْجِدُ فَإِنْ أَتَمَّ فِي الْجَامِعِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَتَيْ سَهْوٍ قَالَ مَالك اللَّتَان قَبْلَ السَّلَامِ لَا يَسْجُدْهُمَا إِلَّا فِي الْجَامِعِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَإِنْ

ص: 86

سَجَدَهُمَا فِي غَيْرِهِ لَمْ يُجْزِيَاهُ لِأَنَّهُمَا مِنْ نَفْسِ الْجُمُعَةِ الرَّابِعُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا رَعَفَ فِي الْجُمُعَةِ بَعْدَ رَكْعَةٍ بِسَجْدَتَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ فَوجدَ الإِمَام جَالِسا جلس مَعَه وَسلم ثمَّ قضى لِأَنَّهُ مَأْمُوم بجب عَلَيْهِ الِاتِّبَاعُ وَالْقَضَاءُ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَإِذَا لَمْ يُتِمَّ الْأُولَى بِسَجْدَتَيْهَا وَلَمْ يَرْجِعْ حَتَّى فَرَغَ الْإِمَامُ ابْتَدَأَ ظُهْرًا أَرْبَعًا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا بِخِلَافِ غَيْرِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى بِهَا جُمُعَةً لَصَلَّاهَا فَذًّا وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَإِذَا قُلْنَا يَبْتَدِئُ الظُّهْرَ فَهَلْ يَسْتَأْنِفُ الْإِحْرَامَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ يَقْطَعُ عِنْدَ مَالِكٍ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِمَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَلَا يُدْخِلُهُ فِي صَلَاتِهِ وَلَا يَقْطَعُ عِنْدَ سَحْنُونٍ مُطْلَقًا لِأَنَّ إِحْرَامَهُ قَدِ انْعَقَدَ عَلَى فَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ مُدْرِكِ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ مَعَ الْإِمَامِ وَسَبَقَ فِي غَيْرِهِ لَا سِيَّمَا قَدْ يَكُونُ قَدْ حَضَرَ الْقِرَاءَةَ أَوِ الرُّكُوعَ وَهَذِهِ قُرُبَاتٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُهْمَلَ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ الْإِجْمَاعَ فِي أَنَّ الْمَسْبُوقَ إِذَا لَمْ يَطْمَعْ فِي إِدْرَاكِ جَمَاعَةٍ أُخْرَى وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا التَّشَهُّدُ فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِالدُّخُولِ مَعَ الْجَمَاعَةِ فِيهِ وَخَيَّرَهُ أَشْهَبُ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ فَإِنْ فَارَقَهُ بَعْدَ رَكْعَةٍ فِي الْجُمُعَةِ فَلَمَّا عَادَ نَسِيَ أُمَّ الْقُرْآنِ حَتَّى رَكَعَ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَتُجْزِئُهُ وَقِيلَ يَبْتَدِئُ الْقِرَاءَةَ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ إِذَا ذَكَرَ بَعْدَ سَجْدَةٍ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى فَرَغَ مِنْ تِلْكَ الرَّكْعَةِ أَجْزَأَهُ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ سَجْدَتَا السَّهْوِ وَيُلْغِي تِلْكَ الرَّكْعَةَ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ وَسَجْدَةٍ وَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَيُعِيدُ ظُهْرًا أَرْبَعًا لِوُصُولِ السَّهْوِ نِصْفَ الصَّلَاةِ فَيَسْجُدُ رَجَاءَ الْإِجْزَاءِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ وَيُعِيدُ

ص: 87

ظُهْرًا لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَصِحُّ مِنَ الْفَذِّ الْخَامِسُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يَبْنِي عَلَى أقل من رَكْعَة ويلغي مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهَا وَلَوْ سَجْدَةً كَانَتِ الْأُولَى أَوْ غَيْرَهَا مُنْفَرِدًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ يُلْغَى أَقَلُّ مِنَ الرَّكْعَةِ مُطْلَقًا وَلَا يَلْغِي شَيْئًا مُطْلَقًا إِلَّا فِي الْجُمُعَةِ وَقَالَ أَشْهَبُ الِابْتِدَاءُ أَحَبُّ إِلَيَّ وَإِنْ بَنَى أَجْزَأَهُ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إِنْ رَأَى أَنَّ الْأَقَلَّ مِنَ الرَّكْعَةِ فِي الْأُولَى أَلْغَاهُ وَإِنْ كَانَ فِي الثَّانِيَةِ بَنَى عَلَيْهِ وَجْهُ الْمَذْهَبِ قَوْلُهُ عليه السلام مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ وَقِيَاسًا عَلَى أَرْبَابِ الْأَعْذَارِ فِي أَوَاخِرِ الْأَوْقَاتِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ وَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الرُّعَافَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَيَبْنِي فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَامْتَنَعَ فِي الْجُمُعَةِ لِفَوَاتِ الْجَمَاعَةِ وَالْإِمَامِ اللَّذَيْنِ هُمَا شَرْطٌ وَجْهُ التَّخْيِيرِ تَعَارَضُ الْأَدِلَّةِ وَجْهُ الْفَرْقِ الْقِيَاسُ عَلَى النَّاعِسِ مَعَ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَبْنِي وَيَلْحَقُ الْإِمَامَ فِي الثَّانِيَةِ بِخِلَافِ الْأُولَى فَإِنَّهُ يُلْغِيهَا وَالْفَرْقُ الْمَشْهُورُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاعِسِ أَنَّ مُنَافَاةَ الرُّعَافِ لِلصَّلَاةِ أَشَدُّ مِنَ النُّعَاسِ فَإِنَّهُ فِيهِ مُفَارَقَةُ الْمَكَانِ وَالْهَيْئَةِ وَإِذَا قُلْنَا يَبْنِي عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَرَعَفَ وَهُوَ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ رَفَعَ وَخَرَجَ لِغَسْلِ الدَّمِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُجْزِئُهُ هَذَا الرَّفْعُ وَلَا يَعُودُ إِلَى رُكُوعِهِ وَلَا سُجُودِهِ

قَاعِدَةٌ الْمُوَالَاةُ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ رَكَعَاتِهَا وَلَا بَيْنَ أَجْزَاءِ رَكَعَاتِهَا فَمَنْ لَاحَظَ أَنَّ الرُّعَافَ مُخِلٌّ بِهَا سَوَّى بَيْنَ الرَّكَعَاتِ وَأَجْزَائِهَا لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ وَمَنْ لَاحَظَ أَنَّ الرَّكْعَةَ الْوَاحِدَةَ كَالْعِبَادَةِ الْمُسْتَقِلَّةِ

ص: 88

وَالصَّلَاةِ الْمُنْفَرِدَةِ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ خَصَّصَهَا بِأَحْكَامٍ إِدْرَاكُ الْأَوْقَاتِ وَفَضِيلَةُ الْجَمَاعَاتِ وَالْجِهَاتِ وَتَحْصِيلُ الْأَدَاءِ بِإِدْرَاكِهَا دُونَ الْقَضَاءِ فَصَارَتْ أَوْلَى بِالْمُوَالَاةِ فِي نَفْسِهَا مِنْ جُمْلَةِ الصَّلَاةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ إِهْمَالِ الْمُوَالَاةِ فِي جُمْلَةِ الصَّلَاةِ إِهْمَالُهَا فِي الرَّكْعَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ السَّادِسُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا فَارَقَ الْإِمَامُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ السَّلَامِ فَإِنْ رَجَعَ وَوَجَدَ الْإِمَامَ انْصَرَفَ قَعَدَ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَإِنْ رَعَفَ بَعْدَ مَا سَلَّمَ الْإِمَامُ سلم وأجزت عَنْهُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ مَعْنَاهُ يَرْجِعُ إِلَى طَمَعٍ فِي إِدْرَاكِ الْإِمَامِ وَالْخِلَافُ مَعَ ابْنِ شَعْبَانَ عَلَى مَا مَرَّ إِنْ كَانَ فِي جُمْعَةٍ أَوْ فِي الْحَرَمَيْنِ وَقَالَ سَحْنُونٌ إِذَا رَعَفَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ لَا يُسَلِّمُ حَتَّى يَغْسِلَ الدَّمَ إِنْ كَانَ كَثِيرًا لِأَنَّ السَّلَامَ رُكْنٌ حُجَّةُ الْمَذْهَبِ أَنَّ وُقُوعَ السَّلَامِ مَعَ الرُّعَافِ أَخَفُّ مِنَ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ فِي الصَّلَاةِ لِإِزَالَةِ الدَّمِ قَالَ فِي الْكِتَابِ وَلَوْ فَارَقَهُ بَعْدَ سَجْدَةٍ مِنَ الْأُولَى فَوَجَدَهُ فِي رُكُوعِ الثَّانِيَةِ لَا يُضِيفُ سَجْدَةً لِتِلْكَ السَّجْدَةِ وَيُلْغِيهَا قَالَ اللَّخْمِيُّ يَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ فِيمَنْ أَدْرَكَ الثَّانِيَةَ مِنَ الْجُمُعَةِ وَذَكَرَ بَعْدَ سَلَامِ الإِمَام أَنه نسي سَجْدَة أَنه يسْجد وتجزيه جُمْعَتُهُ أَنَّهُ يَأْتِي بِالسَّجْدَةِ وَتُجْزِئُهُ الْأُولَى قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّاعِفَ عَقَدَ الْإِمَامُ عَلَيْهِ رَكْعَةً فَلَيْسَ لَهُ الْبِنَاءُ وَالنَّاعِسُ بِخِلَافِ السَّاهِي عَنْ سَجْدَةٍ حَتَّى سَلَّمَ الْإِمَامُ فَإِنَّ السَّلَامَ عِنْدَ أَشْهَبَ لَيْسَ فِي حُكْمِ عَقْدِ رَكْعَةٍ وَوَافَقَهُ الْمَازِرِيُّ عَلَى الْإِنْكَارِ السَّابِعُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا فَارَقَهُ بَعْدَ رَكْعَةٍ مِنَ الظُّهْرِ وَعَادَ إِلَيْهِ فِي الرَّابِعَةِ يَتْبَعُهُ فِيهَا وَلَا يَقْضِي مَا فَاتَهُ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمُخَالَفَةِ وَقَدْ قَالَ عليه السلام

فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ قَالَ صَاحب الطّراز

ص: 89

قَوْلُهُ يَقْضِي مَا فَاتَهُ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَضَاءٌ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَيَقُومُ فِي الثَّانِيَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَحْدَهَا وَلَا يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْأُولَى ثَالِثَةُ إِمَامِهِ وَيَكُونُ بَانِيًا فِي الْفِعْلِ قَاضِيًا فِي القَوْل فيجتمع الْقَضَاء وَالْبناء هَا هُنَا فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ إِحْدَاهَا تَفُوتُهُ الْأُولَى وَيُصَلِّي الثَّانِيَةَ وَتَفُوتُهُ بَقِيَّةُ الصَّلَاةِ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ يَبْدَأُ بِالْبِنَاءِ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَيَجْعَلُهَا ثَانِيَةً ثُمَّ يَأْتِي بِأُخْرَى بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَيَجْلِسُ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ مَعَ إِمَامِهِ ثُمَّ رَكْعَةُ الْقَضَاءِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ وَعِنْدَ سَحْنُونٍ يَبْدَأُ بِالْقَضَاءِ يَأْتِي بِالْأُولَى بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ وَيَجْلِسُ ثُمَّ بِالرَّابِعَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَيَقُومُ ثُمَّ بِرَكْعَةِ الْقَضَاءِ وَنَظِيرُهُ مُقِيمٌ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَهَكَذَا يَفْعَلُ عِنْدَهُ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ تَصِيرُ صَلَاتُهُ كُلُّهَا جُلُوسًا وَالْبِنَاءُ أَرْجَحُ لِأَنَّ حُكْمَ الْأُولَى فِي الْمَسْبُوقِ أَنْ تُؤَخَّرَ إِلَى بَعْدِ الْفَرَاغِ وَثَانِيهَا تَفُوتُهُ الْأُولَى وَيُصَلِّي الْوُسْطَيَيْنِ وَمَنْ رَعَفَ فِي الرَّابِعَةِ فَصَلَّى قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ يَبْدَأُ بِالرَّابِعَةِ وَتَكُونُ ثَالِثَةً وَيَجْلِسُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيَقُومُ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ وَعَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ يَقْضِي الْأُولَى بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ وَثَالِثُهَا تَفُوتُهُ الْأُولَيَانِ وَيُصَلِّي الثَّالِثَةَ وَتَفُوتُهُ الرَّابِعَةُ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ وَهِيَ ثَانِيَةٌ لَهُ فَيَجْلِسُ وَيَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ متواليتين بِالْحَمْد لِلَّهِ وَسُورَةٍ وَعِنْدَ سَحْنُونٍ يَأْتِي بِالْأُولَيَيْنِ قَبْلَ الرَّابِعَةِ وَيَجْلِسُ بَيْنَهُمَا كَمَنْ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ مِنَ

ص: 90

الْمَغْرِبِ الثَّامِنُ إِنْ فَاتَتْهُ الْأُولَى وَأَدْرَكَ الثَّانِيَةَ وَرَعَفَ فِي الثَّالِثَةِ وَأَدْرَكَ الرَّابِعَةَ قَالَ سَحْنُونٌ يَأْتِي بِالَّتِي سَبَقَهُ بِهَا ثُمَّ بِالَّتِي رَعَفَ فِيهَا وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَبْتَدِئُ بِالَّتِي رَعَفَ فِيهَا وَهَلْ يَجْلِسُ لَهُمَا يَأْتِي عَلَى حُكْمِ مَا تَقَدَّمَ التَّاسِعُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ اخْتُلِفَ فِي الرَّاعِفِ فِي صَلَاةِ الْجَنَازَةِ وَالْعِيدِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يَرْجِعُ بَعْدَ الْغَسْلِ إِلَى مَوْضِعِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَكَانَ مِنْ سُنَنِهَا وَلَوْ أَتَمَّ فِي بَيْتِهِ أَجَزَأَهُ وَقَالَ أَشْهَبُ إِنْ خَافَ فَوَاتَهَا لَمْ يَنْصَرِفْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَبَّرَ عَلَى الْجِنَازَةِ شَيْئًا وَلَا صَلَّى رَكْعَةً مِنَ الْعِيدَيْنِ الْعَاشِرُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا قَاءَ عَامِدًا أَوْ غَيْرَ عَامِدٍ اسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ بِخِلَافِ الرُّعَافِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ الْقَيْءُ النَّجِسُ الْخَارِجُ عَنْ صِفَةِ الطَّعَامِ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْهُ وَالطَّاهِرُ يَتَعَلَّقُ بِالْمُتَعَمَّدِ وَغَيْرِهِ كَمَا بَيَّنَ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إِنْ تَقَيَّأَ بَلْغَمًا أَوْ قَلْسًا فَأَلْقَاهُ تَمَادَى وَإِنِ ابْتَلَعَ الْقَلَسَ بَعْدَ ظُهُورِهِ عَلَى لِسَانِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَإِنْ كَانَ سَهْوًا بَنَى وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَلَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْقَيْءُ النَّجِسُ هَلْ يَغْسِلُهُ عَنْهُ وَيَبْنِي فَعِنْدَ أَشْهَبَ يَبْنِي فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ مِنَ النَّجَاسَاتِ وَعِنْدَ ابْنِ شِهَابٍ يَبْنِي فِي الْقَيْءِ وَالرُّعَافِ خَاصَّةً وَإِنْ كَانَا عِنْدَهُ مُوجِبَيْنِ لِلْوُضُوءِ وَالْبِنَاءِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرُّعَافِ وَالْقَيْءِ عِنْدَنَا أَنَّ الْقَيْءَ فِيهِ تَفْرِيطٌ بِسَبَبِ أَنَّ أَسْبَابَهُ تَتَقَدَّمُ بِحَسِّ الْغَثَيَانِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الرُّعَافِ الْحَادِيَ عَشَرَ إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ رَعَفَ فَخَرَجَ ثُمَّ تَبَيَّنَ عَدَمُ الرُّعَافِ فَعِنْدَ مَالِكٍ لَا يَبْنِي لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ وَعِنْدَ سَحْنُونٍ يَبْنِي لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا يَجُوزُ لَهُ قَالَهُ صَاحِبُ الطَّرَّازِ الثَّانِيَ عَشَرَ قَالَ لَوِ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ صَبَّ الْمَطَرَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ رَعَفَ غَسَلَ عَنْهُ الدَّمَ وَلَمْ يُبْطِلْ صَلَاتَهُ فَإِنْ أَحَبَّ قَطَعَ صَلَاتَهُ بِالرُّعَافِ فَتَكَلَّمَ وَلَوْ وَجَدَ مِنَ الْمَاءِ قَدْرَ مَا يَغْسِلُ بِهِ الدَّمَ فَقَطْ فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ تَيَمُّمَهُ لَمْ يَبْطُلْ بِصَلَاتِهِ بِسَبَبِ اشْتِغَالِهِ بِالْغَسْلِ أَوْ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ اخْتِبَارُ

ص: 91

الْمَاءِ هَلْ يَكْفِيهِ أَمْ لَا فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالطَّلَبِ أَو لَا تبطل وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي الثَّالِثَ عَشَرَ قَالَ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا أَنَّ الْمَأْمُومَ يَبْنِي فِي الرُّعَافِ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَهُوَ مُحْتَاجٌ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْفَذِّ فَأَجَازَ مَالِكٌ لَهُ الْبِنَاءَ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ لِأَنَّهُ مَعْنَى لَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُصَلُّونَ كَالسَّلَامِ مِنِ اثْنَتَيْنِ وَلِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ لِتَحْصِيلِ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَمَنَعَهُ ابْنُ حَبِيبٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ سَبَبَ الرُّخْصَةِ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ فَقَطْ وَأَمَّا الثَّوْبُ فَفِي الْجَوَاهِرِ إِذَا كَانَ طَرَفُ عِمَامَتِهِ عَلَى نَجَاسَةٍ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ إِنْ كَانَ يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهِ فَهُوَ مُصَلٍّ بِالنَّجَاسَةِ وَإِلَّا فَلَا وَفِي السُّلَيْمَانِيَّةِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَتِ الْعِمَامَةُ طَوِيلَةً نَظَرًا لِلِاتِّصَالِ وَيَجِبُ صَوْنُ الثِّيَابِ وَمَا يُلَابِسُهَا عَنِ النَّجَاسَاتِ صَوْنًا لِلْعِبَادَاتِ عَنْ دَنِيءِ الْهَيْئَاتِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إِذَا قُطِّرَ عَلَى الْإِمَامِ نَجَاسَةٌ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ الثَّوْبِ وَلَا مَعَهُ غَيْرُهُ تَمَادَى عَلَى صَلَاتِهِ وَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهُ خَرَجَ وَاسْتَخْلَفَ فَإِنْ كَانَ فَذًّا قَطَعَ وَابْتَدَأَ بِالثَّوْبِ الطَّاهِرِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ سِوَاهُ فَالْقِيَاسُ الِاسْتِخْلَافُ لِلْإِمَامِ وَالْقَطْعُ لِلْفَذِّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْقَطْعَ أَحَبُّ إِلَيْهِ لِأَنَّ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ طَرَحَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم َ - وَهُوَ يُصَلِّي سَلَا الْجَزُورِ وَغَسَلَتْهُ فَاطِمَةُ رضي الله عنها وَتَمَادَى عَلَى صَلَاتِهِ وَرُوِيَ أَنَّهُ فَرْثٌ وَدَمٌ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَقَبْلَ تَحْرِيمِ ذَبَائِحِ الْمُشْرِكِينَ وَالسَّلَا وِعَاءُ الْوَلَدِ فَهُوَ كَلَحْمِ النَّاقَةِ الْمُذَكَّاةِ وَكَذَلِكَ الْفَرْثُ طَاهِرٌ عِنْدَنَا وَلَعَلَّ الدَّمَ الَّذِي كَانَ فِيهِ يَسِيرٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِذَا قُلْنَا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِالْعِمَامَةِ الْمُتَّصِلَةِ

ص: 92

بِالنَّجَاسَةِ فَمَنْ صَلَّى وَمَعَهُ حَبْلٌ طَرَفُهُ مَرْبُوطٌ بِمَيْتَةٍ فَإِنْ كَانَ الْحَبْلُ تَحْتَ قَدَمَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَالْبِسَاطِ وَإِنْ كَانَ مَشْدُودًا بِهِ وَلم تُجْزِهِ وَهُوَ قَوْلُ (ش) وَلَوْ كَانَ مَرْبُوطًا فِي أُذُنِ دَنِّ خَمْرٍ وَالْأُذُنُ طَاهِرَةٌ لَمْ يَنْفَعهُ ذَلِك لِأَن الْأذن مُتَّصِل بِالنَّجَاسَةِ لَو كَانَ مَرْبُوطًا بِقَارِبٍ فِيهِ النَّجَاسَةُ أَوْ جِرَارُ خَمْرٍ أَوِ الْقَارِبُ فِي مَاءٍ نَجِسٍ فَإِنْ كَانَ الرِّبَاطُ فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِمَوْضِعٍ طَاهِرٍ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ مَشَى عَلَى جَنْبِ النَّهْرِ لَتَحَرَّكَ الْقَارِبُ بِمَا فِيهِ مِنَ النَّجَاسَةِ كَدَنِّ الْخَمْرِ أَوِ الْمَيْتَةِ أَوْ يُقَالُ إِنَّمَا مَسَكَ الْقَارِبَ وَالنَّجَاسَةُ جَاوَرَتْهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ رَبَطَهُ فِي دَابَّة واقفة على شَيْء نجس وللشافعية هَهُنَا قَوْلَانِ فَإِنْ قُلْنَا فِي الدَّابَّةِ لَا تُجْزِيهِ وَكَانَ مَشْدُودًا فِي رَأْسِ دَابَّةٍ وَعَلَيْهَا رَحْلٌ نجس فَيظْهر هَهُنَا أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الدَّابَّةَ لَهَا فِعْلٌ وَهِيَ الَّتِي تُعَدُّ حَامِلَةً لِلنَّجَاسَةِ بِخِلَافِ الْقَارِبِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعُودِ الْمُتَنَجِّسِ وَلِهَذَا تُؤَثِّرُ النَّجَاسَةُ الَّتِي تَقُومُ فِيهَا بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ الَّتِي تَقِفُ عَلَيْهَا الدَّابَّةُ

فَرْعٌ فِي الْكِتَابِ إِنْ صَلَّى وَمَعَهُ لَحْمُ مَيْتَةٍ أَوْ عَظْمُهَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَكَذَلِكَ جِلْدُهَا إِذَا دُبِغَ وَلَا يُصَلَّى عَلَى جِلْدِ حِمَارٍ وَإِنْ ذُكِّيَ وَتَوَقَّفَ فِي الْكَيْمَخْتِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ صَلَّى بِلَحْمِهَا نَاسِيًا وَبِجِلْدِهَا الْمَدْبُوغِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا وَتَوَقَّفَ فِي الْكَيْمَخْتِ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ فِي سُيُوفِ الصَّحَابَةِ وَهُمْ يُصَلُّونَ بِهَا

فَائِدَةٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ الْكَيْمَخْتِ بِفَتْحِ الْكَافِ بَعْدَهَا يَاءٌ بِاثْنَتَيْنِ مِنْ تَحْتِهَا سَاكِنَةٌ

ص: 93

وَفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَآخِرُهُ تَاءٌ بِاثْنَتَيْنِ فَوْقَهَا وَهُوَ جِلْدُ الْفَرَسِ وَشَبَهُهُ غَيْرُ مُذَكَّى فَارِسِيٌّ اسْتُعْمِلَ وَأَمَّا الْمَكَانُ فَلْيَكُنْ كُلُّ مَا يَمَاسُّهُ عِنْدَ الْقِيَامِ وَالسُّجُودِ وَالْجُلُوسِ طَاهِرًا وَأَمَّا مَا لَا يُلَابِسُهُ فَلَا يَضُرُّهُ كَمَا قَالَ فِي الْكِتَابِ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى طرف حَصِير بطرفه الآخر نَجَاسَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذَا كَانَ مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ طَاهِرًا صَحَّتِ الصَّلَاةُ وَلَوْ كَانَ مَوْضِعُ رُكْبَتَيْهِ نَجِسًا وَفِي الْجَبْهَةِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ بِنَاءً مِنْهُ عَلَى أَنَّ الرُّكْبَتَيْنِ وَالْيَدَيْنِ لَا يَجِبُ السُّجُودُ عَلَيْهِمَا وَإِنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ تَطْهِيرِ مَا يَجِبُ السُّجُودُ عَلَيْهِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ الثَّوْبُ النَّجِسُ الزَّائِدُ الَّذِي لَا يَجِبُ لُبْسُهُ مَعَ فَسَادِ الصَّلَاةِ بِهِ

فَائِدَةٌ قَالَ صَاحِبُ التَّلْقِينِ الْجَسَدُ يَجِبُ تَطْهِيرُهُ وَأَمَّا الثَّوْبُ فَلَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ فَرْضٌ إِلَّا فِي تَرْكِ النَّجِسِ مِنْهُ أَوْ وُجُوبِ الْإِزَالَةِ إِنِ اخْتَارَهُ أَوْ وَجَبَ لُبْسُهُ يُرِيدُ أَنَّ الْجَسَدَ إِذَا كَانَ نَجِسًا تَوَجَّهَ الْخِطَابُ بِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ عَنْهُ لِتَعَذُّرِ فِعْلِ الصَّلَاةِ بِدُونِهِ وَأَمَّا الثَّوْبُ فَلَا يَجِبُ تَطْهِيرُهُ لِحُصُولِ مَقْصُودِ الشَّرْعِ بِالتَّرْكِ فَإِنِ اخْتَارَهُ الْمُكَلَّفُ لِسُتْرَتِهِ أَوْ وَجَبَ لُبْسُهُ لِعَدَمِ غَيْرِهِ صَارَ كَالْجَسَدِ تَجِبُ إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَنْهُ وَهَذَا بِعَيْنِهِ يَتَّجِهُ فِي الْمَكَانِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَوْ صَلَّى عَلَى حَصِيرٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَنْتَقِلُ وَطَرَفُهُ مُتَّصِلٌ بِنَجَاسَةٍ فَفِي تَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ الْمُتَّصِلِ بِجَسَدِهِ قَوْلَانِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ وَاخْتَارَ عَبْدُ الْحَقِّ أَنَّهُ لَا يَتَنَزَّلُ

ص: 94

وَهَذَا خِلَافُ مَا فِي الْكِتَابِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالَّذِي رَأَيْتُهُ لِعَبْدِ الْحَقِّ خِلَافَ هَذَا وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ فِي الْحَصِيرِ وَبَيَّنَهَا قَالَ وَإِنْ كَانَ يَتَحَرَّكُ مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ فَالْمُخْتَارُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ شُيُوخِنَا أَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَمِنْهُمْ مَنْ رَاعَى تَحْرِيكَ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَقَوْلُنَا يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَةِ الْمُصَلِّي مُبَايِنٌ لِقَوْلِنَا هُوَ مِمَّا يَتَنَقَّلُ وَلَا يَحْسُنُ تَمْثِيلُهُ بِالْحَصِيرِ فَإِنَّهُ يَتَنَقَّلُ وَلَا يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَةِ الْمُصَلِّي وَيَلْحَقُ بِالْمَكَانِ النَّجِسِ مَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ وَهُوَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا أَحَدُهَا قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ وَأَمَامُهُ جِدَارُ مِرْحَاضٍ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ طَاهِرًا لَا رَشْحَ فِيهِ فَلَا يُخْتَلَفُ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَتْ مَكْرُوهَةً ابْتِدَاءً لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى أَحْسَنِ الْهَيْأَتِ مُسْتَقْبِلًا أَفْضَلَ الْجِهَاتِ لِأَنَّهُ يُنَاجِي اللَّهَ تَعَالَى وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إِذَا كَانَ أَمَامَهُ مَجْنُونٌ لَا يَتَطَهَّرُ أَوْ صَبِيٌّ أَوِ امْرَأَةٌ فَلْيَتَنَحَّ عَنْهُمْ وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ فَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ يُرْشَحُ فَيُخْتَلَفُ فِيهِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ بِغَيْرِ إِعَادَةٍ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَنْ تَعَمَّدَ الصَّلَاةَ إِلَى نَجَاسَةٍ أَمَامَهُ أَعَادَ إِلَّا أَنْ تَبْعُدَ جِدًّا وَيُوَارِيهَا عَنْهُ بِشَيْءٍ فَقَاسَ الْمُصَلَّى إِلَيْهِ عَلَى الْمُصَلَّى عَلَيْهِ وَنَحْنُ نَقِيسُهَا عَلَى مَا عَلَى يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ أَوْ خَلْفِهِ وَثَانِيهَا الثَّلْجُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الثَّلْجِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يُكْرَهُ لِفَرْطِ بُرُودَتِهِ الْمَانِعَةِ مِنَ التَّمَكُّنِ مِنَ السُّجُود كالمكان الْحَرج وَثَالِثُهَا الْمَقْبَرَةُ قَالَ فِي

ص: 95

الْكِتَابِ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ إِلَى الْقَبْرِ وَفِي الْمَقْبَرَةِ وَبَلَغَنِي أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَمَنَعَ ابْنُ حَنْبَلٍ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَى الْقَبْرِ وَفِي الْمَقْبَرَةِ وَالْمَقْبَرَةُ تَنْقَسِمُ إِلَى مَقْبَرَةِ الْكُفَّارِ وَالْمُسْلِمِينَ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَإِمَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ نَبْشُهَا أَوْ عَدَمُهُ أَوْ يَشُكَّ فِي ذَلِكَ فَهَذِهِ سِتَّةُ أَقْسَامٍ مَنَعَ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ جَمِيعَ ذَلِكَ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ أَحْمَدَ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فَمَرَّةٌ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى التَّعَبُّدِ لَا عَلَى النَّجَاسَةِ فَحَكَمَ بِالصِّحَّةِ وَفَرَّقَ ابْنُ حَبِيبٍ بَيْنَ قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكين فَمنع من قُبُورِ الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ وَقَالَ يُعِيدُ فِي الْعَامِرَةِ أَبَدًا فِي الْعَمْدِ وَالْجَهْلِ لِبَقَاءِ نَبْشِهَا النَّجِسِ وَلَا يُعِيدُ فِي الداثرة لذهاب نبشها وَبَين قُبُور الْمُسلمين فَلم يمْنَع كَانَت داثرة أَوْ عَامِرَةً قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ عَلَى أَنَّ الْمَقْبَرَةَ لَمْ تُنْبَشْ أَمَّا الْمَنْبُوشَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا صَدِيدُ الْأَمْوَاتِ وَمَا فِي أَمْعَائِهِمْ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ مَالِكٌ حجتنا أَن مَسْجده عليه السلام كَانَ مَقْبرَة للْمُشْرِكين فنبشها عليه السلام وَجَعَلَ مَسْجِدَهُ مَوْضِعَهَا وَلِأَنَّهُ عليه السلام صَلَّى عَلَى قُبُورِ الشُّهَدَاءِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالْغَالِبِ فَرَجَّحَ مَالِكٌ الْأَصْلَ وَغَيْرُهُ الْغَالِبَ حُجَّةُ الْمُخَالِفِ مَا فِي التِّرْمِذِيِّ نَهَى عليه السلام أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ فِي المزيلة وَالْمَجْزَرَةِ وَالْمَقْبَرَةِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ وَفِي الْحمام وَفَوق ظهر بَيت الله عز وجل وَقَالَ عليه السلام

لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إِلَيْهَا رَابِعُهَا الْحَمَّامُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا كَانَ

ص: 96

مَوْضِعُهُ طَاهِرًا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَكَرِهَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَمَنَعَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ مَعَ سَطْحِهِ وَجْهُ الْمَذْهَبِ قَوْلُهُ عليه السلام فِي مُسلم

وَجعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وترابها طَهُورًا حُجَّةُ الْكَرَاهَةِ الْحَدِيثُ السَّابِقُ وَلِأَنَّهُ مَوْضِعُ النَّجَاسَاتِ وَكَشْفُ الْعَوْرَاتِ خَامِسُهَا أَعْطَانُ الْإِبِلِ أَجَازَ فِي الْكِتَابِ الصَّلَاةَ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَقَالَ لَا خَيْرَ فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ لَا يُصَلَّى فِيهَا وَلَوْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا وَلَوْ بَسَطَ عَلَيْهَا ثَوْبًا وَفِي مُسْلِمٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عليه السلام فَقَالَ أُصَلِّي فِي مرابض الْغنم قَالَ نَعَمْ فَقَالَ أُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ قَالَ لَا وَفِي أبي دَاوُد صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ فَإِنَّهَا بَرَكَةٌ وَلَا تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الْإِبِلَ فَإِنَّهَا مِنَ الشَّيَاطِينِ وَاخْتُلِفَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا عَلَى سِتَّةِ مَذَاهِبَ فَقيل لِأَنَّ أَهْلَهَا يَسْتَتِرُونَ بِهَا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَهُوَ مَذْهَب ابْن الْقَاسِم وَابْن وهب وَابْن حبيب وَقيل لنفارها وَقيل لِكَثْرَة ترابها ووسخها فتمنع من تَمام السُّجُود ومراح الْغنم نظيف وَقيل لِأَنَّهَا تَقْصِدُ السُّهُولَ فَتَجْتَمِعُ النَّجَاسَةُ فِيهَا وَالْغَنَمُ تَقْصِدُ الْأَرْضَ الصُّلْبَةَ وَقِيلَ لِسُوءِ رَائِحَتِهَا وَالصَّلَاةُ مَأْمُور فِيهَا

ص: 97

بِحُسْنِ الرَّائِحَةِ وَلِذَلِكَ تُبَخَّرُ الْمَسَاجِدُ وَقِيلَ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنَ الشَّيَاطِينِ وَالصَّلَاةُ يَبْعُدُ بِهَا عَنْ مَوَاضِعِهِمْ

فَرْعٌ مَنْ صَلَّى فِيهَا قَالَ أَصْبَغُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَقَالَ ابْنُ حبيب يُعِيد أبدا فِي الْجَهْل والعمد وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالْغَالِبِ

فَائِدَةٌ رَبَضُ الْبَطْنِ مَا يَلِي الْأَرْضَ مِنَ الْبَعِيرِ وَالشَّاةِ وَجَمْعُهُ أَرْبَاضٍ وَالْمَرْبِضُ مَوْضِعُ الرَّبْضِ وَجَمْعُهُ مَرَابِضُ وَالشَّاةُ فِي الْمَرْبِضِ تُسَمَّى رَبِيضًا وَالْعَطَنُ بِفَتْح الطَّاء والمعطن بِكَسْرِهَا وَاحِدُ الْأَعْطَانِ وَالْمَعَاطِنِ وَهِيَ مَبَارِكُ الْإِبِلِ عِنْدَ الْمَاءِ لِتَشْرَبَ عَلَلًا وَهُوَ الشُّرْبُ الثَّانِي بَعْدَ نَهَلٍ وَهُوَ الشُّرْبُ الْأَوَّلُ وَعَطِنَتِ الْإِبِلُ بِالْفَتْحِ تَعْطُنُ بِضَمِّ الطَّاءِ وَكَسْرِهَا عُطُونًا إِذَا رَوِيَتْ ثُمَّ بَرَكَتْ فَهِيَ إِبِلٌ عَاطِنَةٌ وَعَوَاطِنُ وَعَطَنُ الْجِلْدِ تَخْلِيَتُهُ فِي فَرْثٍ وَمِلْحٍ حَتَّى يَنْتَثِرَ صُوفُهُ وَفُلَانٌ وَاسِعُ الْعَطَنِ أَيْ رَحْبُ الذِّرَاعِ سَادِسُهَا الْكَنَائِسُ كَرِهَ فِي الْكِتَابِ الصَّلَاةَ فِيهَا لنجاستها بأقدامهم وَمَا يدخلونه فِيهَا وللصور وَقَالَ الْحَسَنُ لِأَنَّهَا بُنِيَتْ عَلَى غَيْرِ التَّقْوَى وَقِيلَ لِأَنَّهَا مَأْوَى الشَّيَاطِينِ وَقَدْ خَرَجَ عليه السلام من الْوَادي لِأَنَّ بِهِ شَيْطَانًا وَلِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ وَلَا خَيْرَ فِي مَوْضِعٍ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِنْ عَلَّلْنَا بِالصُّوَرِ لَمْ نَأْمُرْ

ص: 98

بِالْإِعَادَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَإِنْ عَلَّلْنَا بِالنَّجَاسَةِ قَالَ سَحْنُون يُعِيد فِي الْوَقْت وعَلى قَول ابْنِ حَبِيبٍ يُعِيدُ أَبَدًا فِي الْجَهْلِ وَالْعَمْدِ لِأَنَّهُ أَصْلُهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يَنْفَكُّ من النَّجَاسَاتِ كَالْمَجْزَرَةِ وَالْمَزْبَلَةِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَأَمَّا الْكَنِيسَةُ الدَّارِسَةُ الْعَافِيَةُ مِنْ آثَارِ أَهْلِهَا فَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِيهَا إِذَا اضْطُرَّ إِلَيْهَا وَإِلَّا فَهِيَ مَكْرُوهَةٌ عَلَى ظَاهِرِ مَذْهَبِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه لِمَا رَوَى مَالِكٌ عَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَ دُخُولَ الْكَنَائِسِ وَالصَّلَاةِ فِيهَا وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا تُعَادُ فِي وَقت وَلَا غَيْرِهِ سَابِعُهَا قَارِعَةُ الطَّرِيقِ كَرِهَ فِي الْكِتَابِ الصَّلَاةَ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ لِأَرْوَاثِ الدَّوَابِّ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَالطَّرِيقُ الْقَلِيلَةُ الْخَاطِرِ فِي الصَّحَارِي تُخَالِفُ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي الطَّرِيقِ مَكَانٌ مُرْتَفِعٌ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ الدَّوَابُّ وَقَدْ قَالَ مَالك فِي النَّوَادِر فِي مَسَاجِد فِي الْأَفْنِيَةِ تَمْشِي عَلَيْهَا الْكِلَابُ وَالدَّجَاجُ وَغَيْرُهَا لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِيهَا وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كُنْتُ أَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - وَكُنْتُ فَتًى شَابًّا عَزَبَا وَكَانَتِ الْكِلَابُ تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا من ذَلِك ثامنها فِي الْجَوَاهِر المجزرة لنجاستها واستقذارها تاسعها فِي الْجَوَاهِرِ الْمَزْبَلَةُ لِأَنَّهَا مَوْضِعُ الْقِمَامَاتِ وَمُشْتَمِلَةٌ على القاذورات عَاشرهَا فِي الْجَوَاهِرِ بَطْنُ الْوَادِي لِأَنَّ الْأَوْدِيَةَ مَأْوَى الشَّيَاطِين حادي عشرهَا الْقبْلَة تكون فِيهَا التَّمَاثِيلُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي كَرَاهِيَتِهَا اعْتِبَارًا بِالْأَصْنَامِ فَإِنْ كَانَتْ فِي ستر على جِدَار الْكَعْبَةِ فَأَصْلُ مَالِكٍ الْكَرَاهَةُ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا أَكْرَهُهُ لِمَا جَاءَ إِلَّا مَا كَانَ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ وَكَرِهَ فِي الْكِتَابِ الصَّلَاةَ بِالْخَاتَمِ فِيهِ تِمْثَال لِأَنَّهُ من زِيّ الْأَعَاجِم ثَانِي عَشَرَهَا كَرِهَ فِي الْكِتَابِ الصَّلَاةَ إِلَى حَجَرٍ مُنْفَرد فِي

ص: 99

الطَّرِيق أَو غَيرهَا بِخِلَاف الْحِجَارَة الْكَثِيرَة لشبهه بالأصنام ثَالِث عَشَرَهَا قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يَسْتَنِدُ الْمَرِيضُ لحائض وَلَا جنب قَالَ صَاحِبُ النُّكَتِ قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ أَثْوَابَهُمَا نَجِسَةٌ نَظَرًا إِلَى الْغَالِبِ أَمَّا إِذَا كَانَتْ طَاهِرَةً فَلَا ينْهَى عَن ذَلِك وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْبِيهَاتِ قَالَ فِي غَيْرِ الْكِتَابِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَأَكْثَرُ شُيُوخِنَا عَلَى أَنَّهُ بَاشَرَ نَجَاسَةً فِي أَثْوَابِهِمَا فَكَانَ كَالْمُصَلِّي عَلَيْهَا وَقَالَ بَعضهم بل هما معاونان بالاستناد إِلَيْهِمَا فبهما يدْخل فِي الصَّلَاة وهما لَا تصح مِنْهُمَا الصَّلَاةِ فَلَا يُعَيِّنَانِ فِيهَا وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَنِدُ مُتَوَضِّئًا وَلَا قَائِلَ بِهِ وَرَأَيْتُ فِي حَاشِيَةٍ لِبَعْضِ الْكُتُبِ كَانَ الشَّيْخُ ابْنُ الْفَخَّارِ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَيَقُولُ الْحَائِضُ لَا تَنْفَكُّ عَنِ النَّجَاسَةِ بِخِلَافِ الْجُنُبِ وَقَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَنْعُ لأَجلهَا لَا لِأَجْلِهِ لِأَنَّهُمَا لَمَّا مَنَعَا مِنَ الصَّلَاةِ وَتَوَابِعِهَا مَنَعَا مِنْ مُلَابَسَةِ الْمُصَلِّينَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَقْرَبُ الْجُنُبَ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى رَدَاءَةِ حَالِهِ وَالْحَائِضُ مُلَابِسَةٌ لِلْأَقْذَارِ فَنُهِيَ عَنْ مُلَابَسَتِهَا كَالْمَزْبَلَةِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَإِنْ فَرَشَ فِيهَا الطَّاهِرَ رَابِعَ عَشَرَهَا قَالَ الْمَازِرِيُّ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَنْ صَلَّى فِي بَيْتِ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مُسْلِمٍ لَا يَتَنَزَّهُ عَنِ النَّجَاسَةِ أَعَادَ أَبَدًا

ص: 100

الشَّرْط الرَّابِع ستر الْعَوْرَة وَالْعَوْرَةُ الْخَلَلُ فِي الثَّغْرِ وَغَيْرِهِ وَمَا يُتَوَقَّعُ مِنْهُ ضَرَر أَعور الْمَكَانُ إِذَا صَارَ ذَا عَوْرَةٍ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِن بُيُوتنَا عَورَة} أَيْ خَالِيَةٌ يُتَوَقَّعُ الْفَسَادُ فِيهَا فَلِذَلِكَ سُمِّيَتِ السوءتان عَورَة لِأَن كشفهما مُوجب خَلَلًا فِي حُرْمَةِ مَكْشُوفِهِمَا وَالْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ لِأَنَّهُ يُتَوَقَّعُ مِنْ رُؤْيَتِهَا أَوْ سَمَاعِ كَلَامِهَا خَلَلٌ فِي الدِّينِ وَالْعِرْضِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْعَوْرَةِ الْمُسْتَقْبَحُ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ الْجَمِيلَةَ تَمِيلُ النُّفُوسُ إِلَيْهَا وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْمَرْأَةَ مَعَ الْمَرْأَةِ كَالرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ فِي حُكْمِ السَّتْرِ وَسَائِرِ مَسَائِلِ الْعَوْرَةِ تَخْرُجُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَفِي الْجَوَاهِرِ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى وُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ وَفِي وُجُوبِهِ فِي الْخَلْوَةِ قَوْلَانِ قَالَ الْمَازِرِيُّ هُوَ مُسْتَحَبٌّ عَنْ أَعْيُنِ الْمَلَائِكَةِ لِمَا فِي التِّرْمِذِيّ أَنه عليه السلام قَالَ إِيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّيَ فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ إِلَّا عِنْدَ الْغَائِطِ وَحِينَ يُفْضِي أَحَدُكُمْ إِلَى أَهْلِهِ فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ وَأَقَلُّ مَرَاتِبِهِ النَّدْبُ وَهَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ يَجِبُ فِيهَا وَلَهَا؟ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ الْمَذْهَبُ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ فِي الْوُجُوبِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ إِعَادَةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَهَذَا مَحْكِيٌّ فِي الْجَوَاهِرِ عَنِ ابْنِ بكير وَالْقَاضِي أبي بكر حُجَّةُ الشَّرْطِيَّةِ قَوْله تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كل مَسْجِد}

ص: 101

قِيلَ اللِّبَاسُ فِي الصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَفِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ عليه السلام لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ وَلِأَنَّ الْمُصَلِّي يُنَاجِي ربه فَيشْتَرط فِي حَقه أفضل الهيآت والمكشوف الْعَوْرَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ حُجَّةُ عَدَمِ الشَّرْطِيَّةِ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا} الْآيَةَ فَلَوْ وَجَبَ شَيْءٌ آخَرُ لَذَكَرَهُ وَفِي أَبِي دَاوُدَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ حَتَّى يَتَوَضَّأَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَذَكَرَ الْوضُوء وَقَالَ لم يسْتَقْبل الْقِبْلَةَ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ كَافٍ فِي الْقبُول فَلَا يكون غَيره وَاجِبا ثُمَّ النَّظَرُ فِي الْعَوْرَةِ مَا هِيَ وَفِي سَائِرِهَا؟ أَمَّا الْعَوْرَةُ فَثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ الرِّجَالُ فِي الْجَوَاهِرِ أَجْمَعْتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ السوءتين من الرِّجَال عَورَة وَفِي غَيرهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مِنَ السُّرَّةِ إِلَى الرُّكْبَةِ وَهُمَا غَيْرُ دَاخِلَتَيْنِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّ وَوَافَقَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ فِي السُّرَّةِ وَخَالَفَ فِي الرُّكْبَةِ لِأَنَّهَا مَفْصِلُ وَعَظْمُ الْفَخِذِ فِيهَا وَهُوَ عَوْرَةٌ فَتَكُونُ عَوْرَةً أَوْ هُمَا دَاخِلَتَانِ أَوِ السَّوْءَتَانِ فَقَطْ وَرَوَى أَبُو الْفَرَجِ مَا ظَاهِرُهُ أَنَّ جَمِيعَ بَدَنِ الرَّجُلِ عَوْرَةٌ فِي الصَّلَاةِ وَجْهُ الْمَذْهَبِ مَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ لعَلي غط فخدك وَلَا تنظر إِلَى فَخدَّ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ وَجْهُ الِاقْتِصَارِ عَلَى السَّوْءَتَيْنِ مَا فِي مُسْلِمٍ وَالْبُخَارِيِّ أَنَّهُ عليه السلام يَوْمَ خَيْبَرَ انْكَشَفَ

ص: 102

الْإِزَارُ عَنْ فَخِذِهِ قَالَ أَنَسٌ حَتَّى إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ فَخِذِهِ عليه السلام قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه ضَعِيفٌ وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ الْعَوْرَةَ السَّوْءَتَانِ وَالْفَخِذُ وَالْعَانَةُ حَرِيمٌ لَهُمَا الْقِسْمُ الثَّانِي الْإِمَاءُ وَهُنَّ مِثْلُ الرِّجَالِ قَالَ فِي الْكِتَابِ شَأْنُ الْأَمَةِ أَنْ تُصَلِّيَ بِغَيْرِ قِنَاعٍ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ اخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ شَأْنُهَا هَلْ مَعْنَاهُ لَا تُنْدَبُ إِلَى ذَلِكَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَالرَّجُلِ أَوْ يَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ مَعَ النَّدْبِ لِلسَّتْرِ وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْجُلَّابِ وَقَدْ كَانَ عُمَرُ رضي الله عنه يمْنَع الْإِمَاء من الْإِزَارِ وَقَالَ لِابْنِهِ أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّ جَارِيَتَكَ خَرَجَتْ فِي الْإِزَارِ وَتَشَبَّهَتْ بِالْحَرَائِرِ وَلَوْ لَقِيْتُهَا لَأَوْجَعْتُهَا ضَرْبًا

فَائِدَةٌ مَعْنَى نَهْيِ عُمَرَ رضي الله عنه الْإِمَاءَ عَنْ تَشَبُّهِهِنَّ بِالْحَرَائِرِ أَنَّ السُّفَهَاءَ جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِالتَّعَرُّضِ لِلْإِمَاءِ دُونَ الْحَرَائِرِ فَخَشِيَ رضي الله عنه أَنْ يَلْتَبِسَ الْأَمْرُ فيتعرض السُّفَهَاء لِلْحَرَائِرِ ذَوَاتِ الْجَلَالَةِ فَتَكُونُ الْمَفْسَدَةُ أَعْظَمُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يؤذين} أَي أَن يتميزن بعلاماتهن عَنْ غَيْرِهِنَّ وَأَلْحَقَ فِي الْكِتَابِ الْمُكَاتَبَةَ وَالْمُدَبَّرَةَ وَالْمُعتق بَعْضهَا بالأمة الْقِنّ وَأم الْوَلَدِ بِالْحُرَّةِ وَأَلْحَقَ صَاحِبُ الْجُلَّابِ الْمُكَاتَبَةَ بِأُمِّ الْوَلَدِ فِي اسْتِحْبَابِ السِّتْرِ وَأَلْحَقَ الشَّافِعِيَّةُ الْجَمِيعَ بِالْأَمَةِ الْقِنِّ نَظَرًا لِلْمِيرَاثِ وَنَحْنُ نَنْظُرُ إِلَى عُقُودِ الْحُرِّيَّةِ مَعَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا تُصَلِّي الْأَمَةُ إِلَّا

ص: 103

وَعَلَى جَسَدِهَا ثَوْبٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَالْأَمْرُ بذلك مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْوُجُوبِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ مِنَ الْعَلِيِّ أَوِ الْوَخْشِ وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الْوُجُوبِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَوْ صَلَّتِ الْأَمَةُ مَكْشُوفَةَ الْفَخِذِ أَعَادَتْ فِي الْوَقْتِ وقَوْله تَعَالَى {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} يَقْتَضِي الْعَفْوَ عَنِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ مِنَ الْحُرَّةِ لِأَنَّهُ الَّذِي يَظْهَرُ عِنْدَ الْحَرَكَاتِ لِلضَّرُورَةِ وَعَمَّا يَظْهَرُ مِنَ الْأَمَةِ عِنْدَ التَّقْلِيبِ لِلشِّرَاءِ وَهُوَ مَا عَدَا السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ

فَرْعٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَوْ أَحْرَمَتْ مَكْشُوفَةَ السَّاقِ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَجُوزُ لَهَا كَشْفُهُ فَعَتَقَتْ فَقِيلَ تَسْتُرُ ذَلِكَ وَتَتَمَادَى إِنْ كَانَتِ السُّتْرَةُ قَرِيبَةً وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا فَإِنْ بَعُدَتْ فَقِيلَ تَتَمَادَى وَقِيلَ تَقْطَعُ فَإِنْ قَرُبَتْ وَلَمْ تَسْتُرْ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَكَذَلِكَ الْعُرْيَانُ خِلَافًا ل (ح) مفرقا بَينهمَا فَإِن هَذِهِ حَالَةُ ضَرُورَةٍ بِخِلَافِ الْأَمَةِ فَإِنَّهَا كَانَتْ يُبَاحُ لَهَا ذَلِكَ وَقَالَ سَحْنُونٌ يَقْطَعَانِ وَقَالَ أَصْبَغُ هِيَ كَالْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ فِي الصَّلَاةِ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهَا فِي الْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَحَبُّ إِلَيَّ لَوْ جَعَلَتْهَا نَافِلَةً وَشَفَّعَتْهَا وَسَلَّمَتْ كَمَنْ سَمِعَ الْإِقَامَةَ وَقَالَ مَالِكٌ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ تُعِيدَ قَالَ وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ فِي الْحُرَّةِ يُلْقِي الرِّيحُ خِمَارَهَا وَالرَّجُلِ يَسْقُطُ إِزَارُهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِذَا سَقَطَ ثوب الإِمَام فَظهر فرجه وَدبره أَخَذَهُ مَكَانَهُ وَأَجْزَأَهُ إِذَا لَمْ يَبْعُدْ ذَلِكَ قَالَ سَحْنُونٌ وَيُعِيدُ كُلُّ مَنْ نَظَرَ إِلَى فَرْجِهِ مِمَّنْ خَلْفَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ لم ينظر

ص: 104

وَقَالَ فِي كِتَابِ ابْنِهِ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ وَإِنْ رَدَّهُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ بَنَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ سُنَّةٌ وعَلى القَوْل الآخر بفريضيتها يَخْرُجُ وَيَسْتَخْلِفُ فَإِنْ تَمَادَى فَصَلَاةُ الْجَمِيعِ فَاسِدَةٌ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ قَالَ وَأُمِرَ مَنْ نَظَرَ بِالْإِعَادَةِ لِأَنَّهُ مُرْتَكِبٌ لِمَعْصِيَةٍ بِالنَّظَرِ قَالَ وَيَلْزَمُهُ الْإِبْطَالُ بِجَمِيعِ وُجُوهِ الْعِصْيَانِ وَهُوَ خِلَافُ مَا ذهب إِلَيْهِ التّونسِيّ من أَنَّهَا تبطل لَا بذلك وَلَا بِالسَّرقَةِ وَلَا بِالْغَضَبِ لَوْ وَقَعَ فِي الصَّلَاةِ وَلِذَلِكَ قَالَ الْمَازِرِيُّ إِنَّ طُرُوَّ اللِّبَاسِ عَلَى الْعُرْيَانِ وَالْعِتْقَ عَلَى الْأَمَةِ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ هَلْ هِيَ سُنَّةٌ وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ فَرِيضَةٌ وَهِيَ طَرِيقَةُ سَحْنُونٍ؟ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَلَوْ عَتَقَتْ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَمْ تَعْلَمْ حَتَّى صَلَّتْ قَالَ أَصْبَغُ تُعِيدُ فِي الْوَقْتِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلِلشَّافِعِيَّةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا كَقَوْلِنَا وَالثَّانِي تُعِيدُ أَبَدًا لِأَنَّهَا مُفَرِّطَةٌ الْقِسْمُ الثَّالِثُ الْحَرَائِرُ فِي الْجَوَاهِرِ أَجْسَادُهُنَّ كُلُّهَا عَوْرَةٌ إِلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا صَلَّتْ بَادِيَةَ الشَّعْرِ أَوْ ظُهُورِ الْقَدَمَيْنِ أَعَادَتْ فِي الْوَقْتِ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَوْ بَعْضِ الْفَخِذِ أَوِ الْبَطْنِ وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهَا وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ فِي أَنَّ الْقَدَمَيْنِ عَوْرَةٌ وَخَالَفَنَا أَبُو حَنِيفَةَ لَنَا مَا فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زوج النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - لَمَّا سُئِلَتْ مَاذَا تُصَلِّي فِيهِ الْمَرْأَةُ مِنَ الثِّيَابِ؟ فَقَالَتْ تُصَلِّي فِي الْخِمَارِ وَالدِّرْعِ السَّابِغِ الَّذِي يُغَيِّبُ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا وَقَدْ رَفَعَهُ أَبُو دَاوُد للنَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -

ص: 105

فُرُوعٌ خَمْسَةٌ الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا صَلَّتْ مُتَنَقِّبَةً لَا إِعَادَةَ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِم ذَلِك رَأْيِي وَالتَّلَثُّمُ كَذَلِكَ وَنَهَى الشَّافِعِيُّ عَنْهُ وَأَوْجَبَ ابْنُ حَنْبَلٍ تَغْطِيَةَ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا لَنَا أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَورَة فِي الْإِحْرَامِ فَلَا يَكُونُ عَوْرَةً فِي الصَّلَاةِ وَيُسْتَحَبُّ كَشْفُهُ لِمُبَاشَرَةِ السُّجُودِ وَالتَّلَثُّمُ يَسْتُرُ الْأَنْفَ وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ إِذَا رَأَى إِنْسَانًا يُغَطِّي فَاهُ فِي الصَّلَاةِ جَبَذَ الثَّوْبَ عَنْهُ حَتَّى يَكْشِفَ فَاهُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَلِمَالِكٍ رحمه الله فِي كَرَاهِيَةِ تَغْطِيَةِ اللِّحْيَةِ قَوْلَانِ وَكَرِهَهُ أَبُو حَنِيفَةَ الثَّانِي قَالَ فِي الْكِتَابِ الْمُرَاهِقَةُ بِمَنْزِلَةِ الْكَبِيرَةِ لِأَن مَنْ أُمِرَ بِالصَّلَاةِ أُمِرَ بِشُرُوطِهَا وَفَضَائِلِهَا فَلَوْ صَلَّتْ بِغَيْرِ قِنَاعٍ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ تُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ يُصَلِّي عُرْيَانًا قَالَ لَوْ صَلَّيَا بِغَيْرِ وُضُوءٍ أَعَادَا أَبَدًا وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهُ لَا يُعِيدَانِ الثَّالِثُ قَالَ فِي الْكِتَابِ الْعَاجِزُونَ عَنِ السَّتْرِ يُصَلُّونَ أَفْذَاذًا قِيَامًا مُتَبَاعِدِينَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَجَمَاعَةً بِإِمَامٍ إِنْ كَانُوا فِي ظَلَامٍ وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ فِي تَفَرُّقِهِمْ وَقِيَامِهِمْ وَعَدَمِ إِيمَائِهِمْ بِالسُّجُودِ وَخَيَّرَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ الْقِيَامِ وَبَيْنَ

ص: 106

الصَّلَاةِ قُعُودًا بِإِيمَاءٍ وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ يَجِبُ الْقُعُودُ لَنَا النُّصُوصُ الدَّالَّةُ عَلَى وُجُوبِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَأَنَّهَا أَرْكَانٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَالسُّتْرَةُ شَرْطٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَالْأَرْكَانُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الشُّرُوطِ وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ

قَاعِدَةٌ الْوَسَائِلُ أَبَدًا أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنَ الْمَقَاصِدِ إِجْمَاعًا فَمَهْمَا تَعَارَضَا تَعَيَّنَ تَقْدِيمُ الْمَقَاصِدِ عَلَى الْوَسَائِلِ وَلِذَلِكَ قَدَّمْنَا الصَّلَاةَ عَلَى التَّوَجُّهِ إِلَى الْكَعْبَةِ لِكَوْنِهِ شَرْطًا وَوَسِيلَةً وَالصَّلَاةُ مقصد وَلذَلِك قَدَّمْنَا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ اللَّذَيْنِ هُمَا مَقْصِدَانِ عَلَى السُّتْرَةِ الَّتِي هِيَ وَسِيلَةٌ فَلَوْ جَمَعُوا نَهَارًا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَعِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ وَالشَّافِعِيِّ يكونُونَ صفا وإمامهم فِي صفهم قَالَ لِأَنَّ السَّتْرَ سَقَطَ عَنْهُمْ بِالْعَجْزِ وَالتَّبَاعُدَ مُسْتَحَبٌّ لِمَا فِيهِ مِنْ غَضِّ الْبَصَرِ قَالَ فَإِنْ كَثُرُوا صَفُّوا صَفًّا آخَرَ وَغَضُّوا أَبْصَارَهُمْ فَلَوْ كَانَتِ امْرَأَةً لَمْ تَجِدْ مَكَانًا تَسْتَتِرُ بِهِ عَنِ الرِّجَالِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ تصلي جالسة وَإِن كَانَت خَلْوَةٍ صَلَّتْ قَائِمَةً قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَلَوْ كَانُوا فِي مَكَانٍ ضَيِّقٍ صَلَّى الرِّجَالُ وَصَرَفَ النِّسَاء وجوههن عَنْهُم وَصلى النِّسَاءُ وَصَرَفَ الرِّجَالُ وُجُوهَهُمْ عَنْهُنَّ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِي فَإِن لم يَكُونُوا ديانين فَلَا يُكَلَّفُ النِّسَاءُ الْقِيَامَ وَلَا الرُّكُوعَ وَلَا السُّجُودَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الضَّرَرِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا يحْتَملهُ طِبَاعُهُنَّ الرَّابِعُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَوْ كَانَ فِي الْعُرَاةِ صَاحِبُ ثَوْبٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ العري وَاسْتحبَّ لَهُ بعد صلَاته دفع الثَّوْبِ لِغَيْرِهِ تَعَاوُنًا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا يَجِبُ إِذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَشْفُ عَوْرَتِهِ وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا كَانَ

ص: 107

مَعَهُ فَضْلُ سُتْرَةٍ لَا يَلْزَمُهُ دَفْعُهُ بِخِلَافِ فَضْلِ الطَّعَامِ لِلْمُضْطَرِّ لِأَنَّهُ لَا مَنْدُوحَةَ عَنْهُ والسترة سَقَطت بِالْعَجْزِ الْخَامِسُ قَالَ لَوْ أُعِيرَ لَهُ ثَوْبٌ لزمَه قبُوله للقدرة على الستْرَة كَالْمَاءِ لِلْمُتَيَمِّمِ لِقِلَّةِ الْمِنَّةِ فِي ذَلِكَ فَلَوْ وُهِبَ لَهُ فَالشَّافِعِيُّ لَا يُلْزِمُهُ الْقَبُولَ كَهِبَةِ الرَّقَبَة فِي الْكَفَّارَة وَيلْزمهُ وَيَردهُ بعد صَلَاة وَيُلْزِمُ رَبَّهُ أَخْذَهُ قَالَ وَهُوَ الرَّاجِحُ فَلَوْ أَعَارَهُ لِجَمَاعَةٍ وَالْوَقْتُ ضَيِّقٌ صَلَّى مَنْ لَمْ يُصَلِّ إِلَيْهِ عُرْيَانًا وَيُعِيدُ إِذَا وَصَلَ إِلَيْهِ فِي الْوَقْت الموسع وَقَالَ الشَّافِعِي يؤخرون مَا دَامَ وَقْتُ الْأَدَاءِ مُتَّسِعًا فَإِنْ لَمْ يُعِرِ الْمُكْتَسِي أَحَدًا السُّتْرَةَ وَهُوَ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ امهم مُتَقَدما عَلَيْهِم النّظر الثَّانِي فِي السّتْر وَفِي الْجَوَاهِرِ يَكُونُ صَفِيقًا كَثِيفًا فَإِنْ كَانَ شَفَّافًا فَهُوَ كَالْعَدَمِ مَعَ الِانْفِرَادِ وَإِنْ كَانَ يَصِفُ وَلَا يَشِفُّ كُرِهَ وَصَحَّتِ الصَّلَاةُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ الْخَفِيفُ الشَّفَّافُ بِمَنْزِلَةِ التَّلَطُّخِ بِالطِّينِ لَا يُعَدُّ سُتْرَةً بِخِلَافِ الْكَثِيفِ الرَّقِيقِ الَّذِي يَصِفُ قَالَ وَيجب ستره الْعَوْرَةِ بِكُلِّ مَا يُمْكِنُ مِنْ حَطَبٍ أَوْ حَشِيشٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا طِينًا فَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي التَّلَطُّخِ بِهِ قَوْلَانِ فَإِنْ وُجِدَ السَّتْرُ لِبَعْضِ الْعَوْرَةِ سَتَرَ الْفَرْجَيْنِ فَإِنْ وَجَدَهُ لِأَحَدِهِمَا سَتَرَ أَيَّهُمَا شَاءَ وَاخْتُلِفَ فِي أَيهمَا أولى فَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْقُبُلُ لِعَدَمِ الْحَائِلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّظَرِ والدبر تحول بَينه وَبَين النّظر الأليتين وَلِأَنَّهُ مُسْتَقْبل بِهِ مَنْ يُنَاجِي وَلِبَعْضِ أَصْحَابِهِ الدُّبُرُ أَوْلَى لِفُحْشِهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَالَ وَهَذَا أَبْيَنُ

ص: 108

وَيجْعَل مذاكيره بَين فخديه وَيُمْكِنُهُ سَتْرُهَا بِظَهْرِ يَدَيْهِ بِخِلَافِ الدُّبُرِ فُرُوعٌ سِتَّةٌ الْأَوَّلُ لَوْ وَجَدَ جِلْدَ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِير أَو ميتَة فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ السَّتْرُ بِهِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَعَلَى قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي عَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِالنَّجَاسَةِ لَا يلْبسهُ إِذا أَبَحْنَا لَهُ الْخِنْزِيرَ وَالْجِلْدَ النَّجِسَ وَجَبَتِ الصَّلَاةُ بِهِ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ لُبْسِهِ وَتَرْكِهِ لِتَعَارُضِ حُرْمَةِ العري وَالصَّلَاة بِالنَّجَاسَةِ فَتعين التخير وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ يُصَلِّي عُرْيَانًا وَقَالَ أَيْضًا يُصَلِّي بِهِ لَنَا أَنَّ التَّطْهِيرَ يُسْقِطُهُ عَدَمُ الْمَاءِ وَقَدْ تَحَقَّقَ وَالسَّتْرُ لَا يُسْقِطُهُ إِلَّا الْعَجْزُ وَلَمْ يُوجَدْ وَلِأَنَّ فِي الْعُرْيِ هَتْكَ حُرْمَتَيْنِ حُرْمَةِ السَّتْرِ عَنِ الْأَبْصَارِ وَحُرْمَةِ السَّتْرِ لِلصَّلَاةِ بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ الثَّانِي قَالَ إِذَا لَمْ يَجِدْ إِلَّا حَرِيرًا صَلَّى بِهِ عِنْدَ الْكَافَّةِ خِلَافًا لِابْنِ حَنْبَلٍ وَوَقَعَ مِثْلُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ وَلَعَلَّ الصَّحِيحَ أَنَّ لُبْسَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وهب وَابْن الْمَاجشون وَلم يستحبا لَهُ إِعَادَة وَقَالَ أَشْهَبُ إِنْ كَانَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لَمْ يُعِدْ وَإِلَّا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُعِيدُ أَبَدًا إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُعِدْ لِأَنَّ جِنْسَهُ لَا يُنَافِي الصَّلَاةَ بِدَلِيلِ مَا لَوْ كَانَ مَحْشُوًّا فِي كُمِّهِ وَلُبْسُهُ لِلنِّسَاءِ وَفِي الْحَرْبِ وَجوزهُ

ص: 109

ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْغَزْوِ إِذَا كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ عليه السلام أُهْدِيَ إِلَيْهِ فَرُّوجٌ مِنْ حَرِيرٍ فَلَبِسَهُ وَصَلَّى فِيهِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَزَعَهُ نَزْعًا شَدِيدًا كَالْكَارِهِ لَهُ وَقَالَ لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ وَلَمْ يُعِدِ الصَّلَاةَ وَفِي الْجَوَاهِرِ إِذَا لَمْ يَجِدْ إِلَّا حَرِيرًا صَلَّى عُرْيَانًا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَاسْتَقْرَأَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مِنْ تَقْدِيمِهِ الْحَرِيرَ عَلَى النَّجِسِ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ يُصَلِّي بِهِ وَلَا يُصَلِّي عُرْيَانًا وَهَذَا خِلَافُ مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَكَذَلِكَ رَأَيْتُهُ لِلْمَازِرِيِّ مَنْقُولًا عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَقَالَ فِي التَّخْرِيجِ الَّذِي عَزَاهُ إِلَيْهِ أَنَّهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَدَّمَهُ عَلَى النَّجِسِ وَالنَّجِسُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعُرْيِ وَالْمُقَدَّمُ عَلَى الْمُقَدَّمِ عَلَى الْعُرْيِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعُرْيِ وَقَالَ يَلْزَمُ مَنْ قَالَ بِالْإِعَادَةِ مُطْلَقًا إِذَا صَلَّى فِي الْحَرِيرِ وَحْدَهُ مُخْتَارًا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعُرْيَانِ اخْتِيَارًا لِكَوْنِ الْمَمْنُوعِ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا أَنَّهُ إِذَا صَلَّى فِي الثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ يُعِيدُ فَإِن الْتَزمهُ ألزمناه الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ صِحَّتُهَا فَلَا يَجِدُ انْفِصَالًا إِلَّا أَنْ يَقُولَ الْحَرِيرُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ أَشَدُّ مِنَ الْغَصْبِ الَّذِي هُوَ حَقٌّ لِلْعِبَادِ وَلِقَوْلِهِ الْإِسْقَاطُ مِنْ جِهَتِهِمْ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَوِ اجْتَمَعَ لَهُ حَرِيرٌ وَنَجِسٌ فَفِي الْكِتَابِ يُصَلِّي فِي الْحَرِيرِ وَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ لَيْسَ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ فَلَا يُنَافِيهَا بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ وَعِنْدَ أَصْبَغَ يُصَلِّي فِي النَّجِسِ لِعُمُومِ تَحْرِيمِ الْحَرِيرِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا فَيَكُونُ أَفْحَشَ مِنَ النَّجِسِ الَّذِي تَحْرِيمُهُ خَاصٌّ بِالصَّلَاةِ فَلَوْ صَلَّى بِثَوْبٍ حَرِيرٍ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى طَاهِرٍ غَيْرِ حَرِيرٍ فَإِنْ أَفْرَدَهُ فَقِيلَ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ وَقِيلَ لَا يُعِيدُ مُطْلَقًا وَقِيلَ فِي الْوَقْتِ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَقِيلَ يُعِيدُ وَقِيلَ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ فِيمَنْ صَلَّى مُتَخَتِّمًا بِالذَّهَبِ الثَّالِثُ قَالَ فِي الْكِتَابِ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ مَحْلُولُ الْإِزَارِ بِغَيْرِ سَرَاوِيلَ قَالَ

ص: 110

صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ مُطَرِّفٌ رَأَيْتُ مَالِكًا فِي الْمَسْجِدِ مُطْلِقَ الْإِزَارِ فَلَمَّا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ زَرَّرَهُ وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِنْ كَانَ ضَيَّقَ الْجَيْبَ لَا تُرَى مِنْهُ الْعَوْرَةُ جَازَتِ الصَّلَاةُ وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ إِلَّا أَنْ يُزَرِّرَهُ أَوْ يَشُدَّ وَسَطَهُ بِحَبْلٍ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ إِنِّي رَجُلٌ أَصِيدُ أَفَأُصَلِّي فِي الْقَمِيصِ الْوَاحِدِ؟ قَالَ نَعَمْ وَزَرِّرْهُ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ وَفَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الْأَمْرَدِ وَبَيْنَ الْمُلْتَحِي لِأَنَّ لِحْيَتَهُ تَسْتُرُ الْجَيْبَ وَالطَّوْقَ لَنَا مَا فِي الْبُخَارِيِّ كَانَ رِجَالٌ يُصَلُّونَ مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - عَاقِدِي أُزُرِهِمْ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ كَهَيْئَةِ الصِّبْيَانِ فَيُقَالُ للنِّسَاء لَا ترفعن رؤوسكن حَتَّى يَسْتَوِيَ الرِّجَالُ جُلُوسًا وَكُلُّ مَا يُتَوَقَّعُ مِنَ الْجَيْبِ يُتَوَقَّعُ مِنَ الذَّيْلِ الرَّابِعُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِمِئْزَرٍ وَسَرَاويل وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ لَا تُجْزِئُهُ حَتَّى يَكُونَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ وَكَذَلِكَ السَّرَاوِيلُ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ السَّرَاوِيل مَكْرُوه ابْتِدَاء وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَمَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ فِي سَرَاوِيلَ لَيْسَ عَلَيْهِ رِدَاءٌ وَلِأَنَّهُ يَصِفُ وَمِنْ زِيِّ الْعَجَمِ وَقَالَ أَشْهَبُ يُعِيدُ مَنْ صَلَّى فِي السروال والتبان فِي الْوَقْتِ قَالَ وَكَذَلِكَ

ص: 111

مَنْ أَذَّنَ فِي السَّرَاوِيلِ وَحْدَهَا أَعَادَ أَذَانَهُ مَا لَمْ يُصَلِّ وَكَانَ كَمَنْ صَلَّى بِغَيْرِ أَذَانٍ الْخَامِسُ قَالَ صَاحِبُ الْجُلَّابِ مَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا الْتَحَفَ بِهِ وَخَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ وَعَقَدَهُ عَلَى عُنُقِهِ وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا ائْتَزَرَ بِهِ مِنْ سُرَّتِهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ إِذَا صَلَّى كَذَلِكَ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَفِي الْبُخَارِيِّ النَّهْيُ عَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ وَهِيَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ تَجَلُّلُ الرَّجُلِ بِإِزَارِهِ لَا يرفع مِنْهُ جَانِبًا كَالصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ الَّتِي فِيهَا فَإِنْ وهمه أَمر لَا يُمكنهُ إِلَّا الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ هِيَ أَنْ يُدْخِلَ الرِّدَاءَ مِنْ تَحْتِ إِبِطِهِ الْأَيْسَرِ وَيَتْرُكُ طَرَفَهُ على يسَاره وَبِيَدِي مَنْكِبَهُ الْأَيْمَنَ وَيُغَطِّي الْأَيْسَرَ وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ الِاضْطِبَاعُ لِأَنَّهُ يُبْدِي ضَبُعَهُ الْأَيْمَنَ فَكُرِهَتْ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَرْبُوطِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْمَنْدُوبِ أَوْ لِأَنَّهُ لَا يُبَاشِرُ الْأَرْضَ بِيَدَيْهِ وَإِنْ بَاشَرَ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ مِئْزَرٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ السَّادِسُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا صَلَّى مُحْتَزِمًا أَوْ جَامِعًا شَعْرَهُ أَوْ جَامِعًا كُمَّيْهِ إِنْ كَانَ ذَلِكَ لِبَاسُهُ أَوْ كَانَ يَعْمَلُ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَدَخَلَ عَلَى هَيْئَتِهِ فَلَا بَأْسَ وَإِلَّا فَلَا خير فِيهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعٍ وَلَا أَكْفِتَ الشَّعْرَ وَلَا الثِّيَابَ وَالْكَفْتُ الضَّمُّ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {ألم نجْعَل

ص: 112

الأَرْض كفاتا أَحيَاء وأمواتا} أَيْ تَضُمُّ الْفِرْقَتَيْنِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَسِرُّ الْكَرَاهَةِ أَنْ يَضُمَّ ذَلِكَ خَشْيَةَ التُّرَابِ وَقَدْ قَالَ عليه السلام عفروجك فِي التُّرَاب وَلِأَنَّهُ شَأْنُ التَّذَلُّلِ وَالْخُضُوعِ قَالَ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ مَكْشُوفَ الرَّأْسِ فَأَرَادَ سَتْرَهُ لِيَقِيَهُ التُّرَابَ كُرِهَ قَالَ صَاحِبُ الْجُلَّابِ الِاخْتِيَارُ لِمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ أَنْ يَلْبَسَ أَكْمَلَ اللِّبَاسِ وَالْإِمَامُ أَوْلَى بِذَلِكَ وَيَرْتَدِي وَلَا يُعَرِّي مَنْكِبَيْهِ وَلَا بَأْسَ بِالْمِئْزَرِ وَالْعِمَامَةِ وَيُكْرَهُ السِّرْوَالُ وَالْعِمَامَةُ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ سَيْفٌ أَوْ قَوْسٌ جَعَلَ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنَ اللِّبَاسِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد} وَالْعَبْد يُنَاجِي ربه فَيُسْتَحَب أَنْ يَتَجَمَّلَ لَهُ وَلَّمَا كَانَ الْإِمَامُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ الْقَوْمِ دِينًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَهُمْ زِيًّا وَقَوْلُهُ تُكْرَهُ السَّرَاوِيلُ وَالْعِمَامَةُ الْكَرَاهَةُ لِأَجْلِ السِّرْوَالِ وَذِكْرُ الْعِمَامَةِ حَشْوٌ فِي الْكَلَامِ وَكُرِهَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ يَسْجُدُ عَلَى بَعْضِهِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ السَّاجِدِ عَلَى غَيْرِ الْأَرْضِ الشَّرْطُ الْخَامِسُ اسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ وَالنَّظَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إِلَيْهِ وَالْمُسْتَقْبَلِ فِيهِ وَالْمُسْتَقْبِلِ نَفْسِهِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَطْرَافٍ الطَّرَفُ الْأَوَّلُ الْمُسْتَقْبَلُ إِلَيْهِ وَهُوَ الْكَعْبَة قَالَ الله تَعَالَى {وحيثما كُنْتُم فَوَلوا وُجُوهكُم شطره} وَالشَّطْرُ فِي اللُّغَةِ النِّصْفُ وَهُوَ أَيْضًا الْجِهَةُ وَهُوَ المُرَاد هَهُنَا فَيجب على

ص: 113

الْعَالم أَنْ يَكُونُوا مُسْتَقْبِلِيهَا بِوُجُوهِهِمْ كَالدَّائِرَةِ لِمَرْكَزِهَا فَأَمَّا دَاخِلُهَا فَقَالَ فِي الْكِتَابِ لَا تُصَلَّى فِيهِ وَلَا فِي الْحِجْرِ فَرِيضَةٌ وَلَا رَكْعَتَا الطَّوَافِ الْوَاجِبَتَانِ وَلَا الْوِتْرُ وَلَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ وَغَيْرُ ذَلِكَ لَا بَأْسَ بِهِ فَإِنْ صَلَّى مَكْتُوبَةً أَعَادَ فِي الْوَقْتِ كَمَنْ صَلَّى إِلَى غَيْرِ الْقبْلَة وَأَجَازَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ الْمَكْتُوبَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وطهر بَيْتِي للطائفين والقائمين والركع السُّجُود} قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَلَا مَوْضِعَ أَطْهَرُ مِنْهُ وَوَافَقَنَا ابْنُ حَنْبَلٍ وَمَنَعَ ابْنُ جَرِيرٍ الْجَمِيعَ لِمَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ عليه السلام لَمَّا دخل الْبَيْت كبر فِي نواحيه وَلم يصل فِيهِ حَتَّى خَرَجَ رَكَعَ فِي قِبَلِ الْبَيْتِ رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ هَذِهِ الْقِبْلَةُ لَنَا الْآيَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَالْمُصَلِّي دَاخِلُهُ لَمْ يَسْتَقْبِلْهُ بَلْ بَعْضَهُ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُ صَلَّى فِي الْبَيْتِ وَكَيْفَ تَغْفُلُ الْأُمَّةُ عَنِ الْفَضِيلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ مَعَ اجْتِهَادِ سَلَفِهَا وَخَلَفِهَا فِي تَحْصِيلِ الْفَضَائِلِ وَلِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ مَأْمُورٌ بِهِ وَكُلُّ مَأْمُورٌ بِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُمْكِنُ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ حَالَةَ التَّكْلِيفِ وَالْمُصَلِّي دَاخِلُ الْبَيْتِ يَسْتَحِيلُ أَلَّا يَكُونَ مُسْتَقْبِلًا لِبَعْضِهِ فَيَسْقُطُ التَّكْلِيفُ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَالْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ مَوْضِعَ الطَّوَافِ خَارِجُ الْبَيْتِ إِجْمَاعًا فَيَكُونُ مَوْضِعُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَذَلِكَ وَأَمَّا جَوَازُ النَّافِلَةِ فَلِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ عليه السلام دَخَلَ الْكَعْبَةَ هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَة الحَجبي وبلال فأغلقها عَلَيْهِ وَمَكَثَ فِيهَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَسَأَلَتُ بِلَالًا حِين خرج

ص: 114

مَاذَا صَنَعَ عليه السلام؟ فَقَالَ جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ وَعَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَثَلَاثَةُ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ ثُمَّ صَلَّى زَادَ أَبُو دَاوُدَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهَذَا الْحَرْفُ يَدْفَعُ تَأْوِيلَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ صلَاته صلى الله عليه وسلم َ - كَانَتْ دُعَاءً لِأَنَّ النَّافِلَةَ يَجُوزُ تَرْكُ الِاسْتِقْبَالِ فِيهَا مُطْلَقًا فِي السَّفَرِ وَتَرْكُ الْقِيَامِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْإِيمَاءِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَفِي إِعَادَةِ الْمَكْتُوبَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فَفِي الْكِتَابِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ كَالْمُصَلِّي بِالِاجْتِهَادِ لوُقُوع الْخلاف فِي المسئلة وَعِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ وَأَصْبَغَ يُعِيدُ أَبَدًا تَرْجِيحًا لوُجُوب اسْتِقْبَال جَمِيع الْبَيْتِ وَعِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يُعِيدُ مُطلقًا نظرا لمدرك الشَّافِعِي رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ قَالَ فَلَوْ صَلَّى فَوْقَ ظَهْرِ الْبَيْتِ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِمَالِكٍ يُعِيدُ أَبَدًا وَعِنْدَ أَشْهَبَ فِي الْوَقْتِ وَعِنْدَ ابْنِ عبد الحكم لَا يُعِيد مُطلقًا وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِنْ لَمْ يَبْقَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ السَّطْحِ شَيْء لم يجزه وَإِلَّا أَجْزَأَهُ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَشْهَبَ وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجْزِيه إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مَا يَسْتُرُهُ مِنَ الْبِنَاءِ وَقَالَ أَصْحَابُهُ يَكْفِيهِ مِنْ ذَلِكَ غَرْزُ خَشَبَةٍ أَوْ عَصَا قَالَ صَاحِبُ الْجُلَّابِ يُكْرَهُ أَنْ تُصَلَّى الْمَكْتُوبَةُ فِي الْكَعْبَةِ وَالْحِجْرِ وَعَلَى ظَهْرِهَا وَمَنْ فَعَلَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَلَا بَأْسَ بِصَلَاةِ النَّافِلَةِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَلَوْ جَوَّزْنَا الصَّلَاةَ فِي الْكَعْبَةِ وَعَلَى ظَهْرِهَا لَمْ نُجِزْهَا فِي سِرْبٍ تَحْتَهَا أَوْ مَطْمُورَةٍ لِأَنَّ الْبُيُوتَ شَأْنُهَا أَنْ تَرْتَفِعَ

ص: 115

وَلَيْسَ شَأْنُهَا أَنْ تَنْزِلَ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْمَسَاجِدِ إِنَّ أَسَطِحَتَهَا لَهَا أَحْكَامُ الْمَسَاجِدِ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَفَرَ تَحْتَهَا بَيْتًا يَجُوزُ أَنْ يدْخلهُ الْجنب وَالْحَائِض إِلَّا أَن ذَلِكَ لَا يُفْعَلُ إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلِ الْمَقْصُودُ بِالِاسْتِقْبَالِ بَعْضُ هَوَائِهَا أَوْ بعض بنائها أَو جملَة بنائها وهوائها؟ وَالْأول مَذْهَب أبي حنيفَة وَسوى بَين دَاخل الْبَيْت وظهره لوُجُود بعض الْهَوَاء وَالثَّانِي مَذْهَب الشَّافِعِي فَسَوَّى بَيْنَ جُزْءِ الْبِنَاءِ دَاخِلَ الْبَيْتِ وَعَلَى ظَهره وَالثَّالِث مَذْهَبنَا وَهُوَ مُقْتَضى ظواهر النُّصُوصِ فَإِنَّ جُزْءَ الْبِنَاءِ لَا يُسَمَّى بَيْتًا وَلَا كَعْبَةً وَأَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ جُزْءُ الْهَوَاءِ الْعَارِي عَنِ الْبِنَاءِ فَإِنَّ الْكَعْبَةَ فِي اللُّغَةِ هِيَ الْمُرْتَفِعَةُ وَمِنْهُ الْمَرْأَةُ الْكَاعِبُ إِذَا ارْتَفَعَ ثَدْيُهَا وَكَعَبَ الرَّجُلُ وَالْبَيْتُ هُوَ ذُو السَّقْفِ وَالْحِيطَانِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا فِي جُمْلَةِ الْبَيْتِ بِبُنْيَانِهِ وَهَوَائِهِ وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ عَلَى الْمَشْهُورِ بَيْنَ دَاخِلِهِ وَظَهْرِهِ فَإِنَّ دَاخِلَهُ ارْتِفَاعٌ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ وَظَهْرُهُ فَرَاغٌ مَحْضٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّلَاةِ عَلَى ظَهْرِهَا وَعَلَى أَبِي قُبَيْسٍ أَنَّ الْمُصَلِّيَ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ مُسْتَقْبِلٌ بِوَجْهِهِ جُمْلَةَ الْبِنَاءِ وَالْهَوَاءِ بِخِلَافِ ظَهْرِهَا وَلِأَنَّ السّنة فرقت بَينهمَا فَنهى عليه السلام عَنِ الصَّلَاةِ عَلَى ظَهْرِهَا فُرُوعٌ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ فِي الْجَوَاهِرِ لَوِ امْتَدَّ صَفٌّ طَوِيلٌ قَرِيبُ الْبَيْتِ فَالْخَارِجُ عَنْ

ص: 116

سَمْتِ الْبَيْتِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَمِثْلُ هَذَا الصَّفِّ فِي الْآفَاق تصح وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ فِي بَلَدَيْنِ مُتَقَارِبَيْنِ لِسَمْتٍ وَاحِدٍ تَصِحُّ إِجْمَاعًا وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا أَوْجَبَ الِاسْتِقْبَالَ الْعَادِيَّ دُونَ الْحَقِيقِيِّ فَلَوِ اسْتَقْبَلَ صَفٌّ طَوِيلٌ حَيَوَانًا بَعِيدًا فِي بَرِّيَّةٍ صَدَقَ فِي الْعَادَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قُبَالَتُهُ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ وَلَوْ قَرُبَ مِنْهُمْ بَطَلَ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ الْكَعْبَةُ طُولُهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا وَعَرْضُهَا عِشْرُونَ ذِرَاعًا فَالصَّفُّ الْبَعِيدُ مِنْهَا يُعَدُّ فِي الْعَادَةِ مُسْتَقْبِلًا لَهَا بِخِلَافِ الْقَرِيبِ الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ الْخَلَائِقَ يَسْتَقْبِلُونَ الْكَعْبَةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ كَاسْتِقْبَالِ أَجْزَاءِ مُحِيطِ الدَّائِرَةِ لِمَرْكَزِهَا فَإِذَا تَخَيَّلْنَا الْكَعْبَةَ مَرْكَزًا فَقَدْ خَرَجَ مِنْهُ خُطُوطٌ مُجْتَمِعَةُ الْأَطْرَافِ فِي الْمَرْكَزِ وَكُلَّمَا بَعُدَتِ اتَّسَعَتْ مِثْلُ قَصَبَتَيْ شَبَكَةِ الصَّيَّادِينَ فَمِنَ الْمَعْلُومِ حِينَئِذٍ أَنَّ كُلَّمَا بَعُدَ خَطَّانِ مِنْ هَذِهِ الْخُطُوطِ وَسِعَ طَرَفَاهُمَا أَكْثَرُ مِمَّا إِذا قربا فَلذَلِك كَانَ الصَّفُّ الطَّوِيلُ فِي الْبُعْدِ مُسْتَقْبِلًا وَفِي الْقُرْبِ لَيْسَ مُسْتَقْبِلًا الثَّانِي فِي الْجَوَاهِرِ الْوَاقِفُ بِمَكَّةَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ يَسْتَقْبِلُ بِنَاءَ الْكَعْبَةِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرِ اسْتَدَلَّ فَإِنْ كَانَ الِاسْتِدْلَالُ بِمَشَقَّةٍ فَلِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي جَوَازِ الِاجْتِهَادِ تَرَدُّدٌ الثَّالِثُ الْوَاقِفُ بِالْمَدِينَةِ يَتَنَزَّلُ مِحْرَابُهُ عليه السلام فِي حَقِّهِ مَنْزِلَةَ الْكَعْبَةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ بالتيامن والتياسر لِأَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِالْوَحْيِ وَمُبَاشَرَةِ

ص: 117

الْمَعْصُومِينَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - وَجِبْرِيلُ عليه السلام وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَهِيَ مَعْصُومَةٌ أَيْضًا فَيَقْطَعُ بِصِحَّتِهِ وَخَطَأِ مُخَالِفِهِ فَلَا مَعْنَى لِلِاجْتِهَادِ الطَّرَفُ الثَّانِي الَّذِي يَسْتَقْبِلُ فِيهِ وَفِي الْجَوَاهِرِ يَجِبُ الِاسْتِقْبَالُ إِلَّا فِي الْقِتَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فرجالا أَو ركبانا} وَلَا تُصَلَّى فَرِيضَةٌ وَلَا صَلَاةُ جَنَازَةٍ عَلَى رَاحِلَة فَإِنْ فَعَلَتْ مِثْلَ فِعْلِهَا فِي الْأَرْضِ فَفِي جَوَازِ ذَلِكَ وَكَرَاهِيَتِهِ قَوْلَانِ نَظَرًا لِصُورَةِ الْأَدَاءِ وَإِلَى أَنَّ الْأَرْضَ يَتَأَتَّى فِيهَا مِنَ التَّوَاضُعِ وَالتَّذَلُّلِ بِمُبَاشَرَةِ التُّرَابِ وَالتَّمَكُّنِ مِنَ الْخُشُوعِ مَا لَيْسَ فِي الرَّوَاحِلِ وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْكِتَابِ فَقَالَ فِي مَرِيضٍ لَا يَسْتَطِيعُ الْجُلُوسَ لَا يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ فِي مَحْمَلِهِ بَلْ عَلَى الْأَرْضِ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَفِي أَبِي دَاوُدَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا سُئِلَتْ هَلْ رَخَّصَ عليه السلام لِلنِّسَاءِ أَنْ يُصَلِّينَ عَلَى الدَّوَابِّ؟ قَالَتْ لَمْ يُرَخِّصْ فِي ذَلِكَ فِي شِدَّةٍ وَلَا رَخَاءٍ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَإِنْ فَعَلَ قَالَ سَحْنُونٌ يُعِيدُ أَبَدًا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إِذَا اسْتَوَتْ حَالَتَا الْأَرْضِ وَالْمَحْمَلِ فِي الْإِيمَاءِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فُرُوعٌ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ قَالَ اللَّخْمِيُّ إِذَا كَانَ الْمَرِيضُ لَا يَجِدُ مَنْ يُحَوِّلُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ وَلَا يَرْجُوهُ صَلَّى أَوَّلَ الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ رَاجِيًا صَلَّى آخِرَ الْوَقْت وَإِن شكّ فوسط الْوَقْت الثَّانِي قَالَ فِي الْكِتَابِ مَنْ خَافَ السِّبَاعَ أَوْ غَيْرَهَا صَلَّى عَلَى دَابَّتِهِ إِيمَاءً

ص: 118

حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ فَإِنْ أَمِنَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ ركبانا} وَفِي التِّرْمِذِيّ أَنهم كَانُوا مَعَه عليهم السلام فِي مَسِيرَةٍ فَانْتَهَوْا إِلَى مَضِيقٍ فَمُطِرُوا وَالسَّمَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَالْبِلَّةُ مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَذَّنَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَقَامَ أَوْ أُقِيمَ فَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ عليه السلام عَلَى رَاحِلَتِهِ فَصَلَّى بِهِمْ يُومِئُونَ إِيمَاءَ السُّجُودِ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَوْلُهُ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ مَعْنَاهُ إِذَا لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَتَوَجَّهَ بِهَا إِلَى الْقِبْلَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَالْمُسَايَفَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن الْعذر هَهُنَا قَدْ يَكُونُ مَوْهُومًا وَالْمُسَايَفَةُ مُحَقَّقَةٌ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْجُلَّابِ إِذَا كَانَ عُذْرُهُ مُشْكَلًا غَيْرَ مُحَقَّقٍ أَعَادَ الثَّانِي فَضِيلَةُ الْجِهَادِ وَسَوَّى الْغَيْرُ بَيْنَهُمَا فِي الْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ فَلَوْ خَافَ مِنَ السِّبَاعِ أَوِ اللُّصُوصِ وَهُوَ مَاشٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَالشَّافِعِيُّ يُصَلِّي إِيمَاءً كَالْمُسَايَفَةِ وَلَوْ كَانَ جَالِسًا وَخَافَ مِنْ عَدُوِّهِ قَالَ أَشْهَبُ وَغَيْرُهُ يُصَلِّي جَالِسًا وَيَسْجُدُ إِلَّا أَنْ يَخَافَ فَيُومِئُ الثَّالِثُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَوْ غَشِيَهُ السَّيْلُ فِي وَادٍ لَا مَفَرَّ لَهُ إِلَّا بطول وَخَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْوُقُوفُ صَلَّى فِي غدوه وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَكَذَلِكَ خَوْفُ الْحَيَّاتِ وَقَالَ الْمُزَنِيُّ الْحَيَّاتُ عذر نَادِر والنَّادِرٌ لَا يُسْقِطُ الْقَضَاءَ وَهَذِهِ الْفُرُوعُ كُلُّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى قَاعِدَةِ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا وَهِيَ تَعَارُضُ الْمَقَاصِدِ وَالْوَسَائِلِ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُ الْمَقَاصِدِ لِكَوْنِهَا أَهَمَّ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ وَالْأَرْكَانُ مَقَاصِدُ وَالِاسْتِقْبَالُ شَرْطٌ وَوَسِيلَةٌ فَلَا تُتْرَكُ الْمَقَاصِدُ لِأَجْلِ تَعَذُّرِهِ الرَّابِعُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يُصَلِّي عل دَابَّته التَّطَوُّع إِلَّا فِي سفر تقصر فِيهِ

ص: 119

الصَّلَاة قَالَ صَاحب الطّراز إِن كَانَ مُسْتَقْبل الْقِبْلَةَ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ فَيَخْتَلِفُ فِيهِ الْمَذْهَبُ عَلَى رَأْيِ مَنْ جَوَّزَ الْإِيمَاءَ لِلْمُتَنَفِّلِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقْبِلًا فَقَدْ جَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ فِي كُلِّ سَفَرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ الْفَرْسَخَيْنِ وَالْأَوْزَاعِيُّ لِكُلِّ مَنْ خَرَجَ مِنْ بَلَدٍ فِي حَاجَة رَاكِبًا أَو مَاشِيا الْأَدِلَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَجَوَّزَ فِي الْكِتَابِ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَالْوِتْرَ عَلَى الرَّاحِلَةِ خِلَافًا لِ (ح) فِي الْوِتْرِ لَنَا مَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَيُرْسِلُهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَة والتنفل على الدَّابَّة من حَيْثُ الْجُمْلَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْمَاشِي فَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ حُجَّتُنَا عَمَلُ السَّلَفِ وَلَيْسَ لِلْمُخَالِفِ مُدْرَكٌ إِلَّا الْقِيَاسُ عَلَى الرَّاكِبِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّاكِبَ بِمَنْزِلَةِ الْجَالِسِ الْمُتَنَفِّلِ وَحَرَكَةُ الْمَاشِي تُنَافِي هَيْئَةَ الصَّلَاةِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ فِي السَّفَرِ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْقِبْلَةِ وَقْتَ الْإِحْرَامِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنْ كَانَتْ دَابَّتُهُ غَيْرَ مَقْطُورَةٍ وَاقِفَةً افْتَتَحَهَا إِلَى الْقِبْلَةِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ إِذَا كَانَتْ وَاقِفَةً لَا يُصَلِّي إِلَّا إِلَى الْقِبْلَةِ وَاتَّفَقُوا فِي الْمَقْطُورَةِ أَنَّهُ يُصَلِّي حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ وَاقِفَةً وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُفْرَدَةِ الَّتِي لَا تَصْعُبُ إِدَارَتُهَا فَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ يَلْزَمُهُ إِدَارَتُهَا وَيُحْرِمُ إِلَى الْقِبْلَةِ كَالْمَاشِي عِنْدَهُمْ وَمَنَعَ بَعْضُهُمْ لُزُومَ ذَلِكَ حُجَّتُهُمْ مَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ إِذَا سَافَرَ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اسْتَقْبَلَ بِنَاقَتِهِ الْقِبْلَةَ وَكَبَّرَ ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ وَجه ركابه وَإِذا أحرم إِلَى جِهَة مسيره فَلَا

ص: 120

يَنْحَرِفُ بِوَجْهِهِ إِلَى غَيْرِهَا قَالَ مَالِكٌ إِذَا مَالَ مَحْمَلَهُ فَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى دُبُرِ الْبَعِيرِ لَمْ أُحِبَّهُ وَلْيُصَلِّ إِلَى سَيْرِ الْبَعِيرِ وَلَوْ صلى فِي الْمحمل مشرقا أَو مغربا لَا يَنْحَرِفُ إِلَى الْقِبْلَةِ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا وَلْيُصَلِّ قِبَلَ وَجْهِهِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَعَلَى هَذَا إِذا انحرف بَعْدَ الْإِحْرَامِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا سَهْوٍ فَإِن كَانَت الْقبْلَة فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فَإِنَّهَا الْأَصْلُ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرُهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَمَّا إِذَا ظَنَّ أَنَّ تِلْكَ طَرِيقُهُ أَوْ غَلَبَتْهُ دَابَّتُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فَلَوْ وَصَلَ مَنْزِلًا وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ نَزَلَ وَأَتَمَّ بِالْأَرْضِ رَاكِعًا وَسَاجِدًا إِلَّا قَوْلِ مَنْ يُجَوِّزُ الْإِيمَاءَ فِي النَّافِلَةِ لِلصَّحِيحِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ صَلَاتَهُ عَلَى دَابَّتِهِ إِلَى الْقِبْلَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْزِلَ إِقَامَةٍ خَفَّفَ قِرَاءَتَهُ وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ عَلَى الدَّابَّةِ لِأَنَّهُ يَسِيرُ وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي صَلَاتِهِ مَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ مِنْ مَسْكِ الْعِنَانِ وَالضَّرْبِ بِالسَّوْطِ وَتَحْرِيكِ الرِّجْلِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَلْتَفِتُ وَلَا يَسْجُدُ عَلَى قَرْبُوسِ سِرْجِهِ وَلَكِنْ يُومِئُ قَالَ فِي الْكتاب قيام الْمصلى فِي الْمحمل مُتَرَبِّعًا وَإِذَا رَكَعَ رَكَعَ مُتَرَبِّعًا وَوَضَعَ يَدَيْهِ على رُكْبَتَيْهِ فَإِذا رفع رَأسه من رُكُوعه رَفَعَ يَدَيْهِ عَنْ رُكْبَتَيْهِ فَإِذَا أَهْوَى إِلَى السَّجْدَة بَين رجلَيْهِ وَسجد إِلَّا أَنْ يَقْدِرَ أَنْ يَثْنِيَ رِجْلَيْهِ فَيُومِئَ متربعا وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّة إِذا أعيا فِي تَرَبُّعِهِ فَمَدَّ رِجْلَيْهِ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَوْ صَلَّى عَلَى دَابَّتِهِ فِي قِبْلَتِهِ قَائِمًا رَاكِعًا وَسَاجِدًا مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ أَجَزَأَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَلَى قَوْلِ سَحْنُون لَا يجْزِيه لدُخُوله على

ص: 121

الْغَرَرِ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ

تَمْهِيدٌ أَقَامَ الشَّرْعُ جِهَةَ السَّفَرِ بَدَلًا مِنْ جِهَةِ الْكَعْبَةِ فِي حَقِّ الْمُتَنَفِّلِ لِأَنَّ تَحْصِيلَ مَقَاصِدِ الصَّلَاةِ أَوْلَى مِنْ رِعَايَةِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهَا وَلَوْ مَنَعَ الشَّرْعُ التَّنَفُّل فِي الْأَسْفَار لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ لَامْتَنَعَ أَكْثَرُ النَّاسِ مِنَ التَّنَفُّلِ فِي السَّفَرِ وَلَامْتَنَعَ الْأَبْرَارُ مِنَ الْأَسْفَارِ حِرْصًا عَلَى النَّوَافِلِ وَكَذَلِكَ لَا تُتْرَكُ مَقَاصِدُ الصَّلَاةِ مِنَ الْأَرْكَانِ لِتَعَذُّرِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ تَقْدِيمُ الْمَقَاصِدِ عَلَى الْوَسَائِلِ الطَّرَفُ الثَّالِثُ الْمُسْتَقْبِلُ فَفِي الْجَوَاهِر أَحْوَاله سِتّ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ فِي أَحَدِ الْحَرَمَيْنِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْيَقِينُ وَحَرُمَ الِاجْتِهَادُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا عَالِمًا بِأَدِلَّةِ الْكَعْبَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ وَحَرُمَ التَّقْلِيد وَإِن لم يكن عَالما وَأمكنهُ التَّعْلِيم وَجب التَّعْلِيم وَحَرُمَ التَّقْلِيدُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ وَقَدْ سَمِعَ أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ بِالْأَدِلَّةِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي تِلْكَ الْأَقْوَالِ وَحَرُمَ التَّقْلِيدُ فَإِنْ لَمْ يسمع جَازَ لَهُ التَّقْلِيد لقَوْله تَعَالَى {فاسئلوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} وَيَلْحَقُ بِهِ الْأَعْمَى وَحَيْثُ قُلْنَا بِالتَّقْلِيدِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُقَلِّدُ مُكَلَّفًا مُسْلِمًا عَارِفًا بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ فَإِنْ عَدِمَ مَنْ يُقَلِّدُهُ وَيَلْحَقُ بِهِ الْمُجْتَهِدُ إِذَا خَفِيَتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يُصَلِّي إِلَى أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ وَلَوْ صَلَّى أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ لِأَرْبَعِ جِهَاتٍ لَكَانَ مَذْهَبًا وَفِي الْمُجْتَهِدِ الْمُتَحَيِّرِ قَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يُقَلِّدُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَلَوْ رَجَعَ لِلْأَعْمَى بَصَرُهُ فِي الصَّلَاةِ فَشَكَّ تَحَرَّى

ص: 122

وَبَنَى وَلَمْ يَقْطَعْ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ قَالَ فَلَوْ تَرَكَ الْأَعْمَى التَّقْلِيدَ مَعَ إِمْكَانِهِ وَصَلَّى بِرَأْيِ نَفْسِهِ أَوِ الْجَاهِلِ قَالَ بعض الشفعوية صَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ قَالَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ وَجَدَ مِنْهُ الْقَصْدَ إِلَى الْجِهَةِ وَهَذَا مُشْكِلٌ مِنْ صَاحب الطّراز فَإِن الْجَاهِل ترك مَا يجب عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَرَكَ الْمُجْتَهِدُ الِاجْتِهَادَ فَإِنَّ صَلَاتَهُ بَاطِلَةٌ وَلَوْ أَخْبَرَ الْأَعْمَى رَجُلٌ أَن الَّذِي قَلّدهُ يُخطئ فَفِي الْجَوَاهِرِ فَإِنْ صَدَّقَهُ انْحَرَفَ إِلَى الْجِهَةِ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا وَبَنَى لِأَنَّهُ اجْتَهَدَ لَهُ مُجْتَهِدٌ قَالَ سَحْنُونٌ هَذَا هُوَ الْحَقُّ إِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ أَخْبَرَ بِاجْتِهَادٍ فَإِنْ كَانَ عَنْ مُعَايَنَةٍ بَطَلَ مَا مَضَى وَلَمْ يَبْنِ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ فِي تَعْلِيقِهِ الْبَلَدُ الْخَرَابُ الَّذِي لَا أحد فِيهِ لَا يُقَلّد الْمُجْتَهد محاربيه فَإِنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ أَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ قَلَّدَهَا وَالْبَلَدُ الْعَامِرُ الَّذِي تَتَكَرَّرُ الصَّلَوَاتُ فِيهِ وَيَعْلَمُ أَنَّ إِمَامَ الْمُسْلِمِينَ نَصَبَ مِحْرَابَهُ أَوِ اجْتَمَعَ أَهْلُ الْبَلَدِ عَلَى نَصْبِهِ فَإِنَّ الْعَالِمَ وَالْعَامِّيَّ يُقَلِّدُونَهُ قَالَ لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَبْنِ إِلَّا بَعْدَ اجْتِهَادِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ قَالَ وَأَمَّا الْمَسَاجِدُ الَّتِي لَا تجْرِي هَذَا الْمَجْرَى فَإِنَّ الْعَالِمَ بِالْأَدِلَّةِ يَجْتَهِدُ وَلَا يُقَلِّدُ فَإِنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ قَلَّدَ مَحَارِيبَهَا وَأَمَّا الْعَامِّيُّ فَيُصَلِّي فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ مَنْ غَابَ عَنِ الْكَعْبَةِ فَفَرْضُهُ الِاجْتِهَادُ فَإِنْ صَلَّى بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ وَإِن وَقعت إِلَى الْكَعْبَة وَلم يفصل وَهَهُنَا قَوَاعِد خمس تَتَعَيَّنُ الْإِحَاطَةُ بِهَا الْقَاعِدَةُ الْأُولَى لَيْسَ الِاجْتِهَادُ بَذْلُ الْجُهْدِ كَيْفَ كَانَ بَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ مَعْرِفَةُ الْأَدِلَّةِ الْمَنْصُوبَةِ عَلَى الْكَعْبَةِ فَمَنِ اجْتَهَدَ فِي غَيْرِهَا فَلَيْسَ بِمُجْتَهِدٍ كَمَا أَنَّ الْمُجْتَهِدَ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِغَيْرِ أَدِلَّتِهَا الْمَنْصُوبَةِ عَلَيْهَا لَيْسَ بمجتهد وأصول

ص: 123

الْأَدِلَّة على الْكَعْبَةِ سِتَّةٌ الْعُرُوضُ وَالْأَطْوَالُ مَعَ الدَّائِرَةِ الْهَنْدَسِيَّةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الْأَشْكَالِ الْهَنْدَسِيَّةِ عَلَى مَا بُسِطَ فِي عِلْمِ الْمَوَاقِيتِ وَالْقُطْبُ وَالْكَوَاكِبُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالرِّيَاحُ وَهِيَ أَضْعَفُهَا كَمَا أَنَّ أَقْوَاهَا الْعرُوض والأطوال ثُمَّ الْقُطْبُ وَيَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ قَوْله تَعَالَى {وبالنجم هم يَهْتَدُونَ} فِي سِيَاقِ الِامْتِنَانِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْمَشْرُوعِيَّةِ وقَوْله تَعَالَى {لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْر} وَالْهِدَايَةُ إِنَّمَا تَكُونُ لِلْمَقَاصِدِ وَالصَّلَاةُ مِنْ أَهَمِّ الْمَقَاصِدِ وقَوْله تَعَالَى {وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عدد السنين والحساب} وَهَذَا كُلُّهُ تَنْبِيهٌ عَلَى وُجُوهِ تَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ مِنَ الْكَوَاكِبِ وَمِنْ أَهَمِّ الْمَصَالِحِ إِقَامَةُ الصَّلَاةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ وَلِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ كُلَّ مَا أَفْضَى إِلَى الْمَطْلُوبِ فَهُوَ مَطْلُوبٌ وَهَذِهِ الْأُمُورُ مُفْضِيَةٌ إِلَى إِقَامَةِ الصَّلَوَاتِ الْمَطْلُوبَةِ فَتَكُونُ مَطْلُوبَةً الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ حَيْثُ قُلْنَا بِتَقْلِيدِ الْمَحَارِيبِ فَيشْتَرط فِيهَا أَن لَا تَكُونَ مُخْتَلِفَةً وَلَا مَطْعُونًا عَلَيْهَا مِنْ أَهْلِ الْعلم فمهما فقد أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهَا إِجْمَاعًا فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي التَّكَالِيفِ الْعِلْمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} وَقَدْ أَقَامَ الشَّرْعُ الظَّنَّ مَقَامَهُ لِتَعَذُّرِهِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الصُّوَرِ وَغَلَبَةِ صِدْقِ الظُّنُونِ وَنُدْرَةِ كَذِبِهَا وَالْمَصْلَحَةُ الْغَالِبَةُ لَا تُتْرَكُ لِلْمَفْسَدَةِ النَّادِرَةِ وَنفي الشَّك مُلْغًى بِالْإِجْمَاعِ وَمَعَ الِاخْتِلَافِ أَوِ الطَّعْنِ مِنْ أهل الْعلم

ص: 124

لَا عِلْمَ وَلَا ظَنَّ بَلْ نَقْطَعُ مَعَ الِاخْتِلَافِ بِالْخَطَأِ وَنَظُنُّهُ مَعَ الطَّعْنِ وَهَذَا هُوَ شَأْنُ مَحَارِيبِ الْقُرَى بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فَإِنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ جِدًّا وَمَطْعُونٌ عَلَيْهَا جِدًّا وَقَدْ صَنَّفَ الزَّيْنُ الدُّمْيَاطِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ تَصَانِيفَ فِيهَا وَنَبَّهَ عَلَى كَثْرَةِ فَسَادِهَا وَاخْتِلَافِهَا وَلَيْسَ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بَلَدٌ نُقَلِّدُ مَحَارِيبَهَا الْمَشْهُورَةَ حَيْثُ قُلْنَا بِالتَّقْلِيدِ إِلَّا مصر والقاهرة والاسكندرية وَبَعض دمياط أَو بعض محاريب قوص وَأما الْمحلة ومنية بني خَصِيبٍ وَالْفَيُّومُ فَإِنَّ جَوَامِعَهَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ فَإِنَّهَا مُسْتَقْبِلَةٌ بِلَادَ السُّودَانِ وَلَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ جِهَةِ الْكَعْبَةِ مُلَابَسَةٌ الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ فِي مَعْرِفَةِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْأَدِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَمَّا الْعُرُوضُ وَالْأَطْوَالُ فَلَا يَلِيق ذكرهَا هَهُنَا لِطُولِ أَمْرِهَا بَلْ نُحِيلُهَا عَلَى كُتُبِهَا الْمَوْضُوعَةِ لَهَا وَأَمَّا الْقُطْبُ فَهُوَ نُقْطَةٌ مُقَدَّرَةٌ مَا بَين الفرقدين والجدي وَهُوَ أقرب إِلَى الجدي وَالْجَدْيُ وَالْفَرْقَدَانِ مَعَ نُجُومٍ صِغَارٍ بَيْنَهُمَا صُورَتُهَا صُورَة سفينة أَو سَمَكَة وَهِي تَدور أبدا على الدَّهْرِ لَيْلًا وَنَهَارًا مَعَ بَنَاتِ نَعْشٍ فَالْجَدْيُ يَلِي النَّعْشَ وَالْفَرْقَدَانِ يَلِيَانِ الْبَنَاتَ وَهَذَا الْقُطْبُ هُوَ وَسَطُ السَّمَاءِ فَمَنْ جَعَلَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَقَدْ صَارَ الْجَنُوبُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَمَشْرِقُ الِاعْتِدَالِ عَلَى يَمِينِهِ وَمَغْرِبُ الِاعْتِدَالِ عَلَى يَسَارِهِ وَتَنْقَسِمُ لَهُ دَائِرَةُ الْأُفُقِ أَرْبَعَةَ أَرْبَاعٍ وَيُسْتَعَانُ عَلَى ذَلِكَ بِمَنْ هُوَ عَالِمٌ بِهِ فَإِذَا عَرَفْتَ الْقُطْبَ فَهُوَ يُجْعَلُ بِمِصْرَ وَمَا قَارَبَهَا خَلْفَ الْكَتِفِ الْأَيْسَرِ لَا بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ وَلَا قُبَالَةَ صَفْحَةِ الْخَدِّ الْأَيْسَرِ بِحَيْثُ يَكُونُ مَطْلِعُ الْعَقْرَبِ وَمَشْرِقُ الشِّتَاءِ بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ وَكُلَّمَا صَعَّدْتَ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ مِلْتَ إِلَى الْمَشْرِقِ وَكُلَّمَا انْحَدَرْتَ إِلَى الشِّمَالِ مِلْتَ إِلَى الْجَنُوبِ فَأَنْتَ أَبَدًا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْجَنُوبِ عَلَى الْوَجْهِ

ص: 125

الْمَحْدُودِ لَكَ وَلَا يَحْصُلُ التَّغَيُّرُ فِي أَقَلِّ مِنْ مَسِيرَةِ يَوْمَيْنِ شَرْقًا أَوْ غَرْبًا شَمَالًا أَوْ جَنُوبًا وَفِي إِفْرِيقِيَّةَ مِنْ أَرْضِ الْمَغْرِبِ يميلون إِلَى الشرق أَكْثَرَ مِنْ مِصْرَ وَأَهْلُ الْمَغْرِبِ الدَّاخِلِ يَزِيدُونَ عَلَى ذَلِكَ وَيُقَرِّبُونَ الْجَدْيَ مِنْ صَفْحَةِ الْخَدِّ الْأَيْسَرِ أَكْثَرَ وَفِي الْأَنْدَلُسِ يُبْعِدُونَهُ عَنْ صَفْحَةِ الخد ويقربون إِلَى الْجنُوب أَكثر من مِصْرَ وَأَهْلُ الْيَمَنِ يَجْعَلُونَهُ بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ وَالْمُوصِلِ وَبِلَادُ الرُّومِ وَالصَّقَالِبَةُ يَجْعَلُونَهُ بَيْنَ أَكْتَافِهِمْ وَأَهْلُ الشَّامِ يَمِيلُونَ عَنْ ذَلِكَ إِلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ يَسِيرًا وَبِلَادُ الْعَجَمِ يَجْعَلُونَهُ عَلَى جَنْبِ الْكَتِفِ الْأَيْمَنِ لَا بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ وَلَا على صفحة الخد وبلاد الْهِنْد والسند يَجْعَلُونَهُ عَلَى صَفْحَةِ الْخَدِّ وَيَسْتَقْبِلُونَ وَسَطَ الْمَغْرِبِ وَأَوَائِلُ بِلَادِ التَّكْرُورِ وَالنُّوبَةُ وَالْبَجَّةُ يَجْعَلُونَهُ عَلَى صَفْحَةِ الْخَدِّ الْأَيْسَرِ وَيَسْتَقْبِلُونَ وَسَطَ الْمَشْرِقِ وَأَوَاخِرُ بِلَادِ التَّكْرُورِ وَالزَّيْلَعُ وَالْحَبَشَةُ يُقَرِّبُونَهُ مِنْ بَيْنِ الْعَيْنَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْخَدِّ الْأَيْسَرِ وَهَذَا بَيَانُ هَذِهِ الْجِهَاتِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ فَإِنَّ ذِكْرَهَا عَلَى التَّفْصِيلِ لَا يَسَعُهُ هَذَا الْمَكَانُ وَعَلَى الْمُجْتَهِدِ تَحْرِيرُ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِهِ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ بِحَسْبِ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِالشَّمْسِ فَطُلُوعُهَا يُعَيِّنُ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ وَكَذَلِكَ غُرُوبُهَا وَزَوَالُهَا يُعَيِّنُ الشَّمَالَ وَالْجَنُوبَ فَإِنَّهَا لَا تَزُولُ أَبَدًا إِلَّا قُبَالَةَ الْقُطْبِ فَمُسْتَقْبِلُهَا حِينَئِذٍ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالشَّامِيَّةِ يَكُونُ الْجَنُوبُ أَمَامَهُ وَالشَّمَالُ خَلْفَهُ وَالْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ عَنْ يَسَارِهِ وَيَمِينِهِ فَإِذَا انْقَسَمَتْ لَكَ الْجِهَاتُ الْأَرْبَعُ فِي بَلَدِكَ وَأَنْتَ تَعْلَمُ الْكَعْبَةَ فِي أَيِّ جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ بَلَدِكَ اسْتَقْبِلْهَا كَمَا تَقول فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ الْكَعْبَةُ مِنْهَا مَا بَيْنَ الشرق وَالْجَنُوبِ وَهِيَ أَقْرَبُ إِلَى الْمَشْرِقِ وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِالْقَمَرِ فَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْقَمَرَ لَا يَزَالُ قوسا إِلَّا فِي منتصف الشَّهْر فَفِي أَوَّلِ الشَّهْرِ يَكُونُ مُحَدَّبَ الْقَوْسِ

ص: 126

أبدا إِلَى جِهَة الْمغرب ومقعده إِلَى الشرق وَفِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنَ الشَّهْرِ يَكُونُ عَلَى الْعَكْس محدبه إِلَى الْمشرق ومقعده إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَتَى نَظَرْتَ إِلَيْهِ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْتَ بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ خَرَجَتْ لَكَ الْجِهَاتُ الْأَرْبَعُ وَفَعَلْتَ فِيهِ مَا فَعَلْتَهُ فِي الشَّمْسِ وَأَمَّا مُنْتَصَفُ الشَّهْرِ حَيْثُ لَا تَحْدِيبَ وَلَا تَقْعِيرَ فَإِنْ كُنْتَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ فَاعْلَمْ أَنَّ الْجِهَةَ الْقَرِيبَةَ مِنْهُ هِيَ الْمَشْرِقُ والبعيدة الْمَغْرِبُ فَتَخْرُجُ لَكَ الْجِهَاتُ الْأَرْبَعُ فَتَتَعَيَّنُ لَكَ جِهَةُ الْقِبْلَةِ وَإِنْ كُنْتَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ فالجهة الْقَرِيبَة مِنْهُ الْمغرب والبعيدة الْمَشْرِقُ فَتَخْرُجُ لَكَ الْجِهَاتُ الْأَرْبَعُ فَاصْنَعْ حِينَئِذٍ مَا تَصْنَعُهُ مَعَ الشَّمْسِ وَأَمَّا الرِّيَاحُ فَاعْلَمْ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَنْصِبُ بُيُوتَهَا إِلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ وَالْبَيْتُ إِنَّمَا يُمَالُ إِلَيْهِ مِنْ جِهَةِ بَابه والميل الصِّبَا وَمِنْه سميت الصابئة صبئبة لِأَنَّهَا مَالَتْ إِلَى عِبَادَةِ النُّجُومِ فَسُمِّيَتِ الرِّيحُ الْآتِيَةُ مِنْ وَسَطِ الْمَشْرِقِ صَبَا وَلَمَّا كَانَ بَابُ الْبَيْتِ يَتَنَزَّلُ مِنْهُ مَنْزِلَةَ الْوَجْهِ مِنَ الْإِنْسَانِ كَانَ ظَهْرُ الْبَيْتِ دُبُرَهُ فَالرِّيحُ الْغَرْبِيَّةُ تُسَمَّى دَبُورًا وَمِنْهُ قَوْلُهُ عليه السلام نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ وَيَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ أَنْ تكون جِهَة القطب شِمَاله وضدها يَمِينه فَسُمِّيَتِ الرِّيحُ مِنْ جِهَةِ الْقُطْبِ شَمَالًا وَالْبِلَادُ الَّتِي فِي تِلْكَ الْجِهَةِ مِنَ الْحِجَازِ شَامًا وَهِي الَّتِي تُسَمَّى بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بَحَرِيَّةً لِكَوْنِ الْبَحْرِ الْملح فِي تِلْكَ الْجِهَةِ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَعَكْسُهَا تُسَمَّى جَنُوبِيَّةً لِكَوْنِهَا مِنْ جَنْبِ الْبَيْتِ وَالْبِلَادُ الَّتِي فِي تِلْكَ الْجِهَةِ مِنَ الْحِجَازِ تُسَمَّى يَمَنًا وَتُسَمَّى بِمِصْرَ مَرِيسِيَّةَ لِأَجْلِ بَلَدٍ فِي هَذِه الْجِهَة تسمى مريسية

ص: 127

وَكُلُّ رِيحٍ بَيْنَ رِيحَيْنِ مِنْ هَذِهِ تُسَمَّى نكباء لتنكيبها عَن كل وَاحِد مِنْهُمَا فَالرِّيَاحُ حِينَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ أَرْبَعَةُ أُصُولٍ وَأَرْبَعَةُ نَوَاكِبَ فَإِذَا عَلِمْتَ رِيحًا مِنْ هَذِهِ الرِّيَاحِ تَعَيَّنَتْ لَكَ الْجِهَاتُ الْأَرْبَعُ وَفَعَلْتَ مَا تَقَدَّمَ فِي الشَّمْسِ فَهَذِهِ أُصُولُ الْأَدِلَّةِ وَفُرُوعُهَا كَثِيرَةٌ مِنَ الْأَنْهَارِ كَالنِّيلِ اعْلَمْ أَنَّهُ يَجْرِي مِنَ الْجَنُوبِ إِلَى الشَّمَالِ فَتَخْرُجُ بِهِ الْجِهَاتُ الْأَرْبَعُ وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنَ الْأَنْهَارِ وَالْجِبَالِ وَالْبِلَادِ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَهَذِهِ الْأَدِلَّةُ تَتَعَيَّنُ عَلَى الْفَقِيهِ أَنْ يَعْلَمَهَا أَوْ بَعْضَهَا لِيَخْرُجَ مِنْ عُهْدَةِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ فِي الْكَعْبَةِ

تَنْبِيهٌ إِذَا قُلْنَا إِنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لَا يُمكن القَوْل بِهِ هَهُنَا لِأَنَّ أَدِلَّةَ الْأَحْكَامِ يُعَارِضُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَفِيهَا الْعَامُّ وَالْمُخَصَّصُ وَالْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ وَالنَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ فَقَدْ يَطَّلِعُ أَحَدُ الْمُجْتَهِدِينَ عَلَى الْعَامِّ دُونَ الْمُخَصَّصِ وَيَطَّلِعُ الْآخَرُ عَلَى الْمُخَصَّصِ فَيَخْتَلِفَانِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي سَائِرِ الْأَقْسَامِ وَأَمَّا أَدِلَّةُ الْقِبْلَةِ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهَا فَمَنْ عَلِمَ جُمْلَتَهَا كَمَنْ عَلِمَ وَاحِدًا مِنْهَا فِي الْهِدَايَةِ فَلَا يَقَعُ الْخِلَافُ فِيهَا إِلَّا بَيْنَ جَاهِلٍ وَعَالِمٍ وَلَا يَقَعُ بَيْنَ عَالِمَيْنِ أَبَدًا لِأَنَّهَا أُمُورٌ مَحْسُوسَةٌ فَالْمُصِيبُ فِيهَا وَاحِدٌ لَيْسَ إِلَّا الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ أَنَّ أَرْبَابَ الْمَذَاهِبِ يَنْقُلُونَ الْخِلَافَ فِي الْوَاجِبِ فِي الْكَعْبَةِ فِي حَقِّ الْغَائِبِ عَنْهَا هَلْ هُوَ الْعَيْنُ أَوِ الْجِهَةُ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْمُعَايِنَ لَا خِلَافَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْعَيْنُ بِلَا خلاف هَهُنَا وَالْغَائِبُ عَنْهَا إِمَّا وَاحِدٌ وَقَدِ اتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتْبَعَ جِهَةً يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ عَيْنَ الْكَعْبَةِ

ص: 128

وَرَاءَهَا إِمَّا بِالِاجْتِهَادِ أَوْ بِالتَّقْلِيدِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ عَنْ تِلْكَ الْجِهَة وَلِأَن اللَّهَ تَعَالَى كَلَّفَهُ بِرُؤْيَةِ الْعَيْنِ مَعَ الْغَيْبَةِ فَلَا خلاف هَهُنَا أَيْضا وَأما الْكثير فَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي الْمَدِينَتَيْنِ الْمُتَقَارِبَتَيْنِ إِلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْكَعْبَة لَا يَكْفِي طولهَا بذلك وَأَنْ بَعْضَهُمْ خَارِجٌ عَنْهَا بِالضَّرُورَةِ وَالصَّفُّ الطَّوِيلُ بِمَنْزِلَة المدينتين وَقد انْعَقَد الْإِجْمَاع هَهُنَا عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالْجِهَةِ الَّتِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْكَعْبَةَ وَرَاءَهَا وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إِنَّ صَلَاةَ بَعْضِهِمْ بَاطِلَةٌ وَلَا سَبِيلَ إِلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ إِذْ لَيْسَ الْبَعْضُ أَوْلَى مِنَ الْبَعْضِ فَيَبْقَى مَحَلُّ الْخِلَافِ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَحْكَامَ عَلَى قِسْمَيْنِ مَقَاصِدُ وَوَسَائِلُ فَالْمَقَاصِدُ كَالْحَجِّ وَالسَّفَرُ إِلَيْهِ وَسِيلَةٌ وَإِعْزَازُ الدِّينِ وَنَصْرُ الْكَلِمَةِ مَقْصِدٌ وَالْجِهَادُ وَسِيلَةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ وَالْمُبَاحَاتِ فَتَحْرِيمُ الزِّنَا مَقْصِدٌ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى مَفْسَدَةِ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ وَتَحْرِيمُ الْخَلْوَةِ وَالنَّظَرِ وَسِيلَةٌ وَصَلَاةُ الْعِيدَيْنِ مَقْصِدٌ مَنْدُوبٌ وَالْمَشْيُ إِلَيْهَا وَسِيلَةٌ وَرَطَانَةُ الْأَعَاجِمِ مَكْرُوهَةٌ وَمُخَالَطَتُهُمْ وَسِيلَةٌ إِلَيْهِ وَأَكْلُ الطَّيِّبَاتِ مَقْصِدٌ مُبَاحٌ وَالِاكْتِسَابُ لَهُ وَسِيلَةٌ مُبَاحَةٌ وَحُكْمُ كُلِّ وَسِيلَةٍ حُكْمُ مَقْصِدِهَا فِي اقْتِضَاءِ الْفِعْلِ أَوِ التَّرْكِ وَإِنْ كَانَتْ أَخْفَضَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ الْبَابِ إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالِاجْتِهَادُ قَدْ يَكُونُ فِي تَعْيِينِ الْمَقَاصِدِ كتميز الْأُخْت من الْأَجْنَبِيَّة وَقد تقع فِي الْوَسَائِلِ كَالِاجْتِهَادِ فِي أَوْصَافِ الْمِيَاهِ وَمَقَادِيرِهَا عِنْدَ مَنْ يَعْتَبِرُ الْمِقْدَارَ وَالْمَقْصِدُ هُوَ الطَّهُورِيَّةُ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّهُ مَهْمَا تَبَيَّنَ عَدَمُ إِفْضَاءِ الْوَسِيلَةِ إِلَى الْمَقْصِدِ بِطَلَ اعْتِبَارُهَا كَمَا إِذَا تَيَقَّنَّا أَن المَاء الَّذِي اجتهدنا فِي أَوْصَافِهِ مَاءُ وَرْدٍ مُنْقَطِعٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ إِعَادَةُ

ص: 129

الصَّلَاةِ بِطَهَارَةٍ أُخْرَى فَعَيْنُ الْكَعْبَةِ مَعَ الْجِهَاتِ كَطَهُورِيَّةِ الْمَاءِ مَعَ الْأَوْصَافِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْوَاجِبِ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ فِي الْكَعْبَةِ هَلْ هُوَ الْعَيْنُ وَتَكُونُ الْجِهَاتُ وَسَائِلَ فَإِذَا تَبَيَّنَ خَطَؤُهَا بَطَلَتِ الصَّلَاةُ كَالْمِيَاهِ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الأَصْل فَإِن الْمَقْصُود الَّذِي دلّ النَّص عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ الْبَيْتُ أَوِ الْوَاجِبُ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ هُوَ الْجِهَةُ وَلَا عِبْرَةَ بِالْعَيْنِ أَلْبَتَّةَ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَمَّا اسْتَحَالَ تَيَقُّنُهَا عَادَةً أَسْقَطَ الشَّرْعُ اعْتِبَارَهَا وَأَقَامَ مَظِنَّتَهَا الَّتِي هِيَ الْجِهَةُ مَقَامَهَا كَإِقَامَةِ السَّفَرِ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ مِيلًا مَقَامَ الْمَشَقَّةِ وَإِقَامَةِ صِيَغِ الْعُقُودِ مَقَامَ الرِّضَا وَالرِّضَا هُوَ الأَصْل لقَوْله عليه السلام لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طيب نَفسه مِنْهُ لَكِنْ لَمَّا تَعَذَّرَتْ مَعْرِفَتُهُ لِخَفَائِهِ أُقِيمَتْ مَظِنَّتُهُ مَقَامَهُ وَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ حَتَّى لَوْ رَضِيَ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ وَلَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ قَوْلٌ وَلَا فعل لم ينتفل الْمِلْكُ فَكَذَلِكَ عَيْنُ الْكَعْبَةِ سَقَطَ اعْتِبَارُهَا لِخَفَائِهَا وَأُقِيمَتِ الْجِهَةُ مَقَامَهَا فَصَارَتْ هِيَ الْوَاجِبَةُ وُجُوبَ الْمَقَاصِد وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور عندنَا وَمذهب أبي حنيفَة وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ وَسِيلَةِ الطَّهُورِيَّةِ وَوَسِيلَةِ الْكَعْبَةِ فَإِنَّ الْوُصُولَ إِلَى الطَّهُورِيَّةِ مُمْكِنٌ وَلَوْ فِي الْبَحْرِ بِخِلَافِ عَيْنِ الْكَعْبَةِ فَظَهَرَ أَنَّ الْجِهَةَ وَاجِبَةٌ إِجْمَاعًا إِمَّا وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ أَو وُجُوبَ الْوَسَائِلِ وَالْعَيْنُ وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ مُطلقًا لَا مقصد وَلَا وَسِيلَة وَيظْهر حِينَئِذٍ إِمْكَان الْخلاف فِي المسئلة وَيَتَخَرَّجُ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ عَلَيْهِ فِي حَقِّ مَنْ أَخْطَأَ فَإِنْ قُلْنَا الْجِهَةُ هِيَ الْمَقْصِدُ وَقَدْ حَصَلَتْ فَلَا إِعَادَةَ وَإِنْ قُلْنَا إِنَّهَا وَسِيلَةٌ وَالْوَسِيلَةُ إِذَا لَمْ تُفِضْ إِلَى الْمَقْصِدِ سَقَطَ اعْتِبَارُهَا كَالْأَوْصَافِ مَعَ الْمِيَاهِ فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ لِتَحْصِيلِ

ص: 130

الْمَقْصِدِ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ بَعْدُ الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ هِيَ أَنَّ جِهَةَ الْكَعْبَةِ تَكُونُ شَرْقًا فِي قطر وغربا فِي قطر وكل نقطة تفرض بَين الْمشرق وَالْمغْرب من جِهَةِ الشَّمَالِ أَوِ الْجَنُوبِ فَهِيَ جِهَةُ الْكَعْبَةِ لقوم وعَلى ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ نُقْطَةٍ وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ يَحْصُلُ بِالطُّرُقِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ وَلَا يَجِبُ اتِّبَاعُ الْإِسْطِرْلَابِ وَلَا الطُّرُقِ الهندسية بل إِن حصلت فَهِيَ حسن لِأَنَّهَا مُؤَكدَة للحق لَا مبطلة لَهُ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ عليه السلام مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَذكره مَالك عَن عمر فِي الْمُوَطَّأِ خَاصًّا بِبَعْضِ الْأَقْطَارِ فَإِنَّ اتِّبَاعَ ظَاهِرِهِ يُوجِبُ كَوْنَ الْجَنُوبِ وَالشَّمَالِ قِبْلَةً لِكُلِّ أحد وَهُوَ خلاف الْإِجْمَاع وَبِأَن الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ لَيْسَا قِبْلَةً لِأَحَدٍ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ وَنَحْوِهِمَا فِي جِهَةِ الْجَنُوبِ وَعَلَى الْيَمَنِ وَنَحْوِهِ فِي جِهَة الشمَال فَإِن هَذِه الأقطار الْبَيْتُ مِنْهُمْ فِي هَاتَيْنِ الْجِهَتَيْنِ وَأَمَّا مَنْ عَدَاهُمْ فَلَا يُرَادُ بِالْحَدِيثِ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ إِذَا تَوَجَّهَ قِبَلَ الْبَيْتِ وَعَلَيْهِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا يَعْنِي بِالْمَدِينَةِ فَاشْتَرَطَ فِي اسْتِعْمَالِ الْحَدِيثِ مُصَادَفَةَ جِهَةَ الْكَعْبَةِ وَمِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ عليه السلام لَا تستقبلوا الْقبْلَة لبول أَوْ غَائِطٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا مَحْمُولٌ عَلَى مَا حُمِلَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ عَلَيْهِ فَإِنَّ التَّشْرِيقَ وَالتَّغْرِيبَ قَدْ يَكُونُ جِهَةَ الْكَعْبَةِ فَيَنْعَكِسُ الحكم

ص: 131

فُرُوعٌ ثَمَانِيَةٌ الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا عَلِمَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ ابْتَدَأَ الصَّلَاة مَنْ أَوَّلِهَا بِإِقَامَةٍ وَوَافَقَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ قَالَ صَاحب الطّراز وَيتَخَرَّج فِيهَا قَول باستدارة وَالتَّمَادِي عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ ذَكَرَ النَّجَاسَةَ فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يَطْرَحُهَا وَيَتَمَادَى وَمَنْ صَلَّى عُرْيَانًا ثُمَّ وَجَدَ السُّتْرَةَ وَالْفَرْقُ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ التَّوَجُّهَ مُتَّفَقٌ عَلَى شَرْطِيَّتِهِ بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْخَبَثِ وَالسُّتْرَةِ فَيَكُونُ آكَدُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ ظُهُورِ الْخَطَأِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَفِي أَثْنَائِهَا أَنَّ ظُهُورَهُ فِي أَثْنَائِهَا كَظُهُورِ الْخَطَأِ فِي الدَّلِيلِ قَبْلَ بَتِّ الْحُكْمَ فَإِنَّهُ يَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ إِجْمَاعًا وَبَعْدَهَا كَظُهُورِ الْخَطَأِ بَعْدَ بَتِّ الْحُكْمِ وَتَنْفِيذِهِ فَلَا يُؤثر سُؤال قد استدارت الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لما أخبروا بتحول الْجِهَة من الْبَيْت الْمُقَدّس وَلم يبتدئوا جَوَابه أَنَّ الْمَاضِيَ مِنْ صَلَاتِهِمْ لَمْ يَكُنْ خَطَأً بَلْ هُوَ صَحِيحٌ وَالطَّارِئُ نَسَخَ فَبَنَوُا الصَّحِيحَ عَلَى الصَّحِيحِ بِخِلَافِ هَذَا الْمُصَلِّي الثَّانِي قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا تَبَيَّنَ الْخَطَأُ بَعْدَ الْفَرَاغِ فِي الْبَيَانِ نَاسِيًا أَوْ مُجْتَهِدًا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَفِي الْجَوَاهِرِ لِسَحْنُونٍ يُعِيدُ مُطْلَقًا وَكَالْأَسِيرِ يجْتَهد فيصوم شعْبَان وَحكي التَّفْصِيل عَن الشَّافِعِي قَالَ وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ الْقَابِسِيِّ يُعِيدُ النَّاسِي أَبَدًا بِخِلَافِ الْمُجْتَهِدِ قَالَ فَلَوْ صَلَّى بِغَيْرِ الْقِبْلَةِ مُتَعَمِّدًا أَوْ

ص: 132

جَاهِلًا بِوُجُوبِ الِاسْتِقْبَالِ فَلَا خِلَافَ فِي إِعَادَتِهِ أَبَدًا وَلِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَالْمُغِيرَةِ إِنْ شَرَّقَ أَوْ غَرَّبَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَإِنِ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ أَعَادَ مُطْلَقًا حُجَّةٌ الْمَشْهُورُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وقَوْله تَعَالَى {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فثم وَجه الله} خَصَّ مِنْهُ الْجِهَةَ الْمَعْلُومَةَ الْخَطَأِ فَتَكُونُ حُجَّةً فِيمَا عَدَا ذَلِكَ وَفِي التِّرْمِذِيِّ كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - فِي سَفَرٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَةُ فَصَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا عَلَى حَاله فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذكرنَا ذَلِك للنَّبِي عليه السلام فَنزل قَوْله {فأينما توَلّوا فثم وَجه الله} وَقَوْلُ عُمَرَ رضي الله عنه إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي التَّنَفُّلِ عَلَى الرَّوَاحِلِ لَا يُنَافِي ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ الْجَمْعِ فِي الْإِرَادَةِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ أَمَّا مَنْ لَا تَلْتَبِسُ عَلَيْهِ الْكَعْبَةُ وَإِنَّمَا سَهَا فَتَوَجَّهَ إِلَى غَيْرِهَا أَعَادَ أَبَدًا الثَّالِثُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَوْ شَكَّ الْمُجْتَهِدُ بَعْدَ إِحْرَامِهِ وَلَمْ تَتَعَيَّنْ لَهُ جِهَةٌ تَمَادَى لِأَنَّهُ دخل بِالِاجْتِهَادِ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ خَطَؤُهُ الرَّابِعُ قَالَ لَوْ صَلَّى بِاجْتِهَاد وَحضر صَلَاةٌ أُخْرَى فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَإِنْ كَانَ الْوَقْتَانِ تَخْتَلِفُ فِيهِمَا الْأَدِلَّةُ اجْتَهَدَ ثَانِيًا وَإِلَّا فَلَا وَفِي الْجَوَاهِرِ يُعِيدُ الِاجْتِهَادَ مُطْلَقًا الْخَامِسُ قَالَ إِذَا أَدَّاهُ الِاجْتِهَادُ إِلَى جِهَةٍ فَصَلَّى إِلَى غَيْرِهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى إِلَى الْكَعْبَةِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيُّ وَأَبِي حَنِيفَةَ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ قَالَ كَمَا لَوْ صَلَّى ظَانًّا أَنَّهُ مُحْدِثٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مُتَطَهِّرٌ

ص: 133

السَّادِسُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا عَلِمَ فِي صَلَاتِهِ أَنَّهُ انْحَرَفَ عَنِ الْقِبْلَةِ وَلَمْ يُشَرِّقْ وَلَمْ يُغَرِّبِ اسْتَقَامَ إِلَى الْقِبْلَةِ وَبَنَى وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيُّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ تَبْطُلُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَكُونُ إِلَى جِهَتَيْنِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ وَأَمَّا لَوِ اعْتَقَدَ الْمَأْمُومُ أَنَّ الْإِمَامَ انْحَرَفَ انْحِرَافًا بَيِّنًا فَارَقَهُ وَأَتَمَّ لِنَفْسِهِ وَلَوْ كَانُوا فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ صَلَّوْا لِجِهَاتٍ شَتَّى فَإِن كَانَ الإِمَام إِلَى غير الْقِبْلَةِ أَعَادُوا كُلُّهُمْ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَعَادَ دُونَ الْإِمَامِ السَّابِعُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ الْكَافَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ يُحْسِنُ الِاسْتِدْلَالَ وَلَا وَجَدَ دَلِيلًا أَنَّهُ يَتَحَرَّى جِهَةً تَرْكَنُ إِلَيْهَا نَفْسُهُ يُصَلِّي إِلَيْهَا صَلَاةً وَاحِدَةً وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ يُصَلِّي أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ إِلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ وَهُوَ مَذْهَبُهُ فِي الْأَوَانِي يُصَلِّي بعددها وزائد إِحْدَى صلوَات وَكَذَلِكَ فِي الثِّيَابِ النَّجِسَةِ وَوَجْهُ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ قَوْله تَعَالَى {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} وَأَنَّ الْيَقِينَ لَا يَحْصُلُ بِأَرْبَعِ جِهَاتٍ لِاحْتِمَالِ أَن تكون الْكَعْبَة فِي جِهَة بَين اثْنَتَيْنِ مِنْهَا بَلْ لَا يَحْصُلُ الْيَقِينُ حَتَّى يُصَلِّيَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ صَلَاةً وَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ ففارقت هَذِه المسئلة مسئلة الْأَوَانِي الثَّامِنُ قَالَ لَوْ أَخْبَرَ مُجْتَهِدٌ مُجْتَهِدًا وَهُوَ ثِقَة خَبِير عَنْ جِهَةِ الْبَلَدِ رَجَعَ إِلَيْهِ فَإِنَّ قِبْلَةَ الْبَلَدِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنِ اجْتِهَادَاتٍ فَهِيَ أَقْرَبُ لِلصَّوَابِ مِنِ اجْتِهَادٍ وَاحِدٍ وَإِنْ أَخْبَرَهُ عَنِ اجْتِهَادِ نَفْسِهِ سَأَلَهُ عَنْ وَجْهِ الِاجْتِهَادِ فَإِن

ص: 134

تَبَيَّنَ لِأَحَدِهِمَا صَوَابُ الْآخَرِ اتَّبَعَهُ وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ فَعَلَ فَصَلَاةُ الْمَأْمُومِ مِنْهُمَا بَاطِلَةٌ فَإِنْ طَلَعَ الْغَيْمُ وَنَسِيَ أَحَدُهُمَا وَجْهَ اجْتِهَادِهِ سَأَلَ صَاحِبَهُ فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ صَوَابُهُ اتَّبَعَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنِ انْتَظَرَ زَوَالَ الْغَيْمِ فَإِنْ خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ قَلَّدَ صَاحِبَهُ كَالْأَعْمَى الشَّرْطُ السَّادِسُ النِّيَّة وَقد تقدّمت فِي الطَّهَارَة مباحثها فتراجع هُنَاكَ وَنَذْكُر هَهُنَا مَا تخْتَص بِهِ فَنَقُولُ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ النِّيَّةُ الْكَامِلَةُ هِيَ الْمُتَعَلِّقَةُ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ تَعْيِينُ الصَّلَاةِ وَالتَّقَرُّبُ بِهَا ووجوبها وأدائها وَاسْتِشْعَارُ الْإِيمَانِ يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فَهَذِهِ هِيَ النِّيَّةُ الْكَامِلَةُ فَإِنْ سَهَا عَنِ الْإِيمَانِ أَوْ وُجُوبِ الصَّلَاةِ أَوْ كَوْنِهَا أَدَاءً أَوِ التَّقَرُّب بهَا لَمْ تَفْسُدْ إِذَا عَيَّنَهَا لِاشْتِمَالِ التَّعْيِينِ عَلَى ذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَالْمُعِيدُ لِلصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ وَالصَّبِيُّ لَا يَتَعَرَّضَانِ لِفَرْضٍ وَلَا لِنَفْلٍ وَفِي الْجَوَاهِرِ إِذَا كَانَ مَأْمُومًا فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ مَعَ ذَلِكَ فَإِنْ تَرَكَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَأَمَّا الْإِمَامُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامَةَ إِلَّا فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ قَالَ ابْن بشير فِي كتاب النَّظَائِر الَّذِي لَهُ الْجُمُعَةُ وَالْجُمَعُ وَالْجَنَائِزُ وَالْخَوْفُ وَالِاسْتِخْلَافُ يَجْمَعُهَا للْحِفْظ ثَلَاث جيمات وخاآن وَالسِّرُّ فِيهَا مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّ الْإِمَامَةَ فِيهَا شَرْطٌ وَلَمَّا كَانَتْ صَلَاةُ الْمُنْفَرِدِ مُسَاوِيَةً لِصَلَاةِ الْإِمَامِ لَمْ يَحْصُلْ وَصْفُ الْإِمَامَةِ إِلَّا بِالنِّيَّةِ فَيَحْصُلُ الشَّرْطُ حِينَئِذٍ وَحَكَى الْبَاجِيُّ عَنْ (ش) أَنَّ الْإِمَامَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَقَالَ (ح) لَا تَقْتَدِي الْمَرْأَةُ بِمَنْ لَمْ يَنْوِ أَنَّهُ يَؤُمُّهَا إِلَّا فِي الْجُمُعَةِ قَالَ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَجِبُ عَلَيْهِ تَأْخِيرُهَا خَلْفَهُ فَلَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ هَذَا الْفَرْضُ إِلَّا بِنِيَّةٍ كَمَا أَنَّهُ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَى الْمَأْمُومِ فَرْضُ الِاتِّبَاعِ إِلَّا بِالنِّيَّةِ وَمَا ذَكَرَهُ مَنْقُوضٌ بِالْجُمُعَةِ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَإِنَّهُ تَسْقُطُ عَنْهُ الْقِرَاءَةُ

ص: 135

وَسُجُودُ السَّهْوِ فِي السَّهْوِ الَّذِي يَخُصُّهُ فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ تُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَاخْتُلِفَ هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ الدُّخُولَ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَمَالَ إِلَيْهِ الْبَاجِيُّ وَقَالَ هُوَ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ إِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ نَاسِيًا لِلْإِحْرَامِ قَالَ وَمَنْ جَوَّزَ تَقْدِيمَ النِّيَّةِ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ قَالَ وَأَمَّا مَا عَدَا الْإِحْرَام من الْأَركان فَلَا تحْتَاج إِلَى تَعْيِينٍ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَلَا عِنْدَ الْفِعْلِ وَقَالَ بعض الشفعوية يَنْوِي الْأَرْكَانَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ قَالَ وَهُوَ هَوَسٌ وَقَدْ كَانَتِ الْأُمَّةُ عَلَى خِلَافِ هَذَا وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَنْوِيَ حُرُوفَ الْفَاتِحَةِ وَالتَّسْلِيمَ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ قَالَ وَمِثْلُ هَذِهِ الْهَفْوَةِ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا إِنَّهُ يَلْزَمُهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ أَن يذكر حدث الْعَالم وأدلته وَإِثْبَات الْأَعْرَاض واستحالة عرو الْجَوَاهِرِ عَنْهَا وَإِبْطَالَ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا وأدلة الْعَالم بِالصَّانِعِ وَإِثْبَاتَ الصِّفَاتِ وَمَا يَجِبُ لَهُ تَعَالَى وَمَا يَسْتَحِيلُ وَمَا يَجُوزُ وَأَدِلَّةَ الْمُعْجِزَةِ وَتَصْحِيحَ الرِّسَالَةِ ثُمَّ الطُّرُقَ الَّتِي بِهَا وَصَلَ التَّكْلِيفُ إِلَيْهِ قَالَ وَحَكَى الْمَازِرِيُّ أَرَدْتُ اتِّبَاعَ كَلَامِ الْقَاضِي عِنْدَ إِحْرَامِي فَرَأَيْتُ فِي مَنَامِي كَأَنِّي أَخُوضُ فِي بَحْرٍ مِنْ ظَلَامٍ فَقُلْتُ هَذِهِ وَاللَّهِ الظُّلْمَةُ الَّتِي قَالَهَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَحَكَى صَاحِبُ الْقَبَسِ مَذْهَبَ الْقَاضِي عَنْ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَيْضًا وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ تِذْكَارُ هَذِهِ الْأُمُورِ يَكْفِي فِيهِ الزَّمَنُ الْيَسِيرُ بِخِلَافِ تَعَلُّمِهَا وَفِي الْجَوَاهِرِ هَلْ يَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ فِيهِ خِلَافٌ يَنْبَنِي عَلَيْهِ الْخِلَافُ فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ مَنِ افْتَتَحَ بِنِيَّةِ الْقَصْرِ فَأَتَمَّ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ صَلَّى الْجُمُعَةَ فَلَمْ تَتِمَّ لَهُ شُرُوطهَا هَل عَلَيْهِ ظهر أم لَا أَو دخل مَعَ الْإِمَامُ فِي الْجُمُعَةِ يَظُنُّهَا الظُّهْرَ أَوْ بِالْعَكْسِ وَيَجِبُ مُقَارَنَتُهَا لِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَحَكَى اللَّخْمِيُّ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ قَالَ مَالِكٌ تُجْزِئُ الْجُمُعَةُ عَنِ الظُّهْرِ وَلَا يُجْزِئُ الظُّهْرُ

ص: 136

عَنِ الْجُمُعَةِ وَقَالَ فِي السُّلَيْمَانِيَّةِ تُجْزِئُ عَنْهَا وَقَالَ أَشْهَبُ لَا تُجْزِئُ الْجُمُعَةُ عَنِ الظُّهْرِ إنْشَاء واستصحابا وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ وَوَافَقَهُمَا صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ وَقَالَ دَاوُدُ يَجِبُ تَقْدِيمهَا لنا أَن النِّيَّة شرعت لتميز الْعِبَادَاتِ عَنِ الْعَادَاتِ أَوْ لِتَمَيُّزِ مَرَاتِبِ الْعِبَادَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَالَّذِي لَا يُقَارِنُ الشَّيْءَ لَا يُمَيِّزُهُ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى لَفْظٍ سِوَى التَّكْبِيرِ خِلَافًا لِ ش فِي اسْتِحْبَابِهِ لِذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّكْلِيف وَالتَّنْبِيهِ عَلَى مُتَعَلِّقَاتِهَا لَنَا أَنَّ السَّلَفَ لَمْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَ ذَلِك فَلَا يشرع وَيجب استصحابها حكما بِأَن لَا يَحْدُثَ مَا يُنَافِيهَا كَنِيَّةِ الْخُرُوجِ فِي الْحَالِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ قَالَ صَاحِبُ النُّكَتِ رَفْضُ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ وَالْحَجِّ لَا يَضُرُّ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوُضُوءَ تَعَيَّنَ بِالْأَعْضَاءِ وَالْحج بمواضعه الْمَخْصُوصَة بِخِلَافِ الْآخَرِينَ فَكَانَ احْتِيَاجُهُمَا إِلَى النِّيَّةِ أَقَلَّ فَكَانَ تَأْثِيرُ الرَّفْضِ فِيهِمَا أَبْعَدَ وَالْغَفْلَةُ عَنْهُمَا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لَا تَضُرُّ وَيُحْكَى عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ كَانَ يُعِيدُ صَلَاتَهُ مُعَلِّلًا بِأَنَّ نِيَّته غربت وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر إِن غربت لِأَمْرٍ مَضَى فِي الصَّلَاةِ أَوْ عَارِضٍ لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ كَانَتْ بِأَسْبَابٍ مُتَقَدِّمَةٍ قَدْ لَزِمَتِ للْعَبد مِنَ الِانْهِمَاكِ فِي الدُّنْيَا وَالتَّعَلُّقِ بِفُضُولِهَا فَيَقْوَى تَرْكُ الِاعْتِدَادِ بِهَا لِأَنَّهُ وَاقِعٌ بِاخْتِيَارِهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَحَ لِلْعِبَادِ فِي اسْتِرْسَالِ الْخَوَاطِرِ فِي الصَّلَاةِ بِمَا لَيْسَ مِنْهَا فَإِذَا ذَكَرَ عَادَ إِلَيْهَا فَإِنِ اسْتَمَرَّ مُخْتَارًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَأَعْرَضَ عَنْ صَلَاتِهِ بَطَلَتْ قَالَ وَقَالَ الْفُقَهَاءُ الَّذِي يَقَعُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي حَالِ الْخَوَاطِرِ مُجْزٍ وَقَالَ الزُّهَّادُ لَيْسَ بِمُجْزٍ وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ إِنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ فَيُكْتَبُ لَهُ نِصْفُهَا ثُلُثُهَا رُبُعُهَا حَتَّى ذَكَرَ عشرهَا

ص: 137

فَرْعٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ النَّوَافِلُ عَلَى قِسْمَيْنِ مُقَيَّدَةٌ وَمُطْلَقَةٌ فَالْمُقَيَّدَةُ السُّنَنُ الْخَمْسُ الْعِيدَانِ وَالْكُسُوفُ وَالِاسْتِسْقَاءُ وَالْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ فَهَذِهِ مُقَيَّدَةٌ إِمَّا بِأَزْمَانِهَا أَوْ بِأَسْبَابِهَا فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ نِيَّةِ التَّعْيِينِ فَمَنِ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهَا لِهَذِهِ لَمْ يَجُزْ وَأَلْحَقَ الشَّافِعِيَّةُ بِهَذِهِ قِيَامَ رَمَضَانَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ وَالْمُطْلَقَةُ مَا عَدَا هَذِهِ فَيَكْفِي فِيهَا نِيَّةُ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ فِي اللَّيْلِ فَهُوَ قِيَامُ اللَّيْلِ أَوْ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ كَانَ مِنْهُ أَوْ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَهُوَ الضُّحَى أَوْ عِنْدَ دُخُولِ مَسْجِدٍ فَهُوَ تحيته وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْعِبَادَاتِ مِنْ صَوْمٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى التَّعْيِينِ فِي مُطْلَقِهِ بَلْ تَكْفِي نِيَّةُ أَصْلِ الْعِبَادَةِ الشَّرْطُ السَّابِعُ تَرْكُ الْكَلَامِ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي كَوْنِهِ فَرْضًا أَوْ سُنَّةً وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَبْهَرِيِّ قَالَ وَقَالَ إِنَّ الْقَوْلَ بِالْإِعَادَةِ إِذَا تَكَلَّمَ عَامِدًا إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْقَوْلِ بِالْإِعَادَةِ مِمَّن ترك السّنَن عَامِدًا قَالَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ فَرْضٌ قَالَ اللَّخْمِيُّ الْكَلَامُ سَبْعَةُ أَقْسَامٍ فَإِنْ تَكَلَّمَ سَاهِيًا أَوْ عَامِدًا لِلْكَلَامِ سَاهِيًا عَنِ الصَّلَاةِ لَمْ يُفْسِدْهَا أَوْ عَامِدًا ذَاكِرًا أَنه فِي الصَّلَاة أَو عَالما بِتَحْرِيمِهِ فَيُفْسِدُهَا أَوْ جَاهِلًا بِجَوَازِهِ فَقِيلَ تَبْطُلُ لِأَنَّهُ عَامِدٌ وَقِيلَ تَصِحُّ لِأَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ أَوْ عَامِدًا مَأْمُومًا تَكَلَّمَ لِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ لِسَهْوٍ دَخَلَ عَلَى الإِمَام فَقَالَ مَالك وَابْن الْقَاسِم لَا يُفْسِدهَا وَقَالَ الْمُغِيرَةُ يُفْسِدُهَا أَوْ عَامِدًا تَكَلَّمَ لِإِنْقَاذِ مُسْلِمٍ مِنْ مَهْلَكَةٍ أَوْ نَحْوِهِ فَذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ويستأنف الصَّلَاة إِلَّا أَن يضيق فَيكون كالمسابفة فَإِنْ خَافَ عَلَى مَالٍ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ وَكَانَ كثيرا تكلم

ص: 138

واستأنف وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَمْ يَتَكَلَّمْ فَإِنْ فَعَلَ بطلت وَفِي الْجَوَاهِر كل مَا ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم كَلَام من غير تَحْدِيد بِحُرُوفِهِ وَلَا تَعْيِينٍ لَهَا مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ تَعَمَّدَهُ أَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ أَوْ وَجَبَ لِإِنْقَاذٍ مِنْ مَهْلَكَةٍ أَو شبهه وَقَالَ بعض الشفعوية لَا يُبْطِلهَا لوُجُوبه عَلَيْهِ لقَوْله عليه السلام لِأَبِي سَعِيدٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُجِيبَ إِذْ دَعَوْتُكَ؟ فَقَالَ كُنْتُ أُصَلِّي فَقَالَ أَلَمْ تَجِدْ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دعَاكُمْ لما يُحْيِيكُمْ} قَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَعُودُ قَالَ صَاحب الطّراز وَهَذَا يحْتَمل أَنَّهُ يُجِيبُهُ بَعْدَ قَطْعِ النَّافِلَةِ أَوْ يُجِيبُهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَو بِلَفْظِ الْقُرْآنِ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَلَا يُبْطِلُهَا سَبْقُ اللِّسَانِ وَلَا كَلَامُ النَّاسِي وَلَا لِإِصْلَاحِ الصَّلَاة وَقَالَ ت = الْمُغِيرَةُ تَبْطُلُ وَتَبْطُلُ بِكَلَامِ الْجَاهِلِ إِلْحَاقًا لَهُ بِالْعَامِدِ وَقِيلَ لَا تَبْطُلُ إِلْحَاقًا بِالنَّاسِي قَاعِدَةٌ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَعْلَمَ أَحْكَامَ اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ فِعْلٍ يَقْدُمُ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ ذَلِكَ كَانَ عَاصِيًا وَعِلْمُ الْإِنْسَان بحالته الَّتِي هُوَ فِيهَا فرض الْعين مِنَ الْعِلْمِ فَإِذَا أَقْدَمَ عَلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَعْلَمْ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ فِيهَا فَهُوَ عَاصٍ مُفَرِّطٌ فَلذَلِك كَانَ الْمَشْهُور إِلْحَاقه بالعامد المقصر دون النَّاسِي الْمَعْذُور فَتخرج فروع الْجَاهِلِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فُرُوعٌ تِسْعَةٌ الْأَوَّلُ التَّنَحْنُحُ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ إِنْ كَانَ لضَرُورَة فَغير مُبْطل وَإِن كَانَ

ص: 139

لغير ضَرُورَةٍ فَهُوَ مُبْطِلٌ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْإِفْهَامَ لِغَيْرِهِ لَمْ يَبْطُلْ عِنْدَ ابْن الْقَاسِم وَيبْطل عِنْد ابْن الْحَكَمِ الثَّانِي قَالَ فِي الْكِتَابِ النَّفْخُ مِثْلُ الْكَلَامِ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ عَمْدُهُ وَجَهْلُهُ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ لِلسَّهْوِ وَكَرِهَهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَلَمْ يَرَهُ كَالْكَلَامِ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ وَاشْتَرَطَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي إِبْطَالِهِ لِلصَّلَاةِ أَنْ يُسْمَعَ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ شبه بِالنَّفَسِ فَلَا يُبْطِلُ أَوْ يُقَالُ هُوَ مُرَكَّبٌ من الْألف وَالْفَاء فَهُوَ كَلَامٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهما أُفٍّ} فَجعله قولا وَهُوَ اسْم لوسخ الأظافر وَالْكَاف اسْمٌ لِوَسَخِ الْبَرَاجِمِ ثُمَّ الْحُرُوفُ لَيْسَتْ شَرْطًا فَلَوْ ضَحِكَ أَوْ نَهِقَ كَالْحَمِيرِ أَوْ نَعَقَ كَالْغِرْبَانِ وَنَحْوِهِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ الثَّالِث قَالَ والأنين كَالْكَلَامِ إِلَّا أَن تضطره إِلَيْهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالْبُكَاءُ إِنْ كَانَ مِنْ بَابِ الْخُشُوعِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْكَلَامِ وَفِي حَدِيثِ الْمُوَطَّأِ لَمَّا أَمَرَ عليه السلام أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ رضي الله عنها إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يَسْمَعِ النَّاس من الْبكاء وَهُوَ دَلِيل عدم إفساده للصَّلَاة الرَّابِعُ فِي الْكِتَابِ إِذَا قَرَأَ كِتَابًا مُلْقًى بَين يَدَيْهِ عَامِدًا ابْتَدَأَ الصَّلَاة فرضا

ص: 140

كَانَت أَو نقلا وَسَجَدَ لِسَهْوِهِ إِنْ كَانَ نَاسِيًا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِنْ كَانَ قُرْآنًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ خِلَافًا لِ ح وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِقُرْآنٍ وَحَرَّكَ بِهِ لِسَانَهُ فَكَمَا قَالَ فِي الْكتاب وَإِن لم يَتَحَرَّك لِسَانُهُ فَإِنْ قَلَّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنَّ تَعَمَّدَ وَإِنْ طَالَ مَعَ الذِّكْرِ أَفْسَدَ لِأَنَّهُ تلبس بِفعل من الصَّلَاةِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا كَمَا لَوْ طَالَتْ فِكْرَتُهُ فِي شَيْءٍ بَيْنَ يَدَيْهِ الْخَامِسُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا سَلَّمَ سَاهِيًا مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَتَكَلَّمَ يَسِيرًا رَجَعَ وَبَنَى وَسَجَدَ لِسَهْوِهِ بَعْدَ السَّلَامِ لِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ وَإِنْ تَبَاعَدَ أَعَادَ وَقِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ إِنِ انْصَرَفَ وَأَكَلَ وَشَرِبَ وَلَمْ يَطُلْ ذَلِكَ؟ قَالَ يَبْتَدِئُ وَلَمْ أَحْفَظْهُ عَن مَالك وَفِي مُسلم أَنه عليه السلام صَلَّى الْعَصْرَ فَسَلَّمَ مِنْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْخِرْبَاقُ وَكَانَ فِي يَدَيْهِ طُولٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَكَرَ لَهُ صَنِيعَهُ فَخَرَجَ غَضْبَانَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى النَّاسِ فَقَالَ أَصَدَقَ هَذَا؟ فَقَالُوا نَعَمْ فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى مِثْلِ قَوْلِ مَالِكٍ وَاخْتَلَفَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي الْقُرْبِ فَقَالَ مِقْدَارُ رَكْعَةٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مِقْدَارُ الصَّلَاةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا وَقِيلَ مَا كَانَ فِي الْعُرْفِ طُولًا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَبْنِي وَإِنْ طَالَ وَهُوَ قَوْلُ مَنْ يَرَى أَنَّهُ مَا خَرَجَ مِنَ الصَّلَاةِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى إِحْرَامٍ عِنْدَهُ قَالَ وَقَدْ نقل البراذعي هَذِه المسئلة نقلا فَاسِدا لقَوْله فَإِن تبَاعد

ص: 141

وَخَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ فَأَوْهَمَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا شَرْطٌ قَالَ مَالِكٌ إِذَا خَرَجَ إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ قُرْبَ مُصَلَّاهُ ابْتَدَأَ وَقَالَ أَشْهَبُ الْخُرُوجُ مِنَ الْمَسْجِدِ حَدٌّ فِي الْقَطْعِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ فَمِقْدَارُ مُجَاوَزَةِ الصُّفُوفِ بِحَيْثُ لَا يلصي بِصَلَاتِهِمْ فَرْعٌ مُرَتَّبٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَلَوْ ذَكَرَ بِالْقُرْبِ فَتَكَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَبْنِ لِأَنَّهُ كَلَامٌ بِغَيْرِ سَهْوٍ وَقَالَهُ مَالِكٌ قَالَ وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إِذَا أَكَلَ أَوْ شرب يرْوى بِالْوَاو وبأو وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَبْنِي إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ مَا لَمْ يُطِلْ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْن الْقَاسِم أَن الْأكل وَالشرب وَأَغْلظ مِنَ الْكَلَامِ وَلَمْ يُشْرَعْ جِنْسُهُ فِي الصَّلَاةِ السَّادِسُ فِي الْجَوَاهِرِ لَوْ قَالَ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ إِنْ قَصَدَ التِّلَاوَةَ لَمْ يَضُرُّهُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ إِلَّا الْإِفْهَامَ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يضرّهُ أَيْضًا وَقَالَ الْمَازِرِيُّ يَتَخَرَّجُ فِيهَا قَوْلٌ بِالْإِبْطَالِ من الْخلَافَة فِي بُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ فَتَحَ بِالْقُرْآنِ عَلَى مَنْ لَيْسَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ السَّابِعُ الْقَهْقَهَةُ فِي الْجَوَاهِرِ يُبْطِلُ عَمْدُهَا وَسَهْوُهَا وَغَلَبَتُهَا وَقِيلَ هِيَ كَالْكَلَامِ لَا يُبْطِلُ سَهْوُهَا قَالَهُ أَصْبَغُ وَقَالَ فِي الْكِتَابِ إِنْ كَانَ وَحْدَهُ قَطَعَ وَإِنْ كَانَ مَعَ إِمَامٍ مَضَى وَأَعَادَ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى

ص: 142

الْخُرُوجِ بِسَلَامٍ رَفْعًا لِلْخِلَافِ وَيَسْتَأْنِفُ الْإِحْرَامَ بِيَقِينٍ وَهُوَ سَبَبُ التَّمَادِي مَعَ الْإِمَامِ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِذَا قَهْقَهَ الْإِمَامُ مَغْلُوبًا اسْتَخْلَفَ وَأَتَمَّ مَعَهُمْ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ لِأَنَّ غَلَبَةَ الْقَهْقَهَةِ كَسَبْقِ الْكَلَامِ وَقِيلَ يَبْطُلُ مَا مَضَى لِمُنَافَاةِ الْقَهْقَهَةِ الصَّلَاةَ أَكْثَرَ مِنَ الْكَلَامِ بِسَبَبِ الْخُشُوعِ مَعَهَا أَوْ لِأَنَّهَا لَمْ يُشْرَعْ جِنْسُهَا فِي الصَّلَاةِ بِخِلَافِهِ وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ عَلَى رَأْي مَالك وَابْن الْقَاسِم وَلَا تَبْطُلُ بِالتَّبَسُّمِ لِخِفَّتِهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ الصَّوَابُ قِيَاسًا عَلَى الْمُرْتَقَبِ وَعَلَى الْعَابِثِ بِيَدِهِ وَعَلَى مُسَوِّي الْحَصْبَاءِ بِنَعْلِهِ وَشِبْهِ ذَلِكَ مِمَّا فِي فِعْلِهِ تَرْكُ الْخُشُوعِ نَاسِيًا كَانَ أَو عَامِدًا وَلَا سُجُود عَلَيْهِ بَان بِاتِّفَاقٍ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ لِكَوْنِهِ زِيَادَةً فِي الصَّلَاةِ وَفِي الْجُلَّابِ قَبْلَ السَّلَامِ لِنُقْصَانِ الْخُشُوعِ وَهُوَ ضَعِيفٌ الثَّامِنُ فِي الْكِتَابِ كَرِهَ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَتَعَوَّذَ إِذا قَرَأَ الإِمَام آيَة وَعِيد قَالَ إِن فعل سرا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْإِنْصَاتِ قَالَ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْمُنْفَرِدِ فَعِنْدَ الشَّافِعِي يتَعَوَّذ عِنْد الْوَعيد ويسئل عِنْدَ الْوَعْدِ وَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ وَمُرَادُهُ فِي الْكِتَابِ الْفَرِيضَةُ التَّاسِعُ فِي الْكِتَابِ لَا يَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ إِنْ عَطَسَ إِلَّا فِي نَفْسِهِ وَتَرْكُهُ أَحْسَنُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ الْمُعْتَادَةِ فِيهَا فَأَشْبَهَ الْكَلَامَ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ تُكْرَهُ الْعَطْسَةُ الْعَالِيَةُ فِي الصَّلَاةِ وَلْيَحْفَظْهَا مَا قدر وَيجْعَل

ص: 143

يَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ وَجَوَّزَ فِي الْكِتَابِ الدُّعَاءَ عَلَى الظَّالِمِ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَة كَانَ عليه السلام فِي قنوته يَدْعُو الْمُؤمنِينَ وَيَلْعَنُ الْكَافِرِينَ قَالَ صَاحِبُ النَّوَادِرِ قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ إِنْ قَالَ يَا فُلَانُ فَعَلَ اللَّهُ بِكَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ فَعَلَ اللَّهُ بِفُلَانٍ أَوِ اللَّهُمَّ افْعَلْ بِفُلَانٍ قَالَ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إِذَا مَرَّ بِهِ إِنْسَانٌ فَأَخْبَرَهُ بِمَا يَسُرُّهُ فَقَالَ الْحَمد لله عَامِدًا أَو بِمَا يضرّهُ فتوجع قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُعْجِبُنِي وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاة قَالَ وَهُوَ كَمَا قَالَ لِأَنَّهُ أشغل نَفسه بِغَيْر أَمر صلَاته من أَمر دُنْيَاهُ بِخِلَافِ فِعْلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه حِينَ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَحَمِدَ اللَّهَ لَمَّا أَمَرَهُ عليه السلام بِالْمُكْثِ فِي مَوْضِعِهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ كُنَّا نسلم على النَّبِي عليه السلام وَهُوَ فِي الصَّلَاة وَيرد عَلَيْنَا فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا وَقَالَ إِنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا زَادَ أَبُو دَاوُدَ فَأَخَذَنِي مَا قَدُمَ وَمَا حَدُثَ فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مَنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ وَإِنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ أَنْ لَا تَتَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ الشَّرْطُ الثَّامِنُ تَرْكُ الْأَفْعَالِ الْكَثِيرَةِ فَفِي الْجَوَاهِرِ يُبْطِلُهَا كُلُّ مَا يُعَدُّ بِهِ عِنْدَ النَّاظِرِ مُعْرِضًا عَنِ الصَّلَاةِ لِفَسَادِ نِظَامِهَا وَمَنْعِ اتِّصَالِهَا وَلَا يُبْطِلُهَا مَا لَيْسَ كَذَلِكَ مِنْ تَحْرِيك الْأَصَابِع للتسبيح أَوْ حَكَّةٍ وَهُوَ مَكْرُوهٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لمصْلحَة الصَّلَاة كسد الْفرج أَو الضَّرُورَة كَقَتْلِ مَا يُحَاذِرُهُ وَإِنْقَاذِ نَفْسٍ إِذَا كَانَ عَلَى الْقُرْبِ فَإِنْ تَبَاعَدَ تَغَيَّرَ النِّظَامُ فَيُبْطِلُهَا وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا

ص: 144

فُرُوعٌ تِسْعَةٌ الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْكِتَابِ يَرُدُّ السَّلَامَ بِرَأْسِهِ أَوْ بِيَدِهِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ وَوَافَقَهُ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرُدُّ مُطْلَقًا وَلَا الْإِشَارَةَ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَجَابِرٌ وَجَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ يَرُدُّ مُطْلَقًا بِالْإِشَارَةِ وَبِاللَّفْظِ الْمُعْتَادِ فِي رَدِّ السَّلَامِ وَيُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنه كَانَ يرفع صَوته برد السَّلَام لما فِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ صُهَيْبٍ مَرَرْتُ بِالنَّبِيِّ عليه السلام فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي فَرَدَّ عَلَيَّ إِشَارَةً بِإِصْبَعِهِ وَلِلْفُقَهَاءِ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَصْحَابِهِ حَدِيث ابْن مَسْعُود فِي بَاب الْكَلَام قد تقدم الثَّانِي فِي الْكتاب قَالَ ابْن الْقَاسِم إِذَا عَطَسَ فَشَمَّتَهُ رَجُلٌ فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ إِشَارَةً فِي فَرْضٍ وَلَا نَفْلٍ لِمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِي عليه السلام فَعَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقُلْتُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقُلْتُ وَاثُكْلَ أُمَّاهُ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذهم! فَعرفت أَنهم يُصمتُونِي فَسكت فَلَمَّا سلم النَّبِي عليه السلام بِأَبِي وَأُمِّي مَا ضَرَبَنِي وَلَا نَهَرَنِي وَلَا سَبَّنِي ثُمَّ قَالَ إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يصلح فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ هَذَا إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَمَا رَأَيْتُ معلما قطّ أرْفق مِنْهُ عليه السلام وَوجه الدَّلِيل أَنه

ص: 145

عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يُقِرَّهُ عَلَى الْكَلَامِ وَلَمْ يَأْمُرهُ بِالْإِشَارَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ رَدِّ السَّلَامِ وَجَوَابِ التَّشْمِيتِ أَنَّ جَوَابَ التَّشْمِيتِ دُعَاءٌ وَهُوَ مَا لَا يَتَأَتَّى بِالْإِشَارَةِ وَرَدُّ السَّلَامِ تَحِيَّةٌ وَهُوَ يَحْسُنُ فِي الْعَادَةِ بِالْإِشَارَةِ بِالرَّأْسِ وَغَيْرِهِ الثَّالِثُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ مُقْتَضَى قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ يَرُدُّ بِالْإِشَارَةِ أَنَّ لِلنَّاسِ أَنْ يُسَلِّمُوا عَلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَفِي هَذَا الِاسْتِقْرَاءِ نَظَرٌ فَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَلِلشَّافِعِيَّةِ قَوْلَانِ قَالَ وَالْأَوَّلُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ وَحُجَّتُهُ عُمُومُ التَّسْلِيم وَحَدِيث ابْن عمر أَنه عليه السلام كَانَ يَرُدُّ بِالْإِشَارَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَى مَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَاسْتحبَّ الشَّافِعِي التصفيق لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ عليه السلام يُسَبِّحُ الرِّجَالُ وَلْيُصَفِّقِ النِّسَاءُ وَالْعَمَلُ عَلَى خِلَافِهِ وَالْمَعْنَى أَيْضًا فَإِنَّ التَّسْبِيحَ يُنَاسِبُ الصَّلَاةَ بِخِلَافِ التَّصْفِيقِ فَرْعٌ مُرَتَّبٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَفْظُ التَّسْبِيحِ سُبْحَانَ اللَّهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَإِنْ قَالَ سُبْحَانَهُ فَقَدْ أَخْطَأَ وَلَا يَصِلُ إِلَى الْإِعَادَةِ وَإِنْ قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ أَوْ كَبَّرَ أَوْ هَلَّلَ فَلَا حَرَجَ

ص: 146

الرَّابِعُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ رَأَيْتُ مَالِكًا إِذَا أَصَابَهُ التَّثَاؤُبُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى فِيهِ وَيَنْفُثُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَلَا أَدْرِي مَا يَفْعَلُهُ فِي الصَّلَاةِ؟ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ إِنَّ اللَّهَ يحب العطاس وَيكرهُ التثاؤب فَإِذا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدُّهُ مَا اسْتَطَاعَ وَلَا يَقُلْ هَا هَا فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ يَضْحَكُ مِنْهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَلْيُمْسِكْ عَلَى فِيهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَأَمَّا النَّفْثُ فَلَيْسَ مِنْ أَحْكَامِ التَّثَاؤُبِ بَلْ رُبَّمَا اجْتَمَعَ الرِّيق فِي فَم الْإِنْسَان فينفثه وَلَو ابتلعه جَازَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْفُثَهُ إِذَا كَانَ صَائِمًا وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْوَاضِحَةِ يَسُدُّ فَاهُ بِيَدِهِ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يَنْقَطِعَ تَثَاؤُبُهُ قَالَ فَإِنْ قَرَأَ حَالَ تَثَاؤُبِهِ فَإِنْ كَانَ يَفْهَمُ مَا يَقُول فمكروه ويجزيه وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْ فَلْيُعِدْ مَا قَرَأَ فَإِنْ لَمْ يُعِدْ فَإِنْ كَانَ فِي الْفَاتِحَةِ لَمْ يُجْزِهِ وَإِلَّا أَجْزَأَهُ الْخَامِسُ قَالَ فِي الْكِتَابِ فَإِذا انْفَلَتَتْ دَابَّتُهُ وَطَلَبَهَا عَلَى الْقُرْبِ بَنَى وَإِلَّا طَلَبَهَا وَابْتَدَأَ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ إِنْ كَانَ الْوَقْتُ ضَيِّقًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَتَمَادَى فِي طلب دَابَّته وَهُوَ فِي الصَّلَاة كالمسابفة وَقَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ هَذَا مُتَّجِهٌ إِلَّا أَنْ يكون لَا يؤيس أَمر الدَّابَّة فيشتغل بِصَلَاتِهِ وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ الْأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ كُنَّا بالأهواز نُقَاتِلُ الْحَرُورَيَّةِ فَبَيْنَمَا أَنَا عَلَى حَرْفِ نَهْرٍ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَإِذَا لِجَامُ دَابَّتِهِ فِي يَدِهِ فَجَعَلَتِ الدَّابَّةُ تُنَازِعُهُ وَجَعَلَ يَتْبَعُهَا قَالَ شُعْبَة هُوَ أَبُو هُرَيْرَة الْأَسْلَمِيُّ فَجَعَلَ الرَّجُلُ مِنَ الْخَوَارِجِ يَقُولُ اللَّهُمَّ افْعَلْ بِهَذَا الشَّيْخِ! فَلَمَّا انْصَرَفَ الشَّيْخُ قَالَ أبي سَمِعْتُ قَوْلَكُمْ وَإِنِّي غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم َ - سِتَّ غَزَوَاتٍ أَوْ سَبْعَ غَزَوَاتٍ أَوْ ثَمَانِيَ غَزَوَاتٍ وَشَهِدْتُ مَسِيرَهُ وَإِنِّي إِنْ كُنْتُ أَرْجِعُ مَعَ دَابَّتِي أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَدَعَهَا تَرْجِعُ إِلَى مَأْلَفِهَا وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ

ص: 147

أحد من الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَفِي أَبِي دَاوُدَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنه عليه السلام كَانَ يُصَلِّي وَالْبَابُ عَلَيْهِ مُغْلَقٌ فَجِئْتُ فَاسْتَفْتَحْتُ فَمَشَى يفتح لِي ثُمَّ رَجَعَ وَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْبَابَ فِي قِبْلَةِ الْبَيْتِ السَّادِسُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَوْ خَافَ عَلَى صَبِيٍّ بِقُرْبِ النَّارِ قَالَ مَالِكٌ يُنْجِيهِ فَإِنِ انْحَرَفَ عَنِ الْقِبْلَةِ ابْتَدَأَ وَإِنْ لَمْ يَنْحَرِفْ بَنَى قَالَ وَإِنْ خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ إِنْ قَطَعَ لَمْ يَقْطَعْ السَّابِعُ قَالَ مَنْ قَرُبَ مِنْهُ صَبِيٌّ فِي الصَّلَاة فلينه عَنهُ فِي الْمَكْتُوبَة وَلَا بَأْسَ بِهِ فِي النَّافِلَةِ لِمَا فِي الْمُوَطَّأ عَن عبَادَة قَالَ رَأَيْته عليه السلام يُصَلِّي وَأُمَامَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - عَلَى عُنُقِهِ فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا زَادَ مُسْلِمٌ يَؤُمُّ النَّاسَ وَتَأَوَّلَهُ مَالِكٌ فِي النَّوَافِلِ وَرَوَى عَنْهُ حَمْلُهُ عَلَى الضَّرُورَةِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ فَرْضٍ وَنَفْلٍ خِلَافَ مَا فِي الْكِتَابِ وَقَدْ زَادَ أَبُو دَاوُدَ بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ عليه السلام فِي الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ وَقَدْ دَعَاهُ بِلَالٌ لِلصَّلَاةِ فَقَامَ فِي مُصَلَّاهُ وَقُمْنَا خَلْفَهُ وَهِيَ فِي مَكَانِهَا فَكَبَّرَ حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ أَخَذَهَا ثُمَّ وَضَعَهَا ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ سُجُودِهِ أَخَذَهَا وَرَدَّهَا فِي

ص: 148

مَكَانِهَا فَمَا زَالَ يَصْنَعُ بِهَا كَذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي حَمْلِ الْمَرْأَةِ وَلَدَهَا فِي الْفَرْضِ تَرْكَعُ بِهِ وَتَسْجُدُ لَا يَنْبَغِي فَإِنْ لَمْ يَشْغَلْهَا عَنِ الصَّلَاةِ لَمْ تُعِدْ وَالَّذِي قَالَهُ إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ إِذَا كَانَ مشدودا لَا يَسْقُطُ إِذَا رَكَعَتْ أَوْ سَجَدَتْ وَإِلَّا فتضعه فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود وتأخذه عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْعَمَلُ مِنْ حيّز الْقَلِيل الَّذِي لَا يعطل الصَّلَاةَ الثَّامِنُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا ابْتَلَعَ طَعَامًا بَيْنَ أَسْنَانِهِ لَمْ يَقْطَعْ ذَلِكَ صَلَاتَهُ وَكَذَلِكَ إِذَا الْتَفَّتْ فِي الصَّلَاةِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ نَقَلَهُ الْبَرَاذِعِيُّ لَا يَلْتَفِتُ وَلَمْ يَقُلْ مَالِكٌ ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَالَ إِذَا الْتَفَتَ وَالِالْتِفَاتُ على ضَرْبَيْنِ لحَاجَة وَهُوَ مُبَاح بِحَدِيث أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه حَيْثُ الْتَفَتَ فِي الصَّلَاةِ فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - فَتَأَخَّرَ وَفِي أَبِي دَاوُدَ ثَوَّبَ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَجَعَلَ عليه السلام يُصَلِّي وَهُوَ يَلْتَفِتُ إِلَى الشِّعْبِ وَكَانَ أَرْسَلَ فَارِسًا إِلَيْهِ مِنَ اللَّيْلِ يَحْرُسُ وَلِغَيْرِ حَاجَةٍ مَكْرُوهٌ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ سَأَلْنَا النَّبِي عليه السلام عَنِ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَصَفَّحَ بِجَسَدِهِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ إِنِ الْتَفَتَ بِجَمِيعِ جسده لم أسأَل ملكا عَنْهُ وَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ يَعْنِي لِأَنَّ رِجْلَيْهِ مَعَ نصفه الأول يكون مُسْتَقْبلا فَهُوَ مُسْتَقْبل عَادَة وَهُوَ

ص: 149

قَول الشَّافِعِي قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِذَا حَوَّلَ رِجْلَيْهِ عَنْ جِهَة الْكَعْبَة بَطل توجهه التَّاسِعُ أَعَابَ فِي الْكِتَابِ تَفْرِيقَ الْقَدَمَيْنِ أَوْ يَكُونُ فِي فِيهِ دِرْهَمٌ أَوْ فِي كُمِّهِ خُبْزٌ أَوْ شَيْءٌ يَحْشُو كُمَّهُ أَوْ يُفَرْقِعُ أَصَابِعَهُ وَغَيْرَهُ لِأَنَّهُ مَنْ فِعْلِ الْفِتْيَانِ وَكَرِهَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ مِنَ الْعَبَثِ الَّذِي تنزه الْمَسَاجِد عَنهُ وَلم يكره أَن يُحَرك رِجْلَيْهِ وَلَا أَنْ يَمْسَحَ التُّرَابَ عَنْ جَبْهَتِهِ أَوْ كَفَّيْهِ وَأَجَازَ مَالِكٌ الصَّلَاةَ فِي الْغَزْوِ وَالْجِهَادِ وَالثُّغُورِ وَمَوَاضِعِ الرِّبَاطِ بِالسَّيْفِ وَبِالْقَوْسِ وَقَالَ لَيْسَ كَالسَّيْفِ وَكَرِهَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَاسْتَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى عَاتِقِهِ عِمَامَتَهُ وَأَجَازَ ابْنُ حَبِيبٍ الصَّلَاةَ بِهِمَا جَمِيعًا وَلَمْ يَرَ بَأْسًا بِتَرْكِ الْعِمَامَةِ وَرَأَى أَنَّ السَّيْفَ وَالْقَوْسَ عَدْلُ الرِّدَاءِ وَأَمَّا فِي الْحَضَرِ فَيُكْرَهُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِلَّا أَنْ يَأْمُرَ بِهِ السُّلْطَانُ لِأَمْرٍ يَنُوبُ فَلَا بَأْسَ وَلْيَطْرَحْ عَلَى السَّيْفِ مَا يَسْتُرُهُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ تَفْرِيقُ الْقَدَمَيْنِ قِلَّةُ وقار وإلصاقهما زِيَادَةُ تَنَطُّعٍ فَيُكَرَهُ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ ذَلِكَ وَاسِعٌ وَكَرِهَ مَا فِي الْفَمِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْقِرَاءَةَ وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْنَعُهُ الدِّرْهَمُ مَخَارِجَ الْحُرُوفِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ فَمَنْ خَشِيَ ذَلِكَ تَجَنَّبَهُ وَحَشْوُ الْكُمِّ يَمْنَعُ هَيْئَةَ السُّجُودِ مِنْ مِرْفَقَيْهِ وَكَرِهَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنْ يَكُونَ فِي كُمِّهِ صَحِيفَةٌ فِيهَا شَعْرٌ فَإِنْ كَانَ ثَمِينًا يَخْشَى عَلَيْهِ حَمَلَهُ وَلَوْ كَانَ حَيَوَانًا نجس الروث كالغراب لم يضرّهُ لِأَن ظَاهر وَبَاطِنُ الْحَيَوَانِ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانُ الْمُذَكَّى إِذَا غَسَلَ ظَاهِرَهُ مِنَ الدَّمِ وَلَا يَضُرُّ مَا فِي بَاطِنِهِ مِنَ الدَّمِ

ص: 150

خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ فِي اعْتِبَارِهِمْ إِيَّاهُ كَدَنِّ الْخَمْرِ وَقَارُورَةٍ مُلِئَتْ نَجَاسَةً وَالْفَرْقُ طَهَارَتُهُ بِخِلَافِهِمَا وَأَمَّا فَرْقَعَةُ الْأَصَابِعِ فَلِمَا وَرَدَ أَنَّ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَفَرْقَعْتُ أَصَابِعِي فَلَمَّا صَلَّى قَالَ لِي لَا أُمَّ لَكَ تُفَرْقِعُ أَصَابِعَكَ وَأَنْتِ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنِ التَّشْبِيكِ وَهُوَ أَخَفُّ مِنْهُ وَكَرِهَهُ مَالِكٌ فِي الصَّلَاةِ دُونَ الْمَسْجِدِ وَفِي أَبِي دَاوُدَ سُئِلَ نَافِعٌ عَنِ الرَّجُلِ يُصَلِّي مشبكا يَده قَالَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ تِلْكَ صَلَاةُ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَفِيهِ عَنْهُ عليه السلام إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وَضَوْءَهُ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يُشَبِّكُ يَدَيْهِ فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ وَقَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَكَذَلِكَ يَنْهَى عَنْ جَعْلِ الْيَدِ عَلَى الْخَاصِرَةِ لِنَهْيِهِ عليه السلام فِي مُسْلِمٍ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا وَأَمَّا مَسْحُ التُّرَابِ إِنْ كَانَ مِنْ بَابِ التَّرَفُّهِ فَمَسْحُهُ مَكْرُوهٌ وَلَهُ أَنْ يُوَطِّنَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ وَرُوِيَ عَنْهُ الْكَرَاهَةُ وَلَمْ يَكْرَهْ تَحْوِيلَ الْخَاتَمِ فِي الْأَصَابِعِ لِضَبْطِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَكَرِهَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ عَمَلٌ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ مِنْهَا وَلَاحَظَ مَالِكٌ عَوْنَهُ عَلَى الصَّلَاةِ وَكَرِهَ التَّرْوِيحَ مِنَ الْحَرِّ فِي الْمَكْتُوبَةِ وَخَفَّفَهُ فِي النَّافِلَةِ وَكَرِهَ الْمَرَاوِيحَ فِي الْمَسْجِدِ وَكَرِهَ قَتْلَ الْعَقْرَبِ وَالْحَيَّةِ وَالطَّيْرِ يَرْمِيهِ وَرُوِيَ عَنْهُ عَدَمُ كَرَاهَةِ قَتْلِ الْعَقْرَبِ وَفِي أَبِي دَاوُدَ أَمَرَنَا عليه السلام بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ الْحَيَّةُ وَالْعَقْرَبُ الشَّرْطُ التَّاسِعُ قَالَ فِي التَّلْقِينِ تَرْتِيبُ الْأَدَاءِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِحْرَامُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعُ قبل السُّجُود وَالسُّجُود قبل السَّلَام وَتَرْتِيبُ الصَّلَاةِ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بِخِلَافِ تَرْتِيب الطَّهَارَة

ص: 151

الشَّرْطُ الْعَاشِرُ الْمُوَالَاةُ فَيَجِبُ إِيقَاعُ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ وَأَرْكَانِهَا يَلِي بَعْضُهَا بَعْضًا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ الرُّعَافَ وَصَلَاةَ الْخَوْفِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَة وَالْمَسْبُوقُ يَنْتَظِرُ الْإِمَامَ فِيمَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ صَلَاتِهِ حَتَّى يُسَلِّمَ ثُمَّ يَقُومُ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ وَالسَّاهِي عَنْ بَعْضِ صَلَاتِهِ يَبْنِي مَا لَمْ يُطِلْ وَقَالَ رَبِيعَةُ يَبْنِي وَإِنْ طَالَ مَا لَمْ يُحْدِثْ فَجَعَلَ الْمُوَالَاةَ وَاجِبَةً مَعَ الذّكر سَاقِطَة مَعَ النسْيَان كَالْوضُوءِ لَا حق بِالشُّرُوطِ وَلَيْسَ مِنْهَا وَهِي السُّتْرَةُ فَإِنَّهَا يَجِبُ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهَا بُطْلَانُ الصَّلَاةِ وَهِيَ مِنْ مَحَاسِنِ الصَّلَاةِ وَفَائِدَتُهَا قَبْضُ الْخَوَاطِرِ عَنِ الِانْتِشَارِ وَكَفُّ الْبَصَرِ عَنِ الِاسْتِرْسَالِ حَتَّى يَكُونَ الْعَبْدُ مُجْتَمِعًا لِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ وَلِهَذَا السِّرِّ شُرِعَتِ الصَّلَاةُ إِلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ مَعَ الصَّمْتِ وَتَرْكِ الْأَفْعَالِ الْعَادِيَّةِ وَمَنَعَ مِنَ الْجَرْيِ إِلَيْهَا وَإِنْ فَاتَتِ الْجَمَاعَةُ وَفَضِيلَةُ الِاقْتِدَاءِ وَمِنْ إِقَامَتهَا مَعَ الْجُوع الْمُبَرِّحِ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْمُشَوِّشَاتِ إِنْ أَمْكَنَ اسْتِدْرَاكُ ذَلِكَ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ تَحْصِيلًا لِأَدَبِ الْقَلْبِ مَعَ الرَّبِّ أَعَانَنَا اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ ثُمَّ الْمَارُّ يَأْثَمُ إِنَّ كَانَتْ لَهُ مَنْدُوحَةٌ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ لَهُ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ أَبُو النَّضِرِ لَا أَدْرِي أَقَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَو سنة وشاركه الْمُصَلِّي فِي الْإِثْمِ إِنْ تَعَرَّضَ لِلْمُرُورِ لِقَوْلِهِ عليه السلام فِي الْمُوَطَّأِ

إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلْيَدْرَأْهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِلَّا أَنْ

ص: 152

يُضْطَرَّ إِلَى ذَلِكَ فَقَدْ كَانَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها تَبْسُطُ رِجْلَيْهَا بَيْنَ يَدَيْهِ عليه السلام وَهُوَ يُصَلِّي وَإِن لم يكن للمار مَنْدُوحَةٌ عَنِ الْمُرُورِ أَثِمَ الْمُصَلِّي وَحْدَهُ وَنَحْوُهُ إِنْ تَعَرَّضَ لِلْمُرُورِ بِعُذْرٍ إِذَا لَمْ يُقَصِّرْ وَالْحَالَاتُ أَرْبَعُ فَاثْنَانِ لَا يَأْثَمَانِ يَأْثَمُ الْمَارُّ وَحْدَهُ يَأْثَمُ الْمُصَلِّي وَحْدَهُ وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ عليه السلام فليقاتله فَقيل إِذا فرغ من الصَّلَاة يغلظ عَلَيْهِ وَقِيلَ يَدْعُو عَلَيْهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {قَاتَلَهُمُ الله أَنى يوفكون} أَيْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَقِيلَ يَدْفَعُهُ دَفْعًا شَدِيدًا أَشد من الدرأة وَلَا يَنْتَهِي إِلَى مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ إِنْ قَرُبَ مِنْهُ يَدْرَأُهُ وَلَا يُنَازِعُهُ فَإِنْ مَشَى لَهُ وَنَازَعَهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ إِذَا تَجَاوَزَهُ لَا يَرُدُّهُ مِنْ حَيْثُ جَاءَ لِأَنَّهُ مروران قَالَ صَاحب الطّراز يدرأه حَالَة الْقيام وروى ابْن الْقَاسِم لَا يدرأه فِي حَالَة السُّجُودِ لِمُنَافَاةِ السُّجُودِ لِذَلِكَ وَإِنَّ مَرَّ بِهِ مَا لَا تُؤثر فِيهِ الْإِشَارَة كالهر دَفعه بِرجلِهِ أَو يلصقه إِلَى الستْرَة لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَزَلْ يَدْرَأُ بَهِيمَةً أَرَادَتْ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى لَصَقَ بَطْنَهُ بِالْجِدَارِ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ لَوْ دَفَعَهُ فَمَاتَ كَانَتْ دِيَتُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ قَالَ وَأَجْرَى عَبْدُ الْحَقِّ هَذَا عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ عَضَّ إنْسَانا

ص: 153

فَأَخْرَجَ الْمَعْضُوضُ يَدَهُ فَكَسَرَ سِنَّ الْعَاضِّ وَالْخِلَافُ جَارٍ فِي كُلِّ مَنْ أُذِنَ لَهُ إِذْنٌ خَاصٌّ فَأَدَّى إِلَى التَّلَفِ هَلْ يَسْقُطُ الْإِذْنُ عَنهُ أثر الْجَنَابَة أَمْ لَا

فَائِدَةٌ قَالَ سِيبَوَيْهِ الشَّيْطَانُ فِي اللُّغَة كل متمرد عَاتٍ من الْجِنّ وَالْإِنْس وَالدَّوَاب وَلَيْسَ هَذَا الِاسْمُ خَاصًّا بِالْجِنِّ وَلَمَّا كَانَ الْمَارُّ فَعَلَ مَا لَا يَلِيقُ وَخَرَقَ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ وَأُبَّهَتَهَا كَانَ ذَلِكَ نَوْعًا مِنَ التَّمَرُّدِ فَسَمَّاهُ عليه السلام شَيْطَانًا وَلَا حَاجَةَ إِلَى قَوْلِ مَنْ يَتَكَلَّفُ الْمَجَازَ فِي الْحَدِيثِ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ فَإِنْ صَلَّى إِلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ فقد خلط بَعْضُ النَّاسِ فَقَالَ لَا يَمُرُّ أَحَدٌ بَيْنَ يَدَيْهِ بِمِقْدَارِ رَمْيَةِ السَّهْمِ وَقِيلَ رَمْيَةُ الْحَجَرِ وَقِيلَ رَمْيَةُ الرُّمْحِ وَقِيلَ بِمِقْدَارِ الْمُطَاعَنَةِ وَقِيلَ بِمِقْدَارِ الْمُضَارَبَةِ بِالسَّيْفِ مُغْتَرِّينَ بِقَوْلِهِ عليه السلام فَلْيُقَاتِلْهُ فَحَمَلُوهُ عَلَى أَنْوَاعِ الْقِتَالِ وَلَيْسَ يَسْتَحِقُّ الْمُصَلِّي سَوَاءَ وَضَعَ سُتْرَةً أَوْ لَمْ يَضَعْهَا سِوَى مِقْدَارِ مَا يَحْتَاجُهُ لِقِيَامِهِ وَرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ

فُرُوعٌ سَبْعَةٌ الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْكِتَابِ الْخَطُّ بَاطِل وَهُوَ قَول جُمْهُور الْفُقَهَاء وَجَوَّزَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ إِذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَأَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ عليه السلام إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلِيَنْصِبْ عَصَاهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فليخطط خَطًّا ثُمَّ لَا يَضُرُّهُ مَا مَرَّ

ص: 154

أَمَامَهُ وَهُوَ مَطْعُونٌ عَلَيْهِ جِدًّا وَالنَّظَرُ يَرُدُّهُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى سُتْرَةً وَلَا يَرَاهُ الْمَارُّ فَيَتَحَرَّزُ بِسَبَبِهِ قَالَ صَاحِبُ النَّوَادِرِ وَالْحُفْرَةُ وَالنَّهْرُ وَكُلُّ مَا لَا يَنْصَبُّ قَائِمًا كَالْخَطِّ لَيْسَ بَسُتْرَةٍ وَاخْتُلِفَ فِي صُورَةِ الْخَطِّ فَقِيلَ مِنَ الْقبْلَة إِلَى دبرهَا وَقيل بالضد وَهُوَ قَول أَحْمد وَقيل قَوس كَهَيْئَةِ الْمَحَارِيبِ الثَّانِي قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمُسَافِرُ إِلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ وَأَمَّا فِي الْحَضَرِ فَلَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِلَّا أَنْ يَأْمَنَ الْمُرُورَ وَرَوَى أَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّة الاستتار مَعَ الْأَمْنِ حُجَّةُ الْأَوَّلُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه عليه السلام قَالَ إِذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلَ مؤخرة الرحل فَليصل وَلَا يُبَالِي مَا يَمُرُّ وَرَاءَ ذَلِكَ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّتْرَةَ لِأَجْلِ الْمُرُورِ فَحَيْثُ لَا مُرُورَ لَا يشرع حُجَّةُ الثَّانِي مَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا لَا يَقْطَعُ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ وَالشَّيْطَانُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَالْحَدِيثُ مُضْطَرِبُ الْإِسْنَادِ وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا الشَّيْطَانِ فَقِيلَ هُوَ الْمُوَسْوِسُ فَيَمْنَعُهُ الْقُرْبَ مِنَ السُّتْرَةِ كَمَا يَمْنَعُهُ غلق الْبَاب من الدُّخُول والعوذ

ص: 155

مِنَ الْأَوَانِي وَالْبَسْمَلَةُ مِنَ الطَّعَامِ وَقِيلَ هُوَ الْمَار ويعضد الأول مَا فِي البُخَارِيّ صلى عليه السلام بِالنَّاسِ بِمِنَى إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ

فَرْعٌ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ إِذَا صَلَّى عَلَى مَكَانٍ عَال فَإِن غَابَتْ عَنهُ رُؤُوس المارين وَإِلَّا عَمِلَ سُتْرَةً فِي السُّطُوحِ الثَّالِثُ قَالَ فِي الْكتاب يجوز للمسبوق أَن يتَقَدَّم أَو يتَأَخَّر وَيَتَيَامَنَ وَيَتَيَاسَرَ لِسَارِيَةٍ يَسْتَتِرُ بِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ أَخَفُّ مِنْ مُدَافَعَتِهِ لِلنَّاسِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ ذَلِكَ إِذَا كَانَتْ قَرِيبَةً الرَّابِعُ قَالَ فِي الْكِتَابِ السُّتْرَةُ قَدْرُ مُؤَخَّرَةِ الرَّحْلِ فِي جِلَّةِ الرُّمْحِ وَالْحَرْبَةِ نَحْوِ عَظْمِ الذِّرَاعِ وَجِلَّةُ الرُّمْحِ أَحَبُّ إِلَيَّ وَاسْتَحَبَّ طُولَ الرُّمْحِ أَوِ الْحَرْبَةِ لما فِي البُخَارِيّ كَانَ عليه السلام إِذَا خَرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ يَأْمُرُ بِالْحَرْبَةِ تُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا وَالنَّاسُ خَلْفَهُ وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ وَفِي الْفَيَافِي قَالَ ابْن حبيب لَا بَأْس لَهَا دُونَ مُؤَخَّرَةِ الرَّحْلِ فِي الطُّولِ وَدُونَ جِلَّةِ الرُّمْحِ فِي الْغِلَظِ وَقَدْ كَانَتِ الْعَنَزَةُ الَّتِي كَانَتْ تُرْكَزُ لَهُ عليه السلام دُونَ الرُّمْحِ فِي الْغِلَظِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ رَقِيقًا جِدًّا وَفِي التَّنْبِيهَاتِ مُؤَخَّرَةُ الرَّحْلِ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَبِالْوَاوِ وَيُقَالُ آخِرَةُ الرَّحْلِ وَهُوَ الْعُودُ الَّذِي خَلْفَ الرَّاكِبَ وَجِلَّةُ الرُّمْحِ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ غِلَظُهُ وَالْعَنَزَةُ الرُّمْحُ الْقصير قَالَ

ص: 156

صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِذَا سَقَطَتِ الْحَرْبَةُ قَالَ مَالِكٌ يُقِيمُهَا إِنْ كَانَ ذَلِكَ خَفِيفًا كَانَ جَالِسًا أَوْ قَائِمًا فَيَنْحَطُّ لَهَا كَمَا يَنْحَطُّ لِلْحَجَرِ لِيَقْتُلَ الْعَقْرَبَ وَكَرِهَ السَّوْطَ فِي الْكِتَابِ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ مَطْرُوحًا فَلَيْسَ بِسُتْرَةٍ كَالْخَطِّ أَوْ قَائِمًا فَلَا يُؤْبَهُ لَهُ بِخِلَافِ الْقَلَنْسُوَةِ الْعَالِيَةِ وَالْوِسَادَةِ قَالَهُ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانُ الطَّاهِرُ الرَّوْثِ جوزه فِي الْعُتْبِيَّةِ بِخِلَافِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَجَوَّزَ أَيْضًا الِاسْتِتَارَ بِظَهْرِ الرَّجُلِ وَتَرَدَّدَ قَوْلُهُ فِي جَنْبِهِ وَمَنَعَ وَجْهَهُ وَجَوَّزَ السُّتْرَةَ بِالصَّبِيِّ إِذَا اسْتَقَرَّ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ وَلَوْ كَانَتْ أُمَّهُ أَوْ أُخْتَهُ وَفِي الْجُلَّابِ لَا يَسْتَتِرُ بِامْرَأَةٍ إِلَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ مَحَارِمِهِ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ لَا يَسْتَتِرُ بِمِرْحَاضٍ وَنَحْوِهِ وَلَا بِنَائِمٍ وَلَا بمجنون وَلَا مأيون فِي دبره وَحَكَاهُ الْمَازِرِيُّ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَزَادَ الْكَافِرَ قَالَ وَيخْتَلف إِذَا كَانَ وَرَاءَ السُّتْرَةِ رَجُلٌ يَتَحَدَّثُ وَمَنَعَ فِي الْكتاب من الصَّلَاة الْحجر الْمُنْفَرِدَ بِخِلَافِ الْحِجَارَةِ الْمُجْتَمِعَةِ لِشَبَهِهِ بِالصَّنَمِ وَالْمَنْعُ من الْقيام لاحْتِمَال الانكشاف وَفِي الْجُلَّابِ الْمَنْعُ مِنْ حِلَقِ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي الْفِقْهِ وَغَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ شَغْلِ الْبَالِ بِخِلَافِ الطَّائِفِينَ بِالْبَيْتِ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عليه السلام صلى مِمَّا يَلِي بَاب بني سهم فَالنَّاس يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِأَنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ قَالَ صَاحب القبس وَلَا يَجْعَل السُّتْرَةَ قُبَالَةَ وَجْهِهِ لِحَدِيثِ الْمِقْدَادِ مَا رَأَيْتُهُ عليه السلام صلى إِلَى شَيْء يصمد إِلَيْهِ صمدا إِنَّمَا كَانَ يَجْعَلُهُ عَلَى يَمِينِهِ أَوْ عَلَى يَسَارِهِ قَالَ وَلَا يَتَقَدَّمُ مِنْ سُتْرَتِهِ كَثِيرًا حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ تَأَخَّرَ وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ الْغَافِلِينَ مِمَّنْ يَنْتَصِبُ لِلتَّعْلِيمِ يَفْعَلُهُ وَهُوَ جَهَالَةٌ لِأَنَّهُ عَمَلٌ فِي الصَّلَاةِ وَقَالَ أَبُو الطَّاهِرِ اخْتَلَفَتِ الْأَحَادِيثُ فِي الَّذِي كَانَ بَيْنَهُ عليه السلام وَبَيْنَ سُتْرَتِهِ فَرَوَى بِلَالٌ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ وَرَوَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ مَمَرُّ الشَّاةِ وَاخْتُلِفَ فِي الْجَمْعِ فَحَمَلَ أَكْثَرُ الْأَشْيَاخِ الْأَوَّلَ عَلَى حَالَةِ الْقِيَامِ وَالثَّانِيَ عَلَى

ص: 157

مِقْدَار مَا يتقى حَالَة السُّجُود وروى أَبُو الطّيب بن خلدون أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ عليه السلام كَانَ إِذا وقف قرب من سترته بالمقدار الثَّانِي فَإِذَا أَرَادَ الرُّكُوعَ بَعُدَ مِنْهَا بِالْمِقْدَارِ الْأَوَّلِ وَكَانَ أَبُو الطّيب هَذَا يَفْعَله وَيرى أَنه عمل يسير للإصلاح لِأَنَّ الدُّنُوَّ مِنَ السُّتْرَةِ أَجْمَعُ لِلْقَلْبِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَا حَدَّ لِلْقُرْبِ مِنَ السُّتْرَةِ لَكِنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ وَحَدَّهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ ثَلَاثَة أَذْرُعٍ لِأَنَّهُ عليه السلام لَمَّا صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ قَالَ وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْكَعْبَةِ لَا تَحْتَاجُ إِلَى سُتْرَةٍ قَالَ وَكَانَ مَالك يُصَلِّي يَوْمًا بَعِيدًا مِنْ سُتْرَتِهِ فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ لَا يعرفهُ فَقَالَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي ادْنُ مِنْ سُتْرَتِكَ فَجَعَلَ مَالِكٌ يَتَقَدَّمُ وَيَقُولُ {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فضل الله عَلَيْك عَظِيما} الْخَامِسُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا أَكْرَهُ الْمُرُورَ بَين الصُّفُوف وَالْإِمَامُ يُصَلِّي لِأَنَّهُ سُتْرَةٌ لَهُمْ قَالَ وَكَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ يَمْشِي بَيْنَ الصُّفُوفِ عَرْضًا حَتَّى يَصِلَ إِلَى الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ يَمْشِي عَرْضًا لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الِاحْتِلَامَ وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - يُصَلِّي لِلنَّاسِ بِمِنًى فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصُّفُوفِ فَنَزَلْتُ وَأَرْسَلْتُ الْأَتَانَ تَرْتَعُ وَدَخَلْتُ فِي الصَّفّ فَلم يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ

ص: 158

أَحَدٌ وَيُؤَكِّدُهُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يُوجِبُ سَهْوُهُ سُجُودًا فَكَذَلِكَ خَلَلُ الْمَأْمُومِ إِذَا اخْتَصَّ بِهِ لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي الصَّلَاةِ وَثَانِيهمَا أَن الْجَمَاعَة لَا تحْتَاج كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَى سُتْرَةٍ إِجْمَاعًا فَكَانَتْ سُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَةً لَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَمُرَّ أَحَدٌ بَيْنَ الْإِمَامِ وَسُتْرَتِهِ كَانَتْ سُتْرَتُهُمْ سَالِمَةً عَنِ الْخَلَلِ فَلَا يَضُرُّهُمْ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ أَبَا الطَّاهِرِ قَدْ حَكَى الْخِلَافَ فِي سُتْرَةِ الْجَمَاعَة هَل هِيَ ستْرَة للْإِمَام فَإِذَا وَقَعَ فِيهَا خَلَلٌ وَقَعَ فِي سُتْرَتِهِمْ أَو هِيَ للْإِمَام فَلَا يَضُرُّهُمُ الْخَلَلُ فِي سُتْرَتِهِ وَلَفْظُ الْكِتَابِ كَمَا سَمِعْتُهُ وَالْإِمَامُ سُتْرَةٌ لَهُمْ السَّادِسُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي وَهُوَ قَوْلُ (ش) وَ (ح) وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ يَقْطَعُهَا الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ وَفِي نَفْسِي مِنَ الْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ شَيْءٌ مُحْتَجًّا بِمَا فِي مُسْلِمٍ إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إِذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مثل مؤخرة الرَّحْلِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ مؤخرة الرَّحْلِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ قَالَ أَبُو ذَرٍّ سَأَلْتُ النَّبِيَّ عليه السلام فَقَالَ الْكَلْب الْأسود شَيْطَان وَزَاد أَبُو دَاوُد الْخِنْزِير وَالْيَهُودِيَّ وَالْمَجُوسِيَّ لَنَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت شبهتمونا بالحمير وَالْكلاب لَقَدْ رَأَيْتُهُ عليه السلام يُصَلِّي وَأَنَا عَلَى السَّرِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ مُنْضَجِعَةٌ فَتَبْدُو لِيَ الْحَاجة فأكره أَن أَجْلِس

ص: 159

فَأُوذَيَهُ عليه السلام فَأَنْسَلُّ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ وَفِي الْمُوَطَّأِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْن عمر رضي الله عنهم لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ فَيَتَرَجَّحُ مَا ذَكَرْنَاهُ بِعَمَلِ الصَّحَابَةِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْهَوَامِّ وَالطُّيُورِ أَوْ يجمع بِحمْل الْقَطْعُ عَلَى قَطْعِ الْإِقْبَالِ عَلَى الصَّلَاةِ بِسَبَبِ الْفِكْرَةِ فِي الْمَارِّ لَا عَلَى الْإِبْطَالِ السَّابِعُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يَتَنَاوَلُ أَحَدٌ شَيْئًا مِنْ بَيْنِ يَدَيِ الْمُصَلِّي لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُرُورِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي قِلَّةِ احْتِرَامِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي اشْتِغَالِ الْمُصَلِّي عَنْهَا وَكَرِهَ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنْ يَتَكَلَّمَ رَجُلٌ عَنْ يَمِينِهِ مَعَ رَجُلٍ عَنْ يَسَارِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ قِلَّةِ الِاحْتِرَامِ قَالَ فِي الْكِتَابِ فَإِنْ كَانَ الْمُصَلِّي هُوَ الْمُنَاوِلَ لِغَيْرِهِ مَنَعَ أَيْضًا لِأَنَّ الْعَيْنَ الْمُتَنَاوَلَةَ تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَشْغَلُهُ عَنِ الصَّلَاةِ

ص: 160

(الْبَابُ الرَّابِعُ فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ)

وَهِيَ عَشَرَةٌ الأول الْقيام وَفِي الْجَوَاهِر يجب الْإِحْرَام وَالْقِرَاءَةِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِقْلَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُومُوا لله قَانِتِينَ} فَإِن اسْتندَ مَعَ الْقُدْرَة وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ أُزِيلَ الْمُسْتَنِدُ إِلَيْهِ سَقَطَ بَطَلَتْ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ التَّارِكِ لِلْقِيَامِ وَإِلَّا لَمْ تَبْطُلْ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِتَنْقِيصِ كَمَالِ الْقِيَامِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ الظَّاهِرُ عِنْدِي فِي الْأَوَّلِ الْإِجْزَاءُ لِأَنَّهُ قِيَامٌ فِي الْعَادَةِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَقُومُ فَقَامَ مُتَّكِئًا حَنَثَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ لَا يُعْجِبُنِي فَمَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الِاسْتِقْلَالِ فَفَرْضُهُ التَّوَكُّؤُ فَإِنْ عَجَزَ انْتَقَلَ إِلَى الْجُلُوسِ مُسْتَقِلًّا فَإِنْ عَجَزَ فَفَرْضُهُ الْجُلُوسُ مُسْتَنِدًا وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَيَتَرَبَّعُ وَفِي الْكِتَابِ إِنْ عَجَزَ عَنِ التَّرَبُّعِ صَلَّى عَلَى قَدْرِ وُسْعِهِ قَاعِدًا أَوْ عَلَى جَنْبِهِ أَوْ ظَهْرِهِ وَرِجْلَاهُ إِلَى الْكَعْبَةِ وَيُومِئُ بِرَأْسِهِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يُرِيدُ إِنْ قَدَرَ أَنْ يَثْنِيَ رِجْلَيْهِ ثناهما وَإِلَّا أقامهما وَإِلَّا أمدهما لِأَنَّهَا كلهَا هيآت الْجُلُوس فَلَا يجوز

ص: 161

لَهُ الْإِخْلَال بهَا وَكَلَامُهُ فِي الْكِتَابِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّرْتِيبِ بَيْنَ الهيآت الْمَذْكُورَاتِ وَهُوَ قَوْلُ (ش) وَ (ح) وَلَمْ يَقُلْ بِالتَّخْيِيرِ أَحَدٌ وَيُوَضِّحْهُ أَنَّ الِاسْتِقْبَالَ مَأْمُورٌ بِهِ وَعَلَى الْجَنْبِ يَسْتَقْبِلُ بِوَجْهِهِ الْكَعْبَةَ وَعَلَى الظَّهْرِ إِنَّمَا يَسْتَقْبِلُ السَّمَاءَ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِنْ عَجَزَ عَنِ الْجَنْبِ الْأَيْمَنِ فَعَلَى الْأَيْسَرِ فَإِنْ عَجَزَ فَعَلَى الظَّهْرِ وَقَالَ (ش) إِنْ عَجَزَ عَنِ الْأَيْمَنِ فَعَلَى الظَّهْرِ وَالتَّرَبُّعُ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَلِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِالْأَدَبِ وَتَمْيِيزٌ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ وَقَالَ (ش)(ح) يَجْلِسُ مِثْلَ جُلُوسِ التَّشَهُّدِ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ حَالَةَ السَّعَةِ فَيَكُونُ أَفْضَلَ حَالَةَ الرَّفَاهِيَةِ وَلِأَنَّهُ مِنْ شَأْنِ الْأَكْفَاءِ وَالِافْتِرَاشُ أَوْلَى بالعبيد قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عبد الحكم واستحبه الْمُتَأَخّرُونَ وَرُوِيَ عَن الشَّافِعِيَّة قَوْلَانِ آخَرَانِ ضَمُّ الرُّكْبَتَيْنِ إِلَى الصَّدْرِ كَالِاحْتِبَاءِ وَضَمُّ رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى ثَانِيًا لِرُكْبَتِهِ الْيُسْرَى كَالْجَالِسِ أَمَامَ الْمُعَلِّمِ

فَائِدَةٌ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَنْتَقِلُ الْقَائِمُ إِلَى الْقُعُودِ بِالْقَدْرِ الَّذِي لَا يُشَوِّشُ عَلَيْهِ الْخُشُوعَ وَالْأَذَكَارَ وَلَا تُشْتَرَطُ الضَّرُورَةُ وَلَا الْعَجْزُ عَنْ إِيقَاعِ صُورَةِ الْقِيَامِ إِجْمَاعًا وَيُشْتَرَطُ فِي الِانْتِقَالِ مِنَ الْجُلُوسِ إِلَى الِاضْطِجَاعِ عُذْرٌ أَشَقُّ مِنَ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الِاضْطِجَاعَ مُنَافٍ لِلتَّعْظِيمِ أَكْثَرَ مِنَ الْقُعُودِ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ فَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ دُونَ الْقِرَاءَةِ اقْتَصَرَ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ كَمَالِ أُمِّ الْقُرْآنِ انْتَقَلَ إِلَى الْجُلُوسِ عَلَى مُقْتَضَى الرِّوَايَاتِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إِنْ قُلْنَا إِنَّهَا فَرْضٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَرْضٌ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ يَكْفِي أَنْ يَقُومَ مِقْدَارَ

ص: 162

وُسْعِهِ إِلَّا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ لِيَأْتِيَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَهَكَذَا يَجْرِي الْكَلَامُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَرْضٌ فِي الْأَكْثَرِ

فُرُوعٌ تِسْعَةٌ الْأَوَّلُ كَرِهَ فِي الْكِتَابِ لِقَادِحِ الْمَاءِ مِنْ عَيْنَيْهِ أَن يُصَلِّي إِيمَاء مُسْتَلْقِيًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنْ فَعَلَ أَعَادَ أَبَدًا قَالَ ابْنُ يُونُسَ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ التَّسْهِيلَ فِي ذَلِكَ وَجَوَّزَهُ أَشْهَبُ وَ (ح) وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ كَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَوْ كَانَ الْيَوْمُ وَنَحْوُهُ لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا وَلَوْ كَانَ يُصَلِّي جَالِسًا وَيُومِئُ فِي الْأَرْبَعِينَ لَمْ أَكْرَهْهُ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ هَذَا الِاسْتِلْقَاءُ يَحْصُلُ الْبُرْءَ غَالِبًا أَمْ لَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَحْصُلُ وَالتَّجْرِبَةُ تَشْهَدُ لِذَلِكَ وَكَمَا جَازَ لَهُ الِانْتِقَالُ مِنَ الْغَسْلِ إِلَى الْمسْح بِسَبَب الفصاد قَالَ التّونسِيّ فَكَذَلِك هَهُنَا قَالَ غَيْرُهُ وَكَمَا جَازَ التَّعَرُّضُ لِلتَّيَمُّمِ بِالْأَسْفَارِ بِسَبَب الأرباح الْمُبَاحَة فههنا أولى الثَّانِي قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا تَشَهَّدَ مِنِ اثْنَتَيْنِ فَيُكَبِّرُ وَيَنْوِي بِذَلِكَ الْقِيَامَ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ مِنْ جُلُوسٍ إِلَى جُلُوسٍ مُبَايِنٍ لَهُ فَلَا يَتَمَيَّزُ إِلَّا بِالنِّيَّةِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجُلُوسِ الْأَوَّلِ فِي كَوْنِهِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ بِخِلَافِ الثَّانِي أَنَّ الْأَوَّلَ أَصْلٌ فَتَتَنَاوَلُهُ النِّيَّةُ الْأُولَى عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَالثَّانِي عَارِضٌ فَيَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ وَلَمَّا كَانَ التَّكْبِير للثالثة يكون حَالَة الْقيام فَتكون هَهُنَا حَالَة التربع وَيَنْوِي بجلوسه الْقيام

ص: 163

الثَّالِثُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ إِذَا افْتَتَحَ عَاجِزًا عَنِ الْقِيَامِ فَقَدَرَ فِي أَثْنَائِهَا قَامَ أَوْ قَادِرًا فَعَجَزَ جَلَسَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم} الرَّابِعُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَوْ كَانَتْ دَارُهُ بِمَقْرُبَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ فَيَأْتِيهِ مَاشِيًا وَيُصَلِّي فِيهِ جَالِسًا قَالَ مَالِكٌ لَا يُعْجِبُنِي قَالَ وَهَذَا فِيهِ تَفْصِيلٌ فَقَدْ رَأَيْنَا مَنْ يُطِيقُ الْمَشْيَ وَلَا يُطِيقُ الْقِيَامَ فَيُصَلِّي هَذَا جَالِسًا فَإِنْ كَانَ يُطِيقُهُ إِلَّا أَنَّ الْإِمَامَ يُطَوِّلُ صَلَّى وَحْدَهُ لِأَنَّ الْقِيَامَ فَرْضٌ وَالْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ وَقَالَهُ (ش) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقِفَ مَا أَطَاقَ فَإِذَا ضَعُفَ جَلَسَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كل رَكْعَة الْخَامِسُ قَالَ لَوْ خَافَ مِنَ الْقِيَامِ انْقِطَاعَ الْعَرَقِ وَدَوَامَ الْعِلَّةِ صَلَّى إِيمَاءً عِنْدَ مُطَرِّفٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ فَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ زَوَالِ الْعَرَقِ لَمْ يُعِدْ وَلَوْ لَمْ يَعْرَقْ إِلَّا أَنَّهُ يَخَافُ مُعَاوَدَةَ عِلَّتِهِ فَكَذَلِك عِنْد ابْن عبد الحكم السَّادِسُ قَالَ لَوْ خَافَ خُرُوجَ الرِّيحِ إِنْ قَامَ قَالَ مُحَمَّدٌ يُصَلِّي جَالِسًا قَالَ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يُوجِبُ وُضُوءًا كَالسَّلَسِ فَكَيْفَ تُتْرَكُ أَرْكَانُ الصَّلَاةِ لِوَسِيلَتِهَا وَلذَلِك أَن الْعُرْيَان يُصَلِّي قَائِما

ص: 164

السَّابِعُ قَالَ لَوْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ وَالسُّجُودِ وَإِن قَامَ شقّ عَلَيْهِ الْجُلُوس وَإِذا جَلَسَ شَقَّ عَلَيْهِ الْقِيَامُ فَإِنْ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ قَائِمًا أَحْرَمَ قَائِمًا لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ ثُمَّ يَرْكَعُ إِنْ قَدَرَ وَإِلَّا أَوْمَأَ ثُمَّ يَسْجُدُ وَيَجْلِسُ وَيُتِمُّ صَلَاتَهُ جَالِسًا وَإِنْ أَدْرَكَتْهُ جَالِسًا أَحْرَمَ جَالِسًا وَأَتَمَّ جَالِسًا لِلْمَشَقَّةِ وَفِي الْجَوَاهِرِ الْإِيمَاءُ قَائِمًا بِالرَّأْسِ وَالظَّهْرِ وَيَحْسِرُ عَنْ جَبْهَتِهِ فِي الْإِيمَاءِ لِلسُّجُودِ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَكِنْ لَوْ سَجَدَ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النُّهُوضِ قَالَ التُّونُسِيُّ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ فِي الْأُولَى ثُمَّ يُتِمُّ جَالِسًا لِأَنَّ السُّجُودَ أَعْظَمُ مِنَ الْقِيَامِ لِمَزِيدِ الْإِجْلَالِ وَالِاتِّفَاقِ عَلَى وُجُوبِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ عليه السلام أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ إِذَا كَانَ سَاجِدًا وَقَالَ غَيْرُهُ يُصَلِّي جُمْلَةَ صَلَاتِهِ إِيمَاءً إِلَّا الْأَخِيرَةَ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ فِيهَا إِذْ لَا بَدَلَ عَنِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ لَهُمَا بَدَلٌ وَهُوَ الْإِيمَاءُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْجُلُوسَ بَدَلٌ مِنَ الْقِيَامِ قَالَ وَجُلُوسُهُ فِي التَّشَهُّدِ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ كَجُلُوسِ الْقَائِمِ وَلَوْ حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فِي الْأَرْضِ ذَاتِ الطِّينِ قَالَ فِي الْبَيَانِ يَسْجُدُ وَيَجْلِسُ عَلَى الطِّينِ وَالْخَضْخَاضِ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي لَا يَغْمُرُهُ وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ تَلْوِيثُ يَدَيْهِ وَلَوْ صَلَّى إِيمَاءً أَعَادَ أَبَدًا وَرَوَى زِيَادٌ عَنْ مَالِكٍ وَحَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَعَمَّنْ لَقِيَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ يُصَلِّي إِيمَاءً كَالْمَرِيضِ الْعَاجِزِ عَنِ الْجُلُوسِ وَالسُّجُودِ قَالَ وَأَرَى لِذِي الثِّيَابِ الرَّثَّةِ لَوْ أَتَى لَا يُفْسِدُهَا الطِّينُ وَلَا يَتَضَرَّرُ بِهِ فِي جِسْمِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِيمَاءُ وَإِلَّا جَازَ قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فِي الَّذِي لَا يَجِدُ الْمَاءَ إِلَّا بِثَمَنٍ لِأَنَّهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ انْتَقَلَ عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ لِحِيَاطَةِ مَالِهِ

ص: 165

الثَّامِن قَالَ فِي الْكتاب إِذا صلى مضجعا أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِيمَاءَ بَدَلٌ لَا بَعْضَ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ فَإِنَّ الْإِيمَاءَ بِالرَّأْسِ لَيْسَ مِنَ السُّجُودِ وَعَلَى هَذَا لَا يَجِبُ فِيهِ اسْتِيفَاءُ الْقُدْرَةِ وَلَوْ صَحَّ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ عِنْدَ ابْنِ سَحْنُونٍ تَحْصِيلًا لِلْأَكْمَلِ وَقِيلَ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أَمر فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْإِيمَاءِ بِرَأْسِهِ أَوْمَأَ بِعَيْنَيْهِ وَقَلْبِهِ وَقَالَ (ح) تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ وَفِي الْجَوَاهِر إِذا لم تبْق إِلَّا النِّيَّة فينوي عندنَا وَعند الشَّافِعِي احْتِيَاطًا وَهُوَ الَّذِي اقْتَضَتْهُ الْمُذَاكَرَةُ وَعِنْدَ (ح) تَسْقُطُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَرَاءَةُ وَلِأَنَّ النِّيَّةَ وَسِيلَةٌ تَسْقُطُ عِنْدَهُ بِسُقُوطِ مَقْصِدِهَا وَيَجِبُ عَلَى الْمُضْطَجِعِ الْإِحْرَامُ وَالْقِرَاءَةُ فَإِنْ عَجَزَ عَنِ النُّطْقِ فَبِقَلْبِهِ وَيُحَرِّكُ لِسَانَهُ مَا اسْتَطَاعَ وَهَذَا وَاجِبٌ عِنْدَ (ش) وَأَشْهَبَ وَالظَّاهِرُ مِنَ الْمَذْهَبِ السُّقُوطُ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ كَلَامٌ عَرَبِيٌّ فَلَا يَأْتِي إِلَّا بِلِسَانٍ وَوُجُوبُ غَيْرِهِ يَحْتَاجُ إِلَى نَصٍّ مِنْ جِهَةِ الشَّرْع التَّاسِعُ كَرِهَ فِي الْكِتَابِ لِلْقَائِمِ فِي الصَّلَاةِ تَنْكِيسَ الرَّأْسِ وَلَمْ يُعَيِّنْ لِبَصَرِهِ جِهَةً مُعَيَّنَةً وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهِ وَبَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ يَضَعُهُ فِي جِهَةِ قِبْلَتِهِ وَمَذْهَبُ (ش) وَ (ح) يُسْتَحَبُّ لَهُ وَضْعُهُ مَوْضِعَ سُجُودِهِ وَفِي جُلُوسِهِ إِلَى حِجْرِهِ لَنَا أَنَّ عَدَمَ الدَّلِيلِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَلَمْ يَرِدْ دَلِيلٌ فِي ذَلِكَ وَفِي مُسْلِمٍ قَالَ عليه السلام لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ رَفْعِ أَبْصَارِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَا تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ وَوَجْهُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ أَنَّهُ أُمِرَ بِاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِجُمْلَتِهِ وَمِنْهَا

ص: 166

بَصَرُهُ وَأَمَّا تَنْكِيسُ الرَّأْسِ فَلَيْسَ فِيهِ اسْتِقْبَالُ بِالْوَجْهِ وَقَدْ قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه ارْفَعْ بِرَأْسِكَ فَإِنَّ الْخُشُوعَ فِي الْقَلْبِ الرُّكْنُ الثَّانِي تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَدْخُلُ بِهَا فِي حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا كَانَ قَبْلَهَا مُبَاحا لَهُ كَالْكَلَامِ وَالْأكل وَالشرب وَمن قَول الْعَرَب أصبح وَأمسى إِذَا دَخَلَ فِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ وَأَنْجَدَ وَأَتْهَمَ إِذَا دَخَلَ نَجْدًا وَتِهَامَةَ وَكَذَلِكَ أَحْرَمَ إِذَا دَخَلَ فِي حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ أَوِ الْحَجِّ وَالدَّاخِلُ يُسَمَّى مُحْرِمًا فِيهِمَا فَهَذِهِ الْهَمْزَةُ لِلدُّخُولِ فِي الشَّيْءِ الْمَذْكُورِ مَعَهَا وَتَنْعَقِدُ الصَّلَاةُ بِقَوْلِنَا اللَّهُ أَكْبَرُ إِجْمَاعًا وَزَادَ (ش) الْأَكْبَرُ وَأَبُو يُوسُفَ الْكَبِيرُ وَ (ح) اللَّهُ أَجَلُّ وَأَعْظَمُ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَمَنَعَ مِنَ الِانْعِقَادِ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي النداء نَحْو يَا رَحْمَن وَجَوَّزَ ابْنُ شِهَابٍ الِاقْتِصَارَ عَلَى النِّيَّةِ دُونَ لَفْظِ أَلْبَتَّةَ لَنَا عَلَى الْفَرْقِ مَا فِي أَبِي دَاوُدَ مِنْ قَوْلِهِ عليه السلام مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ أَنَّ الْمُبْتَدَأَ يَجِبُ انْحِصَارُهُ فِي الْخَبَرِ فَيَنْحَصِرُ سَبَبُهُ فِي التَّكْبِيرِ فَلَا يَحْصُلُ بِغَيْرِهِ فَيَبْطُلُ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَنَقُولُ لِغَيْرِهِمْ إِنْ كَانَ التَّكْبِيرُ تَعَبُّدًا فَيجب أَنْ يَتْبَعَ فِعْلَهُ عليه السلام وَالْأُمَّةُ بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ قِيَاسٍ وَلَا تَصَرُّفٍ وَإِلَّا فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْأَكْبَرِ لِوُجُودِ الثَّنَاءِ فِي غَيْرِهِ كَمَا قَالَت الْحَنَفِيَّة وَأَيْضًا فينتقض بقولنَا الْأَكْبَر اللَّهُ فَإِنَّهُ أَبْلَغُ مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَلَا يَقُولُونَ بِهِ وَكَذَلِكَ اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقُولُوا ذَلِكَ فِي أَلْفَاظِ الْفَاتِحَةِ وَفِي الرُّكْنِ فروع ثَمَانِيَة الْأَوَّلُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَا يُجْزِئُ إِشْبَاعُ فَتْحة الْبَاء

ص: 167

حَتَّى يَصِيرَ أَكْبَارُ بِالْأَلْفِ فَإِنَّ الْأَكْبَارَ جَمْعُ كُبَرٍ وَالْكُبَرُ الطَّبْلُ وَلَوْ أَسْقَطَ حَرْفًا وَاحِدًا لَمْ يُجْزِهِ أَيْضًا وَوَافَقْنَا (ش) فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَأما قَول الْعَامَّة الله وَكبر فَلَهُ مَدْخَلٌ فِي الْجَوَازِ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ إِذَا وليت الضمة جَازَ أَن تقلب واوا الثَّانِي قَالَ إِذَا أَحْرَمَ بِالْعَجَمِيَّةِ وَهُوَ يُحْسِنُ الْعَرَبيَّة لَا يجْزِيه عِنْدَنَا وَعِنْدَ (ش) خِلَافًا لِ (ح) فَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُهَا فَعِنْدَ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ يَدْخُلُ بِالنِّيَّةِ دُونَ الْعَجَمِيَّةِ وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ (ش) يَدْخُلُ بِلُغَتِهِ لَنَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمِ وَلِأَنَّ الْمَطْلُوبَ لَفْظُ التَّكْبِيرِ دُونَ مَعْنَاهُ فَقَدْ يَكُونُ الْعَجَمِيُّ مَوْضُوعًا لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعَرَبِيَّةِ

فَرْعٌ مُرَتَّبٌ قَالَ لَوْ كَبَّرَ هَذَا بِالْعَجَمِيَّةِ وَسَبَّحَ أَوْ دَعَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَقَدْ أَنْكَرَ مَالِكٌ فِي الْكِتَابِ جَمِيعَ ذَلِكَ لِنَهْيِ عُمَرَ رضي الله عنه عَنْ رَطَانَةِ الْأَعَاجِمِ وَقَالَ إِنَّهَا خِبٌّ قَالَ صَاحِبُ التَّنْبِيهَات الرطانة بِفَتْح الرَّاء وَكسرهَا مَعًا وَفَتَحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ كَلَامُهُمْ بِلِسَانِهِمْ وَالْخِبُّ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ بِوَاحِدَةٍ أَي مكر وخديعة قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَقَدْ تَأَوَّلَ جَوَازَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْكِتَابِ وَهُوَ فَاسِدٌ وَيَجِبُ عَلَى الْعَجَمِيِّ أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ مَا يَحْتَاجُهُ لِصَلَاتِهِ وَغَيْرِهَا فَإِنْ أَسْلَمَ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَخَّرَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَتَعَلَّمَ كَعَادِمِ الْمَاءِ الرَّاجِي لَهُ آخِرَ الْوَقْتِ إِنْ كَانَ يَجِدُ آخِرَ الْوَقْتِ مَنْ يُصَلِّي بِهِ وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ لَهُ التَّأْخِيرُ قَالَ فَلَوْ كَانَ بِلِسَانِهِ عَارِضٌ

ص: 168

يَمْنَعُهُ مِنَ النُّطْقِ بِالرَّاءِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ التَّكْبِيرُ لِأَنَّ كَلَامَهُ يُعَدُّ تَكْبِيرًا عِنْدَ الْعَرَبِ فَلَوْ كَانَ مَقْطُوعَ اللِّسَانِ أَوْ لَا يَنْطِقُ إِلَّا بِالْبَاء سقط عَنهُ وَقَالَ الشَّافِعِي يُحَرك لِسَانه مَا أمكنه الثَّالِثُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا نَسِيَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ مَعَ الْإِمَامِ وَكَبَّرَ لِلرُّكُوعِ نَاوِيًا بِذَلِكَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ أَجْزَأَتْهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ مَضَى مَعَ الْإِمَامِ وَأَعَادَ الصَّلَاةَ وَإِنْ لَمْ يُكَبِّرْ أَلْبَتَّةَ كَبَّرَ وَكَانَ مِنَ الْآنَ دَاخِلًا فِي الصَّلَاةِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ نَوَى الْإِحْرَامَ وَالرُّكُوعَ مَعًا وَقَالَ (ش) هَذَا لَا يُجْزِئُ لِلْإِشْرَاكِ فِي النِّيَّةِ لَنَا أَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَنِيَّتَهَا حَاصِلَانِ فَلَا يَضُرُّ الْقَصْدَ إِلَى قُرْبَةٍ أُخْرَى كَمَا لَوْ نَوَى إِسْمَاعَ الْغَيْرِ فَلَوْ وَقَعَتْ هَذِهِ التَّكْبِيرَةُ الْمُشْتَرَكَةُ فِي الِانْحِطَاطِ قَالَ الْبَاجِيُّ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ ويجزيه لِأَنَّهُ ابْتَدَأَهَا فِي آخِرِ أَجْزَاءِ الْقِيَامِ وَقَالَ ابْن الْمَوَّاز لَا يجْزِيه لِأَنَّ الْقِيَامَ الَّذِي يَخْتَصُّ بِالْإِحْرَامِ لَا يَتَحَمَّلُهُ الْإِمَامُ عَنِ الْمَأْمُومِ وَقَالَ (ش) إِذَا أَتَى بِحَرْفٍ وَاحِدٍ مُنْحَنِيًا لِلرُّكُوعِ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْمَكْتُوبَةِ وَقَوْلُ الْبَاجِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يَدْخُلُ بِأول حرف وَهِي مَسْأَلَةُ خِلَافٍ فَمَنْ جَعَلَهَا جُزْءًا مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ يدْخل بِأول حرف وَمن جعلهَا سَبَب الدُّخُول فِي الصَّلَاة لَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ السَّبَبُ لِلدُّخُولِ فَلَوْ كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ وَلَمْ يَنْوِ الْإِحْرَامَ وَذكر وَهُوَ

ص: 169

رَاكِعٌ قَالَ فِي الْكِتَابِ يَتَمَادَى لِاحْتِمَالِ الصِّحَّةِ عَلَى رَأْيِ ابْنِ شِهَابٍ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ يَرْفَعُ وَيُكَبِّرُ ثُمَّ يَرْكَعُ لِأَنَّهُ قَطْعٌ لِلشَّكِّ وَإِذَا قُلْنَا يَرْجِعُ فَظَاهِرُ الْعُتْبِيَّةِ بِغَيْرِ سَلَامٍ تَرْجِيحًا لِلْبُطْلَانِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِسَلَامٍ تَرْجِيحًا لِلصِّحَّةِ عَلَى رَأْيِ ابْنِ شِهَابٍ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى رَفَعَ فَالْمَشْهُورُ يَتَمَادَى وَخَيَّرَهُ أَبُو مُصْعَبٍ بَيْنَ الْقَطْعِ وَالتَّمَادِي مَعَ الْإِعَادَةِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْجُمُعَةِ يَقْطَعُ وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَالَ أَيْضًا يَتَمَادَى وَيُعِيدُ ظُهْرًا لِلِاحْتِيَاطِ لِلْجُمْعَةِ وَأَمَّا إِعَادَتُهَا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فَهُوَ الْمَشْهُورُ وَهَلْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحب الطّراز أَو النّدب قَالَ وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْجُلَّابِ وَصَاحِبِ النُّكَتِ لِأَنَّ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ تُجْزِئُ عَنْ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لِمَنْ نَسِيَهَا عِنْد ابْن الْمُسَبّب وَلَا تُجْزِئُ عِنْدَ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرحمان كَمَا فِي الْكِتَابِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ سَحْنُونٌ الْمَعْرُوف مَكَان ابْن الْمُسَبّب ابْنُ شِهَابٍ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ وَخرج المسئلة على اشْتِرَاط مُقَارنَة النِّيَّة للتكبير فَمن اشْترط أَوْجَبَ وَمَنْ لَا فَلَا لِأَنَّهُ قَصَدَ الصَّلَاةَ عِنْدَ الْقِيَامِ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِقَصْدِ الصَّلَاةَ وَكَبَّرَ لِلرُّكُوعِ لَمْ يجزه عِنْد ربيعَة قَالَ وَإِنَّمَا مدرك المسئلة هَلْ تَفْتَقِرُ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ إِلَى نِيَّةٍ غَيْرَ نِيَّةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ مَذْهَبُ رَبِيعَةَ أَوْ لَا تَفْتَقِرُ وَهُوَ مَذْهَبُ سَعِيدٍ قَالَ

ص: 170

وَنَقَلَ أَبُو سَعِيدٍ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ عِنْدَ رَبِيعَةَ وَلَيْسَ فِي الْكِتَابِ إِلَّا الْإِعَادَةَ فَيُحْتَمَلُ الِاحْتِيَاطُ وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى ابْنِ شِهَابٍ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ كَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ

تَنْبِيهٌ قَوْلُ صَاحِبِ الطَّرَّاز إِنَّ صَاحِبَ الْجُلَّابِ قَالَ بِالنَّدْبِ مُشْكِلٌ لِأَنَّ ابْنَ الْجُلَّابِ قَدْ قَالَ يُعِيدُ إِيجَابًا فَصَرَّحَ بِالْإِيجَابِ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ النَّقْلُ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ سَهْوٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُ شِهَابٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ وَصَاحِبُ التَّنْبِيهَاتِ يُجْزِئُ عِنْدَهُمَا مَعًا فَعَلَى هَذَا لَا سَهْوَ وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُوَطَّأِ وَالْمُدَوَّنَةِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَلَوْ ذَكَرَ وَهُوَ رَاكِعٌ فَكَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ فَقَدْ أَخْطَأَ وَيُلْغِي تِلْكَ الرَّكْعَةَ وَيَقْضِيهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ تُجْزِئُهُ قَالَ وَكَذَلِكَ إِذَا ذَكَرَ وَهُوَ سَاجِدٌ فَكَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ وَأَنْكَرَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْإِحْرَامِ الْقِيَامَ قَالَ وَالَّذِي قَالَهُ مُحَمَّدٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ عليه السلام لَمْ يَشْتَرِطْ مَعَ الْإِحْرَامِ قِيَامًا وَإِنَّمَا الْقِيَامُ رُكْنٌ فِي الرَّكْعَةِ فَإِذَا لَمْ تَبْطُلْ لِفَوَاتِهِ لَا تَبْطُلُ لِذَهَابِهِ مِنَ الْإِحْرَامِ قَالَ فَإِنْ لَمْ يُكَبِّرْ لِلْإِحْرَامِ وَلَا لِلرُّكُوعِ لَمْ تُجْزِهِ تَكْبِيرَةُ السُّجُودِ إِلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْإِمَامَ يَحْمِلُهَا وَلَا يَكْتَفِي بِصُورَةِ التَّكْبِيرِ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهَا لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَقْتَرِنَ بِهَا مَا يعْتد بِهِ من صلَاته وَهَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى رَكَعَ الثَّانِيَةَ وَكَبَّرَ لِرُكُوعِهَا فَهَلْ تَكُونُ الثَّانِيَةُ كَالْأُولَى فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُحْرِمُ

ص: 171

وَلَا يَقْطَعُ بِسَلَامٍ وَلَا كَلَامٍ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ يَتَمَادَى وَيَقْضِي رَكْعَةً ثُمَّ يُعِيدُ وَسَوَّى بَيْنَهُمَا قَالَ وَالْأول أَبْيَنُ فَإِنَّ التَّكْبِيرَ صَادَفَ قِيَامَ النِّيَّةِ الْحُكْمَيَّةِ وَاتَّصَلَ بِفِعْلٍ مُعْتَدٍّ بِهِ قَالَ فَإِنْ قِيلَ لَمْ لَا يَحْمِلُ الْإِمَامُ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ كَالْقِرَاءَةِ مَعَ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ قُلْنَا حَمَلَ الإِمَامُ فَرْعَ صِحَّةِ صَلاةِ الْمَأْمُومِ وَلَمْ تَصِحَّ لَهُ صَلاةٌ قَبْلَ التَّكْبِيرِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مصادرة فَإِنَّ الْخَصْمَ لَا يَقُولُ صَحَّتْ بِالنِّيَّةِ بَلْ يَقُولُ الْقِرَاءَةُ لَهَا بَدَلٌ حَالَةَ الْجَهْرِ وَهُوَ السَّمَاعُ وَالْقَدْرُ الْمَقْصُودُ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَحَالَةُ السِّرِّ وَهُوَ تَوَفُّرُهُ عَلَى الْخُشُوعِ وَالْفِكْرَةِ فِي الْمُثُولِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى فَحَمَلَهَا الْإِمَامُ لِوُجُودِ مَا يُخَلِّفُهَا وَالتَّكْبِيرَةُ لَا بَدَلَ لَهَا وَلِأَنَّ الْمَأْمُومَ مُفْتَقِرٌ إِلَى لَفْظٍ يَخْرُجُ بِهِ مِنَ الصَّلَاةِ وَلَا يَحْمِلُهُ الْإِمَامُ وَهُوَ السَّلَامُ فَيَفْتَقِرُ إِلَى لَفْظٍ يَدْخُلُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَحْمِلْهُ الْإِمَامُ وَهُوَ التَّكْبِيرُ تَسْوِيَةً بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ قَدْ فَقَدَ فِيهَا مَعْنَى التَّسْوِيَةِ وَبِهَذَا الْفَرْقِ فَرَّقْنَا بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لَمَّا قَاسَهَا الْحَنَفِيَّةُ عَلَيْهِ فِي عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إِلَى السَّلَام الرَّابِعُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا نَسِيَ الْإِمَامُ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَكَبَّرَ لِلرُّكُوعِ وَكَبَّرَ مَنْ خَلْفَهُ لِلْإِحْرَامِ أَعَادَ جَمِيعُهُمِ الصَّلَاةَ وَكَذَلِكَ لَوْ نَوَى بِتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ الْإِحْرَامَ لِأَنَّهُ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ بِالرُّكُوعِ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَقِيَامُ الْإِمَامِ نَائِبٌ عَنْهُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ أَبُو الْفَرَجِ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَأَمَّا عَلَى غَيْرِهِ فَتُجْزِئُهُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي رَكْعَةٍ أَلْغَاهَا فَإِنَّهُ يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ وَهَلْ يُعِيد أم لَا يتَخَرَّج على مسئلة السَّهْو عَن الْقِرَاءَة الْخَامِس إِذا كبر ظَانّا بِأَن الْإِمَامَ قَدْ كَبَّرَ ثُمَّ كَبَّرَ الْإِمَامُ أَعَادَ صلَاته إِلَّا أَنْ يُكَبِّرَ

ص: 172

بَعْدَهُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَا يُعِيدُ عَلَى القَوْل بِحمْل الإِمَام تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَوَافَقَ الْمَشْهُور (ح) وَللشَّافِعِيّ قَوْلَانِ وَإِذَا كَبَّرَ بَعْدَهُ فَفِي الْكِتَابِ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَ وَعَنْ سَحْنُونٍ وَ (ش) أَنه يسلم كَأَنَّهُ عَقَدَ الصَّلَاةَ فِي الْجُمْلَةِ فَأَشْبَهَ مَنْ أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِنَّهَا تَنْعَقِدُ نَافِلَةً حُجَّةُ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ إِنَّمَا عَقَدَ صَلَاتَهُ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ حِينَئِذٍ صَلَاةٌ بِلَا عَقْدٍ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْحَلِّ قَالَ وَلَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ ظَانًّا أَنَّهُ فِي التَّشَهُّدِ قَالَ أَشْهَبُ لَيْسَ عَلَيْهِ الِاسْتِئْنَافُ وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذَا بُنِيَ عَلَى أَمْرٍ ثَبَتَ وَانْقَضَى وَالْأَوَّلُ بُنِيَ عَلَى أَمْرٍ لَمْ يَدْخُلِ الْوُجُودَ أَلْبَتَّةَ كَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إِحْرَامُهُ بنية الْإِتْمَام وَإِنْ كَانَ لَمْ يُشَارِكْهُ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِسَهْوِ الْإِمَامِ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ وَلَهُ إِعَادَتُهَا فِي جَمَاعَةٍ قَالَ وَلَوْ أَحْرَمَ جَمَاعَةٌ قَبْلَ إِمَامِهِمْ ثُمَّ أَحْدَثَ إِمَامُهُمْ فَقَدِمَ أَحَدُهُمْ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ ابْنِ سَحْنُون وَكَذَلِكَ إِن صلوا أفذاذا لِفَسَادِ إِحْرَامِهِمْ قَالَ فَلَوْ لَمْ يُحْرِمْ بَعْدَ إِمَامِهِ حَتَّى رَكَعَ وَنَوَى بِتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ الْإِحْرَامَ أَوْ لَمْ يَنْوِ يَجْرِي الْحُكْمُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَإِنْ لَمْ يُكَبِّرْ لِلرُّكُوعِ وَلَا لِلسُّجُودِ فَمُقْتَضَى قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي الْقَطْعِ إِلَى سَلَامٍ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ السَّلَامُ أَحَبُّ إِلَيَّ قَالَ قَالَ التُّونُسِيُّ جَعَلَ الرُّكُوعَ يَنْوِي الْإِحْرَامَ قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَصَاحِبُ النُّكَتِ إِنَّمَا قَالَ فِي الْكتاب يُجزئ الْمَأْمُومَ تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ إِذَا نَوَى بِهَا الْإِحْرَامَ إِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ قَائِمًا لِأَنَّ الْقِيَامَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَلَا يَحْمِلُهُ الْإِمَامُ أَمَّا إِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ بَعْدَ الْقِيَامِ فِي الرُّكُوعِ فَلَا يُجْزِئُهُ لتَركه الْقيام السَّادِسُ قَالَ فَلَوْ أَحْرَمَا مَعًا أَعَادَ بَعْدَهُ عِنْد مَالك و (ش) خلافًا لأبي

ص: 173

حنيفَة مُلْحِقًا الْإِحْرَامَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَإِنَّمَا الْمَمْنُوعُ السَّبْقُ لَنَا قَوْلُهُ عليه السلام فِي الْمُوَطَّأِ

إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ وَجَوَابُ الشَّرْطِ أَيْضًا بَعْدَهُ وَأَمَّا الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فَإِنَّا وَإِنِ اسْتَحْبَبْنَا تَقَدُّمَ الْإِمَامِ فِيهِمَا فَلَا يَتَأَخَّرُ الْمَأْمُومُ حَتَّى يَنْقَضِيَ لِطُولِ الْأَفْعَالِ فَلَا تَحْصُلُ الْمُتَابَعَةُ فِيهِمَا عَلَى الْكَمَالِ إِلَّا كَذَلِكَ وَأَمَّا الْأَقْوَالُ كَالتَّكْبِيرِ كُلِّهِ وَالسَّلَامِ وَالتَّأْمِينِ فَيَتَأَخَّرُ الْمَأْمُومُ عَنْ جُمْلَتِهَا لِضِيقِ زَمَانِهَا وَذَلِكَ هُوَ الِاتِّبَاع عَادَة فِي الْفَصْلَيْنِ قَالَ وَإِذَا قُلْنَا يُعِيدُ التَّكْبِيرَ فَهَلْ يُسَلِّمُ قَبْلَ ذَلِكَ يَتَخَرَّجُ عَلَى مَا إِذَا تَمَادَى عَلَى إِحْرَامِهِ هَلْ يُعِيدُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى سَلَامٍ أَوْ يُجْزِئُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَيَحْتَاجُ إِلَى السَّلَامِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إِنْ لَمْ يَسْبِقْهُ الْإِمَامُ بِحرف بطلت صلَاته قَالَ وَهَذَا مَبْنِيّ على أصل هَلْ يَدْخُلُ الْمُصَلِّي فِي الصَّلَاةِ بِالْهَمْزَةِ الْأُولَى أَوْ لَا يَدْخُلُ إِلَّا بِالرَّاءِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ اللَّهُ ثُمَّ شَغَلَهُ السُّعَالُ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ فَرَكَعَ مَعَهُ لَمْ يُجْزِهِ وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْفَرْع هَل تَكْبِيرَة الْإِحْرَام ركن أَو شَرط فَقَوله عليه السلام تَحْرِيمهَا التَّكْبِير فإضافة التَّحْرِيم إِلَيْهَا يَقْتَضِي شَرْطِيَّتَهَا قَالَ وَكَذَلِكَ السَّلَامُ أَيْضًا هَلْ هُوَ مِنَ الصَّلَاةِ أَمْ لَا وَيُؤَكِّدُ الشَّرْطِيَّةَ افْتِقَارُهُ إِلَى النِّيَّةِ الْمُخَصَّصَةِ بِهِ وَكَوْنِ الْمَسْبُوق تقدمه كَالنِّيَّةِ وَالطَّهَارَةِ بِخِلَافِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يُؤَخِّرُهُ حَتَّى يُسَلِّمَ الْإِمَامُ وَلَا يَحْمِلُهُ الْإِمَامُ بِخِلَافِ أَذْكَارِ الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ السَّلَامُ يَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ تَخُصُّهُ وَلَا يَتْبَعُ الْمَسْبُوقُ الْإِمَامَ فِيهِ بَلْ يُؤَخِّرُهُ حَتَّى يَفْرُغَ وَلَا يَحْمِلُهُ الْإِمَامُ وَيَشْرُعُ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ مُتَيَامِنًا فِيهِ قَالَ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَى رُكْنِيَّتِهِ بِأَنَّ شُرُوطَ الصَّلَاةِ شُرُوطُهُ

ص: 174

أَيْضا كالطهارة والستارة وَالْقِبْلَةِ وَمُقَارَنَةِ النِّيَّةِ وَدُخُولِ الْوَقْتِ وَأَمَّا اخْتِصَاصُهُ وَاخْتِصَاصُ السَّلَامِ بِالنِّيَّةِ فَلِتَعْيِينِ حَالَةِ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ وَالْخُرُوجِ مِنْهَا وَلَا يُسَلِّمُ الْمَسْبُوقُ مَعَ الْإِمَامِ لِئَلَّا يَخْرُجَ مِنَ الصَّلَاةِ قَبْلَ تَمَامِهَا وَلَا يَحْمِلُهَا الْإِمَامُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَصِيرُ مَأْمُومًا بِالتَّكْبِيرِ وَيَجِبُ السَّلَامُ عَلَيْهِ تَسْوِيَةً بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُمَا طَرَفَا الصَّلَاةِ وَشُرِعَ فِيهِ التَّيَامُنُ تَنْبِيهًا عَلَى الْخُرُوجِ قَالَ وَإِذَا كَانَتْ رُكْنًا دَخَلَ الْمُصَلِّي فِي الصَّلَاةِ بِحَرَكَةِ الْهَمْزَةِ حَتَّى يَقَعَ التَّكْبِيرُ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَّا أَنْ يَمْنَعَ مَانِعٌ مِنْ تَمَامِهَا كَمَا يَدْخُلُ فِي الصَّوْمِ بِأَوَّلِ جُزْءٍ من النَّهَار وَهُوَ من الصَّوْم قَالَ وَقَول ابْن الْقَاسِم يُجزئهُ أَوْجَهُ لِأَنَّ إِحْرَامَهُ قَارَنَ إِحْرَامَ الْإِمَامِ مَوْجُودًا أَمَّا لَوْ سَلَّمَا مَعًا فَيُعِيدُ أَبَدًا عِنْدَ أصبغ وَيجْرِي فِيهِ الِاخْتِلَاف الَّذِي فِي الْإِحْرَامِ وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ السَّابِعُ قَالَ لَوْ أَحْرَمَ أَحَدُهُمَا مُؤْتَمًّا بِالْآخَرِ ثمَّ شكا عِنْدَ التَّشَهُّدِ فِي أَيِّهِمَا الْإِمَامُ قَالَ سَحْنُونٌ يَتَفَكَّرَانِ مِنْ غَيْرِ طُولٍ فَإِنْ طَالَ أَوْ سَلَّمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ بَطَلَتْ صَلَاةُ السَّابِقِ لِأَنَّهُ سَلَّمَ عَلَى شَكٍّ وَالْمُتَأَخِّرُ إِنْ كَانَ إِمَامًا فَلَا يَضُرُّهُ تَقَدُّمَ الْمَأْمُومِ وَإِنْ كَانَ مَأْمُوما فقد صَادف الحكم فَلَو كَانَا مُسَافِرًا وَمُقِيمًا وَشَكَّا بَعْدَ رَكْعَتَيْنِ قَالَ سَحْنُونٌ يُسَلِّمُ الْمُسَافِرُ وَيُعِيدُ وَيُتِمُّ الْمُقِيمُ لِأَنَّهُ لَوْ أَتَمَّ أَتَمَّ مَعَ شَكِّهِ وَلَيْسَ هُوَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ إِكْمَالِ الصَّلَاةِ فِي حَقِّهِ الثَّامِنُ قَالَ لَوْ شَكَّ الْمُصَلِّي فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ أَمَّا الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ فَهُمَا

ص: 175

كَالْمُتَيَقِّنِ لِعَدَمِ التَّكْبِيرِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيَمْضِيَانِ وَيُعِيدَانِ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ كَبَّرَا لِلرُّكُوعِ أَمْ لَا إِلَّا أَنْ يَذْكُرَا قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَا فَيُعِيدَانِ التَّكْبِيرَ وَالْقِرَاءَةَ وَقَالَ سَحْنُونٌ يَتَمَادَى الْإِمَامُ وَهُوَ يَتَذَكَّرُ فَإِذَا سَلَّمُوا سَأَلَ الْقَوْمَ فَرَأى ابْن الْقَاسِم أَن الْعَمَل على الشَّك لَا يُجزئهُ وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي وَرَأَى غَيْرُهُ احْتِمَالَ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ إِن ذكر قبل أَن يرْكَع قَطَعَ بِسَلَامٍ وَأَحْرَمَ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى رَكَعَ وَكَبَّرَ لِلرُّكُوعِ تَمَادَى وَأَعَادَ وَإِنْ لَمْ يُكَبِّرْ فَقَالَ أَصْبَغُ يَقْطَعُ وَابْنُ حَبِيبٍ لَا يَقْطَعُ وَيَتَمَادَى لِاحْتِمَالِ الصِّحَّةِ وَيُعِيدُ لِاحْتِمَالِ الْبُطْلَانِ

نَظَائِرٌ سِتَّةٌ قَالَ الْمَازِرِيُّ إِذَا شَكَّ فِي فِي الْإِحْرَامِ أَوْ فِي الطَّهَارَةِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ زَادَ فِيهَا رَكْعَةً عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا ثُمَّ تَبَيَّنَ عَدَمُ الزِّيَادَةِ أَوْ فَسَادُ الْأُولَى أَوْ سَلَّمَ مِنِ اثْنَتَيْنِ سَاهِيًا وَصَلَّى بَقِيَّةَ صَلَاتِهِ بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ أَوْ أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ ثُمَّ أَكْمَلَهَا بِنِيَّةِ الْعَصْرِ ثُمَّ تَبَيَّنَ الصَّوَابَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَفِي الْجَمِيعِ قَوْلَانِ وَالْبُطْلَانُ إِذَا زَادَ عَامِدًا أَوْ أَكْمَلَ بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ أَرْجَحُ لِفَسَادِ النِّيَّةِ وَمُعْتَمَدُ الْخِلَافِ فِي الْجَمِيعِ النَّظَرُ إِلَى حُصُولِ الصَّوَابِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَتَصِحُّ أَوْ عَدَمُ تَصْمِيمِ الْمُصَلِّي عَلَى الْعِبَادَةِ فَتبْطل

الرُّكْن الثَّالِث الْقِرَاءَة وفيهَا فروع ثَمَانِيَة الْأَوَّلُ الْبَسْمَلَةُ وَفِيهَا أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ الْوُجُوبُ لِ (ش) وَالْكَرَاهَةُ لِمَالِكٍ وَالنَّدْبُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا وَالْأَمْرُ بِهَا سِرًّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يَقْرَأُ الْبَسْمَلَةَ فِي الْمَكْتُوبَةِ سِرًّا وَلَا جَهْرًا إِمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي النَّافِلَةِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَا يَخْتَلِفُ فِي جَوَازِهَا فِي النَّافِلَةِ وَأَنَّهَا لَا

ص: 176

تُفْسِدُ الْفَرِيضَةَ وَقَالَ (ش) وَابْنُ شِهَابٍ هِيَ آيَة من الْفَاتِحَة وَللشَّافِعِيّ فِيمَا عَدَا الْفَاتِحَةِ قَوْلَانِ وَقَالَ أَحْمَدُ لَيْسَتْ آيَةً إِلَّا فِي النَّمْلِ لَنَا وُجُوهٌ خَمْسَةٌ أَحَدُهَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ أَنَسٌ صَلَّيْتُ خلف النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ فَكَانُوا يستفتحون بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين لَا يذكرُونَ بِسم الله الرحمان الرَّحِيم فِي أَوَّلِ الْقِرَاءَةِ وَلَا فِي آخِرِهَا الثَّانِي مَا فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعْتُهُ عليه السلام يَقُولُ مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ هِيَ خِدَاجٌ هِيَ خِدَاجٌ غَيْرُ تَمَامٍ قَالَ أَبُو السَّائِب مولى هِشَام ابْن زُهْرَةَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إِنِّي أَحْيَانًا أَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ قَالَ فَغَمَزَ ذِرَاعِي ثُمَّ قَالَ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ يَا فَارِسِيُّ قَالَ سَمِعْتُهُ عليه السلام يَقُولُ قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى

قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ فَنِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ قَالَ عليه السلام اقْرَءُوا يَقُولُ الْعَبْدُ الْحَمْدُ لله رب الْعَالمين يَقُول الله حمدني عَبدِي يَقُول العَبْد الرحمان الرَّحِيم يَقُولُ اللَّهُ أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي يَقُولُ الْعَبْدُ مَالك يَوْم الدّين يَقُولُ اللَّهُ مَجَّدَنِي عَبْدِي يَقُولُ الْعَبْدُ إِيَّاكَ نعْبد وَإِيَّاك نستعين فَهَذِهِ الْآيَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ يَقُول العَبْد اهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالّين فَهَذِهِ لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ وَسَاقَ الْحَدِيثَ وَالْقِسْمَةُ لَيْسَتْ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لِعَدَمِ ذِكْرِهَا وَلَا فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ مِنَ الْأَذْكَارِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الصَّلَاةِ اسْتُعْمِلَ مَجَازًا فِي الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ إِمَّا مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالْجُزْءِ عَنِ الْكُلِّ لِأَنَّ الدُّعَاءَ جُزْؤُهَا أَوِ التَّعْبِيرِ بِالْكُلِّ عَنِ الْجُزْءِ لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ جُزْءُ

ص: 177

الصَّلَاةِ وَلَمْ يَذْكُرِ الْبَسْمَلَةَ فِيهَا فَلَيْسَتْ مِنْهَا فَإِنْ قِيلَ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ الْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ وَاللُّغَوِيَّةُ لَيْسَتَا مُرَادَتَيْنِ إِجْمَاعًا فَلَمْ يَبْقَ سِوَى الْمَجَازِ وَهُوَ عِنْدَنَا مَجَازٌ عَنِ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ الَّتِي هِيَ الدُّعَاءُ إِلَى قِرَاءَةٍ مَقْسُومَةٍ بِنِصْفَيْنِ وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ جُمْلَةَ الْفَاتِحَةِ أَوْ بَعْضَهَا فَيَحْتَاجُ إِلَى التَّرْجِيحِ وَهُوَ مَعَهَا فَإِنَّ بَعْضَهَا أَقْرَبُ إِلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ كُلِّهَا وَالْأَقْرَبُ إِلَى الْحَقِيقَةِ أَرْجَحُ فَيَبْقَى الْبَعْضُ الْآخَرُ غَيْرُ مَذْكُورٍ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ الثَّانِي أَنَّ الصَّلَاةَ لَيْسَتْ مَقْسُومَةً اتِّفَاقًا فَيَكُونُ ثُمَّ إِضْمَارٌ تَقْدِيرُهُ قَسَمْتُ بَعْضَ قِرَاءَةِ الصَّلَاةِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجِبِهِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ التَّجَوُّزَ عَنِ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَن كل من أُطْلِقَ لَفْظُهُ حُمِلَ عَلَى عُرْفِهِ وَلِذَلِكَ حَمَلْنَا قَوْله عليه السلام لَا يقبل الله صَلَاة بِغَيْرِ طَهُورٍ عَلَى الصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ وَثَانِيهِمَا أَنَّ التَّجَوُّزَ عَنِ الْكُلِّ إِلَى الْجُزْءِ أَوْلَى مِنَ الْجُزْءِ إِلَى الْكُلّ لِحُصُولِ الِاسْتِلْزَامِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَعَلَى هَذَا يَكُونُ اسْتِيعَابُ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ أَقْرَبُ إِلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ بَعْضِهَا وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ الْمَجَازَ أَوْلَى مِنَ الْإِضْمَارِ كَمَا تقرر فِي علم الْأُصُول الثَّالِث أَن الفاءات هِيَ الْفَاصِلَةُ بَيْنَ الْآيِ فَلَوْ كَانَتِ الْبَسْمَلَةُ مِنَ الْفَاتِحَةِ لَكَانَتِ الْآيَاتُ ثَمَانِيَةً وَهُوَ بَاطِلٌ لِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ تَسْمِيَتُهَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِالسَّبْعِ الْمَثَانِي وَالثَّانِي أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَسَمُ اللَّهِ تَعَالَى يَكْمُلُ عِنْدَ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وَلَيْسَ كَذَلِك الرَّابِعُ أَنَّ الْقَوْلَ بِمَا يُفْضِي إِلَى التَّكْرَارِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ وَهُوَ فِي {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ ثَنَاء على الله بِالرَّحْمَةِ فِي الْفِعْل

ص: 178

المبسل عَلَيْهِ وَالثَّانِي ثَنَاء اللَّهِ تَعَالَى بِالرَّحْمَةِ لِكُلِّ مَرْحُومٍ فَلَا تَكْرَارَ الْخَامِسُ إِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ تُقَامُ بَيْنَهُمْ مِنْ عَهْدِهِ عليه السلام إِلَى زَمَنِ مَالِكٍ مَعَ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ الَّذِي يَسْتَحِيلُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ فَنَقْلُهُمْ لِذَلِكَ بِالْفِعْلِ كَنَقْلِهِمْ لَهُ بِالْقَوْلِ فَيَحْصُلُ الْعِلْمُ فَلَا يُعَارِضُهُ شَيْءٌ مِنْ أَخْبَار الْآحَاد احْتَجُّوا بِوُجُوه أَحدهَا إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى كَتْبِهَا فِي الْمُصْحَفِ وَالْإِرْسَالِ بِهِ إِلَى الْبِلَادِ احْتِرَازًا لِلْقُرْآنِ وَضَبْطًا لَهُ فَتَكُونُ مِنَ الْقُرْآنِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَكْتُبُوهَا فِي أَوَّلِ بَرَاءَةٌ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهَا مِنْهَا الثَّانِي مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ قَالَ صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَرَأَ بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم ثُمَّ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ أَنِّي لأشبهكه بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - الثَّالِثُ مَا فِي التِّرْمِذِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ عليه السلام يستفتح الصَّلَاة بِسم الله الرحمان الرَّحِيمِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأُولَى أَنَّهَا لَمَّا أُنْزَلَتْ فِي النَّمْل أَمر عليه السلام لَا يكْتب كتابا إِلَّا ابْتُدِئَ بِهَا فِيهِ فَجَرَى الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ عَلَى ذَلِكَ كَمَا هُوَ الْيَوْمُ وَبِذَلِك رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ قُلْتُ لعُثْمَان مَا بالكم كتبتم بِسم الله الرحمان الرَّحِيمِ وَأَسْقَطْتُمُوهَا مِنْ بَرَاءَةٌ فَقَالَ مَا تَحَقَّقْتُ هَلْ هِيَ سُورَةٌ عَلَى حِيَالِهَا أَمْ هِيَ وَالْأَنْفَالُ سُورَةٌ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ أَحَدٌ مِمَّنِ اشْتَرَطَ الصِّحَّةَ وَحَدِيثُهُ فِي الْمُوَطَّأِ يُوهِنُ هَذَا الْحَدِيثَ وَعَنِ الثَّالِثِ أَنَّهُ ضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ

ص: 179

إِن ذَلِك فِي النَّافِلَة وَاسع فعل ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَوْ فِي الْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ حِكَايَةُ الْبَاجِيِّ عَنِ الْعِرَاقِيِّينَ حُجَّةُ الْأَوَّلُ مَا فِي أَبِي دَاوُدَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ كَانَ عليه السلام يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَعُمُوم اللَّام يَشْمَلُ الْفَرْضَ وَالنَّفْلَ

تَنْبِيهٌ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ يَعْتَمِدُونَ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالتَّوَاتُرِ وَالْبَسْمَلَةُ لَيْسَتْ مُتَوَاتِرَةً فَلَا تَكُونُ قُرْآنًا وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ دَلِيلٌ قَاطِعٌ وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ قَوْلَهُمُ الْقُرْآنُ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالتَّوَاتُرِ إِنْ أَخَذُوهُ كُلِّيَّةً انْدَرَجَتْ فِيهَا صُورَةُ النِّزَاعِ فَالْخَصْمُ يَمْنَعُ الْكُلِّيَّةَ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى صُورَةِ النِّزَاعِ أَوْ جُزْئِيَّةً لَمْ تُفِدْ شَيْئًا إِذْ لَعَلَّ صُورَةَ النِّزَاعِ فِيمَا بَقِيَ غَيْرُ الْجُزْئِيَّةِ وَمِمَّا يُوَضِّحُ لَكَ فَسَادَهُ أَنَّ مَنْ زَادَ فِي الْقُرْآنِ مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ كَافِرٌ إِجْمَاعًا وَكَذَلِكَ مَنْ نقص مِنْهُ مَا هومنه فَكَانَ يَلْزَمُ تَكْفِيرُنَا أَوْ تَكْفِيرُ خَصْمِنَا وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ مَلْزُومًا لِلتَّوَاتُرِ بَلْ عِنْدَ الْخَصْمِ الْقُرْآنُ يَثْبُتُ بِالتَّوَاتُرِ وَبِغَيْرِ التَّوَاتُرِ فَمُصَادَرَتُهُ عَلَى ذَلِكَ لَا تجوز لِأَنَّهُ يَقُول إِن الْبَسْمَلَة لَيست مُتَوَاتِرَةً وَهِيَ قُرْآنٌ وَنَحْنُ أَيْضًا نَقُولُ هِيَ غير متواترة وَلَا يكفر مثبتها من الْقُرْآن

ص: 180

فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّنَا غَيْرُ جَازِمِينَ بِأَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالتَّوَاتُرِ الثَّانِي قَالَ فِي الْكِتَابِ يَتَعَوَّذُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ إِنْ شَاءَ وَلَا يَتَعَوَّذُ أَحَدٌ فِي الْمَكْتُوبَةِ وَيَجُوزُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ وَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ يَتَعَوَّذُونَ فِيهِ خِلَافًا لِ (ش) وَ (ح) لَنَا مَا تَقَدَّمَ فِي الْبَسْمَلَةِ مِنَ النُّصُوصِ وَعَمَلِ الْمَدِينَةِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ فِي النَّافِلَةِ فَأَجَازَهُ فِي الْكِتَابِ وَكَرِهَهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَإِذَا تَعَوَّذَ فَهَلْ يَجْهَرُ بِهِ كَالْقِرَاءَةِ أَوْ كَالتَّسْبِيحِ لَهُ قَوْلَانِ فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُسِرُّهُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَجْهَرُ بِهِ وَيَتَعَوَّذُ فِي جُمْلَةِ الرَّكَعَاتِ عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ وَ (ش) لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الْقِرَاءَةِ وَيَخْتَصُّ بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى عِنْدَ (ح) لِأَنَّهُ لِافْتِتَاحِ الصَّلَاةِ حُجَّةُ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآن فاستعذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم} حُجَّةُ الثَّانِي أَنَّ الْمُهِمَّ صَرْفُ الشَّيْطَانِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَنِ الصَّلَاةِ وَقَدْ حَصَلَ وَلَفْظُهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَ (ش) وَ (ح) أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَعِنْدَ الثَّوْرِيِّ أَعُوذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَمَذْهَبُ الْجَمَاعَةِ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ الْكِتَابِ فَيَكُونُ أَوْلَى الثَّالِثُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى قَوْلِ عُمَرَ حِينَ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ قَالُوا لَهُ إِنَّكَ لَمْ تَقْرَأْ قَالَ كَيْفَ كَانَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ قَالُوا حَسَنًا قَالَ فَلَا بَأْس إِذن وَيُعِيدُ بَعْدَ الْوَقْتِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَرُوِيَ عَنْهُ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ إِنَّ الصَّلَاةَ صَحِيحَةٌ قَالَ الْمَازرِيّ وَقَالَ

ص: 181

ابْنُ شَبْلُونَ إِنَّ أُمَّ الْقُرْآنِ لَيْسَتْ فَرْضًا مُحْتَجًّا بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فَرْضًا لَمَا حَمَلَهَا الإِمَام فَإِن الإِمَام لَا يحمل الْفُرُوض ولقضية عُمَرَ رضي الله عنه وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَحْمِلُ الْقِيَامَ وَهُوَ فَرْضٌ وَلِأَنَّ الْحَمْلَ رُخْصَةٌ فَيَقْتَصِرُ بِهَا عَلَى مَحَلِّهَا جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الْوُجُوبِ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ الْمَتْرُوكَ لِعُمْرَ رضي الله عنه يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْجَهْرُ دُونَ الْقِرَاءَةِ حُجَّةُ الْمَذْهَبِ الْمُتَقَدّم مِنَ الْحَدِيثِ فِي الْبَسْمَلَةِ الرَّابِعُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا لَمْ يُحَرِّكُ لِسَانَهُ فَلَيْسَ بِقِرَاءَةٍ وَقَالَهُ (ش) لِأَنَّ الْمَعْهُودَ مِنَ الْقِرَاءَةِ حُرُوفٌ منظومة وَالَّذِي فِي النَّفْسِ لَيْسَ بِحُرُوفٍ فَإِنْ حَرَّكَ لِسَانَهُ وَلَمْ يَسْمَعْ نَفْسَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّة يُجزئهُ والاسماع يسير أَحَبُّ إِلَيَّ وَقَالَهُ (ش) فَلَوْ قَطَعَ لِسَانَهُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَ فِي نَفْسِهِ خِلَافًا لِ (ش) وَأَشْهَبَ لِأَنَّ الَّذِي فِي النَّفْسِ لَيْسَ بِقِرَاءَةٍ وَإِذَا لم تجب الْقِرَاءَة فيختلف فِي وُقُوفه تَخْرِيجًا عَلَى الْأُمِّيِّ قَالَهُ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَفِي الْجَوَاهِرِ الْأَبْكَمُ يَدْخُلُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ الْخَامِسُ قَالَ فِي الْكِتَابِ مَنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي رَكْعَةٍ مِنَ الصُّبْحِ أَوْ رَكْعَتَيْنِ مَنْ غَيْرِهَا أَعَادَ الصَّلَاةَ فَإِنْ تَرَكَ فِي

ص: 182

رَكْعَةٍ مِنْ غَيْرِ الصُّبْحِ اسْتُحِبَّ الْإِعَادَةُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ إِذَا كَانَتْ حَضَرِيَّةً وَأَتَمَّهَا بِالسُّجُودِ وَقَالَ أَيْضًا فِي الْكِتَابِ يُلْغِيهَا ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَا هُوَ بِالْبَيِّنِ وَالْأَوَّلُ أَعْجَبُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ الَّذِي اسْتَحَبَّ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ السُّجُودَ قَبْلَ السَّلَامِ وَالْإِعَادَةَ وَكَانَ عِنْدَهُمَا إِعَادَةُ الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ أَبْعَدُ أَقَاوِيلِ مَالِكٍ قَالَ سَحْنُونٌ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ أَعْجَبُ إِلَيْهِ مُرَادُهُ قَوْلُهُ الْأَخِيرُ بِالسُّجُودِ وَعَلَيْهِ جُلُّ أَصْحَابِنَا وَنَقَلَ أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ رَأْيَ ابْنَ الْقَاسِمِ بإلغاء الرَّكْعَةِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَمُرَادُهُ بِالْقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةُ وَفِي الْجَوَاهِرِ هِيَ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ يَعْنِي فِي التَّلْقِينِ وَفِي الْأَكْثَرِ عَلَى رِوَايَةٍ وَفِي رَكْعَةٍ عِنْدَ الْمُغْيِرَةِ وَكَلَامُ التَّلْقِينِ وَالْجَوَاهِرِ هُوَ رَأْيُ الْعِرَاقِيِّينَ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْكِتَابِ كَمَا تَرَى وَوَافَقْنَا (ش) عَلَى وُجُوبِهَا وَقَالَ (ح) سُنَّةٌ يَسْجُدُ لِسَهْوِهَا وَالْوَاجِبُ مُطْلَقُ الْقِرَاءَةِ نَحْوَ نِصْفِ آيَةٍ وَرُوِيَ عَنْهُ آيَةٌ وَرَوَى آيَةٌ طَوِيلَةٌ أَوْ ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٍ وَلَا تَجِبُ الْقِرَاءَةُ عِنْدَهُ إِلَّا فِي رَكْعَتَيْنِ فَقَطْ مُلَاحَظَةً لِأَصْلِ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَالزَّائِدُ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ شُرِعَ عَلَى الْخِفَّةِ لَنَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ

ص: 183

حُجَّةُ (ح) قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ من الْقُرْآن} وَلِأَنَّ الْفَاتِحَةَ مَدَنِيَّةٌ وَكَانَتِ الصَّلَاةُ قَبْلَهَا صَحِيحَةٌ إِجْمَاعًا فَلَا يَرْتَفِعُ الْإِجْمَاعُ إِلَّا بِمُعَارِضٍ رَاجِحٍ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِرَاءَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ صِحَة الصَّلَاة مَعْنَاهُ لم يدل دَلِيل حِينَئِذٍ اشْتِرَاطَ الْفَاتِحَةِ وَذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَيَكْفِي فِي رَفْعِهَا أَدْنَى دَلِيلٍ وَقَدْ بَيَّنَّا رَفْعَهَا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَأَمَّا وَجْهُ اقْتِصَارِ الْوُجُوبِ عَلَى رَكْعَةٍ فَهُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلِأَنَّهُ نَظَرٌ وَاجِبٌ فَلَا يَتَكَرَّرُ كَالتَّحْرِيمِ وَالسَّلَامِ وَجه الْوُجُوب فِي كل رَكْعَة قَوْله عليه السلام فِي مُسْلِمٍ لِلْإِعْرَابِيِّ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ

قُمْ وَاسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ وَسَاقَ الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَلِأَنَّهَا لَمَّا وَجَبَتْ فِي رَكْعَةٍ وَجَبَتْ فِي جُمْلَةِ الرَّكَعَاتِ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَجه الْوُجُوب فِي الْأَكْثَر أَنَّهَا مسئلة اجْتِهَادٍ فَيُسْتَحَبُّ تَرْكُ الْأَقَلِّ وَوَجْهُ السُّجُودِ أَنَّ أقل أحوالها أَن يلْحق بِالسُّنَنِ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَا تَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ وَتُسْتَحَبُّ فِي السِّرِّ دُونَ الْجَهْرِ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ لَا يَقْرَؤُهَا فِيهِمَا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَا تَجِبُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْمَأْمُومِ عَلَى الْإِطْلَاقِ عِنْدَ مَالِكٍ وَ (ح) وَقَالَ (ش) تَجِبُ الْفَاتِحَةُ عَلَيْهِ لِعُمُومِ النُّصُوصِ وَفِي أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ صلى عَلَيْهِ

ص: 184

السَّلَام الصُّبْحَ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ إِنِّي أَرَاكُم تقرؤون وَرَاء إِمَامِكُمْ قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِي وَاللَّهِ قَالَ فَلَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَفِي النَّسَائِيِّ أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى بَعْضَ الصَّلَوَاتِ الَّتِي يَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ لَا يَقْرَأُ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِذَا جَهَرَ الْإِمَامُ إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ لَنَا قَوْله تَعَالَى {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا} وَالْخلاف فِي الْجَهْر والسر وَاحِدٌ وَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ عليه السلام انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ هَلْ قَرَأَ مَعِي مِنْكُمْ أَحَدٌ آنِفًا فَقَالَ رَجُلٌ نَعَمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ إِنِّي أَقُول مَا لي أنازع الْقُرْآن فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ الْقِرَاءَةِ مَعَهُ عليه السلام فِيمَا جَهَرَ فِيهِ وَفِي مُسْلِمٍ أَقِيمُوا الصُّفُوفَ ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا قَرَأَ فانصتوا وَقَوله عليه السلام الأيمة ضُمَنَاءُ وَالضَّمَانُ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْفَاتِحَةِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ فِيمَا ذَكَرُوهُ أَنَّ الْعُمُومَاتِ مَخْصُوصَةٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّهُ طَعَنَ فِي سَنَدِهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا السَّادِسُ فِي

ص: 185

الْجَوَاهِرِ مَنْ لَمْ يُحْسِنِ الْقِرَاءَةَ وَجَبَ عَلَيْهِ تَعَلُّمُهَا فَإِنْ لَمْ يَسَعِ الْوَقْتُ ائْتَمَّ بِمَنْ يُحْسِنُهَا وَفِي الطَّرَّازِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَلَّمَ وَلَا يتوانى لِأَنَّهَا من فروض الصَّلَاة وَيَنْبَغِي لَهُ أَن لَا يُصَلِّيَ وَحْدَهُ قَالَ فَإِنْ صَلَّى وَحْدَهُ وَهُوَ يَجِدُ مَنْ يَأْتَمُّ بِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَمْ تُجْزِهِ وَأَعَادَهَا هُوَ وَمَنِ ائْتَمَّ بِهِ كَذَلِك قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ سَحْنُون فَرْضه ذكر الله تَعَالَى وَهُوَ قَوْلُ (ش) وَعِنْدَ الْأَبْهَرِيِّ وَصَاحِبِ الطَّرَّازِ لَا يَجِبُ التَّعْوِيضُ قِيَاسًا عَلَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ إِذَا تَعَذَّرَتْ وَلِأَنَّ الْبَدَلَ يَفْتَقِرُ إِلَى نَصٍّ وَالَّذِي رُوِيَ من ذَلِك فِي حَدِيث الْأَعرَابِي المسئ لِصَلَاتِهِ زِيَادَةٌ لَمْ تَصِحَّ وَإِذَا لَمْ يَجِبِ الْبَدَلُ فَعِنْدَ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ يَقِفُ وُقُوفًا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْقِيَامَ وَسِيلَةُ الْقِرَاءَةِ وَإِذَا بَطَلَ الْمَقْصِدُ بَطَلَتِ الْوَسِيلَةُ وَعِنْدَ (ح) يَجِبُ الْوُقُوفُ بِقَدْرِ آيَةٍ وَفِي الْمَبْسُوطِ يَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ وَيَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى فَلَوِ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ كَمَا أُمِرَ فَطَرَأَ عَلَيْهِ الْعِلْمُ بِهَا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ بِأَنْ يَكُونَ شَدِيدَ الْحِفْظِ وَسَمِعَ مَنْ يَقْرَؤُهَا فَلَا يَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ قَالَ صَاحِبَ الطَّرَّازِ وَكَذَلِكَ لَوْ نَسِيَ الْقِرَاءَةَ ثُمَّ ذَكَرَهَا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ كَالْعَاجِزِ عَنِ الْقِيَامِ فَتَطْرَأُ عَلَيْهِ الْقُدْرَةُ وَقَالَ (ح) يَقْطَعُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِأَنَّهُ عَقَدَ إِحْرَامَهُ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصَّلَاةِ فَلَوِ أُرْتِجَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ غَيْرُهَا فَأَرَادَ أَنْ يَبْتَدِئَ السُّورَةَ مِنْ أَوَّلِهَا ثُمَّ تَذَكَّرَ كَأَن يسْتَأْنف الْقِرَاءَة وَيَبْنِي على رفض النِّيَّة هَل تُؤَثِّرُ فِي الْإِبْطَالِ أَمْ لَا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ مُفْتَقِرَةٌ إِلَى نِيَّةٍ فَأَثَّرَ فِيهَا الرَّفْضُ وَالْقِرَاءَةُ لَا تَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا الرَّفْضُ وَهُوَ قَوْلُ (ش) فَلَوْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ إِلَّا بِالْعَجَمِيَّةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ خِلَافًا لِ (ح) مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ

ص: 186

تَعَالَى {إِن هَذَا لفي الصُّحُف الأولى} {وَإنَّهُ لفي زبر الْأَوَّلين} وَلَمْ تَكُنْ فِيهَا عَرَبِيَّةٌ وَلِأَنَّ الْإِعْجَازَ يُرَادُ لِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَقْصُودًا فِي الصَّلَاةِ بَلِ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالِاتِّعَاظُ وَهُمَا حَاصِلَانِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْأَوَّلَ مَعَارَضٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فاقرءوا مَا تيَسّر من الْقُرْآن} وَالْقُرْآنُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ الْعَرَبِيُّ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ الْإِعْجَازَ مُرَادٌ فِي حَقِّ الْمُصَلِّي لِاسْتِصْحَابِ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِمَا لَوْ نَظَمَ لِلثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى شِعْرًا وَبِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِ الْقُرْآنِ السَّابِعُ فِي الْجَوَاهِرِ لَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ وَيُعِيدُ مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ أَبَدًا وَقَالَهُ فِي الْكِتَابِ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ لِأَنَّهَا تَفْسِيرٌ وَمَنْ قَرَأَ بِتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ بطلت صلَاته وَقَالَ أَشهب فِي الْمَجْمُوعَة من صَلَّى بِالتَّوْرَاةِ أَوِ الْإِنْجِيلِ أَوِ الزَّبُورِ وَهُوَ يُحْسِنُ الْقُرْآنَ أَوْ لَا يُحْسِنُهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ كَالْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ الثَّامِنُ كَرِهَ فِي الْكِتَابِ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَقَبْلَ الْقِرَاءَةِ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ وَفِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ بَعْدَ إِحْرَامِهِ وَهُوَ قَول (ح) رحمه الله وَجه الْمَشْهُور مَا تَقَدَّمَ فِي الْبَسْمَلَةِ الرُّكْنُ الرَّابِعُ الرُّكُوعُ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ انْحِنَاءُ الظَّهْرِ قَالَ الشَّاعِرُ

(أَلَيْسَ وَرَائِي إِنْ تَرَاخَتْ مَنِيَّتِي

لُزُومُ عَصًا تَحْنِي عَلَيْهَا الْأَصَابِعُ)

(أَخْبَرَ أَخْبَارَ الْقُرُونِ الَّتِي مَضَتْ

أَدَبٌ كَأَنِّي كُلَّمَا قُمْتُ رَاكِعُ)

ص: 187

دَلِيلُ وُجُوبِهِ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنُوا ارْكَعُوا واسجدوا} وَمِنَ السُّنَّةِ قَوْلُهُ عليه السلام ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا وَالْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ وَفِي الْجَوَاهِرِ أَقَلُّهُ أَنْ تَنَالَ رَاحَتَاهُ رُكْبَتَيْهِ أَوْ يقربا مِنْهُمَا وَأَكْمَلُهُ اسْتِوَاءُ الظَّهْرِ وَالْعُنُقِ وَيَنْصِبُ رُكْبَتَيْهِ وَيَضَعُ كَفَّيْهِ عَلَيْهِمَا وَيُجَافِي مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ وَلَا يُجَاوِزُ فِي الِانْحِنَاءِ الِاسْتِوَاءَ وَفِي الرُّكْنِ فروع ثَلَاثَة الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا عَجَزَ عَنِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ دُونَ الْقِيَامِ يُومِئُ قَائِمًا لِلرُّكُوعِ طَاقَتَهُ وَيَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَإِذَا قَدَرَ عَلَى الْجُلُوسِ أَوْمَأَ لِلسُّجُودِ وَيَتَشَهَّدُ تَشَهُّدَيْهِ جَالِسًا وَإِلَّا صَلَّى صَلَاتَهُ كُلَّهَا قَائِمًا يُومِئُ لِلسُّجُودِ أَخْفَضُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَاخْتُلِفَ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْإِيمَاءِ الطَّاقَةَ أَوْ يَأْتِي بالحركات بَدَلا عَن الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْكِتَابِ وَالْأَوَّلُ لِمَالِكٍ أَيْضًا وَ (ش) وَجْهُ الْمَذْهَبِ الْقِيَاسُ عَلَى الْمُسَايَفَةِ وَصَلَاةِ النَّافِلَةِ وَهُمَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِمَا وَأَمَّا الزِّيَادَة للسُّجُود فقياسا على الْمُبدل مِنْهُ الثَّانِي قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى الْقِرَاءَةُ فِي الرُّكُوعِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَكَرِهَ مَالِكٌ الدُّعَاءَ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ لُبْسِ الْقِسِيِّ وَعَنِ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ وَعَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوع وروى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ

نُهِيْتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ

ص: 188

قَاعِدَةٌ اللَّهُ سبحانه وتعالى غَنِيٌّ عَنْ خَلْقِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَا تَنْفَعُهُ الطَّاعَةُ وَلَا تَضُرُّهُ مَعْصِيّة لَكِنَّهُ أَمَرَنَا سبحانه وتعالى أَنْ نُظْهِرَ الذُّلَّ وَالِانْقِيَادَ لِجَلَالِهِ فِي حَالَاتٍ جَرَتِ الْعَادَاتُ بِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِذَلِكَ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْمُبَادَرَةِ إِلَى الْأَوَامِرِ وَالْمُبَاعَدَةِ عَنِ النَّوَاهِي وَأَنْ نَتَأَدَّبَ مَعَهُ فِي الْحَالَاتِ الَّتِي تَقْتَضِي الْأَدَبَ عَادَةً وَلِذَلِكَ قَالَ عليه السلام اسْتَحْيِ مِنَ اللَّهِ كَمَا تَسْتَحْيِي مِنْ شَيْخٍ مِنْ صَالِحِي قَوْمِكَ وَلَمَّا كَانَتِ الْعَادَةُ جَارِيَةٌ عِنْدَ الْأَمَاثِلِ وَالْمُلُوكِ بِتَقْدِيمِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ قَبْلَ طَلَبِ الْحَوَائِجِ مِنْهُمْ لِتَنْبَسِطَ نُفُوسُهُمْ لإنالتها أمرنَا الله سبحانه وتعالى بِتَقْدِيمِ الثَّنَاءِ عَلَى الدُّعَاءِ كَقَوْلِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ

(أَأَذْكُرُ حَاجَتِي أَمْ قَدْ كَفَانِي

حَيَاؤُكَ إِنَّ شِيمَتَكَ الْحَيَاءُ)

(إِذَا أَثْنَى عَلَيْكَ الْمَرْءُ يَوْمًا

كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِكَ الثَّنَاءُ)

(كَرِيمٌ لَا يُغَيِّرُهُ صَبَاحٌ

عَنِ الْخُلُقِ الْجَمِيلِ وَلَا مسَاء)

فَيكون الدُّعَاءُ فِي السُّجُودِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لِهَذَا الْمَعْنَى وَالثَّانِي أَنَّهُ غَايَةُ حَالَاتِ الذُّلِّ وَالْخُضُوعِ بِوَضْعِ أشرف مَا فِي الْإِنْسَان الَّذِي هُوَ رَأسه فِي التُّرَاب فيوشك أَن لَا يُرَدَّ عَنْ مَقْصِدِهِ وَأَنْ يَصِلَ إِلَى مَطْلَبِهِ

فَائِدَةٌ مَعْنَى قَوْلِهِ فَقَمِنٌ أَيْ أَوْلَى وَمِثْلُهُ قَمِينٍ وَحَرٍ وَحَرِيٍّ وَجَدِيرٍ وَمَعْنَاهَا

ص: 189

كلهَا أولى الثَّالِثُ يَضَعُ كَفَّيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَكَانَ ابْنُ مَسْعُود رضي الله عنه يطبق يَدَيْهِ ويضعهما بَيْنَ فَخِذَيْهِ لَنَا مَا فِي الْبُخَارِيِّ قَالَ مُصْعَبُ بْنُ سَعِيدٍ صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ أَبِي فطبقت بَيْنَ كَفَّيَّ ثُمَّ وَضَعْتُهُمَا بَيْنَ فَخِذَيَّ فَنَهَانِي وَقَالَ كُنَّا نَفْعَلُهُ فَنُهِيْنَا عَنْهُ وَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِينَا عَلَى الرُّكَبِ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِ الْأَوَّلِ وَمَشْرُوعِيَّةِ الثَّانِي قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَلَو كَانَ بيدَيْهِ عِلّة تثور عَلَيْهِ فوضعهما عَلَى رُكْبَتَيْهِ أَوْ قِصَرٌ كَثِيرٌ لَمْ يَزِدْ فِي الِانْحِنَاءِ عَلَى تَسْوِيَةِ ظَهْرِهِ أَوْ قُطِعَتْ إِحْدَاهُمَا وَضَعَ الثَّانِيَةَ عَلَى رُكْبَتِهِ وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ الرُّكْنُ الْخَامِسُ الرَّفْعُ مِنَ الرُّكُوعِ فَفِي الْجَوَاهِرِ إِنْ أَخَلَّ بِهِ وَجَبَتِ الْإِعَادَةُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَلَكِنَّهُ يَتَمَادَى عِنْدَهُ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ وَلَمْ يَجِبْ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ وَفِي مُسْلِمٍ قَالَ عليه السلام لِلْمُسِيءِ صَلَاتَهُ وَارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَافِعًا تعتدل وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَلَى أَنَّ الرَّفْعَ وَسِيلَة الْفرق بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَعَدَمُهُ لَا يُوجِبُ الِالْتِبَاسَ قَالَ وَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَهَلْ يَجِبُ الِاعْتِدَالُ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَجِبُ وَعِنْدَ أَشْهَبَ يَجِبُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَقَالَ الْقَاضِي

ص: 190

أَبُو مُحَمَّدٍ يَجِبُ مَا هُوَ إِلَى الْقِيَامِ أقرب ووافقنا الشَّافِعِي عَلَى وُجُوبِ الْقِيَامِ وَخَالَفْنَا ح وَقَضَى بِصِحَّةِ صَلَاة من خَرَّ مِنَ الرُّكُوعِ إِلَى السُّجُودِ الرُّكْنُ السَّادِسُ فِي السُّجُودِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الِانْخِفَاضُ إِلَى الْأَرْضِ سجدت النَّخْلَة إِذا مَالَتْ وَمِنْه قَوْله

(بِجَيْش يَظَلُّ الْبُلْقُ فِي حَجَرَاتِهِ

تَرَى الْأُكْمَ فِيهَا سُجَّدًا لِلْحَوَافِرِ)

وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهِ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا ارْكَعُوا واسجدوا} وَفِعْلُهُ عليه السلام وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَنَهَى فِي الْكِتَابِ عَنِ الْإِقْعَاءِ وَإِلْصَاقِ الْبَطْنِ بِالْفَخِذَيْنِ وَإِلْصَاقِ الضَّبْعَيْنِ لِلْجَنْبَيْنِ وَوَضْعِ الذِّرَاعَيْنِ عَلَى الْفَخِذَيْنِ إِلَّا فِي النَّوَافِلِ وَافْتِرَاشِ الذِّرَاعَيْنِ وَأَمَرَ بِتَوْجِيهِ الْيَدَيْنِ إِلَى الْقِبْلَةِ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَوْضِعَهُمَا وَمُسَاوَاةِ النِّسَاءِ لِلرِّجَالِ فِي السُّجُودِ وَالْجُلُوسِ وَالتَّشَهُّدِ وَالسُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ وَالْجَبْهَةِ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَا يَجِبُ كَشْفُ الْكَعْبَيْنِ وَيُسْتَحَبُّ أَمَّا الْإِقْعَاءُ فَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ الْجُلُوسُ عَلَى الْأَلْيَتَيْنِ مَعَ نَصْبِ الْفَخِذَيْنِ كَالْكَلْبِ إِذَا جَلَسَ وَقَالَ أَهْلُ الحَدِيث وضع الأليتين على الْقَدَمَيْنِ وَزَاد الْخطابِيّ وَيقْعد مُسْتَقرًّا وَهُوَ يكسر الْهمزَة الأولى ممدودا وَأما حكمه قَالَ الْخَطَّابِيُّ كَرِهَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَابْنُ حَنْبَلٍ يَسْتَعْمِلُونَهُ وَفِي مُسْلِمٍ سَأَلَ طَاوُسٌ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الْإِقْعَاءِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ فَقَالَ هِيَ السُّنَّةُ وَهُوَ حُجَّةٌ لِتَفْسِيرِ الْحَدِيثَيْنِ وَفِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ عَلَيْهِ

ص: 191

السَّلَامُ لِعَلِيٍّ رضي الله عنه يَا عَلِيُّ إِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي وَأَكْرَهُ لَكَ مَا أَكْرَهُ لِنَفْسِي لَا تُقْعِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَأَمَّا إِلْصَاقُ الْبَطْنِ وَمُجَافَاةُ الْيَدَيْنِ فَفِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ إِذَا صَلَّى فَرَجَ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبِطَيْهِ وَفِي أَبِي دَاوُدَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّهُ وَصَفَ سُجُودَهُ عليه السلام فَوَضَعَ وَاعْتَمَدَ عَلَى رَأْسِهِ وَرَفَعَ عَجِيزَتَهُ وَقَالَ هَكَذَا كَانَ عليه السلام يَسْجُدُ وَأَمَّا الِافْتِرَاشُ فَلِقَوْلِهِ عليه السلام إِذَا سَجَدْتَ فَضَعْ كَفَّيْكَ وَارْفَعْ مرفقيك وَأما توجه الْيَدَيْنِ فلأنهما يسجدان فيتوجها وَأَمَّا مَكَانُ وَضْعِهِمَا فَلَمْ يُحَدِّدْهُ فِي الْكِتَابِ وَقَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وش

حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَهُوَ فِي الْحَدِيثِ عَنْهُ عليه السلام وحذر أُذُنَيْهِ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ وَيُرْوَى عَنْهُ عليه السلام ذَلِك فِي التِّرْمِذِيّ قَالَ وَالْخلاف هَهُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي مَوْضِعِهِمَا حَالَةَ الْإِحْرَامِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ يَدَاهُ حَالَةَ سُجُودِهِ مَوْضِعَهُمَا حَالَةَ إِحْرَامِهِ قَالَ وَوَضْعُهُمَا بَيْنَ الْمَنْكِبِ وَالصَّدْرِ أَمْكَنُ لِلسُّجُودِ وَيَبْسُطُهُمَا فَإِنْ قَبَضَهُمَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ مَسَّ الْأَرْضَ بِبَعْضِ كَفِّهِ أَمَّا لَوْ لَمْ يَمَسَّ إِلَّا ظَاهِرَ أَصَابِعِهِ لَمْ يُجْزِهِ وَفِي الْبَيَانِ فِي الْمَاسِكِ عِنَانِ فَرَسِهِ وَلَا يَصِلُ بِيَدِهِ الْأَرْضَ

ص: 192

قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِهِ لِلضَّرُورَةِ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِ أَيْضًا وَلَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَتَعَمَّدَ ذَلِكَ وَلَا يَعْتَادُهُ وَأَمَّا مُسَاوَاةُ النِّسَاءِ لِلرِّجَالِ فَفِي النَّوَادِرِ عَنْ مَالِكٍ تَضَعُ فَخِذَهَا الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَتَنْضَمُّ قَدْرَ طَاقَتِهَا وَلَا تُفَرِّجُ فِي رُكُوعٍ وَلَا سُجُودٍ وَلَا جُلُوسٍ بِخِلَافِ الرَّجُلِ وَهُوَ قَوْلُ ش وَجْهُ الْأَوَّلِ مَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَال وَجه الثَّانِي أَن انفراج الْمَرْأَة يذكر بِحَالِ الْجِمَاعِ فَيُفْسِدُ عَلَيْهَا صَلَاتَهَا وَلِذَلِكَ قِيلَ إِنَّمَا يُؤْمَرْنَ بِذَلِكَ إِذَا صَلَّيْنَ مَعَ الرِّجَالِ وَأَمَّا وَضْعُ الْكَفَّيْنِ مَعَ الْوَجْهِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَلِأَنَّهُمَا يَسْجُدَانِ مَعَ الْوَجْهِ فَيُشَارِكَانِهِ بِخِلَافِ الرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمِ فَإِنَّهُمَا يَبْقَيَانِ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ رَفْعِ الْوَجْهِ فَلَا يَضَعُ يَدَيْهِ إِلَّا عَلَى مَا عَلَيْهِ وَجهه وَأَمَّا السُّجُودُ عَلَى الْأَنْفِ وَالْجَبْهَةِ قَالَ صَاحِبُ الطّراز هُوَ قَول الكافة فَإِن اقْتَصَرَ عَلَى أَنْفِهِ بَطَلَتْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَوَى أَبُو الْفَرَجِ فِي الْحَاوِي الْإِجْزَاءَ وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى الْجَبْهَةِ أَجْزَأَهُ عِنْدَ مَالِكٍ فِي النَّوَادِرِ وَاسْتَحَبَّ لَهُ صَاحِبُ الْإِشْرَافِ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ وَبَطَلَتْ فِي الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ وَصَحَّتْ فِي الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ ح وَالْمَشْهُورُ الْإِجْزَاءُ فِي الْجَبْهَةِ دُونَ الْأَنْفِ وَجْهُ الْوُجُوبِ فِيهِمَا قَوْله عليه السلام لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُصِبْ أَنْفُهُ مِنَ الأَرْض مَا يُصِيب الجبين فِي الدَّارَقُطْنِيّ حجَّة أبي حنيفَة أَنَّ الْأَنْفَ مِنَ الْوَجْهِ فَيُجْزِئُ كَجُزْءٍ مِنَ الْجَبْهَةِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِالْحَدِيثِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الذَّقَنِ قَالَ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ السُّجُودَ عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَاجِبٌ وَذَكَرَهُ الطُّلَيْطِلِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ حَنْبَلٍ وَعِنْدَ ح لَيْسَ بِوَاجِبٍ

ص: 193

وَللشَّافِعِيّ قَوْلَانِ وَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ يُقَوِّي فِي نَفْسِي أَنَّ السُّجُودَ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ سُنَّةٌ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ عِنْدَ رَفْعِهِ مِنَ السُّجُودِ قِيلَ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَقِيلَ لَا تَبْطُلُ فُرُوعٌ سَبْعَة الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا عَجَزَ عَنِ السُّجُودِ لَا يَرْفَعُ إِلَى جَبْهَتِهِ شَيْئًا وَلَا يَنْصِبُ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْئًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ فَإِنِ اسْتَطَاعَ السُّجُودَ وَإِلَّا أَوْمَأَ فَإِنْ رَفَعَ شَيْئًا وَجَهَلَ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ وَقَالَ ش يَنْصِبُ شَيْئًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ قِيَاسًا عَلَى الرَّابِيَةِ تَكُونُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنْ وَضَعَهُ عَلَى يَدَيْهِ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّهُ سَاجِدٌ عَلَى مَا هُوَ حَامِلٌ لَهُ وَإِنَّمَا يَسْجُدُ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا لَنَا مَا فِي الْكِتَابِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ عَلَى رَحْلٍ وَقَالَ فَمَنْ لَمْ يسْتَطع فليوم بِرَأْسِهِ إِيمَاءً قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنْ نَصَبَ شَيْئًا لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ فَهَذَا لَهُ حالتان أَن الصَّلَاة بِجَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ لَمْ يُجَزْهُ وَإِنْ أَوْمَأَ إِلَيْهِ أَجْزَأَهُ قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ السُّجُودَ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْإِيمَاءُ لَهَا أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ مَالك يحسر الْعِمَامَة عَن جَبهته فِي إمائه وَابْن الْقَاسِم لاحظ كَونه بَدَلا يعرض فِيهِ عَن الأول كالتيمم الثَّانِي قَالَ فِي الْكِتَابِ مَنْ بِجَبْهَتِهِ جِرَاحَاتٌ لَا يَسْتَطِيع بهَا الْأَرْضَ إِلَّا بِأَنْفِهِ

ص: 194

فَإِنَّهُ يُومِئُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ إِنَّ السُّجُودَ لَا يُجْزِئُ عَلَى الْجَبْهَةِ دُونَ الْأَنْفِ وَقَوْلُ ح إِنَّ الْأَنْفَ يُجزئ عَن الْجَبْهَة لَا يجْزِيه الْإِيمَاءُ وَقَالَ ش يَسْجُدُ عَلَى صُدْغَيْهِ لَنَا أَنَّ السُّجُودَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْجَبْهَةِ لِقَوْلِهِ عليه السلام فِي الصَّحِيحَيْنِ أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ الْجَبْهَةِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَفِي رِوَايَة أَشَارَ لأنفه وَقَدْ جَعَلَ الشَّرْعُ الْإِيمَاءَ بَدَلَ السُّجُودِ وَالْعُدُولُ عَنِ الْبَدَلِ الشَّرْعِيِّ لَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ سَجَدَ عَلَى هَامَتِهِ فَلَوْ سَجَدَ عَلَى أَنْفِهِ قَالَ أَشْهَبُ يَصِحُّ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنَ الْإِيمَاءِ الثَّالِثُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَوْ رَفَعَ مِنَ الرُّكُوع فَسقط على جَبينه وانقلب على أَنفه أَجزَأَهُ عِنْد ح خلافًا ش وَيَتَخَرَّجُ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى قَوْلَيْنِ قِيَاسًا على من قَرَأَ السَّجْدَة فَأَهوى إِلَيْهَا فَرَكَعَ سَاهِيًا فَفِي النَّوَادِرِ رَوَى جَمِيعُ الْأَصْحَابِ الْإِجْزَاءَ إِلَّا ابْنَ الْقَاسِمِ رَوَى الْإِلْغَاءَ الرَّابِعُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا نَهَضَ مِنْ بَعْدِ السَّجْدَتَيْنِ مِنَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَيَنْهَضُ وَلَا يَجْلِسُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ هَذَا لَهُ صُورَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ يُثْبِتُ وَلَا يعْتَمد على يَدَيْهِ وَهُوَ مَذْهَب ش ح وَمَكْرُوهٌ عِنْدَ مَالِكٍ لِمَا رُوِيَ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ نَهَضَ مُعْتَمِدًا عَلَى الْأَرْضِ وَهُوَ أَقْرَبُ لِلْوَقَارِ فَإِذَا نَزَلَ لِلسُّجُودِ هَلْ يَنْزِلُ عَلَى يَدَيْهِ أَوْ رُكْبَتَيْهِ؟ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ ذَلِكَ وَاسْعٌ وَالْيَدَانِ أَحْسَنُ خِلَافًا ش ح لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ

إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلَا

ص: 195

يَبْرُكُ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ وَلِيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ وَالصُّورَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَسْتَقِرَّ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ قبل النهوض فكرهه مَالك ح خلافًا ش وَقَدْ رُوِيَ الْأَمْرَانِ فِي الْحَدِيثِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَرْجَحُ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الِانْتِقَالَاتِ وَرِوَايَةُ الِاسْتِرَاحَةِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعُذْرِ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ أحد فَلَا يُعِيد وَلَا يَسْجُدُ فَإِنَّ السُّجُودَ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ عَمْدُهُ وَزَعَمَ اللَّخْمِيُّ أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي السُّجُودِ لَهُ فَإِذَا قَامَ مِنَ الْجِلْسَةِ الْأُولَى قَامَ مُعْتَمِدًا عَلَى يَدَيْهِ اتِّفَاقًا وَكَرِهَ (ش) تَقْدِيمَ إِحْدَى الرِّجْلَيْنِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا الخطوة الملعونة الْخَامِسُ قَالَ فِي الْكِتَابِ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يرفع كور الْعِمَامَة حَتَّى يَمَسَّ الْأَرْضَ بِبَعْضِ جَبْهَتِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَكْرَهُهُ فَإِنْ فَعَلَ فَلَا إِعَادَةَ وَهُوَ قَوْلُ ح وَابْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَ ش لَا يجْزِيه وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِنْ كَانَ كَثِيفًا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ طَاقَتَيْنِ لَمْ يُعِدْ فَائِدَةٌ كَوْرُ الْعِمَامَةَ بِفَتْحِ الْكَافِ هُوَ مُجْتَمَعُ طاقتها على الجبين السَّادِسُ كَرِهَ فِي الْكِتَابِ حَمْلَ التُّرَابِ أَوِ الْحَصْبَاء مِنَ الظِّلِّ إِلَى الشَّمْسِ يَسْجُدُ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَيَسْجُدُ عَلَى فَضْلِ ثَوْبِهِ كَمَا فَعَلَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ صَاحِبُ النُّكَتِ إِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ فِي الْمَسَاجِدِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى حَفْرِهَا فَيَتَأَذَّى الماشون فِيهَا

ص: 196

السَّابِعُ كَرِهَ فِي الْكِتَابِ السُّجُودَ عَلَى الطَّنَافِسِ وَالشعر وَالثيَاب والأدم بِخِلَاف الْحصْر وَمَا تنبته الأَرْض خلافًا (ش) لما فِي ذَلِك من التَّوَاضُع اَوْ اتِّبَاع السُّنَّةِ كَانَ عليه السلام وَأَصْحَابُهُ يَسْجُدُونَ عَلَى التُّرَابِ وَالطِّينِ وَفِي الصَّحِيحِ قَالَ عليه السلام فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ إِنِّي أَرَانِي فِي صَبِيحَتِهَا أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ فَوَكَفَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ بِالْمَطَرِ فَخَرَجَ عليه السلام وَعَلَى وَجهه الْمَاءُ وَالطِّينُ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ عَلَى الْأَرْضِ وَقَدِ أُنْفِقَ عَلَى مَسْجِدِهِ عليه السلام فِي الزَّمَنِ الْقَدِيمِ مَالٌ عَظِيمٌ وَلَمْ يُفْرَشْ فِيهِ بُسُطٌ وَلَا غَيْرُهَا وَكَذَلِكَ الْكَعْبَةُ تُكْسَى وَلَا تفرش وَلَوْلَا مَا ذكرنَا لَتَقَرَّبَ النَّاسُ بِالْفُرُشِ كَمَا تَقَرَّبُوا بِغَيْرِهِ فَأَمَّا مَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ فَلِأَنَّهُ عليه السلام صَلَّى عَلَى الْخِمْرَةِ الْمَعْمُولَةِ مِنَ الْجَرِيدِ وَعَلَى الْحَصِيرِ الَّذِي قد اسود من طول مَا لبس وَلَيْسَتِ الْعِلَّةُ كَوْنَهُ نَبَاتَ الْأَرْضِ فَإِنَّ ثِيَابَ الْقطن والكتان نَبَات الأَرْض فَلم تُكْرَهِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا بَلِ الْعِلَّةُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ وَفِعْلِ السُّنَّةِ مِمَّا فِيهِ تَوَاضُعٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَإِنْ فَرَشَ خُمْرَةً فَوْقَ الْبِسَاطِ لَمْ يُكْرَهْ وَسُئِلَ عَنِ الْمِرْوَحَةِ فَقَالَ هِيَ صَغِيرَةٌ إِلَّا أَنْ يَضْطَرَّ إِلَيْهَا وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَضَعَ رِجْلَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ عَلَى مَا عَلَيْهِ وَجْهُهُ بِخِلَافِ الْيَدَيْنِ

فَائِدَةٌ مِنَ التَّنْبِيهَاتِ الطِّنْفَسَةُ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَهِيَ أَفْصَحُهُمَا

ص: 197

وَبِضَمِّهِمَا مَعًا وَكَسْرِهِمَا مَعًا وَحُكِيَ فَتْحُ الطَّاءِ وَكَسْرُ الْفَاءِ وَهِيَ بِسَاطٌ صَغِيرٌ كَالْخِرْقَةِ وَكُلُّ بِسَاطٍ طِنْفَسَةٌ وَالْأَدَمُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالدَّالِ الْجُلُودُ الْمَدْبُوغَةُ جَمْعُ أَدِيمٍ الرُّكْنُ السَّابِعُ الْفَصْلُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهِ فِعْلُهُ عليه السلام وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَفِي الْجَوَاهِرِ يَجْرِي فِي الِاعْتِدَالِ مِنَ الْخِلَافِ فِيهِ مَا يَجْرِي فِي الِاعْتِدَالِ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى وُجُوبِ فِعْلِهِ بِخِلَافِ الْقِيَامِ مِنَ الرُّكُوعِ وَالِاعْتِدَالِ فِيهِمَا وَالْفَرْقُ أَنَّ الرُّكُوعَ مُتَمَيِّزٌ عَنِ السُّجُودِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْقِيَامِ عَلَى رَأْيِ مَنْ يَرَاهُ بِخِلَافِ الْفَصْل بَين السَّجْدَتَيْنِ لَو ذهب صَار السَّجْدَتَانِ وَاحِدَةً وَأَمَّا الْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا فَوَاجِبٌ عِنْدَ ش وَشرط وَعند ح لَيْسَ بِشَرْط قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَهُوَ عِنْدَنَا يَتَخَرَّجُ عَلَى الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ الرُّكْنُ الثَّامِنُ الْجُلُوسُ الْأَخِيرُ وَفِي الْجَوَاهِرِ الْوَاجِبُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا يَعْتَدِلُ فِيهِ وَيُسَلِّمُ لِأَنَّ السَّلَامَ وَاجِبٌ وَالْوَاجِبُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَحَلٍّ وَلَا مَحَلَّ لَهُ إِلَّا الْجُلُوسُ إِجْمَاعًا وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ إِلَّا بِهِ وَكَانَ مَقْدُورًا لِلْمُكَلَّفِ فَهُوَ وَاجِبٌ الرُّكْنُ التَّاسِعُ السَّلَامُ وَهُوَ مَوْضُوعٌ فِي اللُّغَةِ لِسِتَّةِ مَعَانٍ السَّلَامَةُ وَالِاسْتِسْلَامُ وَاسْمٌ لِلتَّسْلِيمِ وَاسْمٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَاسْمُ شَجَرٍ الْوَاحِدَةُ مِنْهُ سَلَامَةٌ وَلِلْبَرَاءَةِ مِنَ الْعُيُوبِ وَفِيهِ لُغَتَانِ السَّلَامُ عَلَى وَزْنِ الْكَلَامِ بِفَتْحِ السِّينِ وَبِكَسْرِهَا وَسُكُونُ اللَّامِ مِثْلَ عَدْلٍ نَحْو قَوْله

(وفقنا فَقُلْنَا إِيهِ سَلِّمْ فَسَلَّمَتْ

فَمَا كَانَ إِلَّا ومؤها بالحواجب)

ص: 198

فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ دُعَاءً لِلْمُصَلِّينَ بِكِفَايَةِ الشُّرُورِ وَعَلَى الثَّانِي أَمَانٌ مِنَ الْمُسَلِّمِ لِلْمُسَلَّمِ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي غَيْرِهَا وَعَلَى الثَّالِثِ يَحْتَمِلُ الْمَعْنَيَيْنِ وَالرَّابِعُ مَعْنَاهُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ حَفِيظٌ أَوْ رَاضٍ أَوْ مُقْبِلٌ وَالْخَامِسُ غَيْرُ مُرَادٍ فِي الصَّلَوَات وَلَا فِي التَّحِيَّاتِ وَالسَّادِسُ دُعَاءٌ بِالسَّلَامَةِ مِنْ عُيُوب الذُّنُوب وَكلهَا يصلح أَن يريدها الْمُصَلِّي وَالْمُسَلِّمُ إِلَّا الْخَامِسَ فَإِنْ جَوَّزْنَا اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي جَمِيعِ مَفْهُومَاتِهِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ جَوَّزْنَا لِلْمُصَلِّي أَنْ يُرِيدَ جَمِيعَهَا وَهُوَ أَكْمَلُ فِي جَدْوَاهَا وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَنْعِ فَيَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي أَنْ يُرِيدَ أَتَمَّهَا مَعْنًى وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا مَا فِي أَبِي دَاوُدَ مِنْ قَوْلِهِ عليه السلام مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ وَالْمُبْتَدَأُ يَجِبُ انْحِصَارُهُ فِي الْخَبَرِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُقدمَة فَيكون تحليلها منحصرا فِي التَّسْلِيم فَلَوِ اعْتَمَدَ غَيْرُهُ لَكَانَ بَاقِيًا فِي الصَّلَاةِ مُدْخِلًا فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا وَهُوَ حَرَامٌ وَتَرْكُ الْحَرَامِ وَاجِبٌ فَيَجِبُ التَّسْلِيمُ وَفِي الرُّكْنِ فروع سِتَّة الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يُجْزِئُ إِلَّا السَّلَام عَلَيْكُم يُسَلِّمهَا الإِمَام وَالْمُنْفَرد الرِّجَال وَالنِّسَاءُ مَرَّةً تِلْقَاءَ الْوَجْهِ وَيَتَيَامَنُ قَلِيلًا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَفِي الْوَاضِحَةِ يُسَلِّمُ الْمُنْفَرِدُ اثْنَتَيْنِ عَن يَمِينه وعَلى يسَاره وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي

ص: 199

خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَخَرَّجَ الْبَاجِيُّ عَلَيْهِ الْإِمَامَ وَلَا يَقُلْ لِلنِّسَاءِ السَّلَامُ عَلَيْكُنَّ لِوَضْعِ هَذَا اللَّفْظِ وَضْعًا عَامًّا وَيَقَعُ التَّحْلِيلُ بِهِ مُعَرَّفًا بِغَيْرِ خِلَافٍ وَجَوَّزَ ش الْمُنَكَّرَ وَتَرَدَّدَ فِي عَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَقَالَ ح لَفْظُهُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ عَنِ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ مُنْفَرِدًا كَانَ أَو غَيره وَفِي الْجَوَاهِر جَوَاز التنكير عَن أبي الْقَاسِم بن شبلون وَجوز أَبُو حنيفَة سَائِرَ الْكَلَامِ حَتَّى لَوْ أَحْدَثَ قَاصِدًا لِلْخُرُوجِ أَجْزَأَهُ وَحَكَى الْمَازِرِيُّ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ إِنْ أحدث آخر صلَاته فِي التَّشَهُّد صلَاته صَحِيحَة قَالَ الْبَاجِيُّ وَهَذَا يُعْرَفُ مِنْ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَا يُجَوِّزُونَ الْخُرُوجَ بِالْحَدَثِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ لَمْ يَشْتَرِطِ الْقَصْدَ لَنَا مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْحَدِيثِ وَأَنَّهُ تَعَبُّدٌ فَيَقْتَصِرُ بِهِ عَلَى تَسْلِيمِهِ عليه السلام وَالسَّلَفُ مِنْ بَعْدِهِ وَإِلَّا لَجَازَ سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَغَيْرُهُ مِنْ أَلْفَاظِ التَّحِيَّةِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ ش وَفِي التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُسَلِّمُ مِنَ الصَّلَاةِ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ قَالَ مَالِكٌ وَمَا أَدْرَكْنَا الْأَئِمَّةَ إِلَّا عَلَى تَسْلِيمَةٍ وَرَوَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ كُنْتُ أَرَاهُ عليه السلام يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاض خَدّه وَالْأول أرجح للْعَمَل مِنْهُ عليه السلام وَالْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة بعده وَأهل الْمَدِينَة بعدهمْ وَالْقِيَاس عَلَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ تَسْوِيَةً بَيْنَ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ الْأُولَى لَمْ تَفْسُدِ الصَّلَاةُ إِجْمَاعًا إِلَّا عِنْدَ ابْنِ حَنْبَلٍ وَالْحَسَنِ بن حَيّ وَهُمَا مَسْبُوقَانِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ يُسَلِّمُ اثْنَتَيْنِ فَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا يَقُومُ الْمَسْبُوقُ للْقَضَاء حَتَّى يُسَلِّمهَا فَإِنْ قَامَ أَسَاءَ وَلَمْ تَفْسُدْ وَلَمَّا كَانَ السَّلَام سَبَب

ص: 200

الْخُرُوجِ مِنَ الصَّلَاةِ (وَهُوَ مِنَ الصَّلَاةِ) شُرِعَ أَوَّلُهُ لِلْقِبْلَةِ لِأَنَّهُ مِنْهَا وَآخِرُهُ لِغَيْرِهَا إِشَارَةً لِلِانْصِرَافِ قَالَ صَاحِبُ النَّوَادِرِ التَّيَامُنُ لَيْسَ شَرْطًا فَلَوْ تَيَاسَرَ ثُمَّ تَيَامَنَ لَمْ تَبْطُلْ لِقَوْلِهِ عليه السلام وتحليلها التَّسْلِيمُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ تَبْطُلُ لِأَنَّهُ غَيْرُ السَّلَامِ الْمَعْهُودِ مِنْهُ عليه السلام احْتَجَّ الْحَنَفِيَّةُ بِمَا يُرْوَى عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ إِذَا رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَقَعَدَ ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَلِأَنَّهُ لَا يَجِبُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِيهِ بِدَلِيلِ قِيَامِ الْمَسْبُوقِ وَلَمْ يُسَلِّمْ وَلِأَنَّ الْأَكْلَ لَمَّا نَافَى الصَّوْمَ خَرَجَ مِنْهُ بِاللَّيْلِ وَإِنْ لَمْ يَقَعِ الْأَكْلُ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ عَدَمَ الْمُتَابَعَةِ كَانَ لِقِيَامِ الْمُعَارِضِ وَهُوَ بَقَاءُ مَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ قَبْلَ السَّلَامِ وَعَنِ الثَّالِثِ أَنَّ التَّسْلِيمَ آخِرُ جُزْءٍ مِنَ الصَّلَاةِ فَهُوَ كَآخِرِ جُزْءٍ مِنَ الصَّوْمِ وَلَيْسَ كَاللَّيْلِ وَلِأَنَّا نَمْنَعُ مُضَادَّةَ السَّلَامِ لِلصَّلَاةِ لِأَنَّ الْجُزْءَ لَا يُنَافِي الْكُلَّ وَمِمَّا يُوَضِّحُ مَذْهَبَنَا أَنَّ الصَّلَاةَ صِلَةٌ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ وَمَوَاطِنُ الإجلال والتعظيم وَالْأَدب والموانسة فِي حَضْرَةِ الرُّبُوبِيَّةِ حَتَّى أُمِرَ الْعَبْدُ فِيهَا بِالِانْقِطَاعِ عَنْ سَائِرِ الْجِهَاتِ وَالْحَرَكَاتِ إِلَّا جِهَةً وَاحِدَةً وَهَيْئَةً وَاحِدَةً بِجَمْعِ شَمْلِهِ عَلَى أَدَبِ الْمُنَاجَاة وَإِذا كَانَت عَلَى هَذِهِ الصِّفَاتِ لَا يَلِيقُ خَتْمُهَا بِالْحَدَثِ الَّذِي هُوَ أفحش القاذورات الثَّانِي فِي الْجَوَاهِرِ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي انْسِحَابِ حُكْمِ النِّيَّةِ عَلَى السَّلَامِ أَوِ اشْتِرَاطِ تَجْدِيدِ نِيَّةِ الْخُرُوجِ عَلَى قَوْلَيْنِ قَالَ صَاحِبُ الْإِشْرَافِ إِذا سلم بِغَيْر نِيَّة التَّحْلِيل لَا يجْزِيه خلافًا لبَعض الشفعوية وَوَافَقَهُ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ تفْتَقر إِلَى نِيَّة التَّحْرِيم لتميزها عَن غَيرهَا

ص: 201

وَكَذَلِكَ يشْتَرط فِي التَّسْلِيم نِيَّة التَّحْلِيل لتميزه عَنْ جِنْسِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ أَنَّ النِّيَّةَ لِتَمْيِيزِ الْعِبَادَاتِ عَنِ الْعَادَاتِ أَوْ لِتَمْيِيزِ مَرَاتِبِ الْعِبَادَات فِي أَنْفسهَا الثَّالِثُ قَالَ فِي الْكِتَابِ يُسَلِّمُ الْمَأْمُومُ عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ عَلَى الْإِمَامِ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَمَرَنَا عليه السلام ثُمَّ ذَكَرَ التَّشَهُّدَ وَقَالَ ثُمَّ سَلِّمُوا عَلَى الْيَمِينِ ثُمَّ سَلِّمُوا عَلَى قَارِئِكُمْ وَعَلَى أَنْفُسِكُمْ وَفِي الْجَوَاهِرِ فِي رَدِّ الْمَأْمُومِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ فَفِي الْكِتَابِ كَانَ يَقُولُ يَبْدَأُ بِمَنْ عَلَى يَسَارِهِ ثُمَّ الْإِمَامِ ثُمَّ رَجَعَ يَقُولُ يَبْدَأُ بِالْإِمَامِ ثُمَّ يَسَارِهِ وَرَوَى الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ التَّخْيِيرَ وَجْهُ الْبِدَايَةِ بِالْيَسَارِ أَنَّ جَوَابَ التَّحِيَّةِ عَلَى الْفَوْرِ وَقَدْ حَالَ بَيْنَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ سَلَامُ التَّحَلُّلِ بِخِلَافِ مَنْ عَلَى الْيَسَارِ وَلِأَنَّ ابْنَ الْمُسَيَّبِ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّ الْإِمَامَ هُوَ السَّابِقُ بِالتَّحِيَّةِ فَيُبْدَأُ بِهِ وَلِأَنَّهُ فِعْلُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما وَجْهُ التَّخْيِيرِ تَقَابُلُ الْأَدِلَّةِ وَفِي الْجَوَاهِرِ يَرُدُّ عَلَى الْإِمَامِ فَقَطْ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ هَلْ يَرُدُّ عَلَى الْإِمَامِ وَمَنْ عَلَى يَسَارِهِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ؟ وَقِيلَ يَرُدُّ قِيَاسًا عَلَى جُمْلَةِ الْمَأْمُومِينَ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ تَسْلِيمَةً وَقِيلَ لَا يَجْمَعُ تَشْرِيفًا لِلْإِمَامِ وَلِأَنَّ تَسْلِيمَ الْإِمَامِ فِي زَمَانٍ آخَرَ فَكَانَ الرَّدُّ عَلَيْهِ بِلَفْظٍ آخَرَ وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي الرَّدِّ عَلَى الْيَسَارِ التَّأْخِيرُ حَتَّى يسلم

ص: 202

من على يسَار وَلَيْسَ فِيهِ نَصٌّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِأَنَّهُ وَإِنْ تَأَخَّرَ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْوَاقِعِ قَالَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى يَسَارِهِ أَحَدٌ فَالْمَشْهُورُ لَا يُسَلِّمُ وَعَلَى قَوْلِهِ إِنَّ الْمُنْفَرِدَ يُسَلِّمُ اثْنَتَيْنِ يسلم فَإِذا فَرَّعْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ فَكَانَ مَنْ عَلَى يَسَارِهِ مَسْبُوقًا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا يَرُدُّهُ لِأَنَّ سَلَامَهُ مُتَأَخِّرٌ جِدًّا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ هُوَ فِي حُكْمِ الْوَاقِعِ وَلِأَنَّ رَدَّ الْمَأْمُومِ سُنَّةٌ مُقَدَّرَةٌ عَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى مَنْ لَمْ يَقْصِدِ السَّلَامَ عَلَيْهِ قَالَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْكِتَابِ أَنَّهُ يَتَيَامَنُ فِي جُمْلَةِ تَسْلِيمِهِ بِخِلَافِ الْإِمَامِ لِأَنَّ سَلَامَ الْمَأْمُومِ مُخْتَصٌّ بِمَنْ عَلَى يَمِينِهِ وَلِهَذَا لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ إِلَّا مَنْ عَلَى يَمِينِهِ وَسَلَامُ الْإِمَامِ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِجِهَةٍ وَلِهَذَا يَرُدُّ عَلَيْهِ جُمْلَةُ الْمَأْمُومِينَ يَمِينًا وَشِمَالًا وَخَلْفًا وَأَمَامًا وَقَالَ ش يَنْوِي الْفَذُّ بِالسَّلَامِ الْخُرُوجَ وَالتَّسْلِيمَ عَلَى الْحَفَظَةِ وَيَنْوِي بِالتَّسْلِيمِ الثَّانِي الْخُرُوجَ فَقَطْ وَيَنْوِي الْإِمَامُ الْخُرُوجَ وَالتَّسْلِيمَ عَلَى الْحَفَظَةِ وَالْمَأْمُومِينَ وَيَنْوِي بِالثَّانِي الْحَفَظَةَ وَالْخُرُوجَ وَيَنْوِي الْمَأْمُومُ بِالْأَوَّلِ التَّحْلِيلَ وَالْحَفَظَةَ وَمَنْ عَلَى يَمِينِهِ مِنَ الْمَأْمُومِينَ وَالْإِمَامِ إِنْ كَانَ عَلَى يَمِينِهِ وَبِالثَّانِي الْخُرُوجَ وَالْحَفَظَةَ وَالْإِمَامَ إِنْ كَانَ عَلَى يَسَارِهِ فَإِنْ كَانَ أَمَامَهُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَعِنْدَنَا لَا يرد على الإِمَام بِتَسْلِيمَة التَّحْلِيل لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَكَلِّمِ فِي الصَّلَاةِ وَإِذَا رَدَّ عَلَى الْإِمَامِ فَهَلْ يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ فَلَا يَرُدُّ الْمَسْبُوقُ الَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ مَالِكٌ وَأَخَذَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ الرَّدُّ نَظَرًا إِلَى أَنَّهُ مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ شُرِعَ عَلَى الْفَوْرِ وَقَدْ تَرَاخَى وَهَذَا فِيمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ إِلَّا التَّشَهُّدَ قَالَ سَحْنُونٌ لَا يَرُدُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ إِمَامًا لَهُ فِي صَلَاتِهِ وَلِهَذَا لَا

ص: 203

يَسْجُدُ مَعَهُ فِي سَهْوِهِ فَلَوْ سَلَّمَ عَلَى الْإِمَامِ قَبْلَ تَسْلِيمِ التَّحَلُّلِ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ وَجَوَّزَ فِي الْكِتَابِ الرَّدَّ بِالسَّلَامِ عَلَيْكُمْ وَبِعَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ وَجَوَّزَ أَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا هُوَ رَدُّ تَحِيَّةٍ وَلَمَّا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالصَّلَاةِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ تَرَجَّحَ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ سَلَامِ الصَّلَاةِ وَاسْتَحَبَّ فِي الْكِتَابِ أَنْ لَا يَجْهَرَ بِتَسْلِيمَةِ الْيَسَارِ مِثْلَ تَسْلِيمَةِ الْيَمِينِ لِأَنَّهَا لَا يُطْلَبُ لَهَا جَوَابٌ فَكَانَتْ كَأَذْكَارِ الصَّلَاةِ وَالْأُولَى كَتَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ يَطْلُبُ لَهَا الْجَواب فيجهر بهَا الرَّابِعُ قَالَ فِي الْكِتَابِ يَجْهَرُ الْإِمَامُ وَمَنْ خَلفه بِالسُّجُود بِالسَّلَامِ من السُّجُود للسَّهْو بعد السَّلَام قَالَ صَاحِبُ الْمَعُونَةِ فِيهِ رِوَايَتَانِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ وَالْإِخْفَاءُ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي عدم الرُّكُوع الْخَامِسُ قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ لَا يَمُدُّ سَلَامَهُ وَلْيَحْذِفْهُ وَفِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ إِذَا طَوَّلَ سَلَامَهُ سَلَّمَ الْمَأْمُومُ قَبْلَ سَلَامِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يُبَالِغُ فِي الْحَذْفِ لِئَلَّا يُسْقِطَ الْأَلِفَ السَّادِسُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا سَلَّمَ إِمَامُ مَسْجِدِ الْقَبَائِلِ فَلَا يَقْعُدُ فِي مُصَلَّاهُ بِخِلَافِ إِمَامِ السَّفَرِ وَنَحْوِهِ لِمَا رَوَى سَحْنُونٌ فِي الْكِتَابِ أَنَّهَا السُّنَّةُ وَأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ الْجُلُوسُ عَلَى الْحِجَارَةِ الْمُحْمَاةِ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ وَفِي

ص: 204

الْبُخَارِيِّ كَانَ عليه السلام إِذَا سَلَّمَ مَكَثَ قَلِيلا فَكَانُوا يرَوْنَ ذَلِك كَمَا يَنْفِرُ النِّسَاءُ قَبْلَ الرِّجَالِ وَاخْتُلِفَ فِي تَعْلِيلِهِ فَقيل لِئَلَّا يغتربه الدَّاخِلُ فَيُحْرِمَ مَعَهُ وَقِيلَ لِئَلَّا يَشُكَّ هَلْ سَلَّمَ أَمْ لَا أَوْ يَشُكَّ مَنْ خَلْفَهُ الرُّكْن الْعَاشِر الطُّمَأْنِينَة قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ فِي رُكُوعِهِ وَجَبْهَتِهِ مِنَ الْأَرْضِ فِي سُجُودِهِ وَتَمَكَّنَ مُطْمَئِنًا فَقَدْ تَمَكَّنَ رُكُوعُهُ وَسُجُودُهُ وَهِي عِنْد مَالك وَاجِبَة خلافًا ح فَإِنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ إِلَّا أَصْلَ الْأَرْكَانِ حَتَّى لَو سجد على شَيْء فزهقت جَبهته إِلَى الأَرْض كَانَت سَجْدَتَيْنِ محتجا بِأَن الله تَعَالَى أَمر بِالْأَرْكَانِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِالطُّمَأْنِينَةِ وَالزِّيَادَةُ عِنْدَهُ عَلَى النَّص نسخ وَنسخ الْقُرْآن بِخَير الْوَاحِدِ لَا يَجُوزُ وَفِي الْجَوَاهِرِ إِنَّهَا فَضِيلَةٌ لَنَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ عليه السلام فَرَدَّ عليه السلام فَقَالَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فعل ذَلِكَ ثَلَاثًا فَقَالَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي فَقَالَ إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ وَسَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا الْحَدِيثَ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَفِعْلُهُ عليه السلام كَانَ على ذَلِك

ص: 205

وَفِي الْحَدِيثِ سُؤَالٌ لِلْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ أَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ حُجَّةٌ لَنَا لِأَنَّ إِيقَاعَ الصَّلَاةِ بِدُونِ شَرَائِطِهَا حَرَامٌ إِجْمَاعًا فَلَوْ كَانَتِ الطُّمَأْنِينَةُ وَاجِبَةً لَكَانَ الْمُصَلِّي حِينَئِذٍ مُرْتَكِبًا لِمُنْكَرٍ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ وَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عليه السلام دَلَّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الطُّمَأْنِينَةِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَالطُّمَأْنِينَةُ الْوَاجِبَةُ أَدْنَى لُبْثٍ فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا فَفِي اتِّصَافِ الزَّائِدِ بِالْوُجُوبِ قَوْلَانِ نَظَرًا إِلَى جَوَازِ التَّرْكِ وَالْقِيَاسُ عَلَى فُرُوضِ الْكِفَايَةِ إِذَا لَحِقَ بِهِمْ مَنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْفِعْلُ فَإِنْ فَعَلَهُ يَقع وَاجِبا

ص: 206

(الْبَابُ الْخَامِسُ فِي سُنَنِ الصَّلَاةِ)

وَالسُّنَّةُ فِي اللُّغَةِ لَهَا ثَلَاثَةُ مَعَانٍ السِّيرَةُ وَصُورَةُ الْوَجْهِ وتمر بِالْمَدِينَةِ وَالسّنَن الطَّرِيقَة وَيُقَالُ بِالْفَتْحِ فِي السِّينِ وَالنُّونِ وَضَمِّهِمَا وَضَمِّ السِّينِ فَقَطْ وَالسُّنَّةُ فِي الشَّرْعِ لَهَا خَمْسَةُ معَان مَا يلفى شَرعه من النَّبِي عليه السلام مِنْ غَيْرِ الْقُرْآنِ فَيُقَالُ هَذَا ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسّنة قولا كَانَت السّنة أَو فِعْلًا وَعَلَى فِعْلِهِ دُونَ قَوْلِهِ وَعَلَى فِعْلِهِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ نَحْوَ الْوِتْرِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ وَعَلَى مَا تَأَكَّدَ مِنَ الْمَنْدُوبَاتِ مُطْلَقًا وَعَلَى مَا يَقْتَضِي تَرْكُهُ سُجُودَ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ نَحْوَ صَاحِبِ الْجُلَّابِ وَجَمَاعَة مَعَه وَالْكَلَام هَهُنَا عَلَى الْقِسْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ فِي الصَّلَاةِ مُجْمَلًا وَمُفَصَّلًا فَنَقُولُ سُنَنُ الصَّلَاةِ اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ سُنَّةً السُّنَّةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ الْجَهْرُ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ وَهُوَ الْأُولَيَانِ مِنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَجُمْلَةُ الصُّبْحِ وَالْوِتْرُ وَالْجُمُعَةُ وَالْعِيدَانِ وَالِاسْتِسْقَاءُ وَالسِّرُّ فِيمَا يُسَرُّ فِيهِ وَهُوَ مَا عَدَا ذَلِكَ قَالَ فِي الْكِتَابِ وَالْجَهْرُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَفَوْقَ

ص: 207

ذَلِكَ قَلِيلًا وَالْمَرْأَةُ دُونَ الرَّجُلِ فِي ذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ السِّرُّ مَا لَا يُسْمَعُ بِأُذُنٍ أَصْلًا وَالْجَهْرُ ضِدُّهُ وَأَقَلُّهُ إِسْمَاعُ مَنْ يَلِي الْمُصَلِّيَ إِذَا أَنْصَتَ إِلَيْهِ وَالْإِمَامُ يَرْفَعُ صَوْتَهُ مَا أَمْكَنَهُ لِيُسْمِعَ الْجَمَاعَةَ وَالْمُنْفَرِدُ بَيْنَ ذَلِكَ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ

خَرَجَ عليه السلام عَلَى النَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَقَدْ عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ إِنَّ الْمُصَلِّيَ يُنَاجِي رَبَّهُ فَلْيَنْظُرْ مَا يُنَاجِيهِ بِهِ وَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ وَفِي الْبَيَانِ لَا يَجُوزُ أَن يفرط الْمَسْبُوق فِي الْجُمُعَة إِذَا كَانَ بِجَنْبِهِ مِثْلُهُ لِئَلَّا يَخْلِطَ عَلَيْهِ وَلَا ان يرفع صَوته فِي النَّافِلَة إِذَا كَانَ بِجَنْبِهِ مَنْ يُصَلِّي وَالْمَرْأَةُ تَأْتِي بِأَقَلِّ مَرَاتِبِ الْجَهْرِ لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ

فَائِدَةٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ كَانَ عليه السلام يَجْهَرُ فِي صَلَاتِهِ بِالنَّهَارِ فَكَانَ الْمُنَافِقُونَ يَجِدُونَ بِذَلِكَ وَسِيلَةً فَيُصَفِّرُونَ وَيُكْثِرُونَ اللَّغَطَ فَشُرِعَ الْإِسْرَارُ حَسْمًا لِمَادَّتِهِمْ السُّنَّةُ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ سُورَةٌ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ وَالْقِيَامُ لَهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَالْمُنْفَرِدَتَيْنِ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِنْ تَرْكَهَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ لِقَوْلِهِ عليه السلام لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَأَوْجَبَ عُمَرُ رضي الله عنه زِيَادَةً عَلَى الْفَاتِحَةِ وَحَدَّهُ غَيْرُهُ بِثَلَاثِ آيَاتٍ وَقِيلَ مَا تَيَسَّرَ وَخَرَّجَ اللَّخْمِيُّ قَوْلًا بِالْوُجُوبِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا فَضِيلَةٌ لَا توجب سجودا وَالْأَفْضَل الِاقْتِصَار على صُورَة الْعَمَل وَيجوز

ص: 208

الْجَمْعُ بَيْنَ سُوَرٍ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ عليه السلام يَقْرِنُ بَيْنَهَا وَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى النَّوَافِلِ وَإِذَا قَرَأَ سُورَةً قَرَأَ مَا بعْدهَا اتبَاعا لترتيب الْمُصحف فَلَو قَرَأَ مَا قَبْلَهَا جَازَ وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ سُورَةٍ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ مَالِكٌ لَا يَفْعَلُ فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ حُجَّةُ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ الْغَالِبُ مِنْ فِعْلِهِ عليه السلام وَفِعْلِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بَعْدَهُ وَفِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى الصُّبْحَ بِمَكَّةَ فَاسْتَفْتَحَ سُورَةَ الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ وَعِيسَى عليهم السلام أَخَذَتْهُ عليه السلام سَعْلَةٌ فَرَكَعَ وَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه قَرَأَ فِي رَكْعَتَيِ الصُّبْحِ بِالْبَقَرَةِ قَالَ فِي الْكِتَابِ وَلَا يَقْضِي مَا نسبه مِنْ رَكْعَةٍ فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى وَقَالَ ح يَقْرَأُ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ فَإِذَا نَسِيَ قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لَنَا أَنَّهَا لَوْ قُضِيَتْ لَقُضِيَتِ الْأَرْكَانُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَلَيْسَ يُبَايِنُ حُجَّتُنَا عَلَى عَدَمِ قِرَاءَتِهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ خلافًا ش مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَة الأولى من الظّهْر ويقصرالثانية وَكَذَلِكَ فِي الصُّبْحِ وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ احْتَجَّ ش بِمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ كُنَّا نَحْزِرُ قِيَامه الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ قَدْرَ ألَم تَنْزِيلُ

ص: 209

السَّجْدَةِ وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ قَدْرَ النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الْعَصْرِ عَلَى قَدْرِ قِيَامِهِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَفِي الْأَخِيرَتَيْنِ مِنَ الْعَصْرِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ وَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ عَبْدَ الله ابْن عمر كَانَ إِذَا صَلَّى وَحْدَهُ يَقْرَأُ فِي الْأَرْبَعِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ وَكَانَ يَقْرَأُ أَحْيَانًا بِالسُّورَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ مِنَ الْفَرِيضَةِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ أَرْجَحُ لِأَنَّهُ مُبَيَّنٌ وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ حَزْرٌ وَعَن الثَّانِي أَنه مَحْمُول على النافذة بِدَلِيل ذكر الْفَرِيضَة بعده وَلِأَنَّهُ يُعَارض بِعَمَلِ الْمَدِينَةِ السُّنَّةُ الْخَامِسَةُ التَّكْبِيرُ مَا عَدَا تَكْبِيرَة الْإِحْرَام قَالَ اللَّخْمِيّ وَقيل هُوَ فَضِيلَةٌ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ وَقِيلَ التَّكْبِيرَةُ الْوَاحِدَةُ سُنَّةً وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي مَعْنَاهُ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فِي الْأَرْكَانِ وَهُوَ عِنْدَنَا مَشْرُوعٌ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ خِلَافًا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَجَمَاعَتِهِ لِمَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فِي سَائِرِ الْأَمْصَارِ وَلِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ صَلَّى وَكَبَّرَ لِلرَّفْعِ وَالْخَفْضِ وَقَالَ إِنِّي لَأَشْبَهُكُمْ بِصَلَاة النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - قَالَ الْمَازِرِيُّ وَقَدْ رَأَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ مُقْتَضَى الرِّوَايَاتِ وُجُوبُهُ لِقَوْلِهِ فِي تَارِكِهِ إِنْ لَمْ يَسْجُدْ وَطَالَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَقَالَ بِوُجُوبِهِ ابْنُ حَنْبَلٍ لَنَا حَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ الْمُسِيءِ لِصَلَاتِهِ قَالَ فِي الْكِتَابِ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إِذَا شَرَعَ فِيهِ وَلَا يُكَبِّرُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا وَوَافَقَهُ ح وَخَالَفَهُ ش لَنَا مَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ

ص: 210

كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ كَمَا يُكَبِّرُ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَلِأَنَّ التَّكْبِيرَ شُرِعَ فِي الصَّلَاةِ مُتَّصِلًا بِمَا يَنْتَقِلُ مِنَهُ وَإِلَيْهِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ رُكْنٍ إِلَّا ذَاكِرًا وَلَا يَدْخُلُ فِي رُكْنٍ إِلَّا ذَاكِرًا وَكَذَلِكَ لَا يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ إِلَّا ذَاكِرًا بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا إِلَّا ذَاكِرًا بِالتَّسْلِيمِ وَالْجُلُوسُ لَيْسَ بِرُكْنٍ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ بِدُونِهِ إِجْمَاعًا فَكَانَ التَّكْبِيرُ بَعْدَهُ لِلْقِيَامِ فَيَكُونُ فِي أَوَّلِهِ كَقِيَامِ أَوَّلِ الصَّلَاةِ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ فُرِضَتْ مَثْنَى مَثْنَى ثُمَّ زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ كَمَا فِي الْمُوَطَّأِ فَقَدْ كَانَ التَّشَهُّدُ قَبْلُ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ فَتَكُونُ التَّكْبِيرَةُ لِلزِّيَادَةِ فِي ابْتِدَائِهَا أَوَّلَ الْقِيَامِ السُّنَّةُ السَّادِسَةُ وَالسَّابِعَةُ الْجِلْسَةُ الْوُسْطَى وَالْمِقْدَارُ الزَّائِدُ بَعْدَ جُلُوسِهِ الْوَاجِبِ لِلسَّلَامِ دَلِيلُ عَدَمِ وُجُوبِهَا أَنَّهُ عليه السلام لَمَّا تَرَكَهَا سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ قَالَ فِي الْكِتَابِ الْجُلُوسُ كُلُّهُ سَوَاءٌ يُفْضِي بِأَلْيَتِيِهِ إِلَى الْأَرْضِ وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَظَاهِرُ إِبْهَامِهَا مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ وَيَثْنِي رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَقَالَ ح يَفْرِشُ الْيُسْرَى فَيَقْعُدُ عَلَيْهَا وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى وَيُوَجِّهُ أَصَابِعَهُ لِلْقِبْلَةِ وَوَافَقَهُ ش إِلَّا فِي الْجِلْسَةِ الْأَخِيرَةِ فَقَالَ يُخْرِجُ رِجْلَهُ مِنَ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَيُفْضِي بِأَلْيَتِهِ إِلَى الأَرْض وَقَول ح فِي الْبُخَارِيِّ عَنْهُ عليه السلام وََقَوْلُ ش فِي أَبِي دَاوُدَ عَنْهُ عليه السلام وَيَتَرَجَّحُ قَوْلُ مَالِكٍ بِالْعَمَلِ فَقَدْ نَقَلَهُ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَقَالَ ابْنُ عمر هُوَ السّنة فرعان

ص: 211

الأول سنة الْجُلُوس أَن يرفع يَدَيْهِ على فخديه فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَفِي النَّوَادِرِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ عَنهُ عليه السلام أَنه قَالَ الْيَدَانِ تَسْجُدَانِ كَمَا يَسْجُدُ الْوَجْهُ فَإِذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ فَلْيَضَعْ يَدَيْهِ وَإِذَا رَفَعَ فَلْيَرْفَعْهُمَا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْإِعَادَةِ لِأَنَّهَا تَبَعٌ الثَّانِي قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ الْمَعْرُوفُ مِنَ الْمَذْهَبِ قَبْضُ الْيُمْنَى إِلَّا الْمُسَبِّحَةِ يَبْسُطُهَا وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ لَا يَبْسُطُهَا وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْهُ عليه السلام وَالْأَوَّلُ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْهُ عليه السلام وَفِي السَّبَّابَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُحَرِّكُهَا مِنْ تَحْتِ الْبُرْنُسِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تُمَدُّ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيكٍ وَكَانَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ يُحَرِّكُهَا عِنْدَ الشَّهَادَةِ فَقَطْ فَالسُّكُونُ إِشَارَةٌ إِلَى الْوَحْدَانِيَّةِ وَالتَّحْرِيكُ فِي مُسْلِمٍ عَنْهُ عليه السلام وَهُوَ مَقْمَعَةٌ لِلشَّيْطَانِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَذْكُرُ الصَّلَاةَ وَأَحْوَالَهَا فَلَا يُوقِعُهُ الشَّيْطَانُ فِي سَهْوٍ وَيكون جنبها الْأَيْسَر إِلَى جنب الْخِنْصر إِلَى أَسْفَل وَهُوَ قَول الشَّافِعِي إِلَّا أَنَّهُ قَالَ أَوَّلُ مَا يَضَعُ كَفَّهُ عَلَى صَدْرِهَا ثُمَّ يُقَلِّبُهَا بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ يَقْبِضُ الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصَرَ وَالْوُسْطَى وَيَبْسُطُ السَّبَّابَةَ وَالْإِبْهَامَ وَهُوَ فِي أَبِي دَاوُدَ وَقَالَ أَيْضًا يَبْسُطُ الْوُسْطَى مَعَهُمَا وَهُوَ فِي أَبِي دَاوُدَ وَقَالَ أَيْضًا يَقْبِضُ الْجَمِيعَ إِلَّا الْمُسَبِّحَةَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ الَّذِي رَوَاهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي صفة صلَاته عليه السلام وَإِذَا قَبَضَ الْإِبْهَامَ جَعَلَهُ تَحْتَ الثَّلَاثَةِ قَالَ مَالِكٌ وَكُلُّهُ وَاسِعٌ السُّنَّةُ الثَّامِنَةُ وَالتَّاسِعَةُ التَّشَهُّدَانِ قَالَ الْمَازرِيّ رُوِيَ عَن مَالك وش وُجُوبُ الْأَخِيرِ وَعَنْ أَحْمَدَ وُجُوبُهُمَا وَوَافَقَ الْمَشْهُورَ ح لَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ

ص: 212

لِلْأَعْرَابِيِّ ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ اجْلِسْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا فَإِذَا فَعَلْتَ هَذَا فَقَدَ تَمَّتْ صَلَاتُكَ وَلَمْ يَذْكُرِ التَّشَهُّدَ وَفِي الصِّحَاحِ أَنَّهُ عليه السلام تَرَكَ الْجِلْسَةَ الْوُسْطَى فَسَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ وَفِي التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ سَبَّحَ بِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ وَهَذَا شَأْنُ السُّنَنِ وَنَقِيسُ الْأَخِيرَ عَلَى الْأَوَّلِ حُجَّةُ وُجُوبِهِمَا فِعْلُهُ عليه السلام وَقَوْلُهُ فِي أَبِي دَاوُدَ إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَاخْتَارَ مَالِكٌ فِيهِ تَشَهُّدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَفِي الْمُوَطَّأِ كَانَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ لِلنَّاسِ قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ الطَّيِّبَات الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمُوَطَّأِ لَمْ يَذْكُرْ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَاخْتَارَ ش رِوَايَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ عليه السلام وَهِي التَّحِيَّات الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَسَاقَ التَّشَهُّدَ مُرَجِّحًا لَهُ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ عليه السلام يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ وَلِأَنَّهُ عليه السلام تُوُفِّيَ وَابْنُ عَبَّاسٍ صَغِيرٌ

ص: 213

فَيَكُونُ آخِرَ الْأَمْرِ مِنَهُ عليه السلام فَيَكُونُ أرجح لِأَن فِيهِ زِيَادَة المباركات وَالسَّلَام فِيهِ مُنْكرا وَهُوَ أَكثر سَلام الْقُرْآن وَاخْتَارَ ح واية ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمُ التَّشَهُّدَ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَسَاقَ التَّشَهُّدَ مُرَجِّحًا لَهُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَخَذَ النَّبِيُّ عليه السلام بِيَدِي فَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ وَقَالَ عليه السلام أَخَذَ جِبْرِيلُ عليه السلام بِيَدِي فَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ وَهَذَا يَقْتَضِي الْعِنَايَةَ وَالضَّبْطَ حَتَّى ان الْحَنَفِيَّة الْيَوْم يرونه فِي مَعْنَى أَخَذَ بِيَدِي أَخَذَ فِي جُمْلَةِ الرِّوَايَاتِ إِلَى جِبْرِيلَ عليه السلام فَإِنَّ كُلَّهُمْ فَعَلَ ذَلِكَ كَمَا فَعَلَهُ عليه السلام مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلِأَنَّهُ بِزِيَادَةِ الْوَاوِ وَهِيَ التَّشَهُّدُ بِالتَّعَدُّدِ كَمَا حَصَلَ التَّرْجِيحُ فِي رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ بِالْوَاوِ عَلَى إِسْقَاطِهَا وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِنَا فِي رَدِّ التَّحِيَّةِ وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ أَرْجَحُ مِنْ عَلَيْكُمُ السَّلَامُ تَرْجِيحُنَا أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ يَقُولُهُ عَلَى الْمِنْبَرِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَجَرَى مَجْرَى التَّوَاتُرِ وَالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ الزَّاكِيَاتُ وَالتَّسْلِيمُ بِالتَّعْرِيفِ أَبْلَغُ لِإِفَادَةِ الْعُمُومِ

فَوَائِدُ التَّحِيَّاتُ جَمْعُ تَحِيَّةٍ وَالتَّحِيَّةُ السَّلَامُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذا حييتُمْ بِتَحِيَّة} وَالتَّحِيَّةُ الْمُلْكُ لِقَوْلِهِ

ص: 214

(مِنْ كُلِّ مَا نَالَ الْفَتَى

قَدْ نِلْتُهُ إِلَّا التَّحِيَّةَ)

أَيِ الْمُلْكُ وَالتَّحِيَّةُ الْبَقَاءُ وَقِيلَ هُوَ الْمُرَادُ بِالْبَيْتِ وَالْمُلْكُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَأَصْلُهُ أَن الْملك كَانَ يحبى فَيُقَالُ لَهُ أَبَيْتَ اللَّعْنَ وَلَا يُقَالُ لِغَيْرِهِ ذَلِكَ وَالزَّاكِيَاتُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ صَالِحُ الْأَعْمَالِ وَمِنَهُ قَوْله تَعَالَى {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} وَالطَّيِّبَاتُ الْأَقْوَالُ الْحَسَنَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلم الطّيب} وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الطَّيِّبِ فِي التَّيَمُّمِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ لِأَنَّهَا تُطَيِّبُ الْعَبْدَ كَمَا قَالَ تَعَالَى {الطَّيِّبَات للطيبين} وَالصَّلَوَاتُ إِنْ جَعَلْنَا الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِيهَا لِلْعَهْدِ كَانَت الصَّلَوَات الْخمس وَالْجِنْس شَمَلَتْ سَائِرَ الصَّلَوَاتِ الشَّرْعِيَّاتِ هَذَا إِذَا اعْتَبَرْنَا الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَإِنِ اعْتَبَرْنَا اللُّغَوِيَّةَ وَهِيَ الدُّعَاءُ كَانَتْ لِلْعُمُومِ فِي سَائِرِ الدَّعَوَاتِ وَاللَّامُ فِي قَوْلِنَا لِلَّهِ لِلِاخْتِصَاصِ أَيْ هَذِهِ الْأُمُور مُخْتَصَّة بِاللَّه إِلَى الْإِخْلَاصِ فَهِيَ عِبَادَاتٌ مِنَّا لِلرَّبِّ سبحانه وتعالى بِأَن لَا يعبد بِهَذِهِ الْأُمُور إِلَّا الله كَمَا نعْبد فِي الْفَاتِحَةِ بِقَوْلِنَا {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أَيْ لَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ وَلَا نَسْتَعِينُ إِلَّا بِهِ وَقَوْلُنَا السَّلَامُ عَلَيْكَ إِنْ جَعَلْنَا السَّلَامَ اسْمًا لِلَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ مَعْنَاهُ اللَّهُ عَلَيْكَ حَفِيظٌ أَوْ رَاضٍ وَقِيلَ هُوَ مَصْدَرُ تَقْدِيرِ الْكَلَامِ سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ سَلَامًا ثُمَّ نَقَلْنَاهُ مِنَ الدُّعَاءِ إِلَى الْخَبَرِ

ص: 215

كَمَا قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام {فَقَالُوا سَلاما قَالَ سَلام} فَسَلَامُهُ أَبْلَغُ مِنْ سَلَامِهِمْ لِأَجْلِ النَّقْلِ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْحَمد لله فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ وَتَقْرِيرُ جَمِيعِ ذَلِكَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ وَقِيلَ جَمْعُ سَلَامَةٍ فَيَكُونُ دُعَاءً بِالسَّلَامَةِ مِنَ الشُّرُورِ كُلِّهَا وَالرَّحْمَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ هِيَ إِرَادَةُ الْإِحْسَانِ فَتَكُونُ صِفَةً ذَاتِيَّةً قَدِيمَةً وَاجِبَةَ الْوُجُودِ يُعَضِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} أَيْ تَعَلَّقَتْ إِرَادَتُكَ وَعِلْمُكَ بِسَائِرِ الْمَوْجُودَاتِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ هِيَ الْإِحْسَانُ كُلُّهُ يُعَضِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {ورحمتي وسعت كل شَيْء} أَي الْجنَّة لقَوْله {فسأكتبها للَّذين يَتَّقُونَ} فَتَكُونُ رَحْمَةُ اللَّهِ عِنْدَهُ مُحْدَثَةً لَيْسَتْ صِفَةً ذاتية وَالرَّحْمَة اللُّغَوِيَّة هِيَ رِقَّةُ الطَّبْعِ تَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ تَعَالَى فَيَتَعَيَّنُ الْعُدُولُ إِلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الْمَجَازَيْنِ اللَّازِمَيْنِ لِلْحَقِيقَةِ عَادَةً وعَلى التقريرين فَهُوَ دُعَاءٌ لَهُ عليه السلام

فَرْعٌ قَالَ فِي الْكتاب لَا يتبسمل أَوَّلَ التَّشَهُّدِ وَإِنْ كَانَ رُوِيَ ذَلِكَ فِي الْمُوَطَّأِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما وَعَلَى الْأَوَّلِ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ لِأَنَّ رِوَايَةَ عُمَرَ

ص: 216

وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لَيْسَ فِيهَا بَسْمَلَةٌ وَلَا فِي خَبَرٍ ثَابِتٍ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُنْكِرُهَا وَفِي الْحَدِيثِ لِيَكُنْ أَوَّلَ قَوْلِكُمُ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ السُّنَّةُ الْعَاشِرَةُ قَوْلُ سمع الله لمن حَمده فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ إِذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَضَى الْعَمَلُ فِي سَائِرِ الْأَمْصَارِ قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى وَرُوِيَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ بِزِيَادَةِ اللَّهُمَّ وَنُقْصَانِ الْوَاوِ وَاخْتَارَهُ أَشْهَبُ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَاخْتَارَهُ ش وَبِزِيَادَةِ الْوَاوِ فَقَطْ وَبِزِيَادَتِهِمَا وَهُوَ اخْتِيَارُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَبِنُقْصَانِهِمَا وَهُوَ اخْتِيَارُ ح وَمَعْنَى اللَّهُمَّ النِّدَاءُ وَمَعْنَى الْوَاوِ تَقْدِيرُ مَعْطُوفٍ عَلَيْهِ أَيْ لَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الْحَمْدُ فَيَصِيرُ الْكَلَامُ فِي مَعْنَى جُمْلَتَيْنِ وَمَعْنَى سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ دُعَاءً بِلَفْظِ الْخَبَرِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ تَقْدِيرُهُ اللَّهُمَّ اسْمَعْ لِمَنْ حَمِدَكَ وَعَبَّرَ بِالسَّمَاعِ عَنِ الْمُكَافَأَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا} أَي قد يجازيهم لِأَن علم الله تَعَالَى لَا يعلق عَلَى حَرْفِ قَدْ لِوُجُوبِ تَعَلُّقِهِ وَمَعْنَى مُوَافَقَةِ الْمَلَائِكَة فِيهِ خَمْسَة أَقْوَال النِّيَّة وَالْإِخْلَاص كَأَنَّهُ يَقُولُ مَنْ أَخْلَصَ فِي الْإِجَابَةِ كَأَنَّهُ يَقُولُ مَنِ اسْتُجِيبَ لَهُ فِي الْوَقْتِ فِي الْكَيْفِيَّةِ بِأَنْ يَدْعُوَ لِنَفْسِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ كَمَا تَفْعَلُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ بِكَوْنِهِ دُعَاءً فِي طَاعَةٍ لَا يُشَارِكُهَا شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى وَلَا يَقُلِ الْإِمَامُ اللَّهُمَّ

ص: 217

رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَهُوَ فِي الْكِتَابِ خِلَافًا ش وَعِيسَى بْنِ دِينَارٍ وَابْنِ نَافِعٍ لِاقْتِضَاءِ الْحَدِيثِ اخْتِصَاصَ الْإِمَامِ بِلَفْظٍ غَيْرِهِ وَيَقُولُهَا الْمُنْفَرِدُ خلافًا ح لِأَنَّهُمَا مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُوجَدْ خَلْفَهُ مَنْ يَقُول فيقولهما وَكَرِهَ مَالِكٌ لِلْمَأْمُومِ الزِّيَادَةَ عَلَى رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَإِنْ كَانَ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ نَافِعٍ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي يَوْمًا وَرَاءَ النَّبِيِّ عليه السلام فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ قَالَ رجل وَرَاءه رَبنَا وَلَك الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ عليه السلام قَالَ مَنِ الْمُتَكَلِّمُ آنِفًا؟ قَالَ الرَّجُلُ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ عليه السلام لَقَدْ رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ مَلِكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلًا قَالَ لِأَنَّ الْعَمَلَ عَلَى خِلَافِهِ السُّنَّةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم َ - وَقَالَ ش وَاجِبُةٌ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَوَافَقَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي الْوُجُوبِ لَنَا قَوْلُهُ عليه السلام فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي التَّشَهُّدِ فَإِذَا قُلْتَ هَذَا فَقَدَ تَمَّتْ صَلَاتُكَ وَلَمْ يَذْكُرِ الصَّلَاةَ حُجَّةُ ش قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ لَا تَجِبُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فتجنب فِي الصَّلَاة وَبِقَوْلِهِ عليه السلام لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ وَبِالصَّلَاةِ عَلَيَّ

ص: 218

وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْوُجُوبَ فِيمَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ الْحَالَتَيْنِ وَهُوَ مُطْلَقُ الزَّمَانِ فَلَا تَتَعَيَّنُ الصَّلَاةُ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ السُّنَّةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ الِاعْتِدَالُ فِي الْفَصْلِ بَيْنَ الْأَرْكَانِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سُنَّةً فِي الْجَوَاهِرِ وأضاف صَاحب الْمُقدمَات عشرا إِلَيْهَا الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ إِقَامَتُهَا فِي الْمَسَاجِدِ لِقَوْلِهِ عليه السلام هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ الدَّرَجَاتِ وَيَمْحُو بِهِ السَّيِّئَاتِ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عِنْدَ المكاره وَكَثْرَة الخطى إِلَى الْمَسَاجِدِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَلَا يُخْتَلَفُ فِي خُرُوجِ الْمُتَجَالَّةِ فِي الْجَنَائِزِ وَالْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَلَا تَخْرُجُ الشَّابَّةُ إِلَّا فِي جِنَازَةِ أَهْلِهَا وَالْمَسْجِدِ عَلَى النُّدْرَةِ السُّنَّةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ الْأَذَانُ لَهَا سنة فِي مَسَاجِد الْجَمَاعَات والايمة حَيْثُ كَانُوا وَفَرْضٌ فِي جُمْلَةِ الْمِصْرِ السُّنَّةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ الْإِقَامَةُ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ السُّنَّةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ رَفْعُ الْيَدَيْنِ مَعَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَفِي الْجَوَاهِرِ وَالتَّلْقِينِ هِيَ فَضِيلَةٌ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا أَعْرِفُهُ إِلَّا فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَهُوَ قَوْلُ ح قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ تَرْكَهُ مُطْلَقًا وَرُوِيَ عَنْهُ فِعْلُهُ فِي الْإِحْرَامِ وَالرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ وَفِي سَمَاعِ ابْنِ وَهْبٍ الْإِحْرَامُ وَالرُّكُوعُ وَالرَّفْعُ مِنَهُ وَهُوَ قَوْلُ ش وَابْن حَنْبَل وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ يَفْعَلُهُ مَعَ ذَلِكَ إِذَا قَامَ مِنِ اثْنَتَيْنِ فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ وَجْهُ الْأَوَّلِ مَا فِي أَبِي دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ

ص: 219

مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ أَلَا أُصَلِّي لَكُمْ صَلَاتَهُ عليه السلام وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِالرَّفْعِ مَرَّةً وَاحِدَةً جَعَلَهَا فِي الْإِحْرَامِ وَلِأَنَّ التَّكْبِيرَ شُرِعَ فِي الصَّلَاةِ مَقْرُونًا بِحَرَكَاتِ الْأَرْكَانِ دُخُولًا وَخُرُوجًا وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ مَعَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ رُكْنٌ شُرِعَ مَعَهَا حَرَكَةُ الْيَدَيْنِ وَلِأَنَّ الرَّفْعَ يَشْغَلُ النَّفْسَ عَنِ الْخُشُوعِ فَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْأَوَّلِ وَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الرَّفْعَ مَنْسُوخٌ بِمَا يُرْوَى عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ كُنَّا نَرْفَعُ أَيْدِيَنَا فِي الصَّلَاةِ فَمَرَّ بِنَا عليه السلام فَقَالَ مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلِ شَمْسٍ اسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ وَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ حَالَةَ الرَّفْعِ ابْتِدَاءُ حَالَةِ قِيَامٍ فَأَشْبَهَ الْأَوَّلَ وَجْهُ الرَّابِعِ مَا فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْهُ عليه السلام إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى تَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ وَيَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا رفع رَأسه مِنْهُ وَيَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ وَجْهُ الْخَامِسِ مَا فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَفْعَلُهُ وَرَفَعَهُ أَبُو دَاوُدَ وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ الْأَصْلَ وَبَقِيَّةُ الْأَحَادِيثِ تَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ وَكَذَلِكَ أَشَارَ إِلَيْهِ مَالِكٌ فِي النَّوَادِر ويحقق

ص: 220

ذَلِكَ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَأَمَّا حَدُّ الرَّفْعِ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَهُوَ الْمَشْهُور وَقَول ش وَابْنِ حَنْبَلٍ وَإِلَى الْأُذُنَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ ح وَإِلَى الصَّدْرِ عِنْدَ سَحْنُونٍ وَجْهُ الْأَوَّلِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقُ وَالثَّانِي فِي مُسْلِمٍ عَنْهُ عليه السلام وَالثَّالِثُ فِي أَبِي دَاوُدَ عَنْهُ عليه السلام وَأَمَّا صِفَةُ الرَّفْعِ فَالَّذِي عَلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ والباجي ش أَن تكون اليدان قائمتين يحاذى كَفَّاهُ مَنْكِبَيْهِ وَأَصَابِعُهُ أُذُنَيْهِ وَهِيَ صِفَةُ الرَّاغِبِ فَإِنَّ الرَّاغِبَ لِلشَّيْءِ يَبْسُطُ لَهُ يَدَيْهِ وَعِنْدَ سَحْنُونٍ ظُهُورُهُمَا إِلَى السَّمَاءِ وَبُطُونُهُمَا إِلَى الْأَرْضِ وَهِيَ صِفَةُ الرَّاهِبِ فَإِنَّ الْخَائِفَ مِنَ الشَّيْءِ يَنْقَبِضُ عَنْهُ وَقَدْ فُسِّرَ بِهِمَا قَوْله تَعَالَى {ويدعوننا رغبا ورهبا} وَقِيلَ رَجَاءَ الْخَيْرِ وَخَوْفًا مِنَ الشَّرِّ وَفِي التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ إِذَا كَبَّرَ نَشَرَ أَصَابِعَهُ مَدًّا وَجْهُ الثَّانِي الْحَدِيثُ الْوَارِدُ فِي الرَّفْعِ إِلَى الصَّدْرِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ غَالِبًا إِلَّا كَذَلِكَ قَالَ وَأَمَّا إِرْسَالُهُمَا فَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا فِيهِ شَيْئًا وَقَالَ ش يُثْنِيهِمَا مَرْفُوعَتَيْنِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنَ التَّكْبِيرِ قَالَ وَالظَّاهِرُ إِرْسَالُهُمَا حَالَةَ التَّكْبِيرِ لِيَكُونَ مُقَارِنًا لِلْحَرَكَةِ كَالْخَفْضِ وَالرَّفْعِ مُقَارِنًا لِلْحَرَكَةِ وَيُرْسِلُهُمَا بِوَقَارٍ وَلَا يَدْفَعُ بِهِمَا إِلَى قُدَّامٍ وَلَا يَقْبِضْهُمَا عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَلَا يَخْبِطُ بِهِمَا لِمُنَافَاةِ

ص: 221

ذَلِكَ لِلْوَقَارِ وَيُسْتَحَبُّ كَشْفُهُمَا عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَفِي أَبِي دَاوُدَ كَانَ عليه السلام إِذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ الْتَحَفَ ثُمَّ أَخَذَ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ وَأَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي ثَوْبِهِ السُّنَّةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ الْإِنْصَاتُ لِلْإِمَامِ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} السُّنَّةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ رَدُّ السَّلَامِ عَلَى الْإِمَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَرْكَانِ السُّنَّةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ تَأْمِينُ الْمَأْمُومِ عِنْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ {وَلا الضَّالِّينَ} وَهِيَ فِي الْجَوَاهِرِ وَالتَّلْقِينِ فَضِيلَةٌ وَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ الْقَصْرُ وَالْمَدُّ وَالْقَصْرُ مَعَ تَشْدِيدِ الْمِيمِ وَقِيلَ هُوَ عِبْرَانِيٌّ عَرَّبَتْهُ الْعَرَبُ وَبَنَتْهُ عَلَى الْفَتْحِ وَقِيلَ عَرَّبَتْهُ اسْمًا لِلَّهِ تَعَالَى وَنُونُهُ مَضْمُومَةٌ عَلَى النِّدَاءِ تَقْدِيرُهُ يَا آمِينَ اسْتَجِبْ لَنَا دُعَاءَنَا وَقِيلَ عَرَبِيٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ اسْمٌ لِطَلَبِ الْإِجَابَةِ كَسَائِرِ أَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الْأَمَانِ بِمَعْنَى اسْتِجَابَةِ دُعَائِنَا وَالْمَدُّ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي السُّنَّةِ وَاللُّغَةِ شَاهِدُ الْقَصْرِ

(تَبَاعَدَ مني فطحلا إِذْ سَأَلته

أَمِين فَزَاد الله فِي بَيْنِنَا بُعْدًا)

شَاهِدُ الْمَدِّ

(وَيَرْحَمُ اللَّهُ عَبْدًا قَالَ آمِينَا

)

وَالْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَصْرِ لِلضَّرُورَةِ قَالَ فِي الْكتاب لَا يقل آمِينَ وَلْيَقُلْ مَنْ خَلْفَهُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يُرِيدُ فِي الْجَهْرِ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي النَّوَادِر

ص: 222

وَلَا يَقُوله الْإِمَامُ إِلَّا فِي السِّرِّ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْوَاضِحَة يَقُوله مُطلقًا وَهُوَ قَول ش ح وَابْنِ حَنْبَلٍ وَفِي التَّبْصِرَةِ لِابْنِ بُكَيْرٍ هُوَ مُخَيَّرٌ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَجْهُ الْأَوَّلِ مَا فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ عليه السلام إِذَا قَالَ الْإِمَامُ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فَقُولُوا آمِينَ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ الْمَلَائِكَةَ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَفِي الْمُوَافَقَةِ مَا تَقَدَّمَ فِي سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ دَاعٍ فَيَكُونُ الْمَأْمُومُ هُوَ الْمُؤَمِّنُ عَلَى سُنَّةِ الدُّعَاءِ وَجْهُ الثَّانِي مَا فِي الصِّحَاحِ إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَفِي أَبِي دَاوُدَ عَنْهُ عليه السلام يَقُولُ آمِينَ حَتَّى يَسْمَعَ من فِي الصَّفّ الأ ، ل وَلِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْقِرَاءَةِ وَالْإِمَامُ قَارِئٌ وَجْهُ الثَّالِثِ تَعَارُضُ الْأَدِلَّةِ تَفْرِيعٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْفَذَّ يُؤَمِّنُ قَالَ وَإِذَا قُلْنَا يُؤمن قَالَ وَإِذا قُلْنَا يُؤمن الْمَأْمُون قَالَ مَالِكٌ فَمَنْ لَا يَسْمَعُ الْإِمَامَ لَا يُؤَمِّنُ لِأَنَّهُ إِجَابَةٌ وَالْإِجَابَةُ فَرْعُ السَّمَاعِ وَفِي الْبَيَانِ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْ أَنْ يُؤَمِّنَ وَظَاهِرُهُ لَهُ ذَلِكَ قَالَ وَيَتَحَرَّى الْوَقْتَ كَمَا يَتَحَرَّى الْمَرِيضُ لِرَمْيِ الْجَمْلَدِ فَيُكَبِّرُ وَذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُوسٍ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَذَهَبَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ إِلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ قَالَ وَهُوَ أَظْهَرُ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ مَمْنُوعٌ مِنَ الْكَلَامِ وَالتَّأْمِينُ كَلَامٌ أُقِيمَ فِي مَوْضِعِهِ وَعِنْدَ التَّحَرِّي قَدْ يُخْطِئُ قَالَ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَإِذا قُلْنَا يُؤمن الإِمَام قَالَ الْبَاجِيّ لَا يَجْهَرُ بِهِ قَالَ وَهُوَ الْأَرْجَحُ لِأَنَّهُ دُعَاء

ص: 223

وَالْأَصْلُ فِي الدُّعَاءِ الْخُفْيَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ادْعُوا ربكُم تضرعا وخفية} {وَاذْكُر رَبك فِي نَفسك تضرعا وخفية} وَقَالَ ش وَابْنُ حَنْبَلٍ يَجْهَرُ لِيُقْتَدَى بِهِ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ وَنَحْنُ نَحْمِلُهُ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ لَا لِمَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّقْدِيرِ السُّنَّةُ الْعِشْرُونَ قَوْلُ الْمَأْمُومِ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَهِيَ فِي الْجَوَاهِرِ وَالتَّلْقِينِ فَضِيلَةٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا السّنة الْحَادِيَة وَالْعشْرُونَ لِلْمَرْأَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ النَّافِلَةِ السُّنَّةُ الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ التَّسْبِيحُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَهِيَ فِي الْجَوَاهِرِ وَالتَّلْقِينِ فَضِيلَةٌ وَقَالَ فِي الْكِتَابِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا مُوَقَّتٍ وَأَنْكَرَ التَّحْدِيد وَهُوَ قَول ش وح وَأَوْجَبَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَمَا أوجب التَّكْبِير فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود وَرب اغْفِرْ لِي بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَسَبِّحْ باسم رَبك الْعَظِيم} وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَفِي أَبِي دَاوُدَ لَمَّا نَزَلَتْ قَالَ عليه السلام اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ فَلَمَّا نزلت {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} قَالَ عليه السلام اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ لنا حَدِيث الْأَعرَابِي المسئ لِصَلَاتِهِ عَلَّمَهُ عليه السلام الْوَاجِبَاتِ فَلَوْ كَانَ التَّسْبِيح وَاجِبا لذكره وَأما إِنْكَاره مَالك للتحديد فقد حدده ابْن حَنْبَل سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم ثَلَاثًا وَسُبْحَان رَبِّي

ص: 224

الْأَعْلَى ثَلَاثًا وَاسْتَحَبَّ ش ذَلِكَ ثَلَاثًا وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ الْإِمَامُ خَمْسًا حَتَّى يَلْحَقَ الْمَأْمُومَ ثَلَاثًا لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ عليه السلام إِذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ وَإِذَا سَجَدَ فَلْيَقُلْ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ وَهُوَ مُعَارِضٌ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَوَرَدَتْ أَذْكَارٌ مُخْتَلِفَةٌ غَيْرُ هَذَا وَذَلِكَ يَمْنَعُ التَّحْدِيدَ وَالْوُجُوبَ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ بَعْدَ عَدِّهِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سُنَّةً وَأَسْقَطَ بعض مَا عده غَيره فَمن هَذِه ثَمَان سُنَنٍ مُؤَكَّدَاتٍ يَسْجُدُ لِسَهْوِهِنَّ وَتُعَادُ الصَّلَاةُ لِتَرْكِهِنَّ عَمْدًا أَبَدًا عَلَى الْخِلَافِ فِي تَرْكِ السُّنَنِ عَمْدًا وَهِيَ السُّورَةُ وَالْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ وَالتَّكْبِيرُ وَسَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَالتَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ وَالْجُلُوسُ لَهُ وَالتَّشَهُّد الْأَخير وَمَا عدا هَذِه الثَّمَانِية فَلَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْفَضَائِلِ إِلَّا فِي تَأْكِيدِ الطَّلَبِ الشَّرْعِيِّ إِلَّا الْقِنَاعَ لِلْمَرْأَةِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ تُعَادُ لِتَرْكِهِ فِي الْوَقْتِ

ص: 225

(الْبَاب السَّادِس فِي فَضَائِل الصَّلَاة)

قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ وَهِيَ سَبْعَ عَشْرَةَ جَعْلُ الرِّدَاءِ عَلَى الْمَنْكِبِ وَالتَّيَامُنُ فِي السَّلَامِ وَقِرَاءَةُ الْمَأْمُومِ مَعَ الْإِمَامِ فِي السِّرِّ وَإِطَالَةُ الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاة الصُّبْح وَالظّهْر وَفِي الْجلاب إِذا ابْتَدَأَ قَصِيرَةً قَطَعَهَا وَشَرَعَ فِي طَوِيلَةٍ وَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه قَرَأَ الْبَقَرَة فِي صَلَاة الصُّبْح وَأَن عمر رضي الله عنه قَرَأَ يُوسُف وَالْحج فِي رَكْعَتي الصُّبْح وَأَن القرافصة بْنَ عُمَيْرٍ قَالَ مَا أَخَذْتُ سُورَةَ يُوسُفَ إِلَّا مِنْ قِرَاءَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ إِيَّاهَا فِي الصُّبْحِ مِنْ كَثْرَةِ مَا كَانَ يُرَدِّدُهَا ذَكَرَ هَذَا مَالِكٌ لِيَدُلَّ أَنَّ الْعَمَلَ يَقْتَضِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّ فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ عليه السلام قَرَأَ {إِذا زلزلت} فِي رَكْعَتي الصُّبْح وَفِي رِوَايَة بالمعوذتين وَفِي

ص: 226

الْجَوَاهِرِ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا بِقَدْرِ مَا يَحْمِلُهُ التَّغْلِيسُ وَلَا يبلغ بهَا الْإِسْفَار وَالظّهْر دونهَا ويخفف فِي الْمغرب وَالْعصر تَلِيهَا وَالْعشَاء بَين المنزلتين وَقَالَ ش ح وَأَشْهَبُ يُسَوِّي الظُّهْرَ بِالصُّبْحِ وَالْمُدْرِكُ فِي ذَلِكَ الْعَمَلَ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الصُّبْحَ رَكْعَتَانِ فَقَط وتدرك النَّاس أَكْثَرهم نيام فيمد فِيهَا حَتَّى يُدْرِكهَا الْمَسْبُوق فَفِي الحَدِيث من شهد صَلَاة الصُّبْح فَكَأَنَّمَا قَامَ لَيْلَة بالتطويل يَحْصُلُ لِلْمَسْبُوقِ هَذِهِ الْفَضِيلَةُ وَالظُّهْرُ يُدْرِكُ النَّاسَ مُسْتَيْقِظِينَ وَعَدَدُهَا أَرْبَعٌ فَهَذَا يَقْتَضِي عَدَمُ الْإِطَالَةِ وَكَوْنُهُ فِي وَقْتِ فَرَاغٍ مِنَ الْأَعْمَالِ لِلتَّخَلِّي لِلْقَائِلَةِ وَالْأَغْذِيَةِ يَقْتَضِي التَّطْوِيلَ فَكَانَتْ دُونَ الصُّبْحِ وَأَمَّا الْعَصْرُ فَتَأْتِي فِي وَقْتِ شُغْلٍ وَالْمَغْرِبُ وَقْتُهَا ضَيِّقٌ بِخِلَافِ غَيْرِهَا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي الْقِرَاءَةِ عِنْدَ مَالِكٍ مَعَ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يقْرَأ بِالطورِ فِي الْمَغْرِبِ ثُمَّ مَا صَلَّى بَعْدَهَا حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَفِي أَبِي دَاوُدَ بِالْأَعْرَافِ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ مَا مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ إِلَّا وَقَدْ سَمِعْتُهُ عليه السلام يؤم النَّاس بِهِ فَكَانَ عليه السلام يُخَالِفُ عَادَتَهُ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ ذَلِكَ وَقَدْ أَنْكَرَ الْعُلَمَاءُ وَمَالِكٌ عَلَى مَنْ يَقْتَصِرُ على

ص: 227

بَعْضِ الْقُرْآنِ وَلَوْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ الْقُرْآنَ لِيُخَافَ مِنْ وَعِيدِهِ وَيُرْجَى وَعْدُهُ وَيُتَأَدَّبَ بِقَصَصِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُتْلَى جَمِيعُهُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ كَرِهَ مَالِكٌ تكْرَار قِرَاءَة {قل هُوَ الله أحد} فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ لِلَّذِي يَحْفَظُ الْقُرْآنَ لِئَلَّا يعْتَقد أَن أجر قرائتها ثَلَاثِ مَرَّاتٍ مِثْلَ أَجْرِ جُمْلَةِ الْقُرْآنِ مُتَأَوِّلًا لِقَوْلِهِ عليه السلام إِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فَقَالَ إِذْ لَيْسَ ذَلِكَ مَعْنَى الْحَدِيثِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بَلْ لَهُ مَعَانٍ كَثِيرَةٍ عِنْدَهُمْ أَحْسَنُهَا أَنْ أَجْرَهَا مُضَاعَفٌ يَعْدِلُ أَجْرَ ثُلُثِ الْقُرْآنِ غَيْرَ مُضَاعَفٍ

فَائِدَةٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ الْمُفَصَّلُ كُلُّهُ مَكَّيٌّ وَأَوَّلُهُ قِيلَ الْحُجُرَاتُ وَقِيلَ ق وَهُوَ الصَّحِيح لِأَن الحجرات مَدَنِيَّة وَقيل الرحمان قَالَ وَكَرِهَ مَالِكٌ إِظْهَارَ الْهَمْزَةِ فِي قِرَاءَةِ الصَّلَاةِ وَاسْتَحَبَّ التَّسْهِيلَ عَلَى رِوَايَةِ وَرْشٍ لِأَنَّهُ لُغَتُهُ عليه السلام قَالَ وَكَذَلِكَ التَّرْقِيقُ وَالتَّفْخِيمُ وَالروم والإشمام وَغير ذَلِك من مَعَانِي الْقِرَاءَةِ قَالَ وَتَقْصِيرُ الْجِلْسَةِ الْأُولَى وَالتَّأْمِينُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ لِلْفَذِّ وَالْإِمَامِ فِيمَا يُسِرُّ فِيهِ وَقَوْلُ الْفَذّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَصِفَةُ الْجُلُوسِ وَالْإِشَارَةُ فِيهِ بِالْأُصْبُعِ وَقِيَامُ الْإِمَامِ مِنْ مَوْضِعِهِ سَاعَةَ يُسَلِّمُ وَالسُّتْرَةُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ على مَوضِع الْأَمْن من الْمُرُور بِوُجُوبِهَا فِي غَيْرِهِ قَالَ وَاعْتِدَالُ الصُّفُوفِ وَتَرْكُ الْبَسْمَلَةِ وَوَضْعُ الْيَدَيْنِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى حَالَةَ الْقِيَامِ وَقد كرهه فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ كَرَاهَةَ

ص: 228

أَنْ يُعَدَّ مِنَ الْوَاجِبَاتِ وَقَالَ فِي الْكِتَابِ أَكْرَهُهُ فِي الْفَرِيضَةِ بِخِلَافِ طُولِ الْقِيَامِ فِي النَّوَافِلِ وَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَبُو الْوَلِيدِ رِوَايَةُ ابْنُ الْقَاسِمِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاعْتِمَادِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ الْكَرَاهَةُ فِي الْفَرْضِ رِوَايَةُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْإِبَاحَةُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ رِوَايَةُ أَشْهَبَ وَالِاسْتِحْبَابُ فِيهِمَا رِوَايَةُ مطرف وَهُوَ مَذْهَب ش ح وَابْن حَنْبَل وَهُوَ فِي الصِّحَاح عَنهُ عليه السلام وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ من كَلَام النُّبُوَّة إِذا لم تَسْتَحي فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ وَوَضْعُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ قَالَ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهِ فَقَالَ الْبَاجِيُّ يَقْبِضُ يُمْنَاهُ عَلَى الْمِعْصَمِ وَالْكُوعِ مِنَ الْيُسْرَى وَلَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ يَقْبِضُ عَلَى أَصَابِعِ الْيُسْرَى وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ لَا يَقْبِضُ عَلَى شَيْءٍ بَلْ يَضَعُ كَفَّهُ الْيُسْرَى مبسوطة وكفه الْيُمْنَى عَلَيْهَا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْهُ عليه السلام وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَقْبِضُ بِكَفِّهِ الْيُمْنَى كَفَّهُ الْيُسْرَى وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَضَعُ كَفَّهُ عَلَى كَفِّهِ وَيَقْبِضُ بِالْخِنْصَرِ وَالْبِنْصَرِ وَالْإِبْهَامِ عَلَى رُسْغِهِ وَيَمُدُّ الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةَ عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى وَاخْتُلِفَ فِي مَوْضِعِهِمَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ غَيْرُ مَحْدُودٍ وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ تَحْتَ الصَّدْرِ وَفَوْقَ السُّرَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ الْمُوَطَّأِ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ يَضَعُهُمَا تَحْتَ السُّرَّةِ وَهُوَ فِي أَبِي دَاوُدَ عَنْهُ عليه السلام وَرُوِيَ عَنْ ش فَوْقَ النَّحْرِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ

ص: 229

عَنْهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانحر} أَنَّهُ ذَلِكَ قَالَ وَالصَّلَاةُ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ مَا تُنْبِتُهُ وَالصَّلَاةُ فِي جَمَاعَةٍ لِلرَّجُلِ فِي نَفْسِهِ وَهِيَ سُنَّةٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَفَرِيضَةٌ فِي الْجُمْلَة وَأَمَّا النِّسَاءُ فَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ أَمَّا الْمُتَجَالَّاتِ فَلَا خِلَافَ فِي خُرُوجِهِنَّ لِلْمَسَاجِدِ وَالْأَعْيَادِ وَغَيْرِهَا وَأَمَّا الشَّابَّةُ فَلَا تَخْرُجُ إِلَّا فِي النُّدْرَةِ وَفِي جَنَائِزِ أَهْلِهَا وَعَلَى الْإِمَامِ مَنْعُهُنَّ وَفِي الْحَدِيثِ عَنهُ عليه السلام

مَا تركت بعدِي قتنة أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها لَوْ أَدْرَكَ عليه السلام مَا أحدثه النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسَاجِدَ كَمَا مُنِعَ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ وَالنِّسَاءُ أَرْبَعٌ فَانِيَةٌ فَهِيَ كَالرَّجُلِ وَمُتَجَالَّةٌ فَلَا تُكْثِرُ التَّرَدُّدُ وَشَابَّةٌ تَخْرُجُ عَلَى النُّدْرَةِ وَفَائِقَةٌ لَا خِمَارَ لَهَا لَا تَخْرُجُ أَلْبَتَّةَ وَالْقُنُوتُ وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ الطَّاعَةُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {والقانتين والقانتات} وَيُطْلَقُ عَلَى طُولِ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الْحَدِيثِ

أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ وَعَلَى الصَّمْتِ وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وَقومُوا لله قَانِتِينَ} وَعَلَى الدُّعَاءِ وَمِنَهُ قُنُوتُ الصُّبْحِ وَهُوَ عِنْدُنَا وَعند ش ح مَشْرُوعٌ خِلَافًا لِابْنِ حَنْبَلٍ وَفِي الصُّبْحِ عندنَا وَعند ش خلافًا ح فِي تَخْصِيصِهِ إِيَّاهُ بِالْوِتْرِ وَفِي الْجُلَّابِ لِمَالِكٍ فِي الْقُنُوتِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ رِوَايَتَانِ لَنَا مَا سَنَذْكُرُهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ أجَاب ابْن حَنْبَل

ص: 230

فحملها عَلَى نَوَازِلَ كَانَتْ تَنْزِلُ بِالْمُسْلِمِينَ وَالْحُكْمُ يَنْتَفِي لِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ جَوَابُهُ مَنْعُ التَّعْلِيلِ بِخُصُوصِ تِلْكَ الْوَقَائِعِ بَلْ لِمُطْلَقِ الْحَاجَةِ لِدَرْءِ الشُّرُورِ وَجَلْبِ الْخُيُورِ وَهُوَ أَوْلَى لِعُمُومِهِ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ بَاقِيَةٌ فَيَدُومُ الْحُكْمُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ لَا يُكَبِّرُ خِلَافًا لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ وَقَبْلَ الرُّكُوعُ وَبَعْدَهُ وَاسِعٌ وَالَّذِي آخذ بِهِ فِي نَفسِي قبل خلافًا ش وَكَانَ عَلِيٌّ رضي الله عنه يَقْنُتُ قَبْلُ وَعُمَرُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما يَقْنُتَانِ بَعْدُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ سُئِلَ عليه السلام أَهْوَ قَبْلُ أَمْ بَعْدُ فَقَالَ مَحِلُّ الْقُنُوتِ قَبْلُ زَادَ الْبُخَارِيُّ قِيلَ لِأَنَسٍ إِنَّ فَلَانَا يُحَدِّثُ عَنْكَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ قَالَ كَذَبَ فُلَانٌ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا وَوَافَقَ ش فِي الْوِتْرِ أَنَّ قُنُوتَهُ قَبْلُ وَلِأَنَّهُ قَبْلُ يَحْصُلُ لِلْمَسْبُوقِ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ وَقَالَ فِي الْكِتَابِ لَا تَوْقِيتَ فِيهِ وَلَا يَجْهَرُ أَمَّا عَدَمُ التَّحْدِيدِ فَلِأَنَّهُ وَرَدَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَمَّا عَدَمُ الْجَهْر فقياسا على سَائِر الْأَدْعِيَة وروى ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَّمَ النَّبِيَّ عليهما السلام اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَنُؤْمِنُ بِكَ وَنَخْنَعُ لَكَ وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَكْفُرُكَ اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ نَرْجُو رَحْمَتَكَ وَنَخَافُ عَذَابَكَ الْجِدَّ إِنَّ عذابك بالكافرين مُلْحِقٌ وَإِنَّ هَذَا بَعْدَ مَا كَانَ يَدْعُو عَلَى مُضَرَ إِذْ جَاءَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام فَأَوْمأ إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم َ - أَنِ اسْكُتْ فَسَكَتَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْكَ سَبَّابًا وَلَا لَعَّانًا إِنَّمَا بَعْثَكَ رَحْمَةً وَلم

ص: 231

يَبْعَثْكَ عَذَابًا {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} ثُمَّ عَلَّمَهُ الْقُنُوتَ وَفِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عليه السلام عَلَّمَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ فِي الْقُنُوتِ اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ وَأَنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ وَيُرْوَى أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَقْنُتُ فِي الْوِتْرِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ

فَوَائِدُ نَخْنَعُ مَعْنَاهُ نَتَوَاضَعُ وَمِنَهُ قَوْلُهُ عليه السلام إِنَّ أَخْنَعَ الْأَسْمَاءِ عِنْدَ الله رجل يُسمى بشاه وَنَخْلَعُ مَعْنَاهُ مِنْ ذُنُوبِنَا وَنَحْفِدُ مَعْنَاهُ نُعَاضِدُ عَلَى طَاعَتِكَ وَمِنَهُ حَفَدَةُ الْأَمِيرِ أَيْ أَعْوَانُهُ وَأَبْنَاءُ الْأَبْنَاءِ يُسَمَّوْنَ حَفَدَةً لِذَلِكَ وَقَوْلُهُ قِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ مَعَ أَنَّ الْقَضَاءَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ غَيْرُهُ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُقَدِّرُ الْمَكْرُوهَ بِشَرْطِ عَدَمِ دُعَاءِ الْعَبْدِ المستجاب فَإِذا اسْتَجَابَ دعاءه لم يَقع المفضي لفَوَات شَرطه وَلَيْسَ هُوَ رد لِلْقَضَاءِ الْمُبْرَمِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ

ص: 232

صِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمْرِ وَالرِّزْقِ وَقَوْلُهُ أعوذ برضاك يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَعَاذُ بِهِ قَدِيمًا لِامْتِنَاعِ الاستجارة بالحوادث ورضى اللَّهِ تَعَالَى إِمَّا إِرَادَةُ الْإِحْسَانِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الرَّحْمَةِ عَلَى رَأْيِ الْأَشْعَرِيِّ أَوِ الْإِحْسَانُ نَفْسُهُ عَلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَالْأَوَّلُ مُتَعَيَّنٌ لقدمه وَكَذَلِكَ قَوْله بمعافاتك من عُقُوبَتك وَقَوْلُهُ أَعُوذُ بِكَ مِنْكَ كَيْفَ تَصِحُّ الِاسْتِعَاذَةُ مِنَ الْقَدِيمِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إِلَّا مِنْ حَادِثٍ وَجَوَابُهُ أَنَّ قَوْلَهُ مِنَكَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ مِنْ مَكْرُوهَاتِكَ لِيَعُمَّ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا وَمَا لَمْ يَعْلَمْهُ وَقَوْلُهُ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ مُشْكِلٌ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْمَعْنَى مِنْ جِهَةِ تَشْبِيهِ الذَّاتِ بِالثَّنَاءِ وَجَوَابُهُ أَنَّ ثُمَّ مُضَافًا مَحْذُوفًا فِي الْأَوَّلِ تَقْدِيره ثناؤك اللَّائِق ثَنَاؤُكَ عَلَى نَفْسِكَ

فَرْعٌ قَدْ أَلْحَقَ فِي الْكِتَابِ الدُّعَاءَ بِالْقُنُوتِ وَكَرِهَهُ فِي الرُّكُوعِ بِخِلَافِ السُّجُودِ وَالْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ بِحَوَائِجَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَجَازَ الذِّكْرَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ أجَاز مَالك وش الدُّعَاءَ بِجَمِيعِ الْحَوَائِجِ وَقَالَ ح لَا يُدْعَى إِلَّا بِمَا فِي الْقُرْآنِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا لَا يسئل بِهِ النَّاسُ فَإِنْ قَالَ أَطْعِمْنِي أَوْ زَوِّجْنِي فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْكَلَامِ كَرَدِّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَالشِّعْرِ الْمِنَظُومِ دُعَاءً أَوْ ثَنَاءً فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ لَنَا مَا فِي

ص: 233

الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ عليه السلام عَلَّمَهُمُ التَّشَهُّدَ إِلَى قَوْله أشهد أَلا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ قَالَ ثُمَّ لِيَخْتَرْ مِنَ الْمَسَائِلِ مَا شَاءَ وَهَذَا عَامٌّ وَالْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرُوهُ أَنَّ تِلْكَ الْأُمُورَ يُعَدُّ الْإِنْسَانُ بِهَا فِي الْعُرْفِ غَيْرَ مُصَلٍّ لِمُبَايَنَتِهَا لِنِظَامِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الدُّعَاءِ وَلِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ السَّلَفِ قَالَ عُرْوَةُ إِنِّي لَأَدْعُو اللَّهَ فِي حَوَائِجِي كُلِّهَا حَتَّى فِي الْمِلْحِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ مَالِكٌ إِلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّأَدُّبُ فَلَا يَقُلْ اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي وَهُوَ كَثِيرُ الدَّرَاهِمِ وَلْيَدْعُ بِدُعَاءِ الصَّالِحِينَ وَبِمَا فِي الْقُرْآن قيل لَهُ فيدعو قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَلَا يَدْعُو فِي الْقِيَامِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَلَا فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ فِي الْمَكْتُوبَةِ بِخِلَافِ النَّافِلَةِ فَإِنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الدُّعَاءِ فَهِيَ أَوْلَى وَيَدْعُو بَعْدَ فَرَاغِهَا إِنْ أَحَبَّ وَقَدْ دَعَا الصِّدِّيقُ رضي الله عنه بَعْدَهَا بقوله {رَبنَا لَا تزغ قُلُوبنَا} الْآيَةَ وَيَدْعُو بَعْدَ الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ إِنْ أَحَبَّ وَأَوْجَبَ ابْنُ حَنْبَلٍ الدُّعَاءَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بِقَوْلِهِ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي وَيَدْعُو بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَيُكْرَهُ قَبْلَهُ وَأَمَّا غَيْرُ الدُّعَاءِ مِنَ الثَّنَاءِ وَالذِّكْرِ الْحَسَنِ فَالْقُرْآنُ أَوْلَى مِنَهُ تِلَاوَةً وَسَمَاعًا وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ لِلْمَأْمُومِ سُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا فَإِنْ فَعَلَ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ وَأَجَازَ فِي الْكِتَابِ الدُّعَاءَ عَلَى الظَّالِمِ لِمَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ حِينَ رَفَعَ مِنَ الرُّكُوعِ غِفَارٌ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ وَعَصِيَّةُ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ اللَّهُمَّ الْعَنْ بَنِي لَحْيَانَ وَالْعَنْ رَعْلًا وَذَكْوَانَ ثُمَّ سَجَدَ وَفِي النَّوَادِرِ إِنْ قَالَ يَا فُلَانُ اللَّهُمَّ افْعَلْ

ص: 234

بِهِ كَذَا قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بَلْ يَقُولُ افْعَلْ بِفُلَانٍ وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَهُ غَيْرُهُ وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الْمِنَدُوبَاتِ آدَابُ الْقُلُوبِ فَمِنْهَا الْخُشُوعُ وَهُوَ اتِّصَافُ الْقَلْبِ بِالذِّلَّةِ وَالِاسْتِكَانَةِ وَالرَّهَبِ بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَقد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ الَّذين هم فِي صلَاتهم خاشعون} وَالْخُشُوعُ أَفْضَلُ أَوْصَافِ الصَّلَاةِ وَلِذَلِكَ أَمَرَنَا بِالْمَشْيِ إِلَيْهَا بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ مَعَ تَفْوِيتِ الِاقْتِدَاءِ وَالْمُبَادَرَةِ إِلَى الطَّاعَة وَحُضُور الْأَشْغَالِ الْمَانِعَةِ مِنَهُ وَمَا تُؤَخَّرُ جُمْلَةُ الصَّلَاةِ لَهُ إِلَّا وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ صِفَاتِهَا وَمِنْهَا الْفِكْرَةُ فِي مَعَانِي الْأَذْكَارِ وَالْقِرَاءَةِ فَإِنْ كَانَتْ دَالَّةً عَلَى تَوَكُّلٍ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْحيَاء اسْتَحْيَا مِنَهُ أَوْ عَلَى التَّعْظِيمِ عَظَّمَهُ أَوِ الْمَحَبَّةِ أَحَبَّهُ أَوِ الْإِجَابَةِ أَجَابَهُ أَوْ زَجْرٍ عَزَمَ عَلَى تَرْكِ الْمُخَالَفَةِ وَلَا يَشْتَغِلُ عَنِ الْفِكْرَةِ فِي آيَةٍ بِالْفِكْرِ فِي آيَةٍ أُخْرَى وَإِنْ كَانَتْ أَفْضَلَ لِمَا فِيهِ مِنْ سُوءِ أَدَبِ الْمُنَاجَاةِ وَالْإِعْرَاضِ عَنِ الرَّبِّ بِالْقَلْبِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ أَجْزَاءِ الْإِنْسَانِ وَلِذَلِكَ هُوَ أَقْبَحُ مِنَ الْإِعْرَاضِ عَنْهُ بِالْجَسَدِ وَلِذَلِكَ قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَشْغَلُنِي عَنِ الْقِرَاءَةِ بِذِكْرِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَجَعَلَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ وَإِنْ كَانَ قُرْبَةً عَظِيمَةً فَهَذِهِ هِيَ الصَّلَاةُ النَّاهِيَةُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَتَكُونُ اللَّامُ فِيهَا لِلْكَمَالِ كَمَا هِيَ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهِ وَهِيَ مُنَاسِبَةٌ لِذَلِكَ فَإِنَّ الْقَلْبَ إِذَا اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ فِي الصَّلَاةِ كَانَ إِذا تخَلّل مِنْهَا قَرِيبُ الْعَهْدِ بِذِكْرِ الزَّوَاجِرِ عَنِ الْقَبَائِحِ فَلَا يُلَابِسُهَا وَالْمَرْغُوبَاتِ فِي الْمَدَائِحِ فَلَا يُفَارِقُهَا

ص: 235

فَرْعٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَقَدْ وَرَدَ التَّرْغِيبُ فِي الذِّكْرِ بَعْدَ السَّلَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا فرغت فانصب وَإِلَى رَبك فارغب} قِيلَ انْصَبْ فِي الدُّعَاءِ وَارْغَبْ إِلَيْهِ فِي الْحَاجَاتِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ عليه السلام مَنْ سَبَّحَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَكَبَّرَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ فَذَلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زبد الْبَحْر

ص: 236

(الْبَابُ السَّابِعُ فِي الْإِمَامَةِ)

وَالْإِمَامَةُ فِي اللُّغَةِ الِاقْتِدَاءُ وَالْإِمَامُ الْمُقْتَدَى بِهِ وَالْإِمَامُ خَشَبَةُ الْبِنَاءِ الَّتِي يَتْبَعُهَا فِي اسْتِقَامَةِ أَعْمَالِهِ وَقِيلَ أَصْلُ إِمَامٍ الِاقْتِدَاءُ مِنْهَا تَشْبِيهًا بِهَا وَالْمَأْمُومُ الْمُقْتَدِي وَالْمَأْمُومُ مَنْ شُجَّ فِي رَأْسِهِ فَوُصِلَتْ إِلَى أُمِّ دِمَاغِهِ وَفِي الْبَابِ تِسْعَةُ فُصُولٍ

‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي شُرُوطِ الْإِمَامَةِ

وَهِيَ سَبْعَةٌ الشَّرْطُ الأول الْإِسْلَام لقَوْله عليه السلام أيمتكم شفعاؤكم فَاخْتَارُوا بِمن تستشفعون وَهَذَا يدل ثَلَاثَة أوجه الأول وَصفه

ص: 237

بِالشَّفَاعَةِ وَالشَّفِيعُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَقْبُولًا عِنْدَ الْمَشْفُوعِ عِنْدَهُ وَالْكَافِرُ لَيْسَ كَذَلِكَ الثَّانِي حصره الأيمة فِي الشُّفَعَاءِ لِوُجُوبِ حَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي الْخَبَرِ فَمَنْ لَيْسَ بِشَفِيعٍ لَا يَكُونُ إِمَامًا الثَّالِثُ أَنَّهُ أَوْجَبَ اخْتِيَارَهُ وَالْكَافِرُ لَيْسَ بِمُخْتَارٍ

فَرْعٌ فَلَوْ صَلَّى بِالْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَعْلَمُوا بِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ يُعِيدُونَ أَبَدًا خِلَافًا لِبَعْضِ الشفعوية قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ عِنْدَ مَالك وش وَقَالَ ح إِنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ إِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ كَالْمُرْتَدِّ وَقَالَ سَحْنُونٌ إِنْ عَمِلَهُ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِلَّا عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَسْلَمَ فَلَا إِعَادَةَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ وَإِلَّا قُتِلَ وَأَعَادُوا قَالَ صَاحب الطّراز وَيلْزم إِذا حكمنَا بِإِسْلَامِهِ بِمُجَرَّد الصَّلَاة أَن لَا يُعِيدَ الْقَوْمُ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ خَلْفَ مُسْلِمٍ لَكِنَّ إِسْلَامَهُ غَيْرُ مُحَقَّقٍ وَجْهُ إِسْلَامِهِ قَوْلُهُ عليه السلام مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَلَهُ مَا لَنَا وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْنَا وَلِأَنَّ الشَّعَائِرَ دَلِيلُ الْإِيمَانِ الْبَاطِنِ كَالشَّهَادَتَيْنِ وَجْهُ عَدَمِ إِسْلَامِهِ أَنَّ إِمَامَتَهُ إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى اعْتِقَادِهِ حُسْنَ فِعْلِ هَذِهِ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ وَهُوَ لَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ قَبْلَ وُجُوبِهِ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا الشَّرْطُ الثَّانِي الْعَدَالَةُ قَالَ صَاحِبُ الطّراز لَا يشْتَرط ظُهُورهَا بل تَكْفِي الستْرَة عِنْدَ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ غَيْرَ أَنَّ الْمَعْرُوفَ خَيْرٌ مِنَ الْمَجْهُولِ قَالَ مَالِكٌ لَا يُصَلَّى خَلْفَ الْمَجْهُولِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ إِمَامًا رَاتِبًا وَأَمَّا الْفَاسِق بجوارحه فَظَاهر

ص: 238

الْمَذْهَب مَنعه خلافًا ش وَابْنِ حَنْبَلٍ لَنَا مَا تَقَدَّمَ فِي الْكَافِرِ وَلِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنَ الْمَرْأَةِ بِقَبُولِ شَهَادَتِهَا دُونَهُ احْتَجُّوا بِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ عليه السلام صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ مُسْلِمٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا وَإِنْ عَمِلَ الْكَبَائِرَ وَلِأَنَّ كُلَّ مُصَلٍّ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ وَجَوَابُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَيْهِ إِذَا مَاتَ بعضده أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ وَلَا تَجِبُ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْفَاسِقِ إِجْمَاعًا وَتَجِبُ عَلَيْهِ مَيِّتًا وَعَنِ الثَّانِي أَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِالْكَافِرِ وَالْمَرْأَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِمَا الْمَأْمُومُ وَقَدْ سَلَّمَ هَذَا ش وَبِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعا لَوْ كَانَ مِنَفَرِدًا لَمْ تَصِحَّ وَبِجُلُوسِ مَنْ أَدْرَكَ الثَّانِيَةَ وَبِسُجُودِهِ لِسَهْوِ الْإِمَامِ وَلَوْ فَعَلَ ذَلِك الْمُنْفَرد بطلت صلَاته وَمِنْهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاتَيْنِ وَاحِدَةٌ وَأَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ وَلَيْسَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ صَلَاةَ الْإِمَامِ قَالَ وَأَوْجَبَ مَالِكٌ الْإِعَادَةِ أَبَدًا عَلَى مَنِ ائْتَمَّ بِمَنْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَإِنْ لَمْ يَسْكَرْ وَلِهَذَا فَرَّقَ الْأَبْهَرِيُّ بَيْنَ الْفَاسِقِ بِإِجْمَاعٍ وَبَيْنَ الْفَاسِقِ بِالتَّأْوِيلِ فَإِنَّهُ مُعْتَقَدُ التَّقَرُّبِ فَهُوَ أَخَفُّ مِنَ الْقَادِمِ عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ مَعْصِيَةً قَالَ أَبُو طَاهِر فِي إِمَامَةِ الْفَاسِقِ بِجَوَارِحِهِ قَوْلَانِ وَالْبُطْلَانُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يُتَوَقَّعُ مِنَهُ تَرْكُ فُرُوضِ الصَّلَاةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ حَالُهُ فَإِنْ كَانَ فِسْقُهُ لَا يَحْمِلُهُ عَلَى ذَلِكَ ائْتَمَّ بِهِ وَإِلَّا فَلَا وَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَنْ صَلَّى خَلْفَ شَارِبِ الْخَمْرِ يُعِيدُ أَبَدًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَالِي الَّذِي إِلَيْهِ الطَّاعَةُ إِلَّا أَن يكون حِينَئِذٍ سكرانا قَالَهُ مَنْ لَقِيَهُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَقِيلَ تُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ

ص: 239

فَرْعٌ قَالَ فِي الْكِتَابِ مَنْ صَلَّى خَلْفَ السَّكْرَانِ أَعَادَ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِنْ ذَهَبَ عَقْلُهُ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ فَهُوَ كَالْمَجْنُونِ وَإِنْ لَمْ يَغِبْ عَقْلُهُ فَيُعِيدُ أَبَدًا أَيْضًا قَالَ وَمِنَ الْأَصْحَاب من علله بِأَنَّهُ متحمل لِلنَّجَاسَةِ فِي جَوْفِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ قَالَ وَيَلْزَمُهُ أَلَّا تَصِحَّ صَلَاتُهُ فِي نَفْسِهِ قَالَ وَلَهُ أَنْ يَقُولَ لَمَّا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ دَفْعُ النَّجَاسَةِ صَارَ كَمَنْ تَضَمَّخَ ثُمَّ عَدِمَ الْمَاءَ وَكَمَنْ أَرَاقَ الْمَاءَ ثُمَّ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ فَإِنَّهُمَا آثِمَانِ مَعَ صِحَّةِ صَلَاتِهِمَا قَالَ وَعَلَى هَذَا النَّظَرِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَقَيَّأَ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَتَقَيَّأُ لِأَنَّ مَعِدَتَهُ تَبْقَى نَجِسَةً قَالَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا لِأَجْلِ الْخُرُوجِ عَلَى السُّلْطَانِ وَهُوَ مَفْسَدَةٌ عَظِيمَةٌ وَمِنَهُمْ مَنْ سَوَّى قَالَ وَأَمَّا الْخَوَارِجُ فَمَنَعَ مَالِكٌ إِمَامَتَهُمْ لِأَنَّهُمْ أَشَدُّ الْفُسَّاقِ وَاخْتَلَفَ فِي كُفْرِهِمْ لِاعْتِقَادِهِمْ إِبَاحَةَ مَا خَالَفَ فِيهِ جَمَاعَةَ السُّنَّةِ وَأَنَّ مَا عَلَيْهِ جَمَاعَةُ السُّنَّةِ لَيْسَ مِنَ الدِّينِ قَالَ وَأَمَّا أَهْلُ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمْ عَلَى اخْتِلَافِ طَبَقَاتِهِمْ وَلَوْ جَوَّزْنَا إِمَامَةَ الْفَاسِقِ لَمَنَعْنَاهَا خَلْفَهُمْ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِ الْبِدَعِ بِشُهْرَةِ الْإِمَامَةِ وَتَوَقَّفَ فِي الْكِتَابِ فِي إِعَادَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْمُبْتَدِعِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأُرَاهَا فِي الْوَقْتِ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا إِعَادَةَ مُطْلَقًا وَهَذَا يَقْتَضِي عَدَمُ تَكْفِيرِهِمْ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يُعِيدُ مُطْلَقًا وَفِي الْجَوَاهِرِ مَنْ صَلَّى خَلَفَ قَدَرِيٍّ الْجُمُعَةَ أَعَادَ أَرْبَعًا وَاشْتَرَطَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْإِعَادَةِ أَنْ لَا يكون واليا وَفِي الْبَيَان تؤول مَا فِي الْكِتَابِ لِمَالِكٍ عَلَى عَكْسِ تَفْرِقَةِ ابْنِ حَبِيبٍ لِقَوْلِهِ وَأَرَى إِنْ كُنْتَ تَتَّقِيهِ وَتَخَافُهُ عَلَى نَفْسِكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَهُ وَتُعِيدَ ظهرا

ص: 240

أَرْبَعًا قَالَ وَالْخِلَافُ فِي الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ الْمُحْتَمَلَةِ قَوْلَةُ الْكُفْرِ أَمَّا الْكُفْرُ الصَّرِيحُ فَلَا يَصِحُّ الِاخْتِلَافُ فِي الْإِعَادَةِ وَالْخَفِيفُ الَّذِي لَا يُؤَوَّلُ إِلَى الْكُفْرِ فَلَا يَصِحُّ الِاخْتِلَافُ فِي أَنَّ الْإِعَادَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ قَالَ وَإِنْ كَانَتِ الرِّوَايَاتُ وَرَدَتْ مُجْمَلَةً

فَرْعٌ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا قَطَعَ صَلَاتَهُ مُتَعَمِّدًا أَوْ صَلَّى بِالْحَدَثِ عَمْدًا فَسَدَتْ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا تَفْسُدُ عَلَيْهِمْ إِلَّا أَنْ يَسْتَمِرَّ بِهِمْ وَأَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَشْهَبُ أَيْضًا إِذَا أَمَّهُمْ مُحْدِثًا أَجْزَأَتْهُمْ وَهُوَ قَوْلُ ش وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يَبْنِي أَحَدٌ إِذَا فَسَدَتْ صَلَاةُ إِمَامِهِ إِلَّا فِي الْحَدَثِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَفْصِلَ فَإِنْ قَطَعَ لِشُبْهَةٍ مِثْلَ أَنْ تَكُونَ عَادَتُهُ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهُ تَعَالَى قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَنَسِيَ حَتَّى أَحْرَمَ وَأَحْرَمُوا فَقَطَعَ لِذَلِكَ أَوْ توقفت عَلَيْهِ الْقِرَاءَة فَقطع لذَلِك فَالْأَظْهر هَهُنَا الصِّحَّة ويتمون لأَنْفُسِهِمْ بِخِلَاف المتمرد فِي الْقَطْعِ الشَّرْطُ الثَّالِثُ الذُّكُورَةُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا تَؤُمُّ الْمَرْأَةُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ الْمَشْهُورُ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ للرِّجَال وَالنِّسَاء وَهُوَ

ص: 241

قَول وَعَنْ مَالِكٍ الْإِعَادَةُ أَبَدًا وَرُوِيَ عَنْهُ تَؤُمُّ النِّسَاءَ وَهُوَ قَوْلُ ش لَنَا أَنَّهَا أَسْوَأُ حَالًا مِنَ الصَّبِيِّ لِلْأَمْرِ بِتَأْخِيرِهَا فِي الصُّفُوفِ بِخِلَافِهِ وَمِنَ الْعَبْدِ بِصِحَّةِ صَلَاتِهِ فِي الْجُمُعَةِ بِخِلَافِهَا وَيُرْوَى أَخِّرُوهُنَّ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا لِلْإِمَامَةِ

فَرْعٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ الْخُنْثَى إِن حكم لَهَا بالذكورية صحت الصَّلَاة أَو بالأنوثة أَعَادَ أَبَدًا قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ وَالْمُشْكِلُ لَا تَصِحُّ إِمَامَتُهُ بِالرِّجَالِ وَلَا بِالنِّسَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَا يَلْحَقُ الْعِنِّينُ بِالْخَصِيِّ لِبُعْدِهِ مِنَ الْأُنُوثَةِ الشَّرْطُ الرَّابِعُ الْبُلُوغُ فِي الْكِتَابِ لَا يَؤُمُّ الصَّبِيُّ فِي النَّافِلَةِ الرِّجَالَ وَلَا النِّسَاءَ وَهُوَ قَوْلُ ح فِي الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُعِيدُ الْمَأْمُومُ أَبَدًا وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ يَؤُمُّ فِي النَّافِلَةِ وَأَجَازَ ش إِمَامَتَهُ فِي الْمَكْتُوبَةِ إِلَّا فِي الْجُمُعَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي مُصْعَبٍ مِنَّا وَفِي الْجَوَاهِرِ الْمُمَيِّزُ لَا تَجُوزُ إِمَامَتُهُ فِي الْمَكْتُوبَةِ وَلَا تَصِحُّ وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ تَصِحُّ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ وَفِي النَّافِلَةِ تَصِحُّ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ وَقِيلَ تَصِحُّ وَتَجُوزُ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُمَيِّزِ فَلَا تَصِحُّ وَلَا تَجُوزُ وَالْخِلَافُ يَرْجِعُ إِلَى إِمَامَة المتنفل بالمفترض فَنحْن نمنعه وش يُجِيزُهُ لَنَا مَا فِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ عليه السلام الْإِمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ فَحَصَرَ الْإِمَامَ فِي وَصْفِ الضَّمَانِ فَلَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ وَضَمَانُهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الذِّمَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ أَحَدٌ بِصَلَاةِ غَيْرِهِ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ تَتَضَمَّنُ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ وَلَنْ يَتَأَتَّى ذَلِكَ حَتَّى يَشْتَمِلَ عَلَى أَوْصَافِ صَلَاةِ

ص: 242

الْمَأْمُومِ لَكِنْ مِنْ جُمْلَةِ أَوْصَافِهَا الْوُجُوبُ وَهُوَ مُتَعَذَّرٌ فِي صَلَاةِ الصَّبِيِّ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ ظَهَرَ امْتِنَاعُ إِيقَاعِ الظُّهْرِ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالْقَاضِي خَلْفَ الْمُؤَدِّي وَالْمُفْتَرِضِ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ حُجَّةُ ش مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ لِأَبِيهِ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا فَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَكْثَرُ قُرْآنًا مِنِّي فَقَدَّمُونِي وَأَنَا ابْنُ سِتِّ سِنِينَ وَفِيهِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِي عليه السلام ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ اجْتِهَادٌ مِنْ قَوْمِهِ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ فَلَعَلَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ عليه السلام النَّفْلَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ خِيَارِ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَكَانَ عليه السلام أَمَرَهُ بِالصَّلَاةِ بِأَهْلِهِ وَكَانَ يَحْضُرُ مَعَهُ عليه السلام لِاحْتِمَالِ طريان فقه فِي الصَّلَاة فيقتبسه وَيُؤَيّد ذَا كَوْنُهُ عليه السلام قَسَّمَ النَّاسَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ طَائِفَتَيْنِ فَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ عَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ مِنْ جِهَةِ انْتِظَارِهِ لِإِتْمَامِ الطَّائِفَةِ الْأُولَى وَهُوَ زِيَادَةٌ فِي الصَّلَاةِ وَمِنْ جِهَةِ اسْتِقْلَالِ الْمَأْمُومِ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِخْلَافٍ وَمِنْ جِهَةِ سَلَامِ الْمَأْمُومِ قَبْلَ إِمَامِهِ فَلَوْ صَحَّ مَا قَالُوهُ لَصَلَّى عليه السلام بِكُلِّ طَائِفَةٍ الصَّلَاةَ تَامَّةً دَفْعًا لِهَذِهِ الْمَحْذُورَاتِ وَأَمَّا صَلَاةُ الْمُتَنَفِّلِ خَلْفَ الْمُفْتَرِضِ فَفِي الْجُلَّابِ جَوَازُهَا وَالْفَرْقُ أَنَّ صِفَةَ النَّفْلِ كَوْنُهُ قُرْبَةً وَهُوَ حَاصِلٌ فِي الْفَرْضِ وَلِهَذَا مَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ الزَّوَال بِالظّهْرِ

ص: 243

ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ وَقَعَ نَفْلًا وَلِأَنَّ إِعَادَةَ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ مَشْرُوعٌ لِتَحْصِيلِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَلِأَنَّ الْأَدْنَى يَتْبَعُ الْأَعْلَى مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ الشَّرْطُ الْخَامِسُ قُدْرَتُهُ عَلَى الْأَرْكَانِ وَفِيهِ فُرُوعٌ ثَلَاثَة الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا صَلَّى الْقَارِئُ خلف الْأُمِّي هُوَ أَشَدُّ مِنْ إِمَامٍ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ عَمْدًا وَالْإِعَادَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَبَدًا لِأَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَهُوَ مُصَلٍّ بِغَيْر قِرَاءَة وَخَالَفنَا ش هَهُنَا وَفِي الرَّاكِعِ خَلْفَ الْمُومِئِ وَالْفَاسِقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلَّ مُصَلٍّ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بُطْلَانُهُ وَيُؤَيِّدهُ قَوْله عليه السلام يؤم الْقَوْم أقرأهم فَجَعَلَ الْقِرَاءَةِ مِنْ أَوْصَافِهِ وَقَوْلُهُ عليه السلام الْإِمَامُ ضَامِنٌ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الضَّمَانُ إِذَا حَمَلَ الْقِرَاءَةَ عَنِ الْمَأْمُومِ بِقِرَاءَتِهِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَإِذَا بَطَلَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ فَصَلَاةُ الْأُمِّيِّ بَاطِلَةٌ إِذَا كَانَ الْمَأْمُومُ صَالِحًا لِلْإِمَامَةِ وَوَافَقَ ح وَخَالَفَ أَشْهَبُ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ تَرَكَ الِاقْتِدَاءَ بِحَامِلِ الْقِرَاءَةِ عَنْهُ وَصَلَّى بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ فِي حَالَةٍ تَجِبُ عَلَيْهِ وَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْجَمْعَ لَا يَجِبُ إِلَّا فِي الْجُمُعَةِ وَالْوَاجِبُ عَلَى كل أحد مَا يقدر عَلَيْهِ

فرع إِن افْتَتَحَ الْأُمِّيُّ ثُمَّ أَتَى الْقَارِئُ قَالَ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إِنْ كَانَ لَمْ يَرْكَعْ قَطَعَ وَإِنْ رَكَعَ شَفَّعَهَا نَافِلَةً فَإِنْ كَانَ فِي ثَلَاثٍ قَطَعَ فَإِنْ أَخَّرَهُ الْقَارِئُ وَتَقَدَّمَ قَالَ يَحْتَمِلُ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ لِبُطْلَانِ الْإِحْرَامِ وَالْإِجْزَاءَ لِانْتِفَاءِ الْمُبْطِلِ وَهُوَ عَدَمُ الْقِرَاءَةِ قَالَ وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَلَّا يَأْتَمَّ الْأُمِّيُّ بِالْأُمِّيِّ لفَوَات شَرط الْإِمَامَة خلافًا لسَحْنُون وش وح وَهُوَ مَعْرُوف من قَول

ص: 244

أَهْلِ الْعِلْمِ لِأَنَّ الْأُمِّيَّ إِنْ لَمْ تَزِدْ حَالَة بالإتمام لَا تنقص عَنِ الْإِفْرَادِ قَالَ وَلَا يَأْتَمُّ الْأُمِّيُّ بِالْقَارِئِ المسخوط الْحَال الثَّانِي اللَّاحِنُ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ إِنْ غَيَّرَ الْمَعْنَى نَحْوَ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} و {أَنْعَمت عَلَيْهِم} بِكَسْرِ الْكَافِ وَبِضَمِّ التَّاءِ لَمْ تَجُزْ إِمَامَتُهُ وَإِلَّا جَازَتْ وَأَمَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ بِالْإِعَادَةِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَفِي الْبَيَانِ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا تَجُوزُ وَإِنْ كَانَ لَحْنُهُ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ حَمْلًا لِمَا فِي الْكِتَابِ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي لَا يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقَالَ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ فَاتِحَةٍ وَلَا غَيْرِهَا قَالَ وَهُوَ بَعِيدٌ وَفِي الْجَوَاهِرِ مَنْ كَانَ يَلْحَنُ فِي الْفَاتِحَةِ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ وَقَالَ الْإِمَامُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ أَيْضًا وَحَكَى اللَّخْمِيُّ الصِّحَّةَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَفِي الْبَيَانِ هِيَ مَكْرُوهَةٌ ابْتِدَاءً وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ اللَّحَّانَ لَا يَقْصِدُ اللَّحْنَ بَلْ يَقْصِدُ مَا يَقْصِدُهُ الْقَارِئُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلِ اللَّحْنُ يُخْرِجُ الْقُرْآنَ عَنْ كَوْنِهِ قُرْآنًا أَمْ لَا وَفِي الْحَدِيثِ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَأَعْرَبَهُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ فَإِنْ لَمْ يُعْرِبْهُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ حَسَنَةٌ فَأَثْبَتَ الْقُرْآنَ مَعَ اللَّحْنِ وَلَا تَصِحُّ إِمَامَةُ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى إِخْرَاجِ الْحُرُوفِ مِنْ مَخَارِجِهَا بِسَبَبِ الْجَهْلِ وَتَجُوزُ إِمَامَةُ الْأَلْكَنِ لِلسَّالِمِ مِنْهَا وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِذَا كَانَ يُقِيمُ الْفَاتِحَةَ وَلَا تَجُوزُ إِمَامَةُ مَنْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الضَّادِ وَالظَّاءِ وَمَنْ لَا يحسن أَدَاء

ص: 245

الصَّلَاةِ قِرَاءَةً وَفِقْهًا قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ مَنْ كَانَ يَعْجِزُ عَنِ النُّطْقِ بِالْحُرُوفِ خِلْقَةً وَهُوَ الْأَلْكَنُ تَصِحُّ إِمَامَتُهُ لِسُقُوطِ الْفَرْضِ عَنْهُ بِسَبَبِ الْعَجْزِ بِخِلَافِ الْعَاجِزِ بِسَبَبِ الْجَهْلِ وَقِيلَ فِي الْعَاجِز بِسَبَب الْخلقَة لَا تَصِحُّ إِمَامَتُهُ وَفِي الْبَيَانِ الْأَلْكَنُ الَّذِي لَا يُبَيِّنُ قِرَاءَتَهُ وَالْأَلْثَغُ الَّذِي لَا يَتَأَتَّى لَهُ النُّطْقُ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ وَالْأَعْجَمِيُّ الَّذِي لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الظَّاءِ وَالضَّادِ وَالسِّينِ وَالصَّادِ وَنَحْوِهُ لَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ مَنِ ائْتَمَّ بِهِمْ وَإِنْ كَانَ الِائْتِمَامُ بِهِمْ مَكْرُوهًا إِلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ مَنْ يَرْضَى قَالَ الْأَصْمَعِيُّ الْفَأْفَاءُ الَّذِي يُكَرِّرُ الْفَاءَ وَالتَّمْتَامُ الَّذِي يُكَرِّرُ التَّاءَ والأرث الَّذِي يدغم الْحُرُوف بَعْضهَا فِي بعض وَلكنه يجمع ذَلِكَ كُلَّهُ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ لَا يَفْتَحُ على من لَيْسَ مَعَه فِي صَلَاة وَأَن طلب مِنْهُ الْفَتْح فَإِن فعل فعل فَهَل صَلَاةُ الْفَاتِحِ قَوْلَانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْقُرْآنِ يَقْصِدُ بِهِ إِفْهَامَ الْغَيْرِ وَأَمَّا مَنْ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ أَخْطَأَ الْإِمَامُ فِي غَيْرِ أُمِّ الْقُرْآنِ يَفْتَحُ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يُغَيِّرَ الْمَعْنَى أَو بِطَلَب مِنْهُ الْفَتْح وَأَخْطَأ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ يَفْتَحُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الصَّلَاة لَا تُجزئ إِلَّا بهَا فَإِن تَرَكَ الْإِنْسَانُ آيَةً مِنَ الْفَاتِحَةِ فَهَلْ يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ أَمْ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَقَلَّ تَبَعٌ لِلْأَكْثَرِ قَوْلَانِ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى مُرَاعَاةِ الِاتِّبَاعِ فِي أَنْفسهَا فَإِن الصَّلَاة تبطل الثَّالِثُ الْعَاجِزُ عَنِ الْقِيَامِ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا عَجَزَ يَسْتَخْلِفُ وَيَرْجِعُ إِلَى الصَّفِّ مَأْمُومًا وَفِي الْجُلَّابِ فِي إِمَامَةِ الْجَالِسِ بِالْقَائِمِ رِوَايَتَانِ وبالجواز قَالَ ش وح لَنَا أَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ هِيَ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ بِدَلِيلِ الْقِرَاءَةِ فَيَكُونُ تَارِكًا لِلْقِيَامِ مَعَ الْقُدْرَةِ فَلَا تصح

ص: 246

صَلَاتُهُ وَفِي الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْهُ عليه السلام لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ قَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْأَحْكَامِ حُجَّةُ الْجَوَازِ مَا فِي الصِّحَاحِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه أَمَّ بِالنَّاسِ فَجَاءَ عليه السلام فَجَلَسَ عَنْ يَسَارِهِ فَكَانَ عليه السلام يُصَلِّي بِالنَّاسِ جَالِسًا وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمًا يَقْتَدِي بِصَلَاتِهِ عليه السلام وَيَقْتَدِي النَّاسُ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَجُلُوسُ الْمَأْمُومِ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ مَمْنُوع عِنْد مَالك وش ح خِلَافًا لِابْنِ حَنْبَلٍ مُحْتَجًّا بِمَا فِي الصِّحَاحِ أَنَّهُ عليه السلام سَقَطَ عَنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ قَالَ أَنَسٌ فَدَخَلْنَا نَعُودُهُ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى بِنَا قَاعِدًا فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قعُودا أَجْمَعُونَ وَهُوَ عندنَا مَنْسُوخ بقضية أَبِي بَكْرٍ الْمُتَقَدِّمَةِ وَيُعَضِّدُهُ أَنَّ الْأَرْكَانَ وَاجِبَةٌ فَلَا تتْرك الِاقْتِدَاء الْمَنْدُوبَ قَالَ وَتَجُوزُ إِمَامَةُ الْجَالِسِ لِلْجَالِسِ عِنْدَ مَالِكٍ وَمُطَرِّفٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَعَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمَنْعُ وَالْجَوَازُ وَهُوَ أَحْسَنُ لِاسْتِوَاءِ الْحَالَةِ وَمنع ابْن الْقَاسِم إِمَامَة المومئ بالومئ وَأَجَازَهَا ش قَالَ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى بِهِمْ فِي رَاحِلَتِهِ لِلْمَطَرِ وَالْبِلَّةِ إِيمَاءً حُجَّةُ الْمَنْعِ قَوْلُهُ عليه السلام إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا الْحَدِيثَ فَجعل من صفته الرُّكُوع وَالسُّجُود والمومي لَيْسَ كَذَلِكَ وَأَمَّا صَلَاتُهُ خَلْفَ الصَّحِيحِ فَجَائِزَةٌ اتِّفَاقًا وَفِي الْجَوَاهِر لَا تصح إِمَامَة المنضجع بمنضجع وَلَا غَيْرُهُ الشَّرْطُ السَّادِسُ مُوَافَقَةُ مَذْهَبِ الْمَأْمُومِ فِي الْوَاجِبَاتِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي

ص: 247

الْعُتْبِيَّةِ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ أَحَدًا يَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ لَمْ أُصَلِّ خَلْفَهُ وَقَالَ أَشْهَبُ عِنْدَ ابْنِ سَحْنُونٍ مَنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ لَا يرى الْوضُوء من الذَّكَرِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ يُعِيدُ أَبَدًا وَقَالَ سَحْنُونٌ يُعِيدُ فِيهِمَا فِي الْوَقْتِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَتَى تَحَقَّقَ فِعْلُهُ لِلشَّرَائِطِ جَازَ الِائْتِمَامُ بِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يعْتَقد وُجُوبهَا وَإِلَّا لم تجز فالشافعي يَمْسَحُ جَمِيعَ رَأْسِهِ سُنَّةً فَلَا يَضُرُّ اعْتِقَادُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَمَّ فِي الْفَرِيضَةِ بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ أَوْ يَمْسَحُ رِجْلَيْهِ قَالَ الْمَازِرِيُّ قَدْ حُكِي الْإِجْمَاعُ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ الْمُخَالِفِ فِي الْمَذْهَبِ وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ فِيمَا عُلِمَ خَطَؤُهُ كَنَقْضِ قَضَاءِ الْقَاضِي قَالَ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَفْرِقَةُ أَشْهَبَ بَيْنَ الْقُبْلَةِ وَمَسِّ الذَّكَرِ الشَّرْطُ السَّابِعُ اتِّفَاقُهُمَا فِي الْمُقْتَدَى فِيهِ وَدَلِيلُ هَذَا الشَّرْطِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْبُلُوغِ وَفِيهِ فُرُوعٌ خَمْسَةٌ الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا ظَنَّهُ فِي الْعَصْرِ وَهُوَ فِي الظُّهْرِ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ وَهُوَ قَوْلُ ح وَأَحَدُ قَوْلَيِ ابْنِ حَنْبَلٍ خلافًا ش قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إِذَا عَلِمَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فِي رَكْعَةٍ شَفَّعَهَا أَوِ اثْنَتَيْنِ سَلَّمَ أَوْ ثَلَاثٍ كَمَّلَهَا وَأَعَادَ الثَّانِي قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ بِهِ فِي قَضَاءٍ مِنْ يَوْمَيْنِ وَمِنْ يَوْم يجوز وَقَالَ قَالَ عِيسَى تصح مُطْلَقًا لِأَنَّ الْفَوَائِتَ وَقْتُهَا وَاحِدٌ وَظُهْرُ الْيَوْمِ مُسَاوٍ لِظُهْرِ أَمْسِ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي الْأَوْقَات الثَّالِثُ قَالَ فِي الْكِتَابِ مَنْ أَحْرَمَ بِالْجُمُعَةِ ظَانًّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ

ص: 248

فِي الظُّهْرِ أَجْزَأَتْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْعَكْسُ يُعِيدُ لِافْتِقَارِ الْجُمُعَةِ إِلَى نِيَّةٍ تَخُصُّهَا خِلَافًا ش وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ يُعِيدُ فِيهِمَا وَحكى اللَّخْمِيّ عَن مَالك لَا يُعِيد فِيهَا وَالْفَرْقُ لِلْمَذْهَبِ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّهَا تُجْزِئُ عَنِ الظُّهْرِ لِمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةِ وَثَانِيهَا أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ فِي سُجُودِ الْأَخِيرَةِ صَلَّى بِهِ الظُّهْرَ وَثَالِثُهَا أَنَّ لِلْجُمُعَةِ شِعَارًا عَظِيمًا لَا يُعْذَرُ الْإِنْسَانُ بِسَبَبِهَا إِذا ادّعى جهلها بِخِلَاف غَيرهَا الرَّابِعُ إِذَا أَحْرَمَ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ إِمَامُهُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ أَشْهَبُ تُجْزِيهِ وَلِلشَّافِعِيَّةِ قَوْلَانِ وَمُعْتَمِدُ الْجَوَازِ مَا جَاءَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي الْحَجِّ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ عليه السلام وَصَحَّحَهُ النَّبِيُّ عليه السلام وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْحَجَّ لَا يفْتَقر إِلَى تعْيين نِيَّة بل إِذا أطلق انْصَرف إِلَى الْمَفْرُوض إِجْمَاعًا وَلَا يَجْزِي ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ إِجْمَاعًا وَالْحَجُّ بَابُ ضَرُورَةٍ الْخَامِسُ فِي الْجَوَاهِرِ لَا يَقْتَدِي مُسَافِرٌ بِمُقِيمٍ فَإِن اقْتدى بِهِ وَقُلْنَا الْقصر فرض فَلَا يَجُوزُ وَقِيلَ يَجُوزُ وَإِنْ قُلْنَا سُنَّةٌ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ الْمَنْعَ وَأَبُو إِسْحَاقٍ الْجَوَازَ تَسْوِيَةً بَيْنَ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَفَضِيلَةِ الْقَصْرِ وَإِنْ قُلْنَا بِالتَّخْيِيرِ فَالْإِتْمَامُ مَعَ الْمُقِيمِ أَوْلَى مِنَ الْقَصْرِ مُنْفَرِدًا وَحُكْمُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الِاقْتِدَاءِ يَتَنَزَّلُ على الْخلاف الْمُتَقَدّم فَإِن قُلْنَا الْقصر فرض قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَبْطُلُ وَقَالَ بَعضهم لَا تبطل لاحْتِمَال الِانْتِقَال كالعيد فِي الْجُمُعَةِ وَقِيلَ يُقْتَدَى بِهِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ خَاصَّةً وَاخْتُلِفَ هَلْ يُسَلِّمُ أَوْ يَنْتَظِرُهُ وَيُسَلِّمُ مَعَهُ وَإِنْ قُلْنَا سُنَّةً لَمْ يُعِدْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَوَى أَشْهَبُ وَمُطَرِّفٌ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْت إِلَّا أَن يكون فِي الْحَيّ أَوْ مَسَاجِدِ الْأَمْصَارِ الْكِبَارِ هَذَا إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ مُقِيمٌ فَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ

ص: 249

ثمَّ علم قَالَ سَحْنُون تجزيه وَأَمَّا ائْتِمَامُ الْمُقِيمِ بِالْمُسَافِرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ هُوَ أَخَفُّ فِي الْكَرَاهَةِ مِنَ الْأُولَى وَاتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ لَا يَؤُمُّ بِالْآخَرِ إِلَّا فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ وَالْأُمَرَاءِ

‌الْفَصْل الثَّانِي فِيمَا يكره فِي الإِمَام

وَفِيه فروع سَبْعَة الأول كره فِي الْكتاب إِمَامَة الْأَعرَابِي بالمسافرين والحاضرين وَإِنْ كَانَ أَقْرَأَهُمْ وَهُوَ قَوْلُ ش وَعَلَّلَهُ ابْنُ حَبِيبٍ بِجَهْلِهِ لِلسُّنَّةِ وَالْبَاجِيُّ بِتَرْكِهِ لِلْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَالْأَوَّلُ أَبْيَنُ فَإِنَّ الْجُمُعَة لَا تجب عَلَيْهِ وَالْمُنْفَرد فِي رُؤُوس الْجِبَالِ لَا تُكْرَهُ إِمَامَتُهُ إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالسُّنَّةِ

فَائِدَةٌ الْأَعْرَابِيُّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ الْبَدَوِيُّ سَوَاءٌ كَانَ عَرَبيا أَو أعجميا الثَّانِي كَرِهَ فِي الْكِتَابِ إِمَامَةَ الْعَبْدِ فِي مَسَاجِدِ الْعَشَائِرِ وَالْجَمَاعَاتِ وَالْأَعْيَادِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَأَجَازَهَا ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَثْبَتَهُ فِي غير الْجُمُعَة وش وَابْن حَنْبَل لنا أَن الرّقّ وَنقص لمنع الشَّهَادَة فَيكْرَه فِي الْإِمَامَة

ص: 250

وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي لِلطَّعْنِ على الْجَمَاعَة فَإِنَّهُ أَفْضَلُهُمْ وَمَنَعَ فِي الْكِتَابِ إِمَامَتَهُ فِي الْجُمُعَةِ قَالَ ابْن الْقَاسِم فَإِن فعل أَعَادَ وَأَعَادُوا لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ وَفِي الْجُلَّابِ عَنْ أَشْهَبَ تُجْزِئُهُمْ لِأَنَّهَا بِالْإِحْرَامِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فَسَاوَاهُمْ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ النَّوَافِلَ كَذَلِكَ مَعَ بُطْلَانِ الْإِمَامَةِ فِيهَا وَأَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَيْهِ فِي الْجُمُعَةِ

تَفْرِيعٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِذَا قُلْنَا بِالْإِعَادَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُعِيدُونَ فِي الْوَقْتِ جُمُعَةً بِخُطْبَةٍ وَبَعْدَهُ ظُهْرًا وَفِي امْتِدَادِ الْوَقْتِ إِلَى الضَّرُورِيِّ قَوْلَانِ وَفِي الْبَيَانِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِلَى قَبْلِ الْغُرُوبِ بِرَكْعَةٍ مِثْلَ ظَاهِرِ الْكِتَابِ وَإِنْ كَانَ لَا يُدْرِكُ بَعْضَ الْعَصْرِ إِلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ وَرَوَى مُطَرِّفٌ مَا لَمْ تَغْرُبِ الشَّمْسُ مِثْلَ رِوَايَةٍ فِي الْكِتَابِ بِإِسْقَاطِ بَعْضٍ وَقَالَ سَحْنُونٌ إِلَى قَبْلِ الْغُرُوبِ بِمِقْدَارِ الْعَصْرِ وَقِيلَ مَا لَمْ تَصْفَرَّ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ إِذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا قَبْلَ وَقْتِ الْعَصْرِ أَتَمَّهَا جُمُعَةً وَإِلَّا ظُهْرًا وَفِي إِعَادَةِ الْإِمَامِ الْمُسَافِرِ ثَالِثُهَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ بِنَاءً عَلَى الْخلاف فِيمَن جهر مُتَعَمدا وَأما الْبعد فَيُعِيدُ أَبَدًا وَقِيلَ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ وَلَوِ اجْتَمَعَ فِي الْقَرْيَةِ جَمَاعَةُ عَبِيدٍ تَتَقَرَّى بِهِمُ الْقَرْيَةُ فَأَقَامُوا الْجُمُعَةَ لَمْ تُجْزِهُمْ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِه قَالَ ش خلافًا ح قَالَ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْعِيدَ مِنَ النَّوَافِلِ وَلَوْ فَاتَهُ مَعَ الْجَمَاعَةِ صَلَّاهُ وَحْدَهُ وَمَا لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ وَحْدَهُ فَلَهُ الْإِمَامَةُ فِيهِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَأَجَازَ ابْنُ حَبِيبٍ إِمَامَةَ الْعَبْدِ فِي الْعِيد

ص: 251

لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ عِنْدَهُ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ وَحَكَاهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَوَّى الْمَشْهُورَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُمَا لَا يَجِبَانِ عَلَيْهِ وَفِي الْجَوَاهِرِ رَوَى عَلِيٌّ لَا يؤم الْأَحْرَار إِلَّا أَن يكون تقْرَأ وهم لَا يقرأون وَأَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يَكُونَ إِمَامًا رَاتِبًا فِي التَّرَاوِيحِ

تَمْهِيدٌ الْوَاجِبُ عَلَى الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسَافر أحد الصَّلَاتَيْنِ لَا بِعَيْنِهَا وَالْخِيَرَةُ لَهُمْ فِي التَّعْيِينِ وَعَلَى الْمُسَافِرِ أَحَدُ الشَّهْرَيْنِ إِمَّا رَمَضَانُ أَوْ شَهْرُ الْقَضَاءِ فَهَذِهِ الصُّوَرُ كُلُّهَا كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ فَفِيهَا نِصْفُ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ بِالْوُجُوبِ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ أَحَدِهَا وَيَكُونُ مُوقِعًا لِلْوَاجِبِ إِذَا فَعَلَ أَحدهَا فَكَذَلِك هَهُنَا وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ إِجْزَاءِ النَّفْلِ عَنِ الْفَرْضِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ عليه السلام وُضِعَ عَنِ الْمُسَافِرِ الصَّوْمُ وَشَطْرُ الصَّلَاةِ أَيْ تَعْيِينُ الصَّوْمِ وَتَعْيِينُ الْإِتْمَامِ فَالْعَبْدُ مُتَطَوِّعٌ بِالتَّعْيِينِ فَقَطْ وَالْحُرُّ مُفْتَرِضٌ فِيهِ فَهَذَا مَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ يُلَاحِظُ أَصْلَ الْوُجُوبِ أَوْ يُلَاحِظُ التَّعْيِينَ وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَ الْأَصْحَابِ إِنَّهُ مُتَطَوِّعٌ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لَيْسَ على ظَاهره بل بتعينها فَقَطْ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ إِحْدَى التَّكْبِيرَتَيْنِ إِمَّا فِي الْجُمُعَةِ أَوِ الظُّهْرِ وَهَذَا التَّقْرِيرُ يَجِبُ اعْتِقَادُهُ فَإِنَّ خِلَافَهُ يُؤَدِّي إِلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ من إِجْزَاء النَّفْل عَن الْفَرْض الثَّالِثُ كَرِهَ فِي الْكِتَابِ وَلَدَ الزِّنَا إِمَامًا رَاتِبًا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَالْعَتِيقَ الْمَجْهُولَ الْأَبِ لِئَلَّا يؤديا لظن فِي النَّسَبِ قَالَ فَإِنْ قِيلَ كَانَتِ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ يُصَلُّونَ خَلْفَ الْمَوَالِي وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ غَيْرِ اسْتِفْصَالٍ قُلْنَا أَوْلَادُ الْجَاهِلِيَّةِ تلْحق بِآبَائِهَا من نِكَاح أَو سفاح

ص: 252

الرَّابِعُ كَرِهَ فِي الْكِتَابِ الْخَصِيَّ لِشَبَهِهِ بِالْمَرْأَةِ وَفِي الْجَوَاهِر لَا يكره الْخَامِسُ كَرِهَ ابْنُ وَهْبٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ إِمَامَةَ الْأَقْطَعِ وَالْأَشَلِّ إِذَا عَجَزَا عَنْ وَضْعِ أَيْدِيهِمَا فِي الْأَرْضِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَخَالَفَ فِيهِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَفِي كُلِّ عُيُوبِ الْبَدَنِ وَلَمْ يُرَاعِ إِلَّا نَقْصَ الْيَدَيْنِ أَوْ مَا يُؤَثِّرُ فِي ركن كَقطع اللِّسَان السَّادِسُ كَرِهَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ إِمَامَةَ الْمَحْدُود وترتبه وَإِنْ صَلَحَتْ حَالُهُ وَقَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ لَا بَأْسَ بِإِمَامَةِ الْأَعْمَى وَالْأَقْطَعِ وَالْمَحْدُودِ إِذَا كَانَ عَدْلًا وَتُكْرَهُ إِمَامَةُ الْمُتَيَمِّمِ لِلْمُتَوَضِّئِ وَصَاحِبِ السَّلَسِ والجراح للأصحاء والأغلف وَفِي الْوَاضِحَة لَا تجوز إِمَامَةُ الْقَاتِلِ عَمْدًا وَإِنْ تَابَ بِخِلَافِ الْمَحْدُودِ وَفِي الْجَوَاهِر كَرَاهَة إِمَامَة المأبون وترتبه وَقيل لَا تكره إِذا كَانَ صَالحا السَّابِع من الْجَوَاهِرِ لَا يَأْتَمُّ مُسَافِرٌ بِمُقِيمٍ وَلَا مُقِيمٌ بِمُسَافِرٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَالثَّانِي أَخَفُّ كَرَاهَةً مِنَ الْأَوَّلِ وَاتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ لَا يَؤُمُّ بِالْآخَرِ إِلَّا فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ وَالْأُمَرَاءِ

‌الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي التَّرْجِيحِ بَين الأيمة إِذا اجْتَمعُوا

فِي الْجَوَاهِر من أفرد بِالْعِلْمِ وَالْوَرَعِ فَهُوَ أَوْلَى إِذْ بِهِمَا تُؤَدَّى الصَّلَاة وَتحصل الشَّفَاعَة فَإِن تعدد من جمعهَا رُجِّحَ بِالْفَضَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْخُلُقِيَّةِ وَالْمَكَانِيَّةِ كَشَرَفِ

ص: 253

النَّسَبِ فَإِنَّهُ يَبْعَثُ عَلَى صِيَانَةِ الْمُتَّصِفِ بِهِ عَمَّا يُنَافِي دِينَهُ وَيُوجِبُ لَهُ أَنَفَةً عَنْ ذَلِكَ وَالسِّنُّ لِقَوْلِهِ عليه السلام الْبَرَكَةُ فِي أَكَابِرِكُمْ وَلِأَنَّهُ أَطَاعَ اللَّهَ قَبْلَ الْأَصَاغِرِ فَيَتَمَيَّزُ بِذَلِكَ وَكَمَالُ الصُّورَةِ لِأَنَّ جَمَالَ الْخَلْقِ يَدُلُّ عَلَى جَمَالِ الْأَخْلَاقِ غَالِبًا وَحُسْنُ اللِّبَاسِ فَإِنَّهُ يدل على شرف النَّفس وَالْعَبْد عَنِ النَّجَاسَاتِ لِكَوْنِهَا مُسْتَقْذِرَاتٍ وَكَمَالُ الْبِنْيَةِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى وُفُورِ الْعَقْلِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ فَإِنَّهُ من أعظم صِفَات الشّرف وَتقدم الْأَمِير على الرّعية لِئَلَّا تنقص حرمته فِي النُّفُوسِ بِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ فَتَخْتَلَّ الْمَصَالِحُ الْعَامَّةُ وَالْفَقِيهُ عَلَى الصَّالِحِ لِأَنَّ الْفِقْهَ مَقْصُودٌ لِصَوْنِ الْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ عَنِ الْمُفْسِدَاتِ وَالصَّلَاحِ مِنَ التَّتِمَّاتِ فَإِنْ تَسَاوَوْا وَتَشَاحُّوا أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ إِنْ طَلَبُوا الْفَضِيلَة لَا الرياسة وَفِي مُسْلِمٍ يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ وَلَا يَقْعُدُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ الْقَارِئُ أَوْلَى مِنَ الْعَالِمِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَجَوَابُهُ أَنَّ أَقْرَأَهُمْ حِينَئِذٍ كَانَ أَعْلَمَهُمْ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَرَجَّحَ مَالِكٌ بِالْقَرَابَةِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فَقَالَ لَا يَؤُمُّ عَمَّهُ وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنَهُ وَوَافَقَهُ ح

تَنْبِيهٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَقَعَ فِي التَّهْذِيبِ غَلَطٌ وَهُوَ قَوْلُهُ يَؤُمُّ الْأَعْلَمُ إِذَا كَانَ

ص: 254

أَحْسَنَهُمْ حَالًا وَإِنَّمَا فِي الْكِتَابِ إِذَا كَانَتْ حَالُهُ حَسَنَةً وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ بَيْنَ حَسَنٍ وَأَحْسَنَ

فَرْعٌ قَالَ فِي الْكِتَابِ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ أَوْلَى مِمَّنْ حَضَرَهُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَكَذَلِكَ تُمْنَعُ الْإِمَامَةُ فِي مَسْجِدِ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ إِلَّا بِإِذْنِهِ لِانْدِرَاجِ جَمِيعِ ذَلِكَ تَحْتَ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَيَنْبَغِي لِرَبِّ الْمَنْزِلِ أَنْ يَأْذَنَ لِمَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ وَأَهْلُ كُلِّ الْمَسْجِدِ أَوْلَى بِإِمَامَتِهِ إِلَّا أَنْ يَحْضُرَهُمُ الْوَالِي وَلَا يَتَقَدَّمُ رَبُّ الدَّارِ عَلَى مَنْ يَكْرَهُ إِمَامَتَهُ لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ لَعَنَ عليه السلام ثَلَاثَةً رَجُلًا أَمَّ قَوْمًا وهم لَهُ كَارِهُون وأمرأة بَات زَوجهَا عَلَيْهَا ساخطا ورجلا سمع حَيّ على فلاح فَلَمْ يُجِبْ قَالَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَرَاهَةِ جَمِيعِهِمْ أَوْ أَكْثَرِهِمْ وَأَهْلُ الْفَضْلِ مِنَهُمْ وَإِنْ قَلُّوا وَلَوْ كَانَ صَاحِبُ الدَّارِ عَبْدًا قَالَ مَالِكٌ هُوَ أَوْلَى فَلَوْ كَانَتِ امْرَأَةً قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ تُوَلِّي رَجُلًا لِأَنَّهُ مَنْزِلُهَا لَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ إِلَّا بِإِذْنِهَا وَفِي الْجَوَاهِرِ يَسْتَوِي مَالك الدَّارِ وَمَنْفَعَتُهَا

قَاعِدَةٌ يَتَقَدَّمُ فِي كُلِّ وِلَايَةٍ مَنْ هُوَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِهَا فيتقدم للْقَضَاء من هُوَ أَكثر يقظة بِوُجُوه الْحجَّاج وَالْأَحْكَامِ وَفِي الْحُرُوبِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَكَايِدِهَا وَأَشد

ص: 255

إِقْدَامًا عَلَيْهَا وَأَعْرَفُ بِسِيَاسَةِ خَبَرِهَا وَفِي الزَّكَاةِ من هُوَ أعلم بنصبها وأحكامها وَفِي إِمَامَة الْحُكْمِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِتَدْبِيرِ الْأَيْتَامِ وَتَنْمِيَةِ الْأَمْوَالِ وَقَدْ يَكُونُ الشَّخْصُ الْوَاحِدُ نَاقِصًا فِي بَابٍ كَامِلًا فِي غَيْرِهِ كَالْمَرْأَةِ نَاقِصَةٌ فِي وِلَايَةِ الْحُرُوبِ كَامِلَةٌ بِاعْتِبَارِ الْحَضَانَةِ لِأَنَّ فِيهَا مِنَ الصَّبْرِ عَلَى الطِّفْلِ وَتَحْصِيلِ مَصَالِحِهِ مَا لَيْسَ فِي الرِّجَالِ فَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ قُدِّمَ الْفَقِيهُ عَلَى الْقَارِئِ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِإِقَامَةِ أَرْكَانِهَا وَدَرْءِ مُفْسِدَاتِهَا وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَوْصَافِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا لَهَا مَدْخَلٌ فِي تَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ إِلَّا الْإِمَارَة فَإنَّا قَدَّمْنَا الْمَصْلَحَةَ الْعَامَّةَ فِيهَا عَلَى الْخَاصَّةِ وَاسْتَشْكَلَ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيمُ بِالْمَكَانِ نَحْوَ رَبِّ الدَّارِ وَالْمَسْجِدِ فَإِنَّ الْمَكَانَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ تُتْرَكُ لَهُ مَصْلَحَةُ الصَّلَاةِ وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ رضي الله عنه إِلَى عُمَّالِهِ إِنَّ أَهَمَّ أَمْرِكُمْ عِنْدِي الصَّلَاةُ وَهِيَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ بَعْدَ الْإِيمَانِ فَكَانَتْ رِعَايَتُهَا أَوْلَى مِنْ رِعَايَةِ صَاحِبِ الْمَنْزِلِ

‌الْفَصْلُ الرَّابِع فِي تَبَعِيَّة الإِمَام فِي الْمَكَان

وَفِيه فروع أَرْبَعَة الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا صَلَّى بِقَوْمٍ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ وَهُمْ أَسْفَلُ مِنْ ذَلِكَ لَا يُعْجِبُنِي قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ

ص: 256

جَمَاعَةٌ أَمْ لَا وَفِي الْجُلَّابِ إِذَا كَانَ مَعَهُ طَائِفَةٌ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ اتِّبَاعُ الْإِمَامِ فِي الْمَكَانِ وَكَذَلِكَ كَرِهَ مَالِكٌ صَلَاتَهُمْ فَوْقَهُ أَوْ فِي دُورٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهَا بِإِمَامٍ فِي الْمَسْجِدِ وَفِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ عليه السلام إِذَا أَمَّ الرَّجُلُ الْقَوْمَ فَلَا يَقُمْ فِي مَكَانٍ أَرْفَعَ مِنْ مَقَامِهِمْ قَالَ وَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ وَقَالَ صَاحِبُ الْإِشْرَافِ إِذَا كَانَ الْإِمَامُ فَوْقَ السَّطْحِ لَا تَصِحُّ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى عَمَلٍ فِي الصَّلَاةِ بِالنَّظَرِ لِضَبْطِ أَحْوَالِ الْإِمَامِ قَالَ وَهُوَ يَنْتَقِضُ بِمَنْ كَانَ إِمَامه على يَمِينه أَو يَسَارِهِ وَالْكَرَاهَةُ مَعَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ وَإِعَادَةُ الْمَأْمُومِ فِي الْوَقْتِ عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ وَلَا كَرَاهَةَ فِي الكدى لِأَنَّهَا فِي الْعُرْفِ أَرْضٌ وَاحِدَةٌ قَالَ فِي الْكِتَابِ وَعَلَيْهِمُ الْإِعَادَةُ بَعْدَ الْوَقْتِ إِذَا صَلَّى إِمَامُهُمْ عَلَى دُكَّانٍ فِي الْمِحْرَابِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ يَسِيرَةَ الِارْتِفَاعِ فَصَلَاتُهُمْ تَامَّةٌ قَالَ صَاحِبُ النَّوَادِرِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِثْلُ الشِّبْرِ وَعَظْمِ الذِّرَاعِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَقَدْ أَسْقَطَ أَبُو سعيد المسئلة الْأُولَى اكْتِفَاءً بِهَذِهِ وَلَيْسَتْ فِي مَعْنَاهَا فَإِنَّ هَذِهِ أَشَارَ فِيهَا مَالِكٌ لِفِعْلِ بَنِي أُمَيَّةَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ كِبْرِيَاءً وَهُوَ يُنَافِي الصَّلَاةَ لِكَوْنِهَا مَبْنِيَّةً عَلَى الْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ وَفِي الْجَوَاهِرِ إِذَا كَانَ الِارْتِفَاعُ كَثِيرًا فَفِي بُطْلَانِ صَلَاةِ الْمُرْتَفِعِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْبُطْلَانُ وَنَفْيُهُ وَاشْتَرَطَ التَّكْبِيرَ فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ وَالْبُطْلَانُ فِي حَقِّ الإِمَام مُطلقًا وكل من قصد التكبر مِنْهُمَا بطلت صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ إِذَا كَانَ إِمَامًا وَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْقَصْدَ إِلَى ذَلِكَ مُحَرَّمٌ وَأَنَّهُ مَتَى

ص: 257

حَصَلَ بَطَلَتِ الصَّلَاةُ وَإِذَا كَانَ مَعَ الْإِمَامِ طَائِفَةٌ قَصَدُوا التَّكَبُّرَ عَلَى بَقِيَّةِ الْجَمَاعَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدُوا فَفِي الْإِعَادَةِ قَوْلَانِ الثَّانِي كَرِهَ فِي الْكِتَابِ الصَّلَاةَ بَيْنَ يَدَيِ الإِمَام قَالَ وَهِي تَامَّة وَقَالَ ش وح فَاسِدَةٌ وَلَوْ كَانُوا فِي الْمَسْجِدِ وَمَنَعَ ش فِي الدُّورِ إِلَّا أَنْ تَتَّصِلَ الصُّفُوفُ لَنَا مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْكِتَابِ أَنَّ دَارًا لِآلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَمَامَ الْقِبْلَةِ كَانُوا يُصَلُّونَ فِيهَا بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمُ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ نَعَمْ يُكْرَهُ لعدم علمهمْ سَهْو الْإِمَامِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَإِنْ سَهَا الْإِمَامُ يَقْطَعُ الْمَأْمُومُ وَلَا يَبْنِي لِنَفْسِهِ مَعَ وُجُودِ الْإِمَامِ بِخِلَافِ السُّفُنِ إِذَا فَرَّقَهَا الرِّيحُ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ كَالرُّعَافِ فَإِنْ تَمَادَى مَعَهُ فَرَكَعَ قبله وَسجد بعده وَقد قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَعْمَى يَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَا يَشْعُرُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ

فَرْعٌ قَالَ يَكْتَفِي بِتَكْبِيرِ مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ وَلَوْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ مُبَلِّغٌ جَازَ لِأَنَّ إِمَامَ الْكُلِّ وَاحِدٌ وَفِي أَبِي دَاوُدَ اشْتَكَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم َ - فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاس الحَدِيث وَأَجَازَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ وَابْنُ حَبِيبٍ فِي النَّفْلِ وَفِي الْجَوَاهِرِ فِي صَلَاةِ الْمُسْمِعِ وَالصَّلَاةِ بِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ

ص: 258

ثَالِثُهَا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ إِذْنِ الْإِمَامِ فَتَصِحُّ وَبَيْنَ عَدمه فَتبْطل الثَّالِثُ أَجَازَ فِي الْكِتَابِ صَلَاةَ أَهْلِ السُّفُنِ المتقاربة بِإِمَام وَاحِد فِي وَاحِدهَا فَلَوْ فَرَّقَتْهُمُ الرِّيحُ فَفِي النَّوَادِرِ لِابْنِ عَبْدِ الحكم يستخلفون قَالَ أَبُو طَاهِر وَإِنْ صَلَّوْا أَفْذَاذًا جَازَ فَإِنِ اجْتَمَعُوا بَعْدَ التَّفَرُّقِ لَا يَرْجِعُونَ إِلَى الْإِمَامِ بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ يَظُنُّ أَنَّ إِمَامَهُ أَكْمَلَ فَيَقُومُ لِلْقَضَاءِ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ وَلَا يَعْتَدُّ بِمَا فعله وَالْفرق أَن تَفْرِقَة السفن اضطرارية الرَّابِع أجَاز فِي الْكتاب أَن يكون بَينهمَا نَهْرٌ صَغِيرٌ وَقَالَهُ ش وَمَنَعَهُ ح وَجَعَلَ كُلَّ فَاصِلٍ بَيْنَهُمَا يَقْطَعُ التَّبَعِيَّةِ لَنَا أَنَّ أَزْوَاجَهُ عليه السلام كُنَّ يُصَلِّينَ فِي حُجُرِهِنَّ بِصَلَاتِهِ عليه السلام وَحَدَّ ش النَّهْرَ بِثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاع بَينه وَبَين الصُّفُوف وَالْإِمَام وَقَالَ صَاحِبُ الْإِشْرَافِ إِنْ كَانَ الطَّرِيقُ أَوِ النَّهر لَا يمْنَع سَماع التَّكْبِير جَائِز

‌الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي مَقَامِ الْمَأْمُومِ مَعَ الْإِمَامِ

وَفِي الْجَوَاهِرِ هُوَ مُسْتَحَبٌّ وَفِي الْكِتَابِ يَقُومُ الرَّجُلُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ فَإِنْ قَامَ عَنْ يَسَارِهِ رَدَّهُ عَنْ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ عليه السلام رَدَّ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنْ يَسَارِهِ إِلَى يَمِينِهِ من

ص: 259

خَلفه وَلِأَن الْيَمين أفضل وَالْمُصَلي مَأْمُور بِأَفْضَل الهيآت وَالْجِهَاتِ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُ لِأَنَّهَا تُشَوِّشُ الْفِكْرَ فَتَشْغَلُ عَنِ النَّظَرِ وَالرَّجُلَانِ خَلْفَهُ لِأَنَّ التَّصْفِيفَ مَطْلُوبٌ لِقَوْلِهِ عليه السلام فِي الصَّحِيحَيْنِ أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي وَالصَّبِيُّ مَعَ الرَّجُلِ بِمِنَزِلَةِ الرَّجُلَيْنِ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ مليكَة دَعَتْهُ عليه السلام لطعام صَنْعَتْهُ فَأَكَلَ مِنَهُ ثُمَّ قَالَ قُومُوا فَأُصَلِّي لَكُمْ قَالَ أَنَسٌ فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ من طول مَا لبس فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ فَقَامَ عليه السلام عَلَيْهِ وَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا فَصَلَّى لنا رَكْعَتَيْنِ وَانْصَرف وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ الرَّجُلُ عَنْ يَمِينِهِ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى بِهِ وَبِأُمِّهِ أَوْ خَالَتِهِ قَالَ فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ وَأَقَامَ الْمَرْأَةَ خَلْفَنَا

‌الْفَصْلُ السَّادِس فِي تَسْوِيَة الصُّفُوف

قَالَ اللَّخْمِيُّ يَبْتَدِأُ بِالصُّفُوفِ مِنْ خَلْفِ الْإِمَامِ ثُمَّ مِنْ عَلَى يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ حَتَّى يَتِمَّ الصَّفُّ وَلَا يَبْتَدِأُ بِالثَّانِي حَتَّى يُكْمِلَ الْأَوَّلَ وَلَا بِالثَّالِثِ قَبْلَ الثَّانِي وَالصَّفُّ الْأَوَّلُ مَا يَلِي الْإِمَامَ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَقْصُورَةٌ مُحَجَّرَةٌ فَالصَّفُّ الْأَوَّلُ الْخَارِجُ عَنْهَا لِلْوُضُوءِ بِهَا

ص: 260

فُرُوعٌ خَمْسَةٌ الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْكِتَابِ مَنْ صَلَّى خَلْفَ الصُّفُوفِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ فَإِنْ جَبَذَ إِلَيْهِ أَحَدًا فَهُوَ خَطَأٌ مِنَهُمَا وَالْإِجْزَاءُ قَوْلُ ح وش خِلَافًا لِابْنِ حَنْبَلٍ وَبَالَغَ فَقَالَ مَنِ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ مُنْفَرِدًا خَلْفَ الْإِمَامِ فَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ حَتَّى رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فَصَلَاتُهُ وَصَلَاةُ مَنْ تَلَاحَقَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ بَاطِلَةٌ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عليه السلام رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ فَأَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ لَنَا مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَهُوَ عليه السلام رَاكِعٌ فَرَكَعَ دُونَ الصَّفِّ فَقَالَ عليه السلام زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ وَأَمَّا خَطَأُ الْمُوَافِقِ لَهُ فَلِأَنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ أَفْضَلُ وَقَالَ ش فَيُسْتَحَب لَهُ ذَلِكَ وَفِي أَبِي دَاوُدَ وَسِّطُوا الْإِمَامَ وسدوا الْخلَل الثَّانِي قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ مَنْ تَأَخَّرَ عَنِ الصَّفِّ لِعُذْرٍ وَصَلَّى مُنْفَرِدًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَأعَاد عِنْد مَالك خلافًا لِابْنِ حبيب الثَّالِثُ قَالَ فِي الْكِتَابِ مَنْ دَخَلَ وَقَدْ قَامَتِ الصُّفُوفُ قَامَ حَيْثُ شَاءَ وَكَانَ يَتَعَجَّبُ مِمَّنْ يَقُولُ يَقُومُ حَذْوَ الْإِمَامِ حُجَّةُ الْمُخَالِفِ أَنَّ ابْتِدَاءَ الصُّفُوفِ مِنْ خَلْفِ الْإِمَامِ وَهَذَا مبتدئ صف وَعِنْدَ مَالِكٍ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالصَّفِّ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ

ص: 261

الْمُوَازِي وَقَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ مَالِكٌ إِنْ رَأَى خَلَلًا فِي الصَّفِّ سَدَّهُ إِنْ لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى غَيْرِهِ فَرُبَّ خَلَلٍ بَيْنَ قَائِمَيْنِ يسترانه إِذَا جَلَسَا وَيَخْرِقُ ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ لِلْفُرْجَةِ فَإِنْ كَانَتِ الْفُرَجُ كَثِيرَةٌ مَشَى إِلَى آخِرِهَا عِنْدَ مَالِكٍ وَإِلَى أَقْرَبِهَا إِلَى الْإِمَامِ عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ فَإِنْ كَانَتِ الْفُرْجَةُ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَتْرُكُهَا قَالَ وَالَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ فِيمَنْ هُوَ فِي الصَّلَاةِ أَمَّا مَنْ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَخْرِقُ الصُّفُوفَ إِلَى الْفُرْجَةِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ كَمَا فَعَلَهُ عليه السلام لَمَّا جَاءَ مِنْ عِنْدِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَوَجَدَ أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الرَّابِعُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا كَانَتْ طَائِفَةٌ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَقِفَ طَائِفَة عَن يسَاره وَلَا تلتصق بِالطَّائِفَةِ الَّتِي عَنْ يَمِينِهِ وَكُرِهَ تَفْرِيقُ الصُّفُوفِ وَكَذَلِكَ فِي الْبُخَارِيِّ قَالَ أَنَسٌ كَانَ أَحَدُنَا يُلْصِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ وَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ عُثْمَانَ رضي الله عنه كَانَ لَا يُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِيَهُ رِجَالٌ قَدْ وَكَّلَهُمْ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ فَيُخْبِرُونَهُ أَنْ قَدِ اسْتَوَتْ فَيُكَبِّرُ وَكَذَلِكَ عُمَرُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَإِنْ رَأَى رَجُلًا خَارِجًا مِنَ الصَّفِّ يُشِيرُ إِلَيْهِ وَيَجُوزُ تقطيع الصَّفّ الموغر فِي الْموضع وَأَرْخَصَ مَالِكٌ لِلْعَالِمِ يُصَلِّي فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ فِي مَوْضِعِهِ مَعَ أَصْحَابِهِ وَإِنْ بَعُدَتِ الصُّفُوفُ عَنْهُمْ وَيَسُدُّونَ فُرَجَهُمْ وَأَرْخَصَ فِي اعْتِدَالِ الصَّفِّ لِطَلَبِ الشَّمْسِ أَوِ الظِّلِّ وَأَجَازَ فِي الْكِتَابِ الصَّلَاةَ بَيْنَ الْأَسَاطِينِ إِذَا ضَاقَ الْمَسْجِدُ وَكَرَاهِيَّتُهُ إِمَّا لِتَقْطِيعِ الصُّفُوفِ أَوْ لِأَنَّهُ مَظَنَّةُ النَّجَاسَةِ من

ص: 262

الأحذية قَالَ قَالَ مَالِكٌ إِذَا كَانَتِ الْمَقْصُورَةُ لَا تدخل إِلَّا بِإِذْنٍ فَالصَّفُّ الْأَوَّلُ مَا خَرَجَ عَنْهَا وَإِلَّا فَلَا الْخَامِسُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا صَلَّتِ النِّسَاءُ بَيْنَ الرِّجَالِ صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ وَقَالَهُ ش وَقَالَ ح مُحَاذَاةُ الْمَرْأَةِ تُفْسِدُ الصَّلَاةَ لِقَوْلِهِ عليه السلام أَخِّرُوهُنَّ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ فَمَنْ لَمْ يُؤَخِّرْهُنَّ فَهُوَ قَائِمٌ مَقَامًا مَنْهِيًّا عَنْهُ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ يَحْتَمِلُ غَيْرَ الضَّرُورَةِ فِي الشَّهَادَاتِ أَوْ غَيْرِهَا مَعَ أَنَّهُ يَقُولُ لَا تَثْبُتُ فُرُوضُ الصَّلَاةِ إِلَّا بِطْرِيقٍ مَعْلُومٍ فَقَدْ نَقَضَ أَصْلَهُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَقَدْ غَيَّرَ أَبُو سعيد هَذِه المسئلة بِاشْتِرَاطِ ضِيقِ الْمَسْجِدِ وَلَيْسَ شَرْطًا قَالَ فَلَوْ قَامَ مَقَامَ الْإِمَامِ عِنْدَ الْبَيْتِ وَخَلْفَهُ الرِّجَالُ وَصَفَّ النِّسَاءُ مِنَ الْجِهَةِ الْأُخْرَى قَالَ أَشْهَبٌ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكُنَّ خَلْفَ الرِّجَالِ سُؤَالٌ شَرَفُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ مُعَلَّلٌ بِسَمَاعِ الْقِرَاءَةِ وَإِرْشَادِ الْإِمَامِ وَتَوَقُّعِ الِاسْتِخْلَافِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَا يَلِي الْإِمَامَ مِنَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ أَفْضَلُ مِنْ آخِرِ الْأَوَّلِ إِذَا طَالَ جَوَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ مُعَارَضٌ بِكَوْنِ الْوَاقِفِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ مُتَّصِفًا بِكَوْنِهِ مِنَ السَّابِقِينَ وَلذَلِك حَكَى أَبُو عُمَرَ فِي التَّمْهِيدِ الْخِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ هَلِ الصَّفُّ الْأَوَّلُ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ أَوِ السَّابِقُ حَيْثُ كَانَ

ص: 263

‌الْفَصْل السَّابِع فِي الْإِعَادَة فِي جمَاعَة

وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْهُ عليه السلام صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَعَنْهُ فِيهِ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا وَقِيلَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا إِنَّ الْجُزْءَ أَكْبَرُ مِنَ الدَّرَجَةِ وَالتَّفَاوُتُ بِحَسب الْجَمَاعَات وَالْأَيمَة وَفِي مُسْلِمِ صَلَاةٌ مَعَ إِمَامٍ خَيْرٌ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً يُصَلِّيهَا وَحْدَهُ قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى وَالِاسْتِذْكَارُ وَالْإِكْمَالُ وَغَيْرِهِمْ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً فَتَكُونُ صَلَاةُ الْجَمَاعَة ثَمَانِيَة وَعِشْرِينَ صَلَاةً وَاحِدَةً بِصَلَاةِ الْفَذِّ وَسَبْعَةً وَعِشْرِينَ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى رِوَايَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَعَلَى ذَلِكَ تَتَخَرَّجُ بَقِيَّةُ الْأَعْدَادِ الْوَارِدَةِ فِي الرِّوَايَاتِ وَجَعَلُوا الْأَعْدَادَ الْوَارِدَةَ كُلَّهَا أَعْدَادَ صَلَوَاتٍ لِأَجْزَاءِ ثَوَابِ صَلَاةِ الْفَذِّ فَإِنَّ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ قُيِّدَتْ فِي بَعْضِهَا بِالصَّلَوَاتِ وَأُطْلِقَتْ فِي بَعْضِهَا وَسُمِّيَتْ أَجْزَاءً وَدَرَجَاتٍ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْقَيْدِ وَيَكُونُ الْجُزْءُ الْوَارِدُ فِي بَعْضِهَا جُزْءَ ثَوَابِ الْجَمَاعَاتِ لَا جُزْءَ ثَوَابِ الْفَذِّ وَاسْتَقَامَتِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا وَعَظُمَتِ الْمِنَّةُ عَلَى الْعِبَادِ وَعَظُمَ التَّرْغِيبُ فِي صَلَاة

ص: 264

الْجَمَاعَات لَمْ يَحْكُوا فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَفِي الْجَوَاهِرِ الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لَا تَجِبُ إِلَّا فِي الْجُمُعَةِ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وُجُوبُهَا عَلَى الْكِفَايَة وَلَا تتْرك الْجَمَاعَة إِلَّا لعذر عَامٍّ كَالْمَطَرِ وَالرِّيحِ الْعَاصِفِ بِاللَّيْلِ أَوِ الْخَاصِّ كَالتَّمْرِيضِ وَخَوْفِ السُّلْطَانِ أَوِ الْغَرِيمِ مَعَ الْإِعْسَارِ أَوِ الْقِصَاصِ مَعَ رَجَاءِ الْعَفْوِ وَالْمَشْهُورُ اسْتِوَاءُ الْجَمَاعَاتِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ تُفَضَّلُ الْجَمَاعَةُ بِالْكَثْرَةِ وفضيلة الائتمام

تَمْهِيدٌ لَا نِزَاعَ أَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ الصُّلَحَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْكَثِيرِ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِمْ لِشُمُولِ الدُّعَاءِ وَسُرْعَةِ الْإِجَابَةِ وَكَثْرَةِ الرَّحْمَةِ وَقَبُولِ الشَّفَاعَةِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي زِيَادَةِ الْفَضِيلَةِ الَّتِي شَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى الْإِعَادَةَ لِأَجْلِهَا فَالْمَذْهَبُ أَنَّ تِلْكَ الْفَضِيلَةَ لَا تَزِيدُ وَإِنْ حَصَلَتْ فَضَائِلُ أُخَرَ لَكِنْ لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى جَعْلِهَا سَبَبًا لِلْإِعَادَةِ وَابْنُ حَبِيبٍ يَرَى ذَلِكَ قَالَ وَلَا تَحْصُلُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ بِأَقَلِّ مِنْ رَكْعَةٍ يُدْرِكُهَا مَعَ الْإِمَامِ وَهَذَا مِمَّا تَقَدَّمَ لانزاع أَنَّ مُدْرِكَ التَّشَهُّدِ لَهُ أَجْرٌ وَأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا تِلْكَ الدَّرَجَاتُ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِرَكْعَةٍ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَضَافَهَا لِجُمْلَةِ الصَّلَاةِ وَمُدْرِكُ أقل من رَكْعَة لَيْسَ مدْركا للصَّلَاة بقوله عليه السلام مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ فقد أدْرك الصَّلَاة قَالَ وَلَا يُعِيدُ مَعَ الْوَاحِدِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ إِمَامًا سُؤَالٌ الِاثْنَانِ إِذَا كَانَا جَمَاعَةً وَجَبَ أَنْ يُعِيدَا مَعَ الْوَاحِدِ وَإِلَّا فَيُعِيدُ مَنْ

ص: 265

صَلَّى مَعَ الْوَاحِدِ جَوَابُهُ هُمَا جَمَاعَةٌ إِذَا كَانَا مُفْتَرِضَيْنِ وَالْمُعِيدُ لَيْسَ بِمُفْتَرِضٍ قَالَ وَإِذَا أَعَادَ لَا يَتَعَرَّضُ لِتَخْصِيصِ نِيَّةٍ أَوْ يَنْوِي الْفَرْضَ أَوِ النَّفْلَ أَوْ إِكْمَالَ الْفَضِيلَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَال تتخرج عَلَيْهَا ثَلَاثَة فروع الْأَوَّلُ إِذَا ذَكَرَ عَدَمَ الطَّهَارَةِ فِي الْأُولَى أَجْزَأَتْهُ الثَّانِيَةُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَقَالَ أَشْهَبُ إِنْ ذَكَرَ الْأُولَى حِينَ دُخُولِهِ فِي الثَّانِيَةِ فَلَا تُجْزِئُهُ وَإِلَّا أَجْزَأَتْهُ الثَّانِي إِذَا أَعَادَ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تجزيه خلافًا لأَشْهَب الثَّالِثُ إِذَا أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ رَوَى الْمِصْرِيُّونَ عَدَمَ الْإِعَادَةِ وَقَالَ أَشْهَبُ إِنْ قَصَدَ بِالثَّانِيَةِ رَفْضَ الْأُولَى فَلَا إِعَادَةَ وَرُوِيَ عَنْهُ الْإِعَادَةُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ وَسَحْنُونٌ وَاخْتُلِفَ فِي التَّعْلِيلِ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَّتُهُمَا فَرْضُهُ وَقَالَ سَحْنُونٌ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِدُخُولِهِ فِيهَا وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ إِذَا كَانَ الْحَدَثُ علته وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إِنْ أَحْدَثَ بَعْدَ رَكْعَةٍ أَعَادَ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَإِلَّا فَلَا وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ إِنْ أَرَادَ الثَّانِيَةَ فَرْضه الأولى نَافِلَةً أَوْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلْيُعِدِ الثَّانِيَةَ

ص: 266

فروع اثْنَا عشر الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا جَاءَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيُصَلِّ مَعَ النَّاسِ إِلَّا الْمَغْرِبَ فَلْيَخْرُجْ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ عليه السلام لِمِحْجَنٍ وَكَانَ قَدْ صَلَّى فِي أَهْلِهِ وَلَمْ يُصَلِّ مَعَهُمْ إِذَا جِئْتَ فَصَلِّ مَعَ النَّاسِ وَإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ وَتُعَادُ الصَّلَوَاتُ كُلُّهَا إِلَّا الْمَغْرِبَ وَإِلَّا الصُّبْحَ وَالْمَغْرِبَ عِنْدَ ابْن عمر وَإِلَّا الصُّبْح وَالْعَصْرَ عِنْدَ ح وَكُلُّهَا عِنْدَ ش نَظَرًا لِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَرَأَى ح أَنَّ الْأُولَى فَرْضُهُ وَالصُّبْحَ وَالْعَصْرَ لَا يَتَنَفَّلُ بَعْدَهُمَا وَالْمَغْرِبَ وِتْرٌ وَفِي أَبِي دَاوُدَ لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ وَعِنْدَنَا أَنَّ الثَّانِيَةَ لَمْ تَتَعَيَّنْ لِلنَّافِلَةِ وَفِي أَبِي دَاوُدَ لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مرَّتَيْنِ فَيجمع بَين العمومين فَيحمل النَّهْي على الْمغرب وَفِي جَمَاعَتَيْنِ أَوْ حَالَةِ الِانْفِرَادِ وَالْأَمْرُ بِالْإِعَادَةِ عَلَى مَا عَدَا ذَلِكَ وَأَمَّا خُرُوجُهُ مِنَ الْمَسْجِدِ فَلِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَلِأَنَّ فِيهِ صُورَةَ الْقُعُودِ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى حَالَةَ النُّهُوضِ لَهَا تَفْرِيعٌ فَإِنْ أَعَادَ الْمَغْرِبَ قَالَ فِي الْكتاب شفع الْآخِرَه وَتَكُونُ الْأُولَى صَلَاتُهُ

ص: 267

وَفِي النَّوَادِرِ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ يُسَلِّمُ مَعَ الْإِمَامِ وَيُعِيدُهَا لِأَنَّهَا تَقَعُ فَرْضًا عَلَى رَأْيٍ فَلَا تَفْسُدُ بِرَابِعَةٍ فَلَوْ دَخَلَ فِي الْمَغْرِبِ مَعَ الْجَمَاعَةِ نَاسِيًا فَذَكَرَ قَبْلَ رَكْعَةٍ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَقْطَعُ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي نَافِلَةٍ مَمْنُوعَةٍ فَأَشْبَهَ الْقِيَامَ فِي النَّافِلَةِ لِثَالِثَةٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَنْهَا قَالَ وَيَتَخَرَّجُ فِيهَا قَوْلٌ بِالْإِتْمَامِ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ بَعْدَ إِحْرَامِهِ بِهَا فَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ الرُّكُوعِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَتَمَادَى وَيُسَلِّمُ مِنِ اثْنَتَيْنِ قَالَ وَقَالَ الْبَاجِيُّ وَمُقْتَضَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْقَطْعُ فَإِنْ أَرَادَ التَّخْرِيجَ عَلَى مَا إِذَا أَحْرَمَ بِالْمَغْرِبِ فَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ رَكْعَةٍ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ فَإِنَّ الْفَرْقَ أَنَّ الَّذِي أُقِيمَتْ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَقْطَعْ فَعَلَ الْمَكْرُوهَ لِأَنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْ صَلَاتَيْنِ مَعًا وَإِنْ شَفَعَ تَنَفَّلَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ بِخِلَافِ هَذِهِ الصُّورَةِ قَالَ وَإِنْ أَتَمَّ الْمَغْرِبَ مَعَ الْإِمَامِ سَاهِيًا عَنِ الْإِشْفَاعِ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إِنْ ذَكَرَ بِالْقُرْبِ رَجَعَ وَأَتَى بِرَكْعَةٍ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ فَإِن تطاول فَلَا شَيْء عَلَيْهِ الثَّانِي قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا سَمِعَ الْإِقَامَةَ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الدُّخُولُ مَعَهُمْ وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ الْجَمَاعَةُ فَرْضٌ عَلَى الْأَعْيَانِ وَلَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَة الصَّلَاة وَقَالَ بعض الشفعوية فَرْضُ كِفَايَةٍ لِمَا فِي الصِّحَاحِ أَنَّهُ عليه السلام فَقَدَ نَاسًا فِي بَعْضِ الصَّلَوَاتِ فَقَالَ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ثُمَّ أُخَالِفُ إِلَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْهَا فَآمُرُ رِجَالًا فَيَحْرِقُونَ عَلَيْهِمْ بِحُزَمِ الْحَطَبِ بُيُوتَهُمْ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى صَدْرِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ كَانَ

ص: 268

النِّفَاقُ وَالتَّقَاعُدُ عَنِ الدِّينِ كَثِيرًا وَأَيْضًا فَالْحَدِيثُ لَنَا فَإِنَّهُ عليه السلام أَخْبَرَ أَنَّهُ هَمَّ بِتَرْكِ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ لَا يَهُمُّ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ فَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَوَجَدَهُمْ فِي تِلْكَ الصَّلَاة الْمَشْهُور النَّدْبُ لِلدُّخُولِ مَعَهُمْ وَرُوِيَ عَنْهُ الْكَرَاهَةُ فَلَوْ وَجَدَهُمْ فِي التَّشَهُّدِ فَلَا يَدْخُلُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُعِيدًا فَذًّا فَإِنِ اعْتَقَدَهُمْ فِي الْأَوَّلِ فَسَلَّمُوا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُسَلِّمُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ وَالْأَمْرُ بِالْجَمَاعَةِ لَمْ يَأْتِ عَلَى الْعُمُومِ وَإِنَّمَا جَاءَ فِيمَن حضر الْجَمَاعَة الثَّالِثُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي بَيْتِهِ وَأَوْتَرَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُعِيدُهَا لِأَجْلِ الْوِتْرِ فَإِنْ أَعَادَهَا قَالَ سَحْنُونٌ يُعِيدُ الْوتر وَقَالَ يحى بْنُ عُمَرَ لَا يُعِيدُ لِأَنَّهُ لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَة الرَّابِعُ إِذَا أَمَرْنَاهُ بِإِعَادَةِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ قَالَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ أَنْ يُعِيد لِأَن التَّنَفُّل بعدهمَا مَكْرُوه الْخَامِسُ قَالَ فِي الْكِتَابِ مَنْ صَلَّى مَعَ الْوَاحِدِ لَا يُعِيدُ فِي جَمَاعَةٍ وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَقَالَ ابْن حَنْبَل يُعِيد وللشافعية ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مِثْلُ قَوْلِنَا يُعِيدُ مَا عَدَا الصُّبْحَ وَالْعَصْرَ يُعِيدُ الْجَمِيعَ لَنَا قَوْلُهُ عليه السلام لَا تصل صَلَاةٌ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ وَاخْتَلَفَ الْأَشْيَاخُ فِي صُورَتَيْنِ إِذَا صَلَّى مَعَ صَبِيٍّ أَوْ مَعَ أَهْلِهِ هَلْ يُعِيدُ أَمْ لَا نَظَرًا إِلَى تَنَفُّلِ الْأَوَّلِ؟ وَلِعُمُومِ قَوْلِهِ عليه السلام صَلِّ وَإِنْ صَلَّيْتَ فِي أَهْلِكَ فِي الثَّانِيَة

ص: 269

فَرْعٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُعِيدُ مَنْ صَلَّى مَعَ الْوَاحِدِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْمُقَدَّسِ لِفَضْلِ تِلْكَ الْبِقَاعِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ وَإِنَّمَا الصَّلَاةُ بِهَا فُرَادَى أَفْضَلُ مِنَ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِهَا وَأَلْزَمُهُ اللَّخْمِيُّ الْإِعَادَة مُنْفَردا السَّادِسُ لَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الصَّلَاةُ بَعْدَ أَنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْهَا قَالَ فِي الْكِتَابِ يُضِيفُ إِلَيْهَا رَكْعَةً وَيُسَلِّمُ وَيُعِيدُ مَعَ الْإِمَامِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ تَفُوتَهُ رَكْعَةٌ مَعَ الْإِمَامِ فَيَقْطَعُ بِسَلَامٍ فَإِنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ ثَلَاثٍ قَالَ فِي الْكِتَابِ يُكْمِلُهَا وَيَدْخُلُ مَعَهُ وَلَا يَجْعَلُ الْأُولَى نَافِلَةً فَإِنْ أُقِيمَتْ قَبْلَ الرُّكُوعِ قَطَعَ وَدَخَلَ مَعَهُ وَقَالَ ش يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَحْرَمَ قَبْلَ إِمَامِهِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ بِخِلَافِ مَنْ أَحْرَمَ بِنَافِلَةٍ فَإِنَّهُ يُتِمُّهَا وَالْفرق أَنه فِي الأولى قطعهَا ليكملها وَهَهُنَا الْقَطْعُ لِغَيْرِهَا فَكَانَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَوْلَى وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّافِلَةَ إِذَا قَطَعَهَا لَا يَعُودُ إِلَيْهَا بِخِلَافِ الْفَرِيضَةِ فَإِنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْمَغْرِبُ قَالَ فِي الْكِتَابِ يَقْطَعُ وَإِنْ صَلَّى رَكْعَةً وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ يُضِيفُ إِلَيْهَا أُخْرَى وَجه الأول عدم التَّنْفِيل قبل الْمغرب وَجْهُ الثَّانِي انْعِقَادُ الصَّلَاةِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَكَذَلِكَ لَوْ أُقِيمَتْ بَعْدَ رَكْعَةٍ قَطَعَ عَلَى مَذْهَب الْكتاب

ص: 270

فَإِنْ أُقِيمَتْ بَعْدَ ثَلَاثٍ أَتَمَّهَا وَلَا يَدْخُلُ مَعَهم وانعقاد الثَّالِثَة بتمكن الْيَدَيْنِ من الرَّكْعَتَيْنِ عِنْد ابْن الْقَاسِم وبالرفع عِنْد أَشهب السَّابِعُ قَالَ فِي الْكِتَابِ مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ فَأَمَّ غَيْرَهُ فِيهَا أَعَادَ الْمَأْمُومُ لِأَنَّهُ لَا يدْرِي أَيَّتهمَا فَرْضه وَقَالَ ح وش وَابْنُ حَنْبَلٍ الثَّانِيَةُ نَافِلَةٌ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ بِالْأُولَى لَنَا مَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ أَو ذَلِك إِلَيْك؟ إِنَّمَا ذَلِك إِلَى الله فرع مُرَتّب قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِنْ أَمَّهُمْ وَقُلْنَا يُعِيدُ الْمَأْمُومُ أَبَدًا فَفِي الْكِتَابِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعِيدُوا فِي جَمَاعَةٍ لِأَنَّ الْأُولَى قَدْ تَكُونُ فَرْضَهُمْ وَلَا جَمَاعَتَانِ فِي يَوْمٍ وَهَذَا الْفَرْعُ يَشْكُلُ عَلَى مَا فِي الْجَوَاهِرِ أَنَّهُ لَا يُعِيد مَعَ الْوَاحِد فَإِن الْوَاحِد هَهُنَا مُتَنَفِّلٌ وَقَدْ حَصَلَتِ الْجَمَاعَةُ وَإِنْ وَجَبَتِ الْإِعَادَةُ وَثَمَّ الْمُعِيدُ مُتَنَفِّلٌ وَلَا إِعَادَةَ فَكَانَتْ أَقْرَبُ بِحُصُول الْجَمَاعَة الثَّامِنُ لَوْ ذَكَرَ الْمَأْمُومُ سَجْدَةً مِنْ إِحْدَى الصَّلَاتَيْنِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَا يُعِيدُ وَقَالَ عبد الْملك يُعِيد لِأَن اعْتِقَاده لم يخلص للْفَرض التَّاسِعُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا صَلَّى الْإِمَامُ وَحْدَهُ صَلَّى أَهْلُ الْمَسْجِدِ

ص: 271

بعده أفذاذا قَالَ ابْن الْقَاسِم وَلَا يُعِيدُ فِي جَمَاعَةٍ وَجْهُهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ لَهُ حَقُّ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمه} وَهَذَا الْحَقُّ بِيَدِ الْإِمَامِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ إِقَامَتُهُ فَإِذَا أَذَّنَ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ فَقَدْ أَدَّى ذَلِكَ الْحَقَّ فَهُوَ حِينَئِذٍ فِي حُكْمِ الْجَمَاعَةِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَلَوْ أَذَّنَ الْقَوْمُ قَبْلَهُ وَصَلَّوْا كَانَ لَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بَعْدَهُمْ وَيُصَلِّيَ لِأَنَّهُ صَاحب الْحق وهم معتدون وَلَوْ غَابَ إِمَامُهُمْ فَجَمَعَ بِهِمْ غَيْرُهُ قَالَ قَالَ مَالِكٌ إِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ لَا تُعَادُ فِيهِ جَمَاعَةٌ وَإِلَّا أُعِيدَتْ وَأَمَّا كَوْنُهُمْ يصلونَ أفذاذا فَقَالَ بِهِ ح وش وَأَجَازَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ مُحْتَجًّا بِمَا رُوِيَ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي وَحْدَهُ فَقَالَ أَلا رجلا يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ؟ وَجَوَابُهُ لَعَلَّهُ كَانَ لَا يُحْسِنُ الصَّلَاةَ فَأَمَرَ مَنْ يُعَلِّمُهُ كَيْفَ يُصَلِّي أَوْ كَانَ فِي نَفْلٍ أَوْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَيُرْوَى عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ كَانَ أَصْحَابه عليه السلام إِذا فَاتَتْهُمْ الْجَمَاعَة صَلَّوْا فِي الْمَسْجِدِ فُرَادَى قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَيَتَنَزَّلُ الْمَكَانُ الَّذِي جَرَتِ الْعَادَةُ بِالْجَمْعِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَسْجِدًا مَنْزِلَةَ الْمَسْجِدِ وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَرَخَّصَ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي يجمع فِيهَا بعض الصَّلَوَات الْعَاشِرُ فِي الْجَوَاهِرِ لَيْسَ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُصَلِّيَ فَذًّا وَلَا بِالْعَكْسِ فَإِنِ اضْطُرَّ كَمَرِيضٍ اقْتَدَى بِمَرِيضٍ فَصَحَّ قَالَ سَحْنُونٌ يُتِمُّ لِنَفْسِهِ كَمَا يَصِيرُ الْإِمَامُ بِالْعُذْرِ مَأْمُومًا وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ يَتَمَادَى لِأَنَّهُ دَخَلَ بِمَا يَجُوزُ لَهُ

ص: 272

الْحَادِيَ عَشَرَ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ لَا يَجْلِسُ أَحَدٌ وَالْإِمَامُ يُصَلِّي وَلَا يَرْكَعُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا فِي رِحَابِهِ وَلَا فِي أفنيته الْمُتَّصِلَة بِهِ الثَّانِي عَشَرَ قَالَ لَا يَجُوزُ تَعَدِّي الْمَسْجِدِ إِلَى غَيْرِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ إِمَامُهُ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فَإِنْ فَعَلَ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا

‌الْفَصْلُ الثَّامِنُ فِي سَبْقِ الْإِمَامِ الْمَأْمُوم وَبِالْعَكْسِ

وَفِيه فروع تِسْعَة الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا جَاءَ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ فَلْيَرْكَعْ إِنْ كَانَ قَرِيبًا وَخَشِيَ رَفْعَ رَأْسِهِ مِنَ الرُّكُوعِ وَيَدِبُّ إِلَى الصَّفِّ وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ الْقُرْبُ نَحْوَ ثَلَاثَةِ صُفُوفٍ وَقَالَ الشَّافِعِي إِنْ دَبَّ ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ إِنْ كَانَ قَرِيبًا أَنه إِنْ بَعُدَ لَا يَرْكَعُ وَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الرَّكْعَةِ حَتَّى يَأْتِيَ الصَّفَّ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَرَوَى عَنْهُ خِلَافَهُ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خِلَافًا أَوْ يُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى أَوَّلِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ إِدْرَاكَ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ مُمْكِنٌ وَالثَّانِي عَلَى آخِرِ رَكْعَةٍ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ وَقِيلَ لَا يَرْكَعُ مُطْلَقًا حَتَّى يَدْخُلَ الصَّفَّ وَإِذَا قُلْنَا يَدِبُّ فَهَلْ وَهُوَ رَاكِعٌ حَتَّى يَرْفَعَ وَهُوَ فِي الصَّفِّ أَوْ حَتَّى يَرْفَعَ لِأَنَّ فِعْلَهُ ذَلِكَ فِي الرُّكُوعِ فَشَاقٌّ قَوْلَانِ وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ انْتَهَى إِلَيْهِ عليه السلام وَهُوَ رَاكِعٌ فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ الصَّفَّ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ عليه السلام فَقَالَ زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ

ص: 273

الثَّانِي قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ إِدْرَاكُ الرَّكْعَةِ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَإِنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ لَا يَحْرُمُ فَإِنْ أَحْرَمَ وَرَكَعَ ثُمَّ شَكَّ فَلَا يَعْتَدُّ بِهَا عِنْدَ مَالِكٍ وَيَتَمَادَى وَيُعِيدُ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ احْتِيَاطًا وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ قِيَاسًا عَلَى الشَّكِّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَغَيرهَا الثَّالِث إِذا أحس الإِمَام بداخل لَا ينتظره عِنْد مَالك وح قَالَ الْمَازِرِيُّ وَقَالَ سَحْنُونٌ يَنْتَظِرُهُ وَلِ ش قَوْلَانِ لَنَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ مَشْرُوعًا لَصَرَفَ نُفُوسَ الْمُصَلِّينَ إِلَى انْتِظَارِ الدَّاخِلِينَ فَيَذْهَبُ إِقْبَالُهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ وَأَدَبُهُمْ مَعَ رَبِّهِمْ وَقِيَاسًا عَلَى الْفَذ إِذا أحس بِمن يُعِيد فَضِيلَة الْجَمَاعَة وَقد سلمه ش احْتَجُّوا بِالْقِيَاسِ على صَلَاة الْخَوْف بِأَنَّهَا إِعَانَةٌ عَلَى قُرْبَةٍ فَتَكُونُ قُرْبَةً كَتَعْلِيمِ الْعِلْمِ وَإِقْرَاءِ الْقُرْآنِ وَتَبْلِيغِ الشَّرَائِعِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْإِشْرَاكِ فِي الْأَعْمَالِ لِأَنَّ ذَلِكَ لِأَغْرَاضٍ دُنْيَوِيَّةٍ وَرَدَّ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ تَفْوِيتٌ لِقُرْبَتَيْنِ الْقِيَامُ وَالْفَاتِحَةُ فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي يَقْضِيهَا الْمَسْبُوقُ أَجَابُوا بِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِأَنَّ السُّجُودَ وَالْجُلُوسَ حِينَئِذٍ يَكُونُ نَفْلًا وَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ يَكُونُ فَرْضًا وَالْفَرْضُ أَفْضَلُ مِنَ النَّفْلِ قُلْنَا بَلْ يَأْتِي بِهِمَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَرْضًا وَمَعَهُ نَفْلًا فَيَكُونُ الْجَمِيع الرَّابِعُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا أَدْرَكَهُ فِي السَّجْدَةِ الْأَخِيرَةِ يَدْخُلُ مَعَهُ وَلَا يَسْجُدُ مَا فَاتَهُ وَلَا يَقْضِيهِ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ عليه السلام إِذَا جِئْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ وَنَحْنُ سُجُودٌ فَاسْجُدُوا وَلَا تَعُدُّوهَا شَيْئًا وَمَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ يُرْفِقُ فِي مَشْيِهِ حَتَّى يَرْفَعَ مُلَاحِظَهُ ليقي الزِّيَادَة فِي الصَّلَاة

ص: 274

الْخَامِسُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ أَلَّا يَشْرَعَ فِيمَا عَدَا الْإِحْرَامِ وَالسَّلَامِ حَتَّى يَشْرَعَ الْإِمَامُ وَقَبْلُهُ مِنَهِيٌّ عَنْهُ فَإِنْ رَفَعَ قَبْلَ أَن يظْهر الْإِمَامُ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ الِارْتِبَاطِ بِذَلِكَ الْجُزْءِ وَفِي مُسْلِمٍ عَنْهُ عليه السلام أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ وَلَمْ يَذْكُرْ إِعَادَةً وَيَرْجِعُ وَلَا يَنْتَظِرُ رَفْعَ الْإِمَامِ قَالَهُ مَالِكٌ وَقَالَ أَيْضًا هُوَ وَأَشْهَبُ لَا يَرْجِعُ لِأَنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُود وَقد انْعَقَدَ فَتَكْرَارُهُ زِيَادَةٌ فِي الصَّلَاةِ وَقَالَ سَحْنُونٌ يَرْجِعُ وَيَبْقَى بَعْدَ السَّلَامِ بِقَدْرِ مَا تَقَدَّمَهُ الْإِمَامُ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَعَ الْإِمَامِ مَا عَدَا الْإِحْرَامَ وَالسَّلَامِ وَالْقِيَامَ مِنِ اثْنَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى الْإِمَامِ فَصلَاته صَحِيحَة على الْمَشْهُور السَّادِسُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ إِذَا نَعَسَ خَلْفَ الْإِمَامِ عَنْ رُكُوعِ الْأُولَى فَإِنْ طَمَعَ فِي السُّجُودِ سَجَدَ وَيُلْغِيهَا وَإِنَّمَا يَتْبَعُ الإِمَام فِيمَا عدا الأولى وَقَالَهُ ح وش قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْغَافِلِ وَالْمَضْغُوطِ وَقَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ يَرْكَعُ وَيَتْبَعُهُ فِي الْأُولَى وَغَيْرِهَا مَا لَمْ يَرْفَعْ مِنَ السُّجُودِ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ وَقِيلَ يَتْبَعُهُ مَا لَمْ يَعْقِدِ الثَّانِيَةَ وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلِ الْقِيَامُ فرض على الْمَأْمُور لَا يُسْقِطُهُ إِلَّا عُذْرُ السَّبْقِ فَيَكُونُ الشُّرُوعُ فِيهِ مَانِعًا مِنَ الِاتِّبَاعِ أَوْ لَيْسَ بِفَرْضٍ قِيَاسًا عَلَى الْمَسْبُوقِ فَلَا يَكُونُ مَانِعًا وَإِذَا قُلْنَا بِالسُّجُودِ فَقِيلَ السَّجْدَتَانِ وَقِيلَ الْوَاحِدَةُ مَانِعَةٌ لِأَنَّهَا فَرْضٌ صَحِيحٌ وَإِذَا قُلْنَا مَا لَمْ يَعْقِدِ الرَّكْعَةَ فَهَلْ عَقْدُهَا بِوَضْعِ الْيَدَيْنِ أَوِ الرَّفْعِ قَوْلَانِ وَقِيلَ لَا يَتَلَافَى فِي الْأُولَى وَلَا فِي غَيرهَا لِأَن الْمَشْرُوع عَقِيبَهُ وَهَذَا قَدْ فَاتَ وَوَجْهُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ

ص: 275

السَّلَامُ مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا وَقد فَاتَهُ الرُّكُوع فَيجب عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ لِأَنَّهُ يَتْرُكُ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِي وَاجِبٍ وَقِيَاسًا عَلَى الْمَسْبُوقِ وَوَجْهُ الثَّانِي مَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ عليه السلام صَفَّهُمْ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ صَفَّيْنِ فَصَلَّى بِالَّذِينَ يَلُونَهُ رَكْعَةً ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ خَلْفَهُ رَكْعَةً ثُمَّ تَقَدَّمُوا وَتَأَخَّرَ الَّذِينَ كَانُوا قُدَّامَهُمْ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ قَعَدَ حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ تَخَلَّفُوا رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ وَهَذَا أَصْلٌ فِيمَنْ أَحْرَمَ مَعَ الْإِمَامِ وَعَاقَهُ عُذْرٌ عَنِ الرُّكُوعِ حَتَّى رَكَعَ فَإِنَّهُ يَرْكَعُ وَيَتْبَعُهُ قَالَ فَلَوْ رَكَعَ فِي الْأُولَى وَنَعَسَ عَنْ سُجُودِهَا فَعَنْ مَالك وش أَنه كالركوع وَعَن مَالك أَيْضا وَأَشْهَب وح الْفَرْقُ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهَا إِنَّمَا تَكْمُلُ بِسُجُودِهَا وَجْهُ الثَّانِي مَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى بِعُسْفَانَ صَلَاةَ الْخَوْفِ وَالْعَدُوُّ تُجَاهَهُمْ فَأَحْرَمَ بِالصَّفَّيْنِ فَلَمَّا رَكَعُوا سَجَدَ بِأَحَدِهِمَا وَلَمْ يَسْجُدِ الثَّانِي حَتَّى قَامَ عليه السلام إِلَى الثَّانِيَة وَهُوَ أَصْلٌ فِي كُلِّ مَنْ عَاقَهُ عُذْرٌ بَعْدَ الرُّكُوعِ عَنِ السُّجُودِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَفَرَّقَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا لِتَأَكُّدِ الْجَمَاعَةِ فِي الْجُمُعَةِ قَالَ فَلَوْ نَعَسَ فِي الرَّابِعَةِ عَنِ الرُّكُوعِ لَا يَكُونُ السَّلَامُ مَانِعًا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ إِذَا زُوحِمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَنِ السُّجُودِ فِي الْأُولَى حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ وَعَنْهُ فِي الثَّانِيَةِ حَتَّى سَلَّمَ يُصَلِّي ظُهْرًا أَرْبَعًا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَتْبَعُهُ وَلَوْ أَدْرَكَ الْأُولَى وَزُوحِمَ عَنْ سُجُودِ الثَّانِيَةِ حَتَّى سَلَّمَ الْإِمَامُ فَقِيلَ يَسْتَأْنِفُ الرَّكْعَةَ بِنَاءً عَلَى أَن

ص: 276

السَّلَامَ بِمِنَزِلَةِ الرَّكْعَةِ قَالَ وَحَيْثُ قُلْنَا يَبْنِي الناعس فسوى ابْن الْقَاسِم بن المزاحم وح وش وَلابْن الْقَاسِم أَيْضا لَا يَبْنِي فِي المزاحم لِأَنَّهُ صنع للآدمي السَّابِعُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ ثَلَاثًا قَامَ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ لِأَنَّ الْإِمَامَ حَبسه وَلَيْسَ لَهُ بجلوس بِخِلَاف مَا لَو أدْرك اثْنَتَيْنِ وصابط ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ فَرْدًا قَامَ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ أَوْ زَوْجًا قَامَ بِتَكْبِيرٍ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِذَا أَدْرَكَ وِتْرًا قَامَ بِتَكْبِيرٍ لِأَنَّهُ مُتَنَفِّلٌ وَجْهُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى تَكْبِيرِ الصَّلَاةِ فَيَفْتَقِرُ إِلَى نَصٍّ قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَقُومُ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ فِي الشَّفْعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ قَاضٍ للماضيتين وَالَّذِي شرع فِي أَوَّلُهُمَا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي الْجُلُوسِ الْأَخِيرِ قَالَ فِي الْكِتَابِ يَقُومُ بِتَكْبِيرٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ مُحْتَجِّينَ بِأَنَّهُ قَدْ كَبَّرَ قَائِمًا وَلَمْ يُشْرَعْ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ غَيْرُ تَكْبِيرَة جَوَابُهُمْ أَنَّهُ الْآنَ كَمَا شَرَعَ فِي أَوَّلِ صلَاته وَلم يكبر فيكبر قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ إِنَّهُ لَا يُكَبِّرُ إِذَا أَدْرَكَ شفعا أَنه لَا يكبر هَهُنَا وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ إِنْ وَجَدَهُ جَالِسًا كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ فَقَطْ أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقَالَهُ ش فِي الْجُلُوسِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّكْبِيرَ مَشْرُوعٌ لِلْوُصُولِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُمَا فَمَنْ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِيهِمَا كَبَّرَ لَهُمَا وَأَمَّا الْقِيَامُ وَالْجُلُوسُ فَلَيْسَ لَهُمَا تَكْبِيرٌ فَالدَّاخِلُ فِيهِمَا لَا يُكَبِّرُ وَإِذَا جَلَسَ مَعَه يتَشَهَّد قَالَهُ صَاحِبُ الطَّرَّازِ خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ لِقَوْلِهِ عليه السلام مَا أدركتم فصلوا قَالَ فَلَوْ وَجَدَهُ فِي جُلُوسِ

ص: 277

الصُّبْحِ يُحْرِمُ وَيَجْلِسُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يَرْكَعِ الْفَجْرَ فَيَجْلِسُ وَلَا يُحْرِمُ فَإِذَا سَلَّمَ ركع الْفجْر وَأحرم الثَّامِنُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا أَدْرَكَ الْأَخِيرَةَ مِنَ الرُّبَاعِيَّةِ قَرَأَ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَحْدَهَا وَفِي الَّتِي بعد سَلام الإِمَام بِالْحَمْد وَسورَة وَيجْلس ثمَّ بِالْحَمْد وَسورَة ثمَّ بِالْحَمْد وَحْدَهَا وَيَقْضِي مَا فَاتَهُ جَهْرًا إِنْ كَانَ جَهرا وَاتفقَ أَرْبَاب الْمَذْهَب على أَن من فَاتَهُ رَكْعَتَانِ قضاهما بِالْحَمْد وَسُورَةٍ وَقَالَ صَاحِبُ النَّوَادِرِ وَلَا خِلَافَ بَيْنِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الْقَاضِيَ إِنَّمَا يُفَارِقُ الْبَانِيَ فِي الْقِرَاءَةِ فَقَطْ وَفِي الْجَوَاهِرِ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ عَلَى ثَلَاثِ طُرُقٍ طَرِيقَةُ أَبِي مُحَمَّدٍ وَجُلِّ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ فِي الْبِنَاءِ فِي الْأَفْعَالِ وَالْقَضَاءِ فِي الْأَقْوَالِ وَطَرِيقَةُ الْقَرَوِيِّينَ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي الْقِرَاءَةِ خَاصَّةً وَعَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ فِي الْجُلُوسِ وَطَرِيقَةُ اللَّخْمِيِّ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ بَانٍ فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ وَقَاضٍ فِيهِمَا وَقَاضٍ فِي الْقِرَاءَةِ فَقَطْ

تَنْبِيهٌ يُقَالُ أَفْعَالُ الصَّلَاةِ كُلُّهَا وَاجِبَةٌ إِلَّا ثَلَاثَةً رَفْعُ الْيَدَيْنِ مَعَ تَكْبِيرِ الْإِحْرَامِ وَالْجِلْسَةُ الْوُسْطَى وَالتَّيَامُنُ فِي السَّلَامِ وَأَقْوَالُ الصَّلَاةِ كُلُّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ إِلَّا ثَلَاثَةً تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَقِرَاءَةُ الْحَمْدِ وَالسَّلَامُ وَلَمَّا اخْتَلَفَتْ رِوَايَاتُ الْحَدِيثِ فِي الْقَضَاءِ وَالْبِنَاءِ جُمِعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِتَخْصِيصِ الْقَضَاءِ بِالْأَقْوَالِ لِضَعْفِهَا بِكَثْرَةِ عَدَمِ الْوُجُوبِ فِيهَا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَلَا يَقْنُتُ الْمَسْبُوقُ فِي قَضَاءِ الصُّبْحِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ لِأَنَّهُ قَاضٍ لِمَا فَاتَهُ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ يَقْنُتُ قَالَ وَقَدْ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ رَكَعَاتِ الْمَغْرِبِ صَارَتْ صَلَاتُهُ جُلُوسًا كُلُّهَا

ص: 278

وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَبِهِ اسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ جَعَلُوهُ إِذَا أَدْرَكَ الرَّابِعَة جعلهَا آخر صلَاته ويبتدئ بالثالثة الْقَضَاءِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تَجِبُ عِنْده فِي الآخرتين ثُمَّ بِالْأُولَى بِالْقِرَاءَةِ وَأَمَّا الرُّبَاعِيَّةُ فَلَا تَصِيرُ جُلُوسًا كلهَا إِذَا فَاتَتْهُ الْأُولَى أَدْرَكَ الثَّانِيَةَ وَفَاتَهُ الْبَاقِي بِرُعَافٍ أَوْ أَدْرَكَ الْمُقِيمُ خَلْفَ الْمُسَافِرِ رَكْعَةً قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ الْمَوَّازِ يَأْتِي بِالثَّانِيَةِ وَيجْلس وبالثالثة يجلس لِأَنَّ مِنْهَا يَقُومُ إِلَى قَضَاءِ الْأُولَى عِنْدَهُمَا وَعند سَحْنُون لَا يجلس التَّاسِعُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إِذَا استفهم الإِمَام بِرَكْعَتَيْنِ فأفهم بَعْضَهُمْ فِيهِمَا بَعْدَ سَلَامِهِ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُعِيدُوا بَعْدَ الْوَقْتِ وَكَذَلِكَ إِذَا كَانُوا مُقِيمِينَ وَمُسَافِرِينَ فَقَدَّمَ الْمُقِيمُونَ أَحَدَهُمْ

‌الْفَصْلُ التَّاسِعُ فِي الِاسْتِخْلَاف

وَهُوَ جَائِز عندنَا وَعند ابْن حَنْبَل وَللشَّافِعِيّ قَوْلَانِ وَفَرَّقَ ح بَيْنَ طُرُوِّ الْحَدَثِ عَلَيْهِ فَيَسْتَخْلِفُ وَبَيْنَ تَذَكُّرِهِ فَقَالَ إِنَّمَا يَسْتَخْلِفُ مَنْ أحرم ظَاهرا لَنَا مَا رَوَاهُ مَالِكٌ أَنَّهُ عليه السلام ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَينهم فَجَاءَت الصَّلَاة فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه فَقَالَ أَتُصَلِّي بِالنَّاسِ فَأُقِيمَ؟ قَالَ نَعَمْ فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ فَجَاءَ النَّبِيُّ عليه السلام وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ وَسَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ وَتَقَدَّمَ عليه السلام فَصَلَّى الْحَدِيثَ فَقَدْ رَجَعَ

ص: 279

عَلَيْهِ السَّلَامُ إِمَامًا بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ وَقِيَاسًا عَلَى وِلَايَةِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهَا بِجَامِعِ تَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ وَرَفْعِ الْمُنَازَعَةِ حُجَّةُ الْمَنْعِ مَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فَلَمَّا أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ كَمَا أَنْتُمْ وَمَضَى وَرَجَعَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ جَوَابُهُ أَنَّهُ دَلِيلُ الْجَوَازِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ وَهَذَا الحَدِيث حجَّة على أبي حنيفَة فِي أَنَّ تَقَدُّمَ الْجَنَابَةِ لَمْ يَمْنَعِ الِاقْتِدَاءَ بِهِ وَإِذَا صَحَّ الِاقْتِدَاءُ فِي الْحَالَتَيْنِ صَحَّ الِاسْتِخْلَافُ فِيهِمَا قِيَاسًا لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وَالنَّظَرُ فِي مَحَلِّهِ وَصِفَتِهِ وَصِفَةِ الْمُسْتَخْلِفِ وَفِعْلِهِ فَهِيَ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ مَحِلُّهُ فَفِي الْجَوَاهِرِ هُوَ إِذَا طَرَأَ عَلَى الْإِمَامِ مَا يَمْنَعُهُ الْإِمَامَةَ وَيُبْطِلُ الصَّلَاةَ فَالْأَوَّلُ كَتَقْصِيرِهِ عَنْ فَرْضٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي مَأْمُومًا خَلْفَ النَّائِبِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَلَوْ حَصَرَ عَنْ بَعْضِ السُّورَةِ بَعْدَ الْحَمْدِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِنْدِي الِاسْتِخْلَاف لصِحَّة الصَّلَاة وَالثَّانِي كَغَلَبَةِ الْحَدَثِ أَوْ تَذَكُّرِهِ أَوِ الرُّعَافِ الَّذِي يَقْطَعُ لِأَجْلِهِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَأَحْوَالُ الرُّعَافِ ثَلَاثَةٌ إِنْ كَانَ غَيْرَ قَاطِرٍ وَلَا سَائِلٍ فَخَرَجَ أَفْسَدَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَثُرَ الدَّمُ فَتَمَادَى أَفْسَدَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ سَالَ وَلَمْ يَكْثُرْ جَازَ الْخُرُوجُ وَالْبِنَاءُ الثَّانِي صِفَةُ الِاسْتِخْلَافِ فَفِي الْجَوَاهِرِ الْأُولَى أَنْ يَسْتَخْلِفَ بِالْإِشَارَةِ فَإِنِ اسْتَخْلَفَ بِالْكَلَامِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِالْخُرُوجِ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ إِمَامًا وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِنْ تَكَلَّمَ فِيمَا لَا يَبْنِي عَلَيْهِ كَالْحَدَثِ فَلَا يَضُرُّهُمْ أَوْ فِيمَا يَبْنِي عَلَيْهِ أَبْطَلَ عَلَى نَفْسِهِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يُرِيدُ وَلَا يَضُرُّهُمْ قَالَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِنِ اسْتَخْلَفَ بِالْكَلَامِ جَهْلًا أَوْ عَمْدًا أُبْطِلَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ فَإِنْ كَانَ سَاهِيا فَعَلَيهِ فَقَط وَبِهَذَا قَالَ مَنْ لَقِيتُهُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَقَالَ اللَّخْمِيّ

ص: 280

لِلْمَأْمُومِينَ اسْتِخْلَافُ غَيْرِ مَنِ اسْتَخْلَفَهُ الْإِمَامُ لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا الْتَزَمُوا اتِّبَاعَهُ وَلِذَلِكَ لَا يَجِبُ الْقَبُولُ عَلَى الْمُسْتَخْلَفِ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِنْ لَمْ يسْتَخْلف يقدموا رَجُلًا يُصَلِّي بِهِمْ فَإِنْ قَدَّمَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ إِمَامًا قَالَ أَشهب فِي الْعُتْبِيَّة يجزيهم وَقَدْ أَخْطَأَتِ الثَّانِيَةُ كَقَوْمٍ دَخَلُوا عَلَى قَوْمٍ يصلونَ فصلوا بِإِمَام اساؤوا ويجزنهم قَالَ ابْن الْقَاسِم فِي الْكتاب فَإِن صَلَّوْا وُحْدَانًا جَازَ وَلَا يُعْجِبُنِي قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ مَنِ ابْتَدَأَ الصَّلَاة بِإِمَام فأتمها فَذا أَو افذاذا فَأَتَمَّهَا بِإِمَامٍ أَعَادَ وَالْأَوَّلُ بَيِّنٌ فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ فَضِيلَةٌ لَا شَرْطٌ وَأَلْحَقَهَا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ بالنافلة فَتعين بِالشُّرُوعِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْفَضِيلَةَ الَّتِي الْتَزَمُوهَا فَاتَتْ بِفَوَاتِ سَبَبِهَا كَالنَّافِلَةِ إِذَا فَاتَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ قَالَ فَلَوْ أَشَارَ إِلَيْهِمْ عِنْدَ الْخُرُوجِ أَنِ امْكُثُوا فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ جَوَازُ الِاسْتِخْلَافِ لَهُمْ وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي خُرُوجِهِ عليه السلام لَمَّا ذَكَرَ الْجَنَابَةَ والْحَدِيث غير مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَرَوَى مَالِكٌ أَنَّهُ عليه السلام كَبَّرَ وَكَبَّرُوا وَغَيْرُهُ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ أَنَّهُ عليه السلام قَامَ فِي مُصَلَّاهُ فَانْتَظَرَ أَنْ يُكَبِّرَ فَانْصَرَفَ ثُمَّ قَالَ كَمَا أَنْتُمْ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ خَاصٌّ بِهِ عليه السلام لِأَنَّهُ عليه السلام أَوْجَبَ تقدم تَكْبِيرَة الإِمَام وَهِي هَهُنَا مُتَأَخِّرَة وَفِي الْجَوَاهِرِ إِنْ صَلَّوْا وُحْدَانًا فِي الْجُمُعَةِ بَطَلَتْ عَلَى الْمَشْهُورِ سَوَاءٌ عَقَدُوا مَعَهُ رَكْعَةً أَمْ لَا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَيَنْبَغِي لَهُ إِذَا أَحْدَثَ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ وَيَخْرُجَ وَلَا يَتَكَلَّمَ يُوهِمُ أَنَّهُ رَعَفَ وَتَنْقَطِعُ عَنْهُ الظُّنُونُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْهُ عليه السلام فِي مُسلم

ص: 281

يسْتَخْلف مِنَ الصَّفِّ الَّذِي يَلِيهِ لِقُرْبِهِ مِنَ التَّقَدُّمِ إِلَى مَقَامِ الْإِمَامِ وَلِذَلِكَ قَالَ عليه السلام ليلني مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى فَإِنْ قَالَ تَقَدَّمْ يَا فُلَانُ قَالَ نَعَمْ سَاهِيًا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ قَالَ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَلَّا يَسْجُدُوا مَعَهُ لِأَنَّهُ سَهْوٌ قَبْلَ الِاقْتِدَاءِ قُلْنَا إِذَا وَقَعَ الِاقْتِدَاءُ اتَّصَلَ بِالْأَوَّلِ كَالْمَسْبُوقِ فِي سَهْوِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَيْهِ فَإِنْ تَقَدَّمَ غيرالمستخلف فصلى الْمُقدم خَلفه قَالَ سَحْنُون يجزيهم لِأَنَّ الْمُقَدَّمَ لَا يَكُونُ إِمَامًا حَتَّى يَشْرَعَ فِي عَمَلِ الصَّلَاةِ وَيُتَّبَعَ وَلَوْ قَالَ تَقَدَّمْ يَا فُلَانُ وَهُوَ اسْمٌ لِاثْنَيْنِ فَتَقَدَّمَ غَيْرُ الْمُرَادِ أَوْ تَقَدَّمَا بِطَائِفَتَيْنِ أَجْزَأَ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ إِلَّا فِي الْجُمُعَةِ إِذَا تَقَدَّمَا لِأَنَّهُ لَا جُمْعَتَانِ فِي مَوْضِعٍ وَيَتَعَيَّنُ أَسْبَقُهُمَا فَإِنِ اسْتَوَيَا لَمْ يُجِزْ وَاحِدًا مِنَهُمَا فَإِنِ اسْتَخْلَفَ ثمَّ عَاد بعد زَوَال الْعذر لم يتبع وَله إِخْرَاجُهُ فَإِنْ أَخْرَجَهُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ لَمْ يَجُزْ وَتَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ إِنِ اتَّبَعُوهُ وَصَلَاتُهُ إِنْ أَدَّى دُخُولُهُ إِلَى الْجُلُوسِ بَعْدَ رَكْعَةٍ وَنَحْوِهُ مِمَّا لَمْ يَجُزْ لِلْمُنْفَرِدِ وَإِنْ أَخْرَجَهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَكَرِهَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيَنْبَغِي إِذَا تَمَّتْ صَلَاتُهُ أَنْ يُشِيرَ إِلَيْهِمْ حَتَّى يَقْضِيَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ يُسَلِّمَ وَيُعَضِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه وَأَمَّا لَوْ أَحْدَثَ الثَّانِي فَقَدَّمَ الأول جَازَ وَقَالَ يحيى ابْن عمر لَا يَجُوزُ وَفِعْلُهُ عليه السلام مَعَ أَبِي بَكْرٍ خَاصٌّ بِهِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُجَدِّدَ نِيَّةَ الْإِمَامَةِ فَهُوَ كَسَائِرِ الْجَمَاعَةِ وَلِهَذَا يَلْحَقُهُ

ص: 282

سَهْوُ خَلِيفَتِهِ الْكَائِنِ قَبْلَ رُجُوعِهِ وَلَوْ أَخْرَجَ خَلِيفَتَهُ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِي ذَلِكَ فَلَهُ رَدُّهُ وَأَنْ يَخْرُجَ لِتَرْكِ الْمَكْرُوهِ كَمَا فَعَلَ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه وَلَوْ أَخْرَجَهُ وَبَنَى عَلَى صَلَاةِ نَفْسِهِ دُونَ صَلَاةِ خَلِيفَتِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَيْهِمُ الْإِعَادَةُ اتَّبَعُوهُ أَمْ لَا لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا اتِّبَاعَ إِمَامِهِمْ مِنْ غَيْرِ اسْتِخْلَافٍ الثَّالِثُ صفة الْمُسْتَخْلف وَفِي الْجَوَاهِرِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ تَصِحُّ إِمَامَتُهُ وَانْسَحَبَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِمَامِ قَبْلَ طُرُوِّ الْعُذْرِ وَمَا يَفْعَله بعد الأول يعتدبه مِنْ صَلَاةِ نَفْسِهِ فَأَمَّا مَنْ أَحْرَمَ بَعْدَ الْعُذْرِ إِنِ اسْتَخْلَفَهُ عَلَى رَكْعَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِجُلُوسِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْجُلُوسِ وَهُوَ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ لِنَفْسِهِ وَإِنِ اسْتَخْلَفَهُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِنْ قَدَّمَهُ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ رَكْعَةٍ فَأَكْثَرَ يَعْمَلُ عَلَى بِنَاءِ صَلَاةِ الْأَوَّلِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ خَلِيفَةً حَتَّى يَتْبَعَ فَلَوْ أَحْدَثَ عَامِدًا أَوْ تَكَلَّمَ عَامِدًا بَعْدَ قَوْلِهِ يَا فُلَانُ صَلِّ بِالنَّاسِ وَقَبْلَ الِاتِّبَاعِ لَمْ تَفْسُدْ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْحَاصِلَ قَبْلُ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ اعْتِقَادُ الِاتِّبَاعِ فَلَيْسَ بِإِمَامٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إِذَا سَأَلَ بَعْدَ الِاسْتِخْلَافِ كَيْفَ يَصْنَعُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ وَمَنْ دَخَلَ مَعَهُ بَعْدَ الرَّفْعِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ إِنِ اسْتَخْلَفَ وَاتَّبَعُوهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ مُتَنَفِّلٌ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عمر تجزيهم لِأَنَّهَا تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَفِي الْجَوَاهِرِ إِذَا أَمَّ مُسَافِرٌ بِالْفَرِيقَيْنِ فَلْيَسْتَخْلِفْ مُسَافِرًا لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُقِيمِ خَلَفَ

ص: 283

الْمُسَافِرِ أَخَفُّ مِنَ الْمُسَافِرِ خَلْفَ الْمُقِيمِ فَإِنْ قَدَّمَ مُقِيمًا لَمْ يُقْبَلْ وَقَدَّمَ مُسَافِرًا فَإِنْ قَبِلَ جَاهِلًا وَأَتَمَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ سَلَّمَ الْمُسَافِرُونَ أنفسهم وَقِيلَ يَسْتَخْلِفُونَ مُسَافِرًا يُسَلِّمُ بِهِمْ وَقِيلَ يَثْبُتُونَ حَتَّى يُسَلِّمُوا بِسَلَامِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إِذَا صَلَّى بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَأَحْدَثَ وَلَمْ يسْتَخْلف فَنوى الرجل الْإِمَامَة بِالْمَرْأَتَيْنِ صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ الرَّابِعُ فِي فِعْلِ الْمُسْتَخْلَفِ وَفِيه فروع أَرْبَعَة الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا قَدَّمَ مَنْ فَاتَتْهُ رَكْعَة فَصلاهَا جَلَسَ لِأَنَّهَا ثَانِيَةُ الْإِمَامِ وَيَجْتَزِئُ بِمَا قَرَأَ الْإِمَامُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ هَذَا حَقِيقَةُ التَّبَعِيَّةِ وَلِأَنَّهُ بِإِحْرَامِهِ خَلْفَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ مَا أَدْرَكَ مِنْ غَيْرِ اسْتِخْلَافٍ فَكَيْفَ إِذَا اسْتَخْلَفَ حَتَّى لَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فَخَرَجَ وَلَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ جَرَى عَلَى تَرْتِيبِ مَا كَانَ دَخَلَ عَلَيْهِ وَأَخَّرَ قَضَاءَ مَا فَاتَهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِمَّا أَدْرَكَهُ وَفِي بِنَائِهِ عَلَى الْقِرَاءَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ثَالِثُهَا يُفَرِّقُ بَيْنَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ فَلَا يَبْنِي وَبَيْنَ أَنْ يَتَقَدَّمَ بِنَفْسِهِ فَيَبْنِي وَالْمُدْرِكُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا إِمَامًا وَمَأْمُومًا أَمْ لَا؟ وَأَنَّهُ إِذَا اسْتَخْلَفَ انْتَفَى التَّنَاقُضُ لَطَرَيَانِ السَّبَبِ فَإِنِ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ بِإِحْرَامٍ عَمْدًا قَالَ سَحْنُونٌ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ لِتَعَدِّيهِ فِي إِبْطَالِ الْعَمَلِ وَاتِّبَاعِهِمْ

ص: 284

لَهُ فَإِنَّهُ بِمُجَرَّدِ رَفْضِهِ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ إِمَامًا وَإِنْ كَانَا سَهْوًا وَكَثُرَتِ الزِّيَادَةُ فَكَذَلِكَ وَإِنْ قَلَّتْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَصَحَّتْ فَإِنْ قَطَعَ بِسَلَامٍ أَوْ كَلَامٍ وَابْتَدَأَ فَإِنِ اتَّبَعُوهُ بَطَلَتْ عَلَيْهِمْ وَفِي الْكِتَابِ إِذَا أَتَمَّ صَلَاةَ الْأَوَّلِ يَثْبُتُونَ حَتَّى تَكْمُلَ صَلَاتُهُ وَيُسَلِّمَ بِهِمْ وَقَالَ الشَّافِعِي يسلمُونَ قَالَ وَيتَخَرَّج على مَسْأَلَة الْمُسَافِرين مَعَ الْخَلِيفَةِ الْمُقِيمِ أَنَّ هَؤُلَاءِ يُسَلِّمُونَ وَفِي الْجَوَاهِرِ وَقِيلَ يَسْتَخْلِفُونَ مَنْ يُسَلِّمُ بِهِمْ مِنْهُمْ فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَسْبُوقٌ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيّ هُوَ مُخَيّر بَين أَرْبَعَة أَحْوَال يُصَلِّي وَيَنْصَرِفُ قِيَاسًا عَلَى الطَّائِفَةِ الْأُولَى فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ أَوْ يَسْتَخْلِفُ مَنْ يُسَلِّمُ بِهِمْ أَوْ يَنْتَظِرُ الْإِمَامَ فَيُسَلِّمُ مَعَهُ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا قَاضٍ وَالسَّلَامَانِ وَاحِدٌ أَوْ يَنْتَظِرُ فَرَاغَ الْإِمَامِ من قَضَائِهِ ثمَّ يقْضِي الثَّانِي فِي الْكِتَابِ إِذَا أَحْدَثَ وَهُوَ رَاكِعٌ يَرْفَعُ بِهِمُ الثَّانِي وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِي السُّجُودِ مِثْلُهُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَدِبُّ الثَّانِي رَاكِعًا وَقَالَ يَرْفَعُ فِيهَا رَأْسَهُ وَيَسْتَخْلِفُ لِأَنَّ بَقَاءَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ يُؤَدِّي إِلَى الِاسْتِدَامَةِ فِي الْفَاسِدِ وَهُوَ أَهْوَنُ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَا يُكَبِّرُ لِئَلَّا يُوهِمَ فَإِنِ اقْتَدَوْا بِهِ فِي الرَّفْعِ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ يَتَخَرَّجُ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْحَرَكَةِ إِلَى الْأَرْكَانِ هَلْ هِيَ مَقْصُودَةٌ فَتَبْطُلُ أَوْ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ فَلَا تَبْطُلُ وَقَالَ بَعْضُ

ص: 285

الْمُتَأَخِّرِينَ بَلْ هُمْ كَالرَّافِعِينَ قَبْلَ إِمَامِهِمْ فَيَرْجِعُونَ إِلَى الرُّكُوعِ مَعَ الثَّانِي وَفِي النَّوَادِرِ يَسْتَخْلِفُ قبل الرّفْع ليتصل الِاسْتِخْلَاف بِالْفِعْلِ الصَّحِيح الثَّالِثُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَوِ اسْتَخْلَفَهُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ فَصَلَّاهُمَا فَأَخْبَرَهُ بِتَرْكِ سَجْدَةٍ مِنْ إِحْدَى الْأُولَيَيْنِ قَالَ سَحْنُونٌ يَقُومُ الثَّانِي بِالْقَوْمِ إِنْ كَانُوا على شكّ يُصَلِّي بهم رَكْعَة بِالْحَمْد فَقَطْ لِأَنَّهَا بِنَاءٌ ثُمَّ يَجْلِسُ وَيَأْتِي بِرَكْعَةِ قَضَاء بِالْحَمْد وَسُورَةٍ وَيَسْجُدُونَ قَبْلَ السَّلَامِ مَعَهُ وَقِيلَ يَسْجُدُ بهم قبل رَكْعَة الْقَضَاء فَإِن تَيَقّن الْقَوْم الْإِتْمَامَ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ لَا يَتْبَعُونَهُ فِي الْأُولَى وَعَلَى مَذْهَبِ ابْنِ وَهْبٍ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِالْحَمْد وَسورَة وَيسْجد بهم بعد السَّلَامِ عَلَى قَاعِدَتِهِ فِيمَنْ ذَكَرَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ خَلَلًا فِي أَوَّلِهَا وَلَوْ شَكَّ الْأَوَّلُ فِي السَّجْدَة قَالَ سَحْنُون يقْرَأ بِالْحَمْد وَسُورَةٍ لِاحْتِمَالِ الصِّحَّةِ فَتَكُونُ هَذِهِ الرَّكْعَةُ قَضَاءً وَكَذَلِكَ الثَّانِيَةُ وَيَتَشَهَّدُ فِي الْأُولَى لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا بِنَاءً وَرَابِعَةَ الْأَوَّلِ وَيُصَلُّونَهَا مَعَهُ إِنْ شَكُّوا وَيَسْجُدُونَ قَبْلَ السَّلَامِ قَالَ وَالْقِيَاسُ فِيمَا قَالَهُ أَنْ يَبْنِيَ الْمُسْتَخْلَفُ إِذَا شَكَّ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّ الْفَائِتَ رَكْعَةٌ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَوْ كَانَ بَاقِيًا حِينَئِذٍ احْتَسَبَ بِرَكْعَةٍ فَقَطْ فَلَوْ لَمْ يُخْبِرْهُ بِالرَّكْعَةِ حَتَّى فَرَغَ قَالَ سَحْنُونٌ صَلَاةُ الْمُسْتَخْلَفِ تَامَّةٌ وَيَسْجُدُ بِهِمْ قَبْلَ السَّلَامِ لِأَنَّهُ قَامَ فِي مَوْضِعِ الْجُلُوسِ وَتَرَكَ السُّورَةَ فَإِنَّ ثَالِثَتَهُ ثَانِيَةُ الْأَوَّلِ فَإِنْ سَلَّمُوا أَتَوْا بِرَكْعَةٍ بِالْحَمْد فَقَطْ وَسَجَدُوا لِلسَّهْوِ خَوْفًا مِنْ زِيَادَتِهَا وَإِنْ تَيَقَّنُوا تَرْكَ السَّجْدَةِ لَمْ يَسْجُدُوا فَلَوْ أَنَّهُ مَعَه من أول الصَّلَاة فاستخلفه عَلَى اثْنَتَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ السَّجْدَةَ فَإِنْ شَكَّ مَعَهم صلى بهم رَكْعَة بِالْحَمْد

ص: 286

فَقَطْ وَسَجَدَ بِهِمْ قَبْلَ السَّلَامِ وَإِنْ لَمْ يَشُكُّوا صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ فَلَوْ ذَكَرَ الثَّانِي سَجْدَةً لَا يَدْرِي هَلْ هِيَ مِمَّا صَلَّى مَعَ الْأَوَّلِ أَوْ مِمَّا قُضِيَ قَالَ سَحْنُونٌ سَجَدَ سَجْدَة وَتشهد واتى بِرَكْعَتَيْنِ بِالْحَمْد فَقَطْ وَسَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ لِأَنَّهُ نَقْصٌ وَزَادَ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ لِكَثْرَةِ السَّهْوِ وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ شَكَّ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ فِي سَجْدَتَيْنِ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَلَوْ أَحْرَمَ مَعَهُ فِي التَّشَهُّدِ فَلَمَّا قَضَى رَكْعَةً ذَكَرَ الْأَوَّلُ سَجْدَةً مِنَ الْأُولَى فَإِنْ رَجَعَ فِي وَقْتٍ يَجُوزُ فِيهِ الْبناء بطلت ركعته وَيُصلي بالقوم رَكْعَة بِالْحَمْد فَقَطْ وَيَقْضِي لِنَفْسِهِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ وَيَسْجُدُ بِهِمْ قَبْلَ السَّلَامِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ فِيهِ الْبِنَاءُ الثَّانِي لم يرْكَع فَبنى على ركعته وَسجد قَبْلَ السَّلَامِ وَإِنِ اسْتَخْلَفَهُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا صَلَّاهُمَا قَالَ الْأَوَّلُ تَرَكْتُ سَجْدَتَيْنِ لَا أَدْرِي مِنْ رَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَلَا يقومُوا فِي الرَّابِعَة مَعَه لاحْتِمَال كَونهمَا مِنْ رَكْعَةٍ فَيَصِيرُ فِي الرَّابِعَةِ قَاضِيًا لَا يُؤْتَمُ بِهِ وَلَا يَرْجِعُ الثَّانِي إِلَى الْجُلُوسِ وَيَسْجُدُ بِهِمْ قَبْلَ السَّلَامِ ثُمَّ يَأْتُونَ بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلَامِهِ وَيُسَلِّمُونَ وَيَسْأَلُ الْأَوَّلُ فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُمَا من رَكْعَة أجزتهم فان كَانَتَا مِنْ رَكْعَتَيْنِ أَعَادُوا لِتَرْكِهِمُ اتِّبَاعَ الثَّانِي وَلَوِ اتَّبَعُوهُ وَأَعَادُوا الصَّلَاةَ لَكَانَ حَسَنًا وَلَوْ لَمْ يَرْجِعِ الْأَوَّلُ حَتَّى يَجْلِسَ فِي آخِرِ رَكْعَتَيِ الْقَضَاء سجد بهم قبل السَّلَام واتى

ص: 287

بعدهب رَكْعَتَيْنِ بِالْحَمْد فَقَطْ وَلَوْ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً وَقَامَ فَذُكِرَ لَهُ سَجْدَةٌ مِنْ إِحْدَى رَكْعَتَيْهِ صَارَتِ الثَّالِثَةُ ثَانِيَةً وَهُوَ يَجْلِسُ فِيهَا فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِنَاءً ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيَسْجُدُ بِهِمْ قبل السَّلَام ثمَّ يَأْتِي بِرَكْعَة قَضَاء بِالْحَمْد وَسُورَةٍ وَلَوْ قَالَ لَهُ ذَلِكَ حِينَ قَدَّمَهُ سَجَدَ بِهِمْ سَجْدَةً ثُمَّ بَنَى عَلَى رَكْعَةٍ ثُمَّ يُعِيدُ مَنْ خَلْفَهُ لِاحْتِمَالِ إِصَابَةِ السَّجْدَةِ موضعهَا الرَّابِعُ فِي الْجَوَاهِرِ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ كَمْ صَلَّى الْأَوَّلُ وَمَنْ خَلْفَهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ أَشَارَ إِلَيْهِم فيجيبوه بِالْإِشَارَةِ فَإِنْ لَمْ يَفْهَمْ وَمَضَى فِي صَلَاتِهِ سَبَّحُوا بِهِ حَتَّى يَفْهَمَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنَ الْكَلَامِ تَكَلَّمَ وَقَالَ سَحْنُونٌ يَنْبَغِي أَن يقدم مَنْ يَعْلَمُ فَإِنْ تَمَادَى وَصَلَّى رَكْعَةً فَلْيُوهِمِ الْقيام فَإِن سبحوا بِهِ وَجلسَ وَتشهد ويوهم الْقيام فَإِن سبحوا بِهِ قَامَ وَاعْتَقَدَهَا ثَالِثَةً

ص: 288

(الْبَابُ الثَّامِنُ فِي السَّهْوِ)

وَفِيهِ مُقَدِّمَةٌ وَسِتَّةُ فُصُولٍ أَمَّا الْمُقْدِمَةُ فَفِيهَا عَشْرُ قَوَاعِدَ يَنْبَنِي عَلَيْهَا فَصُولُ هَذَا الْبَابِ الْقَاعِدَةُ الْأُولَى لِلصَّلَاةِ فَرَائِضُ وَسُنَنٌ وَفَضَائِلُ كَمَا تَقَدَّمَ فَالْفَرَائِضُ لَا بُدَّ مِنْهَا وَالسُّنَنَ يَنُوبُ السُّجُودُ عَنْهَا إِنْ سَهَا عَنْهَا وَالْفَضَائِلُ لَا يَسْجُدْ لِسَهْوِهَا وَلَا تُعَادُ الصَّلَاةُ لَهَا تَنْبِيهٌ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ يَجِبُ السُّجُودُ لِلسُّنَنِ الَّتِي أَحْصَيْنَاهَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا أُحْصِيَ الزِّيَادَةُ عَلَى مِقْدَارِ الْوَاجِبِ مِنَ الْجُلُوسِ الْأَخِيرِ وَالِاعْتِدَالُ فِي الْفَصْلِ بَيْنَ الْأَرْكَانِ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ عليه السلام وَهَذِهِ لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لَهَا وَإِنَّمَا يَسْجُدُ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ لِتَرْكِ ثَمَانٍ

ص: 289

السُّورَةُ وَالْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ وَالتَّكْبِيرُ وَسَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَالتَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ وَالْجُلُوسُ لَهُ وَالتَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ يَسْجُدُ عِنْدَنَا لِنَقْصِ الْأَقْوَالِ الْمَحْدُودَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَلِنَقْصِ الْأَفْعَالِ عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي وَقَوْلُنَا الْمَحْدُودَةُ احْتِرَازٌ مِنَ الْقُنُوتِ وَالتَّسْبِيحِ وَقَوْلنَا الْمُتَعَلّقَة بِاللَّه تَعَالَى احْتِرَازٌ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ عليه السلام وَالْأَدْعِيَةِ وَقَالَ ش لَا يَسْجُدُ لِشَيْءٍ مِنَ الْأَقْوَالِ إِلَّا التَّشَهُّدَ وَالْقُنُوتَ وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ عليه السلام وَيَسْجُدُ لِلْأَفْعَالِ وَوَافَقَهُ أَشْهَبُ فِي التَّكْبِيرِ وَقَالَ ح يَسْجُدُ لِلْأَقْوَالِ الْوَاجِبَةِ فَإِذَا أَتَى بِالْفَاتِحَةِ فَقَدْ أَتَى بِالْوَاجِبِ فَلَا يَسْجُدُ وَفَرْقٌ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالرُّكْنِ فَالْوَاجِبُ مَا لَهُ جَابِرٌ وَالرُّكْنُ مَا لَا جَابر لَهُ كَمَا نقُوله نَحن فِي الْحَجِّ وَقَالَ بِالسُّجُودِ لِتَرْكِ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ وَاعْتَبَرَهَا بِالتَّشَهُّدِ لِتَكَرُّرِهَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ لَنَا قَوْله عليه السلام لكل سَهْو سَجْدَتَانِ احْتَجُّوا بِأَنَّ التَّكْبِيرَ كَلِمَتَانِ فَهُوَ خَفِيفٌ بِالْقِيَاسِ عَلَى التَّسْبِيحِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ كَلِمَتَانِ وَكَذَلِكَ السَّلَامُ وَهُمَا رُكْنَانِ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ مَحِلَّ النِّزَاعِ فِي الْقَوْلِ الْمَحْدُودِ وَالتَّسْبِيحِ لَيْسَ بمحدود

ص: 290

الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ الزِّيَادَةُ الَّتِي يُبْطِلُ الصَّلَاةَ عَمْدُهَا مُوجِبَةٌ لِلسُّجُودِ خِلَافًا لِعَلْقَمَةَ والاسود فِي تخصيصهم السُّجُود بِالنُّقْصَانِ وَقَوْلنَا يبطل عمدها كَالرَّكْعَةِ وَالسَّجْدَةِ مَثَلًا احْتِرَازٌ مِنَ التَّطْوِيلِ فِي الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَنَا قَوْلُهُ عليه السلام إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ الْحَدِيثَ وَسَيَأْتِي الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ أَنَّ السَّهْوَ إِذَا تَكَرَّرَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَمِنْ جِنْسَيْنِ أَجْزَأَتْ فِيهِ سَجْدَتَانِ وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ إِذَا اجْتَمَعَ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ سَجَدَ قَبْلَ وَبَعْدَ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِنْ كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ تَدَاخَلَ كَجَمَرَاتِ الْحَجِّ وَإِلَّا فَلَا وَلِقَوْلِهِ عليه السلام لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ السُّجُودَ وَجَبَ لِوَصْفِ السَّهْوِ لِقَوْلِهِ عليه السلام إِذا سَهَا أحدكُم فليسجد سَجْدَتَيْنِ وترتيب الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يُوجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْوَصْفَ لِذَلِكَ الْحُكْمِ وَإِذَا كَانَ وَصْفُ السَّهْوِ هُوَ الْعِلَّةُ انْدَرَجَتْ سَائِرُ أَفْرَادِهِ تَحْتَ سَجْدَتَيْنِ كَمَا أَنَّهُ لَمَّا وَجَبَتِ الْفِدْيَةُ فِي الْحَجِّ لِوَصْفِ الطِّيبِ انْدَرَجَ أَفْرَادُهُ فِي الْفِدْيَةِ الْوَاحِدَةِ وَعَنِ الثَّانِي أَن المُرَاد لكل سَهْو سَجْدَتَانِ فِيهِ سَائِرَ أَفْرَادِ السَّهْوِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ عليه السلام سَلَّمَ مِنِ اثْنَتَيْنِ وَهُوَ سَهْوٌ وَقَامَ وَهُوَ سَهْوٌ وَقَامَ وَتَكَلَّمَ وَهُوَ سَهْوٌ وَرَجَعَ إِلَى الصَّلَاةِ وَهُوَ سَهْوٌ وَسَجَدَ لِجَمِيعِ ذَلِكَ

ص: 291

سَجْدَتَيْنِ لِأَنَّ الْأَصْلَ تَرْتِيبَ الْأَحْكَامِ عَلَى أَسْبَابِهَا فلولا ذَلِكَ لَسَجَدَ عَقِيبَ كُلِّ سَهْوٍ كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ فرعان الْأَوَّلُ لَوْ تَيَقَّنَ السُّجُودَ وَشَكَّ هَلْ هُوَ قَبْلُ أَوْ بَعْدُ؟ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ سَجَدَ قَبْلُ وَيَبْنِي عَلَى النُّقْصَانِ دُونَ الزِّيَادَةِ كَالشَّكِّ فِي الرَّكْعَات الثَّانِي لوكثر سَهْوُهُ وَاسْتَنْكَحَهُ قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى لِمَالِكٍ تَرْكُ السُّجُودِ لِلِاسْتِنْكَاحِ وَالسُّجُودُ لِمَا فِي الصِّحَاحِ قَالَ عليه السلام إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي جَاءَ الشَّيْطَانُ فَلَبَّسَ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى؟ فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ سُجُودُ السَّهْوِ عِنْد الْمَالِك للنقصان قبل وللزيادة على سَبِيل الأولى وَقَالَ ش كِلَاهُمَا قَبْلُ وَقَالَ ح كِلَاهُمَا بَعْدُ وَرَوَاهُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَمَّارٍ وَابْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَقَالَ ابْن حبيب كِلَاهُمَا قبل الأمورد النَّصِّ لَنَا مَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ عليه السلام قَامَ مِنِ اثْنَتَيْنِ فَسَجَدَ قَبْلُ وَسَلَّمَ مِنِ اثْنَتَيْنِ وَمِنْ ثَلَاثٍ فَسَجَدَ بَعْدُ وَلِأَنَّ النُّقْصَانَ بَدَلٌ مِمَّا هُوَ قَبْلَ السَّلَامِ فَيَكُونُ قَبْلَ السَّلَامِ وَالزِّيَادَةُ زَجْرٌ لِلشَّيْطَانِ عَنِ الْوَسْوَسَةِ فِي الصَّلَاةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْغِيمِهِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا سَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي وَيَقُولُ يَا وَيْلَهْ أُمِرَ ابْنُ آدَمَ

ص: 292

بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَعَصَيْتُ فَلِيَ النَّارُ الْحَدِيثَ فَيَكُونُ بَعْدَ السَّلَامِ حَذَرًا مِنَ الزِّيَادَةِ احْتَجَّ ش بِمَا فِي مُسْلِمٍ قَالَ عليه السلام إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا؟ فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا يَتَيَقَّنُ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى إِتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا لَهُ تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ وَهُوَ مُضْطَرِبُ الطّرق وَأكْثر الْحفاظ يرونه مُرْسلا وَيحْتَمل أَنه غير بِالسُّجُودِ عَنْ سَجْدَتِي الرَّكْعَةِ الْمُكَمِّلَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ فَرْعٌ فِي الْجَوَاهِرِ قَالَ أَشْهَبُ إِنْ تَعَمَّدَ التَّقْدِيمَ فِيمَا بَعْدَ السَّلَامِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُعِيدُهَا بَعْدُ وَتَصِحُّ الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ فِي الْكِتَابِ السَّهْوُ فِي النَّافِلَةِ كَالْفَرِيضَةِ وَقَالَ ش فِي أحد قوليه وَابْن سِيرِين لَا سُجُودَ فِي النَّافِلَةِ لَنَا قَوْلُهُ عليه السلام لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ وَلِأَنَّهُ جَائِزٌ لِمَا اخْتَلَّ مِنْ مُوجِبِ الْإِحْرَامِ وَهُوَ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ الْبَابَيْنِ فَرْعَانِ الْأَوَّلُ لَوْ سَهَا عَنِ السُّورَةِ فِي النَّافِلَةِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ مَالِكٌ إِنْ شَاءَ زَادَ فِي النَّافِلَةِ عَلَى الْفَاتِحَةِ وَإِن شَاءَ اقْتصر عَلَيْهَا بِخِلَاف الْفَرِيضَة فَإِنَّهُمَا مَحْدُودَةٌ فِيهَا فَكَمَا كَانَ مِنَ الْمَحْدُودَاتِ كَالتَّكْبِيرِ وَعدد الرَّكْعَات اسْتَويَا فِيهِ وَإِلَّا فَلَا الثَّانِي لَوْ سَهَا عَنِ السَّلَامِ فِي النَّافِلَةِ قَالَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُعِيد

ص: 293

وَإِن لم يعْتَمد فَسَادَهَا فَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَقَالَ سَحْنُونٌ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَسْجُدَ مَتَى مَا ذَكَرَ لِأَنَّ السُّجُود ثَبت عَلَيْهِ بِالتَّرْكِ وَلَا نَأْمُرُهُ بِالسَّلَامِ لِأَنَّ الطُّولَ أَوْجَبَ الْخُرُوجَ مِنَ الصَّلَاةِ الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي التَّكَالِيفِ أَنْ تَقَعَ بِالْعِلْمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ علم} وَلَمَّا تَعَذَّرَ فِي أَكْثَرِ الصُّوَرِ أَقَامَ الشَّرْعُ الظَّنَّ مَقَامَهُ لِغَلَبَةِ إِصَابَتِهِ وَنُدْرَةِ خَطَئِهِ تَقْدِيمًا لِلْمَصْلَحَةِ الْغَالِبَةِ عَلَى الْمَفْسَدَةِ النَّادِرَةِ وَبَقِيَ الشَّكُّ مُلْغًى إِجْمَاعًا فَكُلُّ مَا شَكَكْنَا فِي وُجُودِهِ مِنْ سَبَبٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ مَانِعٍ اسْتَصْحَبْنَا عَدَمَهُ إِنْ كَانَ مَعْدُومًا قَبْلَ الشَّكِّ أَوْ شَكَكْنَا فِي عَدَمِهِ اسْتَصْحَبْنَا وُجُوَدَهُ إِنْ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ الشَّكِّ فَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ إِذَا شَكَّ فِي إِكْمَالِ صَلَاتِهِ فَقَدْ شَكَّ فِي وُجُودِ السَّبَبِ الْمُبَرِّئِ لِلذِّمَّةِ فَيَسْتَصْحِبُ عَدَمَهُ وَيُلْغِي الْمَشْكُوكُ فِيهِ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَكَذَلِكَ إِنْ شَكَّ فِي طريان الْحَدَثِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ فَقَدْ حَصَلَ الشَّكُّ فِي حُصُولِ الشَّرْطِ حَالَةَ أَدَاءِ الْعِبَادَةِ فَيَسْتَصْحِبُ عَدَمَ الشَّرْطِ حَتَّى يَتَطَهَّرَ وَإِذَا شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أم لَا فقد شكّ فِي طريان السَّبَبِ الْوَاقِعِ فَيَسْتَصْحِبُ عَدَمَهُ فَتَثْبُتُ الْعِصْمَةَ وَإِذَا طَلَّقَ وَشَكَّ هَلْ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا؟ فَقَدْ شَكَّ فِي بَقَاءِ الْعِصْمَةِ وَهِيَ شَرْطٌ فِي الرَّجْعَةِ فَلَا تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَتَخَرَّجُ هَذِهِ الْفُرُوعُ وَلَا يَبْقَى فِيهَا تَنَاقُضٌ ألْبَتَّةَ سُؤَالَانِ الْأَوَّلُ مُقْتَضَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ اسْتِصْحَابُ وجود الطَّهَارَة لتقدمه على الشَّك فَلم يَسْتَصْحِبُ الثَّانِي إِذَا شَكَّ فِي الْإِكْمَالِ أَكْمَلَ وَسَجَدَ وَقَدْ ثَبَتَ السُّجُودُ مَعَ الشَّكِّ فِي سَبَبِهِ الَّذِي هُوَ الزِّيَادَةُ أَوِ النَّقْصُ

ص: 294

فَقَدِ اعْتُبِرَ الْمَشْكُوكُ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ الشَّكَّ فِي الشَّرْطِ مُسْتَلْزِمٌ لِلشَّكِّ فِي الْمَشْرُوطِ فَيَقَعُ الشَّكُّ فِي صُدُورِ السَّبَبِ الْمُبَرِّئِ لِلذِّمَّةِ مِنَ الْمُكَلَّفِ وَهَذَا السَّبَبُ كَانَ مَعْدُومًا فَيَسْتَصْحِبُ عَدمه وَعَن الثَّانِي أَن الشَّك هَهُنَا هُوَ السَّبَبُ وَهُوَ مَقْطُوعٌ بِوُجُودِهِ وَلِلشَّرْعِ أَنْ يَنْصِبَ أَيَّ شَيْءٍ شَاءَ سَبَبًا وَشَرْطًا وَمَانِعًا فَرْعٌ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَنَا فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ الْيَقِينُ دُونَ الظَّنِّ وَعِنْدَ ش لِإِمْكَانِ تَحْصِيلِهِ وَقَالَ ح إِنْ لَمْ يَكُنْ مُوَسْوَسًا وَشَكَّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا بَنَى عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ الْمُنْفَرِدُ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ وَالْإِمَامُ عَلَى غَالِبِ الظَّنِّ الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةُ أَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ إِنَّمَا يَتَنَاوَلُهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ مِنَ التَّرْتِيبِ وَالنِّظَامِ الْمَخْصُوصِ فَإِنْ غَيَّرَ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ الْقَصْدَ إِلَى إِيقَاعِهِ قُرْبَةً لِكَوْنِهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَعَلَى هَذَا يَفْتَقِرُ التَّلْفِيقُ إِلَى نِيَّةٍ تَخُصُّهُ وَلَا تَكْفِي صُورَةُ الْفِعْلِ فَلَا يَضُمُّ سُجُودَ الثَّانِيَةِ إِلَى رُكُوعِ الْأُولَى وَهَذَا الْمَشْهُورُ خِلَافًا لِ ش وَأَشْهَبَ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ الْقَاعِدَةُ التَّاسِعَةُ الْإِمَامُ يَحْمِلُ عَنِ الْمَأْمُومِ سُجُودَ السَّهْوِ لِقَوْلِهِ عليه السلام الْإِمَامُ ضَامِنٌ وَضَمَانُهُ لَيْسَ بِالذِّمَّةِ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ زَيْدٍ لَا تنوب عَن عَمْرو وَإِنَّمَا الضَّمَان يحمل الْقِرَاءَةَ وَالسُّجُودَ أَوْ مِنَ التَّضَمُّنِ فَتَكُونُ صَلَاةُ الإِمَام

ص: 295

مُتَضَمِّنَةً لِصِفَاتِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ مِنْ فَرْضٍ وَأَدَاءٍ وَقَضَاء وَقِرَاءَة وَسُجُود وَهُوَ مَطْلُوب الْقَاعِدَةُ الْعَاشِرَةُ التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ الْمُرَقَّعَةِ الْمَجْبُورَةِ إِذَا عَرَضَ فِيهَا الشَّكُّ أَوْلَى مِنَ الْإِعْرَاضِ عَنْ تَرْقِيعِهَا أَوِ الشُّرُوعِ فِي غَيْرِهَا وَالِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا أَيْضًا بَعْدَ التَّرْقِيعِ أَوْلَى من إِعَادَتهَا فانه مناهجه عليه السلام وَمِنْهَاجُ أَصْحَابِهِ وَالسَّلَفِ الصَّالِحِ بَعْدَهُمْ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي الِاتِّبَاعِ وَالشَّرُّ كُلُّهُ فِي الِابْتِدَاعِ وَقَدْ قَالَ عليه السلام لَا صَلَاتَيْنِ فِي يَوْمٍ فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ الِاسْتِظْهَارُ عَلَى النَّبِيِّ عليه السلام فَلَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ خَيْرٌ لَنَبَّهَ عَلَيْهِ وَقَرَّرَهُ فِي الشَّرْعِ وَاللَّهُ سبحانه وتعالى لَا يُتَقَرَّبُ إِلَيْهِ بِمُنَاسَبَاتِ الْعُقُولِ وَإِنَّمَا يُتَقَرَّبُ إِلَيْهِ بِالشَّرْعِ الْمَنْقُولِ

‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي نُقْصَان الْأَفْعَال

وَفِيه ثَلَاثَة عشر فرعا الْأَوَّلُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِنْ سَهَا عَنْ سُجُودِ الْأُولَى وَذَكَرَ قَبْلَ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ يَسْجُدُ وَيَبْتَدِئُ الْقِرَاءَةَ أَوْ بَعْدَ رُكُوعِهَا أَلْغَى الْأُولَى وَجَعَلَ الثَّانِيَةَ أُولَى وَفِي الْجَوَاهِرِ يَرْجِعُ إِلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَا لَمْ يَعْقِدِ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَعْدَهَا بِالرَّفْعِ مِنْهَا وَقِيلَ بِوَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ إِذَا رَجَعَ إِلَى الْقِيَامِ

ص: 296

أَنْ يَقْرَأَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ إِنْ فَرَغَ مِنَ الْقِرَاءَةِ بَطَلَتِ الْأُولَى وَوَافَقْنَا ح لَنَا أَنَّهَا انْعَقَدَتْ بِالرُّكُوعِ فَمُرَاعَاتُهَا أولى من غَيرهَا وَقَالَ ح وش يَرْجِعُ إِلَيْهَا وَلَوْ رَكَعَ الثَّانِيَةَ لِأَنَّ فِعْلَ الثَّانِيَة وَقع سَهوا فمراعاة الأولى المشروعية أولى لَنَا أَنَّ إِلْغَاءَ الْأُولَى يُفْضِي إِلَى تَتَابُعِ الْبِنَاءِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَقِيَاسًا عَلَى ذِكْرِهَا آخِرَ الصَّلَاةِ وَلَوْ سَجَدَ مِنَ الثَّانِيَةِ سَجْدَةً لَمْ يَرْجِعْ وِفَاقًا إِلَّا أَنَّ ش يَضُمُّ سَجْدَةَ الثَّانِيَةِ لِلْأُولَى وَقَالَ ح إِنْ كَانَ الْبَاقِي مِنَ الْأُولَى سَجْدَتَيْنِ بَطَلَتْ أَوْ سَجْدَةً أَتَى بِسَجْدَة فِي آخر صلَاته فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي الْبِنَاءِ الْأَكْثَرِ كَمَا لَوْ رَكَعَ الْمَسْبُوقُ مَعَ الْإِمَامِ وَلِأَنَّ السُّجُودَ لَمَّا كَانَ يَتَكَرَّرُ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ التَّرْتِيبُ كَصِيَامِ رَمَضَان جَوَابه أَن السَّجْدَة فرض يَتَرَتَّب كَالسُّجُودِ مَعَ الرُّكُوعِ وَالْإِمَامُ نَابَ عَنِ الْمَسْبُوقِ فِي الْقِرَاءَة وَلنَا عَلَى ش أَنَّ التَّرْقِيعَ يَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ قبل الْفِعْل وَقد وَافَقنَا فِي الرجوح عَنْ سُجُودِ الْأُولَى حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ فِي الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ يَتْبَعُهُ فِي الثَّانِيَةِ وَلَا يَنْصَرِفُ للأولى وَكَذَلِكَ هَهُنَا تَفْرِيعٌ قَالَ إِنْ ذَكَرَ سَجْدَتَيْنِ فِي قِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ وَلَمْ يُطِلْ سَجَدَهُمَا فَإِنْ طَالَتِ الْقِرَاءَةُ يَتَخَرَّجُ سُجُودُهُ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ نَسِيَ الْحَمْدَ فَأَعَادَهَا بَعْدَ السُّورَةِ وَأَعَادَ السُّورَةَ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ عِنْدَ سَحْنُونٍ بِخِلَافِ ابْنِ حَبِيبٍ وَإِنْ ذَكَرَ فِي انْحِطَاطِهِ لِلرُّكُوعِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وِفَاقًا وَهَلْ يَرْفَعُ قَبْلَ السُّجُودِ أَمْ لَا؟ يَتَخَرَّجُ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ إِذَا صَادَفَ مَحِلَّهُ وَنَوَى بِهِ غَيْرَهُ هَلْ يَعْتَدُّ بِهِ أَمْ لَا وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ إِذَا قَرَأَ سَجْدَةً فَلَمَّا قَصَدَ

ص: 297

السُّجُود لَهَا ركع ثمَّ ذكر تجزيه عَن ركعته وَقَالَ ابْن الْقَاسِم لَا تجزيه فَإِنْ قُلْنَا يَنْحَطُّ فَلَا سُجُودَ وَإِنْ قُلْنَا يَرْفَعُ وَكَانَ بَلَغَ حَدَّ الرُّكُوعِ عَلَيْهِ السُّجُودُ لِلسَّهْوِ وَإِنْ ذَكَرَ حِينَ اطْمَأَنَّ رَاكِعًا فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ الرُّجُوعَ إِلَى الْأُولَى وروى أَشهب عَدمه وَأَن تمكن الْيَدَيْنِ من الرُّكْبَتَيْنِ فَوت وَابْنُ الْقَاسِمِ يَرَى أَنَّ الرُّكُوعَ إِنَّمَا يَنْعَقِدُ بِالرَّفْعِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَالثَّانِي أَظْهَرُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الرُّكُوعِ التَّوَاضُعُ وَقَدْ حَصَلَ بِالتَّمَكُّنِ وَخَيَّرَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَسْبُوقَ يُدْرِكُ فِي حَالَة الرّفْع الرَّكْعَة فَيكون مِنْهَا وَلَمْ يُوجَدْ فَيَسْتَدْرِكُ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنَ الِاسْتِدْرَاكِ انْعِقَادُ رُكْنٍ وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ الرَّفْعِ جعل الثَّانِيَة الاولى عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَثَانِيَةً عِنْدَ مَالِكٍ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ الِاخْتِلَافُ فِي الْقِرَاءَةِ هَلْ يَقْرَأُ فِيمَا بعْدهَا بِالْحَمْد وَسورَة أم بِالْحَمْد فَقَطْ؟ قَالَ وَالسَّجْدَةُ مِثْلُ السَّجْدَتَيْنِ إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ الْأَوَّلُ إِذَا ذَكَرَ فِي قِيَامِهِ أَوْ رُكُوعِهِ وَقُلْنَا يَسْجُدُ فَرَوَى أَشْهَبُ يَخِرُّ سَاجِدًا وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ لِأَنَّهُ إِنَّمَا تَرَكَ الرُّكُوعَ لِأَجْلِ السُّجُودِ فَلَا يَشْتَغِلُ بِغَيْرِهِ وَلِأَنَّ الْجِلْسَةَ إِنَّمَا تُرَادُ لِلْفِعْلِ وَقَدْ حَصَلَ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَجْلِسُ ثُمَّ يَسْجُدُ لِيَرْجِعَ إِلَى أَوَّلِ الْخَلَلِ فَيَبْنِي عَلَى الصِّحَّةِ وَيَرْجِعُ بِلَا تَكْبِيرٍ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَرْجِعُ بِتَكْبِيرٍ الثَّانِي أَنَّ فِي السَّجْدَتَيْنِ إِذَا ذَكَرَ رَافِعًا يَرْفَعُ ثُمَّ يَهْبِطُ وَفِي السَّجْدَةِ لَا حَاجَةَ إِلَى الرَّفْعِ لِأَنَّهَا كَانَتْ يُؤْتَى بِهَا مِنْ غَيْرِ قيام الثَّانِي قَالَ لَوْ رَكَعَ وَسَهَا عَنِ الرَّفْعِ وَتَمَادَى فَثَلَاثَة أَقْوَال قَالَ مَالك

ص: 298

يجْزِيه وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ وَقَالَ أَيْضًا يَرْجِعُ مَا لَمْ يَعْقِدِ الرُّكُوعَ فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى فَإِنْ ذَكَرَ فِي سُجُودِهِ قَالَ ابْن الْمَوَّاز يرجع إِلَى الرُّكُوع محدوبا ثُمَّ يَرْفَعُ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ وَإِنْ رَجَعَ إِلَى الْقِيَامِ أَعَادَ صَلَاتَهُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَرْجِعُ إِلَى الْقِيَامِ مُعْتَدِلًا لِئَلَّا يَحْصُلَ رُكُوعَانِ وَهَذَا الْفَرْعُ يُلَاحَظُ فِيهِ وُجُوبُ الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ فَلَوْ رَكَعَ وَرَفَعَ وَلَمْ يَعْتَدِلْ قَالَ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الِاعْتِدَالَ سُنَةٌ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ يُعِيدُ الرَّكْعَةَ وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ الِاعْتِدَالَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَلَوْ جَلَسَ بَينهمَا وَلم يرفع يَدَيْهِ فَالْمَشْهُور يجْزِيه وَعَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ يَرْجِعُ إِلَيْهِ مَا لَمْ يَعْقِدْ رَكْعَةً وَهَلْ يَرْجِعُ فَيَضَعُ يَدَيْهِ بِالْأَرْضِ ثمَّ يرفعهما أَو يضعهما على فخديه فَقَطْ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوع اذا ترك الثَّالِثُ فِي الْجَوَاهِرِ لَوْ أَخَلَّ بِالسُّجُودِ مِنَ الْأُولَى وَبِالرُّكُوعِ مِنَ الثَّانِيَةِ لَمْ يُجْزِهِ سُجُودُ الثَّانِيَةِ عَنِ الْأُولَى وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَلَّ بِالرُّكُوعِ مِنَ الْأُولَى وَالسُّجُودِ مِنَ الثَّانِيَةِ لِافْتِقَارِ التَّرْقِيعِ إِلَى نِيَّةٍ تُقَارِنُ الْفِعْلَ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَقَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يُجْزِئُ سُجُودُ الثَّانِيَةِ وَيُلْغِي الرُّكُوعَ وَرُكُوعُ الثَّانِيَةِ عَنْ رُكُوعِ الْأُولَى اكْتِفَاء بِصُورَة الْفِعْل الرَّابِعُ فِي الْكِتَابِ إِذَا لَمْ يَجْلِسْ بَعْدَ اثْنَتَيْنِ وَاسْتَقَلَّ قَائِمًا لَا يَرْجِعُ وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِنْ ذَكَرَ وَهُوَ يَتَزَحْزَحُ لِلْقِيَامِ جَلَسَ وَسَجَدَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنِ ارْتَفَعَ عَنِ الْأَرْضِ وَلَمْ يَعْتَدِلْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَرْجِعُ وَهُوَ

ص: 299

ظَاهِرُ الْكِتَابِ لِأَنَّ السُّجُودَ وَجَبَ فَلَا يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ يرجع لانه لم يتلبس بِرُكْنٍ وَفِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ عليه السلام إِذَا قَامَ الامام فِي الرَّكْعَتَيْنِ فان ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوِيَ قَائِمًا فَلْيَجْلِسْ وَإِنِ اسْتَوَى قَائِما فَلَا يجلس وَيسْجد سَجْدَتي السَّهْو فَإِنِ اعْتَدَلَ قَائِمًا فَلَا يَرْجِعُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ ش وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ الْأَوْلَى الرُّجُوعُ وَقَالَ الْحَسَنُ مَا لَمْ يَرْكَعْ تَفْرِيعٌ إِنْ رَجَعَ بَعْدَ النُّهُوضِ وَقَبْلَ الِاسْتِوَاءِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يسْجد بعد السَّلَام لإنجاز الْخَلَلِ وَلِحُصُولِ الزِّيَادَةِ وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ الِاعْتِدَالِ جَاهِلًا قَالَ سَحْنُونٌ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَسْجُدُ وَتَصِحُّ قَالَ وَلَا خِلَافَ فِي الصِّحَّةِ إِذَا رَجَعَ سَاهِيًا وَفِي الْفَسَادِ إِذَا رَجَعَ عَامِدًا مَعَ الْعلم والمتأول يجْزِيه وَإِذَا قُلْنَا لَا تَفْسُدُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَتِمُّ جُلُوسُهُ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ وَيَعْتَدُّ بِجُلُوسِهِ وَقَالَ أَشْهَبُ قِيلَ وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ وَإِذَا كَانَ إِمَامًا فَاعْتَدَلَ فَلْيَتْبَعْهُ الْمَأْمُومُ وَإِنْ رَجَعَ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَبْقَى جَالِسًا مَعَهُ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ يَعْتَدُّ بِجُلُوسِهِ قَالَ وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ لَا يَقُومُ بِقِيَامِهِ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ عَلَى حُكْمِ جُلُوسِهِ فِي الْأَرْضِ أَو يقوم لَان بِقِيَامِ الْإِمَامِ وَجَبَ قِيَامٌ الْمَأْمُومِ فَإِذَا أَخْطَأَ لَمْ يَتْبَعْهُ كَمَا لَوْ جَلَسَ مِنْ رَكْعَةٍ قَالَ وَهُوَ قِيَاس فَلَو قاما مَعًا وَرجع الْإِمَامُ لَا يَتْبَعُهُ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَيَتْبَعُهُ على قَول ابْن الْقَاسِم لانه يَعْتَدُّ بِهِ فَلَوْ جَلَسَ وَنَسِيَ التَّشَهُّدَ حَتَّى اعْتَدَلَ فَفِي الْجُلَّابِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَفِي الْمُقدمَات يسْجد وَبِه قَالَ ح وش لَنَا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ فَلَا يَسْجُدُ

ص: 300

كَالتَّسْبِيحِ وَقِيَاسًا عَلَى السُّورَةِ وَالتَّكْبِيرِ عِنْدَهُمَا فَلَوْ رَجَعَ لِلتَّشَهُّدِ بَعْدَ النُّهُوضِ وَقَدْ كَانَ جَلَسَ يخرج على الرُّجُوع الى الْجُلُوس الْخَامِس فِي الْكتاب إِذا ظن الْمَسْبُوق سَلَامَ الْإِمَامِ فَقَامَ لِلْقَضَاءِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ فَإِنْ رَجَعَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَعَ الْإِمَامِ وَلَا يَعْتَدُّ بِمَا صلى قبل سَلَامِهِ فَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ قَائِمًا أَوْ رَاكِعًا ابْتَدَأَ الْقِرَاءَة وَيسْجد قَبْلَ السَّلَامِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ إِذَا رَجَعَ قَبْلَ السَّلَامِ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ لِأَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي سَهَا فِيهِ هُوَ مَا سَبَقَ وَالْإِمَامُ لَا يَحْمِلُ السَّهْوَ فِيهِ أَمَّا إِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ قَائِمًا فَلَا يَرْجِعُ اتِّفَاقًا كَمَا لَوْ سَهَا عَنِ الْجَلْسَةِ الْوُسْطَى فَذَكَرَهَا قَائِمًا وَيَسْجُدُ قَبْلُ لِنَقْصِهِ النُّهُوضَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَلِمَالِكٍ يَسْجُدُ بَعْدُ احْتِيَاطًا لِتَرْكِ الزِّيَادَةِ فِي الصَّلَاةِ بِسُجُودِ السَّهْوِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ لِأَنَّ سَهْوَهُ مَعَ الْإِمَامِ وَيَرْجِعُ مِنَ الْقِيَامِ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ كَالرُّجُوعِ مِنَ الْخَامِسَةِ وَلَوْ تَكَلَّمَ غَيْرُ الْمَسْبُوقِ عَقِبَ سَلَامِ إِمَامِهِ سَاهِيًا قَالَ مَالِكٌ يَسْجُدُ لِبُطْلَانِ الْإِمَامَةِ بِالسَّلَامِ وَفِيهِ خِلَافٌ وَلَوْ سَلَّمَ وَانْصَرَفَ فَرَجَعَ قَبْلَ سَلَامِهِ قَالَ مَالِكٌ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ قَالَ وَيَتَخَرَّجُ فِيهَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ كِنَانَةَ إِنَّ عَلَيْهِ السُّجُودَ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى سَلَّمَ رَجَعَ وَجَلَسَ وَسَلَّمَ وَسَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ لِنُقْصَانِ الْجُلُوسِ لِلسَّلَامِ السَّادِسُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَوْ سَهَا الْإِمَامُ عَنْ سَجْدَةٍ فِي الْأُولَى قَالَ سَحْنُونٌ يُسَبِّحُونَ بِهِ مَا لَمْ يَعْقِدِ الرَّكْعَةَ فَيَتْبَعُونَهُ وَكُلُّ حَالَةٍ لَوْ ذُكِّرَ فِيهَا رَجَعَ لَا

ص: 301

يتبعونه فِيهَا فاذا عقد الثَّانِيَة كَانَت أُولَاهُمْ فَإِذَا جَلَسَ قَامُوا وَيَقُومُونَ مَعَهُ فِي الثَّالِثَةِ كَإِمَامٍ قَامَ مِنِ اثْنَتَيْنِ وَيَقُومُونَ فِي رَابِعَتِهِ كَإِمَامٍ قَعَدَ فِي ثَالِثَةٍ وَيَأْتُونَ بِرَكْعَةٍ يَؤُمُّهُمْ أَحَدُهُمْ أَوْ أَفْذَاذًا وَيَسْجُدُونَ قَبْلَ السَّلَامِ وَلَوْ دَخَلَ يَؤُمُّ فِي الثَّانِيَةِ فَذَكَرَ فِي تَشَهُّدِهَا سَجْدَةً لَا يَدْرِي مِنْ أَيَّتِهِمَا؟ قَالَ سَحْنُونٌ يَسْجُدُ سَجْدَةً وَيَتَشَهَّدُ وَيَجْعَلُهَا أُولَى فَإِنْ تيقنوا خِلَافه لم يسجدوا مَعَه ويقومون بثالثة ويسجدون مَعَه للسَّهْو وَإِن شكوا اتَّبعُوهُ الا فِي الجلسة وَيَثْبُتُونَ قِيَامًا وَقَالَ مَالِكٌ أَيْضًا جُلُوسًا وَهُوَ أَحْسَنُ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى اتِّبَاعِهِمْ فِي الْخَامِسَةِ لاحْتِمَال أَن تكون رَابِعَة فَلَا يخالفونه بِالشَّكِّ وَيَقْضُونَهَا لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا خَامِسَةً فِي حَقِّهِ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِيمَنْ ذَكَرَ سَجْدَةً فِي آخِرِ صَلَاتِهِ لَا يَدْرِي مِنْ أَيِّهَا؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِم يسْجد الْآن لتصح الرَّابِعَة وَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ وَقَالَ أَشْهَبُ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ فَقَطْ فَعَلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ يَحْتَسِبُ بِرَكْعَةٍ وَلَا يَسْجُدُ سَجْدَةً خِلَافَ مَا قَالَ سَحْنُونٌ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي ذَاكِرِ السَّجْدَةِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ لَا يَدْرِي مِنْ أَيِّهَا؟ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مَعْلُومَةٌ وَالنَّقْصَ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَقَالَ سَحْنُونٌ قَبْلَ السَّلَامِ تَغْلِيبًا لِلنَّقْصِ وَلَوْ ذَكَرَ سَجْدَةً فِي الثَّانِيَةِ لَا يَدْرِي مِنْ أَيَّتِهِمَا يسْجد الْآنَ وَيَجْلِسُ وَيَتَشَهَّدُ عِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ تَتْمِيمًا لِلثَّانِيَةِ مَا أَمْكَنَ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا يَجْلِسُ لِأَنَّهُ كَمَنْ قَالَ لَا أَدْرِي أَصَلَّيْتُ وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ وَهُوَ أَبْيَنُ عَلَى قَوْلِنَا يَأْتِي بثانية بِالْحَمْد وَسُورَةٍ وَلَوْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنَ الْأُولَى وَقَامَ فسجدها وَاتبعهُ ساهون عامدون فَذَكَرَ قَبْلَ الرُّكُوعِ فَسَجَدَهَا فَلَا يُعِيدُهَا مَنْ سجدها وان

ص: 302

لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى رَكَعَ مَضَى مَعَ السَّاجِدِينَ فَإِذَا قَامَ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ بَدَلًا مِنَ الْأُولَى لَا يَتْبَعُهُ السَّاجِدُونَ وَيَتْبَعُهُ السَّاهُونَ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ هُوَ وَالسَّاجِدُونَ وَغَيْرُهُمْ وَتَبْطُلُ صَلَاةُ الْعَامِدِينَ وَالْأَحْسَنُ إِعَادَةُ السَّاجِدِينَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَإِنْ تَمَادَى عَلَى إِسْقَاطِ تِلْكَ الرَّكْعَةِ وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ صَحَّتِ الصَّلَاةُ لَهُ وَلِلسَّاهِينَ وَبَطَلَتْ عَلَى الْعَامِدِينَ وَالسَّاجِدِينَ لِاخْتِلَافِ النِّيَّاتِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ إِمَامِهِمْ السَّابِع قَالَ صَاحب الطّراز وَلَو أَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَتَيْنِ فَذَكَرَ سَجْدَةً لَا يَدْرِي مِنْ أَيِّ رَكْعَةٍ؟ وَذَكَرَ الْمَأْمُومُ سَجْدَةً لَا يدْرِي من أَي رَكْعَتَيْنِ؟ فَلْيَسْجُدْ مَعَ الْإِمَامِ سَجْدَةً وَيَتْبَعُهُ فِي رَكْعَةٍ بِالْفَاتِحَةِ وَيَسْجُدُ مَعَهُ قَبْلَ السَّلَامِ وَيَقْضِي بَعْدُ رَكْعَةً قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَقِيلَ يَتْبَعُهُ فِي سجدته وركعته وَسجد مَعَه السَّهْو وَسلم بسلامه ويبتدئ الصَّلَاة للِاخْتِلَاف فِي الِابْتِدَاء الثَّامِنُ قَالَ لَوْ ذَكَرَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ سَجْدَتَيْنِ لَا يَدْرِي مُجْتَمِعَتَيْنِ أَوْ مُفْتَرِقَتَيْنِ؟ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَتشهد ثمَّ أَتَى بِرَكْعَتَيْنِ بِالْحَمْد فَقَطْ وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِمَا مِنَ الْأُولَيَيْنِ فَتَنْتَقِصُ الْقِرَاءَةُ وَيَتَخَرَّجُ فِيهَا قَوْلٌ بِالسُّجُودِ بَعْدَ السَّلَامِ فَلَوْ كَانَ مَأْمُومًا سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ واتى بعد الامام بِرَكْعَتَيْنِ بِالْحَمْد وَسُورَةٍ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ لِأَنَّهُمَا إِنْ كَانَتَا مِنَ الْأُولَيَيْنِ فَقَدْ فَاتَهُ أَوَّلُ صَلَاةِ الْإِمَامِ بِخِلَافِ الْفَذِّ وَكَذَلِكَ لَوْ ذَكَرَ أَنَّ إِمَامَهُ تَرَكَ ذَلِكَ دُونَهُ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ فِي المسئلتين لزِيَادَة مثل النّصْف التَّاسِعُ فِي الْجَوَاهِرِ لَوْ سَهَا عَنْ أَرْبَعِ سَجدَات من أَربع رَكْعَات أَو عَن

ص: 303

الثمان سَجدَات اصلح الْأَخِيرَة وَخرجت المسئلة عَلَى كَثْرَةِ السَّهْوِ هَلْ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ أَمْ لَا؟ الْعَاشِرُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَوْ سَبَّحَ الْمَأْمُومُ بِالْإِمَامِ فَلَمْ يَرْجِعْ حَتَّى سَلَّمَ فَلَا يُسَلِّمْ مَعَهُ فَإِنْ فَاوَضَهُ الْإِمَامُ لَمْ يَضُرُّهُ عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلَوْ سَلَّمَ مَعَهُ عَلَى يَقِينِ النَّقْصِ أَوْ شَكٍّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فَإِنْ ذَكَرَ بعد ذَلِك الْإِتْمَام فَقَوْلَانِ الْحَادِيَ عَشَرَ فِي الْكِتَابِ إِذَا قَالَ قَوْمٌ لِلْفَذِّ لَمْ تُصَلِّ إِلَّا ثَلَاثًا لَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِمْ وَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ إَنْ تَيَقَّنَ الْإِتْمَامَ وَفِي الْجُلَّابِ قَالَ أَشْهَبُ إِنْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ رَجَعَ إِلَيْهِمَا فَإِنْ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فَفِي الْكِتَابِ يُعِيدُ الصَّلَاةَ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِنْ كَانَ لَمْ يُسَلِّمْ فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ سَلَّمَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ تَشَكَّكَ وَأَنَّ الشَّكَّ بعد السَّلَام يُؤثر الثَّانِيَ عَشَرَ قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ نَوَازِلِهِ لَوْ ذَكَرَ سَجْدَةً فِي آخِرِ وِتْرِهِ لَا يَدْرِي هَلْ هِيَ مِنْهُ أَوْ مِنَ الشَّفْعِ؟ سَجَدَ الْآنَ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ وَأَجْزَأَهُ إِنْ كَانَ صَلَّى شَفْعًا وَإِلَّا شَفَعَ وتره بِرَكْعَة بعد السُّجُود وَأَعَادَهُ فَلَو ذكره من الشفع وَتَرَهُ وَيُعِيدُهُ إِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ إِشْفَاعٌ وَإِلَّا كمله فَقَط الثَّالِثَ عَشَرَ قَالَ اللَّخْمِيُّ لَوْ ذَكَرَ سَجْدَةً مِنَ الرَّابِعَةِ وَصَلَّى خَامِسَةً سَاهِيًا قِيلَ يَسْجُدُ الرَّابِعَة لَأَنَّ الْخَامِسَةَ مُلْغَاةٌ شَرْعًا فَلَا تَحُولُ وَقِيلَ تَحُولُ وَتَبْطُلُ الرَّابِعَةُ وَتَنُوبُ عَنْهَا الْخَامِسَةُ وَقِيلَ لَا تَنُوبُ وَيَأْتِي بِهَا فَإِنْ شَكَّ هَلْ من الرَّابِعَة أَو الْخَامِسَةِ؟ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَأْتِي بِسَجْدَةٍ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا مِنَ الرَّابِعَةِ وَيُسَلِّمُ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ وَعَلَى الثَّانِي يَأْتِي بِرَكْعَة لاحْتِمَال كَونهَا من

ص: 304

الرَّابِعَةِ وَقَدْ بَطَلَتْ بِحَيْلُولَةِ الْخَامِسَةِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ يُسَلِّمُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِنِيَابَةِ الْخَامِسَةِ عَنْهَا وَإِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ صَحِيحَةٌ ضَرُورَةً فَإِنْ شَكَّ هَلْ هِيَ سَجْدَةٌ أَوْ سَجْدَتَانِ مُجْتَمِعَتَانِ أَوْ مُفْتَرِقَتَانِ؟ يَأْتِي بِسَجْدَتَيْنِ يَنْوِي بِهِمَا الرَّابِعَةَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِمَا مُجْتَمِعَتَيْنِ وَعَلَى الثَّانِي يَأْتِي بِرَكْعَةٍ وَعَلَى الْقَوْلِ الآخر يَأْتِي بِسَجْدَة يَنْوِي بِهَا الْخَامِسَةَ لِإِمْكَانِ افْتِرَاقِهِمَا وَالرَّابِعَةُ بَطَلَتْ بِالْخَامِسَةِ وَنَابَتِ الْخَامِسَةُ عَنْهَا بَعْدَ تَرْقِيعِهَا

‌الْفَصْلُ الثَّانِي فِي زِيَادَةِ الْفِعْلِ

فَفِي الْجَوَاهِرِ إِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ وَزَادَ فِي الرُّبَاعِيَّةِ رَكْعَةً صَحَّتْ أَوْ رَكْعَتَيْنِ فَفِي الصِّحَّةِ قَوْلَانِ أَوْ أَرْبَعًا فَالْمَشْهُورُ الْبُطْلَانُ وَرُوِيَتِ الصِّحَّةُ وَإِنْ زَادَ فِي الصُّبْحِ مِثْلَهَا فَإِنْ قُلْنَا بِالْبُطْلَانِ فِي الرّبَاعِيّة فِي الرَّكْعَتَيْنِ فههنا أولى لتَفَاوت النِّسْبَة وَإِلَّا فَفِي الْبُطْلَانِ قَوْلَانِ وَإِنْ زَادَ فِيهَا رَكْعَة فَقَوْلَانِ نظرا الى يسَاره الزِّيَادَةِ أَوْ عِظَمِ النِّسْبَةِ وَفِي إِلْحَاقِ الثُّلَاثِيَّةِ بِالرُّبَاعِيَّةِ أَوِ الثُّنَائِيَّةِ قَوْلَانِ وَحَيْثُ صَحَّحْنَا سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ وَتَبْطُلُ بِزِيَادَةِ الْعَمْدِ وَلَوْ بِسَجْدَةٍ وَفِي إِلْحَاق الْجَهْل بالعمد أَو بِالنِّسْيَانِ قَوْلَانِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ

ص: 305

جِنْسِهَا قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ إِنْ كَثُرَ جِدًّا أَبْطَلَهَا وَإِنْ قَلَّ فَثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ جَائِزٌ كَحَيَّةٍ تريده فيقتلها وَيَبْنِي أَنه فِي صَلَاة فَلَا سُجُودَ وَمَكْرُوهٌ كَحَيَّةٍ أَوْ عَقْرَبٍ يَقْتُلُهَا إِذَا مَرَّتْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَفِي السُّجُودِ قَوْلَانِ وَمُحَرَّمٌ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقِيلَ يَسْجُدُ وَقِيلَ تَبْطُلُ وَفِي الْفَصْل سِتَّة فروع الأول إِذَا اعْتَقَدَ ثَلَاثًا فَأَتَمَّ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا أَرْبَعٌ رَجَعَ حِينَ ذَكَرَهُ وَيَجْلِسُ وَيُسَلِّمُ وَيَسْجُدُ وَقَالَهُ ش وَقَالَ ح يرجع من لَمْ يَسْجُدْ فِي الْخَامِسَةِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ جَلَسَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَتَكُونُ الْخَامِسَةُ تَطَوُّعًا يُضِيفُ إِلَيْهَا أُخْرَى وَيُسَلِّمُ لَنَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا صَلَّيْتَ خَمْسًا فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تنسون فاذا نسي أحدكُم فليسجد سَجْدَتَيْنِ الثَّانِي قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ إِذَا قَامَ إِلَى خَامِسَةٍ سَهْوًا وَاتَّبَعَهُ سَاهٍ وَمُتَعَمِّدٌ وَجلسَ آخر صحت صلَاتهم إِلَّا الْعَامِد لقصده لزِيَادَة وَقَالَهُ ش وَقَالَ ح إِنْ قَامَ قَبْلَ التَّشَهُّدِ بَطَلَتَ صَلَاتُهُ وَإِلَّا صَحَّتْ وَيَجُوزُ عِنْدَهُ ان يتَنَفَّل بِإِحْرَام الْفَرْضَ بَعْدَ تَمَامِهِ لِأَنَّ السَّلَامَ عِنْدَهُ لَيْسَ من

ص: 306

الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا هُوَ مُنَافٍ لَهَا وَنَحْنُ نَمْنَعُهُ ذَلِكَ وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الصَّلَاةِ فَهُوَ شَرْطُ التَّحْلِيلِ وَمُفَارَقَةِ الْعِبَادَةِ الْأُولَى قَالَ صَاحِبُ التَّنْبِيهَاتِ قَالَ سَحْنُونٌ مَعْنَاهُ فِي الْكِتَابِ أَن الْجَالِس يسبح بِهِ فَإِنْ لَمْ يُسَبِّحْ أَعَادَ أَبَدًا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَلَوْ قَالَ كُنْتُ أَسْقَطْتُ سَجْدَةً مِنَ الْأُولَى وَلَمْ أُنَبَّهْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ تَبْطُلُ عَلَى مَنْ لَمْ يَتْبَعْهُ وَتَصِحُّ لِمَنِ اتَّبَعَهُ مُطْلَقًا قَالَ يُرِيدُ إِذَا شَكُّوا أَوْ تَيَقَّنُوا النُّقْصَانَ وَقَالَ سَحْنُونٌ صَلَاةُ السَّاهِينَ تَامَّةٌ وَالْعَامِدِينَ بَاطِلَةٌ إِنْ تَيَقَّنُوا الزِّيَادَةَ إِلَّا أَنْ يَتَأَوَّلُوا وُجُوبَ الِاتِّبَاعِ لِأَنَّ الْفِعْلَ تَبَعٌ لِلِاعْتِقَادِ قَالَ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَا إِذَا تَعَمَّدَ خَمْسًا فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا أَرْبَعٌ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يَضُرُّهُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِذَا صَلَّى خَمْسًا سَهْوًا ثُمَّ ذَكَرَ سَجْدَةً مِنَ الْأُولَى يَأْتِي بِرَكْعَةٍ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَالصَّوَابُ الِاكْتِفَاءُ بِالْخَامِسَةِ وَإِذَا لَمْ يَعْتَدَّ بِهَا سَهْوًا فَأَوْلَى عَمْدًا قَالَ وَيَتَخَرَّجُ فَرْعُ الْخِلَافِ إِذَا أَحْرَمَ بِفَرِيضَةٍ ثُمَّ اعْتَقَدَ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِنَافِلَةٍ وَتَمَادَى فَفِي الْإِجْزَاءِ قَوْلَانِ فَلَوْ أَنَّ مَعَهُ مَسْبُوقًا بِرَكْعَةٍ فَجَلَسَ وَقَالَ الْإِمَامُ أَسْقَطْتُ سَجْدَةً مِنَ الْأُولَى قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إِنْ صَدَّقَهُ كُلُّ مَنْ خَلْفَهُ أَعَادَ هَذَا صَلَاتَهُ وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ أَحَدٌ لَمْ يُعِدْ فَلَوْ قَامَ لِلْخَامِسَةِ سَهْوًا فَدَخَلَ مَعَهُ فِيهَا مَسْبُوقٌ لَمْ يُجْزِهِ وَقَالَهُ ح خِلَافًا ش لِأَنَّهَا غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهَا وَقَدْ سَلَّمَ ش اذا رَجَعَ الْإِمَامُ فَدَخَلَ مَعَهُ ثُمَّ سَهَا فَرَكَعَ وَرَفَعَ الدَّاخِل مَعَه ان ذَلِك لَا يجْزِيه وَكِلَاهُمَا سَوَاءٌ فَلَوْ قَامَ مَعَهُ فِيهَا مَسْبُوقٌ لم يجزه وَقَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَقَالَ إِنْ عَلِمَ أَنَّهَا خَامِسَةٌ بَطَلَتَ صَلَاتُهُ إِلَّا أَنْ يَقُولَ كُنْتُ أَسْقَطْتُ سَجْدَةً مِنَ الْأُولَى إِلَّا أَنْ يُخَالِفَهُ من خَلفه

ص: 307

فرع مُرَتّب إِذا قَامَ الى خَامِسَة بعد التَّشَهُّدِ بَعْدَ الرَّابِعَةِ رَجَعَ وَتَشَهَّدَ وَإِلَّا يَتَخَرَّجْ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي التَّشَهُّدِ لِسُجُودِ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَام قَالَ وَيُمكن الْفرق بِأَن السَّهْو يلغي وَيَتَّصِلُ الْجُلُوسُ بِالتَّشَهُّدِ بِخِلَافِ سُجُودِ السَّهْوِ فَإِنَّهُ مَشْرُوع وَهُوَ الظَّاهِر عِنْد الشَّافِعِيَّة الثَّالِثُ لَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ أَرْبَعًا سَهْوًا أَجْزَأَتْ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ وَعِنْدَ قَتَادَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ يُضِيفُ إِلَيْهَا أُخْرَى وَيَسْجُدُ لَنَا أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ فَلَوْ صَلَّاهَا خمْسا سَهوا أجزته عِنْدَ أَشْهَبَ وَيَسْجُدُ وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ عَلَيْهِ الْإِعَادَة وَقَالَ ابْن الْمَاجشون لَا أَقُول يُبْطِلهَا مِثْلُ نِصْفِهَا سَهْوًا كَمَا قِيلَ بَلْ رَكْعَتَانِ يُبْطِلَانِهَا لِأَنَّ كَثِيرَ الْفَسَادِ يُبْطِلُ كَالْغَرَرِ فِي الْبَيْعُ الرَّابِعُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ سَاهِيًا سَجَدَ وَقَدْ تقدم ابطالهما للصَّلَاة لشدَّة منافاتهما للصَّلَاة الْخَامِس اذا تفكر فِي اتمام صلَاته ثمَّ يتَيَقَّن فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِنْ تَفَكَّرَ قَائِمًا أَوْ جَالِسًا أَوْ سَاجِدًا فَلَا سُجُودَ اتِّفَاقًا لِأَنَّ زِيَادَةَ اللَّبْثِ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ لَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ وَأَمَّا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ إِنْ طَالَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا

ص: 308

سُجُود وَقَالَ اشهب يسْجد كَانَ جَالِسا بَينهمَا مستوفرا على قَدَمَيْهِ أَو ركبيته السَّادِسُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا صَلَّى النَّافِلَةَ ثَلَاثًا شَفَعَهَا وَسَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِنْ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجْلِسْ بَعْدَ اثْنَتَيْنِ فَلِنُقْصَانِ الْجَلْسَةِ وَقِيلَ لِنَقْصِ السَّلَامِ وَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُلُوسِ وَعَدَمِهِ وَيَرِدُ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ إِنْ قَامَ إِلَى خَامِسَةٍ فَقَدْ أَخَلَّ بِالسَّلَامِ مِنْ مَوْضِعِهِ سَاهِيًا مَعَ أَنَّهُ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَوْ قَامَ إِلَى خَامِسَةٍ فِي النَّافِلَةِ رَجَعَ وَلَا يُكْمِلُهَا سَادِسَةً وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ لِأَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْجَادَّةُ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي النَّافِلَةِ عَدَمُ الزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعٍ فَلَوْ صَلَّى الْفَجْرَ ثَلَاثًا قَالَ اخْتُلِفَ فِي بُطْلَانِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفَجْرَ مَحْدُودٌ بِالِاتِّفَاقِ فَزِيَادَةُ نِصْفِهِ تُبْطِلُهُ واذا قُلْنَا لَا تبطله فَصلَاته أَرْبَعًا اسْتَحَبَّ مَالِكٌ الْإِعَادَةَ خِلَافًا لِمُطَرِّفٍ قَالَ اللَّخْمِيُّ إِذَا قَامَ فِي النَّافِلَةِ إِلَى ثَالِثَةٍ سَاهِيًا رَجَعَ فَجَلَسَ وَكَذَلِكَ إِنْ ذَكَرَ وَهُوَ رَاكِع وَبِه أخد ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَيْضًا يُتِمُّهَا أَرْبَعًا

‌الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي نُقْصَانِ الْأَقْوَالِ

وَفِيهِ ثَمَانِيَةُ فُرُوعٍ الْأَوَّلُ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي الْأَركان

ص: 309

الثَّانِي قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَوْ ذَكَرَ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَنَّهُ سَهَا عَنِ الْفَاتِحَةِ قَرَأَهَا وَيُعِيدُ السُّورَة على مَذْهَب الْكتاب وش وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا يُعِيدُهَا لِحُصُولِهَا قَبْلُ وَالتَّرْتِيبُ مِنْ بَابِ الْفَضِيلَةِ وَأَمَّا الْمُسْتَنْكِحُ فَلَا يُعِيدُهَا وَحَيْثُ قُلْنَا بِالْإِعَادَةِ فَلَا يَسْجُدُ عِنْدَ مَالك وش لِأَنَّ زِيَادَةَ الْقِرَاءَةِ مَشْرُوعَةٌ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ عَمْدُهَا خِلَافًا لِسَحْنُونٍ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى رَكَعَ وَرَفَعَ أَوْ سَجَدَ سَجْدَةً فَأَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ يَرْفَعُ فَيَقْرَأُ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ بِنَاءً عَلَى إِلْغَاءِ الرَّكْعَةِ وَيَفْعَلُ ذَلِكَ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ عِنْدَ سَحْنُونٍ احْتِيَاطًا لِأَنَّ مَنْ يَقُول لَا يجْزِيه سُجُود السَّهْو يبطل الصَّلَاةَ وَيَقْطَعُ بِسَلَامٍ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ يَبْنِي على الصِّحَّة وَيَتَمَادَى وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ فَأَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ يُضِيفُ لِهَذِهِ الرَّكْعَةِ أُخْرَى وَيُسَلِّمُ بَعْدَ أَنْ يَسْجُدَ قَبْلَ السَّلَامِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيَتَمَادَى وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَيَفْعَلُ ذَلِكَ ثُمَّ يُعِيدُ وَيُلْغِي الرَّكْعَةَ وَيَجْعَلُ الثَّالِثَةَ ثَانِيَةً فِي الْقِرَاءَةِ وَالْجُلُوسِ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِنْ ذَكَرَ فِي الثَّانِيَةِ فَإِنْ ذَكَرَ وَهُوَ رَاكِعٌ فِي الثَّالِثَةِ أَنَّهُ أَسْقَطَهَا مِنْ إِحْدَى الْأُولَيَيْنِ فَخَمْسَةُ أَقْوَالٍ يَتَمَادَى وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَيَفْعَلُ ذَلِكَ وَيُعِيد الصَّلَاة وَيَجْعَلُ الثَّالِثَةَ ثَانِيَةً وَيَجْلِسُ وَيُكْمِلُ وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ لِتَرْكِ السُّورَةِ مِنْ هَذِهِ الثَّانِيَةِ وَيَتَمَادَى على صلَاته وَيَقْضِي رَكْعَة بِالْحَمْد وَسُورَةٍ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ وَيَرْجِعُ إِلَى الْجُلُوسِ وَيسْجد وَيسلم يَجْعَلهَا نَافِلَةً قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى رَفَعَ مِنَ الثَّالِثَةِ أَوْ فِي الرَّابِعَةِ أَوِ التَّشَهُّدِ فَأَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ يََسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ أَصْحَابُ مَالِكٍ وَيَفْعَلُ ذَلِكَ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ قَالَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ كَانَ مَالِكٌ يُحِبُّ أَنْ يُعِيدَ إِذَا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ مِنْ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ مِنْ أَيِّ الصَّلَوَات كَانَت ثمَّ قَالَ أَرْجُو أَن يُجزئهُ سُجُود

ص: 310

السَّهْو وَمَا هُوَ بالبين وَيَأْتِي بِرَكْعَة بِالْحَمْد فَقَطْ بِنَاءً عَلَى الْإِلْغَاءِ وَجَعْلِ الثَّالِثَةِ ثَانِيَةً وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ لِتَرْكِ الْجُلُوسِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنَ الْمَذْهَبِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْإِلْغَاءِ وَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِالْحَمْد وَسُورَةٍ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ بِنَاءً عَلَى الْقَضَاءِ فِي الرَّكْعَةِ وَلَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الثَّانِيَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ حَتَّى رَكَعَ فَفِيهَا الْأَقْوَالُ الَّتِي فِي الْأُولَى إِلَّا قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنَّهُ قَالَ هَهُنَا يتمادى بِخِلَاف الأولى لقَوْله الْعَمَل هَهُنَا بِالْكَثْرَةِ وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُ فِي الثَّانِيَةِ بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ فِي رُكُوعِهَا أَوْ سُجُودِهَا أَوْ قَبْلَ رُكُوعِ الثَّالِثَةِ فَإِنَّهُ يَتَشَهَّدُ وَيَجْعَلُهَا نَافِلَةً فَلَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ مِنَ الْأَخِيرَتَيْنِ كَانَ كالترك من الْأَوليين وَلَو ترك فِي رَكْعَة من الْأَخِيرَة فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ يَسْجُدُ وَيُعِيدُ يَسْجُدُ فَقَطْ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ سُؤَالٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْقِرَاءَةِ لَا يَتَمَادَى وَفِيمَنْ نَسِيَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَكَبَّرَ لِلرُّكُوعِ يَتَمَادَى مَعَ الْإِمَامِ وَالْكُلُّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ جَوَابُهُ أَنَّهُ احْتِيَاطٌ فِي الصُّورَتَيْنِ أَمَّا فِي الْقِرَاءَةِ فَلِأَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى الصِّحَّةِ أَحْوَطُ فَإِنَّ كُلَّ قَائِلٍ يَقُولُ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِاعْتِبَارِ السُّجُودِ أَوْ بِاعْتِبَارِ زِيَادَةِ رَكْعَةٍ أَوْ بِاعْتِبَارِ تَرْكِ الْمَجْمُوعِ بِخِلَافِ الْإِحْرَامِ فَرْعٌ لَوْ تَرَكَ آيَةً مِنَ الْفَاتِحَةِ فَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ عَلَى الْمَذْهَبِ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَام وَقيل لَا يسْجد الثَّالِثُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ إِذَا تَعَمَّدَ تَرْكَ السُّورَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ يَسْتَغْفِرُ

ص: 311

اللَّهَ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ (ح ش) لِمَا فِي مُسْلِمٍ مَنْ قَرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ أَجْزَتْ عَنْهُ وَمَنْ زَادَ فَهُوَ أَفْضَلُ وَفِي الْجُلَّابِ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَيُجْزِيهِ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ أَبَدًا وَهُوَ قَوْلُ عِيسَى فِي الْعَمْدِ وَالْجَهْلِ فَرَأَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ السُّجُودَ إِنَّمَا شُرِعَ لِوَصْفِ السَّهْوِ لِقَوْلِهِ عليه السلام لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ فَلَا يُسْجَدُ لِلْعَمْدِ وَرَأَى غَيْرُهُ أَنه يشرع لجبر الْخلَل وَهُوَ مَشْرُوع فِي الْحَالَتَيْنِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَلَوْ تَرَكَ بَعْضَ السُّورَةِ فَلَا سُجُودَ اتِّفَاقًا وَفِي الْكِتَابِ لَا يقْضِي قِرَاءَة رَكْعَة فِي رَكْعَة الرَّابِعُ فِي الْكِتَابِ إِذَا سَهَا عَنِ التَّشَهُّدِ أَوِ التَّشَهُّدَيْنِ سَجَدَ إِنْ ذَكَرَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِنْ ذَكَرَ قبل السَّلَام تشهدا أَوْ بَعْدَهُ وَهُوَ قَرِيبٌ رَجَعَ إِلَى الصَّلَاةِ بِإِحْرَامٍ قَوْلَانِ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ وَالتَّشَهُّدُ عِنْدَ مَالِكٍ أَخَفُّ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا وَذَكَرَ قَبْلَ سَلَامِهِ وَبَعْدَ سَلَامِ إِمَامِهِ وَقِيَامِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ فَإِنْ قَامَ إِمَامُهُ فَلَا يَتَشَهَّدُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ

تَنْبِيهٌ كَيْفَ يَقُولُ فِي الْكِتَابِ إِنْ سَهَا عَنِ التَّشَهُّدَيْنِ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ مَعَ أَنَّهُ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ سَهْوُهُ عَنِ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ إِذَا سَلَّمَ فَإِنْ قِيلَ السَّلَامُ كُلُّهُ مُكَمِّلٌ لِلتَّشَهُّدِ فَتَصَوُّرُهُ مُشْكِلٌ جِدًّا وَكَذَلِكَ قَوْلُ صَاحِبِ الْجُلَّابِ وَوُجُوبُ سُجُود

ص: 312

السَّهْوِ عَنْ فِعْلٍ كَتَرْكِ الْجَلْسَةِ الْوُسْطَى وَمَا أَشْبَهَهَا وَلَيْسَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ يُشْبِهُ الْجَلْسَةَ الْوُسْطَى مِنَ الْأَفْعَالِ فِي إِيجَابِ السُّجُودِ وَالْجَوَابُ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ فِي الرَّاعِفِ الْمَسْبُوقِ بِرَكْعَةٍ خَلْفَ الْإِمَامِ وَالْمُقِيمِ الْمَسْبُوقِ يُصَلِّي خَلْفَ مُسَافِرٍ وَالْمُقِيمِ يُصَلِّي صَلَاةَ الْخَوْفِ خَلْفَ إِمَامٍ مُسَافِرٍ فَيَجْتَمِعُ لِهَؤُلَاءِ الْمَسْبُوقِينَ الْقَضَاءُ وَهُوَ مَا فَاتَهُمْ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَالْبِنَاءِ وَهُوَ مَا فَاتَهُمْ بِالرُّعَافِ وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ تَقْدِيمُ الْبِنَاءِ فَيَأْتُونَ بِرَكْعَةٍ وَيَجْلِسُونَ لِأَنَّهَا ثَانِيَتُهُمْ وَبِأُخْرَى وَيَجْلِسُونَ لِأَنَّهَا رَابِعَةُ إِمَامِهِمْ وَبِأُخْرَى وَيَجْلِسُونَ لِأَنَّهَا آخِرُ صَلَاتِهِمْ فَإِذَا سَهَوَا عَنْ جَلْسَتَيْنِ مِنْ هَذِهِ الجلسات تصورت هَذِه الْمسَائِل فِي السَّهْو الْخَامِسُ فِي الْكِتَابِ إِذَا سَهَا عَنْ أَكْثَرَ مِنْ تَكْبِيرَتَيْنِ سَجَدَ وَإِلَّا فَلَا وَفِي الْجُلَّابِ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَسْجُدُ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ النَّظَرُ إِلَى أَن التَّكْبِير كلمتان فتخف الْوَاحِدَة مِنْهُمَا أَو إِلَى كَونهَا مَشْرُوعَة محدودة فَيسْجد السَّادِس قَالَ فِي الْكتاب إِذا أبدل سمع الله لمن حَمده بِالتَّكْبِيرِ أَو بِالْعَكْسِ يَرْجِعُ إِلَى الْمَشْرُوعِ وَإِلَّا سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ وَإِنْ نَسِيَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا فَذَلِكَ خَفِيفٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ مَعْنَاهُ تَرَكَ مَوْضِعَيْنِ وَأَبْدَلَهُمَا فَلَمْ يَثْبُتِ الْبَدَلُ لِعَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهِ فَإِنْ أَبْدَلَ مَوْضِعًا وَاحِدًا فَالْمَرْوِيُّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيَتَخَرَّجُ

ص: 313

عَلَى الْقَوْلِ بِالسُّجُودِ لِلتَّكْبِيرَةِ الْوَاحِدَةِ السُّجُودُ وَلَوْ رَجَعَ إِلَى التَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ فَظَاهِرُ الْكِتَابِ لَا شَيْء عَلَيْهِ وَقيل يسْجد بعد الزِّيَادَة وَهُوَ يَظْهَرُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الذِّكْرَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ زِيَادَةٌ فَيُرَاعَى زِيَادَةُ اثْنَتَيْنِ كَمَا يُرَاعَى نُقْصَانُهُمَا قَالَ وَمَنْ يُرَاعِي نُقْصَانَ تَكْبِيرَةٍ أَمْكَنَ أَنْ يُرَاعِيَ زِيَادَتَهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِانْفِصَالِ سُجُودِ الزِّيَادَةِ عَنِ الصَّلَاةِ قَالَ وَالْمذهب لَا سُجُودَ لِزِيَادَةِ التَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ لِأَنَّهُ لَا تبطل الصَّلَاةُ عِنْدَهُ فَإِنْ فَاتَ الْمَحَلُّ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخ إِن حمد لإنحطاطه وَكبر لرفعه يَأْتِي بِتَكْبِيرٍ يَنْوِي بِهِ الْخَفْضَ وَتَحْمِيدٍ يَنْوِي بِهِ الرَّفْعَ وَخَالَفَهُ كَثِيرٌ مِنَ الشُّيُوخِ لِأَجْلِ الْفَوْتِ وَأَمَّا قَوْلُهُ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ فَقَالَ ابْنُ عبد الحكم يُعِيد خوف الزِّيَادَة فِي الصَّلَاة بِالسُّجُود قبل السَّابِعُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَوْ أَسَرَّ فِيمَا يجْهر فِيهِ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ وَنَحْوهَا خلافًا (ح ش) لَنَا قَوْلُهُ عليه السلام لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ فَلَوْ كَثُرَ ذَلِكَ فَأَعَادَ الْقِرَاءَةَ جَهْرًا فَرَوَى أَشْهَبُ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَبْلُ لِتَرَتُّبِ السُّجُودِ عَلَيْهِ أَوَّلًا وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَسْجُدُ إِذَا أَسَرَّ بعد جهر من الزِّيَادَة فِي الصَّلَاة فالسجود لقُوَّة الِاخْتِلَاف فِي ذَلِك الثَّامِنُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ إِذَا شَكَّ هَلْ سَلَّمَ أَمْ لَا يُسَلِّمُ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَلَوْ سَهَا عَنِ السَّلَامِ وَلَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّهُ سَلَّمَ وَطَالَ الْجُلُوسُ جِدًّا ثُمَّ ذَكَرَ فَسَلَّمَ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَا سُجُودَ وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ يَسْجُدُ لِزِيَادَةِ الطُّولِ فَإِنِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ سَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرَ وَهُوَ بَاقٍ فِي مَوْضِعِهِ لَمْ يَنْحَرِفْ عَنِ الْقِبْلَةِ وَلَمْ يُحْدِثْ مَا يُنَافِي الصَّلَاةَ سَلَّمَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنْ تَحَوَّلَ عَنِ

ص: 314

الْقبْلَة وَهُوَ قريب اسْتَقْبلهَا بِغَيْر إِحْرَام وَسلم مِنْ غَيْرِ تَشَهُّدٍ وَيَسْجُدُ بَعْدُ لِزِيَادَةِ التَّحَوُّلِ وَأَن تباعدا أَوْ أَحْدَثَ ابْتَدَأَ صَلَاتَهُ وَيُخْتَلَفُ فِي السُّجُودِ إِذَا تَغَيَّرَ عَنْ هَيْئَتِهِ وَفِي الْإِحْرَامِ كَمَا إِذَا قَامَ وَإِذَا قُلْنَا يُكَبِّرُ إِذَا قَامَ قَالَ مَالِكٌ يُكَبِّرُ ثُمَّ يَجْلِسُ لِأَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الْإِحْرَامِ فِي الْقِيَامِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَجْلِسُ وَيكبر وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ لِيَتَّصِلَ التَّكْبِيرُ بِالْحَالَةِ الَّتِي فَارَقَ فِيهَا فَإِنْ أَحْرَمَ بِنَافِلَةٍ رَجَعَ إِنْ لَمْ يَرْكَعْ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا يَرْجِعُ لِلسُّجُودِ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ وَلِمَالِكٍ تَبْطُلُ صلَاته لِأَن إِحْرَام النَّافِلَة يبطل إِلَّا بِسَلام وَهُوَ مُبْطل للفريضة فَإِذا قُلْنَا يَرْجِعُ فَلَمْ يَذْكُرْ حَتَّى رَكَعَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَرْجِعُ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَرْجِعُ وَالْمَشْهُورُ الرُّجُوعُ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ إِلَى النَّافِلَةِ وَلَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ

‌الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي زِيَادَةِ الْأَقْوَالِ

وَفِيهِ فُرُوعٌ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ مَنْ قَرَأَ السُّورَةَ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ لِابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَ (ش) وَفِي الْجلاب عَن أَشهب يسْجد الثَّانِي فِي الْكِتَابِ مَنْ تَكَلَّمَ نَاسِيًا سَجَدَ بعد وَقَالَهُ (ش) وَقَالَ (ح)

ص: 315

الْكَلَامُ سَهْوٌ يُبْطِلُ وَمُسَلَّمٌ أَنَّ السَّلَامَ فِي أَثْنَائِهَا سَهوا لَا يُبْطِلُ لَنَا الْقِيَاسُ عَلَيْهِ وَحَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ وَلِأَنَّ كُلَّ مَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ يُوجِبُ السُّجُود سَهْوه الثَّالِثُ إِذَا جَهَرَ فِيمَا يُسَرُّ فِيهِ سَجَدَ بعد فِي الْبَيَانِ وَلَا خِلَافَ أَحْفَظُهُ فِي أَنَّهُ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَالْعَكْسِ أَنَّ فِعْلَ مَا تَرْكُهُ سُنَّةٌ أَشَدُّ مِنْ ترك مَا فعله سنة لفعله عليه السلام

إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَانْتَهُوا عَنْهُ وَإِن أَمرتكُم بِشَيْء فائتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ وَنَحْوهَا خلافًا (ح ش) لَنَا قَوْلُهُ عليه السلام

لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ كَانَ عليه السلام يُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَقِيلَ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ لِنَقْصِهِ السُّنَّةَ فَلَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الْإِسْرَارِ أَوِ الْجَهْرِ فَأَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ لَا سُجُودَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِفِقْدَانِ سَبَبِهِ الَّذِي هُوَ السَّهْوُ عِنْدَهُ وَالسُّجُودُ لِوُجُودِ الْخَلَلِ وَالسُّجُودُ جَائِزٌ وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ لِلِاسْتِهْزَاءِ وَهَذِهِ جَارِيَةٌ فِي كُلِّ سُنَّةٍ تُعُمِّدَ تَرْكُهَا وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِالْجَهْرِ كَزِيَادَةِ الْكَلَامِ وَلَا تَبْطُلُ بِالسِّرِّ لِأَنَّهُ نَقَصَ وَمَا زَاد الرَّابِعُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا سَلَّمَ مِنَ اثْنَتَيْنِ سَاهِيًا فَسَبَّحُوا بِهِ فَلَمْ يَفْقَهْ فَقَالَ لَهُ أحد الْمَأْمُومين سَهَوْت فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا نعم فَإِنَّهُ يتمم بِهِمْ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ عليه السلام صلى إِحْدَى صَلَاتي الْعشَاء إِمَّا الظُّهْرَ أَوِ الْعَصْرَ فَسَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَتَى جِذْعًا فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَاسْتَنَدَ إِلَيْهِ كَهَيْئَةِ الْغَضْبَانِ

ص: 316

وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَابَا أَنْ يتكلما فَخرج سرعَان النَّاس فَقَالُوا أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ فَنَظَرَ النَّبِي عليه السلام يَمِينا وَشمَالًا فَقَالَ احقاما يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالُوا صَدَقَ وَلَمْ تُصَلِّ إِلَّا ركعيتن فصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ سلم ثمَّ سجد وَالْمَشْهُورُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الِاثْنَتَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَقَالَ سَحْنُونٌ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالِاثْنَتَيْنِ قَصْرًا لِلْحَدِيثِ عَلَى مَوْرِدِهِ لِمُخَالَفَةِ الْأُصُولِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ مُعَلَّلٌ بِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ فَيَتَعَدَّى وَحَيْثُ قُلْنَا بِالْكَلَامِ فَفِي الْجَوَاهِرِ مَا لَمْ يَكْثُرْ وَقِيلَ يُبْنَى وَإِنْ كَثُرَ قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى وَكَرَاهَةُ الْكَلَامِ لِلْمَأْمُومِ فِي هَذَا عَنِ ابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ نَافِعٍ فَإِنْ فَعَلَ فَلَا إِعَادَةَ وَالْإِعَادَةُ أَبَدًا عَنِ ابْنِ كِنَانَةَ وَجَعَلَ الْحَدِيثَ خَاصًّا بِصَدْرِ الْإِسْلَامِ وَقَالَهُ (ح ش) وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ إِبَاحَةَ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ نُسِخَتْ قَبْلَ خُرُوجِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنَ الْحَبَشَة وراوي هَذَا الْحَدِيثِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَهُوَ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ

سُؤَالَانِ الْأَوَّلُ كَانَ عليه السلام يَعْتَقِدُ إِتْمَامَ الصَّلَاةِ وَالْقَوْمُ يَعْتَقِدُونَ النَّسْخَ وَيُجَوِّزُونَهُ فَلِذَلِكَ تَكَلَّمُوا بِخِلَافِ صُورَةِ النِّزَاعِ الثَّانِي رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ مَا قُصِرَتِ الصَّلَاةُ وَلَا نَسِيتُ وَيُرْوَى كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وَالْخُلْفُ مِنْهُ عليه السلام محَال

ص: 317

وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلُ أَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا بَعْدَ الْعِلْمِ بِعَدَمِ النَّسْخِ بِقَوْلِهِ كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ عليه السلام قَصْدًا أُذِنَ لَهُ فِيهِ لِلتَّعْلِيمِ فَالْكَلَامُ صِدْقٌ وَقَوْلُهُ عليه السلام أَحَقًّا مَا يَقُولُ لِلتَّثَبُّتِ على الْقَضِيَّة أَو هُوَ إِخْبَار عَن اعْتِقَاد وَهُوَ كَذَلِك فَلَا خلاف

فرع فَلَو كَانَ الْإِمَامُ يَعْتَقِدُ الْإِتْمَامَ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لمَالِك قَولَانِ يرجع وَقيل يرجع إِن كَثُرُوا وَفِي الِاثْنَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ لَا يَرْجِعُ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ يَقِينَهُ يَضْطَرِبُ وَجْهُ الثَّانِي تَرْجِيحُ الْيَقِينِ عَلَى غَيْرِهِ وَحَيْثُ قُلْنَا يَرْجِعُ فَفِي الْجَوَاهِرِ يَرْجِعُ بِإِحْرَامٍ ثُمَّ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةَ الْقِيَامِ لِلثَّالِثَةِ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ جَالِسا فِي مقَامه وَإِنَّمَا يفْتَقر للْإِحْرَام لَوْ قَامَ بَعْدَ سَلَامِهِ أَوْ فَعَلَ مَا يُوجِبُ حَاجَتَهُ لِلْإِحْرَامِ وَاعْتَرَضَهُ أَبُو الْوَلِيدِ بِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْإِحْرَامِ هُوَ السَّلَامُ وَغَيْرُهُ وَإِذَا قُلْنَا يحرم مِنْهَا قَائِمًا كَالْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ أَوْ جَالِسًا لِأَنَّهَا الْحَالَةُ الَّتِي فَارَقَ فِيهَا الصَّلَاةَ قَالَهُ ابْنُ شَبْلُونٍ وَإِذَا قُلْنَا يُحْرِمُ قَائِمًا جَلَسَ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِيَأْتِيَ بالنهضة وروى ابْنُ نَافِعٍ لَا يَجْلِسُ لِأَنَّ النَّهْضَةَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ وَقَدْ فَاتَ مَحَلُّهَا قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتَ إِنْ سَلَّمَ سَاهِيًا قَبْلَ إِتْمَامِ صَلَاتِهِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ صَلَاتِهِ بِذَلِكَ إِجْمَاعًا وَيُتِمُّهَا وَيَسْجُدُ إِنْ كَانَ فَذًّا أَوْ إِمَامًا وَإِنْ سَلَّمَ شَاكًّا فِي إِتْمَامِ صَلَاتِهِ لَمْ يَصِحَّ رُجُوعُهُ إِلَى تَمَامِهَا فَإِنْ تَيَقَّنَ بَعْدَ سَلَامِهِ تَمَامَهَا أَجْزَأَتْهُ عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ لِبَيَانِ الصِّحَّةِ وَقِيلَ فَاسِدَةٌ وَهُوَ الْأَظْهَرُ

ص: 318

وَإِنْ سَلَّمَ قَاصِدًا لِلتَّحْلِيلِ مُعْتَقِدًا تَمَامَهَا ثُمَّ شَكَّ أَوْ تَيَقَّنَ بَعْدَ سَلَامِهِ رَجَعَ لِإِصْلَاحِهَا وَهَلْ يَرْجِعُ بِإِحْرَامٍ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ السَّلَامَ سَهْوًا هَلْ يُخْرِجُ مِنَ الصَّلَاةِ فَلَا يَدْخُلُ إِلَّا بِإِحْرَامٍ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَالِكٌ أَوْ لَا يُخْرِجُ مِنَ الصَّلَاةِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى إِحْرَامٍ قَالَهُ أَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَمُحَمَّدٌ وَعَلَى الْأَوَّلِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُكَبِّرُ ثُمَّ يَجْلِسُ ثُمَّ يَبْنِي قَالَ وَالصَّوَابُ يَجْلِسُ ثُمَّ يُكَبِّرُ ثُمَّ يَبْنِي لِئَلَّا يَزِيدَ الِانْحِطَاطُ بَيْنَ الْقِيَامِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ السَّلَامَ يُخْرِجُ يَرْجِعُ إِلَى مَوْضِعِ الْمُفَارَقَةِ فَإِنْ سَلَّمَ مِنَ اثْنَتَيْنِ رَجَعَ لِلْجُلُوسِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا فَذَكَرَ قَائِمًا رَجَعَ إِلَى حَالِ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنَ السُّجُودِ وَلَا يَجْلِسُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَ جُلُوسٍ

‌الْفَصْلُ الْخَامِس فِي الشَّك

وَفِيه فروع خَمْسَة الْأَوَّلُ فِي الْجَوَاهِرِ لَوْ شَكَّ فِي رُكْنٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ موسوسا الثَّانِي قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَوْ شَكَّ الْإِمَامُ بَعْدَ سَلَامِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَبْنِي عَلَى يَقِينِهِ فَإِنْ سَأَلَ مَنْ خَلْفَهُ فَأَخْبَرُوهُ فَقَدْ أَحْسَنَ وَيُتِمُّ بِهِمْ فَلَوْ شَكَّ فِي التَّشَهُّدِ فَالْمَذْهَبُ يَبْنِي عَلَى يَقِينِهِ وَلَا يَسْأَلُهُمْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَإِنْ سَأَلَ اسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ وَكَذَلِكَ لَوْ سَلَّمَ عَلَى شَكٍّ وَسَأَلَهُمْ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِم

ص: 319

وَأَشْهَبُ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يُجْزِيهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَسْأَلُهُمْ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الشَّاكَّ مَأْمُورٌ بِالْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ فَتَعَمُّدُ الْكَلَامِ يُبْطِلُ وَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ سَلَامٌ لَوْ قَارَنَهُ اعْتِقَادُ الْإِتْمَامِ كَمُلَتِ الصَّلَاةُ وَأَوْلَى الشَّك الثَّالِثُ قَالَ لَوْ شَكَّ الْمَأْمُومُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فِي رُكُوعِ الْأُولَى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُسَلِّمُ مَعَهُ وَلَا يَأْتِي بِرَكْعَةٍ حَذَرًا مِنَ الْخَامِسَةِ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ وَقَالَ مَالِكٌ يُتِمُّ عَلَى الْيَقِين وَيسْجد بعد السَّلَام الرَّابِعُ قَالَ اللَّخْمِيُّ لَوْ شَكَّ الْإِمَامُ وَمَنْ خَلْفَهُ فَأَخْبَرَهُمْ عَدْلَانِ رَجَعُوا إِلَيْهِمَا وَفِي الْعَدْلِ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْخَبَرِ أَوِ الشَّهَادَةِ

سُؤَالٌ لَنَا مَا يَكْفِي فِيهِ الْخَبَرُ اتِّفَاقًا كَالْفُتْيَا وَالرِّوَايَةِ وَمَا لَا يَكْفِي فِيهِ الْخَبَر اتِّفَاقًا كالحدود والدعاوي وَلنَا مَا اخْتلف فِيهِ بِمَا ضَابِطُ الْأَوَّلَيْنِ حَتَّى تُرَدَّ إِلَيْهِمَا فُرُوعُهُمَا وَيُقْضَى عَلَى الْخِلَافِ بِالْوِفَاقِ جَوَابُهُ ذَكَرَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ أَنَّ الْأَحْكَامَ مِنْهَا عَامٌّ لِلْبَشَرِ فَهُوَ مَوْطِنُ الْخَبَرِ إِذْ لَا بَاعِثَ عَلَى عَدَاوَةِ الْجَمِيعِ فَيَسْتَظْهِرُ بِالْعَدَدِ وَخَاصٌّ بِمُعَيَّنٍ كَالدَّعَاوَى فَهُوَ مَوْطِنُ الشَّهَادَةِ لِاحْتِمَالِ الْعَدَاوَةِ وَمُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْخُصُوصِ وَالْعُمُومِ كَإِثْبَاتِ هِلَالِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ عَامٌّ بِالْقِيَاسِ إِلَى الْبَلَدِ وَخَاصٌّ بِالْقِيَاسِ إِلَى أَنَّهُ لَا يتَنَاوَل غَيرهم وَلَا زَمَانا آخر فَاخْتلف النَّاس أَي الثنائيتين تغلب وَكَذَلِكَ هَهُنَا لَا أَثَرَ لِلْعَدَاوَةِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّقْلِيدِ فَإِنَّ الذِّمَّةَ تَبْرَأُ فَيُقْبَلُ الْخَبَرُ أَوْ يُلَاحَظُ الْخُصُوصُ فَيحْتَاج إِلَى الشَّهَادَة الْخَامِسُ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ لَا يُفَارِقُ الشَّكُّ الْيَقِينَ فِي الصَّلَاةِ إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ إِذَا شَكَّ فِي الزِّيَادَةِ الْكَثِيرَةِ أَجْزَأَهُ السُّجُودُ اتِّفَاقًا بِخِلَافِ تَيَقُّنِهَا وَإِذَا كَثُرَ الشَّكُّ لُهِّي عَنْهُ وَلِمَالِكٍ فِي السُّجُودِ قَوْلَانِ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَيْسَ ذَلِك

ص: 320

بِاخْتِلَافٍ بَلِ السُّجُودُ عَلَى مَنْ أَعْرَضَ عَنِ الشَّكِّ وَعَدَمِهِ عَمَّنْ أَصْلَحَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ اخْتِلَافٌ

‌الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي سَجْدَتَيِ السَّهْوِ

وَفِيهِ فُرُوعٌ سَبْعَة الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا سَهَا عَنِ السُّجُودِ الَّذِي قَبْلَ السَّلَامِ سَجَدَ إِنْ كَانَ قَرِيبًا وَإِلَّا اسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ قَالَ صَاحِبُ الْإِشْرَافِ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ وَجُوبُ السُّجُودِ لِلنُّقْصَانِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَ (ش) لَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا وَقَالَ (ح) هُمَا وَاجِبَتَانِ وَلَيْسَتَا شَرْطًا فِي الصَّلَاةِ لَنَا مَا فِي مُسْلِمٍ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم َ - فَإِمَّا زَادَ أَوْ نَقَصَ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ فَقَالَ وَمَا ذَاك فَقُلْنَا لَهُ الَّذِي صدر فَقَالَ إِذَا زَادَ الرَّجُلُ أَوْ نَقَصَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَكُلُّ مَا يَجِبُ دَاخِلَ الصَّلَاةِ بَطَلَتْ لِأَجْلِ عَدَمِهِ حُجَّةُ (ش) أَنَّهُ فَرْعٌ عَنْ تَرْكِ السُّنَّةِ وَالْفَرْعُ لَا يَزِيدُ عَلَى الْأَصْلِ جَوَابُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ سَبَبِ الْوُجُوبِ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا فَضْلًا عَنِ الْوُجُوب بل يَكُونُ حَرَامًا كَالْجِنَايَاتِ مَعَ الْعُقُوبَاتِ وَمُبَاحًا كَشِرَاءِ الرَّقِيقِ مَعَ النَّفَقَاتِ وَمَنْدُوبًا كَالنِّكَاحِ مَعَ سَدِّ الْخُلَّاتِ مِنَ الزَّوْجَاتِ

ص: 321

تَفْرِيع إِذا قُلْنَا إِن الصَّلَاة تجزيء بِدُونِهِ وَذَكَرَهُ بِالْقُرْبِ سَجَدَ تَكَلَّمَ أَوْ لَمْ يَتَكَلَّمْ قَالَهُ (ش) وَقَالَ (ح) إِنْ تَكَلَّمَ بَعْدَ السَّلَامِ لَمْ يَسْجُدْ وَقَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ إِنْ صَرَفَ وَجْهَهُ عَنِ الْقِبْلَةِ لَمْ يَسْجُدْ لَنَا الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَإِنْ ذَكَرَهُ بَعْدَ الطُّولِ فَفِي الْكِتَابِ إِنْ كَانَ عَنْ ثَلَاثٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ أَوِ التَّكْبِيرِ حَتَّى إِذَا طَالَ كَلَامُهُ أَوْ قَامَ فَأَكْثَرَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِذا طَال سِتَّة أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ مَا فِي الْكِتَابِ لِأَنَّ الْخَلَلَ إِذَا كَثُرَ أَفْسَدَ كَالْغَرَرِ فِي الْبَيْعِ فَيُسْتَحَبُّ السُّجُودُ لِاثْنَتَيْنِ وَيَجِبُ لِثَلَاثٍ وَلَا تَبْطُلُ مُطْلَقًا لِعَبْدِ الْمَلِكِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ وَتَبْطُلُ مُطْلَقًا فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لِمَالِكٍ لمشروعيته قبل السَّلَام ووجوبه فَتبْطل الصَّلَاة للطول كالأركان وَيسْجد إِلَّا أَن ينْتَقض وضوؤه فَتَبْطُلُ لِأَشْهَبَ لِمُشَابِهَةِ الصَّلَاةِ الطَّهَارَةَ فِي إِبْطَالِ الْحَدَثِ لَهُمَا فَلَا تَجِبُ الْمُوَالَاةُ فِيهِمَا مَعَ السَّهْوِ وَيَمْنَعُ الْحَدَثُ الْبِنَاءَ فِيهِمَا وَيَسْجُدُ مُطْلَقًا كَسُجُودِ الزِّيَادَةِ وَتَبْطُلُ إِنْ وَجَبَ عَنِ الْأَفْعَالِ إِنْ طَالَ أَوْ أَحْدَثَ بِخِلَافِ الْأَقْوَالِ وَهَلْ يَسْقُطُ السُّجُودُ إِنْ طَالَ مَعَ الْأَقْوَالِ أَمْ لَا قَوْلَانِ لِأَنَّ الْفِعْلَ مُتَّفَقٌ عَلَى السُّجُودِ لَهُ وَلَا يَحْمِلُ الْإِمَامُ مَفْرُوضَهُ فَيَتَأَكَّدُ وَقَوْلٌ سَابِعٌ فِي الْجَوَاهِرِ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ إِنْ كَانَ عَن الجلسة الْوُسْطَى أَو الْفَاتِحَة وركعة

فَرْعٌ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إِنْ ذَكَرَهُمَا بِالْقُرْبِ يُحْرِمْ لَهُمَا وَيَسْجُدْهُمَا فِي مَوْضِعِ ذِكْرِهِ إِلَّا فِي الْجُمُعَةِ لَا يَسْجُدُهُمَا إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ وَكَذَلِكَ السَّلَامُ وَغَيْرُهُ فَإِنْ

ص: 322

فعل ذَلِك فِي غير الْمَسْجِد لَا تجزيه الْجُمُعَةُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الرُّعَافِ خِلَافُ ابْنِ شعْبَان فِي ذَلِك الثَّانِي فِي الْكِتَابِ يَأْتِي بِالسُّجُودِ الَّذِي بَعْدَ السَّلَامِ وَلَوْ بَعْدَ شَهْرٍ لِأَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ تَمَّتْ وَهُوَ قُرْبَةٌ مُنْفَصِلَةٌ عَنْهَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ جَوَاز على ذَلِكَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا وَقَدْ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فَإِنْ كَانَ عَنْ نَافِلَةٍ قَالَ صَاحب النُّكَتِ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ لَا يَأْتِي بِهِ فِي وَقْتٍ تُمْنَعُ فِيهِ النَّافِلَةُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَظَاهِرُ الْكِتَابِ التَّسْوِيَةُ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ مُفَارِقٌ للنوافل الثَّالِث فِي الْجَوَاهِر الإِمَام يحمل عَنِ الْمَأْمُومِ سُجُودَ السَّهْوِ لِمَا فِي الدَّارَقُطْنِيِّ قَالَ عليه السلام لَيْسَ عَلَى مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ سَهْوٌ فَإِنْ سَهَا الْإِمَامُ فَعَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ خَلْفَهُ وَيَلْزَمُ الْمَسْبُوقَ أَنْ يَسْجُدَ مَعَ الْإِمَامِ إِنْ كَانَ قَبْلَ السَّلَامِ وَعَقَدَ مَعَهُ رَكْعَةً كَمَا يَتْبَعُهُ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ فَإِنْ لم يعْقد رَكْعَة لم يتبعهُ عَن ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ صَلَاتَهُ وَقَالَ سَحْنُونٌ يَتْبَعُهُ كَالتَّشَهُّدِ وَفِي الْكِتَابِ لَا يَسْجُدُ مَعَهُ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ وَلَا يَقْضِيهِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَلَوْ سَهَا الْمَأْمُومُ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ حَمَلَهُ لِأَنَّهُ مَأْمُومٌ حِينَئِذٍ فَلَوْ سَهَا الْإِمَامُ فِي الْجَلْسَةِ الْأَخِيرَةِ لَمْ يَسْجُدْ مَعَهُ وَلَو سهيا جَمِيعًا فِيهَا فَيُحْتَمَلُ عَدَمُ سُجُودِ الْمَأْمُومِ لِكَوْنِهِ فِي غَيْرِ صَلَاةِ نَفْسِهِ وَالسُّجُودُ لِكَوْنِهِ سَهْوًا وَقَعَ فِي إِحْرَامِهِ مُضَافًا لِمُوَافَقَةِ الْإِمَامِ فَإِنْ أَدْرَكَ وَلَمْ يَسْجُدِ الْإِمَامُ سَجَدَ الْمَأْمُومُ وَقَالَهُ (ش) كَمَا لَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ مِنْ ثَلَاثٍ فَإِنَّ الْمَأْمُومَ يُكْمِلُ وَخَالَفَ (ح) مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ لَمْ يَسْهُ وَإِنَّمَا كَانَ يَسْجُدُ تَبَعًا لَا مَتْبُوعًا فَلَا سُجُودَ وَجَوَابُهُ مَنْعُ الْحَصْرِ وَإِذَا قُلْنَا يَسْجُدُ فَقَدْ خَيَّرَهُ مَالِكٌ وَاسْتَحَبَّ

ص: 323

لَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ الِانْتِظَارَ وَحَتَّمَهُ عَلَيْهِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فَلَوْ سَجَدَ مَعَهُ لَمْ يُجْزِهِ وَيُعِيدُهُ بَعْدَ السَّلَامِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ اسْتِحْبَابًا جَاهِلًا كَانَ أَوْ عَامِدًا فَلَوْ أَخَّرَ السُّجُودَ فَسَهَا هُوَ فِي قَضَاءِ زِيَادَةٍ أَجْزَأَهُ سَجْدَتَانِ اتِّفَاقًا أَوْ نُقْصَانًا سَجْدَتَانِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ قَبْلَ السَّلَامِ تَغْلِيبًا لِلنَّقْصِ وَبَعْدَهُ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْإِمَامِ فَلَوِ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ هَذَا الْمَسْبُوقَ فَسَهَا فِي الْقَضَاءِ نَقْصًا فَالْقَوْلَانِ وَلَوْ سَهَا فِيمَا اسْتَخْلَفَهُ نَقْصًا فَسَجْدَتَانِ قَبْلَ السَّلَامِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَيْضًا بَعْدُ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَفِي الْجَوَاهِرِ إِنْ تَرَكَ الْإِمَامُ سُجُودًا بَعْدَ السَّلَامِ سَجَدَهُ الْمَأْمُومُ وَإِنْ كَانَ قَبْلُ قَالَ فِي الْكِتَابِ يَسْجُدُ مَعَهُ ويجزيه وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَسْجُدُ حَتَّى يَقْضِيَ فَإِنْ سَجَدَ مَعَهُ ثُمَّ سَهَا فِي قَضَائِهِ سَجَدَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يَسْجُدُ لَوِ اسْتُخْلِفَ سَجَدَ بِهِمْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَعِنْدَ أَشْهَبَ بَعْدَهُ فَإِنْ أَخَّرَ الْإِمَامُ السُّجُودَ قَبْلَ السَّلَامِ بَعْدَهُ فَفِي الْكِتَابِ سَجَدَ الْمَأْمُومُ مَعَهُ سُؤَالٌ السُّجُودُ وَاجِبٌ فَيَكُونُ السَّلَامُ قَبْلَهُ سَلَامًا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَيَمْتَنِعُ مُوَافَقَةُ الْإِمَامِ فِيهِ كَالْمُقِيمِ إِذَا ائْتَمَّ بِمُسَافِرٍ وَكَالْمَسْبُوقِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدَ مَعَهُ بِغَيْرِ سَلَامٍ جَوَابُهُ مُخَالَفَةُ الْإِمَامِ مَمْنُوعَةٌ والمقيم الْمَسْبُوق لم يُخَالف الْإِمَامَ فَإِنَّهُ لَمَّا سَلَّمَ خَرَجَ مِنَ الْإِمَامَةِ مَعَهم بفعلهم وتركهم حَالَة الِانْفِرَاد وَهَهُنَا لَوْ تَرَكَ السَّلَامَ مَعَ أَنَّهُ مُتَّبِعٌ لَهُ فِي السُّجُودِ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ مَعَ بَقَاءِ حُكْمِهِ

تَفْرِيعٌ لَوْ لَمْ يُسَلِّمْ مَعَهُ وَسَجَدَ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ الظَّاهِرُ الْإِجْزَاءُ لِأَنَّ الْإِمَامَ

ص: 324

هُوَ المخطن فِي تَأْخِيرِ السُّجُودِ وَلَوْ شَرَعَ فِي السُّجُودِ حَالَةَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَلَمْ يَتْبَعْهُ فِيهِ فَقَدْ أَسَاءَ وَيُجْزِيهِ لِأَنَّ سُجُودَ الْإِمَامِ لَمْ يَقَعْ فِي الصَّلَاة فَلم يُخَالِفهُ الرَّابِعُ فِي الْكِتَابِ إِنْ أَحْدَثَ فِيهِمَا أَعَادَهُمَا خلافًا (ح) قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَقَالَ أَشْهَبُ إِنْ تَوَضَّأَ وَكَمَّلَهُمَا أَجْزَأَهُ فَلَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ بَعْدَ سَجْدَةٍ قَالَ أَشْهَبُ لِمَنْ خَلْفَهُ أَنْ يُكْمِلَهُمَا وابتداؤهما أحسن الْخَامِسُ فِي الْكِتَابِ إِذَا لَمْ يَدْرِ أَسَجَدَ اثْنَتَيْنِ أَمْ لَا سَجَدَ أُخْرَى وَلَا يَسْجُدُ لسَهْوه لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُكْمِلْ سُجُودَهُ تَدَاخَلَ السَّهْوُ عَلَى الْقَاعِدَةِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَلَوْ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ وَسَهَا فَتَكَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ بَعْدَ السَّلَامِ وعَلى قَول ابْن الْمَاجشون يسْجد ثمَّ يسهو أَلا يسْجد فَلَا يسْجد هَهُنَا فَلَو ذكر أَنه نقص من صلَاته فَسجدَ وَاحِدَة ثمَّ تذكر فَلَا يسْجد الْأُخْرَى وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ وَكَذَلِكَ لَوْ سَجَدَهُمَا فَلَوْ شكّ هَل سجدهما لِفَرْضِهِ أَوْ لِسَهْوِهِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَلَيْهِ أَرْبَعُ سَجدَات السَّادِس فِي الْكِتَابِ إِذَا ذَكَرَ سُجُودًا بَعْدَ السَّلَامِ فِي نَافِلَةٍ أَوْ مَكْتُوبَةٍ لَا يُفْسِدُهَا بِخِلَافِ مَا قَبْلَ السَّلَامِ لِشِدَّةِ تَعَلُّقِهِ بِالصَّلَاةِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمَا لَا يُبْطِلَانِ الصَّلَاةَ مَعَ الطُّولِ لَا يَقْطَعُ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَرْجِعُ إِلَى السَّهْوِ مِنْ غَيْرِ قَطْعِ مَا هُوَ فِيهِ بِسَلَامٍ أَوْ كَلَامٍ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ كَمَا لَوْ ذَكَرَ السُّجُودَ خَارِجَ الصَّلَاةِ يَرْجِعُ لِحِينِهِ مِنْ غَيْرِ كَلَامٍ فَإِنْ طَالَتِ الْقِرَاءَةُ فِي الْحَاضِرَةِ بَطَلَتِ الْأُولَى وَكَذَلِكَ إِذَا لم تطل الْقِرَاءَةَ وَرَكَعَ مُرَاعَاةً لِلطُّولِ وَهَلْ يُعْتَبَرُ فِي

ص: 325

الرُّكُوع الرّفْع بِخِلَاف الْمَعْرُوفُ وَإِذَا بَطَلَتِ الْأُولَى وَهُوَ فِي نَافِلَةٍ كَمَّلَهَا أَوْ فِي فَرِيضَةٍ فَفِي الْكِتَابِ إِنْ صَلَّى رَكْعَةً شَفَعَهَا عِنْدَ مَالِكٍ فَإِنْ ذَكَرَ سُجُودَ سَهْوِ نَافِلَةٍ فِي نَافِلَةٍ فَفِي الْكِتَابِ إِن كَانَ سُجُود بعد السَّلَام تَمَادَى أَوْ قَبْلَهُ وَالْوَقْتُ قَرِيبٌ لَمْ يَقْطَعْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يَرْكَعْ فَيَرْجِعُ لِلسُّجُودِ ثُمَّ لِنَافِلَتِهِ إِنْ شَاءَ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَا يَقْضِي الْحَاضِرَةَ لِأَنَّهَا فَسَدَتْ بِغَيْرِ قَصْدِهِ وَلَوْ ذَكَرَهُ فِي مَكْتُوبَةٍ قَالَ مَالِكٌ يَتَمَادَى رَكَعَ أَوْ لَمْ يَرْكَعْ خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يُتْرَكُ لِلنَّفْلِ وَابْنُ عَبْدِ الحكم يُلَاحظ وجوب النَّافِلَة بِالشُّرُوعِ السَّابِع كَانَ مَالك يَقُول يكبر لِلَّتَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ قِيَاسًا عَلَى سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَرَجَعَ لِلْإِحْرَامِ قِيَاسًا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَتَكْفِي تَكْبِيرَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْإِحْرَامِ وَالدُّخُولِ وَفِي الْجَوَاهِرِ يُكَبِّرُ لِلِابْتِدَاءِ وَالرَّفْعِ وَيَتَشَهَّدُ لِلَّتَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ وَفِي اللَّتَيْنِ قَبْلَهُ رِوَايَتَانِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ مَنِ اشْتَرَطَ الْإِحْرَام اشْترط السَّلَام لِأَن الْإِحْرَام لابد لَهُ مِنْهُ وَمَنْ لَا فَلَا وَالْكُلُّ مَرْوِيٌّ فِي الْأَحَادِيثِ وَهَلْ يَجْهَرُ بِهِ كَالصَّلَوَاتِ أَوْ يُسِرُّهُ كَالْجِنَازَةِ رِوَايَتَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 326

(الْبَاب التَّاسِع فِي الْجُمُعَة)

وَهِي مُشْتَقَّة من الْجمع للاجتماع النَّاسِ فِيهَا وَكَانَ اسْمُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَرُوبَةَ مِنَ الْإِعْرَابِ الَّذِي هُوَ التَّحْسِينُ لِمَكَانِ تَزَيُّنِ النَّاس فِيهِ وَمِنْه وَقَوله تَعَالَى {عربا أَتْرَابًا} أَي محسنات لِبُعُولَتِهِنَّ وَقَدْ جَمَعَ أَسْمَاءَ الْأُسْبُوعِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى عَلَى التَّرْتِيبِ مُبْتَدِئًا بِالْأَحَدِ قَوْلُ الْقَائِلِ

(أُؤَمِّلُ أَنْ أَعِيشَ وَإِنَّ يَوْمِي

بِأَوَّلَ أَوْ بِأَهْوَنَ أَوْ جُبَارِ)

(أَوِ التَّالِي دُبَارِ فَإِنْ يَفُتْنِي

فَمُؤْنِسِ أَوْ عَرُوبَةَ أَوْ شُبَارِ)

وَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي أُمِرَتِ الْأُمَمُ بِتَعْظِيمِهِ فَعَدَلُوا عَنْهُ إِلَى السَّبْتِ وَالْأَحَدِ وَفِي الْمُوَطَّأِ قَالَ عليه السلام خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَة فِيهِ خلق الله آدم وَفِيه اهبط وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ وَفِيهِ مَاتَ وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ مُصِيخَةٌ يَوْم الْجُمُعَة من حِين يصبح حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنَ السَّاعَةِ إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسلم وَهُوَ

ص: 327

يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَفِيهِ قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ هَذِهِ السَّاعَةُ مَذْكُورَةٌ فِي التَّوْرَاةِ

فَوَائِدُ ذِكْرُ هَذِهِ الْكَائِنَاتِ فِيهِ فِي سِيَاقِ تَعْظِيمِهِ يَدُلُّ عَلَى عِظَمِهَا وَعِظَمِهِ أَمَّا عِظَمُهَا فَخَلْقُ آدَمَ عليه السلام وَهُوَ الْمُفَضَّلُ عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَمَبْدَأُ نَوْعِ الْإِنْسَانِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ عليهم السلام وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرُ ذُرِّيَّتِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرَانِ وَوَقُودُ النِّيرَانِ إِلَّا أَنَّ ذَرَّةً مِنَ الْإِيمَانِ لَا يَعْدِلُهَا شَيْءٌ مِنَ الْكُفْرَانِ وَلَحْظَةً مِنَ الْقُرْبِ يُغْتَفَرُ لَهَا هِجْرَانُ الدَّهْرِ وَأَمَّا التَّوْبَةُ عَلَيْهِ فَسَبَبُ السَّعَادَةِ وَمَبْدَأُ السِّيَادَةِ وَأَمَّا قِيَامُ السَّاعَةِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالرَّسَائِلِ وَنَصْبِ الْوَسَائِلِ وَفِيهِ إِكْرَامُ الْأَبْرَارِ وَخِزْيُ الْفُجَّارِ وَأَمَّا إِصَاخَةُ الدَّوَابِّ وإشفاقها فدليل إِدْرَاكهَا وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ يحرر فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَأَمَّا سَاعَةُ الْإِجَابَةِ فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ الصَّحِيحُ أَنَّهَا مِنْ حِينِ جُلُوسِ الْإِمَامِ إِلَى حِينِ تُقْضَى الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ وَفِي أَبِي دَاوُود وَحين تُقَام الصَّلَاة إِلَى انصراف مِنْهَا وَفِي التِّرْمِذِيِّ الْتَمِسُوهَا بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَى غيوبة الشَّمْسِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ فِي النَّهَارِ وَقِيلَ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ وَبِه يُمكن

ص: 328

الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَقْوَالِ وَفِي الْقَبَسِ هِيَ السَّاعَةُ الَّتِي تِيبَ عَلَى آدَمَ فِيهَا وَقَوْلُهُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي مَعَ امْتِنَاعِ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَقْوَالِ الْأُوَلِ إِمَّا مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ لِأَنَّ السَّامِعَ لِلْخُطْبَةِ أَوِ الْجَالِسَ الْمُنْتَظِرَ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ بِمَنْزِلَةِ الْمُصَلِّي أَوْ مِنْ بَابِ إِطْلَاقِ لَفْظِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ فَإِنَّ انْتِظَارَ الصَّلَاةِ سَبَبٌ لِإِيقَاعِهَا وَلِذَلِكَ قَالَ عليه السلام مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ

تَنْبِيهٌ لَمَّا كَانَتِ الْقُلُوبُ تَصْدَأُ بِالْغَفَلَاتِ وَالْخَطِيئَاتِ كَمَا يَصْدَأُ الْحَدِيدُ اقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ جَلَاءَهَا فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ بِمَوَاعِظِ الْخُطَبَاءِ وَأُمِرَ بِالِاجْتِمَاعِ لِيَتَّعِظَ الْغَنِيُّ بِالْفَقِيرِ وَالْقَوِيُّ بِالضَّعِيفِ وَالصَّالِحُ بِالطَّالِحِ وَلذَلِك أُمِرَ بِاجْتِمَاعِ أَهْلِ الْآفَاقِ فِي الْحَجِيجِ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ لِئَلَّا يَشُقَّ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ أَهْلِ الْبَلَدِ

فَرْعٌ وَفِي الْكِتَابِ كُرِهَ تَخْصِيصُهُ بِتَرْكِ الْعَمَل تَشْبِيها بِأَهْل الْكتاب فِي السبت والأحد وَفِي الْجَوَاهِرِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فَرْضٌ عَلَى الْأَعْيَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله} وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى الْكِفَايَةِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلِ الْمَقْصُودُ إِصْلَاحُ الْقُلُوبِ بِالْمَوَاعِظِ وَالْخُشُوعِ فَيَعُمُّ أَوْ إِظْهَارُ الشَّعَائِرِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْبَعْضِ فَيَخُصُّ

تَمْهِيدٌ يَحْكِي جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَصْحَابِ الْخِلَافَ هَلِ الْجُمُعَةِ بَدَلٌ مِنَ الظُّهْرِ أَمْ لَا وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْبَدَلَ لَا يفعل إِلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمُبْدَلِ وَالْجُمُعَةِ يَتَعَيَّنُ فِعْلُهَا مَعَ

ص: 329

إِمْكَانِ الظُّهْرِ فَهُوَ مُشْكِلٌ وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ إِنَّهَا بَدَلٌ مِنَ الظُّهْرِ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ وَالظُّهْرُ بَدَلٌ مِنْهَا فِي الْفِعْلِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا وَاجِبٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ الْوَاجِبُ الظُّهْرُ وَيَجِبُ إِسْقَاطُهُ بِالْجُمُعَةِ وَهُوَ كَلَامٌ غير مَعْقُول فَإِن الْوَاجِب مَا لَا يجوز تَركه وَهَذَا يجب تَركه فالجمع بَيْنَهُمَا مُتَنَاقِضٌ

قَاعِدَةٌ الْبَدَلُ فِي الشَّرْعِ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ بَدَلٌ مِنَ الْمَشْرُوعِيَّةِ كَالْجُمُعَةِ بَدَلُ الظُّهْرِ وَالْكَعْبَةِ بَدَلٌ مِنَ الْمَقْدِسِ وَبَدَلٌ مِنَ الْفِعْلِ كَالْخُفَّيْنِ بَدَلٌ مِنَ الْغَسْلِ وَمَسْحِ الْجَبِيرَةِ بَدَلُ الْغَسْلِ وَبَدَلٌ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ دُونَ الْفِعْلِ وَالْمَشْرُوعِيَّةِ كَالتَّيَمُّمِ مَعَ الْوُضُوءِ وَمِنْ كُلِّ الْأَحْكَامِ كَالصَّوْمِ مِنَ الْعِتْقِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَبَدَلٌ مِنْ حَالَةٍ مِنْ أَحْوَالِ الْفِعْلِ دُونَ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَالْفِعْلِ وَالْأَحْكَامِ كَالْعَزْمِ بَدَلٌ عَنْ تَعْجِيلِ الْعِبَادَةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَالتَّعْجِيلُ وَالتَّأْخِيرُ وَالتَّوَسُّطُ أَحْوَالٌ عَارِضَةٌ لِلْفِعْلِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَحْكَامٌ تَخُصُّهُ فَخَاصِّيَّةُ الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ أَفْضَلَ وَأَنْ لَا يُفْعَلَ الْمُبْدَلُ عَنْهُ إِلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْبَدَلِ عَكْسُهُ غَيْرُهُ أَوْ قَدْ لَا يُفْعَلُ أَلْبَتَّةَ كَالصَّلَاةِ لِلْمَقْدِسِ وَخَاصِّيَّةُ الثَّانِي الْمُسَاوَاةُ فِي الْمَحَلِّ وَقَدْ يَسْتَوِي الْحُكْمُ كَالْجَبِيرَةِ وَقَدْ يَخْتَلِفُ كَالْخُفِّ لِوُجُوبِ الْأَعْلَى دُونَ الْأَسْفَلِ وَخَاصِّيَّةُ الثَّالِثِ أَنْ لَا يَنُوبَ عَنِ الْمُبْدَلِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْحُكْمِ بَلْ يُخْتَصُّ الْمُبْدَلُ مِنْهُ بِأَحْكَامٍ وَخَاصِّيَّةُ الرَّابِعِ اسْتِوَاءُ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ فِي الْأَحْكَامِ بِسَبَبِهِمَا وَخَاصِّيَّةُ الْخَامِسِ أَنَّ الْفِعْلَ بِجُمْلَةِ أَحْكَامِهِ بَاقٍ وَإِنَّمَا السَّاقِطُ بِالْبَدَلِ حَالَةٌ مِنَ الْأَحْوَالِ دُونَ شَيْءٍ مِنَ الْأَحْكَامِ وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تُظْهِرُ بُطْلَانَ قَوْلِ الْقَائِلِ الْبَدَلُ يَقُومُ مَقَامَ الْمُبْدَلِ مُطْلَقًا وَأَنْ يُفْعَلَ إِلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمُبْدَلِ بَلْ ذَلِك يخْتَلف فِي الشَّرْع كَمَا ترى وَفِي الْبَابِ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ

ص: 330

‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي شُرُوطِهَا

وَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ شُرُوطُ وُجُوبٍ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ تَحْصِيلُهَا وَهُوَ شَأْنُ شَرْطِ الْوُجُوبِ حَيْثُ وَقَعَ فِي الشَّرْعِ وَشُرُوطُ أَدَاءٍ يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ تَحْصِيلُهَا وَشُرُوطُ الْوُجُوبِ عَلَى قِسْمَيْنِ شُرُوطٌ فِي الصِّحَّةِ وَفِي الْوُجُوب فَقَط فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَقسَام الشَّرْطُ الْأَوَّلُ الْعِلْمُ بِدُخُولِ وَقْتِهَا وَهُوَ الزَّوَالُ وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ أَوَّلُهَا وَقْتُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَقَالَ بَعضهم أَو السَّادِسَةِ لِقَوْلِهِ عليه السلام مَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الأولى الحَدِيث وَجعل خُرُوج الإِمَام عَقِيبَ الْخَامِسَةِ لَنَا مَا فِي الْبُخَارِيِّ كَانَ عليه السلام يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ وَإِنَّ الْجُمُعَةَ هِيَ الظُّهْرُ وَإِنَّمَا سَقَطَتِ الرَّكْعَتَانِ لتعذر الْخطْبَة كَمَا سَقَطت لِعُذْرِ السَّفَرِ وَقَدْ سَلَّمَ الْخَصْمُ آخِرَ الْوَقْتِ فَتَعَيَّنَ أَوَّلُهُ عَلَيْهِ قَالَ سَنَدٌ فَلَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَصَلَّى بَعْدَهُ رَوَى مُطَرِّفٌ لَا تجزيهم لِبُطْلَانِ الشَّرْطِ وَيُعِيدُونَ جُمُعَةً قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ مَا لَمْ تَغِبِ الشَّمْسُ وَلَوْ كَانَ لَا يُدْرِكُ بَعْضَ الْعَصْرِ إِلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ وَعِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ

ص: 331

آخِرُ وَقْتِهَا أَوَّلُ الْعَصْرِ فَيُصَلُّونَ أَرْبَعًا حِينَئِذٍ وَعِنْدَ سَحْنُونٍ قَبْلَ الْغُرُوبِ بِقَدْرِ الْخُطْبَةِ وَالْجُمُعَةِ وَجُمْلَةِ الْعَصْرِ وَفِي الْجَوَاهِرِ اصْفِرَارُ الشَّمْسِ وَقِيلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ وَقَالَ مُطَرِّفٌ إِذَا صُلِّيَتْ بِغَيْرِ خُطْبَةٍ أُعِيدَتْ إِلَى الْمَغْرِبِ وَلَوْ صُلِّيَ الْعَصْرُ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَقِيلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ بِخَمْسِ رَكَعَاتٍ سِوَى زَمَانِ الْخُطْبَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ فَلَوْ خَرَجَ عَلَيْهِ وَقْتُهَا وَهُوَ فِيهَا فَرُوِيَ يُتِمُّهَا جُمُعَةً وَلَوْ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ إِنْ عَقَدَ مِنْهَا رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا أَتَمَّهَا وَإِلَّا فَظُهْرًا الشَّرْطُ الثَّانِي الْجَمَاعَةُ فَفِي الْجَوَاهِرِ غير محدودة وَلَا تجزي الْأَرْبَعَةَ وَمَا فِي مَعْنَاهَا بَلْ لَا بُدَّ مِمَّن تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ وَالشَّاذُّ أَنَّهَا مَحْدُودَةٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ بِثَلَاثِينَ بَيْتًا وَالْبَيْتُ مَسْكَنُ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ وَعِنْدَ ش بِأَرْبَعِينَ وَعِنْدَ رَبِيعَةَ ثَلَاثَة عَشَرَ وَعِنْدَ ح بِأَرْبَعَةٍ بِالْإِمَامِ لِأَنَّهُ عَدَدٌ يَزِيدُ عَلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ وَمَا عَدَاهُ مِنْ مَرَاتِبِ الْأَعْدَادِ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَاحْتَجَّ (ش) بِمَا يرْوى السُّنَّةِ أَنَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ فَمَا فَوْقَهَا جُمُعَةً وَنَقَلَ الْمَازِرِيُّ عَشَرَةَ أَقْوَالٍ عَدَمُ التَّحْدِيدِ وَاثْنَانِ وَثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَتِسْعَةٌ وَاثْنَا عَشَرَ وَمَا قَارَبَ الثَّلَاثِينَ وَأَرْبَعُونَ وَخَمْسُونَ وَمِائَتَانِ لَنَا أَنَّ من شَرطهَا الْإِقَامَة وَالْأَرْبَعَة وَنَحْوهَا لَا تمكنهم الْإِقَامَةُ وَلَا يُشْتَرَطُ الْأَرْبَعُونَ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَقْبَلَتْ عِيرٌ بِتِجَارَةٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَانْصَرَفَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ وَمَا بَقِيَ مَعَهُ عليه السلام غَيْرُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا فَنَزَلَتْ {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَو لهوا} قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَعْدَ الْخُطْبَةِ أَوْ فِيهَا جَمَاعَةٌ صَلَّى الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا إِذَا لَمْ يَرْجِعُوا قَالَ سَنَدٌ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ الْأَشْيَاخُ مُقْتَضَى الْمَذْهَب أَن

ص: 332

حُضُورَهُمُ الْخُطْبَةَ شَرْطٌ وَقَالَ الْبَاجِيُّ قَوْلُ أَصْحَابِنَا إِنَّ السَّعْيَ يَجِبُ بِالْأَذَانِ أَنَّهُ لَيْسَ شَرْطًا لِأَنَّ الْبَعِيدَ لَا يَأْتِي حَتَّى تَفْرَغَ الْخُطْبَةُ قَالَ سَنَدٌ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ وَهُوَ قَول ش وح قَوْلَانِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْمَوْعِظَةُ وَلَا تَحْصُلُ إِلَّا بِالْجَمَاعَةِ وَلِأَنَّهُ الْعَمَلُ قَالَ وَإِذَا ثَبَتَ وَجُوبُ حُضُورِهِمْ فَلَا يَخْطُبُ حَتَّى يَحْضُرُوا مَا بَقِيَ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ وَإِلَّا صَلَّى أَرْبَعًا فَإِنْ خَرَجُوا قَبْلَ تَمَامِهَا تَمَادَى وَحْدَهُ فَإِنْ أَتَوْا صَلَّى بِهِمْ عَلَى ظَاهِرِ الْكِتَابِ لِقَوْلِهِ إِذَا لَمْ يَرْجِعُوا وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ إِنْ حَضَرُوا مَا لَهُ بَالٌ أَجْزَأَ وَإِلَّا فَلَا فَإِنِ انْفَضُّوا بَعْدَ الْخُطْبَةِ وَأَيِسَ مِنْهُمْ صَلَّى أَرْبَعًا وَإِلَّا انْتَظَرَهُمْ إِلَى الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ فَإِنْ عَادُوا بِالْقربِ إجتزاوا بِالْخُطْبَةِ لِأَنَّ الْفَصْلُ الْيَسِيرَ لَا يَمْنَعُ وَإِنْ بَعُدَ الْوَقْتُ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ إِعَادَةُ الْخُطْبَةِ لِارْتِبَاطِهَا بِالصَّلَاةِ وَلِهَذَا يُعِيدُهَا الْوَالِي الثَّانِي إِذَا قُدِّمَ وَقِيلَ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ فَإِنِ انْفَضُّوا بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَالْمَذْهَبُ إِنْ يَئِسَ بَنَى عَلَى إِحْرَامِهِ أَرْبَعًا وَإِلَّا جَعَلَهُ نَافِلَةً وَانْتَظَرَهُمْ وَإِنِ انْفَضُّوا بَعْدَ رَكْعَةٍ قَالَ سَحْنُونٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَوِ انْفَضُّوا فِي التَّشَهُّد فَقَالَ أَشهب وَعبد الْوَهَّاب لَا يُتمهَا جُمُعَة لِأَن بِرَكْعَة تدْرك الصَّلَاةَ وَرَأَى سَحْنُونٌ أَنَّ شَرْطَ الِابْتِدَاءِ شَرْطُ الِانْتِهَاءِ فَإِنِ انْفَضَّ مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَبَقِيَ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ وَهُمْ جَمَاعَةٌ قَالَ سَحْنُونٌ لَا يَجْمَعُ خِلَافًا لِأَشْهَبَ لِأَنَّهُمْ تَبَعٌ فَلَا يَسْتَقِلُّونَ الشَّرْطُ الثَّالِثُ الْإِمَامُ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ هُوَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ وَالصِّحَّةِ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ السُّلْطَانِ وَلَا إِذْنُهُ وَقَالَهُ ش وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ يُشْتَرَطُ أَوْ رَجُلٌ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ لَا بُد مِمَّن

ص: 333

تُخَافُ مُخَالَفَتُهُ وَقَالَ ح لَا بُدَّ مِنَ السُّلْطَان لانه الْعَمَل وَقِيَاسًا على الْجِهَاد وَجَوَابه منع الاول الْعَمَلُ لِأَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه صَلَّى بِالنَّاسِ وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ وَكَانَ قَادِرًا عَلَى الِاسْتِئْذَانِ وَكَانَ سعيد بن العَاصِي أَمِيرَ الْمَدِينَةِ فَأُخْرِجَ مِنْهَا وَصَلَّى بِهِمْ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَذَلِكَ كَثِيرٌ وَعَنِ الثَّانِي الْقِيَاسُ على الصَّلَوَات الْخمس قَالَ سَنَد واذا لم يشْتَرط فَلَو تولاها لم يجزأن تُقَامَ دُونَهُ إِلَّا إِذَا ضَيَّعَهَا قَالَ مَالِكٌ لَوْ تَقَدَّمَ رَجُلٌ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لَمْ تُجْزِهِمْ لِأَنَّهُ مَحَلُّ اجْتِهَادٍ فَإِذَا رَتَّبَ الْحَاكِمُ فِيهِ شَيْئًا ارْتَفَعَ الْخِلَافُ أَمَّا إِذَا ضَيَّعَهَا سَقَطَ اتِّبَاعه فَلَو لَمْ يَتَوَلَّهَا السُّلْطَانُ اسْتُحِبَّ اسْتِئْذَانُهُ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ فِي إِذْنِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ إِذَا اسْتُنْكِرَ تَأْخِيرُ الْإِمَامِ جَمَعُوا لِأَنْفُسِهِمْ إِنْ قدرُوا وَإِلَّا صلوا أَرْبعا يتنفلون مَعَهُ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ عليه السلام يَا أَبَا ذَرٍّ كَيْفَ بِكَ إِذَا كَانَ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُمِيتُونَ الصَّلَاةَ أَوْ قَالَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرنِي؟ قَالَ صلى الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا فَإِذَا أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّهَا فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ قَالَ سَنَدٌ يُرِيدُ بِالتَّأْخِيرِ إِلَى الْعَصْرِ فَإِذَا صَلَّوُا الظُّهْرَ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُصَلُّونَ أَفْذَاذًا تَشْبِيهًا بِمَنْ فَاتَتْهُ وَلَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَقَدْ صَلَّى رَكْعَةً قَالَ الْأَبْهَرِيُّ يُتِمُّهَا بِهِمْ جُمُعَةً

ص: 334

وَإِلَّا أَتَمَّهَا أَرْبَعًا وَقَالَ ش إِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ فَرَاغِهَا أَتَمَّهَا أَرْبَعًا وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ إِنْ أَحْرَمَ فِي وَقْتِهَا أَتَمَّهَا جُمُعَةً وَقَالَ ح لَا يَبْنِي وَيَسْتَأْنِفُ أَرْبَعًا وَالْمَشْهُورُ اتمامها جُمُعَة واذا صَلَّوْا ظُهْرًا ثُمَّ أَتَى الْإِمَامُ فِي الْوَقْتِ لَزِمَهُمُ الْإِعَادَةُ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ يَتَنَفَّلُونَ مَعَهُ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَصَّارِ يَجُوزُ تَأْخِير الْجُمُعَة الى الْغُرُوب تَلْزَمُهُمُ الْإِعَادَةُ وَإِذَا قُلْنَا لَا تَلْزَمُهُمْ فَيُعِيدُونَ بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ كَإِعَادَةِ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ فَإِنْ تَأَخّر مَعَه جمَاعَة غَيرهم أجزائهم وَإِلَّا فَلَا الشَّرْطُ الرَّابِعُ الْمَسْجِدُ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ هُوَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ وَالصِّحَّةِ عَلَى رَأْيِ مَنْ يَشْتَرِطُ فِيهِ الْبُنْيَانَ وَأَمَّا عَلَى رَأْي من لَا يَشْتَرِطه بل يَكْتَفِي بالفضاء إِذَا حُبِسَ وَعُيِّنَ لِلصَّلَاةِ وَحُكِمَ لَهُ بِالْمَسْجِدِ يَكُونُ شَرْطًا فِي الصِّحَّةِ فَقَطْ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَتَعَذَّرُ وَأَفْتَى الْبَاجِيُّ إِذَا انْهَدَمَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ لَا تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ قَالَ وَهُوَ يُعِيد بَلْ تُقَامُ فِيهِ لِأَنَّهُ يُسَمَّى مَسْجِدًا حِينَئِذٍ وَحُكْمُهُ فِي التَّعْظِيمِ الشَّرْعِيِّ حُكْمُ الْمَسْجِدِ وَقَالَ الْبَاجِيُّ لَا تُقَامُ إِلَّا فِي الْجَامِعِ فَلَوْ مَنَعَ مَانِعٌ لَمْ تُقَمْ فِي الْمَسَاجِدِ حَتَّى يحكم الامام لوَاحِد مِنْهُمَا بِكَوْنِهِ جَامِعًا قَالَ وَهُوَ بَعِيدٌ بَلْ تُقَامُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ نَقْلِ حُكْمٍ إِلَيْهِ قَالَ فَإِن قيل لَو جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ لِلرَّاعِفِ أَنْ يُتِمَّ بَقِيَّةَ الْجُمُعَةِ فِي بَعْضِ الْمَسَاجِدِ قَالَ قُلْتُ قَدْ جَوَّزَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَإِنْ مَنَعْنَا فَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ الصَّلَاةَ فِي الْجَامِعِ ابْتِدَاءً وَفِي الْجَوَاهِرِ يُشْتَرَطُ فِي ذَلِك الْبُنيان الْمُعْتَاد للمساجد وَأَن يتَّفق عَلَى الِاجْتِمَاعِ فِيهِ عَلَى التَّأْبِيدِ فَكُلُّ جَامِعٍ مَسْجِد وَلَيْسَ كل مَسْجِد جَامعا

ص: 335

واستقرأ الصَّالِحِي عدم وُجُوبه استقراء بَاطِلا وَدَلِيلُ وَجُوبِهِ قَوْله تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} وَالنِّدَاءُ إِنَّمَا يَكُونُ عَادَةً فِي الْمَسَاجِدِ لِلْعَمَلِ قَالَ سَنَد وَلَا يكون عِنْدَ مَالِكٍ إِلَّا دَاخِلَ الْمَصْرِ وَجَوَّزَ ح مُصَلَّى الْعِيدِ لِشِبْهِ الْجُمُعَةِ بِالْعِيدِ لَنَا أَنَّهُ مَكَانٌ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ فَيَكُونُ مُنَافِيًا لِوُجُوبِ الْجُمُعَةِ قَاعِدَةٌ مَتَّى كَانَ فِعْلُهُ عليه السلام بَيَانًا لِمُجْمَلٍ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ ذَلِكَ الْمُجْمَلِ إِنْ وَاجِبًا فَوَاجِبٌ وَإِنْ مُبَاحًا فَمُبَاحٌ لِأَنَّ الْبَيَان مُرَاد للمتكلم حَالَةَ التَّخَاطُبِ فَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَآيَةُ الْجُمُعَةِ مُجْمَلَةٌ لَمْ تَدُلَّ عَلَى خُصُوصِ صَلَاةٍ فَيُحْتَمَلُ الصُّبْحُ وَالظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالسِّرُّ وَالْجَهْرُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَبَيَّنَ عليه السلام جَمِيعَ ذَلِكَ فَجَمِيعُ بَيَانِهِ يَكُونُ وَاجِبًا إِلَّا مَا دَلَّ الدَّلِيل على خِلَافه فبهذه الْقَاعِدَة يسْتَدلّ عَلَى وُجُوبِ الْمَسْجِدِ وَالْخُطْبَةِ وَسَائِرِ الْفُرُوضِ فُرُوعٌ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ لَا يُصَلَّى فِي الْمَوَاضِعِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا حَوْلَ الْمَسْجِدِ وَإِنْ أَذِنَ أَهْلُهَا فِي ذَلِكَ قَالَ سَنَدٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيُعِيدُونَ وَإِنْ ذَهَبَ الْوَقْتُ

ص: 336

لِأَنَّ عَدَمَ الْحَجْرِ مِنْ خَوَاصِّ الْمَسْجِدِ فَإِذَا عدم افقد الشَّرْط ولان السَّعْي وَاجِب وَتجوز ذَلِكَ يُبْطِلُهُ بِخِلَافِ الطُّرُقِ فَإِنَّهَا لَا تُبْطِلُ السَّعْيَ وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ يُكْرَهُ فَإِنِ اتَّصَلَتِ الصُّفُوفُ صَحَّ اعْتِبَارًا بِحَجْرِ أَزْوَاجِهِ عليه السلام وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحُجَرَ كُنَّ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ جَرِيدٍ وَمُسُوحِ الشَّعْرِ وَلَمْ يَفُتِ الشَّرْطُ أَوْ بِأَنَّهَا كَانَتْ تُدْخَلُ بِغَيْرِ إِذْنٍ وَقَالَ مَالِكٌ لَيْسَتْ مِنَ الْمَسْجِدِ بَلْ أَبْوَابُهَا شَارِعَةٌ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ الْمَسْجِدُ يَضِيقُ عَلَى أَهْلِهِ فَيَتَّسِعُ النَّاسُ بِهَا وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَتَّجِهُ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ لَامْتَنَعَ الْوَطْءُ وَاللُّبْثُ فِي زمن الْحيض والجنابة الثَّانِي فِي الْجُلَّابِ لَا يُصَلَّى فِي بَيْتِ الْقَنَادِيلِ وَلَا عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ وَفِي الْكِتَابِ يُعِيد بعد الْوَقْت أَرْبعا قَالَ سَنَد وروى مطرف وَعبد الْملك الْجَوَاز وَقَالَهُ اشهب واصبغ لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنَ الْأَفْنِيَةِ فَإِنَّ أَهْوِيَةَ الْأَوْقَافِ أَوْقَافٌ سُؤَالٌ قَدْ حَنَّثَهُ مَالِكٌ إِذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَصَعِدَ السَّطْحَ جَوَابُهُ أَنَّهُ احْتِيَاطٌ فِي الصُّورَتَيْنِ وَالْحِنْثُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الصَّلَاةِ بِدَلِيلِ التَّحْنِيثِ بِأَكْلِ اللُّبَابَةِ مِنَ الرَّغِيفِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَهِيَ لَيْسَتْ رَغِيفًا عُرْفًا وَلَا لُغَة الثَّالِثُ جُوِّزَ فِي الْكِتَابِ الصَّلَاةَ فِي الْأَفْنِيَةِ الْمُبَاحَةِ وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ بِهَا الصُّفُوفُ

ص: 337

إِذَا ضَاقَ الْمَسْجِدُ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لَمَّا تَعَذَّرَ لَمْ يُعْتَبَرِ الصَّفُّ وَفِي الطُّرُقِ ذَاتِ الْأَرْوَاثِ إِذَا ضَاقَ الْمَسْجِدُ وَحَكَى اللَّخْمِيُّ عَنْ سَحْنُونٍ مَنْعَهُ الْقِسْمُ الثَّانِي شُرُوطُ الْوُجُوبِ دُونَ الصِّحَّةِ وَهِيَ سِتَّةٌ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ فِي الْجَوَاهِرِ الْبُلُوغُ وَالْإِقَامَةُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورِيَّةُ وَنَقَلَ ابْن شعْبَان عَن مَالك الْوُجُوب فِي الْعَبْدِ لَنَا قَوْلُهُ عليه السلام فِي أَبِي دَاوُدَ الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جمَاعَة الا أَرْبَعَة عبد مَمْلُوك وَامْرَأَة أَو صبي أَو مَرِيض وَأَنَّهُ عليه السلام كَانَ مُسَافِرًا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَلَمْ يُصَلِّ الْجُمُعَةَ قَالَ سَنَدٌ وَفِي الْكِتَابِ يَغْتَسِلُ مَنْ حَضَرَ مِنْهُمْ وَيُكْرَهُ لِلشَّابَّةِ الْحُضُورُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْعَبْدِ إِنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ وَفِي الْجُلَّابِ يُسْتَحَبُّ لِلْمُكَاتَبِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ تَمْهِيدٌ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ إِحْدَى الصَّلَاتَيْنِ إِمَّا الظُّهْرُ أَوِ الْجُمُعَةُ فَمُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ الَّذِي هُوَ مَفْهُومُ إِحْدَاهُمَا وَلَا تَخْيِيرَ فِيهِ وَالْخُصُوصُ مُتَعَلِّقُ التَّخْيِيرِ وَلَا إِيجَابَ فِيهِمَا كَمَا قُلْنَا فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ فَكَمَا يَتَّصِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ بِالْوُجُوبِ وَتَبْرَأُ الذِّمَّةُ بِهِ فَكَذَلِكَ هَهُنَا وَلَيْسَت ذَلِكَ مِنْ بَابِ إِجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنِ الْوَاجِبِ وَكَذَلِكَ الْمُسَافِرُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَحَدُ الشَّهْرَيْنِ رَمَضَانُ أَوْ شَهْرُ الْقَضَاءِ وَإِحْدَى الصَّلَاتَيْنِ الْقَصْرُ أَوِ الْإِتْمَامُ

ص: 338

الشَّرْطُ الْخَامِسُ الِاسْتِيطَانُ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ دُونَ الصِّحَّةِ وَفِي الْكِتَابِ يُجْمَعُ فِي الْقَرْيَةِ ذَاتِ الْأَسْوَاقِ كَانَ لَهَا وَالٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَمَرَّةً لَمْ يَذْكُرِ الْأَسْوَاقَ لَنَا أَنَّ قَبَائِلَ الْعَرَبِ كَانَتْ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ عليه السلام بِإِقَامَتِهَا وَاشْتَرَطَ ح أَنْ يَكُونَ مِصْرًا وَفِيهِ مَنْ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ مُحْتَجًّا بِمَا يُرْوَى أَنَّهُ عليه السلام قَالَ لَا جُمُعَة وَلَا تشريف إِلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ وَجَوَابُهُ مَنْعُ الصِّحَّةِ وَفِي أَبِي دَاوُدَ أَوَّلُ جُمُعَةٍ جُمِعَتْ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ جُمُعَةٍ جُمِعَتْ فِي مَسْجِدِهِ عليه السلام لجمعة جُمِعَتْ بِجُوَاثَاءَ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْبَحْرَيْنِ قَالَ سَنَدٌ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ اشْتِرَاطُ السُّوقِ فِي الْقَرْيَةِ لِتَوَقُّفِ الِاسْتِيطَانِ عَلَيْهِ عَادَةً قَالَ فَلَوْ مَرَّتْ جَمَاعَةٌ بَقَرْيَةٍ خَالِيَةٍ يَنْزِلُونَهَا شَهْرَيْنِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِنْ أَقَامُوا سِتَّةَ أَشْهُرٍ جَمَعُوا وَإِلَّا فَلَا قَالَ الْبَاجِيُّ إِنْ عَلَّلْنَا بِالِاسْتِيطَانِ لَمْ يجمعوا أَو بالاقامة جمعُوا وَالْأول الْأَظْهر فان أهل العمود مقيمون وَلَا يَجْمَعُونَ قَالَ فِي الْكِتَابِ يَجْمَعُ أَهْلُ الْأَخْصَاصِ وَمَنَعَ فِي غَيْرِ الْكِتَابِ وَرَأَى أَنَّ الْبُنْيَانَ مِنْ شِعَارِ الْأَمْصَارِ وَإِذَا جَوَّزْنَا فِي الْأَخْصَاصِ فَقَدْ مَنَعَ مَالِكٌ فِي الْخِيَمِ وَجَوَّزَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ الْخُصَّ أَشْبَهُ بِالْبُنْيَانِ وَكَانَ مَسْجِدُهُ عليه السلام عَرِيشًا كَالْخُصِّ وَالْخِيَامُ أَشْبَهُ بِالسُّفُنِ لِانْتِقَالِهَا وَفِي الْكِتَابِ إِذَا مَرَّ الْأَمِيرُ مُسَافِرًا بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَى عَمَلِهِ تُجْمَعُ فِي مِثْلِهَا الْجُمُعَةُ جَمَعَ بِهِمْ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُجْمَعُ فِي

ص: 339

مثلهَا أعادوا هم وَهُوَ اما الأولى فَلِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه جَمَعَ بِأَهْلِ مَكَّةَ وَهُوَ مُسَافِرٌ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إِجْمَاعًا وَلِأَنَّهَا كَانَتْ تَجِبُ عَلَى نَائِبِهِ فِي الْمَكَانِ وَتَصِحُّ مِنْهُ فَإِذَا حَضَرَ الْأَصْلُ فَهُوَ أوفق بِذَلِكَ أَوْ تَقْدِيمًا لِمَصْلَحَةِ حُرْمَةِ الْإِمَامَةِ بَعْدَ تقدم الْغَيْرِ كَمَا قُلْنَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ مَعَ الْأَعْلَمِ مِنْهُ وَمَعَ الْأَبْلَغِ دُعَاءً مِنَ الْقَرَابَةِ فِي الْجَنَائِز وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُجْزِئُ عَنِ الظُّهْرِ قَالَ سَنَدٌ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ تجزيء الإِمَام والمسافرين لَان ظهْرهمْ رَكْعَتَانِ والجهر وَقع مِنْهُ بِالتَّأْوِيلِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ إِذَا شَهِدَا الْجُمُعَةَ أَنَّهَا تَصِحُّ مَعَ فِقْدَانِ بَعْضِ الشُّرُوطِ فِي حَقِّ هَذَا وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَسْتَوْطِنُ فِيهِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنَ الْمُسَافِرين أَنهم اذا استخلفوا لَا تجزيهم ان فِعْلَهُ يَجْرِي مَجْرَى حُكْمِ الْحَاكِمِ فِي إِسْقَاطِ الشُّرُوطِ بِخِلَافِهِمْ الشَّرْطُ السَّادِسُ الْكَوْنُ فِي مَسَافَةِ سَمَاعِ النِّدَاءِ فِي الْكِتَابِ يَشْهَدُهَا مَنْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ أَزْيَدَ يَسِيرًا مِنَ الْمَدِينَةِ لِأَنَّهُ الَّذِي يُسْمَعُ مِنْهُ النِّدَاءُ غَالِبًا مَعَ انْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ وَقَالَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَ ش الِاعْتِبَارُ بِسَمَاعِ النِّدَاءِ وَقَالَ ح لَا تَجِبُ عَلَى الْخَارِجِ عَنِ الْمَدِينَةِ أَلْبَتَّةَ مُحْتَجًّا بِأَنَّ عُثْمَانَ رضي الله عنه أَذِنَ يَوْمَ الْعِيدِ لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ لِأَهْلِ الْعَوَالِي أَنْ يَنْصَرِفُوا لَنَا قَوْله تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ من يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا} مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ وَفِي أَبِي دَاوُدَ الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ وَفِي التِّرْمِذِيِّ أَمَرَهُمْ عليه السلام أَنْ يَشْهَدُوا الْجُمُعَةَ مِنْ قُبَاءٍ قَالَ سَنَد وأجمعت الامة على الْوُجُوب على من حواه الْمِصْرِ سَوَاءً سَمِعَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْ

ص: 340

وَاعْتَبَرَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ الثَّلَاثَةَ الْأَمْيَالِ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ مِنَ الْجَامِعِ لِئَلَّا تَجِبَ مِنْ خَمْسَةِ أَمْيَالٍ فَأَكْثَرَ وَفِي الْجَوَاهِرِ الْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ مَكَانُهُ وَقْتَ وُجُوبِ السَّعْي عَلَيْهِ دون مَكَانِ مَنْزِلِهِ وَلَيْسَ لِمَنْ هُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ اميال إِقَامَتهَا لوُجُوب السَّعْي عَلَيْهِم وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ لَا يُقِيمُونَهَا إِلَّا بَعْدَ سِتَّةَ أَمْيَالٍ لِأَنَّ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ يُوجِبُ السَّعْيَ عَلَى مَنْ دُونَهُمْ اليهم وَالِي الْمَدِينَة فَيلْزم عصيانهم بِأَحَدِهِمَا فيمنعون لنفي التَّشْوِيشِ عَنِ الْمُتَوَسِّطِينَ وَقَالَ الْبَاجِيُّ يُقِيمُونَهَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ فَمَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السَّعْيُ يجب عَلَيْهِ اقامتها وَلَا يُقِيمُونَهَا إِلَّا بَعْدَ بَرِيدٍ لِتَعَلُّقِهِمْ بِالْمَدِينَةِ فِي سوقها ومشاهدة بيدائها قَالَ سَنَدٌ فَلَوْ صَلَّى أَهْلُ الْقَرْيَةِ الْقَرِيبَةِ فِي جَامِعِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الْبَعِيدَةِ الظَّاهِرُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ لِأَنَّ جُمُعَتَهُمْ بِالْمِصْرِ بِالْجَامِعِ الْعَتِيقِ وَيُحْتَمَلُ الْإِجْزَاءُ لِصَلَاتِهِمْ خَلْفَ مَنْ صَحَّتْ جُمُعَتُهُ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْعَتِيقُ فِي حَقِّ أَهْلِ الْمِصْرِ الْقِسْمُ الثَّالِثُ شَرْطُ الصِّحَّةِ فَقَطْ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ وَهُوَ الْخُطْبَةُ وَفِيهِ فُرُوعٌ تِسْعَةٌ الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ الْخُطَبُ كُلُّهَا سَوَاءٌ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا لَا يُسَلِّمُ عَلَى النَّاسِ إِذَا صَعِدَ وَيَجْلِسُ فِي خُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ قَبْلَهَا وَفِي الْجُمُعَةِ حَتَّى يُؤَذِّنَ الْمُؤَذِّنُ وَفِي الْجَمِيعِ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ كَانَ عليه السلام يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ وَكَانَ يَجْلِسُ إِذَا صَعِدَ عَلَى الْمِنْبَرِ حَتَّى يَفْرَغَ الْمُؤَذِّنُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ ثُمَّ يَجْلِسُ فَلَا يَتَكَلَّمُ حَتَّى يَقُومَ فَيَخْطُبُ قَالَ سَنَد

ص: 341

قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْجَلْسَةُ لَيْسَتْ وَاجِبَةً وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ وُجُوبُهَا وَمِقْدَارُهَا جَلْسَةٌ بَين السَّجْدَتَيْنِ وَأما عدم السَّلَام فلمالك وح خلافًا ش مُحْتَجًّا بِمَا يُرْوَى عَنْهُ عليه السلام كَانَ إِذَا دَنَا مِنْ مِنْبَرِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَلَّمَ عَلَى مَنْ عِنْدَ مِنْبَرِهِ مِنَ الْجُلُوسِ واذا صعد اسْتقْبل بِوَجْهِهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِنْ كَانَ مَعَهُمْ لَا يُسَلِّمُ وَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ سَلَّمَ إِذَا صَعِدَ وَاسْتَقْبَلَهُمْ لَنَا عَمَلُ الْمَدِينَةِ قَالَ اللَّخْمِيُّ إِذَا خَرَجَ سَلَّمَ عَلَى مَنْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ وَحَكَى الْخِلَافَ فِيمَا عَدَا حَالَةَ الْخُرُوجِ قَالَ سَنَدٌ فَإِذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ وَثَمَّ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمُ الْجُمُعَةُ خَطَبَ وَإِلَّا فَلَا وَالْقِيَامُ مِنْ سُنَّتِهَا وَقَالَ ش شَرْطٌ وَقَالَ ح وَابْنُ حَنْبَلٍ يَجُوزُ أَنْ يَخْطُبَ قَاعِدًا لَنَا أَنَّهَا السّنة وأبلغ فِي الاسماع وَلَنَا عَلَى ش الْقِيَاسُ عَلَى تَرْكِ الْمِنْبَرِ الثَّانِي فِي الْكِتَابِ يَجُوزُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ لِلْخَطِيبِ وَلَا يَكُونُ لَاغِيًا بِذَلِكَ وَلَا مَنْ يُجَاوِبُهُ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ عليه السلام يَوْمَ الْجُمُعَة وَعمر بن الْخطاب رضي الله عنهم يَخْطُبُ فَقَالَ عُمَرُ أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ؟ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ انْقَلَبْتُ مِنَ السُّوقِ فَسَمِعْتُ النِّدَاءَ فَمَا زِدْتُ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْتُ فَقَالَ عمر الْوضُوء أَيْضا؟ وَقيل الرجل عُثْمَان الثَّالِثُ فِي الْكِتَابِ يُسْتَحَبُّ لِإِمَامِ الْمِنْبَرِ الِاتِّكَاءُ عَلَى الْعَصَا لِأَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَتَوَكَّأُ عَلَى الْعَصَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ قَالَ سَنَدٌ وَحِكْمَتُهَا مَنْعُ الْيَدِ مِنَ الْعَبَثِ وَمَسْكِ اللِّحْيَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَالْقَوْسُ عِنْدَ مَالِكٍ مِثْلُ الْعَصَا وَرُوِيَ عَنْهُ لَا يَتَوَكَّأُ عَلَى قَوْسٍ إِلَّا فِي السَّفَرِ لِأَنَّ الْعَصَا السُّنَّةُ وَلَيْسَ لَهُ سُنَّةٌ فِيمَا يَصْنَعُ بِيَدَيْهِ يُرْسِلُهُمَا أَوْ يقبض الْيُسْرَى باليمنى وَاسْتحبَّ بَين تَحْرِيكُ جَسَدِهِ وَيَدَيْهِ وَلَمْ يُحَدِّدْ ذَلِكَ مَالِكٌ وَفِي الْجَوَاهِر

ص: 342

يَبْدَأُ بِالْحَمْدِ وَيَخْتِمُ بِقَوْلِهِ يَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فَإِنْ قَالَ اذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ فَحَسَنٌ وَيُؤْمَرُ بِالطَّهَارَةِ فِي الْخُطْبَةِ وَهَلْ ذَلِكَ عَلَى النَّدْبِ أَوْ عَلَى الْوُجُوبِ؟ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ قَوْلَانِ وَيُؤْمَرُ بِرَفْعِ الصَّوْتِ وَلِذَلِكَ اتُّخِذَ الْمِنْبَر الرَّابِعُ فِي الْكِتَابِ إِذَا أَحْدَثَ فِي الْخُطْبَةِ اسْتَخْلَفَ مَنْ يُتِمُّ بِهِمُ الْخُطْبَةَ وَالصَّلَاةَ وَكَذَلِكَ إِذَا أَحْدَثَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ قَالَ سَنَدٌ أَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْوُضُوءَ فِي صَحْنِ الْجَامِعِ وَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَلَوْ فِي طَسْتٍ فَإِذَا تَوَضَّأَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يَبْتَدِئُ الْخُطْبَةَ وَقَالَ أَشْهَبُ يَبْنِي إِنْ قَرُبَ فَإِنْ عَادَ بَعْدَ الِاسْتِخْلَافِ فَالْخَلِيفَةُ أَوْلَى بِالْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ لِثُبُوتِ حُكْمِ الْإِمَامَةِ لَهُ وَلَوْ تَقَدَّمَ الْأَوَّلُ لَجَازَ وَيَخْتَلِفُ إِذَا أَخْرَجَهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِك فِي الِاسْتِخْلَاف وَكره فِي الْكِتَابِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَى الصَّلَاةِ مَنْ لَمْ يَشْهَدِ الْخُطْبَةَ فَإِنْ فَعَلَ جَازَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ وَإِذَا صَحَّحْنَا فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُعِيدَ الْخُطْبَةَ فَلَوِ اسْتَمَرَّ عَلَى الْخُطْبَةِ بَعْدَ الْحَدَثِ فَكَرِهَهُ فِي الْكِتَابِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي الْخُطْبَةِ وَقَالَ سَحْنُونٌ إِنْ خَطَبَ جُنُبًا أَعَادَ الصَّلَاةَ أَبَدًا وَالْمُدْرَكُ أَنَّهُ ذِكْرٌ فِي الصَّلَاةِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالتَّكْبِيرِ فَإِنِ اسْتَخْلَفَ من لم يدْرك الاحرام مَعَه بَلْ أَحْرَمَ بَعْدُ مِنْ خَلْفِهِ وَكَانَ قَدْ دَخَلَ مَعَهُ طَائِفَةٌ فَلِلْأَصْحَابِ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ لِلْجَمِيعِ لَان احرام الْأَوَّلين قبل إمَامهمْ وَصَلَاة الآخرين بِغَيْر خطْبَة والإجزاء أَيْضًا وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَلَوِ اسْتَخْلَفَ مَنْ دَخَلَ خَلْفَهُ فَشَكَّ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي الْإِحْرَامِ أَعَادُوا كُلُّهُمُ الْجُمُعَةَ وَفِي الْجُلَّابِ إِذَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ اسْتَخْلَفَ عَلَيْهِمْ فَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفِ اسْتَخْلَفُوا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا وَصَلَّوْا أَفْذَاذًا ظُهْرًا أَرْبَعًا

ص: 343

أَجْزَأَهُمْ قَالَ سَنَدٌ قَوْلُهُ أَجْزَأَهُمْ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ الْجُمُعَةُ فَلَا يُجْزِيهِمُ الظُّهْرُ مَا أمكنهم الْجُمُعَة الْخَامِسُ فِي الْكِتَابِ إِذَا قَدِمَ وَالٍ بَعْدَ الْخُطْبَةِ يَبْتَدِئُهَا لِأَنَّ الْجُمُعَةَ مِنَ الْأَحْكَامِ الِاجْتِهَادِيَّةِ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ هَلْ تَفْتَقِرُ لِلسُّلْطَانِ أَمْ لَا؟ فَإِذَا وَلِيَهَا السُّلْطَانُ فَقَدِ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ كَحُكْمِ الْحَاكِمِ إِذَا اتَّصَلَ بِالْقَضَايَا فَلَا تَصِحُّ إِلَّا مِنْهُ ويليه وَكِيلُهُ وَالْوَكِيلُ إِذَا عُزِلَ فِي أَثْنَاءِ تَصَرُّفِهِ الْمُرْتَبِطِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ سَقَطَ اعْتِبَارُ مَا مَضَى مِنْهُ قَالَ سَنَدٌ فَإِنْ صَلَّى بِخُطْبَةِ الْأَوَّلِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَسَحْنُونٌ لَا تُجْزِيهِمْ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ لِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَعَزَلَهُ وَهُوَ يَخْطُبُ فَلَمَّا فَرَغَ صَلَّى أَبُو عُبَيْدَةَ وَكَمَا لَوْ أَحْدَثَ فَتَقَدَّمَ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَلَوْ تَمَادَى الْأَوَّلُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالثَّانِي حَتَّى صَلَّى فَرَضِيَ بِذَلِكَ الثَّانِي قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُعِيدُونَ أَبَدًا فَلَوْ أَذِنَ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ أَجْزَأَتْهُمْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ إِنْ أَعَادُوا الْخُطْبَةَ لِأَنَّهُ اسْتِخْلَافٌ مِنَ الثَّانِي فِيمَا كَانَ يَفْعَلُهُ فَلَوْ قَدِمَ الثَّانِي بَعْدَ رَكْعَة قَالَ ابْن الْمَوَّاز يُعِيدُونَ الْخُطْبَةَ وَالصَّلَاةَ فَإِنْ قَدِمَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْت قَالَ بعض الْقرَوِيين يعيدون وَهَذَا يَتَخَرَّجُ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ بِالْعَزْلِ لَيْسَ بِشَرْط وعَلى القَوْل بشرطيته لَا يعيدون السَّادِسُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ إِذَا خطب بِمَالِه بَالٌ أَجْزَأَ وَإِلَّا أَعَادُوا الْخُطْبَةَ وَالصَّلَاةَ قَالَ سَنَدٌ وَقَالَ مَالِكٌ إِذَا سَبَّحَ أَوْ هَلَّلَ وَلم يخْطب أعادوا مَا لم يصل فاذا صَلَّى فَلَا وَقَالَ مُطَرِّفٌ يَكْفِي أَدْنَى شَيْءٍ وَقَالَ ح يَكْفِي تَسْبِيحَةٌ أَوْ تَهْلِيلَةٌ وَوَافَقَ ش ابْنَ الْقَاسِمِ مُرَاعَاةً لِلِاسْمِ وَالْعَمَلِ وَجْهُ قَول

ص: 344

مُطَرِّفٍ قَوْله تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ قَالَ وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى اسْتِحْسَانِ قِصَرِ الْخُطْبَةِ وَفِي مُسْلِمٍ طُولُ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرُ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ فَأَطِيلُوا الصَّلَاة وأقصروا الْخطْبَة قَالَ غَيره وَالثَّانيَِة أَقْصَرُ مِنَ الْأُولَى قَالَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْخُطْبَةِ وَلَا يَجِبُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ مُحْتَجِّينَ بِقِيَاسِ الْخُطْبَتَيْنِ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَكَانَ عليه السلام لَا يَتْرُكُ فِي خُطْبَتِهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قولا سديدا إِلَى قَوْله عَظِيما} قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى سُورَةً تَامَّةً مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَكَانَ عُمَرُ ابْن عبد الْعَزِيز يقْرَأ ب {أَلْهَاكُم التكاثر} وَتَارَةً بِالْعَصْرِ فَاسْتِحْبَابُ الْإِكْمَالِ قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ وَالْقِصَرِ لِاسْتِحْبَابِ قِصَرِ الْخُطْبَةِ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَقْرَأُ بِسُورَةٍ فِيهَا سَجْدَةٌ فَإِنْ فَعَلَ فَلَا يَنْزِلُ لِلسَّجْدَةِ وَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَرَأَ سَجْدَة عَلَى الْمِنْبَرِ فَنَزَلَ فَسَجَدَ قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ الْعَمَل على النُّزُول خلافًا لاشهب وح وش لِأَنَّ عُمَرَ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِلتَّعْلِيمِ فَإِنِ ارْتَجَّ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُفْتَحُ عَلَيْهِ فِي الْقِرَاءَة دُونَ الْخُطْبَةِ لِإِرْشَادِ بَعْضِ الْقِرَاءَةِ لِبَعْضِهَا بِخِلَافِ الْخُطْبَةِ قَالَ سَنَدٌ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْخُطْبَةُ وَاحِدَةً يُكَرِّرُهَا كُلَّ جُمُعَةٍ وَتُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ عليه السلام وَأَوْجَبَهَا ش وَالْحَمْدُ وَالْوَصِيَّةُ بالتقوى السَّابِعُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ إِذَا جَهِلَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ يُعِيدُ الصَّلَاةَ وَتُجْزِئُ الْخُطْبَةُ لِأَنَّ الشَّرْطَ يَتَقَدَّمُ الْمَشْرُوطَ

ص: 345

قَالَ سَنَدٌ فَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ صَلَّوْا أَرْبَعًا الا عِنْد عبد الْملك لعدم ايجابه الْخطْبَة الثَّامِنُ فِي الْكِتَابِ مَنْ خَرَجَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ فِي صَلَاةٍ أَتَمَّهَا وَلَا يَبْتَدِئُ صَلَاةً بَعْدَ خُرُوجِهِ وَقَالَهُ ح وَقَالَ ش وَابْنُ حَنْبَلٍ يُحَيِّي الْمَسْجِدَ بَعْدَ خُرُوجِهِ مُحْتَجِّينَ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ جَابر بَيْنَمَا النَّبِي عليه السلام يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ عليه السلام أَصَلَّيْتَ يَا فُلَانُ؟ قَالَ لَا قَالَ قُمْ فَارْكَعْ وَيُرْوَى إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا وَجَوَابُهُ أَنَّهَا قَضِيَّةُ عَيْنٍ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عليه السلام تَرَكَ الْخَطَابَةَ حِينَ الصَّلَاةِ أَوْ كَانَ ذَا فَاقَةٍ فَقَصَدَ عليه السلام أَنْ يُشَاهِدَهُ النَّاسُ أَوْ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِمَا يُرْوَى مِنَ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ وَيُعَضِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ عليه السلام إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ فَنَهَى عَنِ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ فَأَوْلَى الْمَنْدُوبُ قَالَ سَنَدٌ وَلِهَذَا تَرَكَ الْخُطَبَاءُ الرُّكُوعَ إِذَا خَرَجُوا اشْتِغَالًا بِالْخُطْبَةِ الَّتِي هِيَ أهم قَالَ وَقَالَ مَالك أَيْضا لَهُ التنقل بَعْدَ الْخُرُوجِ حَتَّى يَرْقَى الْمِنْبَرَ فَإِنْ أَحْرَمَ بَعْدَ الْجُلُوسِ عِنْدَ الْأَذَانِ فَلِمَالِكٍ يَقْطَعُ لِعَدَمِ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَلَا يَقْطَعُ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ وَاجِبًا وَلَوْ دَخَلَ فَأَحْرَمَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَوْلَانِ إِذْ لَا فرق بَين المسئلتين قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هَذَا الْخِلَافُ فِي الدَّاخِلِ أَمَّا الْجَالِسُ فِي الْمَسْجِدِ فَيَقْطَعُ قَوْلًا وَاحِدًا اذ لَا خلاف فِيهِ التَّاسِعُ فِي الْكِتَابِ لَا يَذْكُرُ إِلَّا الشَّيْءَ الْخَفِيفَ فِي نَفْسِهِ وَيُنْصِتُ مِنْ بُعْدٍ كَمِنْ

ص: 346

قُرْبٍ خِلَافًا لِابْنِ حَنْبَلٍ لِأَنَّ عُثْمَانَ رضي الله عنه كَانَ إِذَا خَطَبَ يَقُولُ إِذَا قَامَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَاسْتَمِعُوا وَأَنْصِتُوا فان للمنصت الَّذِي لَا يسمع من الْحَظ مِثْلَ مَا لِلْمُنْصِتِ السَّامِعِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إِجْمَاعًا قَالَ سَنَدٌ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يُشَمِّتُ الْعَاطِسَ سِرًّا وَلَا جَهْرًا وَلَا يَرُدُّ سَلَامًا وَلَا يَشْرَبُ الْمَاءَ لِوُجُوبِ الْإِنْصَاتِ وَيُسْكِتُ النَّاسَ بِالتَّسْبِيحِ لِأَنَّهُ أُبِيحَ فِي الصَّلَاةِ وَبِالْإِشَارَةِ وَلَا يَحْصِبُهُمْ لِمَا فِي مُسْلِمٍ قَالَ عليه السلام مَنْ حَرَّكَ الْحَصْبَاءَ لَغَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَالْأَمْرُ فِي التَّحْصِيبِ وَاسِعٌ فَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما رَأَى مُتَحَدِّثَيْنِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَحَصَبَهُمَا إِلَى أَنْ صَمَتَا قَالَ الْمَازِرِيُّ وَيَجِبُ الْإِنْصَاتُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ قَالَ وَمُقْتَضى تَعْلِيل الْمَذْهَب إِيقَاع الصُّبْحِ الْمَنْسِيَّةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَقَدْ قَالَهُ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ لِأَنَّهُ يَتْرُكُ الْوَاجِبَ لِمَا هُوَ أَوْجَبُ مِنْهُ قَالَ سَنَدٌ فَلَوْ لَغَا الْإِمَامُ بِلَغْوِ أَحَدٍ قَالَ مَالِكٌ يُنْصِتُونَ وَلَا يَتَكَلَّمُونَ لِاحْتِمَالِ عَوْدِهِ إِلَى الْخُطْبَةِ قَالَ أَشْهَبُ وَلَا يَقْطَعُ ذَلِكَ خُطْبَتَهُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُنْصِتُونَ وَلَا يَتَحَوَّلُونَ عَنْهُ فَلَوِ اشْتَغَلَ بِقِرَاءَةِ كِتَابٍ وَنَحْوِهِ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُنْصِتُوا وَفِي الْكِتَابِ إِذَا أَخَذَ فِي الْخُطْبَةِ اسْتَقْبَلَهُ النَّاسُ لِأَنَّ الِاسْتِمَاعَ بِالْأُذُنِ وَالْقَلْبِ وَالْعَيْنِ لِقَوْلِهِ عليه السلام حَدِّثِ النَّاسَ مَا حَدَّثُوكَ بِأَبْصَارِهِمْ قَالَ سَنَدٌ وَهُوَ مَنْدُوبٌ وَسَوَّى ابْنُ حَبِيبٍ

ص: 347

فِيهِ بَيْنَ السَّامِعِ وَغَيْرِهِ

‌الْفَصْلُ الثَّانِي فِي كَيْفيَّة أَدَائِهَا

وَفِيه فروع عشرَة الْأَوَّلُ الْغُسْلُ وَهُوَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ وَحَكَى اللَّخْمِيُّ الْوُجُوبَ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ عليه السلام إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ وَفِي أَبِي دَاوُدَ مَنْ تَوَضَّأَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ فَائِدَةً الْهَاءُ فِي بِهَا عَائِدَةٌ عَلَى فَعْلَةِ الْوُضُوءِ مُتَعَلِّقَةٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ فَبِهَا خُذُوا وَفِي الْكِتَابِ لَا يَنْتَقِضُ الْغُسْلُ بِنَاقِضِ الْوُضُوءِ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِلنَّظَافَةِ لَا لِرَفْعِ الْحَدَثِ فَنَاقِضُهُ الْأَوْسَاخِ دُونَ الْحَدَثِ كَمَا قُلْنَا فِي وُضُوءِ الْجُنُبِ عِنْدَ النَّوْمِ لَا يَنْقُضُهُ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ لَهُ قَالَ سَنَدٌ وَالظَّاهِرُ افْتِقَارُهُ إِلَى النِّيَّةِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِلنَّظَافَةِ فَلَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ كَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَجَوَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مَطْلُوبًا إِلَّا أَنَّ فِيهِ شَائِبَةَ التَّعَبُّدِ بِدَلِيلِ تَوَجُّهِهِ عَلَى التَّنْظِيفِ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ الْمَشْهُورُ عَدَمُ إِجْزَائِهِ بِمَاءِ الْمُضَافِ كَمَاءِ الرَّيَاحِينِ وَقِيلَ يَجْزِي وَفِي الْكِتَابِ يَكُونُ مُتَّصِلًا بِالرَّوَاحِ وَقَالَ ابْنُ وهب

ص: 348

فِي الْعُتْبِيَّة وح وش إِنِ اغْتَسَلَ بَعْدَ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ لَنَا الْحَدِيثُ السَّابِقُ وَالشَّرْطُ لَا يَتَأَخَّرُ عَنِ الْمَشْرُوطِ وَقَدْ جُعِلَ الرَّوَاحُ فِيهِ شَرْطًا وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يُصَلِّي على أكمل هيآت النَّظَافَةِ قَالَ سَنَدٌ إِنْ تَرَاخَى يَسِيرًا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن دَامَ مُتَعَمِّدًا اسْتَأْنَفَهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنْ غَلَبَهُ النّوم فان نسي الْغسْل وَذكره فِي الْمَسْجِدِ وَالْوَقْتُ يَتَّسِعُ رَجَعَ فَاغْتَسَلَ وَإِلَّا فَلَا الثَّانِي الْقِرَاءَةُ فِيهَا جَهْرًا بِخِلَافِ صَلَاةِ النَّهَارِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِظْهَارُ الشَّعَائِرِ وَلِذَلِكَ شُرِعَ فِيهَا الْخُطْبَةُ وَالْجَمْعُ فِي الْمَكَانِ الْوَاحِدِ وَالزِّينَةُ وَفِي الْجَوَاهِر يقْرَأ فِيهَا بِالْجمعَةِ فِي الأولى وبالمنافقين أَو بسبح أَو هَل اتاك حَدِيث الغاشية فِي الثَّانِيَة وَقَالَهُ ش خلافًا ح لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَقْرَأُ عَلَى أَثَرِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ هَلْ أَتَاك حَدِيث الغاشية الثَّالِثُ قَالَ سَنَدٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُؤْمَرُ لَهَا بِالطِّيبِ وَالزِّينَةِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وَالظُّفْرِ وَنَتْفِ الْإِبْطِ وَالِاسْتِحْدَادِ وَالسِّوَاكِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ عليه السلام الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَأَنْ يَسْتَنَّ وَأَنْ يَمَسَّ مِنَ الطِّيبِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَوْ مِنْ طِيبِ الْمَرْأَةِ وَمَعْنَى الْوُجُوبِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَأَكُّدُ السُّنَّةِ وَقِيلَ يُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ السُّقُوطُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} أَيْ سَقَطَتْ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ عَطْفُ مَا لَيْسَ بِوَاجِب عَلَيْهِ من الطّيب والزينة

ص: 349

الرَّابِعُ فِي الْجُلَّابِ التَّهْجِيرُ أَفْضَلُ مِنَ التَّبْكِيرِ خلافًا لِابْنِ حبيب وش وَاخْتَلَفَ الشَّافِعِيَّةُ هَلْ أَوَّلُهُ الْفَجْرُ أَوِ الشَّمْسُ مُحْتَجِّينَ بِقَوْلِهِ عليه السلام فِي الْمُوَطَّأِ مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ فَحَمَلُوا السَّاعَاتِ عَلَى الْعَادِيَةِ وَقَسَّمَ مَالِكٌ السَّاعَةَ السَّادِسَةَ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ فَحَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ حُجَّتُهُ أَنَّ الرواح لَا يكون لُغَة إِلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {غُدُوُّهَا شهر ورواحها شهر} فَالْمَجَازُ لَازِمٌ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ وَمَذْهَبُنَا أَقْرَبُهُمَا لِلْحَقِيقَةِ فَيَكُونُ أَوْلَى وَلِأَنَّهُ عَقَّبَ الْخَامِسَةَ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ وَهُوَ لَا يَخْرُجُ بَعْدَ الْخَامِسَةِ مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ وَإِلَّا لَوَقَعَتِ الصَّلَاةُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَإِذَا بَطَلَ أَحَدُ الْمَذْهَبَيْنِ تَعَيَّنَ الْآخَرُ إِذْ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ وَبِتَقْسِيمِ السَّادِسَةِ قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى وَصَاحب الاستذكار والعيسى فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَصَاحِبُ الطَّرَّازِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ وَابْن بشير وَصَاحب الْمعلم وَابْن يُونُس وَجَمَاعَةُ التَّقْسِيمِ فِي السَّابِعَةِ وَالْمَوْجُودُ لِمَالِكٍ إِنَّمَا هُوَ قَوْلُهُ أَرَى هَذِهِ السَّاعَاتِ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ لَان حَدِيث مُسلم كَانَ ينْصَرف مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْجُدْرَانُ لَيْسَ لَهَا فَيْءٌ وَإِذَا كَانَ عليه السلام يَخْرُجُ فِي أَوَّلِ السَّابِعَةِ وَقَدْ قَالَ فِي الْحَدِيثِ فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ فَإِذَا كَانَ الامام

ص: 350

يَخْرُجُ فِي أَوَّلِ السَّابِعَةِ بَطَلَ الْحَدِيثُ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ تِلْكَ الْأَزْمَانَ أَزْمِنَةٌ فِي غَايَةِ الصِّغَرِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ يَأْبَاهُ وَالْقَوَاعِدُ لِأَنَّ الْبَدَنَةَ وَالْبَيْضَةَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مِنَ التَّعْجِيلِ وَالتَّأْخِيرِ وَتَحَمُّلِ الْمُكَلَّفِ من الْمَشَقَّة مَا يَقْتَضِي هَذَا التَّفْصِيل وَإِلَّا فَلَا معنى للْحَدِيث وَلَا هَذَا التَّرْغِيبِ فِي الْمُبَادَرَةِ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى الْخَامِسُ فِي الْجُلَّابِ الْأَذَانُ الثَّانِي آكَدُ مِنَ الْأَوَّلِ وَهُوَ الَّذِي يَحْرُمُ عِنْدَهُ الْبَيْعُ وَيُرْوَى أَن مؤذني رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - كَانُوا ثَلَاثَة يُؤذنُونَ على المنابر وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَإِذَا فَرَغَ الثَّالِثُ قَامَ عليه السلام فَخَطب إِلَى زمن عُثْمَان كَثُرَ النَّاسُ أَمَرَ بِأَذَانٍ بِالزَّوْرَاءِ وَهِيَ مَوْضِعُ السُّوقِ لِيَرْتَفِعَ النَّاسُ مِنْهُ عِنْدَ الزَّوَالِ فَإِذَا جَلَسَ أُذِّنَ عَلَى الْعَادَةِ إِلَى زَمَنِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ نُقِلَ أَذَانُ الزَّوْرَاءِ إِلَى الْمَسْجِدِ وَجَعَلَهُ مُؤَذِّنًا وَاحِدًا فَإِذَا جَلَسَ أَذَّنَ الْجَمِيعُ قُدَّامَهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَالسُّنَّةُ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ وَفِي الْكِتَابِ يُكْرَهُ الْبَيْعُ عِنْدَ الْأَذَانِ وَالْجُلُوسِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَإِنْ فُعِلَ فُسِخَ وَيُكْرَهُ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمُ الْجُمُعَةُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُفْسَخُ إِلَّا أَنْ يُبَايِعَهُمْ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ قَالَ سَنَدٌ إِنَّمَا الْخِلَافُ إِذَا أَذَّنَ وَلَمْ يَقْعُدْ فَظَاهِرُ الْكِتَابِ الْجَوَازُ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ الْمَنْعَ وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الرَّوَاحِ لِلْخُطْبَةِ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَقِيلَ لِلصَّلَاةِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَجِبُ السَّعْيُ بِمِقْدَارِ مَا يُدْرِكُ مِنَ الْخُطْبَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيُؤْمَرُ بِإِقَامَةِ النَّاسِ مِنَ الْأَسْوَاقِ وَالْمُعْتَبَرُ مِنَ الْأَذَانِ أَوَّلُهُ وَوَافَقَ ابْنُ حَنْبَلٍ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِمُ الْجُمُعَةُ وَرُوِيَ

ص: 351

عَن مَالك امضاؤه وَقَالَهُ ح وش لَنَا أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْبَيْعَ سَالِمٌ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْمَفَاسِدِ وَإِنَّمَا مُنِعَ صَوْنًا لِلصَّلَاةِ عَنِ الْفَوَاتِ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِالْفَسْخِ فَفَاتَ مَضَى بِالْقِيمَةِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَبِالثَّمَنِ عِنْدَ سَحْنُونٍ وَالْمُغِيرَةِ نَظَرًا لِلنَّهْيِ أَوْ لِسَلَامَةِ الْعَقْدِ فِي نَفْسِهِ وَالْقِيمَةُ حِينَ الْقَبْضِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ عِنْدَ أَشْهَبَ مُرَاعَاةً لِوَقْتِ جَوَازِ الْبَيْعِ وَإِذَا حَصَلَ رِبْحٌ لَمْ يَحْرُمْ عِنْدَ مَالِكٍ لِمِلْكِ الْمَبِيعِ بِالْقِيمَةِ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ وَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِ كُلِّ مَا يَشْغَلُ عَنِ السَّعْيِ وَاخْتُلِفَ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ عَلَى الْقَوْلِ بِفَسْخِ الْبَيْعِ فَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَفَسَخَهُ أَصْبَغُ وَاخْتُلِفَ فِي إِلْحَاقِ الْإِجَارَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَبَيْنَهُمَا كَثْرَتُهُ بخلافهما فَتكون مفسدته أعظم وَالشَّرِكَة وَالْإِقَامَة وَالتَّوْلِيَةُ وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ أَلْحَقَهَا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ بِالْبيعِ قَالَ وَالْحق أَنَّهَا أَخَفُّ وَأَلْحَقَ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ بِالْبَيْعِ قَالَ وَعِنْدِي أَنَّهَا تَبَرُّعَاتُ عِبَادَاتٍ يُتَقَرَّبُ بِهَا وَعَادَةُ النَّاسِ التَّصَدُّقُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ

فَرْعٌ فَإِنِ اضْطُرَّ لِشِرَاءِ الْمَاءِ لِلطَّهَارَةِ قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ يَشْتَرِيهِ لِأَنَّهُ إِعَانَةٌ عَلَى الْجُمُعَةِ لَا صَارِفَ عَنْهَا قَالَ أَمَّا إِنْ كَانَ الْبَائِعُ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ فَفِيهِ نَظَرٌ لِاشْتِغَالِهِ عَنْهَا السَّادِسُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ فَصَلَّى ظُهْرًا فِي بَيْتِهِ لَا يُجْزِيهِ قَالَ سَنَدٌ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ يُجْزِيهِ لِأَنَّهُ لَوْ أَعَادَ لَأَعَادَ أَرْبَعًا

ص: 352

مِثْلَ الْأُولَى وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ فَرْضُ الْوَقْتِ الْجُمُعَة لَا يجب اسقاطها فَلَا يجزيء أَوِ الظُّهْرُ وَيَجِبُ إِسْقَاطُهُ بِالْجُمُعَةِ وَقَدْ فَاتَ مَا يجب بِهِ الاسقاط فيجزيء السَّابِعُ فِي الْكِتَابِ يَتَنَفَّلُ الْإِمَامُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فِي بَيْتِهِ دُونَ الْمَسْجِدِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ كَانَ عليه السلام لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ وَلِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْض} قَالَ وَكَذَلِكَ مَنْ خَلْفَهُ فَإِنْ رَكَعُوا فَوَاسِعٌ الثَّامِنُ فِي الْكِتَابِ يُصَلِّي الظُّهْرَ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ بِإِمَامٍ بِخِلَافِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَوَافَقَ ش فِي الْأَوَّلَيْنِ وَخَالَفَ ح بِالْكَرَاهَةِ لِأَنَّ زَمَانَهُ عليه السلام لَا يَخْلُو عَن الْمَعْذُورِينَ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِذَلِكَ عليه السلام لَنَا أَدِلَّة فضل الْجَمَاعَة قَالَ سَنَد وَفِي الْوَاضِحَة يسْتَحبّ تَأْخِيرُهُمْ حَتَّى تَفُوتَ الْجُمُعَةُ وَقَالَهُ ش وَظَاهِرُ الْكِتَابِ خِلَافُهُ وَيُسْتَحَبُّ لَهُمْ إِخْفَاءُ صَلَاتِهِمْ لِئَلَّا يُتَّهَمُوا وَلَا يُؤَذِّنُونَ لِأَنَّ الْأَذَانَ يَوْمَئِذٍ مِنْ سُنَّةِ الْجَامِعِ قَالَ الْمَازِرِيُّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَجْمَعُ الْخَائِفُ وَلَا الْمُتَخَلِّفُ لِعُذْرِ الْمَطَرِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ عَامٍّ لِإِمْكَانِ الْأَمْنِ فِي الْأَوَّلِ وَتَحَمُّلِ الْمَشَقَّةِ فِي الثَّانِي وَإِنْ كَانَ لَا يجب أما إِذا كَانَ عَاما قَالَ اللَّخْمِيُّ الْأَحْسَنُ جَمْعُ أَرْبَابِ الْأَعْذَارِ كُلِّهِمْ أَمَّا مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِمُ الْجُمُعَةُ فَرَوَى

ص: 353

أَشْهَبُ يَجْمَعُونَ وَاسْتَحَبَّهُ ش وَجْهُ الْمَذْهَبِ سَدُّ ذَرِيعَةِ الْبِدَعِ وَإِذَا قُلْنَا لَا يَجْمَعُونَ فَجَمَعُوا أجزأهم التَّاسِعُ فِي الْكِتَابِ يَتَخَطَّى إِلَى الْفُرَجِ بِرِفْقٍ قَبْلَ جُلُوسِ الْإِمَامِ فَإِذَا جَلَسَ فَلَا لِمَا فِي أبي دَاوُد أَن رجلا تخطى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ عليه السلام يخْطب فَقَالَ لَهُ النَّبِي اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ النَّاسَ وَلِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْإِنْصَاتَ وَكَرِهَهُ ش مُطلقًا لعُمُوم الْأَدَاء ومرعاة الْفرج أولى مِم تخلف عَنْ سَدِّهَا وَمَنْ قَامَ لِحَاجَةٍ عَلَى وَجْهِ الْعود فَهُوَ أَحَق بموضعه الْعَاشِر قَالَ سَنَد لَا يُقَام عِنْد مَالك وش فِي جَامِعَيْنِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إِذَا كَبَّرَ الْمِصْرُ وَاحْتَاجُوا إِلَى ذَلِكَ يَجُوزُ وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ إِنْ كَانَتِ الْمِصْرُ ذَاتَ جَانِبَيْنِ جَازَ وَجَوَّزَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مُطْلَقًا فِي مَسْجِدَيْنِ وَدَاوُدُ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ لَنَا أَنَّ وُجُوبَ السَّعْيِ يَأْبَى الْإِقَامَةَ مُطْلَقًا إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَلِأَنَّهُ عليه السلام فَعَلَهُ وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ فَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَمْ تُعَطَّلِ الْمَسَاجِدُ فِي زَمَانِهِمْ فَهُوَ إِجْمَاعٌ فَلَوْ صُلِّيَتْ فِي مسجدين فَقَالَ مَالِكٌ الْجُمُعَةُ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ الْعَتِيقِ وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ لِلسَّابِقِينَ وَهَلْ بِالْإِحْرَامِ أَوْ بِالسَّلَامِ قَوْلَانِ لَنَا أَنَّ الثَّانِيَ لَمْ يَتَّفِقْ عَلَيْهِ جَامِعًا فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِيهِ لِفِقْدَانِ شَرْطِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَأَمْكَنَ كُلُّ جَمَاعَةٍ إِفْسَادَ جُمُعَةِ الْمِصْرِ فَلَوْ أُنْشِئَتْ قَرْيَةٌ يُصَلَّى فِيهَا جُمُعَتَانِ فَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا بِتَوْلِيَةِ السُّلْطَانِ فَالْجُمُعَةُ لَهُ وَإِلَّا فَمَنْ سَبَقَ بِالْإِحْرَامِ لِوُجُوبِ مُتَابَعَتِهِ حِينَئِذٍ وَإِنْ جُهِلَ السَّبْقُ فَسَدَتَا وَقَالَ الْمُزَنِيُّ تَصِحَّانِ لِأَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى الصِّحَّةِ فَلَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ لَنَا أَنَّ الذِّمَّةَ مَشْغُولَةٌ

ص: 354

وَشَكَكْنَا فِي السَّبْقِ الْمُبَرِّئِ فَتَبْقَى مَشْغُولَةً وَإِذَا حكمنَا بِالْفَسَادِ وسبقت احداهما أَو جهل سبقهما أَعَادُوا جَمِيعًا أَرْبَعًا لِقَطْعِنَا بِتَأَدِّي الْجُمُعَةِ فَلَا يُجزئ احدا بعد ذَلِك جُمْعَةً إِنْ عُلِمَتِ الْمُقَارَنَةُ وَإِنْ جُهِلَ الْحَالُ فَالْأَحْوَطُ يُصَلُّونَ جُمُعَةً وَيُعِيدُونَ ظُهْرًا أَفْذَاذًا

‌الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي مُسْقِطَاتِهَا

وَهِيَ ثَلَاثَةٌ التَّغْرِيرُ بِالنَّفْسِ أَوِ الْعِرْضِ أَوِ الْمَالِ وَاخْتُلِفَ فِي خُرُوجِ الْعَرُوسِ قَالَ سَنَدٌ قَالَ مَالِكٌ لَا يَتَخَلَّفُ عَنِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ وَقِيلَ يَتَخَلَّفُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَهِيَ جَهَالَةٌ عَظِيمَةٌ كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَغَلْطَةٌ غَيْرُ خَافِيَةٍ وَقَالَ مَالِكٌ يَتَخَلَّفُ لِتَمْرِيضِ مَنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ وَتَجْهِيزِ جِنَازَتِهِ وَخَوْفِ الْغَرِيمِ مَعَ الْإِعْسَارِ وَالْمَطَرِ الْعَظِيمِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَتَخَلَّفُ الْأَعْمَى إِذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَقُودُهُ بِخِلَاف المجذم وَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ مَنْعُهُ فِي الْجُمُعَةِ خَاصَّةً وَلَا يخالط النَّاس فِي بَقِيَّة الصَّلَوَات وَقَالَ ابْن سَحْنُون لَا يخالطوهم فِي الْجُمُعَةِ وَلَا تَسْقُطُ بِشِدَّةِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَلَا بِصَلَاةِ الْعِيدِ إِذَا كَانَا فِي يَوْمٍ خِلَافًا لِابْنِ حَنْبَلٍ مُحْتَجًّا بِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ قَدِ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ عِيدَانِ فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ وَإِنَّا مُجْمِعُونَ لَنَا آيَةُ وُجُوبِ السَّعْيِ وَلِأَنَّهُ عمل الانصار فِي سَائِرِ الْأَقْطَارِ وَأَمَّا الْخَارِجُ عَنِ الْمِصْرِ فَفِي الْكِتَابِ لَا

ص: 355

يَتَخَلَّفُونَ وَرُوِيَ عَنْهُ يَتَخَلَّفُونَ لِإِذْنِ عُثْمَانَ رضي الله عنه لِأَهْلِ الْعَوَالِي وَلِمَا فِي انْتِظَارِهِمْ رجوعهم مِنَ الْمَشَقَّةِ قَالَ الْمَازِرِيُّ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ عَلَى الشَّيْخِ الْفَانِي وَلَا الْمَرِيضِ جُمُعَةٌ قَالَ اللَّخْمِيُّ الَّذِينَ تَسْقُطُ عَنْهُمُ الْجُمُعَةُ إِذَا حَضَرُوهَا ثَلَاثَة أَقسَام قسم تجب عَلَيْهِم وبهم على غَيْرِهِمْ وَهُمْ أَرْبَابُ الْأَعْذَارِ الرِّجَالُ الْأَحْرَارُ فَتَكْمُلُ بهم الْجُمْلَة وَقِسْمٌ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ وَلَا بِهِمْ وَهُمُ الصِّبْيَانُ وَقِسْمٌ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ لَا تَجِبُ بِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَهُمُ الْمُسَافِرُونَ وَالْعَبِيدُ وَنَقَلَ أَبُو الطَّاهِرِ قَوْلًا بِعَدَمِ إِجْزَائِهَا لِلْمُسَافِرِينَ

فُرُوعٌ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ إِسْقَاطُهَا عَمَّنْ بِعَرَفَةَ وَمِنًى وَعَلَّلَ بِأَنَّ الْحَالَّ فِي تِلْكَ الْمَوَاطِنِ مُسَافِرٌ واهلها نزر يسير وَلَا تعقد بِهِمُ الْجُمُعَةُ وَنَاظَرَ أَبُو يُوسُفَ مَالِكًا عِنْدَ الرشيد فَقَالَ صلى النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - يَوْمَ عَرَفَةَ رَكْعَتَيْنِ وَالْجُمُعَةُ رَكْعَتَانِ فَقَالَ مَالِكٌ هَل جهر أم أسر فَسكت أَبُو يُوسُف الثَّانِي يَجُوزُ إِنْشَاءُ عُذْرِ السَّفَرِ إِجْمَاعًا قَالَ سَنَدٌ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ كَرَاهَتَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَقَالَهُ (ش) وَابْنُ حَنْبَلٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ جهادا وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَهُ (ح) وَيَحْرُمُ بَعْدَ الزَّوَالِ عِنْدَ مَالِكٍ وَ (ش) وَقَالَ ابْن

ص: 356

حَنْبَلٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْجِهَادِ وَجَوَّزَهُ (ح) قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ فَإِنْ خَرَجَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَمْ يُؤَذَّنْ حَتَّى تَجَاوَزَ ثَلَاثَةَ أَمْيَال تَمَادى وَإِلَّا فَظَاهر الْمَذْهَب الرُّجُوع الثَّالِثُ إِذَا وَرَدَ إِلَى بَلَدِهِ وَطَمِعَ فِي إِدْرَاكِ الْجُمُعَةِ فَلَا يُصَلِّي الظُّهْرَ فَإِنْ صَلَّاهَا فِي مَسَافَةٍ لَا يَجِبُ فِيهَا السَّعْيُ أَجْزَأَهُ وَإِن كَانَت تجب مِنْهَا فَإِنْ لَمْ يُدْرِكِ الْجُمُعَةَ فَالظَّاهِرُ الْإِجْزَاءُ نَظَرًا إِلَى حَالَةِ الْإِيقَاعِ وَهِيَ حَالَةُ سَفَرٍ وَإِنْ أَدْرَكَ قَالَ الْبَاجِيُّ إِنْ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ لم يجزه فَإِن صلى على قرب مِنْ مِصْرٍ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ لَا يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ ثُمَّ أَدْرَكَهَا قَالَ مَالِكٌ يُصَلِّيهَا وَقَالَ أَشْهَبُ الأولى صَحِيحَة وَيُعِيد جُمُعَة وَيَكِلُ أَمْرَهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ الْأُولَى فَعِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَعِنْدَ سَحْنُونٍ تُكْرَهُ وَعِنْدَ أَشْهَبَ إِنْ كَانَ صَلَّى فَذًّا اسْتُحِبَّ لَهُ وَإِلَّا كُرِهَ

ص: 357

(الْبَابُ الْعَاشِرُ فِي صَلَاةِ السَّفَرِ)

السَّفَرُ فِي اللُّغَةِ قَطْعُ الْمَسَافَةِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ سَفَرَتِ الْمَرْأَةُ عَنْ وَجْهِهَا إِذَا أَظْهَرَتْهُ وَأَسْفَرَ الصُّبْح إِذا ظهر لِأَنَّهُ سفر عَنْ أَخْلَاقِ الرِّجَالِ بِسَبَبِ مَشَاقِّهِ وَالْكَلَامُ فِي السَّبَب والشروط وَالْحُكْمِ وَمَحَلِّهِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ فُصُولٍ

‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي السَّبَبِ

وَهُوَ فِي الْكِتَابِ سَفَرُ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِيلًا أَرْبَعَةُ بُرُدٍ كُلُّ بَرِيدٍ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ وَكُلُّ فَرْسَخٍ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَتَرَكَ قَوْلَهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً قَالَ سَنَدٌ مَعْنَاهُ تَرَكَ التَّحْدِيدَ قَالَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَإِلَّا فَهُمَا سَوَاءٌ وَقَالَهُ (ش) وَقَالَهُ (ح) أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ فَرْسَخًا وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَرْبَعُونَ مِيلًا وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ صَلَّى فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ مِيلًا لَا يُعِيدُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَفِي الْجَوَاهِر وَرُوِيَ عَن

ص: 358

مَالِكٍ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا لَنَا مَا فِي الْبُخَارِيِّ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ يَقْصُرَانِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ وَيُرْوَى عَنْهُ عليه السلام

لاتقصروا فِي أَدْنَى مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى عُسْفَانَ فَوَائِدُ الْفَرْسَخُ فَارِسِيٌّ عُرِّبَ وَالْمِيلُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمَيْلِ بِفَتْحِ الْمِيمِ لِأَنَّ الْبَصَرَ يَمِيلُ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ حَتَّى يفنى إِدْرَاكُهُ وَفِيهِ سَبْعَةُ مَذَاهِبَ قَالَ صَاحِبُ التَّنْبِيهَاتِ هُوَ عشرَة غلى وَالْغَلْوَةُ طَلَقُ الْفَرَسِ وَهُوَ مِائَتَا ذِرَاعٍ فَيَكُونُ الْمِيلُ أَلْفَيْ ذِرَاعٍ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَصَحُّ مَا قِيلَ فِيهِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَخَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَيَانِ ثَلَاثَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَقِيلَ أَرْبَعَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ كُلُّ ذِرَاعٍ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ أُصْبُعًا كُلُّ أُصْبُعٍ سِتُّ شَعِيرَاتٍ بَطْنُ إِحْدَاهَا إِلَى ظَهْرِ الْأُخْرَى كل شعيرَة سِتّ شَعرَات شعر الْبِرْذَوْنِ وَقِيلَ أَمَدُ الْبَصَرِ قَالَهُ صَاحِبُ الصِّحَاحِ وَقِيلَ أَلْفُ خُطْوَةٍ بِخُطْوَةِ الْجَمَلِ وَقِيلَ أَنْ يَنْظُرَ الشَّخْصُ فَلَا يَعْلَمُ أَهُوَ آتٍ أَمْ ذَاهِبٌ أَوْ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ قَالَ سَنَدٌ وَالْبَحْرُ عِنْدَ مَالِكٍ مِثْلُ الْبَرِّ فِي اعْتِبَارِ المساحة وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا اعْتِبَارُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِأَنَّ الرّيح قد تقطع تِلْكَ المساحة فِي نِصْفِ نَهَارٍ قَالَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ المساحة المستقيمة أَو الشَّدِيدَة لِحُصُولِ الْمَشَقَّةِ وَاشْتَرَطَ ابْنُ الْجَلَّابِ وَاللَّخْمِيُّ الِاسْتِقَامَةَ قَالَ فَإِنِ اجْتَمَعَ الْبَرُّ وَالْبَحْرُ فَإِنْ رَاعَيْنَا الْمِسَاحَةَ فَلَا كَلَامَ وَإِلَّا وَجَبَ التَّلْفِيقُ فَإِنْ كَانَتِ الْبِدَايَةُ بِالْبَرِّ وَهُوَ لَا يُسَافِرُ فِي الْبَحْرِ إِلَّا بِالرِّيحِ فَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز ولابد أَن يكون فِي مَسَافَةِ الْبَرِّ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ لِأَنَّ الرِّيحَ قد يتَعَذَّر فَلَوْ كَانَ لِلْبَلَدِ طَرِيقَانِ قَرِيبٌ وَبَعِيدٌ فَعَدَلَ عَنِ الْقَرِيبِ النَّاقِصِ عَنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لِحَاجَةٍ قصر

ص: 359

عِنْدَ مَالِكٍ وَ (ش) وَ (ح) وَإِنْ لم يقْصد إِلَّا للترخص فَقَالَ (ح) يقصر وَللشَّافِعِيّ قَوْلَانِ وَيَتَخَرَّجُ لِمَالِكٍ قَوْلَانِ مِنْ قَوْلَيْهِ فِي لَابِسِ الْخُفِّ لِلتَّرَخُّصِ

قَاعِدَةٌ الْأَصْلُ اعْتِبَارُ الْأَوْصَافِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْحُكْمِ فَإِذَا تَعَذَّرَ اعْتِبَارُهَا إِمَّا لِعَدَمِ انْضِبَاطِهَا أَوْ لِخَفَائِهَا أُقِيمَتْ مَظِنَّتُهَا مَقَامَهَا فَكَانَ الْأَصْلُ إِنَاطَةُ الْأَحْكَامِ بِالْعَقْلِ حَالَةَ وَجُودِهِ لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَنْضَبِطْ زَمَانُهُ أُقِيمَ الْبُلُوغُ مَقَامَهُ لِكَوْنِهِ مَظِنَّةً لَهُ وَمُوجِبُ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ الرضى وَلَمَّا لَمْ يُعْلَمْ أُقِيمَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ مَقَامَهُ وَالْمَشَقَّةُ سَبَبُ التَّرَخُّصِ بِالْقَصْرِ فَلَمَّا لَمْ تَنْضَبِطْ أُقِيمَت المساحة مقَامهَا لكَونهَا مَظَنَّة لَهَا

فروع أحد عشرَة الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا وَاعَدَ مَنْ يمر بِهِ أَو ينْتَظر فِيهِ رفْقَة تَأتيه وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَمُرُّ بِهِ أَوْ يَنْتَظِرُ فِيهِ مَا لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ إِنْ كَانَ عَازِمًا عَلَى السَّفَرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ قَصَرَ وَإِنْ كَانَ لَا يُسَافِرُ إِلَّا بِهِمْ أَتَمَّ حَتَّى يَبْرُزَ عَنِ الْمَوْضِعِ الْآخَرِ الثَّانِي فِي الْكِتَابِ مَتَى نَوَى الْمُسَافِرُ إِقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَتَمَّ وَقَالَهُ (ش) وَقَالَ رَبِيعَةُ يَوْمًا وَلَيْلَةً قِيَاسًا عَلَى مُدَّةِ السَّفَرِ وَقَالَ (ح) خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا

ص: 360

لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ ذَلِكَ وَقَالَ اللَّيْثُ سِتَّةَ عَشَرَ وَإِسْحَاقُ تِسْعَةَ عَشَرَ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَقَامَ عليه السلام عَامَ الْفَتْحِ تِسْعَةَ عَشَرَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فَنَحْنُ إِذَا أَقَمْنَا تِسْعَةَ عَشَرَ قَصَرْنَا وَإِذَا زِدْنَا أَتْمَمْنَا لَنَا قَوْلُهُ عليه السلام يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا مَعَ تَحْرِيمِ الْإِقَامَةِ عَلَيْهِمْ بِمَكَّةَ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوهَا لله فَيكون الزَّائِد اقامة وَفِي مُسْلِمٍ الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَالْمُقِيمُ لَا يُضِيفُ وَلِأَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ ضَارِبًا فِي الْأَرْضِ لَا يَقْصُرُ خَالَفْنَاهُ فِي الثَّلَاثِ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ تَنْعَقِرُ دَابَّتُهُ وَيَقْضِي فِي بعض المناهل حَوَائِجه فلابد مِنَ اللُّبْثِ الْيَسِيرِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الدَّلِيلِ وَالْجَوَابُ عَلَى مَا نَقَلُوهُ أَنَّ اللّّبْث لَيْسَ مَانِعا من الْقصر بل لابد مِنْ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ فَلَا بُدَّ عَلَى وَجُودِهَا مِنْ دَلِيلٍ وَعَنِ الْقِيَاسِ الْفَرْقُ بِأَنَّ أَكْثَرَ الْإِقَامَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَكْثَرِ السَّفَرِ عَادَةً فَيَكُونُ أَقَلُّهَا أَكْثَرَ مِنْ أَقَلِّهِ عَمَلًا بِالْمُنَاسَبَةِ

تَفْرِيعٌ قَالَ سَنَدٌ اعْتَبَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ غَيْرَ يَوْمِ دُخُولِهِ لِتَنَاوُلِ لَفْظِ خَبَرِ الْأَيَّامِ وَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِ عَدَمُ اعْتِبَارِ يَوْمِ خُرُوجِهِ وَقَالَهُ (ش) وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَسَحْنُونٌ عِشْرُونَ صَلَاةً وَقَالَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ لِأَنَّ الْحُكْمَ إِنَّمَا تَعَلَّقَ بِالْأَيَّامِ لِأَجْلِ الصَّلَوَاتِ فَلَوْ عَزَمَ عَلَى السَّفَرِ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ قَالَ سَحْنُونٌ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يَظْعَنَ كَابْتِدَاءِ السَّفَرِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَقْصُرُ فِي مَوْضِعِهِ دَفْعًا لِلنِّيَّةِ بِالنِّيَّةِ وَلَوْ نَوَى الِاسْتِيطَانَ إِلَّا أَنَّهُ عَزَمَ عَلَى الْحَرَكَةِ قَبْلَ الْأَرْبَعِ ثُمَّ رَجَعَ أَتَمَّ عِنْدَ مَالِكٍ وَقَصَرَ عِنْدَ ابْنِ مَسْلَمَةَ وَلَوْ عَزَمَ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ عَلَى إِتْمَامِ سَفَرِهِ اشْتُرِطَ فِي الثَّانِي مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَهُوَ أَرْجَحُ قَوْلَيْ مَالِكٍ وَبِهِ أَخذ ابْن الْقَاسِم وَابْن الْمَوَّاز

ص: 361

الثَّالِثُ فِي الْكِتَابِ إِذَا عَزَمَ عَلَى الْإِقَامَةِ بَعْدَ رَكْعَةٍ يُضِيفُ إِلَيْهَا أُخْرَى وَيَجْعَلُهَا نَافِلَةً ثمَّ يبتديء أَرْبَعًا قَالَ سَنَدٌ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي بُطْلَانِهَا قَوْلَانِ لِاخْتِلَافِ النِّيَّةِ وَإِذَا قُلْنَا بِالصِّحَّةِ فَفِي الْكتاب يَجْعَلُهَا نَافِلَةً وَعِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ يُتِمُّهَا سَفَرِيَّةً وتجزيه خلافًا (ح ش) نَظَرًا لِلْإِحْرَامِ كَالْمُتَيَمِّمِ يَطْرَأُ عَلَيْهِ الْمَاءُ فَلَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ الرُّكُوعِ قَالَ مَالِكٌ يَجْعَلُهَا نَافِلَةً وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يُتِمُّهَا أَرْبَعًا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الرُّكُوعِ لِحُصُولِ مَا يَبْنِي عَلَيْهِ كَمَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً وَلَوْ أَدْرَكَ فِي الْجُمُعَةِ دُونَ الرَّكْعَةِ صَلَّى أَرْبَعًا فَلَوْ نَسِيَ الْعَصْرَ فَأَحْرَمَ بِهِ قَبْلَ الْغُرُوبِ بِرَكْعَةٍ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ بِرَكْعَةٍ بَعْدَ رَكْعَةٍ قَالَ سَحْنُونٌ يَتَمَادَى لِأَنَّهَا نِيَّةٌ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَقَدْ تَرَتَّبَتْ فِي ذِمَّتِهِ سَفَرِيَّةً وَقَالَ أَصْبَغُ يَقْطَعُ لِأَنَّ وَقْتَهَا إِلَى الْغُرُوبِ مَا لَمْ يُحْرِمْ قَبْلَ الْغُرُوبِ كَمَا لَوْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ بَعْدَ رَكْعَةٍ مِنَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ قَضَاءَ الظُّهْرِ ثُمَّ إِذَا قَطَعَ الْمُسَافِرُ قَالَ أَصْبَغُ يَبْتَدِئُهَا سَفَرِيَّةً لِوُقُوعِ النِّيَّةِ بَعْدَ الْوَقْتِ وَقَالَ ابْن الْمَوَّاز تجزيه ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ قَوْلِ أَصْبَغَ فَلَوْ لَمْ يُحْرِمْ بِالْعَصْرِ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ صَلَّاهَا سَفَرِيَّةً وَلَوْ بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ وَعَلَيْهِ الصَّلَاتَانِ فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَةً مِنَ الظُّهْرِ نَوَى الْإِقَامَةَ قَالَ سَحْنُونٌ يُصَلِّيهَا سَفَرِيَّةً وَالْعَصْرَ حَضَرِيَّةً لِأَنَّهُ أَقَامَ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ فَلَوْ نَوَى بَعْدَ الصَّلَاةِ فَفِي الْجُلَّابِ لَا يُعِيدُ كَالْمَرِيضِ يَصِحُّ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَقِيلَ يُعِيدُهَا اسْتِحْبَابًا لِبَقَاءِ الْوَقْتِ وَالْفَرْقُ أَنَّ سَبَبَ التَّرْخِيصِ لِلْمَرِيضِ مُقَارِنٌ لِلصَّلَاةِ وَلِلْمُسَافِرِ مُفَارِقٌ لِأَن حَالَة الصَّلَاة لَا يسر فِيهَا

ص: 362

تَمْهِيدٌ لَا يَصِيرُ مُسَافِرًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لِأَنَّ السَّفَرَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَلَا تَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ وَيَصِيرُ مُقِيمًا بِهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِقَامَةُ كَمَا قُلْنَا فِي الْعُرُوضِ تَصِيرُ لِلْقُنْيَةِ بَعْدَ التِّجَارَة بِمُجَرَّد النِّيَّة لِأَن الْأَصْلَ فِيهَا وَلَا تَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ بَعْدَ الْقُنْيَةِ إِلَّا بِالْبَيْعِ مَعَ النِّيَّةِ الرَّابِعُ فِي الْكِتَابِ النَّوَاتِيَّةُ يَقْصُرُونَ وَإِنْ كَانَ مَعَهُمُ الْأَهْلُ وَالْوَلَدُ فِي السَّفِينَةِ وَقَالَهُ (ش) وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ لَا يَقْصُرُونَ لِأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُقِيمِينَ الْخَامِسُ فِي الْكِتَابِ لَوْ نَوَى إِقَامَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَيْسَ فِيهَا أَهْلُهُ وَفِيهَا جَوَارِيهِ وَوَلَدُهُ وَمَالُهُ قَصَرَ فَإِنْ كَانَ فِيهَا أَهْلُهُ أَتَمَّ وَلَوْ صَلَّى وَاحِدَةً لِأَنَّ الْعَادَةَ تَقُومُ مَقَامَ الْقَصْدِ كَالْأَثْمَانِ فِي الْبَيْعِ وَالْكَوْنُ فِي هَذَا الْمَكَان إِقَامَةٌ فِي الْعَادَةِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى النِّيَّةِ وَقَالَ (ش) حَتَّى يَنْوِيَ إِقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لِأَن الْمُهَاجِرين كَانُوا فِي مَكَّة عِنْد أَهْليهمْ وكانون يَقْصُرُونَ وَنَحْنُ نَمْنَعُ ذَلِكَ وَتَقْدِيرُ التَّسْلِيمِ يَكُونُ خَاصًّا بِهِمْ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا وَطَنَهُمْ لِلَّهِ فَلَمْ يَبْقَ لِنُفُوسِهِمْ إِلَيْهِ سُكُونٌ قَالَ سَنَدٌ فَلَوْ نَزَلَ بِقَرْيَةٍ كَانَ أَهْلُهُ بِهَا وَمَاتُوا فَفِي الْمُوازِية يتم مالم يَرْفُضْ سُكْنَاهَا وَلَوْ تَزَوَّجَ بِقَرْيَةٍ لَيْسَتْ مَسْكَنَهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يُتِمُّ حَتَّى يَبْنِيَ بِأَهْلِهِ ثمَّ يلْزمه

ص: 363

السُّكْنَى وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِي الْفَرْعَيْنِ وَفِي الْكِتَابِ لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِقَرْيَةٍ ثُمَّ سَافَرَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهَا أَتَمَّ لِأَنَّهَا وَطَنُهُ وَرَجَعَ إِلَى أَنَّهُ يَقْصُرُ نَظَرًا إِلَى الْأَصْلِ فِيهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَوْضِعَ أَهْلِهِ السَّادِسُ قَالَ سَنَدٌ إِنْ نَوَى غَايَةَ مَا يُسَافِرُ إِلَيْهِ لَكِنَّهُ إِنْ وَجَدَ حَاجَتَهُ دُونَ ذَلِكَ رَجَعَ أَتَمَّ السَّابِعُ فِي الْكِتَابِ إِذَا سَافَرَ ثَلَاثَةَ فَرَاسِخَ ثُمَّ رَجَعَ أَتَمَّ إِذَا رَجَعَ لِأَنَّهُ سَفَرٌ ثَانٍ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ بِخِلَافِ مَنْ تَرُدُّهُ الرِّيحُ غَلَبَةً لِأَنَّهُ لَمْ يَعْزِمْ عَلَى الرُّجُوعِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَجْمُوعَةِ يَقْصُرُ كَمَنْ تَرُدُّهُ الرِّيحُ الثَّامِنُ فِي الْكِتَابِ يُتِمُّ الْأَسِيرُ بِدَارِ الْحَرْبِ إِلَى أَنْ يُسَافِرَ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَعْزِمْ فَهُوَ مَسْجُونٌ قَالَ سَنَدٌ وَكَذَلِكَ لَوْ سَافَرَ بِهِ الشَّهْرَيْنِ قَصَرَ وَإِنْ كَانَ لَوْ وَجَدَ يَهْرُبُ وَرَجَعَ التَّاسِعُ يَقْصُرُ الْجَيْشُ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَوْ أَقَامَ شَهْرًا لِأَنَّهُ عليه السلام أَقَامَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ قَالَ سَنَدٌ فَلَوْ عَزَمُوا عَلَى الْإِقَامَةِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ قَصَرُوا الْعَاشِرُ فِي الْكِتَابِ إِذَا رَدَّتْهُ الرِّيحُ أَتَمَّ فِي الْمَكَانِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ قَالَ سَنَدٌ إِنْ رَدَّتْهُ الرِّيحُ إِلَى وَطَنِهِ أَتَمَّ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ لِمَالِكٍ فَلَوْ رَدَّتْهُ إِلَى وَطَنِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالصَّلَاةِ قَالَ سَحْنُون تبطل كَمَا لَو نوى الْإِقَامَة فِيهَا

ص: 364

الْحَادِيَ عَشَرَ فِي الْكِتَابِ مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ فَأَقَامَ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً فَأَوْطَنَهَا ثُمَّ أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى الْجُحْفَةِ لِيَعْتَمِرَ مِنْهَا ثُمَّ يَقْدَمُ مَكَّةَ فَيُقِيمُ بِهَا الْيَوْمَيْنِ ثُمَّ يَخْرُجُ يُتِمُّ وَرَجَعَ إِلَى الْقَصْرِ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ يَتَخَرَّجُ عَلَى تَلْفِيقِ الْإِقَامَةِ الْإِتْمَامُ بِضَمِّ الْيَوْمَيْنِ إِلَى مَا قَبْلَهُمَا وَالْقَصْرُ عَلَى تَرْكِ التَّلْفِيقِ وَأَضَافَ الْيَوْمَيْنِ إِلَى مَا بَعْدَهُمَا مِنَ السَّفَرِ وَيَخْرُجُ عَلَى التَّلْفِيقِ مَنْ سَافَرَ فِي الْبَحْرِ ثُمَّ رَدَّتْهُ الرِّيحُ إِلَيْهِ هَلْ يَقْصُرُ فِيهِ أَوْ يُتِمُّ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُتِمُّ إِذَا كَانَ مَوْضِعَ وَطَنِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطَنَهُ وَلَا نَوَى دَوَامَ الْإِقَامَةِ فَفِي قَصْرِهِ قَوْلَانِ وَلَا تُحْسَبُ الْمَسَافَةُ بِالْعَوْدَةِ إِلَى وَطَنِهِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ إِقَامَةٌ أَصْلًا وَالْإِقَامَةُ الْمُعْتَبَرَةُ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ فَإِنْ رَجَعَ لِأَخْذِ شَيْءٍ نَسِيَهُ ثُمَّ يَقْصُرُ فِي رُجُوعِهِ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَقْصُرُ وَإِنْ رَجَعَ إِلَى غَيْرِ وَطَنِهِ وَكَانَ يَقْصُرُ فِيهِ قَصَرَ الْآنَ وَإِنْ كَانَ يُتِمُّ فَقِيلَ يُتِمُّ فِي رُجُوعِهِ وَقِيلَ يَقْصُرُ ثُمَّ مُنْتَهَى سَفَرِهِ مُنْتَهَى قَصْرِهِ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ إِقَامَةً فِي أَضْعَافِ سَفَرِهِ يَكُونُ مَكَانُ الْإِقَامَةِ هُوَ الْمُعْتَبَرَ وَقِيلَ يُلَفِّقُ الْمَسَافَةَ بِمَا قَبْلَ الْإِقَامَةِ وَمَا بَعْدَهَا فَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي تَلْفِيقِ الْإِقَامَةِ وَفِي تَلْفِيقِ السَّفَرِ

‌الْفَصْلُ الثَّانِي فِي الشُّرُوطِ

وَهِيَ أَرْبَعَةٌ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ الْعَزْمُ عَلَى قَطْعِ الْمَسَافَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَوْ قَطَعَ الْمَسَافَةَ وَلَمْ يَعْزِمْ لَمْ يَجُزِ الْقَصْرُ الشَّرْطُ الثَّانِي فِي الْكِتَابِ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يَبْرُزَ عَنْ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ وَإِذَا رَجَعَ

ص: 365

أَتَمَّ إِذَا دَخَلَهَا أَوْ قَارَبَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تقصرُوا من الصَّلَاة} فَرَتَّبَ الْقَصْرَ عَلَى الضَّرْبِ وَالْكَائِنُ فِي الْبُيُوتِ لَيْسَ بِضَارِبٍ فِي الْأَرْضِ فَلَا يَقْصُرُ

فَائِدَةٌ نَقَلَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ ضَرَبَ فِي الْأَرْضِ إِذَا سَافَرَ لِلتِّجَارَةِ وَضَرَبَ الْأَرْضَ إِذَا سَافر لِلْحَجِّ أَو الْغَزْو فَكَأَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا كَانَ طَالِبًا لِمَتَاعِ الدُّنْيَا كَانَ ملتبسا بِهَا وَفِيهَا وَالثَّانِي عَابِرُهَا إِلَى الْآخِرَةِ فَلَيْسَ فِيهَا وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْآخِرَةِ قَالَ سَنَدٌ ظَاهر الْكتاب يَقْتَضِي أَلا يُحَاذِيَهُ مِنَ الْبُيُوتِ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ شَيْءٌ وَرُوِيَ عَنْهُ لَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَرُوِيَ تَخْصِيصُهَا بِقَرْيَةٍ تُقَامُ فِيهَا الْجُمُعَةُ لِوُجُوبِ السَّعْيِ مِنْ تِلْكَ الْمَسَافَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا وَفِي الْكِتَابِ إِذَا كَانَتِ الْبَسَاتِينُ مُتَّصِلَةً لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يُفَارِقَهَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ لِأَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِهَا وَأَهْلُ الْبَلَدِ يُقِيمُونَ فِيهَا قَالَ سَنَدٌ وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَهْرٌ كَبَغْدَادَ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يَتَجَاوَزَ الْجَانِبَ الْآخَرَ فَإِنِ اتَّصَلَ بُنْيَانُ قَرْيَةٍ بِقَرْيَةٍ فَحَتَّى يَتَجَاوَزَهُمَا وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَضَاءٌ فَلَا وَلَا يَقْصُرُ الْبَدَوِيُّ حَتَّى يُجَاوِزَ جَمِيعَ بُيُوتِ الْحَيِّ

فَرْعٌ قَالَ وَلَو نَوَى الرَّجْعَةَ بَعْدَ بُرُوزِهِ ثُمَّ نَوَى السَّفَرَ قَالَ مَالِكٌ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يَبْرُزَ عَنْ مَوْضِعه

ص: 366

الشَّرْطُ الثَّالِثُ إِبَاحَةُ السَّفَرِ فِي الْكِتَابِ لَا يَقْصُرُ الصَّائِدُ لِلتَّلَذُّذِ قَالَ سَنَدٌ السَّفَرُ خَمْسَةٌ وَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ وَيُقْصَرُ فِيهِمَا وَمُبَاحٌ وَيُقْصَرُ فِيهِ خِلَافًا لِابْنِ مَسْعُودٍ فِي تَخْصِيصِهِ بِالْوَاجِبِ مُعَلِّلًا بِأَن الْوَاجِب لَا يتْرك لِلْوَاجِبِ وَلِعَطَاءٍ فِي تَخْصِيصِهِ بِالْعِبَادَاتِ لَنَا مَا فِي الصِّحَاحِ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنْ حَجَّةٍ أَوْ غَزْوَةٍ قَصَرَ فِي رُجُوعِهِ إِلَى بَيْتِهِ وَهُوَ مُبَاحٌ وَمُحَرَّمٌ وَالْمَشْهُورُ الْمَنْعُ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَكُونُ سَبَبَ الرُّخْصَةِ كَمَا أَنَّ زَوَالَ الْعَقْلِ يُسْقِطُ التَّكَالِيفَ بِخِلَافِ السُّكْرِ وَالْخَوْفُ يُبِيحُ الْإِيمَاءَ فِي الصَّلَاةِ وَالْمُحَارِبُ الْخَائِفُ مِنَ الْإِمَامِ لَا يُومِئُ وَقِيلَ يَتَرَخَّصُ لِعُمُومِ النَّصِّ وَالْمَكْرُوهُ إِنْ قُلْنَا بِالْمَنْعِ فِي الْمُحَرَّمِ كُرِهَ وَإِلَّا جَازَ وَالْعَاصِي فِي سَفَرِهِ مُخَالِفٌ لِلْعَاصِي بِسَفَرِهِ الشَّرْطُ الرَّابِعُ أَلَّا يَقْتَدِيَ بِمُقِيمٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ يُتِمُّ وَرَاءه أَن أدْرك رَكْعَة وَقَالَهُ (ح وش) وَابْن حَنْبَل لنا مَا فِي الْمُوَطَّأِ كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا صَلَّى وَرَاء الإِمَام صلى أَرْبعا وَإِذا وجده صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَالَ سَنَدٌ وَقَالَ أَشْهَبُ يَنْتَظِرُهُ بَعْدَ اثْنَتَيْنِ حَتَّى يُسَلِّمَ فَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ قَالَ مَالِكٌ لَا يُتِمُّ خِلَافًا ل (ح وش) كَمَنْ أَدَرَكَ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ مِنَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ لَا يَلْتَزِمُهَا

ص: 367

‌الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي الْحُكْمِ

فَفِي الْجَوَاهِرِ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَقَالَهُ (ش) وَرَوَى أَشْهَبُ أَنَّهُ فَرْضٌ وَقَالَهُ (ح) وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ وَجَمَاعَةٌ مُبَاحٌ وَلَمْ يَخْتَلِفْ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ أَنَّ الْمُقِيمَ إِنَّمَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَحَكَى صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ الْمَنْعَ وَجْهُ النَّدْبِ مَا فِي أَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ صَحِبت النَّبِي عليه السلام فِي السَّفَرِ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبضه الله تَعَالَى وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه فَلَمْ يزدْ على رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبضه الله تَعَالَى وَصَحِبْتُ عُمَرَ رضي الله عنه فَلَمْ يَزِدْ على 0 رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبضه الله تَعَالَى وصحبت عُثْمَان رضي الله عنه فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبضه الله تَعَالَى وَجْهُ الْفَرْضِ قَوْلُ عَائِشَةَ رضي الله عنها فُرِضَتِ الصَّلَاةُ مَثْنَى مَثْنَى فَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ أَوَّلَ الصَّلَاةِ وَجْهُ الْإِبَاحَةِ قَوْله تَعَالَى {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} وَنَفْيُ الْجُنَاحِ يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ

قَاعِدَةٌ الْأَصْلُ فِي كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَقِلَّتِهِمَا كَثْرَةُ الْمُصْلَحَةِ أَوِ الْمَفْسَدَةِ وَقِلَّتُهُمَا فِي الْفِعْلِ وَقَدْ يَسْتَوِي الْفِعْلَانِ فِي الْمَصْلَحَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَيُوجِبُ الرَّبُّ سبحانه وتعالى أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَيُثِيبُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ كَالْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ مَعَ الْفَاتِحَةِ فِي

ص: 368

غَيْرِهَا وَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ مَعَ غَيْرِهَا مِنَ التَّكْبِيرَاتِ وَقَدْ يُفَضِّلُ الْقَلِيلَ عَلَى الْكَثِيرِ كَتَفْضِيلِ الصُّبْحِ عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ لِأَنَّهَا الْوُسْطَى عِنْدَنَا وَرَكْعَةِ الْوِتْرِ عَلَى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَاللَّهُ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا عَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَصْرُ عَلَى قلَّة مشقته وأذكاره افضل من الْإِتْمَام فرق مُلَابسَة الرُّخْصَة فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ وَتَرْكُهَا فِي الصَّوْمِ أَفْضَلُ لِجَمْعِهَا بَيْنَ التَّرَخُّصِ وَبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ فِي الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ

فَائِدَةٌ لِلْعُلَمَاءِ فِي صِفَةِ الْقَصْرِ الْوَارِدِ فِي الْآيَةِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ مِنْ طُولِ الْأَرْكَانِ دُونَ إِسْقَاطٍ عِنْدَ الْخَوْفِ فَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى الْوَاجِبَاتِ أَتَمَّ وَلَمْ تَجِبِ الْإِعَادَةُ فَإِنْ لَمْ يَعْتَدِلْ فِي الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَفِي إِعَادَتِهِ قَوْلَانِ وَمِنْ شُرُوطِهَا فَيُصَلِّي لِلْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا عِنْدَ الْخَوْفِ أَوِ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْخَوْفِ أَوْ رَكْعَةٍ عِنْدَ الْخَوْفِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً وَلَمْ يَقْضُوا أَوِ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَيكون قَوْله تَعَالَى {إِن خِفْتُمْ} مُتَعَلِّقًا بِمَا بَعْدَهُ تَقْدِيرُهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي صَلَاتِكُمْ وَكُنْتَ فِيهِمْ يَا مُحَمَّدُ فَأَقَمْتَ لَهُم الصَّلَاة فلتقم طَائِفَة مِنْهُم مَعَك} الْآيَةَ فَهَذِهِ الْفَاءُ جَوَابُ الشَّرْطِ لَا نَفْيَ الْحَرَجِ أَوْ صَلَاةُ الْخَوْفِ فَيَكُونُ الْقَصْرُ فِي الْهَيْئَةِ

فُرُوعٌ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ إِذَا أَتَمَّ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ رَكْعَتَيْنِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَوْ دَخَلَ

ص: 369

الْحَضَرَ أَعَادَ أَرْبَعًا لِأَنَّ فِعْلَهَا فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا أَفْضَلُ مِنَ السَّفَرِ لِوُقُوعِ الْخِلَافِ فِي فَسَادِ السَّفَرِيَّةِ وَالِاتِّفَاقِ عَلَى فَرْضِيَّةِ الْحَضَرِيَّةِ الثَّانِي فِي الْكِتَابِ إِذَا أَحْرَمَ بِنِيَّةِ الْإِتْمَامِ ثُمَّ بَدَا لَهُ بَعْدَ رَكْعَتَيْنِ فَسَلَّمَ لَا يُجْزِيهِ وَقَالَهُ ش لِأَنَّ إِحْرَامَهُ إِنْ كَانَ فَاسِدًا لَا يُجْزِيهِ أَوْ صَحِيحًا فَقَدْ أَفْسَدَهُ بِالْإِبْطَالِ فَلَوْ أَحْرَمَ بِالْإِتْمَامِ سَاهِيًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ قَالَ سَنَدٌ وَلَوْ شكّ هَل نوى الْقصر والإتمام لَأَعَادَ فِي الْوَقْتِ لِاحْتِمَالِ الْإِتْمَامِ فَلَوْ أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ مُطْلَقًا وَلَمْ يُخَصِّصْ أَتَمَّ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَالْقَصْرُ يَحْتَاجُ إِلَى تَخْصِيصٍ وَفِي الْجَوَاهِرِ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ يَصِحُّ أَنْ يُحْرِمَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ لِأَنَّ نِيَّتَهُ عَدَدَ الرَّكَعَاتِ لَا تَلْزَمُ الثَّالِثُ إِذَا أَمَّ الْمُسَافِرِينَ أَحَدُهُمْ فَسَبَّحُوا بِهِ بَعْدَ رَكْعَتَيْنِ فَلَمْ يَرْجِعْ يَقْعُدُونَ حَتَّى يُسَلِّمُوا بِسَلَامِهِ قَالَ سَنَدٌ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ مَا مَرَّ وَقَالَ أَيْضًا يُسَلِّمُونَ وَيَنْصَرِفُونَ وَقَالَ يَتَمَادَوْنَ وَيُعِيدُونَ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَتْبَعُونَهُ وَيُعِيدُونَ مَعَهُ قَالَ وَإِنَّمَا آمُرُهُمْ بِالِانْتِظَارِ لاخْتِلَاف النَّاس فِي السّفر فأمالوا تَمَادَى حَضَرِيٌّ وَانْتَظَرُوهُ حَتَّى صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ فَلَوْ نَوَى الْمَأْمُومُ الْإِتْمَامَ وَانْكَشَفَ أَنَّ الْإِمَامَ أَتَمَّ اتَّبَعَهُ وَأَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ قَصَرَ الْإِمَامُ لَمْ يُسَلِّمْ مَعَهُ كَمَا لَا يُسَلِّمُ الْمُقِيمُ وَيُعِيدُ صَلَاتَهُ فِي الْوَقْتِ فَلَوْ أتم الإِمَام صلَاته سَاهِيًا وَخَلْفَهُ مُقِيمٌ لَا يَعْتَدُّ بِرَكْعَتَيِ السَّهْوِ قَالَ ابْن حبيب فَإِن اعتدا أَعَادَ أَبَدًا وَلَوْ أَتَمَّ عَامِدًا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَالْمُقِيمُونَ أَبَدًا لِلِاخْتِلَافِ فِي رَكْعَتَيِ الزِّيَادَةِ هَلْ هُمَا فَرْضٌ عَلَى الْإِمَامِ أَمْ لَا وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ يُعِيدُونَ فِي الْوَقْتِ وَفِي الْجَوَاهِرِ إِنْ أَحْرَمَ بِالْقَصْرِ فَأَتَمَّ سَاهِيًا سَجَدَ لِلسَّهْوِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ شَفَعَ الْوِتْرَ

ص: 370

نَاسِيًا وَكَمَا فِي الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ صَلَّى الْوِتْرَ خَمْسًا وَالْفَجْرَ أَرْبَعًا وَأَعَادَ أَبَدًا فِي الْعَمْدِ وَقِيلَ فِي الْوَقْتِ فِيهِمَا أَمَّا فِي الْعَمْدِ فَلِأَنَّ فِعْلَهُ صَادَفَ فِعْلًا صَحِيحًا كَمَنْ صَلَّى خَامِسَةً سَهْوًا ثُمَّ ذَكَرَ سَجْدَةً مِنَ الْأُولَى وَأَمَّا فِي السَّهْوِ فَلِأَنَّ الْقَصْرَ غَيْرُ وَاجِبٍ قَالَ سَحْنُونٌ يُعِيدُ أَبَدًا لِكَثْرَةِ السَّهْوِ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَيْسَ بِسَهْوٍ مُجْتَمَعٍ عَلَيْهِ

‌الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي الْمَحَلِّ

وَهُوَ فِي الْكِتَابِ كُلُّ صَلَاةٍ رُبَاعِيَّةٍ سَافَرَ فِي آخِرِ وَقْتِهَا الضَّرُورِيِّ قَصَرَهَا وَإِنْ قَدِمَ فِيهِ أَتَمَّهَا وَإِنْ ذَكَرَ صَلَاةَ حَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ قَضَاهُمَا كَمَا وَجَبَتَا عَلَيْهِ وَقَالَهُ (ح) وَقَالَ (ش) يَقْصُرُ الْحَضَرِيَّةَ فِي السَّفَرِ كَمَا يَقْصُرُ الْمَرِيضُ صَلَاةَ الصِّحَّةِ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ حَالَةَ الْمَرِيضِ بَدَلٌ وَالْبَدَلُ لَا يُؤْتَى بِهِ إِلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ الْمُبْدَلِ وَالْقَصْرُ لَيْسَ بَدَلًا عَنِ الْإِتْمَامِ قَالَ سَنَدٌ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْأَوْلَى قَصْرُ السَّفَرِيَّةِ وَلَوْ أَتَمَّ جَازَ وَمَنْ قَالَ فَرْضُ الْمُسَافِرِ التَّخْيِيرُ فِي السَّفَرِ خَيْرٌ فِي الْقَضَاءِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إِذَا بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ رَكْعَتَانِ وَسَافَرَ فَذَكَرَ سَجْدَتَيْنِ لَا يَدْرِي مِنَ الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ يُصَلِّيهِمَا سَفَرِيَّتَيْنِ يَبْدَأُ بِأَيَّتِهِمَا شَاءَ نَظَرًا لِلِاشْتِرَاكِ فَإِنْ ذَكَرَ سَجْدَتَيْنِ لَا يدْرِي مجتمعتين من صَلَاةٍ أَوْ مُفْتَرِقَتَيْنِ مِنْ صَلَاتَيْنِ صَلَّى ظُهْرَيْنِ وَعَصْرًا يَبْدَأُ بِظُهْرٍ حَضَرِيٍّ ثُمَّ سَفَرِيٍّ قَبْلَ

ص: 371

الْعَصْر أَو بعده ثمَّ عصر سَفَرِي لِأَنَّهُمَا إِن كَانَتَا مِنَ الظُّهْرِ فَعَصْرُهُ صَحِيحٌ وَسَافَرَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ فَيَكُونُ سَفَرِيًّا أَوْ مِنَ الْعَصْرِ فَهُوَ سَفَرِي وَإِن افترقتا بَطل الصَّلَاتَانِ وَسَافَرَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ وَالظُّهْرُ عَلَيْهِ حضرية

ص: 372

(الْبَابُ الْحَادِيَ عَشَرَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَالنَّظَر فِي أَسبَابه وشروطه وَحكمه وَمحله)

فَهَذِهِ خَمْسَةُ فُصُولٍ

‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي أَسْبَابِهِ

وَهِيَ سِتَّةٌ السَّبَبُ الْأَوَّلُ السَّفَرُ فِي الْكِتَابِ إِذا جد بِهِ الْمسير جمع آخر الْوَقْت الظُّهْرِ وَأَوَّلَ الْعَصْرِ وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ إِلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ كَانَ عليه السلام إِذَا أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَنْزِلُ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَفِيهِمَا أَيْضًا إِذَا عَجِلَ بِهِ

ص: 373

السَّيْرُ فِي السَّفَرِ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَدْخُلَ أول وَقت الْعَصْر يُؤَخر الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ وَأَسْرَعَ السّير وَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ أَشْهَبُ مُبَادَرَةُ مَا يُخَافُ فَوَاته وَجوزهُ ابْن حبيب لمُجَرّد قَطْعِ الْمَسَافَةِ قَالَ الْبَاجِيُّ أَقْوَالُ أَصْحَابِنَا تَدُلُّ على جَوَاز الْمَنْع لحدة السَّيْرِ وَإِنْ كَانَ السَّفَرُ لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاة السَّبَب الثَّانِي فِي الْجَوَاهِر مهما اجْتَمَعَ الْمَطَرُ وَالطِّينُ وَالظُّلْمَةُ أَوِ اثْنَانِ مِنْهُمَا أَوِ انْفَرَدَ الْمَطَرُ جَازَ الْجَمْعُ بِخِلَافِ انْفِرَادِ الظَّلَامِ وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ اعْتِبَارِ انْفِرَادِ الطِّينِ وَظَاهِرُ الْمُسْتَخْرَجَةِ جَوَازُهُ وَقَالَ (ش) يَجْمَعُ فِي الْمَطَرِ بِخِلَافِ الطِّينِ وَالظُّلْمَةِ وَيَجْمَعُ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ لعُمُوم الْعذر وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ تَخْصِيصُهُ بِمَسْجِدِهِ عليه السلام لِمَزِيدِ الْفَضِيلَةِ وَيُخَصَّصُ بِالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ وَاسْتَقْرَأَ الْبَاجِيُّ اعْتِبَارَهُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ أَرَى ذَلِكَ فِي الْمَطَرِ السَّبَبُ الثَّالِثُ الْمَرَضُ فِي الْكِتَابِ إِذَا خَافَ الْغَلَبَةَ عَلَى عَقْلِهِ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ عِنْدَ الْغُرُوب وَقَالَهُ ابْن حَنْبَل خلافًا (ش) لَنَا أَنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ عليه السلام جَمَعَ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ وَرُوِيَ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْمَرَضُ وَلِأَنَّ مَشَقَّةَ الْمَرَضِ أَعْظَمُ مِنْ مَشَقَّةِ السَّفَرِ قَالَ سَنَدٌ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَجْمَعُ إِلَّا بِتَأْخِيرِ الظُّهْرِ إِلَى أَوَّلِ الْعَصْرِ وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ فَجَمَعَ وَلَمْ يَذْهَبْ عَقْلُهُ قَالَ عِيسَى يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ كَوَاجِدِ الْمَاءِ بَعْدَ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ سُؤَالٌ إِنْ وَقَعَتِ الْغَلَبَةُ عَلَى الْعَقْلِ سَقَطَ التَّكْلِيفُ فَلَا يَفْعَلُ مَا لَمْ يُؤْمَرْ

ص: 374

بِهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ كَصَلَاةِ الْفَذِّ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ فَلَا يُقَدَّمُ الْوَاجِبُ عَنْ وَقْتِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ جَوَابُهُ أَنَّ الْوَقْتَ مُشْتَرَكٌ وَهُوَ سَبَبُ الصَّلَاتَيْنِ فَتَعَلَّقَ الْخِطَابُ بِالثَّانِيَةِ لِوُجُودِ سَبَبِهَا بِخِلَافِ صَلَاةِ الْفَذِّ وَفِي الْكِتَابِ يَجْمَعُ صَاحِبُ الْبَطْنِ وَنَحْوُهُ فِي وَسَطِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ عِنْدَ الشَّفَقِ قَالَ سَنَدٌ قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ يَجْمَعُ أَوَّلَ وَقْتِ الظُّهْرِ وَأَوَّلَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ قِيَاسًا عَلَى الْمُسَافِرِ قَالَ وَقَوْلُهُ وَسَطَ الظُّهْرِ ظَاهِرُهُ رُبُعُ الْقَامَةِ وَقَدْ وَقَعَ فِي مَوَاضِعَ تَفْسِيرُهَا بِآخِرِ الْقَامَةِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ عِنْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ وَبِهِ فَسَّرَ الْبَاجِيُّ قَالَ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْأَرْكَانِ لَكِنْ تَشُقُّ عَلَيْهِ الْحَرَكَة أما لَو كَانَ يَعْتَرِيه مَا يعجزه عَنْ رُكْنٍ وَلَوْ أَنَّهُ الْقِيَامُ جَمَعَ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْكِتَابِ لَوْ خَافَ الْمَيْدَ فِي الْبَحْرِ جَمَعَ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَلَا يُصَلِّيهمَا فِي الْبَحْر قَاعِدا

قَاعِدَة السَّبَبُ الرَّابِعُ فِي الْجَوَاهِرِ الْخَوْفُ فِي جَوَازِ الْجَمْعِ بِهِ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ السَّبَبُ الْخَامِسُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ السَّبَبُ السَّادِسُ الْإِفَاضَةُ بِمُزْدَلِفَةَ

فَرْعٌ هَلْ يَجُوزُ الْجَمْعُ بِغَيْرِ سَبَبٍ حَكَى الْمَازِرِيُّ الْمَنْعَ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَالْجَوَازَ لِأَشْهَبَ بِنَاءً عَلَى الِاشْتِرَاكِ فِي الْوَقْتِ وَيُعَضِّدُهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ وَيُرْوَى مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ

ص: 375

وَلَا مَطَرٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَرَادَ أَلَّا يحرج أمته

‌الْفَصْلُ الثَّانِي فِي الشُّرُوطِ

وَهِيَ ثَلَاثَةٌ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ فِي الْجَوَاهِرِ تُقَدَّمَ الْأُولَى مِنْهُمَا وَيَنْوِي الْجَمْعَ فِيهِمَا وَلَا يُجْزِئُ أَنْ يَنْوِيَ أَوَّلَ الثَّانِيَةِ وَقِيلَ يُجْزِيهِ وَفِي الْكِتَابِ إِنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي بَيْتِهِ فَلَا يُصَلِّي الْعِشَاءَ بَعْدَهُمْ قَالَ ابْن الْقَاسِم ويصليهما مَعَهُمْ قَالَ سَنَدٌ قَالَ مَالِكٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ فَيُصَلِّيهَا بَعْدَهُمْ لِفَضِيلَةِ الْمَسْجِدِ وَأَمَّا الصَّلَاةُ مَعَهُمْ فَلِأَنَّ الرُّخْصَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَغْرِبِ لِوُقُوعِهَا فِي وَقْتِهَا وَإِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْعِشَاءِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ نِيَّةَ الْجَمْعِ لَا تُشْتَرَطُ فِي الْأُولَى خِلَافًا لِ (ش) وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْجَوَاهِرِ الشَّرْطُ الثَّانِي قَالَ سَنَدٌ الْجَمَاعَةُ فَلَا يَجْمَعُ الْمُنْفَرِدُ فِي بَيْتِهِ وَلَا فِي الْمَسْجِدِ خِلَافًا لِ (ش) لِأَنَّ الْجَمْعَ إِنَّمَا شرع لمَشَقَّة الِاجْتِمَاع قَالَ مَالِكٌ وَيَجْمَعُ قَرِيبُ الدَّارِ مِنَ الْمَسْجِدِ وَالْمُعْتَكِفُ فِيهِ قَالَ يحيى ابْن عُمَرَ وَفِي الْجَوَاهِرِ وَفِي جَمْعِ الشَّيْخِ الضَّعِيفِ وَالْمَرْأَة بالمسمع خِلَافٌ الشَّرْطُ الثَّالِثُ فِي الْجَوَاهِرِ الْمُوَالَاةُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بِأَكْثَرَ مِنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَمَهْمَا نَوَى الْإِقَامَةَ فِي جَمْعِ السَّفَرِ فِي إِحْدَى الصَّلَاتَيْنِ بَطل

ص: 376

الْجَمْعُ وَبَعْدَهُمَا لَا يَضُرُّ وَلَوِ انْقَطَعَ الْمَطَرُ قَبْلَ الثَّانِيَةِ أَوْ فِي أَثْنَائِهَا جَازَ التَّمَادِي على الْجمع أَو لَا يُؤمن عوده

‌الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي الْحُكْمِ

وَهُوَ عِنْدَنَا جَائِزٌ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ الْكَرَاهَةُ فِي السَّفَرِ وَقَالَ (ش) بِالْجَوَازِ وَمَنَعَ (ح) إِلَّا بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ مُحْتَجًّا بِأَنَّ الْمَوَاقِيتَ ثَبَتَتْ بِالتَّوَاتُرِ فَلَا تبطل بالآحاد وَأَجَازَ أَن يُؤَخر الْأُولَى إِلَى آخِرِ وَقْتِهَا وَتُقَدَّمَ الثَّانِيَةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَقَدْ جَنَحَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِلَى قَوْلِهِ فِي الْمَجْمُوعَةِ فَقَالَ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ أَعَادَ أَبَدًا لَنَا مَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا وَالْمَغْرِبَ وَالْعَشَاءَ جَمِيعًا فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ قَالَ مَالِكٌ أَرَى ذَلِكَ فِي الْمَطَرِ وَخَرَّجَ مُسْلِمٌ وَلَا مَطَرٍ

‌الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي الْمَحَلِّ

وَهُوَ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْمغْرب وَالْعِشَاءُ لِوُقُوعِ الِاشْتِرَاكِ بَيْنَ كُلِّ صَلَاتَيْنِ مِنْهُمَا على خلاف

ص: 377

‌الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي صِفَةِ الْجَمْعِ

وَفِي الْكِتَابِ يُؤَخَّرُ الْمَغْرِبُ قَلِيلًا وَيُصَلَّيَانِ قَبْلَ الشَّفَقِ لِيَنْصَرِفَ النَّاسُ فِي النُّورِ وَقَالَ مَالِكٌ فِي النَّوَادِرِ يَجْمَعُ عِنْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ إِنَّمَا دَعَتْ لِتَقْدِيمِ الْعِشَاءِ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَتَنَفَّلُ بَيْنَهُمَا وَقَالَهُ (ش) قَالَ سَنَدٌ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَتَنَفَّلُ عِنْدَ أَذَانِ الْعِشَاءِ لِزِيَادَةِ الْقُرْبَةِ وَإِذَا قُلْنَا لَا يَتَنَفَّلُ فَتَنَفَّلَ فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الْجَمْعَ قِيَاسًا عَلَى الْإِقَامَةِ خِلَافًا لِ (ش) وَلَا يَتَنَفَّلُ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي الْمَسْجِدِ لِيَنْصَرِفَ النَّاسُ بِضَوْءٍ وَلَا يُوتِرُونَ حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ وَفِي الْكِتَابِ إِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ الزَّوَالِ جَمَعَ ذَلِكَ الْوَقْتَ لِمَا فِي مُسْلِمٍ كَانَ عليه السلام بِتَبُوكَ إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَإِنِ ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعَصْرِ فَيَجْمَعَ بَيْنَهُمَا وَفِي الْمَغْرِبِ مِثْلُ ذَلِكَ وَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْمَغْرِبِ مِثْلُ ذَلِكَ فَقِيلَ تَفْسِيرٌ وَقِيلَ خِلَافٌ قَالَ سَنَدٌ فَإِنْ جَمَعَ فِي الْمَنْهَلِ قَالَ مَالِكٌ يُعِيدُ الْآخِرَةَ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ وَلَوْ جَمَعَ أَوَّلَ الْوَقْتِ لِشِدَّةِ السَّيْرِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَقَامَ أَوْ عَرَضَ لَهُ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ ذَهَبَ الْمَطَرُ بَعْدَ الْجَمْعِ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَوْ كَانَ الرَّحِيلُ عَقِيبَ الزَّوَالِ عَازِمًا عَلَى النُّزُولِ قَبْلَ تَصَرُّمِ

ص: 378

وَقْتِ الثَّانِيَةِ صَلَّى قَبْلَ الرَّحِيلِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ عِنْدَ نُزُولِهِ وَلَوْ كَانَ لَا يَنْزِلُ مِنْ قَبْلِ الزَّوَالِ إِلَى بَعْدِ الْغُرُوبِ صَلَّى كُلَّ صَلَاةٍ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَكَذَلِكَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَلَوْ زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فِي الْمَنْهَلِ وَإِذَا رَحل نزل بعد الاصفرار فَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إِنْ شَاءَ جَمَعَ فِي الْمَنْهَلِ أَوْ بَعْدَ النُّزُولِ إِذْ فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ خُرُوجُ إِحْدَى الصَّلَاتَيْنِ عَنْ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ وَلَوْ زَالَتِ الشَّمْسُ وَهُوَ رَاكِبٌ لَا يَنْزِلُ إِلَّا بَعْدَ الِاصْفِرَارِ وَجَوَّزَ ابْنُ مَسْلَمَةَ الْجَمْعَ إِذَا نزل

ص: 379

(الْبَاب الثَّانِي عشر فِي قَضَاء الصَّلَوَات وَتَرْتِيبِهَا)

وَفِيهِ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ

‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الْقَضَاءِ

وَهُوَ وَاجِبٌ فِي كُلِّ مَفْرُوضَةٍ لَمْ تفعل عِنْد مَالك (ح ش) قَالَ سَنَدٌ وَعَلَى مَذْهَبِ ابْنِ حَبِيبٍ وَابْنِ حَنْبَلٍ لَا يَقْضِي الْمُتَعَمِّدُ لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ بِذَلِكَ فَإِذَا تَابَ لَا يَقْضِي لَنَا مَا فِي مُسلم عليه السلام إِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنِ الصَّلَاةِ أَوْ غَفَلَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ الله عز وجل يَقُول {وأقم الصَّلَاة لذكري} فَهُوَ يَدُلُّ بِذَاتِهِ وَتَنْبِيهِهِ عَلَى مَعْنَى الْآيَةِ

فَائِدَتَانِ الأولى أَن معنى الْآيَة أقِم الصَّلَاةَ لِذِكْرِ صَلَاتِي فَيَكُونُ مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ أَوْ مِنْ مَجَازِ الْمُلَازَمَةِ لِأَنَّهُ إِذَا أَقَامَ الصَّلَاة فقد ذكر الله تَعَالَى فِيهَا

ص: 380

الثَّانِيَةُ أَنَّ الشَّرْعَ إِنَّمَا خَصَّصَ النَّائِمَ وَالْغَافِلَ بِالذِّكْرِ لِذَهَابِ الْإِثْمِ فِي حَقِّهِمَا الَّذِي هُوَ من لَوَازِم الْوُجُوب فَتوهم المتوهم انْتِفَاء قَضَاء لِانْتِفَاءِ الْوُجُوبِ فَأَمَرَ الشَّرْعُ بِالْقَضَاءِ مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى الَّذِي هُوَ الْمُتَعَمَّدُ قَالَ اللَّخْمِيُّ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ لَا يُؤَخَّرُ إِلَّا لمَشَقَّة وَقَالَ سَنَدٌ تَعْجِيلُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ كَتَعْجِيلِ الصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ يُسْتَحَبُّ وَلَا يَجِبُ وَفِي الْكِتَابِ يَقْضِي عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ وَلَا يَمْنَعُهُ عَنْ حَوَائِجِهِ

فرعان الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ يَقْضِي فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ حَتَّى عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا وَلَا يُؤَخِّرُهَا وَيَجْهَرُ فِيمَا كَانَ يَجْهَرُ فِيهِ وَيُسِرُّ فِيمَا كَانَ يُسِرُّ فِيهِ وَوَافَقَنَا (ش) فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ وَطُلُوعِهَا وَخَالَفَ فِي الْإِجْهَارِ بِالنَّهَارِ لِفَوَاتِهِ عِنْدَهُ لِفَوَاتِ زَمَانِهِ كَتَكْبِيرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَاللَّيْلُ عِنْدَهُ يَحْتَمِلُ الْجَهْرَ وَالسِّرَّ وَخَيَّرَهُ الْأَوْزَاعِيُّ فِي السِّرّ والجهر مُطلقًا ووافقنا أَبُو حنيفَة فِي السِّرِّ وَالْجَهْرِ وَخَالَفَنَا فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا وَأَبْطَلَ صُبْحَ الْيَوْمِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ عَلَيْهِ فِيهِ بِخِلَافِ غُرُوبِ الشَّمْسِ عَلَيْهِ فِي عَصْرِ يَوْمِهِ مُحْتَجًّا بِنَهْيِهِ عليه السلام عَنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا مُفَرِّقًا بَيْنَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ فَإِنَّ الطُّلُوعَ يَتَعَقَّبُهُ وَقْتُ الْمَنْعِ وَالْغُرُوبَ يَتَعَقَّبُهُ وَقْتُ الْإِبَاحَةِ وَجَوَابُهُ أَنَّ نَصَّهُ عَامٌّ فِي الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ وَقَوْلُهُ عليه السلام فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا خَاصٌّ بِالْفَرَائِضِ

ص: 381

فَيُقَدَّمُ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ قَالُوا مَا ذَكَرْتُمُوهُ عَامٌّ فِي الْأَزْمَانِ دُونَ الصَّلَوَاتِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ عَامٌّ فِي الصَّلَوَاتِ دُونَ الْأَزْمَانِ فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِحَمْلِهِ عَلَى الْآخَرِ أَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعَمُّ مِنَ الْآخَرِ مِنْ وَجه وأخص من وَجه قُلْنَا لَا نسلم إِذْ مَا ذَكَرْنَاهُ عَامٌّ فِي الْأَزْمَانِ بَلْ أَيُّ زمَان ثَبت فِيهِ الحكم سقط عَن غَيْرِهِ كَالْمُطْلَقَاتِ سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ مَا ذَكَرْنَاهُ مُؤَكَّدٌ بِقَوْلِهِ عليه السلام فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتٌ لَهَا وَالْمُؤَكَّدُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ لَنَا عَلَى (ش) أَنَّهَا صِفَةٌ لِلْقِرَاءَةِ فَلَا تَسْقُطُ كَصِفَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ عليه السلام فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذكرهَا إِشَارَة إِلَى المنسية بجملة صفاتها الثَّانِي قَالَ سَنَدٌ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ كُفْرًا ثمَّ اسْلَمْ لَا قَضَاء لما تَركه فِي رِدَّتِهِ وَلَا قَبْلَهَا عِنْدَ مَالِكٍ وَ (ح) خلافًا (ش) وَلِابْنِ حَنْبَلٍ قَوْلَانِ لَنَا قَوْلُهُ عليه السلام الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ

‌الْفَصْلُ الثَّانِي فِي تَرْتِيبِ الْفَوَائِتِ

وَفِي الْجَوَاهِرِ هُوَ وَاجِبٌ لِمَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ جَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كِدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَغْرُبَ فَقَالَ النَّبِي عليه السلام فَوَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا فَنَزَلْنَا إِلَى بُطْحَانَ فَتَوَضَّأَ النَّبِيُّ عليه السلام وَتَوَضَّأْنَا فَصَلَّى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - الْعَصْر بعد مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَصَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ وَقِيَاسًا عَلَى تَرْتِيبِ الْأَرْكَانِ لِأَنَّهُ تَرْتِيبٌ مُتَعَلِّقٌ

ص: 382

بِالصَّلَاةِ فَإِنْ عَلِمَ أَعْيَانَ الصَّلَوَاتِ وَلَمْ يَشُكَّ صَلَّاهَا وَإِنْ شَكَّ أَوْقَعَ مِنَ الصَّلَوَاتِ أَعْدَادًا تحيط بِعَدَد تِلْكَ الشكوك

فروع سِتَّة الْأَوَّلُ فِي الْجَوَاهِرِ لَوْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ خَمْسٍ لَا يَدْرِي عَيْنَهَا صَلَّى خَمْسًا وَقَالَهُ (ح وش) وَقَالَ الْمُزنِيّ الْقيَاس عِنْدِي أَن تجزيه أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ يَنْوِي بِهَا مَا عَلَيْهِ يَجْهَرُ فِي الْأُولَيَيْنِ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْجَهْرُ وَيَجْلِسُ بَعْدَ الثَّالِثَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْمَغْرِبَ وَإِنْ كَانَتِ الصُّبْحَ فَقَدْ صَلَّاهَا وَزَادَ لِأَجْلِ الشَّكِّ رَكْعَتَيْنِ فَلَا يَضُرُّهُ كَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ أَرْبَعًا سَهْوًا وَجَوَابُهُ مَنْعُ الصِّحَّةِ بِكَثْرَةِ السَّهْوِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا الصُّبْحَ سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّ السَّاهِيَ يعْتَقد أَنَّهُ فِي الصُّبْحِ وَهَذَا يَعْتَقِدُ الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ زِيَادَةُ الْجُلُوسِ بَعْدَ الثَّالِثَةِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا أَرْبَعَةً مُفْسِدٌ أَيْضًا وَكَذَلِكَ زِيَادَةُ الرَّابِعَةِ على تَقْدِير كَونهَا ثلاثية الثَّانِي قَالَ فِي الْجَوَاهِر لَو نَسِيَ ظُهْرًا وَعَصْرًا لَا يَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَبْلَ صَاحِبَتِهَا فَالْمَشْهُورُ يُصَلِّي ظُهْرًا بَيْنَ عَصْرَيْنِ أَوْ عَصْرًا بَيْنَ ظُهْرَيْنِ وَقِيلَ يُصَلِّي ظُهْرًا لِلسَّبْتِ ثُمَّ عَصْرًا لِلْأَحَدِ ثُمَّ عَصْرًا لِلسَّبْتِ ثُمَّ ظهرا للأحد مُرَاعَاة أَعْيَان الْأَيَّامِ فَلَوْ عَلِمَ أَنْ إِحْدَاهُمَا سَفَرِيَّةٌ وَشَكَّ فِي تَقْدِيمهَا فَالَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يُصَلِّيَ سِتًّا ظُهْرًا حَضَرِيًّا ثُمَّ يُعِيدَهُ سَفَرِيًّا ثُمَّ عصرا حَضَرِيًّا ثُمَّ يُعِيدَهُ سَفَرِيًّا قَالَ وَضَابِطُ هَذَا الْبَابِ أَنْ يَضْرِبَ الْمَنْسِيَّاتِ فِي أَقَلَّ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ وَيَزِيدَ عَلَى الْمُتَحَصِّلِ وَاحِدَةً وَيُصَلِّيَ الْجَمِيعَ على حَسْبَمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ شَكَّ فِي السَّفَرِ أَعَادَ كُلَّ صَلَاةٍ يُصَلِّيهَا سَفَرِيَّةً فَلَوْ ذَكَرَ صُبْحًا وَظُهْرًا

ص: 383

وَعَصْرًا صَلَّى سَبْعًا مُبْتَدِئًا مِنَ الصُّبْحِ إِلَى الْعَصْرِ ثُمَّ الصُّبْحِ فَإِنْ شَكَّ فِي السَّفَرِ أَعَادَ كُلَّ رُبَاعِيَّةٍ بَعْدَ فِعْلِهَا سَفَرِيَّةً فَتَبْلُغُ إِحْدَى عَشْرَةَ وَعَلَى هَذَا الْقَانُونِ وَعَلَى غَيْرِ الْمَشْهُورِ فِي مُرَاعَاةِ الْأَيَّامِ يُضَاعِفُ الْعَدَدَ الَّذِي يَنْتَهِي إِلَيْهِ الْحساب الثَّالِثُ فِي الْجَوَاهِرِ لَوْ عَلِمَ عَيْنَ الصَّلَاةِ وَجَهِلَ يَوْمَهَا صَلَّاهَا غَيْرَ مُلْتَفِتٍ إِلَى تَعْيِينِ الْأَيَّامِ لَأَنَّ التَّقَرُّبَ بِالصَّلَاةِ لَا بِالْيَوْمِ قَالَ سَنَدٌ هَذَا إِذَا شَكَّ فِي جُمْلَةِ الْأَيَّامِ أَمَّا إِنْ شَكَّ فِي يَوْمَيْنِ قَالَ سَحْنُونٌ الْحُكْمُ وَاحِدٌ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُصَلِّيهَا مَرَّتَيْنِ لِيَوْمَيْنِ نَظَرًا لِاعْتِبَارِ الْأَيَّامِ قَالَ وَمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ لَوِ انْحَصَرَتْ لَهُ جُمُعَةٌ مُعَيَّنَةٌ صَلَّى سَبْعًا وَإِنَّمَا سَقَطَ فِي عُمُومِ الْجَهْلِ لِكَثْرَةِ الْمَشَقَّةِ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَوْ شَكَّ فِي كَوْنِهَا سَفَرِيَّةً صلاهَا سفرية ثمَّ حضرية الرَّابِع فِي الْجَوَاهِر لَو نسى صَلَاة وَثَانِيَتَهَا وَلَا يَدْرِي مَا هُمَا صَلَّى الْخَمْسَ على ترتيبها وَأعَاد مَا بَدَأَ بِهِ وَلَو كَانَت ثَالِثهَا فستا أَيْضا لَكِن يُصَلِّي كل صَلَاة وَثَالِثهَا ثُمَّ ثَالِثَةَ الثَّالِثَةِ كَذَلِكَ حَتَّى يُكْمِلَ سِتًّا وَكَمَالُهَا بِإِعَادَةِ الْأُولَى وَلَوْ كَانَتْ رَابِعَتَهَا أَعْقَبَ كُلَّ صَلَاةٍ بِرَابِعَتِهَا أَوْ خَامِسَتَهَا أَعْقَبَ كُلَّ صَلَاةٍ بِخَامِسَتِهَا وَلَوْ كَانَتْ سَادِسَتَهَا أَوْ حَادِيَةَ عشرهَا أَو سادسة عشرهَا فَإِنَّهَا عَيْنُ الْأُولَى فَلْيُصَلِّ ظُهْرَيْنِ وَعَصْرَيْنِ وَمَغْرِبَيْنِ وَعِشَاءَيْنِ وصبحين الْخَامِسُ فِي الْجُلَّابِ إِذَا نَسِيَ صَلَاتَيْنِ مُرَتَّبَتَيْنِ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَدْرِي اللَّيْلَ قَبْلَ النَّهَارِ أَوِ النَّهَارَ قَبْلَ اللَّيْلِ صَلَّى سِتَّ صَلَوَاتٍ مُبْتَدِئًا بِالظُّهْرِ اسْتِحْبَابًا لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ بَدَأَ بِهَا جِبْرِيلُ عليه السلام وَأَيُّ صَلَاةٍ بَدَأَ بِهَا أَعَادَهَا قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالصُّبْحِ لِأَنَّهَا أَوَّلُ النَّهَارِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ هِيَ مِنَ النَّهَارِ فَتَكُونُ أَوَّلَهُ أَوْ لَا فَتكون الظّهْر أول النَّهَار فَإِن كن ثَلَاثًا قضى سبعا أَو أَرْبعا قضى ثَمَانِي أَوْ خَمْسًا قَضَى تِسْعًا عَلَى الشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ قَالَ

ص: 384

سَنَدٌ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْمُتَجَاوِرَاتِ أَمَّا لَوْ كَانَت الصَّلَاتَان مفترقتين فَفِي كتاب ابْن سَحْنُونٍ يُصَلِّي سَبْعَ صَلَوَاتٍ يَبْدَأُ بِصَلَاتَيِ اللَّيْلِ ثُمَّ بِصَلَاتَيِ النَّهَارِ وَلَا يَبْدَأُ بِصَلَوَاتِ النَّهَارِ لِئَلَّا يُصَلِّي ثَمَانِي قَالَ سَنَدٌ فَلَوْ كُنَّ ثَلَاثًا وَبَدَأَ بِالْمَغْرِبِ صلى سبعا وَلَو بَدَأَ بالصبح صلى ثَمَانِي لِأَنَّهُ إِذَا أَكْمَلَ بِالْعِشَاءِ احْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْأُولَى فَيُعِيدُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَإِنْ بَدَأَ بِالظُّهْرِ صَلَّى سَبْعَ صَلَوَاتٍ لِأَنَّهُ إِذَا أَكْمَلَ بِالصُّبْحِ فَقَدْ تَكُونُ هِيَ الْأُولَى وَبَعْدَهَا صَلَاتَانِ مِنَ الْأَرْبَعِ فَيُعِيدُ الْأَرْبَعَ وَإِنْ بَدَأَ بِالْعَصْرِ صلى ثَمَانِي أَو بالعشاء صلى تسعا السَّادِسُ قَالَ سَنَدٌ لَوْ نَسِيَ صَلَاتَيْنِ لَا يَدْرِي أَهُمَا مِنْ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ صَلَّى عَشْرَ صَلَوَاتٍ لِيَوْمَيْنِ إِلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ أَنَّهُمَا متغايران فَيصَلي سبعا لِأَنَّهُ إِذا بَدَأَ بِصَلَاة يَوْم يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْخَامِسَةُ الْأُولَى وَمَا بَعْدَهَا إِلَى مَا يضاهيها من الْخمس وَيجوز أَنْ تَكُونَ هِيَ الثَّانِيَةَ

‌الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي تَرْتِيبِ الْقَضَاءِ مَعَ الْأَدَاءِ

قَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ فِي التَّرْتِيبِ كُلِّهِ إِنَّهُ وَاجِبٌ مَعَ الذِّكْرِ سَاقِطٌ مَعَ النِّسْيَانِ فِي الْمَتْرُوكَاتِ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ وَفِي الْمَفْعُولَاتِ يُسْتَحَبُّ فِي الْوَقْتِ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ مَعَهَا فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ نَقَلَهُ فِي الْجَوَاهِرِ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَجَمَاعَةٍ نَظَائِرُ التَّرْتِيبُ وَالتَّسْمِيَةُ فِي الذَّبِيحَةِ وَمُوَالَاةُ الطَّهَارَةِ وَإِزَالَة النَّجَاسَة وَالْوُجُوب فِيهَا عِنْدَ مَالِكٍ رحمه الله مَعَ الذِّكْرِ دون

ص: 385

النِّسْيَانِ عَلَى خِلَافِ قَاعِدَةِ الْوَاجِبَاتِ لِضَعْفِ مُدْرَكِ الْوُجُوبِ فِيهَا فَسَقَطَ مَعَ النِّسْيَانِ وَفِي الْجَوَاهِرِ هُوَ وَاجِبٌ فِي الْيَسِيرِ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْحَاضِرَةِ وَلَوْ فَاتَ وَقْتُ أَدَائِهَا وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَ (ش) وَ (ح) يَبْدَأُ بِالْوَقْتِيَّةِ وَرَوَى أَشْهَبُ التَّخْيِيرَ بَيْنَهُمَا لَنَا الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ قَدَّمَ فِيهِ عليه السلام الْعَصْرَ عَلَى الْمَغْرِبِ وَعَيَّنَ الْوَقْتَ لِلْمَنْسِيَّةِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ بِقَوْلِهِ فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا وَيُرْوَى فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا وَهُوَ لَا يَتَّسِع لغَيْرهَا فَوَجَبَ تَأْخِيرهَا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَاتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ نَسِيَ الظُّهْرَ يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَحْرَمَ بِالْعَصْرِ ثُمَّ ذَكَرَ الظُّهْرَ فَإِنَّهَا تُفْسَدُ عَلَيْهِ فَيَجِبُ تَقْدِيمُ مَا تَقَدَّمَ وَجُوبُهُ إِلَّا مَا اسْتُثْنِيَ حُجَّةُ (ش) الْقِيَاسُ عَلَى تَرْتِيبِ الْخَمْسِ مَعَ الْجِنَازَةِ وَالْقَلِيلِ عَلَى الْكَثِيرِ وَالْمَذْكُورِ عَلَى الْمَنْسِيِّ فَإِنَّهُ لَوْ نَسِيَ فَبَدَأَ بِالْحَاضِرَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُ الْحَاضِرَةِ صَحَّتْ

وَفِي الْبَابِ فُرُوعٌ خَمْسَة الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ مَنْ ذَكَرَ مَنْسِيَّةً فِي مَكْتُوبَةٍ قَطَعَ وَإِنْ صَلَّى رَكْعَةً شَفَعَهَا أَوْ رَكْعَتَيْنِ سَلَّمَ أَوْ ثَلَاثًا أَتَمَّهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيَقْطَعُ بَعْدَ ثَلَاثٍ أَحَبُّ إِلَيَّ وَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا فَلَا يَقْطَعُ وَإِنْ كَانَتِ الْمَغْرِبُ تَمَادَى مَعَ الْإِمَامِ وَأَعَادَهَا وَإِذَا سَلَّمَ صَلَّى مَا نَسِيَ وَأَعَادَ مَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ وَإِنْ صَلَّى قَبْلَهَا صَلَاةً وَأَدْرَكَ وَقْتَهَا وَوَقْتَ الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ فَلْيُعِدْهُمَا جَمِيعًا بَعْدَ الْفَائِتَةِ وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي هَذَا اللَّيْلُ كُلُّهُ قَالَ سَنَدٌ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ أَنَّ التَّرْتِيبَ غَيْرُ وَاجِبٍ

ص: 386

وَلَا شَرط وَظَاهر الْكتاب يقْضى الْوُجُوبَ وَالشَّرْطِيَّةَ لِقَضَائِهِ بِفَسَادِ الْحَاضِرَةِ وَقَوْلُهُ يَتَمَادَى الْمَأْمُومُ وَيُكْمِلُ الذَّاكِرُ بَعْدَ ثَلَاثٍ يَشْهَدُ لِابْنِ الْقَاسِم وَإِذا قُلْنَا لَا يقْضى فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فِي الْكِتَابِ يَقْطَعُ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ يَجْعَلُهَا نَافِلَةً وَفَرَّقَ ابْنُ حَبِيبٍ بَيْنَ مَا خَرَجَ وَقْتُهُ فَلَا يَقْطَعُ وَقَالَ إِنْ ذَكَرَ ظُهْرَ يَوْمِهِ فِي الْعَصْرِ أَوْ مَغْرِبَ لَيْلَتِهِ فِي الْعِشَاءِ يَقْطَعُ وَأَمَّا مَا خَرَجَ وَقْتُهُ فِي آخِرِ وَقْتِ الْحَاضِرَةِ فَاسْتِدْرَاكُهُ لِبَقِيَّةِ الْوَاجِبِ أَوْلَى مِنْ نَافِلَةٍ لَا تُجْزِيهِ حُجَّةُ مَا فِي الْكِتَابِ الْقِيَاسُ عَلَى مَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ إِحْرَامِهِ بِهَا مُنْفَرِدًا وَجْهُ إِتْمَامِهَا نَافِلَةً الْقِيَاسُ عَلَى مَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ فَرِيضَةٌ فِي نَافِلَةٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ يُضِيفُ إِلَيْهَا أُخْرَى فَنَقُولُ إِنْ كَانَ الْوَقْتُ الِاخْتِيَارِيُّ قَائِمًا يَسَعُ الْمَنْسِيَّةَ وَالنَّافِلَةَ فَكَمَا قَالَ وَإِنْ لَمْ يَسَعْ كَذَاكِرِ الظُّهْرِ فِي آخِرِ وَقْتِ الِاشْتِرَاك فَإِن اتم نَافِلَة خرج الْوَقْتُ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِمَا لَا يجب عَلَيْهِ أَصله قَالَ وَهُوَ مُقْتَضى قَوْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَنْ أَخَّرَ عَنِ الِاخْتِيَارِيِّ أَثِمَ وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّأْثِيمِ يُحْتَمَلُ التَّمَادِي وَإِنْ خَرَجَ الِاخْتِيَارِيُّ وَالضَّرُورِيُّ فَأَتَمَّ يُتِمُّهَا عَلَى الْمَذْهَبِ نَافِلَةً مَا لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ أَدَاءِ الْمَذْكُورِ فِيهَا وَعِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ يَقْطَعُ عَلَى شَفْعٍ أَوْ وِتْرٍ فَإِنْ كَانَ يَمْنَعُ قَطَعَ إِلَّا أَنْ يَمْتَنِعَ أَدَاءُ الْمَذْكُورِ فِيهَا بِكُلِّ وَجْهٍ وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الذَّاكِرِ بَعْدَ ثَلَاثٍ يَقْطَعُ أَحَبُّ إِلَيَّ فَلَا يَظْهَرُ لِلذِّكْرِ أَثَرٌ قَالَ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ إِنْ ذَكَرَ بَعْدَ رَكْعَةٍ مِنَ الصُّبْحِ فَعِنْدَهُ يَقْطَعُ وَعِنْدَ مَالِكٍ يَتَمَادَى وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا يَقْطَعُ خَلْفَ الْإِمَامِ فَقَالَهُ (ش وح) إِمَّا لِأَنَّ الْإِمَامَ يَحْمِلُ التَّرْتِيبَ كَالْقِرَاءَةِ أَوْ

ص: 387

لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ مُتَّفَقٌ عَلَى وُجُوبِهَا بِخِلَافِهِ وَيُعِيدُ الْحَاضِرَةَ بَعْدَ الْمَنْسِيَّةِ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْإِمَامِ مَا دَامَ وَقْتُهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ وَأَبَدًا عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ فَإِنَّ الذِّكْرَ عِنْدَهُ يُؤَثِّرُ فِي ابطال الْفَرْضِيَّة فَتَبْقَى نَافِلَةً وَأَمَّا قَوْلُهُ يَتَمَادَى الْمَأْمُومُ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَقَدْ حَكَى اللَّخْمِيُّ رِوَايَةً بِأَنَّهُ يُضِيفُ إِلَيْهَا أُخْرَى وَيَجْعَلُهَا رَابِعَةً وَالْأُولَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الذِّكْرَ لَا يُفْسِدُهَا وَالثَّانِيَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّهُ يُفْسِدُهَا وَقَوْلُهُ يُعِيدُهَا قَالَ سَنَدٌ اسْتِحْبَابًا وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فَذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّى وَحْدَهُ الْمَغْرِبَ أَنَّ هَذَا اخْتُلِفَ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ وَذَاكَ اتُّفِقَ عَلَى صِحَّةِ صَلَاتِهِ فَتَعَيَّنَ إِعَادَةُ الْمَغْرِبِ مرَّتَيْنِ الثَّانِي فِي الْكِتَابِ إِذَا ذَكَرَ مَنْسِيَّةً بَعْدَ إِيقَاعه لِلظهْرِ وَالْعصر قبل الْغُرُوب مِقْدَار يَسَعُ الثَّلَاثَ صَلَّى الْمَنْسِيَّةَ ثُمَّ أَعَادَهَا عَلَى التَّرْتِيبِ وَإِنِ اتَّسَعَ لِلْمَنْسِيَّةِ مَعَ إِحْدَاهُمَا صَلَّى الْمَنْسِيَّةَ وَأَعَادَ الْعَصْرَ وَكَذَلِكَ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ مَعَ الصُّبْحِ وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ الْوَقْتُ إِلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ فَقَطْ

مُلَاحَظَةٌ إِنَّ تَرْتِيبَ الْمَفْعُولَاتِ مُسْتَحَبٌّ وَهَذَا وَقْتُ نَهْيٍ وَقِيَاسًا عَلَى مَنْ نَسِيَ النَّجَاسَةَ أَوْ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ وَالْفَرْقُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنَّ الشَّرْعَ سَامَحَ فِيهِمَا فِي مَوَاضِعَ مَعَ الذِّكْرِ وَلَمْ يُسَامِحْ فِي التَّرْتِيبِ مَعَ الذِّكْرِ وَحَكَى فِي الْجَوَاهِرِ فِي الْوَقْتِ هَلْ هُوَ الضَّرُورِيُّ أَوِ الِاخْتِيَارِيُّ قَوْلَيْنِ مُطْلَقًا قَالَ سَنَدٌ فَلَوْ صَلَّى الْمَنْسِيَّةَ وَنَسِيَ إِعَادَةَ مَا صَلَّى قَبْلَهَا حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُعِيدُهَا خِلَافًا لِمُطَرِّفٍ لِوُقُوعِ الصَّلَاةِ صَحِيحَةً وَرَاعَى مُطَرِّفٌ أَنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ فَيُسْتَدْرَكُ مَعَ الذِّكْرِ ابْتِدَاءً وَلَوْ ذَكَرَهَا بَعْدَ إِيقَاعِ الْجُمُعَة قَالَ مَالك وَابْن الْقَاسِم يُعِيد ظهرا

ص: 388

وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُعِيدُ لِأَنَّ الْفَرَاغَ مِنَ الْجُمُعَةِ كَخُرُوجِ الْوَقْتِ وَإِنْ ذَكَرَ فِي الْجُمُعَةِ فَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ أَشْهَبُ إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُدْرِكُ رَكْعَةً بَعْدَ الْمَنْسِيَّةِ فَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَقْطَعَ وَيَقْضِيَ ثُمَّ يَعُودَ إِلَى الْجُمُعَةِ وَإِلَّا تَمَادَى وَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ فِي الْجُمُعَةِ إِلَّا احْتِيَاطًا وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ مَذْهَبُ مَالِكٍ اتِّبَاعُ الْإِمَامِ وَإِعَادَةُ الْجُمُعَةِ ظُهْرًا فَلَوْ صَلَّى صَلَوَاتٍ ذَاكِرًا لِلْمَنْسِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ يُصَلِّي الْمَنْسِيَّةَ وَمَا بَقِيَ وَقْتُهُ مِنَ الْمَفْعُولَاتِ وَهُوَ يُؤَكِّدُ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ إِنَّ التَّرْتِيبَ لَيْسَ بِشَرْطٍ قَالَ سَنَدٌ وَعَلَى الْقَوْلِ بِشَرْطِيَّتِهِ يُعِيدُ الْمَفْعُولَاتِ بَعْدَ الْوَقْتِ وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَوْ ذَكَرَهَا آخِرَ النَّهَارِ فَصَلَّاهَا وَقَدْ بَقِيَ مَا يَسَعُ صَلَاتَهُ فَصَلَّى الْعَصْرَ فَبَقِيَ بَقِيَّةٌ قَالَ مَالِكٌ يُعِيدُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَقَالَ سَحْنُون الظّهْر فَقَط وَلَو ذكرهَا بعد مَا رَكَعَ الْفَجْرَ قَبْلَ الصُّبْحِ فَصَلَّاهَا قَالَ سَحْنُونٌ يُعِيدُ الْفَجْرَ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِوَقْتٍ مَخْصُوصٍ فَيَجِبُ التَّرْتِيبُ كَالْمَفْرُوضَةِ وَلَوْ صَلَّى الْمَذْكُورَةَ بَعْدَ الْحَاضِرَةِ وَبَقِيَ مَا يَسَعُ الْحَاضِرَةَ وَشَكَّ فِي فَائِتَةٍ صَلَّى الْفَائِتَةَ وَلَا يُعِيدُ الْحَاضِرَةَ لِخُرُوجِ الْوَقْتِ الثَّالِثُ فِي الْكِتَابِ إِنْ ذَكَرَهَا فِي نَافِلَةٍ وَكَانَ صَلَّى مِنْهَا رَكْعَةً أَضَافَ إِلَيْهَا أُخْرَى وَإِلَّا قَطَعَ وَكَانَ يَقُولُ يَقْطَعُ بِقَدْرِ رَكْعَةٍ أَمَّا عَدَمُ الْقَطْعِ بَعْدَ رَكْعَةٍ فَقِيَاسًا عَلَى الْفَرِيضَةِ وَالْوَقْتُ مُسْتَحِقٌّ لِلنَّافِلَةِ لِقَوْلِهِ عليه السلام مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ وَأَمَّا الْقَطْعُ بَعْدَ رَكْعَةٍ فَلِأَنَّهُ لَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَظْهَرْ لِلذِّكْرِ أَثَرٌ بِخِلَافِ الْفَرِيضَةِ فَإِنَّهُ انْصَرَفَ عَمَّا عَزَمَ عَلَيْهِ وَالْفَرْقُ عِنْدَ مَالِكٍ فِي كَوْنِهِ يَقْطَعُ ثَلَاثًا فِي الْفَرْضِ وَلَا يَقْطَعُ بَعْدَ رَكْعَةٍ فِي النَّافِلَةِ أَنَّ الثَّلَاثَ الْأَكْثَرُ مِنَ الْعِبَادَةِ بِخِلَافِ رَكْعَةٍ مِنَ النَّافِلَةِ وَإِنَّمَا وِزَانُهَا رَكْعَتَانِ فِي

ص: 389

الْفَرْضِ وَهُوَ يَقْطَعُ فِيهِمَا وَإِذَا قَطَعَ النَّافِلَةَ فَلَا يُعِيدُهَا كَمَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْفَرِيضَةُ فِي نَافِلَة لعدم تَعَمّده الْإِبْطَال الرَّابِع فِي الْكتاب إِذا ذكر الإِمَام منسية يقطع وَيُعلمهُم يقطعون فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهَا حَتَّى فَرَغَ لَا يُعِيدُونَ وَيُعِيدُ هُوَ بَعْدَ قَضَاءِ الْمَنْسِيَّةِ وَكَانَ يَقُولُ يُعِيدُونَ فِي الْوَقْتِ فَجَعَلَهُ يَقْطَعُ بِخِلَافِ الْفَذِّ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ صَلَاتَهُ نَافِلَةً عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَوْ أَتَمَّ الْإِمَامُ نَافِلَةً لَأَفْسَدَ عَلَيْهِمْ بِتَمَادِيهِ قَالَ سَنَدٌ وَعَلَى قَوْلِهِ يَقْطَعُونَ أَجْمَعُونَ فَإِنَّهُ إِنْ رَكَعَ أَتَى بِثَانِيَةٍ وَسَلَّمَ بِهِمْ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَسْتَخْلِفُ كَالْحَدَثِ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْإِمَامَ قَطَعَ لِخَلَلٍ فِي صِفَةِ صَلَاتِهِ فَإِنَّ التَّرْتِيبَ صِفَةٌ كَالْإِحْرَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالنِّيَّةِ يَقْطَعُ الْمَأْمُومُ مَعَ الْإِمَامِ فِيهِ كَمَا يَقْطَعُ فِيهِمَا وَالْحَدَث شَرط مفارق ولهذه الْإِشَارَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا كُلَّمَا بَطَلَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ إِلَّا فِي نِسْيَانِ الْحَدَثِ وَسَبقه الْخَامِس فِي الْكتاب إِن ذَكَرَ ثَلَاثًا وَمَا قَرُبَ مِنْهُنَّ قَدَّمَهُنَّ عَلَى الْحَاضِرَةِ وَإِنْ فَاتَتْ وَإِنْ كَثُرَتْ بَدَأَ بِالْحَاضِرَةِ ثُمَّ الْمَنْسِيَّاتِ ثُمَّ الْحَاضِرَةِ إِنْ بَقِيَ مِنْ وَقْتِهَا شَيْءٌ وَإِلَّا فَلَا قَالَ سَنَدٌ ظَاهِرُ الْكِتَابِ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَرْبَعَ غَايَةُ الْكَثْرَةِ وَأَنَّ الْخَمْسَ تُقَدَّمُ الْحَاضِرَةُ عَلَيْهِنَّ وَقَالَهُ سَحْنُونٌ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ تُقَدَّمُ الْخَمْسُ عَلَى الْحَاضِرَةِ وَحَكَى صَاحِبُ التَّنْبِيهَاتِ الْقَوْلَيْنِ فِي ظَاهِرِ الْكِتَابِ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ مَنْسِيَّاتٌ كَثِيرَةٌ فَقَضَّاهُنَّ وَبَقِيَ عَلَيْهِ خَمْسٌ كُنَّ كَالْخَمْسِ الْمُنْفَرِدَاتِ يَجِبُ تَرْتِيبُهَا فِي نَفْسِهَا وَمَعَ الْحَاضِرَةِ وَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي الْخَمْسِ أَصْلًا أَوْ بِنَاءً قَالَ سَنَدٌ وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ تُقَدَّمُ الْمَنْسِيَّاتُ

ص: 390

وَإِنْ كَثُرْنَ إِذَا أَتَى بِجَمِيعِهَا فِي فَوْرِهِ وان خرج وَقت الْحَاضِرَة وَجعل اجماعهما فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ كَصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا قُلْنَا فِي النَّوَافِلِ الْكَثِيرَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ بِالتَّيَمُّمِ حُجَّةُ التَّقْدِيمِ عَلَى الْحَاضِرَةِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ أَنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَالْوَاجِبُ يُتْرَكُ لِلْوَاجِبِ وَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّهُ سُنَّةٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فَنَقُولُ هَذَا الْوَقْتُ بَيْنَ الْحَاضِرَةِ وَالْمَنْسِيَّةِ لِقَوْلِهِ عليه السلام فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا وَالْمَنْسِيَّةُ أَوْلَى لِتَقَدُّمِ وُجُوبِهَا أَمَّا الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَرْبَعِ فَلِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - فَحُبِسْنَا عَنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيَّ فَقُلْتُ نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ عليه السلام بِلَالًا فَأَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ طَافَ عَلَيْنَا فَقَالَ مَا عَلَى الْأَرْضِ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ غَيْرُكُمْ احْتَجَّ بِهِ الْبَاجِيُّ وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُنَّ قُدِّمْنَ عَلَى الصُّبْحِ حُجَّةُ الْخَمْسِ قَوْلُهُ عليه السلام مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا وَهُوَ عَامٌّ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَخَالَفْنَاهُ فِي الْكَثِيرِ الَّذِي يَتَكَرَّرُ وَهُوَ السَّادِسَةُ فَمَا فَوْقَهَا لِحُصُولِ الْمَشَقَّةِ فَبَقيَ مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الدَّلِيلِ

ص: 391

(الْبَابُ الثَّالِثَ عَشَرَ فِي الْوِتْرِ)

وَهُوَ الْفَرْدُ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ وَهُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ عِنْدَ أهل الْحجاز وبكسرها الرجل وَلُغَةُ أَهْلِ الْعَالِيَةِ عَلَى الْعَكْسِ وَتَمِيمٌ تَكْسِرُ فِيهِمَا وَهُوَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ وَأَمَّا الْمُثَلَّثَةُ مَعَ الْكسر فَهُوَ الْفراش الوطئ وَمَعَ الْفَتْح مَاء الْفَحْل يجمع فِي رَحِمِ النَّاقَةِ إِذَا أَكْثَرَ الْفَحْلُ ضِرَابَهَا وَلَمْ تَلْقَحْ وَهُوَ عِنْدَنَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَحَكَى الْمَازِرِيُّ عَنْ سَحْنُونٍ وُجُوبَهُ وَبِهِ قَالَ (ح) مُحْتَجًّا بِمَا يُرْوَى عَنْهُ عليه السلام إِنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً إِلَى صَلَوَاتِكُمُ الْخَمْسِ أَلَا وَهِيَ الْوِتْرُ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الشَّيْءِ تَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ مِنْ جِنْسِهِ وَهُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ لَنَا مَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ لِلسَّائِلِ لَمَّا سَأَلَهُ عَنِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَقَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ قَالَ لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ فَقَالَ وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُنَّ فَقَالَ أَفْلَحَ وَاللَّهِ إِنْ صَدَقَ وَلِفِعْلِهِ عليه السلام إِيَّاهُ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَهُوَ مِنْ شِعَارِ النَّوَافِلِ سُؤَالٌ قِيَامُ اللَّيْلِ وَالْوِتْرِ واجبان على النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ الِاسْتِدْلَالُ جَوَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ فِي السَّفَرِ وَفِي الْجَوَاهِرِ آكَدُ

ص: 392

الصَّلَوَاتِ بَعْدَ الْخَمْسِ الْعِيدَانِ ثُمَّ الْكُسُوفُ ثُمَّ الْوِتْرُ ثُمَّ الْفَجْرُ ثُمَّ رَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَاخْتُلِفَ فِي رَكْعَتَيِ الْإِحْرَامِ هَلْ هُمَا سُنَّةٌ أَوْ نَافِلَةٌ وَفِي رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ هَلْ سُنَّةٌ أَو حكمهَا حكم الطّواف وَفِي الْكتاب هُوَ وَاحِد وَقَالَهُ (ش) وَقَالَ (ح) بِثَلَاثٍ بِتَسْلِيمَةٍ لَنَا مَا فِي الصِّحَاحِ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ عليه السلام عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَقَالَ عليه السلام مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَة يُوتر لَهُ مَا قَدْ صَلَّى قَالَ سَنَدٌ فَلَوْ أَوْتَرَ خَلْفَ مَنْ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ قَالَ مَالِكٌ يُوَافِقُهُ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَشْفَعَ وِتْرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ الْمَنْعَ وَرَوَى غَيْرُهُ الْكَرَاهَةَ وَالْجَوَازَ وَمَنْ أَحْرَمَ بِشَفْعٍ لَا يُحَوِّلُهُ وِتْرًا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ وَرُوِيَ الْجَوَازُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى نِيَّةِ الرَّكَعَاتِ وَنقل اللَّخْمِيُّ عَنْ مَالِكٍ افْتِقَارَهُ إِلَى النِّيَّةِ لِتَمْيِيزِ رُتْبَتِهِ وَعَنْ أَصْبَغَ عَدَمُ افْتِقَارِهِ لِقَوْلِهِ عليه السلام

فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً يُوتر لَهُ مَا قَدْ صَلَّى وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا أَحْرَمَ بِشَفْعٍ جَعَلَهُ وِتْرًا إِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ وَأَمَّا الرَّكْعَتَانِ قَبْلَهُ فَفِي الْجَوَاهِرِ قِيلَ هُمَا شَرْطٌ فِي تَمَامِ الْفَضِيلَةِ وَقِيلَ فِي الصِّحَّةِ وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ هُوَ وِتْرٌ لِلْفَرْضِ أَوْ للنفل وَفِي اخْتِصَاص الرَّكْعَتَيْنِ بِهِ أَو تَكْفِي كُلَّ رَكْعَتَيْنِ قَوْلَانِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ اتِّصَالُهُمَا بِِهِِ قَوْلَانِ وَفِي الْكِتَابِ لَا يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ لَيْسَ قَبْلَهَا شَيْءٌ فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ خِلَافًا (ش) أما الْحَدِيثُ السَّابِقُ عَلَى أَنَّهُ وِتْرُ النَّفْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِهِ قَالَ سَنَدٌ ظَاهِرُ الْكِتَابِ لَا يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ لِعُذْرِ الْمَرَضِ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ فِي الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ فَإِنْ فَعَلَ مِنْ غَيْرِ

ص: 393

عُذْرٍ قَالَ أَشْهَبُ يُعِيدُ وِتْرَهُ بِأَثَرِ شَفْعٍ مَا لَمْ يُصَلِّ الصُّبْحَ وَقَالَ سَحْنُونٌ إِنْ كَانَ بِقرب شَفَعَهُ وَأَوْتَرَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ اتِّصَالَهُ بِالشَّفْعِ فِي الْمَجْلِسِ وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ غَيْرَ ذَلِكَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَنْقُولُ عَنِ السَّلَفِ وَفِي الْكِتَابِ الَّذِي آخُذُ بِهِ فِي نَفْسِي الْقِرَاءَةُ فِيهِ بِالْحَمْدِ وَالْإِخْلَاصِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَانَ لَا يُفْتِي بِهِ وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ وَرَوَى سَحْنُونٌ ذَلِكَ عَنْهُ عليه السلام وَهُوَ فِي أَبِي دَاوُدَ وَهُوَ قَوْلُ جمَاعَة من أَصْحَاب (ش) قَالَ سَنَد وَقَالَ ابْن حبيب (ح) بِتَرْكِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى الْحَمْدِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ وَلَوْ سَهَا عَنْ جُمْلَةِ الْقِرَاءَةِ قَالَ مَالِكٌ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَشْفَعَهُ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ ثُمَّ يُوتِرَ فَلَوْ لَمْ يَدْرِ هَلْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ مِنَ الشَّفْعِ أَوْ مِنَ الْوِتْرِ قَالَ سَحْنُونٌ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَيُعِيدُ شَفْعَهُ وَوِتْرَهُ وَهَذَا يَتَّجِهُ فِيمَنْ جَمَعَ شَفْعَهُ وَوِتْرَهُ فِي سَلَامٍ أَمَّا لَوْ سلم بَينهمَا فَقَالَ مَالِكٌ يَشْفَعُ وِتْرَهُ ثُمَّ يُوتِرُ فَإِنْ ذَكَرَ سَجْدَةً وَلَمْ يَدْرِ مِنْ وِتْرِهِ أَوْ شفعه قَالَ سَحْنُون ان تقدم لَهُ إِشْفَاعٌ سَجَدَ سَجْدَةً وَسَلَّمَ وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ وَتُجْزِيهِ وَإِلَّا أَصْلَحَ هَذِهِ بِسَجْدَةٍ وَشَفَعَهَا وَسجد بعد السَّلَام وأوتر وَقَالَ أَبُو الطَّاهِرِ يَجْهَرُ فِي الْوِتْرِ فَإِنْ سَهَا عَنِ الْجَهْرِ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ فَفِي بُطْلَانِ وِتْرِهِ قَوْلَانِ لِأَنَّ ابْنَ

ص: 394

عَبَّاسٍ رضي الله عنه وَغَيْرَهُ مِمَّنْ وَصَفَ وِتْرَهُ عليه السلام ذَكَرَهُ جَهْرًا وَأَمَّا الشَّفْعُ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا يَخْتَصُّ بِقِرَاءَةٍ وخصصه القَاضِي فِي المعونة بسبح فِي الأولى وَقل يأيها الْكَافِرُونَ فِي الثَّانِيَة وَقَالَهُ (ح وش) وَابْن حَنْبَل

فروع خَمْسَة الأول فِي الْكِتَابِ يُصَلِّي الْوِتْرَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَالَهُ (ش وح) خِلَافًا لِابْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي مُصْعَبٍ وَاللَّخْمِيِّ مِنَّا فَعِنْدَنَا لَهُ وَقْتَانِ اخْتِيَارِيٌّ إِلَى الْفَجْرِ وَاضْطِرَارِيٌّ بَعْدَهُ إِلَى الشَّمْسِ وَعِنْدَهُمُ اخْتِيَارِيٌّ فَقَطْ لَنَا مَا فِي التِّرْمِذِيِّ مَنْ نَامَ عَنْ وِتْرِهِ فَلْيُصَلِّهِ إِذَا أَصْبَحَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَلَا يَتَعَمَّدُ تَأْخِيرَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ قَالَ سَنَدٌ فَإِنْ أَصْبَحَ وَالْوَقْتُ مُتَّسِعٌ وَقَدْ تَنَفَّلَ بَعْدَ الْعِشَاءِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُوتِرُ الْآنَ بِوَاحِدَةٍ وَإِلَّا صَلَّى قَبْلَهُ رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ الشَّفْعَ قَبْلَهُ مِنَ الرَّوَاتِبِ فَإِنْ لَمْ يَتَّسِعِ الْوَقْتُ لِلشَّفْعِ وَالْوِتْرِ وَرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ قَالَ أَصْبَغُ يَسْقُطُ قَالَ سَنَدٌ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ أَعْلَقُ بِالْوَقْتِ مِنَ الشفع لِأَن الصُّبْح يقدم على الْوِتْرَ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ فَيُقَدَّمُ تَابِعُهُ وَفِي الْكِتَابِ إِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ إِلَّا عَنِ الصُّبْحِ وَالْوِتْرِ صَلَّاهُمَا وَتَرَكَ الْفَجْرَ لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِ الْوتر لانه يُسْتَدْرَكُ نَهَارًا بِخِلَافِ الْوِتْرِ وَإِنْ لَمْ يَسَعْ إِلَّا الصُّبْحَ صَلَّاهُ وَلَا يَقْضِي بَعْدَ الشَّمْسِ إِلَّا الْفَجْرَ إِنْ شَاءَ فَإِنْ بَقِيَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ وَيدْرك

ص: 395

الصُّبْحَ بِرَكْعَةٍ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ وَيُكْمِلُ الصُّبْحَ فِي الْوَقْتِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ وَأَمَّا الْقَضَاءُ فَقَالَ (ح) يَجِبُ قَضَاءُ الْوِتْرِ بعد الشَّمْس لِأَنَّهُ وَاجِب عِنْده و (ش) قَولَانِ فِي سَائِر السّنَن المؤقتة الثَّانِي فِي الْكِتَابِ يُوتِرُ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السّفر حَيْثُ تَوَجَّهت وَقَالَهُ (ش) خلافًا (ح) قَالَ وَاجِب أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَيُوتِرَ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ ينْتَقل عَلَى الرَّاحِلَةِ وَلَا يُعِيدُ وِتْرَهُ بَعْدَ التَّنَفُّلِ خلافًا (ش) وَفِي مُسْلِمٍ أَوْتَرَ عليه السلام أَوَّلَ اللَّيْلِ وَوَسَطَهُ وَآخِرَهُ وَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ قَالَ وَإِنْ أَوْتَرَ قَبْلَ الْعِشَاءِ نَاسِيًا أَعَادَهُ بعْدهَا وَقَالَهُ (ش) خلافًا (ح) لنا الْعَمَل الثَّالِث فِي الْكتاب إِذَا دَخَلَ فِي الصُّبْحِ نَاسِيًا وِتْرَ لَيْلَتِهِ أَنْ يَقْطَعَهُ وَيُوتِرَ وَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا وَقَدْ كَانَ يُرَخَّصُ فِي التَّمَادِي لِلْمَأْمُومِ حُجَّةُ الْقَطْعِ قَوْلُهُ عليه السلام فِي أَبِي دَاوُدَ

مَنْ نَامَ عَنْ وِتْرِهِ فَلْيُصَلِّهِ إِذَا ذَكَرَهُ قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ مَا قَالَ أَحَدٌ بِقَطْعِ الصُّبْحِ الا ابْنُ الْقَاسِمِ وَالصَّحِيحُ عَنْ مَالِكٍ عَدَمُ الْقَطْعِ قَالَ سَنَدٌ قَالَ الْمُغِيرَةُ وَالْبَاجِيُّ لَا يَقْطَعُ مُنْفَرد وَلَا غَيْرُهُ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يُقْطَعُ إِلَّا للْفَرض وروى فِي الْمَأْمُوم التخير فَيَكُونُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ قَالَ وَإِذَا قُلْنَا لَا يَقْطَعُ الْمَأْمُومُ فَيَجُوزُ أَلَّا يَقْطَعَ الْإِمَامُ مُرَاعَاةً لِلْجَمَاعَةِ فِي حَقِّهِمَا وَيَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بِوُجُوب الِاتِّبَاع

ص: 396

الرَّابِعُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يُقْضَى الْوِتْرُ بَعْدَ الصُّبْحِ لِقَوْلِهِ عليه السلام لَا صَلَاةَ بعد الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس الْخَامِس فِي الْكِتَابِ إِذَا شَكَّ فِي تَشَهُّدِهِ هَلْ هُوَ فِي الشَّفْعِ أَوِ الْوِتْرِ سَلَّمَ وَسَجَدَ لِسَهْوِهِ ثُمَّ أَوْتَرَ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْوِتْرِ قَالَ سَنَدٌ اخْتَارَ عَبْدُ الْحَقِّ عَدَمَ السُّجُودِ وَحمل مسئلة الْكِتَابِ عَلَى مَنْ يُجَوِّزُ إِضَافَةَ الْوِتْرِ إِلَى الشَّفْعِ وَرُوِيَ السُّجُودُ قَبْلَ السَّلَامِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ فِي الْوِتْرِ فَيَشْفَعُهُ بِالسُّجُودِ

ص: 397

(الْبَابُ الرَّابِعَ عَشَرَ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ)

وَالْفَجْرُ أَصْلُهُ مِنْ تَفَجُّرِ الْعُيُونِ أَيِ انْشِقَاقِهَا فَشُبِّهَ طُلُوعُ الْفَجْرِ بِالضَّوْءِ مِنَ الْأُفُقِ بِطُلُوعِ الْمَاءِ من الْعُيُون وَكَذَلِكَ سُمِّيَ الصَّدِيعَ مِنَ الصَّدْعِ الَّذِي هُوَ الشَّقُّ وَتقول فجر الْعين فجرا وفجر فجورا إِذا انْشَقَّ وَأَفْجَرْنَا إِذَا دَخَلْنَا فِي الْفَجْرِ مِثْلَ أَصْبَحْنَا وَأَمْسَيْنَا إِذَا دَخَلْنَا فِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ وَفِيهِ فروع سِتَّة الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ وَقْتُهُمَا بَعْدَ الْفَجْرِ وَيَتَحَرَّاهُمَا إِذَا كَانَ غَيْمًا فَإِنْ أَخْطَأَ أَعَادَهُمَا لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ كَانَ عليه السلام إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ عَنِ الْأَذَانِ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ قَالَ سَنَدٌ قَالَ ابْن حبيب لَا يعيدهما إِذَا أَخْطَأَ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ التَّحَرِّي وَقَدْ فَعَلَهُ فَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَ

ص: 398

الْفَجْرِ وَأَتَمَّ بَعْدَهُ قَالَ مَالِكٌ لَا يُجْزِيهِ الثَّانِي فِي الْكِتَابِ أَمَّا أَنَا فَأَقْرَأُ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَحْدَهَا لِقَوْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها إِنْ كَانَ عليه السلام لَيُخَفِّفُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ قَرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ أَمْ لَا وَحَكَى اللَّخْمِيُّ رِوَايَةً بِقِرَاءَةِ السُّورَةِ وَقَالَهُ (ش) وَفِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ عليه السلام قَرَأَ فِيهِمَا {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} {وَقل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَيُعَضِّدُ الْأَوَّلَ أَنَّ الْفَجْرَ مَعَ الصُّبْح كالرباعية فركعتان بِالْحَمْد وَسورَة وركعتان بِالْحَمْد وَحدهَا وَلذَلِك شرع فِيهِ الْإِسْرَارُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى اللَّخْمِيُّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ وَفِي الْكِتَابِ تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ بِهِمَا زِيَادَةً عَلَى نِيَّة الصَّلَاة الثَّالِثُ فِي الْكِتَابِ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ اقيمت الصَّلَاة فَلَا يَرْكَعْهُمَا وَيَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ أَحَبَّ رَكَعَهُمَا بَعْدَ الشَّمْسِ لِقَوْلِهِ عليه السلام

إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ لَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ وَقَالَهُ (ش) وَفِي الْجُلَّابِ يَخْرُجُ مِنَ الْمَسْجِدِ فَيُصَلِّيهِمَا ثُمَّ يَعُودُ وَقَالَهُ (ح) وَاسْتَحَبَّ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنْ يَرْكَعَهُمَا حَالَةَ الْإِقَامَةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِأَنَّهُمْ يَطْلُبُونَهَا فِيهِ وَأَمَّا قَضَاؤُهُمَا بَعْدَ الشَّمْسِ فَقَالَهُ (ش) وَابْنُ حَنْبَلٍ قَالَ سَنَدٌ وَوَقْتُ الْقَضَاءِ إِلَى الزَّوَالِ لِأَنَّهُمَا تَبَعٌ لِصَلَاةِ أَوَّلِ النَّهَارِ وَالنِّصْفُ الْأَوَّلُ يَنْقَضِي بِالزَّوَالِ وَفِي التِّرْمِذِيِّ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ

ص: 399

مَنْ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَلْيُصَلِّهِمَا بَعْدَمَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ فَلَوْ نَامَ عَنِ الصُّبْحِ قَالَ مَالِكٌ لَا يُصَلِّيهِمَا مَعَ الصُّبْحِ بَعْدَ الشَّمْسِ وَمَا بَلَغَنِي أَنَّهُ عليه السلام قَضَاهُمَا يَوْمَ الْوَادِي وَقَالَ أَشْهَبُ بَلَغَنِي وَيَقْضِيهِمَا وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ وَيُعَضِّدُ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ عليه السلام مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا وَذَلِكَ يَمْنَعُ مِنَ الِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهَا وَفِي الْجَوَاهِر عَن البهري ان لفظ الْقَضَاء فيهمَا تجوز بل هما رَكْعَتَانِ يَنُوب ثوابهما لَهُ عَن ثَوَاب الْفَائِت الرَّابِعُ فِي الْكِتَابِ إِنْ سَمِعَ الْإِقَامَةَ قَبْلَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ إِنْ لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ رَكْعَةٍ صَلَّاهُمَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَفْنِيَةِ الَّتِي تُصَلَّى فِيهَا الْجُمُعَةُ اللَّاصِقَةُ بِهِ وَقَالَهُ (ح) وَقَالَ (ش) وَابْنُ حَنْبَلٍ يُقَدَّمُ الدُّخُولُ فِي الصُّبْحِ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ لَنَا مَا فِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ عليه السلام لِأَبِي هُرَيْرَةَ لَا تَدَعْهُمَا وَلَوْ طَرَدَتْكَ الْخَيْلُ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَرْكَعُهُمَا إِلَّا أَنْ تَفُوتَهُ الصَّلَاةُ فَرَأَى فِي الْكِتَابِ أَنَّ فَضِيلَةَ رَكْعَةٍ أعظم مِنْهُمَا وَمنع فِي الأفنية خلافًا (ح) لِأَدَائِهِ إِلَى الطَّعْنِ عَلَى الْإِمَامِ قَالَ سَنَدٌ إِذَا أُقِيمَتْ عَلَيْهِ فِي الْفِنَاءِ قَالَ مَالِكٌ يَدْخُلُ مَعَهُمْ وَلَا يَرْكَعُهُمَا كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ وَلِلْإِمَامِ تَسْكِيتُ الْمُؤَذِّنِ حَتَّى يَرْكَعَ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ لَا يَخْرُجُ وَلَا يسكته ويركع مَكَانَهُ

ص: 400

الْخَامِسُ فِي الْجَوَاهِرِ لَوْ رَكَعَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَفِي رُكُوعِهِ رِوَايَتَانِ وَإِذَا قُلْنَا يَرْكَعُ فَهَلْ ذَلِكَ إِعَادَةٌ لِلْفَجْرِ أَوْ تَحِيَّةٌ لِلْمَسْجِدِ قَوْلَانِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ نَظَرًا لِتَعَارُضِ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ إِلَّا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَالْأَمْرِ بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَقَدْ جَوَّزَ فِي الْكِتَابِ لِمَنْ يَفُوتُهُ حِزْبُهُ أَنْ يُصَلِّيَهُ قَبْلَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْفَجْرِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ قَالَ وَإِنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ الصُّبْحِ فَلَا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَانْفَرَدَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ بِأَنَّهُ يُحَيِّي الْمَسْجِدَ ثُمَّ يَرْكَعُ لِلْفَجْرِ وَضَعَّفَهُ أَبُو عمرَان السَّادِسُ يُكْرَهُ الْكَلَامُ بَعْدَ الصُّبْحِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ وَبَعْدَ الْفَجْرِ لِأَنَّهُ وَقْتُ ذِكْرٍ

ص: 401

(الْبَاب الْخَامِس عشر فِي صَلَاة النَّافِلَة)

وَفِيه فروع ثَمَانِيَة الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مثنى وجوزها (ح) الى الثمان بِتَسْلِيمَةٍ بِاللَّيْلِ وَالْأَوَّلُ عِنْدَهُ أَحْسَنُ وَإِلَى الْأَرْبَعِ بِالنَّهَارِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ وَلَوْ صَلَّى مَا شَاءَ جَازَ وَجَوَّزَ (ش) أَنْ يُصَلِّيَ بِغَيْرِ عَدَدٍ وَالْأَفْضَلُ السَّلَامُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ مُحْتَجًّا بِمَا فِي مُسْلِمٍ كَانَ عليه السلام يُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ فِيهِنَّ إِلَّا فِي الثَّامِنَةِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ثُمَّ يَنْهَضُ لَا يُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ لَنَا مَا فِي الصِّحَاحِ قَالَ عليه السلام صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ فَلْيُصَلِّ رَكْعَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى وَخَصَّصَ اللَّيْلَ لِكَوْنِ غَالِبِ التَّنَفُّلِ فِيهِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ لِخُرُوجِهِ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَيَعُمُّ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ

ص: 402

الثَّانِي فِي الْكِتَابِ يُصَلِّي النَّافِلَةَ جَمَاعَةً لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لِأَنَّ النَّاسَ قَامُوا مَعَهُ عليه السلام فِي قيام رَمَضَان لَيْلَتَيْنِ اَوْ ثَلَاثًا وَأُجْمِعَ عَلَيْهِ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ وَالْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْخَوْف وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ مُرَادُهُ الْجَمْعُ الْقَلِيلُ خِفْيَةً كَالثَّلَاثَةِ لِئَلَّا تَظُنَّهُ الْعَامَّةُ مِنْ جُمْلَةِ الْفَرَائِض وَكَذَلِكَ اشار ابو الطَّاهِر وَقَالَ وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي كَرَاهَةِ الْجَمْعِ لَيْلَةَ نِصْفِ شعْبَان وَلَيْلَة عَاشُورَاء وَيَنْبَغِي للأيمة الْمَنْعُ مِنْهُ قَالَ سَنَدٌ وَيَجُوزُ الْجَهْرُ فِيهَا والاسرار فِي اللَّيْل وَالنَّهَار قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَالْجَهْرُ بِاللَّيْلِ أَفْضَلُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ الْإِسْرَارُ بِالنَّهَارِ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ عليه السلام صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ وَكَرِهَ مَالِكٌ طُولَ السُّجُودِ فِي النَّافِلَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَقَالَ أَكْرَهُ الشُّهْرَة الثَّالِث فِي الْكتاب اذا قطع النَّافِلَة عمدا قَضَاهَا وَقَالَهُ (ح) خلافًا (ش) وَوَافَقَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لَنَا الْقِيَاسُ عَلَيْهِمَا وَقَوله تَعَالَى {وَلَا تُبْطِلُوا أَعمالكُم} وَإِذَا حَرُمَ الْإِبْطَالُ وَوَجَبَ الْإِتْمَامُ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ قِيَاسًا عَلَى الْوَاجِبَاتِ وَلِقَوْلِهِ عليه السلام لِلسَّائِلِ إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ مَفْهُومُهُ أَنَّ التَّطَوُّعَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ قَاعِدَةٌ الْأَحْكَامُ عَلَى قِسْمَيْنِ مِنْهَا مَا اوجبه الله تَعَالَى فِي اصل شَرعه كَالصَّلَاةِ

ص: 403

وَالصَّوْمِ وَمِنْهَا مَا وَكَلَهُ إِلَى إِرَادَةِ خَلْقِهِ كالمنذورات فَلَا يجب إِلَّا بِالنَّذْرِ وَخَصَّصَهُ بِنَقْلِ الْمَنْدُوبَاتِ إِلَى الْوَاجِبَاتِ وَأَسْبَابُ الْأَحْكَامِ عَلَى قِسْمَيْنِ مِنْهَا مَا قَرَّرَهُ فِي أَصْلِ شَرْعِهِ كَالزَّوَالِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَمِنْهَا مَا وَكَلَهُ إِلَى إِرَادَةِ خَلْقِهِ كَالتَّعْلِيقَاتِ فِي الْمَنْذُورَاتِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ فَدُخُولُ الدَّارِ لَيْسَ سَبَبًا لِطَلَاقِ امْرَأَةِ أَحَدٍ وَلَا عِتْقِ عَبْدِهِ إِلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ الْمُكَلَّفُ سَبَبًا لِذَلِكَ بِالتَّعْلِيقِ وَعَمَّمَ الشَّرْعُ ذَلِكَ فِي الْمَنْدُوبَاتِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَحْكَامِ فَلَا غَرْوَ حِينَئِذٍ أَنْ يَنْصِبَ اللَّهُ تَعَالَى الشُّرُوعَ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ وَتَشْهَدُ لَهُ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ بِالِاعْتِبَارِ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بِالنُّسُكَيْنِ إِجْمَاعًا تَنْبِيهٌ لَا يُوجَدُ ذَلِكَ عِنْدَنَا إِلَّا فِي سَبْعِ مَسَائِلَ النُّسُكَيْنِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ وَالِائْتِمَامِ وَالطَّوَافِ أَمَّا الشُّرُوعُ فِي تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ فَنَصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنْ قَطْعَهُ لَا يُوجِبُ قَضَاءً وَكَذَلِكَ الشُّرُوعُ فِي الصَّدَقَةِ وَالْقِرَاءَةِ وَالْأَذْكَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْقُرُبَاتِ وَلِلْخَصْمِ الْقِيَاسُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ وَلنَا الْفرق ان امكن الرَّابِعُ فِي الْكِتَابِ لَمْ يُؤَقِّتْ قَبْلَ الْمَكْتُوبَةِ وَلَا بَعْدَهَا رُكُوعًا لِعَمَلِ الْمَدِينَةِ قَالَ سَنَدٌ وَقَوْلُ ابْنِ الْجَلَّابِ رَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ مِنْ آكَدِ الْمَسْنُونَاتِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي الْمَذْهَبِ وَلَيْسَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ سُنَّةٌ وَقَالَ (ش) رَكْعَتَانِ قَبْلَ الصُّبْحِ وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهُ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَقَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعٌ وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ

ص: 404

وَفِي الْجَوَاهِرِ عَدَّ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مِنَ الرَّوَاتِب الرُّكُوع قبل الْعَصْر وَبعد الْمغرب الْخَامِسُ فِي الْكِتَابِ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ قَبْلَ الرُّكُوعِ فِي النَّافِلَةِ إِنْ أَمْكَنَهُ إِدْرَاكُ رُكُوعِ الرَّكْعَةِ الْأَوْلَى بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْحَمْدِ فَعَلَ وَإِلَّا قَطَعَ بِسَلَامٍ وَلَا يَقْضِي النَّافِلَةَ فَإِنْ قَطَعَ بِغَيْرِ سَلَامٍ أَعَادَ الْمَكْتُوبَةَ لِأَنَّ قَوْلَهُ عليه السلام لَا صَلَاتَانِ مَعًا يُعَارِضُهُ {وَلا تُبْطِلُوا أَعمالكُم} فَمَهْمَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ فَعَلَ قَالَ سَنَدٌ وَإِذَا بَطَلَتِ الْفَرِيضَةُ بِسَبَبِ الدُّخُولِ بِغَيْرِ سَلَامٍ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ النَّافِلَةِ لِأَنَّهُ يَكْفِي فِيهَا مُطلق الصَّلَاة السَّادِسُ فِي الْكِتَابِ يُكْرَهُ التَّنَفُّلُ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْإِقَامَةِ وَالْإِمَامُ فِي مَوْضِعِهِ وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ وَفِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ عليه السلام لَا يُصَلِّي الْإِمَامُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ حَتَّى يتَحَوَّل السَّابِعُ فِي الْجُلَّابِ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ الْجُلُوسَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ جَلَسَ وَلَمْ يُصَلِّ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُجْتَازًا أَوْ مُحْدِثًا أَوْ فِي وَقْتِ نَهْيٍ أَوْ تَكَرَّرَ بِالدُّخُولِ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ يُحَيِّيَ وَهِيَ تُسَمَّى تَحِيَّةً ماخوذة من التَّحِيَّة الَّذِي هُوَ السَّلَامُ وَيُسَمَّى السَّلَامُ تَحِيَّةً مِنَ الْحَيَاةِ لِأَنَّ السَّلامَة بِسَبَبِهَا غَالِبًا وَالسَّلَامُ دُعَاءٌ بِالسَّلَامَةِ وَأَصْلُهَا مَا فِي الصِّحَاحِ قَالَ عليه السلام إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ الْمُجْتَازَ لَا يُؤْمَرُ بِذَلِكَ قَالَ سَنَدٌ ان صلى فرضا اداء وَقَضَاء دخل فِيهِ التَّحِيَّةَ كَالِاعْتِكَافِ فِي رَمَضَانَ

ص: 405

قَالَ مَالِكٌ يُبْدَأُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِالطَّوَافِ قَبْلَ الرُّكُوعِ لِأَنَّهُ الصَّلَاةُ الْمُخْتَصَّةُ بِهِ وَفِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ بِالرُّكُوعِ قَبْلَ السَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ عليه السلام لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الرُّسُل عليهم السلام

قَاعِدَة الله سبحانه وتعالى غَنِيٌّ عَنِ الْخَلْقِ لَا تَزِيدُهُ طَاعَتُهُمْ وَلَا تنقصه معصيتهم وَالْأَدب مَعَه سبحانه وتعالى اللَّائِق لجلاله مُتَعَذر منا فَأمرنَا سُبْحَانَهُ أَنْ نَتَأَدَّبَ مَعَهُ كَمَا نَتَأَدَّبُ مَعَ اكابرنا لِأَنَّهُ وَسِعَنَا وَلِذَلِكَ أَمَرَنَا بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْمَدْحِ لَهُ وَإِكْرَامِ خَاصَّتِهِ وَعَبِيدِهِ وَلَمَّا كَانَ الدَّاخِلُ على بيُوت الأكابر يسلم عَلَيْهِم وَالسَّلَام فِي حَقه تَعَالَى مُتَعَذر لكَونه سالما لذاته من سَائِر النقائض بل وَرَدَ بِأَنْ يُقَالَ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ وَإِلَيْكَ يَعُودُ السَّلَامُ حَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ أَيْ أَنْتَ السَّالِمُ لِذَاتِكَ وَمِنْكَ تَصْدُرُ السَّلَامَةُ لِعِبَادِكَ وَإِلَيْكَ يَرْجِعُ طَلَبُهَا فَأَعْطِنَا إِيَّاهَا وَلَمَّا اسْتَحَالَ السَّلَامُ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ مَقَامَهُ لِيَتَمَيَّزَ بَيْتُ الرَّبِّ عَنْ غَيْرِهِ وَلِذَلِكَ نَابَتِ الْفَرِيضَةُ عَنِ النَّافِلَةِ لحُصُول التَّمْيِيز الثَّامِنُ فِي الْكِتَابِ يُؤْمَرُ الصِّبْيَانُ بِالصَّلَاةِ إِذَا أَثْغَرُوا لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ عليه السلام

مروا الصّبيان بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ

ص: 406

وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ وَحِكْمَةُ ذَلِكَ التَّدْرِيبُ عَلَيْهَا حَتَّى يَأْتِيَ وَقْتُ التَّكْلِيفِ فَلَا تَشُقَّ عَلَيْهِمْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ يُؤَدَّبُونَ عِنْدَ الْإِثْغَارِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ حِينَئِذٍ قَالَ سَنَدٌ مَعْنَى التَّأْدِيبِ عِنْدَهُ فِي السَّبْعِ بِغَيْرِ ضَرْبٍ وَيُضْرَبُونَ عَلَيْهَا عِنْدَ الْعَشْرِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ عَطْفًا عَلَى مُرُوهُمْ وَهُوَ أَحْوَطُ لَا سِيَّمَا الذُّكُورُ مَعَ الْإِنَاثِ وَأَمَّا الصَّوْمُ فَقَالَ مَالِكٌ يُؤْمَرُونَ بِهِ عِنْدَ الْبُلُوغِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَتَكَرَّرُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ عِنْدَ إِطَاقَتِهِمْ لِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا

فَائِدَةٌ يُقَالُ ثُغِرَ إِذَا سَقَطت رابعته واثغر إِذا ثبتَتْ

‌فَصْلٌ فِي الْجَوَاهِرِ

الَّذِي اسْتَمَرَّ الْعَمَلُ عَلَيْهِ مِنَ الْعَدَدِ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ رَكْعَة ثَلَاث وِتْرٌ وَتُسْتَحَبُّ الْجَمَاعَةُ فِيهِ تَأَسِّيًا بِعُمَرَ رضي الله عنه واستمرارا الْعَمَلِ قَالَ سَنَدٌ وَاخْتَارَ مَالِكٌ فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَهِي صلَاته عليه السلام وَالَّذِي جَمَعَ عَلَيْهَا النَّاسَ عُمَرُ رضي الله عنه وَرُوِيَ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَقُومُونَ فِي زَمَنِ عُمَرَ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ رَكْعَةً وَاخْتَارَهُ (ح) وَابْنُ حَنْبَل وَكَانُوا يصلونَ إِلَى قَرِيبِ الْفَجْرِ وَكَرِهَ مَالِكٌ إِحْيَاءَ اللَّيْلِ كُلِّهِ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يُوَاظِبُهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ الْكَثِيرَ مِنَ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنَ الْقَلِيلِ مَعَ الِابْتِدَاءِ فِي الطُّولِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلِ الْأَفْضَلُ طُولُ الْقِيَامِ أَوْ كَثْرَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَعَ اسْتِوَاءِ الزَّمَانِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ

ص: 407

السَّلَامُ

مَنْ رَكَعَ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَةً رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً وَحُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ وَجَاءَ أَنَّ الذُّنُوبَ تَتَسَاقَطُ كُلَّمَا رَكَعَ وَسَجَدَ وهما يدان عَلَى الْفَضْلِ لَا عَلَى الْأَفْضَلِيَّةِ وَرُوِيَ عَنْهُ عليه السلام لَمَّا سُئِلَ أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ قَالَ طُولُ الْقُنُوتِ وَرُوِيَ طُولُ الْقِيَامِ وَهُوَ الأطهر وَكره الدُّعَاء والخطب وَالْقَصَصُ لَيْلَةَ الْخَتْمِ لِتَرْكِ السَّلَفِ إِيَّاهُ وَالصَّلَاةُ فِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْ مُذَاكَرَةِ الْعِلْمِ لِأَنَّهُ عَمَلُ السَّلَفِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ الْعِلْمُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَفِي الْكِتَابِ يُكْرَهُ إِذَا دَخَلَ إِمَامٌ آخَرُ أَنْ يَقْرَأَ إِلَّا مِنْ حَيْثُ وَقَفَ الْأَوَّلُ لِيَتَسَنَّى نَظْمُ الْمُصْحَفِ قَالَ وَلَيْسَ ختم الْقُرْآن مِنْ سُنَّةِ الْقِيَامِ قَالَ سَنَدٌ فَلَوْ أَتَمَّ الْخَتْمَةَ فِي رَكْعَةٍ وَأَرَادَ ابْتِدَاءَهَا فِي تِلْكَ الرَّكْعَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَيَبْتَدِئُ بِالْبَقَرَةِ لِأَنَّ الرُّكْنَ لَا يُكَرَّرُ وَالتَّرْتِيلُ أَفْضَلُ مِنَ الْإِسْرَاعِ وَفِي الْكِتَابِ إِذَا شَكَّ فِي حَرْفٍ فَلَا يَنْظُرْهُ فِي مُصْحَفٍ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يُسَلِّمَ وَيَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ مِنَ الْمُصْحَفِ فِي النَّافِلَةِ وَيُكْرَهُ فِي الْفَرِيضَةِ وَقَالَهُ (ش) وابطل (ح) الصَّلَاة بِالنّظرِ فِي الْمُصْحَفِ وَفِي الْبُخَارِيِّ كَانَ خِيَارُنَا يَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ فِي رَمَضَانَ وَانْفِرَادُ الْوَاحِدِ لِطَلَبِ السَّلَامَةِ من الرِّيَاء أفضل على الْمَشْهُور مالم يُؤَدِّ إِلَى تَعْطِيلِ الْمَسَاجِدِ لِقَوْلِهِ عليه السلام فِي الصَّحِيحِ

خَيْرُ صَلَاةِ أَحَدِكُمْ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ وَفِي الْجُلَّابِ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَة بِالْحَمْد وَعَشْرٍ مِنَ الْآيَاتِ الطِّوَالِ وَيَزِيدُ فِي الْقِصَارِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ عَلَى نَظْمِهِ فِي الْمُصْحَفِ وَلَا يَقْرَأُ أَحْزَابًا وَلَا بَأْسَ

ص: 408

بِالصَّلَاةِ بَيْنَ الْأَشْفَاعِ فِي رَمَضَانَ إِذَا كَانَ الْإِمَامُ يَجْلِسُ بَيْنَهَا وَإِلَّا فَلَا وَمَنْ فَاتَهُ الْعِشَاءُ مَعَ الْإِمَامِ فَلْيَبْدَأْ بِهَا وَحْدَهُ وَإِنْ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ مِنَ الإشْفَاعِ قَضَاهَا مَعَ الْإِمَامِ فِي الشفع الثَّانِي يرْكَع بركوعه وَيسْجد بسجوده يفعل ذَلِكَ إِلَى آخِرِ صَلَاتِهِ مُؤْتَمًّا بِهِ فِيهَا رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ بَعِيدٌ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَهُ وَسَلَامِهِ أَيْضًا قَبْلَهُ أَوْ يَتَوَاطَأُ فِعْلُهُ مِنْ غَيْرِ ائْتِمَامٍ فِيهَا رَوَاهُ أَشْهَبُ وَهُوَ أَصَحُّ فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ قَضَى الْمَأْمُومُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ إِنْ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ مِنْ رَكَعَاتِ الْوِتْرِ مَعَهُ خَشْيَةَ الْمُخَالَفَةِ وَحَكَى صَاحِبُ الْوَجِيزِ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَقْضِي وَحْدَهُ تِلْكَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى لِئَلَّا يُخَالِفَهُ فِي جُمْلَةِ الصَّلَاةِ فِي الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ قَالَهُ سَحْنُونٌ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَهُوَ أَوْلَى الْأَقْوَال

ص: 409

(الْبَابُ السَّادِسَ عَشَرَ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ)

وَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ هُوَ فَضِيلَةٌ وَاسْتَقْرَأَ ابْنُ مُحْرِزٍ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ لِيَسْجُدْهَا بَعْدَ الصُّبْحِ مَا لَمْ يُسْفِرْ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَقَالَهُ (ش) وَابْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَ (ح) وَاجِب عَلَى الْقَارِئِ وَالْمُسْتَمِعِ مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا قرئَ عَلَيْهِم الْقُرْآن لَا يَسْجُدُونَ} وَالذَّمُّ دَلِيلُ الْوُجُوبِ وَلِأَنَّهُ يُتْرَكُ لَهُ فِعْلُ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ وَمَا يُتْرَكُ الْوَاجِبُ لَهُ فَهُوَ وَاجِبٌ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ لَيْسَ الْمُرَادُ الْقُرْآنَ كَيْفَ كَانَ إِجْمَاعًا وَإِذَا كَانَ مَخْصُوصًا بِحَمْلِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى السُّجُودِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ فِي الْخَمْسِ أَوْلَى مِنَ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ الْمَتْرُوكَ هُوَ الْقِيَامُ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ وَهُوَ غَيْرُ وَاجِبٍ وَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَرَأَ سَجْدَةً وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَنَزَلَ وَسَجَدَ وَسَجَدْنَا مَعَهُ ثُمَّ قَرَأَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى فَتَهَيَّأَ النَّاسُ لِلسُّجُودِ فَقَالَ عَلَى رِسْلِكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْنَا إِلَّا أَنْ نَشَاءَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَكَانَ إِجْمَاعًا

ص: 410

فُرُوعٌ سَبْعَةٌ الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ سُجُودُ الْقُرْآنِ إِحْدَى عشر سَجْدَةً لَيْسَ فِي الْمُفَصَّلِ مِنْهَا شَيْءٌ المص وَالرَّعْدُ وَالنَّحْلُ وَبَنُو إِسْرَائِيلَ وَمَرْيَمُ وَالْأُولَى مِنَ الْحَجِّ وَالْفُرْقَانُ وَالْهُدْهُدُ والم تَنْزِيلُ وَص وَحم تَنْزِيلُ قَالَ الْقَاضِي فِي الْإِشْرَافِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ بَاقِيهَا فِي الْمُفَصَّلِ وَقَالَهُ (ش) وَ (ح) وَخَمْسَ عَشْرَةَ ثَانِيَةُ الْحَجِّ مُكَمِّلَتُهَا وَفِي الْجَوَاهِرِ جُمْهُورُ الْمُتَأَخِّرِينَ يُعِدُّونَ ذَلِكَ اخْتِلَافًا وَالْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ يَقُولُ السُّجُودُ فِي الْجَمِيعِ مَأْمُورٌ بِهِ وَإِنَّمَا الْإِحْدَى عَشْرَةَ هِيَ الْعَزَائِمُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ الْمُفَصَّلِ كُلُّهُ مَكِّيٌّ قِيلَ أَوَّلُهُ الْحُجُرَاتُ وَقِيلَ (ق) وَقِيلَ الرَّحْمَنُ سُمِّيَ بذلك لِكَثْرَة تَفْصِيله بِبسْم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ عليه السلام سَجَدَ فِي النَّجْمِ وَسَجَدَ مَنْ كَانَ مَعَهُ وَفِي إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَفِي اقْرَأ بِسم رَبِّكَ وَفِي أَبِي دَاوُدَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامرقال قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ بِأَنَّ فِيهَا سَجْدَتَيْنِ قَالَ نَعَمْ مَنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا فَلَا يَقْرَأْهُمَا وَالثَّانِيَةُ عِنْدَ قَوْلِهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ} وَذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ مَحْمُولٌ عَلَى النَّسْخِ لِإِجْمَاعِ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَفُقَهَائِهَا عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ مَعَ تَكَرُّرِ الْقِرَاءَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَلَا يُجْمِعُونَ عَلَى ترك السّنة وَفِي أبي دَاوُد أَن عليه السلام لَمْ يَسْجُدْ فِي شَيْءٍ

ص: 411

مِنَ الْمُفَصَّلِ مُنْذُ تَحَوَّلَ إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَ سَنَدٌ قَالَ مَالِكٌ وَ (ح) سَجَدَ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {رب الْعَرْش الْعَظِيم} وَقَالَ (ش) عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {وَيَعْلَمُ مَا يخفون وَمَا يعلنون} لَنَا أَنَّهُ كَلَامٌ مُتَّصِلٌ فَيُسْجَدُ عِنْدَ آخِرِهِ وَالْمذهب أَنه فِي (ص) عِنْد قَوْله تَعَالَى {وخر رَاكِعا وأناب} وروى عَنهُ عِنْد قَوْله {وَحسن مآب} وَفِي الْكتاب هُوَ فِي تَنْزِيل عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} وَقَالَهُ (ح وش) عِنْد قَوْله تَعَالَى {وهم لَا يسئمون} الْمُدْرَكُ فِي ذَلِكَ أَنَّ السُّجُودَ شُرِعَ عِنْدَ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ عِنْدَ الْأَمْرِ بِهِ أَوْ مَدْحِ الساجدين أَو ذمّ المستكبرين أَو الشُّكْر كَمَا فِي (ص) وَالْأَمر هَهُنَا عِنْدَمَا ذَكَرْنَاهُ وَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَسْجُدُ فِي الْانْشِقَاقِ فِي آخِرِ السُّورَةِ وَقَالَ الْقَاضِي عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} الثَّانِي فِي الْجَوَاهِرِ يُشْتَرَطُ فِيهَا شَرَائِطُ الصَّلَاةِ إِلَّا السَّلَامَ وَالْإِحْرَامَ وَيُكَبِّرُ لِلْخَفْضِ وَالرَّفْعِ إِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ وَإِلَّا فَفِي التَّكْبِيرِ فِي الْكِتَابِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ رَجَعَ عَنْ عَدَمِ التَّكْبِيرِ إِلَيْهِ وَخَيَّرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَفِي أَبِي دَاوُدَ كَانَ عليه السلام يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَإِذَا مَرَّ بِالسَّجْدَةِ كَبَّرَ وَسَجَدَ وَسَجَدْنَا مَعَهُ وَقَالَ ابْنُ

ص: 412

حَنْبَلٍ يُسَلِّمُ لَنَا الْقِيَاسُ عَلَى الطَّوَافِ وَعَمَلِ السَّلَفِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سُجُودِ السَّهْوِ أَنَّهُ من تَوَابِع الصَّلَاة فَأعْطِي حُكْمَهَا وَهِيَ مِنْ تَوَابِعِ الْقِرَاءَةِ وَالْقِرَاءَةُ لَيْسَ لَهَا إِحْرَام وَلَا سَلام الثَّالِثُ فِي الْكِتَابِ يَسْجُدُ مَنْ قَرَأَ السَّجْدَةَ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ إبان صَلَاة وَغير متطهر فَلَا يَقْرَأها وَيَتَعَدَّاهَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ عليه السلام

مَنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا فَلَا يَقْرَأْهُمَا وَمِنْ جِهَةِ الْقَوَاعِدِ أَنَّ مُلَابَسَةَ السَّبَبِ تُوجِبُ تَوَجُّهَ الْأَمْرِ فَتَرْكُهُ حِينَئِذٍ يَقْبُحُ أَمَّا مَنْ لَمْ يُلَابِسِ السَّبَبَ لَا يَكُونُ تَارِكًا لِلْمَأْمُورِ بِهِ وَيُعَوِّضُ عَنِ الْقِرَاءَةِ قِرَاءَةً أُخْرَى قَالَ صَاحِبُ النُّكَتِ يَتْرُكُ ذِكْرَ السُّجُودِ خَاصَّةً وَقَالَ سَنَدٌ يَتْرُكُ مَا لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى وَلَا نِظَامَ اللَّفْظِ وَإِذَا تَرَكَهَا لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ فَالْمَذْهَبُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ يَقْرَؤُهَا إِذَا تَطَهَّرَ أَو خرج وَقت النَّهْي وَيسْجد لَهَا وَالْأَظْهَر الْمَذْهَبِ فَإِنَّ الْقَضَاءَ مِنْ شِعَارِ الْفَرَائِضِ وَفِي الْكِتَابِ يَقْرَؤُهَا بَعْدَ الصُّبْحِ إِلَى الْإِسْفَارِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَتَغَيَّرِ الشَّمْسُ وَقَالَهُ (ش وح) وَقَاسَ فِي الْكِتَابِ عَلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَمَنَعَ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ ذَلِكَ لِلنَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ وَحَكَى سَنَدٌ الْفَرْقَ عَنْ مُطَرِّفٍ بَيْنَ الصُّبْحِ فَيَسْجُدُ قِيَاسًا عَلَى رُكُوعِ الطَّائِفِ وَبَيْنَ الْعَصْرِ فَلَا يَسْجُدُ وَالْفَرْقُ لِلْمَذْهَبِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّوَافِلِ الِاخْتِلَافُ فِي وَجُوبِهِ وَيُفْعَلُ فِي الصَّلَاةِ وَتُتْرَكُ لَهُ وَلِأَنَّ النَّفْلَ تَبَعٌ لِلْفَرْضِ وَهُوَ تَبَعٌ لِلْقِرَاءَةِ وَهِيَ جَائِزَةٌ حِينَئِذٍ

ص: 413

تَنْبِيهٌ فِيهِ شِبْهُ الصَّلَاةِ بِالطَّهَارَةِ وَالسُّتْرَةِ وَالْقِبْلَةِ وَالتَّكْبِير وَشبه الْقِرَاءَة من جِهَة عدم الْإِحْرَامِ وَالسَّلَامِ وَلِهَذَا الشِّبْهِ جَازَ الطَّوَافُ حِينَئِذٍ لحُصُول فِيهِ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى رَكَعَ فِي الْأُولَى مَضَى عَلَى رُكُوعِهِ وَقَالَ أَشْهَبُ يَنْحَطُّ لِلسُّجُودِ وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ تَنْعَقِدُ الرَّكْعَةُ دُونَ الرَّفْعِ أَمْ لَا وَإِنْ قَصَدَ بِالرُّكُوعِ السَّجْدَةَ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ لِأَنَّهُ غَيَّرَ هَيْئَتَهَا وَأَشَارَ ابْنُ حَبِيبٍ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَإِنْ قَصَدَ السُّجُودَ فَرَكَعَ فَفِي اعْتِدَادِهِ بِهِ قَوْلَانِ وَإِنْ ذَكَرَ وَهُوَ مُنْحَنٍ خَرَّ لِسَجْدَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى رَفَعَ لَمْ يُعْتَدَّ بِرَكْعَتِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِخِلَافِ مَالِكٍ وَإِنْ ذَكَرَ مُنْحَنِيًا رَفَعَ مُتَمِّمًا لِلرَّكْعَةِ وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ رَفْعِهِ تَمَّتْ رَكْعَتُهُ وَيَقْرَأُ السَّجْدَةَ فِيمَا بَعْدُ وَسَبَبُ الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ نِيَّتَهُ كَانَتْ لِلسُّجُودِ وَهُوَ نَفْلٌ وَالرُّكُوعُ فَرْضٌ وَفِي إِجْزَاءِ النَّفْلِ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْفَرْضِ إِلَيْهِ خِلَافٌ وَإِذَا أَعَادَهَا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَهَلْ قبل قِرَاءَة أم الْقُرْآن أَو بَعْدَهَا قَوْلَانِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ أَشْهَبُ يَسْجُدُهَا وَإِنْ سَلَّمَ وَإِنْ قَصَدَ السُّجُودَ فَرَكَعَ وَذَكَرَ وَهُوَ مُنْحَنٍ فَخَرَّ سَاجِدًا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِنْ طَالَ الرُّكُوعُ بِالطُّمَأْنِينَةِ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ هَذَا إِذَا قُلْنَا لَا يُعْتَدُّ بِالرَّكْعَةِ أَمَّا إِذَا قُلْنَا يُعْتَدُّ فَيَقْرَأُ السَّجْدَةَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ لَا سُجُود عَلَيْهِ وَرجحه الْمَازرِيّ لعدم الزِّيَادَة هَهُنَا قَالَ سَنَدٌ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ السَّجْدَةَ حَتَّى ركع فِي الثَّانِيَة أتم نافلته فَإِنْ شَرَعَ فِي غَيْرِهَا قَرَأَ السَّجْدَةَ وَسَجَدَهَا وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ لِلْإِخْلَالِ بِهَا فِي الْأُولَى وَهُوَ فِي التَّلْقِينِ لِأَنَّ السُّجُودَ فَضِيلَةٌ وَفِي الْجلاب يسْجد لِأَنَّهُ سنة

ص: 414

الرَّابِعُ فِي الْكِتَابِ لَا يَقْرَؤُهَا فِي الْفَرِيضَةِ مُنْفَرد وَلَا إِمَام لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ قَرَأَهَا الْإِمَامُ سَجَدَ بِهِمْ قَالَ سَنَدٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَقْرَؤُهَا فِي الْفَرْضِ وَيَسْجُدُ وَيُعِيدُهَا فِي الثَّانِيَةِ إِذَا نَسِيَهَا فِي الْأُولَى وَحَيْثُ سَجَدَ فَأَعَادَ الْقِرَاءَةَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ سَجَدَ وَإِنْ أَعَادَهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ لَا يَسْجُدُ إِلَّا فِي مَجَالِسَ أَمَّا الْمَجْلِسُ الْوَاحِدُ فَلَا وَلَوْ قَرَأَ سَجَدَاتٍ مُخْتَلِفَةً فِي مَجْلِسٍ سَجَدَ لِجَمِيعِهَا فَالرَّكَعَاتُ كَالْمَجَالِسِ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ يَقْرَؤُهَا الْإِمَامُ فِي الْفَرِيضَةِ وَقَالَهُ (ش) وَرَوَى أَشْهَبُ لَا يَقْرَؤُهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْجَمْعُ قَلِيلًا لَا يُخَلَّطُ عَلَيْهِمْ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَقْرَؤُهَا فِي السِّرِّ بِخِلَافِ الْجَهْرِ وَقَالَهُ (ح) وَابْنُ حَنْبَلٍ لِأَنَّ الْجَهْرَ لَا تَخْلِيطَ فِيهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَقْرَأُ فِي صُبْحِ الْجُمُعَةِ بتنزيل السَّجْدَة {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} وَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجَبِهِ فَإِنَّ مَنْ قَرَأَهَا سَجَدَهَا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ هَلْ يَقْصِدُهَا أَمْ لَا وَفِي الْجَوَاهِرِ يَسْجُدُ الْإِمَامُ فِي النَّافِلَةِ وَإِنْ لَمْ يَأْمَنِ التَّخْلِيطَ عَلَى الْمَنْصُوص لِفِعْلِ السَّلَفِ ذَلِكَ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ ثُمَّ إِذَا قَرَأَ السَّجْدَةَ فِي الْفَرِيضَةِ وَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا فَلْيَجْهَرْ بِهَا لِلْإِعْلَامِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهَلْ يَتْبَعُ لِوُجُوبِ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ أَوْ لَا يَتْبَعُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ سَاهِيًا قَوْلَانِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ الْخَامِسُ كَرِهَ فِي الْكِتَابِ قِرَاءَةَ السَّجْدَةِ وَحْدَهَا قَالَ صَاحِبُ النُّكَتِ إِلَّا أَنْ يُضِيفَ إِلَيْهَا جَمِيعَ آيَاتِهَا قَالَ الْمَازِرِيُّ الْمُرَادُ جُمْلَةُ آيَاتِهَا لِأَنَّهَا مَقْصُودَةٌ لِلسَّجْدَةِ لَا لِلتِّلَاوَةِ وَهُوَ خِلَافُ الْعَمَل

ص: 415

السَّادِس فِي الْكتاب إِذا لم يسْجد القاريء يَسْجُدُ الْمُسْتَمِعُ وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ لِلسُّجُودِ خَاصَّةً قَالَ الْمَازرِيّ وَاللَّخْمِيّ يسْجد السَّامع مَعَ القاريء بِخَمْسَة شُرُوط بُلُوغ القاريء وَطَهَارَتِهِ وَسُجُودِهِ وَقِرَاءَتِهِ لَا لِيُسْمِعَ النَّاسَ وَقَصْدِ الِاسْتِمَاعِ مِنَ السَّامِعِ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ لَا يَتْبَعُ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فِي السُّجُودِ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلْإِمَامَةِ قَالَ سَنَدٌ فَإِنْ سَجَدَهَا الْمُعَلِّمُ وَالْمُتَعَلِّمُ قَالَ مَالِكٌ يَسْجُدُ الْآخَرُ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَقَطْ وَقَالَ أَصْبَغُ لَا يَسْجُدُ مُطْلَقًا نَظَرًا لِأَنَّ هَذَا بَاب مشقة فَيتْرك وَلَو سَهَا القاريء عَنِ السُّجُودِ فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا سَجَدَ وَإِلَّا رَجَعَ إِلَى قِرَاءَةِ السَّجْدَةِ وَإِذَا لَمْ يَسْجُدِ الْإِمَامُ فَفِي الْمُسْتَمِعِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ يَسْجُدُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ قِيَاسًا عَلَى سُجُودِ السَّهْوِ وَلَا يَسْجُدُ عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ لِأَنَّهُ تَبَعٌ وَلَمْ يُوجد الأَصْل وخيره أَشهب السَّابِعُ فِي الْوَاضِحَةِ يَسْجُدُ الْمَاشِي وَيَنْزِلُ لَهَا الرَّاكِبُ إِلَّا فِي سَفَرِ الْقَصْرِ فَيُومِئُ عَلَى دَابَّتِهِ فَصْلٌ فِي الْجَوَاهِرِ سَجْدَةُ الشُّكْرِ مَكْرُوهَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ بِشَارَةٍ أَوْ مَسَرَّةٍ وَرُوِيَ الْجَوَازُ وَقَالَ بِهِ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَالَ (ش وح) سُنَّةٌ لَنَا أَنَّ النِّعَمَ كَانَتْ مُتَجَدِّدَةً عَلَى النَّبِيِّ عليه السلام وَالسَّلَفِ وَأَعْظَمُهَا الْهِدَايَةُ وَالْإِيمَانُ وَلَوْ كَانَتْ سُنَّةً لَوَاظَبَ عَلَيْهَا فَكَانَتْ تَكُونُ مُتَوَاتِرَةً احْتَجُّوا بِأَنَّهُ عليه السلام سَجَدَ لِفَتْحِ مَكَّة ولمجيء رَأس أبي جهل إِلَيْهِ ولوصول كتاب عَليّ رضي الله عنه إِلَيْهِ بِإِسْلَامِ هَمْدَانَ وَفِي الْبُخَارِيِّ سَجَدَ كَعْبُ بْنُ مَالك لما بشر بتوبة الله تَعَالَى عَلَيْهِ

ص: 416

(الْبَاب السَّابِع عشر فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ)

وَالْعِيدُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْعَوْدِ لِتَكَرُّرِهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَهُوَ عِنْدَنَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَعِنْدَ (ح) وَاجِبٌ عَلَى الْأَعْيَانِ وَعِنْدَ ابْنِ حَنْبَلٍ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانحر} جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّهَا صَلَاةُ الْعِيدِ وَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ عليه السلام لِلسَّائِلِ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فَقَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ قَالَ لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ يَقْتَضِي عَدَمَ الْوُجُوبِ وَفِي الْكِتَابِ لَا يُؤْمَرُ بِهَا الْعَبِيدُ وَلَا الْإِمَاءُ وَلَا النِّسَاءُ لِانْشِغَالِ الْأَوَّلِينَ بِالسَّادَاتِ وَكَشْفِ النِّسَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِلْجَمْعِ قَالَ فَإِنْ شَهِدُوهَا فَلَا يَنْصَرِفُونَ إِلَّا مَعَ الْإِمَامِ كَمَنْ فَعَلَ بَعْضَ النَّافِلَةِ وَإِذَا لَمْ يَشْهَدْهَا إِلَّا النِّسَاءُ صَلَّيْنَهَا أَفْذَاذًا خلافًا ل (ح) لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهَا لَا تُصَلَّى إِلَّا جَمَاعَةً فِي مَوضِع الْجُمُعَة لنا الْقيَاس على الْكُسُوف

ص: 417

قَالَ سَنَدٌ وَيَتَخَرَّجُ تَحَرِّيهِنَّ لِوَقْتِ صَلَاةِ الْإِمَامِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْجُمُعَةِ وَجَمْعِ الرَّجُلِ بِهِنَّ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ هَلْ يَجْمَعُ أَمْ لَا وَفِي الْجَوَاهِرِ إِذَا قُلْنَا لَا يُؤْمَرُ بِهَا مَنْ لَا يُؤْمَرُ بِالْجُمُعَةِ فَفِي كَرَاهَةِ فِعْلِهِ لَهَا أَقْوَالٌ ثَالِثُهَا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْفَذِّ فَتُكْرَهُ وَالْجَمَاعَةِ فَلَا وَهِيَ عَلَى أَهْلِ الْآفَاقِ وَقَالَ سَنَدٌ الْمَشْهُورُ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى دُونَ غَيْرِهِمْ فِي ذَلِكَ وَفِي الْبَيَانِ كَرِهَ مَالِكٌ السّفر بعد الْفجْر يَوْمَ الْعِيدِ إِلَّا لِعُذْرٍ قَالَ فَلَوْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ لَمْ يَجُزِ السَّفَرُ كَالْجُمُعَةِ يُكْرَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَيَحْرُمُ بَعْدَهُ وَقَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ الضَّحَايَا إِنَّمَا يَجْمَعُ لِلْعِيدَيْنِ مَنْ تَلْزَمُهُمُ الْجُمُعَةُ لِأَنَّهُ عليه السلام لَمْ يُصَلِّ الْعِيدَيْنِ بِمِنًى كَمَا لَمْ يُصَلِّ الْجُمُعَةَ وَإِذَا قُلْنَا بِشَرْطِ الِاسْتِيطَانِ فِي الْبَلَدِ إِنْ جَمَعُوا بِإِمَامٍ فَلَا خُطْبَةَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ خُطِبَ فَحَسَنٌ وَعَلَى هَذَا يخرج قَوْله فِي الْمُخْتَصر يوتى لِلْعِيدَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ يُصَلُّونَ مَكَانَهُمْ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ وَوَقْتُهَا مِنْ حِينِ تَحِلُّ النَّافِلَةُ إِلَى الزَّوَالِ وَفِي الْكِتَابِ يَخْرُجُ النَّاسُ إِلَيْهَا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِأَنَّ مَا قَبْلَ ذَلِكَ زَمَنُ ذِكْرٍ وَقِيَاسًا عَلَى الْإِمَامِ وَقَالَ (ش) بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ لِيَسْبِقَ النَّاسُ إِلَى الْمَجَالِسِ وَفِي الْكِتَابِ يُكَبِّرُونَ إِذَا خَرَجُوا فِي الطَّرِيقِ إِلَى الْمُصَلَّى إِلَى خُرُوجِ الْإِمَامِ تَكْبِيرًا يَسْمَعُهُ مَنْ يَلِيهِ وَلَا يُكَبَّرُ إِذَا رَجَعَ وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ يُكَبَّرُ بَعْدَ الصُّبْحِ وَعَلَّقَهُ بِالْيَوْمِ وَقَالَ (ش) مِنَ اللَّيْلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هدَاكُمْ ولعلكم تشكرون} وَالْعِدَّةُ قَدْ كَمُلَتْ بِالْغُرُوبِ أَوِ الْفَجْرِ أَوَّلَ الْأَيَّامِ الْمُتَجَدِّدَةِ أَوْ يُلَاحَظُ عَمَلُ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ وَهُوَ مِنَ الشَّمْسِ فَمَنْ رَاحَ

ص: 418

قَبْلَ ذَلِكَ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا يُكَبَّرُ وَلَا يُؤْتَى بِهِ قَبْلَ وَقْتِهِ كالأذان وَفِي الْجَوَاهِر قيل يكبر وَقيل يختصر التَّكْبِيرُ بِمَا بَعْدَ الْإِسْفَارِ وَلَمْ يُحَدِّدْهُ مَالِكٌ لِأَنَّ الْأَمْرَ وَرَدَ بِهِ مُطْلَقًا وَاسْتَحَبَّ ابْنُ حَبِيبٍ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى مَا هَدَانَا اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا لَكَ مِنَ الشَّاكِرِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ولعلكم تشكرون} وَكَانَ أَصْبَغُ يَزِيدُ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ هَل يقطع التَّكْبِير بِخُرُوج الإِمَام فِي محمل الْعِيد مَاضِيا إِلَى الْمصلى أَو بعد حُلُوله فِي محمل الصَّلَاةِ وَفِي تَكْبِيرِهِ بِتَكْبِيرِ الْإِمَامِ فِي أَثْنَاءِ خُطْبَتِهِ قَوْلَانِ وَفِي الْبَيَانِ يُكَبِّرُونَ مَعَهُ سِرًّا فِي أَنْفُسِهِمْ وَذَلِكَ حَسَنٌ غَيْرُ وَاجِبٍ وَقَالَهُ فِي الْكِتَابِ فِي الْحَجِّ الْأَوَّلِ وَفِي الْكِتَابِ يَخْرُجُ الْإِمَامُ بِقَدْرِ مَا إِذَا بَلَغَ الْمُصَلَّى حَلَّتِ الصَّلَاةُ وَالْفِطْرُ وَالْأَضْحَى سَوَاءٌ وَقَالَ (ش) يُؤَخَّرُ الْفِطْرُ قَلِيلًا لِأَجْلِ إِخْرَاجِ الْفِطْرَةِ وَيُعَجَّلُ فِي الْأَضْحَى لِيَتَّسِعَ الْوَقْتُ لِلذَّبْحِ وَعَمَلُ الْمَدِينَةِ على مَا ذَكرْنَاهُ وَفِي المعونة غَد وَالْإِمَام بِحَسَبِ قُرْبِ مَنْزِلِهِ وَبُعْدِهِ فَيَتَقَدَّمُهُ النَّاسُ وَهُوَ إِذَا وَصَلَ صَلَّى وَفِي الْجُلَّابِ الْمَشْيُ إِلَيْهَا أَفْضَلُ مِنَ الرُّكُوبِ لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه السُّنَّةُ أَنْ يَأْتِيَ لعيده مَاشِيًا وَفِي الْكِتَابِ غَسْلُ الْعِيدَيْنِ مَطْلُوبٌ دُونَ غسل الْجُمُعَة لما روى مَالِكٌ قَالَ عليه السلام فِي

ص: 419

جُمُعَةٍ مِنَ الْجُمَعِ

يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ إِنَّ هَذَا الْيَوْمَ جَعَلَهُ اللَّهُ عِيدًا لِلْمُسْلِمِينَ فَاغْتَسِلُوا وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طِيبٌ فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَمَسَّ مِنْهُ وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ فَأَمَرَ بِالْغُسْلِ لِأَنَّهُ عِيدٌ وَلَوْلَا أَنَّ الْعِيدَ يُغْتَسَلُ لَهُ لَمَا صَحَّ هَذَا التَّعْلِيلُ وَلَمَّا كَانَ الْعِيدُ مُنْخَفِضًا عَنِ الْجُمُعَةِ فِي الْوُجُوبِ وَهُوَ فِي وَقْتِ الْبُرُودَةِ وَعَدَمِ انْتِشَارِ رَوَائِحِ الْأَعْرَاقِ انْحَطَّ غُسْلُهُ عَنْ غُسْلِهَا وَفِي الْجَوَاهِرِ يَغْتَسِلُ بَعْدَ الْفَجْرِ فَإِنْ فَعَلَ قَبْلَهُ أَجْزَأَ وَيُسْتَحَبُّ الطِّيبُ وَالتَّزَيُّنُ لِلْخَارِجِ لِلصَّلَاةِ وَالْقَاعِدِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ لِأَن الزِّينَة لَهَا فَمن بعد فَلَا وَفِي الْعِيد لِلْيَوْمِ فَيَشْتَرِكَ فِيهِ الْقَاعِدُ وَالْخَارِجُ وَأَمَّا الْعَجَائِزُ فَفِي بذلة الثِّيَاب وإقامتها بالصحراء أَفْضَلُ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ بِمَكَّةَ لِفَضْلِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَقَالَ (ش) الْمَسْجِدُ أَفْضَلُ لَنَا مَا فِي أبي دَاوُد قَالَ بكر بن ميسر كُنْتُ أَغْدُو مِنَ الْمَسْجِدِ مَعَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عليه السلام إِلَى الْمُصَلَّى يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى وَفِي الْكِتَابِ وَلَا يُصَلَّى فِي الْمِصْرِ فِي موضِعين خلافًا (ش) قِيَاسا على الْجُمُعَة وَيقْرَأ فِيهَا بسبح وَنَحْوِهَا وَفِي الْجَوَاهِرِ اسْتَحَبَّ ابْنُ حَبِيبٍ (ق) واقتربت السَّاعَة فِي الثَّانِيَةِ وَقَالَهُ (ش) وَكِلَاهُمَا فِي الصِّحَاحِ وَيَتَرَجَّحُ الْمَشْهُورُ بِالتَّخْفِيفِ عَلَى الْجَمْعِ وَيُكَبِّرُ فِي الْأُولَى سَبْعًا بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَفِي الثَّانِيَةِ سِتًّا بِتَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ فَالزَّوَائِدُ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ حَنْبَلٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ وَعِنْدَ (ش) اثْنَتَا عَشْرَةَ سَبْعٌ فِي الْأُولَى وَخَمْسٌ فِي الثَّانِيَةِ مُحْتَجًّا بِمَا يُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها كَانَ عليه السلام يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً سِوَى تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَتَكْبِيرَةِ الدُّخُولِ فِي الرُّكُوعِ وَهُوَ إِنْ صَحَّ مُعَارَضٌ بِعَمَلِ الْمَدِينَةِ وَعِنْدَ (ح) سِتٌّ ثَلَاثٌ فِي الأولى

ص: 420

وَثَلَاث فِي الثَّانِيَة وَهُوَ فِي أَبِي دَاوُدَ عَنْهُ عليه السلام لَنَا مَا فِي أَبِي دَاوُدَ كَانَ عليه السلام يُكَبِّرُ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى فِي الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَفِيِ الثَّانِيَةِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ قَالَ وَيُفْصَلُ بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ بِقَدْرِ مَا يُكَبِّرُ النَّاسُ وَقَالَهُ (ح) وَقَالَ (ش) يُفْصَلُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ بِقَدْرِ سُورَةٍ وَسَطٍ بِالتَّهْلِيلِ وَالتَّحْمِيدِ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلِأَنَّهُ تَكْبِيرٌ تكَرر حَالَةَ الْقِيَامِ فَلَا يُوَالَى كَتَكْبِيرِ الْجِنَازَاتِ لَنَا عَمَلُ الْمَدِينَةِ فَلَوْ كَانَ عليه السلام يَفْعَلُهُ لَنُقِلَ كَمَا نُقِلَ فِطْرُهُ قَبْلَ الْفِطْرِ وَرُجُوعُهُ مِنْ غَيْرِ الطَّرِيقِ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَّا فِي الْأُولَى قَالَ سَنَدٌ وَرُوِيَ عَنْهُ الرّفْع فِي الْجَمِيع وَقَالَهُ (ش وح) وَابْنُ حَنْبَلٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا الْفَصْلِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَالْقِرَاءَةُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ خِلَافًا (ح) فِي الْأُولَى مُحْتَجًّا بِمَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ عليه السلام وَالَى بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ وَالْجَوَابُ مَنْعُ الصِّحَّةِ لَنَا مَا رُوِيَ عَنْهُ عليه السلام

كَبَّرَ يَوْمَ الْفِطْرِ سَبْعًا فِي الْأُولَى ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ كَبَّرَ فِي الْآخِرَةِ خَمْسًا ثُمَّ قَرَأَ وَفِي الْكِتَابِ يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُصَلِّي يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ

ص: 421

الأول أَن خطْبَة الْجُمُعَةِ شَرْطٌ فِيهَا وَشَأْنُ الشَّرْطِ التَّقْدِيمُ بِخِلَافِ الْعِيدِ الثَّانِي أَنَّ فَوَاتَ الْجُمُعَةِ عَظِيمٌ فَقُدِّمَتِ الْخُطْبَةُ حَتَّى يَتَكَامَلَ النَّاسُ الثَّالِثُ أَنَّ الْعِيدَ لَا يَجِبُ فَلَوْ قُدِّمَتْ فَرُبَّمَا سَئِمَ بَعْضُ النَّاس فَيتْرك الصَّلَاةَ فَعُجِّلَتْ وَوُجُوبُ الْجُمُعَةِ يَمْنَعُ ذَلِكَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ أَنَّ خُطْبَةَ عَرَفَةَ لِتَعْلِيمِ الْمَنَاسِكِ وَالتَّعْلِيمُ يَتَقَدَّمُ الْعَمَلَ وَفِي الْجَوَاهِرِ إِنْ بَدَأَ بِهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ أَعَادَهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجْزَاهُ لِعَدَمِ شَرْطِيَّتِهَا قَالَ الْمَازِرِيُّ وَيُكَبِّرُ فِي الْخُطْبَةِ بِغَيْرِ حَدٍّ وَالثَّانِيَةُ أَكْثَرُ مِنَ الْأُولَى وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَفْتَتِحُهَا بِسَبْعٍ اتِّبَاعًا وَيَخْتِمُهَا بِثَلَاثٍ وَكَذَلِكَ الثَّانِيَةُ قَالَ وَيَذْكُرُ فِي خُطْبَةِ الْفِطْرِ الْفِطْرَةَ وَسُنَنَهَا وَفِي الْأَضْحَى الْأُضْحِية وسننها وَذَكَاتَهَا وَيَحُضُّهُمْ عَلَيْهَا وَفِي الْكِتَابِ إِنْ سَهَا فِي خُطْبَةٍ اسْتَخْلَفَ مَنْ يُتِمُّهَا

فَائِدَةٌ كُلُّ صَلَاةٍ فِيهَا خُطْبَةٌ يُجْهَرُ فِيهَا لِأَنَّ الْجَهْرَ وَالْخُطْبَةَ كِلَاهُمَا إِظْهَارٌ لِلشَّعَائِرِ فَتَلَازَمَا إِلَّا صَلَاةَ عَرَفَة لِأَن خطبتها للتعليم لَا للشعائر فَكَانَت الصَّلَاة فِيهَا سرا

فروع سِتَّة الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ يُسْتَحَبُّ الْأَكْلُ قَبْلَ الْغُدُوِّ لِلْفِطْرِ بِخِلَافِ الْأَضْحَى وَفِي التِّرْمِذِيِّ كَانَ عليه السلام لَا يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ وَلَا يَطْعَمُ يَوْمَ الْأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ وَالْفَرْقُ أَن الْفطر يتقدمه الصَّوْمُ فَشُرِعَ الْأَكْلُ فِيهِ لِإِظْهَارِ التَّمْيِيزِ

ص: 422

وَلِأَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَصَدَقَةَ الْأُضْحِيَّةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَسَوَّى الشَّرْعُ بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ فِي الْحَالَةِ وَلِيَكُونَ الْفِطَرُ فِي الْأَضْحَى عَلَى لَحْمِ الْقُرْبَةِ قَالَ سَنَدٌ وَاسْتَحَبَّ الْبَاجِيُّ وَ (ش) أَنْ يَكُونَ بِتَمْرٍ وَيُرْوَى أَنَّهُ عليه السلام كَانَ لَا يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَو أقل أَو أَكثر الثَّانِي فِي الْكِتَابِ الْأَحْسَنُ الْخُرُوجُ مِنْ طَرِيقٍ وَالرُّجُوعُ مِنْ غَيْرِهِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ كَانَ عليه السلام إِذَا خَرَجَ يَوْمَ عِيدٍ مِنْ طَرِيقٍ يَرْجِعُ مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ مُعَلَّلٌ بِكَثْرَةِ الزِّحَامِ فِي الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ أَوِ الْغُبَارِ أَوْ لِيَشْهَدَ لَهُ الطَّرِيقَانِ أَوْ لِيُسَوِّيَ بَيْنَ أَهْلِ الطَّرِيقَيْنِ فِي التَّبَرُّك والاستفتاء أَوْ لِتَعُمَّ الصَّدَقَةُ مَسَاكِينَ الطَّرِيقَيْنِ أَوْ لِإِظْهَارِ كَثْرَة أهل الْإِسْلَام وانتشارهم الثَّالِثُ فِي الْكِتَابِ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ فَاتَتْهُ مَعَ الْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَهَا عَلَى هَيْئَتِهَا قَالَ سَنَدٌ فَإِنْ أَدْرَكَ الْخُطْبَةَ قَالَ مَالِكٌ يَسْمَعُهَا كَمَنْ أَدْرَكَ شَيْئًا مِنَ الصَّلَاةِ فَإِنْ فَاتَتْ جَمَاعَةً قَالَ سَحْنُونٌ لَا يُجَمَّعُونَ لِأَنَّ الْعِيدَ يَجْرِي مَجْرَى الْجُمُعَةِ بِدَلِيلِ الِاجْتِمَاعِ وَالْخُطْبَةِ فِيهِمَا وَسَدًّا لِذَرِيعَةِ انْقِطَاعِ الْمُبْتَدِعَةِ عَنِ السُّنَّةِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُجَمَّعُونَ كَصَلَاةِ الْخُسُوفِ وَإِذَا قُلْنَا يُجَمَّعُونَ فَبِغَيْرِ خُطْبَةٍ فَإِنْ فَاتَتْهُ الْأُولَى فَالْمَشْهُورُ يَقْضِيهَا بِتَكْبِيرِهَا وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يُقْضَى التَّكْبِيرُ إِلَّا فِي الْجِنَازَةِ لِأَنَّهُ بَدَلُ الرَّكَعَاتِ وَوَافَقَ فِيمَن فَاتَهُ الرَّكْعَتَانِ بِسَبَبٍ أَنَّهُ غَيْرُ قَاضٍ وَإِذَا قُلْنَا يُكَبِّرُ فَإِنَّهُ يَقُومُ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِم خلافًا لعبد الْملك فَإِن قُلْنَا إِنَّ الَّذِي يَأْتِي بِهِ آخِرُ صَلَاتِهِ كَبَّرَ خَمْسًا وَإِنْ قُلْنَا قَضَاءٌ فَسِتًّا فَإِنْ لَمْ يَفُتْهُ إِلَّا بَعْضُ

ص: 423

التَّكْبِيرِ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَ (ح) يَقْضِيهِ خِلَافًا لِعَبْدِ الْمَلِكِ وَ (ش) لِأَنَّ التَّكْبِيرَ يَأْتِي بِهِ الْمَأْمُومُ مَعَ جَهْرِ الْإِمَامِ فَلَا يَحْمِلُهُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَو نسي تَكْبِير رَكْعَة فَلَا يتدارك فِي الرُّكُوعِ وَلَا بَعْدَهُ لَأَنَّ الْقِيَامَ مَحَلُّهُ قِيَاسًا عَلَى الْقِرَاءَةِ وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَقِيلَ يَتَدَارَكُهُ مَا لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ وَقَالَ (ح) لِأَنَّهُ على تَكْبِيرِ الْعِيدِ لِأَنَّ تَكْبِيرَ الرُّكُوعِ مِنْهُ وَيُدْرِكُ بِهِ الْعِيدَ عِنْدَهُ فَإِنْ تَذَكَّرَ قَبْلَ الرُّكُوعِ كبر وَأعَاد الْقِرَاءَة وَيسْجد بَعْدَ السَّلَامِ وَقِيلَ لَا يُعِيدُهَا وَلَوْ أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ الْقِرَاءَةَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَ (ح) يَدْخُلُ مَعَهُ وَيُكَبِّرُ سَبْعًا وَإِنْ وَجَدَهُ رَاكِعًا دَخَلَ مَعَهُ وَكَبَّرَ وَاحِدَةً وَإِنْ وَجَدَهُ قَائِمًا فِي الثَّانِيَةِ كَبَّرَ خَمْسًا وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَاحِدَةً قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِنْ أَدْرَكَهُ فِي قِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ كَبَّرَ خَمْسًا غَيْرَ الْإِحْرَامِ وَإِذَا قَضَى كَبَّرَ سِتًّا وَالسَّابِعَةُ قَدْ كَبَّرَهَا لِلْإِحْرَامِ وَإِذا فَاتَتْهُ صَلَاة الْعِيدَيْنِ فَلَا تقضى بالزوال خلافًا (ح وش) محتجين بِمَا فِي النَّسَائِيّ أَن قوما رَأَوُا الْهِلَالَ نَهَارًا فَأَمَرَهُمْ عليه السلام أَنْ يفطروا ويخرجوا من الْغَد وَجَوَابه يحمل الْخُرُوجُ لِمُجَرَّدِ الزِّينَةِ وَلَوْ كَانَتْ تُقْضَى لَقُضِيَتْ بَعْدَ الزَّوَالِ فِي يَوْمِهَا لِقُرْبِهِ وَفِي الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ كَسَائِرِ الْمَقْضِيَّاتِ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْجُمُعَةِ بِجَامِعِ الْخطْبَة أَو إِظْهَار الشعائر الرَّابِع فِي الْجَوَاهِر لَا يُتَنَفَّلُ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا فِي الْمُصَلَّى وَقَالَهُ (ح) وَلَمْ يَكْرَهْهُ (ش) لِغَيْرِ الْإِمَامِ وَيُتَنَفَّلُ قبلهَا وَبعدهَا فِي الْمَسْجِد قَالَ سَنَدٌ وَاسْتَحَبَّ ابْنُ

ص: 424

حَبِيبٍ أَلَّا يُتَنَفَّلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ إِلَى الظُّهْرِ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِالْإِجْمَاعِ وَرَوَى أَشْهَبُ لَا يُتَنَفَّلُ قَبْلَهَا فِي الْمَسْجِدِ كَالْمُصَلَّى وَيُتَنَفَّلُ بَعْدَهَا لِأَنَّ قبلهَا وَقت شُرِعَ لِلذِّكْرِ فَلَا يُتَنَفَّلُ فِيهِ كَوَقْتِ الْخُطْبَةِ لَنَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ عليه السلام خَرَجَ يَوْمَ الْأَضْحَى فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهُمَا وَلَا بَعْدَهُمَا زَادَ أَبُو دَاوُدَ يَوْمَ الْفِطْرِ وَقِيَاسًا عَلَى الْإِمَامِ وَعَلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ واذا قُلْنَا بالتنفل فِي الْمَسْجِد قبلهَا فيلغى للْإِمَام بل اول مَا يقدم يبْدَأ بِالصَّلَاةِ الْخَامِسُ فِي الْكِتَابِ يُكَبِّرُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالْمُنْفَرِدُ وَالْمُسَافِرُ وَغَيْرُهُ خَلْفَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ وَيُكَبِّرُ الْمَسْبُوقُ بَعْدَ الْقَضَاءِ كَسُجُودِ السَّهْوِ وَمَنْ نَسِيَهُ أَتَى بِهِ إِنْ كَانَ قَرِيبًا وَإِلَّا فَلَا وَقَالَهُ (ح) وَقَالَ (ش) يُكَبِّرُ وَإِنْ بعد وَرَأى ان التَّكْبِير من شَعَائِر الايام وَهِيَ بَاقِيَةٌ وَعِنْدَنَا مِنْ شَعَائِرِ الصَّلَوَاتِ فِي الْأَيَّامِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ الطُّولُ مُفَارَقَةُ الْمَجْلِسِ وَفِي الْكِتَابِ إِنْ لَمْ يُكَبِّرِ الْإِمَامُ كَبَّرَ النَّاسُ كَسُجُودِ السَّهْوِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} قَالَ سَنَدٌ لَا يُكَبِّرُ إِذَا قَضَى صَلَاةً فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَلَا إِذَا قَضَى صَلَاةَ ايام التَّشْرِيق فِيهَا خلافًا (ش) فيهمَا وَلَا إِذَا قَضَاهَا هِيَ فِي غَيْرِهَا فَائِدَةٌ سُمِّيَتْ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ مِنْ شُرُوقِ الشَّمْسِ فِي اول يَوْم يقوم مِنْ بَابِ مَجَازِ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ بِاسْمِ الْجُزْءِ وَقِيلَ مِنْ تَشْرِيقِ اللَّحْمِ وَهُوَ نَشْرُهُ لِيَجِفَّ بِالشَّمْسِ وَفِي الْكِتَابِ أَوَّلُ التَّكْبِيرِ صَلَاةُ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إِلَى الصُّبْحِ مِنْ آخِرِ ايام

ص: 425

التَّشْرِيقِ وَقَالَهُ (ش) وَقَالَ (ح) يَبْدَأُ بَعْدَ الصُّبْحِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ لَنَا قَوْله تَعَالَى {فَإِذا قضيتم مَنَاسِككُم فاذكروا الله} وَيَوْمُ عَرَفَةَ لَمْ تُقْضَ فِيهِ الْمَنَاسِكُ وَإِنَّمَا تقضى بعد صبح الْعِيد وَفِي الْجَوَاهِر لَا يكبر دبر الصَّلَوَات النَّافِلَةِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ يُكَبِّرُ وَقِيلَ يُكَبِّرُ دُبُرِ الظُّهْرِ مِنَ الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَنَقَلَ أَبُو الطَّاهِرِ قَوْلًا بِالتَّكْبِيرِ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ قِيَاسًا على اهل منى السَّادِسُ قَالَ سَنَدٌ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ قَوْلِ الرَّجُلِ لِأَخِيهِ يَوْمَ الْعِيدِ تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكَ فَقَالَ لَا أَعْرِفُهُ وَلَا أُنْكِرُهُ وَكَرِهَهُ غَيْرُهُ وَرُوِيَ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ فِعْلُ الْيَهُودِ وَلَا يُنْكَرُ فِي الْعِيدِ لَعِبُ الْغِلْمَانِ بِالسِّلَاحِ وَالصِّبْيَةِ بِالدُّفُوفِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ بَيْنَمَا الْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم َ - بِحِرَابِهِمْ دَخَلَ عُمَرُ رضي الله عنه فَأَهْوَى الى الْحَصْبَاء فحصبهم بهَا قَالَ لَهُ عليه السلام دَعْهُمْ يَا عُمَرُ وَكَرِهَ مَالِكٌ لَعِبَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ وَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُرَوْنَ مِنَ الْمَسْجِدِ وَفِيهِمَا عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا فِي أَيَّامِ مِنًى وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ تَضْرِبَانِ بالدف وَالنَّبِيُّ عليه السلام مُسَجًّى عَلَيْهِ بِثَوْبٍ فَانْتَهَرَهُمَا فَكَشَفَ عليه السلام وَجْهَهُ فَقَالَ دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ

ص: 426

(الْبَابُ الثَّامِنَ عَشَرَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ)

الْأَجْوَدُ كَسَفَتِ الشَّمْسُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَقِيلَ بِالْعَكْسِ وَقِيلَ هُمَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَقِيلَ الْكُسُوفُ تَغَيُّرُ لونهما والخسوف ومغيبها فِي السَّوَادِ وَقِيلَ الْخُسُوفُ فِي الْكُلِّ وَالْكُسُوفُ فِي الْبَعْضِ وَيُقَالُ خَسَفَ بِالْفَتْحِ وَبِالضَّمِّ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَانْكَسَفَتِ الشَّمْسُ وَأَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ بِالْأَلِفِ وَأَصْلُ الْكُسُوفِ التَّغَيُّرُ وَمِنْهُ كَاسِفُ الْبَالِ أَيْ مُتَغَيِّرُ الْحَالِ وَالْخَسْفُ الذَّهَابُ بِالْكُلِّيَّةِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ} وَالْخَسْفُ النَّقْصُ وَمِنْهُ رَضِيَ بِخُطَّةِ خَسْفٍ وَلَمَّا كَانَ الْقَمَر يذهب جملَة ضوؤه كَانَ أَوْلَى بِالْخُسُوفِ مِنَ الْكُسُوفِ وَفِي الْجَوَاهِرِ صَلَاةُ الْكُسُوفِ سُنَّةٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَمَنْ عَقَلَ الصَّلَاةَ مِنَ الصِّبْيَانِ وَتُصَلِّيهَا الْمَرْأَةُ فِي بَيْتِهَا وَقَالَ (ح) وَاجِبَةٌ وَفِي الْجُلَّابِ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَقْتُهَا وَقْتُ الْعِيدَيْنِ قِيَاسًا عَلَيْهَا وَعَلَى الِاسْتِسْقَاءِ بِجَامِعِ أَنَّ هَذَا وَقْتٌ لَيْسَ بِشَيْء من الْفَرَائِض فَجعل السّنَن الْمُسْتَقِلَّةِ تَمْيِيزًا لَهَا عَنِ النَّوَافِلِ التَّابِعَةِ وَرُوِيَ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَقَالَهُ (ش) لِعُمُومِ قَوْلِهِ عليه السلام فَإِذَا

ص: 427

رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ وَقِيَاسًا عَلَى الْجِنَازَةِ وَرُوِيَ إِلَى الْعَصْرِ لِقَوْلِهِ عليه السلام لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ قَالَ سَنَدٌ فَإِنْ طَلَعَتْ مَكْسُوفَةً لَمْ يُصَلَّ حَتَّى تَحِلَّ النَّافِلَةُ خلافًا (ش) لِلنَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ وَلِمَالِكٍ فِي كَوْنِهِمْ يَقِفُونَ وَيَذْكُرُونَ قَوْلَانِ فَلَوْ كُسِفَتْ عِنْدَ الْغُرُوب وغربت الشَّمْس كَذَلِك لم تصل اجماعا وَالْفرق ذهَاب رَجَاء نَقصهَا لِذَهَابِ النَّهَارِ وَحِكْمَةُ الصَّلَاةِ أَنْ يَعُودَ إِلَيْهَا ضوؤها وَمَنْفَعَتُهَا وَفِي الْجَوَاهِرِ تُفْعَلُ فِي الْمَسْجِدِ دُونَ الْمُصَلَّى وَقَالَهُ (ش) وَخَيَّرَ أَصْبَغُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صِحَّته وَبَين الْقَضَاء وَقَالَهُ (ح) لَنَا مَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عنهاخسفت الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - فخرح إِلَى الْمَسْجِدِ فَقَامَ وَكَبَّرَ وَصَفَّ النَّاسَ خَلْفَهُ الْحَدِيثَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ أَنَّ وَقْتَهَا ضَيِّقٌ لَا يَجْتَمِعُ لَهُ أَهْلُ الْقُرَى وَالْمُصُرِ فَلَا يَضِيقُ الْمَسْجِدُ عَلَيْهِمْ وَلِأَنَّ الْخُرُوجَ إِلَى الْمُصَلَّى قَدْ يُفَوِّتُهَا بِتَجَلِّي الشَّمْسِ وَفِي الْكتاب لَا يجْهر بِقِرَاءَتِهَا وَقَالَهُ (ش وح) خلافًا لِابْنِ جنبل لَنَا مَا فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - فَصَلَّى وَالنَّاسُ مَعَهُ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ فَقَالَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ فَقَوْلُهُ نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ يَدُلُّ عَلَى السِّرِّ وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ

ص: 428

إِلَى التَّقْدِيرِ وَفِي الْجُلَّابِ يُقْرَأُ فِي الرُّكُوعِ الأول بِسُورَة نَحوا من الْبَقَرَة وَفِي الثَّانِي بنجو آل عمرَان وَفِي الثَّالِث بِنَحْوِ النِّسَاءِ وَفِي الرَّابِعِ بِنَحْوِ الْمَائِدَةِ وَفِي الْجَوَاهِرِ هِيَ رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ وَقِيَامَانِ يُقْرَأُ فِي كُلِّ رُكُوعٍ الْفَاتِحَةُ وَقَالَهُ (ش) وَقَالَ (ح) رَكْعَتَانِ طَوِيلَتَانِ كَصَلَاةِ الصُّبْحِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ فِي أَبِي دَاوُدَ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَين الحَدِيث الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ لَا تَكُونُ الْفَاتِحَةُ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِي وَلَا فِي الرَّابِعِ لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ لَنَا الْقِيَاسُ عَلَى كُلِّ قِرَاءَةٍ بَعْدَ رُكُوعٍ قَالَ فَإِنْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ فِي أَضْعَافِ الصَّلَاةِ قَالَ سَحْنُونٌ يُتِمُّونَ مِثْلَ سَائِرِ النَّوَافِلِ لِزَوَالِ السَّبَبِ وَقَالَ أَصْبَغُ كَمَا ابتدأوا نظرا للشروع

فروع سِتَّة الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ إِذَا فُرِغَ مِنْهَا وَالشَّمْسُ عَلَى حَالِهَا لَا تُعَادُ وَلَكِنِ الذِّكْرُ وَالتَّنَفُّلُ لِأَنَّ الْكُسُوفَ سَبَبٌ لَهُ سَبَبٌ وَاحِدٌ وَقَدْ فعل فَيسْقط حُكْمُهُ وَفِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عليه السلام جَلَسَ كَمَا هُوَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَدْعُو حَتَّى انْجَلَتِ الشَّمْسُ وَلَا خُطْبَةَ لَهَا عِنْدَنَا خِلَافًا لِ (ش) لَنَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمُ وَلم يذكر الْخطْبَة

ص: 429

الثَّانِي فِي الْكِتَابِ لَا تَفُوتُ الرَّكْعَةُ بِفَوَاتِ ركوعها الأول خلافًا (ش) وَمَنْ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ قَضَاهَا بِرُكُوعَيْنِ وَسَجْدَتَيْنِ احْتَجَّ (ش) بِأَنَّ الْإِمَامَ إِنَّمَا يَحْمِلُ الْقِرَاءَةَ دُونَ الرُّكُوعِ جَوَابُهُ أَنَّ الرُّكُوعَ الثَّانِيَ هُوَ الرُّكْنُ لِتَوَسُّطِهِ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالسُّجُودِ وَتَوَسُّطِ الْأَوَّلِ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ فَلَهُ حُكْمُهَا أَوِ الرُّكُوعَانِ كَالرُّكُوعِ الْوَاحِدِ وَالْمُدْرِكُ لِبَعْضِ الرُّكُوعِ مُدْرِكٌ إِجْمَاعًا قَالَ سَنَدٌ فَإِنْ سَهَا عَنِ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ وَرَكَعَ الثَّانِيَ بِنِيَّةِ الثَّانِي سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ وَإِنْ رَكَعَهُ بِنِيَّةِ الْأَوَّلِ وَتَرَكَ الثَّانِيَ فَإِنْ ذَكَرَ قَبْلَ عَقْدِ الثَّانِيَةِ رَجَعَ إِلَى الْأُولَى وَإِلَّا بَنَى وَجَعَلَ الثَّانِيَةَ أُولَى وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ الثَّالِثُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَطُولَ السُّجُودُ وَقَالَهُ (ش) قِيَاسًا عَلَى الرُّكُوعِ قَالَ سَنَدٌ قَالَ مَالِكٌ لَا يَطُولُ لِأَنَّ الْحَدِيثَ السَّابِقَ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ التَّطْوِيلُ بَلْ قَالَ فَسَجَدَ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُكَرَّرْ فَلَا يَطُولُ وَإِذَا قُلْنَا بِالطُّولِ فَلَمْ يَفْعَلْ سجد قبل السَّلَام لترك سنة الرَّابِعُ فِي الْكِتَابِ صَلَاةُ خُسُوفِ الْقَمَرِ كَسَائِرِ النَّوَافِلِ وَيُدْعَوْنَ وَلَا يَجْتَمِعُونَ وَقَالَهُ (ح) وَقَالَ (ش) يُسْتَحَبُّ لَهَا الْجَمْعُ وَالْخُطْبَةُ مِثْلَ صَلَاةِ الْكُسُوفِ لَنَا عَمَلُ الْمَدِينَةِ وَقَدْ خَسَفَ الْقَمَرُ مَرَّاتٍ عَلَى عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم َ - وَلم ينْقل عَن الْجمع وَحكى اللَّخْمِيّ عَن ابْن الْمَاجشون انهاكصلاة الخسوف وَتُصَلَّى أَفْذَاذًا وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا تُصَلَّى فِي الْبُيُوتِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تُصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ أَفْذَاذًا قَالَ سَنَدٌ وَوَقْتُهَا اللَّيْلُ كُلُّهُ فَإِنْ طلع مكسوفا بَدَأَ بِالْمَغْرِبِ وَظَاهِرُ قَوْلِ

ص: 430

مَالِكٍ عَدَمُ افْتِقَارِهَا إِلَى نِيَّةٍ تَخُصُّهَا بِخِلَافِ الْكُسُوف فان انكشفت عَن الْفجْر لم يصلوا خلافًا (ش) لِقَوْلِهِ عليه السلام إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ من الصَّلَاة رَدُّ ضَوْئِهِ لَيْلًا لِتَحْصُلَ مَصْلَحَتُهُ وَقَدْ فَاتَ ذَلِك وَلَو كسف فَلم يصلوا حَتَّى غَابَ بلَيْل لم يصلو خلافًا (ش) لَان منفعَته لَا تعود الْخَامِسُ فِي الْجَوَاهِرِ لَا يُصَلَّى لِلزَّلَازِلِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْآيَاتِ وَحَكَى اللَّخْمِيُّ عَنْ أَشْهَبَ الصَّلَاةَ وَاخْتَارَهُ السَّادِسُ فِي الْجَوَاهِرِ إِذَا اجْتَمَعَ عِيدٌ وَكُسُوفٌ قُدِّمَ الْكُسُوفُ وَفِيهِ سُؤَالَانِ الْأَوَّلُ أَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا مُحَالٌ عَادَةً فَإِنَّ كُسُوفَ الشَّمْسِ إِنَّمَا يُكْسَفُ بِالْقَمَرِ إِذَا حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا فِي دَرَجَتِهَا يَوْمَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَعِيدُ الْفِطْرِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نَحْو ثَلَاثَة عشرَة دَرَجَة منزلَة وَالْأَضْحَى يَكُونُ بَيْنَهُمَا نَحْوُ مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ دَرَجَةً وَعشر مَنَازِلَ نَعَمْ يُمْكِنُ عَقْلًا أَنْ يَذْهَبَ ضَوْءُ الشَّمْسِ بِغَيْرِ سَبَبٍ أَوْ بِسَبَبٍ غَيْرِ الْقَمَرِ كَحَيَاةِ إِنْسَانٍ بَعْدَ قَطْعِ رَأْسِهِ أَوْ إِخْلَاءِ جَوْفه الْكَلَام عَلَى مِثْلِ هَذَا مُنْكَرٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ مَعَ أَن الشَّافِعِي وَجَمَاعَةً مِنَ الْعُلَمَاءِ تَحَدَّثُوا فِيهِ السُّؤَالُ الثَّانِي أَنَّهُ ذَكَرَ فِي بَابِ التَّطَوُّعِ أَنَّ الْعِيدَيْنِ آكَدُ مِنَ الْكُسُوفِ وَهُوَ مُنَاقِضٌ لِتَقْدِيمِهِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْكُسُوفَ يُخْشَى ذَهَابُ سَبَبِهِ بِخِلَافِ الْعِيدَيْنِ كَمَا نقدم جَوَابُ الْأَذَانِ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ خَشْيَةَ الْفَوَاتِ فَإِنِ اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَجُمُعَةٌ قُدِّمَتِ الْجُمُعَةُ عِنْدَ خَوْفِ فَوَاتِهَا وَإِنْ أُمِنَ قُدِّمَ الْكُسُوفُ وَتُقَدَّمُ الْجِنَازَةُ عَلَى الْكُسُوفِ وَالْجُمُعَةِ إِلَّا أَنْ يَضِيقَ وَقتهَا قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ وَيُقَدَّمُ الْعِيدَانِ عَلَى الِاسْتِسْقَاءِ لِأَنَّ وَقْتَهُمَا يَفُوتُ وَالْمَطْلُوبُ فِيهِمَا الزِّينَةُ وَفِيهِ الْخُمُولُ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُتَنَاقِضٌ

ص: 431

(الْبَابُ التَّاسِعَ عَشَرَ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ)

وَالِاسْتِفْعَالُ غَالِبًا لِطَلَبِ الْفِعْلِ نَحْوُ الِاسْتِفْهَامِ لِطَلَبِ الْفَهْمِ والاسترشاد لطلب الرشد وَالِاسْتِسْقَاء طلب السَّقْي وَهِي عندنَا سنة خلافًا (ح) لَنَا مَا فِي أَبِي دَاوُدَ قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها شَكَا النَّاسُ إِلَى النَّبِي عليه السلام قَحْطَ الْمَطَرِ فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ فَوُضِعَ لَهُ فِي الْمُصَلَّى وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ فَخَرَجَ عليه السلام حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَكَبَّرَ وَحَمَدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ إِنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيَارِكُمْ وَاسْتِئْخَارَ الْمَطَرِ عَنْ إِبَّانِ زَمَانِهِ عَنْكُمْ وَقَدْ أَمَرَكُمُ اللَّهُ أَنْ تَدْعُوهُ وَوَعَدَكُمْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ ثُمَّ قَالَ الْحَمد لله رب الْعَالمين الرحمان الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ اللَّهُمَّ أَنْتَ الله لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ أنزل علينا الْغَيْث وَاجعَل مَا انزلت علينا قُوَّةً وَبَلَاغًا إِلَى حِينٍ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ فِي الرَّفْعِ حَتَّى بَدَا

ص: 432

بَيَاضُ إِبْطَيْهِ ثُمَّ حَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ وَقَلَبَ أَوْ حَوَّلَ رِدَاءَهُ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ وَنَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَأَنْشَأَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ سَحَابَةً فَرَعَدَتْ وَبَرَقَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَأْتِ مَسْجِدَهُ حَتَّى سَالَتْ السُّيُول وَفِي الْكتاب صلى ضَحْوَةً فَقَطْ قَالَ سَنَدٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَقتهَا وَقْتُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا لِقَوْلِ مَالِكٍ وَقَالَ ش تُفْعَلُ بَعْدَ الزَّوَالِ لَنَا الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْعِيدَيْنِ وَنَقَلَ أَبُو الطَّاهِرِ إِيقَاعَهَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ قَوْلَانِ فِي الْمَذْهَبِ وَفِي الْبَيَانِ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِالِاسْتِسْقَاءِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَالصُّبْحِ قَالَ يُرِيدُ بِهِ الدُّعَاءَ لَا الْبُرُوزَ إِلَى الْمُصَلَّى لِأَنَّ السُّنَّةَ فِيهِ الضُّحَى وَفِي الْجَوَاهِرِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْمُرَ الْإِمَامُ قَبْلَهَا بِالتَّوْبَةِ وَرَدِّ الْمَظَالِمِ وَتَحَلُّلِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا لِأَنَّ الذُّنُوبَ سَبَبُ الْمَصَائِبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فبمَا كسبت أَيْدِيكُم} وَسَبَبُ مَنْعِ الْإِجَابَةِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَيَأْمُرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ وَالْإِحْسَانِ لِلْفُقَرَاءِ فَالْعَبْدُ يُجَازَى مِنْ جِنْسِ عَمَلِهِ فَمَنْ أَطْعَمَ أُطْعِمَ وَمَنْ أَحْسَنَ أُحْسِنَ إِلَيْهِ وَلَا يَزَالُ اللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ قَالَ سَنَدٌ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي تَقْدِيمِ الصَّوْمِ قَبْلَ الِاسْتِسْقَاءِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيُصْبِحُونَ صِيَامًا وَقَدْ فَعَلَهُ عُمَرُ وَاسْتَحَبَّهُ ش ثَلَاثًا لِمَا رُوِيَ أَنَّ دَعْوَةَ الصَّائِمِ لَا تُرَدُّ وَيَخْرُجُونَ مَعَ الْإِمَامِ فِي ثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَالْمِهْنَةِ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ شِعَارُهُمُ الْخُشُوعُ وَالْخَوْفُ قَالَ ابو الطَّاهِر

ص: 433

وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يُكَبِّرُ عِنْدَ خُرُوجِهِ إِلَيْهَا وَقِيلَ يُكَبِّرُ قِيَاسًا عَلَى صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَفِي الْكِتَابِ لَا يَخْرُجُ بِمِنْبَرٍ وَلَكِنْ يَتَوَكَّأُ الْإِمَامُ عَلَى عَصًا وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ الْمِنْبَرَ مِنْ طِينٍ فِي الْمُصَلَّى لِلْعِيدَيْنِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّان وَقَالَ اشهب فِي الْمَجْمُوعَة ذَاك وَاسِعٌ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَفِي الْجَوَاهِرِ الْمَشْهُورُ إِخْرَاجُ الصّبيان والبهائم وَالنِّسَاء الَّتِي لَا تُخْشَى فِتْنَتُهُنَّ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَقِيلَ مَشْرُوعٌ لِتَكْثِيرِ أَسْبَابِ الرَّحْمَةِ وَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِ مَنْ تُخْشَى فِتْنَتُهُ مِنَ النِّسَاءِ وَمَنَعَ فِي الْكِتَابِ الْحُيَّضَ وَجَوَّزَ أَهْلَ الذِّمَّةِ لِأَنَّهُمْ يُرْزَقُونَ كَمَا نُرْزَقُ وَفِي الْجَوَاهِرِ مَنَعَهُ أَشْهَبُ دَفْعًا لِلْفِتْنَةِ عَنْ ضُعَفَاءِ الْإِسْلَامِ وَلِأَنَّهُ لَا يُتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَعْدَائِهِ وَجَوَّزَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَ (ش) خُرُوجَهُمْ مُنْفَرِدِينَ بِيَوْمٍ إِخْفَاءً لِشَعَائِرِهِمْ وَمَنَعَهُ ابْنُ حَبِيبٍ لِئَلَّا يَحْصُلَ السَّقْيُ فِي يَوْمِهِمْ فَيُفْتَنَ النَّاسُ وَيُسْتَسْقَى لِلْجَدْبِ وَحَيَاةِ الزَّرْع ولشرب النَّاس اَوْ شرب الْبَهَائِم اَوْ لتكامل الْكِفَايَة بِالْمَاءِ اَوْ لمجئ النِّيلِ وَلِتَكْرِيرِ الِاسْتِسْقَاءِ إِنِ احْتِيجَ إِلَيْهِ لِحُصُولِ الْحَاجَةِ فِي الْجَمِيعِ وَفِي الْمُوَطَّأِ كَانَ عليه السلام يَقُول اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادك وبهيمتك وانشر رحمتك وأحي بلدك الْمَيِّت وَجوز اللَّخْمِيّ وش اسْتِسْقَاءَ الْمُخْصِبِ لِلْمُجْدِبِ وَتَوَقَّفَ فِيهِ الْمَازِرِيُّ دُونَ الدُّعَاءِ الْمُجَرَّدِ لِكَوْنِهِ بِدْعَةً وَفِي الْكِتَابِ يَقْرَأُ فيهمَا بسبح وَالشَّمْس وَضُحَاهَا وَنَحْوهمَا وَقَالَهُ ابْن

ص: 434

حَنْبَل وَقَالَ (ش) ب (ق) وَفِي الثَّانِيَة ب {اقْتَرَبت السَّاعَة} لنا الْمَقْصُود الدُّعَاء وَالِاسْتِغْفَار فيوجد فِي الصَّلَاةِ وَلَا يُكَبَّرُ فِيهَا عِنْدَنَا خِلَافًا (ش) لانه لم يرو ويبدل التَّكْبِير بالاستغفار قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا ربكُم إِنَّه كَانَ غفارًا يُرْسل السَّمَاء عَلَيْكُم مدرارا} فَجُعِلَ الِاسْتِغْفَارُ سَبَبَ الْإِمْطَارِ وَفِي الْكِتَابِ يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ خُطْبَتَيْنِ كَالْعِيدَيْنِ قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى وَكَانَ يَقُولُ يَخْطُبُ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَكِلَاهُمَا مَرْوِيٌّ فِي الْحَدِيثِ وَالْأَشْهَرُ أَلَّا يُطَوِّلَ لِأَنَّ التَّقَرُّبَ قبل المسئلة أَنْسَبُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَبَيْنَ الِاسْتِسْقَاءِ وَالْعِيدَيْنِ أَنَّهَا شَرْطٌ فِيهَا بِخِلَافِهِمَا وَالشَّرْطُ يَتَقَدَّمُ وَفِي الْكِتَابِ إِنْ أَحْدَثَ فِي الْخُطْبَةِ تَمَادَى لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ فِي الْخُطْبَةِ وَلَا تَتَّصِلُ بِصَلَاةٍ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ وَإِذَا فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ مَكَانَهُ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ فَيَجْعَلُ الَّذِي عَلَى الْيَمِينِ عَلَى الْيَسَارِ وَالَّذِي عَلَى الْيَسَارِ عَلَى الْيَمين خلافًا (ح) وَلَا يُقَلِّبُهُ فَيَجْعَلُ الْأَسْفَلَ أَعْلَى وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ يُحَوَّلُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَقَالَهُ (ش) لِأَنَّ الدُّعَاءَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ الْأُولَى خُطْبَةٌ وَنَقَلَ ابو الطَّاهِر التَّحْوِيل بعد الْخطْبَتَيْنِ لِئَلَّا تفصل الْخُطْبَةَ بِعَمَلٍ لَيْسَ مِنْهَا وَفِي الْكِتَابِ يُحَوِّلُ النَّاسُ أَرْدِيَتَهُمْ وَهُمْ جُلُوسٌ إِذَا حَوَّلَ الْإِمَامُ لِلتَّفَاؤُلِ بِتَحْوِيلِ الْحَالِ قَالَ سَنَدٌ قَالَ ابْنُ الْمَاجشون وَلَا يحول النِّسَاءُ وَصِفَةُ التَّحْوِيلِ أَنْ يَأْخُذَ بِيَمِينِهِ مَا عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَيُمِرَّهُ مِنْ وَرَائِهِ فَيَضَعَهُ عَلَى الْأَيْمَنِ وَمَا عَلَى الْأَيْمَنِ عَلَى الْأَيْسَرِ وَفِي الْكِتَابِ ثُمَّ يَدْعُو

ص: 435

قَائِمًا وَيَدْعُونَ وَهُمْ قُعُودٌ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَلَا يُدْعَى لِلْأَمِيرِ بَلْ يُخْلَصُ الْأَمْرُ لِلَّهِ قَالَ سَنَدٌ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَرُبَ مِنْهُ أَنْ يُؤَمِّنَ عَلَى دُعَائِهِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَبُطُونُهُمَا إِلَى الْأَرْضِ وَرُوِيَ عَنْهُ بُطُونُهُمَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَفْعَلُ النَّاسُ مِثْلَهُ جُلُوسًا وَيَجْهَرُ بِالدُّعَاءِ لِأَنَّ دُعَاءَهُ عليه السلام سُمِعَ فَنُقِلَ وَيَكُونُ الدُّعَاءُ بَيْنَ الطُّولِ وَالْقِصَرِ وَفِي الْكِتَابِ يَتَنَفَّلُ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا قَالَ سَنَدٌ كَرِهَ ابْنُ حَبِيبٍ ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى الْعِيدَيْنِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاسْتِسْقَاءَ طَلَبٌ لِلْغُفْرَانِ فَإِنَّ الْجَدْبَ بِسَبَبِ الذُّنُوبِ فَحسن فِيهِ الْقُرُبَاتُ وَمَنْ أَدْرَكَ الْخُطْبَةَ وَفَاتَتْهُ الصَّلَاةُ جَلَسَ لَهَا وَلَا يُصَلِّي وَهُوَ بِالْخِيَارِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا بَقِيَّةُ نَافِلَةٍ مُطْلَقَةٍ

ص: 436

(الْبَاب الْعشْرُونَ فِي صَلَاة الْخَوْف)

قَالَ سَنَدٌ وَهِيَ عِنْدَنَا رُخْصَةٌ لَا سُنَّةٌ وَيجوز فعل الثَّلَاثَة لَهَا خلافًا ش مُحْتَجًّا بِأَنَّ أَقَلَّ الطَّائِفَةِ ثَلَاثَةٌ وَالْقُرْآنُ دَلَّ عَلَى طَائِفَتَيْنِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ وَالْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي الثَّلَاثَةِ فَيَحْرُسُ وَاحِدٌ وَيُصَلِّي اثْنَانِ وَالْقِتَالُ ثَلَاثَةٌ وَاجِبٌ كَقِتَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْبَغْيِ وَمَنْ يُرِيدُ الدَّمَ عَلَى الْخِلَافِ وَمُبَاحٌ كَمُرِيدِ الْمَالِ وَحَرَامٌ كَقِتَالِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ وَالْحِرَابَةِ فَالْوَاجِبُ وَالْمُبَاحُ سَوَاءٌ فِي هَذِهِ الرُّخْصَةِ وَلَا يُتَرَخَّصُ فِي الْحَرَامِ وَفِي الْجَوَاهِرِ فِي جَوَازِ إِقَامَتِهَا فِي اتِّبَاعِ الْكُفَّارِ مُنْهَزِمِينَ أَقْوَالٌ ثَالِثُهَا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ خَوْفِ عَوْدَتِهِمْ وَأَمْنِهَا وَالْمَشْهُورُ اسْتِوَاءُ الْمُسَافِرِينَ وَالْمُقِيمِينَ فِي رُخْصَتِهَا لِضَرُورَةِ الِاحْتِرَاسِ مِنَ الْعَدُوِّ فِي الْحَالَتَيْنِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يُقِيمُهَا الْحَضَرِيُّ لِأَنَّهُ عليه السلام يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَخَّرَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يُصَلِّ صَلَاةَ الْخَوْفِ وَكَانَ فِي غَزَوَاتِهِ يُصَلِّيهَا جَوَابُهُ أَنَّ آيَةَ الْخَوْفِ إِنَّمَا نَزَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ وَضَابِطُهَا أَنَّ الْخَوْفَ الْمُبِيحَ إِذَا حَصَلَ قَسَمَ الْإِمَامُ النَّاسَ طَائِفَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا تَحْرُسُ وَالْأُخْرَى يُصَلِّي بِهَا شَطْرَ الصَّلَاةِ إِنْ كَانَتْ رُبَاعِيَّةً فِي الْحَضَر أَو ثنائية فِي السّفر وَفِي الصُّبْح والثلاثية فِي

ص: 437

الْمَغْرِبِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ الْبَعْضُ بِإِمَامٍ وَالْبَعْضُ الْآخَرُ أَفْذَاذًا وَأَخَذَ الْبَاجِيُّ مِنْ هَذَا جَوَازَ طَائِفَتَيْنِ بِإِمَامَيْنِ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ أَنْ يُخَالِفَ الْإِمَامُ فَيصَلي وَمِنْه جَازَ أَنْ يُجَمِّعَ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَة مِنْهُم مَعَك} الْآيَة وَفِي القبس صلاهَا عليه السلام أَرْبَعَة وَعشْرين مرّة

فروع سَبْعَة الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ يُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى مِنَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ وَيَتَشَهَّدُ وَيُتِمُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ وَهُوَ قَائِمٌ لِأَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ فَلَوْ صلى بالاولى رَكْعَة لاحتاجت الثَّانِيَة الى ثَلَاث تَشَهُّدَاتٍ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذِهِ الرُّخْصَةِ التَّشْطِيرُ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ فَكَانَتِ الْأُولَى أَوْلَى بِتَكْمِيلِ الرَّكْعَةِ الْوُسْطَى لِسَبْقِهَا وَلِأَنَّهَا أُعْطِيَتْ حُكْمَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى لَا الثَّانِيَةِ بِدَلِيلِ الْقِرَاءَةِ وَالْجَهْرِ قَالَ وَيُصَلِّي بِالثَّانِيَةِ رَكْعَة وَيسلم ويقضون بِالْحَمْد وَسُورَةٍ قَالَ سَنَدٌ فَلَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً جَهْلًا أَوْ عَمْدًا قَالَ سَحْنُونٌ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصِلَاتُهُمْ لِتَرْكِهِ سُنَّتَهَا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ تَصِحُّ لِأَنَّ طُولَ الْقِيَامِ مَشْرُوعٌ وَإِذَا قُلْنَا تَصِحُّ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْأُولَى لِمُفَارَقَتِهَا الْإِمَامَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْمُفَارَقَةِ وَتَصِحُّ صَلَاةُ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ لِمُفَارَقَتِهِمْ فِي مَوْضِعِ الْمُفَارَقَةِ وَفِي الْجَوَاهِرِ إِذَا صَحَّحْنَا صَلَاةَ الْأَخِيرَةِ فيجتمع عَلَيْهَا الْبناء وَالْقَضَاء فتبدأ بِالْبِنَاءِ عِنْد ابْن الْقَاسِم وبالقضاء عِنْدَ أَشْهَبَ وَأَمَّا انْتِظَارُهُ قَائِمًا إِذَا صَلَّى بالاولى رَكْعَتَيْنِ

ص: 438

فَلِأَنَّ الْجُلُوسَ الْأَوَّلَ يُسْتَحَبُّ فِيهِ التَّخْفِيفُ بِخِلَافِ الْقِيَامِ وَقَدْ كَانَ يَقُولُ يَنْتَظِرُهُمْ جَالِسًا لِتُدْرِكَ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ أَوَّلَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْأَوَّلِ فَفِي الْجَوَاهِرِ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَدْعُوَ أَوْ يَسْكُتَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِحْرَامِ الثَّانِيَة وَألا يقْرَأ لَان قِرَاءَته بِالْحَمْد وَحْدَهُ فَلَوْ كَانَ انْتِظَارُهُ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا فِي الصُّبْحِ أَوْ صَلَاةِ السَّفَرِ خُيِّرَ بَيْنَ السُّكُوتِ وَالدُّعَاءِ وَالْقِرَاءَةِ الَّتِي لَا تَتِمُّ حَتَّى تُدْرِكَهَا الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ قَالَ سَنَدٌ فَلَوْ رَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوهُ لَأَجْزَأَهُ لِأَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ رُخْصَةٌ فَلَهُ تَرْكُهَا وَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الطَّائِفَةِ الاولى وان وَقع الْخلاف فِي كَوْنِهِ صَلَّى صَلَاةَ أَمْنٍ وَصَلَّوْا صَلَاةَ خَوْفٍ لِمُفَارَقَتِهِمْ قَبْلَ الْمُخَالَفَةِ قَالَ وَالطَّائِفَةُ الْأُولَى يُصَلُّونَ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ أَفْذَاذًا فَلَوْ أَمَّهُمْ أَحَدُهُمْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ صَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ بِخِلَافِ مَنْ أَمَّهُمْ وَهُوَ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْمَسْبُوقِ فَإِنْ فَاتَ بَعْضَ الطَّائِفَةِ الْأُولَى الرَّكْعَةُ الْأُولَى مِنَ الْمَغْرِبِ فَلَا تُقْضَى الرَّكْعَةُ إِلَّا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَتَقِفُ حَتَّى يَفْرُغَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْقِدْ مَعَهُ نِصْفَ الصَّلَاةِ وَالْمُخَالَفَةُ إِنَّمَا شُرِعَتْ بَعْدَ ذَلِكَ وَرَجَعَ سَحْنُونٌ إِلَى هَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ لَا يَنْتَظِرُهُ لِأَنَّهُ مِنَ الطَّائِفَةِ الْأُولَى وَرَكْعَتَا الْإِمَامِ فِي حُكْمِ صَلَاةٍ تَامَّةٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ وَقَالَ مَالِكٌ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ وَ (ش) وَابْنُ حَنْبَلٍ يَثْبُتُ الْإِمَامُ حَتَّى يُتِمُّوا صَلَاتَهُمْ إِلَّا أَشْهَبَ قَالَ يَنْصَرِفُونَ إِلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وهُمْ فِي الصَّلَاةِ وَتَأْتِي الثَّانِيَةُ فَيُصَلِّي بِهَا بَقِيَّةَ الصَّلَاةِ وَتَرْجِعُ إِلَى الْعَدُوِّ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ تَأْتِي الْأُولَى إِلَى مَوْضِعِ الْإِمَامِ فَتُتِمُّ صَلَاتَهَا مُنْفَرِدَةً ثُمَّ تَنْصَرِف إِلَى الْعَدُوِّ وَتَأْتِي الْأُخْرَى إِلَى مَوْضِعِ الْإِمَامِ فَيُتِمُّ وَقَالَهُ (ح) وَهُوَ فِي أَبِي دَاوُدَ عَنْهُ عليه السلام قَالَ

ص: 439

الْحَنَفِيَّةُ وَهَذَا أَوْلَى، لِأَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يُفَارِقُ إِمَامَهُ قَبْلَ فَرَاغِهِ؛ وَالْمَشْيُ مَعْهُودٌ فِي الرُّعَافِ 0 وَجَوَابُهُمْ أَنَّ إِمَامَتَهُ انْقَضَتْ فِي حُكْمِ هَذِهِ الصَّلَاةِ 0 وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَمُسْلِمٍ عَنْهُ عليه السلام وَهُوَ عَلَى ظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {فلتقم طَائِفَة مِنْهُم مَعَك} وَهُوَ يبطل قَول الشَّافِعِي فِي إِحْرَامِهِ بِالْجَمِيعِ إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ مِنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَالْمُسْلِمُونَ فِيهِمْ كَثْرَةٌ وَلَا مَانِعَ مِنَ النَّظَرِ إِلَى الْكُفَّارِ وَقَوْلُهُ {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لم يصلوا فليصلوا مَعَك} يَقْتَضِي كَمَالَ الصَّلَاةِ مَعَهُ حَتَّى يُسَلِّمُوا بِسَلَامِهِ وَهُوَ أحوط للصَّلَاة؛ فان عَلَى قَوْلِهِمْ يَدْخُلُ فِعْلٌ كَثِيرٌ فِي الصَّلَاةِ ويستدبر الْقبْلَة وَهُوَ أحوط للحرب فان الحرس اذا لم يَكُونُوا فِي صَلَاة تَمَكَّنُوا مِنَ الْقِتَالِ التَّامِّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَوْ زَالَ الْخَوْفُ أَتَمَّ بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى صَلَاةَ أَمْنٍ وَتُصَلِّي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى بِإِمَامٍ آخَرَ لِأَنَّهُ احرم بنية صَلَاة الْخَوْف وَهُوَ لَا يحرم بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْأَمْنِ كَالْمَرِيضِ يُحْرِمُ جَالِسًا ثُمَّ يَصِحُّ فَيَقُومُ فَلَا يُحْرِمُ أَحَدٌ مَعَهُ ثُمَّ رَجَعَ فجوز الدُّخُولَ مَعَهُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ أَوَّلًا انْعَقَدَتْ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ وَهَذَا الْأَمْنُ عَارِضٌ فَإِنْ قَامَ ينْتَظر الطَّائِفَة الثَّانِيَة فوالى الْخَوْفَ قَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ مَنْ أَتَمَّ وَانْصَرَفَ أَجْزَتْهُ وَمَنْ لَمْ يُتِمَّ لَمْ يُفَارِقِ الْإِمَامَ وَلَا يَنْتَظِرُ الْإِمَامُ أَحَدًا قَالَ اللَّخْمِيُّ إِنْ ذهب الْخَوْف بعد رَكْعَتَيْنِ وَهِيَ رُبَاعِيَّةٌ وَبَعْضُهُمْ لَمْ يُصَلِّ شَيْئًا وَبَعْضُهُمْ صَلَّى رَكْعَةً وَبَعْضُهُمْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ اتَّبَعَهُ مَنْ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ

ص: 440

وَيُمْهِلُ مَنْ صَلَّى رَكْعَةً حَتَّى يُصَلِّيَهَا الْإِمَامُ ثُمَّ يَتْبَعُهُ فِي الرَّابِعَةِ وَيُمْهِلُ مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يُسَلِّمَ بِسَلَامِ الْإِمَامِ قَالَ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ مَسْلَمَةَ وَإِذَا صَلَّى بِالثَّانِيَةِ فَفِي الْكِتَابِ يُتِمُّونَ بَعْدَ سَلَامِهِ وَقَالَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ قِيَاسًا عَلَى الْمَسْبُوقِ وَرَوَى عَنْهُ يُتِمُّونَ قبل سَلَامه وَسلم بهم اجمعين لتجوز التَّحْلِيل كَمَا جَازَتِ الْأُولَى لِلْإِحْرَامِ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ مُتَعَارِضَةٌ تَدُلُّ عَلَى جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَإِنَّمَا النَّظَرُ فِي التَّرْجِيحِ وَإِذَا قُلْنَا بِغَيْرِ الْمَشْهُورِ قَالَ مَالِكٌ يَقُومُونَ بِإِشَارَتِهِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الثَّانِي فِي الْجَوَاهِرِ إِذَا اخْتَلَفَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ فِي السَّفَرِ وَالْإِقَامَةِ صَلَّى بِالْأُولَى رَكْعَةً إِنْ كَانَ مُسَافِرًا لِأَنَّهَا شَطْرُ صَلَاتِهِ وَاثْنَتَيْنِ فِي غير الثَّانِيَة إِنْ كَانَ حَضَرِيًّا لِأَنَّ الْإِمَامَ هُوَ الْمَتْبُوعُ وَأَتَمَّ الْمُسَافِرُ وَالْمُقِيمُ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاةِ نَفسه الثَّالِثُ إِذَا لَمْ تُمْكِنِ التَّفْرِقَةُ وَخَافُوا إِنِ اشْتَغَلُوا بِالصَّلَاةِ دَهَمَهُمُ الْعَدُوُّ وَانْهَزَمُوا صَلَّوْا عَلَى مَا يُمْكِنُهُمْ رِجَالًا وَرُكْبَانًا إِلَى الْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى الدَّوَابِّ وَعَلَى الْأَرْضِ وَإِيمَاءً إِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَيَكُونُ السُّجُودُ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ وَقَالَهُ (ش) وَمَنَعَهُمْ مُشَاةً وَفِي حَالَةِ الْمُسَايَفَةِ لِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِكَثْرَةِ الْعَمَلِ وَلِانْصِرَافِ النُّفُوسِ عَنِ الصَّلَاةِ لَنَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ فرجالا أَو ركبانا} معضودا بقول ابْن عُمَرَ فِي الْمُوَطَّأِ فَإِنْ كَانَ خَوْفًا أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ أَوْ رُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرَ

ص: 441

مُسْتَقْبِلِيهَا قَالَ نَافِعٌ لَا أَرَاهُ حَدَّثَهُ إِلَّا عَنْهُ عليه السلام وَقِيَاسًا عَلَى مَنْ لَازَمَتْهُ النَّجَاسَةُ أَوِ الْمَرَضُ وَاشْتَرَطَ فِي الْجَوَاهِرِ صَلَاةَ الْمُسَايَفَةِ خَوْفَ فَوَاتِ الْوَقْتِ وَأَبَاحَ كُلَّ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ حَمْلِ سِلَاحٍ مُتَلَطِّخٍ بِالدَّمِ إِلَّا عِنْدَ الْغَنِيِّ عَنْهُ قَالَ سَنَدٌ فَإِنْ صَلَّى عَلَى الدَّابَّةِ رَكْعَةً ثُمَّ أَمِنَ نَزَلَ وَأَتَمَّ الصَّلَاةَ كَالْمَرِيضِ يَقْوَى فِي أَثْنَائِهَا فَإِنْ صَلَّى رَكْعَةً بِالْأَرْضِ ثمَّ اشْتَدَّ الْخَوْف ركب وَبنى خلافًا (ش) مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَنَحْنُ نَقِيسُ الرُّكُوبَ عَلَى الْمَشْيِ قَالَ أَشْهَبُ وَلَهُمْ أَنْ يَجْمَعُوا عَلَى الدَّوَابِّ بِطَائِفَتَيْنِ إِنْ أُحْوِجُوا لِذَلِكَ وَقَالَهُ ش وَقَالَ ح لَا يَجْمَعُونَ وَإِنْ أَتَاهُمُ الْعَدُوُّ فِي الصَّلَاةِ فَرَمَوْهُ بِالنَّبْلِ وَانْهَزَمُوا لم تبطل الرَّابِع قَالَ لَو ظنُّوا سوادا عدوا فَصَلَّوْا صَلَاةَ الْخَوْفِ ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ قَالَ أَشهب أجزتهم وَاسْتَحَبَّ ابْنُ الْمَوَّازِ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ لِأَنَّ الْخَوْفَ سَبَبُ الرُّخْصَةِ وَهُوَ مَوْجُودٌ وَقَالَ (ح وش) تَجِبُ كَظَانِّ الطَّهَارَةِ وَهُوَ مُحْدِثٌ وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ وَهِيَ مَفْقُودَةٌ وَالْخَوْفَ سَبَبٌ وَهُوَ مَوْجُودٌ وَلَوْ تَحَقَّقُوا الْعَدُوَّ فَصَلَّوْا ثُمَّ تَبَيَّنَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّ بَيْنَهُمْ نَهْرًا يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْوُصُول أجزتهم عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ لِوُجُودِ الْخِلَافِ وَلَا تُجْزِيهِمْ عَلَى الْآخَرِ لِأَنَّهُمْ مُفَرِّطُونَ فِي تَعَرُّفِ النَّهْرِ الْخَامِسُ قَالَ لَوِ انْهَزَمُوا مِنَ الْعَدُوِّ وَكَانَ الْعَدو مُنْهَزِمًا مِنَ اثْنَيْنِ كَانُوا عُصَاةً فَلَا يَتَرَخَّصُونَ بِصَلَاةِ الْخَوْفِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَحَرِّفًا لِقَتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ وَإِلَّا جَازَ التَّرَخُّصُ وَلَوْ وَقَعَتِ الْمُسَايَفَةُ وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَانْهَزَمَ الْعَدُوُّ قَالَ

ص: 442

مَالِكٌ إِنْ كَانُوا طَالِبِينَ صَلَّوْا إِيمَاءً لِأَنَّهُمْ لَمْ يَأْمَنُوا يَقِينًا وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَ (ش) يُصَلُّونَ عَلَى الْأَرْضِ لِأَنَّهُمْ طَالِبُونَ وَالْخلاف فِي تَحْقِيق منَاط السَّادِسُ قَالَ فَإِنْ حَضَرَ الْخَوْفُ فِي الْبَحْرِ وَهُمْ فِي مَرْكَبٍ وَاحِدٍ فَهُمْ كَأَهْلِ الْبَرِّ أَو فِي مركبين صَلَّتْ وَاحِدَةٌ بَعْدَ وَاحِدَةٍ وَقَسَّمَ إِمَامُ كُلِّ وَاحِدَةٍ أَهْلَهَا طَائِفَتَيْنِ فَإِنْ أَمِنُوا إِذَا صَلَّوْا بِإِمَامٍ وَاحِدٍ جَازَ وَيُقَسَّمُ أَهْلُ كُلِّ قِطْعَةٍ طَائِفَتَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ عِدَّةَ قَطَائِعَ جَازَ أَنْ يَقْسِمَهُمْ وَيُصَلِّيَ نِصْفُ الْقَطَائِعِ وَيَحْرُسَ الْآخَرُ وَأَمَّا الْقِطْعَةُ الَّتِي مَعَ الْإِمَامِ فَتُقَسَّمُ طَائِفَتَيْنِ وَإِنْ قسموا كل قِطْعَة طائفتين فَهُوَ أحسن السَّابِعُ فِي الْكِتَابِ إِذَا سَهَا الْإِمَامُ فِي أَوَّلِ صَلَاةِ الْخَوْفِ سَجَدَتِ الطَّائِفَةُ الْأُولَى بَعْدَ إِتْمَامِهَا كَانَ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ وَإِذَا أَتَمَّ بِالثَّانِيَةِ جَلَسَ حَتَّى يُتِمُّوا فَسَجَدَ بِهِمْ ثُمَّ يُسَلِّمُ قَالَ سَنَدٌ فَلَوْ كَانَ السُّجُودُ مِمَّا يَخْفَى أَشَارَ إِلَى الْأُولَى فَلَوْ سَهَا فِي انْتِظَارِ الثَّانِيَةِ أَوْ تَكَلَّمَ أَوْ أَحْدَثَ لَمْ يَلْزَمِ الْأُولَى شَيْءٌ لِكَمَالِ صَلَاتِهِمْ بِخِلَافِ الثَّانِيَة فَإِنَّهَا تسْجد مُطلقًا كالمسبوق

تَنْبِيه شَرْعِيَّة صَلَاةِ الْخَوْفِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَصْلَحَةَ الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ أَعْظَمُ مِنْ مَصَالِحِ اسْتِيفَاءِ الْأَرْكَانِ وَحُصُولِ الْخُشُوعِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَإِلَّا لَجَوَّزَ الشَّرْعُ التَّأْخِيرَ لِلْأَمْنِ مَعَ أَنَّا لَمْ نَشْعُرْ بِمَصْلَحَةِ الْوَقْتِ أَلْبَتَّة وَتحقّق شَرَفُ هَذِهِ الْمَصَالِحِ وَنَظِيرُهُ الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ تَدُلُّ على ان مصلحَة الْوَقْت أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ طَهَارَةِ الْمَاءِ

ص: 443

(الْبَابُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ)

قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ الْجِنَازَةُ بِكَسْرِ الْجِيمِ الْمَيِّتُ عَلَى السَّرِيرِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مَيِّتٌ فَهُوَ سَرِيرٌ وَنَعْشٌ وَالْعَامَّةُ بِفَتْحِ الْجِيمِ قَالَ عِيَاضٌ الْفَتْح وَالْكَسْر مَعًا لِلْمَيِّتِ بِالْفَتْحِ وَالسَّرِيرُ بِالْكَسْرِ فَالْحَرَكَةُ الْعُلْيَا لِلْأَعْلَى وَالسُّفْلَى لِلْأَسْفَلِ وَفِي الْكِتَابِ سِتَّةُ فُصُولٍ وَأَنَا ذَاكِرُهَا عَلَى التَّرْتِيبِ مِنَ الِاحْتِضَارِ إِلَى التَّعْزِيَةِ

‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الِاحْتِضَارِ

قَالَ سَنَدٌ يُسْتَحَبُّ حِينَئِذٍ حُسْنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ لِقَوْلِهِ عليه السلام فِي أَبِي دَاوُدَ لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ وَيَسْتَعِينُ عَلَى

ص: 444

ذَلِكَ بِالتَّفْكِيرِ فِي سَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ وَيَجْتَهِدُ فِي الدُّعَاءِ لِقَوْلِهِ عليه السلام فِي الْمُوَطَّأِ عِنْدَ مَوْتِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَأَلْحِقْنِي بالرفيق وَفِي رِوَايَة الرفيق الْأَعْلَى يَعْنِي اعلا مُرْتَفَقِ الْجَنَّةِ وَلَا يَتَمَنَّى الْمَوْتَ لِقَوْلِهِ عليه السلام فِي الصَّحِيحَيْنِ لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضَرٍّ نَزَلَ بِهِ وَلَكِنْ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا دَامَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي مَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ التَّوَجُّهَ إِلَى الْقِبْلَةِ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ الْجِهَاتِ وَقَالَهُ الْجُمْهُورُ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ كَرَاهَتَهُ لِأَنَّهُ عليه السلام لَمْ يُوجِبْهُ وَحَضَرَ احْتِضَارَهُ جَمَاعَةٌ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ وَأَنْكَرَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ عَلَى مَنْ فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ فِي مَرَضِهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ إِنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَعَلَى ظَهْرِهِ وَرِجْلَاهُ إِلَى الْقِبْلَةِ وَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا يَفْعَلُ أَهْلُهُ ذَلِكَ حَتَّى يُتَيَقَّنَ الْمَوْتُ بِإِشْخَاصِ بَصَرِهِ قَالَ سَنَدٌ وَكَرِهَ مَالِكٌ الْقِرَاءَةَ عِنْدَهُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا بَأْسَ بِقِرَاءَةِ (يَس) لِقَوْلِهِ عليه السلام فِي أَبِي دَاوُدَ اقْرَأُوا يَس عَلَى مَوْتَاكُمْ وَيُلَقَّنُ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لِقَوْلِهِ عليه السلام فِي مُسْلِمٍ مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَإِذَا قَضَى أَوَّلُ مَا يُبْدَأُ بِتَغْمِيضِهِ لِمَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ عليه السلام دَخَلَ عَلَى أَبِي مَسْلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيُقَالُ عِنْدَ تَغْمِيضِهِ بِسْمِ اللَّهِ

ص: 445

وَعَلَى وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ يَسِّرْ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَسَهِّلْ عَلَيْهِ مَوْتَهُ وَأَسْعِدْهُ بِلِقَائِكَ وَاجْعَلْ مَا خَرَجَ إِلَيْهِ خَيْرًا مِمَّا خَرَجَ عَنْهُ وَلَا يَجْلِسُ عِنْدَهُ إِلَّا أَحْسَنُ أَهْلِهِ قَوْلًا وَفِعْلًا وَيَتَجَنَّبُهُ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ لِأَجْلِ الْمَلَائِكَةِ ثُمَّ يُشَدُّ لِحْيُهُ الْأَسْفَلُ بِعِصَابَةٍ وَيُرْبَطُ فَوْقَ رَأْسِهِ لِئَلَّا يَدْخُلَ الْهَوَامُّ إِلَى فَمِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأُبِيحَ الْبُكَاءُ قَبْلَ الْمَوْتِ وَبَعْدَهُ بِغَيْرِ صَوْتٍ فِي الْوَحْدَةِ وَالِاجْتِمَاعِ وَفِي الْبُخَارِيِّ اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَأَتَاهُ عليه السلام يَعُودُهُ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ وَجَدَهُ فِي غَاشِيَتِهِ فَقَالَ قَدْ قَضَى قَالُوا لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فبكاه النَّبِيُّ عليه السلام فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ بُكَاءَهُ بَكَوْا فَقَالَ أَلَا تَسْمَعُونَ إنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَحُزْنِ الْقَلْبِ وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا وَأَشَارَ الى لِسَانه قَالَه ابْنُ حَبِيبٍ وَالنَّوْحُ مَمْنُوعٌ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ لِأَنَّهُ اسْتِغَاثَةٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِظْهَارُ أَنَّهُ جَار وَفعل غير مَا يَنْبَغِي غير انه قد رَثَى ابْنُ عُمَرَ أَخَاهُ عَاصِمًا بِقَوْلِهِ

(فَإِنْ تَكُ أحزان وفائض دمعة

جرين وَمَا من دَاخل الْجوف منفعا)

(تَجَرَّعْتُهَا فِي عَاصِمٍ وَاحْتَسَبْتُهَا

فَأَعْظَمُ مِنْهَا مَا احتسبنني وَتَجَرَّعَا)

(فَلَيْتَ الْمَنَايَا كُنَّ خَلَّفْنَ عَاصِمًا

فَعِشْنَا جَمِيعًا أَوْ ذَهَبْنَ بِنَا مَعَا)

(دَفَعْنَا بِكَ الْأَيَّامَ حَتَّى إِذَا أَتَتْ

تُرِيدُكَ لَمْ نَسْطَعْ لَهَا عَنْكَ مَدْفَعَا)

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ مِثْلِهِ مِنَ الْمَرَاثِي وَأَمَّا مَا فِيهِ التَّشْنِيعُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَا وَفِي أَبِي دَاوُدَ لَعَنَ اللَّهُ النَّائِحَةَ وَالْمُسْتَمِعَةَ قَالَ سَنَدٌ هِيَ الَّتِي تَتَّخِذُ النَّوْحَ صَنْعَةً وَإِلَّا فَالْمَرَّةُ مَكْرُوهَةٌ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ عليه السلام تَرَكَ نِسَاءَ جَعْفَرٍ لَمْ

ص: 446

يسكتهن وَفِيه عَن جَابر جي بِأَبِي يَوْمَ أُحُدٍ وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ وَسَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ فَسُمِعَ صَوْتُ صَائِحَةٍ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ؟ فَقَالُوا ابْنَةُ عَمْرٍو فَقَالَ فَلْتَبْكِ أَوْ لَا تَبْكِي فَمَا زَالَتِ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رُفِعَ وَفِيهِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ أَخَذَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ عليه السلام أَلَّا نَنُوحَ فَمَا وَفَتْ مِنَّا امْرَأَةٌ غَيْرُ خَمْسِ نِسْوَةٍ سَمَّتْهُنَّ

فَائِدَةٌ قَوْلُهُ عليه السلام إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ عَلَيْهِ فِي الْمُوَطَّأِ مُشْكِلٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يواخذ بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَجَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَوْصَى بِالنِّيَاحَةِ كَمَا قَالَ طَرَفَةُ

(إِذَا مُتُّ فَانْعِينِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ

وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْبَ يَا ابْنَةَ مَعْبَدِ)

أَوْ أَنَّهُمْ يذكرُونَ فِي نواحهم مفاخر هِيَ فخار عِنْدَ الشَّرْعِ كَالْغَضَبِ وَالْفُسُوقِ فَيُعَذَّبُ بِهَا أَوْ مَا قَالَتْهُ عَائِشَةُ رضي الله عنها يَغْفِرُ الله لأبي عبد الرحمان أَمَا إنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ وَلَكِنَّهُ نَسِيَ أَوْ أَخطَأ إِنَّمَا مر عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - يَهُودِيَّة يَبْكِي عَلَيْهَا أَهْلُهَا فَقَالَ عليه السلام إِنَّكُمْ لَتَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ

ص: 447

‌الْفَصْل الثَّانِي فِي الْغسْل

وَحِكْمَتُهُ التَّأَهُّبُ لِلِقَاءِ الْمَلَكَيْنِ وَهُوَ وَاجِبٌ وَقِيلَ سُنَّةٌ وَفِي مُسْلِمٍ قَالَ عليه السلام فِي ابْنَتِهِ ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا وَاغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا إِنْ رَأَيْتُنَّ وَاجْعَلْنَ فِي الْأَخِيرِ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ فَإِنْ أَعَدْنَا الشَّرْطَ عَلَى الْجَمِيعِ فَقَدْ وَقَفَ جُمْلَةَ الْغُسْلِ عَلَى إرادتهن فَلَا يكون وَاجِبا اَوْ نقصره عَلَى الْعَدَدِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَيَجِبُ لِأَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ أَوْ يُقَالُ هَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ التَّعْلِيمِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً إِلَّا فِي الْكَيْفِيَّةِ فَقَطْ وَهُوَ أَيْضًا قَاعِدَةٌ صَحِيحَةٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ إِذَا خرج فِي سِيَاق الِاسْتِدْلَال بِهِ فِي غَيْرِهِ وَفِي الْفَصْلِ ثَلَاثَةُ أَنْظَارٍ النَّظَرُ الْأَوَّلُ فِي الْغُسْلِ فِي الْجَوَاهِرِ أَقَلُّهُ امرارا المَاء على جملَة الْجَسَد مَعَ الدَّلْك وكما لَهُ حَمْلُهُ إِلَى مَوْضِعٍ خَالٍ لِلسُّتْرَةِ وَيُوضَعُ عَلَى سَرِير ليبعد عَن فَسَاد العفن ويتمكن مِنْ غَسْلِهِ وَيُنْزَعُ قَمِيصُهُ لِيَعْبُرَ الْهَوَى إِلَيْهِ فيبعد عَن الْفساد وَقَالَهُ (ح) خلافًا (ش) مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ عليه السلام غُسِّلَ فِي قَمِيصِهِ جَوَابُهُ الِاتِّفَاقُ عَلَى طَهَارَتِهِ فَشَابَهَ مَنْ يحمل الْقَمِيصَ لِنَجَاسَتِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ نَجِسٌ عَلَى رَأْيٍ وَتُسْتَرُ عَوْرَتُهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ السَّوْءَةُ فَقَطْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِلَى الرُّكْبَةِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَسْتُرُ مِنَ الْمَرْأَةِ مَا يَسْتُرُ الرَّجُلُ مِنَ الرَّجُلِ وَعَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ جَمِيعَ جَسَدِهَا وَلَا يُرَاعَى الْمَاءُ الْقَرَاحُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لِقَاءُ الْمَلَكَيْنِ وَإِنَّمَا كُرِهَ مَاءُ الْوَرْدِ وَالْقَرَنْفُلِ لِلسَّرَفِ بَلْ هُوَ أفضل

ص: 448

وَكُرِهَ الْغُسْلُ وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِمَاءِ زَمْزَمَ احْتِرَامًا لَهُ مِنْ نَجَاسَةٍ قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَلَا وَجْهَ لَهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ بَعْضِ أَشْيَاخِي عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ الْمَيِّتِ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ فَهُوَ أَوْلَى لِبَرَكَتِهِ وَأَمَّا الْمُسَخَّنُ فَكَرِهَهُ الشَّافِعِيَّةُ لِإِرْخَائِهِ وَاسْتَحَبَّهُ (ح) لِإِنْقَائِهِ وَفِي الْجَوَاهِرِ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا وَيَبْدَأُ بِغسْل يَدَيْهِ لقَوْله عليه السلام ابدأن بميامينها وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا ثُمَّ يُنَظَّفُ لِيُصَادِفَ الْمَاءُ الطَّهُورُ الْأَعْضَاءَ نَظِيفَةً طَاهِرَةً فَلَا يَفْسُدُ وَلَا يُفْضِي بِيَدِهِ إِلَى عَوْرَتِهِ إِلَّا وَعَلَيْهَا خِرْقَةٌ قَالَ فِي الْمُخْتَصر الا لامر لابد مِنْهُ وَمَنَعَهُ ابْنُ حَبِيبٍ مُطْلَقًا وَيَعْصِرُ بَطْنَهُ إِنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ وَيَتَعَهَّدُ أَسْنَانَهُ وَمَنْخَرَهُ بِخِرْقَةٍ مَبْلُولَةٍ ثُمَّ يُوَضَّأُ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ الْمَازِرِيُّ قِيلَ فِي الْأُولَى لِأَنَّهَا هِيَ الْفَرْضُ فَيَكُونُ الْوُضُوءُ مَعَهَا وَقِيلَ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْأُولَى تَنْظِيفٌ وَفِي الْجَوَاهِرِ ثُمَّ يُضْجَعُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ لِيَبْدَأَ بِغَسْلِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ عَلَى الْأَيْمَنِ وَذَلِكَ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا وَفِي تَكْرِيرِ الْوُضُوءِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ خِلَافٌ قَالَ الْمَازِرِيُّ قَالَ بَعْضٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّكْرَارِ يَكُونُ الْوُضُوءُ غَسْلَةً وَاحِدَةً حَتَّى لَا يَصِلَ إِلَى الرَّابِعَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَفِي الْجَوَاهِرِ فَإِنْ حَصَلَ الْإِنْقَاءُ وَإِلَّا فَخَمْسٌ أَوْ سَبْعٌ ثُمَّ يُنَشَّفُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَيَنْجَسُ الثَّوْبُ الَّذِي يُنَشَّفُ بِهِ وَقَالَ التُّونِسِيُّ لَا يُصَلَّى فِيهِ حَتَّى يُغْسَلَ وَكَذَلِكَ كَلُّ مَا أَصَابَهُ مَاؤُهُ وَقَالَ سَحْنُونٌ طَاهِرٌ وَيُسْتَعْمَلُ السِّدْرُ وَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ إِذَا قُلْنَا الْغُسْلُ لِلْعِبَادَةِ فَيَغْسِلُ بِالْقِرَاحِ ثُمَّ يُضَافُ السِّدْرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ تَعَذَّرَ السِّدْرُ فَمَا يُنَقِّي وَالسِّدْرُ أَفْضَلُ لِتَنْقِيَتِهِ مَعَ شدّه الْأَعْضَاء ثُمَّ الْكَافُورُ فِي الْأَخِيرِ لِجَمْعِهِ بَيْنَ الْعِطْرِيَّةِ وَمُضَادَّةِ الْعَفَنِ وَشدّه الْأَعْضَاءِ خِلَافًا (ح) فِيهِ لِقَوْلِهِ عليه السلام فِي ابْنَتِهِ اغْسِلْنَهَا بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الْأَخِيرِ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ وَإِلَّا فَغَيْرُهُ مِنَ الطِّيبِ فَإِنْ خَرَجَتْ نَجَاسَةٌ بَعْدَ الْغُسْلِ أُزِيلَتْ وَلَمْ

ص: 449

يُعَدِ الْغُسْلُ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَقَالَ أَشْهَبُ يُعَادُ الْوُضُوءُ وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ يُعَادُ الْغُسْلُ لِيَحْصُلَ آخر أمره طَاهِرَة كَامِلَةٌ وَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِذَا كَثُرَ الْأَمْوَاتُ يُكْتَفَى بِصَبِّ الْمَاءِ وَيُدْفَنُ بِغَيْرِ غُسْلٍ مَنْ لَا أَهْلَ لَهُ وَيُجْمَعُ النَّفَرُ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ وَفِي الْكِتَابِ الْمَجْرُوحُ وَالْمَجْدُورُ الَّذِي يُخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَلَّعَ يُصَبُّ عَلَيْهِ المَاء وَلَا يتَيَمَّم وَفِي الْجلاب يُؤْخَذ عزّر الْقُرُوحِ وَلَا تُنْكَأُ قَالَ الْمَازِرِيُّ قَالَ مَالِكٌ يَغْتَسِلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ أَحَبُّ إِلَيَّ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ لِأَنَّهُ إِذَا وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى الْغُسْلِ بَالَغَ فِي إِنْقَائِهِ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ وَلَا يَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ لِأَنَّهُ غُسْلٌ يُفْعَلُ فِي الْغَيْرِ وَكُلُّ غُسْلٍ يُفْعَلُ فِي الْغَيْرِ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ كَغَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ ولوغ الْكَلْب وَلَو قيل بِالنِّيَّةِ وَلم يَبْعُدْ قَالَ سَنَدٌ فَإِنْ عُدِمَ الْمَاءُ يُمِّمَ عِنْد مَالك و (ح وش) كَمَا يَتَيَمَّمُ الْحَيُّ وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ يَكْفِي أَحَدَهُمَا وَهُوَ جُنُبٌ وَالْآخَرُ مَيِّتٌ فَالْمَيِّتُ أَوْلَى عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ الْحَيُّ الْجُنُبُ أَوْلَى النَّظَرُ الثَّانِي فِي الْغَاسِلِ قَالَ الْمَازِرِيُّ قَالَ مَالِكٌ لَا أُحِبُّ لِلْجُنُبِ غُسْلَ الْمَيِّتِ بِخِلَافِ الْحَائِضِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَفِي الْجَوَاهِر يُغَسِّلُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَالْمَرْأَةُ الصَّبِيَّ ابْنَ سَبْعٍ وَالرَّجُلُ الصَّغِيرَةَ جِدًّا دُونَ السَّبْعِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّبِيَّةَ تُشْتَهَى لِلرِّجَالِ فِي سنّ لَا يشتهى الصَّبِي فِيهِ لِلنِّسَاءِ وَمَنَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الصَّغِيرَةِ مُطْلَقًا وَالْكَبِيرَةُ لَا يُغَسِّلُهَا الْأَجْنَبِيُّ وَلَا تُغَسِّلُهُ بَلْ يُيَمِّمُهَا إِلَى الْكُوعَيْنِ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ لِذَوِي الْمَحَارِمِ مِنَ الْمَرْأَةِ وَتُيَمِّمُهُ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ عليه السلام إِذَا مَاتَتِ الْمَرْأَةُ مَعَ الرِّجَالِ لَيْسَ مَعَهُمُ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا أَوِ الرَّجُلُ مَعَ النِّسَاءِ لَيْسَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ غَيْرُهُ فَإِنَّهُمَا يُيَمَّمَانِ

ص: 450

وَيُدْفَنَانِ وَمُبَاحَةُ الْوَطْءِ إِلَى حِينِ الْمَوْتِ بِمِلْكِ يَمِينٍ أَوْ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ لَا يَقْتَضِي فَسَادُهُ الْفَسْخَ إِلَى حِينِ الْمَوْتِ أَوْ فِيهِ خِيَار عيب أَو فِيهِ لِتَزْوِيجِ الْأَبْعَدِ مَعَ الْأَقْرَبِ يُغَسِّلُهَا وَتُغَسِّلُهُ وَيُمْنَعُ فِي الْفَاسِدِ الَّذِي يُفْسَخُ إِلَى حِينِ الْمَوْتِ وَالَّذِي عَقَدَهُ غَيْرُ الْوَلِيِّ عَلَى ذَاتِ الْقَدْرِ مَعَ وُجُودِهِ وَالرَّجْعِيَّةُ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ وَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ يَحْدُثُ فِي إِبَاحَةِ الرُّؤْيَةِ بِالْمَوْتِ مَا لَيْسَ قَبْلَهُ بِسَبَبِ تَجَدُّدِ الْمِيرَاثِ وَلَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَ زَوْجَتِهِ فَأَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يُغَسِّلَهَا ثُمَّ كَرِهَهُ قَالَ ابْنُ حبيب وَإِذا انْقَضتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ غَسَّلَتْهُ وَوَافَقَنَا (ش) وَمَنَعَ (ح) أَنْ يُغَسِّلَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ وَالسَّيِّدُ أَمَتَهُ وَأَجَازَ فِي الزَّوْجَةِ مُحْتَجًّا بِأَنَّهَا فُرْقَةٌ تُبِيحُ أُخْتَهَا فَيَحْرُمُ النَّظَرُ إِلَيْهَا كَالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ جَوَابُهُ مَنْعُ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ عَلَى رَأْيِ أَشْهَبَ وَلَئِنْ سَلَّمْنَاهُ فَالْفَرْقُ أَنَّ الْفُرْقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ تَمْنَعُ الْمِيرَاثَ وَالْمَوْتُ لَا يَمْنَعُهُ فَلَا يَمْنَعُ النَّظَرَ لَنَا مَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ زَوْجَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه غَسَّلَتْهُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَّلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - إِلَّا أَزْوَاجُهُ وَيُرْوَى أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه غَسَّلَ فَاطِمَةَ رضي الله عنها قَالَ الْمَازرِيّ وَإِذا غسلت الْمَرْأَةُ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَهَا أَنْ تُكَفِّنَهُ وَلَا تُحَنِّطُهُ لِمَنْعِ الْإِحْدَادِ مِنَ الطِّيبِ وَفِي الْجَوَاهِرِ يَسْتُرُ أَحَدُهُمَا عَوْرَةَ الْآخَرِ وَأَجَازَ ابْنُ حَبِيبٍ كَشْفَهَا قِيَاسًا عَلَى الْحَيَاةِ وَيُغَسِّلُ ذُو الْمَحْرَمِ مِنْ فَوْقِ ثَوْبٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيَصُبُّ الْمَاءَ عَلَيْهَا مِنْ تَحْتِ الثَّوْبِ وَيُجَافِيهِ لِئَلَّا يَلْصَقَ بِجَسَدِهَا فَيَصِفَهُ وَتُغَسِّلُهُ مِنْ فَوْقِ ثوب

ص: 451

عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي الْكِتَابِ يُغَسِّلْنَهُ وَيَسْتُرْنَهُ قَالَ التُّونِسِيُّ وَظَاهِرُهُ التَّجْرِيدُ وَرُوِيَ اسْتِحْبَابُ التَّيَمُّمِ فِيهِمَا وَلَوْ حَضَرَ كَافِرٌ مِنْ جِنْسِ الْمَيِّتِ فَقَالَ مَالِكٌ يُعَلِّمُهُ مَنْ حَضَرَ مِنَ النِّسَاءِ وَيُعَلِّمُهَا مَنْ حَضَرَ مِنَ الرِّجَالِ وَمَنَعَ أَشْهَبُ وِلَايَةَ الْكَافِرِ وَالْكَافِرَةِ لِلْغُسْلِ لِعَدَمِ الْأَمَانَةِ وَجَوَّزَهُ سَحْنُونٌ مَعَ الِاحْتِيَاطِ بِالتَّيَمُّمِ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يُغَسِّلُ الْمُسْلِمُ زَوْجَتَهُ النَّصْرَانِيَّةَ وَلَا تُغَسِّلُهُ هِيَ إِلَّا بِحَضْرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَإِذَا اجْتَمَعَ مَنْ يَصْلُحُ لِلْغُسْلِ بُدِئَ بِالزَّوْجِ فَإِنْ عُدِمَ أَوِ امْتَنَعَ فَالْأَوْلِيَاءُ عَلَى مَرَاتِبِهِمْ وَتُقَدَّمُ الْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ كَالِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ ثُمَّ عَلَى التَّرْتِيبِ وَيُقْضَى لِلزَّوْجَيْنِ بِهِ إِن طَلَبَاهُ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يُقْضَى لِلزَّوْجَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الزَّوْجَ يَجُوزُ لِأَوْلِيَائِهِ رُؤْيَتُهُ مُجَرَّدًا بِخِلَافِهَا وَالرَّقِيقُ كَالْأَحْرَارِ فِي الزَّوْجِيَّةِ وَيَتَوَقَّفُ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ عَلَى السَّادَاتِ النَّظَرُ الثَّالِثُ فِي الْمَغْسُولِ وَهُوَ مَيِّتٌ لَيْسَ بِشَهِيدٍ وَلَا فُقِدَ أَكْثَرُهُ وَفِي الْكتاب كره تقليم أظفار الْمَيِّت وَحلق عانته واتباعه بالجمر خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَاخْتُلِفَ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ قَالَ مَالك و (ح) بِدعَة خلافًا (ش) وَابْنِ حَنْبَلٍ وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُخْتَنُ لَنَا أَنَّ هَذِهِ لَمْ تَشْتَهِرْ فِي السَّلَفِ فَتَكُونُ بِدْعَةً وَقِيَاسًا عَلَى الْخِتَانِ قَالَ سَنَدٌ فَلَوْ أَخْطَأَ الْغَاسِلُ فَفَعَلَ ذَلِكَ ضم فِي الْكَفَن مَا زَالَ مَعَ الْمَيِّتِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَشْهَبُ قَالَ سَحْنُونٌ إِنْ فَعَلَ الْمَرِيضُ ذَلِكَ لِتَخْفِيفِ الْمَرَضِ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ كَانَ لِيَتَهَيَّأَ لِلْمَوْتِ فَلَا قَالَ سَنَد

ص: 452

يَنْبَغِي أَلَّا يُكْرَهَ لِلْمَوْتِ فَفِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّ خُبَيْبًا لَمَّا اجْتَمَعَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى قَتْلِهِ اسْتَعَارَ مُوسًى وَاسْتَحَدَّ بِهَا وَمَوْتُهُ عَلَى أَحْسَنِ الهيآت أفضل قَالَ ابْن الْقَاسِم وَلَا يظفر شَعْرُ الْمَرْأَةِ لِئَلَّا يُنْثَرَ بَعْضُهُ وَقَالَهُ (ح) خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ وَ (ش) وَابْنِ حَنْبَلٍ قَالَت أم عَطِيَّة فِي الصَّحِيح ظفرنا شعر بنت النَّبِي عليه السلام ثَلَاث ظفائر نَاصِيَتَهَا وَقَرْنَيْهَا وَالَّتِي مِنْ خَلْفِهَا قَالَ أَشْهَبُ وَيُنَقَّى مَا بَيْنَ الْأَظْفَارِ مِنَ الْوَسَخِ وَأَمَّا التَّجْمِيرُ فَلَهُ أَرْبَعَةُ مَوَاضِعَ عِنْدَ خُرُوجِ الرُّوحِ كَرِهَهُ مَالِكٌ وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَعِنْدَ الْغُسْلِ يُسْتَحَبُّ لِقَطْعِ الرَّوَائِحِ وَلِتَجْمِيرِ الثِّيَابِ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَخَلْفَ الْجِنَازَةِ مُتَّفَقٌ عَلَى كَرَاهَتِهِ قَالَ عليه السلام فِي أَبِي دَاوُدَ لَا تُتْبَعُ الْجِنَازَةُ بِصَوْتٍ وَلَا نَارٍ وَلِأَنَّهُ تَفَاؤُلٌ بِالنَّارِ

‌الْفَصْل الثَّالِث فِي الْكَفَن

قَالَ اللَّخْمِيُّ الْكَفَنُ وَالدَّفْنُ وَاجِبَانِ قَوْلًا وَاحِدًا وَالْخِلَافُ فِي الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ وَفِي الْجَوَاهِرِ الْمُسْتَحَبُّ فِيهِ الْبَيَاضُ لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ قَالَ عليه السلام الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ وَفِي الْمُعَصْفَرِ خِلَافٌ لِمَالِكٍ وَكَرِهَهُ فِي الْكِتَابِ وَأَمَّا جِنْسُهُ

ص: 453

فَكُلُّ مَا يَجُوزُ لُبْسُهُ لِلْحَيِّ وَمُنِعَ فِي الْكِتَابِ الْحَرِيرُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أُبِيحَ لِلنِّسَاءِ حَالَةَ الْحَيَاةِ لِلتَّجَمُّلِ وَقَدْ ذَهَبَ وَرُوِيَ جَوَازُهُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِأَنَّ الْمَنْعَ كَانَ لِلْكِبْرِيَاءِ وَقَدْ بَطَلَ وَجَوَّزَهُ ابْنُ حَبِيبٍ لِلنِّسَاءِ دُونَ حَاجَةٍ كَحَالَةِ الْحَيَاةِ وَكَرِهَ فِي الْكِتَابِ الْخَزَّ لِأَنَّ سَدَاهُ حَرِيرٌ وَأَمَّا عَدَدُهُ فَأَقَلُّهُ ثَوْبٌ سَاتِرٌ لِجَمِيعِ الْجَسَدِ وَالثَّلَاثَةُ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ فِي التَّرِكَة يجْبر عَلَيْهَا الْوَرَثَةُ وَالْغُرَمَاءُ وَتُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِإِسْقَاطِهَا لِأَنَّهَا حَقه وَقَالَ سيحنون إِذَا أَوْصَى بِإِسْقَاطِهَا فَزَادَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ ثَانِيًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ مَنْعُهُ وَإِنِ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ مَالَهُ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الْوَاحِدَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَفِي مُسْلِمٍ كُفِّنَ عليه السلام فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ وَالْكُرْسُفُ الْقُطْنُ وَالزِّيَادَةُ إِلَى الْخَمْسَةِ مُسْتَحَبَّةٌ لِلرِّجَالِ وَلِلنِّسَاءِ آكَدُ وَإِلَى السَّبْعَةِ مُبَاحَةٌ وَمَا زَادَ فَسَرَفٌ فَلَوْ أَوْصَى بِسَرَفٍ فِي الْعَدَدِ أَوِ الْجِنْسِ أَوِ الْحَنُوطِ أَوْ غَيْرِهِ كَانَ السَّدَادُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَفِي كَوْنِ الزِّيَادَةِ تَلْزَمُ مِنَ الثُّلُثِ أَوْ تَسْقُطُ رِوَايَتَانِ وَالْخَمْسَةُ عِمَامَةٌ وَقَمِيصٌ وَمِئْزَرٌ وَلِفَافَتَانِ سَابِغَتَانِ وَلِلْمَرْأَةِ إِزَارٌ وَخِمَارٌ وَدِرْعٌ وَلِفَافَتَانِ وَيُسْتَحَبُّ الشَّدُّ عَلَى المئزر بعصائب من حقوبها إِلَى رُكْبَتَيْهَا قَالَ الْمَازِرِيُّ وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ فِي الصَّغِيرِ الْوِتْرَ وَقَالَ سَحْنُونٌ يُلَفُّ بِخِرْقَةٍ وَكَرِهَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَ (ش) الْقَمِيصَ لِأَنَّهُ عليه السلام لَمْ يُكَفَّنْ فِيهِ وَاسْتَحَبَّهُ (ح) وَابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ وَفِي الْجَوَاهِر الثَّلَاثَة كلهَا لفائف قَالَه ابْن الْقَاسِم وَقَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين يَجِيء عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ قَمِيصٌ وَعِمَامَةٌ وَلِفَافَةٌ وَالْمَرْأَةُ كَالرّجلِ ثمَّ يذر

ص: 454

على اللفافة حَنُوطٌ وَيُوضَعُ الْمَيِّتُ عَلَيْهِ وَيُجْعَلُ قُطْنٌ عَلَيْهِ كَافُورٌ عَلَى الْمَنَافِذِ ثُمَّ يُلَفُّ الْكَفَنُ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ يُبَخَّرَ بِالْعُودِ وَيُشَدُّ مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ وَقِيلَ يُخَاطُ ثُمَّ يُحَلُّ ذَلِكَ عِنْدَ الدَّفْنِ قَالَ الْمَازِرِيُّ مَوَاضِعُ الْحَنُوطِ خَمْسَةٌ ظَاهِرُ الْجَسَدِ وَبَيْنَ الْأَكْفَانِ وَعَلَى مَسَاجِدِهِ السَّبْعِ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ وَالْمَنَافِذِ بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ وَالْمَنْخِرَيْنِ وَالْمَغَابِنِ وَهُوَ مُجْتَمَعُ الْوَسَخِ كَالْإِبِطَيْنِ وَمَرَاجِعِ الرُّكْبَتَيْنِ فَإِنْ ضَاقَ الطِّيبُ فَالْبِدَايَةُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِالْمَسَاجِدِ السَّبْعِ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَوْ سُرِقَ كَفَنُهُ بَعْدَ دَفْنِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى وَرَثَتِهِ تَكْفِينُهُ لِبَقَاءِ الْحَاجَةِ وَإِنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِالتَّرِكَةِ وَقَالَ أَصْبَغُ لَا يَلْزَمُهُمْ لِاسْتِقْرَارِ حَقِّهِمْ بَعْدَ دَفْعِ حَقِّهِ وَقَالَ سَحْنُونٌ إِنْ قُسِّمَتِ التَّرِكَةُ فَلَا وَإِنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ فَلَا يُكَفَّنُ مِنْ ثُلُثٍ وَلَا غَيْرِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِ دَفْنِهِ وَلَمْ يُقَسِّمِ الْمَالَ وَمَنْ لَا مَالَ لَهُ كُفِّنَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَكَفَنُهُ عَلَى طَائِفَةِ الْمُسْلِمِينَ كَسَدِّ خَلَّتِهِ فِي حَيَاتِهِ وَأَوْجَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْكَفَنَ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ فِي الْحَيَاةِ كَالْعَبْدِ مَعَ السَّيِّدِ وَالْوَلَدِ مَعَ أَبِيهِ وَالْأَبِ مَعَهُ طَرْدًا لِلْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلنَّفَقَاتِ وَنَفَاهُ أَصْبَغُ لِانْتِفَاءِ الْمَنَافِعِ لِاقْتِضَاءِ تِلْكَ الْأَسْبَابِ النَّفَقَاتِ وَاسْتَحَبَّهُ سَحْنُونٌ لِلْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ دُونَ الْوَالِدِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لِلْوَلَدِ مُتَأَصِّلَةٌ وَلِلْوَالِدِ عَارِضَةٌ قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ عَلَى الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ إِنْ كَانَتْ معسرة وَإِلَّا فَلَا وروى عَنهُ يقْضى عَلَيْهِ بِهِ مُطْلَقًا وَنَفَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مُطْلَقًا وَفِي الْجُلَّابِ مَنْ كَفَنُهُ رَهْنٌ فَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِهِ لِتَقَدُّمِ حَقِّهِ حَالَةَ الْحَيَاةِ وَلَا يُكَفَّنُ فِي نَجِسٍ إِلَّا أَنْ تَتَعَذَّرَ إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَنْهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ يَنْقَطِعُ الْإِحْرَامُ بِالْمَوْتِ عِنْدَ مَالِكٍ وَ (ح) خلافًا (ش) فَيعْطى رَأْسُ الْمُحْرِمِ وَيُطَيَّبُ لِقَوْلِهِ عليه السلام إِذَا مَاتَ ابْنُ

ص: 455

آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ وَلِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ لَطِيفَ بِهِ وَكَمَلَتْ مَنَاسِكُهُ عَمَلًا بِالْمُوجَبِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ حُجَّتُهُ مَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّ رَجُلًا وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَمَاتَ فَقَالَ عليه السلام اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ وَلَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا وَمِنْ طَرِيقٍ وَلَا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ وَقِيَاسًا عَلَى الْأَعْيَانِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَيْسَ عَامًّا بِلَفْظِهِ لِأَنَّهُ فِي شَخْصٍ وَلَا بِمَعْنَاهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ فَيَعُمُّ فَلَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ لِغَيْرِهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَهُوَ عليه السلام يُطْلَعُ مِنْ خَوَاصِّ الْخَلْقِ عَلَى مَا لم يُعلمهُ فَيخْتَص حكمه بِهِ وَعَن الثَّانِي لَو صَحَّ الْقيَاس لَكَمُلَتِ الْمَنَاسِكُ وَإِلَّا فَلَا

‌الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي الصَّلَاة

وَفِي الْجَوَاهِرِ تُشْرَعُ عَلَى كُلِّ مَيِّتٍ مُسْلِمٍ حَاضِرٍ لَيْسَ بِشَهِيدٍ وَلَا صُلِّيَ عَلَيْهِ وَلَا فُقِدَ أَكْثَرُهُ وَهِيَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَقَالَ أَصْبَغُ سُنَّةٌ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ قَالَ سَنَدٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ بَلْ قَالَ مَالِكٌ هِيَ أَخْفَضُ مِنَ السُّنَّةِ وَإنَّ الْجُلُوسَ فِي الْمَسْجِدِ وَصَلَاةَ النَّافِلَةِ أَفْضَلُ مِنْهَا إِلَّا جِنَازَةَ من ترجى بركته أَوله حق من قَرَابَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَجْهُ الْأَوَّلِ فِعْلُهُ

ص: 456

عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ وَقَوْلُهُ صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَمِنَ الْأَصْحَابِ مَنْ يَسْتَدِلُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْمُنَافِقِينَ {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أبدا} فَيَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ وَجُوبُهَا عَلَيْنَا بِالْمَفْهُومِ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ لِأَنَّ مَفْهُومَ النَّهْيِ إِثْبَاتُ نَقِيضِهِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ ثُبُوتِ الْأَمْرِ فَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لِجَوَازِ ثُبُوتِهِ مُبَاحًا وَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ عليه السلام لَمَّا بَيَّنَ فَرْضِيَّةَ الْخَمْسِ صَلَوَاتٍ قَالَ لَهُ السَّائِلُ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ قَالَ لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ وَلِاشْتِغَالِهِ عليه السلام بِصَلَاةِ الْكُسُوفِ عَنِ الصَّلَاةِ عَلَى وَلَدِهِ وَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَتَقَدَّمَتْ قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ رُوِيَ فِي الصَّحِيحِ لَمَّا تُوُفِّيَ آدَمُ عليه السلام اتى وَلَده شِئْت بِكَفَنٍ وَحَنُوطٍ مِنَ الْجَنَّةِ وَنَزَلَتِ الْمَلَائِكَةُ فَغَسَّلَتْهُ ثُمَّ كَفَّنَتْهُ بِذَلِكَ الْكَفَنِ وَحَنَّطَتْهُ بِذَلِكَ الْحَنُوطِ وَكَانَ ذَلِكَ الْكَفَنُ وِتْرًا مِنْ ثِيَابٍ بِيضٍ وَتَقَدَّمَ مَلَكٌ مِنْهُمْ فَجَعَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَصُفَّتِ الْمَلَائِكَةُ خَلْفَهُ وَصَلَّوْا عَلَيْهِ ثُمَّ أَلْحَدُوهُ فِي الْقَبْرِ وَنَصَبُوا عَلَيْهِ اللَّبَنَ فَلَمَّا فَرَغُوا قَالُوا لِابْنِهِ شِئْت هَكَذَا فَاصْنَعْ بِوَلَدِكَ وَإِخْوَتِكَ فَإِنَّهَا سُنَّتُكُمْ قَالَ سَنَدٌ وَكَرِهَ مَالِكٌ النِّدَاءَ لَهَا عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَالصِّيَاحَ خَلْفَهَا وَاسْتَحَبَّ الْإِعْلَامَ بِهَا فِي الْحَيِّ مِنْ غَيْرِ صِيَاحٍ وَقَدْ نَعَى النَّبِيُّ عليه السلام النَّجَاشِيَّ لِلنَّاسِ وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ إِخْرَاجِ الْمَيِّتِ لِقَوْلِهِ عليه السلام أَسْرِعُوا بِجَنَائِزِكُمْ خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَلِذَلِكَ قَالَ الْبَاجِيُّ وَابْنُ حَبِيبٍ يُسْتَحَبُّ سُرْعَةُ الْمَشْيِ بِهَا وَفِي الْكِتَابِ تَتْبَعُ الشَّابَّةُ جِنَازَةَ وَلَدِهَا وَوَالِدِهَا وَزَوْجِهَا وَأَخِيهَا إِنْ كَانَتْ تَخْرُجُ عَلَى مِثْلِهِ عُرْفًا وَيُكْرَهُ لَهَا على غَيرهم

ص: 457

وَكَرِهَ ابْنُ حَبِيبٍ مُطْلَقًا قَالَ وَيَمْنَعُهُنَّ الْإِمَامُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا رَدَّهُنَّ عليه السلام فَقَالَ ارْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه لَيْسَ لِلنِّسَاءِ فِي الْجَنَائِزِ نَصِيبٌ ثُمَّ الْبَحْثُ عَنِ الشُّرُوطِ وَالْأَرْكَانِ وَالْمُصَلِّي وَالْمُصَلَّى عَلَيْهِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَبْحَاثٍ الْبَحْثُ الْأَوَّلُ فِي الشُّرُوط وَفِي الْجَوَاهِرِ هِيَ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَيَدُلُّنَا عَلَى اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ فِيهَا خِلَافًا لِقَوْمٍ قَوْلُهُ عليه السلام

لايقبل اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ لِوَضْعِهِ فِي الشَّرْعِ لِلْمُتَبَايِنَاتِ وَالْمُشْتَرَكُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ مُسَمَّيَاتِهِ عِنْدَ الْخَصْمِ فَلَا يَتَعَيَّنُ انْدِرَاجُهَا فِي اللَّفْظِ وَلَوْ سُلِّمَ جَوَازُهُ لَكِنَّهُ لَا يَجِبُ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَا يُصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ إِلَّا كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِنْ كَانَتْ تَفُوتُ بِالْتِمَاسِ الْمَاءِ فَالْأَمْرُ وَاسِعٌ وَمَا عَلِمْتُ أحدا من الماضين كرهه إِلَّا مَالك وَاشْتَرَطَ حُضُورَ الْمَيِّتِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّهُ عليه السلام صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ وَهُوَ غَائِبٌ جَوَابُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ خَاصًّا بِهِ لَصَلَّى عَلَى الْغَائِبِينَ وَاشْتَهَرَ ذَلِكَ بَيْنَ الْأُمَّةِ فِي الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ قَالَ اللَّخْمِيُّ يَكْفِي الْوَاحِدُ وَالْجَمَاعَةُ سُنَّتَهَا قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ وَشَرْطُ صِحَّتِهَا الْإِمَامَةُ فَإِنْ فُعِلَتْ بِغَيْرِ إِمَامٍ أُعِيدَتْ مَا لَمْ تفت وَهُوَ مُنَاقض لما تقدم من النَّفْل وَفِي الْجَوَاهِرِ إِنْ ذَكَرَ مَنْسِيَّةً فِيهَا لَمْ يَقْطَعْ وَلَمْ يُعِدْ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لِأَنَّ الْجِنَازَةَ لَا تُقْضَى وَالتَّرْتِيبُ إِنَّمَا يَدْخُلُ فِي المؤقتات وَهِيَ آكَدُ مِنَ النَّوَافِلِ فَلَا

ص: 458

يقطع وَإِن ذكر الْجِنَازَة فِيهَا اسْتخْلف أَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ لَمْ يُعِدْ وَإِنْ لَمْ تُرْفَعِ الْجِنَازَةُ الْبَحْثُ الثَّانِي فِي الْأَرْكَانِ وَهِيَ خَمْسَةٌ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ الْقِيَامُ قَالَ أَشْهَبُ وَ (ش) وَ (ح) إِنْ صَلَّوْا قُعُودًا لَا يجزى إِلَّا مِنْ عُذْرٍ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِهَا وعَلى القَوْل بِأَنَّهَا من الرغائب سَاغَ أَنْ تُجْزِئَهُمْ الرُّكْنُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ التَّحْرِيمُ وَالسَّلَامُ وَهُمَا فِيهِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ الرُّكْنُ الرَّابِعُ الدُّعَاءُ وَفِي الْكِتَابِ يَدْعُو وَلَا يَقْرَأُ وَقَالَهُ (ح) وَقَالَ (ش) وَابْن جنبل يَقْرَأُ فِي الْأُولَى خَاصَّةً وَحَكَاهُ فِي الْجَوَاهِرِ عَنْ أَشْهَبَ مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ عليه السلام فِي الْبُخَارِيِّ

كُلُّ صَلَاةٍ لَمْ يُقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ جَوَابُهُ أَنَّهُ مُنْصَرِفٌ إِلَى الصَّلَاة الْمُطلقَة الَّتِي لَا تُضَاف وَهَذِه لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا مُضَافَةً لِلْجِنَازَةِ فَلَا تَنْدَرِجُ فِي الْعُمُومِ كَمَا لَمْ يَنْدَرِجِ الْمَاءُ الْمُضَافُ فِي الْمَاءِ الْمُطْلَقِ الْوَارِدِ فِي الْقُرْآنِ سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّ لَفْظَ الصَّلَاةِ مُشْتَرَكٌ لِذَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَالْجِنَازَةِ وَمَا لَيْسَ فِيهَا تَكْبِيرٌ كَصَلَاةِ الْأَخْرَسِ وَمَا لَيْسَ فِيهَا قِيَامٌ كَالْمَرِيضِ وَلَيْسَ بَيْنَهَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ فَيَكُونُ اللَّفْظُ مُشْتَرَكًا وَإِنْ جَوَّزْنَا اسْتِعْمَالَهُ فِي جَمِيعِ مُسَمَّيَاتِهِ لَكِنْ لَا يَجِبُ فَلَا تَنْدَرِجُ صُورَةُ النِّزَاعِ لَنَا الْقِيَاسُ عَلَى سُجُودِ السَّهْوِ وَالتِّلَاوَةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا جُزْءٌ لِلْمَكْتُوبَةِ وَفِي الْمُوَطَّأِ سُئِلَ أَبُو هُرَيْرَة فَكيف تصلي على الْجِنَازَة فَقَالَ لَعَمْرُ اللَّهِ أُخْبِرُكَ أَتَّبِعُهَا مِنْ أَهْلِهَا فَإِذَا وُضِعَتْ كَبَّرْتُ وَحَمَدْتُ اللَّهَ وَصَلَّيْتُ عَلَى نَبِيِّهِ ثُمَّ أَقُولُ اللَّهُمَّ إِنَّهُ عَبْدُكَ

ص: 459

وَابْن عَبدك وَابْن امتك كَانَ يشْهد الا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إِحْسَانِهِ وان كَانَ مسيئا فَتَجَاوز عَن سيآته اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقِرَاءَةَ وَلِأَنَّهُ عَمَلُ الْمَدِينَةِ فَلَوْ كَانَ يُفْعَلُ مَعَ تَكْرَارِ الْأَمْوَاتِ لَكَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَا يُجْهَرُ بِالدُّعَاءِ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا قَالَ سَنَدٌ وَيَبْدَأُ بِحَمْدِ اللَّهِ ثُمَّ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ عليه السلام ثُمَّ يَدْعُو كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ عِنْدَ الْعُظَمَاءِ تَقْدِيمُ الثَّنَاءِ عَلَى طَلَبِ الْعَطَاءِ وَتُقَدَّمُ الصَّلَاةُ لِتَقَدُّمِ حَقِّهِ عليه السلام عَلَى كُلِّ أَحَدٍ وَلَا تَكُونُ الصَّلَاةُ وَالتَّحْمِيدُ فِي التَّكْبِيرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الثَّنَاءُ وَالصَّلَاةُ فِي الْأُولَى وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ فِي الثَّانِيَةِ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا إِلَى آخِرِ الدُّعَاءِ فِي الثَّالِثَةِ ثُمَّ يُكَبِّرُ الرَّابِعَةَ وَيُسَلِّمُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ (ش) الْفَاتِحَةُ فِي الْأُولَى وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ عليه السلام وَالدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ فِي الثَّانِيَةِ وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ فِي الثَّالِثَةِ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيُسَلِّمُ وَالْمَقْصُودُ الِاجْتِهَادُ فِي الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ فقد يُكَرر الدُّعَاء فَلَا يُكَرر وَقد يقل فَيُكَرِّرُ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهُ فَتُعَادُ الصَّلَاةُ لِعَدَمِهِ وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ دُعَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقَ وَاخْتُلِفَ فِي الدُّعَاءِ بَعْدَ الرَّابِعَةِ فَأَثْبَتَهُ سَحْنُونٌ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ التَّكْبِيرَاتِ وَخَالَفَهُ سَائِرُ الْأَصْحَابِ قِيَاسًا عَلَى عَدَمِ الْقِرَاءَةِ بَعْدَ الرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ لِأَنَّ التَّكْبِيرَاتِ الْأَرْبَعَ أُقِيمَتْ مَقَامَ الرَّكَعَاتِ الْأَرْبَعِ وَفِي الرِّسَالَةِ مِنْ مُسْتَحْسَنِ مَا قِيلَ بَعْدَ التَّكْبِيرِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمَاتَ وَأَحْيَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُحْيِي الْمَوْتَى لَهُ الْعَظَمَةُ والكبرياء وَالْملك وَالْقُدْرَة وَالنِّسَاء وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَارْحَمْ مُحَمَّدًا وَآلَ مُحَمَّدٍ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ وَرَحِمْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ

ص: 460

فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ إِنَّهُ عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ أَنْتَ خَلَقْتَهُ وَرَزَقْتَهُ وَأَنْتَ أَمَتَّهُ وَأَنْتَ تُحْيِيهِ وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِسِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ جِئْنَا شُفَعَاءَ لَهُ فَشَفِّعْنَا فِيهِ اللَّهُمَّ قِهِ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَاعْفُ عَنْهُ وَعَافِهِ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بِمَاءٍ وَثَلْجٍ وَبَرَدٍ وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إِحْسَانِهِ وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ اللَّهُمَّ إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِكَ وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ فَقِيرًا إِلَى رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ غَنِي عَن عَذَابه اللَّهُمَّ ثَبت عِنْد المسئلة مَنْطِقَهُ وَلَا تَبْتَلِهِ فِي قَبْرِهِ بِمَا لَا طَاقَةَ لَهُ بِهِ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ قَالَ تَقُولُ هَذَا بَعْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ وَتَقُولُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لحينا وميتنا وحاضرنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنال وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ مُتَقَلَّبَنَا وَمَثْوَانَا وَلِوَالِدِينَا وَلِمَنْ سَبَقَنَا بِالْإِيمَانِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَسْعِدْنَا بِلِقَائِكَ وَطَيِّبْنَا لِلْمَوْتِ وَاجْعَلْ فِيهِ رَاحَتَنَا ثُمَّ تُسَلِّمُ فَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً قُلْتَ اللَّهُمَّ إِنَّهَا أَمَتُكَ وَابْنَةُ أَمَتِكَ وَتُرَتِّبُ مَا بَقِيَ وَلَا تَقُلْ وَأَبْدِلْهَا زَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهَا لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ لِزَوْجِهَا فِي الْجَنَّةِ فَإِنَّ نِسَاءَ الْجَنَّةِ مَقْصُورَاتٌ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ وَلِلرِّجَالِ زَوْجَاتٌ كَثِيرَةٌ وَيَقُولُ فِي دُعَاءِ الطِّفْلِ بَعْدَ قَوْلِهِ أَنْتَ تُحْيِيهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لِوَالِدَيْهِ سَلَفًا وَذُخْرًا وَفَرَطًا وَأَجْرًا وَثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمَا وَأَعْظِمْ بِهِ أُجُورَهُمَا وَلَا تَحْرِمْنَا وَإِيَّاهُمَا أَجْرَهُ وَلَا تَفْتِنَّا وَإِيَّاهُمَا بَعْدَهُ اللَّهُمَّ أَلْحِقْهُ بِصَالِحِ سَلَفِ الْمُؤْمِنِينَ وَكَفَالَةِ

ص: 461

إِبْرَاهِيمَ وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَعَافِهِ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ تَقُولُ ذَلِكَ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ وَبَعْدَ الرَّابِعَةِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَسْلَافِنَا وَأَفْرَاطِنَا وَمَنْ سَبَقَنَا بِالْإِيمَانِ اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَاغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ وَيُسَلِّمُ

تَنْبِيهٌ الدُّعَاءُ بِكِفَايَةِ عَذَابِ جَهَنَّمَ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا وَهُوَ إِنَّمَا يَجُوزُ مَعَ مَنْ يَجُوزُ الْعَذَابُ عَلَيْهِمْ سَمْعًا وَإِلَّا فَيَحْرُمُ وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْمُنْجِيَاتِ وَالْمُوبِقَاتِ فِي الْأَدْعِيَةِ وَذَكَرْتُ فِيهِ سِتَّةَ عَشَرَ نوعا مُحرمَة وَفِيه الدُّعَاء وَآدَابه قَالَ الْمَازِرِيُّ حَكَى عَبْدُ الْوَهَّابِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ أَطْفَالَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّارِ فِي الْجنَّة وَرُوِيَ فِي أَطْفَال الْكفَّار وَالله أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا بِهِ عَامِلِينَ وَروى أَنَّهُمْ خَدَمٌ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ وَروى أَنَّهُمْ مَعَ آبَائِهِمْ وَتَوَقَّفَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ فِي الْإِجْمَاعِ فِي أَطْفَالِ الْمُؤْمِنِينَ وَقَالَ أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى قَالَ فعلى هَذَا يحسن الدُّعَاء بكفايتهم وَإِلَّا فَلَا وَأَمَّا أَوْلَادُ الْأَنْبِيَاءِ فَلَا شَكَّ فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ

فَائِدَةٌ الْفَرَطُ فِي اللُّغَةِ السَّابِقُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عليه السلام وَأَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ أَيْ سَابِقُكُمْ وَمِنَ الْمَعْلُومِ سَبْقُهُ إِنْ مَاتَ قَبْلَهُمَا أَوْ عَدَمُ سَبْقِهِ إِنْ مَاتَ بَعْدَهُمَا وَالدُّعَاءُ بِالْوَاجِبِ وَالْمُسْتَحِيلِ مُحَرَّمٌ لَكِنَّ الْمُرَادَ جَعْلُهُ سَابِقَ خَيْرٍ

ص: 462

فُرُوعٌ فِي الْجَوَاهِرِ مَوْقِفُ الْإِمَامِ وَرَاءَ الْجِنَازَةِ عِنْدَ وَسَطِ الرَّجُلِ وَمَنْكِبِ الْمَرْأَةِ حِفْظًا لِلْإِمَامِ من التَّذَكُّر فَإِنَّهُ الأَصْل الْمَتْبُوع وَفِيه عِنْد وَسطهَا ستر لَهَا عَن الْمُؤمنِينَ وَقَالَهُ (ش) الرُّكْنُ الْخَامِسُ التَّكْبِيرُ فِي الْجَوَاهِرِ هُوَ أَربع وَقَالَهُ (ش وح) وَابْنُ حَنْبَلٍ لِمَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ عليه السلام نَعَى النَّجَاشِيَّ لِلنَّاسِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ وَلِأَنَّهَا كَالرَّكَعَاتُ فَلَا يَزِيدُ عَلَى الْأَرْبَعِ فَلَوْ زَادَ الْإِمَامُ خَامِسَةً صَحَّتِ الصَّلَاةُ لِأَنَّهَا مَرْوِيَّةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَمُخْتَلَفٌ فِيهَا وَمَعَ ذَلِكَ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ لَا يُتَّبَعُ فِيهَا لِأَنَّهَا مِنْ شعار الشِّيعَةِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُسَلِّمُونَ بِسَلَامِهِ فَلَوْ فَاتَتْ بَعْضَهُمْ تَكْبِيرَةٌ قَالَ سَنَدٌ قَالَ أَشْهَبُ لَا تجزيه الْخَامِسَةُ وَيَقْضِي لِأَنَّ الْقَضَاءَ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ السَّلَام وَقَالَ أصبغ تُجزئه لِأَنَّهُمْ لَمْ يُسَلِّمُوا فَهُوَ مَحَلُّ الْقَضَاءِ وَفِي الْكِتَابِ لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إِلَّا مَعَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى وَقَالَهُ (ح) قِيَاسًا عَلَى الْمَكْتُوبَةِ وَفِي الْجَوَاهِرِ رُوِيَ عَنْهُ الرَّفْعُ فِي الْجَمِيعِ وَقَالَهُ (ش) قِيَاسًا عَلَى الْأُولَى وَالْفَرْقُ فِي الْأُولَى أَنَّ التَّكْبِيرَاتِ فِي الصَّلَوَاتِ شُرِعَتْ لِلِانْتِقَالَاتِ وَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ لَا انْتِقَالَ مَعَهَا فَشُرِعَتْ مَعَهَا حَرَكَةُ الرَّفْعِ وَالْجِنَازَةُ لَيْسَ فِيهَا انْتِقَالٌ فَأَشْبَهَتْ كُلُّهَا الْإِحْرَامَ وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمَنْعُ فِي الْجَمِيعِ تَنْزِيلًا لِلتَّكْبِيرَاتِ مَنْزِلَةَ الرَّكَعَاتِ وَالرَّكَعَاتُ لَا يُرْفَعُ لَهَا وَرَوَى أَشْهَبُ التَّخْيِيرَ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ

ص: 463

فروع سَبْعَة الْأَوَّلُ كَرِهَ مَالِكٌ فِي الْكِتَابِ وَضْعَهَا فِي الْمَسْجِد و (ح) وَجُمْهُور الْعلمَاء خلافًا (ش) وَابْنِ حَنْبَلٍ مُحْتَجَّيْنِ بِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ أَن عَائِشَةَ رضي الله عنها أَمَرَتْ أَنْ يُمَرَّ عَلَيْهَا بِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْمَسْجِدِ حِينَ مَاتَ لِتَدْعُوَ لَهُ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ النَّاسُ عَلَيْهَا فَقَالَتْ مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيَ النَّاسُ مَا صَلَّى النَّبِيُّ عليه السلام عَلَى سُهَيْلِ بن بَيْضَاءَ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ وَقِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ لَعَلَّهُ لِعُذْرِ مَطَرٍ أَو غَيره ويعضده إِنْكَار الكافة وَعَن الثَّانِي الْفَرْقُ بِاحْتِمَالِ خُرُوجِ النَّجَاسَةِ أَوْ أَنَّ الْمَيِّت ينجس فِي نسفه لَنَا حَدِيثُ النَّجَاشِيِّ الْمُتَقَدِّمُ وَلَوْلَا أَنَّهُ السُّنَّةُ مَا أَخْرجُوهُ من الْمَسْجِد إِلَى الْمصلى وَفِي أَبِي دَاوُدَ مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَحَكَى اللَّخْمِيُّ الْمَنْع وَالْكَرَاهَة وَالْجَوَاز الثَّانِي فِي الْكِتَابِ الْبِدَايَةُ بِيَمِينِ السَّرِيرِ بِدْعَةٌ قَالَ سَنَدٌ قَالَ أَشْهَبُ وَ (ح) وَابْنُ حَنْبَلٍ وَالشَّافِعِيَّةُ بِذَلِكَ لِفَضْلِ الْيَمِينِ قَالَ أَشْهَبُ فَيَبْدَأُ بِالْمُقَدَّمِ الْأَيْمَنِ مِنَ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ بِالْمُؤَخَّرِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ بِالْمُقَدَّمِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ بِالْمُؤَخَّرِ الْأَيْسَرِ تَقْدِيمًا للأيمن كُله على الْأَيْسَر كُلِّهِ وَقَالَ (ح) وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْأَصْحَابِ حَمْلُهَا مِنَ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعِ مِنْ خَارِجِ النَّعْشِ أَفْضَلُ مِنْ حَمْلِهَا بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ هِيَ السُّنَّةُ وَقَالَ (ش) بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ أَفْضَلُ لِحَمْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ

ص: 464

سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ كَذَلِكَ وَكَرِهَ ابْنُ الْقَاسِمِ حَمْلَهَا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ عليه السلام مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ وَيَنْبَغِي تَمْيِيزُ الْمَيِّتِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى دَابَّةٍ وَلَا عَجَلَةٍ إِلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ قَالَ أَشْهَبُ وَحَمْلُ الصَّبِيِّ عَلَى الْأَيْدِي أحب إِلَيّ من الدَّابَّة والنعش الثَّالِثُ فِي الْكِتَابِ السُّنَّةُ الْمَشْيُ أَمَامَهَا وَقَالَهُ (ش) وَابْن حَنْبَل لما فِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَأَيْتُهُ عليه السلام وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَة وَلِأَنَّهُم شُفَعَاء فيتقدمون كَمَا يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ فِي الْخَمْسِ وَيَتَأَخَّرُ عَنْهَا فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ رُؤْيَتَهُ لَهَا أَوْفَرُ فِي بَذْلِ الْجُهْدِ فِي الدُّعَاءِ وَفِي الْجَوَاهِرِ الرَّاكِبُ وَرَاءَهَا أَفْضَلُ لِيُخَفِّفَ عَنِ النَّاسِ وَفِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ عليه السلام الرَّاكِبُ يَسِيرُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ وَقِيلَ هُوَ كَالْمَاشِي وَقِيلَ بِتَأْخِيرِهِمَا وَقَالَهُ (ح) لِأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِاعْتِبَارِ الْجَمِيعِ بِمَوْعِظَةِ الْمَوْتِ وَالشَّفَاعَةُ إِنَّمَا تَكُونُ فِي الصَّلَاةِ قَالَ سَنَدٌ وَخَيَّرَ أَبُو مُصْعَبٍ فِي الْجِهَاتِ كُلِّهَا وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ وَيُسْتَحَبُّ لِلنِّسَاءِ التَّأْخِيرُ وَرَاءَهَا خَلْفَ الرَّاكِب للسترة الرَّابِعُ فِي الْكِتَابِ لَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ عِنْدَ الْقَبْرِ قَبْلَ وَضْعِ الْجِنَازَةِ وَقَالَهُ (ش) وَكَرِهَهُ (ح) حَتَّى تُوضَعَ مُحْتَجًّا بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ عليه السلام

إِذَا اتَّبَعْتُمُ الْجِنَازَةَ فَلَا تَجْلِسُوا حَتَّى تُوضَعَ لَنَا مَا فِي مُسْلِمٍ كَانَ عليه السلام يَقُومُ لِلْجِنَازَةِ

ص: 465

ثمَّ جلس بعد وَهُوَ دَلِيلُ نَسْخِ مَا ذَكَرُوهُ قَالَ سَنَدٌ وَالْقِيَامُ تَعْظِيمٌ لِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ وَلَا يَنْزِلُ الرَّاكِبُ حَتَّى تُوضَعَ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ التَّسْوِيَةُ وَفِي الْجُلَّابِ مَنْ صَحِبَ جِنَازَةً فَلَا يَنْصَرِفُ حَتَّى تُوَارَى وَيَأْذَنُ لَهُ أَهْلُ الْمَيِّتِ فِي الِانْصِرَافِ إِلَّا أَنْ يَطُولَ ذَلِكَ وَفِي الرِّسَالَةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ قِيرَاطٌ مِنَ الْأَجْرِ وَقِيرَاطٌ فِي حُضُورِ دَفْنِهِ وَذَلِكَ فِي التمنيل مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ وَرُوِيَ عَنْهُ عليه السلام قَالَ مَالِكٌ إِنَّمَا نُهِيَ عَنِ الْقُعُودِ عَلَى الْقُبُورِ لِمَنْ يُرِيدُ التَّغَوُّطَ وَقَدْ كَانَ عَلِيٌّ رضي الله عنه يتوسد الْقَبْر ويضجع عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيُمْشَى عَلَى الْقَبْرِ إِذا عَفا بِخِلَاف المسنم الْخَامِسُ فِي الْكِتَابِ مَنْ فَاتَهُ بَعْضُ التَّكْبِيرِ يَنْتَظِرُ الْإِمَامَ حَتَّى يُكَبِّرَ وَقَالَهُ (ح) وَابْنُ حَنْبَل خلافًا (ش) لِأَنَّ التَّكْبِيرَاتِ كَالرَّكَعَاتِ فَلَا يَقْضِي قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ أَيْضًا يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً وَلَا يَقْضِي مَا عَدَاهَا حَتَّى يُسَلِّمَ وَقَالَ أَيْضًا يَدْخُلُ بِالنِّيَّةِ وَقَالَ الْقَابِسِيُّ إِنْ مَضَى أَيْسَرُ الدُّعَاءِ كَبَّرَ وَإِلَّا فَلَا فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَضَى التَّكْبِيرَ مُتَوَالِيًا على الْقَوْلِ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْغَائِبِ يَدْعُو بَيْنَهَا وَإِنْ غَابَتِ الْجِنَازَةُ عَنْهُ قَالَ سَنَدٌ وَلَوْ فَرَّعْنَا عَلَى الْأَوَّلِ إِنْ شَاءَ سَكَتَ أَوْ دَعَا فَإِذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ كَبَّرَ مَعَهُ وَقَضَى بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَ ابْنُ حبيب يَكْتَفِي بِالثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ بهَا أحرم فَلَا يَقْضِي تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَلَوْ سَهَا الْإِمَامُ عَنْ بَعْضِ التَّكْبِيرِ سَبَّحُوا بِهِ وَلَا يُكَبِّرُونَ إِلَّا إِنْ مَضَى

ص: 466

وَتَرَكَهُمْ وَلَوْ رُفِعَتْ فَذَكَرَ بَاقِيَ التَّكْبِيرِ قَالَ مَالِكٌ يُتِمُّ مَا لَمْ يُدْفَنْ وَقَالَ ابْنُ حبيب إِن تطاول ذَلِك ابتدأها قَالَ الْبَاجِيّ وَلِلنَّاسِ أَن يوكلوا عَلَيْهِ وَإِنْ دُفِنَ كَمَنْ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ السَّادِسُ قَالَ سَنَدٌ وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْجَنَائِزِ وَقَالَ (ش) إِذَا اجْتَمَعَ رَجُلٌ وَصَبِيٌّ وَخُنْثَى وَامْرَأَةٌ الْمُسْتَحَبُّ إِفْرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالصَّلَاةِ لَنَا مَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ عُثْمَانَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم كَانُوا يُصَلُّونَ عَلَى الْجَنَائِزِ بِالْمَدِينَةِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ يَجْعَلُونَ الرِّجَالَ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَالنِّسَاءَ مِمَّا يَلِي الْقبْلَة السَّابِعُ فِي الْكِتَابِ لَا يُدْخَلُ بِالثَّانِيَةِ فِي صَلَاةِ الْأُولَى لِأَنَّهَا لَمْ تُنْوَ وَلَوْ أَتَى بِالثَّانِيَةِ قَبْلَ إِحْرَامِ الْأُولَى وَمَنْ خَلْفَهُ يَنْوِيهِمَا قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ تُعَادُ الصَّلَاةُ الَّتِي لَمْ ينوها ذَهَبَتْ أَمْ لَا لِأَنَّ الْإِمَامَ الْأَصْلُ

‌الْبَحْثُ الثَّالِثُ فِيمَنْ يُصَلِّي

وَفِي الْجَوَاهِرِ أَوْلَى النَّاسِ بِالصَّلَاةِ الْوَصِيُّ إِنْ قُصِدَ بِهِ الرَّغْبَةُ فِي صَلَاحِهِ ثُمَّ وَالِي الْمِصْرِ وَصَاحِبُ الشُّرْطِ وَالْقَاضِي إِنْ كَانَ يَلِيهَا لِأَنَّ التَّقَدُّمَ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُور يخلي بِأُبَّهَتِهِمْ عِنْدَ الرَّعِيَّةِ فَتُقَدَّمُ الْمَصْلَحَةُ الْعَامَّةُ عَلَى الْخَاصَّةِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْوَالِي الَّذِي تُؤَدَّى إِلَيْهِ الطَّاعَةُ دُونَ غَيْرِهِ وَقَدْ كَانَ ابْنُ الْقَاسِم

ص: 467

يَقُولُ هِيَ لِمَنْ كَانَتِ الْخُطْبَةُ لَهُ وَيَتَقَدَّمُ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ الْعَصَبَةُ عَلَى مَرَاتِبِهِمْ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُهُ ثُمَّ الْأَبُ ثُمَّ الْأَخُ الشَّقِيقُ ثُمَّ الْأَخ للْأَب ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ الشَّقِيقِ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ للْأَب ثمَّ الْجد ثُمَّ الْعَمُّ ثُمَّ ابْنُهُ ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ ثُمَّ مَوَالِي النِّعْمَةِ قِيَاسًا عَلَى الْمَوَارِيثِ وَقَالَتِ الشَّافِعِيَّة الْمَطْلُوب هَهُنَا مَنْ هُوَ أَبْلَغُ فِي الدُّعَاءِ فَيُقَدَّمُ الْوَلِيُّ عَلَى الْوَالِي وَالْأَبُ عَلَى الِابْنِ وَالْجَدُّ عَلَى الْأَخِ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ الْحَسَنُ قَدَّمَ الْحُسَيْن سعيد بن العَاصِي أَمِيرَ الْمَدِينَةِ فَدَفَعَ فِي قَفَاهُ وَقَالَ لَوْلَا السُّنَّةُ مَا قَدَّمْتُكَ ثُمَّ صَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْفَقِيهُ أَوْلَى مِنَ الْمُسِنِّ لِأَنَّهُ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِ الصَّلَاةِ قَالَ سَنَد إِذا اخْتلف الْأَوْلِيَاء فِي الايمة قدم أفضل الأيمة وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يُقَدَّمُ أَوْلِيَاءُ الرَّجُلِ عَلَى أَوْلِيَاءِ الْمَرْأَةِ لِفَضْلِ الرَّجُلِ

‌الْبَحْثُ الرَّابِعُ فِي الْمُصَلَّى عَلَيْهِ

وَيُصَلَّى عَلَى كُلِّ مَيِّتٍ مُسْلِمٍ حَاضِرٍ تَقَدَّمَ اسْتِقْرَارُ حَيَاتِهِ لَيْسَ بِشَهِيدٍ وَلَا صُلِّي عَلَيْهِ وَلَا فُقِدَ أَكْثَرُهُ

فُرُوعٌ اثْنَا عَشَرَ الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ يُصَلَّى عَلَى قَاتِلِ نَفْسِهِ وَمن حَده الْقَتْل فَقتله الإِمَام

ص: 468

أَو اقْتُصَّ مِنْهُ فِي النَّفْسِ يُصَلِّي عَلَيْهِ النَّاسُ دُونَ الْإِمَامِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَالشَّافِعِيّ يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ عليه السلام صَلَّى عَلَى مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ قَالَ وَمَنْ حَدُّهُ الْجَلْدُ فَمَاتَ صَلَّى عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِمَامَ أَمَرَ بِزُهُوقِ رُوحِ الْأَوَّلِ وَهِيَ عُقُوبَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالرُّوحِ وَالصَّلَاةُ رَحْمَةٌ تَتَعَلَّقُ بِزُهُوقِ الرُّوحِ فَلَا يَسْعَى فِي رَحْمَتِهَا مَنْ سَعَى فِي عُقُوبَتِهَا لِتَنَاقُضِ الْمُنَاسَبَةِ وَأَمَرَ فِي الثَّانِي بِعُقُوبَةِ جِسْمِهِ فَلَا تنَاقض الثَّانِي قَالَ وَمَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ مِنَ الْمغنم صبي يَعْقِلُ أَوْ أَجَابَ بِمَا ظَهَرَ مِنْهُ مَا يُعْرَفُ بِمِثْلِهِ الْإِسْلَامُ صَلَّى عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا قَالَ سَنَدٌ إِنْ كَانَ مَعَهُ أَبَوَاهُ فَهُوَ عَلَى دِينِهِمَا حَتَّى يَكْبَرَ وَلَوْ كَانَا فِي مِلْكَيْنِ وَإِلَّا فَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ لَهُ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ فِي الصَّلَاةِ وَالدَّفْنِ وَالْمِيرَاثِ وَالْعِتْقِ وَالْقَوَدِ وَالْمُعَاقَلَةِ بِمُجَرَّدِ السَّبْيِ تَنْزِيلًا لِلسِّيَادَةِ مَنْزِلَةَ الْأُبُوَّةِ وَقَالَ مُطَرِّفٌ الْأَمْرُ كَذَلِكَ إِنْ طَالَتِ التَّرْبِيَةُ وَإِلَّا فَلَا وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِم فِي صغَار الْمَجُوس الثَّالِثُ فِي الْكِتَابِ لَا يُجْبِرُ السَّيِّدُ وَلَدَ عَبده من امته على الْإِسْلَام إِذا كَانَا كَافِرين لقَوْله عليه السلام

كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يَكُونَ أَبَوَاهُ هُمَا اللَّذَانِ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ وَالْفَرْقُ بَينه وَبَين الأول حُرْمَة الْأَبَوَيْنِ وَالسَّبْيُ كَالصَّيْدِ مَنْ حَازَهُ تَصَرَّفَ فِيهِ وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ فِي التَّبْصِرَةِ يَتْبَعُ السَّيِّدَ تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ الرَّابِعُ فِي الْكِتَابِ لَا يُصَلَّى عَلَى الصَّبِيِّ وَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُحَنَّطُ حَتَّى يَسْتَهِلَّ صَارِخًا وَقَالَهُ (ح وش) وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ لِطَهَارَتِهِ مِنَ

ص: 469

الذُّنُوبِ وَلِأَنَّهُ عليه السلام لَمْ يُصَلِّ عَلَى وَلَدِهِ إِبْرَاهِيمَ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ عليه السلام أغْنى عَن الصَّبِي من الصَّلَاةِ وَقَدْ صَلَّى عَلَيْهِ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّهُ رُوِيَ أَنه صلى الله عليه وسلم َ - صَلَّى وَالْإِثْبَاتُ أَوْلَى مِنَ النَّفْيِ لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ قَالَ عليه السلام

الطِّفْلُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يَرِثُ وَلَا يُوَرَّثُ حَتَّى يَسْتَهِلَّ صَارِخًا قَالَ سَنَدٌ لَا يُعْتَبَرُ عِنْدَ مَالِكٍ الرَّضَاعُ وَلَا الْعُطَاسُ وَلَا الْحَرَكَةُ أَلْبَتَّةَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَوْ أَقَامَ يَوْمًا يَتَحَرَّكُ وَيَتَنَفَّسُ وَيَفْتَحُ عَيْنَيْهِ حَتَّى يُسْمَعَ صَوْتُهُ وَإِنْ كَانَ خَفِيفًا لِأَنَّ الْحَرَكَةَ تَكُونُ عَنِ الرِّيَاحِ وَالْمَيِّتُ يَتَحَرَّك طَويلا وَخَالف (ح وش) فِي الْحَرَكَةِ وَالِاخْتِلَاجِ وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ يُصَلَّى عَلَى ابْنِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ حِينَئِذٍ

تَمْهِيدٌ لَا خِلَافَ أَنَّ الْجَنِينَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ حَيٌّ بَعْدَ الأَرْبَعَةِ أَشْهُر وَيَدُلُّ على ذَلِك اعْتِقَاده وَنَمَاؤُهُ وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الْوَارِدُ فِي نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ وَإِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ وَإِنْ كَانَتْ مُحَقَّقَةً فَإِن الشَّرْع لم يَعْتَبِرْهَا حَتَّى يَسْتَقِرَّ بَعْدُ الْوَضْعُ قُلْنَا حَيَاةٌ شَرْعِيَّةٌ بَعْدَ الْوَضْعِ وَحَقِيقِيَّةٌ قَبْلَهُ وَأَمَّا تَرْكُ غُسْلِهِ فَلِأَنَّهُ إِنَّمَا شُرِعَ لِلصَّلَاةِ وَلَا صَلَاةَ قَالَ مَالك وَيغسل عِنْد الدَّمِ وَيُلَفُّ فِي خِرْقَةٍ وَكَرِهَ مَالِكٌ دَفْنَهُ فِي الدَّارِ لِئَلَّا يُنْبَشَ وَأَجَازَهُ ابْنُ حَبِيبٍ لدفنه عليه السلام فِي منزله الْخَامِسُ فِي الْكِتَابِ مَنِ ارْتَدَّ قَبْلَ الْبُلُوغِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ قَالَ سَنَد مُعظم أَصْحَابنَا اعْتِبَار ردته فِي سَائِر الْأَحْكَام إِلَّا فِي الْقَتْلَ وَقَالَ (ش) لَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ وَلَا إِسْلَامُهُ وَوَافَقَهُ (ح) فِي رِدَّتِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِسْلَامَ يُغَلَّبُ فِي الشَّرْعِ لِتَبَعِ الْوَلَدِ أَبَاهُ فِي الْإِسْلَامِ دُونَ الرِّدَّةِ لَنَا أَنَّ الْكُفْرَ

ص: 470

سَبَبُ الْأَحْكَامِ فِي الشَّرْعِ وَالْأَصْلُ تَرْتِيبُ الْأَحْكَامِ عَلَى أَسْبَابِهَا وَأَمَّا الْقَتْلُ فَلَا يَكُونُ إِلَّا الْمُكَلف لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا إِذَا بَلَغَ عَلَى رِدَّتِهِ فَقِيلَ يُقْتَلُ لِأَنَّهَا حَالَةٌ يَجِبُ فِيهَا الرُّجُوعُ إِلَى الْإِسْلَامِ وَقِيلَ لَا يُقْتَلُ لِأَنَّهُ لم يرجع عَن إِسْلَام بعد الْبلُوغ السَّادِسُ فِي الْكِتَابِ يُصَلَّى عَلَى أَكْثَرِ الْجَسَدِ بِخِلَافِ الرَّأْسِ وَالْيَدِ إِلْحَاقًا لِلْأَقَلِّ بِالْأَكْثَرِ وَقِيَاسًا عَلَى الْأَصَابِعِ وَالْأَسْنَانِ وَالشَّعْرِ وَالظُّفْرِ فَإِنَّهَا لَا يُصَلَّى عَلَيْهَا قَالَ سَنَدٌ إِنْ كَانَ الْبَعْضُ مَجْهُولًا يُفَرَّعُ عَلَى الْمَيِّتِ الْمَجْهُولِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ مُسْلِمٍ يُعْلَمُ مَوْتُهُ تَجِبُ الصَّلَاةُ فَإِنْ كَانَ أَيْسَرَهُ فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَ (ح) وَقَالَ (ش) وَابْنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ حَبِيبٍ يُنْوَى بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ الْجُمْلَةَ وَإِنْ غَابَتِ الْجُمْلَةُ صُلِّيَ عَلَيْهَا لِصَلَاتِهِ عليه السلام عَلَى النَّجَاشِيِّ سَوَاءً كَانَ فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَمْ لَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي طَرَفِ الْبَلَدِ فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ وَيُرْوَى أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه صَلَّى عَلَى عِظَامٍ بِالشَّامِ بِمَحْضَرِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَكَانَ إِجْمَاعًا وَلَوْ صُلِّيَ عَلَيْهِ ثُمَّ وُجِدَ الْأَكْثَرُ صُلِّيَ عَلَيْهِ وِفَاقًا وَإِنْ كَانَ الْمَوْجُودُ أَكْثَرَهُ مُجَمَّعًا أَوْ مُقَطَّعًا صُلِّيَ عَلَيْهِ أَوْ نِصْفَهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَوْ وُجِدَتِ الْأَطْرَافُ كُلُّهَا لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهَا عِنْدَ مَالِكٍ وَ (ح) لِتَبَعِيَّتِهَا لِلْجَسَدِ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَا يُصَلَّى عَلَى النِّصْفِ وَلَا الْأَكْثَرِ المقطع لتعذر غسله السَّابِعُ قَالَ سَنَدٌ إِذَا كَانَ الْمَيِّتُ مَجْهُولًا فَإِنْ كَانَ بِمَكَانٍ لَا يَدْخُلُهُ الْكُفَّارُ

ص: 471

غَالِبًا كَمَدِينَتِهِ عليه السلام قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فِي مَدَائِنِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ صَغِيرٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَوْ وُجِدَ فِي كَنِيسَةٍ وَعَلَيْهِ زِيُّ النَّصَارَى إِذَا كَانَ فِي نَادِي الْمُسْلِمِينَ وَجَمَاعَتِهِمْ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الصَّغِيرِ الْمَنْبُوذِ وَفِي الْبَلَدِ أَهْلِ كِتَابٍ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ فِي الصَّلَاةِ وَالْحُرْمَة وَالْعَقْلِ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مَخْتُونًا وَعَلَيْهِ زِيُّ الْإِسْلَامِ حَتَّى يُعْلَمَ إِسْلَامُهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّغِيرَ الْمَنْبُوذَ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ إِذَا كَبِرَ وَإِنْ وَجَدَهُ كِتَابِيٌّ لَا يُقِرُّ بِيَدِهِ قَالَ وَيُوَارَى وَلَا يُسْتَقْبَلُ بِهِ قِبْلَتُنَا وَلَا قِبْلَة غَيرهَا وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لِلْجَهْلِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ وَقَالَ سَحْنُون و (ح) وَالْحَنَفِيَّة ان كَانَ عَلَيْهِ زِيُّ الْإِسْلَامِ صُلِّيَ عَلَيْهِ تَغْلِيبًا لِلدَّارِ قَالَ سَحْنُونٌ وَلَوْ وُجِدَ فِي فَلَوَاتِ الْمُسلمين أَو غَالب الْمُسَافِر فِيهِ الْمُسلمُونَ صُلِّيَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ فَلَوَاتِ الْكُفَّارِ فَلَوْ كَانَ لقظه فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ زِيُّ الْإِسْلَامِ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا فَلَوِ اخْتَلَطَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ بِالْكُفَّارِ فَإِنْ كَانَ عَدَدُ الْمُسْلِمِينَ أَكْثَرَ أَوْ تَسَاوَوْا صلى عَلَيْهِم ويروى عندنَا وَعند (ش وح) وَابْنِ حَنْبَلٍ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ قَالَ سَحْنُونٌ وَ (ش) وَابْنُ حَنْبَلٍ يُصَلَّى وَيُنْوَى الْإِسْلَامُ وَقَالَهُ (ح) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْمُسْلِمُ وَلَيْسَ تَبَعًا لغيره بِخِلَاف بعض الْجَسَد الثَّامِنُ فِي الْكِتَابِ لَا يُصَلَّى عَلَى مَنْ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَقَالَهُ (ح) قِيَاسًا لِلصَّلَاةِ عَلَى الْغسْل والحنوط والكفن فَإِنَّهَا لَا تُعَاد وَلذَلِك لَمْ تُعَدِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم َ -

ص: 472

قَالَ اللَّخْمِيُّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَلَّى عَلَيْهَا وَاحِدٌ فَتُعَادُ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ قَالَ سَنَدٌ وَرُوِيَ عَنْهُ يُصَلَّى عَلَيْهَا وَقَالَهُ (ش) وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ إِلَى شَهْرٍ وَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ مِسْكِينَةً مَرضت فَأخْبر النَّبِي عليه السلام بِمَرَضِهَا وَكَانَ عليه السلام يَعُودُ الْمَسَاكِينَ فَقَالَ عليه السلام إِذَا مَاتَتْ فَآذِنُونِي بِهَا فَخَرَجُوا بِجِنَازَتِهَا لَيْلًا فَكَرِهُوا أَنْ يُوقِظُوهُ عليه السلام فَلَمَّا أَصْبَحَ أُخْبِرَ بِالَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِهَا فَقَالَ أَلَمْ آمُرْكُمْ أَنْ تُؤْذِنُونِي فَقَالُوا كَرِهْنَا أَنْ نُخْرِجَكَ لَيْلًا وَنُوقِظَكَ فَخَرَجَ عليه السلام حَتَّى صَفَّ بِالنَّاسِ عَلَى قَبْرِهَا وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ وَصَلَّى عَلَى الْبَرَاءِ بَعْدَ شَهْرٍ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ عَمَلَ الْمَدِينَةِ أَرْجَحُ مِنَ الْخَبَر على مَا علم أَو ذَلِك لفضله عليه السلام أَو ان حَقَّ الْمَيِّتِ فِي زَمَانِهِ عليه السلام لِقَوْلِهِ

لَا يَمُوتَنَّ فِيكُمْ مَيِّتٌ مَا دُمْتُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ إِلَّا آذَنْتُمُونِي أَوْ لَعَلَّهَا دُفِنَتْ بِغَيْرِ صَلَاةٍ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا صُلِّيَ عَلَيْهَا وَفِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عليه السلام قَامَ خَطِيبًا وزجر أَنْ يُقْبَرَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إِنْسَانٌ إِلَى ذَلِكَ وَظَاهِرُهُ أَنهم إِذا دفنُوا لَيْلًا لَا يصلونَ التَّاسِعُ قَالَ سَنَدٌ جُمْهُورُنَا وَالْحَنَفِيَّةُ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى قَبْرِ مَنْ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ تَوْفِيَةً لَحَقِّهِ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يُصَلَّى سَدًّا لِذَرِيعَةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْقُبُورِ وَهَذَا إِذَا فَاتَ إِخْرَاجُهُ بِالتَّغَيُّرِ عِنْدَ مَالِكٍ أَوْ بِوَضْعِ اللَّبَنِ قَبْلَ التُّرَابِ عِنْدَ أَشْهَبَ أَوِ التُّرَابِ عِنْدَ سَحْنُونٍ لِلَعْنِهِ عليه السلام نَبَّاشَ الْقُبُورِ وَلِأَنَّ جَمَاعَةً وجدوا بَعضهم حول عَن الْقبْلَة وَبَعْضهمْ تجرد مِنَ الْكَفَنِ نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ وَإِذَا قُلْنَا يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ فَمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ تَمَزُّقُهُ وَذَهَابُهُ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَإِذا صلى عَلَيْهِ إِلَى غير الْقِبْلَةِ ثُمَّ ذَكَرُوا بَعْدَ دَفْنِهِ لَمْ يُعِيدُوا الصَّلَاةَ عِنْدَ جَمَاعَةِ أَصْحَابِنَا فَإِنْ

ص: 473

ذكرُوا قبل الدّفن اسْتحبَّ ابْن الْقَاسِم والإعادة بِخِلَافِ سَحْنُونٍ وَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعُوا رَأْسَهُ مَوْضِعَ رجلَيْهِ الْعَاشِرُ فِي الْجَوَاهِرِ إِذَا كَانَتِ الْجَنَائِزُ جِنْسًا وَاحِدًا خُيِّرَ بَيْنَ جَعْلِهِمْ صَفًّا وَاحِدًا أَفْضَلُهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَيَلِيهِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ مَنْ يَلِيهِ فِي الْفَضْلِ وَبَيْنَ جَعْلِهِمْ كَمُخْتَلِفِي الْأَجْنَاسِ فَإِنِ اخْتَلَفُوا فَالرَّجُلُ مِمَّا يَلِيهِ ثُمَّ الصَّبِيُّ ثُمَّ الْعَبْدُ ثُمَّ الْخُنْثَى ثُمَّ الْمَرْأَةُ ثُمَّ الصَّغِيرُ ثُمَّ الْأَمَةُ وَأَفْضَلُ الرِّجَالِ مِمَّا يَلِيهِ وَالتَّقَدُّمُ بِالْخِصَالِ الدِّينِيَّةِ الَّتِي تُرَغِّبُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَإِنِ اسْتَوَوْا قُدِّمَ بِالسِّنِّ فَإِنِ اسْتَوَوْا فَالْقُرْعَةُ أَو التَّرَاضِي الْحَادِيَ عَشَرَ فِي الْكِتَابِ لَا يُصَلَّى عَلَى موتى الْقَدَرِيَّة والإباضية وَلَا تتبع جنائزهم وَلَا تُعَادُ مَرْضَاهُمْ وَأَوْلَى إِذَا قُتِلُوا قَالَ سَنَدٌ إِنْ تَوَلَّاهُمْ أَهْلُ مَذْهَبِهِمْ تَرَكَهُمُ النَّاسُ زَجْرًا لَهُمْ وَإِلَّا فَاسْتَحَبَّ ابْنُ الْقَاسِمِ مُبَاشَرَتَهُمْ وَأَوْجَبَهَا سَحْنُونٌ قَالَ الْمَازِرِيُّ حَمْلُ كَلَامِ مَالِكٍ عَلَى ظَاهِرِهِ مُمْكِنٌ وَقَدْ أَفْتَى فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ بِكُفْرِهِمْ وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى كُفْرِهِمْ فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ قَالَ سَنَدٌ فَإِنْ قَاتَلُونَا فَقَتَلَهُمُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ قَالَ مَالِكٌ وَ (ش) وَابْنُ حَنْبَلٍ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَقَالَ (ح) لَا يُغَسَّلُونَ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ لِقُوَّةِ شَبَهِهِمْ بِأَهْلِ الْحَرْبِ الثَّانِيَ عَشَرَ فِي الْكِتَابِ لَا يُغَسَّلُ الشَّهِيدُ فِي الْمُعْتَرَكِ وَلَا يُكَفَّنُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ ويدفن فِي ثِيَابه وخفافه وقلنسوته وَقَالَهُ (ش) وَابْن حَنْبَل و (ح) وَقَالَ لَا يغسل وَيصلى عَلَيْهِم مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ عليه السلام صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ تِسْعَةٍ وَحَمْزَةُ عَاشِرُهُمْ وَقِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الْأَمْوَاتِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ مَنْعُ الصِّحَّةِ وَيُؤَكِّدُ

ص: 474

الْبُطْلَانَ أَنَّهُ رُوِيَ فِيهِ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى حَمْزَةَ سَبْعِينَ مَرَّةً وَهَذَا مِنْ حِسَابِ سَبْعِمِائَةٍ وَلَمْ يَكُونُوا سِوَى سَبْعِينَ وَلَوْ سَلَّمْنَاهُ حَمَلْنَاهُ عَلَى الدُّعَاءِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ الشَّهِيدَ مَطْلُوبُ التَّمْيِيزِ بِالِاسْتِغْنَاءِ عَنِ الشَّفَاعَةِ ترغيبا فِي الشَّهَادَة ولانه إِذا حضر إِلَى السَّيِّد عَبده مَحْمُولا بدمائه وهيآت جراحه وهيئة الَّتِي لَاقَى بِهَا أَعْدَاءَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ السَّيِّدُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ كَانَ أَبْلَغَ فِي عَطْفِهِ عَلَيْهِ وَمَيْلِهِ إِلَيْهِ وَمُغْنِيًا لَهُ عَنْ شَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ عِنْدَهُ وَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ وَفِي أَبِي دَاوُدَ لَمْ يُصَلِّ عَلَى قَتْلَى بَدْرٍ قَالَ سَنَدٌ فَلَوِ اسْتُشْهِدَ جُنُبًا فَلَا فَرْقَ عِنْدَ أَشْهَبَ وَقَالَ سَحْنُون يغسل وَأما الروث وَشبهه فيزال عَنْهُ بِخِلَافِ دَمِهِ لِمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ أَشْهَبُ و (ح وش) تُنْزَعُ عَنْهُ الْجُلُودُ وَالْفِرَاءُ وَالْمَحْشُوُّ لِأَمْرِهِ عليه السلام فِي أَبِي دَاوُدَ أَنْ يُنْزَعَ عَنْ قَتْلَى أحد الْحَدِيد والجلود وَأَن يدفنوا بدمائهم وَثِيَابِهِمْ وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى مَا يَخْتَصُّ بِالْقِتَالِ من الخود وَقرب السِّلَاح وَلذَلِك خصّه بالحديد والجلود وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْكِتَابِ يُنْزَعُ السَّيْفُ وَالدِّرْعُ وَإِنْ كَانَ لَابِسًا لَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ لَا يُنْزَعُ الثَّوْبُ الْجَدِيدُ الَّذِي يَلْبَسُهُ الشَّابُّ وَهُوَ سُنَّةُ الصَّحَابَةِ فِي الدِّرْعِ وَقَدْ وُجِدُوا بِمِصْرَ كَذَلِك مدفونين قَالَ مطرف وَلَا ينْزع الْمِنْطَقَةُ وَلَا الْخَاتَمُ إِلَّا أَنْ يَكْثُرَ ثَمَنُهَا وَلَيْسَ لِلْوَالِي أَنْ يَنْزِعَ ثِيَابَهُ وَيُكَفِّنَهُ فِي غَيرهَا وَقَالَهُ (ح وش) وَابْنُ حَنْبَلٍ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ وَغَيْرُ الْبَالِغِ كَالْبَالِغِ خلافًا (ح) مُحْتَجًّا بِأَنَّ تَرْكَ الْغُسْلِ إِظْهَارٌ لِلطَّهَارَةِ مِنَ الذُّنُوبِ وَلَا ذُنُوبَ وَعِنْدَنَا تَرْكُ الْغُسْلِ عَلَمٌ عَلَى الشَّهَادَةِ وَبَذْلِ النَّفْسِ فِي طَاعَةِ الرب وَهُوَ مَوْجُود فِي الصَّبِي وَإِذا لَمْ يَكُنْ عَلَى الشَّهِيدِ مَا يُوَارِيهِ وَوُرِيَ بِثَوْب

ص: 475

فَإِنْ كَانَ مَسْتُورًا قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ شَيْءٌ خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَفِي الْجَوَاهِرِ الشَّهِيدُ مَنْ مَاتَ بِسَبَبِ الْقِتَالِ مَعَ الْكُفَّارِ حَالَةَ الْقِتَالِ فَإِنْ رُفِعَ حَيًّا فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي غَمْرَةِ الْمَوْتِ وَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَرَاعَى (ش) وَابْنُ حَنْبَلٍ زَمَانَ الْمُعْتَرَكِ فَقَطْ وَقَالَ سَحْنُونٌ إِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُقْتَلُ قَاتِلُهُ بِغَيْرِ قَسَامَةٍ فَهُوَ كَحَالَةِ الْمُعْتَرَكِ وَإِلَّا فَلَا قَالَ أَشْهَبُ يَسْتَوِي فِي الْحُكْمِ غَزْوُ الْمُسْلِمِينَ وَخَصَّهُ ابْنُ الْقَاسِمِ بِالْأَوَّلِ وَالْمُشْرِكُونَ غَزَوُا الْمُسْلِمِينَ غَزْوَةَ أُحُدٍ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ أَوْ يُقَالُ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ خَرَجُوا إِلَيْهِمْ مِنْ دِيَارِهِمْ وَلَقَوْهُمْ فَهُمُ الْغَازُونَ وَعُمَرُ رضي الله عنه كَانَ شَهِيدًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ سَنَدٌ وَسَوَاءٌ قُتِلَ بِسَبَبِ الْمُشْرِكِينَ أَوْ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ أَوْ سَقَطَ مِنْ شَاهِقٍ أَوْ مِنْ فَرَسِهِ أَوْ رَجْعِ سَيْفه أَوْ سَهْمه وَلَوْ وُجِدَ فِي الْمُعْتَرَكِ رَجُلٌ مَيِّتٌ لَيْسَ فِيهِ أَثَرُ الْقَتْلِ فَكَذَلِكَ إِذْ لَعَلَّه ركله فرس وَقَالَ (ح) وَابْنُ حَنْبَلٍ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْأَثَرِ الدَّالِّ عَلَى الشَّهَادَةِ وَفِي الْجَوَاهِرِ الْمَقْتُولُ ظُلْمًا أَوْ قِصَاصًا وَالْمَبْطُونُ وَسَائِرُ الشُّهَدَاءِ وَتَارِكُ الصَّلَاةِ وَالْمُحَارِبُ إِذَا قُتِلُوا يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَقَالَهُ (ش) وَابْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَ (ح) مَنْ قُتِلَ عَمْدًا مَظْلُومًا بِحَدِيدَةٍ لَمْ يُغَسَّلْ أَوْ بِمِثْقَلٍ غُسِّلَ وَلَا يُغَسَّلُ مَنْ قَتَلَتْهُ الْبُغَاةُ لِأَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه لَمْ يُغَسِّلْ مَنْ قُتِلَ مَعَهُ وَلِأَنَّهُمْ فِي نُصْرَةِ الدِّينِ كَقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ (ش) وَابْنِ حَنْبَلٍ وَجَوَابُنَا إِجْمَاعُنَا عَلَى الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ وَكَمَا لَمْ يُنْقَلِ الْغُسْلُ لَمْ تُنْقَلِ الصَّلَاةُ فَجَوَابُهُمْ جَوَابُنَا وَقَالَ (ح) لَا يُصَلَّى عَلَى الْمُحَارِبِ لِأَنَّ قَتْلَهُ خِزْيٌ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِلرَّحْمَةِ لَنَا قَوْلُهُ عليه السلام

صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَا يُصَلَّى عَلَى الْكَافِرِ وَيُدْفَنُ الذِّمِّيُّ وَفَاءً بِذِمَّتِهِ إِنْ خُشِيَ عَلَيْهِ

ص: 476

الضَّيَاعُ وَلَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ وَإِن كَانَ لَهُ قريب مُسلم حيل بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُكَفِّنُهُ كُفِّنَ فِي شَيْءٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَنْ يَلْزَمُهُ أَمْرُهُ مِثْلَ الْأُمِّ وَالْأَبِ وَالْأَخِ فَيَلِي كَفَنَهُ وَيَتَوَلَّاهُ أَهْلُ دِينِهِ وَإِنْ دَفَنُوهُ فَلَا يَتْبَعُهُ وَإِلَّا تَقَدَّمَ أَمَامَ جِنَازَتِهِ فَسَبَقَ إِلَى قَبْرِهِ

فَوَائِدُ شَهِدَ فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى عَلِمَ وَمِنْهُ {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْء شَهِيد} وَبِمَعْنَى أَخْبَرَ وَمِنْهُ شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَبِمَعْنَى حَضَرَ وَمِنْهُ شَهِدَ بَدْرًا وَشَهِدَ صَلَاةَ الْعِيدِ وَشَهِيدٌ وَزْنُهُ فَعِيلٌ وَيَكُونُ بِمَعْنَى فَاعِلٍ نَحْوَ عَلِيمٍ بِمَعْنَى عَالِمٍ وَبِمَعْنَى مَفْعُولٍ نَحْوَ قَتِيلٍ بِمَعْنَى مَقْتُولٍ وَالشَّهِيدُ يَحْتَمِلُ الْمَعْنَيَيْنِ إِمَّا فَاعِلٍ فَقِيلَ هُوَ يَشْهَدُ حَضِيرَةَ الْقُدْسِ بِمَعْنَى يَحْضُرُهَا وَإِمَّا مَفْعُولٍ فَلِأَنَّهُ أُخْبِرَ عَنِ اسْتِحْقَاقِهِ الْجَنَّةَ فَهُوَ مَشْهُودٌ لَهُ بِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُم الْجنَّة} وَأَمَّا غَيْرُ الْمُجَاهِدِينَ مِنَ الْمَبْطُونِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ السَّبْعَةِ وَيُرْوَى مَا تَرَكَ الْقَاتِلُ عَلَى الْمَقْتُولِ مِنْ ذَنْبٍ لَا سِيَّمَا مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ وَلَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ وَصَبٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا تَعَبٌ حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا إِلَّا كُفِّرَ بِهَا مِنْ ذُنُوبِهِ وَإِذَا كُفِّرَتِ السَّيِّئَاتُ دخل الْجنَّة فَيكون مِنْ بَابِ فَعِيلٍ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَيْ مَشْهُودٍ لَهُم

‌الْفَصْل الْخَامِس فِي الدّفن

وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ سَتْرُ سَوْآتِ الْأَمْوَاتِ بِالتُّرَابِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى

ص: 477

بقوله {ألم نجْعَل الأَرْض كفاتا أَحيَاء وأمواتا} والكفت الضَّم أَي تضم الْأَحْيَاء وتسترهم ببنائها وَالْأَمْوَاتَ بِتُرَابِهَا قَالَ اللَّخْمِيُّ وَهُوَ وَاجِبٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عُمْقُهُ مِثْلُ عَظْمِ الذِّرَاعِ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ احْفِرُوا لِي وَلَا تُعَمِّقُوا فَإِنَّ خَيْرَ الْأَرْضِ أَعْلَاهَا وَشَرَّهَا أَسْفَلُهَا قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ بِمَحْدُودٍ وَلَكِنِ الْوَسَطُ وَاللَّحْدُ أَفْضَلُ مِنَ الشَّقِّ وَفَضَّلَ (ش) الشَّقَّ لِأَنَّهُ عليه السلام أُلْحِدَ وَصَاحِبَاهُ وَاحْتَجَّ بِعَمَلِ الْمَدِينَةِ جَوَابُهُ أَنَّهَا سَبَخَةٌ تَنْهَارُ فَلِذَلِكَ لَا يُلْحِدُونَ وَلْيَكُنْ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَإِدْخَالُ الْمَيِّتِ قَبْرَهُ مِنْ نَاحِيَةِ الْقِبْلَةِ أَفْضَلُ وَيَضَعُهُ فِي قَبْرِهِ الرِّجَالُ وَيَضَعُ الْمَرْأَةَ زَوْجُهَا مِنْ أَسْفَلَ وَمَحَارِمُهَا مِنْ أَعْلَى وَإِنْ تَعَذَّرَ فَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا أَنْ يُوجَدَ مِنْ قَوَاعِدِ النِّسَاءِ مَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ كُلْفَةٍ وَيُسْتَرُ عَلَيْهَا بِثَوْبٍ حَتَّى تُوَارَى فِي لَحْدِهَا وَلَيْسَ لِعَدَدِ الْمُبَاشِرِ لِلْمَيِّتِ حَدٌّ مِنْ شَفْعٍ أَوْ وِتْرٍ وَيُوضَعُ فِي اللَّحْد على يَمِين مُسْتَقْبل الْقِبْلَةِ وَتُمَدُّ يَدُهُ الْيُمْنَى عَلَى جَسَدِهِ وَيُحَلُّ الْعَقْدُ مِنْ رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ حَتَّى تَنْصَرِفَ عَنْهُ الْمَوَادُّ وَيُسْنَدُ رَأْسُهُ بِالتُّرَابِ وَكَذَلِكَ رِجْلَاهُ لِئَلَّا يَتَصَوَّبَ وَيُرْفَقُ بِهِ كَالْحَيِّ وَاسْتَحَبَّ أَشْهَبُ أَنْ يُقَالَ عِنْدَ وَضْعِهِ فِي اللَّحْدِ بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْهُ بِأَحْسَنِ قَبُولٍ ثُمَّ يُنَضَّدُ اللَّبَنَ عَلَى فَتْحِ اللَّحْدِ وَتُسَدُّ الْفُرَجُ بِمَا يَمْنَعُ التُّرَابَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَفْضَلُ مَا يُسَدُّ بِهِ اللَّبِنُ ثُمَّ اللَّوْحُ ثُمَّ الْقَرَامِيدُ ثُمَّ الْآجُرُّ ثُمَّ الْحِجَارَةُ ثُمَّ الْقَصَبُ فَكُلُّ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنَ التُّرَابِ وَالتُّرَابُ أَفْضَلُ مِنَ التَّابُوتِ ثُمَّ يُحْثَى كُلُّ من أَرْبَعَ حَثَيَاتٍ وَرَوَى سَحْنُونٌ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ ثُمَّ يُهَالُ التُّرَابُ عَلَيْهِ وَلَا يُرْفَعُ إِلَّا بِقَدْرِ شِبْرٍ وَلَا يُجَصَّصُ وَلَا يُطَيَّنُ وَلَا بَأْسَ بِالْحَصْبَاءِ وَوَضْعِ الْحَجْرِ عَلَى

ص: 478

رَأَسِ الْقَبْرِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَتُكْرَهُ الْكِتَابَةُ عَلَى الْقَبْرِ وَقَدْ وَضَعَ عليه السلام عَلَى قَبْرِ ابْنِ مَظْعُونٍ حَجَرًا وَقَالَ هَذَا أَعْرِفُ بِهِ قَبْرَ أَخِي وَأَجَازَ (ح) الْبُنْيَانَ نَحْوَ التُّرْبَةِ الْيَوْمَ وَخَصَّصَ ابْنُ الْقَصَّارِ الْكَرَاهَةَ بِمَا يُضَيِّقُ عَلَى النَّاسِ وَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ أَشْهَبُ وَتَسْنِيمُ الْقَبْرِ أَحَبُّ إِلَيَّ وَإِنْ رُفِعَ فَلَا بَأْسَ وَقَبْرُهُ عليه السلام وَقَبْرُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما مُسَنَّمَةٌ وَقَالَهُ (ح) وَفِي الْجُلَّابِ يُسَطَّحُ وَلَا يُسَنَّمُ وَقَالَهُ (ش) وَيُرْفَعُ مِنَ الْأَرْضِ قَلِيلًا بِقَدْرِ مَا يُعْرَفُ بِهِ لِأَنَّهُ عليه السلام سَطَّحَ قَبْرَ ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ وَقُبُورُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مَسْطُوحَةٌ وَفِي الْجَوَاهِرِ وَلَا يُدْفَنُ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ مَيِّتَانِ إِلَّا لِحَاجَةٍ وَيُرَتَّبُونَ فِي اللَّحْدِ بِالْفَضِيلَةِ الْأَفْضَلُ لِلْقِبْلَةِ وَالْأَفْضَلُ لِلْمُشَيِّعِ أَلَّا يَنْصَرِفَ إِلَّا بِإِذْنِ أَهْلِ الْمَيِّتِ وَالْقَبْرُ مُحْتَرَمٌ لَا يُمْشَى عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مُسَنَّمًا وَالطَّرِيقُ دُونَهُ وَإِنْ عَفَا فَوَاسِعٌ وَلَا تُنْبَشُ عِظَامُ الْمَوْتَى عِنْدَ حَفْرِ الْقُبُورِ وَمَنْ صَادَفَ قَبْرًا رَدَّ عَلَيْهِ تُرَابَهُ وَلَا يُزَادُ مِنْ قَبْرٍ عَلَى غَيْرِهِ وَيُنْبَشُ إِذَا كَانَ الْقَبْرُ أَوِ الْكَفَنُ مَغْصُوبًا أَوْ يَشِحُّ بِهِ رَبُّهُ أَوْ نُسِيَ مَعَهُ مَالٌ فِي الْقَبْرِ أَوْ دُفِنَ بِغَيْرِ غُسْلٍ أُخْرِجَ إِنْ كَانَ قَرِيبًا وَقِيلَ لَا يُخْرَجُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَوْ وُضِعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ أَوْ أُلْحِدَ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ رِجْلَاهُ مَوْضِعَ رَأْسِهِ أصلح ان أَمن التَّغَيُّر وَإِلَّا فَلَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَا يُبْقَرُ عَلَى جَنِينِ الْمَيِّتَةِ وَإِنِ اضْطَرَبَ وَأَجَازَهُ سَحْنُونٌ إِنْ طُمِعَ فِي حَيَاتِهِ فَقِيلَ هُوَ تَفْسِيرٌ وَقِيلَ هُوَ خِلَافٌ وَكَذَلِكَ الدَّنَانِيرُ فِي بَطْنِ الْمَيِّتِ وَقَالَ مَالِكٌ إِنِ اسْتَطَاعَ النِّسَاءُ عِلَاجَهُ مِنْ مَخْرَجِهِ فَعَلْنَ وَلَمْ يَبْلُغْنِي الْبَقْرُ عَنْ أَحَدٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ رَأَيْتُ بِمِصْرَ رَجُلًا مَبْقُورًا عَلَى رمكة مبقورة قَالَ سَنَد وَإِذا أبقرت فَمِنْ خَاصِرَتِهَا الْيُسْرَى لِأَنَّهَا أَقْرَبُ لِلْوَلَدِ وَيَلِي ذَلِك أخص أقاربها والزواج أَحْسَنُ فَإِنْ كَانَتِ الْأُمُّ نَصْرَانِيَّةً حَامِلًا بِجَنِينٍ مُسْلِمٍ قَالَ مَالِكٌ تُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ النَّصَارَى لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لِلْجَنِينِ قَبْلَ وَضْعِهِ وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَقِيلَ يُجْعَلُ ظهرهَا

ص: 479

إِلَى الْقِبْلَةِ لِأَنَّ وَجْهَ الْجَنِينِ إِلَى ظَهْرِهَا وَلَوْ بَلَعَ الْمَيِّتُ مِنْ مَالِهِ جَوْهَرَةً صَغِيرَةً نَفِيسَةً أَوْ وَدِيعَةً خَوْفَ اللُّصُوصِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُشَقُّ وَمَنَعَ ابْنُ حَبِيبٍ وَفَرَّقَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِأَنَّ الْوَدِيعَةَ مُحَقَّقَةٌ بِخِلَافِ الْجَنِينِ وَمَنْ مَاتَ فِي الْبَحْرِ غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَانْتُظِرَ بِهِ الْبَرُّ إِنْ أُمِنَ التَّغَيُّرُ وَإِلَّا رُمِيَ بِهِ فِي الْبَحْرِ مُسْتَقْبِلًا مُحَرَّفًا عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَتُشَدُّ عَلَيْهِ أَكْفَانه وَلَا تُثْقَلُ رِجْلَاهُ وَخَالَفَهُ سَحْنُونٌ فَالْأَوَّلُ لِيَصِلَ الْبَرَّ فَيُدْفَنَ وَالثَّانِي لِيَسْلَمَ مِنْ أَكْلِ الطُّيُورِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَظَاهِرُ مَذْهَبِنَا جَوَازُ نَقْلِ الْمَيِّتِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ وَقَدْ مَاتَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ بِالْعَقِيقِ وَدُفِنَا بِالْمَدِينَةِ قَالَ سَنَدٌ وَلَوْ تَشَاحَّ الْوَرَثَةُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يُدْفَنُ فِي مِلْكِي وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُدْفَنُ فِي الْمَقَابِرِ الْمُسَبَّلَةِ دُفِنَ فِي الْمُسَبَّلَةِ وَلَيْسَ لَهُ إِبْطَالُ حَقِّهِ مِنَ الْأَرْضِ الْمُسَبَّلَةِ وَيَحْمِلُ الْوَرَثَةُ أَثْمَانَهُ وَلِأَنَّهُ كَانَ فِي نَفْسِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ فَكَأَنَّهُ وَصَّى بِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَنَا أُكَفِّنُهُ مِنْ مَالِي لَمْ يَلْزَمْهُمْ بِذَلِكَ الْعُدُولُ عَنِ التَّرِكَةِ فَلَوْ حُفِرَ لَهُ قَبْرٌ فَدَفَنَ فِيهِ قَوْمٌ مَيِّتَهُمْ فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِمْ مِثْلُهُ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ قِيمَةُ الْحَفْرِ قَالَ وَهُوَ أَبْيَنُ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ مَنْفَعَةُ الْحُفْرَةِ لَا عَيْنُ الْقَبْرِ وَالْمَنْفَعَةُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ وَإِلَّا كَانَ يَجِبُ نَبْشُهُ وَفِي الْجُلَّابِ لَا بَأْسَ بِزِيَارَةِ الْقُبُورِ لِقَوْلِهِ عليه السلام

كنت نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور والآن فزوروها فَإِنَّهَا تذكر بِالآخِرَة

ص: 480

‌الْفَصْل السَّادِس فِي التَّعْزِيَة

قَالَ سَنَدٌ يَجُوزُ أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ لِلتَّعْزِيَةِ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عليه السلام

جَلَسَ لَهَا فِي الْمَسْجِدِ حِينَ قُتِلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَجَعْفَرٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَيُكْرَهُ عِنْدَ الْقَبْرِ بِخِلَافِ الْمَنْزِلِ وَكَانَ عليه السلام إِذَا عَزَّى يَقُولُ

بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي الْبَاقِي وَآجَرَكَ فِي الْفَانِي وَكَرِهَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّعْزِيَةَ فِي النِّسَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ إِنْ كَانَ فَبِالْأُمِّ وَوَسَّعَ ذَلِكَ غَيْرُهُ وَيَجُوزُ قَبْلَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ وَيُعَزَّى فِي الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَمَنْ يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَالْمُتَجَالَّةُ بِخِلَافِ الشَّابَّةِ قَالَ مَالِكٌ لَا يُعَزَّى مُسْلِمٌ بِابْنِهِ الْكَافِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْء} وَقَالَ (ش) يُعَزَّى بِهِ كَمَا يُعَزَّى الذِّمِّيُّ بِالذِّمِّيِّ وَبِالْمُسْلِمِ قَالَ سَحْنُونٌ يُعَزَّى الذِّمِّيُّ فِي وَلِيِّهِ بِقَوْلِهِ أَخْلَفَ اللَّهُ لَكَ الْمُصِيبَةَ وَجَزَاكَ أَفْضَلَ مَا جَزَى بِهِ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ دِينِكَ وَفِي الْجَوَاهِرِ هِيَ سُنَّةٌ وَهِيَ الْحَمْلُ عَلَى الصَّبْرِ بِوَعْدِ الْأَجْرِ وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ وَالْمُصَابِ وَيُسْتَحَبُّ إِعْدَادُ طَعَامٍ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ مَا لَمْ يَكُنِ اجْتِمَاعُهُنَّ لِلنِّيَاحَةِ وَغَيْرِهَا لِقَوْلِهِ عليه السلام فِي أَبِي دَاوُدَ

اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَإِنَّهُ قَدْ أَتَاهُمْ مَا شَغَلَهُمْ

ص: 481

(الْبَابُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ)

قَالَ سَنَد من حجد وُجُوبَ صَلَاةٍ مِنَ الْخَمْسِ أَوْ رُكُوعَهَا أَوْ سُجُودَهَا كَفَرَ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَكُلُّ مَنْ جَحَدَ مَا عُلِمَ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَهُوَ كَافِرٌ فِي الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا وَإِنِ اعْتَرَفَ بِالْوُجُوبِ وَلَمْ يُصَلِّ فَلَيْسَ بِكَافِرٍ خِلَافًا لِابْنِ حَنْبَلٍ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُكْفَرُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ عليه السلام فِي مُسْلِمٍ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ تَرْكُ الصَّلَاةِ وَيُرْوَى وَبَيْنَ الْكُفْرِ جَوَابُهُ أَنَّ مَعْنَاهُ وَبَيْنَ حُكْمِ الْكُفْرِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ وَحُكْمُ الْكُفْرِ الْقَتْلُ فَظُنَّ بِقَتْلِهِ وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ عليه السلام فِي الْمُوَطَّأِ

خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ وَلَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَمن لم يَأْتِ بِهن فَلَيْسَ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ وَهُوَ نَصٌّ فِي جَوَازِ دُخُولِ تَارِكِهَا الْجَنَّةَ فَلَا يَكُونُ كَافِرًا وَلِأَنَّهُ لَا يُكْفَرُ بِفِعْلِ مَا عُلِمَ تَحْرِيمُهُ بِالضَّرُورَةِ إِجْمَاعًا فَلَا

ص: 482

يَكْفَرُ بِتَرْكِ فِعْلِ مَا عُلِمَ وُجُوبُهُ بِجَامِعِ مُخَالفَة ضرورى فِي الدّين ويروى أَن الشَّافِعِي قَالَ لِأَحْمَدَ إِذَا كَفَّرْتَهُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَهُوَ يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله بِأَيّ شَيْءٍ يَرْجِعُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ فَقَالَ لَهُ إِنْ كَانَ إِسْلَامُهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا فَتَكُونُ وَاقِعَةً فِي زَمَنِ الْكُفْرِ فَلَا تَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَسَكَتَ أَحْمَدُ رضي الله عنهما وَإِذَا لَمْ يُكَفَّرْ فَيُقْتَلُ عِنْدَ مَالِكٍ وَ (ش) حَدًّا خلافًا (ح) وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ إِلَى قَوْلِهِ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سبيلهم} فَاشْتَرَطَ فِي تَرْكِ الْقَتْلِ بَعْدَ التَّوْبَةِ إِقَامَةَ الصَّلَاة وَلم يقمها فَيقْتل وَلِلْحَدِيثِ السَّابِق وَإِجْمَاع الصَّحَابَةِ عَلَى قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ مَعَ أَبِي بكر رضي الله عنهم حجَّة أبي حنيفَة قَوْلُهُ عليه السلام لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ كُفْرٍ بَعْدَ إِيمَانٍ أَوْ زنا بَعْدَ إِحْصَانٍ أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ عَامٌّ وَمَا ذَكَرْنَاهُ خَاصٌّ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ وَإِذَا قُلْنَا يُقْتَلُ فَقَالَ التُّونِسِيُّ يُؤَخَّرُ حَتَّى يَبْقَى مِنَ النَّهَارِ قَدْرُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَالَ سَنَدٌ يَنْبَغِي أَن يُرَاعى رَكْعَة من الْعَصْر لاجملتها عَلَى أَقَلِّ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ احْتِيَاطًا لِلدِّمَاءِ قَالَ اللَّخْمِيُّ بَلْ قَدْرُ الْإِحْرَامِ وَالرُّكُوعِ دُونَ السُّجُودِ وَالْقِرَاءَةِ لِإِدْرَاكِ السُّجُودِ بِالرُّكُوعِ عِنْدَ أَشْهَبَ لِلْخِلَافِ فِي الْقِرَاءَةِ وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ بِارْتِكَابِ الْمَعْصِيَةِ وَفِي الْجَوَاهِرِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ إِذَا بَقِيَ رَكْعَةٌ مِنَ الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ أَوْ جُمْلَةُ الصَّلَاةِ أَوْ فَوَاتُ الِاخْتِيَارِيِّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَجَمَاعَةُ الْمُتَأَخِّرِينَ يُنْخَسُ بِالْحَدِيدِ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يُصَلِّيَ قَالَ سَنَدٌ قِيلَ تُضْرَبُ عُنُقُهُ وَيُقْتَلُ عِنْدَ مَالِكٍ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَقَالَ (ش)

ص: 483

وَالْعِرَاقِيُّونَ مِنَّا لَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الزَّكَاةِ لِدُخُولِ النِّيَابَةِ فِيهَا فَيُمْكِنُ أَخْذُهَا مِنْهُ قَهْرًا فَهِيَ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَلَوْ قَالَ أُصَلِّي وَلَمْ يَفْعَلْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُبَالَغُ فِي عُقُوبَتِهِ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ وَلَا يُقْتَلُ لِعَدَمِ جَزْمِنَا بِتَصْمِيمِهِ عَلَى الْمُخَالَفَةِ وَقِيلَ يُقْتَلُ لِكَوْنِهِ لَمْ يُقِمِ الصَّلَاةَ وَاللَّهُ تَعَالَى اشْتَرَطَ الْإِقَامَةَ وَإِذَا قُلْنَا يُقْتَلُ فَاخْتُلِفَ فِي اسْتِتَابَتِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَفِي كَوْنِهَا عَلَى الْوُجُوبِ أَوِ النَّدْبِ قَالَ وَأَرَى الْوُجُوبَ لِمَنْ يَجْهَلُ قَبُولَ تَوْبَتِهِ وَالِاسْتِحْبَابَ لِمَنْ يَعْلَمُهُ وَقَدِ اسْتَتَابَ عليه السلام ثُمَامَة الْأَسير ثَلَاثَة أَيَّام الْمَازرِيّ فَإِن امْتنع من فعل المنسيات من الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ يُقْتَلُ لِأَنَّ الشَّرْعَ عَيَّنَ وَقْتَ الذِّكْرِ لِلْمَنْسِيَّةِ كَوَقْتِ الْأَدَاءِ لِلْحَاضِرَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَاهُ لِوُقُوعِ الْخِلَافِ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْقَضَاءِ فَيَجُوزُ التَّأْخِيرُ عَلَى الْمُخْتَارِ

ص: 484

(كِتَابُ الصِّيَامِ)

قَالَ عِيَاضٌ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْإِمْسَاك قَالَ الله تَعَالَى {إِنِّي نذرت للرحمان صوما} أَيْ إِمْسَاكًا قَالَ النَّابِغَةُ

(خَيْلٌ صِيَامٌ وَخَيْلٌ غَيْرُ صَائِمَةٍ

تَحْتَ الْعَجَاجِ وَأُخْرَى تَعْلِكُ اللُّجُمَا)

وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ الصَّوْمُ الْإِمْسَاكُ عَنِ الطَّعَامِ وَصَامَ الْفَرَسُ أَيْ أَقَامَ عَلَى غَيْرِ عَلَفٍ وَهُوَ الْبَيْتُ الْمُتَقَدِّمُ عِنْدَهُ وَفَسَّرَهُ عِيَاضٌ بِمُطْلَقِ الْإِمْسَاكِ وَالصَّوْمُ ذَرْقُ النَّعَامَةِ وَالصَّوْمُ شَجَرٌ فِي لُغَةِ هُذَيْلٍ وَهُوَ فِي الشَّرْعِ الْإِمْسَاكُ عَنْ شَهْوَتَيِ الْفَمِ وَالْفَرْجِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا مُخَالَفَةً لِلْهَوَى فِي طَاعَةِ الْمَوْلَى فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ النَّهَارِ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ مَعَهُ إِنْ أَمْكَنَ فِيمَا عَدَا زَمَنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَأَيَّامَ الْأَعْيَادِ وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ صَوْمٍ وَجَبَ فِي الْإِسْلَامِ فَقِيلَ عَاشُورَاءُ وَقِيلَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَأَوَّلُ مَا فُرِضَ مِنْ رَمَضَانَ خُيِّرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّعَامِ ثُمَّ نُسِخَ الْجَمِيعُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وَأُوجِبَ الصِّيَامُ إِلَى اللَّيْلِ وَأُبِيحَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَالْجِمَاعُ إِلَى أَنْ يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ أَوْ يَنَامَ فَيَحْرُمُ جَمِيعُ ذَلِكَ إِلَى الْفَجْرِ فَاخْتَانَ عُمَرُ رضي الله عنه امْرَأَتَهُ فِي أَنَّهَا نَامَتْ

ص: 485

وَوَطِئَهَا فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ من الْخَيط الْأسود من الْفجْر} وَاشْتُقَّتِ الشُّهُورِ مِنْ بَعْضِ عَوَارِضِهَا الَّتِي تَعْرِضُ فِيهَا فَرَمَضَانُ مِنَ الرَّمْضَاءِ الَّتِي هِيَ الْحِجَارَةُ الْحَارَّةُ لِأَنَّهُ قَدْ يَأْتِي فِي الْحَرِّ وَشَوَّالٌ من شيل الْإِبِل أذنا بهَا لِذُبَابٍ يَعْرِضُ لَهَا وَذُو الْقِعْدَةِ أَوَّلُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ فَيُقْعَدُ فِيهِ عَنِ الْقِتَالِ وَذُو الْحِجَّةِ لِوُقُوعِ الْحَجِّ فِيهِ وَيُقَالُ ذُو قِعْدَةٍ وَذُو حِجَّةٍ بِالتَّنْكِيرِ وَالتَّعْرِيفِ وَالْمُحَرَّمُ مِنْ تَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِيهِ وَصَفَرٌ مِنَ الصِّفْرِ بِالْكَسْرِ الَّذِي هُوَ الْخُلُوُّ فَإِنَّ الطُّرُقَاتِ يَقِلُّ سَالِكُهَا بِسَبَبِ ذَهَابِ الْأَمْنِ لِانْسِلَاخِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَالرَّبِيعَانِ مِنْ رَبِيعِ الْعُشْبِ لِأَنَّهُ قَدْ يَأْتِي فِيهِمَا وَالْجُمَادِيَّانِ مِنْ جَمَادِ الْمَاءِ لِأَنَّهُمَا قَدْ يَأْتِيَانِ فِي الْبَرْدِ وَرَجَبٌ شَهْرٌ حَرَامٌ وَالتَّرْجِيبُ التَّعْظِيمُ وَشَعْبَانُ مِنَ التَّشَعُّبِ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَخْتَلِفُ فِيهِ وَتُظْهِرُ الْقِتَالَ لِخُرُوجِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَيُرْوَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم َ - قَالَ

لَا تَقُولُوا جَاءَ رَمَضَانُ فَإِنَّ رَمَضَانَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنْ قُولُوا جَاءَ شَهْرُ رَمَضَانَ وَالثَّابِتُ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم َ -

مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ فَجَعَلَهُ اسْمًا لِلشَّهْرِ قَالَ الْفَرَّاءُ وَيُجْمَعُ عَلَى رَمَضَانِينَ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ يُجْمَعُ عَلَى أَرْمِضَاءٍ وَرَمَضَانَاتٍ وَيُقَالُ رَمِضَ يَوْمُنَا بِكَسْرِ الْمِيمِ يَرْمَضُ بِفَتْحِهَا إِذَا كثر حره

ص: 486

قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ فَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَهُ كَفَرَ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَإِنِ اعْتَرَفَ بِوُجُوبِهِ وَلَمْ يَصُمْهُ خَرَجَ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ وَفِي الْكِتَابِ عَشَرَةُ أَبْوَابٍ

ص: 487

(الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي أَسْبَابِ الْوُجُوبِ وَالطُّرُقِ)

أَمَّا الْأَسْبَابُ فَسِتَّةٌ النَّذْرُ وَقَتْلُ الْخَطَأِ وَالظِّهَارُ وَالْحِنْثُ وَاخْتِلَالُ النُّسُكِ وَسَتَأْتِي وَظُهُورُ الْهِلَالِ وَأَمَّا الطُّرُقُ الْمُثْبِتَةُ لِلْهِلَالِ قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ هِيَ سِتَّةٌ رُؤْيَةُ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ وَالرُّؤْيَةُ الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ إِمَامٌ أَوْ فِيهِ لَكِنْ لَا يُعْنَى بِأُمُورِ النَّاسِ أَوْ تُنْقَلُ إِلَى بَلَدٍ عَمَّا ثَبَتَ فِي بَلَدٍ آخَرَ عَلَى الْمَشْهُورِ

فُرُوعٌ سَبْعَةٌ الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ وَيَصُومُ وَحْدَهُ فَإِنْ أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَيَجِبُ أَنْ يُعْلِمَ الْإِمَامَ لَعَلَّ غَيْرَهُ يُوَافِقُهُ قَالَ سَنَدٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدًا أَوْ فَاسِقًا أَوِ امْرَأَةً أَوْ مَجْهُولًا لِانْعِدَامِ الْفَائِدَةِ وَفِي الْجَوَاهِرِ قِيلَ يَرْفَعُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُرْجَى قَبُولُ شَهَادَتِهِ رَجَاءَ الِاسْتِفَاضَةِ وَيَثْبُتُ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ وَمَنَعَ سَحْنُونٌ إِنْ كَانَتِ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً وَالْمِصْرُ كَبِيرٌ وَلَا يَثْبُتُ شَوَّالٌ إِلَّا بِاثْنَيْنِ وَنَقَلَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ ثُبُوتَهُ بِالْوَاحِدِ وَقَالَ (ش) وَابْنُ حَنْبَلٍ يَثْبُتُ رَمَضَانُ بِالْوَاحِدِ وَخَصَّصَهُ (ح) بِالْغَيْمِ قَالَ اللَّخْمِيُّ جَوَّزَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ الصَّوْمَ وَالْفِطْرَ

ص: 488

بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عَنْ رُؤْيَةِ نَفْسِهِ أَوْ رُؤْيَةِ غَيره لقَوْله صلى الله عليه وسلم َ -

إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَأَجَازَ الصَّوْمَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ الْفِطْرُ آخِرَ النَّهَارِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَإِنْ قِيلَ الْمُؤَذِّنُ كَالْوَكِيلِ لِلنَّاسِ يُخْبِرُهُمْ قُلْنَا يَلْزَمُ إِذَا وَكَّلُوا مَنْ يَتَرَصَّدُ لَهُمُ الْهِلَالَ أَنْ يُقْبَلَ وَحْدَهُ وَفِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ ترا آى النَّاسُ الْهِلَالَ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - أَنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ جَوَابُهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ تَقَدُّمَ شَهَادَةِ غَيْرِهِ فَجَازَ تَقَدُّمُهُ وَيُعَضِّدُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ

صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ وَإِنْ شَهِدَ ذَوَا عَدْلٍ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا وَانْسُكُوا وَقِيَاسًا عَلَى شَوَّالٍ وَأَمَّا الْمُؤَذِّنُ فَإِنَّمَا قُبِلَ قَوْلُهُ فِي تَعْيِينِ أَوَّلِ النَّهَارِ وَإِلَّا فالصوم مَعْلُوم الْوُجُوب لابد مِنْهُ بِخِلَافِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الصَّوْمَ مَنُوطٌ بِالشَّاهِدِ قَالَ سَنَدٌ فَلَوْ حَكَمَ الْإِمَامُ بِالصَّوْمِ بِالْوَاحِدِ لَمْ يُخَالَفْ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ فَتْوَى لَا حُكْمٌ

تَمْهِيدٌ الْأَحْكَامُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مِنْهَا مَا لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالشَّهَادَةِ كَوُجُوبِ تَنْفِيذِ الدَّعَاوَى عِنْدَ الْحُكَّامِ وَمَا يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ كَالْفَتَاوَى مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ وَمَا اخْتُلِفَ فِي لُحُوقِهِ بِأَحَدِهِمَا كَمُخْبِرِ الْمُصَلِّي بِعَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَرَمَضَانَ وَغَيْرِهِمَا فَمَا حُكْمُ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي حَتَّى يَظْهَرَ الصَّوَابُ فِي إِلْحَاقِ الثَّالِثِ بِأَيِّهِمَا قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ الْحُقُوقُ مِنْهَا عَامٌّ فِي الْأَشْخَاصِ وَالْأَزْمَانِ كَالْفُتْيَا فَيُقْبَلُ فِيهِ الْوَاحِدُ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ فِي مُعَادَاةِ جُمْلَةِ الْأَئِمَّةِ وَخَاصٌّ لِمُعَيَّنٍ كَالدَّعْوَى عِنْدَ الْحَاكِمِ فَيُشْتَرَطُ الْعَدَدُ لِدَفْعِ التُّهْمَةِ بِعَدَاوَةِ الشَّاهِدِ بَاطِنًا وَرَمَضَانُ

ص: 489

لَا يَعُمُّ الْأَزْمَانَ وَإِنْ عَمَّ الْبُلْدَانَ فَاجْتَمَعَ فِيهِ الشَّبَهَانِ فَوَقَعَ الْخِلَافُ فِي أَيِّهِمَا يُغَلَّبُ وَقَوِيَ انْتِفَاءُ التُّهْمَةِ بِمُشَارَكَةِ الشَّاهِدِ فِي الْحُكْمِ وَكَذَلِكَ ضَعُفَتِ التُّهْمَةُ فِي الصَّلَاةِ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْمُصَلِّي لِكَوْنِهِ سَاعِيًا فِي قُرْبَةٍ فَأَشْبَهَ الْفَتْوَى فِي عَدَمِ التُّهْمَةِ الثَّانِي فِي الْجُلَّابِ إِذَا ثَبَتَ رَمَضَانُ فِي بَلَدٍ مِنَ الْبُلْدَانِ لَزِمَ الصَّوْمُ لِكُلِّ بَلَدٍ نُقِلَ إِلَيْهِمْ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِنْ كَانَ ثُبُوتُهُ بِالِاسْتِفَاضَةِ حَتَّى لَا يَكُونَ مِنْ بَابِ الْحُكْمِ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ثُبُوتُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ لِعُمُومِ حُكْمِهِ وَفِي أَبِي دَاوُدَ عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سَأَلَهُ لَمَّا قَدِمَ مِنَ الشَّامِ عَنْ هِلَالِ رَمَضَانَ مَتَى رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ قَالَ قُلْتُ رَأَيْتُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ أَنْتَ رَأَيْتَهُ قُلْتُ نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُهُ حَتَّى نُكْمِلَ الثَّلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ فَقُلْتُ لَهُ أَفَلَا نَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَا هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - وَأَجَابَ الْمَشْهُورُ عَنْ هَذَا أَنَّ الْمَدِينَةَ كَانَتْ مُصْحِيَةً وَلَمْ يُرَ فِيهَا فَقُدِّمَتِ الْمُشَاهَدَةُ عَلَى الْخَبَرِ خَبَرِ كُرَيْبٍ وَيَكُونُ ذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ هَكَذَا أمرنَا رَسُوله الله صلى الله عليه وسلم َ - أَن لَا نَرْجِعَ عَنِ الْيَقِينِ إِلَى الظَّنِّ مَعَ أَنَّ الْمَشْهُورَ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُرْصَدَ مَعَ الصَّحْوِ أَمْ لَا بَلْ قُضِيَ بِالثُّبُوتِ مُطْلَقًا فَيُشَكِلُ الْحَدِيثُ

قَاعِدَةٌ نَصَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَوْقَاتِ أَسْبَابًا لِلْأَحْكَامِ كَالْفَجْرِ وَالزَّوَالِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ كَمَا نَصَبَ الْأَفْعَالَ أَسْبَابًا نَحْوَ السَّرِقَةِ وَالزِّنَا وَالْأَوْقَاتُ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَقْطَارِ فَمَا مِنْ زَوَالٍ لِقَوْمٍ إِلَّا وَهُوَ فَجْرٌ لِقَوْمٍ وَعَصْرٌ لِقَوْمٍ وَمَغْرِبٌ لِقَوْمٍ وَنِصْفُ اللَّيْلِ لِقَوْمٍ بَلْ كُلَّمَا تَحَرَّكَتِ الشَّمْسُ دَرَجَةً فَتِلْكَ الدَّرَجَةُ بِعَيْنِهَا هِيَ فَجْرٌ وَطُلُوعُ شَمْسٍ وَزَوَالٌ وَغُرُوبٌ وَنِصْفُ لَيْلٍ وَنِصْفُ نَهَارٍ وَسَائِرُ أَسْمَاءِ الزَّمَانِ يُنْسَبُ إِلَيْهَا بِحَسَبِ أَقْطَارٍ مُخْتَلِفَةٍ وَخَاطَبَ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ قَوْمٍ بِمَا يَتَحَقَّقُ فِي قُطْرِهِمْ لَا فِي قُطْرِ غَيرهم

ص: 490

فَلَا يُخَاطَبُ أَحَدٌ بِزَوَالِ غَيْرِ بَلَدِهِ وَلَا يفجره وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْهِلَالُ مَطَالِعُهُ مُخْتَلِفَةٌ فَيَظْهَرُ فِي الْمَغْرِبِ وَلَا يَظْهَرُ فِي الْمَشْرِقِ إِلَّا فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ بِحَسَبِ احْتِبَاسِهِ فِي الشُّعَاعِ وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ لِمَنْ يَنْظُرُ فِيهِ وَمُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ أَنْ يُخَاطَبَ كُلُّ أَحَدٍ بِهِلَالِ قُطْرِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ غَيْرِهِ وَلَوْ ثَبَتَ بِالطُّرُقِ الْقَاطِعَةِ كَمَا لَا يَلْزَمُنَا الصُّبْحُ وَإِنْ قَطَعْنَا بِأَنَّ الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ عَلَى مَنْ شَرق عَنَّا كَمَا قَالَه (ح) ، إِلَى هَذَا أَشَارَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ بِأَنَّ لِأَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ رُؤْيَتَهُمْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَلَا غَيْرِهِ مِنَ الْخُلَفَاءِ أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ إِلَى الْأَقْطَارِ وَيَبْعَثُ الْبَرِيدَ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ الْهِلَالَ فَصُومُوا بَلْ كَانُوا يَتْرُكُونَ النَّاسَ مَعَ مَرْئِيِّهِمْ فَيَصِيرُ حَدًّا مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَيُشْكِلُ عَلَى هَذَا الْمَشْهُورُ وَقَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَيْضًا فِي قَصْرِهِ اللُّزُومُ عَلَى مَحَلِّ الْوِلَايَةِ فِي الْحُكْمِ دُونَ الِاسْتِفَاضَةِ وَكَذَلِكَ إِذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَحُكِمَ بِهِ بِالشَّاهِدَيْنِ إِنْ حُكِمَ بِهِ عَلَى أَهْلِ قُطْرِهِ لَا يَتَعَدَّاهُمْ أَوْ عَلَى غَيْرِهِمْ فَيَنْبَغِي أَلَّا يُنَفَّذَ حُكْمُهُ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِغَيْرِ سَبَبٍ وَكُلُّ حُكْمٍ بِغَيْرِ سَبَبٍ لَا يَلْزَمُ وَلَا يُنَفَّذُ الثَّالِثُ فِي الْكِتَابِ لَا يُقْبَلُ فِي ذِي الْحِجَّةِ إِلَّا عَدْلَانِ قَالَ سَنَد إِن رأى شوالا وَاحِدًا قَالَ مَالِكٌ لَا يُفْطَرُ سَدًّا لِذَرِيعَةِ الْمُتَهَاوِنِينَ وَقَالَ عبد الْملك فِي الْفطر بِقَلْبِه وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَأْكُلُ بِحَيْثُ لَا يُرَى وَقَالَ أَشْهَبُ إِنْ ظُهِرَ عَلَيْهِ فِي وَلَمْ يَذْكُرْهُ قَبْلَ ذَلِكَ عُوقِبَ إِنِ اتُّهِمَ وَقَالَ ابْن جنبل لَا يُفْطِرُ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ وَاحْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ لَنَا قَوْله صلى الله عليه وسلم َ -

وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ وَقَدْ رُئِيَ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ إِنْ لَمْ يَخَفِ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا أَوْ لَهُ عُذْرٌ فَالْمَذْهَبُ الْفِطْرُ

ص: 491

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ وَأَمِنَ مِنَ الِاطِّلَاع فالمهشور لَا يفْطر سدا لذريعة المتهاونين الْفطر لِوُجُودِ السَّبَبِ فَإِنْ شَهِدَ عَلَى رَمَضَانَ شَاهِدَانِ وَلَمْ مَعَ الصَّحْوِ فَكَمَالُ الْعِدَّةِ قَالَ مَالِكٌ يُكْمِلُ عِدَّةَ شَعْبَانَ خِلَافًا لِ (ش) لَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِرَمَضَانَ وَآخَرُ بِشَوَّالٍ قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ لَا يُفْطَرُ بِشَهَادَتِهِمَا لِوُجُوبِ إِكْمَالِ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ بِالْبَيِّنَةِ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ إِنْ كَانَتْ شَهَادَةُ الثَّانِي بَعْدَ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ منْ شَهَادَةِ الْأَوَّلِ لَا تُلَفَّقُ لِعَدَمِ اجْتِمَاعِهِمَا أَوْ بَعْدَ ثَلَاثِينَ جَرَى تَلْفِيقُهُمَا عَلَى الْخِلَافِ فِي تَلْفِيقِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَفْعَالِ الرَّابِعُ فِي الْجُلَّابِ لَوْ رُئِيَ الْهِلَالُ بَعْدَ الزَّوَالِ فَلِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ اتِّفَاقًا أَوْ قَبْلَهُ فَلِلْمُسْتَقْبَلَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَ (ح وش) وَلِلْمَاضِيَةِ عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ وَوَافَقَ ابْنُ حَنْبَلٍ فِي أول رَمَضَان وَخَالف فِي آخِره احْتِيَاط لِلصَّوْمِ لَنَا أَنَّ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ رِوَايَةً زِيدَ فِيهَا بَعْدَ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنَّهُ يَتِمُّ الْهِلَالُ أَوَّلَ النَّهَارِ فَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ بِالْأَمْسِ سَبَبُ عَدَمِ رُؤْيَتِهِ حُصُولُهُ فِي شُعَاعِ الشَّمْسِ فَرُبَّمَا تَخَلَّصَ مِنْهُ فِي الْعَصْرِ فَهُوَ الْهِلَالُ الصَّغِيرُ وَرُبَّمَا تَخَلَّصَ فِي الظُّهْرِ أَوْ قَبْلَهُ وَهُوَ الْهِلَالُ الْكَبِيرُ فَإِنَّهُ كُلَّمَا بَعُدَ زَمَانُ التَّخَلُّصِ نَقَصَ الْهِلَالُ مِنَ الشَّمْسِ وَلَمَّا كَانَتِ الْأَهِلَّةُ تَكْبُرُ وَتَصْغُرُ وَيَخْتَلِفُ زَمَانُ خُرُوجِهَا مِنَ الشُّعَاعِ تَرَجَّحَ الْبَقَاءُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ صَوْمٍ أَوْ فِطْرٍ عَمَلًا بِالْأَصْلِ وَلَمَّا كَانَ الْغَالِبُ تَخَلُّصَهُ لِلَّيْلَةِ الْآتِيَةِ بَعْدَ الزَّوَالِ كَانَتْ رُؤْيَتُهُ مُتَخَلِّصَةً قَبْلَهُ لِيُشْعَرَ تَخْلِيصُهُ مِنَ اللَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ لَا سِيَّمَا أَنَّهُ بَعِيدٌ مِنَ الشَّمْسِ جِدًّا فَهَذَا سَبَبُ الْخِلَافِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ الْخَامِسُ فِي الْجُلَّابِ إِذَا أُشْهِدَ عَلَيْهِ وَجَبَ الْكَفُّ وَالْقَضَاءُ وَعَلَى شَوَّالٍ وَجَبَ الْفِطْرُ وَالصَّلَاةُ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَلَا يُصَلُّوا السَّادِسُ قَالَ سَنَدٌ لَوْ تَوَالَى الْغَيْمُ شُهُورًا قَالَ مَالِكٌ يُكْمِلُونَ عِدَّةَ الْجَمِيعِ حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُهُ اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ وَيَقْضُونَ إِنْ تَيَقَّنَ لَهُمْ خِلَافُ

ص: 492

إِثْبَات الْهِلَالِ بِالْحِسَابِ خِلَافًا لِلدَّاوُدِيِّ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَأما قَوْله صلى الله عليه وسلم َ -

فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ فَلَيْسَ الْمُرَادُ تَقْدِيرَ سَيْرِ الْقَمَرِ فِي الْمَنَازِلِ لِقَوْلِهِ فِي مُسْلِمٍ

فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ وَالْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَلِأَنَّ مَعْنَاهُ اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ أَيْ مِقْدَاره وَهُوَ ثَلَاثُونَ لذَلِك لَا يجِئ شَهْرٌ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ إِلَّا نَاقِصًا

فَائِدَةٌ غُمَّ مَعْنَاهُ خَفِيَ بِغَيْمٍ أَوْ غَيْرِهِ وَمِنْهُ الْغَيْمُ لإخفائه السَّمَاء وَالْغَم لِأَنَّهُ سَاتِر للقلب والأغم مَسْتُور الجبه لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي إِثْبَاتِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ بِالْحِسَابِ فِي الْآلَاتِ بِالْمَاءِ وَالرَّمْلِ وَغَيْرِهِمَا وَعَلَى ذَلِكَ أَهْلُ الْأَمْصَارِ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ زَمَنَ الشِّتَاءِ عِنْدَ الْأَمْطَارِ وَالْغُيُومِ فَمَا الْفَرْقُ جَوَابُهُ أَنَّ لِلْإِثْبَاتِ أَسْبَابًا مَنْصُوبَةً فَإِنْ عَلِمَ السَّبَبَ لَزِمَهُ حُكْمُهُ مِنْ غَيْرِ شَرْعٍ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ بَلْ يَكْفِي الْحِسُّ وَالْعَقْلُ وَحُصُولُ الْهِلَالِ خَارِجَ الشُّعَاعِ لَيْسَ بِسَبَبٍ بَلْ ظُهُورُهُ لِلْحِسِّ فَمَنْ تَسَبَّبَ لَهُ بِغَيْرِ الْبَصَرِ مُعْتَمِدًا عَلَى الْحِسَابِ لم يُوجد فِي حَقه السَّبَب فَلَا يرتب عَلَيْهِ حُكْمٌ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى فِي الصَّلَاة {أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس} وَمَا قَالَ صُومُوا للهلال بل قَالَ {من شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه} فَجَعَلَ السَّبَبَ الْمُشَاهَدَةَ لَهُ دُونَهُ قَالَ سَنَدٌ فَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ يَرَى الْحِسَابَ فَأَثْبَتَ الْهِلَالَ بِهِ لَمْ يُتَّبَعْ لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَى خِلَافِهِ

ص: 493

(الْبَابُ الثَّانِي فِي شُرُوطِهِ)

وَهِيَ تِسْعَةٌ وَهِيَ كُلُّهَا لِلْوُجُوبِ إِلَّا النِّيَّةَ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ الْبُلُوغُ وَسَيَأْتِي صَوْمُ الصِّبْيَانِ فِي بَابِ التَّطَوُّعِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الشَّرْطُ الثَّانِي الْعَقْلُ وَفِي الْجَوَاهِرِ الْجُنُونُ يَمْنَعُ الصِّحَّةَ بِخِلَافِ اسْتِتَارِهِ بِالنَّوْمِ مُطْلَقًا أَوْ بِالْإِغْمَاءِ عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي وَفِي الْكِتَابِ إِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ جُمْلَةَ النَّهَارِ أَوْ أَكْثَرَهُ لَمْ يُجْزِهِ صَوْمُهُ وَإِنْ مَضَى أَكْثَرُهُ قَبْلَ الْإِغْمَاءِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْفَجْرِ إِلَى نِصْفِهِ أَوْ نَامَ جَمِيعَهُ أَجْزَأَهُ قَالَ سَنَدٌ إِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْفَجْرِ حَتَّى طلع فَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا يَلْزَمُهُ الْكَفُّ وَقَالَ أَشْهَبُ يُجْزِئُهُ وَقَالَ (ح) يُجْزِئُهُ مُطْلَقًا وَلَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ جُمْلَةَ الشَّهْرِ لِأَنَّ مَا لَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ قَلِيلُهُ لَا يُبْطِلُهُ كَثِيرُهُ كَالسَّفَرِ وَالنَّوْمُ عَكْسُهُ الْحَيْضُ وَقَالَ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ يَسِيرُهُ يُفْسِدُهُ وَلَوْ فِي وَسَطِ النَّهَارِ كَالْحَيْضِ وَقَالَ (ش) وَابْنُ حَنْبَلٍ تَكْفِي إِفَاقَتُهُ فِي جُزْءٍ مِنَ النَّهَارِ لِتَحْصُلَ النِّيَّةُ

تَمْهِيدٌ الْإِغْمَاءُ يُشْبِهُ النَّوْمَ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ الْعَقْلِ وَيُشْبِهُ الْحَيْضَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ فَمَنْ غَلَّبَ شَبَهَ النَّوْمِ لَمْ يُبْطِلْ مُطْلَقًا أَوْ شَبَهَ الْحَيْضِ أَبْطَلَ

ص: 494

مُطْلَقًا وَمَنْ سَوَّى رَجَّحَ بِأَمْرٍ خَارِجٍ وَهُوَ أكثرية النَّهَار وَأَن لَا يُصَادِفَ أَوَّلَ أَجْزَاءِ الْعِبَادَةِ فَإِنَّ عَدَمَهُ شَرْطٌ وَشَأْنُ الشَّرْطِ التَّقَدُّمُ عَلَى أَوَّلِ الْأَجْزَاءِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَاحَظَ وُجُودَ النِّيَّةِ فَقَطْ مَعَ تَجْوِيزِ إِيقَاعِهَا عِنْدَهُ فِي النَّهَارِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَالْحُكْمُ فِي الْجُنُونِ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ أَيْسَرَ النَّهَارِ أَوْ أَكْثَرَهُ مِثْلُ الْإِغْمَاءِ وِفَاقًا وَخِلَافًا وَهَذَا خِلَافُ مَا فِي الْجَوَاهِرِ وَالْجُلَّابِ وَالتَّنْبِيهِ لِأَبِي الطَّاهِرِ فَإِنَّهُمْ قَسَّمُوا الْإِغْمَاءَ وَلَمْ يُقَسِّمُوا الْجُنُونَ وَوَافَقَهُمَا صَاحِبُ التَّلْقِينِ فَقَالَ الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ يَمْنَعَانِ مِنَ ابْتِدَاءِ الصَّوْمِ وَقَدْ يَمْنَعَانِ مِنَ اسْتِصْحَابِهِ عَلَى وَجْهِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْإِغْمَاءِ الْمَرَضُ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إِنْ كَانَ مَرَضٌ أَجْزَأَهُ وَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ عَلَى مَنْ أَذْهَبَ عَقْلَهُ السُّكْرُ لَمْ يُجْزِهِ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ فِطْرُ بَقِيَّتِهِ وَفِي الْكِتَابِ لَوْ بَلَغَ مُطَبِّقًا سِنِينَ قَضَى الصَّوْمَ دُونَ الصَّلَاةِ وَلَا يَقْضِي عِنْدَ (ح وش) كَالصِّبَا لَنَا أَنَّهُ مَرَضٌ فَيَنْدَرِجُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سفر فَعدَّة من أَيَّام أخر} قَالَ سَنَدٌ وَكَذَلِكَ لَوْ بَلَغَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ وَفِي الْجُلَّابِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِيمَا أَظُنُّهُ إِنْ بَلَغَ مَجْنُونًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِاسْتِقْرَارِ عَدَمِ التَّكْلِيفِ عَلَيْهِ وَإِذَا قُلْنَا بِالْقَضَاءِ قَالَ مَالِكٌ إِنَّمَا يَقْضِي مِثْلَ الْخَمْسِ سِنِينَ فَأَمَّا الْعَشَرَةُ فَلَا لِكَثْرَةِ الْمَشَقَّةِ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ إِنْ بَلَغَ غَيْرَ مُطْبِقٍ وَقَلَّتِ السُّنُونُ وَجَبَ الْقَضَاءُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَثُرَتِ السُّنُونُ فَفِي الْمَذْهَبِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْقَضَاءُ مُطْلَقًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَنَفْيُهُ مُطْلَقًا وَنَفْيُهُ مَعَ كَثْرَةِ السِّنِينَ نَحْوَ الْعَشَرَةِ الشَّرْطُ الثَّالِثُ الْإِسْلَامُ وَكَوْنُهُ شَرْطًا فِي الْوُجُوبِ يَتَخَرَّجُ عَلَى كَوْنِهِمْ مُخَاطَبِينَ بِالْفُرُوعِ وَفِي الْكِتَابِ مَنْ أَسْلَمَ فِي رَمَضَانَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى مِنْهُ وَالْأَحْسَنُ قَضَاءُ يَوْمِ إِسْلَامِهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم َ -

الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ

ص: 495

الشَّرْطُ الرَّابِعُ الطَّهَارَةُ مِنَ الْحَيْضِ بِخِلَافِ الْجَنَابَةِ لقَوْله تَعَالَى {فَالْآن باشروهن} إِلَى قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود من الْفجْر} وَلَوْلَا ذَلِكَ لَوَجَبَ الْإِمْسَاكُ قَبْلَ الْفَجْرِ لِلْغُسْلِ وَفِي الْمُوَطَّأِ كَانَ صلى الله عليه وسلم َ - لَيُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ يَصُومُ وَفِي الْكِتَابِ إِنْ رَأَتِ الطُّهْرَ قَبْلَ الْفَجْرِ اغْتَسَلَتْ بَعْدَهُ وَأَجْزَأَهَا الصَّوْمُ وَإِلَّا أَكَلَتْ ذَلِكَ الْيَوْمَ قَالَ سَنَدٌ قَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ إِنْ أَخَّرَتْهُ بِتَفْرِيطٍ لَمْ يُجْزِهَا وَقِيلَ لَا يُجْزِيهَا بِحَالٍ تَسْوِيَةً بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَقَالَ مَالِكٌ أَيْضًا إِنْ أَمْكَنَهَا الْغُسْلُ فَلم تفعل وَإِن كَانَ الْوَقْتُ ضَيِّقًا لَا يَسَعُ فَلَا لِأَنَّ التَّمَكُّنَ مِنَ الطِّهَارَةِ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ فَيَكُونُ شَرْطًا فِي الصَّوْمِ وَقِيلَ تَصُومُ وَتَقْضِي احْتِيَاطًا وَفِي الْكِتَابِ إِنْ شَكَّتْ فِي تَقَدُّمِ الطُّهْرِ قَبْلَ الْفَجْرِ صَامَتْ وَقَضَتْ قَالَ قَالَ الْبَاجِيُّ من الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ هَذِهِ رِوَايَةٌ بِأَنَّ الْحُيَّضَ لَا تَقْطَعُ النِّيَّةَ السَّابِقَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بَلْ رِوَايَةٌ فِي جَوَازِ الصَّوْمِ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ قَالَ سَنَدٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ مَالِكًا لَمْ يُعَيِّنْ ذَلِكَ وَسَطَ الشَّهْرِ فَيَصِحُّ الْأَوَّلُ وَلَا قَالَ يُجْزِيهَا الصَّوْمُ فَيَصِحُّ الثَّانِي بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالصَّوْمِ الْإِمْسَاكَ فَلَمْ يُخَالِفْ أَصْلَهُ الشَّرْطُ الْخَامِسُ الْقُدْرَةُ قَالَ اللَّخْمِيُّ الْمَرَضُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ خَفِيفٌ لَا يَشُقُّ مَعَهُ الصَّوْمُ وَشَاقٌّ لَا يَتَزَيَّدُ بِالصَّوْمِ وَشَاقٌّ يَتَزَيَّدُ أَوْ تَنْزِلُ عِلَّةٌ أُخْرَى وَشَاقٌّ يُخْشَى طُولُهُ بِالصَّوْمِ فَحُكْمُ الْأَوَّلِ كَالصَّحِيحِ وَالثَّانِي التَّخْيِيرُ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ لَيْسَ لَهُمَا الصَّوْمُ فَإِنْ صَامَا أَجْزَأَهُمَا وَالضَّعِيفُ الْبِنْيَةِ إِنْ لَمْ يُجْهِدْهُ الصَّوْمُ لَزِمَهُ وَإِنْ أَجْهَدَهُ فَقَطْ كَانَ مُخَيَّرًا أَوْ خَافَ حُدُوثَ عِلَّةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ الصَّوْمُ وَلَا قَضَاءَ إِنْ أَفْطَرَ مَا دَامَ كَذَلِكَ فَإِنْ تَغَيَّرَتْ حَالَتُهُ قَضَى وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ إِنْ قَدَرَ عَلَى الصِّيَامِ مِنْ غَيْرِ جُهْدٍ إِلَّا أَنَّهُ يَخْشَى التَّزَيُّدَ بِالصَّوْمِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَجُوزُ لَهُ

ص: 496

الْفِطْرُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الصَّوْمِ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ الشَّرْطُ السَّادِسُ الزَّمَنُ الْقَابِلُ لِلصَّوْمِ قَالَ اللَّخْمِيُّ الْأَيَّامُ الْمَنْهِيُّ عَنْ صِيَامِهَا ثَمَانِيَةٌ الْفِطْرُ وَالنَّحْرُ وَأَيَّامُ مِنًى وَأَيَّامُ الشَّكِّ وَالْجُمُعَةُ وَالسَّبْتُ أَنْ يَخُصَّ أَحَدَهُمَا بِصِيَامٍ أَمَّا الْعِيدَانِ فَبِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا أَيَّامُ مِنًى فَيُجَوِّزُ مَالِكٌ صِيَامَهَا لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ نَهَى صلى الله عليه وسلم َ - عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْفِطَرِ وَالْأَضْحَى وَمَفْهُومُهُ جَوَازُ مَا عَدَاهُمَا وَلِإِجْمَاعِ الْمَذْهَبِ عَلَى صَوْمِهِمَا لِلْمُتَمَتِّعِ بِخِلَافِ يَوْمِ الْعِيدِ وَأَجَازَ فِي الْمُدَوَّنَةِ الرَّابِعَ فَقَط لِأَن للمتعجل أَن يسْقطهُ وَقَالَ أَشهب يفْطر جَمِيعهَا وَإِن وَفِي التِّرْمِذِيِّ

لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلَّا فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ وَفِي الصَّحِيحِ

النَّهْيُ عَنْ تَخْصِيصِ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ

تَنْبِيهٌ الصَّوْمُ يَوْمَ الْعِيدِ لَا يَنْعَقِدُ قُرْبَةً وَالصَّلَاةُ تَنْعَقِدُ قُرْبَةً فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْجَمِيعُ مُحَرَّمٌ وَمَنْهِيٌّ عَنْهُ فَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ تَارَةً تَكُونُ الْعِبَادَةَ الْمَوْصُوفَةَ بِكَوْنِهَا فِي الْمَكَانِ أَوِ الزَّمَانِ أَوْ فِي حَالَةٍ مِنَ الْحَالَاتِ فَيَفْسُدُ لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَتَارَةً يَكُونُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ الصِّفَةَ الْمُقَارِنَةَ لِلْعِبَادَةِ فَلَا يَفْسُدُ وَالْعِبَادَةِ يَتَعَلَّقُ النَّهْيُ بِوَصْفٍ خَارِجٍ عَنِ الْعِبَادَةِ وَالْمُبَاشَرُ بِالنَّهْيِ فِي صَوْمِ الْعِيدِ هُوَ الصَّوْمُ الْمَوْصُوفُ بِكَوْنِهِ فِي الْيَوْمِ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ يَشْهَدُ لِذَلِكَ وَالْمُبَاشَرُ لِلنَّهْيِ فِي الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ إِنَّمَا هُوَ الْغَاصِبُ وَلَمْ يَرِدْ نَهْيٌ فِي الصَّلَاةِ الْمُقَارِنَةِ لِلْوَصْفِ بَلْ فِي الْغَصْبِ فَقَطْ وَالْقَضَاءُ عَلَى الصِّفَةِ لَا يَنْتَقِلُ لِلْمَوْصُوفِ وَلَا بِالْعَكْسِ كَمَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ شُرْبُ الْخَمْرِ مَفْسَدَةٌ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ شَارِبُ الْخَمْرِ مفْسدَة كَمَا لَا يَصح أَن يُقَال شَارِب الْخَمْرِ سَاقِطُ الْعَدَالَةِ فَظَهَرَ أَنَّ أَحْكَامَ الصِّفَاتِ لَا تَنْتَقِلُ إِلَى الْمَوْصُوفَاتِ وَظَهَرَ أَنَّ النَّهْيَ فِي الصَّوْمِ عَنِ الْمَوْصُوفِ وَفِي الصَّلَاةِ عَنِ الصِّفَةِ وَظَهَرَ الْفَرْقُ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ يَتَّجِهُ بِهَا كثير

ص: 497

مِنَ الْفُرُوعِ فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ وَمَوَارِدِ الشَّرْعِ الشَّرْطُ السَّابِعُ النِّيَّةُ وَفِي الْجَوَاهِرِ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ مُعَيَّنَةً لِخُصُوصِ الصَّوْمِ الَّذِي شُرِعَ فِيهِ مُبَيَّتَةً مِنَ اللَّيْلِ جَازِمَةً مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ وَفِي هَذِهِ الْقُيُودِ فُرُوعٌ سِتَّةٌ الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ إِنِ اعْتَقَدَ أَوَّلَ رَمَضَانَ مِنْ شَعْبَانَ يَكُفُّ وَيَقْضِي وَإِنْ أَكَلَ بَعْدَ عِلْمِهِ لَمْ يُكَفِّرْ إِلَّا أَنْ يَفْعَلَهُ مُنْتَهِكًا وَهُوَ يَعْلَمُ مَا يَلْزَمُ الْمُنْتَهِكَ أَمَّا الْإِمْسَاكُ فَلِقَوْلِهِ {فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه} فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ صَوْمًا شَرْعِيًّا وَلَمَّا بَطَلَ كَوْنُهُ شَرْعِيًّا أَيْضًا بَقِيَ الْأَصْلُ الْإِمْسَاكُ وَفِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّ أَسْلَمَ أَتَوْهُ صلى الله عليه وسلم َ - فَقَالَ

أَصُمْتُمْ يَوْمَكُمْ هَذَا فَقَالُوا لَا فَقَالَ أَتِمُّوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ وَاقْضُوا وَأَمَّا الْقَضَاءُ فَعَلَيْهِ إِنْ أَكَلَ أَوْ لَمْ يَأْكُلْ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَبْسُوطِ وَ (ح) يَكُفُّ وَيُجْزِئُهُ لِأَنَّ شُهُودَ الْهِلَالِ سَبَبُ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ وَلَمْ يَتَأَتَّ لَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ تَوْقِيتًا بِالسَّبَبِ الثَّانِي أَنَّ النِّيَّةَ وَاجِبَةٌ لِرَمَضَانَ وَيَمْنَعُ إِذَا تَعَيَّنَ الصَّوْمُ وَكَانَ مُقِيمًا صَحِيحًا لَنَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم َ - فِي النَّسَائِيِّ

لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم َ -

الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ وَالْقَاضِي قَالَ سَنَدٌ وَلَا تَصِحُّ عِنْدَ مَالِكٍ وَ (ش) إِلَّا مِنْ لَيْلَتِهِ لَا قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا وَقَالَ (ح) تجزيء قَبْلَ الزَّوَالِ فِي كُلِّ مُعَيَّنٍ كَرَمَضَانَ وَالنَّذْرِ وَشِبْهِهِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ

إِذَا لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ بَعْدَ الصَّبَاحِ ثُمَّ تَحَقَّقَ رَمَضَانُ أَمْسَكَ وَأَجْزَأَهُ وَلَا يَقْضِي لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم َ -

بَعَثَ إِلَى أَهْلِ الْعَوَالِي يَوْمَ عَاشُورَاءَ أَنَّ مَنْ أَكَلَ مِنْكُمْ فَيُمْسِكُ بَقِيَّةَ نَهَارِهِ وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلْيَصُمْ وَجَوَابُهُ مَنْعُ وُجُوبِ

ص: 498

الْيَوْمِ وَلَيْسَ فِيهِ عَدَمُ تَقَدُّمِ النِّيَّةِ لَنَا أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَتَقَدُّمُ بَعْضِ الْمَشْرُوطِ عَلَى الشَّرْطِ مُحَالٌ وَقَالَ (ح) يَكْفِي مُطْلَقُ النِّيَّةِ فِي رَمَضَانَ فِي الْحَضَرِ وَفِي كُلِّ صَوْمٍ مُعَيَّنٍ حَتَّى لَوْ نَوَى التَّطَوُّعَ وَقَعَ فَرْضًا لِحُصُولِ التَّعْيِينِ بِالزَّمَنِ وَقِيَاسًا عَلَى طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْحَجَّ صَعْبٌ صَحَّ فِيهِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُشْرَعْ فِي الْعُمْرِ إِلَّا مَرَّةً وَالْمُعَارَضَةُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الصَّلَاةِ

تَمْهِيدٌ قَدْ تَقَدَّمَتْ فِي الطَّهَارَةِ مَبَاحِثُ وَأَنَّهَا إِنَّمَا شُرِعَتْ لِتَمْيِيزِ الْعِبَادَاتِ عَنِ الْعَادَاتِ أَوْ لِتَمَيُّزِ مَرَاتِبِ الْعِبَادَاتِ فِي نَفْسِهَا فَمَتَى حَصَلَ التَّمْيِيزُ اسْتُغْنِيَ عَنْهَا وَهَذَا الشَّرْطُ هُوَ الَّذِي لَاحَظَ التَّمْيِيز حَاصِلٌ لِهَذِهِ الْعِبَادَةِ بِزَمَانِهَا وَلَا تَقَعُ إِلَّا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ يَتَعَيَّنُ زَمَانُهُ فَلِذَلِكَ حَصَلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى تَعْيِينِ النِّيَّةِ وَالْأَظْهَرُ اسْتِمْرَارُ إِبْقَاءِ زَمَانِهَا إِلَى الْفَجْرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ لِأَوَّلِ أَجْزَاءِ الْمَنْوِيِّ وَقِيلَ تَتَقَدَّمُ قَبْلَ الْفَجْرِ وتجزئ لقَوْله صلى الله عليه وسلم َ -

لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا تُعَادُ بِالنَّوْمِ وَالْأَكْلِ بَعْدَهَا خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ من الْفجْر} وَيَكْفِي فِي رَمَضَانَ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْن حَنْبَل خلافًا ل (ح وش) لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فليصمه} يَقْتَضِي صَوْمَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا وَأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ تُجْزِي بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ خُصِّصَ اللَّيْلُ وَبَقِيَ مَا عداهُ على الأَصْل وَلقَوْله صلى الله عليه وسلم َ -

لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ وَمُقْتَضَاهُ إِجْزَاءُ رَمَضَانَ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ لِعُمُومِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ خُصِّصَ مَا عَدَا الشَّهْرَ بِالْإِجْمَاعِ فَيبقى الشَّهْر

ص: 499

تَمْهِيدٌ الْمَنَوِيُّ ثَلَاثَةٌ عِبَادَةٌ مُتَّحِدَةٌ لَا يَتَخَلَّلُهَا شَيْءٌ تَكْفِي فِيهَا نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ إِجْمَاعًا وَعِبَادَةٌ يُمْكِنُ أَنْ يَتَخَلَّلَهَا غَيْرُهَا مِنْ جِنْسِهَا وَغَيْرِ جِنْسِهَا فَتَتَعَدَّدُ نِيَّاتُهَا اتِّفَاقًا وَعِبَادَةٌ يُمْكِنُ أَنْ يَتَخَلَّلَهَا غَيْرُ جِنْسِهَا فَقَطْ كَأَيَّامِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَتَخَلَّلُهَا الصَّلَاةُ وَالذِّكْرُ دُونَ الصَّوْمِ فَأَشْبَهَتِ الْعِبَادَةَ الْوَاحِدَةَ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ تَخَلُّلِ الْجِنْسِ وَالْعِبَادَاتِ مِنْ جِهَةِ تَخَلُّلِ غَيْرِ الْجِنْسِ فَالشَّبَهَانِ مَنْشَأُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَأَلْحَقَ مَالِكٌ الصَّوْمَ الْمُتَتَابِعَ بِرَمَضَانَ بِجَامِعِ التَّتَابُعِ وَفِي الْجَوَاهِرِ وَكَذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِ سَرْدُ الصَّوْمِ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ ذَلِكَ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ التَّجْدِيدُ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِيمَا لَا تَجِبُ مُتَابَعَتُهُ كَصَوْمِ الْمُسَافِرِ وَمَا لَا تَجِبُ مُتَابَعَتُهُ كَصَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس ثَلَاثَة أَقْوَال ثَالِثهَا يجزيء فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي قَالَ سَنَدٌ وَإِذَا سَافَرَ فِي رَمَضَانَ فَفِي احْتِيَاجِهِ لِتَبْيِيتِ النِّيَّةِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ قَوْلَانِ وَفِي التَّلْقِينِ لَا تَنْقَطِعُ نِيَّتُهُ بِطُرُوِّ السَّفَرِ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ وَقْتَ التَّحَتُّمِ وَتَنْقَطِعُ إِذَا وَقَعَتْ فِي السَّفَرِ وَطَرَأَتِ الْإِقَامَةُ لِوُقُوعِهَا حَالَةَ عَدَمِ التَّحَتُّمِ وَإِذَا سَهَا عَنِ الصَّوْمِ الْمُتَتَابِعِ وَأَصْبَحَ يَنْوِي الْفِطْرَ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ صَحَّ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا تُجْزِيهِ كَمَنْ خَرَجَ مِنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ إِلَى نَفْلِهَا وَالْحَيْضُ يُوجِبُ تَجْدِيدَ النِّيَّةِ لِأَنَّهَا تُبْطِلُ الْفِعْلِيَّةَ فَأولى الْحِكْمِيَّةَ الثَّالِثُ فِي الْكِتَابِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِذَا نَوَى بِرَمَضَانَ أَدَاءَ الْحَاضِرِ وَقَضَاءَ الْخَارِجِ أَجزَأَهُ وَعَلِيهِ قَضَاء الآخر وَقَالَهُ (ح وش) وَلَوْ نَوَى بِحَجَّتِهِ نَذْرَهُ وَفَرْضَهُ أَجْزَأَهُ لِنَذْرِهِ وَقَضَاءِ فَرْضِهِ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ صَاحِبُ النُّكَتِ اخْتُلِفَ فِي كَسْرِ الْخَاءِ مِنَ الْآخَرِ وَفَتْحِهَا وَالْفَتْحُ الصَّوَابُ وَالْفَرْقُ أَنَّ رَمَضَانَ شَهْرٌ وَقَدْ عَيَّنَهُ الشَّرْعُ لِلْحَاضِرِ فَيَكُونُ الْقَصْدُ لِلْآخَرِ قَصْدًا لِلْمُحَالِ الْمُسْتَحِيلِ وَالْحَجُّ عَلَى التَّرَاخِي وَيَكُونُ عَلَيْهِ الْإِطْعَامُ لِتَأْخِيرِ الْقَضَاءِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لَا إِطْعَامَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَضَاءِ صَوْمٌ وَإِذَا صَامَ رَمَضَانَ وَشَعْبَانَ عَنْ ظِهَارِهِ لَا يُجْزِئُهُ رَمَضَانُ لِفَرْضِهِ وَلَا لِظِهَارِهِ

ص: 500

وَالْفَرْقُ أَنَّهُ ههُنَا صَامَهُ عَنْ جِنْسِهِ وَأَجْزَأَهُ لِتَقَارُبِهِمَا بِخِلَافِ الظِّهَارِ قَالَ سَنَدٌ حُجَّةُ الْإِجْزَاءِ عَنِ الْخَارِجِ أَنَّ الصَّوْمَيْنِ فِي الذِّمَّةِ وَالْمُكَلَّفُ هُوَ الْمُعَيَّنُ كَالدُّيُونِ إِلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا عُيِّنَ لَهُ الزَّمَانُ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ قَابِلٌ لَهُمَا كَوَقْتِ الصَّلَاةِ إِذَا ضَاقَ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ لَهَا وَيَصِحُّ فِيهِ غَيْرُهَا مِنَ الصَّلَاةِ وَإِذَا قَبِلَهُمَا فأولاهما بِالْقضَاءِ أوجبهما وَقَالَ اشهب لَا يجزيء عَن وَاحِد مِنْهَا لِأَنَّهُ لَا يجزيء عَلَيْهِمَا إِجْمَاعًا وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ فَقِيَاسًا عَلَى مَا إِذَا أَحْرَمَ لِحَاضِرَةٍ وَفَائِتَةٍ عَنْ نَذْرِهِ وَفَرْضِهِ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَن رمضاان لَا يُقْبَلُ غَيْرُهُ وَهُوَ لَمْ يَبْقَ وَقَالَهُ (ش) وَحَيْثُ قُلْنَا لَا يُجْزِيهِ عَنْ فَرْضِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي فَرْضِهِ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يُكَفِّرُ كَفَّارَةَ الْمُتَعَمِّدِ الرَّابِعُ قَالَ صَاحِبُ النُّكَتِ مَنْ رَفَضَ صِيَامَهُ أَوْ صَلَاتَهُ كَانَ رَافِضًا بِخِلَافِ رَفْضِ الْإِحْرَامِ وَالْوُضُوءِ بَعْدَ كَمَالِهِ أَوْ فِي خِلَالِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ النِّيَّةَ مُرَادَةٌ لِلتَّمْيِيزِ وَالْحَجُّ وَالْوُضُوءُ مُمَيَّزَانِ بِمَكَانَيْهِمَا الْمُتَعَبَّدِ بِهِمَا وَالصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ لَمْ يُعَيَّنْ لَهُمَا مَكَانٌ فَكَانَ احْتِيَاجُهُمَا إِلَى النِّيَّةِ أَقْوَى وَأَثَّرُ الرَّفْضُ فِيهِمَا الْخَامِسُ فِي الْكِتَابِ النَّهْيُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ أَوَّلَ رَمَضَانَ وَقَالَهُ (ح وش) خِلَافًا لِابْنِ حَنْبَلٍ لِلتَّرَدُّدِ فِي النِّيَّةِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَصُومُهُ احْتِيَاطًا لَنَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم َ -

فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا إِشْكَالَانِ الْأَوَّلُ مَنْ شَكَّ فِي الْفَجْرِ لَا يَأْكُلُ وَمَنْ شَكَّ فِي رَمَضَانَ لَا يَصُومُ فَمَا الْفَرْقُ؟ الثَّانِي أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْفِعْلَ إِذَا دَارَ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ فُعِلَ كَمَا أَنه إِذا

ص: 501

دَارَ بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ تُرِكَ وَهَذَا دَارَ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ فَوَاجِبٌ أَوْ إِنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ فَمَنْدُوبٌ

وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ رَمَضَانَ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنَّمَا الْأَكْلُ بِاللَّيْلِ رُخْصَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {من شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه} وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْجَمِيعِ وَالْأَصْلُ فِي اللَّيْلِ الصَّوْمُ وَفِي شَعْبَانَ الْفِطْرُ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَالنَّدْبِ فَيَتَعَيَّنُ التَّرْكُ إِجْمَاعًا لِأَن النِّيَّة الجازمة شَرط وَهِي هَهُنَا مُتَعَذِّرَةٌ وَكُلُّ قُرْبَةٍ بِدُونِ شَرْطِهَا فَفِعْلُهَا حَرَامٌ فَإِنْ كَانَ صَوْمُهُ مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ حَرَامٌ لِعَدَمِ شَرْطِهِ أَوْ مِنْ شَعْبَانَ فَهُوَ مَنْدُوبٌ قَالَ سَنَدٌ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْأَكْلُ فِيهِ وَكَرِهَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ مَعَ الْغَيْمِ وَإِنْ صَامَهُ احْتِيَاطًا وَوَافَقَ رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِهِ عِنْدَ مَالِكٍ لِعَدَمِ تَعْيِينِ النِّيَّةِ خِلَافًا لِ ح عَلَى أَصْلِهِ فِي النِّيَّةِ وَلَا يُكْرَهُ صَوْمُهُ إِذَا وَافَقَ عَادَتَهُ خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم َ - فِي ابي دَاوُود لَا تُقَدِّمُوا شَهْرَ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ وَلَا بِيَوْمَيْنِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَوْمًا يَصُومُهُ رَجُلٌ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ وَلَا يُكْرَهُ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا خِلَافًا لِمُحَمَّدِ ابْن مَسْلَمَةَ لِجَزْمِ النِّيَّةِ وَالنَّهْيُ إِنَّمَا وَرَدَ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَمَضَانَ لِعَدَمِ الْجَزْمِ وَقَالَ أَبُو الطَّاهِرِ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا مَكْرُوهٌ لِمُوَافَقَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَصَوْمُهُ احْتِيَاطًا مَنْهِيٌّ عَنْهُ عَلَى نُصُوصِ الْمَذْهَبِ وَاسْتَقْرَأَ اللَّخْمِيُّ وَجُوبَهُ مِنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ عَلَى مَنْ شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ وَفِي أَحَدِ الْأَقْوَالِ فِي الْحَائِضِ تَتَجَاوَزُ عَادَتَهَا تَصُومُ وَتَقْضِي قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ السَّادِسُ فِي الْكِتَابِ إِذَا الْتَبَسَتِ الشُّهُورُ عَلَى الْأَسِيرِ فَصَامَ شَهْرًا يَظُنُّهُ رَمَضَانَ إِنْ صَادَفَ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِهِ لِكَوْنِهِ قَبْلَ سَبَبِ الْوُجُوبِ كَالظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ لِكَوْنِهِ قَضَاءً كَالظُّهْرِ بَعْدَ الْغُرُوبِ قَالَ سَنَدٌ قَالَ الْبَاجِيُّ يَتَخَرَّجُ الصَّوْمُ بَعْدَهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي إِجْزَاءِ الْأَدَاءِ عَنِ الْقَضَاءِ كَمَا لَوْ مَضَتْ لَهُ شُهُورٌ فَكَانَ صَوْمُهُ فِي شَعْبَانَ قَالَ سَحْنُونٌ يَقْضِي شَهْرًا وَاحِدًا وَقِيلَ الشُّهُورُ كُلُّهَا لِاخْتِلَافِ الْأَئِمَّةِ قَالَ وَالتَّخْرِيجُ بَاطِلٌ وَلَا يُعْرَفُ خِلَافٌ فِي إِجْزَاءِ الْأَدَاءِ عَنِ

ص: 502

الْقَضَاءِ وَإِنَّمَا مَنَعَ الْإِجْزَاءَ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِالثَّانِي قَضَاءَ الْأَوَّلِ وَلَا أَدَاءَهُ فَلَمْ تَرْتَبِطْ بِهِ النِّيَّة فَلَا يجزيء كَمَا لَوْ صَلَّى الْأَعْمَى الظُّهْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَيَّامًا لَمْ يَكُنِ الثَّانِي قَضَاءً عَنِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ ارْتِبَاطِهِ بِهِ قَضَاءً وَلَا أَدَاءً وَإِنَّمَا قِيلَ لِمَشَقَّةِ الصَّوْمِ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَوِ اسْتَمَرَّ الْأَسِيرُ سِنِينَ مُتَوَالِيَةً يَصُومُ قَبْلُ قَضَى الْجَمِيعَ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ سَنَدٌ فَلَوْ صَادَفَ شَوَّالًا أَوْ ذَا الْحِجَّةِ فَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ ثَلَاثِينَ وَشَوَّالٌ ثَلَاثِينَ قَضَى يَوْمًا أَوْ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ قَضَى يَوْمَيْنِ وَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَشَوَّالٌ ثَلَاثِينَ لَمْ يَقْضِ شَيْئًا وَلَا يُعِيدُ فِي النَّحْرِ لِيَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَيَعْمَلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَأَلْزَمَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ قَضَاءَ يَوْمَيْنِ مِنْ شَوَّالٍ إِنْ كَانَ قَضَاءً أَوْ يَوْمًا إِنْ كَانَ أَدَاءً وَلَمْ يَعْتَبِرْ رَمَضَانَ وَكَذَلِكَ فِي النَّحْرِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مَنْ أَفْطَرَ رَمَضَانَ كُلَّهُ لِعُذْرٍ قَضَى شَهْرًا تَامًّا وَالشَّهْرُ الْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أخر} بِخِلَافِ مَنْ عَلَيْهِ نَذْرٌ مُطْلَقٌ تَنَاوَلَ لَفْظَ الشَّهْرِ مِنَ الْهِلَالِ إِلَى الْهِلَالِ وَلَوْ لَمْ يَتَرَجَّحْ عِنْدَ الْأَسِيرِ شَيْءٌ قِيلَ يَصُومُ السَّنَةَ كمن نذر يَوْمًا ونسيه فَقيل يَصُومُ الْجُمُعَةَ وَقِيلَ وَمَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ جِهَةُ الْقِبْلَةِ صَلَّى أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ وَالْحَقُّ أَلَّا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ السَّبَبِ وَالْفَرْقُ أَنَّ رَمَضَانَ يَجُوزُ فِطْرُهُ لِلْعُذْرِ وَهَذَا مَعْذُورٌ حَتَّى يَطَّلِعَ وَالنَّذْرُ لَا يَجُوزُ فِطْرُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ وَكَذَلِكَ التَّوَجُّهُ لِلْبَيْتِ وَلَوْ تَحَرَّى شَهْرًا فَلَمَّا قَدِمَ نَسِيَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُعِيدُ كُلَّ حَتَّى يَتَيَقَّنَ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ

ص: 503

(الْبَابُ الثَّالِثُ فِي حَقِيقَتِهِ)

وَهِيَ الْإِمْسَاكُ عَنْ دُخُولِ كُلِّ (مَا) يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ غَالِبًا مِنَ الْمَنَافِذِ الْمَحْسُوسَةِ كَالْفَمِ وَالْأَنْفِ وَالْأُذُنِ إِلَى الْمعدة والإخراج كالجماع والاستمتاع وَالِاسْتِسْقَاء عَلَى الْخِلَافِ وَمَا يَجْرِي فِي ذَلِكَ يَكُونُ فِي أَحَدَ عَشَرَ فَرْعًا الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ الْقُبْلَةُ وَالْمُبَاشَرَةُ وَفِي الصَّحِيحِ كَانَ صلى الله عليه وسلم َ - يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ تَقُولُ (وَأَيُّكُمْ أَمْلَكُ) لِنَفْسِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - وَيُرْوَى أَرْبِهِ بِفَتْحِ الْأَلِفِ وَبِكَسْرِ الْأَلِفِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَكِلَاهُمَا حَاجَةُ النَّفْسِ قَالَ سَنَد وخصص (ح وش) وَالْقَاضِي الْحُرْمَةَ بِمَنْ تُحَرِّكُ الْقُبْلَةُ شَهْوَتَهُ وَالْمَذْهَبُ التَّسْوِيَةُ كَالِاعْتِكَافِ وَالْإِحْرَامِ وَالْكَرَاهَةُ تَحْرِيمٌ (عِنْدَ) الْقَاضِي وَتَنْزِيهٌ عِنْدَ غَيْرِهِ فَإِنْ أَنْزَلَ فَفِي الْكِتَابِ عَلَيْهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة وَأسْقط الْكَفَّارَة (ش وح) لِقُصُورِهِ عَنِ الْجِمَاعِ عَلَى قَصْدِ الْإِفْسَادِ وَفِي الْكِتَابِ لَوْ بَاشَرَ فَأَمْذَى أَوْ أَنْعَظَ أَوِ الْتَذَّ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَإِلَّا فَلَا وَأَسْقَطَ (ح وش) الْقَضَاءَ فِي الْمَذْيِ لِكَوْنِهِ كَالْبَوْلِ لِإِيجَابِ الْوُضُوءِ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ إِيجَابِهِ الْكَفَّارَةَ وَجَوَابُهُ الْقِيَاسُ عَلَى الْمَنِيِّ بِجَامِعِ اللَّذَّةِ وَأَمَّا عَدَمُ الْكَفَّارَةِ فَلِأَنَّ سُنَّتَهَا قَصْدُ الْإِفْسَادِ وَلَمْ يُوجَدْ قَالَ سَنَدٌ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الْقَضَاءِ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ خِلَافٌ فِي عَدَمِ تَحْرِيمِ الْمُبَاشَرَةِ لِلْإِنْسَانِ امْرَأَتَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ فَلَوْ نَظَرَ بلذة

ص: 504

فَأَنْزَلَ قَالَ مَالِكٌ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِلَّا أَنْ يُدِيمَ النَّظَرَ بِلَذَّةٍ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِالْإِنْزَالِ وَإِنْ لَمْ يُتَابِعْ كَالْقُبْلَةِ وَأَسْقَطَ (ح وش) الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ فَلَوْ نَظَرَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَأَمْذَى قَالَ مَالِكٌ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَأَسْقَطَهُ ابْنُ حَبِيبٍ إِذَا الْتَذَّ وَأَوْجَبَهُ إِذَا أَمْذَى وَلَوْ تَذَكَّرَ فَأَمْذَى فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي الْجَوَاهِرِ إِذَا لَمْ يُدِمِ الْفِكْرَ وَالنَّظَرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيُكْرَهُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ الثَّانِي فِي الْكِتَابِ إِنِ احْتَقَنَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ وَقَالَهُ الْأَئِمَّةُ وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْإِشْرَافِ لَا يُفْطِرُ كَمَا أَنَّ اللَّبَنَ إِذَا وُضِعَ فِي الدُّبُرِ لَا يُحَرَّمُ لَنَا أَنَّ الْحُقْنَةَ فِي الْأَمْعَاءِ وَالْكَبِدِ تَجْذِبُ مِنَ الْأَمْعَاءِ كَمَا تَجْذِبُ مِنَ الْمَعِدَةِ فَتُفْطِرُ وَأَمَّا الْإِرْضَاعُ فَلِأَنَّ الْحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِوَصْفِهِ نِيَّة لِأَنَّ اللَّبَنَ لَوِ اسْتُهْلِكَ بِطَعَامٍ لَا يُحَرَّمُ مَعَ إِغْذَائِهِ الثَّالِثُ كَرِهَ فِي الْكِتَابِ السَّعُوطَ وَقَالَ إِذَا وَصَلَ الْكُحْلُ فِي الْعَيْنِ أَوِ الدُّهْنُ فِي الْأُذُنِ إِلَى الْحَلْقِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَفِي الْجَوَاهِرِ إِذَا وَجَدَ طَعْمَ الدُّهْنِ الْمَوْضُوعِ عَلَى رَأْسِهِ فِي حَلْقِهِ أَفْطَرَ وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ لَا يُفْطِرُ بِالْكُحْلِ وَكَرِهَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ قَالَ سَنَدٌ يُكْرَهُ كُلُّ مَا لَا يُؤْمَنُ وُصُولُهُ إِلَى الْجَوْفِ وَلَا يُفْطِرُ مَا وَصَلَ إِلَى الدِّمَاغِ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ مُحْتَجِّينَ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم َ - وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ مَا لَمْ تَكُنْ صَائِمًا وَجَوَابُهُ حُذِرَ الْوُصُولُ إِلَى الْجَوْفِ وَيُعَضِّدُهُ أَنَّ التَّحْرِيمَ إِنَّمَا يَتَنَاوَلُ شَهْوَتَيِ الْفَمِ وَالْفَرْجِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَض} بَقِيَ مَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى الْأَصْلِ وَإِلَّا فَالْجَسَدُ يَتَغَذَّى مِنْ خَارِجِهِ بِالدُّهْنِ وَغَيْرِهِ وَلَا يفْطر إِجْمَاعًا

ص: 505

الرَّابِعُ مَنْ تَبَخَّرَ لِلدَّوَاءِ فَوَجَدَ طَعْمَ الدُّخَانِ فِي حلقه يقْضِي الصَّوْم بِمَنْزِلَة وجد ان الْكُحْلِ فِي الْعَيْنِ فِي الْحَلْقِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ لُبَابَةَ يُكْرَهُ اسْتِنْشَاقُ الْبَخُورِ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُفْطِرْ وَفِي التَّلْقِينِ يَجِبُ الْإِمْسَاكُ عَنِ الشُّمُومِ وَلَمْ يُفَصِّلْ قَالَ سَنَدٌ وَلَوْ حَكَّ الْحَنْظَلَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ فَوَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَوْ قَبَضَ عَلَى الثَّلْجِ فَوَجَدَ بَرَدًا فِي جَوْفِهِ لَمْ يُفْطِرْ وَأَبَاحَ مُطَرِّفٌ الْكُحْلَ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ الْإِثْمِدَ وَإِذَا قُلْنَا بِالْقَضَاءِ فَسَوَّى أَشْهَبُ بَيْنَ الْوَاجِبِ بِالنَّذْرِ وَغَيْرِهِ وَبَيْنَ التَّطَوُّعِ وَخَصَّصَهُ ابْنُ حَبِيبٍ بِالْوَاجِبِ وَالْمَنْعُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إِنَّمَا هُوَ بِالنَّهَارِ أَمَّا إِذَا جُعِلَتْ بِاللَّيْلِ فَلَا يَضُرُّ هُبُوطُهَا بِالنَّهَارِ اعْتِبَارًا بِمَا يُقْطَرُ مِنَ الرَّأْسِ مِنَ الْبَلْغَمِ الْخَامِسُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ لَا أَرَى فِي الإحليل شَيْئا وَلَا وَوَافَقَهُ (ح) وَابْنُ حَنْبَلٍ خِلَافًا لِ (ش) لَنَا أَنَّ الْكَبِدَ لَا يَجْذِبُ مِنَ الذَّكَرِ وَلَا مِنْ بِخِلَافِ الْحُقْنَةِ وَكَذَلِكَ ذُو الْجَائِفَةِ لَا يَصِلُ إِلَى الْكَبِدِ السَّادِسُ كَرِهَ فِي الْكِتَابِ الْحِجَامَةَ فَإِنْ فَعَلَ وَسَلِمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَهُ (ح وش) وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ يُفْطِرُ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم َ - أفطر الحاجم والمحجوم وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم َ - احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ يَحْتَمِلُ الْأَوَّلُ أَنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ فَسَمَّاهُمَا مُفْطِرَيْنِ بِذَهَابِ الْأَجْرِ أَوْ أَنَّ الْحَاجِمَ وَجَدَ طَعْمَ الدَّمِ وَالْمَحْجُومَ عَجَزَ عَنِ الصَّوْمِ أَوْ مَرَّ بِهِمَا آخِرَ النَّهَارِ فَكَأَنَّهُ عَذَرَهُمَا أَوْ دَعَا عَلَيْهِمَا السَّابِعُ كَرِهَ فِي الْكِتَابِ ذَوْقَ الْأَطْعِمَةِ وَوَضْعَ الدَّوَاءِ فِي الْفَمِ وَوَضْعَ الْعِلْكَ وَالطَّعَامِ لِلصَّبِيِّ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ سَنَدٌ فَإِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ وَلَمْ يَتَيَقَّنِ الِازْدِرَادَ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ إِفْطَارُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ وَقَاسُوا الطَّعْمَ عَلَى الرَّائِحَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّائِحَةَ لَا تَسْتَصْحِبُ مِنَ الْجِسْمِ شَيْئًا بِخِلَافِ الطَّعْمِ

ص: 506

السَّابِع فِي الْكِتَابِ إِذَا بَلَعَ فِلْقَةَ حَبَّةٍ بَيْنَ أَسْنَانِهِ أَوْ عَبَرَ حَلْقَهُ ذُبَابٌ لَا يَضُرُّهُ لتعذر الِاحْتِرَاز من ذَلِك وَقَالَهُ (ش وح) قَالَ سَنَدٌ وَفَطَّرَهُ سَحْنُونٌ بِالذُّبَابِ وَأَشْهَبُ بِالْفِلْقَةِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ مُصْعَبٍ إِنْ كَانَ سَاهِيًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَإِلَّا فَالْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ السَّهْوِ وَالْعَمْدِ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْفَمَ قَدِ اسْتَهْلَكَ مَا فِيهِ فَصَارَ كَالرِّيقِ وَفَطَّرَهُ (ش) وَابْنُ حَنْبَلٍ وَأَمَّا الْخُبْزُ الْمُتَمَيِّزُ وَاللَّحْمُ فَيُفْسِدُ الصَّوْمَ عِنْدَهُ الثَّامِنُ قَالَ سَنَدٌ فَإِنِ ابْتَلَعَ مَا لَا يُغَذِّي كَالْحَصَاةِ قَالَ سَحْنُونٌ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إِنْ تَعَمَّدَهُ وَإِلَّا فَالْقَضَاءُ فَقَطْ لِأَنَّهُ يُثْقِلُ الْمَعِدَةَ وَيَكْسِرُ سَوْرَةَ الْجُوعِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا شَيْءَ فِي سَهْوِهِ وَفِي عَمْدِهِ الْكَفَّارَةُ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ لَا يُفْطِرُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَيْسَ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا وَقَالَ مَالِكٌ يُفْطِرُ وَلَا يُكَفِّرُ مُطْلَقًا فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ وَغُبَارُ الطَّرِيقِ لَا يُفْطِرُ لِضَرُورَةِ الْمُلَابَسَةِ وَاخْتُلِفَ فِي غُبَارِ الدَّقِيقِ لِأَهْلِ صَنْعَتِهِ فَاعْتَبَرَهُ أَشْهَبُ وَأَلْغَاهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَفِي الْجَوَاهِرِ اخْتُلِفَ فِي غُبَارِ الْجَبَّاسِينِ أَوْلَى بِعَدَمِ الْإِفْطَارِ 0 التَّاسِعُ فِي الْكِتَابِ إِنْ سَبَقَهُ الْقَيْءُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ تَقَيَّأَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَقَالَهُ الْأَئِمَّةُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم َ - فِي أبي دَاوُود مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَإِنِ اسْتَقَاءَ فَلْيَقْضِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاسْتِقَاءَ يَتَعَلَّقُ بِاللَّهَوَاتِ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَصِيرُ كَالْأَكْلِ مُخْتَارًا وَفِي الْجُلَّابِ الْقَضَاءُ مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي لَاسْتَوَى مُخْتَارُهُ وَغَالِبُهُ كَالْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ إِذَا أُكْرِهَ عَلَيْهِمَا وَالْفَرْقُ مَا لِلنَّفْسِ فِيهِمَا مِنَ الْحَظِّ بِخِلَافِهِ بِشَهْوَتَيِ الْفَمِ وَالْفَرْجِ قَالَ سَنَدٌ وَأَوْجَبَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي عَمْدِهِ الْكَفَّارَةَ وَهَذَا الْخِلَافُ إِذَا لَمْ يَزْدَرِدْ مِنْهُ شَيْئًا أَمَّا لَوِ ازْدَرَدَ مُتَعَمِّدًا قَالَ سَحْنُونٌ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَانَ بَلْغَمًا أَوْ طَعَامًا وَالْخِلَافُ هَهُنَا مِثْلُ الْخِلَافِ فِي الْعَلَقَةِ يَبْتَلِعُهَا وَفِي الْجَوَاهِرِ رَوَى أَبُو أُوَيْسٍ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَإِنْ لَمْ يَزْدَرِدْ شَيْئًا قَالَ سَنَدٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَ ذَرْعِ الْقَيْءِ مِنْ عِلَّةٍ أَوِ امْتِلَاءِ قَلِيلِهِ أَوْ كَثِيرِهِ تَغَيَّرَ أَمْ لَا وَالْقَلْسُ كَالْقَيْءِ وَهُوَ مَا يَصْعَدُ مِنْ فَمِ الْمَعِدَةِ عِنْدَ

ص: 507

امْتِلَائِهَا فَإِنْ بَلَغَ إِلَى فِيهِ فَأَمْكَنَ طَرْحُهُ وَلَمْ يَفْعَلْ قَالَ مَالِكٌ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي سَهْوِهِ وَالْكَفَّارَةُ فِي جَهْلِهِ وَعَمْدِهِ وَرَجَعَ مَالِكٌ إِلَى الْقَضَاءِ فَإِنْ خَرَجَ الْبَلْغَمُ مِنَ الصَّدْرِ أَوِ الرَّأْسِ بِالتَّنَخُّمِ مِنْ طَرَفِ لِسَانِهِ قَالَ سَحْنُونٌ عَلَيْهِ فِي سَهْوِهِ الْقَضَاءُ وَأَسْقَطَهُ ابْنُ حَبِيبٍ إِلْحَاقًا بِالرِّيقِ وَلَوْ جَمَعَ رِيقَهُ فِي فَمِهِ ثُمَّ بَلَعَهُ قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ لَا يُفْطِرُ كَقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُفْطِرُ كَقَوْلِ سَحْنُونٍ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَوِ ابْتَلَعَ دَمًا خَرَجَ مِنْ سِنِّهِ قِيلَ لَا يُفْطِرُ الْعَاشِرُ إِذَا سَبَقَهُ الْمَاءُ مِنَ الْمَضْمَضَةِ يَقْضِي فِي الْوَاجِبِ دُونَ التَّطَوُّعِ قَالَ سَنَدٌ لَا تُكْرَهُ الْمَضْمَضَةُ لِلْحَرِّ وَالْعَطَشِ وَلَا لِغَيْرِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا تُكْرَهُ الْمُبَالَغَةُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مُدَاوَاةِ الْحَفْرِ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَعْلَقُ بِخِلَافِ الدَّوَاءِ وَكَرِهَ مَالِكٌ غَمْسَ الرَّأْسِ فِي الْمَاءِ لِلتَّغْرِيرِ بِالدُّخُولِ فِي الْأَنْفِ أَوِ الْفَمِ فَإِنْ غَلَبَهُ قَالَ أَشْهَبُ يَقْضِي فِي الْوَاجِبِ الْحَادِيَ عَشَرَ فِي الْكِتَابِ يَسْتَاكُ فِي جُمْلَةِ النَّهَارِ إِلَّا بِالْأَخْضَرِ وَقَالَهُ (ح) وَقَالَ (ش) وَابْنُ حَنْبَلٍ يُكْرَهُ بَعْدَ الزَّوَال لقَوْله صلى الله عليه وسلم َ - يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ وَالْخُلُوفُ بِضَمِّ الْخَاءِ تَغَيُّرُ رَائِحَةِ الْفَمِ بَعْدَ الْأَكْلِ فَلَا يَزَالُ مَا مدحه الله بِالسِّوَاكِ وَقِيَاس بِجَامِعِ أَثَرِ الْعِبَادَةِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَدْحَهُ يَدُلُّ عَلَى فَضِيلَتِهِ لَا عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَلِأَنَّ الْوِتْرَ أَفْضَلُ مِنَ الْفَجْرِ مَعَ قَوْله صلى الله عليه وسلم َ - رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَكَمْ مِنْ عِبَادَةٍ أَثْنَى الشَّرْعُ عَلَيْهَا مَعَ فَضْلِ غَيْرِهَا عَلَيْهَا وَهَذِهِ

ص: 508

الْمَسْأَلَةُ مِنْ قَاعِدَةِ ازْدِحَامِ الْمَصَالِحِ الَّتِي يَتَعَذَّرُ الْجمع بَينهَا فالسواك لإجلاب الرَّبِّ تَعَالَى حَالَةَ خِطَابِهِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ تَطْهِير الأفواه لمخاطبة العظماء تَعْظِيمًا لَهُمْ وَالْخُلُوفُ مُنَافٍ لِذَلِكَ فَيُقَدَّمُ السِّوَاكُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم َ -

لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ مَعْنَاهُ لَأَوْجَبْتُهُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَصْلَحَتَهُ تَصْلُحُ لِلْإِيجَابِ وَانْتِفَاءُ الْإِيجَابِ لِلْمَشَقَّةِ وَهُوَ عَامٌّ فِي الصَّلَوَاتِ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ الْخُلُوفِ مَا يُخَصِّصُهُ لِمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ حَدِيثَ الْخُلُوفِ إِنَّمَا كَانَ نَهْيًا عَنْ عَدَمِ مُحَادَثَةِ الصَّائِمِ لِأَجْلِهِ وَعَنِ الثَّانِي الْفَرْقُ بِأَنَّ الشَّهِيدَ غَيْرُ مُنَاجٍ لِرَبِّهِ وَلِأَنَّهُ جرحه أَشد من الدَّم فَلَا يوثر زَوَالُهُ بَلْ بَقَاؤُهُ يُوجِبُ مِنْ رَبِّهِ الرَّحْمَةَ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْجَنَائِزِ سُؤَالٌ اللَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فَيَعْلَمُ الْخُلُوفَ مُنْتِنًا فَكَيْفَ يَكُونُ عِنْدَهُ أَطْيَبَ مِنَ الْمِسْكِ جَوَابُهُ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْخَلْفَةَ طَيِّبَةٌ بَلْ تَشْبِيهَ الْحَسَنِ الشَّرْعِيِّ بِالْعُرْفِيِّ أَيْ هَذَا الْمُنْتِنُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ أَفْضَلُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ عِنْدَ الطَّبْعِ إِمَّا لِصَبْرِ الصَّائِمِ عَلَيْهِ وَالصَّبْرُ عَمَلٌ صَالِحٌ أَوْ لِلسَّبَبِ فِيهِ بِالصَّوْمِ الَّذِي هُوَ عَمَلٌ صَالِحٌ وَإِلَّا فَالْخُلُوفُ لَيْسَ مِنْ كَسْبِهِ حَتَّى يُمْدَحَ عَلَيْهِ أَوْ يمدح فِي نَفسه

ص: 509

(الْبَابُ الرَّابِعُ فِي آدَابِهِ)

فِي الْجَوَاهِرِ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ عِنْدَ الْغُرُوبِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم َ - فِي مُسْلِمٍ لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ فَلَوْ أَرَادَ الْوِصَالَ حَكَى اللَّخْمِيُّ الْمَنْعَ وَالْجَوَازَ وَاخْتَارَهُ إِلَى السَّحَرِ وَكَرَاهِيَتَهُ إِلَى اللَّيْلَةِ الْقَابِلَةِ قَالَ صلى الله عليه وسلم َ - فِي الْبُخَارِيِّ

وَلَا تُوَاصِلُوا فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ إِلَى السَّحَرِ قَالُوا إِنَّكَ تُوَاصِلُ قَالَ إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّي أَبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي وَسَاقٍ يَسْقِينِي وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ لِمَا رَوَى أنس أَنه صلى الله عليه وسلم َ - وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ تَسَحَّرَا فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ سحورهما قَامَ صلى الله عليه وسلم َ - إِلَى الصَّلَاةِ قِيلَ لِأَنَسٍ كَمْ كَانَ فِيهَا؟ قَالَ قَدْرُ مَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ خَمْسِينَ آيَةً وَكَفُّ اللِّسَانِ عَنِ الْهَذَيَانِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم َ -

إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا فَلَا يَرْفُثُ وَلَا يَجْهَلُ فَإِنْ أَحَدٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ الرَّفَثُ مُبَاشَرَةُ النِّسَاءِ سُؤَالٌ كَيْفَ يَقُولُ إِنِّي صَائِمٌ مَعَ تَحْرِيمِ الرِّيَاءِ والتمدح بالطاعات؟

ص: 510

جَوَابُهُ قِيلَ مَعْنَاهُ يَقُولُ بِلِسَانِ الْحَالِ لَا بِالْمَقَالِ أَيْ يُعْرِضُ عَنْهُ إِعْرَاضَ الصَّائِمِينَ وَلَا يُفْهِمُهُ شَيْئًا وَسُمِّيَ ذَلِكَ قَوْلًا كَمَا قَالَتِ الْعَرَبُ وَاشْتَكَى إِلَيَّ طُولَ السُّرَى قَالَ سَنَدٌ وَقَالَ الشَّافِعِي يُسْتَحَبُّ الْفِطْرُ عَلَى رُطَبٍ لِمَا فِي أَبِي دَاوُود أَنه صلى الله عليه وسلم َ - كَانَ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حسا حسوات من المَاء وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَعْمَلَ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ طَعَامًا وَكَرِهَ إِجَابَتَهُمْ لَهُ لِتَحَمُّلِ الْمِنَنِ وَالتَّوَسُّلِ إِلَى المباهاة

ص: 511

(الْبَابُ الْخَامِسُ فِي مُبِيحَاتِ الْفِطْرِ)

وَهِيَ سِتَّةٌ الْأَوَّلُ السَّفَرُ وَفِي الْجَوَاهِرِ يُشْتَرَطُ فِيهِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَلَوْ عَزَمَ عَلَى إِقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَفِي الْجُلَّابِ يَجِبُ الصَّوْمُ وَفِي الْكِتَابِ الصَّوْمُ فِي السّفر أفضل وَقَالَهُ (ح وش) لقَوْله تَعَالَى {وَأَن تَصُومُوا خير لكم} وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَصْرِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الذِّمَّةَ تَبْقَى مَشْغُولَةً بِالْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْقَصْرِ الثَّانِي أَن الترخيص لرفاهية الْعِيد وَهِيَ كَمَا تَحْصُلُ بِالْفِطْرِ تَحْصُلُ بِالصَّوْمِ مَعَ النَّاسِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ التَّخْيِيرُ وَاسْتَحَبَّ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ حَنْبَلٍ الْإِفْطَارَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم َ - فِي أبي دَاوُود لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ وَجَوَابُهُ أَنه صلى الله عليه وسلم َ - رَأَى رَجُلًا يُظَلَّلُ عَلَيْهِ وَالزِّحَامُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَا هَذَا إِشَارَةً لِهَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنْ قَالُوا النَّظَرُ إِلَى عُمُومِ اللَّفْظِ لَا إِلَى خُصُوصِ السَّبَبِ قُلْنَا الْعَامُّ فِي الْأَشْخَاصِ مُطْلَقٌ فِي الْأَحْوَالِ وَنَحْنُ نَحْمِلُ الْحَالَةَ الْمُطْلَقَةَ عَلَى حَالَةِ الضَّرَر

ص: 512

تَمْهِيدٌ الْوَاجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ أَحَدُ الشَّهْرَيْنِ شَهْرِ الْأَدَاءِ أَوْ شَهْرِ الْقَضَاءِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي خُصُوصِيَّتِهِمَا كَمَا أَوْجَبَتْهُ إِحْدَى الْخِصَالِ فِي الْكَفَّارَة وَخير فِي الخصوصيات فَكل مَا مَا يجزيء كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْخِصَالِ وَتُوصَفُ بِالْوُجُوبِ إِذَا فُعِلَتْ تَبْرَأُ الذِّمَّةُ بِهَا فَكَذَلِكَ هَهُنَا لِأَنَّ أَحَدَ الْأَشْيَاءِ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا وَأَعَمُّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَكُلُّ وَاحِدٍ أَخَصُّ وَكُلُّ مَنْ فَعَلَ الْأَخَصَّ فَعَلَ الْأَعَمَّ فُرُوعٌ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ إِذَا أَصْبَحَ صَائِمًا فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ لَا أُحِبُّ لَهُ الْفِطْرَ فان فعل فالقضاء فَقَط وَقَالَهُ (ح وش) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ قَالَ سَنَدٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ يُحْمَلُ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم َ - عَامَ الْفَتْحِ خَرَجَ صَائِمًا فَلَمَّا بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ أَفْطَرَ وَلِأَنَّهُ عُذْرٌ يُبِيحُ الْفِطْرَ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ فَيُبِيحُ فِي آخِرِهِ كَالْمَرَضِ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ يُكَفِّرُ لِوُجُوبِ أَوَّلِهِ فِي الْحَضَرِ فَإِنْ أَفْطَرَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إِلَى السَّفَرِ قَالَ مَالِكٌ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَأَسْقَطَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ لِأَنَّ أَنَسًا رضي الله عنه كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَأَوْجَبَهَا ابْنُ الْمَاجِشُونِ إِنْ لَمْ يُسَافِرْ وَأَسْقَطَهَا أَشْهَبُ مُطْلَقًا لِعَدَمِ انْتِهَاكِ صَوْمٍ مَعْصُومٍ إِجْمَاعًا الثَّانِي فِي الْكِتَابِ مَنْ صَامَ فِي السَّفَرِ فَأَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَيَّرَ الْعَبْدَ بَيْنَ الْفِطْرِ وَالصَّوْمِ فَأَيَّهُمَا اخْتَارَ لَزِمَهُ أَحْكَامُهُ وَمِنْ أَحْكَامِ الصَّوْمِ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْإِفْسَادِ وَفِي الْجَوَاهِرِ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ عَدَمُ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ وَصْفَ السَّفَرِ مُبِيحٌ لِلْإِفْطَارِ فَيَكُونُ شُبْهَةً عِنْدَ طُرُوِّ الْمَانِعِ

ص: 513

فِي عَدَمِ الْكَفَّارَةِ كَالذِّمِّيِّ كَانَ مُبَاحَ الدَّمِ لَا يُقْتَلُ بِهِ الْمُسْلِمُ وَالْأَمَةُ مُبَاحَةُ الْوَطْءِ فَإِذا وَطئهَا السَّيِّد بعد زواجها لَاحَدَّ وَأَوْجَبَهَا ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْجِمَاعِ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْإِفْطَارَ شُرِعَ لِلتَّقْوِيَةِ عَلَى السَّفَرِ وَالْجِمَاعُ يُضْعِفُ قَالَ سَنَدٌ وَقَالَ مُطَرِّفٌ هُوَ مُخَيَّرٌ بَعْدَ الشُّرُوعِ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم َ - أَمَرَ النَّاسَ بِالْإِفْطَارِ عَامَ الْفَتْحِ لِيَتَقَوَّوْا عَلَى عَدُوِّهِمْ وَصَامَ هُوَ صلى الله عليه وسلم َ - قِيلَ لَهُ إِنَّ طَائِفَةً مِنَ النَّاسِ قَدْ صَامُوا حِينَ صُمْتَ قَالَ فَلَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - بِالْكَدِيدِ دَعَا بِقَدَحٍ فَشَرِبَ فَأَفْطَرَ النَّاسُ وَإِذَا قُلْنَا يُكَفِّرُ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَوْ كَانَ مُتَأَوِّلًا وَلَمْ يَرَهُ أَشْهَبُ وَإِنْ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ فَأَكَلَ وَشَرِبَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ جَامَعَ أَوَّلًا قَالَ مَالِكٌ يُكَفِّرُ لِأَنَّهُ يَزِيدُهُ ضَعْفًا وَأَوْرَدَهُ عَلَى صَوْمٍ مُحْتَرم وَقَالَ مطرف فَلَا يكفر نظرا للتخير فَلَوْ شَرِبَ لِعُذْرٍ لَمْ يُكْرَهْ لَهُ التَّمَادِي عَلَى أَنْوَاعِ الْمُفْطِرَاتِ عِنْدَ سَحْنُونٍ كَالْمَرِيضِ وَمَنَعَ ابْنُ حَبِيبٍ كَالْمُضْطَرِّ إِلَى الْمَيْتَةِ الثَّالِثُ فِي الْكِتَابِ إِذَا أَصْبَحَ صَائِمًا فِي السَّفَرِ فَأَتَى أَهْلَهُ فَأَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَلَوْ تَطَوَّعَ فَسَافَرَ فَأَفْطَرَ قَضَى إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إِلَيْهِ لقَوْله تَعَالَى {وَلَا تُبْطِلُوا أَعمالكُم} وَفِي الْجُلَّابِ عَنْ مَالِكٍ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَطُرُوُّ السَّفَرِ كَطُرُوِّ الْمَرَضِ الْمُبِيحُ الثَّانِي الْإِكْرَاهُ وَفِي الْكِتَابِ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الشُّرْبِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ وَقَالَهُ (ح) وَأَسْقَطَهُ (ش) وَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى ذَرْعِ الْقَيْءِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ إِذَا بَاشَرَهُ وَأَسْقَطَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ إِلَّا بِالْجِمَاعِ قَالَ سَنَدٌ قَالَ مَالِكٌ إِنْ جَامَعَهَا نَائِمَةً قَضَتْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ أَفْسَدَ صَوْمَيْنِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ فَإِنْ أُكْرِهَ رَجُلٌ عَلَى وَطْءِ امْرَأَتِهِ قَالَ أَكثر

ص: 514

الْأَصْحَاب و (ح وش) لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ حَنْبَلٍ عَلَيْهِ لِأَنَّ الِانْتِشَارَ دَلِيلُ الِاخْتِيَارِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الِانْتِشَارَ قَدْ يَكُونُ بِالطَّبْعِ لَا بِالِاخْتِيَارِ الْمُبِيحُ الثَّالِثُ خَوْفُ الْمُرْضِعِ عَلَى وَلَدِهَا فِي الْكِتَابِ إِنْ لَمْ يَقْبَلْ غَيْرَهَا أَوْ قَبِلَهُ وَعَجَزَتْ عَنْ إِجَارَتِهِ أَفْطَرَتْ وَأَطْعَمَتْ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مُدًّا وَقَالَهُ (ش) وَابْنُ حَنْبَلٍ قَالَ سَنَدٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا إِطْعَامَ عَلَيْهَا قِيَاسًا عَلَى الْمَرِيضِ بِجَامِعِ الْإِبَاحَةِ لَنَا قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مَسَاكِين} قِيلَ الْمُرَادُ بِهَا الْمُرْضِعُ وَالْحَامِلُ وَالشَّيْخُ وَقِيلَ تُسْتَحَبُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فليصمه} وَإِنْ خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا خَاصَّةً لَمْ تُطْعِمْ وَإِنِ اسْتَأْجَرَتْ فَمِنْ مَالِهَا دُونَ الْأَبِ لِأَنَّ إِرْضَاعَهُ عَلَيْهَا وَقِيلَ عَلَى الْأَبِ وَهَذَا إِذَا لَمْ يُطِقْ وَإِنْ كَانَ لِلصَّبِيِّ مَالٌ فَمِنْ مَالِهِ وَالْإِطْعَامُ خَاصٌّ بِصَوْمِ رَمَضَانَ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي النَّذْرِ الْمُبِيحُ الرَّابِعُ الْخَوْفُ عَلَى الْحَمْلِ فِي الْكِتَابِ إِنْ خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا فَأَفْطَرَتْ لَا تُطْعِمُ وَتَقْضِي لِأَنَّهَا مَرِيضَةٌ وَقَالَهُ ح وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ تُطْعِمُ وَقَالَ أَشْهَبُ تُطْعِمُ اسْتِحْبَابًا وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ تُطْعِمُ فِي الْخَوْفِ عَلَى النَّفْسِ دُونَ الْوَلَدِ قَالَ اللَّخْمِيُّ لِلْحَامِلِ ثَلَاثُ حَالَاتٍ إِنْ كَانَتْ أَوَّلَ الْحَمْلِ وَلَا يُجْهِدُهَا الصَّوْمُ لَزِمَهَا الصِّيَامُ وَإِنْ كَانَتْ تَخَافُ عَلَى وَلَدِهَا مِنَ الصَّوْمِ لَزِمَهَا الْفِطْرُ وَإِنْ خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا فَقَطْ فَهِيَ مُخَيَّرَةٌ وَحَيْثُ كَانَ لَهَا الْفِطْرُ فَأَفْطَرَتْ فَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ وَفِي الْإِطْعَامِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَةُ وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ إِنْ خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا قَبْلَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَطْعَمَتْ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهَا مَرِيضَةٌ

ص: 515

الْمُبِيحُ الْخَامِسُ الْمَرَضُ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ فِي الشُّرُوطِ قَالَ سَنَدٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِذَا أَجْهَدَهُ الصُّدَاعُ مِنَ الْخَوَاءِ أَفْطَرَ وَأَجَازَ مَالِكٌ مِنَ الْعَطَشِ الشَّدِيدِ مِنْ غَيْرِ إِطْعَامٍ الْمُبِيحُ السَّادِسُ الْكَبِيرُ الْعَاجِزُ عِنْدَ مَالِكٍ وَ (ش) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُطِيقٍ وَيُطْعِمُ عِنْدَ (ح) لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنَ الصَّوْمِ

ص: 516

(الْبَابُ السَّادِسُ فِي سَبَبِ الْكَفَّارَةِ)

وَفِي التَّلْقِينِ الْكَفَّارَةُ كَفَّارَتَانِ صُغْرَى لِتَأْخِيرِ الْقَضَاءِ عَنْ زَمَنِهِ وَكُبْرَى وَهِيَ لَا تَجِبُ إِلَّا لِرَمَضَانَ بِتَعَمُّدِ إِفْطَارِهِ عَلَى وَجْهِ الْهَتْكِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنْ جِمَاعٍ أَوْ أَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِمَا أَوْ رَفْضٍ أَوْ إِمْسَاكٍ بَعْدَ الشُّرُوعِ أَوْ عَزْمٍ عَلَى تَرْكِهِ فَلَمْ يُشْرَعْ فِيهِ وَعَلَى كُلِّ مُعْتَقِدٍ لِوُجُوبِهِ مِنْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ لِكُلِّ يَوْمٍ كَفَّارَةٌ وَلَا يُسْقِطُهَا طُرُوُّ الْعُذْرِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يُقَدَّمُ التَّكْفِيرُ فِي يَوْمٍ عَنْ يَوْمٍ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا فِي مُسْلِمٍ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم َ - فَقَالَ هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَمَا أَهْلَكَكَ؟ قَالَ وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِي فِي رَمَضَانَ قَالَ هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ بِهِ رَقَبَةً؟ قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ . قَالَ لَا ثُمَّ جَلَسَ فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم َ - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ قَالَ تَصَدَّقْ بِهَذَا فَقَالَ أَفْقَرُ مِنَّا فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم َ - حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ اذْهَبْ وَأَطْعِمْهُ أهلك زَاد أَبُو دَاوُود بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ قَدْرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَقَالَ صُمْ وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَالْعَرَقُ بِفَتْحِ الرَّاءِ الزِّنْبِيلُ وَيُرْوَى بِسُكُونِهَا وَخَالَفَ الْأَصْمَعِيُّ فَقَالَ بَلْ ذَلِكَ الْعَظْمُ عَلَيْهِ لَحْمٌ وَاللَّابَةُ الْحِجَارَةُ

ص: 517

السُّودُ فَهُوَ يُشِيرُ إِلَى الْجِبَالِ الْمُحْدِقَةِ بِالْمَدِينَةِ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم َ - أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ مَا يُوجِبُ عَدَمَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَالنَّخَعِيِّ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْله صلى الله عليه وسلم َ - تَصَدَّقْ بِهَذَا وَلَمَّا كَانَ سَدُّ خَلَّةِ الْجُوعِ مُقَدَّمًا عَلَى الْكَفَّارَاتِ أُذِنَ لَهُ فِي أَكْلِهِ وَتَبْقَى الْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يُبَرِّئُهُ أَلْبَتَّةَ

قَاعِدَةٌ إِذَا رُتِّبَ الْحُكْمُ عَقِبَ أَوْصَافٍ مُنَاسِبَةٍ جُعِلَ مَجْمُوعُهَا عِلَّةً لَهُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا لَيْسَ بِمُنَاسِبٍ اعْتُبِرَ الْمُنَاسِبُ وَقَدْ رُتِّبَتِ الْكَفَّارَةُ عَقِبَ أَوْصَافٍ غَيْرِ مُنَاسِبَةٍ نَحْو كَونه أَعْرَابِيًا ومناسبة وَهُوَ افساد الصَّوْم بِالْجِمَاعِ واعتبره الشَّافِعِي عَلَى الْقَاعِدَةِ وَلَمْ يُوجِبِ الْكَفَّارَةَ بِالْأَكْلِ وَنَحْوِهِ لِقُصُورِهِ عَلَى الْجِمَاعِ لِكَوْنِهِ لَزِمَ إِفْسَادُ صَوْمَيْنِ فِي الْوَاطِئِ وَفِي الْمَوْطُوءَةِ بِخِلَافِ الْأَكِلِ وَاعْتَبَرْنَا نَحْنُ وَصْفَ الْإِفْسَادِ الَّذِي هُوَ فِي الْجِمَاعِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْعِلَّةِ الْعَامَّةِ أَوْلَى مِنَ الْخَاصَّةِ لِكَثْرَةِ فُرُوعِهَا وَبَقِيَ وَصْفٌ مُنَاسِبٌ لَمْ يَعْتَبِرْهُ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْتُ هُوَ كَوْنُهُ جِمَاعًا فِي الزَّوْجَةِ وَهُوَ مُنَاسِبٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ الْأَكْثَرُ فِي الْوُجُودِ فَيَكُونُ الْعِقَابُ الزَّجْرِيُّ عَنْهُ أَوْلَى فُرُوعٌ ثَمَانِيَةٌ الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَالْقَضَاءُ بِمَغِيبِ الْحَشَفَةِ خِلَافًا لِ ش فِي الْقَضَاءِ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم َ - لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْقَضَاءِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ أَمَرَهُ فِي رِوَايَةِ الْمُوَطَّأِ بِالْقَضَاءِ قَالَ سَنَدٌ وَكَذَلِكَ لَوْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا أَوْ فَرْجِ مَيِّتَةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ وَقَالَهُ (ش) خِلَافًا لِ ح لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْغُسْلَ فَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ

تَنْبِيهٌ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ إِيجَابُ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ حُكْمًا

ص: 518

الثَّانِي فِي الْكِتَابِ إِذَا وَطِئَهَا فِي يَوْمٍ مرَّتَيْنِ فكفارة وَاحِدَة وَقَالَهُ (ح وش) لِأَنَّ الْوَطْءَ الثَّانِيَ لَمْ يُصَادِفْ صَوْمًا صَحِيحًا فَلَا يُوجِبُ كَفَّارَةً لِقُصُورِهِ عَنْ مَوْرِدِ الْإِجْمَاعِ قَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ وَبَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ إِنْ كَفَّرَ عَنِ الْوَطْءِ الْأَوَّلِ ثُمَّ وَطِئَ فَكَفَّارَةٌ أُخْرَى قِيَاسًا عَلَى كَفَّارَةِ الْفِدْيَةِ فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُ إِذَا تَطَيَّبَ بَعْدَ أَنْ تَطَيَّبَ وَكَانَ كَفَّرَ عَنِ الْأَوَّلِ جَدَّدَ الْكَفَّارَةَ وَإِلَّا فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَقِيَاسُهُ عَلَى الْوَطْءِ الْأَوَّلِ بِجَامِعِ التَّحْرِيمِ الثَّالِثُ فِي الْكِتَابِ إِنْ أَكْرَهَ امْرَأَتَهُ عَلَى الْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ عَنْهُ وَعَنْهَا وَكَذَلِكَ يُهْدِي عَنْهَا فِي الْحَجِّ لِأَنَّهُ أَفْسَدَ صَوْمَيْنِ وَحَجَّيْنِ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقَضَاءُ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ سَنَدٌ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ عَلَيْهِ كَفَارَةٌ وَاحِدَةٌ عَنْهُ وَقَالَهُ الْأَئِمَّةُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَيْهِ فَرْعُ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَمْ يُكَفِّرْ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ بَلْ بِفِعْلِهِ سَبَبَ الْكَفَّارَتَيْنِ وَهَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ عِنْدَنَا وَإِذَا قُلْنَا بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ فَكُلُّ مَا لَا يَصِحُّ كَفَّارَةً عَنْهَا لَا يُكَفِّرُ عَنْهَا نَحْوُ الْأَمَةِ لَا يُكَفَّرُ عَنْهَا بِالْعِتْقِ قَالَ صَاحِبُ النُّكَتِ بَلْ بِالْإِطْعَامِ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَثْبُتُ وَالصَّوْمُ لَا يَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ وَلَوْ أَطَاعَتِ الْأَمَةُ السَّيِّدَ كَفَّرَ عَنْهَا لِأَنَّ السِّيَادَةَ كَالْإِكْرَاهِ وَكَذَلِكَ وَطْءُ السَّيِّدِ وَإِنْ أَطَاعَتْهُ قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ وَإِذَا أَكْرَهَ زَوْجَتَهُ وَعَجَزَ عَنِ التَّكْفِيرِ فَكَفَّرَتْ مِنْ مَالِهَا بِالْإِطْعَامِ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِالْأَقَلِّ مِنْ مَكِيلِهِ أَوِ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتُرِيَ بِهِ الطَّعَامُ أَوْ قِيمَةِ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَحَدُهَا بِخِلَافِ الْحَمِيلِ بِالطَّعَامِ فِيمَا تَحَمَّلُ بِهِ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ فَقَطْ لِأَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْحَمِيلَ أَجْنَبِيٌّ رَجَعَ بِالْأَقَلِّ مِنَ الثَّمَنِ أَوِ الْقِيمَةِ أَوِ الْمِثْلِ إِنْ كَانَ طَعَامًا كَالزَّوْجَةِ الرَّابِعُ قَالَ سَنَدٌ لَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ عَلَيْهِ مُولِجًا فَنَزَعَ قَالَ ابْن الْقَاسِم و (ح وش) لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ النَّزْعَ تَرْكٌ لِلْجِمَاعِ وَلَيْسَ بِجِمَاعٍ كَمَا لَوْ حَلَفَ أَلَّا يَدْخُلَ الدَّارَ وَهُوَ فِيهَا فَخَرَجَ أَوْ لَا يَرْكَبَ الدَّابَّةَ فَنَزَلَ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَقَالَ

ص: 519

ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ حَنْبَلٍ يَقْضِي لِمَا فِيهِ مِنَ اللَّذَّةِ فَلَوْ تَمَادَى قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَ (ح) بِالْقَضَاءِ فَقَطْ وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ وَ (ش) بِالْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ وَكَذَلِكَ لَوِ ابْتَدَأَ الْإِيلَاجَ حَالَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّوْمِ فَلَمْ يَطْرَأِ الْجِمَاعُ عَلَى صَوْمٍ وَإِنَّمَا مَنَعَ انْعِقَادَهُ وَقِيلَ يَجِبُ لِأَنَّ حَدِيثَ الْأَعْرَابِيِّ لَا تَفْصِيلَ فِيهِ فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْفَجْرِ حِينَ طُلُوعِهِ وَهُوَ يُولِجُ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ فَلَمْ يَنْزِعْ فَإِنْ قُلْنَا لَا كَفَّارَةَ عَلَى النَّاسِي لَا كَفَّارَةَ هَهُنَا إِلَّا أَنْ يَفْعَلَهُ مُنْتَهِكًا الْخَامِسُ فِي الْكِتَابِ إِذَا نَوَى الْفِطْرَ نَهَارَ رَمَضَانَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَلَوْ نَوَى قَبْلَ الشَّمْسِ قَالَ سَنَدٌ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إِنْ سَهَا عَنِ الصَّوْمِ وَسَطَ الشَّهْرِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ أَوَّلِهِ لِاسْتِصْحَابِ النِّيَّةِ بِخِلَافِ الْعَمْدِ وَالْمَذْهَبُ التَّسْوِيَةُ لاندفاع النِّيَّة الْحكمِيَّة بضدها وَخَالف أَشهب وح وش فِي الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْقِدْ صَوْمًا فَيَفْسُدُ كَمَنْ لَمْ يُحْرِمْ بِالْحَجِّ أَوِ الصَّلَاةِ وَجَامَعَ وَالْفَرْقُ تَعْيِينُ الزَّمَانِ لَهُ بِخِلَافِهَا فَإِنْ نَوَى الْفِطْرَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ فَمَذْهَبُ الْكِتَابِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَأَسْقَطَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَاسْتَحَبَّهُ سَحْنُونٌ بِخِلَافِ مَنْ بَيَّتَ الْفِطْرَ لِأَنَّ النِّيَّةَ لِغَيْرِ فِعْلٍ مُلْغَاةٌ كَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ قَالَ صَاحِبُ النُّكَتِ مَنْ رَفَضَ صِيَامَهُ أَوْ صَلَاتَهُ بَطَلَتْ بِخِلَافِ مَنْ رفض وضوءه أَو حجه بعد كَمَا لَهَا أَوْ فِي خِلَالِهِمَا وَالْفَرْقُ أَنَّ النِّيَّةَ مُرَادَةٌ لِلتَّمْيِيزِ وَالْحَجُّ وَالْوُضُوءُ مُتَمَيِّزَانِ بِمَكَانَيْهِمَا الْمُعَيَّنَيْنِ لَهُمَا وَالصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ لَمْ يُعَيَّنْ لَهُمَا مَكَانٌ فَكَانَ احْتِيَاجُهُمَا لِلنِّيَّةِ أَقْوَى فَأَثَّرَ الرَّفْضُ السَّادِسُ فِي الْكِتَابِ مَنْ تَوَقَّعَ فِي نَهَارِهِ السِّفْرَ أَوِ الْمَرَضَ أَوِ الْجُنُونَ فَأَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَإِنْ طَرَأَتِ الْمُبِيحَاتُ فِي ذَلِكَ النَّهَارِ وَقَالَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ خِلَافًا لِ ش لِأَنَّهُ انْتَهَكَ حُرْمَةَ الصَّوْمِ قَبْلَ الْمُبِيحِ وَقِيلَ تَنْتَقِضُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ طُرُوِّ الْمُبِيحَاتِ السَّابِعُ فِي الْكِتَابِ إِذَا أَكَلَ نَاسِيًا فِي رَمَضَانَ أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْفَجْرِ فَعَلَيهِ الْقَضَاء خلافًا ل (ح وش) فِي الْأَوَّلِ وَسَلَّمَ (ش) فِي الثَّانِي وَ (ح) فِي سَبْقِ الِاسْتِنْشَاقِ بِالْمَاءِ لَنَا الْقِيَاسُ عَلَى هَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم َ - فِي

ص: 520

مُسْلِمٍ مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ وَشَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ فَظَاهِرُ تَخْصِيصِ ذَلِكَ بِاللَّهِ تَعَالَى يَقْتَضِي أَنَّ الْعَمْدَ لَا مَدْخَلَ لِلَّهِ فِيهِ وَهَذَا يَقْتَضِي نَفْيَ الْإِثْمِ لَا نَفْيَ الْقَضَاءِ فَإِنْ أَفْطَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلًا قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ قَالَ سَنَدٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ الْجَهْلَ لَيْسَ بِنَافِعٍ فَلَوْ أَكَلَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ جَامَعَ كَفَّرَ عِنْدَنَا وَقِيلَ لَا يُكَفِّرُ لِأَنَّهُ لَمْ يُفْسِدْ مَعْصُومًا فَلَوْ طَهُرَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ وَلَمْ تَغْتَسِلْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَأَكَلَتْ لِاعْتِقَادِ الْجَوَازِ لَمْ تُكَفِّرْ لِأَنَّهُ شِبْهُ إِبَاحَةٍ وَكَذَلِكَ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَظَنَّ بُطْلَانَ صَوْمِهِ وَكَذَلِكَ الَّذِي يَقْدَمُ مِنَ السَّفَرِ لَيْلًا فَيَظُنُّ أَنَّ صَوْمَهُ لَا يُجْزِيهِ وَكَذَلِكَ مَنْ سَافَرَ مِيلَيْنِ فَظَنَّ أَنَّ سَفَرَهُ يُبِيحُ الْفِطْرَ وَمَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ نِصْفَ النَّهَارِ فَظَنَّ أَنَّهُ يُبِيحُ الْفِطْرَ الثَّامِنُ فِي الْجُلَّابِ تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ بِتَعَدُّدِ فَسَادِ الْأَيَّامِ عِنْدَ مَالِكٍ وَ (ش) وَقَالَ (ح) إِذَا لَمْ يُكَفِّرْ عَنِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَكَفَّارَةٌ لِلْجَمِيعِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي التَّدَاخُلِ إِذَا كَفَّرَ عَنِ الْأَوَّلِ وَفِي تَدَاخُلِ الرَّمَضَانَيْنِ إِذَا لَمْ يُكَفِّرْ عَنِ الْأَوَّلِ لَنَا الْقِيَاسُ عَلَى سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى الْحُدُودِ

تَمْهِيدٌ التَّدَاخُلُ فِي الشَّرْعِ يَقَعُ فِي الطَّهَارَةِ مَعَ الْغُسْلِ وَفِي الْعِبَادَاتِ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ مَعَ الْفَرْضِ وَصَوْمِ الِاعْتِكَافِ مَعَ رَمَضَانَ وَالْعُمْرَةِ مَعَ الْحَجِّ وَفِي الْحُدُودِ الْمُمَاثِلَةِ فِي الْعَدَدِ عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي وَفِي الْأَمْوَالِ كَدُخُولِ دِيَةِ الْأَطْرَافِ فِي دِيَةِ النَّفْسِ وَالْأَخِيرِ فِي الْأَوَّلِ كَالْفِدْيَةِ فِي الْحَجِّ إِذَا اتَّحد السَّبَب والعارفان فِي الْوسط كَالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ إِذْ استمرواتحدت الشُّبْهَةُ وَكَانَ حَالُ الْمَرْأَةِ فِي الْوَسَطِ أَفْضَلَ مِنَ الْمَبْدَأِ وَالْمُنْتَهَى فَيَجِبُ لَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ بِاعْتِبَارِ الْوَسَطِ وَلَكِنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ الْحَالَةِ الْأُولَى مُطْلَقًا وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِتَنَقُّلِ الصَّدَاقِ بِتَنَقُّلِ الْحَالَاتِ وَالْقَلِيلُ فِي الْكَثِيرِ مِثْلُ الطَّرَفِ مَعَ النَّفْسِ وَالْكَثِيرُ فِي الْقَلِيلِ كَالْأَطْرَافِ إِذَا اجْتَمَعَتْ مَعَ السِّرَايَةِ إِلَى النَّفْسِ وَاخْتُلِفَ فِي تَدَاخُلِ الْكَفَّارَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ

ص: 521

(الْبَابُ السَّابِعُ فِي الْمُتَرَتِّبَاتِ عَلَى الْإِفْطَارِ)

وَهِيَ سَبْعَةُ أَحْكَامٍ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ الْإِمْسَاكُ تَشْبِيهًا بِالصَّائِمِينَ وَفِي الْجَوَاهِرِ هُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُتَعَمِّدٍ بِالْإِفْطَارِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ ظَانٍّ الْإِبَاحَةَ مَعَ عَدَمِهَا وَغَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى مَنْ أُبِيحَ لَهُ إِبَاحَة حَقِيقَة كَالْمَرِيضِ يَصِحُّ وَالْمُسَافِرِ يَقْدَمُ وَالْحَائِضِ تَطْهُرُ فِي بَقِيَّةِ النَّهَارِ وَقَالَهُ (ش) وَقَالَ (ح) يَجِبُ قِيَاسًا عَلَى قِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْأَدَاءَ هَهُنَا مَعْلُومٌ فِي الْبَعْضِ وَتَعَلُّقُ الْوُجُوبِ بِالْبَعْضِ الْآخَرِ مُحَالٌ وَالْخِطَابُ ثَمَّةَ مُتَعَلِّقٌ بِالْكُلِّ فَيُشْتَرَطُ الثُّبُوتُ وَقَدْ ثَبَتَ فَيَجِبُ وَمَنْ أَصْبَحَ يَوْمَ الشَّكِّ مُفْطِرًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَمْسَكَ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَفِي الْجُلَّابِ إِذَا شَهِدَ عَلَى رَمَضَانَ نَهَارًا وَجَبَ الْكَفُّ وَالْقَضَاءُ وَظَاهِرُ التَّلْقِينِ مُتَعَارِضٌ غَيْرَ أَن نقل الْخلاف أصر ح ثُمَّ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ أَمَّا الصِّبَا وَالْجُنُونُ وَالْكُفْرُ إِذَا زَالَتْ لَا يَجِبُ الْإِمْسَاكُ وَقِيلَ يَجِبُ فِي الْكُفْرِ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْجَلَّابِ قَالَ سَنَدٌ فَلَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ قَالَ مَالِكٌ يُمْسِكُ لِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا بِفُرُوعِ الشَّرْعِ خلافًا لاشهب وَلَو بلغ الصيب بَقِيَ عَلَى حَالِهِ صَائِمًا أَوْ مُفْطِرًا وَلَوْ أَفْطَرَ الْبَالِغُ لِعَطَشٍ أَبَاحَ لَهُ سَحْنُونٌ الْأَكْلَ وَمَنَعَ ابْنُ حَبِيبٍ وَفَرَّقَ بِأَنَّ عُذْرَهُ يَقْتَضِي

ص: 522

إِفْطَارَهُ سَاعَةً بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَمَنَعَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ وَطْءِ الْمُسَافِرِ امْرَأَتَهُ الطَّاهِرَةَ النَّصْرَانِيَّةَ لِأَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ بِالصَّوْمِ الْحُكْمُ الثَّانِي الْقَضَاءُ وَفِي الْجَوَاهِرِ يَجِبُ قَضَاءُ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ مُفْسِدٍ لِلصَّوْمِ أَوْ تَارِكٍ لَهُ بِسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ إِغْمَاءٍ أَوْ سَهْوٍ أَوْ جُنُونٍ وَقِيلَ فِي الْجُنُونِ مَا لَمْ تَكْثُرِ السُّنُونُ وَقِيلَ مَا لَمْ يَبْلُغْ مَجْنُونًا وَلَا يَجِبُ بِالصِّبَا أَوِ الْكُفْرِ أَوْ عَجْزٍ مِنَ الْكِبَرِ وَلَا يَجِبُ التَّتَابُعُ فِيهِ وَيُسْتَحَبُّ إِذَا شَرَعَ فِي قَضَاءِ يَوْمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ إِتْمَامُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى فَإِنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا وَجَبَ قَضَاءُ الْأَصْلِ وَفِي قَضَاءِ الْقَضَاءِ قَوْلَانِ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أخر} أَوْ يُقَالُ فَرُؤْيَةُ الْهِلَالِ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَتِهِ إِلَّا مَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ بِالنَّذْرِ بِالْإِفْطَارِ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا وَمَعَ الْعُذْرِ إِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا فَقِيلَ كَذَلِكَ وَقِيلَ لَا يَجِبُ مَعَ الْعُذْرِ دُونَ النِّسْيَانِ وَقِيلَ يَجِبُ إِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ الْيَوْمَ لِمَعْنًى فِيهِ وَعَلَيْهِ يَخْرُجُ الْخِلَافُ فِي نَاذِرِ صَوْمِ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَقَدِمَ نَهَارًا فَفِي الْكِتَابِ سُقُوطُهُ خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَفِي الْكِتَابِ يَقْضِي فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ قَالَ سَنَدٌ جُمْلَةُ السَّنَةِ وَقْتٌ لَهُ إِلَّا الْفِطْرَ وَالنَّحْرَ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَاسْتَحَبَّ عمر رضي الله عنه قَضَاء من الْعشْر وَفِي أبي دَاوُود قَالَ صلى الله عليه وسلم َ -

مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ أَحَبُّ إِلَى الله فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ فَإِنْ قَضَى فِي يَوْمِ النَّحْرِ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّ النَّهْيَ دَلِيلُ الْفَسَادِ وَكَذَلِكَ أَيَّامُ النَّحْرِ الثَّلَاثَةُ وَفِيهَا الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِي الشُّرُوطِ وَلَا يَبْتَدِئُ الْقَضَاءَ فِي الرَّابِعِ وَفِيهِ خِلَافٌ وَهُوَ أَخَفُّ مِنَ الثَّلَاثَةِ وَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إِلَى شَعْبَانَ وَيَحْرُمُ بَعْدَهُ لِقَوْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها إِنْ كَانَتْ إِحْدَانَا لَتُفْطِرُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ - فَمَا تَقْدِرُ أَنْ تَقْضِيَهُ مَعَ الشُّغْلِ بِهِ صلى الله عليه وسلم َ - حَتَّى يَأْتِيَ شَعْبَانُ

ص: 523

قَالَ اللَّخْمِيُّ إِذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ شَعْبَانَ إِلَّا مَا يَسَعُ التَّمَتُّعَ وَقَضَاءَ رَمَضَانَ صَامَ الْقَضَاءَ تَغْلِيبًا لِأَصْلِهِ فَإِنْ وَسِعَهُمَا بَدَأَ بِالتَّمَتُّعِ عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْكِتَابِ وَخَيَّرَهُ أَشْهَبُ وَيُكْرَهُ التَّطَوُّعُ قَبْلَهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَوَسَّعَ فِيهِ ابْنُ حَبِيبٍ وَإِنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ لَمْ يَصُمْ عَنْهُ أَحَدٌ وَصَّى بِهِ أَمْ لَا عِنْدَ مَالِكٍ وَ (ح) وَمَشْهُورُ (ش) خِلَافًا لِابْنِ حَنْبَلٍ فِي النَّذْرِ وَفِي مُسْلِمٍ قَالَ صلى الله عليه وسلم َ -

مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَجَوَابُهُ صَرْفُهُ عَنْ ظَاهِرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} فَيحمل على أَن يَفْعَل مَا يَنُوبُ مَنَابَ الصَّوْمِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالدُّعَاءِ وَفِي الْمُوَطَّأِ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنه يَقُول لَا يَصُوم أحد عَن أحد وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَقِيَاسًا عَلَى الْجِهَادِ وَالصَّلَاةِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِنْ شَرَعَ فِي قَضَاءِ يَوْمٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ قَضَاهُ لَا يَجُوزُ لَهُ فِطْرُهُ لِأَنَّ أَقَلَّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ نَفْلًا وَقَالَ أَشْهَبُ لَا أُحِبُّهُ فَإِنْ فَعَلَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَفِي الْكِتَابِ إِنْ أَكَلَ فِي يَوْمِ الْقَضَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ إِتْمَامُهُ وَيَجُوزُ فِطْرُهُ قَالَ سَنَدٌ وَإِنْ أَكَلَ فِيهِ عَامِدًا لَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُ الْإِمْسَاكُ وَكَذَلِكَ النَّذْرُ الْمُطْلَقُ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ الْحُكْمُ الثَّالِثُ الْإِطْعَامُ وَفِي الْجَوَاهِرِ لِوُجُوبِهِ ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ فَوَاتُ فَضِيلَةِ الْوَقْتِ كَالْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ وَبَدَلٌ مِنَ الصَّوْمِ كَالشَّيْخِ وَالْعَاجِزِ وَتَأْخِيرُ الْقَضَاءِ عَنْ وَقْتِهِ مَعَ الْإِمْكَانِ وَفِي الْكِتَابِ مَنْ فرط فِي الْقَضَاء وَأوصى أَنْ يُطْعَمَ عَنْهُ مُدٌّ لِكُلِّ يَوْمٍ مُقَدَّمٌ عَنِ الْوَصَايَا لِوُجُوبِهِ مُؤَخَّرٌ عَنِ الزَّكَاةِ لِأَنَّهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَلَمْ يَقِفْ وُجُوبُهَا عَلَى تَبْيِينٍ مِنَ الْمُكَلَّفِ قَالَ سَنَدٌ إِنْ مَاتَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ الْقَضَاءِ أَوْ تَمَكَّنَ وَمَاتَ فِي السَّنَةِ فَلَا إِطْعَامَ خِلَافًا (لِ ش) فِي الْقسم الثَّانِي

ص: 524

مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَام مَسَاكِين} وَهَذَا مُطِيقٌ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ لَا فِي قَضَائِهِ سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّ الْإِطْعَامَ كَفَّارَةٌ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَلَا يَتَعَيَّنُ إِلَّا بِخُرُوجِ جُمْلَةِ الْوَقْتِ قَالَ فَإِنْ مَضَى مِنْ شَعْبَانَ يَوْمٌ تَرَتَّبَ إِطْعَامُ يَوْمٍ فَإِنْ مَرِضَ فِي بَقِيَّةِ شَعْبَانَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ فَإِنْ صَحَّ أَيَّامًا وَجَبَ عَلَيْهِ بِعَدَدِهَا وَقَالَهُ (ش) وَابْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَ (ح) لَا يَجِبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعدَّة من أَيَّام أخر} مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ فَيَعُمُّ الْعُمُرَ لَا تَقْيِيدُهُ بِالسَّنَةِ لَكِنَّ خُرُوجَهَا يَقْتَضِي بَقَاءَ صِيَامِهِ فِي الذِّمَّةِ كَالصَّلَاةِ بَعْدَ الْوَقْتِ لَا غَيْرُ وَجَوَابُهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم كَانُوا يَقُولُونَ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إِجْمَاعًا وَقِيَاسًا عَلَى الْمُرْضِعِ وَالشَّيْخِ عِنْدَنَا إِذَا أَخَّرَهُ سِنِينَ لَمْ تَجِبْ إِلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ قِيَاسًا عَلَى كَفَّارَةِ الْإِفْسَادِ وَيُقَدَّمُ الْإِطْعَامُ عَلَى النَّذْرِ لِأَنَّ سَبَبَهُ مُقَدَّمٌ فِي الشَّرْعِ وَيُؤَخَّرُ عَنْ كَفَّارَةٍ لِأَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنِ الْقَضَاءِ وَهِيَ عَنِ الْأَدَاء وافطارا بِمَوْضِعٍ مُقَدَّمٍ عَلَيْهِ لِذَلِكَ وَهُوَ وَهَادِي الْمُتْعَةِ سَوَاءٌ فَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ لَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ خِلَافًا (لِ ش) وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَأَنْكَرَهَا ابْنُ أَبِي زَيْدٍ لِأَنَّهُ قَدْ يُخْرِجُهُ وَلَا يَعْلَمُونَ أَوْ يَحْمِلُهُ أَحَدٌ عَنْهُ لِأَنَّهُ مُفْتَقِرٌ إِلَى النِّيَّةِ وَلَمْ يَنْوِ وَالْإِطْعَامُ مُدٌّ وَمُدُّ الْعَيْشِ كَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ وَقَالَ أَشْهَبُ يُخْرِجُ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ مُدًّا قَالَ الْبَاجِيُّ هُوَ اسْتِحْبَابٌ وَيُطْعِمُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ مَعَ الْقَضَاءِ كَالْهَدْيِ مَعَ حَجِّ الْقَضَاءِ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا تَقْيِيدَ لِتَحَقُّقِ سَبَبِهِ وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الثَّانِي وَأَطْعَمَ لِلْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِسْكِينًا ثُمَّ فَرَطَ الثَّانِي مِنْ شَعْبَانَ فَلَمْ يَصُمْهُ جَازَ لَهُ

ص: 525

أَنْ يُطْعِمَ الْمِسْكِينَ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ سَبَبٌ طَرَأَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْأَوَّلِ فَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ عَنِ الْأَوَّلِ لَمْ يَجُزِ الدَّفْعُ لَهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي اجْتِمَاعِ الْكَفَّارَاتِ فَلَوْ عَزَمَ عَلَى التَّأْخِيرِ فَأَطْعَمَ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِهِ عِنْدَ أَشْهَبَ لِعَدَمِ السَّبَبِ الْحُكْمُ الرَّابِعُ فِي الْكَفَّارَةِ وَفِي الْجَوَاهِرِ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ هَلْ هِيَ مُتَنَوِّعَةٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَوْ مُخْتَصَّةٌ بِالْإِطْعَامِ لِقَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ لَا يَعْرِفُ مَالِكٌ غَيْرَ الْإِطْعَامِ قَالَ صَاحِبُ التَّنْبِيهَاتِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ بَلْ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَفْضَلِ النَّوْعُ الْأَوَّلُ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ كَامِلَةٍ غَيْرِ مُلَفَّقَةٍ سَلِيمَةٍ مِنَ الِاسْتِحْقَاقِ بِوَجْهٍ النَّوْعُ الثَّانِي صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لِأَنَّ التَّتَابُعَ وَقَعَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ وَقِيَاسًا عَلَى كَفَّارَةِ الْقَتْلِ النَّوْعُ الثَّالِثُ إِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ بِمُدِّهِ صلى الله عليه وسلم َ - وَخَيَّرَ أَشْهَبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ فَالْإِطْعَامُ يَعُمُّهَا لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي خَبَرِهَا وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَالصِّيَامَ وَرَدَا فِي الْجِمَاعِ فَيَخْتَصُّ بِهِمَا وَالْإِطْعَامُ إِنَّمَا وَرَدَ فِي الْمُطِيقِ لِلْآيَةِ وَالْإِطْعَامُ أَفْضَلُ عَلَى الْمَشْهُورِ لِعُمُومِ نَفْعِهِ لَا سِيَّمَا فِي الشَّدَائِدِ وَقِيلَ الْعِتْقُ أَفْضَلُ وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَتَسْتَقِرُّ الْكَفَّارَةُ فِي الذِّمَّةِ عِنْدَ الْعَجْزِ وَقَالَ مَالِكٌ هِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بِصِيغَةِ أَوْ وَهِيَ لِلتَّخْيِيرِ وَقِيَاسًا عَلَى كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَقَالَتِ الْأَئِمَّةُ عَلَى التَّرْتِيبِ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ عندنَا لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم َ - فِي مُسْلِمٍ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ خَصْلَةً إِلَّا بَعْدَ أَنْ وَقِيَاسًا عَلَى كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ اسْتِفْهَامٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ وَفِي الْجُلَّابِ

إِذَا أَطْعَمَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ فِي يَوْمٍ عَنْ كَفَّارَةٍ جَازَ أَنْ يُطْعِمَهُمْ فِي يَوْمٍ آخَرَ

ص: 526

عَنْ كَفَّارَةٍ أُخْرَى سُؤَالٌ الْمَقْصُودُ مِنَ الْإِطْعَامِ هُوَ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ وَسَدُّ خَلَّةِ الْمَسَاكِينِ وَهُمَا حَاصِلَانِ بِإِطْعَامِ مِسْكِينٍ ذَلِكَ الطَّعَامَ فِي سِتِّينَ يَوْمًا لِسَدِّ سِتِّينَ خَلَّةً فَمَا الْفَرْقُ جَوَابُهُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ وَلِيٌّ أَوْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ إِطْعَامُهُمْ أَفْضَلَ وَلِأَنَّهُ يُرْجَى مِنْ دُعَائِهِمْ مَا لَا يُرْجَى مِنْ دُعَاءِ الْوَاحِدِ أَصْلُهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ وَلِذَلِكَ أَوْجَبَ (ش) فِي الزَّكَاةِ الدَّفْعَ لِلْأَصْنَافِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ يَقْتَضِي الْمَذْهَبُ الْإِجْبَارَ عَلَى الْكَفَّارَةِ وَلَا تُوكَلُ إِلَى الْأَمَانَةِ فَمَنِ ادَّعَى إِسْقَاطَهَا لِجَهْلٍ أَوْ تَأْوِيلٍ لَا يُصَدَّقُ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يُشْبِهُ وَقَالَ الْقِيَاسُ هِيَ مَوْكُولَةٌ إِلَى الْأَمَانَةِ الْحُكْمُ الْخَامِسُ قَالَ سَنَدٌ قَالَ مَالِكٌ الْعُقُوبَةُ لِمَنْ تَعَمَّدَ الْإِفْسَادَ إِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَأْتِ مُسْتَفْتِيًا لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم َ - لم يُعَاقب السَّائِل وَكيلا يَمْتَنِعَ النَّاسُ عَنِ الِاسْتِفْتَاءِ الْحُكْمُ السَّادِسُ فِي الْجَوَاهِرِ قَطْعُ التَّتَابُعِ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ فَإِنْ أفطر فِيهِ لغير عذر أَو عذر يُمكنهُ دَفعه كالسفر فَأَمَّا مَا لَا يُمْكِنُهُ مِنْ سَهْوٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ عِدَّةٍ أَوْ حَيْضٍ فَلَا وَفِي الْجُلَّابِ إِنْ تَعَمَّدَ صِيَامَ ذِي الْحِجَّةِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ جَهِلَ أَفْطَرَ وَبَنَى وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الِابْتِدَاءُ وَلَوْ صَامَ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ لِكَفَّارَتِهِ وَفَرْضِهِ قَضَى ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ الْحُكْمُ السَّابِعُ قَطْعُ النِّيَّةِ الْحُكْمِيَّةِ وَفِي الْجَوَاهِرِ تَنْقَطِعُ بِإِفْسَادِ الصَّوْمِ أَوْ تَرْكِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَوْ بِزَوَالِ التَّحَتُّمِ كالسفر وَالْمَرَض

ص: 527

(الْبَابُ الثَّامِنُ فِي صِيَامِ التَّطَوُّعِ)

وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ وَهُوَ عِنْدَنَا يَجِبُ إِتْمَامُهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ وَفِي الْكِتَابِ إِنْ تَسَحَّرَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِطُلُوعِهِ مَضَى فِيهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنْ أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَفِي مُسلم قَالَ صلى الله عليه وسلم َ -

مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ قَالَ سَنَدٌ الْقَضَاءُ اسْتِحْسَانٌ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْإِمْسَاكِ بَعْدَ الْإِفْسَادِ وَوَاجِبٌ إِذَا أَفْسَدَ لِغَيْرِ عُذْرٍ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَوْجَبَهُ (ح) مَعَ الْقُدْرَةِ وَنَفَاهُ (ش) مُطْلَقًا بَلْ جَوَّزَ الْفِطْرَ لَهُ وَفِي مُسْلِمٍ قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ فَقُلْنَا لَا قَالَ إِنِّي إِذًا صَائِمٌ ثُمَّ أَتَى يَوْمًا آخَرَ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَ إِلَيْنَا حَيْسٌ فَقَالَ أَرِينِيهِ فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا فَأَكَلَ زَادَ النَّسَائِيُّ وَأَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ وَقِيَاسًا عَلَى الشُّرُوعِ فِي تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وَالصَّدَقَةِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا قَضِيَّةُ عَيْنٍ فَلَعَلَّهَا مُخْتَصَّةٌ ويؤكده أَنه صلى الله عليه وسلم َ - لَا يُقَدِّمُ شَهْوَةَ بَطْنِهِ عَلَى طَاعَةِ رَبِّهِ وَعَنِ الثَّانِي الْمُعَارَضَةُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِذَا شَرَعَ فِيهَا مُتَطَوِّعًا فَإِنَّهُ يَجِبُ الْإِتْمَامُ اتِّفَاقًا وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} وَالنَّهْيُ عَنِ الْإِبْطَالِ يُوجِبُ الْأَدَاءَ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ قِيَاسا على

ص: 528

النَّذْرِ وَتَوْفِيَةً وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ رضي الله عنهما أَصْبَحَتَا صَائِمَتَيْنِ مُتَطَوِّعَتَيْنِ فَأُهْدِيَ إِلَيْهِمَا طَعَامٌ فَأَفْطَرَتَا عَلَيْهِ فَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم َ - قَالَتْ عَائِشَةُ فَبَدَرَتْنِي حَفْصَةُ وَكَانَتْ بِنْتَ أَبِيهَا فَسَأَلَتْ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم َ -

اقْضِيَا يَوْمًا مَكَانَهُ وَلَمَّا قَالَ السَّائِلُ لَهُ صلى الله عليه وسلم َ - هَلْ عَلَيَّ غَيْرُ ذَلِكَ قَالَ لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ فَأَثْبَتَ الْوُجُوبَ مَعَ التَّطَوُّعِ وَهُوَ الْمَطْلُوب

تَنْبِيه لايوجد لَنَا أَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ إِلَّا فِي سِتِّ عِبَادَاتٍ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالِاعْتِكَافِ وَالِائْتِمَامِ وَطَوَافِ التَّطَوُّعِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ وَالصَّدَقَةِ وَالرِّفْدِ وَالسَّفَرِ لِلْجِهَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ صَوْمَ عَاشُورَاءَ عِنْدَ مَالك مُسْتَحبّ وَعند الشَّافِعِي سُنَّةٌ وَفِي أَبِي دَاوُدَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم َ - أَنَّهُ قَالَ

وَصَوْمُ عَاشُورَاءَ إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُقَالُ فِيهِ تَابَ اللَّهُ عَلَى آدَمَ عليه السلام وَاسْتَوَتِ السَّفِينَةُ عَلَى الْجُودِيِّ وَفُلِقَ الْبَحْرُ لِمُوسَى عليه السلام وَغَرِقَ فِرْعَوْنُ وَوُلِدَ عِيسَى عليه السلام وَخَرَجَ يُونُسُ عليه السلام مِنَ الْحُوتِ وَيُوسُفُ عليه السلام مِنَ الْجُبِّ وَتَابَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى قَوْمِ يُونُسَ وَفِيهِ تُكْسَى الْكَعْبَةُ كُلَّ عَامٍ وَمَنْ أصبح غير ناو ولصومه أَجْزَأَهُ صَوْمُهُ أَوْ بَاقِيهِ إِنْ أَكَلَ وَهُوَ مَرْوِيّ عَنهُ صلى الله عليه وسلم َ - وَيُسْتَحَبُّ فِيهِ التَّوْسِعَةُ عَلَى الْعِيَالِ وَهُوَ عَاشِرُ الْمُحَرَّمِ وَقَالَ (ش) التَّاسِعُ وَفِي مُسْلِمٍ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ الْأَعْرَجِ قَالَ انْتَهَيْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ رِدَاءَهُ فِي زَمْزَمَ فَقُلْتُ أَخْبِرْنِي عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ إِذَا رَأَيْتَ هِلَالَ الْمُحَرَّمِ فَاعْدُدْ وَأَصْبِحْ يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِمًا قُلْتُ هَكَذَا كَانَ

ص: 529

رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - يَصُومُهُ قَالَ نَعَمْ وَلِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ أَظْمَاءِ الْإِبِلِ وَعَادَتُهُمْ تَسْمِيَةُ الْخَامِسِ رَبْعًا وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّا نَقُولُ بِمُوجَبِهِ وَلَيْسَ فِيهَا الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّاسِعِ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاشْتِقَاقِ الْمُوَافَقَةُ فِي الْمَعْنَى وَالْعَاشُورَاءُ مِنَ الْعَشْرِ وَصَوْمُ عَرَفَةَ مُسْتَحَبٌّ وَقَالَتِ الشَّافِعِيَّةُ مَسْنُونٌ وَيُسْتَحَبُّ إِفْطَارُهُ لِلْحَاجِّ لِيَقْوَى عَلَى الدُّعَاءِ خلافًا (ح) وَفِي أَبِي دَاوُدَ وَقَالَ صلى الله عليه وسلم َ -

صِيَامُ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ وَفِي أَبِي دَاوُدَ نَهَى صلى الله عليه وسلم َ - عَنْ صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ سُؤَالٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ بِالتَّكْفِيرِ الصَّغَائِرُ وَفِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُم سيآتكم} فَجُعِلَ اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ مُكَفِّرًا وَرُوِيَ أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ وَأَنَّ الْجُمُعَةَ كَذَلِكَ وَأَنَّ رَمَضَانَ كَذَلِكَ وَإِذَا حَصَلَ التَّكْفِيرُ بِإِحْدَى هَذِهِ لَا تَكُونُ الْأُخْرَى مُكَفِّرَةً وَإِلَّا يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَهُوَ مُحَالٌ جَوَابُهُ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا شَأْنُهُ التَّكْفِيرُ فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا كَفَّرَ وَإِلَّا فَلَا يَنْتَفِي كَوْنُهُ مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ وَفِي الْجَوَاهِرِ يُسْتَحَبُّ صَوْمُ تَاسُوعَاءَ وَيَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَقَدْ وَرَدَ صَوْمُ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ كَصِيَامِ سَنَةٍ وَصَوْمُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَشَعْبَانَ وَعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ صِيَامَ كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا يَعْدِلُ سَنَةً وَفِي مُسْلِمٍ

مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ كَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ كُلَّهُ وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ صِيَامَهَا فِي غَيْرِهِ خَوْفًا مِنْ إِلْحَاقِهَا بِرَمَضَانَ عِنْدَ الْجُهَّالِ وَإِنَّمَا عَيَّنَهَا الشَّرْعُ مِنْ شَوَّالٍ لِلْخِفَّةِ عَلَى الْمُكَلَّفِ بِسَبَبِ قُرْبِهِ مِنَ الصَّوْمِ وَإِلَّا فَالْمَقْصُودُ حَاصِلٌ فِي غَيْرِهِ فَيُشْرَعُ التَّأْخِيرُ جَمْعًا بَيْنَ

ص: 530

مَصْلَحَتَيْنِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ أَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشَرَةٍ فَالشَّهْرُ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَالسِّتَّةُ بِسِتِّينَ كَمَالِ السَّنَةِ فَإِذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ فِي السِّنِينَ فأنكا صَامَ الدَّهْرَ سُؤَالٌ يُشْتَرَطُ فِي التَّشْبِيهِ الْمُسَاوَاةُ أَوِ الْمُقَارَبَةُ وَههنا لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا الصَّوْمَ عُشْرُ صَوْمِ الدَّهْرِ وَالْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ الْعَمَل وَلَا مقاربة بَين عشر الشَّيْء كُله جَوَابُهُ مَعْنَاهُ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ أَنْ لَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَإِنَّ شَهْرَنَا بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ لِمَنْ كَانَ قَبْلَنَا وَالسِّتَّةُ بِشَهْرَيْنِ لِمَنْ كَانَ قَبْلَنَا فَقَدْ حَصَلَتِ الْمُسَاوَاةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ

تَنْبِيهٌ هَذَا الْأَجْرُ مُخْتَلَفُ الْأَجْرِ فَخَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ أَعْظَمُ أَجْرًا لِكَوْنِهِ مِنْ بَابِ الْوَاجِبِ وَسُدُسُهُ ثَوَابُ النَّفْلِ

فَائِدَةٌ إِنَّمَا قَالَ بِسِتٍّ بِالتَّذْكِيرِ وَلَمْ يَقُلْ بِسِتَّةٍ رَعْيًا لِلْأَصْلِ فَوَجَبَ تَأْنِيثُ الْمُذَكَّرِ فِي الْعَدَدِ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُغَلِّبُ اللَّيَالِيَ عَلَى الْأَيَّامِ لِسَبْقِهَا فَتَقُولُ لِعَشْرٍ مَضَيْنَ مِنَ الشَّهْرِ وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ فَكَانَ يَصُومُهَا أَوَّلَهُ وَعَاشِرَهُ وَالْعِشْرِينَ وَهِيَ الْأَيَّامُ الْبِيضُ وَاخْتَارَ أَبُو الْحَسَنِ تَعْجِيلَهَا أَوَّلَ الشَّهْرِ وَهِيَ صِيَامُ الدَّهْرِ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ بِثَلَاثِينَ كَمَا تَقَدَّمَ

فَائِدَةٌ قَالَ ابْنُ الْجَوَالِيقِيِّ فِي إِصْلَاحِ مَا تَغْلَطُ فِيهِ الْعَامَّةُ تَقُولُ الْأَيَّامُ الْبِيضُ فَيَجْعَلُونَ الْبِيضَ وَصْفًا لِلْأَيَّامِ وَالصَّوَابُ أَيَّامُ الْبِيضِ أَيْ أَيَّامُ اللَّيَالِي الْبِيضِ بِحَذْفِ الْمَوْصُوفِ وَإِقَامَةِ الْوَصْفِ مَقَامَهُ وَإِلَّا فَالْأَيَّامُ كُلُّهَا بِيضٌ وَاللَّيَالِي الْبِيضُ

ص: 531

لَيْلَةُ الثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ لِأَنَّهَا بَيْضٌ بِالْقَمَرِ وَأَسْمَاءُ لَيَالِي الشَّهْرِ عَشَرَةٌ لِكُلِّ ثَلَاثٍ اسْمٌ الثَّلَاثُ الْأُوَلُ غُرَرٌ لِأَنَّ غُرَّةَ كُلِّ شَيْءٍ أَوَّلُهُ وَالثَّانِيَةُ نُفَلٌ مِثْلُ زُحَلَ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ عَلَى الْغُرَرِ وَالنَّفْلُ الزِّيَادَةُ وَثَلَاثٌ تُسَعٌ لِأَنَّ آخِرَهَا تَاسِعٌ وَثَلَاثٌ عُشَرٌ لِأَنَّ أَوَّلَهَا عَاشِرٌ وَوَزْنُهَا مِثْلُ زُحَلَ أَيْضًا وَثَلَاثٌ تُبَعٌ وَثَلَاثٌ دُرَعٌ كَزُحَلَ أَيْضًا لِاسْوِدَادِ أَوَائِلِهَا وَابْيِضَاضِ سَائِرِهَا وَثَلَاثٌ ظُلَمٌ كَزُحَلَ أَيْضًا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا مُظْلِمٌ وَثَلَاثٌ حَنَادِسُ لِسَوَادِهَا

لِأَنَّهَا بَقَايَا وَثَلَاثٌ مِحَاقٌ لِامِّحَاقِ الْقَمَرِ أَوِ الشَّمْسِ وَكَرِهَ مَالِكٌ صَوْمَ الدَّهْرِ لِئَلَّا يُصَادِفَ نَذْرًا أَوْ غَيْرَهُ وَاسْتَحَبَّهُ أَبُو الطَّاهِرِ قَالَ سَنَد أجَازه مَالِكٌ إِذَا أَفْطَرَ الْأَيَّامَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا وَقَالَهُ (ش وح) لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّ حَمْزَةَ الْأَسْلَمِيَّ قَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم َ - إِنِّي رَجُلٌ أَسْرُدُ الصَّوْمَ أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ فَقَالَ صُمْ إِنْ شِئْتَ فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم َ -

مَنْ صَامَ الدَّهْرَ لَا صَامَ عَلَى مَنْ لَا يُفْطِرُ مَا نُهِيَ عَنْهُ فَإِنْ نَذَرَهُ فَأَفْطَرَ نَاسِيًا قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ فَإِنْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْمُفْطِرِ يَوْمًا فِي رَمَضَانَ وَقَالَ سَحْنُونٌ إِطْعَامُ مِسْكِينٍ وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ الْإِثْمُ فَقَطْ وَكَرِهَ مَالك تَخْصِيص وسط الشَّهْر بِصَوْم وَاسْتحبَّ ابو حنيفَة صَوْمَ الْخَامِسَ عَشَرَ وَيَوْمَيْنِ قَبْلَهُ وَرُوِيَتْ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم َ -

أَنَّهَا الْأَيَّامُ الْبِيضُ وَالْغُرُّ وَاسْتَحَبَّ السَّابِعَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ فِيهِ بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم َ - وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ فِيهِ أُنْزِلَتِ الْكَعْبَةُ عَلَى آدَمَ عليه السلام وَمَعَهَا الرَّحْمَةُ وَثَالِثَ الْمُحَرَّمِ فِيهِ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ وَاسْتَجَابَ لَهُ وَصَوْمَ شَعْبَانَ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم َ - كَانَ أَكْثَرُ صَوْمِهِ فِيهِ وَفِيهِ تُرْفَعُ الْأَعْمَالُ وَصِيَامَ يَوْمِ نِصْفِهِ وَقِيَامَ لَيْلَتِهِ وَفِي الْكِتَابِ لَا أُحِبُّ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي تَعْلَمُ حَاجَةَ زَوْجِهَا إِلَيْهَا أَنْ تَصُومَ إِلَّا بِإِذْنِهِ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ صلى الله عليه وسلم َ -

لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ قَالَ سَنَدٌ فَلَوْ أَذِنَ لَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبْطَالُهُ وَلَهُ إِنْ لَمْ يَأْذَنْ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالسُّرِّيَّةُ كَذَلِكَ

ص: 532

قَالَهُ مَالِكٌ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ

لَا إِذْنَ لَهُ عَلَى إِمَائِهِ وَلَا ذُكُورِ عَبِيدِهِ إِلَّا أَنْ يُضْعِفَهُمْ عَنِ الْخِدْمَةِ وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ تَفْطِيرُ زَوْجَتِهِ الذِّمِّيَّةِ فِي صَوْمِهَا الْوَاجِبِ فِي دِينِهَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَفِي الْكِتَابِ إِنَّمَا يُؤْمَرُ الصِّبْيَانُ بِالصَّوْمِ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ قَالَ سَنَدٌ وَرَوَى أَشْهَبُ يُؤْمَرُونَ عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَصَوْمُهُمْ شَرْعِيٌّ عِنْدَنَا وَقَالَ (ح) إِمْسَاكٌ لِلتَّمْرِينِ وَقَالَهُ فِي الصَّلَاةِ لَنَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم َ - حِينَ سَأَلَتْهُ الْمَرْأَةُ عَنِ الصَّغِيرِ أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ وَقِيَاسًا عَلَى صَوْمِ الْبَالِغِ وَإِذَا قُلْنَا يَصُومُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ فَأَفْطَرَ وَهُوَ يَقْدِرُ أُمِرَ بِالْقَضَاءِ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَعَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ فِي الصَّبِيَّةِ تُجَامَعُ فَتُصَلِّي بِغَيْرِ غُسْلٍ لَا تَقْضِي مَا خَرَجَ وَقْتُهُ مِنَ الصَّلَاةِ وَلَا تَقْضِي الصَّوْمَ فَإِنْ أَفْطَرَ عَجزا أَمر بِالْقضَاءِ عِنْد عبد الْملك وَأَن لَا يقْضِي أحسن

ص: 533

(الْبَابُ التَّاسِعُ فِي الِاعْتِكَافِ)

وَأَصْلُهُ الِاحْتِبَاسُ وَالْعَكْفُ الْحَبْس وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وَالْهَدْي معكوفا} {وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا} {وَأَنْتُم عاكفون فِي الْمَسَاجِد} وَعَكَفَ يَعْكُفُ بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِهَا وَهُوَ فِي الشَّرْعِ الِاحْتِبَاسُ فِي الْمَسَاجِدِ لِلْعِبَادَةِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَفِيهِ خَمْسَةُ فُصُولٍ

‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي شُرُوطِهِ

وَهِيَ ثَلَاثَةٌ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ خِلَافًا لِابْنِ لُبَابَةَ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَلَّا يَعُودَ مَرِيضًا وَلَا يَشْهَدَ جِنَازَةً وَلَا يَمَسَّ امْرَأَةً وَلَا يُبَاشِرَهَا وَلَا يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ إِلَّا لِمَا بِذِمَّتِهِ وَلَا اعْتِكَافَ إِلَّا بِصَوْم

ص: 534

وَلَا اعْتِكَافَ إِلَّا فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ وَفِي الْكِتَابِ يَخْرُجُ لِغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَغُسْلِ الْجَنَابَةِ وَلَا يَغْسِلُ ثَوْبَهُ إِذَا خَرَجَ وَيَخْرُجُ لِشِرَاءِ الطَّعَامِ ثُمَّ يَرْجِعُ عَنْهُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ إِعْدَادُ ذَلِكَ وَالِاسْتِنَابَةُ فِيهِ قَالَ سَنَدٌ وَإِذَا قُلْنَا يَخْرُجُ فَلَا يَتَحَدَّثُ مَعَ أَحَدٍ فَإِنْ فَعَلَ وَطَالَ قَطَعَ التَّتَابُعَ وَإِنْ تَحَدَّثَ مِنْ غَيْرِ وُقُوفٍ لَمْ يَضُرَّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ إِنْ خَرَجَ لِدَيْنٍ لَهُ أَوْ غَلَبَهُ أَحَدٌ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ لِإِعْرَاضِهِ عَنْ مُلَازَمَةِ الْعِبَادَةِ الَّتِي هِيَ رَفِيقَة الِاعْتِكَافِ قَالَ سَنَدٌ وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ إِنْ أَكْرَهَهُ الْقَاضِي أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَسْتَأْنِفَ فَإِنْ بَنَى أَجْزَأَهُ لِعَجْزِهِ عَنْ دَفْعِ الْإِكْرَاهِ كَقَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ قَالَ مَالِكٌ الْإِمَامُ أَطْلَقَهُ حَتَّى يخرج إِذا لم يعْتَكف فِرَارًا فَإِن نفذ صَبْرُ صَاحِبِ الدَّيْنِ أَوْ طَالَتِ الْمُدَّةُ أَحْضَرَهُ أَوْ وَكِيلُهُ وَيُؤَخِّرُهُ فِي الْحَدِّ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ فَإِنْ أَخْرَجَهُ جَازَ لِوُجُوبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَيُؤَدِّي الشَّهَادَةَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يَخْرُجُ وَفِي الْكِتَابِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ مَا يُغَيِّرُ سُنَّةَ الِاعْتِكَافِ وَلَا أَنَّهُ مَتَى شَاءَ خَرَجَ وَلَا تَعْتَكِفُ الْمَرْأَةُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا وَقَالَهُ ابْن حَنْبَل خلافًا (ل ح وش) مُحْتَجَّيْنِ بِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم َ - أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلَمَّا انْصَرَفَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَرَادَ أَن يعْتَكف فِيهِ وجد أخببة خِبَاءَ عَائِشَةَ وَخِبَاءَ حَفْصَةَ وَخِبَاءَ زَيْنَبَ فَلَمَّا رَآهَا سَأَلَ عَنْهَا فَقِيلَ لَهُ هَذَا خِبَاءُ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَزَيْنَبَ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم َ - آلْبِرَّ تَقُولُونَ بِهِنَّ ثُمَّ انْصَرَفَ فَلَمْ يَعْتَكِفْ حَتَّى اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ حُجَّةٌ لَنَا مِنْ جِهَةِ فِعْلِهِنَّ لِذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَهُمْ وَإِنْكَارُهُ صلى الله عليه وسلم َ - لَمْ يُصَرَّحْ فِيهِ بِأَنَّهُ لِلْمَسْجِدِ بَلْ لِكَوْنِهِنَّ قصدن الْقرب مِنْهُ غيرَة عَلَيْهَا فَخَشِيَ عَلَيْهِنَّ ذَهَابَ الْأَجْرِ وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ لِلرِّجَالِ فَيَكُونُ لِلنِّسَاءِ كَالْجُمُعَةِ وَفِي الْكِتَابِ مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ لَا يَعْتَكِفُ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ وَإِلَّا فَفِي أَيِّ

ص: 535

مَسْجِدٍ شَاءَ قَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ وَ (ح) لَا يَعْتَكِفُ إِلَّا فِي مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ لِوُجُوبِهَا عِنْدَ ابْنِ حَنْبَلٍ وَتَرْكِ فَضِيلَتِهَا عِنْدَ (ح) لَنَا عُمُومُ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْتُمْ عاكفون فِي الْمَسَاجِد} قَالَ سَنَدٌ فَإِنِ اعْتَكَفَ فِي غَيْرِ الْجَامِعِ فَأَتَتِ الْجُمُعَةُ خَرَجَ اتِّفَاقًا وَيَبْطُلُ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّهُ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَقَالَهُ (ش) وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ الصِّحَّةُ وَقَالَهُ (ح) لِأَنَّ الْخُرُوجَ إِلَيْهَا مُسْتَثْنًى شَرْعًا كَمَا اسْتُثْنِيَ لِلْغَائِطِ طَبْعًا فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ يُخْتَلَفْ فِي بُطْلَانِ اعْتِكَافِهِ بِالْمَعْصِيَةِ الصَّغِيرَةِ أَوْ لَا يَبْطُلُ إِلَّا بِالْكَبِيرَةِ وَإِذَا خَرَجَ قَالَ مَالِكٌ يَتِمُّ اعْتِكَافُهُ بِالْجَامِعِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَعُودُ إِلَى مَسْجِدِهِ لِتَعَيُّنِهِ بِاعْتِكَافِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ إِلَى الْبَوْلِ لَا يَدْخُلُ مَسْجِدًا هُوَ أَقْرَبُ مِنَ الْأَوَّلِ وَلَوْ كَانَتِ الْأَيَّامُ لَا تَأْتِي فِيهَا الْجُمُعَةُ فَمَرِضَ فَخَرَجَ ثُمَّ رَجَعَ لِتَكْمِيلِ الِاعْتِكَافِ فَأَتَتِ الْجُمُعَةُ فِيهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ لِذَهَابِ الْمُتَابَعَةِ وَفَرَّقَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَلَوْ كَانَتِ الْأَيَّامُ تَأْتِي فِيهَا الْجُمُعَةُ فَحَدَثَ لَهُ عُذْرٌ يُسْقِطُهَا صَحَّ اعْتِكَافُهُ وَفِي الْكِتَابِ يَعْتَكِفُ فِي عَجُزِ الْمَسْجِدِ وَرِحَابِهِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي صُعُودِ الْمُؤَذِّنِ السَّطْحَ وَالْمَنَارَ بِالْكَرَاهَةِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْأَوَّلُ الْمَشْهُورُ قَالَ سَنَدٌ الرَّحَبَةُ مَا كَانَ مُضَافًا إِلَى الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَ خَارِجَهُ وَيَكُونُ لَهَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ وَقَالَ الْبَاجِيُّ مَعْنَاهُ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ وَلَا يَصِحُّ خَارِجَهُ وَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ خِلَافُهُ وَأَجَازَ مَالِكٌ لِمَنِ اعْتَكَفَ بِمَكَّةَ دُخُولَ الْكَعْبَةِ لِأَنَّهَا فِي حكم الْمَسْجِد الشَّرْط الثَّانِي الصَّوْم وَقَالَهُ (ح) خِلَافًا (لِ ش) مُحْتَجًّا بِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم َ - اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأُوَّلَ مِنْ شَوَّالٍ وَيَوْمُ الْفِطْرِ لَا صَوْمَ فِيهِ وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه لَهُ صلى الله عليه وسلم َ -

إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ لَهُ أَوْفِ بِنَذْرِكَ وَاللَّيْلُ لَا صَوْمَ فِيهِ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ شَرْطًا فِي اعْتِكَافِ اللَّيْلِ فَلَا يَكُونُ بِالنَّهَارِ إِذْ لَا أَثْنَاءَ الْعِبَادَةِ وَلِأَنَّهُ لُبْثٌ فِي مَكَانٍ مَخْصُوصٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الصَّوْمُ قِيَاسًا عَلَى الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أنَّ خُرُوجَ يَوْمِ الْفِطْرِ مِنَ الْعَشْرِ لَا يُعَدُّ بِإِطْلَاقِ لَفْظِ

ص: 536

الْعَشْرِ عَلَيْهِ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ رَوَى

أَوْفِ بِنَذْرِكَ وَصُمْ أَوْ أنَّ الصَّوْمَ كَانَ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ بِاللَّيْلِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ قَبْلَ نَسْخِهِ وَعَنِ الثَّالِثِ أَنَّ كَالنِّيَّةِ الْفِعْلِيَّةِ وَعَنِ الرَّابِعِ قَلَّبَهُ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ لُبْثٌ فِي مَكَانٍ مَخْصُوصٍ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهِ قِيَاسًا عَلَى الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَنَا حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمُ وَأَجْمَعْنَا لَوْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ صَائِمًا لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا لَمَا لَزِمَ كَمَا لَوْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ مُتَصَدِّقًا لَأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا لَيْسَ قُرْبَةً بِالشَّرْعِ وَكُلُّ وَاحِدٍ قُرْبَةٌ عَلَى حِدَتِهِ وَأَمَّا نَذْرُهُ الْحَجَّ مَاشِيًا فَإِنَّ الْمَشْيَ مُكَمِّلٌ الْحَجَّ بِالتَّوَاضُعِ فِيهِ وَإِلَّا فَالْأَصْلُ أَنَّ هَذِهِ الْأَحْوَالَ لَا تَلْزَمُ فِي النُّذُورِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَسَوَاءً كَانَ الصَّوْمُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ كَالطَّهَارَةِ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ تُفْعَلُ لِغَيْرِهَا قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَلَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ وَكُلِّ صَوْمٍ وَاجِبٍ وَإِنْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ فَلَا يَعْتَكِفْهُ فِي صَوْمٍ وَاجِبٍ لِإِيجَابِ النَّذْرِ الصَّوْمَ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي صِيَامِ النَّذْرِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَلَوِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ يَجْعَلُهُ فِي صَوْمٍ وَاجِبٍ أَوْ كَانَ يَجْهَلُ أَنَّ الصَّوْمَ شَرْطٌ جَازَ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي أَيِّ صَوْمٍ شَاءَ قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى أَجَازَ مَالِكٌ جَعْلَهُ فِي أَيِّ صَوْمٍ شَاءَ خِلَافًا لِعَبْدِ الْمَلِكِ لِأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ صَلَاةً لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَطَهَّرَ لَهَا بَلْ يَكْتَفِي بِطَهَارَةِ غَيْرِهَا وَفِي الْكِتَابِ إِنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا انْتَقَضَ اعْتِكَافُهُ أَوْ نَاسِيًا اعْتَكَفَ يَوْمًا مَكَانَهُ وَوَصَلَهُ بِاعْتِكَافٍ فَإِنْ لَمْ يَصِلْهُ ابْتَدَأَ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ذَلِكَ فِي النَّذْرِ أَمَّا التَّطَوُّعُ فَلَا قَضَاءَ مَعَ النِّسْيَانِ قَالَ يُحْتَمَلُ أْنَ يَكُونَ خِلَافًا لِقَوْلِ مَالِكٍ أَوْ وِفَاقًا وَحَكَاهُ سَنَدٌ خِلَافًا عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ وَالْفَرْقُ لِمَالِكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّطَوُّعِ بِالصَّوْمِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِنِيَّةِ الدُّخُولِ كَمَا يَتَعَيَّنُ بِالنَّذْرِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ إِنْ عَجَزَ عَنِ الصَّوْمِ لِمَرَضٍ خَرَجَ فَإِذَا صَحَّ بَنَى فَإِنْ فَرَّطَ فِي الْبِنَاءِ ابْتَدَأَ فَإِن صَحَّ فِي بعض النَّهَار وَقَوي عَن الصَّوْمِ دَخَلَ حِينَئِذٍ وَلَا يُؤَخِّرُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا طَهُرَتِ الْحَائِضُ رَجَعَتْ حِينَئِذٍ فَإِنْ

ص: 537

كَانَ يَوْمُ الْفِطْرِ فِي مُدَّةِ اعْتِكَافِهِ وَصَحَّ قَبْلَهُ بِيَوْمٍ يَرْجِعُ وَلَا يَبِيتُ لَيْلَةَ يَوْمِ الْفِطْرِ فِي مُعْتَكَفِهِ فَإِذَا قَضَى يَوْمَ الْفِطْرِ عَادَ وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ يَرْجِعُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَلَا يَعْتَدُّ بِذَلِكَ الْيَوْمِ قَالَ سَنَدٌ إِنْ كَانَ مَرَضُهُ لَا يُلْزِمُهُ الْخُرُوجَ مِنَ الْمَسْجِدِ وَجَبَتِ الْإِقَامَةُ لِيَأْتِيَ مِنَ الْعِبَادَةِ بِالْمُمْكِنِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ يَخْرُجُ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى الصَّوْمِ فَلَا اعْتِكَافَ إِلَّا بِصَوْمٍ وَقَدْ خَرَّجَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى هَذَا أَنَّهُ إِذَا صَحَّ أَوْ طَهُرَتْ فِي بَعْضِ النَّهَارِ لَا يَرْجِعَانِ لِعَدَمِ الصَّوْمِ وَالْفَرْقُ أَنَّ طُرُوَّ الْعُذْرِ مُمْكِنُ الدَّوَامِ فَيَبْقَى مُدَّةً مُعْتَكِفًا بِغَيْرِ صَوْمٍ بِخِلَافِ ارْتِفَاعِهِ فَإِنَّهُ يَتَعَقَّبُهُ الصَّوْمُ مِنَ الْغَدِ فَلَا يُمْنَعُ كَمَا لَوْ زَالَ الْعُذْرُ بِاللَّيْلِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ لَيْلِ الْفِطْرِ وَغَيْرِهِ أَنَّ سَائِرَ اللَّيَالِي وَقْتٌ لِابْتِدَاءِ الِاعْتِكَافِ فَيَكُونُ وَقْتًا لِاسْتِدَامَتِهِ وَأَنَّ سَائِرَ اللَّيَالِي قَابِلٌ لِنِيَّةِ الصَّوْمِ بِخِلَافِ الْفِطْرِ وَإِذَا قُلْنَا لَا يَخْرُجُ لَيْلَةَ الْعِيدِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ فَقَدْ خَالَفَ سَحْنُونٌ فِي الْخُرُوجِ إِلَى الصَّلَاةِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْخُرُوجِ إِلَى الْجُمُعَةِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِيمَنِ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ فَمَرِضَ إنَّهُ يَقْضِي أَيَّامَ الْمَرَضِ بعد الْعِيد أَن الِاعْتِكَاف الْمعِين بِخِلَاف الصّيام الْمُعَيَّنِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاعْتِكَافَ أَشْبَهُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْمَسْجِدِ وَبَقَائِهِ مَعَ الْمَرَضِ كَبَقَاءِ الْإِحْرَامِ مَعَ فَوَاتِ الْحَجِّ وَفَسَادِهِ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مُتَابَعَتُهُ بِالنِّيَّةِ كَمَا يَلْزَمُ بِالْبَدَنِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ يَقْضِي اعْتِكَافَ رَمَضَانَ لِوُجُوبِ قَضَاءِ صَوْمِهِ وَصَيْرُورَةِ الِاعْتِكَافِ مَعَهُ كَالْعِبَادَةِ الْوَاحِدَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَلَوِ اسْتَغْرَقَ الْمَرَضُ أَوِ الْحَيْضُ جَمِيعَ الْعَشْرِ الَّذِي نَوَاهُ أَوْ نَذَرَهُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَ سَحْنُونٍ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ لِأَنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ إِذَا نَذَرَهُمَا فِي سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَمَرِضَ لَا يَقْضِيهِمَا وَعِنْدَ ابْنِ عَبْدُوسٍ يَقْضِي فِي الْمَوْضِعَيْنِ تَوْفِيَةً بِالسَّبَبِ وَعَلَى أَصْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ إِنْ قَصَدَ بِنَذْرِ الْأَيَّامِ أَمْرًا يَخْتَصُّ بِهَا لَمْ يَقْضِ وَإِلَّا قَضَى قَالَ الْبَاجِيُّ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَا يَقْضِي فِي غَيْرِ رَمَضَانَ وَإِذَا رَجَعَتِ الْحَائِضُ وَالْمَرِيضُ فِي بَعْضِ النَّهَارِ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ الْيَوْمِ لِعَدَمِ الصَّوْمِ فَإِنْ طَهُرَتْ

ص: 538

قَبْلَ الْفَجْرِ اغْتَسَلَتْ وَنَوَتْ وَدَخَلَتِ الْمُعْتَكَفَ حِينَ تُصْبِحُ وَيُجْزِيهَا عِنْدَ مَالِكٍ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يُجْزِيهَا حَتَّى تَدَخُلَ أَوَّلَ اللَّيْلِ كَابْتِدَاءِ الِاعْتِكَافِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الِابْتِدَاءِ فَعِنْدَ سَحْنُونٍ لَا يُجْزِيهِ إِلَّا مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ يُجْزِيهِ وَإِذَا قُلْنَا بِالْإِجْزَاءِ فَفَرَّطَتْ اسْتَأْنَفَتِ الِاعْتِكَافَ الشَّرْطُ الثَّالِثُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْعِبَادَةِ اللَّائِقَةِ بِالِاعْتِكَافِ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَمَذْهَبُ ابْنِ وَهْبٍ جُمْلَةُ الْأَعْمَالِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْآخِرَةِ كَمُدَارَسَةِ الْعِلْمِ وَعِيَادَةِ الْمَرْضَى وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ إِذا انْتهى إِلَيْهَا الزِّحَامُ بِخِلَافِ الْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ وَالْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمْ سُؤَالٌ مَنَعَهُ فِي الْكِتَابِ مِنَ الْجِنَازَةِ وَجَوَّزَ لِلْمُتَنَفِّلِ فِي الصَّلَاةِ الرَّدَّ عَلَى الْمُؤَذِّنِ كِلَاهُمَا أَدْخَلَ فِي الْعِبَادَةِ مَا لَيْسَ مِنْهَا جَوَابُهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ لَمْ يُوضَعْ لِلْجِنَازَةِ وَالصَّلَاةُ وَضِعَتْ لِلذِّكْرِ وَالرَّدُّ عَلَى الْمُؤَذِّنِ ذِكْرٌ وَفِي الْكِتَابِ لَا يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ وَإِنِ انْتَهَى إِلَيْهِ الْمُصَلُّونَ وَلَا يَعُودُ مَرِيضًا فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يُعَزِّي وَلَا يُهَنِّئُ وَلَا يَعْقِدُ نِكَاحًا فِي الْمَسْجِدِ إِلَّا أَنْ يَغْشَاهُ فِي مَجْلِسِهِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها الْمُتَقَدِّمِ وَلِأَنَّ الِاعْتِكَافَ يَقْتَضِي عِبَادَةً مَخْصُوصَةً فَلَا يُدْخِلُ فِيهِ غَيْرَهَا قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ وَلَهُ أَنْ يَأْمُرَ بِمَصْلَحَتِهِ ومصلحة أَهله وَيبِيع مَاله إِذَا كَانَ خَفِيفًا وَيُكْرَهُ خُرُوجُهُ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ فِي بَيْتِهِ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ وَيَتَّخِذُ مَوْضِعًا بِقُرْبِهِ وَفِي الْجَوَاهِرِ إِذَا خَرَجَ لِمَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَادٍ أَوْ حَقٍّ أَوْ دَيْنٍ أَوْ إِكْرَاه

ص: 539

فَفِي بُطْلَانِ اعْتِكَافِهِ قَوْلَانِ قَالَ سَنَدٌ فَإِنْ خَرَجَ لِلْجِنَازَةِ أَوْ عِيَادَةِ مَرِيضٍ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَإِنْ صَلَّى عَلَيْهَا فِي الْمَسْجِدِ كُرِهَ وَلَا يَبْطُلُ كَمَا لَوْ دَعَا لِأَحَدٍ أَوْ تَحَدَّثَ مَعَهُ فَإِنْ مَاتَ مَعَهُ أَحَدٌ فِي الْمَسْجِدِ وَلَيْسَ مَعَهُ مَنْ يُجَهِّزُهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ وَيَتَخَرَّجُ بُطْلَانُ اعْتِكَافِهِ عَلَى مَنْ نَزَلَ عَلَيْهِ الْعَدُوُّ فَخَرَجَ لِلْجِهَادِ رَجَعَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّهُ يَبْنِي بَعْدَ قَوْلِهِ يَبْتَدِئُ قَالَ مَالِكٌ وَيَجُوزُ ذَهَابُ بَعْضِ الْمُعْتَكِفِينَ إِلَى بَعْضٍ لِلْعَشَاءِ وَنَحْوِهِ وَيَشْتَرِي لَهُ طَعَامَهُ إِذَا اشْتَرَى طَعَامَ نَفْسِهِ وَإِذَا مَنَعْنَا عِيَادَةَ الْمَرْضَى فَمَرِضَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَخْرُجُ لِعِيَادَتِهِ لِوُجُوبِ بِرِّهِ وَيَبْتَدِئُ اعْتِكَافَهُ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَخْرُجُ مَعَ جِنَازَتِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ عَدَمَ الْعِيَادَةِ يُسْخِطُهُمَا بِخِلَافِ التَّشْيِيعِ وَفِي الْكِتَابِ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَيَتَطَيَّبَ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي الْعَقْدِ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهُمَا طُولُ زَمَانِ الْحَجِّ فَيُخْشَى مِنَ الْعَقْدِ الْوَطْءُ الثَّانِي أَنَّ إِفْسَادَهُ أَعْظَمُ حَرَجًا الثَّالِثُ أَنَّهُ مُنِعَ فِي الْحَجِّ مِنَ الطِّيبِ وَالنَّظَافَةِ وَالزِّينَةِ فَمُنِعَ مِنَ الْعَقْدِ لِفَرْطِ التَّشْدِيدِ بِخِلَافِ الِاعْتِكَافِ وَفِي الْكِتَابِ لَا يَجْلِسُ مَجَالِسَ الْعِلْمِ وَلَا يَكْتُبُ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ إِلَّا الشَّيْءَ الْخَفِيفَ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ شُرِعَ لَهَا الْمَسْجِدُ فَلَا يُشْرَعُ فِيهَا كَالصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَفِي الْكِتَابِ لَا يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ وَإِنْ جَمَعَهُ أَلْقَاهُ لِحُرْمَةِ الْمَسْجِدِ قَالَ سَنَدٌ فَإِنْ فَعَلَ لَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ حَاجِزٌ عَنِ النَّاسِ فَقَدْ خَفَّفَ لَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي ذَلِكَ وَيَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ يَدَهُ أَوْ رَأْسَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ لِذَلِكَ وَإِذَا خَرَجَ لِغُسْلِ الْجُمُعَةِ فَلَهُ فِي بَيْتِهِ نَتْفُ الْإِبْطِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ

ص: 540

لِلْجُمُعَةِ وَلَا تَجُوزُ لَهُ الْحِجَامَةُ وَالْفِصَادَةُ وَالْبَوْلُ وَالْغَائِطُ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ فَعَلَ يُخْتَلَفُ فِي بُطْلَانِ اعْتِكَافِهِ نَظَرًا لِكَوْنِهِ كَبِيرَةً أَمْ لَا وَيُكْرَهُ لَهُ السِّوَاكُ مِنْ أَجْلِ مَا يُلْقِيهِ مِنْ فِيهِ فِي الْمَسْجِدِ وَكَرِهَ مَالِكٌ لِلْمُؤَذِّنِ إِقَامَةَ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا غَيْرُ فِعْلِ الِاعْتِكَافِ

‌الْفَصْلُ الثَّانِي فِي الْمُعْتَكِفِ

وَهُوَ كُلُّ مَنْ تَصِحُّ مِنْهُ الْعِبَادَةُ وَفِي الْكِتَابِ إِنْ أَذِنَ لِرَقِيقِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ فِي الِاعْتِكَافِ فَلَيْسَ لَهُ قَطْعُهُ فَإِنْ نَذَرَهُ الْعَبْدُ فَمَنَعَهُ سَيِّدُهُ فَهُوَ عَلَيْهِ إِذَا أُعْتِقَ وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ وَالْمَشْيُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنْ نَذَرَهُ الْمُكَاتَبُ وَهُوَ يَسِيرٌ لَا يَضُرُّ لَا يَمْنَعُهُ وَإِنْ أَضَرَّ بِالسَّعْيِ مَنَعَهُ قَالَ سَنَدٌ إِنْ لَمْ يَأْذَنْ لِلرَّقِيقِ فَهُوَ مُجْبَرٌ فِي قَطْعِهِ وَإِنْ أَذِنَ فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ فَلَهُ الْمَنْعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ وَإِنْ نَذَرَ مُعَيَّنًا بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَمَنَعَهُ فَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ يَقْضِيهِ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَإِنْ نَذَرَ الْأَيَّامَ لِمَعْنًى فِيهَا لَمْ يَقْضِ وَإِلَّا قَضَى وَأَسْقَطَهُ سَحْنُونٌ مُطْلَقًا وَالزَّوْجَةُ كَالْعَبْدِ وَإِذَا أَذِنَ لِلْمُكَاتَبِ فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَالْعَجْزِ فَلِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ

‌الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِهِ

وَفِي الْكِتَابِ لَمْ يَبْلُغْنِي عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُ اعْتَكَفَ إِلَّا أَبَا بَكْرِ بن

ص: 541

عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَإِنَّمَا تَرَكُوهُ لِشِدَّتِهِ لِاسْتِوَاءِ لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ قَالَ سَنَدٌ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ تَرَكُوهُ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي حَقِّهِمْ لِأَنَّهُ كَالْوِصَالِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَفِي الْكِتَابِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ الِاعْتِكَافُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَسَأَلْتُهُ فَأَنْكَرَهُ وَقَالَ أَقَلُّهُ عَشْرَةُ أَيَّامٍ وَبِهِ أَقُولُ قَالَ سَنَدٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّ أَقَلَّ مِنَ الْعَشَرَةِ لَا يَكُونُ مَشْرُوعًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ ذَلِكَ الْأَحْسَنُ وَالْعَشَرَةُ هِيَ عَادَتُهُ صلى الله عليه وسلم َ - وَلَا يَنْبَغِي مُجَاوَزَتُهَا لِلسُّنَّةِ وَإِنْ كَانَ فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم َ - اعْتَكَفَ الْعَامَ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ عِشْرِينَ يَوْمًا وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا بَأْسَ بِالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ وَفِي الْجُلَّابِ أَقَلُّهُ يَوْمٌ وَالِاخْتِيَارُ عَشَرَةٌ وَفِي الْكِتَابِ مَنِ اعْتَكَفَ أَوَاخِرَ رَمَضَانَ دَخَلَ غُرُوبُ الشَّمْسِ وَلَا يَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ حَتَّى يَشْهَدَ الْعِيدَ لِأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم َ - وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَإِنِ اعْتَكَفَ وَسَطَهُ رَجَعَ إِلَيْهِمْ آخِرَ أَيَّامِ الِاعْتِكَافِ وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ فَإِنْ خَرَجَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ أَوْ فَعَلَ فِيهَا مَا يُبْطِلُ الِاعْتِكَافَ بَطَلَ اعْتِكَافه لَا تصالها بِهِ كَرَكْعَتَيِ الطَّوَافِ بِالطَّوَافِ وَقَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَقَالَ سَحْنُونٌ هَذَا خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بَلْ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ قَالَ سَنَدٌ الدُّخُولُ مِنَ الْغُرُوبِ لِمَالِكٍ وَ (ش) وَ (ح) خِلَافًا لِابْنِ حَنْبَلٍ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ أَوَّلُ الْيَوْمِ فَيَدْخُلُ قَبْلَ الْغُرُوبِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ جُمْلَةِ اللَّيْلَةِ فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ إِلَى الْفَجْرِ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ أَجْزَأَهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَإِنْ كَانَ نَذْرًا لِأَنَّ الصَّوْمَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالنَّهَارِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يَحْتَسِبُ بِهِ وَيَسْتَأْنِفُ عَشَرَةً بَعْدَهُ لِاسْتِوَاءِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي الِاعْتِكَافِ وَفِي الْجُلَّابِ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْفِطْرِ فِي اعْتِكَافِهِ خَرَجَ يَوْمَ الْفِطْرِ إِلَى أَهْلِهِ وَعَلَيْهِ حُرْمَةُ الِاعْتِكَافِ وَعَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يَخْرُجُ وَيَكُونُ يَوْمُهُ كَلَيْلِ أَيَّامِ الِاعْتِكَافِ وَفِي الْكِتَابِ لَا يَعْتَكِفُ أَهْلُ الثُّغُورِ إِلَّا مَعَ الْأَمْنِ لِأَنَّ حِفْظَ الْمُسْلِمِينَ

ص: 542

أَوْلَى فَإِنِ اعْتَكَفَ وَنَزَلَ خَوْفٌ خَرَجَ فَإِنْ أَمِنَ ابْتَدَأَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَّا أَنَّهُ يَبْنِي كَالْمَرِيضِ وَالْجِوَارُ كَالِاعْتِكَافِ إِلَّا مَنْ جَاوَرَ نَهَارًا بِمَكَّةَ دُونَ اللَّيْلِ فَلَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ وَلَا يُلْزَمُ بِالدُّخُولِ وَالنِّيَّةِ إِلَّا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ وَالْجِوَارُ بِمَكَّةَ وَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ قُرْبَةٌ تَلْزَمُ بِالنَّذْرِ قَالَ سَنَدٌ يُرِيدُ أَنَّ مَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُجَاوِرَ لَيْلًا وَنَهَارًا عِدَّةَ أَيَّامٍ فَهُوَ اعْتِكَافٌ بِلَفْظِ الْجِوَارِ وَلَوْ نَوَى جِوَارَ يَوْمٍ كَانَ لَهُ التَّرْكُ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ لِأَنَّ جِوَارَهُ عِبَادَةٌ وَلَيْسَ فِيهِ صَوْمٌ وَفِي الْكِتَابِ إِذَا طُلِّقَتْ أَوْ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ مُعْتَكِفَةٌ أَتَمَّتِ اعْتِكَافَهَا وَقَالَ (ش) تَخْرُجُ لَيْلَتَهَا لَنَا أَنَّهَا عِبَادَةٌ سَبَقَتْ فَلَا تُقْطَعُ بِالْعِدَّةِ كَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ قَالَ سَنَدٌ فَإِنْ خَرَجَتْ بَطَلَ اعْتِكَافُهَا وَإِنْ تَقَدَّمَتِ الْعِدَّةَ وَتَرَكَتْ بَيْتَهَا وَاعْتَكَفَتْ صَحَّ اعْتِكَافُهَا كَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَمَنْ أَبْطَلَ الِاعْتِكَافَ بِكُلِّ ذَنْبٍ أَبْطَلَهُ هَهُنَا وَلَوِ اعْتَكَفَتْ فَحَاضَتْ فَخَرَجَتْ وَطُلِّقَتْ قَبْلَ الرُّجُوعِ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ تَرْجِعُ فَتَعْتَدُّ فِي الْمَسْجِدِ لِتَقَدُّمِ حَقِّ الْعِبَادَةِ وَفِي الْكِتَابِ يَجِبُ الِاعْتِكَافُ بِدُخُولِ الْمُعْتَكف الْمُعْتَكِفِ بِنِيَّةٍ فَيَلْزَمُهُ الْمَنْوِيُّ مِنَ الْأَيَّامِ خِلَافًا لِ (ش) أَوْ بِالنَّذْرِ لِأَنَّهُ أَشْبَهَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مِنْ جِهَةِ تَحْرِيمِ الْمُبَاشَرَةِ وَاشْتِرَاطِ الْمَسْجِدِ وَاللُّبْثِ فِي مَكَانٍ مَخْصُوصٍ فَيَجِبُ بِالشُّرُوعِ قِيَاسًا عَلَيْهَا وَلِأَنَّ الِاعْتِكَافَ مَعْنَاهُ لُغَةً الْمُلَازَمَةُ وَاللَّازِمُ هُوَ الَّذِي لَا يُفَارِقُ فَمَنْ نَوَى الِاعْتِكَافَ فَقَدْ نَوَى مَا لَا يَجُوزُ تَفْرِيقُهُ فَيَكُونُ مُتَتَابِعًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ فَإِنْ تَرَكَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَ النِّيَّةِ جَازَ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فَإِنْ نَوَى عِدَّةً مُنْقَطِعَةً لَمْ يَلْزَمْهُ إِلَّا الَّذِي شَرَعَ فِيهِ

ص: 543

‌الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي مُبْطِلَاتِهِ

وَهِيَ سِتَّةٌ الْأَوَّلُ مُبَاشَرَةُ النِّسَاءِ وَفِي الْكِتَابِ إِذَا جَامَعَ أَوْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا نَاسِيًا أَوْ مُتَعَمِّدًا فَسَدَ اعْتِكَافُهُ وَيَبْتَدِئُهُ وَقَالَهُ (ح) وَابْنُ حَنْبَلٍ وَخَالَفَ (ش) فِي الْوَطْءِ سَاهِيًا لِأَنَّهُ عَلَى أَصْلِهِ لَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ لَنَا قَوْله تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد} فَنَهَى عَنْ مُطْلَقِ الْمُبَاشَرَةِ فَيَعُمُّ قَالَ سَنَدٌ إِنْ وَقَعَ اللَّمْسُ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِجْمَاعًا وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم َ - يُدْنِي إِلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ وَلَوْ مَرِضَ الْمُعْتَكِفُ فَبَاشَرَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فَخَرَجَتْ فَوَطِئَهَا زَوْجُهَا قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِيهِمَا لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مُبِيحٌ لِلْمُبَاشَرَةِ قَالَ صَاحِبُ النُّكَتِ وَلَوْ كَانَتْ مُكْرَهَةً كَمَا يَبْطُلُ الصَّوْمُ مَعَ الْإِكْرَاهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَهَا أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي حَوَائِجِهَا وَتَصْنَعَ مَا أَرَادَتْ إِلَّا الْمُبَاشَرَةَ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ لِلِاشْتِغَالِ بِالْمَسْجِدِ وَقَدْ فَاتَتْ وَمَنَعَهَا سَحْنُونٌ لِبَقَاءِ حُرْمَةِ الِاعْتِكَافِ وَفِي الْكِتَابِ تَأْكُلُ امْرَأَتُهُ مَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَتُحَدِّثُهُ وَتُصْلِحُ شَأْنَهُ مَا لَمْ يَلْتَذَّ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَفِي الْجَوَاهِرِ الثَّانِي وَالثَّالِثُ الرِّدَّةُ وَالسُّكْرُ قَارَنَا الِابْتِدَاءَ أَوْ طَرَيَا وَيَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ يُوجِبَانِ الْبِنَاءَ دُونَ الِاسْتِئْنَافِ وَقَالَ

ص: 544

سَنَدٌ إِنْ كَانَ فِي عَقْلِهِ عِنْدَ الْفَجْرِ أَوْ أَكْثَرِ النَّهَارِ أَجْزَأَهُ عَلَى مَا مَرَّ فِي الصَّوْمِ السَّادِسُ فِي الْجَوَاهِرِ الْكَبِيرَةُ مُبْطِلَةٌ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَإِنْ صَحَّ الصَّوْمُ كَالْقَذْفِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ قَبْلَ الْفَجْرِ قَالَهُ فِي الْكِتَابِ لِأَنَّ الِاعْتِكَاف غَايَة التبتل لِلْعِبَادَةِ فتنا فِيهِ الْمَعْصِيَةُ كَمَا قُلْنَا إنَّ الْمَطْلُوبَ مِنَ الصَّلَاةِ الْخُشُوعُ وَالتَّذَلُّلُ لِلَّهِ تَعَالَى فَتَبْطُلُ بِالتَّكَبُّرِ الْمُنَافِي لَهَا بِخِلَافِ غَيْرِهِ قَالَ سَنَدٌ وَسَوَاءً سَكِرَ أَمْ لَا وَلَوْ شَرِبَ لَبَنًا أَوْ دَوَاءً مُخَدِّرًا فَسَكِرَ كَذَلِكَ زَعَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَخْرِيجَهُ عَلَى الْخَمْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِعَدَمِ الْعِصْيَانِ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ وَرَأَى الْمَغَارِبَةُ أَنَّ الْكَبَائِرَ لَا تُبْطِلُهُ قِيَاسًا عَلَى الصَّوْمِ خِلَافًا لِلْبَغْدَادِيِّينَ

‌الْفَصْلُ الْخَامِس فِي نذر الِاعْتِكَاف

وَفِي الْكِتَابِ مَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ أَوْ عُكُوفَ لَيْلَةٍ أَوْ يَوْمٍ لَزِمَهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ خِلَافًا لِ (ش) فِي الثَّانِي أَوْ عُكُوفَ شَهْرٍ لَا يُفَرِّقُهُ وَلْيَعْتَكِفْ ليله ونهاره واستتباع اللَّيْل وللنهار لقَوْله صلى الله عليه وسلم َ -

مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ وَلَمْ يَقُلْ بِسِتَّةٍ فَأَعْرَضَ عَنِ الْأَيَّامِ وَذَكَرَ اللَّيَالِيَ لِانْدِرَاجِ اللَّيْلَةِ فِي لَفْظِ الْيَوْمِ قَالَ سَنَدٌ فَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى النَّهَارِ لَا يُجْزِيهِ عِنْدَ سَحْنُونٍ خِلَافًا لِعَبْدِ الْوَهَّابِ وَرُوِيَ الْإِجْزَاءُ عَنْ مَالِكٍ وَلَوْ نَذَرَ عُكُوفَ بَعْضِ يَوْمٍ لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ ابْنِ حَنْبَلٍ خِلَافًا (ش) عَلَى أَصْلِهِ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ وَنَحْنُ عَلَى أَصْلِنَا فِي اشْتِرَاطِهِ وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ إِذَا جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ سَاعَةً يَأْمُرُ جُلَسَاءَهُ بِنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ لِيَحْصُلَ أَجْرُهُ

ص: 545

عَلَى رَأْيِ مَنْ يَعْتَقِدُهُ وَأَمَّا وُجُوبُ الْمُتَابَعَةِ فِي أَيَّامِهِ فَلِلسُّنَّةِ وَلِأَنَّ الِاعْتِكَافَ مَعْنَاهُ الْمُلَازَمَةُ وَالْمُلَازِمُ لَا يُفَارِقُ فَقَدْ تَنَاوَلَ لَفْظُهُ عَدَمَ التَّفْرِيقِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ مَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَمَرِضَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَفْطَرَهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَإِنْ حَاضَتِ الْمَرْأَةُ وَصَلَتِ الْقَضَاءَ بِاعْتِكَافِهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ تَصِلِ ابْتَدَأَتْ قَالَ سَنَدٌ إِنْ حَاضَتْ أَوَّلَ الشَّهْرِ فَلَا قَضَاءَ إِلَّا يَوْمُ حَيْضِهَا على الْمَشْهُور وعَلى القَوْل بِالْقضَاءِ فبإنها لَا تَقْضِي عِنْدَ سَحْنُونٍ إِلَّا فِي رَمَضَانَ فَلَوْ مَرِضَتْ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ ثُمَّ حَاضَتْ قَضَتِ الْمُفَرَّطَ فِيهِ فَإِنْ مَرِضَتْ فِي وَسَطِهِ فَكَالْحَيْضِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ وَنَاذِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَنَاذِرِ الصَّوْمِ فِيهَا يَلْزَمُهُ الرَّابِعُ فَقَطْ قَالَ سَنَدٌ قَالَ أَبُو الْفَرَجِ تَلْزَمُهُ كُلُّهَا وَيَتَخَرَّجُ الْيَوْمُ الرَّابِعُ عَلَى جَوَازِ صَوْمِهِ وَنَاذِرُ الِاعْتِكَافِ بِمَسْجِدِ الْفُسْطَاطِ إِذَا اعْتَكَفَ بِمَكَّةَ أَجْزَأَهُ وَلَا يَجِبُ الْخُرُوجُ إِلَّا إِلَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَلَوْ نَذَرَهُ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ لَمْ يُجْزِهِ بِالْفُسْطَاطِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم َ -

لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي هَذَا وَلَوْ نَذَرَهُ بِالْمَدِينَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ السَّعْيُ وَلَوْ كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَفِي الْكِتَابِ إِذَا نَذَرَ صَوْمًا بِمَوْضِعٍ يَتَقَرَّبُ بِإِتْيَانِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَزِمَهُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا بِسَاحِلٍ مِنَ السَّوَاحِلِ اعْتَكَفَ فِي مَوْضِعِهِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَمْنَعُهُ مِنَ الْحَرَسِ قَالَ سَنَدٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَ نَذْرِ الصَّوْمِ بِمَوْضِعٍ إِتْيَانُهُ قُرْبَةٌ وَبَيْنَ نَذْرِ الِاعْتِكَافِ بِالْفُسْطَاطِ أَنَّ الْمَسَاجِدَ فِي حُرْمَةِ الصَّلَوَاتِ سَوَاءٌ إِلَّا الثَّلَاثَةَ الَّتِي فِي الحَدِيث

ص: 546

وَسَدُّ الثُّغُورِ فِي الرِّبَاطِ يَخْتَصُّ فَضْلُهُ بِبَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَفِي الْجَوَاهِرِ إِذَا قَالَ أَعْتَكِفُ فِي هَذَا الشَّهْرِ فَسَدَ أَوَّلُهُ بِتَعَمُّدِ إِفْسَادِ آخِرِهِ وَاسْتَأْنَفَهُ مُتَتَابِعًا وَالشُّرُوعُ كَالنَّذْرِ وَفِي الْكِتَابِ مَنْ نَذَرَهُ ثُمَّ مَاتَ وَأَوْصَى بِالْإِطْعَامِ عَنْهُ أُطْعِمَ عَنْهُ عَدَدَ الْأَيَّامِ مُدًّا مُدًّا لِكُلِّ مِسْكِينٍ وَلَوْ نَذَرَهُ مَرِيضًا لَا يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ صِحَّتِهِ وَأَوْصَى بِالْإِطْعَامِ إِنْ لَزِمَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ سَنَدٌ وَلَا إِطْعَامَ فِي الِاعْتِكَافِ لَكِنْ لَمَّا أَوْصَى انْصَرَفَ إِلَى عُرْفِ الشَّرْعِ فِي الْإِطْعَامِ

ص: 547

(الْبَابُ الْعَاشِرُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)

اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى هَذَا الْقَدْرِ فَقِيلَ الشَّرَفُ فَهِيَ شَرِيفَةٌ وَقِيلَ مِنَ التَّقْدِيرِ لِأَنَّهَا تُقَدَّرُ فِيهَا الْأَرْزَاقُ وَالْكَائِنَاتُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم} قِيلَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَقِيلَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلَةِ بِهَا وَإِلَّا فَكُلُّ شَيْءٍ قَدْ قُدِّرَ فِي الْأَزَلِ وَمَعْنَى قَوْله تَعَالَى {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} أَنَّ الْعَمَلَ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ فَتَكُونُ الرَّكْعَةُ فِيهَا خَيْرًا مِنْ ثَلَاثِينَ أَلْفَ رَكْعَةٍ وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَنْوَاعِ الْبِرِّ وَشُهُودِ مَغْرِبِهَا وَعِشَائِهَا وَخُصَّتْ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةُ لِقِصَرِ أَعْمَارِهَا لِيَحْصُلَ فِيهَا لَهُمْ مَا يَحْصُلُ فِي الْأَعْمَارِ الطَّوِيلَةِ لُطْفًا بِهَا

قَاعِدَةٌ الْأَصْلُ فِي كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَقِلَّتِهِمَا كَثْرَةُ الْمَصَالِحِ أَوِ الْمَفَاسِدِ أَوْ قِلَّتُهَا وَقَدْ يُفَضِّلُ اللَّهُ تَعَالَى أَحَدَ الْمُسْتَوِيَيْنِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ عَلَى الْآخَرِ كَالْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ

ص: 548

السَّلَامُ خُصُّوا بِالنُّبُوَّةِ وَالدَّرَجَاتِ الْعُلْيَا بِمُجَرَّدِ تَفْضِيلِهِ تَعَالَى وَإِلَّا فَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ كَسَائِرِ الْبَشَرِ {إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مثلا لبني إِسْرَائِيل} جَرَّدَهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَحَصَرَهُ فِي الْعُبُودِيَّةِ الْمَحْضَة بقوله {إِن هُوَ إِلَّا عبد} ثُمَّ أَفَاضَ عَلَيْهِ نِعَمَهُ بِقَوْلِهِ {أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} وَكَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ مَعَ سَائِرِ الْبِقَاعِ وَكَذَلِكَ الْأَزْمِنَةُ مُسْتَوِيَةٌ وَخَصَّ اللَّهُ تَعَالَى مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ لَا لِأَمْرٍ رُجِّحَ فِيهَا بَلْ بِمُجَرَّدِ الْفَضْلِ نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ عَظِيمِ فَضْلِهِ الَّذِي لَا يُعْطِيهِ غَيْرُهُ وَلَا يَمْلِكُهُ سِوَاهُ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي زَمَانِهَا عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ قَوْلًا قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ الْأَوَّلُ لِابْنِ مَسْعُودٍ السَّنَةُ كُلُّهَا وَقِيلَ رَمَضَانُ كُلُّهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {شهر رَمَضَان الَّذِي أنزل فِيهِ الْقُرْآن} الثَّالِثُ لِابْنِ الزُّبَيْرِ لَيْلَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْهُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم َ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفرْقَان} وَكَانَ ذَلِكَ فِيهَا الرَّابِعُ لِأَبِي سَعِيدٍ إِحْدَى وَعِشْرُونَ لِرُؤْيَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم َ -

أَنَّهُ يَسْجُدُ فِي صَبِيحَتِهَا فِي مَاءٍ وَطِينٍ وَكَانَ فِيهَا الْخَامِسُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُوَيْسٍ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْهُ عليه السلام السَّادِسُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ السَّابِعُ لِأُبَيٍّ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ وَقَالَ أخبرنَا صلى الله عليه وسلم َ -

أَنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ فِي

ص: 549

صَبِيحَتِهَا بَيْضَاءَ لَا شُعَاعَ لَهَا كَأَنَّ أَنْوَارَ الْخلق فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ تَغْلِبُهَا وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَحْلِفُ عَلَى أَنَّهَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَكَانَ يَقُولُ السُّورَةُ ثَلَاثُونَ كَلِمَةً فَإِذَا وَصَلْتَ إِلَى قَوْله تَعَالَى {هِيَ} فَهِيَ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْهَا وَكَانَ يَقُولُ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ سَبْعٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {من سلالة من طين ثمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَة فِي قَرَار مكين ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} وَيَأْكُل فِي سبع لقَوْله تَعَالَى {وأنبتنا فِيهَا حبا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا وَحَدَائِق غلبا وَفَاكِهَة وَأَبا} فَالْأَبُّ لِلْأَنْعَامِ وَالسَّبْعُ لِلْإِنْسَانِ وَيَسْجُدُ عَلَى سَبْعٍ وَالْأَرْضُونَ سَبْعٌ وَالسَّمَاوَاتُ سَبْعٌ وَالطَّوَافُ سَبْعٌ وَالْجِمَارُ سَبْعٌ الثَّامِنُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ التَّاسِعُ لِلْأَنْصَارِ أَنَّهَا فِي أَشْفَاعِ هَذِهِ الْأَفْرَادِ وَأَصْلُهُ عِنْدَهُمْ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم َ -

اطْلُبُوهَا فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى قَالُوا هِيَ لَيْلَةُ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالْعَدَدِ مِنْكُمْ قَالَ سَنَدٌ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ فِي الْكِتَابِ وَ (ش) أَنَّهَا فِي جُمْلَةِ الْعَشْرِ لِمَا فِي أَبِي دَاوُد قَالَ صلى الله عليه وسلم َ -

التموسها فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْكِتَابِ مَعْنَاهُ لَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَخَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى نُقْصَانِ الشَّهْرِ وَأَمَّا مَعَ تَمَامِهِ فَلَيْلَةُ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَسِتٍّ وَعِشْرِينَ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ وَقِيلَ لِتِسْعٍ مَضَتْ وَسَبْعٍ مَضَتْ وَخَمْسٍ مَضَتْ

ص: 550

عُدَّتُ الْقَوْلِ الثَّانِيَ عَشَرَ الثَّالِثَ عَشَرَ لَيْلَةُ النِّصْفِ قَالَ سَنَدٌ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَيُبْطِلُهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقدر} وقَوْله تَعَالَى {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن} الرَّابِعَ عَشَرَ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ هِيَ فِي الْعَشْرِ الْوَسَطِ مِنْ رَمَضَانَ الْخَامِسَ عَشَرَ قَالَ سَنَدٌ قِيلَ ارْتَفَعَتْ بَعْدَهُ صلى الله عليه وسلم َ -

ص: 551