المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين - الرد السديد على مطاعن حسن المالكي على أئمة الدعوة ومقررات التوحيد

[إبراهيم بن عامر الرحيلي]

فهرس الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.

وصلى الله وسلم على رسوله المؤيد من ربه بالحجج القاطعة والبراهين، وعلى آله وصحبه الغر الميامين، ومَن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فلا يزال الصراع بين الحق والباطل قائمًا، فالحرب سجال بين دعاة الحق وأنصار الدين، وبين دعاة الباطل وجند الشيطان؛ وذلك لتتحقق الحكمة البالغة ويحصل الابتلاء في هذه الحياة الذي به يرفع الله درجات المؤمنين المجاهدين، ويحق العذاب على المارقين الزائغين.

قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود: 118 - 119].

وقال تعالى: {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} [محمد: 4].

وإن من دعاة الضلال والفتنة الذين التحقوا بحزب الشيطان في حربهم لأهل الإيمان، وارتضوا لأنفسهم سلوك سبيل الغواية والضلال، ومحاربة السنة والصد

ص: 7

عنها، والدعوة إلى البدع والترغيب فيها: المدعو حسن بن فرحان المالكي (نسبة لقبيلة بني مالك القاطنة جنوب المملكة العربية السعودية).

حيث ألف عدة كتبٍ في الصد عن دين الله الحق، مطيته في تسطيرها الكذب والتحريف والتلبيس، ومحصل أمرها الدعوة إلى الشرك والبدع بالتصريح والتلميح، وهي فيما بين ذلك مشحونة بعبارات الطعن والتجريح لخيار الأمة من الصحابة والتابعين وسائر أئمة أهل السنة، وبالثناء والتبجيل لأئمة الضلال ورءوس أهل الشر والفتنة، من أصحاب المقالات الفاسدة والبدع المغرقة في الضلالة.

ولن يجني منها في النهاية إلا الحسرة والندامة: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21].

وقد قام العلماء بالرد عليه في بعضها، فتحقق المقصود من نصرة الحق والذب عن السنة، ودحض أباطيله وكشف تلبيساته في الكتب التي تناولوها بالرد.

إلا أن من بين كتبه التي لا تقل شرًّا وفتنةً عن الكتب المردود عليها كتابه المُسَمى ب: «مناهج التعليم قراءة نقدية لمقررات التوحيد» ؛ حيث ادعى فيه أنه درس (مقررات التوحيد) في المملكة العربية السعودية، فزعم أنها غير صالحةٍ، وأنه يوجد بها سلبياتٌ وأخطاء كبيرةٌ، أبرزها الغلو وتكفير المسلمين، وفيها مخالفاتٌ كثيرةٌ للنصوص الشرعية تسربت للمناهج من كتب ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب على يد العلماء المعاصرين الذين يصفهم بالتشدد ومحاربة التجديد.

ولكون هذا الكتاب لم يرد عليه فيه مع خطورة موضوعه خصوصًا في هذه المرحلة التي تمر بها الأمة، رأى شيخنا العلامة عبد المحسن بن حمد البدر -وكان قد

ص: 8

رد على المالكي في كتابين من كتبه- ضرورة الرد على هذا الكتاب؛ فأرسل لي نسخة من هذا الكتاب مشفوعةً بخطابٍ كريمٍ منه -حفظه الله- يوجه فيه -لحسن ظنه بي- أن أكتب ردًّا علميًّا على هذا الكتاب للضرورة لذلك، فما إنْ قرأتُ الكتاب حتى رأيت أهمية الرد عليه؛ لما اشتمل عليه الكتاب من تضليل وتلبيس يخشى أن يتضرر به مَنْ لا بصيرة عنده بدينه؛ فقمت -بعون الله وتوفيقه- بكتابة هذا الرد الذي هو بيد القارئ وقد سَميتُه:

«الرد السديد على مطاعن حسن المالكي على أئمة الدعوة ومقررات التوحيد»

ورأيت قبل الشروع في الرد المفصل لما ذكره الكاتب في كتابه، إيراد بعض النقول عنه من كتبه الأخرى في بيان عقيدته ومدى انحرافه عن عقيدة أهل السنة، وتقريره للبدع، وموالاة أهلها وتمجيده لهم؛ وذلك ليعلم القارئُ الباعثَ الحقيقيَّ له على تأليف هذا الكتاب، ونقده لمقررات التوحيد، وأن الحامل له على ذلك هو عداؤه لعقيدة أهل السنة، وبغض أهلها، وشدة حنقه وحقده على أئمة الإسلام، وليس ما ادعاه من النصح والنقد العلمي، وزعمه أنه ليس له مصلحة في التشنيع على مقررات التوحيد.

وهاهي ذي بعض أقواله الدالة على زيغه وضلاله:

‌طعنه في الكتب المصنفة في عقيدة أهل السنة:

يقول: «وكتب العقائد رغم ما فيها من حق قليل، إلا أن فيها الكثير من الباطل، بل هو الغالب عليها» . [قراءة في كتب العقائد (ص 28)].

ص: 9

ويقول في الكتاب نفسه (ص 104): «وقد احتوت كتب العقائد، ومن أبرزها كتب عقائد الحنابلة، على كثيرٍ من العيوب الكثيرة، التي لا تزال تفتك بالأمة، ولعل من أبرزها التكفير، والظلم، والغلو في المشايخ، والشتم، والكذب، والقسوة في المعاملة، والذم بالمحاسن، والأثر السيئ في الجرح والتعديل، والتجسيم الصريح، أو التأويل الباطل

».

ويقول في الكتاب نفسه (ص 90): «والظلم من السمات التي لا تستغني عنها كتب العقائد، ولولا الظلم والغباء لما أصبح لكتب العقائد -مع ما فيها من جهلٍ وظلمٍ-قيمة تستحق الإشادة، فكل قيمتها وجمهورها يدور مع الظلم والغباء وضعف التحليل السياسي» .

ويقول في كتابه السابق (ص 25): «ولو رجعنا لسبب هذا التبادل في التكفير والتبديع، لوجدنا كتب العقائد في الانتظار!! إذ كانت الكتب المؤلفة في العقائد هي ذاكرة هذا الفساد كله، ومحور شرعيته، ومحطات انطلاق لكل خصومه بين المسلمين» .

‌إنكاره تقسيم التوحيد وزعمه أنه مبتدع:

يقول عن شيخ الإسلام ابن تيمية: «إن التأصيل للتكفير موجود في كلامه عندما بالغ في التفريق بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، فهون من شأن الأول وبالغ في شأن الثاني، والتفريق نفسه تفريق مبتدع ليس في كتاب الله ولا سنة رسوله، ولم يقل بهذا التفريق أحدٌ من الصحابة ولا التابعين، فالتوحيد شأنه واحد، وهذا التفريق هو الذي جعل مقلدي ابن تيمية يزعمون أن الله لم يبعث الرسل إلا من

ص: 10

أجل توحيد الألوهية، أما توحيد الربوبية فقد أقر به الكفار». [قراءة

(1)

(ص 116)، مناهج التعليم قراءة نقدية (ص 66)].

‌نسبته التجسيم للسلف والحنابلة:

يقول: «ولما قام تيار الجهم بن صفوان بنفي الصفات، قام الحنابلة والسلفية فجسموا» . [قراءة (ص 159)].

ويقول في سياق نقده لكتب العقائد: «كثرة الأكاذيب من الأحاديث الموضوعة والآثار الباطلة؛ وخاصة تلك المشتملة على التجسيم وتشبيه الله بالإنسان» . [قراءة (ص 122)].

زعمه قصر الصحبة الشرعية على المهاجرين والأنصار قبل الحديبية:

يقول: «أصحاب النبِي صلى الله عليه وسلم الصحبة الشرعية ليسوا إلا المهاجرين والأنصار، وقد يدخل فيهم مَنْ كان في حكمهم مِمن أسلم وهاجر إلى النبِي صلى الله عليه وسلم، وعاد إلى بلاده قبل فتح الحديبية، فهذا أسلم تعريف لأصحاب النبِي صلى الله عليه وسلم، وهذه الصحبة الشرعية هي التي كان فيها النصرة والتمكين في أيام الضعف والذلة، وهي الصحبة الممدوحة في القرآن الكريم والسنة النبوية» . [الصحابة بين الصحبة اللغوية والصحبة الشرعية (ص 25)].

ويقول: «سبق أن كررنا أننا لا نمانع من إطلاق الصحبة، إذا أريد بها مطلق الصحبة، لكن هذا الإطلاق جائز في الكفار والمنافقين أيضًا.

(1)

اختصار لكتاب المالكي: «قراءة في كتب العقائد» ، وقد سرت على هذا فيما سيأتي من مواطن عند الإحالة على هذا الكتاب، للاختصار.

ص: 11

بمعنَى أن المنافقين يدخلون في الصحبة من حيث اللغة، كما أن الكفار يدخلون كذلك، فاللغة تحتمل هذا وذلك، ونحن ذكرنا أن الصحبة الشرعية فقط هي التي تقول: إنه لا يجوز أن تطلق على المسلمين بعد فتح مكة، حتى ولو رأوا النبِي صلى الله عليه وسلم وصحبوه؛ لأنهم وإن كانوا صحابة لغةً، وقد يكون بعضهم صحابة من حيث العرف، لكنهم ليسوا صحابة من الناحية الشرعية». [الصحابة بين الصحبة اللغوية والصحبة الشرعية (ص 56)].

‌دعواه خروج العباس وابنه من الصحابة:

يقول بعد إيراده قول العباس لابنه: «يا بُنَي أرى أمير المؤمنين يقربك ويخلو بك ويستشيرك مع ناسٍ من أصحاب رسول الله» .

أقول: «إن صح؛ فالعباس لا يرى نفسه ولا ابنه من أصحاب النبِي صلى الله عليه وسلم، يفهم هذا من سياق الخبر» .

ويقول بعد ذكر قول ابن عباس: «كان عمر يسألني مع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم» : «هذا دليلٌ على أن ابن عباس أخرج نفسه من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم» . [الصحابة بين الصحبة اللغوية والصحبة الشرعية (ص 53)].

‌تصريحه بإخراج خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، ومسلمي الفتح، وحنين، وأهل الوفود من الصحابة:

يقول: «فهذه الصحبة الشرعية تمامًا، وهي التي لم يدركها خالد بن الوليد

-على فضله وبلائه وشجاعته-، كما لم تدركها طبقة كعمرو بن العاص ونحوه، فمن باب أولى ألا يدركها طلقاء مكة، وعتقاء ثقيف، ولا الأعراب ولا الوفود المتأخرون ونحوهم». [الصحابة بين الصحبة اللغوية والصحبة الشرعية (ص 44 - 45)].

ص: 12

‌إنكاره عدالة الصحابة:

يقول: «قد يقول قائلٌ: كيف تناقش مسألة: (عدالة الصحابة) وهي مسألة إجماعٍ؟!

ثم مَنْ نحن حتى نعرف هل الصحابة عدول أم لا؟!

ثم ماذا تفعل بتعديل الله لهم في كتابه هل لك اعتراض على ذلك؟

أقول: أولًا هذه أسئلة مكابرٍ وليست أسئلة باحثٍ عن الحقيقة

ويمكن الإجابة عن مثل هذه الأسئلة المكابرة بأسئلة مثلها فيقال:

كيف تخصون الصحابة بالعدالة مع أن هذا التخصيص لم يرد عليه دليلٌ لا من كتابٍ ولا من سنةٍ، وهذه مسألة إجماع»؟! [الصحابة بين الصحبة اللغوية والصحبة الشرعية (ص 61 - 63)].

‌طعنه في أهل السنة وزعمه أنهم نواصب وظلمة، وأن الرافضة من أهل السنة تَم استبعادهم ظلمًا:

يقول: «وهذا يعني بروز رءوس تمثل (أهل الجماعة وأهل السنة) مع استبعاد (أهل البيت وعلمائهم ومحبيهم) من هذا التمثيل!!! فأصبحت (الجماعة) تعني الرأي الصواب، وأن مَنْ خالف (الجماعة) فهو في النار!!

ويقصدون بالجماعة الموالية للنظام الأموي من علماء وعوام وسلطة، وأصبح الذي ينكر الظلم أو ينقد الوالي شاذًّا وضد (الجماعة)، ومَن شذ شذ في النار!!

ومن هنا تكون تيار (السنة والجماعة) خليطًا من تيار العثمانية النواصب، وتيار المحايدين، وتَم استبعاد العلوية من (السنة والجماعة) ووصفهم ب:(الشيعة) و (الخشبية)، ثم (الرافضة!!!)». [قراءة (ص 76)].

ص: 13

‌طعنه في علماء الشام قاطبة ورميهم بالنصب وبغض علي رضي الله عنه

-:

يقول: «ثم نجد هذا الغلو في مدح بني أمية وأشياعهم، يتم متناسقًا مع الغض من علي بن أبي طالب وأنصاره عند علماء أهل الشام قاطبة؛ لأنهم كانوا في موطن بني أمية، وقد ترَبَّى الناس في الشام على بغض علي ولعنه، فظهر منهم أكثر من خمسين محدثًا ناصبًا في القرون الثلاثة الأولى، كان أشهرهم حريز بن عثمان الرحبِي من رواة البخاري، وكان يسب عليًّا في اليوم (140) مرة فقط» . [قراءة (ص 176)].

‌طعنه في الحنابلة وزعمه أن المخالفين لهم من المبتدعة أكثر تعظيمًا واستدلالًا بالقرآن منهم، وأن الحنابلة يبدعون مَنْ يعود إلى القرآن:

يقول: «وكان المخالفون للحنابلة أكثر تعظيمًا للقرآن واستدلالًا به منهم، فلما رأى الحنابلة ذلك، وأن القرآن الكريم تستدل به الطوائف (المبتدعة) لجؤوا إلى التزهيد من التحاكم إلى القرآن الكريم، مع تضخيم الآثار والأقوال المنسوبة لبعض التابعين أو العلماء، بل وبدعوا من يعود إلى القرآن الكريم، وقدموا عليه أقوال الرجال» . [قراءة (ص 164)].

‌توثيقه لأئمة أهل البدع والضلال، وتضعيفه للحنابلة في الرواية واتهامهم بالوضع، وزعمه أن الحنابلة يضعفون البخاري ومسلمًا:

يقول: «لعل أبرز آثار العقيدة على الجرح والتعديل عند الحنابلة: تضعيف ثقات المخالفين، وتوثيق الموافقين، ومن ذلك: تضعيف الشيعة وخاصة فيما يروونه في فضائل علي، تضعيف سائر المخالفين من العلماء كعلماء المرجئة والقدرية والمعتزلة، تضعيف القائلين بخلق القرآن أو المتوقفين، تضعيف مَنْ يتوهمون فيه

ص: 14

أدنَى مخالفة، حتى وصل تضعيفهم للبخاري، ومسلم، والكرابيسي، وأبي حنيفة

إلخ، تضعيف الكبار من أئمة الأشاعرة كالبيهقي.

مع أن المضعفين لهؤلاء من الحنابلة من حيث الجملة أضعف في الرواية من خصومهم، بل إن بعض أئمتهم كانوا يضعون الأحاديث ويغيرون في الأسانيد والمتون لخدمة المذهب». [قراءة (ص 132)].

‌زعمه أن الحنابلة ما نهوا عن شيءٍ إلا فعلوه، وما أمروا بأمر إلا خالفوه، وتفضيله الأشاعرة والمعتزلة عليهم:

يقول بعد أن ذكر كثيرًا من الطعون التي نسبها للحنابلة: «لكنني أقول في الخلاصة هنا: إنني لم أجد غلاة الحنابلة ينهون عن شيءٍ إلا ارتكبوه عندما يريدون، ولم يأمروا بأمر إلا خالفوه عندما يريدون ذلك، وهذه مصيبة عامة لا تكاد تنجو منها فرقة من فرق المسلمين للأسف، لكنها في غلاة الحنابلة تبدو أكثر وضوحًا من الأشاعرة والمعتزلة على الأقل» . [قراءة (ص 136)].

‌طعنه في الإمام أحمد وزعمه أنه غلا في التكفير والتبديع:

يقول تحت عنوان: «هل صح التكفير عن أحمد بن حنبل؟» : «ومن المحتمل أن يكون الإمام أحمد رحمه الله وقع في شيءٍ من التكفير والتبديع الذي خالفه فيه معتدلو الحنابلة من المتقدمين والمتأخرين» . [قراءة (ص 110)، مناهج التعليم قراءة نقدية (ص 63)].

ويقول: «ومن النماذج المنقولة عن أحمد في كتب الحنابلة التي بالغ فيها في التكفير ما يلي: قوله -إن صدق الحنابلة في النقل عنه-: مَنْ زعم أن القرآن مخلوق؛ فهو جهمي كافر، ومَن زعم أن القرآن كلام الله ووقف ولم يقل: ليس بمخلوق؛

ص: 15

فهو أخبث من قول الأول، ومَن زعم أن ألفاظنا وتلاوتنا له مخلوقة، والقرآن كلام الله؛ فهو جهمي، ومَن لم يكفر هؤلاء كلهم فهو مثلهم». [قراءة (ص 110 - 111)، مناهج التعليم قراءة نقدية (ص 63)].

ويقول بعد ذكره بعض النقول مما زعم أنها تدل على غلو الإمام أحمد في التكفير: «أقول: غفر الله لأحمد وسامحه؛ فالقول -إن صح عنه- فهو يشبه التألي على الله عز وجل» [قراءة (ص 111)، مناهج التعليم قراءة نقدية (ص 63)].

ويقول عن الإمامين أحمد والمروذي: «أقول: رحم الله هذين العالمين وسامحهما؛ فقد ضيقا واسعًا، وكفرا بعض أهل القبلة المقطوع بإسلامهم» . [قراءة (ص 112)].

‌طعنه في شيخ الإسلام ابن تيمية وابن كثير وابن القيم، ورميه لهم بالنصب والتكفير وتضعيف الأحاديث الصحيحة:

يقول: «تتابع علماء الشام كابن تيمية وابن كثير وابن القيم -وأشدهم ابن تيمية- على التوجس من فضائل علي وأهل بيته، وتضعيف الأحاديث الصحيحة في فضلهم، مع المبالغة في مدح غيرهم» . [قراءة (ص 176)].

ويقول: «فلذلك حوكم ابن تيمية في عصره على بغض عليٍّ، واتهمه مخالفوه من علماء عصره بالنفاق، وأخطأوا في ذلك، واتهموه بالنصب، وأصابوا في كثيرٍ من ذلك» .

إلى أن قال بعد أن أورد بعض الأكاذيب التي نسبها لشيخ الإسلام ابن تيمية: «وإن لم تكن هذه الأقوال نصبًا فليس في الدنيا نصب!! عفا الله عنه وسامحه» . [قراءة (ص 176)].

ص: 16

ويقول: «كان النصب شديدًا في البداية، ثم أصبح خفيفًا إلى حدٍّ ما من عصر تابعي التابعين -مع قتلهم النسائي!! -، وكاد النصب أن ينتهي من الشام لولا ابن تيمية سامحه الله، الذي أحياه في بداية القرن الثامن في كثيرٍ من أقواله ورسائله، كان من آخرها كتابه: «منهاج السنة» الذي ملأه بالأفكار الشامية المتحاملة على عليٍّ، المدافعة بالباطل عن معاوية، وزاد الطين بلة دعواه بأن ذلك هو عقيدة أهل السنة والجماعة» [قراءة (ص 65)].

ويقول في رميه لشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم بالتكفير الباطل للمسلمين: «ابن تيمية رغم أنه تاب من تكفير المسلمين من الفرق المخالفة

إلا أن التأصيل للتكفير موجود في كلامه». [قراءة (ص 116)، مناهج التعليم قراءة نقدية (ص 66)].

ويقول أيضًا: «بما أن ابن القيم مقلد لابن تيمية فهو تلميذه، والناشر لعلومه فلابد أن يكون في أبحاثه ومؤلفاته تكفير لبعض المسلمين إن لم أقل: لكثيرٍ من المسلمين» . [قراءة (ص 117)، مناهج التعليم قراءة نقدية (ص 67)].

‌طعنه في الشيخ محمد بن عبد الوهاب، واتهامه له بتكفير المسلمين، وزعمه أن الطوائف المنحرفة تأثرت بكلامه:

يقول: «فهذه الفوضى التكفيرية هي نتيجة طبيعية وحتمية من نتائج منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الذي توسع في التكفير، حتى وجدت كل طائفةٍ في كلامه ما يؤيد وجهة نظرها، بل حركة الحرم، وأصحاب التفجير في العليا ما هم إلا نتيجة لمنهج الشيخ في التكفير» . [محمد عبد الوهاب داعية وإصلاحي وليس نبيًّا (ص 21)].

وفي هذا الكتاب الذي نحن بصدد الرد عليه الكثير من طعونه في الشيخ محمد بن

ص: 17

عبد الوهاب رحمه الله، واتهامه بالغلو في التكفير، وسيأتي نقل كلامه والرد عليه في موطنه.

فهذا هو موقف هذا الضال من أصحاب النبِي صلى الله عليه وسلم، وسلف الأمة، وعلماء الإسلام، وسائر أهل السنة.

أما أهل البدع: فله منهم موقف آخر توضحه هذه النقاط:

‌ثناؤه على الجهمية والقدرية والمعتزلة والرافضة والزيدية، وزعمه أنهم دعاة لتحكيم كتاب الله، وأنهم من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر:

يقول: «ولذلك كان أكثر، بل كل التيارات التي نصمها بالبدعة كالجهمية، والقدرية، والمعتزلة، والشيعة، والزيدية، وغيرهم، كل هؤلاء كانوا من الدعاة إلى تحكيم كتاب الله، وتحقيق العدالة، وكانوا من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، لكن غلاة السلفية ومنهم غلاة الحنابلة كان لهم ارتباط قوي بالثقافة الشامية التي لا ترى في هؤلاء إلا دعاة فتنة!! وأنهم مجوس الأمة، وأنهم إلى النار، كما يتألَّى على الله بعض علمائهم المشهورين!!» . [قراءة (ص 90)].

ويقول أيضًا: «وللقدرية نصوص شرعية يستشهدون بها، مثلما للسنة والشيعة والمعتزلة نصوص شرعية، يرون فيها الدليل الكافي على ما يذهبون إليه» . [قراءة (ص 86)].

ويقول أيضًا: «والخلاصة هنا: أن ما ننشره في كتب العقائد من تكفير وذم مبالغ فيه، للجهمية، والقدرية، والشيعة، والمعتزلة، كان اتباعًا منا للسياسة الأموية المتشددة دون علمٍ، فنحن ورثنا خصومات علماء الشام مع هؤلاء، ووصفهم لهم

ص: 18

بالكفر، والزندقة، والمجوسية، والحكم عليهم بالنار». [قراءة (ص 90)].

‌تأسفه على ما مضى منه من بغض الجهمية والقدرية وتبرئته لهما:

يقول: «وحرارة هذا القول مني، كان أسفًا مني على سنوات أضعتها في بغض ولعن الجهمية والقدرية!! ولم أتنبه لبراءتهما من أكثر ما نسب إليهما وظلمي لهما إلا بعد بحثِي في الموضوع في فترة متأخرة» . [قراءة (ص 91)].

ثناؤه على غيلان الدمشقي، وزعمه أنه من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر:

يقول: «وقد كان غيلان يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر على بني أمية سياستهم المالية، ورفض نظريتهم في الخلافة، وحرض على الثورة عليهم؛ فلذلك قَتَله هشام بن عبد الملك شر قتلة، مظهرًا للناس بأنه قتله لأجل البدعة والضلالة!! وليس لأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر» . [قراءة (ص 86)].

‌زعمه أن قتل غيلان والجعد والجهم كان سياسيًّا لمعارضتهم لبني أمية:

يقول في سياق حديثه عن الجعد بن درهم وثنائه عليه: «وأهم عقيدة كانت السبب في مقتله هي رؤيته لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس السبب ما زعمه الأمير خالد القسري، فقد كان هذا الأمير مشهورًا بالظلم والفجور، وهذا لا يؤمن منه الكذب على مَنْ يذبحهم ويضحي بهم!! ومما يدل على أنه قتله قتلًا سياسيًّا: أنه كان مع ثورة يزيد بن المهلب ضد الدولة الأموية!! وكذلك قتلهم للجهم بن صفوان كان قتلًا سياسيًّا؛ لخروجه على بني أمية مع الحارث بن سريج سنة (116)» . [قراءة (ص 89)].

ص: 19

ثم يقول: «إذن فقد قتلت الدولة الأموية غيلان الدمشقي، وصاحبه صالح، والجعد بن درهم، وجهم بن صفوان، وزيد بن علي، والحارث بن سريج

» [قراءة (ص 91)].

وبهذا يظهر انحراف المالكي عن عقيدة أهل السنة وإغراقه في البدع، بل ظاهر من كلامه ارتكاسه في عقيدة الرافضة، وهذا بَيِّنٌ لِمَنْ تأمل كلامه في أصحاب النبِي صلى الله عليه وسلم، وزعمه قصر الصحبة الشرعية على مَنْ أسلم قبل الحديبية، وإخراجه طائفةً كبيرةً من الصحابة بهذا الاعتبار، وإنكاره عدالة الصحابة، والحط من قدرهم ومنزلتهم، وترديده شبه الرافضة في كتبه، وموالاته لكل صاحب بدعةٍ، وقدحه في كل صاحب سنةٍ، مما لا يعرف هذا إلا عن الرافضة الغالين في الطعن على السنة وأهلها.

وإنما قصدت بإيرادي هذه النماذج من كلامه الدالة على زيغه وضلاله، وجعلتها بمثابة المقدمة للرد عليه في كتابه:«مناهج التعليم قراءة نقدية لمقررات التوحيد لمراحل التعليم» ، ليعلم القارئ أن نقد هذا الضال لمناهج التوحيد ما هو إلا للانتصار لعقيدته الفاسدة، القائمة على الطعن في أصحاب النبِي صلى الله عليه وسلم، وخيار أئمة أهل السنة، والقدح في كتب السنة، والانتصار لكل أهل البدع والضلال، من رافضةٍ، وقدريةٍ، وجهميةٍ، ومعتزلةٍ، فلا يستغرب بعد ذلك أن يطعن هذا الضال في مقررات التوحيد، بل إن طعنه فيها تزكية في الحقيقة لها على حد قول الشاعر:

وإذا أتتك مذمتِي من ناقصٍ

فهي الشهادة لي بأني كامل

وإن مما يجدر التنبيه عليه: أني لم أقم بالرد عليه فيما نقلته سابقًا عنه، لظهور بطلان قوله وفساده عند مَنْ له أدنَى معرفة بالسنة وسلمت فطرته، هذا بالإضافة إلى أن ما نقلته عنه من نُقول لم يخرج عن ثلاثة كتبٍ له:

ص: 20

الأول: «قراءة في كتب العقائد» ، وأكثر النقول منه.

والثاني: «الصحابة بين الصحبة اللغوية والصحبة الشرعية» .

والثالث: «محمد بن عبد الوهاب داعية وإصلاحي وليس نبيًّا» .

وهذه الكتب قد رد عليه العلماء فيها ردودًا مفردة؛ فقد رد عليه في كتابيه الأول والثاني شيخنا العلامة الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد البدر

(1)

.

ورد عليه شيخنا العلامة ربيع بن هادي المدخلي في كتابه الثالث

(2)

.

فاشتملت ردود الشيخين -وفقهما الله- على ما نقلته عنه سالفًا، وغيرها من أراجيفه وأباطيله التي شحن بها كتبه، مما أغنَى عن تكلف الرد عليه في هذا المقام

(3)

والإطالة بِما كفى الله مؤنته على يد علمائنا -جزاهم الله عنا وعن الإسلام خير الجزاء-.

(1)

رد عليه في كتابه: «الصحابة بين الصحبة اللغوية والصحبة الشرعية» بكتاب: «الانتصار للصحابة الأخيار في رد أباطيل حسن المالكي» ، وهو مطبوع نشر دار ابن عفان، ودار ابن القيم، ورد عليه في كتاب:«قراءة في كتب العقائد» بكتاب: «الانتصار لأهل السنة والحديث في رد أباطيل حسن المالكي» ، وهو مطبوع نشر دار الفضيلة. وكلاهما يوزع مجانًا عن طريق الشيخ -جزاه الله خيرًا-.

(2)

رد عليه الشيخ ربيع في كتابه: «محمد بن عبد الوهاب داعية وإصلاحي وليس نبيًّا» بكتاب: «دحر افتراءات أهل الزيغ والارتياب عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب» ، وهو مطبوع. نشر: دار المنهاج - القاهرة. الطبعة الأولى، 1424 هـ.

(3)

هذا مع التنبيه على أن مطاعنه في الأئمة كالإمام أحمد، والإمام البربهاري، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام ابن القيم، وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، وطعنه في الحنابلة وكتبهم التي ذكرها في كتابه:«قراءة في كتب العقائد» (ص 105 - 121)، قد كررها بنصها في كتابه:«مناهج التعليم .. » . (ص 61 - 69).

فهذه المطاعن سوف أتتبعها بالرد المفصل في موطنها -إن شاء الله-؛ لأنها مما اشتمل عليها هذا الكتاب الذي أنا بصدد الرد عليه.

ص: 21

وبعد هذا العرض لأقوال الكاتب من كتبه الأخرى الدالة على انحرافه العظيم عن الصراط المستقيم، وعن عقيدة أهل السنة يكون قد آن الأوان للرد عليه في كتابه:«مناهج التعليم قراءة نقدية لمقررات التوحيد لمراحل التعليم» الذي لا يقل زيغًا وانحرافًا عن كتبه الأخرى، إن لم يكن من أشدها في ذلك.

وسوف يكون ردي عليه في المسائل التي ذكرها، مرتبًا حسب تسلل ذكرها في كتابه معنونًا لكل مسألة بعنوان يبين موضوعها، فإن كانت المسائل مرتبطة بموضوعٍ واحدٍ اكتفيتُ بعنوانٍ واحدٍ عند ذكر أول مسألةٍ، ثم ذكرت المسائل كلها تحت ذلك العنوان، مصدرة بكلام المردود عليه.

أسأل الله الكريم الرؤوف الرحيم، أن يصلح نيتِي في هذا العمل، وفي كل أعمالي، وأن يمن علي بالعون والتسديد، فلا حول ولا قوة إلا به، عليه توكلتُ وإليه أنيب.

* * *

ص: 22

الرد المفصل على المالكي في كتابه

«مناهج التعليم قراءة نقدية لمقررات التوحيد»

‌المنهج الذي سلكه في كتابه وجهله بمبادئ وأصول البحث العلمي:

سلك الكاتب في تأليف كتابه منهجًا غريبًا عجيبًا، مما يدل على جهله بمبادئ وأصول البحث العلمي، وقواعده المتعارف عليها بين الباحثين المعاصرين.

ففي الصفحة الأولى من كتابه عقد عنوانًا جانبيًّا بقوله: (أولًا: أمور تمهيدية).

وقوله: (أولًا) هنا لا نجد لها في بحثه ثانيًا ولا ثالثًا، بل عقد في (ص 6) عنوانًا بقوله:(صعوبات التجديد)، وفي (ص 9) عقد عنوانًا:(الملحوظات العامة على مقررات التوحيد)، فلا يعلم هل هذه العناوين داخلة تحت الفقرة الأولى أم أنها مستقلة؟ فإن كانت مستقلة فَلِمَ لَم يجعلها مرَقمةً بعد قوله:(أولًا) في العنوان الأول؟

ثم في (ص 11) عقد عنوانًا متوسطًا: (المبحث الأول في مفهوم التوحيد)، ثم ذكر تحته عنوانين جانبيين:(مفهوم التوحيد في اللغة)، و:(مفهوم التوحيد في القرآن الكريم)، ولم يذكر مفهومه في السنة، ولو قال:(مفهومه في الشرع) لم يطالب بهذا، لكن ذِكر مفهومه في القرآن يقتضي ذكر مفهومه في السنة، مع أن هذا من ناحية شرعية خاطئ، فلا يفرق بين القرآن والسنة في المفهوم الشرعي؛ ولهذا جرت عادة

ص: 23

العلماء عند تفسير المفردات أن يذكروا معناها في اللغة، ثم في الشرع دون تفريق بين القرآن والسنة في هذا، وهذا مما لا يدركه المالكي الذي نصب نفسه مقومًا لمناهج التوحيد في عامة مراحل التعليم!!

ثم في (ص 13) عقد عنوانًا متوسطًا: (المبحث الثاني: النقد العام لمقررات التوحيد)، وفي (ص 17) عقد عنوانًا متوسطًا:(المبحث الثالث: نماذج الملحوظات التفصيلية على مقررات التوحيد).

وهذا المبحث الثالث الذي هو في (ص 17) هو آخر عهد الكاتب بذكر المباحث، في حين أن كتابه استغرق (70) صفحة مع اشتماله على كثيرٍ من العناوين، كان من المتعارف عليه بحسب قواعد البحث العلمي أن تكون مباحث جديدة.

وفي (ص 57) يفاجئ الكاتبُ القارئَ بعنوانٍ جانبِي في أسفل الصفحة: (الفصل الثالث: المسيرة تتواصل)، وهذا الفصل فصل يتيم في كتاب المالكي، لا نجد قبله ولا بعده ذكرًا لغيره، مع أنه يزعم أنه فصل ثالث، وإنما سبقه ثلاثة مباحث كما ذكرت سابقًا.

ثم قوله: (المسيرة تتواصل) معلوم لدى طلبة (المرحلة الثانوية في التعليم العام) الذين ينتقد مناهجهم أن مثل هذه الجملة لا تصلح عنوانًا في بحث علمي، فضلًا أن تكون عنوانًا للفصل الوحيد في كتاب المالكي.

وما بين (المباحث الثلاثة) المذكورة، و (الفصل الثالث) نجد الكاتب يعرض عن تقسيم بحثه إلى مباحثَ أو فصولٍ، ويعدل عن ذلك كله للترقيم؛ ففي صفحة

(40)

يعقد عنوانًا جانبيًّا في أعلى الصفحة: (1 - الجذور الفكرية للمناهج التعليمية) ثم لا نجد بعد الرقم (1) هنا في هذا العنوان ذكرًا لرقم آخر في الكتاب كله كأن يُعَنون لفقرات أخرى بقوله: (3)، (4)

ص: 24

وتحت عنوانه المذكور: (الجذور الفكرية للمناهج التعليمية) بدأ يعدد الجذور الفكرية بحسب زعمه، فذكر في (ص 41):(الجذر الأول: العلماء المعاصرون)، وفي (ص 44):(الجذر الثاني: كتب ورسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب)، ثم تحت الجذر الثاني -بزعمه- بدأ يذكر عدة نماذج؛ ففي (ص 44) قال: (النموذج الأول

)، وفي (ص 45) قال:(النموذج الثاني)، وفي (ص 46) قال:«الجذر الثالث: المسلمون ينكرون البعث. (كتب ورسائل علماء الدعوة)» ، ثم في الصفحة نفسها رجع لذكر (النماذج التعليمية المتعلقة بالجذر الثاني)، فذكر (النموذج الرابع والخامس، والسادس، والسابع

) إلخ.

فجعل ما ادعى أنه (جذر ثالث) مقحم بين نماذج (الجذر الثاني) بزعمه، وبهذا يظهر جهل الكاتب بأدنَى أصول وقواعد البحث العلمي، وعجزه عن تقسيم كتابه تقسيمًا منهجيًّا صحيحًا، موافقًا لقواعد البحث العلمي.

وإنما انتقدتُه في هذا؛ لأن المقام يقتضيه؛ وذلك أن هذا الجاهل عندما نصب نفسه مقومًا لمناهج التوحيد، كان على أضعف تقديرٍ أن يكون ملمًّا بقواعد البحث العلمي التي يحتاج إليها الناقد في هذا المقام، وأما أن يكون مفلسًا من العلم جاهلًا بهذا الباب، فهذا من أعظم البلايا وأشد الرزايا.

والكاتب مع كل هذا لم يسلم من التلبيس والتدليس على القارئ عندما ألحق بكتابه هذا تسع صفحات تحت عنوان: (التكفير والتبديع في كتب الحنابلة)، وقد نقلها بنصها من كتابه:«قراءة في كتب العقائد» ، وهي في كتابه هذا (ص 61 - 69)، وفي كتابه:«قراءة في كتب العقائد» من (ص 105 - 121)، -وقد سبق أن نوهت عن هذا-، وهذا إنما يسلكه للتكثير من عدد المؤلفات، وإيهام الناس بأن في هذا

ص: 25

الكتاب غير الذي في الآخر، وإنما هو تكرار لأباطيله وأكاذيبه السابقة.

‌بطلان دعواه فيما أبداه من حسن القصد في نقد مقررات التوحيد:

قال المالكي (ص 2): «ليس لنا مصلحة، ولا لأي مواطن في التشنيع على مقررٍ من المقررات، إلا من باب النصيحة، والحرص على هذا الدين، ألا نلبسه غلونا وأخطاءنا، أو نلبسه ما ليس منه من الأفكار المخالفة للنصوص الشرعية

».

قلت: قوله: «ليس لنا مصلحة

إلا من باب النصيحة».

هذا كذب ظاهر؛ فمصلحته هي في الانتصار لعقيدته الباطلة القائمة على الطعن في الصحابة، وإنكار عدالتهم، وذم سلف الأمة وسائر أهل السنة، وتنقصهم، ورميهم بالتشبيه والتجسيم، والقدح في كتب أهل السنة، وزعمه أنها مصدر الفساد، وسبب كل فتنةٍ وخصومةٍ وقعت في الأمة، في مقابل تمجيده لأهل البدع، والثناء عليهم، والإشادة بهم من رافضةٍ، وجهميةٍ، وقدريةٍ، ومعتزلةٍ على ما تقدم نقل ذلك عنه.

ومعلوم أن أهل البدع على اختلاف مشاربهم من رافضةٍ، وجهميةٍ، وقدريةٍ، ومعتزلةٍ، ومرجئةٍ ما طعنوا في أهل السنة وفي كتبهم إلا للانتصار لبدعهم، وتعصبهم لآرائهم الباطلة المخالفة للكتاب والسنة.

ومع هذا فيمكن لكل مبتدعٍ ضال أن يدعي ما ادعى المالكي في أن ليس له مصلحة في عدائه لأهل السنة وطعنه عليهم إلا من باب النصح، بل يمكن أن يدعي هذا كل منافق وزنديق وكافر.

وقد وقع هذا منهم كما أخبر الله تعالى عن المنافقين: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا

ص: 26

فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} [البقرة: 11 - 12].

ثم إن المالكي هنا اعترف بأنه شنع على مقررات التوحيد، وزعم أن ذلك من باب النصيحة، والناصح الحقيقي لا يشنع، وإنما يوجه إلى الخير، ويحذر من الشر، برفقٍ، ولينٍ، وسترٍ، دون أن يشنع في ذلك؛ فإن التشنيع في اللغة إظهار القبائح والمثالب.

قال ابن فارس: «الشين والنون والعين، أصلٌ واحدٌ، يدل على رفع الذكر بالقبح»

(1)

.

ولهذا عد علماء اللغة التشنيع على الشخص سبًّا وشتمًا له.

قال ابن فارس: «وذكر ناسٌ شَنَعَ فلانٌ فلانًا: إذا سبه»

(2)

.

وقال الفيروزأبادي في معناه: «استقبحه وشتمه وفضحه»

(3)

.

ففرق بين النصيحة والتشنيع.

قال الفضيل بن عياض: «المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعير»

(4)

.

وللعلامة ابن رجب رحمه الله رسالة بعنوان: «الفرق بين النصيحة والتعيير»

(5)

قال

(1)

معجم مقاييس اللغة (3/ 218).

(2)

المصدر نفسه (3/ 218).

(3)

القاموس المحيط (3/ 47).

(4)

ذكره ابن رجب في جامع العلوم والحكم ((1/ 153)، وفي الفرق بين النصيحة والتعيير [مجموع رسائل ابن رجب (2/ 410)].

(5)

مطبوعة ضمن رسائل ابن رجب، انظرها (2/ 403 - 417).

ص: 27

فيها معلقًا على قول الفضيل السابق: «فهذا الذي ذكره الفضيل من علامات النصح والتعيير، هو أن النصح يقترن به الستر، والتعيير يقترن به الإعلان»

(1)

.

وقال: «فإذا أخبر الرجل بعيبه ليتجنبه كان ذلك حسنًا

وإن كان على وجه التوبيخ بالذنب، فهو قبيح مذموم»

(2)

.

واعتراف المالكي بتشنيعه على مقررات التوحيد هذا من الحق الذي أجراه الله على لسانه، فهو في الحقيقة مشنعٌ معيرٌ، وليس بناصحٍ.

وهذه من السنن التي لا تتغير في كل من أبطن غير ما يعلن؛ فإنه لابد أن يظهر منه كما قال تعالى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد: 30].

قال ابن كثير في تفسير الآية: «أي: فيما يبدو من كلامهم الدال على مقاصدهم»

(3)

.

وأما ما ادعاه من الغلو والمخالفة للنصوص في مقررات التوحيد، فهذا بناءً على فهمه السقيم، وانحرافه عن الصراط المستقيم، وسيأتي الرد عليه في ذلك عند ذكر النماذج التي انتقدها من مقررات التوحيد.

‌مطالبته بترك سوء الظن بِمَنْ نقد مقررات التوحيد والرد عليه:

قال الكاتب في (ص 2): «يجب على الجميع ترك سوء الظن بِمَنْ نقد مقررات التوحيد أو غيرها ولو أخطأ؛ فالتشكيك في النقد والاستعداء عليه من الأمور التي يجب أن نترفع عنها في هذا العصر بالذات؛ حتى تكون الكلمة مجتمعة والصف متحدًا

».

(1)

رسائل ابن رجب (2/ 410 - 411).

(2)

المصدر نفسه (2/ 410).

(3)

تفسير ابن كثير (7/ 321).

ص: 28

وجوابه من عدة أوجه:

الوجه الأول: أن سوء الظن إنما يحرم في حق أهل الصلاح والاستقامة الذين لا يظهر منهم إلا الخير؛ فإساءة الظن بهم محرمة، وأما أهل الفساد والزيغ فلم نؤمر بحسن الظن بهم، بل يحكم عليهم بما ظهر منهم.

قال الزجاج في تفسير قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12]: «هو أن يُظن بأهل الخير سوءًا؛ فأما أهل السوء والفسق، فلنا أن نظن بهم مثل الذي ظهر منهم»

(1)

.

وقال القاضي أبو يعلى: «هذه الآية تدل على أنه لم ينه عن جميع الظن»

(2)

.

وقال القرطبِي: «وأكثر العلماء على أن الظن القبيح بِمَنْ ظاهره الخير لا يجوز، وأنه لا حرج في الظن القبيح بِمَنْ ظاهره القبح. قاله المهدوي»

(3)

.

فهل المالكي مِمن أظهر الخير والصلاح، أم الشر والزيغ والضلال؟

لعل في النقول السابقة عنه إجابة شافية عن هذا.

الوجه الثاني: أن الكاتب هنا مع مطالبته بترك سوء الظن بِمَنْ نقد مقررات التوحيد

، قد أساء الظن بتحذيره من سوء الظن به، والتشكيك في نقده والاستعداء عليه قبل وقوعه؛ فإنه لا يَعلم قبل خروج كتابه هل يقبل نقده أم يرد؟ فهو في الوقت الذي يحذر من سوء الظن به يسيء الظن بالناس.

(1)

تفسير ابن الجوزي (7/ 469).

(2)

المصدر نفسه (7/ 469).

(3)

تفسير القرطبِي (16/ 316).

ص: 29

كما أن هذا الضال الزائغ مع مطالبته بحسن الظن به مع ما أظهره من عداء لأهل السنة، وطعن في عقيدتهم، وثناء على أهل البدع وتمجيدهم، هو في المقابل يسيء الظن في أصحاب النبِي صلى الله عليه وسلم مع ثناء الله ورسوله عليهم بكل خيرٍ وفضلٍ!

بل ذكر في بعض كتبه أنه مع اعترافه بعدم ثبوت ما يُطعن به على الصحابة من التعصب لقبائلهم وعدم إرادة مصلحة الإسلام؛ فإنه يقوله: «إلا أنه ليس هناك دليل شرعي ولا عقلي يمنع من هذا

إلى أن قال: ورغم عدم قناعتي بهذا كله، إلا أنني أعقل حدوث مثل هذا»

(1)

.

ويقول عن وصية أبي بكر لعمر بالخلافة بعد ادعائه أنها قوبلت بالمعارضة لغلظة عمر: «ولم يذكر لنا التاريخ شيئًا آخر غير الغلظة، لكن في ظني أن اعتراض مَنْ اعترض كان عنده توجس من مسألة الوصية نفسها

»

(2)

.

هكذا يعامل المالكي أصحاب النبِي صلى الله عليه وسلم، فيسيء بهم الظن ويصدق فيهم الطعن، مع عدم ثبوت الدليل على ذلك، وأما هو فمهما أظهر من شر وفتنة فيحرم على الناس أن يظنوا به إلا الخير!! {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [الصافات: 154، والقلم: 36].

الوجه الثالث: أن هذا الضال قد أظهر العداء والطعن على أهل السنة؛ فمؤاخذته بذلك ليس من قبيل الظن، وإنما هو من قبيل العلم القطعي؛ لأنه ظاهر عليه مشاهد منه.

يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «إن أناسًا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم،

(1)

قراءة في كتب العقائد (ص 43، 44).

(2)

قراءة في كتب العقائد (ص 50، 51).

ص: 30

وإن الوحي قد انقطع، وإنما آخذكم الآن بما ظهر من أعمالكم؛ فمَن أظهر لنا خيرًا أمناه وقربناه، وليس لنا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته، ومَن أظهر لنا سوءًا لم نأمنه ولم نصدقه، وإن قال: إن سريرته حسنة»

(1)

.

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «نهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به»

(2)

.

والكاتب بما يظهر لنا منه ومن كتبه التِي شحنها بالطعن على السنة وأهلها، والانتصار للبدع وأهلها، هو من أشبه الناس بِمَنْ قال الله فيهم:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران: 118].

‌دعواه للتجديد في مقررات التوحيد والرد عليه في ذلك:

قال المالكي في (ص 3): «إن التجديد والمراجعة والتنقيح أمور مطلوبة بشكلٍ دائمٍ، غير مرتبطة بحدثٍ ولا توجيه؛ فالتجديد مطلب بغض النظر عن أي وجهات نظرٍ متحفظة أو مبالغة في النقد، وضرورة هذا الأمر ينبع من حقيقة ثابتة؛ وهي أن المناهج أو المقررات هي (إنتاجات بشرية) يعتريها النقص، وتحتاج للمراجعة والتطوير، وليست نصوصًا شرعية لا يجوز التعديل فيها أو النقد» .

ويقول في الصفحة نفسها: «المقررات الشرعية بشكلٍ خاص لم تحظ من التجديد والمراجعة وحسن التشخيص ما حصل للمقررات الأخرى؛ نتيجة التدخلات من

(1)

أورده الخطيب في الكفاية (ص 78).

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (5/ 200)(ح 4890)، وذكره ابن كثير في تفسيره (7/ 378)، وصحح إسناده الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 199).

ص: 31

خارج الوزارة، تلك التدخلات المبالغة في التحفظ وسوء الظن بالقائمين على التعليم».

وجوابه:

إن مطالبته بالتجديد في مقررات التوحيد هذا من لبس الحق بالباطل، وهذه طريقة كل ضال منحرفٍ عن دين الله، لابد أن يلبس دعوته للباطل لباس الحق، وإلا لردت من أول وهلة.

فالتجديد في المقررات الدراسية يراد به معنيان: أحدهما صحيح وحق، والآخر باطل وضلال.

فالتجديد الحق: هو التجديد في طريقة عرض المادة العلمية للمقرر، بحيث تتناسب مع أحوال وظروف المتعلمين في هذا العصر، والاستفادة مما جد من وسائل حديثة لم تكن موجودةً من قبل، وهذا الأمر معمول به في وزارة التربية والتعليم في سائر المقررات الدراسية؛ ومنها مقررات التوحيد، وهذا ملاحظ لكل منصفٍ أن المناهج في بلادنا لا تزال في تطور مستمر في هذا المجال.

وأما التجديد الباطل المرفوض: فهو التجديد في أصل المادة العلمية في مقررات التوحيد، ودعوى أن عقيدة أهل السنة لا تتناسب مع هذا العصر، فينبغي إخضاعها للنقد، واستبدال بعض الأفكار والبدع المحدثة المستقاة من كلام اليهود والنصارى والزنادقة بأصول أهل السنة الثابتة بالنصوص الشرعية.

وهذا ما يدعو إليه المالكي؛ وهو المقصود عنده بالتجديد على ما سيأتي نقل كلامه على وجه التفصيل في الطعن في عقيدة أهل السنة وأصولها الثابتة، ودعوى

ص: 32

أنها باطلة يجب حذفها من المقررات الدراسية.

وقد تقدم نقل كلامه في طعنه في كتب السلف المصنفة في العقيدة، ودعواه:«أن فيها الكثير من الباطل، بل هو الغالب عليها»

(1)

.

وقوله: «الظلم من السمات التِي لا تستغني عنها كتب العقائد، ولولا الظلم والغباء لما أصبح لكتب العقائد -مع ما فيها من جهلٍ وظلمٍ- قيمة تستحق الإشادة»

(2)

.

فَمِنْ الطبيعي جدًّا ألا يرضي المالكي عن مقررات التوحيد في هذه البلاد؛ إذ هي مستمدة من كتب السلف المصنفة في العقيدة، والقائمة على الأدلة من الكتاب والسنة، والمالكي بهذا متبع لسلفه من الرافضة والقدرية والجهمية الذين نبذوا عقيدة أهل السنة، واستبدلوا بها البدع المحدثة والآراء المضلة؛ ولهذا هو يمجدهم ويثني عليهم في الوقت الذي يطعن فيه في أهل السنة وكتبهم القديمة والحديثة.

والتجديد الذي يدعو إليه ليس هو إلا إحياء لتلك البدع المضلة، بعد أن أطفأتها في هذه البلاد دعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب السلفية.

وحتى يتبين لك أيها القارئ حقيقة هذا الأمر فتأمل هذا الاقتراح المقدم منه لتحقيق التجديد في مقررات التوحيد في المملكة العربية السعودية:

يقول في (ص 3): «بعد تجاربَ سابقةٍ ليسمح لي الإخوة التربويون أن أنقل اقتراحًا قد يرونه غريبًا، لكنني أطرح رأيِي ولا ألزم به أحدًا، وهو أنني أرى من المناسب أن يتم تكليف جهة (إسلامية) خارجية لتأليف (مقررات التوحيد) لعدم

(1)

تقدم نقله (ص 9 - 10).

(2)

تقدم نقله (ص 10).

ص: 33

قدرة المجتمع المحلي على وضع المقرر المناسب طيلة هذه السنوات».

ولا أظن الأمر خافيًا بعد هذا التصريح على أحد في تحديد هذه الجهات التي يقترح المالكي أن تؤلف لنا مقررات التوحيد، خصوصًا إذا ما ربطنا بين هذا الاقتراح وبين قوله السابق في بيان موقفه من فرق أهل البدع حيث يقول:«ولذلك كان أكثر، بل كل التيارات التِي نصمها بالبدعة كالجهمية، والقدرية، والمعتزلة، والشيعة، والزيدية وغيرهم؛ كل هؤلاء كانوا من الدعاة إلى تحكيم كتاب الله وتحقيق العدالة، وكانوا من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، لكن غلاة السلفية؛ ومنهم غلاة الحنابلة، كان لهم ارتباط قوي بالثقافة الشامية التي لا ترى في هؤلاء إلا دعاة فتنة»

(1)

.

‌طعنه في أهل هذه البلاد بلا استثناء، وزعمه عدم قدرتهم على تأليف مقررات التوحيد، ورميه لهم بالمذهبية الشديدة، والغلو والتنطع والتعسير والرد عليه:

تقدم في الفقرة السابقة نص اقتراحه: «أن تكلف جهة خارجية بتأليف مقررات التوحيد» ، وهاهنا تأكيد منه لذلك، وزيادة إيضاح، يظهر منه حقده الدفين، وبغضه الشديد لأهل هذه البلاد، الذين نشئوا على السنة، ونبذوا البدع.

يقول (ص 4): «إنني أؤكد أن المجتمع المحلي -في الفترة الحالية- غير مناسب لتأليف المقررات الدينية، وخاصة مقررات التوحيد، ولا مستعد لمراجعتها وفق النصوص الشرعية لا النظرة المذهبية؛ لأنه مجتمع في الأصل متمذهب شديد المذهبية، مقلد في العقائد والأحكام، متلبس بالغلو والتنطع وتعسير الأمور، وهي أمور

(1)

تقدم نقله في (ص 18).

ص: 34

منهي عنها شرعًا، هذا إذا أردنا المصارحة، أما إن أردنا المجاملة فهناك كلام آخر».

‌وجوابه على هذا من صريح السنة:

فقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبِي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم»

(1)

.

فتأمل أيها القارئ نكتة لطيفة تظهر بالتنظير بين ما أخبر به النبِي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، من أن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، وبين يأس المالكي من أن يوجد من أهل هذه البلاد مَنْ يحقق رغبته في تأليف مقررات التوحيد على نهج يخالف عقيدة التوحيد، ويقرر الشرك والبدع والضلال؛ ولهذا يطالب بأن يتولى تأليفها جهات خارجية من أقرانه من أهل البدع!

ولا عجب من هذا التشابه؛ بل لا يبعد أن يكون من وحي الشيطان لهذا الضال؛ فإن الشيطان يوحي إلى أوليائه من دعاة الضلال والفتنة بما هو متقرر عنده.

يقول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 112].

قال قتادة في تفسير هذه الآية: «من الجن شياطين، ومن الإنس شياطين، يوحي بعضهم إلى بعض»

(2)

.

(1)

أخرجه مسلم (4/ 2166)(ح 2812).

(2)

أخرجه الطبري في تفسيره (5/ 315).

ص: 35

وبنحو ذلك قال الطبري

(1)

.

وكان المختار بن أبي عبيد الثقفي يزعم أنه يأتيه الوحي، ولما بلغ ذلك عبد الله عمر رضي الله عنهما قال:«صدق؛ قال الله تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} [الأنعام: 121]»

(2)

.

وعلى كل حالٍ؛ فيأس المالكي من أن يجد مَنْ يوافقه من أهل هذه البلاد على ما أراد من استبدال مناهج التوحيد، ونبذ عقيدة أهل السنة، هذه منقبة لأهل هذه البلاد، وهو مصداق ما جاء في الحديث من الواقع، وهو علم من أعلام نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم.

وأما ما رمى به المالكي أهل هذه البلاد من تعصبٍ وغلو وتنطعٍ وتعسيرٍ للأمور، فلا يستغرب أن يكون هذا رأيه فيهم، بعد أن عرفنا موقفه من الصحابة وكبار أئمة أهل السنة، وأما أهل السنة في شتى بقاع الأرض فيعلمون ما عليه أهل هذه البلاد، وعلى رأسهم ولاة أمورهم وعلماؤهم من فضلٍ كبيرٍ ونشر للسنة، وقيام بدين الله علمًا وعملًا.

‌دعوته لفتح باب الحوار في المناهج مع أصحاب الأفكار المخالفة، والسماع منهم، وحسن الظن بهم، والرد عليه في ذلك:

يقول في (ص 5): «ولابد من فتح باب الحوار الدائم عن المناهج والمقررات، وأن يلتقي أصحاب الأفكار المتضادة حتى تتبين وجهات النظر بوضوحٍ، وأن يصاحب ذلك حسن الظن بالناقد المسلم المواطن

».

(1)

انظر: تفسير الطبري (5/ 315).

(2)

ذكره ابن كثير في تفسيره (ص 539).

ص: 36

و‌

‌جوابه:

أن المالكي يريد بهذا أن يفتح الباب على مصراعيه لكل الزنادقة والعلمانيين، وسائر أهل البدع من باطنية ورافضة وجهمية ومعتزلة، وكل زائغٍ عن الحق وداعية إلى الضلال والفتن، وكافة أهل الشهوات من إباحية وفساق، وغيرهم مِمن لا يدخل تحت الحصر من أهل الشر والفتن في أن يكون لكل واحدٍ من هؤلاء رأي في مقررات التوحيد ومناهج العقيدة، حتى تخضع مبادئ التوحيد، وأصول الإيمان المستقاة من الكتاب والسنة، والمجمع عليها عند أهل السنة إلى أهواء وعقول أولئك الضُّلال.

وهذا عين الزندقة والإلحاد والمشاقة الصريحة لما نهى الله عنه في كتابه، وحذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته من سماع أقوال الضالين واتباع أهوائهم في دين الله.

يقول الله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3].

وقال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: 18].

وقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153].

ومن السنة: ما أخرجه الإمام أحمد وغيره من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا خطًّا، ثم قال:«هذا سبيل الله» ، ثم خط خطوطًا عن يمينه وعن شماله، ثم قال:«هذه سبل، على كل سبيلٍ منها شيطان يدعو إليه» ،

ص: 37

ثم تلا: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153]

(1)

.

فقد تضمنت الآيات والحديث: أمر الله ورسوله باتباع الوحي، وما شرعه الله لهذه الأمة من الدين، والتحذير من اتباع أهواء الضالين الجاهلين، الساعين في صرف الناس عن صراط الله المستقيم.

كما حذر السلف من سماع كلام أهل البدع ومجادلتهم ومناظرتهم:

فعن أبي قلابة رحمه الله قال: «لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم؛ فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة، أو يلبسوا عليكم في الدين بعض ما لُبس عليهم»

(2)

.

وعن الحسن البصري وابن سيرين-رحمهما الله- أنهما كانا يقولان: «لا تجالسوا أصحاب الأهواء، ولا تجادلوهم، ولا تسمعوا منهم»

(3)

.

وعن عون بن عبد الله رحمه الله قال: «لا تجالسوا أهل القدر ولا تخاصموهم؛ فإنهم يضربون القرآن بعضه ببعض»

(4)

.

وعن ابن سيرين أنه دخل عليه رجلان من أهل الأهواء فقالا: «يا أبا بكر

(1)

أخرجه الإمام أحمد في المسند (7/ 207)(ح 4142)، والدارقطني في سننه (1/ 78)، والحاكم في المستدرك (2/ 349)، وصححه ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في تحقيقه لمشكاة المصابيح (1/ 59)، وفي ظلال الجنة مع كتاب السنة لابن أبي عاصم (ص 13)(ح 17).

(2)

أخرجه الدارمِي في سننه (1/ 120)، وابن بطة في الإبانة الكبرى (2/ 437)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 134).

(3)

أخرجه الدارمي في سننه (1/ 121)، وابن بطة في الإبانة الكبرى (2/ 444).

(4)

أخرجه ابن بطة في الإبانة الكبرى (2/ 466).

ص: 38

نحدثك بحديثٍ؟ قال: لا. قالا: فنقرأ عليك آية من كتاب الله عز وجل؟ قال: لا. لتقومَنَّ عنِّي، أو لأقومنَّ»

(1)

.

ويقول الإمام إسماعيل الصابوني في وصف عقيدة السلف وأصحاب الحديث: «ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم، ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم، ولا يجادلونهم في الدين، ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن أباطيلهم»

(2)

.

وبِهذا يتبين مناقضة ما يدعو إليه هذا الضال من سماع كلام أهل البدع وفتح باب الحوار معهم؛ لما جاء في الكتاب والسنة، وما كان عليه سلف الأمة من تحريم سماع كلام أهل البدع ومناظرتهم، والتشديد في المنع من ذلك.

زعمه أن السلفيين في المملكة يكفرون غيرهم من المسلمين، والرد عليه في ذلك:

يقول في (ص 5): «مما سيحزن له غيرنا من المسلمين أيضًا: أنهم كانوا يصيحون منذ ثلاثة قرون، ويطلبون منا نحن السلفيين في المملكة أن ننصفهم ونعترف بإسلامهم، وألا نرميهم بالشرك الأكبر المخرج من الملة، ولا البدع المهلكة، وهذا موجود في فكرنا وكتبنا العقائدية ومناهجنا التعليمية» .

وجوابه من عدة وجوه:

الوجه الأول: قوله: «المسلمون يصيحون منذ ثلاثة قرون

».

(1)

أخرجه الدارمِي في سننه (1/ 120)، وعبد الله بن أحمد في السنة (1/ 138)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 134).

(2)

عقيد السلف وأصحاب الحديث (ص 298).

ص: 39

هذا كذب صريح، فكيف لا يُعلم هذا الصياح-على حد تعبيره- وهو من كل المسلمين خارج هذه البلاد على مدى ثلاثة قرون، فلا يكون شائعًا منتشرًا في الأمة؛ وإنما بلغ المالكي وحده!!

وأما كون هذه التهمة قد تحصل من بعض المنحرفين الزائغين من أمثاله من أهل البدع، الذين لم يسلم أهل السنة من طعنهم وكذبهم عليهم منذ عصور السلف، فهذا مما لا يُنكر، ولكن العبرة بثبوت هذا عن علماء أهل السنة أنهم كفروا رجلًا واحدًا بغير حق ولو كان من عوام المسلمين، فضلًا عن تكفير عامة المسلمين على مدى ثلاثة قرون، سُبحَانَكَ هَذَا بُهتَانٌ عَظِيمٌ!!

الوجه الثاني: واقع حال المسلمين خارج هذه البلاد يبطل هذه الدعوى؛ وذلك ما يلمسه كل منصف مطلع على أحوال المسلمين المعاصرة، مما يكنه المسلمون في شتى أقطار الأرض لحكام وعلماء هذه البلاد، من ود، واحترامٍ، وتقديرٍ بالغٍ يفوق الوصف؛ حتى أصبحت هذه البلاد المباركة قبلة العلم والعلماء في التفقه في دين الله، كما أن فيها قبلتهم في الصلاة.

فهذه البلاد هي مأوى ومحط ركاب طلاب العلم الباحثين عن العلم الجادين في طلبه، وعلماؤها هم محل ثقة المستفتين عن أمور دينهم وحل مشكلاتهم العلمية، وجامعات هذه البلاد ومؤسساتها العلمية والدعوية والإغاثية هي ملتقى العلماء والدعاة والمهتمين بأمور المسلمين من شتى بقاع الأرض.

والمسجد الحرام ومسجد النبِي صلى الله عليه وسلم عامران بالعباد من كل قطرٍ وجنسٍ من المسلمين، يجتمعون على إمامٍ واحدٍ في صلاتهم، ويتحلقون حول العلماء في الدروس فيهما ينهلون من العلم الشرعي الصافي من كدر البدع.

ص: 40

وإذا ما أقبل رمضان اجتمعوا على موائد الإفطار في منظر بديع يسوده روح الإخاء والإيمان، يجود فيه الأغنياء من أهل هذه البلاد والمقيمين فيها على إخوانهم الفقراء والزائرين، ويتنافسون في ذلك تنافسًا عظيمًا؛ حتى لربما تنازعوا في الرجل الواحد، الكل يريد أن يحظى بمشاركته في مائدته، وقد رأيت هذا مرارًا في مسجد النبِي صلى الله عليه وسلم، وهو معروف ومشهور عند أهل المدينة قديمًا وحديثًا.

فهل يبقى مجال للشك فيما بين المسلمين من هذه البلاد، وإخوانهم في البلدان الأخرى من ود ووئامٍ وتعاونٍ على البر والتقوى، الأمر الذي يتبدد به كذب هذا المفتري في دعواه تكفير أهل هذه البلاد لإخوانهم المسلمين في البلدان الأخرى؟!!

الوجه الثالث: قوله: «يطلبون منا نحن السلفيين أن ننصفهم ونعترف بإسلامهم» .

فقوله: «نحن السلفيين» ، وعدُّه نفسه من السلفيين هو كاذب في هذه الدعوى؛ فليس هو من السلفية في شيء، وقد تقدم نقل بعض أقواله الدالة على شدة انحرافه عن أهل السنة والجماعة، بل طعنه فيهم وفي عقيدتهم وفي كتبهم، وموالاته أهل البدع والضلال، فهل هذا سلفي المعتقد؟!

وهو مع هذا لا ينتسب إلى السلفية ولا يرى سلامة معتقدهم، وإنما ترد منه هذه الكلمة:«نحن السلفيين» عندما يريد الطعن في السلفيين، مظهرًا للناس أنه منهم كيدًا ومكرًا؛ حتى تروج أكاذيبه وأباطيله على الجاهل بحاله.

وأما قوله: «يطلبون منا أن ننصفهم ونعترف بإسلامهم» ، فهذا من جهله؛ فإن المسلم الحقيقي لو كفره مَنْ على وجه الأرض وهو لا يستحق هذا، فإن هذا لن

ص: 41

يضره، وهو لا يحتاج أن يعترف الناس بإسلامه؛ ومَن كفره فإنما يضر نفسه، وهو مُعَرضٌ للوعيد الوارد في الحديث الصحيح:«أيما رجلٍ قال لأخيه: يا كافر، فقد باء به أحدهما»

(1)

.

فهذا الرجل جمع بين كذبه على المسلمين وجهله بالشرع؛ فالمسلمون يعلمون أنهم لا يحتاجون لأن يُعتَرف بإسلامهم لا من أهل هذه البلاد ولا من غيرهم، وهم أفقه من أن يطلبوا هذا الطلب فضلًا أن يصيحوا به منذ ثلاثة قرون، فيا فضيحة الكذاب!!!

‌رميه أهل هذه البلاد بالغلو، وزعمه أن مرجع ذلك يعود لعصر السلف:

يقول تحت عنوان: (صعوبات التجديد)(ص 6) بعد أن ذكر أمورًا لا طائل تحتها: «تمتع الغلاة بقاعدة خلفية قوية ومرجعية تمتد من القرن الثالث الهجري، وهذه المرجعية تحميهم ويحتجون بها للسلطات، وبها يستطيع الغلاة استعداء السلطات ضد مَنْ يريد التجديد أو النقد لهذا الغلو، بل يتم الاحتجاج بهذه المرجعية على النصوص الشرعية المخالفة لها من باب: «أن السلف أعلم وأحكم» ، ويعنون بالسلف مجموعة العلماء الذين نقلدهم، مع إهمال الأكثرية من السلف».

ويقول أيضًا في (ص 7): «جهلنا بأنفسنا؛ فلا نعرف عنها ما يعرفه الآخرون، ومَن أبرز دلالات جهلنا بأنفسنا: أننا لا نعرف أننا من الغلاة

».

وجوابه من عدة أوجه:

الوجه الأول: وصمه لحكام وعلماء هذه البلاد؛ بل أهل هذه البلاد جميعهم بالغلو، هذا من منظور فهمه السقيم، وبناء على زيغه وضلاله البعيد عن دين الله،

(1)

أخرجه البخاري، الصحيح مع الفتح (1/ 514)(ح 6103)، ومسلم (1/ 79)، (ح 60).

ص: 42

وانحرافه عن عقيدة أهل السنة.

فإن الغلو في فهم هذا الضال هو التمسك بعقيدة أهل السنة والجماعة ومنابذة البدع وأهلها.

وهاهي ذي بعض عباراته التي ذكرها -في سياق كلامه هذا- في تفسير الغلو عنده:

يقول في (ص 8): «مع أنه لا يشك باحث متجرد أن مجتمعنا السعودي يغلب عليه الغلو في العقائد والأحكام؛ بل التيار السلفي من العصر العباسي يغلب عليه الغلو، وتقرير شرعية كراهية المسلمين، فضلًا عن سوء تطبيق الولاء والبراء مع الكفار» .

ويقول في (ص 8): «إثبات وجود الغلو الظاهر الذي لا يقبل الشك في مصنفات بعض علماء السلف مِمن نقلدهم، الذين دخلوا في خصومات مذهبية مع علماء المذاهب والفرق الأخرى» .

ثم يقول في الصفحة نفسها: «انتقال هذا الغلو لعلماء الدعوة السلفية النجدية الوهابية مع زيادتهم عليه غلوًّا في التكفير» .

فحقيقة الغلو عنده: هو الاعتصام بالسنة. وسلف الأمة ومَن سار على طريقهم غلاة في حكمه؛ ولهذا يرى أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب قامت على الغلو، والناس في هذه البلاد غلاة، ورثوا الغلو عن السلف، ثم عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية، فهذا مفهوم الغلو الذي يصف به أهل هذه البلاد، فليتنبه لهذا!!

الوجه الثاني: قوله: «بها يستطيع الغلاة استعداء السلطات ضد مَنْ يريد التجديد

».

ص: 43

قد تقدم أن مفهوم التجديد عنده هو نبذ التوحيد، وعقيدة أهل السنة، وتقرير البدع والثناء على أهلها.

وهذا القول منه إنما قدم به لكتابه لعلمه بما اشتمل عليه كتابه هذا وكتبه الأخرى من زندقة وإلحاد وإفساد في الدين، فيريد أن يدفع عن نفسه عقوبة ذلك من قبل ولاة الأمر؛ فحاله كما قال القائل:«كاد المريب أن يقول خذوني» .

والواجب على كل المسلمين في هذا البلد: أن يتكاتفوا ويتعاونوا في الإنكار على هؤلاء الزنادقة ودعاة الضلال، وأن يحذروا منهم أشد الحذر، وأن يقوموا برفع ما يقفون عليه من أقوالهم الباطلة إلى ولاة الأمر للأخذ على أيديهم، وإنزال العقوبات الرادعة بهم.

وليعلم أن هذا من واجبات الدين التي أوجبها الله على ولاة الأمور؛ كما دلت النصوص على وجوب الأخذ على أيدي أهل البدع والضلال وغيرهم من الفساق.

ففي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَا مِنْ نَبي بعثه الله في أمةٍ قبلي؛ إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب، يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوفٌ، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فَمَنْ جاهده بيدهم فهو مؤمِنٌ، ومَن جاهدهم بلسانه فهو مؤمِن، ومَن جاهدهم بقلبه فهو مؤمِن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل»

(1)

.

ففي هذا الحديث: وجوب مجاهدة هؤلاء المغيرين المبدلين، والإنكار عليهم بحسب الاستطاعة، وعلى نحو المراتب المذكورة، وهذا يشمل كل مَنْ كان قادرًا

(1)

صحيح مسلم (1/ 70)، (ح 50).

ص: 44

على ذلك من حكامٍ ورعيةٍ.

وقد باشر النبِي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون من بعده عقوبة المخالفين الذين يُخشى على الناس ضررهم بأصنافٍ من العقوبات؛ فقد أخرج الترمذي في سننه تحت باب: (ما جاء في النفي) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «أن النبِي صلى الله عليه وسلم ضرب وغرب، وأن أبا بكر ضرب وغرب، وأن عمر ضرب وغرب»

(1)

.

كما دلت أقوال السلف على وجوب عقوبة أهل البدع، بالجلد، والسجن، والتغريب، والإهانة، والإذلال، والتشهير، وغيرها من سائر العقوبات؛ كما قام بذلك وباشره الخلفاء والأمراء والقضاة في حق أهل البدع المظهرين لبدعهم؛ كما هو منقول بالتواتر في كتب السنة والاعتقاد، وقرره الأئمة المحققون لمذهب السلف.

نقل اللالكائي أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أُتِيَ له برجلٍ سب عثمان رضي الله عنه فجلده ثلاثين سوطًا، وضرب آخر عشرة أسواط لسبه عثمان، فلم يزل يسبه حتى ضربه سبعين سوطًا

(2)

.

وعن سالم بن عبد الله رحمه الله: «أن رجلًا قال له: رجلٌ زنَى، فقال سالم: يستغفر الله ويتوب إليه. فقال الرجل: الله قدره عليه؟ فقال سالم: نعم، ثم أخذ قبضة من الحصى فضرب بها وجه الرجل، وقال: قم»

(3)

.

(1)

سنن الترمذي (4/ 44)، (ح 1438)، والحديث صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/ 127).

(2)

انظر الآثار في ذلك في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/ 1265).

(3)

أخرجه الآجري في الشريعة (2/ 951، 952)، وقال المحقق:«إسناده حسن» .

ص: 45

وعن الإمام الشافعي رحمه الله أنه يقول: «حكمي في أهل الكلام: أن يضربوا بالجريد، ويحملوا على الإبل، ويطاف بهم في العشائر والقبائل، وينادى عليهم: هذا جزاء مَنْ ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام»

(1)

.

وعن عبد الله بن أحمد قال: «سألت أبي عن رجلٍ ابتدع بدعة يدعو إليها، وله دعاة عليها، هل ترى أن يحبس؟ قال: نعم، أرى أن يحبس وتكف بدعته عن المسلمين»

(2)

.

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «والداعي إلى البدعة مستحق للعقوبة باتفاق المسلمين، وعقوبته تكون بالقتل تارةً، وتارةً بما دونه

ولو قدر أنه لا يستحق العقوبة أو لا يمكن عقوبته فلابد من بيان بدعته والتحذير منه؛ فإن هذا من جملة الأمر بالمعروف والنهِي عن المنكر الذي أمر الله به رسولَهُ»

(3)

.

وذكر رحمه الله أن العلة لقول من قال بقتل أهل البدع من السلف والأئمة بعدهم لأجل إفسادهم في الدين، وإن لم يعتقد هؤلاء الأئمة كفرهم.

يقول: «ولهذا أكثر السلف يأمرون بقتل الداعي إلى البدعة الذي يضل الناس؛ لأجل إفساده في الدين سواء قالوا: هو كافر، أو ليس كافرًا»

(4)

.

(1)

رواه أبو نعيم في الحلية (9/ 116)، والهروي في ذم الكلام (4/ 294، 295).

(2)

مسائل الإمام أحمد برواية ابنه عبد الله (ص 439).

(3)

مجموع الفتاوى (35/ 414).

(4)

مجموع الفتاوى (12/ 500).

ص: 46

وقال في موضعٍ آخر: «وجوز طائفةٌ من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما قتل الداعية إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة، وكذلك كثيرٌ من أصحاب مالكٍ، وقالوا: إنما جوز مالك وغيرُهُ قتل القدرية لأجل الفساد في الأرض، لا لأجل الردة»

(1)

.

وأقوال السلف وأهل العلم من بعدهم في هذا الباب كثيرة جدًّا، وقد يسر الله لِي ذكر طائفة منها في كتاب:«موقف أهل السنة من أهل الأهواء والبدع»

(2)

.

والمقصود هنا: تحذير المسلمين من أن ينخدعوا بما يروجه هذا الضال من المناداة بعدم الأخذ على أيدي الضلال والزنادقة، وتمكينهم من نشر بدعهم وضلالهم في الأمة باسم التجديد وتبادل الأفكار، ودعواه أن معاقبة هؤلاء من قبل ولاة الأمر من الغلو، وأن إنكار العلماء عليهم استعداء للسلطات على العلماء الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.

فلا ينبغي لصاحب سنة أن ينخدع بهذا التضليل، ويجب على كل مسلم أن يقوم بواجبه في مجاهدة هؤلاء الزنادقة بحسب الطاقة، ووفق الضوابط الشرعية المرعية عند أهل السنة في هذا المقام.

الوجه الثالث: قوله: «بل يتم الاحتجاج بهذه المرجعية على النصوص الشرعية المخالفة لها من باب أن السلف أعلم وأحكم» .

وهذا تلبيس منه وافتراء على أهل السنة؛ فإن أهل السنة لا يقدمون على النصوص شيئًا من أقوال الناس؛ بل يحكمون النصوص في أقوال الناس، فما وافق

(1)

مجموع الفتاوى (28/ 346).

(2)

انظر الكتاب (2/ 613 - 634).

ص: 47

النصوص أخذوا به؛ لدلالة النص عليه، وما عارض النصوص أطرحوه وعملوا بالنص.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في وصف عقيدة أهل السنة: «إن أهل الحق والسنة لا يكون متبوعهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فهو الذي يجب تصديقه في كل ما أخبر، وطاعته في كل أمر، وليست هذه المنزلة لغيره من الأئمة؛ بل كل أحدٍ من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم

، فلا ينصبون مقالة ويجعلونها من أصول دينهم وجمل كلامهم إن لم تكن ثابتة فيما جاء به الرسول؛ بل يجعلون ما بُعث به الرسول من الكتاب والحكمة هو الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه»

(1)

.

ودعوى هذا الزائغ أن أهل السنة يعارضون النصوص بأقوال العلماء من باب: (أن السلف أعلم وأحكم)، هذا من جهله بحقيقة هذه المقالة، أو تجاهله لمعناها الصحيح؛ فإن هذه العبارة لم يطلقها أهل العلم في مقابل النصوص فيجعلون أقوال السلف أعلم وأحكم من النصوص، وإنما يطلقونها في مقابل ما أحدثه المتكلمون الذين زعموا أن:(طريقتهم أعلم، وطريقة السلف أسلم)، فرد عليهم أهل العلم بأن:(طريقة السلف أسلم وأعلم).

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «وأيضًا فقد ينصر المتكلمون أقوال السلف تارة، وأقوال المتكلمين تارة

، وتارة يجعلون إخوانهم المتأخرين أحذق وأعلم من السلف، ويقولون:(طريقة السلف أسلم، وطريقة هؤلاء أعلم وأحكم)، فيصفون

(1)

مجموع الفتاوى (3/ 346 - 347).

ص: 48

إخوانهم بالفضيلة في العلم والبيان والتحقيق والعرفان، والسلف بالنقص في ذلك والتقصير فيه»

(1)

.

فتبين أن قول أهل السنة: (إن طريقة السلف أسلم وأعلم) لم يقصدوا بذلك تقديمها على النصوص، وإنما أرادوا أنها أعلم من طريقة الخلف، والمالكي باعتراضه هذا لن يسلم من أحد أمرين: إما الجهل بحقيقة هذه المقالة؛ فهو يتكلم بما لا يعلم، وإما أنه يعلم معناها الصحيح، ولكن أراد الكذب والتلبيس على عامة الناس، فحاله دائر بين الجهل والكذب، وقد يجمع بينهما في جملة أقواله الأخرى المنحرفة.

الوجه الرابع: قوله: «ويعنون بالسلف مجموعة العلماء الذين نقلدهم مع إهمال الأكثرية من السلف» .

قلت: لم يسمِّ الأكثرية من السلف الذين زعم أن أهل هذه البلاد أهملوهم، مع أن هذا الكلام باطل من أصله؛ لأنه إن سلم أن أهل هذه البلاد اتبعوا بعض السلف فهم متبعون لجميعهم؛ لأنه ليس بين السلف اختلاف في أصول الدين والاعتقاد كما صرح بذلك الأئمة.

يقول ابن المبارك رحمه الله في وصف عقيدة أهل السنة: «أدركت الناس بمكة، والمدينة، والكوفة، والبصرة، ومصر، وخراسان، فأدركتهم مجتمعين على السنة والجماعة»

(2)

.

ويقول الإمام البخاري رحمه الله: «لقيت أكثر من ألف رجلٍ من أهل العلم: أهل

(1)

مجموع الفتاوى (4/ 157).

(2)

اعتقاد عبد الله بن المبارك، ضمن اعتقاد أئمة السلف، جمع: د/ محمد الخميس (ص 35).

ص: 49

الحجاز، ومكة، والمدينة، والكوفة، والبصرة، وواسط، وبغداد، والشام، ومصر، لقيتهم كرات قرنًا بعد قرنٍ، ثم قرنًا بعد قرنٍ، أدركتهم وهم متوافرون منذ أكثر من ست وأربعين سنة

فما رأيت واحدًا منهم يختلف في هذه الأشياء»

(1)

. ثم ساق معتقد أهل السنة.

ويقول أبو المظفر السمعاني: «ومما يدل على أن أهل الحديث هم على الحق: أنك لو طالعت جميع كتبهم المصنفة من أولهم إلى آخرهم، قديمهم وحديثهم مع اختلاف بلدانهم وزمانهم، وتباعد ما بينهم في الديار، وسكون كل واحدٍ منهم قطرًا من الأقطار، وجدتهم في بيان الاعتقاد على وتيرةٍ واحدةٍ، ونمطٍ واحدٍ، يجرون فيه على طريقةٍ، لا يحيدون عنها ولا يميلون فيها، قولهم في ذلك واحدٌ، ونقلهم واحدٌ، لا ترى بينهم اختلافًا، ولا تفرقًا في شيءٍ ما وإن قل، بل لو جمعت جميع ما جرى على ألسنتهم ونقلوه عن سلفهم وجدته كأنه جاء من قلبٍ واحدٍ، وجرى على لسانٍ واحدٍ، وهل على الحق دليلٌ أبين من هذا؟!!»

(2)

.

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «أما المتبعون للكتاب والسنة من الصحابة والتابعين وتابعيهم: فهم متفقون على دلالة ما جاء به الشرع في باب الإيمان بالله تعالى، وأسمائه وصفاته، واليوم الآخر، وما يتبع ذلك، ولم يتنازعوا في دلالته على ذلك»

(3)

.

فتبين بهذا بطلان دعوى هذا المفتري؛ إذ ليس بين السلف ومَن سار على

(1)

شرح أصول اعتقاد أهل السنة (2/ 193).

(2)

الحجة في بيان المحجة لقوام السنة (2/ 224، 225).

(3)

درء تعارض العقل والنقل (1/ 192)، وانظر:(1/ 195)، (6/ 366).

ص: 50

طريقهم من أهل السنة اختلاف حتى يقال: إن فلانًا أو هذه الطائفة وافقت بعضهم وخالفت بعضهم.

ولكن هذا الضال لا يقصد بقوله: (السلف) أئمة أهل السنة من الصحابة والتابعين لهم بإحسانٍ من أهل العلم والإيمان، وإنما يرى شمول مصطلح السلف لأئمة الضلال ورؤوس أهل البدع من الجهمية، والقدرية، والرافضة، وسائر الزنادقة.

وقد تقدم النقل عنه بما نصه: «ويقصدون بالجماعة الموالية للنظام الأموي من علماء وعوام سلطة، وأصبح الذي ينكر الظلم أو ينقد الوالي شاذًّا، أو ضد الجماعة

وتَم استبعاد العلوية من (السنة والجماعة)، ووصفهم ب:(الشيعة) و (الخشبية)، ثم (الرافضة»)

(1)

.

ويقول أيضًا: «ولذلك كان أكثر؛ بل كل التيارات التي نصمها بالبدعة، كالجهمية، والقدرية، والمعتزلة، والشيعة، والزيدية، وغيرهم، كل هؤلاء كانوا من الدعاة إلى تحكيم كتاب الله وتحقيق العدالة، وكانوا من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، لكن غلاة السلفية، ومنهم غلاة الحنابلة كان لهم ارتباط قوي بالثقافة الشامية التي لا ترى في هؤلاء إلا دعاة فتنة»

(2)

.

وبهذا يتبين مَنْ يقصد بقوله: (الأكثرية من السلف) الذين يدعي إهمالهم، وأنه إنما أراد رؤوس الضلال والبدع من قدرية، ورافضة، وجهمية، وهم في الحقيقة سلفه الذين يسير على طريقهم، وورث عنهم البدع والضلال، وأمَّا أن يكونوا من

(1)

تقدم نقله وعزوه في (ص 13).

(2)

تقدم نقله وعزوه في (ص 18).

ص: 51

سلف الأمة الصالح فمعاذ الله؛ بل هم أعداء السلف وخصومهم، كما أنه هو وأمثاله خصوم أهل السنة وأعداؤهم في هذا العصر.

‌ملحوظاته العامة على مقررات التوحيد والرد عليه:

قال في (ص 9): «سبق أن ذكرنا أن من أكبر ما ينقص (لغة المجتمع) هو (عدم إدراك معاني الألفاظ) التي يتحدثون بها ويكررونها، والقائمون على المناهج جزء من هذا المجتمع، يحملون العيوب نفسها، فانتقلت هذه العيوب في المقررات نفسها، ومن بينها مقررات التوحيد.

ومن أبرز الشواهد على هذا العيب (وهو عدم إدراك معاني الكلام): أن المؤلفين لمقرر التوحيد لا يعرفون ماذا تعني كلمة (التوحيد) أولًا، حتى وإن كرروا بأن التوحيد ثلاثة أقسام:(ربوبية، وألوهية، وأسماء وصفات) مع التحفظ على هذا التقسيم المستحدث.

ولو أن مقررات التوحيد تَم تعدليها إلى مقررات (الإيمان)، لأمكن دخول ما ليس من التوحيد في مُسَمى الإيمان؛ لأن الإيمان يشمل الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، فالقسم الأول من الإيمان فقط وهو (الإيمان بالله) هو التوحيد نفسه

».

وقال في (ص 12): «الخلاصة: أن التوحيد يجب أن يقتصر معناه على الذات الإلهية الواحد الأحد الفرد، وهو ما أطلق عليه بعض علماء المسلمين عنوان:(الإلهيات)، وهذا المعنَى لم يَتِم مراعاته والاقتصار عليه في مقررات التوحيد، فكان الأولى أن نجعل عنوانًا أشمل ك:(الإيمان) ليشمل الإلهيات والنبوات والمعاد

ص: 52

والقدر والملائكة والكتب المنَزلة

إلخ كما سيأتي».

‌والرد عليه من عدة أوجه:

الوجه الأول: قوله: «إن أكبر ما ينقص لغة المجتمع هو عدم إدراك معاني الألفاظ التي يتحدثون بها ويكررونها

إلى قوله: إن هذه العيوب انتقلت إلى المقررات نفسها ومن بينها مقررات التوحيد».

قلت: هذه جرأة عظيمة في اتهام أهل الجزيرة العربية بالجهل بلغتهم مع كونهم معدن العرب وأثبتهم أنسابًا؛ حيث لا تزال القبائل العربية القديمة تقطن هذه الجزيرة، وهي معروفة بأسمائها وقيمها وعاداتها القديمة، فهم ألصق الناس بالعرب الأوائل نسبًا ولغة وأخلاقًا، وأقل الناس تأثرًا بالأعاجم في ذلك؛ فكيف يكون أعظم عيوبهم عدم إدراك معاني الألفاظ العربية التي هي لغتهم، ووسيلة التخاطب بينهم على مر العصور وكر الدهور، فهل هذا مما يقوله عاقل يدرك ما يقول؟!

هذا، مع ما حبا الله به هذه الجزيرة من فضلٍ وشرفٍ لا يضاهى، فجعلها موطن الرسالة الخاتمة؛ ففيها مكة والمدينة -حرسهما الله-، والمشاعر المقدسة، وفيها نزل القرآن الكريم بلغة العرب، وما زال أهلها يرتلونه ويقرأونه ويتغنون به، يشب على ذلك الصغير، ويهرم عليه الكبير، فكيف تضيع اللغة وتختلط المفاهيم فِيمَن هذا حالهم؟!

ثُم ما أنعم الله على هذه البلاد من وجود المسجدين العظيمين المشرفين في الإسلام: المسجد الحرام ومسجد النبِي صلى الله عليه وسلم، اللذَين لم تخل جنباتهما وأروقتهما على مر

ص: 53

التاريخ منذُ عصر البعثة حتى هذا التاريخ من جود العلماء الأجلاء الذين عكفوا على التعليم والتدريس، وتحلق طلبة العلم حولهم يتفقهون في الدين وينهلون من شتى الفنون.

وفي هذا العصر وعلى إثر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية المباركة، وقيام الدولة السعودية السلفية الناصرة لدين الله في الأرض، والمؤازرة لدعوة الشيخ وأتباعه منذُ بدئها وإلى اليوم، أصبحت هذه البلاد حاضرة المسلمين في العلم، ومن ذلك: علوم اللغة العربية على مختلف تخصصاتها الدقيقة.

فكيف عَم الجهل باللغة كل أهل هذه البلاد فلا يستثنَى من ذلك عالم ولا غيره، بل في مقدمة الجاهلين باللغة ومقاصدها هم أولئك العلماء، ومؤلفو المقررات الدراسية -بزعم المالكي-، فسبحان الله! ما أعظم الجرأة على الكذب عند مَنْ قلَّ حياؤه، وذهبت مروءته واستحكم زيغه وضلاله؟!!

وإن من تناقضات المالكي في هذا: أنه لما زعم أن (عدم إدراك معاني الألفاظ) أثر في كل المقررات الدراسية نسي ثناءه على مقررات الفقه حيث يقول في مقدمة كتابه هذا (ص 2): «مقررات الفقه (وخاصة المرحلة الثانوية) تتمتع بكثرة الفوائد، وقلة التكرار، وغزارة المعلومات، وحسن العرض، وسهولة الخطاب، ومتعة القراءة» .

فكيف تكون مقررات الفقه بهذا الوصف وهي من جملة المقررات التي عمها داء الجهل باللغة و (عدم إدراك معاني الألفاظ)؟!

وصدق مَنْ قال: «وإن من آفة الكذب: أن يكون صاحبه نسيًّا، فإذا كان كذلك كان كالمنادي على نفسه بالخزي في كل لحظةٍ وطرفةٍ»

(1)

.

(1)

ذكره ابن حبان في روضة العقلاء (ص 53).

ص: 54

وقال نصر بن علي الجهضمي: «إن الله أعاننا على الكذابين بالنسيان»

(1)

.

الوجه الثاني: دعواه اشتمال مقررات التوحيد على ما ليس منه، كأركان الإيمان الستة وغيرها، وتشنيعه على المؤلفين لهذه المقررات بأنهم لا يعرفون مدلول كلمة (التوحيد)؛ هذا من جهله بحقيقة التوحيد.

وجوابه من عدة جوانب:

الجانب الأول: أن التوحيد يطلق على ما هو أعم من معناه الخاص؛ فيطلق على (العبادة)، قال ابن عباس رضي الله عنهما:«كل ما ورد في القرآن من العبادة فمعناه التوحيد»

(2)

.

وقد كثر تفسير العلماء للعبادة بالتوحيد؛ فعن الكلبِي وغيره في تفسير قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، قال:«إلا ليوحدون»

(3)

.

وقال البغوي في تفسير قوله تعالى: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: 21]: «وحدوا»

(4)

.

وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب ضمن الفوائد المستنبطة من النصوص الواردة بالأمر بالعبادة: «إن العبادة هي التوحيد؛ لأن الخصومة فيه»

(5)

.

وقال الشيخ سليمان بن عبد الله في معنى قول النبِي صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ رضي الله عنه: «أن

(1)

أورده ابن حبان في روضة العقلاء (ص 53).

(2)

تفسير البغوي (1/ 55).

(3)

تفسير البغوي (4/ 235)، وفتح القدير (5/ 92).

(4)

تفسير البغوي (1/ 55).

(5)

كتاب التوحيد، مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب (6/ 6).

ص: 55

يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا»: «أي: يوحدوه بالعبادة وحده لا يشركوا به شيئًا»

(1)

.

وإذا تقرر هذا مع ما عُرفت به العبادة من كونها: (اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة)

(2)

: تبين شمول التوحيد لكل شعب الإيمان الاعتقادية، والقولية، والعملية، وأول ما يدخل في ذلك أركان الإيمان، وقد صرح بهذا بعض العلماء في تعريف التوحيد.

يقول ابن جماعة: «علم التوحيد؛ علم يُعنَى بمعرفة الله، والإيمان به، ومعرفة ما يجب له سبحانه، وما يستحيل عليه، وما يجوز، وسائر ما هو من أركان الإيمان الستة وما يلحق بها»

(3)

.

الجانب الثاني: أن الإيمان بالله الذي هو حقيقة التوحيد يتضمن الإيمان بأركان الإيمان الأخرى، وهي: الإيمان بالملائكة، والكتب، والرسل، واليوم الآخر، والقدر.

يقول الشيخ السعدي في تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} [النساء: 152]: «وهذا يتضمن الإيمان بكل ما أخبر الله به عن نفسه، وبكل ما جاءت به الرسل من الأخبار والأحكام»

(4)

.

وقد صرح العلماء بتضمن الركن الأول وهو الإيمان بالله بعض أركان الإيمان الأخرى.

يقول الحلِيمِي: «والإيمان برسول الله يتضمن الإيمان له، وهو قبول ما جاء به

(1)

تيسير العزيز الحميد، (ص 46).

(2)

العبودية لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص 4).

(3)

إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل (ص 7).

(4)

تفسير السعدي (ص 255).

ص: 56

من عند الله، والعزم على العمل به؛ لأن تصديقه في أنه رسول الله إلزام لطاعته،

وهو راجع إلى الإيمان بالله تعالى»

(1)

.

وقد نقل هذا البيهقي دون عزوه للحليمي على سبيل المقرِّر له

(2)

.

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «ومن الإيمان به وبكتبه: الإيمان بأن القرآن كلام الله مُنَزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود»

(3)

.

وقال: «وقد دخل فيما ذكرناه من الإيمان به وبكتبه وبرسله: الإيمان بأن المؤمنين يرونه يوم القيامة عيانًا بأبصارهم»

(4)

.

وقال شيخنا الشيخ عبد المحسن العباد البدر في شرحه لحديث جبريل: «هذا الجواب مشتمل على أركان الإيمان الستة، وأول هذه الأركان: الإيمان بالله، وهو أساس للإيمان بكل ما يجب الإيمان به؛ ولهذا أضيف إليه الملائكة والكتب والرسل»

(5)

.

فصرح هؤلاء العلماء بتضمن الإيمان بالله الإيمان ببعض أركان الإيمان الأخرى، وما يدخل تحتها من مسائل.

وبتأمل حقيقة الإيمان بالأركان الخمسة بعد الإيمان بالله يظهر تضمنه لها واشتماله عليها.

فالإيمان بالملائكة والرسل: يكون بالإقرار بخلق الله لهم، وأنهم مربوبون ليس

(1)

كتاب المنهاج في شعب الإيمان (1/ 238).

(2)

انظر شعب الإيمان (1/ 150).

(3)

العقيدة الواسطية (ص 103).

(4)

المصدر نفسه (ص 106).

(5)

شرح حديث جبريل (ص 25).

ص: 57

لهم من الأمر شيء، وأن الملائكة من المخلوقات العظيمة من حيث عظم خلقهم، وقدرتهم عل التشكل، وكثرة عددهم، وأن الرسل مبلغون عن الله، موحًى إليهم منه، منهم من كلمه الله بلا واسطة، ومنهم مَنْ اتخذه خليلًا، وقد أيدهم جميعًا بالآيات الدالة على صدقهم ونصرهم على أعدائهم، وأظهر دينهم، وغير ذلك من تفاصيل الإيمان بالملائكة والرسل.

وكل هذا متعلق بالإيمان بالله تعالى، وعلى وجه الخصوص بتوحيد الربوبية، أو توحيد الأسماء والصفات، كما أن بعض تفاصيل الإيمان بالرسل الأخرى لها تعلق بتوحيد الألوهية.

والإيمان بالكتب: يكون باعتقاد أنها من كلام الله تعالى على الحقيقة، وأنها كلها حق وصدق، مشتملة على النور والهدى، وهذا متعلق من جهةٍ أخرى بتوحيد الأسماء والصفات المتفرع عن الإيمان بالله.

ولشدة تعلق هذه الأركان الثلاثة -وهي: الإيمان بالملائكة والكتب والرسل- بالركن الأول -وهو الإيمان بالله تعالى-، يأتي ذكرها في النصوص معطوفة عليه مضافة للضمير الراجع إلى اسم (الله) المذكور في الركن الأول؛ كقوله تعالى:{كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة: 285].

وكقوله: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء: 136].

وكذلك الإيمان باليوم الآخر: يكون بالإيمان بالبعث، والحساب، والجزاء، وإدخال أهل الجنةِ الجنةَ، وأهل النارِ النارَ، ورحمة الله بعباده المؤمنين يوم القيامة،

ص: 58

ومغفرته لهم، وقبول الشفاعة فيهم، ورؤيتهم له في الجنة، وفي المحشر، وكلامه لهم، وشدة عقوبة الله للكافرين، وسخطه عليهم، وحجبهم عنه، وعدم كلامه لهم ونظره إليهم، كل هذا متعلق بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات.

وأما الإيمان بالقدر: فظاهر تعلقه بتوحيد الأسماء والصفات، فمراتب القدر التي لا يتحقق الإيمان بالقدر إلا بها، وهي: العلم، والكتابة، والمشيئة، والخلق، هي من صفات الله، وكذلك نفوذ مشيئة الله في الخلق، وأن الخلق وأفعالهم مخلوقون لله، وأن كل شيءٍ بقدرٍ، كل هذا داخل في توحيد الربوبية.

فتبين بهذا: اشتمال الإيمان بالله تعالى على أركان الإيمان الأخرى، واشتمال التوحيد على تفاصيل كل ما يجب على العبد الإيمان به واعتقاده في كل أركان الإيمان، وبهذا تظهر العلة والحكمة في كَون مَنْ حقق التوحيد كان من أهل الجنة، ومَن لم يحققه كان من أهل النار كما دلت على هذا النصوص.

الجانب الثالث: أن التوحيد هو الأصل لغيره من العلوم، والعلوم الأخرى فرع عنه.

قال السفاريني: «وإنما كانت العلوم كالفرع لعلم التوحيد؛ لأنه أشرف العبادات، وأفضل الطاعات، وشرط في صحة كل عبادةٍ وطاعةٍ، وشرط لقبول الأعمال؛ إذ هو معرفة ذي العظمة والجلال، فمَن لم يوحد المعبود فكل عمله مردود»

(1)

.

وفي كشف مصطلحات الفنون: «كل المقامات والأحوال بالنسبة للتوحيد

(1)

لوامع الأنوار (1/ 57).

ص: 59

كالطرق والأسباب الموصلة إليه، وهو المقصد الأقصى، والمطلب الأعلى، وليس وراءه للعبادة قربة»

(1)

.

الجانب الرابع: اصطلاح العلماء على تسمية علم أصول الدين بعلم التوحيد.

يقول ابن جماعة: «علم التوحيد علم يُعنَى بمعرفة الله، والإيمان به، ومعرفة ما يجب له سبحانه، وما يستحيل عليه، وما يجوز، وسائر ما هو من أركان الإيمان الستة وما يلحق بها»

(2)

.

ويقول السفاريني: «إنما سُمي هذا العلم بالتوحيد؛ لأنه أشهر مسائله وأشرفها، ويُسَمى أيضًا بعلم الكلام

(3)

؛ لأن مباحثه معنونة في كتب القدماء بقولهم: (الكلام في كذا)

»

(4)

.

ويقول التهانوي: «علم الكلام، ويُسَمى بأصول الدين أيضًا، وسماه أبو حنيفة بالفقه الأكبر، وفي مجمع السلوك: ويُسمى بالنظر والاستدلال أيضًا، ويُسَمى أيضًا بعلم التوحيد والصفات، وفي شرح العقائد للتفتازاني: العلم المتعلق بالأحكام الفرعية، أي: العملية، يُسَمى علم الشرائع والأحكام، وبالأحكام الأصلية، أي: الاعتقادية يُسَمى علم التوحيد والصفات»

(5)

.

وقد نقل هذا الكلام صديق حسن خان مقررًا له في «أبجد العلوم»

(6)

.

(1)

كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي (4/ 310).

(2)

إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل (ص 7).

(3)

هذا على اصطلاح المتكلمين، وأهل السنة لا يقرون بهذا، بل علم الكلام عندهم مذمومٌ.

(4)

لوامع الأنوار (1/ 57).

(5)

كشاف اصطلاحات الفنون (1/ 30).

(6)

انظر: (1/ 68، 337 - 338).

ص: 60

ويقول ملا علي قاري: «إن أول ما يؤمر به العبد: علم التوحيد، الذي هو عبارة عن الإيمان والتصديق والإقرار على وجه التحقيق، إما حقيقة وإما حكمًا

(1)

»

(2)

.

فهذه عبارات العلماء المصنفين في مصطلحات الفنون من أهل السنة وغيرهم، وبعضهم من أهل الكلام -الذين يعظمهم المالكي- يقررون فيها إطلاق (علم التوحيد) على علم أصول الدين، وكل مسائل الاعتقاد، فهل هؤلاء أيضًا جهلة بمعاني الألفاظ عند المالكي فيلحقهم بعلماء هذا البلاد، أم له رأي آخر؟!!

الجانب الرابع: أنا لو سلمنا جدلًا عدم دخول مباحث العقيدة وأصول الدين في مُسَمى (التوحيد)، فإن التوحيد بلا شك جزء منها، بل هو أعظم أجزائها، وإطلاق الجزء على الكل سائغ في لغة العرب، بل جاءت به النصوص الشرعية.

ومن ذلك: قوله تعالى: {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الأحزاب: 42].

قال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة والطبري وغيرهم من المفسرين: «أي: صلوا له بكرة: صلاة الصبح، وعشيًّا: صلاة العصر»

(3)

. فَسَمى الله الصلاة تسبيحًا.

قال الألوسي: «وعن ابن عباس: أن التسبيح: الصلاة، أي: بإطلاق الجزء على الكل»

(4)

.

(1)

تعريف الإيمان في الشرع بالتصديق والإقرار، هو قول المرجئة ومَن تأثر بهم، وأهل السنة يقولون: هو اعتقادٌ وقولٌ وعملٌ.

(2)

الرد على القائلين بوحدة الوجود (ص 31، 32).

(3)

انظر: تفسير الطبري (10/ 306)، وفتح القدير (ص 1373).

(4)

روح المعاني (21/ 301).

ص: 61

ومنه: قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ} [التوبة: 61].

قال الألوسي: «وصرح غير واحدٍ أن ذلك من إطلاق الجزء على الكل»

(1)

، أي: إطلاق الأذن على الشخص.

ومن السنة: قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس»

(2)

.

قال ابن حجر: «قوله: «فليركع» ، أي: فليصل، من إطلاق الجزء وإرادة الكل»

(3)

. وذكره المباركفوري في التحفة

(4)

.

ومنه: قول النبِي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صام يومًا في سبيل الله بَعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا»

(5)

.

قال ابن حجر في شرحه: «الخريف: زمان معلوم من السنة، والمراد به هنا العام»

(6)

.

وقال الصنعاني: «أطلق الخريف على العام، من إطلاق الجزء على الكل»

(7)

.

وعلى هذا، فإطلاق التوحيد على مسائل أصول الدين -لو سلمنا عدم دخولها في

(1)

المصدر نفسه (10/ 441).

(2)

أخرجه البخاري، الصحيح مع الفتح (1/ 537)، (ح 444)، ومسلم (1/ 495)، (ح 714).

(3)

فتح الباري (1/ 537).

(4)

انظر تحفة الأحوذي (2/ 216).

(5)

أخرجه البخاري، الصحيح مع الفتح (6/ 47)، (ح 2840)، ومسلم (2/ 808)، (ح 1153).

(6)

فتح الباري 6/ 48).

(7)

سبل السلام (1/ 268).

ص: 62

معناه- جائز من هذا الباب، وهو إطلاق الجزء وإرادة معنَى الكل.

ومن خلال هذه الجوانب كلها يتبين: زيغ المالكي في دعواه اشتمال مقررات التوحيد على ما ليس من التوحيد كأركان الإيمان الخمسة بعد الركن الأول، وتشنيعه على مؤلفيها بأنهم لا يعرفون مدلول كلمة (التوحيد)؛ حيث ظهر دخول أركان الإيمان كلها وغيرها من مباحث أصول الدين في مفهوم التوحيد من أكثر من وجهٍ، وبه يعرف جهل هذا المتطاول على العلماء؛ فعاد تشنيعه على نفسه؛ إذ هو الجاهل بمدلول (التوحيد)، لا العلماء والباحثون المؤلفون لمقررات التوحيد.

وجهل هذا الرجل بهذا الباب وغيره مما ينتقد العلماء فيه هو من الجهل المركب الذي يكون صاحبه لا يدري، ولا يدري أنه لا يدري، وهو فوق الجهل البسيط الذي يكون صاحبه لا يدري، ويدري أنه لا يدري، وقد يزيد من فتنة صاحب الجهل المركب قلة الحياء والجرأة في تخطئة بل تضليل كل مَنْ خالفه، ويرى أنه هو وحده على الصواب.

وانظر هذا متمثلًا في قول هذا المخذول: «إن من أكبر ما ينقص لغة المجتمع هو عدم إدراك معاني الألفاظ» !

وقوله: «إن المؤلفين لمقررات التوحيد لا يعرفون ماذا تعني كلمة التوحيد» !

فسبحان الله! الناس كلهم جهلوا وعرف المالكي!! فرحم الله مَنْ رزق علمًا وفهمًا؛ فإن لم يرزق ذاك فعقل يعقله عن السفه، وإن لم يرزق ذاك فحياء يحيا به مستورًا مرحومًا، فإن حرم ذاك كله، فلا أكثر الله في الناس أمثاله وطهَّر الأرض من نظرائه وأشباهه.

ص: 63

‌ذكره لبعض المسائل التي زعم أنها لا علاقة لها بالتوحيد وأدخلها المؤلفون في مقررات التوحيد، والرد عليه في ذلك:

قال الكاتب في (ص 13) تحت عنوان: (المبحث الثاني: النقد العام لمقررات التوحيد): «المؤلفون لهذه المقررات أدخلوا في مادة التوحيد موضوعات كثيرة لا علاقة لها بربوبية ولا ألوهية ولا أسماء ولا صفات، من أبرزها: في مقرر الثالث الثانوي (شرعي): الباب الثالث: من توحيد الصف الثالث (ص 95)، بعنوان:(محبة الرسول وتعظيمه، والنهي عن الغلو والإطراء في مدحه وبيان منزلته)، كل هذا الباب وفصوله مشروع، ولا يَتِم الإسلام إلا به، ولكن لا علاقة له بالتوحيد، فالتوحيد خاص بالله عز وجل، وإنما يدخل هذا الموضوع في موضوع آخر يُسَمى (النبوات)، فالتوحيد شيء، والنبوات شيء آخر.

وكذلك أورد المقرر نفسه (ص 101) فصلًا بعنوان: (مشروعية الصلاة على رسول الله)، وهذا أيضًا مشروع، ولكن لا علاقة لها بالتوحيد، وإنما لها علاقة بالنبوات.

وأورد المقرر فصل (أهل البيت)(ص 103)، وهذا أيضًا مع كونه مشروعًا لكن لا علاقة له بالتوحيد، وإنما يلحق بحقوق النبِي صلى الله عليه وسلم على أمته في أهل بيته.

وأورد المقرر فصلًا عن الصحابة (ص 105)، وهذا أيضًا مع مشروعيته لكن لا علاقة له بالتوحيد

».

وذكر أمثلة أخرى من هذا القبيل زعم عدم دخولها في التوحيد.

ثم زعم (ص 14) أن مقرر الثاني الثانوي كله لا علاقة له بالتوحيد إلا في

ص: 64

(ص 13) صفحة تتحدث عن الإيمان بالله، أما بقية الأبواب فتتحدث عن (الملائكة، والقرآن، والأنبياء، واليوم الآخر

قال: «ولا علاقة لهذا كله بالتوحيد، إنما علاقته بالإيمان» .

ثم سار على هذه الطريقة في نقد سائر المقررات الأخرى.

إلى أن قال (ص 16): «الخلاصة: نحو نصف مقرر التوحيد في مراحل التعليم لا علاقة له بالتوحيد، والغريب أن هذا استمر عبر هذه السنوات (نحو خمسين عامًا)، وهذا دليل على فقر (الثقافة المحلية) على اكتشاف مثل هذه الأمور الواضحة، وقد يكون بعضهم انتبه لكنه لم يحاول أحد أن ينبه عليه خشية أن يُتهَم في دينه أو وطنيته» .

والجواب على هذا قد تقدم في الفقرة السابقة، وأن مدلول (التوحيد) عند العلماء يشمل مسائل الاعتقاد كلها لتضمن الركن الأول من أركان الإيمان ما بعده من الأركان الأخرى، ولاصطلاح العلماء على تسمية علم أصول الدين بعلم التوحيد، وهذا مشهور معروف عند العلماء قديمًا وحديثًا، كما تقدم تقرير ذلك مفصلًا، وإنما أُتِيَ هذا الرجل من قبل جهله.

وأشير هنا بالإضافة إلى ما سبق: أن هذه الطريقة التي سلكها المؤلفون لمقررات التوحيد لم تخرج عن طريقة العلماء الذين صنفوا كتبًا بِمُسَمى (التوحيد)، وأوردوا فيها نظائر هذه المسائل التي زعم المالكي خروجها عن موضوع التوحيد.

ومن هؤلاء العلماء: الإمام ابن خزيمة حيث أورد في كتابه: «كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب» بعض المسائل من هذا القبيل وأفردها بأبواب مستقلة.

ص: 65

كما في قوله: باب: ذكر أبواب شفاعة النبِي صلى الله عليه وسلم.

وباب: ذكر الشفاعة التي خص بها النبِي صلى الله عليه وسلم.

وباب: ذكر الدليل أن هذه الشفاعات التي وصفنا أنها أول الشفاعات.

وباب: ذكر شدة شفقة النبِي صلى الله عليه وسلم ورأفته ورحمته بأمته.

وباب: ذكر البيان أن المقام الذي يشفع فيه النبِي صلى الله عليه وسلم لأمته هو المقام المحمود.

وباب: ذكر البيان أن الصديقين يتلون النبِي صلى الله عليه وسلم في الشفاعة.

باب: ذكر أخبار رويت في حرمان الجنة على مَنْ ارتكب المعاصي

(1)

.

وغيرها من أبواب أخرى في مسائل متنوعة من مسائل الاعتقاد ذكرها المصنف في هذا الكتاب.

وكما حصل أيضًا من الإمام الحافظ أبي عبد الله بن منده الذي صنف: «كتاب التوحيد ومعرفة أسماء الله عز وجل وصفاته على الاتفاق والتفرد» .

ومما جاء في هذا الكتاب من الأبواب:

ذكر ما يدل على أن النبِي صلى الله عليه وسلم عرج ببدنه يقظانًا.

ذكر استدلال مَنْ لم تبلغه الدعوة ولم يأته رسول.

قول النبِي صلى الله عليه وسلم: «بُني الإسلام على شهادة أن لا إله إلا الله» .

قول النبِي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليسكت» .

قول النبِي صلى الله عليه وسلم لرجلٍ: «قل: ربيَ الله، ثم استقم» .

(1)

انظر: كتاب التوحيد لابن خزيمة (2/ 588، 589، 596، 622، 724، 734).

ص: 66

قول النبِي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كان حالفًا فليحلف بالله عز وجل، ومَن حلف بغير الله فقد أشرك»

(1)

.

والكتب المصنفة في التوحيد على هذا النحو كثيرة، فهل هؤلاء المصنفون ومنهم أئمة كبار كابن خزيمة الملقب ب:(إمام الأئمة)، وابن منده وهو من كبار أئمة السنة في القرن الرابع جهلة بمدلول التوحيد ولا يعرفون مقاصد الكلام كما يزعم المالكي؟!!!

‌زعم المالكي اشتمال مقررات التوحيد على أخطاء علمية وتناقض، والرد عليه في ذلك:

قال المالكي (ص 17) تحت عنوان: (المبحث الثالث: نماذج الملحوظات التفصيلية على مقررات التوحيد): «وهذه في الحقيقة ليست ملحوظات تفصيلية، بمعنَى الوقوف عند كل ملحوظة وكل خطأ، وإنما يعني ذكر نماذج من الملحوظات على المادة العلمية؛ لأن المقررات كلها لا تكاد تخلو منها عبارةٌ من أحد أمرين:

إما أن تكون صحيحة ويتِم ردها والتناقض معها في مواضع أخرى من المقرر، وإما أن تكون خاطئة.

ولم يبق من مقررات التوحيد ما بقي دون تناقض إلا أن (الله واحد أحد لا يستحق العبادة دون سواه)، وهذا يعرفه أجهل العوام، فلا داعي لوضع مقررات التوحيد إذن إلا لتعريف الطالب بأن أكثر المسلمين يجب أن نعاديهم ونكرههم!! وهذا لا يحتاج إليه الطالب ولا المسلم الحق».

(1)

انظر: كتاب التوحيد لابن منده (1/ 124، 176، 306)، (2/ 30، 31، 33).

ص: 67

وجوابه:

أن نظرته هذه لمقررات التوحيد، وأنه لم تبق عبارة فيها إلا مناقضة بغيرها أو هي خاطئة في نفسها غير مستغربة منه؛ بل لا يتوقع منه غير هذا؛ فالرجل -على ما تبين من نقل كلامه المتقدم في أول هذا الكتاب- مخالف لعقيدة أهل السنة في الأصول التي هل محل الاتفاق بين سائر أهل السنة، وبكلامه هذا يعلن مخالفته لتفاصيل معتقد أهل السنة الذي قامت عليه مقررات التوحيد في هذه البلاد المباركة، وقررته أحسن تقريرٍ.

وما زال علماء أهل السنة من هذه البلاد وخارجها يثنون على هذه المقررات؛ حتى إن الكثير من القائمين على المعاهد والمدارس الأهلية من أهل السنة خارج هذا البلاد في إفريقيا وآسيا وأوربا وأمريكا، قد اعتمدوا تدريس هذه المقررات في معاهدهم ومدارسهم، وما ذلك إلا لما عرفوه من موافقتها لعقيدة أهل السنة، وسلامتها من البدع، والانحرافات العقدية والفكرية التي عمت الكثير من الأقطار الإسلامية.

وأما أهل البدع من باطنية، ورافضة، وجهمية وأفراخهم فهم يعادون هذه المقررات، وينتقدونها أشد النقد، لمخالفتها لعقائدهم الفاسدة، وما طعن هذا الرجل في علماء هذه البلاد وكتبهم ورميهم بالتهم الباطلة إلا من هذا القبيل.

وعلى كل حالٍ، فكلامه هذا في مقررات التوحيد مجرد دعوى لم يُقِمْ عليها دليلًا، وعليه إن كان صادقًا أن يدعم نقده بالدليل ليعرف المحق من المبطل.

قال تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111، والنمل: 64].

ص: 68

وأما قوله: «لم يبق من مقررات التوحيد دون تناقض إلا أن (الله واحد أحد لا يستحق العبادة دون سواه)» .

فهذا من خيبته وخسرانه، ودليل على خذلانه؛ حيث إن عبارته هذه باطلة، ولو كان يعني ما يقول لكان قوله هذا من أعظم الشرك، فقد نفى بقوله:«لا يستحق العبادة» استحقاق الله تعالى للعبادة، ثم أثبتها بقوله:«دون سواه» لغير الله!

وتصويب العبارة: أن يقول: «الله واحد أحد، يستحق العبادة دون سواه» ، أو يقول:«لا يستحق العبادة أحدٌ سواه» . وبهذا يعرف مَنْ الذي لا يدرك معاني الألفاظ، ومَن هو الجاهل بمقاصد الكلام!

وفي هذا من العبر مدى خذلان هذا المتطاول المنتقد لمقررات التوحيد، ومُدعِي تصحيحها وتصويبها، بما أظهره الله من حاله وجهله وبيان عجزه عن التعبير عن كلمة التوحيد، مما لا يجهله صغار طلبة المراحل الأولى من التعليم؛ فاعتبروا يا أولي الأبصار!!

وأما قوله: «إن أجهل العوام يعرفون هذا

».

فإن أراد استحقاق الله للعبادة، فهذا شهادة منه على نفسه بأنه أجهل من العوام؛ لأنه سيأتي في كلامه بعد هذا مباشرة ما يدل على جهله بحقيقة العبادة واستحقاق الله لها.

* * *

ص: 69

‌نقده لمقرر التوحيد للصف الأول الابتدائي والرد عليه:

1 -

يقول في (ص 17) تحت عنوان: (التوحيد للصف الأول الابتدائي): «1 - الدرس السادس (ص 16): نعبد الله ربنا عبارة (ندعوه ولا ندعو غيره).

وهذه مقدمة من الصف الأول الابتدائي يَتِم تفسيرها في المتوسطة والثانوية بما يفيد تكفير كثير من المسلمين بزعمنا أنهم يدعون الأنبياء والأولياء والصالحين من توسل وتبرك ونحوه مما سيأتي تفسيره.

ودعاء النبِي صلى الله عليه وسلم أو الصالح أو الولي يختلف باختلاف الشخص، فدعاء الميت (يا فلان اشفع لي عند ربك) يختلف عن دعاء الميت نفسه بقول القائل:(يا فلان اغفر لي وارحمني وارزقني)، ونحن لا نفرق بين الصيغتين، وإنما نكفر الجميع كما سيأتي إثباته».

وجوابه:

أن كلامه هذا متضمن شهادته على نفسه بأنه أجهل من أجهل العوام؛ حيث ذكر قبل أربعة أسطر من هذا أن استحقاق الله للعبادة يعرفه أجهل العوام، ثم ينكر هنا أن دعاء غير الله من الأنبياء والأولياء والصالحين شرك مخرج من الملة، وهذا جهل صريح بحقيقة العبادة؛ إذ الدعاء عبادة.

يقول النبِي صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة»

(1)

.

(1)

أخرجه أحمد (30/ 297، 298)، (ح 18352) من حديث النعمان بن بشير، والترمذي (5/ 456)(ح 3372)، والحاكم (1/ 667)، وصححه، ووافقه الذهبِي، وقال ابن حجر في الفتح (1/ 49): إسناده جيد. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/ 641)، (ح 3407).

ص: 70

والعبادة لا يصح صرفها لغير الله.

يقول الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5].

ويقول: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].

ودعوى المالكي أن عبارة: (ندعو الله ولا ندعو غيره)، يتم تفسيرها في المتوسطة والثانوي بما يفيد تكفير كثيرٍ من المسلمين، بدعوى أنهم يدعون الأنبياء والأولياء، كلامه هذا لا يخلو من ثلاثة أمور:

الأمر الأول: إنكاره أن يكون دعاء الأنبياء والأولياء عبادة، وهو معارض لصريح الحديث المتقدم:«الدعاء هو العبادة» .

الأمر الثاني: إنكاره أن يكون صرف العبادة لغير الله شركًا، وهذا مناقض لصريح الكتاب والسنة، وما تظافرت عليه النصوص أن العبادة حق لله تعالى، ومَن صرف شيئًا منها لغير الله فقد أشرك.

الأمر الثالث: إنكاره أن يكون دعاء غير الله حصل مِمن ينتسب إلى الإسلام فتكفيرهم يكون بشيءٍ لم يصدر منهم، وهذا يكذبه فيه واقع طوائف من المسلمين في هذا الزمان مِمن عمت فيهم عبادة القبور بتشييد المساجد الكبيرة عليها، والتوجه إلى الموتى بالدعاء وكشف الكرب، والطواف بقبورهم، والذبح لهم من دون الله مما لا ينكره إلا مكابر.

فلا يخلو اعتراضه من إنكار إحدى هذه الحقائق الثلاث، وإلا فما وجه الخطأ في أن يحكم فيمَن دعا غير الله بأنه وقع في نوع من أنواع الشرك الأكبر، بعد أن دلت

ص: 71

النصوص على هذا دلالة صريحة لا يمكن دفعها.

على أن أهل السنة وإن كانوا يعتقدون أن الدعاء وغيره من أنواع العبادات الأخرى إذا صرفت لغير الله أنها شرك أكبر مخرج من الملة، إلا أنهم لا يعتقدون أن مَنْ ارتكب شيئًا من ذلك من المعينين يكون كافرًا حتى تقوم عليه الحجة، وتتحقق فيه شروط التكفير وتنتفي موانعه.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «والتحقيق في هذا: أن القول قد يكون كفرًا كمقالات الجهمية الذين قالوا: إن الله لا يتكلم، ولا يُرَى في الآخرة، ولكن قد يخفى على بعض الناس أنه كفر، فيطلق القول بتكفير القائل، كما قال السلف مَنْ قال: القرآن مخلوق؛ فهو كافر، ومَن قال: إن الله لا يُرَى في الآخرة؛ فهو كافر، ولا يكفر الشخص المعين حتى تقوم عليه الحجة»

(1)

.

ويقول رحمه الله: «فإنا بعد معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم نعلم بالضرورة أنه لم يشرع لأمته أن تدعو أحدًا من الأموات؛ لا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم، لا بلفظ الاستغاثة ولا بغيرها، ولا بلفظ الاستعاذة ولا بغيرها، كما أنه لم يشرع لأمته السجود لِميتٍ ولا لغير ميتٍ ونحو ذلك.

بل نعلم أنه نَهى عن كل هذه الأمور، وأن ذلك من الشرك الذي حرمه الله ورسوله، لكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثيرٍ من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يبين لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مما يخالفه»

(2)

.

(1)

مجموع الفتاوى (7/ 617).

(2)

كتاب الاستغاثة (2/ 730).

ص: 72

وأما‌

‌ تفريقه بين سؤال النبِي صلى الله عليه وسلم الشفاعة، وبين سؤاله المغفرة والرحمة

وادعاؤه أن الأول ليس بشركٍ: فغير صحيحٍ؛ وذلك أن سؤال النبِي صلى الله عليه وسلم الاستشفاع عند الله إما أن يكون في حياته أو بعد مماته:

فإن كان في حياته فجائز، كما طلب بعض أصحابه منه الدعاء في حياته، فلم ينكر ذلك عليهم؛ بل دعا لبعضهم كما دعا للأعمى أن يرد الله بصره فرده الله عليه

(1)

.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «وأما دعاؤه وشفاعته في الدنيا فلم ينكره أحدٌ من أهل القبلة»

(2)

.

ويقول أيضًا: «لكن هذا الاستسقاء والاستشفاع والتوسل به وبغيره كان يكون في حياته، بمعنَى أنهم يطلبون منه الدعاء فيدعو لهم، فكان توسلهم بدعائه والاستشفاع به طلب شفاعته، والشفاعة دعاء»

(3)

.

وأما طلب الشفاعة من النبِي صلى الله عليه وسلم وغيره من الصالحين بعد موتهم: فهذا شرك.

يقول الله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف: 5 - 6].

(1)

أخرجه أحمد 28 (/ 478)، (ح 17240)، والترمذي (5/ 568)، (ح 3576)، وقال:«هذا حديث حسن صحيح غريب» ، وابن ماجه (1/ 441)، (ح 1385 هـ)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1/ 232)، وقال محققو المسند:«إسناده صحيح» .

(2)

قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص 27).

(3)

المصدر نفسه (ص 251).

ص: 73

فأخبر الله تعالى أنه لا أضل مِمن دعا مَنْ لا يستجيب له وهو غافل عن دعائه، وهذا هو حال الأموات، ثم سَمى هذا الدعاء عبادة في قوله:{بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} ، فدل على أنه شرك.

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله: «نفى سبحانه أن يكون أحدٌ أضل مِمن يدعو غيره، وأخبر أنه لا يستجيب له ما طلب منه إلى يوم القيامة، والآية تعم كل مَنْ يُدعَى من دون الله كما قال تعالى:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا} [الإسراء: 56].

وفي هذه الآية أخبر أنه لا يستجيب، وأنه غافل عن داعيه:{وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} »

(1)

.

ويقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} [فاطر: 13 - 14]. فَسَمى الله تعالى دعاء الأنداد من دونه شركًا.

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن: «فتبين أن دعوة غير الله شرك»

(2)

.

والآية تضمنت بيان فقر كل المدعوين من دونه بما فيهم الأنبياء والصالحون، وعجزهم عن نفع أنفسهم أو غيرهم، ومن هنا يظهر عدم استحقاقهم للدعاء.

يقول الشيخ سليمان بن عبد الله: «حاصل كلام المفسرين كابن كثير وغيره، أنه تعالى يخبر عن حال المدعوين من دونه، من الملائكة، والأنبياء، والأصنام،

(1)

فتح المجيد (ص 167).

(2)

المرجع السابق (ص 176).

ص: 74

وغيرها مما يدل على عجزهم وضعفهم، وأنهم قد انتفت عنهم الشروط التي لابد أن تكون في المدعو، وهي الملك، وسماع الدعاء، والقدرة على استجابته، فمتى عدم شرط بطل أن يكون مدعوًّا، فكيف إذا عدمت كلها؟!»

(1)

.

كما أخبر الله عن بطلان كل الأسباب التي تعلق بها المشركون في دعائهم للمخلوقين وسدها كلها بما فيها طلب شفاعتهم، فقال:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 22 - 23].

قال ابن القيم في حديثه عن هذه الآية: «وقد قطع الله تعالى كل الأسباب التي تعلق بها المشركون جميعًا قطعًا يعلم مَنْ تأمله وعرفه: أن مَنْ اتخذ من دون الله وليًّا، أو شفيعًا فهو {كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 41].

فالمشرك إنما يتخذ معبوده لما يعتقد أنه يحصل له به من النفع، والنفع لا يكون إلا مِمن فيه خصلة من هذه الأربع: إما مالك لما يريده عابده منه، فإن لم يكن مالكًا كان شريكًا للمالك، فإن لم يكن شريكًا كان معينًا وظهيرًا، فإن لم يكن معينًا ولا ظهيرًا كان شفيعًا عنده.

فنفى سبحانه المراتب الأربع نفيًا مترتبًا، متنقلًا من الأعلى إلى ما دونه، فنفى الملك، والشركة، والمظاهرة، والشفاعة التي يظنها المشرك، وأثبت شفاعة لا نصيب

(1)

تيسير العزيز الحميد (ص 251).

ص: 75

فيها لمشرك، وهي الشفاعة بإذنه»

(1)

.

فتبين بكل هذا أن المدعوين من دونه لا يملكون شيئًا من هذه الأسباب، وأن الشفاعة من الصالحين منهم لا تكون إلا بإذن الله لهم فيها، فالله هو المالك الحقيقي للشفاعة، كما قال:{قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [الزمر: 44].

ولذا نص العلماء المحققون على أن طلب الشفاعة من النبِي صلى الله عليه وسلم بعد موته وغيره من الأموات شرك أكبر.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «والمشركون من هؤلاء قد يقولون: إنا نسشتفع بهم، أي: نطلب من الملائكة والأنبياء أن يشفعوا، فإذا أتينا قبر أحدٍ طلبنا منه أن يشفع لنا

، ويقولون: إذا طلبنا منه الاستغفار بعد موته كنا بِمنزلة الذين طلبوا الاستغفار من الصحابة.

ويخالفون بذلك إجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسانٍ وسائر المسلمين؛ فإن أحدًا لم يطلب من النبِي صلى الله عليه وسلم بعد موته أن يشفع له ولا سأله شيئًا، ولا ذكر ذلك أحدٌ من أئمة المسلمين في كتبهم ....

فهذه الأنواع من خطاب الملائكة والأنبياء والصالحين بعد موتهم عند قبورهم، وفي مغيبهم، وخطاب تماثيلهم، هو من أعظم أنواع الشرك الموجود في المشركين من غير أهل الكتاب»

(2)

.

(1)

مدارج السالكين (1/ 343)، وانظر: الصواعق المرسلة (2/ 461).

(2)

قاعدة جليلة (ص 24 - 25)، وانظر الكتاب نفسه (ص 17، 21، 251)، وكتاب الاستغاثة (1/ 110، 260)، (2/ 716).

ص: 76

ويقول الإمام ابن القيم في سياق ذكر أنواع الشرك: «ومن أنواعه: طلب الحوائج من الموتى والاستغاثة بهم، والتوجه إليهم، وهذا أصل شرك العالم؛ فإن الميت قد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا، فضلًا عمن استغاث به وسأله قضاء حاجته، أو سأله أن يشفع له إلى الله فيها»

(1)

.

وبهذا يظهر أن الاستشفاع بالنبِي صلى الله عليه وسلم بعد موته من الشرك؛ لدخوله في عموم دعاء مَنْ لا يقدر، ومَن لا يستطيع الاستجابة لداعيه، وهذا هو حقيقة الشرك الأكبر الذي انصرف به المشركون عن عبادة الله إلى عبادة غيره، وبه يتبين بطلان دعوى المالكي في التفريق بين سؤاله الشفاعة بعد موته، وسؤاله المغفرة، وتشنيعه على علماء هذه البلاد في ذلك.

2 -

يقول المالكي في (ص 17): «الدرس الثامن: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنزل الله عليه القرآن الكريم يدعو إلى عبادة الله وحده وترك عبادة غيره، ولم يقل المقرر: (وترك عبادة الأصنام)، وهذا من الدس التكفيري الذي سيفسر في مراحل لاحقة بأن غيرنا من المسلمين يعبدون القبور والأولياء والصالحين، وأن المقلدين من أتباع المذاهب الأربعة يعبدون علماءهم ويتخذونهم أربابًا، وأن الفقه هو عين الشرك، وغير ذلك» .

وجوابه:

أما قوله: «لم يقل المقرر: وترك عبادة الأصنام، وهذا من الدس التكفيري» .

فهذا من جهله بِحقيقة الشرك، وظنه أن الشرك محصور في عبادة الأصنام،

(1)

مدارج السالكين (1/ 346).

ص: 77

ولذا انتقد عبارة: «وترك عبادة غيره» ، والقرآن والسنة جاءا بالنهي عن عبادة غير الله كما أخبر الله عن رسله أنهم دعوا أقوامهم إلى هذه الكلمة:{يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} .

وقد أخبر الله عن نوح أنه قال هذه الجملة لقومه، وقالها أيضًا هود، وصالح، وشعيب، كما وردت بذلك الآيات من سور الأعراف وهود والمؤمنون

(1)

.

وفي خطاب موسى لقومه: {قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا} [الأعراف: 140].

وقد أمر الله نبينا صلى الله عليه وسلم أن يقول في محاجته لقومه: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأنعام: 14].

{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 164].

والآيات في هذا كثيرة.

ومن السنة: ما أخرجه مسلم في صحيحه فيما يرويه النبِي صلى الله عليه وسلم عن ربه أن الله

تبارك وتعالى قال: «أنا أغنَى الشركاء عن الشرك، مَنْ عمل عملًا أشرك فيه معِي غيري تركته وشركه»

(2)

.

فقد جاءت هذه النصوص بالتحذير من عبادة غير الله واستعمال لفظ: (غير الله) دون لفظ: (الأصنام)؛ لأنه بالنهي عن عبادة (غير الله) يعم اللفظ كل مَنْ عُبِدَ من دون الله من الأصنام وغيرها من الملائكة والجن وصالحي البشر.

(1)

وردت في تسعة مواضع في القرآن في: الأعراف آية 59، و 65، و 73، و 85، وهود آية 50، و 61، و 84، والمؤمنون آية 23، و 32.

(2)

أخرجه مسلم (4/ 2289)، (ح 2985).

ص: 78

وأما على فهم المالكي؛ فالشرك إنما يكون في عبادة الأصنام فقط.

وأما دعوى المالكي: تضمن المناهج اتهام أتباع الأئمة الأربعة بعبادة علمائهم، واتخاذهم أربابًا من دون الله: فهذا محض كذب وافتراء؛ فإنه من المعلوم لكل المدرسين والدارسين وسائر أفراد المجتمع في هذه البلاد المباركة أن الأئمة الأربعة لا يُذكَرُون في مقررات التوحيد وغيرها من المقررات إلا بالثناء الجميل اللائق بمقامهم في العلم والفضل، وكذلك أتباعهم وتلاميذهم الذين هم على طريقهم، هم محل احترامٍ وتقديرٍ لدى القائمين على التعليم في هذه البلاد.

وما زال العلماء والمربون يقررون في كتبهم المطبوعة وفي الأشرطة المسجلة مما لا يكاد يحصى أن المذاهب الأربعة هي مذاهب أهل السنة، وأن مَنْ قلد عالمًا من هؤلاء الأئمة وغيرهم من العلماء أنه لا يُذَم بذلك إن لم يكن قادرًا على النظر والاستنباط من النصوص الشرعية؛ بل هذا فرضه، كما قال الله تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43، والأنبياء: 7].

حتى أصبح هذا الأمر متقررًا لدى كل مَنْ له اطلاع على المقررات الدراسية، وكلام العلماء في هذا البلاد.

وأما الفقه؛ فإنه يحظى بعنايةٍ كبيرةٍ في المقررات، وقد أفردت لتدريسه مادة مستقلة في كل المراحل الدراسية، فكيف يدعي هذا الأفاك أن مقررات التوحيد تقرر:(أن الفقه عين الشرك)؟!! وكيف يسيغ في عقلٍ أن مؤسسة تعليمية تدرس مادة في كل مرحلة من مراحل التعليم فيها ثم تقرر لهؤلاء الدارسين في موطن آخر من المقررات أن ما درستموه في هذه المادة هو عين الشرك؟!!

ص: 79

ولبيان أهمية المادة في المناهج الدراسية في هذه البلاد جاء في مقدمة مقرر الفقه للصف السادس الابتدائي (الفصل الأول): «فقد قال -عليه الصلاة السلام-: «مَنْ يردِ الله به خيرًا يفقهه في الدين»

(1)

.

وانطلاقًا من ذلك قررت وزارة المعارف تدريس الفقه في جميع المراحل الدراسية منذُ إنشائها؛ شعورًا بالواجب وإدراكًا لعظم الحاجة إلى معرفة الأحكام الشرعية، وذلك لأن فهم هذا الدين مرتبط بمعرفة أحكامه وتصورها، كما أن الحاجة ماسة إليها لكي يعبد المسلم ربه على بصيرةٍ».

* * *

(1)

أخرجه البخاري، الصحيح مع الفتح (1/ 164)، (ح 71)، ومسلم (2/ 719)، (ح 1037).

ص: 80

‌نقده لمقرر الصف الثاني الابتدائي والرد عليه:

1 -

يقول في (ص 18): «في الفصل الثاني (ص 33)، تحت عنوان:(معرفة الدين)، جاء تعريف المقرر للإسلام بأنه:(الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله).

قلت: [والكلام للمالكي] وهذا من الناحية النظرية لا شيء فيه، ولكن التربويين لا يعرفون أن هذا من التقعيد لتكفير المسلمين؛ لأن الشرك هنا ليس المراد به الشرك الأصلي (شرك الكفار)، وإنما المقصود به شرك المسلمين، (وأهل الشرك) هنا المراد بهم المسلمون، والدليل على ذلك أن هذه العبارة في تعريف الإسلام مأخوذة من كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب وعلماء الدعوة، والشيخ محمد وعلماء الدعوة لا يقصدون بالشرك والمشركين في جميع كتبهم ومؤلفاتهم إلا المخالفين لهم من المسلمين، وهذا مما يجهله التربويون ويخفيه العقائديون تهيئة منهم للطالب لأن يصبح مكفرًا للمسلمين».

وجوابه من عدة أوجه:

الوجه الأول: أنه أقر أن تعريف الإسلام بما نقل من الناحية النظرية لا شيء فيه، فكيف عرف أن المقصود هو الحكم على المسلمين بالشرك، أليس هو من الرجم بالغيب وسوء الظن بالمسلمين، مع أنه في مقدمة كتابه يطالب بحسن الظن به في نقده لمقررات التوحيد فيقول: «يجب على الجميع ترك سوء الظن بِمَنْ نقد مقررات التوحيد وغيرها

».

فسبحان الله! ما أعظم جرأة هذا الرجل! فهو مع طعنه في عقيدة أهل السنة

ص: 81

وطعنه في أهلها ودعوته للشرك والبدع وتمجيده لأهل الزيغ والضلال يطالب بحسن الظن فيه.

وأما في معاملته لغيره، فيعطي لنفسه الحق في أن يحمل الكلام البين الواضح على ما شاء من المحامل السيئة، ثم يطعن به على أهل بلدٍ كاملٍ.

وصنيعه هذا مما يدل على إفلاسه وخيبته؛ فإنه لَما لم يَجد ما يطعن به على مقررات التوحيد لجأ إلى تأويل الكلام الحق إلى معانٍ باطلة، ثم يطعن بها على أهل الحق، وهذا شأن كل أهل البدع الطاعنين على أهل السنة، إذا ما عجزوا عن نقد أقوالهم الحقة سلكوا هذا المسلك الباطل للتلبيس على ضعاف البصائر في ذلك.

الوجه الثاني: قوله: «إن هذا من التقعيد لتكفير المسلمين

».

هذه دعوى مجردة من الدليل؛ فأين التقعيد لتكفير المسلمين في العبارة السابقة؟!

بل دعواه هذه مناقضة لقوله سابقًا: «وهذا من الناحية النظرية لا شيء فيه» .

والموطن الذي انتقده من المقرر وهو تعريف الدين بأنه: (الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك)، حق قد دلت النصوص عليه لفظًا ومعنًى.

فقد دل على الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة الكثيرُ من النصوص؛ كقوله تعالى: {فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} ، [الحج: 34].

وقوله تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} [الزمر: 54].

وقوله تعالى مُخبِرًا عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة: 131].

ص: 82

قال ابن كثير في تفسيرها: «أَمَرَهُ بالإخلاص له، والاستسلام والانقياد؛ فأجاب إلى ذلك شرعًا وقدرًا»

(1)

.

وأما البراءة من الشرك؛ فقد دل عليها قوله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} . [الأنعام: 19].

قال الطبري في معنَى الآية: «قل: وإنني بريء من كل شريكٍ تدعونه لله وتضيفونه إلى شركته وتعبدونه معه، ولا أعبد سوى الله شيئًا، ولا أدعو غيره إلهًا»

(2)

.

والآيات في هذا المعنَى كثيرةٌ جدًّا، وإنما ذكرت هنا ما تبطل به دعوى هذا المبطل فحسب.

الوجه الثالث: أن دعواه أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وعلماء الدعوة لا يقصدون بالشرك والمشركين في جميع كتبهم ومؤلفاتهم إلا المخالفين لهم من المسلمين، هذا من أعظم الكذب والبغي الذي يعلمه من له أدنَى اطلاع على كتب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وعلماء الدعوة بعده، وهذه فرية قديمة ألصقها الأعداء بدعوة الشيخ للتنفير منها، وصد الناس عنها.

وقد أجاب الشيخ نفسه، ثم تلاميذه من بعده عن هذه الفرية بما أبطل الله به كيد الكائدين الصادين عن دين الله.

يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في إحدى الرسائل الشخصية: «وأما

(1)

تفسير ابن كثير (1/ 446).

(2)

تفسير الطبري (5/ 163).

ص: 83

ما ذكره الأعداء عني أني أكفر بالظن وبالموالاة، أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة، فهذا بهتان عظيم يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله»

(1)

.

ويقول رحمه الله: «وكذلك تمويهه [يعني: المردود عليه] على الطغام بأن ابن عبدالوهاب يقول: الذي ما يدخل تحت طاعتِي كافر، ونقول: سُبحَانَكَ هَذَا بُهتَانٌ عَظِيمٌ، بل نُشهد الله على ما يعلمه من قلوبنا بأن مَنْ عمل بالتوحيد وتبرأ من الشرك وأهله فهو مسلم في أي زمانٍ وأي مكانٍ، وإنما نكفر مَنْ أشرك بالله في إلهيته بعدما نبين له الحجة على بطلان الشرك، وكذلك نكفر مَنْ حسنه للناس»

(2)

.

ويقول أيضًا في بعض رسائله: «وأجلبوا علينا بخيل الشيطان ورجله، منها: إشاعة البهتان بما يستحي العاقل أن يحكيه فضلًا أن يفتريه، ومنها ما ذكرتم أني أكفر جميع الناس إلا مَنْ اتبعني، وأزعم أن أنكحتهم غير صحيحة، ويا عجبًا كيف يدخل هذا في عقل عاقلٍ، هل يقول هذا مسلم أو كافر، أو عارف أو مجنون؟!!!»

(3)

.

ويقول الشيخ عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمهما الله-: «وأما مَنْ يكذب علينا سترًا للحق وتلبيسًا على الخلق

وأنا نكفر الناس على الإطلاق أهل زماننا ومن بعد الستمائة إلا مَنْ هو على ما نحن عليه، ومن فروع ذلك: أنا لا نقبل بيعة أحد إلا بعد التقرير بأنه كان مشركًا، وأن أبويه ماتا على الإشراك بالله

، وجوابنا في كل مسألةٍ من ذلك: سُبحَانَكَ هَذَا بُهتَانٌ عَظِيمٌ، فمَن روى عنا شيئًا من ذلك أو نسبه إلينا، فقد كذب علينا وافترى، ومَن شاهد حالنا وحضر مجالسنا

(1)

مجموع مؤلفات الشيخ (3/ 14).

(2)

المرجع نفسه (3/ 34).

(3)

المرجع نفسه (3/ 21 - 22).

ص: 84

وتحقق ما عندنا علم قطعًا أن جميع ذلك وضعه وافتراه علينا أعداء الدين وإخوان الشياطين؛ تنفيرًا للناس عن الإذعان بإخلاص التوحيد لله تعالى بالعبادة»

(1)

.

وكلام الشيخ وأبنائه وأئمة الدعوة كثير جدًّا في دفع هذه الفرية.

وقد أظهر الله الحق ونصر الله جنده وأولياءه حتى عمت دعوة الشيخ -القائمة على الكتاب والسنة- كافة الأقطار الإسلامية، وانتفع الناس بها انتفاعًا عظيمًا في رجوعهم إلى دين الله الحق وعقيدة السلف الصالح، وما بقي مَنْ يجهل في هذا الزمان من المشتغلين بالعلم أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب مجدد للدين والعقيدة الصحيحة في هذه العصور المتأخرة، وأنه من كبار العلماء المجاهدين، والعلماء الربانيين، الذين ما عرفت الأمة منذُ قيامه بدعوته إلى اليوم أعظم نفعًا وبركةً على الأمة منه.

وما كان يخطر ببالٍ أن يأتي من أبناء هذه البلاد التي نفعها الله بدعوة الشيخ هذا النفع العظيم، مَنْ يردد دعوات المغرضين الصادين عن الدعوة، ويشكك في صدق دعوة الشيخ بعد أن أظهرها الله، وقمع أعداءها حتى جاء هذا المخذول المفتون بما جاء به من الطعن في الشيخ ودعوته، وفي علماء هذه البلاد ومناهج التوحيد، وإن في حاله لعبرة للمعتبرين، وبيان مدى ضعف العبد إن لم يَمُنَّ الله عليه بالهداية والثبات.

فاللهم مقلب القلوب مُنَّ علينا بالهداية والثبات على دينك، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عينٍ فنضل مع الضالين.

* * *

(1)

الدرر السنية (1/ 229 - 230).

ص: 85

‌نقده لمقرر الصف الثالث الابتدائي والرد عليه:

قال في (ص 18): «الفصل الثاني (ص 27) تحت درس: (توحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات): 1 - جاء تعريف توحيد الألوهية بأنه: (توحيد الله في أفعال العباد كالدعاء والخوف والتوكل والرجاء والصلاة والزكاة)، وهذه المراد منها كما ستأتِي مفسرة في كتب الدعوة السلفية من أن المسلمين من مخالفي الدعوة السلفية ليسوا موحدين، بل هم كفار مشركون شرك

(1)

أكبر ينقل عن الملة؛ لأنهم يدعون الأولياء ويخافونهم ويتوكلون عليهم ويرجونهم ويتوسلون بهم

إلخ.

وهذا أيضًا مما يجهله التربويون، ويعرفه الغلاة ويظنونه دينا، وإلا لو كان المراد دعاء الأصنام وعبادة غير الله لما كان هذا الاختلاف الكبير بين الوهابية ومخالفيهم من المسلمين».

وجوابه:

أنه قد تكرر منه هذا الأسلوب كثيرًا -على ما مضى- في أنه يورد عبارةً أو مقطعًا من مقررات التوحيد ثم يدعي أن المراد منه كذا وكذا، ثم ينتقد المراد بزعمه.

وهذا ليس أسلوبًا علميًّا في النقد، ولا أعلم أن أحدًا سبقه إلى هذا؛ وذلك أنه ينبغي للناقد أن يحدد موطن النقد من كلام مخالفه ثم يبين وجه الخطأ فيه، أما أن يورد كلامًا وينتقد مفهومه بزعمه من غير إحالةٍ ولا توثيق لهذا المفهوم المزعوم، فهذا مما لم يعرف في أساليب النقد العلمي، ولا يصدر إلا من جاهل بهذا الباب، أو ملبس ماكر يريد مخادعة العامة بكلامه.

(1)

هكذا وردت في كلامه، والصواب:(شركًا).

ص: 86

وأما زعمه أن مفهوم التوحيد يأتي مفسرًا في كتب الدعوة السلفية أن مخالفي الدعوة السلفية ليسوا موحدين، بل كفار مشركون شركًا أكبر ينقل من الملة؛ لأنهم يدعون الأولياء ويخافونهم ويتوكلون عليهم

إلخ.

فهو مطالب بتوثيق هذا الكلام من كتب الدعوة السلفية، وهذا الكلام الذي ينسبه لكتب الدعوة السلفية متضمن لحق وباطلٍ.

فأما دعواه أن السلفيين يرون أن مخالفي الدعوة السلفية ليسوا موحدين، وأنهم مشركون الشرك الأكبر؛ فهذا باطل بهذا العموم، فليس كل مَنْ خالف الدعوة السلفية مشركًا، بل المخالفات تتنوع، فقد تكون المخالفة من جنس أخطاء المجتهدين في فهم النص ولم تصل إلى حد البدعة، فيبين خطأ هذا المجتهد نصحًا للأمة، ولا يؤثم هو في اجتهاده، ولا يحكم عليه ببدعة أو فسق.

وقد يكون الخطأ من قبيل أخطاء المبتدعة الذين انحرفوا عن السنة ووقعوا في البدع التي حذر منها السلف والأئمة، فمثل هؤلاء يبدعون وفق ضوابط معروفة عند أهل السنة، ولا يحكم عليهم بكفر أو شرك ما لم يقع منهم ما يوجب الكفر أو الشرك.

وقد يكون الخطأ منافيًا لأصل الدين بارتكاب شيء مكفر أو نوع من أنواع الشرك الأكبر، فهذا الذي يحكم على مرتكبه بالكفر والشرك عند أهل السنة، لكن بعد قيام الحجة عليه بذلك، والتحقق من توفر شروط التكفير وانتفاء موانعه في حقه.

فإن كان يقصد بالمخالفين للمنهج السلفي مَنْ كانت مخالفتهم دون الكفر

ص: 87

والشرك: فالسلفيون يبرءون إلى الله من تكفير هؤلاء، وهم من أشد الناس تحذيرًا من نسبة رجلٍ من المسلمين للكفر ما لم يستوجب ذلك شرعًا.

وإن كان يقصد بالمخالفين مَنْ ارتكسوا في الشرك الأكبر بدعاء غير الله أو صرف نوعٍ من أنواع العبادة للمخلوقين ممن يدعون فيهم الولاية وغيرهم من الصالحين على حد تعبيره: (يدعون الأولياء، ويخافونهم، ويتوكلون عليهم)، فهؤلاء لا شك في كفرهم بعد قيام الحجة عليهم كما دلت على ذلك النصوص الشرعية.

يقول الله تعالى في التحذير من دعاء غيره: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 13 - 14].

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله: «فتبين أن دعوة غير الله شرك»

(1)

.

وقال تعالى: {فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ} [الشعراء: 213].

وقال تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون: 117]. فأخبر الله أن مَنْ دعا غيره فقد اتخذه إلهًا.

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله: «فتبين بهذه الآية ونحوها أن دعوة غير الله كفر وشرك وضلال»

(2)

.

ويقول الله تعالى آمرًا بإخلاص الخوف له والتحذير من الشرك فيه: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175].

(1)

فتح المجيد (ص 176).

(2)

فتح المجيد (ص 165).

ص: 88

وقال تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر: 36].

وقال تعالى مخبرًا عن إبراهيم عليه السلام في مناظرته لقومه: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنعام: 81].

وقال تعالى في الأمر بإخلاص التوكل عليه: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23].

وقال تعالى مخبرًا عن موسى عليه السلام: {وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} [يونس: 84].

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله: «فجعل دليل صحة الإسلام التوكل»

(1)

.

ويقول تعالى في حكم الشرك في العبادة: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48، 116].

ويقول T مخبرًا عن عيسى عليه السلام: {وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72].

فهذا حكم الله فيمَن صرف نوعًا من أنواع العبادة لغير الله، فالله تعالى هو الذي حكم فيهم بالكفر والشرك، ومَن رد حكم الله وحكم رسوله؛ فإنه كافر خارج من الدين، فليحذر المالكي من خطورة هذا الأمر، وليتب إلى الله عز وجل قبل أن

(1)

المرجع نفسه (ص 341).

ص: 89

يأتي الأجل وهو على هذا الانحراف الخطير في الدين والإغراق في الضلال المبين.

قال المالكي في (ص 18): «ثم ذكر المقرر توحيد الأسماء والصفات، وقال في ذلك: ومن صفاته: الحياة، والرحمة، والعلم، والعلو، والقدرة، وهذه المراد منها إخراج الأشاعرة، والإباضية، والشيعة، وأتباع المذاهب الأربعة المعاصرين من دائرة الموحدين إلى دائرة المشركين، أو المبتدعين، أو الفرق الهالكة؛ لأن هؤلاء جميعًا يتأولون العلو مثلًا بأنه العلو المعنوي لا الحسي، بينما يرى الحنابلة وتبعهم الوهابية بأن العلو حسي، وأن مَنْ أنكره فليس موحدًا، وعلى هذا يمكن أن يكون مشركًا كافرًا

» إلخ.

وجوابه:

أن هذا الأسلوب في النقد على طريقته السابقة: يورد جملةً أو مقطعًا من مقررات التوحيد، ثم يفسره بما شاء، ثم ينتقد التفسير والفهم الذي ذهب إليه، بعد عجزه عن نقد النص المنقول، وهذا من أعجب الأمور، ولا يعرف أن أحدًا من السابقين أو المعاصرين لا من أهل السنة ولا من أهل البدع سبقه لهذا.

وأعجب من هذا كله: زعمه في هذا الموطن أن العبارة التي نقلها من المقرر وهي: «ومن صفاته: الحياة، والرحمة، والعلم، والعلو، والقدرة» ، تدل على تكفير الفرق التي ذكر.

فهل هذا الكلام يصدر من عاقلٍ يدري ما يقول؟!

وهل تفسيره للكلام بما ذكر يرجع إلى مدلول لغوي -ولو من وجهٍ بعيدٍ- أم أنه أشبه بهذيان المجانين ومسلوبِي العقول؟!

ص: 90

وأما كون بعض أهل البدع ينكرون الصفات، فلا يلزم من إثبات أهل السنة لها -كما دلت عليه النصوص- تكفير مَنْ أنكرها، بل المؤمن يعتقد إثبات ما أثبت الله لنفسه من الصفات، ولربما لم ينقدح في ذهنه مخالفة أهل البدع له في ذلك، بل كثير من صغار طلبة العلم وكذلك طلبة المدارس في المراحل الأولية لا يعرفون إنكار المخالفين للصفات، بل ما سمعوا بأشاعرة ولا إباضية فضلًا أن يعتقدوا كفرهم، ولهذا لم يخاطبوا في هذه المراحل إلا بإثبات الصفات لله عز وجل دون الإشارة لا من قريبٍ أو بعيدٍ لخلاف المخالفين في هذا الباب.

وأهل السنة وإن كانوا يخطئون منكري الصفات، بل يعتقدون أن إنكار شيء من صفات الله كفر؛ لأنه تكذيب لما أخبر الله عن نفسه، إلا أنهم لا يكفرون من وقع في شيء من ذلك متأولًا.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «ولا يلزم إذا كان القول كفرًا، أن يكفر كل مَنْ قاله مع الجهل والتأويل، فإن ثبوت الكفر في حق الشخص المعين كثبوت الوعيد في حقه، وذلك له شروط وموانع»

(1)

.

ومن هذا الباب لم يكفر أهل السنة كل مَنْ خالف في الصفات فأنكر ثبوت شيءٍ منها لله متأولًا.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «والتحقيق في هذا: أن القول قد يكون كفرًا، كمقالات الجهمية الذين قالوا: إن الله لا يتكلم ولا يرى في الآخرة. ولكن يخفى على بعض الناس أنه كفر، فيطلق القول بتكفير القائل، كما قال السلف: مَنْ قال: القرآن

(1)

منهاج السنة (5/ 240).

ص: 91

مخلوق؛ فهو كافر، ومَن قال: إن الله لا يرى في الآخرة؛ فهو كافر، ولا يكفر الشخص المعين حتى تقوم عليه الحجة»

(1)

.

وبهذا يعلم كذب المالكي في دعواه: تكفير الحنابلة للفرق المخالفة في الصفات، وجعله هذا من لوازم إثباتهم للصفات.

* * *

(1)

مجموع الفتاوى (7/ 619).

ص: 92

‌نقده لمقرر التوحيد للصف الرابع والرد عليه:

قال المالكي في (ص 19): «تحت الدرس الثالث، (ص 13): قَسَّمَ المقرر التوحيد إلى ثلاثة أقسام: (توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات)، وهذا التقسيم تقسيم مستحدث ليس عليه دليل، وجاء به بعض غلاة الحنابلة في القرن الثامن الهجري، ليتمكن من خلاله من التقعيد لتكفير بعض المسلمين بزعمه أنهم لم يكونوا موحدين

».

وجوابه:

إن إنكاره تقسيم التوحيد ودعواه أنه مستحدث وليس عليه دليل: قول باطل؛ فقد دل على هذا التقسيم كتاب الله عز وجل.

فدلت عليه سورة الفاتحة التي هي أول سورة في القرآن؛ حيث اشتملت على أنواع التوحيد الثلاثة:

فقوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الفاتحة: 2] دل على توحيد الألوهية.

وقوله تعالى: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} دل على توحيد الربوبية.

وقوله تعالى: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 3] دل على توحيد الأسماء والصفات

(1)

.

وكذلك دلت على أنواع التوحيد: سورة الناس التي هي آخر سورة في القرآن.

فقوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ} [الناس: 1 - 2]، دل

(1)

انظر: مدارج السالكين لابن القيم (1/ 24) وما بعدها، والدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد للشوكاني (ص 128 - 131).

ص: 93

على أنواع التوحيد الثلاثة.

وقوله تعالى: {إِلَهِ النَّاسِ} [الناس: 3]، دل على توحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات؛ فالإله هو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال، وهو المستحق للعبادة وحده

(1)

.

كما دلت على أنواع التوحيد الثلاثة آية واحدة في سورة مريم التي هي في أول النصف الثاني من القرآن وهي قوله تعالى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65].

فدل قوله تعالى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} ، على توحيد الربوبية.

وقوله تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ} ، على توحيد الألوهية.

وقوله تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} ، على توحيد الأسماء والصفات

(2)

.

والآيات من كتاب الله على تقرير أنواع التوحيد كثيرة يصعب حصرها.

فتبين بطلان دعوى المالكي بدعية هذا التقسيم.

فتقسيم التوحيد ثابت بالاستقراء لكتاب الله، وهو دال عليه أوضح دلالةً، وما دل الدليل عليه فكيف يكون بدعة؟!

وقد صرح جمع من العلماء بأن هذا التقسيم للتوحيد ثابت بالاستقراء لنصوص الكتاب والسنة:

قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: «وقد دل استقراء القرآن العظيم

(1)

انظر: بدائع الفوائد لابن القيم (2/ 210 - 212)، وتفسير السعدي (ص 1308).

(2)

انظر: تفسير السعدي (ص 671 - 672).

ص: 94

على أن التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام»

(1)

، ثم ذكر أقسامه على وجه التفصيل مستدلًّا لكل قسمٍ بجمعٍ من الأدلة.

وقال الشيخ بكر أبو زيد: «هذا التقسيم الاستقرائي لدى متقدمي علماء السلف أشار إليه ابن منده، وابن جرير، والطبري، وغيره، وقرره شيخا الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وقرره الزبيدي في تاج العروس، وشيخنا الشنقيطي في أضواء البيان في آخرين -رحم الله الجميع-»

(2)

.

وقال شيخنا الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد البدر في رده على المالكي في هذه المسألة: «وهذا التقسيم لأنواع التوحيد عُرف بالاستقراء من نصوص الكتاب والسنة، ويتضح ذلك بأول سورةٍ في القرآن وآخر سورةٍ، فإن كلًّا منهما مشتملة على أنواع التوحيد الثلاثة»

(3)

.

فهذه شهادة أهل العلم -أهل الاستنباط والنظر والفهم الثاقب لنصوص الكتاب والسنة-، قد صرحوا بعد الاستقراء لنصوص الكتاب والسنة بدلالة النصوص على هذا التقسيم.

وكون المالكي ينكر هذا التقسيم لظنه عدم دلالة النصوص عليه؛ لقصور فهمه، وبلادة عقله؛ فليس هو حجة على العلماء الذين عرفوا بالاستقراء الصحيح لنصوص الكتاب والسنة صحة هذا التقسيم.

(1)

أضواء البيان (3/ 373).

(2)

الردود للشيخ بكر أبو زيد (التحذير من مختصرات الصابوني في التفسير)(ص 331).

(3)

الانتصار لأهل السنة والحديث في رد أباطيل حسن المالكي (ص 181).

ص: 95

وغاية ما عليه المالكي في دعواه بدعية تقسيم التوحيد أنه يجهل الأدلة على تقسيم التوحيد، أما أن ينفي العلم بذلك عن غيره فلا شك أن هذا من طيشه وجرأته على القول على الله بغير علمٍ، والتقدم على العلماء، وهذا سمة كل جاهلٍ.

وأما أهل العلم فإن خفي على أحدهم شيء من العلم نفاه عن نفسه ولم يسارع إلى نفيه عن غيره، بل يسنده إلى عالمه، والمالكي في هذه المسألة جمع بين الجهل بها، وجهله علم غيره بِها، وهذا ما يسميه العلماء ب:(الجهل المركب)، الذي يكون حال صاحبه أنه لا يدري، ولا يدري أنه لا يدري.

وكذلك دعوى المالكي: (أن أول مَنْ أحدث هذا التقسيم للتوحيد الحنابلة في القرن الثامن الهجري)، دعوى كاذبة؛ كدعواه أن هذا التقسيم مبتدع، فقد جاء في كلام السلف المتقدمين الذين عاشوا في عصور كانت قبل القرن الثامن بكثيرٍ ما يشهد لصحة تقسيم التوحيد إلى الأقسام الثلاثة.

يقول الإمام الطحاوي المتوفى سنة (321 هـ): «نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله: إن الله واحد لا شريك له، ولا شيء مثله، ولا شيء يعجزه، ولا إله غيره»

(1)

.

ففي كلام الإمام الطحاوي هذا إشارة إلى أنواع التوحيد الثلاثة، وهو من أئمة الحنفية.

ففي قوله: «إن الله واحد لا شريك له» : هذا تقرير للتوحيد على وجه الإجمال، مع نفي المشاركة له فيما يختص به، ثم انتقل بعد ذلك للتفصيل في كل نوعٍ من أنواع التوحيد:

(1)

متن العقيدة الطحاوية مع شرحها لابن أبي العز الحنفي (ص 21، 57، 68، 72).

ص: 96

ففي قوله: «لا شيء مثله» : تقرير لتوحيد الأسماء والصفات، الذي مداره على نفي مماثلة المخلوق للخالق فيما يستحقه من الأسماء الحسنى والصفات العليا، كما قال تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].

وفي قوله: «ولا شيء يعجزه» : تقرير لتوحيد الربوبية؛ فإن نفي العجز عن الله متضمن إثبات كمال قدرة الخالق على كل شيء، وملكه وقهره له، وهذا هو حقيقة توحيد الربوبية، ولهذا كان من الأدلة المشهورة لإثبات القدرة للرب بطريق العقل (الاستدلال بالخلق)؛ لأن من لوازم كونه خالقًا أن يكون قادرًا.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في وصف هذا الدليل: «إذا عرف أنه الخالق فمن المعلوم بالضرورة أن الخالق لا يكون إلا قادرًا؛ بل كل فعلٍ يفعله فاعل لا يكون إلا بقوة وقدرة»

(1)

.

وفي قوله: «لا إله غيره» :

تقرير لتوحيد العبادة بنفي الألوهية بحقٍّ عن غير الله، وإثباتها له سبحانه، وهذا صريح توحيد العبادة لله.

وكذا جاء تقرير أنواع التوحيد الثلاثة بما هو أصرح من هذا عن الإمام ابن بطة العكبري المتوفى سنة: (387 هـ)، يقول رحمه الله في كتاب:«الإبانة» : «إن أصل الإيمان بالله تعالى الذي يجب على الخلق اعتقاده في إثبات الإيمان به ثلاثة أشياء:

أحدها: أن يعتقد العبد (ربانيته)

(2)

ليكون بذلك مباينًا لمذهب أهل التعطيل

(1)

مجموع الفتاوى (16/ 353).

(2)

في المطبوع: (آنيته)، وفي نقل عن النسخة الخطية في (القول السديد في الرد على مَنْ أنكر التوحيد)، لأخينا الدكتور عبد الرزاق البدر:(ربانيته)، وهو الصواب -إن شاء الله- الذي يقتضيه السياق.

ص: 97

الذين لا يثبتون صانعًا.

الثاني: أن يعتقد وحدانيته؛ ليكون مباينًا مذاهب أهل الشرك الذين أقروا بالصانع وأشركوا معه في العبادة غيره.

والثالث: أن يعتقد موصوفًا بالصفات، التي لا يجوز إلا أن يكون موصوفًا بها من العلم والقدرة والحكمة وسائر ما وصف به نفسه في كتابه؛ إذ قد علمنا أن كثيرًا مِمن يقر به ويوحده بالقول المطلق قد يلحد في صفاته فيكون إِلحاده في صفاته قادحًا في توحيده.

ولأنا نجد الله تعالى قد خاطب عباده بدعائهم إلى اعتقاد كل واحدةٍ من هذه الثلاث والإيمان بها

»

(1)

.

وهذا النص صريح في تقرير أنواع التوحيد الثلاثة بما يغني عن أي شرح أو تعليق.

وممن جاء في كلامه الإشارة لأقسام التوحيد -من المتقدمين-: الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده المتوفى سنة: (395 هـ)؛ حيث ضمن تراجم كتابه: «التوحيد ومعرفة أسماء الرب T وصفاته» ذكر أنواع التوحيد الثلاثة.

قال شيخنا الدكتور علي بن ناصر فقيهي في مقدمة تحقيقه للكتاب: «ومؤلف هذا الكتاب عاش في القرن الرابع الهجري (310 - 395 هـ)، وقد اشتمل كتابه على أقسام التوحيد التي ورد ذكرها في كتاب الله: توحيد الربوبية، توحيد الألوهية، توحيد الأسماء والصفات، فبدأ بقسم الوحدانية في الربوبية مستدلًّا به على توحيد الله في الألوهية.

(1)

الإبانة الكبرى لابن بطة (2/ 172، 173).

ص: 98

ثم ذكر عنوانًا لتوحيد الأسماء والصفات ومنه دخل في توحيد الألوهية؛ وذلك من الفصل الثاني والأربعين إلى الفصل الخمسين، ثم عاد لتكميل أسماء الله، ثم أتبعه بتوحيد الصفات حيث بحثه مستقلًّا عن أسماء الله عز وجل.

ثم عاد إلى توحيد الربوبية بالتصريح بذلك في آخر الكتاب، ولم يخرج في استدلاله على ذلك عن كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقوال السلف، كما يجد ذلك القارئ في الكتاب.

وهذا التقسيم الذي شمله هذا الكتاب رد على أبي حامد بن مرزوق الذي يقول في كتابه المُسَمى: (التوسل بالنبِي وجهالة الوهابيين): إن تقسيم التوحيد إلى توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، والقول بأن المشركين كانوا مؤمنين بالأول دون الثاني، ولم يدخلهم في الإسلام أن ذلك بدعة ابتدعها ابن تيمية، وقلده فيها محمد بن عبد الوهاب»

(1)

.

ففي هذه النقول وغيرها مما جاء في كتب السلف والأئمة المتقدمين ما يدحض دعوى المالكي أن أول مَنْ ابتدع تقسيم التوحيد هذا التقسيم هم غلاة الحنابلة في القرن الثامن، كما أشار شيخنا الدكتور علي بن ناصر فقيهي أن في كلام ابن منده ردًّا على أبي حامد بن مرزوق في دعواه أن تقسيم التوحيد إلى ربوبية، وألوهية، بدعة ابتدعها ابن تيمية، وقلده فيها محمد بن عبد الوهاب.

ولِيُعلَم أن هذه الدعوى الباطلة، وهي (دعوى تقسيم التوحيد)، ودعوى أن أول مَنْ ابتدع ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية قد ادعاها بعض دعاة الضلال، المنحرفين

(1)

مقدمة كتاب التوحيد لابن منده (1/ 27 - 28).

ص: 99

عن التوحيد، المائلين للشرك، وليس المالكي في هذا إلا مقلدًا لغيره مرددًا لأقوالهم.

ولأخينا الفاضل الدكتور: (عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر) كتاب نفيس في الرد على السقاف في هذه المسألة، قد أجاد فيه وأفاد في رد هذه الدعوى الباطلة، وقد سماه:«القول السديد في الرد على مَنْ أنكر تقسيم التوحيد» .

قال المالكي في (ص 20): «(ص 46) ذكر المقرر أن أول ما فرضه الله على بني آدم هو الكفر بالطاغوت، ثم ذكر صفة الكفر بالطاغوت، بأنه:(أن تعتقد بطلان عبادة غير الله، وتتركها، وتبغض أهلها وتبغضها وتكفر أهلها وتعاديهم)! لا يعرف التربويون أن المراد هنا: (أن تبغض المسلمين وتكفرهم)؛ لأن المقرر مأخوذ من الدعوة السلفية، إما مباشرة وإما بواسطة، والدعوة السلفية قائمة على اتهام بقية المسلمين بأنهم يعبدون الطاغوت، وهو كل ما عُبِدَ من دون الله من نبِي أو ولي أو صالحٍ أو صحابي

» إلخ.

وجوابه:

أن اعتراضه على ما جاء في المقرر من وجوب الكفر بالطاغوت وما يجب على المسلم اعتقاده من بطلان عبادة غير الله، هذا اعتراض على أصل دين الإسلام؛ بل على ما جاءت به الرسل قاطبة؛ إذ ما بعث الله نبيًّا إلا بالإيمان بالله والكفر بالطاغوت، كما قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].

وهذه الآية الكريمة تضمنت الأصل العظيم الذي بعث به كل رسول إلى قومه، وهو الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، وترك عباده ما سواه، وهذا معنَى (شهادة أن لا إله إلا الله).

ص: 100

قال الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: «ذكر الله -جلَّ وعلا- في هذه الآية الكريمة أنه بعث في كل أمة رسولًا بعبادة الله وحده واجتناب عبادة ما سواه، وهذا هو معنَى: (لا إله إلا الله)؛ لأنها مركبة من نفيٍ وإثباتٍ، فنفيها: هو خلع المعبودات غير الله تعالى في جميع أنواع العبادات، وإثباتها: هو إفراده -جلَّ وعلا- بجميع أنواع العبادات بإخلاص على الوجه الذي شرعه على ألسنة رسله -عليهم صلوات الله وسلامه-، وأوضح هذا المعنى كثيرًا في القرآن عن طريق العموم والخصوص»

(1)

.

ثم ساق الآيات في ذلك.

وفي معنَى هذه الآية أيضًا قوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة: 256].

فقد أخبر الله أن مَنْ كفر بالطاغوت وآمن بالله؛ فقد استمسك بالعروة الوثقى، والعروة الوثقى: هي الإيمان في قول مجاهدٍ.

وقال السدي: هو الإسلام.

وقال سعيد بن جبير والضحاك: لا إله إلا الله.

وعن أنس بن مالك: هي القرآن.

وعن سالم بن أبي الجعد قال: هو الحب في الله والبغض في الله.

قال ابن كثير: «وهذه الأقوال كلها صحيحة لا تنافي بينها»

(2)

.

(1)

أضواء البيان (3/ 244).

(2)

تفسير ابن كثير (1/ 684).

ص: 101

وإذا كان الكفر بالطاغوت مع الإيمان بالله بهذه المنزلة من الإسلام؛ بل هما حقيقة الإسلام، ولب دعوة الرسل، وعليهما مدارها، والمستمسك بهما مستمسك بالعروة الوثقى بنص كتاب الله، فما وجه إنكار المالكي واغتياظه مما جاء في المقرر من تقرير وجوب الكفر بالطاغوت، وهل يصدر هذا من مسلمٍ موحدٍ يعتقد وجوب الإيمان بالله والكفر بالطاغوت، -كما أمر الله بذلك-؛ فإن كان يقر بهذا فَلِمَ هذا التشنيع في أمر يعتقده هو نفسه ويدين لله به؟! وإن كان لا يقر بهذا، فهذه ردة صريحة عن الإسلام بلا نزاع بين العلماء.

وأما دعواه أن المراد بالكفر بالطاغوت في الكتاب المقرر هو: (أن تبغض المسلمين وتكفرهم وتعاديهم)، فهذا من أعجب ما يكون أن يفسر ما جاء في المقرر من (وجوب الكفر بالطاغوت) بتكفير المسلمين ومعاداتهم، وهل هذا هو فهمه لما جاء في كتاب الله من الأمر بالكفر بالطاغوت؟! فيعتقد هذا في نفسه، أم أنه لا يؤمن بهذا، فيرد ما جاء في كتاب أيضًا بدعوى أن فيه تكفير المسلمين.

ثم هذا الفهم الذي ادعاه وزعم أن التربويين -مع كونهم يباشرون تدريس هذه المناهج سنين طويلة- لم يفهموه، فإذا كان هذا يُعرَف من المناهج، ومع هذا هم يرددون هذا الكلام الذي فيه تكفير المسلمين ولم يعرفوه، فهذه أكبر تهمة لهم بالبلادة والسذاجة؛ إذ كيف لم يتفطنوا لهذا الأمر الخطير.

ثم هل الطلاب كالمدرسين لم يفهموا ذلك فلن يضرهم حينئذٍ؛ لأنهم في غفلةٍ عن تكفير المسلمين أم أنهم أفطن من مدرسيهم؟!

ص: 102

وأما حجته على ما ادعاه، فهي أعجب من دعواه الكاذبة، وقد بناها على مقدمتين:

المقدمة الأولى: أن المقرر مأخوذ من الدعوة السلفية، إما مباشرة وإما بواسطة.

والمقدمة الثانية: والدعوة السلفية قائمة على اتهام بقية المسلمين بأنهم يعبدون الطاغوت.

هذه حجة المالكي فيما ادعاه (من أن المراد بالكفر بالطاغوت: هو تكفير المسلمين)، وهذا هو النقد العلمي الذي يدعيه!

ولا أرى أن مثل هذا الكلام يحتاج إلى تكلف رد، وإنما يكفي إبرازه ليعلم حقيقة هذا الرجل، ومدى تجنيه على السنة وأهلها، وما هو عليه من انحرافٍ خطيرٍ عن الدين قَلَّ أن يوجد إلا في رؤوس الضلال، من الزنادقة والمنافقين.

* * *

ص: 103

‌نقده لمقرر التوحيد للصف الخامس (الفصل الأول)، والرد عليه:

قال في (ص 20): «جاء في الدرس الثالث (ص 12): (إن الله لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته: لا ملك مقرب ولا نبِي مرسَل)، وهذا الكلام من الناحية النظرية صحيح، لكن المراد بالكلام غير هذا الظاهر البريء.

فالمراد أن المسلمين يشركون بالله عز وجل عندما يتبركون أو يتوسلون بالصالحين أو يستشفعون بهم أو يبنون الأضرحة عند قبورهم

إلخ، فهذه عند علماء الدعوة عبادة لغير الله، ويلزم منها الشرك الأكبر المخرج من الملة، وعلى هذا لابد من البيان للطالب أن يتورع في تنزيل النظرية إلا على من عبد غير الله حقًّا، أما مَنْ أخطأ في دعاء غير الله أو التوسل به أو

فليس مشركًا ولا كافرًا، لكنه مرتكب لمحرم شرعًا، أو مكروهًا، بل بعض هذا مباح عند بعض العلماء قديمًا وحديثًا، فإن خطأناهم لا يجوز لنا تكفيرهم، ولا رميهم بالشرك فالشرك أمره عظيم.

فلهذا ينشأ الطالب فينا وهو يتلفت (أين المشركون الذين يعبدون غير الله؟)

فلما يقرأ في كتب الدعوة السلفية يظنه قد وجد ضالته في (تكفير المسلمين)، وأن خريطة العالم الإسلامي إنما هي (خريطة المشركين!)، أما بقية خريطة العالم فهي خريطة أهل الكتاب! وأهل الكتاب أقرب إلينا من المشركين! وهذا ما أكدته الجذور الفكرية لمناهج التعليم».

والجواب:

أن نقده هذا لم يخرج عن طريقته السابقة في إيراده نقلًا من (مقررات التوحيد)، ثم يزعم أن المراد به كذا وكذا، ثم يَبني نقده على هذا المراد المزعوم، وهذا

ص: 104

إنما يدل على عجزه عن النقد العلمي لمقررات التوحيد، وعلى سلامتها مما يلصقه بها من أخطاء وانحرافات، وهذا الأسلوب الذي يتبعه يدل على سذاجته، وإلا فكيف لعاقلٍ يعي ما يقول يخاطب الناس بمثل هذا الكلام ويظن أنه سيقبل منه؟

وأما دعواه أن بعض صور الشرك من دعاء غير الله، والاستشفاع بالأموات من المحرمات أو المكروهات أو المباحات: فهذا من فرط جهله بأصول الدين التي لا يجهلها أكثر المسلمين.

وقد تقدم الرد عليه في ذلك بذكر الأدلة على أن دعاء غير الله والاستشفاع بالأموات وطلب الحاجات منهم من الشرك الأكبر، فلا حاجة لإعادته هنا

(1)

.

وأهل السنة مع اعتقادهم أن صرف نوعٍ من أنواع العبادة للمخلوقين من الشرك الأكبر المخرج من الملة، إلا أنهم لا يكفرون كل مَنْ فعل ذلك مِنَ المعينين إذا كان جاهلًا أو متأولًا حتى تقوم عليه الحجة بذلك، وتنتفي الموانع في حقه

(2)

.

وهذا بِخلاف ما ظنه هذا الجاهل من أن كل ما قال فيه العلماء: (إنه كفر أو شرك) أن ذلك يستلزم تكفير مَنْ قام به مِنَ المعينين.

وأما دعواه أن مما أكدته المناهج (أن خريطة العالم الإسلامي إنما هي خريطة المشركين): فأين النقل الذي يدل على هذا من المناهج فليأت به إن كان صادقًا: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111، والنمل: 64].

وقد سبق الرد عليه في هذا الفرية بتوسع، وذكر نماذج كثيرة من واقع معاملة

(1)

انظر: (ص 72 - 77).

(2)

تقدم تقرير ذلك ونقل كلام العلماء فيه كما في (ص 71، 87، 88).

ص: 105

المسلمين في هذه البلاد من حكام وعلماء لإخوانهم في البلاد الأخرى، وما بينهم وبين إخوانهم من ود وتواصلٍ وتعاونٍ على الخير مما لا ينكره إلا مكابر، فليراجع في موضعه من البحث

(1)

.

قال (ص 21): «في المقرر (ص 14) عنوان: (لا تَجوز موالاة مَنْ حَاد الله ورسوله)، ولو كان أقرب قريبٍ.

يظن بعض السذج أن المراد بهؤلاء المحادين لله والرسول هم: (الكفار الأصليون)؛ بل المحاربون منهم خاصة، ولا يعرفون أن المراد به (خصوم الدعوة السلفية) من أتباع المذاهب الأربعة

».

وجوابه:

أن هذا أيضًا نقد على ما يدعيه من أنه المراد من السياق هو ما ذهب إليه، وهو مع هذا لا يورد أي دليل يدل على هذا الفهم، لا من اللفظ، أو السياق الذي أورده، ولا من موطن آخر يفسره من (المقرر) حتى تُسَلم له هذه الدعوى.

وهل يمكن لعاقلٍ أن يفهم من عبارة: (لا تَجوز موالاة مَنْ حاد الله ورسوله)، أن المراد بذلك خصوم الدعوة السلفية، وأن الكفار الأصليين لا يدخلون في عموم: من حَاد الله ورسوله.

ثم إذا كان المالكي يدعي أن مَنْ فهم مِنْ هذه العبارة (أن المراد بها الكفار، فهو ساذج)، فماذا يقول في معنَى قول الله تعالى:{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22].

(1)

انظر: (ص 39، 40).

ص: 106

هل يقول إن المقصود ب: (المحادين لله ورسوله) هم خصوم الدعوة السلفية من أتباع المذاهب الأربعة، فيكون في القرآن تكفير للمسلمين؟!

وليعلم القارئ أن مسلك المالكي في تفسير كلام العلماء بهذه الطريقة مسلك موروث قد ورثه عن أسلافه الباطنية الذين يجعلون للنصوص ظاهرًا وباطنًا، ويزعمون أن الظاهر هو الذي يفهمه السذج والبله من الخطاب، وأما الباطن فهو الذي يعرفه الأذكياء عن طريق رموز وإشارات خفية إلى حقائق معينة.

يقول أبو حامد الغزالي المتوفى سنة (505 هـ) في كتابه: «فضائح الباطنية» : «أما الباطنية فإنما لقبوا بها لدعواهم أن لظواهر القرآن والأخبار بواطن تجري في الظواهر مجرى اللب من القشر، وأنها بصورها توهم عند الجهال الأغبياء صورًا جلية، وهي عند العقلاء والأذكياء رموز وإشارات إلى حقائق معينة»

(1)

.

نقده لباقي مقررات التوحيد، ومنهجه الفاسد في ذلك:

نقد الكاتب لمقررات التوحيد الأخرى لم يخرج عن طريقته السابقة التي لم يسبقه إليها أحد من العقلاء مهما بلغ به الضلال، سوى ما عرف من مذهب الباطنية الفاسد.

وقد سود أوراقًا كثيرة يزعم فيها انتقاد مقررات التوحيد بإيراده نماذج من النقول من المقررات، ثم يفسرها بتفسيرات متكلفة باطلة بعيدة عن مدلولها الصحيح، ثم يبني نقده على هذا التفسير.

(1)

فضائح الباطنية (ص 11).

ص: 107

وإن من ضياع الوقت متابعة مثل هذا الهراء للرد عليه، وإنما أذكر نماذج من كلامه في نقد المقررات ليعلم حقيقة هذا النقد، وحال الناقد، وما هو عليه من كذبٍ وتلبيسٍ فيما يظهره من النقد والتصحيح لمقررات التوحيد.

فمما ذكره في‌

‌ نقده لمقرر التوحيد للصف الخامس (الفصل الثاني):

قوله (ص 22): «عقد المقرر (ص 26) موضوعًا بعنوان (الهجرة)، وعرفها بأنها: الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام» .

ثم قال: «ولا يعرف الإخوة التربويون أن المراد هنا ليس الهجرة من أوربا أو الصين إلى العالم الإسلامي، وإنما المراد الهجرة من العراق، والشام، ومصر، واليمن، والحجاز، والأحساء وغيرها» .

ويقول في (ص 23): «ذكر المقرر (ص 26) أن شرك الطاعة هو: (طاعة العلماء والعباد في معصية الله)، والعلماء عندهم علماء المذاهب الأربعة» .

ويقول (ص 24): «ذكر المقرر أن هناك خمسة أنواع من الكفر تخرج من الملة، وهي: كفر التكذيب، وكفر الإباء، وكفر الشك، وكفر الإعراض، وكفر النفاق، والمراد بكفر التكذيب في القرآن: تكذيب الأنبياء وجحد النبوة، لكنه عند علماء الدعوة يمتد إلى:(تكذيب الشيخ محمد بن عبد الوهاب وعلماء الدعوة).

كما أن كفر الإباء عندهم هو: (الامتناع عن الاستجابة لدعوتهم).

وكفر الشك عندهم هو: (الشك فيما يدعون إليه).

وكفر الإعراض هو: (الإعراض عما أتوا به).

وكفر النفاق هو: (اتباعهم ثم التنكر لما أتوا به)».

ص: 108

وقال (ص 24): «ثم ذكر المقرر (ص 36) أنواع النفاق الاعتقادي، وذكر أنها ستة أنواع

».

قال: «ولا يعرف التربويون أن هذه كلها يراد بها المسلمون وليس المنافقين» .

وفي نقده لمقرر الصف السادس الفصل الثاني:

يقول (ص 25): «الدرس الأول (ص 10): ذكر المقرر نواقض الإسلام العشرة

».

ثم قال: وأقول: وهذه كلها يظن الطالب المسكين والمبتدئ والتربوي الطيب أن المراد بها الكفار الأصليون، بينما لا يراد بها إلا تكفير المسلمين من أتباع المذاهب الأربعة والفرق الإسلامية».

وفي نقده لمقررات التوحيد في المرحلة المتوسطة:

يقول (ص 29): «ذكر المقرر (ص 14): أن الشفاعة لا تكون لِمَنْ أشرك بالله، وإنما تكون لأهل التوحيد الإخلاص» .

قال: «وهذا في حقيقة الأمر تحريم استفادة غير الوهابية من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وتحريم دخول الجنة عليهم» .

‌وفي نقد مقرر التوحيد للصف الأول الثانوي:

يقول (ص 33): «أورد المقرر (ص 82) فصلًا عن (الولاء والبراء)، وعليه عدة ملحوظات من أبرزها: أن المشركين الذين تكرر التحذير منهم في هذا الفصل يراد بهم المسلمون سوى الوهابية والحنابلة، وهذا من الدس الخفي الذي انطلى على وزارة المعارف والتربويين» .

ص: 109

يقول (ص 34): «ذكر المقرر (93) (الهجرة من بلاد الكفار)، والمقصود بالكفار هنا المسلمون للأسف» .

‌وفي نقده لمقرر الصف الثاني الثانوي (شرعي):

يقول (ص 35): «أعاد المقرر (ص 13) نواقض الإيمان، وهي نفسها نواقض شهادة أن لا إله إلا الله التي ذكرها من قبل في مقرر الصف الخامس، وأضاف ناقضين، وبقية النواقض العشرة بل كل النواقض المراد بها في الأصل (أعني: في أصل كتابات الدعوة السلفية) هي تكفير المسلمين» .

‌وفي نقده مقرر التوحيد للصف الثالث الثانوي:

يقول (ص 36): «عقد المقرر فصلًا (ص 17) بعنوان: (نقض شبهات المشركين التي يتعلقون بها في تبرير شركهم)، ومن خلال الكلام يتبين أن المراد بهؤلاء المشركين هم المسلمون.

وكذلك عقد المقرر فصلًا (ص 20) عن (الكفر وأنواعه)، ويريد به أيضًا تكفير المسلمين.

ثم عقد فصلًا (ص 23) عن (النفاق وأنواعه)، ويراد به اتهام المسلمين أيضًا بالنفاق الاعتقادي المخرج من الملة.

ثم ذكر المقرر في الفصل السادس (ص 26) عن الجاهلية، والمراد بها أيضًا تكفير المسلمين، وأنهم كانوا في جاهلية قبل الشيخ محمد بن عبد الوهاب».

إلى أن قال: «ثم عقد المقرر فصلًا (ص 27) بعنوان: (الفسق)، ويراد به المسلمون أيضًا، ثم فصلًا بعده (ص 30) بعنوان:(الضلال)، ويراد به المسلمون،

ص: 110

ثم فصلًا بعده (ص 31) عن (الردة)، والمراد بها ردة المسلمين».

بهذه الطريقة ينتقد هذا المتجني مقررات التوحيد، وليست هذه النماذج المذكورة إلا أمثلة لما سود به أوراقًا كثيرة فيما ادعاه أنه نقد علمي لمقررات التوحيد.

ولابد هنا من التنبيه على عدة أمور:

الأول: أن هذه الطريقة التي سلكها في نقد مقررات التوحيد من أكبر الأدلة على سلامتها مما ألصقه بها من مخالفاتٍ، وغلو، وتكفير للمسلمين؛ وذلك أنه مع كثرة تنقيبه واستعراضه لكل مقررات التوحيد وبحثه عن الأخطاء ما استطاع أن يورد مثالًا واحدًا صريحًا يدل على صحة دعواه، وإنما لجأ إلى هذه الطريقة في ذكره مواطن من مقررات التوحيد، ثم يدعي أن المراد بها كذا، مع اتهامه لكل الناس بالغفلة وعدم الفطنة للمدلول الذي ذهب إليه، فيا لله العجب من جرأة هذا الرجل وقلة حيائه!!

الأمر الثاني: أنه من الملاحظ على كل الأمثلة السابقة وغيرها مما جاء في كتابه من النقد بهذه الصورة: أنه لا يستند في تفسيره للنقول التي ينتقدها إلى أي دليلٍ سوى مجرد الدعوى، فما وجه تفسيره لكلمة (الكفر) عند ورودها في المقرر بأن المراد بها (تكفير المسلمين)؟ أو أن الذي يراد ب:(المشركين) هم (المسلمون؟) وكذا تفسيره للنفاق والضلال والفسق على أن المراد بها أهل الإسلام.

ولهذا فتفسيره هذا أشبه ما يكون بتفسير الباطنية لنصوص الشرع، الذين يفسرون الألفاظ الشرعية بما شاءوا من المعاني، من غير أن يستندوا لدليلٍ لغويٍ أو شرعي فيما ذهبوا إليه؛ حتى إن من تفسيراتهم وتأويلاتهم أن المراد (بالطهور) في

ص: 111

الشرع هو: التبري والتنظف من اعتقاد كل مذهبٍ سوى مبايعة الإمام.

(والصيام) هو: الإمساك عن كشف السر.

(والكعبة) هي: النبي.

(والباب): علي.

(والصفا) هو: النبِي.

(والمروة): علي.

(والتلبية): إجابة الداعي.

(والطواف بالبيت سبعًا) هو: الطواف بِمحمد إلى تمام الأئمة السبعة، إلى غير ذلك من تأويلاتهم الشاذة الباطلة على ما حكاه عنهم أبو حامد الغزالي في كتاب:«فضائح الباطنية»

(1)

.

وبهذا يعلم صلة هذا الرجل بمذهب الباطنية الباطل، كما هو ظاهر من هذا المسلك وفي مواطن أخرى من كلامه.

الأمر الثالث: أنه بطريقته هذه جمع بين الطعن في العلماء في هذه البلاد، والطعن في التربويين والمدرسين؛ وذلك باتهامه العلماء بدس الأفكار الباطلة والعقائد المنحرفة في مقررات التوحيد، واتهامه التربويين بالسذاجة والغفلة؛ حيث لم يتفطنوا لهذا الدس والمكر كما صرح بذلك أكثر من مرة.

فالناس عنده ما بين عالمٍ ماكرٍ، أو تربوي ساذجٍ، ولم ينج من هذه التهمة بزعمه إلا هو؛ حيث تنبه لمكر العلماء وترفع عن سذاجة التربويين.

(1)

انظر: فضائح الباطنية (ص 56).

ص: 112

وبحسب العاقل عبرة وموعظة النظر في حال هذا الرجل وما انتهى إليه من سفه في الرأي، وضعفٍ في النقل، ومَن عوفِي فليحمد الله.

الأمر الرابع: مخالفة الكاتب لما دعا إليه في مقدمة كتابه في قوله: (ص 20): «يجب على الجميع ترك سوء الظن بِمَنْ نقد مقررات التوحيد» ، فليتأمل المنصف بُعدَ ما جاء في وصيته لغيره وعما يعامل به الناس في نفسه.

فهو مع تحريفه للكلام البين الواضح بما لا تدل عليه لغة ولا شرع ولا عقل يطالب بحسن الظن به.

وأما العلماء -بل كل أئمة أهل السنة قديمًا وحديثًا- فيسهل عليه أن يلصق بهم كل تهمةٍ باطلةٍ، وإن لم يأت من كلامهم ما يوجب ذلك، إلا تمحلات كاذبة يعترف بشذوذه في فهمها دون سائر التربويين المتخصصين في سائر فنون العلوم، فهذا منتهى العُجب والغرور بالنفس وغاية ما يُتَصَور في سوء الظن بالناس.

‌طعن الكاتب في العلماء المعاصرين ورميه لهم بالغلو:

قال الكاتب (ص 41) تحت عنوان: (الجذور الفكرية للمناهج التعليمية): «الجذر الأول: العلماء المعاصرون.

وهم مع فضلهم وعبادتهم وإخلاصهم وحرصهم على حماية النشء وحماية الأمة من الأخطار

إلخ، إلا أنهم مقلدون لعلماء الدعوة في التكفير، وبعيدون عن الناحية التربوية، وهم يراقبون كل تطور في المناهج ويحرصون على أن تكون تحت رضاهم

».

إلى أن قال: «وعلماؤنا في المملكة هم جزء من المجتمع، وهم عائق كبير من

ص: 113

عوائق تطوير المناهج، والغريب أننا ننسى أنه كانت لهم مواقف سلبية من التعليم بشكلٍ عامٍّ، فلماذا تم تجاوزها ولم يتم تجاوز تحفظاتهم في مسألة تطوير المناهج؟».

وجوابه:

أنه اعترف بفضلهم، وعبادتهم، وإخلاصهم، وقوله بعد ذلك:«يراقبون كل تطور في المناهج، ويحرصون على أن تكون تحت رضاهم» . هذا يتنافى مع ما وصفهم به من فضلٍ وإخلاصٍ؛ فالمخلص يطلب رضا الله لا حظوظ نفسه ورضاها، فهذا تناقض منه.

وإذا كان الناس في هذه البلاد، بل في سائر بلاد المسلمين مطبقين على فضل علماء هذه البلاد وهم محل ثقتهم، ولا يشكون في إخلاصهم وورعهم وزهدهم، وذلك من خلال ما عرفوه من سيرهم وسبر أحوالهم: تبين كذب دعواه فيما رماهم به من هذه التهمة الباطلة.

وأما‌

‌ دعواه أن علماء هذه البلاد مقلدون لعلماء الدعوة في التكفير، فتهمة مركبة من فريتين:

الأولى: رميه للعلماء المعاصرين بالتقليد، وهذا كذب عليهم؛ فهم في الحقيقة أئمة كبار متبعون للأدلة من الكتاب والسنة، بعيدون كل البعد عن الجمود والتقليد المذموم، وهذه كتبهم وفتاواهم مليئة بالتحقيقات العلمية المبنية على الأدلة، ومن ذلك براعتهم في استنباط كثيرٍ من الأحكام من الأدلة لبعض النوازل والمستجدات التي لم تكن معروفة في عصور ماضية.

على أن التقليد ليس كله مذمومًا؛ بل هو جائز بل مطلوب أحيانًا؛ لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43، والأنبياء: 7].

ص: 114

والتقليد يجوز في حق العامي العاجز عن الاجتهاد مطلقًا، وفي حق العالم فيما يعجز عن الاجتهاد فيه.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «والذي عليه جماهير الأمة: أن الاجتهاد جائز في الجملة، والتقليد جائز في الجملة، لا يوجبون الاجتهاد على كل أحدٍ ويحرمون التقليد، ولا يوجبون التقليد على كل أحدٍ ويحرمون الاجتهاد، وأن الاجتهاد جائز على القادر على الاجتهاد، والتقليد جائز للعاجز عن الاجتهاد، فأما القادر على الاجتهاد، فهل يجوز له التقليد؟

هذا فيه خلاف، والصحيح أنه يجوز حيث عجز عن الاجتهاد، إما لتكافؤ الأدلة، وإما لضيق الوقت عن الاجتهاد، وإما لعدم ظهور دليلٍ له؛ فإنه حيث عجز سقط عنه وجوب ما عجز عنه، وانتقل إلى بدله وهو التقليد، كما لو عجز عن الطهارة بالماء»

(1)

.

أما الفرية الثانية: فهي رميه لعلماء الدعوة بالتكفير، وهذا من أفضح الكذب وأشنعه، ومن قرأ كتبهم واطلع على أقوالهم وفتاواهم علم كذب الكاتب في هذا، لكن هذا الضال يرى أن ارتكاب أنواع الشرك الأكبر، وإنكار صفات الله عز وجل وغيرها من المكفرات لا يخرج الرجل من الدين، ويرى أن مَنْ حكم بكونها مكفرات ولو كان حكمًا مطلقًا لا يتنَزل على أحدٍ بعينه فقد كفر المسلمين وأخرجهم من الملة بالباطل.

وقد تقدم الرد عليه في طعنه في أئمة الدعوة بالتكفير بإيراد أقوالهم الداحضة

(1)

مجموع الفتاوى (20/ 205).

ص: 115

لهذه الفرية، بما يغني عن إعادته هنا

(1)

.

‌اتهامه للعلماء المعاصرين بالغلو في أحكام تخص التعليم:

قال (ص 42) تحت عنوان: (من نماذج الغلو: غلو العلماء المعاصرين في الأحكام ما يخص التعليم): «سأذكر النماذج دون الإشارة إلى أسماء قائليها؛ منعًا للإحراج؛ ولأن الهدف نقد الفكرة وليس نقد الأشخاص» .

ومما ذكره قوله: «وفي فتاواهم التحريم والنهي عن كل العلوم غير الشرعية كالرسوم، والأشغال، والرياضة، والألعاب، والحقوق، والطبيعة، والتصوير

».

وقال: «وحرموا لعب الكرة للطلاب وغيرهم، وأنها سرت إلى المسلمين من الغرب، فلم تكن على عهد الخلفاء الراشدين، ولا ملوك المسلمين» .

وقال: «وبالغوا في تحريم الدخان حتى أبلغوه لدرجة الخمر، وأنه مسكر كالخمر» .

إلى غير ذلك مما ذكره من نماذج من هذا القبيل.

وجوابه من عدة وجوه:

الوجه الأول: نسبته هذه الأقوال التي ذكرها للعلماء المعاصرين من حيث العموم كقوله: (بالغوا)، و (أفتوا)، و (حرموا)، لا شك أنه من أعظم التلبيس والكذب على العلماء؛ فهذه الأقوال إن صحت نسبتها لبعض مَنْ نقلها عنهم، فهي في الحقيقة لا تمثل إلا آراء قائليها، فكيف يلزم بها عامة العلماء.

(1)

انظر: (ص 13 - 18).

ص: 116

الوجه الثاني: أنه لا يخفى تكلف الكاتب في التنقيب عن أخطاء لعلماء هذه البلاد في ثنايا الكتب.

ولهذا لما لم يجد ما يطعن به على العلماء من كتبهم الحديثة على كثرتها لجأ إلى التنقيب في بطون الكتب القديمة عن فتاوى قديمة لبعض العلماء؛ ليشنع بها على سائر علماء هذه البلاد ويلزمهم بها على سبيل التعميم.

الوجه الثالث: ما ادعاه من الإفتاء بتحريم العلوم غير الشرعية؛ كالرسوم والأشغال والرياضة، ليس صحيحًا، والفتاوى التي أحال عليها ليست صريحةً في تحريم هذه العلوم، وإنما فيها التحذير من التوسع فيها على حساب العلوم الدينية.

جاء في فتوى الشيخ عبد الله بن حميد في سياق ذكره أسباب ضعف الطلاب في المواد الدينية: «وما ذاك إلا بسبب هذه الفنون المعوقة؛ كالرسوم والأشغال والرياضة البدنية والألعاب الأخرى مع وجود عوامل أخرى»

(1)

.

فظاهر من كلام الشيخ رحمه الله أنه لم يقطع بتحريم تعلم تلك الفنون، ولكن يشير إلى أن التوسع فيها مع أسبابٍ أخرى كانت من المعوقات عن طلب العلم، وهذا حق لا ينكره إلا مكابر.

وكذلك دعواه تحريم كرة القدم غير صحيحٍ، والموطن الذي أحال عليه من الدرر السنية (15/ 200 - 204) إنما تضمن النهي عن لعبة الكرة لما يصحبها من الأمور المنكرة كمزاولتها في أوقات الصلوات، أو ما يلحق لاعبيها من الأخطار على الأبدان، وكذلك تحيز بعض مشاهديها لبعض اللاعبين، وتجاوز ذلك إلى

(1)

الدرر السنية (16/ 15).

ص: 117

الاعتداء على الآخرين بالضرب وغيره بحسب ما جاء في فتوى لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله (15/ 201 - 205).

ومعلوم أن نهي العالم عن شيءٍ لا يقتضي القطع بتحريمه؛ بل قد يكون للتنزيه، أو للتوجيه لما هو أولى، مع أن لعب كرة القدم وغيرها من الألعاب الأخرى متَى ما صاحبها شيءٌ من المخالفات الشرعية فلا شك في تحريمها لما أفضت إليه من المحرمات.

وأما دعواه مبالغة العلماء في تحريم الدخان حتى أوصلوه إلى درجة الخمر؛ فغير صحيحٍ على هذا الإطلاق، والموطن الذي أحال عليه من الدرر السنية (15/ 59)، إنما جاء فيه ضمن فتوى لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:«فأقول: لا ريب في خبث الدخان، وإسكاره أحيانًا وتفتيره، وتحريمه بالنقل الصحيح والعقل الصريح، وكلام الأطباء المعتبرين» .

فالشيخ لم يقل بأنه مسكر، وإنما قال:«وإسكاره أحيانًا» . ولعل هذا محمولٌ على ما إذا صنع من مادةٍ مسكرةٍ؛ فإن بعض أنواعه تصنع من مواد مسكرةٍ كالحشيش وأشباهه.

وبهذا يظهر تجني هذا الرجل على العلماء وكذبه عليهم فيما نسبه إليهم من أقوال وفتاوى لم تصدر منهم.

الوجه الرابع: أن هذه الفتاوى لو ثبت اشتمالها على أخطاء علميةٍ بحق؛ فقد كانت في وقتٍ قديمٍ لم تتحرر لقائليها صور تلك المسائل على الوجه الصحيح؛ لكونها من المسائل الطارئة في ذلك الوقت، فليس من الإنصاف تعميم الحكم في تلك المسائل على عامة العلماء -كما تقدم التنبيه على ذلك-، بل ليس من الإنصاف في حق قائلها تجاهل

ص: 118

قوله الحديث في المسألة والتشنيع عليه بقولٍ قديمٍ قد يكون رجع عنه.

ومن هنا كان العلماء المحققون ينقلون مذهبَي الشافعي رحمه الله (القديم والجديد)، فيقولون:«قال في القديم، وقال في الجديد» ؛ تحريًا للدقة والإنصاف، خلافًا لهذا الكاتب الذي لم يقتصر على التشنيع على صاحب القول حتى عم بهذا سائر علماء هذه البلاد، فعليه من الله ما يستحق.

‌طعنه في شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، والرد عليه:

قال الكاتب (ص 44): «الجذر الثاني الذي كان له أثره السلبي على التعليم عندنا، وعلى المقررات التوحيدية بشكلٍ خاص، هي كتب وفتاوى واختيارات الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الذي وقع -مع أثره العظيم- في بعض الأخطاء التي تكررت في المقررات، واتخذها الغلاة حجة في تثبيت الغلو في المقررات، ولم يرضوا بتصحيح ذلك، واستعدوا الدولة على مَنْ أراد محاكمة تلك الآراء بالنصوص الشرعية.

ومن أبرز تلك الأخطاء: عدم شمولية المقرر، وجفاف لغته، وعدم مراعاته للتدرج، إضافة لخطأ رئيس، وهو التكفير الصريح لمسلمين متيقن إسلامهم، وهذا التكفير انتقل من كتب الشيخ للمقررات، وكان قد انتقل في كتب وآراء علماء الدعوة من عهده إلى اليوم؛ فهم متأثرون به مختارون لآرائه في الجملة

».

الرد عليه:

دعواه أن لكتب الشيخ رحمه الله أثرها السلبِي على المقررات، وعلى مقررات التوحيد بشكلٍ خاصٍ

إلخ كلامه.

ص: 119

هو في الحقيقة يعبر عن رأيه، وهذا غير مستغرب منه؛ فإن هذا الرجل مغرق في البدع والضلال، وقد قدمت في بداية هذا الكتاب بعض النقول من كتبه الدالة على ذلك، ومن ذلك طعنه في عقيدة أهل السنة، ونسبتها للتشبيه والتجسيم، وطعنه في أصحاب النبِي صلى الله عليه وسلم، وإخراجه طائفة كبيرة منهم من مفهوم الصحبة الشرعية -بحسب تعبيره-، وإنكاره عدالة الصحابة، وطعنه في سائر أئمة أهل السنة، وفي كتب العقائد، وتمجيده في مقابل هذا لأئمة أهل البدع والضلال؛ كالجهم، والجعد، وغيلان الدمشقي، وثناؤه البالغ على فرق الضلال؛ كالجهمية، والقدرية، والمعتزلة، والرافضة، والزيدية.

فهل ينتظر من مثل هذا الضال بما هو عليه من حقدٍ عظيمٍ وبغضٍ شديدٍ للسنة وأهلها أن يرضى عن كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب، أو مقررات التوحيد؟! بل إن طعنه فيها يعد مدحًا لها وتزكية.

على نحو قول الشاعر:

وإذا أتتك مذمتِي من ناقصٍ

فهي الشهادة لِيَ بأني كامل

وأما دعواه أن العلماء اسْتَعْدُوا الدولة على مَنْ أراد محاكمة تلك الآراء بالنصوص الشرعية:

فجوابه:

أنه ليس ما جاء في كتب الشيخ رحمه الله ومقررات التوحيد من تقرير التوحيد والدعوة إليه والتحذير من الشرك، هي آراء للشيخ، أو لغيره من العلماء، بل هي أصول شرعية ومبادئ إسلامية أطبقت عليها سائر الأنبياء، وعلى اعتقادها والعمل

ص: 120

بها افترق الناس إلى موحدين مسلمين، وإلى مشركين كافرين، ولو حُكمت النصوص فيها لجاءت شاهدةً عليها ناطقة بها؛ إذ لم تستمد هي إلا من النصوص.

وقوله: «استعداء الدولة» : إنما أراد به ما تقوم به هذه الدولة -زادها الله توفيقًا وتسديدًا- من حماية حمى العقيدة الصحيحة، والأخذ على أيدي الزنادقة والمنحرفين عن الجادة إلى البدع والضلالات، وهذا من مناقبها ومفاخرها، وما يقوم به العلماء من الرفع لولاة الأمر بذلك هذا من أعظم واجباتهم، ومن أجلِّ حسناتهم.

ولكن يأبى هذا الضال إلا التلبيس والتضليل شأنه في ذلك شأن مَنْ قال الله فيهم: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران: 71].

* * *

ص: 121

‌زعمه ذكر نماذج من كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب في تكفير المسلمين، والرد عليه:

قال الكاتب بعد كلامه السابق (ص 44): «وحتى لا يكون كلامي إنشائيًّا إليكم نماذج من كلام الشيخ محمد، تلك النماذج التي تؤكد لنا أنه رحمه الله قد وقع في التكفير

».

‌النموذج الأول والرد عليه:

قال (ص 44): «النموذج الأول: علماء نجد وقضاتها كانوا يعبدون الأصنام!! هذا لازم قول الشيخ محمد وإن لم يكن صريحه؛ فالشيخ محمد بن عبد الوهاب يكفر كل علماء نجد الذين عاصرهم وشيوخهم وشيوخ شيوخهم، ويرى أنهم لا يعرفون معنى:(لا إله إلا الله) ولا دين الإسلام ....

والدليل على ثبوت ذلك عن الشيخ في قوله كما في الدرر السنية (10/ 51): لقد طلبت العلم واعتقد من عرفني أن لي معرفة، وأنا في ذلك الوقت لا أعرف معنى (لا إله إلا الله)، ولا أعرف دين الإسلام! قبل هذا الخير الذي مَنَّ الله به، وكذلك مشايخي ما منهم رجل عرف ذلك، فمن زعم من علماء العارض أنه عرف معنى (لا إله إلا الله) أو عرف معنَى الإسلام قبل هذا الوقت! أو زعم من مشايخه أن أحدًا عرف ذلك فقد كذب وافترى، ولبس على الناس أو مدح نفسه بما ليس فيه».

ثم قال (ص 45): «أقول: لا ريب عندي وعند كل منصفٍ -إن شاء الله- أن هذا فيه تكفير صريح للصفوة من علماء، وقضاة أهل نجد، وشيوخهم، وشيوخ شيوخهم فكيف بالعوام؟

» إلى آخر كلامه.

ص: 122

وجوابه:

أنه أقر بأن ما نسبه إلى الشيخ محمد رحمه الله (من أن علماء نجد وقضاتها كانوا يعبدون الأصنام)، ليس هو صريح قول الشيخ، وإنما لازم قوله، والمقرر عند العلماء: أن لازم المذهب أو القول ليس بمذهب إلا إذا التزمه صاحب القول.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وأما قول السائل: هل لازم المذهب مذهب، أم ليس بمذهب؟

فالصواب: أن

(1)

مذهب الإنسان ليس بمذهب له إذا لم يلتزمه، فإنه إذا كان أنكره ونفاه كانت إضافته إليه كذبًا عليه»

(2)

.

وعلى هذا، يكون هذا الكاتب كاذبًا فيما نسبه إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب على ما قرره شيخ الإسلام هنا.

هذا مع أنه لا يسلم له أن ما ادعاه هو لازم قول الشيخ رحمه الله؛ وإنما غاية ما جاء في كلام الشيخ الذي نقله هو فشو الجهل في ذلك الزمان بمعنى: (لا إله إلا الله)، وحقيقة التوحيد؛ حتى إن المشايخ الذين ينتسبون للعلم ويقومون بالتدريس ما عرفوا ذلك.

وهذا لا يستلزم تكفيرهم والحكم بخروجهم من الدين؛ لجهلهم بحقيقة الدين، فضلًا أن يدعي أن لازم قول الشيخ هنا أنهم عبدة للأصنام؛ بل ظاهر من كلام

(1)

هكذا في المصدر، والذي يظهر من السياق أنه سقطت كلمة:(لازم)، فيكون الصواب: «أن لازم مذهب الإنسان

»، والله أعلم.

(2)

مجموع الفتاوى (20/ 217).

ص: 123

الشيخ عدم تكفيره لهم؛ لكونهم من أهل الجهل الذين لم يميزوا بين دين النبي صلى الله عليه وسلم ودين المشركين، ومن كانت هذا حاله لا يكفر حتى يعلم وتقوم عليه الحجة.

وهذا أمر مقرر عند الشيخ رحمه الله وغيره من العلماء.

يقول رحمه الله: «وأما ما ذكره الأعداء عني أني أكفر بالظن وبالموالاة أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة، فهذا بهتان عظيم يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله»

(1)

.

ويقول أيضًا: «وأما التكفير فأنا أكفر مَنْ عرف دين الرسول ثم بعدما عرفه سبه ونهى الناس عنه، وعادى مَنْ فعله، فهذا الذي أكفر، وأكثر الأمة -ولله الحمد- ليسوا كذلك»

(2)

.

وفي كلام الشيخ رحمه الله هنا وغيره مما هو في معناه مما جاء في كتبه دحض لهذه الفرية من أصلها، وبيان براءة الشيخ من تكفير مَنْ لا يستحق الكفر من المسلمين، بل براءته من تكفير مَنْ قام به قول أو فعل مكفر ولم تقم عليه الحجة بذلك، كما صرح به أنه:«لا يكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة» ، وإنما يكفر «مَنْ عرف دين الرسول ثم بعدما عرفه سبه ونهى عنه» .

‌النموذج الثاني والرد عليه:

قال الكاتب (ص 45): «النموذج الثاني: أحد الحنابلة المقلدين لابن تيمية كان مشركًا، ومن نماذج تكفير المقلدين في كلام الشيخ قوله في رسالته إلى الشيخ

(1)

مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب (3/ 4).

(2)

المصدر نفسه (3/ 88).

ص: 124

سليمان بن سحيم كما في الدرر السنية (10/ 31): (نذكر لك أنك أنت وأباك مصرحون بالكفر والشرك والنفاق

أنت وأبوك مجتهدان في عداوة هذا الدين ليلًا ونهارًا

أنك رجل معاند ضال على علمٍ مختار الكفر على الإسلام

وهذا كتابكم فيه كفركم!!).

وقال كما في الدرر السنية (10/ 78): (وابن فيروز هو أقربهم إلى الإسلام).

قلت: مع أن ابن فيروز هذا اعترف الشيخ بأنه (رجل من الحنابلة وينتحل كلام ابن تيمية وابن القيم)، فسبحان الله العظيم إذا كان هذا الرجل الحنبلي الذي يقلد ابن تيمية وابن القيم لم يدخل في الإسلام إلى الآن، بل صرح الشيخ في مكانٍ آخر أنه كافر كفرًا أكبر مخرجًا من الملة، إذا كان هذا هو حال الحنبلي المقلد لابن تيمية، وابن القيم؛ فكيف بالفقهاء من المالكية والشافعية والأحناف والظاهرية؟!!».

وجوابه:

أن الكاتب نقل حكم الشيخ رحمه الله في هؤلاء المذكورين وشنع عليه بِما قال فيهم، ولم يذكر للقارئ أقوال هؤلاء وما كانوا عليه، وهل استوجبوا ما قال الشيخ فيهم أم لا، بل بتر كلام الشيخ الذي نقل فيه بعض أقوالهم.

ومن ذلك: قول الشيخ في رسالته لابن سحيم: «الأول: أنكم تقرون أن الذي يأتيكم من عندنا هو الحق، وأنت تشهد به ليلًا ونهارًا، وإن جحدت هذا شهد عليك الرجال والنساء، ثم مع هذه الشهادة أن هذا دين الله، وأنت وأبوك مجتهدان في عداوة هذا الدين ليلًا ونهارًا ومَن أطاعكما ....

الثاني: أنك تقول: إني أعرف التوحيد، وتقر أن من جعل الصالحين وسائط فهو

ص: 125

كافر، والناس يشهدون عليك أنك تروح للمولد وتقرؤه عليهم، وتحضرهم وهم ينوحون ويندبون مشايخهم، ويطلبون منهم الغوث والمدد، وتأكل اللقم من الطعام المعد لذلك، فإذا كنت تعرف أن هذا كفر، فكيف تروح لهم وتعاونهم عليه وتحضر كفرهم؟!!»

(1)

.

وذكر الشيخ رحمه الله من أفعال ابن سحيم هذا أن ابن سحيم يكتب للناس الطلاسم والحجب ويأخذ عليها المال.

ومنها: أن ابن سحيم كان يقول: نعلم أن ما عليه الناس كان شركًا، ولكن ما سألونا، ولا ينكر عليهم.

ومنها: أن ابن سحيم كتب ورقة يكفر فيها الطواغيت (شمسان) وأمثاله، واستدل لذلك من الكتاب والسنة، وقال ضمنها:«ما ينكر ذلك إلا أعمى القلب» ، وقرأت في أماكن كثيرة، ثم ادعى بعد ذلك أن هؤلاء ليسوا بكفار

(2)

.

وهذا الكلام كله مذكور في الرسالة التي نقل منها المالكي كلام الشيخ السابق، فترك هذا كله؛ لأنه يعلم أنه لو اطلع عليه الناس لعلموا أن حكم الشيخ فيهم حق، وأن مَنْ ذكر كانوا يعرفون التوحيد ويصرحون بأنه الدين الحق، بل لهم رسائل في ذلك، ثم بعد ذلك يجحدون هذا، ويقرون المشركين على شركهم، بل يكتب ابن سحيم المذكور الطلاسم الشركية ويأخذ عليها الأموال، كما كفر بعض الطواغيت ثم ادعى إسلامهم.

(1)

مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب (3/ 125).

(2)

انظر: مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب (3/ 126 - 127).

ص: 126

كما ذكر الشيخ محمد رحمه الله في رسالةٍ أخرى تقرير ابن سحيم لكثيرٍ من مسائل التوحيد والشرك، وموافقته للحق في ذلك، ثم يرجع عن ذلك وينكر على الشيخ ما كان يقرره هو

(1)

.

‌النموذج الثالث، والرد عليه:

قال المالكي (46): «(الجذر) -والصواب (النموذج) - الثالث:

المسلمون ينكرون البعث، يزعم الشيخ رحمه الله وسامحه- أن أكثر أهل نجد، وأهل الحجاز على إنكار البعث، (كما في الدرر السنية 10/ 43).

قلت: وهذا مما يعلم بالضرورة أنه باطل وغير صحيحٍ، فأكثر الناس بل كلهم على الإيمان بيوم البعث سواء في زمنه أو قبله أو بعده، وإنما أصاب الناس فترة كثرت فيها البدع والخرافات ولا زالت كثيرة إلى يومنا هذا في الجزيرة وفي العالم الإسلامي، ولكن لا يعني هذا أن المسلمين كانوا كفارًا، أو أنهم ينكرون البعث فأين هذا من هذا؟!!».

وجوابه:

أن هذا الكلام الذي أورده عن الشيخ رحمه الله له مناسبة، وهو في سياق رده على (ابن سحيم) الذي كان يخطئ الشيخ بدعوى مخالفته للسواد الأعظم من الأمة، وأنه شذ عن جماعة المسلمين.

ونص كلام الشيخ رحمه الله: «وأما استدلالك بالأحاديث التي فيها إجماع الأمة والسواد الأعظم، وقول: «مَنْ شذ شذ في النار» ، و:«يد الله مع الجماعة» ، وأمثال

(1)

انظر: المرجع نفسه (3/ 51 - 53).

ص: 127

هذا، فهذا أيضًا من أعظم ما تلبس به على الجهال

».

إلى أن قال: «ومعلوم أن أهل أرضنا وأرض الحجاز الذي ينكر البعث منهم أكثر مِمن يقر به، والذي يعرف الدين أقل مِمن لا يعرفه

»

(1)

.

وهذا في الحقيقة وصف للحال التي كان عليها الناس في الجزيرة في ذلك الزمان؛ بسبب ما ساد الناس من جهلٍ كبيرٍ في تلك الفترة على ما هو معلوم، والشيخ أعرف بحال مجتمعه وأهل زمانه من هذا المتعالم المتجرئ.

وفي كلام الشيخ ما يدل على أن إنكار الكثير منهم للبعث إنما هو بسبب الجهل بالدين كما هو ظاهر من قوله: «والذي يعرف الدين أقل مِمن لا يعرفه

».

وهذا لا يعني أن الشيخ يكفر هؤلاء، بل تقدم في كلامه السابق أنه يعذر الجاهل، ولا يكفر إلا بعد قيام الحجة، ومن ذلك قوله:«وأما التكفير، فأنا أكفر مَنْ عرف دين الرسول، ثم بعدما عرفه سبه ونهى الناس عنه، وعادى مَنْ فعله، فهذا الذي أكفر، وأكثر الأمة -ولله الحمد- ليسوا كذلك»

(2)

.

فهذا نص صريح من الشيخ رحمه الله ينبغِي أن يفسر به النص السابق؛ فقوله في النص السابق: «والذي يعرف الدين أقل مِمن لا يعرفه» ، قد بين في النص الثاني أنه لا يكفرهم بقوله:«أنا أكفر مَنْ عرف دين الرسول، ثم بعدما عرفه سبه، ونهى الناس عنه، وعادى مَنْ فعله» ، ثم بين «أن أكثر الأمة ليسوا كذلك» .

فتأمل أيها القارئ بتر هذا الكاتب للكلام وعدم ذكره مناسبته وملابساته،

(1)

الدرر السنية (10/ 42 - 43).

(2)

مؤلفات الشيخ (3/ 88)، والدرر السنية (1/ 82 - 83).

ص: 128

بقصد التشنيع على الشيخ بما لم يقله، وإلزامه بما لا يعتقده، شأنه في ذلك شأن إخوانه من الرافضة والباطنية الكذابين، المفترين على الله ورسوله وسلف الأمة بما ليس له مستند عند التحقيق والتدقيق؛ فعليهم من الله ما يستحقون.

‌النموذج الرابع، والرد عليه:

قال المالكي: (ص 46): «النموذج الرابع: الكفر الذي يقصده الشيخ هو المخرج من الملة» .

وقال: «والكفر الذي يقصده الشيخ محمد بن عبد الوهاب ليس كفرًا أصغر، وإنما يريد ذلك الكفر الأكبر المخرج من الملة، وقد تكرر هذا كثيرًا في كتبه وتقريراته، ومن ذلك قوله (في الدرر السنية 10/ 63): بل العبارة صريحة واضحة في تكفير مثل ابن فيروز، وصالح بن عبد الله وأمثالهما، كفرًا ظاهرًا ينقل عن الملة فضلًا عن غيرهما» .

وجوابه:

أنه إن أراد أن الشيخ رحمه الله لا يطلق الكفر إلا على ما هو أكبر، فهذا كذب على الشيخ؛ فإن الشيخ -كغيره من العلماء- يفرقون بين الكفر الأكبر والأصغر على نحو ما جاء في النصوص من إطلاق الكفر على الأكبر والأصغر.

يقول رحمه الله: «إن مَنْ أطلق الشارع كفره بالذنوب، فالراجح فيه قولان:

أحدهما: ما عليه الجمهور أنه لا يخرج من الملة.

والثاني: الوقف، كما قال الإمام أحمد: أَمِرُّوها كما جاءت»

(1)

.

(1)

مؤلفات الشيخ (2/ 39).

ص: 129

والشيخ رحمه الله إذا أطلق الكفر الأكبر لا يطلقه إلا على ما دلت عليه النصوص أنه كفر أكبر مخرج من الملة.

وهذا النص الذي نقله هذا الملبس عن الشيخ من إطلاقه الكفر الأكبر على مَنْ أطلقه عليهم بَتَرَه من أوله؛ وفيه المقالة التي حكم الشيخ بكفر صاحبها.

وهذا هو النص بتمامه: يقول رحمه الله: «وعلى أي شيء يدل كلامه أن مَنْ عبد الأوثان عبادة أكبر من عبادة اللات والعزى، وسب دين الرسول صلى الله عليه وسلم بعدما شهد به، مثل سب أبي جهل أنه لا يكفر بعينه، بل العبارة صريحة واضحة في تكفيره

» إلخ

(1)

.

فهل يخالف الشيخ أحدٌ من المسلمين في كفر مَنْ هذه حاله؟!!

فالمالكي مطالب ببيان حكم من عبد الأوثان أكبر من عبادة اللات والعزى وسب دين الرسول صلى الله عليه وسلم بعدما شهد به، مثل سب أبي جهل هل يكفره أم يعتقد أنه مسلم؟ فإن كان يكفره فَلِمَ التشنيع على الشيخ رحمه الله في أمر يعتقده هو ويوافق الشيخ في حكمه، وإن كان المالكي لا يكفر من عبد الأوثان وسب دين الرسول بعد ما شهد به فليصرح بهذا حتى يعلم الناس حاله.

‌النموذج الخامس، والرد عليه:

قال الكاتب (ص 46): «والشيخ رحمه الله لما خالفه أحمد بن عبد الكريم أرسل الشيخ له رسالة فيها (الدرر السنة 10/ 64) (

طحت على ابن غنام وغيره، وتبرأت من ملة إبراهيم، وأشهدتهم على نفسك باتباع المشركين).

أقول: هذا تكفير خاصة على منهج الشيخ».

(1)

الدرر السنية (10/ 63).

ص: 130

وجوابه:

أنه ليس في هذا النقل تصريح بتكفير المذكور، مع أن هذا الفعل المذكور -وهو البراءة من ملة إبراهيم واتباع المشركين - مما لا يُشك أنه كفر مخرج من الملة، بل هو صريح الكفر، فما وجه الإنكار في التكفير بهذا؟!

ثم إن الكاتب حذف من النص جملة مهمة مؤثرة في الحكم بقصد التلبيس والتحريف، وهي قول الشيخ بعد قوله:«وأشهدتهم على نفسك باتباع المشركين من غير إكراهٍ لكن خوفًا ومداراة»

(1)

. فحذف الجملة الأخيرة، ولا يخفى ما وراء ذلك.

‌النموذج السادس، والرد عليه:

قال الكاتب (ص 46): «أما بلدان المشركين عند الشيخ رحمه الله وسامحه- فهي كل البلاد التي لم تدخل تحت طاعته أو دعوته، ولم يستثن منها الحرمين الشريفين، انظر على سبيل المثال: (10/ 75، 64، 12، 77، 86)» .

وجوابه:

أن هذه فرية باطلة، روج لها دعاة الباطل من قديم ليلبسوا بها على الناس، ويصرفوهم عن دين الله ودعوة التوحيد التي جاء بها الشيخ رحمه الله، وقد أجاب الشيخ رحمه الله بنفسه عن هذه التهمة الباطلة وبين زيفها.

يقول رحمه الله: «من محمد بن عبد الوهاب إلى مَنْ يصل إليه من المسلمين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

ما ذكر لكم عني أني أكفر بالعموم، فهذا من بهتان الأعداء، وكذلك قولهم:

(1)

الدرر السنية (10/ 64).

ص: 131

إني أقول: مَنْ تبع دين الله ورسوله وهو ساكن في بلده ما يكيفه حتى يجيء عندي، فهذا أيضًا من البهتان، إنما المراد اتباع دين الله ورسوله في أي أرضٍ كانت، ولكن نكفر مَنْ أقر بدين الله ورسوله ثم عاداه وصد الناس عنه، وكذلك مَنْ عبد الأوثان بعدما عرف أنه دين المشركين وزينه للناس، فهذا الذي أكفره، وكل عالمٍ على وجه الأرض يكفر هؤلاء إلا رجلًا معاندًا، أو جاهلًا، والله أعلم والسلام»

(1)

.

ويقول رحمه الله في رده على بعض المخالفين: «وكذلك تمويهه على الطغام بأن ابن عبد الوهاب يقول: الذي ما يدخل تحت طاعتي كافر، ونقول: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16]، بل نشهد الله على ما يعلمه من قلوبنا بأن مَنْ عمل بالتوحيد وتبرأ من الشرك وأهله، فهو المسلم في أي زمانٍ وأي مكانٍ، وإنما نكفر مَنْ أشرك بالله في إلهيته بعدما نبين له الحجة على بطلان الشرك»

(2)

.

وكلام الشيخ صريح في دحض هذه الفرية القديمة.

وإن من أعجب العجب: أن يأتي هذا المخذول وينسب للشيخ هذه التهمة الباطلة بعد أن أظهر الله الحق، وعرف الخاصة والعامة في شتى بلاد الأرض براءة الشيخ من هذه التهمة الباطلة وغيرها مما يدعيه خصومه من الكذب والبهتان؛ بل تبين من لطف الله بالشيخ ونصرته له على خصومه بالحجة والبيان، والتمكين في الأرض، وإقبال الناس على دعوته الإصلاحية المباركة، وخذلان خصومه وسوء عاقبتهم-إلا مَنْ رجع إلى الحق-ما عرف الناس به أن دعوة الشيخ هي دعوة حق، وأنه مجدد للإسلام والسنة بصدقٍ، وأنه ما عرف الناس منذُ بدء دعوته إلى هذا

(1)

مجموع مؤلفات الشيخ (3/ 33).

(2)

المصدر نفسه (3/ 34).

ص: 132

العصر الذي نحن فيه أحدًا أعظم بركة، وأحسن بلاءً، وأكثر نصرةً للدين، وأبلغ أثرًا في المسلمين من الشيخ محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه عن الأمة خيرًا-.

وليس عداء هذا المفتون للشيخ بعد هذا الظهور البين لدعوته وعظم أثرها في المسلمين اليوم إلا دليل على خذلانه وقلة توفيقه، نسأل الله العافية والسلامة من حاله ومن كل بلاء وفتنة.

‌النموذج السابع، والرد عليه:

يقول الكاتب (ص 46): «النموذج السابع: تكفير الإمامية:

تكفير الإمامية ومَن شك في كفرهم فهو كافر (10/ 369)، نقل هذا عن المقدسي وأقره، مع أن ابن تيمية له كلام صريح بأن هؤلاء مبتدعة وليسوا كفارًا، لكن الشيخ رحمه الله يجمع الشدائد، وتكفير الإمامية سهل إذا عرفنا أن الشيخ يكفر كل المتكلمين، ومنهم الأشاعرة، ويكفر العلماء والقضاة من أتباع المذاهب الأربعة».

وجوابه:

أن هذا الموطن الذي انتقده المالكي ليس من كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وإنما جاء ضمن فتوى للشيخ (عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين)، وتقع هذه الفتوى في (المجلد العاشر/ الدرر السنية) من (ص 360 إلى 375)، وموطن نقده جاء في (ص 369)، وبهذا يتبين عدم تثبته في نقده -هذا مع حسن الظن به! - أما إن كان متعمدًا نقد الشيخ محمد بكلام غيره فالأمر أدهى وأمر، ومع هذا فما انتقده على كلام الشيخ (أبا بطين) ليس بصحيحٍ.

ص: 133

والرد عليه من عدة وجوه:

الوجه الأول: أن النقل الذي أشار إليه ليس فيه ذكر للإمامية، وهذا لفظه:«مَنْ زعم أن الصحابة ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفرًا قليلًا لا يبلغون بضعة عشر، أو أنهم فسقوا فلا ريب في كفر قائل ذلك، بل مَنْ شك في كفره فهو كافر»

(1)

.

والقول بردة الصحابة إلا قليلًا منهم، وإن كان هو عقيدة الرافضة الإمامية، إلا أنه ليس في هذا الموطن تصريح بالإمامية؛ فيظهر كذب الكاتب فيما ادعاه.

الوجه الثاني: أن تكفير الرافضة ليس مما يشنع به على الشيخ محمد ولا على الشيخ (أبا بطين) ولا غيرهما من العلماء، بل القول بكفرهم هو الحق الذي لا شك فيه؛ لمناقضة أقوالهم لأصل الدين من وجوه كثيرة.

ومن ذلك: اعتقادهم تحريف القرآن.

يقول المفيد -أحد كبار أئمتهم في القرن الخامس-: «إن الأخبار جاءت مستفيضةً عن أئمة الهدى من آل محمد باختلاف القرآن وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان»

(2)

.

ومن عقائدهم المكفرة: غلوهم في الأئمة حتى أنزلوهم منزلة الرب T، ومما جاء في كتبهم ما ذكره الصفار في كتاب:(بصائر الدرجات) فيما نسبه لعلي أنه قال: «أنا عين الله، وأنا يد الله، وأنا جنب الله، وأنا باب الله»

(3)

.

(1)

الدرر السنية (10/ 369).

(2)

أوائل المقالات (ص 91).

(3)

بصائر الدرجات (ص 81).

ص: 134

وفي كتاب (علم اليقين) ما نسبوه لابن عباس أنه قال: «إن الله تعالى يوم القيامة يولي محمدًا حساب النبِيين، ويولي عليًّا حساب الخلق أجمعين»

(1)

.

وجاء في (كتاب الكافي) -وهو من أصح كتبهم عندهم- تحت باب: «إن الأئمة عليهم السلام يعلمون علم ما كان وما يكون، وأنه لا يخفى عليهم شيءٌ -صلوات الله عليهم-» : «عن أبي عبد الله أنه قال: ورب الكعبة، ورب البنية (أي: الكعبة)، ثلاث مراتٍ، لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتُهما أني أعلم منهما، ولأَنبَأتُهما بِما ليس في أيدهما؛ لأن موسى والخضر عليهما السلام أُعطِيَا علم ما كان، ولم يُعطَيا علمَ ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة، وقد ورثناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وراثةً»

(2)

.

ويقول الخميني: «فإن للإمام مقامًا محمودًا، ودرجةً ساميةً، وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون، وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقامًا لا يبلغه ملَكٌ مقربٌ، ولا نَبِي مرسَلٌ»

(3)

.

ومن عقائدهم الباطلة المخرجة من الملة: اعتقادهم كفر الصحابة إلا نفرًا يسيرًا منهم.

على ما جاء في الكافي فيما -نسبوه إلى أبي جعفر- أنه قال: «كان الناس أهل ردة بعد النبِي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة. فقلت: وَمَنْ الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، رحمة الله وبركاته عليهم، ثم عرف أناسٌ بعد يسير،

(1)

علم اليقين (2/ 605).

(2)

أصول الكافي (1/ 261).

(3)

الحكومة الإسلامية (ص 52).

ص: 135

وقال: هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا، وأبَوا أن يبايعوا حتى جاءوا بأمير المؤمنين مكرهًا فبايع»

(1)

.

إلى غير ذلك من أقوالهم المكفرة التي لا يشك أحدٌ من أهل العلم أنها كُفرٌ بينٌ من غير ترددٍ.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «والصحيح أن هذه الأقوال التي يقولونها التي يعلم أنها مخالفة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم كُفرٌ، وكذلك أفعالهم التي هي من جنس أفعال الكفار بالمسلمين هي كفر أيضًا»

(2)

.

ولهذا لا يعرف عالم بالكتاب والسنة إلا وهو يكفرهم، وأما مَنْ لم يكفرهم من العلماء؛ فلأنه لم يطلع على أقوالهم وعقيدتهم.

وإنما استعظم المالكي القول بكفرهم لشدة ميله لهم، بل تشبثه بعقيدتهم المنحرفة، كما تقدم تقرير ذلك في صدر هذا الكتاب.

الوجه الثالث: دعوى الكاتب أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب نقل القول بتكفير الإمامية عن المقدسي، ومخالفة شيخ الإسلام له كذب وباطل، فإن الكلام أصلًا ليس للشيخ محمد، وإنما هو للشيخ عبد الله أبا بطين، كما تقدم التنبيه عليه.

وأيضًا: فالكلام المشار إليه -والذي تقدم نقله في الوجه الأول- ليس من كلام ابن قدامة كما زعم؛ بل نقله الشيخ (أبا بطين) عن شيخ الإسلام ابن تيمية وهو موجود بنصه في آخر كتاب: «الصارم المسلول على شاتم الرسول»

(3)

، لشيخ الإسلام ابن تيمية.

فليتأمل القارئ عظيم خذلان الكاتب عندما انتقد هذا النقل بكلام شيخ الإسلام، وهو من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية.

(1)

الروضة من الكافي (8/ 245 - 246).

(2)

مجموع الفتاوى (28/ 500).

(3)

انظر: الصارم المسلول (ص 586).

ص: 136

الوجه الرابع: دعوى الكاتب أن الشيخ محمدًا يكفر المتكلمين ومنهم الأشاعرة .. ».

كذب وبهتان، فأين موطن هذا من كتب الشيخ؟

{قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111، والنمل: 64].

وقد تقدم في ثنايا هذا الرد النقل عن الشيخ رحمه الله أنه لا يكفر إلا مَنْ دلت النصوص على كفره وقد قامت عليه الحجة بذلك؛ بل صرح بأنه لا يكفر «إلا مَنْ عرف دين الرسول، ثم بعدما عرفه سبه ونهى الناس عنه»

(1)

.

وأما الأشاعرة، فهم وإن وقعوا في البدع، وانحرفوا عن طريقة أهل السنة في باب الصفات وغيره إلا أن الشيخ لم يكفرهم، بل كان يصفهم عند ذكرهم بالبدعة، وهذا هو الذي درج عليه أئمة أهل السنة قبل الشيخ، وبعده أنهم يبدعون الأشاعرة ولا يكفرونهم.

يقول الشيخ محمد رحمه الله في سياق رده على بعض المخالفين: «وقوله أيضًا: ويثبتون ما أثبته الرسول صلى الله عليه وسلم: السمع، والبصر، والحياة، والقدرة، والإرادة، والعلم، والكلام

إلى آخره، وهذا أيضًا من أعجب جهله، وذلك أن هذا مذهب طائفة من المبتدعة يثبتون الصفات السبع وينفون ما عداها ولو كان في كتاب الله ويؤولونه»

(2)

.

فوصف أصحاب هذا المذهب وهو (مذهب الأشاعرة) بأنهم «طائفة من

(1)

انظر: (ص 124، 128) من هذا الكتاب.

(2)

مجموع مؤلفات الشيخ (3/ 74).

ص: 137

المبتدعة»، ولم يقل:«من الكفار» ، وفي هذا دليل على عدم تكفيره للأشاعرة، والشواهد من كلامه في هذا المعنَى كثيرة.

الوجه الخامس: دعوى الكاتب أن الشيخ رحمه الله يكفر العلماء والقضاة من أتباع المذاهب الأربعة.

هذا من أبطل الباطل؛ فالشيخ رحمه الله متبع للأئمة الأربعة، كما صرح بذلك في قوله:«فنحن مقلدون الكتاب والسنة، وصالح سلف الأمة، وما عليه الاعتماد من أقوال الأئمة الأربعة؛ أبي حنيفة النعمان بن ثابت ومالك بن أنس، ومحمد بن إدريس وأحمد بن حنبل رحمهم الله»

(1)

.

فكيف يعقل بعد هذا أن يكفر الشيخ أتباع الأئمة الأربعة وهو منهم؟!

وقد كان الشيخ رحمه الله يعتني بكتب العلماء المتأخرين من أتباع الأئمة الأربعة، وأهل الحديث ويأخذ ما وافق الحق منها.

يقول رحمه الله: «وأما المتأخرون-رحمهم الله فكتبهم عندنا فنعمل بما وافق النص منها، وما لا يوافق النص لا نعمل به»

(2)

.

وكان رحمه الله يطلب من مخالفيه مناظرتهم بكلام علماء مذاهبهم الفقهية، فيقول:«قلت لهم: أنا أخاصم الحنفي بكلام المتأخرين من الحنفية، والمالكي والشافعي والحنبلي، كُلٌّ أخاصمه بكتب المتأخرين من علمائهم الذين يعتمدون عليهم، فلما أبوا ذلك نقلت كلام العلماء من كل مذهب لأهله وذكرت كل ما قالوه»

(3)

.

(1)

مجموع مؤلفات الشيخ (3/ 55)، والدرر السنية (1/ 97).

(2)

مجموع مؤلفات الشيخ (3/ 58)، والدرر السنية (1/ 100).

(3)

مجموع مؤلفات الشيخ (3/ 88).

ص: 138

ويقول رحمه الله: «ولا يخفاك أني أعرض على أهل الأحساء وغيرهم وأقول: كل إنسانٍ أجادله بمذهبٍ: إن كان شافعيًّا فبكلام الشافعية، وإن مالكيًّا فبكلام المالكية، أو حنبليًّا أو حنفيًّا فكذلك، فإذا أرسلت إليهم ذلك عدلوا عن الجواب؛ لأنهم يعرفون أني على الحق وهم على الباطل، وإنما يمنعهم من الانقياد التكبر والعناد»

(1)

.

ويستفاد من كلام الشيخ هذا عدة فوائد:

الأولى: براءة الشيخ مما رماه به هذا الأفاك من تكفير أتباع الأئمة الأربعة، لعنايته بكتبهم واقتنائها، فما كان ليفعل ذلك لو كان يرى تضليلهم فضلًا أن يعتقد تكفيرهم.

الثانية: سعة اطلاعه على كلام العلماء من أتباع الأئمة الأربعة، ويظهر ذلك من محاجته أصحاب كل مذهبٍ بكلام علمائهم، وعدم مقدرة الخصوم على مناظرته في ذلك، وهذا مما يؤكد براءته من تهمة تكفيرهم؛ إذ كيف يكفر مَنْ تكون له هذا العناية البالغة بكتبهم وهو يحاج بكلامهم في تقرير مذهبه على خصومه؟!

الثالثة: أن الغالب على أتباع الأئمة الأربعة أنهم على السنة، خصوصًا المتقدمين منهم، وأن الانحراف عن السنة إنما نشأ من قبل بعض المتأخرين الذين كانوا ينتسبون لبعض المذاهب الفقهية، مع جهلهم بطريقة أئمة المذهب المنتسبين إليه؛ ولذا كان الشيخ رحمه الله يرد على هؤلاء المخالفين بكلام أئمتهم الذين كانوا على السنة والحق.

(1)

مجموع مؤلفات الشيخ (3/ 80).

ص: 139

‌النموذج الثامن، والرد عليه:

قال المالكي (ص 47): «تكفير مَنْ سب صحابيًّا (10/ 369).

وهذا غير صحيح؛ فالإمام علي لم يكفر الخوارج، وهم يكفرونه ويسبونه، وكذلك أبو بكر الصديق ثبت عنه في مسنده في المسند بسندٍ صحيحٍ النهي عن إيذاء مَنْ يسبه، ثم لماذا يجعلون سب الصحابي كفرًا وهم يدافعون عن معاوية، وقد كان يسب عليًّا؟ ألم يثبت في صحيح مسلم أمره بسب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أم أنه حمى علي مباحة، وحمى غيره مصونة؟ {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}» [الصافات: 154، والقلم: 36].

وجوابه:

أن دعواه تكفير الشيخ محمد (لِمَنْ سب صحابيًّا)، في الموطن الذي أحال إليه، وهو (الدرر السنية: 10/ 369)، غير صحيحٍ.

وهاهو ذا النص الذي بنَى كلامه عليه: قال: «مَنْ سب الصحابة، أو أحدًا منهم، أو اقترن بسبه دعوى أن عليًّا إله أو نبي، أو أن جبريل غلط؛ فلا شك في كفر هذا

».

وهذا الموطن من (الدرر السنية) ليس هو من كلام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وإنما هو من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله نقله عنه الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين رحمه الله، في معرض جوابه عن سؤال ورد عليه عن معنَى كلام منقول عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهذا الموطن الذي نقله الشيخ (أبا بطين) عن شيخ الإسلام ابن تيمية موجود في كتاب:«الصارم المسلول» لشيخ الإسلام ابن تيمية.

ص: 140

ونصه: «أما مَنْ اقترنَ بسبه دعوى أن عليًّا إِلَهٌ، أو أنه كان هو النبِي وإنما غلط جبرئيل في الرسالة، فهذا لا شك في كفره، بل لا شك في كفر مَنْ توقف في تكفيره»

(1)

.

فظاهر من كلام شيخ الإسلام رحمه الله أن القطع بكفر مَنْ سب الصحابة إنما هو في حق مَنْ اقترن سبه للصحابة بما ذكر من دعوى ألوهية علي أو نبوته، وهذا مِما لا شك في كفره.

والنقل الموجود في الدرر السنية الذي يظهر أنه حصل فيه تصحيف، إما عند طباعة الكتاب، أو في أصل النسخة الخطية؛ حيث جاء النقل هكذا: «مَنْ سَب الصحابة، أو أحدًا منهم، أوِ اقترن بسبه دعوى أن عليًّا إِلَهٌ أو نَبِي

». إلخ.

فأوهم هذا القطع تكفير مَنْ سب الصحابة أو أحدًا منهم، سواء اقترن السب بما ذكر أم لم يقترن؛ فإن (أو) تدل على التخيير، كما هو معلومٌ عند النحاة.

وهذا مخالفٌ لكلام شيخ الإسلام الذي هو صريحٌ في أن القطع بكفر الساب إنما هو في حال اقتران السب بما ذكر.

وعلى كل حالٍ؛ فشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب مما لا شأن له بكل هذا، لا مِنْ قريبٍ أو بعيدٍ.

وبهذا يظهر كذب المالكي على الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله؛ حيث ذكر هذا الموطن ضمن النماذج المنتقدة على الشيخ محمد، وليس هو من كلامه أصلًا.

والمقصود هنا: تحرير هذا الموطن، وبيان أنه ليس من كلام شيخ الإسلام

(1)

الصارم المسلول (ص 586).

ص: 141

محمد بن عبد الوهاب، ومِن ثَمَّ بيان ما حصل فيه من تصحيفٍ يخالف ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية.

وأما‌

‌ مسألة تكفير مَنْ سب الصحابة:

فليس مما يشنع به على الشيخ محمد لو ثبت عنه، ولا على شيخ الإسلام ابن تيمية، ولا على الشيخ أبا بطين؛ فإن العلماء مختلفون في ذلك، وقد ذهب إلى تكفير من سب الصحابة جمع كبير من السلف والخلف.

وهاهي ذي بعض أقوالهم في ذلك:

قال هارون بن زياد رحمه الله: «سمعت الفريابِي ورجل يسأله عمن شتم أبا بكر، قال: كافر. قال: فنصلي عليه؟ قال: لا. فسألته: كيف يصنع به وهو يقول: لا إله إلا الله؟ قال: لا تمسوه بأيديكم، ادفعوه بالخشب حتى تواروه في حفرته»

(1)

.

وقال محمد بن بشار رحمه الله: «قلت لعبد الرحمن بن مهدي: أحضر جنازة مَنْ سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لو كان من عصبتِي ما ورثته»

(2)

.

وقال الأوزاعي رحمه الله: «مَنْ شتم أبا بكر الصديق رضي الله عنه قد ارتد عن دينه وأباح دمه»

(3)

.

وقال مالك بن أنس رحمه الله: «الذي يشتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس له سهم -أو قال: نصيب- في الإسلام»

(4)

.

(1)

الإبانة الصغرى لابن بطة (ص 160).

(2)

المصدر السابق (ص 160).

(3)

المصدر السابق (ص 162).

(4)

المصدر السابق (ص 162).

ص: 142

وقال بشر بن الحارث رحمه الله: «مَنْ شتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو كافر، وإن صام وصلى وزعم أنه من المسلمين»

(1)

.

وقال المروزي رحمه الله: «سألت أبا عبد الله -يعني: أحمد بن حنبل رحمه الله عَمن شتم أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فقال: ما أراه على الإسلام»

(2)

.

وقال الطحاوي رحمه الله في الصحابة: «وحبهم دين وإيمان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان»

(3)

.

وقال القاضي أبو يعلى رحمه الله: «الذي عليه الفقهاء في سب الصحابة: إن كان مستحلًّا لذلك كفر، وإن لم يكن مستحلًّا فسق ولم يكفر»

(4)

.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وقد قطع طائفة من الفقهاء من أهل الكوفة وغيرهم بقتل مَنْ سب الصحابة، وكفر الرافضة»

(5)

.

وذكر الألوسي رحمه الله عن القاضي حسين المروزي رحمه الله (من علماء الشافعية) أنه ذهب إلى: «أن سب الشيخين كفر، وإن لم يكن بما فيه إكفارهما، وإلى ذلك ذهب معظم الحنفية»

(6)

.

وجاء في أحد البحوث المعاصرة: «ذهب جمع من أهل العلم إلى القول بتكفير

(1)

المصدر السابق (ص 162).

(2)

المصدر السابق (ص 161).

(3)

الطحاوية مع شرحها لابن أبي العز (ص 689).

(4)

الصارم المسلول، لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص 569).

(5)

المصدر نفسه (ص 569، 570).

(6)

الأجوبة العراقية (ص 50).

ص: 143

مَنْ سب الصحابة رضي الله عنهم

، وإليه ذهب بعض العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية»

(1)

.

فإذا كان القول بتكفير ساب الصحابة أو بعضهم مذهب طائفةٍ من العلماء من السلف والخلف، وعلى القول به طوائف من أصحاب الأئمة الأربعة، فأي مطعنٍ يرد على مَنْ قال بذلك من العلماء؛ كشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أو غيره؟

ولكن هذا المفتون من حنقه على السنة وأهلها يطعن في الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لعظم مكانته في السنة وأثره في رجوع الناس إليها في هذه العصور بما لا يوجب الطعن عليه؛ بل ويكذب ويفتري عليه بما لم يقله من أجل الصد عن السنة وتنفير الناس منها.

{وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227].

وأما دعواه أن معاوية أمر بسب علي وثبوت ذلك في صحيح مسلم: فكذب وبهتان.

ولعله يشير لحديث عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: «أمر معاوية بن أبي سفيان سعدًا، فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثًا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم»

(2)

.

(1)

انظر: عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة، للدكتور ناصر بن علي الشيخ (2/ 856).

(2)

أخرجه مسلم (4/ 1871).

ص: 144

وهذا الحديث ليس فيه تصريح بأن معاوية قد أمر بسب علي رضي الله عنهما.

قال النووي: «وقول معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنه أمر سعدًا بسبه، وإنما سأله عن السبب المانع من السب كأن يقول: هل امتنعت تورعًا، أو خوفًا، أو غير ذلك؟»

(1)

.

وقال أبو العباس القرطبِي: «وهذا ليس بتصريح بالسب، وإنما هو سؤال عن سبب امتناعه ليستخرج من عنده من ذلك أو من نقيضه، كما قد ظهر من جوابه، ولما سمع ذلك معاوية سكت وأذعن وعرف الحق لمستحقه»

(2)

.

والذي يظهر لي في هذا -والله أعلم-: أن معاوية إنما قال ذلك على سبيل المداعبة لسعد، وأراد بذلك استظهار بعض فضائل علي رضي الله عنه؛ فإن معاوية رضي الله عنه كان رجلًا فطنًا ذكيًّا يحب مطارحة الرجال واستخراج ما عندهم، فأراد أن يعرف ما عند سعد في علي رضي الله عنهما فألقى سؤاله بهذا الأسلوب.

وأما ما ادعاه هذا الأفاك من الأمر بالسب فحاشى معاوية رضي الله عنه أن يصدر منه مثل ذلك.

والمانع من هذا عدة أمور:

الأول: أن معاوية نفسه ما كان يسب عليًّا، بل كان معظمًا له، معترفًا له بالفضل والسبق إلى الإسلام، كما دلت على ذلك أقواله الثابتة عنه.

قال ابن كثير: «وقد ورد من غير وجهٍ أن أبا مسلم الخولاني وجماعة معه

(1)

شرح صحيح مسلم (15/ 175).

(2)

المفهم (6/ 278).

ص: 145

دخلوا على معاوية فقالوا له: هل تنازع عليًّا أم أنت مثله؟ فقال: والله إني لأعلم أنه خير مني وأفضل وأحق بالأمر مني

»

(1)

.

ونقل ابن كثير أيضًا عن جرير بن عبد الحميد عن مغيرة قال: «لما جاء خبر قتل علي إلى معاوية جعل يبكي. فقالت له امرأته: أتبكيه وقد قاتلته؟ فقال: ويحك! إنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل، والفقه، والعلم»

(2)

.

فهل يسوغ في عقلٍ ودينٍ أن يسب معاوية عليًّا بعد هذا؟ بل ويحمل الناس على سبه وهو يعتقد هذا فيه؟!!

الثاني: أنه لا يعرف بنقلٍ صحيحٍ أن معاوية تعرض لعلي بسب أو شتمٍ أثناء حربه له في حياته، فهل من المعقول أن يسبه بعد انتهاء حربه معه ووفاته؟!! فهذا من أبعد ما يكون عند أهل العقول، وأبعد منه أن يحمل الناس على سبه وشتمه.

الثالث: أن معاوية رضي الله عنه كان رجلًا ذكيًّا مشهورًا بالعقل والدهاء، فلو أراد حمل الناس على سب علي -حاشاه ذلك- أفكان يطلب هذا من مثل سعد بن أبي وقاص، وهو مَنْ هو في الفضل والورع، مع عدم دخوله في الفتنة أصلًا، فهذا لا يفعله أقل الناس عقلًا وتدبيرًا فكيف بمعاوية؟!!

الرابع: أن معاوية رضي الله عنه انفرد بالخلافة بعد تنازل الحسن بن علي رضي الله عنهما له واجتمعت عليه الكلمة والقلوب، ودانت له الأمصار بالملك فأي نفع له في سب علي؟! بل الحكمة وحسن السياسة تقتضي عدم ذلك، لما فيه من تهدئة النفوس،

(1)

البداية والنهاية (8/ 132).

(2)

البداية والنهاية (8/ 133).

ص: 146

وتسكين الأمور، ومثل هذا لا يخفى على معاوية رضي الله عنه الذي شهدت له الأمة بحسن السياسة والتدبير.

الخامس: أنه كان بين معاوية رضي الله عنه بعد استقلاله بالخلافة وأبناء علي رضي الله عنهم من الألفة والتقارب ما هو مشهور في كتب السير والتاريخ.

ومن ذلك: أن الحسن والحسين وفدا على معاوية فأجازهما بمائتي ألف، وقال لهما:«ما أجازهما أحدٌ قبلي، فقال له الحسين: ولم تعطِ أحدًا أفضل منا»

(1)

.

ودخل مرة الحسن على معاوية فقال له: «مرحبًا وأهلًا بابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر له بثلثمائة ألف»

(2)

.

وهذا مما يقطع بكذب ما ادعاه المالكي وأشباهه من الرافضة في حق معاوية من حمله الناس على سب علي؛ إذ كيف يحصل هذا مع ما بينه وبين أولاده من هذه الألفة والمودة والاحتفاء والتكريم؟!!

وبهذا يظهر الحق في هذه المسألة وتندحر هذه الشبهة التي أراد هذا الأفاك التلبيس بها على مَنْ لا علم عنده، والله أعلم.

‌النموذج التاسع والرد عليه:

قال المالكي (ص 47): «النموذج التاسع: تكفير أهل مكة:

تكفير أهل مكة (10/ 86، 9/ 291) وذكر الشيخ أن دينهم هو الذي بعث رسول الله بالإنذار عنه، وزاد بعض الوهابية: بأنهم عباد قبورٍ! وأن مَنْ لم يكفرهم

(1)

البداية والنهاية (8/ 139).

(2)

المصدر نفسه (8/ 140).

ص: 147

فهو كافر مثلهم، وإن كان يبغضهم، ويحب الإسلام والمسلمين».

والرد عليه:

أن أهل مكة الذين ذكر أن الشيخ يكفرهم هم المشركون من قريش زمن البعثة، وهاهو ذا نص كلام الشيخ رحمه الله في الموطن الذي ذكر:

قال رحمه الله: «ولكن من أنفع ما يكون: القراءة عليهم فيما جرى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة في ثلاث عشرة سنة قبل الهجرة، وتعريفهم أنه عنده هذه المسألة التي وقعت بيننا بعينها.

فالدين الذي أرسله الله به هو الذي يسميه مطاوعتكم

وفعلوا في عداوته أشياء ما فعلها أبو جهل وأمثاله، والدين الذي يزينونه للناس هو دين أهل مكة الذي أرسل الله رسوله ينذر عنه».

فكلام الشيخ ظاهر في أنه إنما أراد بقوله: «دين أهل مكة الذي أرسل الله رسوله ينذر عنه» ، هو دين المشركين زمن البعثة، يدل على هذا السياق المذكور قبله، لكن المالكي زعم أنه إنما أراد تكفير أهل مكة في زمن الشيخ.

وفي الحقيقة إن المرء ليتساءل ويشتد عجبه من صنيع هذا الرجل عندما ينتقد الشيخ بمثل هذا الكلام، وهل الحامل له على هذا هو فرط الجهل بمقاصد الكلام ومعاني الألفاظ، أم شدة الافتراء والكذب؟!!

‌النموذج العاشر والرد عليه:

قال المالكي (ص 47): «النموذج العاشر: تكفير البدو:

تكفير البدو (10/ 113، 114)، (8/ 119، 118، 117)، وأنهم أكفر من

ص: 148

اليهود والنصارى، وأنه ليس عندهم من الإسلام شعرة، وإن نطقوا بالشهادتين. انظر: الدرر السنية (9/ 2، 238)».

وجوابه:

أن الشيخ رحمه الله لم يكفر من البوادي إلا مَنْ أظهر الكفر الصريح، مما لا يتنازع فيه اثنان من العلماء أنه كفر.

وقد كان الشيخ رحمه الله يرد في المواطن التي أحال عليها المالكي من الدرر السنية على بعض علماء السوء الذين كانوا يقرون بما كان عليه الكثير من البوادي من الكفر والشرك وعبادة غير الله، ثم يزعمون أنهم لا يكفرون بذلك؛ لأنهم يقولون: لا إله إلا الله.

يقول الشيخ رحمه الله: «فلما بينت ما صَرَحت به آياتُ التنزيل وعَلمَه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أمتَه، وأجمع عليه العلماء: أن مَنْ أنكر البعث أو شك فيه، أو سب الشرع، أو سب الأذان إذا سمعه، أو فضل فرائض الطاغوت على حكم الله، أو سب مَنْ زعم أن المرأة ترث، أو أن الإنسان لا يؤخذ في القتل بجريرة أبيه وابنه: أنه كافر مرتد، قال علماؤكم: معلوم أن هذا حال البوادي لا ننكره، ولكن يقولون: لا إله إلا الله، وهي تحميهم من الكفر، ولو فعلوا ذلك» .

فهذا هو الموطن الأول الذي انتقده المالكي على الشيخ محمد وزعم فيه أن الشيخ قد كفر فيه البوادي، موهمًا أن تكفيره إياهم كان بغير حق وإنما لجهلهم بالدين.

وأما الموطن الثاني وهو بحسب ما جاء في الدرر (8/ 117، 118) يقول الشيخ رحمه الله: «أعظم من ذلك وأكبر تصريحهم -أي: العلماء- بأن البوادي ليس

ص: 149

معهم من الإسلام شعرة، ولكن يقولون: لا إله إلا الله، وهم بهذه اللفظة إسلام، وحرم الإسلام مالهم ودمهم، مع إقرارهم أنهم تركوا الإسلام، وتفضيلهم دين آبائهم مخالفًا لدين النبِي صلى الله عليه وآله وسلم، مع هذا يصرح هؤلاء الشياطين المردة الجهلة أن البدو إسلام، ولو جرى منهم ذلك كله؛ لأنهم يقولون: لا إله إلا الله أيضًا».

وهذا الموطن كسابقه في أن الشيخ لم يكفر إلا مَنْ ظهرت عليه علامات الردة الصريحة عن الإسلام على ما ذكره من صورٍ وأمثلةٍ لذلك.

وهنا ألفت النظر إلى ما زعمه المالكي من أن الشيخ يقول في البوادي: (ليس عندهم من الإسلام شعرة)، فإن هذه اللفظة كما تقدم في النص ليست من كلام الشيخ، وإنما نقلها الشيخ عن العلماء الموالين للبوادي أنهم صرحوا بذلك في البوادي الموالين لهم، فأخذ المالكي هذه الجملة وزعم أنها من كلام الشيخ ليشنع بها عليه، وفي الحقيقة هي من شهادة العلماء على أولئك البوادي، وهي حجة للشيخ لا عليه.

فهذه أجوبة بعض ما ادعاه المالكي من نماذج من كلام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله زاعمًا دلالتها على تكفير الشيخ للمسلمين، وقد اكتفيت بالرد عليها دون غيرها من نماذج أخرى زعم دلالاتها على ما ذكر، طلبًا للاختصار وعدم إثقال القارئ بذلك، ولأن ما بقي من النماذج التي ذكر داخلة في معنَى ما رددت عليه فيها، ولا تخرج عنها من حيث الجملة، فما أجيب به عن هذه هو جواب عن تلك.

ومن أمثلة ذلك: ما ذكره في النماذج (الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، والرابع عشر) مما ادعاه من تكفير الشيخ لبعض القبائل بأعيانها من البادية؛ فهي في الحقيقة داخلة في عموم ما ذكر من الحكم على البادية في ذلك الوقت، ولكن

ص: 150

المالكي بطريقته هذه يريد تكثير الأمثلة والنماذج في نقد الشيخ؛ ليلبس بذلك على الناس موهمًا كثرة أخطاء الشيخ، ولكن يأبى الله إلا أن يحق الحق.

وإن مما يلفت النظر ويدل على خذلان المالكي: أنه بعدما أورد النماذج التي ادعى دلالاتها على تكفير الشيخ محمد للمسلمين أورد نماذج أُخرى من أقوال الشيخ تحت عنوان: (هل تناقض الشيخ) وذلك (ص 55) من كتابه.

وهذه النماذج تتضمن نقولًا مهمة من كتب الشيخ في براءته من التكفير وبطلان ما ادعاه عليه خصومه من تكفير المسلمين، فيكون المالكي بهذا قد رد على نفسه بنفسه، وأظهر الله الحق على يده رغم أنفه، ونكث ما أبرمه من مكرٍ وخديعةٍ وهو لا يشعر {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2].

اتهام المالكي أئمة الدعوة بعد الشيخ محمد بتكفير المسلمين، والرد عليه:

زعم المالكي في (ص 57، 58) تحت عنوان: (المسيرة تتواصل) أن تلاميذ الشيخ ومقلديه واصلوا تكفير المسلمين بعده.

ومما ذكره من الأمثلة لذلك بزعمه:

- تكفير مَنْ وافق أهل بلده -كالحجاز أو اليمن أو الشام- ولو كان في الباطن محبًّا للوهابية مبغضًا لقومه (8/ 121)، جاء هذا على لسان سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب.

- تكفير ابن عربي وابن الفارض وأنهما من أكفر أهل الأرض، كما في الدرر (8/ 366)، وهذا عند الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن.

- التصريح بأن مكة والمدينة ديار كفرٍ. الدرر (9/ 285).

ص: 151

- تكفير قبيلة قحطان. الدرر (10/ 503)، وهذا عند ابن سحمان.

- تكفير قبيلة العجمان. الدرر (10/ 503)، وهذا عند ابن سحمان أيضًا.

- تكفير أهل حايل. الدرر (9/ 292، 291) وأن جهادهم أفضل الجهاد.

- تكفير الإباضية. الدرر (10/ 431، 438)، عند عبد الله بن عبد اللطيف.

والرد عليه من وجهين: أحدهما مجمل، والآخر مفصل:

أما المجمل: فيقال له: إن إطلاق الكفر على فعلٍ أو قولٍ دلت النصوص على أنه كفر مما لا يُقدَح به على عالمٍ، بل هو حق؛ كيف لا وقد جاءت النصوص به كقوله تعالى:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: 73].

وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء: 150 - 151].

وقول النبِي صلى الله عليه وآله وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة؛ فَمَنْ تركها فقد كفر»

(1)

.

ومن هذا القبيل: ما جاء عن السلف من إطلاق الكفر على بعض الأعمال المكفرة كقول سفيان بن عيينة رحمه الله: «القرآن كلام الله عز وجل، مَنْ قال مخلوق فهو كافر، ومَن شك في كفره فهو كافر»

(2)

.

(1)

رواه الإمام أحمد في المسند (38/ 20)، (ح 22937)، والترمذي (5/ 14)، وقال: حديث حسن صحيح (5/ 6)، وابن ماجه (1/ 342)، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبِي. المستدرك مع التلخيص (1/ 48)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1/ 177)، (ح 884).

(2)

رواه عبد الله بن أحمد في السنة (1/ 112).

ص: 152

وإطلاق القول بتكفير مَنْ قال: القرآن مخلوق ثابت عن طائفةٍ كبيرةٍ من السلف

(1)

.

وكذلك تكفير بعض السلف مَنْ أنكر القدر كقول ابن عباس: «كلام القدرية كفر»

(2)

.

وكلامهم في هذا كثير مشهور عند أهل العلم.

والمقصود: أن النصوص قد جاءت وكذلك أقوال السلف بإطلاق الكفر على بعض الأعمال المكفرة، ولكن هذا لا يستلزم تكفير مَنْ قام به هذا العمل المكفر من المعينين حتى تقام عليه الحجة وتتحقق فيه شروط تكفير المعين.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «والتحقيق في هذا: أن القول قد يكون كفرًا كمقالات الجهمية الذين قالوا: إن الله لا يتكلم، ولا يُرَى في الآخرة، ولكن قد يخفى على بعض الناس أنه كفر، فيطلق القول بتكفير القائل كما قال السلف: مَنْ قال: القرآن مخلوق فهو كافر، ومَن قال: إن الله لا يُرَى في الآخرة فهو كافر، ولا يكفر الشخص المعين حتى تقوم عليه الحجة»

(3)

.

والتكفير المطلق له مرتبتان

(4)

: تكفير بالوصف الأعم؛ كأن يقال: مَنْ قال القرآن مخلوق فهو كافر، وتكفير بالوصف الأخص؛ كأن يقال: الجهمية كفار.

(1)

انظر الآثار في هذا في: الشريعة للآجري (ص 79 - 82)، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (2/ 251، 252).

(2)

رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/ 644).

(3)

مجموع الفتاوى (7/ 619).

(4)

انظر: إحياء علوم الدين للغزالي (3/ 123).

ص: 153

وعلى هذا، فإن العلماء إذا أطلقوا القول بتكفير طائفةٍ اشتهرت بقولٍ مكفرٍ لا يستلزم تكفير كل فردٍ من هذه الطائفة.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «مع أن أحمد لم يكفر أعيان الجهمية، ولا كل مَنْ قال إنه جهمي كفره، ولا كل مَنْ وافق الجهمية في بعض بدعهم، بل صلى خلف الجهمية»

(1)

.

وبهذا يعلم أن ما وجد في كتب العلماء أو ما نقل عنهم من تكفير طائفةٍ من الطوائف المتلبسة ببعض الأقوال أو الأعمال المكفرة أنه لا يستلزم تكفير ذلك العالم لكل فردٍ من أفراد هذه الطائفة حتى تقوم عليهم الحجة، كما أنه من باب أولى إذا ما أطلق ذلك العالم الكفر على فعلٍ أو قولٍ ما ألا يستلزم تكفير مَنْ فعله أو قال به إلا بعد قيام الحجة على ذلك المعين.

وما يشنع به المالكي على الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتلاميذه من بعده مدعيًا تكفيرهم للمسلمين كثير منه هو من هذا الباب، لكن هذا الجاهل لما جهل طريقة العلماء في ذلك ظن أن هذا يستلزم تكفير المعين؛ فجمع بين الجهل بمذهبهم وكلامهم وبين الكذب عليهم واتهامهم.

أما الرد المفصل:

فما ذكره من أمثلة لما ادعاه من تكفير أولئك العلماء للمسلمين فغير صحيحٍ، فإما أن يكون من قِبَل التكفير المطلق، وإما أن يكون لبعض المعينين المستحقين لذلك الحكم.

(1)

مجموع الفتاوى (7/ 507).

ص: 154

وبيان ذلك:

أن دعواه تكفير الشيخ سليمان بن عبد الله لِمَنْ (وافق أهل بلده ولو في الظاهر) فكذب وبهتان، وهاهو ذا نص كلامه.

يقول الشيخ سليمان رحمه الله (الدرر السنية 8/ 121): «اعلم -رحمك الله- أن الإنسان إذا أظهر للمشركين الموافقة على دينهم خوفًا منهم ومداراة لهم ومداهنة لدفع شرهم؛ فإنه كافر مثلهم، وإن كان يكره دينهم ويبغضهم» .

فكلام الشيخ في المشركين وحكم مداهنتهم وموافقتهم، فأين ذكر (أهل البلدان -كالحجاز واليمن والشام؟!! -) في كلامه فضلًا أن ينسب للشيخ أنه قد كفرهم؟!!

وكذلك ما ادعاه من تكفير قبيلتَي: (قحطان وعجمان) فغير صحيحٍ؛ وإنما جاء في كلام الشيخ سليمان بن سحمان في معرض حديثه عن التحاكم إلى العادات والأعراف القبلية في الدرر السنية (10/ 503) قوله: «فإن كثيرًا من الطوائف المنتسبين إلى الإسلام قد صاروا يتحاكمون إلى عادات آبائهم، ويسمون ذلك (الحق) بشرع (الرفاقة) كقولهم: (شرع عجمان)، و (شرع قحطان)، وغير ذلك، وهذا هو الطاغوت بعينه الذي أمر الله باجتنابه» .

وليس في هذا تكفير للقبيلتين المذكورتين، وإنما فيه الإنكار على مَنْ تحاكم للعادات المعروفة عند القبيلتين والذي يسمونه (شرع عجمان) و (شرع قحطان)، وقد سمى الشيخ هذا التحاكم طاغوتًا؛ لأنه تحاكم لغير شرع الله، وهذا كما سماه الله تعالى في قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ

ص: 155

قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 60].

والشيخ لو أطلق الكفر على مَنْ تحاكم إلى هذه العادات وسماها شرعًا فلا يستلزم تكفير مَنْ فعل ذلك من المعينين إلا بعد إقامة الحجة، فكيف به ولم يطلقه أصلًا؟!! وبهذا يظهر كذب المالكي فيما ادعاه.

وكذلك دعواه تكفير بعض أئمة الدعوة لأهل حائل فكذب، وإنما الذي جاء في الموطن الذي أحال عليه في الدرر (9/ 292):«وبهذا يتبين لك أن جهاد أهل حائل من أفضل الجهاد، ولكن لا يرى ذلك إلا أهل البصائر» .

وقد جاء قبل هذا بصفحتين (9/ 290) بيان سبب قتالهم وأن ذلك بسبب عدم دخولهم في طاعة الإمام.

وهاهو ذا نص الكلام: «وأهل حائل: أمرهم الإمام بالدخول في الطاعة، ولزوم السنة والجماعة، ومنابذة أهل الشرك وعداوتهم وتكفيرهم، فأبوا ذلك وتبرءوا منه

فوجب قتالهم على جميع المسلمين؛ لخروجهم عن الطاعة حتى يلتزموا ما أمرهم به الإمام من طاعة الله تعالى».

والمالكي إما لجهله وإما لتلبسيه زعم أن مجرد مقاتلتهم يستلزم تكفيرهم، والقتال لا يستلزم التكفير، بل قد يُقَاتل المسلم الباغي مع القطع بإسلامه، كما أنه قد يترك قتال الكافر مع القطع بكفره.

وكذا دعواه تكفير الشيخ حمد بن عتيق للمسافر إلى خارج بلاد الدعوة، فليس بصحيحٍ، وإنما ذكر الشيخ رحمه الله أن السفر إلى بلاد المشركين على قسمين:

ص: 156

أحدهما: السفر بقصد التجارة مع حفظ الدين، فهذا لا يعادى ولا يهجر.

والنوع الثاني: السفر إلى بلادهم مع اعتقاد إسلامهم وربما تفضيلهم على المسلمين، فهذا له حكم هذه الآية:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (51) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} [النساء: 51 - 52]، فهذا تجب عداوته وهجرته». [الدرر السنية (8/ 424)].

فالشيخ لم يجعل حكم السفر إلى بلاد المشركين واحدًا، بل فرق بين النوع الأول والنوع الثاني، فذكر أن صاحب النوع الأول لا يعادى ولا يهجر، وصاحب النوع الثاني يعادى ويهجر، وأما إطلاق الكفر فلم يطلقه على أحد النوعين، وإن كان النوع الثاني مع ما صَاحَبَه من تفضيل دين المشركين على دين المسلمين أو اعتقاد إسلام المشركين فهذا كفر من حيث الإطلاق بلا نزاع، وأما المعين فلا ينزل عليه الحكم حتى تقام عليه الحجة فلربما وقع في الكفر مَنْ كان جاهلًا أو متأولًا فلا يكفر حتى تتحقق فيه شروط التكفير وتنتفي في حقه موانعه.

وبهذا يظهر تلبيس المالكي حيث تجاهل كل هذا، وزعم أن الشيخ يكفر بمجرد السفر، فلم يشر إلى التقسيم الذي ذكره الشيخ، وكذلك ما صاحب النوع الثاني من كفرٍ صريحٍ ليوهم المطلع على كلامه غلو أئمة الدعوة في التكفير.

وأما ما ادعاه من تكفير الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف للإباضية كما في الدرر السنية (10/ 431)، فهو من جملة أكاذيبه وتلبيسه أيضًا.

ونص كلام الشيخ: «وأما إباضية أهل هذا الزمان فحقيقة مذهبهم وطريقتهم:

ص: 157

جهمية قبوريون، وإنما ينتسبون إلى الإباضية انتسابًا فلا يشك في كفرهم وضلالهم إلا مَنْ غلب عليه الهوى

».

فالشيخ لم يكفر الإباضية إلا لقولهم بقول الجهمية، ووقوعهم في الشرك، وعبادة القبور، وتكفير الجهمية ومَن وقع في الشرك الأكبر في العبادة مما لا نزاع بين أهل السنة فيه.

والمالكي لما كان يعلم ذلك عن أهل العلم من أهل السنة، ويعلم أيضًا أن تكفير الخوارج محل نزاع بين العلماء، نسب للشيخ عبد الله بن عبد اللطيف القول بتكفير الإباضية الذي هو محل خلاف بين العلماء، وجرده مما صرح به الشيخ من كونهم جهمية قبورية الذي هو موجب لكفرهم باتفاق العلماء، وبه يعلم مدى صدق هذا الناقد وأمانته في النقل والنقد!!

وأما تكفير ابن عربي وابن فارض: فقد أقر بنفسه أن تكفيرهما لم ينفرد به (الوهابية) -على حد تعبيره-، يقول في (ص 58):«وهذان لم يختص بتكفيرهما الوهابية وإن كان التبديع أليق وأسلم» .

فما وجه النقد والتجريح على أئمة الدعوة في أمرٍ قد سبقهم إليه جمع من العلماء المحققين الذين صرحوا بكفر المذكورين لما تضمنته أقوالهما من الكفر الصريح والزندقة الظاهرة؛ حتى إن برهان الدين البقاعي المتوفى سنة (885 هـ)، ألف كتابًا في نقل كلام العلماء في تكفير ابن عربِي سماه:(تنبيه الغبِي إلى تكفير ابن عربِي)، وهو مطبوعٌ.

وبهذا يظهر كذب المالكي فيما ادعاه وما رمى به تلاميذ الشيخ محمد ومَن جاء

ص: 158

بعدهم من أئمة الدعوة من الغلو في التكفير، وأن ما ذكره من أمثلة لا تدل على ما ادعاه، بل هي شاهدة لهم بالعلم والفقه ولزوم السنة، ومنهج السلف الصالح.

طعنه في كتب الحنابلة ودعواه اشتمالها على التكفير والتبديع، والرد عليه:

زعم المالكي كما في (ص 62) وما بعدها من كتابه اشتمال كتب الحنابلة على التكفير والتبديع غير المستند على بينةٍ، حتى وصل الأمر إلى تكفير كبار أئمة وفقهاء السنة.

وقال (ص 62): «تحت عنوان: (تكفير الإمام أبي حنيفة والحنفية وذمهم وتبديعهم في كتب الحنابلة!!).

ساق عبد الله بن أحمد بن حنبل (ت 290 هـ) في كتابه: (السنة) جملة من اتهامات وشتائم خصوم أبي حنيفة، تلك الاتهامات التي تصف أبا حنيفة بأنه كافر، زنديق، مات جهميًّا، ينقض الإسلام عروةً عروةً، ما ولد في الإسلام أشأم ولا أضر على الأمة منه، وأنه أبو الخطايا

».

إلى أن قال: «أقول: هذا نموذجٌ واحدٌ من نماذج سلفنا الصالح، من غلاة الحنابلة، وهذا الفكر عند غلاة الحنابلة (لا معتدليهم) هو الذي فرخ لنا اليوم هؤلاء الغوغاء من التيار التبديعي الذي يصم الناس بالبدعة والضلالة، ولعلهم أوقع الناس فيها

».

ثم قال (ص 63): «كما أن ظلمنا في تكفير أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله يجعلنا نتوقف في ظلمنا فرقًا أخرى؛ كالشيعة، والمعتزلة، والصوفية، والأشاعرة وغيرهم؛ لأنه إذا سلمنا أن تكفير أبي حنيفة كان خاطئًا فما الذي يمنع من أن تكفيرنا لهؤلاء كان خاطئًا أيضًا؟!! .... » .

ص: 159

وجوابه من عدة وجوه:

الوجه الأول: أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله كانت له أقوال أنكرها عليه كثير من العلماء، كقوله في الإيمان: إنه التصديق، وإخراجه العمل من مسمى الإيمان، وتوسعه في القياس، وما نُسب إليه من عدم أخذه بأخبار الآحاد إلا بعد عرضها على النصوص الأخرى، فإن وافقت وإلا ردها، وما نسب إليه كذلك من القول بخلق القرآن -وإن كان هذا لا يثبت عنه-.

قال الإمام ابن عبد البر: «كثير من أهل الحديث استجازوا الطعن على أبي حنيفة؛ لرده كثيرًا من أخبار العدول، لأنه كان يذهب في ذلك إلى عرضها على ما اجتمع عليه من الأحاديث ومعاني القرآن، فما شذ من ذلك رده وسماه شاذًّا، وكان أيضًا يقول: الطاعات من الصلاة وغيرها لا تُسمى إيمانًا، وكل مَنْ قال من أهل السنة: الإيمان قولٌ وعملٌ، ينكرون قوله ويبدعونه بذلك، وكان مع ذلك محسودًا لفهمه وفطنته»

(1)

.

والذي يظهر لي -والله أعلم-: بعد تتبع ما جاء عن الأئمة في الطعن على أبي حنيفة أنه لا يخلو من أحوال:

الأول: أن ما قيل فيه مما يتناسب مع أخطائه فهذا نقد بحق ونصح للأمة، ولا يسع عالِمًا وقف على خطأ لآخر إلا التحذير من ذلك الخطأ، والأئمة الذين حذروا من أخطاء أبي حنيفة رحمه الله مأجورون على ذلك ممدوحون غير مذمومين، والإمام أبو حنيفة يُرجَى له من الله المغفرة، فهو إمام مجتهد، والمجتهد المخطئ مغفور له خطؤه، ومأجور على اجتهاده.

(1)

الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء (ص 149).

ص: 160

الثاني: أن ما قيل فيه من نقدٍ مما لا يتناسب مع أخطائه ومقامه في الفضل فهذا لا يخلو من حالين:

أولهما: أن هذا لا يثبت عن الأئمة، بل هو موضوع عليهم فلا عبرة له.

وأما نقل بعض العلماء له في كتبهم المسندة كعبد الله بن أحمد في السنة، وغيره من المصنفين، فعلى طريقتهم في رواية ما يبلغهم في كل باب بالإسناد والاعتماد على ما يثبت من ذلك.

ثانيهما: أنه ثابت عنهم، لكنهم بنوا أقوالهم هذه على ما بلغهم عن أبي حنيفة مما لا يثبت عنه؛ كذم بعض الأئمة لأبي حنيفة على القول بخلق القرآن، مع أنه غير ثابتٍ عنه.

قال الإمام أحمد: «لم يصح عندنا أن أبا حنيفة كان يقول بخلق القرآن»

(1)

.

وكذلك ما نسب إليه من معارضة الأحاديث الصحيحة بالقياس، فإنه لا يثبت عنه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ومَن ظن بأبي حنيفة وغيره من أئمة المسلمين أنهم يتعمدون مخالفة الحديث الصحيح لقياس أو غيره؛ فقد أخطأ عليهم وتكلم إما بظن أو بهوى»

(2)

.

وبهذا يتبين براءة الأئمة مما يظن بهم من سوء في تحذيرهم من أخطاء أبي حنيفة رحمه الله، وبراءة أبي حنيفة مما جاء في بعض الآثار من وصمه بالكفر، أو الزندقة، أو البدعة،

(1)

ذكره الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (13/ 384).

(2)

مجموع الفتاوى (20/ 304).

ص: 161

وإنما هو إمام في السنة، لم يسلم من خطأ أو زلل، ينبه على خطئه ويحفظ مقامه.

الوجه الثاني: أن تشنيع المالكي على الحنابلة بما جاء عن بعضهم في نقد أبي حنيفة رحمه الله تحامل ظاهر؛ فإن هذا ليس مما اختص به الحنابلة، وإنما جاء نقده من أئمة كبار كحماد بن أبي سليمان، والأوزاعي، وأيوب السختياني، وابن عون، والأعمش، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، وشريك بن عبد الله، بل جاء نقده عن صاحبه أبي يوسف

(1)

فإذا كان في هذا مطعن على أحد فيرد هذا على كل الأئمة المذكورين، فما وجه تخصيص الحنابلة بالطعن دون غيرهم؟!

الوجه الثالث: أن القدح في الحنابلة -كعبد الله بن أحمد وغيره- بنقل ما جاء عن الأئمة في نقد أبي حنيفة تجنٍّ وظلم وبغي؛ إذ ليس هذا مما اختصوا به أيضًا، فقد ذكر ابن أبي شيبة في المصنف

(2)

كتابًا في الرد على أبي حنيفة استغرق ما يقارب خمسين صفحة، وذكر ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل

(3)

، وكذا ابن عبد البر في الانتقاء

(4)

جملة من الآثار عن الأئمة في نقد أبي حنيفة، وغيرهم كثير ممن نقل بعض الآثار في الطعن على أبي حنيفة.

فما هو موقف المالكي من هؤلاء العلماء؟ أيصفهم بالتكفير والغلو أم أن له موقفًا آخر؟!

(1)

انظر أقوالهم في: السنة لعبد الله بن أحمد (1/ 180 - 229)، وكتاب الانتقاء لابن عبد البر (ص 147 - 152).

(2)

انظر: المصنف (7/ 276 - 326).

(3)

انظر: الجرح والتعديل (8/ 513).

(4)

انظر: الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء (ص 27).

ص: 162

ثم إن نقل أقوال العلماء في نقد أبي حنيفة، إن كان موجبًا للطعن على الناقل فالطعن على المتكلم بها أشد، وقد تقدم أن الذي تكلم في أبي حنيفة أئمة كبار.

الوجه الرابع: قول المالكي: «كما أن ظلمنا في تكفير أبي حنيفة

يجعلنا نتوقف في ظلمنا فرقًا أخرى؛ كالشيعة، والمعتزلة، والصوفية، والأشاعرة وغيرهم».

هذا من لبس الحق بالباطل؛ فإن دعواه تكفير أبي حنيفة بالظلم هذه دعوى باطلة، وإنما جاء إطلاق الكفر في أثر أو أثرين نُسبا إلى حماد بن أبي سليمان ولا يثبتان عنه

(1)

، ولو ثبتا فحماد بن أبي سليمان كوفي من شيوخ أبي حنيفة، فلا مطعن في هذا على الحنابلة.

وكذلك مقارنته بما شذ من أقوال في نقد أبي حنيفة بما أطبق عليه السلف من ذم أهل البدع وتكفير بعضهم، فهذا أيضًا من التلبيس الذي ما أراد به إلا الانتصار لأهل البدع ونبذ ما جاء عن السلف من التحذير منهم وفضحهم.

الوجه الخامس: أن الإمام أبا حنيفة وإن تكلم فيه بعض الأئمة في بداية الأمر، إلا أنه لم يلبث الناس حتى أجمعوا على فضله، وأطبقوا على إمامته.

وأما مَنْ ذكر مِنْ أهل البدع فمن يوم أن عرفوا وظهروا ببدعهم، وأئمة أهل السنة من الحنابلة وغيرهم مجمعون على تضليلهم وتبديعهم إلى اليوم، لا يشك في ذلك عالم بالسنة.

فقياس أهل البدع والضلال على إمامٍ من أئمة السنة من أعظم الظلم والبغي، والتمويه على الناس، وقلب الحقائق.

(1)

انظر: السنة لعبد الله بن أحمد (1/ 184 - 185).

ص: 163

طعنه في الإمام أحمد واتهامه بالتكفير والتبديع بغير حق، والرد عليه في ذلك:

يقول (ص 63) تحت عنوان: (هل صح التكفير عن أحمد بن حنبل؟!): «ومن المحتمل أن يكون الإمام أحمد رحمه الله وقع في شيءٍ من التكفير والتبديع الذي خالفه فيه معتدلو الحنابلة من المتقدمين والمتأخرين

ومن النماذج المنقولة عن أحمد في كتب الحنابلة التي بالغ فيها في التكفير ما يلي:

1 -

قوله -إن صدق الحنابلة في النقل عنه-: (مَنْ زعم أن القرآن مخلوق فهو جهمي كافر، ومَن زعم أن القرآن كلام الله ووقف ولم يقل: ليس بمخلوق فهو أخبث من قول الأول، ومَن زعم أن ألفاظنا وتلاوتنا له مخلوقة، والقرآن كلام الله فهو جهمي، ومَن لم يكفر هؤلاء القوم كلهم فهو مثلهم).

[قال المالكي] ولا ريب أن هذا القول المنسوب لأحمد فيه غلو في التكفير، لعله الأساس الذي بنَى عليه الحنابلة التكفير، حتى اشتهر الحنابلة بالتكفير والتبديع، وكان الصوت المغالي هو العالي المسموع، أما الصوت المعتدل فيهم فكان خاملًا نادرًا.

على أية حالٍ: إن صح هذا القول وأمثاله عن أحمد فالإسلام أعلى من أحمد وغيره، ولا يصح أن تنسب هذه الأخطاء للإسلام؛ فالمعتزلة كلهم يقولون بخلق القرآن وليسوا كفارًا، فضلًا عَمن اقتصر على الألفاظ القرآنية بأن القرآن كلام الله ووقف عن الجدل فيما لم يبينه الله ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فضلًا عن الأشاعرة وجمهور أهل السنة من الشافعية والمالكية، والأحناف الذين يقولون بخلق اللفظ، فالقول السابق يلزم منه تكفير كل الأمة إلا الحنابلة، ولا يخفى خطورة مثل هذا القول».

ص: 164

وجوابه:

أن طعنه على الإمام أحمد هنا إنما هو طعن على أهل السنة قاطبة؛ فإن القول بتكفير مَنْ قال بخلق القرآن مما أجمع عليه أهل السنة ولم ينفرد به أحمد عن غيره من الأئمة.

وهاهي ذي بعض أقوالهم في ذلك:

أخرج الخلال في كتاب (السنة) عن زكريا بن عدي قال: «سمعت أبا بكر بن عياش، وحفص بن غياث، وابن إدريس، ووكيع بن الجراح كلهم يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق، ومَن قال: مخلوق؛ فهو كافر، قال ابن إدريس: يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه»

(1)

.

وروى عن حسن بن الربيع قال: «لما دار في الناس ووقع فيهم ذكر القرآن مضيت أنا وحسن الحلبدي -وكان من أفضل المسلمين- إلى أبي بكر بن عياش فقلنا لإبراهيم ابنه: استأذن لنا عليه. فقال: ادخلوا. فدخلنا. فقلنا: يا أبا بكرٍ، ما ترى ما قد دار في الناس ووقع فيهم؟ فقال: وما هو؟ قال: قلنا: يقولون القرآن مخلوق. فقال: ولِمَ جئتُموني، ولِمَ أخبرتُموني بهذا؟ مَنْ قال هذا فهو كافر بالله.

قال: ثم مضينا من عنده فأتينا وكيع بن الجراح فقلنا: يا أبا سفيان، ما ترى ما قد دار في الناس ووقع فيهم؟ فقال: ما هو؟ قلنا: يقال: القرآن مخلوق. فقال: ولم جئتموني ولم ألقيتم هذا في خلدي؟ مَنْ قال هذا فهو كافر بالله العظيم.

فمضينا من عنده وأتينا حفص بن غياث وكان جالسًا على داكن فقلنا: يا أبا عمر،

(1)

السنة للخلال (7/ 31 - 32).

ص: 165

ما ترى ما قد دار في الناس ووقع فيهم؟ فقال: وما هو؟ قلنا قوم يقولون: القرآن مخلوق، قال: فشمر ثيابه، وقال: ما أراكم إلا رسل شيطان؛ مَنْ قال بهذا فهو كافر بالله.

قال: فمضينا من عنده فأتينا عبد الله بن إدريس فصعدنا إلى مسجده، وكان رجلًا مهيبًا. فقلنا: يا أبا محمد، أما ترى ما قد دار في الناس ووقع فيهم؟ فقال: وما هو؟ قال: قوم يقولون: القرآن مخلوق. فقال: ولم جئتموني، ولم أخبرتموني بهذا، ولم ألقيتم هذا في قلبِي؟ مَنْ قال بهذا فهو كافر بالله العظيم، ولا أعلمه إلا قال: ألا قوموا»

(1)

.

وعن سفيان بن عيينة قال: «القرآن كلام الله غير مخلوق، فَمَنْ قال: هو مخلوق. فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم»

(2)

.

وأخرج اللالكائي عن يحيى بن خلف المقري قال: «كنت عند مالك بن أنس فقال له رجل: يا أبا عبد الله، ما تقول في رجلٍ قال: القرآن مخلوق؟ فقال مالك بن أنس: اقتلوه كافر. فقال: يا أبا عبد الله، إني لم أقله إنما قلت لك قال إنسان. قال مالك بن أنس: إنما سمعته منك»

(3)

.

وعن أبي عبيد القاسم بن سلام أنه سُئل: «ما تقول فيمَن قال: القرآن مخلوق؟ فقال أبو عبيد: هذا رجل يُعَلَّم ويقال له: إن هذا كفر، فإن رجع وإلا ضربت عنقه»

(4)

.

(1)

المصدر نفسه (7/ 32، 33).

(2)

المصدر نفسه (7/ 35).

(3)

شرح أصول اعتقاد أهل السنة (2/ 314).

(4)

المصدر نفسه (2/ 318).

ص: 166

وعن مليح بن وكيع قال: «سمعت أبِي يقول: مَنْ زعم أن القرآن مخلوقٌ يستتاب، فإن تاب، وإلا ضربت عنقه»

(1)

.

وعن هارون بن معروف قال: «مَنْ قال: القرآن مخلوق؛ فقد عبد صنمًا» .

وعن يزيد بن هارون والفريابِي أنهما قالا: «مَنْ قال: القرآن مخلوق؛ فهو كافر»

(2)

.

وعن الإمام الشافعي أنه قال: «مَنْ قال: القرآن مخلوق؛ فهو كافر»

(3)

.

وعن معاذ بن معاذ أنه قال: «مَنْ قال: القرآن مخلوق؛ فهو كافر بالله العظيم»

(4)

.

وعن الفضيل بن عياض أنه قال: «مَنْ قال: القرآن مخلوق؛ فهو كافر»

(5)

.

وقال الإمام الطحاوي في وصف عقيدة أهل السنة التي قال في مقدمتها: «هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة أبي حنيفة النعمان الكوفي وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني

-رضوان الله عليهم أجمعين-»

(6)

.

قال رحمه الله في بيان عقيدتهم في القرآن: «وإن القرآن كلام، منه بدأ بلا كيفية

(1)

السنة للخلال 7/ 39).

(2)

المصدر نفسه 7/ 37).

(3)

شرح أصول اعتقاد أهل السنة (2/ 252).

(4)

السنة للخلال (7/ 45).

(5)

المصدر نفسه (7/ 33).

(6)

العقيدة الطحاوية (ص 15).

ص: 167

قولًا، وأنزله على رسوله وحيًا

فَمَنْ سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر، وقد ذمه الله وعابه وأوعده بسقر حيث قال تعالى:{سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر: 26]»

(1)

.

وقال أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان في وصف معتقد أهل السنة: «أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازًا، وعراقًا، وشامًا، ويمنًا، فكان من مذهبهم

».

ثم ذكرا: والقرآن كلام الله غير مخلوق، بجميع جهاته

إلى قولهما: ومَن زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر بالله العظيم كفرًا ينقل عن الملة، ومَن شك في كفره ممن يفهم فهو كافر»

(2)

.

وكلام الأئمة في هذا يطول، والمقصود هنا بيان إجماع سلف الأمة قاطبة على تكفير مَنْ قال بخلق القرآن.

وقد نقل الإمام اللالكائي القول بتكفير مَنْ قال بخلق القرآن عن خمسمائة وخمسين نفسًا من أهل العلم، ونقل أقوالهم في ذلك فيما يقارب من مائة صفحة من كتاب:«شرح أصول اعتقاد أهل السنة»

(3)

.

وبهذا يعلم كذب المالكي في دعواه أن القول بتكفير مَنْ قال بخلق القرآن هو من الغلو الذي انفرد به الإمام أحمد.

وأما حجة المالكي التي رد بها القول بتكفير مَنْ قال بخلق القرآن، وهي قوله: «ولا يصح أن تنسب هذه الأخطاء للإسلام؛ فالمعتزلة كلهم يقولون بخلق

(1)

العقيدة الطحاوية (ص 27).

(2)

شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (1/ 176 - 178).

(3)

انظر: (2/ 227 - 312).

ص: 168

القرآن وليسوا كفارًا».

فهذا مما لم يسبقه إليه أحد من أهل البدع والضلال أن تكون الحجة على أن مقالة من المقالات لا تكون كفرًا؛ لأن هذه الطائفة قالت بها، بل هذا لم يحتج به المعتزلة أنفسهم لتقرير مذهبهم في خلق القرآن أنه حق، ولا يمكن أن يكون كفرًا لأنهم قالوا به.

وهذا في الحقيقة إنما يدل على تعظيم المعتزلة وغيرهم من أئمة الضلال في نفس هذا المخذول، في مقابل بغضه لأهل السنة وانحرافه عنهم واحتقاره لهم، وبحسب الرجل من الضلال أن يكون على هذه الحال، فنسأل الله بمنه وكرمه أن يعصمنا من مضلات الفتن وألا يزيغ قلوبنا بعد الهدى.

وأما ما ادعاه مِنْ أن جمهور أهل السنة من الشافعية، والمالكية، والأحناف، يقولون بخلق اللفظ بالقرآن: فكذب وافتراء، بل الذي عليه أهل السنة قاطبة من الأئمة الأربعة وأتباعهم وغيرهم من أئمة أهل السنة: أن القرآن بلفظه ومعناه هو كلام الله، بل إنه لا يعرف لدى عامة العقلاء أن يكون كلام متكلم بغير لفظ ومعنى، كما نقل إجماع الناس على ذلك الإمام أبو نصر السجزي في كتابه:«الرد على مَنْ أنكر الحرف والصوت» حيث قرر أنه لم يكن بين الناس نزاع في هذه المسألة إلى زمن ابن كُلَّاب الذي أظهر القول بأن حقيقة الكلام هو المعنَى النفسي دون الألفاظ والحروف؛ فخالف بذلك إجماع عامة العقلاء وسائر أهل الإسلام.

يقول رحمه الله: «اعلموا -أرشدنا الله وإياكم- أنه لم يكن خلاف بين الخلق على اختلاف نحلهم من أول الزمان إلى الوقت الذي أظهر فيه ابن كلاب والقلانسي والصالحي والأشعري وأقرانهم الذين يتظاهرون بالرد على المعتزلة وهم معهم، بل

ص: 169

أخس حالًا منهم في الباطن في أن الكلام لا يكون إلا حرفًا وصوتًا، ذا تأليفٍ واتساقٍ، وإن اختلفت به اللغات

فالإجماع منعقد بين العقلاء على كون الكلام حرفًا وصوتًا، فلما نبغ ابن كلاب وأضرابه وحاولوا الرد على المعتزلة من طريق مجرد العقل وهم لا يخبرون أصول السنة، ولا ما كان السلف عليه، ولا يحتجون بالأخبار الواردة في ذلك زعمًا منهم أنها أخبار آحاد وهي لا توجب علمًا، وألزمتهم المعتزلة أن الاتفاق حاصل على أن الكلام حرف وصوت، ويدخله التعاقب والتأليف، وذلك لا يوجد في الشاهد إلا بحركة وسكون

وما كان بهذه المثابة لا يجوز أن يكون من صفات ذات الله؛ لأن ذات الله سبحانه لا توصف بالاجتماع والافتراق، والكل والبعض، والحركة والسكون

فضاق بابن كلاب وأضرابه النفس عند هذا الإلزام؛ لقلة معرفتهم بالسنن وتركهم قبولها وتسليمهم العنان إلى مجرد العقل، فالتزموا ما قالته المعتزلة وركبوا مكابرة العيان، وخرقوا الإجماع المنعقد بين الكافة المسلم والكافر، وقالوا للمعتزلة: الذي ذكرتموه ليس بحقيقة الكلام، وإنما سمى ذلك كلامًا على المجاز لكونه حكاية أو عبارة عنه، وحقيقة الكلام: معنى قائم بذات المتكلم»

(1)

.

ولهذا اتفق أهل السنة من أصحاب المذاهب الأربعة وأعيان أصحابهم ومن قبلهم وبعدهم من أهل السنة أن القرآن كلام الله بلفظه ومعناه، وأن الله تكلم به على الحقيقة، بسوره وآياته وحروفه، وبدَّعوا مَنْ قال: إن القرآن حكاية عن كلام الله. كما هو قول ابن كلاب، أو عبارة عن كلام الله. كما هو قول الأشعري.

(1)

الرد على مَنْ أنكر الحرف والصوت (ص 80 - 82).

ص: 170

وقد نقل إجماعهم على ذلك غير واحدٍ من العلماء.

يقول الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني -أحد كبار أئمة الشافعية في كتابه: «عقيدة السلف وأصحاب الحديث» : «ويشهد أهل الحديث ويعتقدون أن القرآن كلام الله، وكتابه، ووحيه، وتنزيله، غير مخلوقٍ، ومَن قال بخلقه واعتقده فهو كافر عندهم

وهو الذي تحفظه الصدور، وتتلوه الألسنة، ويكتب في المصاحف كيفما تصرف بقراءة قارئ، ولفظ لافظٍ، وحفظ حافظٍ، وحيث تُلِيَ وفي أي موضعٍ قُرِئ وكُتِبَ في مصاحف أهل الإسلام وألواح صبيانهم وغيرها، كله كلام الله جل جلاله غير مخلوقٍ؛ فمَن زعم أنه مخلوق فهو كافر بالله العظيم»

(1)

.

وقال الإمام الحافظ المجود المقرئ عالم الأندلس أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني -وهو من أئمة المالكية-: «وكلامه جل جلاله مسموع بالآذان، وإن كان مخالفًا لسائر اللغات وجميع الأصوات

ولا يسع أحدًا أن يقول: القرآن كلام الله ويسكت حتى يقول: غير مخلوقٍ.

وقال أحمد بن حنبل رحمه الله: لولا ما وقع في القرآن -يعني: من القول بخلقه- لوسعه السكوت، ولكن لم يسكت، يريد أنه إنما يسكت لريبه.

وقال رحمه الله: مَنْ قال: لفظِي بالقرآن مخلوق؛ فهو جهمي.

قال: ومَن قال: لفظِي به غير مخلوق؛ فهو قدري.

وقد قال أيضًا: فهو بدعي.

(1)

عقيدة السلف وأصحاب الحديث (ص 165، 166).

ص: 171

وقول أحمد هذا قول جميع أهل السنة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين»

(1)

.

وقال الإمام أبو نصر السجزي: «لا خلاف بين المسلمين أجمع في أن القرآن كلام الله عز وجل، وأنه الكتاب المُنَزل بلسانٍ عربيٍّ مبينٍ، الذي له أول وآخر، وهو ذو أجزاء وأبعاض، وأنه شيء ينقري ويتأتى أداؤه وتلاوته»

(2)

.

وقال الإمام أبو الحسن محمد بن عبد الملك الكرجي الشافعي في كتابه الذي سماه: «الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول» وذكر اثني عشر إمامًا: الشافعي، ومالكًا، والثوري، وأحمد، وابن عيينة، وابن المبارك، والأوزاعي، والليث بن سعد، وإسحاق بن راهويه، والبخاري، وأبا زرعة، وأبا حاتم.

ثم قال فيه: «سمعت الإمام أبا منصور محمد بن أحمد يقول: سمعت الإمام أبا بكر عبد الله بن أحمد يقول: سمعت الشيخ أبا حامد الإسفرايني يقول: مذهبِي ومذهب الشافعي وفقهاء الأمصار: أن القرآن كلام الله غير مخلوق، ومَن قال: مخلوق؛ فهو كافر، والقرآن حمله جبريل مسموعًا من الله تعالى، والنبِي صلى الله عليه وسلم سمعه من جبريل، والصحابة سمعوه من النبِي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي نتلوه نحن بألسنتنا، وفيما بين الدفتين، وما في صدورنا، مسموعًا، ومكتوبًا، ومحفوظًا، وكل حرفٍ منه، -كالباء والتاء- كله كلام الله غير مخلوق، ومَن قال: مخلوق؛ فهو كافر عليه لعائن الله والملائكة والناس أجمعين»

(3)

.

وقال الإمام الحافظ قوام السنة وهو من أجل أئمة الشافعية: «قال أصحاب

(1)

الرسالة الوافية (ص 157).

(2)

الرد على مَنْ أنكر الحرف والصوت (ص 105).

(3)

نقله عنه شيخ الإسلام في درء تعارض العقل والنقل (2/ 95، 96).

ص: 172

الحديث وأهل السنة: إن القرآن المكتوب الموجود في المصاحف والمحفوظ الموجود في القلوب هو حقيقة كلام الله عز وجل، بخلاف ما زعم قوم أنه عبارة عن حقيقة الكلام القائم بذات الله عز وجل ودلالة عليه، والذي هو في المصاحف محدث وحروف مخلوقة. ومذهب علماء السنة وفقهائهم: أنه الذي تكلم الله به، وسمعه جبريل من الله»

(1)

.

وقال أيضًا: «وأول مَنْ قال باللفظ، وقال: ألفاظنا بالقرآن مخلوقة حسين الكرابيسي؛ فبدعه أحمد، ووافقه على تبديعه علماء الأمصار

».

ثم ذكر أسماء هؤلاء العلماء الموافقين لأحمد فعد ستة وأربعين عالِمًا ثم قال: «فمذهبهم ومذهب أهل السنة جميعًا: أن القرآن كلام الله آيةً آيةً، وكلمةً كلمةً، وحرفًا حرفًا، في جميع أحواله، حيث قُرِئَ، وكُتِبَ، وسُمِعَ»

(2)

.

فهذا كلام أئمة أهل السنة، ومحققي الإسلام من أصحاب الحديث، وأتباع الأئمة الأربعة، قد صرحوا -في أوضح عبارة- أن مذهب أهل السنة من أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم: أن القرآن كلام الله بآياته وحروفه وألفاظه ومعانيه، وكيفما تصرف بتلاوة تالٍ، وقراءة قارئٍ، وحفظ حافظٍ، وسماع سامعٍ، هو كلام الله، وإن كانوا يعتقدون أن ما كتب به القرآن من الحبر، وما كتب عليه من الورق، ولسان التالي له، وصدر الحافظ له هذه مخلوقة والمقروء والمكتوب والمحفوظ هو كلام الله ليس بمخلوق.

ولذا قال الإمام القحطاني في نونيته:

(1)

الحجة في بيان المحجة (1/ 368).

(2)

المصدر نفسه (1/ 340 - 344).

ص: 173

إن الذي هو فِي الْمَصاحف مثبت

بأنامل الأشياخ والشبان

هو قول ربي آيه وحروفه

ومدادنا والرق مَخلوقان

(1)

وبهذا يظهر لك أيها القارئ مدى كذب المالكي وافترائه على أئمة أهل السنة عندما زعم أن جمهور أهل السنة من الشافعية والمالكية والأحناف يقولون بخلق القرآن.

وكذلك افترائه على الإمام أحمد وعلى الحنابلة بأنهم قد انفردوا بتكفير المسلمين من أصحاب المذاهب الأخرى لتكفير الإمام أحمد القائلين بخلق القرآن، أو مَنْ زعم أن لفظه بالقرآن مخلوق؛ حيث تبين من خلال هذه النقول أن ما عليه الإمام أحمد في هذا هو قول أهل السنة قاطبة، كما صرح بهذا الأئمة الأعلام المتقدم نقل كلامهم في هذا، مما أظهر الله به الحق والصواب، وفضح هذا الكذاب على رءوس الأشهاد.

قال المالكي (ص 64): «2 - قوله رحمه الله أي: الإمام أحمد- إن صدق الحنابلة في النقل عنه: (ما أحد على أهل الإسلام أضر من الجهمية، ما يريدون إلا إبطال القرآن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أقول: مَنْ أراد إبطال القرآن فهو كافر بلا شك، لكن علم النيات ليس لأحمد، ولا لغيره من البشر».

وجوابه:

أن الإمام أحمد لم يكفر الجهمية ولم يحكم عليهم بما في نياتهم وقلوبهم، بل بما

(1)

نونية القحطاني (ص 48).

ص: 174

ظهر منهم من أقوال وأفعال مكفرة دلت على إبطالهم النصوص، وردهم لكلام الله ورسوله.

وليس هذا مما انفرد به الإمام أحمد دون غيره من الأئمة، بل كل أئمة أهل السنة كفروهم، وصرحوا بتكذيبهم للنصوص، وردهم لكلام الله ورسوله.

قال عبد الرحمن بن مهدي: «ما كنت لأعرض أهل الأهواء على السيف إلا الجهمية؛ فإنهم يقولون قولًا منكرًا»

(1)

.

وعنه رحمه الله أنه قال: «لا يصلي خلف هؤلاء الصنفين: الجهمية والروافض، فإن الجهمية كفار بكتاب الله»

(2)

.

وقال عبد الله بن المبارك: «إنا لنستجيز أن نحكي كلام اليهود والنصارى، ولا نستجيز أن نحكي كلام الجهمية»

(3)

.

وعن سلام بن أبي مطيع قال: «الجهمية كفار، لا يصلى خلفهم»

(4)

.

وعن سفيان الثوري قال: «مَنْ زعم أن قول الله عز وجل: {يَامُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النمل: 9] مخلوق فهو كافر زنديق حلال الدم»

(5)

.

(1)

أخرجه ابن شاهين في كتاب اللطيف (ص 83)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (2/ 316).

(2)

أخرجه اللالكائي (2/ 322).

(3)

رواه الدارمي في الرد على الجهمية (ص 9)، وعبد الله بن أحمد في السنة (1/ 111).

(4)

رواه الدارمي في الرد على الجهمية (ص 111)، وعبد الله بن أحمد في السنة (1/ 105).

(5)

رواه الدارمي في الرد على الجهمية (ص 111)، وعبد الله بن أحمد في السنة (1/ 105)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (2/ 321).

ص: 175

وعن وكيع بن الجراح قال: «مَنْ رد حديث إسماعيل عن قيس عن جرير عن النبِي صلى الله عليه وسلم في الرؤية فاحسبوه من الجهمية»

(1)

.

وهذا دليل اشتهار الجهمية برد النصوص.

وقال الإمام عثمان الدارمي: «باب الاحتجاج في إكفار الجهمية» .

ثم قال تحته: «ناظرني رجل ببغداد منافحًا عن هؤلاء الجهمية، فقال لي: بأية حجة تكفرون هؤلاء الجهمية، وقد نُهي عن إكفار أهل القبلة بكتابٍ ناطقٍ، أم بأثرٍ، أم بإجماع؟

فقلت: ما الجهمية عندنا من أهل القبلة، وما نكفرهم إلا بكتابٍ مسطورٍ، وأثرٍ مأثورٍ، وكفرٍ مشهورٍ.

أما الكتاب: فما أخبر الله عز وجل عن مشركي قريش من تكذيبهم بالقرآن، فكان من أشد ما أخبر عنهم من التكذيب أنهم قالوا: هو مخلوق كما قالت الجهمية سواء، قال الوحيد -وهو الوليد بن المغيرة-:{إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: 25]، وهذا قول جهم: إن هذا إلا مخلوق

».

إلى أن قال: «ونكفرهم بكفر مشهور، وهو تكذيبهم بنص الكتاب، أخبر الله تبارك وتعالى أن القرآن كلامه، وادعت الجهمية أنه خلقه، وأخبر الله تبارك وتعالى أنه كلم موسى تكليمًا، وقال هؤلاء: لم يكلمه بنفسه، ولم يسمع موسى نفس كلام الله

»

(2)

.

(1)

أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (1/ 107).

(2)

الرد على الجهمية (ص 106 - 107).

ص: 176

ثم ذكره جملة كبيرة من أقوال الجهمية المناقضة لصريح النصوص، فبهذا كفَّر الأئمةُ الجهميةَ، وأخبروا بردهم للنصوص، وإبطالهم لكلام الله ورسوله لا على ما ادعى هذا البليد أنهم إنما كفروهم بالنيات على ما نسب ذلك للإمام أحمد رحمه الله.

ثم إنه من أعجب الأمور وأغربها: انتقاد هذا الضال للإمام أحمد بما ادعاه من الحكم على النيات، وهو نفسه يحكم على النيات والإرادات.

وهاهي ذي بعض أقواله في حكمه على النيات والإرادات:

يقول (ص 6): «عدم وجود النية الجادة -وأكرر الجادة- للتجديد من الجهات التعليمية» .

ويقول (ص 19) في نقده تعريف توحيد الربوبية بأنه هو توحيد الله بأفعاله: «والتربويون لا يعرفون أن المراد من هذا الكلام تكفير جميع المسلمين» .

ويقول أيضًا (ص 19): «وهذا المراد منه تكفير المسلمين» .

ويقول (ص 20): «ولا يعنون بالعبادة (العبادة المباشرة) من صلاةٍ وسجودٍ وحج

».

ويقول (ص 20): «قلت: لا يعرف التربويون أن المراد بأهل الشرك هنا بقية المسلمين غير الوهابية» .

ويقول (ص 21): «ويظن بعض السذج أن المراد بهؤلاء المحادين لله ورسوله هم الكفار الأصليون

ولا يعرفون أن المراد به خصوم الدعوة السلفية».

ويقول (ص 21): «لا يعنون بذلك الكفار الأصليين

وإنما يعنون بذلك المسلمين، المصلين، الصائمين، المزكين، المجتنبين لكبائر الذنوب».

ص: 177

ويقول (ص 22): «ولا يعرف الإخوة التربويون أن المراد ليس الهجرة من أوربا أو الصين إلى العالم الإسلامي، وإنما المراد الهجرة من العراق، والشام، ومصر، واليمن، والحجاز، والأحساء، إلى المناطق التي كانت الدعوة تسيطر عليها» .

وأقواله في هذا كثيرة جدًّا، بل عامة نقده لمقررات التوحيد ولكلام العلماء مبناه على هذه الطريقة، فيأتي بالنقل ثم يقول:(والناس)، أو (التربويون)، أو (السذج) لا يعرفون أن المراد به كذا وكذا، ثم يبني نقده على هذا -كما نبهت على ذلك سابقًا في سياق الرد عليه-.

وهذا كله من الحكم على النيات والإرادات التي يشنع على مَنْ يحكم عليها.

أما هو فيعطي نفسه الحق في أن يعطل كلام العلماء من كل معنَى صحيح مهما كان واضحًا بينًا، ثم يزعم أن المتكلم أراد كذا وكذا.

يقول المالكي (ص 64): «3 - ومن أقواله رحمه الله يعني: الإمام أحمد- إن صدق الحنابلة في النقل عنه: (مَنْ قال: لفظه بالقرآن مخلوق فهو جهمي مخلد في النار خالدًا فيها).

أقول: غفر الله لأحمد وسامحه، فالقول إن صح عنه فهو يشبه التألي على الله عز وجل».

وجوابه:

أنه تقدم الرد عليه فيما ادعاه من أن القول بأن ألفاظ الناس بالقرآن مخلوقة هو قول أهل السنة إلا الحنابلة، وأن هذا الزعم باطل؛ وذلك بما سبق ذكره من أقوال الأئمة المنتسبين للمذاهب الفقهية وغيرهم في شدة إنكارهم على اللفظية القائلين بأن ألفاظهم بالقرآن مخلوقة، وإلحاقهم بالجهمية.

ص: 178

ومن ذلك: قول أبي عمرو الداني بعد نقله كلام الإمام أحمد: «مَنْ قال: لفظي بالقرآن مخلوق؛ فهو جهمي، ومَن قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق؛ فهو قدري» .

قال: «وقول أحمد هذا قول جميع أهل السنة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين»

(1)

.

وأما اتهامه للإمام أحمد فيما نسبه إليه أنه قال: «مَنْ قال: لفظي بالقرآن مخلوق؛ فهو جهمي مخلد في النار خالدًا فيها» ، بأنه يشبه التألي على الله، فلم يعز هذا القول لمصدر نسبه إلى أحمد، والمشهور عن الإمام قوله:«مَنْ قال: لفظي بالقرآن مخلوق؛ فهو جهمي» ، فهذا ثابت عن الإمام أحمد وغيره من الأئمة من وجوه كثيرة ذكرها الخلال في (السنة)

(2)

.

وأما الزيادة التي ذكر، وأن مَنْ قال بذلك فهو خالد مخلد في النار، فالعبرة بثبوتها عن الإمام أحمد بنقل إمام معتبر بسندٍ صحيحٍ، هذا من حيث الثبوت.

وأما من حيث المعنَى: فمعناها صحيح، وهو موافق لما دلت عليه النصوص ولما هو مشهور من عقيدة أهل السنة من أن كل مَنْ ثبت أنه كافر كفرًا يخرج من الملة فحكمه في الآخرة أنه خالد مخلد في النار، والجهمية مما أجمع أهل السنة على كفرهم كما تقدم، فيكون هذا موافقًا لحكم العلماء فيهم، وهذا كله من باب الحكم المطلق والوعيد العام.

وأما مَنْ قام به شيء مِنْ ذلك مِنْ المعينين فهذا لا يُنَزل عليه الحكم المطلق والوعيد العام عند الأئمة والمحققين من أهل السنة إلا بعد استيفاء الشروط وانتفاء

(1)

تقدم عزوه (172).

(2)

انظر: السنة للخلال (6/ 29) وما بعدها.

ص: 179

الموانع الموجبة لقيام الحجة عليه بذلك.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «فإن نصوص الوعيد التي في الكتاب والسنة، ونصوص الأئمة بالتكفير والتفسيق ونحو ذلك لا يستلزم ثبوت موجبها في حق المعين إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع، لا فرق في ذلك بين الأصول والفروع»

(1)

.

ويقول ابن أبي العز الحنفي: «إن الأقوال الباطلة المبتدعة المحرمة المتضمنة نفي ما أثبته الرسول، أو إثبات ما نفاه، أو الأمر بما نهى عنه، أو النهي عَما أمر به يقال فيها الحق، ويثبت لها الوعيد الذي دلت عليه النصوص، ويبين أنها كفر، ويقال: مَنْ قالها فهو كافر، ونحو ذلك، كما يذكر من الوعيد في الظلم في النفوس والأموال.

وكما قد قال كثير من أهل السنة المشاهير بتكفير مَنْ قال بخلق القرآن، وأن الله لا يُرى في الآخرة ولا يعلم الأشياء قبل وقوعها، وعن أبي يوسف رحمه الله أنه قال: ناظرت أبا حنيفة رحمه الله مدة حتى اتفق رأيي ورأيه أن مَنْ قال بخلق القرآن فهو كافر.

وأما الشخص المعين إذا قيل: هل تشهدون أنه من أهل الوعيد وأنه كافر؟ فهذا لا نشهد عليه إلا بأمرٍ تجوز معه الشهادة؛ فإنه من أعظم البغي أن يشهد على معينٍ أن الله لا يغفر له ولا يرحمه بل يخلده في النار؛ فإن هذا حكم الكافر بعد الموت»

(2)

.

(1)

مجموع الفتاوى (12/ 500 - 501).

(2)

شرح الطحاوية (ص 435، 436).

ص: 180

ويقول المشايخ عبد الله وإبراهيم ابنا الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن، والشيخ سليمان بن سحمان رحمهم الله:«ومسألة تكفير المعين مسألة معروفة، إذا قال قولًا يكون القول به كفرًا، فيقال: مَنْ قال بهذا القول فهو كافر، لكن الشخص المعين إذا قال ذلك لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها»

(1)

.

ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «وبهذا يعلم أن المقالة أو الفعلة قد تكون كفرًا أو فسقًا، ولا يلزم من ذلك أن يكون القائم بها كافرًا أو فاسقًا، إما لانتفاء شرط التكفير أو التفسيق، أو وجود مانع شرعي يمنع منه»

(2)

.

وبهذا يتبين أن ما توهمه هذا الجاهل من إطلاق الأئمة القول بكفر الجهمية أو اللفظية، أو أن مَنْ قال بذلك أنه خالد مخلد في النار -على ثبوته عنهم- ليس على ما فهمه هذا البليد المتطاول على الأئمة أنه يستلزم تنزيل ذلك الحكم على كل معينٍ قال بذلك، حتى يدعي أن هذا من التألي على الله؛ فالتألي على الله أن يقال: إنه لا يغفر لفلان بعينه أو يعذبه.

قال المالكي (ص 64): «ونقل عن الحنابلة -وعلى رأسهم الإمام أحمد- استحلال دم مَنْ يقول بخلق القرآن، وأنه لا يسمع ممن لم يكفرهم، ولا يسلم عليه، ولو كان من الأقارب، ولا تشهد لهم جنائز، ولا يعادون في مرضهم!!

هذا عقاب مَنْ لم يكفر القائلين بخلق القرآن فكيف بِمَنْ قال بذلك؟!!

ولا ريب أن معظمنا اليوم لا يكفر مَنْ قال بخلق القرآن، وإنما يبدعه أو يعده

(1)

الدرر السنية (8/ 244).

(2)

القواعد المثلى (ص 92).

ص: 181

كفرًا دون كفرٍ، ولا أعرف حنبليًّا اليوم يكفر المعتزلة تكفيرًا أكبر مخرجًا من الملة كما ينقل الحنابلة عن أحمد!! فعلى هذا نكون جميعًا كفارًا على مذهب أحمد!! وبهذا يتبين غلو الإمام في التكفير إن صحت عنه تلك النقولات

».

وجوابه:

أن قتل المرتدين الذين فارقوا دين المسلمين باعتقادٍ أو قولٍ أو فعلٍ يوجب كفرهم مما دلت عليه السنة وعليه انعقد إجماع الأمة.

فقد أخرج الإمام البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبِي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ بَدل دينه فاقتلوه»

(1)

.

وقال ابن المنذر: «أجمع أهل العلم بأن العبد إذا ارتد فاستتيب فلم يتب؛ قُتل، ولا أحفظ فيه خلافًا»

(2)

.

وقال ابن قدامة: «وأجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتدين، وروي ذلك عن أبي بكر، وعثمان، وعلي، ومعاذ، وأبي موسى، وابن عباس، وخالد، وغيرهم ولم ينكر ذلك؛ فكان إجماعًا»

(3)

.

فدل النص والإجماع على قتل المرتدين، وقد تقدم نقل إجماع السلف على تكفير مَنْ قال بخلق القرآن، فدل على جواز قتلهم -بعد استتابتهم- من غير خلاف بين العلماء، وقد جاءت الآثار بذلك عن السلف.

(1)

صحيح البخاري مع الفتح (6/ 149)(ح 3017).

(2)

الإجماع (ص 122).

(3)

المغني (12/ 364).

ص: 182

فعن عبد الرحمن بن مهدي قال: «لو وليت شيئًا من أمر المسلمين، لوقفت على الجسر وأشهرت سيفي فلا يمر بِيَ أحد يقول: القرآن مخلوق. إلا ضربت عنقه»

(1)

.

وعن وكيع بن الجراح أنه قال: «مَنْ زعم أن القرآن مخلوق يستتاب؛ فإن تاب وإلا ضربت عنقه»

(2)

.

وعن سفيان بن عيينة قال: «مَنْ قال: القرآن مخلوق. كان محتاجًا أن يصلب على ذباب -يعني: جبلًا-»

(3)

.

وعن محمد بن إسحاق بن خزيمة أنه قال: «القرآن كلام الله غير مخلوق، فمَن قال: إن القرآن مخلوق. فهو كافر بالله العظيم، لا تقبل شهادته، ولا يعاد إن مرض، ولا يصلى عليه إن مات، ولا يدفن في مقابر المسلمين، يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه»

(4)

.

وأقوال السلف في الفتوى بقتل الجهمية ومَن قال بخلق القرآن كثيرة، وإنما هذا طرف منها، وهذا مما يدل على أن الإمام أحمد لم ينفرد بهذا عن غيره من الأئمة، بل هذا قول السلف من قبل الإمام أحمد وبعده.

وكذلك كفر السلف من شك في كفر مَنْ قال بخلق القرآن؛ لأن الشك في تكفير مَنْ قال بهذه المقالة شك في النصوص القاطعة بكفر قائلها، ومخالفة لإجماع

(1)

أخرجه الخلال في السنة (7/ 37).

(2)

المصدر نفسه (7/ 39).

(3)

أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (1/ 112).

(4)

عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني (ص 167، 168).

ص: 183

السلف على تكفير مَنْ قال بذلك.

جاء في كلام أبي زرعة وأبي حاتم الرازيَين في وصف اعتقاد السلف: «ومَن زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر بالله العظيم كفرًا ينقل عن الملة، ومَن شك في كفره ممن يفهم فهو كافر»

(1)

.

فهاهو ذا اعتقاد أئمة السلف في حكم مَنْ توقف في تكفير الجهمية، وهو القطع بكفره، وما الإمام أحمد إلا متبع لِمَنْ قبله من السلف في ذلك.

ولكن هذه الأقوال المأثورة عن السلف في تكفير مَنْ قال بخلق القرآن، أو تكفير مَنْ شك في كفره هي -على ما تقدم التنبيه عليه- من قبيل الأحكام المطلقة التي لا يستلزم إطلاقها من حيث العموم تنزيل ذلك الحكم على كل معينٍ قال بتلك المقالة إلا بعد استيفاء الشروط وانتفاء الموانع الموجبة للحكم عليه.

ولهذا كان الإمام أحمد يفرق بين مَنْ قال بمقالات الجهمية وهو عالم بها، وبين مَنْ قال بها بسبب شبهةٍ أو جهلٍ، على ما جاء في السنة للخلال عن عبد الله بن أحمد قال:«سمعت أبي يسأل عن الواقفة، قال أبي: مَنْ كان يخاصم ويعرف الكلام فهو جهمي، ومَن لم يُعرف بالكلام يُجانب حتى يرجع، ومَن لم يكن له علم يسأل ويتعلم»

(2)

.

وفي السنة أيضًا عن محمد بن مسلم: «أن أبا عبد الله قيل له: فالواقفة؟ قال: أما مَنْ كان لا يعقل فإنه يُبَصر، وإن كان يعقل ويبصر الكلام فهو مثلهم»

(3)

.

(1)

شرح اعتقاد أهل السنة للالكائي (1/ 178).

(2)

السنة للخلال (5/ 130)، وانظر (5/ 146).

(3)

المصدر نفسه (5/ 131).

ص: 184

فهذا مما يدل دلالةً ظاهرةً أن الإمام أحمد لا يرى أن كل مَنْ قال بمقالةٍ باطلةٍ استوجب الحكم المطلق لتلك المقالة، ولهذا فرق هنا بين القائلين بالوقف في القرآن مِمن يقولون: لا نقول هو مخلوق ولا غير مخلوق، فلم يجعل حكمهم واحدًا، وإنما أخبر أن مَنْ كان منهم من أهل الكلام فهو جهمي، ومَن كان منهم من أهل العلم وليس من أهل الكلام فهذا يهجر حتى يرجع عن هذه المقالة، ومَن لم يكن مِنْ أهل العلم فهذا جاهل يسأل ويتعلم حتى يعرف الحق، فجعلهم على ثلاثة أحكام بحسب تفاوت أحوالهم.

وبهذا يظهر جهل المالكي عندما زعم أنه يلزم على مذهب أحمد تكفير مَنْ لم يكفر مَنْ قال بخلق القرآن من المعاصرين، قال:«وعلى هذا نكون جميعًا كفارًا على مذهب أحمد» .

فيقال له: إن الإمام أحمد فرق بين مَنْ وافق الجهمية من أهل الكلام، وبين مَنْ وافقهم من أهل العلم من أهل السنة بشبهةٍ أو جهلٍ.

وأنت تقر هنا بأنك لا تكفر مَنْ قال بخلق القرآن مع ميلك للجهمية، بل تمجيدك لهم وثناؤك عليهم وتفضيلك لهم على أهل السنة -على ما تقدم من كلامك-، فلا يبعد -والحالة هذه- أن تكون من أصحاب القسم الأول الذين أخبر الإمام أحمد أنهم جهمية.

وأما مَنْ لم يكفر مَنْ قال بخلق القرآن من أهل السنة المتبعين لطريقة السلف بسبب خفاء هذه المسألة عليهم، فهؤلاء الذين لا يلحقون بالجهمية بل يُعَلمون ويناصحون.

ص: 185

وأما قوله: «إنه لا يعرف حنبليًّا اليوم يكفر المعتزلة» .

فهذا من التلبيس، فالكلام في (القول بخلق القرآن) لا في المعتزلة، فَلِمَ حاد عن مسألة خلق القرآن إلى الحكم على المعتزلة؟!

ومقتضى الكلام أن يقول: «لا أعرف حنبليًّا يكفر مَنْ قال بخلق القرآن» ؛ لأن انتقاده للإمام أحمد في التكفير بخلق القرآن لا في تكفير المعتزلة.

والمعتزلة وإن كانوا وافقوا الجهمية على القول بخلق القرآن الذي هو كفر بلا شك، إلا أن المشهور عند العلماء قديمًا وحديثًا إطلاق القول بتبديعهم دون تكفير؛ لكونهم لُبس عليهم في ذلك، بخلاف الجهمية الذين اشتهر عن العلماء إطلاق القول بتكفيرهم.

ثم إن قوله هنا: «إنه لا يعرف حنبليًّا يكفر المعتزلة» مناقض لقوله في بداية كتابه (ص 6): «وكان المسلمون في القرون الأولى (الثاني والثالث والرابع) يشكون من توسع الحنابلة في التكفير لسائر الفرق الإسلامية الأخرى، كالأشاعرة، وأهل الرأي، والصوفية، والإباضية، والزيدية، فضلًا عن المعتزلة، والشيعة، والجهمية، والقدرية، والمرجئة، ولم نستجب لهم

ونحن اليوم تحت هذا كله

إذن فنحن اليوم تحت هذا البرج التكفيري كله».

وصدق مَنْ قال: «إن من آفة الكذب أن يكون صاحبه نسيًّا» .

وقول الآخر: «إن الله أعاننا على الكذابين بالنسيان»

(1)

.

طعنه في الإمام البربهاري، واتهامه له بتكفير المسلمين:

قال المالكي (ص 66): «وقال الحسن البربهاري إمام الحنابلة في عصره (ت 329 هـ)

(1)

انظر: روضة العقلاء لابن حبان (ص 53).

ص: 186

وننعته نحن بأنه إمام أهل السنة والجماعة في عصره!! قال في كتابه: (شرح السنة): (اعلموا أن الإسلام هو السنة، والسنة هي الإسلام)، وهذا يلزم منه أن مَنْ لم يكن سنيًّا فليس بمسلم!!

وليته يقصد سنة النبِي صلى الله عليه وسلم حتى نعذره في قوله، ولكنه يريد السنة المغالية عند الحنابلة في تكفير الفرق المخالفة لهم».

وجوابه:

أن قول الإمام البربهاري: الإسلام هو السنة. حق؛ فإن السنة بمعناها العام الشامل هي حقيقة الإسلام، فما خرج عنها فهو من البدع المحدثة التي ليست من الإسلام، كما بين النبِي صلى الله عليه وسلم هذا في حديث العرباض بن سارية في قوله:«فعليكم بسنتِي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثةٍ بدعةٌ، وكل بدعةٍ ضلالةٌ»

(1)

.

فجعل النبِي صلى الله عليه وسلم في مقابل سنته وسنة الخلفاء الراشدين إحداث البدع، ولو كان هناك شيء من الدين لم تشمله سنته وسنة خلفائه لما سمى ذلك بدعة، فدل على شمول سنته وسنة خلفائه للإسلام كاملًا، وبه يظهر مطابقة السنة للإسلام عند الإطلاق، ودلالة كل واحدٍ من اللفظين على الآخر؛ ولهذا كان العلماء يطلقون السنة على ما يشمل الدين كله.

(1)

رواه أحمد (28/ 367)(ح 17142)، وأبو داود (5/ 13)، والترمذي (1/ 44)، وقال: حديث حسن صحيح، والحاكم (1/ 175)، وصححه، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في تخريج مشكاة المصابيح (1/ 58)، رقم (165).

ص: 187

يقول الإمام أبو الحسن محمد بن عبد الملك الكرخي: «فاعلم أن السنة: طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتسنن بسلوكها، وهي أقسام ثلاثة: أقوال، وأعمال، وعقائد»

(1)

.

ويقول الشاطبِي: «ويطلق -أي: لفظ السنة- في مقابلة البدعة، فيقال: فلان على سنة إذا عمل على وفق ما عمل عليه النبِي صلى الله عليه وسلم كان ذلك مما نص عليه في الكتاب أو لا، ويقال: فلان على بدعةٍ إذا عمل على خلاف ذلك»

(2)

.

ويقول ابن رجب: «السنة هي الطريق المسلوك، فيشمل ذلك التمسك بما كان عليه النبِي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون، من الاعتقادات، والأعمال، والأقوال، وهذه هي السنة الكاملة، ولهذا كان السلف قديمًا لا يطلقون السنة إلا على ما يشمل ذلك كله، ورُوي معنى ذلك عن الحسن، والأوزاعي، والفضيل بن عياض»

(3)

.

ويقول الشيخ محمد رشيد رضا: «والتحقيق: أن ما كان عليه السلف في الصدر الأول لم يكن يُسمى مذهبًا، ولا يصح أن يُسمى مذهبًا في الإسلام؛ لأنه هو الإسلام كله، وهو وحدة لا تفرق فيها»

(4)

.

فتبين بهذا موافقة مُسمى (السنة) لمسمى الإسلام، ودلالة كل منهما على الآخر، ولهذا فسر الإمام البربهاري السنة بالإسلام، وهو بهذا لم يخرج عن طريقة العلماء في ذلك.

وأما ما ادعاه هذا الجاهل من أنه يلزم مِنْ هذا أن مَنْ لم يكن سنيًّا فليس

(1)

نقله عنه شيخ الإسلام ابن تيمية (مجموع الفتاوى)(4/ 180).

(2)

الموافقات (4/ 4).

(3)

جامع العلوم والحكم (2/ 44).

(4)

مقدمة صيانة الإنسان بقلم محمد رشيد رضا (ص 7).

ص: 188

بمسلم، فهذا لا يقوله إلا جاهل بالدين؛ فليس كل مَنْ ارتكب بدعةً يخرج بها من الدين، وإنما يكون مسلمًا مبتدعًا، وهذا كما أن مَنْ عصى الله بفعل شيء مخالف للإسلام فإنه لا يكفر به وإنما يكون مسلمًا عاصيًا.

وهذا الرجل إنما أصابته شبهة الخوارج في مسألة الإيمان، حيث ظن أن السنة إن نفيت عن رجلٍ لم يبق معه منها شيء فيكفر بذلك، وهذا كما ظن الخوارج في الإيمان أنه إن نفي عن بعض أصحاب المعاصي لم يبق معهم منه شيء.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وهذا هو الأصل الذي تفرعت عنه البدع في الإيمان؛ فإنهم ظنوا أنه متى ذهب بعضه ذهب كله ولم يبق منه شيء.

ثم قال الخوارج والمعتزلة: هو مجموع ما أمر الله به ورسوله، وهو الإيمان المطلق كما قاله أهل الحديث، قالوا: فإذا ذهب شيء منه لم يبق مع صاحبه من الإيمان شيء فيخلد في النار»

(1)

.

‌طعنه في شيخ الإسلام ابن تيمية، واتهامه له بتكفير المسلمين:

قال المالكي (ص 68) تحت عنوان: (التكفير عند ابن تيمية) متهمًا شيخ الإسلام بتكفير المسلمين: «إنه أُثِرَ عنه تكفير بعض علماء المسلمين، كاتهامه للرازي المفسر بأنه ألف كتابًا في تحسين عبادة الكواكب!! وهذا غير صحيحٍ، فالرازي عالم مسلم مشهور، وله كتاب في التفسير، ولم يتهمه بهذا أحدٌ مِمن ترجم له قبل ابن تيمية وبعده إلا الوهابية الذين قلدوا ابن تيمية في هذا.

كما أن التأصيل للتكفير موجود في كلامه عندما بالغ في التفريق بين توحيد

(1)

مجموع الفتاوى (7/ 223).

ص: 189

الربوبية وتوحيد الألوهية، فهون من شأن الأول، وبالغ في شأن الثاني، والتفريق نفسه مبتدع ليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله، ولم يقل بهذا التفريق أحدٌ من الصحابة ولا التابعين، فالتوحيد شأنه واحدٌ، وهذا التفريق هو الذي جعل مقلدي ابن تيمية يزعمون (أن الله لم يبعث الرسل إلا من أجل توحيد الألوهية، أما توحيد الربوبية فقد أقر به الكفار!! ونسوا أن فرعون قال:{أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: 24].

وقوله: {يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38].

وأن صاحب إبراهيم قال: {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة: 258].

فضلًا عن سائر الملحدين في الماضي والحاضر

[إلى أن قال]: والسيئ في هذه القواعد الباطلة التي يقعدها أهل العلم كابن تيمية أن لها ما بعدها، وكما يقال:«زلة عالمٍ زلة عالَم» .

وقد زل بهذا عوالم أصبحوا يكفرون المسلمين لوجود أخطاء عقدية، فقرنوا بينهم وبين الكفار، ولم يحفظوا لهم شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ونقول لهم ما قال النبِي صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد: ماذا تفعلون ب: (لا إله إلا الله) يوم القيامة؟!».

وجوابه من عدة وجوه:

الوجه الأول: نسبته تكفير المسلمين لشيخ الإسلام ابن تيمية وزعمه أنه تاب منه، هذا من أعظم الكذب والبهتان، فمتى كان شيخ الإسلام ابن تيمية مكفرًا للمسلمين حتى يتوب منه، بل كان رحمه الله من أبعد الناس عن تكفير مَنْ لا يستحق الكفر من المسلمين، ومن أعظم الناس نهيًا عن ذلك.

ص: 190

يقول رحمه الله: «هذا مع أني دائمًا ومن جالسني يعلم ذلك مني، أني من أعظم الناس نهيًا أن ينسب معين إلى تكفير وتفسيق ومعصية، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي مَنْ خالفها كان كافرًا تارة، وفاسقًا أخرى، وعاصيًا أخرى، وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها، وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية، والمسائل العملية»

(1)

.

ولهذا كان شيخ الإسلام رحمه الله يقرر في كتبه وينبه على ضرورة التفريق بين (التكفير المطلق) و (تكفير المعين)، وأن الشخص المعين وإن قام به شيء من المكفرات لا يكفر إلا بعد قيام الحجة عليه.

يقول رحمه الله: «والتحقيق في هذا: أن القول قد يكون كفرًا كمقالات الجهمية الذين قالوا: إن الله لا يتكلم ولا يُرى في الآخرة، ولكن قد يخفى على بعض الناس أنه كفر فيطلق القول بتكفير القائل كما قال السلف: مَنْ قال: القرآن مخلوق فهو كافر، ومَن قال: إن الله لا يُرى في الآخرة فهو كافر، ولا يكفر الشخص المعين حتى تقوم عليه الحجة»

(2)

.

ويقول رحمه الله: «وإذا عرف هذا، فتكفير المعين من هؤلاء الجهال وأمثالهم بحيث يحكم عليه بأنه من الكفار لا يجوز الإقدام عليه إلا بعد أن تقوم على أحدهم الحجة الرسالية، التي يتبين بها أنهم مخالفون للرسل، وإن كانت هذه المقالة لا ريب أنها كفر، وهكذا الكلام في تكفير جميع المعينين مع أن بعض البدعة أشد من بعضٍ،

(1)

مجموع الفتاوى (3/ 229).

(2)

مجموع الفتاوى 7/ 619).

ص: 191

وبعض المبتدعة يكون فيه من الإيمان ما ليس في بعضٍ.

فليس لأحدٍ أن يكفر أحدًا من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة، ومَن ثبت إيمانه بيقينٍ لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة»

(1)

.

وكلامه رحمه الله في هذا المعنى كثير مشهور، حتى إن شيخ الإسلام ابن تيمية ليعد من أعظم المقررين لهذه المسألة المستدلين لها بالنصوص الشرعية، والمدعمين لها بأقوال السلف في مواطنَ كثيرةٍ من كتبه، والناس بعده عيال عليه في هذه المسألة وغيرها؛ فرحمه الله رحمة واسعة، وجزاه عن المسلمين خير الجزاء.

وقد كان شيخ الإسلام ابن تيمية ممتثلًا لهذا الأصل العظيم في باب التكفير في معاملة مخالفيه الذين وقعوا في بعض المكفرات البينة، فما كان يرى كفرهم إلا بعد البيان وإزالة الشبهة، ولهذا لم يكفر بعض أعيان الجهمية الذين لا يُشك في أن مقالتهم كفر؛ لورود الشبه عليهم المانعة من قيام الحجة الموجبة لتكفيرهم.

يقول رحمه الله: «ولهذا كنت أقول للجهمية من الحلولية والنفاة الذين نفوا أن الله تعالى فوق العرش، لما وقعت محنتهم: أنا لو وافقتكم كنت كافرًا؛ لأني أعلم أن قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال، وكان هذا خطابًا لعلمائهم، وقضاتهم، وشيوخهم، وأمرائهم»

(2)

.

وهذا مما يدحض كذب هذا المفتري في اتهامه لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

(1)

مجموع الفتاوى (12/ 500 - 501).

(2)

كتاب الاستقامة (2/ 494).

ص: 192

بتكفير المسلمين، فإذا كان شيخ الإسلام لم يكفر أعيان هؤلاء الجهمية لما هم فيه من شبه مانعة من قيام الحجة عليهم بالكفر، فكيف يكفر مَنْ لم يصدر منه شيء من المكفرات من المسلمين؟!! {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16].

الوجه الثاني: دعوى المالكي أن شيخ الإسلام ابن تيمية كفر بعض علماء المسلمين دعوى باطلة كسابقتها، ولهذا لم يستطع أن يقيم عليها بينة، أو يذكر شاهدًا واحدًا لعالمٍ كفره شيخ الإسلام، فلما أفلس من هذا لم يجد ما يؤيد به دعواه الكاسدة إلا أن قال:«كاتهامه للرازي المفسر بأنه ألف كتابًا في تحسين عبادة الكواكب» .

وهذا في الحقيقة من مناقب شيخ الإسلام؛ إذ لم يجد هذا الضال بعد بحثٍ وتنقيبٍ في كلام شيخ الإسلام -مع كثرته في الفرق والمقالات وأصحابها- مستندًا لدعواه الباطلة واتهامه لشيخ الإسلام بتكفير العلماء إلا نسبته هذا الكتاب للرازي، فما أعظم الدعوى وأضعف الحجة!!

الوجه الثالث: دعوى المالكي أن شيخ الإسلام اتهم الرازي بتأليف هذا الكتاب، ولم يوافقه على هذا أحدٌ مِمن ترجم للرازي إلا الوهابية -على حد قوله-.

هذه كذبة مفضوحة يستحي من مثلها كثير من الكذابين، إلا مَنْ قل حياؤه، وذهب ماء وجهه؛ وذلك أن هذا الكتاب قد نسبه للرازي غير واحد من أهل العلم وإن كان بين العلماء اختلاف في نسبته إليه.

فممن نسب هذا الكتاب إلى الرازي:

1 -

ابن خلكان المتوفى سنة (681 هـ):

ص: 193

قال في ترجمة الرازي في سياق ذكر كتبه: «وفي الطلسمات السر المكتوم»

(1)

.

2 -

حاجي خليفة المتوفى سنة (1067 هـ):

قال: «السر المكتوم في مخاطبة الشمس والقمر والنجوم، للإمام فخر الدين محمود بن عمر الرازي المتوفى سنة (606 هـ)، قيل: إنه مختلق عليه، فلم يصح أنه له، وقد رأيت في كتاب أنه للحرالي (للحوالي)»

(2)

.

3 -

ابن العماد المتوفى سنة (1089 هـ):

قال في ترجمة الرازي: «ومن تصانيفه على ما قيل: كتاب السر المكتوم في مخاطبة الشمس والنجوم على طريقة مَنْ يعتقده، ومنهم مَنْ أنكر أن يكون من مصنفاته»

(3)

. وقد عزا ذلك لابن قاضي شهبة.

4 -

الزركلي:

قال في ترجمة الرازي في سياق ذكر كتبه: «السر المكتوم في مخاطبة النجوم»

(4)

.

وقال في الحاشية: «أوردت في أسماء كتبه (السر المكتوم) وقد سبق ذكره منسوبًا إلى علي بن أحمد الحرالي، والعلماء مختلفون في نسبته إلى أيهما، كما في كشف الظنون (989)، ويقربه من الفخر الرازي ما جزم به أحد المتصدين للرد عليه في كتاب سَماه: (انقضاض البازي في انفضاض الرازي)»

(5)

.

(1)

وفيات الأعيان (4/ 249).

(2)

كشف الظنون (2/ 989).

(3)

شذرات الذهب (5/ 21).

(4)

الأعلام (6/ 313).

(5)

المرجع نفسه (6/ 313).

ص: 194

5 -

رضا كحالة، ذكر كتاب (السر المكتوم) من جملة مصنفات الرازي

(1)

.

فهؤلاء بعض مَنْ ذكر كتاب (السر المكتوم) منسوبًا للرازي من المؤرخين والمصنفين في أسماء الكتب مَمن كان قبل شيخ الإسلام وبعده، -وأكثرهم على ما هو ملاحظ ليسوا حنابلة-، هذا من غير استقصاء لِمَنْ ذكر هذا من العلماء، وإنما للتدليل فقط على كذب المفتري فيما ادعاه من انفراد شيخ الإسلام بنسبة هذا الكتاب للرازي، وأنه لم يوافقه على هذا أحد قبله وبعده إلا الوهابية.

الوجه الرابع: دعوى المالكي أن شيخ الإسلام ابن تيمية أصَّل للتكفير بتقسيم التوحيد، وأنه هون من شأن توحيد الربوبية، وبالغ في توحيد العبادة، ودعواه أن ابن تيمية ومقلديه كفروا بهذه القواعد كثيرًا من المسلمين.

كل هذه دعاوى باطلة، وقد تقدم الرد عليه في إنكاره تقسيم التوحيد؛ فلا حاجة لإعادة الكلام هنا

(2)

.

وأما دعواه أن شيخ الإسلام هون من توحيد الربوبية، وبالغ في توحيد العبادة، وكفر المسلمين بذلك.

فشيخ الإسلام لم يهون من توحيد الربوبية، بل يعتقد أن التوحيد لا يصح إلا بتحقيق توحيد الربوبية، بل ذكر أن توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر.

يقول رحمه الله: «فإثبات الإلهية يوجب إثبات الربوبية، ونفي الربوبية يوجب

(1)

انظر: معجم المؤلفين (3/ 559).

(2)

انظر: (ص 89 - 92).

ص: 195

نفي الإلهية؛ إذ الإلهية هي الغاية، وهي مستلزمة للبداية، كاستلزام العلة الغائية للفاعلة»

(1)

.

وكلام شيخ الإسلام في أهمية توحيد الربوبية كثير ومشهور، حتى إنه ذكر أن الشرك في الربوبية أعظم ما عُصِي الله به، وأن الشرك في الربوبية أعظم من الشرك في الألوهية.

يقول رحمه الله: «فأعظم السيئات: جحود الخالق والشرك به وطلب النفس أن تكون شريكة وندًّا له، أو أن تكون إلهًا من دونه، وكلا هذين وقع»

(2)

.

ويقول رحمه الله: «قال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} [الصافات: 35 - 36]، فهؤلاء مستكبرون مشركون، وإنما استكبارهم عن إخلاص الدين لله، فالمستكبر الذي لا يقر بالله في الظاهر كفرعون أعظم كفرًا منهم»

(3)

.

فشيخ الإسلام رحمه الله لم يقلل من شأن توحيد الربوبية كما ادعى هذا الجاهل، ولكنه ينكر على مَنْ يقصر التوحيد على توحيد الربوبية فقط.

يقول رحمه الله في سياق رده على أهل الكلام: «وأشهر هذه الأنواع عندهم هو الثالث، وهو (توحيد الأفعال)، وهو أن خالق العالم واحدٌ، وهم يحتجون على ذلك بما يذكرونه من دلالة التمانع وغيرها، ويظنون أن هذا هو التوحيد المطلوب وأن هذا

(1)

مجموع الفتاوى (2/ 37).

(2)

مجموع الفتاوى (14/ 323).

(3)

مجموع الفتاوى (7/ 633).

ص: 196

هو معنى قولنا: لا إله إلا الله، حتى قد جعلوا معنَى الإلهية القدرة على الاختراع»

(1)

.

ثم بين رحمه الله أن هذا التوحيد لا يكفي في حصول الإسلام، وأن المشركين كانوا مقرين بهذا النوع ولم يخرجهم من الشرك.

يقول: «ومعلوم أن المشركين من العرب الذين بعث إليهم محمد صلى الله عليه وسلم أولًا لم يكونوا يخالفونه في هذا، بل كانوا يقرون بأن الله خالق كل شيءٍ، حتى إنهم كانوا يقرون بالقدر أيضًا، وهم مع هذا مشركون»

(2)

.

وأما ما ادعاه المالكي من أن الكفار لم يقروا بتوحيد الربوبية وقوله -محتجًّا على العلماء في هذا-: «ونسوا أن فرعون قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: 24]، وأن صاحب إبراهيم قال: {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة: 258]» .

فجوابه:

أن العلماء لم ينسوا هذه الآيات وما جاء في معناها، بل يعتقدون ما دلت عليه من الحق، ولكن ليس كما يفهمه هذا الجاهل.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «والله تعالى قد أخبر عن فرعون أنه أنكر الصانع بلسانه فقال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: 24]»

(3)

.

فبين أن إنكار فرعون إنما كان بلسانه فقط على وجه الاستكبار، ويشهد له قول الله تعالى عن فرعون وقومه:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14]،

(1)

مجموع الفتاوى (3/ 98).

(2)

المصدر نفسه (3/ 98).

(3)

المصدر نفسه (5/ 173).

ص: 197

ولهذا عد العلماء كفر فرعون كفر جحود، وهو (أن يعرف بقلبه ولا يعترف بلسانه)

(1)

.

وكذا قوم إبراهيم كانوا مقرين بالربوبية كما يدل على هذا سياق محاجته لهم.

يقول شيخ الإسلام رحمه الله: «وقوم إبراهيم كانوا مقرين بالصانع، ولهذا قال لهم إبراهيم الخليل: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 75 - 77]»

(2)

.

وأما دعوى المالكي تكفير شيخ الإسلام والعلماء بعده كثيرًا من المسلمين، وأنهم لم يحفظوا لهم شهادة أن لا إله إلا الله، فكذب وبهتان.

والواقع: أن شيخ الإسلام وغيره من علماء أهل السنة لم يكفروا إلا المشركين والكفار الذين دلت النصوص على كفرهم وشركهم، لكن المالكي لما كان على طريقة أهل البدع والكلام المذموم الذين لا يعرفون من التوحيد إلا توحيد الربوبية، ولا يرون أن الشرك في العبادة مخل بالتوحيد يشنعون على العلماء في تكفير المشركين ويعدون هذا من الغلو في التكفير.

والحكم على مَنْ أشرك في العبادة بالكفر وتخليده في النار وتحريم الجنة عليه مما دلت عليه النصوص، ومَن خالف في هذا فهو رادٌّ على الله ورسوله، ومكذب للنصوص.

يقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48، 116].

(1)

انظر: النهاية لابن الأثير (ص 806)، والمفردات للراغب (ص 187).

(2)

مجموع الفتاوى (5/ 549).

ص: 198

ويقول تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 116].

ويقول T مخبرًا عن عيسى عليه السلام: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72].

وقال تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 88].

وقال -جلَّ وعلا-: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65].

وعن النبِي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ مات وهو يدعو من دون الله ندًّا دخل النار»

(1)

.

وقال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومَن لقيه يشرك به دخل النار»

(2)

.

إلى غير ذلك من النصوص، وهي كثيرة في هذا المعنى.

وبهذه الأوجه يتبين بطلان فرية المالكي في رميه شيخ الإسلام ابن تيمية بتكفير المسلمين، وأن شيخ الإسلام رحمه الله من أبعد الناس عن التكفير بغير دليلٍ، بل هو من أعظم الناس تحذيرًا ونهيًا عن ذلك، وكلامه في هذا مشهور لا ينكره إلا مكابر معاند.

‌اتهامه الإمام ابن القيم بتكفير المسلمين:

قال (ص 67) تحت عنوان: (ابن القيم والتكفير): «بما أن ابن القيم مقلد لابن تيمية،

(1)

أخرجه البخاري (الصحيح مع الفتح 8/ 176)(ح 4497).

(2)

أخرجه مسلم (1/ 94)(ح 93).

ص: 199

فهو تلميذه والناشر لعلومه؛ فلابد أن يكون في أبحاثه ومؤلفاته تكفير لبعض المسلمين، إن لم أقل لكثيرٍ من المسلمين، على سبيل المثال لا الحصر نجد ابن القيم رحمه الله قد عقد فصلًا في نونيته بعنوان:(فصل في بيان المعطل مشرك!!)، ويقصد بالمعطلة هنا ما ذكره الشارح الدكتور محمد خليل هراس بأنهم:(الفلاسفة والمعتزلة والأشعرية والقرامطة)، فهناك خلط بين القرامطة والأشعرية، فضلًا عن الخلط بين المعتزلة والقرامطة.

يقول ابن القيم رحمه الله وسامحه- في قصيدته النونية:

لكن أخو التعطيل من أخي

الإشراك بالْمَعقول والبرهان

إن الْمُعطل جاحد للذات أو

لكمالها هذان تعطيلان

والْمُشركون أخف فِي كفرانهم

وكلاهما من شيعة الشيطان

أقول: فهذا تكفير واضح لجمهور المسلمين؛ فإن الحنابلة قلة سواء في عصر ابن القيم أو قبله أو بعده، أغلب المسلمين إما أشاعرة، أو شيعة، أو معتزلة، وهم الذين يؤولون الصفات التي يُسميها ابن القيم (تعطيلًا)، ولهم حجج في هذا كما أن للمثبتين حججهم، لا يهمني استعراض هذه الحجج أو تلك، إنما يهمني أن أؤكدَ أن تكفير بعضهم لبعضٍ محرمٌ شرعًا».

وجوابه:

إن ابن القيم لم يكفر أحدًا من المسلمين حتى يدعي هذا الرجل أنه كفر جمهور المسلمين، وكلامه لا يدل على هذا، وإنما ذكر أن شرك التعطيل شر مِنْ شرك مَنْ جعل مع الله إلهًا آخر؛ لأن المعطل إما معطل لذات الله، أو معطل للأسماء والصفات

ص: 200

المستلزمة كمال الذات، وهذا بخلاف المشرك في الألوهية؛ فإنه إن سلم من هذا التعطيل فهو دون المعطل؛ لأنه يثبت وجود الذات والأسماء والصفات، لكن يجعل لله شريكًا في عبادته.

وكلام ابن القيم هذا حق، وقد دلت عليه الأدلة النقلية والعقلية، وقد بسط الإمام ابن القيم هذا المعنَى أيضًا في الجواب الكافي

(1)

.

وهذا الكلام من الأحكام المطلقة التي لا تتنَزل على المعينين إلا بشروطٍ، كما أن الأحكام العامة المطلقة في الكتاب والسنة كذلك، فوجود التعطيل في طوائفَ من الأمة وأفرادها لا يستلزم الحكم على كل معينٍ من هؤلاء بمقتضى الحكم المطلق، إلا بعد قيام الحجة عليه واستيفاء شروط التكفير وانتفاء موانعه في حقه.

وقد سبق تقرير ذلك مفصلًا، وأنه من الأصول المعتبرة عند أهل التحقيق من أهل السنة

(2)

.

وأصل الشبهة عند هذا الرجل وأمثاله -كما نبهت على هذا مرارًا- أنه لا يفرق بين إطلاقات العلماء العامة التي هي من قبيل (الحكم المطلق)، وبين تنزيل ذلك على المعينين الذي هو من قبيل (الحكم على المعين)، فيظن بهذا أن العلماء إذا أطلقوا هذه الأحكام العامة يعتقدون تكفير كل مَنْ تلبس بشيءٍ من تلك الأخطاء التي ذكروا حكمها على سبيل الإطلاق، ثم يرتب على هذا الفهم الخاطئ أن هؤلاء العلماء قد كفروا خلقًا كثيرًا من المسلمين، والعلماء يحتاطون لتكفير المعين وإن قام به الكفر فلا

(1)

انظر: الجواب الكافي (ص 193 - 198).

(2)

انظر: (ص 81 - 82، 105 - 106، 109 - 110).

ص: 201

يكفرونه إلا بعد تحقق شروط التكفير في حقه وقيام الحجة عليه بذلك.

وهذه الشبهة التي عرضت لهذا الرجل شبهة قديمة قد وقع فيها خلق كثير قبله، فتوهموا من النصوص وكلام العلماء مثل ما توهم.

كما نبه على هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث يقول: «وسبب هذا التنازع: تعارض الأدلة؛ فإنهم يرون أدلة توجب إلحاق أحكام الكفر بهم، ثم إنهم يرون من الأعيان الذين قالوا تلك المقالات مَنْ قام به مِنَ الإيمان ما يمتنع أن يكون كافرًا، فيتعارض عندهم الدليلان.

وحقيقة الأمر:

أنهم أصابهم في ألفاظ العموم في كلام الأئمة ما أصاب الأولين في ألفاظ العموم في نصوص الشارع، كلما رأوهم قالوا: مَنْ قال كذا فهو كافر. اعتقد المستمع أن هذا اللفظ شامل لكل مَنْ قاله، ولم يتدبروا أن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وأن التكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع.

يبين هذا: أن الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات لم يكفروا أكثر مَنْ تكلم بهذا الكلام بعينه»

(1)

.

وبه اختتام هذا الرد على المالكي في كتابه: «مناهج التعليم، قراءة نقدية لمقررات التوحيد لمراحل التعليم العام» .

(1)

مجموع الفتاوى (12/ 489).

ص: 202

أسأل الله العظيم كمَا مَنَّ بإنجاز هذا العمل أن يجعله خالصًا لوجهه، وأن يكون مؤديًا لغرضه، نافعًا لِمَنْ يطلع عليه من المسلمين، والله تعالى أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

كتبه

إبراهيم بن عامر الرحيلي

وكان الفراغ منه يوم الأحد

14/ 11/ 1425 هـ

ص: 203

‌فهرس المصادر والمراجع

1 -

القرآن الكريم.

2 -

الإجماع:

للإمام ابن المنذر، تحقيق: د/ فؤاد عبد المنعم أحمد، ط: الثانية (1411 هـ).

3 -

الأجوبة العراقية على الأسئلة اللاهورية:

للإمام محمود أفندي الحسيني الألوسي، المطبعة الحميدية، بغداد.

4 -

الاستقامة:

لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، تحقيق: محمد رشاد سالم، ط: الثانية (1409 هـ)، توزيع مكتبة السنة.

5 -

أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن:

للعلامة محمد الأمين بن محمد المختار، نشر مكتبة ابن تيمية، الطبعة الأولى

(1408 هـ).

6 -

اعتقاد أئمة السلف أهل الحديث:

جمع: د/ محمد بن عبد الرحمن الخميس، دار إيلاف للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى (1420 هـ).

ص: 214

7 -

الأعلام:

تأليف: خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين بيروت، الطبعة السابعة (1986 م).

8 -

الانتصار لأهل السنة والحديث في رد أباطيل حسن المالكي:

للشيخ العلامة عبد المحسن بن حمد العباد البدر، دار الفضيلة، الطبعة الأولى

(1424 هـ).

9 -

الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء:

للإمام أبي عمر يوسف بن عبد البر (ت 463 هـ)، دار الكتب العلمية.

10 -

أوائل المقالات في المذاهب المختارات: [من كتب الرافضة]

للمفيد بن محمد بن محمد النعمان، نشر دار الكتاب الإسلامي، بيروت، لبنان

(1403 هـ/ 1983 م).

11 -

إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل:

للإمام محمد بن إبراهيم بن جماعة، تحقيق: وهبي سليمان الألباني، دار السلام.

12 -

بدائع الفوائد:

للإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية (ت 751 هـ)، تحقيق: معروف مصطفى زريق، وزميليه. دار الخير، الطبعة الأولى (1414 هـ).

13 -

البداية والنهاية:

للحافظ عماد الدين بن كثير، تحقيق: عبد الله التركي، ط: الأولى، دار الهجرة للطباعة.

ص: 215

14 -

بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمد [من كتب الرافضة]

لأبِي جعفر بن محمد بن الحسن الصفار، منشورات الأعلمِي، طهران.

15 -

تاريخ بغداد:

للإمام أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي (463 هـ)، المكتبة السلفية بالمدينة المنورة.

16 -

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي:

للإمام أبي العلاء محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري (ت 1353 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

17 -

تفسير ابن الجوزي (زاد المسير في علم التفسير):

للإمام أبي الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، ط: الرابعة

(1407 هـ)، المكتب الإسلامي.

18 -

تفسير ابن كثير (تفسير القرآن العظيم):

للحافظ عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير، تحقيق: سامي بن محمد السلامة، ط: الثانية: (1422 هـ)، دار طيبة.

19 -

تفسير البغوي (معالم التنزيل):

للإمام أبي الحسن محمد بن الحسين البغوي، تحقيق: خالد بن عبد الرحمن العك، مروان سوار، ط: الأولى (1406 هـ)، دار المعرفة.

ص: 216

20 -

تفسير السعدي (تيسير الكريم الرحمن في تفسير القرآن):

للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، (ت 1376 هـ)، طبعة جمعية إحياء التراث الإسلامي، الكويت، الطبعة الخامسة (1421 هـ).

21 -

تفسير الطبري (جامع البيان في تأويل القرآن):

لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

22 -

تفسير القرطبِي (الجامع لأحكام القرآن):

للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي، تعليق: محمد إبراهيم الخضاري، خرج أحاديثه د/ محمود حامد بن أحمد، ط: الأولى (1414 هـ)، دار الحديث.

23 -

تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد:

للشيخ العلامة سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، دار الفكر، بيروت، لبنان، خرج أحاديثه: الشيخ عرفات العشا، دققه وقرأه: صدقي محمد جميل.

24 -

جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم:

لزين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين بن رجب الحنبلي، تحقيق: د/ وهبة الزحيلي، المكتبة التجارية، مصطفى أحمد الباز، ط: الأولى (1413 هـ).

25 -

الجرح والتعديل:

للإمام أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، (ت 327 هـ)، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا.

ص: 217

26 -

الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي:

للإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية (ت 751 هـ)، تحقيق: سعيد محمد اللحام، بهيج غزاوي، مكتبة المعارف، الرياض.

27 -

الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة:

للحافظ قوام السنة أبي القاسم إسماعيل بن محمد الأصبهاني، دار الراية للنشر، الطبعة الأولى، (1411 هـ)، تحقيق: د/ محمد ربيع مدخلي (الجزء الأول)، والشيخ محمد أبو رحيم (الجزء الثاني).

28 -

الحكومة الإسلامية: [من كتب الرافضة]

للخميني، من منشورات المكتبة الإسلامية الكبرى.

29 -

حلية الأولياء وطبقات الأصفياء:

للحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، الناشر: مكتبة الخانجي، بمصر.

30 -

الدرر السنية في الأجوبة النجدية:

مجموعة رسائل لعلماء نجد الأعلام، جمع: عبد الرحمن بن قاسم، ط: الخامسة

(1413 هـ).

31 -

الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد:

للإمام محمد بن علي الشوكاني، علق عليه وخرج أحاديثه: أبو عبد الله الحلبِي، دار ابن خزيمة.

ص: 218

32 -

درء تعارض العقل والنقل:

لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، تحقيق: د/ محمد رشاد سالم، دار الكنوز الأدبية.

33 -

ذم الكلام وأهله:

للإمام أبي إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي الهروي، تحقيق: أبي جابر عبد الله ابن محمد عثمان الأنصاري، مكتبة الغرباء الأثرية، الطبعة الأولى (1419 هـ).

34 -

الرد عل من أنكر الحرف والصوت:

للإمام الحافظ أبي نصر عبيد بن سعيد السجزي (ت 444 هـ)، تحقيق: د/ محمد با كريم با عبد الله، الطبعة الأولى (1413 هـ)، المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية.

35 -

الرد على البكري (كتاب الاستغاثة):

لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، تحقيق: أبي عبد الرحمن محمد بن علي عجال، ط: الأولى (1417 هـ)، مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة النبوية.

36 -

الرد على الجهمية:

للإمام أبي سعيد عثمان بن سعيد الدارمي، تحقيق: زهير الشاويش، تخريج محمد ناصر الدين الألباني، ط: الرابعة (1402 هـ)، المكتب الإسلامي.

37 -

الرد على القائلين بوحدة الوجود:

تأليف: العلامة علي بن سلطان القارئ، تحقيق: علي بن رضا، دار المأمون للتراث، دمشق، الطبعة الأولى (1415 هـ).

ص: 219

38 -

الردود:

للشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد، دار العاصمة، الطبعة الأولى (1414 هـ).

39 -

روح المعاني:

للعلامة أبي الفضل شهاب الدين السيد محمود الألوسي، تعليق: محمد أحمد الأمد وعمر عبد السلام، ط: الأولى (1412 هـ)، دار إحياء التراث، بيروت، لبنان.

40 -

روضة العقلاء ونزهة الفضلاء:

للإمام الحافظ أبي حاتم محمد بن حبان البستي (ت 354 هـ)، تحقيق: محمد عبد الرزاق حمزة، محمد حامد فقي، دار الكتب العلمية، طبعة (1397 هـ).

41 -

سبل السلام شرح بلوغ المرام:

للإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني (ت 1182 هـ)، خرج أحاديثه محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

42 -

السنة:

لأبي بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال، تحقيق: د/ عطية الزهراني، ط: الأولى (1410 هـ)، دار الراية للنشر والتوزيع.

43 -

السنة:

لأبي بكر عمرو بن أبي عاصم الضحاك الشيباني (ت 287 هـ)، المكتب الإسلامي، تحقيق: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الثانية، (1405 هـ).

ص: 220

44 -

السنة:

للإمام عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: د/ محمد سعيد القحطاني، ط: الأولى، دار ابن القيم.

45 -

سنن ابن ماجه:

للإمام الحافظ أبي عبد الله بن يزيد القزويني، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، مطبعة دار إحياء الكتب العربية.

46 -

سنن أبي داود:

للإمام سليمان بن الأشعث السجستاني، دار الحديث للطباعة والنشر، سوريا.

47 -

سنن الترمذي (الجامع الصحيح):

لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي، تحقيق: إبراهيم عطوة، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، بمصر.

48 -

سنن الدارقطني:

للإمام الحافظ علي بن عمر الدارقطني، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، والشيخ علي محمد عوض، دار المعرفة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى (1422 هـ).

49 -

سنن الدارمِي:

للإمام الحافظ عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، تحقيق: فؤاد أحمد زمرلِي، وخالد السبع العلمي، دار الريان، الطبعة الأولى (1407 هـ).

ص: 221

50 -

سير أعلام النبلاء:

للإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، ط: التاسعة (1413 هـ)، مؤسسة الرسالة.

51 -

شذرات الذهب في أخبار من ذهب:

للإمام أبي الفرج عبد الحي بن العماد الحنبلي (1089 هـ)، دار المسيرة، بيروت، الطبعة الثانية (1399 هـ).

52 -

شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة:

للإمام أبي القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللالكائي، تحقيق: د/ أحمد بن سعد حمدان الغامدي، الناشر: دار طيبة، الرياض.

53 -

شرح العقيدة الطحاوية:

للإمام علي بن علي بن أبي العز الحنفي، تحقيق: د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي، شعيب الأرناؤوط، ط: الثانية (1413 هـ)، مؤسسة الرسالة، بيروت.

54 -

شرح حديث جبريل (الإيمان الأوسط):

لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، تحقيق: د/ علي بن بخيت الزهراني، ط: الأولى (1423 هـ)، دار ابن الجوزي.

55 -

شرح صحيح مسلم:

للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي، ط: الأولى (1347 هـ)، المطبعة المصرية بالأزهر.

ص: 222

56 -

الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة:

للإمام عبيد الله محمد بن بطة العكبري، تحقيق: رضا بن نعسان معطي، المكتبة الفيصلية، مكة المكرمة.

57 -

الشريعة:

للإمام أبي بكر محمد الحسين الآجري، تحقيق: د/ عبدالله ابن عمر الدميجي، ط: الأولى (1418 هـ)، دار الوطن.

58 -

شعب الإيمان:

للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458 هـ)، تحقيق: أبي هاجر محمد السعيد، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى (1421 هـ).

59 -

صحيح البخاري:

للإمام محمد بن إسماعيل البخاري، المطبوع مع فتح الباري لابن حجر، (انظر: فتح الباري).

60 -

صحيح الجامع الصغير:

للشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني، ط: الثانية (1408 هـ)، المكتب الإسلامي.

61 -

صحيح سنن ابن ماجه:

للشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني، نشر مكتب التربية العربي لدول الخليج، ط: الأولى (1407 هـ).

ص: 223

62 -

صحيح سنن أبي داود:

للعلامة محمد بن ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الثانية

(1421 هـ).

63 -

صحيح سنن الترمذي:

للعلامة محمد بن ناصر الدين الألباني، نشر مكتبة المعارف، الرياض، (1422 هـ).

64 -

صحيح مسلم:

للإمام مسلم بن الحجاج، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، المكتبة الإسلامية للطباعة، إستانبول، تركيا.

65 -

الصارم المسلول على شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم:

لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، من توزيع إدارات البحوث العلمية، دار الكتب العلمية، (1398 هـ).

66 -

الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة:

للإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية (ت 751 هـ)، تحقيق: د/ علي بن محمد الدخيل الله، دار العاصمة، الرياض، الطبعة الثانية (1412 هـ).

67 -

صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان:

للعلامة محمد بشير السهشواني الهندي (ت 1326 هـ)، مطابع نجد التجارية، الرياض، الطبعة الخامسة (1395 هـ).

ص: 224

68 -

العبودية:

لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية (ت 728 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى (1401 هـ).

69 -

عقيدة السلف وأصحاب الحديث:

للإمام أبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني، النشرة الأولى (1415 هـ)، تحقيق: د/ ناصر بن عبد الرحمن الجديع، دار العاصمة، الرياض.

70 -

العقيدة الطحاوية:

للإمام أبي جعفر أحمد بن محمد الطحاوي، المطبوع مع شرح الطحاوية، لابن أبي العز. (انظر: شرح الطحاوية).

71 -

العقيدة الواسطية (المطبوعة مع شرح الشيخ صالح الفوزان):

لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية (ت 728 هـ)، دار الفيحاء، دمشق دار السلام، الرياض، الطبعة الأولى (1414 هـ).

72 -

عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام:

تأليف: د/ ناصر بن علي عائض حسن الشيخ، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الثانية (1415 هـ).

73 -

علم اليقين في أصول الدين: [من كتب الرافضة]

لمحمد بن المرتضى، المدعو بالمولى محسن الكاشاني (لا يوجد مكان الطبع وتاريخه).

ص: 225

74 -

فتح الباري شرح صحيح البخاري:

للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ط: المعرفة، بيروت، لبنان.

75 -

فتح القدير بين فني الرواية والدراية من علم التفسير:

للإمام محمد بن علي الشوكاني، دار الفكر للطباعة والنشر.

76 -

فتح المجيد شرح كتاب التوحيد:

للشيخ العلامة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ (ت 1285 هـ)، راجع حواشيه وعلق عليه: سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، دار الحديث، القاهرة.

77 -

فضائح الباطنية:

لأبي حامد الغزالي، مؤسسة دار الكتب الثقافية الكويت، حَوَلي، تحقيق: عبد الرحمن بدوي.

78 -

قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة:

تأليف: شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية (ت 728 هـ)، تحقيق: الشيخ ربيع بن هادي المدخلي، الطبعة الأولى (1409 هـ).

79 -

القاموس المحيط:

للعلامة محمد بن يعقوب الفيروزأبادي، ط: عالم الكتب، بيروت، لبنان.

80 -

القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى:

للشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين، ط: الثانية (1409 هـ)، من مطبوعات الجامعة الإسلامية.

ص: 226

81 -

القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد:

للشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر، دار ابن عفان، الطبعة الأولى (1417 هـ).

82 -

الكافي: [من كتب الرافضة]

لأبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري. الناشر: دار الكتب الإسلامية، طهران.

83 -

كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب:

للإمام أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة (ت 311 هـ)، طبعة مكتبة الرشد، تحقيق: د/ عبد العزيز بن إبراهيم الشهوان.

84 -

كتاب التوحيد ومعرفة أسماء الله عز وجل وصفاته:

للإمام أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن منده، (ت 395 هـ)، تحقيق: د/ علي بن ناصر فقيهي، طبعة مركز شئون الدعوة بالجامعة الإسلامية.

85 -

الكتاب اللطيف لشرح مذاهب أهل السنة:

للإمام أبي حفص عمر بن أحمد بن شاهين (385 هـ)، تحقيق: د/ عبد الله بن محمد البصري، مكتبة الغرباء بالمدينة النبوية.

86 -

كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون:

لحاجي خليفة، مؤسسة التاريخ العربي.

87 -

كشف مصطلحات الفنون:

للشيخ العلامة محمد بن علي بن علي بن محمد التهانوي، ط: الأولى (1418 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

ص: 227

88 -

الكفاية في علم الرواية:

للإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي (ت 463 هـ)، منشورات المكتبة العلمية بالمدينة المنورة.

89 -

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية بشرح الدرة المضية في عقيدة الفرقة المرضية:

للعلامة محمد بن أحمد السفاريني، ط: الثانية (1405 هـ)، المكتب الإسلامي.

90 -

مجموع الفتاوى:

لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم، وابنه محمد، ط: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.

91 -

مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب:

لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، ط: الأولى (1421 هـ)، دار القلم.

92 -

مجموعة رسائل الحافظ ابن رجب الحنبلي:

لزيد الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي (ت 795 هـ)، تحقيق: أبي مصعب طلعت فؤاد الحلواني

الناشر: الفاروق الحديثة، الطبعة الأولى (1423 هـ).

93 -

مدارج السالكين:

للإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر بن القيم، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.

ص: 228

94 -

مسائل الإمام برواية ابنه عبد الله:

تحقيق: د/ علي بن سليمان المهنا، مكتبة الدار، بالمدينة المنورة، الطبعة الأولى

(1406 هـ).

95 -

المستدرك على الصحيحين:

للإمام أبي عبد الله الحاكم النيسابوي، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط: الأولى (1411 هـ).

96 -

مسند الإمام أحمد:

للإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وجماعة معه، مؤسسة الرسالة، طبع على نفقة خادم الحرمين الشريفين.

97 -

مشكاة المصابيح:

للشيخ محمد بن عبد الله الخطيب التبريزي، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، ط: الثانية (1405 هـ)، المكتب الإسلامي.

98 -

المصنف في الأحاديث والآثار:

للإمام أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، تحقيق: محمد عبد السلام شاهين، ط: الأولى (1416 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

99 -

معجم المؤلفين:

تأليف: عمر رضا كحالة، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى (1414 هـ).

ص: 229

100 -

معجم مقاييس اللغة:

لأبي الحسين أحمد بن فارس، تحقيق: عبد السلام هارون، ط: الأولى، دار الجيل، بيروت.

101 -

المغني:

لموفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، تحقيق: د/ عبد الله التركي، د/ عبد الفتاح محمد الحلو، هجر للطباعة، ط: الأولى

(1406 هـ).

102 -

مفردات ألفاظ القرآن:

للراغب الأصفهاني، تحقيق: صفوان عدنان داودي، دار القلم، دمشق، دار الشامية، بيروت.

103 -

المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم:

للإمام أبي العباس أحمد بن عمر القرطبي، تحقيق: محيي الدين ديب مستو، يوسف علي بدوي، ط: الأولى (1417 هـ)، دار ابن كثير، بيروت، لبنان.

104 -

منهاج السنة في نقض كلام الشيعة القدرية:

لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، تحقيق: د/ محمد رشاد سالم، ط: الأولى (1406 هـ)، أشرف على طبعه: إدارة الثقافة والنشر بجامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية.

ص: 230

105 -

المنهاج في شعب الإيمان:

للإمام أبي عبد الله الحسين بن الحسن الحليمي، تحقيق: حلمي محمد فودة، دار الفكر، الطبعة الأولى (1399 هـ).

106 -

الموافقات في أصول الشريعة:

لأبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي (ت 790 هـ)، ترقيم: عبد الله دراز، المكتبة التجارية، بمصر.

107 -

موقف أهل السنة من أهل الأهواء والبدع:

تأليف: إبراهيم بن عامر الرحيلي، نشر: مكتبة العلوم والحكم، بالمدينة المنورة.

108 -

النهاية في غريب الحديث:

للإمام أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري بن الأثير، أشرف عليه وقدم له: علي بن حسن بن علي بن عبد الحميد، ط: الأولى (1421 هـ)، دار ابن الجوزي.

109 -

نونية القحطاني:

لأبي محمد عبد الله بن محمد الأندلسي القحطاني، تصحيح وتعليق: محمد أحمد سيد أحمد، مكتبة الوادي للتوزيع، الطبعة الأولى (1409 هـ).

110 -

وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان:

لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان، (ت 681 هـ)، تحقيق: د/ إحسان عباس، دار صادر، بيروت.

ص: 231