الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
وبه أستعين
كلمة المحقق
إن الحمد للَّه الخالق البارئ المصوّر جل جلاله.
والصلاة والسلام على المصطَفَى محمد خاتم أنبيائه ورُسُله.
وعلى آله الطاهرين، وصَحبه الأخيار المبجَّلين.
وبعد،
فتعود صلتي بهذا الكتاب إلى أوائل السبعينيّات من القرن الماضي حين كنت أتردّد يوميًّا على "دار الكتب المصرية" عندما كانت في حيّ "باب الخلق" بالقاهرة، وأطالع وأنسخ ما في "مركز تحقيق التراث" التابع لها من مخطوطات، قبل انتقال الدار والمركز إلى شارع "كورنيش النيل" في الموقع الحالي. وكان هذا الكتاب "المخطوط" بين المصادر التي اعتمدت عليها في تأليف كتابي "تاريخ وآثار مساجد ومدارس طرابلس في عصر المماليك" عام 1973، ثم كان بين المصادر المخطوطة التي اعتمدتها في إعداد أُطروحتي بعنوان "طرابلس الشام ونضالها في سبيل العروبة والإسلام"(من الفتح الإسلامي حتى سقوط دولة المماليك) ونلت عليها درجة "الدكتوراه" بمرتبة الشرف الأولى، عام 1976 من قسم التاريخ والحضارة بجامعة الأزهر.
ومنذ ذلك التاريخ كنت أتصفّح هذا المخطوط وأقلّب أوراقه، وأحلُم بأن أراه منشورًا محققًا، لِما يحتويه من معلومات نادرة وأخبار طريفة ومهمّة لم يذكرها غيره، وصاحبه كان شاهد عيان على عصره، ورحّالة طوّف البلاد ما بين آسية الصغرى (تركيا) والأندلس، وتنقّل للتجارة بين بلاد الشام ومصر وليبيا وتونس والجزائر، وأبحر بين الإسكندرية ورودس وتونس، وعبر العدوة بين المغرب والأندلس إلى غَرناطة، فأرّخ ووصف الأماكن والبلدان، والتقى بالسلاطين والوزراء والأمراء والأعيان والعلماء والأدباء، ومارس التجارة والأسفار، والتعليم والتدريس والتأليف والتصوّف، وامتهن الطبابة فبرع، وكان مؤرّخًا عملاقًا موسوعيًّا بكل معنى الكلمة، منافسًا لابن تغري بردي، صديقاً للسخاوي يتبادل وإيّاه الفوائد، أستاذًا
لابن آياس الذي استفاد من مصنّفاته وأفرغ غالب مادّتها في كتابه "بدائع الزهور".
وكان أشدّ ما يحفزني لتحقيق هذا المخطوط، ونفْض غبار الزمان والنسيان عنه، ونشره كون صاحبه "عبد الباسط" أقام في بلدي "طرابلس الشام" أكثر من خمس سنين، ونَهَل علومه الأولى في جامعها "المنصوري الكبير" القريب من سكني، والذي أصلّي فيه أغلب الجُمَع والأعياد. بل إن أباه المؤرّخ "خليل بن شاهين" أقام بها وبنى دارًا وزاوية وتُربة دُفن فيها نزيلاً على اثنين من أولاده، رحمهم الله.
وكنت - ولا أزال - أعجب وأستغرب لقلّة قرّاء هذا المخطوط، إذ لم أر أحدًا يعتمده في قائمة مصادره، سواء في الكتب المحقَّقة، أو المؤلَّفة عن عصر المماليك إلّا ما ندر. ولكنّ اضطراب المخطوط والتقديم والتأخير في ترقيم المجلَّد الأول، ورداءة المجلّد الثاني بكامله تقريبًا، وصعوبة قراءة أغلب أوراقه لعدم وضوح كتابتها ومَسْحها تمامًا، فضلًا عن الحواشي الكثيرة على جوانب الصفحات وضياع بعضها مع تآكل أطراف الأوراق
…
كان يصرفني عن تحقيقه، تمامًا كما سبق وحصل لي مع مخطوط "المقتفي على كتاب الروضتين" للبرزالي، وهو مطموس ورديء جدًّا، وأعانني الله سبحانه على تحقيقه.
وأعتقد أن سوء نسخة "الروض الباسم"، وعدم وجود نسخة أخرى منه تساعد على المقارنة والمقابلة، وقراءة ما غمض من كلمات، وتعوّض الضائع والناقص والممسوح والمطموس، وغيره، هو السبب الذي جعل الباحثين والمحقّقين ينصرفون عن تحقيقه، نذكر منهم الدكتور "محمد محمد عامر" الذي كتب بحثًا عن مخطوط "الروض الباسم" في حوليّة كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، سنة 77 - 1978 وتمنّى أن يقوم بتحقيقه بمشاركةٍ من زميله الدكتور "طاهر راغب". وها قد مرّ على الأُمنية أكثر من ثلاثين عامًا، ولما يُبصر عملهما النور!!
ولما كنت قد وُفّقت بعون الله تعالى بتحقيق مخطوط "نَيل الأمل في ذيل الدول"، ومخطوط "المجمع المُفَنَّن بالمعجم المُعَنْوَن" للمؤلّف "عبد الباسط بن خليل"، وجدت أنه لا ينبغي بقاء هذا السفْر النفيس دون عناية لا يعرفه إلّا القليل القليل من المهتمّين وعشّاق التراث.
لذلك عقدت العزم، وبادرت، بعد الإتكال على الله سبحانه والاستعانة به، إلى نسْخ المخطوط والبدء بتحقيقه في صباح يوم الأحد 24 ذي القعدة 1431 هـ/ الموافق 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 م.
وكتبت هذه الكلمة بعد عصر يوم الثلاثاء 19 من شهر رجب الخير 1432 هـ / 21 حزيران (يونيه) 2011 م.
فلله المنّة، وله الحمد في الأولى والآخرة.
طالب العلم وخادمه
أبو غازي
عمر عبد السلام تدمري
طرابلس الشام المحروسة - هاتف وفاكس المنزل
009616629436
المؤلّف وسيرته
(1)
وُلد المؤلّف بمدينة ملطية في ليلة الأحد حادي عشر رجب من سنة 844 هـ. حين كان أبوه نائبها.
أمّه أمّ ولد سَريّة، اسمها "شُكْرباي"، تزوّج بها والده بعد عتْقها، وكانت - حسب قوله - من خيار نساء عصرنا دينًا وخيرًا - ماتت بدمشق في نفاسها سنة 852، ومات ولدها الذي وَضَعَتْه بعدها بأيام
(2)
، وعُمُر المؤلّف 8 سنين.
وكان له أخ من أبيه يدُعى "يوسف بن خليل"، مات في سنة 848 هـ. وهو صغير حيث وُلد في سنة 843 هـ، وأمّه أمّ ولد أرضعته معه، وكان المؤلّف يحبّها، ولهذا كانت أكثر إقامتها عنده لمحبّته لها، ولتقديره لمقامها، إذ كانت عنده بمقام والدته، وهي عتيقة والده، وكانت خيّرة ديّنة، كثيرة الصيام والقيام وكثيرة الذِّكر والأوراد، وهي ممن تنتمي لوالدته وبينهما محبّة أكيدة
(3)
. (انظر مشجّرة الأسرة).
في طرابلس الشام:
وفي شهر جمادى الأولى سنة 859 هـ. انتقل مع أبيه إلى طرابلس، حيث أُعطي أبوه إمرة عشرين بها، وتفرّغ للتأليف والتدريس والمطالعة، وفي أول نزولهما طرابلس نزل والده في دار عيسى التاجر الطرابلسي، أحد التجار المياسير بها، وبقي بها مدّة
(4)
. ثم قام بعمارة أمكنة فوق الجبل المُطِلّ على محلّة العُوَيراتية بأطراف المدينة
(5)
، وسكن في دار تحت الجبل المذكور بالقرب من دار معبّر
(1)
ستأتي ترجمة جدّه وأبيه "خليل بن شاهين" في تراجم المتوفين سنة 873 هـ. في الجزء الرابع من الكتاب.
(2)
الروض الباسم 1/ ورقة 13 أ.
(3)
الروض الباسم 1/ ورقة 31 أ.
(4)
الروض الباسم 3/ ورقة 105 أ.
(5)
محلة العُويراتية، هي المحلّة التي فيها حاليًّا مقابر المسلمين بطرابلس المعروفة بجبّانة باب الرمل، إلى الجنوب من المدينة، ويحدّها شرقًا الجبل المُطِلّ عليها ويُعرف الآن بأبي سمراء، ومن الغرب جامع الأمير سيف الدين طينال الأشرفي الحاجب. وهي من أقدم محلّات طرابلس المملوكية، يُرجّح أن نسبتها إلى "العُويراتية" أو "الأويراتية" وهم قوم من المغول فرّوا من قائدهم غازان إلى دولة المماليك في سنة 695 هـ/ 1296 م. فأنزلهم السلطان العادل كتبُغا على =
الأحلام محمد بن محمد بن سليمان الأوزاعي الدمشقي، المعروف بالبابا
(1)
.
وكان والد المؤلّف "خليل" على علاقة طيبة مع الأمير سيف الدين حاج إينال اليشبُكي
(2)
، وبينهما صحبة ومحبّة أكيدة، وكان النائب يحبّه جدًّا ويعظّمه
(3)
، وهو الذي سعى بتولية "شاذ بك الصارمي" في إمرة عشرين وحجوبية حجّاب طرابلس
(4)
. وكان كثير التودّد إليه أثناء إقامته بطرابلس. كما كانت لوالده صحبة ومحبّة أكيدة مع "تمراز الإينالي الأشرفي" أمير طبلخاناه بطرابلس
(5)
. وعندما تولّى نيابة السلطنة الأمير "إياس المحمدي الناصري الطويل" في سنة 863 هـ
(6)
. نشأت صداقة بينه وبين "خليل" والد المؤلّف، فكان يجتمع به ويتحاور معه في بعض
= الساحل بين عتليت وقاقول، في فلسطين. ويظهر أن جماعة منهم وصلوا إلى طرابلس وأقاموا في المكان الذي نُسِب إليهم. (نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري 31/ 299، نزهة الناظر لليوسفي ص 169 بالحاشية) وقد ظلّت المحلّة تحمل اسمهم وتُعرف بالعُويراتية حتى العصر العثماني، انظر: دفتر مالية لواء طرابلس، رقم 1017 من محفوظات أرشيف الوثائق العثمانية برئاسة الوزارة التركية، استانبول (المحلة رقم 22) وكان يسكنها بين سنتي 926 - 943 هـ/ 1520 - 1537 م، (18 أسرة) كلهم من المسلمين. وورد ذِكرها في: دفتر مفصَّل لواء طرابلس رقم 373، المحلّة ذاتها رقم 22، وكان يسكنها قبل سنة 962 هـ/ 1555 م. (28 أسرة) كلّهم من المسلمين. وذُكرت أيضًا في: دفتر إحصاء لواء طرابلس، رقم 513 لسنة 979 هـ. المحلّة رقم 13 وقد انخفض سكانها إلى 13 أسرة. وهي مذكورة أيضًا في سجلّات المحكمة الشرعية بطرابلس. انظر: السجلّ رقم 3 - لسنة 1088 هـ ص 112 وفيه: "محلّة العويراتية ظاهر طرابلس"، وسجلّ 48 ص 173 (1230 هـ)، وسجلّ 42 ص 68 وفيه:"حارة العويراتية ظاهر المحمية في جبانة باب الرمل"، وسجل 43 ص 39 لسنة (1233 هـ). وبقي اسم المحلّة معروفًا حتى سنة 1253 هـ. على الأقل حيث، ورد ذكرها في السجل 55 ص 156.
ويُنسب إليها: "أوَيس بن العُوَيراتي الطرابلسي" حاجب الحجّاب بها، وهو من أعيان أهلها. وكان موجودًا سنة 892 هـ.
قال المؤلّف: "عبد الباسط": والعويراتي غلط عن الأويراتي. نسبة إلى الأوراتية، طائفة معروفة. (المجمع المفنَّن، ورقة 375، رقم 835).
(1)
الروض الباسم 3/ ورقة 106 أ.
(2)
تولّى نيابة السلطنة بطرابلس في عهد السلطان الأشرف إينال، بين 859 - 863 هـ. وهو توفي سنة 866 هـ. انظر: تاريخ طرابلس 2/ 51، رقم 120؛ والمجمع المفنّن، ورقة 396، رقم 887.
(3)
الروض الباسم 2/ ورقة 43 أ.
(4)
الروض الباسم 2/ ورقة 69 أ.
(5)
الروض الباسم 3/ ورقة 138 أ، المجمع المفنّن، رقم (1080).
(6)
تولّى النيابة بطرابلس من سنة 863 حتى سنة 866 هـ. (تاريخ طرابلس 2/ 51، رقم 121)، المجمع المفنّن، رقم (845).
الأمور
(1)
. وقد أقام المؤلّف مع أبيه بطرابلس نيّفاً وخمسة أعوام، تلقّى العلوم في أثنائها على الشيوخ الطرابلسيّين، وعلى من كان ينزل بها من شيوخ دمشق وغيرها، فضلًا عمّا يأخذه ويسمعه من والده، وممّا سمعه منه، عن شيخ أبيه أحمد بن محمد بن عبد الله بن سعد بن مصلح بن أبي بكر القيسي القدسي، الديريّ (المتوفّى 867 هـ). الأبيات التالية:
هي الدنيا الدنيّة فاحذروها
…
فليس لها على أحدٍ ثبات
وبأوّلها وأوسطها انقلاب
…
على كدرٍ وآخرها شتات
وغايتها المما (
…
) بهذا
…
إذا لم يكن إلّا الممات
ولكن (بعدها) أشياء تذهل
…
لغدٍ عن البنين الأُمّهات
فويل عند ذلك أي؟
…
لعاصٍ أو بغتة السيئات
ويا فوز العبد بالحشر
…
عن النار المسعرة النجاة
(2)
ومن شيوخه بطرابلس عالمها وخطيبها ومدرّسها تاج الدين عبد الوهاب بن محمد بن زُهرة الحِبْراصيّ
(3)
الأصل، الطرابُلُسيّ، وكان وُلد بها سنة 806 هـ، ونشأ فيها، وأقام متصدّرًا للتدريس في جامعها المنصوريّ الكبير، والإفتاء، والخطابة، ذكره المؤلّف رحمه الله في كتابه هذا "الروض الباسم" فقال:"الشيخ تاج الدين عبد الوهاب بن زُهرة، فقيه طرابلس الآن ومفتيها وخطيبها وابن خطيبها، وهو ممن أخذت عنه بل وقرأت عليه، وحضرت دروسه بجامع طرابلس، وكان بها في سنة 862 وما بعدها إلى أن خرجنا منها في سنة 865 أو قبلها بيسير"
(4)
.
ومن شيوخه بطرابلس أيضًا: محمد بن محمد بن سليمان الأوزاعي، الدمشقي، الصالحي، الطرابلسي، المعروف بالبابا. قال المؤلّف:"وكنت قد لازمته كثيرًا في الفقه والتعبير، وأخذت عنه الكثير وانتفعت به فيها"
(5)
.
وسمع بها من الأديب "أحمد بن العطّار المصياتي الأصل، الطرابلسي الشافعي" أحد أعيانها، وكان يملك قاعة وملْكاً حسناً بطرابلس، ويسكن القاعة
(1)
الروض الباسم 2/ ورقة 33 ب.
(2)
الروض الباسم 2/ ورقة 68 ب.
(3)
الحِبْراصي: نسة إلى حِبراص، بكسر الحاء المهملة، وآخره صاد مهملة أيضًا. بلد بحوران من الشام.
(4)
الروض الباسم 1/ ورقة 97 أ.
(5)
الروض الباسم 3/ ورقة 39، 44.
بجوار مسجد الخشب
(1)
، ويتكلّم في ديوان الإنشاء بالمدينة، وكتب إجازة لوالده نثرًا وفيها نظم، فسمع "عبد الباسط" من نظمه ونثره كثيرًا، من سنة 861 - 865 هـ، وكان جارًا لهم بطرابلس، وقد اجتاز أخوه الأكبر منه "أبو الفضل محمد بن خليل" ببابه مرة فكتب على حائط داره شيئًا، فلما رأى الكتابة كتب تحتها:
لَعَمْري لقد أبدى ذكاءً وفطنةً
…
بحُسنٍ وإحسانٍ ووجهٍ جميل
فلا عَجَبًا أن يُشبه الليث شِبلُهُ
…
فكيف ومن نجْل الأمير "خليل"
(2)
وفي أثناء إقامته بطرابلس مع أبيه دخلها المحدّث، التاجر، أبو إسحاق، إبراهيم بن عبد الوهاب بن عبد السلام بن عبد القادر البغدادي، القاهري، الحنبلي، وأقرأ فيها، فسمعه بها
(3)
.
وسمع شيئًا من "الصحيحين" وغيرهما على قاضي طرابلس "أبي بكر بن محمد بن محمد بن أيوب البعلبكي، الطرابلسي الحنبلي"
(4)
.
وسمع الأديب "تغري بردي بن الطرابلسي الحنفي"، وكان يكتب لوالده وهو مقيم بطرابلس عدّة كتابات، ويمدحه من شعره في سنة 864 هـ. فجعل في أوائل كل بيت حرفًا من حروف اسمه "تغري بردي" منه:
تعطّفْ واغتنم يا حُبّ أجري
…
فلي دمعٌ من الأنواء أجْرَى
غرقتُ به فجُد لي حان صبري
…
وعاد الحلو بعد الهجر صبرا
يذوب ويضمحلّ الان (
…
) ولي دمع من الأنواء أثْرى
بفضلك يا عليل الفضل اقري
…
سلامك لي ونظمي الآن اقرا
(1)
مسجد الخشب: في محلّة مسجد الخشب بطرابلس، ورد ذكره في وثائق الأرشيف العثماني، وهو قريب من جبّانة باب الرمل، نرجّح أنه كان يُصلَّى فيه على الجنائز، كان موجودًا أيام المماليك، ولا نعرف من بناه. انظر: محلّات طرابلس القديمة، مواقعها، أسماؤها، سكانها من خلال الوثائق العثمانية - من إعدادنا - في كتاب: المؤتمر الأول لتاريخ ولاية طرابلس إبّان الحقبة العثمانية - منشورات الجامعة اللبنانية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الفرع الثالث - (طرابلس) أيار (مايو 1995) ص 105، رقم 10، وبحث الأوقاف الإسلامية في طرابلس الشام من وثائق الأرشيف العثماني وأهميتها في رصد حركة العمران - نُشر في الكتاب الصادر عن المؤتمر الدولي السابع لتاريخ بلاد الشام - عمان 1431 هـ/ 2010 م. المجلّد الرابع الخاص بلبنان - ص 54 رقم (30).
(2)
المجمع المفنّن، رقم (582).
(3)
الضوء اللامع 4/ 27، رقم (82)
(4)
المجمع المفنّن، رقم (200).
ومنه:
فنظمي قد أتاك كمثل قدري
…
وأنت أجلُّ - يا مولاي - قدرا
وعارَضَ "التّقيّ بن حجّة الحموي" بموشّح هذا أوله:
ما سَلَّ مهَنَّدًا من الأجفانِ
…
بالسِحر سُقي
إلّا وملا دمعي دما أجفاني
…
وازداد حُرَقي
قال المؤلّف عبد الباسط: "هذا ما حضرني من موشّحه. وكنت أحفظ الكثير من شعره، فإنني جالسته كثيرًا حيث كان يكتب للوالد في دارنا بطرابلس، وكتبت عنه من نظمه شيئًا كثيرًا، وأنشدني إيّاه، لكنّه شتّ الآن عنّي إلّا ما أثبتّه هاهنا، وضاع المكتوب أيضًا. لكنّه له ديوان شِعر، لو وجدته لنقلت عنه ما كان أنشدنيه
…
وكان عهدي به في سِنيّ أربع وستين وثمانمائة".
وقال في آخر ترجمته: "وبالجملة فكان غير مُعدَم من فضيلة بالنسبة إلى تلك البلاد، لا سيما طرابلس، فإنها غريبة عن العلم والعلماء غالبًا، لا سيما في هذه الأزمان، وبالله المستعان"
(1)
!
وكان "إبراهيم بن عبد الرحمن الطرابلسي" في مرحلة الصِّبا والشباب حين تعانى الخط المنسوب، وفاق أقرانه بالكتابة بقلم النسْخ، فكان يكتبه جيّدًا، ولهذا عُرف بالناسخ، ونسخ عدّة كتب لوالد المؤلّف ولازمه مدّة وهو بطرابلس، وكتب له كثيرًا
(2)
.
كذلك يؤسفنا أن كتابه: "المجمع المفنَّن بالمُعجَم المُعَنْون" لم يكتمل، بل لم يصلنا منه سوى جزء يسير يتضمّن تراجم الأعلام على أربعة حروف، من الألِف حتى الثاء، وبعض الحرف الخامس (الجيم)، من أصل 28 حرفًا مجموع الحروف الأبجدية، وبذلك فاتنا الكثير من أخباره، وأخبار أبيه وأهل بيته بطرابلس.
وكل الذي عرفناه من أخبار تلك الفترة: أنه مرض سنة 865 هـ، وكان بطرابلس طبيب غَرناطيّ من الأندلس، هو "إبراهيم بن يونس" فعالجه ونجح في علاجه
(3)
.
وماتت عمّته - أخت أبيه - "صفَرْ مَلَكٌ" في العام 861 هـ.
وفي شهر شوال من السنة نفسها مات دوادار والده "تغري بردي التركماني"
(1)
المجمع المفنّن، رقم (1044).
(2)
المجمع المفنّن، ج 1/ ص 195 رقم (59).
(3)
المجمع المفنّن، رقم (143).
بعد أن طال مرضه، وكان موته عند أقاربه بجبل الأقرع من أعمال طرابلس، وخلّف زوجته وبنتًا لهما في دار والد المؤلّف. وكانت زوجته إحدى أمّهات أولاد الوالد "خليل بن شاهين"
(1)
.
ووُلد للمؤلّف أخ بطرابلس في عام 863 هـ. اسمه "إبراهيم"، وأمّه أمّ ولد، اسمها "بلبل"، وهي تركية، ولم يعش سوى تسع سنين، إذ مات بعد عودة أبيه من العراق إلى طرابلس في أواخر سنة 872 هـ. فصنع له تابوتًا ودفنه في مدفنه الذي كان أعدّه لنفسه بطرابلس
(2)
.
ومن المعلومات التي ذكرها وهو بطرابلس:
أن الأمير "إياس المحمدي الناصري الطويل" لما تولّى نيابة السلطنة سنة 863 هـ. كان لدخوله إليها يوم مشهود، ولكنّه باشرها بظلم وعسف، مع التظاهر بالفسق واللواط وشُرب الخمر، وأنه صنع كأساً من ذهب، وزنه فوق الرطلين بالشامي، ليشرب به الخمر، واستقر بطرابلس عن قلّة دين هو وولده "رجب"، وكثرة ظلم وشَرَهٍ لأخذ أموال الناس. وقال المؤلّف:"وأخبرني الوالد عنه أنه اشتمّ منه رائحة الخمر في يوم الجمعة، وهو في الصلاة بجامعها الكبير"
(3)
.
وأن الأمير "إينال اليحياوي الظاهري، المعروف بالأشقر" الذي تولّى نيابة حلب، ومَلطية، وغزّة، وطرابلس، كان يجتاز في سفره إلى الجون (هو جون الإسكندرون عند آياس) في دولة الأشرف إينال بطرابلس، وأنه نزلها مرة، وهو بها مع والده، وبقي بها شهورًا ساكنًا بقاعة من باب آقطُرق
(4)
، بالقرب من مدرسة أرغون شاه
(5)
.
ويحتمل أن المؤلف أنجز أول مؤلفاته وهو بطرابلس حيث وصَلَنا له: "إجابة
(1)
المجمع المفنّن، رقم (1052).
(2)
الروض الباسم 4/ ورقة 190 ب.
(3)
المجمع المفنّن، رقم (845).
(4)
باب آق طُرق: أحد بوابات طرابلس القديمة في عصر المماليك، نسبة إلى الأمير "سيف الدين آقطرق الحاجب" صاحب المدرسة المعروفة بـ "السَقْرقيّة"، وهي على بعد نحو 50 مترًا من البؤابة التي كانت عند الزاوية الجنوبية الشرقية من مدرسة أرغون شاه. (محلات طرابلس القديمة
…
بحث لنا سبق ذكره - ص 113، رقم 18)، ويُعرف الآن بباب الرمل، وقد أزيل وبقيت بعض آثاره.
(5)
مدرسة أرغون شاه، وتعرف بزاوية أرغون شاه. وحاليًا: جامع أرغون شاه. نسبة إلى الأمير "أرغون شاه الإبراهيمي المنجكي" نائب السلطنة بطرابلس (796 - 800 هـ). أُنظر عنه في كتابنا: تاريخ وآثار مساجد ومدارس طرابلس في عصر المماليك - طرابلس - دار البلاد 1394 هـ/ 1974 م. - ص 217 وما بعدها.
السائلين في شرح عمدة الطالبين ورغبة الراغبين"، في الفقه، وهو بخطه في سنة 864 هـ
(1)
. وكان لا يزال في دمشق.
في دمشق:
وفي شهر جمادى الآخر من سنة 865 هـ. نراه مع والده وأهله في دمشق، وفيها شهد حضور "وليّ الدين أحمد بن محمد بن محمد بن عمر بن رسلان البُلْقيني" ليتولّى القضاء الأكبر بدمشق، وخطابة جامعها الأموي، وكان لدخوله إليها يوم مشهود، وكذلك كانت أول خطبة يخطبها في الجامع من مشاهير الأيام. وقال: "حضرت في ذلك اليوم بالجامع الأموي لسماع خطبته، فشنّف الأسماع بعبارته وطِيب نغمته، لعلّي لم أسمع مثله إلى الآن في حُسن عبارته وفصاحته وشجاوة صوته ونغمته وحلاوة ذلك وطلاوته. وكان ما يخطب به من إنشائه، ثم عمل مجلسًا بعد الصلاة للوعظ هائلًا، ولم أسمع مثله قبله. ثم حضرت بعد ذلك عدّة مجالس من وعظه وخُطَبه، فكان إلى ذلك المنتهى
…
رأيته بدمشق يصعد المنبر وعليه الجُبّة السِّمَّور، مسبولة الطوق إلى عجزه وأسفل منه"
(2)
.
ويخبرنا "عبد الباسط" أن الدار التي سكنوها بدمشق كانت دار "كمشبُغا طولوا" بالقرب من عين دار البطّيخ، والتي جدّد آثارها حاجب الحجّاب بدمشق "إبراهيم بن بَيْغوت"، وأنشأ حمّامًا بقربها
(3)
.
في القاهرة:
لم تطُل إقامة "عبد الباسط" مع والده بدمشق، إذ عادا إلى القاهرة أواخر العام 865 هـ. وسكن مع والده بدار زوجته "أصيل باي" التي تقدّم ذِكرها، فهرع أصحاب أبيه للسلام عليه، وكان الشيخ "عَلَم الدين، صالح بن عمر بن رسلان البُلْقيني"(ت 868 هـ) ممن جاء للتهنئة، فدعا "خليل" ولدَه "عبدَ الباسط" لرؤيته وتقبيل يديه، فساعةَ وقع نظر "البُلقيني" عليه أجَلَّه واحترمه، وأخذ والده يُثني عليه، ويصفه بالعلم والذكاء. ثم اصطحبه أبوه معه إلى مجلس قاضي القضاة الحنفية "أحمد بن الدَيْري" بالمدرسة المؤيَّديّة
(4)
، فسأله عن مسألة في الفرائض، فأجابه
(5)
.
(1)
انظر مصنّفات المؤلّف في ما يأتي لاحقًا.
(2)
المجمع المفنّن، ج 1/ 572، رقم (538).
(3)
المجمع المفنّن، 1/ 166، رقم (22).
(4)
المدرسة المؤيَّديّة: هي المدرسة التي أنشأها السلطان المؤيَّد شيخ المحمودي بالصُةَّة تجاه القلعة. (بدائع الزهور 2/ 38، المواعظ والاعتبار، للمقريزي - تحقيق د. أيمن فؤاد سيد - لندن، مؤسسة الفرقان 1424 هـ / 2003 م. - ج 4 ق 2/ 672).
(5)
الروض الباسم 2/ ورقة 10 ب، 11 أ.
ومن المرجح أنه تزوّج في هذه المدّة وهو في القاهرة من المدعوّة "شُكْرْباي" وسيأتي ذكرها لاحقًا.
في الصعيد:
وفي 15 ربيع الأول سنة 866 هـ. خرج المؤلّف رحمه الله من القاهرة إلى الصعيد، وبقي هناك نحو ثلاثة أشهر، اشترى خلالها كتّانًا برسم الإتجار به في بلاد المغرب، وأنفق في ثمنه نحو 650 دينار
(1)
.
في بَنْها:
ولما كان ببَنْها قرب النُّوَيرة أُرجف بالتَّعرّض لهجوم من عربان تلك البلاد للنهْب، وخاصّة نَهْب تجّار المغرب، وهناك رأى حادثا مروِّعًا، وهو أن تمساحًا التقم امرأة وهي تغسل متاعها في النيل بالبلاد القِبلية، وأن إنسانًا من أهل تلك الناحية يُدعَى "أبو عَوكل"، معروف بصيد التماسيح قام بصيد ذلك التمساح، وخرج الناس لرؤيته، وعايَنَه هو فرآه على صفة هائلة.
كما رأى بالوجه القِبلي شخصًا له فمان وأربعة عيون وأربعة آذان وأنفان
(2)
.
في بولاق:
ولما عاد من الصعيد إلى القاهرة أقام يومًا بساحل بولاق.
في الإسكندرية:
وسافر من القاهرة إلى الإسكندرية، وكان يتشوّق للسفر إلى المغرب لأنه بلغه أن بها فُضلاء في علم الطب، وكان لديه نزْعة إلى ذلك، وهو أكبر الأسباب الداعية إلى توجّهه، فدخل الإسكندرية في آخر جمادى الآخر، ورأى بها جماعة من أهل الفضل وبعض المحدّثين
(3)
. وفيها مرض مرضًا حادًّا في 21 من شهر شعبان، وعُولج حتى شُفي بعد أسبوعين
(4)
. وحلّ عيد الفِطر وهو بها، فحضر صلاة العيد في الجامع السعدي، وشاهد فيه:"العزيز بن يوسف بن الأشرف بَرْسْباي"، و"المنصور عثمان بن الظاهر جقمق" وهما بخلعتين أُحضِرتا لهما من القاهرة
(5)
.
وفي ميناء الإسكندرية رأى مركبًا هائلًا يملكه أحد كبار التجار من جنوة،
(1)
الروض الباسم 2/ ورقة 35 ب.
(2)
الروض الباسم 2/ ورقة 35 ب و 36 ب.
(3)
الروض الباسم 2/ ورقة 37 ب.
(4)
الروض الباسم 2/ ورقة 38 ب.
(5)
الروض الباسم 2/ ورقة 39 أ.
يُدعى "برازوز الفرنجي الجنوي" بحيث لم يقدر أن يحيط بوصفه لِعظَمه وكِبَره، وهو يحمل أربعًا وعشرين ألفًا بَتّيّة
(1)
. وقد صعِد إلى متنه وقال إنه: "كان أمرًا مَهُولًا"
(2)
.
وفي الإسكندرية تعرّف بالتاجر "إبراهيم بن محمد الغرناطي الأندلسي"
(3)
التاجر المعروف بالرُميمي - تصغير الرومي -.
إلى رودِس:
وركب البحر في 11 شوّال 866 هـ
(4)
. بشواني البنادقة، ومعهم جماعة من تجار المسلمين بأصناف البضائع، وأكثرها الكتّان، واضطّر المركب الذي هو فيه أن يتّجه نحو جزيرة رودس، بجنوب اليونان، طلبًا للماء وركود الريح، فوصل بُعَيد عصر السبت 19 شوال إلى القشتيل، فأغلق أهلها باب الحصن، فتأمّله وهو حصن منيع، مرتفع، عالٍ على جبل، وأحضر أهل المركب عِنبًا كثيرًا. ثم أقلع المركب قبل الغروب بيسير
(5)
.
(وهنا توجد صفحة من المخطوط رديئة جدًا لا يُقرأ منها شيء، وضاع معها بعض أخبار رحلته
(6)
، ومنها قيام أحد الركاب بسرقة دجاجة على متن المركب، حيث نقرأ بقية هذا الخبر في الصفحة التالية، منها) أن قلفاط المركب لطم السارق، فأخرج السارق سكّيناً وضرب بها القلفاط فقتله، وبلغ الخبر "البندون الكبير" فأمر بإمساكه، ففرّ إلى مقدّمة المركب وألقى بنفسه في الخنّ الذي به المؤلّف، وكان به حِراب وسلاح فأخذ واحدة وحمى نفسه بها، والمؤلّف لا علم له بما جرى، فتلطّف به الفرنج وذكروا له أن القلفاط لم يمُت، وأن "البندون" متغيّظ وعليه الخروج للاعتذار وينتهي الأمر فعسى يقبل عذره بمساعدتهم، وعندما خرج من الخنّ قُبض عليه وأوثق من أكتافه وقُيد، وألقوا بجثّة القلفاط في البحر، ثم كتبوا محضرًا بالواقعة وحكموا على القاتل بالإعدام - ونزل "البندون" إلى قارب صغير ومعه جماعة من أعيان المركب من الفرنج، وأخذ ورقة المحضر، وتوجّه إلى إحدى الشواني الثلاث وبها رئيسهم القُبطان وأطلعوه على الأمر، فأشار
(1)
البتّية: البرميل العظيم من الخشب. جمعها: بتاتي.
(2)
الروض الباسم 2/ ورقة 40 أ.
(3)
المجمع المفنّن، 1/ 261، رقم (118).
(4)
الروض الباسم 2/ ورقة 40 أ.
(5)
هي الصفحة 40 ب.
(6)
الروض الباسم 2/ ورقة 41 ب.
بقتل القاتل، فأتوا به إلى مركب القبطان، واجتمعت الشواني الثلاث إلى بعضها وأحضروا يهوديًّا كان ركب من الإسكندرية وأعطوه شيئًا كالسّاطور العظيم، ونصبوا وَتَدَين في حافّة المركب، ودلّوا بدن القاتل إلى البحر، وبقي عنقه بين الوتدين، ورأسه إلى المركب. فامتنع اليهوديّ من ضرب عنقه ورمى السّاطور، فما زالوا به حتى ضربه ضربة قوية ففصل رأسه عن جسده، فصار الجسد في البحر والرأس في المركب، فألقوا بها في البحر
(1)
.
في تونس:
ووصل إلى تونس يوم الأربعاء في 22 من ذي القعدة، بعد أن بقي في البحر 33 يومًا، فوجدها تشبه دمشق، حسنة، جليلة، هائلة، ونزل في فندق الركاد؟ وفيها توثّقت معرفته بالتاجر الرُمَيمي، وقام معه قيامًا تامًّا في بيع ما كان يحمله إليها من تجارة، وأغناه عن معالجة الناس
(2)
. وتردّد للصلاة في جامع الزيتونة، فرحّب المدرّس به الشيخ "أبو إسحاق إبراهيم الأخدري
(3)
"، فكان يحضر مجلسه بين الظهر والعصر أحيانًا، وبين العصر إلى قرب المغرب أحيانًا أخرى، وسمع الكثير من فوائده وتحقيقاته، إذ كان - حسْب وصفه له - آيةً ورأساً في الفتوى، لا سيما الأصلين.
وقد عيّد المؤلّف بتونس، وحضر صلاة العيد بجامع الزيتونة.
وفي يوم الأربعاء 28 من ذي الحجة وصل إلى ميناء تونس مركبان للفرنج، فيهما عدّة أسرى، فركب المؤلّف قاربًا بقصد الفُرجة، فصعِد إلى المركب الأكبر، فوجد واحدًا من الأسرى من المسلمين الأتراك، من بلاد حاج ترخان من دست قبجاق التتر يعرف التركية، ولغة الفرنج، إذ بقي في أسرهم نحو 25 عامًا، ولا يعرف العربية، فكلّمه بالتركية، وعرف أن اسمه "مبارك"، فاجتمع بالخواجا التاجر "أبي القاسم البنيولي أحمد"
(4)
ناظر الأندلس، وعظيم التجار بتونس ونزيلها، وأخبره بأمر هذا الأسير، فتوسّط له مع الفرنج، فافتدى "المؤلّف" الأسير منهم بأربعين ديناراً وأنزله إلى البر، واستخدمه، وبقي معه عدّة سنين
(5)
، إذ عاد معه إلى القاهرة، وأفاد منه أخبار بلاد التتر والفرنج، ومات في طاعون 873 هـ.
(1)
الروض الباسم 2/ ورقة 42 ب.
(2)
المجمع المفنّن، 1/ 241، رقم (121).
(3)
المجمع المفنّن، 2/ 321، رقم (226).
(4)
الروض الباسم 2/ ورقة 42 ب.
(5)
انظر الصفحة 47 أ من الجزء الثاني.
(وهنا توجد صفحة أخرى سيّئة جدًّا لا تقرأ، ولهذا لا نعرف ما حملته من أخباره)
(1)
.
في رأس الطابية:
وفي يوم الأحد 27 من ربيع الأول 867 هـ. دُعي إلى ضيافة "البنيولي" برأس الطابية مع جماعة من أعيان التجار والحجاج من أهل الأندلس. وغيرهم، فأعجب بذلك المكان ووصفه، ثم وصف كيفيّة عمل "المجبَنَة" وهي من حلويات تلك البلاد
(2)
.
وفي يوم الأربعاء 26 من شهر جمادى الأول سنة 867 هـ. وُلدت للمؤلّف ابنة من أمَتِه أمّ الشيخ شُكْرْباي، سمّاها "عائشة"، فلم تلبث أن ماتت في آخر النهار، فتأسّف عليها لاشتياقه إلى الأولاد، ودفنها في مكان يقال له "الزّلّاج"، وهو جبّانة عظيمة بتونس. وفي اليوم التالي - الخميس 27 منه - خرج من باب الزّلاج إلى ظاهر تونس، مع صديق له بقصد التنزّه والترويح عن نفسه، بعد أن ضاق صدره بوفاة مولودته، ووصف صديقه بأنه الشاعر الأديب، البارع، الفاضل، الكامل، الدَّيِّن، أبو عبد الله محمد بن محمد المعروف بابن الرزين الخزرجي، الأنصاري، الأندلسيّ الأصل، التونسيّ، ورافقهما ثلاثة من الأصحاب: محمد الحديدي، وأحمد الوردوني، وشعيب البجائي، فاجتازوا بمسيرهم على زرع أخضر، فطلب المؤلّف أن ينشد كل من حضر شيئًا من الشعر على البديهة في هذا الزرع، شرْطَ الإجادة في المعنى، فابتدر ابن الرزين وأنشد ارتجالًا:
يا خليليّ قِفا واعتبِرا
…
كيف ماس الزرع حُسنًا واستردْ
وبدا منه غدير أخضر
…
صنعت فيه يدُ الريح زَرَدْ
وأحجم الباقون عن الإنشاد رغم إلحاح المؤلّف عليهم
(3)
.
وفي يوم السبت 29 من الشهر بعث إليه محمد المسعود بالله بن المتوكل على الله عثمان، صاحب تونس، وليّ عهد أبيه يستدعيه للحضور بين يديه، فلما مَثُل أمامه رحّب به، ورفع محلّه، وأخذ يتلطّف معه بالكلام، فأنشده هذين البيتين:
ألا يا آل حفصٍ يا ملوكًا
…
ويا دُرّ حلى بهم نعمت سلوكُ
ألا فُقْتُم ملوكَ الأرض طُرًّا
…
فما من بعدكم أحد مليكُ
فأعجباه وأجازه عليهما، وكتب له ظهيرًا بإعفائه عن المغارم واللوازم. وبعد
(1)
الروض الباسم 2/ ورقة 48 أ، ب.
(2)
الروض الباسم 2/ ورقة 52 أ.
(3)
الروض الباسم 2/ ورقة 52 أ، ب.
ذلك كان يدخل مجلسه المرّة بعد الأخرى، واجتمع به مرة عند الشيخ العالم الفاضل الكسلي، شيخ بلده، فأخذ يسأله عن الشيخ يحيى العجيسي، ثم تمادى الكلام إلى مشايخه، وما قاله بعضهم من المقصورة التي أولها:
أنتم بقلبي وأنا أشكو النوى
…
إن حديثي لم يتُبْ في الهوى
(1)
في جزيرة جرْبة:
وفي الثامن من شهر رمضان نزل جزيرة جرْبة
(2)
بالمراكب مع التجار، فأقام بساحلها ثمانية أيام. وأوسقوا منها زيتًا كثيرًا وأنواعًا من الأكسية.
في طرابلس الغرب:
وأقلعت المراكب إلى طرابلس الغرب، فنزل فيها نهار الخميس 15 من رمضان، وهيّأ له كبير التجار "عبد الحميد العوّادي" مكانًا سكَنَه، وفيها التقى بقاضيها وخطيبها ومفتيها، القاضي "منصور البنجريري القَرَوي"، وهو من قرية بنجرير بالقرب من القيروان، وكان من أهل العلم، ولديه فضيلة علمية وأدب، وله نظْم حسن، أنشده منه الكثير، وسمع منه الكثير من فوائده
(3)
. وكان أثناء إقامته بطرابلس الغرب يخرج مع رفاقه من التجار للتنزّه، وشاهد الزاوية التي بناها "أبو عبد الله محمد ابن السلطان أبي فارس عبد العزيز" صاحب تونس
(4)
، وتنزّه بالبستان، ورأى القصر الذي فيه. ودخل الجامع الكبير بطرابلس وصعِد إلى مئذنته، وعايَنَ المكان الذي مات فيه الأطفال من جرّاء التزاحم عند التماس هلال شهر رمضان قبل دخوله المدينة بخمسة عشر يومًا
(5)
.
وأصبح يوم الثلاثاء الثاني من ذي القعدة موعوكًا، فجاءه من الغد قاضي طرابلس "منصور البنجريري"، ومعه طبيب يُدعى محمد، فعاداه، ودعا له القاضي بالدعاء المأثور لعيادة المريض، فكتب له المؤلّف:
لي سيّدٌ زارَ وما زرتُهُ
…
فمنّي النقْصُ ومنه التمامْ
إن تحمل سهوي ففقه مضى
…
لا في المأموم وهو الإمامْ
وطالما زار الغَمَامُ الثَرَى
…
ولم يزُر قطّ الثرى للغمام
(6)
(1)
الروض الباسم 2/ ورقة 52 أ، ب.
(2)
جرْبة: جزيرة في بحر إفريقية، أقرب البلاد إليها قابس. (الروض المعطار في خبر الأقطار، للحِمْيَري، ص 158).
(3)
الروض الباسم 2/ ورقة 54 أ.
(4)
الروض الباسم 2/ ورقة 55 أ.
(5)
الروض الباسم 2/ ورقة 54 ب.
(6)
الروض الباسم 26/ ورقة 56 أ.
وكان قائد طرابلس الغرب "أبو النصر" يتولّاها من قِبَل صاحب تونس، وهو رجل ظالم، فلم يزره المؤلّف لذلك، فأراد القائد أن ينكيه، فطلب منه ثوبًا من الصوف السميك الأرجوان، فبعث إليه ثوبًا طوله 40 ذراعًا، كان اشتراه من تونس بثمانية وعشرين دينارًا، فأخذه ولم يدفع ثمنه، وبقي كذلك عدة أيام، فجاءه القاضي "البنجريري" وأغلظ له في القول، وأخذ الثوب منه، وأعاده للمؤلّف، ممّا زاد من حنقه عليه
(1)
.
وحدث للمؤلّف أمر مُقلق وهو في طرابلس الغرب، ثم كانت له ذُيول بعد ذلك، وملخّصه أنه اشترى عشر جواري من الزنوج، وسلّمهنّ لمملوكٍ كان اشتراه بتونس، أصله من سردينية، كان أسيرًا وأسلم، فأعتقه وركن إليه، ولكن المملوك خدعه، إذ كان يتظاهر بالإسلام، وقال له: إن الرقيق في غاية الرخص في هذه البلاد، وهو غالٍ بساحل بيروت، فاشترِ لي فرسًا أتوجّه به إلى بيروت صحبة مراكب البنادقة مع التجار، فأبيع الرقيق، وأعود إليك بمالٍ طائل، فاشترى له ما أراد، وأنزله البحر مع التجار، فورد الخبر بعد مدّة أن المملوك ذهب إلى جزيرة رودس، وباع الرقيق هناك، وارتدّ عن الإسلام، وخرج إلى سردينية. فجاء من أخبر قائد طرابلس بذلك، وسنحت له الفرصة أن ينتقم من المؤلّف، فبعث خلفه، وسأله عن الجواري، فقال إنه بعث بهنّ إلى بيروت، فردّ القائد بأنك بعثت بهنّ إلى رودس، وبعْتهنّ هناك، فأقسم المؤلّف إنْ كَان فعل ذلك فعليه ألف دينار لبيت مال المسلمينَ، فسكت القائد، وانفضّ المجلس، وبعد وقت قصير أُحضر أمام القائد ثانية، وقد وصل اثنان من الأسرى المسلمين كانا برودس، فأخبرا بما فعل المملوك، ووصفاه، فالتزم بأداء الألف دينار إنْ صحّ الخبر، وأتى القائد بشاهدين، وكتب محضرًا بذلك، وأنه إنْ أتى آتٍ وأخبر بالخبر نفسه، كان عليه تنفيذ التزامه
(2)
.
وفي يوم الخميس منتصف شهر محرم من سنة 868 هـ. وصل إلى طرابلس الغرب قارب، فيه اثنان من الأسرى المسلمين، هربا من رودس، وأخبرا القائد بما فعله المملوك، فاتفق القائد معهما أن يرويا ذلك أمام المؤلّف، ولكن دون ذِكر ارتداد المملوك عن الإسلام، وطلب منه الألف دينار، وأمر بحبسه دون أن يُمهله فرصة لتدبير أمره، وبعث إلى داره بجماعة، فأخذوا جميع ما وجدوه بها من المتاع، وحملوا أمّ ولده إليه، وبات المؤلّف ليلته سجيناً، وعلم جماعة من أعيان
(1)
الروض الباسم 2/ ورقة 56 أ.
(2)
الروض الباسم 2/ ورقة 56 ب.
طرابلس بالقضية، فأتوا إلى القائد مستنكرين، وكان القاضي قد بلغه ارتداد المملوك عن الإسلام، فقام بما يوجبه الشرع، وقال للقائد إنّ الشرط لا يُلزِم أداءَ المبلغ، لأنّ المملوك ارتدّ عن الإسلام، وخدع صاحبه، واحتال عليه، وذهب بماله، فوعده القائد بالإفراج عنه غدًا، وفي الليل أحضر المؤلّف من سجنه، وتوعّده وخوَّفه، وأخذ منه مالًا بالمكر والخديعة، وحلّفه أن لا يذكر شيئا مما حدث لأحدٍ من أهل طرابلس. وقد جرى كل ذلك دون أن يدري بما فعله القاضي وأعيان المدينة، كما لم يعرف بارتداد المملوك. وفي صباح اليوم التالي أُطلق سراحه، وعندما وقف على حقائق الأمور ندم على دفع المال للقائد، وسكت وهو على مَضَضٍ كبير، وزاد من أسفه أنّ القائد داهن كبير التجار بطرابلس "عبد الحميد العوّادي"، فانقلب عليه ولم يُراع صحبته، ووقف إلى جانب القائد الظالم اتقاءً لشرّه، وكان عند المؤلّف صاحب من ظرفاء سمرقند يُدعى "خليل العجمي" وقد أحاط بكل ما جرى، فتأثّر من موقف كبير التجار المتنكّر لصديقه، وكان له إلمام بالنظم، فنظم أبياتًا هجاه فيها، وكأنّها على لسان المؤلّف، وأنشدها له، فأثبت المؤلّف ما يذكره منها وهو قوله:
بني العوّادي أقوام لِئام
…
حلالُ الشرع عندهُم حرام
لهم فِتَن تشاعُ بكل نادٍ
…
عليهم لعنة المولى دوام
شويشو مشهور
…
إذا حلو شواش
لا عَلَمُوا منشور
…
بسوق الأوباش
فلا عجبًا إذا افتخروا بعرضي
…
فإنّ العرض عندهم مُباح
وإنْ قالوا: قليل الدين قلنا:
…
فطيم لا يريد سوى النكاح
وهي طويلة.
وبعد أيام ورد قارب من أسارى رودس الأروام المسلمين هاربين منها، وهم زيادة على العشرة، فأخبروا بالقضيّة على جليّتها، وأنّ ذلك المملوك باقٍ على نصرانيّته، وهو حكى لهم ما فعل بسيّده، وأنه باع الجواري بخمسمائة دينار، وأنّه لما دخل البنادقة بالشواني إلى رودس احتال على صاحب المركب الفرنجي الذي معه، أن سيّده أمره أن ينزل بالجواري برودس، ومنها يسافر إلى بلاد الروم فيبيعهنّ، لأنّ السعر هناك أغلى من ساحل الشام، وكان معه في المركب يهوديّ اتفق معه أن يشتريهنّ منه، ودفع له كراء المركب. وانخدع الفرنجي صاحب المركب بكلامه. وشاعت هذه الحكاية بطرابلس، فلما تحقّق المؤلّف منها ذهب إلى القائد، وطلب منه أن يعيد إليه ما أخذه منه، وخوّفه بأنّه سيعود إلى تونس،
ويشكوه إلى صاحبها "عثمان" وولده "المسعود"، ولم يخرج من عنده حتى أعاد له ماله وبيته. وخسر الجواري، وامتُحِن بالسجن
(1)
. ولم تمض سوى أيام قليلة حتى مات أحد أولاد قائد طرابلس في أواخر المحرم 868 هـ. فتأسّف عليه أبوه، وكتب المؤلّف معلّقًا:"زاده الله أسفًا على أسفه"
(2)
.
ثم جرت للمؤلّف حكاية أخرى، وهذه المرة مع شخص يهوديّ الأصل، من بلاد الفرنج، يُدعى "عبد الرحمن"، قدم إلى طرابلس الغرب، وتزوّج بحارة اليهود امرأة واستولدها، ثم سافر إلى القاهرة، ومنها إلى القدس، فوُجد هناك وهو يزني بمسلمة، فأسلم على كُرهٍ منه، وعاد إلى طرابلس الغرب والمؤلّف بها، وأخذ يتودّد إليه، حتى قام في خلاص ولده من امرأته اليهودية، وأخذه معه إلى بلاد المغرب الأقصى، وأحسن إليه غاية الإحسان. وكان ذلك في شهر صفر 868 هـ
(3)
فلم يقابله اليهوديّ إلّا بالإساءة المؤدّية إلى الهلاك، كما سيأتي لاحقًا.
وفي شهر جمادى الآخر قرّر السفر إلى تونس، وعرف بذلك قائد طرابلس، فخشي أن يذكر أمره للسلطان، فأرسل إليه يستعطفه ويعتذر، حتى حَلَف له، ثم بعث إليه بهدية ليضمن ودّه، فامتنع من قبولها وتوهّم منه، ولم يزل به حتى أخذ هديّته.
في قابس:
ودخل يوم الأحد 25 من جمادى الآخر مدينة قابس
(4)
.
في القيروان:
ودخل بعدها القيروان يوم الأربعاء 28 منه، فأنزله عالمها "أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد البلدي" الشهير بابن البكّوش، وكان مفتيها وخطيبها، بدابى إلى جانب داره، وأنس به جدًا، فأخذ المؤلّف يتردّد على مجالس دروسه، وتلقّى عنه العلم الكثير في الوقت اليسير، مع الاجتهاد وكثرة الترداد، ما بين قراءة عليه وسماع، واستفاد منه نُبَذًا جيّدة في صناعة الطب، وحصّل فوائد جمّة وجليلة للغاية، وأخذ منه الإجازة
(5)
. وزار أثناء إقامته بالقيروان جبّانتها، وتجوّل بين قبور العلماء والصالحين والأولياء،
(1)
الروض الباسم 2/ ورقة 72 ب - 73 ب.
(2)
الروض الباسم 2/ ورقة 74 أ.
(3)
الروض الباسم 2/ ورقة 74 ب.
(4)
قابس: مدينة بحرية صحراوية، بينها وبين البحر ثلاثة أميال، وبينها وبين القيروان أربعة مراحل. لها وادٍ يسقي بساتينها. (الروض المعطار 450).
(5)
الروض الباسم 2/ ورقة 76 ب.
ووقف على أسماء الكثير منهم، ولكنه أضاع أوراق التعليق، فلم يعد يذكر ممّن زار قبورهم، سوى الإمام سَحْنون
(1)
، وأبي الحسن
(1)
سَحْنُون، ويقال: عبد السلام بن سعيد بن حبيب التنوخي، أبو سعيد، إمام أهل إفريقية والمغرب في عصره بلا منازع. فقيه، محدّث، قاض، مُفتٍ، حمل لواء أهل السُنّة والجماعة بتلك الربوع، وقاوم البِدَع ودوّن مذهب مالك ونشره. ولد سنة 160 وتوفّي سنة 240 هـ. انظر عنه في: طبقات علماء إفريقية وتونس، لأبي العرب محمد بن أحمد بن تميم (ت 333 هـ) - تحقيق محمد بن أبي شنب - الجزائر 1915 - ص 101، وطبقات علماء إفريقية، للخشني، محمد بن حارث (361 هـ). تحقيق محمد بن أبي شنب - الجزائر 1915 م- ص 227 - 236، ورياض النفوس في طبقات علماء القيروان وإفريقية وزهّادهم ونسّاكهم وسِيَر من أخبارهم وفضائلهم وأوصافهم، لأبي بكر عبد الله بن محمد المالكي (ت بعد 464) - تحقيق حسن مؤنس - مكتبة النهضة المصرية، القاهرة 1951 - ج 1/ 345، وطبقات الفقهاء، للشيرازي 25 و 147 و 152 و 153 و 156 - 159 و 163، وترتيب المدارك، للقاضي عياض 2/ 585 - 626، والإكمال، لابن ماكولا 4/ 265، والثقات، لابن حزم 335، ومعالم الإيمان في معرفة أهل القيروان، للدبّاغ، عبد الرحمن بن محمد الأنصاري (ت 696 هـ)، أكمله أبو القاسم بن عيسى بن ناجي (ت 839 هـ) - مكتبة الخانجي، مصر، والمكتبة العتيقة، تونس - الطبعة 2/ 1388 هـ - ج 2/ 49، والتمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، لابن عبد البرّ، أبي عمر يوسف بن عبد الله (ت 463 هـ) تحقيق جماعة من العلماء - المغرب 1387 هـ -1401 هـ - ج 1/ 96، 97 و 2/ 143، وقضاة قرطبة، للخشني، محمد بن حارث القيرواني (ت 361 هـ) - الدار المصرية للتأليف والترجمة 1966 - ص 58، واللباب في تهذيب الأنساب، لابن الأثير 1/ 79، والبيان المُغرب، لابن سعيد 1/ 109، والمرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا، للنباهي، علي بن عبد الله الأندلسي (كان حيًا سنة 788 هـ) - طبعة المكتب التجاري، بيروت - ص 28، والمِحَن، لأبي العرب التميمي القيرواني (ت 333 هـ) - تحقيق يحيى الجبوري - دار الغرب الإسلامي، بيروت 1403 هـ - ص 454، وأعلام الموقّعين عن رب العالمين، لابن قيم الجوزية، أبي عبد الله محمد بن أبي بكر (ت 751 هـ) - طبعة دار الجيل بيروت 1973 - ج 1/ 27، ووفيات الأعيان، لابن خلّكان 3/ 180 - 182، والحُلَل السندسية في الأخبار التونسية، للوزير الأندلسي السراج، محمد بن محمد (ت 1149 هـ) - طبعة الدار التونسية للنشر 1970 - ج 1 ق 1/ 285 وج 1 ق 3/ 769، والإرشاد في معرفة علماء الحديث، للخليلي القزويني - ج 1/ 269، رقم 112، ودول الإسلام، للذهبي 1/ 146، والعبر، له 2/ 34، وسير أعلام النبلاء، له 12/ 63 - 69، رقم 15، وتاريخ الإسلام، له (بتحقيقنا) - حوادث ووفيات 231 - 240 هـ - ص 247 - 249، رقم 249، ومرآة الجنان، لليافعي 2/ 131، 132، والبداية والنهاية، لابن كثير 10/ 322 و 323، والديباج المذهَب، لابن فرحون 2/ 30 - 40، وشجرة النور الزكية، لمخلوف 70، والوفيات، لابن قنفذ 26، والإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ، للسخاوي 140، ولسان الميزان، لابن حجر 3/ 8، ومدرسة الحديث في القيروان، للحسين بن محمد شواط - الدار العالمية للكتاب الإسلامي، الرياض 1411 هـ - ج 2/ 580 - 601، رقم 13 وفيه مصادر أخرى.
القابِسيّ
(1)
، وشُقْران
(2)
.
في تونس:
وفي العشرين من شوال 868 هـ. خرج من القيروان إلى تونس فوصل إليها يوم 23 في آخر النهار، فلم يمكث فيها إلّا بعض أيام قلائل.
في تِلِمسان:
ثم خرج في أواخر شوال صُحبة الركب إلى تلمسان
(3)
.
في باجة:
وبعدها دخل باجة
(4)
صحبة شيخ الركب "محمد بن أبي إبراهيم الفيلالي"، وقاسى العذاب في أثناء السفر
(5)
.
في قُسنْطينة:
وفي 17 من ذي القعدة دخل قسنطينة وأقام بها ثلاثة أيام
(6)
.
في بجاية:
ثم دخل مدينة بجاية
(7)
وبادر فاجتمع بشيخها الإمام العالم "أبي القاسم محمد المشدالي"، وسمع الكثير من فوائده.
في الجزائر:
ومن بجاية انتقل إلى الجزائر، وحضر مجلس سيدي عبد الرحمن الثعلبي، وسمع شيئًا من فوائده، وسأله بعض أسئلة كانت تُشكل عليه، فأفاده عنها، ورأى تفسيره، وقرأ عليه بعض السطور من أوله، فأجازه.
ورحل عن الجزائر إلى مدينة مازونا وقلعة هوّارة والبنجا.
(1)
هو الإمام، أبو الحسن علي بن محمد بن خَلَف المعافري، القَرَوي، القابسي، الفقيه المالكي، عالم أهل إفريقية. ولد سنة 324 وتوفي سنة 403 هـ. انظر عنه في: تاريخ الإسلام (بتحقيقنا) حوارث ووفيات 401 - 420 هـ - ص 85 - 87، رقم 110 وفيه حشدتُ مصادر ترجمته.
(2)
الروض الباسم 2/ ورقة 7، ب. (في شهر شعبان). وفيه:"شقرون".
(3)
الروض الباسم 2/ ورقة 79 أ. وكان في الركب محمد بن أبي إبراهيم المغربي الصحراوي، وقد رافقه قبل ذلك في بعض أسفاره. (2/ 85 أ).
(4)
باجة: مدينة كبيرة بإفريقية على جبل شديد البياض يُسمى الشمس لبياضه، وهي في وطاء من الأرض، بينها وبين طبرقة مرحلة، وهي كثيرة الأنهار والعيون (الروض المعطار 75).
(5)
الروض الباسم 2/ ورقة 79 ب.
(6)
الروض الباسم 2/ ورقة 79 ب.
(7)
بجايا: قاعدة الغرب الأوسط، على صفة البحر يضرب سورها. بناها ملوك صنهاجة، والبحر منها في ثلاث جهات (الروض المعطار 80، 81).
في تِلِمْسان:
ودخل تِلِمْسان في أواخر ذي القعدة، وشهد عيد النحر بها وعادة الطواف بالأُضْحية على البغل.
وفيها عند طلوع فجر الأربعاء 14 من ذي الحجة 868 هـ. وُلِدت له ابنة من أمّ ولده "شُكْرْباي" أمّ الفتح، وسمّاها "عائشة" على اسم بنته الأولى المتوفاة، واغتبط بها جدًا، فكان يقوم بتربيتها بنفسه، ويتولّى أكثر أمورها، ودامت معه إلى أن عاد إلى القاهرة، فماتت في الطاعون الذي عمّ البلاد، وذلك ليلة النصف من رمضان سنة 873 هـ
(1)
.
وفي أواخر ذي الحجة 868 هـ. دخل سارقان إلى منزله واختفيا به دون أن يشعر بهما
(2)
.
وفي يوم الجمعة الخامس من المحرم 869 هـ، خرج إلى رَبَض تلمسان، وبعضه يقال له رَبَض العُبّاد، وهو كضاحية دمشق وزار مقام الشيخ القُطْب "أبي مَدْيَن شعيب الإشبيليّ"، ثم اجتمع بأبي عبد الله محمد ابن خطيب جامع العُبّاد، وسمع خطبته، وحضر كثيرًا من دروسه، واستفاد من فوائده ستة أشهر، وكان أجلّ علماء تلمسان، وله نحو 80 عامًا. واجتمع بأبي عبد الله محمد العُقْبانيّ، وأخيه أبي سالم إبراهيم، خطيب جامع تلمسان الكبير وإمامه، ومحمد بن مرزوق، ومحمد بن زكريا مفتي تلمسان، ويحيى بن أبي الفرج قريب الشريف التلمسانيّ، قاضي غَرناطة وعالم الأندلس، ولقي جماعة آخرين من الفضلاء والأدباء والأطبّاء، ومنهم سيدي علي بن قشوش أحد أطبّاء تلمسان، وسمع من فوائدهم وحضر دروس بعضهم، ونقل عنهم أشياء وأجازوه، ولازم في الطب الرئيس الماهر، موسى بن سمويل بن يهودا الإسرائيلي المالقي، الأندلسي اليهودي المتطبّب المعروف بأبيه، وبابن الأشقر، وقال إنه لم يسمع ولم ير مثله في مهارته في الطب، وعلم الوفْق والميقات، وبعض العلوم القديمة
(3)
.
في وَهْران:
وفي آخر نهار 27 من ربيع الاخر دخل وَهران
(4)
، وزار عبد الرحمن بن
(1)
الروض الباسم 2/ ورقة 79، 80 أ.
(2)
الروض الباسم 2/ ورقة 80 أ، ب.
(3)
الروض الباسم 3/ ورقة 91 ب، 92 أ.
(4)
وهران: على ساحل الجزائر، أسّسها جماعة من الأندلسيّين البحريين عام 290 هـ. ولها مرسى كبير للسفن، وهي كثيرة البساتين والثمار، وتقابلها مدينة المريّة في ساحل برّ الأندلس. (الروض المعطار 612، 613).
عزوز إمام زاوية سيدي إبراهيم التازي، المتقّدم ذِكره، كما اجتمع بأبي العباس أحمد بن العباس المالكيّ مفتي وهران، وصاحَبَ بها كبارَ أهل العلم والفضل، فأفاد منهم الكثير
(1)
.
وفيما كان المؤلّف يتابع رحلته في بلاد المغرب العربيّ كان والده يتردّد على السلطان خُشقدم في القلعة بالقاهرة، وفي يوم الجمعة آخر جمادى الأول صعِد وسأل السلطان في أمر إرث المغاربة بدمشق، وتمنّى عليه أن يُنفق لفقرائهم، فأجابه إلى ذلك، ثم بادره بقوله: إنك لم تسألني شيئًا لنفسك قط، وإنما تسألني حوائج الناس! فاغتنم الفرصة وسأله أن ينزل عمّا بيده من الإقطاع بدمشق باسم أولاده، فأجابه، وكتب له منشورًا باسم أولاده: أمير حاج، وأحمد، وعبد الباسط (المؤلّف)، ومحمد أبو الفضل (أخو المؤلّف)، ويوسف، وإبراهيم، وعبد الرحمن، والكل في قيد الحياة في سنة 869 هـ. ما عدا إبراهيم. ولما ساءت العلاقة بين والد المؤلّف والسلطان الظاهر هذا، أخرج الإقطاع عن أولاده، وتركهم بغير شيء، ثم قطع مرتّباتهم على الذخيرة ببيت المقدس
(2)
.
وفي هذه السنة ماتت زوجة أبيه "أصيل باي" خالة الملك العزيز يوسف بن بَرسْباي
(3)
.
في تِلِمْسان:
وغادر المؤلّف وَهْران إلى تِلِمْسان فدخلها في 27 من شهر رمضان 869 هـ. ونزل عند "عبد الرحمن بن النجار" صاحب الأشغال بها، وهو مدبّر المملكة لسلطانها محمد بن أبي ثابت. فأنِس به هو وولداه عبد الله (الأكبر)، وعبد الواحد (الأصغر)، وسأله أن ينشده شيئًا من نظمه في مدح صاحب تلمسان، فنظم قصيدة في نحو أربعين بيتًا، وكتب بها إليه، فلقيت صدًى طيباً عنده، فدعاه إليه، ورفع من محلّه وشكره عليها، وكتب له ظهيرًا بمسامحته في كل ما يتصرّف به من أنواع المتجر، ورتّب له مسكنًا ينزل فيه طوال وجوده في تلمسان، مع توفير الغذاء من لحم ودقيق وغيره من غلال، ثم سأله عن مواضع في القصيدة أُشكلت عليه، فأجابه عنها، وأخذا يتباحثان في ذلك، ثم أمر بنسخ القصيدة بخط أحد الكُتّاب الجيّدين، وأن يقرأها إنسان ذو صوت بين يديه يوم عيد الفِطر، بحضور قاصد صاحب تونس. وعندما تصوّف المؤلّف غسل هذه القصيدة في جملة ما غسله من
(1)
الروض الباسم 3/ ورقة 94 ب.
(2)
الروض الباسم 3/ ورقة 95 ب.
(3)
المجمع المفنّن، ج 2/ 85، 86، رقم (753).
شِعره والكثير من أوراقه وتعاليقه التي ندم عليها فيما بعد، لِما كانت تحويه من فوائد كثيرة، ولم يعد يذكر من تلك القصيدة سوى هذين البيتين:
أعني المليكَ الذي شاعت مكارمُه
…
من آل زيّان أقيالٌ أماجيدُ
همُ الملوك وأبناء الملوك ومن
…
يقُلْ سوى ذاك فذاك القول مردودُ
وفي أول أيام عيد الفطر (شوال) أبلغه ابن النجار مدبّر تلمسان أنّ القصيدة قُرئت بحضرة السلطان صاحب تلمسان، وبحضور قاصد صاحب تونس، وسمعها الملأ العام ممن حضر في القصر عند السلطان، وأثنوا على قائلها، ووقعت لدى السلطان موقعاً طيّبًا، لا سيما أنّ فيها تعريضًا بصاحب تونس
(1)
.
وممن شاهد في "تلمسان": "عبد الله بن عثمان السُّوَيدي" أمير عربان بني سُويد، ووصفه بأنه شيخ منوّر الشيبة، وقال: رأيت نجْعه فكان نجعًا هائلًا
(2)
.
وعزم المؤلّف عند عودته إلى تلمسان أن يتوجّه إلى فاس ويراها، فصادَف أنها كانت في ذلك الوقت تشهد فِتَنًا وخطوبًا، نتيجةَ ذبْح اليهود سلطانَها عبدَ الحق المَرينيّ، فعاد إلى وَهْران، بعد أن تسوّق من تلمسان شيئًا ليبيعه في الأندلس، إذ قرّر اجتياز برّ العدْوة إليها
(3)
. وزار الصخرة التي بساحل وهران في شهر المحرم سنة 870 هـ
(4)
، وهي التي يقال إنها المذكورة في قصّة الخضر عليه السلام في سورة الكهف، ومسجد الجدار على ظهرها
(5)
.
في الأندلس:
وفي نصف المحرم سافر في البحر إلى بلاد الأندلس، في مركب كبير للجنويّين، مع جماعة من تجار الأندلس وتِلِمْسان ووَهْران، وبقيت زوجه أمّ ولده بمنزل الشيخ الإمام أبي عبد الله محمد المعروف بابن القصّار التلمساني خطيب جامع البيطار بوهران، فخَلَفه بأهله خَلْفًا جميلًا.
في مالقة:
ويوم الجمعة 23 محرم دخل مدينة مالقة
(6)
من الأندلس، واجتمع بالشيخ أبي العباس أحمد التِلِمْساني شيخ الأندلس وقاضي الجماعة بغَرناطة
(7)
، وعالم
(1)
الروض الباسم 3/ ورقة 97 ب، 98 أ.
(2)
الروض الباسم 3/ ورقة 139 أ.
(3)
الروض الباسم 3/ ورقة 109 أ.
(4)
الروض الباسم 3/ ورقة 100 أ.
(5)
انظر سورة الكهف، الآية 77.
(6)
مدينة على شاطئ البحر، عليها سور صخر، والبحر في قبليّها. من حولها شجر التين الطيّب العذب، يُحمل إلى مصر والشام والعراق، وربّما يصل إلى الهند (الروض المعطار 517).
(7)
جاء في المجمع المفنّن، ج 1/ 613، رقم (597) أنه رآه بمالقة في سنة 868 هـ.
المغرب في وقته، فأنِس به، وسمع الكثير من فوائده. واجتمع أيضًا بأبي عبد الله محمد بن الترعة، قاضي مالقة وخطيبها، فسأله عن ترجمة الشيخ خليل المالكي، لأنه بصدد شرح مختصره، فأطلعه عليها، وكانت عنده من طريق الحافظ ابن حجر، فسُرّ قاضي مالقة بها، وحضر المؤلّف كثيرأ من دروسه وفوائده، لا سيما العربية، فإنه كان آيةً فيها
(1)
.
وفيما كان يوم الأحد واقفًا بباب البحر، إذ بشخص مُريب مرّ فارًّا مسرعًا جدًا في عَدْوه، وكأنه بسرعة البرق، وأعقبه أُناس مسرعون خلفه، مُجدّين في طلبه، فلم يُدركوه، ووصل في هربه إلى بلاد الكُنْد من بلاد الفرنج، فسأل عنه، فقيل إنه تشاجر مع آخر فقتله ساعتئذٍ، ثم سأل عنه بعد ذلك، فقيل له إنّه لحِق بدار الحرب، ودخل تحت حماية الفرنج البرطقال
(2)
(البرتغال)، وعرف فيما بعد أنه هو مملوكه اليهوديّ السابق الذي خانه.
وفي شهر صفر توجه من مالقه نحو غَرناطة على البغال، فاجتاز ببلدة تُدعى يكش، ومنها إلى بلد يقال لها الحامة، واغتسل بحمّامها، وبات بها ليلة، ثم سار إلى غَرناطة، ولقي بها جماعة من العلماء والفضلاء منهم: أبو عبد الله محمد بن منظور، وحضر مجلسه أكثر من مرة، وسمع الكثير من فوائده
(3)
. والتقى فيها بصاحبه التاجر المعروف بالرُمَيْمي، ونزل عنده بمنزله.
وفي 29 من صفر 870 هـ صعِد إلى دار الإمارة، بعد أن بعث إليه الأمير أبو الحسن صاحب غَرناطة ليسأله عن أخبار صاحب تِلِمسان، وصاحب تونس، فأخبره، وسأله عن الشام وأحواله، وعن القاهرة وملكها، فأجابه عن كل ما سأل، وكان يُبدي تعجّبه مما يسمعه، ثم أخذ ورقة وكتب عليها بخطه بإعفائه من أيّ شيء يُلزَم به التجار من المغارم، وأكرمه للغاية
(4)
.
وفي عاشر ربيع الأول زار رَبَض غَرناطة المعروف بالبَيَازِين وشاهد الجامع الأعظم هناك، وعزم على الخروج لرؤية قُرطُبة، ولكنْ حدثَ له ما لم يكن في الحسبان، إذ تلقّى ضربة عنيفة بالسيف، وهو في زنقة الكحيل بغَرناطة، فأصيبت شفته العليا، وأنفه، وخدّه الأيسر، وكُسر ثمانِية من أسنانه، وُفصلت شفته، ثم أعيدت، وخيطت جراحه، بعد أن مكث يُعالج نحو الشهر، وقد أشرف على
(1)
الروض الباسم 3/ ورقة 111 ب.
(2)
الروض الباسم 3/ ورقة 111 ب.
(3)
الروض الباسم 3/ ورقة 112 ب، 113 أ.
(4)
الروض الباسم 3/ ورقة 133 أ.
الموت. ولم يكن المعتدي عليه سوى اليهوديّ الذي عطف عليه وهو بطرابلس الغرب، وساعده في ضمّ ابنه إليه، وهو المدعو "عبد الرحمن"، وكان نزل غَرناطة أيضًا، وادّعى أنه عارف بالطبّ، وأخذ يترفّع على علمائها وأهلها، حتى ضاقوا به ذَرْعًا، وعندما نزلها المؤلِّف بعد أيام، سُئل عنه، فلم يعرفه، لانقطاع أخباره عنه مدّة طويلة، ولم يتوقّع أن يكون في غَرناطة، وعندما وُصف له بدقّة عرف أنه هو، فحذّرهم منه، وأخبرهم بخيانته له، وأنه يهوديّ منافق يدّعي الإسلام، وعرف اليهوديّ أيضًا به، فكمن له في أحد الأزقّة الضيقة، وضربه بالسيف يريد قطْع رقبته، فأخطأها، ووقع المؤلّف أرضًا من هول الصدمة، فظنّ اليهوديّ أنه مات، ففرّ هاربًا، وعندما علم ببُرئه بعد ذلك من جراحه، تأكد أنه لن يكون آمنًا، بعد أن دُلّ عليه، ففرّ إلى بلاد الفرنج مرتدًّا عن دينه. وعُلم فيما بعد أن أحد أسرى المسلمين لدى الفرنج تمكّن منه، وقتله بعد أن وقف على أعماله المشينة، دون أن يعرف المؤلّف أو يلتقيه، ونجا الأسير بنفسه إلى بلاد المسلمين
(1)
.
وعاد المؤلّف من غَرناطة إلى مالقة في أواخر جمادى الآخر 870 هـ. بعد أن تماثل بعض الشيء إلى الشفاء.
في وَهران:
وفي يوم الإثنين مستهَلّ شهر رجب ركب البحر عائداً إلى وهران مع صاحبه التاجر الرُمَيْمِي فدخلها في الرابع من رجب، وكان يريد متابعة السفر إلى تونس، ولكنه كان مُجهَدًا، فأشار عليه بعض أصحابه بالراحة والإقامة في وهران
(2)
. وفي أثناء ذلك حصل له بعض التوجّه إلى الزهد والتنسّك، وكان لما عاد من الأندلس إلى وهران، قد حصّل جملة من الكتب من تلك البلاد وغيرها، مما كان معه من كتبه نحو الأربعين مجلّدة، وقفها بزاوية "التازي"، وضيّع جميع أوراقه، وغسل الكثير منها، وضاع ما كان متعلّقًا بالشيوخ، والذي ذكره في كتبه لفّقه من فكره بعد ذلك بنحو العشرين سنة
(3)
.
ويوم الأحد 14 من رجب 870 هـ. زاره عبد الله بن عبد الرحمن المعروف بابن النجار نيابة عن أبيه عبد الرحمن، مدبّر مملكة تلمسان، ونقل إليه سلام والده وأنه بلغه ما أصابه من اليهودي في غرناطة، وقدّم له تحياته وأسفه على ما حدث
(1)
الروض الباسم 3/ ورقة 113 ب، 114 أ.
(2)
الروض الباسم 3/ ورقة 115 أ.
(3)
المجمع المفنّن، ج 1/ 243 - 257، الترجمة رقم (112)"إبراهيم بن محمد التازي".
له، وأوصى مشرف وهران "محمد الركاجي" بحُسن معاملته
(1)
. والركاجي هذا من رؤساء أكابر وهران وهو المشرف عليها وبيده جميع متعلّقاتها في دولة المعتصم باللَّه أحمد بن أبي حمّو.
في طرابلس الغرب:
وفي يوم 29 من شهر صفر سنة 871 هـ،. ورد إلى ساحل وَهْران شونة كبيرة للفرنج الجنويّة، برسم الاتجار بالجوخ، قادمة من فنلندة وغيرها من بلاد المحيط، فأبحر فيها يوم 11 من ربيع الأول إلى تونس، مروراً ببجاية، بعد أن أخذ زوجه وأهله، ووصل إلى ميناء تونس يوم العشرين من الشهر، وبقي في المركب ولم ينزل إلى البرّ، حيث أقلعت بعد أربعة أيام إلى طرابلس الغرب
(2)
، ودخل ميناءها في أواخر جمادى الأول، وأقام بها مدّة شهور
(3)
.
وفي 10 جمادى الآخر ذبح نعجة في منزله بطرابلس لإضافة بعض الفقراء فوجد في بطنها جنينًا له رقبة غليظة، له بها رأسان بأربعة عيون، وأربعة آذان، وثمانية أرجل، وإليتان ومخرجان، وسلسلتا ظهر
(4)
!
وتصاحب مع "أحمد الدهماني المغربي القروي"
(5)
شيخ ركب المغاربة في الرحلة واشترى جمالًا وغير ذلك.
وفي يوم الخمس 28 رجب اجتمع بطائفة من المصامدة بصحبة الركب يستشيرهم في السفر فوافقوه، وتعرّف على سيدي محمد بن سعيد، المصمودي وصاحبه وتأنّس به.
في برقة:
إلى أن تجهّز للحج، فخرج مع القافلة على طريق بَرْقة، مجتازًا بمُسْراته في شهر شعبان، ثم قصر أحمد من أعمال طرابلس، ودخل برقة على الطريق الوسطى وليس الساحل إتّقاء لشُرور العربان وأذاهم، حيث يكونون بالساحل في مثل هذه الأيام. وقطع الركب عقبة المراس وتسلّموا البساط من أرض برقة، وبقوا بها ليالي وأيامًا، ورأوا مدينة لبنا وهي خراب وعندها بلدان خربة، وأجتازوا بالبئر المعروفة
(1)
الروض الباسم 3/ ورقة 115 ب.
(2)
الروض الباسم 3/ ورقة 129 ب، 130 أ.
(3)
الروض الباسم 3/ ورقة 132 أ.
(4)
الروض الباسم 3/ ورقة 132 ب.
(5)
المجمع المفنّن، ج 1/ 616، رقم الترجمة (604)، وفي الروض الباسم 3/ 134 ب "القيرواني".
بسادنو، وقاسوا المشاقّ، وأخافهم العربان، إلى أن وصلوا إلى عربان لبيد وبلادهم المخصبة ولم يعترضوهم بسوء.
في الإسكندرية:
ووصل إلى الإسكندرية ليلة الأحد عند رؤية هلال شهر رمضان، ودخلها في شوال، وأعاقه عن الوصول صحبة الركب إلى القاهرة بعض وعك أصابه
(1)
.
وفي شهر شوال، وقبل دخوله القاهرة قصد الإمام "الشُمُنّي" واجتمع به، فأنِس به، وكان مريضًا، فسأله الإجازة، فشافهه بها في 3 من ذي القعدة، بجميع ما يجوز له وعنه روايته، وألزمه الكثير من فوائده، ولم يتّفق له ملازمته لشدّة علّته
(2)
.
في القاهرة:
ثم دخل القاهرة في 7 من ذي القعدة، فوجد أن والده قد غادرها إلى الحج
(3)
فألغى سفره، وسكن في الرَّبْع التابع لخانقاه شيخو، المعروفة بالشيخونية، بسُوَيقة مُنْعِم، في خُط الصّلِيبة خارج القاهرة، تجاه جامع شيخو
(4)
.
وقال عن عمارة الخانقاه في حوادث سنة 756 هـ: "في شوال كان نهاية عمارة شيخو لخانقاه. وعُدّ بناء مثل هذا البناء الثقيل الهائل في دون الثمانية شهور من غريب النوادر، ولو نُقل لنا ذلك على الألسنة لما صَدّقناه. وكنت أسمع بهذا القول فأستبعده حتى رأيت على الرخامة المنقوشة على واجهة باب الخانقاه المذكورة ذلك، وصورته: "وكان ابتداء الشروع في عمارة هذا المكان المبارك وما حواه في شهر ربيع الأول"، ثم ذكر هذه المدّة، ثم قال: "ونهايته في شوال من السنة المذكورة". فصرت أتعجّب من هذا حتى قيل لي إنه لما أخذ الأماكن من
(1)
الروض الباسم 3/ ورقة 132 ب - 133 ب. نيل الأمل 6/ 262.
(2)
المجمع المفنّن، ج 1/ 547، الترجمة رقم (504)، الروض الباسم 3/ 91 ب.
(3)
الروض الباسم 3/ ورقة 135 ب.
(4)
الخانقاه الشيخونية: نسبة إلى بانيها الأمير سيف الدين شيخو العمري، بناها في سنة 756 هـ. وجعلها مدرسة وخانقاه، وكان موضعها من جملة قطائع أحمد بن طولون، ومساحة أرضها زيادة على فدَّان، يتبعها حمّامان، وعدّة حوانيت، يعلوها بيوت لسُكنَى العامّة. ورتب بها عدّة دروس: منها أربعة دروس على المذاهب الأربعة، ودرس للحديث النبوي، ودرس لإقراء القرآن بالروايات السبع، وجعل لكل درس مدرّسًا، وعنده جماعة من الطلبة، وشرط عليهم حضور الدرس، وحضور وظيفة التصوّف.
وما تزال الخانقاه قائمة في شارع شيخون، في مواجهة جامعه. انظر: المواعظ والاعتبار، للمقريزي - تحقيق د. أيمن فؤاد سيد - ج 4/ 760 - 764 وفيه مصادر أخرى.
أول السنة، وهدم، صار العمال يعملون أسباب هذا البناء من نحِيت الأحجار وعمل السقوف والطوب والآلات، فما استتم الهدم إلّا وجميع الآلات قد حصلت فيها، شرع في البناء ولم تتعوّق العمارة أصلاً"
(1)
.
وفي أوائل سنة 873 هـ. عاد والده من رحلته إلى الحج، والعراق وزيارة العَتَبَات المقدّسة هناك، ووصوله إلى جزيرة ابن عمر وماردين
(2)
، وقدم واحد من أتباعه إلى القاهرة يُدعى "علي بن مُغلطاي" ومعه رسالة وهدية مستطرفَة لإهدائها للسلطان قايتباي، وأخبر المؤلّف أن والده قد عاد من رحلته ووصل إلى طرابلس الشام واستقرّ بها
(3)
.
وتوالت المصائب على المؤلّف في مدّة قريبة من هذه السنة، فقد توفي أبوه في طرابلس الشام في شهر جمادى الأول، ثم ماتت بنته زينب يوم السبت 21 شعبان، ولها 3 سنين
(4)
. ثم ماتت بنته عائشة ليلة الخميس 9 رمضان، وعمرُها خمس سنوات، وحزن عليها حتى مرض في الشهر التالي شوّال وأشرف على الموت
(5)
.
وكان ذكر أنه كان باسم والده عشرة أرطال لحم في اليوم يقبضها لهم أحد جُلبان السلطان خُشقدم ويحضرها إلى "أمّ الهدى" بنت الشمس الحنفي زوجة أبيه، وقد تمرّض هذا الرجل لأيام ثم مات، فسكتوا عنهم بقبض ذلك لهم، وإلّا ما كان حصل لهم خير
(6)
.
وذكر المؤلّف رحمه الله أنه في يوم الأحد 26 من شهر شعبان سنة 873 هـ. صلّوا مرة في أقلّ من خمس درجات
(7)
على نحو الستين جنازة، وذلك لتفشّي الطاعون بالقاهرة ونواحيها
(8)
.
في الخانقاه الشيخونية:
وفي الخانقاه تعرّف على الكثير من العلماء والشيوخ والأدباء الذين كانوا
(1)
نيل الأمل 1/ 286.
(2)
الروض الباسم 3/ ورقة 135 أ، ب.
(3)
الروض الباسم 3/ ورقة 184 ب.
(4)
الروض الباسم 3/ ورقة 218 أ.
(5)
الروض الباسم 3/ ورقة 218 ب، 219 أ.
(6)
الروض الباسم 3/ ورقة 205 ب.
(7)
اليوم الواحد 24 ساعة = 360 درجة، والساعة الواحدة = 15 درجة، فتكون 5 درجات: ثلث ساعة، أي 20 دقيقة.
(8)
نيل الأمل 6/ 363 و 365.
يسكنونها ويدرّسون فيها، وغيرهم من الأعيان والأعلام الذين كانوا يتردّدون إليها من حين لآخر، ويأتي في مقدّمتهم شيخ والده، وشيخه، العلّامة "الكافيجي"
(1)
، فكان كثير الملازمة له. وكذلك صاحبه الأديب الشاعر "الشهاب المنصوري" ويُعرف بـ "ابن الهائم" الذي أنشده هذين البيتين في سنة 871 هـ:
بستاننا زاهرٌ زهيّ
…
وَعرْفُه للقلوب قوتا
فطِبْ مقامًا وقرّ عينًا
…
فسوف آتي وسوف تُوتى
(2)
وروى المؤلّف أنّ "الكافِيَجي" كان يحبّ "الشهاب المنصوري" ويأنس إليه، ويُثْني على شِعره، وامتدحه بعدّة مدائح، وأجازه على ذلك، وبعث إليه مرة بدينار من بعض تَرِكاتٍ بالخانقاه، ثم بعث يأمره أن يقسم الدينار بينه وبين إنسان آخر، فكتب الشهاب للشيخ على يد المؤلّف هذين البيتين، وهما من لفظه:
أمولاي قد أحسنتَ لي تفضُّلا
…
وأهديتَ دينارًا قد استغرق الوصفا
ولكنّه قد خاف نظرةَ حاسدٍ
…
ألم تره من خوفه نقص النصفا!
فأعجبا الشيخ، وأمر المؤلّف أن يحمل إليه دينارًا من ماله
(3)
.
وفي 4 جمادى الآخر سنة 872 هـ. أنشده "الزين عبد الرحمن الشامي" أبياتًا من شِعر "عثمان بن محمد الشُغْري" نَظمها في فسقيّة الخانقاه التي عمّرها "نَوروز الحافظي":
رسم الأمير الحافظي بقبّةٍ
…
للناظرين تنزُّهًا في نقدها
بُنيت بصحن الخانقاه فأصبحت
…
كعروس حُسنٍ تُجلَى في عِقْدها
عُقدت على فسقيّة في صحنها
…
جاءت بحُسن حلاوةٍ في عقْدها
وأنشده مما كُتب على القبّة أيضًا:
يا بِرْكة عادت لعصر الصِّبَى
…
في قبّة منتزه اللاحظ
بُشراكِ قد أصبحتِ في حافطٍ
…
وصرتِ في ظل من الحافظ
(4)
وفي سنة 873 هـ. سكن في بعض خلاوي الخانقاه "أحمد بن جعفر المَلَطي"، وكان قديمًا في ثروة زائدة، وتولّى حجابة الحجّاب بغزّة، ولأبيه أملاك
(1)
تقدّم التعريف به في شيوخ أبيه؛ وهو تولّى مشيخة الخانقاه في شهر محرم 858 عوضًا عن الكمال ابن الهُمام. (نيل الأمل 5/ 413).
(2)
المجمع المفنّن، ج 1/ 556.
(3)
المصدر نفسه.
(4)
المجمع المفنّن، في ترجمة أركماس الظاهري، رقم (645).
هائلة بها، وحصلت له مِحن وخطوب، وركِبَتْه الديون، حتى آل به الأمر أن أصبح فقيراً مُعدَمًا، لا يملك قوت يومه، واعتراه الهَذَيان، حتى قام جماعة من أهل الخانقاه لإخراجه منها، فلم يتمّ لهم ذلك، ودام على ما هو فيه نحو 15 سنة، أو يزيد. فكلّم المؤلّف شخصًا يُدعى "قانصوه رفرف" في أمره، فتكلّم مع "تَنِبَك قَرا"
(1)
أحد مقدَّمي الألوف، فكلّم السلطان في ذلك، فرتّب له دينارين في الشهر لِكسوته وقوته، إلى أن تولّى المؤلّف بأخرة تدبير ما له مدّة تزيد على الثلاث سنين، حتى توفي في شهر رمضان 888 هـ. وقام بتجهيزه مما كان بقي معه من رسم كِسوته، وأخرجه إلى مدفنه بالقرافة
(2)
.
وبالعودة إلى صاحبه "الشهاب المنصوري" فقد أنشده كثيرًا من شعره، منه في مستهلّ رجب، والسابع من رجب، والسابع والعشرين منه سنة 876 هـ، وفي شهر محرّم، والثالث عشر منه، سنة 877 هـ، وفي آخر محرّم 878 هـ، وفي جمادى الآخر سنة 879 هـ
(3)
.
وفي أوائل جمادى الآخر سنة 879 هـ مات نزيل الخانقاه "أحمد بن عيسى الحلبي"، ووُجد في مخلَّفاته من النقد نحو 200 دينار، فقسّمها "الكافِيَجي" على جصاعة من قرّاء الخانقاه، وخصّ نفسه نحو 12 دينار حصته، ونسي آخرين، فبقوا يقصدونه لذلك، فوزن لهم من عنده نحو العشرين دينارًا فوق الإثنى عشر دينارًا التي هي حصّته، وفرّقها عليهم.
قال المؤلّف "عبد الباسط" رحمه الله: "وكان ذلك جميعه على يدي"
(4)
.
في منفلوط:
وفي سنتي 881 و 882 هـ نراه في مَنْفَلُوط، وفيها أقام مجاورًا، "لأحمد بن محمد بن أحمد المنفلوطي المعروف بشرف القضاة"، وقال عنه: "لم أر مثله في بلده في كرمه وإقرائه الضيفان، وتوسّعه في مآكله الأنيقة المفتَخَرة
…
وبيننا مودّة زائدة وصحبة أكيدة لما كنت مقيماً بمنفلوط في سنة إحدى وثمانين والتي تليها، وكان لنا به الأُنس الزائد، وله علينا الأيادي، بحيث كان منزله كمنزلنا. ومرض
(1)
هو تنبك من شادبك الأشرفي، المعروف بقرا. كان حيًّا سنة 904 هـ. انظر: المجمع المفنّن، ج 1/ 359 - 362 رقم (1135).
(2)
المجمع المفنّن، ج 1/ 401، 402، رقم (329).
(3)
المجمع المفنّن، ج 1/ 550 - 558، رقم (520).
(4)
المجمع المفنّن، ج 1/ 497، رقم (455).
مرة بمرض رديّ برك مع يَرَقان وحمْو كبِد، وعالجتُه العلاج التام، ولاطفته ملاطفة جيّدة، فأنَجع ذلك وبرأ، وحصل له الشفَاء، فزادت محبّته لنا، واعتقاده فينا. سمع منه بيتين أنشدهما له، وهما لغيره، أولهما:
يقولون لي في مدح موسى بديهة
…
فقلت لهم: قد دكّ طود البديهة
ولما عاد المؤلّف إلى القاهرة كتب إليه نظمًا أوله:
أزكى سلام بنشر المسك والعود
…
يخصّ طلعَتَك العَلْيا بتحديد
(1)
وجالَس بمنفلوط قاضي الوجه القِبْلي "أحمد بن محمد بن صدقة" المعروف بالدُلَجي، وسمع من فوائده في السنتين اللتين أمضاهما بها، وكاتبه بعد عودته أكثر من مرة، كما سمع منه حين كان يأتي القاهرة، وكتب له المؤلف رحمه الله رسالة صدّرها بأبيات، منها:
يا سيّدي وأنيسي والصديق ويا
…
جاري القريب ويا عَوني ويا وَزَري
روحي وروحك أجنادٌ مجنّدة
…
تعارفا قبل رؤيا العين والبصر
ثم التقينا فكان الجسمُ مؤتلفًا
…
كأُلْفة الروح فادّكرت بالسُّوَرِ
(2)
ولم يذكر "عبد الباسط" سبب انتقاله إلى منفلوط وإقامته فيها تلك المُدّة.
في الشيخونية ثانية:
وعاد، وسكن بالخانقاه الشيخونية من جديد عام 883 هـ. فسمع به الأمير "بُرْدُبك السيفي جَرباش" المعروف بالمعمار، لقيامه على عمارة برج الإسكندرية، وعرف أنه يجيد اللغة التركية، وكان يرغب في إنسان من أهل العلم يحضر عنده، فبعث إلى أحد أصحاب "المؤلّف" رحمه الله، وهو من أهل العلم يُدعَى "تمر الفقيه" يتوسّله لإحضاره إليه، فلما حضر سأله أن يتعلّم منه ما ينفعه في دينه، كل يوم، فاعتذر بأنّ الطلبة الذين يتردّدون إليه ويقرأون عليه كثيرون، ولا يمكنه تبطيلهم. فرضي منه بثلاثة أيام في الأسبوع، ثم أحضر عدّة كتب وقال: قد اشتريت هذه الكتب من ترِكة "إينال باي الفقيه"، فتصفّحها "عبد الباسط" فرأى فيها الكثير مما لا يليق بالتُرك. فقال له الأمير: ما يليق بنا اجعله على حِدَة، وما لا، فعلى أخرى، ففعل. فقال الأمير: الذي لا يَصلُح لنا هو لك، وأمر بأن يُحمل معه إلى منزله نحو العشرين مجلَّدًا، فيها الكتب النفيسة
(3)
.
(1)
المجمع المفنّن، ج 1/ 513، الترجمة رقم (481).
(2)
المجمع المفنّن، ج 1/ 532، 533، رقم (505).
(3)
المجمع المفنّن، ج 2/ 187 - 189، رقم (914).
وفي شهر شوال سنة 886 هـ. وُلّي الأمير "برسباي المحمّدي الظاهري، المعروف بقَرا" رئاسة نَوبة النُوَب، وصار ناظراً على الخانقاه الشيخونية، فكان أول ما بدأ في حكمه بأهلها، فتسلّط على كثيرٍ منهم بالأذى، وقام بتسمير أبواب خلاويها دون علم علمائها وطلبتها، وأجلى قاطني المدرسة عن مساكنهم، فأضرّ ذلك بالكثير منهم، وتسبّب في مرض بعضهم، وكدّر صفو الآمنين بها، خاصة وأنّ ذلك حصل في أيام عيد الفِطْر، فحوّل أيام السرور إلى نكدٍ وأتراح.
وكتب المؤلّف عن هذه الواقعة صفحة وأكثر، فقال:"وتوجّهت إليه أنا في أثناء تلك الحركة، بل وواجهتُهُ بكلمات فيها النصيحة له إنْ عَرَفَها، وقلت له: هذا البلاء قد عمّ، والفساد قد زاد، وما تفتّق عليه أصله منكم، وما يُدفع هذا الأمر، ولا يزول هذا الفساد إلّا إذا نزل السيد المسيح عيسى ابن مريم. وكلّمناه بكلمات كثيرة من نحو ذلك، حتى استشاط غضبًا، فقلت: لا يُغضَب من الحق".
وأخذ "برسباي" يتردّد على الخانقاه من حين لآخر، وأحضر كاتب غيبتها إلى داره ليؤلّبه على أهلها، وحضر دروسها، واقتحم على ما ليس له ليأخذه، وعرض خزانة كتبها، وأخذ منها عدّة كتب، وادّعى أنه سيطالعها، وذهب بعضها في الكائنة التي جرت عليها، وأخذ منها مصحفًا بخط ياقوت، وخالف بذلك شرط الواقف، وزاد في المخالفة بتعيين اثنين معًا في وظيفة الأحناف، وغير ذلك، وتسلّط نقباء داره ورُسُله على خُدّام الخانقاه وصوفيّتها، وأقام وكيلًا من مماليكه فاستحلّ البراطيل والرِشَى من المؤذّنين والفرّاشين والوقّادين، ومن بعض الصوفية، حتى كثر الدعاء عليه. وتطوّر الأمر إلى فتنة، حيث ثار جُلبان السلطان قايتباي على "برسباي" وصاروا حزبًا واحدًا، وقصدوا داره، وكان أحسّ بالخطر، فأخلى حريمه وكل متعلّقاته منها، ونشب القتال بين مماليكه والجُلْبان، وتعطّلت أحوال الناس، وعزم الجُلبان أن يحرقوا باب داره، فأحرقوا المدرسة المجاورة ليتوصّلوا منها إلى داره، وكان وراء المدرسة تبن ودريس، فاحترق بما حوله، وتعدّى الحريق إلى كثير من دُور المسلمين، ثم أحرقوا من ناحية بابه مواضع من دار المؤلّف رحمه الله ووصلت النار قريبًا من دار في الرَبعْ تجاه بابه وديار خلق من السكان، ثم انتهبوها، ونهبوا ديار تلك الحارة بأسرها، وتعدّى النّهْب الكثير من الديار والهجوم عليها، وهُتِك حريم المسلمين، ونهبوا المدرسة الفخرية، وكادت الفتنة أن تتعدّى ذلك إلى ما هو أخطر، من سقوط السلطان والمملكة، وركب الأتابك
والأمراء بأسرهم والعساكر لإخماد الفتنة، واختفى "برسباي" مدّة عن الأنظار حتى سكنت الأمور
(1)
.
وفي سنة 887 هـ. بدأ بتأليف الكتاب الذي بين أيدينا "الروض الباسم".
وفي ليلة الإثنين 6 جمادى الآخر 887 هـ. مات صاحبه "الشهاب المنصوري"، ومات في الليلة نفسها أحد محبّي "الشهاب" المذكور وتلامذته، وشخص آخر من الصوفية، فأخرج الثلاثة في صبيحة يوم الإثنين من الخانقاه الشيخونية، وكان ذلك من غريب الاتفاق
(2)
.
في دمياط:
وفي 11 من محرّم سنة 889 هـ. مات القاضي "وليّ الدين البارنباي، الآثاري" قاضي دمياط وشيخ الآثار النبوية بها. وكان صاحب المؤلّف رحمه الله، وكان يقصد المعبد أحيانًا لزيارته والتنزّه هناك، فكان قاضي دمياط يأنَس إليه، وتحصل بينهما مذاكرة مع صفاء ورياضة
(3)
ولم يذكر أي تاريخ لزيارته إلى دمياط.
عودة إلى الشيخونية:
وفي يوم الجمعة، مستهلّ جمادى الأول 889 هـ. بدأ بتأليف كتابه "المجمع المفنّن"
(4)
.
وفي يوم الثلاثاء 20 جمادى الآخر من السنة 889 هـ. توجّه من الخانقاه الشيخونية إلى قاعةٍ بقرب جامع ابن طولون لزيارة "أحمد بن محمد بن علي القاهري" المعروف بابن العاقل، ليُمْلي عليه ترجمته، وفي الوقت نفسه يستشيره في أمر مرضه الذي طال به، فعاد من عنده بجملة أشعار، منها أبيات في مدح السلطان قايتباي، وأبيات في مدح كاتب السرّ "ابن مُزْهر" ومنها ترجمته
(5)
.
وفي يوم الأربعاء، العاشر من شهر شعبان 889 هـ. أنشده "بركات بن محمد بن علي" المعروف بابن الفرّاش بيتين لغيره، وكانت حلاوة الخانقاه الشيخونية وزيتها وصابونها قد تعطّل عن الصرف مدة:
قد جُنّ وقُفُك يا شيخون كان له
…
حلاوة تبعث زيتًا وصابونا
(1)
المجمع المفنّن، ج 2/ 224 - 229، رقم (960).
(2)
المجمع المفنّن، ج 1/ 550 - 557، رقم (520).
(3)
المجمع المفنّن، ج 1/ 563، رقم (525).
(4)
انظر مقدّمة المؤلّف للكتاب. ص 147.
(5)
المجمع المفنّن، ج 1/ 558 - 562، رقم (523).
كأنّ نُظّارنا من ضيق أعيُنهم
…
على حلاوته بالعين صابونا
(1)
وكان يسمع عن يوسف السيفي يشبُك الصوفي أشياء. فلما لقيه سأله عن حقيقة الحصاة المنقوشة، ثم أتاه بها بالشيخونية
(2)
.
وفي السنة 890 هـ. أنهى كتابه هذا "الروض الباسم".
وفي شهر شوال سنة 890 هـ. أنشده قاضي طرابلس الشام للشافعية "أحمد بن محمد بن محمد بن خليل الرملي" من نظمه أبياتاً كثيرة، وأملى عليه ترجمته، وأجازه برواية أشعاره
(3)
. وكان قد نزل القاهرة.
وفي شهر محرّم من سنة 893 هـ. اجتاز بالشيخونية عدّة جنائز في يوم واحد، فأبدى المؤلّف رحمه الله تعجّبه من ذلك، "في غير وباءٍ ولا طاعون"
(4)
.
وفي شهر صفر من سنة 895 هـ. مات الأخ الأكبر للمؤلّف - رحمهما الله - وهو "أمير حاج بن خليل"
(5)
.
وفي شهر جمادى الآخر سنة 895 هـ. كان المؤلّف رحمه الله لا يزال يعمل في تأليف كتابه: "نيل الأمل في ذيل الدول".
وفي سنة 903 هـ. مات الأديب "أحمد بن علي بن حسن الجوجري" نزيل الخانقاه الشيخونية، وأحد المتردّدين إليها، وكان من تلامذة "الكافِيجي" شيخ المؤلّف، ويكثر من التردّد إليه، فأنزله بخلوةٍ من الخانقاه، ورتّب باسمه خبزًا وطعامًا، وبقي ذلك بيده، وكان يعلّم بعض أطفال الأعيان بالجامع الشيخوني تجاه الخانقاه، وتصاحب مع الشاعر "الشهاب المنصوري" ولازمه حتى انصلح شِعره على يده. وكان له خط حَسَن، فكتب للمؤلّف رحمه الله الكثير من تصانيف شيخه "الكافيجي"، ونسخ له شعرًا امتدحه به، وهي بخطّه لدى المؤلّف، ومنها ما هو مكتوب في آخر بعض المصنّفات التي نسخها له، ومن ذلك قوله:
أحيا العلوم بدرسه لما جلسْ
…
بدرٌ أضاء على المنازل كالقَبَسْ
في وجهه يُقْرَى "الضُحَى" وجبينِهِ
…
وعدوُّهُ في وجهه يُقْرَى "عَبَسْ"
(6)
(1)
المجمع المفنّن، ج 1/ 241، 242، رقم (977).
(2)
الروض الباسم 4/ ورقة 213 أ.
(3)
المجمع المفنّن، ج 1/ 574 - 577، رقم (543).
(4)
نيل الأمل 8/ 96.
(5)
المجمع المفنّن، رقم (814).
(6)
المجمع المفنّن، ج 1/ 457، رقم (813).
مشجرة نسب المؤلف
هذه كانت سيرة المؤلّف ورحلته الحافلة بالأحداث كما سطّرها بيده في تاريخه الكبير "الروض الباسم" في مواضع متفرّقة منه، وكذلك في أثناء تراجم الأعلام الذين جمعهم في كتابه "المجمع المفنّن"، أو في كتابه "نيل الأمل". ويمكن أن نذكر أسماء البلاد التي طوّف بها، سواء مع والده أو بمفرده، فبعد ولادته بمَلَطْية أخذه معه أبوه إلى القاهرة، ثم أعاده معه إلى ملطية، وانتقل معه إلى حلب، ثم إلى الخليل، وبيت المقدس، ودمشق، وحجّ معه إلى مكة المكرّمة، وعاد إلى قطيا، ودمشق، وطرابلس الشام حيث أقام فيها أكثر من خمس سنواتٍ، ثم عاد إلى دمشق، ومنها إلى القاهرة، وبعد ذلك انفرد بالرحلة اعتبارًا من منتصف شهر ربيع الأول سنة 866 هـ. فرحل إلى صعيد مصر، ثم انتقل إلى بَنْها بالوجه القِبْلي. ثم إلى الإسكندرية، ومنها بحرًا إلى قشتالة بجزيرة رودس، ومن هناك إلى مدينة تونس، ثم جزيرة جربة، وطرابلس الغرب، وقابس، والقيروان، وعاد إلى تونس، ومنها إلى تلمسان، وباجة، وقُسنطينة، وبجاية، والجزائر، ومازونا، وقلعة هوّارة، والبطحاء، وتلمسان للمرة الثانية، ووهران، ثم تلمسان ثالثة، ومنها إلى مالقة، ويكش، والحامة، وغرناطة، ومنها عاد إلى مالقة، ووهران وبجاية، وتونس، وطرابلس الغرب، ومُسراته، وقصر أحمد من أعمال طرابلس، وعقبة المراس، وأرض البساط من برْقة، ثم لبنا الخراب، وبئر سادنو (مدينة الأبيار الآن). وبلاد لبيد، والإسكندرية، والقاهرة، وبها استقرّ في الخانقاه الشيخونية حتى وفاته، عدا إقامته في مدينة منفلوط سنتي 881 و 882 هـ. وزيارته لمدينة دمياط من حين لآخر.
البلاد التي مرّ بها أو دخلها المؤلّف
تأثّر المؤلّف بأبيه ونقله عنه
وكان المؤلّف يلتقى بالعلماء، والشيوخ والمدرّسين في رحلاته فيأخذ عنهم ويحضر مجالسهم كما تقدّم، فتنوّعت علومه بين اللغة، والفقه، والحديث، والمنطق، والتاريخ، والطبّ، مع معرفته بالتركية، وتأثّر بأبيه في التاريخ فسار على نهجه، فألّف، وصنّف، وأرّخ، ونظم الشِعر، وجمع بين علوم المشرق والمغرب، من خلال أخذه عن شيوخ الشام، ومصر، وبلاد المغرب العربيّ، والأندلس. وبلغ شيوخه الذين أفاد منهم العشرات، وزادوا على الثمانين شيخًا في مختلف البلاد التي زارها. وأول شيوخه كان والده المؤرّخ المصنّف، الذي زرع فيه حبّ التاريخ، ووضع بين يديه مدوّناته وفوائده وتعليقاته، فنقل الكثير منها وأفرغها في كتبه، يدلّ على ذلك متابعته أخبار مصر والشام اليومية وهو في بلاد المغرب، إذ يروي عن أبيه أنه صعِد إلى القلعة بالقاهرة، فسأله السلطان خُشقدم عن الفرق في الاصطلاح بين "ملك الأمراء" و"النائب"، فأجابه على ذلك بالتفصيل، وقال بعد ذلك:"ونقلته من خطّه لأنّني كنت هذه الأيام في تِلِمْسان"
(1)
.
وفي موضع آخر ذكر أنّ السلطان سأل والده عن القول في الخطبتين يوم العيد، عندما يأتي العيد في يوم الجمعة، فأفاض والده في الجواب بعدم صحّة الأقوال بالتشاؤم، وأقوال العوامّ، وأنّ ذلك حصل كثيرًا للخلفاء والسلاطين، ولم يحصل شيء. وقد نقل المؤلّف ذلك من خطّ والده، وقالى:"نقلت هذا من خط الوالد رحمه الله لأنّني كنت غائبًا ببلاد المغرب"
(2)
.
وروى مرة عن أبيه، عن جدّه، فقال:"وكان الوالد يذكر لنا عن أبيه، عن بعض أخصّاء الظاهر برقوق"
(3)
.
وفي موضع آخر ذكر خبر والده مع السلطان خُشقدم من جديد، وسفر والده للحج، وسفره مع الحجّاج العراقيين إلى الحلّة، وسفارته لأمير الحلّة إلى جهان شاه، ووفاة السلطان خُشقدم وما أصاب أهل القاهرة من حزن عليه، وغير ذلك من أخبار، وقال:"نقلت هذه الجملة من تعليق بخط الوالد -رحمه الله تعالى - وفيه من الغرائب ما قد وقفت عليه يا مخاطَب، بل وفيه ما يغنينا عن إعادة ذكره مع سياق الكلام منتظمًا"
(4)
. كما أخذ عنه شفاهاً، فقال:"ذكر لي الوالد من لفظه"
(5)
.
(1)
الروض الباسم 3/ ورقة 91 ب.
(2)
الروض الباسم 3/ ورقة 116 ب.
(3)
نيل الأمل 1/ 296.
(4)
الروض الباسم 3/ ورقة 134 أ- 135 ب.
(5)
الروض الباسم 1/ ورقة 3.
ونقل من كتاب والده "كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك"، خبر ضبط المتحصّل من مكْس القطن الموسوق للفرنج بميناء طرابلس الشام، في أيام ناظرها "أركماس الجلباني"، وذلك في ترجمته لإبراهيم بن المراة القبطيّ
(1)
.
وروى نادرة أخبر بها والدُه السلطانَ الظاهرَ خُشقدم عن رؤيته شخصين يصنعان عنابر النساء بالقدس، أحدهما بلحية بيضاء والآخر سوداء، وهما شبيهان فلا يفرّق الناس بينهما.
وروى له نادرة أخرى أنه كان ببلاد الصعيد فمات شخص ففُتح له قبر لدفنه فوُجد فيه خمسة تماسيح
(2)
.
وينقل عن كتاب والده "زبدة كشف الممالك" الأبيات التي أنشدها أحدهم في حثّ السلطان صلاح الدين الأيوبي على تحرير القدس
(3)
.
وكان والده يصف له "سرور بن عبد الله القُسَنْطيني"
(4)
.
ويحكي له عن سخاء "ابن الدماميني"
(5)
.
وأنشده والده من نظم "عبد الله بن محمد العوفي"
(6)
.
ورأى ما كتبه والده عن صالح بن عمر بن رسلان البلقيني، وذكر فيه الكثير من مسموعاته
(7)
.
وفي شهر ربيع الأول 870 هـ. ذكر مكالمة والده للسلطان بَرْسْباي بشأن الأستادَّار منصور بن الصفيّ الذي ضربه وسجنه
(8)
، ليعفُو عنه.
مصادره الأخرى:
وتنوعت مصادره من غير والده، بين مدوّنة وشفاهية أيضًا، فضلًا عن مشاهداته الشخصية، ومعايشته لكثيرٍ من الأحداث والوقائع، وكان مشاهدًا لها وفي وسطها. ولدينا نصوص كثيرة، تبدأ بقوله:"سمعت" و"رأيت" و"أخبرني" و"حضرتُ" و"أنشدني"، و"بلغني" و"ذكر لي"، وأكثر ما نجد ذلك في "الروض الباسم" وهو التاريخ الكبير، ففيه يقول في حوادث سنة 844 هـ. "أخبرني غير
(1)
الروض الباسم 1/ ورقة 34، وانظر المجمع المفنّن، ج 1/ 264، رقم (123)، والضوء اللامع 1/ 184، 185.
(2)
(الروض 1/ 51 أ).
(3)
(الروض 1/ 78 ب، زبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك (بتحقيقنا) ص 78).
(4)
(الروض 1/ 54 أ).
(5)
(1/ 54 ب).
(6)
(1/ 55 ب).
(7)
(2/ 84 ب).
(8)
(3/ 11 ا أ).
واحدٍ ممّن اطّلع على جليّة هذه القضية، ومنهم من أثق به وبدينه"
(1)
، وقال قبل ذلك:"رأيت اسم الظاهر جقمق - محمد جقمق - على منبر أستاذه برقوق وغيره"
(2)
. و"رأيت بخط الحمصيّ إجازة"
(3)
، و"أخبرني من أثق به ممن كان مع الحاج في سنة 887 هـ"
(4)
، و"ذكر لي بعض من يُنسَب إلى العلم والمعرفة، بأحوال كثيرة ممن ذكرهم التقيّ في تواريخه"
(5)
.
وعندما ذكر "محمد بن محمد بن أحمد بن العزّ الأوجاقي القاهريّ"
(6)
. قال: "كنت قد سألت ولده أن يوقفني على ترجمته وترجمة نفسه وإخوته أيضًا، لأنّ البدر العَيني لم يذكر اسم أبيه، ونقل عنه ابن تغري بردي ذلك أيضًا".
وحضر واقعة خلع السلطان المؤيَّد أينال لم يغب عنها لحظة من أولها إلى آخرها في سنة 865 هـ. وكان يتردّد في منزل الأتابك خشقدم، تارة عند المقعد، وتارة بباب الدار، وتارة بالمدرسة القانبائية بسُويقة عبد المنعم، وتارة بالرميلة إلى غير ذلك ممّا وقع بين الناس والعسكر. وقال: وإنما أشاهد الأحوال عيانًا، وأسمع تأسّف العوامّ، بل وبعض الخواص أيضًا.
وشاهد بنفسه نقل "المؤيّد" إلى سجن الإسكندرية، وقال:"وكنت أنا في هذا اليوم جالسًا بمكان بالصليبة أعاين هذا الأمر، وأشاهده عَيانًا".
وسأل "خشقدم عن موقفه من المؤيّد لحنقه منه وما علم صحّة ما قاله
(7)
".
وذكر حكاية عن نائب طرابلس الأمير "إياس المحمدي الناصري الطويل" حكاها له والده
(8)
. وكان شاهدًا وفاة السلطان "خُشقدم" سنة 872 هـ. وقد أخبره عن موته من حضر عنده، وشاهد بنفسه طلوع "قايتباي" - وكان أحد مقدّمي الألوف - إلى القلعة، واضطراب الجُلبان عند رؤيته، حتى إنني خشيتُ عليه، وتوسّمت سلطنته في هذا اليوم
(9)
.
وذكر اجتياز السلطان "يَلباي" في شوارع القاهرة وقال: "وكنت أنا جالسًا
(1)
الروض الباسم 1/ ورقة 13.
(2)
الروض الباسم 1/ ورقة 4.
(3)
الروض الباسم 1/ ورقة 14 أ. ومناسبة هذا القول هو تعليقه على الحافظ ابن حجر فيما قاله في كتابه "إنباء الغمر بأنباء العمر" في مسألة تصريح السلطان بعزل السراج الحمصي من القضاء لأن ابن حجر كان كثير التنكيت عليه لخصاله السيئة، ولانتماء ابن حجر لبني البُلقيني.
(4)
الروض الباسم 1/ ورقة 42.
(5)
الروض الباسم 1/ ورقة 48.
(6)
الروض الباسم 1/ ورقة 63.
(7)
الروض الباسم 2/ ورقة 16 ب - 19 أ.
(8)
الروض الباسم، 2/ ورقة 33 أ، ب، المجمع المفنّن، رقم (845)، ج 2/ 137 - 141.
(9)
الروض الباسم، 3/ ورقة 148 أ.
بمكانٍ برأس سُوَيقة عبد المنعم، وشاهدته وقانِبَك أمامه" حتى نُقل إلى الإسكندرية وسُجن
(1)
.
وفي موضع آخر قال: "أخبرني من أثق به من أعيان الخاصكية، ممن كان حاضرًا مجلس السلطان قايتباي، في شهر رجب سنة 872 هـ"
(2)
.
وأخبره بعض من حضر وقعة "ابن عثمان" مع بني الأصفر سنة 849 هـ
(3)
.
وشاهد أرضًا وقفًا بجزيرة أروى استبدلت بمكان هدْمٍ ساقطٍ بمُنْشأة المهداني
(4)
.
وذكر له بعض أصحابه من التُرك من أهل الفضل والمعرفة عن صاحب قونية
(5)
.
وشاهد بنفسه غير ما مرّة ركوب "علي بن جمعة البغدادي الحريراتي" على الأسد واحتضانه ومعانقته
(6)
.
وهو رأى بخط بعض الفضلاء
(7)
.
وذكر له بعضٌ من أصحابه حكاية اجتماع والده بالسلطان
(8)
.
وحكى له من يثق به من غلمان الرَكبْخانه السلطانية
(9)
.
وحُكي له عن "يوسف بن بَرْسْباي الدقماقي، ورأى أخباره في التواريخ
(10)
.
ولما ذكر ختم البخاري بقلعة مصر قال: رأيته بخط بعض الفضلاء
(11)
.
ولما ذكر خبر اختفاء "ابن الأهناسي" قال: وقد وقفت على هذه الحادثة في بعض التواريخ
(12)
.
وأخبره من يثق به من أعيان الخاصكية ممن كان حاضرًا بمجلس قايتباي عن مشافهة السلطان للأمراء بأشياء
(13)
.
ووقف بنفسه على القوائم التي جاء بها قاصد "حسن الطويل" وفيها تفصيل للهدايا المرسلة معه إلى السلطان قايتباي
(14)
.
(1)
الروض الباسم، 3/ ورقة 161 ب.
(2)
الروض الباسم، 4/ ورقة 177 أ.
(3)
ا (لروض الباسم 1/ 32 ب).
(4)
(الروض 1/ 38 أ).
(5)
(1/ 81 أ).
(6)
(2/ 86 أ).
(7)
(2/ 55 أ).
(8)
(2/ 58 ب).
(9)
(2/ 59 أ).
(10)
(2/ 90 أ).
(11)
(2/ 55 أ).
(12)
(2/ 55 ب).
(13)
(4/ 177 أ).
(14)
(4/ 215 أ).
وأخبره كثير ممن يثق به من أهل منفلوط
(1)
.
وهناك أخبار كثيرة في كتابه "نَيل الأمل"، مما شاهدها المؤلّف بنفسه وعايشها، أو سمعها من أصحابها، ففي ترجمة الأمير "أيدكي" مدبّر مملكة سراي ودست قَبْجاق، قال في آخرها:"وله أخبار تطول، كنت اجتمعت بإنسانٍ رآه وعرف أحواله، وصحِبه هذا الإنسان مدّة سنين، فكان يذكر عنه غرائب وعجائب في شجاعته ومعرفته"
(2)
. وهنا تكمن أهمية الكتاب، والمعلومات التاريخية التي عرضها مؤرّخ معاصر للأحداث ومتفاعل معها، ولم يكن مجرّد ناقل عن غيره، بل كان ناقدًا، متثبّتًا، له رأيه في التحوّلات السياسية، والعلاقات الاجتماعية، والحياة الاقتصادية، وقد بدت شخصيّته واضحة فيما دوّنه وضمّنه رأيه بكل صراحة.
(1)
(4/ 241 أ) ".
(2)
نيل الأمل، آخر حوادث ووفيات سنة 822 هـ. ج 4/ 51، رقم 1476.
شيوخ المؤلف
وللتعرّف على شيوخ المؤلّف - غير أبيه - لا بدّ أيضًا من العودة إلى كتابه "المجمع المفَنَّن"، ففيه محصّلة محترمة منهم، إلى جانب كتابنا هذا، وكتاب "نيل الأمل"، أذكر من عرفنا منهم، مرتّباً أسماءهم على الحروف.
1 -
إبراهيم بن أحمد بن ناصر بن خليفة بن فرج المقدسي، الناصري، البوهان الباعوني. (تفي 875 هـ).
ومن نظمه ما كتبه في إجازة والد المؤلّف:
سل الله ربّك ما عنده
…
ولا تسأل الناس ما عندهم
ولا تبتغي من سواه الغِنى
…
وكن عبده لا تكن عبدهم
(1)
2 -
إبراهيم بن أحمد بن يوسف بن محمد بن القطب، الدمشقي، المعروف بابن القطب. (توفي سنة 898 هـ).
أخذ عنه شيئًا
(2)
.
3 -
إبراهيم بن علي بن محمد بن محمد بن حسين بن علي بن أحمد بن ظهيرة (توفي 891 هـ).
اجتمع به في القاهرة حين قدومه إليها، واستفاد من فوائده
(3)
.
4 -
إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن مفلح الدَيري، العبسي، القدسي (توفي 876 هـ).
قاضي القضاة، ناظر الجيش، وكاتب السرّ بمصر. بينه وبين والد المؤلّف رضاع، فهو أخوه من الرضاعة. رثاه أبو الفضل محمد شقيق المؤلّف
(4)
.
5 -
إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح بن محمد بن مفرّج بن عبد الله
(1)
الروض الباسم، 3/ ورقة 119 أ، نيل الأمل 6/ 229، 230، رقم 2637، المجمع المفنّن، ص 1/ 158 - 161، رقم 13.
(2)
المجمع المفنّن، ج 1/ 162، رقم (14).
(3)
المجمع المفنّن، ج 1/ 209 - 211، رقم (77).
(4)
المجمع المفنّن، رقم (98).
الراميني، النابلسي، الدمشقي، الحنبلي، المعروف بابن مفلح (توفي 884 هـ).
قاضي القضاة. من مشايخه الذين أخذ عنهم
(1)
.
6 -
إبراهيم بن محمد الأخدري
(2)
، ويقال: الأخضري، أبو إسحاق المالكي (توفي 885 هـ).
شيخ الإسلام، الإمام، العلّامة، شيخ تونس والمدرّس بجامع الزيتونة. قال المؤلّف: إنه كان يجلس بجامع الزيتونة بين الظهر والعصر أحيانًا، وبين العصر إلى قرب المغرب أحيانًا، وجالسته في هذه الأوقات، وسمعت الكثير من فوائده وتحقيقاته، إذ كان آيةً ورأسًا في الفتوى، لا سيما في الأصلين
(3)
.
وفي موضع آخر قال: كنت أجالسه بجامع تونس كثيرًا ويأنَس إليّ، ويسأل عن أحوال هذه البلاد. واستفدت الكثير من نوادره
…
وحضرت درسه بمدرسة القائد نبيل، في فنون، ما بين تفسير، وحديث، وفقه، وعربية، وأُصول دين، ومنطق، وغير ذلك من فنون.
واستفاد من مجلسه حين ورد سؤال تونس في ميراث مولود نصفه ثعبان، ونصفه إنسان، فأفتى بقضيّته
(4)
.
7 -
إبراهيم بن محمد اللفتي التازي، أبو سالم (توفي 867 هـ).
نزيل وهران. وصاحب زاويتها المعروفة بالتازي. لم يلْقه المؤلّف، وإنّما أدرك أصحابه. وقال: كنت سمعت بمحاسنه، وقصدت زيارته ورؤيته، فلم يُقدَّر لي، لوفاته بوهران في شوال، أظنّ. وأدركت عدداً من أصحابه بوهران عندما دخلتها، وكان وقف في زاويته خزانة كتب جليلة، في جُمَل من سائر الفنون العلمية. وكنت أنا لما رجعت من الأندلس إلى وهران معي جملة من الكتب، وقفتها بزاويته لما كنت تركت التعلّقات الدنيوية، وحصل لي بعض توجّه إلى ذلك الجناب، فيا ليته لو دام.
ومن شعره ما أنشدنيه الشيخ أبو عبد الله بن القصّار، أحد تلاميذه:
أما آن ارعواؤك عن شنار
…
كفى الشيب زجرًا عن عُوارِ
أبَعْدَ الأربعين ترومُ هزلًا
…
وهل بعد العشيّة من عَرارِ؟
(1)
المجمع المفنّن، رقم (100).
(2)
الروض الباسم، 1/ ورقة 42 أ، و 2/ ورقة 256 أ "الجدري"، ومثله في: نيل الأم 7/ 152، 153، رقم 3002، وانظر الحاشية رقم (9) منه.
(3)
الروض الباسم، كما ورد قبله.
(4)
المجمع المفنّن، رقم (111).
فخَلّ حظوظ نفسِك والْهُ عنها
…
وعن ذِكر المنازل والديار
وعَدّ عن الرباب وعن سعادٍ
…
وزينب والمعازف والعُقار
فما الدنيا وزُخرُفها بشيءٍ
…
وما أيامها إلا غرار
وليس بعاقل من يصطفيها
…
أتشْري النقْدَ، وَيْحك، بالتبار
في أبيات أخرى.
وأنشد ابن القصّار للمؤلّف عن التازيّ قصائد ومقطَّعات وأبياتًا كثيرة. وقال المؤلّف بعد ذلك: وقد كنت علّقت الكثير من أخباره وأحواله، ولما أخذت في التثبّت بما لم يثبت لي في الحال ضيّعت جميع أوراقي، بل وغسّلت الكثير منها، فضاع من جملتها ما كان متعلّقًا بالشيخ، وهذا الذي ذكرته لفقْتُه بعد ذلك بنحو العشرين سنة لفكري الفاتر، وعزمي القاصر
(1)
.
وقال المؤلّف رحمه الله في كتابه هذا إنه روى "الوظيفة المنصورة" لصاحبها "التازي" هذا عن تلامذته: "محمد المصمودي ومحمد بن القصّار، ومحمد العريف، وغيرهم من تلامذته ومُرِيديه"
(2)
.
8 -
إبراهيم الأندلسي، الغَرناطي، ثم التونسي، المعروت بالبنيولي.
والد الخواجا التاجر "أبي القاسم"(892 هـ). قال المؤلّف رحمه الله: استفدت منه معرفة الكثير من العقاقير، مما أثبتُ ذلك في بعض تصانيفي الطبيّة.
وقال عن ابنه "أبي القاسم": إنه من أحبابنا وأعزّ أصحابنا، وكنّا بتونس وإيّاه كالأقارب، فضلًا عن الأصحاب، وله علينا الفضل والمروءة، والقيام فيما أهمّني من المصالح، وبالجملة فلا أعبر عن فواضله عليّ بتونس. وكنت كثيرًا ما أجالسه، وهو يتأتس بي بفندق الرخام، وعلى ذهنه طرف من الطبّ
(3)
.
9 -
إبراهيم العقباني، أبو سالم.
خطيب جامع تلمسان وإمامه
(4)
.
10 -
أبو بكر بن أحمد بن أحمد بن سليمان بن داود الأنصاري، الأذرعي، الدمشقي (توفي 858 هـ).
أحد نوّاب الحكم بدمشق، إمام عالم. قال المؤلّف: كان بينه وبين الوالد محبّة وصُحبة. رأيته بدمشق، وسمعت من فوائده
(5)
.
(1)
الروض الباسم، 1/ ورقة 60 ب - 65 أ.
(2)
المجمع المفنّن، رقم (112).
(3)
المجمع المفنّن، رقم (226).
(4)
الروض الباسم، 1/ ورقة 92 أ.
(5)
المجمع المفنّن، رقم (160).
11 -
أبو بكر بن أبي القاسم بن أبي الفضل بن عبد الواحد بن أبي الليث السمرقندي (توفي بعد 888 هـ).
عالم حنفيّ. نزل القاهرة هو وولده العلّامة "أبو القاسم"، فتوجّه المؤلّف للسلام عليهما، فأجازه "أبو بكر" برواية جميع مصنّفاته وما له من نسخه في شهر شوال من سنة 887 هـ
(1)
.
12 -
أبو بكر بن محمد بن محمد بن أيوب بن سعيد، البعلي، الطرابلسي. (توفي 871 هـ).
قاضي طرابلس، الحنبلي. سمع عليه بها شيئًا من "الصحيحين" وغيرهما
(2)
.
13 -
أبو بكر بن محمد بن محمد بن علي بن محمد بن علي الهاشمي، القاهري، المعروف بابن الشُرَيف (بالتصغير)(توفي بعد 889 هـ).
حافظ للكثير من كتب الطبّ ورسائله، تولّى رياسة الطب في دولة الأشرف إينال، وبرع في الكحل. سأله عن المزاج المفرد كيف يُتصَوّر في الأدوية
(3)
.
14 -
أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن سعيد المنوفي (توفي 870 هـ).
أحد شعراء عصره، المعروف بابن أبي السعود، القاهري، الشافعيّ، مهر في الفرائض والحساب، وتميّز في فنّ الأدب، وقال الشعر الحسن الجيّد. سمع المؤلّف من شعره فقال: فمن ذلك ما أنشدنيه لنفسه في مليح منجم:
لمحبوبي المنجم قلت يومًا:
…
فَدَتْكَ النفسُ يا بدر الكمال
براني الهجر فاكشف عن ضميري
…
فهل يومًا أرى بدري وفالي؟
ومما أنشدنيه لنفسه قصيدته الطويلة التي هذا أولها:
خذوا بدمي رقيم الوجنتين
…
على الجرعاء بين الرقمتين
ومن في مهجتي وفت بعهدي
…
حسنًا من مُقلتيها الماضيتين
(4)
15 -
أحمد بن أبي الحسين بن القاسم الغَرناطي، الهاشمي، العلوي، الحسيني، المالكي، أبو العباس (توفي بعد 880 هـ).
السيّد الشريف، الأديب. كان أبوه نائب السدّ بغَرناطة. سمع منه في تونس، ولم يستحضر من نظمه سوى قوله:
(1)
المجمع المفنّن، رقم (164).
(2)
المجمع المفنّن، رقم (180)، ورقم (200).
(3)
المجمع المفنّن، رقم (202).
(4)
الروض الباسم، 3/ ورقة 119 ب، رقم (298).
فارتحلوا عنِّي وقد خلّفوا
…
نارَ الأسى في فكرتي خالدا
(1)
16 -
أحمد، أبو العباس التِلْمِساني.
الشيخ، السيد الشريف، شيخ الأندلس وعالمها، وقاضي غَرناطة، لقيه بمالقة وسمع الكثير من فوائده، في سنة 870 هـ
(2)
.
17 -
أحمد بن سعيد بن محمّد السَنُوسي، التلمساني، المالكي (توفي بعد 870 هـ).
تولّى قضاء الإسكندرية، وقضاء القضاة المالكية بدمشق. قال المؤلّف رحمه الله: وله عليّ مشيخة، وكان بينه وبين الوالد محبّة وصُحبة أكيدة
(3)
.
18 -
أحمد بن عباس المغربي، الوهراني، المالكي، أبو العباس (توفي بعد 890 هـ).
من علماء العربية، لم يكن بوهران أعلم منه. قال عنه: هو شيخنا، حضرنا دروسه مرارًا عديدة، وسمعنا الكثير من فوائده
(4)
.
19 -
أحمد بن علي بن أحمد بن عمر بن وجيه بن جبريل بن مخلوف الشيشيني، الحنبلي، أبو العباس (توفي 919 هـ).
الإمام، العالم، مدرّس الفقه بالمدرسة الأشرفية بين القصرين، أقرأ مؤلّفاته بالخانقاه الشيخونية، قال: حضرت درسه بها غير ما مرة، وسمعت الكثير من فوائده
(5)
.
20 -
أحمد بن القصّار المفريني، المغربي، الأندلسي، المالكي (توفي 884 هـ).
لُغوي، نظم ألفيّة، واستدرك على "ألفيّة" ابن مالك. حفظ منها المؤلّف جانبًا
(6)
.
21 -
أحمد بن محمّد بن أحمد بن أبي بكر بن زيد الموصلي، الدمشقي، الحنبلي (توفي 870 هـ).
المفتي، المدرّس، المصنّف. قال: له علينا مشيخة، سكنّا بجواره مدّة بدمشق بقبر عاتكة، وكان له عليّ خير وأيادٍ، وأخذت عنه أشياء
(7)
.
(1)
المجمع المفنّن، ورقة 131، رقم (275).
(2)
الروض الباسم، 3/ ورقة 111 ب.
(3)
المجمع المفنّن، رقم (357).
(4)
المجمع المفنّن، رقم (374).
(5)
المجمع المفنّن، رقم (406).
(6)
المجمع المفنّن، رقم (585).
(7)
المجمع المفنّن، رقم (478).
22 -
أحمد بن محمّد بن علي بن محمّد بن أحمد بن عبد الدائم بن رشيد الدين بن خليفة بن مظفّر، أبو العباس المنصوري، المرداسي، الشافعي، ثم الحنبلي، المعروف بابن الهائم (توفي 887 هـ).
أديب، لُغَوي. سمع من شِعره الكثير بالخانقاه الشيخونية
(1)
.
23 -
أحمد بن محمد بن محمّد بن حسن بن علي بن يحيى بن محمد بن خَلَف الله بن خليفة بن محمّد القُسنطيني، المغربي، السكندري، المعروف بالشُمُنّي (توفي 872 هـ).
أحد أعيان العلماء الأعلام، المؤلّف المصنّف، شيخ تربة قايتباي بالصُّوّة بالقرب من دار الضيافة.
قال المؤلّف رحمه الله: كان بينه وبين الوالد صحبة أكيدة ومحبّة قديمة، لا سيما حين كان الوالد ساكنًا بالصوّة بالقرب من المنجكية بالقرب من مدرسة قايتباي، أعني التربة المذكورة، وكان الوالد يجتمع به في كل جمعة، ويصلّي بالتربة المذكورة. وكان الشيخ، رحمه الله، يعظّم الوالد ويجلّه ويأنس به وإليه. ولما قدِمتُ من الغرب في شوال سنة إحدى وسبعين وثمانمائة اجتمعت به فأنِسَ بي، وكان متعلِّلًا فسألته الإجازة، فشافَهَني بها في ثالث ذي قعدة من السنة المذكورة بجميع ما يجوز له وعنه روايته، وألزمني، وسمعت الكثير من فوائده
(2)
.
24 -
أحمد بن محمّد بن محمّد بن خليل الرملي، الأنصاري، الشافعي (توفي 903 هـ).
قاضي الشافعية بطرابلس، وكاتب سرّها. سمع المؤلّف شيئًا من أوائل كتابه "الأنكحة الجليّة في الأنكحة الحكمية" وهي منظومة على وزن "الشاطبية" ورَوِيّها. كما سمع من ديوانه "الروض اليانع" قصائد ومقاطيع، وأجازه برواية ما لم يُنشده
(3)
، في سنة 895 هـ.
25 -
أحمد بن محمّد بن محمّد بن عمر بن رسلان البُلقيني، القاهري، الشافعي (توفي 865 هـ).
قاضي القضاة الشافعية بدمشق. عمل مجلسًا هائلًا للوعظ بالجامع الأموي بعد صلاة الجمعة، فحضر المؤلّف رحمه الله عدّة مجالس من وعظه وخُطبه
(4)
.
(1)
المجمع المفنّن، رقم (520).
(2)
المجمع المفنّن، رقم (504).
(3)
المجمع المفنّن، رقم (543).
(4)
المجمع المفنّن، رقم (538).
26 -
أحمد السلاوي التونسي، أبو العباس المالكي (توفي بعد 871 هـ).
أحد علماء تونس وأفرادها في علم العربية. رآه بتونس واستفاد الكثير من فوائده
(1)
.
27 -
أحمد بن العطّار المصياتي، الطرابلسي، الشافعي (توفي 874 هـ).
أديب له نظم. كان يوقّع بديوان الإنشاء بطرابلس. سمع من نظمه ونثره كثيرًا من سنة 861 إلى 865 هـ. وله إجازة كتبها لوالد المؤلف
(2)
.
28 -
أحمد المسراتي، أبو العباس المالكي (توفي 878 هـ).
خطيب جامع الزيتونة. سمعه في أول جمعة دخل فيها تونس في جامع الزيتونة، وهو يخطب في شهر ذي القعدة سنة 867 هـ. وكان يذكر السلطان باسم "أمير المؤمنين"
(3)
، واستفاد من فوائده
(4)
.
29 -
أحمد المنستيري، المغربي، التونسي (توفي قريبًا من 875 هـ).
أحد علماء تونس ونُجَبائها، كان إمامًا بارعًا، عارف بكتاب "سيبويه" غاية المعرفة. رآه بتونس، واستفاد من فوائده، وكان يأنس إليه ويرتاح بأخبار بلاد المشرق
(5)
.
30 -
إسحاق بن إسماعيل بن إبراهيم بن شعيب بن محمّد بن إدريس، أبو يعقوب القِرْمي، الإمامي، التركي، الحلبي، القاهري، الحنفي، نجم الدين (توفي 885 هـ).
قاضي العسكر، وشيخ الحنفية بالمدرسة القانِبَائيّة. كان يحفظ "اللمعة البدرية" نظْم الجامع الصغير في مسائل الوفاق من نظم أبي نصر الفاهي، قرأها المؤلّف رحمه الله غير ما مرة، وكتب مناسبات مطالع أبوابها، وسمع من لفظه عدّة كتب، ولازمه مدّة، وأخذ عنه الكثير، وكان له عليه مشيخة
(6)
.
31 -
بير جمال الشيرازي، العجمي، الشافعي (توفي بعد 880 هـ).
أحد كبار الصوفية المسلّكين، له مُريدون كُثُر، وينظم بالفارسية، اجتمع به في القاهرة واستفاد منه
(7)
.
(1)
المجمع المفنّن، رقم (605).
(2)
المجمع المفنّن، رقم (582).
(3)
الروض الباسم، 1/ ورقة 3 و 101 و 111 ب، نيل الأمل 7/ 90، 91 (2942).
(4)
المجمع المفتن، رقم (620).
(5)
نيل الأمل 6/ 221 رقم (2628)، المجمع المفنّن، رقم (621).
(6)
نيل الأمل 7/ 131، 132، رقم (2985)، المجمع المفنّن، رقم (685)، وفيه:"إسحاق بن سعد بن إبراهيم".
(7)
المجمع المفنّن، رقم (1020).
32 -
تَغْري بَردي بن الطرابلسي، الحنفي (توفي قبل 870 هـ).
أديب شاعر. حفظ الكثير من شعره، وكتب من نظمه شيئًا كثيرًا. وكان يحصر إلى دارهم بطرابلس ويكتب لوالده، وجالسه كثيرًا، ووقف على ديوان شعره
(1)
.
33 -
حسن بن يعقوب بن محمّد بن مُدَيد التبريزي، البُرْساوي، الرومي، الحنفي (توفي 876 هـ).
عالم بالفرائض والحساب، وصفه بشيخنا
(2)
.
34 -
سعد بن محمّد بن عبد اللَّه بن سعد بن مصلح بن أبي بكر بن سعد القيسي، القُدسي، الديري، القاهري، الحنفي (توفي 867 هـ).
شيخ مشايخ الإسلام، وقاضي القضاة، وعالم الملوك، المؤلّف المصنّف. له النظم الحَسَن المقبول. قال المؤلّف: منه ما أنشده لي في شهر شوال سنة 865 هـ بقاعة سكنه بالمؤيديّة، والوالد يسمع معي. وكنت أنشدت ذلك عنه قبل ذلك بطرابلس، ثم أنشدنيه لنفسه بعد حضور الوالد إلى القاهرة في التاريخ المذكور:
هي الدنيا الدنيّة فاحذروها
…
فليس لها على أحدٍ ثَبات
فأوّلها وأوسطها انقلابٌ
…
على كدرٍ وآخرُها شتات
وأجازه برواية الكثير من شعره، وكان بينه وبين الوالد محبّة أكيدة وصُحبة قديمة، وأخذ عنه قديمًا، وأجازه من مدّة مديدة، وأجازني أيضًا
(3)
.
35 -
صالح بن عمر بن رسلان بن نُصَير الكِناني، الشافعي، علم الدين البُلقيني (توفي 868 هـ).
ذكره في ترجمة "أبي بكر بن محمّد" المعروف بابن مزهر، ووصفه بشيخنا
(4)
.
36 -
عبد الرحمن بن أبي سعيد الفرنجيّ الأصل، الصّقلّي، التونسي (توفي 873 هـ).
الطبيب الحاذق. قال: اجتمعت به في تونس وأخذت عنه
(5)
.
(1)
المجمع المفنّن، رقم (1044).
(2)
نيل الأمل 7/ 36، 37 رقم (2896).
(3)
الروض الباسم، 2/ ورقة 68 ب و 69 أ، نيل الأمل 6/ 155، 156، رقم (2558).
(4)
المجمع المفنّن، رقم (203)، نيل الأمل 6/ 187، 188، رقم (2590).
(5)
الروض الباسم، 2/ ورقة 189 أ، و 201 أ.
37 -
عبد الرحمن بن علي بن عمر بن علي الأندلسي، المعروف بابن الملقّن (توفي 870 هـ).
ترجم له في "الروض الباسم"
(1)
.
38 -
عبد الرحمن الثعلبي.
وصفه بالعالم العلّامة، الشهير، الخطير، الكبير، وقال: إنه دخل الجزائر وتبرّك منه، و"سمعت شيئًا من فوائده، وسألته بعض أسئلة كانت تُشكل عليّ، فأفادنيها على أحسن وجهٍ، وأتمّه. ورأيت تفسيره، وقرأت عليه من أوله بعض سطور، وأجازني"
(2)
.
39 -
عبد الغفار بن أحمد بن عطيّة الطرابلسي، المغربي، المالكي، المعروف بابن عطيّة (توفي 875 هـ).
قال المؤلّف: رأيته وصحِبته وأنا بطرابلس [الغرب]، وسمعت الكثير من فوائده، وتردّدت إلى زاويته وداره كثيرًا، وكان يأنس إليّ
(3)
.
40 -
عبد القادر الدميري، القاهري، محيي الدين، أبو الثناء، المعروف بابن بقيّ المالكي (توفي 873 هـ).
قال: هو من أعظم أحبابنا، وله علينا الأيادي، وبيننا وبينه الوداد والصفاء، والإخلاص والوفاء، وسمعنا الكثير من فوائده وأبحاثه، لا سيما في دروس شيخنا "الكافِيَجي"
(4)
.
41 -
عبد الوهّاب بن محمّد بن يحيى بن أحمد بن دُغرة بن زُهرة الحِبْراصي، الدمشقي، الطرابلسي.
عالم طرابلس الشام وخطيبها ومفتيها، هو ممن أخذت عنه، بل وقرأت عليه، وحضرت دروسه بجامع طرابلس، وكان بها إلى أن خرجنا منها في سنة 865 هـ. أو قبلها بيسير
(5)
.
42 -
علي بن أبي بكر بن أحمد بن شاور البُرُلُّسي، البلطيمي (توفي 874 هـ).
قال: رأيته بطرابلس الشام وسمعت الكثير من فوائده. أظنّ أنني سمعت منه شيئًا من نظمه
(6)
.
(1)
الروض الباسم، 3/ ورقة 123 أ.
(2)
الروض الباسم، 2/ ورقة 79 ب.
(3)
الروض الباسم، 3/ ورقة 113 ب.
(4)
الروض الباسم، 4/ ورقة 216 أ.
(5)
الروض الباسم، 1/ ورقة 31 أ.
(6)
الروض الباسم، 4/ ورقة 254 أ.
43 -
علي بن قشوش.
أحد أطبّاء تِلِمْسان. أخذ عنه فى المزاولة والمدرسة
(1)
.
44 -
قاسم الحنفي.
وصفه المؤلّف بشيخي. وذكر أن عثمان ولد السلطان جقمق حضر عقد ولد شيخي بالبرقوقية
(2)
.
45 -
قَرَاسِنان الأرزنجاني.
وصفه بشيخنا. وقال إن صاحبه "أحمد بن محمّد بن أحمد الكُتامي، القاهري، المالكي" سمع منه مواضع من "شرح العقائد" وحضر درسه حين كان يقرئ بالخانقاه الشيخونية في سنة 878 هـ
(3)
.
46 -
محمّد بن أحمد بن إبراهيم بن علي بن محمّد التونسي، المغربي، المالكي.
سمعه في سنة 867 هـ. وقال: سمعت الكثير من فوائده، وأنِس بي، وصار يسألنى عن أخبار هذه البلاد
(4)
.
47 -
محمّد بن أبي بكر بن أحمد الأسدي، الشهبي، الدمشقي، الشافعي، بدر الدين (توفي 874 هـ).
حضر حلقته بدمشق، وسمع من فوائده، وقال: كان بينه وبين الوالد صُحبة ومحبّة أكيدة. وكان له حقّ الجوار تجاه الوالد لما كان بدمشق
(5)
. وأضاف ثانية: له علينا مشيخة
(6)
.
48 -
محمّد ابن خطيب جامع العُبّاد، أبو عبد اللَّه.
قال: سمعت خطبته، وحضرت كثيرًا من دروسه، واستفدت من فوائده ستة شهور، وكان أجلّ علماء تلمسان
(7)
.
49 -
محمّد بن زكريا التلمسانى.
مفتي تلمسان. وصفه بشيخه
(8)
.
(1)
الروض الباسم، 3/ ورقة 4.
(2)
نيل الأمل 5/ 369.
(3)
المجمع المفنّن، انظر ج 1/ 518، رقم (490)، وج 2/ 60، رقم (705) وفيه "سنان".
(4)
الروض الباسم، 1/ ورقة 37 أ.
(5)
الروض الباسم، 4/ ورقة 255 ب.
(6)
الروض الباسم، 4/ ورقة 256 أ، نيل الأمل 6/ 412، رقم (2847).
(7)
الروض الباسم، 1/ ورقة 80 أ.
(8)
الروض الباسم، 1/ ورقة 80 أ.
50 -
محمّد بن سليمان بن سعد بن مسعود الرومي، الكافِيَجي، الحنفي (توفي 879 هـ).
أحد مشاهير شيوخه وشيوخ أبيه. كان يدرّس في الخانقاه الشيخونية
(1)
.
51 -
محمّد بن عبد الرحمن بن العماد بن مرَيطع الغزّي، الصفدي، الدمشقي، الحنفي، حسام الدين (توفي 874).
قاضي الحنفية بغزّة، وصفد، وطرابلس، ودمشق، المصنّف، المؤلّف، وصفه بشيخنا
(2)
. وقال في "الروض": له مشيخة عليّ، وسمع منه:
إن الليالي حَبَالَى
…
تأتي بكل غريب
(3)
52 -
محمّد بن عبد الرحمن بن محمّد بن أبي بكر بن عثمان السخاوي (توفي 902 هـ).
المؤرّخ صاحب المصنّفات. سمع المؤلّف منه ما أنشده أحمد بن عبد القوي بن محمّد البخاري، المكي، المالكي
(4)
. (ت 861 هـ) ووصف السخاوي بشيخنا.
53 -
محمّد بن عبد اللَّه بن خليل بن أحمد بن علي بن حسن الكردي، البَلاطُنُسي، الشافعي (توفي 863 هـ).
شيخ الشام ومفتيها وفقيهها، المؤلّف، المصنِّف. وصفه بشيخنا
(5)
.
54 -
محمّد بن عبد الواحد بن عبد الحميد بن مسعود السيواسي المعروف بالكمال ابن الهُمام (توفي 861 هـ).
وهو من شيوخ والد المؤلف.
55 -
محمّد بن عمر، أبو عبد اللَّه القلجاني، التونسي.
قاضي الجماعة بتونس. ورد إلى القاهرة، ووصفه بأنه شيخه
(6)
.
56 -
محمّد بن الفرعة المنكِبي، الأندلسي، المالكي.
هو أخو أبي القاسم بن الفرعة خطيب المنكِب ومفتيها. رآه بالأندلس وسمع
(1)
نيل الأمل 7/ 104، 105، رقم (2959)، المجمع المفنّن، في مواضع كثيرة.
(2)
نيل الأمل 6/ 410 رقم (2846)، بدائع الزهور 3/ 43 وفيه:"ابن بريطع".
(3)
الروض الباسم، 4/ ورقة 256 أ.
(4)
المجمع المفنّن، رقم (419).
(5)
المجمع المفنّن، رقم (397).
(6)
المجمع المفنّن، في ترجمة الأخدري، رقم (111)، وترجمة البحيري رقم (338)، وترجمة ابن عاشر رقم (373).
من فوائده في سنة 869 هـ
(1)
. وقال في الروض: "أبو عبد اللَّه، قاضي مالقة وخطيبها"، لقيه بها وحضر الكثير من دروسه، وسمع الكثير من فوائده لا سيما العربية فإنه آية فيها. وذلك في سنة 870 هـ
(2)
.
57 -
محمّد بن القصّار التلمساني، المغربي، الوهراني، المالكي (توفي 874 هـ).
خطيب جامع البيطار بوهران، وأحد تلاميذ العارف "التازي" صاحب وظيفة الذكر المسمّاة "الوظيفة المنصورة". تَصاحَب معه لما دخل وهران، وأخذ الكثير من نظمه
(3)
. وقال عنه: كان نِعم الصاحب والرفيق. وعنه أخذ الكثير من نظم إبراهيم التازي
(4)
.
58 -
محمّد بن محمّد بن سليمان الأوزاعي، الدمشقي، الصالحي، الطرابلسي، المعروف بالبابا (توفي 869 هـ).
الفقيه، المعبّر، الأديب. أخذ عنه بطرابلس الشام، وكان يسكن بجوار دار والده، وقال: وكنت قد لازمته كثيرًا في الفقه والتعبير، وأخذت عنه الكثير، وانتفعت به فيها، وله نظم، فمنه ما أنشدنيه لنفسه في شعبان سنة 861 هـ. مضمّنًا:
ألا ليت شِعري هل أبيتنّ ليلةً
…
بساحل بحرٍ للرباط فضيل
وهل أردت يومًا حياة برنزها
…
وهل يبدون في أبراج وظليل
وهل أشهدن يومًا قتالًا بمرجها
…
إذا شاهدت عيني الدماء تسيل
وأضرب في أعناق قومٍ كوافر
…
بصارمٍ هنديّ للرقاب فصيل
فإنْ سلّم الرحمن فزتُ بنصره
…
وإلّا قتيل في الفلاة جديل
تحوم على شلْوي خيولٌ سوابق
…
وذلك في ذات الإله قليل
(5)
59 -
محمّد بن محمّد بن الشريف الفاسي، التونسي، المالكي (توفي 871 هـ).
عارف بعلم الطبّ. وصفه بشيخنا
(6)
. وقد صحِبه بتونس ووصفه بالمتطبّب، وأخذ عنه الكثير من العلم
(7)
.
(1)
المجمع المفنّن، رقم (236).
(2)
الروض الباسم، 3/ ورقة 111 ب.
(3)
المجمع المفنّن، رقم (112)، في ترجمة التازي المالكي ج 1/ 246.
(4)
الروض الباسم، 4/ ورقة 256 ب.
(5)
الروض الباسم، 3/ ورقة 39 و 44، و 1/ 106 أ، نيل الأمل 1/ 43، رقم 28، المجمع المفنّن، ورقة 261، رقم (530).
(6)
نيل الأمل 6/ 268، رقم (2682).
(7)
الروض الباسم، 3/ ورقة 142 ب.
60 -
محمّد بن محمّد بن عمر بن قطْلُوبُغا التركي، القاهري، سيف الدين الحنفي (توفي 881 هـ).
وصفه في عدّة مواضع بشيخنا العلّامة المحقّق
(1)
.
61 -
محمّد بن محمّد بن محمّد البَلَوي، المالكي، أبو عبد اللَّه، الشهير بابن البَكُّوش.
عالم القيروان، ومفتيها، وخطيبها. نزل المؤلّف رحمه الله بداره بالقيروان في سنة 868 هـ. وقال: أنِس إليّ جدًّا، وأخذت أتردّد إلى مجالس دروسه، وأخذنا عنه العلم الكثير في الوقت اليسير باجتهاد وكثرة ترداد ما بين قراءة عليه وسماع، واستفدنا منه نُبَذًا جيّدة في صناعة الطبّ، وحصّلنا الفوائد الجمّة الجليلة إلى الغاية والنهاية، وأجاز لنا
(2)
.
62 -
محمّد بن مرزوق.
وصفه بسيدي الشيخ العالم. لقيه بتلمسان سنة 869 هـ
(3)
.
63 -
محمّد بن منظور، أبو عبد اللَّه الغَرناطي.
حضر مجلسه أكثر من مرة بغَرناطة، وسمع الكثير من فوائده
(4)
.
64 -
محمّد الخيّر المالقي.
لقيه المؤلّف في سنة 867 هـ
(5)
.
65 -
محمّد الرازي القُسنْطيني، التونسي المالكي، أبو عبد اللَّه (توفي 883 هـ).
قاضي الأنكحة بتونس، عالم بالطبّ. وصفه بشيخنا العلّامة
(6)
.
66 -
محمّد العريف.
أحد مُريدي العارف "التازي". روى عنه "الوظيفة المنصورة"، وقد سمعها بوهران سنة 869 هـ
(7)
.
67 -
محمّد العُقباني، أبو عبد اللَّه.
قاضي الجماعة بتلمسان، الشيخ العالم الفاضل.
(1)
نيل الأمل 7/ 173، رقم (3028)، المجمع المفنّن، ورقة 22 و 31 و 94 و 135 و 163.
(2)
الروض الباسم، 2/ ورقة 76 ب، و 111 ب، المجمع المفنّن، ورقة 55، رقم (107).
(3)
الروض الباسم، 3/ 92 أ.
(4)
الروض الباسم، 3/ ورقة 112 ب، 113 أ.
(5)
الروض الباسم، 1/ ورقة 48 ب.
(6)
نيل الأمل 7/ 223، رقم 3098.
(7)
المجمع المفنّن، ورقة 60، رقم (112).
قال: هو أخو أبي سالم إبراهيم خطيب جامع تلمسان الأعظم وإمامه
(1)
.
68 -
محمّد المشدالي، أبو القاسم.
اجتمع به في بجاية، وسمع الكثير من فوائده
(2)
.
69 -
محمّد المصمودي.
أحد مريدي العارف باللَّه "التازي". روى عنه "الوظيفة المنصورة"، وقد سمعها بوهران سنة 869 هـ
(3)
.
70 -
محمّد الواصلي، أبو عبد الله التونسي، المغربي، المالكي (توفي 872 هـ).
قال المؤلّف رحمه الله: حضرت دروسه كثيرًا، وسمعت عليه الكثير من "صحيح مسلم "، ومن تفسير القرآن، والفقه المالكي، والعربية، والمعاني، والبيان، وأصول الدين، والفقه
(4)
.
71 -
محيي الدين بن بقي الدميري (توفي 895 هـ).
قال المؤلّف: هو من أعظم أحبابنا، وله علينا الأيادي. سمع الكثير من فوائده وأبحاثه لا سيما في دروس الكافِيجي
(5)
.
72 -
مصطفى الرومي (توفي 864 هـ).
نزيل طرابلس الشام. سمع أشياء من نظمه باللغة التركية
(6)
.
73 -
منصور البنجريري، القروي.
قاضي طرابلس الغرب وخطيبها ومفتيها. له نظم حسن. سمع المؤلّف كثيرًا من إنشاده، ومن فوائده
(7)
.
74 -
موسى بن سمويل بن يهودا الإسرائيلي، المالقي، اليهودي الأندلسي.
المتطبّب، الريّس الفاضل، الماهر، الأدري، الأقدري، المعرف بأبيه وبابن الأشقر.
قال المؤلّف عنه: لم أسمع بذمّيّ، ولا رأيت كمثله في مهارته في هذا العلم
(1)
الروض الباسم، 1/ ورقة 79 ب.
(2)
الروض الباسم، 1/ ورقة 79 ب.
(3)
المجمع المفنّن، ورقة 60، رقم (112).
(4)
نيل الأمل 6/ 335، رقم 2734، الروض الباسم، 4/ ورقة، 10 أ، ب، المجمع المفنّن ورقة 180، رقم 373، وورقة 280.
(5)
الروض الباسم، 4/ 216 ب.
(6)
نيل الأمل 6/ 92، رقم (2516).
(7)
الروض الباسم، 2/ ورقة 54 أ.
وفي علم الوفْق والميقات وبعض العلوم القديمة، مع التعبّد الزائد في دينه
(1)
.
75 -
يحيى بن أبي الفرج قريب التلمساني.
هو قريب قاضي غَرناطة وعالم الأندلس
(2)
.
76 -
يحيى بن محمّد بن إبراهيم بن أحمد، الأمين الأقُصُرائي (توفي 880 هـ).
تقدّم في شيوخ والده
(3)
.
77 -
يحيى الكسيلي، البجائي، المالكي (توفي 885 هـ).
مفتي مدينة بونا وعالمها. وصفه بشيخي
(4)
.
78 -
يونس الأدرنائي، الرومي.
من مدينة أدرنة. وصفه المؤلّف بشيخنا المحقّق
(5)
.
79 -
يونس الحواري، شرف الدين.
عالم بالمنطق
(6)
.
80 -
أبو إسحاق بن هارون الجندري.
وصفه بشيخنا
(7)
.
81 -
أبو القاسم بن أبي بكر بن أبي الفضل الليثي، السمرقندي، الحنفي.
قصده يوم الأحد 18 من شهر شوال 887 هـ. وهو بمنزل الشرف الأنصاري بالقاهرة، فلقيه هو ووالده، وسألهما عن أشياء، ووقع بينهما بحث طبّي حسن.
قال المؤلّف رحمه الله: قرئ على صاحب الترجمة شيء من أول حاشيته على "شرح الطوالع" وكذا من آخره، وكذا من حاشيته على "العَضُد"، وأجازني. و"القطري" وهو للنور المحلّي، وولده، والشهاب ابن تمرباي بما قُرئ عليه قريبًا في ذلك، وسائر تصانيفه ومَرْويّاته. وقرأ عليه شيئًا من "صحيح البخاري" بقراءة نفسه على القُطب الخيضري
(8)
.
(1)
الروض الباسم، 3/ ورقة 92 أ، رقم الترجمة 258.
(2)
الروض الباسم 4/ ورقة 92 أ.
(3)
نيل الأمل 1/ 10 و 7/ 129، رقم (2983).
(4)
نيل الأمل 7/ 275، رقم (3159).
(5)
الروض الباسم، 3/ 187 ب، المجمع المفنّن، ورقة 28، الترجمة رقم (55).
(6)
المجمع المفنّن، ورقة 130، رقم (274).
(7)
المجمع المفنّن، ورقة 163، رقم (332).
(8)
المجمع المفنّن، رقم (227).
82 -
أبو نظيف الرومي (توفي 871 هـ).
كان أسيرًا ببلاد الفرنج وهرب إلى وهران، فلازَمه المؤلّف، وأخذ عنه شيئًا في الطبّ والفقه
(1)
.
83 -
أبو الوليد بن شحنة، محبّ الدين الحنفي.
وصفه بشيخي
(2)
، وقد تولّى مشيخة الخانقاه الشيخونية سنة 882 هـ.
84 -
التقيّ بن قُنْدُس، أبو بكر بن إبراهيم بن يوسف البعلي، الصالحي، الدمشقي، الحنبلي (توفي 861 هـ).
شيخ الحنابلة بالشام وإمامهم ومفتيهم وعالمهم وزاهدهم. كان شيخًا له، ولوالده
(3)
.
85 -
حميد الدين النُعماني (محمّد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن عمر الفرغاني)(توفي 867 هـ).
وصفه بشيخنا
(4)
.
86 -
شرف الدين الحنفي.
ذكره المؤلف عَرَضًا في ترجمة أمّه "مريم بنت هاني بن علي الهوريني" وقال: إنها أمّ شيخنا شرف الدين الحنفي
(5)
.
87 -
الشمس (شمس الدين) ابن الأستادّار (بعد 886 هـ).
أديب ينظم الشعر. أنشد لنفسه وسمعه المؤلّف:
لم يحترق حرم الرسول بحادثٍ
…
تبنى عليه رضاهم الكفار
بل ضمّ شمل السُحْت وهو محرم
…
عند الرسول فحرّقته النار
(6)
88 -
علاء الدين الحصني (علي بن محمّد الشافعي)(توفي 888 هـ).
كانت بيده مدرسة الأمير "بُردْبك القبرسي الأشرفي"، بالقرب من رحبة الأيدمري بالقاهرة. وصفه بشيخنا
(7)
العلّامة.
(1)
نيل الأمل 1/ 39، رقم 5، الروض الباسم، 1/ ورقة 143 ب.
(2)
الروض الباسم، 4/ ورقة 234 أ.
(3)
نيل الأمل 1/ 11، الروض الباسم، 2/ ورقة 24 ا أ.
(4)
المجمع المفنّن، رقم (511)، نيل الأمل 6/ 154، 155، رقم (2557).
(5)
نيل الأمل 6/ 268، رقم (2683).
(6)
نيل الأمل 7/ 297، 298.
(7)
المجمع المفنّن، رقم الترجمة (930)؛ نيل الأمل 7/ 337، رقم (3227).
ويضاف إلى هؤلاء الشيوخ: أبوه، وأخوه الأكبر "أبو الفضل محمّد"، وهو أنشده في مدح خطيب مكة "محمّد بن محمّد بن أحمد العقيلي، النويري، المكي، الشافعي"(ت 873 هـ):
سألت حداة العيس أين تيمّموا
…
مطاياهم ظاعنين عن الأهل
فقالوا: إن بحر العلوم ومن غدا
…
الزمان خطيبًا في محاسنه علي
وفاض على كل الورى نور فضلِهِ
…
وليس عجبًا فيضها من أبي الفضلِ
(1)
ومن المرجّح أن شيوخه والذين أخذ عنهم بلغوا المئة أو يزيدون، ولو وَصَلنا "الروض الباسم" و"المجمع المفنّن" كاملَين لتَحَقَّقْنا من ذلك.
وهو سمع أيضًا من الإمام المؤرّخ جلال الدين السيوطيّ شعرًا، يرثي فيه "المناوي" كما سيأتي. وله شيوخ غير الذين ذكرناهمٍ، أورد "السخاوي" بعضهم في ترجمته الآتية بعد قليل. ولم يقدَّر له أن يأخذ شيئًا عن "برهان الدين البقاعي"(ت 885 هـ) لأنَّ خلافًا وقع بينه وبين "الكافيجي" فتعاطف هو مع شيخه "الكافِيجي"
(2)
، ولم يأخذ عن "البقاعي".
علاقاته الاجتماعية
وفي العودة إلى وقائع رحلة المؤلّف، وقائمة شيوخه، يمكن أن نؤكّد على تنوّع مصادر ثقافته، واتصاله بعلْية القوم وكبار العلماء في كل مدينة أو بلدة دخلها، وهذا يدلّ على وجاهته وعُلُوّ قدره، بحيث أكسبته التجارة موقعًا اجتماعيًا محتَرَمًا، مع ما كان له من رصيد اجتماعيّ وثقافيّ، اكتسبه من والده الذي وصل إلى رتبة الوزراء في مصر، وغير ذلك من المناصب الرفيعة في مصر والشام وغيرها، فضلًا عمّا صنّف من مؤلفات، فجمع بين المكانة السياسية، والمكانة العلمية، حتى عُرف المؤلف في بعض المصادر بـ"ابن الوزير"، فلا غرابة إذن أنّ نراه يجتمع بالملوك والسلاطين والوُلاة والقضاة والمُفتين والخطباء والعلماء، وكبار التجار والوجهاء، وأن ينسج علاقات وصداقات واسعة مع رجالات عصره، في البلاد التي ينزلها ويقيم فيها. ولم تصرفه التجارة، بل لم تستحوذ على كل تفكيره واهتمامه، إذ جمع بينها وبين طلب العلم، والاستزادة منه، بالاجتماع بالعلماء والشيوخ، والتردّد على مجالس العلم، ومَيله إلى التصوّف، وزيارة قبور الأولياء والصالحين، والعلماء الأقدمين.
(1)
الروض الباسم، 4/ ورقة 243 ب.
(2)
المجمع المفنّن، في ترجمة البقاعي رقم (82).
ومن خلال العودة إلى شريط رحلته، مرة أخرى، نجده ساذَجًا تارة، وحريصًا تارة أخرى، وذلك من خلال ما جرى له من مملوكه العاقّ الذي خدعه، ومن اليهوديّ الذي أراد قتله، ومن قائد طرابلس الغرب الذي ظلمه، وكبير التجار الذي تخلّى عن نُصرته. وفي المقابل، نجد شريحة كبيرة من الأصدقاء والأصحاب الذين وقفوا إلى جانبه في أوقات الشدّة، وساعدوه، وعادوه أثناء مرضه، وتأثّروا لما أصابه عند محاولة اغتياله، وإضافة أهله في بيت أحدهم عدّة أشهر، أثناء سفره إلى الأندلس بمفرده، وتأثّره من قاضي القضاة الحنفية بمصر الشيخ محمّد بن المغربي الغزّي، الذي وثب على وظيفة التدريس في أحد جوامع القاهرة (من زادة؟) حيث وقع بينهما شنآن - حسب تعبيره - وأخذ الوظيفة منه بغير طريق، ظلمًا وعدوانًا
(1)
.
وتنوّعت معارف المؤلّف بين لغوية، وأدبية، وفقهية، وطبّية، وأُصول، ونظْم ومنطق، وهندسة، ومساحة وعن العِلمين الأخيرين يتحدّث المؤلّف أن والده أخذه معه إلى مجلس شيخه بالمدرسة المؤيّديّة قاضي القضاة الحنفية السعد بن الديري، وذكره عنده، فقال القاضي الديري:"قد سمعت به، وإنه طالب عِلم حذق، ثم أخذ بعد ذلك يسألني عن مسألة المحشر في المحشر، فتكلّمت ببعض كلامٍ فتح اللَّه تعالى به في ذلك الحين، فأعجبه إلى الغاية، ثم انتقلت إلى الكلام على طريقة أهل الهندسة والمساحة، فدعا لي، ثم حضرت بعض دروسه، وأجازني في سنة 866 هـ"
(2)
.
وتناقش مرة مع شخص حول البيت:
ما كل ما يتمنّى المرءُ يدركهُ
…
تجري الرياحُ بما لا تشتهي السُّفُنُ
فقال الرجل: إنّ الصحيح: "بما لا يشتهي السَفِن"
(3)
، (بفتح السين المهملة وكسر الفاء)؛ فصوّب المؤلّف الضبط كما هو مشهور.
(1)
الروض الباسم، 1/ ورقة 40 أ.
(2)
الروض الباسم، 2/ ورقة 11 أ.
(3)
الروض الباسم، 1/ ورقة 10 و 21.
تلاميذ المؤلّف
كانت وظيفة قراءة الحديث بالخانقاه الشيخونية لأحمد بن علي بن حسن الكتبي أحد صوفيّتها، فمرض مدّة طويلة. ومات سنة 877 هـ. فصارت الوظيفة للمؤلّف
(1)
.
ولم يبلغ عدد التلاميذ الذين أخذوا عن "عبد الباسط" أو سمعوه وقرأوا عليه عددَ شيوخه كثرةً، ربّما لكثرة تَجواله وسفره في التجارة، ولهذا قلَّ عددهم، وعرفنا منهم:
1 -
إبراهيم بن عبد اللطيف بن ماجد الملكي، النصراني الأصل، المصري، الشافعي، المعروف بابن العفيف. (توفي 896 هـ).
هو رئيس الكحّالين في مصر. قال المؤلّف رحمه الله: سألني غير ما مرة في أن يقرأ عليّ شيئًا من "القُدُوري" وما اتفق له ذلك
(2)
.
2 -
إبراهيم بن عبد اللَّه بن أحمد بن أبي بكر القاهري، الحنفي، المعروف بالخليفتي (ت 872 هـ)،
قال: قرأ عليّ كثيرًا، ولازَمني حتى أنهى "الكنز" بحثًا. وسمع عليّ شيئًا من "المصابيح" بقراءة نفسه. وابتدأ في هذه الأيام بقراءة "الزيلعي"، وسمع عليّ الكثير
(3)
.
3 -
أحمد بن أبي بكر بن محمّد الأحمدي، القاهري.
قال: حضر دروسي، ثم قرأ عليّ "قانون شاه" في الطبّ، مع شرحي إيّاه، قراءة بحثٍ وتحقيق
(4)
.
4 -
أحمد بن تَنِبَك الإياسي، الأشرفي، الجركسي، القاهري، الحنفي، ثم الشافعي.
أخذ إجازة من المؤلّف الذي قال عنه: وهو جمع شيئًا في التاريخ كالمعجَم، ذكر فيه شيوخه، وذكرني في جملتهم، وكان يتردّد إليّ في بعض الأحيان، ويُظهر
(1)
المجمع المفنّن، رقم (415).
(2)
المجمع المفنّن، رقم (64).
(3)
المجمع المفنّن، رقم (51).
(4)
المجمع المفنّن، رقم (274).
التودّد والمحبّة، ويبعث إليّ يسألني عن أشياء تعنّ له، فأجيبه بما يُرضيه ويعجبه، وينقل عنّي أشياء مهمّة. وكان لَه فيّ حُسن اعتقاد. وكذا أنا
(1)
.
5 -
أحمد بن علي بن أبينبك المارداني، القاهري، الحنفي.
أجد أجناد الحلقة. قرأ عليه "الجروميّة" ثم "شرْحَها" للمكودي، وبحث جميع "القُدوري"، وسمع الكثير من دروسه في عدّة فنون وهو مجاوِر له
(2)
.
6 -
إسماعيل بن حسن بن رسل (؟) بن موسى المَلَطي، الرومي.
توطّن الخانقاه الشيخونية، وأكمل بها "المجمع" عليه، وقرأ عليه "قانون الطب" لسودون الفقيه وما أكمله، وسمع كثيرًا من دروسه
(3)
.
7 -
أنعام الرومي.
قرأ عليه "الكنز" ثم "اللمعة البدرية" وبحثَها قراءة إتقان، حيث نزل الخانقاه الشيخونية عام 876 هـ
(4)
.
8 -
أوَيس الرومي.
سكن الخانقاه سنة 888 هـ. ولازم دروسه مدّة، وقرأ عليه بنفسه في مدّة يسيرة شيئًا كثيرًا من المختصرات الفقهية، فابتدأ بـ "القْدوري"، و"المقدّمة"، ثم سافر إلى بلاده سنة 901 هـ
(5)
.
9 -
إياس الشهابي أحمد بن علي بن إينال الظاهري، الفقيه (توفي 888 هـ).
قرأ عليه "القُدوري" أو قريب كماله، وحضر دروسه كثيرًا
(6)
.
10 -
إياس العلائي، المعروف بالفقيه (توفي 891 هـ).
قال: حضر عدّة دروس عندي
(7)
.
11 -
بُرْدُبَك السيفي جَرِباش، المعروف بالمعمار (توفي 885 هـ).
هو نائب طرابلس وقريب السلطان، والقائم على عمارة برج الإسكندرية. طلب أن يحضر المؤلّف إليه ليتعلّم منه، ورضي أن يعلّمه ثلاثة أيام في الأسبوع
(8)
.
12 -
بَرسْباي اليلباي الفقيه.
أحد الأجناد السلطانية. حضر كثيرًا من دروسه، وقرأ عليه في "الهداية" دروسًا كثيرة
(9)
.
(1)
المجمع المفنّن، رقم (323).
(2)
المجمع المفنّن، رقم (448).
(3)
المجمع المفنّن، رقم (710) وفيه:"برسل".
(4)
المجمع المفنّن، رقم (829).
(5)
المجمع المفنّن، رقم (836).
(6)
المجمع المفنّن، رقم (834).
(7)
المجمع المفنّن، رقم (843).
(8)
المجمع المفنّن، رقم (914).
(9)
المجمع المفنّن، رقم (963).
13 -
برقوق السيفي بُرْدُبَك، المعروف بالشيخ.
قال المؤلّف: لازَمني مدّة، وقرأ عليّ عدّة كتب، منها "خُلاصة القُدوري" و"المنظومة"، و"شرح المقدّمة" للقَرَماني، وغيره
(1)
.
14 -
برقوق الناصري، الشيخ.
كان يترجم للمؤلّف عن إبراهيم بن محمود الأُقصُرائي. (ت 890 هـ) وقال: كان أحد تلامذتي
(2)
.
15 -
لؤلؤ الشريفي، الظاهري، الطواشي.
قال: هو صاحبنا. قرأ عليّ شيئًا في الفقه وغيره
(3)
.
16 -
محمّد بن أحمد بن إياس الحنفي (توفي 930 هـ).
المؤرّخ، صاحب "بدائع الزهور في وقائع الدهور". نقل كثيرًا من الأخبار عن المؤلّف في كتبه، وكان يقول عنه:"شيخنا"
(4)
.
وقد قُرئت عليه مرارًا "مقدّمة" الشهاب الحنّاوي المعروفة، المسمّاة بـ "الدّرة المُضيّة في علم العربية"
(5)
.
17 -
محمّد بن جاني التركماني، الرمضاني.
لازم المؤلف مدّة، وهو نزيل الخانقاه الشيخونية، وقرأ عليه الكثير من الفقه واللغة وغير ذلك
(6)
.
18 -
محمّد بن حمزة بن خضر الرومي، النشاوي، الحنفي.
نزيل الخانقاه. قرأ عليه بعضًا من "المصابيح"
(7)
وجميع "الفصيح في اللغة"
(8)
و"أدب الكاتب"
(9)
، وجميع "مقامات الحريري" ورسائل أخرى. ولازمه مدّة
(10)
.
19 -
وصيف الرومي، الحنفي.
لازَمَه شهورًا وأخذ عليه في الطب والفقه
(11)
.
(1)
المجمع المفنّن، رقم (966).
(2)
المجمع المفنّن، ج 1/ 259، 260، رقم (116).
(3)
الروض الباسم، 4/ ورقة 240 ب.
(4)
المجمع المفنّن، رقم (116).
(5)
بدائع الزهور 3/ 26 و 263 و 304 و 318 و 424 و 455.
(6)
الروض الباسم، 4/ 242 أ.
(7)
هو كتاب "مصابيح السُّنَّة" للإمام البَغَوي (ت 516 هـ)، كشف الظنون 2/ 1698.
(8)
هو لثعلب الكوفي النحوي (ت 291 هـ) كشف الظنون 2/ 1272.
(9)
هو لابن قتيبة الدينَوَري (ت 276 هـ).
(10)
الروض الباسم، 4/ 243 ب.
(11)
الروض الباسم، 2/ 143 ب.
من شعره
ورغم مَيل المؤلف إلى الشِعر ونظْمه، فإنه لم يكن بذاك المتمكّن من اللغة والنحو والصرف جيدًا، فكتابته لا تخلو من الأخطاء والأغلاط اللُّغوية والنحوية، وفي بعض الأحيان يستخدم ألفاظًا عامّية، وفي أحيانٍ أخرى يكتب كلماتٍ بغير القواعد المتعارف عليها. وهذا يظهر واضحًا في كتاب "الروض الباسم" الذي وصلنا قسم كبير منه بخطّه، كذلك كتابه "المجمع المفنّن". أما كتابه "نيل الأمل" فلا يمكن أن يؤكد أو ينفي الحقائق التي نشير إليها، لأنَّ النسخة الوحيدة التي وصلَتنا هي نسخة منقولة عن أصل المؤلّف، ووِزْر الأغلاط يتحمّلها الناسخ.
أمّا نظْمه للشعر، فلا يرقى إلى مستوى الجيّد، بل هو شِعر تقليديّ بحدود الوسط، ومنه رثاؤه لماهر بن عبد الله بن نجم بن عوض الأنصاري، المقدسي، القاهري، الشافعيّ، عند وفاته في سنة 867 هـ. فقال: ولما بلغني موته أنشدت في ذلك من غير تدوين، بل على البديهة ارتجالًا، بحسب الحال هذه الأبيات:
أحيَيْتَ بالعلم رسمًا
…
قد كان قبلك داثرْ
وقد تمهَّرتَ فيه
…
فطابق الاسم ماهر
وزِدْتَه بصلاحٍ
…
لكم ونحير المآثر
ودُمت دهرًا معينًا
…
للناس نفعُك ظاهر
والآن غُيّبت عنّا
…
وصرتَ رهن المقابر
في أبيات أخرى
(1)
.
وله في مدح سلطان غَرناطة أبي الحسن علي بن أبي النصر، المعروف بابن الأحمر سنة 870 هـ. قصيدة مطوّلة، أولها:
إلى أبي الحسن الأعناق تنخضعْ
…
وعند سُدّته الأملاك تتَّضِعْ
ومن شجاعته الأبطال قد فرقوا
…
ومنه أفئدة الأعداء تنخلع
(2)
(1)
الروض الباسم، 2/ ورقة 70 ب.
(2)
الروض الباسم، 3/ ورقة 108 أ.
وقال يرثي "أبا زكريا، يحيى بن محمّد بن مخلوف المناوي" المتوفّى سنة 871 هـ. وقد نظَمَها ارتجالًا، حسب قوله، وهو في الإسكندرية، بعد دخوله إليها من السفر والتعب:
مات المناويّ الشرف
…
فمات المُنَى والشرف
نوحوا على فقْده
…
وابكوا بدمع ذرف
فهو الإمام الذي
…
كلٌّ له اعترف
والبحر حاوي العُلا
…
فالفضل منه اغترف
والدرّ من علمه
…
أهداه لا عن صَدَف
والشمس وقت الضُحى
…
والبدر تحت السُدَف
قاضي قضاة الورى
…
غيث العطا والطُرف
والجود ثم السخا
…
واللطف ثم الظرف
ارحمه يا خالقي
…
واتحفْهُ منك بالتُحَف
وسُق شُربًا له
…
طول المدى والسلف
بوابلٍ هاطلٍ
…
يذرف فوق الذرف
برحمةٍ مع رضًى
…
ارفعه على الغُرف
(1)
و"المناويّ" هذا هو الذي رثاه الجلال السيوطيّ بقوله، وقد أنشده للمؤلّف:
قلت لما مات شيخ
…
العصر حقًّا باتفاقِ
حين صار الأمر
…
ما بين جهول وفسّاق
أيّها الدنيا لك الويلُ
…
إلى يوم التّلاقِ
(2)
وله يرثي "البدر بن الغَرْس، محمّد بن محمّد بن محمّد بن خليل بن علي، أبا اليُسر القاهري، الحنفي"(ت 894 هـ).
لقد أظلمت مصر وأقفرت الدنيا
…
لموت عدِيم المِثْل بل أوحدِ العصر
سأعجب إن ضاعت ليالي عصرِنا
…
وكيف يكون الضوء مع عدم البدرِ
وله أبيات ارتجلها - حسب قوله -، وكتبها جوابًا على أبياتٍ أنشدها له الأديب "أحمد بن علي بن حسن الجوهري" نزيل الخانقاه الشيخونية (ت 903 هـ):
ألا يا شهابَ الدين جاء نظامُكم
…
وما حاد عن سلْك اللآلي في العِقْدِ
(1)
الروض الباسم، 3/ ورقة 143 أ.
(2)
الروض الباسم، 3/ ورقة 143 أ.
تضمّن أبياتًا زهت وتزهّرت
…
ففاق على زهر الربيع، بل الوردِ
سالت به بما أتى من لُغاتنا
…
غريبًا، فهاك القول فيها بما أُبدي
فافتل باللام اندماج فخذه لا
…
تشك، فمعناه أتاك على القصدِ
وندفن لا باللام بل نونه أتت
…
ومعناه تدوير، وهذا الذي عندي
ولملم معنى الانضمام وجمع ما
…
تفرّق، ثم المحتد الأصل يا بَعْدي
فهذا هو أبي بارتباكٍ وسرعةٍ
…
فلا تعتبوا إنّي مقيم على العهدِ
(1)
وله بيت كتبه إلى "أحمد بن محمّد بن أحمد بن شرف القضاة المنفلوطي" المتوفَّى بعد 889 هـ:
أزكى سلام بنشر المسك والعود
…
يخصّ طلعتك العَلْيا بتحديدِ
(2)
وله في صريح الطلاق وبائنه في لحوق ما يلحق منه وما لا يلحق، بيتان، هما:
صريح طلاق المرء يلحق مثله
…
ويلحق أيضًا بائنًا كان قبله
كذا عكسُه لا بائنٌ بعد بائنٍ
…
سوى بائنِ قد كان على فعله
(3)
وكتب رسالة إلى "أحمد بن محمّد بن صدقة بن مسعود الدُلجي، الصعيدي" وهو بمنفلوط، وصدّرها بأبيات، من جملتها:
عبر الزمانُ بمن كانت لهم هِمَمُ
…
وكان عزْمُهُم عزمًا لما دَرَبُوا
ومن تدابيرهم كانت مواقف
…
وكان ينفع من قالوا وما حسبوا
وكان آراؤهم تقضي الملوكُ بها
…
وكان ما رسموا نهجًا وما كتبوا
تعتمد بهم الأملاكُ في بُعدٍ
…
يسترشدونهم حتى بهم غلبوا
مرّوا ففرّوا وفرّوا وانقضوا ومضوا
…
ولا بقيّة منهمُ كِلاهُمُ ذهبوا
وقد بقينا بقومٍ ما بهم غباء
…
لا بدّ أن ينهزموا يومًا إذا نُدبوا
نسأل اللَّه إصلاحًا لنا ولهم
…
عساهُمُ يستفيقوا قبل أن ينعطبوا
(4)
وأنشد هذه الأبيات:
يا سيّدي وأنيسي والصديق، ويا
…
جاري القريب ويا عوني ويا وزري
(1)
نيل الأمل 8/ 143، بدائع الزهور 3/ 263.
(2)
المجمع المفنّن، رقم (413).
(3)
المجمع المفنّن، رقم (481).
(4)
الروض الباسم، 2/ 68 ب، 69 أ.
روحي وروحك أجناد مُجنّدةٌ
…
تعارفنا قبل رؤيا العين والبصر
ثم التقينا فكان الجسم مؤتلفًا
…
كأُلْفَة الروح فادّكرت بالسُّوَرِ
(1)
وله أبيات كتبها ارتجالًا واستعجالًا - حسب قوله - جوابًا على قصيدة قالها فيه: "أحمد بن محمّد بن علي القاهري، المعروف بابن العاقل":
إني وقفت على دُرّ تنضّد في
…
عِقدٍ فريد له شأن على الدرر
وزهر روض لعلّ الوصف يعجز عن
…
بديع ما قد حوى ذا الروض من زهر
أعيذ مُنشئة من كل حادثةٍ
…
لا فُضّ فوه ودام الدهر في خفر
(2)
وله بيت أنشده في خسوف القمر سنة 892 هـ:
لا تفعل الشمس شيئًا، لا ولا القمر
…
وعن خسوفهما لا يصدر الأثر
(3)
وهو كان يحفظ شعر الأديب المصنّف "ابن حِجَّة الحموي"، ولهذا كشف سرقة "أحمد بن محمّد بن عبد الرحمن الحِمْيَري القُسُنْطيني" الأديب المعروف بالحلوف (توفي بعد 881 هـ) عندما دخل تونس سنة 866 هـ، ونَسَب "الحلوف" تائيّة "ابن حجَّة" لنفسه، وهي التي يقول فيها:
ناديت قاضي الهوى والسّقم يشهد لي
…
إذ سُطِّرت من دما عيني سِجِلّاتُ
ولما سئل عنها أنشد منها قبل ذكرها له
(4)
.
وفي آخر ترجمته للسلطان "يوسف بن بَرسْباي الدقماقي" الملقّب بالملك العزيز أورد بيتين يحتمل أنهما له:
لم يأت من بعده ملك يُشابهه
…
ولا يقاربه أعظم منه ملكا
ولم يُر مثله في عُلوّ همّته
…
ولا طريقته من بعده سلكا
(5)
وارتجل بيتًا في "أبي العباس أحمد الششيني":
هو الشهاب الذي شاعت محاسنه
…
وحاز من كل من فوق ما أصف
(6)
وله ارتجالًا:
ما بين ما قلت وقلت الكمال
…
إلّا تضادّ النقص ثم الكمال
(7)
(1)
المجمع المفنّن، ج 1/ 533، رقم (505).
(2)
المجمع المفنّن، ج 1/ 562، رقم (523).
(3)
نيل الأمل 8/ 59.
(4)
المجمع المفنّن، ج 1/ 466، رقم (426).
(5)
الروض 3/ 90 ب.
(6)
الروض 4/ 124 ب.
(7)
الروض 4/ 188 ب.
ترجمة المؤلّف عند "السخاوي
"
" عبد الباسط بن خليل بن شاهين الشيخيّ الأصل، المَلَطي، ثم القاهري، الحنفيّ، نزيل الشيخونية. وُلد في رجب سنة أربع وأربعين وثمانمائة بمَلَطية، ونشأ بها وبحلب ودمشق، فقرأ في دمشق بعد بلوغه القرآن ببعض القراءات، ثم حفظ "منظومة النسفيّ"
(1)
، و"الكنز"
(2)
، ونصف "المجمع"
(3)
. وأقرأه أبوه الكثير. وحضر دروس قوام الدين
(4)
، وحميد الدين النعمانيّ
(5)
، وغيرهما من علماء مذهبه وغيره. وقرأ على جماعة من فضَلاء الروم كالعلاء الروميّ قاضي العسكر بها في دمشق، والبرهان البغداديّ
(6)
في طرابلس.
وقدم القاهرة فلازَم النجم القرْميَّ
(7)
في العربية، والمعاني، والبيان،
(1)
منظومة النسفي في الخلاف. والنسفي هو: أبو حفص عمر بن محمّد بن أحمد، المتوفّى سنة 537 هـ. وأبياتها ألفان وستمائة وتسعة وستون بيتًا. (كشف الظنون 2/ 1867).
(2)
هو كنز الدقائق في فروع الحنفية، للإمام أبي البركات عبد الله بن أحمد المعروف بحافظ الدين النسفي، المتوفى سنة 710 هـ. (كشف الظنون 2/ 1515).
(3)
هو مجمع البحرين وملتقى النهرين، في فروع الحنفية، للإمام مظفّر الدين أحمد بن علي بن ثعلب المعروف بابن الساعاتي البغدادي، المتوفى سنة 694 هـ. (كشف الظنون 2/ 1599، 1600).
(4)
هو محمّد بن محمّد بن محمّد بن قوام، قوام الدين بن قوام الدين الرومي الأصل، الدمشقي، الحنفي، ويُعرف بلقبه. ولد سنة 798 هـ. تولّى قضاء الحنفية بدمشق. توفي سنة 858 هـ. (الضوء اللامع 9/ 266 رقم 695).
(5)
هو محمّد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن عمر بن محمّد بن ثابت بن عثمان بن محمّد بن عبد الرحمن بن ميمون، حميد الدين، أبو المعالي بن التاج النعماني، نسبة للإمام أبي حنيفة النعمان، البغدادي الأصل، الفرغاني، الدمشقي، الحنفي، ويُعرف بحميد الدين. وُلد في سنة 805 هـ. ومات في سنة 867 هـ. (الضوء اللامع 7/ 46، 47 رقم 98).
(6)
هو إبراهيم بن عبد الوهاب بن عبد السلام بن عبد القادر، برهان الدين، أبو إسحاق بن التاج البغدادي، ثم القاهري، الحنبليّ، التاجر. ولد في سنة 793 هـ. ومات في سنة 867 هـ. (الضوء اللامع 1/ 73).
(7)
هو إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل، وقيل في أبيه: سعد بن إبراهيم النجم الإمامي، لكونه فيما قيل يُنسَب لأبي منصور الماتريدي، القرمي، ثم القاهري، الحنفي، قاضي العسكر. مات سنة 880 هـ. (الضوء اللامع 2/ 276 رقم 871).
وهو: إسحاق بن إسماعيل بن إبراهيم بن شعيب، المذكور في شيوخ المؤلّف، رقم (30).
والشرف يونس الروميّ
(1)
نزيل الشيخونية في المنطق، والحكمة، والكلام، بل المحيوي الكافياجيّ
(2)
حتى أخذ عنه كثيرًا، وحضر دروسه في علوم جمّة، وكُتب جليلة، وحمل عنه أيضًا كثيرًا من رسائله. وأجاز له الشُمُنّي
(3)
، وابن الدَيري
(4)
، وآخرون.
ودخل المغرب فأخذ دروسًا في النحو، والكلام، والطبّ، بل أتقنه بخصوصه مع جماعة، وممن لقيه هناك: أبو عبد الله محمّد الزلدوي
(5)
أحد الآخذين عن ابن عَرَفَة. وبرع في كثيرٍ من الفنون، وشارك في الفضائل، وألّف، ونظم، ونثر، وأقبل على التاريخ، واستمدّ فيه منّي كثيرًا، وتردّد إليّ له ولغيره من الدروس. وهو إنسان ساكن، أصيل، مُنجمع عن الناس، متودّد، سمعت من نظمه وفوائده، بل امتدحني بما كتبه لي بخطّه "
(6)
.
(1)
هو يونس الأدرنائي الرومي، المذكور في شيوخ المؤلّف، رقم (78). ولم يترجم له السخاوي في: الضوء اللامع.
(2)
هو محمّد بن سليمان بن سعد الرومي الكافيجي، المذكور في شيوخ المؤلف، رقم (50).
(3)
هو أحمد بن محمّد بن محمّد بن حسن بن علي بن يحيى بن محمّد بن خلف اللَّه بن خليفة التميمي، الداري، القُسُنطيني الأصل، السكندريّ المولد، القاهري المنشأ، المالكي، ثم الحنفي، ويُعرف بالشُمُنّي - بضم المعجمة والميم ثم نون مشدّدة، نسبة لمزرعة ببعض بلاد المغرب. وُلد في سنة 801 هـ. ومات في سنة 872 هـ. (الضوء اللامع 2/ 174 - 178، رقم 493).
(4)
هو سعد بن محمّد بن عبد اللَّه بن سعد بن مصلح. المذكور في شيوخ المؤلّف، رقم (34).
(5)
هكذا. وهو محمّد بن محمّد بن عيسى العفوي، الزلديوي، المغربي، المالكي. قاضي الأنكحة. مات في سنة 882 هـ. (الضوء اللامع 9/ 179، 180، رقم 462).
(6)
الضوء اللامع 4/ 27، رقم 82.
ترجمته عند "ابن إياس
"
"
…
شيخنا العلّامة زين الدين عبد الباسط بن الغرسي خليل بن شاهين الصفوي الحنفيّ. وكان عالمًا فاضلًا، رئيسًا، حشمًا، من ذوي البُيوت، وكان من أعيان الحنفية، وكان مولده سنة أربع وأربعين وثمانمائة، فكانت مدّة حياته نحو ست وسبعين سنة. وكان له اليد الطّولى في الفقه على مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه. وكان له اليد الطولى في علم الطبّ. وله عدّة مصنّفات نفيسة، منها: تاريخه الكبير المسمّى بـ "الروض الباسم"، وآخر دونه يُسمّى "نَيل الأمل في ذيل الدول"، وًاخر في الوفيات على حروف المعجم
(1)
، وآخر في عِلم الطبّ، وغير ذلك في الشروحات على كتب الحنفية.
وكان والده الغرسي خليل من أعيان الناس، ولي الوزارة بالديار المصرية، وولي عدّة نيابات جليلة، منها: نيابة حماة، وصفد، والقدس الشريف، ونيابة الإسكندرية، وغير ذلك من النيابات الجليلة، وكان في مقام الأمراء المقدَّمين.
وأمّا الشيخ عبد الباسط، رحمه الله، كان صفته طويل القامة، نحيف الجسد، وكان يربّي له ذُؤآبة شَعر في رأسه على طريقة الصوفية، وكان له أنف وافر جدًا، حتى إنّ بعض شعراء العصر قال فيه مُداعبة لطيفة، وهو قوله:
أدخلتُ في منخره إصبعي
…
وقلت: ماذا العضو سمّيه
فقال لي مستعجلًا: منخري
…
قلت: أنا يا سيدي فيه
وكان الشيخ عبد الباسط ضنينًا بنفسه، وعنده يُبس طباع، مع شمم زائد، وكان معظّمًا عند الأتراك والأمراء، وكان عارفًا باللغة التركية، وفيه جملة محاسن، وكان بقية السَلَف، وعُمدة الخَلَف. وكان أصابه علّة السلّ، فأقام نحو سنة ونصف وهو عليل، منقطع في داره حتى مات، رحمة اللَّه عليه"
(2)
.
وعاد "ابن إياس" فذكره ثانية، باختصار شديد فقال:
"توفّي الشيخ عبد الباسط بن خليل المؤرّخ، وكان من أعيان الحنفية، وكانت وفاته في ربيع الآخر سنة عشرين وتسعمائة"
(3)
.
(1)
في المطبوع من بدائع الزهور: "وآخر في التوفيات على الحروف المعجم".
(2)
بدائع الزهور 4/ 374.
(3)
بدائع الزهور 5/ 96.
مصنّفاته
نظرًا لتنوّع العلوم التي تلقاها المؤلّف، فقد تنوّعت مؤلّفاته، فصنّف في السيرة النبوية، واللغة، والتفسير، والفقه، والطبّ، والمواعنه، والتجويد، والأذكار، والتراجم، والتاريخ، وفي هذا الفنّ الأخير تنوّعت مصنَّفاته أيضًا بين التاريخ العام، والتاريخ الخاص، أو التأريخ لجماعة معيّنة، مثل التأريخ للأنبياء أولي العزم، أو التأريخ للخلفاء الراشدين، أو سلاطين مصر، وغير ذلك، وأَحصَينا أكثر من عشرين مؤلّفًا له بين كبير من عدّة أجزاء، وصغير، في جزء واحد، أو رسالة. واللافِت أنه لم يُطبع من كتبه سوى كتابين هما:"غاية السُول في سيرة الرسول". و"نزهة الأساطين في من ولي مصر من السلاطين". وهذه أسماؤها مرتبة على الحروف:
1 -
إجابة السائلين في شرح عمدة الطالبين ورغبة الراغبين، في الفقه.
منه نسخة بخطه كتبها سنة 864 هـ. بالمكتبة العباسية بالبصرة رقم (273)، ودار الكتب المصرية (274)، (الفهرس الشامل للتراث العربي 5/ 257) وجامع الشروح والحواشي، لعبد اللَّه محمّد الحبشي - أبو ظبي، المجمّع الثقافي 1427 هـ 2006/ م ج 2/ 1433.
2 -
الأذكار المهمّات في المواضع والأوقات.
ذُكر في "هدية العارفين" - ج 1 ص 494 باسم: "ابن الوزير المَلَطيّ".
3 -
تعليق على ذهاب ناموس ملك مصر بذهاب القواعد الملوكية.
ذكره في الروض الباسم 3/ 97 أ.
4 -
الحكمة في كون خمس صلوات مخصوصة بهذه الأوقات.
ذُكر في "هدية العارفين" - ج 1 ص 494.
5 -
الدرّ الوسيم في توشيح تتميم التكريم في تحريم الحشيش ووصفه الذميم. (هدية العارفين 1/ 494، جامع الشروح والحواشي 1/ 713).
وورد: "الدر الوسيم شرح تكريم المعيشة في تحريم الحشيشة"، وهو في الأصل لقطب الدين محمّد بن أحمد القسطلاني المالكي، المتوفى سنة 686 هـ.
مختصر، أوله: "أمّا بعد حمدًا للَّه سبحانه وتعالى على جزيل نواله
…
" الخ. انظر: "كشف الظنون" ج 1/ 470 و 737.
6 -
رسالة على أول شرح الكافية، للجامي.
منها نسخة خطية بالمكتبة الظاهرية بدمشق، رقم (207)(جامع الشروح والحواشي 2/ 1665).
7 -
الروض الباسم في حوادث العمر والتراجم.
وهو كتابنا هذا، وسيأتي وصفنا له بعد قليل.
8 -
الروضة المُرْبِعة في سيرة الخلفاء الأربعة.
ذُكر في: هدية العارفين 1/ 494، والتاريخ العربي والمؤرّخون 3/ 255.
9 -
الزهر المقطوف في مخارج الحروف.
ذُكر في: هدية العارفين 1/ 494، ومعجم المؤلّفين 5/ 69.
10 -
شرح ظاهرة الريح المريسيّة.
ذكره المؤلّف في: الروض الباسم 1 / ورقة 14 أ.
هو في مجلّدات كما جاء في: هدية العارفين 1/ 494.
11 -
شرح عيون المذاهب.
منه مخطوط بمكتبة ليدن، رقم 996 ب. (جامع الشروح والحواشي 2/ 1465).
12 -
شرح قانونجه "أو قانون شاه".
وهو في الطب. منه نسخة خطيّة في مكتبة وليّ الدين أفندي باستانبول، رقم 2510، في 330 ورقة، بخط نسخ، كتبه سنة 884 هـ. (فهرس مخطوطات الطب الإسلامي - ص 187) وقد قرأه عليه مع شرحه إيّاه الشهاب أحمد بن أبي بكر بن محمّد الأحمدي (المجمع المفنّن، رقم 274).
13 -
غاية السول في سيرة الرسول.
طُبع بعناية علي علاء الدين الآلوسي - مطبعة عامرة باستانبول 1328 هـ/ 1910 م. (117 صفحة)(المعجم الشامل للتراث العربي المطبوع 5/ 159).
منه نسخة مخطوطة في مكتبة آيا صوفيا، رقم (4793) كُتبت في القرن العاشر الهجري ضمن مجموع من ورقة 36 - 57 ب، أوله: "الحمد للَّه الذي بعث رسوله محمّد
…
وبعد
…
هذه رسالة
…
تشتمل على نُبَذٍ مختصرة من سيرة نبيّنا محمّد". (إيضاح المكنون 2/ 139، التاريخ العربي 3/ 255 مختارات من المخطوطات العربية النادرة في مكتبات تركيا 566).
ومنه نسخة أخرى في متحف طوبقابو باستانبول رقم 2803 A 6038 ضمن مجموع، في أوله من 1 - 30 أ (القاموس الإسلامي 5/ 93، التاريخ العربي 3/ 255).
14 -
القول الحزم في تاريخ الأنبياء أولي العزم.
ذُكر في: هدية العارفين 1/ 194 باسم: القول الجازم، والتاريخ العربي 3/ 254.
15 -
القول الخاص في تفسير سورة الإخلاص.
ذُكر في: هدية العارفين 1/ 494، ومعجم المؤلّفين 5/ 69.
16 -
القول المأنوس في حاشية القاموس المحيط والقابوس الوسيط الجامع لِما ذهب من كلام العرب شماطيط.
وهو حاشية على القاموس المحيط لمجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروزابادي (توفي 817 هـ). ذُكر في: كشف الظنون 2/ 1308، وهدية العارفين 1/ 494، ومعجم المؤلّفين 5/ 69. (منه نسخة مخطوطة في مكتبة آيا صوفيا، رقمها 47321، ونسخة في مكتبة ملك الوطنية، رقمها 406). (انظر: جامع الشروح والحواشي ج 2/ 1557).
17 -
القول المشهود في ترجيح تشهّد ابن مسعود.
ذُكر في: هدية العارفين 1/ 494.
18 -
المجمع المفنّن بالمعجم المُعَنْوَن.
حقّقناه على النسخة الفريدة (المسوَّدة) بخط المؤلّف، المحفوظة في مكتبة الإسكندرية، وصدر عن المكتبة العصرية 1432 هـ / 2011 م. في مجلّدين.
19 -
مجموع البستان النوري لحضرة مولانا السلطان الغوري.
ذُكر في: هدية العارفين 1/ 494.
20 -
المنفعة في سرّ كون الوضوء مخصوصًا بالأعضاء الأربعة.
ذُكر في هدية العارفين 1/ 494.
21 -
نجم السكر.
هكذا ذُكر في: هدية العارفين 1/ 494.
22 -
نزهة الأساطين فيمن ولي مصر من السلاطين.
يؤرّخ فيه بدءًا من السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب. منه نسخة في مكتبة آيا صوفيا، رقم (4793) ضمن مجموع، من 24 أ -143 أ، ونسخة في مكتبة لا له لي، رقم 2044/ 1 كُتبت سنة 1035 هـ، في 10 ورقات، من 1 ب -
9 ب، أوله: "الحمد للَّه مالك الملوك
…
وبعد، فهذه رسالة لطيفة
…
جمعت فيها أسماء ملوك مصر"، ومنه نسخة في خزانة أحمد الثالث رقم 2803 بخط المؤلّف، ونسخة أخرى في مكتبة خدابخش بتنة، بالهند، رقم 2322 في 15 ورقة، ونسخة في متحف طوبقابو، رقم 2803 A 6038 ضمن مجموع، من 52 ب - 84 أ. (انظر: هدية العارفين 1/ 494، والقاموس الإسلامي 5/ 93، والتاريخ العربي 3/ 255، ومنتخبات من المخطوطات العربية النادرة في مكتبات تركيا 566، 567، ومعجم المؤلفين 5/ 69). وقد طُبع.
23 -
نزهة الألباب في مختصر أعجب العُجاب.
ذُكر في: هدية العارفين 1/ 494، والتاريخ العربي 3/ 255.
24 -
نَيل الأمل في ذيل الدُوَل.
وقد حقّقناه على النسخة الفريدة في مكتبة البودليان بجامعة أوكسفورد، وصدر في "مجلّدات مع الفهارس، عن "المكتبة العصرية" 1422 هـ / 2002 م.
25 -
الوظيفة المنصورة.
هي رسالة تحدّث فيها عن الزاوية التي بناها شيخه "إبراهيم بن محمّد التازي، المغربي، المالكي" في مدينة وهران، وبنى مدرستين بجوارها، وحمّامًا، وكثيرًا من الحوانيت، ومنزلًا لسكنه، ومدفنًا، ومكتبًا لإقراء القرآن الكريم. وكان يجتمع الكثير من أعيان البلد بين العشاءين لإقامة الذكر في الزاوية، وسُمّيت وظيفة الذِكر التي أنشأها بـ "الوظيفة المنصورة"، رواها: عبد الباسط بن خليل بن شاهين عن محمّد المصمودي، ومحمد القصّار، ومحمد العريف، عن شيخهم "التازي"، فذكر الوظيفة من أولها لآخرها، والقصيدة المعروفة بمُرادي، والعُشر الذي يقرأ (المجمع المفنّن، الترجمة 112).
وذكر المؤلّف أن "محمّد بن أحمد الفرغاني المراغي" وهو أحد شيوخه (ت 867 هـ) قرّظ له بعض تصانيفه
(1)
.
(1)
الروض الباسم، 2/ ورقة 71 ب، رقم الترجمة 202.
وصف المخطوط
يعتبر كتاب "الروض الباسم في حوادث العمر والتراجم" مخطوطًا نادرًا وفريدًا في آن، إذ لم يصِلنا منه سوى نسخة وحيدة من أربعة أجزاء، تحتفظ بها مكتبة الفاتيكان بروما، وهي تأخذ الرقم العام (124 Ass)، وفي القسم الخاص بالمخطوطات العربية بالمكتبة نفسها تحمل رقمين هما (728 و 729 Vatican) Arab. ويرجع الفضل في العثور على هذا المخطوط الثمين والهامّ للمستشرق الإيطالي (Levi Della Vida)
(1)
، وهو نشر بحثًا بعنوان "خلافة غرناطة من سنة 1465 إلى سنة 1466 م". نقلًا عن رحلة "عبد الباسط" كما وردت في المخطوط، وصدرت في "مجلّة الأندلس" عام 1933 م. كلما طالعه المستشرق الفرنسي "برنشفيك"
(2)
(Brunschvig ،B.) واهتمّ أيضًا برحلة "عبد الباسط" في المغرب، وأصدر دراسته عنها عام 1936 م.
وفي سنة 1946 حصل العلّامة "أحمد باشا تيمور"
(3)
رحمه الله على نسخة مصوّرة عن مخطوطة الفاتيكان، وقام بتجليدها في أربعة مجلّدات، وضمّها إلى مكتبته برقم (2453 تاريخ)، ثم انتقلت النسخة إلى مكتبة دار الكتب المصرية، وأصبح يُرمز إليها بكلمة "تيمور" إضافة إلى رقمها في خزانته، ثم قام معهد المخطوطات العربية في القاهرة بتصوير نسخة تيمور بدار الكتب على شرائح
(1)
ولد "ليفي ديللافيدا" سنة 1886، وكان أستاذ العربية واللغات الساميّة في جامعة روما ومن كبار الباحثين في تاريخ الدين الإسلامي، والمتضلّعين من اللغة العربية. عُيّن عضوًا في المجمع الملكي الإسباني للتاريخ. (المستشرقون - نجيب عقيقي - مصر، دار المعارف، ط 3/ 1964 - ج 1/ 390 - 392).
(2)
ولد "برنشفيك" سنة 1901، وكان أستاذ اللغة العربية والحضارة العربية بكلية الاداب بجامعة بوردو، ثم بجامعة باريس. وتولّى مع "شاخت" الإشراف على مجلّة الدراسات الإسلامية (Studi Islamica). (المستشرقون 1/ 318، 319).
(3)
أحمد باشا تيمور (1871 - 1930) عالم لُغوي عربي من أصل تركي. ولد وتوفي بالقاهرة، كان ثريًا شغوفًا بالكتب فتتبّع المخطوطات النادرة وجمع منها في مكتبته نحو 18 ألف مجلد، نُقلت جميعها إلى دار الكتب المصرية. وله عدّة مؤلفات. (الموسوعة العربية الميسّرة - القاهرة، دار القلم 1965 بإشراف محمّد شفيق غربال - ط 1 / ص 573).
"ميكروفيلم"، وحملت الأرقام (51، 52، 53، 54) للأجزاء الأربعة، وسجّلت في فهرس غير مصنَّف بالمعهد المذكور.
وقد اعتنى العلّامة "تيمور باشا" بهذا المخطوطة عناية خاصّة لأهمّيته، فوضح فهارس مفصّلة للأجزاء الثلاثة الأولى بخطّه الرقعي الجميل، ووجّه اهتمامه الخاص بأخبار رحلة المؤلّف إلى بلاد المغرب والأندلس، واضعًا خطًا بالمِداد الأحمر عند كل عنوان يشير إلى الرحلة ليسهُل عليه مطالعتها في مواضعها كلّما أراد، وأوضح في فهارسه ما يوجد في النسخة من خُروم أو ضياع لبعض أوراقها، وهو جهد يستحق عليه الثناء والتقدير. وسنأتي، في ما يلي، على كل ما اعتَوَر المخطوط من نقص وخروم وتشويه بالتفصيل.
فلقد وصَلَنَا من هذا الكتاب أربعة أجزاء فقط، ونعتقد أنه في الأصل أكبر من ذلك، إذ أن النسخة الوحيدة المعروفة لدينا فيها سقط كثير، حيث ضاع من الجزء الأول نحو سنتين من الحوادث والوَفَيات. وبين الجزءين: الأول والثاني ضاع أربع عشرة سنة بالتمام والكمال من الحوادث والوَفَيات. وهذا بحدّه يشكّل نحو أربعة أجزاء!
الجزء الأول (844 - 855 هـ).
يتألّف الجزء الأول من (132) صفحة. كُتب على الصفحة الأولى منها نُبذة بالإيطالية عن مواصفات المخطوط. وعلى الصفحة الثانية كُتب ما يلي:
التوريخ
(1)
الملوكية
(2)
في الحوادث الزمانية
بخط الشيخ جمال الدين المعروف بابن الشِحنة الثالث
(3)
تأليف الإمام عبد الباسط المشهور بالحنفي المؤرّخ
وبما أنّ عنوان الكتاب هذا غير صحيح، فقد كتب العلّامة" أحمد باشا
(1)
هكذا كُتِبت من غير الألِف بين الواو والراء.
(2)
قرأها الدكتور محمّد محمّد عامر: "المملوكية". انظر دراسته عن "الروض الباسم" في مجلّد حوليّات كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، العدد 8/ ص 73 عام 77 - 1978.
(3)
لم نقف على ترجمة لمن يلقّب بجمال الدين من بني الشِحنة. ولم نعرف المقصود بعبارة "الثالث" وأسرة بني الشِحْنة أسرة حلبية اشتهر أفرادها بالعلم والقضاء والتأليف. ذكر محمّد راغب الطبّاخ الحلبي في "إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء" جماعة منهم ممن عاصر المؤلّف ويُحتمل أن أحدهم نسخ الجزء الأول من "الروض الباسم"، ولكن ليس فيهم من يلقّب "جمال الدين".
انظر: إعلام النبلاء - طبعة دار القلم العربي بحلب، الثانية 1409 هـ / 1989 - ج 2985 و 313 و 321 و 338 و 352 و 358 و 373.
تيمور" العنوان الصحيح بخطّه بين قوسين في أعلى الصفحة نفسها. (انظر صورة الصفحة).
وعلى الصفحة الثالثة من أعلى، على اليمين، فوق البَسْملة، كُتب بخط مختلف عن خط المتن العبارة التالية: "في نَوْبَة شرف الدين
(1)
ابن شيخ الإسلام عفا اللَّه عنهما آمين".
ويبدأ المخطوط، في جزئه الأول - بعد البسملة والمقدّمة - بحوادث سنة 844 هـ. - وهي السنة التي وُلد فيها المؤلّف - وضاع منها بقيّة وَفَيَات السنة المذكورة، (من ترجمة شيخ الإسلام محبّ الدين التُسْتَري أحمد بن نصر اللَّه، حتى حوادث شهر شعبان من سنة 845 هـ).
وسقطت حوادث من أواخر شهر شعبان 846 هـ حتى نهاية وَفَيات سنة 847 هـ.
- وضاعت ورقة من وَفَيات سنة 849 هـ.
- وفي هذا الجزء بياض ذهب منه بقيّة وَفَيات سنة هـ 85 هـ. والموجود منها حتى "عبد الكريم فُخَيْرة" فقط.
ووقع اضطراب في ترتيب أوراق هذا الجزء، إذ وُضعت حوادث ووَفَيات سنة 848 قبل سنة 846 هـ. ولم يتنبّه العاملون في مكتبة الفاتيكان إلى هذا الخطأ عند ترقيم أوراقه التي بلغت 66 ورقة - 132 صفحة. وجاء ترقيم الصفحات كما يلي:
أولًا: من 3 - 39.
ثانيًا: من 48 - 66.
ثالثًا: من 45 - 76.
رابعًا: من 20 - 47.
وسنشير إلى مواضع اضطراب الترقيم أثناء تحقيق المخطوط.
ويُعتقد أن أصل المخطوط كان مجزءًا في كُرّاسات، ورُقّمت كل كُرّاسة على حِدَة، ثم ضاع بعضها، وضُمّت الأوراق الباقية بعضها إلى بعض، ومن هنا كان الاختلاف في الترقيم، ولذلك قام العلّامة "تيمور باشا" بإعادة ترقيم أوراق الجزء ترقيمًا متسلسلًا، وكتبه باللون الأحمر في أعلى هوامش الصفحات من جهة الشمال
(2)
. إلّا أنه رحمه الله لم يتنبّه إلى أن صفحة 33 ب وُضعت قبل الصفحة 33 أ، وقد قمنا بترتيبها في موضعها الصحيح.
(1)
سيأتي ذكره لاحقًا.
(2)
الروض الباسم، دراسة د. محمّد محمّد عامر في مجلّة حوليّات كلية دار العلوم بجامعة القاهرة 77 - 1978، العدد 8 - ص 74.
وفي الورقة (40 أ) خُرم ضاع فيه أول ترجمة "محمّد بن إسماعيل بن محمّد القرافي، المعروف بالوَنَائي"
(1)
.
وتُركت الصفحة الأخيرة من هذا الجزء بيضاء فارغة.
والجزء كلّه كتبه "جمال الدين بن الشِحنة" بخط النَّسخ العادي الواضح، وليس فيه سوى حاشية واحدة في أسفل الصفحة (51 ب)، وتحتوي الصفحة الواحدة 29 سطرًا، والسطر ما بين 12 - 15 كلمة. وكتبت بداية كل فقرة بحرف أكبر من بقيّة الكلمات بلونٍ أحمر. كما كُتبت بعض العناوين بالحُمرة على الهامش، سواء في الحوادث أو في الوَفَيات. وقد طلب المؤلّف من ناسخ كتابه أن لا يُسقط العناوين من الهوامش.
ويشغل المتن المخطوط من الصفحة (16.3 سم) طولًا و (9 سم عرضًا).
ويبدأ الجزء بما يلي: "بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلّا اللَّه عدّة للقائه، محمّد رسول الله خير أنبيائه. قال مسطّره الفقير إلى اللَّه تعالى الحفي، عبد الباسط بن خليل الحنفي
…
فهذا تعليق جمعته في التاريخ أنيق، وابتدأت فيه من مولدي الذي هو سنة أربع وأربعين وثمانماية ليكون عون (كذا) في الحوادث المتجدّدات والوَفَيات على التحقيق
…
ولما كمل هذا الترتيب وتمّ، وفاح شذا (كذا) عَرْفه وتمّ
(2)
، سمّيته: الروض الباسم في حوادث العمر والتراجم".
وفي الصفحة (48) من هذا الجزء نعرف أن المؤلف شرع في تأليفه سنة 887 هـ.
وفي موضع آخر من هذا الجزء يصف المؤلّف مصنّفه بالتعليق
(3)
، ويعبّر عن الحوادث بالمتجدّدات.
الجزء الثاني (865 - 868 هـ).
هو بخطّ المؤلّف، ويُعتَبَر مسوَّدته، وأسوأ أجزاء المخطوط وأردأه لضياع الكثير من السطور في كثير من الصفحات، وهي إمّا ممسوحة، وإمّا مطموسة غير مقروءة، فضاع معها صفحة كاملة أحيانًا، وأحيانًا نصف صفحة، وأحيانًا أخرى رُبعها، أو عدّة أسطر.
ومجموع أوراقه 186 ورقة - 372 صفحة، كُتبت بخط الرُقعة. ويبدأ بما نصه: "بسم اللَّه الرحمن الرحيم وبه أستعين وأتوكل عليه وهو حسبي ونِعم
(1)
انظر الترجمة رقم 97 الموجودة في صفحة 352.
(2)
هكذا في المخطوط، وينبغي أن تكون:"وعم" لتنسجم الجملة مع السجع والمعنى.
(3)
الروض الباسم، 1/ 13 أ.
الوكيل. وبَعد فإني أردت أن أجمع جميع ما وقع من أول الخلفاء إلى ابتداء العثماني، ورتّبت ذلك يوم (كذا) بعد يوم. والحمد للّه".
وهذا النص أضافه أحدهم على نسخة المؤلّف بدليل عبارته أنه أراد أن يجمع الحوادث من أول عهد الخلفاء (الراشدين) إلى ابتداء (العهد) العثماني، إذ كيف يؤرّخ المؤلّف للعهد العثماني وهو توفي سنة 920 هـ. أي قبل الفتح العثماني لمصر وسقوط دولة سلاطين المماليك بثلاث سنوات (923 هـ.)؟! اللهمّ إلّا إذا كان المقصود بالعبارة (الغامضة) ابتداء العهد العثماني وسلاطين بني عثمان في الأناضول!
وفي الجزء إضافات واستدراكات وحواشي كثيرة مما يؤكّد أنه مسوّدة المؤلّف. وعدد سطور الصفحة 33 سطرًا، وتتراوح كلمات السطر بين 12 - 16 كلمة، وقياس القسم المخطوط من الصفحة (17.7 سم طولًا) و (11.2 سم عرضًا). وهذه المواصفات تنطبق تمامًا على الجزءين الأخيرين؛ الثالث والرابع.
وقد وقع سَهْوٌ أثناء ترقيم صفحات هذا الجزء، فتكرّر ترقيم الصفحتين 74 أ وب مرتين. وعند انتهاء الصفحة 86 ب ينتهي الجزء الثاني حسب تقسيم المخطوط في مكتبة الفاتيكان وذلك في وسط وفيات 868 هـ. ولهذا ألحقنا به بقية وفيات السنة.
الجزء الثالث (868 - 872 هـ).
يتناول هذا الجزء بقيّة وفَيَات سنة 868 إلى سنة 872 هـ.، وبقية حوادثها توجد في الجزء الرابع. ومجموع أوراقه 169 ورقة - 338 صفحة.
الجزء الرابع (872 - 874 هـ).
يتناول بقيّة حوادث سنة 872 إلى نهاية وَفَيات سنة 874 هـ. وهو يبدأ من الورقة (170) وينتهي بالورقة (259)، أي مجموع أوراقه 89 ورقة - 178 صفحة.
وفي هذا الجزء وُضعت ورقة تحمل الرقم (195) بين الورقتين 94 أب و 196 أ، وفيها ترجمة:"جيهان غير بن علي بن عثمان بن قرا يُلُك"، وهي مقدار ثلث صفحة، ومن حقّها أن تأتي في الصفحة (196 أ) قبل ترجمة "خُشقدم من ناصر الدين المؤيَّدي
(1)
السلطان الملك الظاهر"، وبعد ترجمة: "جانبك المؤيَّدي
(2)
الأشقر المعروف بالبوّاب".
(1)
الروض الباسم، 3/ رقم 405.
(2)
الروض الباسم، 3/ رقم 402.
وضاعت منه ورقة أو صفحتان بين (201 ب) و (202 أ) وفيها بداية حوادث سنة 873 هـ. من شهر محرّم. والحوادث حسب "نيل الأمل"
(1)
هي: شراء مماليك خُشقدم - سفر أرغون شاه إلى غزّة - كتابة المماليك - عودة الجند من موقعة سِوار - أتابكية مصر - إقامة تَنِبَك المعلّم بالقدس - ركوب السلطان - ظهور الطاعون بالإسكندرية - خسوف القمر، بالإضافة إلى ثلاث وَفَيات.
وضاعت ورقة في آخر الجزء بين الورقتين (258 ب) و (259 أ) فضاع معها أول ترجمة المؤرّخ يوسف بن تغري بردي
(2)
.
وفي آخر الجزء كتب النص التالي: "تم
…
الروض الباسم في حوادث العمر والتراجم على يد مؤلّفه وجامعه وكاتبه الفقير إلى اللَّه تعالى الزَين عبد الباسط بن خليل الحنفي، غفر اللَّه له ذنوبه، وستر عليه عيوبه، (
…
) طوله، وذلك في يوم الإثنين ثامن عشر ربيع الأول الضريف سنة تسعين أو، ثمانماية ( ....... ) آمين، وحسبنا اللَّه ونِعم الوكيل، وصلّى اللَّه على سيدنا محمّد وآله وصحبه وسلّم".
ولقد أتى "حاجّي خليفة" على ذكر الكتاب فسمّاه: "الروض الباسم في أخبار من مضى من العوالم"
(3)
، وقال: وهو تاريخ على التراجم، متأخر. كما لم يذكر اسم المؤلّف، بل اكتفى بأنه "لابن خليل"، ولم يؤرّخ لوفاته.
وذهب "أحمد باشا تيمور" إلى القول بأن المؤلف توفي بحدود سنة 900 هـ
(4)
. ثم نقل تاريخ وفاته على الصحيح عن"ابن آياس"
(5)
.
أمّا الدكتور "شاكر مصطفى" فقد أخطأ في حقّ المؤلّف ثلاثة أخطاء:
1 -
أرّخ مولده في سنة 841 والصواب 844 هـ.
2 -
ذكر أسماء ثمانية من مصنَّفاته فقط، وهي أكثر من عشرين. ولم يسمّ "الروض الباسم" باسمه، بل ذكر "تاريخ مرتّب على السنين"
(6)
.
3 -
أدرج المؤلّف بين "المؤرّخين الثانويين في المدرسة المصرية"، ومن حقّه أن يُدرَج بين المؤرّخين الكبار: المقريزي، وابن حجر، والسخاوي، والسيوطي، وغيره.
(1)
نيل الأمل 6/ 339 - 341.
(2)
الروض الباسم، 4/ رقم 603.
(3)
كشف الظنون 1/ 918.
(4)
الروض الباسم، 1/ الصفحة الأولى من فهرس أحمد باشا تيمور.
(5)
بدائع الزهور 3/ 63.
(6)
التاريخ العربي والمؤرخون 3/ 254، 255 رقم 154.
أهميّة الكتاب
يأخذ الكتاب أهميّته - رغم الفترة التاريخية القصيرة التي وصلتنا منه - من كونه يؤرّخ لحقبة مهمّة من عصر المماليك في مصر والشام. وخصوصًا الحقبة المتأخّرة منه، حيث تقلّ المصادر عن هذه المرحلة بشكل ملحوظ. والأهمّ من ذلك أن المؤلّف يؤرّخ أيضًا لبلاد المغرب (ليبيا، تونس، الجزائر)، والأندلس كشاهد عيان بحكم رحلته إلى تلك البلاد وإقامته فيها نحو خمس سنين (866 - 871 هـ.)، وعلاقاته الشخصية برجالات الحكم والسياسة فيها، وصداقاته الواسعة مع أهل العلم، وكبار التجّار.
والكتاب بسنواته الأخيرة يؤسّس لبداية ضعف دولة المماليك، وللسنوات الأخيرة من الوجود الإسلامي في الأندلس، ويعرض لأخبار أندلسيّة ومغربية لا نجدها عند غيره. ويتناول يوميّات سلاطين المماليك وأخبارهم، وأخبار رجالات الدولة السيا سيّين، والعسكريّين، والإداريّين، والدينيّين، والعلماء، وعامّة الناس. وأخبار العجائب والغرائب والنوادر والطرائف، ويعرض للحياة الثقافية، والحركة العمرانية، والاقتصادية، والتجارية، والزراعية، وللمناخ، وأحوال الطبيعة، والزلازل، والفيضانات، والسيول، والحرائق، والنكبات، وحالات الخسوف والكسوف، وتدهور القيمة الشرائية للدراهم والفلوس، وانحباس المطر، وقوافل الحجّاج، والرياح والعواصف، والأوبئة، والحرّ والبرد، والشدّة، والرخاء، وقياس منسوب مياه النيل، والفِتَن والحروب، وأخبار الأعراب من عرب لبيد، وعرك، وقتيل، وفزارة، ومحارب، وهوّارة، وبني عُقبة، وغيرهم، وأهل صعيد مصر، وتبادل السفارات والوفود مع السلاطين العثمانيين، وملوك الفرنج ومراسم الاحتفالات، والمواكب، ورسوم السلطنة، والمناصب، والوظائف ومصطلحاتها، ووضع أهل الذمّة من نصارى ويهود في المجتمع الإسلامي، وخصوصًا في بلاد المغرب، وأخبار ابن قرمان، وابن دُلغادر مع بني عثمان، وأخبار بني مرين، وبني وطّاس بفاس، واعتداءات الفرنج على السواحل المغربية وحروب المماليك مع شاه سوار، وغير ذلك من معلومات ثَرَّة، انفرد المؤلّف بذكر كثيرٍ منها دون غيره من المؤرّخين، إذ لم نجدها في أيّ مصدرٍ آخر. كما أضاف كميّة ضخمة من تراجم الأعلام، وخاصة أعلام القرن التاسع، ممّن عاصرهم، أو اتّصل بهم والتقاهم، أو وقف على أحوالهم، وهم بالمئات، ولم يذكرهم "السخاوي" في موسوعته المعروفة بـ "الضوء اللامع لأهل القرن التاسع"، وقد أشرنا إلى ذلك في حواشي الكتاب. مع وصفه الممتع لكثير من الأماكن التي زارها في تنقّلاته، ومنها وصفه
لرأس الطابية بتونس وجبّانتها الزلّاج والزرع بضاحيتها، وزيتون جزيرة جربة، وزاوية صاحب تونس بطرابلس الغرب، وجزيرة رودس، وجبّانة القيروان، ورَبَض العُبّاد بتِلِمْسان، وزاوية التازي بوهران، ورَبَض البيازين بغَرناطة، وأرض البساط ببرْقة والمدن الخراب القديمة والأبيار، وحيوانات النَعام الضخام التي تتراءى من بعيد كالأشجار، والعادات أثناء الاحتفالات بالأعياد في المغرب، ووصفه لبواخر الفرنج وحركتها التجارية بين سواحل أوربة وسواحل المسلمين، وغيره.
المؤلّف ناقدًا
ولم يكن مؤلّفنا مجرّد ناقل ومقتبس من كتب غيره ممّن سبقوه، أو جمّاعة للأخبار، بل كان مؤرّخًا، ناقدًا، مناقشًا، صاحب رأي فيما ينقله ويدوّنه. وهذا نجده واضحًا في تاريخه هذا، إذ نراه يعلّق على رواية ذكرها "ابن حجر" في شهر ربيع الآخر سنة 849 هـ. وهي أنّ السلطان الأشرف قايتباي عيّن "يونس البوّاب" الدوادار أن يكون مسفّرًا لنائب حلب قانباي البهلوان يحمله إليها من حماة، وخلع على يونس بذلك، فقال المؤلّف "عبد الباسط"؛ "وسهى (كذا) الحافظ ابن حجر رحمه الله لما ذكر هذه القضية فقال: وتوجّه - أعني يونس بنائب حلب بطّالًا إلى القدس، ولعلّه قصد أن يفصل ذلك أولًا، وما أظنّ إلّا أنه أشيع، فنقله الحافظ على الإشاعة، ولم يقع ذلك. وكذا سهى (كذا) في نائب حلب قانِباي لما ذكر عزله، فسمّاه جُلبان، فإنه قال في تاريخه: وفي هذا الشهر عزل نائب حلب جُلبان. ولم يكن إلّا قانباي هذا. ثم ذكر الحافظ المذكور في تاريخه بعد ذِكره هذه القصة بأسطُر أنه يقال إنّ السلطان قرّر في تقدمة شاد بك دولات باي الدوادار الثاني، وقرّر الشهاب أحمد حفيد إينال اليوسفي في الدوادارية الثانية. وهذا أيضًا لم يقع، فيُحمَل على أنه قيل له ثم رجع عنه إلى ما قلناه، فعلّقه الحافظ في وقته، ثم لم يحرّره، فإنه كان فيما هو بصدده، وكان التاريخ فضلة عنده ولا يتفرّغ لتحريره، رحمه اللَّه تعالى"
(1)
.
وانتقد "ابن تغري بردي" نقدًا لاذعًا في أكثر من موضع في "الروض الباسم" أيضًا، وأتّهمه مرة بالسفالة وقلّة الأدب والحياء وعدم المعرفة، ومرّة بجمود ذهنه، وأخرى بأنه فضوليّ يقول كلامًا لا طائل تحته، وأنه يتوهّم بل يكذب.
ففي ترجمته للمؤرّخ "تقيّ الدين المقريزي" نقل أقوال المؤرّخين في نسبه إلى أن وصل إلى ما قاله: "ابن تغري بردي"، فعلّق عليه بجملة طويلة، فقال: "وقال الجمال بن تغري بردي، رحمه الله، في ترجمته: وأملى عليّ نسبه الناصريّ محمّد ابن أخيه بعد موته، إلى أن رفعه إلى علي بن أبي طالب،
(1)
الروض الباسم، 1/ ورقة 34 ب، وقارن بإنباء الغمر 4/ 237.
رضي الله عنه، من طريق الخلفاء الفاطميّين". انتهى كلامه. أقول: وليس في الانتساب إلى الفاطميين فخر، فإنّ جماعة من كبار علماء الإسلام والمؤرّخين المعتَمَدين أجمعوا على أنّ بني عُبَيد ليسوا بفاطميّين، بل وليس أصلهم من المسلمين، وذكر بعضهم أنّ أصلهم من بني ديصان، طائفة من المجوس. وذكر بعض الثقات أنه أثبت ببغداد محضرًا فيه خط الشيخ أبو (كذا) الحسن القُدُوري الحنفي - وناهيك بعلمه ودينه وخيره -، وخط الإسفراييني الشافعي، وناهيك بالآخر وغزير علمه أيضًا، أنّ بني عُبَيد ليسوا بفاطميّين، وأن عبد اللَّه (كذا) الملقّب بالمهديّ ليس من ذرّية النَّبِيّ عليه السلام. وهذا معروف مشهور مسطور مفروغٌ منه، تكلّم عليه الأساتذة الأقدمين (كذا). وممن ذكر ذلك ابن خَلّكان، والذهبيّ، وابن كثير، وغيرهم من المؤرّخين، وتكلّم فيه وصرّح بذلك القاضي أبو بكر الباقلّاني، وغيرهم ممن يُعتَبَر قولهم من الأكابر، وقد أنكر علماء النسب منهم، وما ذكره المقريزي في بعض كتبه من المَيْل إلى ذلك، بل التصريح به على تلك الطريقة التي ذكرها بعد استيعاب كلام الكثير من الأفراد الطاعنين في ذلك يفوق ما ذكره عنهم، ودخوله إلى المقصود بحُسن عبارة بحيث لا يرد عليه سؤال بكلام مُغرض من متعصب لا طائل تحته، وقد أعيب عليه ذلك وارتكابه إياه من ذلك الوجه الذي دخل إليه به غاية الإعابة، وبكّت عليه بعض العلماء في ذلك، وأنه ولهًا به بنفسه، ولا فخر في ذلك في الحقيقة اللهمّ إلّا أن يفتخر بكونهم كانوا طرفًا، فيمكن ذلك على أنهم كانوا بين الملوك لخبثهم الظاهر.
ولما ترجم شيخ الإسلام البدرُ العيني، رحمه الله، التقيَّ هذا قال في أثناء كلامه في ترجمته: وكان مشتغلًا بكتابة التواريخ ويضرب الرمل، تولّى الحسبة بالقاهرة في آخر أيام الظاهر برقوق، ثم عُزل بمسطّره
(1)
، ثم تولّى مرة أخرى في أيام الأمير سودون بن أخت الظاهر برقوق، ثم عُزل بمسطّره الدوادار الكبير أيضًا عِوضًا عن مسطّره بحكم أن مسطّره عزل نفسه بسبب ظلم سودون المذكور. انتهى.
ولما ذكر [ا]، بن تغري بردي ترجمة التقيّ هذا نقل عن العيني صدر هذا الكلام وهو قوله: وكان، إلى قوله: الرمل، ثم قال عقيب ذلك: وكلام الأقران في أقرانهم غير مقبول. انتهى. أقول: وهذا لعلّه كلام مهبول، إذ هو في غاية السفالة وقلّة الأدب والحياء وعدم المعرفة، إذ لا نسلّم أنّ كلام الأقران في أقرانهم غير مقبول، لأنَّه إن لم يُقبل كلام من كان مقارنًا للإنسان عارفًا بأحواله، فلا يُقبل كلام
(1)
أي البدر العَيني، وكذا ما يأتي بعده.
غيره بطريق الأَولى. وفي هذا من الفساد ما لا يخفى. وأيضًا كلام العيني في المقريزي كلام ليس بطائل حتى لا يقبل بعلمنا قطعًا بصدق ما قاله، فإنّ أحدًا لا ينكر كون المقريزي كان يكتب التاريخ ويعرف علم الرمل ويضرب، فكيف لا يُقبل هذا وليس فيه ما يشين المقريزي ولا ما يُنقصه، حتى لو ذكر العيني عن المقريزي ما ينقصه قبلْناه لعِلْمنا بثقته، فكيف بكلام مقبول عند الكافّة يعرف صخته كل أحد، فلا شك أنَّ هذا القول صادر عن غير مسلّمه. والجمالُ هذا مثل هذا، وأشباهه شيئًا كثيرًا (كذا) يكاد لا يُحدّ ولا يُعدّ. وإنّما الموجب لارتكابه عدم التأمّل ومعرفة قواعد التكلّم وما يرد على ذلك"
(1)
.
ثم وصفه بعد قليل بالوهم، وهو يؤرّخ لوفاة المقريزي، فقال:"وذكر شيخ الإسلام العيني وفاته يوم الجمعة وقال: تاسع عشر شعبان، وهو سهوٌ منه في العدّة، ولعلّه سبْق قلم في الشهر، أراد أن يكتب رمضان، فسبقه القلم، فكتب: شعبان، وبقي كذلك. وأمّا وهْمه في اليوم فلِكَونه دُفن فيه فظنّه يوم وفاته. قال ابن تغري بردي إنه توفي يوم الخميس سادس عشر رمضان، ثم ذكر ما قاله العيني ووفَمَه، والحال إنه هو الواهم، فإنّ أول رمضان في هذه السنة كان الأحد أو السبت على ما وقع فيه من الخلاف"
(2)
.
وفي ترجمة "تَنِبَك الجقمقي" المتوفّى سنة 849 هـ. نَعَت "ابن تغري بردي" بالجهل، وشكّك في وفاة "تَنِبك" هذه السنة، وذكر ما يؤيّد جواز كتابة:"تنِبك" و"تاني بك" ومثل ذلك: "جانِبَك" و"جاني بك" فقال: "وقد غلّطه ابن تغري بردي" في هذه - أعني جانبك - حيث لم يجوّز كتابتها بالياء، وأمعن في ذلك في كتابه الذي سمّاه "مورد اللطافة"، ونسب الناس إلى الجهل، وهو الواقع فيه، على أنه كان يعرف اللغة التركية، لكنْ لجمود ذِهنه يقف عند ما يقع في نفسه في أول وهلة فلا ينتقل إلى غيره، بل ولا يخطر بباله"
(3)
.
وعندما ذكر "ابن تغري بردي" ولاية "شمس الدين القاياتي" في سنة 849 هـ. قال: "وظنّ كل أحدٍ أنه يسير في القضاء على قاعدة السَلَف لِما عهدوا منه قال: وقع بخلاف ما كان في الظنّ، ومال في المنصب وراعى الأكابر، وأكثر من النواب، وظهر منه المَيْل الكلّي إلى الوظيفة حتى لو عُزل منها لمات أسفًا عليها. انتهى كلامه". فعلّق المؤلف بقوله: "هو كلام في غاية الفضول وقلّة الأدب
(1)
الروض الباسم، 1/ ورقة 51 ب، 52 أ.
(2)
الروض الباسم، 1/ ورقة 52 أ.
(3)
الروض الباسم، 1/ ورقة 53 أ.
والحياء لا طائل تحته، إذ عِلْمُ القاياتي وخيرُه ودينه وتقشّفه وعِفّته ظاهرٌ لكل أحد، وليس مقام ابن تغري بردي أن يذكر مثل هذه الكلمات عن ذلك الرجل"
(1)
.
وفي حوادث شهر رمضان سنة 865 هـ. قال المؤلّف: "وخرج شهر رمضان هذا ولم يقع فيه بعد يوم الإثنين هذا حادثٌ يؤرَّخ من كبيرِ أمر، وما ذكره الجمال يوسف بن تغري بردي في تاريخه من أنّ في يوم الثلاثاء ثامن عشرينه توجّه القاضي مُحِبّ الدين بن الشِحنة كاتب السرّ إلى خانقاه سرياقوس لتحليف جانم نائب الشام، فلم نعلم به، ولم يكن له حقيقة. ثم إنني رأيت خط المحبّ وقد وقف على هذا المحلّ من تاريخ يوسف المذكور، فكتب بخطه بإزاء ذلك المحلّ: ما جرى ذلك، وما علمتُ من أين أخذ ذلك، وتوهّمه، على أنه ليس بوهْم، بل كذب محض"
(2)
!.
ويعلّق على قوله إن جَرباش اختفى في أثناء ثورة الأشرفية، فيصفه بالقول الساقط الذي لا طائل تحته، فإنه لم يعُد يمنّي نفسه بالسلطنة خوفًا من زوجته فهي أمرته أن لا يفعل ذلك وكان متابعًا لها ولا يخرج عن أمرها وقد ظفر به الثائرون وأركبوه وشقّوا به القاهرة دون رغبته ورفعوا فوق رأسه السنجق، وسُمع صوت يقول: اللَّه ينصر الملك الناصر، وكأنهم لقّبوه بذلك. وشاهدته أنا في اليوم هذا في ذلك الحين بباب الأشرفية وشاهدته على الهيئة المذكورة ومعه جماعة عدّة بآلة الحرب والسلاح المشهور
(3)
!
وعلّق المؤلّف طويلًا على ما كتبه "ابن تغري بردي" بحقّ السلطان الأشرف إينال في ترجمته ووفاته في سنة 865 هـ. حول كتابة "إينال" العلامة على المناشير وأنه لم يهتد إلى ذلك، فأكّد المؤلّف أنه كان يُكتَب له بالقلم الرفيع العلامة وهو يعيد على ذلك بقلم العلامة الغليظ، وأن "ما ذكره بعض المؤرّخين - ويعني ابن تغري بردي - من أنه كان يُنَقَّط له ثم يعيد هو على النُقَط فوهِمَ، بل كان يُكتَب له كما ذكرناه، وكذا ما ذكره أنه لم يهتد إلى ذلك مدّة سلطنته، بل اهتدى على ما بيّنّاه في المراسيم، ولم يُعِدْها بخلاف المناشير، فإنّ العلامة فيها: "اللَّه أملي"، فكأنها كانت بعيدة عن ذهنه، ولأنها كانت قليلة الكتابة بخلاف المراسيم، فإنها متكرّرة كثيرًا. وذكر هذا المؤرّخ أيضًا عنه أنه لم يكن عفيفًا عن الفروج، بل قال عنه إنه ربّما اتُّهم بحُبّ المُرْد، وإنه كانت أحكامه غالبة مناقضة للشريعة (
…
)،
(1)
الروض الباسم، 1/ ورقة 32 ب.
(2)
الروض الباسم، 2/ ورقة 22 أ.
(3)
الروض الباسم، 2/ 25 أ.
وهذه عبارته بعينها وحروفها، وأنت تدري ما فيها من الخلل، بل كان السُكات عمّا ذكره أجمل، إذ العفّة من غالب هؤلاء الأتراك، وإنْ ظهرت فالغالب في الباطن بخلافها، على أنّ من ذكر هذا المؤرّخ عنه العفّة منهم كان إينال هذا عندي أعفّ منه، ومَن نظر بعين الإنصاف مع تركه الاعتساف والغرض في سِيَر هؤلاء وأحوالهم علم ما أقوله بشرط إمعان النظر، والتوسّم الموافق لصحّة الخبر حتى به يزن ما يرِد عليه ويسمعه. ثم قال هذا المؤرّخ بعد ذلك: ووقع من مماليكه في أيام دولته من الأذى والتشويش البالغ والفحش وما لا يمكن شرحه، وهو راضٍ به مع قدرته على إزالته. ثم قال: وكان يرضى بظلم الظالمين، بل ربّما شكرهم على ظلمهم وألبسهم الخِلَع والتشاريف. قال: وكان الخلق في آخر أمره تبغضه بغضًا شديدًا عظيمًا، وتمنّوا زوال مُلكه لِما ساموه لا سيما من شدّة وطأة ولده أحمد، وزوجته، وصهره بُردُ بك الدوادار. انتهى كلامه. أقول: ليت شِعري من ذا الذي لم يتّصف بهذه الصفات بعده من السلاطين، وكذا قبله من جنسه حتى ينكر هذا المؤرّخ على ذاك، أعني صاحب الترجمة. وكذا من ذا الذي سلِم من هذه الآفات، لكن الأغراض توقع صاحبها فيما أراده
(1)
…
".
ولما أورد "ابن تغري بردي" كائنة قتْل جانِبَك نائب جُدّة في شهر ذي الحجّة سنة 867 هـ. قال: "وكثر أسف الناس عليه". ردّ المؤلّف عليه بأنه "ليس كما قال"، بل رُبّما سُرّوا بموته لظلمه وشدّة وطأته. ونفى قوله بأن الألسُن انطلقت بالوقيعة في السلطان، بل إن الأمر ليس كما قال.
وحول قوله: وطالب المذاكرة في أمره قطع في كيفية قتلته وفي عدم وفاء السلطان له، إلى آخر ما قاله. ردّ عليه المؤلّف: هذا كلام لا طائل تحته ولا نتيجة له، وما عرفت ما فيه من الزبدة وأيّ شيء يهمّ المذاكريّة حتى يذكر أنهم قالوا قطعًا وصرَّحوا بذمّ السلطان
(2)
.
ولما طلع والد المؤلّف إلى قلعة القاهرة سأله السلطان خُشقَدم عن نائب جُدّة، فقال:{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الإنسان: 30، 31]، فأعجبه ذلك. ولما دخل عليه "ابن تغري بردي" سأله أيضًا، فأجابه: عاش سعيدًا ومات شهيدًا. فلم يعجبه تخليطه، ولما قام قال السلطان لبعض خواصّه: أين ذاك الكلام؟ يشير إلى مقالة الوالد من تلاوته تلك الآية الشريفة من هذا؟ يشير إلى مقالة ابن تغري بردي.
(1)
الروض الباسم، 2/ ورقة 28 أ.
(2)
الروض الباسم، 2/ 58 أ.
قال المؤلّف: ذكر لي هذه الحكاية بعض من أثق به ممن سمعها من لفظ السلطان
(1)
.
ولما ذكر "ابن تغري بردي" تولية "يشبُك الفقيه" الدوادارية الكبرى بعد قتْل نائب جُدّة كتب يقول: ولم يل مجده ولا ثناءه ولا همّته ولا حُرمته ولا شهامته ولا عَظَمَته. علّق المؤلّف قائلًا: وهذا كلام لعلّه صدر عن من لا يعرف الإيمان ولا بعقل وبرهان. وأنت يا مخاطب منصفي منه فدونك وهذا الشأن، وانظر بدين الإنصاف واترك الاعتساف في النسبة بين جانِبَك ويشبُك الفقيه ( ....... ) وأدبه وحشمته وتواضعه، وصُحبته لأهل العلم والفضل، وقربه ونجدته، وعدله وقلّة أذاه، فشتَّان ما بينهما. فلا حول ولا قوّة إلّا باللَّه. اللهمّ اجعلنا ممن يقول الحقّ وينظر بعين الإنصاف"
(2)
.
ولا يترك المؤلّف فرصة سانحة إلّا ويغتنمها للنَيْل من "ابن تغري بردي"، ويجدها هذه المرة في ما كتبه عن سلطنة تمربُغا وتفضيله على كل السلاطين الذين سبقوه؟ بما فيهم صلاح الدين الأيوبيّ. فقالى عن"تمُربُغا": "ولما ترجمه بعض المؤرّخين ممن يجازف في كلامه ويعرّض فيما يقول، قال: لا نعلم في ملوك مصر من ولي تختَ مصر من الدولة التركية أفضل منه، ولا أجمع للفنون والفضائل، مع علمي من ولي مصر قديمًا وحديثًا من يوم افتتحها عمرو بن العاص إلى يوم تاريخه، ولو شئت لقُلتُ: ولا من بني أيوب! ثم أخذ بعد ذلك يذكر كلامًا طويلًا لا طائل تحته، ولا يصدر عن من له أدنى مسألة في معرفة نقد الناس والوقوف على سِيرهم وأحوالهم وأخبارهم إمّا بالمشاهدة والعيان، أو بالخبر والبرهان. ورأيت هذا المسكين في غاية الجهل بمراتب الناس ومعرفة ذلك وما لهم من المقامات الذاتية والعرفية مع ما عرفته من ترجمتنا لتَمُربُغا هذا وإيصالنا له إلى حقّه، لكنْ بحيث يصل الإنسان في الإطراء إلى مثل قول هذا القائل فلعلّ هذا المقال يؤدّي إلى الهبال، وما جميع من ملك مصر مع بني أيوب لا سيما السلطان السيد الشهيد الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب إلّا كما قال الشاعر:
نزلوا بمكة في قبائل نوفل
…
ونزلت بالبيداء أبعد منزل
وكذا (مع الصالح نجم الدين أيوب، ووالده الكامل محمّد، بل ووالده العادل أبو بكر بن أيوب)
(3)
، فليس من الإنصاف، بل ولا من الدين، لا سيما لمن
(1)
الروض الباسم، 2/ ورقة 58 ب.
(2)
الروض الباسم، 2/ 58 ب.
(3)
ما بين القوسين كتب على هامش المخطوط.
يدّعي أنه مع علمه بكذا وكذا، وأنّ له علمًا أن يقول مثل هذا المقال، اللهمّ إلّا أن يكون به الخبال، فانظر بعين الإنصاف وتجنّب الاعتساف. وعلى تقدير تسليم ما قاله، كيف يدّعي لصاحب مدّة قصيرة لم تظهر له ثمرات في تصرّفاته، بل ونحن نعرف ما كان عليه قبل وصوله إلى ما وصل إليه، بل وآل آمره عن قريب إلى ما آل أن يُنسَب إلى كونه أفضل من أولئك الملوك الأقيال، فنعوذ باللَّه من الضلال"
(1)
.
وبقدر ما امتدح "ابن تغري بردي" السلطان تمُربُغا، ذمّ السلطان الظاهر يلباي، والإثنان لم يلبثا في السلطنة إِلَّا وقتا قصيرًا، فردّ عليه المؤلّف بكلام عنيف، وفيه: "ولما ذكر الجمال بن تغري بردي هذا الأمر وهذه القضية بسبب العجز والتقصير للظاهر يلباي هذا فقال: وما ذاك إِلَّا لعدم تقدّمه وسوء سيرته وعجزه عن تدبير الأمور وبتّ القضايا وتنفيذ الأحكام وأحوال الدولة، وقلّة عقله بأنه كان في القديم لا يُعرف إِلَّا بيلباي تلي أي مجنون، فهذه شهرته قديمًا وحديثًا في أيام شبيبته، فما بالك به وقد شاخ وكبر سنّه، وذُهل عقله، وقَلّ سمعه ونظره. هذا ما قاله، وهو كلام في غاية التخابل والاعتساف وقلّة الأدب والإنصاف، بل في غاية السفالة والغسالة، وعدم معرفة الأحوال والحدس الثاقب، على أنّ قائله كان يدّعي معرفة أحوال الترك على ما هم عليه على ما ينبغي، فليت شِعري، كيف لم يكن تمُربُغا مساو (كذا) لهذا في ذلك، حتى لما ترجمه جعله أفضل من بني أيوب
…
وما لُقّب [يلباي] بالمجنون إِلَّا لشجاعته وإقدامه وقوله الحقّ وعدم مداهنته، وإلّا فلو كان مجنونًا بالمعنى الذي قاله هذا المؤرّخ لما جازت بيعته بالسلطنة، فعُلم أنّ المراد من تلقيبه بذلك لأجل نوع حدّة كانت في مزاجه وجُرأة وإقدام حتى شُبّه بالمجنون. بل ما قاله هذا المؤرّخ يؤدّي إلى الطعن في أهل الحلّ والعقد من الأئمّة والقضاة والعلماء، بل والأمراء والجند حيث ولّوا عليهم مجنونًا. وبالجملة فذا كلام لا على طريقة الإنصاف، بل الإنصاف خلافه"
(2)
.
يُذكر أن المؤلّف دافع عن "يلباي "مع أنه هو الذي تسبّب في إخراج والده من القاهرة بمُمالأة مع خُشقدم رغم الصحبة الأكيدة بينهما، ومع ذلك فالحق لا يضيع، كما قال. ويعود المؤلّف فينتقد كلام "ابن تغري بردي" في كلِّ من الأمير "قرقماس الجلب" و"الأمير قراجا" وذلك في شهر رجب من سنة 872 هـ. ووصف رأيه فيهما بأنه تخبيط
(3)
.
(1)
الروض الباسم، 3/ ورقة 160 أ.
(2)
الروض الباسم، 3/ ورقة 160 ب، 161 أ.
(3)
الروض الباسم، 3/ ورقة 161 أ.
وذكر أنه رأى "يلباي" مرارًا في وقتٍ قريب من سلطنته وكلّمه فلم يظهر له ولا لغيره قصور في عقله ولا ذهول ولا ضعفُ بصر وسمع، وهو يعتقد أن "ابن تغري بردي ينتقد" يَلباي لأنَّه قطع نفقة أولاد الناس، وكان هو من بينهم، مع أن ذلك كان من المؤيَّد خير بك
(1)
.
ويعقّب على قوله من أنه يظنّ أنّ علي بن بركات شقيق أمير مكة محمّد بن بركات حضر إلى مصر لآخر مرة في سنة 872 هـ، فيقول المؤلّف:"لم يكن ذلك آخر عهده لذلك؛ بل قدم بعد ذلك إلى مصر في سنة اثنين (كذا) وثمانين، ودام بها إلى يومنا هذا قاطنها، وكان لما عاد إلى أخيه أقام عنده مدّة ووقع بينهما أمور، وتوسّع خيال علي هذا من أخيه، ففرّ منه إلى القاهرة من على جهة القُصير في البحر، وقدم القاهرة من الصعيد"
(2)
.
وتوقّف مشكّكًا في قول "ابن تغري بردي" حول شيخ الخدّام بالحرم النبويّ الشريف سرور الطرباي الحبشي الطواشي، المتوفى سنة 873 هـ
(3)
.
ورغم كل النقد والتجريح والنَيْل من "ابن تغري بردي" فإنّ المؤلّف لم يستنكف عن النقل من مؤلّفاته، وعن تسميته بـ "صاحبنا"، وهو ينقل عن كتابه:"حوادث الدهور"، فيقول:"ذكر صاحبنا الجمال يوسف بن تغري بردي"، وذلك في حوادث شهر شعبان سنة 873 هـ. ثم يُتْبع ذلك بقوله:"هذا ما نقلته من تاريخه مما ذكره به بنحو ما قلناه، إن لم يكن بلفظه فبمعناه"
(4)
.
(1)
الروض الباسم، 4/ ورقة 175 ب.
(2)
الروض الباسم، 4/ ورقة 180 ب.
(3)
الروض الباسم، 4/ ورقة 235 ب.
(4)
الروض الباسم، 4/ ورقة 216 ب و 217 أ.
الأخبار والتراجم والتي تفرّد بها
يستهلّ المؤلّف رحمه الله كتابه بذِكر اسم خليفة المسلمين العباسي، المعتضد باللَّه داود بن المتوكل على اللَّه محمّد بن المستكفي باللَّه سليمان، في سنة 844 هـ. ويذكر أن اثنين آخَرَين كانا ينازعانه في لَقَب "أمير المؤمنين" في العالم الإسلامي حينذاك، هما:
- الإمام الزيدي صاحب اليمن.
- وصاحب الدولة الحفصيّة ملك تونس والمغرب.
وهو يؤكّد أنه سمع خطيب جامع الزيتونة بتونس في شهر ذي القعدة سنة 867 هـ، وهو يدعو لعثمان الحفْصي بوصفه: الخليفة، الإمام، أمير المؤمنين. وأنه سمع غالب خطباء تونس بعد ذلك يدعون له بنحو ذلك، وأن المكاتبات كانت تصدر عنه وهي مُعَنْوَنة بأمير المؤمنين المتوكّل على اللَّه
(1)
.
وبعد ذلك يستعرض أسماء سلطان مصر والشام والحجاز وما والاها، وسلطان اليمن، وسلطان المعجم، وسلطان الروم، وسلطان قَرَمان، وسلطان المغرب الأدنى، أي تونس وما والاها من أعمال إفريقية، وسلطان تِلِمْسان، وسلطان المغرب الأقصى، وسلطان الأندلس، وسلطان أَذَرْبَيْجان، وصاحب هُرمُز، وصاحب حصن كَيْفا، وصاحب مكة، وأمير المدينة المنوّرة. ثم يستعرض الأمراء الكبار في مصر، بدءًا بالأمير الكبير أتابَك العساكر حتى الأمير الأستادّار، وبعدهم قضاة القضاة بمصر، ثم كُفّال الممالك الشامية، وكاشف الكُشّاف بالوجه القِبْلي، وأخيرًا نائب الإسكندرية
(2)
.
وهو توقّف مطوَّلًا عند السلطان الملك الظاهر جَقْمَق، حيث قال: إنه لما تَسَلْطَن على مصر سمَّى نفسه "محمدًا"، وأراد أن يُبطِل اسم "جَقْمق" بالكلّية، وأن تصدر المكاتبات عنه باسم "محمّد"، وأن يُنقَش على السّكّة، ويُثبَّت على جميع تعلّقات السلطنة من الطُرُز والرُنُوك والداغات، وغيره، لولا أنْ صرفه عن ذلك أحد
(1)
الروض الباسم، 1/ 2 أ.
(2)
الروض الباسم، 1/ 2 أ - 5 أ.
مستشاريه من الأقباط، حسبما سمع المؤلّف من والده - رحمهما اللَّه -، فسمَّى نفسه في القاهرة فقط باسمٍ مركَّب من محمّد وجقمق، وكتب ذلك بالقاهرة على بعض طُرُز الحوائط والرُنُوك بالقلعة وغيرها، وعلى أبواب المساجد والجوامع والمدارس. ويؤكّد المؤلّف أنه رأى تسميته "محمّد جقمق" على منبر مدرسة الظاهر برقودتى، وعلى باب المدرسة التي أنشأها الجمال ابن كاتب جَكَم بالقرب من سوق الرقيق، وبجامع زين الدين الأستادّار ببولاق، وغيره
(1)
.
وبعد ذلك يبدأ بعرض "نُبَذٍ من المتجدّدات اليومية في هذه السنة القمرية سنة 844 هـ" فيحدّد اليومَ الذي بدأت به السنة، وما وافقه من شهور القبط، والروم، والفُرس
(2)
. ثم يورد الحوادث يومًا بيوم وشهرًا بشهر، وبعد أن ينتهي من عرضها يذكر تراجم المتوفين في السنة مرتَّبين على الألِف باء.
ويستوقفنا في حوادث هذه السنة عدّة أخبار نذكرها حسب تتابعها، منها:
- خبر "بداية فصل الصيف" وأوله يُعتبر أطول أيام السنة وأقصر لياليها، فيكون النهار فيه مئتين وعشر درجات، والليلُ مئةً وخمسين درجة. والدائر بين الظهر والعصر أربعٌ وخمسون درجة، وبين العصر والمغرب خمسون درجة. ويبدأ النهار في النقص من ثانِيه، ويَنقُصُ في كل يوم سُدُس درجة. وفي البرج كلّه خمس درجات
(3)
.
إن تحديد مدّة الدرجات هنا يجعلنا نعرف مقدار ما سيأتي لاحقًا من أوقات.
- خبر الشيخ علي القَرْمي، وهو تركي فقير لا يعرف العربية، يقيم بسوق الصليبة، والعوام يتسلّطون عليه ويتّهمونه بالتشيّع والرفض، ثم اتّهموه بالكُفْر، وحرّض عدّة أشخاص على قتْله ظلمًا، فكان مصيرهم القتْل وسوء العاقبة حتى قيل في ذلك:
ألا واللَّهِ إنّ الظُلْم لُومُ
…
ولا زال المسيءُ هو الظَلُومُ
إلى دَيّانِ يوم الدِينِ نمضي
…
وبين يديه يَجتمعُ الخُصومُ
وذكر المؤلّفَ خبره على مرحلتين
(4)
.
- الكلام على الريح المَريسي، وقد هبّت هبوبًا شديدًا خارجًا عن المعتاد، وتأذّى بها الناس أذًى شديدًا. وسأل المؤلّف عنها جماعة من أعيان الأطبّاء بمصر
(1)
الروض الباسم، 1/ 2 أ.
(2)
الروض الباسم، 1/ 5 أ.
(3)
الروض الباسم، 1/ 5 أ.
(4)
الروض الباسم، 1/ 7 أ - 8 ب و 8 ب، 9 أ.
فلم يجيبوه بما يليق، فعرّف بها هو، وقال إنها تُنسَب إلى المَرِيس من بلاد النُّوبة
(1)
، ووصف تأثيرها.
- ذِكر ما جُدّد في هذه السنة من المساجد، وهو موضوع انفرد المؤلّف به، فذكر تجديد جامع ابن رُزَّيك، وجامع الطواشي جوهر المَنْجَكي، ومدرسة تَغري بَردي المؤذي، وجامع الفاكهانيّين، وجامع الفخر، وجامع الصارم، ومشهد السيّدة رُقيّة، وذكر أسماء الأشخاص المجدِّدين
(2)
.
وفي تراجم وَفَيات سنة 848 هـ. ينفرد بذِكر (كائنة غريبة) عن الخواجا ابن المزلّق، و (نادرة أخرى) عنه
(3)
.
وفي حوادث سنة 865 هـ.
ينفرد بخبر تنافس الظاهرية والأشرفية على السلطنة، وطمع جانُم نائب الشام بالسلطنة، وانحطاط أمر السلطان المؤيَّد أبي الفتح أحمد ابن الملك الأشرف إينال، واجتماع والد المؤلّف به
(4)
.
وأفرد عدّة صفحات عن خلع السلطان المؤيَّد، وسلطنة الظاهر خُشقدم ومُبايعته، وإخراج المؤيَّد إلى سجن الإسكندرية، ورؤية المؤلّف كل ذلك بنفسه، حيث يقول:"وكان ذلك في وقت الضحوة الكبرى، وكنت أنا في هذا اليوم جالسًا بمكانٍ بالصليبة أعاين هذا الأمر وأشاهده عيانًا"
(5)
، ثم وضع ترجمة للمؤيَّد، مع أن وفاته تأخّرت إلى سنة 893 هـ. وذكر التحاق والدته به في الإسكندرية، وما ترادف عليها من الهموم، حتى خبر إخراج المؤيَّد من السجن في عهد السلطان تمُربُغا، وسلطنة صِهره الأشرف قايتباي، إلى أن صار شيخ الطائفة الشاذلية بالثغر
(6)
.
ثم يذكر طلوع والده إلى قلعة القاهرة لتهنئة خُشقدم بالسلطنة
(7)
، وطلوعه ثانيةً لتهنئته بإخماد ثورة الأشرفية
(8)
.
ويذكر الوحشة التي وقعت بين سلطان الأندلس صاحب غَرناطة المستعين باللَّه وبين صاحب تِلِمْسان، والوحشة بين جهان شاه وولده بير بُضاغ صاحب بغداد، والوحشة بين السلطان محمّد بن عثمان متملّك الروم وبين حسن بن قَرايُلُك، والوحشة بين الظاهر خُشقدم وجانَم نائب الشام،
(1)
الروض الباسم، 1/ 14 أ.
(2)
الروض الباسم، 151 ب، 16 أ.
(3)
الروض الباسم، 1/ 29 ب - 30 أ.
(4)
الروض الباسم، 2/ 10 أ، ب.
(5)
الروض الباسم، 2/ 19 أ.
(6)
الروض الباسم، 2/ 11 ب - 20 ب.
(7)
الروض الباسم، 2/ 20 ب، 21 أ.
(8)
الروض الباسم، 2/ 25 أ، ب.
والفِتَن بين المشعشع وبير بُضاع، وكل هذه الأخبار ينفرد بها المؤلّف
(1)
.
وفي حوادث سنة 866 هـ
ينفرد بذِكر التجريدة إلى الصعيد في عام 866 هـ
(2)
. وبخبر خروج قايتباي إلى دمياط
(3)
.
ويروي حكاية والده عن إياس الطويل
(4)
، وطلوع والده إلى القلعة وسؤال السلطان له
(5)
.
وهو يؤكّد في كتابه على وجود التجار المغاربة في مصر، ويروي حادثة مهاجمة تمساح في بعض سواحل البلاد القِبْلية لامرأة أرادت ملء جرّتها بالماء، فانقضّ على رأسها وأطبق عليه ثم أخذها، وكان آخر العهد بها، وتألّم لهذا المنظر البشِع، وكيف قام شخص يُدعى "أبو عوكل" باصطياد هذا التمساح بعينه، وخرج الناس لرؤيته، وحمْله إلى البلد الذي تنتمي إليه المرأة، ووصفه المؤلّف بأنه كان هائلًا
(6)
.
وانفرد بخبر استقرار "القوصوني" في رئاسة الطب بمصر، في 26 من شهر ربيع الآخر 866 هـ. ثم أردف بترجمته (رقم 155)
(7)
.
وهو يُخبر عن رؤيته أحد الأنفار في الوجه القِبْلي، وله فإن، وأربعة عيون، وأربعة آذان، وأنفان
(8)
.
وينفرد بالحديث عن ظهور طائفة خبيثة الاعتقاد بالوجه الغربي، وبالتحديد بقرية تُسمّى "ططبة"، وهي من أعمال القاهرة، ويشبههم بالزنادقة، وأن فيهم من يدّعي النُّبُوَّة، بل فيهم من ادَّعى الإلهيّة
(9)
.
وأعقَب ذلك بخبرٍ آخر انفرد به أيضًا يتعلّق بانعقاد مجلس القضاة ومشايخ الإسلام بشأن قضية "حمزة بن غيث بن نصير الدين" أحد المشايخ بناحية الغربية، المُتَّهم بأمور مهولة، كالسجود للشمس، والتجاهر بالمعاصي، وغير ذلك، وحُكم بسفك دمه
(10)
.
وانفرد بخبر تقرير "غيث" والد الزنديق "حمزة" في مشيخة الغربية، والحكم بالسجن على أتباع ولده من الزنادقة
(11)
.
(1)
الروض الباسم، 2/ 26 أ.
(2)
الروض الباسم، 2/ 33 أ.
(3)
الروض الباسم، 2/ 33 أ.
(4)
الروض الباسم، 2/ 33 أ.
(5)
الروض الباسم، 2/ 34 أ.
(6)
الروض الباسم، 2/ 35 ب.
(7)
الروض الباسم، 2/ 36 أ، ب.
(8)
الروض الباسم، 2/ 36 ب.
(9)
الروض الباسم، 2/ 37 أ.
(10)
الروض الباسم، 2/ 37 أ، ب.
(11)
الروض الباسم، 2/ 37 ب.
وخبر وقوع صاعقة أحرقت منارة جامع أمير حسين خارج القاهرة، في شهر جمادى الآخرة 866 هـ
(1)
.
وخبر طلب النجدة لحصار الماغوصة "فماغوستا" بقبرس
(2)
. ويحشد بعد ذلك عدّة أخبار ينفرد بها عن غيره، نذكر منها: حضور زوجة السلطان خُشقدم مولد السيّد البدوي بطنطا
(3)
.
وفي حوادث شهر شوال من السنة 866 هـ. يروي تفاصيل جريمة قام بها أحد ركّاب السفينة التي كانت تُقلّه من الإسكندرية حيث قتل أحد بحّارتها بعد سرقة دجاجةٍ من أحدهم. وكان المؤلّف على متن السفينة المذكورة، وشاهد عيان لِما حدث، بل إن السارق ألقى بنفسه في الخنّ الذي كان به المؤلف. وأفَدنا من هذه الحادثة أن قصاص الإعدام الذي كان ينفّذ بالمجرم، كان يوكل إلى شخصٍ من اليهود ليقوم بقطع رأسه بالساطور
(4)
.
وينفرد المؤلّف بترجمة "شاهين الناصري" المتوفَّى سنة 866 هـ
(5)
، و"صنطباي الظاهري"
(6)
، و"غالب بن بدران الشامي"
(7)
.
ويُثبت ما حكاه والده له عن "قانباي الجركسي" من قوّة بدنه وطاقته الهائلة على التحمّل
(8)
.
كما انفرد بترجمة "محمّد بن القرعة المالقي الأندلسي"
(9)
.
وفي حوادث سنة 867 هـ.
تفرّد بخبر ضرب "المحبّ الأسلمي" ناظر الدولة في مصر
(10)
.
ومحنة البدر حسن بن المزلّق دوادار نائب جُدّة
(11)
.
ودخول مدينة تِلِمْسان بحوزة السلطان المتوكل على اللَّه عثمان، وإقامة صاحبها محمّد بن أبي ثابت نائبًا عنه
(12)
.
وضيافة الخواجا "البنيولي" لكبار التجار بتونس،
ووصف جِنان رأس الطابية بتونس،
(1)
الروض الباسم، 2/ 37 ب.
(2)
الروض الباسم، 2/ 38 أ.
(3)
الروض الباسم، 2/ 38 ب.
(4)
الروض الباسم، 2/ 41 أ.
(5)
الروض الباسم، 2/ رقم 166.
(6)
الروض الباسم، 2/ رقم 167.
(7)
الروض الباسم، 2/ رقم 169.
(8)
الروض الباسم، 2/ رقم 171.
(9)
الروض الباسم، 2/ رقم 173.
(10)
الروض الباسم، 2/ 47 ب.
(11)
الروض الباسم، 2/ 47 ب.
(12)
الروض الباسم، 2/ 48 أ.
ووصف عمل الحلوى المُسمّاة "المَجْبَنة"
(1)
،
وحضوره مذاكرات علمية وأدبية وتاريخية في متنزَّه تونس،
وإيراد ترجمة للكاتب الشاعر "محمّد الخيّر المالقي" الذي كان موجودًا في سنة 888 هـ
(2)
.
وقضيّة الشريف "جُلَيل البغدادي العراقي" والقُطْب العراقي المسمَّى "يوسف"، وما جرى بينهما من تنافس لدى صاحب تونس
(3)
.
وخبر دخول السلطان عثمان تونس، وصلاته بجامع الزيتونة.
وذكر نادرتين أخبرهما والد المؤلّف للملك الظاهر خُشقدم
(4)
.
وهرب جماعة من أهل مُسْراتة (الليبية) إلى جزيرة مالطة تخلُّصًا من ظُلم "أبي النصر" عامل عثمان صاحب تونس على طرابلس (الغرب)
(5)
.
واستغاثة المساجين في تونس من الجوع
(6)
.
وانفرد بشيء من ترجمة قاضي تونس وخطيبها ومفتيها "منصور البنجريري القَرَوي"
(7)
.
وبحادثة عجيبة جرت في طرابلس الغرب مات فيها نحو أربعين طفلًا وشابًا من جرّاء التزاحم في أعالي منارة جامعها أثناء التماس رؤية هلال شهر رمضان
(8)
.
وتفرّد بخبر تعيين الطواشي "مثقال الحبشي الظاهري البرهاني" في تقدمة المماليك السلطانية، ثم وضع له ترجمة، ولم يذكره السخاوي ولا غيره
(9)
.
وخبر القَصاص من عبدٍ وأَمَة قتلا امرأة بغير حقّ في طرابلس الغرب، في شهر رمضان من السنة 867 هـ
(10)
.
وهرب أسرى فرنج من سجن طرابلس الغرب
(11)
.
والقبض على تمربُغا وأمراء الظاهرية، وهذا الخبر من تعليقاته الخاصة
(12)
.
وتغريق السلطان خُشقَدَم خمسة من مماليكه
(13)
.
(1)
الروض الباسم، 2/ 48 أ.
(2)
الروض الباسم، 2/ رقم 175.
(3)
الروض الباسم، 2/ رقم 176.
(4)
الروض الباسم، 2/ ورقة 51 أ.
(5)
الروض الباسم، 2/ ورقة 52 ب.
(6)
الروض الباسم، 2/ ورقة 53 أ.
(7)
الروض الباسم، 2/ ورقة 54 أ، رقم 177.
(8)
الروض الباسم، 2/ ورقة 54 ب.
(9)
الروض الباسم، 2/ ورقة 55 أ.
(10)
الروض الباسم، 2/ ورقة 55 أ.
(11)
الروض الباسم، 2/ 57 أ.
(12)
الروض الباسم، 2/ 59 أ - 65 أ.
(13)
الروض الباسم، 2/ 60 أ.
وتحرُّك حزب بني السراج المالكي الأندلسي ووزيريها وأعيان الأمراء على المستعين بالله منقذ بن الأحمر سلطان غرناطة
(1)
.
ونقْض السلطان المتوكل على الله صاحب تِلِمسان العهد مع صاحب تونس
(2)
.
ومرض السلطان عثمان صاحب تونس
(3)
.
وترجمته المطوّلة للوليّ "إبراهيم بن محمد بن أحمد اللنتي، التازي، المغربي"، وهو الذي أورد له "التُنبُكتي" ترجمة قصيرة في كتابه "نيل الابتهاج بتطريز الديباج"
(4)
.
وترجمة "أبرك بن محمد شاه الظاهري الخاصكي"
(5)
.
و"أزبك المحمودي، الأشرفي، المعروف بقراسقل"
(6)
.
و"جانبك القوامي، المؤيَّدي"
(7)
.
و"طوخ الأبو بكري الناصري"
(8)
.
و"عائشة بنت جقمق"
(9)
.
و"قَرَدم الأبوبكري المؤيَّدي"
(10)
.
و"كمشبُغا المؤَيَّدي، المعروف بشبشق"
(11)
.
و"يَرَدش الخاصكي"
(12)
.
وفي حوادث سنة 868 هـ.
ينفرد بذكر كائنة علي بن الأهناسي
(13)
.
وهو يأتي بخبر عن "سودون البرقي" المتخوّف من الذهاب إلى دمشق، برواية مختلفة عن رواية "ابن تغري بردي" في كتابه "النجوم الزاهرة"
(14)
.
وخبر المناداة على الفلوس العتق في مصر
(15)
.
والأخبار بعزل قائد طرابلس الغرب، وقصْد صاحب تونس السلطان عثمان طرابلس
(16)
.
(1)
الروض الباسم، 2/ 60 أ.
(2)
الروض الباسم، 2/ 60 أ.
(3)
الروض الباسم، 2/ 60 أ.
(4)
الروض الباسم، 2/ رقم 181.
(5)
الروض الباسم، 2/ رقم 182.
(6)
الروض الباسم، 2/ رقم 183.
(7)
الروض الباسم، 2/ رقم 186.
(8)
الروض الباسم، 2/ رقم 190.
(9)
الروض الباسم، 2/ رقم 192.
(10)
الروض الباسم، 2/ رقم 196.
(11)
الروض الباسم، 2/ رقم 197.
(12)
الروض الباسم، 2/ رقم 205.
(13)
الروض الباسم، 2/ 72 أ.
(14)
الروض الباسم، 2/ 74 ب.
(15)
الروض الباسم، 4/ 74 ب.
(16)
الروض الباسم، 2/ ورقة 7 مكرّرة.
وكائنة الرجل المَدين الذي مات وبقي عليه قسم من الدَّين، واعتراض الدائن نعشَه ومنْع دفنه، وتدخُل أحد نوّاب الحاكم الشرعي وإنهاء الأمر بحُسن تصرّفه بالقاهرة
(1)
.
وتجهيز قائد طرابلس الغرب المال لسلطان تونس
(2)
.
وولاية "أوش قلق" نيابة صفد، مع الترجمة له
(3)
.
وكائنة الأتابك جانِبَك الأبلق بالماغوصة "فماغوستا"
(4)
.
وكائنة "محمد بن عطيّة البرد دار" وقتْله بدمشق ثم حرْقه
(5)
.
وكائنة "قانبك المحمودي المؤيَّدي" واختفائه بعد امتناعه عن المُثُول بين يدي السلطان خُشقدم
(6)
.
وكائنة الشخص الذي ادّعى في تونس أنه طبيب، وأوهم مريضًا أنه أخرج ثعبانًا من جوفه، وانكشاف حيلته أمام السلطان بفضل الشيخ "ابن البكّوش"
(7)
.
وخبر المطر الغزير في مصر في الثاني من شهر بشنس عند القبط، بحيث سالت منه الوديان والأزِقّة والشوارع، ودلفت المياه إلى البيوت
(8)
.
والكائنة الغريبة التي اتفقت بالقيروان، وتتلخّص بأن شخصًا قرأ في أحد المجاميع أن المرء إذا تناول قيراطًا أو نحوه من الأفيون فإنه يقوّي الباه ويعينه على الجماع، فصادف أنْ جمع كميّة كبيرة منه، وكان أخوه قد تزوّج في ليلته وقد أخبره أنه يحضّر له جزءًا من الأفيون ليتناوله ليلة "الدخلة" على عروسه، فأقدم "العريس" على تناول كمية كبيرة، وما لبث أنْ مات من ذلك قبل أن يباشر زوجته
(9)
.
وكائنة أخْذ الأكراد قلعة كركر وقتل نائبها
(10)
، ثم استرجاعها منهم
(11)
.
ووصول قاصد السلطان العثماني "محمد بن عثمان" إلى القاهرة
(12)
، وطلوعه في يوم عيد الفِطر إلى القلعة.
وأن التفاوت بين القيروان والقاهرة ليلتان، إذ صادف العيد في القاهرة يوم الأربعاء، وكان في القيروان يوم الجمعة
(13)
.
(1)
الروض الباسم، 2/ 75 أ، ب.
(2)
الروض الباسم، 2/ 75 ب.
(3)
الروض الباسم، 2/ رقم 210.
(4)
الروض الباسم، 2/ 176 أ، ب.
(5)
الروض الباسم، 2/ 77 أ.
(6)
الروض الباسم، 2/ 77 أ.
(7)
الروض الباسم، 2/ 77 أ، ب.
(8)
الروض الباسم، 2/ 78 أ.
(9)
الروض الباسم، 2/ 78 أ.
(10)
الروض الباسم، 2/ 78 أ.
(11)
الروض الباسم، 2/ 78 ب.
(12)
الروض الباسم، 2/ 78 ب.
(13)
الروض الباسم، 2/ 79 أ.
وانفرد بترجمة: "أحمد بن قَرا الموصلي، الدمشقي، القُبَيباتي"
(1)
،
و"أحمد بن البكيراني، البَلَنسي، الأندلسي، المدجَّن"
(2)
،
و"تَنَم الأبوبكري الناصري المعروف بالأعرج"
(3)
،
و"حسن خُجا الجمالي، الظاهري"
(4)
،
و"عبد الله بن أبي إبراهيم المغربي، الصحراوي، الفيلالي، الأذرعاتي، المالكي"
(5)
،
و"عبد الله بن حسّان المغربي، الطرابلسي"
(6)
،
و"قان بَردي الظاهري، المعروف بالصُّغَيَّر"
(7)
،
و"كرتباي الجركسى، حمو الظاهر جقمق"
(8)
،
و"محمد بن عطيّة البردَ دار"
(9)
،
و"مُغُلْباي البَجَاسي"
(10)
.
وفي حوادث سنة 869 هـ.
يذكر خبر طلوع والده إلى الظاهر خُشقدم في مطلع السنة كعادته، وجوابه على سؤال السلطان عن الفرق بين "ملك الأمراء" و"النائب"
(11)
.
وينفرد بخبر إحضار أسرى إفرنج إلى تِلِمسان
(12)
.
وبترجمة الطبيب "موسى بن سمويل بن يهودا الإسرائيلي، المالقي، الأندلسي، المعروف بابن الأشقر"
(13)
.
وخبر تملّك أبي الحسن عليّ لغَرناطة من أبيه المستعين بالله سعد بن محمد بن يوسف المعروف بابن الأحمر بتحريض من وزرائه من بني السراج، وانتقال الأب إلى مالقة
(14)
.
وانفرد بذكر ثلاثة أخبار على التوالي، هي: القبض على زين الدين الأستادّار والتوكيل به بالقلعة،
وفكّ أسر سودون المنصوري على يد الملكة أخت جاكم متملّك قبرس،
(1)
رقم 213.
(2)
رقم 215.
(3)
رقم 218.
(4)
رقم 224.
(5)
الروض الباسم، 2/ رقم 229.
(6)
الروض الباسم، 2/ رقم 232.
(7)
الروض الباسم، 2/ رقم 240.
(8)
الروض الباسم، 2/ رقم 243.
(9)
الروض الباسم، 2/ رقم 246
(10)
الروض الباسم، 2/ رقم 249.
(11)
الروض الباسم، 3/ ورقة 91 ب.
(12)
الروض الباسم، 3/ ورقة 91 ب.
(13)
الروض الباسم، 3/ ورقة 92 أ.
(14)
الروض الباسم، 3/ ورقة 92 أ.
واستقرار "بلاط" حاجب حجّاب دمشق نائبًا في الكرَك
(1)
.
بالإضافة إلى تعيين "تمراز الشرفي" في أتابكية طرابلس الشام، وتعيين "أركماس الجاموس" على تقدمته فيها
(2)
.
وحشد بعد ذلك جملة من الأخبار لم نجدها عند غيره، منها في شهر صفر: التضييق على صاحب غَرناطة المخلوع.
وتخوّف صاحب تِلِمسان من صاحب تونس.
واجتماع مباشري الدولة في مصر بين يدي السلطان خُشقَدم.
وزيارة صاحب تِلِمسان للوليّ الزاهد أحمد بن الحسن في داره.
وأخْذ الفرنج جبل الفتح من الأندلس.
واستبدال جماعة من الأمراء العشرات في مصر.
ووصول قاصد ابن قَرَمان لمصر.
والإرجاف في الأندلس بغزو الفُنْش صاحب قشتالة وغيره
(3)
.
ومنها في شهر ربيع الأول:
تعاظُم أمر اليهود في مدينة فاس.
وولاية جانِبَك التنمي نيابة الكَرَك.
وتجريد الجند إلى تِلِمسان.
وكائنة الشرف موسى ابن كاتب غريب القبطي ناظر الديوان المفرد بمصر.
وقتال الإخوة من بني قَرَمان
(4)
.
ومنها في شهر ربيع الآخر:
تحصين تِلِمسان خوفًا من صاحب تونس،
ومهاجمة ملك البندقية جزيرة رودس وتخليص الأسرى المسلمين بها.
وتعين نائب للقدس، ونائب للبيرة
(5)
.
ومنها شهر جمادى الأول:
التجريدة إلى عرب محارب، ووصول قاصد ابن قَرَمان إلى مصر، وتقرير
(1)
الروض الباسم، 3/ ورقة 92 ب.
(2)
الروض الباسم، 3/ ورقة 92 ب.
(3)
الروض الباسم، 3/ ورقة 93 أ، 93 ب.
(4)
الروض الباسم، 3/ ورقة 94 أ.
(5)
الروض الباسم، 3/ ورقة 94 أ، 94 ب.
معلّمية المعلّمين، وعقد الصلح والهدنة بين صاحب قشتالة والأندلس
(1)
.
ومنها في شهر جمادى الآخر:
ورود قاصد صاحب تونس إلى تِلِمسان،
ووصول قاصد حسن الطويل ومعه مفاتيح قلعة كركر،
وعزل القاضي الرهوني، وغيره
(2)
.
ومنها في شهر رجب:
الإشاعات بعزم السلطان العثماني مهاجمة بلاد الفرنج من جهة المغرب،
وتزيين القاهرة ودوران المحمل وما حدث من فسادٍ،
وقدوم قاصد صاحب تونس إلى تلمسان،
وخلعة السفر على قاصد حسن الطويل،
وكائنة نهب مصر العتيقة، وغيره
(3)
.
ومنها في شهر شعبان:
نزول السلطان خُشقَدم إلى مصر العتيقة لامتصاص غضب الناس، وتوسيطه لاثنين من الغلمان،
وختم ولد خطيب وهران القرآن العظيم
(4)
.
ومنها في شهر شوال:
التجريدة إلى جهة المنوفية والغربية،
وإحضار طائفة من عرب الجيزية إلى القاهرة،
وكائنة قتل اليهود بفاس وذبح سلطانها عبد الحق المَريني، وإن كان هذا الخبر ورد بكلمات قليلة في كتاب "تاريخ الدولتين الموحّدية والحفصية"،
واستيلاء الفرنج على طنجة وأصيلا،
وعودة بني وَطَّاس لملك فاس،
والتجريدة إلى عربان لَبيد بالبُحيرة
(5)
.
ومنها في شهر ذي القعدة:
(1)
الروض الباسم، 3/ ورقة 94 ب - 95 ب.
(2)
الروض الباسم، 3/ ورقة 95 ب.
(3)
الروض الباسم، 3/ 95 ب - 96 ب.
(4)
الروض الباسم، 3/ 96 ب، - 97 أ.
(5)
الروض الباسم، 3/ ورقة 98 أ - 100 أ.
خروج قاصد صاحب تونس من تِلِمسان،
وتسليم حسن الطويل قلعة كركر لإينال الأشقر،
وأخذ ابن عثمان لبلاد ابن قَرَمان،
وكائنة ملك أصلان بن دُلغادر مع حسن الطويل،
والحرب بن خُشقدم الزيني وعرب قطّاب والهوادجة بخارج دمنهور،
والحرب بين هوّارة وعربان الوجه البحري
(1)
.
ومنها في شهر ذي الحجّة:
تعطُّل أحوال الناس بسبب الفلوس العُتْق
(2)
.
وينفرد بتراجم لأعلامٍ تُوفوا في هذه السنة 869 هـ. ومنهم:
"أحمد بن محمد بن علي بن طُرُنطاي، المعروف بابن الخطائى"
(3)
،
و"أبو العباس، أحمد المنستيري المغربى، التونسى"
(4)
،
و"أصيل ابنة يشبُك طَطَر الجركسيّة"
(5)
،
و"بُطا الناصري الخازندار"
(6)
،
و"بكتمُر الأبوبكري، الأشرفي، المعروف بالبوّاب"
(7)
،
و"السلطان المستعين بالله""سعد بن محمد بن يوسف الأنصاري، العُبادي، الأرجوني الأصل، المعروف بابن الأحمر"
(8)
،
و"سليمان بن موسى العامري، الهلالى"
(9)
،
و"عيسى التاجر الطرابلسي"
(10)
،
و"قجماس المؤيَّدي"
(11)
،
و"هارون بن بطش اليهودي، المغربى، الفاسى"
(12)
،
و"يعقوب الرومي الحنفي"
(13)
.
(1)
الروض الباسم، 3/ ورقة 100 أ، ب.
(2)
الروض الباسم، 3/ ورقة 100 ب، 101 أ.
(3)
الروض الباسم، 3/ رقم 259.
(4)
الروض الباسم، رقم 260.
(5)
الروض الباسم، رقم 261.
(6)
الروض الباسم، رقم 263.
(7)
الروض الباسم، رقم 264.
(8)
الروض الباسم، رقم 269.
(9)
الروض الباسم، رقم 270.
(10)
الروض الباسم، رقم 274.
(11)
الروض الباسم، رقم 277.
(12)
الروض الباسم، رقم 283.
(13)
الروض الباسم، رقم 284.
وفي حوادث سنة 870 هـ.
انفرد في شهر محرّم بعدّة أخبار، منها:
كائنة محمد بن قانباي اليوسفي المهمندار
(1)
،
وأخذ حسن الطويل مدينة خَرْتَ بِرْت من ملك أصلان
(2)
،
وتحزّب بني وطّاس لحصار فاس
(3)
،
وحيلة غريبة نادرة قام بها تجار للانتقال من تلمسان إلى فاس
(4)
،
وثورة الجلبان على السلطان خُشقدم بقلعة القاهرة
(5)
،
وهجوم الفرنج على طاحون خارج مالقة
(6)
،
والرياح العاصفة بمدينة مالقة في شهر جمادى الأول
(7)
،
والرياح والبَرَد النادر بالقاهرة
(8)
،
ووصف مدينة غَرناطة
(9)
،
والكائنة التي اتفقت بقصر تلمسان
(10)
.
ونجاة إنسان من الأسد بالاحتماء فوق الشجرة
(11)
.
كما انفرد بترجمة: عبد الله بن عبد الرحمن بن النجار الإسرائيلي الأصل، التلمساني
(12)
،
وعبد الغفّار بن أحمد بن عطية الطرابلسي، المغربي
(13)
،
وعُقبة الوليّ المجذوب بطرابلس الغرب
(14)
،
وقاسم بن تمرباي الجركسي القاهري
(15)
،
وكوكاي من حمزة الظاهري
(16)
،
وعلي بن نصير بن عبد الرحمن الدمشقي الأصل، القاهري
(17)
،
(1)
الروض الباسم، ج 3/ ورقة 108 أ.
(2)
الروض الباسم، ج 3/ ورقة 110 أ.
(3)
الروض الباسم، ج 3/ ورقة 110 أ.
(4)
الروض الباسم، ج 3/ ورقة 110 ب.
(5)
الروض الباسم، ج 3/ ورقة 112 ب.
(6)
الروض الباسم، ج 3/ ورقة 112 أ.
(7)
الروض الباسم، ج 3/ ورقة 112 ب.
(8)
الروض الباسم، ج 3/ ورقة 113 أ.
(9)
الروض الباسم، ج 3/ ورقة 113 ب، 114 أ.
(10)
الروض الباسم، ج 3/ ورقة 117 أ.
(11)
الروض الباسم، ج 3/ ورقة 118 أ.
(12)
الروض الباسم، رقم 307.
(13)
الروض الباسم، رقم 309.
(14)
الروض الباسم، رقم 310.
(15)
الروض الباسم، رقم 315.
(16)
الروض الباسم، رقم 319.
(17)
الروض الباسم، رقم 322.
ويوركلي كوز الجركسية
(1)
.
وفي حوادث سنة 871 هـ.
ينفرد بشيء من أخبار بني وطّاس مع الشريف ابن عمران صاحب فاس
(2)
،
وبخبر نزولى السلطان خُشقدم إلى بركة الجبّ للرماية
(3)
،
وكائنة أصباي البوّاب
(4)
،
وثورة الجُلبان بطباق القلعة
(5)
،
ووقعة يشبُك من مهدي وعربان هوّارة
(6)
،
وأخْذ صاحب تونس المتوكل على الله عثمان الحفصي مدينة تلمسان
(7)
.
وتفرّد بترجمة:
تنِبَك الحمزاوي
(8)
،
ودمرداش الناصري، الظاهري، المعروف بالطويل، وهو ذكره "السخاوي" في "الضوء اللامع" إلّا أنه لم يزِد على تاريخ وفاته شيئًا
(9)
،
ورُزْمِك الدشتكي
(10)
،
وسيدي بك بن أوزار التركماني، الأوزاري
(11)
،
وطومان الجكمي الخاصكي
(12)
،
وعبد الله بن عثمان السويدي أمير عربان بني سُوَيد بتِلِمسان
(13)
،
وفَرَج ابنة سودون الفقيه زوجة الظاهر ططر
(14)
،
ومحمد بن محمد المغربي، الفاسي، التونسى، المتطبّب
(15)
، ووصيف الرومي الحنفي
(16)
.
(1)
الروض الباسم، رقم 327.
(2)
الروض الباسم، ج 3/ ورقة 128 أ.
(3)
الروض الباسم، ج 3/ ورقة 130 أ.
(4)
الروض الباسم، ج 3/ ورقة 130 ب.
(5)
الروض الباسم، ج 3/ ورقة 131 ب.
(6)
الروض الباسم، ج 3/ ورقة 133 أ.
(7)
الروض الباسم، ج 3/ ورقة 136 أ، ب.
(8)
الروض الباسم، 3/ رقم 336.
(9)
الروض الباسم، 3/ رقم 339.
(10)
الروض الباسم، 3/ رقم 348.
(11)
الروض الباسم، 3/ رقم 341.
(12)
الروض الباسم، 3/ رقم 343.
(13)
الروض الباسم 3/ رقم 345.
(14)
الروض الباسم، 3/ رقم 351.
(15)
الروض الباسم، 3/ رقم 360.
(16)
الروض الباسم، 3/ رقم 363.
وفي حوادث سنة 872 هـ.
انفرد بخبر المناداة بإغلاق الحوانيت بالقاهرة وعدم خروج أحدٍ من داره بعد صلاة المغرب
(1)
،
والإرجاف بموت السلطان خُشقدم وما جرى من تشويش، ثم البشارة بعافيته، وحث الأمراء على السفر في البحر
(2)
،
ورؤيته -أي المؤلّف رحمه الله للأمير قايتباي -وكان أحد مقدّمي الألوف- وهو طالع إلى قلعة الجبل عند وفاة خُشقدم، وتوسُّمه بأنه سيلي السلطنة
(3)
،
وتوسيط مبارك شيخ بني عُقبة وجماعته
(4)
،
وفساد الحال في أيام سلطنة الغلاهر يلباي
(5)
،
ونهْب العامّة دُور جُلبان خُشقدم أيام سلطنة الظاهر تمربُغا
(6)
،
وخبر تسوّر جماعة من الفلاحين سور دمشق وكسرهم باب السجن وإخراج سجين منه يقال له شيخ زرع والفرار به
(7)
،
وخبر الأمر بالإنفاق على أولاد الناس ثم إبطال ذلك،
وما أنشد بعض أولاد الناس في ذلك للمؤلّف
(8)
،
وزلزلة بالقاهرة سقط منها بعض أماكن قليلة عتيقة البناء
(9)
،
وثورة رياح هائلة فيها
(10)
،
وذكره نُبَذًا عن الغلاء الكائن بمصر منذ سلطنة الأشرف قايتباي
(11)
.
وفى أثناء الحوادث وضع ترجمة لأحمد بن عبد القادر بن عُقبة الحضرمي اليمني
(12)
، انفرد بها،
كما وضع ترجمة حافلة لقايتباي عند سلطنته
(13)
.
وذكر إخراج الظاهر تمربُغا إلى ثغر دمياط بالتفصيل
(14)
،
(1)
الروض الباسم، 3/ ورقة 145 أ.
(2)
الروض الباسم، 3/ ورقة 146 ب.
(3)
الروض الباسم، 3/ ورقة 148 أ.
(4)
الروض الباسم، 3/ ورقة 150 ب.
(5)
الروض الباسم، 3/ ورقة 152 ب.
(6)
الروض الباسم، 3/ ورقة 157 ب.
(7)
الروض الباسم، 3/ ورقة 161 ب.
(8)
الروض الباسم، 3/ ورقة 162 أ.
(9)
الروض الباسم، 3/ ورقة 164 ب.
(10)
الروض الباسم، 3/ ورقة 165 ب.
(11)
الروض الباسم، 3/ رقم 372.
(12)
الروض الباسم، 3/ رقم 373.
(13)
الروض الباسم، 3/ أوراق 174 ب - 175 أ.
(14)
الروض الباسم، 3/ ورقة 175 أ.
ومكْر الجُلبان الظاهر وتحايلهم على الأشرف قايتباي
(1)
.
وذكر بعد ذلك مباشرة جملة كثير من الأخبار استغرقت عدّة صفحات انفرد فيها كلها
(2)
،
وخبر ارتفاع سعر الأقوات في مصر
(3)
.
وعاد ليسرد جملة أخبار انفرد بها في عدّة صفحات
(4)
، منها: أخذ عسكر السلطان عنتاب من شاه سوار بن دُلغادر،
وإفساد العربان ببلاد البُحيرة،
وغلاء الغلال بدمياط،
وحصار قلعة عنتاب،
وفساد العربان بالجهات،
وكسرة عساكر السلطان أمام سوار شاه،
والقلق الذي انتاب السلطان عند ورود خبر الكسرة،
وانعقاد المجلس بحضور السلطان والخليفة والقضاة والعلماء والشيوخ للتداول بأمر جمع المال من الناس للنفقة على العسكر،
وأخْذ الملك الظاهر تمربُغا بثغر دمياط،
وعودة سودون المصري بعد كسرة العسكر،
والنداء بحظر الخروج من الدُور بعد العشاء بالقاهرة،
ونجاة تمربُغا بنفسه والاستيلاء على مخلَّفاته،
وأخْذ الركْب اليَنْبُعي وما فيه من التجار،
وعودة سيباي العلائي دون التمكّن من الإمساك بتمربُغا،
وإقامة والد المؤلّف بطرابلس الشام،
وورد الخبر بهلاك العسكر المصري،
وتعيين العسكر لشاه سوار بن دُلغادر،
ووصول أُزبَك نائب الشام إلى نواحي حلب،
(1)
الروض الباسم، 3/ أوراق 175 أ - 179 ب.
(2)
الروض الباسم، 3/ ورقة 180 ب.
(3)
الروض الباسم، 3/ أوراق 181 أ - 190 ب.
(4)
الروض الباسم، 3/ رقم 382.
وارتفاع الأسعار بمصر،
والقبض على الظاهر تمربُغا،
وأسر الأتابك جانبك في وقعة سوار شاه،
وأسر الشريفين سبع وأخيه سبّاع اللذين تعرّضا لركب الحجّاج الينابعة،
وفتنة المماليك لعدم تفرقة اللحوم بقلعة الجبل،
وقبْض والي القاهرة على مثيري الفتنة من العبيد،
وأخبار الحرب بين ابن عثمان وابن قَرَمان،
وسرقة الستر من فوق ضريح الإمام الليث بن سعد،
وكائنة ابن الكَرَكي وأخذ بعض متاعه من خلْوته في الخانقاه الشيخونية.
ومن التراجم التي انفرد بها لوفيات هذه السنة 872 هـ.
ترجمة أخيه إبراهيم بن خليل بن شاهين الطرابلسي المولد، الدمشقي، القاهري
(1)
،
وإسماعيل بن إسماعيل بن عبد القادر النابلسي
(2)
،
وأسنبُغا من صفر خُجا المؤيَّدي
(3)
،
وبَيْسق العلائي الأشرفي
(4)
،
وجارقُطْلُو السيفي دولات باي
(5)
،
وجانِبَك المؤيَّدي الأشقر المعروف بالبواب
(6)
،
وسبّاع بن هجّان
(7)
،
وسُنقر الظاهري المعروف بالعائق وبالجُعيدي
(8)
،
وظافر بن جاء الخير الرومي الأصل، الفرنجي، المغربي، التونسي، قائد طرابلس الغرب
(9)
،
وعبد الرحمن بن أبي سعيد الفرنجيّ الأصل، الصقلِّي، التونسي، الطبيب
(10)
،
(1)
الروض الباسم، 3/ رقم 389.
(2)
الروض الباسم، 3/ رقم 390.
(3)
الروض الباسم، 3/ رقم 395.
(4)
الروض الباسم، 3/ رقم 401.
(5)
الروض الباسم، 3/ رقم 402.
(6)
الروض الباسم، 3/ رقم 407.
(7)
الروض الباسم، 3/ رقم 409.
(8)
الروض الباسم، 3/ رقم 414.
(9)
الروض الباسم، 3/ رقم 416.
(10)
الروض الباسم، 3/ رقم 417.
وعصام الدين البخاري، العجمي
(1)
،
وغريب المدعو محمدًا أيضًا، وفارس المؤيَّدي المعروف بأبي شامة
(2)
،
وفضائل وهو محمد بن إسحاق القبطي المعروف بابن جلّود
(3)
،
وقانباي الأشرفي
(4)
،
وقانصوه المحمدي، الأشرفي، المعروف بخوني وبالساقي
(5)
،
وقراكُز العثماني الظاهري، المعروف بحُمار
(6)
،
ومامش من قصروه الأشرفي
(7)
،
ومحمد بن جُلُبّان الدمشقي، الحنفي
(8)
،
ومحمد بن جهان شاه بن قَرا يوسف التركماني
(9)
،
ومحمد الواصلي التونسي، المغربي
(10)
،
ومُغُلباي الأشرفي الخاصكي، المعروف بجلبي
(11)
،
ونوروز المحمدي، الأشرفي، المعروف بأبزا
(12)
،
ويشبُك من يلباي الأشرفي المعروف بالأشقر
(13)
.
وفي حوادث سنة 873 هـ.
انفرد بعدّة أخبار، منها:
تفشّي الطاعون بالإسكندرية
(14)
،
وغلاء القمح بالقاهرة والمناداة بتسعيره
(15)
،
والخلاف بين الشيخ نجم الدين القرمي شيخ المدرسة القانبائية بالقاهرية وجانِبك طَطَخ الأمير اخور الكبير بشأن صندوق في قبّة ضريح واقف المدرسة
(16)
،
ووصول رأس مال باي أخي شاه سوار الذي قطع في الواقعة
(17)
،
(1)
الروض الباسم، 3/ رقم 419.
(2)
الروض الباسم، 3/ رقم 420.
(3)
الروض الباسم، 3/ رقم 421.
(4)
الروض الباسم، 3/ رقم 422.
(5)
الروض الباسم، 3/ رقم 424.
(6)
الروض الباسم، 3/ رقم 426.
(7)
الروض الباسم، 3/ رقم 429.
(8)
الروض الباسم، 3/ رقم 432.
(9)
الروض الباسم، 3/ رقم 433.
(10)
الروض الباسم، 3/ رقم 434.
(11)
الروض الباسم، 3/ رقم 435.
(12)
الروض الباسم، 3/ رقم 438.
(13)
الروض الباسم، 3/ رقم 442.
(14)
الروض الباسم، 4/ ورقة 202 أ.
(15)
الروض الباسم، 4/ ورقة 203 أ.
(16)
الروض الباسم، 4/ ورقة 208 أ و 209 أ.
(17)
الروض الباسم، 4/ ورقة 221 ب.
وثورة جماعة من أهل الخانقاه الشيخونية على العلّامة الكافِيَجي
(1)
، وغير ذلك.
وفي تراجم الوَفَيات، انفرد بترجمة كلٍّ من:
أركماس الظاهري المعروف بقرا
(2)
،
وآقباي اليحياوي الأشرفي
(3)
،
وآقبردي الأشرفي المعروف بالهوّاري
(4)
،
وأنصباي الإبراهيمي الأشرفي، المعروف بالأعور
(5)
،
وآياس البجاسي
(6)
،
وإينال الزيني الأشرفي، المعروف بالفقيه
(7)
،
وإينال باي الأشرفي، المعروف بميق
(8)
،
وبرسباي الأبو بكري الأشرفي، المعروف بأمير اخور
(9)
وتغري بردي المنصوري، المعروف بالأرمني
(10)
،
وتمرباي الجُلُباني
(11)
،
وجانِبك الشمسي المؤيَّدي، المعروف بقُجا
(12)
،
وجانُم الظاهري، المعروف بالمجنون
(13)
،
وجقمق المؤيَّدي
(14)
،
وحسن بن محمد بن حسن الكيلاني، العجمي
(15)
،
وخديجة بنت محمد بن سليمان بن سعيد
(16)
،
وخُشقدم السيفي جارقُطْلُو
(17)
،
ودمرداش السيفي
(18)
،
(1)
الروض الباسم، 4/ ورقة 223 ب.
(2)
الروض الباسم، 4/ رقم 459.
(3)
الروض الباسم، 4/ رقم 461.
(4)
الروض الباسم، 4/ رقم 462.
(5)
الروض الباسم، 4/ رقم 463.
(6)
الروض الباسم، 4/ رقم 464.
(7)
الروض الباسم، 4/ رقم 465.
(8)
الروض الباسم، 4/ رقم 466.
(9)
الروض الباسم، 4/ رقم 467.
(10)
الروض الباسم، 4/ رقم 471.
(11)
الروض الباسم، 4/ رقم 472.
(12)
الروض الباسم، 4/ رقم 475.
(13)
الروض الباسم، 4/ رقم 477.
(14)
الروض الباسم، 4/ رقم 479.
(15)
الروض الباسم، 4/ رقم 482.
(16)
الروض الباسم، 4/ رقم 484.
(17)
الروض الباسم، 4/ رقم 485.
(18)
الروض الباسم، 4/ رقم 489.
وفى ولات باي الجمالي الظاهري
(1)
،
ودولات باي من ضيف الله الأشرف الخاصكي
(2)
،
وولده الناصري محمد
(3)
،
وسودون الظاهري نائب دمياط
(4)
،
وشاد بك الحمزاوي
(5)
،
وشاد بك الأشرفي
(6)
،
وطُقطَمش المحمدي الأشرفي، المعروف بأمير اخور
(7)
،
وعبد الرحمن الحمزاوي
(8)
،
وعلي السمرقندي الحنفي
(9)
،
وفارس التُنُمي
(10)
،
وقانباي الحسني الأشرفي
(11)
،
وقايت الظاهري، المعروف بالبوّاب
(12)
،
وقجماس الحَسَني الظاهري، المعروف بالطويل
(13)
،
ولاجين السيفي جرباش كُرد
(14)
،
ولؤلؤ الشريفي الظاهري
(15)
،
ومحمد بن تَنَم من عبد الرزاق
(16)
،
ومحمد بن جاني التركماني، الرمضاني، الرومي
(17)
،
ومحمد بن حمزة بن خضر الرومي، الننشاوى
(18)
،
وعبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن حسن بن سُوَيد المصري
(19)
،
(1)
الروض الباسم، 4/ رقم 490.
(2)
الروض الباسم، 4/ رقم 491.
(3)
الروض الباسم، 4/ رقم 492.
(4)
الروض الباسم، 4/ رقم 496.
(5)
الروض الباسم، 4/ رقم 498.
(6)
الروض الباسم، 4/ رقم 500.
(7)
الروض الباسم، 4/ رقم 502.
(8)
الروض الباسم، 4/ رقم 503.
(9)
الروض الباسم، 4/ رقم 507.
(10)
الروض الباسم، 4/ رقم 510.
(11)
الروض الباسم، 4/ رقم 514.
(12)
الروض الباسم، 4/ رقم 519.
(13)
الروض الباسم، 4/ رقم 520.
(14)
الروض الباسم، 4/ رقم 523.
(15)
الروض الباسم، 4/ رقم 525.
(16)
الروض الباسم، 4/ رقم 530.
(17)
الروض الباسم، 4/ رقم 531.
(18)
الروض الباسم، 4/ رقم 532.
(19)
الروض الباسم، 4/ رقم 534.
ومحمد بن عمر بن عمر بن حصن القاهري، الوفائي، المعروف بابن النقاش
(1)
،
ومحمد بن موسى بن خَلَف بن عبد الرحيم الفيّومي
(2)
،
ومصطفى الرومي الحنفي
(3)
،
ومحمد بن محمد بن عبد الله بن عبد الله بن سابق بن إسماعيل الدميري
(4)
،
ونوروز من غيبي الأشرفي، المعروف بالدوادار وبالأخصّ
(5)
،
ونوروز من يلباي الأشرفي المعروف بالأشقر
(6)
.
وفي حوادث سنة 874 هـ.
انفرد بجملة أخبار، من بينها:
كثرة الموتى وعموم الغلاء في بلاد الشام
(7)
،
وقطْع الخبز والطعام عن الصوفية بالخانقاه الشيخونية
(8)
،
وعمارة السبيل بالقشّاشين
(9)
،
والنداء على بيع القمح بالقاهرة
(10)
،
وقيام أهل الخانقاه الشيخونية على العلّامة الكافِيَجي
(11)
،
والتوكيل بالجلال ابن سُوَيد بالمدرسة القانبائية
(12)
،
وبالقاضي ابن بكور الشافعي بدار إينال الأشقر
(13)
.
وفي تراجم الوَفَيات انفرد بترجمة ما يلي:
قراجا نائب جُدّة، وقد ذكره السخاوي باختصار، وبيّض لوفاته
(14)
،
وجقمق الظاهري نائب دمياط
(15)
،
وأحمد بن العطار المصياتي، الطرابلسي
(16)
،
(1)
الروض الباسم، 4/ رقم 536.
(2)
الروض الباسم، 4/ رقم 539.
(3)
الروض الباسم، 4/ رقم 542.
(4)
الروض الباسم، 4/ رقم 544.
(5)
الروض الباسم، 4/ رقم 548.
(6)
الروض الباسم، 4/ رقم 549.
(7)
الروض الباسم، 4/ ورقة 246 ب.
(8)
الروض الباسم، 4/ ورقة 248 أ.
(9)
الروض الباسم، 4/ ورقة 249 ب.
(10)
الروض الباسم، 4/ ورقة 250 أ.
(11)
الروض الباسم، 4/ ورقة 251 أ.
(12)
الروض الباسم، 4/ ورقة 251 أ.
(13)
الروض الباسم، 4/ ورقة 251 أ.
(14)
الروض الباسم، 4/ رقم 553.
(15)
الروض الباسم، 4/ رقم 554.
(16)
الروض الباسم، 4/ رقم 557.
وأحمد بن علي بن يوسف بن محمد بن الفرّاش القاهري
(1)
،
وأحمد بن قرطاي الطرابلسي
(2)
،
وبيبرس من طَطَخ الأشرفي، المعروف بالطويل
(3)
،
وجانِبَك الحَسَني الأشرفي
(4)
،
وجانبك الزيني المؤيَّدي
(5)
،
وخُشكلدي الخليلي، الرومي، الخاصكي، المعروف بأجا
(6)
ويوسف بن خُشكلدي الرومي
(7)
،
وخُشكلدي القوامي، الناصري
(8)
،
وخليل الكفر كناوي
(9)
،
ودولات باي الأشرفي
(10)
،
وصنطباي من قصروه الأشرفي
(11)
،
وطرباي الظاهري
(12)
،
وفضل الفَه بن عبد الواحد بن أبي الليث السمرقندي
(13)
،
وعبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن العماد الغزّي، الصفدي
(14)
،
ومحمد بن الحريري الدمشقي، المقدسي
(15)
،
ومحمد بن القصّار التلمساني، المغربي
(16)
،
ومحمود العدوي شيخ عربان بن عديّ
(17)
،
ومُغُلْباي الظاهري، المعروف بأزُن سقل
(18)
،
ويشبُك من حيدر الأشرفي
(19)
.
(1)
الروض الباسم، 4/ رقم 558.
(2)
الروض الباسم، 4/ رقم 559.
(3)
الروض الباسم، 4/ رقم 561.
(4)
الروض الباسم، 4/ رقم 564.
(5)
الروض الباسم، 4/ رقم 565.
(6)
الروض الباسم، 4/ رقم 568.
(7)
الروض الباسم، 4/ رقم 569.
(8)
الروض الباسم، 4/ رقم 570.
(9)
الروض الباسم، 4/ رقم 572.
(10)
الروض الباسم، 4/ رقم 573.
(11)
الروض الباسم، 4/ رقم 576.
(12)
الروض الباسم، 4/ رقم 577.
(13)
الروض الباسم، 4/ رقم 582.
(14)
الروض الباسم، 4/ رقم 591.
(15)
الروض الباسم، 4/ رقم 594.
(16)
الروض الباسم، 4/ رقم 595.
(17)
الروض الباسم، 4/ رقم 598.
(18)
الروض الباسم، 4/ رقم 599.
(19)
الروض الباسم، 4/ رقم 602.
منهج المؤلّف وأسلوبه في الكتاب
اعتمد المؤلّف رحمه الله كغيره من المؤرّخين -منهج التاريخ الحَوْلي، أي سرد الحوادث والأخبار حسب متجدّداتها على الأيام والشهور والسنين على تتابُعها، وبعد الِانتهاء من عرض الحوادث، يذكر المتوفّين أثناء السنة التي يؤرّخ لها، مرتّبًا الوَفَيات على الحروف من الألِف إلى الياء، ولكن دون الالتزام الصارم بترتيب أسماء الآباء والأجداد. وهو في أحيان كثيرة يترجم لبعض الأعلام أو الأشخاص أثناء سرد الحوادث، ويستطرد من ترجمة أحدهم إلى ترجمة أبيه أو ابنه أو ابن عمّه، أو غيره ممن تأخّرت وفاته إلى ما بعد سنة 874 هـ. وهي السنة التي ينتهي فيها الكتاب، ولا يقتصر الاستطراد لديه على التراجم فحسْب، بل هو يستطرد أيضًا في أثناء التاريخ للوقائع ويأتي بشواهد لحوادث مشابهة وقعت في سنوات لاحقة.
فهو يذكر خبر سبيل جامع ابن طولون أثناء ترجمة "أبي أُمامة محمد بن عبد الرحمن بن النقّاش الدُّكالي" سنة 845 هـ.، والسبيل قد أُنشئ في عام 887، ومات خازنه "رَيحان الزنجي الحلبي" في العام المذكور 887 هـ
(1)
. ثم يستطرد إلى ترجمة زوج بنت "الدُكالي": "عمران بن غازي المغربي"، المولود سنة 845، وكان لا يزال حيًا عند تأليف الكتاب. وفي أثناء ترجمة "عمران" هذا يذكر أنه لازَم الشيخ "حمزة العربي" الذي تأتي ترجمته في سنة سبع وسبعين وثمانماية
(2)
! والكتاب الذي بين أيدينا ينتهي عند سنة 874 هـ!!
ولما تحدّث عن قطع الطرقات عام 846 هـ. تناول مثل ذلك ما حدث في سنوات 883 و 884 و 885 هـ.
(3)
!!
ولما تحدّث عن ثورة الجُلبان عام 846 هـ. استطرد إلى ما جرى عامي 887 و 888 هـ.!! فهو يُظهر التشابه بين ثورة الجُلبان على الظاهر خُشقدم، وما جرى
(1)
الروض الباسم، 1/ 58 أ، رقم 44.
(2)
الروض الباسم، 1/ 59 أ، رقم 46.
(3)
الروض الباسم، 1/ 63 ب.
من فتنة أيام الأشرف قايتباي، في أثناء تسطيره لهذا الكتاب، وما جرى من فتنة سنة 888 هـ، وهي قضية "برسباي قرا" رأس نَوبة النُوَب
(1)
.
وفي آخر ترجمة "محمد بن عمر بن أحمد الواسطي الغمري" المتوفَّى سنة 849 هـ.، أتْبَعَها بترجمة لابنه "أبي العباس محمد أو أحمد" الذي زاد في جامع أبيه بسوق أمير الجيوش المعروف بسوق مرجوش. ولم يذكر وفاته مما يدلّ على أنه كان لا يزال حيًا
(2)
.
وهو يترجم لصنْطَباي خليل الشيخي، خازندار والده في وفيات سنة 849 هـ. مع أنه توفي سنة 847 هـ
(3)
.
وبعد أن ترجم لمحمد بن يحيى بن أحمد بن زُهرة الحِبراصي الطرابلسي، المتوفَّى 848 هـ. استطرد فترجم لابنه "عبد الوهّاب" المتوفَّى سنة 895 هـ
(4)
.
وهو بعد أن ذكر خبر عودة "بُرْدُبك"
(5)
من قبرس في أول سنة 865 هـ.
أتْبعه بترجمته ولم يؤرّخ وفاته، فقد كان حيّا عند تأليف الكتاب. وهو ذكره في "المجمع المفنَّن" ولم يؤرّخ لوفاته حيث قال:"وهو على ذلك إلى يومنا هذا"
(6)
.
وعند تناوله لمقدَّميّة الألوف بمصر استطرد إلى ترجمة "يشبُك البجاسي"
(7)
، وهو توفي سنة 890 هـ.
وفي ترجمته لابن قاضي عجلون "عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد الزُرَعي" ذكر أنه ترك ولديه: محمد، الآتي في سنة وفاته وهي سنة 876، وابنه أبا بكر تقيّ الدين
(8)
، الموجود في عصره. وهو توفي سنة 928 هـ. أي بعد وفاة المؤلّف بثماني سنين!
ولما ذكر خبر تسلّم "محمد بن عبد الوهاب القوصوني" رياسة الطب في مصر
(9)
أفرد له ترجمة زاد فيها على ترجمة "السخاوي"، ولم يذكر الإثنان وفاته، ما يعني أنه بقي حيًّا إلى ما بعد سنة 900 هـ.
وفي ذكره إخراج "أُزبك" خاصكي السلطان منفيًّا إلى الشام
(10)
يذكر له
(1)
الروض الباسم، 1/ 65 أ.
(2)
الروض الباسم، 1/ 41 أ، رقم 100 و 101.
(3)
الروض الباسم، 1/ 38 ب، رقم 88.
(4)
الروض الباسم، 1/ 130 أ، ب، رقم 76 و 77.
(5)
الروض الباسم، 2/ 2 أ.
(6)
المجمع المفنّن 2/ رقم 930.
(7)
الروض الباسم، 52 ب/ رقم 113.
(8)
الروض الباسم، 2/ 30 أ رقم 138 و 139.
(9)
الروض الباسم، 2/ 36 أ، رقم 155.
(10)
الروض الباسم، 2/ 73 ب.
ترجمة قصيرة، ويقول إنه مقيم بطرابلس (الشام) الآن. وهذه المعلومة لم يذكرها غيره. وهو تأخّرت وفاته إلى سنة 904 هـ.
وبعد ذكره تعيين "مُغلباي الساقي الأشرفي" باشًا على الجند في مكة
(1)
سنة 868 هـ. أفرد له ترجمة في المتن والحاشية، وذكر في الترجمة كائنة جرت لخَير بك سنة 885 هـ. وكان مُغلباي لا يزال موجودًا في سنة 906 هـ.
ولما تحدّث عن فرار "جانِبَك حبيب العلائي" من بلاد الصعيد
(2)
سنة 868 هـ. ترجم له مع أنه توفي سنة 893 هـ.، وفي أثناء ترجمته استطرد إلى ترجمة "يشبُك جن"، وهذا توفي سنة 897 هـ.
وحين يذكر خبر تعيين الطُواشي "مثقال الحبشي" في تقدمة المماليك السلطانية
(3)
سنة 867 هـ.، ينتقل إلى ترجمته ويصل بأخباره إلى ما بعد سنة 886 هـ. حيث يقيم بمكة، ويقول في آخرها "وستأتي غالب هذه التنقّلات وبعضٌ من أخباره كلٌّ في محلّه".
وفي أثناء ترجمة "خليل بن شيخ إبراهيم الدرْبَنْدي"
(4)
المتوفى 869 هـ. استطرد إلى ترجمة الشيخ "محمد الدمدمكي"
(5)
وروى قصّته كما رآها في بعض تعاليق والده، وكما سمعها هو من الشيخ "عبد الحميد بن موسى بن أبي يزيد الطالبي الشرواني"، وكما أخبره بها جماعة من أهل بلاد شماخي، ثم يواصل فيذكر "شُروان شاه بن خليل الدرْبنْدي"
(6)
وذكر أنه تجهّز للحج سنة 888 هـ.
ولما ذكر خبر تولية "محمد بن يوسف بن عبد الكريم القبطي المعروف بابن كاتب جَكَم"
(7)
في سنة 870 هـ. استطرد إلى ترجمته، مع أنه مات متأخّرًا في سنة 890 هـ.
ولما ذكر استقرار "شاه بُضاغ بن دُلْغادر"
(8)
في نيابة الأبُلُسْتَيْن في شهر ربيع الآخر سنة 870 هـ. استطرد إلى حروب شاه سِوار سنة 877 هـ، ثم سَجْنه بدمشق سنة 885 هـ. وتأخّرت وفاته إلى سنة 903 هـ. وقال عنه إنه من أصحابنا وبيننا مَوَدّة لما كان مقيمًا بالقاهرة في فترات سوار بعد إخراجه من المملكة.
(1)
الروض الباسم، 2/ 74 أ رقم 206.
(2)
الروض الباسم، 2/ 74 ب رقم 208.
(3)
الروض الباسم، 2/ 55 أ رقم 178.
(4)
الروض الباسم، 3/ 102 ب رقم 266.
(5)
الروض الباسم، 3/ رقم 267.
(6)
الروض الباسم، 3/ 102 ب رقم 268.
(7)
الروض الباسم، 3/ 108 ب، رقم 286.
(8)
الروض الباسم، 3/ 111 أ، ب.
ولما ذكر قتل "أصلان بن دُلغادر"
(1)
في شهر ربيع الآخر سنة 870 هـ. ترجَمَ له. وترجَمَ لشاه بُضاغ كما تقدّم.
وبعد ذِكره تولّي "قاسم شُغَيتة"
(2)
الوزارة في شهر جمادى الآخرة 870 هـ. ترجَمَ له مع أنه تأخّر إلى ما بعد سنة 900 هـ. إذ لم يؤرّخ "السخاوي" لوفاته.
وعندما ترجَمَ لإبراهيم بن ناصر الباعوني
(3)
في وَفَيَات 875 هـ. أتى على ترجمة أبيه المتوفَّى سنة 816 هـ.
ولما ذكر خبر تولية "محيي الدين ابن بَقيّ" تدريس المالكية بالخانقاه الشيخونية في شهر شعبان سنة 873 هـ. أفرد له ترجمة
(4)
، وذكر تولّيه القضاء في سنة 886 هـ. وهو مات في سنة 895 هـ. وكان من أعظم أحباب المؤلّف وله عليه الأيادي وقد سمع الكثير من فوائده وأبحاثه لا سيما في دروس الكافِيَجي. ثم ذكر أباه
(5)
، ثم أخاه "عبد الغني"
(6)
وترجَمَ له، مع أنه توفي سنة 907 هـ.
ولما ذكر تولية "سراج الدين عمر بن أبي بكر بن محمد، المعروف بابن حُرَيز"
(7)
قضاء المالكية بمصر سنة 873 هـ. ترجَمَ له مع أنه مات سنة 892 هـ. ثم ترجَمَ لابنه الأكبر "محمد" قاضي سيوط
(8)
. وهنا أضاف المؤلّف رحمه الله بخطه على الحاشية أن السراج ابن حُرَيز مات في يوم الإثنين 13 جمادى الأولى سنة 892 وقال: "وسنذكره في تراجم السنة". وهذا يدلّ أنه كان يأمل في متابعة تاريخه.
والأمثلة على استطرادات المؤلّف كثيرة في الكتاب ذكرنا بعضها، وفي هذه الاستطرادات فوائد كثيرة لا تخفى على الباحثين، فهي أغنت معلوماتنا بأعلام تُوفّوا بعد سنة 874 هـ. ومنهم جماعة تأخّرت وفَياتهم إلى القرن العاشر الهجري فلم يذكرهم "السخاوي" في موسوعته "الضوء اللامع"، وهذه إحدى مميّزات "الروض الباسم".
ومن مميّزات هذا الكتاب أيضًا أنه يحتوي على تراجم لم يذكرها المؤلّف رحمه الله في كتابيه الآخَرَين: "نَيل الأمل" و"المجمع المفنّن".
وتمشّيًا مع أسلوبه في عرض مادّة كتابه من أنه لا يتوانى عن الترجمة للأعلام أثناء سرد الأحداث، فقد أفرد ترجمة حافلة للسلطان "الأشرف قايتباي"
(9)
بعد
(1)
الروض الباسم، 3/ 111 أ.
(2)
الروض الباسم، 3/ 114 ب، رقم 288.
(3)
الروض الباسم، 3/ رقم 290.
(4)
الروض الباسم، 3/ رقم 445.
(5)
الروض الباسم، 3/ رقم 446.
(6)
الروض الباسم، 3/ رقم 447.
(7)
الروض الباسم، 4/ 217 أ رقم 448.
(8)
الروض الباسم، 4/ 217 ب، رقم 449.
(9)
الروض الباسم، 3/ 170 ب - 174 أ/ رقم 373.
تولّيه السلطنة في شهر رجب سنة 872 هـ. مع أنه توفي أواخر سنة 901 هـ. فقد ظهر لنا أنّ مؤرّخنا "عبد الباسط" رحمه الله ما إنْ يذكر أحدهم أثناء "متجدّدات الحوادث" حتى يُظْهِر سعة اطّلاعه، وضخامة المخزون المتجمّع لديه عن ذلك الشخص، مهما كانت وظيفته أو وضعه، فينقضّ كالباشق على فريسته، ويعرّف القارئ به بترجمة مفيدة، وإن كانت في غير موضعها، وكأنه يسابق القدر، ويريد أن يُفرِغ ما في جُعبته من معلومات قبل أن يُعاجله الموت، أو يفقد ذاكرته، أو يضيّع ما علّقه في أوراقه. فهو -كما مرّ في سيرته- صاحب عِلَل وأسقام، يعتريه المرض من حين لآخر، وهو انْتَابَتْه نزعةٌ إلى التصوّف، وزهد في الكتابة، وغسل كُتُبه وأوراقه وتعاليقه، وضيّع الكثير منها، ولما عاد إلى كتابة التواريخ بعد نحو عشرين عامًا لم يكن لديه سوى الاعتماد على ذاكرته، فلم تُسعِفه إلّا بالقليل، ولولا ذلك لأَتْحَفَنا وأتْحف المكتبة بمعلومات غنيّة تفوق ما وصَلَنَا من نتاجه وعطائه.
وبما أنه كان يتقن التركية، بحكم ولادته في مدينة مَلَطْية التركية، ونشأته هناك، فقد أراد أن يُظْهر معرفته بهذه اللغة وامتلاكه لناصيتها عن طريق التعريف بأسماء الأعلام من الأتراك، والمعنى المرادف لها باللغة العربية، مثل مَن اسمه:"تَنِبَك" أو "جانَم" أو "طَيْبُغا" وغيره.
وكان له رأيه في مُجْريات الأحداث في أيامه، مُعْتَدًّا بنفسه، فهو يعلّق، ويحلّل، ويناقش، وينقُد، ويستشرف قادمات الأمور، ويتوقّعها بحَدْسه، ولا يُخْفي موقفه من بيان تغيّر أحوال بعض من كان وضيعًا لا وزْن له في المجتمع، وكيف صاروا من الأكابر ويؤخذ برأيهم وهم ليسوا أهلًا لذلك. بل يحرّكه الأمر لتفيض قريحته بأبيات من الشعر
(1)
تعبيرًا عن إحساسه بسوء الأوضاع الاجتماعية.
وهو لا يتحرّج من القول إنه لا يعرف تاريخ مولد فلان، أو أيّ شيء من أحواله، وإذا نقل معلومة عن أحدهم يصرّح باسمه، ومن ذلك قوله عندما ذكر "أحمد بن أحمد العمري المكّي": إن "السخاوي" ذكره بنحو ما ذكرناه وبه اقتدينا، ولم أقف على شيء من أحواله لأذكره
(2)
. وعندما ذكر القاضي "محمد البُصرَوي" قال: لم أقف على تاريخ مولده ولم يذكره أحد لأذكره
(3)
. ولما ذكر ترجمة "محمد بن أحمد القاهري" في وَفَيات سنة 868 هـ. قال: لا علم عندي بشيء من حاله غير ما ذكرت
(4)
.
(1)
الروض الباسم، 1/ 25 ب.
(2)
الروض الباسم، 1/ 50 أ.
(3)
الروض الباسم، 1/ 62 ب.
(4)
الروض الباسم، 2/ 71 ب.
وكان يُبدي حَيْرته عندما يسمع بتعيين أحدهم في موقع، ولا يعرف شيئًا عنه، فهو بعد أن أورد ترجمة "جانِبَك التاجي المؤيَّدي"
(1)
الذي وُلّي بيروت قال: إنه بقي متحيّرًا لا يعرف من هو كي يصل إلى هذا المنصب الجليل نيابة حلب، ولم يعرف هل وقع اسمه على مُسمّاه، مع معرفته بكثير من الأتراك وتفتيشه على تراجمهم كبارًا وصغارًا، وما عرفه في الصغار وهذا دليل على وضاعة قدْره قبل ذلك
(2)
.
وعندما ذكر قضيّة "القُطب العراقي" وحضوره من مصر إلى تونس وما جرى بينه وبين السيد الشريف البغدادي في شهر ربيع الآخر سنة 866 هـ. ذكر عنه خبرًا حصل في سنة 888 هـ. وفي آخره كتب يقول إنه ذكر القضية هنا "وهي وقعت في أزمنة مختلفة وتواريخ عدّة لتكون قصّته منتظمة مع بعضها، ولْيَحذر الناس منه -أي القُطب العراقي -لأنه كان لا يزال موجودًا"
(3)
.
وقد أشاد بعهد السلطان "الأشرف بَرْسْباي" إشادةً بالغة ووصفه بأنه كان أضخم مَن مَلَكَ من الجراكسة وأجلّ الملوك، وأيّامه كانت من غُرَر الأيام "على ما حُكي لنا ورأينا في التواريخ". ولما دخل الإسكندرية قبل رحلته المغربية رأى فيها "العزيز يوسف بن برسباي" فامتدحه وأشاد بكرمه وشهامته، وقال عنه:"إنه باستطاعته أن يُنشد ما يُتصوّر من المواليا مدّة ثلاثة أيام وأكثر"
(4)
.
وفي مقابل هذا كتب ينتقد السلطان "خُشقدم" في طمعه وجشعه، فهو بعد ذِكره خبر تقرير نيابة الكرَك، وحجوبيّة الحجّاب بدمشق ودواداريّة السلطان بها، وأتابكية طرابلس وتقدمة بها، في شهر محرّم سنة 869 هـ. كتب يقول: "ذكر بعض المؤرّخين أن جملة ما حصل للسلطان من المال في هذه التنقّلات نحو الخمسة وثلاثين ألف دينار. فلا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم، ما شاء الله كان. انظر إلى شَرَه هذا السلطان ولا عليه من كسْر الناموس، فقَلّ إنصافه وكثُر طمعه وجَمْعُه للمال من أيّ وجهٍ كان، وبالله المستعان، ومع ذلك فقد بُكي بعده على زمانه، وأقول كما قيل:
قالت الضِفدع قولًا
…
فهِمَتْه الحكماء
في فمي ماء وهل ينـ
…
ــــــــــطق من في فيه ماء؟
(5)
وفي ثنايا الأخبار يمرّر بعض الحقائق ذات المدلولات التاريخية المهمّة، فهو
(1)
الروض الباسم، 2/ رقم 220.
(2)
الروض الباسم، 2/ 83 ب.
(3)
الروض الباسم، 2/ 48 ب - 51 أ، رقم 176.
(4)
الروض الباسم، 2/ 90 ب، رقم 251.
(5)
الروض الباسم، 3/ 92 ب.
يؤكّد على أن عملية إعدام المجرمين وإجراء القَصاص بهم كانت تُوكَل إلى شخص يهوديّ ليقوم بقطع رأس المحكوم عليه بالساطور، وهذا ما حصل مع سارق الدجاجة في المركب الذي كان على متنه المؤلّف، بين رودس وتونس سنة 866 هـ. بموجب أمرٍ من القُبطان الفرنجي، وما حصل مع العبد والأَمَة اللذَين قتلا امرأة في طرابلس الغرب بغير حق، مشيرًا إلى أن ما يجري في المغرب هو "بخلاف ما يجري على يد مَن يُسمَّى بالمشاعلي في مصر"
(1)
.
وحين ذكر خبر استقرار "أحمد بن العَيني" في مقدَّمية الألوف بمصر، في شهر رمضان سنة 869 هـ. قال: هو أول ولدِ فِقْه يُقدَّم في مصر، وعدّ ذلك من النوادر، بل أول من تخلّق بأخلاق الفقهاء تقدّم بمصر، أو من الصوفية، فإنه كان من صوفية الأشرفيّة البَرسْبائيّة، وبيده غير ذلك من وظائف الفقهاء. وأضاف إنه وُلّي الأميراخورية الكبرى، ثم إمرة مجلس، بل وترسّخ لإمرة سلاح، بل وللسلطنة بعد موت خُشقدم
(2)
.
ويتابع المؤلّف رحمه الله أسلوبه في النقد اللاذع، ولا يوفّر السلاطين إذا أخطأوا، ويتجلّى ذلك واضحًا في ترجمة "محمد بن عبد الله البَبَائي القاهري"
(3)
الذي لا يُعرف له أب، وكان صبيًّا لبعض الطبّاخين، وصار وزيرًا، فقال ما نصُّه:"وهو أول زَفُوري وُلّي الوزارة فيما نعلم، وعُدّت ولايته من قبائح أفعال الظاهر خُشقدم، لرفعه مثل هذا الخسيس الوضيع إلى مثل هذا المنصب السامي الموضع، وإن كان قد بُهدل من أوائل هذا القرن، أعني الثامن، لكنْ بهدلة بحيث تصل إلى هذا الحدّ في القبح والشناعة وقلّة الحياء والمروءة، فلا. ولقد عمّت المصيبة بعد البَبَائي هذا بولاية من هو أخسّ منه وأدوَن وضاعة فلا حول ولا قوّة إلّا بالله".
وحين أورد خبر نيابة "قانباي الحَسَني" بطرابلسَ الشام في شهر ذي القعدة سنة 870 هـ. وكان أحد الأمراء الطبلخاناه بالقاهرة، ونُقل إلى منصب نيابة طرابلس دفعة واحدة من غير تقدّم ولا ترشّح ولا أهليّة، وعُدّ ذلك من النوادر، علّق المؤلف رحمه الله على ذلك بقوله: "وأُعيب على الظاهر خُشقَدم هذه الفعلة لعِظَم جلالة هذه الوظيفة، لأنه لم يُعهَد قطّ في دولة من الدول أنْ وُلّي طرابُلُسَ إلّا مقدّمين (كذا) الألوف بمصر، مع الوظائف الجليلة كالأتابكية، كما في طرابلس، ووُلّيها أيضًا من وُلّي إمرة مجلس، ومن وُلّي الأميراخورية الكبرى، ومن وُلّي
(1)
الروض الباسم، 2/ 55 أ.
(2)
الروض الباسم، 3/ 97 ب.
(3)
الروض الباسم، 3/ 106 ب، 107 أ، رقم 281.
الرأس نَوبيّة الكبرى". ويا ليت مع هذا كان قانباي هذا ممن له أهليّة من جهة أخرى، لفضيلة أو معرفة أو ذِكرٍ حسن بصيتٍ وسُمعة، أو غير ذلك مما يكون مندوحة، واستشهد المؤلّف بالحديث الشريف "إذا وُسِّد الأمر لغير أهله فانتظِروا الساعة"، معلّقًا بأسلوبه الحادّ: "على أن هذه الطائفة كلها غير أهله، لكنّ النحس في هذا أظهر وأكثر وأكبر"
(1)
.
ولم يَسْلَم السلطان "قايتباي" من انتقاد المؤلّف له، وهو سلطان عصره، ومن ذلك أنه نبّه نائب حلب في شهر جمادى الأولى سنة 871 هـ. بأن لا يمكّن أحدًا من تجار المماليك أن يدخل أراضي دولته بغرض بَيع أحدٍ من المماليك، وإذا دخل بهم عليه أن يردّه من حيث جاء، وفرح المسلمون بذلك. ولكنّ هذا التنبيه لم يُعمل به إلّا لوقت قصير، حيث دخل أحد التجار ومعه 600 من المماليك الجُلبان، واشتراهم منه السلطان نفسه
(2)
!.
ومن منهجه اللافت في عرض الحوادث الإطالة في التحليل الشخصي لقضيّة من القضايا، وكذلك التطويل في ذكر بعض الوقائع. وفي حال عدم معرفة تاريخ مولد أحدهم أو تاريخ وفاته، أو بعض المعلومات التي ندّت عنه يترك مكانها بياضًا، مقدار كلمة أو أكثر، وربّما سطر أو عدّة أسطر.
(1)
الروض الباسم، 3/ 118 أ.
(2)
الروض الباسم، 3/ 132 أ.
طريقتي في التحقيق
لما كان ما بين أيدينا من مخطوط، سواء ما نَسَخَه "ابن الشِحنة" عن نسخة المؤلّف، أو مسوَّدة المؤلف نفسه، هو الوحيد الذي وصلنا منه، ولا نعرف له نسخة أخرى في مكتبات العالم، على حدّ عِلْمنا حتى الآن، فإننا ملزَمين أن نعتبرها هي الأصل، ونتعامل معها على هذا الأساس، وعلينا أن نسلّم بصيغتها كما هي، إلّا ما شابَها من أخطاء وأغلاط فقد عملت على تصحيحها وتصويبها بشكل مباشر في متن النص، وأشرت إلى ذلك في الحواشي، وأحيانًا أبقيت على الخطأ أو الغلط كما هو في المتن، وصحّحته في الحاشية.
ولما كان المؤلّف رحمه الله قد ترك بياضًا في كثير من الصفحات، فقد نبّهت إلى ذلك بوضع قوسين متقابلين بينهما بياض على هذا الشكل (). وإذا كان النص ممسوحًا أو مطموسًا وغير مقروء أشرت إلى ذلك بوضع قوسين متقابلين وبينهما ثلاث نقاط عن كل كلمة غير مقروءة هكذا (
…
)، وإذا كان الممسوح أكثر من سطر أضع نقاطًا في سطر كامل بين قوسين ( ............... ) وأشير في الحاشية إلى عدد الأسطر الضائعة. ومثل ذلك أفعل إن ضاعت صفحة أو عدّة صفحات من المخطوط.
أمّا في حال إضافة كلمة أو عبارة من عندنا على النص فنضعها بين حاصرتين بهذا الشكل [].
وبما أن المؤلّف كتب بعض العناوين على هوامش المخطوط، وأكّد على من ينسخه الإلتزام بإثابت تلك العناوين، فقد التزمنا بذلك ووضعناها داخل المتن بين قوسين ()، أمّا العناوين التي أضفناها على النص من عندنا فوضعناها بين حاصرتين [] للتمييز بين صنعة المؤلّف وصنعتنا.
وفي حال ورود آية كريمة أضعها بين قوسين مزهرَين {} ، وأذكر بعد ذلك اسم السورة ورقم الآية.
وأحيط لفظ الحديث النبوي الشريف بهلالين صغيرين "".
وأضع أرقام صفحات المخطوط بين خطَّين متوازِيَيْن مائلين هكذا//.
وقصت بترقيم التراجم، سواء وردت ضمن متجدّدات الحوادث، أو في وَفَيَات السنة.
والتزمت بالنص كما أورده المؤلّف، رغم بعض الخلل في أسماء المترجَم لهم كما أوضحت آنفًا.
ولما كان المؤلّف يستطرد أحيانًا، في الحوادث إلى التراجم، فقد رأيت من المفيد أن أنبّه إلى ذلك بوضع دائرة سوداء (*) عند كل ترجمة ترِد في سياق النص للإفادة من ذلك لدى المهتمّين بالتراجم، وتعويض بعض الذي ضاع من المخطوط. وإذا وجدت أن عناصر الترجمة مكتملة أعطيها رقمًا متسلسلًا مع تراجم الوَفَيات إلى جانب الدائرة السوداء المشار إليها.
وكعادتي في التحقيق، قمت بتوثيق الحوادث والتراجم بعشرات المصادر، وضبطت ما يحتاج إلى ضبط، وعرّفت بكثير من الأعلام الذين يمرّ ذكرهم في سياق الحوادث أو الوَفَيَات.
وستأتي الفهارس العامّة في آخر الكتاب بإذنه تعالى.
مستميحًا كل قارئ أو مطالع كريم من وقوع أيّ خطأ أو تقصير، فقد بذلت جَهْد المُقِلّ، ولن يبلغ أحدنا مرتبة العصمة والكمال، فالكمال لله وحده.
وبعد.
فقد أنجزت هذه الدراسة صباح يوم الأربعاء العشرين من شهر رجب الفرد والخير 1432 هـ./ 22 حزيران (يونية) 2011 م، وذلك بمنزلي الكائن في شارع الراهبات، المتفرّع من صاحة السلطان الأشرف خليل بن قلاوون (النجمة سابقًا) بمدينة الرباط، وثغر الإسلام، وحصن العروبة، الفيحاء طرابلس الشام، المحروسة بعناية الله، وسائر بلاد العرب والمسلمين.
والحمد لله ربّ العالمين.
طالب العلم وخادمه
وراجي عفو ربّه
أبو غازي
عمر عبد السلام تدمري
الجمهورية اللبنانية - طرابلس - ساحة السلطان
الأشرف خليل بن قلاوون - شارع الراهبات - بناية
ندى سنتر - الطابق السابع.
هاتف وفاكس المنزل 009616629436
كتاب
الرَّوْضُ الباسم في حوادث العُمُر والتّراجِم
تأليف
زَين الدّين عبد الباسط بن خليل بن شاهين الحنفي
(844 - 920 هـ)
مصوَّر الخزانة التيموريّة بدار الكتب المصريّة
عن مخطوط مكتبة الفاتيكان بروما
تحقيق
أستاذ دكتور
عمر عبد السّلام تدمُري
الصفحة الأولى من الفهرس وعليها رقم المخطوط ورمزه في الخزانة التيمورية
الورقة الثانية من الفهرس وفيها تاريخ تصوير النسخة الأصلية من خزانة الفاتيكان برومة في سنة 1346 هـ. وملحوظات على الجزء الأول
شروحات بالإيطالية على صدر الورقة الأولى من مخطوط "الروض الباسم" - الجزء الأول، برقم 728 فاتيكان عربي
صفحة العنوان باسم "كتاب التوريخ الملوكية في الحوادث الزمانية" بخط الشيخ جمال الدين المعروف بابن الشحنة الثالث
الصفحة الأولى وفيها مقدّمة المؤلف وفي أعلاها: في معرفة شرف الدين ابن شيخ الإسلام عفا الله عنهما آمين
بداية الجزء الأول من الكتاب بمتجدِّدات سنة أربع وأربعين وثمانمائة
الصفحة (51 ب) وفي الأسفل حاشية
الصفحة (57 ب) وفيها إحدى القصائد
الصفحة (20 أ) من الترقيم الجديد وفيها بداية متجدّدات سنة ثمانٍ وأربعين وثمان ماية
الصفحة (53 أ) وفيها بداية متجدّدات سنة ست وأربعين وثمان ماية
الصفحة (42 ب) من الترقيم الجديد وفيها بداية متجدّدات سنة خمسين وثمان ماية
الصفحة (43 أ) من الترقيم الجديد وفيها آثار الرطوبة
الصفحة (46 أ) من الترقيم الجديد وفيها ذِكر نُبَذ من تراجم الأعيان ووفياتهم في هذا الزمان سنة 850
الصفحة (47 ب) من الترقيم الجديد وفيها آثار الرطوبة
الصفحة الأخيرة من الجزء من "الروض الباسم" وهي تحمل شعار مكتبة الفاتيكان ورقم النسخة 728 فن عربي
/2/ الروض الباسم في حوادث العمر والتراجم
للشيخ عبد الباسط بن خليل الحنفي
هذا كتاب
التوريخ الملوكيّة في الحوادث الزمانيّة
بخطّ الشيخ
جمال الدين المعروف بابن الشِحْنَة
الثالث
تأليف
الإمام عبد الباسط المشهور بالحنفي
المؤرّخ
مصوَّر بدار الكتب المصرية - الخزانة التيمورية
رقم 2403 تاريخ
عن المخطوط المحفوظ بمكتبة الفاتيكان برقَمَي
728 و 729
(الجزء الأول)
(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
لا إله إلّا الله عدّة للقائه محمد رسول الله سيّد أصفيائه
قال مسطّره الفقير إلى الله تعالى الحفي، عبد الباسط بن خليل الحنفي، غفر الله تعالى له ذنوبه، وستر عليه عيوبه، وعفا
(2)
عنه وعن والديه، ومشايخه والمسلمين، ومن أحسن إليه.
أمّا بعد حمد الله تعالى مُحْدِث الكلّ وما يُحدثون من الأفعال، ومُمِيتُهم بعد ذلك عند انقضاء الآجال. وجاعل آثارهم وأخبارهم عبرةً من بعدهم لمن اعتبر، وتذكرةً لمن تفكّر وأبصر في حال من غَبَر.
والصلاة والسلام على مولانا وسيّدنا محمد صاحب الطريقة التي هي أحمد الطرائق، وعلى آله وأصحابه السادة القادة الأئمّة الأعلام الشواهق.
هذا تعليق، جمعْتُه في التاريخ أنيق، وابتدأت فيه من مولدي الذي هو سنة أربع وأربعين وثمانماية ليكون أعْوَن في الحوادث المتجدّدات والوَفَيات على التحقيق. أذكر فيه غُرَر المتجدّدات اليوميّة، ومشتهر الحوادث العصريّة، ونُبَذًا من
(1)
كتب في أعلى الورقة بالزاوية اليمنى، بخط مختلف، ما يلي:"في نوبة شرف الدين ابن شيخ الإسلام عفا الله عنه آمين".
أقول: هذه العبارة بحرفيّتها نجدها في أول الصفحة 4 ب من الجزء 3 من كتاب "حوادث الزمان ووفيات الشيوخ والأقران" لابن الحمصي. المخطوط بمكتبة سوهاج بمصر، رقم 439، انظر ج 3 ص 30 من المطبوع بتحقيقنا، الصادر عن المكتبة العصرية 1419 هـ/ 1999 م. ونرجّح أنه:"أبو زكريا، يحيى بن زكريّا الأنصاري الشافعي" الناظر في الأحكام الشرعية بالديار المصرية وسائر الممالك الشريفة الإسلامية، قاضي القضاة الشافعي. وقد ورد اسمه مع ألقابه في وثيقة "إذْن بتعلية بناء بظاهر القاهرة بسُويقة عبد المنعم، مؤرّخة في 24 صفر 902 هـ." باسم "أنسباي بن عبد الله من بيبرس الناصري". انظر: مداخلات في عِلم الدبلوماتيك العربي - د. جمال الخولي - الإسكندرية، دار الثقافة العلمية (ط 2) 2000 م.- ص 191 و 193 و 205، ولم يُعثر على ترجمة لقاضي القضاة يحيى الأنصاري. وإنما نعرف أن والده قاضي القضاة، شيخ مشايخ الإسلام، زين الدين، زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريّا الأنصاري الشافعي، توفي بمصر في سنة 927 هـ.
(2)
في الأصل: "وعفى".
تَراجم ووَفَيات جماعة من الأعيان، من أهل هذا العصر على جهة الكشف والبيان. وربّما ترجمت جماعة من موجودي الأعيان بمناسبةٍ أو استطراب في ترجمة أو محلّ ولاية، أو في غير ذلك من المحالّ، من غير إغفالٍ ولا إهمال. وكتبت بالحُمرة على هامش هذا التعليق ما يرشد إلى المقاصد من بعض التراجم أو الواقعات، ليكون ذلك سهلًا على الوقوف عليها لمن طلب معرفة تلك الحالات. وقد أشرت لناسخ هذا الكتاب أن لا يُسقِط ذلك من الهوامش ليسْهُل التطلاب، وقد يحسُن ويصلح أن يكون تاريخنا هذا ذيلًا على عدّة من التواريخ المعتبرة المشتهرة، للسادة الأئمّة المَهَرَة. كتاريخَي قاضي القضاة البدر العَيْني
(1)
، طيّب الله ثراه، وجعل الجنّة مأواه وقِراه. وتاريخ شيخ الإسلام حافظ العصر ابن
(2)
حجر
(3)
، تغمّده الله برحمته ولضريحه نوّر. وتاريخ التقيّ المقريزي
(4)
رحمه الله ترجمة بَمُنَاها، وغير ذلك من التواريخ التي بمعناها. وإنْ داخَلَها في بعض السنين الماضية، فيحسُن ذيلًا من حيث السنين الآتية، عقب سِنِيّ التواريخ المذكورة بعد التداخل، على أنّ بها من الزيادة ما يصلُح أن يكون ذيلًا لتلك السنين المتداخلة فتمّ التذايل.
ولما كمُل هذا الترتيب وتمّ، وفاح شذا عَرْفه وعَمّ، سمَّيته:"الروض الباسم في حوادث العمر والتراجم"، وتوخّيت فيه ما ثبُت عندي من نقل السادة المعتَمَدين الأخيار، أو شاهدته عيانًا أو مستفيضًا يقينًا من الأخبار. ومن الله سبحانه أستمدّ المعونة والتوفيق، وأسأله تعالى الهداية للنطق بما يليق. والإبعاد عن الإنجاسْ، وهضم الناس والإرشاد لإعطاء كل ذي حقّ حقّه من غير تعصّب ولا اختلاس، وأن يجعل رجانا للواقف عليه على فِعل ما يُحمَد، وملازمة شُهرة يُذكر بها ويرشد. ومُبعدًا عن رذايل ذوي السِيَر الذميمة، هذا مقصدي ولم أقصد الغِيبة ولا النميمة. والله سبحانه بذلك هو الكفيل، وهو حسبي ونِعم الوكيل.
(1)
هو كتاب "عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
هو كتاب "إنباء الغُمر في أنباء العُمر".
(4)
هو كتاب "السلوك لمعرفة دول الملوك".
سنة أربع وأربعين وثمانمائة
[خلافة المسلمين]
استهلّت هذه السنة وخليفة الإسلام بمصر عبد الله وولّيه، الإمام الأعظم، والخليفة المكرم، أمير المؤمنين، المعتضد بالله، أبو الفتح، داود
(1)
بن أمير المؤمنين المتوكل على الله أبي عبد الله محمد بن أمير المؤمنين المستكفي بالله أبي الربيع سليمان الهاشمي، العباسي، المصري. وسيأتي بقيّة نسبه الشريف عند ذكر ترجمته من هذا التعليق إن شاء الله تعالى.
ودعاؤه بأمير المؤمنين نازَعَه فيه الإمامُ الزَيديُّ الحَسَنيّ، صاحبُ اليمن من نواحي الجبال، كَصعْدَة وصنعاء وغيرهما.
ونازعه فيه أيضًا الحفاصةُ
(2)
ملوكُ تونس المغرب، فإنهم أيضًا يلقّبون بنحو ألقاب بني العبّاس، ويُدْعَى الواحد منهم بأمير المؤمنين.
"سمعت الخطيب بتونس في أول جمعة دخلتها في شهر ذي القعدة سنة سبع وستين، وهو الشيخ أبو العباس المُسْراتي
(3)
، خطيب الجامع الأعظم بها، واسمه أحمد
(4)
، ويُعرف الجامع بجامع الزيتونة، وهو يقول حين الدعاء في خطبته لصاحبها عثمان
(5)
: "اللَّهمّ وارْضَ عن سيّدنا ومولانا الخليفة الإمام"، ثم أخذ يذكر ألقابًا ونُعوتًا كثيرة، إلى أن قال:"أمير المؤمنين".
ثم رأيت غالبًا خطباء تونس، وسمعتهم بعد ذلك بنحو ما سمعته من المُسْراتي المذكور. وكذا تصدر المكاتبات عنه مُعَنْوَنةَ بأمير المؤمنين المتوكّل على الله، ومع ذلك فإنّ السمع يَنْبو عن سماع مثل ذلك في حقّ غير بني العباس،
(1)
ستأتي ترجمته في وفيات 845 هـ.
(2)
المراد: الحفصيّون.
(3)
المُسراتي = المُصراتي، مدينة على ساحل ليبيا، بالقرب من طرابلس الغرب.
(4)
توفي أحمد المسراتي سنة 878 هـ. (نيل الأمل 7/ 90، 91 رقم 2942) وفيه: "المراتي" وهو غلط.
(5)
انظر ترجمته بعد قليل، رقم 1.
والطبع ينفرد عن دعاء غيرهم ممن بعدهم به، فإنهم الجديرون بهذه الدعاية، الخليقون لها، لإمامتهم العظمى المتَّفَق عليها، الشاهد بصحَّتها الحديث الشريف النبويّ، وأظنّ أنه لم ينازع غيرُ ذي الإثنين لبني العباس في هذه الدعاية فيما أعلم.
سلطان مصر والشام والحجاز وما والَى ذلك من الممالك في هذه السنة
السلطان الملك الظاهر، أبو سعيد، محمد جقمق. هكذا أمر أن يُكتب عنه في بعض الأماكن. وسبب ذلك أنه لما تسلطن سفى نفسه محمدًا، وأراد أن يُبطل اسم جقمق بالكفية، فقيل له في ذلك، وأُوهم بأنه متى فعل ذلك ظنّ الظانّ، ولا سيّما النائي، أنّ هذا المسمَّى بهذا الاسم ليس من الأتراك، وأنّ جقمق لم يتسلطن، فيطمع الطامع لعدم شوكة السلطان المسمَّى بهذا الاسم، وشهرة شوكة الأتراك، فتوقّف عن ذلك بعد أن كان قصده أن يدوم مُسمًّى بهذا الاسم، وأن تصدر المكاتبات عنه به، وأن ينقش على سكّة الدرهم والدينار، وأن يكون مثبتًا على جميع تعلّقات السلطنة من الطُرُز [و] الرُنُوك والداغات
(1)
وغير ذلك، ففتر عزمه بعد ذلك.
ذكر لي هذا من لفظه الوالد رحمه الله وذكر لي اسمَ الذي أوهمه ورجّعه عن ذلك، ولا حاجة لنا بذكره صريحًا، فإنه من الأقباط. إذ ربّما يظنّ الظانّ أنه مائل إلى دين آبائه الأوُل، فيكون ذلك كالأذى في حقّه، حيث كان سببًا على أنّ الظاهر لو فعل ذلك لمضى ونُسي، ولم يكن شيئًا مما اختُشي، ولا مما وهِم به ببركة مسمّاه عليه الصلاة والسلام. لكنّ الأمور بيد الله تعالى.
فجعل جقمق بعد ذلك اسمه بالقاهرة مركّبا من محمد وجقمق، وكتب ذلك بالقاهرة على بعض طُرُز الحوايط والرُنُوك بالقلعة وغيرها، وعلى أبواب بعض المساجد والجوامع والمدارس.
ثم رأيته على المِنبر الذي أنشأه الظاهر هذا محرّرًا له بمدرسة أستاذه الظاهر برقوق، وكذا على باب المدرسة التي أنشأها الجمال ابن
(2)
كاتب جَكَم ناظر الخاص باسم الظاهر هذا التي هي بقرب الأبو بكريّة بالقرب من سوق الرقيق. ورأيته أيضًا بجامع زين الدين الأستادّار ببولاق، وبمحالّ أُخر.
(1)
يُقصد بها الأختام.
(2)
في الأصل: "بن".
[سلطان اليمن]
وكان سلطان اليمن من نواحي الجبال كصعْدة وصنعاء وغيرهما الإمام الحَسَني الزَّيدي صلاح بن محمد بن علي بن القاسم، الملقّب بالمهدي، أحد الأشراف الذين ليسوا من الأئمّة المتسلطنين بها قبل ذلك، بل أخذ يملك، ودُعي بأمير المؤمنين على زعمهم، ولم يكن وُلّي قبل ذلك من آبائه وجدوده سلطنة هذه البلاد. ولعلّ تأتي ترجمته إن شاء اللَّه تعالى.
وكان سلطان اليمن من نواحي تِهامَة
(1)
الملك الأشرف إسماعيل
(2)
بن الظاهر هِزَبْر الدين، عبد اللَّه بن الأشرف إسماعيل بن علي بن داود بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول اللَّه، كما في الأصل اليمني. وسيأتي إن شاء اللَّه تعالى إن أمكننا ذلك.
[سلطان العجم]
وكان سلطان العجم بأرض فارس وما وراء النهر مثل بُخارَى وسمرقند وغيرها، بل والبلاد الشرقية غالبها القان الأعظم والخاقان المفخّم، معين الدين شاه رُخ
(3)
بن القان تمر المعروف باللنْك، المدعو هناك بكدركان، ومعناه الصِهْر، فإنه كان صاهر ملك التتار محمود الذي هو من ذرّية جنكز خان، بل وتوزَّر له وأخذه معه، فكان في قبضته على ما هو معروف في ترجمته وسيرته. وسيأتي التعريف بشاه رُخ ومن ولي من بعده إلى يومنا هذا الذي جمعنا فيه هذا التعليق إن شاء الله تعالى.
(1)
تِهامة: بكسر أولها. من اليمن تساير البحر إلى الحجاز.
(2)
توفي سنة 842 هـ، انظر عنه في نيل الأمل 5/ 66، 67 رقم 1920 وفيه حشدنا مصادر ترجمته: السلوك ج 4 ق 3 - 1153، 1154، وإنباء الغمر 4/ 123 رقم 2، والنجوم الزاهرة 15/ 474، والمنهل الصافي 7/ 80 رقم 1317، والدليل الشافي 1/ 383 رقم 1314، والضوء اللامع 5/ 14 رقم 222 و 10/ 222 رقم 954 باسم (يحيى)، ووجيز الكلام 2/ 566 رقم 1306، ونزهة النفوس 4/ 135 رقم 795، وبدائع الزهور 2/ 206.
(3)
(توفي (شاه رخ) سنة 851 هـ.) انظر عنه في: نيل الأمل 5/ 245 رقم 2129، ووجيز الكلام 2/ 619 رقم 1419، والضوء اللامع 3/ 292 رقم 1119 وص 297، 298 رقم 1145، والمنهل الصافي 6/ 99 - 203 رقم 1174، والدليل الشافي 1/ 340 رقم 1171 ونظم العقيان 118 رقم 90، وحوادث الزمان 1/ 83 رقم 7، والتاريخ الغياثي 216 - 220، ولُبّ التواريخ، ليحيى بن عبد اللطيف القزويني، طبعة يمني 1314 هـ. - ص 189 - 191، وبدائع الزهور
2/ 261، وشذرات الذهب 7/ 269، والبدر الطالع 1/ 271 رقم 191.
[سلطان الروم]
وكان سلطان الروم صاحب بُرْصا من هذا البرّ، وأدِرنا فمن ذاك البرّ، الفاصل بينهما البحر الرومي وما والى ذَين البلدين بالبرَّين من البلاد، السلطان مراد بك
(1)
بن أبو يزيد بن عثمان. وسيأتي تمام نسبه والتعريف به في ترجمته إن شاء اللَّه تعالى.
[سلطان قرمان]
وكان سلطان الروم الأدنى من البلاد المعروفة الآن بقَرَمان السلطان إبراهيم بن محمد بن قَرَمان
(2)
. وستأتي ترجمته في محلّها إن شاء اللَّه تعالى.
(ترجمة عثمان صاحب تونس)
(3)
1 -
وكان سلطان المغرب الأدنى، تونس وما والاها من أعمال إفريقية السلطان أبو عَمرو
(4)
. ومنهم من قال: أبو سعيد عثمان
(5)
بن محمد بن عبد العزيز أبو فارس بن أبي
(6)
العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر بن يحيى بن إبراهيم بن يحيى بن عبد الواحد بن أبي
(7)
حفص عمر الهَنتاتي
(8)
قبيلة من البربر الحَفْصي، نسبة إلى أبي حفص عمر هذا، آخر الجدود، وهو الذي يقال له إثبات أحد العشرة من أصحاب محمد بن تومرت المعروف بالمهتدي وهو إلى
(1)
توفي السلطان (مراد بن عثمان) سنة 855 هـ. انظر عنه في: أخبار الدول، للقرماني 3/ 27، وحوادث الدهور 2/ 346، 347 رقم 5، والمنهل الصافي 11/ 233، 234 رقم 2508، والدليل الشافي 2/ 731 رقم 2499، والنجوم الزاهرة 16/ 2، 3، والتبر المسبوك 380، والضوء اللامع 10/ 152 رقم 604، ووجيز الكلام 2/ 163 رقم 1524، ونظم العقيان 175 رقم 191، وحوادث الزمان 1/ 101 رقم 44، وبدائع الزهور 2/ 604، ونيل الأمل 6/ 193.
(2)
توفي ابن قرمان سنة 868 هـ. وستأتي مصادر ترجمته هناك.
(3)
العنوان على هامش المخطوط.
(4)
ويقال: "أبو عمر".
(5)
توفي السلطان عثمان سنة 893 هـ. انظر عنه في: وجيز الكلام 3/ 1037 و 1061، 1062 رقم 2278، والضوء اللامع 5/ 138، 139 رقم 479، ونيل الأمل 8/ 122 رقم 3488، وبدائع الزهور 3/ 256، وشذرات الذهب 7/ 354، وموسوعة دول العالم الإسلامي ورجالها، للدكتور شاكر مصطفى 2/ 1257.
(6)
في الأصل: "أبي".
(7)
في الأصل: "أبي".
(8)
الهَنْتاتي: بفتح الهاء ثم نون، بعدها مثنّاة ثم مثلها بعد ألِف، قبيلة من البربر.
عبد المؤمن أعني عمر هذا القائم عبد المؤمن وهو وغيرهما بدعوة المهدي هذا بالمغرب على ما عُرف في محلّه من التواريخ.
وكذب من زعم أنهم من ذرّية عمر بن الخطّاب، بل هم من برابرة المَصَامِدة، وإنّما سُقنا نسب عثمان هذا هاهنا لأنه موجود الآن في زمننا هذا الذي علّقنا فيه هذا التعليق فلْنُتَرجِمْه:
هو عثمان، ونسبُه قد عرفتَه، الملقّب بالمتوكّل على اللَّه.
وُلد تقريباً في سنة أربع وعشرين وثماني ميّة بمدينة تونس، وبها نشأ في كنَف أبيه وجدّه.
وقرأ القرآن وشيئاً من العلم. ويقال: إنّ جدّه أبا فارس كان يتوسّم فيه النجابة، وإنه صرّح مرة بأنّ الأمر سيصير إليه، فلما مات جدّه أبو فارس
(1)
تسلطن ولد ولده محمد المنتصر، وكان متمرّضاً، ولم يتهنّ بالمُلك، فلما تمّ أمره، وكان سِنّه إذ ذاك أربعة
(2)
عشرة سنة أو فوقها بيسير دفن أخاه وكان شقيقه، ثم قتل الهلالي القائد
(3)
، وفتك بجماعة من أقاربه الحفاصة، فأخذ السلطنة، وحاربه عمّه أبو الحسن صاحب بجّاية
(4)
وظفر به، وتمهّدت له الأمور، وطالت أيامه، فإنه ولي ملْك تونس في سنة تسع وثلاثين، فله بها الآن خمسون سنة، ودانت له البلاد والعباد، وضخم ملكه جدّاً، وجمع من الأموال ما شاء اللَّه أن يجمع، واقتنى من كل شيء حسن، وابتنا
(5)
الأبنية الهايلة كباورق (؟) وغيره، وأنشأ الخزانة الشرقية بجامع الزيتونة ووقف بها الكتب النفيسة برسم مطالعة الطلبة، وبعُد صيته، وطارت شُهرته، وهادته ملوك تلك الأقطار، وكذا ملوك الفرنج، وخُطب له بالجزاير وتلمسان.
وجرى له مع صاحب تلمسان محمد بن أبي
(6)
ثابت العبد الوادي أمور (
…
)
(7)
غير مرة، وتملّك تلمسان وصالح صاحبها ثم نقض محمد المذكور الصلح. وسيأتي بيان ذلك في متجدّدات سنة سبع وستين إن شاء الله، وكذا في متجدّدات ما بعد ذلك في سنة سبعين أو أحد
(8)
وسبعين.
(1)
موسوعة دولة العالم الإسلامي 2/ 1257 وهو مات سنة 796 هـ.
(2)
الصواب: "أربع".
(3)
السلوك ج 4 ق 2/ 982، نيل الأمل 4/ 388 رقم 1829، تاريخ الدولتين الموحّدية والحفصية 132 و 135 و 137.
(4)
نيل الأمل 4/ 388، تاريخ الدولتين الموحّدية والحفصية 137 و 139 و 145، 146.
(5)
هكذا في الأصل. والصواب: "وابتنى".
(6)
في الأصل: "أبو".
(7)
كلمة تقرأ: "غنية".
(8)
الصواب: "إحدى".
وقد رأيت (عثمان ( ............. )
(1)
مراراً ذا شهامة ومهابة وحُسن سمْت وسكون ووقار، وغالب رعيّته عنه راضون، وأكثرهم له راعون، قليل الظلم الفاحش بالنسبة لكثير من الملوك، له فضل وبِرّ ومعروف وتديّن وصيام وقيام وسياسة وعدل غالب، ومحبّة في أهل العلم والصلاح، كثير الاعتقاد لأهل الصلاح والخير، مُحِبّ في الفضائل، متجنّب عن الرذايل، ويُعاب بشرهه في المال وببعض بخل وجمع للمال وحبّه، وخفض قوّاد بلاده ورضاه بظلمهم للرعية، وأخْذ ما يُجبى من ذلّك. وله عدّة أولاد ذكور فوق العشرة، وله عدّة أحفاد بأيديهم الممالك والبلاد.
(المسعود ابن
(2)
صاحب تونس)
(3)
2 -
ومن أجلّ أولاده كبيرهم محمد المسعود باللَّه
(4)
وليّ عهده من بعده.
وُلد على ما يقال في يوم سلطنة أبيه أو بعدها بيسير، ولهذا لقّبه المسعود، وهو من أعيان الملوك ورؤسائهم، مُحبّ لأهل الفضائل، وله فضل وعلم ومعرفة تامّة، وبرّ وخير ومعروف، وصلة وشهامة وصرامة، بيده حلُّ مِلْك أبيه وعقْده، لمحبّة أبيه
(5)
إيّاه. وله عدّة أولاد. ومن أولاد [هـ] الملوك الذين بيدهم المدن كقُسطَنْطِينة
(6)
وغيرها، واقتنى الأشياء الحسنة من كل شيء من التُحَف والطُرَف، وله مَيْل لنوع الأدب والشعر، وقصده الشعراء ومدحوه.
رأيته وحضرت مجلسه مراراً، وأكرمني وأجازني واحترمني، ورفع محلّي في مجلسه.
وكنت قد نظمت له ذَين البيتين وأنشدتهما بين يديه:
ألا يا آلَ حفصٍ يا ملوكا
…
ويا دُرَراً بهم نُظِمت ملوك
ألا فُقْتُم ملوك الأرض طُرّاً
…
فما من بعدكم أحد مليك
فأعجباه إلى الغاية وأثنى. ثم نظمت له شيئاً غير ذلك
(7)
.
وبالجملة فالمسعود هذا من نُجَباء الملوك، وله كرم وسخاء نفس وجُود
(1)
كلمتان طُمستا بالمِداد.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
العنوان على هامش الصفحة.
(4)
مات المسعود باللَّه في سنة 893 هـ. انظر: نيل الأمل 8/ 112 رقم 3476.
(5)
في الأصل: "أباه".
(6)
هكذا في الأصل، وهي "قسنطينة" بطاء واحدة.
(7)
انظر حوادث سنة 867 هـ. في الجزء 2/ ورقة 52 أ.
ومحبّة في الخير والبرّ والمعروف، ويُعاب بمَيْله للشُرب واللهو.
يقال إن والده قدم إليه في سنة ست وسبعين بأنه إنْ لم ينته عن ذلك أخرجه عن ولاية عهده، فيقال إنه تاب عن الشُّرب، وإنّ أباه أبعد عنه من كان يعاشره على ذلك، واللَّه أعلم بالأحوال.
[أبو فارس صاحب بجّاية]
* ومن أولاد عثمان هذا أيضاً أبو فارس عبد العزيز صاحب بجّاية، من الملوك الأجلّاء، ذو
(1)
سمْت حسن وتؤدة، وحُسن سياسة. وهو بعد المسعود في السنّ.
[أبو بكر صاحب طرابلس]
* ومنهم أبو بكر أيضاً صاحب طرابلس، شابّ مشكور السيرة على ما بَلَغَنا عنه.
وله أولاد أُخَر وأحفاد، ولبعض أحفاده أولاد.
[المملكة الحفصيّة]
ومملكة عثمان هذا متّسعة معظَّمة، وهي أعظم ممالك الغرب في عصرنا هذا. وطول هذه المملكة فوق الشهرين، وبصاعده مدن هي قواعد، بل ممالك: مُسْراتة، وغرْيان، وطرابُلُس، وقابس، والقَيروان، وصفاقِص، وموشا، والمَهْديّة، وبنْزَرْت، وباجه، وبلد العنّاب، وبجّاية، وقُسُنْطينة، والحامة، وقفْصة، ونقرب، ونفطه، وبِسْكَرَة، والجرايد، وغير ذلك من البلاد.
ومعدن المُرجان في مملكته، ومنه يُجلب في سائر البلاد، ويحكم على بعض بلاد الصحارى كَفَزّان ونحوها.
وبالجملة فهو من أجلّ الملوك، ومملكته من أجلّ الممالك التي بها العدل الظاهر وقيام ناموس الشرع، وعدم الفِتَن، وقلّة الهَرَج والمَرَج في كثير من الأشياء، لا سيَما القُضاة والشهود والأئمّة، فلا تخليط ببلاده في مثل هذه الأمور، جزاه اللَّه تعالى خيراً وأبقاه للمسلمين.
[سلطان تِلِمْسان]
وكان سلطان المغرب الأوسط تِلِمْسان وما والاها في هذه السنة السلطان أبو العباس أحمد بن أبي
(2)
حمّو موسى ابن
(3)
عبد الواحد العبد الوادي.
(1)
في الأصل: "ذا".
(2)
في الأصل: "أبو".
(3)
في الأصل: "بن".
وعبد الواحد هو جدّه الأعلى بعد عدّة أجداد، وسيأتي بيانهم. وهو الملقّب بالمعتصم باللَّه، ويُدعى بأمير المسلمين. وستأتي ترجمته بعد الستين والثمانمائة إن شاء اللَّه تعالى.
[سلطان المغرب الأقصى]
وكان سلطان المغرب الأقصى ببر العدوة - أعني مملكة فاس وما والاها في هذه السنة: عبد الحق بن محمد بن عثمان بن مَرِين المريني، ومرين جدّه الأعلى بعد عدّة أجداد. وستأتي ترجمته أيضاً في محلّها إن شاء اللّه تعالى، ويُدعى بأمير المسلمين أيضاً.
[سلطان الأندلس]
وكان سلطان المغرب الأقصى ببرّ الأندلس غَرناطة وما والاها من بلاد الإسلام في هذه السنة أبو
(1)
عبد اللَّه محمد بن ()
(2)
بن نصر الخزرجي، الأنصاري، الأرجوني. ونصر هو المعروف بابن الأحمر، وهو - أعني نصر - جدّه الأعلى بعد عدّة جدود، وسيأتي بيان ذلك. وتلقّب بالغالب باللَّه، ويُدعى أيضاً بأمير المسلمين. وعلى كل حال فهو تأدّب مع الخليفة العباسي، وهو أقلّ رتبة في الاصطلاح من أمير المؤمنين وأخفض درجة.
[سلطان أذَزبَيْجان]
وكان سلطان أذَرْبَيجان تبريز وما والاها من العراق - أعني عراق العجم -، وكذا سلطان عراق العرب أيضاً بغداد وما والاها في هذه السنة جهان شاه بن قَرا يوسُف بن بيرم خُجا التركماني، وستأتي ترجمته في محلّها إن شاء اللَّه تعالى.
[صاحب هُرْمُز]
وكان صاحب هُرْمُز وما والاها في هذه السنة توران شاه بن بَهْمَن شاه بن توران شاه.
[صاحب اَمِد]
وكان صاحب آمِد، وماردِين، وما والاهما من ديار بكر بن ربيعة حمزة بن قرايُلُك، وستأتي ترجمته.
(1)
في الأصل: "أبي".
(2)
بياض مقدار كلمة.
[صاحب حصن كَيْفا]
وكان صاحب الحصن الملك الكامل خليل بن الأشرف أحمد بن العادل سليمان الأيّوبي، وسيأتي الكلام عليه في ترجمته.
[صاحب مكة]
وكان صاحب مكة وأميرها في هذه السنة السيد الشريف بركات بن حسن بن عجلان الحَسَني، وسيأتي بقيّة نسبه وترجمته.
[أمير المدينة]
وكان أمير المدينة الشريفة، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، في هذه السنة السيد الشريف سليمان بن غُرَير، بالغين المعجَمَة مصغّراً، وسيأتي فيما بعد إن شاء اللَّه تعالى.
[الأمراء بمصر]
وكان الأمراء بمصر من الأكابر الأعيان، مَن سنذكر:
- الأمير الكبير أتابَك العساكر الأمير يشبُك النَوروزي، المعروف بالمشدّ.
- أمير سلاح تمراز القَرمَشي.
- أمير مجلس الأمير جَرِباش الكريمي، المعروف بقاشُق.
- أمير اخور كبير الأمير قراقجا الحَسَني.
- رأس نَوبة النُّوَب تمِر باي التمربُغاوي.
- الدوادار الكبير تغري بَردي البَكلمشي، المعروف بالمؤذي.
- حاجب الحجّاب تَنِبَك البردُبكي الذي وُلّي الأتابكيّة فيما بعد كما سيأتي.
ومقدَّمو
(1)
الألوف جماعة من أعيانهم.
- المقام الناصري الأمير ناصر الدين محمد ابن
(2)
السلطان الظاهر جقمق.
- والأمير إينال العلائي المعروف بالأجرود الذي ولي السلطنة فيما بعد ولُقّب بالأشرف، كما سيأتي في محلّه.
- والأمير شادبَك الجَكَمي.
- والأمير الطُنْبُغا المرقَبَي، وغيرهم من الأمراء.
وأمّا الطبْلخانات وأرباب الوظائف منهم والعشرات وأرباب الوظائف منهم أيضاً لا حاجة لنا بذِكرهم.
(1)
في الأصل: "مقدّمي".
(2)
في الأصل: "بن".
وأمّا أرباب الأقلام والمباشرون بها ممّن سنذكرهم:
- كاتب السرّ، ويقال: كاتم السرّ، وناظر ديوان الإنشاء أيضاً، فكان: المَقَرّ الكمالي، الزيني الأعظمي القاضي كمال الدين محمد بن البارزي.
- ناظر الجيش المقرّ المحبّي، القاضي محبّ الدين محمد ابن الأشقر شيخ الشيوخ.
- ناظر الخاص المَقَرّ الجمالي جمال الدين يوسف ابن
(1)
كاتب جَكَم الذي عظُم بعد ذلك إلى أن صار عظيم الدولة، بل ومدبّر المملكة، لا سيما في دولة الأشرف إينال كما سيجيء ذلك في محلّه إن شاء اللَّه تعالى.
- الوزير المَقَرّ الكريمي كريم الدين ابن
(2)
كاتب المناخ.
- الأستادّار الأمير ناصر الدين محمد بن أبي الفَرَج الذي مات عن نقابة الجيش فيما بعد على ما سيأتي بيان ذلك في محلّه.
وسيأتي تراجم غالب من ذكرنا أيضاً في محالّها إن شاء اللَّه تعالى. وأمّا غير هؤلاء من المباشرين وأرباب الأقلام فكثيرون جدّاً، ككاتب المماليك، وناظر الإسطبل، وناظر الذخيرة والدولة والفرد، وغير ذلك، ولا حاجة لنا بذكرهم.
[قضاة القُضاة]
وأمّا أرباب الوظائف الدينية قُضاة القُضاة الأربع
(3)
ممّن سنذكرهم:
- الشافعي، شيخ الإسلام، حافظ العصر، الشيخ شهاب الدين، أبو الفضل، أحمد بن حجر العسقلاني.
- الحنفي، شيخ الإسلام، سلطان الفقهاء الأعلام، الشيخ سعد الدين، أبو السعادات، سعد ابن شيخ الإسلام، قاضي القضاة، شمس الدين، محمد بن الدَّيري، المقدسي.
- المالكي، قاضي القضاة، الشيخ بدر الدين، محمد بن أحمد التنّيسي.
- الحنبلي، شيخ الإسلام، القاضي محبّ الدين، أحمد بن نصر اللَّه البغدادي، التُسْتَري.
وسيأتي
(4)
تراجمهم في محالّها إن شاء اللَّه تعالى.
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
الصواب: "الأربعة".
(4)
الصواب: "وستأتي".
[كُفّال الممالك الشاميّة]
وأمّا كُفّال الممالك ملوك الأمراء بالبلاد الشاميّة والشمالية ممّن سنذكر:
- نائب الشام: الأمير جُلُبّان المعروف قديماً بأمير اخور.
- نائب حلب: الأمير قانِباي الحمزاوي الذي وُلّي نيابة الشام فيما بعد ذلك.
- نائب طرابُلُس: بَرْسْباي الناصري الذي وُلّي حلب فيما بعد.
- نائب حماة: بُرْدُبَك العجمي.
- نائب صفد: قانِباي البَهلوان الذي وُلّي حلب فيما بعد.
- نائب غزّة: طوخ الأبو بكري المؤيَّدي.
- نائب الكَرَك: الأمير مازي الظاهري
(1)
.
- نائب مَلَطْية: الأمير الصاحب غرس الدين خليل الأشرفي والد مسطِّر هذا التعليق.
فهؤلاء هم ملوك الأمراء وكُفّال الممالك الإسلاميّة، ومَن عداهم لا يُدعى يملك الأمراء ولا كافل المملكة الفلانية، بل يقال لهم نوّاب البلاد مثل:
نائب القدس - نائب حمص - نائب بَعْلَبَكّ - نائب سيس - نائب طَرَسوس - نائب عينتاب، إلى غير ذلك من النوّاب، ولا حاجة لنا بذِكر هؤلاء، فإنهم من صغار الأمراء ومن الأجناد، فلا طائل تحت ذِكرهم، فإنهم لا ممالك ولا معاملات من تحت أيديهم بخلاف الأُوَل.
[كاشف الكُشّاف]
وأمّا تسمية كاشف الكُشّاف كاشف الوجه القِبلي يملك الأمراء، فكان على مُسَمّاه في الزمن الأول. حيث كانت الكُشّاف تتولّى عنه بخلاف هذه الأزمنة، فإنه يُعاب على من نسمّيه يملك الأمراء وندعوه بذلك.
[نائب الإسكندرية]
وأمّا نائب ثغر الإسكندرية فيُدعى يملك الأمراء أيضاً والكافل، وهما لم نذكره مع أولئك لانفراده عنهم بهذه البلاد. وهو الآن - أعني نائب الإسكندرية - في هذه السنة الأمير أسَنْبُغا الطيّاري الذي صار رأس نَوْبة النُّوَب فيما بعد.
وستأتي تراجم جميع من ذكرناهم هاهنا من الملوك والأمراء وغيرهم إن شاء اللَّه تعالى، وهو حسْبُنا وكافينا، وعليه توكّلنا.
(1)
قارن بما في السلوك ج 4 ق 3/ 1999، 1200.
ذِكر نُبَذٍ
(1)
من المتجدّدات اليوميّة في هذه السنة القمريّة سنة
844
كان أول هذه السنة يوم الخميس، وكان الثامن من بَؤونة
(2)
من شهور القبط، والرابع من حزيران من شهور الروم، والرابع أيضاً من يونية من شهور الفُرس.
[شهر المحرَّم]
تهنئة السلطان بالعام والشهر
ففيها في يوم الخميس مستَهَلَّ المحرّم المذكور، أعني اليوم، طلع القضاة ومن له عادة للتهنئة بجامع القلعة، فهُنّيء السلطان بالعام والشهر.
[القبض على أستادّار السلطان]
وفيه في يوم السبت ثالثه قبض السلطان على أستادّاره، وكان يومئذٍ الأمير ناصر الدين محمد بن أبي الفَرَج، وأمر به فسُجن بالبرج من القلعة.
[تقرير الأستادّار الجديد]
وفيه في يوم الخميس ثامنه استقرّ في الاستادّاريّة الأمير قيزطوغان العلائي أحد الأمراء العشرات يومئذٍ وأمير اخور ثاني
(3)
.
وسيأتي التعريف به في محلّه إن شاء اللَّه تعالى.
[القبض على ابن أبي الفرج للمصادرة]
وفيه في يوم الأحد حادي عشره سُلّم الأستادّار محمد المقبوض عليه
(1)
في الأصل: "نبذاً".
(2)
في الأصل: "بونة".
(3)
خبر الأستادّار في: إنباء الغمر 4/ 152، والسلوك ج 4 ق 3/ 1200، والنجوم الزاهرة 15/ 340، ونزهة النفوس 4/ 190، ونيل الأمل 5/ 118، وبدائع الزهور 2/ 224.
المذكور للوزير ابن
(1)
كاتب المناخ على مالٍ طُلب منه ليصادره الوزير عليه
(2)
.
[بداية فصل الصيف]
وفيه في يوم الإثنين ثاني عشره، ووافق تاسع عشر بَؤونة
(3)
نُقلت الشمس في برج السرطان، وكان هذا اليوم أول فصل الصيف وأطول أيام السنة وأقصر لياليها، فكان النهار فيه مائتا درجة وعشر درج، والليل مائة وخمسون درجة. وكان الدائر بين الظهر والعصر أربع
(4)
وخمسون درجة، وبين العصر والمغرب خمسون درجة. وبدأ النهار في النقص من ثانيه، وصار ينقص في كل يوم سُدس درجة، ففي البرج كلّه خمس درج. وكان الهواء في هذا اليوم بارداً، حَرّاً في وقت السَحَر، ولم يزل بارداً إلى ضُحى النهار، فكان البرد كبرد أيام أوائل الربيع. فلما قرب الظهر انعكس الحال فاشتدّ الحرّ جدّاً كما في أواسط أيام الصيف، وكما في كل يوم، فكان في هذا اليوم نادرة غريبة من وجود البرد الشديد والحَرّ الشديد، بإرادة المُريد جلّ وعلا
(5)
.
وأشبه هذا اليوم ذلك الشخص الذي ذكر بعض أفاضل الأطبّاء أنه رآه وأحد شقّيه مبرود
(6)
جرى
(7)
به فالج، والآخر محرور جرى
(8)
به الحُمَّى، وأشبه هذا اجتماع الضدَّين.
[استقرار ابن الحمصي بقضاء دمشق]
وفيه استقرّ شيخنا القاضي سراج الدين عمر بن موسى الحمصي في قضاء القضاة الشافعية بدمشق، وفيه الحافظ ابن
(9)
حجر، رحمه الله، بعد أن سعى سعياً حثيثاً وأجيب بالمنع مراراً، ثم لم يزل يتلطّف إلى أن أجيب إلى ذلك فأعيد إليها
(10)
.
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
خبر القبض في: السلوك ج 4 ق 3/ 1200، 1201، وإنباء الغمر 4/ 152، ونزهة النفوس 4/ 190، ونيل الأمل 5/ 118.
(3)
في الأصل: "بونه".
(4)
في الأصل: "أربعة".
(5)
خبر فصل الصيف في: إنباء الغمر 4/ 152.
(6)
هكذا.
(7)
في الأصل: "جرا".
(8)
في الأصل: "جرا".
(9)
في الأصل: "بن".
(10)
(خبر القضاء في: السلوك ج 4 ق 3/ 1201، وإنباء الغمر 4/ 152، ونزهة النفوس 4/ 191،
ونيل الأمل 5/ 118.
[إعادة القاضي ابن حامد]
وفيه أعيد إلى القضاء الشافعيّة عِوَضاً عن التقيّ بن قاضي شُهبة أيضاً القاضي علاء الدين علي بن حامد، عِوَضاً عن الزُهري بعد صرفه عنها
(1)
.
[سفر السراج الحمصي إلى دمشق]
وفيه في يوم الثلاثاء العشرين منه خرج السراج الحمصي المذكور مسافراً لدمشق لمحلّ قضائه
(2)
.
وستأتي ترجمة الحمصي في محلّها من هذا التعليق إن شاء اللَّه تعالى.
[إعادة ابن حامد إلى صفد]
وفيه سافر أيضاً العلاء بن حامد لمحلّ قضائه من صفد
(3)
.
[القبض على ابن القفّ]
وفيه قُبض على ابن القفّ ناظر جيش صفد وكان قد شكا
(4)
نائبها فيه
(5)
.
[استقرار ابن أبي الفرج في نظارة الديوان المُفرَد]
وفيه في يوم السبت رابع عشرينه استقرّ زين الدين يحيى الأشقر قريب ابن
(6)
أبي الفَرَج المعروف إذ ذاك بابن كاتب حُلوان الذي وُلّي الأستادّارية بعد ذلك، ثم عظم أمره إلى أن صار من أعيان هذه الدولة والمشار إليه، ومدبّر المملكة على ما سيأتي استقرّ في وظيفة نظر الديوان المفرد، عِوَضاً عن عبد العظيم بن صدقة الأسلمي القبطي، وكان كل منهما عدوّاً للآخر
(7)
.
[إهانة ابن صدقة وابن أبي الفَرَج]
وفيه قُبض على عبد العظيم المذكور وسُلّم للأستادّار قيزطوغان، وسُلّم معه
(1)
خبر ابن حامد في: إنباء الغمر 4/ 152.
(2)
خبر سفر السراج في: السلوك ج 4 ق 3/ 1201، وإنباء الغمر 4/ 152، ونزهة النفوس 4/ 191، ونيل الأمل 5/ 118.
(3)
خبر إعادة ابن حامد فى: إنباء الغمر 4/ 152.
(4)
في الأصل: "شكى".
(5)
خبر ابن القف في: إنباء الغمر 4/ 152.
(6)
في الأصل: "بن".
(7)
خبر ابن أبي الفرج في: السلوك ج 4 ق 3/ 1202، ونيل الأمل 5/ 119.
أيضاً محمد بن أبي الفَرَج المعزول عن الأستادّاريّة كما ذكرناه من قبل، نقلاً من منزل الوزير، وكان في تسليمه كما قدّمنا ذلك، فمُحِنا وأُهينا، وبُطح الأمير محمد المذكور إلى الأرض بين يدي طوغان المذكور، وضرب بحضرته ضرباً شديداً، ولم يتأدّب معه طوغان المذكور ولا احتشم
(1)
، كل ذلك بإغراء زين الدين الأشقر المذكور، وهو يوطّيء لنفسه الأمور، وكان هذا أول ظهور زين الدين المذكور ومبدأ استفحال أمره حتى يظهر نفسه ليبلغ مقاصده التي يأملها، فصار يرشّح نفسه وتعدّي طوغان ويحدّثه على أمور حتى ينفّر منه الخواطر ليسهل أمره هو إلى أن صادفه سعده على دعم الكبير من أبناء الدنيا، وآل أمره إلى ما سنذكره من العظمة الزائدة التي يكاد أن لم يصل إليها غيره، ثم إلى ما سنذكره من المِحَن والشدائد، إلى أن مات تحت العقوبة والمصادرة في أوائل الدولة الأشرفية قايتباي سلطان عصرنا هذا، كما سيأتي تفصيل ذلك إن شاء اللَّه تعالى في أثناء متجدّدات السنين الآتية، وفي ترجمة زين الدين هذا في سنة أربعٍ وسبعين.
[تعيين أمراء لغزو الفرنج]
وفيه عيّن السلطان: يونس الأمير اخور، وتَغري برْمَش الزرَدْكاش، وعدّة من الجُند السلطاني لغزو الفرنج بسبب كثرة عبثهم في البحر الملح وأخْذهم بعض مراكب تجار المسلمين في البحر وبسواحل بعض البلاد، وهجوم بعض المِيَن، كدمياط وغيرها
(2)
.
[تفقّد مقياس النيل]
وفيه في ثامن عشره، وهو خامس عشرين بؤونة
(3)
تفقد ابن
(4)
أبي الردّاد أمين المقياس النيلي أمر المقياس، فأخذ قاع البحر، فجاءت القاعدة ستة أذرُع وأربعة أصابع.
[البشارة بالنيل]
وفيه في التاسع عشر منه وهو سادس عشرين بَؤونة
(5)
بُشّر بالنيل المبارك،
(1)
خبر الإهانة في: السلوك ج 4 ق 3/ 1202.
(2)
خبر تعيين الأمراء في: السلوك ج 4 ق 3/ 1203، ونيل الأمل 5/ 120.
(3)
في الأصل: "بونه".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
في الأصل: "بونه".
ونودي عليه في صبيحة وهو العشرون
(1)
من المحرّم والسابع عشرين من بَؤونة
(2)
بزيادة ثلاثة أصابع، واستمرّت الزيادة إلى ما سنذكره
(3)
.
[تغيّظ السلطان على ابن حجر]
وفيه في هذا اليوم تغيّظ السلطان على قاضي القضاة الشافعي، وهو الحافظ ابن
(4)
حجر، فبعث له أن لا يخطب به في يوم الجمعة، وعيّن شخصاً من نوّاب الحكم الشافعية يقال له برهان الدين هذا وجماعة أُخر فيمن يولّي القضاء عن الحافظ المذكور. ثم اختار السلطان الشيخ شمس الدين الونائي وعيّنه للقضاء، وفُصلت خلعته لولاية، وما بقي إلّا إتمام ذلك. وكان ما سنذكره
(5)
.
وكان سبب تغيّظ السلطان على قاضي القضاة المذكور أنه رُفع إلى السلطان قصة باسم رجل أوصى إليه رجل آخر، فمات الموصى، وضمّ إليه القاضي الشافعي، أعني الحافظ المذكور، لرجل آخر من جهته أثبت بعض نوّابه أهليّة المضموم. وذكر الرافع في قصّته أنه وقع في الترِكة تفريط. وتزيّد هذا الوصيّ فذكر أموراً أخرى للسلطان صحّتها على عادة الأتراك غالباً في تصديق السابق بالدعوى وخصوصاً هذا السلطان (
…
)
(6)
الحافظ ابن
(7)
حجر لما ذكر هذه القضيّة. والواقع إنّ الوصيّ المذكور مشهور بالكذِب والبُهتان، فتغيّظ السلطان على القاضي، يعني الحافظ، كذلك لفظه قال وعلى الكاتب الذي أثبت أهليّة الرجل المضموم إلى الوصيّ، فأحضرهما وأمر بسجنهما بالقلعة، وظنّ السلطان أن القاضي القضاة علم بذلك، وأنّ له في ذلك غرض، فكان منه ما كان، إلى أن كان ما سيأتي قريباً.
[وصول الحاجّ إلى القاهرة]
وفيه وصل الحاج إلى القاهرة في كَنَف السلامة، وكان الأمير بالمحمل شادبَك الجَكَمي أحد مقدَّمي الألوف، والأول شمام الحسني
(8)
.
(1)
في الأصل: "وهو العشرين".
(2)
في الأصل: "بونه".
(3)
خبر النيل فى: إنباء الغمر 4/ 152.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
خبر ابن حجر في: إنباء الغمر 4/ 152، 153، والسلوك ج 4 ق 3/ 1202، ونيل الأمل 5/ 119.
(6)
كلمة ممسوحة.
(7)
في الأصل: "بن".
(8)
خبر الحاج في: السلوك ج 4 ق 3/ 1201، ونزهة النفوس 4/ 191، ونيل الأمل 5/ 119.
[شهر صفر]
[خطابة ابن الميْلق بالسلطان]
وفيها في يوم الجمعة مستهلّ صفر الخير، الميمون، الأغرّ، خطب بالسلطان بالجامع الناصري بالقلعة البرهان بن المَيْلق الذي قدّمنا ذِكره بدل قاضي القضاة ابن
(1)
حجر، وخيطت خلعة الونائي
(2)
، وما بقي إلّا تمام القضيّة
(3)
.
[تحرير قضيّة التَرِكة]
وفيه في يوم ثانيه، أمر السلطان بتحرير قصّة الترِكة التي تغيّظ على قاضي القضاة بسببها وأحضر شهودها، وفوّض لتغري برمَش نائب القلعة المعروف بالفقيه مباشرة محاسبيها، وأجازه ما يؤول
(4)
إليه الحال، فحضر تَغْري بَرْمَش المحاسبة بين الوصيّ ورفيقه الذي ضمّ إليه، ووقع ذلك بحضرة الشهود وحضور شخص يُدعى كمال الدين الحلبي
(5)
التاجر. وكان كمال الدين هذا هو الذي وصّل الوصيَّ الشاكي إلى السلطان حتى أنهى ما أنهى في حق نائب الحكم، وأخّر قاضي القضاة بسبب ذلك استطراداً، فوقع الحساب وكرّر وحرّر وقدّر وحوقق فيه ودقّق، ووقعت المشاحنة إلى أن ظهر لنائب القلعة تَزَيُّدُ الوصيّ المذكور وافتراؤه
(6)
، وأن ذلك بسبب منع المضموم إليه له من التفرّد بالتكلّم في التركة بمفرده، والمنع مما كان يريد أن يفعله فيها، وأنه إنّما فعل ذلك من حنقه وغيظه، فنسب النائب المذكور إلى المفضّل من الأمور، فلما تحرّر الأمر وظهر وضوحه لنائب القلعة أعلم السلطانَ بالحال وأوقفه على المحاسبة، وظهرت براءة الذي أقامه قاضي القضاة، وعرّف الأمير تغري بَرْمَش السلطانَ بأنّ العادة جرت في الترِكات، لا سيما إذا لم يكن الوصي ممّن يُرتَضَى أو يؤهَّل أن يضمّ إليه القاضي من يأتمنه خوفاً على ضياع الأموال، ومن ذلك ما يجب على القضاة حتى جاز للقاضي أن يُخرج الوصيّ ويقيم غيره عند عدم الأهليّة، فضلاً عن الضمّ إليه. وكان انتهاء ذلك وتجويده إلى قرب الليل. فلما كان صبيحة تلك الليلة التي انتهى عمل الحساب في اليوم
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "الوفائي".
(3)
خبر الخطبة في: السلوك ج 4 ق 3/ 1201، ونزهة النفوس 4/ 191، ونيل الأمل 5/ 119.
(4)
في الأصل: "يؤل".
(5)
في إنباء الغمر 4/ 153 "جمال الدين عبد الله الحلبي".
(6)
في الأصل: "افتراه".
الذي فرغ ودخلت هي أمر السلطان بإطلاق القاضي نائب الحكم الذي حكم في هذه القضية، والرجل الذي أقامه قاضي القضاة
(1)
.
[إبطال ولاية الوَنَائي]
وفيه أعني هذا اليوم كلّم المقام الناصري محمد ولدُ السلطان والده فيما يتعلّق بأمر قاضي القضاة، وأنه لا بُدّ من جبْر خاطره فيما وقع في حقّه من الافتراء الذي كان سبباً لتغيّر خاطر السلطان عليه، فأجابه السلطان بالإذن لقاضي القضاة، وفُصّلت له جُبّة بسِمَّور تليق به، وبَطَل أمر ولاية الونائي وغيره
(2)
.
[لبْس ابن حجر الجبّة]
وفيه في يوم الإثنين أُلبس قاضي القضاة الحافظ ابن حجر الجُبّة التي فُصِّلت له بالأمس، ونزل في محفل عَظيم، وكان يوماً مشهوداً
(3)
.
[وصول ناظر الجيش إلى القدس]
وفيه في أوائله وصل القاضي زين الدين عبد الباسط ناظر الجيش كان إلى القدس ودخله سالماً، وكان قد توجّه إليه قبل ذلك وأرجف عقيب توجّهه بيسير بأنه أصيب في طريقه في جميع من معه، وأنه لم يَسْلم إلّا هو فقط، فظهر بعد ذلك كذِب ذلك الإرجاف، وأنه وضْيع من يكرهه ومُختَلَق منهم.
[هديّة ناظر الجيش للسلطان]
وفيه في العشر الأوسط منه، حضر قاصد من عبد الباسط المذكور إلى القاهرة وعلى يده هدية للسلطان من عند مرسله دايين شاشات وأُزُر وأشياء أُخَر، فقبِلها السلطان، وخلع على قاصده في يوم صعوده بالهدية للقلعة، وهو يوم ثاني عشره، وكان الوارد بها أرغون دوادار عبد الباسط المذكور
(4)
.
(1)
خبر التركة في: السلوك ج 4 ق 3/ 1203، 1204، وإنباء الغمر 4/ 153.
(2)
خبر الونائي في: السلوك ج 4 ق 3/ 1203، 1204، ونيل الأمل 5/ 119، وبدائع الزهور 2/ 224.
(3)
نيل الأمل 5/ 119.
(4)
خبر الهدية في: السلوك ج 4 ق 3/ 1204، وإنباء الغمر 4/ 153، 154، ونيل الأمل 5/ 120، وبدائع الزهور 2/ 224.
[وفاء النيل]
وفيه في يوم الأربعاء سابع عشر منه، ووافق الرابع من مِسْرَى من شهور القبط أخبر ابن أبي الرذّاذ بوفاء النيل
(1)
.
[كسر الخليج]
وفيه في يوم الخميس ثامن عشرينه، نزل المقام الناصري محمد ابن
(2)
السلطان ومعه حاجب الحجّاب وجماعة أُخَر لكسر الخليج، فركب البحر إلى المقياس وخلّقه على العادة، ثم نزل في الحرّاقة إلى السدّ فكسر الخليج بحضوره، ثم ركب المركوب المحضر إليه من الإسطبل السلطاني بالسَرْج الذهب والكنبوش الزرْكَش، وطلع إلى القصر
(3)
وخُلع عليه على العادة، وكان يوماً مشهوداً
(4)
.
[زيادة النيل]
وكانت زيادة النيل في هذه السنة من عجائب الزيادات، فإنه زاد من يوم الابتداء بالزيادة من عشرين المحرّم كما قدّمنا قليلاً قليلاً. ثم في يوم السبت السادس والعشرين من صفر زاد ثمانية أصابع، ثم زاد اثني
(5)
عشر إصبعاً، ثم زاد ثلاثين إصبعاً، ثم عشرين، ثم عشرة، وعشرة أخرى، وعشرة أيضاً في ثلاثة أيام متوالية، فزاد في خمسة أيام ثمانين
(6)
إصبعاً، وهذه من غرائب الزيادات ونوادرها
(7)
.
[ربيع الأول]
[التهنئة بالشهر]
وفيها في يوم الأحد مستهلّ ربيع الأول الشريف طلع القضاة للتهنئة بالشهر للقلعة على العادة، ومع القضاة من يلوذ بهم من نوابهم على عادتهم في الطلوع مع مستنيبيهم للتهنئة، وكان من جملة النواب الحنفية الشهاب ابن
(8)
عبيد اللَّه
(9)
،
(1)
خبر وفاء النيل في: السلوك ج 4 ق 3/ 1265، ونزهة النفوس 4/ 195، ونيل الأمل 5/ 119، وبدائع الزهور 2/ 224.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "القصه".
(4)
المصادر السابقة.
(5)
في الأصل: "اثنا".
(6)
في الأصل: "ثمانون".
(7)
إنباء الغمر 4/ 154.
(8)
في الأصل: "بن".
(9)
في نيل الأصل 5/ 120 "عبد الله"، والتصحيح من: إنباء الغمر.
فنشأ عنه وقوع بصدّ السلطان عليه، نَفَر فيه ونَهَرَه وتغيّظ عليه، وشُغل المجلس به وبمثالب أُخَر ذكرها عنه، وأنه لا يقوم في الحق، إلى غير ذلك من كلماتٍ مزعجة أدّت إلى تأثّر عينيه ويديه، وكان سبباً لموته بقدرة المميت جلّ وعلا، على ما سنوضح ذلك هاهنا وننبّه عليه في ترجمة الشهاب هذا في محلّ ترجمته في السنة الآتية إن شاء اللَّه تعالى. فكان سبب تغيّظ السلطان على ابن
(1)
عبيد اللَّه هذا كائنة اتفقت قبل ذلك بسبب الشخص الفقير المتكّدي المسمَّى بعلي القَرْمي المعروف بابن أخي قَطْلَو خُجا الآتي الكلام عليه عن قريب وما آل أمره إليه من إثبات كُفره وزندقته، وضرْب عنقه كما سنذكره. وكان القائم بذلك الشمس محمد الكاتب الرومي، أحد أخِصّاء الظاهر وجُلَساء حضرته، والمتحشّرين عنده المشهور المعروف
(2)
.
[خبر الشيخ علي القرمي]
3 -
وكان من خبر هذا الأمر ما أخبرني به غير واحد ممّن اطّلع على جليّة هذه القضيّة، ومنهم من أثق به وبدينه وخيره، أنه كان بنواحي الصليبة رجل يقال له الشيخ علي القَرْمي كان فقيراً درويشاً تركيّاً من بلاد القَرْم ساذَجاً مجرَّداً، لا له ولا عليه غير قُبع من لبد على رأسه صفة أقباع الأدهمية، نازل على عينيه وعلى بدنه لَبّاد عتيق، وهو يتكَدّى بما يقتات به من غير زيادة على ذلك، وأكثر إقامته كانت بسوق الصليبة، فكان عفيفاً قنوعاً لا يلتفت إلى الدنيا ولابَتِها، يكتفي بأيسر الغوث، وكان عوامّ الصليبة وأقرانهم والأطراف منهم، والصغار يتسلّطون عليه على عادتهم مع الأعاجم في لمزِهم لهم بالرفْض وغيره، ظنّا منهم بأنّ الشيخ علي هذا منهم، والعوامّ لا يفرّقون بين التركيّ والفارسي، فكانوا يُكثرون عند رؤيته من قولة:"أبي بكر" ونحو ذلك من الكلمات، وربّما أفحشوا وأكثروا من سبّه، لا سيما إذا حنق منه، فكانوا إذا تسلّطوا عليه وتكاثروا يأخذ في السبّ باللسان التركي، إذ لا يعرف غيره ولا يفهم باللسان العربي إلا الشيء القليل جدّاً، فكان كلّما سبّ وأظهر الحنق زاد الغوغاء عليه على عادتهم في مثل ذلك، ونسَبَه العوامّ وأوباش السفلة إلى الرفْض، بل جزموا بذلك، فبقوا يكرّروا
(3)
عليه من قوله: "أبي بكر"، وبعضهم يقول: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه. والبعض يقول: أشهد أن
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
خبر التهنئة في: إنياء الغمر 4/ 154، نيل الأمل 5/ 120.
(3)
الصواب: "يكرّرون".
محمداً
(1)
رسول اللَّه، ويقصدون بذلك نكايته، على باب السُخرية والاستهزاء به، وصار هذا دأبهم معه، وكلّما سكنت طائفة قيّض اللَّه تعالى له غيرها، حتى أمعنوا في ذلك، وكانوا كلّما كرّروا عليه زاد هو في السبّ عقيب تكلّمهم بتلك الكلمات، فيجزم العوامّ بأنه يسبّ اللَّه ورسوله وأبا بكر، فإنه يوقع السبّ عقيب كلامهم ويحنق، بحيث يصير كالغائب العقل، وهم يتبدّلون، فإنه كلّما مرّت طائفة وتسلّطت عليه حتى غيّبت ومرّت إلى حال سبيلها، فأخلفَتْها طائفة أخرى مستريحة، وهو لا يمكنه أن يستريح، بل ربّما غاب عن الوجود، ومن كثرة ما يحلّ به حتى كاد أن يكون مجذوباً أو مجنوناً، فكان إذ لو كان تامّ العقل لما حنق من كلام العامّة ولا التفت إليه المرة بعد المرة، فكانوا يستكفون عنه، أو كان يمكنه أن يخرج إلى جهة أخرى.
واتفق أن بعض الغوغاء تسلّطوا عليه في بعض الأيام على عادتهم في ذلك معه، وزادوا وأفحشوا وخرجوا عن الحدّ في ذلك، وزاد هو أيضاً في السبّ، وبقي الجم من الغوغاء من يعرفه ومن لا يعرفه يتكاثرون عليه حتى تكاثف الجمع الموفور عليه، ومن جملتهم إنسان يُسمّى يوسف كان يتخدّم لشمس الدين الكاتب الذي تقدّم أنه كان هو القائم في ضرب رقبة هذا المسكين لا لغرضٍ عنده، بل لما سنذكره ونعرفه في أثناء الكلام. وكان يوسف هذا ممن يتقاضى أشغال الشمس هذا بالسخونة ومن ألزامه، وحضر مع يوسف هذا شخص آخر يسمّى الشيخ سعيد وهم ينظرون. ولما كثُر اللغَط من العوامّ مع الشيخ علي هذا، وهو يسبّ ويقول بالتركي: لا دين لكم، لأنّه من له دين لا يفعل مع مسكين ما يفعلونه ونحو ذلك. كل ذلك مع سبّه لهم، وهم يزعمون أنه يسبّ من يذكرونه، فبقي بعضهم يقول: كفر الملعون، وبعضهم يقول: يا كافر، والبعض يقول: كفر هذا، وأرادوا من حنقهم منه الفتك به، فاتفق جواز الشهاب ابن عبيد اللَّه في ذلك الحين بهم وهم على تلك الحالة، ورأى الشيخ علي وعَرَفَه، فأخذ يتلطّف بقضيّته معهم، وخلّصه منهم كسراً للشرّ وهذه الثائرة خوفاً عليه، لا سيما وهو عارف بحقيقة حاله، وقد ثار العوامّ عليه ثورة رجلٍ واحد، لأنهم يميّزون مقصده، بل يجزمون بكفره، ولا هو يميّز مقصدهم، فأخذه إلى ناحية وخلا
(2)
به وكلّمه بلغته التركية، وكان الشهاب يعرف التركية معرفة تامّة، فقال له: ما لك ولهاؤلاء، ولأيّ شيء تحرج من كلامهم، ولو لم تُحرج لما تسلّطوا عليك، دعهم يتكلموا
(3)
بما شاؤوا
(4)
ولا
(1)
في الأصل: "محمد".
(2)
في الأصل: "وخلى".
(3)
الصواب: "يتكلمون".
(4)
في الأصل: "شاوا".
تلتفت إليهم، أو امضِ إلى مكانِ غير هذه الجهة حتى تستريح وتُريح نفسك من هذا الشر الذي أنت فيه، هؤلاء لا يعنون لتداولهم، وأنت بمفردك تعاني النكال والأهوال، وعرّفه أن هذا يؤدّي إلى التشويش البالغ عليه والضرر، ولا زال به حتى قبل كلامه، وتوجّه من وقته من جهة الصليبة، فكأنه أدّاه رأيه إلى الخروج من القاهرة أصلاً، فمرّ إلى الخانقاه السَّرْياقُوسيّة وأقام بها متكدّياً على عادته. فاتفق أن حضر يوسف المذكور إلى الكاتب وأخبره بقضيّة هذا الرجل مع العوامّ على جهة الحكاية، وكيف خلّصه الشهاب بن عُبيد اللَّه منهم، وكان الكاتب يغضّ من ابن
(1)
عُبيد اللَّه على عادته في الغضّ من كثير من الخلق، لا سيما بني خرقته وطائفته، وخصوصاً من يعرف بلغة التُرك من هذه الخرقة، فوجد له فرصة في الحطّ عليه، وكان يتحظّى عند السلطان الظاهر بإيصال مثل هذه القضايا إليه وإعلامه بذلك، مُظهراً بأنه ممن يقوم في الحق ويأمر بالمعروف ويَنْهى عن المنكر، ليروج بذلك عند السلطان. فلما طلع القلعة على عادته واجتمع بالسلطان لم يحضُرْه ما يُكالم به السلطان ولا ما يحادثه به إلّا هذه القضيّة، فأخذ في إعلام السلطان بها وتعريفه إيّاها. ونسَبَ عليَّ المذكور إلى الكفر ليوطّئ لأمرٍ قصده من ابن
(2)
عُبيد اللَّه، ولم يقصد عليّاً بالذات، وإنما قصْده بذلك ابن
(3)
عُبيد اللَّه، فنسب في خلاصه لعليّ المذكور إلى أنه أقرّه على الكفر ورضي بذلك ولم ينكر عليه وهو قاضي المسلمين، ليفسد بذلك صورة ابن
(4)
عُبيد اللَّه ويروّج نفسه قصداً للأذى. فلما سمع الظاهر ذلك استشاط وغضب على عادته. واتفق أنّ هلّ الشهر وطلع القضاة للتهنئة، فوقع لابن عُبيد اللَّه مع السلطان ما ذكرناه لِما أوصله الشمس الكاتب لذهنه. وكان الظاهر إذا حنق من إنسان أو تغيّظ عليه تفرّغ مجهوده في ذلك مع استشاطة وغياظ، وللملك والمُلك هبّة، فانزعج ابن
(5)
عُبيد اللَّه من ذلك من هيبة الملك ومن شدّة ما رآه من تغيّظ السلطان عليه، مع ما ناله من الخجل في ذلك المجلس العام من الحاضرين من بني خرقته وغيرهم، لا سيما مجلس التهنئة بالشهر، فإنه يكون حافلاً، فحصل له بذلك ما أرابه
(6)
وداخَلَه الرعب والفزع، فتأثّرت نفسه وبدنه من ذلك وتأذّى وتضرّر.
ذكر لي إنسان من الأشراف من أصحاب ابن
(7)
عُبيد اللَّه أنه كان يصرّح في
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
في الأصل: "مابر".
(7)
في الأصل: "بن".
مرضه الذي مات فيه أن سبب تمرّضه هو الرعب الذي حصل له في ذلك اليوم، فإنه عرض له إسهال دموي وقولَنْج، وتمادى به المرض مع أسباب أُخَر على ما سنذكره في وفيات هذه السنة.
ثم ألزم الظاهر ابن
(1)
عُبيد اللَّه المذكور بإحضار علي القَرْمي المذكور، فنزل من القلعة وهو في غاية النكد والتشويش والتأثّر النفسي والبدني، وبقي في تَطلّب علي المذكور، إذ لم يعلم بأنه توجّه للخانقاه، وبقي يظنّ أنه في جهات القاهرة أو في بعض حاراتها وثب جماعة من أصحابه ورتبهم في تطلّب علي المذكور ظنّاً منه أنه إذا أحضره إلى السلطان ورآه رحِمَه وعرف حقيقة حاله، لا سيما وهو قَرْميّ تركيّ الجنس ليس مما يظنّ به ما نقل عنه، لأنّ غالب هذه الأشياء إنما تصدر عن بعض الأعاجم لتوغّلهم في هذه الأمور، بخلاف الترك، لا سيما أهل القرْم، وخصوصاً معرفة الظاهر إيّاهم ( ....... )
(2)
ممّن أقام بالقرم في حالة صِغره مملوكاً لبعض أهلها أو تجارها، واطّلع على سلامة باطنهم وفطومهم وعُرفهم ومزاجهم، وما هم فيه من متانة الدين وصلابة اليقين.
ذكر لي إنسان رجل من أصحاب ابن
(3)
عُبَيد اللَّه أنه حلف له لو علم أن الذي جرى على عليّ المذكور من ضرْب عنقه يقع له لما أحضره، ولو كان في ذلك إزهاق روحه، لتيقُّنه بأنه قد ظُلم في ذلك، وكل ذلك بواسطة الكاتب وقيامه في ذلك وما تطلّبه، واجتهد في ذلك، كان بالصليبة إنسان يسمّى يوسف بن قجْماس أحد الحجّاب الأجناد اتفق أنه خرج للخانقاه لبعض شؤونه
(4)
فصدف الشيخ عليَّ فيها، فقبض عليه وأحضر به لابن عُبيد اللَّه حدث له لأنه كان قد عرف بقضيّته، وأنه في مطلب المذكور بكل ما تصل قدرته إليه. وحصل لابن عُبيد اللَّه بإحضاره إليه بعض طمأنينة، وطلع به إلى السلطان بناءً على ما ذكرناه، وكان ما سنذكره
(5)
.
[كائنة إبراهيم ابن خطيب بيت المقدس]
وفيه - أعني هذا الشهر، فيما يغلب على ظنّي - كائنة إبراهيم ابن
(6)
خطيب البيت المقدس بسبب ما ذكر بعضهم عنه.
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
كلمتان مطموستان بالمداد.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الأصل: "شونه".
(5)
خبر القرمي في: السلوك ج 4 ق 3/ 1206، وإنباء الغمر 4/ 154 - 156، ونيل الأمل 5/ 121.
(6)
في الأصل: "بن".
وإبراهيم هذا هو ولد الجمال ابن
(1)
جماعة قاضي القدس أيضاً من أنه زوّر رسوماً عن السلطان مرتّب باسمه، فأُحضر وحوقق على ذلك وبُهدل، وحصل على كاتب السرّ الكمال بن البارزي بذلك غاية الإنكار الشديد بما لا يحتمله مزاجه، وتشوّش من ذلك غاية التشويش الذي ما عنه مزيد، وصُرف الجمال والد إبراهيم هذا عن القضاء بسبب ولده
(2)
.
[خروج الغزاة من ساحل بولاق]
وفيه، في أوائله خرج الغُزاة الذين عيّنهم السلطان، كما قدّمنا، بعد أن تجهّزوا، فخرجوا من ساحل بولاق، وكانوا عدّة خمسة عشر غراباً مشحونة بالمقاتلة من الجُند السلطاني وجماعة جنده من المطّوّعة
(3)
.
(كائنة القرمي)
(4)
وفيه في يوم الأربعاء حادي عشره كائنة الشيخ علي القَرمي الذي تقدّم الكلام عليه أمر السلطان في هذا اليوم، وكان قد أحضر به بين الخانقاه كما قلناه بأن يُعقد له مجلس بالصالحية، فعُقد المجلس بالقضاة وبعض المشايخ.
واتفق أن قاضي القضاة الحنفي لم يحضره، فإنه استشعر بعض ما قد ذكرناه، وآل الأمر أن بلغ السلطان عدم حضوره، أمر أن يتولّى ذلك الحنفيّ بنفسه بعد ذلك.
واتفق أنّ طال الكلام في هذا اليوم في ذلك المجلس، وكثرت الأقاويل في حقّ عليّ المذكور، ونُسب إلى سبّ الباري جلّ وعلا، وإلى غير ذلك من أمور. وكان القائم بذلك الشمس الكاتب، على أنه لم يكن هذا هو الغرض من قيامه، لكنّه اضطرّ إليه فأظهر القيام التام، وأحضر عدّة نقول من عدّة كتب مشهورة بأنه لا يُقبل توبة الزنديق، وأن هذا زنديق. ورتّب الكاتب يوسف خديمه وسعيد فشهدا عليه، وأعانهم آخرون، وبقي هو المسكين لا يعلم ما هم فيه لسذاجته وصفاء باطنه، حتى بقي لا يصدّق بأنه يموت. وآل الأمر في ذلك كله إلى إثبات كفره وزندقته، لما صدر عنه من الألفاظ التي شهدوا بها، وأنها لا تصدر عن متديّن
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
خبر كائنة إبراهيم في: السلوك ج 4 ق 3/ 1207، ونيل الأمل 5/ 121.
(3)
خبر خروج الغزاة في: السلوك ج 4 ق 3/ 1205، والنجوم الزاهرة 15/ 341، 342، ونيل الأمل 5/ 120، وبدائع الزهور 2/ 224.
(4)
العنوان عن الهامش.
بدينٍ من الأديان على ما زعموا، وحُكم بسفك دمه هدراً، مع العلم بالخلاف وبعدم قبول توبته. فلما تكامل ذلك أركب جملاً، وطيف به الشوارع التي كان يتكلّم بها بما ثبت عليه بشهادة أولئك، وبقي يضحك تارة وهو راكب على الجمل ويتكمّد وأخرى بواسطة ثوران الغوغاء ومسيرهم معه وحوله، وهو لا يكترث بهذه الحالة ولا توهّج ولا انزعج، حتى وصل به إلى الرُميلة تحت القلعة، وضُربتَ عنقه صبراً.
قال لي بعض من شاهد هذه الحالة وعرف بهذه القضية ممن أخبرني بقضيّة ابن
(1)
عُبيد اللَّه التي قدّمناها هنا: ولقد رأيت العجب من بعد الشيخ عليّ هذا فيمن تغضّب عليه بسبب الغيرات.
• الشمس الكاتب فامتُحن محنةً مشهورة منظورة مذكورة، ونُسب إلى كُفر، حتى أراد الظاهر ضرب رقبته، وما بقي إلّا أن يتمّ ذلك لولا الشيخ الإمام شيخ الإسلام الكمال بن الهمام رحمه اللَّه تعالى. فإنه هو الذي لاطف الظاهر في قضيّته حتى فتر عزمه عن ضرب رقبته.
قال: ومات بعد ذلك مقهوراً مذلولاً مغبوناً بأسوأ حال، لعلّه لو ضُربت عُنقه لكان أهوَن عليه من بعض ما قاساه من الأهوال وأصيب ببصره.
وأمّا يوسف الذي رتّبه الكاتب في الشهادة هو وسعيد فإنه ابتلي من الكاتب بغضبة تغيظ بسببها عليه وطرده من عنده وأبعده، فتوجّه للبلاد الشمالية، وبينا هو في أثناء طريقه إليها أحاط به اللصوص وآل أمره أنْ ذُبح منهم.
• وأمّا سعيد فإنه توجّه للوجه القِبْلي لبعض شأنه، فجرى عليه كائنة آل أمره فيها إلى ضرب العُنُق، والجزاء من جنس العمل.
• وأمّا يوسف بن قجماس الحاجب فإنه خمل بعد ذلك جدّاً، وآل به الأمر إلى أن مات أعمى.
قال لي هذا الخبر. ولقد سمعت شمس الدين الكاتب عقيب ما امتُحن فكان يتأوّه ويقول لي: لعلّ ما جرى علي بسبب قيامي على هذاك المسكين الشيخ عليّ حتى قُبضت على ذلك.
ثم أنشدني هذا المخبر الظريف هذا الكلام اللطيف:
ألا واللَّهِ إنّ الظُلم لومُ
…
ولا زال المسيءُ هو الظلومُ
إلى ديّان يومِ الدين نمضي
…
وبين يديه يجتمعُ الخصومُ
(1)
في الأصل: "بن".
[شكوى امرأة بشأن وقْف لها بدمشق]
وفيه في يوم الإثنين، ثاني عشرينه، رفعت امرأة قصّةً إلى السلطان، بأنّ لها بدمشق وقفاً عليها غابت عنه، واستُبدل في غيبتها. وأنها حضرت إلى دمشق بعد مدّة طويلة ورفعت أمرها لقاضٍ من القضاة، وحكم لها باسترجاعه، ولم تُمكَّن منه، فأمر السلطان كاتب السرّ بأن يكتب لها بتسليم وقفها إليه، فحضرت إلى دار كاتب السرّ، فطلب ما بيدها من المستَنَد بذلك ليكتب لها بما تضمّنه، فوجده لا يقتضي التسليم، وتباطأ
(1)
في كتابة ما أمر لها بكتابته، فرفعت أمرها للسلطان ثانياً، فسأله عن ذلك، فأجاب بأنها لا حقّ معها، فتغيّظ السلطان عليه وانزعج من ذلك، ولما نزل كاتب السرّ بعث إلى السلطان يستعفي من كتابة السرّ، فلم يُجبْه إلى ذلك
(2)
.
[تغيّب كاتب السرّ عن الخدمة]
وفيه في يوم الثلاثاء ثالث عشرينه تأخّر كاتب السرّ عن حضور الخدمة السلطانية بالحوش بسبب تغيظ السلطان عليه بالأمس
(3)
.
[الخلعة على كاتب السرّ]
وفيه في يوم الأربعاء رابع عشرينه طلع كاتب السرّ إلى القلعة بطلب من السلطان فألبسه جُبّة بسمَّور، فنزل إلى داره ومعه جماعة من الأعيان وكان يوماً مشهوداً.
قال الحافظ شيخ الإسلام ابن حجر
(4)
، رحمه الله، لما ذكر هذه الواقعة بنحو ما ذكرناها، وكان ذلك يوم الأربعاء رابع عشرين ربيع الأول سنة أربع وأربعين وثمانمائة. قال: فاجتمع فيه خمس أربعاءآت، والثمانمائة تشتمل على أربع مايتين، وهي آخر أربعاء في الشهر قال: وإنما ذكرت ذلك للردّ على من يتعانى التشاؤم
(5)
.
(1)
في الأصل: "وتباطى".
(2)
خبر الشكوى في: إنباء الغمر 4/ 156.
(3)
المصدر السابق.
(4)
في إنباء الغمر 4/ 156.
(5)
في الأصل: "الشام".
[ربيع الآخر]
[إعادة بدر الدين العَيني إلى الحسبة]
وفيه في يوم الإثنين سابع ربيع الآخر المبارك، (أعيد)
(1)
شيخ الإسلام قاضي القضاة الشيخ بدر الدين العَيْني، رحمه الله، إلى وظيفة الحسبة بالقاهرة على عادته الأولى بعد صرف الأمير تَنَم من عبد الرزاق الذي وُلّي نيابة الشام بعد ذلك، وخُلع على البدر بذلك، ونزل في موكب حافل إلى الغاية ومعه الأعيان، وكان يوماً مشهوداً أظهر فيه الناس، ولا سيما العوام، الفرح الزائد به إلى الغاية.
ثم لما استقرّ به الجلوس بمنزله أمر مناديه أن ينادي بإبطال ما أُحدث على الباعة من الجمع وغير ذلك من الكُلف، فابتهل الناس بالدعاء له
(2)
.
[قدوم صاحب شاه رُخ]
(3)
وفيه وقعت البطاقة ببرج الحمام من القلعة وفيها الخبر بوصول رسول شاه رُخ الذي بقي بعد أن مات رفيقه بغزّة، وترك ولداً حضر مع الباقي. وكان له ما سنذكره
(4)
.
[خروج ولد السلطان لاستقبال الرسول]
وفيه خرج المقام الناصري محمد ولد السلطان وصُحبتُه جماعة من الأعيان للقاء القاصد المذكور. وكان تقدّم أمر السلطان بزينة القاهرة لحضور هذا القاصد، فزُيّنت زينة عامّة أعظم من زينة المحمل وفوقها.
[دخول الرسول القاهرة]
وفيه في يوم السبت سادس عشرينه، وصل الرسول المذكور فدخل القاهرة ومعه ولد السلطان، وقعد الخلق لرؤيته وكثر الازدحام بأمكنة ممر الرسول
(1)
كتبت فوق السطر.
(2)
خبر إعادة العيني في: السلوك ج 4 ق 3/ 1208، وإنباء الغمر 4/ 156، ونزهة النفوس 4/ 197، 198، ونيل الأمل 5/ 121، وبدائع الزهور 2/ 225.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
خبر قاصد شاه رخ في: السلوك ج 4 ق 3/ 1208، وإنباء الغمر 4/ 157، والنجوم الزاهرة 15/ 342، ونزهة النفوس 4/ 198 - 200، ووجيز الكلام 2/ 570، ونيل الأمل 5/ 122، وبدائع الزهور 2/ 225.
المذكور. وكان لدخوله يوماً مشهوداً. وأُنزل بدار جمال الدين الأستادّار بين القصرين، ودرّت عليه المرتّبات وغيرها
(1)
.
[طلوع الرسول إلى القلعة]
وفيه في يوم الإثنين ثامن عشرينه، طلع الرسول المذكور للقلعة باكر النهار بعد أن عُملت الخدمة السلطانية بالقصر الكبير، وصفّت الجُند والعساكر السلطانية من تحت القلعة إلى باب القصر، وقعد الناس أيضاً في هذا اليوم لرؤية الرسول حين طلوعه من بين القصرين إلى باب المَدْرَج والزينة باقية على حالها. ولما طلع الرسول قاصداً القلعة كانت هديّة مرسِله بين يديه على رؤوس
(2)
الحمّالين في الأقفاص. وكان عدّة الحمّالين أربعين
(3)
حمّالاً فقُدّمت للسلطان، وكان فيها ماية قطعة من الفيروزَج الخاص، ونحو الماية قطعة من الثياب الحرير، وعدّة فِرَى، وثياب أُخَر وشيء كثير من نوافج المِسْك التركي الخالص، ومن البَخَاتي الجيّدة ثلاثين
(4)
جملاً، وكان فيها أشياء أُخَر ممّا قُوّم جميعه فكان بخمسة آلاف دينار.
ثم أخرج القاصد مكاتبة مُرسِلِه وأوصلها للسلطان بعد أن قبّل الأرض، وقُصّت وقُرئت بمحضرٍ من أعيان الدولة والمباشرين، فإذا هو يتضمّن الجواب عمّا ورد عليه قبل ذلك من المكاتبة والهدية من السلطان، ويتضمّن التهنئة وتجهيز هدية مع قاصده، ثم إظهار الصداقة والمحبّة
(5)
.
[تقديم مكاتبة ولد شاه رخ للسلطان]
وفيه قدّم مكاتبة ثانية وهديّة من ولد شاه رُخ أيضاً، المُسمَّى جركي، وكان من أكبر كبرائه
(6)
، فرحّب السلطان بالقاصد وخلع عليه، ونزل إلى الدار المذكورة، وأُجريت عليه الرواتب الوافرة إلى الغاية. وعقيب نزوله أمر السلطان بقلع الزينة. وكان أشيع بأنها تبقى شهراً وفوقه، فقُلعت بسبب ما حصل بسببها من الفساد الظاهر
(7)
.
[انتصار سليمان بن عزير على أُمَيّان]
وفيها - أعني هذه السنة - نازل أُميّان الحسيني الذي كان أميراً على المدينة
(1)
إنباء الغمر 4/ 157.
(2)
في الأصل: "روس".
(3)
في الأصل: "أربعون".
(4)
في الأصل: "ثلاثون".
(5)
المصادر السابقة.
(6)
في الأصل: "كبراءاته".
(7)
المصادر السابقة.
النبوية - على ساكنها أفضل الصلاة والسلام - للمدينة
(1)
ومعه جمع وافر كبير من العربان، فخرج إليه أميرها يومئذٍ سليمان بن عزير، وكان وليها عن أُمَيّان هذا، فالتقيا، وحصل النصر لسليمان على أُمَيّان فهزمه بإذن اللَّه تعالى. وكان الجمع مع سليمان ليس بالكبير، ومع ذلك رجع منصوراً. وذُكر أن أميان هذا كان من قصْده حين مجيئه أن ينهب المدينة فرجع مكسوراً وذاك منصوراً ببركة النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
.
[جمادى الأولى]
وفيها استهلّ جمادى الأولى بالثلاثاء رؤية، موافقاً لشهر بابه
(3)
من شهور القبط
(4)
.
[منع النساء من الخروج إلى الطرقات]
ففيه في يوم الإثنين سابعه، أُشهر النداء بشوارع القاهرة بمنع النساء من خروجهنّ إلى الطرقات والأسواق إلّا العجائز والإماء، فامتنعن
(5)
من ذلك. ثم نودي لهنّ بالخروج من غير تبرّج
(6)
.
[وفاة ولد الرسول]
وفيه في يوم الثلاثاء ثامنه، مات ولد الرسول الذي مات بغزّة، فأمر السلطان بإحسان تجهيزه، فأُخرج على أحسن ما ينبغي، وكانت جنازته حافلة جدّاً حضرها أكابر الأمراء وأعيانها وأعيان المباشرين ومَن دونهم
(7)
.
[الخبر بنصرة الغُزاة]
وفيه في يوم الخميس، ورد الخبر على السلطان بنُصرة من جهّز من الغُزاة الذِين
(8)
تقدّم ذكرهم
(9)
.
(1)
هكذا في الأصل.
(2)
خبر الاختصار في: إنباء الغمر 4/ 157.
(3)
بابه = تشرين الأول.
(4)
إنباء الغمر 4/ 157.
(5)
في الأصل: "فامتنعوه".
(6)
خبر النساء في: السلوك ج 4 ق 3/ 1209، ونزهة النفوس 4/ 200، ونيل الأمل 5/ 123، وبدائع الزهور 2/ 225.
(7)
خبر وفاة ولد الرسول في: السلوك ج 4 ق 3/ 1213، ونزهة النفوس 4/ 202، ووجيز الكلام 2/ 570، ونيل الأمل 5/ 133، وإنباء الغمر 4/ 157.
(8)
في الأصل: "الذي".
(9)
خبر النصرة في: إنباء الغمر 4/ 158.
[قراءة ختمة شريفة عند قبر ولد الرسول]
وفيه في ليلة الجمعة حادي عشره، أمر السلطان بقراءة ختمة شريفة بقرّاء البلد حضرها جماعة من الأعيان، وعَمل فيها من الأسمطة وما يلائمها شيئاً كثيراً، واحتفل السلطان لذلك احتفالاً زائداً
(1)
.
[ضيافة السلطان لقاصد شاه رخ]
وفيه في يوم الجمعة ثامن عشره، عمل السلطان لقاصد شاه رُخ المذكور ضيافة هائلة ملوكيّة حافلة، وأحضره عنده وألبسه عقيبها خلعة فاخرة بطرز ذهب كبار، فيها خمسمائة مثقال، وأركبه مركوباً من خاص مراكيبه بسَرْج ذهب وكنبوش زركش، فيهما ألف مثقال ذهب. ثم أمر الأمراء أن يضيفوه بالنَوبة، فبدأ الأتابك، وثنّى ولدُ السلطان، وهلمّ جَرّاً، حتى انتهت ضيافة الأمراء فأمر بالسفر، وجُهّزت صحبته هديّة لمرسله ما بين سيوف مسقّطة وغير مسقّطة وقسِيّ وآلات سلاح وثياب سكندري من أعلى الأنواع من ذلك، وسرْج ذهب وكنبوش زَرْكَش يصلُحان للملوك، وغير ذلك من التُحَف والطُرَف ممّا قُوّم ذلك بسبعة آلاف دينار، بعد أن صرف على الرسول ومن معه فوق الخمسة عشر ألف دينار، غير ما جهّز على يده من الهديّة
(2)
.
(ولاية ابن
(3)
عبد المنعم قضاء الحنابلة)
(4)
وفيه في يوم الأحد عشرينه استقرّ في وظيفة قضاء القضاة الحنابلة بمصر الشيخ بدر الدين محمد بن محمد بن عبد المنعم البقراوي الحنبلي أحد نوّاب الحكم الحنابلة بعد وفاة شيخ الإسلام قاضي القضاة محبّ الدين بن نصر اللَّه رحمه اللَّه تعالى. وستأتي ترجمته وترجمة البقراوي أيضاً، كلّ منهما في محلّها إن شاء اللَّه تعالى
(5)
.
[غزوة رودس]
وفيه في يوم الثلاثاء، ثاني عشرينه، قدم الغُزاة المقدَّم ذكرهم، وكان من
(1)
خبر الختمة في: إنباء الغمر 4/ 157.
(2)
خبر الضيافة في: السلوك ج 4 ق 3/ 1213، ونزهة النفوس 4/ 202، ووجيز الكلام 2/ 570، ونيل الأمل 5/ 123.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
خبر الولاية في: السلوك ج 4 ق 3/ 1210، والنجوم الزاهرة 15/ 343، ونيل الأمل 5/ 124، 125، وبدائع الزهور 2/ 225.
شأنهم أنهم لما انحدروا من ساحل بولاق في اليوم الذي قدّمنا ذِكره وصلوا بعد ذلك إلى ثغر دمياط، ثم ركبوا البحر الملح إلى قبرس، فجهّز لهم متملّكها الإقامات وما يليق بهم، ثم توجّهوا إلى العلايا، فأمدّهم صاحبها، وهو من ذريّة السلطان علاء الدين السلجوقي، أمدّهم بغرابين شُحِنا بالمقاتلة، فساروا إلى أن نزلوا على رودس وقد استعدّ من فيها من الفرنج لقتالهم، فراسلوا صاحب رودِس بمكاتبة من السلطان، فورد عليهم من أنذرهم بالتنبيه بهم من الفرنج، فأقلعوا من
(1)
الساحل، وإذا بالفرنج وقد أحاطوا بهم في أثناء ذلك، فوقعت بينهم محاربة قُتل فيها من العسكر الإسلامي أثنا
(2)
عشر رجلاً، وجُرح جماعة عدّة، وكذلك من العدوّ، ودام القتال إلى الليل، فاتفق أن هبّت في تلك الليلة ريح شديدة وأمطرت فأفرج عنهم بذلك، فساروا ومرّوا في سيرهم على بعض قرى سواحل البلد، فرأوا في طريقهم معصرة لقصب السُّكَّر فطرقوها ونزلوا عليها ونهبوا ما فيها، وأسروا من وجدوه من المزارعين الفرنج بها، وعادوا إلى ثغر دمياط ولم يحصل لهم ما خرجوا بسببه
(3)
. وللَّه الأمر يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد.
أقول: وهذه أول بعثة بعثها الظاهر للغَزاة في سلطنته، وتفاءل جماعة بأنه لا سعد للسلطان في الغزو كما كان للأشرف بَرْسْباي، وبلغه ذلك فتحرّك بسببه لغزو رودس وقصد أن يأخذها كما أخذ الأشرف قبرس، فما حصل مُراده ولا ما قصده. وكان ما يقال به النجّامة كما قيل، لكن للسلطان نيّته، فإنه اجتهد في ذلك غاية الاجتهاد ولم يحصل له ما أراد.
ما كلُّ ما يتمنّى المرءُ يُدركهُ
…
تجري الرياح بما لا تشتهي السُفُنُ
كنت حين وضعت هذا البيت بهذه المناسبة في أصل مسوَّدات هذا التعليق حضرني بعض من يدّير العلم والذوق ومعرفة الأدب والنَظْم، فبدرني بأن قال: هذا ليس من نظْمك.
فقلت له: أنا لم أدعّ أنه من نظمي فإنه أشهر من:
قِفا نبْك
ولم أذكره إلّا لمناسبة المقام إيّاه.
(1)
في الأصل: "ما".
(2)
في الأصل: "اثني".
(3)
خبر الغزوة في: السلوك ج 4 ق 3/ 1210، والنجوم الزاهرة 15/ 343، وإنباء الغمر 4/ 158، وتاريخ طرابلس السياسي والحضاري (تأليفنا) 2/ 183، 184.
فما كفاه ذلك حتى قال: وليس هو في أصل نظمه كما قلت أنت هاهنا، وإنّما أصله:
بما يشتهي السَفِنُ
بإضافة الشهوة إلى السَفِن، ففتح السين وكسر الفاء، وهو راكب السفينة، وليس تشتهي السُفُن كما قلتَ أنت فما يجوز، وقد غلط العوامّ في هذا البيت، وأنت وغيرُك تبِعَهم في هذا الغلط.
فقلت له: الغلط هو ما تقوله أنت.
فتغيّظ من ذلك واستشاط، ثم قال: كيف يصحّ الذي تقوله أنت؟
فقلت له: لا أجيبك عن ذلك فإنّك لا تؤهَّل لذلك وتتعلَّم ما لست له بأهل.
فانظر يا أخي إلى هذا الغرّ والغَيّ المدّعي العلم بل والأدب الذي لا يعرف التكلّم كما عرفته من لفظه الذي حكيناه عنه في إضافة الشهوة إلى السفن، فلا يفرّق بين الإضافة والإسناد، ولا يصل إلى عقله إسناد الفعل إلى غير الفاعل، وأنه جائز، وهو أبلغ من الآخر، على تقدير وجود الذي قاله على أنه لا وجود له، فإنه لم يسمع في اللغة أن يقال لراكب السفينة سفن. لكنّني حين لم أُجِبْه بقي يتملّق لي بأخرة في الجواب، لا على باب أنه جائز، بل على باب أنه يرد ما يُجاب به، فإنه جزم أن ذلك غير جائز. فلما لم أُجِبْه استشعرت منه فهْم الدفع للسكات فقط، وأنه لا وجه لِما قلته حيث استبعد ذلك، فأوردت عليه قوله تعالى: {وَاسْأَلِ
(1)
الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] حتى يعرف حقيقة
(2)
ما قلته، ويعرف أنه لا بدّ من الجواب عمّا قاله، وأنّني غير مُفيده إيّاه. فقلت له: ما تفعل بهذه الآية، وهي كلام اللَّه تعالى؟
فبُهت، ثم كان ذلك سبباً لتفحّصه عن ذلك، حتى بلغني أنه سأل بعض أهل العلم في ذلك حتى عرف حقيّة ما قلته.
فنعوذ باللَّه من جهلٍ يُفْضي بصاحبه إلى هذه الرتبة. على أنّ هذا المسكين ممن يعتقد نفسه اعتقاداً زائداً، وأنه هو هو، ومن العجب أن كثيرا ممّن يدّعي الفضل والعلم والرياسة من أبناء زماننا هذا يعتقد في هذا بأنه ممن له فضل وعلم فوق الحدّ.
[سقوط قنطرة باب البحر]
وفيه في ليلة الخميس رابع عشرينه، سقطت قنطرة باب البحر خارج القاهرة، ومات جماعة ممّن كان عليها
(3)
.
(1)
في الأصل: "واسئل".
(2)
في الأصل: "حقية".
(3)
خبر القنطرة في: السلوك ج 4 ق 3/ 1210.
[اِعتراض أهل مكة على سفر الشريف بركات]
وفيه في يوم السبت سادس عشرينه، ورد الخبر من مكة المشرّفة من السيّد الشريف بركات صاحب مكة جواباً على السلطان بأنه تجهّز للحضور إلى حضرة السلطان كما مرّ به، ولما رحل هو من الوداع بالمسجد الحرام تعلّق أهل مكة به ومنعوه من السفر عنه، وجّه أنه إذا سار فسدت الأحوال إلى حين رجوعه.
وكتب سودون للناس بمكة مكاتبة إلى السلطان قدّمه لكاتبه صاحب مكة بأنّ الرأي والمصلحة في عدم سفر الشريف، فقبل السلطان العذر بعد النشاط
(1)
والتي راعني
(2)
عنه من الحضور بعد أن تجهّز عشرة آلاف وتجهّز له إذا حضرت خلعة من السلطان
(3)
.
[الحكم برجم يهوديّ زانٍ]
وفيه - أعني هذا الشهر - طُلب يهوديّ متزوّج إلى بين يدي بعض الحكام وادُّعي عليه بأنه زنى بيهودية، وكاد أن يعمل معه الحكم الشرعي من رجْمه على مذهب من يرى ذلك، فاعتنى به بعضٌ من أخصّاء السلطان، واحصها
(4)
عنه بعض نواب الحكم الحنفية وادّعى عليه، وحكم برفع الذمم عنه، وبعد حكمه من عداه من بعد
(5)
أن حكم مذهبهم برجمه، وعُدّ هذا من النوادر ومن أنفع الأحكام، وأنفع التنافيذ التي لم نسمع بمثلها، وإن كانت شائعة شرعاً لأكُرِه بحيث يحكم بذلك وينفذ، فما سمعنا ذلك، وللَّه الأمر
(6)
.
[اشتداد الحرّ في شهر بابه]
وفيه - أعني هذا الشهر - ووافق شهر بابه من شهور القبط لم يزل الحَرّ شديداً. كذا قاله الحافظ ابن
(7)
حجر
(8)
، رحمه الله، قال: أشدّ مما كان في توت
(9)
، واستمرّ
(1)
في الأصل: "اللسا".
(2)
هكذا في الأصل. والصواب: "والذي راعني".
(3)
خبر الاعتراض في: السلوك ج 4 ق 3/ 1210،، 1211، ونزهة النفوس 4/ 202، ونيل الأمل 5/ 124.
(4)
هكذا في الأصل. ولعلّ الصواب: "وأحصنها".
(5)
في الأصل: "من بدان".
(6)
خبر رجم اليهودي في: السلوك ج 4 ق 3/ 1211، 1212، ونيل الأمل 5/ 123.
(7)
في الأصل: "بن".
(8)
في إنباء الغمر 4/ 158.
(9)
توت = أيلول = سبتمبر.
الشهر كله بطوله على ذلك. ولم يزل النيل فيه ثابتاً ثباتاً عجيباً بحيث لم ينقص في هذا الشهر كلّه بطوله سوى نحو الذراع فقط، ثم أخذ في النقص
…
في أول جمادى الآخرة، واستمرّ الحرّ فيه أيضاً، وكان موافقاً لشهر هاتور
(1)
من أشهُر القبط، فلم يكن فيه من أوّله لآخره البرد الذي يُعهد في مثله إلّا اليسير في أواخره. ودخل كيهك
(2)
في ثاني رجب والأمل على حاله، ولم يُعهَد مثل ذلك فيما مضى، لكنْ في صبيحة كيهك وقع برد ليس بالشديد، وظهر الزرع. فلما كان نزول الشمس بالقوس وقع البرد، ثم استمرّ.
[جمادى الآخر]
[الزراعة بعد هبوط النيل]
وفيها في أوائل جماد الآخر المبارك، أخذ الناس في الزرع فشرعوا في ذلك بعد أن شرع النيل في الهبوط
(3)
.
(ترجمة الكوراني شهاب الدين الحنفي]
(4)
4 -
وفيه في يوم السبت ثانيه، كائنة الشهاب الكوراني، وهو أحمد بن يوسف بن إسماعيل بن عثمان التبريزي، الكوراني
(5)
، الشافعي كان، الحنفى الآن ببلاد الروم. ولا بدّ في هذا التعليق من التعريف به قبل الخوض في ذكر ما جرى من كائنته، إذ لا تأتي له ترجمة في هذا التعليق، فإنه لم يتوفّ إلى الآن، وهو حيّ باق ببلاد الروم.
قدم الكوراني هذا للقاهرة في أواخر سنة تسع وثلاثين وثمانمائة، وكان حين قدومه ذا فاقة وقلّة على عادة غُواة الطلب من العجم والروم، فاتصل بالكمال بن البارزي لفضيلة كانت فيه وعلم، فنوّه الكمال به وعرّف به الناس، فصار يتردّد إلى
(1)
هاتور = تشرين الثاني = نوفمبر.
(2)
كيهك = كانون الأول = ديسمبر.
(3)
خبر الزراعة في: إنباء الغمر 4/ 158.
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
انظر عن (الكوراني) في: السلوك ج 4 ق 3/ 1212، وإنباء الغمر 4/ 158 - 160، والنجوم الزاهرة 15/ 344، وعنوان الزمان، للبقاعي 1/ 60 - 65 رقم 11، وعنوان العنوان، له، رقم 13، والضوء اللامع 2/ 241 - 243 رقم 243 وفيه:"أحمد بن إسماعيل" بإسقاط "يوسف"، وأعاده في ج 2/ 247 قبل الرقم 690 بإثبات يوسف، وقال:"مضى بدون يوسف"، وقال في آخر ترجمته الأولى 1/ 243 مات في أواخر رجب سنة 893، ونيل الأمل 8/ 167 رقم 3558، والمجمع المفنّن 1/ 595 - 600 رقم 569، ونزهة النفوس 4/ 203.
الأكابر والسلطان، وحصل له بعض وظائف دينية وشيء من المرتّبات، وكان من جملة وظائفه تدريس الشافعية بالمدرسة البرقوقيّة، وغير ذلك. وكان يجالس السلطان، وأخذ بتلك البلاد قبل مجيئه لهذه البلاد عن جماعة من كبار علمائها، ثم أخذ في هذه البلاد عن جماعة، منهم: العلاء القلقشندي، قرأ عليه "الحاوي"، وقرأ "البخاري" على الحافظ ابن
(1)
حجر، رحمه الله. وكان عنده بعض طيش وخفّة لشهامة كانت عنده بواسطة اعتقاده لنفسه. فاتفق أن حضر شيخنا الشيخ حميد الدين محمد ابن
(2)
الشيخ تاج الدين البغدادي النعماني الحنفي، الذي ولي القضاء الحنفية بعد ذلك بدمشق، وكان حضوره من دمشق، فذكر عن شخص من أهل العلم بدمشق شيئاً نسبه فيه إلى ما لا يليق به، فأنكره عليه الكوراني المذكور، ووقع بينهما مقاولة بسبب ذلك، فلم يحتمل الشيخ حميد الدين ذلك وأخذ يشفع عليه. ثم اتفق اجتماعهما عند الكمال بن البارزي كاتب السرّ، فأعيد ذلك الذي كان وقع لهما، ووقع بينهما الشر وزاد، وتقاولا، وبدأ الشيخ حميد الدين الكوراني بقوله: أنت حمار ما تفهم.
فقال له الكوراني: الحمار أنت وأبوك وأجدادك وأسلافك.
قال لي بعض أصحاب الكوراني المذكور: ومُراد الكوراني من ذلك التعريض بحميد الدين بأنه ليس من ذرّيّة الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، فإنه كان يطعن في نسبه على ما سيجيء في محلّه إن شاء اللّه تعالى.
وذكر بعض من له تعصّب أن الكوراني من كثرة بغضه في الحنفية والتعصّب عليهم قال ذلك لحميد الدين.
والذي ظهر لي هو الأول، لأن التعصّب لا يبلغ / 12 أ/ مرتبة سبّ الإمام الأعظم رضي الله عنه.
ولما وقع بينهما ذلك فحش الحال فيه إلى أن تعصّب حميد الدين على
الكوراني. وكان شيخنا حميد الدين، رحمه الله، يعاب بمثل ذلك الذي كان
السكات عن القيام في مثله أجمل، وتركه بالكلّية أفضل للعاقل اللبيب، لا سيما إن
كان لغرضٍ دنيوي أو لهوَى نفس، لا واخَذَه اللَّه تعالى بذلك، فإنه شيخنا ولا
نقُل
(3)
فيه إلّا خيراً، ولا نودّ له إلّا الخير، لكنّه قام في قضيّة الكوراني قياماً كلّيّاً
وكان سبباً لأذاه، وحرّك جماعة، منهم البدر بن عُبيد اللَّه وشخص آخر كان فقيهاً
لقاصد شاه رُخ ملك العجم الذي قدّمنا ذكره، وكان قد ورد صحبة القاصد
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
الصواب: "نقول".
المذكور، وكان قد وقع للإثنين المذكورين مع الكوراني ما أوجب حنقهما عليه، ومنه آل الأمر إلى التعصّب التامّ عليه، فبدأ حميد الدين بشكواه للسلطان الظاهر، وكان الظاهر، رحمه الله، على عادة التُرك، الدعوى عنده لمن سبق لا لمن صَدَق، فتشكّى له بكلام طويل لا حاجة لنا بذكره، فقال له الظاهر: أَلَكَ بيّنة بما تقول؟ فاستشهد بالبدر محمود بن عُبيد اللَّه.
وكان أصل قضيّة البدر مع أحمد الكوراني وحنقه منه الحنق الذي أدّاه إلى أذاه أنه كان سعى قبل ذلك في قضاء دمشق الحنفيّة عن الشمس الصفدي، وكان بينهما في العلم ما بين الثُريّا والثَرى، فاتفق أنْ عارضه الكوراني في مجلس كاتب السرّ ابن البارزي، فأوجب له أن يحمل عليه، فشهد عليه عند الظاهر، ثم طلب السلطان شاهداً آخر، فأحضروا إنساناً زعموا أنه يشهد، فلم يشهد بشيء. وكان الشهاب الكوراني قد طلع إلى السلطان على عادته وأخذ يتنصّل مما نُقل عنه بكل ما تصل إليه قدرته، وأشرفت القضيّة على السكون. ولم يسكت حميد الدين، وبقي يدور على أعيان الحنفية ويستحثّهم على مساعدته والقيام معه، ويُظهر لهم أنه ما يفعل ذلك لأجل نفسه بل لأجل الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، كيف يجعله هذا الشخص حماراً، وصار يحرّض في هذه القضيّة ويذكر لهم أشباه هذا، إلى أن آل الأمر إلى تحريك فقيه قاصد شاه رُخ الذي قدّمنا ذكره وحرّضه على القيام معه، وبيّت معه ما يوصله إلى ذهن السلطان، وتساعدوا على هذا إلى أن تمّ كيدهم، فقام القاصد المذكور مع الحميد المذكور وساعده بكلام أوهم فيه السلطان أنه إن لم يوقع بالكوراني المذكور، فعاد عيبه عليه ونُسِب إلى التعصُّب على أبي حنيفة رحمه الله، ويبلغ ذلك بلاد العجم ولشاه رُخ. وكان الكوراني ربّما نقل على السلطان بطيشه وخفّته ومداخلته له، فحرّك عنده ساكناً مع تشنيع هذا الفقيه عليه عند السلطان، فأمر بطلبه في الحال ورسم بسجنه ببرج القلعة، وبعث إلى القضاة بعقد مجلس في ذلك، فاجتمعوا في يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من جمادى الأولى المذكور بين يدي السلطان، وأحضر الكوراني من البرج، فادّعى الشيخ حميد الدين عليه عند قاضي القضاة السعد بن الدَّيري، وأمر السلطان بنزوله معه إلى منزله، فأنزل ماشياً، وشهد عليه البدر محمود بن عُبَيد اللَّه، وانضاف إليه آخر يقال له بدر الدين البنبي.
قال الحافظ ابن
(1)
حجر
(2)
، رحمه الله، في حق البنبي: فاتفق حضور بعض
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في إنباء الغمر 4/ 160.
الأطبّاء، وهو ابن أخت شمس الدين ابن العفيف الذي قتله السلطان الأشرف بَرسْباي في آخر عُمُره هو، وحضر فذكر أنه كان دخل لكاتب السرّ لضرورة، فسمع الكاينة فشهد بها، فاجتمعوا في يوم السبت المذكور، وكان محتسباً إذ ذاك، فأمر السلطان بعقوبة الكوراني وضرْبه عرياناً، فشفع فيه ابن الدَيري إلى أن يُضرب تحت رِجليه، فأمر بضربه خمساً وسبعين
(1)
عصاً
(2)
تعزيراً له، وكانت هذه عادة الظاهر جقمق في التعزير، ثم أمر بنفيه، فأُخرج في الحالى إلى التُرب بالصحراء، ثم ذهب منها.
(بقيّة ترجمة الكوراني)
(3)
أقول: وهو - أعني الكوراني هذا - موجود الآن ببلاد الروم انتهت إليه الرياسة هناك، وانتقل إلى مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه، وولي قضاء بُرْصا وما والاها، وصار المشار إليه، ومن أعيان تلك البلاد، بيده زمام الفتوى والتدريس. وكان السلطان محمد بن مراد بن عثمان يعظّمه إلى الغاية، ويبلغنا عنه العلم الغزير، والفضل الكبير، والعقل الوافر، والسيرة المحمودة، والحركات المسعودة. وقاسى الشيخ حميد الدين بعده أموراً وأشياء، عفا اللَّه عنه ورحمه، فواللَّه لا نحب أن نسمع عنه ما يشينه، لكنّه كان في مثل هذه الأشياء مِلحاحاً لجوجاً كالمطوع على ذلك، وكان يقصد بذلك إظهار نفسه وأنّ له غيرة وقالاً وقيلاً، ويظنّ - بل يجزم - أن ذلك ممّا يحمده الناس عليه وممّا يعظُم به عندهم ويشتهر لديهم، وأنه يؤجر على ذلك، فلا حول ولا قوّة إلّا باللَّه، وعند اللَّه مجتمع الجميع.
[إمرة الحاجّ]
وفيه في يوم الإثنين رابعه. خُلع على تمرباي التمربُغاوي بإمريّة الحاجّ
(4)
.
[جلوس السلطان للفصل بالقضايا]
وفيه في يوم الثلاثاء خامسه، ابتدأ السلطان بالجلوس لفصل الأحكام بين الناس، وكان قد نادى قبل ذلك بذلك أنه من كان له ظلامة
(5)
فعليه بالسلطان في يوم السبت والثلاثاء.
(1)
في الأصل: "خمسة وسبعون".
(2)
في الأصل: "عصي".
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
خبر الحاج في: نزهة النفوس 4/ 205، ونيل الأمل 5/ 126.
(5)
في الأصل: "طلابة".
[كتابة الأشراف]
وفيه في يوم الخميس سابعه، استقرّ السيد الشريف بدر الدين حسين بن أبي بكر الفداء الحسني في كتابة الأشراف، وخلع عليه بها عِوضاً عن الشريف بدر الدين بن حسن بن علي بن أحمد بن علي بن حسين الأرمدي، المعروف بابن قاضي العسكر.
(ولاية الجلال المحلّي مشيخة البرقوقية)
(1)
وفيه - أعني جمادى الآخرة - استقرّ في مشيخة الشافعية بالمدرسة البرقوقية الشيخ شمس الدين ابن حسّان الشافعي، ثم لم يتمّ له ذلك، فوليها الإمام شيخ الإسلام الشيخ جلال الدين المحلّي، رحمه اللّه تعالى، وكانت قد شغرت عن الشهاب الكوراني المتقدّم ذكره.
[قدوم الأمير جُلبان إلى القاهرة]
وفيه، في يوم الخميس رابع عشره، قدم الأمير جُلُبّان نائب الشام إلى القاهرة ونزل السلطان إلى لقائه لمطعم الطير من الريدانيّة، وكان نزوله بهيئة موكب السلطنة، وخلع على جُلُبّان وهو بالمطعم، وعاد وهو في خدمته إلى القلعة. وهذه أول ركبة ركبها الظاهر بهيئة موكب السلطنة وأُبَّهة المُلك في سلطنته
(2)
.
[تقدمة جُلبّان للسلطان]
وفيه - أعني هذا الشهر - قدّم جُلُبّان المذكور للسلطان تقدمة هائلة على رأس أربعين حمّالاً
(3)
.
[تكرار الخلَع على جلُبّان]
وفيه أيضاً خُلع على جُلُبّان أيضاً، ثم تكرّر الخلع عليه مراراً.
[رجب]
[الكشف على الميدان الناصري]
وفيها، في يوم الإثنين ثالث رجب، ركب السلطان من قلعته وعليه ثياب
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
خبر قدوم جلبان في: السلوك ج 4 ق 3/ 1213، 1214، وإنباء الغمر 4/ 160، ونزهة النفوس 4/ 205، ونيل الأمل 5/ 126، وبدائع الزهور 2/ 226.
(3)
المصادر السابقة.
جلوسه، ونزل قاصداً الميدان الناصري شاقّاً الصليبة حتى وصل إليه وقد خرب، فكشفه وما يحتاج إليه من الترميم، وأمر بعمارته، ثم عاد سريعاً. وهذه ثاني رَكبةٍ ركبها هذا السلطان من يوم سلطنته
(1)
.
[تأمير طوخ تقدمة ألف]
وفيه، في يوم الإثنين عاشره أُمر طوخ من تمراز الناصري لرأس نَوبة الثاني تقدمة ألف بمصر عِوَضاً عن ألطنبُغا المَرْقَبي بحكم وفاته، كما سيأتي في الوَفَيات
(2)
.
[تأمير قانِباي الجركسي]
وفيه قُرّر قانِبَاي الجركسي الذي ولي الدوادارية ثم الأمير اخورية الكبرى فيما بعد ذلك، وصار أحد أركان دولة الظاهر جقمق هذا ومن مد برّي مملكته أيضاً، قُرّر في إمرة طوخ المذكور زيادة على ما بيده من شادّيّة الشراب خاناه
(3)
.
[تقرير إقطاع قانِباي]
وفيه قُرّر في إقطاع قانِباي المذكورة ثلاثة نفر من الخاصكيّة
(4)
.
[نيابة القلعة]
وفيه خُلع على تغري بَرْمَش الجلالي المعروف بالفقيه، وقُرّر في نيابة القلعة عِوضاً عن ممجق النَوروزي
(5)
.
[المشيخة بالبَهْنساوية]
وفيه خُلع على يونس بن محمد بن إسماعيل بن مازن بمشيخة عربان
(6)
حلّة بالبهنساويّة.
[كشف الجيزية]
وفيه خلع على تغري بردي
(7)
دوادار قد استمرّ باستمراره على كشف الجيزية.
(1)
خبر الكشف في: السلوك ج 4 ق 3/ 129، والنجوم الزاهرة 15/ 345، ونيل الأمل 5/ 127، وبدائع الزهور 2/ 226.
(2)
خبر تأمير طوخ في: نيل الأمل 5/ 128.
(3)
خبر تأمير قانباي في: السلوك ج 4 ق 3/ 1216، ونيل الأمل 5/ 128.
(4)
المصدران السابقان.
(5)
خبر نيابة القلعة في: نيل الأمل 5/ 127.
(6)
هكذا في الأصل.
(7)
في الأصل: "بدوي".
[تجريدة نائب بَعْلَبكّ إلى الحج]
وفيه في هذه الأيام قرّر جانِبك المعروف بنائب بَعْلَبَكّ أحد العشرات إلى الريدانيّة، وقد استقرّ باشاً على تجريدة تخرج إلى المدينة الشريفة وعدّتها خمسون نفراً من الجُند السلطاني، ودام بالريدانيّة حتى اشتغل بالسفر منها في رابع عشر رجب هذا، وسار نائب جُدّة معه وهو شاهين القاري، وناظرا التقيّ بن نصر اللَّه أحد مدبّري الدَّسْت، وناظر دار الضرب، وسافر معهم جماعة يريدون الحج، وخرج معهم خاصكي المولى ابن
(1)
قاسم بحضوره بطلب
(2)
من السلطان، وأن إمريّة تسفيره ألف دينار.
(مولد مصنّفه عُفي عنه)
(3)
وفيه في ليلة الأحد حادي عشره، وُلد الفقير معلّق هذا التعليق عبد الباسط أبو المكارم بن خليل بن شاهين بمدينة مَلَطْية، وكان الوالد إذ ذاك نائباً بها، وُلِّيها عن حسن خُجا أخو تغري بَرْمَش التركماني نائب حلب.
وأمّ الفقير أمّ ولد سَريّة اسمها شُكْرْباي، تزوّج الوالد بها بعد عتْقها، وكانت من خيار نساء عصرها ديناً وخيراً، ماتت بدمشق في نفاسها شهيدة في سنة اثنتين
(4)
وخمسين، ولي من العُمر نحو الثمان سنين، رحمها الله تعالى.
ومات ولدها أخي المنفوس بعدها بأيام.
[دَوَران المحمل]
وفيه في ثالث عشره، أدير المحمل على عادته، وكان دوراناً حافلاً مشهوداً إلى الغاية، غير أنه أُبطل فيه العطاء الذي كان يُعمل في المحمل، وجرت العادة به وبالحراقة بالرُمَيلة.
[انعقاد مجلس بشأن قاضي القضاة الصفدي]
وفيه في تاسع عشره، أمر السلطان بعقد مجلس بحضرته بسبب الشيخ شمس الدين الصفدي، وهو محمد بن علي بن عمر الصفدي، الحنفي، قاضي القضاة بدمشق ادّعى فيه عليه شيخنا حميد الدين النعماني بأنه قال في بعض مجالسه: أنا لا أتقيّد بمذهب أبي حنيفة، بل أحكم تارة بمذهب الشافعي، وتارة
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "بقلب".
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
في الأصل: "سنة اثنين".
بمذهب مالك، وتارة بمذهب أحمد بن حنبل. وادّعى حميد الدين بأنّ علماء مذهبه أفتوا بأن هذا القول تلاعب، وأن الحكم بذلك لا يصحّ. فسُئل الشمس الصفدي عن ذلك فأجاب بأنه لم يُرد بذلك إلّا اتباع مقالة أبي يوسف صاحب أبي
(1)
حنيفة تارة، ومقالة محمد بن الحسن أخرى، وغيرهما من علماء المذهب. فأجاب الشيخ حميد الدين بأن هذا الجواب لا يطابق الدعوى، فانتصر بالجواب شيخ الإسلام حافظ العصر ابن
(2)
حجر
(3)
، رحمه الله، للشمس الصفدي، فقال لحميد الدين في ذلك المجلس: بل يطابق الدعوى إذا أراد الرواية التي عن أبي يوسف توافق مذهب الشافعي مثلاً، والرواية التي عن محمد توافق مذهب مالك مثلاً، فلا يلزم من ذلك أن يخرج عن مذهب الحنفية.
وطال المجلس وكثر الكلام فيه، وآل الأمر بعد ذلك إلى أن قال السلطان: لو ثبت عليه شيء ما كان يجب عليه أكثر من التعزير، وقد عُزّر بإحضاره من دمشق إلى القاهرة. وانفصل المجلس.
وكان لما قدم الشمس الصفدي هذا إلى القاهرة شنّع عليه قبل ذلك الحميد النعماني عند السلطان وغيره بأن نقل له عنه بأنه سُئل مرة عن الحكمة في طواف النبيّ صلى الله عليه وسلم على نسائه رضي الله عنهن في ليلة واحدة، فنُقل عنه أنه أجاب بأن الحكمة في ذلك أن يعفّهنّ عن الزِّنا. فاستبشع هذا اللفظ، وحصل منه عند السلطان حاصل وغضب غضباً زائداً ظنّاً منه أن ذلك صحيحاً عن المذكور، فأمر بإحضاره وأرسل إليه بريدياً
(4)
بسبب ذلك، فتكلّف له مائتين دينار
(5)
ذهباً وأزيد عليها من غير جنس المبلغ أشياء أُخَر. ولما حضر إلى القاهرة لم يؤذن له بالحضور إلى بين يدي السلطان، فاتفق حضور جُلُبّان نائب الشام على ما قدّمناه في أثناء ذلك، فشفع له في أن يسلّم على السلطان، فامتنع السلطان من ذلك، وصمّم على أنه لا يأذَن له إلّا إذا عاد الجواب من دمشق وبرئت ساحته مما نُسب إليه.
وكان حين حضر تنصّل من ذلك، وكتب إلى دمشق بتحرير ذلك، فلما لم يعد الشيخ حميد الدين بذلك ولا ما يُشنّع به انتقل إلى شيء آخر، وهو ما ذكرناه، وظهر لكل أحد تعصب الشيخ حميد الدين عليه وللَّه الأمر
(6)
.
(1)
في الأصل: "أبا".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في إنباء الغمر 4/ 161.
(4)
في الأصل: "بريدي".
(5)
في الأصل: "دينار".
(6)
خبر انعقاد المجلس في: السلوك ج 4 ق 3/ 1217، 1218، وإنباء الغمر 4/ 161، ونزهة النفوس 4/ 206، ونيل الأمل 5/ 127.
[قضاء الشافعية بدمشق]
وفيه عيّن السلطان الشيخ شمس الدين محمد بن إسماعيل بن محمد بن أحمد الوَنَائي الشافعي لقضاء الشافعية بدمشق، عِوَضاً عن السِراج الحمصي. وكان الوَنَا [ئي] قد شرع في إلقاء درس ببعض الكتب، فتوقّف وسأل أن يُمهل إلى أن يختم الكتاب الذي شرع فيه في آخر شهر رمضان، فأجيب إلى ذلك، ثم سأل في أثناء ذلك في إعادة ما خرج من وظائف الشافعي بدمشق إليه إذا وُلّي، فأجيب إلى ذلك، ثم استشعر أن ذلك لا يتمّ له فاستعفى رأساً وبقي الحمصي.
قال الحافظ ابن
(1)
حجر
(2)
، رحمه الله، حين ذكر هذه القضية: وفي العشر الوسط صرّح السلطان بعزل الحمصي، ثم ذكر تعيين الونائي بنحو ما قلناه إلى أن انتهى من ذلك.
أقول: لعلّ مراده بذلك أنه لما بقي بعد ذلك لم يبق بولاية ثانية، فكأنه رحمه الله يشير إلى بُطلان أحكام الحمصي أو فسادها بعد ذلك، وهذا الذي ظهر لي من النكتة في قوله: صرّح، فإن الحافظ ابن
(3)
حجر، رحمه الله، كان كثير التنكيت على الحمصي لخصائله السيّئة، وأيضاً فإنه كان ينتمي لبني البُلقيني ويميل إليهم ويقوم معهم: وهذا لا يخفى على من علم أحوالهم بالوقوف عليها نقلاً أو مشاهدة، لا سيما مصاحبته لقاضي القضاة العَلَم البُلقيني، ثم مواطأته هو وإيّاه في بعض الأوقات أن يرشّح نفسه - أعني الحمصي - لقضاء الشافعية بمصر ليكون وسيلة إلى طلب العَلَم القضاء على ما يشير إليه كلام الحافظ رحمه الله في موضع من كتابه "إنباء الغُمر".
على أنني رأيت خط الحمصى في إجازة وهو يفتخر بالحافظ هذا، وعدَّه من مشايخه، ولم يعدّ منهم العَلم البُلقيني.
[عودة الصفدي إلى دمشق]
وفيه سافر الشيخ شمس الدين الصفدي إلى محلّ قضائه بدمشق بعد أن حصل له من المشقّة ما ذكرناه فيما تقدّم، ولم يثبت عليه ما نُسِب إليه، وخُلع عليه قبل ذلك في عشرين بالشهر هذا باستمراره على ما بيده من قضاء دمشق. وفي رجوعه عاد منصوراً على أعدائه
(4)
.
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في إنباء الغمر 4/ 161.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
خبر عودة الصفدي في: السلوك ج 4 ق 3/ 1217، ونيل الأمل 5/ 129.
[رسالة ابن الأحمر صاحب غَرناطة]
وفيه، في يوم الإثنين، رابع عشرينه، وردت مكاتبة السلطان الغالب أبو
(1)
عبد اللَّه بن الأحمر صاحب غَرناطة وذلك بالأندلس يتضمّن ما فيه المسلمون بالأندلس من الضيق والوباء مع ألفُنْش
(2)
صاحب قَشْتالة، وتعرّض فيها بأن يُنجده السلطان
(3)
.
[سفر الأمير جُلُبّان]
وفيه أيضاً سافر جُلُبّان نائب الشام إلى محلّ كفالته على عادته، وكان سفره بعد أيام من سفر الصفدي
(4)
.
(الكلام على الريح المريسىّ)
(5)
وفيه هبّت الريح المريسيّة هبوبًا شديداً خارجاً عن، والمعتادتأذّى الناس بها إلى الغاية. وهذه الريح إذا هبّت في الشتاء كانت باردة، وإن هبّت في الصيف كانت حارّة، ويتعجّب منها غالب من لا علم له بطبائع الأشياء.
ولقد سألت جماعة من أعيان الأطبّاء بمصر عن سبب ذلك فلم يُجبْنِي أحد منهم بجواب يليق.
وأنا أقول سبب ذلك إن هذه الريح حارّة لطيفة في أصلها، فهي قابلة للانفعال بقدرة الفاعل الحكيم جلّ ذِكره. ففي البرد تقبل البرد فيفعل فيها بإرادة الفاعل مسبّب الأسباب جلّ وعلا، وفي الحَرّ كذلك، ولهذا سرّ الغبار الكثير المترائي، بخلاف غيرها، إذ ليس كهي في ذلك، لأن هذه تمكن من مداخلة الأجسام أكثر من غيرها، وتُسمَّى المريسيّة نسبة إلى المَرِيس من بلاد النُّوبة، وإليه يُنسب بشْر المَرِيْسِي
(6)
من
(1)
في الأصل: "ابن".
(2)
أَلْفُنْش أو ألفونس: يُطلق هذا الاسم اصطلاحاً على كل ملوك الفرنج بطُلَيطُلة وبرشلونة من أسبانيا حتى ولو كان الملك المقصود يحمل اسماً غير ذلك الاسم الشائع في تاريخ أسبانيا المسيحية. والصيغة المثبتة هنا عاميّة على حدّ قول القلقشندي، والصحيح في المصطلح "الفونش". (السلوك ج 1 ق 3/ 666 حاشية رقم 3 نقلاً عن صُبح الأعشى 5/ 484).
(3)
خبر رسالة ابن الأحمر في: السلوك ج 4 ق 3/ 1219، ونزهة النفوس 4/ 208، ونيل الأمل 5/ 129.
(4)
السلوك ج 4 ق 3/ 1214.
(5)
العنوان من الهامش.
(6)
هو بشر بن غياث بن أبي كريمة، أبو عبد الرحمن المَرِيسي العدوي، مولى زيد بن الخطّاب، من أعيان أصحاب الرأي. مات أواخر سنة 218 هـ. ويقال 219 هـ. انظر عنه في: تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، للذهبي، بتحقيقنا - طبعة دار الكتاب العربي، بيروت =
الحنفية. وهي ريح الجنوب عند الأطبّاء، وهي رديئة
(1)
الرياح وأرداها عندهم لأنها سبب للتعفين، لا سيما بمصر، ولهذا قال بعض الأطبّاء إن هذه الريح إذا هبّت بمصر واتصل هبوبها دائماً خمسة عشر يوماً متوالية ليلاً ونهاراً أخذت الوباء بقدرة اللَّه تعالى.
[شعبان]
[تقرير ابن كاتب جكم في نظر دار الضرب]
وفيها في يوم الإثنين أول شعبان المكرّم، قُرّر المَقَرّ الجمالي يوسف ابن
(2)
كاتب جَكم في وظيفة نظر دار الضرب مضافاً لنظر الخاص. وكان ذلك هو العادة القديمة، وتولّاها عن الخادم الخصيّ جوهر الزمام والخازندار
(3)
.
[تجريدة البَهْنَسَاويّة]
وفيه في يوم الأربعاء، ثالثه، رُتّبت تجريدة بحر القلز [م]
(4)
مائة من الجند السلطاني عليها ما يزيد أحد العشرات صحبة ابن
(5)
مازن إلى جهة البهنساوية وقد عاث بها العربان.
[تقرير الخادم طلال بالزمامية]
وفيه، في يوم السبت سادسه، استقر الخادم هلال الرومي الذي كان شادّ الحوش السلطان في وظيفة الزماميّة، عِوضاً عن جوهر المذكور، بمالٍ بذله في ذلك له صورة
(6)
.
[أستادّار الذخيرة]
وفيه في يوم الأحد سابعه، استقرّ الأمير زين الدين عبد الرحمن بن الكُوَيز الذي ولي نظر الخاص فيما بعد، استقرّ أستادّاراً على الذخيرة
(7)
.
= 1411 هـ. / 1991 م. (حوادث ووفيات 211 - 220 هـ.) ص 85 - 88 رقم 55 وفيه حشدنا مصادر كثيرة لترجمته.
(1)
في الأصل: "وهي رديء".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
خبر دار الضرب في: السلوك ج 4 ق 3/ 1219، ونزهة النفوس 4/ 209، ونيل الأمل 5/ 130.
(4)
مهملة في الأصل.
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
خبر الخادم هلال في: السلوك ج 4 ق 3/ 1220، ونزهة النفوس 4/ 209، ونيل الأمل 5/ 130، وبدائع الزهور 2/ 227.
(7)
خبر الذخيرة في: السلوك ج 4 ق 3/ 1220، ونزهة النفوس 4/ 209، ونيل الأمل 5/ 131، وبدائع الزهور 2/ 227.
[استقرار التمرازي خازنداراً]
وفيه أيضاً استقر الخادم جوهر التمرازي خازنداراً، كلاهما، أعني هذا وابن الكُويز، عِوَضاً عن جوهر الذي مات قبل ذلك
(1)
.
وستأتي ترجمة جوهر هذا في تراجم هذه السنة إن شاء اللَّه تعالى.
[الصقيع في مصر]
وفيه، في أوائل طوبة
(2)
من شهور القِبط، وقع الصقيع خارجاً عن المعتاد، فأفسد الكثير من الزروع والأقصاب والفول والبرسيم وغير ذلك
(3)
.
[وقوع مطر رقيق]
وفيه في يوم الأحد رابع عشره، وهو ثالث عشر طوبة، وقع مطر رقيق من طلوع الفجر إلى قريب غروب الشمس مسلسلاً قليلاً قليلاً حتى حصل الوحل وانزَلَق بالطرقات، وخف البرد قليلاً.
(تحسين زين الدين أخذ رواق الجيزيّة)
(4)
وفيه، أعني هذا الشهر، حسّن زين الدين الأستادّار قيزطوغان أن يكلّم السلطان ويحسّن له إخراج الرزق الأحباسية والجيشية التي بالجيزية بضواحي القاهرة عن آخرها، وأن يضاف إلى الديوان المفرد حتى يحصل السداد. وكان زين الدين هذا إذ ذاك ناظر الديوان المفرد، فتكلّم الأستادّار طوغان في ذلك وألقاه ينال السلطان وحسّنه لديه وسهّله له، وألحّ عليه في ذلك إلى أن مال السلطان لذلك، فبادر جماعة من الأعيان لما بلغهم ذلك فقبّحوه لدى السلطان وخوّفوه من الدعاء عليه بسبب ذلك، ففتر عزمه عن ذلك بعد أن لم يبق إلّا أن يتم ذلك، فلما رأى زين الدين ذلك لم يتمّ له، حسّن أن يفرض على كل فدّان من الرزق المذكورة مائة درهم في السنة، فأجاب الظاهر إلى ذلك، وجُبيت، واستمرت إلى الآن. وعلى زين الدين المذكور ومن حسّن ذلك ومن أمر به إثم ذلك وإثم من عمل به إلى يوم القيامة بمقتضى الحديث الشريف النبوي، على قائله أفضل الصلاة والسلام، لا جوزي زين الدين هذا خيراً على ذلك ولا بورك فيه، فقد أخذه اللَّه
(1)
المصادر السابقة.
(2)
طوبة: هو الشهر الخامس في السنة القبطية.
(3)
خبر الصقيع في: السلوك ج 4 ق 3/ 1220، ونيل الأمل 5/ 131.
(4)
العنوان من الهامش.
تعالى بعد ذلك أخْذ عزيزٍ مقتدر، كما ستقف على ذلك في ترجمته إن شاء اللَّه تعالى في سنة أربع وسبعين
(1)
.
[نزول السلطان إلى خليج الزعفران]
وفيه، في يوم السبت عشرينه، ركب السلطان من قلعته بثياب جلوسه، ونزل إلى خليج الزعفران، ومُدّت لديه الأسمطة، فأكل هو وأمراؤه وتنزّهوا، ثم ركب عائداً للقلعة، شاقّاً القاهرة فدخلها من باب النصر، وخرج من باب زويلة قاصداً القلعة. وهذه أول ركبة لهذا السلطان شق فيها القاهرة
(2)
.
[القبض على قانصوه النوروزي]
وفيه، أعني شعبان هذا، ورد الخبر بأنه قُبض بدمشق على قانصوه النَوروزي أحد من خرج مع إينال الجكَمَي نائب الشام واختفى بعد كسرة إينال إلى هذه الغاية، ثم ورد الخبر بظهوره، فخرج الأمر بإيداعه سجن القلعة بدمشق، ففُعل به ذلك إلى أن كان من أمره ما سيأتي ذكره إن شاء اللَّه تعالى
(3)
.
[شهر رمضان]
[ختم البخاري]
وفيه في شهر رمضان المعظّم خُتم البخاري بالقلعة، وخُلع على القضاة والمشايخ ومن له عادة بذلك، وحُملت إليهم الصُرَر المرتّبة لهم على ذلك.
[تقرير سبط العجمي في كتابة السرّ]
وفيه في يوم السبت ثاني عشره، استقرّ معين الدين عبد اللطيف بن شرف الدين سبط العجمي المعروف والده بابن حِجّي في وظيفة نيابة كتابة السرّ عِوضاً عن أبيه شرف الدين المذكور. وستأتي ترجمته في تراجم هذه السنة، وترجمة عبد اللطيف فيما بعد إن شاء اللَّه تعالى
(4)
.
(1)
خبر رواق الجيزية في: السلوك ج 4 ق 3/ 1221، ونيل الأمل 5/ 132.
(2)
خبر نزول السلطان في: السلوك ج 4 ق 3/ 1221، ونزهة النفوس 4/ 210، ونيل الأمل 5/ 133.
(3)
خبر قانصوه في: السلوك ج 4 ق 3/ 1222، ونيل الأمل 5/ 132.
(4)
خبر سبط العجمي في: نيل الأمل 5/ 133.
[ترميم جامع الحاكم]
وفيه، أعني رمضان هذا، فوّض السلطان نظر جامع الحاكم إلى دَولات باي الدوادار، وأمره بكَتْب جهاته وضبْط متحصّلاته وعمارته وما سقط منه، وتنظيف مَيْضأته وترميمها، وإصلاح بلاطه، ومنع النساء من الجواز منه، وكذا من يمرّ بالنعال، وأمر البوّابين بذلك، وصار جميع جهاته إلى دَولات باي هذا
(1)
.
[شهر شوّال]
[صلاة العيد بجامع القلعة]
وفيها استهلّ شوال بالخميس، وخرج السلطان لصلاة العيد بجامع القلعة على العادة، ولما صلّى الإمام وسلّم من الصلاة قام كثير من الجند السلطاني يريدون المبادرة لدخول القصر لأجل لبْس الخِلع، وقام بقيامهم جماعة كثيرة، فكان بينهم زحمة شديدة مات فيها من الزحمة عدّة أُناس، وأُغمي على عدّة. ومن جملة من مات والي باب القلعة
(2)
.
[قضاء الإسكندرية]
وفيه، في يوم الجمعة ثانيه، كُتب بصرف ابن
(3)
عامر
(4)
عن قضاء الإسكندرية، وطُلب الجمال بن الدماميني.
[قدوم قَوَد صاحب مكة]
وفيه، أعني هذا الشهر، قدم قَوَد
(5)
صاحب مكة الشريف بركات.
[خروج الحاج من القاهرة]
وفيه، في يوم الإثنين تاسع عشر شوال، خرج الحاج من القاهرة إلى البركة، وأميرهم على المحمل تمرباي التمربُغاوي نوبة النُوَب.
(1)
خبر جامع الحاكم في: السلوك ج 4 ق 3/ 1223، ونيل الأمل 5/ 134.
(2)
خبر صلاة العيد في: السلوك ج 4 ق 3/ 1224، ونيل الأمل 5/ 134.
(3)
في الأصل: "ابن".
(4)
هكذا في السلوك ج 4 ق 3/ 122، وبدائع الزهور 2/ 228، أما في: نيل الأمل 5/ 133 "ابن غانم".
(5)
في الأصل: "فرق"، وهو كما أثبتناه في: نيل الأمل 5/ 134.
(بعض ترجمة ابن
(1)
التمرباي وأبي
(2)
يزيد)
(3)
• وهو جدّ صاحبنا الشاب الحسن الشهابي سيدي أحمد بن أحمد بن تمرباي الحنفي، من أهل الفضل والأدب والوقار، ذي
(4)
تُؤَدة وحشمة واشتغال بالعلم ومَيل لأهله. حضر دروس المشايخ الأعلام في هذا العصر، وأخذ عن شيخنا العلّامة الكافِيَجي ولازمه مدّة هو.
• والناصر سيدي محمد ابن
(5)
المرحوم أبي
(6)
يزيد.
وهذا المذكور أيضاً من السادة النبلاء الأعيان الفُضلاء، ومن أهل الفضل والعلم / 15 ب/ والأدب والوقار، وحُسن السمت والتُؤَدة والمروءة، ممن قرأ كثيراً وأنجب في كثير من الفنون، فكان شيخنا المشار إليه يثني عليه ويعجبه اشتغاله وذكاؤه. أخذ عن علماء عصره.
وستأتي ترجمة كل واحدٍ منهما بأوسع من هذا في ترجمة تمرباي في محلّها، وترجمة أبي يزيد في محلّها من تاريخنا هذا إن شاء اللَّه تعالى.
[أمير الرَكْب الأول]
وكان الأمير بالركب الأول في هذه السنة سودون قراقاس، وستأتي ترجمته أيضاً. وخرج مسافراً أيضاً في هذا اليوم.
[خروج أمراء للحج]
وفيه أيضاً، أعني هذا الشهر، خرج للحج جماعة من الأمراء، وهم: الأمير تمراز القَرْمشي أمير سلاح، والأمير طوخ الناصري أحد مقدَّمي الألوف.
أقول: وهذا من النوادر كون ثلاثة من المقدَّمين يحجّون في عام واحد. وحجّ أيضاً من الطبلخانات والعشرات سبعة. وحج من جهة الشام أربعة من الأمراء، فكان عدّة من حج في هذه السنة من الأمراء أربعة عشر أميراً، لعلّ هذا لم يقع في دولة من الدول.
أقول: والسبب في إكثار هؤلاء من الحج التقريب إلى خواطر السلطان الظاهر بذلك لأنه كان يحبّ أن يشاع عنه وعن أمرائه التعبّد وإظهار الديانات، وكان يُظهر حبّ من يتعبّد ويحجّ، وينقل الخير، حتى إن جماعة كثيرة ممن فطن به
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "أبو".
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
في الأصل: "ذا".
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
في الأصل: "أبو".
بأنه يعجبه ذلك صار يتقرّب إلى خواطره بأنواع كثيرة من العبادات كالحج وبناء المدارس والجوامع وتجديدها، وتاب جماعة كثيرة ممن كان يرتكب أشياء قبل سلطنته، وصار من له [شيء]
(1)
كتبه من ذلك يُظهر التوبة ويخفي ما يفعله حتى يُرجفه حين ارتكابه ذلك الفعل صفير الصافر، ويخيفه خفق جناح الطائر، كل ذلك لِما كان يُظهره هو - أعني الظاهر - من العبادة والخير والزهادة. والناس على دين مليكهم
(2)
.
(ذِكر ما جُدّد في هذه السنة من المساجد)
(3)
وفيها - أعني هذه السنة - جُدّد بمصر والقاهرة والضواحي عدّة جوامع ومدارس إنشاءً وترميماً وتجديداً لما وهي، منها:
جامع الصالح، وهو طلائِع بن رُزَّيك وزير الخلفاء الفاطميّين
(4)
من بني عُبَيد الذي جدّده الآن في هذا العصر الذي جمعنا فيه تاريخنا هذا يشبُك من مهدي الدوادار، وأظهره على ما سيجيء في محلّه بعد الثمانين إن شاء اللَّه تعالى. جدّده في هذه السنة - أعني سنة أربع وأربعين هذه - في دولة الظاهر رجل يقال له عبد الوهاب العَيني.
ومنها الجامع الذي أنشأه الطواشي الخادم جوهر المَنْجكي
(5)
نائب المقدَّم بالرُميلة تجاه القلعة بعُرَص الغِلال المعروف الآن بمدرسة الطواشي.
ومنها مدرسة تغري بدري المؤذي
(6)
الدوادار الكبير التي أنشأها بخُطّ الصليبية بسوق الأساكفة.
ومنها جامع الفاكهيّين
(7)
بالقاهرة بخط الشّوايّين، وجدّده يشبُك أيضاً حين
(1)
إضافة على الأصل.
(2)
خبر أمراء الحج في: السلوك ج 4 ق 3/ 1225، والنجوم الزاهرة 15/ 346، 347، ونزهة النفوس 4/ 212، 213، ونيل الأمل 5/ 135.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
في الأصل: "القاطنين".
وانظر عن جامع الصالح لابن رُزّيك في: المواعظ والاعتبار، للمقريزي - تحقيق د. أيمن فؤاد سيد - لندن، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي 1424 هـ. / 2003 م. - ج 4 ق 1/ 166 - 178.
(5)
انظر عن جامع الطواشي في: المواعظ والاعتبار ج 4 ق 1/ 312.
(6)
السلوك ج 4 ق 3/ 1230، وبدائع الزهور 2/ 228، ونيل الأمل: 5/ 136.
(7)
هو جامع الظافر، وكان يقال له "الجامع الأفخر" و"جامع الفكّاهين"، والصواب أن يقال:"جامع الفاكهانيين"(المواعظ والاعتبار ج 4 ق 1/ 164، السلوك ج 4 ق 3/ 1229).
هدم الحوانيت التي تبرز بها بالشّوايّين على ما سنذكره في محلّه إن شاء اللَّه تعالى.
ومنها جامع الفخر
(1)
بالقرب من بولاق.
ومنها جامع الصارم
(2)
بالقرب من بولاق أيضاً.
ومنها مشهد السيّدة رُقيّة
(3)
بالقرب من مشهد السيدة نفيسة رضي الله عنها. جدّده السيد الشريف بدر الدين حسن نقيب الأشراف.
[إظهار السلطان العفّة]
وبالجملة، لما أظهر الظاهر هذا في سلطنته العفّة والنزاهة
(4)
والزهد والصلاح، ومقت من يتعاطى ما ينكره الشرع من المسكرات والمنكَرات وغير ذلك من أرباب دولته أخذ أكثرهم في أسباب إظهار التوبة والعفّة، وتصولحوا وتزهَّدوا وتعبّدوا، وصاروا يتقرّبون إلى خواطره بأنواع من المعروف على ما بيّنّاه لك، وإن كانوا في الباطن على خلاف ما هم في الظاهر، وكذا الظاهر. وناهيك بما فعله زين الدين الأستادّار حتى من عظم ذلك صار الظاهر يدعو
(5)
له ويأمر الحاضر من أرباب دولته في بعض الأحيان أن يقرأوا له الفاتحة، ويبدأ هو بذلك، ثم يهدي ثوابها لزين الدين. وكان هذا أحد مقاصد زين الدين من بنائه تلك المدارس والجوامع لعلّ ذلك أعلى مقاصده، وإن كان ثَمَ مقاصد أُخَر.
وأظنّ أنه لم يبق في دولة الظاهر هذا ممن استمرّ على ما كان عليه إلا اليسير مع الخوف الزائد. وعلى كل حال فله فضيلة في ذلك وحصل بذلك النفع.
[خراب الفيّوم]
وفيه، أعني شوال هذا، استولى الخراب على مدينة الفيّوم وبلادها، وجلا أهلها عنها لغلبة ماء بحر السيد يوسف عليها
(6)
، وللَّه الأمر.
(1)
المواعظ والاعتبار ج 4 ق 1/ 247، السلوك ج 4 ق 3/ 1229.
(2)
هو جامع محمد بن صارم شيخ بولاق. (المواعظ والاعتبار ج 4 ق 1/ 321)، والسلوك ج 4 ق 3/ 1229.
(3)
يعرف مشهد رُقيّة بمسجد الرحمة، وبمسجد أبي تراب الصواف. انظر: المواعظ والاعتبار ج 4 ق 2/ 859 - 863، والسلوك ج 4 ق 3/ 1229.
(4)
في الأصل: "النزهة".
(5)
في الأصل: "مدعو".
(6)
خبر الفيوم في: السلوك ج 4 ق 3/ 1225، ونزهة النفوس 4/ 214، ونيل الأمل 5/ 135، وبدائع الزهور 2/ 228.
(القيام بسبب دير بساتين الوزير للحبوس)
(1)
وفيه، أعني شوال هذا، رُفعت قصّة إلى السلطان بأن الدير الذي للحبوس ببساتين الوزير أحدث به أبنية مشيّدة إلى غير من الإنهاء في القَصَّة المرفوعة، فعيّن السلطان قاضي القضاة الشافعي، وهو إذ ذاك الحافظ ابن
(2)
حجر رحمه الله وعيّن معه تغري بَرْمَش الفقيه نائب القلعة، وأمرهما بالكشف عن ذلك، والعمل بما يقتضيه الشرع الشريف، فلما ذهبا إليه وجدا به جماعة من الحُبُوس النصارى، ووجدوه قد بولغ في تهيئته، ووجدوا أمام باب الدير حَوشاً كبيراً مبنيّاً بالحجر الفصّ الأبيض النحيت، فسُئلوا عن ذلك، فاعتلّوا بهجوم اللصوص عليهم، لا سيما وهم مطموع فيهم، فأمروا بإزالة المحدَث وإبقاء الترميم والتحصين لظهور العذر فيه. وكان بناؤهم
(3)
ذلك الحوش إقامة بنيّة في أيام جوهر الخازندار، فإنه كان له قريباً
(4)
من الحبوس يكن بالدير المذكور، أقام النصارى بَنيّة تجاهه شهدوا بأنّ الجدران السامية للكنية من تعلّقاتها، وأنها كانت جدراناً لحوش بالكنيسة. وادّعى النصارى ذلك. وشهد مع البَيّنة على دعواهم لهم عند بعض نواب الحكم الحنفي، فأذِن لهم بإعادتها وإعادة ذلك الحوش ببعضه، فزادوا هم بالجاه أن جدّدوه بالحجر الفص.
لما وقع الأمر من السلطان بكف ذلك حضر جماعة من المسلمين من أهل تلك الناحية، وأخبروا بأن تلك الجدر لم تكن
(5)
للكنيسة المذكورة بل البستان مجاور لها، وكان هذا هو الحقّ.
أخبرني به من أثق به من أهل بساتين الوزير ممن يعرف ذلك ويحقّقه، وأخبروا بأنّ البستان لما خرب سقطت جدرانه، وقلع ما بقي فيه من الأشجار بقي أثر الجدران، فادّعى النصارى ما ادّعوه، وساعدهم جاه جوهر المذكور، وأن جاههم قد انخفض بموته، وأنه توفي جوهر تسحّب قرينه الحبشي الكافر، وكان هو وجماعته يستطيلون على المسلمين المجاورين لهم وعلى من بالدير من النصارى من غير حبسهم وعلى بعض المارّة بهم، كل ذلك بعناية جوهر المذكور. ولما قامت خاف قربه فتسحّب، فلما أُعلم السلطان بذلك أمر بهدم الحوش المذكور، فأذِن قاضي القضاة، رحمه الله، لأحد نوّابه بذلك، فتوجّه هو وتغري
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "بناهم".
(4)
الصواب: "قريب".
(5)
في الأصل: "لم يكن".
بَرْمَش الفقيه، فهدم الحوش المذكور بحضورهما وحضور من معهما، وحصل لأهل تلك الناحية بواسطة ذلك غاية الفرح والسرور
(1)
.
[ذو القعدة]
[نزول السلطان إلى جهة جامع ابن طولون]
وفيه في يوم الثلاثاء ثالث ذي القعدة، ركب السلطان ونزل إلى جهة جامع [ابن] طولون ليأمر بهدم الميضأتين والدُور التي بزيادته
(2)
كما كان أمر بهدم دار ابن
(3)
النقاش، ولم يشك كل أحد في أنه يقع ذلك، فاتفق أنْ كشف عن الجامع، وما أمر بهدم ولا غيره، وركب سائراً إلى الميدان الكبير الناصري فكشف ما كان أمر به من عمّارته وعاد سريعاً
(4)
.
[قدوم نائب حلب إلى القاهرة]
وفيه في يوم السبت سابعه، قدم قانِباي الحمزاوي نائب حلب إلى القاهرة باستدعاء، ونزل السلطان إلى لقائه بمطعم الطير من الريدانية، وخلع عليه وعاد وهو في خدمته إلى القلعة
(5)
.
[تقديم نائب حلب هديّته]
وفيه، في ثامنه تقدّم نائب حلب تقدمه هائلة، وكانت شيئاً كثيراً.
وفيه قدّم كاتب سرّ حلب أيضاً تقدمة هائلة، وكان قد تقدم أيضاً في صحبة قانِباي المذكور
(6)
.
[خروج الجند لمحاربة عربان محارب]
وفيه، في يوم الإثنين حادي عشره، خرج إينال المعروف بالأجرود أحد مقدَّمي الألوف الذي تلقّن بعد ذلك ولُقّب بالأشرف مجرّداً في جماعة
(1)
خبر دير البساتين في: إنباء الغمر 4/ 162، 163.
(2)
في الأصل مهملة: "بربارته".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
خبر نزول السلطان في: السلوك ج 4 ق 3/ 1226، ونيل الأمل 5/ 136، وبدائع الزهور 2/ 228، 229.
(5)
خبر قدوم النائب في: السلوك ج 4 ق 3/ 1226، وإنباء الغمر 4/ 163، ونزهة النفوس 4/ 214، ونيل الأمل 5/ 136.
(6)
خبر تقديم الهدية في المصادر السابقة.
من الجند السلطاني للوجه القِبلي لمحاربة عربان محارب، وقد افتروا بتلك النواحي
(1)
.
[طرد أيتمش الحضري من مجلس السلطان]
وفيه، في أواخره مَقَت السلطان أيتْمِش الحضري وطرده عن مجلسه وأبعده، وهذه ثاني فِعلة فعلها معه هذا السلطان. وكان وقع له مثل ذلك أيضاً في دولة الأشرف بَرْسْباي غير مرة لأنه كان كثير المداخلة بهم ولهم، ويتكلّم بما لا يحبّونه، فإنه كان عنده بعض حدة مزاج وتهوّر، وكذلك كان يتردّد إلى الأكابر والأعيان مع مقتهم له وبهدلتهم إيّاه، ولا سيما لما عرفوا مَقْتَ السلطان له، فإنهم أخذوا هم أيضاً يمقتونه، وهو على ما هو عليه من التردّد إليهم ومداخلتهم
(2)
.
وستأتي ترجمة أيْتْمِش هذا في محلّها إن شاء اللَّه تعالى.
[ذو الحجّة][خروج ثلاثة من المسنِدين من دمشق]
وفيها، في ثالث عشر ذي الحجّة، خرج من دمشق ثلاثة من المشايخ المسنِدين بطلبٍ من السلطان. وكان السبب في طلبهم تغري بَرْمَش الفقيه نائب القلعة لأجل السماع عليهم لعلُوّ سندهم. وستأتي أسماؤهم ويوم قدومهم في التي بعدها إن شاء الله تعالى.
[قدوم مبشّر الحاج]
وفيه قدم مبشّر الحاج وأخبر بالأمن والسلامة
(3)
.
[زيادة النيل]
وفيه، أعني هذا الشهر، ووافق برمودة
(4)
من شهور القِبط، والشمس في برج الحمل زمن الربيع ومواسم مصبنة أصداق النيل زاد زيادة عجيبة نادرة، وكانت
(1)
خبر خروج الجند في: السلوك ج 4 ق 3/ 1226، وبدائع الزهور 2/ 229.
(2)
خبر طرد أيتمش باختصار في: السلوك ج 4 ق 3/ 1227.
(3)
خبر المبشّر في: السلوك ج 4 ق 3/ 1228، ونزهة النفوس 4/ 219، ونيل الأمل 5/ 138، وبدائع الزهور 2/ 229.
(4)
برمودة: الشهر الثالث من السنة القبطية.
نحواً من ذراعين ونصف لم يقع نظيرها إلّا في تسعٍ وثلاثين. وتعجّب الناس من ذلك في زمن الإحراق
(1)
.
[بناء صاحب قشتالة الأسطول وتهديد طرابلس الشام]
وفيه، أعني هذا الشهر، ورد الخبر بأنّ ألْفُنْش صاحب قَشْتالَة الفرنجي بنى أسطولاً
(2)
نحو الخمسين سفينة، بها من البيونية أربعون بيونياً
(3)
، ومن الأغرِبة نحو العشرة أو هي، وقصد أحد أنحاء رودس لغزو السلطان بها.
ثم قدم الخبر من طرابُلُس
(4)
بأن أهل رودس قد أخذوا في الاستعداد للحرب، وأنّ عاد ألفُنش إذا وردت عليهم ثاروا وجاؤوا
(5)
طرابُلُس، وأنّ أهل طرابُلُس في نكدٍ كثير وضرر، وقد خلت الكثير من ضياع طرابلس وقصدوا الجبال وتركوا السواحل، وأنه يُخشَى على طرابلس وما بأحوازها من بلاد الإسلام
(6)
.
[استيلاء الفرنج على مركب عند بيروت]
وفيه، في رابع عشرينه ورد الخبر أيضاً من طرابلس بأن عدّة أغربة من عمارة ألْفُنش وصلت إلى ثغر بيروت، ووجدوا بميناه مركباً معجوناً بالمسلمين والبضائع فقاتلوه وأخذوا وأسروا من به، وكانوا أربعين رجلاً أو زيادة عليها باعوا ممّن أُسِر أربعين
(7)
ولم يقاتلهم، فانزعج السلطان لهذا الخبر، وأمر بعرض أجناد الحلقة ليخرجوا إلى اليَزَك
(8)
بالسواحل، ثم عرضهم الدوادار بأن
(9)
يخرجوا إلى رشيد والطينة. ثم صحّ بأنه ورد بعض مراكب
(10)
إلى ساحلهما وعاثوا، ومع ذلك ( ...................... )
(11)
والحلقة في ذي حجة
(12)
.
(1)
خبر النيل في: السلوك ج 4 ق 3/ 1226، ونزهة النفوس 4/ 214، 215، ونيل الأمل 5/ 137، وبدائع الزهور 2/ 228.
(2)
في الأصل: "ابنا اسطورة".
(3)
البيوني نوع من السفن. انظر. Dozy: supp. Dict،Ar.
(4)
هي طرابلس الشام.
(5)
في الأصل: "جاوا".
(6)
خبر بناء الأسطول في: السلوك ج 4 ق 3/ 1227.
(7)
في الأصل: "أربعون".
(8)
في الأصل: "البدك".
(9)
في الأصل: "الحربانة".
(10)
في الأصل: "بعض راكب".
(11)
مقدار خمس كلمات غير مفهومة.
(12)
خبر استيلاء الفرنج في: السلوك ج 4 ق 3/ 1227، ونيل الأمل 5/ 138، وإنباء الغمر 4/ 163.
(ولاية ضيغم إمرة المدينة المشرَّفة)
(1)
وفيها -أعني هذه السنة-ولي إمرة المدينة- على ساكنها أفضل الصلاة والسلام- ضيغم بن خشرم عِوضاً عن سليمان، وكان سليمان وليها عن أميّان وتحاربا كما قدّمناه، وانتصر سليمان إلى أن ولي ضيغم بعد سليمان، وأظنّه صُرف عنها وما حرّرت ذلك، لكنْ أعلم أن أميّان ولي أيضاً بعد ضيغم ومات بها على ما سيأتي بيانه إن شاء اللَّه تعالى.
[مهاجمة الفرنج ساحل الطينة]
وفيه، أعني ذي الحجة في أواخره، طرق جمع من الفرنج ساحل الطينة في عدّة مراكب، ووجدوا به اثنين
(2)
من مراكب تجار المسلمين فأخذوهما بما فيهما من المتاجر وأسروا أهلهما
(3)
ثم طرقوا الساحل فأحرقوا ما وجدوه به من المراكب ونهبوا كل شيء وجدوه، ولله الأمر
(4)
.
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
في الأصل: "ووجدوا به اثنان".
(3)
في الأصل: "أهلها"، واللفظ يحتمل.
(4)
خبر ساحل الطينة في: إنباء الغمر 4/ 163.
ذِكر نُبَذٍ
(1)
من تراجم الأعيان ووفَيَاتهم في هذا الزمان سنة
844
إعلم أنني ذاكر في هذا التعليق تراجم الأعيان الذين بلغني وأمكنني الوقوف على تراجمهم ووَفَيَاتهم على ترتيب حروف المعجم في مراتبها، فأبدأ بمن اسمه بالهمزة، وكذا اسم أبيه إن اتفق ذلك، وهكذا إلى آخر الحروف إن وُجد من اسمه على الحرف في الرتبة، وإلّا فأعدل إلى الحرف الذي يليه ثمّ، وثم حتى انتهي، وأذكر في بعض تراجم الأمراء تراجم بعضٍ من الأحياء بمناسبته كما أشرنا إلى ذلك في أول تاريخنا هذا، وبالله بالتوفيق.
(ترجمة ابن المَرَة ناظر جُدّة)
(2)
5 -
إبراهيم بن المراة
(3)
القِبطي، القاهري، القاضي سعد الدين، المعروف بابن المَرَة.
بفتح الميم والراء المهملة وبعدها هاء ساكنة. هكذا تُستعمل في عُرف الناس والعامّة.
كان هذا ناظر بندر جُدّة، وناظر الديوان المُفْرَد، وحصل له من بندر جُدّة في دولة الأشرف بَرسْباي ثروة زائدة أصلها من المكوس، فلهذا ذهبت ولم تنفعه
(4)
، وبقي حسابها عليه. ودام ناظراً على هذا البندر عدّة سنين، واشتهر فيه، وظهر،
(1)
في الأصل: "نبذاً".
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
انظر عن (إبراهيم بن المراة) في: السلوك ج 4 ق 3/ 1231، والنجوم الزاهرة 15/ 484، والمنهل الصافي 1/ 179، 180، والدليل الشافي 1/ 32 رقم 95، ونزهة النفوس 4/ 218 رقم 813، والضوء اللامع 1/ 184، ونيل الأمل 5/ 121، 122 رقم 1964، والمجمع المفنّن، للمؤلف بتحقيقنا - ج 1/ 264، 265 رقم 123، وبدائع الزهور 2/ 225.
(4)
في الأصل: "ينفعه".
ورأس، ووجُه، وصار ذا عزّ وجاه وسُمعة بعد أن كان يتخدّم عند الأمراء في دواوينهم. وكان عند أركماس الجُلبّاني نائب طرابلس.
ذكر عنه الوالد في كتابه "كشف الممالك" أنه ضبط المتحصّل من مكس القطن الموسوق للفرنج بمينا طرابلس في سنة واحدة في بعض السنين، فكان نحو الثلاثين ألف دينار
(1)
، وهذا من الغرائب.
ثم آل أمره إلى الرياسة بعد [أن] خدم الأمراء، وتزوّج بأمّ الزين بن مزهر كاتب سرّ زمننا هذا، وكان لا بأس به، وله بِرّ وخير في طريق الحج لما كان يتوجّه إلى جُدّة، ووزن مرة مائة دينار
(2)
وأكثر للعرب في قضيّة اتفقت له في طريقه، ذكرها الحافظ ابن
(3)
حجر في "تاريخه"
(4)
، وآل به الأمر إلى أن خمل
(5)
، بعد ذلك وسكن ريحه حتى كأنه لم يكن، إلى أن كان عاقبة أمره أن تُصُدّق عليه بالكفن بعد موته.
توفي بالقاهرة في يوم الخميس عاشر ربيع الآخرة، وكان سنّه قريباً من السبعين، بتقديم المهمَلَة.
(ترجمة الشَرَف نائب كاتب السرّ)
(6)
6 -
أبو بكر بن سليمان بن إسماعيل الحربي، الشافعي، سِبط ابن
(7)
العجمي
(8)
المعروف بابن الأشقر، وبابن العجمي أيضاً، القاضي شرف الدين، نزيل القاهرة، نائب كاتب السرّ.
ولد بحلب في سنة سبع وسبعين وسبعمائة، وبها نشأ.
واشتغل على جماعة، وسمع الحديث باستدعاء العلاء ابن
(9)
خطيب
(1)
في الأصل: "ديناراً".
(2)
في الأصل: "ديناراً".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
إنباء الغمر 3/ 404 (حوادث سنة 831 هـ.).
(5)
في الأصل: "حمل".
(6)
العنوان من الهامش.
(7)
في الأصل: "بن".
(8)
انظر عن (ابن العجمي) في: السلوك ج 4 ق 3/ 1234، 1235، وإنباء الغمر 4/ 167 رقم 7، وعنوان الزمان، رقم 135، والنجوم الزاهرة 15/ 486، 487، والدليل الشافي 2/ 816 رقم 2745، والمنهل الصافي 12/ 283 - 285 رقم 2757، ونزهة النفوس ج 3/ 227 رقم 826، والضوء اللامع 11/ 33 رقم 90، ووجيز الكلام 2/ 574 رقم 1326، والذيل التام 1/ 627، ونيل الأمل 5/ 133 رقم 1979، والمجمع المفنّن 1/ 294، 295 رقم 177، وبدائع الزهور 2/ 228.
(9)
في الأصل: "بن".
الناصرية قاضي حلب ومؤرّخها، ثم تعانى صناعة التوقيع وبرع فيها ومهر. وقدم القاهرة في سنة سبع وثمانمائة وتقرّب من الجمال الأستادّار، وكان زوج ابنة أخيه الشمس البيري
(1)
، فقرّره في توقع الدَّست وجعله موقّعاً كبيراً نيابة، فأثرى وحصّل عدّة وظائف دينيّة ما بين تداريس وأنظار وغير ذلك. ثم تنقلّت به الأحوال إلى أن وُلّي نيابة كتابة السرّ في دولة الأشرف بَرسْباي وسافر معه إلى آمد، وتوجّه رسولاً عنه إلى قرايُلُك، وألبسه خلعة الأشرف، وباشر تحليفه على الطاعة، ثم ولَّاه الأشرف كتابة سرّ الرُّها رفيقاً لإينال العلائي الأجرود حين ولّاه نيابتها في تلك السفرة اعتماداً عليهما واعتقاداً في حسن سياسة شرف الدين هذا وجودة رأيه وتدبيره، فاستعفى منها فأُعفي إينال
(2)
وحمل خمسمائة دينار للسلطان لأجل ذلك. وكان قد ولي كتابة سرّ حلب أيضاً على كرهٍ منه، واستعفى عنها بعد ذلك وتولّى عِوَضه ولده معين الدين عبد اللطيف، ورُشّح لكتابة سرّ مصر مراراً فلم يقبلها.
وكان عاقلاً، سيوساً، فاضلاً، مدبّراً، حسن السمت والملتقى، عارفاً بصناعة الإنشاء، باهراً فيه، قام بأعباء ديوان الإنشاء مدّة سنين، وخدم عدّة ملوك، وكان مقرّباً لديهم، محبَّباً إليهم.
وكان بينه وبين الوالد، رحمهما اللَّه، محبّة أكيدة وصحبة قديمة زائدة، بحيث كان غالب ما يرد عليه من المكاتبات حين بُعده
(3)
عن الديار المصرية يرد إليه بخط الشرف هذا، وفيها من تعظيمه للوالد ما لا يخفى، ثم صار ذلك دأَب ولده معين الدين إلى أن مات. وستأتي ترجمة معين الدين أيضاً في محلّها.
توفي الشرف هذا في يوم الأربعاء الثامن أو التاسع من شهر رمضان، رحمه اللَّه تعالى.
(ترجمة العجيمي قاضي المحلّة)
(4)
7 -
أحمد بن أبي بكر بن رسلان بن نَصِير بن صالح بن شهاب بن عبد الخالق بن عبد الحق بن مسافر بن محمد البُلقيني الأصل، القاهري،
(1)
نسبة إلى البيرة بنواحي حلب.
(2)
في الأصل: لم تظهر الألِف.
(3)
في الأصل: "حيث نووه".
(4)
العنوان من الهامش.
الشافعي، الشيخ شهاب الدين المعروف بالعُجَيمي
(1)
، قاضي المحلّة الكبرى.
وهو ابن أخي الشيخ سراج الدين البُلقيني شيخ الإسلام، وأخو الشيخ بهاء الدين أبي
(2)
الفتح رسلان. وكان أجلّ إخوته، فإنهم كانوا خمسة إخوة، أجَلُّهم رسلان.
ولد صاحب الترجمة في سنة سبع وستين وسبعمائة.
وحفظ القرآن العظيم في حالة الصِغر وعدّة من المتون، ثم اشتغل فأخذ عن جمع من علماء ذلك العصر، وحصّل. ثم تشاغل بنيابة الحكم بعدّة بلاد، ثم تولّى قضاء المحلّة الكبرى، وجرى عليه أنكاد ومِحَن في دولة المؤيَّد شيخ.
قال الحافظ ابن
(3)
حجر، رحمه الله: وعزل ابن
(4)
عمّه القاضي جلال الدين بسبب قيام الناس عليه، فعُزل هو أيضاً، واستمر، ثم عاد بعد ذلك، ووُلّي مِراراً إلى أن مات
(5)
. انتهى كلامه.
توفي الشهاب هذا في يوم الثلاثاء، ووهمَ من قال يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الأولى.
8 -
وترك ولده القاضي أوحد الدين محمد
(6)
المكنَّى بأبي الفتح قاضي المحلّة، وليها أيضاً كأبيه مدّة طويلة، ثم عُزل، وولي قضاء الإسكندرية، ثم صُرف وأعيد إلى قضاء المحلّة إلى أن مات بها في زمننا هذا الذي بدأنا فيه بتعلّق هذا التاريخ قبل تعليقه بشهور في سنة سبع وثمانين، وستأتي ترجمته في محلّها من هذه السنة إن شاء اللَّه تعالى.
وترك هو أيضاً ولداً يكنَّى أبا السعادات تولّاها بعده كما سيأتي في محلّه.
(1)
انظر عن (العُجَيمِي) في: السلوك ج 4 ق 3/ 1331، وإنباء الغمر 4/ 163، 164 رقم 2، وعنوان الزمان-/ 52 - 55 رقم 8، ونزهة النفوس 4/ 219، 220 رقم 816 وفيه:"العجمي"، والنجوم الزاهرة 5/ 485، والمنهل الصافي 1/ 210 رقم 114، والدليل الشافي 1/ 37 رقم 114، ووجيز الكلام 2/ 572 رقم 1320، والضوء اللامع 1/ 253، 243، ونيل الأمل 5/ 123 رقم 1967، والمجمع المفنّن 1/ 350، 351 رقم 269، وبدائع الزهور 2/ 225، وشذرات الذهب 7/ 248، والذيل التام 1/ 625.
(2)
في الأصل: "أبو".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
في إنباء الغمر 4/ 164.
(6)
انظر عن (أوحد الدين) في: نيل الأمل 7/ 324 رقم 3209، وبدائع الزهور 3/ 196.
(ترجمة القُطب القلقشندي)
(1)
9 -
أحمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن علي القلقشندي
(2)
، القاهري، الشافعي.
الشيخ العلّامة قطب الدين، ولقبه من نوادر ألقاب أحمد، وهو والد العلّامة الشيخ علاء الدين القلقشندي الذي شُهر بعد والده وصار له سمعة وصِيت. وستأتي ترجمته إن شاء اللَّه تعالى.
ولد القُطب هذا بقلقشندة، قرية معروفة، وتُعرف عند العامّة بقرقشندة، بعد الستين وسبعمائة، ونشأ بها.
وقرأ القرآن العظيم حفظاً هناك، ثم قدم القاهرة في عنفوان شبابه فاشتغل بالعلم وتفقّه على جمع جمّ من علماء عصره، كالبهاء البُلقِيني والضياء القرمي، وهو الذي أذِنً له بالفتوى والتدريس، وأتقن العربية والفرائض والحساب، وسمع الحديث على جماعة، وحدّث أيضاً، وناب في الحكم قديماً، وكانت نيابته بضواحي القاهرة وذلك عن قاضي القضاة التقيّ الزبيري. ثم ناب بعد ذلك بالقاهرة عن الحافظ ابن
(3)
حجر، وكان من أجلّ شهود المودع الحكمي وأقدمهم هجرة. وله خط حسن، وكان متقناً في مباشرته، وله خير وفضل، وفيه شهامة، وكذا في ذرّيته بعده. وكان ذا نورة وحُسن سمت وسلامة فطرة، ملازماً للعبادة.
ومن محاسنه ولده الشيخ علاء
(4)
الدين، وولد علاء الدين هذا أيضاً الشيخ برهان الدين الموجود في زمننا هذا فإنه ذا شهامة ورياسة وحُسن سمت، أبقا [هـ]، اللَّه تعالى ورحم سلفه الكريم.
وسيأتي الكلام على العلاء وولده في محلّه إن شاء اللَّه تعالى.
توفي الشيخ قطب الدين صاحب الترجمة في ليلة الثامن من ذي الحجة،
ودُفن صبْحَتها، وكانت جنازته حافلة، وتقدّم في الصلاة عليه الحافظ ابن
(5)
حجر.
وترك عدّة أولاد أمثلهم وأنجبهم الشيخ علاء الدين، رحمهم اللَّه تعالى.
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
انظر عن (القلقشندي) في: الضوء اللامع 1/ 243، 244، والقبس الحاوي 1/ 134، 135 رقم 112، والمجمع المفنّن 1/ 375، 376 رقم 300.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الأصل: "علاي ".
(5)
في الأصل: "بن".
(ترجمة ابن رسلان)
(1)
10 -
أحمد بن الحسين بن الحسن بن علي بن رسلان
(2)
الرملي، القدسي، الشافعي.
الشيخ الإمام، العلّامة، الزاهد، العابد، القدوة، شهاب الدين، المعروف بابن رسلان، نزيل القدس الشريف.
ولد على ما نُقل من خطّه بيده سنة خمس أو سبع وسبعين وسبعمائة
(3)
. ونشأ نشأة حسنة، واشتغل كثيراً، وأخذ عن أعيان علماء عصره، وحصّل إلى أن مهر واشتهر، وسمع الحديث من جماعة، ثم لازم العبادة والزهادة، واجتهد في ذلك غاية الاجتهاد إلى أن أشير إليه في ذلك، وظهرت بركاته، وصنّف الكتب الجيّدة المباركة، منها:"شرح سُنن أبي داود". ولم يزل يُفتي ويدرّس وينفع الناس إلى آخر حياته.
وله نظم عليه خفر ليس بالرديء، فمن ذلك في المواضع التي لا يجب فيها ردّ السلام على من سلّم، وهو قوله:
رَدُّ السلام واجبٌ إلّا على
…
من في صلاة أو بأكلٍ شُغِلا
أو شُربٍ أو قراءةٍ أو أدعيهْ
…
أو ذِكر أو في خطبة أو تَلبيهْ
أو في قضاء حاجة الإنسانِ
…
أو في إقامةٍ أو الأذانِ
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
انظر عن (ابن رسلان) في: السلوك ج 4 ق 3/ 1235، وإنباء الغمر 4/ 166، 167 رقم 6، ودرر العقود الفريدة 2/ 291، 292 رقم 131، ومعجم شيوخ ابن فهد 340، 341، والمنهل الصافي 1/ 287، 288 رقم 152، والدليل الشافي 1/ 45 رقم 150، وعنوان الزمان، رقم 13، ووجيز الكلام 2/ 570، 571 رقم 1317، والذيل التام 1/ 624، والضوء اللامع 1/ 282 - 288، ونزهة النفوس 4/ 228 رقم 827، ونيل الأمل 5/ 131 رقم 1976، والمجمع المفنّن 1/ 412 - 414 رقم 341، وطبقات المفسّرين، للداوودي 1/ 36 وفيه:"أحمد بن حسين بن علي"، والبدر الطالع 1/ 49 - 52، وفيه "أرسلان"، والأنس الجليل 514 - 516، وكشف الظنون 154 و 554 و 592 و 596 و 626 و 627 و 689 و 930 و 1005 و 1054 و 1055 و 1079 و 1797 و 1817 و 1856 و 1879 و 1964، وإيضاح المكنون 1/ 330 و 2/ 589، وشذرات الذهب 7/ 248 - 250، وديوان الإسلام 1/ 182، 183 رقم 271، وهدية العارفين 1/ 126، وتاريخ الأدب العربي 2/ 113، والأعلام 1/ 117 وفيه "أرسلان"، ومعجم المؤلّفين 1/ 104، وعصر سلاطين المماليك 4/ 194، والمعجم الشامل للتراث العربي المطبوع 3/ 46، 47.
(3)
وقال المقريزي في درر العقود: ولد سنة 3 أو 775 كذا كتب بخطه.
أو سلّم الطفل أو السكرانْ
…
أو شابّة يَخشَى بها افتتانْ
أو فاسق أو ناعس أو نائم
…
أو حالة الجماع أو محاكم
(1)
أو كان في الحمّام أو مجنونا
…
هي اثنتان بعدها عشرونا
توفي رحمه اللَّه تعالى ونفع به في يوم الإثنين ثاني عشر شعبان بالبيت المقدّس، وكانت جنازته من مشاهير الجنائز، ولم يخلّف بعده مثله.
[ترجمة ابن تاج الدين المحلّي]
11 -
أحمد بن صالح بن تاج الدين المحلّي
(2)
، القاهري، الشافعي.
كان إنساناً حسناً، فاضلاً، له معرفة بالفقه والعربية والفرائض، وله سلوك ونُسُك، وشُهِر بالخير بل والصلاح وكان للناس فيه الاعتقاد الحسن. ودرّس وخطب مدّة سنين.
وتوفي في يوم الأربعاء ثامن عشرين
(3)
الحجّة.
(ترجمة الشهاب بن عُبيد اللَّه)
(4)
12 -
أحمد بن عبيد الله بن عوض بن محمد بن عبد اللَّه الأردبيلي
(5)
، القاهري، الحنفي، القاضي شهاب الدين المعروف بأبيه.
وهو أخو البدر محمود بن عُبيد اللَّه الذي ضخم ورأس بعد أخيه، وشُهر أكثر منه. وستأتي ترجمته في محلّها.
ولد أحمد هذا في صفر سنة إحدى وتسعين وسبعمائة.
ونشأ مشتغلاً بالعلم فأخذ في العلوم العقلية عن جماعة، ولم يُكثر، وقرأ شيئاً في الفقه قليلاً، ولهذا كان يُلمز بأنه قليل البضاعة فيه وفي معرفة الأحكام، وتقلّبت به الأحوال، وتقرّب إلى كثير من الأمراء، ووُلّي نيابة الحكم.
قال الحافظ ابن
(6)
حجر: [كان] صالحاً مع قلّة البضاعة في الفقه
(1)
هكذا في الأصل، والضوء اللامع 1/ 286، وفي إنباء الغمر 4/ 167 "محالم".
(2)
انظر عن (المحلّي) في: الضوء اللامع 1/ 315 وفيه: أحمد بن محمد بن عبد الله 2/ 138 رقم 391 م.
(3)
في الأصل: "ثامن عشرون".
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
انظر عن (الأردبيلي) في: إنباء الغمر 4/ 164 رقم 3، والضوء اللامع 4/ 376، ونيل الأمل 5/ 132 رقم 1977، والمجمع المفنّن 1/ 444، 445 رقم 393.
(6)
في الأصل: "بن".
والمصطلح، وحُفظت عليه أحكام كثيرة فاسدة. انتهى كلامه
(1)
.
أقول: وكان في الجملة لا بأس به، ويحبّ الفقراء، ويرعى
(2)
طلبة العلم، وعنده عصبيّة، ولم يك عارياً من فضيلة، وكان يجلس للحكم بالمسجد الصغير العاني بظاهر الخانقاه الشيخونية، وبناؤه من بناء الخانقاه الذي بابه بالشارع تجاه باب دار الخطيب بجامع شيخو، وخَلَفَه في هذا المجلس البدر بن عبيد اللَّه أخوه
(3)
، ثم تعاظم إلى أن صار الرسل يتوجّهون بالخصوم إلى داره بالنيابة بمدرسة أمّ السلطان، إذ كانت مشيختها بيده، وكان بهذا المجلس قبلهما الشيخ عبد اللطيف بن الشِحنة أحد نواب الحكم، ثم كان به أيضاً شيخنا القَرْمي نجم الدين. وبه الآن الشيخ شهاب الدين أحمد ابن
(4)
الشيخ شمس الدين محمد إمام الخانقاه الشيخونية ذات حسنة بحُسن سمت وملتقى وأدب وتُؤدة وحُسن عشرة ورأي، وليس هذا محلّ الكلام على ترجمته، وسنزيد في غير هذا المحلّ في ترجمته هو وأبيه بل وولده بأزيد من هذا إن شاء اللَّه تعالى.
وأمّا الشهاب صاحب الترجمة فإنه كان يعتريه عليه الإسهال الدموي في بعض الأحيان، فاعتراه ذلك قرب فراغ أجله مع أمراضٍ أُخَر بسبب ما قدّمناه من الطربة
(5)
والانزعاج بواسطة تغيّظ الظاهر عليه بسبب علي القرمي الذي تقدّم الكلام على كائنته وضرب عنقه، وحصل لابن عبيد اللَّه من تلك الطربة والانزعاج مع طربته على هذا المبتلي المسكين، أعني علي القرمي مع انضمام أسباب أُخَر بقدرة مسبّب الأسباب جلّت قدرته وعزّ اسمه إسهال دموي وريح غليظة أحدثت به قولنجاً، وأثارت أبخرة رديّة أصعدتها إلى دماغه، فحدث له بواسطة ذلك علّة الصرع.
وادّى ذلك إلى أن توفي في ليلة الأربعاء ثالث عشرين شهر رمضان بقدرة المميت جلّ وعزّ.
[ترجمة القاضي شهاب الدين ابن عيسى]
13 -
أحمد بن عيسى
(6)
الحنبلي، القاضي شهاب الدين، ويُعرف بأبيه.
ولد بعد السبعين وسبعمائة.
(1)
إنباء الغمر 4/ 164.
(2)
في الأصل: "ويرى".
(3)
في الأصل: "أخاه".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
هكذا، والمراد: الاضطراب.
(6)
انظر عن (ابن عيسى) في إنباء الغمر 4/ 164 رقم 4، والمجمع المفنّن 1/ 496، 497 رقم 454.
ونشأ مشتغلاً بالعلم، فحصّل منه جانباً، وكان هيّناً ليّناً، خيّراً، ديّناً، ساكناً، نيّراً، كثير النورة.
قال الحافظ ابن
(1)
حجر، رحمه الله: وتعانى الشهادة عند الأمراء، وشهد في الأحباس
(2)
.
توفي في يوم الخميس ثالث عشرين جمادى الأولى.
[ترجمة شيخ الإسلام محبّ الدين التسْتَري]
14 -
أحمد بن نصر اللَّه بن أحمد بن محمد بن عمر بن أحمد التستريّ
(3)
الأصل، البغدادي، الحنبلي.
شيخ الإسلام محبّ الدين، أبو يوسف، قاضي القضاة الحنابلة، بمصر، المعروف بأبيه.
ولد ببغداد في رابع عشر رجب سنة خمس وستين وسبعمائة، وبها نشأ.
فحفظ القرآن العظيم وعدّة متون في الفقه وغيره، وقرأ على أبيه.
وكان والده من كبار العلماء، مشهور الترجمة لا يحتاج إلى بيانها هاهنا لشُهرتها في غالب التواريخ المشهورة.
ثم أخذ عن جماعة أُخَر غير أبيه من أعيان العلماء. وأجاز له الشيخ العلّامة شمس الدين الكرماني شارح "البخاري" رحمه الله، ووصفه في إجازته له بالفضل مع صغر سنّه إذ ذاك، وتَمثّل فيه بقول بعضهم:
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
إنباء الغمر.
(3)
انظر عن (التُستَري) في: السلوك ج 4 ق 3/ 1231، 1232، وفيه:"الششتري"، وإنباء الغمر 4/ 164، 165 رقم 5، والنجوم الزاهرة 15/ 483، 484، والمنهل الصافي 2/ 244 - 249 رقم 329، والدليل الشافي 1/ 93 رقم 327، ومعجم شيوخ ابن فهد 96 و 133 و 134 و 135، وعنوان الزمان 1/ 265 - 267 رقم 93، ونزهة النفوس 4/ 220 - 222 رقم 817، والضوء اللامع 2/ 233 - 239 رقم 656، ووجيز الكلام 2/ 573، 574 رقم 1325، والذيل التام، للسخاوي 1/ 626، والقبس الحاوي 1/ 225 - 227 رقم 243، ورفع الإصر عن قضاة مصر 111 وما بعدها، والذيل على رفع الإصر 109، والمنهج الأحمد 488، والمقصد الأرشد 1/ 202 رقم 181، والجوهر المنضد 6، وحُسن المحاضرة 1/ 483 و 2/ 192، ونيل الأمل 5/ 124 رقم 1968، والسُحُب الوابلة 66، والدرّ المنضّد 2/ 631 رقم 1567، وكشف الظنون 549، والقلائد الجوهرية 1/ 374، 375، وشذرات الذهب 9/ 364، والأعلام 1/ 264، ومعجم المؤلفين 2/ 195، والمجمع المؤسس 3/ 80 - 83 رقم 445، وتاريخ العراق، لعباس العزاوي 3/ 118.
إن الهلال إذا رأيتَ نُمُوَّه
…
أيقنت أنْ سيصير بدراً كاملا
فكان كما [قا] ل رحمه اللَّه تعالى، فإنه تفرّس فيه النجابة، وقد علمت أن المؤمن ينظر بنور اللَّه تعالى فما خاب تفرّسه وأجاز له بروايته عنه شرحه المذكور على "البخاري" والكتب الخمسة إجازة معيّنة، وكذا مشيخته، وذلك في جمادى الآخرة سنة اثنتين
(1)
وثمانين وسبعمائة، وكان له إذ ذاك نحو الإثنين والعشرين
(2)
سنة. وقدم إلى حلب وسمع بها الحديث، وكذلك بدمشق من جماعة، وكذا بغيرهما من البلاد الشمالية. ثم قدم القاهرة في سنة ثمانٍ وثمانين وسبعمائة وقطنها، ووُلّي تدريس فقه الحنابلة بالمدرسة البرقوقية عن أبيه. وكان أبوه قد قدم القاهرة بعد ولده بعام فامتدح الظاهر برقوق وعمل له رسالة في مدح مدرسته المذكورة، فقرّره في تدريس الحديث بها عِوَضاً عن الشيخ زاده العجمي السيرامي الحنفي والد الشيخ محبّ الدين سِبط الأقصُرائي، وابن
(3)
أخت الشيخ العلّامة أمين الدين الأقصرائي. وسيأتي الكلام على ترجمتها في محلّه إن شاء الله. وكان مدرّس الحنابلة إذ ذاك الشيخ صلاح الدين ابن
(4)
الأعمى، فاتفق أن مات، فقُرّر بها والد الشيخ محب الدين صاحب الترجمة وصار بيده وظيفتا
(5)
الحديث والفقه الحنبلي بالمدرسة المذكورة.
هذا هو المفهوم من كلام الحافظ ابن
(6)
حجر، رحمه الله، في ترجمة الشيخ نصر اللَّه والد الشيخ محبّ الدين هذا. والمفهوم من كلامه في ترجمة ولده الشيخ محبّ الدين غير ذلك
(7)
، ولعلّه سهوٌ قبل تحريره.
15 -
وكان الشيخ محب الدين هو ووالده يتناوبان في الوظيفتين إلى أن مات الأب، فاستقرّ ولده المحبّ عِوَضه، وكان بيده غير ذلك من الوظائف أيضاً كتدريس الفقه بالمنصورية، بل وغيرها أيضاً من مدارس القضاء وغير ذلك. وكان المحبّ هذا كثير الملازمة للسراجين شيخي الإسلام: السراج البُلقيني (والسراج ابن الملقّن)
(8)
..............................
(1)
في الأصل: "اثنين".
(2)
في الأصل: "لعشرين".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
في الأصل: "وظيفتي".
(6)
في الأصل: "بن".
(7)
في الأصل: "ذالك".
(8)
ما بين القوسين في أول الورقة 20 أ حسب ترقيم المخطوط، وهو بخط دقيق بجانب حوادث سنة 848 هنا نقص بقية تراجم 844 وحوادث بداية 845 حتى شعبان 845.
[سنة خمس وأربعين وثمانمائة]
( ......................................................................
........ )
(1)
.
[شهر شعبان]
[كائنة الشهاب القدسي الواعظ]
بمكة يعملوا عليه محضراً ونسبوه إلى أمور، وشهد عليهم بها بعض حاشيتهم وهو منكر ذلك،
…
[ولـ]ـعل ما أثبتوه عليه أشياء أدناها يوجب التعزير، وأعلاها الكُفر، وشهدوا عليه بأفعال قلبية كقولهم: قال كذا، وقصة كذا، ونحو ذلك مما لا يطّلع عليه إلّا اللَّه تعالى. ثم أمر القاضي المالكي بحبسه، فحُبس ليلة الجمعة ويوم الجمعة إلى أن فاتته صلاة الجمعة، فعقد له الشريف أبو البركات مجلساً حضره سودون المحمدي وجماعة، فأحضر فبدر أن قال: لي دعوى على القاضي المالكي. فأخذه الشافعي وتلّه بلحيته بحضور الجميع، وقال: يا شيخ نحس، وأمر بكشف رأسه وتعزيره. وأشهد على نفسه أنه منعه من الجلوس على الكرسي بالمسجد الحرام. وانفصل المجلس على ذلك ولولا أن الشريف لطّف قضيّته لكان الأمر أشدّ من ذلك.
ثم إنه جلس للتدريس على عادته فمنعه الشافعي من التدريس ومن الكتابة على الفتوى، وحكم عليه، ونفّد المالكي، وشهّد الحاشية، فحصل له بذلك مشقّة زائدة، وعزم على التوجّه إلى القاهرة لإنهاء حاله إلى السلطان.
قال الحافظ ابن
(2)
حجر، رحمه الله،: واتفق قدوم المذكور يوم الخميس ثالث عشرين رمضان، وكان قد سبقه قاصد صاحب مكة علي بن حسن ابن
(3)
عجلان، فنقل عنه أن الشريف تعصّب له لكونه كان يذكر له أن عليّاً رضي الله عنه
(1)
ضاع من المخطوط بقية تراجم 844 ونصف حوادث 845 هـ. تقريباً. وهنا حصل اضطراب في ترقيم المخطوط، فوُضع الرقم 48 بدل رقم 20.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "بن".
مقدَّم على أبي بكر، وأنه لما قدم علي بن حسن أميراً على مكة اجتمع به على أنه تزوّج عنده بذلك فجبهه وقال له: أنا رجل سنّي وأبو البركات زيدي، وأنهى ما اتفق له إلى السلطان، وأحضر المحضر الذي كتبه المالكي والشافعي، فتغيّظ السلطان منه على ما بلغني.
فلما كان يوم الجمعة استشار المذكور بعض خواصِّ السلطان، فأشار عليه أن لا يُحدث أمراً لأن السلطان في أول كل قضيّة يكون مغمور الفكر بما يُلقى إليه ابتداءً إلى أن ينجلي الأمر، فسكت على مضض. انتهى كلام الحافظ
(1)
.
أقول: وستأتي ترجمة الشهاب القدسي هذا في محلّها إن شاء اللَّه تعالى.
ثم إنه عاش بعد هذه الكائنة نحواً من خمسٍ
(2)
وعشرين سنة. رحمه الله.
[نيابة الإسكندرية]
وفيه في العشر الأخير منه، خرج الأمير أحمد بن إينال متوجّهاً لثغر سكندرية محلّ نيابته، وكان تأخّر بسبب نائبها أسَنبُغا كان الشهابي، ذكر أنه لا يسافر حتى يعلم بخروجه منها، فسافر حين أُخبر بذلك في هذه الأيام.
وفيه، في هذه الأيام قدم أسَنبُغا إلى القاهرة على تقدمته
(3)
.
[هلال شهر رمضان بالقاهرة]
وفيها كان أول شهر رمضان بالقاهرة تمام العدد يوم الأحد، وكان تأرّخها يوم السبت، عُلم ذلك بعد ذلك، ووقع فيه خبط، وحُكم للحنبلي، ولا حاجة لنا بالإطالة بذِكر ذلك، وقد بيّنه الحافظ ابن
(4)
حجر، رحمه الله، في تاريخه "إنباء الغُمُر"
(5)
في حوادث هذه السنة منه، فمن أراده فيراجعه هناك.
(قدوم الحافي القاهرة)
(6)
وفيها، في يوم السبت، إمّا سلخ شعبان أو مستهلّ رمضان، قدم إلى القاهرة
(1)
في إنباء الغمر 4/ 182، 183، ونيل الأمل 5/ 149.
(2)
في الأصل: "خمسة".
(3)
خبر نيابة الإسكندرية في: إنباء الغمر 4/ 181، وحوادث الدهور 1/ 59، والنجوم الزاهرة 15/ 350، ونزهة النفوس 4/ 239، والتبر المسبوك 15، ونيل الأمل 5/ 148.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
في إنباء الغمر 4/ 184، ونيل الأمل 5/ 149.
(6)
العنوان من الهامش.
الشيخ الإمام العالم، العلّامة، الزاهد، العابد، الصوفي، المحقّق، شمس الدين أبو
(1)
عبد اللَّه محمد الحافي، الحنفي، عين العلماء الأجلّاء، الأعلام، وأوحد فضلاء الأنام، وقدوم الخلق، والموصل إلى الحق، وأجلّ فقهاء القان الأعظم، معين الدين شاه رُخ بن
(2)
تيمور خان، وكذلك ولده ألُوغ بَك صاحب سمرقندى. وكان قدومه لأجل الحج، وتلقّاه حين الورود وقبل الدخول القاضي كمال الدين بن البارزي كاتب السرّ، والجمال ابن كاتب جَكَم ناظر الخاص، ثم اجتمع بالسلطان فأكرمه غاية الإكرام وأنزله وأجرى عليه الرواتب إلى أن خرج إلى الحج مع الحجّاج. وكان اجتمع أيضاً بولد السلطان الناصري محمد وسُرّ به، وأضافه مراراً، من ذلك مرة بربيع خيوله، وحصل منه فوائد جليلة
(3)
.
ذكر لي ذلك شيخنا وسيّدنا ومولانا العلّامة، أستاذ العالم الشيخ محيي الدين الكافيجي، رحمه اللَّه تعالى، وكان يُثني عليه ويصفه بجلالة القدر. وستأتي ترجمة -أعني الشمس الحافي- هذا في محلّها من هذا التعليق إن شاء اللَّه تعالى.
[شهر شوال]
[خروج رَكْب الحاج]
وفيها، في يوم الخميس ثامن عشر شوال، خرج الحاج إلى البِركة، فنزل أمير الحاج، وهو تغري بَرْمَش
(4)
الزَرَدْكاش بها. وكانت العادة المستمرة القديمة إلى هذا اليوم الخروج إلى الريدانية، وكان هذا الخروج يسمَّى التبريز، ثم التوجّه منها إلى البِركة فأُبطِلت هذه العادة في هذه السنة
(5)
. واستمرت بعد ذلك إلى يومنا هذا، فصار الحاج يرحل من القاهرة فينزل بالبركة بمرة، ويقيم بها إلى أن يرحل منها في الثاني والعشرين من شوّال.
وكان أمير الركب الأول يونس الأقبائي، وخرج أيضاً في هذا اليوم.
(1)
في الأصل: "أبي".
(2)
في الأصل: "ابن".
(3)
خبر قدوم الحافي في: النجوم الزاهرة 15/ 350، وحوادث الدهور 1/ 79، ونزهة النفوس 4/ 239، 240، والتبر المسبوك 17، ونيل الأمل 5/ 150.
(4)
في نيل الأمل 5/ 152 "تغري بردي".
(5)
خبر خروج الركب في: حوادث الدهور 1/ 60، والنجوم الزاهرة 15/ 350، 351، والتبر المسبوك 18، ونيل الأمل 5/ 152، وبدائع الزهور 2/ 232.
ووقع في أصل المخطوط: "فأبطلت هذه العاده في هذه العاده في هذه السنة".
(القبض على جانِبَك)
وفيه في يوم الثلاثاء ثالث عشرينه، قبض السلطان على جانِبَك المحمودي المؤيدي، وهو يومئذٍ أحد الأمراء العشرات ورؤوس
(1)
النُوَب، وهو أخو جانِبك المحمودي الذي وُلّي إمرة سلاح فيما بعد في دولة خُشداشه الظاهر خُشقدم له بسببه، وسيأتي
(2)
كلٌّ من ذلك في ترجمة كل ممن ذكرناه إن شاء الله تعالى.
ولما قُبض جانِبَك هذا سُجن بالبرج بالقلعة، وكان السبب في قبض جانِبك هذا كثرة مداخلة المذكور للسلطان في أكثر أموره وتهوّره
(3)
وطيشه وخفّته مع قلّة دُربته وعدم سياسته وكثرة حدّته وسوء خُلُقه، وكثرة قاله وقيله وعدم مبالاته من أحد ورضاه عن نفسه. وكان قد ثقُل على الظاهر وهو متقحّم على القبض عليه، مُضْمِر له ذلك، ويتوقف عنده لكثرة المؤيّديّة خُشداشي المذكور وقيام شوكتهم، مع اعتقادهم أنهم لولاهم لما تمكّن الظاهر هذا من المُلْك، إلى غير ذلك مما يعتقدونه في أنفسهم من القيام بدعوة الظاهر، ولما أفحش جانِبك وخرج عن الحدّ بحيث علم خُشداشه أيضاً خروجه وفعله وقلّة حياه، وثب عليه السلطان فقبضه ولم ينتطح في ذلك عنزان، بل وعظُم الظاهر في أعين الجند وهابُوه، لا سيما المؤيّديّة حتى كانت هذه الفعلة سبباً لانفراده بكثير مما كان يُعارض فيه ولا يمكنه فِعله، وأتلف الكثير ممن كان يجترئ
(4)
عليه ويُداخله في أموره، وأحجموا عنه. وحصل للسلطان بذلك الكثير من أغراضه التي كان يأملها ولا يتمكن أن يفعلها لمراعاة مداخلة هؤلاء له، وعظُم من يومئذٍ وكفّ كثير من المؤيديّة عن مداخلته
(5)
.
[تقرير خير بك الأشقر في إمرة جانِبَك]
وفيه قُرّر في إمرة جانِبَك هذا جنديّ
(6)
من الدوادارية الصغار يقال له خيربك الأشقر المؤيَّدي من خُشداشي جانِبَك المذكور، ولم يك ترشّح للإمريّة قبل ذلك، بل ولعلّه لم يخطر ذلك بباله، وأراد السلطان بذلك إظهار عدله وأنه لم يُخرج عن المؤيّديّة شيئاً مما في أيديهم إلّا بموجب لا لغرض لأنه أعطاه لهم أيضاً.
(1)
في الأصل: "روس".
(2)
في الأصل: "وستأتي".
(3)
في الأصل: "شهوره".
(4)
في الأصل: "يجتر".
(5)
خبر جانبك في: النجوم الزاهرة 15/ 351، وحوادث الدهور 1/ 60، ونزهة النفوس 4/ 240، ونيل الأمل 5/ 152، 153، وبدائع الزهور 2/ 232.
(6)
في الأصل: "جندياً".
[سجن جانِبك بالإسكندرية]
وفيه في يوم الإثنين سابع عشرينه، نُقل جانِبك المذكور من محبسه بالقلعة إلى ثغر الإسكندرية ليُسجن بها، وفُعل به ذلك إلى أن كان له ما سنذكره في محلّه إن شاء اللَّه تعالى.
(الاهتمام بغزو رودس)
(1)
وفيها -أعني هذه السنة-
(2)
أظهر السلطان الاهتمام الزائد بالغزو لرودس، وصار يأمل أنه يفتحها كما فتح الأشرف قبرس، وأنه سيُنْسي الناس قضيّة قبرس وما فعله الأشرف، فعيّن من الأمراء إينال العلائي الأجرود والذي ولي السلطنة فيما بعد، ولقّب بالأشرف، والأمير تمرباي رأس نوبة النُوَب، وجعلهما مقدَّمي البرّ والبحر، وعيّن جماعة كثيرة من الأمراء العشرات وغيرهم، وكذا من الجند السلطاني، وأخذوا في التجهيز
(3)
. وكان من أمرهم ما سنذكر في التي بعدها إن شاء اللَّه تعالى.
[ذو القعدة]
(قضيّة تقي مع ابن
(4)
ظهير فيما يتعلّق بولد السلطان)
(5)
وفيها وقعت مشاحنة
(6)
ومقاولة بين شخص من التجار يقال له تقيّ وبين إبراهيم
(7)
بن ظهير، وكان شاهداً لولد السلطان المغادر الفخري عثمان الذي ولي السلطنة بعد أبيه، وتلقّب بالمنصور وكُنّي بأبي السعادات، وهو حيّ موجود إلى يومنا هذا بثغر دمياط. وسيأتي الكلام عليه عند ذكرنا سلطنته في سنة سبع وخمسين إن شاء اللَّه تعالى، وأدّى تقاول المذكورين إلى أن بلغ السلطان ذلك.
وكان سبب تقاولهما في أمر يتعلّق بمطبخ سُكّر يتعلّق بتقيّ وبابن السلطان، فأمر السلطان بعقد مجلس بحضرته بسبب ذلك، فعُقد في يوم السبت رابع ذي قعدة، وحضره القضاة الأربعة
(8)
، فادّعى التاجر على ابن
(9)
ظهير بأنه ظلمه حين
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
في شهر ذي القعدة.
(3)
خبر الاهتمام بالغزو في: النجوم الزاهرة 15/ 351، ونيل الأمل 5/ 153، وبدائع الزهور 2/ 233.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
العنوان من الهامش.
(6)
في الأصل: "مساحه".
(7)
في الأصل: "إبرهيم".
(8)
في الأصل: "الاربع".
(9)
في الأصل: "بن".
اشترى حصّة سكّر من مطبخ، ولتقيّ المذكور الأكثر من ذلك المطبخ، وتنازع وإيّاه في ذلك الوقت، وأشهد تقيّ على نفسه أنه ملك ولد السلطان حصّته من القدور
(1)
النحاس الذي يطبخ فيه السكر، وكتب بينه وبين ابن ظهير مبارأة بذلك وثبتت، واستثنى في البراءة قدرة كبيرة من النحاس مختصّ
(2)
بتقيّ المذكور، وأن ابن ظهير وضع يده عليها بعد ذلك ونقلها من مكانها في غيبته بغير طريق شرعي. وكان دعوى تقيّ بذلك على ابن
(3)
ظهير بين يدي قاضي القضاة الحنفية السعد بن الديري، فأجاب قاضي القضاة بأن دعوى من إبراء لا تُسمع ولو كان وكيلاً، فأذِن السلطان لأحد أئمة القصر أن يدّعي عن ولده على تقيّ، وأمر أن يتوجّهوا إلى منزل القاضي فيدعو
(4)
مجلسه ويفعل الشرع.
قال الحافظ ابن
(5)
حجر: فخشي تقيّ على نفسه من تغيّظ السلطان فقال: كلما يدّعي عليّ لولد السلطان أنا أملّكه لولد السلطان، فبادر من أعلم السلطان أن الحق غلب على تقيّ، فظنّ صحّة ذلك، فأرسل إلى القاضي أن لا يمكّن تقيّ من التصرّف ولا من التوجّه من مجلس الحكم حتى يزن المال، فظنّ القاضي أن السلطان يريد مصادرة تقىّ المذكور وأخبره بالرسالة، فصار يكاتب معارفه بالورق إلى أن حضل المال في عدّة أيام وهو في صورة الترسيم في مجلس القاضي
(6)
.
أقول: وهذه من جملة مظالم الظاهر التي يُتبصَّر فيها. وله نحو هذه عدّة مظالم ما كلّفنا لبيانها. ومن له تأمّل وفي قلبه نور الإيمان إذا نظر في بعض أحواله وسيرته لا يخفى عليه ذلك.
(وقوع غلاء بالينبُع على الحاج)
(7)
وفيها وقع الغلاء بالينبُع حين قدوم الحاج إليه، وحصل به التشويش.
قال الحافظ ابن
(8)
حجر رحمه الله: قرأت بخط من أثق به لما وصل الحاج إلى مدينة ينبُع كان الدقيق في أول النهار كل جملٍ بسبعة دنانير، فارتفع الظُهر إلى اثني عشر، ثم العصر إلى ستة عشر. وكان العليق أربع ويبات بدينار فوصل إلى ويبتين، ووصل الحِمل الفولى الصحيح إلى عشرة. وكان البقسماط رخيصاً فوصل
(1)
في الأصل: "الحدور".
(2)
هكذا. والصواب: "خاصة".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الأصل: "فيدعي".
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
إنباء الغمر 4/ 184، 185.
(7)
العنوان من الهامش.
(8)
في الأصل: "بن".
إلى ستين درهماً كل عشرة، وكاد الجمّالة أن يهربوا، فقُدّر وصول الخبر بوصول المراكب إلى الساحل، فتراجع السعر إلى أن صار وسطاً بعد أن كان أولاً وآخراً. انتهى
(1)
.
أقول: ووقع عكس هذا في زمننا هذا في سنة سبع وثمانين في عَود الحاج.
أخبرني من أثق به ممن كان مع الحاج في هذه السنة أنه لما وصل الحاج إلى الينبُع بيع الشيء في أول النهار بأغلى الأثمان، فمنع أمير الحاج، وكان يومئذٍ أزبَك اليوسُفي أحد مقدَّمي الألوف المعروف بناظر الخاص الناس من الشراء
(2)
أولاً حتى يستكفي هو، فاشتري الدقيق والعليق وغير ذلك بأغلى
(3)
ثمن، ولما استكفى نزل السعر في وسط النهار، ثم انحطّ في آخره بحيث قدم أمير الحاج المذكور ومن اشترى من الأتراك، وانتصف الفقراء بعد تكفية الأمراء. {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43].
قال الحافظ ابن
(4)
حجر: وتوجّه خلق كثير من الحاج في المراكب، وتوجّه خلق كثير من الركب إلى الساحل، فأحضروا الدقيق والعليق، ولزم من ذلك أن أقاموا بالينبُع أربعة أيام. ولما وصلوا إلى منزلة بدر لم يجدوا بها عليقاً، فبيع النوى كل ويْبة بثُلث أفلوري
(5)
، والبقسماط بسبعين العشرة. وكان مع ذلك اللحم واللبن والبطّيخ كثيراً.
قال حاكياً عن ذلك الخط: ومات شعبان بوّاب دار الضرب قبل رابع يوم. وكان وصول الركب إلى مكة بحر يوم الخميس، ولم يروا الهلال تلك الليلة لكثرة الغيم، وسألوا أهل مكة فلم يخبر أحد منهم برؤيته، وعادوا على ذلك. وأن الوقفة تكون يوم السبت. وأشار عليهم القاضي الشافعي أن يخرجوا يوم الخميس ويسيروا إلى عَرَفة ليدركوا الوقوف ليلة السبت احتياطاً، ويقفوا يوم السبت أيضاً، فبينا هم على ذلك إذ دخل الركب الشامي فأخبروا برؤية الهلال ليلة الخميس، وأنه ثبت عند قاضيهم، فبنوا على ذلك، ووقفوا الجمعة، ونفروا ليلة السبت على العادة.
وذكر -يعني صاحب ذلك الخط- أنه وجد بمكة زخّاً كثيراً.
قال- يعني صاحب الخط أيضاً-: ووصل إلى جُدّة عدّة مراكب، يعني من الهند وأسرعوا في تفريغها، فكان يدخل إلى مكة في كل يوم خميس مائة حمل.
(1)
إنباء الغمر 4/ 185.
(2)
في الأصل: "من الشرى".
(3)
في الأصل: "باغلا".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
أفلوري: قطعة نقود أوربية.
وبيع الشاش بافلورين ونصف إلى ثلاثة، والأرز البيرمي من افلوري إلى ثلاثة.
قال: ووصل إلى مكة من اللؤلؤ والعقيق واليزدي شيء كثير إلى الغاية.
[ذو الحجّة]
(الزحمة التي مات فيها بعض أُناس بمكة)
(1)
قال: وفي اليوم الثاني من ذي الحجة ازدحم الناس فمات أربعة عشر نفساً. ثم دخل الركب الغزّاوي، ثم الشامي، ثم الحلبي، ثم الكركي، ثم الصفدي، ثم البغدادي، ثم التركماني إلى أن امتلأت بيوت مكة وشعابها وجبالها وامتدّوا إلى مِنى.
قال: ولما وصلوا إلى عرفات أرجف مُرجِف بأن السيد بركات هجم جُدّة ونهبها، ولم يظهر صحّة ذلك. ووصل قاسم أخو بركات حاجّاً فأمّنه الشريف علي ولم يحدث منه سوء، مع أنه أشجعهم وأفرسهم، وندب أخاه الذي يقال له: سيف ليأحذ جماعة ويتوجّه إلى جُدّة، ثم اتفق معه على أنه يحفظ الحاج بمنى وعَرَفة، وتأخّر هو عن الخروج مع الحاج ليلة التاسع. فلما كان بعد عصر عَرَفَة ثارت غبرة عظيمة ثم ظهر خلق كثير فرسان وغيرهم، فظنّ الناس أنه بركات جاء في جمعه لينهبهم، فانكشف الغبار، فإذا هو عليّ ومن معه أدركوا الوقوف بعَرَفة وصُحبته أخوه إبراهيم، وكان قد تغيّب عنه بمكة فلما وجده اعتذر بأنه قيل له إنه عزم على إمساكه فنصل من ذلك واستصحبه معه، فحصلت للناس الطمأنينة، ونزلوا مِنَى صبيحة اليوم العاشر، وتجهّز المبشّر في ذلك اليوم فدخل القاهرة ليلة الأحد خامس عشرين ذي الحجة
(2)
.
انتهى كلام الحافظ برمّته وفيه من الفوائد التاريخية ما رأيت.
[تعجيل السلطان بلبس البياض]
وفيها في الثاني من ذي الحجّة، ووافق السابع عشر من برمودة من شهور القِبط، عجّل السلطان بلبس البياض وذلك بخلاف العادة نحو العشرين يوماً، كما عجّل لبس الصوف كذلك. وكان السبب في ذلك أن الحرّ كان قد اشتدّ قبل ذلك
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
خبر الغلاء في: إنباء الغمر 4/ 185، 186، وبإيجاز شديد في: نيل الأمل 5/ 155، وبدائع الزهور 2/ 233.
بيومين، فعجّل بواسطة ذلك كما في لبس الصوف أيضاً على ما تقدّم
(1)
.
[الكشف على كنيسة اليهود بقصر الشمع]
وفيه في رابعه أمر السلطان قاضي القضاة الحافظ ابن
(2)
حجر، وقاضي القضاة السعد بن الديري والمحتسب الشيخ على الخراساني بأن يتوتجهوا إلى قصر الشمع بمصر فيكشفوا عن كنيسة اليهود الكائنة به، فتوجّهوا إليها بجماعة من العُدول وغيرهم، ودخلوا إليها فوجدوا بها منبراً علوه ثلاث عشرة
(3)
درجة، وعليه أثر قرب العهد بالتجديد، فتشاوروا فيه وماذا يأمروا به في شأنه، وهم في أثناء ذلك وفي التأمّل في المنبر وإذا بكتابة يلوح أثرها في أعلى الدرجة التي يقف عليها الخطيب أو يجلس عليها، فأمر قاضي القضاة الشافعي بالتأمّل في تلك الكتابة فتداولها جماعة ممن حضر، فتبيّن أنها "محمد" وهي ظاهرة، و"أحمد"، وكانت خفيّة، فأجمع رأيهم على إزالة ذلك المنبر، فصوّرت دعوى شرعية، وأذِن قإضي القضاة الحافظ ابن
(4)
حجر لنائبه القاضي عزّ الدين بن أقبرس، وكان ناظر الأوقاف أيضاً، فحكم بإزالته. ثم انفضّ المجلس، وبقي المحتسب هناك بعد ركوب الجماعة حتى يزال المنبر المذكور بحضوره
(5)
.
(قيام الأمين الأقُضرائي في كشف الكنائس)
(6)
وفيه، في هذه الأيام، قام الشيخ أمين الدين يحيى بن محمد بن إبراهيم الأقُصُرائي الحنفي شيخ الإسلام في كشف كنايس اليهود والنصارى، وختم على عدّة منها، ومنع فيها الرتبة حتى يتّضح أمرها، وأبطل عدّة منها، بل وجعل البعض منها مسجداً يصلّي به المسلمون، ومنها واحدة للملكيّين وُجد فيها أعمدة من الحجر النحيت السكران الغضّ الأبيض بناء يشبه المتجدّد، فسُئل عن ذلك من أهل الكنيسة فادّعوا أنها كانت قديماً ذات أعمدة رخام، وأنها احترقت في سنة ثلاثين وسبعمائة، وأخرجوا من أيديهم محضراً ثبت على القاضي جلال الدين
(1)
خبر تعجيل اللبس في: إنباء القمر 4/ 186.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "ثلاثة عشر".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
خبر الكشف على الكنيسة في: التبر المسبوك 20، 21، وإنباء الغمر 4/ 186، ونيل الأمل 5/ 154، وبدائع الزهور 2/ 233.
(6)
العنوان من الهامش.
القزويني بمُدَّعاهم والإذن منه فيه في ترميمها، وأنها رُمَّت بالحجارة وهي دون الرخام
(1)
.
(نظر علاء الدين بن أقبرس)
(2)
وفيه في التاسع والعشرين منه قُرّر في نظر أوقاف الجوامع والمساجد والزوايا سودون أمير مشوي، قرّر في ذلك بمصر والقاهرة والوجهين القِبلي والبحري -وكان نظر الأوقاف بيد الشيخ علاء الدين بن أقبرس، وشرف الدين أبو بكر المصارع، وأضيف إليهم هذا أيضاً، فصاروا به ثلاثة. وسودون هذا كان قبل ذلك دواداراً عند طوغان المؤيَّدي أمير اخور كبير كان، ثم تنقّلت به الأحوال إلى أن استقرّ في أواخر دولة الأشرف برسباي أمير مشوي، ثم ولّاه الظاهر هذه الولاية
(3)
.
(1)
خبر قيام الأمين الأقصرائي في المصادر السابقة.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
خبر ابن أقبرس في: نيل الأمل 5/ 154، وبدائع الزهور 2/ 233.
ذِكر نُبَذٍ
(1)
من تراجم الأعيان ووفياتهم في هذا الزمان سنة
845
16 -
أحمد بن أحمد العُمري المكّي.
أحد قوّاد مكة، ونسبته أروى عمر، وهم معروفون. لم أقف على شيء من أحواله لأذكره.
وإنّما توفي في يوم السبت تاسع عشرين ربيع الآخر بأبعد خارج مكة من جهة اليمن، ودُفن هناك.
ذكره الحافظ السخاوي في "تاريخه"
(2)
بنحو ما ذكرناه، وبه اقتدينا.
17 -
أحمد بن
(3)
حسين الخوارزمي
(4)
الأصل، المكي.
توفي بمكة المشرّفة في يوم الأربعاء ثامن عشرين ذي الحجة.
ولم أقف أيضاً على شيء من حاله غير هذا.
(ترجمة ابن الرسّام القاضي)
(5)
18 -
أحمد بن أبي بكر بن أحمد بن علي بن إسماعيل الحموي، الحنبلي.
الشيخ شهاب الدين المعروف بابن الرسّام
(6)
، قاضي القضاة الحنبلي بحلب. ولد بحماة في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة.
(1)
في الأصل: "نبذاً".
(2)
الضوء اللامع.
(3)
في الأصل: "ابن".
(4)
انظر عن (الخوارزمي) في: المجمع المفنّن 1/ 416 رقم 344.
(5)
العنوان من الهامش.
(6)
النظر عن (ابن الرسام) في: معجم شيوخ ابن فهد 54، 55، وعنوان الزمان، والضوء اللامع 1/ 249، 250، ونيل الأمل 5/ 155 رقم 2007، والمنهج الأحمد 488، والمقصد الأرشد رقم 15، والسُّحُب الوابلة 27، وبدائع الزهور 2/ 233، وهدية العارفين 1/ 175، والدرّ المنضد، 2/ 632 رقم 1570، ومعجم المؤلفين 1/ 174، 175.
ونشأ مشغولاً
(1)
بالعلم. وكان والده رسّاماً من عباد اللَّه الصالحين، وأخذ ولده عن جماعة بحماة وغيرهما، وسمع الحديث على جماعة لم يحضُرني الآن منهم أحد. ووُلّي قضاء حلب، وكان يعمل الميعاد ويتكلّم على الناس كلاماً جيّداً، وكتب وألُّف، ومع ذلك لم يكن بالناجب. ووُلّي قضاء حماة بأخرة، وبها توفي وهو قاضٍ في هذه السنة، وما حرّرت شهر وفاته.
(ترجمة التقيّ المقريزي)
(2)
19 -
أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن تميم بن عبد الصمد بن أبي الحسن بن عبد الصمد بن تميم المقريزي
(3)
،
(1)
في الأصل: "مشغول".
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
انظر عن (المقريزي) في: إنباء الغمر 4/ 187، 188 رقم 1، والنجوم الزاهرة 15/ 490، 491، وحوادث الدهور 1/ 63 - 68 رقم 5، والمنهل الصافي 1/ 394 - 399 رقم 217، والدليل الشافي 1/ 63 رقم 217، وعنوان الزمان / 109، 110 رقم 34، وعنوان العنوان رقم 39، ومعجم شيخ ابن فهد 22 و 63 - 67 و 90 و 293 و 390 و 450، ونزهة النفوس 4/ 242 - 244 رقم 536، والضوء اللامع 1/ 63 رقم 217، ووجيز الكلام 2/ 580 رقم 1342، والتبر المسبوك 21 - 24، والذيل التام 1/ 633، وتاريخ الخلفاء 513، وحُسن المحاضرة 1/ 557، ونيل الأمل 5/ 150، 151 رقم 2051، والمجمع المفنّن 1/ 469 - 475 رقم 431، وبدائع الزهور 2/ 231، 232، والبدر الطالع 1/ 79 - 81، وكشف الظنون 7 و 71 و 97 و 128 و 158 و 166 و 201 و 262 و 304 و 345 و 485 و 670 و 700 و 716 و 747 و 824 و 100 و 1020 و 1030 و 1088 و 1110 و 1150 و 1156 و 1396 و 1603 و 1780 و 1889، وشذرات الذهب 7/ 255، وإيضاح المكنون 1/ 100 و 122 و 207 و 379 و 2/ 512 و 633، وديوان الإسلام 4/ 197 - 199 رقم 1928، وعقد الجمان (وفيات 845 هـ.) وهدية العارفين 1/ 127، وفهرست الخديوية 5/ 13 و 21 و 162 و 163، وفهرس مخطوطات الظاهرية (ليوسف العش) التاريخ 97، 98، و 105 و 152، ومعجم المؤلفين 2/ 11، 12، وفهرس المخطوطات المصورة بدار الكتب المصرية 3/ 2 و 32 و 33 و 121 و 122 و 154 و 155 و 238 و 261 و 264، والخطط التوفيقية، لعلي مبارك 9/ 69، 70، وفهرس معهد المخطوطات العربية ج 2 ق 1/ 32 و 121 و 141 وق 2/ 165 وق 3/ 297، ومعجم المطبوعات العربية 2/ 1778، وتاريخ آداب اللغة العربية 3/ 184 - 186، وتاريخ الأدب العربي 2/ 38، وملحقه 2/ 36، وعلم التاريخ عند المسلمين 18 و 25 و 60 و 63 و 80 و 91 و 117 و 122، و 154 و 175 و 214 و 240 و 248 و 392 و 435 و 436 و 440 و 450 و 480 و 549 و 611 و 682 و 687، والأعلام 1/ 177، والفهرس التمهيدي 383 و 436، وفهرس المخطوطات المصورة بمعهد المخطوطات العربية (التاريخ) 2/ 233 رقم 724، و (الرياضيات) ج 3 ق 3/ 52 رقم 91، والتاريخ العربي والمؤرّخون 3/ 140 - 151 رقم 1، والمؤرخون في مصر في القرن الخامس عشر الميلادي، لمحمد مصطفى زيادة، القاهرة 1954، والأعلام 1/ 177، والمجمع=
البعلبكيّ الأصل، القاهري، المصريّ المولد والوفاة، الحنفي، ثم الشافعي.
الشيخ المتقن المفنّن، تقيّ الدين، رأس المؤرّخين، وعمدة المحدّثين، علّامة عصره، ووحيد دهره في الحديث والتاريخ، بل وغير ذلك.
ولد بالقاهرة سنة ست وستين/ 51 أ/ وسبعمائة.
وكان والده قدم إليها قبل ذلك من دمشق وقطنها، وتولّى بعض ولايات مما يتعلّق بالقضاة، ثم تولّى التوقيع في ديوان الإنشاء، وتزوّج بأسماء ابنة الشيخ شمس الدين ابن الصائغ الحنفي، فأولدها الشيخ تقيّ الدين هذا في التاريخ المذكور، ونشأ بالقاهرة صيّناً، ديّناً، فطِناً، ذكيّاً، حافظاً، ضابطاً، متقناً، وحفظ القرآن العظيم في حالة صِغره، وشيئاً من المختصرات الفقهية في مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه، تَبَعاً لجدّه لأمّه الشيخ شمس الدين المذكور، ثم لما شبّ وترعرع وناهز العشرين، ومات والده في سنة ست وثمانين وسبعمائة تحوّل هو إلى مذهب الشافعي لأمير من الأمور، مع أن والده كان حنبليّاً فحُبِّب إليه الحديث واتباعه فتعاناه واجتهد في ذلك غاية الاجتهاد، وسمع الكثير منه من جماعة كثيرة، ومنهم الطبردار، وحدّث ببعض مسموعاته. وكان خيّراً، ذا ديانة وأمانة، وضبط التواريخ للناس وأجازهم ناقداً لكن مع بعض أوهام تقع له في بعض مواضع في التاريخ وذلك سهل، وكان من كثرة ميله إلى الحديث مُتَّهم بمذهب الظاهرية.
قال الحافظ ابن حجر
(1)
، رحمه الله: ولكن لم يُعرف به. وكان له همّة عليّة في التولّع بالفنون. وجمع في التاريخ كتباً مفيدة كالدّرر
(2)
، [و] السلوك
(3)
، والخطط
(4)
، وتاريخ كبير سمّاه "المقفَّى"
(5)
في عدّة مجلّدات، وغير ذلك، وكان من ولوعه الولوع الزائد بالتاريخ يحفظ منه الشيء الكثير، فكان بسبب ذلك حُلو المحاضرة، حسن المذاكرة والمعاشرة، كثير النوادر لا يُملّ منه ولا من صحبته، مع تعصّب كان فيه على الحنفية كرهتُ له ذلك مع أنه كان منهم حتى أنه كان يفحش في تعصّبه ويتغالى في ذلك، ومن وقف على تصانيفه ظهر له ذلك بأدنى
=المؤسس للمعجم المفهرس 3/ 58 - 60 رقم 421، ومختارات من المخطوطات العربية النادرة في مكتبات تركيا 777 - 780 رقم 1479، والمعجم الشامل للتراث العربي المطبوع 5/ 137 - 147، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي (تأليفنا) ق 2 ج 1/ 337 رقم 187.
(1)
في إنباء الغمر 4/ 187.
(2)
هو كتاب: "الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة". مطبوع.
(3)
هو كتاب: "السلوك لمعرفة دول الملوك". مطبوع.
(4)
هو كتاب: "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" المعروف بالخطط المقريزية. مطبوع.
(5)
هو المقفَّى الكبير. مطبوع ولكنّه ناقص.
تأمّل سامحه اللَّه تعالى، فإنه لا فائدة في التعصّب في مثل ذلك، رضي اللَّه تعالى عن علماء الإسلام المجتهدين، أئمّة الذين الذين جلوا الطريق وأظهروا التحقيق، فلمصيبهم أجران، ولمخطئهم أجر ما لنا، والعصبية على من له الأجر على كل حال، أولئك الرجال فنحن من العصبية بريؤون
(1)
، ومقام كلِّ من علماء السلف رضي الله عنهم عارفون، ولكل منهم محبّون، فرحم اللَّه من أنصف ولم يتعسّف، وعن التعصّب توقّف.
وكان التقيّ المذكور يكثر من الحج والمجاورة، وكان بعض الناس ينسبه إلى الفاطميّين من الخلفاء المصريين من بني عبيد اللَّه الذي يلقّب بالمهدي المشهور المعروف.
قال الحافظ ابن حجر
(2)
، رحمه الله: لقد رأيت بعض المكيّين قرى عليه شيئاً من تصانيفه فكتب في أوله نسبه إلى تميم بن المعزّ بن المنصور بن القائم بن المهدي عبد اللَّه القائم بالمغرب قبيل الثلاثمائة. والمُعِزّ هو الذي بُنيت له القاهرة، وهو أول من ملك مصر من العبيديّين، فاللَّه أعلم.
قال -أعني الحافظ-: ثم إنه كشط ما كتبه ذلك المكي من أول المجلّد، وكان لا يتجاوز في نسبه في تصانيفه عبد الصمد بن تميم. ووقف على ترجمة جدّه عبد القادر بخط تقيّ الدين بن رافع، وقد نسبه أنصارياً، فذكرت ذلك له فأنكر ذلك على ابن
(3)
رافع وقال: من أين له ذلك؟
قال -أعني الحافظ ابن
(4)
حجر-: وذكر لي ناصر الدين ابن أخيه
(5)
أنه بحث عن مُستند أخيه تقيّ الدين في الانتساب إلى العُبَيديين، فذكر له أنه دخل مع والده جامع الحاكم فقال له وهو معه في وسط الجامع: يا ولدي هذا جامع جدّك. انتهى.
وقال الجمال بن تغري بردي
(6)
، رحمه الله، في ترجمته: وأملى عليّ نسبه الناصري محمد ابن أخيه بعد موته إلى أن رفعه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه من طريق الخلفاء الفاطميّين. انتهى كلامه.
أقول: وليس في الانتساب إلى الفاطميّين فخر، فإنّ جماعة من كبار علماء الإسلام والمؤرخين المعتمدين أجمعوا على أن بني عُبيد ليسوا بفاطميّين، بل
(1)
في الأصل: "بريون".
(2)
في إنباء الغمر 4/ 188.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
في الأصل: "أخوه".
(6)
في النجوم الزاهرة 15/ 490.
وليس أصلهم من المسلمين. وذكر بعضهم أن أصلهم من بني ديصان طائفة من المجوس.
وذكر بعض الثقات أنه أثبت ببغداد محضراً فيه خط الشيخ أبي
(1)
الحسن القُدوري الحنفي، وناهيك بعلمه ودينه وخيره. وخط الإسفرائيني الشافعي، وناهيك بالآخر وغزير علمه أيضاً أن بني عبيد ليسوا بفاطميّين، وأن عبد اللَّه الملقّب بالمهدي ليس من ذرّية النبيّ عليه السلام، وهذا معروف مشهور مسطور، مفروغ منه، تكلّم عليه الأساتذة الأقدمون
(2)
وممن ذكر ذلك ابن خَلّكان، والذهبي، وابن كثير، وغيرهم من المؤرّخين، وتكلّم فيه وصرّح ذلك القاضي أبو بكر الباقلّاني وغيرهم ممن يُعتبر قولهم من الأكابر. وقد أنكر علماء النسب منهم، وما ذكره المقريزي في بعض كتبه من الميل إلى ذلك بل التصريح به على الطريقة التي ذكرها بعد استيعاب كلام الكثير من الأفراد الطاعنين في ذلك فوق ما ذكرناه عنهم ودخوله إلى المقصود بحسن عبارة، بحيث لا يرد عليه سؤال بكلام مغرض متعصّب لا طائل تحته
(3)
، وقد أعيب عليه ذلك وارتكابه إيّاه من ذلك الوجه الذي دخل إليه به غاية الإعابة، ونكّت
(4)
عليه بعض العلماء في ذلك وأنه ولهاً به لنفسه، ولا فخر في ذلك في الحقيقة، اللهم إلا أن يفتخر بكونهم كانوا طوعاً فيمكن ذلك على أنهم كانوا بئس الملوك لحبّهم الظاهر.
ولما ترجم شيخ الإسلام البدر العَيني، رحمه الله، التقيَّ هذا قال في أثناء كلامه في ترجمته
(5)
: وكان مشتغلاً بكتابة التواريخ، ويضرب الرمل، تولّى الحسبة بالقاهرة في آخر أيام الظاهر برقوق، ثم عُزل بمسطره
(6)
، ثم تولّى مرة أخرى في أيام الأمير سودون ابن
(7)
أخت الظاهر برقوق، ثم الدوادار الكبير أيضاً عوضاً عن مسطّره بحكم أن مسطّره عزل نفسه بسبب ظلم سودون المذكور. انتهى.
ولما ذكر ابن
(8)
تغري بردي ترجمة التقيّ هذا نقل عن العيني صدر هذا الكلام وهو قوله: وكان إلى قوله الرمل، ثم قال عقيب ذلك: وكلام الأقران في أقرانهم غير مقبول. انتهى.
أقول: وهذا لعلّه كلام مهبول إذ هو في غاية السفالة وقلّة الأدب والحياء وعدم المعرفة، إذ لا نسلّم أن كلام الأقران في أقرانهم غير مقبول لأنه إن
(1)
في الأصل: "أبو".
(2)
في الأصل: "الاقدمين".
(3)
في الأصل: "تحت".
(4)
في الأصل: "مكث".
(5)
في عقد الجمان (وفيات 845 هـ.).
(6)
أي بدر الدين العيني.
(7)
في الأصل: "بن".
(8)
في الأصل: "بن".
لم يقبل كلام من كان مقارناً للإنسان عارفاً بأحواله فلا يقبل كلام غيره بطريق الأوْلى، وفي هذا من الفساد ما لا يخفى. وأيضاً كلام العيني في المقريزي كلام ليس بطائل حتى لا يقبل تعلّمنا قطعاً بصدق ما قاله، فإن أحداً لا ينكر كون المقريزي كان يكتب التاريخ ويعرف علم الرمل ويضرب، فكيف لا يقبل هذا وليس فيه ما يشين المقريزي ولا ما ينقصه، حتى لو ذكر العيني عن المقريزي ما يُنقِصه قبلناه لعِلمنا بثقته، فكيف بكلام مقبول عند الكافة يعرف صحّته كل أحد فلا نشك أن هذا القول صادر عن غير مسألة
(1)
. وللجمال هذا مثل هذا وأشباهه شيء كثير
(2)
يكاد لا يُحدّ ولا يُعدّ وإنّما الموجب لارتكابه عدم التأمّل ومعرفة قواعد التكلّم وما يرد على ذلك.
وذكر لي بعض من ينسب إلى العلم والمعرفة بأحوال كثيرٍ ممن ذكرهم التقيّ في تواريخه
(3)
أنه اطّلع على مواضع كثيرة من تواريخه ذكرها ولا حقيقة لِما ذُكر.
أقول: لعلّ ذلك إنّ صحّ عنه إنّما هو على وجه الوهم لا على جهة وضع ذلك وافترائه، فإن مقام المقريزي يتحاشى عن ذلك لإجماعهم على دينه وأمانته، وأنه أعظم مؤرّخي زمانه.
توفي رحمه الله في يوم الخميس سادس عشرين شهر رمضان أو سابع عشرينه، ودُفن يوم الجمعة بمقابر الصوفية خارج باب النصر.
وذكر شيخ الإسلام العَيني وفاته يوم الجمعة، وقال: تاسع عشر شعبان
(4)
، وهو سهوٌ منه في العدّة، ولعلّه سبْق قلم في الشهر، أراد أن يكتب رمضان فسبقه القلم فكتب شعبان وبقي كذلك. وأمّا وهْمه في اليوم فلكونه دُفن فيه فظنّه يوم وفاته.
(1)
في الأصل: "مسله".
(2)
في الأصل: "شيئاً كثيراً". وكتب بعضهم في حاشية الصفحة من أسفل، بخط مختلف تعليقاً على هذا القول قرأنا منه ما يلي: "أقول: الاعتراض ساقط عن رتبة الأصول، وذلك أن مالكاً رضي الله عنه لا يقبل شهادة العالم على مثله لأنه أكثر الناس تحاسداً وتباغضاً .........
…
من العلماء
…
على ذلك عدم قبول الشهادة للعالم إلا أن يتكلم بما يجمع الناس على خلافه فيكون في غاية السقوط، وطول
…
في كلام العيني بأن نسبته ولا ينقضه ...... ...... وإلا فهو يقضي في المشمولي الكلام إلى المترجم
…
الشأن فيه ذكره اجتمع في ابن المترجم من كمال وغيره وكونه يخبر بالتواريخ ولا ممن حل نظيراً في الفتى ذم وإن علم الأنساب علم لا ينفع به
…
يضرب، والرمل من نوع التنجيم لها شبهة مكانة تشير إلى الحاكم يعرف فضيلة ................................. ".
(3)
في الأصل: "توايخه".
(4)
في عقد الجمان (وفيات 845 هـ.).
قال ابن تغري بردي
(1)
: إنه توفي يوم الخميس سادس عشر رمضان. ثم ذكر ما قاله العَيني ووهّمه، والحال أنه هو الواهم، فإن أول رمضان في هذه السنة كان الأحد أو السبت على ما وقع فيه من الخلاف وقد عرفته فيما مرّ من محلّه من المتجدّدات.
وذكر الحافظ ابن
(2)
حجر، رحمه الله، وفاته في تاسع عشرين. وفي بعض نُسَخ تاريخه تاسع عشر، وكلاهما سهو.
ونسبته بالمقريزي ذكر بعضهم أنها إلى محلّة ببغداد يقال لها محلّة المقارزة نُسب إليها لكون بعض جدوده كان منها.
وذكر بعضهم أنها نسبة إلى المقريز كان يُعرف بها بعض جدوده لأنه من البربر، ولعلّ هذا أظهر فإنها لغة البربر، واللَّه أعلم.
(ترجمة ابن حجّي عمّ سيّدي يحيى بن حجّي)
(3)
20 -
أحمد بن عمر بن حِجّي
(4)
بن موسى بن أحمد الحسباني، السعدي، الدمشقي، الشافعي.
الشيخ شهاب الدين المعروف بابن حِجّي، وهو عمّ المرحوم القاضي نجم الدين العلّامة يحيى بن حجّي الذي توفي في أول سنة من ابتدائنا هذا التأليف وهي سنة سبع وثمانين، وستأتي ترجمته رحمه اللَّه تعالى، فإنه أُسمِعت عليه الكثير من الناس.
ولد صاحب الترجمة في ربيع الأولى سنة سبع وعشرين وثمانمائة بدمشق، و (نشأ)
(5)
بها مشتغلاً بالعلم، وولي تدريس الشامية البرّانية برغبة أبيه له قبل تاريخه في سنة ثلاثين، وأنكر عليه ذلك لصِغَر ولده، فإن تدريس هذه المدرسة لم يليها
(6)
إلّا الأساتذة الأساطين، والمستنيب فيها عنه، واستمرت باسمه.
حتى توفي في رابع عشر جمادى الأولى.
(1)
في النجوم الزاهرة 15/ 491.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
انظر عن (ابن حجي) في: التبر المسبوك 25، ونيل الأمل 5/ 145، 146 رقم 1995، وبدائع الزهور 2/ 230.
(5)
عن الهامش.
(6)
في الأصل: "لم يليها".
واستقرّ في الوظيفة المذكورة بعده أخوه بهاء الدين، ثم ولده النجم المذكور، وناب عنه فيها الشمس البلاطُنسي
(1)
، والشيخ خطّاب، وغيرهما.
[الأمير شهاب الدين المعروف بابن العطار]
21 -
أحمد بن أحمد بن عمر بن يوسف بن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد بن أبي بكر التنوخي، الحموي.
الأمير شهاب الدين المعروف بابن العطار
(2)
الخاصّكي، أحد الدواداريّة، وهو ابن أخي شرف الدين يحيى المشهور، المعروف.
ولد في أوائل القرن تقريباً بحماة، ثم قدم القاهرة مع والده، فتنقّل والده في عدّة ولايات وهو معه حتى بغته أجله بالقدس وهو ناظره يومئذٍ. وعاد ولده الشهاب هذا إلى القاهرة وأقام بها في كنف صهره الكمال ابن
(3)
البارزي كاتب السرّ، وصحب الزين عبد الباسط ناظر الجيش فأوصله إلى دوادارية تمرباي التمربُغاوي، وكان إذ ذاك دواداراً نائباً، فقرّب الشهاب هذا وأنس به، وباشر دواداريّته مباشرة حسنة.
ثم لما تسلطن العزيز صيّره من جملة الدوادارية الصغار بعناية الأمير جقمق الأتابك وهو إذ ذاك مدبّر مملكة العزيز، وكان ذلك بواسطة زوجته مُقَل بنت البارزي التي صارت الخَوَنْد الكبرى بعد ذلك، وكانت هي السفيرة له عند زوجها جقمق المذكور.
ثم لما تسلطن جقمق دام على ذلك لكن لم تطُل مدّته بعد أن ذُكر وشُهر عند الناس فبغَته أجله.
وكان عاقلاً، سيوساً
(4)
، مدبّراً، ذا رأي وحُسن سمت، وتُؤدة، وأدب وحشمة، ذكيّاً، يقِظاً، فطِناً، يحفظ الكثير من الشعر وأخبار الناس، مشاركاً في الفضائل والفنون. وله يد طولى في أنواع الأنداب والتعاليم، كالرمي بالنشاب وغيره مما يزينه.
(1)
في الأصل: "البلاطقي".
(2)
انظر عن (ابن العطار) في: المنهل الصافي 2/ 175 - 177 رقم 299، والدليل الشافي 1/ 84، 85 رقم 297، والضوء اللامع 2/ 82 رقم 243، والتبر المسبوك 25، والمجمع المفنّن 1/ 520، 521 رقم 492، ونيل الأمل 5/ 141 رقم 1990.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الأصل: "سوسا".
توفي في المحرّم.
[ترجمة الخطيب المعروف بدرّابة]
22 -
أحمد بن
(1)
يوسف بن (
…
)
(2)
القاهري، الشافعي، شهاب الدين، الخطيب المعروف بدُرّابة
(3)
بتشديد الراء بعد الألف باء موحّدة.
ولد بعد الخمسين وسبعمائة.
ونشأ مشتغلاً بالعلم.
وقال الحافظ ابن
(4)
حجر، رحمه الله: اشتغل قليلاً، وجلس مع الشهود دهراً طويلاً، وعمل توقيع الحكم، ثم توقيع الدّرج، ثم توقيع الدَّست، وكان سليم الباطن، قليل الشرّ، وفيه عقل.
مات في رجب وقد قارب التسعين، انتهى كلامه
(5)
، رحمهما اللَّه تعالى.
(ترجمة الأشرف صاحب اليمن)
(6)
23 -
إسماعيل بن يحيى
(7)
بن إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل بن عبد اللَّه بن إسماعيل بن علي بن داود بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول
(8)
التركماني الأصل، اليمني.
السلطان الملك الأشرف بن الناصر صاحب اليمن.
ولي المُلك بعد أبيه، وكان فيه حدّة مفرطة وطيش زائد. أغلظ على جُنده وأساء التدبير فيهم، بل وفي غيرهم، فكان لا يخلو يوماً من الأمر بالقتل والعقوبة والمصادرة للناس، وكحّل أخاه أحمد شقيقه خوفاً منه على المُلك، ثم أخاه حسن، ثم جماعة من أقاربه وذويه فوق العشرة أنفس، وقتل عمّته وامرأة معها
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
بياض كلمة.
(3)
انظر عن (درّابة) في: المجمع المفنّن 1/ 603، 604 رقم 576، وإنباء الغمر 4/ 188، 189 رقم 2، والضوء اللامع 2/ 701.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
في إنباء الغمر 4/ 188، 189.
(6)
العنوان من الهامش.
(7)
في الأصل: "يحيى"، ومثله في: الذيل التام.
(8)
انظر عن (ابن رسول) في: الضوء اللامع 2/ 308، ووجيز الكلام 2/ 582 رقم 1345، والذيل التام 1/ 634 وفيه:"يحيى"، ونيل الأمل 5/ 152 رقم 2004، والمجمع المفتّن 2/ 65 رقم 718، وبدائع الزهور 2/ 232، والأعلام 1/ 329.
كانت تصحبها، وقطع يد امرأة كانت تضرب الرمل، كل ذلك لأجل اتساع خياله بأنهم يسعون في المُلك. وكانت أيامه من أعجب الأيام وأغربها، كثيرة الفِتَن والشرور، وحارب العرب المفسدين وهُزم منهم غير مرة. وبالجملة فكانت سيرته من أسوأ
(1)
السِيَر.
توفي بتعز في ثالث شوال.
وولي المُلك بعده الملك المظفّر يوسف بن عمر بن الأشرف إسماعيل بن العباس.
[ترجمة تَنِبَك الجقمقي]
24 -
تَنِبَك الجقمقي
(2)
، نائب القلعة بمصر.
كان من مماليك جقمق الدوادار نائب الشام، وتنقّلت به الأحوال إلى أن وُلّي نيابة القلعة، ثم صُرف عنها، ثم أخرج إلى البلاد الشامية فسُجن بها مدّة ثم أُفرج عنه، كل ذلك في دولة الظاهر جقمق. وكان بخيلاً مِسّيكاً.
توفي في هذه السنة على ما ذكره ابن
(3)
تغري بردي بالبلاد الشامية.
وأنا أظنّ أنه ليس في هذه السنة، وما اشتغلت بتحرير ذلك.
واسمه مركّب من كلمتين في الأصل ومماتين وهي لفظة جركسية اسم لماء في تلك البلاد، وأظنّه الذي تسمّيه التُرك طون أو طونة، وبَك لفظة تركية معناه الأمير.
ورأيت من يكتبها غالباً بالألِف هكذا: تانِبَك، ويُحتمل أن يكونا معاً من لغة التُرك، فتان معناه البدن، وبك على بابها.
ورأيت من يقول: بك، أيضاً يحتمل معنى آخر يمكن أن يكون أصلاً هاهنا وهو القويّ. ومنهم من يكتبها تاني بَك وهو الغالب في الكتابة، وقد جعله بعضهم من قبيل الغلط. وأنا أقول له وجه لأن معناها بدنه، فالباء كهاء الضمير، فيكون المعنى بدنه أمير أو قوي، وكذا الكلام في جانِبَك. وقد غلّطه ابن
(4)
تغري بردي
(1)
في الأصل: "سو".
(2)
انظر عن (تنبك الجقمقي) في: نيل الأمل 5/ 155 رقم 2008، والمجمع المفنّن 2/ 358 رقم 1132، وبدائع الزهور 2/ 233، والنجوم الزاهرة 22315، والدليل الشافي 1/ 214 رقم 755، والمنهل الصافي 4/ 21 رقم 757، والضوء اللامع 3/ 42 رقم 175.
(3)
في الأصل: "بن"، وقول ابن تغري في: المنهل الصافي 4/ 22 وغيره.
(4)
في الأصل: "بن".
في هذه، أعني جانبك حيث لم يجوّز كتابتها بالياء وأمعن في ذلك في كتابه الذي سقاه "مورد اللطافة"، ونسب الناس إلى الجهل، وهو الواقع فيه على أنه كان يعرف اللغة التركية، لكنْ لجمود ذهنه يقف عندما يقع في نفسه في أول وهلة فلا ينتقل إلى غيره، بل ولا يخطر بباله، والأرجح عندي في هذا الاسم أن يُكتب تان بك.
[ترجمة جانَم الأشرفي]
25 -
جانَم الأشرفي
(1)
.
أحد العشرات بمصر، المعروف برأس نَوبة سيدي.
كان من مماليك الأشرف بَرْسْباي ومن خاصّكيّته، وجعله رأس نَوبة لولده المقام الجمالي يوسف. فلما تسلطن بعد والده الأشرف صيّره من العشرات، فلما خُلع بعد ذلك وتسلط الظاهر جقمق أخرجه إلى غزّة على أتابكيّتها فتوفي بها في هذه السنة على ما ذكره ابن
(2)
تغري بردي
(3)
، ولعله وهِمَ في ذلك، ولم أحرّر هذا أيضاً.
واسمه كلمة واحدة تركية معناها: روحي، فإنّ "جان" هي الروح بلغة التُرك والميم كياء التكلّم عند العرب. ومثله قانم، ومعنى "قان" هو الدم أو السلطان الكبير، والأول أظهر. و"تاني" مثله، و"باي" الأمير، أو معجمة ومعناها الدم السعيد أو السلطان السعيد، وقانِبَك مثله، فاعرفْ ذلك.
[ترجمة بدر الدين البُهوتي]
26 -
حسن بن علي بن محمد البُهُوتي
(4)
، القاهري، المالكي، العدل، بدر الدين.
نزيل المدرسة الناصرية الحسنية بالرُميلة تجاه القلعة وأحد الشهود بالصليبة بالحانوت بقرب الخانقاه الشيخونية.
ولد في سنة خمس وسبعين وسبعمائة بالقاهرة، وبها نشأ.
بدأ
(5)
فقرأ القرآن العظيم، وحفظ الرسالة لابن أبي زيد، رحمه الله، ثم
(1)
انظر عن (جانم الأشرفي) في: نيل الأمل 5/ 155 رقم 2009، والمنهل الصافي 4/ 220، 221 رقم 816، والدليل الشافي 1/ 235 رقم 814.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الدليل الشافي ورد أنه توفي سنة 845 هـ. وفي المنهل الصافي توفي سنة 850 هـ. تخميناً.
(4)
انظر عن (البُهوتي) في: نيل الأمل 5/ 154 رقم 2006، وبدائع الزهور 2/ 233.
(5)
في الأصل: "بدي".
اشتغل فأخذ عن التاج بهرام، والشمسين ابن
(1)
مكين، والبساطي، وكذا الشطّنوفي، وسمع بعض شيء (على الشمس)
(2)
بن سراج الكفر بطناوي.
أنبأ الحجّار، وكذا سمع على العمادي، والعراقي، وحدّث، وسمع منه جماعة منهم الفُضَلاء، وحجّ، ودخل الإسكندرية للجهاد.
توفي في أيام عيد النحر.
[ترجمة الخليفة المعتضد باللَّه]
(3)
27 -
داود
(4)
بن محمد بن أبي بكر بن سليمان بن أحمد بن حسين بن أبي بكر بن علي بن الحسين بن منصور بن الفضل بن أحمد بن محمد بن هارون بن محمد بن عبد اللَّه بن محمد بن علي بن عبد اللَّه بن عباس بن عبد المطّلب الهاشمي، العباسي، المصري.
أمير المؤمنين الخليفة المعتضد باللَّه أبي الفتح ابن
(5)
الخليفة ابن الخليفة ابن الخليفة ابن الخليفة إلى خمسة به، ثم أربعة من آبائه لم يلوا الخلافة إلى علي والد محمد السفّاح إلى آخر نسبهم لم يل واحد
(6)
منهم أيضاً لا علي ولا عبد اللّه ولا العباس.
ووهم الجمال ابن
(7)
تغري بردي في نسب أمير المؤمنين هذا
(8)
تصحّف عليه المقتدر بالراء بالمقتدي بالياء.
ولد بعد الخمسين وسبعمائة، استدلالاً بقول الحافظ ابن
(9)
رحمه الله، حين ذكر وفاته فقال عقيب ذلك: وقد قارب التسعين
(10)
.
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
ما بين القوسين مكرّر في المخطوط.
(3)
العنوان عن الهامش.
(4)
انظر عن (داود= الخليفة المعتضد باللَّه) في: إنباء الغمر 4/ 189 رقم 3، والنجوم الزاهرة 15/ 489، والمنهل الصافي 5/ 301 - 305 رقم 1020، والدليل الشافي 1/ 196 رقم 1017، وحوادث الدهور 1/ 61، 62 رقم 1، ووجيز الكلام 2/ 581 رقم 1344، والضوء اللامع 3/ 215 رقم 805، والتبر المسبوك 25، 26، والذيل التام 2/ 634، ومورد اللطافة، ورقة 76، وتاريخ الخميس 2/ 429، وعقد الجمان (وفيات 845 هـ.)، وتاريخ الخلفاء 542، 543، ونيل الأمل 5/ 144 رقم 1994، وبدائع الزهور 2/ 230، وأخبار الدول 2/ 218، وشذرات الذهب 7/ 275.
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
في الأصل: "واحدا".
(7)
في الأصل: "بن".
(8)
راجع: المنهل الصافي.
(9)
في الأصل: "بن".
(10)
إنباء الغمر 4/ 79.
كان أمير المؤمنين هذا من سادة بني العباس في زمانه ومن سراتهم وأكرمهم وأعقلهم وأحلمهم، شهماً محتشماً، وقوراً، أدوباً، ديّناً، خيّراً، متواضعاً، حسن السمت والملتقى، ذاهيبة وعفّة، وصدق لهجة، وحُسن عشرة ومحاضرة ومذاكرة، لطيف الذات، بديع الصفات، كثير الصِّلات، وافر الصدقات، وكانت مكاتباته تصدر عنه بما شاء من غير مُعارض. وكان كثيراً ما يجالس العلماء والفُضَلاء، مشاركاً، فهماً، فطِناً.
وقد كان للوالد سريّة استولدها وكانت من أهل الخير والدين، كانت من بيت هذا الخليفة، فكانت تصفه لنا بصفات جميلة، وتذكر عنه خصالاً
(1)
حميدة يطول شرحها. وقد كان معظّماً عند الملوك.
وولي الخلافة بعد خلع المستعين باللَّه الذي كان بيده السلطنة والخلافة، وكان قد عارضه المؤيَّد في السلطنة، ووليها ولم يزل خليفة حتى تحرّك المؤيدَّ للسفر الشام، فخلع المستعين وبايع لداود هذا، وحمل المستعين بعد ذلك إلى سجن الإسكندرية. واستمر هذا في الخلافة، فقلَّد السلطنة للمظفّر، ولططر، وللصالح، وللأشرف، ولولده، وللظاهر. وخرج مع الأشرف في نوبة آمِد.
وكان كثير الأنس والإكرام في سفرته تلك بالحافظ ابن
(2)
حجر، وكثير الاهتمام
(3)
به وتفقّده دون غيره من رفقته قضاة القضاة.
وفي ذلك أنشد الحافظ هذه الأبيات يمتدحه بها:
يا سيداً ساد بني الدنيا فهم
…
تحت لوائه الكريم المقعد
(4)
أمددتني فضلاً وشكري قاصر
…
فإن أردت الشكر منّي فاقتصِد
أشبهت عباس الندى في المحل إذ
…
أطاعه العيب وكان قد فقد
إلى أبي الفضل انتهى الجود وفي
…
أولاده بقيّة نسل تجد
ماجد حتى حار حور خده
…
إلَّا أمير المؤمنين المعتضد
وناهيك بهذه الأبيات من مثل هذا الإمام فإنه كان خليقاً للخلافة جديراً.
وكان بينه وبين الوالد صحبة أكيدة ومحبّة قديمة، وكلانت مكاتباته ترد من القاهرة إلى الوالد حيث ترده عن هذه البلاد معنْوَنَة بالثناء التام عليه. وكانت مكاتبته إليه:"والده داود بن محمد". وكان يخاطبه بالخطاب المعظّم وينتصر له، ويقوم في أموره، رحمه اللَّه تعالى ورضي عنه وعن سَلَفه الشريف وسُلالته الطاهرة.
(1)
في الأصل: "خصال".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "وكثير الاهماله".
(4)
في الأصل: "المعقد".
كان لما مرض مرضه الذي مات فيه وطال به المرض عهد بالخلافة لأخيه شقيقه سليمان، وكتب عهده قبل موته، وأشهد عليه بذلك بعد أن ذكر أنه لا يعلم عليه كبيرة وأن الخط في ذلك.
توفي رحمه الله في يوم الأحد رابع عشر ربيع الأول.
وكانت مدّة خلافته تسعة وعشرين
(1)
سنة، وأياماً.
وولي بعده أخوه كما قد عرفته بعد أن قام في ذلك يحيى بن المستعين باللَّه، وادّعى أنه معهود إليه بالخلافة من أبيه، ولم يُفده ذلك على ما سيجيء في ترجمته، وحضر السلطان فمن دونه جنازة داود هذا، وحُمل إلى المشهد النفيسي فدُفن به هناك على العادة.
(ترجمة الشيخ سرور المغربي)
(2)
28 -
سرور
(3)
بن عبد اللَّه بن سرور بن أحمد بن عبد الحميد بن سعيد بن معروف بن خالد القُسنْطيني، التونسي، المغربي، المالكي.
الشيخ العالم، الفاضل، أبو الوليد، المعروف باسمه. نزيل الإسكندرية.
ولد بقسنطينة في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة.
ونشأ مشتغلاً بالعلم، وقدم تونس فأخذ عن علماء تلك الحَلَبَة، وكانوا من الأجِلّاء الأكابر، وأعيان الفضلاء الأعلام. ثم قدم إلى الإسكندرية فقطنها، وقدم القاهرة غير مرة، وجرى عليه بالإسكندرية من الخطوب والمِحَن ما لا يُحَدّ، وأخرج منها مَنفيّاً إلى تونس، ثم عاد ومعه مكاتبة من صاحبها عثمان بالشفاعة فيه، ومع ذلك فجرى عليه أيضاً الخطوب، ووُلّي قضاء الإسكندرية ونظرها.
وقد ذكره الحافظ ابن
(4)
حجر في مواضع من "تاريخه"
(5)
، منها في حوادث سنة ست وعشرين، وبالجملة فقد امتُحن كثيراً، وآل أمره بعد ذلك أن قتل بيد بعض الفرنج بإغراء بعض الناس على ما سيأتي تفصيل ذلك في ترجمة الدماميني قريباً إن شاء اللَّه تعالى، ووصل خبر قتله على ما جزم به في شعبان.
وكان خيّراً ديّناً، لكنّه كان حادّ المزاج، عنده باردة وطيش.
(1)
في الأصل: "وعشرون".
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
انظر عن (سرور) في: الضوء اللامع 2/ 245 رقم 920، ووجيز الكلام 2/ 579 رقم 1339، والتبر المسبوك 26، ونيل الأمل 5/ 156 رقم 2010.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
إنباء الغمر 3/ 303.
وكان قد صحِب الوالد في اسكندرية حين كان الوالد على نيابته، وكان يحتمله كثيراً لعلمه بطيشه ورعاية لفضله، فلم يقع بينهما ما يشين، ويعجب من ذلك. وكان الوالد يصفه لنا بمتانة الدين ومزيد الخير، وأنه من الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر. وكان لا صبر له على رؤية شيء من ذلك أو سماعه، ولهذا كان يُمتَحن، رحمه اللَّه تعالى.
[ترجمة شعبان بوّاب دار الضرب]
29 -
شعبان (
…
)
(1)
.
بوّاب دار الضرب الذي تقدّم ذِكر وفاته بطريق الحج
(2)
، وهو صِهر البدر ابن الحلاوي والد زوجته. أمّ ولده أبي بكر وغيره.
توفي، كما قد أشرنا في المتجدّدات، وقُرّر في بوّابة دار الضرب بعده صهره المذكور، وهي هذه إلى يومنا هذا.
ولا بأس به. وهو ممّن جاوز السبعين من العُمُر.
30 -
شُكر الحَسَني، المكي.
والد الوزير بُدَيْد الآتي في محلّه إن شاء اللَّه تعالى.
كان شُكر هذا أحد القوّاد. ونسبته إلى حسن بن عجلان أمير مكة، فإنه هو الذي أعتقه.
توفي بمكة في يوم الجمعة ثالث عشرين شهر جمادى الأولى.
31 -
طَيْبُغا البدري
(3)
.
كان من مماليك الصاحب بدر الدين حسن بن نصر اللَّه. وكان قد تأمّر في دولة الأشرف بَرسْباي، وكان ذا سَمْتٍ حَسَن وعقل وسياسة ورأي وتدبير.
توفي في ثاني المحرّم.
واسمه مركّب من "طاي" وهي لغة تركية معناها المهر. و"بُغا": قدمه.
(ترجمة الجمال ابن الدماميني)
(4)
32 -
عبد اللَّه بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن سليمان بن خالد بن
(1)
كلمة ممسوحة. وقد تقدّم ذِكر "شعبان" في حوادث هذه السنة عند خبر الحج.
(2)
في هذه السنة 845 هـ.
(3)
انظر عن (طيبغا البدري) في: إنباء الغمر 4/ 189 رقم 4، والضوء اللامع 4/ 51.
(4)
العنوان من الهامش.
الوليد القُرشي، المخزومي، الدماميني، السكندري، المالكي، القاضي جمال الدين المعروف بابن الدماميني
(1)
.
قاضي الإسكندرية. ويلتقي
(2)
مع العلّامة البدر ابن الدماميني المشهور، سِبطه
(3)
محمد بن أبي بكر بن عمر في أبي بكر الأول من نسب هذا، إذ عمر وعبد الله أخَوَان.
ولد صاحب الترجمة تقريباً في سنة أربع أو ثلاث وثمانين وسبعمائة.
ولم يذكر الحافظ ابن
(4)
حجر مولده حين ترجمه
(5)
، بل قال لما ذكر وفاته:
وأظنّه جاوز الستين، وكان قليل الاشتغال بالعلم في بدايته، فلهذا كان قليل البضاعة في علمه.
وترجمه البدر العَيْني
(6)
فقال: ولم يكن ممن له اشتغال بالعلم، وكان يحرم الناس كثيراً خصوصاً الظَلَمة الذين لا يستحقّون شيئاً من ذلك.
ولهذا كان يترجمه الوالد أيضاً فإنه رافقه في نيابة الإسكندرية وهو إذ ذاك قاضيها، وكان بينهما صُحبة ومحبّة، لكنّه كان ريّساً عريقاً في الرياسة، كثير المروءة، سخيّ النفس جدًّا، واسع العطاء، كثير البذل.
كان يحكي لنا الوالد عن سخائه ما يكاد يشبه الخرافات، ويعدّ من التبذير والإسرات المُفرِط، ولهذا أتلف مالاً عظيماً أكثره، بل الكلّ على منصب القضاء وعلى قيام صورته ورفع المعارضين له.
وأقام متولّياً القضاء بالإسكندرية فوق الثلاثين سنة بما في ذلك من عزله عدّة مرار
(7)
. وكان لا يبالي من أيّ جهة حصل المال، ساغت أو لم تَسُع إليه
(8)
وحلاوته عنده وشرهه فيه، فكان إذا حصل له شيء من الدنيا أبلغه في ذلك إلى أن ركبه الدَّين. وكان الشيخ سرور الذي قدّمنا ترجمته
(9)
ووعدنا بإتيان شيء ممّا
(1)
انظر عن (ابن الدماميني) في: إنباء الغمر 4/ 190، 191 رقم 7، والنجوم الزاهرة 15/ 491، وحوادث الدهور 1/ 68 رقم 6، ونزهة النفوس 4/ 244 رقم 837، ووجيز الكلام 2/ 579 رقم 1338، والضوء اللامع 5/ 53 رقم 198، والتبر المسبوك 26 - 28، والذيل التام 632، وعنوان الزمان 3/ 151 رقم 326، ونيل الأمل 5/ 153 رقم 2005، وبدائع الزهور 2/ 233، وشذرات الذهب 7/ 256.
(2)
في الأصل: "يكتفي".
(3)
في الأصل: "صبته".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
في إنباء الغمر 4/ 190.
(6)
في عقد الجمان (وفيات 845 هـ.).
(7)
في الأصل: "مرارا".
(8)
في الأصل: "فلمِصت".
(9)
تقدّم برقم (28).
يتعلّق به في هذه الترجمة لا يعجبه أحوال الجمال هذا في قضائه وسيرته، فقام في عزله أتمّ قيام بأن قدم القاهرة وأخبر السلطان الظاهر بأحواله وبجهله، ونسَبَه إلى كل سوء وشرّ، وأفحش في ذلك إلى أن تمّ أمر عزله، فعُزل بالشيخ شمس الدين بن عامر المالكي. وكان الشمس هذا أحد نواب الحكم في قضاء الشيخ شمس الدين البساطي. فلما وُلّي البدر التّنيسي بعد وفاة البساطي امتنع عن استنابته، فبقي معطّلاً إلى أن قام الشيخ سرور هذا وحسّن للسلطان توليته قضاء الإسكندرية حتى أجاب السلطان إلى ذلك. فلما بلغ الجمال ذلك كادت روحه أن تزهق، وخرج من الإسكندرية قبل أن يدخلها ابن عامر، ثم دخلها ابن عامر وباشر قضاءها
(1)
، وقدم الجمال إلى القاهرة وهو موعوك من قهره وشدّة حرصه على الرياسة، ومكالبته
(2)
على المنصب، ومحبّته له. فلا زال يجتهد الاجتهاد الكلّي ويسعى السعي الحثيث
(3)
، ويتوسّل بكل وسيلة، ويحتال بكل حيلة إلى أن أعيد إلى القضاء على عاداته وصُرف ابن
(4)
عامر، وحصل له الخمول.
ثم أخذ الجمال هذا يتحيّل أيضاً بكل ما أمكنه وصرف همّته، ولم يكن دأبه إلّا الشيخ سرور المغربي وإفساد صورته عند السلطان. وكان السلطان اذنا على ما هو المعروف من حاله فأمر بنفي الشيخ سرور إلى بلاد المغرب، وكتب بذلك إلى الإسكندرية، وكان بها بعض مراكب الفرنج فأنزل فيه الشيخ سرور مسلسلاً في الحديد على ما قيل ليسافر به إلى بلاد المغرب. واتفق في يوم إنزاله المركب أن حضر بربريّ من القاهرة إلى الإسكندرية بمكاتبة من السلطان يقتضي أنه شفع في الشيخ سرور وأنه يبقى، وكان قد شفع فيه بعض الأعيان، وبعث البربري بذلك فاتفق دخوله الإسكندرية مساءً، ففطن الجمال ومن وافقه على الحيلة على الشيخ سرور المذكور بالقضيّة، وأن البربري جاء بإطلاقه، فغالطوه بقراءة ما على يده من المكاتبة إلى صبيحة تلك الليلة، ثم دسّوا إلى الفرنجي صاحب المركب بأن يقلع بمركبه ليلاً، بل ويقال دسّوا إليه بقتله أيضاً، لا جزاهم الله خيراً، خوفاً من عَود سرور أيضاً، فإنه كان وقع له مثل ذلك مرة على ما أسلفناه في ترجمته، وعاد من تونس، فأقلع الفرنجي من ساعته. ثم لما أصبح النهار وقُرئت المكاتبة أمر بإحضاره، فذكر أن المركب سار وهو فيه، فاعتذروا بذلك. وعاد البربري بالخبر. واستمرّ سفر الشيخ سرور، ثم انقطع خبره بعد ذلك، وقد جزم بأنه اغتاله الفرنجي، وقيل بمواطأتهم، ولم يحصل القاضي بعده على طائل ولا انتفع بنفسه، بل دامت به العِلل والأمراض والرديء من الأمراض.
(1)
في الأصل: "قضايها".
(2)
في الأصل: "ومكالبه".
(3)
في الأصل: "الخبيث".
(4)
في الأصل: "بن".
وأشيع موته بالقاهرة مراراً حتى تحقّق أنه توفي في يوم الأحد رابع ذي القعدة من هذه السنة.
وانطفت جمرة ناره وخمدت وذهبت آثاره ودثرت فكأنه لم يكن، ولم ينفعه منصبه ولا تدبّره، بل كان في ذلك تدميره، وانتقم منه المنتقم، ولحق الظالم بمن ظُلم، كما جرت به عادة اللَّه تعالى في الغالب.
وإلى نحو هذا أشار الحافظ ابن
(1)
حجر، رحمه اللَّه تعالى، في تاريخه
(2)
، ومن بحره اغترفنا، وبفضله اعترفنا. وتولّى قضاء الإسكندرية بعده الشيخ شهاب الدين العدني التلمساني السوسي. وسيأتي ذكر ولايته في المتجدّدات من السنة الآتية إن شاء اللَّه تعالى. وولي فيما بعد قضاء دمشق، ودام بها مدّة.
وتوفي بها بعد السبعين، فكان من أكبر أصحاب الوالد وأحبابه، ومن أصحابنا أيضاً كما سيأتي
(3)
ترجمته في محلّها إن شاء اللَّه تعالى.
ولما وُلّي هذا الإسكندرية باشرها مباشرة حسنة بعفّة وصيانة وأمانة وحُمدت سيرته وشُكرت قضاياه، وكان ذلك سبباً لظهوره وشُهرته فيما بعد، رحمه اللَّه تعالى.
33 -
عبد الله بن محمد بن عيسى بن محمد بن جلال الدين العوفي
(4)
، القاهر، الزيتوني، الشافعي.
الشيخ جمال الدين. يقال إنه منسوب لعبد الرحمن بن عوف أحد العشرة رضوان اللَّه عليهم أجمعين. هكذا قاله الحافظ السخاوي في تاريخه
(5)
.
ولد في سنة خمس وسبعين وسبعمائة في مستهلّ المحرّم.
وحفظ القرآن العظيم، و"الحاوي" و"التنبيه" و"منهاج الأصول"، وغير ذلك، ثم اشتغل بالعلم فأخذ عن جماعة، منهم: السراجَي البُلقيني، وابن الملقّن، والبرهان الإبناسي، وابن القطان، والشهاب الأشموني الحنفي، والمحبّ (بن)
(6)
هشام، والشيخ قنبر، وأخذ في الحديث عن الزين القرافي، وسمع على جماعة، وناب في القضاء قديماً وحديثاً، وحُمدت سيرته وقضاياه، وأقرأ، وربّما أفتى، وخطب ببعض الجوامع.
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
إنباء الغمر 4/ 190، 191.
(3)
في الأصل: "سيأتي ".
(4)
انظر عن (العوفي) في: إنباء الغمر 4/ 189، 190 رقم 5، والضوء اللامع 5/ 61.
(5)
الضوء اللامع.
(6)
في الأصل: "بن".
وقال الحافظ ابن
(1)
حجر، رحمه الله، في حقّه حين ترجمه: أخذ عن شيخنا برهان الدين الإبناسي، وغيره، واشتغل كثيراً، وتقدّم ومهر، ونظم الشِعر الجيّد المقبول، وأفاد، وناب في الحكم وتصدّر، وكان قليل الشرّ، كثير السكون، فاضلاً
(2)
. انتهى.
ثم انقطع بأخرة وترك ما بيده من كل شيء إلّا وظيفته في الخانقاه الصلاحية سعيد السُعداء، فإنها دامت بيده حتى مات، وقصد بذلك أن يندرج في شمول الدعاء له حين حضورها.
وكان صالحاً ديّناً، خيّراً، انقطع عن الناس وانجَمَع عنهم بجامع نائب الكَرَك، فأعمره جوهر الخازندار لأجله. وكان عالماً، فقيهاً، فاضلاً، ورِعاً، مُنجمعاً، ثقة، عدلاً، كثير التواضح، قانعاً باليسير على طريقة السلف، مُداوماً على ما هو بصدده، ملازماً ذلك.
ومن نظمه ما أخبرني به الوالد أنه سمعه منه:
هديّة المرء على قدره
…
فالفضل أن يقبلها السيّد
فإن قبول العين مع فضلها
…
قليل ما يهدي لها المزوّد
وكان الوالد يعتقده ويزوره بجامع نائب الكَرَك في بعض الأحيان.
توفي، رحمه اللَّه تعالى، في يوم الخميس ثامن عشر رجب.
وسها
(3)
الحافظ ابن
(4)
حجر فقال: سادس عشر
(5)
.
34 -
عبد اللَّه بن محمد بن البُرُلّسى
(6)
.
الشيخ جمال الدين.
ولد تقريباً قبل تمام الستين وسبعمائة، ويدلّ على ذلك قول الحافظ ابن
(7)
حجر في ترجمته حين ذكر وفاته، وأظنّه قارب التسعين -بتقديم المثنَّاة-.
ونشأ متزايا بزيّ الصوفية، محبّاً للفقرء، كثير الملازمة لهم، ثم ترك زِيَّهم وتزيّا بزيّ الفقهاء، واشتغل بالعلم وأحبّه، وداخَل الفقهاء إلى أن ناب في الحكم قليلاً، ثم ناب في بعض البلاد.
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
إنباء الغمر 4/ 190.
(3)
في الأصل: "وسهى".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
إنباء الغمر 4/ 190.
(6)
انطر عن (البُرُلُّسي) في: إنباء الغمر 4/ 190 رقم 6، والضوء اللامع 5/ 246، والتبر المسبوك 29
(7)
في الأصل: "بن".
قال الحافظ ابن
(1)
حجر، رحمه الله: ثم مُنع من ذلك لكائنة جرت، لأن الشافعي لما منعه ناب عن الحنفي، فعيّن عليه قضيّة تتعلّق بكنيسة اليهود، فحكم فيها بحكم يلزم منه نقض حكم سابق على حكمه من قاضي القضاة علاء الدين بن مُعلَّى الحنبلي، فأنكر عليه وقوبل على ذلك، وصُرف عن نيابة الحكم
(2)
.
توفي في رجب.
(ترجمة المُسنِد ابن
(3)
الطحّان)
(4)
35 -
عبد الرحمن بن يوسف بن أحمد بن سليمان بن داود الدمشقي، الصالحي، الحنبلي.
الشيخ زين الدين، أبو محمد، وأبو الفَرَج، كُنّي بهما تارة بالأولى، وأخرى بالثانية، المسنِد المشهور، المعروف بابن قُرَيج
(5)
بالقاف والجيم مصغّراً، وبابن الطحّان أيضاً.
وهو الذي تقدّم الوعد بإتيان ترجمته، وهو أحد المسنِدين الثلاثة
(6)
الذين أُحضروا إلى القاهرة بعناية تغري برمش الجلالي الفقيه، نائب القلعة.
ولد في خامس عشر المحرّم سنة ثمانٍ وستين وسبعمائة بدمشق، وبها نشأ.
فحفظ القرآن واشتغل يسيراً، وكان عالي السند في "مُسنَد" الإمام أحمد بن حنبل، أسمعه والده إيّاه على الصلاح ابن أبي عمر، وأسمعه "جامع" التِرمذي، و"سُنَن" أبي داود، وغيرهما، على عمر بن أُمَيْلة المسنِد المشهور، وعلى المصونة زينب ابنة القاسم، وأسمعه "صحيح مسلم" على البدر بن قواليح في سنة سبع وسبعين وسبعمائة. ثم قرأ هو بنفسه على ابن
(7)
المحبّ، وسمع من غيره كثيراً.
وقد ذكر الحافظ ابن
(8)
حجر، رحمه الله، مشايخه وما سمعه في تاريخه حين ترجمه
(9)
.
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
إنباء الغمر 4/ 190.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
انظر عن (ابن قريج) في: إنباء الغمر 4/ 192، 193 رقم 9، ومعجم شيوخ ابن فهد 59 و 136 و 137 و 169، والضوء اللامع 4/ 160، والتبر المسبوك 29، ووجيز الكلام 2/ 580 رقم 1341، ونيل الأمل 5/ 142، 143 رقم 1992، وشذرات الذهب 7/ 256.
(6)
في الأصل: "الثلاث".
(7)
في الأصل: "بن".
(8)
في الأصل: "بن".
(9)
في إنباء الغمر 4/ 192، 193.
توفي بالقاهرة بقلعة الجبل بعد حضوره للإسماع من دمشق في يوم الإثنين سابع عشرين صفر بعد أن تمرّض أياماً يسيرة، غريباً شهيداً من هذا الوجه، رحمه اللَّه تعالى.
(ترجمة ابن الصائغ المكتّب)
(1)
36 -
عبد الرحمن بن يوسف الشيخ زين الدين، المعروف بابن الصائغ
(2)
.
الأستاذ البارع في صناعته، صاحب الخط المنسوب الحسن الفائق.
ولما ترجمه الحافظ ابن
(3)
حجر سمّى
(4)
والده عليّاً، وهو سهو، وإلّا فقد سمّاه في المواضع "بن يوسف" كتب عبد الرحمن هذا عليّاً
(5)
الشيخ نور الدين الوسيمي، تلميذ الشيخ غازي، ومهر في جميع الأقلام كلها، وهو أعلى من أدركنا في زمننا هذا من أصحاب الخطوط المنسوبة وأميزهم، وأحلاهم خطاً، وأحسنهم طريقة، وأتقن قلم النسْخ إتقاناً كلّيّاً حتى فاق فيه على شيخه الوسيمي باتفاق من العارفين، بل وباتفاق من لا معرفة له بالخط بمجرّد نظره إلى خطّيهما في النسْخ. ثم أحبّ الشيخ عبد الرحمن هذا طريقة ابن
(6)
العفيف، فمهر فيها باستفادته من الزفتاوي، واخترع طريقة منتزعة من طريقة ابن
(7)
العفيف وغازي.
قال الحافظ ابن
(8)
حجر: وكان الوسيمي كتب على غازي وغازي كتب أولاً على ابن أبي رُقيّة
(9)
شيخ شيخنا الزفتاوي، وهو تلميذ ابن العفيف، ثم تحوّل غازي عن طريقة ابن
(10)
العفيف إلى طريقة ولّدها بينها وبين طريقة الزكيّ
(11)
العجمي، ففاق أهل زمانه، وتبع في عصره شيخنا الزفتاوي، لكنّه لم يحصل له نباهة لسُكناه بالفُسطاط.
(1)
العنوان على الهامش.
(2)
انظر عن (ابن الصائغ) في: إنباء الغمر 4/ 192، 193 رقم 9، وعنوان الزمان 3/ 100 رقم 287، وعنوان العنوان رقم 149، والضوء اللامع 4/ 161، ووجيز الكلام 2/ 580، 581 رقم 1343، ونيل الأمل 5/ 152 رقم 2003، وبدائع الزهور 2/ 232، والذيل التام 1/ 633، 634.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الأصل: "سما".
(5)
في الأصل: "علي".
(6)
في الأصل: "بن".
(7)
في الأصل: "بن".
(8)
في الأصل: "بن".
(9)
هكذا في الأصل. وفي إنباء الغمر: "رقيبة".
(10)
في الأصل: "بن".
(11)
في الأصل: "الولي".
قال: ومهر عبد الرحمن وشيخنا، وكذا شيخه، وصرّح كثيرٌ بتفضيله عليه، ونسخ عدّة مصاحف شريفة، وكُتُب
(1)
. انتهى.
أقول: وكان الحافظ ابن
(2)
حجر أيضاً ممن يكتب الخط منسوباً، ولهذا قال في المتقدّم شيخنا الزفتاوي فإنه كتب عليه وأجيز بالخط، ومن تأمّل في كتابته علم ذلك، فإنّ النظر في خطّه بأول وهلة ببادئ الرأي، لا سيما لمن لا خبرة له ربمّا حكم برداءته
(3)
. فإذا تُؤمّل في ذلك الخط مع سرعة تلك الكتابة رأى محاسنه. وقد كتب على ابن
(4)
الصائغ هذا جماعة كثيرة، منهم: البرهان الفرنوي، وأبو الفتح الحجازي، وغيرهم. وكان شيخاً ظريفاً، حُلو المحاضرة، حسن المعاشرة، محبَّباً إلى الناس، ذا أدب ووقار وحُسن سمْت وتُؤَدة. وكان بيده تصوّف بخانقاه سعيد السعداء، وولي التكتيب في عدّة مدارس معظّمة، منها: البرقوقية، وانتفع به الكثير من الناس من أهل عصره، وله نثر حسن، وقرّظ على سيرة ابن
(5)
الناهض الذي
(6)
جمعها للمؤيَّد شيخ تقريظاً حسناً.
وكان بينه وبين الوالد محبّة وصُحبة، وكتب له دَرْجاً
(7)
هائلاً، مليحاً جدّاً، فيه جميع الأقلام، حافلاً بخطه الحسن، وبالغ فيه، وقد رأيته وما فيه من المحاسن، التي ماؤها كير آسِن، يسُرّ الناظر، ويشرح الخاطر.
ويُحكى عنه في سرعة الكتابة أمر عجيب
(8)
، منها قضيّة اتفقت له بسوق الكُتبيّين كتب فيها ثلاثة كراريس، وهو مستند لبعض الحوانيت واقف على قدم واحدة وفرّعها من ابتداء السوق أو بعده إلى حين انقضائه. وانقطع في أواخر عُمُره عن الناس بداره بسبب ضعفٍ اعتراه.
حتى توفي في رابع عشر شوال.
قال الحافظ ابن
(9)
حجر، رحمه الله: وهو في عشر الثمانين
(10)
.
37 -
عبد الرحيم بن محمد بن أبي بكر الرومي
(11)
، الحنفي.
(1)
إنباء الغمر 4/ 191، 192.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "برادته".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
الصواب: "التي".
(7)
الدَرْج: بسكون الراء. هو الورق المستطيل المركّب من عدّة أوصال. (صبح الأعشى 1/ 138 و 12/ 477).
(8)
في الأصل: "أمراً عجيباً".
(9)
في الأصل: "بن".
(10)
إنباء الغمر 4/ 192.
(11)
انظر عن (الرومي) في: إنباء الغمر 4/ 193 رقم 10، وحوادث الدهور 1/ 63 رقم 3، وفيه:"عبد الرحمن"، ونزهة النفوس 4/ 241 رقم 834، والضوء اللامع 4/ 191 رقم 481، ووجيز الكلام 2/ 579 رقم 1337، والتبر المسبوك 31، ونيل الأمل 5/ 148 رقم 1998.
الشيخ زين الدين، أحد نواب الحكم بالقاهرة.
وسمّاه البدر العَيْني
(1)
عبد الرحمن. وهو وهمٌ منه.
ولد في سنة خمس وسبعين وسبعمائة.
ونشأ نشأة حسنة، مشتغلاً بالعلم، وأخذ عن جمع من أعيان عصره. وكان بيده عدّة وظائف، طلب بكثير من الواضح حضرها على أعيان العلماء، وولي نيابة الحكم فدام بها مدّة، وحُمدت قضاياه، وشُكرت سيرته. وكان يقرئ بعض الطلبة.
وذكره الحافظ السخاوي في "تاريخه"
(2)
وقال: عبد الرحيم ابن
(3)
الإمام الحنفي، ولم يذكر اسم أبيه وجدّه، ثم ترجمه ونقل ما قاله الحافظ ابن
(4)
حجر في ترجمته نحواً مما ذكرناه
(5)
. ثم قال: وما أظنّ هذا إلّا ابن الإمام، وإلّا فليس في بني الرومي في هذا الوقت من يُسمّى عبد الرحيم حسبما أخبرني به بعضهم. هذا ما قاله.
ذكر العَيني في "تاريخه"
(6)
ترجمة الرومي هذا، وسمّاه عبد الرحمن.
قال الحافظ السخاوي
(7)
: وهو وهْمٌ منه.
توفي صاحب الترجمة في شهر رجب.
38 -
عبد القادر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم
(8)
بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم المطري، المكي، الشافعي.
إمام مقام إبراهيم المعروف بابن أبي اليُمن.
توفي في يوم السبت خامس عشرين صفر.
39 -
عبد الملك بن عبد الحق بن هاشم المغربي، الحربي، المكي، المالكي.
الشيخ الصالح المعتقد بمكة، كان من عباد اللَّه تعالى الصالحين، وحزبه المفلحين. وللناس به بمكة الاعتقاد.
توفي بها في سابع شوال.
40 -
علي بن محمد الويشي
(9)
الشافعي.
الشيخ نور الدين المعروف بنسبته، وهي بكسر الواو وسكون المثنّاة من تحت، بعدها شين معجَمة.
(1)
في عقد الجمان (وفيات 845 هـ.).
(2)
الضوء اللامع 4/ 191.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
إنباء الغمر 4/ 193.
(6)
في عقد الجمان (وفيات 845 هـ.).
(7)
في الضوء اللامع 4/ 191 ولم يذكر عبارة "وهو وهْمٌ منه".
(8)
في الأصل: "إبرهيم"، وهكذا في كل المواضع التالية.
(9)
انظر عن (الويشي) في: إنباء الغمر 4/ 193 رقم 11.
لم أقف له على تاريخ ولادة ولا ترجمة واسعة، بل أذكر ما قاله الحافظ ابن
(1)
حجر، رحمه الله، في ترجمته، وفيها كفاية.
قال بعد ما ذكر اسمه واسم أبيه ونسبته بنحو ما ذكرناه: وكان قد طلب العلم واشتغل كثيراً، ونسخ بخطّه الحسن شيئاً كثيراً، ثم تعانى الشهادة في القيمة، فدخل في مداخل عجيبة، واشتهر بالشهادات الباطلة، واللَّه عفوّ غفور
(2)
.
مات في ذي القعدة.
41 -
كُزُل العجمي
(3)
، الظاهري.
حاجب الحجّاب في الدولة الناصرية.
ذكره ابن
(4)
تغري بردي في من مات في هذه السنة
(5)
، وهو خطأ منه.
بل مات في سنة تسع وأربعين.
وترجمه الحافظ ابن
(6)
حجر فيها، وهو الصحيح
(7)
.
وسيأتي في محلّه إن شاء الله تعالى.
(ترجمة ابن
(8)
زين المادح)
(9)
42 -
محمد بن زين بن محمد بن زين بن محمد بن زين الطنبذائي
(10)
الأصل، النحريري
(11)
، الشافعي، المقري.
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
انباء الغمر.
(3)
أنظر عن (كزل العجمي) في: المنهل الصافي 9/ 130، 131 رقم 1916، والدليل الشافي 2/ 557 رقم 1909، والتبر المسبوك 130، والضوء اللامع 6/ 228 رقم 779" وإنبا" الغمر 5/ 207 رقم 2075، ووجيز الكلام 2/ 805 رقم 393، وبدائع الزهور 2/ 250، ونيل الأمل 5/ 207 رقم 2075.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
الموجود في المنهل الصافي 9/ 130 "توفي بالقاهرة في حدود الأربعين وثمانمائة".
(6)
في الأصل: "بن".
(7)
إنباء الغمر 4/ 241 رقم 5.
(8)
في الأصل: "بن".
(9)
العنوان عن الهامش.
(10)
انظر عن (الطنبذائي) في: النجوم الزاهرة 15/ 490، وحوادث الدهور 1/ 62، 63 رقم 2، والتبر المسبوك 31، 32، والضوء اللامع 7/ 246، 247 رقم 609، ووجيز الكلام 2/ 577، 578 رقم 1333 وفيه "الطنتدائي"، ومثله في: الذيل التام 1/ 630، 631، ونيل الأمل 5/ 143 رقم 1993، وبدائع الزهور 2/ 229.
(11)
في الذيل التام 1/ 630 "النحراري".
الشيخ الأديب، الفاضل، البارع، الكامل، الخيّر، الدّيّن، الصالح، شمس الدين، مادح النبي صلى الله عليه وسلم، المعروف بابن زين.
ولد قبل الستين وسبعمائة.
وحفظ القرآن العظيم، و"التنبيه"، و"الألفيّة"، واشتغل بالعلم، فأخذ عن جماعة، منهم: العزّ القليوبي، والشمس القرافي، وحضر دروس الإبناسي، وسمع الحديث على جماعة، وقرأ بالسبع وأقرأ، وانتفع به الكثير من الناس في ذلك. وكان به صمم
(1)
، فلو دقّت عنده الطبول لما سمعها على ما قيل عنه
(2)
، ومع ذلك فكان إذا قُرئ عليه القرآن ردّ القارئ إذا غلط، وعُدّ ذلك من كراماته. وشرح "ألْفيّة" ابن
(3)
مالك، ونظم في أشياء علمه شيئاً كثيراً غير المدائح النبوية على الممدوح بها أفضل الصلاة والسلام، وأكثر منها.
قال شيخ الإسلام بدر الدين العَيني في ترجمته له في "تاريخه"
(4)
: نظم أربعة عشر ألف قصيدة وخمسمائة قصيدة وثلاثمائة في قصص الأنبياء، وغيرها.
وعاش تسعين سنة.
فقيل إنه رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم تسعمائة مرة. انتهى كلامه.
وأخبرني رجل من أصحابنا يسمّى شمس الدين محمد بن موسى بن سليمان بن خليل بن عبد الوهاب الفيّومي، القاهري، الحنفي، أحد السادة الصوفية بالخانقاه الشيخونية خطيب الجامع الزاوية القانبائية بالرُميلة، وهو من أهل الدين والخير انه سمع ممن يثق به عن ابن
(5)
زين هذا أنه كان بمجرّد ما يُغمض عينه يرى النبيّ صلى الله عليه وسلم.
قال: وجاء إليه مرة رجل كان مسرفاً على نفسه فقال له: يا سيّدي انظر لحالي يسترشده، فقال له: أكثِر من قراءة سور الأنعام
(6)
، فلازمها ذلك الإنسان مواظباً عليها، فمات بعد ذلك حين مات وهو ساجد.
ولْنذكر قصيدة من قصائد ابن
(7)
زين هذا في مدح النبي عليه السلام تبرّكاً
(1)
في الأصل: "صمماً".
(2)
كتب بإزائها على الحاشية بخط مختلف: "وله وضع الحديث يأتي قوله إذا دقت عنده الطبول لا يسمعها إلا أن يحرق بطرق بطريقي أيضاً".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في عقد الجمان (وفيات 845 هـ.).
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
هي السورة رقم (6).
(7)
في الأصل: "بن".
بها، ولْتكُن نموذجاً لنا في كلامه، ولم يحضرني من كلامه الآن إلَّا هي، وإن كان في كلامه ما هو أقوى منها نظماً، وهي هذه:
تذكّرتُ أياماً تقضّت بحاجِرِ
…
ففاضت دموعي عَنْدَماً من مَحَاجِرِي
فلا تَعتبوا من أظهر الدمعُ سرَّه
…
ولا تعذلوا من بات في هجر هاجرِ
على المرء صَعْبٌ أن يفارق إلْفه
…
ولو أنّ أدنى البُعد لمحة ناظرِ
فكيف بمن أمسى غريبَ ديارِه
…
وبات على فرش الضنى دون زامرِ
أنا العاشق المهجور والمغرمُ الذي
…
غرامي غريمي في الهوى ومُسامري
سقى اللَّه أطلالاً شَرُفْنا بِعِشقها
…
وأنهلها من خير سُحُب مَوَاطرِ
لقد كان لي عهدٌ بصحبة أهلها
…
وحفظ ودادي في ربوع عوامرِ
وكنت أرى في حبّهم جودة لها
…
جمال جميل مُفتِن للنواظرِ
إذا أقبلت تخطو ترى الغصن مطرِقاً
…
حياءً وبدر الأفق في زيّ باسِرِ
يسمّونها في كل حيّ غزالة
…
وهيأتها فوق الليوث الكواسرِ
ومن عجيبٍ أن الثابت باسمها
…
فما لي أرى نجمي بها كل شاطرِ
ويسعى لها العشاق من كل وجهٍ
…
رجالاً ورُكباناً على كل ضامِرِ
على وصلها الأموالُ تُنفق رغبةً
…
ويؤثر فقد الروح فوق المآثِرِ
فما وصْلُها إلّا تجارةُ رابح
…
ومتجرُها لا شكّ خيرُ المشاعرِ
وما شرُفت إلّا بأشرف مرسلٍ
…
وأكرمِ مبعوث وأفصحِ ذاكِرِ
محمد المبعوث من نسل هاشم
…
إلى الخلق طُرّاً بالهدى والبشائِرِ
هو ابن الذبيحين الذي لم يكن له
…
من الرسل كفُواً في العُلَى
(1)
والمفاخِرِ
أمينٌ على وحي الإله وخَلْقه
…
ورحمته العظمى بأُولَى وآخرِ
به أودع اللَّهُ الجمالَ بأسره
…
فليس له في حُسنه من مُشاطِرِ
ولم تر عينٌ في الخلائق مثلَه
…
ولا شَكلَه في ورد الحمول الصوادرِ
وتستغرق الأفكارُ في نعتِ وصْفِه
…
ويُغلِقُ نقْدٌ عندهم بالخواطرِ
كذا خطباءُ الدين ميَّزَها اسمُه
…
إذا ذكرته فوق أعلى المنابرِ
له معجزاتٌ في المشاهد شوهدت
…
وأخبارُها جاءت لنا بالتواترِ
براحتِهِ الحصباءُ للَّهِ سبَّحَتْ
…
كتسبيح إنسان مع الوصف باهرِ
(1)
في الأصل: "العلا".
وأجرى له الخيلانُ
(1)
في رحب كفّه
…
عيوناً تُورد
(2)
كالبحار الزواخرِ
ومن نوره الأنوارُ لا شك كُوّنَتْ
…
ومن عِطْره الفيّاح عطر الأزاهرِ
به ظهرت للمادحين نضارةٌ
(3)
…
وليس لهم بين الورى من مُناظرِ
تساموا فَخَاراً في الأنام بمدحهِ
…
فمادحُهُ لا شك أشعر شاعرِ
ولا سيما ذو الغَوص في بحر فِكْرِه
…
على دُرَر المعنى وأخْذِ الجواهرِ
وإني بعون اللَّه جرت قريحة
…
تطاوعني فيما يدور بخاطرِ
ولم يحتجب عن المعاني لساعةٍ
…
ولم يستطع مالي لشعري معاصري
ولكنّ ذنبي زائدٌ متعاظمٌ
…
فكيلُ عيوني ينال من بحرٍ وافرِ
وهل ثَمَّ عيب المرء إلّا ذُنوبهُ
…
ومنها على الاشهار يدعى بسائرِ
إذا أفسد الإنسان بالذنب باطناً
…
فكيف له نفعٌ بإصلاح ظاهرِ
وكيف له يُخفي عن الناس ذنبَه
…
ومولاه منه عالمٌ بالسرائرِ
أيا خيرَ رحمانٍ ويا خير رازقٍ
…
ويا خير مأمولٍ ويا خير غافرِ
بحقّك سامحْ لابن زينٍ ذنوبَه
…
ونوّلْه ما يرجو بأُولَى وآخرِ
وصلِّ على خير النبيّين أحمد
…
وأصحابه والآل أهل المُسامرِ
43 -
وقد عارض ابن زين هذا في قصيدته هذه الشيخُ العالمُ، الرّباني، الأديب، البارع، الرحماني، الصالح، الخيّر، المفضّل محمدُ بن أحمد بن مهلهل الفيّومي، أحد المشهور [ين]
(4)
بالصلاح والدين والخير والبِرّ والمعروف، ومدح النبيّ صلى الله عليه وسلم، فنظم قصيدة على وزن قصيدة ابن زين هذه وقافيتها، وهي أعلى نفساً من الأولى وأرجح وأغلى، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وأولها هذا:
بدا برقٌ ما بين العُذَيب وحاجر
…
ففاض على خدّي دمع محاجري
وهي طويلة، جيّدة، رحم اللَّه تعالى ناظمها وروّى ثراه، وجعل الجنّة قِراه. وستأتي ترجمته في محلّها إن شاء اللَّه تعالى.
توفي ابن
(5)
زين صاحب الترجمة في مستهلّ ربيع الأول وله تسعون سنة، بتقديم المثنّاة على السين.
(1)
في الأصل: "الحلان".
(2)
في الأصل: "لورد".
(3)
في الأصل: "نظارة".
(4)
إضافة على الأصل.
(5)
في الأصل: "بن".
وكان ديّناً، خيّراً، صالحاً، مُراعى
(1)
عند الناس ببركة ممدوحه عليه الصلاة والسلام.
(ترجمة أبي
(2)
أمامة بن النقاش)
(3)
44 -
محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن علي بن عبد الواحد بن يوسف بن عبد الرحيم الدُّكاليّ الأصل، المصري، الشافعي.
الشيخ أبو أُمامة بن أبي هُريرة، المعروف بابن النقاش
(4)
، خطيب الجامع الطولوني، المشهور هو ووالده، وشهرة أبيه أكبر، وعلمه أوفى وأوفر. ولد أبو أُمامة هذا تقريباً في سنة أربع وسبعين وسبعمائة أو بعدها بيسير. وحفظ القرآن العظيم، واشتغل بالعلم، وحصّل، لكنّه لم يكن بالنسبة إلى أبيه، ولا بقي على حاله الأول لأنه اشتغل بما لا يعنيه على ما ذكره عنه الحافظ ابن
(5)
حجر، رحمه الفَه، ودخل بنفسه فيما ليس له به حاجة من مخالطة الأمراء، لا سيما في أيام الفِتَن التي تمادت وطالت بعد الظاهر برقوق. وحصل له بسبب ذلك من المِحَن والمصائب ما لو عُدّت لطال المجال. وكان يخطب بالجامع نيابة عن والده في حال حياته، واستقرّ بها بعد وفاته، وعزله الظاهر جقمق في سلطنته بالبرهان ابن الميْلق، وذكر عنه أنه كان يصلّي خلفه أحياناً في حال إمرته وأنه كان لا يفصح في خطبته ولا قراءته، فحج مراراً فراراً من الفِتَن، بعد أنْ إليها رَكَن، ولها سكن، فلم يُفده ذلك عمّا حاذَرَه من المِحَن.
قال الحافظ ابن
(6)
حجر: وتمشيخ بعد والده ولم يَنْجَب
(7)
. انتهى.
- • أقول: وأمّا والده فكان من الفضلاء الأعيان، ومن نجباء أبناء الزمان، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، مع المهابة والشهامة والحُرمة والصرامة، والقيام التامّ في ذلك والصدع بالحق في موعظته وخطبته، والمبالغة في نصيحته، حتى شاعت شهرته، وطار صيته، وعظُمت حرمته. وكان وجيهاً عند الكافّة، صادق اللهجة، جدّاً، جيّد الرأي، منعماً، مفضلاً، محبّاً لطلبة العلم، مجتهداً في
(1)
في الأصل: "مراعا".
(2)
في الأصل: "أبو".
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
انظر عن (ابن النقاش) في: إنباء الغمر 4/ 193 رقم 12، والضوء اللامع 8/ 38، 39 رقم 21، ونيل الأمل 5/ 149 رقم 2000، وبدائع الزهور 2/ 231.
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
في الأصل: "بن".
(7)
إنباء الغمر 4/ 193.
نفعهم ونفع الفقراء والمساكين، مقبلاً على شأنه، عارفاً بأمور دينه ودنياه، خائفاً من تبِعات عُقباه، وله مع الظلمة في قيامه للأمر بالمعروف حكايات طويلة، وامتُحن بسبب ذلك المرة بعد المرة، والكَرَّة بعد الكَرّة، ونُجّي سريعاً. حج مراراً وجاور. وبالجملة فكان من محاسن الدنيا، وكان مقتصداً في ملبسه، لا يتبختر ولا يتكبّر ولا يتجبّر ولا يتهوّر، ولا عُلم عليه ما يشينه في دينه ولا ما يعيبه، وتأسّف الناس عليه بعد موته في سنة تسع عشرة
(1)
وثمانمائة. وكانت جنازته من مشاهير الجنائز. وهو الذي أنشأ الدار المعروفة به في زيادة جامع ابن طولون. ووقع فيها بعد موته القيل والقال بواسطة كراهة الظاهر وغيره فيه وفي ولده صاحب الترجمة. وآل الأمر فيها بعد الخبط الكبير إلى الهدم، وهُدمت للأغراض الفاسدة، وإلّا فلأيّ فائدة؟
وقد ذكرت هذه الواقعة. وترجمة الشيخ أبي
(2)
هريرة في كثير من التواريخ مفصلة، وهذا على جهة الاستطراد.
(ذِكر سبيل جامع ابن طولون)
(3)
وقد أنشأ الأشرف قايتباي سلطان زماننا هذا بالزيادة المذكورة مكان هذه الدار سبيلاً مشهوراً للماء، فكان حسناً نافعاً في محلّه.
وجعل خازنه صاحبنا المرحوم الشيخ المبارك رَيحان الزنجي الحلبي، وكان من أهل الخير والدين، يتعانى حلق رؤوس
(4)
الأكابر من الأمراء وغيرهم، وكان يسقي الماء بطاسة بين العشاءين بالخانقاه الشيخونية، دأبه على ذلك من مدّة سنين، ويكثر نوافل الطاعات من الصلوات وغيرها، مع بشاشة
(5)
.
مات في سنة سبع وثمانين وثمانمائة، وكان به النفع، رحمه الله.
توفي الشيخ أبو أمامة صاحب الترجمة بمرض الفالج بعد أن توافر به نحو الثمانية شهور، في يوم الثلاثاء سادس عشرين شعبان، ودُفن إلى جانب أبيه بباب القرافة.
وكان أبوه لما مات تركه وترك ولداً آخر أسمر يسمّى محمد أبو اليُسر من أمّه، وبنتاً يقال لها فاطمة، وهي التي تزوّج بها صاحبنا.
(1)
في الأصل: "تسعة عشر".
(2)
في الأصل: "أبو".
(3)
العنوان عن الهامش.
(4)
في الأصل: "روس".
(5)
خبر السبيل بإيجاز شديد في: تاريخ الملك الأشرف قايتباي (بتحقيقنا) ص 40، والضوء اللامع 6/ 209.
(ترجمة عمران بن غازي المغربي وولده)
(1)
45 -
الخواجا التاجر زين الدين عمران بن غازي
(2)
بن محمد بن غازي بن عزّ الدين المغربي، المالكي.
نزيل القاهرة، وهو ذات حسنة، له شهرة في كبار التجار وصِيت وثروة ومال وافر، وينسب لطلب العلم، وعنده معرفة تامّة، وله بشاشة وطلاقة وجه، وتُؤَدة، وحُسن سمت، ومُلتقى.
46 -
وولدت فاطمة هذه للخواجا عمران المذكور ولده القاضي نور الدين علي بن عمران بن غازي في سنة أربع وخمسين وثمانمائة - على ما أخبرني به من لفظه، أعني النور المذكور إملاءً عليّ، لكنّه قال: أقول ذلك تقريباً لا تحقيقاً. ونشأ مشتغلاً بالعلم، وقرأ كثيراً، وحفظ بعض المتون، وصار والده يحرّضه على العلم ويحثّه عليه ويجعل له على كل متنٍ يحفظه مبلغاً يعطيه إيّاه، فحفظ ابن
(3)
الحاجب الفرعي، وغيره، وأخذ في الاشتغال فحصّل طرفاً من العلم لا سيما من المعقولى، وأخذ عن جماعة من الأعيان الأفاضل، ولازم الشيخ حمزة العربي الذي تأتي ترجمته في سنة سبع وسبعين وثمانمائة إن شاء الله تعالى، واستفاد منه، وحضر دروس الكثير من علماء المالكيّة وغيرهم، وهو باق على طلب العلم، وله فيه رغبة ومَيل.
ولما توجّه والده لبلاد المغرب للتجارة قبل الثمانين وثمانمائة وجعل ولده هذا متكلّماً على شيء مما يتعلّق به داخَلَه كثير من شياطين الإنس وحسّنوا بباله أن يعرف أهل الدولة ويُداخلهم، وأن يتولّى نيابة الحكم ويعرف الناس. ولا زالوا به حتى طاش لكلامهم لشبابه وصغر سنّه وقلّة دُربته، ولبعض طيش عنده، وعدم تجارب للأمور، فصار يتعرّف بالأعيان من أرباب الدولة ويُهاديهم، ويصحب من لا فائدة في صحبته.
ثم عمّر الدار التي بشاطئ النيل بمصر تجاه المقياس، وصرف عليها نحو الخمسة آلاف دينار أو أكثر، ففتّحت له العيون، وبقي الكثير من الناس والأعيان يطلبون منه المال على وجه القرض ونحوه، وهو يبذل لكل من طلب ما طلب، وتصرّف في بعض الحواصل لبعض من لا يمكنه أن يخالفه من أكابر الأمراء إلى أن
(1)
العنوان عن الهامش.
(2)
انفرد المؤلف رحمه الله بترجمة عمران بن غازي.
(3)
في الأصل: "بن".
حصل الخلل الكبير فيما تركه له والده وفرّط في جانب كبير منه، يقال فوق الثلاثين ألف دينار.
وكان تولّى نيابة الحكم عن البرهان اللقاني مدّة، وتوجّه قاضياً على المحمل في بعض السنين إلى مكة المشرّفة. وضخم ورأس ومهر، وبالغ في تحسين هيئته ومركبه وملبسه وخدمه، وتعاظم جدّاً، وأساء التصريف في سائر ما يتعلّق بمال أبيه إلى أن حضر والده من المغرب فنقم عليه ذلك، وحصل له منه مِحَن متعدّدة من ضرب بين يدي الدوادار يشبُك، بل والسلطان وبعض الظَلَمة.
والعجب أن بعضاً ممن كان لنور الدين هذا عليه الأيادي والخدمة ساعد أباه عليه في محنته، وما حُمد والده على ما بالغ به في حق ولده، إذ لا فائدة في ذلك ولا طائل تحته.
ويقال إنّما فعل معه ذلك لظنّه أن المال باقٍ عنده، إذ استكثر ذهاب ذلك جميعه وتَلَفه، ثم خلص بعد الأنكاد الزائدة والمِحَن المتعدّدة، فانجمع عن الناس، ثم توجّه إلى مكة مجرّداً مختفياً، ثم عاد وأصلح بينه وبين والده، وكتب عليه مسطوراً بمال، ثم أخذ في الاشتغال على عادته، وهو الآن بهذه الصفة. وله سمت حسن، وبِشْر وطلاقة وجه لولا بادرة فيه. ولا يعاب بذلك، فإنه شهم النفس، مغربيّ الأصل، يسّر الله أموره فيما ينفعه في عُقباه، وعوّضه خيراً وإيّاناً.
47 -
محمد بن علي الدمشقي.
شمس الدين، المعروف بأبي شامة
(1)
، لشامةٍ كانت به.
لم أعرف ولادته لأُثْبتها.
ووصفه الحافظ ابن حجر
(2)
بالسكون وبالجرأة، وهو كما قال على ما أخبرني به أيضاً من أثق به ممن يعرفه بأنه كان جريئاً لا يهاب الموت من جُرأته، وله فيها أشياء يطول ذِكرها. وكان ينسب نفسه إلى الأنصار، وزعم أنه متّهم في ذلك، واللَّه أعلم بذلك. وكان بدمشق أميناً على الحكم بها قبل دخوله القاهرة. ثم لما قدم القاهرة ناب في الحكم بها عن الشافعي، ولم يترك جرأته
(3)
وحصل له بذلك التشويش البالغ، فإنه كان يبالغ في الإقدام في الجرأة ويقتحم الأهوال، إلى أن آل أمره في أواخر دولة الأشرف بَرسْباي إلى الخمول، ثم اختفى مدّة لكائنة
(1)
انظر عن (أبي شامة) في: إنباء الغمر 4/ 193، 194 رقم 13.
(2)
في إنباء الغمر.
(3)
في الأصل: "جرته".
اتفقت له. فلما مات الأشرف وتسلطن الظاهر بعد ولده العزيز ظهر وعاد لما كان عليه، ثم ولي وكالة بيت المال بدمشق فتوجّه إليها.
وتوفي بها في هذه السنة، ولم أحرّر شهر وفاته حتى أُثبتْه.
48 -
محمد بن عمر بن عبد الله بن محمد بن غازي الدنجاوي
(1)
، الدمياطي، القاهري، الأزهري، الشافعي.
الشيخ شمس الدين المعروف بنسبته الأولى.
ولد سنة ست، وقيل اثنتين وثمانمائة تقريباً بدمياط.
ونشأ ذكياً، نجيباً، وقرأ، وحصل، واشتغل كثيراً، وأتقن فقه الشافعية والعربية، وبرع فيهما، وشارك بذكائه في فنون كثيرة، ثم تعانى الأدب فمهر فيه، ونظم الجيد من الشعر. وممن شهد له بجودة شعره الحافظ ابن حجر، رحمه الله، حين ترجمه في تاريخه "إنباء الغمر"
(2)
، وناهيك بمن شهد الحافظ المذكور له. وكان فقير الحال، وله كتابة وحُسن محاضرة لا يُملّ منه. وكان الشيخ شرف الدين يحيى بن العطار قرّره في وظيفة خزانة كتب الخانقاه المؤيَّديّة، وكان قد توعّك في أوائل شهر شوال، فذُكر عنه أنه كان يخبر في مرضه ذلك بأمورٍ فتقع كما قال، وذكر في مرضه ذلك أنه رأى مناماً، وهو أنه أمّ بالناس وهم جمع وافر، وأنه قرأ في صلاته التي أمّ بها بسورة نوح عليه الصلاة والسلام وعلى نبيّنا معه، ووصل فيها إلى قوله تعالى:{إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ} [نوح: 4]، فاستيقظ مرعوباً وجِلاً وقصّ المنام على بعض أصحابه، وقال لهم: هذا يدلّ على أنه يموت في مرضه ذلك، فكان كما (قال)
(3)
بعد قليل. وله نظم كما ذكرناه، فمن ذلك، وفيه تورية بألقاب بعض خلفاء هذا [العصر]:
وصالُك "مُعتزٌّ" وحُسنك "حاكمُ"
(4)
…
ولحظك
(5)
"منصورٌ" وخدّك
(6)
"قاهرُ"
وصبري "مأمون" وقلبي "واثقٌ"
…
ود معي "سفّاحُ" ومالي "ناصرُ"
(1)
انظر عن (الدنجاوي) في: إنباء الغمر 4/ 194 رقم 14، والضوء اللامع 8/ 671، ووجيز الكلام 2/ 578 رقم 1335، ونيل الأمل 5/ 151 رقم 2002، وبدائع الزهور 2/ 232، 233.
(2)
ج 4/ 194.
(3)
عن الهامش.
(4)
في الأصل: "جاكم".
(5)
في بدائع الزهور: "وفدّك عادل".
(6)
في نيل الأمل: "وأبوك"، وفي بدائع الزهور:"وجفنك".
وهو حَسَن في معناه.
توفي في أوائل شوال بعد وعكه بيسير، رحمه الله تعالى وإيّانا.
(ترجمة المحبّ بن الأوجاقي)
(1)
49 -
محمد بن محمد بن أحمد بن العزّ الأوجاقي
(2)
، القاهري، الشافعي.
الشيخ محبّ الدين، أبو الفضل، وأبو عبد الله، المعروف بابن الأوجاقي.
ولد تقريباً -على ما كَتبه إليّ صاحبنا ولده الشيخ تقيّ الدين، حفظه الله تعالى بخطّه- في سنة سبعين وسبعمائة.
ولنذكر ما كتبه إليّ ولده المذكور في ترجمة أبيه هذا، قال: حضر وسمع وقرأ بنفسه على مشايخ الإسلام رواية ودراية، كالسراج البُلقيني، والسراج ابن الملقّن، وحافظ العصر الزين العراقي، والصدر المناوي، وابن أبي البقاء السُبكي، والبرهان الإبناسي، والولوي ابن خلدون، والبرهان ابن
(3)
نصر الله البغدادي، وعبد المنعم البغدادي الحنبلي، والشمس الديري، والعمادي، والمحبّ ابن
(4)
هشام. ولازم بعد مشايخه المذكورين شيخ الإسلام أبا زُرعة وليّ الدين أحمد العراقي، وصحِبه أكثر من عشرين سنة ليلاً ونهاراً، وأخذ عنه جميع مصنّفاته، وكتب أكثر ذلك بخطه وقرأه أو سمعه إلى أن توفي شيخ الإسلام المذكور، فانقطع الوالد عن الناس في مسجده الذي بالشارع بجوار باب الأنسية وأقام به عشرين سنة لا يخرج منه إلّا لصلاة جنازة، أو عيادة مريض، أو دخول إلى منزل سكنه، أو غرض أخروي، لا يدخل في المدّة المذكورة سوقاً ولا يبتاع منه حاجة، ولا يتردّد إلى أحدٍ من أهل الدنيا بسبب دنياهم، وربّما تردّد إليه الكبير منهم، ملازماً لإشغال الناس بالعلوم الشرعية والعقلية والقراءات
(5)
الشريفة، والإصلاح بين الناس، مع مزيد بِرّ وصدقات وإحسان حتى للأغنياء. ولم يقبل وظيفة من وظائف الفقهاء ولا شيئاً من مَبرّات أهل الدنيا من ديوان من دواوينهم. وكان كثير الصيام جدّاً، ويقرأ
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
انظر عن (الأوجاقي) في: النجوم الزاهرة 15/ 490، وحوادث الدهور 1/ 63 رقم 4، ونزهة النفوس 4/ 242 رقم 835، والضوء اللامع 9/ 49، 50 رقم 127، ووجيز الكلام 2/ 578 رقم 1334، والتبر المسبوك 34، والذيل التام 1/ 631، والذيل على رفع الإصر، ورقة 82 ب، ونيل الأمل 5/ 148، 149 رقم 1999، وبدائع الزهور 2/ 231.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
في الأصل: "القرات".
في كل يوم ختمة على الدوام، كثير التهجّد، ولا زال على ذلك حتى عرض له مزمن الإسهال فأقام به نحو السنة.
ثم توفي -رحمه الله تعالى - في يوم الإثنين الخامس عشرين من شهر رجب الفرد سنة خمس
(1)
وأربعين وثمانمائة.
ودُفن في صبيحة ذلك اليوم بتربة صهره والد زوجته السيد الشريف شهاب الدين البسطي الحسيني بالقرافة بجوار مقام الإمام الأعظم الشافعي، وكان له مشهد من أعظم المشاهد المعدودة لم يتخلّف عنه أحد من مشايخ الإسلام وقضاة القضاة المتّصلين والمنفصلين وعلماء البلدة من المذاهب الأربعة
(2)
، والطلبة، وأرباب المناصب، والولايات، ومن سائر طوائف المسلمين. عامَله الله برحمته وعنايته، وجمع بيني وبينه في دار إحسانه وكرامته. انتهى كلام ولده فيه.
وكنت أنا قد سألت ولده المذكور أن يوقفني على ترجمته وترجمة نفسه وإخوته أيضاً. وكان الموجب لذلك أنني رأيت في "تاريخ"
(3)
البدر العيني، رحمه الله، ترجمة المحبّ هذا بأنْ ذكر فيه ما هذا نصّه:
"وفيها في يوم الإثنين ثالث عشرين رجب مات الشيخ محبّ الدين بن الأوجاقي الشافعي". ثم وصفه بالخيّر والديّن، واعتقاد الناس له، ولم يذكر اسمه ولا اسم أبيه وجده.
ثم رأيت في "تاريخ"
(4)
ابن تغري
(5)
بردي أيضاً ما نصّه:
"وتوفي الشيخ محبّ الدين بن الأوجاقي الحنفي"، وذكر التاريخ الذي ذكره الشيخ بدر الدين العيني بعينه، فكأنه نقل منه، ثم ترجمه مختصراً.
أقول: وقد وهِم كِلاهما في تاريخ وفاته على ما هو ظاهر، فإنّ ولده أضبط. ووهم ابن
(6)
ثغري بردي في مذهبه أيضاً، وما علمت من أين جاءه
(7)
هذا الوهم البعيد، ولعلّه سبْق قلم، فإنه نقل ترجمته من تاريخ البدر العيني، ثم ما أمكنني أن أنقل عنهما، وأقتصر على ما ذكراه مع وجود ولده الشيخ تقيّ الدين المذكور مع صحبة بيننا، فسألته عن ذلك وعن نفسه وأخيه المُسند وغيره، فكتب إليّ ما ذكرته، وهو كلام ظاهر حق صدق. ثم ذكر لي أولاده الذين خلّفهم، فقال:
(1)
في الأصل: "سنة خمسة".
(2)
في الأصل: "الأربع".
(3)
عقد الجمان (وفيات 845 هـ.).
(4)
النجوم الزاهرة.
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
في الأصل: "بن".
(7)
في الأصل: "جاه".
أولاده الثلاثة الذكور الذين توفي عنهم، أمّهم السيدة الكبرى الشريفة خديجة ابنة السيد الشريف أحمد المذكور، تغمّدهم الله برحمته.
- • أولهم سيدنا الشيخ المسند المعمَّر رضيّ الدين أبو عبد الله محمد.
مولده: أول سنة ثمانمائة، أو قبل ذلك بقليل، سمع مع والده، تغمّدهم الله تعالى، ترجمته كثيراً، وقرأ على شيخ الإسلام الولوي العراقي، وعلى رفقته قضاة القضاة بعصره عرْضاً. وحضر دروس الولوي، وسمع من العلّامة المسنِد ابن
(1)
الكوَيك، ومن خاله قاضي القضاة الحنبلي ومن غيرهم ممن هو مسمَّى في ثبته. وأجاز له في ضمن إجازة والده الشيخ العلّامة محمد بن عبد الله بن ظَهيرة في مكة المشرّفة، والحافظ زين الدين المراغي، والمسندة رُقيّة ابنة مزروع وغيرها من المدينة الشريفة، وصار الآن مسند الديار المصرية، وتفرّد بأشياء، أحياه الله الحياة الطيّبة. انتهى كلامه في أخيه الأكبر.
أقول: وحجّ هذا الأخ هو وأخوه الشيخ تقيّ الدين أيضاً في سنة أربعين، كان الوالد أمير المحمل، وهي سنة أربعين، وكان يتأنّس به الوالد في طريقه فتعارفا وكان بينهما محبّة أكيدة.
قال الشيخ تقيّ الدين المذكور: كنت في تلك السنة مع أخي، وكمان يجيء إليه الوالد الأمير غرس الدين وهو راكب فيتحادثان ثم يلتفت إليّ ويمازحني بالكلام، فكنت من كثرة حيائي منه أُطرق إجلالاً له ولصغر سنّي، فإذا تولّى يقول لي الأخ: الأمير يحادثك ويكلّمك ولا تردّ عليه، فأعتذر بالحياء، ثم صار بيننا صحبة بعد ذلك.
(ترجمة التقي الأوجاقي)
(2)
ثم إن الشيخ تقيّ الدين ترجم الأخ الثاني وهو شهاب الدين أحمد بترجمة مختصَرة، وسنذكرها في محلّها في سنة وفاته إن شاء الله تعالى في سنة اثنتين
(3)
وستين.
وأمّا هو فترجم نفسه بهذه العبارة فقال حفظه الله تعالى وكلأه، وبعين عنايته رعاه.
- • الثالث من أولاده وهو آخرهم وجوداً، الفقير الحقير، المعترف بالعجز
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
العنوان عن الهامش.
(3)
في الأصل: "سنة اثنين".
والتقصير، والمعتذر عمّا لا يخفى على الخبير، راجي رحمة ربه الحَكَم العدل، عبد الرحيم محمد المكنّى بأبي الفضل، ولم يذكر لقبه حياءً منه وأدباً، فإنه من أهل ذلك، حفظه الله تعالى.
وقد عرفت من أثناء كلامنا أنه - سلّمه الله تعالى - تلقّب بتقيّ الدين، وهو من نوادر ألقاب محمد أيضاً، واسمه المركّب من عبد الرحيم ومحمد من نوادر الأسماء بهذه البلاد، وهو أيضاً من نوادر الناس، ذو
(1)
فضل كبير، وعلم غزير، ودين وخير، وسكون وتُؤَدَة، وأدب وحشمة، وتواضع وحُسن سمت، ومحاضرة ومذاكرة ومعاشرة، عارف بأخبار الناس، لا يُملّ منه ولا يُرغَب عنه، منطرح النفس، عديم التكلّف. وكان شيخنا الشيخ نجم الدين القَرْمي كثيراً ما يُثني عليه ويصفه بغزير الفضل والعلم والذكاء والفطنة.
قال حفظه الله تعالى بعدما ذكر ما قلناه ونقلناه عنه أعلاه: مولده في منزل والده بدرب جدّه بشارع القاهرة المحروسة قُبيل التسبيح في ليلة الإثنين المسفر صباحها عن سادس عشر صفر سنة خمس
(2)
وعشرين وثمانمائة.
قال - أعني التقيّ المذكور -: كذا رأيته بخط الوالد - تغمّده الله برحمته - ثم قال عن نفسه: حضر عند والده كثيراً، ثم سمع منه وعليه، وقرأ عليه بنفسه كثيراً، ولازم دروسه في العلوم الشرعية والعقلية إلى حين انقطاعه بسبب ضعف موته، وأجازه قبل، وأحضر له إلى المنزل المذكور بسبب وليمة الولادة مشايخ الإسلام: الولوي العراقي، والزين التفهني، وغيرهم، وأجازوا له جميع مرويّاتهم وما لهم من تصنيف وتآليف، وأحضر له المسند العلّامة مُلحِق الأصاغر بالأكابر زين الدين أبا ذَرّ عبد الرحمن الزركشي الحنبلي آخر أصحاب البياتي صاحب الفخري البخاري إلى مسجده، فأسمعه عليه الكثير من "صحيح" الإمام مسلم غير مرة، وأجاز له جميع ما يجوز له روايته، وأسمعه من شيخ الإسلام شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني قاضي القضاة بالديار المصرية المسلَسَل بالأوليّة سنة أربع وأربعين إلى وفاته، تغمّده الله برحمته. وسمع بقراءته عليه مشايخ الإسلام: العلاء القلقشندي، وابن القطّان، (والشمس بن حسّان، والبرهان بن جعفر، والسراج العبّادي، والتقيّ القلقشندي)
(3)
وغيرهم. ثم قرأ بنفسه، وسمع على المشايخ المذكورين في الأبيات التي نظمها إجازة للمقرّ الأشرف الكريم العالي
(1)
في الأصل: "ذا".
(2)
في الأصل: "سنة خمسة".
(3)
ما بين القوسين عن هامش المخطوط.
المسمّى تاني بك قرا عين الأمراء المقدَّمين بالديار المصرية لما قرأ عليه من "صحيح" الإمام البخاري في أواخر سنة ست وثمانين وثمانمائة. انتهى.
أقول: والأبيات المذكورة طويلة جدّاً قد كتبها لي بخطّه، وهي فوق الأربعين بيتاً أو نحو الخمسين، وأولها هذا:
ألا بعد حمدي الله في الوِرْد والصدر
…
وشكري له والفوز للعبد إنْ شَكَرْ
أجازأبو الفضل الوشَاقي محمد
…
عبد الرحيم الشافعي وقد اشتهر
بسِبط الشريف السبطي السيد أحمد
…
لسيدنا تاني بك قرا الأشرف المَقر
رواية ما أرويه عمّن أجاز لي
…
وما لي من جَمْعٍ ونظمٍ وما انتثر
ثم أخذ يذكر مقدار ما أقرأه لتانِبَك المذكور من "البخاري"، ثم ذكر مولده ثم مشايخه إلى أن فرغ من عدّتهم، ثم قال:
فأكرم بهم من أربعين أئمّة
…
تراهم نجوماً والعراقي كالقمر
قرأت عليهم أو سمعت لما قرئ
…
وخاض بهم إلّا العراقي للصغر
فمن جملة من ذكر في الأبيات من المشايخ والده، والولي العراقي، والحافظ ابن
(1)
حجر، والسعد بن الديري، والبدر العيني، والشمس البساطي، والبدر التنيسي، والشمس القاياتي، والعَلَم البُلقيني، والشرف المناوي، والجلال المحلّي، والأمين الأقصرائي، والتقيّ الشُمُنّي، والعزّ عبد السلام البغدادي، وآخرين إلى تمام الأربعين.
ثم ذكر قصيدة أخرى فيها طول. فقال من نظمه في آخر عُمره وسمّاها "شكري الحال قرب الارتحال"، فلنذكر نموذجاً منها، فمن ذلك قوله:
يا ربّ حلّ مشيبي والشبابُ مضى
…
والجسمُ منّي وهَى والعظْمُ في وَهَنْ
والعيشُ بدَّلَ بعد الصفْولي كَدَراً
…
والقلبُ بعد سرور عاد في حزن
وقد تبدّلت الأعضاءُ من زمنٍ
…
مضى بقوّتها ضعفاً من الزمن
وهمّتي نقصتْ والهمُّ زاد وقد
…
تصرّم العُمُرُ بالأيام والمِحَن
والقلبُ من شَرك الأهواء مُرتبِك
…
والنفسُ مُنقادة للغَيّ والدخَن
وللممات رسولٌ لجَّ في طلبي
…
يريد نقلي إلى الأجداث من وطَن
ومنها:
هل عاقلٌ هذه أحوالُ لسَفْرته
…
يرجو السلامةَ من هولٍ ومن مِحَن
(1)
في الأصل: "بن".
وليس لي عمل يرجى النجاةَ سوى
…
رجاء رحماك يا مولاي والمنن
ومنها:
وارحم مَبيتي على فرشِ الفَنَاء إذا
…
قام الأنينُ مقام المنطق اللسن
وارحم منازعتي للروح منتزعاً
…
ربّي وكن لي إذا أُدرِجتُ في كفنِ
وارحَمْ تنكُّس رأس في النزول إلى
…
قبر أعوضه عن واسع السكنِ
وارحمْ تعفّر وجهي في التراب إذا
…
أُودِعتُ لحداً وسُدَّ البابُ باللّبِنِ
وارحم مُلازمتي بيتَ النبلاء إذا
…
عُوِّضتُ عن ناعم المفروش بالخشن
وارحمْ تمزُّقَ أوصالي إذا غَدَتْ
(1)
…
منّي العظامُ لنهش الدودِ والعفنِ
ومنها:
واقبل بوجهك لي ربّي لمسكنتي
…
تفضّلا وعذاب النار ذب قرني
وهي طويلة نحو الأربعين بيتاً، أو هي. ثم كتب في آخرها: وبالجملة والتفصيل فليس لكتابته خبر يخبر، ولا قدر يذكر. أعتق الله من الجحيم شيبته، وأغدق في النعيم سنينه، وبصّره عيب نفسه، وجعل يومه خيراً من أمسه، وكفاه شرّ أبناء جنسه، وأعانه على حلول رمسه.
إلى هنا انتهى كلام الشيخ تقيّ الدين المذكور. وإنّما طوّلت في هذه الترجمة لأنها تتضمّن عدّة تراجم، ولأن محبّة الآباء وصحبتهم قبلة في الأبناء، فقد كان الوالد، رحمه الله، محبّاً لابنه وأخيه، بل وله. وبيننا نحن أيضاً محبّة وصحبة وتودّد بالسلام وحُسن الملتَقى، على أنّنا تركنا كثيراً من الأبيات خوفاً من الإطناب، وإلّا فهو أهل لأن يطنب في حقّه لخيره ودينه وفضله، عامله الله بلطفه الجميل، وعمّه بجوده وكرمه الجزيل، حفظه وأبقاه وعلّاه ورقّاه، وأدام بقاه.
(ترجمة الآثاري)
(2)
50 -
محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق بن عيسى بن عبد المنعم بن عمران بن حجّاج الأنصاري، السفطي
(3)
، القاهري، المصري، الآثاري، الشافعي.
الشيخ ضياء الدين ابن
(4)
شيخ الآثار النبوية الشيخ صدر الدين.
(1)
في الأصل: "غزت".
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
انظر عن (السفطي) في: إنباء الغمر 4/ 194 رقم 15 وفيه "الصفطي"، والضوء اللامع 9/ 733.
(4)
في الأصل: "بن".
ولد في سنة سبع وثمانين وسبعمائة.
ونشأ نشأة حسنة تحت كنف أبيه في صيانة وديانة وعفّة وأمانة وخير، مشتغلاً بالعلم، وأخذ عن جماعة من علماء تلك الطبقة، وظهر فضله.
وكان والده شيخ المكان المعروف بالآثار الذي أنشأه الصاحب ابن
(1)
حِنّا، وهو مشهور مذكور يحتاج إلى بيانه لشهرته، وهو من أنزه أمكنة مصر معبد حسن عليه رونق أكثر فيه الشعراء ممن تقدّم وتأخّر، بل وشعراء العصر
(2)
هذا.
ولما توفي والده تقرّر هو في مشيخة هذا المكان، ولا زالت بيده فوق الثلاثين سنة. وكان بشوش الوجه، حسن الملتقى، كثير البِشر. وكان إذا توجّه إنسان ممن له وجاهة أو غيره لزيارة الآثار النبوية والتنزّه هناك أنس به وحاضره المحاضرة الجيّدة.
توفي في ذي القعدة.
وولي المشيخة بعده محمد بن أحمد بن محمد الآثاري. لعلّ تجيء ترجمته فيما بعد إن شاء الله تعالى.
51 -
وبهذا المعبد الآن شيخ به وخطيب
(3)
الشيخ الفاضل البارع الكامل القاضي وليّ الدين أحمد بن محمد بن عمر البارنباري الآثاري. كان أولاً في المكان من صوفيّته، ثم وُلّي المشيخة بعد ذلك عن أبيه، وهو ذات حسنة، له سمت حسن وتؤدة وحُسن ملتقى، وله به علم وفضل، وهو من أعيان الفضلاء ونواب الحكم الشافعي، ومن الأخِصّاء لدى الشيخ الإمام شيخ الإسلام، قاضي القضاة، الشيخ شرف الدين زكريّا الأنصاري، وممن أخذ عنه وحضر دروسه، بل ولازمه، وقد ولّاه قضاء دمياط في هذه الأيام التي هي من شهر رمضان سنة ثمان
(4)
وثمانين وثمانمائة، وخرج إليها في شوال. ولقاضي القضاة المذكور به مزيد الاعتناء لكونه من طلبته وجماعته وممن ينتمي إليه.
ولعلّنا نترجمه فيما بعد بأوسع من هذا إن شاء الله تعالى.
(ترجمة البَالسي المسنِد)
(5)
52 -
محمد بن محمود بن محمد بن [أبي] الحسين بن محمد بن أبي الحسين البالسي
(6)
الأصل، الرِبعي، القاهري، الشافعي.
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "الصعد".
(3)
في الأصل: "شيخاً به وخطيباً".
(4)
في الأصل: "سنة ثمانية".
(5)
العنوان من الهامش.
(6)
انظر عن (البالسي) في: إنباء الغمر 4/ 194، 195 رقم 16، والضوء اللامع 10/ 44، 45 رقم 1341، ونيل الأمل 5/ 142 رقم 1991، وشذرات الذهب 7/ 258.
الشيخ شمس الدين، المسنِد العالي السند.
ولد سنة أربع وخمسين وسبعمائة.
ونشأ في عزّ ورياسة، مشتغلاً بالعلم، لكنه لم يَنْجَب ولا تمهّر في ذلك. وكان صهر الشيخ الإمام شيخ الإسلام سراج الدين ابن
(1)
الملقّن على ابنته، وكان معدوداً من رؤساء القاهرة المشار إليهم، وبيده عدّة وظائف دينية ما بين أطلاب ومباشرات وشهادات وغير ذلك بعدّة أماكن. وناب في الحكم عن الشافعي بعدّة بلاد، وسمع الحديث من جماعة وعليهم، وأكثر من ذلك على السراج ابن
(2)
الملقّن وغيره. وكان السراج قد اعتنى به فاستجاز له في شوال سنة سبعين وسبعمائة، وله إذ ذلك نحو الستة عشر سنة. فمّمن أجاز له: عمر بن أميلة، والشهاب بن السيف، والصلاح ابن
(3)
أبي عمر، والشهاب ابن المهندس، والبدر بن هلال، وغيرهم من مُسنِدي الشام من أصحاب الفخر بن البخاري، ومنهم: زينب بنت القاسم، وآخرون من غير أصحاب الفخر. ولما ظهرت هذه الإجازة حدّث في أواخر عمره عن المذكورين وغيرهم، ولم تطُل مدّته.
وتوفي ليلة الأربعاء الثاني والعشرين من صفر.
وقد جاوز التسعين، وهو صحيح السمع والبصر، سالم الأسنان لم يسقط له منها ولا السنّ الواحد، ويكاد أن يُعدّ ذلك من النوادر لا سيما بهذه البلاد الحارّة الموجبة بقدرة الله تعالى لأضداد ما ذكرناه. فسبحان الله صاحب القدر [ة] المحيّرة لبعض عقول البشر.
53 -
محمد البُصْرَوي
(4)
.
القاضي ناصر الدين.
لم أقف على تاريخ مولده، ولم يذكره أحد لأذكره، أعني مولده، وعلمت أنه كان تولّى قضاء القدس الشافعية في الدولة الأشرفية البَرسْبائية، وصُرف عنها في دولة الظاهر جقمق.
وكان حشماً، كثير الوقار، ذا رياسة كبيرة وعراقة وشهامة، ولديه فضيلة، وله علم.
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
انظر عن (البُصْرَوي) في: إنباء الغمر 4/ 195 رقم 17، ونيل الأمل 156/ 5 رقم 2011، والضوء اللامع 10/ 115 رقم 435.
وقال الحافظ ابن حجر
(1)
لما وصفه: قليل البضاعة في العلم، لكنّه ذكر رياسته، وأنه تولّى كتابة السرّ في دمشق في إمرة نَوروز الحافظى.
توفي في هذه السنة بغزّة، ولم أقف على شهر وفاته
(2)
ولا مقدار سنّه حتى أذكر ذلك، ولا ذكَرهما الحافظ ابن
(3)
حجر، ولا تلميذه الحافظ السخاوي، بل ولا ذكروا نسبه
(4)
.
ثم وقفت على هامش بعض التواريخ عند ذِكلر وفاته فوجدت من ذكرها في ثاني عشر صفر ونسب ذلك للحافظ السخاوي.
54 -
محمد البُرُلُّسي
(5)
، ناصر الدين.
أحد أعيان موقّعي الدَّست، أقام على ذلك فوق الأربعين سنة، وكان بيده أيضاً توقيع الخليفة المعتضد باللَّه، وكان عارفاً بصناعته، ذا خط حسن، وكانت مكاتبات الخليفة المذكورة ترد إلى الوالد بخطّه، وهي عندنا إلى الآن بعبارات رائعة، ومعانٍ متناسقة فائقة، وأظنّه وقّع لأخي الخليفة أيضاً أمير المؤمنين المستكفي باللَّه بعد ولايته الخلافة، وكان يوقّع للجمال ابن
(6)
كاتب جَكم أيضاً.
ولم أقف له أيضاً على تاريخ مولد، ولا شهر وفاة، ولا ذكر الحافظ ابن
(7)
حجر ولا تلميذه أيضاً ذلك، وإنّما أعرف أنه توفي في هذه السنة.
(ترجمة الفالي)
(8)
55 -
مُكرَّم بن إبراهيم بن يحيى بن إبراهيم بن يحيى بن مكرم الفالي
(9)
الشيرازي، الشافعي.
الشيخ سراج الدين، أبو المكرّم.
ولد بفالة من أعمال شيراز، وبينهما عشرة مراحل في سنة 766.
ونشأ مشتغلاً بالعلم، وأخذ عن جمع جمّ من علماء عصره، وكان من بيت
(1)
في إنباء الغمر 4/ 195.
(2)
في الأصل: "وفاة".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الأصل: "يسنه".
(5)
انظر عن (البرلّسي)، في: إنباء الغمر 4/ 195 رقم 18.
(6)
في الأصل: "بن".
(7)
في الأصل: "بن".
(8)
العنوان من الهامش.
(9)
انظر عن (الفالي) في: الضوء اللامع 10/ 168، 169 رقم 705، ووجيز الكلام 2/ 578 رقم 136، والذيل التام 1/ 631، 632، ونيل الأمل 5/ 146 رقم 1996، وبدائع الزهور 2/ 230.
"العلم والجلالة في الأصل، وبرع ومهر، وفاق في العربية، وله فيها مصنّف جيّد كنت وقفت عليه بدمشق في سنة خمس وستين مع بعض فضلاء العجم من أهل شيراز قدم إليها حاجّاً، واسمه عبد العزيز بن عبد الحق، وكان يصف الشيخ بالعلم الغزير والفضل الكبير، وأخذ العربية عن أخيه الأكبر جلال الدين يحيى، وسمع الحديث على الشرف الجرمي وكان مشتغلاً به في غالب أوقاته مع تصدّيه للفتوى والتدريس والقضاء، وانتفع به كثير من الناس وتخرّج به الأفاضل.
توفي في أحد
(1)
الجمادين.
ذكره الحافظ السخاوي في "تاريخه"
(2)
وذكر أنّ حفيده العلاء محمد بن العزّ إبراهيم ممن أخذ عنه ودعا له بأحسن الله إليه. ثم وصفه بأنه نِعم الرجل.
(1)
في الأصل: "إحدى".
(2)
الضوء اللامع 10/ 168 و 6/ 280 رقم 938 وليس فيه عبارة المؤلّف أعلاه.
سنة ست وأربعين وثمانمائة
[خليفة الإسلام]
استهلّت هذه السنة وخليفة الإسلام بمصر والشام عبد الله، ووليّه، الإمام الأعظم، والخليفة المكرّم، أمير المؤمنين المستكفي باللَّه أبي الربيع سليمان ابن
(1)
أمير المؤمنين المتوكل على الله أبي عبد الله محمد ابن
(2)
أمير المؤمنين المستكفي باللَّه أبي الربيع سليمان العباسي، المصري.
وقد عرفت بقيّة نسبه الشريف في ترجمة أخيه. وستأتي ترجمته هو في محلّها من هذا التعليق إن شاء الله تعالى.
وقد وافق هذا الخليفة جدّه في الاسم والكنية واللقب للاسم واللقب بالخلافة، فلعل هذا من النوادر.
[السلطان والملوك والأمراء]
وأمّا بقيّة الملوك من السلطان وغالب ما ذكرنا من ملوك الإسلام، وأمرائهم، وقُضاتهم، ووُلاة أمورهم بمصر والشام والحجاز، وما ذكرنا من بلاد الإسلام شرقاً وغرباً الجميع على حالهم في ممالكهم وولاياتهم ببلادهم على ما بيّناه في السنة التي قبلها.
[ملك اليمن]
ما عدا صاحب اليمن، فإنه في هذه السنة الملك المظفّر يوسف بن عمر بن الأشرف إسماعيل بن العباس.
[أمير مكة]
وما عدا أمير مكة، فإنه في هذه السنة علي بن حسن بن عجلان على ما عرفته في متجدّدات الخالية.
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "بن".
[بقية الأمراء]
وما عدا الأستاذ بمصر فإنه في هذه السنة الأمير زين الدين عبد الرحمن بن علم الدين بن الكُوَيز.
وما عدا نائب الإسكندرية، فإنه في هذه السنة الأمير شهاب الدين أحمد بن علي بن إينال.
وستأتي تراجم كل من ذكرنا من هؤلاء في محلّها إن شاء الله تعالى.
[شهر المحرَّم]
ذِكر نُبَذٍ
(1)
من المتجدّدات اليومية في هذه السنة القمريّة
كان أول هذه السنة يوم السبت، ووافق ثاني بشنس من شهور القِبط، وثامن عشرين نيسان من شهور الروم، وثامن عشرين إبريل من شهور الفُرس.
[التهنئة بالعام الجديد]
ففيها في أول يوم من المحرّم منها طلع القضاة والمشايخ والأعيان ممن له عادة الطلوع إلى القلعة لتهنئة السلطان بالعام والشهر.
(الأمر بإصلاح الطرقات)
(2)
ووقع منه بعض كلام في أمر الطرقات وتنظيفها وقطع أراضيها لإصلاحها، فأجيب بجوازه إذا لم يضرّ وكان فيه النفع.
وفيه في يوم الأحد ثانيه أمر السلطان والي الشرطة بإصلاح الطرقات بأن ينادى من قِبَله بتنظيفها بعد قطع أراضيها لإصلاحها، فألزم الوالي أصحاب الحوانيت والدُّور كل بقطع ما حدّه له من أمام داره وحانوته. وبقي الفعلة يقطعون والحمّارة تشيل ما يقطع شيئاً فشيئاً، وغاب الكثير من أهل الدُّور والحوانيت خوفاً على أنفسهم من الضرب والبهدلة، لا سيما الفقراء، وبقي غالب الناس في هذا اليوم في غاية النكد ممن له تعلّق بذلك، ومن لا تعلّق له أيضاً لازدحام الناس لأجل الفَعَلَة والعمال في ذلك من حمّارة وغيرهم بواسطة القطع، وحمل ما يقطع لرميه بالكيمان، وحصل للمارّة في هذا اليوم وفيما بعده غاية النكد والتشويش، فإن من غاب بقي ما يتعلّق به من الأرض المستطرقة أمام داره أو
(1)
في الأصل: "نبذاً".
(2)
العنوان من الهامش.
حانوته بغير قطع، فتوعّرت الطرقات بسبب ذلك، وقاسى الخلق من المازة بسبب ذلك غاية الضرر الذي ما عنه مزيد، لا سيما من يمشي ليلاً، وخصوصاً ضعفاء البصر والشيوخ
(1)
.
(التنبيه على ما فعله يشبُك من الهدم وقطع الطرقات)
(2)
أقول: وقد جرى مثل ذلك في زمننا هذا في سنة أربعٍ وخمسٍ وثمانين
(3)
، بل وفي التي قبلهما، وتمادى الأمر على ذلك في أيام يشبُك من مهدي الدودار حين ألزم الناس بإصلاح الطرقات وتوسعتها، وهدم الكثير مما أحدث أولم يحدث بالطرقات، فكان الهدم ودام ذلك مدّة، وحصل للمارّة الضرر والتشويش بسبب ذلك، وعطب كثير من الناس، وكُسرت جُمان مُحمّلة لكنّه داوم على ذلك، وقام فيه القيام التام، وبقي إذا غاب الواحد ممن له تعلّق نظف من ماله، ثم أخذه منه بعد ذلك ظنّاً منه أن ذلك حقّاً لازماً للغائب حتى أصلح عامّة الشوارع والطرقا [ت]، ووسّعها وهدم الكثير من الدُّور والحوانيت بحق وبغير حق، لكن فيما يظهر لي أن الذي بالحق أكبر، ولقد حصل بذلك للمارّة بعد ذلك غاية الراحة. ولقد كشف بسبب الكثير من ذلك غمّة عظيمة، وسيأتي الكلام على ذلك في سِنيّ فعله بأتمّ من هذا إن شاء الله تعالى.
(ختم كنيسة النصارى الملكيّين)
(4)
وفيه أعني هذا اليوم بعينه ختم على كنيسة النصارى الملكيّين لما وجد بداخلها بعد أن كُشف أعمدة من الحجر الكيران النحيت، وبعض أكناف متجدّدة، وسُئلوا عن ذلك، فأخبروا أن بيدهم مستندات بذلك، فطُولبوا بها، فسوّفوا في إحضارها وتباطأوا في ذلك، فختمت بواسطة الشيخ العلّامة أمين الدين الأُقصُرائي على ما عرفت ذلك في الخالية
(5)
.
[الكشف عن دار لليهود]
وفيه كُشف في حارة زويلة عن دار لبعض اليهود كان عيناً منهم وحَبْراً لهم على
(1)
خبر الطرقات في: إنباء الغمر 4/ 196، والتبر المسبوك 36 (1/ 200)، ونيل الأمل 5/ 157، وبدائع الزهور 2/ 233.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
انظر: نيل الأمل 7/ 237 باختصار.
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
خبر ختم الكنيسة في: إنباء الغمر 4/ 196 - 198، ووجيز الكلام 2/ 583، والتبر المسبوك 36 (1/ 200 - 108)، ونيل الأمل 5/ 157.
زعمهم، وكانوا يجتمعون عنده فيها للاشتغال بأمور دينهم، ثم جعلها مجلسه لمثل ذلك، وآل الأمر إلى أن جُعلت في حكم الكنيسة، فرُفع عنهم أنهم أحدثوا كنيسة، فكان ما ذكرناه من الكشف، وأمروا أن لا يجتمعوا بها، وأن تؤخّر الدار للسُكنى، ثم آل أمرها أنْ ثبت أنها لجهة بيت المال لأن اليهود أحدثوها كنيسة، وثبت ذلك على بعض نواب الحكم الحنفي، وأن لا حقّ لليهود في رقبتها، فحكم بها لبيت المال
(1)
.
[الأمر بإبطال إصلاح الطرقات]
وفيه في يوم الأحد ثالثه أبطل السلطان ما كان أمر به من إصلاح الطرقات لما رُفع إليه أن الكثير من الناس قد هربوا، لا سيما من لا شيء له، وحصل بذلك الضرر بواسطة طلب الوالي، إلى غير ذلك. ولعلّه أشير إليه بأن ذلك ليس بشرعي، إذ الطرقات العامة لا دخْل لصاحبي الأملاك فيما يتعلّق بها، ولا ملْك لهم عليها، ولا يلزمهم مؤنها. ولما أبطل ذلك بُنيت الطرقات موعدة بواسطة قطع بعضها وترك البعض، وقاسى الناس من ذلك الشدايد
(2)
.
[الفتنة باليمن]
وفيه في أوله أيضاً كانت الفتنة باليمن بأن ثارت المماليك السلطانية بها على المظفّر بزَبِيد، فخالفوه، وآل أمرهم إلى ما نذكره هاهنا قريباً
(3)
.
[فراغ والد المؤلف من كتاب زبدة كشف الممالك]
وفيه في يوم الثلاثاء رابعه بمَلَطْية فرغ الوالد من تصنيفه للكتاب الذي سمّاه "زبدة كلشف الممالك"
(4)
اختصاراً من كتابه الكبير "كشف"، وكتبه قاضي مَلطْية القاضي محمد الحنفي، وهو كتاب جليل في فنّه في بيان ترتيب ملك مصر وأحواله وما يتعلّق بذلك.
(سلطنة المفضَّل باليمن)
(5)
وفيه في يوم الأربعاء، وكان خامسه باليمن أيضاً اتفق المماليك المتقدّم
(1)
خبر دار اليهود في المصادر السابقة.
(2)
خبر إبطال الإصلاحات في: إنباء الغمر 4/ 196، والتبر المسبوك 36 (1/ 100)، ونيل الأمل 5/ 175.
(3)
خبر الفتنة باليمن في: نيل الأمل 5/ 157، وبدائع الزهور 2/ 233، 234.
(4)
في الأصل: "المماليك". وهذا الكتاب قمنا بتحقيقه وصدر عن المكتبة العصرية.
(5)
العنوان عن الهامش.
ذكرهم على إقامة محمد بن عثمان بن الأفضل عباس بن علي بن داود سلطاناً، فبايعوه ولقّبوه بالمفضل أسد الدين، واستمرّ بزَبيد حتى وصل إليه العساكر من المظفّر صحبة القاضي شهاب الدين أحمد بن عبد الرحمن الصباحي والطواشي الخادم اختيار الدين محسن، ففرّ المماليك عن السلطان المذكور، فقُبض عليه وحُمل إلى بعض الحصون فأُدخل إليه، وكان آخر العهد به
(1)
.
ثم كان من أمر المماليك ما سنذكره قريباً إن شاء الله تعالى.
[قضاء المالكية بالإسكندرية]
وفيه في يوم السبت ثامنه أو تاسعه، استقلّ في قضاء المالكية بثغر الإسكندرية الشيخ شهاب الدين أحمد بن سعيد التونسي المغربي المالكي، وكان قد قدم من دمشق، واتفق وفاة الجمال الدماميني على ما أسلفناه فيما تقدّم، فوُلّي هذا عِوضه، وسار في القضاء سيرة حسنة، وحُمدت أحكامه وقضاياه على ما عرفت ذلك في ترجمة الدماميني
(2)
.
ووهِمَ البدر العَيني
(3)
، رحمه الله، لما ذكر هذه الولاية فسمّاه - أعني من تولّى -: يحيى ظنّاً منه بأنه العجيسي.
(موت اليهودي من التعزير)
(4)
وفيه في يوم الجمعة خامس عشره بالرؤية ثبت على قاضي القضاة الحنفي الشيخ الإمام، شيخ الإسلام، سعد الدين ابن الديري [عـ]ــن يهود الكنيسة التي تقدّم ذِكرها في متجدّدات الخالية، وذكرنا أنـ[ـــه] وجد بها كتابة في منبرها وهي:"محمد" و"أحمد"، ثبت عنده أنهم كانوا يصعدون على المنبر ويطأون ذلك الخط بأقدامهم، فعزّر ثلاثة من اليهود الذين كانوا يباشرون ذلك بالدروس بعد أن أراد قطع يد أحدهم بنقل احتجّ به على ذلك، فأسلم واحد منهم من غير إكراهٍ باختياره ظاهراً، ومات الواحد من التعزير، ووعك الآخر ومات بعد أيام إلى حيث ألقت وإلى سعير وبئس المصير. والمسألة معلومة أن الإمام أو القاضي إذا عزّر فمات المعزَّر من ذلك فلا شيء عليه إذا لم يقصد إتلاف نفسه ولو كان مسلماً، فما ظنّك باليهوديّ
(5)
؟
(1)
خبر سلطنة المفضّل في: نيل الأمل 5/ 157.
(2)
التبر المسبوك 1/ 108.
(3)
عقد الجمان: (ميكرو فيم 35086) ج 24/ 2 ص 727.
(4)
العنوان عن الهامش.
(5)
خبر موت اليهودي في: إنباء الغمر 4/ 196، والتبر المسبوك 1/ 101.
[تتبُّع الكنائس والكشف عليها]
وفيه تُتُبِّعت الكنائس كلّها فوُجد بها عدّة قد جُدّدت بالأحجار الجديدة، فوقع الكلام في عدم جواز ذلك، وأنه لا يجوز أن يعاد إلّا بالمِثل لا بالجديد، وبالجملة فقد حصل بذلك أنكاد لليهود والنصارى - خذلهم الله تعالى - ونُقض الكثير مما تجرّأوا بإحداثه والناس عنهم غافلون، لكنْ حصل من ذلك لبعض أكلة الظَلَمة المعاش من تقويم اليهود والنصارى من أهل الذمّة، وحصل عليهم من الإهانة والذلّة، والصغار ما لا مزيد عليه. ثم كتب مراسيم سلطانية إلى سائر بلاد الإسلام من ملك مصر بتتبّع الكنائس والكشف عليها، وكانت هذه من أعظم المَهمّات وأولاها بالقيام فيها، وكان فيها إعلاء كلمة الله وذلّة أعدائه ونُصرة أوليائه
(1)
.
[تقدّم النصارى الملكية بمحضر القاضي بشأن كنيستهم]
وفيه أحضر النصارى الملكية الذين تقدّم خبر
(2)
ختْم كنيستهم محضراً بالإذن لهم بذلك بعد أن حُرقت في سنة ثلاثين وسبعمائة، وكان الحاكم إذ ذلك قاضي القضاة، شيخ الإسلام، الشيخ جلال الدين القزويني الشافعي، وهو صاحب "تلخيص المفتاح" رحمه الله، وكان قاضياً بمصر في الدولة الناصرية، وكان تاريخ المحضر سنة أربع وثلاثين، ووقع الفراغ في هذه القضية، وكبر وطال الأمر فيه، وأخذت ما آل إليه الحال في ذلك أن جميع ما حكم فيه الشافعي تكمل على مقتضى مذهبه، وما عدا ذلك يتولّى الحكم فيه قاضي القضاة. المالكي، وانفصل الحال على ذلك
(3)
.
(أخْذ دار ابن
(4)
سميح لبيت المال)
(5)
وفيه في هذا اليوم أيضاً ثبت عند بعض القضاة أن داراً بحارة زويلة تعرف بدار ابن
(6)
سميح كانت مرصَدة لتعليم أطفال اليهود وسُكنى لهم اتُخذِت كنيسة أحدثوها، وحكم بذلك، واتصل ذلك بقاضٍ آخر نفّذ فيه حكم هذا الحكم. ثم
(1)
خبر تتبّع الكنائس في: إنباء الغمر 4/ 197، والتبر المسبوك 1/ 104.
(2)
في الأصل: "الذين تقدم ختم خبر ختم".
(3)
خبر النصارى الملكية فى: إنباء الغمر 4/ 197، والتبر المسبوك 1/ 100.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
العنوان من الهامش. وفي التبر المسبوك 1/ 101 "ابن شُمَيخ".
(6)
في الأصل: "بن".
ادّعى في هذا اليوم عند القاضي نور الدين البرتي أحد نواب الحكم الحنفي أن تلك الدار التي ثبت أن اليهود أحدثوها كنيسة لا حق لليهود في رقبتها، وأنها لجهة بيت المال، بحكم أن صاحبها ابن سميح المذكور لما هلك لم يترك ولداً ولا أسفل منه ولا عاصباً ولا من يحجب بيت المال عن استحقاقها سُفلاً وعُلواً، وثبت ذلك عنده وتكامل في السابع من الشهر ثاني يوم من هذه الدعوى، وسأل المدّعي بذلك القاضي نور الدين البرقي الإشهاد على نفسه بالثبوت والحكم باستحقاق الدار المذكورة لجهة بيت المال بجميع حقوقها ومرافقها داخلاً وخارجاً، عُلُواً وسُفلاً، وعلى العذر إليهم يرفع أيديهم عنها وتسليمها لبيت المال، فاستخار الحاكم المذكور الله تعالى في ذلك، وفعل ما يجب فِعله شرعاً، ثم سأل مستنيبه قاضي القضاة الحنفية، وشيخ الإسلام الشيخ سعد الدين بن الديري، ومن حضر من أهل العلم، وأجاب السائل المذكور إلى ما سأله وحكم به بعد أن أشهد عليه بثبوته، واستوفى جميع الشرائط في ذلك، وسُلّمت الدار لوكيل بيت المال، وكانت كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السُّفْلى
(1)
.
[سفر إينال الأجرود للغزو من ساحل بولاق]
وفيه في أواخره سافر الأمير إينال العلائي الأجرود المعيّن للغزو هو ومن معه من الأمراء والأجناد، وكان معهم جمع وافر من المطّوّعة، وخرجوا من ساحل بولادتى خروجاً هائلاً بأُبّهة زائدة مسلَّحين وعليهم آلة الحرب. وعُدّ ذلك اليوم من الأيام المشهودة
(2)
، وكان منهم فيما بعد ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
[شهر صفر]
(المقتلة بين بركات وعلي بجُدّة)
(3)
وفيها في يوم الإثنين ثاني صفر، وصل السيد بركات بن حسن بن عَجلان
(1)
خبر دار ابن سميح في: إنباء الغمر 4/ 197، والتبر المسبوك 1/ 101 - 104.
وقد وردت "دار ابن سميح" بالسين والحاء المهملتين في الأصل وفي الإنباء، والمواعظ والاعتبار (طبعة بولاق) ج 2/ 742 وهي كنيسة ابن شُمَيخ بالمعجمتين بجوار المدرسة العاشورية من حارة زويلة، وهي لطائفة اليهود القرّائين. وفي الخطط التوفيقية لعلي مبارك 3/ 142 كنيسة القرّائين بدرب الكنيسة بشارع حارة اليهود القرّائين. انظر حاشية التبر المسبوك 1/ 101 رقم 5.
(2)
خبر سفر إينال في: حوادث الدهور 6/ 49، ونيل الأمل 5/ 157، والتبر المسبوك 1/ 108، وبدائع الزهور 2/ 234.
(3)
العنوان من الهامش.
صاحب مكة كان إلى جُدّة فاستولى عليها، وبلغ الخبر على المتولّي بمكة فخرج إليه بجدّة وبالتُرك الذين بمكة ومعهم الأمير سودون المحمدي، فالتقيا ووقع بينهما حرب كسر فيه السيد بركات، وقُتل جمع عظيم، وقُطعت رؤوس
(1)
جماعة من قوّاده وغيرهم.
وخرج فيها سُودون المحمدي باش التُرك، وتوجّه بركات لعدن. وعاد الشريف علي بعد أن طيف بالرؤوس
(2)
التي قُطعت على الرماح بجدّة، ثم دُفنت مع أجسادها، وكان يوماً مهولاً وحرباً كبيراً
(3)
.
(ولاية حميد الدين قضاء الشام)
(4)
وفيه في يوم الإثنين تاسعه، استقرّ شيخنا الشيخ حميد الدين محمد بن تماج الدين أحمد البغدادي، النُعماني، الحنفي، في القضاء الحنفية بدمشق بعد صرف الشمس الصفدي
(5)
، وهذه أول ولايات الحميد لقضاء دمشق، وسيأتي تكرّره في الولاية والعزل بعد ذلك على ما سنذكره في محالّه إن شاء الله تعالى
(6)
.
[قضاء الإسكندرية]
وفيه أيضاً استقر في القضاء بالإسكندرية شيخنا الشهاب أحمد بن سعيد التلمساني بحكم موت الجمال عبد الله بن
(7)
الدماميني الماضي حرّر موته في الماضية.
(ثوران الجُلْبان على الظاهر)
(8)
وفيه، في نصفه، على ما قاله البدر العيني، رحمه الله، وسادس عشره على ما قاله الجمال ابن
(9)
تغري بردي، رحمه الله، وقعت فتنة كبيرة من جُلبان
(1)
في الأصل: "روس".
(2)
في الأصل: "روس".
(3)
خبر المقتلة في: التبر المسبوك 40، و (1/ 108، 109)، ونيل الأمل 5/ 158، وسمط النجوم العوالي 4/ 281، 282، وبدائع الزهور 2/ 234.
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
هكذا في الأصل والمصادر. وفي نيل الأمل: "الطنبدي".
(6)
خبر ولاية حميد الدين في: حوادث الدهور 1/ 69، ونزهة النفوس 4/ 248، والتبر المسبوك 41 (1/ 109)، ونيل الأمل 5/ 158.
(7)
في الأصل: "بن".
(8)
العنوان من الهامش.
(9)
في الأصل: "بن".
السلطان، وثب جماعة كبيرة منهم وطلعوا إلى أسطحة طباقهم ومعهم الحجارة والقسيّ والسهام النشاب، فأخذوا في رجم الداخل والخارج إلى القلعة ومنها، وأُفحشوا في ذلك، بحيث لم يقدر أحد في ذلك اليوم على المرور داخل القلعة، ومنعوا الأمراء وغيرهم من أعيان المباشرين وكبار المملكة من طلوعهم إلى الخِدم السلطانية وخرجوا عن الحدّ في إفحاشهم في ذلك.
قال البدر العيني
(1)
، رحمه الله،: ثم كسروا زَرَدْ خاناه السلطان وأخذوا كل شيء فيها، وكان قيمته مبلغ عشرين ألف دينار.
وقال ابن تغري بردي
(2)
: وكسروا باب الزَرَدخاناه السلطانية وأخذوا منها سلاحاً كثيراً، وضربوا جماعة عند باب الزردخاناه من أهلها، ووقع منهم أمور قبيحة في حق أستاذهم الملك الظاهر ولهجوا بخلعه، وتحرك من في قلبه مرض في ذلك اليوم، وتفتّحت الأعين بكائنة تحلّ بالسلطان.
قال العيني
(3)
: فطلب السلطان الأمراء فطلعوا عنده فأمرهم بأن يركبوا على هؤلاء المماليك، فقالوا له: وهذا لا يكون وهم أكثر من ألفي نفس، وأيضاً فيه نقص في حق السلطان، فآخر الأمر تكلّم الأمراء معهم ولم يرجعوا وزاد الشرّ، وانقسموا فرقتين من فوق ومن أسفل، وقُتل جماعة من الخلق ثمانية من مماليك ابن
(4)
السلطان محمد، وقُتل من خاصكيّته ثلاثة أنفس، ومن العوامّ فوق الثلاثين، وكان كاتب السرّ البارزي طُلب إلى القلعة، فلما طلع ضربه مملوكان منهم بالدبابيس حتى أشيع موته من كثرة ما حلَّ به وشدّته، فلم يصحّ تلك الإشاعة، وسلّمه الله تعالى، ثم نزل الأمراء من القلعة، وبقيت المماليك على حالهم، وامتنعوا عن القتال. ثم فعل مماليك الدوادار بأستاذهم كفعل مماليك السلطان.
ثم فتر عزم السلطان عن قتال المماليك بعد أن همّ به، لعلّه شفق عليهم، أو خاف من أمرٍ يحدث، فاجتهد في تسكين المتحرّك، ولم يحرّك الساكن. ثم سكنت الفتنة بعد أمورٍ جرت بين السلطان والمماليك
(5)
.
(1)
في عقد الجمان (ميكرو فيلم 35086) ج 4 - 2/ 2 ص 727.
(2)
في حوادث الدهور 1/ 69.
(3)
في عقد الجمان.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
خبر ثوران الجُلبان في: النجوم الزاهرة 15/ 352، وحوادث الزهور 1/ 69، 70، وعقد الجمان ج 4 - 2 ق 2/ 727، ونزهة النفوس 4/ 248، 249، والتبر المسبوك 41 (1/ 109 - 111)، ونيل الأمل 5/ 158، 159، وبدائع الزهور 2/ 234.
(التنبيه على ما جرى مثل ذلك بعد ذلك)
(1)
أقول: وتشبه هذه الفتنة ويقرب منها في زمننا هذا عدّة فِتَن وقعت بعد ذلك، منها في زمن تأليفنا هذا التاريخ في هذه الأيام في دولة الأشرف قايتباي سلطان عصرنا هذا حين موت جانم قريبه أحد مقدّمي الألوف الذي كان يُعرف بناظر الجوالي. وكان السلطان أشهده وأظهره، ثم حدّثته نفسه بشيء يقال عنه، وأنه اتفق مع جمع جمّ على ما قيل عنه، وأن ذلك وصل إلى السلطان، وبلغه، فيقال إنه دسّ إليه من سقاه، أو شقي في دار يشبُك من مهدي الدوادار حين أضافه. وعقبت إضافته موت المذكور فلم تشُكّ الجُلبان أن يشبُك قتله، وثاروا بالقلعة وفعلوا أفعالاً شنيعة، واستعدّ بالفتك بيشبُك، وبلغ يشبُك ذلك فاستعد بمماليكه
(2)
، وجرى ما سيأتي إيضاحه في محلّه إن شاء الله تعالى.
وتشبه هذه الفتنة أيضاً الفتنة الكائنة في قضيّة بَرسْباي قَرا رأس نَوبة النُوَب في هذا القرب في سنة ثمانٍ
(3)
وثمانين، وهي قريبة العهد مشهورة. وأراد السلطان الأشرف قايتباي قتال مماليكه مظهراً ذلك، وأظنّه من غير أن يريد ذلك، ثم أشير عليه بتسكين ذلك لئلّا تنفتح الأبواب، ففتر عزمه من تخويفهم، وبعث الأتابك أُزبَك بأن يفلّ الجمع الذي جمع عنده، وكان قد بعث إليه بذلك، فركب الأمراء من مقدّمي الألوف وغيرهم والقرانصة من الجند، وكثر الجمع لولا تلافي السلطان الأمر وإلّا لربّما كان أمراً يؤدّي إلى زوال السلطان، فيكون حاله في ذلك كحال الباحث عن حتفه بظلفه.
وبلغني أن الذي خيله من ذلك وأشار عليه بالمبادرة لإبطاله هو البدر ابن
(4)
مزهر كاتب السرّ
(5)
.
وسيأتي تفصيل ذلك في محلّه من هذا التعليق في سنة ثمان وثمانين إن شاء الله.
[شهر ربيع الأول]
(قدوم مازي نائب الكَرك)
(6)
وفيها في يوم الخميس عاشر ربيع الأول، قدم مازي نائب الكَرك وطلع إلى القلعة وخلع عليه باستمرار على عادته، وأنزلى بالميدان، وبعث إليه السلطان بجميع
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
انظر: نيل الأمل 7/ 318 (حوادث 887 هـ.).
(3)
في الأصل: "سنة ثمانية".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
انظر: نيل الأمل 5/ 349 (حوادث 888 هـ.).
(6)
العنوان من الهامش.
ما عمل في المطبخ السلطاني في ذلك اليوم ومن الأسمطة.
وكان مازي هذا وُلّي نيابة كرَك الشَوبك (عِوَضاً)
(1)
عن أقبُغا التركماني الذي وليها عن الوالد، وعن الوالد أخذ مازي هذه التقدمة التي كانت بيده في دمشق بعد أن استعفى الوالد منها بعد مدّة من هذا الزمان، على ما سيجيء ذلك في محلّه
(2)
.
ويقال إن مازي هذا كان ذبّاحاً للآدميّين بين يدي الناصر فرج.
وستأتي ترجمة مازي هذا وزيادة التعريف به في سنة وفاته من هذا التعليق.
[تقدمة مازي للسلطان]
وفيه في يوم الأحد ثالث عشره، قدم مازي المذكور للسلطان تقدمة هائلة، وكانت شيئاً بحيث استكثر ذلك، وُعدّت من نوادر تقادم نواب الكَرك في هذه الأعصار
(3)
.
(كسر البحر في هذه السنة)
(4)
وفيه في يوم الإثنين رابع عشره، كان الكسر للنيل عن الوفاء فنزل المقام الناصري محمد ولد السلطان وعدّى جزيرة الروضة وباشر تخليق المقياس، ثم عاد إلى السدّ ففُتح بحضوره، وصعِد القلعة وبين يديه جماعة من وجوه الدولة والأعيان، وأُلبس خلعة هائلة، ونزل إلى داره، وكان يوماً مشهوداً
(5)
.
[الخازندارية الكبرى]
وفيه في يوم الأحد عشرينه، استقر قَراجا الظاهري أحد مماليك السلطان في وظيفة الخازندارية الكبرى، وكان قبل ذلك من جملة الخازندارية الصغار، فنُقل إلى هذه عِوضاً عن قانِبَك الأبوبكري المعروف بالساقي
(6)
بحكم صرفه عنها لابتلائه بمرض الجذام وظهوره به، عافانا الله من ذلك، فإنه داء عُضال لا سيما الصفراوي منه، وقد استعاذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، نعوذ باللَّه منه.
(1)
مكرّرة في الأصل.
(2)
خبر قدوم مازي في: النجوم الزاهرة 15/ 352، وحوادث الدهور 1/ 71، ونزهة النفوس 4/ 249، والتبر المسبوك 41 (1/ 111)، ونيل الأمل 5/ 160، وبدائع الزهور 2/ 234.
(3)
التبر المسبوك 41 (1/ 111).
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
خبر كسر البحر في: حوادث الدهور 1/ 71، والتبر المسبوك 42 (1/ 111، 112)، ونيل الأمل 5/ 160، وبدائع الزهور 2/ 234.
(6)
في التبر المسبوك 1/ 112 "قانبك الأشرفي".
وقد ذكر بعض العلماء أنه أسوأ الأمراض وأردأها وأقلّها بروءاً وأوداها وأنه هو الداء العُضال. وذكر الأطباء أنه إذا استحكمه، لا سيما البلغمي منه فإنه لا يبرأ.
(ترجمة المحبّ أبي
(1)
الوليد ابن
(2)
الشحنة والد قاضي القضاة محبّ الدين)
(3)
56 -
وفيه في هذا اليوم أيضاً استقرّ ابن الحاضري الحنفي في قضاء الحنفية بحلب، وصُرف ابن الشحنة، وكان إذ ذلك الشيخ الإمام، العالم، العلّامة، قاضي القضاة، وشيخ الشيوخ بالخانقاه الشيخونية الآن في زمننا هذا.
- • الشيخ محبّ الدين، محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمود بن غازي بن أيوب بن محمود بن خلف الحلبي، الحنفي، أبو الوليد بن المحب، أبو الوليد أيضاً، المعروف بابن الشحنة الموجود الان في قيد الحياة بمصر
(4)
.
والشحنة: بفتح الشين المعجَمة، والكسر غلط، مستعمل
(5)
.
والشحنة هو الجدّ الأعلى محمود الأول كان شحنة حلب.
وبنو
(6)
الشحنة بيت رياسة وفضل وعراقة من قديم الزمان وإلى الآن. ووالده الشيخ محب الدين أبو الوليد كان من كبار العلماء ولد سنة ست وأربعين وسبعمائة.
ونشأ مشتغلاً بالعلم، وأخذ عن كبار العلماء، ونبغ ومهر في فنون من العلم وطار صيته واشتهر، ووُلّي قضاء حلب، وجرى عليه أمور ومِحَن مشهورة في محالّها في ترجمته فلا نطيل بذِكرها وآل آمره أنْ وُلّي قضاء الديار المصرية وهو بدمشق، ثم لم يتنم له ذلك، (واللَّه الهادي للصواب، وإليه المرجع والمآب، رحم الله مؤلّفه آمين)
(7)
.
(1)
في الأصل: "أبو".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
حوادث الدهور 1/ 71، والتبر المسبوك 1/ 112، ونزهة النفوس 4/ 250، ونيل الأمل 5/ 160.
(5)
ورد على هامش المخطوط ما يلي: "قوله: في الكسر غلط. أقول: لم يذكر في القاموس إلا الكسر".
(6)
في الأصل: "وبين".
(7)
ما بين القوسين بخط مختلف رديء. وبعده نقص بقية الحوادث ووفيات سنة 846، وكامل حوادث ووفيات سنة 847 هـ.
(1)
سنة ثمانٍ وأربعين وثمانمائة
[شهر المحرّم]
استهلّت هذه السنة وجميع من ذكرنا في التي قبلها من الخليفة والسلطان، وغالب ملوك الإسلام وأمرائهم، وقضاتهم، وحكّامهم، ووُلاة أمورهم ومباشريهم على حالهم ببلادهم لم يبلغنا وفاة أحدٍ منهم شرقاً وغرباً، بل الجميع على ما هم عليه في الخالية، ما عدا ناظر الجيش فإنه في هذه السنة المحبّ ابن
(2)
الأشقر، وما عدا نائب مَلَطْية فإنه في هذه السنة قِيز طوغان وليها عن الوالد على ما عرفتَ ذلك في المتجدّدات.
ذِكر نُبَذ
(3)
من المتجدّدات اليومية في هذه السنة القمريّة
[التهنئة بالسنة]
أول هذه السنة الإثنين، ففيها في هذا اليوم مستهلّ المحرّم طلع القضاة ومن له عادة بالطلوع إلى القلعة لتهنئة السلطان بالعام والشهر على العادة في ذلك.
(ذِكر طاعون سنة 848 هـ)
(4)
وفيه في أوائله فشا الطاعون بمصر وبقي يتزايد في كل يوم إلى أن بلغ عدد الأموات في كل يوم فوق المائة والعشرين
(5)
نفساً. هذا ما ضُبط في ديوان المواريث الحشرية حتى قيل إنه كان أكثر من المائتين بمن لا ترسم في الديوان، وأظنّ أنه كان أكثر من هذا أيضاً على ما قيل، فإن الموت كان أكثر ما يكون في الأطفال والرقيق، وغالب الأطفالى لا يرد الديوان وكذا الرقيق، فبالضرورة إنه فوق ما يدخل الديوان فلا شك أنه أكثر من الثلاثمائة، بل والأربعمائة على طريق الحزر والتخمين بالحدس العقلي، ولم يزل متزايداً مشتعلاً واشتدّ اشتعاله، وخصوصاً في العشر الأواخر من هذا
(1)
تنبيه: هنا يعود الترقيم إلى صفحة 20 أ. (بعد 66 أ).
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "نبذاً".
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
في الأصل: "والعشرون".
الشهر، لا سيما بعد دخول الحاج. ومات من أطفال الحاج ورقيقهم العدد الكبير حتى جاوز الموتى الألف في اليوم، واستمر إلى ما سنذكره
(1)
.
(قيام العبيد على المحتسب العجمي)
(2)
وفيه في يوم الجمعة ثاني عشره، ركب الشيخ علي المحتسب العجمي وتوجّه إلى جهة بولاق، فكبس على المعاصر بها، فثار به العبيد وخرجوا عليه فرجموه رجماً ذريعاً كاد أن يهلك، ولولا فرّ
(3)
بنفسه إلى منزل الكمال بن
(4)
البارزي لكان قُتل منهم
(5)
.
[التجريدة إلى رودس]
وفيه، أعني هذا الشهر، عيّن السلطان تجريدة عظيمة لغزو رودس بعد أن اهتم بذلك غاية الاهتمام، وكان من أمرهم ما سنذكره ونذكر المعيّنين يوم خروجهم
(6)
.
[إحضار المراكب من دمياط]
وفيه في هذه الأيام توجّه طائفة كبيرة بأمر السلطان لإحضار المراكب من ثغر دمياط إلى الإسكندرية وينتظرون بها توجّه العساكر إليهم للسفر من الإسكندرية
(7)
.
[الخروج لغزوة رودس]
وفيه في يوم الإثنين ثاني عشرينه - على ما ذكره الحافظ ابن
(8)
حجر
(9)
- خرج الأمير إينال العلائي الأجرود.
(1)
خبر الطاعون في: إنباء الغمر 4/ 224، وحوادث الدهور 1/ 104، والنجوم الزاهرة 15/ 506، ونزهة النفوس 4/ 298، والتبر المسبوك 87 (1/ 198)، وعقد الجمان ج 24 ق 2/ 751، ونيل الأمل 5/ 184، وبدائع الزهور 2/ 241، وشذرات الذهب 7/ 261.
(2)
العنوان عن الهامش.
(3)
في الأصل: "ولولا فار".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
خبر العبيد في: حوادث الدهور 1/ 104، ونزهة النفوس 4/ 298، والتبر المسبوك 87 (1/ 200)، ونيل الأمل 5/ 184، وبدائع الزهور 2/ 241.
(6)
خبر التجريدة في: إنباء الغمر 4/ 224، والنجوم الزاهرة 15/ 359، والتبر المسبوك 87، 88 (1/ 200)، ونيل الأمل 5/ 184، وبدائع الزهور 2/ 241.
(7)
خبر إحضار المراكب في المصادر السابقة.
(8)
في الأصل: "بن".
(9)
خبر الخروج للغزوة في: التبر المسبوك 87 (1/ 200، 201)، ووجيز الكلام 2/ 594، وأخبار الجلاد في فتح البلاد، للبقاعي (مخطوط لا له لي، باستانبول رقم 1994) ص 300 ب، ونيل الأمل 5/ 186، وبدائع الزهور 2/ 241، 242.
ومن عُيّن معه لغزاة رودس. ولعلّ ذلك سهو، فإنه إنّما خرج في ربيع الأول كما سيأتي ذلك، أو هذا هو الوهم، وما ذكره الحافظ هو الواقع. واللَّه أعلم.
[شهر صفر][نظر الأوقاف]
وفيها في يوم الخميس ثاني صفر، استقرّ في نظر الأوقاف إبراهيم بن ظهير بعد صرف العلاء بن أقبرس عنها.
[هبوب ريح ونزول مطر]
وفيه في يوم الجمعة ثالثه، بعد أن صلّى الناس الجمعة هبّت ريح ونزل مطر وكان يسيراً بغير رعد، لكنْ قويت الريح بعد ذلك وعصفت وحملت أبخرة كثيرة عمّت الأفق وغمّت، ثم سكن المطر والريح في الحال، فأصبح الناس يتحدّثون بأنّ الطاعون قد خفّ عمّا كان وتناقص جدّاً للَّه الحمد
(1)
.
[مرض الحافظ ابن حجر]
وفيه في ليلة الأحد خامسه، وَعَكَ الحافظ ابن حجر، رحمه الله، بوجع تحت إبطه، ثم تمادى به ذلك أياماً إلى عاشر هذا الشهر، ثم ظهر به طلوع تحت إبطه، وجرى
(2)
ذلك مقدار الخوخة اللطيفة على ما ذكره هو عن نفسه في "تاريخه"
(3)
، ثم آل الأمر إلى ضمور والعافية منه مع تجلّده على ذلك وعدم إظهاره.
[تناقص الطاعون]
وفيه تناقص الطاعون تناقصاً ظاهراً جداً حتى بلغ العشرين والثلاثين بعد أن كان قد زاد على الألف في اليوم
(4)
.
[نفي كسباي الشِشْماني]
وفيه في يوم الثلاثاء حادي عشرينه، غضب السلطان على كُسْباي الششْماني المؤيَّدي أحد الدوادارية الصغار فنفاه.
(1)
خبر (هبوب الريح) في: إنباء الغمر 4/ 224، والتبر المسبوك 89 (1/ 203)، ونيل الأمل 5/ 185، وبدائع الزهور 2/ 241.
(2)
في الأصل: "وجرا".
(3)
إنباء الغمر 4/ 224.
(4)
المصدر السابق.
قال بعضهم لما ذكر ذلك: وعُدّ ذلك من الأشياء التي وضعها السلطان في محلّها لسوء سيرته وقُبح فعاله
(1)
. انتهى.
[نفي المملوك شاهين]
وفيها نفي شاهين أحد مماليك السلطان أيضاً
(2)
.
[شهر ربيع الأول]
[ثبوت أول الشهر]
وفيها ثبت أول ربيع الأول بالرؤية الواضحة في ليلة الخميس بالخميس، ووافق ذلك الرابع والعشرين من بؤونة
(3)
من شهور القِبط.
[نفي أميراخور]
وفيه في يوم الجمعة ثانيه، ووهِم من قال أوله، نفى السلطان يونس أميراخور
(4)
.
[تفقّد المقياس]
وفيه تفقد ابن أبي الرذاذ المقياس واختبره، وأخبر بأن القاعدة جاءت ستة أذرُع وأربعة عشر إصبعاً
(5)
.
[البشارة بالنيل]
وفيه في يوم السبت ثالثه، وهو الثامن والعشرون
(6)
من بؤونة
(7)
من شهور القِبط بُشر بالنيل المبارك ونودي عليه في يوم الأحد رابعه
(8)
.
(1)
خبر نفي كسباي في: النجوم الزاهرة 1/ 359، وحوادث الدهور 1/ 104، والتبر المسبوك 89 (1/ 203)، والضوء اللامع 6/ 228، ونيل الأمل 5/ 185، وبدائع الزهور 2/ 241.
(2)
خبر نفي المملوك في: حوادث الدهور 1/ 104، ونزهة النفوس 4/ 299، والتبر المسبوك 89 (1/ 203)، ونيل الأمل 5/ 185، وبدائع الزهور 2/ 241.
(3)
في الأصل: "بونه".
(4)
خبر نفي أميراخور في: حوادث الدهور 1/ 104، ونزهة النفوس 4/ 299، والتبر المسبوك 90 (1/ 204)، ونيل الأمل 5/ 185.
(5)
خبر المقياس في: نيل الأمل 5/ 185، 186.
(6)
في الأصل: "والعشرين".
(7)
في الأصل: "بونه".
(8)
خبر البشارة في التبر المسبوك 90 (1/ 204).
[رخاء الأسعار بالحجاز]
وفيه وصل هجّان من الحجاز لأمرٍ من الأمور وأخبر برخاء الأسعار وكثرة الخير هناك
(1)
.
[اِرتفاع الطاعون]
وفيه ارتفع الطاعون بالقاهرة كأنه لم يكن، وبقي بالضواحي متزيداً، ثم خفّ بعد قليل أيضاً
(2)
.
[خروج العسكر لرودس]
وفيه، في يوم السبت سابع عشره - وقال ابن
(3)
تغري بردي
(4)
-: سادس عشره خرج الأمير إينال العلائي الأجرود مقدَّم العسكر الغازي لرودس، وكان معه من الأمراء على ما ذكره ابن
(5)
تغري بردي المذكور الأمير يِلخُجا من مامن الساقي أحد الطبلخانات، وتغري بَرْمَش الزَرَدكاش، وتغري بَرْمَش الفقيه، ولعلّ هؤلاء كذلك
(6)
، وعندي نظر في خروجهم في هذا اليوم، فإن الحافظ ابن
(7)
حجر أثبته في اليوم الذي قدّمنا ذِكره قريباً في محرّم، قال: وسُودون الإينالي المؤيَّدي قراقاس
(8)
، وتمربُغا الظاهري جقمق، ونوكار الناصري، وهؤلاء أيضاً لعلّهم كذلك. ثم قال: وتمراز النوروزي المعروف بتعريص
(9)
، وفي هذا نظر، فإننا ذكرنا وفاته في الخالية، فلعلّ اشتبه عليه أو على من ذكر وفاته في الخالية، ولم أشتغل بتحرير هذا وما قبله لأنّني في شك منه، أو الظاهر ما قدّمناه، وهذا أمر لعلّه هيّن لا كبير أمر في عدم تحريره، وكان للغزاة ما سنذكره فيما بعد
(10)
.
[نفي سودون]
وفيه، أعني هذا اليوم، تغيّظ السلطان على سُودون السُودوني الحاجب، ونفاه إلى قوص، وقرّر في إمريّته ألْطُنْبُغا العلم زيادة على ما بيده
(11)
.
(1)
خبر الأسعار في: التبر المسبوك 90 (1/ 204).
(2)
خبر الطاعون في: إنباء الغمر 4/ 225، والنجوم الزاهرة 15/ 359، وحوادث الدهور 1/ 104، ونيل الأمل 5/ 186.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في النجوم الزاهرة 15/ 360.
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
في الأصل: "كذالك".
(7)
في الأصل: "بن".
(8)
في التبر المسبوك 1/ 200 "قراقاش".
(9)
في الأصل: "بتعريض".
(10)
تقدّمت مصادر هذا الخبر قبل قليل.
(11)
خبر نفي سودون في: حوادث الدهور 1/ 104، 105، والنجوم الزاهرة 15/ 360، ونزهة =
(كائنة ابن العطار)
(1)
وفيه، أعني هذا الشهر في يوم الإثنين منه، وأظنّه خامسه، أمر السلطان بإخراج الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد بن صالح الحلبي، المعروف بابن العطّار الحنفي، أحد السادة الصوفية الحنفية بالخانقاه الشيخونية وأعيانهم إلى مَلَطية. فأخرج إلى الخانقاه السرياقوسية. ثم قام الإمام شيخ الإسلام الكمال بن الهُمام، شيخ الشيوخ بالخانقاه الشيخونية في قضيّته، فكتب ورقة إلى السلطان يقول فيها:"من الفقير محمد بن الهمام إلى مولانا السلطان الملك الظاهر، أما بعد، فإن شهاب الدين ابن العطار وإن كان فيه شدّة فهو من أهل العلم، وقد حصل له من التعزير زيادة على المبالغة، وكونه أساء على خصمه فلا بد أن خصمه أساء عليه أيضاً، ولو أرسلتموها إليّ لكنيتهم همّهما وأصلحت بينهما، اللهمّ لا إنْ كنتم تستصغروني وتستضعفون حالتي، فترك الوظيفة لي أعزّ من التكلّم فيها، والقصد الصفح عنه والعفو من النفي وترك هذه الشناعة العظيمة التي حصل له بسببها الردع عن العود لمثلها".
فلما قرأها السلطان أمر بإعادته.
وكان السبب في تغيّظ السلطان عليه الشمس الكاتب، فإن الشهاب ابن العطار تنافس هو وآخر من صوفيّة
(2)
الخانقاه المتقدّم ذكرها، وكان من جهة الشمس الكاتب، وكان الشمس الكاتب يُغضي من ابن العطار، فاجتهد في إيصال الخبر إلى السلطان حتى كان ما كان
(3)
.
(سقوط الجدار على ابن
(4)
سعد الدين ناظر الخاص ابن
(5)
كاتب جَكَم)
(6)
وفيه، في يوم الثلاثاء سابع عشرينه سقط جدار على ولد سعد الدين إبراهيم
= النفوس 4/ 299، والتبر المسبوك 91 و 93 (1/ 204 و 210)، ونيل الأمل 5/ 186، وبدائع الزهور 2/ 242.
(1)
العنوان عن الهامش.
(2)
في الأصل: "من صوفة".
(3)
خبر ابن العطار في: حوادث الدهور 1/ 105، والتبر المسبوك 90 (1/ 104، 105)، ونيل الأمل 5/ 186، وبدائع الزهور 2/ 242.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
العنوان من الهامش.
ابن
(1)
كاتب جَكَم أخي
(2)
الجمال يوسف ناظر الخاص هو والسعد أيضاً، فعمّ الجدار الساقط هذا الولد ومات من ذلك في الحال.
ومن غرائب أمره أنه كان قد طعن بحبتين في الطاعون وأُرجف بموته ثم عوفي، وحصل لأهله به الفرح الزائد لكونه سلم من الموت، فبغته الأجل بالهدم، فكان ذلك عبرة لأولي الأبصار.
وكان هذا الولد شاباً حسناً، مراهق البلوغ، فأسف عليه عمّه وأهله، وكانت جنازته حافلة.
ومن لم يمت بالطعن مات بغيره، تعدّدت الأسباب والداء واحد
(3)
.
[شهر ربيع الآخر]
[الأمر بلزوم ابن حجر بيته]
في يوم الأحد ثالث ربيع الآخر، وكان قد ثبت الشهر بالجمعة بالرؤية، حضر إلى الحافظ قاضي القضاة ابن
(4)
حجر أحد خاصكيّة السلطان من الدوادارية الصغار، فأمره على لسان السلطان بأن يلزم بيته، وأريد بذلك عزله. ثم عقيب توجّه ذلك الخاصكي حضر إلى الحافظ أيضاً شمس الدين الكاتب الرومي، وكان إذ ذلك جليس السلطان وأحد خواصّه وندمائه، وجرى له معه ما جرى على ما سيُعرف ذلك في محلّه، فأخبر الحافظ عن السلطان بأنه ندم على ما كان منه، وذكر أنه لم يُرِد بذلك العزل، وأمر بأن يبكّر الحافظ إلى السلطان في يوم الإثنين غد هذا اليوم - أعني الأحد -.
وكان السبب في ذلك كله أن شخصاً من نواب الحكم الشافعية يقال له القاضي محب الدين أبو البركات محمد بن عبد الرحيم الهيثمي الشافعي أثبت شيئاً لم يلق
(5)
بخاطر السلطان، واستراب من ذلك الإنباء، فأمر بإحضار القاضي وإحضار بعض شهود القضية، فكان من حضر من الشهود وقع في كلامهم اختلاف لدهشة حصلت لهم من إحضار السلطان لهم وتخوّف
(6)
، فتغيّظ السلطان وحنق من
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "أخو".
(3)
خبر سقوط الجدار في: إنباء الغمر 4/ 225، والتبر المسبوك 90 (1/ 205)، ونيل الأمل 5/ 187، وبدائع الزهور 2/ 242.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
في الأصل: "لم تلق".
(6)
في الأصل: "تخوفا".
بطش بنائب الحكم، وهو القاضي المذكور وضربه ضرباً مؤلماً بين يديه، وأمر بكشف رأسه من عنده إلى باب القلعة، وهو في تسليم والي الشرطة، وأمره بسجنه بالمقشرة سجن أهل الجرائم، وحصلت له محنة شديدة، ثم شفع فيه من الحبس.
وكان هذا القاضي من أهل العلم والوجاهة، له في نيابة الحكم مدّة سنين، وكان مظلوماً في هذه القضية على ما أُخبرتُ به فيما بعد ممن اطّلع على ذلك برمّته وعرفه في وقته، فاللَّه تعالى يأخذ حقّه ممن ظلمه.
ثم عزل السلطان الحافظ ابن
(1)
حجر لكون هذا نائباً عنه، ثم أعاده. فانظر إلى هذه الأحكام الصادرة عن الإمام ترى العجب، فإنّا للَّه وإنّا إليه راجعون، أين معاملة كل أحدٍ بما يليق به، وإقالة ذوي العثرات إذا عثروا، فضلاً عن أن يكون صدر عنهم الشيء الهافت.
ولما وقع ذلك وعاد الحافظ من يومه حصل له التغيّظ والحنق فالتزم أنه لا يستنيب إلا عشرة من النواب لا غير، ولا يصدّ من أخرجه عن نيابة الحكم إلّا من شافهه السلطان في ذلك بعد أن اعتذر الحافظ عند السلطان عن النائب المذكور. ثم حضر النائب أيضاً عن السلطان فرضي عليه وخلع عليه فرجيّة، وأذِن للحافظ أن يعيده إلى نيابة الحكم على عادته، فما هذا التلاعب والتناقض الذي يقضي لدهرك العجب منه، نعوذ باللَّه من شرور أنفُسنا
(2)
.
[شهر جمادى الأول]
(ولاية المحمدي نيابة قلعة دمشق)
(3)
وفيها، في يوم الإثنين ثاني جماد الأول - ووهِم من قال ثالثه - خلع السلطان على سُودون المحمدي، وكان أحد العشرات بالقاهرة، وقرّره في نيابة قلعة دمشق عِوَضاً عن جانِبَك الناصري الذي كان داودار بَرسْباي حاجب الحجّاب الناصري أيضاً، وولّي نيابة طرابلس، وكذا جانبك أيضاً ولي نيابة طرابلس فيما بعد.
وكان السلطان قد قرّر جانِبك هذا في نيابة قلعة دمشق بعد موت فارس الذي تقدّمت وفاته فيما أظنّ، ثم نقله إلى حجوبية الحجّاب بدمشق. ووُلّي سُودون نيابة
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
خبر ابن حجر في: إنباء الغمر 4/ 225، 226، ونزهة النفوس 4/ 300، 301، والتبر المسبوك 90، 91 (1/ 205، 256)، ونيل الأمل 5/ 187، وبدائع الزهور 2/ 242.
(3)
العنوان من الهامش.
القلعة عِوَضه، ووُلّي برسْباي حجوبية دمشق عوضاً عن سُودون النوروزي بحكم وفاته على ما سيأتي ذلك في ترجمته في وفاته
(1)
.
(النزول على رودس)
(2)
وفيه، في يوم الخميس رابعه، سافر الغُزاة المتقدّم ذِكرهم من ساحل الإسكندرية ودِمياط متوجّهين إلى جهة طرابلس فتجمّعوا بها، وساروا منها في هذا الشهر حتى وصلوا إلى ردوس ونزلوا على برّها بالقرب من المدينة، ونصبوا خيامهم بأحوازها، ووجدوها مستعدّة للقتال استعداداً هائلاً، من ترميم عمائرها وأسوارها وأبراجها وتحصينها بآلات الحصار والسلاح والمقاتلة. وكان سائر طوائف الفرنج من سائر البلدان قد أمدّوا رودس لما علموا بقصدها المسلمين، وأعانوهم بأشياء كثيرة ما بين سلاح ومقاتلة وغير ذلك، فشرع المعكسر الإسلامي المجهّز إليهم في حصارها بكل ما تصل إليه قدرتهم ونصبوا عليها المناجيق والمكاحل ورموا على أبراجها، ودام القتال أياماً، وهي لا تزداد إلّا قوّة لشدّة مقاتليها وما قدّمناه من استعدادهم.
وكان المسلمون قد افترقوا فرقة في البحر على المراكب لأجل حفظها، والمقدَّم عليهم يلْخُجا من مامش الناصري المتقدّم ذِكره رأس نوبة ثاني، والأمير إينال العلائي مقدَّم العسكر بالبرّ مع الفرقة العظمى المقاتلة لأهل رودس، وفرقة أخرى من العسكر متفرّقة في جزيرة رودس ينهبون قراها وبساتينها، ويأسرون من يجدون. ودام الحال والقتال أياماً كثيرة، وقُتل من الطائفتين خلق كثير وجمع وافر غزير. وبيّت يلخُجا تقدّم العسكر البحري وما في مراكبه هو وأصحابه، وإذا بعدّة كثيرة من المراكب الفرنجيّة قد هجموا على مراكب المسلمين، ووقع بينهم القتال الشديد إلى أن نصر اللُّه تعالى جنده المسلمين وخذل أعداءه الكافرين وهزمت
(3)
مراكب الفرنج، وحصل للمسلمين منهم بعض غنيمة. وأمّا رودس فعفي ما هم عليه، والقتال عمّال في كل يوم وهم على ما هم عليه من الشدّة وإظهار الجلادة، والمسلمون بعساكر في غاية الاجتهاد ومما هم بصدده من الحصار والمقاتلة، وكان ما سنذكره
(4)
.
(1)
خبر ولاية المحمدي في: حوادث الدهور 1/ 105، والتبر المسبوك 91 (1/ 209)، ونزهة النفوس 4/ 301، ونيل الأمل 5/ 188.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
في الأصل: "وهزامت".
(4)
خبر رودس في: النجوم الزاهرة 15/ 360 - 363، ووجيز الكلام 2/ 594، والتبر المسبوك 88، 89 (1/ 201)، ونيل الأمل 5/ 188، وأخبار الدول 2/ 311، 312.
(وقعة المسلمين)
(1)
وفيه اتفق للمسلمين محنة عظيمة بجزيرة رودس، وكان من خبر ذلك أن جماعة من العسكر الإسلامي لما أرسوا على رودس، نزلوا بكنيسة تجاه رودس، وكانت هذه الكنيسة بين العسكر الإسلامي وبين رودس وبينها وبين العسكر الإسلامي مخاضة ماء من البحر الملح، فلما نزلها الطائفة من العسكر منفردين من رفقتهم من العسكر الإسلامي، وبقي بينهما المخاضة من الماء تحيّل الكفار من أهل رودس عليهم وأعملوا فكرهم فيهم وهم في طمأنينة وقد أضاعوا الحزم لنفوذ القضاء المحتوم. وكانت الطريق من رودس إلى الكنيسة سالكة من غير مخاضة، والمخاضة إنّما هي بين الطائفة ورفقتهم النازلين بالكنيسة وبين بقيّة العسكر الإسلامي، فبيّت أهل رودس هذه الطائفة وخرجوا إليهم على حين غفلة لعلمهم بأن العسكر لا يصل إليهم إلّا بعد الفتك بهم، فما شعروا إلّا وهم معهم بالسيوف المصلتة والسلاح، وكان المسلمون في غفلة ولا سلاح معهم ولا عليهم في تلك الحالة وهم في قلّة بالنسبة إلى من حضر لهم من الفرنج فهجموا على المسلمين وحطموا عليهم حطمة واحدة، ولما وقدت العين بالعين بدر المسلمون أسلحتهم، فمنهم من وصل إلى سلاحه وتمكَّن منه وقاتل به بعد أخذه إلى أن قتل ومنهم من لم يصل إليه، وقُتل دون ذلك مع عدم استسلام وكثرة المناوشة والمهاوشة حتى قيل إن من المسلمين من قتل من الكفّار عدّة من غير سلاح لما رأيت عين الهلال، فاقتحم الأهوال، وألقى بعض المسلمين بأنفسهم إلى الماء فنجوا إلى رفقتهم وقتل من الفرنج جماعة كثيرة أيضاً قبل أن يقتلوا المسلمين، وذلك أن المسلمين الآخذين أسلحتهم هجموا بأنفسهم على الكفّار لما عاينوا الهلاك وبقوا يحرّضون
(2)
بعضهم البعض وصار يقول بعضهم للبعض إن قاتلتم أم لم تقاتلوا فأنتم مقتولون بين هؤلاء فلا يمت الواحد منكم حتى يقتل منهم، وموتوا في حبّ دينكم، وشجّع بعضهم البعض، واقتحموا الأهوال لما عاينوا الموت، فما مات الواحد منهم ومعه السلاح إلّا بعد موت عدّة من العدوّ، وربّما سلم البعض بشجاعته، فجزاهم الله تعالى أحسن الجزاء، فإنهم ماتوا شهداء لما بلغ العسكر الإسلامي رفقتهم ما حلّ بأولئك من العدو، وما وقع لهم من المحنة بادروا إلى النجدة وهرعوا إلى إصحابهم فانتهوا إليهم وقد انتهى القتال قبل وصولهم، ولما عاين العسكر الإسلامي جماعة الكفر هرعوا إلى ردوس، فأسرع طائفة من أعيان الخاصكية من
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
في الأصل: "يحرضوا".
ذوي القلوب، والخِيَم وراءهم، فأدركوا منهم عدّة قبل دخولهم إلى ردوس
ووضعوا فيهم السيوف وقتلوا منهم جماعة. ويقال مع ذلك إن عدّة قتلى الفرنج
كانت تزيد على قتلى المسلمين، فانظر إلى هذه البركة، نصر الله الإسلام ووصل
علوّه ببقاء أهل الذائدين
(1)
عنه أبدالاً بدين إلى يوم الدين يا رب العالمين. ولا زال
يعلو بصوته منصوراً بدولته ولا يُعلَى عليه ثم لم يزل العسكر منازلاً
(2)
هذه البلدة
ومحاصرها والقتال مستمر في كل يوم وهي لا تزداد إلّا قوّة وشدّة
وحصانة إلى أن كان ما سنذكره
(3)
.
[شهر جمادى الآخرة]
[نيابة مَلَطْية]
وفيه في جمادى الآخرة - وأظنّه يوم الإثنين ثانيه - استقرّ قانصوه النوروزي في نيابة مَلَطية عِوَضاً عن قزطوغان الذي تقدّم خبر ولايته لها عن الوالد، وعاد قزطوغان إلى أتابكية حلب، عوضاً عن الوالد
(4)
.
[سجن والد المؤلّف]
وصرف الوالد وحُمل إلى سجن قلعة حلب مقيَّداً فسُجن بها بغير جرم ولا ذنب إلّا مرافعة نائبها قانِباي الحمزاوي، وكان بغض من الوالد لما قدّمنا ذِكره من مداخلته وأمره له بالمعروف وإقامة ناموس الشريعة والشفاعة في مظلوم يظلمه قانِباي هذا، فما أحبّ منه ذلك ووسع الحيلة في إبعاده عنه وفساد صورته عند الظاهر فكاتبه يشكو إليه من الوالد، ومن جملة ما عده عليه من الذنوب أنه لما ورد إلى حلب أتابكاً بها لم يدخلها حتى نزل بظاهرها، وعُمل له الموكب، ودخلها دخلة هائلة، وسناجقه منشورة، وطبوله وزموره ونقّاراته وبوقاته عمّالة تضرب، واجتاز على باب قلعة السلطان بحلب وهو على تلك الهيئة، وما تأدّب ولا احتشم. وكان الظاهر إذا ألقى إليه الشيء أصغى إليه، فظنّ أن ذلك من الذنوب لعدم تأهّله أن ذلك من لوازم قيام ناموس السلطنة، وأنه العادة المستمرة، فاستشاط من ذلك وحنق، وأمر به فصُرف وكتب بسجنه مقيّداً بقلعة حلب، ففعل به ذلك وهو لا يعلم
(1)
في الأصل: "الرابرين".
(2)
في الأصل: "منازل".
(3)
خبر وقعة المسلمين في: النجوم الزاهرة 15/ 363، ووجيز الكلام 2/ 594، والتبر المسبوك 89 (1/ 202)، ونيل الأمل 5/ 188، وأخبار الدول 2/ 312.
(4)
خبر نيابة ملطية في: التبر المسبوك 93 (9/ 201)، ونيل الأمل 5/ 189، 190.
ما السبب حتى بعث قاصداً من عنده بمكاتباته إلى الأمراء الأعيان وغيرهم من أرباب الدولة كالأتابك والدوادار الكبير، وكان إذ ذلك الأمير إينال العلائي، وكان من أعظم أصحابه حينئذٍ، وبعث إلى الحافظ ابن
(1)
حجر، والعَلَم البُلقيني، والسعد الديري، وغيرهم من مشايخه وأحبابه وأصحابه وهو يسألهم التحرير عن خبر ذلك وتعريفه بإذنه، وإن أمكن الشفاعة فليفعلوا، فبادر كل من غالبهم إلى ذلك وعرّفوا السلطان أن الذي فعله من لوازم ناموس الملك ولعلّه كان إن لم يفعله مذنباً أو نحو ذلك. وقام الحافظ ابن
(2)
حجر، رحمه الله، في ذلك أشدّ قيام حتى كان هو السبب الأعظم في الإفراج عنه، ثم عرّفوه بمقصد نائب حلب وأنه إنّما فعل ذلك لما كان يأمره به من الخير ويشفع عنده في المظلوم، ويقوم في الحق، ولم يزالوا بالسلطان حتى اتّضح له الأمر وعرف حقيقته، فأمر بإطلاقه، وكتب له بذلك وأن يقيم بحلب حتى تُعمل مصلحته، فبعث هو - أعني الوالد - يستأذن السلطان في الإقامة بمدينة سيدنا الخليل على نبيّنا وعليه أفضل الصلاة والسلام، فأجيب إلى ذلك وحضر إلى الخليل بعد أن زار البيت المقدس، ثم بعث يستأذن السلطان في التوجّه إلى الحج فأذِن له، وبعث إليه بمبلغ جيد، فتوجّه الوالد مجرّداً، وحجّ من عامه ذلك كما سيأتي
(3)
.
[كسر مقياس النيل]
وفيه - في تاسع عشره في يوم الثلاثاء - كسر البحر عن الوفاء، ونودي فيه بزيادة عشرين إصبعاً، وكان قد نودي في يوم الإثنين أيضاً بزيادة عشرين أيضاً، وقبل ذلك أيضاً في يوم الأحد نودي بزيادة عشرين، ثم نودي في صبيحة يوم الأربعاء ثاني يوم الكسر تكملة السبعة عشر ذراعاً، وهذا من النوادر.
قال الحافظ ابن
(4)
حجر، رحمه الله،: ولم يُعهَد قطّ أنه نودي يوم الوفاء بزيادة عشرين إصبعاً، منها إصبعان تكملة الوفاء وثمانية عشر زيادة أول يوم فيه
(5)
.
(رجوع الغُزاة من رودس)
(6)
وفيه، في أواخره، حصل للعسكر الإسلامي المتوجّه لرودس النازل عليها
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
خبر سجن والد المؤلف في: نيل الأمل 5/ 190.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
خبر مقياس النيل في: نيل الأمل 5/ 190، وبدائع الزهور 2/ 242.
(6)
العنوان من الهامش.
للحصار لها على ما قدّمناه فشل وضاقت عليهم أنفسهم، وبعثوا يطلبون المدد، وجهّز السلطان إليهم المدد فلم يدركهم إلّا وقد رجعوا بعد أن حصل بينهم الاختلاف والخلل والفتنة على آدابهم في مثل ذلك، فإن العساكر المصرية كثيرة الاختلاف، ولو عددنا ما لهم من الاختلافات في مثل هذه الأمكنة والمَحَالّ لطال المجال، ولما توجّه إليهم المدد وبلغهم رجوعهم رجعوا هم أيضاً.
وفيه في أواخره تتابع دخول العسكر الغازي، وجاؤوا
(1)
أرسالاً شيئاً فشيئاً، وآخر من وصل منهم الأمير إينال الأجرود مقدَّم العسكر دخل إلى ثغر الإسكندرية في أواخر جمادى الآخرة
(2)
.
[شهر رجب]
[الطواف برؤوس عرب الكنوز]
وفيها في يوم الخميس ثاني شهر رجب أحضر إلى القاهرة عدّة رؤوس
(3)
مقطَّعة من عرب الكنوز وطيف بهم القاهرة على الرماح، وكان قد توجّه إليهم العسكر السلطاني قبل ذلك في شهر ربيع الآخر
(4)
.
(القبض على بُردُبَد العجمي)
(5)
وفيه في رابعه قدم بُرْدُبَك العجمي نائب حماة إلى القاهرة، فلما طلع إلى القلعة وقبّل الأرض بين يدي السلطان نهره وتغيّظ عليه، وأمر بأن يُقبض عليه، ثم أمر به أن يُسجن بالبرج من قلعة الجبل، ففُعل به ذلك، ثم أُخرج بعد ذلك إلى ثغر الإسكندرية فسُجن بها، وكان سبب ذلك كائنة اتفقت له مع أهل حماة وقتل فيها جماعة عديدة منهم
(6)
.
(1)
في الأصل: "جاوا".
(2)
خبر رجوع الغزاة في: إنباء الغمر 4/ 226، 227، ونيل الأمل 5/ 190، والتبر المسبوك 1/ 202، وبدائع الزهور 2/ 243.
(3)
في الأصل: "روس".
(4)
خبر الطواف بالرؤوس في: حوادث الدهور 1/ 107، ونزهة النفوس 4/ 303، ونيل الأمل 5/ 191.
(5)
العنوان من الهامش.
(6)
خبر القبض على بردبك في: حوادث الدهور 1/ 107، 108، والنجوم الزاهرة 363/ 15، ونزهة النفوس 4/ 314، والتبر المسبوك 94 (1/ 212)، ونيل الأمل 5/ 191، وبدائع الزهور 2/ 243.
(ولاية قانِباي البهلوان نيابة حماة)
(1)
وفيه قُرّر في نيابة حماة عِوَضاً عن بُرْدُبَك المذكور قانِباي البهلوان نائب صفد
(2)
.
[نيابة قلعة دمشق]
وفيه قُرّر في نيابة صفد
(3)
بيغوت نائب حمص الأعرج المؤيَّدي، وهو والد إبراهيم بن بيغوت الذي ولي نيابة قلعة دمشق فيما بعد، ثم حجوبية الحجّاب بدمشق
(4)
، وستأتي ترجمتهما كلّ في سنة وفاته إن شاء الله تعالى.
[سفر الحاجّ الرجبي]
وفيه في أوائله سافر الحاج الرجبي إلى مكة المشرّفة وخرج صحبتهم الشيخ برهان الدين السُّوبيني قاضياً بمكة، وكان من تلامذة الحافظ ابن
(5)
حجر، وكان السلطان قد عزل قاضي مكة وتغيّظ عليه وطلب من يولّيه قضاء مكة، وذكر جماعة منهم: الكمال السيوطي والد الجلال الموجود الآن الذي ادّعى الاجتهاد في هذا الزمان. ثم أشار الحافظ بولاية البرهان، فوُلّي، وخرج صحبة الركب الرجبي
(6)
.
[إبطال الرمّاحة بدوران المحمل]
وفيه أبطل السِلطان الرمّاحة في دوران المحمل ودار من غير أن تلعبه الرمّاحة على العادة
(7)
.
(ولاية تنم نيابة الإسكندرية)
(8)
وفيه، في يوم الإثنين سادسه، استقرّ في نيابة الإسكندرية تَنَم من عبد الرزاق
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
خبر ولاية قانباي في: النجوم الزاهرة 15/ 364، والتبر المسبوك 94 (1/ 212)، ونيل الأمل 5/ 191، وبدائع الزهور 2/ 243.
(3)
في الأصل: "صفر".
(4)
خبر قلعة دمشق في: حوادث الدهور 1/ 108، ونزهة النفوس 4/ 304، والتبر المسبوك 94 (1/ 212)، ونيل الأمل 5/ 192.
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
خبر سفر الحاج في: إنباء الغمر 4/ 227، والتبر المسبوك 95 (1/ 212)، ونيل الأمل 5/ 192، وبدائع الزهور 2/ 243.
(7)
خبر الرمّاحة في: التبر المسبوك 1/ 213.
(8)
العنوان من الهامش.
الذي كان محتسباً، ثم صار فيما بعد نائب الشام في دولة خُشداشه الظاهر خُشقدم على ما سيأتي في محلّه، وولّي الإسكندرية عِوَضاً عن ألْطُنْبُغا اللفّاف المعلّم الظاهري برقودتى، وكان قد وليها ألطُنْبُغا عن الشهابي أحمد بن إينال، ولم تطُل مدّته بها، واستقدم القاهرة على إقطاعه، وزيد عليه عدّة زيادات، فصار الطُنْبُغا كالمقدَّم ألف
(1)
.
(دخول الغُزاة للقاهرة)
(2)
وفيه، في يوم الخميس ثاني عشره، وصل الأمير إينال الأجرود الدوادار الكبير ومقدَّم العسكر الغازي، وتبِعه جميع من سلم من الأمراء والغزاة، ودخلوا القاهرة.
وكانت غزوة العام الماضي وهي غزوة قشتيل أجْوَد من هذه الغزوة لأنهم أخذوا ذلك الحصن المنيع وخرّبوه، ونهبوا شيئاً كثيراً وسبوا وغنموا في الحملة، بخلاف هذه، وللَّه الأمر من قبل ومن بعد.
ومن الغريب الذي يحكى ويخبَّر به في أمر هذه الغزوة أن تغري بَرْمش الفقيه الجلالي نائب القلعة كان فيها، وكان قد نسب الغزاة في العام الماضي إلى غاية التقصير وقلّة المروءة والرأي، وكان يصرّح أنه لو كان معهم لدبّر وفعل ثم فعل، حتى عيّنه السلطان في هذه النوبة فكانت أكثر تقصيرًا من تلك، وكانت تلك خيراً من هذه، فندم تغري بَرْمش على ما كان صدر منه من الكلام
(3)
.
[شهر شعبان]
[قدوم علي باي الأشرفي إلى القاهرة]
وفيها، في يوم الإثنين ثاني عشر شعبان، قدم إلى القاهرة علي باي الأشرفي من بلاد [هـ]، وكان قد قُبض عليه بعد خلع الملك العزيز، وأخرج إلى الحبس بالبلاد الشامية، ثم أطلق بها بطّالاً إلى هذه الأيام
(4)
.
(1)
خبر نيابة الإسكندرية في: حوادث الدهور 1/ 108، والنجوم الزاهرة 15/ 364، ونزهة النفوس 4/ 304، 305، ونيل الأمل 5/ 192، وبدائع الزهور 2/ 243.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
خبر دخول الغُزاة في: نيل الأمل 5/ 193، وبدائع الزهور 2/ 243.
(4)
خبر قدوم علي باي في: نزهة النفوس 4/ 305، وحوادث الدهور 1/ 108، والتبر المسبوك 96 (1/ 214)، ونيل الأمل 5/ 193.
(قدوم قاصد شاه رخ ومعه كسوة الكعبة)
(1)
وفيه في يوم الخميس خامس عشره، قدم إلى القاهرة رسول القان معين الدين شاه رُخ صاحب سمرقند ملك العجم ومعه جمع جمّ من جماعة شاه زخ فوق المائة نسمة، وكان قدم معهم امرأة من العجائز تذكر أنها من زوجات تمرلنك والد شاه رُخ، وقصْدها أن تحج، وأقامت بدمشق للحج من هناك، وقدم هؤلاء ومع القاصد كسوة الكعبة وهدية. وكانت هذه الكسوة مهيّأة عند شاه رخ على ما يقال مدّة سنين، وهي التي بعث يستأذن الأشرف برسْباي في تجهيزها وكسوة البيت بها، وأبى أن يأذن له، وجرى لقصّاده ما جرى، واستفتى الأشرف العلماء في أمرها، وعقد مجلساً بسبب ذلك على ما هو المشهور في محلّه من التواريخ، وضيّق الأشرف في ذلك غاية الضيق، فلما مات الأشرف وبعث شاه رُخ قاصده للظاهر أعاد الاستئذان في ذلك وأنه كان نذر ذلك، وأنه أقلّ ما يكون يكسي
(2)
الكعبة بهذه الكسوة من داخلها، وأجاب الظاهر إلى ذلك بعد أن قال هذا من أنواع البرّ ويجوز أن يكسو الكعبة كائناً من كان، فبعث شاه رخ بها في هذه المرة مع هؤلاء القصّاد. ولما بلغ أرباب الدولة من الأمراء وأعيان الخاصكية والأجناد بل وغالب عوامّ مصر وأهلها أن كسوة الكعبة مع هذا القاصد استشاطوا وما سهل بينهم ذلك وعظُم عليهم إلى الغاية، وكان القاصد قد أنزل في حين قدومه إلى القاهرة بدار جمال الدين الأستادار بين القصرين، فلم يزل بها إلى أن كان ما سنذكره من أمره في يوم طلوعه إلى القلعة
(3)
.
(ملك جهان كِير ديار بكر)
(4)
وفيه، أعني هذا الشهر، ولّى ملك ديار بكر اَمِد وما والاها جهان كير بن علي بن عثمان المعروف عثمان بقرايُلُك بعد موت حمزة، على ما ستعرفه في التراجم.
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
هكذا، والصواب:"يكسو".
(3)
خبر قدوم القاصد في: حوادث الدهور 1/ 109، 110، والنجوم الزاهرة 15/ 364 - 366، ونزهة النفوس 4/ 306، 307، والتبر المسبوك 96 - 98 (1/ 215 - 217)، ووجيز الكلام 2/ 594، 595، ونيل الأمل 5/ 194، 195، وبدائع الزهور 2/ 244، 245.
(4)
العنوان من الهامش.
[قدوم ابن حجّي من دمشق]
وفيه في يوم الإثنين تاسع عشره قدم بهاء الدين بن حِجّي من دمشق، وكان من أمره ما سنذكره لك
(1)
.
[شهر رمضان]
[صعود ابن حجّي إلى قلعة الجبل]
وفيها في أول شهر رمضان صعِد بهاء الدين المذكور إلى القلعة وكان قد بيّت معه بأن يطلع إلى ناظر الجيش لما وليها قبل ذلك عن المحبّ بن الأشقر، ثم أعيد المحبّ على ما عرفَتَ ذلك في متجدّدات الخالية جملة وتفصيلاً، فأخذ خلعة منه وطلع بها ليلبسها وقطع وجزم بالولاية لا سيما أن خلعته معه، واتفق طلوع المحبّ بن الأشقر وهو لا علم عنده بذلك ولا شعور له به، فساعة وقوع بصر السلطان عليهما أشفق على المحبّ بن الأشقر فقال له: لا أولّي غيرك ولو أنهم يعطوني ثلاثين ألف دينار
(2)
.
قال البدر العيني، رحمه الله، لما ذكر هذه القصة
(3)
: فنزل
(4)
ابن حِجّي مدحوراً وتوجّه إلى دمشق.
(طلوع قاصد شاه رخ إلى القلعة)
(5)
وفيه، في يوم الأحد حادي عشره طلع القاصد الذي تقدّم ذكره إلى القلعة ومعه رفقته وبين يديه الحمّالين بهدية مرسلة وكسوة الكعبة أيضاً على رؤوس
(6)
الحمّالين في الأقفاص. وكان السلطان قد احتفل بهم غاية الاحتفال واهتمّ بهم غاية الاهتمام، وتقدّم أمره بعمل الخزنة السلطانية بالحوش مخالفاً للعادة في مثل ذلك، فإنها جرت أن تكون بالإيوان الكبير، ثم جُعلت في بعض الأوقات بالقصر، والآن فعُملت بالحوش
(7)
.
(1)
خبر قدوم ابن حجي في: التبر المسبوك 1/ 214.
(2)
المبر المسبوك 1/ 214، وحوادث الدهور 1/ 108، ونيل الأمل 5/ 195، وبدائع الزهور 2/ 245.
(3)
في عقد الجمان (حوادث 848 هـ.).
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
العنوان من الهامش.
(6)
في الأصل: "روس".
(7)
خبر طلوع القاصد في: نيل الأمل 5/ 194 وفيه مصادر أخرى.
(كائنة قصّاد شاه رُخ وما جرى عليهم)
(1)
ذكر لي بعض من عنده خبر من ذلك قال: إنّما قصد بذلك إدخال الكسوة إلى البحرة لقربها من الحوش، فإنه كان قد استحسن بعِظم أمرها على أهل الدولة وغيرهم، وكان أمر أن لا يشاع إحضارها، فلما مثُل القاصد بين يديه أمر السلطان بإدخال ما مع الحمّالين جميعه إلى البحرة ليلاً لئلّا يفطن أحد بالكسوة فيثور السرّ لأجل ذلك، ومع ذلك فوقع ما حزره، وكان ما خافه. ثم قبل القاصد المذكور وترحّب به السلطان وبمن معه، وقرئت مكاتبة مرسله، ثم نزل القاصد المذكور قاصداً محلّ نزوله بدار جمال الدين، فلما وصلها وقبل أن يدخلها برز العامّة لرجمه وأطلقت الألسُن فيه بالوقيعة، وتتابع الرجم. وبينا على هذا الحال وإذا بطائفة كبيرة من الجُلبان وقد نزلوا من القلعة وهم فوق الثلاثمائة، ومعهم جمع كثير من المماليك البطّالة والعوام والغوغاء، فهجموا على الدار المذكورة والقصّاد بها وتبعوا فيهم بالنهب، وأخذ جميع ما معهم حتى خيولهم وما أحضروا معهم مما هو برسم الاتجار به من مِسْك خاص وفيروزج وحرير وثياب وغير ذلك من متاجر تلك البلاد، مما قُوّم جميع ذلك يفوق العشرين ألف دينار، وبلغ السلطان ذلك فتشوّش من ذلك غاية التشويش، ثم أمر في الحال الأمير إينال العلائي الدوادار الكبير، وللأمير تنِبك البُرْدُبَكي حاجب الحجّاب بأن يدركوا هذه القضية وحرّجهم على الإسراع
(2)
في ذلك. وكان يلْخُجا من مامش
(3)
الرأس نوبة ثاني ساكناً بالقرب من دار القصّار، فلما بلغه ذلك ركب في الحال وتدارك القصّاد وردّ كثيراً من الغوغاء عنهم بعض الردّ، ثم لحقه الأميران المذكوران فأوقعوا بالعوامّ وبمن حضر من المماليك، وجرت فتنة كبيرة مهولة من مشاهير الفِتن ارتجّت منها القاهرة، واشتدّ حنق السلطان في ذلك اليوم وغضبه.
حتى حكى لي بعض أصحابنا ممن كان حاضراً ذلك المجلس في هذا اليوم أنه لم ير منه [منذ] ولي السلطنة أشدّ غضباً منه في ذلك اليوم. وقبض على جماعة كبيرة من الجند بسبب ذلك وقطع أرزاقهم، وأحضر جماعة من العوام وضربهم بالمقارع وأبدع فيهم وفي جماعة من المقطَعين وأولاد الناس، ثم أمر ببيع ما نهبوه من القصّاد وبعث إلى القصّاد يعتذر إليهم، ثم استرضاهم بجملة كبيرة من المال ما لا يزيد عليه، وخلص لهم من المنهوب بعض شيء، وأذهب
(4)
في هذه
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
في الأصل: "الاشراع".
(3)
في الأصل: "كامش".
(4)
في الأصل: "واذهبك".
الكائنة من بيت المال ما هو في ذمّته ومطالَب به غداً. عفا
(1)
الله عنّا وعنه
(2)
.
(كائنة أقطوه الموساوي)
(3)
وفيه في أواخره تغيّظ السلطان على أقْطُوه الموساوي الظاهري برقوق، وكان أحد أمراء الطبلخانات بالقاهرة، فأمر بإخراجه إلى طَرَسُوس
(4)
، فلم يزل بعض الأعيان يتلطّف بالسلطان في قضيّته حتى أذِن له في أن يتوجّه إلى دمشق فيقيم بها بطّالاً، فتوجّه إليها
(5)
.
[شهر شوال]
[وصول قصّاد الملك مراد إلى مصر]
وفيها - في أوائل شوّال - ورد إلى القاهرة قصاد الملك مراد بن عثمان متملّك بلاد الروم أدِرْنا وبُرْصا وما والاهما بالخبر على السلطان بأنّ مرسلهم خرج غازياً إلى بني الأصفر الذين
(6)
يقال لهم الأُنُكُرس وأبلى فيهم بلاء حسناً، وانتصر عليهم وهزم جموعهم وقتل وأسر، وبعث عدّة منهم للسلطان. وسيأتي تمام خبرهم قريباً
(7)
.
[خروج الحاج]
وفيه في يوم الخميس تاسع عشره خرج الحاج من القاهرة وأميرهم على المحمل تمرباي، وعلى الأول قانَم التاجر الذي ولي الأتابكية فيما بعد في دولة خشداشه الظاهر خُشقدم، على ما سيأتي ذلك في محلّه. وتأتي ترجمته أيضاً إن شاء الله تعالى
(8)
.
(1)
في الأصل: "عفى".
(2)
خبر كائنة القصّاد في: نيل الأمل 5/ 194، 195 وفيه مصادر أخرى.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
كتب عندها على الحاشية: "فأمر بإخراجه إلى طرسوس بالقاهر فأمر بإخراجهم إلى طرسوس".
(5)
خبر الموساوي في: حوادث الدهور 1/ 110، والنجوم الزاهرة 15/ 366، والتبر المسبوك 98 (1/ 218)، ونيل الأمل 5/ 196.
(6)
في الأصل: "الذي".
(7)
خبر قصّاد الملك مراد في: حوادث الدهور 1/ 110، 111، والنجوم الزاهرة 15/ 366، ووجيز الكلام 2/ 595، والتبر المسبوك 98 - 100 (1/ 218 - 220)، ونيل الأمل 5/ 196، وبدائع الزهور 2/ 245، 246.
(8)
خبر خروج الحاج في: حوادث الدهور 1/ 111، ونزهة النفوس 4/ 309، 310، والتبر المسبوك 100 (1/ 220)، ونيل الأمل 5/ 196، وبدائع الزهور 2/ 246.
[شهر ذي القعدة]
[استقرار ابن الشِحنة بوظائف بحلب]
وفيها، في يوم الإثنين مستهلّ ذي القعدة استقرّ في قضاء الحنفية بحلب وفي نظر جيشها وكتابة سرّها المحبيّ الشيخ محبّ الدين بن الشحنة الذي وُلّي قضاء الحنفية بمصر بعد ذلك وكذا كتابة سرّها. وقد قدّمنا ترجمته. وكان القائم بولايته لقضاء حلب وما ذكرناه من الوظيفتين مع ذلك الجمال يوسف ابن
(1)
كاتب جَكم ناظر الخاص وما مع ذلك
(2)
.
[إخراج ابن ظهيرة من مكة]
وفيه، في يوم الأحد سابعه، أمر صاحب مكة أبو القاسم بن حسن بن عجلان قاضيها جلال الدين أبا
(3)
السعادات ابن ظهيرة بأن يخرج من مكة فتوجّه إلى جُدّة وأقام بها فتلطّف الخواجا التاجر بدر الدين حسن اليمني المعروف بالطاهر في قضيّته وأعاده بشفاعته إلى مكة فلم يلبث أن قدم الحاج فأخرج تمرباي مرسوماً من السلطان بأن أبا
(4)
السعادات هذا لا يقيم بمكة بل يتوجّه إلى المدينة الشريفة النبوية، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فيقيم بها، فزاد عليه الخطْب، وبقي يتمنّى أن لو كان بجدّة فما أمكنه إلّا التوجّه، فتجهّز وسار مع الحاج إلى المدينة المشرّفة
(5)
.
[عودة ناظر الجيش إلى القاهرة]
وفيه في يوم الخميس خامس عشرينه قدم القاضي زين الدين عبد الباسط ناظر الجيش كان إلى القاهرة ونزل بداره، وهرع الناس للسلام عليه على عادتهم في ذلك، لكنْ ليس كتلك السنة التي خلت، وتقدّم خبر قدومه فيها، وهذه القدمة الثانية.
وفيه، في يوم السبت سابع عشرينه طلع زين الدين عبد الباسط المذكور إلى
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
خبر ابن الشحنة في: حوادث الدهور 1/ 111، والنجوم الزاهرة 15/ 366، ونزهة النفوس 4/ 310، والتبر المسبوك 100 (1/ 221)، عقد الجمان ج 24 ق 2/ 756.
(3)
في الأصل: "أبو".
(4)
في الأصل: "أبو".
(5)
خبر ابن ظهيرة في: التبر المسبوك 100، 101 (1/ 222)، ونيل الأمل 5/ 197.
القلعة واجتمع بالسلطان وخلع عليه جبّة بفرو سمَّور، ثم قدّم تقدمة هائلة ومبلغاً جيّداً من النقد
(1)
.
[الوقوف بعَرَفات]
وفيها كان الوقوف في ذي الحجة بعَرَفات في يوم الجمعة، وكان الجمع في ذلك اليوم جمعاً وافراً جدّاً، وأمطرت السماء في ذلك اليوم مطراً غزيراً كثيراً من وقت الزوال إلى وقت غروب الشمس، وتزايد فيه الرعد والبرق، وأشرف بعض الناس على الهلاك. وقيل إنه نزل الصواعق في ذلك اليوم، وهلك بسببها رجلان وامرأة وبعيران، وورد الخبر بذلك في مكاتبة بخط القاضي نور الدين علي ابن
(2)
القاضي أمين الدين أبي
(3)
اليُمن محمد بن النُوَيري والد الخطيب أبي
(4)
الفضل، وكان قاضياً على مكة
(5)
.
[شهر ذي الحجّة]
[رؤية الهلال]
وفيه بعد أن استهلّ ذو
(6)
الحجة بإكمال العدد بالخميس، ثبت أنه بالأربعاء بالقاهرة، وشهد بذلك جمع كانوا كتموا الشهادة لأجل ما شُهر وشاع بين الناس أن الخطبتين
(7)
في يوم واحد توجبان خوفاً على السلطان فكتم الراؤون
(8)
شهادتهم لذلك، وبلغ السلطان ذلك، فحنق على من ينسب إليه ذلك فتذكر له أن الشهابي أحمد بن نَوروز أحد خواصه ونُدمائه، ولم يخبر القاضي بذلك، فأحضره السلطان ثم استخبره عن ذلك، فاعترف بأنه رآه ليلة الأربعاء هو وجماعة، فأمر السلطان بأن يمضي إلى قاضي القضاة الحافظ ابن
(9)
حجر ومعه المحتسب الشيخ علي الخراساني فأدّى عنده الشهادة وشاع ذلك، ثم أمر السلطان أن ينادى بالقاهرة من رأى هلال ذي الحجة ليلة الأربعاء فلْيؤدّ شهادته بذلك عند قاضي القضاة الشافعي،
(1)
خبر عودة ناظر الجيش في: حوادث الدهور 1/ 112، والنجوم الزاهرة 15/ 367، ونزهة النفوس 4/ 310، والتبر المسبوك 101 (1/ 223)، ونيل الأمل 5/ 197، وبدائع الزهور 2/ 243.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "أبو".
(4)
في الأصل: "أبو".
(5)
خبر الوقوف بعرفات في: وجيز الكلام 2/ 596، والتبر المسبوك 102 (1/ 224)، ونيل الأمل 5/ 198، وبدائع الزهور 2/ 247.
(6)
في الأصل: "ذي".
(7)
في الأصل: "الخطبتان".
(8)
في الأصل: "الراون".
(9)
في الأصل: "بن".
فجاء إليه غالب من كان أشيع عنه بأنه رأى الهلال وادّعى رؤيته في تلك الليلة، فقبل الحافظ منهم من اعتمد عليه واستوفى الشروط وأثبت الشهر بالأربعاء، وأمر أن ينادى بأن عيد النحر في يوم الجمعة، فاعتمد الناس ذلك وصلّوا العيد يوم الجمعة، ثم ضحّوا، ثم صلّوا صلاة الجمعة خطبة أخرى. ولم يقع للسلطان ما شوّش عليه، وعاش بعدها نحو العشر
(1)
سنين على ما هو المعروف، وسنقف عليه
(2)
.
[وصول مبشّر الحاج]
وفيه، في يوم السبت خامس عشرينه وصل المبشّر من الحاج وأخبر بسلامتهم وأخبر أيضاً بأن أهل مكة وأهل عرفة تراؤا الهلال ليلة الأربعاء، ولم يتفق لأحدٍ منهم أنه أخبر برؤيته فاستعملوا العدّة واستهلّوا ذي الحجّة بالخميس، واستمر الأمر بينهم فيما عندهم على ذلك، وأن المبشّر هذا فارقهم آخر النهار يوم السبت، فقطع هذه المسافة كلّها في ثلاثة عشر يوماً غير يوم خروجه ويوم دخوله، ووصف الحجاز بالأمن، واليُمن وكثرة الرخاء والحاج وغير ذلك مما يسرّ ويفرح
(3)
.
وكان الوالد في هذه السنة معهم حاجّاً مجرّداً على ما قدّمناه لك معه بعض مماليكه نحو الأربعة، وجماعة أُخَر من الخَدَم، وتركَنَا وجماعة العيال بالخليل، على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام، فإنه كان قد حضر إليه من سجن حلب مما تقدّم وأقام به، وأقطعه السلطان مدينة قاقون وأرزقه قرية يقال لها بطة بمربّعة باسمه من بيت المال بمبايعة. واتفق أن الوالد باعها بعد ذلك لأمرٍ أوجب ذلك، وكان يستغلّ منها في العام نحو الثمانمائة دينار، فباعها بألف دينار ثمن بخس لعارضٍ أوجب ذلك من قبل ببعض شأن.
[التجريدة إلى البُحيرة]
وفيه في يوم الأحد سادس عشرينه خرجت تجريدة إلى البحيرة، وكانت عُيّنت قبل ذلك عليها الأمير قراقجا الحسني أمير اخور كبير ومعه ستة من الأمراء
(4)
.
(1)
في الأصل: "نحو العشرة".
(2)
خبر رؤية الهلال في: إنباء الغمر 4/ 228، والتبر المسبوك 101، 102 (1/ 223، 224)، ونيل الأمل 5/ 197.
(3)
خبر مبشّر الحاج في: إنباء الغمر 4/ 228، والتبر المسبوك 102 (1/ 224)، ونيل الأمل 5/ 199، وبدائع الزهور 2/ 247.
(4)
خبر التجريدة في: حوادث الدهور 1/ 112، والنجوم الزاهرة 15/ 367، والتبر المسبوك 102 (1/ 225)، ونيل الأمل 5/ 198، وبدائع الزهور 2/ 246.
(قضيّة الفرّياني المدّعي أنه المهدي)
(1)
57 -
وفيه، في أواخره، بعث السلطان إلى نائب القدس مكاتبة يأمره فيها بأن يقبض على القائم بجبال نابلس المدّعي بأنه المهدي، ويجهّزه إلى القاهرة، وحرّضه على ذلك. وكان من خبر ذلك أن شخصاً يقال له شمس الدين محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربي الفُرّياني
(2)
- بضم الفاء وتشديد الراء وبعدها ياء آخر الحروف وبعد الألف نون - قام بجبال حميدة. ونذكر التعريف به أولاً، ثم نذكر قيامه.
كان شمس الدين هذا مغربيّاً مالكياً، قدم إلى القاهرة من بلاد المغرب في سنيّ ثلاثين أو قبلها، ثم انتقل إلى المذهب الشافعي، وولي قضاء نابلس في سنة سبع وثلاثين وثمانمائة بعناية ابن البارزي كاتب السرّ، وكان قبل ذلك يتعانى عمل المواعيد بقرى مصر ودمياط وبلاد السواحل، وصار يُداخل الناس مع فكاهة وحُسن عِشرة وكثرة تودّد، وعفَّة ونزاهة نفْس، وكثرة استحضار لأشياء كثيرة، منها التاريخ. وكان قد تردّد إلى الشيخ تقيّ الدين المقريزي تردّداً كثيراً ولازمه مدّة طويلة حتى صار يستحضر الكثير من تخليط زائد، وكان يدّعي معرفة الحديث ورجاله، مع مبالغته في الدعوى لذلك عن من يستجهله، والسكات عند أهل الفنّ وعارفيه. وكان قد دخل حلب وحدّث بها عن البَطَرني.
قال الحافظ ابن
(3)
حجر
(4)
: وما أظنّه سمع منه فإنه ذكر لنا أن مولده سنة ثمانين، يعني وسبعمائة ببلده. قال: وكان البَطَرني بتونس ومات بعد سنة تسعين. ثم ذكر عنه الحافظ اختلاقاً
(5)
في أسانيد زعم أنها له، قال: وكلّها مختلفة. وذكر عنه نحواً من هذه الأشياء. وكان راج عند الناس بهذه الأشياء وصار مشهوراً بها عندهم. ولم يزل على ذلك مدّة طويلة، ثم صحِب الأمير عبد الرحمن بن الكوَيز، وتقرّب منه وانقطع إليه مدّة بعد أن ترك الكمال بن البارزي، وكان مقدَّماً عنده، وتنقّلت به الأحوال بعد ذلك إلى أن توجّه إلى الجبال المقدّسة التي يقال لها جبال حميدة وعندها (الجمع)
(6)
الجم الغفير من العربان، فنزل عند بعض العشير منهم وداخَلهم وتمكّن من عقولهم واستليشهم في عينه واستخفّهم فدعا لنفسه بأنه
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
الغُرّيائي: بضم الغين المعجمة، وتشديد الراء. كما ضبطه السخاوي. أما ابن العماد الحنبلي فقال:= الفرياني: بضم الفاء وكسر الراء المشدّدة نسبة إلى فرّيانة قرب سفاقس.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في إنباء الغمر 4/ 228، 229.
(5)
في الأصل: "اختلاق".
(6)
عن هامش المخطوط.
المهدي أو القحطاني على ما قيل، فراج بينهم وأطاعوه لدهائه ومكره وحِيَله وحُسن تصرَّفه، وتبعه جماعة من العرب وانضمّ إليه خلق عددهم كثير فاستغواهم ووعدهم ومنّاهم وملأ آذانهم من تلك المواعيد، فانتشر خبره وشاع ذِكره في أواخر هذه السنة حتى بلغت السلطان أخباره فاستشاط على عادته من غير أن يعلم من هو هذا حتى عرف بعد ذلك على ما نبيّنه، فكاتب نائب القدس بأمره بالفحص عنه والقبض عليه وتتبّع أحواله على أتمّ وجه، فبحث نائب القدس عن القضية حين ورد عليه أمر السلطان وفحص عن ذلك حتى بلغه أن شيخ العشير بنابلس وهو الذي يقال له ابن عبد القادر يعرفه فطلبه وسأله عن ذلك، فأنكر أن يكون على اطلاع
(1)
على مراده، وإنَّما وصل إليه وهو شخص في زيّ طلبة العلم معه عدّة أحمال تشبه أن تكون كتبًا علميّة، وأنه سأل منه أن يجهّز معه من يخفره إلى أن يصل إلى مقصده وفارقوه ولم يعلموا مراده، ولا اطّلعوا على ما في ضميره، ولا عرفوا شيئًا من حاله سوى ذلك، ولا علموا من هو ولا من أين هو، فكاتب نائب القدس السلطان يخبره بذلك، فاستدلّ الناس بأنه الفرّياني، وعرّفوا السلطان بحاله، وأنه كان يدور بقرى الريف ويعمل المواعيد، وذكروا له أحواله.
وأمّا الفُرّياني فلما بلغه تطلُّب السلطان له خاف على نفسه ولا زال حتى خمل وخمد ذِكره، وكان بأخرة يتنقّل بين دمشق وطرابلس، وكان لما يرد إلى طرابلس ينزل بدار ناظر جيشها شرف الدين موسى بن يوسف بن الصفيّ الكَرَكي، وكان يحسن إليه، وانتهى أمره أن مات باللاذقية في سنة اثنتين وستين وثمانمائة.
وكنّا إذ ذاك بطرابلس والوالد بها على إمرة عشرين طرخانًا، وكان عنده من الكتب الشيء الكثير، وكانت مودوعة عند ناظر الجيش المذكور، ومات وهي عنده.
وكان الفرّياني هذا داهية من الدواهي، يُحكى عنه أشياء، مهولة واقتحام أمور عجيبة. وكانت نفسه تحدّثه بأمور كثيرة، منها أنه سيلي الأمر، وأنه سيكون له شأن، ولم يكن يخفي ذلك، بل يصرّح به، لكنْ لأصحابه ومن يطمئنّ إليه.
وأظنّ أن الذي أوقعه في ذلك كثرة اطلاعه على أخبار الناس ومعرفته بأحوال من قام مثل المهدي عُبيد
(2)
اللَّه بالمغرب، والمهدي محمّد بن تومرت وغيرهما، فتشبّث بمخيّلته أنه إذا قام جاء منه، على أن ذلك من الممكن، ولم يكن له
(1)
في الأصل: "اطلع".
(2)
في الأصل: "عبد".
شيء
(1)
مما ظنّه وتخيّله، ومات خاملًا، فاستراح من تبِعات الدنيا التي لم ينلها أن لو نالها على زعمه، فرحم اللَّه امرءًا
(2)
عرف قدره فلم يتعدّ طوره.
[قدوم السوبيني والسراج الحمصي إلى القاهرة]
وفيها، أعني هذه السنة، قدم البرهان السُّوبيني من مكة إلى القاهرة
(3)
.
وقدم أيضًا السراج الحمصي
(4)
.
ولهج أهل التنجيم أيضًا بأن دولة الظاهر تنقضي فيها، ولم يكن شيء
(5)
مما ذكروا {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: 59] جلّ وعلا.
(1)
في الأصل: "شيئًا".
(2)
في الأصل: "امرأ".
(3)
خبر قدوم السوبيني في: نيل الأمل 5/ 199.
(4)
خبر السراج الحمصي في: نيل الأمل 5/ 200.
(5)
في الأصل: "شيئًا".
ذِكر نُبَذٍ
(1)
من تراجم الأعيان ووفياتهم في هذا الزمان سنة
848
[القاضي الحنّاوي]
58 -
أحمد بن محمّد بن إبراهيم، وسها
(2)
الحافظ ابن
(3)
حجر فقال: أحمد بن إسماعيل الفيشي الحسيني القاهري، المالكي، القاضي شهاب الدين، الشهير بالحِنّاوي
(4)
.
نسبه إلى الحِنّاء وهو الخضاب المعروف. والحُسيني: نسبة إلى الحُسينية محلّة بظاهرة الحنّاوي معروفة وكان يسكنها الشهاب هذا فنُسِب إليها.
ولد في شعبان سنة اثنتين
(5)
وستين وسبعمائة بفيشا قرية بالغربيّة.
ونشأ ذكيًّا، يقظًا، فطِنًا، مشتغلًا بالعلم، وأتقن العربية وبرع فيها بل وفي غيرها، وأفتى ودرّس بعدّة أماكن كالمنكوتمُريّة وغيرها، وولّي مشيخة خانقاه الطنبذي بالصحراء، وناب في الحكم المالكي وكان خيّرًا ديّنًا، عالمًا، نزهًا، ذا
(1)
في الأصل: "نبدأ".
(2)
في الأصل: "سهى".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
انظر عن (الحنّاوي) في: إنباء الغمر 4/ 230 رقم 1، وعنوان الزمان 1/ 186 - 191 رقم 52، ومعجم شيوخ ابن فهد 80، 81، والضوء اللامع 2/ 69، 70 رقم 209، والقبس الحاوي 1/ 190، 191 رقم 195، ووجيز الكلام 2/ 598 رقم 1375، والذيل التام 1/ 649، 650، والتبر المسبوك 106 (1/ 231 - 233)، وبغية الوعاة 1/ 356 رقم 688، ونيل الأمل 5/ 189 رقم 2060، والمجمع المفنّن 1/ 505، 506 رقم 470، وكشف الظنون 744، وشذرات الذهب 7/ 262 (9/ 381)، وهدية العارفين 1/ 127، ونيل الابتهاج، للتنبُكتي 1/ 137، والأعلام 1/ 227، ومعجم المؤلفين 2/ 62، وعصر سلاطين المماليك 4/ 196.
و"الفيشي" نسبة إلى فيشة المنار بمحافظة الغربية بمصر. سُمّيت بذلك لوجود جامع بها ذي منارة عالية يراها الناس من بعيد، وهي تابعة لطنطا. (قاموس المدن المصرية ق 2 ج 2/ 103).
(5)
في الأصل: "سنة اثنين".
سمت حسن، وتؤدة، لطيف الذات، حشمًا، وقورًا، أدوبًا، ساكن النفس، كثير الصمت، قليل الشرّ، كثير البِشر، طلْق الوجه والمُحيّا، ذا فضل وبِرّ وعلم. انتفع به الطلبة في العربية وغيرها من الفنون العلمية، وسمع الحديث، وكان أعلى طبقة من الحافظ ابن حجر لعُلوّ سنّه، فإنه يزيد سنّهُ على الحافظ باثنتي عشرة سنة، وسمع من شيوخ الحافظ أيضًا وقرأ أيضًا، وطلب بنفسه وقتًا على ما ذكره الحافظ عنه في ترجمة له في تاريخه
(1)
.
وقد ترجمه لي رجل ممن يعرفه وكان يتخدّم في بعض الأوقات إليه، فأطنب في ذِكر محاسنه وحُسن عِشرته وزيادة فضله ومروءته، وهو الذي أخبرني بسنة مولده. قال: سمعت منه، ثم رأيت الحافظ ابن حجر ترجمه، وذكر أنه مات وقد جاوز الثمانين بيقين، وإنّما الشك في الزيادة، فقال الحافظ: فقيل ست وقيل: أكثر، وهذا يساعد ما نقله لي عنه ذلك الناقل. ثم بعد ذلك كله رأيت في تاريخ الحافظ السخاوي
(2)
إنه ولد في شعبان، لكنه قال في سنة ثلاث وستين. والحافظ هذا معتَمَد في مثل ذلك، فلعلّ من أخبرني وهِم، وبه أجزم لأنَّه ليس من أهل الضبط وإن كان ديّنا.
توفي صاحب الترجمة في ليلة الجمعة ثامن عشرين جمادى الأولى، رحمه الله.
59 -
تمراز المؤيَّدي
(3)
.
أحد مقدَّمي الألوف بدمشق.
كان من مماليك المؤيّد شيخ، وتنقّلت به الأحوال بعده إلى أن صار أمير طبلخاناه بدمشق وأحد الحجّاب بها أظنّه الثاني بقرينة كونه كان أمير طبلخاناه، ثم صار من جملة مقدَّمي الألوف بها.
توفي في ليلة الأربعاء عشرين ربيع الآخر.
وقد عرفت فيما تقدّم معنى اسمه وما فيه.
(ترجمة قرايُلك)
(4)
60 -
حمز ة بن عثمان بن قُطْلُبَك بن طرغلي التركماني المعروف بابن قرايُلُك
(5)
.
(1)
في الضوء اللامع 2/ 69، 70.
(2)
المصدر السابق.
(3)
انظر عن (تمراز المؤيّدي) في: التبر المسبوك 107 (1/ 233)، ونيل الأمل 5/ 187 رقم 2058، والمجمع المفنّن 2/ 322 رقم 1088، وبدائع الزهور 2/ 242.
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
انظر عن (ابن قرايلك) في: إنباء الغمر 4/ 231 رقم 3 وفيه: "حمزة بن قرايلك واسمه عثمان بن طرغلي"، والنجوم الزاهرة 15/ 508، والضوء اللامع 3/ 165 رقم 633، ووجيز =
وقرايُلُك هو عثمان والد حمزة هذا. صاحب آمِد وماردين وغيرهما من ديار بكر. وأخبار قرايُلُك مشهورة، وسيرته معروفة مذكورة لا حاجة لنا إلى التطويل بذكرها. ولنذكر منها قدرًا يكون عونًا لمن غفل عن ذلك.
61 -
إعلم أن قرايُلُك المسمَّى عثمان هو الذي خرج إليه الأشرف بَرسْباي إلى قتاله لآمِد، وجرى بينهما ما هو مشهور، وًال أمر قرايُلُك هذا إلى أن وقع بينه وبين إسكندر بن قرا يوسف أخي
(1)
جهان شاه حرب، وكان إسكندر لم يقصده بل كان وقع بينه وبين مروان شاه بن تيمورلنك قتال، وفرّ منه، وبلغ ذلك قرايُلُك فتبعه وكان من أمره أنه انهزم وقصد أرزَن الروم أحد بلاد مملكته، فحِيل بينه وبين قلعتها، فرمى بنفسه إلى خندق المدينة لينجو فوقع على حجر شجّ دماغه، فحُمل منه إلى المدينة فمات بها بعد أيام قلائل. ويقال بل غرق بالخندق ومات.
وكان عمره نحو المائة سنة، فجُهّز بعد موته ودُفن خارج المدينة، فوردها إسكندر ونبش قبره وحزّ رأسه وبعث بها إلى القاهرة، فسُرّ الأشرف بذلك، وأمر بها فطيفت بشوارع القاهرة، ثم عُلّقت على باب زويلة أيامًا. وكان أصل والده من الأمراء الأرتُقيّة الأتراك.
62 -
ونشأ ابنه عثمان هذا بتلك البلاد، وملك بعد أبيه، ووقع له مع ملوك الشرق الوقائع الكثيرة المشهورة، وعمل بعد ذلك بخدمة الطاغية تمر اللنك، وكان جاء ليسأله لما قدم دمشق في سنة ثلاث وثمانمائة، وطال عمره في الشرور والفِتَن والحروب، ووقع بينه وبين جَكَم الذي تسلطن بحلب ولقّب نفسه بالعادل الواقعة المشهورة، وقتل جَكَم قرا وسرّ قرايُلُك هذا وقوي أمره، ثم ملك ماردين وقتل صاحبها، وكان بينه وبين العربان من آل فضل ونُعَير، بل وغيرهم الوقائع الكثيرة، ولقي منه أهل ديار بكر وملوكها غاية الشدائد والأنكاد وخصوصًا ملوك الحصن من بني أيوب فإنهم كانوا في غاية الحصر والضنك منه وفي البلاء العظيم، ولم يزل يتداول الحروب والشرور مع الملوك ويتحرّش بهم مدّة مديدة. وكان طويل الروح صبورًا على الأهوال والقتال ومحاصرة القلاع والمدن يباشر القتال في الحروب بل وجلّ الأمور بنفسه، ويقتحم الأهوال والحروب لكثرة ممارسته وطول عُمره مع عدم شهرة بشجاعة، وكان أكبر أحواله الهزيمة بعد الثبات الشديد، وإظهار الجلادة والصبر، ثم يكرّ مرة بعد أخرى ويغزو ويكرّ، وكان كثير المكر والحِيل والخديعة والغدر فأخذ البرهان أحمد صاحب سيواس بغدره وحيلته، وكذا فعل
= الكلام 2/ 599 رقم 380، والذيل التام 1/ 651، والتبر المسبوك 108 (1/ 234)، ونيل الأمل 5/ 192، 193 رقم 2063، وبدائع الزهور 2/ 243.
(1)
في الأصل: "اخو".
مع ابن عمر وقتلهما، وبالجملة فكان من الأشرار الفجّار، أحد المفسدين في الأرض، ومع ذلك كلّه، فكان أحسن حالًا من بني قرا يوسف، فإنه كان متمسّكًا بالإسلام في الجملة، وكان يحبّ الصالحين ويعتقدهم، ويحمث الفقراء والعلماء ويعظّمهم بخلاف أولئك على ما هو المشهور من سيرة كلِّ من الطائفتين. وهذه نبذة يسيرة من خبره.
ولما مات قرا يُلُك هذا خَلَفَه ولده صاحب الترجمة فملك ديار بكر بعده وكان أيضًا كأبيه في قُبح سيرته وكثرة شروره من أوباش التركمان الفَسَقة وأهل الشرّ.
توفي في أوائل رجب.
وكان قد ورد حين موته في شعبان وملك بعده ولد أخيه جهان كيرين علي، ولا زالوا - أعني بني قرا يُلُك هؤلاء - حتى صاروا بأخرة ملوك العراق بل العراقين وآذربيجان على ما سيأتي ذلك في محلّه إن شاء اللَّه تعالى من هذا التاريخ حين ذِكرنا قضايا حسن الطويل وما آل به الأمر إليه من قتْل جهان شاه وملْك بلاده، بل وقتل بو سعيد صاحب سمرقند وما جرى منه وله من الحروب، وتوتجهه للقاء السلطان محمّد بن عثمان صاحب الروم، وما وقع من الحرب بينهما وكذا بين العساكر المصرية وذِكر وفاته، وتحليف أولاده، وآل ملكه لولده يعقوب شاه الذي هو بيده الآن في زمننا هذا الذي علّقنا فيه تاريخنا هذا، ونذكر ماجريّة يشبُك من مهدي الدوادار مع عسكره الذي كان مقدَّمًا عليهم أميره بايندر وكيف قتل يشبُك ونفصل ذلك في محالّه أتمّ تفصيل، وإنّما ذكرناه لك هاهنا لتكون على بصيرة منه واستشراف لمحبّيه.
63 -
سُنقُر
(1)
.
أحد الأمراء الطبلخاناة بدمشق وأحد حجّابها، وكان قبل ذلك نائبًا بحمص.
توفي بدمشق في هذه السنة.
وسُنقر: اسم بالتركية لطائر، ثم جُعل عَلَمًا على الشخص.
(سودون)
(2)
64 -
سودون النَوروزي
(3)
.
حاجب الحجّاب بدمشق. كان من مماليك نَوروز الحافظي، وتنقّلت به الأحوال بعد موت أستاذه بالبلاد الشامية إلى أن وُلّي دوادارية السلطان بحلب
(1)
انظر عن (سنقر) في: الضوء اللامع 3/ 273، والتبر المسبوك 108 (1/ 234)، ونيل الأمل 5/ 234، وبدائع الزهور 2/ 245.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
انظر عن (سودون النوروزي) في: الضوء اللامع 3/ 287 رقم 1089.
بعد نقل منها إلى حجوبية الحجّاب بدمشق بمالٍ بذله فيها، ولم يتأمّر بمصر قطّ. وكان قليل الشرّ والأذى، متوسّط السيرة في غالب أحواله.
توفي في هذه السنة.
واسمه مركّب من "سُود" بإظهار الواو مشبَعَة، وإلّا فهي في الأصل "سُدْ" وهو اللبن الحليب وأمّا "أدن" الكلمة الأخرى فهي أيضًا كذلك في الإشباع بالواو. و"أدن" اسم للدقيق فكأنه قيل: حليب ودقيق.
وذكر لي بعضُ من أهل هذا اللسان التركي أنَّها محتملة بشيء آخر بأن تكون كلمة مقدرة سُودون ومعناها حليبة أو لبنة، فإنّ عادتهم في الضمير أن يؤتى بنون آخر الكلمة وكلامهما محتمل، والأول أرجح، وهو "سودأون" ثم خُفِّفت فجُعلت سودون بترك الهمزة وجُعلت علمًا على الشخص مع القطع في النظر عن المعنى.
65 -
طوخ
(1)
الأبوبكري المؤيَّدي.
نائب غزّة.
ذكره بعضهم في وَفَيَات هذه السنة، وأنه مات في أواخر ذي الحجّة، ووهِم في ذلك وهْمًا ظاهرًا، فإنه مات في أوائل محرّم من الآتية، وسنترجمه هناك إذا وصلنا إليه إن شاء اللَّه تعالى، وإنّما ذكرناه هاهنا تنبيهًا على وهْم الواهم.
و"طوخ" واوها زائدة لإشباع ضمّة الطاء وهي تقال بالخاء والقاف، ومعناها بالعربية: شَبْعان، وهو ضدّ الجَيعان بلغة التُرك، واستُعمل عَلَمًا على الشخص.
66 -
طوغان
(2)
.
دوادار الذي قبله.
مات معه في سنة واحدة، ووهِم من جعله في هذه السنة أيضًا.
وسيجيء مع طوخ في الآتية إن شاء اللَّه تعالى.
67 -
عبد الله الزُّرَعي
(3)
، الدمشقي، القدسي.
(1)
انظر عن (طوخ) في: إنباء الغمر 4/ 231 رقم 4، والنجوم الزاهرة 15/ 508، وحوادث الدهور 1/ 116، والمنهل الصافي 7/ 14 - 16 رقم 1277، والدليل الشافي 1/ 371 رقم 1274، والضوء اللامع 4/ 10 رقم 32، ووجيز الكلام 2/ 606 رقم 1394، والتبر المسبوك 108، 109 (1/ 234 و 272)، وسيعاد برقم 80، ونيل الأمل 5/ 201، 202 رقم 2069 (أول وفيات 849 هـ.)، وبدائع الزهور 2/ 247.
(2)
انظر عن (طوغان) في: الضوء اللامع 4/ 12 رقم 42، والتبر المسبوك (1/ 272) وفيات 849 هـ.
(3)
انظر عن (الزرعي) في: الضوء اللامع 5/ 76 رقم 283، والتبر المسبوك 108 (1/ 235)، ونيل الأمل 5/ 200 رقم 2068.
الشيخ الصالح، القدوة، المعتقد.
توفي في هذه السنة بالبيت المقدس الشريف، رحمه الله ونفع به.
(ترجمة ابن الحموي الخطيب الواعظ)
(1)
68 -
عبد الرحيم بن أبي بكر بن محمود بن علي بن أبي الفتح بن الموفّق الحموي
(2)
، القادري، القاهري، الشافعي.
الشيخ زين الدين. وسها
(3)
الحافظ ابن حجر في اسم أبيه فقال: علي، وفي لقبه: فقال: ناصر الدين
(4)
.
ووهِم يوسف بن
(5)
تغري بردي في اسمه ولقبه فقال: شمس الدين محمّد
(6)
، وذا عجيب في الأوهام بل خطأ فاحش بين الإمام الخطيب، أعني الزين هذا بالأشرفية البَرسْبائية، والواعظ المشهور المعروف بابن الآدمي.
ولد بحماة بعد الثمانين وسبعمائة، على ما ذكره بعضهم في تاريخه.
ورأيت من قال: بعد التسعين. والأول أصحّ [و] أضبط.
ونشأ الزين هذا بحماة مشتغلًا بالعلم، فقرأ الفقه على ابن خطيب الروضة، وسمع الحديث بدمشق على جماعة، ثم انتقل في الفتنة إلى القاهرة، وقرأ الصحيح على حافظ العصر الزين العراقي، ولازم الشيوخ، ثم تعانى عمل المواعيد حتى مهر في ذلك وبرع وشُهر وطار صيته، وحصل له المال الطائل من ذلك، وكان له أمكنة ومواضع يعمل بها المواعيد ويقصده الناس ويهرعون إليه، ولا سيما النساء، وكان غالب وعده من كتاب يقرأ منه بنغمة طيّبة رخيمة، وأقرأ "صحيح [البخاري] ". وكان قد وُلّي الخطابة بالمسجد الأقصى، ثم عُزل عنها، واستمرّ على طريقته في عمل المواعيد، وكان قدومه للقاهرة بعد رحيل تيمورلنك عنها. وكان يقرأ "صحيح البخاري" أيضًا في شهر رمضان في عدّة أماكن، وكان له المرتّبات على ذلك من طلع ومبلغ كبير يحصل له في السنة، وتوئى خطابة المدرسة
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
انظر عن (ابن الموفق الحموي) في: إنباء الغمر 4/ 231 رقم 6، وحوادث الدهور 1/ 113 وفيه كنيته:"شمس الدين"، والنجوم الزاهرة 15/ 506، ونزهة النفوس 4/ 312، 313 رقم 853، والذيل التام 649، ووجيز الكلام 2/ 597 رقم 1372، والضوء اللامع 4/ 170 رقم 449، والتبر المسبوك 108، 109 (1/ 235، 236)، ونيل الأمل 5/ 197، 198 رقم 2067، وبدائع الزهور 2/ 246، وشذرات الذهب 7/ 262.
(3)
في الأصل: "سهى".
(4)
إنباء الغمر 4/ 231.
(5)
في الأصل: "ابن".
(6)
في النجوم الزاهرة 15/ 506.
الأشرفية أول ما فُتحت، فهو أول خطيب خطب بها، وكان للناس فيه حُسن الاعتقاد.
وتوفي فجأة في ثاني ذي الحجّة.
وكان قد عمل في يوم موته الميعاد على عادته في موضعين، وجاوز الثمانين. وخلّف.
أحدهم شيخ يقرُب الستين حين موت والده، وهو:
69 -
محمود والد إبراهيم الحموي
(1)
.
الموجود في زمننا هذا، وهو رجل ساكن متديّن، متواضع، متَصَولح، ويُظْهر الزهد والعفّة.
أظنّه من أبناء الستين.
وهو أيضًا ممن رُزق القبول في وعظه فحُمِده لا سيما عند النساء ويهرعن إليه لسماعه من وإنٍ إلى مكان، وله عدّة أمكنة يعمل بها الميعاد، ويحضر مجلسه الجمع الوافر من النساء، بل ربّما كان كلّه أمن، النساء، وربّما طفن معه إذا قام من مكان وقصد غيره يتوجّهن معه منهنّ، وربّما سألنه في الطريق عن أسئلة سمجة أكثرها، وهو يجيبهنّ بما شاء، وله لديهنّ الحظّ يقف بينهنّ حتى صار يُدعى إلى ديار الأكابر الأعيان من أمراء وغيرهم، فيدخل الحريم ويجلس في حلقة النساء على كرسيّ، ويقرأ في أيام الحديث شيئًا من "البخاري"، ثم يتكلّم على ذلك بكلام في غاية الركاكة مع صوت منكر خلاف ما كان عليه صوت جدّه، ومع ذلك فيعجب النساء ويهرعن إليه، ويحصل له منهنّ الشيء الكثير.
أُخبِرت أن القاضي بدر الدين الدُمَيري الذي كان يُدعى بكتكوت كان يذكر عن إبراهيم هذا أنه يحصل له في كل عام من هذه الطريقة التي لزِمها نحو الألف دينار أو تمام الألف بما في ذلك من المبلغ والخلع من بندات صوف بفراء بسنجاب وغير ذلك، واللَّه أعلم بذلك ولا أستبعده. وبالجملة فإن له عند النسوة الحظ الأوفر بحيث لا يتحاشى من مكالمة الأجانب منهنّ لغير ضرورة، ويكرّرن الأسئلة عليه وهو يقرّر لهنّ الجواب ويطيل الخطاب. وله ولد ساكن النفس على سمت أبيه، دَرَبَ على طريقته، وكان وعك مرة فناب ولده عنه في أكثر مواضع مواعيده المرتّبة وغير ذلك.
وله أخ يُسمّى محمّد هو خطيب الأشرفية الآن.
• ولعبد الرحيم ولد آخر موجود الآن، وهو عمّ إبراهيم يقال له أحمد، كان ممن يتعانى الوقوف بباب السعد بن الديري قاضي القضاة من الأعوان. يُحكى عنه من
(1)
انظر عن (إبراهيم الحموي) في: المجمع المفنّن 1/ 262، 263 رقم 121.
قلّة الدين وإدمان الشُرب ما لا عنه مزيد، مع أنه كبير السنّ، ستر اللَّه علينا وعليه
(1)
.
أخبرني رجل من نواب الحكم الشافعي يُعرف بالبرديني عن عبد الرحيم هذا صاحب الترجمة أنه رأى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له: الولد الصالح الذي تطلبه ليس من ولدك وإنّما هو من ولد ولدك.
قال: وكان عبد الرحيم هذا يتمنّى على اللَّه أن يكون له ولد صالح قال هذا الخبر. ويقال إن ذلك الولد الولد الولد هو هذا الذي يعرف بإبراهيم بن الحموي الآن. واللَّه أعلم.
70 -
عبد المحسن
(2)
البغدادي، ثم المكي.
الشيخ المعتقد الصالح.
توفي بمكة المشرّفة في يوم الخميس ثالث عشرين صفر.
(ترجمة فيروز الساقي الزمّام)
(3)
71 -
فيروز
(4)
الجركسي، الساقي، الزمّام.
الطواشي الروميّ الجنس.
كان من خُدّام جركس القاسمي المصارع، وتنقّلت به الأحوال بعد موته إلى أن صُيّر ساقيًا في دولة المؤيَّد شيخ، وحظي عنده غاية، ثم عند الأشرف بَرسْباي، ثم انحطّ قدره عنده.
قال شيخ الإسلام البدر العَيني، رحمه الله، في تاريخه
(5)
في ترجمته: ولم يكن مشكور السيرة، وكان عنده طمع زائد، وكان الأشرف ضربه ونفاه إلى المدينة النبويّة فأقام بها مدّة ثم استقدمه وولَّاه السقاية أيضًا على عادته ثم غضب عليه في مرض موته حين وسّط ابن العفيف وحضر وصرفه من السقاية وهدّده بالتوسيط.
(1)
المجمع المفنّن 1/ 263.
(2)
انظر عن (عبد المحسن) في: الضوء اللامع 5/ 97 رقم 302، والتبر المسبوك 109 (1/ 237)، ونيل الأمل 5/ 185 رقم 2056.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
انظر عن (فيروز) في: إنباء الغمر 4/ 31 رقم 5، والنجوم الزاهرة 15/ 506 - 508، وحوادث الدهور 1/ 113 - 115 رقم 2، والمنهل الصافي 8/ 411 - 413 رقم 1810، والدليل الشافي 2/ 523 رقم 1802، والضوء اللامع 6/ 176 رقم 597، والتبر المسبوك 110 (1/ 237، 238)، ووجيز الكلام 2/ 599، 600 رقم 1381، والذيل التام 1/ 651، ونزهة النفوس 2/ 313 رقم 854، ونيل الأمل 5/ 194 رقم 2065، وبدائع الزهور 2/ 244.
(5)
عقد الجمان ج 4 ق 2/ 758.
وكان سبب ذلك أن الأشرف لما طال مرضه وانحطّ فيه قوي عنده أنه دُسّ إليه سُمّ وأن الأطبّاء لا ينصحونه، فاتفق أن أحضر إليه فيروز هذا في بعض الأيام بمغلى اليسريّة فأمره بأخذ الششني منه وكان صائمًا فامتنع من ذلك لأجل صومه، فزاد توهّم الأشرف واتّهمه، ولولا أجله لكان فيما وُسّط لكنّه أبعده، فلم يزل خاملًا إلى أن وُلّي الظاهر جقمق وهو أخو أستاذه جركس المذكور فطلب فيروز هذا وجعله زمام الآدرّ السلطانية والحريم دفعة واحدة بمرة عن جوهر اللالا، وظنّ به أنه ما بقي يقلع من هذه الوظيفة لكونه خادم أخي
(1)
السلطان، فكأنه أصيب بعين فلم يقم بها غير الستة أشهر أو دونها حتى صرف عنها بعد أن تغيّظ عليه السلطان لما صحب العزيز بن الأشرف من القاعة البربرية على ما هو مشهور في محلّه، ونسبه السلطان إلى العجز والتقصير وأراد نفيه فشفع فيه من النفي، فلم يزل مقيمًا بداره إلى آخر عُمره.
وذكر البدر العَيني
(2)
أنه ولي الخازندارية أيضًا عن جوهر القنقبائي.
توفي في يوم الأربعاء رابع عشر شعبان، ودُفن بمدرسته التي أنشأها بحارة الوزيرية عند السوق الذي يباع به قرب السقّائين.
وكان قد أومى إلى خشداشه قانِبَاي الجركسي، فلما شرع قانِباي في التكلّم في ترِكته منعه من ذلك.
قال البدر العَيني
(3)
، رحمه الله،: وفوّض أمره إلى شخص عامّي يسمّى أبو
(4)
الخير النحاس عُقدت له الرئاسة في أيام هذا السلطان. انتهى.
أقول: وهذا كان من أعظم الأسباب في ظهور أبي
(5)
الخير هذا وبداية ترقّيه والتنويه به وعظمه في الأعين كون مثل قانباي الجركسي يمنع، ومثل هذا يتكلّم في ذلك مكانه في هذه الجزئية وعوّضه في الزمامية بعده جوهر القنقباي.
وقال بعضهم في حقّه إنه كان لا بأس به بالنسبة إلى رفقائه، وأراد بذلك الفيروزان غيره، وهما: النَوروزي ورفيقه فيروز الركني.
(ترجمة ابن كمَيْل)
(6)
72 -
محمّد بن أحمد بن عمر بن كُمَيل
(7)
بن عوض بن رشيد بن محمّد - وقيل علي - المنصوري، الشافعي.
(1)
في الأصل: "أخو".
(2)
في عقد الجمان ج 4 ق 2/ 758.
(3)
في عقد الجمان ج 4 ق 2/ 758.
(4)
في الأصل: "أبو".
(5)
في الأصل: "أبو".
(6)
العنوان من الهامش.
(7)
انظر عن (ابن كُميل) في: إنباء الغمر 4/ 232، 233 رقم 10، وذيل معجم شيوخ ابن فهد =
الشيخ شمس الدين المعروف بجدّ أبيه كُمَيل، الفقيه البارع الكامل، الأديب، الشاعر الفاضل.
ولد بالمنصورة سنة خمس وسبعين وسبعمائة.
ونشأ مشتغلًا بالعلم بعد أدن حفظ القرآن العظيم، ثم حفظ "الحاوي"، ولازم الاشتغال كثيرًا حتى برع ومهر، ونظم الشِعر فأجاد في نظمه وفاق فيه على أقرانه، وكان ولي نيابة الحكم بالمنصورة هو وابن عمّه شمس الدين محمّد بن خَلَف بن كُمَيل فكأنَّما يتناوبان في ذلك مدّة. وكان هو يتعانى السفر إلى القاهرة في كل سنة مرة أو مرتين. وله نظم عال رائق في الذروة العليا. ومدح المؤيّد بقصيدة طنّانة لما رجع من سفره الذي خرج فيه لقتال نَوروز، وكان قد مدحه أيضًا حين سلطنته بمقطوع جيّد وهو هذا:
تملّك الشيخ وزال العنا
…
فالخلقُ في بِشْرٍ وتِيهٍ وفَيْح
فلا تقاتلْ بصبيٍّ ولا
…
تَلْقَ به جيشًا وقاتل بشيخِ
(1)
وله الكثير من المدائح المفلقة الجيّدة في النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ومدح جماعة أيضًا من أعيان الأكابر لا على طريق التكسّب بالنظم كما هو دأب غالب الشعراء بل على طريق المداراة أو تحصيل جاه الممدوح.
وكتب إلى الشهاب المنصوري
(2)
مرة كأنّما يطارحه في سنة ستّ عشرة
(3)
=378 رقم 82، والمجمع المؤسس 3/ 271 رقم 645، وعنوان الزمان 5/ 41 - 56 رقم 466، وعنوان العنوان 239، والضوء اللامع 7/ 28، 29 رقم 57، والتبر المسبوك 110 (1/ 238 - 242)، ووجيز الكلام 2/ 597 رقم 1372، والذيل التام 1/ 648، 649، وتاريخ الخلفاء 513، وحُسن المحاضرة 1/ 573، ونيل الأمل 5/ 193، 194 رقم 2064، وبدائع الزهور 2/ 244، والمنهل الصافي 9/ 275 - 279 رقم 2042، والدليل الشافي 2/ 592 رقم 2034، وشذرات الذهب 7/ 263، وإيضاح المكنون 2/ 134 و 701، وهدية العارفين 2/ 195، والأعلام 6/ 229، ومعجم المؤلفين 8/ 304، 305.
(1)
البيتان في: التبر المسبوك 110 (1/ 240) وفيه: "وفيخ" بالخاء المعجمة. يقال: فاخت ريح المسك فوخًا، وفوخانًا: انتشرت حتى تأخذ بالنفوس (المعجم الوسيط: فاخت).
وهما في: نيل الأمل 5/ 193 كما هو أعلاه في الروض، وعنوان الزمان 5/ 45، أما في بدائع الزهور 2/ 244.
تسلطن الشيخ وزال العنا
…
فالناس في بشروتيه وفيخ
…
(2)
هو أبو العباس، أحمد بن محمّد بن علي السُلمي المنصوري، القاهري، المعروف بابن الهائم المنصوري، الشاعر، الأديب. توفي سنة 887 هـ. (المجمع المفنّن 1/ 550 - 557 رقم 520 وفيه مصادر ترجمته).
(3)
في الأصل: "سنة ستة عشر".
وثمانمائة. وكان الشهاب إذ ذاك حدثًا صغير السنّ:
بُستانُنا زاهرٌ زَهِيّ
…
نُزهتُهُ الآن لن تَفُوتا
هل لك في أن تراه معنا
…
فسوف آتي وسوف تُوتا
(1)
واستقلّ بقضاء المنصورة أيضًا فيما بعد وزيد عليها قضاء سلمون، ثم زاده الحافظ ابن حجر، رحمه الله، قضاء مُنية شيشين وباشر جميعها أحسن مباشرة، وظهرت سيرته المشكورة في قضائه، وكان قد انتشأ له ولد يقال له أحمد، وكان كثير الاغتباط به. ولم يزل ابن كُميل هو على ما هو عليه.
حتى توفي يوم الإثنين ثاني عشر شعبان غمًّا تحت الردم، وعلم من إخراجه من تحت الردم وهو غير مخدوش ولا مجروح بأنه إنما مات من الغمّ مستدلّين بما قلناه.
وكان من خبر موته تحت الردم أنه توجّه إلى سلمون لأمرٍ من الأمور التي هو بصددها وكان نزل بها في مسجد، وله به خلوة، وكان يعلو هذه الخلوة طبقة لطيفة لها سطح إلى جانب المئذنة
(2)
التي للمسجد، فاتفق أن هبّت في تلك الليلة ريح
(3)
عاصفة شديدة، واستمر في آخرها، وفي أول النّهار، فصلى الصبح ودخل إلى خلوته للراحة بها فاتفق أن قوي الريح على المئذنة
(4)
فقصفها من نصفها وأسقطها على الطبقة لما وقع على سقفها، فنزل الجميع على سطح الخلوة التي هو بها وأخذ السطح ونزل به وبما نزل عليه من الطبقة والمئذنة الكل إلى الشيخ وهو قاعد بها لا شعور له بشيء من ذلك حتى ردمه الساقط فمات تحته غمًّا، وجاء الخبر إلى ولده فحضر من الكسوة في أسرع وقت ونبش عليه فوجده قد تصلّب الخشب عليه ولم يحصل له في جسمه لا خدش ولا جرح، فعرف بذلك أنه مات غمًّا لعجزه عن الخلاص من الردم، رحمه الله.
73 -
محمّد بن عبد اللَّه بن أحمد بن حسن المكي، الحنبلي.
الشيخ أبو الخير بن الزين الفضلائي.
(1)
في المجمع المفنّن 1/ 556 كتب ابن كُميل للشهاب المنصوري:
بستاننا زاهر زهيّ
…
نزهته الآن لن تفوتا
هل لك أن تراه معنا
…
ننظر وردًا به وتوتا
فكتب إليه الشهاب:
إن كان بستانكم زهيا
…
وعَرْفه للقلوب قوتا
فطِبْ مقامًا وقرّ عينًا
…
فسوف آتي وسوف تُوتى
(2)
في الأصل: "المادنة".
(3)
في الأصل: "ريحًا".
(4)
في الأصل: "المادنة".
لا أعرف مولده، وأعرف أنه كان له ثلاثة إخوة، كلٌّ اسمه محمّد، وهو الرابع، دخل الشام ومصر، وسمع على جماعة، وأجاز له خلق كثيرون.
توفي عصر طاعون هذه السنة.
74 -
محمّد بن عبد الرحمن بن محمّد بن عبد الناصر بن هبة اللَّه بن عبد الرحمن بن محمّد بن عبد الرحمن بن محمّد بن عبد الرحمن بن محمّد بن عبد المنعم بن ظاهر بن أحمد بن مسعود بن داود بن يوسف بن عبد اللَّه بن الزُّبَير بن العوّام الزبيري، القاهري، الشافعي.
الشيخ صدر الدين ابن
(1)
قاضي القضاة تقيّ الدين.
ولد سنة اثنتين
(2)
وثمانين وسبعمائة تقريبًا.
ونشأ مشتغلًا بالعلم ولم يكثر، لكنّه كان لطيف الذات، حسن السمت والصفات، ذا تؤدة وحشمة ورياسة وعراقة، والحالة دنيا له، مليح المحاضرة، فكِه المذاكرة والمعاشرة وسمع الحديث على والدته ابنة الجمال بن العلاء التركماني، وعلي الفرسيسي.
توفي في هذه السنة، وما وقفت له على شهر وفاة.
ودُفن بتربة ابن
(3)
جماعة.
(ترجمة الخواجا ابن المزلّق)
(4)
75 -
محمّد بن علي بن أبي بكر بن محمّد بن المزلّق
(5)
الحلبي، الدمشقي.
الخواجا شمس الدين، التاجر المشهور الذي يُضرب به المثل في كثرة المال، كان كبير التجار الشاميين، ويقال إن أصلهم باعة رؤوس
(6)
الضأن الغمة، واللَّه أعلم بذلك.
سمعته بدمشق غير مرة. وكان شمس الدين هذا من أهل الثروة الزائدة، وله صيت مشهور وحرمة وافرة عند عرب الحجاز حتى قطّاع الطريق منهم، وكانت ترد
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "سنة اثنين".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
العنوان عن الهامش.
(5)
انظر عن (ابن المزلّق) في: إنباء الغمر 4/ 232 رقم 9، والضوء اللامع 8/ 173 رقم 429، والتبر المسبوك 112 (1/ 243)، ووجيز الكلام 2/ 799 رقم 1378، والذيل التام 1/ 650، ونيل الأمل 5/ 191 رقم 2061، والدارس 1/ 29، وبدائع الزهور 2/ 243، وشذرات الذهب 7/ 263.
(6)
في الأصل: "روس".
إليه الحمول التي عليها اسمه فلا يقربها أحد من العرب، وربّما ساروا بها من مكان
(1)
إلى آخر، وكانت قفوله ترد إلى البلاد في وسط البا [دية] في بعض الأحيان على ما قيل وذلك لكثرة إحسانه إلى العرب، وكان يخيط لهم الثياب فيكسوهم بها يبعث إليهم ذلك في كل حين، فاستخدموه لذلك.
(كائنة غريبة عنه)
(2)
وأخبرني رجل من أعيان التجار بتونس وأنا بها في سنة سبع وستين وثمانمائة قال: أخبرني رجل من أهل بلادنا هذه اتفق له من ابن المزلّق هذا حكاية غريبة من النوادر فقال: كنت حججت ورجعت مع الحاج الشامي على دمشق لأنظرها قبل توجّهي إلى المغرب وعزمت على أن أقيم بها مدّة أقضي وطرًا من رؤيتها فيها ثم أتوجّه إلى القاهرة فأعود منها إلى المغرب، وكان خطر ببالي أن أشتري فصًّا من الياقوت أدفعه هدية لصاحب تونس تكون قيمته مبلغ مائة دينار أو ماية وخمسين، ولم أُعلِم أحدًا بما في ضميري من ذلك، بل بقيت أسأل عن الياقوت الجيّد وأنا أتطلَّب ذلك، فبقي الذي يسمعني أقول: أهديه لملك الغرب يظنّ أن ذلك من أغلى فصوص الياقوت الفاخرة، فأرشدني مرشد إلى ابن المزلّق فأتيته فرأيت أمرًا كبيرًا من الرياسة والعظمة والحشم والخدم والوكلاء، فأُدخلت إليه فرحّب بي ثم أخبرته بشأني، فقال لي: حبًّا وكرامة، وأنِس إليّ وأخذ يحادثني عن أخبار المغرب، وأمر بعض خدمه بإحضار الياقوت، فأحضرت إليه علبة فاخرة فيها فصّ
(3)
ثم آخر، ثم آخر، ثم عدّد في يدي منها عدّة وقال لي: اختر أنت ما شئت، فاخترت واحدًا قال لي: هذا بستمائة دينار لك ولا أسومك فيه بل أراعيك، ثم حلف لي بأنه يسوى أكثر من ذلك، فاستحيت منه إذ لا قدرة لي على هذا الثمن، وعرق جبيني حياءً منه، فكأنه فطن بذلك فقال لي: من أثمان كم تريد الفصّ؟ فقلت: من مائة إلى مائة وخمسين، فضحك ثم أعاد تلك الأحجار إلى محلّها وأمر الغلام بإحضار علبة أخرى فأخرج لي منها فصًّا ذكر أنه يقرب من الماءتين في الثمن، وأعطاه لي وحلف أنه لا يأخذ ثمنه، وهذا غاية في الفضل والكرم والمروءة كما سمعت. ولما قدمت هذه البلاد بقيت أتفحّص عن أصل هذه الحكاية حتى بعثت إلى دمشق من يسأل عن ذلك من قدماء أصحاب الخواجا هذا لأقف على طرف من ذلك فما تيسّر لي تصديق ذلك المخبر، وسألت: هل أحضر له المغربي الثمن فقبله بعد ذلك أم لا.
(1)
في الأصل: "مان".
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
في الأصل: "فيها فصًا".
(نادرة أخرى)
(1)
ويحكى عنه أيضًا مما هو قريب من ذلك بل فوقها أنه باع مرة زيتًا بمبلغ كبير جدًا بقول المكثر فوق الخمسة آلاف دينار، وحمل ( .... )
(2)
وساروا به، ثم أخرجت من بئر الزيت فأرة ميتة، فركب بنفسه إلى أن لحق القافلة ومعهم (
…
)
(3)
باعه فقال لهم: يا جماعة هذا الزيت بخس لا يجوز بيعه وقد أحضرت ثمنه إليكم، فإمّا أن تأخذوه وتمضوا في حال سبيلكم وتريقوا الزيت أو تريقوه وتحضروا معي أُعطِكم غيره، فأبى أهل القافلة من أخذ الثمن ومن الإراقة، وقالوا: ما عليك نحن رضينا، فلا زال بهم حتى أراقه وعاد بهم وأعطاهم زيتًا بدله، وهذه أيضًا لم أحرّرها من الثقات، بل سمعتها من الأفواه شائعة. وبالجملة فكان من المعدودين المشهورين من أهل الخير والبرّ والمعروف.
توفي في يوم الأحد سلْخ جمادى الآخرة، وقد ناف على الثمانين.
وكانت جنازته حافلة حضرها نائب الشام فمن دونه، وله مًاثر كثيرة وبِرّ وخير يُذكر به.
وهو والد السراج عمر، والبدر حسن ناظر جيش دمشق، وقد يُعرَف البدر هذا بالدولة وداخلهم، وتولّى نظر الجيش غير مرة، وتنقّلت به الأحوال حتى أتلف غالب مال والده، وكان ثقيل السمع، وبينه وبين الوالد صُحبة أكيدة، وكان يداوم التردّد إليه ونحن بدمشق، والوالد إذ ذاك من جملة مقدّمي الألوف بها.
وللخواجا شمس الدين هذا الدار التي على بابها الساعات بالهيئة الغريبة، وهي موجودة إلى يومنا هذا بدمشق، وقد بَطَلَت بعد موته. ولما مرض أوصى بثلث ماله يبدأ من ذلك تكملة عمارة الخان الذي
(4)
أنشأه وما كمل وأن ينظّف منه وعسرة شعسع؟، ثم يقسّم ما فضل على أربعة أسهم، سهم لفقراء مكة، وآخر لفقراء المدينة، وآخر لفقراء البيت المقدس، وآخر لفقراء دمشق، فجزاه اللَّه تعالى خيرًا عن دينه وتقبّل منه سمته وفضله.
(ترجمة الشيخ شمس الدين ابن
(5)
زُهرة)
(6)
76 -
محمّد بن يحيى بن أحمد بن أحمد بن دُغرة بن زُهرة
(7)
الحِبراصي، الدمشقي، الطرابلسي.
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
مقدار كلمة أو اثنتين ممسوحتين.
(3)
مقدار كلمة ممسوحة.
(4)
في الأصل: "الخان التي".
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
العنوان من الهامش.
(7)
انظر عن (ابن زهرة) في: الردّ الوافر، لابن ناصر الدين 189، ومعجم شيوخ ابن فهد 290، =
الشيخ الإمام العالم العامل، الفاضل، الكامل، شمس الدين، أبو عبد اللَّه، المعروف بابن زُهرة.
ولد بحِبْراص في سنة ثمانٍ وخمسين وسبعمائة على ما أخبر به ولده شيخنا الشيخ تاج الدين عبد الوهاب.
ثم انتقل من حِبْراص
(1)
إلى طرابُلُس قبل بلوغه وقرأ بها القرآن العظيم، وحفظ "التنبيه" و"المنهاج الأصلي" و"ألفيّة ابن معطي"، و"عمدة الأحكام"، ثم اشتغل بالعلم فأخذ عن جماعة منهم: النجم الحسباني، والشمس الصرصري، والشرف الغزّي، والصدر الياسوفي، والشريشي، وأخذ في التفسير عن الزين القُرَشي، ولقي السراج البُلقيني فأخذ عنه وكان يسمّيه: شيخ الروضة، وأخذ أيضًا عن الشهاب الزُهري، وسمع الحديث على جماعة منهم ابن صدّيق، والكمال ابن النحاس، وكان يذكر أنه سمع على ابن قواليح، وحدّث، وكان من أعيان العلماء العاملين والمشار إليه ببلده ومفتيها وخطيب جامعها، وكان الناس ترجع إلى فتاواه، ودرّس وانتفع به الطلبة ونبغوا، ومن جملة طلبته الشيخ شمس الدين البلاطنسي، وغيره من العلماء المشاهير.
وله التصانيف الكثيرة في أنواع من الفنون، ورأيت تفسيره للقرآن العظيم وهو تفسير جيّد في عشر مجلّدات سمّاه "فتح المنّان في تفسير القرآن" وهو بخطّه، وله عدّة تصانيف أُخرى غيره كشرح المنهاج، والتنبيه، وغيره من المختصرات (
…
)
(2)
، وكان ذا خير ودين وعلم وبرّ وقيام في الحقّ. وله قضية اتفقت مع السراج الحمصي قام عليه فيها أشدّ القيام، وقد ذكرها الحافظ ابن حجر في "تاريخه"
(3)
، وهي مشهورة فيه.
= وعنوان الزمان (المخطوط) 1/ ورقة 140، والضوء اللامع 10/ 70، 71 رقم 241، والتبر المسبوك 113، 114 (1/ 244، 245)، ووجيز الكلام 2/ 596، 597 رقم 1371، والذيل التام 1/ 648، والقبس الحاوي 2/ 373، 374 رقم 885، ونيل الأمل 5/ 188، 189 رقم 2059، وقضاة دمشق 166، 167، والبدر الطالع 2/ 176، 177، وذخائر القصر، لابن طولون (المخطوط) 34 ب، 35 أ، وبدائع الزهور 2/ 242، والسُحُب الوابلة 319، وكشف الظنون 438، وإيضاح المكنون 1/ 302 و 2/ 45، وهدية العارفين 2/ 195، والأعلام 8/ 10، ومعجم المؤلفين 12/ 98، وتاريخ طرابلس السياسي والحضاري 2/ 441، 442، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي ق 2 ج 4/ 225 - 228 رقم 1238، وآثار طرابلس الإسلامية (تأليفنا) 78 - 82.
و"زُهرة": بضم الزاي وسكون الهاء.
(1)
حبراص: بالصاد المهملة، بلدة في البلقاء بالأردنّ.
(2)
كلمة ممسوحة.
(3)
إنباء الغمر (حوادث سنة 836 هـ.، وهي في: الردّ الوافر 189).
توفي رحمه اللَّه تعالى في يوم الجمعة ثامن عشرين جمادى الأولى، ودُفن بتربة الجامع الكبير وتأسّف الناس على فقده، رحمه الله.
77 -
وترك ولده شيخنا العلّامة الشيخ تاج الدين عبد الوهاب
(1)
فقيه طرابلس الآن ومفتيها وخطيبها وابن خطيبها ومفتيها، وهو ممن أخذت عنه، بل وقرأت عليه وحضرت دروسه بجامع طرابلس. ونحن بها في سنة اثنتين
(2)
وستين وما بعدها إلى أن خرجنا في سنة خمس وستين أو قبلها بيسير. وهو ذات حسنة وسمَتْ حسن.
ولد تقريبًا سنة سبع أو ثمان من هذا القرن بطرابلس، وبها نشأ في كنف أبيه. فقرأ القرآن العظيم، وحفظ "المنهاج" وغيره، والثشغل على أبيه ولازمه، وأخذ عن غيره أيضًا، وانتهت إليه رياسة مذهبه بطرابلس بعد أبيه، ووُلّي خطابة الجامع بها عِوضًا عنه، وأفتى ودرّس، وعلى ذهنه بعضٌ من أنواع الفروسية من الرمي بالنشاب وغير ذلك، وله نظم وسط، أستحضر منه هذا البيت من قصيدة، وهو قوله:
نحن المحبّين قد ضاقتْ مذاهبنا
…
فالقربُ ينعشنا والبُعد يَفنينا
وصنّف وألّف، وله تفسير القرآن اختصر فيه تفسير والده، وضمّ إليه أشياء من غيره سمّاه "التطريز في تفسير القرآن العزيز" رأيته بخطّه في مجلَّدين ضخمين، وله شروح عدّة على بعض مختصرات فقهية كالمنهاج، والتنبيه، والزبد، وغير ذلك، وهو الآن بتلك البلاد بصدد نفع الطلبة واشتغاله وقد كبُر سنّه، وكان يُلمَز بشيء يشينه اللَّه أعلم بصحّته، وكان ذلك في تلك الأمكنة، وأمّا الآن فيُذكر عنه الخير والدين والقيام في نفع المسلمين والصدع بالحق في خطبه والتبكيت على الظَلَمة
(1)
توفي عبد الوهاب بن محمّد بن يحيى بن زُهرة في سنة 895 هـ. انظر عنه في: وجيز الكلام 3/ 1153 رقم 2342، والضوء اللامع 5/ 113، 114 رقم 405، و 9/ 142، والذيل التام 2/ 579، 580، والتعليق، لابن طوق الدمشقي، مخطوط الظاهرية 4533 ورقة 42 أ، (المطبوع) 1/ 255 سنة 888 هـ، ومتعة الأذهان 1/ 487 رقم 516، ومفاكهة الخلّان، لابن طولون 1/ 96 وفيه وفاته 893 هـ.، وكذا عند ابن طوق 176 أ، وذخائر القصر، ورقة 34 ب، 35 أ، وإيضاح المكنون 1/ 204 و 276 و 277 و 2/ 693، وهدية العارفين 1/ 640، ومعجم المؤلفين 6/ 230، وتاريخ طرابلس 2/ 445، 446، والكتاب العربي المخطوط، د. فؤاد أيمن سيد 2/ 571، وتاريخ وآثار مساجد ومدارس طرابلس في عصر المماليك (تأليفنا) 104 - 106، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي (تأليفنا) ق 2 ج 2/ 297 - 299 رقم 648، وآثار طرابلس الإسلامية (تأليفنا) 82 - 85 رقم 8.
(2)
في الأصل: "سنة اثنين".
فيها، لا سيما ونواب طرابلس إنّما يصلّون بجامعها الأكبر، بل إنما يُعتَرف له بهذا في تلك الأزمان فإنه كان كثيرًا ما يبالغ في خُطبه ويُسمِع النواب ما ينكيهم، فجزاه الله خيرًا على ذلك.
78 -
يوسف بن خليل بن شاهين الشيخي.
أخي، مات في هذه السنة وهو صغير، فإنّ مولده في سنة ثلاث وأربعين.
79 -
وأمّه أمّ ولد اسمها يورباي أرضعتني مع ولدها هذا، وهي موجودة الآن وأكثر إقامتها عندي لمحبّتي إياها لمقامها عندي مقام الوالدة، ولكونها عتيقة الوالد، وهي خيّرة ديّنة، كثيرة الصيام والقيام، وكثرة الذكر والأوراد، وكانت ممّن تنتمي لوالدتي، وبينهما محّبة أكيدة.
أظنّها قاربت السبعين من السنّ.
80 -
يوسف بن محمّد بن أحمد بن يوسف الكَوْمي، القاهري، الشافعي.
الشيخ جمال الدين، المعروف بالكومي
(1)
، نزيل القانِبائيّة برأس سُويقة عبد المنعم.
كان خيّرًا ديِّنًا، مشكورًا، كثير العبادة، وله جلالة، ثم نزل بالخانقاه الصلاحية سعيد السُعداء، ولازم الوليّ العراقي مدّة، وسمع عليه وكتب عنه من أماليه
(2)
، وأخذ بعضهم عنه.
توفي يوم الجمعة رابع رجب.
(1)
انظر عن (الكومي) في: وجيز الكلام 2/ 595 رقم 1374، والتبر المسبوك 114 (1/ 345)، والضوء اللامع 10/ 338، ونيل الأمل 5/ 192 رقم 2062، وبدائع الزهور 2/ 243.
(2)
في الأصل: "من اماله".
سنة تسعٍ وأربعين وثمانمائة
[حكام البلاد]
استهلّت هذه السنة والخليفة والسلطان وغالب من ذكرنا من ملوك الإسلام وأمرائهم وقُضاتهم وحكّامهم ووُلاة أمورهم، الجميع على حالهم ببلادهم، لم يبلغنا عن النائين من الملوك شرقًا وغربًا وفاة، فالكلّ على ما هم عليه، ما عدا صاحب آمِد وماردين وما والاهما من ديار بكر، فإنه في هذه السنة الأمير جهان غير بن علي بن عثمان بن قرايُلُك.
ومعنى "قرايُلُك": الحليق الأسود، فإنه كان أسمر اللون يحلق لحيته.
وقد عرفت، ولاية جهان غير هذا في المتجدّدات وفي ترجمة جهان، في الوفيات في السنة الماضية.
وما عدا نائب حماة، فإنه في هذه السنة قانِباي البهلوان نُقل إليها من نيابة صفد.
وما عدا نائب صفد فإنه في هذه السنة قانصوه النَوروزي، وُلّيها عن قِزطوغان.
وما عدا نائب الإسكندرية فإنه في هذه السنة تَنَم المحتسب الذي وُلّي نيابة الشام فيما بعد.
وقد عرفت (
…
) هذه التنقّلات فيما تقدّم في المتجدّدات.
ذكر نُبَذ
(1)
من المتجدّدات اليومية في هذه السنة القمرية
[شهر المحرّم]
[استهلال السنة]
كان أول هذه السنة في الابتداء بالجمعة بعد تكميل العدد، ثم ظهر بعد ذلك أنَّها بالخميس بالرؤية، وأُثبت ذلك.
(1)
في الأصل: "نبذًا".
ففيها في أول يوم من المحرّم وهو الجمعة، ثم ظهر أنه ثانيه طلع القضاة للسلطان يهنّؤنه بالعام والشهر على العادة في ذلك.
[ملاقاة الحجّاج]
وفيه أعني هذا اليوم خرجت الملاقاة مع الملاقين للحاج، وصحِبتهم الإقامات على العادة الجادية في مثل ذلك
(1)
.
[إسلام أسرى صاحب بلاد الروم]
وفيه أسلم الأسرى الذين بعث بهم الملك ابن عثمان صاحب بلاد الروم حين بعث (
…
)
(2)
مصرية على بني الأصفر لما غزاهم. وكانت الوقعة العظمى بينه وبينهم لتكون مبايعته مصداقًا لما أخبر به من النُصرة، وكانوا جماعة فأسلموا في هذا اليوم عن آخرهم، وذكروا المصاف الذي وقع بينهم وبين ابن
(3)
عثمان ملك المسلمين هذا، وأن ملكهم قُتل في تلك المعركة مع وجود العسكر الكبير الوافر بحيث كان عسكرهم أضعاف عسكر المسلمين، وأن أحدًا لم يتوهّم فضلًا أن يحكم أو يجزم أن عسكرهم ينكسر ولا خطر ببال أحد ذلك، حتى ولا المسلمين، وذلك لأنّ الكفّار من بني الأصفر كانوا قد تحرّكوا حركة ظاهرة وواصلوا كثيرًا من الكفّار والفرنج في الاجتهاد في التجهّز ليوافيهم ملك بني الأصفر بعساكره لأخذ سواحل بلاد المسلمين، ثم التوصّل بعد ذلك إلى الاستيلاء على البيت المقدس، وجزموا بأخذ السواحل ورجوا بأنهم يأخذون البيت المقدس أيضًا، واهتفوا لذلك، ولم يشكّوا في غلبة المسلمين لا هم، بل ولا المسلمين لكثرة الجموع التي حضرت من غالب بلادهم وأنصارهم ممن يستطيعِ القتال، فما أمكن ابن عثمان لما بلغه ذلك التقاعد فخرج بجموعه لإعلاء كلمة اللّه تعالى بنيّة صادقة، وبايع نفسه هو وعساكره في ذلك، ناظرا إلى قوله تعالى:{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ} [البقرة: 249]. وكان من شأن أولئك الكفّار أنهم لما رأوا قلّة عراك المسلمين حيث قاربوهم، وعلم ملكهم بذلك، ورأى كثرة جموعه واتساع دائرة عساكره وكثرة الأمداد الواصلة إليه من كثير من البلاد من غير مملكته، بل نجدة لنصرة الدين على زعمهم إزاء عدوّ اللَّه أعني الملك أن يظهر نفسه بين قومه ومن حضر من العساكر القادمين عليه من الغرباء عن مملكته وبلاده، ويُريهم أنه مهتمّ
(1)
التبر المسبوك 1/ 246.
(2)
كلمة غير مقروءة.
(3)
في الأصل: "بن".
بشأن دينهم ليكون له المنّة
(1)
العظمى ويحمِّلهم بذلك جميله، لكونه لم يعبأ بالمسلمين في نفسه ولا رآهم في عينه. وكان ذلك يوم اللقاء وحين الحرب والقتال، وقد اشتدّ الأمر على المسلمين لِما رأوه من كثرة جمع الكفّار. وكانت الحرب بينهم بأرض فيها فسحة كثيرة الكوادي والرُها، ومن جهة الكفّار وكثير من عساكر الكفّار لم يحضر إلى ذلك الحين، بل هم في سَيرهم، وتلاحق بعضهم البعض، وظنّ المسلمون أن جموعهم من حضر فقط، ومع ذلك قد أحلّهم من الوهم من كثرتهم الأمر العظيم وبينا هم في أشدّ القتال حمل الملك بنفسه حملة واحدة طمعًا في المسلمين، وكان ذا أيدٍ وشجاعة وإقدام، فتوغّل في المسلمين وقتل منهم عدّة، ثم رجع، ثم كرّ ثانيًا حاملًا على المسلمين فصنع كصنيعه الأول، فاشتدّ الأمر على المسلمين وداخلهم أو كاد يداخلهم الرعب. وبينا هم على ذلك إذ تلاحق عساكر الكفّار إلى بعضهم أيضًا، وبقوا يبغوا من وراء تلك الجبال والوهاد والتلال ويتلاحقوا بجمعهم وينحازوا إليهم. ويقال ذلك عسكر الإسلام، وكادوا أن يهزموا، بل فرّ منهم جمع، ولاحت عليهم أمائر الفشل، وكادوا أن يجبنوا ويفشلوا على أنهم كانوا قبل ذلك على قربٍ من ذلك، فكيف الآن؟ وضاقت على ابن عثمان الأرض بما رحُبت في تلك اللحظة بل وظهر عليه أمارات الفشل، وخارت قوى الكثير من المسلمين، فبادر عصابة من أعيان أكابر الأمراء وأشياخهم من ذوي النكات والتجارب منهم ومن الجند الفرسان ذوي الآراء والهمم من الأشياخ وغيرهم ممن حنّكتهم التجارب وارتكبوا الأهوال وعرقوا الأمور فاجتمعوا عصابة واحدة وأخذوا في ملاطفة ملكهم بالكلام وتسكين ما به من شدّة ما وجّه من الأمر وخفّفوا عنه ما يجده وشجّعوه وقوّوا جَنانه وجأشه وهوّنوا عليه الأمر فكلّموا بلغتهم التركية ما معناه أنه إن وقعت هزيمة أو نحوها ذهب الإسلام من الروم، وركب الكفّار أقفية المسلمين فلم ينج منهم ناجٍ ويهلكوا عن آخرهم، ويبقى الإثم على الملك، وهيهات إن نجا هو أيضًا فإنه متوغّل في بلاد الكفر والرأي في إظهار الجلادة والصبر والثبات وتطمين الملك قلوب العساكر وتحريضه إياهم بنفسه وإن جهل الموت فليكن ونحن مقبلون لا مُدبرون، ولعلّ اللَّه تعالى يأتي بالفرج والنصر وكلمات أُخَر من جنس هذا المقال، ثم جاء جماعة فقيّدوا فرس ابن عثمان ثم احتاطوا به، وحرّض بعضهم بعضًا، وقالوا: أخلصوا النيّات ولا تخافوا، فإن اللَّه ينصر دين نبيّه وانظروا كيف بدأ دين نبيّكم وكان في غاية القفة مع جموع الكفّار وكثرتهم، اثبتوا تُنصروا وتؤجروا، وإن كانت
(1)
في الأصل: "الماية".
الأخرى فلتكن وأنتم في نصرة الدين بالإقبال ولا مُكْن بالإدبار تقتلوا وتُخْزَوا، والموت بجميلة خير منه بلا جميلة. فاشتدّ بذلك عضُد العسكر الإسلامي بعض الأشتداد. وبينا هم على ذلك إذ حمل الكافر عدوّ اللَّه تلك الكفّار، وكان اسمه قرال حملةً ثالثة كعادته الأولى والثانية. فكانت هذه الحملة هي القاضية التي هلك فيها، وقصد عصابة المسلمين المحيطة بالملك. ولما رأى ملك المسلمين ذلك أمر بأن يُفسحوا له في صورة قرب الانهزام أو التأخّر خوفًا منه ليتوغّل فيهم، وكان رأيًا سعيدًا مباركًا، بارك اللَّه فيه وعليه، ففسحوا له، فتوغّل فيهم وقصد نحو ابن عثمان، فبادر الرُماة فى استقباله بالسهام، واقتحموا عليه، وكثُر عليه الرمي فأصابه سهم أطاحة عن فرسه على أمّ رأسه فسقط إلى الأرض حين اشتدّ القتال، وتلاحم الحرب. وقد ملأ اللَّه تعالى قلوب المسلمين بالشجاعة، وذهب ذلك الذي اعتراهم أوّلًا كأنه لم يكن، وصاح ابن عثمان بنفسه على جنده محرّضًا لهم، مُقَوّيًا لقلوبهم بعد أن نزل إلى اللعين من حزّ رأسه في الحال وجعلها على رمح ورُفع، وصاحوا صيحة واحدة، وأعلموا بالتكبير، ومشوا على الكفّار، والرأس أمام فرس ابن عثمان. وقد حمل المسلمون حملة واحدة وحطموا في بقيّة الكفّار، وتراجع كثير من المسلمين ممن كان قد فرّ من قبل رأي الأشياخ، فولّى الكفّار الأدبار، وظهر من نصر اللَّه تعالى دينه، وأعلى
(1)
كلمته في ذلك اليوم ما لم يخطر ببال، ونودي في الكفّار بقتل ملكهم قرال، وكان معه مدبّره بال كو، وله أخبار غريبة عجيبة، وفُقد معه من العساكر لما شهدوا رأس الملك على الرمح، واشتهر قتله، وسمعوا المنادي به وولّوا الأدبار، وانهزموا بغير قتال، وركب المسلمون أقفيتهم بالأسلحة المصلتة والبرادعين والسيوف وغير ذلك فقتلوا وسبوا وأسروا وكسروا
(2)
.
ومن غريب الاتفاقات في ذلك اليوم أن قطيعًا من الغزلان ثار بتلك البرّيّة، وثار به جمع وافر
(3)
من الوحوش الكاسرة لافتراس الغزلان، فثار بين الفريقين غبرة عظيمة هائلة ظنّها الكفّار مددًا ونجدة للمسلمين، فزاد رعبهم واشتدّ عليهم الأمر وهُزموا أقبح هزيمة وأشنعها لا يلوي أحد منهم على أحد، واشتدّ الغبار فيما بينهم أيضًا فحصل بينهم اصطدام وازدحام قتل بعضهم بعضًا، {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب: 25]. أعزّ اللَّه تعالى الإسلام في
(1)
في الأصل: "اعلا".
(2)
خبر إسلام الأسرى في: إنباء الغمر 4/ 234، ونيل الأمل 5/ 201، وبدائع الزهور 2/ 247.
(3)
في الأصل: "وثار به جمعًا وافرًا".
ذلك اليوم وأذلّ الكُفر، وكانت واقعة من أعظم الواقعات، وأشهر الغزوات تعرف إلى يومنا هذا بوقعة قرال.
أخبرني بغالب من ذكرته وأثبَتُّ هاهنا مَن حضر هذه الوقعة، وكان فيها ممّن لا أثّهمه في أخباره.
ولما استقرَّ الحال جهّز ابن عثمان بكل جهة من بلاد المسلمين مبشّرًا بنُصرته على الكفّار، وجهّز عدّة من الأسرى، وكان فيمن جهّزه العدّة التي أسلموا في هذا اليوم، فأسلمهم السلطان بعد إحضارهم لتغري بَرْمَش الزَرَدْكاش، فبقوا عنده وهو يجيّش لهم الأعلام إلى أن أسلموا كلّهم، فعرّفهم السلطان على الأمر ليخدموا عندهم على جوامك ترتّب لهم، ومنهم من هو موجود إلى يومنا هذا، وللَّه الحمد والمِنّة على ذلك.
[سقوط مئذنة المدرسة الفخرية]
وفيه، في ليلة الجمعة ثانيه، سقطت مئذنة المدرسة الفخرية العتيقة التي بسُويقة الصاحب بالقرب من سوق الرقيق، وكان قد أنشأها الأمير فخر الدين عثمان قزل الياروقي أستادّار الملك الكامل محمّد بن العادل بن أيوب، وكان نهايتها في سنة اثنتين
(1)
وعشرين وستمائة، وكان قد قدم بناؤها وعتق وأحسّ بمَيلان منارتها، وقدم إلى المكان بالربْع المجاور للمدرسة بأن يأخذوا حِذرهم من المئذنة، إذ ربّما سقطت فلم يأخذوا الحذر، فلما سقطت نزلت على واجهة الرَبْع، وسقط البعض منه على البعض، فارتدم وهلك تحته جماعة من السكان كثيرون، وأصبح يومًا مهولًا في ذلك الخُط: اجتمع فيه حاجب الحجّاب تَنِبَكُ البُرْدُبكي، ووالي الشرطة، وحفروا الردم فأخرجوا جماعة كثيرة من الناس موتى، وقليل من الأحياء، ولكن كل من أخرج حيًّا كان مصابًا مهشّمًا
(2)
ونحوه، إمّا بيده أو رِجله أو ظهره، وسلم منهم بعض نادر. واتصل هذا الخبر بالسلطان فاستشاط على عادته، وحنق حنقًا زائدًا، واغتاظ غيظًا شديدًا، وأمر بإحضار الناظر على المكان المذكور، وكان شخصًا يقال له نور الدين القليوبي أمين الحكم الشافعي، فلما حضر عنده تغيّظ عليه.
قال البدر العيني
(3)
، رحمه الله: وأمر بتوسيطه، فشُفع فيه. قال: وخاطب
(1)
في الأصل: "سنة اثنين".
(2)
في الأصل: "كان مصابًا مهشم".
(3)
في عقد الجمان ق 24 ج 2 (حوادث 849 هـ.).
القاضي شهاب الدين ابن
(1)
حجر أيضًا بخطابات مُنْكية بسبب ذلك، ثم عزله عن القضاء وجميع نوّابه أيضًا، وألزمه بمالٍ عظيم لم نتحقَّق كميّته.
قال: وولّي عوضه شمس الدين القاياتي، ثم بعد أربعة أشهر أيضًا عزله ابن حجر عن مشيخة خانقاه بيبرس، وأعطاها للقاياتي أيضًا وأعطاه إيّاه تدريس الشافعي لما مات رفيقه شمس الدين الونائي. انتهى كلامه.
قال: ذكر الحافظ ابن حجر، رحمه الله: هذه الواقعة بعينها
(2)
، ثم قال بعد أن طلب الناظر المذكور تغيّظ عليه، وظنّ أنه ينوب في ذلك عن القاضي الشافعي، يعني نفسه، قال: فبسط لسانه في القاضي إنكارًا عليه في التفريط في مثل ذلك، ثم انكشف أن القاضي ليس له في ذلك ولاية ولا نيابة، ولا عُرف بشيء بذلك منذ وُلّي وإلى يوم تاريخه. انتهى.
أقول: ولما جرى هذا الأمر ووقعت هذه القضية وبلغ من بغض من الحافظ ويحسده تحزّب عليه وبقي يلقى أشياء حتى تبلغ السلطان ليزداد حنقه عليه، ودبّروا أشياء، وأغرى بعضهم السلطان، ونقل عن الحافظ بأنه يقول ويقول ويتبجّح بأشياء وينسب السلطان إلى الظلم، وأنه لا علاقة
(3)
له في ذلك حتى يوجب تغيّظه عليه، فحنق السلطان من ذلك زيادة على حنقه وغضب مضافًا لغضبه وأوسقوه عليه من حين كائنة السقوط
(4)
.
[صرف ابن حجر عن القضاء]
وفيه، في يوم الإثنين حادي عشره، صرّح السلطان بصرف القاضي وهو حافظ العصر عن القضاء، وبعث إليه بذلك وأمره بأن يغرم دية الموتى، وهذا هو المراد بقول البدر العَيْني، رحمه الله، وألزمه بمال.
[ولاية القاياتي القضاء بمصر]
(5)
وفيه، في يوم الخميس رابع عشره، استقرَّ فيْ وظيفة القضاء الشافعية بالديار المصرية الشيخ شمس الدين محمّد بن علي بن محمّد القاياتي الشافعي بعد أن
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في إنباء الغمر 4/ 234.
(3)
في الأصل: "لا علقة".
(4)
خبر سقوط المئذنة في: إنباء الغمر 4/ 234، 235، وحوادث الدهور 1/ 117، 118، ونزهة النفوس 4/ 315، 316، والتبر المسبوك 114، 115 (1/ 246 - 248)، ونيل الأمل 5/ 202، وبدائع الزهور 2/ 248، وشذرات الذهب 7/ 263.
(5)
العنوان من الهامش.
طلبه إلى القلعة وقدّم له أن يتولّى القضاء فامتنع إلّا بشروط ذكرها، فأجابه السلطان إليها، فأُحضرت الخلعة ليلبسها فقال: قبلت الولاية ولا ألبس خلعة، فعفا عنه السلطان وأعفاه من لبسها، فإنه زعم أنَّها من جهة لا تطيب أو نحو ذلك مما ينبغي التورعّ عنه، وعُدّ ذلك من النوادر حتى قيل: بل لم يقع قطّ أن يتولّى القاضي ولا يلبس خلعة إلّا القاياتي هذا، أعني في هذه الدولة التركية غالبًا، فنزل من القلعة بثيابه البيض وعليه طيلسانة وقد أحضرت له بغلة من دار كاتب السرّ الكمال بن البارزي فركبها ونزل معه جماعة من أعيان الدولة ومباشريها، ومنهم الدوادار الكبير والثاني وهما بين يديه. ولما نزل بالمدرسة الصالحية قام بعض الرسل ليدّعى على الرسم المعهود في مثل ذلك فلم يسمع الدعوى وقال: هذه حيلة، ثم قام منها وتوجّه إلى داره، ثم طلب من له مباشرة في المودع الحكمي والأوقاف وغير ذلك بعد أن هرع الناس للسلام عليه وعلى المنفصل، أعني الحافظ، بل وسلّم كل من القاضيَيْن على الآخر بمنزله. ولما حضر الحافظ ابن حجر للسلام على القاياتي بمنزله تأدّب معه غاية التأدُّب، وأجلسه على مكرُمته، وجلس بين يديه وصار يُظهر غاية الحياء والخشوع، حتى إنه لما بلغ السلطان ذلك تعجّب من مشْي كلّ منهما إلى الآخر وأنكره، بل وصرّح بكلمات.
ومن غريب ما وقع في ذلك اليوم إنشاء الحافظ ابن حجر بأشهر من البيتين، وهما:
عندي حديث ظريف
…
بمثله يُتَغَنَّى
في قاضيَيْن يُعَزَّى
…
هذا وهذا يُهَنَّى
فذا يقول: أكْرَهُونا
…
وذا يقول: أُخرجنا
(1)
ويُكرمان ونُهْزا
(2)
…
بمن يصدُق منّا
(3)
قال الحافظ السخاوي
(4)
، أبقاه اللَّه تعالى، لما ذكر هذا: وكان كافّة الناس إلّا من شذّ توهم
(5)
أنفا من إنشاد
(6)
شيخنا - يعني بذلك الحافظ ابن حجر - قال: مع أنَّها في كتاب متداول بأيدي جمعٍ من الفضلاء، وهو "معيد النِعَم
(1)
في: التبر المسبوك 1/ 250 "استرحنا".
(2)
في: التبر المسبوك 1/ 250 "يكذبان ونهزي".
(3)
الأبيات في: التبر المسبوك 116 (1/ 249، 250)، ونزهة النفوس 4/ 317.
(4)
في: التبر المسبوك 116 (1/ 250).
(5)
هنا وُضعت صفحة 33 ب قبل 33 أ قمنا بترتيبها في موضعها الصحيح.
(6)
في: التبر المسبوك 116 (1/ 250)"وإنشاء".
ومبيد النِقم"
(1)
للتاج السُبْكي. قال: لكن البيت الرابع:
ويكذبان جميعًا
…
ومن يصدّق منّا
قال: وتأثّر القاياتي من إنشادها. إنتهى.
ولما ذكر ابن
(2)
تغري بردي ولاية القاياتي قال: وظنّ كل أحدٍ أنه يسير في القضاء على قاعدة السلف لِما عهدوا منه. قال: فوقع الخلاف ما كان في الظنّ، ومال إلى المنصب وراعى الأكابر، وأكثَرَ من النوّاب، وظهر منه الميل الكلّي إلى الوظيفة حتى لو عُزل منها لَمَات أسفًا عليها
(3)
.
انتهى كلامه وهو كلام في غاية الفضول وقلّة الأدب والحياء لا طائل تحته، إذ عِلم القاياتي وخيره ودينه وتقشّفه وعفّته ظاهر لكل أحد، وليس مقام ابن تغري بردي أن يذكر مثل هذه الكلمات عن ذلك الرجل.
(تولية يلخُجا نيابة غزّة)
(4)
وفيه، في يوم الإثنين تاسع عشره، ووهِم من قال: ثامن عشره، استقرّ في نيابة غرة يلخُجا من مامش الساقي الناصري الذي كان أحد الطبْلخاناة ورأس نوبة ثاني، عِوَضًا عن طوخ الأبوبكري الذي قدّمنا ذِكره في التراجم والوفيات في الخالية
(5)
. وسيأتي مترجَمًا في وفيات هذه السنة، فإنه مات في أوائل هذا الشهر، ووهِم من قال في أواخر الحجّة.
[عودة أمير الحاج إلى مصر]
وفيه، في يوم السبت ثالث عشرينه، وكان على حساب الحاج ثاني عشرينه، وصل أمير الحاجّ بالمحمل وهو تمرباي، ودخل القاهرة على العادة
(6)
.
(1)
نشرته مكتبة الخانجي بالقاهرة 1993 - ص 73 بتحقيق محمّد علي النجار وأبو زيد شلبي ومحمد أبو العينين.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
حوادث الدهور 1/ 118، 119، والخبر في: التبر المسبوك 115، 116 (1/ 249، 250)، ونيل الأمل 5/ 202، 203، وبدائع الزهور 2/ 248.
والأبيات أيضًا في: مرآة الزمان، لسِبط ابن الجوزي - طبعة دار الكتب العلمية؛ بيروت 1992 - ج 15/ 67.
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
خبر تولية يلخجا في: حوادث الدهور 1/ 119، ونزهة النفوس 4/ 318، والتبر المسبوك 116 (1/ 251)، ونيل الأمل 5/ 204، وبدائع الزهور 2/ 249.
(6)
خبر أمير الحاج في: التبر المسبوك 116 (1/ 251).
[الأمر بنفي قراجا العمري الوالي إلى حلب]
وفيه، في يوم الإثنين خامس عشرينه، أمر السلطان بنفي قَرَاجا العمري الناصري الوالي إلى حلب، وذلك لِما بلغه عنه من سوء السيرة، لا سيما في الركب الرجبي لما توجّه بهم لمكة المشرّفة
(1)
.
[شهر صفر]
[محاسبة ناظر الجيش بطرابلس]
وفيها، في يوم الإثنين ثاني صفر، عيّن السلطان كاكاي السيفي بيبُغا المظفّري أحد الدواداريّة للسفر إلى طرابلس لمحاسبة ناظر جيشها موسى بن يوسف بن الصفيّ الكَرَكيّ الأصل على ما كان تحت يده من التعلّقات السلطانية
(2)
.
[ربيع الأول]
[دخول فصل الصيف]
وفيها، في يوم الأحد سابع ربيع الأول، دخل فصل الصيف، فنقلت الشمس لبرج السرطان
(3)
.
[قدوم تغري برمش الفقيه ثائب القلعة]
وفيه قدم تغري برمش الفقيه نائب القلعة من حلب ومن بلاد ابن رمضان التركماني، وكان قد توجّه إليها قبل ذلك هو والبدر محمود بن عُبيد اللَّه بسبب الكشف عن إبراهيم بن رمضان هذا لِما رُفع إلى السلطان بأنه وقع منه الأمور المنكَرَة المقتضية تكفيره، وكان في عزم السلطان قتله بحجّة شرعية فعاد تغري بَرْمش هو وابن عُبيد اللَّه في هذا اليوم
(4)
.
(1)
خبر نَفي قراجا في: حوادث الدهور 1/ 119، والتبر المسبوك 116 (1/ 251)، ونيل الأمل 5/ 204، وبدائع الزهور 2/ 249.
(2)
خبر 4 محاسبة الناظر في: نزهة النفوس 4/ 319، والتبر المسبوك 117 (1/ 251)، ونيل الأمل 5/ 204، 205.
(3)
التبر المسبوك 117 (1/ 252).
(4)
خبر قدوم تغري برمش في: الضوء اللامع 1/ 51، ونيل الأمل 5/ 205، وبدائع الزهور 2/ 249.
(تغيّظ السلطان بسبب ابن
(1)
رمضان)
(2)
وفيه عمل السلطان المولد النبوي بالقلعة على العادة، وحضره القضاة والمشايخ. وحنق السلطان في هذا اليوم على القضاة، وتغيّظ على الحنفي تغيّظًا زائدًا بسبب تأخيره الحكم في إبراهيم بن رمضان المذكور بسبب ما وقع منه من الأمور المنكَرَة المستشفعة الموجبة لقتله في زعم السلطان، وتقرّر الحال على أن يُعقد له مجلس، فعُقد في هذا الشهر بعد أيام، فلم يثبُت عليه ما يقتضي فعله، وأمر بتعزيره فعُرر وأعيد إلى السجن وكان به قبل ذلك، فمات بعد أيامٍ قلائل
(3)
.
[تغيّظ السلطان على كاتب السرّ ابن البارزي]
وفيه، في يوم الأربعاء عاشره، تغيّظ السلطان على كاتب السرّ الكمال بن البارزي، فعز ذلك عليه وتعب لما أن نزل لداره يستعفي من وظيفة كتابة السرّ فلم يُجَب إلى ذلك
(4)
.
[زوال تغيّظ السلطان على الكمال ابن البارزي]
وفيه، في يوم السبت ثالث عشره، طُلب الكمال المذكور إلى القلعة وخُلع عليه خلعة الرضا
(5)
، وزال تغيّظ السلطان عليه، ونزل إلى داره والناس معه من الأعيان وغيرهم، ومن لم يحضر هرع للسلام عليه
(6)
.
[ربيع الآخر]
(ولاية السفطي نظر البيمارستان)
(7)
وفيها في يوم الإثنين ثاني ربيع الآخر، استقرّ الشيخ وليّ الدين محمّد بن أحمد بن يوسف السفطي في نظر البيمارستان المنصوري، وكان بيد الشيخ محبّ الدين بن الأشقر فصُرف عنه، وخلع على الوليّ بذلك خلعة سنيّة ونزل بها
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
خبر تغيّظ السلطان في المصادر السابقة.
(4)
خبر ابن البارزي في: إنباء الغمر 4/ 235، ونيل الأمل 5/ 206.
(5)
في الأصل: "الرضى".
(6)
خبر زوال الغيظ في المصدرين السابقين.
(7)
العنوان من الهامش.
إلى داره ومعه بعض جماعة ليست بالكثيرة، وأخذ هو في الاعتذار عن ذلك بأنه إنما فعل ذلك حياء من الشيخ محبّ الدين، فإنها وُلّيها لا عن اختياره وما أمكنه مخالفة السلطان، واللَّه أعلم بحقيقة ذلك
(1)
.
[استمرار ابن الأشقر في نظر الجيش]
وفيه، في يوم الخميس خامسه، خلع السلطان على القاضي الشيخ محبّ الدين بن الأشقر باستمراره على ما بيده من وظيفة نظر الجيش، وسبب ذلك أنه لما أخرج عنه نظر البيمارستان أُرجف بإخراج نظر الجيش أيضًا، وأن في قصد السلطان ذلك، ثم تحرّك جماعة بالسعي في نظر الجيش، فاقتضى الحال استمرار من هي بيده، فخلع عليه بذلك قطعًا لظنون الناس ولجمعهم، فنزل بخلعة ومعه دَست المملكة بين يديه، وسُرّ به أكثر الناس، ودُحر من تحرّك وسعى
(2)
.
(ولاية السُّوبيني قضاء حلب)
(3)
وفيه، في يوم الثلاثاء عاشره، خرج الشيخ برهان الدين السُّوبِيني المعزول عن قضاء مكة في العام الماضي إلى حلب على قضائها بعد صرْف السراج الحمصي. فكان صرف وقُرّر البرهان عِوَضه. وكان الحمصي قد قدم القاهرة كما بيّنّاه في الخالية واجتمع بالسلطان فتغيّظ عليه ونهره وهدّده، بل وبهدله بالكلام المُنْكي، فبادر وقدّم تقدمة هائلة فأسكته بها بعض الإسكات. ثم اتفق أنه طلع للتهنئة في بعض الشهور، فأعرض السلطان عنه، فبادر بأنْ حلف له أنه لا يسعى في القضاء بوجهٍ من الوجوه، وأظهر غاية التعفّف عن القضاء وأنه لا رغبة له فيه، وبقي يُغضي من منصب القضاء ويُظهر الزهد فيه والعفّة عنه إلى الغاية، ثم لزم داره مع ملازمته للأكابر والتردّد إليهم على عادته توطئة لأخذ ما حلف أنه لا يسعى فيه
(4)
.
[المطر في آخر شهور السنة القِبطية]
وفيه، في يوم السبت عشرينه، أظلم الجوّ بتراكم الغيوم، وهبّت ريح باردة، ثم أمطرت السماء مطرًا يسيرًا بعد العصر، ودام ذلك إلى قدر مغيب الشفق،
(1)
خبر ولاية السفطي في: إنباء الغمر 4/ 236، ونيل الأمل 5/ 206، وبدائع الزهور 2/ 250.
(2)
خبر ابن الأشقر في المصادر السابقة.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
خبر ولاية السوبيني في: إنباء الغمر 4/ 236، ونيل الأمل 5/ 206، وبدائع الزهور 2/ 250.
وزلقت الأرض بالوحل. ووافق ذلك ثاني مِسرَى آخر شهور السنة القبطية، وعُدّ ذلك من النوادر المستغربة التي قلّ وقوعها
(1)
.
(ولاية شاذبك نيابة حماة وولاية غيره أيضًا)
(2)
وفيه، في يوم الإثنين ثاني عشرينه، ووهِم من قال عشرينه، استقرّ في نيابة حماة شاذ بك الجَكَمي أحد مقدّمي الألوف.
وشاذ بك هذا هو أستاذ قانِباي صَلَق الذي يقوله العامّة سلاق، وهو الذي صار بعد هذا التاريخ بمدّة من أخِصّاء الأشرف قايتباي سلطان عصرنا هذا الذي نحن به، ومات بحلب في نوبة باينْدر قبل الوقعة والقتال بمرضٍ اعتراه. وكان من العشرات، ثم صار من الطبلخانات وكان لا بأس به، خيّرًا، ديّنًا، [ذا] عصبيّة. وستأتي ترجمته في محلّها إنْ قدّر اللَّه تعالى لنا بالوصول إلى سنة وفاته إن شاء اللَّه تعالى.
ووُلّي شاذ بك هذا نيابة حماة عِوَضًا عن قانِباي البهلوان لما نُقل قانِباي هذا إلى حلب عِوضًا عن قانِباي الحمزاوي لما عُزل الحمزاوي عنها، وتقدّم الأمر إليه بأن يحضر إلى القاهرة على تقدمة شاذ بك المذكور.
وعيّن السلطان يونس البوّاب الذي صار دوادارًا كبيرًا بعد ذلك أن يكون مسفّرًا لنائب حلب قانِباي البهلوان يحمله إليها من حماة، وخلع على يونس بذلك.
وسها
(3)
الحافظ ابن
(4)
حجر، رحمه الله، لما ذكر هذه القضيّة فقال
(5)
: ويتوجّه - أعني يونس - بنائب حلب بطّالًا إلى القدس. ولعلّه قصد أن يفصّل ذلك أولًا، وما أظنَّ إلّا أنه أشيع، فنقله الحافظ على الإشاعة، ولم يقع ذلك.
وكذا سها
(6)
في نائب حلب قانِباي لما ذكر عزله فسمّاه جُلُبّان، فإنه قال في "تاريخه "
(7)
: وفي هذا الشهر عُزل نائب حلب جُلُبّان، ولم يكن إلّا قانِباي هذا.
ثم ذكر الحافظ المذكور في "تاريخه"
(8)
بعد ذِكره هذه القصة بأسطُر أنه يقال إن السلطان قرّر في تقدمة شاذ بك دَولات باي الدوادار الثاني، وقرَّر الشهابي
(1)
خبر المطر في: إنباء الغمر 4/ 236، والتبر المسبوك 118 (1/ 254)، ونيل الأمل 5/ 206، وبدائع الزهور 2/ 250.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
في الأصل: "وسهى".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
في إنباء الغمر 4/ 236.
(6)
في الأصل: "سهى".
(7)
في إنباء الغمر 4/ 236.
(8)
في إنباء الغمر 4/ 236.
أحمد صغير إينال اليوسفي في الدوادارية الثانية، وهذا أيضًا لم يقع، فيُحمَل على أنه قيل به ثم رجع عنه إلى ما قلناه، فعلّقه الحافظ في وقته ثم لم يحرّره فإنه كان فيما هو بصدده، وكان التاريخ فضلة عنده ولا يتفرغّ لتحريره، رحمه الله تعالى
(1)
.
(السبب في عزل نائب حلب)
(2)
أقول: وكان السبب في عزل قانِباي هذا عن نيابة حلب أنه اتفق لشاهين نائب قلعة حلب، وكان خصّيصًا عند السلطان وأحد أتباعه المقرّبين لديه، واقعة حلب مع القاضي علاء
(3)
الدين علي بن
(4)
مفلح الحنبلي الذي وُلّي القضاء الحنبلية وكتابة السرّ جميعًا فيما بعد بدمشق، وكان من أصحابنا وأصحاب الوالد. ولعلّ تجيء ترجمته فيما بعد في سنة وفاته إن شاء اللَّه تعالى، اتفق له مع شاهين أمر من الأمور ادّعى ابن مفلح أن شاهين امتنع من الشرع وأنه وقع في محظور يقتضي التكفير، وكُتب عليه بذلك محضر، ثم بعثوا إليه ثانيًا لينزل من القلعة ليسمع عليه قاني من ذلك، وامتنع. وكان شاهين المذكور بعث مكاتبته إلى السلطان يشكو فيها من نائب حلب ويتظلّم منه، وأنه تعصّب عليه مع القاضي الحنبلي. واتفق أن كاتب نائب حلب أيضًا بما وقع لشاهين، وجهّز المحضر، فصادف وصول قاصد شاهين قبل قاصد نائب حلب، فحين وردت مكاتبة نائب حلب والمحضر استشاط السلطان، فإن الدعوى عنده دائمًا لمن سبق ولا سيما وشاهين من أتباعه، وحنق على نائب حلب حنقًا لا يشبهه شيء، وعزله، وقال: هكذا يفعل مع جماعتي وأُمنائي ويتعصّب عليهم. ثم عزل الحنبلي أيضًا، وكتب إلى حلب بإبطال القاضي الحنبلي فيها رأسًا. ثم أُرجف بأنه سيفعل ذلك بسائر بلاد مملكته مما فيها قاضي حنبلي، ولم يكن ذلك
(5)
.
[جمادى الأول]
[ذِكر كنيسة النصارى الملكية بالقاهرة]
وفيها، في أول يوم من جمادى الأول، حضر القضاة عند السلطان
(1)
خبر ولاية شاذبك في: إنباء الغمر 4/ 236، وحوادث الدهور 1/ 120، والنجوم الزاهرة 15/ 368، والتبر المسبوك 118 (1/ 254، 255)، ونيل الأمل 5/ 206، وبدائع الزهور 2/ 250.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
في الأصل: "علاي".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
خبر عزل نائب حلب في المصادر السابقة.
للتهنئة بالشهر على العادة، فكان قد رؤي في ليلة الثلاثاء رؤية ثابتة، وثبت، فلما هنّأوه به أمر القاضي الشافعي، وهو الشيخ شمس الدين القاياتي إذ ذاك، بأن يتوجّه هو والكمال بن البارزي كاتب السرّ إلى مصر العتيق
(1)
بسبب كشف كنيسة النصارى الملكية، وكان قد رفع القاضي نور الدين بن أقبرس ناظر الأوقاف إلى السلطان بأنه إلى جانب هذه الكنيسة مسجد، وأن جدار الكنيسة عالٍ على المسجد المذكور، وأنه يجب هدم هذا
(2)
الجدار. وكان السبب في ذلك أنه كان لابن أقبرس هذا بريد دار، وكان كثير السلاطة على خلق اللَّه بالتظلّم والأذى والسعاية، فتسفط على بطرك النصارى الملكية لما استَلْيَشه في نظره، فإنه كان ولّي البطركيّة في السنة الخالية لما هلك البطرك فيها، وقُرّر هذا عِوَضه، فطمع فيه، فرفع البطرك أمره إلى السلطان بقَصة أوصلها لكاتب السرّ، فحنق ابن أقبرس منه في الباطن حميّة وتعصُّبًا لبرد داره، فذكر هذه القضية وهي أمر الكنيسة للسلطان، فأمر بما أمر في اليوم المذكور، فلما توجّه الشافعي وكاتب السرّ رأيا ومن معهما جدار الكنيسة الذي إلى جهة المسجد
(3)
مائلًا جدًّا، فحكم أحد نوّاب الحكم الشافعي بإذن مستنيبه بهدم الجدار لئلّا يسقط على المسجد، وكان في ظنّ السلطان أنه يجب هدم الكنيسة أصلًا. واتفق أن شيخ الإسلام البدر العيني، رحمه الله، كان حاضرًا في ذلك اليوم، فبادر بأن قال: ما يجب هدمها إلّا إذا كانت حادثة، وإن كان المسجد قديمًا وجب هدم الجدار الذي يعلو عليه. فحنق السلطان من هذا الكلام وتغيّظ على قائله وأسمعه الكلام المُنكي بأن قال له: لما كنت حاكمًا لِمَ لا فعلتَ ذلكَ بل كنت تفعل عليه، ونحو ذلك من الكلام.
فانظر إلى هذا الفِعل من الإمام الأعظم وما يصدر منه حين التكلّم بالحق.
ولقد كان الظاهر يُغضي من البدر (العَيني)
(4)
غاية الإغضاء لكونه ممن ينتمي للأشرف برسباي، ولم يجد له عليه حجّة، فلما تكلّم بالحق وجد فرصة للكلام فحنق منه وأهانه بالكلام المُنكي. فإنّا للَّه وإنّا إليه راجعون
(5)
.
(نزول عثمان ولد الظاهر لكسر البحر)
(6)
وفيه، في يوم الأربعاء ثانيه كسر الخليج الحاكمي عن وفاء النيل المبارك،
(1)
هكذا في الأصل. وستأتي لاحقًا.
(2)
في الأصل: "هذه".
(3)
كتب أولًا "الكنيسة" ثم ضرب عليها خطًا.
(4)
في الأصل: "الغيني".
(5)
انظر عن كنيسة النصارى في: إنباء الغمر 4/ 237، ووجيز الكلام 2/ 601، ونيل الأمل 5/ 207.
(6)
العنوان من الهامش.
وباشر تخليق المقياس، وفتح السدّ المقام الفخري عثمان ولد السلطان الذي تسلطن بعده ولُقّب بالمنصور فنزل إلى البحر وصحبته جماعة من الأعيان من الأمراء، والمباشرين، وكاتب السرّ، وركبوا معه. ولم تجر العادة بركوبهم. ثم عدّى إلى المقياس وباشر تخليقه، ثم نزل جماعة من الشبّاك إلى الحرّاقة، فامتنع قانِباي الجركسي، وكان إذ ذاك شادّ الشراب خاناه من إنزال ولد السلطان إلى الحرّاقة من الشبّاك، بل أركبه وعاد به، والجماعة صُحبته من البرّ، وأُحدرت الحرّاقة إليه إلى مقابلة الخليج، فركب إلى الخليج وكسر بحضوره، وهذا من النوادر. ثم قُدّم له المركوب المحضَر من الإسطبل السلطاني بالقماش الذهب والزركش، فركب الأمراء معه إلى القلعة، وخلع عليه خلعة هائلة، وزاد أربعة أصابع من سبعة عشر ذراعًا.
وكان في العام الماضي في هذا اليوم كمل الذراع السابع عشر، وهذه ثاني رَكْبة ركبها عثمان ولد السلطان لكسر البحر عاليًا. وكانت ذات نوادر
(1)
.
(إخراج علي باي العجمي)
(2)
وفيه، في يوم الثلاثاء خامس عشره، غضب السلطان على علي باي المؤيَّدي العجمي أحد العشرات ورؤوس النُوَب، وأمر بإخراجه إلى صفد، ثم حُوّل إلى دمشق بطالًا، وقُرّر في إمرية جانِبَك اليشبُكي والي الشرطة المعروف بالساقي، وقرّر في إمرة جانِبك جماعة من الخاصكية فرّقت عليهم ممن بدمشق وغيرها من الذين كانوا قد غُضب عليهم من الأشرفية البَرْسْبائية
(3)
.
(سجن السيد صاحب مكة بسكندرية)
(4)
وفيه، في يوم السبت رابع عشرينه، أُخرِج السيد علي بن حسن بن عجلان أمير مكة المشرّفة من محبسه بالبرج من القلعة إلى سجن ثغر الإسكندرية
(5)
.
(1)
خبر كسر البحر في: إنباء الغمر 4/ 208، وحوادث الدهور 1/ 121، والتبر المسبوك 119 (1/ 255)، ونيل الأمل 5/ 208، وبدائع الزهور 2/ 250.
(2)
العنوان عن الهامش.
(3)
خبر إخراج علي باي في: حوادث الدهور 1/ 120، والنجوم الزاهرة 15/ 368، ونزهة النفوس 4/ 321، والتبر المسبوك 119 (1/ 255)، ونيل الأمل 5/ 208.
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
سجن صاحب مكة في: حوادث الدهور 1/ 121، ونزهة النفوس 4/ 322، والتبر المسبوك 121 (1/ 258)، ونيل الأمل 5/ 208، وبدائع الزهور 2/ 250، 251.
[سجن ابن بقر شيخ العربان]
وفيه، في يوم الأحد خامس عشرينه، أمر السلطان بسجن بيبرس بن بقر شيخ العربان بالشرقية بالبرج من قلعة الجبل
(1)
.
[جمادى الآخرة]
[قدوم قانِباي الحمزاوي المعزول عن نيابة حلب]
وفيها، في يوم الأحد رابع عشرين جمادى الآخرة، قدم قانِباي الحمزاوي المعزول عن نيابة حلب كما تقدّم إلى القاهرة، واستقر في جملة مقدّمي الألوف على تقدمة شاد بك المتوجّه على نيابة حماة على ما عرفته. وكان قد أشيع بأن قانِباي هذا لا يحضر إلى القاهرة البتّة، وأنه يخرج عن الطاعة ويعصي على السلطان وكانت هذه أول الإشاعات التي دخلت في أذُن قانِباي وفي ذهنه حتى صار ذلك سببًا لتعاظمه بعد ذلك، بل ولعصيانه في الباطن على ما سنذكره في محلَّه من دولة الأشرف إينال إن شاء اللَّه تعالى. ونذكره في ترجمة قانباي هذا أيضًا
(2)
.
(ولاية جانِبَك نيابة جُدّة)
(3)
وفيه، أعني هذا الشهر، قرّر السلطان جانِبَك أحد مماليكه وخاصكيّته شادّا على بندر جُدّة، وهذه أول ولاياته لها، وسافر إليها، وأقام بها الحُرمة وسار سيرة عجيبة، ثم استمر على التكلّم بها عدّة سنين إلى أن شُهر بها. وكان أولًا بيده شادّية الكنائس.
وجانِبك هذا هو المعروف بنائب جدّة الذي ولي الدواداريّة الكبرى فيما بعد في دولة الظاهر خُشقدم، وضخُم جدًّا وصار مدبّر المملكة، وكان له ما كان على ما سيأتي ذلك في محلّه إن شاء اللَّه تعالى
(4)
.
(1)
خبر سجن ابن بقر في: حوادث الدهور 1/ 121، ونزهة النفوس 4/ 322، والتبر المسبوك 121 (1/ 258)، ونيل الأمل 5/ 209.
(2)
خبر قدوم قانباي في: النجوم الزاهرة 15/ 368، وحوادث الدهور 1/ 121، ونزهة النفوس 4/ 322، ونيل الأمل 5/ 209، وبدائع الزهور 2/ 251.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
خبر ولاية جانبك في: النجوم الزاهرة 15/ 368، 369، ونيل الأمل 5/ 209، وبدائع الزهور 2/ 251.
[شهر رجب]
[سفر ركْب الحجّاج]
وفيها، في يوم الأحد مستَهَلّ رجب، سافر الركب الرجبي إلى مكة على العادة، وخرج للحج جماعة
(1)
.
[شهر شعبان]
(ولاية إينال الأتابكية)
(2)
وفيها في يوم الخميس ثالث شعبان، استقرّ الأمير إينال العلائي الأجرود أتابك العساكر بمصر بعد وفاة الأتابك يشبُك المشدّ نقلًا إليها من الدوادارية، وعُدّ ذلك من النوادر
(3)
.
[تقرير الدوادارية لقانِباي الجركسي]
وفيه قُرّر في الدوادارية قانِباي الجركسي عِوضًا عن إينال المذكور، وكان القائم بولاية إينال هو قانِباي لأخذ الدوادارية، وقدم إينال للأتابكية مع وجود أكابر الأمراء فرارًا من التنويه بالكبير، واستليش إينال لئلَّا يحدث منه حادث ولا يطمع آماله، فكان منه أن نُقل منها إلى السلطنة وقبض على تولية الأتابكية على ما سنذكره في محلّه.
[تقرير في تقدمة وشادّية الشراب خاناه]
وفيه أيضًا قرر في تقدمة إينال الشهابي أحمد بن علي بن إينال، واستقرّ يونس البوّاب في شادّية الشراب خاناه عِوضًا عن قانِباي
(4)
.
(نزول السلطان بسبب تسكين القالة)
وفيه، في خامسه، نزل السلطان من القلعة إلى خليج الزعفران، وكان تقدّم
(1)
خبرا شفر الحجاج في التبر المسبوك 121 (1/ 259)، ونيل الأمل 5/ 210، وبدائع الزهور 2/ 251.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
خبر ولاية إينال في: حوادث الدهور 1/ 121، والنجوم الزاهرة 15/ 369، ونزهة النفوس 4/ 323، والتبر المسبوك 122 (1/ 259، 260)، ونيل الأمل 5/ 210، وبدائع الزهور 2/ 251.
(4)
خبر شادّية الشراب خاناه في: النجوم الزاهرة 15/ 369، وحوادث الدهور 1/ 121، 122، ونزهة النفوس 4/ 323، ونيل الأمل 5/ 210، وبدائع الزهور 2/ 251.
منه الأمر بأن يضرب لديه الخاص، وتُهَيّأ له الأسمطة اليسيرة هناك، وكان معه جميع أمرائه، ودام هناك إلى قريب الزوال، ثم ركب وعاد إلى القلعة بعد أن أكل الأسمطة وما يلائمها من الفواكه والحلاوات وغير ذلك. وكان السبب في نزوله أن الكلام قد كثُر بعد ولاية الأمير إينال الأتابكية، وزاد القال والقيل لكون السلطان قدّم إينال هذا على الأمراء الأكابر الظاهرية أصحاب الوظائف التي تقتضي أن يُنقلوا منها إلى الأتابكية، كأمير سلاح، وأمير مجلس، وأميراخور كبير، وهم من أعيان الظاهرية برقوق بخلاف إينال، فإنه ناصري ولا يدانيهم ولا يقرب منهم لا في الإمرة ولا في القَرْنَصَة
(1)
. وبلغ السلطان ذلك فكان سببًا حاملًا له على النزول ليظهر لهم بأسه، وأنّ لا قدرة لواحد منهم على شيء يفعله معه. وكان قد أشيع أيضًا بأنهم قصدهم الركوب عليه، فسكنت القالة بنزوله ولم يقع شيء مما قيل ولا ما أشيع. وعُدّت هذه الفعلة من أعظم فعلات الظاهر ودهائه
(2)
. حيث أظهر فيها الاستخفاف بمن أشيع عنه ما أشيع
(3)
.
[الخلعة ينظر البيمارستان المنصوري]
وفيه، في يوم الخميس سابع عشره، خلع على الأتابك إينال ينظر البيمارستان المنصوري على العادة، وخُلع أيضًا على الدوادار قانِباي خلعة الأنظار المتعققة بوظيفة الدوادارية كالمؤيّديّة والأشرفية
(4)
.
[شهر رمضان]
(ولاية المحبّ سبط الأُقصُرائي مشيخة الصرغتمشية)
(5)
وفيها، في يوم السبت حادى عشر شهر رمضان، استقرّ الشيخ محبّ الدين محمّد بن أحمد ابن
(6)
أخت الأمين الأُقصرائي وإمام السلطان في مشيخة المدرسة الصرغتمشية عِوَضًا عن ابن التَّفَهْني بعد وفاته، وخُلع عليه بذلك، ونزل إليها وحضرها
(7)
.
(1)
القَرْنَصَة: من القرانصة، وهم المماليك القدامى.
(2)
في الأصل: "دهاه".
(3)
خبر نزول السلطان في: حوادث الدهور 1/ 122، والتبر المسبوك 122 (1/ 260)، ونيل الأمل 5/ 210، 211، وبدائع الزهور 2/ 251.
(4)
خبر الخلعة في: النجوم الزاهرة 15/ 370، ونزهة النفوس 4/ 323، والتبر المسبوك 122 (1/ 260)، ونيل الأمل 5/ 211، وبدائع الزهور 2/ 252.
(5)
العنوان من الهامش.
(6)
في الأصل: "بن".
(7)
خبر ولاية المحبّ في: حوادث الدهور 1/ 123، ونزهة النفوس 4/ 324، والتبر المسبوك 122 (1/ 260)، ونيل الأمل 5/ 212، وبدائع الزهور 2/ 252.
وقد رأيت بنسخة من "تاريخ" ابن تغري بردي يقول
(1)
: استقرّ المحبّ بن الأشقر ناظر الجيش إلى آخره، وهو وهْم أو غلط من الناسخ، وما وقفت على نسخته بخطّه لأجزم بغلطه ووهْمه، ولعلّ قرينة ناظر الجيش مشعرة بأنه منه لا من الناسخ، وهو وهْم فاحش أو خطأ على الأظهر.
[ختم البخاري بقلعة القاهرة]
وفيه، في أواخره خُتم "البخاري" بالقلعة على العادة، وخُلع على القضاة والمشايخ، من له عادة بذلك، وفُرّقت عليهم صُرَرهم المرتّبة
(2)
.
[شهر شوال]
(وصول قاصد ابن
(3)
عثمان)
(4)
وفيها في يوم السبت ثالث شوال، وصل إلى القاهرة قاصدُ مرادبك بن عثمان متملّك الروم وعلى يده هدية للسلطان ومكاتبة من عند مرسله يذكر فيها أنه نزل لولده محمّد عن المُلك وإقامته مقام نفسه، وأنه يسأل السلطان أن يكون نظره عليه إلى غير ذلك مما يشبه هذا
(5)
.
[وقوع المطر]
وفيه، في ليلة الأحد رابعه، ووافق ذلك ليلة التاسع من شهر طوبة من شهور القبط، والخامس من كانون الثاني الأصمّ من شهور الروم، والخامس أيضًا من يَنَير من شهور الفرس غيّم الجوّ وأمطرت السماء مطرًا خفيفًا، فدام إلى أن حصل الوحل والزلق، ثم عاد في النهار، ثم في الليل أيضًا حتى جرى الماء وصارت الأرض كالبِرَك ثم عاد في صبيحة الإثنين، ثم كان كذلك في ليلة الثلاثاء، ثم أصبح كذلك في يومه فحصل للناس بذلك غاية الضرر، وتعطّلت غالب معاينهم، واستُغرب هذا المطر المتوالي ثلاثة أيام بلياليها في مثل هذه البلاد إذ لم يعتادوا ذلك متتابعًا في هذه المدّة
(6)
.
(1)
في حوادث الدهور 1/ 123.
(2)
خبر ختم البخاري في: نيل الأمل 5/ 212، وبدائع الزهور 2/ 252.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
خبر وصول القاصد في: حوادث الدهور 1/ 123، ونزهة النفوس 4/ 324، والتبر المسبوك 123 (1/ 261)، ونيل الأمل 5/ 213، وبدائع الزهور 2/ 252.
(6)
خبر وقوع المطر في: إنباء الغمر 4/ 238، والتبر المسبوك 123 (1/ 261)، ونيل الأمل 5/ 213.
(ذِكر ركب المغاربة)
(1)
وفيه، في يوم الإثنين ثاني عشره، قدم للسلطان تقدمة هائلة من عند صاحب تونس أبي
(2)
عمرو عثمان الموجود إلى الآن، وكانت ثلاثون فرسًا مغربية جيادًا غالبها الحجورة. وكان قد قدم الركب المغربي في هذه السنة وفيه من أعيان تونس جماعة، منهم السليماني المنفّذ بها، وهو عبارة عن كاتب السرّ بتلك البلاد. وقدمت امرأة يُذكر أنَّها من زوجات السلطان المرحوم أبي
(3)
فارس عبد العزيز جدّ عثمان هذا، وقدم جماعة أُخر من فُضَلاء تلك البلاد وعلمائها. وكان ممن قدم في هذه السنة أيضًا أبو عبد اللَّه البيدمُري التركي لكائنة اتفقت له بتونس
(4)
.
(ترجمة أبي
(5)
عبد اللَّه البيدمُري)
(6)
ولْنَذكر ترجمته فإنه في تيه الحياة موجود الآن بتونس.
81 -
محمّد بن أحمد بن إبراهيم بن علي بن محمّد التونسي، المغربي، البيدمُري
(7)
، الرتكي، المالكي.
ولد بتونس بعد سنة خمس عشرة وثمانمائة.
ونشأ بها فحفظ القرآن العظيم واشتغل بالعلم، وأخذ عن جماعة من علماء ذلك العصر بتلك البلاد، ونبغ وفضُل، ونظم الشعر، ثم حصل له قضية يذكر أنه كُفّر فيها، فإنه نظم أبياتًا لا تحضرني الآن يتغزّل فيها حتى قال من جملة تغزّله بيتًا معناه أن رضوان خازن الجنان غفل عن التغزّل به حتى خرج من الجنة على أنه سبق لذلك فأشيع عنه بأنه نسب المَلَك إلى الغفلة، وقد نطق القرآن العظيم بأنهم لا يفترون، والغفلة من لوازمها الفتور وشُنّع عليه وأريد أن يُدَّعى عليه بذلك فاختفى وخرج مختفيًا من تونس، فلما خرج الركب انضمّ إليه وقدم القاهرة في هذه السنة، فيقال: إنه أولى ما قدِمها بادر إلى الشافعي فادّعى عليه بما قاله، ثم حكم بحقن دمه وكتب له بحلّ ذلك أخذه عنده فبقي عنده إلى أن أعيد إلى تونس في واقعة أبي
(8)
الخير النحاس، فانتفع بذلك السجلّ.
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
في الأصل: "أبو".
(3)
في الأصل: "أبو".
(4)
خبر ركب المغاربة في: حوادث الدهور 1/ 123، ونزهة النفوس 4/ 324، 325، والتبر المسبوك 123 (1/ 262)، ونيل الأمل 5/ 213، 214، وبدائع الزهور 2/ 252.
(5)
في الأصل: "أبو".
(6)
العنوان من الهامش.
(7)
انفرد المؤلّف رحمه الله بهذه الترجمة. وانظر: نيل الأمل 1/ 43 رقم 24.
(8)
في الأصل: "أبو".
هذا ما سمعته مستفيضًا بتونس وأنا بها. وأمّا في هذه البلاد فلم نعرف بهذه القضية.
ولما قدم الركب وحجّ أقام البيدمُري بهذه البلاد، وتنقّلت به الأحوال بها إلى أن وُلّي القضاء المالكية بدمشق، ثم آل به الحال إلى أن دخل في قضيّة مما تتعلّق بأبي الخير النحاس أدّته إلى أن أمر الظاهر الوالي بأخذه والتوكيل به بالشَرطة، وحمله إلى مجلس القاضي المالكي، وادّعى عليه مدّع عن السلطان بأنه التزم له بمائة ألف دينار أو أكثر عن أبي الخير المذكور، فأجاب بأن الدعوى صحيحة وأنه التزم ذلك بشرط أن يعاد النحاس إلى ما عيّنه البيدمُري من الوظائف، ولم يقع ذلك، والالتزام بالشرط لا يصحّ إلّا عند وجود الشرط ووقوعه، وما لم يقع فلا يقع للشروط ولا يلزمني بشيء، واستشاط وغوّش، فلم يُلتفت إلى كلامه. ثم آل به الأمر أن أُحضِر بين يدي السلطان، وامتُحن بالضرب، وأشيع عنه بأنه وقع له بدمشق كائنة، وأُحضِر عليه بذلك محضر، فضرب ثانيًا وبُهدل إلى غاية ما يكون، وطالت عليه الخطوب وسُجن، ثم آل به الأمر أن بُعث موكَّلًا به إلى ثغر الإسكندرية في سلسلة حديد، وأُخرج منفيًّا في بعض المراكب إلى تونس، وهو مقيم بها إلى يومنا هذا، وقد رأس بها ووجُه، ووُلّي عّدة وظائف سنيّة، منها نظر الحبْس، وهي الأوقاف، ونظر الجامع الأعظم، المعروف بجامع الزيتونة، والتدريس بالمدرسة المستنصرية بتونس، ثم وُلّي كتابة الحبس، ثم قضاء المحلّ، أعني العسكر السلطاني بتونس إلى غير ذلك. وله قرب واختصاص عند صاحب تونس، وهو الآن من أعيان تونس وأكابرها.
حضرتُ درسه بالمستنصرية بتونس، وسمعت الكثير من فوائده في سنة سبع وستين، وأنِس لي وصار يسألني عن أخبار هذه البلاد.
وهو ذات حسنة بسمتٍ حسن وبشاشة، وطلاقة وجه، [و] حُسن المحاضرة والمذاكرة من أهل العلم والفضل.
وستأتي أخباره في قصّة النحاس في سنة ست وخمسين
(1)
إن شاء اللَّه تعالى.
[خروج الحاج من القاهرة]
وفيه، في يوم السبت سابع عشره، خرج الحاج من القاهرة إلى البركة على
(1)
ضاعت حوادث سنة 856 هـ. من المخطوط. وقصّة النحاس باختصار في: نيل الأمل 6/ 364، 365.
العادة، وأميرهم على المحمل دَولات باي، وعلى الأول تمُربُغا، وخرج أيضًا علي باي نائب الجند بمكة المشرّفة
(1)
.
(المولود العجيب)
(2)
وفيها، أعني هذه السنة، وقع من العجائب ما ذكره البدر العَيني قاضي القضاة، رحمه الله، في تاريخه أن امرأة من أهل جامع [ابن] طولون ولدت بنتًا لها رأسان، رأس فوق رأس أحدهما شعر، والآخر أقرع، وعينها ترى بالغصْب، أي بتكفف، وفي فمها نابان بارزان من عند شفتها العليا، كل ناب قدْر إصبع. ورجلها مثل رِجل الماعز، فسبحان من يخلق ما يشاء ويختار وهو على كل شيء قدير
(3)
.
(قضيّة العبيد بالجيزة)
(4)
وفيها ظهر أمر عجيب أيضًا قاله العَيْني
(5)
وقال: ما وقع قطّ مثله في الأيام الماضية، وهو أنّ جمعًا من العبيد اجتمعوا ببرّ الجيزة ونصبوا فيما بينهم سلطانًا، ونصبوا له خيمة، ووضعوا فيها دكّة وبسطوا فيها بُسُطًا، وجعلوا له مثل ما يُجعل للملوك بمصر في الحركات والسكنات، ووسّطوا جماعة من العبيد الذين خالفوهم، وإن الذين قالوا إنه السلطان ولّى بعض تلك العبيد مملكة حلب، وولّى بعضهم مملكة الشام، وذكر أن عبدًا من عبيد مماليك السلطان هرب ودخل بينهم، فجاء سيده إلى المكان الذي هم فيه مجتمعين، وذكر أن عبده عندهم، فأدخلوه إلى سلطانهم بالإذن، فلما دخل رأى هيبة مهولة، وحصل له خوف منهم، فقال له سلطانهم: ما حاجتك أيّها المملوك؟
فقال: لي عبد هرب ودخل عسكركم.
فأمر بإحضار عبد هذا، فأحضروه في ثانية فوسّطوه في الحال قدّام سيّده، فازداد خوف ذلك المملوك منهم، واستأذن للرواح، فأذن له بعد أن قالوا له: كم ثمن عبدك؟
(1)
خبر خروج الحاج في: النجوم الزاهرة 15/ 370، وحوادث الدهور 1/ 123، والتبر المسبوك 123 (1/ 262)، ونيل الأمل 5/ 214، وبدائع الزهور 2/ 252.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
خبر المولود العجيب في: حوادث الدهور 1/ 120 (حوادث ربيع الآخر 849 هـ.)، ونزهة النفوس 4/ 320، والتبر المسبوك 119 (1/ 255) ربيع الآخر، ونيل الأمل 5/ 214، وبدائع الزهور 2/ 252.
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
في عقد الجمان ج 24 ق 2/ 765، 766 (ميكرو فيلم 35086).
فذكر لهم ثمنه الذي اشتراه، فأعطاه ملكهم ذلك وحصل له عناية حتى خلّص منهم، فطلع إلى السلطان بالقاهرة وأخبره بهذه القضية، فقال: هم يشوّشون على الرعيّة من الناس؟
فقال: لا.
فقال: خلّهم يقتل بعضهم بعضًا.
قال العَيْني
(1)
، رحمه الله،: وهذا قَطّ ما سُمع بمثله، ولا ملك يسمع هذا ويسكت عنه.
انتهى كلام العَيْني برُمّته.
قال: وقصّة هؤلاء العبيد من الغرائب. وممّا يُحكَى من تمامها أن سلطانهم هذا يسمّى بجقمق، ولُقّب بالملك الظاهر، وسمّى جماعة منهم بأسماء الأمراء في تلك الأيام من أرباب الوظائف والمقدَّمين وغيرهم. ولما زاد شرّهم وتعدّى لغيرهم ببرّ الجيزة توجّه إليهم وإلى الشرطة وجماعة من المماليك فعاركوا الوالي وقتل منهم جماعة، وهرب الكثير بعد ذلك أيضًا، وبقي العبد إذا رأى المملوك فارًّا
(2)
بنفسه فيرميه المملوك بالسهم، وربّما قتله.
حكى من أثق به قال: اجتزت بمعدّية إلى الجيزة، فبينا نحن في أثناء سيرنا في البحر وإذ بمعدية أخرى مجتازة وفيها عبد أسود جالس على الحافّة، ومعنا مملوك معه قوس نشّاب، فرمى على العبد الجالس وهو لا يشعر، فأصابه السهم وأقلبه إلى الماء، ثم بعد قليل انتهى أمر هؤلاء العبيد وخمدوا
(3)
.
وجرى قريبًا من نحو هذه الحكاية فيما بعد الثمانين، ولعلّنا نصل إليه فنذكره إن شاء الله تعالى.
(1)
المصدر السابق.
(2)
في الأصل: "فار".
(3)
قضية العبيد في: عقد الجمان ج 24 ق 2/ 765، 766، وحوادث الدهور 1/ 124، ونزهة النفوس 4/ 327، والتبر المسبوك 126 (1/ 267، 268)، ووجيز الكلام 2/ 601، ونيل الامل 5/ 215، وبدائع الزهور 2/ 253.
ذِكر نُبَذٍ
(1)
من تَراجِم الأعيان ووَفَيَاتهم في هذا الزمان سنة 849 هـ
.
82 -
إبراهيم بن حمزة
(2)
بن أبي بكر بن يحيى بن أحمد بن خضر الهاشمي، الجعفري، الحنفي، السيد برهان الدين بن عز الدين.
وهو من نوادر ألقاب حمزة.
وُلد في سنة سبع وسبعين وسبعمائة بحلب وبها نشأ.
83 -
وكان والده من الرؤساء بحلب، وولي نظر الجامع الكبير بها والديوان، وكان يُذكر بالكرم الواسع والرئاسة.
واشتغل ولده هذا يسيرًا فأخذ عن جماعة، ثم سمع الحديث على ابن صدّيق، وولي وكالة بيت المال بحلب، ونيابة نظر الجيش وغير ذلك، وحدّث، وسمع منه الفُضَلاء.
توفي يوم الأحد سابع عشر المحرّم.
84 -
إبراهيم بن رمضان
(3)
التركماني.
تقدّم في المتجدّدات.
(ترجمة المسنِدِ ناظرٍ الصاحبيّة)
(4)
85 -
أحمد بن عبد الرحمن
(5)
بن الموفّق بن أحمد بن إسماعيل بن أحمد بن محمّد الذهبي، الدمشقي، الصالحي، الحنبلي.
(1)
في الأصل: "نبذًا".
(2)
في نيل الأمل 5/ 203، 204 رقم 2071 "إبراهيم بن أحمد بن أبي بكر".
(3)
انظر عن (ابن رمضان) في: الضوء اللامع 1/ 51، ونيل الأمل 5/ 205 رقم 2074، وبدائع الزهور 2/ 249 (في شهر ربيع الأول).
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
انظر عن (أحمد بن عبد الرحمن) في: إنباء الغمر 4/ 439 رقم 1، وذيل التقييد 2/ 399 رقم =
الشيخ شهاب الدين، المسنِد المعروف بابن ناظر الصاحبية، أحد المسندين الثلاثة
(1)
الذين قد عرفت من خبرهم ما تقدّم غير مرة. وهذا آخر الثلاثة وفاة، وهم الذين كانوا أحضروا إلى القاهرة بعناية تغري برمش الفقيه نائب القلعة، ووعدْنا بأن نترجمه في محلّه، وهذا محلّه.
وُلد في سنة اثنتين
(2)
أو ستّ وستين وسبعمائة.
وسمع جماعة كثيرة مشهورين
(3)
، وسمع "مُسند" الإمام أحمد بن حنبل جميعه على ابن الجوخي.
وكان والده زين الدين من الثقات، نقل ذلك الحافظ ابن حجر
(4)
،
رحمه الله، عن الحافظ أبي عبد للَّه بن ناصر الدين، وكان هو خيّرًا، ديّنا، من عُدول دمشق، ولما قدم القاهرة مع رفقته ونزل بالقلعة حدّث بالمُسند وغيره، وأخذ عنه الناس، ثم رجع إلى بلاده.
وتوفّي بها في شوّال.
(ترجمة ابن الشِحنة)
(5)
86 -
أحمد بن محمّد بن أحمد المحلّي
(6)
الأصل، القاهري، المالكي.
الشيخ شهاب الدين المعروف بابن الشِحنة، وكان من شهود القسمة.
ولد سنة سبع أو ثمانٍ وثمانين وسبعمائة.
وكان ذا سَمتٍ حسن وتؤدة وسكون، كثير المروءة، كثير المداراة للناس، وكان شاهدًا في القسمة مدّة تزيد على الثلاثين سنة، وتلقّى الوظيفة عن والده، وولّي وكالة بيت المال في أول دولة العزيز يوسف بن الأشرف بَرْسْباي. ولما
= 1900 وفيه: "أحمد بن عبد الرحيم"، وفي: عنوان الزمان 1/ 80 - 83 رقم 18، "أحمد بن عبد الرحمن"، والدليل الشافي 1/ 52، 53 رقم 178 وفيه وفاته بحدود سنة 850 هـ.، والمنهل الصافي 1/ 312، ومعجم شيوخ ابن فهد 58، 59 و 136 و 169، والضوء اللامع 1/ 324، ووجيز الكلام 2/ 605 رقم 1391، والذيل التام 1/ 655، 656، والتبر المسبوك 127 (1/ 268، 269)، ونظم العقيان 43، ونيل الأمل 5/ 213 رقم 2082، والسُحُب الوابلة 64، والمجمع المفنّن 1/ 436 رقم 382، وبدائع الزهور 2/ 252، وشذرات الذهب 7/ 263.
(1)
في الأصل: "الثلاث".
(2)
في الأصل: "سنة اثنين".
(3)
في الأصل: "مشهورون".
(4)
في إنباء الغمر 4/ 439.
(5)
العنوان من الهامش.
(6)
انظر عن (المحلّي) في: إنباء الغمر 4/ 240، والضوء اللامع 2/ 93، 94، والتبر المسبوك 127 (1/ 269).
تسلطن الظاهر جقمق صرفه عنها وبسط لسانه فيه لأنَّه كان ينتمي إلى دولة الأشرف، وكان قد حصل له في تلك الدولة من الشهرة ما يُغني عن الذِكر، وراج فيها الرواج البالغ.
وكان من أصحاب الوالد، لكنّه كان يحدّثنا عنه بأشياء نعوذ باللَّه منها.
قال الحافظ ابن حجر، رحمه الله، في ترجمته
(1)
: وكان غاية في إبطال الأوقاف وتصييرها ملْكًا بضروب من الحِيل، وله في ذلك مهارة شُهر بها بحيث فادتى أهل عصره في ذلك، مع أنه كان يتمذهب لمالك، يشير الحافظ، رحمه الله، بذلك أنه ليس مقتضى مذهب الإمام مالك، رحمه الله، حلّ الأوقاف على الوجه، فضلًا عن غيره، مع أن هذا يباشر ذلك. ثم قال: كان يقدم في صناعته على أمرٍ عظيم. انتهى.
أقول: وممن يشبه هذا في زماننا هذا الذي نحن به الآن الشخص الذي يقال [له]:
(ترجمة الشارعي)
(2)
87 -
شهاب الدين أحمد بن [محمد]
(3)
الشارعي
(4)
، المالكي.
الذي كان أحد نوّاب الحكم المالكيّة، وقد ترقّى في عصرنا هذا في المُدَد المتقاربة للاستبدال في الأوقاف بحيث صار ذلك دَيْدنًا ودأبًا له، مع قلّة دين وتقوى وإقدام على الأمور المهولة المعظّمة، كان في هذه السنين من منذ ولي الشمس الأمشاطي قضاء الحنفية امتنع من الاستبدالات بالكلّية إلّا نادرًا ممّا لا بد منه بشروطه الشرعية لما وقع في ذلك من المصائب العظمى التي لا حلّ في أيام قضاء المحبّ ابن الشِحنة بحيث حلّ غالب الأوقاف بغير وجهٍ شرعي بل بحيلة من الحِيَل مما لا يجوز ذلك ولا يحلّ فِعله، بحيث حُكي في ذلك من الحكايات ما يكاد يشبه الخرافات.
وقد شاهدتُ وقفًا أرضًا بجزيرة أروى استُبدلت بمكان هدْم ساقط بمُنشأة المهراني، فانظر إلى هذه المصيبة العظمى.
(1)
في إنباء الغمر 4/ 240.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
بياض في المخطوط مقدار كلمة واحدة. والمستدرك من: الضوء اللامع.
(4)
انظر عن (الشارعي) في: الضوء اللامع 11/ 209 وفيه قال: وأظنه الآن بدمشق - أي سنة 900 هـ.
ثم لما مات الأمشاطي
(1)
وولي الشرف ابن
(2)
عيد
(3)
المحضر من دمشق لم يقع منه ذلك أيضًا، وشرطه في ولايته.
ثم لما ولّي بعده حين مات بعد أيام من قضائه بالزلزلة الكائنة في سنة ست وثمانين الشمس المعروف بالغزّي
(4)
شدّد أيضًا في ذلك، لا ديانة، بل ليروج عند الدولة، وإن كان مقصدهم عكس ما هو في مراده، فسلّط اللَّه تعالى هذا المعروف بالشارعي لما كثر التشديد في مثل ذلك بالأوقاف، وبلغ في ذلك بحيث صار يتوجّه بالمكاتيب وشروط الواقفين إلى ثغر الإسكندرية ويعمل ما شاء من الاستبدالات بضروب من الحِيل والشهادات الملفّقة، إلى غير ذلك ممّا لا يحلّ فعله. وله حكايات تجدّدت في هذه الأيام في مثل ذلك ممّا لا يحلّ سماعها، فضلًا عن معرفتها، وعنده، المسكين، من الجسارة والإقدام على مثل ذلك وغيره حتى إراقة الدماء ما لا عنه مزيد. وهو الذي تولّى قضيّة تمراز الأشرفي
(5)
الدوادار
(1)
الأمشاطي هو: قاضي القضاة الحنفية، شمس الدين محمّد بن أحمد بن حسن بن إسماعيل بن يعقوب بن إسماعيل العينتابي الأصل، الكجكاوي. ولد سنة 812 ومات في شهر رمضان 885 هـ. انظر عنه في: وجيز الكلام 3/ 913 رقم 2067، والضوء اللامع 6/ 301 - 304 رقم 1004، والذيل التام 2/ 336، والقبس الحاوي 2/ 85، 86 رقم 634، وإنباء الهصر 491 و 492 و 503، وحوادث الزمان (بتحقيقنا) 1/ 251 رقم 314، ونيل الأمل 7/ 270 رقم 3157، ومفاكهة الخلّان 1/ 28، وبدائع الزهور 3/ 170، والذيل على رفع الإصر 205 - 219، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي (المستدرك على القسم الثاني) 205 - 219.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
هو الشرف موسى بن أحمد بن عيد العجلوني، الدمشقي (نيل الأمل 5/ 270) توفي بالزلزلة في شهر محرم 886 هـ. انظر عنه في: وجيز الكلام 3/ 918، 919 و 924، 925 رقم 2087، والضوء اللامع 10/ 179 - 181 رقم 759، وكشف الصلصلة 209، وحوادث الزمان 1/ 256 رقم 317، ومفاكهة الخلّان 1/ 34، 35، وبدائع الزهور 3/ 178، 179، والدارس 1/ 493، ونيل الأمل 7/ 281، 282 رقم 3175، وموسوعة علماء المسلمين (المستدرك على القسم الثاني) 283، 284 رقم 256.
(4)
ابن عيد هو: شمس الدين محمّد الغزّي ابن المغربي. استقر في قضاء الحنفية بمصر بعد وفاة الأمشاطي، وذلك في شهر صفر 886 هـ. وفيه قيل:
يا حسرة وافت ويا زلّة
…
لمصر بعد العزّ والمرتقى
وقد قهرت لما ولي قاضيا
…
ألا لكن الغزّي يا للشقا
(والبيتان مكسوران). (نيل الأمل 7/ 285).
(5)
قُتل تمراز الأشرفي في شهر جمادى الأولى 871 هـ. انظر عنه في: النجوم الزاهرة 16/ 353، ووجيز الكلام 2/ 789 رقم 1819، والضوء اللامع 3/ 36 رقم 151، ونيل الأمل 6/ 257، 258 رقم 2671، وحوادث الزمان 1/ 178 رقم 231، وبدائع الزهور 2/ 346، وتاريخ طرابلس 2/ 81 رقم 30 و 31، ومملكة صفد في عهد المماليك 297، 298 رقم 122.
الثاني، وحكم بقتله، على أنه كثير التودّد إليّ ويظهر لي منه المحبّة الزائدة، لكنْ نعوذ باللَّه منه ومن خصاله، أبعدنا اللَّه منها، وإنّما ذكرناها تحذيرًا منه لا لشيء آخر، واللَّه على ذلك شهيد.
توفي صاحب الترجمة في ثاني عشرين صفر
(1)
.
88 -
صَنْطَباي
(2)
.
ويُكتب أيضًا بالسين والدال لكن المستعمل ما كتبناه. القُدسي، خليل الشيخي، خازندار الوالد.
كان شابًّا حسنًا ذكيًّا، ذا تؤدة وحُسن سمت، وأدب، وحشمة، وفروسية، وعقل وافر، وحياء، وأمانة. ولهذا جعله الوالد، رحمه الله، خازنداره، وكان يكرمه إلى الغاية لعقله وأدبه وكياسته.
وكان قد قرأ القرآن وشيئًا
(3)
من الفقه.
توفي بالخليل بعد أن حجّ مع الوالد في سنة سبع وأربعين. ولم أحرّر شهر وفاته، وأظنّه لم يكمل الثلاثين.
واسمه مركّب من "صندي" و"باي" وهما لغتان مركّبتان، معنى "صَنْدي" حسِب، أو خال، أو ظنّ، فإنها تُستعمل في لغة التُرك بإزاء أحد هذه المعاني، وهي بفتح الصاد وسكون النون ودال مكسورة وياء، وهي فعل ماض. وفيها احتمالان آخران
(4)
، صِنْدي بكسر الصاد، وبقيّة المادّة على حالها، ويكون معناها: مقصّ، وهو المقراض بلغة الترك. وصَنَدي بفتح النون وبقيّة المادّة من الأولى على حالها، ومعناها: عدّ من العدد. وأظهرُ ذلك الأول. وكُتبت بالصاد على ما استعملوها هكذا. و"باي" معناه الأمير على ما تقدّم وعرفته إذا كان مرقّقًا، والغِنَى إذا [كان] مفخمًا. وقد بيّنّا ذلك بما مرّ.
89 -
طوخ الأبوبكري
(5)
المحمدي.
نائب غزّة. هو من عُتقاء المؤيَّد شيخ، وترقّى في دولته إلى الخاصكيّة،
(1)
المقصود بصاحب الترجمة "أحمد المحلّي" المعروف بابن الشحنة، رقم 86.
(2)
انفرد المؤلّف رحمه الله بترجمة "صنطباي" هنا، ولم يذكره في نيل الأمل. وهو يقول إنه مات سنة 847 بعد أن حج مع والده، فكان يفترض أن يدرجه في وفيات تلك السنة.
(3)
في الأصل: "وشيء".
(4)
في الأصل: "وفيها احتمالين آخرين".
(5)
انظر عن (طوخ الأبوبكري) في: إنباء الغمر 4/ 231 رقم 4، والنجوم الزاهرة 15/ 508، وحوادث الدهور 1/ 116 (حوادث 848 هـ.)، والمنهل الصافي 7/ 14 - 16 رقم 1277، =
واستمرّ كذلك إلى أن تأمّر في أوائل دولة الأشرف برسباي أو الظاهر ططر بالشامٍ، ولم يتأمّر بالقاهرة شيئًا، ثم تنقّل إلى أتابكية غزّة، أظنّه في دولة الأشرف أيضًا، ولم يزل حتى أمّره الظاهر تقدمة ألف بدمشق، ثم نقله إلى نيابة غزّة بعد موت طوخ مازي، ولم يزل بغزّة حتى واقع بين القائد وحُرَم من العربان، وآل الأمر بينهم إلى حرب بين الطائفتين، فخرج طوخ مساعدًا للقائد متعصّبًا لهم بعد أن حذّره أبو طر أمير حرم الشاوري، وبعث إليه بأنه لا يدخل بين الفريقين فلم يوافقه لحضور منيّته، فاتفق أنه كسر العرب بعد أن حاربهم، فلما هزمهم تقاعد عن أمرهم واعتقد نفسه فلم يعبأ بهم بعد الكسرة، ونزل بمكان مطمئنًّا به عنهم وإذا بهم وقد كرّوا عليه وعادوا إليه وهو في غفلة، فقتلوه أشرّ قتلة وبقروا بطنه، ومثّلوا به بعد أن قاتل قتال الموت، وقُتل معه دواداره طوغان وجماعة أُخَر من مماليكه نحو الستة عشر نفسًا، ومن العرب نحو الثلاثين، وجُرح فيها طوغان نائب القدس. وكان قتله سببًا لفساد كبير بتلك النواحي فإنه من حينئذٍ اشتغل العربان العُصاة بقطع الطرقات والتشويش على الخلق بتلك البلاد، ومن ثمّ ظهر أنوطرون بن طوخ هذا لأناس له وعنده شجاعة وإقدام وجسارة لولا طمع فيه ومحبّة في الدنيا شديدة.
توفي في آخر ذي حجة على ما قاله بعضهم من الحالية، وهذا تهيّأ عليه هناك. وقيل في أوائل المحرّم من هذه، وهو الصواب، وذلك وهْم.
و"طوخ" كلمة مفرَدة، والواو فيها لإشباع كلمة الطاء كما في أمثاله في لغة التُرك. وقد يقال بالقاف بدل الخاء، ومعناها بالعربي: شابع، وهو ضدّ الجائع، واستُعملت علمًا لشخص.
90 -
طوغان
(1)
.
دوادار الذي قبله. قد تقدّم خبر قتله مع سيّده.
وكان مشكور السيرة لا بأس به، وعنده حُسن سفارة.
هكذا أخبرني به من يعرفه.
91 -
عبد اللَّه بن محمّد بن موسى المغربي، التلمساني، العبد الوادي، المالكي، المعروف بالعبدوسي
(2)
.
= والدليل الشافي 1/ 371 رقم 1274، ووجيز الكلام 2/ 606 رقم 1394، والضوء اللامع 4/ 10 رقم 32، والتبر المسبوك 108، 109 (1/ 272)، والذيل التام 1/ 656، ونيل الأمل 5/ 201، 202 رقم 2069، وبدائع الزهور 2/ 247، وقد تقدّمت ترجمته برقم (59).
(1)
تقدّمت ترجمة (طوغان) في: وفيات السنة الماضية، برقم (60).
(2)
انظر عن (العبدوسي) في: الضوء اللامع 5/ 67، والتبر المسبوك 129، (1/ 272)، ووجيز =
وهو ابن أخي الشيخ أبي
(1)
القاسم العبدوسي المشهور كان.
كان عبد اللَّه هذا عالمًا فاضلًا، متفنّنًا، كثير الحفظ، وُلّي الفُتيا بفاس وإمامة جامعها الأعظم المعروف بجامع القرويّين، وكان وجيهًا ببلاده وعلى جانب عظيم
(2)
من الدين والخير.
توفي فجأة وهو في صلاة المغرب من هذه السنة.
92 -
عبد الرحمن بن عثمان السكندري
(3)
.
التاجر جمال الدين، الترجمان.
كان من أصحاب الوالد وبينهما محبّة حيث كان الوالد نائبًا بسكندرية، وكان الوالد كلثير الركون إليه ويُثني عليه على أمانته في المتجر والترجمة، ومعرفته في التجارة، وحُسن سمته، وتؤدته، والقيام بقضاء حوائج أصحابه.
وقد ترجمه الحافظ ابن حجر في"إنباء الغمر"
(4)
مختَصرًا، ولم يذكر مولده ولا سِنّه، ولا وقفت أنا على ذلك.
اتفق له أنْ حضر القاهرة من ثغر الإسكندرية وهو موعوك، فتمرّض مدّة، ثم نصل، ودخل الحمّام، ثم انتكس، وكانت منيّته.
وكان له ولد اسمه محمّد مات قبله.
وكان قد صاهر في بنت الشيخ محبّ الدين بن الأشقر على ما قاله الحافظ ابن حجر، رحمه الله.
توفي في شهر رمضان بعد نكسته.
93 -
فاطمة
(5)
بنت عبد الكريم بن أحمد بن عبد العزيز.
القاضي كريم الدين.
مات [أبوها] عن خمس بنات منهنّ هذه، وهي أخت الستّ أنس زوجة الحافظ ابن حجر، تغمّده اللَّه برحمته.
= الكلام 4/ 604 رقم 1388، والذيل التام 1/ 655، ونيل الأمل 5/ 215 رقم 2084 وفيه:"أبو محمّد العبد الداري"، ونظم العقيان 222 وفيه:"العبدوني"، وبدائع الزهور 2/ 253.
(1)
في الأصل: "أبو".
(2)
في الأصل: "عظم".
(3)
انظر عن (السكندري) في: الضوء اللامع 4/ 93، والتبر المسبوك 1/ 273.
(4)
إنباء الغمر 4/ 240 رقم 3.
(5)
انظر عن (فاطمة) في: إنباء الغمر 4/ 240 رقم 4، والضوء اللامع 12/ 95، والتبر المسبوك 1/ 274.
توفّيت فاطمة هذه في الثالث والعشرين من جمادى الآخرة.
قال الحافظ
(1)
: وقد أكَملَت السبعين سنة.
94 -
قانِبَاي الجَكَمي
(2)
.
حاجب حجّاب حلب.
كان من مماليك جَكَم بن عوض نائب حلب المشهور الذي تطلّب عليها وتسلطن بها، ولقّب نفسه بالعادل. تنقّلت به الأحوال بعد موت جكم إلى أن صار من العدّة السلطانية، فلما تسلطن الأشرف بَرسْباي جعله خاصكيّا، ثم لم يزل على ذلك مدّة مطوّلة حتى رقّاه الظاهر فولّاه حجوبية الحجّاب بحلب مرة من غير أن يرشَّح لذلك، ولا عدّ من المشاهير، بل ولا من أعيان الخاصكية، ولا
(3)
من شجاعة ولا إقدام ولا همّة ولا بفنّ من الفنون التي توجب له ذلك، بل لعنائه من بعض الأعيان. وعُدّت ولايته بحجوبية حلب من سيّئات الظاهر وغلطاته، وعيب عليه في ذلك، على أنه كان مسرفًا على نفسه. وكان الظاهر يظهر كراهة من هو على تلك الطريقة التي كان عليها قانِباي، فلعفه دلّس عليه في أمره أو رقّاه عارفًا بذلك.
توفي بحلب غمّا من دخان نار وُقِدت بين يديه على عادة أهل حلب في التّدفيء بذلك في أيام الشتاء، في أواخر ذي حجة، وأُحضر محضر من حلب ذُكر فيه كيفيّة موته، وهو أنه سكر في ليالي الشتاء ومعه مملوك له، وأوقد النار بين يديه ببيت يُعدّ لمرقده، وغلب عليهما السُكر، فناما وعملت النار في البيت وملأته دخانًا بحيث استيقظا منه حين دخل خياشيمهما. وقاما يطلبان باب البيت، فلم يهتديا إليه لعظم ما نالهما وسدّ أنفاسهما من الدخان، وما قدر اهتداؤهما لمخلص باب البيت يخرجانه، فماتا غمًّا لضيق النفَس من كثرة الدخان، واستُدلّ على ذلك لما كشف عنهما، فكتب المحضر بذلك، وجُهّز للسلطان لئلّا يتوهّم خلاف ذلك. ولما وقف الظاهر على ذلك صرّح بلعنه وسبّه، بل ولعن من أشار إليه بتوليته حجوبية حلب.
واسمه مركّب من "قان"، وهو اسم للسلطان كالخان أيضًا بلغة المُغل والتُرك. و"باي" معروفة.
(1)
أي ابن حجر في إنباء الغمر 4/ 240.
(2)
انظر عن (قانباي الجكمي) في: إنباء الغمر 9/ 241 (طبعة حيدر أباد)، والترجمة ساقطة من النسخة المطبوعة بدار الكتب المصرية، والنجوم الزاهرة 15/ 511، 512، والتبر المسبوك 130 (1/ 274)، والمنهل الصافي 9/ 24، 25 رقم 1828، والدليل الشافي 2/ 530، 531 رقم 1820، والضوء اللامع 6/ 195 رقم 658، ونيل الأمل 5/ 214 رقم 2083، وبدائع الزهور 2/ 253.
(3)
في الأصل: "ولام".
ويقال: "قان" هو الدم وهو صحيح، لكن ليس المراد هنا إلّا الأول وهو الأظهر.
95 -
قرالي
(1)
.
صاحب مملكة الأندلس الكافر من بني الأصفر. تقدّم في المتجدّدات. وكان موته في الخالية، وإنّما ذكرناه هاهنا لأنَّه ذُكرت أخباره فيها.
96 -
كُزَل العجمي
(2)
، الظاهري برقوق.
حاجب الحُجّاب. وليها في دولة الناصر فرج وبقي عليها مدّة، وسافر أميرًا على المحمل عدّة مرار.
وكان فارسًا شجاعًا، مقدامًا، عارفًا باللعب بالرمح، رأسًا فيه، وهو ممّن ساق المحمل مرارًا، وكان مكرمًا لأصحابه، قائمًا معهم، كثير التعصّب لمن ينتمي إليه ويقصده في ضرورة، كثير المروءة، من قرانيص الأتراك العتق، وبعث به خليفة السلطان المستعين بالله مبشّرًا بسلطنته إلى القاهرة.
ابتُلي بمرض الفالج ولم يزل به مدّة على الستّ عشرة
(3)
سنة، وبطل منه شقّه، ثم بطَل فمه وأولع لسانه واسترخى لحيه الأسفل بنكسة إلى صدره، ثم نصل من شدّة المرض وأفاق وهو أخرس لا قدرة له على النُطق والتكلّم أصلًا، وأُقعِد من تمكّن الفالج به.
ولم يزل كذلك إلى أن توفي في يوم الخميس ثالث عشرين ربيع الأول من هذه السنة.
وقد وهِمَ، (بل غلط)
(4)
من أرّخ وفاته في سنة أربع وأربعين، وقد سها عليه هناك أيضًا. ومات وله من السنّ سبعون سنة، ودُفن بتربته التي أنشأها بالصّوّة تجاه صِهريج مَنْجك وبها بيضته التي كان يقال إنه يلبسها على رأسه من الزحام على أحد أركان التربة في آخر شرفاتها كالرمّانة، فإنه جعل رمّانة على أحد الأركان من
(1)
تقدَّم أن اسمه "قرال" في خبر (إسلام أسرى صاحب بلاد الروم) بداية حوادث هذه السنة 849 هـ.
(2)
انظر عن (كُزل العجمي) في: إنباء الغمر 4/ 241 رقم 5، والمنهل الصافي 9/ 130، 131 رقم 1916، والدليل الشافي 2/ 557 رقم 1909، والتبر المسبوك 130 (1/ 274)، والضوء اللامع 6/ 288 رقم 779، والذيل التام 1/ 656، ووجيز الكلام 2/ 605 رقم 1393، ونيل الأمل 5/ 207 رقم 2075، وبدائع الزهور 2/ 250.
(3)
في الأصل: "الستة عشر".
(4)
ما بين القوسين مكرّر.
الحجر الكرّان النحيت، وركب بيضته هذه مقابلًا لها من جهة الغرب كرمّانة أخرى.
وهو والد الستّ بدريّة زوجة يشبُك الفقيه، ولهذا المقتضى دفنت بدريّة هذه زوجها يشبك في هذه التربة ( .... )
(1)
.
97 -
[محمد بن إسماعيل بن محمّد بن أحمد القرافي، المعروف
بالوَنَائي]
(2)
.
..... وجلب ذهبًا للنفقة، وكان هو مع القاياتي، وإبراهيم الإبناسي يحضرون دروس الشيخ علاء
(3)
الدين البخاري، وكان مستعدًا، ولم يكن يكابد
(4)
إلّا في بعض شيء من العلوم الأدبية. انتهى كلامه
(5)
.
(شيء مما تعلّق بالغزّي استطرادًا)
(6)
أقول: رحم اللَّه البدر، فإنه ما أنصف ولا يحلّ كلامه من التحامل في هذا الرجل الجليل القدر، وقد رأى ما فعله معه الظاهر مما يستكثر عليه، وهو مشهور
(1)
هنا نقص صفحة من المخطوط.
(2)
ما بين الحاصرتين ضاع مع الصفحة الضائعة، واستدركناه من المصادر.
وانظر عن (الونائي) في: إنباء الغمر 4/ 242 رقم 7، والنجوم الزاهرة 15/ 509، وحوادث الدهور 1/ 126 - 128 رقم 1، والمنهل الصافي 9/ 325، 326 رقم 2086، والدليل الشافي 2/ 605 رقم 2078، وعنوان الزمان 5/ 109 - 111 رقم 496، وعنوان العنوان 256، والتبر المسبوك 132 - 134 (1/ 279 - 283)، ووجيز الكلام 2/ 652 رقم 1382، والضوء اللامع 7/ 140، 141 رقم 341، والذيل التام 1/ 653، وحُسن المحاضرة 1/ 440 رقم 197، وتاريخ الخلفاء 513 وفيه:"الوفائي"، ونيل الأمل 5/ 205 رقم 2073، وبدائع الزهور 2/ 249 وفيه:"الوفائي"، وشذرات الذهب 7/ 265.
و"الوَنَائي" نسبة إلى "وَنَا" قرية من عمل الفيّوم. (التبر المسبوك 1/ 283) وفي التحفة السنية، لابن الجيعان 173 "من الأعمال البهنساوية".
(3)
في الأصل: "علاي".
(4)
في عقد الجمان: "ولم يكن له يد".
(5)
تمام كلام البدر العيني في: عقد الجمان ج 24 ق 2/ 767 (ميكرو فيلم 35086): "وكان قد تولّى قضاء الشافعية بدمشق، ولم يخطر هذا ببالي أصلًا، لأنَّه لم يكن ممن يذكر فيمن كان أهلًا لذلك. ولكنّ الله قدّره، والمقدّر كائن. وكان فقيرًا جدًا، لم يركب بغلًا ولا فرسًا قبل ذلك، والله تعالى سخّر له هذا على يد الظاهر، فإنه ولّاه بلا سؤال منه، بل أعطاه بلا شيء، وأعطاه بغلًا وفرسًا وذهبًا للنفقة. وكان هو مع القاياتي وإبراهيم الإبناسي يحضرون درس الشيخ علاء الدين البخاري
…
".
(6)
العنوان من الهامش.
على كل حال، مترجَم على لسان الحافظ ابن حجر وغيره من شُهر بالحفظ والعلم، فليت تعدّي هذا مقاله في الوَنَائي مع جلالة قدره، فماذا كان يقول لو رأى محمّد بن المغربي الغزّي
(1)
قاضي القضاة الحنفية بمصر، فإنه ما ركب حمارًا ملْكًا بمصر، فضلًا عن البغل والفرس، بل أظنّ أنه لم يقع مثل هذه الثُلْمة بمصر قطّ بولاية هذا اللُكع ابن
(2)
اللُّكع قضاء الحنفية بديار مصر، إذ ليس هو من العلماء الأعيان ولا من الرؤساء النبلاء الأُصلاء ذوي البيوتات، ولا من أهل الصلاح والدين المتين حتى يقال روعي جهة من هذه الجهات هي المندوحة لولايته، فلعلّ ولاية هذا عار عظيم على ملك مصر، بل وفيه طمع الطامع فيه بقول الوَنَائي خلا هذا الملك من كل شيء، حتى ممن له وجاهة لتولية القضاء، بل وأهلية، بل وفيه عار على ملوك مصر أيضًا حيث ولّوا مثل هذا، فاللَّه حسيب من كان السبب في ولايته، ولا أقول حسيب مولّيه، فإنه تمسّك بقول من ربّاه عنده وترجمه لديه، لا أحسن الله إليه، فلعلّه غشّ الإمام الأعظم، فإن جلّ غرض السلطان كان في ولاية من لم يكن من أهل مصر، ممن لا غرض له عند أحد، ولا يراعي
(3)
جانب من له جاه أو وجاهة، وأن يكون موصوفًا بالعلم والدين والخير ولا عليه من فقره، فذكر من رباه هذا عنده وغطّى
(4)
عليه، إذ هذا أصله من أراذِل المغاربة من أهل مسراته، وهم ببلاد إفريقية، ومملكتها كالقطويين بالنسبة إلى ملك مصر من كونهم فاقة متكالبين على الدنيا، لا وجاهة ولا رياسة عندهم، ولهم الحرص العظيم والتكالب السابغ في تحصيل الدنيا والاتجار في الأشياء الخسيسة للبلاد البعيدة في البراري والقفار كأوجلة ومكرة ونحوها من بلاد صحاري الرمال. ونسل هذا بغزّة من هذا الأصل، ونشأ بها في غاية الغلّ والخمول، وتعانى الاتجار في الفراء
(5)
ونحوها، وداخل الباعة المصريّين ممّن يتّجر في هذا النوع الخسيس مخالطًا
(6)
لهم، مداخلًا إيّاهم متردّدًا إلى مصر في هذه الصناعات، مخالطًا للسفلة، فهو في الحقيقة فوق أوباش المصريّين في الندالة إذ له يتردّد إليها مدّ [ة] مديدة. فهو مصري وزيادة، لم يذكر ولا كان عنده مخبر، وما نوّه به إلّا الأمشاطي أخرص من الأعراض، ولو علم الأمشاطي أو شعر بما يصل إليه لكان أكبر المُحِطّين عليه. أليس قد قيل له لما أُذِن له بالإفتاء والتدريس بالجامع الأزهر وله نيابة الحكم فإنه من الفقراء فامتنع،
(1)
تقدَّم التعريف بابن المغربي الغزّي في أثناء ترجمة "الشارعي" برقم (87).
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "يراع".
(4)
في الأصل: "وغطا".
(5)
في الأصل: "القرا".
(6)
في الأصل: "مغايطا".
بل وصرّح بقوله، فهذا سيئ الأخلاق ولا يطاق، ولا دُربة عنده لنيابة الحكم، على أنه كان ينبغي للإمام - أعني السلطان - المطّلع على أحواله والتثبّت في ولايته وأمره إذ كان لا يعرفه أصلًا، بل ولا خطر بباله ولا يكاد يدور بظنّه أنه لا يغشّ بشهامته في السلاطين، وقد أطرى إليه هذا الخمول الذي لا أصل ولا فصل ولا علم بذلك ولا مروءة ولا فتوّة ولا خير في دينه ولا دنياه، وحاله معلوم، فلا تظنّ يا من سمع كلامنا أنه من التحامل على هذا المسكين، كونه كان وقع بيننا شَنآن، حيث وثب على وظيفتي تدريس جامع من زاده
(1)
، وأخذها بغير طريق ظلمًا وعدوانًا، وأنه مما توجب ذلك التحامل، بل أنظر بعين بصيرتك في أحواله المعلومة. ومما يُنسب إليه مما لم أذكر بعض بعضه ولا الفاحش منه تعلم الإنصاف. ولعلّ ستقف على بعضٍ من أحواله وما حدث منه في ولايته وما ينسب إليه في أثناء متجدّدات سِنِيّ ولايته فيما بعد ستّ وثمانين من السنين إن شاء اللَّه تعالى.
على أنه لا كبير علمٍ له سوى الطرف اليسير من الفقه، وشيء نذْر من العربية على ما عنه يقال إن صحّ المقال. ولقد حضر مرارًا بدروس البرهان الكرَكي بالمدرسة الأشرفية، فكان يصدر منه من الكلِم ما يكاد أن يشبه الكلم فصار
(2)
في غاية الركاكة مع لكنة ومسألة
(3)
سيئة في لسانه لا يفصح عن بيان، وباللَّه المستعان.
ولنرجع إلى تكملة ترجمة [الونائي]
(4)
، رحمه الله، فقد أطَلنا.
توفي رحمه الله في يوم الثلاثاء سابع عشر صفر بعد أن تمرّض مدّةً تقرُب من الشهرين، وصُلّي عليه بموضعين: بجامع المارداني، وبمصلَّى المؤمني، وتقدّم في الصلاة عليه الشمس القاياتي وهو قاضي القضاة، ودُفن بالقرافة من غد يوم وفاته.
وكان عُيّن بقضاء مصر مرة، وفُصّلت خِلْعته، ثم لم يتمّ له ذلك على ما تقدّم ذلك فيما مرّ من كتابنا هذا.
98 -
محمّد بن أحمد بن كمال الدجوي
(5)
، القاهري، الشافعي.
الأديب الشاعر، الفاضل، الكامل، المعروف بالدجوي.
(1)
تُقرأ بعدّة أوجه: "واره" أو "زاده" أو "زاره"؟ ولم يسبق للمؤلّف رحمه الله أن ذكر وظيفة له في أحد المساجد.
(2)
في الأصل: "فصاره".
(3)
في الأصل: "ومسئلة".
(4)
في الأصل: "الدماميني" وهو سهو من الناسخ.
(5)
انظر عن (الدجوي) في: عنوان الزمان 5/ 61 - 63 رقم 470، وعنوان العنوان 242، ومعجم شيوخ ابن فهد 209، والضوء اللامع 7/ 38، والتبر المسبوك 1/ 278، 279.
ولد سنة [سبع]
(1)
وسبعين وسبعمائة.
ونشأ طالبًا للعلم، وحفظ القرآن وعدّة متون، وأخذ عن جماعة حتى تميّز وفضل وشُهر، وقال الشِعر الجيّد
(2)
.
وتوفي ليلة الأربعاء حادي عشر الحجّة.
(ترجمة الشمس بن التَّفَهني)
(3)
99 -
محمّد بن عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن علي بن هاشم التَفَهْني
(4)
، القاهري، الحنفي.
الشيخ العلّامة، شمس الدين ابن
(5)
الإمام العلّامة، قاضي القضاة، شيخ الإسلام، زين الدين، المعروف بابن التَفَهْني، شيخ المدرسة الصرغتمشية وابن
(6)
شيخها.
ولد بالقاهرة قبيل الثمانمائة.
وبها نشأ تحت كنف أبيه نشأة حسنة، ذكيًّا ذكاء مفرطًا، يقِظًا، فطِنًا، بذهنٍ ثاقب ورأي صائب، وفكرة وقّادة، وقريحة نقّادة، فحفظ القرآن العظيم في حالة صِغره، ثم عدّة متون، ولازم الاشتغال وداوم عليه زمنًا طويلًا، وأخذ عن جماعة من كبار العلماء من أهل تلك الطبقة، منهم والده، وناهيك به فهو فرد بجمع.
وليس له بمستَنكر
…
أن يجمع العالم في واحد
وناهيك بفضله وعلمه وشُهرته وصِيته كانت اتفقت إليه رياسة مذهبه بمصر، وترجمته مشهورة، مسطورة، مذكورة. ولم يزل ولده هذا ملازمًا للاشتغال إلى أن برع وشُهر وذُكر، وأفتى ودرّس في حياة أبيه، وتولّى عدّة تداريس
(1)
في الأصل: "سبعين وسبعمائة"، والإستدراك من: عنوان الزمان، وعنوان العنوان، وفي معجم شيوخ ابن فهد:"ولد تقريبًا بعد سنة تسع وسبعين وسبعمائة"، وفي الضوء اللامع:"ولد تقريبًا سنة اثنتين وسبعين أو قبل السبعين بالقاهرة".
(2)
ذكر السخاوي له أربعة أبيات في التبر المسبوك. وله 10 أبيات في: عنوان الزمان.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
انظر عن (التفهني) في: إنباء الغمر 4/ 242، 243 رقم 5، والضوء اللامع 7/ 393، ووجيز الكلام 2/ 603 رقم 1386، والتبر المسبوك 136 (1/ 284، 285)، والذيل التام 1/ 654، ونظم العقيان 153، ونيل الأمل 5/ 211، 212 رقم 2080، وبدائع الزهور 2/ 252، وشذرات الذهب 7/ 265.
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
في الأصل: "بن".
كالصرغتمشية وهي أعلى
(1)
تداريس الحنفية بمصر، وولي تدريس القانِبائية بسُوَيقة عبد المنعم أيضًا، ودرّس الحديث بالشيخونية.
وسها
(2)
الحافظ ابن حجر، رحمه الله، في قوله
(3)
إنه ولي تدريس الفقه بالشيخونية عن أبيه، بل إنّما هو
(4)
الصرغتمشية وليها عن أبيه لا الشيخونية، وولي أيضًا قضاء العسكر، وإفتاء دار العدل. وكان حسن السمت والملتقى، ذا تؤدة ورياسة وأدب وحشمة ونباهة ووجاهة ودربة ومعرفة ودهاء. وبالجملة فكان من محاسن الزمان ومن أعيان الأعيان بالدليل والبرهان، فسلْ عنه من عاشره ورآه يظهر لك فضله بمعناه وما انطوى عليه من المحاسن، وما اشتمل عليه من النوادر. وقد حصلت له محنة من جهة تغري بردي المؤذي لأذاه فلا لقي خيرًا على ما فعل به وما به جاراه، ولقد كان المؤذي هذا معترفًا بفضل أبيه عليه وعزوته وإحسانه إليه، لكنْ لخبثه ودناءة أصله أظهر ما هو منطوٍ عليه من الأذى ليطابق تحقيق التسمية بالمسمَّى ليتطابقا لفظًا ومعنَى.
توفي في ثامن شهر رمضان بعد مرضٍ طال به، رحمه اللَّه تعالى.
(ترجمة الشيخ محمّد الغمري)
(5)
100 -
محمّد بن عمر بن أحمد الواسطي الأصل، الغمري
(6)
، المحلّي، الشافعي.
الشيخ الصالح، العابد، الزاهد، الخيّر، الديّن، الصّين، المعتقد، المسلّك الربّاني.
ولد سنة ستّ وثمانين وسبعمائة
(7)
بمُنْية غمر
(8)
.
وبها نشأ فحفظ القرآن العظيم، ثم "التنبيه"، ولازم الاشتغال، ناشئًا على
(1)
في الأصل: "أعلا".
(2)
في الأصل: "وسهى".
(3)
في إنباء الغمر 4/ 242.
(4)
الصواب: "هي".
(5)
العنوان من الهامش.
(6)
انظر عن (الغمري) في: إنباء الغمر 4/ 243 رقم 9، والضوء اللامع 8/ 238، ووجيز الكلام 2/ 603 رقم 1385، والتبر المسبوك 136 (1/ 285 - 288)، والذيل التام 1/ 654، ونظم العقيان 157، ونيل الأمل 5/ 211 رقم 2079، وبدائع الزهور 2/ 251، وشذرات الذهب 7/ 265، والبدر الطالع 2/ 233، وكشف الظنون 172، و 674 و 1176 و 1860، وإيضاح المكنون 1/ 414 و 603 و 2/ 242 و 651 و 683، وهدية العارفين 2/ 195، ومعجم المؤلفين 11/ 77.
(7)
في نيل الأمل 5/ 211 مولده سنة 779 هـ.
(8)
منية غمر: قرية من الأعمال الشرقية. (التحفة السنية 44).
العبادة والخير، والدين المتين، والصلاح الظاهر، إلى أن شُهر وذُكر بذلك، وهرع الناس إليه، وبنى
(1)
زاوية عظيمة بالمحلّة الكبرى، واجتمع فيها من مريديه الفقراء ما شاء اللَّه أن يجتمع، وكان لازم في بدايته الجامع الأزهر للاشتغال مدّة، وتكسّب بالشهادة أيضًا، وكان يتكسّب بالشهادة ببلده بالخياطة، ثم ترك الكلّ وأقبل على شأنه وما يعنيه. وله تصانيف عديدة جيّدة مفيدة، وبرّ وخير ومعروف، وآثار حسان، وتجديد زوايا وجوامع، وهو أشهر من أن يُذكر، أو عنه يُخبر.
سألت على فضائله دليلا
…
متى احتاج النهار إلى دليل؟
توفي، رحمه اللَّه تعالى ونفع به، بالمحلّة الكبرى، في يوم الثلاثاء سلْخ شعبان.
(ترجمة ولده أبي
(2)
العباس)
(3)
101 -
وترك ولده الصالح الذي خَلَفه، وهو الشيخ أبو العباس محمّد الغَمري
(4)
، فإنه أربى على أبيه في حُسن السمت والتؤدة، والوقار، والدين، والزهادة، والعبادة، والخير، والتقوى، والصلاح، والحرص على نفع الخلق، وملازمة طريق السلوك والاجتهاد، وفي اتصال الخلق إلى اللَّه تعالى، فهو من أهل السلوك مع آداب الملوك.
ولد في رجب سنة سبع وثلاثين وثمانمائة.
وكان والده أنشأ الجامع الذي بوسط سوق أمير الجيوش المعروف الآن بسوق مرجوش.
قال الحافظ ابن حجر
(5)
: وعاب عليه أهل العلم ذلك. وأنا كنت ممن راسلته لترك إقامة الجمعة [فيه]
(6)
فلم يقبل واعتذر بأن الفقراء طلبوا منه ذلك، وعجّل بالصلاة فيه بمجرّد فراغ الجهة القِبلية، واتفق أن شخصًا من أهل السوق المذكور يقال له بُلَيبل
(7)
تبرعّ من ماله بعمارة
(8)
المأذنة، ومات الشيخ وغالب الجامع لم تكمل عمارته
(9)
. انتهى.
أقول: وقد جدّد ولده - نفع اللَّه تعالى بحياته - ونفع به هذا الجامع وزاد فيه
(1)
في الأصل: "وبنا".
(2)
في الأصل: "أبو".
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
هكذا في الأصل. وفي التبر المسبوك: "أبو العباس أحمد".
(5)
في إنباء الغمر 4/ 243.
(6)
الاستدراك من إنباء الغمر.
(7)
في الإنباء: "بلبل".
(8)
في الإنباء: "لعمارة".
(9)
في الإنباء: "وغالب عمارة الجامع لم تكمل".
زيادات حسنة، وجعل بابه مؤخّرًا قليلًا عن الباب الأول، ونوى بناء مأذنة عظيمة له غير أولئك، فإنها تشعّثت، وهو إلى الآن لم يكمل، وله عدّة سنين على ذلك، ولم يُقدّر إكماله، بل هو مشتغل به قليلًا قليلًا لوجوهٍ منها النفقة، ومنها مزاحمة الظلمة له في عمائرهم، لكنّه جاء بناءً حسنًا نيّرًا زاهرًا، سهّل اللَّه تعالى إكماله، وأعانه على ذلك بعونه وقوّته، فإنه الميسّر لكل عسير، وهو على كل شيء قدير.
102 -
محمّد بن محمّد بن أحمد المصري، المنهاجي
(1)
، الشافعي.
الشيخ شمس الدين ابن أمين الدولة.
ولد سنة سبعين وسبعمائة.
ونشأ ذكيًّا فحفظ القرآن العظيم، و"التنبيه"، واشتغل يسيرًا، وولي نيابة الحكم عن الجلال البُلقيني.
قال الحافظ ابن حجر
(2)
: فصار يحكم بين الخصمين بمصر مع الجهل المفرط، ويجلس في دكاكين الشهود، ويتعانى التجارة والمعاملة، فكان يرتفع وينخفض. انتهى.
وكان ذا ثروة ومال ورثه من أبيه. وله انتماء إلى البرهان المحلّي أحد تجّار الكارِم
(3)
وكبيرهم بمصر، وتولّى حسبة القاهرة غير مرة.
توفي
[في هذه السنة]
(4)
.
103 -
محمّد بن محمّد بن أحمد القليوبي
(5)
، القاهري، الشافعي، المعروف بالحجازي.
وهو والد أبي الفتح المكتّب صاحب الخط المنسوب.
كان من أهل العلم، وأخذ عن جماعة، منهم: الوليّ العراقي، والنور الأدمي، والشهاب المحمدي، وأذِن له. ومن مشايخه أيضًا البدر العَيْني، وسمع
(1)
انظر عن (المنهاجي) في: إنباء الغمر 4/ 244 رقم 11، والضوء اللامع 9/ 50، والتبر المسبوك 1/ 288، وشذرات الذهب 7/ 266، 267.
(2)
في إنباء الغمر 4/ 244.
(3)
الكارِم: مجموعة من التجار المسلمين كانوا يقومون بنقل السلع التجارية القادمة من الشرق الأقصى - الهند والصين - عبر اليمن ومصر في الفترة ما بين القرنين 12 و 15 م. (معجم المصطلحات والألقاب التاريخية 360).
(4)
ما بين الحاصرتين إضافة على النص. ولم يذكر أحد شهر وفاته.
(5)
انظر عن (القليوبي) في: الضوء اللامع 9/ 51، ووجيز الكلام 2/ 602 رقم 1383، والتبر المسبوك 138 (1/ 288، 289)، ونيل الأمل 5/ 209 رقم 2077، وبدائع الزهور 2/ 252.
الحديث على جماعة منهم: الشمس بن الجَزَري، ومن قبله، وابن الكُوَيك ومن قبله أيضًا، وآخرون
(1)
. وتصدّى لنفع الطلبة. وممن قرأ عليه الكمال إمام الكاملية، وغيره، وصنّف وألّف.
وكان فاضلًا، ماهرًا في الفرائض والحساب والعربية، وكان خيّرًا ديّنًا، فكِه المحاضرة، حسن المعاشرة، كثير النوادر، مجيبًا في الأمر بالمعروف، حريصًا على تفهيم العلم.
توفي في أواخر جمادى الآخرة.
(ترجمة الشمس الديري)
(2)
104 -
محمّد بن محمّد بن عبد اللَّه بن سعد بن مصلح الدّيري
(3)
، العَنْسي، أبي بكر بن مصلح بن أبي بكر بن سعد القدسي، الحنفي.
الشيخ شمس الدين ابن
(4)
قاضي القضاة شيخ الإسلام شمس الدين، وأخو قاضي القضاة سعد الدين شيخ الإسلام أيضًا، وغيره من أخويه فقاضي القضاة برهان الدين المعروف بابن الدَّيري.
وستأتي ترجمة إخوته في محلّها، بل وغيرهما من أهل هذا البيت.
ولد بالقدس الشريف سنة سبعين وسبعمائة.
وبها نشأ فحفظ القرآن العظيم وبعض كتب، ثم اشتغل ولازم والده في ذلك وناهيك به، وترجمته مشهورة في محلّها من التواريخ فلا نطيل بذِكرها، فأخذ عنه الكثير في الفقه، وأخذ أيضًا عن الكمال الشريحي، وأخذ العربية عن المحبّ الفاسي، والكمال الزُعبي، وسمع الحديث على أبي الخير ابن العلاء
(5)
، وقدم القاهرة مرارًا، وكان ذا فضيلة وحُسن تؤَدة.
وله نظم، فمنه قوله:
أصبحتُ في حُسنكُمُ مغرَمًا
…
وعنكُمُ واللَّهِ لا أسلُو
إن شئتمُ قتْلي فيا حبّذا
…
القتْلُ في حبّكُم سهلُ
(1)
الصواب: "وآخرون".
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
انظر عن (الدَيري) في: إنباء الغمر 4/ 243، 244 رقم 10، والضوء اللامع 9/ 124 رقم 306، ووجيز الكلام 2/ 603، 604 رقم 1387، والتبر المسبوك 138 (1/ 289، 290)، والذيل التام 1/ 654، ونيل الأمل 5/ 207، 208 رقم 2076.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
في التبر: "العلائي".
من مات فيكم نال كلَّ المُنَى
…
وزاده يا سادتي فضلُ
فواصِلوا إن شئتُمُ أو دَعوا
…
فكلُّ ما لاقيتُهُ يحلُو
من رام سُلواني فذاك الذي
…
ليس لهُ بين الوَرى عقْلُ
(1)
توفي، رحمه الله، بعد أن حجّ وعاد مريضًا، فطال به المرض بعد وصوله إلى البيت المقدس في ليلة السبت ثالث عشر شهر جمادى الآخرة.
105 -
ناصر النُّوبي
(2)
، المكي، الحَسَني.
أحد القوّاد بمكة.
كان عتيقًا للسيد الشريف حسن بن عَجْلان أمير مكة المشرّفة.
وتوفي في ليلة الأحد سابع عشر شهر شوال
(3)
.
(ترجمة الأتابك يشبُك المشدّ)
(4)
106 -
يشبُك السودوني
(5)
.
الأمير الكبير، سيف الدين، أتابك العساكر بالديار المصرية، المعروف بالمشدّ.
كان من مماليك سودون الجلب الذي كان نائبًا بحلب، وإليه يُنسَب، وهو مشهور الترجمة معروفها. ثم لما مات سودون المذكور اشتراه الأمير ططر قبل سلطنته وصدر بيعه عن يشبُك الأعرج الذي ولي الأتابكية فيما بعد، وكان حين باعه إيّاه نائبًا لقلعة حلب ووصيًّا عن سودون الجلب. ثم بعد مدّة من مشترى ططر له قام أيتمش الخضري الذي تقدّم الكلام على ترجمته فادّعى أن يشبُك هذا باقٍ
(1)
الأبيات في: التبر المسبوك، وإنباء الغمر 4/ 244، وفي الذيل التام باختلاف بعض الألفاظ:
أصبحت في حسنكم مكرما
…
وعنكم واللَّه لا أسألُ (!)
إن شئتم قتلي فيا حبّذا
…
القتل في حبّكم يسْهُلُ
(2)
انظر عن (ناصر النوبي) في: الضوء اللامع 10/ 197، والتبر المسبوك 138 (1/ 291).
(3)
في التبر المسبوك: "ليلة الأحد سابع شوال".
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
انظر عن (يشبك السودوني) في: إنباء الغمر 4/ 9/ 245 (طبعة حيدر أباد)، والترجمة ساقطة من النسخة المطبوعة بدار الكتب المصرية، وحوادث الدهور 1/ 128 - 131 رقم 2، والنجوم الزاهرة 15/ 509 - 511، والمنهل الصافي 12/ 127 - 129 رقم 2658، والدليل الشافي 2/ 785 رقم 2648، والضوء اللامع 10/ 277، 278 رقم 1089، ووجيز الكلام 2/ 605 رقم 1392، والتبر المسبوك 139 (1/ 291، 292)، والذيل التام 1/ 656، ونيل الأمل 5/ 210 رقم 2078، وبدائع الزهور 2/ 251.
على ملك مورّثي سودون الجلب وهم أولاد الناصر فرج بن برقوق وهو المتحدّث عليهم، فأجاب ططر بأنه اشتراه من وصيّ سودون، يعني يشبُك الأعرج، فلم تنفعه هذه الدعوى وقال له أيتمش: هذا البيع غير صحيح. وآل الأمر إلى أن جدّد ططر البيع ثانيًا، واشتراه بمائة دينار، ثم جعله شادّ شراب خاناته. فلما تسلطن رقّاه إلى إمرة طبْلخاناه وجعله شادّ الشراب خاناه السلطانية له كما كان عنده حين إمرته، فاستمرّ كذلك حتى ولي الأشرف بَرْسْباي فلم يغيّره من الشادّية، ولتكرّر شادّيته عُرف بالمشدّ. ثم نقله الأشرف بعد ذلك فجعله من مقدّمي الألوف بالديار المصرية، ثم رقّاه إلى الحجوبية الكبرى عِوَضًا عن قرقماس الشعباني لما ولي نيابة حلب، واستمرّ كذلك إلى أن تسلطن الظاهر جقمق، فولّاه إمرة مجلس عن آقبُغا لما ولي نيابة الشام بعد عصيان الجكم والخروج عن طاعة الظاهر. وكانت جميع هذه التنقّلات في مدّة يسيرة حتى عُدّت من النوادر. واستمرّ أتابكًا مدّة وعظُم وضخُم واشتهر.
وكان قد تزوّج بابنة أستاذه ططر ونال السعادة والحُرمة الوافرة. وكان حشمًا وقورًا، عاقلًا، سيوسًا. ولم يُشهر بفضيلة سوى معرفته برمي النشّاب خاصة.
وكان سيّئ الأخلاق، عنده حدّة مزاج وظلم لعائلته وحواشيه، بل وغيرهم.
وكان ذا عُجمة بلسانه، يظنّ الظانّ إذا سمع كلامه أنه أحضر من الجركس في يومه ذلك. وكان غير مُهاب في النفوس في أتابكيّته لوجود من هو أعلى منه في الأمراء، وإن لم يكن في رتبته لكن في قدره، إذ فرق بينه وبين من كان في مقام أستاذه من الظاهرية البرقوقية، ولهذا قدّمه الظاهر جقمق لئلا يتمرغر. وكانت هذه عادة جقمق لا سيما في الأتابكين الامري إلى ولايته إينال الأتابكية مع وجود الجمع الموفور من أعيان أكابر الأمراء خُشداشيه ممن هو أكبر قدرًا من إينال، بل لا نسبة بينه وبينهم. ومما خافه وقع فيه، فإن إينال قام على ولده وخلعه، وتسلطن بعده.
توفي صاحب الترجمة في يوم الخميس ثالث شعبان، وكانت جنازته حافلة، وذفن بتربته التي أنشأها بالصحراء بالقرب من تربة الأشرف بَرْسْباي، بل ومن تربة الأشرف قايتباي فإنها بينهما، وهي القرية التي أنشأ بها البرهان الكرَكي إمام السلطان مقصورة برسم دفنه، ونقل والده الشيخ زين الدين عبد الرحمن الكَرَكي إلى ما أنشأه بالمقصورة من الفسقية، وإنما توصّل لذلك بواسطة أمّه، فإنها كانت من جواري ابنة ططر زوجة يشبُك وتزوّج بها عبد الرحمن المذكور لكونه كان إمامًا، بل ومؤذّنًا ليشبُك هذا.
وولي الأتابكية بعد يشبُك هذا الأمير إينال العلائى الأجرود على ما عرفت ذلك في المتجدّدات الماضية.
107 -
يوسف بن محمّد
(1)
بن أحمد الججِّيني
(2)
، الدمشقي، الصالحي، الحنفي.
الشيخ جمال الدين، أبو المحاسن القطّان، المعروف بنسبته الأولى، وهي بجيمين مكسورتين مع تشديد الثانية.
ولد تقريبًا سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة.
وحفظ القرآن، ثم اشتغل يسيرًا وسمع الحديث، وحدّث، وسمع منه الفُضلاء. وهو جدّ أحد فُضلاء دمشق الشهاب أحمد بن خليل اللبودي لأمّه.
توفي في هذه السنة، وما عرفت في أيّ الشهور لأثبته.
(1)
في الأصل: "يوسف بن أحمد"، والتصحيح من: نيل الأمل، وغيره.
(2)
انظر عن (الججّيني) في: معجم شيوخ ابن فهد 301، والضوء اللامع 10/ 328، والتبر المسبوك 139، 140 (1/ 292)، ونيل الأمل 5/ 215 رقم 2085.
سنة خمسين وثمانمائة
[شهر محرم]
استهلّت هذه السنة والخليفة والسلطان على حالهما، وكذا جميع من ذكرنا من غالب ملوك الإسلام وقُضاتهم وأمرائهم ووُلاة أمورهم، الكلّ على حالهم ببلادهم شرقًا وغربًا، فلم يصل إلينا خبر موت عنهم، فالجميع على ما هم عليه في الخالية.
ما عدا قاضي القضاة الشافعية، فإنه في هذه السنة الشيخ الإمام، العلّامة، شيخ الإسلام، شمس الدين محمّد بن علي القاياتي.
وما عدا الأتابك العساكر فإنه في هذه السنة الأمير إينال العلائي المعروف بالأجرود الذي تسلطن بعد ذلك ولُقّب بالأشرف.
وما عدا نائب حلب فإنه في هذه السنة قانِباي البهلوان.
وما عدا الدوادار الكبير، فإنه في هذه السنة قانِبَاي الجركسي.
وما عدا نائب حماة، فإنه في هذه السنة شاذ بك الجكمي وقانباي الحمزاوي وا ( .... )
(1)
صارا من مقدَّمي الألوف بالقاهرة.
وقد عرفت هذه التنقّلات
(2)
فيما تقدّم في الحوادث المتجدّدات في السنة الخالية، فارجع إليها إن أردت بذلك.
ذِكر نُبَذٍ
(3)
من المتجدّدات اليومية في هذه السنة القمرية
(ولاية الأمير خليل نيابة القدس)
(4)
كان أول هذه السنة الثلاثاء.
فيها في يوم الخميس الثالث من المحرم استقرّ الوالد خليل بن شاهين الشيخي الظاهري في نيابة القدس الشريف وأضيف إليه تقدمة ألف بدمشق، وعُدّ ذلك من النوادر في هذه الأزمان.
(1)
مقدار كلمتين غير واضحتين.
(2)
في الأصل: "التنقلاة".
(3)
في الأصل: "نبذًا".
(4)
العنوان من الهامش.
وكان سبب ولايته هذه النيابة أن طوغان نائب القدس الذي أخذ الوالد عنه تعرّض لبعض جهاته بالأذى والظلم، فراسله الوالد في كفّ أسباب ذلك عن جهاته، وكان الوالد مقيمًا بمدينة سيّدنا الخليل على ما ذكرناه فيما تقدّم بعد عزله من أتابكية حلب، وما امتحن به من السجن والقيد. فسوّف طوغان بكفّ أذاه، فراسل الوالد بعض أصحابه بالقاهرة ليُعلِموا السلطان بذلك حتى يبلغ المذكور فيكفّ، من غير أن يتعرّض الوالد للنيابة ولا خطرت بباله، فإنه ما كان يرى بنفسه أن يكون نائبًا القدس ولا تحدّثه نفسه بذلك قطّ لأنها درجة هيّنة بالنسبة لما كان فيه. فاتفق أن السلطان بعث للوالد بالإذن في الحضور إلى القاهرة بعد أن تأثّر في الباطن من طوغان ولم يُظهر ذاك حتى قدم الوالد إلى القاهرة وطلع القلعة بالملّوطة الطرْح
(1)
على عادة بطاكلي الأمراء، فرحّب به وأنس إليه، ثم أظهر التغيّظ على طوغان في ذلك المجلس، وقال من جملة كلامه: يكون في بلاده ملك مثل هذا قد حطّه الدهر فلا يساعده ولا يفتقده، ولم يكفه ذلك حتى تسلّط عليه وعلى جهاته بالأذى، قد عزلته ووليتك عِوضه على تقدمة ألف بدمشق، لمعرفتي بمقامك، وإن نيابة القدس تشينك، لكن التقدمة تجبُر ذلك الشين. ثم أخذ في الاعتذار إليه عمّا كان وقع من قضية سجنه، واستعطف بخاطره، ثم أمره بأن يطلع إليه في كدِه بقماش الخدمة ويلبس خلعته، فطلع إليه في هذا اليوم الذي هو الخميس، فخلع عليه، ونزل في موكب حفل معه جماعة من أرباب الدولة وأصحابه، ثم اتفق أن حضر للسلطان بَرْك يونس الزيني الأعور، وكان من الأمراء بدمشق ونائب غزّة قبل ذلك أيضًا، فبعث السلطان بجميع ذلك البَرْك بتمامه وكماله إلى الوالد، وكان ما بين خيل وبغال وجمال وخام وًالات سلاح إلى غير ذلك، وبعث إليه أشياء أُخَر مع مبلغ جيّد، فأخذ الوالد في تهيئة حاله، ثم خرج للقدس بعد أيام. وكان من أمره ما سنذكره بعد ذلك
(2)
.
[تعزير طوغان]
وأمّا طوغان فحنق عليه السلطان وأمر بتعزيره، ثم شُفع فيه، وآل أمره بأن
(1)
الملّوطة: جمعها ملاليط. جبّة من الحرير. ولباس مثل العباءة تُطرح على المرء (معجم المصطلحات 408، 412، R. Dozy-Dic) .
(2)
خبر ولاية والد المؤلّف نيابة القدس في إنباء الغمر 4/ 245، والتبر المسبوك 14 (1/ 293)، حوادث الدهور 1/ 132، والنجوم الزاهرة 15/ 371، ونيل الأمل 5/ 216، وبدائع الزهور 2/ 254.
وُلّي حجوبية حلب عِوَضًا عن قانِباي الجَكَمي الذي تقدّم خبر وفاته على ذلك الوجه المذكور في محلّه
(1)
.
[نظر الجوالي]
وفيه - أعني هذا اليوم أيضًا - قرّر في نظر الجوالي
(2)
الشيخ الإمام العالم الكامل برهان الدين إبراهيم بن الدَّيري الحنفي الذي ولي قضاء القضاة الحنفية بعد ذلك وغير ذلك من الوظائف السنيّة. وكان بيده نظر الإسطبل فأضيف إلى ذلك نظر الجوالي أيضًا عِوَضًا عن ابن المحرّقي
(3)
، وخُلع عليه، ونزل هو والوالد جميعًا، وكلان رضيعي ثَدْي، وبينهما أخُوّة من الرضاع ومحبّة وصُحبة
(4)
.
(قتل الفيل لما قتل السائس)
(5)
وفيه في يوم السبت خامسه، أمر السلطان بقتل الفيل لكونه هجم على سائسه وبرك عليه فقتله تحته، وبلغ السلطان ذلك فحنق منه وأمر بقتله فرُمي عليه بالسهام حتى قلعت عينيه، ثم تُمُكن منه فقُتل، وهرع الناس للفرجة عليه وهو ميّت
(6)
.
(استمرار بدر الدين بن المحرقي على وظائفه)
وفيه، في يوم الإثنين سابعه، خلع السلطان على بدر الدين محمّد بن المحرقي المصروف عن نظر الجوالي جبّة بطوق سمَّور باستمراره على ما بيده من الوظائف التي تلقّاها عن أبيه، وهي: نظر الحرمين، ونظر خانقاه سعيد السُعداء. وكان سبب ذلك أنه لما أخرج السلطان عنه الجوالي أوجف بإخراج ما بقي من وظائفه، وتحرّك البعض بالسعي فتعطّل حاله، فبادر بالاجتماع بمن عرّف السلطان
(1)
خبر تعزير طوغان في: التبر المسبوك 140 (1/ 293)، ونيل الأمل 5/ 216.
(2)
الجوالي: هي الجزية التي تؤخذ من أموال أهل الذمّة. مأخوذة من الجالية.
(3)
في الأصل: "المخرقى".
(4)
خبر نظر الجوالي في: عقد الجمان ج 24 ق 2/ 768 (ميكرو فيلم)، وحوادث الدهور 1/ 132، والنجوم الزاهرة 15/ 371، والتبر المسبوك 140 (1/ 293، 294)، ونيل الأمل 5/ 216، وبدائع الزهور 2/ 253.
(5)
العنوان من الهامش.
(6)
خبر قتل الفيل في: إنباء الغمر 4/ 245، ووجيز الكلام 2/ 607، والذيل التام 657، والتبر المسبوك 140 (1/ 294) وفيه قصيدة بالمناسبة، ونيل الأمل 5/ 216، وبدائع الزهور 2/ 254.
ذلك، فخلع السلطان عليه قطْعًا لطمع الطامع فيه، وبعث إلى البرهان الديري بأنه لا يتعرّضه ولا يتعرّض لأحدٍ من حواشيه وجماعته
(1)
.
(كائنة السَّفْطي)
(2)
وفيه، في يوم السبت ثاني عشره، رفع أبو الخير النحاس قصّة إلى السلطان بأن له على الولي السَّفْطي دعوى شرعية، وسأل السلطان أن يتوجّه معه إلى الشرع ليسمع عليه الدعوى، فأمر السلطان نقيب الجيش بأن ينزل إلى السَّفْطي ومعه القصّة ويأمره أن يتوجّه هو ورافعها إلى الشرع، فامتثل ذلك بالسمع والطاعة، وقال: من يختار من القضاة؟ فقال: الشافعي.
فدخل معه إلى الشافعي، وهو إذ ذاك الشمس القاياتي، فادّعى أبو الخير المذكور على السفْطي بأنه وضع يده على جُبّة
(3)
مكَفّتة بغير طريق شرعي، فسُئل السَّفْطي عن ذلك فأجاب بأنه قبضها منه بعد أن استامها ليشتريها للمدرسة الجمالية، وأنها مُعَلقة بالمدرسة المذكورة، كان باعها أو، أخذ ثمنها، وإلّا قد أذِنت له في أخذها. ثم توجّه إلى منزله وهو موغر الخاطر من قِبَل السلطان كونه لم يعمل هذا بين يديه أو يرسل بإمرة يدفع النداء إليه.
ثم أشيع أن السلطان غضب على السَّفْطي، وكان فالًا عليه حيث وقع بعد ذلك بمدّة يسيرة، أو أشيع بأنه ما بقي يأذن له بأن يصل إليه، ولا يدخل عليه، إلى غير ذلك من الإشاعات التي تحدس بواسطة أمر السلطان بتوجّهه مع غريمه من غير أن يفصل هو القضية ولا يتبهدل السفْطي. وشيعت القالة وكثُر القيل والقال بسبب ذلك، وبلغ السلطان ذلك ممن وصله إليه من جهة السَّفْطي.
ولما كان آخر هذا اليوم حضر إليه من أخبر عن السلطان أنه لم يغضب عليه ولا له عنده شُغل ولا غرض من الأغراض، وإنه على ما هو عليه من الطلوع والنزول، وأن السلطان يعتذر إليه بأن ذلك الإنسان طلب الشرع إذ أن هذا أمر لا شَين فيه، وأنه متى شاء وأراد فلْيطلع على عادته إلى السلطان، وأن السلطان يُعلِمه ذلك، وأنه ليس عنده تهاون في ولاية غرض فيما وقع. فاطمأنّ السَّفْطي بذلك بعض الاطمئنان ولما أصبح طلع إلى السلطان واجتمع به، فحين رآه
(1)
خبر استقرار ابن المحرقي في: عقد الجمان ج 24 ق 2/ 768 (ميكرو فيلم 35086)، التبر المسبوك 140 (1/ 294).
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
مضبّبة في الأصل.
السلطان قام له والتقيا، ثم لزمه السلطان وأمر له بجبّة سمَّور، فأصبح في يوم الأربعاء رابع عشر الشهر، وأُحضرت له فلبسها بالقلعة ونزل في أُبّهة زائدة، وأظهر الناس الفرح به وغاية السرور، وركب معه جمع وافر من القضاة والمباشرين والأعيان، ونزل إلى داره وهرع الناس للسلام عليه وفرحوا بذلك لبُغْضهم في أبي الخير النحاس، ولهذا أظهروا الفرح والسرور بهذا، فما أحقّه بقول القائل:
وما من حبّه أحنو
(1)
عليه
…
ولكنْ بغض قوم آخرينا
وكان يومًا حفلًا مشهودًا
(2)
.
ثم كان من أمر ذَين الإثنين، أعني أبا الخير والسَّفْطي ما سنذكره.
[وصول ركب الحجّاج]
وفيه، في يوم الإثنين حادي عشرينه، وصل سبْق الحاج إلى البركة، ثم وصل الركب في الثلاثاء وأعقبه المحمل وتكاملوا بها، ثم دخلوا القاهرة في يوم الأربعاء ثالث عشرينه، وطلع أميرا
(3)
المحمل والأول إلى السلطان. وكان قاضي القضاة الحنابلة أيضًا معهم قد حج في هذه السنة، فطلع وخلع السلطان على الكلّ ونزلوا إلى دُورهم
(4)
.
[وفاة الشمس القاياتي]
وفيه اشتدّ مرض قاضي القضاة الشمس القاياتي حتى مات بعد أيام في الإثنين الآتي، وهو ثامن عشرينه على ما سنعرفه في ترجمته قريبًا إن شاء اللَّه تعالى.
وكان من خبر ذلك أنه طلع إلى القلعة يوم الجمعة وخطب بالسلطان، ثم نزل ليتجهّز إلى لقاء الحاج للبِركة فإذا به قد وعك بقية يومه فأصبح ولداه فتوجّها مكانه وتأخّر هو لرجاء النشاط، فلم يزدد
(5)
إلّا وعكًا، ورجع ولداه بعد دخول الحاج فوجدوه موعوكًا محمومًا، وأُحضر له الأطبّاء وأطبّوه وهو يشكو
(6)
حرارة كبده، وقل أن يتناول ما وصفه له الأطبّاء.
(1)
في الأصل: "احنوا".
(2)
كائنة السفطي في: إنباء الغمر 4/ 245، والتبر المسبوك 140 (1/ 295)، ونيل الأمل 5/ 217.
(3)
في الأصل: "وطلع أميري".
(4)
خبر ركب الحاج في: إنباء الغمر 4/ 246، والتبر المسبوك 140 (1/ 295، 296).
(5)
في الأصل: "فلم يزداد".
(6)
في الأصل: "وهو يشكوا".
فلما كان يوم الجمعة اشتدّ عليه الخطب وعظم الأمر حتى مات رحمه اللَّه تعالى، على ما سيأتي.
وذُكر عنه أنه كان قدم على ولايته القضاء لما رأى ما لا يعجبه، لا سيما وقد وليه عن الحافظ ابن حجر، فما أحبّ ذلك، ودعا
(1)
على نفسه بالموت في دعاء القنوت في الوِتر
(2)
، حتى استجاب اللَّه تعالى منه على ما سيأتي
(3)
.
[شهر صفر]
[عَوْد ابن حجر للقضاء مرة ثانية]
(4)
وفيها، في يوم الإثنين خامس صفر استقرّ شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر، رحمه الله، في قضاء الشافعية على عادته بعد موت الشمس القاياتي، رحمه الله، وحين نزل الحافظ إلى داره واستقرّ بالولوي السيوطي الذي وُلّي القضاء بعد ذلك في أمانة الحكم عِوضًا عن نور الدين القليوبي الذي تقدّم ذِكره في ذِكرنا سقوط المنارة الفخرية
(5)
.
[تدريس السَّفْطي]
في يوم الثلاثاء سادسه استقرّ الولي السفْطي في تدريس الشافعي عِوضًا عن القاياتي
(6)
.
(1)
في الأصل: "ودعى".
(2)
الوتْر: صلاة النفْل خاتمة صلوات اليوم، وهي مفردة من ثلاث ركعات.
(3)
خبر وَفاة القاياتي في: إنباء الغمر 4/ 246، 247، وحوادث الدهور 1/ 138 - 143 رقم 1، والنجوم الزاهرة 15/ 513، 514، والمنهل الصافي 10/ 199 - 201 رقم 2263، والدليل الشافي 2/ 656 رقم 2255، وذيل رفع الأصر 278 - 295، والضوء اللامع 8/ 212 - 214 رقم 1576، والذيل التام 1/ 658، ووجيز الكلام 2/ 608 - 609 رقم 1395، والتبر المسبوك 159 - 167 (1/ 296 - 297)، وتاريخ الخلفاء 513، وحُسن المحاضرة 1/ 440، 441 رقم 198، ونظم العقيان 154، ونيل الأمل 5/ 217، 218 رقم 2088، وبدائع الزهور 2/ 254، وكشف الظنون 1873، وشذرات الذهب 7/ 268، وهدية العارفين 2/ 196، وديوان الإسلام 4/ 24، 25 رقم 1688، ومعجم المؤلفين 11/ 61، 62.
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
خبر عودة ابن حجر في: إنباء الغمر 9/ 248 الحاشية 2 (طبعة حيدر أباد)، والخبر ساقط من النسخة المطبوعة بدار الكتب المصرية، والنجوم الزاهرة 15/ 371، ونيل الأمل 5/ 218.
(6)
خبر تدريس السفطي في: النجوم الزاهرة 15/ 371، وحوادث الدهور 1/ 133، والتبر المسبوك 142 (1/ 297)، ونيل الأمل 5/ 219، وبدائع الزهور 2/ 254.
[مشيخة البيبرسية]
واستقرّ الشيخ شهاب الدين أحمد بن القاياتي في مشيخة البيبرسية عِوضًا عن أبيه.
كل ذلك مع وجود صاحب الوظيفة الحافظ ابن حجر.
قال بعض العلماء: وعُدّ ذلك من النوادر، حتى إن بعض الأكابر أنكره
(1)
.
[قدوم القاضي النعماني إلى القاهرة ووفاته]
وفيه - أعني صفر - قدم إلى القاهرة الشيخ العلّامة القاضي جمال الدين ابن القاضي تاج الدين النعماني، وكان بيده وكالة بيت المال هناك والحسبة، وكثير من وظائف دمشق. وكان أيضًا قد وُلّي القضاء بها، فلم يلبث بعد دخوله القاهرة أن مات، على ما سيأتي في التراجم من هذه السنة
(2)
.
[استقرار السُّوبيني بقضاء حلب]
وفيه، في يوم الإثنين سادس عشرينه، استقرّ الشيخ برهان الدين السُّوبيني في القضاء الشافعية بحلب عِوَضًا عن السراج الحمصي بعد عزله. وكان الحمصي هذا قد قدم القاهرة في العام الماضي وطلع إلى القلعة، فتغيّظ السلطان عليه وأسمعه الكلام المُنكي، فقدّم نفقة كانت سببًا للسكات عنه. ثم اتفق أنه طلع ليهنّئ بالشهر فأعرض السلطان عنه، فبادر بأنْ حلف له أنه لا يسعى في القضاء بوجهٍ من الوجوه، وأظهر العفّة والزهد عنه.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر هذه القضيّة في "تاريخه"
(3)
في العام الماضي، ولعلّه الأظهر، فلهذا أعدتها هاهنا.
وكذا ولاية السَّفْطي نظر البيمارستان جعلها الحافظ ابن حجر في تلك السنة، ثم كرّرها في هذه السنة
(4)
، ولعلّ هذا هو الصواب.
(1)
خبر مشيخة البيبرسية في: التبر المسبوك 142 (1/ 297)، ونيل الأمل 5/ 219، وبدائع الزهور 2/ 254.
(2)
انظر عن (القاضي النعماني) في: إنباء الغمر 4/ 247 و (9/ 250) وفي الطبعتين بياض من أصل المخطوط والموجود هو: "
…
ابن تاج الدين البغدادي الحنفي"، ووجيز الكلام 2/ 610، 611 رقم 1401، والتبر المسبوك 157 (1/ 322)، والضوء اللامع 6/ 136، والذيل التام 1/ 660، ونيل الأمل 5/ 218 رقم 2089، وبدائع الزهور 2/ 254.
(3)
لم يصلنا هذا الخبر في تاريخ ابن حجر "إنباء الغمر" لضياع بقية أخبار سنة 850 هـ.
(4)
تقدّم هذا الخبر في أول شهر ربيع الآخر من سنة 849 هـ. وهو في: التبر المسبوك 167) 1/ 297).
[استعفاء السوبيني من وظائفه]
وأمّا السُّوبيني فقد جرى عليه أمور بحلب ما احتملها مزاجه وبعث يستعفي، فطُلب إلى القاهرة وأعفى كل ذلك لسذاجته وعدم معرفته بمصطلح الناس العُرفي وما هم عليه، لا سيما في هذه الأزمان
(1)
.
[قدوم تغري برمش من حلب]
وفيه قدم تغري بَرْمَش من حلب بسبب الكشف على ابن رمضان التركماني، وعُقد المجلس بالقضاة بسببه، وكان من أمره أنه لم يتوجّب عليه قتل على ما بيّنّاه فيما تقدّم برمّته.
وهذا أيضًا ذكره الحافظ ابن حجر في تلك السنة
(2)
. وذكره الحافظ السخاوي في هذه
(3)
، فلهذا أعدناه.
[ربيع الأول]
[قدوم ولد صاحب مكة إلى القاهرة]
وفيها، في يوم السبت ثامن ربيع الأول، قدم إلى القاهرة محمّد بن بركات بن حسن بن عجلان ولد صاحب مكة وأميرها، وعلى يده هديّة من أبيه ما بين خيول وغيرها، فأُنزل وأُجري عليه ما يقوم بكفايته، وكان قد حضر لتقرير الأمان لوالده، فكرّر السلطان ذلك لأنَّه كان بعث إليه به أولًا وطلبه بمكاتبة على يد التاجر شرف الدين الأنصاري موسى بن علي بن محمّد بن سليمان الذي ولي بعد ذلك نظر الخاص، بل وصار مدبّر المملكة، وكتب له على يد ولده أيضًا. وتوجّه الولد لأبيه في سلْخ هذا الشهر ليبلّغه ذلك عن السلطان
(4)
.
[ربيع الآخر]
[نظارة البيمارستان المنصوري]
وفيها، في يوم الإثنين ثاني ربيع الآخر، ووهِم من قال أوله، وكذا وهم من
(1)
تقدّم هذا الخبر أيضًا في شهر ربيع الآخر 849 هـ.
(2)
تقدّم هذا الخبر أيضًا في شهر صفر 849 هـ.
(3)
في التبر المسبوك 168 (1/ 299).
(4)
خبر قدوم ولد صاحب مكة في: حوادث الدهور 1/ 133، والنجوم الزاهرة 15/ 371، ووجيز الكلام 2/ 607، والذيل التام 1/ 657، والتبر المسبوك 143 (1/ 298، 299)، ونيل الأمل 5/ 220، وبدائع الزهور 2/ 255.
قال ثاني عشره، استقرّ القاضي وليّ الدين السَّفْطي في نظر البيمارستان المنصوري عِوَضًا عن المحبّ بن الأشقر، وخلع عليه بذلك، ونزل بجمعٍ قليل على ما قدّمنا هذا في العام الماضي تبعًا للحافظ ابن حجر، وذكرنا ما اعتذر به السَّفْطي من عدم إرادته ركوب الكثير من الناس معه، والصواب أنّ هذه القضية وتلك القضايا أيضًا محلُّها هذه السنة.
قال بعض المؤرّخين لما ذكر ولاية السَّفْطي هذا بهذه الوظيفة وصار السفْطي المذكور في النظر المذكور (بنفسية
(1)
) سيّئة، وهو أنه يأخذ ما لا يستحقّه ويدفعه لمن لا يستحقّه وحسابه على اللَّه تعالى
(2)
.
(ولاية بعلبك)
(3)
وفيه اتفق من الغرائب ما لم يقع مثله في هذه الأزمان القريبة، وهو أنّ السلطان ولّى شخصًا يقال له أسنْبُغا من مماليك ابن كلبك نيابة بعلبك نقلًا إليها من شادّية الشُوَن، وليس هذا من العوايد، وأظنّه لم يقع في الدولة التركية لغير الظاهر، فإنّ العادة جرت بأن نائب الشام هو الذي يولّي نائب بَعْلَبَك
(4)
.
[جمادى الأولى]
[استمرار المحبّ ابن الشِحنة على وظائفه بحلب]
وفيها، في يوم الثلاثاء مستهلّ جمادى الأولى خُلع على المحبّ ابن الشِحنة باستمراره على وظائفه بحلب، وهي قضاء الحنفية، وكتابة السرّ، ونظر الجيش بها، وحمل بسبب ذلك جملة من المال
(5)
.
[تخليق مقياس النيل]
وفيه، في يوم الجمعة رابعه، ووافق خامس مِسرَى من شهور القبط، كُسر
(1)
الكلمة مضبّبة في الأصل.
(2)
خبر نظارة البيمارستان في: التبر المسبوك 143 (1/ 300).
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
خبر ولاية بعلبك في: حوادث الدهور 1/ 133، 134، والنجوم الزاهرة 15/ 371، 372، والتبر المسبوك 144 (1/ 300)، ونيل الأمل 5/ 221، وبدائع الزهور 2/ 255.
(5)
خبر ابن الشحنة في: حوادث الدهور 1/ 134، والتبر المسبوك 145 (1/ 301)، ونيل الأمل 5/ 221، 222.
البحر عن الوفاء بعد أن نزل المقام الفخري عثمان ولد السلطان على العادة، وخلّق المقياس
(1)
.
[جمادى الآخرة]
(عزل شاد بك عن حماة وولاية يشبُك الصوفي)
(2)
وفيها في جمادى الآخرة، عزل السلطان شاد بك الجَكَمي نائب حماة الذي قدّمنا خبر ولايته بها في الماضية، وقرّر عِوضه يشبُك الصوفي، وكان من الأمراء مقدَّمي الألوف بحلب، قرّره السلطان في ذلك بعد أن رضي عليه بعد نفيه من القاهرة، وقرّر في تقدمة يشبُك هذا علي باي العجمي المؤيَّدي الذي قدّمنا خبر نفيه إلى دمشق، فتوجّه منها لحلب مقدَّمًا، وكتب لشاد بك بالتوجّه إلى القدس بطّالًا، وعيّن السلطان لتقليل يشبُك نيابة حماة مملوكه تمربُغا أحد العشرات، وهو الذي تسلطن فيما بعد ولُقّب بالظاهر كما ستعرفه في محلّه إن شاء اللَّه تعالى
(3)
.
[شهر رجب]
[إطلاق جماعة من المماليك الأشرفية بالبلاد الشامية]
وفيها أطلق السلطان جماعة من المماليك الأشرفية البَرسْبائية ممن كان سجنهم في أول سلطنته بالبلاد الشامية كصفد، والمرقب، والصّبيبة، وغير ذلك، وأذِن لهم بالقدوم إلى القاهرة
(4)
.
[إمرة الحاج]
وفيه، أو في الذي قبله، استقرّ في إمرة الحاج بالمحمل سَوَنْجْبُغا التونسي أخو أَرْنبُغا الناصري وكان من العشرات.
وذكر البدر العيني أنه كان من العشرينات، وقرّر في إمرة الركب الأول شمام الحسيني أحد العشرات أيضًا.
(1)
خبر مقياس النيل في: حوادث الدهور 1/ 134، والتبر المسبوك 145، (1/ 301)، ونيل الأمل 5/ 222، وبدائع الزهور 2/ 255.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
خبر عزل شاد بك في: حوادث الدهور 1/ 134، 135، ونيل الأمل 5/ 222، وبدائع الزهور 2/ 255.
(4)
خبر إطلاق جماعة في: حوادث الدهور 1/ 435، ونيل الأمل 5/ 222، 223، وبدائع الزهور 2/ 255، والتبر المسبوك 146 (1/ 302).
[شهر شعبان]
(هروب أهل المقشَّرة منها)
(1)
وفي يوم السبت خامس عشر شعبان تقابل أهل السجن المُعَدّ لأولي الجرائم المعروف بالمقشّرة فاتفقوا بأجمعهم على قتل السَّجّان والهرب من السجن، وفعلوا ذلك وتأتَّى لهم فقتلوا السجّان وخرجوا بأجمعهم إلى حال سبيلهم. وعُدّ ذلك من النوادر
(2)
.
[ضرب زين الدين الاستادّار بالدبابيس]
وفيه في يوم الثلاثاء ثامن عشره، بعد أن نزل زين الدين الأستادّار من الخدمة نزل وراءه
(3)
جماعة من المماليك جُلبان السلطان وتبعوه، فلما وصلوا إليه تناولوه بالدبابيس فضربوه بها ضربًا مبرحًا حتى كاد أن يهلك لولا رمى بنفسه فارًّا منهم إلى دار طوخ من تمراز أحد مقدَّمي الألوف
(4)
.
[شهر رمضان]
[ختم البخاري]
وفيه في شهر رمضان خُتم "البخاري" على عادته، وخُلع على من له عادة بذلك
(5)
.
[شهر شوّال]
[صرف قاضي المالكية وإعادته]
وفيها في يوم الجمعة رابع شوّال صُرف البدر [بن] التنّيسي عن القضاء المالكية بسبب سجنه لشخص مدّة مطوّلة، ثم أعيد وخُلع عليه باستمراره في وظيفته
(6)
.
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
خبر الهروب في: حوادث الدهور 1/ 135، ووجيز الكلام 2/ 657، والتبر المسبوك 146 (1/ 302)، ونيل الأمل 5/ 223، وبدائع الزهور 2/ 256.
(3)
في الأصل: "وراوه".
(4)
خبر ضرب زين الدين في: حوادث الدهور 1/ 135، والتبر المسبوك 146 (1/ 303)، ونيل الأمل 5/ 223، وبدائع الزهور 2/ 256.
(5)
خبر ختم البخاري في: نيل الأمل 5/ 224، وبدائع الزهور 2/ 256.
(6)
خبر صرف القاضي في: التبر المسبوك 147 (1/ 303).
[خروج الحاج]
وفيه في يوم الخميس سابع عشره خرج الحاج من القاهرة إلى بِركة الجبّ على العادة. وحجّ في هذه السنة الخَوند الكبرى مُقَل ابنة البارزي أخت الكمال كاتب السرّ، وحج هو أيضًا صحبتها، وحجّت أيضًا الخَوند نفيسة ابنة دُلغادر التركمانية صحبتها وهما زوجتا السلطان الظاهر في عصمته، وأظهر الكمال البارزي في سفرته هذه من أنواع البِرّ والخير والمعروف ما يُذكر عنه ويبقى ذكره إلى آخر الزمان، وسارت أخته وهو بتجمّل زائد خارج عن الحدّ، ثم فعل بمكة من الخير والمعروف ما لا عنه مزيد.
هذا ذكره بعضهم. ثم ذكر عن بعض المكّيّين أنه قال: إنه كان لما يذكر له أخبار البرامكة يستبعدها ويختلج بباله شيء من ذلك. قال: ولما ورد الكمال ابن البارزي إلى مكة وفعل فيها من الخيرات ما فعل وأظهر من الكرم ما أظهر تيقّنت في ذلك الآن ما كان يُحكى عن البرامكة وصدّقت به.
وذكر بعض معتَمَدي المؤرّخين حجة ابن البارزي، وذكر فِعله الخير ومع ذلك فقال: والمستحق محروم، وهو صادق فيما قال لا يخاف في القال، بخلاف القائل الأول فإنه من أهل المجازفة
(1)
.
[ذو القعدة]
[الخِلعة على أمير عربان هوّارة]
وفيها في يوم الخميس ثالث ذي قعدة وصل إسماعيل بن عمر أمير عربان هوّارة وهو طائع، فخلع عليه السلطان وأركبه مركوبًا من خاصّ خيله بسرْج ذهب وكنبوش زركش
(2)
.
[استقرار جانِبَك اليشبُكي في ولاية القاهرة]
وفيه، في يوم السبت حادي عشره، استقرّ جانِبَك اليشبُكي في ولاية القاهرة بعد عزله منصور بن الطبلاوي
(3)
.
(1)
خبر خروج الحاج في: حوادث الدهور 1/ 136، والنجوم الزاهرة 15/ 372، ووجيز الكلام 2/ 607، والذيل التام 1/ 657، 658، ونيل الأمل 5/ 224، وبدائع الزهور 2/ 256.
(2)
خبر الخلعة في: حوادث الدهور 1/ 136، والتبر المسبوك 147 (1/ 305)، ونيل الأمل 5/ 224، وبدائع الزهور 2/ 256.
(3)
خبر ولاية القاهرة في: حوادث الدهور 1/ 136، والتبر المسبوك 147 (1/ 305)، ونيل الأمل 5/ 225، وبدائع الزهور 2/ 256.
[ذو الحجّة]
[الخلاف بمكة على هلال الشهر]
وفيها في أول ذي الحجّة، وقع الاختلاف في استهلاله بمكة، فدام عملهم على أنه الجمعة، ثم شهد شخص من المغاربة يُذكرِ بدِين وعلِم أنه رآه ليلة الخميس وزُكي
(1)
. وأخبر الكمال ابن البارزي عن أخته خوَنْد أنَّها أيضًا رأته في ليلة الخميس. ولما قدم الركب الشامي أخبروا أيضًا بثبوته عندهم بالخميس، ووقف الناس الجمعة مع عدم طمأنينة ولم يحتاطوا لامتناع البارزي من ذلك
(2)
.
[استقرار النويري بقضاء حلب]
وفيه في يوم الإثنين رابعه، استقر محمّد بن أحمد بن محمّد النويري الشافعي في قضاء حلب الشافعية عِوضًا عن البرهان السُّوبيني الذي تقدّم خبر عزله عنها، ونُسِب إليه أنه لا ينفّذ المراسيم السلطانية
(3)
وأنه قصد إبطال شعار المملكة من ضرب الطبْلخاناه وغير ذلك. وكان قد ورد إلى حلب إنسان وعلى يده مرسوم من السلطان بأن يحكم له بشيء يتعلّق به، فقال: أنا لا أحكم بمجرّد المرسوم، بل لا بدّ من شروط الحكم. وكان وقت دقّ الطبْلخاناه يُقرأ القرآن فأمر بأن تؤخّر إلى حين نهاية القراءة، وهو بعد وصيّته لا يعلم ما يرتّب على هذا أهل حلب من مبغضيه ومن لا يحب رفقته، فنسبوا إليه ذلك مع أشياء أُخر كانت سببًا لعزله بعد استعفائه مما ناله من الأنكاد
(4)
.
[وصول مبشّر الحاج]
وفيه، في يوم السبت ثالث عشرينه، وصل مبشّر الحاج أحمد بن جانِبَك وأخبر بالأمن والسلامة، وأن الحاج العراقي في هذه السنة وأن حمد يشاه بن يوسف من أولاد قرا يوسف جهّزه وكان قد ملك بغداد في هذه السنة في ربيع الأول، وحج في هذه السنة أيضًا ركب المغاربة والتكرور
(5)
.
(1)
كتب قبلها: "ولما قدم"، ثم ضرب عليها خطًا.
(2)
خبر هلال الشهر في: التبر المسبوك 147 (1/ 305).
(3)
في الأصل: "المراسيم السلطان".
(4)
خبر قضاء حلب في: التبر المسبوك 147 (1/ 306)، ونيل الأمل 5/ 225، 226.
(5)
خبر مبشر الحاج في: حوادث الدهور 1/ 137، والتبر المسبوك 148 (1/ 206)، ووجيز الكلام 2/ 608، ونيل الأمل 5/ 226.
[صرف ابن حجر عن القضاء]
وفيه في آخر يوم منه صرف الحافظ ابن حجر، رحمه الله، عن القضاء، وكانت هذه آخر صرفاته، ولم يتولّها بعد ذلك، وعُيّن العَلَم البُلقيني. وسيأتي تمام ولايته في أول الآتية إن شاء الله تعالى
(1)
.
(1)
خبر صرف ابن حجر في: التبر المسبوك 148 (1/ 207)، ونيل الأمل 5/ 226.
ذِكر نُبَذٍ
(1)
من تراجم الأعيان ووفياتهم في هذا الزمان سنة
850
(2)
108 -
إبراهيم بن رضوان
(3)
الشافعي.
نزيل القاهرة، الشيخ برهان الدين المعروف بأبيه.
ولد بحلب، ونشأ مشتغلًا بالفقه محصّلًا له حتى مهر وبرع وتميّز وشُهر بذلك، ووُلّي بها بعض التداريس، وناب في الحكم. ثم لما دخل الظاهر جقمق إلى حلب وهو أمير في آخر دولة الأشرف بَرْسْباي تجرُّدًا وأقام بها مع العسكر صحِب الشيخ برهان الدين هذا ولده المقام الناصري محمّد، وراج عليه، وقرُب منه جدًّا، وصار خِصّيصًا عنده.
ثم لما تسلطن الظاهر قدم ابن رضوان القاهرة ولازم الناصري محمّد المذكور وصلّى به إمامًا له، وحصل بجاهه بعض وظائف، وبعث إلى حلب في بعض المهمّات السلطانية بأمر السلطان وحصل له من ذلك مال. ثم لما مات محمّد ابن
(4)
السلطان استعيد منه تدريس كان أخذه بجاهه، فرجع إلى من كان بيده أولًا ورقّ حاله. وحجّ في سنة تسع وأربعين، فاتفق له أن سقط من على الجمل وكسر عضوًا من أعضائه، ثم ترجح، فلما عاد سقط ثانيًا وتألم، ثم دخل القاهرة سالمًا.
قال الحافظ ابن حجر
(5)
، رحمه الله،: وكان يُنسب إلى شيء يُستقبح ذِكره.
وتوفي بعد أن وصل سالمًا في المحرّم.
(1)
في الأصل: "نبذًا".
(2)
في الأصل: "895".
(3)
في الأصل: "ابن رضعان". وترجمة "ابن رضوان" في: إنباء الغمر 4/ 247، 248، و (9/ 250، 251 طبعة حيدر أباد)، والحاشية رقم 2، والضوء اللامع 1/ 50، 51، والتبر المسبوك 140 (1/ 307، 308)، ونيل الأمل 5/ 216 رقم 2086، والمجمع المفنّن 1/ 176، 177 رقم 41، وشذرات الذهب 7/ 267.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
في إنباء الغمر 4/ 247.
109 -
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه الأنصاري
(1)
، القاهري.
أحد من كان يُعتقد من
(2)
العوامّ، وممن يذكرونه فيما بينهم بالجذب.
توفي في يوم الثلاثاء رابع ربيع الأول بزاويته ظاهر باب الخِرق، وبها دُفن.
110 -
أحمد بن أحمد بن جوغان
(3)
الشاذلي.
الواعظ، نزيل مكة المشرَّفة، وشيخ الزماميّة بها.
توفي في يوم الثلاثاء عاشر ربيع الآخر.
(ترجمة ابن المجدي)
(4)
111 -
أحمد بن رجب بن طيبُغا
(5)
المجدي، القاهري، الشافعي.
الإمام، العالم، العامل، البارع، الكامل، شهاب الدين ابن المجدي، وهي نسبة جدّه طيبُغا المذكور.
ولد بالقاهرة في سنة سبع وستين وسبعمائة.
وبها نشأ فحفظ القرآن العظيم، ثم حفظ "الحاوي" وقطعة من "المنهاج" و"ألفيّة ابن مالك"، ثم اشتغل حتى برع ومهر وشُهر، وأخذ عن علماء عصره من أهل تلك الحلبة، وكان له اليد في فنون من العلم كالفقه، والعربية، والحساب، والهيئة، والهندسة، وغير ذلك من الفنون حتى صار يشار إليه في الرياضيّات، وصار رأس الناس فيها، وصنّف في ذلك وألّف، وأقرأ جمعًا من الطلبة، وقصده الفضلاء وانتفعوا به وعليه. وكان خيّرًا ديّنًا، بشوش الوجه، حسن السمت والملتقى، كثير البِشر، منجمعًا عن الناس، لا يتردّد إلى أحدٍ منهم، لا سيما بني الدنيا، وكان لا يدخل في وظائف الفقهاء، فسبحان من أراحه منها واغتنى عنها بإقطاع كان له يقتات منه هو وعياله. ولم يزل ملازمًا الجماعات بالجامع الأزهر والإقراء به حتى صار شيخ الناس، أو سمع الحديث.
(1)
انظر عن (الأنصاري) في: التبر المسبوك 149 (1/ 308)، والضوء اللامع 1/ 59، ونيل الأمل 5/ 220 رقم 2094، والمجمع المفنّن 1/ 184 رقم 53 و 195 رقم 58.
(2)
في الأصل: "معتقدمين".
(3)
في الأصل: "حرمان". وانظر عن (ابن جوغان) في: التبر المسبوك 149 (1/ 308)، والضوء اللامع 1/ 210، ونيل الأمل 5/ 221 رقم 42096 والمجمع المفنّن 1/ 361 رقم 281.
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
انظر عن (ابن طيبغا) في: حوادث الدهور 1/ 144، 145 رقم 4، والدليل الشافي 1/ 46 رقم 155، والمنهل الصافي 1/ 296، 297 رقم 157، والنجوم الزاهرة 15/ 515، والضوء اللامع 1/ 300 - 302، ووجيز الكلام 2/ 609 رقم 1396، والتبر المسبوك 149 (1/ 308 - =
قال الحافظ السخاوي
(1)
: نفع اللَّه ببقائه: وذكر أنه سمع "الموطّأ" رواية يحيى بن يحيى على محيي الدين عبد الوهاب بن محمّد القَرَوي
(2)
. قال: وكان يقرأ عليه "صحيح البخاري"، ولم أعلم ممن سمعه. وولي مشيخة التصوّف بمدرسة جانبك بالشارع بعناية ابن
(3)
الجيعان. انتهى.
وكان أمّة في الميقات ومعرفة الأوقات.
توفي في ليلة السبت حادي عشر ذي قعدة على ما ذكره الحافظ السخاوي
(4)
. ويوم الجمعة عاشره على ما ذكره غيره. وكانت جنازته حافلة من مشاهير الجنائز.
112 -
أحمد بن أحمد بن غُلْبك
(5)
وهو غلط عن أغُلْ بك، الجندي، الحلبي، الحنفي.
شهاب الدين ابن
(6)
الأمير شهاب الدين ابن
(7)
الأمير زين الدين.
ولد في أوائل سنة أربع وثمانين وسبعمائة. وقيل: في أواخرها.
ونشأ بحلب. وكان أحد أجنادها المعتبرين.
وتوفي في حدود هذه السنة على ما أخبر به الوالد، رحمهما اللَّه تعالى. وكان يُثني عليه خيرًا.
113 -
أحمد بن محمّد بن محمود بن محمود بن محمّد بن عمر بن مجد الدين بن نورشيخ الخوارزمي
(8)
، العجمي، المكي، الحنفي.
الشيخ شهاب الدين المعروف بابن المعيد، إمام مقام الحنفية بمكة المشرّفة وابن الحامة.
توفي في يوم الجمعة ثامن عشرين شهر رمضان.
= 311)، ونيل الأمل 5/ 225 رقم 2101، والمجمع المفنّن 1/ 420، 421 رقم 353، والذيل التام 1/ 658، 659، وشذرات الذهب 7/ 268.
(1)
في التبر المسبوك 149 (1/ 309).
(2)
في الأصل: "العدوي".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
التبر المسبوك 1/ 311.
(5)
انظر عن (ابن غُلْبَك) في: الضوء اللامع 1/ 218، ونيل الأمل 5/ 227 رقم 2155، وبدائع الزهور 2/ 256، والمجمع المفنّن 1/ 363، 364 رقم 283، وقد ضبط السخاوي:"غُلْبَك" بضم الغين المعجمة وإسكان اللام وفتح الموحدة وآخره كاف.
(6)
في الأصل: "بن".
(7)
في الأصل: "بن".
(8)
انظر عن (الخوارزمي) في: نيل الأمل 5/ 224 رقم 2100، والمجمع المفنّن 1/ 578 رم 547، والتبر المسبوك 150 (1/ 311، 312)، والضوء اللامع 2/ 207.
وخَلَفَه بعده في إمامة المقام وله محمّد.
114 -
جقمق بن خجندب
(1)
بن أحمد بن حمزة بن أبي نُمَي الحَسَني، المكي. السيد الشريف، وفيه نسبه شيخي في محلّه.
توفي في ليلة السبت ثاني ربيع الأول خارج مكة، وحُمل إليها فدُفن بها.
115 -
جوهر التمرازي
(2)
، الحبشي، الطواشي.
صفيّ الدين الخازندار وشيخ الخدّام بالحرم الشريف النبوي، على ساكنه الصلاة والسلام.
كان من خدّام الأمير تمراز الظاهري النائب، وترقى بعده حتى صيّره الأشرف بَرسْباي جَمْدارًا كبيرًا، فاستمر مدَّة كذلك حتى تسلطن الظاهر وولّاه الخازندارية بعد سميّه جوهر القنقبائي، فباشرها مباشرة حسنة، وتجمّل مع الناس، ولم تطُل مدّته، وصُرف بفيروز النوروزي الرومي، وامتحن وصودر، ثم أُطلق، ثم أخرج إلى المدينة شيخ الخدّام بها.
وكان يقِظًا فطِنًا، حذِقًا، فهمًا، حشمًا، سيوسًا، أدوبًا، عاقلًا، مليح الشكل، فيه الكرم والتواضع.
توفي في يوم الحجّة.
(ترجمة سودون المحمدي)
(3)
116 -
سودون المحمّدي
(4)
، السودوني.
نائب قلعة دمشق.
(1)
انظر عن (ابن خجندب) في: التبر المسبوك 151 (1/ 312) وفيه: "ابن جُحيدب"، والضوء اللامع 3/ 70 رقم 285 وفيه:"ابن جُخيدب"، ونيل الأمل 5/ 220 رقم 2093.
(2)
انظر عن (جوهر التمرازي) في: النجوم الزاهرة 15/ 518، 519، وحوادث الدهور 1/ 148 رقم 8، والمنهل الصافي 5/ 42 - 44 رقم 873، والدليل الشافي 1/ 254، 255 رقم 871، ومنتخبات من حوادث الدهور 562، وعقد الجمان ج 24 ق 2 (وفيات 850 هـ.)، والتبر المسبوك 151 (1/ 312)، والذيل التام 1/ 661، والضوء اللامع 3/ 82 رقم 320، ووجيز الكلام 2/ 612 رقم 1407، ونيل الأمل 5/ 226 رقم 2103، وبدائع الزهور 2/ 156.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
انظر عن (سودون المحمدي) في: حوادث الدهر 1/ 145، 146 رقم 6، والنجوم الزاهرة 15/ 516، 517، والمنهل الصافي 6/ 121 - 123 رقم 1133، والدليل الشافي 1/ 329 رقم 1130، والضوء اللامع 3/ 285، 286 رقم 1084، ووجيز الكلام 2/ 612، 613 رقم 1408، والتبر المسبوك 152، 153 (1/ 314، 315)، والذيل التام 1/ 661، 662، ونيل الأمل 5/ 219 رقم 2090، وبدائع الزهور 2/ 254.
كان هو أيضًا من مماليك سودون المحمدي. توافق أستاذه في اسمه، ونسبته لعلّها من النوادر. وكان خاصكيًا في دولة الأشرف بَرسْباي، ثم صيّره رأس نوبة الجمدارية، ثم ولّاه نظر حرم مكة المشرَّفة، وتكرّرت ولايته غير مرة، وكذلك وُلّي باشية الجند هناك، وهو الذي جدّد سقف الكعبة برأيه مع أنه شاور الأشرف في ذلك، لكنْ ظنّ الأشرف أن ذلك مما يحتاج إليه، خصوصًا وقد أُنهي له أنه يدلف بالمطر، وقد زاد بعد تجديده عمّا كان قبله، فلم يكن للبيت حاجة إلى ذلك السقف المجدّد. ولهذا نقم على سودون ذلك، وشافهه السلطان فأنكره وقال له لأيّ شيء ما شاورت العلماء والأكابر على ذلك قبل فِعله، لا سيما لما أُنهي للأشرف أنه صار الطير يجلس على سطح الكعبة بعد أن كان لا يطير عليها ولا يعلوها، فضلًا عن الجلوس عليها، وقيل: ذلك نَكال من اللَّه تعالى لنا، ولهذا لما أريد فِعل ذلك خرج الكثير من أهل الصلاح والخير من مكة، لا سيما وقد جرّدت الكعبة، وبقي البيت بلا سقف أيامًا، واعتلى
(1)
الفَعَلة والعمال البيت، وحصل بعض تعليل حرمة البيت، وكلما أدّى إلى ذلك فهو ممنوع منه لا سيما إذا كان لغير ضرورة أكيدة، وحصل بذلك غاية الضرر لسَدَنة البيت بواسطة الاجتياح إلى اعتلاء السطح وكَنْسه في كل قليل. ويقال: لعلّ ذلك بواسطة زوال ما كان عُمّر بالحال الطّيب من أهله في ذلك الزمان حتى عُمّر بمال غير طيّب لا سيما في هذا الزمان، فزال ذلك الشرّ بواسطة ذلك أو لعلّه لسرّ لا يعلمه إلّا اللَّه تعالى. وكان أشيع بمكة حين خرج بعض الصالحين منها حين تلك الغفلة أنهم إنما خرجوا خوفًا من حدوث حادث أو سخط ينزل بنا لأجل ذلك، ولهذا شق ذلك على كثير من الناس لا سيما أهل الصلاح والخير، وما أراد سودون بذلك إلّا القرب إلى اللَّه تعالى بهذه الفعلة ظنًّا منه أن ذلك من أنواع الخير، بل ظنّ بجهله أن ذلك من أعظم أنواعه ومن أكبر المصالح وهذا غاية الجهل ولو لم يكن على سودون هذا من ذلك سوى أتعاب السَدَنَة والوسيلة إلى صعود سطح البيت في كل قليل لَكَفَاه ذلك إثمًا ولعلّه استقدم من مكة آخر قدماته لم يرجع إليها، وأمّره الظاهر عشرة، ثم خرج إلى رودس ثم عاد فولّاه الظاهر نيابة قلعة دمشق عِوضًا عن فارس على ما قدّمنا ذلك أو عن شاهين، فليُحرّر.
وكان سودون هذا خيّرًا ديّنًا ساذجًا، كثير البِرّ.
أخبرني من أثق به عنه أنه كان حين ساكنًا بالقرب من مدرسة قَلَمطاي يحضر
(1)
في الأصل: "واعتلا".
معه كيس فضّة ويجلس على باب المدرسة بعد صلاة العصر في كثير من الأوقات، ولا يزال يتصدّق منه إلى أن يفرغ أو يتفق أذان المغرب قبل فراغ الدراهم فيجيء بعض أهل المكان لصلاة المغرب فيفرغ سودون ما بقي في ذلك الكيس على الحصير، ويقول لهم خذوه تارة لثلائة أو الإثنين وتارة لواحد على قدر ما يتفق من مجيء أرباب وظائف المكان فيأخذونه ويقسّمونه فيما بينهم أو ينفرد به الواحد إذا لم يجيء غيره.
قال: وكان غالب ما يبقى نحو الثلاثمائة نُقرة أو فوقها. وكان يُعاب بأنه لا يُفشي السلام لبعض تعاظم عنده، بل ربّما كان لا يردّ على من يسلّم عليه ويُعاب أيضًا بسطوته وظلمه لأهل داره من عياله وخدمه.
توفي بدمشق على نيابة قلعتها في أوائل صفر.
117 -
ضَيغَم بن خُشْرُم
(1)
الحسيني، المدني.
السيد الشريف، أمير المدينة المشرّفة، كان استقرّ فيها بعد ابن عمّه مانع، وأقام مدّة ثم انفصل في هذه السنة بأمان بن مانع المذكور فلم يذعن له ضَيْغم حتى بذل له على ذلك مالًا
(2)
. فأخذه منه وخرج من المدينة وتوجّه إلى بعض الجهات.
فقُتل بها بعد يسير في هذه السنة.
118 -
عبد الباري
(3)
بن يعقوب القاهري.
زين الدين المعروف بابن أبي غالب، أحد أعيان الكتبة وموقّعي الدَّلسْت. هو من ذرّية ابن أبي غالب صاحب المدرسة بقرب قنطرة الموسكي المجاورة للمدرسة الزينية. كان كاتبًا في ديوان الجيش الشامي، ثم صار أحد موقّعي الدَّلسْت، وكان يوقّع أيضًا بباب الدوادارية الكبار، وسمع "الصحيحين" كُلآ على الجمال الأميوطي وكان عنده ثَبَت بذلك. وقرأ عليه التقيّ القلقشندي، ولم يشتهر.
وأرّخه البدر العَيني
(4)
، رحمه الله، وأثنى على دينه وخيره وبِرّه وعليه. ولم يذكر مولده.
(1)
انظر عن (ضَيغَم بن خُشرُم) في: الضوء اللامع 4/ 2 وفيه: "ضُغَيم"، ووجيز الكلام 2/ 612 رقم 1406، والتبر المسبوك 153 (1/ 315)، ونيل الأمل 5/ 226، 227 رقم 2104، وبدائع الزهور 2/ 256.
(2)
في الأصل: "مال".
(3)
انظر عن (عبد الباري) في: التبر المسبوك 153 (1/ 315، 316)، والضوء اللامع 4/ 32، وفيهما "عبد الباقي"، أما في نيل الأمل 5/ 219، 220 رقم 2091 ففيه:"عبد الباري"، ومثله في بدائع الزهور 2/ 254، وكذلك في الأصل.
(4)
في عقد الجمان ج 24 ق 2/ 773 (ميكرو فيلم 65086).
ولا وقفت أنا أيضًا على ذلك.
وأرّخه الحافظ السخاوي
(1)
أيضًا، ولم يتجاوز نحو ما ذكرناه، وعنه نقلناه.
توفّي عن سنّ عالية في يوم الإثنين حادي عشرين ذي الحجّة.
119 -
عبد السلام بن داود بن عثمان بن عبد السلام بن عباس السَّلْطي
(2)
، المقدسي، الشافعي.
الشيخ عزّ الدين.
ولد بكفرا لِما بين عجلون وحِبْراص في سنة إحدى أو اثنين
(3)
وسبعين وسبعمائة.
ونشأ نشأة عجيبة في الفهم والحذق والذكاء والحفظ، وجال البلاد واشتغل كثيرًا، وأخذ عن جماعة، منهم السراجين: البُلقيني، وابن الملقّن، وغيرهما من الأماثل، وحفظ عدّة من الكتب في بدايته، وسمع الكثير الوافر من الحديث على كثير من الشيوخ، ودخل القاهرة فقطنها وولّي بها الوظائف السنيّة الدينية بعد ملازمة الزين العراقي مدّة، وناب في القضاء عن الجلال البُلقيني فمن بعده، وصار من أجلّ النواب، وصحب فتح الله كاتب السرّ، ونوّه به الناصر البارزي. وكان مناظرًا بحّاثًا، شهمًا، غزير العلم والفضل، وولي مشيخة الحديث بالجمالية، ودرّس الفقه بالخرّوبية، وناب عن البارزي في خطابة المؤيّدية أول ما فُتحت. وقرّره الزين عبد الباسط في مشيخة مدرسته أول ما فُتحت، وولي مشيخة الصلاحية بالبيت المقدس.
وله نظم، فمنه قوله:
إذا الموائِدُ مُدّت
…
من غير خلٍّ وبَقْل
كانت كشيخ كبيرٍ
…
عديم فَهْم وعقْلٍ
ذكره عدّة من المؤرّخين وأثنوا عليه. وذكره الحافظ السخوي
(4)
وأطال في ترجمته بكل جميل.
(1)
في التبر المسبوك، والضوء اللامع.
(2)
انظر عن (التَملْطي) في: حوادث الدهور 1/ 144 رقم 3، والنجوم الزاهرة 15/ 515، ومعجم شيوخ ابن فهد 140 و 142 و 337، وعنوان الزمان 3/ 113 رقم 297، والتبر المسبوك 153 - 156 (1/ 316 - 321)، والذيل التام 1/ 659، والضوء اللامع 4/ 203 - 206 رقم 514، ووجيز الكلام 2/ 609 رقم 1397، ونظم العقيان 129، ونيل الأمل 5/ 223، 224 رقم 2099.
(3)
في الأصل: "سنة إحدى أو اثنين".
(4)
في الضوء اللامع، والتبر المسبوك، وغيره.
وذكر أنه توفي مبطونًا في يوم الخميس خامس شهر رمضان.
120 -
عبد العزيز بن أحمد بن علي بن محمّد بن ضوء القدسي، الحنفي، المعروف بابن النقيب
(1)
.
يكون جدّه محمّد بن ضوء.
كان نقيب قلعة صفد. سمع الحديث على العلاء المغفلي، والشهاب العلائي، عن الحجّار، وسمع من غيرهما أيضًا، وحدّث وأخذ عنه ابن أبي غريبة، وأرَّخ وفاته في محرَّم من هذه السنة، وأنه توفي فجأة.
• وذكر الحافظ ابن حجر والده في "معجمه"، وذكر أنه مات في سنة لست عشرة.
• وأن جدّه مات بعد التسعين وسبعمائة.
121 -
عبد الكريم بن فُخَيرة
(2)
كريم الدين المعروف بابن فُخيرة ومستوفي الخاص.
وهو والد عبد الرزاق، وعمّ أبي الخير محمّد بن يحيى بن فخيرة.
أحد كُتّاب المماليك الآن، وهو موجود في عصرنا هذا. لا بأس به.
توفي كريم الدين في يوم الأربعاء سادس رجب.
بعون اللَّه وتوفيقه
تمّ تحقيق هذا الجزء يوم الإثنين
عند أذان العشاء الموافق
2 من ذي الحجَّة 1431
8 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010
(1)
انظر عن (ابن النقيب) في: الضوء اللامع 4/ 211، 212 رقم 542، ونيل الأمل 5/ 217 رقم 2087.
(2)
انظر عن (ابن فُخَيرة) في: وجيز الكلام 2/ 613 رقم 1410، والضوء اللامع 4/ 313، والتبر المسبوك 156 (1/ 321)، ونيل الأمل 5/ 223 رقم 2098، وبدائع الزهور 2/ 255.