الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصفحة الأولى من الفهرسة الموضوعة للجزء الثاني بدار الكتب المصرية
الصفحة الثانية من الفهرس الموضوع بدار الكتب المصرية وفيها بعض الملحوظات
صفحة العنوان للجزء الثاني من الروض الباسم هو بخط المؤلّف رحمه الله ورقمه 729
صفحة الأولى من الجزء الثاني وبداية متجدّدات سنة 865 هـ. وهي بخط المؤلّف
الصفحة (9 أ) من الجزء الثاني وقد فسحت كلمات كثيرة منها
الصفحة (9 ب) من الجزء الثاني وقد مُسح ما يقرب من نصفها
الصفحة (14 أ) وهي سيّئة الخط وسيّئة الوضوح
الصفحة (14 ب) وهي سيّئة الخط والوضوح
الصفحة (15 ب) وهي سيئة
الصفحة (21 أ) ويظهر سوء الخط وعدم الوضوح
الصفحة (21 ب) وهي غير واضحة
الصفحة (27 أ) وهي سيّئة الوضوح ورديئة الخط
مخطوط الصفحة (40 ب) ويظهر كم هي رديئة
مخطوط الصفحة (47 أ) وهي في غاية السوء
مخطوط الصفحة (60 أ) وفيها حاشية في أعلاها
مخطوط الصفحة (64 ب) وقد ضاع قسم كبير من الشعر
مخطوط الصفحة (65 أ) وفيها حواشي على طرفيها وفي أعلاها
مخطوط الصفحة (74 أ) وقد ضاع من أطراف الحاشية
الصفحة (74 أ) مكرَّرة وعليها ختم "الفقير عبد الرحمن"!
مخطوط الصفحة (79 أ) وفيها حواشي بطرفيها وفي أعلاها
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه أستعين وأتوكل عليه وهو حسبي ونِعم الوكيل
[سنة خمس وستين وثمانمائة]
وبعد، فإنّي أردت أن أجمع جميع ما وقع من أول الخلفاء إلى ابتداء العثماني، ورتبت ذلك يومًا
(1)
بعد يوم.
[شهر صفر]
[عودة بُرْدُبك من قبرس]
وفيها في يوم السبت مستَهَلّ صفر وصل بُرْدُبَك الأحمر المعروف بعرب، أحد أعيان الخاصكية من مماليك الأشرف بَرْسْباي، وكان مع الذين توجّهوا لقبرس، فقدم سلْخ هذا اليوم إلى القاهرة، وطلع إلى السلطان وأخبر بنحو الخبر الأول وزيادة على ذلك بأن يونس الدوادار الكبير ترك بجزيرة قبرس جماعة من الجند السلطاني ومماليك الأمراء، بعد أن مكّنوا جاكم من مُلك أبيه، وهربت أخته وتحصّنت ببعض الحصون، وترك عنده أيضًا جماعة من مماليك الأمراء تقوية لجاكم المذكور، وجُعل الباش
(2)
على هؤلاء الذين تركهم جانِبَك الأبلق أحد أعيان الخاصكية من مماليك الظاهر جقمق. وأخبر بأن جماعة كبيرة من الجند السلطاني وغيرهم ماتوا بتلك الأرض من كثرة الوباء والوَخَم الذي حصل لهم بتلك النواحي، إلى غير ذلك من الأخبار
(3)
.
122 -
وبُرْدُ بك عرب المذكور هو موجود الآن إلى هذا الزمان، فلنترجمه على عادتنا في تراجم الأخبار.
وهو أحد العشرات في هذه الأيام، فهو من مماليك الأشرف بَرْسْباي، صُيّر
(1)
في الأصل: "يوم".
(2)
الباش= الرئيس.
(3)
خبر عود بردبك من قبرص في: النجوم الزاهرة 16/ 153، ونيل الأمل 6/ 95، وبدائع الزهور 2/ 363، 364.
خاصكيًّا بعده، أظنّ في هذه الدولة الأشرفية الإينالية. ويغلب على الظنّ أنه صار خاصكيًّا في دولة العزيز يوسف ولعلّه أقرب عندي، ودام على ذلك مدّة حتى تسلطن الظاهر خشقدم فيما بعد هذا التاريخ، فعيّنه ساقيًا (بسفارة)
(1)
دواداره المعروف بسلطان ليلة بعد ذلك، فإنه كان بينهما صحبة. ثم أمَّره خُشقدم (في آخر)
(2)
دولته وصيّره من رؤوس
(3)
النُوَب، كل ذلك بعناية خير بك المذكور، فإنه كان مختصًّا به جدًّا، ودام على ذلك إلى سلطنة الأشرف قايتباي سلطان عصرنا الذي نحن فيه، فقرّبه أيضًا، وغيّر إقطاعه بإمريّة، وصار من معلّمي الرمح لمماليكه، وهو باقٍ على ذلك. وكان قد تزوّج بأمّ ولد الأمير قانِبَك المحمودي أمير سلاح، وهي في عصمته الآن، وهو الذي قام بتربية ولد قانِبك المذكور، وأحسن تربيته، وعُيّن مرة إلى إحدى نوبات سِوار.
وهو إنسان حسن، وله سمت حَسَن وتؤَدة، وعنده أدب وحشمة، وتواضع، وسكون زائد، ومعرفة بكثيرٍ من الأنداب وفنون الفروسية. وهو رأس في معرفة الرمح، وله محبّة في أهل العلم، ويميل إليهم وإلى الفضائل، مشكور السيرة، خيّر، ديّن، عفيف، نزِه، قَلّ في أبناء جنسه مثله.
وهو ممن بعث بهم قصروه إلى الأشرف بَرسباي، مشهور في الأدب من مماليك قصروه المشهور
(4)
.
[نيابة الإسكندرية]
وفيه، في يوم الأربعاء خامسه استقرّ في نيابة ثغر الإسكندرية كسباي المؤيَّدي المعروف بالسمين نائب القلعة عِوَضًا
(5)
عن جانِبَك النَوروزي المعروف بنائب بَعْلَبَك بحكم وفاته بها على ما سيأتي في الوقعات إن شاء اللَّه تعالى
(6)
.
[نيابة القلعة بالقاهرة]
وفيه -أعني هذا اليوم- استقرّ في نيابة القلعة خير بك القصروي الوالي
(1)
كلمة ممسوحة، والمثبت من: المجمع المفنّن 2/ 204.
(2)
كلمتان ممسوحتان، استدركناهما من المجمع المفنّن 2/ 204.
(3)
في الأصل: "روس".
(4)
انظر عن (برد بك المعروف بعرب) في: المجمع المفنّن 2/ 203، 204 رقم 930 وفيه: برد بك من قصروه.
(5)
في الأصل: "عوض".
(6)
خبر نيابة الإسكندرية في: النجوم الزاهرة 16/ 153، ونيل الأمل 6/ 95، وبدائع الزهور 2/ 364.
عِوضًا عن كسباي المنقول لنيابة الإسكندرية، فيقال: إن خير بك هذا بذل لنيابة القلعة جملة من المال
(1)
.
[ولاية الشرطة]
وفيه، في يوم الخميس سادسه، استقرّ علي بن اسكندر المحتسب المعروف بابن الفيسي، في ولاية الشرطة عِوَضًا عن جانِبَك المذكور
(2)
.
[ولاية الحسبة]
وفيه استقرّ في الحسبة تَنَم من بخشايش الظاهري المعروف برصاص الخاصكي إذ ذاك.
وسيأتي جانِبَك نائب جُدّة. واتفق هذا ورفيقه في أمور حتى في القتل في قتل جانِبك فإنه قُتل معه في ذلك اليوم على ما سيأتي في مكانه من هذا التعليق إن شاء اللَّه في سنة ثمان وستين
(3)
.
وبذل تَنَم هذا في الحسبة مالًا
(4)
وعُدّ ذلك من نوادره، فهذا (
…
)
(5)
ولي الحسبة بالمال وكذلك علي بن الفيسي بذل في الولاية مالًا
(6)
.
[لباس السلطان الصوف]
وفيه، في يوم الجمعة سابعه، ووافقه خامس عشرين هاتور من شهور القبط لبس السلطان الصوف، وأُلبس الأمراء على العادة في ذلك. ثم تجهّزت كوامل إلى النواب بالبلاد الشامية على العادة في كل سنة.
[عودة العسكر من قبرس]
وفيه، في يوم السبت، نصفه، كان وصول العسكر المجهّز لقبرس مع جاكم بن جوان، وتكاملوا جميعهم بساحل ( ..... )
(7)
وكانوا بالميدان
(1)
المصادر نفسها.
(2)
المصادر نفسها.
(3)
بل سيأتي في شهر ذي الحجة من سنة 867 هـ. (الورقة 57 أ، ب)، والترجمة رقم (171).
(4)
في الأصل: "مال".
(5)
في الأصل: "والزلي".
(6)
خبر ولاية الحسبة في: النجوم الزاهرة 16/ 153، 154، ونيل الأمل 6/ 95، 96، وبدائع الزهور 2/ 364.
(7)
كلمتان غير واضحتين.
الكبير الناصري على البركة الناصرية، وتهيّأوا للطلوع في الغد إلى القلعة للسلطان، ومعهم من حضر من الأمراء الماضي ذكرهم عند خروجهم ما عدا (
…
)
(1)
الأمير يونس الدوادار، فاجتمعوا بالسلطان وقبّلوا الأرض بين أياديه، وخلع على يونس الدوادار خلعة هائلة إلى الغاية لم تجر العادة بإلباس من هو في رتبته (
…
)
(2)
الأتابك وعُدّ ذلك من النوادر، والاعتناء بشأن يونس، لا سيما (
…
)
(3)
مع مركوب خاص بسَرج ذهب وكنبوش زركش، وخلع على قانَمْ، وخلع أيضًا على من معه من الباشات، ونقص منهم سودون قراقاش، فإنه مات على ما عرفت (
…
)
(4)
بكامل ألقابهم بالخِلَع، فنزلوا في ركاب يونس ومعه دَست المملكة، وخرجوا إلى الميدان الكبير في موكبٍ حافل هائل شاقّين الصليبة حتى أوصلوه إلى داره (
…
)
(5)
وعادوا إلى ديارهم، وهرع الناس للسلام على يونس على العادة، وعمل له من كل (
…
)
(6)
المقام، وكان له يومًا مشهودًا
(7)
.
[مقدّميّة الألوف]
وفيه، في يوم الإثنين رابع عشرينه استقرّ يلباي الإينالي المؤيَّدي الذي ولي السلطنة فيما بعد هذا التاريخ، ولُقّب بالظاهر في جملة مقدَّمي الآلاف بمصر على تقدمة سودون قراقاش
(8)
الذي مات في هذه السنة (
…
)
(9)
فكان ممن تقدّم يلباي هذا وسلطنته ست
(10)
سنين تزيد يسيرًا على ما ستعرف ذلك (في سلطنة)
(11)
خُشقدم في سنة إحدى وسبعين من تاريخنا هذا
(12)
.
(1)
كلمتان غير واضحتين.
(2)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(3)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(4)
مقدار كلمتين.
(5)
مقدار كلمتين.
(6)
مقدار خمس كلمات.
(7)
خبر عودة العسكر في: النجوم الزاهرة 16/ 153، 154، ومنتخبات من حوادث الدهور 345 - 347، ونيل الأمل 6/ 96، وبدائع الزهور 2/ 364.
(8)
ستأتي ترجمته برقم (137).
(9)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(10)
في الأصل: "ستة سنين".
(11)
كلمتان ممسوحتان، وما أثبتناه تقديرًا.
(12)
خبر مقدّمية الألوف في: النجوم الزاهرة 16/ 154، ونيل الأمل 6/ 96، وبدائع الزهور 2/ 364.
[تقرير أمراء عشرات]
وفيه استقرّ في الإمرة الطبْلخاناة التي كانت بيد يلباي هذا، تمرباي ططر أحد العشرات.
وقرّر في عشرة تَمربَاي الأمير جانِبَك قُلَقْسِيز الأشرفي الذي ولي الأتابكية فيما بعد ثم قبض عليه في نوبة سوار، ثم (
…
)
(1)
فولّي إمرة سلاح، ثم نيابة الشام ومات بها على ما سيأتي كل ذلك في محلّه، فلم يقبل جانِبَك المذكور هذه الإمرة، فحُوِّلت عنه لقانِبَك السيفي يشبُك بن أَزْدَمُر أحد العشرات أيضًا الآتي في محلّه إن شاء اللَّه تعالى، وقد ولي إمرة قانِبَك هذا دَولات باي الأشرفي، وسيأتي، أحد أعيان الخاصكية المعروف سَكْسَان
(2)
، وسيأتي في محلّه أيضًا.
وقد ذكر الجمال ابن
(3)
تغري بردي هذه القصّة بعينها من تأمير دَولات باي هذا هذه الإمرة العشرة، ثم قال عقيب ذلك: ولم يكن دَولات باي هذا أهلًا لذلك
(4)
. انتهى.
وما عرفت أنا [ما] يعني هذا الكلام وما مراده بذلك، وكان عليه لذلك، وكلّما نقلته لذلك هو يدين، وهم يصيرون ملوك العصر من سلاطين البلاد، فما وجه تخصيص هذا لكونه لا أهلية له لذلك، والسكات عن أولئك.
[حجوبية الحجّاب]
وفيه، في يوم الخميس استقرّ في وظيفة حجوبية الحجاب بيبرس الأشرفي، أخو الخَوَنْد جُلْبان وخال العزيز يوسف بن الأشرف بَرسباي من الخوند المذكورة، عِوضًا عن سودون قراقاش الماضي ذِكره
(5)
.
[تقرير الأمير اخورية]
وفيه -أعني هذا اليوم- استقرّ في الأمير اخورية الثانية بُرْدُبك المحمّدي الظاهري المعروف بهجين، نقلًا إليها من الأمير اخورية الثالثة، وذلك عِوَضًا عن يلباي المذكور قبل ذلك. وبُردُبك هذا هو الذي تنقّلت به الأحوال بعد ذلك
(1)
كلمة ممسوحة.
(2)
قال ابن تغري بردي: "سسَكْسَن" أعني ثمانين، ولم يكن دولات هذا أهلًا لذلك، وإنما هي أرزاق مقسومة إلى البرّ والفاجر". (النجوم الزاهرة).
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
النجوم الزاهرة 16/ 154.
(5)
خبر حجوبية الحجاب في: النجوم الزاهرة 6/ 154، ونيل الأمل 6/ 96، وبدائع الزهور 2/ 364.
حتى وُلّي إمرة سلاح في سنة إثنتين
(1)
وسبعين، وفُقد في نوبة سِوار ولا وُقف له على خبر، ولا عُرفت جُثته على ما سيأتي ذلك.
وقرّر السلطان مملوكه قَراجا الأشرفي الطويل الذي وُلّي نيابة حماة فيما بعد في وظيفة الأمير اخورية الثالثة عِوضًا عن بُرْدُبك المذكور
(2)
.
[ربيع الأول]
وفيها استهلّ ربيع الأول بتمام العدد ثلاثين، وهُنّيء السلطان به، وهو آخر شهر هُنّيء به هذا السلطان، إذ فيه كانت وفاته كما سنذكر ذلك.
[إمرة الحاجّ]
وفيه -أعني ربيع هذا، في يوم الخميس رابعه- استقرّ في إمرة الحاج بالمحمل مُغُلْباي الأبوبكري المؤيَّدي، المعروف بطاز، واستقرّ في إمرة المركب الأول تنِبك البوّاب الأشرفي الخاصكي، وخلع عليهما بذلك
(3)
. وسيأتيان كلِّ في محلّه من سنة وفاته وما تنقّلت به الأحوال فيه.
[قراءة المولد النبوي الشريف]
وفيه، في يوم الأحد سابعه، عمل السلطان المولد النبويّ، على صاحبه أفضل الصلاة والسلام، وذلك على عادته في كل سنة بالحوش، وهو آخر مولد عمله هذا السلطان، فإنه مات بعد ذلك في نصف جماد الأول كما سنذكره.
[خروج الأتابك للسرحة]
وفيه، في يوم الإثنين ثانيه، وهو صبيحة عمل المولد المذكور، خرج المقام الشهابي الأتابكي أحمد ابن
(4)
السلطان للسرحة إلى جهة الوجه البحري شرقًا وغربًا، وصحِب معه أخاه المقام الناصري محمد أحد مقدّمي الألوف، وخرج معه في صحبته جماعة من الأعيان والأمراء العشرات، وكان لخروجه كبكبة هائلة
(5)
.
(1)
في الأصل: "سنة اثنين".
(2)
خبر تقرير الأمير اخورية في: النجوم الزاهرة 16/ 154، 155، ونيل الأمل 6/ 96، وبدائع الزهور 2/ 364.
(3)
خبر إمرة الحاج في: النجوم الزاهرة 16/ 155، ونيل الأمل 6/ 97، وبدائع الزهور 2/ 364.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
خبر السرحة في: النجوم الزاهرة 16/ 155، ووجيز الكلام 2/ 736، ونيل الأمل 6/ 97، وبدائع الزهور 2/ 364.
[وزارة ابن الأهناسي]
وفيه، في يوم الخميس حادي عشره استقرّ في الوزارة علي بن الأهناسي عِوضًا عن السعد بن النحّال بعد استعفائه منها وإجابته إلى ذلك
(1)
.
[الحرب بين عربان هوّارة]
وفيه، في يوم السبت عشرينه، ورد الخبر إلى القاهرة من الوجه القِبلي بأن عربان هوّارة كان بينهم قتال كثير وحرب التقى فيها أحمد وأخوه يونس بابن عمّهما سليمان بن عيسى، وهزم سليمان أحمد المذكور، وثارت الفِتن بتلك النواحي والشرور، فعيّن السلطان تجريدة يأتي ذكرها
(2)
.
[كائنة الصلاح بن بركوت]
وفيه، في يوم الأحد حادي عشرينه، كائنة الصلاح المكيني الذي ولي القضاء الشافعية بعد ذلك كما سيأتي، وهي أنه كان قد استبدل وقْفًا، والقصّة عن آخرها فيها طول، آل الأمر في ذلك أنه وقع ذلك للسلطان فأمر به فسُجن بحبس الرحبة إلى آخر هذا النهار، ثم قرر عليه مبلغًا من الذهب، فحمله وأُطلق في هذا اليوم
(3)
.
[ربيع الآخر]
[ضبط تركة زوجة قانباي]
وفيها، في يوم الخميس ثاني ربيع (الآخر)
(4)
عيّن السلطان الطواشي شجاع الدين شاهين الظاهري الساقي المعروف بقرالي للتوجّه إلى دمشق لضبط تركة زوجة قانباي الحمزاوي التي مات عنها، وكانت معظّمة عنده جدًّا، وكانت تُتَّهم بمال كثير، وماتت بدمشق
(5)
.
[عودة ولدي السلطان من السرحة]
وفيه، في يوم السبت رابعه، وقيل: خامسه، الاختلاف وقع في أول هل كان
(1)
خبر الوزارة في: النجوم الزاهرة 16/ 155، ونيل الأمل 6/ 97، وبدائع الزهور 2/ 364.
(2)
خبر حرب العربان في: نيل الأمل 6/ 97، وبدائع الزهور 2/ 364، 365.
(3)
خبر كائنة ابن بركوت في: النجوم الزاهرة 16/ 155، ونيل الأمل 6/ 97، 98، وبدائع الزهور 2/ 365.
(4)
في الأصل: "ربيع الأول" وهو سَهْوٌ من المؤلف رحمه الله.
(5)
خبر ضبط التركة في: نيل الأمل 6/ 98، وبدائع الزهور 2/ 365.
الأربعاء أو الثلاثاء، نودي بالقاهرة بزينتها لرجوع ولدي السلطان من السرحة، فأخذ الناس في أسباب ذلك، ثم زُيّنت القاهرة زينة هائلة
(1)
، وكان ما سنذكره.
[زيارة كرتباي الجركس دمشق]
وفيه، في يوم الأحد خامسه، ثم صح بأنه سادسه لثبوت الشهر بالرؤية بعد ذلك، سافر كرتباي ملك الجركس ووالد الخوند جان سوار زوجة الظاهر جقمق التي تزوّجت بعد ذلك جانم الأشرفي نائب الشام، وكان قدم عليه بدمشق وأقام عنده مدّة، ثم سافر عائدًا لبلاده بعد أن أهداه جانَم أشياء كثيرة. وستأتي ترجمته إن شاء اللَّه تعالى في سنة وفاته وهي سنة ثمانٍ وستين
(2)
.
[استقبال ولدي السلطان]
وفيه، في يوم الثلاثاء ثامنه، قدم ولدا
(3)
السلطان من السرحة فدخلا إلى القاهرة وشقّاها في موكب جليل إلى الغاية والعناية قاصدين القلعة، وطلعا لأبيهما فخلع عليهما، ونزلا ومعهما الأمراء الأعيان ووجوه المملكة في موكب حافل أيضًا فشقّا الصليبة إلى جهة منزل المقام الشهابي بالكبش، وقعد الناس لرؤيتهما في حالتي طلوعهما ونزولهما، وكان لهما يومًا مشهودًا، ولهج الناس في هذا اليوم بتمام شأنهما وشأن أبيهما، وكان ذلك آخر السعد، وكان ما لهجوا اليوم قريبًا
(4)
تصديقًا لقول من قال تصديقًا لها، وتصديقًا لقول الشاعر:
إذا تمّ أمرٌ في بدايته
…
توقَّعْ زوالًا إذا قيل تمّ
[الظفر بجماعة من أهل شيرينه بقبرس]
وفيه ( ......... )
(5)
أخبار البريد في هذه الأيام أشيعت الأخبار بالقاهرة بأن جانبك الأبلق الذي أقيم باشا على من نزل من الجند والعسكر بقبرس عند جاكم ظفر هو وجاكم بجماعة من أهل شيرينه، وأن تنِبَك الترجمان هو وعدّة أربعة أنفار من مماليك السلطان كان قد قبض من جاكم الحمل المقرّر عليه من
(1)
خبر العودة من السرحة في: النجوم الزاهرة 16/ 155، ونيل الأمل 6/ 98، وبدائع الزهور 2/ 365.
(2)
انظر ترجمة (كرتباي الجركسي) برقم (243).
(3)
في الأصل: "قدم ولدي".
(4)
خبر الاستقبال في: النجوم الزاهرة 16/ 155، ونيل الأمل 6/ 98، وبدائع الزهور 2/ 365.
(5)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة تمامًا.
الثياب الصوف وغير ذلك مما يُحمل إلى القاهرة في كل عام، وركب البحر قاصدًا
القاهرة بما معه، وبينا هم في أثناء طريقهم للمجيء إذ ظفر بهم جماعة أخت الملك
جاكم فأخذوهم بما معهم، فعظُم هذا الخبر على السلطان وعيّن تجريدة
(1)
.
[ولاية القاهرة]
وفيه، في يوم السبت خامس عشريه، استقرّ إينال الأشقر اليحاوي الظاهري أحد الخاصكية في ولاية القاهرة من الخاصكية دفعة واحدة قبل أن يتأمّر، وصُرف علي بن إسكندر، وإينال هذا (
…
)
(2)
بعد نيابة حلب، على ما سيأتي في محلّه عند ذِكرنا ترجمته
(3)
.
[جمادى الأول]
[تهنئة الخليفة للسلطان بالشهر]
وفيها استهلّ جماد الأول الخميس بتمام عدد ما قبله، واطلع الخليفة وسلّم على السلطان (
…
)
(4)
وهو آخر شهر هُنّيء به هذا السلطان إذ فيه كانت وفاته بعد أيام، فلزم فراشه ( .... )
(5)
.
[إبتداء مرض السلطان]
وفيه، في يوم السبت ثالثه ابتدأ
(6)
بالسلطان مرضه الذي مات فيه، فقد لزِم الفراش في هذا اليوم ولم يُوَرّ بمرضه كما وقع لغيره من السلاطين كالأشرف بَرْسْباي والظاهر. فإنه بدأ به المرض فأرقده، وعن قليل أخذه
(7)
.
[وصول صهر السلطان من الطينة]
وفيه، في يوم الخميس ثانيه وصل بُردُ بك الدوادار صهر السلطان من الطينة،
(1)
خبر أهل شيرينة= شرينة في: النجوم الزاهرة 16/ 98، 99، ونيل الأمل 6/ 98، 99، ومنتخبات من حوادث الدهور 348، وبدائع الزهور 2/ 366.
(2)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة تمامًا.
(3)
خبر ولاية القاهرة في: النجوم الزاهرة 16/ 156، ونيل الأمل 6/ 99، وبدائع الزهور 2/ 366.
(4)
مقدار خمس كلمات ممسوحة تمامًا.
(5)
مقدار كلمتين.
(6)
في الأصل: "ابتداء".
(7)
خبر مرض السلطان في: النجوم الزاهرة 16/ 156، ونيل الأمل 6/ 99، وبدائع الزهور 2/ 366، ووجيز الكلام 2/ 736.
وكان قد خرج إليها قبل ذلك بتعيين من السلطان هو ونقيب الجيش محمد بن أبي الفرجٍ في الشهر الماضي ليكشفا عن مكان هناك كان للسلطان في عزم أن ينشيء برجا لأجل حفظ ذلك الساحل من طروق الفرنج القرصان
(1)
.
[الأراجيف بموت السلطان]
وفيه، في يوم السبت عاشره قوي مرض السلطان وكثرت الأراجيف، ثم كان ما سنذكره.
وفيه في يوم الإثنين ثاني عشره أرجف بالقاهرة بموت السلطان لشدّة مرضه، ثم لم يصحّ ذلك، وكان ما ستعرفه.
وفيه في يوم الثلاثاء ثالث عشره وقع بالقاهرة قلقلة عظيمة وهرج كبير، فهاجت الناس واضطربوا وأخذوا في القال والقيل وكثُرت جماعة من العوالم عند باب المدرج كالمنتظرين لجنازة السلطان للفُرجة عليها على عادة العوامّ في غير ذلك، فبلغ من بالقلعة ذلك، فعزّ عليهم. ثم نزل الوالي إلى أولئك القوم فبدّد شملهم وفرّق جمعهم، ثم خرج المنادون فنادوا
(2)
بشوارع القاهرة بالأمان والإطمئنان والبيع والشراء، وأن أحدًا لا يتكلّم فيما لا يعنيه، فحصل بذلك بعض طمأنينة للناس وسكن الحال شيئًا، وبَطَلَ الهَرَج إلى ما سنذكره
(3)
.
(ذِكر بداية سلطنة المؤيَّد)
(4)
وفيه، في يوم الأربعاء رابع عشره حين الضحوة كانت مبايعة السلطان الملك المؤيَّد أبي
(5)
الفتح أحمد بن السلطان الملك الأشرف إينال الأتابك قبل ذلك. وكان من خبر ذلك أن الشهابي أحمد المذكور هو ووالدته وصهره بُردُبَك الدوادار الثاني لما رأوا الأشرف إينال قد ثقُل وانحطّ في مرضه وظهرت عليه أمارات الموت دبّروا قبل هذا اليوم سلطنة أحمد المذكور، ثم ذكروا ذلك للسلطان فأجابهم إليه،
(1)
في الأصل: "قرصال" باللام.
وخبر صهر السلطان في: النجوم الزاهرة 16/ 156، ونيل الأمل 6/ 99، وبدائع الزهور 2/ 366.
(2)
في الأصل: "فنادت".
(3)
خبر الإرجاف بموت السلطان في: النجوم الزاهرة 16/ 156، ونيل الأمل 6/ 99، وبدائع الزهور 2/ 366.
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
في الأصل: "أبو".
فأصبح أمام التهاني في هذا اليوم متهيّئًا لذلك. ونزل الأمر من القلعة عن لسان السلطان الأشرف إلى الخليفة والقضاة بالحضور إلى القلعة، فلم يكن إلّا القليل من الزمن وقد حضر الخليفة المستنجد بالله أبو المظفّر يوسف أمير المؤمنين، وكذلك قضاة القضاة الأربعة
(1)
، وجماعة من النواب والموقّعين، وكذلك أعيان الأمراء وأرباب الدولة من أهل الحلّ والعقد. ولما رأى الناس هذه الحركة لم يشكّوا في وفاة السلطان، وجزم الكثير بها، ولم يكره ذلك بل طلبهم هو لعقد السلطنة لولده كما قلناه. ولما تكامل هذا الجمع، وكان ذلك بدهليز الدهيشة جلس الخليفة هو والمقام السلطاني والأتابك حينئذٍ في صدر المجلس وجلس القضاة ومن حضر من الأمراء وغيرهم في مراتبهم على العادة في ذلك كلٌّ بحسب مقامه ومرتبته، ثم دار الكلام بينهم في مرض السلطان (
…
)
(2)
على خطّه بعد أن عرفوا بأنه في قيد الحياة، وأنه هو الذي بعث بطلبهم، وأخذوا في الكلام في سلطنة الأتابك أحمد ولده، وأن والده تقدّم منه العهد له بالسلطنة، ولهذا أشار بحضورهم ليكون ما فيه المصلحة للمسلمين. وطال الكلام بينهم في معنى ذلك، فلما رأى كاتب السرّ، وهو إذ ذاك المحبّ بن الشِحنة، أن المجلس طال بَدَرَ من بين الجماعة فتكلّم بكلام معناه أنهم يبايعون المقام الشهابي بالسلطنة على وجه النيابة عن أبيه مدّة حياته مستقلًّا بها بعد وفاته أو ما هو في معنى ذلك، فلم يجب إلى ذلك أحد من الحاضرين لِما فيه من الافتئات على السلطان في حالة حياته، ثم اختشاءً من العواقب، ولم يحسُن ذلك لديهم. وكان قصد كاتب السرّ بذلك تمام الأمر لِما عليه من حال السلطان، وكونه على موت، ولئلّا يطلع أحد على حال السلطان.
وقيل: بل قال ذلك على وجه أن يراجع السلطان ودرس بعضهم بفوائد الحال، ثم اتفق رأي من حضر من أهل الحلّ والعقد على أنهم يدخلوا على السلطان ويسمعوا كلامه في معنى ذلك ليكون أقعد لما قصده ولده، فقام الجميع ممن حضر ذلك المجلس من القضاة والأمراء ما عدا الخليفة وولد السلطان فإنهما بقيا بمحلّيهما من الدهليز المذكور، فدخل الجميع إلى قاعة الدهيشة ليسمعوا كلام السلطان في العهد لولده أو غير ذلك. وكان السلطان متمرّضًا بالقاعة المذكورة، وقد قرُب من الاحتضار وهو مُستلقي لا يستطيع الكلام، فبدأ يونس الدوادار الكبير وشرع في الكلام وكلّمه غير ما مرة في معنى العهد لولده، وهو في غيبوبته، فلا قدر في ذلك على الكلام، فردّد يونس كلامه المرّة بعد المرّة، والكَرَّة بعد الكَرّة،
(1)
في الأصل: "القضاة الأربع".
(2)
كلمة غامضة.
وجميع من دخل إليه وقوف لأجل سماع كلامه ليبنوا عليه الأمر الشرعي في ذلك. وطال الوقوف على ذلك الحال وهو لا يتكلّم، فخرجوا إلى المقام الشهابي وعرّفوه بالحال، ثم عادوا إلى السلطان أيضًا رجاء سماع كلامه فيما هم بصدده، وكرّروا الكلام عليه ثانيًا، فتكلّم بعد جهد وقال باللغة التركية: أغلم أغلم المرة بعد المرة، يعني: ولدي ولدي. وكان ذلك جوابًا لما قالوه: من يكن السلطان؟ فقال الحاضرون: هذا إشارة إلى سلطنة ولده وخلْع نفسه، فإنه لا يستطيع من الكلام فوق ذلك، وخرجوا من وقتهم إلى الدُهَيشة، واتفق رأيهم على بيعة المقام الشهابي عند وجه إشارة أبيه بسلطنته وخلع نفسه أو خلعهم إيّاه
(1)
، ولم أؤكّد هذا.
(سلطنة المؤيَّد أحمد بن إينال)
(2)
ثم عقدوا المُلك لولده، فبايعه الخليفة بعد أن مدّ يده إليه، ثم القُضاة، ثم من حضر، ثم ابتدأ كاتب السرّ بعد عقد البيعة بتحليف الأمراء والجند الواحد بعد الواحد، واجتهد في ذلك، فحلّفهم الأَيمان المؤكّدة على طاعة من تسلطن وهو الشهابي أحمد ونُصرته والقيام معه بالقلب والقالب، وأن يكونوا جميعًا معه على قلب رجلٍ واحد، إلى غير ذلك من الأشياء التي تتعلّق بالمبايعة للسلطان. ولم يستطع أحد من الجند أن يورّي في يمينه. ثم وقع الإشهاد بذلك على الجماعة وعلى الخليفة، قال: (
…
)
(3)
كتب الموقّعون فيها مسوَّدة، وكتب سجلّ الحَلَف أيضًا. وكان من علامة (
…
)
(4)
باليمين بالمثنَّى، أي يكرّر كذا كذا مرة، على نقيض مذهب الإمام مالك ومن بدوّ (
…
)
(5)
انعتاق ولما انقضى ذلك جميعه، وتمّت البيعة قام من حضر من (
…
)
(6)
للبس القماش الذي جرت العادة بلبسه في هذا اليوم (
…
)
(7)
تشريفهم بأجناس القماش، وتهيّأوا لإجلاس السلطان على سرير المُلك (
…
)
(8)
السوداء الخليفتي، وأُحضرت العمامة السوداء، فقام (
…
)
(9)
جميع ذلك (
…
)
(10)
. ثم نهض المقام الشابي على قدميه (
…
(1)
خبر بداية السلطنة في: النجوم الزاهرة 16/ 218، 219، ووجيز الكلام 2/ 736، ونيل الأمل 6/ 100، وبدائع الزهور 2/ 366، 367، وأخبار الدول 2/ 315.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
كلمة ممسوحة.
(4)
كلمة ممسوحة.
(5)
ثلاث كلمات ممسوحات.
(6)
خمس كلمات ممسوحات.
(7)
كلمة واحدة.
(8)
ثلاث كلمات.
(9)
ثلاث كلمات.
(10)
كلمتان ممسوحتان.
)
(1)
فأفيض الشعار عليه وألبس العمامة وتقلّد السيف (
…
…
)
(2)
في السلطنة وهيئتها، وقد قُيّد له فرس النَّوبة ( ....
…
)
(3)
مُسرج بالسَّرج الذهب والكنبوش الزركش (
…
)
(4)
الأشرف بَرسباي والدُهيشة، وقُيّد للخليفة أيضًا مركوب خاص (
…
…
)
(5)
في صحبته وجميع من حضر مُشاة بين يديهما، فاستصعب (
…
…
)
(6)
القصير حتى احتضن بباب الستارة، وإذا بالجاويشية (
…
…
)
(7)
القبّة والطير قد أحضرهما، فلما رأى السلطان ذلك أشار إلى (
…
)
(8)
إذ ذاك، فتقدّم وأخذها لحملها على رأس السلطان بعد (
…
)
(9)
السلطان لكونه ترشّح للأتابكية، وحملها على رأس السلطان، وسار وساروا معًا في موكب حافل هائل جدًّا (
…
)
(10)
الملك بأُبَّهة وعظمة زائدة، ولا زال على تلك الهيئة حتى وصل لباب القصر الكبير، فنزل ثم دخل إلى القصر وقد هُيّيء لجلوسه عليه (
…
)
(11)
وقام الكل بين يديه، ثم قبّلوا له الأرض، وكان لجلوسه على تخت المُلك بتلك الهيئة هيئة الأُبّهة والبهجة الزائدة، فلعلّ لم يُر فيما تقدّم من السلاطين أحسن هيئة في يوم السلطنة لأنه كان أبيض اللون في خلقة سوداء، ثم مع كل (
…
)
(12)
حُسن شكالته وهيئته. ولما تمّ جلوسه قرّر النائب في الحال بإشهار النداء في شوارع القاهرة بسلطنته وطلب الدعاء له بعد أن دقّت البشائر وأظهرت التهاني، وفرح الناس بسلطنته فرحًا شديدًا وسُرّوا بذلك.
وكان جلوسه على التخت في أول الساعة السادسة من النهار.
وهو السلطان السابع والثلاثون من ملوك التُرك وأولادهم بالديار المصرية، والملك الثالث عشر من ملوك الجراكسة وأولادهم، وسابع ولد ناس تسلطن من أولاد من مسّهم الرق من برقوق الظاهر فمن بعده. واتفق يوم سلطنته أول برمهات من شهور القِبط.
وهو أول سلطان تسلطن من أولاد الناس الذين ذكرنا بلحية. وأول سلطان كُني في لقبه بالمؤيَّد بأبي الفتح من سلاطين مصر.
(1)
ست كلمات.
(2)
أربع كلمات.
(3)
خمس كلمات.
(4)
أربع كلمات.
(5)
أربع كلمات.
(6)
خمس كلمات.
(7)
أربع كلمات.
(8)
أربع كلمات.
(9)
كلمتان فقط.
(10)
كلمة واحدة.
(11)
ثلاث كلمات.
(12)
كلمتان فقط.
ثم لما فرغ الناس من السلام عليه بالسلطنة أُحضرت خلعة الخليفة، وكانت خلعة هائلة فوقانية بوجهين، أحدهما حرير أبيض، والآخر أبيض بالطرز المزركش الكبار، فأفيضت عليه، وأقطع قرية إنبابة بالجيزية، زيادة على ما بيد الخلفاء من الأقاطيع، فهي من نوادر هذا السلطان ومحاسنه.
وخلع على الأمير خُشقدم الناصري أمير سلاح (
…
)
(1)
البيرق والطير على العادة ورُشّح للأتابكية وخلع عليه بها بعد ذلك على ما سنذكره. ثم قيّد لكلّ منهما مركوب من خاص الخيل السلطانية بالسروج الذهب والكنابيش الزركش، فركباهما إلى ديارهما.
وأقام السلطان بالقصر السلطاني
(2)
. ثم كان بعد هذا اليوم ما سنذكره.
[تقرير أمراء]
وفيه، في يوم الخميس خامس عشره، وهو اليوم الثاني من سلطنة المؤيَّد هذا حضر السلطان (
…
)
(3)
بالقصر وقد عملت الخدمة، والموكب (
…
)
(4)
ثم أخذ في هذا اليوم (
…
)
(5)
له عادة بذلك وفي التصرّف بالولاية والعزل والأمر والنهي، فأول (
…
)
(6)
التقدمة بخُشْقَدم في الأتابكية عِوَض عن (أحمد)
(7)
بحكم اعتقاله ( ....
…
)
(8)
في هذا اليوم لعدم تهيئة خلعة الأتابكية له لضيق الوقت (
…
…
)
(9)
، ثم قرّره في الإقطاع الذي كان بيده وهو إقطاع الأتابكية
(10)
وفيه -أعني هذا اليوم- خلع على جَرِباش المحمّدي كُرد بإمرة سلاح عِوَضًا عن خُشقدم نقلًا إليها من إمرة مجلس
(11)
.
(1)
كلمة واحدة.
(2)
خبر سلطنة المؤيَّد في: النجوم الزاهرة 16/ 219، ووجيز الكلام 2/ 736، وتاريخ ابن سباط 2/ 803، وحُسن المحاضرة 2/ 80، وتاريخ الخلفاء 513، ونظم العقيان 40 رقم 23، وحوادث الدهور 3/ 659، وإعلام الورى 58، ونيل الأمل 6/ 101، وبدائع الزهور 2/ 370، وأخبار الدول 2/ 315، وتاريخ الأزمنة 356، والتاريخ الغياثي 158، وتاريخ قاضي القضاة العليمي (مخطوط المتحف البريطاني، رقم 1544) ورقة 138 أ.
(3)
مقدار أربع كلمات ممسوحات.
(4)
مقدار أربع كلمات ممسوحات.
(5)
مقدار خمس كلمات ممسوحات.
(6)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحات.
(7)
مقدار كلمة واحدة، وما أثبتناه هو مما تقدّم.
(8)
مقدار خمس كلمات.
(9)
مقدار ثلاث كلمات.
(10)
خبر أتابكية خُشقدم في: وجيز الكلام 2/ 736، ونيل الأمل 6/ 101، وبدائع الزهور 2/ 371.
(11)
خبر إمرة جرباش في: النجوم الزاهرة 16/ 221، ونيل الأمل 6/ 101، وبدائع الزهور 2/ 371.
وخلعٍ على قَرَقْماس الأشرفي المعروف بالجلب بإمرة مجلس عِوضًا عن جَرِباش نقلًا إليها من رأس نَوبة النُوَب
(1)
.
وخلع على قانَمْ المؤيَّدي التاجر برأس نَوبة النُوَب نقلًا إليها من تقدمة ألف
(2)
. وقرّر في الإقطاع الذي كان بيد جرِباش أمير مجلس بيبرس خال العزيز لكونه آنئذٍ من إقطاعه. وكان بيبرس حاجب الحجّاب إذ ذاك، فكان حقّه أن يلي رأس نوبة النُوَب فلم يتّفق له ذلك. وقدم قانَمْ التاجر عليه وأُرضي بالإقطاع. وقام جانِبَك من أمير المعروف بالظريف
(3)
فقبّل الأرض، وطلب التقدمة الشاغرة عن بيبرس المذكور، فتوقّف السلطان عن ذلك، فوقع بين جانِبَك المذكور بسبب ذلك وبين يونس الدوادار مقاولة ومفاوضة، وردّ يونس على جانِبَك بردّ فاحش، فدام الإقطاع موقوفًا ولم يقرّر فيه أحد بسبب ما أنفق. ثم أنفضّ الموكب، وقام السلطان فتحوّل من القصر إلى الدُهَيْشة وجلس بالشبّاك المُطِلّ على الحوش، وأمر المنادي بأن ينادي بين يديه بأن البيعة السلطانية للجند السلطاني لكل نفر ماية دينار، وأن الابتداء بها يكون في يوم الثلاثاء عشرين الشهر، فكثُر الدعاء له بالنصر من الناس، وأَعلنوا بذلك كل ذلك، واشرف إينال والده في قيد الحياة إلى هذا الوقت
(4)
.
(وفاة الأشرف إينال)
(5)
وفيه، أعني هذا اليوم كانت وفاة الأشرف المذكور، وذلك أن ولده المؤيَّد لما أمر المنادي فبادر بالنفقة، وانتهى الحال من ذلك قام من وقته فدخل على أبيه لقاعة الدهيشة فوجده قد احتضر وهو في السياق، فجلس عنده حزينًا عليه، فلم يزل الأشرف على ذلك وهو في النزع إلى أن قضى في هذا اليوم بين الظهر والعصر فغمِّض وسُجِّي، وأخذوا في الحال في تجهيزه، وجُهّز من وقته، وأُخرجت جنازته وقد حضر الأمراء وغيرهم، وحضر ولده السلطان، وصُلّي عليه بباب القُلّة، ثم حُمل نعشه إلى تربته التي أنشأها بالصحراء فدُفن بها بالقبّة التي هيّأها لنفسه، وعُملت عنده الصدقات وقُرئت الختمات أيامًا متواليات.
(1)
خبر إمرة قرقماس في: النجوم الزاهرة 16/ 1225، ونيل الأمل 6/ 101، وبدائع الزهور 2/ 371.
(2)
خبر إمرة قانم في: النجوم الزاهرة 16/ 221، ونيل الأمل 6/ 101، وبدائع الزهور 2/ 371.
(3)
توفي جانبك من أمير المعروف بالظريف في سجن صفد سنة 870 هـ.
انظر عنه في: المجمع المفنّن 2/ 392، 393 رقم 1178 وفيه مصادر ترجمته.
(4)
النجوم الزاهرة 16/ 221، ونيل الأمل 6/ 101، 102، بدائع الزهور 2/ 371.
(5)
العنوان من الهامش.
وستأتي ترجمته إن شاء اللَّه تعالى في تراجم هذه السنة
(1)
.
[أتابكية خُشقدم]
وفيه، في يوم الجمعة سادس عشره حضر السلطان صلاة الجمعة بجامع القلعة وشهدها مع الأمراء على العادة في ذلك، وهي أول صلاة شهدها هذا السلطان في سلطنته. ثم لما قُضيت الصلاة خلع على الأمير خُشقدم بالأتابكيّة بعد أن قرّر فيها بالأمس على ما عرفت ذلك، ونزل في موكب حافل إلى داره
(2)
.
[تفريق نفقات الأمراء]
وفيه، في يوم الأحد ثامن عشره حُملت النفقات السلطانية إلى (
…
)
(3)
الأتابك خُشقدم الأمير الكبير أربعة آلاف دينار جرت العادة بها (
…
)
(4)
بالأتابكية والألف عادة حمل القبّة والطير على رأس السلطان في (
…
…
)
(5)
أمير سلاح، وقرقماس أمير مجلس، وبرسباي أمير اخور كبير، وقانَم (
…
…
)
(6)
ويونس الدوادار، وبيبرس حاجب الحجّاب، وهم أرباب الوظائف (
…
…
)
(7)
ألفي دينار وخمس مائة دينار جرت العادة بها، وحمل لبقية المقدَّمين الألوف (
…
)
(8)
ألفي دينار، وحُمل لأمراء الطبلخاناه لكلّ خمسمائة دينار، ولأمراء العشرات لكلِّ مائتي دينار على العادة
(9)
.
(1)
انظر عن (الأشرف إينال) في: النجوم الزاهرة 16/ 156 - 161، والمنهل الصافي 3/ 209 - 212 رقم 624، والدليل الشافي 1/ 171، 172 رقم 623، ومورد اللطافة، ورقة 15 ب، والضوء اللامع 2/ 328، 329 رقم 1080، ووجيز الكلام 2/ 736 - 739، وحوادث الدهور 3/ 558، ونظم العقيان 93 رقم 49، وحُسن المحاضرة 2/ 80، وتاريخ الخلفاء 413، وحوادث الزمان 1/ 153 رقم 172، وإعلام الورى 58، وبدائع الزهور 2/ 366، 367، وتاريخ ابن سباط 2/ 802، 803، والتاريخ الغياثي 358، وشذرات الذهب 7/ 304، وأخبار الدول 214، 215، وتاريخ الأزمنة 356، وتحفة الناظرين 2/ 39، 40، والذيل التام 2/ 150، 151، ونيل الأمل 6/ 102، والمجمع المفنّن 2/ 160 - 166 رقم 880، وتاريخ الملك الأشرف قايتباي (بتحقيقنا) 177، وإظهار العصر 1/ 69، والتبر المسبوك (فهرس الأعلام) 4/ 134، وصفحات لم تنشر من بدائع الزهور 83، 84، والمواعظ والاعتبار 2/ 244، وإنباء الهصر (فهرس الأعلام)523.
(2)
خبر الأتابكية في: نيل الأمل 6/ 103.
(3)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(4)
مقدار ثلاث كلمات.
(5)
مقدار أربع كلمات.
(6)
مقدار كلمتين ممستوحتين.
(7)
مقدار ثلاث كلمات.
(8)
مقدار ثلاث كلمات.
(9)
خبر تفريق النفقات في: النجوم الزاهرة 16/ 222، ونيل الأمل 6/ 103، وبدائع الزهور 2/ 371، 372.
[نظارة البيمارستان]
وفيه، في يوم الإثنين تاسع عشره (
…
)
(1)
النظر على البيمارستان المنصوري وما يتعلّق به من (
…
)
(2)
عِوضًا عن رأس نوبة النُوَب أيضًا خلعة الأنظار المتعلقة به (
…
)
(3)
حضر قانَم إلى الخانقاه الشيخونية بخلعته فدخلها (
…
)
(4)
وعلى ألفين بالخانقاه المذكورة ثم قرّر بين يديهما (
…
)
(5)
من حضر، ثم قام فتوجّه للصرغتمشية وقد حضر بها شيخنا (
…
)
(6)
ثم توجّه لمنزله.
[مقدّمية الألوف بمصر]
وفيه، أعني هذا اليوم، قرّر السلطان الأمير يشبُك البُجاسي الأشرفي أحمد مماليك الأشرف إينال من جملة مقدَّمين الألوف بمصر، وهي المقدّمية التي قد (
…
)
(7)
نقل يشبُك هذا إليها عِوضًا عن بيبرس خال العزيز نقلًا إليها من تقدمة ألف كانت بيد يشبُك المذكور بحلب
(8)
.
ويشبُك هذا موجود إلى يومنا هذا سنترجمه على عادتنا في تراجم الأعيان.
[ترجمة يشبُك]
123 -
وأعني يشبُك
(9)
هذا في الأصل من مماليك تَنِبَك البُجاسي نائب
الشام، ولما مات ملكه الأشرف إينال وأ (
…
)
(10)
عليه في حال إمرته فيما
أظنَّ، أو كان (
…
)
(11)
للأول (
…
)
(12)
ما ذلك وصار من أعيان جماعة
(1)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(2)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(3)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(4)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(5)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(6)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(7)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(8)
انظر عن مقدّمية الألوف في: النجوم الزاهرة 16/ 222، ونيل الأمل 6/ 103، 104، وبدائع الزهور 2/ 372.
(9)
مات (يشبُك البُجاسي) في سنة 890 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 10/ 275 رقم 1083 ولم يؤرّخ لوفاته، ونيل الأمل 7/ 414، 415 رقم 3332، وبدائع الزهور 3/ 217، وتاريخ طرابلس 2/ 53 رقم 129.
(10)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(11)
كلمة واحدة.
(12)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
إينال المذكور. وتنقّلت به الأحوال عنده حتى صيّره دواداره في حال إمرته، ثم بعد
ذلك سأل له الظاهر أن يقرّره في إمرة عشرة شغرت بصفد، فأجابه إلى ذلك،
فصار من أمراء صفد وخرج إليها. وكان لأستاذه بعض تعلّقات بها أيضًا، فدام
يشبُك على ذلك مدّة حتى تسلطن أستاذه فبعث إليه بتقدمة ألف ودوادارية السلطان بها. فتوجّه إليها وضخم بها جدًّا وعظُم، وحصّل المال، ولم يزل إلى آخر دولة أستاذه، فقدم عليه إلى القاهرة لزيارته بها، فاتفق أنْ مات الأشرف أستاذه وتسلطن ولده كما ذكرناه، فصيّره من مقدَّمين
(1)
الألوف على هذه التقدمة التي ذكرناها، فلم تُطل مدّته بها حتى خُلع المؤيَّد هذا على ما سيأتي ذلك في هذه السنة في متجدّدات رمضان منها، وتسلطُن خُشقدم فأخرجه إلى نيابة ملَطْية عِوضًا عن قانِباي البكتُمري لما نُقل من ملطية إلى البيرة، ثم نُقل من ملطية إلى أتابكية حلب
(2)
ثم إلى نيابة حماة عِوضًا عن ابن
(3)
مبارك، ثم نُقل إلى نيابة طرابلس عوضًا عن ابن
(4)
مبارك المذكور أيضًا، ثم نُقل إلى نيابة حلب عِوَضًا عن الحاج إينال لما مات، فدام على نيابة حلب إلى أن كانت كائنة سِوار الأولى، وكُسر العسكر، فاختشى يشبُك هذا على نفسه، فاختفى ثم ظهر في دولة الأشرف قايتباي، فولّاه طرابُلُسَ ثانياً بعد حلب عِوضاً عن قانصوه اليحياوي لما نُقل إلى نيابة حلب عِوضًا عن يشبُك نفسه، بحكم هربه واختفائه، وعُدّ ذلك من النوادر، ثم نُسِب وهو بطرابلس إلى أمرٍ، وأنه كاتبَ حسن الطويل صاحب ديار بكر، فبعث السلطان إليه البرهان النابلسي فقبض عليه قبضًا فاحشًا، وأسرف في ذلك، وصادره أقبح مصادرة، وحمله إلى قلعة دمشق فسُجن بها مدّة، ثم شفع فيه يشبُك من منصور الدوادار فأُطلق وأُخرج إلى القدس، ثم أعطي رزقًا هيّنًا بصفد، وهو بها الآن، وقد حصل له رعشة مما قاساه من المِحَن. وكان أصل ما حصل عليه من الكروب أمانه لا جوزي خيرًا.
وهو -أعني يشبُك هذا- إنسان حسن السمت والملتَقَى، له تؤدة وسكون زائد، ويوصف بالخير والتديّن والعفّة والأمانة والشجاعة والإقدام.
وسيأتي فيما بعد تفاصيل تنقّلاته كلّ في محلّه، وكذا ما جرى عليه بزيادة على ما ذكرناه هاهنا إن شاء اللَّه تعالى.
(1)
هكذا يكتبها المؤلف رحمه الله في كل مواضح الكتاب. والصواب: "من مقدَّمي الألوف".
(2)
كتب بإزائها على الهامش: "حلب على الحجوبية الكبرى بها ثم نقل إلى نيابة".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الأصل: "بن".
(تعيين المبشّرين بالسلطنة إلى البلاد)
(1)
وفيه -أعني هذا اليوم الذي هو الإثنين تاسع عشر جمادى المذكور- عيّن
الطان جماعة من الأمراء الخاصكية للتوجّه إلى البلاد الشمالية بالبشارة بسلطنته،
وخلع عليهم بذلك.
فعيّن لدمشق بالبشارة لنائبها جانَم الأشرفي مُغُلْباي طاز الأبو بكري المؤيَّدي.
وعيّن لحلب بيبرس الأشرفي الأشقر لبشارة الحاج إينال نائبها.
وعيّن لطرابلس برقوق الناصري الظاهري الساقي الذي وُلّي نيابة الشام فيما بعد ذلك لبشارة إياس الطويل نائبها.
وعيّن لحماة آقبردي الأشرفي الساقي لجانِبك التاجر المؤيَّدي نائبها.
وعين تَنَم الفقيه المؤيَّدي للتوجّه بالبشارة لخير بك القصروي نائب صفد، ولبُردُبك العبد الرحماني نائب غزّة يبشّرهما معًا.
وخلع على جماعة أُخَر كثيرين
(2)
بالتوجّه بالبشائر إلى الجهات وأقطار المملكة إلى غير من ذكرنا من النواب، وتهيّأوا جميعهم بعد ذلك وتوجّهوا لِما عُيّنوا له
(3)
.
(تفرقة النفقات على الجند)
(4)
وفيه، في يوم الثلاثاء عشرينه، بدأ السلطان بتفرقة النفقة على الجند السلطاني فنفقها من غير تسوية وخالف ما كان ناداه في يوم المناداة بإعلامهم، فأعلى من أعطاه منهم مائة دينار، وأدنى من أعطاه ثلاثين دينارًا. ونفق على الكتابية كل نفر عشرة دنانير. ودام الإنفاق متتابعًا في يومين في الأسبوع، وهما السبت والثلاثاء، إلى أن كان ما سنذكره
(5)
.
(ورود أمير من قبرس من جانِبَك)
(6)
وفيه -أعني هذا الشهر- وصل إلى القاهرة الأمير جانِبَك الأبلق المتقدّم
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
في الأصل: "على جماعة أُخَر كثيرون".
(3)
خبر تعيين المبشّرين في: النجوم الزاهرة 16/ 223، ونيل الأمل 6/ 104، وبدائع الزهور 2/ 372.
(4)
العنوان عن الهامش.
(5)
خبر تفرقة النفقات في: النجوم الزاهرة 16/ 223، 224، ونيل الأمل 6/ 104.
(6)
العنوان من الهامش.
خبر جعْلِه باشا على الجُند بقبرس، وعلى يده مكاتبة مُرسِله جانِبك المذكور يخبر فيها بأنه هو ومن معه من الجند السلطاني والجند من الفرنج الذين توجّهوا مع جاكم توجّهوا إلى شِرِينَة وفيها أخت جاكم بجُندٍ من جهتها، وأن جانِبك بمن معه واقعوا أهلها في عاشر ربيع الآخر وحصروا قلعتها، وقتلوا من أهل القلعة ثمانية أنفار، وأسروا ثمانية، ثم واقعوهم ثانيًا، وقُتل صاحب الشرطة بقلعتها، وأن شخصًا من أكابرها وعظمائها رمى بنفسه إلى البحر فغرق، وأنه قُبض على خمسة منهم وهم في أسرنا، وأن الملكة خافت ففرّت متوجّهة من البحر إلى جزيرة رودِس مستنجدة بصاحبها على أخيها. وذكر أنه ظفر بعدّة مراكب كانوا عدّة من أبراج قلعة الياق بعد أن قاسوا منه الشدائد. ثم أخذ يؤكّد في مكاتبته باستحثاثه السلطان على إرسال عسكر بسرعة ليحصل الرعب بسماعهم [و] مجيئهم، وليكونوا عونًا عليهم قبل أن يجيء من الجنويّين من أهل الماغوصة
(1)
من ينجد هؤلاء، وأكّد في ذلك غاية التأكيد على ما سنذكره
(2)
.
[مشيخة الغربية]
وفيه، في يوم الأربعاء ثاني عشرينه، استقرّ في مشيخة (
…
)
(3)
الغربية عُمير بن حُميد بن يوسف، وانصلح به حال هذا الإقليم.
[الصرف عن الأستادارية]
وفيه في يوم الأربعاء نفسه صُرف الشمس منصور عن الأستادارية
(4)
.
[جمادى الآخر]
[الخلعة بالأستادارية لابن البَقَري]
وفيه، في يوم الخميس تاسع جمادى الآخر طلب السلطان القاضي مجد الدين أبا
(5)
الفضل بن البقري وخلع عليه جُبّة سمَّور وعيّنه للأستادارية عِوضًا عن منصور، ووعده بأنه في يوم السبت مستهلّ جمادى الآخرة يخلع عليه الأستادارية ويتم التكلّم فيها.
(1)
الماغوصة= فماغوستا.
(2)
خبر قبرس في: النجوم الزاهرة 6/ 224، ونيل الأمل 6/ 104، وبدائع الزهور 2/ 372.
(3)
كلمة ممسوحة.
(4)
خبر الاستادارية في: النجوم الزاهرة 16/ 225، ونيل الأمل 6/ 104.
(5)
في الأصل: "أبو".
ومجد الدين هذا موجود إلى يومنا هذا. وهو (
…
)
(1)
ابن البقري الذي قاسى الأهوال بعد ذلك وتنغّصت به الأحوال (
…
…
)
(2)
بأشهر، ثم ولي النيابة فيهما أيضًا إلى أنْ آل به الأمر إلى أن سُجن بالمقشّرة (
…
)
(3)
وهو مقيم به إلى يومنا هذا، وذلك بعد كثير من المِحَن جرت عليه من يشبُك (
…
)
(4)
أحسن اللَّه تعالى خلاصه وفرّج عنه، وستأتي تنقّلاته والكثير من أحواله فيما بعد السبعين (
…
)
(5)
إن شاء اللَّه تعالى
(6)
.
[الزينة بدمشق للسلطان]
وفيه، في يوم الجمعة سلخ جمادى الآخرة وصل مُغلباي طاز أحد العشرات المتوجّه بالبشارة لدمشق لنائبها فدخلها في هذا اليوم وعلى يديه المكاتيب لنائب الشام بالبشارة بسلطنة المؤيَّد.
وكنت أنا والوالد في هذه الأيام بدمشق، فدُقّت البشائر بسلطنته، ثم نودي بالزينة، فشرعوا في زينة الأسواق والأمكنة التي اعتيد زينتها كباب القلعة وغير ذلك، وابتدأوا بها من يوم السبت وأمعنوا في ذلك، ثم صار في كثرة الزينة من المفاسد والفسق والسخف ما لا يُعبَّر عنه.
[أستادارية ابن البقري]
وفيها في يوم السبت مستهلّ جمادى الآخرة خُلع على المجد بن البقري بالأستادرية وهذه أول ولاياته لها.
والمجد هذا داهية من دواهي العالم، له خبرة تامّة ومعرفة ودهاء، وهو من أصل بيت كبير في القِبط لأُناس (
…
)
(7)
في أبْناء جنسه في بني البَقري من جماعة، وهم من أعيان الكتبة في الدولة، ومن أعيان المباشرين، وبيدهم الآن نظر الإسطبل والدولة والأوقاف وغير ذلك، ولا بأس بهم
(8)
.
(1)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(2)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(3)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(4)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(5)
كلمة واحدة.
(6)
خبر الخلعة في: النجوم الزاهرة 16/ 225، ونيل الأمل 6/ 104، وبدائع الزهور 2/ 372.
(7)
كلمة واحدة.
(8)
المصادر السابقة.
[إعادة صفيّ الدين الطواشي إلى تقدمة المماليك]
وفيه، في يوم الخميس سادسه، أعيد الخادم صفيّ الدين الطواشي جوهر النَوروزي إلى وظيفة تقدمة المماليك السلطانية عِوضًا عن مرجان العادلي
(1)
الذي كان تولّاها عنه، وبقي إلى هذه المدّة، ثم مات وأعيد جوهر كما كان.
[ظهور الأمن بالقاهرة والأرياف]
وفيه، في هذه الأيام ظهر بالقاهرة بل وبضواحيها، بل وسائر النواحي والجهات من الأرياف والأعمال، قبليًّا، بحريًّا، شرقيًا، وغربيًا، من الأمن والأمان والطمأنينة ما لا يُعبّر عنه من غير أمر ظاهر أوجب ذلك، ووقع رعب هذا السلطان الجديد في قلوب جميع المفسدين من سائر الطوائف حتى كفّ أكثرهم عن خروجه من داره، فضلًا عن أن يشتغل بفساد أو أذى أو قطع طريق أو غير ذلك. وتفاءل
(2)
الناس وتيامنوا بسلطنته عليهم واستيلائه على الأمر، ومالت النفوس إليه ميلًا مفرطًا، وأحبّوه، وأنطق اللَّه تعالى الألسُن بالدعاء له، لا سيما لما قمع المفسدين من جُلبان أبيه ولم يمكّنهم من رفع رؤوسهم
(3)
ومنعهم من تلك الأفعال القبيحة التي كانت تصدر منهم وغيرهم، وأخذ في تهديدهم بأنواع النكال إن تمادوا على ما كانوا فيه وتوعّدهم أيضًا بذلك، وإرهابهم بدسائس يدسّها إليهم أن هذا هو المصلحة، وأن هذا ولد أستاذكم إن لم تسمعوا له وإلّا فيزيد طمع الناس فيه، وبطمعهم فيه يطمعوا فيكم، إلى غير ذلك من أشياء تصدر عن العقلاء المدبّرين، حتى عفّوا وكفّوا وانجمعوا وأطاعوا وسمعوا، بل وانحط قدرهم، حتى بقي الواحد منهم لا يستطيع أن يزجر غلامه وخديمه، فضلًا عن الغير، وزاد حب السلطان في قلوب الناس لِما قاسوه في أيام أبيه حتى منه هو نفسه في قضية ما كان له من الحمايات بالبلاد والمراكب وأشياء أُخر غير ذلك. فلما تسلطن شاد وجاد وأزال تلك المظالم كلها عن العباد والبلاد، وأحبطها عن آخرها، ولم يبق دأبه إلّا إظهار العدل ونشره والنظر في المصالح العامّة والخاصّة، وحصل به ما لا يعبّر عنه حتى عُدّ ذلك من النوادر، إذ هو خلاف بداية الدول، ولو أراد اللَّه تعالى لعباده خيرًا
(1)
توفي مرجان العادلي في هذا العام (865 هـ.). انظر عنه في: النجوم الزاهرة 16/ 312، والمنهل الصافي 11/ 236، 237 رقم 2511، والدليل الشافي 2/ 732 رقم 2502، والضوء اللامع 10/ 53 رقم 610، ووجيز الكلام 2/ 745 رقم 1713، ونيل الأمل 6/ 105 رقم 2525، وبدائع الزهور 2/ 372.
(2)
في الأصل: "تفال".
(3)
في الأصل: "روسهم".
لأبقاه في السلطنة ملكًا عليهم إلى هذه الأيام، فإن نموذج ملكه كان نموذجًا حسنًا دالًا على إعادة العدل ونشره، وإظهار الفضل بعدله، لكنّ الأمور بيد اللَّه تعالى يفعل ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخِيَرة. ولعلّ قِصر مدّته لخيره وعدله، فإن أهل الخير قلقون
(1)
.
[الإشاعة بالركوب على السلطان]
وفيه، في هذه الأيام أيضًا أشيع بالقاهرة بأن يُركب على السلطان، وما ظهر لأحدٍ من هو القائم بهذه الفتنة على تقدير وجودها، وبلغ السلطان ذلك فلم يلتفت إلى ذلك ولا عَبأ به
(2)
.
[خطبة ابن البُلقيني بالجامع الأموي]
وفيه، في يوم الجمعة سابعه صعِد القاضي وليّ الدين بن البُلقيني قاضي القضاة الشافعية بدمشق وخطيبها إلى منبر الجامع الأموي، فخطب خطبةً بليغة أفصح فيها الخطابَ وحذّر وأنذر، وخوّفهم من فرحهم وما صدر منهم في أيام هذه الفتنة التي كانت بدمشق وأمرهم بالتوبة والاستغفار، وكانت هذه الخطبة من إنشائه، ثم بعد الصلاة صعِد الكرسي فوعظ الناس، وكان له يومًا مشهودًا في ذلك من توافر الأيام.
[قراءة تقليد السلطان]
وفيه، في يوم الخميس ثالث عشره كانت قراءة تقليد السلطان بين يديه بالقصر الأبلق، وكان يومًا مشهودًا حضره الخليفة أمير المؤمنين والقضاة الأربعة
(3)
والأمراء الأكابر والأعيان من أركان الدولة ووجوه المملكة، وكان جمعًا حفلًا، وتولّى المحبّ بن الشِحنة قراءة ذلك وكان هو الذي أنشأ هذا التقليد، ولولا الخوف من الإطناب لذكرت نسخته. ولما تم ذلك أحضرت الخلع وأفيضت على الخليفة خلعة هائلة تليق بمثله، وإلى القضاة، وكاتب السرّ كذلك كوامل الفرو صمّور، وقيد للخليفة من خاص مراكيب السلطان بالسرج المذهب والكنبوش الزركش، ونزل ونزلوا، وكان لنزولهم يومًا مشهوداً ومشهدًا حفلًا
(4)
.
(1)
خبر الأمن بالقاهرة في: نيل الأمل 6/ 105.
(2)
خبر الإشاعة في: نيل الأمل 6/ 106.
(3)
في الأصل: "الأربع".
(4)
خبر قراءة التقليد في: النجوم الزاهرة 16/ 226، ونيل الأمل 6/ 105، وبدائع الزهور 2/ 373.
[وصول قاصد جانَم الأشرفي نائب الشام]
وفيه، في يوم السبت نصفه، وصل قاصد جانَمْ الأشرفي نائب الشام إلى القاهرة بمكاتبة مرسله تتضمّن إظهار الفَرح والسرور بسلطنة السلطان، وأنه مستمر على الطاعة، واقف على قدم الاجتهاد فيما يرد عليه من الأوامر والنواهي السلطانية، ممتثل
(1)
لجميع ذلك بقلبه وقالبه.
[غارة عربان لبيد على البحيرة]
وفيه ورد الخبر بأن عربان لَبِيد -لا بارك اللَّه فيهم وهم الخارجون عن الطاعة- وصلوا إلى البحيرة فنزلوها وشنّوا الغارات على أهلها ونهبوا الكثير من أهلها، فعيّن السلطان جماعة من الأمراء والجند للخروج إلى قتالهم، وأمرهم بأن يعجّلوا بالخروج.
[فتنة الأمراء الجلبان]
وكانت هذه التجريدة وتعيينها فاتحة
(2)
الشر على السلطان، وسببًا إلى الفتنة وذلك بسبب كونه لم يعيّن فيها ولا الواحد العدد من جُلبان أبيه (
…
…
)
(3)
الشر والاضطراب، وعظُم الأمر على المعيّنين لكونه ما عيّن أحدًا منهم (
…
)
(4)
أيضًا فإنهم استشعروا تقريبه لجلبان أبيه و (
…
(
…
)
(5)
في (
…
)
(6)
إبعادهم وإرداعهم حتى كان ذلك سببًا (مُفضيًا إلى انحلال الأمر والقلقلة)
(7)
(
…
)
(8)
بعد ذلك، بل وعلموا أنه كُلّم في الاستمالة إليهم (
…
)
(9)
في الحذر منه واختشوا من أفعال الجُلبان (
…
)
(10)
في قيام أستاذهم، فلم يُجب أحد ممن عُيّن للتجريدة إلى (
…
)
(11)
ذلك مصرّحين بأنه إن لم يعيّن معهم من جُلبان أبيه فلا يخرجوا (
…
)
(12)
وأحسّ السلطان بذلك، بل بلغه، وأنه عضد القائلين ذلك بقية (
…
)
(13)
(1)
في الأصل: "ممثل".
(2)
في الأصل: "فاتوحة".
(3)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(4)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(5)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(6)
كلمة واحدة.
(7)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل، أثبتناه نقلًا عن نيل الأمل 6/ 106.
(8)
كلمة ممسوحة.
(9)
مقدار ست كلمات ممسوحة.
(10)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(11)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(12)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(13)
مقدار ست كلمات ممسوحة.
السلطان عن هذا الأمر وأظهر التشاغل (
…
)
(1)
فيكونوا عونًا له على من يخالفه وزادت استمالة البعض له إليهم (
…
)
(2)
في ذلك صريحًا، وأنه قيل له: إذا عيّنت مماليك أبيك (
…
)
(3)
أو حادث يحدث، وإذا أبعدتهم وهم عُصبتك فمن هو (
…
)
(4)
بعد ذلك أجاب ثانيًا في تعيين التجريدة، بل خرج أمره يتوجّه من عيّنه (
…
…
)
(5)
ظاهرًا عيانًا، بل أخذوا في الاعتلال بأنهم لم يُعطوا الجمال (
…
)
(6)
إلى تلقّيه ذلك أمر بإحضار الجِمال وتفرقتها فلم (
…
)
(7)
على ذلك، فاضطر هو إلى التغافل والسكات عن (
…
…
)
(8)
في ملكه، ومن أعظم الأسباب في انحطاط قدره وتلاشي أمره في السلطنة، وطمع الطامع فيه بعد أن كانت توفّرت حرمته في القلوب، وعظُم في العيون، واشتدّ ملكه الأكيد، فكأنّ ذلك كلّه لم يكن. وأخذت المماليك، لا سيما الظاهرية، وخصوصًا الأوباش منهم والأحداث في الاستطالة والتسلّط وتقليل الأدب على أمرائه حتى حكى بعضهم أنه سمع شخصًا من أوباش مماليك الظاهر جقمق وهو يكلّم بُردُبك الدوادار وصِهر السلطان زوج أخته بكلام يستحي من التلفّظ به، وكان ذلك من تجاسرهم المؤدّي إلى زوال ملك المؤيَّد، وظهورهم هم بعد ذلك، واستعلاء أمرهم. هذا، والسلطان لم يبلغه شيء من ذلك، واستحسّ بالتحرك أخذ في السكون والسكات وكثرة ذلك، وقلّ تدبيره، لا سيما لا مشير له ولا مرشد، وضاع الحزم وسكن العزم ولا استحضر قول بعض الفحول من أرباب العقول، من هاب خاب، ومن جَسَر كَسَر، ولا قول الشاعر:
وفاز باللذّة الجَسُور
وكان الحزم في إمضاء ما أمر به على كره من المأمور، والجسارة في ذلك أو التلطّف بالخواطر والاعتذار عن عدم تعيين الجُلبان بأنه إنما لم يفعله لكونهم ليسوا أهلًا لمواقعة المعيّنين من القرانصة
(9)
لقلّة حيائهم
(10)
ووقاحتهم أو نحو ذلك من الكلمات، وكان يمكنه إرضاؤهم بمثل ذلك وأنظاره، أو كتابة جماعة منهم، ثم الأخذ بعد ذلك في تدبير ما يحبّه هو ويؤيِّده بكل ما تصل قدرته إليه بعد إتقان
(1)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(2)
مقدار ست كلمات ممسوحة.
(3)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(4)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(5)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(6)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(7)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(8)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(9)
تقدّم التعريف بالقرانصة.
(10)
في الأصل: "حياهم".
نصّها وصرف جوابه وفكره في ذلك، لكنّ المقدّر كائن لا محالة، ولا يتحرّك فيها إلّا بإذن اللَّه تعالى.
ومن العجب العُجاب أنْ صرف اللَّه تعالى قلوب مدبّريّ
(1)
مملكة المؤيَّد هذا فلم يُشِر عليه الواحد منهم، ولا من هو مقرَّب لديه أو صديق
(2)
له بشيء يكون فيه ثبات ملكه حتى ولو جاء الأمر بخلاف ذلك بعد ذلك لكان في ما وقع مندوحةً ما تهوّن ما جاء، وكان بعض التهوين، بل سكت كل أحدٍ عنه، بل وهو أيضًا عن تدبير نفسه، وذلك إمّا للبغض فيه، أو لعدم تدبيرهم ومعرفتهم بالأمور عند تبدّل الدول، والثاني هو الأظهر، فلا شك بأنه الحولان من اللَّه تعالى، وهذا شأن هؤلاء القوم إلى هذا اليوم لا رأي عندهم ولا تدبير، بل ولا مدبّر لعدم اعتنائهم بهذه الأمور واشتغالهم بما لا يفيد ظنًّا منهم أنه عين المصلحة. ولقد ظهرت في الأيام أمارات وقرائن دالّة على زوال ملكهم ومن له أدنى مسألة
(3)
من عقل وأقلّ نظر في يسير من عِبر بطبقة له صحة هذا الخبر وما أقوله لا شيء إذا تأمّل في حركات أهل هذه الدولة من الساقي إلى التيدة؟ ورأى أفعالهم وما هم فيه من الأمور من التشاغل بالبنيان والخروج فيه عن الحدّ، وكثرة المظالم والشرّ لأخذ الأموال، واعتبار النفس حظها في كل ما ترضاه وتختاره وتشتهيه، مع (
…
)
(4)
عن مآل الأمور والتفكّر في عواقبها، بل في حاضرها فضلًا عن غايتها، فلا حول ولا قوة إلّا باللَّه، والأمر كله للَّه، ذلك بما كسبت أيدينا، نعوذ باللَّه من شرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا.
ونسأل اللَّه أنْ للحق يُرشدُنا
…
وعن طرائق أهل الشر يُبعدنا
وأن يكون لنا عونًا يساعدنا
…
كذاك عونًا مغيثًا في مقاصدنا
ولم يزل أمر المؤيَّد هذا على هذا النمط والحالى حتى آل إلى الانحلال بقدرة ذي الجلال، وكان من نكبته وخلعه والقيام عليه ما كان على ما سنذكره في رمضان
(5)
.
[شهر رجب]
[غضب السلطان لقدوم تمراز من غير إذن]
وفيها كان أول رجب بالأحد، وهُنّيء السلطان به.
(1)
في الأصل: "مدبرين".
(2)
في الأصل: "صديقًا".
(3)
في الأصل: "مسئلة".
(4)
كلمة غير مفهومة: "الفاسه".
(5)
خبر فتنة الأمراء في: النجوم الزاهرة 16/ 226، ونيل الأمل 6/ 106، و بدائع الزهور 2/ 373.
وفيه، في يوم الأربعاء رابعه قدم إلى القاهرة بغير إذنٍ من السلطان تمراز الأشرفي الدوادار الثاني كان الماضي ذِكر نُبَذ
(1)
من أخباره في محالّها، وكان من الأمراء بطرابلس، فخرج منها قاصداً القاهرة فدخلها من غير أن يجتاز بقطْيا
(2)
، بل عرّج عنها، ونزل حين حضوره بدار الأتابك خُشقدم لائذًا به مستشفعًا، فبعث الأتابك المذكور دواداره إلى السلطان يُعلمه بمجيئه، فساعة سمع السلطان ذلك غضب غضِبًا شديدًا واستشاط وقامت قيامته لكونه حضر على هذا الوجه من غير إذن ولا اجتياز بقطْيا، واستراب من ذلك وزادت أفكاره، وظفر به وأمر في الحال بإخراجه من حيث جاء وإلى حيث جاء، فلم يمكن تمراز المذكور من ذلك، وأخذ في أسباب التهيّؤ
(3)
لرجوعه وخروجه إلى الخانقاه السِرياقوسية، ولما طلع الأمراء في آخر هذا النهار للقصر للخدمة والمبيت به لأجل الموكب في غده، قام جماعه منهم فوقفوا بين يدي السلطان متعاهدين، فشفعوا في تمراز المذكور، فقبل شفاعتهم فيه على أن يقيم بمصر ثلاثة أيام لعمل مصالحه وتقاضي أشغاله، ثم يسافر، فبعث إليه في الحال للخانقاه بذلك، فعاد إلى القاهرة وأقام بها، ولهج الناس في هذه الأيام بوقوع فتنة، وترقّبوا ذلك، وأن سيكون هرجة لكون تمراز هذا مشهور وممّن له جرأة وجسارة وإقدام على ذلك، ومعروف بإثارة الفِتَن
(4)
. ودام تمراز هذا بالقاهرة إلى أن كان ما سنذكره.
[دعوة السلطان والد المؤلّف الحضور إلى القاهرة]
وفيه، في يوم الخميس خامسه ورد على الوالد بدمشق مرسوم سلطاني من المؤيَّد أحمد بحضوره إلى القاهرة، فسُرّ بذلك وأخذ بأسباب التهيّؤ
(5)
لذلك، وكان له ما سنذكره.
[قبول السلطان اعتذار تمراز]
وفيه، في يوم الجمعة سادسه حضر تمراز بين يدي السلطان وقبّل له الأرض وأخذ في الاعتذار عن مجيئه بغير إذن وفعل ما تصل إليه قدرته، فقبِل السلطان
(1)
في الأصل: "نبذًا".
(2)
قطْيا: هي مَزمّ الدرب لا يمكن التوصل إلى الديار المصريّة إلّا منها. (زبدة كشف الممالك، بتحقيقنا 96).
(3)
في الأصل: "التهي".
(4)
خبر غضب السلطان في: النجوم الزاهرة 16/ 226، 227، ونيل الأمل 6/ 106، 107، وبدائع الزهور 2/ 374.
(5)
في الأصل: "التهي".
عذره وألبسه كاملية بفرو سمّور، واستقرّ به بتقدمة ألف بدمشق، وكان ذلك لا عن رأي صائب ولا حزم حيث قرّره (
…
)
(1)
وكان أحد الأسباب في قيامه وحضوره إلى القاهرة، بل وفي مراسلة (
…
)
(2)
التحدّث بسلطنته على ما ستعرف ذلك. ثم أذن السلطان له بعد ذلك أن يقيم بالقاهرة ثلاثة أيام أُخر من يومه هذا حتى يقضي شؤونه
(3)
ويتوجّه إلى تقدمته بدمشق. فنزل تمراز إلى داره، والناس في كلام كثير بسببه، وأنه لا بدّ (
…
…
)
(4)
والأمراء في غاية الاجتهاد في الشناعة في تمراز (
…
…
)
(5)
أن يقيم بالقاهرة، فلم يقبل السلطان شيئًا من ذلك (
…
)
(6)
القاهرة (
…
)
(7)
وكان الذي ضخم به وهو الحزم لو مشى عليه في جميع (
…
…
)
(8)
غير أن على وجهه أن يدخل به إلى دمشق، واللَّه أعلم
(9)
.
[موافقة السابع من رجب لبرمودة]
وفيه، أعني يوم السبت السابع من رجب كما قلناه ووافق الثاني والعشرين من برموده من شهور القِبط (
…
)
(10)
الآت قماش وهو البياض المقدسي أيام الصيف، وخالف (
…
)
(11)
أيام (
…
)
(12)
من بشْنس.
[خلعة السفر لتمراز]
وفيه، في يوم الثلاثاء عاشره خرج تمراز إلى السفر إلى دمشق بعد أن خلع عليه السلطان وألبسه خلعة السفر كاملية
(13)
أيضًا، ثم بعث إليه بخمسمائة دينار وبعض خيول وبغال، فتوجّه من يومه ذلك ولم يتحرّك ساكن ولا كان شيء
(14)
مما كان يقال ويشاع عنه، لكنّه يحبّ أشياء عملها ورتّبها ظهرت بعد ذلك من يكلّمه مع المصريين في العزم مع جانَم نائب الشام في الاستيلاء على الأمر، واتفاقه مع جماعة من الأمراء والأعيان على ذلك وكتمه حتى كان بعد ذلك ما سنذكره
(15)
.
(1)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(2)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(3)
في الأصل: "شونه".
(4)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(5)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(6)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(7)
مقدار كلمة واحدة.
(8)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(9)
خبر قبول السلطان في المصادر السابقة.
(10)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(11)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(12)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(13)
في الأصل: "كاملة"، والتصحيح من: نيل الأمل.
(14)
في الأصل: "شيئًا".
(15)
خبر خلعة السفر في نيل الأمل 6/ 106.
[استقرار موسى الأنصاري في نظر الجوالي]
وفيه، في يوم الخميس ثاني عشره استقرّ الشرف موسى الأنصاري في نظر الجوالي بمصر عِوضًا عن ابن أصيل الدين وصرفه عنها.
[عودة مغلباي من الشام]
وفيه، في يوم الجمعة ثالث عشره وصل مُغُلْباي طاز المتوجّه قبل ذلك بالبشارة لنائب الشام جانَم، فدخل القاهرة في هذا اليوم.
[عودة الطواشي شاهين من دمشق]
وفيه -أعني هذا اليوم- وصل أيضًا الطواشي شاهين غزالي المتقدّم خبر توجّهه إلى دمشق لأجل الحوطة على تركة زوجة قانِباي الحمزاوي حين ماتت بدمشق على ما أسلفنا ذلك، وأحضر معه من ترِكتها الشيء الكثير جدًّا ما بين جواهر ولآلي وحُلِيّ وأمتعة مثمّنة وأقمشة وغير ذلك، وأمر السلطان ببيع ذلك، فبيع في عدّة أيام متعدّدة كثيرة بعد أن أبيع بدمشق أيضًا الأشياء الكثيرة (الصعبة)
(1)
الحمل التي لا يمكن حملها إلى القاهرة لكثرتها، وكان موجودها موجودًا هائلًا جدًّا كما قدّمنا بعض التعريف بها، وأنها ماتت في الخالية. وذكرنا خبر تعيين الأشرف إينال [الطواشي شاهين]
(2)
هذا ويوم خروجه في متجدّدات الماضية
(3)
.
[وصول والد المؤلّف من دمشق]
وفيه، في يوم السبت رابع عشره وصل الوالد إلى القاهرة من دمشق ونحن في صحبته وعياله، ومعه غالب تعلّقاته، وأبقى البعض بدمشق مع بعض [إخوتي]
(4)
، وكان ما سنذكره.
[ركوب السلطان بالسرحة]
وفيه، في يوم الجمعة العشرين فيه، ركب السلطان من القلعة ونزل إلى جهة القرافة من ناحية العادلية ثم عاد سريعًا، وهذه أول ركبة ركبها في سلطنته منذ أن
(1)
ما بين الحاصرتين أثبتناه ترجيحًا.
(2)
ما بين الحاصرتين أثبتناه ترجيحًا.
(3)
خبر الطواشي شاهين في: النجوم الزاهرة 16/ 227، ونيل الأمل 6/ 107، وبدائع الزهور 2/ 374. وانظر أيضًا: نيل الأمل 6/ 98، وبدائع الزهور 2/ 365.
(4)
في الأصل: ممسوحة، وما أثبتناه هو ما رجّحناه.
تسلطن، بل وآخرها، فإنه لم ينزل بعد ذلك إلّا مخلوعًا (
…
)
(1)
على ما سنذكره
(2)
.
[توجّه قاضي الحنفية بدمشق إلى القاهرة]
وفيه، أعني هذا الشهر، في هذه الأيام أيضًا، خرج القاضي علاء الدين (
…
)
(3)
قاضي الحنفية بدمشق متوجّهًا للقاهرة.
[سقوط البَرَد الكبار]
وفيه أمطرت السماء بَرَدًا حبّة البَرَد منه مقدار بيضة حمامة أو أكبر من ذلك، وكان نزوله غالبًا بالشرقية بقرى (
…
)
(4)
القاهرة وبعض بلاد المنوفية والغربية لكن معظمه بالشرقية (
…
)
(5)
فأتلف الكثير من الزروع، وأهلك الكثير من ذوي الجناح وغير ذلك
(6)
.
[كائنة سَنْطَبَاي قرا]
وفيه يوم الخميس سادس عشرينه كائنة سَنْطَبَاي قرا الظاهري الجقمقي من (
…
)
(7)
بأمر السلطان.
وكان من خبر سَنْطَبَاي هذا أنه كان (
…
)
(8)
الظاهرية، وكان الأشرف إينال قد أخرجه عن القاهرة مع تمراز (
…
…
)
(9)
، وقد تقدّم ذِكر إخراجه في محلّه من تاريخنا هذا، فأقام مختفيًا بطرابلس
(10)
إلى أن مات الأشرف إينال المذكور وتسلطن ولده، وبلغ سَنْطَبَاي ذلك، فلم يكن منه إلّا الحضور إلى القاهرة بغير إذنٍ من السلطان ولا عِلم. واتفق أنْ وافق حضوره حضور تمراز إلى القاهرة وما جرى عليه وله، فخشي سَنْطَبَاي هذا أنه إذا خشا
(11)
يعامَل بما عومل به تمراز، فاختفى بالقاهرة أيامًا كثيرة، وأخذ
(1)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(2)
خبر السرحة في: النجوم الزاهرة 16/ 228، ونيل الأمل 6/ 107، وبدائع الزهور 2/ 374.
(3)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(4)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(5)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(6)
خبر سقوط البَرَد في: النجوم الزاهرة 16/ 228، ونيل الأمل 6/ 107، وبدائع الزهور 2/ 374.
(7)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(8)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(9)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(10)
هكذا في الأصل وهو الصحيح، وفي: نيل الأمل 6/ 107 "بالقاهرة".
(11)
هكذا في الأصل، الصواب:"خشى".
خُشداشيّته من الأمراء الظاهرية وغير الأمراء عازمًا في الاجتهاد في تلطيف قضيّته عند السلطان بعد أن فطن السلطان بحضور تمراز المذكور، وأنه اختفى، فأمر بنفيه ولم يلتفت إلى خُشداشيه، وصمّم على ذلك بعد أن أحسّ (
…
)
(1)
من أعيان الظاهرية في إقامته خائفًا بالقاهرة فما أجابه إلى ذلك لا سيما وقد أخرج تمراز، فإذا أبقي أميرًا كان ممّن له غرض قام عند طريقته وإبعاد الأشرفية ولا (
…
)
(2)
ذلك بهم، وهم خشداشو
(3)
تمراز، فإذا أمر بإخراجه فكأنه ساوى بين الطائفتين، فما أمكن سَنْطَباي هذا إلّا الخروج إلى حيث جاء، ولَهَجَ الناس على عادتهم في ذلك، وأشاعوا أنْ ستقع فتنة كبيرة بسبب ذلك
(4)
.
[شهر شعبان]
[هدية ابن قَرَمان]
وفيها، في يوم الإثنين خامس شعبان قدم إلى القاهرة قُصّاد الأمير ابن قَرَمان بهدية فقبلها السلطان وأكرم القُصّاد (
…
)
(5)
وأنزله، وأُجريت عليهم المرتبات حتى سافروا بعد ذلك
(6)
.
[أتابكية حلب]
وفيه، أي هذا اليوم قُرّر في أتابكية حلب شاد بك الصارمي (
…
…
)
(7)
بمال كثير بذله في ذلك نحو العشرة آلاف دينار فيما يقال
(8)
.
[قدوم ابن نائب الشام إلى القاهرة]
وفيه (
…
)
(9)
قدم إلى القاهرة الشرف يحيى ابن
(10)
الأمير
(1)
كلمة ممسوحة.
(2)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(3)
في الأصل: "وهم خشداشي".
(4)
كائنة سنطباي في: النجوم الزاهرة 16/ 228، ونيل الأمل 6/ 107، وبدائع الزهور 2/ 374، 375.
وسَنطباي قرا قتله عرب الطاعة في سنة 866 هـ. (الضوء اللامع 3/ 272، 273 رقم 1038).
(5)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(6)
خبر الهدية في: النجوم الزاهرة 16/ 228، ونيل الأمل 6/ 108، وبدائع الزهور 2/ 375.
(7)
مقدار خمس كلمات غامضة وممسوحة.
(8)
خبر أتابكية حلب في: النجوم الزاهرة 6/ 228، ونيل الأمل 6/ 108.
(9)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(10)
في الأصل: "بن".
جانَم نائب الشام وطلع إلى القلعة من غده (
…
)
(1)
السلطان عِوضًا عن أبيه، وسأل السلطان في أن يشفّع إيّاه في الأمير تَنَم (من عبد الرزاق، وقانِباي الجركسي)
(2)
، وكان قد طال سجنهما بالإسكندرية من سلطنة والده الأشرف إينال إلى (
…
)
(3)
، فسوّف السلطان ولم يعيّن الوقت (
…
…
)
(4)
جاء الشرف يحيى هذا بصدده ولا يصدّق هذه الشفاعة (
…
…
)
(5)
. .................. وغيرهما لا سيما الأمير قانباي الجركسي (
…
)
(6)
وغيرهم من أعيان جكم وبعض الأقجية، إنما هو لإخراجه وهو التوكل لأبيه (
…
…
)
(7)
مع خُشداشيه. من الأشرفية وغيرهم من الظاهرية، ثم (
…
…
)
(8)
وكان ذلك (
…
)
(9)
السلطان أو (
…
)
(10)
وأخذ حذره من جانَم، وبقي يحسب حسابه، ويستعمل (
…
…
)
(11)
واجتهد في ذلك، وظهر (
…
)
(12)
بأخرة من حالهما المقتضى (
…
)
(13)
جانَم إلى القاهرة بعد ذلك على ما سنذكره في (
…
)
(14)
. وفيه (
…
)
(15)
أنه ما قدم القاهرة أخذ في أسباب (
…
…
)
(16)
ثم مع الطائفة الظاهرية الأعيان منهم (
…
…
)
(17)
في صاحبها، هذه لتلك، وتلك لهذه، بل بينهما من العددين (
…
)
(18)
الضرورات تبيح المحظورات، ورضي الظاهرية بسلطنة جانَم (
…
(1)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(2)
ما بين القوسين نقلًا من: نيل الأمل 6/ 108.
(3)
مقدار ثماني كلمات ممسوحة.
(4)
مقدار ثماني كلمات ممسوحة.
(5)
مقدار تسع كلمات ممسوحة.
(6)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(7)
مقدار عشر كلمات ممسوحة.
(8)
مقدار إحدى عشرة كلمة ممسوحة.
(9)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(10)
مقدار عشر كلمات ممسوحة.
(11)
مقدار ثماني كلمات ممسوحة.
(12)
كلمة واحدة.
(13)
مقدار تسع كلمات ممسوحة.
(14)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(15)
مقدار تسع كلمات ممسوحة.
(16)
مقدار عشر كلمات ممسوحة.
(17)
مقدار تسع كلمات ممسوحة.
(18)
مقدار ثماني كلمات ممسوحة.
)
(1)
إذ هم أكثر اليوم في جانَم المذكور، لكنهم (
…
…
)
(2)
في الخوف من المؤيَّد هذا فيكون (
…
)
(3)
وإن كان ذلك مكروهًا لهم لكنّه دون هذه الكراهة (
…
)
(4)
(5)
.
[قدوم والد المؤلّف إلى القاهرة]
وفيه، في يوم الثلاثاء ثاني عشرينه قدم الوالد إلى القاهرة (
…
…
)
(6)
واجتمع بشيخنا وسيّدنا ومولانا، الإمام العلّامة، شيخ الإسلام، أستاذ العالم
(7)
(
…
)
(8)
بقدومه للصُحبة الأكيدة بينهما، ثم أضاف الوالد بضيافة (
…
)
(9)
الوالد بمكة في
…
)
(10)
والتي من طلبة العلم فأقبل الشيخ علي (
…
)
(11)
وأخذت (
…
)
(12)
بالكلام، ثم بعد ذلك بيسير حضرت بعض دروسه وأخذت (
…
…
)
(13)
سفري في هذه السنة ولم (
…
…
)
(14)
إلى سنة إحدى وسبعين (
…
…
)
(15)
إن شاء اللَّه تعالى
(16)
.
[سفر جانَم إلى الشام]
وفيه، في يوم الخميس رابع عشرينه (
…
)
(17)
جانَم (
…
…
)
(18)
إلى الشام (
…
)
(19)
بعد أن مهَّد له (
…
…
)
(20)
.
(1)
مقدار تسع كلمات ممسوحة.
(2)
مقدار عشر كلمات ممسوحة.
(3)
مقدار عشر كلمات ممسوحة.
(4)
مقدار ست كلمات ممسوحة.
(5)
خبر ابن نائب الشام في: النجوم الزاهرة 16/ 228، 229، ونيل الأمل 6/ 108، وبدائع الزهور 2/ 375.
(6)
مقدار ست كلمات ممسوحة.
(7)
هو "الشيخ الكافِيَجي".
(8)
مقدار ثماني كلمات ممسوحة.
(9)
مقدار ست كلمات ممسوحة.
(10)
مقدار كلمة واحدة ممسوحة
(11)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(12)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(13)
مقدار سبع كلمات ممسوحة.
(14)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(15)
مقدار سطرين غير واضحين لسوء الصفحة
(16)
خبر والد المؤلّف في: نيل الأمل 6/ 108، وبدائع الزهور 2/ 375.
(17)
مقدار ثلاث كلمات.
(18)
مقدار كلمتين.
(19)
مقدار ثلاث كلمات.
(20)
مقدار أربعة أسطر غير مقروءة.
[تنافس الظاهرية والأشرفية على السلطنة]
…
العذر بأنه لو حضر قبل ذلك لكان له ما أراد، وأمّا الآن فقد تمكّن الغير، وهو في قبضتنا وقبضتكم، يعنون الظاهر خُشقدم والأشرفية، وإذا لم يصح فما يكون إلّا ما تريدون. وأما من كنّا نخشى شرّه -يعنون المؤيّد- فقد ذهب عنّا، وأرضوا
(1)
الأشرف -أعني فيما بعد- بمثل هذه التُرَّهات حتى سكنوا وسكتوا.
وأعيد جانَم إلى الشام، وكان ذلك هو بقصد الظاهرية، وجُلّ غرضهم، وإنّما تحرّكوا خوفًا من هجوم جانَم بعد أن اتفقوا مع والده على سلطنته ظاهرًا، والباطن بخلافه، ثم بادروا لقطع تلك المادّة قبل ظهورها، فحوّلوا أشياء توجب حركة المؤيَّد ليكون ذلك مندوحة منهم للقيام عليه، مُظْهرين الاتفاق مع الأشرف حتى يفعلوا ما يفعلوا وفعلوه لحسن عبارته وغاية حيلة غريبة بعد استمالة الأشرفية وإظهار أنهم منتمون معهم، ثم اعتذروا بعد حضور جانَم بما قبله الأشرفية بسذاجتهم منهم، وأظهروا أنهم باقون على المحبّة، وأن الذي فُعل من سلطنة خُشقدم إنما هو برأي الأشرفية، وأن جانَم لو حضر قبل ذلك لكان هو السلطان، وأنه عندهم أعظم من السلطان، بل وبقاؤه على نيابة الشام أكبر حُرمة لأنه يصير كالظهر أو هم الظهر لهم على من يعاديهم، ويبقى السلطان معهم كالأسير لِما أرادوه منه، ورتّبوا مثل هذا، ومنه، ومن أنظاره شيئًا كثيرًا لا سيما وذلك الحنبلي جانِبك نائب جدّة قد استمال عقولهم.
[طمع جانَم نائب الشام بالسلطنة]
ولما سافر يحيى بن جانَم خلع عليه السلطان خلعة قبل خروجه، وبعث إليه بخمسمائة دينار، ولما وصل إلى أبيه أخبره بما وقع وبما مهّده له فطاش جانَم لما سمع ذلك، ثم جزم أنه ملك الأمر، فضلًا عن أن يتملّكه لا سيما وقد صار ذلك يعتاده
(2)
قبل ذلك بمدّة، لا سيما وقد حدّث بكثير من المرائي له بأنها دالّة على ذلك، وكذا قد أخبره الكثير من الكذّابين والمنجّمين والكثير من زواكرة المسمّين بالفقراء، إلى غير ذلك من هبالات موافقة لخفّة جانَم المذكور وطيشه، وتحريك ولده له، مع معرفة الولد بالحِيَل والمكائد، بل ومع سذاجة الطائفة الأشرفية عمّا أضمره الظاهرية. وزاد أمر جانَم هذا قوّةً لحضور ولده بما أسرَّه إليه من الأخبار،
(1)
في الأصل: "وارضو".
(2)
في الأصل: "يعتيده".
وحضور تمراز لدمشق أيضًا وإلمامه على جانم واجتماعه به، وقد صدّق هذا الخبر، فأخذ تمراز أيضًا في تحريض جانَم هذا وتحريكه لِما قصده لِما كان بينه وبين إينال من العداوة، وكذا بين ولده، على زعمه بأن الذي فعله معه يوجب ذلك من إعادته من القاهرة إلى دمشق، مع قطع نظره عمّا ولّاه له من التقدمة ألف بدمشق، وما أسداه إليه من المعروف ببعث المال له، إلى غير ذلك، هذا كله مع كثرة فِتن تمراز هذا وطيشه وخفّته وحدّة مزاجه وجنونه وسوء خُلقه، وزيادة على ذلك كله أنه ذا شؤم في جميع حركاته وآرائه كلها كما استُقرئ ذلك عنه فقُبّح عدّة مرار. ولم يزل تمراز هذا ويحيى بجانَمَ وهما يحسّنان
(1)
له ذلك حتى وافقهما باطنًا على ذلك، ويا ليته دام من وقته ذاك قبل تحرّكهم بالقاهرة لسلطنة الغير كأنّه ربّما صعّب له ما أراد، لكنه تغيّظ قليلًا، ثم وقع له ما سنذكره من قيام العامّة بدمشق عليه لما استشعروا منه الخروج على السلطان، أو لدسيسة من المؤيَّد على ما أشيع ذلك، واللَّه أعلم.
فإنّما [أ] شيع عن المؤيَّد هذا بأنه أخذ بعد خروج يحيى بن جانَم في توسيع الحيلة في أخْذ جانَم بكل ما أمكنه حتى أدّاه رأيه بأن يكاتب أمراء
(2)
دمشق وأعيانها بالقبض على جانَم والاجتهاد في ذلك، ولعلّ ذلك ليس ببعيد، لأن الذي جرى على جانَم من أهل دمشق وحكامها الظاهر أنه بدسيسة إذ لا نهضة لهم على فعل مثل ذلك مع مثل جانَم بغير أمر من صاحب الأمر، واللَّه أعلم بحقيقة الأحوال فإن هذه حسبانات وإشاعات حدست، وربّما كان الأمر بخلاف ذلك في الحقيقة، وإنّما ذكرنا هذه الأشياء هاهنا على وجه البيان لِما سيأتي من ذلك حين وقوعه، وليكن الناظر في تاريخنا هذا على بصيرة لِما سيأتي في محلّه.
[انحطاط أمر السلطان المؤيَّد]
وفيه -أعني هذا الشهر- لا سيما في هذه الأيام أخذ أمر السلطان الملك المؤيَّد في زيادة الانحطاط إلى الغاية، ولاحت وظهرت أمارات زوال دولته ونهاية مملكته خصوصًا وقد عدم تدبيره وقلّ مساعده ونصيره بالقول والفعل.
وكنت أنا في هذه الأيام بالقاهرة أحدس الكثير من حقه الذي آل عامّة أمره إليه، بل كان ذلك ظاهرًا لمن عنده، إذ في مسكه من عبد وكامل وهذا كلّه بخلاف ما كان حُدّث عنه في بداية أمره حين تملّكه، فإن تدبيره أولًا كان في غاية الجودة،
(1)
في الأصل: "يحسّنا".
(2)
في الأصل: "امرايه".
ثم قرّب صهره بُردُبك جدًّا ظنًّا منه أن رأيه يكفيه فيما هو فيه، وماذا عسى يكون رأي بُردُبك. على أنه حدّثني بعض أرباب العقول أن تقريبه لبُردُبك لا على حقيقته بل لغرض من الأغراض، وأنه كان في ضميره إزالة بُردُبك وغيره بعد بلوغه مراده، واللَّه أعلّم بحقيقة ذلك
(1)
.
[اجتماع والد المؤلّف بالسلطان]
وفيه، في يوم السبت سادس عشرينه طلع الوالد إلى القلعة واجتمع بالسلطان فانبسط به وإليه، ورحّب به، وأسرّ إليه كل ما من معناه أنه إنّما أحضره لكونه (سيعيّن)
(2)
ولده بعده مدبّرًا له ومعينًا على أموره وأمور أخرى من هذا النمط، فنزل الوالد (
…
)
(3)
ولم يتفق بعده المجلس برمّته. ثم قال لي: رأيته في قصْد خير لي والتفاتٍ إليّ (
…
)
(4)
يصبح رأيه في أفكار وملكه في إدبار لسِفْل باله وظهور حاله (
…
)
(5)
يملكن الحسان حتى أوسع له في العبارة، لا سيما في (
…
)
(6)
خصوصًا وهو ضيّق وغير ظافر، فما أمكنني أن أكلّمه (
…
)
(7)
زواله ظاهرة بلا حَدْس في إظهار الفرح وغاية (
…
)
(8)
ونزلت.
[إجازة البُلقيني للمؤلّف]
ثم سكن الوالد بدار زوجته أصيل أخت الخَوَنْد جُلبان خال الملك العزيز، وهرع أصحابه إليه للسلام عليه، وجاء فيمن جاء شيخ الإسلام قاضي القضاة العَلَم البُلقيني، ودعاني الوالد لتقبيل أياديه ورؤيته، فساعة وقوع نظره عليّ أجلّني وعظّمني، ثم أخذ الوالد يُدنيني عنده ووصفني بالعلم والذكاء، فأخذ يسألني عن سؤال ليختبرني بعد أن أنس إليّ وحادثني، ففتح اللَّه تعالى بكلام قلته فأعجبه، ثم التفت إلى الوالد فقال: من أشبه أباه فما ظَلَم، ثم قال: هذا الشبل من هذا الأسد بعد أن أشار بنظره إلى غير هذا الشبل، ثم إلى الوالد عند قوله: هذا الأسد. ثم سأله الوالد أن أحضر عليه في بعض الأحيان، فأجاب إلى ذلك. ثم سأله الوالد في إجازته لي بالرواية عنه، فشافهني بذلك بعد أن سألته ذلك، رحمه الله تعالى.
(1)
خبر انحطاط أمر السلطان في: نيل الأمل 6/ 109.
(2)
الكلمة غير مقروءة، وما أثبتناه اجتهادًا.
(3)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(4)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(5)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(6)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(7)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(8)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
[زيارة المؤلّف مع والده القاضي ابن الدَّيري]
وفيه، في يوم الأحد،
(1)
سابع عشره، ركب الوالد للسلام على قاضي القضاة الحنفية شيخنا السعد بن الدَّيري بالمؤيَّديّة، فإنه كان بعث بالأمس إلى الوالد يعتذر إليه عن حضوره إليه ويسلّم عليه ويهنّئه بقدومه، ويذكر عجزه عن الحركة لِكبَر سنّه، فركب الوالد وتوجّه إليه واستصحبني معه، فلما اجتمع به حصل بينهما من الأنُس الزائد ما لا يُعبَّر عنه. ثم أخذ الوالد يذكرني عنده، فقال: قد سمعت به وأنه طالب علم حذِق. ثم أخذ بعد الاستئناس بي يسألني عن مسألة العدد
(2)
العشر في العشر، فتكلّمت ببعض كلام فتح اللَّه تعالى به في ذلك الحين فأعجبه إلى الغاية. ثم انتقلت في أثناء ذلك الكلام على ذلك على طريقة أهل الهندسة والمساحة فدعا لي. ثم حضرت بعض دروسه بعد ذلك وأجازني في سنة ست وستين رحمه اللَّه تعالى.
[طلوع والد المؤلّف إلى القلعة للمرة الثانية]
وفيه في يوم الثلاثاء تاسع عشريه طلع الوالد إلى القلعة أيضًا فاجتمع بالسلطان، فعتبه في تأخّره عنه هذه المدّة الأيام
(3)
، وأنس به واعتذر إليه بأنه مشتغل البال. ثم بعث إليه بمائتي دينار.
[شهر رمضان]
[نظارة الإسطبل السلطاني]
124 -
• وفيها، في يوم الخميس تاسع شهر رمضان، استقرّ في نظر الإسطبل السلطاني شرف الدين يحيى بن البقري الموجود الآن، وهو باقٍ في هذا الزمان أيضًا على هذه الوظيفة. وهو أخو المجد الأستادار والوزير الماضي ذِكره.
والشرف هذا ذاتٌ حسنة من أهل العقل والسكون والتُؤَدة، حَسَن السمت والملتقى، له حرمة وشهامة وتودّد للناس، كثير التجمّل في أحواله، وعنده ذوات الناس، وولي نظر الإسطبل عِوضًا عن الشيخ بدر الدين محمود ابن
(4)
قاضي القضاة البرهان بن الدَّيري، وكان البدر وليه عن أبيه فصُرف عنه في هذا اليوم،
(1)
كتب المؤلّف رحمه الله "ركب الوالد" ثم ضرب عليها.
(2)
في الأصل: "العزير".
(3)
هكذا في الأصل.
(4)
في الأصل: "بن".
فالشرف هذا ومحمود هذا هو أيضًا موجود الآن، وهو من أبناء الستين فما فوقها، قليل الاشتغال بالعلم، وعنده تؤدة وحُسن سمت، ولم يُشهر بفضيلة، ولعلّنا نذكره فيما بعد إن شاء اللَّه تعالى
(1)
.
[مقياس النيل]
وفيه، في يوم الجمعة عاشره الموافق لسادس عشرين بؤونة تفقّد ابن
(2)
أبي الرذاذ المقياس [و] القاعدة، فوُجدا ستة أذرع ونصف ذراع، فبشّر بذلك في هذا اليوم. ثم نودي عليه من غده.
(خسوف القمر)
وفيه، في ليلة الثلاثاء رابع عشره، خُسِف القمر واسودّ الجُرم جميعه وبقي على ذلك نحو التسعين درجة وأظلم الجوّ جدًّا وصار كليالي الدر من آخر الشهر، ولعلّ هذا الخسوف من نوادر الخسوفات التي لم يقع مثلها في عصرنا هذا ولا القريب منه، ولهج الناس بزوال السلطان حين رؤية هذا الخسوف، وزاد القال والقيل حتى كان ما سنذكره
(3)
.
(بداية النكبة للسلطان المؤيَّد)
(4)
وفيه، في يوم الجمعة سابع عشره، كانت بداية الحركة لنكبة السلطان الملك المؤيَّد هذا، وكان من خبر ذلك أن السلطان المذكور بعث بإحضار نقيب الجيش محمد بن أبي الفرج، وحين حضر إليه أمره بأن يتوجّه إلى الأمراء فيدور عليهم، وكان ذلك في آخر نهار هذا اليوم ويُعلِمهم بأن يطلعوا جميعهم في غده إلى القلعة ويجتمعوا بالحوش، وهو خلاف العادة، ولم يُعلمهم أيضًا السبب الداعي إلى ذلك كما هو، فبادر نقيب الجيش إليهم وأعلمهم بذلك، فأخذ الأمراء حذرهم من هذا الشأن وخافوا ووقعوا في حَيص بَيص وبادروا بالذهاب إلى بعضهم البعض وهم لا يشكّون أن هذه الاجتماعات
(5)
التي قصدها السلطان لأمر توقعه بهم، إمّا للقبض
(1)
خبر نظارة الإسطبل في: النجوم الزاهرة 16/ 231، ونيل الأمل 6/ 109، وبدائع الزهور 2/ 376.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
خبر الخسوف في: النجوم الزاهرة 16/ 231، ونيل الأمل 6/ 110، وبدائع الزهور 2/ 376، وإعلام الورى 59.
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
في الأصل: "الاجتماعه".
عليهم أو لغير ذلك مما لا خير فيه، فماجوا بسبب ذلك واضطربوا وكثُر قلقهم وكلامهم، وضربوا أخماسهم في أسداسهم، وكان ذلك ذريعة إلى تحرّك كل أحد لما سمع بهذه القضية، وأخذ كل من كان عنده كمين قبل ينتهز الفرصة في تحريض أصحابه وخُشداشيه، وداموا في القلق والحركة إلى أن دخل الليل، فثار جماعة من الظاهرية الجقمقية وداروا على أصدقائهم وخُشداشيهم ورِفقتهم، واجتمع بعضهم بالبعض في هذا الشأن وأبرموا أمر القيام على السلطان حتى تمّ لهم ذلك وكمل، ثم داروا على غير طائفتهم أيضًا ممّن له الغرض في القيام على المؤيَّد أو عنده تخمين منه، فلم يزالوا على ذلك ليلتهم كلها، وكان من غدها ما سنذكره
(1)
.
[خلع السلطان المؤيَّد]
وفيه، في يوم السبت ثامن عشره كانت نكبة المؤيَّد وخلعه من المُلْك، وكان من خبر ذلك أنه بكّر الجند الظاهرية ومن وافقهم بالركوب، وقصدوا أكابر الأمراء من كل جهة، وصاروا فِرَقًا، وتوجّهت كل فرقة لأمير من الأمراء ليمنعوهم من طلوعهم إلى القلعة في هذا اليوم، وداروا على جماعة منهم وصاروا يأخذون الأمير شاء أو أبى فيحضرونه إلى دار قوصون التي تجاه القرافة والتي يومئذٍ سكن الأمير الكبير الأتابك خُشقدم حتى اجتمع بها عدّة من الأمراء، وتوجّه منهم فرقة إلى منزل بُردُبك الدوادار وصهر السلطان فأخذوه في الغلس وأحضروه إلى بيت الأتابك خشقدم بل قبل إحضاره إليه بهدلوه وأخرقوا به إلى الغاية، ثم ترادفت الجماعات وتدفّق الجند حين تسامعوا بهذه الحركة وكثروا ما بين ناصرية، ومؤيَّديّه، وأشرفية، وظاهرية، وجقمقية، وسيفية، ومن سائر الطوائف من (
…
)
(2)
وكثرة الهرجة، واتّسع الخرق، وشاعت الفتنة، وتمادت الحركة وذاعت، ولم يطلع إلى القلعة في هذا اليوم من الأمراء والأعيان إلّا اليسير (
…
)
(3)
واشتهر الخروج عن طاعة السلطان وكمل الجمع في منزل الأمير الكبير وعين هذا الجمع والأكثرية هم الطائفة الأشرفية (
…
)
(4)
الأمراء الظاهرية الجقمقية والدولة يومئذٍ للأول والحيلة والرأي (
…
)
(5)
اشهاراتهم؟ تبعًا لهم. وأمّا
(1)
خبر بداية النكبة في: النجوم الزاهرة 16/ 233، وبدائع الزهور 2/ 336، ونيل الأمل 6/ 110، وإعلام الورى 58، 59.
(2)
مقدار كلمتين.
(3)
مقدار ثلاث كلمات.
(4)
مقدار كلمتين.
(5)
مقدار أربع كلمات.
باقي الطوائف فكالتّبع (
…
)
(1)
الأشرفية في هذا اليوم هو الأمير قرقماس الجلب أمير (
…
)
(2)
المتكلّم والمتحرّك والقائم بطائفته جانِبك القجماسي (
…
)
(3)
الخازندار المعروف بالظريف.
وأمّا (
…
)
(4)
والمتكلّم عنهم جانِبك نائب جُدّة وهو أحد (
…
)
(5)
وجميع خُشداشيه في ذلك اليوم في طوعه وقبضته بل جميع من قام في تحقيقه (
…
)
(6)
إنما ذلك لغرض من الأغراض وهو في الحيلة العويصة وأكثر من (
…
)
(7)
في الرأي والتدبير بكل ما تصل قدرته إليه مع تفكّره في العواقب ورعايته ما يصلح ويكون له ولطائفته حالًا ومالًا، وهم الحسّ وهو المعنى، بل هم الجسد وهو الروح، مع إعمال
(8)
فكره في أخذ العدو الجديد وهو المؤيَّد، بل والعتيق، وهم الأشرفية بعد أن بان بهم هذا العدوّ وهو عامل في ذين الفكرين.
وأمّا الظاهرية والأشرفية فهم وإن شاركوا الظاهرية في الاتفاق لكن الاختلاف بين أكابرهم غير معدوم، وسذاجتهم عن غفلتهم عن تزيين أعدائهم أن يأخذوا
(9)
بهم ما شاؤوا
(10)
ثم أخبرهم بعد ذلك ما رجوا، بل جزموا، وليس ذلك من الحزم بأنهم والظاهرية الآن كثير، وأجلّ، ولا يفكّروا في ما يؤول
(11)
إليه الحال بخلاف أولئك، ويدلّك على ذلك ما حدث بعد ذلك إن كنت من أهل التأمّل والبصيرة وعندك خبرة بأحوال الطائفتين، وكان تطلّعهم إلى هذا الأمر في الجملة غير متأكد عندهم لرجائهم مجيء جانَم خُشداشهم، ولولا طروق الطارق الذي دهمهم من قِبل المؤيَّد على ما أشاعه الظاهرية عنه وجعلوه اعتقادًا عند الأشرفية لكثير من الأغراض حتى تحرّكوا في هذا اليوم وإلّا لما تحرّكوا، بل ظهر لهم أنهم كالمضطّرين في هذا الأمر مع غاية الغفلة عن حِيَل أولئك المظهرين لهم الضيافة حتى قطعوا النظر عن العداوة الأولى بخلاف أولئك، فإنها باقية عندهم وهم في تدبيرهم عاملون حسابها مع حساب ما هم فيه، وهؤلاء -أعني الأشرفية- إنما عملوا حساب ما هم فيه ولم يخطر لذلك الحساب الآخر ببالهم، إذ لو ظهر لكان
(1)
مقدار ثلاث كلمات.
(2)
مقدار ثلاث كلمات.
(3)
مقدار خمس كلمات.
(4)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(5)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(6)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(7)
مقدار كلمتين.
(8)
في الأصل: "اعمالي".
(9)
في الأصل: "أن يأخذون".
(10)
في الأصل: "ما شاوا".
(11)
في الأصل: "ما يول".
.
له الأثر، فأضاعوا الحزم في هذا اليوم، ولهذا ندموا بعد ذلك حيث لم ينفعهم الندم، وعلموا أن أولئك في تدبيرهم وموافقتهم كانوا في حسابهم أيضًا، ولعلّ من لم يسمع شيئًا من ذلك على تقديره كانوا يظنّون أن الأمر يطول (قياسًا)
(1)
على كائنة المنصور، وأنه إذا طال الحال عدّة أيام أدركهم فيجيء جانَم فيسلطن، بل لعلّهم جزموا بأنه يحضر، وأنه هو السلطان، فاغتنموا مع اضطرابهم هذا الحال وظنّوا أن الظاهرية إنّما هم ماشون
(2)
في شيء يعود نفعه عليهم، أعني على الأشرفية، وأنهم ممّن يطبخ بهذا القِدر لِما قرّره أولئك في عقول هؤلاء، هيهات فاتهم الحزم، بل والعزم والرأي والتدبير.
وأمّا جانِم بقلّة سعده وتحمّل خموله وقع له بدمشق ما وقع من القيام عليه والرمي عليه من القلعة وخروجه من دمشق على أقبح وجه مجرّدًا إلى القاهرة مجِدًّا في ذلك، ويا ليته تم على ذلك من غير إعمال فكر، وكان ترك ما قلّده، بل لم يكن دأبه في حين أخذه في المجيء إلى القاهرة إلا أنه دبّر أن يبعث جماعة من خواصّ مماليكه وجنده ومعهم عدّة منيعة بأن يقفوا بالطرقات لمنع من يمر منها (إلى)
(3)
القاهرة حتى لا يصل خبر مجيئه قبله ويكون خبره معه، ويكون هو حر نفسه خوفًا من المؤيَّد لئلّا يستعدّ له ويتهيّأ لأجله، فكان في تدبيره الأول إلى تدبيره إذ لو بذل ذلك التدبير حتى يصل الخبر لربّما كان ذلك سببًا لاستيلائه على الأمر بأن تخرج الناس إليه أو يتقاعدوا ويتشاغلوا في الأيام التي وصل عقيبها بعد سلطنة خُشقدم، وبعث الأمر باستيلائه وتملّكه، لكن هذا هو الذي كان قدّره اللَّه تعالى في الأزل حتى بقي جانَم بعد ذلك يعضّ يديه ندامة على ما فعل من منعه وصول أخباره قبله، ولا أفاده ذلك شيئًا.
ولنرجع إلى ما كنّا فيه، وهو أنه لما فعل الجند من إحضار الأمراء ما فعلوا، وكمل الجَمع، بدر من تكلّم من الأمراء فقال: ما القصد بهذا الجمع؟ فأجاب جماعة من الجند القائمين لقصد خلع المؤيَّد من السلطنة وأخذوا في تعديد مساوئ
(4)
وأشياء يخوّفون بها الأمراء من المؤيَّد المذكور، وتكلّموا في معنى ذلك بكلمات كثيرة، ووافق من تكلّم على ما قالوا كلمن
(5)
حضر من طوائف الحدر، وأعلنوا بذلك بلسان رجل واحد، بل وكان ذلك من عرقب الأمراء أيضًا، لأن الجمع كانوا في تخوّف عظيم وضرر كبير من المؤيَّد هذا، لا سيما وقد وقع منه ما
(1)
مهملة في الأصل.
(2)
في الأصل: "ماشيون".
(3)
مكرّرة في الأصل.
(4)
في الأصل: "مساو".
(5)
هكذا في الأصل. والصواب: "كل من".
وقع من نقيبه نقيب الجيش على ما عرّفه فزاد خوْفهم ورَيبهم مع ما انضم إلى ذلك من كَون المؤيَّد هذا كان كثير الأعداء من عدّة الأمراء، حتى كان في سلطنته لا يتكلّم مع كبار الأمراء ويتكبّر عليهم ويعقد ما شاء فيها، ويُظهر لهم أنه مالكهم ولا قدرة لهم عليه، وأنه ليس كآحاد من تقدّمه من أولاد السلاطين الذين تسلطنوا لأنهم كانوا صغارًا لا دُربة لهم ولا ممارسة، وأنه هو الذي كان السلطان في أيام أبيه في الحقيقة حيث كان إليه التصرّف في الملك لغالب الولايات والعزل، وأنه الأتابك إلى غير ذلك مما حدس عنه. بل يقال بلغهم أنه صرّح به لخواصّه بل ولغيرهم، ثم مع ذلك كله بقي يبلغهم عنه أنه في خلواته يقرّب الكثير من أوباش الناس ويتكلّم مع السفلة، فعظم ذلك عليهم، ونفرت خواطرهم منه، هذا من كان لا عليه منه مثل الأشرف.
وأمّا الظاهرية فعداوتهم له ظاهرة لا يُحتاج إلى إقامة البرهان عليها. ولما تكامل هذا الجمع الموفور، ووقع الكلام المذكور، وتحرّك أعيان الظاهرية ورأسهم إذ ذاك جانِبك نائب جدّة كما أسلفناه، وأعيان طائفته له سائقون، وخشداشه له خاضعون، وعند رأيه واقفون، مثل الأمير أُزبَك أتابك زمننا الآن، بُردُبك البجمقدار نائب الشام بعد ذلك. وكان الرأس النَوبة الثاني إذ ذاك، وظنّ كلِّ من الطائفتين أن ذلك الجمع لسلطنة جانَم، لأن الاتفاق كان قد وقع على ذلك فيما بينهم قبل ذلك، فإنهم كانوا قبل ذلك الاتفاق إذا أخذوا في التكلم في القيام على المؤيَّد واجتمع بعض الطائفتين بالبعض بدَرَ القائل من كلا الطائفتين بأن قال إنما يكون ذلك بشرط بيننا وهو أنه لا يكون السلطان لا منّا ولا منكم، فيفترقون حتى سماع ذلك على غير طائل، حتى وقع رأي الظاهرية بإجابة الأشرفية إلى سلطنة جانم على ما بيّنّاه، فتآلفت حينئذٍ قلوبهم وأخذوا في الاتفاق مع بعضهم البعض على الوجه الذي أسلفناه بمعناه حتى أعمل الظاهرية ما أدّى إلى دهم هذا الداهم ومزاحمة هذا المزاحم على ما زعموه، ولهؤلاء أظهروه، كل ذلك من استرابتهم وعدم ركونهم إلى المؤيَّد وخوفهم من بطشه وفتكه بهم قبل أن يبادروا إلى شيء من التدبير حتى وقع منه ما يقوّي ما حدسوه على ما زعموه، وأنهم أيقنوا به بعد ما كانوا يظنّونه، وقع الأمر بغتة في غيبة جانَم، ولم يعلموا أن يكن قدومه عليهم ويتفق جانِبك نائب جُدّة خروج هذا الأمر عن جانَم لبعده عنهم على أنه هو أكبر قصده، وإن كان هو مخالف لما هو الظاهر عند الأمراء، وهو استمالة الأشرفية، فأظهر أن الداهم دهم، والحاطم حطم، وأن المهلة في هذا الأمر يؤذن إلى إطارة الرقاب وإلى هلاك الأنفس والذهاب على أنه ولو كان الأول غير ظاهر وهو سلطنة
جانَم على ما زعم فإن التأخر له آفات، فأخذ يدبّر فيما هو بصدده ليتمّ لغير جانَم، ثم يفعل هو بعد ذلك ما بدا له من أوالي أعدائه الآخذين على أتمّ قضية لا سيما ولم يتمكن منهم أحد فى السلطنة على ما ستعرف ذلك فى سلطنة الظاهر خُشقدم، بل وفي مجيء جانَم، بل كان يدبّر جانِبك أعم من هذا كله، إذ قيل إنّما كان يوطّن لنفسه على ما حدسه منه خشقدم الظاهر بعد ذلك حتى كان سببًا لقتله على ما ستعرفه فى محلّه. وقد كان الأمراء كلهم قد اجتمعوا فى هذا اليوم بدار قوصون سكن الأتابك خُشقدم كما قلناه وهم جلوس بالمقعد من الدار المذكورة، فبدر جانِبك نائب جُدّة بأن قام هو وجانِبَك القريب وجانِبك المشدّ، وأزبك من ططخ، وبُردُبك البجمقدار، وجماعة أُخَر من أعيان الطائفتين وانفردوا بأنفسهم بمكانٍ على حِدة، وأخذوا فى الكلام فيمن يولّوه السلطنة، وكان غرض نائب جدّة القيام فى سلطنة خُشقدم لا جانَم نائب الشام، بل ولا غيره لكنه لم يُظهر ذلك فى هذه الحالة خوفًا من النفرة، ثم شرع فى التكلّم بما فيه استمالتهم لغرضه والتوطئة لذلك، فقال: نحن قد كتبنا للأمير جانَم بالحضور واتفقنا على سلطنته وأنتم عارفون منا ذلك يقينًا، غير أن ذلك كان لو مهل علينا المؤيَّد فإنه أحسّ بالقضية، بل وبأنه سيقام عليه، فأراد المعاجلة فى رمضان لأنه يقول: إذا خرج رمضان قاموا عليّ، وإذ جاء جانَم ولو فى رمضان فالأبدأ أنا بأخذهم قبل أخذهم لى، وفعل ما فعله من طلبه الأمراء، وقد ثرنا قبل أن يثور، ودهمنا هذا الأمر الفظيع على حين غفلة، ولا بدّ لنا من محاربة المؤيَّد فى هذا اليوم ومقاتلته وإلّا استفحل أمره علينا إن تركنا قتاله وتقاعدنا عن ذلك ووقع بنا ما خشيناه من أمره وفعل فينا ما أحبّ، ومتى تهاونا فى ذلك حتى انفلّ عنّا هذا الجمع العظيم ذهبت أرواحنا ولا بدّ من الحيلة فى ذلك، وأنتم تعلمون أن السلطان لا يقابل إلّا بسلطان مثله يقام قبل الشروع فى مقاتلة الآخر وإلّا فسد النظام ولا تجتمع الكلمة وتتوفر الحرمة إلّا بإقامة إنسان، ولما قرّر لهم جانِبَك هذا بدهائه ومكره خدعهم به، وأجمع رأي الكل على أن هذا رأي، وأنه لا بدّ من سلطنة واحد من أعيان الأمراء الأكابر. فلما تم له هذا الأمر ولزمهم القول به انتقل بعد ذلك إلى تعيين هذا الواحِد من الجماعة ومن يكون وذهنه كله مع خشقدم ليس إلّا لاستلاشته فى عينه، إمّا توطئة لنفسه كما قيل عنه بعد ذلك، أو ليمكنه بأن يفعل به ما يختاره، أولهما بقاء أولي
(1)
ذلك مما يعلم الله تعالى حقيقته. ثم أخذوا فى التكلّم فى ذلك ودار الكلام بينهم فيه، فبدر
(1)
فى الأصل: "اولو".
من قال: سلطنوا جَرباش أمير سلاح، فلم يحبّ جانِبك هذه المقالة، لكنه لم يدافع عنها، بل أخذ فى أسباب نقضها بما يَسَع عقل قائلها بمكره وشيطنته. وكان القائل لهذا من الأشرفية، فأخذ جانِبَك فى تسليم قول القائل توطئة لعدم القول به بما يكون كالمنع، بأن قال: شكرته فى أهلية الأمير جرباش للسلطنة، لكن أنتم تعلمون وتتحقّقون أنّنا متى سلطنّاه ثم بدا لنا صرفه إذا جاء الأمير جانَم لا يتمكن من ذلك، فدخل الدخيل على الأشرفية من هنا وظنّوا أنه مشدود معهم على سلطنة جانَم، ثم أخذ يبيّن جانِبَك الوجه لما قاله من عدم تمكّنهم بعد ذلك من صرف جرباش إذا تسلطن، فقال وذلك لوجوهٍ منها أنه رجل عظيم من أجلّ الملوك وقدمائهم، ومن الجنس، وصهر خُشداشنا بُرْدُبك البجمقدار، وصهر خُشداشكم خيربك من حديد وغيره، وإن مجيء جانَم قد قارب، ولو جاء لما احتجنا لغيره، وتكلّم بكلمات أُخَر على هذا المنوال لوهِم بأن جميع ما قاله إنما هو لأجل جانَم، بل صرّح به كما قلناه، كل ذلك لئلّا تنفر قلوب الطائفة الأشرفية عنه وغرضه، والتفاته إلى غير ما هو قائله لأن ما فى القلوب فى القلوب على ما عرفناك بذلك فى تأميره وأنت على الأشرفية، فشابهم السمع، وإن بدا لهم بعضٌ من الرأي، فخُدعوا وحالوا عنه وغفلوا عن العاقبة ووقفوا عند الرأي فى الوقت الحاضر من غير أن يتفكروا معه فى رأي ما سيعقبه من الزمان، بل يتلوّنون فى الحال لما يلقى إليهم لسذاجتهم وسلامة بواطنهم غالبًا من غير تأمّل وتدبير فيما يقول جانِبك حتى ولا بالوهم فيما أظنّ، فضلًا عن التفكر فى مقاصده بذلك، بل كالحمير الموكفة يساقون لِما أريد منهم بالخديعة والمكر وهم لا يشعرون. {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43]، فقد عرفت ما آل إليه أمر جانِبك هذا على أن غرضه فى نفس الأمر إنما هو التوطئة لنفسه لما كان فى مخيّلته، فلهذا طلب سلطنة خُشقدم لكونه استلاشه على ما قلناه، بل ولعلّ خُشقدم تحقّق منه هذا فى هذا اليوم، فضلًا عن بُعده، لكنه لم يتمكن بعد سلطنته من أخذه إلّا بعد حين لذلك
(1)
الكمين، وبقي فى سلطنته محيّرًا منه وباطنه فى شغل وفكرٍ فى أمره مع إظهاره له خلاف ذلك بحيث لم يتوهّم جانِبك منه الأذى لغلبة مكر خُشقدم وخداعه على مكر جانِبك، فإن خُشقدم كان من دُهاة العالم وصناديد بني آدم فى أشياء منها هذه الجزئية حتى كان هو الغالب بعد ذلك كما سيجيء ذلك فى محلّه ونعرفه عن أصله.
ولما فرغ -أعني جانِبك- من كلامه فى جانب جرِباش بما تكلم أُعجِب الحاضرون بذلك كيف وقد أثبت لهم المقدّمات المقبولة عندهم التي يسلّمونها
(1)
فى الأصل: "لذالك".
لاستنتاجه هذا منهم فمالوا إليه، فأخذ حينئذٍ في أسباب قبح الكلام لسلطنة خُشقدم بمقدّمات يعلم أنهم يسلّمونها ويلزم عنها ما أراد، وهو المطلب له، فقال لهم إننا هاهنا سواء في الرأي وأنتم الأغوات والأمر إليكم، وأنا أعرض عليكم رأينا إن رأيتموه ولا بأس، ونكون كلّنا في سواء لا ينفرد الواحد بشأنه فنكون على خلاف رأي الآخرين وإن لم تروه وأفهم الرأي فنأخذ في أسباب رأي غيره، والرأي عندي، وأظنكم توافقوني عليه إن تسلطن الأمير الكبير خُشقدم فإنه من غير الجنس يعني كونه رُويسيًّا وليس بجركسي. ثم قال أيضًا فإنه رجل غريب لا شوكة له، ومتى ما أردتم خلعه عند حضور جانَم سهل ذلك عليكم، خادعًا لهم بقضية جانَم ليتمّ الغرض التام له فيما يريده، ويكون خلعه بغير تعب ولا (. . .)
(1)
، وأيضًا فإن خُشقدم ليس ممن هو في الرتبة كعِظم جرباش ووجاهته، وتكلّم بكلمات أو نحو هذه الكلمات وهم له سامعون ولرأيه قابلون، لا يعلمون غرضه ولا ما هو فيه، إذ جل غرضه كان إبعاد السلطنة عن جانم والر (. . .)
(2)
من ذلك، ثم تمهيد الأمر لنفسه إمّا بأن سيلي الأمر ولو بعد حين، كما أشيع عنه أنه كان غرضه التام لذلك، وكان سببًا لقتله، أو أن يكون هو المدبّر للمملكة كما فعله من في سلطنة خُشقدم، وأيضًا علم أن سلطنة خشقدم تمنع من تمكّن جانَم والأشرفية، لا سيما إذا كان هو مدبّرها. وكان هذا الرأي مكيدة على الأشرفية على ما هو ظاهر ببادئ الرأي لمن له بعض تأمّل لم يتفطّن الأشرفية لذلك إلّا بعد حين ولم ينفعهم ذلك، وساعد الدهر الظاهرية وأُقعد أولئك، ومن يومئذٍ عظُمت شوكة الظاهرية حتى بقوا أصحاب التخت الآن، وأمّا أولئك فأنت عارف بما هم فيه وبأحوالهم، بل بذهابهم ورّوا لهم ولا حاجة إلى الكلام. ولما تم هذا الرأي جاؤوا -أعني الطائفة الظاهرية والأشرفية- بعد أن فرغوا مما قرّروا وانتهوا مما ذكروه فصعدوا إلى القلعة وجميع الأمراء به جلوسًا
(3)
، وخشقدم في هذا صدر المجلس لا ما يكتبه على أنه لم تحدّثه نفسه بالسلطنة.
في ذلك اليوم ذكر لى الوالد عنه أنه أسرّ إليه فيما بعد ذلك بمدّة وقال له: لولا خطر ذلك ببالي لأني كنت في ذلك اليوم أجنبيًا عن تلك الطوائف فإنهم من جنس آخر.
ثم شرع جانِبَك نائب جدّة في فتح الكلام فقال: نحن -يعني الطائفتين الأشرفية والظاهرية- نريد أن نسلطن علينا رجلًا
(4)
يحصل به النفع لنا
(1)
كلمة غامضة.
(2)
كلمة غامضة.
(3)
في الأصل: "جلوس".
(4)
في الأصل: "رجل".
وللمسلمين، ولا يميّز طائفة على أخرى، ولا يميل إلى أحد من الطائفتين فيركن إليها ويميل على الآخرين، بل يكون جميع الطوائف عنده سواء في رتبتهم وأخذه في الخير والشر، والمتتبع (. . . .)
(1)
أن يطلق من بالسجون من الأمراء من سائر الطوائف وأن (. . . .)
(2)
عن (. . . .)
(3)
وولده العزيز يوسف بن الأشرف برسباي (. . . .)
(4)
جقمق من سجن الإسكندرية، ويأذن لهما (. . .)
(5)
غير مضيّق عليهما (. . .. )
(6)
أهلًا له ولا يليق ذلك بك ولا أن تتكلّم في (. . . .)
(7)
. ثم أخذ الأمير قانَم التاجر يتكلّم بكلام قريب من كلام سُنقُر (. . . .)
(8)
جماعة أنتم قد كاتبتم الأمير جانَم نائب الشام (. . . .)
(9)
أن يحضر تسلطن فإنه لا ينبغي لكم التشويش على أحد بخلعه بعد أن تسلطن (. . . .)
(10)
هذا من الله تعالى ولا يحلّ لكم ذلك، فلم يُجَب
(11)
عن كلامه ولا (. . .)
(12)
بل زاد اللغط (. . . .)
(13)
الغوغاء قائلًا يقول بسلطنة الأمير جرباش (. . . .)
(14)
وقال قرقماس الجلب: أنا رجل (. . .. . .)
(15)
إلى الآن ولست أهلًا لهذا (. . .)
(16)
وهذا شيء راجع إلى الأمير الكبير. وأما الأمير الكبير فلم يذكره (. . .)
(17)
على أسبابه (. . .)
(18)
وجانبك انصرف بالقيام مسرعًا وهو يقول: السلطان هو الأمير الكبير، وتقدّم فقبّل الأرض بين يدي الأتابك خشقدم من وقته بذلك، ثم قام جانَم نائب جُدّة وتوجّه إليه فقبّل الأرض. ولما رأى الأمراء ذلك قاموا كلّهم في الحال وقبّلوا الأرض (. . . .)
(19)
له بالسلطنة. ثم خرج المنادي في الحال بإعلان النداء (. . . .)
(20)
(. . .)
(21)
(1)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(2)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(3)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(4)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(5)
مقدار كلمة واحدة.
(6)
مقدار ثمانية سطور ممسوحة.
(7)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(8)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(9)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(10)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(11)
في الأصل: "فلم يجاب".
(12)
كلمة ممسوحة.
(13)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(14)
مقدار ست كلمات ممسوحة.
(15)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(16)
مقدار كلمة واحدة.
(17)
مقدار كلمة واحدة.
(18)
مقدار كلمة واحدة.
(19)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(20)
مقدار خمسة أسطر ونصف السطر ممسوحة.
(21)
الصفحة ممسوحة بكاملها.
مع المؤيَّد لحظة واحدة، بل رتّب حيلة فما ظهر أنه ابتكره، وأخذ بعد أن تقاعد عن حفظ باب السلطنة حتى أدخله بَلَباي، وجانِبَك الظريف، وبيبرس خال العزيز بجموع منهم وملك من غير مانع ولا مدافع.
ولما استعيد باب السلسلة المذكور ونزل السلطان كما قلناه، واستقرّ به الجلوس (. . . .)
(1)
إلى الرملة فوجد الجمع قد تكاثف بها وكثر العدد من المخالفين له، ورأى نفسه وعساكره قليلة جدًا، ومع ذلك فلم يكترث بذلك وتمادى إلى الأخذ في أسباب المدافعة عن نفسه بمن حضره، وكان عنده من عسكره من الأمراء الأصاغر قراجا الماضي ذِكره، ومن أعيان خاصكيّته فارس البكتمري أحد الدوادارية من الأجناد، وتَنِبك دواداره وهو أتابك العساكر قبل أن يتسلطن وما عسى أن يفعل هؤلاء. وأمّا الأمراء من خُشداشي والده وممّن (. . .)
(2)
وكذا مماليك أبيه القدماء، فلم يطلع إليه الواحد منهم ولا (. . .)
(3)
إليه، بل ولا الجماعة الذين كان يصحبهم في أيام أبيه ويمشون معه وفي خدمة ركوبه ونزوله مع إحسانه إليهم وصحبته لهم، والقيام في مهامّهم وقضاء أشغالهم ما بين أمراء وأعيان وغير ذلك من الخاصكية من سائر الطوائف الذين تقدّم ذِكرهم ما بين أشرفية وظاهرية وسيفية ممن كانوا يصحبونه ولا يقاومونه فلم ينتصر له في هذا اليوم الواحد منهم. وأغرب من ذلك أنهم مع عدم قربهم معه والانتصار له لزموا ديارهم في هذا اليوم حتى ينجلي لهم الأمر، بل ركبوا كلهم وانضمّوا إلى من خالفه والأتابك خشقدم. وأعجب من ذلك أن انضمامهم إليه كان قبل استفحال أمره وظهوره وقبل التكلم من سلطنته. وأعجب من هذا الأعجب، بل والأغرب منه أنهم كانوا في هذا اليوم من أشدّ العشرة عليه. وأشدّ تعجّبًا من كل ذلك أنهم ما كانوا عليه من الاجتهاد كانوا مع عسكر الأتابك خشقدم وعنده وعندهم من الممقوتين لا من المقرّبين ولا المتأهّلين حتى ولا ما رضاهم
(4)
بالقول، وكان ذلّ الطرد والإبعاد ظاهرًا
(5)
عليهم، والعيون بالمقت ناظرة إليهم، وهم يُضْمِرون ويجتهدون، حتى كان من أمرهم ما طبق عليهم، ومع إطلاعهم على ذلك كله ما صفمت قلوبهم إليه ولا تعطّفوا عليه ولا همّوا بطلوعهم له ومساعدته حتى جرى عليه بعد ذلك ما لو كانوا عنده ما جرى عليهم بعض منه (. . .)
(6)
من الله تعالى. ويُعدّ هذا من أغرب النوادر التي ما سُمع بمثلها.
(1)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(2)
مقدار كلمة واحدة.
(3)
مقدار كلمة واحدة.
(4)
الصواب: "ولا أرضاهم".
(5)
في الأصل: "ظاهر".
(6)
كلمة واحدة ممسوحة.
وكان يتابع المؤيَّد من مماليك أبيه الجُلبان نحو الألف أو دون ذلك بيسير، وفودتى ذلك (. . . .)
(1)
وهم مشتراوات والده بعد سلطنته. وأمّا الذين أتوا كتابية بعد الظاهر جقمق وملكهم إينال بعد موته، فأخذ جانبك نائب جدّة بحيلته في إرضائهم، وبعث في الدسيسة إليهم من استمالهم إلى طائفة بأن (. . . .)
(2)
بل وكلّم مماليكه منهم بنفاقه فقال لهم: أنتم في الخدمة (. . . .)
(3)
ونحن وإياكم شيء واحد (. . . .)
(4)
فإنه عصبته ونحو هذا من الكلمات حتى استمالهم بهذا الكلام (. . . .)
(5)
من حزبه ومن طائفته في ذلك اليوم (. . . .)
(6)
وهم فوق المايتين (. . .)
(7)
مع جانِبَك وهم راكبون. ثم حين القتال قاتلوا ابن أستاذهم أشدّ القتال (. . . .)
(8)
خيرًا عن مروءاتهم، وصاروا في ذلك اليوم هم أعيان هذا العهد. (. . . .)
(9)
ولما رأى المؤيَّد كثرة العساكر وقلّة من معه (. . .. . .)
(10)
تعجّب من ذلك غاية العجب، وحُقّ له ذلك، ثم قال لبعض خواصّه والمقرّبين إليه (. . . .)
(11)
من صرف القلوب عنّا حتى غيّرهم عنّا وعن (. . . .)
(12)
كان ذلك من ذنب أسلفناه أو شيء (. . . .)
(13)
أو نحو ذلك (. . . .)
(14)
ولقد اعترف (. . . .)
(15)
خُشقدم على معاورة الطرق التي توصل إلى القلعة من سائر الجهات، فوقف جانبك نائب جدّة بجماعة موفورة من طائفته وخُشداشيه ومماليكه والظاهرية الإينالية الذين استمالهم برأس سُويقة عبد المنعم تجاه القلعة، وكان الوالد (. . . .)
(16)
جماعته في معظم أمر الأتابك خُشقدم في ذلك اليوم (. . . .)
(17)
الغاية والنهاية بعد أن اجتمع (. . .
(1)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(2)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(3)
مقدار ثماني كلمات ممسوحة.
(4)
مقدار سبع كلمات ممسوحة.
(5)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(6)
مقدار سطر ونصف سطر ممسوحين.
(7)
مقدار كلمة واحدة.
(8)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(9)
مقدار سبع كلمات ممسوحة.
(10)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(11)
مقدار ست كلمات ممسوحة.
(12)
مقدار ست كلمات ممسوحة.
(13)
مقدار سبع كلمات ممسوحة.
(14)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(15)
مقدار تسعة عشر سطرأ ممسوحات.
(16)
مقدار خمس كلمات.
(17)
مقدار كلمتين.
.)
(1)
له جميع (. . . .)
(2)
ويحمله، وأنه لا زال (. . .)
(3)
إلى أن بلغ مقصده وسلطنته إياه وأنه معه كتابه (. . .)
(4)
واجتهد جانِبك هذا في محاربة المؤيَّد في (. . .)
(5)
لا سيما وعنده (. . . .)
(6)
حيث لم يألف إليه في أيام سلطنته، بل ولا التفت له ولا غيره، مع عظمة جانِبك في حدّ ذاته عند نفسه وميلانه لمن يعظمه وتطلّعه إلى ذلك واستشرافه له حتى كان يداخله غير ما مرة لعلّه يقبل عليه أو يأنس إليه، وهو يعامله بضدّ قصده من تقطيب وجهه عند رؤيته وعدم مكالمته، والوقوف عند ناموسه الذي ظنّ أنه يروج بسببه أمره في المُلك فلم يجهل جانِبك هذا وهو الذي كان السبب الأعظم في جميع ذلك بل في هذه الحركة وفي سلطنة خشقدم على ما عرّفناك، ذلك أنّنا وبهذا السبب أيضًا حقد خشقدم عليه، وكان عنده من الكمين باطنًا حتى رسخت قدمه في المُلك لتحقّقه منه أنه له قدرة على القيام عليه وفعله معه فوق ما فعله من هذه الحركة مع المزيد، ولهذا قتله قبل أن يبادر إلى ذلك، لا سيما أن كان الذي أشيع عنه بعد ذلك من كونه كان في قصده الوثوب على الأمر إشاعة صحيحة، وأنه وفّى لنفسه بسلطنة خُشقدم.
ثم لما بحث المؤيَّد عن أصل هذه القصّة وتحقّق أن أعظم الأسباب فيها وفي إثارة هذه الفتنة هو جانِبك، وتيقّن ذلك، لا سيما لما نظر جانِبك هذا بجموعه وهو واقف بسُويقة عبد المنعم على تلك الصفة، والاجتهاد الذي ليس هو هيئة غيره ممّن هو بصدد ذلك أخذ في التدبير وتوسيع الحيلة فيما يستميل به جانبك هذا لعلّه أن يميل إليه، فبدر بأن كتب مكتوبًا بخط يده إلى جانبك يعتذر إليه فيه وتسلطُنه بخاطره، ويعده في مكاتبته تلك بأمور كثيرة، وأنه إن ترك هذا الشر والهاعة يجعله أتابكه ويتدبّر مملكته وأكثر الحلّ والعقد فيها، وأنه لا يخرج عمّا يشير به عليه، ولا ينقض ما أبرمه، وشك هذا وأنظاره من الكلمات والخطابات، وتكرّر سؤاله في أن يترك الشرّ، وحلف له في مكاتبته تلك بأنه يفي بما وعده به، وأنه يبلّغه أقصى ما في أمله وزيادة. ثم حلف له أيضًا بأنه لا يخونه وأطال في ذلك، بحيث كانت مكاتبته هذه كتابًا مطوّلًا عدّة أسطر كثيرة، وبعث به إليه مع من يركن إليه من جماعته، فلم يلتفت جانِبك إلى ذلك ولا عبأ
(7)
به، ولا ارعوى له،
(1)
مقدار ست كلمات.
(2)
مقدار كلمتين.
(3)
مقدار كلمة واحدة.
(4)
مقدار كلمة واحدة.
(5)
مقدار كلمة واحدة.
(6)
مقدار كلمتين.
(7)
في الأصل: "عبائه".
على أنه المسكين لو قصر عن الشر وأجاب، لعلّ لما صدر من المؤيَّد في حقّه ما صدر من خُشقدم، لكنْ لا مفرّ من القدر. وبعث جانبك في محضر الرسالة إليه ونهره وقال له: رُح إليه، وإن جئت إليّ مرة أخرى حملتك إلى الأمير الكبير سلطاننا، واستمر على ما هو عليه في الاجتهاد في القتال، وأخذ في أسباب الحث على ذلك وتحريض غيره، وصار أمر المؤيَّد يتلاشى، ولوائح زواله ظاهرة، والعسكر التحتي الذين مع خشقدم في نموّ وزيادة وكثرة عظيمة، والمناوشة بين الفريقين غير ناجزة، وقد بلغ المقاتلين الجَهدُ وهم صيام، وبلغ منهم أكبر الجهد، وأفطر في ذلك اليوم جمع جمّ من العسكر، فإنّا للَّه وإنّا إليه راجعون. ولعلّ هذه الفِعلة من النوادر. ولقد بلغت المشاعر إلى أقاصي الممالك النائية والبلدان حتى شنّعوا على العسكر المصري، بل ونُسبوا إلى ما لا خير فيه، وبكّت عليهم بعض الملوك النائية لذلك، بل وعُيّروا به في كثير من الممالك، وحُقّ ذلك. ولم يزل القتال عمّالًا
(1)
، وجُرح جمع من الطائفتين، وقام الزُعر مع المؤيَّد، فاجتمع منهم بالرُميلة تحت المقعد المطلّ عليها جمع وافر
(2)
منهم مساعدة للمؤيّد المذكور، وأخذوا في رجم التحاتي بالأحجار حتى أبادوا كثيرًا منهم، بل لم يمكّنوا أحدًا يصل إلى الرملة من جهة المصنع ومدرسة السلطان حسن، بل ومنعوا أيضًا وصول من يصل من سُوَيقة عبد المنعم إلى الرملة، هذا، والمؤيَّد يحرّضهم على ذلك، وربّما نثر عليهم نثارًا من الفضة، وداموا على ذلك من بين الصلاتين إلى قريب الغروب، وحنق منهم العسكر التحاتي غاية الحنق، وبقوا يتوعّدونهم
(3)
وهم جادّون في ذلك وفي منع من يطلع من جزيرة البقرة ومن جهة القبو، وما فرّق جَمعهم إلّا دخول الليل، وما انقضى النهار إلّا وأمر المؤيَّد في إدبار وهزيع ينتظر من يحضر إليه لمساعدته، وكاتب جماعة ممّن عند الأتابك خُشقدم من الأعيان، فلم يلتفتوا
(4)
إلى مكاتبته وتيقّنوا زوال ملكه، فما حضر أحد منهم لمساعدته. وبينا هم على ذلك قبل دخول الليل وإذ بخير بك القصروي نائب القلعة (. . . .)
(5)
فأبطأ ونزل إلى الأتابك خشقدم فاجتمع به وقبّل الأرض بين يديه، (. . . .)
(6)
فرحّب به وأقبل عليه، فقوي أمر العسكر التحاتي زيادة عمّا (. . . .)
(7)
وقالوا: لو كان في المؤيَّد بقية لما تركه نائب ونزل. ولما بلغ المؤيَّد
(1)
في الأصل: "عمال".
(2)
في الأصل: "جمًا وافرًا".
(3)
في الأصل: "يتوعّدونهم".
(4)
في الأصل: "فلم يلتفتون".
(5)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(6)
مقدار ثلاث كلمات.
(7)
مقدار كلمتين.
(. . . .)
(1)
إنزال شخص من جماعته لضبط باب القلعة مكان خيربك (. . . .)
(2)
أصرّ خيربك هذا على فِعلته هذه، إذ لو جلس مكانه لما كان (. . . .)
(3)
كثير بل إلى درك فقط، ينفع من النصل ولا يضرّ من الصلّ على (. . . .)
(4)
فعابوا عليه صنيعه ذلك غاية الإعابة على عادة التُرك في مثل هذه الأمور، (. . . .)
(5)
موافقًا، بل أعاب، ولا زال أمر المؤيد في هذا اليوم في غاية (. . . .)
(6)
النهار. ولما ذكر بعض المؤرخين نحوًا مما ذكرناه من هذه (. . . .)
(7)
كل ذلك وأمر المؤيَّد في انحطاط فاحش، وصارت العامّة (. . . .)
(8)
هو كلام في غاية الركاكة، بل وما تكلّم به في معنى هذه الحرب (. . . .)
(9)
تم شيئًا من صلح أحوال هؤلاء، لا صحة لقوله: وصارت (. . . .)
(10)
أن يريد بالعامّة العسكر التحتاني وليس باصطلاح، والصحيح عكس ما قاله وقد صارت العامّة تتأسف عليه مع بُعده عنهم وقرب الثائرين به منهم والفا (. . .)
(11)
عليه، وساعدته الزُعر في هذا اليوم أتمّ مساعدة حتى منعت الخيل من الدخول إلى الرُميلة بحيث حنق
(12)
منهم التحاتي على ما أسفلنا ذلك
(13)
.
ولقد كنت أنا حاضرًا هذه الوقعة من أولها إلى آخرها في هذا النهار، لم أغِب لحظة، وكنت أتردّد في منزل الأتابك خُشقدم تارة عند المقعد، وتارة بباب الدار، وتارة بالمدرسة القانبائية بسويقة عبد المنعم، وتارة بالرُميلة، إلى غير ذلك من ممانع الناس والعسكر، وإنما أشاهد الأحوال عيانًا، وأسمع تأسّف العوامّ، بل وبعض الخواصّ أيضًا.
وقوله: تسمعه كذب محض، إذ لم تكن العامّة بالقرب منه على تقدير كونهم ينتظرون بمكروه حتى تسمعه، بل كان تحت مكان جلوسه خلْق من العامّة الزُعر وكلهم كانوا يقاتلون بالحجارة وهو ينظر إلى آخر النهار، فلا يقال في هذا وهْم،
(1)
مقدار خمس كلمات.
(2)
مقدار خمس كلمات.
(3)
مقدار خمس كلمات.
(4)
مقدار أربع كلمات.
(5)
مقدار أربع كلمات.
(6)
مقدار خمس كلمات.
(7)
مقدار أربع كلمات.
(8)
مقدار أربع كلمات.
(9)
مقدار أربع كلمات.
(10)
مقدار أربع كلمات.
(11)
مقدار كلمة واحدة.
(12)
مقدار كلمة واحدة.
(13)
هذا قول ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة بتصرّف من المؤلّف رحمه الله.
وما له هذا المؤرخ لشيء ظنّه كذلك، بل هو كذِب وافتراء ما علمت ما الحامل لهذا المسكين على ذلك، سامحنا الله تعالى وإيّاه.
ولما دخل الليل بات كلٌّ من العسكرين على ما كانوا عليه، وأمر الأتابك خشقدم في غاية الاستفحال والإقبال، وأمر المؤيَّد في غاية الوهن والإفلال والإنذار بالزوال خصوصًا وقد نزل عدّة ممن عنده إلى العسكر التحتاني.
وكان الخليفة والقضاة قد أحضروا في هذا اليوم إلى الأتابك بعد مبايعة البذل له واختياره، لكن ما وقع بينهم كلام في ذلك ولا إبرام في هذا اليوم غير إعلامهم باختيار الأتابك خشقدم وتسليم الخليفة والقضاة ذلك على وجه إظهار عدم المخالفة بأخرة من غير بتّ أمر شرعي بعقد المُلك إلى أن كان ما سنذكره بعد ذلك.
وبات المؤيَّد بالقصر مع قليل من جماعته، والأتابك بداره مع الجموع الموفورة حتى من لا عرض له في شيء من ذلك، بل حضر كالمضطر أو الخائف على نفسه أو غيرها بأخرة أو الآن، وكذلك جميع أعيان الدولة والمباشرين الكل حضور، وباتوا بهذه الدار مستعدّين
(1)
للقتال في الغد، وكان سبيل المؤمني قد أخذ قبل غروب الشمس بيسير أو بعد دخول الليل، وبات به جماعة من العسكر وهم مستعدّون
(2)
يحرسون وعليهم بيبرس الطويل
(3)
، وكان ما سنذكره.
(ذكر اليوم الذي تسلطن فيه الظاهر خشقدم)
(4)
وفيه، في يوم الأحد تاسع
(5)
عشره، أعني شهر رمضان، كانت سلطنة الظاهر خُشقدم والمبايعة العامة له، وعقد الملك والجلوس على سريره وتلقيبه بالظاهر وتكنّيه بأبي سعيد، وخلع المؤيَّد بن الأشرف وزوال ملكه، وكان من خبر ذلك أنه لما طلع فجر هذا اليوم ظهرت فترة همّة المؤيَّد وقصور عزمه لقلّة عدده وناصره، وأخذ كل أحدٍ ممن عنده من جماعته وحزبه ومن عنده من الأعيان، وقد عرفتَ مَن هم وما حالهم في عمل مصلحة نفسه خوفًا من عدوّه، فمنهم من أذعن لخُشقدم، ومنهم من يجهّز للهروب، واتفقوا على ذلك في نفوسهم من غير إظهار ذلك، لكنْ بإمارات تلوح دالّة على ذلك، بل وصرّح الكثير منهم بذلك، وبلغ
(1)
في الأصل: "مستعدن".
(2)
في الأصل: "مستعدن".
(3)
انظر عن محاربة السلطان المؤيد في: النجوم الزاهرة 16/ 237 - 241، ووجيز الكلام 2/ 738، ونيل الأمل 6/ 110، 111، وبدائع الزهور 2/ 376، وأخبار الدول 2/ 316.
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
في الأصل: "سابع" والمثبت من نيل الأمل 6/ 111 ومما سيأتي لاحقًا.
ذلك العسكر السفلي وهو مقصدهم الأعلى ومطلوبهم الأقصى وتوسّمه المؤيَّد وفهمته عن جماعته، فقصد أن يسلِّم نفسه بطلب أمان ونحوه، ثم أنِف عن ذلك لشهامته، ولم تطاوعْه نفسه عليه، لا سيما وقد ذاق طعم المُلْك، وتمكّن منه، والعزّ بعزّ السلطنة مع الرجاء وتوهُّم البقاء، وإن كان قد غلب على ظنّه الزوال كلّية أمسك عن ذلك القصد في ذلك الوقت هذا، ولا علم عند العسكر السفلي بشيء من ذلك بدلهما كان الغالب على ظنّهم طول الأمر منهم قياسًا على توبة المنصور، ولم يتوهّم الواحد منهم أخْذ القلعة في هذا اليوم ولا عن قرب، لا سيما الأشرفية، فإنهم كانوا يظنّون أن الأمر يتطاول ويتسلسل حتى يحضر جانَم نائب الشام، بل وتسلطنه، ثم يأخذون القلعة له، لكنهم أصبحوا في هذا اليوم وقد قويت شوكتهم وكثُر عددهم، وقصدهم كل أحد في هذا اليوم خوفًا ورعاية، وطلّبوا الأطلاب حتى بعثوا إلى دار يونس الدوادار، وكان مريضًا مرض موته، وطلبوا منه أن يجهّز لهم طلبًا من مماليكه سيّر يقول باللبوس والعُدَد الكاملة، فما أمكنه إلّا إجابتهم وتجهيز ذلك وإن كان ذلك ليس بغَرَضه ولا بقَصْده، لكنه اضطر إليه وأجاب، وبينا هم في ذلك إذ ورد عليهم خبر المؤيَّد وتفصيل أحواله وما هو فيه وعرفوا حاله وتحقّقوا زواله في هذا اليوم، فقوي عزمهم وتوفّرت هممهم، وكان المخبر قد بالغ في ذلك واجتهد فيه، وأخذ في تحريضهم، وذلك لغرضٍ من الأغراض تشجّع بهذا الكلام كل جبان، وزاد به شجاعة الشجعان، فعند ذلك أجمعوا على القتال، واجتمعوا للمحاربة والنضال، وهجم طائفة منهم على باب السلسلة بعد أن ألقوا فيه النار، وزحف الباقي من العسكر على القلعة زحفة واحدة، وجدّوا في القتال، وأخذ عسكر المؤيَّد في مقاتلتهم ساعة هيّنة، وفكّر المؤيَّد في أمره ورأى بعقل أن ذلك لا يفيده، بل مما يزيد في قسوتهم عليه، فلم يكن دأبه إلّا أن أمر أصحابه بالكفّ عن القتال، وقام من وقته وصعِد القلعة لخواصّه وأمر أصحابه بالانصراف إلى حيث شاؤوا
(1)
، وترك باب السلسلة، ثم دخل إلى والدته الخَوَند زينب، وتفرّقت جماعته وتشتّت شملهم، وفلّ عسكره كأنه لم يكن، وزال ملكه في أقلّ من لحظة، فسبحان مالك الملوك من لا زوال لملكه وبقائه، وهكذا شأن الدنيا، ولقد صدق من قال:
ألا إنّما الدنيا كأيكة ناظرٍ
…
إذا اخضرَّ منها جانبٌ جفّ جانبُ
فلا تكحّلنّ عينيك
(2)
بها بنظرةٍ
…
على ذاهبٍ منها فإنك ذاهبُ
(1)
في الأصل: "شاوا".
(2)
في الأصل: "عيناك".
ولما بلغ الأتابك خُشقدم ذلك قام من وقته فركب والأمراء والأعيان بين يديه في موكب حافل، والعساكر معه، وسار في محفل عظيم وقد جعل له دِهليزًا بالخلق اجتمعوا لرؤيته وقعدوا للفرجة، فشق الرُميلة وقد سكن القتال كأنه ما كان، وقصد باب السلسلة، وحين رآه الناس كذلك أخذوا في الدعاء له فدخل إلى الإسطبل وملكه والقلعة في الحال من غير مدافع ولا ممانع، وصعِد إلى مقعد الحرّاقة من الإسطبل فجلس به، وحين استقرّ به الجلوس أمر بنزع لأمة الحرب وآلة القتال من السلاح وغير ذلك، وسكن الأمر وخمدت الفتنة، ولم يكن دأبه إلّا تعيين جماعة في الحال بالقبض على المؤيّد، ولما طلعوا إليه لذلك وهو بالدُور السلطانية أسلم نفسه في الحال من غير ممانعة، فأخرج به من الدُور إلى البُحيرة بالحوش، وأُخرج معه أخوه محمد
(1)
، - وخرجت والدتهما الخَوَنْد المذكورة معهما، وقُيِّد المؤيَّد، ووُكّل به واحتُفظ عليه غاية الاحتفاظ، وأقام في التوكيل عنده جماعة من الأعيان والجند والخدّام، ثم عاد الجند إلى الأتابك خُشقَدم بذلك، وتحقق من حضر انزواء المؤيَّد والغلبة عليه، فأخذوا حينئذٍ في البيعة العامة، وعقد الملك للأتابك خشقدم المذكور، وقد حضر الخليفة والقضاة الأربعة
(2)
وغيرهم من أهلّ الحلّ والعَقْد، ودار الكلام بينهم في صورة خلع المؤيَّد، ثم وجّهوا ذلك وعملوه وحكم بخلعه ونفّذ ذلك وتم وكمل.
(مبايعة خشقدم بالسلطنة)
(3)
ثم بويع خُشقدم بالسلطنة وعُقد له المُلك، وأُحضِرت الخلعة السوداء المعروفة بشعار المُلك في الحال، وقام خُشقدم فدخل ببيت الحرّاقة فأفيضت عليه، وأُلبس العمامة، وتقلّد السيف، وخرج بأبّهة المُلك وهيئته، وقد تهيّأ العسكر وجميع من حضر من الأكابر وأعيان الأمراء بالشاش والقماش، وأُحضر فَرَس النَّوبة في الحال بالسرج الذهب والكنبوش الزركش، وانتظر به نزول خُشقدم من سلّم مقعد الحرّاقة، فنزل منه وأركبه من السلّم المذكور، ثم سار وقد ركب الخليفة معه وجميع الأعيان مُشاة بين يديه قاصدًا القصر الكبير، وقد حضر الزَرَدْكاش بالقبة والطير، فتناولها الأمير جَرِباش أمير سلاح بإذنٍ من السلطان، فحملها على رأسه، وسار الجميع إلى أن وصلوا إلى باب القصر فأنزل به ودخل إليه وهم بين
(1)
في الأصل: "محمدا".
(2)
في الأصل: "أربع".
(3)
العنوان من الهامش.
يديه، وقد هُيّئ التخت لجلوسه ورُفع عليه فجلس به وقام الكلّ بين يديه، ثم قبّلوا له الأرض على عادتهم في ذلك، وازدحمت الناس لتقبيل يده وتهنئته والسلام عليه بالسلطنة حتى انتهوا، وقد دقّت البشائر وأعلنت التهاني، ونادى المنادي في شوارع القاهرة بسلطنته وطلب الدعاء له بعد أن لُقّب بالظاهر وكُنّي بأبي سعيد لاختيار الظاهرية هذا اللقب له، وحين لُقّب به استفاقت الأشرفية شيئًا وما نفعهم ذلك، ثم خلع على الخليفة خلعة هائلة، وقُدّم له المركوب فركبه ونزل بعد أن خلع أيضًا على جرِباش ورُشّح للأتابكية، ثم خلع عليه بها بعد ذلك، كما سنذكره
(1)
.
(ولاية قرقماس الجلب أمرة سلاح)
وخلع في هذا اليوم على قرقماس الجَلَب باستقراره في إمرة سلاح عِوضًا عن جرباش، ونزل الجميع إلى دُورهم
(2)
.
[سلطنة خُشقَدم]
وكان جلوس الظاهر خُشقدم هذا على تخت المُلك في وقت الزوال من هذا اليوم.
وهو السلطان الثامن والثلاثون من ملوك التُرك وأولادهم بالديار المصرية، وأول روميّ تسلطن بمصر على الصحيح بعد أن تسلطن من الجراكسة وأولادهم ثلاثة عشر ملكًا، أعني من أول دولة الظاهر برقوق
(3)
.
وأمّا قبل ذلك فقد وقع الخلاف بين المؤرّخين في كل كتبهم ورواياتهم
(4)
بخلاف من يعدّد ولاية الظاهر برقوق فإنه محرّر لا خلاف فيه، وإن وقع كلام في حبس المؤيَّد شيخ وأنه لا عبرة به إذ هو جركسي، فأول الجراكسة بغير خلاف يُعتدّ
(1)
خبر مبايعة خشقدم في: نيل الأمل 6/ 111، 113، والنجوم الزاهرة 16/ 253، ووجيز الكلام 2/ 739، وتاريخ ابن سباط 2/ 804، وحوادث الزمان 1/ 154، وبدائع الزهور 2/ 378، 379، وتاريخ الأزمنة 356، وإعلام الورى 61، وتحفة الناظرين 2/ 40، تاريخ أقضى القضاة العليمي ورقة 138 أ.
(2)
خبر ولاية قرقماس في: النجوم الزاهرة 16/ 254، ونيل الأمل 6/ 113، وإعلام الورى 2/ 61.
(3)
كتب بإزائها على الهامش: "رأيت بخط العلامة مؤرّخ الديار المصرية الشيخ تقي الدين المقريزي في تاريخه الكبير الذي سمّاه بالمقفا (هكذا) أنه بيبرس الجاشنكير شركسي".
وهو أيضًا أول تركي تسلطن. (كُتبت هذه العبارة بالمقلوب).
(4)
في الأصل: "واروائهم".
به هو الظاهر برقوق. وأول الأروام بلا خلاف يُعتدّ به هو الظاهر خشقدم هذا، وبينهما إحدى وثمانون سنة على التمام والكمال لأن كلًّا منهما بويع بالسلطنة في تاسع عشر شهر رمضان، فذاك في سنة أربع وثمانين وهذا في سنة خمس وستين
(1)
.
(ترجمة الظاهر خشقدم)
125 -
وخُشقَدَم هذا هو الناصري الرومي المؤيَّد ابن
(2)
السلطان الملك الظاهر سيف الدين أبو سعيد صاحب الديار المصرية، جلبة إلى القاهرة الخواجا ناصر الدين ولهذا قيل له الناصري، وكان قدومه به إلى القاهرة في حدود سنة خمس عشرة أو في أوائل سنة ست عشرة
(3)
وثمانمائة، وكان سنّه إذ ذاك زيادة على العشرين، وبالجملة فكان دون البلوغ، فاشتراه المؤيَّد شيخ في آخر من جُلبوا معه، وهو على ما يقال من الأرنؤوط من الروم، وهم جنس معلوم مشهور، وأنزله المؤيَّد بالطبقة كتابيًا، ودام على ذلك مدّة ثم أعتقه وتوجه جمدارًا بالخيل والقماش وصيّر خاصكيًا في أول دولة المظفّر أحمد بن المؤيَّد حين تكلّم ططر في المملكة، ودام على ذلك مدّة في عدّة دول إلى سلطنة الظاهر جقمق، ففيها من الثقات
(4)
الخاص، ثم أمّره عنده بعد ذلك وجعله من جملة رؤوس
(5)
النُوَب، وذلك في سنة ست وأربعين فلم يزل على ذلك إلى سنة خمسين فأخرج على تقدمة ألف بدمشق، ودام بها إلى أن جرت الكائنة التي صرف فيها الأمير تَنِبَك البُرْدُبكي عن حجوبية الحجّاب على ما تقدّم ذلك في محلّه من تاريخنا هذا، فاستقدم خُشقدم هذا إلى القاهرة بواسطة تمربُغا وأبي
(6)
الخير النحاس وبواسطة مالٍ بذله لهما وللسلطان، فقرّر في الحجوبية الكبرى، ودام على ذلك إلى أن تسلطن الأشرف إينال فاستقرّ به في إمرة سلاح دفعة واحدة عِوضًا عن تنبك المذكور حين نزل في أتابكيته عِوضًا عن ولد السلطان المؤيَّد المذكور (. . .)
(7)
قريبًا على ما عرفت ذلك في محلّه. وقصد الأشرف إينال بذلك شيئًا كان فيه ضدّ ما قصده، ودام خُشقدم هذا على إمرة سلاح مرة، وخرج باشا على العساكر في نوبة ابن
(8)
قرمان على ما عرفته أيضًا في محلّه. ولما مات الأشرف إينال وتسلطن ولده قرّر خشقدم هذا في الأتابكية عوضًا عن نفسه، وبلغ ما كان في أمله، بل وفي أمل والده من إعطاء الأتابكية له ومن الجنس لبعده عن السلطنة فيما زعمه، بل وفي زعم خشقدم،
(1)
خبر السلطنة في المصادر السابقة.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "ستة عشر".
(4)
في الأصل: "الثقاة".
(5)
في الأصل: "روس".
(6)
في الأصل: "وأبو".
(7)
كلمة غير واضحة.
(8)
في الأصل: "بن".
وكان بعد ذلك ما أراده الله تعالى من القِدم. ولم تطُل مدّة خشقدم هذا في الأتابكية حتى كان ما كان ممّا قدّمناه من ثورات العسكر بالمؤيَّد ومقاتلته وخلعه على الوجه المذكور كما عرفته برمّته، وتسلطن خشقدم هذا.
[غرائب النوادر في سلطنة خشقدم]
ومن غريب النوادر في سلطنته أنه وافق الظاهر برقوق في عدّة أشياء كانت من غريب الاتفاقات.
منها: أن الظاهر برقوق كان أول ملوك الجراكسة على الأصحّ، والظاهر خشقدم هذا أول ملوك الأروام على الأصحّ.
ومنها: أن الظاهر برقوق تسلطن في تاسع
(1)
عشر الشهر المذكور، والظاهر خشقدم أيضًا تسلطن في التاسع عشر الشهر المذكور.
ومنها: أن ذلك كان بعد أذان الظهر لبرقوق، وكان جلوس خشقدم في التخت بعد أذان الظهر أو معه.
ومنها: أن برقوق
(2)
لُقّب بالظاهر، وخُشقدم لُقّب بالظاهر.
ومنها أن برقوق الظاهر كُنّي بأبي سعيد، وكُنّي خشقدم بأبي سعيد، فتوافقا في الأولية، وفي التاريخ بالشهر واليوم والساعة، وفي اللقب والكنية، وهذا من أعجب النوادر وأغربها.
وقد ذكر الجمال ابن
(3)
تغري بردي في تاريخه
(4)
(. . . .)
(5)
في ذلك، لكنْ فاته البعض من ذلك، بل وما ذكره على نمط (. . . .)
(6)
بل على وجه آخر يظهر لمن تأمّل في ذلك، وفي هذا ما بينهما وما في (. . . .)
(7)
كان المتأمّل في ذلك من أهل الإنصاف والفهم.
ولما تمّ أمر خشقدم (. . .)
(8)
في السلطنة استمر جلوسه بالقصر السلطاني وعنده جميع الأمراء والأعيان (. . . .)
(9)
أيامًا متوالية إلى يوم الخميس على ما سنذكره.
(1)
الكلمة مضبّبة في الأصل، وقد كتبت سابع وفوقها تاسع.
(2)
كتب قبلها: "الظاهر" وضرب عليها خطًا.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في النجوم الزاهرة 16/ 254.
(5)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(6)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(7)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(8)
مقدار كلمة واحدة.
(9)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
[الخلعة على جرباش بالأتابكية]
وفيه، في يوم الإثنين العشرين، وهو اليوم التالي من تسلطن الظاهر هذا خلع على الأمير جرباش بالأتابكية (. . . .)
(1)
وقد تكرّر بالأتابكية عوضًا عن نفسه بحكم انتقاله إلى السلطنة عِوضًا عن المؤيَّد المذكور بحكم خلعه
(2)
.
[إطلاق الأميرين تَنَم وقانباي الجركسي من السجن]
وفيه، أعني هذا اليوم، خرج الأمر من السلطان إلى سجن الإسكندرية بإطلاق الأمير تَنَم من عبد الرزاق المؤيَّدي أمير سلاح كان، وقانِباي الجركسي الأمير أخوركان، وأذِن لهما بالتوجّه إلى ثغر دمياط للإقامة به، وكان من أمرهما ما سنذكره
(3)
.
[إخراج المؤيَّد إلى سجن الإسكندرية]
وفيه، في يوم الثلاثاء حادي عشرينه، كان إخراج المؤيَّد إلى سجن ثغر الإسكندرية (هو) وأخوه محمد، وقَراجا الطويل مملوك أبيهما بعد أن استولى الظاهر خشقدم على جميع أمواله وحواصله وذخائره وتعلّقاته، ولم يجد بالخزانة السلطانية ما كان في ظنّه من الأموال، فطولب المؤيّد بذلك وسُئل
(4)
عنه، فأجاب بأنه صَرف في نفقة المماليك والجند جميع ما وجده بالخزانة مما تركه والده، وأُحصي ما نُقل بالخزانة من المال، فكان نحو المائة ألف دينار. ثم أمر الخليفة بتتبّع الحواصل التي للمؤيَّد وغيرها مما يتعلّق به، وتتبّع بعض حواشيه وجماعته، فحصّل من ذلك أيضًا نحو المائة ألف دينار آخرين أو زيادة على ذلك، غير ما وُجد من الأمتعة والآلات والقماش والصيني وغير ذلك.
وكان من خبر نزول المؤيَّد هذا من القلعة وحمله إلى الثغر السكندري أنه دام موكّلًا به بالبحرة من يوم خلعه، ووقع له ما ذكرناه إلى هذا اليوم، فأُركب على فرس وأخوه أمامه بين يديه، وقَرَاجا الطويل أمامهما، وهما راكبين أيضًا غير أن قَراجا في قيدٍ برجليه من تحت بطن الفرس، ورُدف بأوجاقيّ خلفه حاضنه بإحدى يديه، وبيده الأخرى الخنجر مسلولًا من غمده، موضوعًا بقرب خاصرة قراجا
(1)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(2)
خبر الخلعة على جرباش في: النجوم الزاهرة 16/ 254، ونيل الأمل 6/ 113، وبدائع الزهور 2/ 381.
(3)
خبر إطلاق تنم وقانباي في: النجوم الزاهرة 6/ 254، ونيل الأمل 6/ 114.
(4)
في الأصل: "وسول".
المذكور على العادة في ذلك، ومحمد أخو السلطان بعده راكب بغير قيد ولا رديف، وكذا المؤيَّد بعدهما، وأُنزل بهم من باب السلسلة في جمْع حافِلٍ من الفرسان وأعيان الخاصكية وبعض الأمراء، والكلّ بآلة الحرب والرماح وغيرها من سيوف مُصْلتة، وكان ذلك في وقت الضحوة الكبرى.
وكنت أنا في هذا اليوم جالسًا بمكان بالصليبة أعاين هذا الأمر وأشاهده عيانًا، وقد قعد الناس من باب السلسلة إلى قريب الناصرية أفواجًا أفواجًا لرؤيته، وامتلأت الشوارع والحوانيت التي هي مظنّة اجتيازه، وكذا الدُور المطِلّة على ذلك من الناس كما هي عادة العامة والغوغاء في مثل ذلك، ثم نزلوا بهم كما قلناه على تلك الهيئة، فشقّوا الرُميلة ثم الصليبة.
ومن نوادر ما وقع في هذا اليوم من الأمور البشعة الشنيعة المستَقْبَحة بأن يقع منها لآحاد الناس، فضلًا عن الملوك أن شخصًا من الركبدارية يسمّى قاسمًا كان من قدماء الركبدارية الغلمان في ذلك الزمان، وهو موجود إلى الآن بعصرنا هذا في مكان انتدب في هذا الوقت لما رأى المؤيّد وقد شُقّ به الصليبة على الهيئة التي ذكرناها، وبَدر من بين الناس في ذلك الملأ العام، وصاح بأعلى صوته المستقبح الجهوري، وتكلّم بكلماتٍ نعوذ باللَّه من التفوّه بها، قبيحة، مهولة، فظيعة
(1)
، شنيعة، مستبشعة إلى الغاية والنهاية يستقبَح سماعها فضلًا عن التلفّظ بها، وبقي يصيح بها ويغوّش، وقد ملأت تلك الكلمات الموصوفة بتلك الصفات مسامعَ المؤيَّد ومَن حضَر، حتى ذُكر عن المؤيَّد بأخرة أنه قال: ما تألّمت مما كنت فيه مثل ما تألّمت من كلام ذلك السفيه، ولم يحمد أحد
(2)
هذا السفيه على ما صدر منه، حتى بلغ ذلك الظاهر خُشقدم فحنق من ذلك وغضب، وأراد أن يوقع بهذا السفيه فعلًا لكونه تجرّأ على مثل هذا الملك، فلم يجده لأنه استحسّ بذلك فاختفى من يومه ذلك، ثم زاد خوفه فخرج من القاهرة موسّعًا منها، ولم يزل مشتّتًا مدّة مطوّلة حتى حضر بعد ذلك. وهو إنسان من مساوئ الدهر شكلًا وفعلًا، أحوَل، أقرم، يختشي من شرّه من لم يعرفه، فما بال الذي عرفه لسفهه وعدم حيائه، وعُدّت هذه الفعلة من أعظم الفعلات وندارتها فما علمت ما سبب فعل هذا الصرف هذه الفعلة. ولقد سألته عن ذلك بعد ذلك، فذكر لى أنْ لك لحنقه من المؤيَّد المذكور لقضية جرت عليه منه، وما علمت صحة ما قاله، واللَّه أعلم. وعلى تقدير صحة ذلك فأيّ نسبة بينهما حتى يقع منه مثل ذلك، لا بورك فيه.
(1)
في الأصل: "فضيعة".
(2)
في الأصل: "أحدا".
ثم لما مرّ من الصليبة ووقع من هذا الأخرف ما وقع اجتاز بعد ذلك بالكبْش. وكان الأمير يونس الآقبائي الدوادار الكبير يسكن به بالدار التي تجاهه وهو مريض عِيل حظه، وزوجته أخت المؤيَّد هذا في الهمّ الكبير بسببه وبسب أخويها وقد جلست بمكانٍ يقرب منه الناس، وقعدت به لترى أخويها فساعة وقوع نظرها عليهما وهما في تلك الحالة بعد ذلك العزّ الرفيع، والجاه حولها من جواريها ومن النسوة من جماعتها ومعارفها، وكانت ساعة مهولة عظيمة، كُشفت فيها الرؤوس
(1)
، ولُطمت الخدود، وشُقّت الجيوب، وعظُم العويل والنحيب، وكان نعيًا عظيمًا، ووافق الناس هذه الضجّة والعويل فوافقوا النساء في البكاء والعويل والحزن وسيلان الدموع، ثم ساروا على تلك الهيئة حتى وصلوا إلى شاطئ النيل بساحل بولاق، فأنزلوا في مركب أُعدّت لهم. ثم انحدرت من وقتها على القدر إلى جهة رشيد، ووصل بعد ذلك إلى الثغر السكندري فسُجن به
(2)
.
(ترجمة المؤيَّد أحمد بن الأشرف إينال)
(3)
126 -
وكانت مدّة سلطنة المؤيَّد أحمد هذا على مصر من يوم ولايته إلى يوم خلعه أربعة أشهر وأربعة أيام.
وكان سنّه يوم بويع بالسلطنة نيّفًا وثلاثين سنة، فإن مولده بغزّة حين كان والده نائبًا بها في سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة، ونشأ في حُجْر أبيه في غاية العزّ والرفاهية والسعادة والسؤدد، وتأمّر عشرة في دولة الظاهر جقمق على ما قدّمنا ذلك في محلّه في متجدّدات سنة (. . .)
(4)
ولم يزل ضخمًا رئيسًا حتى وُلّي الأتابكية في يوم سلطنة أبيه على ما تقدّم. ثم وقع الكلام بسبب ذلك فأُخرجت عنه في ثاني يوم سلطنة أبيه، وقد أسلفنا ذلك وعدّيناه من النوادر، فدام في جملة مقدَّمي الألوف إلى أن ولي الأتابكية أيضًا فيما بعد ذلك بعد وفاة
(5)
الأتابك تَنِبك البُردُبكي على ما مرّ أيضًا، وقصد والده بذلك أن لا ينازعه أحد بعده حين التسلطن، ولم يزل أتابكًا بل سلطانًا في الحقيقة ملكًا، فإنه كان هو المدبّر لمملكة أبيه لا سيما بعد وفاة الجمال ابن
(6)
كاتب جَكَم، فإنه كان كالمزاحم له في التدبير
(1)
في الأصل: "الروس".
(2)
خبر سجن المؤيَّد في: النجوم الزاهرة 16/ 249، 250، وتاريخ ابن سباط 2/ 804، ونيل الأمل 6/ 114، 115، وبدائع الزهور 2/ 380، وتاريخ الأزمنة 356.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
كلمة ممسوحة.
(5)
في الأصل: "وفات".
(6)
في الأصل: "ابن".
(. . .)
(1)
ولم يزل على ذلك، وحج أميرًا على المحمل حجّة هائلة على ما تقدّم إلى أن تسلطن حسب ما قدّمناه. ثم حصل للناس بسلطنته من الأمن والأمان ما لا مزيد عليه. وسار في سلطنته سيرة حسنة جميلة، وقمع أهل العناد والفساد، وقطع جادرة قطّاع الطريق بمجرّد حُرمته، فأمنت السُبُل والمجاري في أيامنا فوق ما يؤمّن مع كونه مخالفًا لعادة تبدّل الدول (. . .)
(2)
، وخمدت الجُلبان في أيامه فكأنّ أفعالهم ما وقعت قط بعد ذلك الأذى (. . . .)
(3)
ثم أخذ في الشفقة على الرعايا، وأظهر غاية العدل والإنصاف، وتجنّب الجور والاعتساف، وانطلقت الألسن بحمده وشكره والابتهال إلى الله تعالى بالدعاء له باطنًا وظاهرًا سرًّا وعلنًا، وسُرّ كل أحد باستيلائه على الأمر، ومالت القلوب إليه، ولم يُذكر عنه في سلطنته ما يشينه سوى تكبّر على أهل التكبّر، لعلّه قصد بذلك قيام الناموس، وإنْ فعل في خلواته مع بعض خواصّه بخلاف ذلك. وكان ذلك الذي يفعله في الخلوات مع خواصّه أكبر الأسباب في معاداته، والسبب الأعظم في زوال ملكه، مع معرفته وكياسته وعدله وسياسته ووفور عقله ورأيه وذكائه وحذقه وفهمه وفطنته وتيقظّه وعلوّ همّته ونفاذ كلمته ووقاره وزيادة حُرمته وحُسن سمته وتؤدته وسكونه، ولم يكن مع ذلك كلّه خاليًا من الفضيلة والطلب مع ما انضم إلى ذلك من حسن شكالته وهيئته وجمال صورته، فلعلّ لم يُر في السلاطين أحسن وأشكل منه طلعةً في القريب والبقية من عصرنا، لا سيما في يوم لبسه شعار المُلك، فلعلّ لم يوجد في ذلك اليوم من أمرائه وأعيان دولته من بدايته في حسن الشكالة، واعتدال القامَة وارتفاعها، وأولى في أيام سلطنته آمِرًا ناهيًا، مستقلًّا بالمُلك، مستبدًّا به من غير مشارك ولا منازع، ولا وصيّ ولا ممانع، ولا مدّبر معه، ولا أتابك يرجع إليه، ولا تعارض برهة من الزمان لم تطُل كانت كالمنام أو أضغاث أحلام، عذرًا في الأيام من أحسن بداية دولة تركية في الإسلام، حتى ثار به الجند لأمرٍ قدّره الله تعالى في الأزل لا ينفع فيه رأي الأواخر والأُوَل لو راموا عدم زواله والكلام في أسباب ذلك طويل جدًا قد ذكرناه لا على الجليّة الأصليّة وتمام القصّة وإن كنّا قد استعصينا فيه، لكنْ لا على وجه أن نستوفيه، وقد عرفته كله فيما بيّناه وأسلفناه.
وهو أول سلطان أيضًا استبدّ بالمُلك من أولاد الناس من غير مدبّر، وأول سلطان منهم حصل الأمن والأمان في بداية دولته، وأول سلطان أنزل نهارًا بسجن
(1)
كلمة ممسوحة.
(2)
كلمة ممسوحة.
(3)
كلمتان ممسوحتان.
الإسكندرية (من على الصلـ. . .)
(1)
منهم، وأول سلطان أساء عليه إنسان من الأوباش منهم، ولما أُدخل إلى سجن ثغر الإسكندرية أودع فيه مقيّدًا إلى ما سنذكره من إزالة قيده، وكيف تأسف الناس عليه إلى الغاية لِما رأوه من حسن سيرته وإظهار عدله في سلطنته على ما بيّنّاه لك، ولم تشمت به في ذلك اليوم سوى الطائفة الظاهرية لما كان وقع من أبيه في حق ولد الظاهر أستاذهم، وهو عثمان المنصور، وفي حقهم أيضًا مما نقموه عليه
(2)
.
[التحاق والدة المؤيّد به في الإسكندرية]
ولم يزل المؤيّد هذا بسجن الإسكندرية مقيَّدًا إلى أن استهلت سنة ست
(3)
وستين وثمانمائة، فبعث بكسر قيده، وخرج الأمر بذلك من الظاهر خُشقدم، وتوجّهت والدته الخَوَنْد زينب ابنة البدر بن حسن بن خاص بك إليه بخَدَمها وحَشَمها، وسكنت عنده بثغر الإسكندرية، وصحِبت معها ابنتها زوجة يونس الدوادار، وكان قد مات زوجها بعد خلع المؤيَّد بأيام يسيرة على ما سنذكره في تراجم هذه السنة. واتفق أنْ مرض ولدها محمد ابن
(4)
السلطان الأشرف وأخو صاحب الترجمة الذي عرفت كيفية إخراجه مع أخيه، وكان مرضه في أثناء السنة الآتية، ثم مات بالثغر في ذي الحجة على ما ستعرف ذلك في تراجم سنة ست
(5)
وستين الآتية
(6)
.
[هموم والدة المؤيَّد]
واتفق أن كانت لمحمد هذا ابنة توفيت قبله بيسير، ثم بعثت الخَوَنْد هذه تستأذن الظاهر خُشقدم في نقل ولدها الميت إلى القاهرة لتدفنه عند أبيه بتربته، فبدر الإذن منه لها بذلك، فبعثت برمّته إلى القاهرة، فدفنته بتربة أبيه، ولم تحضر هي لوعكٍ لولدها المؤيَّد صاحب الترجمة أبطَلَ بعض أعضائه، ودام متمرّضًا بذلك
(1)
ما بين القوسين عن الهامش.
(2)
توفي المؤيد أحمد بن إينال في سنة 893 هـ. انظر عنه في: إظهار العصر 1/ 337، وإنباء الهصر/ فهرس الأعلام 521، والضوء اللامع 1/ 246، ووجيز الكلام 3/ 1035 و 1061 رقم 2277، والتبر المسبوك 1/ 100 و 179 و 2/ 181، والذيل التام 2/ 465، ونظم العقيان 40 رقم 34، ونيل الأمل 8/ 98 رقم 3460، والمجمع المفنّن 1/ 382 - 391 رقم 310، وحوادث الزمان 1/ 153، وبدائع الزهور 2/ 248، وشذرات الذهب 7/ 354، وتاريخ قاضي القضاة العليمي، ورقة 138 أ.
(3)
في الأصل: "سنة ستة".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
في الأصل: "سنة ستة".
(6)
انظر الترجمة رقم (173).
مدّة حتى عوفي من ذلك وحصل له البُرْء، فبعث الظاهر إليها بطلبها لأجل المال، وترادفت عليها الهموم من موت زوجها، ثم زوال مُلك ولدها، ثم موت زوج ابنتها يونس، ثم موت ابنة ابنها، ثم موت الابن المذكور، أعني محمدًا، ثم مرض ولدها الباقي، ثم طلبها للمصادرة، ولعلّ ذلك من نوادر المصائب التي حلّت بها، وقلّ أن يجتمع منها عند شخص واحد. ثم زيادة على ذلك كله أن ابنتها الخَوَنْد فاطمة زوجة يونس المذكور زُوّجت لكُسْباي أحد مماليك عدوّهم الظاهر خُشقدم على الرغم منهم، وما كفى ذلك حتى ماتت في أثناء ذلك قبل دخوله عليها وورثها.
[إخراج المؤيّد من السجن على عهد السلطان تمُربُغا]
ولم يزل المؤيَّد هذا في سجن ثغر الإسكندرية حتى مات الظاهر خُشقدم، وولي الظاهر يُلباي، ثم خلع وولي تمربُغا، فبرز أمره بإطلاقه من محبسه، والإذن له بسُكناه حيث شاء (من الثغر)
(1)
السكندري، وأن يركب لصلاة الجمعة فقط، وبعث إليه بخلعة تليق به، ومركوبٍ من خاص مراكيبه، مسرَجًا بالسَرْج الذهب ومُلجمًا، وعليه الكنبوش الزركش، ثم لما تسلطن صهره الأشرف قايتباي سلطان عصرنا الآن فإنه متزوّج بابنة خاله أخي
(2)
والدته العلائي علي بن خليل بن حسن بن خاص بك، وهي الخَوَند فاطمة الخَوَنْد الكبرى في عصرنا هذا، زاد في إكرامه والاعتناء بشأنه، وبعث إليه بالإذن بركوبه إلى حيث شاء من داخل الثغر وخارجه صار يركب، بل ويسافر إلى الصيد إلى ظواهر الإسكندرية وضواحيها وما حولها من الأقاليم حيث شاء وأراد، وعُدّ ذلك من النوادر، ثم بعث إليه الأمير يشبُك من مهدي يخطب ابنة له منه لنفسه، فأجابه لذلك وأزوَجَها ليشبُك المذكور، وكان لها زفاف هائل
(3)
، ولم تزل في عصمته إلى أن ماتت تحته وتركت له ولدًا، على ما سيأتي هذا كلّه في محالّه من تاريخنا هذا.
ودام المؤيَّد بالثغر على ما هو عليه إلى يومنا هذا في عَيش رغد بالنسبة لِما كان قبل ذلك وهو بالسجن، ثم أحضر إلى القاهرة بعد ذلك، وحين مَرَض والدته، فحضر موتها ومُواراتها، وعاوَدَ الثغْرَ المذكور، وهو مقيمٌ به في حُرمة وافرة، وكلمة نافذة، وعزّة ظاهر [ة]، يخاطب بمولانا السلطان إلى الآن، وعنده الحشم
(1)
في الأصل مكرر ما بين القوسين.
(2)
في الأصل: "اخو".
(3)
في الأصل: "زفافًا هائلًا".
والخدم والأعوان، وله أمر ونهْي، وصار شيخ الطائفة الشاذلية يحضر أوقات الخير والسماعات ومزارات الصالحين، وله اعتناء بذلك في بعض ما سنذكره ويبلغنا عنه حسن السيرة والطريقة ومحبّة أهل العلم والفضل والفقر (. . .)
(1)
نوّله الله تعالى عقباه، وبفغه أُمنيته ومُناه، فإنه حسن الذات والصفات (. . . .)
(2)
من ذوي العراقة والرياسة والبيوتات
(3)
.
[طلوع والد المؤلّف إلى القلعة للتهنئة]
وفيه -أعني هذا اليوم وهو يوم الثلاثاء حادي عشرين شهر رمضان المذكور، ركب الوالد وطلع إلى القلعة [للقاء]
(4)
خُشقَدم وتهنئته بإبقاء الله تعالى المُلك له، فأنِس به وترحّب، وقال له: قد (. . . .)
(5)
علينا وحصلت لنا السلطنة بقدومه علينا.
فإن الوالد كان (. . . .)
(6)
بها وهو على الأتابكية، ثم أخذ في مكالمته ومُمازحته معه، واتفق أن جرت كائنة عجيبة فكان على فسقيّة الدُهيشة هيئة باز مصوّر من نحاس مموّه (. . . .)
(7)
في غاية الحسن في فنّه ومنظره، فسأل السلطانُ الوالدَ عن (. . . .)
(8)
لقوة الصورة بهذا المكان وفي جواز تصوير ذلك، وكان بالمجلس أيضًا بعضٌ ممّن يدّعي العد بنفسه وينسب إليه، فبدر بأن قال: هذا عُرف وعادة جرت بذلك بأمر الملوك الأقدمين، فأجاب الوالد بأن هذا مما يحرُم أبقاؤه على ما هو عليه، ولا سيما في مجلس الإمام الأعظم، فإن الملائكة لا تدخل شيئًا فيه الصورة على ما ورد في "صحيح البخاري"، فأعجب السلطان ذلك ثم أمر به تنحّى في الحال، وعُدّ ذلك من النهي عن المنكر، وبدر في الأمر بالمعروف. ثم إن السلطان وعد الوالد بوعد بالجميل. فقال له الوالد إنه لا غرض له في شيء من أمور الدنيا حتى يندبني السلطان -نصره الله تعالى- لشيء من ذلك فإنه يشوّش عليّ، نعم أن يُدنيني فيما يتعلّق به مما فيه حصولُ خير وبرّ ومعروف فأنا أنهيه وأقوم فيه، ثم أكن بعده على حالي، وما قصدت الإقامة بالقاهرة على ما يُندب من إمرة الطبلخاناة بدمشق، وأن يأذن لى السلطان بالاجتماع به في الأسبوع مرتين: الثلاثاء والجمعة، وأن يتفضّل عليّ إن
(1)
كلمة ممسوحة.
(2)
ثلاث كلمات ممسوحة.
(3)
خبر إخراج المؤيّد باختصار شديد في: نيل الأمل 6/ 120، وبدائع الزهور 2/ 384.
(4)
ممسوحة في الأصل.
(5)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(6)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(7)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(8)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
رأى ذلك أن يأذن لى بأن أبلغه حوائج من له عنده حاجة قضاؤها عند الله تعالى دنيا وأخرى من حوائج الملهوفين، وما فيه حديث الأمر له، فأذِن له بذلك (. . . .)
(1)
وداره يرتب له بعض (. . . .)
(2)
الذين كان إياهم أولاده على الذخيرة بالبيت المقدس. ونزل من عنده على ذلك (. . . .)
(3)
وكان من أمر الوالد مع الظاهر هذا ما سنذكره بعد ذلك في متجدّدات السنة.
[تقرير جانبك نائب جدّة في الدوادارية الكبرى]
وفيه، في يوم الخميس ثالث عشرينه استقر في وظيفة الدوادارية الكبرى جانِبك أيضًا الأشرفي نائب جدّة عِوَضًا عن يونس الآقبائي بحكم وفاته في يوم الأربعاء أمس هذا اليوم، وخلع على جانِبك بذلك خلعة هائلة، ونزل إلى داره في موكب حافل، وكان له يومًا مشهودًا
(4)
.
[تقرير جانبك في الدوادارية الثانية]
وفي هذا اليوم أيضًا تقرّر في الدوادارية الثانية أيضًا الأمير جانبك من أمير الظريف الأشرفي (. . . .)
(5)
وغير ذلك من نظاره، وخلع عليه بذلك عِوضًا عن بُرْدُبك صِهر السلطان بحكم القبض عليه ومصادرته
(6)
.
[الإشاعة بوصول جانَم نائب الشام إلى القاهرة]
وفي يوم الجمعة رابع عشرينه أشيع بالقاهرة بأن الأمير جانَم نائب الشام قد وصل إلى الصالحية، وتواترت الأخبار بذلك (. . . .)
(7)
الجمعة يحضر السلطان للسلطان بالجامع بالقاهرة على العادة (. . . .)
(8)
بهذه الإشاعة الرائجة، ولقد كان ذلك من الكلام (. . . .)
(9)
النيابة
(1)
مقدار كلمتين.
(2)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(3)
مقدار كلمتين.
(4)
خبر تقرير جانبك في: النجوم الزاهرة 16/ 256، ونيل الأمل 6/ 115، وبدائع الزهور 2/ 381.
(5)
مقدار سبع كلمات ممسوحة.
(6)
خبر الدوادارية الثانية في: النجوم الزاهرة 16/ 265، ونيل الأمل 6/ 115، وبدائع الزهور 2/ 381.
(7)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(8)
مقدار كلمتين.
(9)
مقدار أربع كلمات.
جانبك (. . . .)
(1)
جانَم هذا (. . . .)
(2)
وقد كان رُشح قبل ذلك للسلطنة، وكوتب أن يحضر، فحصل عند الكلام بهذا أمر عظيم وشيء جسيم، لا سيما وجانَم هذا (. . . .)
(3)
شركة من طائفته الأشرفية بكثرة، وهم أعيان المملكة الآن، وقد كان (. . . .)
(4)
وأذعنوا بسلطنته ولم يكن دأب السلطان إلّا (. . .)
(5)
جانِبك نائب جدّة الدوادار والتكلّم في هذه القضية (. . .)
(6)
وكان جانبك قد استمال عن جانَم بالكلية (. . . .)
(7)
إليه الأمر ما تأخر في التدبير في هذه القضية، فبادر أولًا بتسكين الظاهرية وطمأنينته ويهون هذا الأمر عليه بعد أن قدر غيره أن ضمان هذه (. . . .)
(8)
جانم إليه مما لا ينفذ أو لا يكون. وقدّر غيره بأن جانَم هذا إنما جاء ظنًّا منه أن يكون هو السلطان. ولما تم الأمر على الوجه الذي تسلطن (. . . .)
(9)
يمكن ذلك سيما وقد حسبنا هذا في أول سلطنة مولانا السلطان، (. . . .)
(10)
من كان يميل إليه على تقدير (. . .)
(11)
جانم كل هذا يخاطب به السلطان. واتفق بعمل ما يكون إلّا ما فيه الخير والسلامة للسلطان، ثم أخذ في التدبير بحسن عبارة مع القيام التام هو وجميع طائفته بنصرة خشقدم لا سيما مقصدهم الأعظم أن لا يظهر أعداءهم ولا يتولى منهم أحد
(12)
فأخذ يحسن للطائفة الأشرفية إذ كاتب (. . . .)
(13)
الأمير (. . . .)
(14)
وأن يقولون له: لو جئت أولًا لكان (. . .)
(15)
لكن أنت على نيابة الشام على ما أنت عليه (. . . .)
(16)
وإن خُشقَدم رجل غريب (. . . .)
(17)
ومن أعدائنا (. . . . .)
(18)
(. . . .)
(19)
.
(1)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(2)
مقدار كلمتين.
(3)
مقدار كلمتين.
(4)
مقدار أربع كلمات.
(5)
مقدار كلمة واحدة.
(6)
كلمة واحدة.
(7)
مقدار كلمتين.
(8)
مقدار أربع كلمات.
(9)
مقدار ثلاث كلمات.
(10)
مقدار كلمتين.
(11)
مقدار كلمة واحدة.
(12)
في الأصل: " احدًا".
(13)
مقدار كلمتين.
(14)
مقدار ثلاث كلمات.
(15)
مقدار كلمة.
(16)
مقدار كلمتين.
(17)
مقدار كلمتين.
(18)
مقدار ثلاثة أسطر ونصف السطر.
(19)
مقدار صفحة كاملة نصفها ممسوح تمامًا.
وخبر الإشاعة في: النجوم الزاهرة 16/ 256، 257، ووجيز الكلام 2/ 739، ونيل الأمل 6/ 115، 116، وذيل إعلام الورى 60، 61، وبدائع الزهور 2/ 381، 382.
[إعادة جانَم لنيابة الشام]
وكان يومًا مهولًا في الولايات وكثرتها. وعُيّن دُولات باي النجمي بأن يكون مسفّرًا للأمير جانَم بإعادته إلى دمشق نائبًا بها على عادته وخلع عليه بذلك
(1)
.
[نيابة تمراز بصفد]
وفيه، قُرّر في نيابة صفد تمراز الأشرفي الدوادار عِوَضًا عن خيربك النَوروزي، وأراد بذلك أن يفرّق بين جانَم وتمراز المذكور مع ما أضْمر لهما في باطنه كما سيأتي في محلّه
(2)
.
[تقرير خيربك في تقدمة تمراز]
وقرّر خيربك في تقدمة تمراز هذا.
وبعث السلطان إلى تمراز أيضًا مبلغًا له صورة، وضمّ إلى المبلغ أشياء أُخَر، كل ذلك تطمينًا وتوطئة لِما سيأتي بيانه
(3)
.
[حجوبية الحجّاب بحلب]
وفيه، في يوم الإثنين سابع عشرينه قُرّر في حجوبية الحجّاب بحلب يشبُك البجاسي أحد مقدَّمي الألوف بمصر الماضي ذِكره وترجمته وخبر تقدمته بالقاهرة
(4)
.
[تقدمة جانِبك قلقسيز]
واستقرّ السلطان بجانبك قلقسيز الذي وُلّي الأتابكية بعد ذلك في هذه التقدمة، وهي أول تقدمة نُقل إليها من إمرة عشرة دفعة واحدة، وهي (. . .)
(5)
قريب جانبك هذا. وكان ذلك بسفارة جانِبَك نائب جُدّة الدوادار. كل ذلك يؤتى لغرضه من إبعاد الوهم عنه، لا سيما وقد حضر جانَم وقصده إبعاده
(6)
.
(1)
خبر إعادة جانم في المصادر السابقة.
(2)
خبر نيابة صفد في: النجوم الزاهرة 16/ 258، ونيل الأمل 6/ 117 وفيه "خيربك القصروي" وبدائع الزهور 2/ 382، ومملكة صفد في عهد المماليك 297 رقم 122.
(3)
المصادر السابقة.
(4)
خبر حجوبية حلب في: النجوم الزاهرة 16/ 258، ونيل الأمل 6/ 117.
(5)
كلمة ممسوحة.
(6)
خبر تقدمة جانبك في: النجوم الزاهرة 16/ 258، ونيل الأمل 6/ 117.
[المؤلّف ينفي خبرًا لابن تغري بردي]
وخرج شهر رمضان هذا ولم يقع فيه بعد يوم الإثنين هذا حادث يؤرّخ من كبير أمر، وما ذكره الجمال يوسف بن تغري بردي في "تاريخه"
(1)
من أن في يوم الثلاثاء ثامن عشرينه توجّه القاضي محبّ الدين بن الشِحنة كاتب السر إلى خانقاه بسرياقوس لتحليف جانَم نائب الشام، فلم نعلم به، بل ولم يكن له حقيقة.
ثم إنني رأيت خط المحبّ، وقد وقف على هذا المحلّ من "تاريخ يوسف" المذكور، فكتب بخطه بإزاء ذلك المحلّ: ما جرى ذلك، وما علمت من أين أخذ ذلك وتوهّمه على أنه ليس توهّم بل كذِب محض.
[شهر شوال]
[الاحتفال بعيد الفِطر]
وفيها استهلّ شوال بالخميس بالرؤية، وكان عيد الفِطر، وعيّد السلطان على عادة من تقدّمه من السلاطين وخلع الخِلَع على من له عادة بذلك. وكان هذا أول عيد عيّده هذا السلطان، ولم ينزل الأمراء من القلعة ولا الخليفة ولا القضاة، ولم يزالوا بها بالجامع الناصري إلى أن كان ما سنذكره من نزوله بعد سفر جانَم
(2)
.
[سفر جانَم نائب الشام]
وفيه، في يوم الجمعة ثانيه سافر جانم نائب الشام إلى جهة دمشق على نيابتها، وخرج مسفّره معه.
ثم سافر بعده تمراز لنيابة صفد. كل ذلك بتدبير جانبك الدوادار نائب جُدّة، وعظُم جانبك في هذه الأيام وضخم جدًا، وانتهت إليه رياسة طائفته الظاهرية، وصار هو المدبّر للمملكة وبيده حلّها وعقدها
(3)
.
[مكافأة السلطان لعسكر]
وفيه، في هذه الأيام أخذ السلطان في مكافأة العسكر وموافاتهم في قيامهم
(1)
النجوم الزاهرة 16/ 258.
(2)
خبر الاحتفال بالعيد في: النجوم الزاهرة 16/ 259، ووجيز الكلام 2/ 739، ونيل الأمل 6/ 118، وبدائع الزهور 2/ 382.
(3)
خبر سفر جانم في: النجوم الزاهرة 16/ 258، ووجيز الكلام 2/ 739، ونيل الأمل 6/ 118، وإعلام الورى 61، وبدائع الزهور 2/ 383.
معه، لا سيما وقد سافر جانَم ولم يكلّم له أحد من خُشداشيه في شيء يتعلّق به ولا بإمرة، ورضوا بخشقدم هذا وما خبروا ما سيكون منه بعد ذلك في حق الأشرفية. وسنذكر ذلك في محلّه. فأخذ السلطان في هذه الأيام في تفرقة الأقاطيع، ففرّق منها شيئًا كثيرًا على جماعة كبيرة من طائفتي الظاهرية والأشرفية، أخرج ذلك عن جُلبان الأشرف إينال حتى عن الكثير من الذين كانوا معه، فلم تكفهم الأقاطيع، فأضاف إلى ذلك من الذخيرة شيئًا كثيرًا من الأقاطيع، ثم أخرج الكثير من أوقاف إينال وأوقاف من بعث إليه من جماعته وحاشيته، وصار يأخذ البلد العظيم من ديوان المفرَد وغيره، وتعيّن فيها عدّة من الجُند والخاصكية كل إمرة عشرة (. . . .)
(1)
باسم خمسين نفرًا من الجند وتارة أكثر، وتارة أقلّ، ولما رأى الجند ذلك حافوا فيه وازدحموا عليه، وبقي كلٌّ يطلب شيئًا وهو لا يردّ السائل ولا يخيب الآمِل حتى ضاق الحال، وقاسى السلطان منهم الشدائد والأهوال، وقلّ ما عنده من الأقاطيع بالديار المصرية، فمدّ يده إلى ضياع البلاد الشمالية، وفرّق منها على أمراء مصر وجُندها ما شاء الله تعالى أن يفرّق، ومع ذلك فالطلب عمّال وهو لا يرضيهم حتى كلَّ من ذلك وتعب وضاقت حظيرته
(2)
.
[تفرقة النفقة]
وفيه، في يوم السبت ثالثه ابتدأ
(3)
السلطان بتفرقة النفقة السلطانية على الجند والعسكر تفرقة غير مُرضية لأنها لا على المثوبة، فأعطي من لا يختشي من شرّه ولا ظهر له خمسون دينارًا لاستخفافه بهم، ولمن هو متنبّر وله ظهر وحزب مائة دينار، وتسلسل تفرّقها مرة، وصار يفرق لكل طبقة في يوم ولا يزيد على الطبقة من طبقات الجند، وذلك على تمهّل وترسّل، واحتجّ بأن ذلك لقلّة ما في الخزانة من المال الذي يقوم بذلك، هذا مع الجدّ والاجتهاد في تحصيل الأموال بسبب ذلك، وكثرة المصادرات لجماعة الأشرف إينال لجماعة منهم ومن غيرهم أيضًا، مع ما فرضه على المباشرين وغيرهم
(4)
.
(1)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(2)
خبر المكافأة في: النجوم الزاهرة 16/ 118، ونيل الأمل 6/ 118.
(3)
في الأصل: "ابتداء".
(4)
خبر تفرقة النفقة في: النجوم الزاهرة 16/ 258، ونيل الأمل 6/ 118، 119، وبدائع الزهور 2/ 383.
[إلباس الأمراء الخِلَع]
وفيه، في يوم الخميس ثامنه ألبس السلطان جميع الأمراء مقدَّمين الألوف خلعًا وأحضر لهم مراكيب من خاص خيول الإسطبل السلطاني بالسروج الذهب والكنابيش الزركش، وأذِن لهم بالنزول كلّ إلى داره، لأنهم كانوا كما أسلفناه بالقلعة من يوم حضور جانَم إلى الخانقاه، وكانت إقامتهم بالجامع الناصري، وكذلك القضاة الأربعة
(1)
، والخليفة، فنزل الجميع ما عدا الخليفة فإنه دام بالقلعة بمكانٍ أُعِدّ له، ومن ذلك اليوم صار ذلك عادة الخليفة إلى أن مات بالقلعة.
وبويع بالخلافة بعده لولد أخيه الخليفة المتوكل على الله عبد العزيز خليفة عصرنا هذا (وسمح) له السلطان بالإقامة حيث شاء على ما بلغني، فنزل بشعار الخلافة ولم يبت بدار الخلافة إلّا بقيّة نهاره ذلك، وهو يوم بيعته، ثم طلع في آخر النهار لمكان عمّه ونقل متاعه (. . . .)
(2)
إلى القلعة وأقام بها، وهو على ذلك إلى يومنا هذا، وأظنّ أن ذلك قد صار عادة لمن يلي من الخلفاء واللَّه أعلم
(3)
.
[استقرار خيربك القصروي في نيابة غزّة]
وفيه -أعني هذا الشهر- استقرّ خيربك القصروي نائب القلعة الذي تقدّم خبر تركه باب القلعة ونزوله إلى العسكر التحتاني في الفتنة التي خُلع فيها المؤيَّد، استقرّ في نيابة غزّة عِوضًا عن بُردُبك بحكم صرفه عنها
(4)
.
[الإفراج عن الملك العزيز يوسف بن بَرسباي]
وفيه خرج الأمر بالإفراج عن الملك العزيز يوسف بن الأشرف بَرسْباي، والملك المنصور عثمان بن الظاهر، فتحقق من محبسهما بالبرج من الثغر السكندري وأُذِن لهما بأن يسكنا حيث شاءا من الثغر المذكور، وأن يركبا للجمعة والعيدين، وبعث لهما بالخلَع والمراكيب
(5)
.
(1)
في الأصل: "الأربع".
(2)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(3)
خبر إلباس الأمراء في: النجوم الزاهرة 16/ 259، ونيل الأمل 6/ 119، وبدائع الزهور 2/ 383.
(4)
خبر نيابة غزة في: النجوم الزاهرة 16/ 259، وإنباء الهصر، للصيرفي 304، 305، ونيل الأمل 6/ 119، وبدائع الزهور 2/ 383، ونيابة غزة في العهد المملوكي 308 رقم 102.
(5)
خبر الإفراج في: نيل الأمل 6/ 120، وبدائع الزهور 2/ 383، 384.
[رفع القيد عن المؤيَّد]
وفيه أيضًا بدر الأمر من السلطان برفع القيد عن المؤيَّد أحمد بن الأشرف إينال
(1)
.
[ركوب الأمراء طلبًا للنفقة]
وفيه، في يوم الأربعاء سابعه اتفق مماليك الأمراء على الركوب والطلوع إلى الرُمَيلة حين جلوس السلطان بالقصر لطلب نفقة أستاذيهم لينفقوا عليهم على العادة في ذلك، فركبوا جميعهم مع أستاذيهم لما طلعوا للخدمة وبقوا إذا شيّعوا الأستاذ وقفوا بالرميلة ولم يزالوا حتى تجمّلوا بها بعد أن حضروا أفواجًا أفواجًا فتراصّوا بها صفوفًا صفوفًا فذكروا السلطان بحمل نفقات أستاذيهم. وكانت العادة جرت أن يبدأ السلطان بحمل نفقات الأمراء، ثم يعقب ذلك النفقة على الجند، فأخّر هذا السلطان ذلك، فيقال: إنه أراد أن لا يحمل لهم شيئًا. ويقال: بل أخّر ذلك لقلّة ما في الخزائن، وهذا هو الأظهر. فلما رأى السلطان المماليك على هذه الهيئة سأل عن ذلك، فبُلغ بأنه لأجل النفقة، فاعتذر إلي الأمراء عن تأخيره ذلك، ثم لم يمكنه إلّا أنه صرّ نفقاتهم وبعث بها إليهم، كلّ على حسب عادته، وقد عرفت ذلك قريبًا في سلطنة المؤيَّد، فلا نعيده
(2)
.
(ولاية قانَم إمرة مجلس وولاية عدة أمراء غيره)
(3)
وفيه، في يوم الخميس ثامنه، استقرّ في وظيفة إمرة مجلس قانَم التاجر المؤيَّدي خُشداش السلطان، عِوضًا عن قرقماس الجلب بحكم انتقاله إلى إمرة سلاح عوضًا عن جرِباش المنتقل للأتابكية عوضًا عن السلطان بحكم تسلطنه على ما عرفتَ ذلك فيما تقدّم
(4)
.
وفيه أيضًا استقر في رأس نوبة النُوَب الأمير بيبرس الأشرفي خال العزيز عوضًا عن قانَم التاجر نقلًا إليها من الحجوبية الكبرى
(5)
.
وفيه استقرّ في حجوبية الحجّاب يَلَباي المؤيَّدي خُشداش السلطان أيضًا،
(1)
خبر رفع القيد في: نيل الأمل 6/ 120، وبدائع الزهور 2/ 384.
(2)
خبر ركوب الأمراء في: نيل الأمل 6/ 120، والنجوم الزاهرة 16/ 259.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
خبر ولاية قانم في: النجوم الزاهرة 16/ 259، ونيل الأمل 6/ 120.
(5)
النجوم الزاهرة 16/ 260، نيل الأمل 6/ 120.
وهو الذي تسلطن بعده، ولُقّب بالظاهر على ما سيأتي في محلّه أيضًا، وولي الحجوبية عوضًا عن بيبرس المذكور
(1)
.
وفيه خلع أيضًا على جانبك نائب جدّة الدودار خلعة الأنظار المتعلّقة بوظيفة الدوادارية، ونزل جميع من ذكرنا في موكب حافل، لا سيما جانبك نائب جدّة فإنه كان في عظمة
(2)
زائدة.
(كائنة بُرْدُبك الدوادار)
(3)
وفيه، في يوم الجمعة تاسعه، طُلب بُردُبك صهر الأشرف إينال إلى القلعة في توكيل تَنَم رصاص المحتسب، وطلع به على أقبح وجه. وكان السبب في ذلك أنه لما جرى على ولد أستاذه ما جرى، وقُبض عليه هو أيضًا قرّر السلطان عليه في مصادرته أن يحمل له ثلاثين ألف دينار، فذكر أن ذلك مما لا قدرة له عليه إلّا إذا باع جميع تعلّقاته، وشرع في ذلك، وقبل أن يغلق المبلغ المذكور أطلع له على ثلاثة عشر ألف دينار مودعة عند إنسان يقال له الشيخ عيسى المغربي، فحنق السلطان منه وغضب كونه يدّعى أنه لا قدرة له على ما قرّر عليه، فقال السلطان: كيف يدّعي عدم القدرة وله هذا المبلغ عند واحدٍ من الفقراء وقد نسيه عنده، فماذا يكون له عند غيره، وطُلب مع تَنَم، وأعيد إلى الترسيم، وأُلزم بمائة ألف دينار
(4)
.
[استقرار زين الدين في الأستادّارية]
وفيه -أعني هذا اليوم- استقرّ في الأستادّارية زين الدين على عادته، بعد صرف المجد بن البقري
(5)
.
(قدوم تمُربُغا إلى القاهرة)
(6)
وفيه، في يوم الأحد حادي عشرة، قدم إلى القاهرة تمُربُغا الظاهري الدوادار الكبير كان، وكان قد بعث السلطان بطلبه من مكة المشرّفة.
ذكر لي بعضهم أنه حسب من يوم خروج الأمر بطلبه إلى يوم مجيئه إلى
(1)
النجوم الزاهرة 16/ 260، ونيل الأمل 6/ 120.
(2)
في الأصل: "عضمة".
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
خبر بردبك الدوادار في: نيل الأمل 6/ 120، 121، وبدائع الزهور 2/ 384.
(5)
خبر زين الدين في: نيل الأمل 6/ 121، وبدائع الزهور 2/ 384.
(6)
العنوان من الهامش.
القاهرة فكان أربعة عشر يومًا، فلعلّ إن صحّ ذلك كان قد خرج من مكة قبل الوصول إليه بطُلْبه
(1)
، واللَّه أعلم. ولما طلع تمُربُغا إلى القلعة واجتمع بالسلطان وقبّل له الأرض على العادة في ذلك رحّب به وأنس إليه ووعده بالجميل، وألبسه كاملية بفرو سمَّور، ونزل إلى داره التي تُعرف قديمًا بدار منجك وجدّدها تمُربُغا هذا، وهرع الناس إليه للسلام عليه، وصار من يومئذٍ هو عظيم طائفة الظاهرية، وانخفض جانِبَك نائب جُدّة شيئًا بقدوم تمُربُغا هذا لكونه كان آغاته بالطبقة المستجدّة في أيام أستاذهما الظاهر جقمق، ولكونه سبقه للرياسة، وأيضًا فإنه يوم حضوره وطلوعه إلى السلطان أجلسه السلطان إلى جانب جانِبك ورفعه عليه لعظمته في النفوس. ثم كان من أمر تمُربُغا هذا ما سنذكره
(2)
.
(قراءة تقليد السلطان)
(3)
وفيه، في يوم الإثنين ثاني عشره، قُرئ تقليد السلطان بالقصر الكبير على العادة في ذلك، وحضر الخليفة وقضاة القضاة والأمراء على العادة أيضًا، وخُلع على من له عادة في مثل هذا اليوم
(4)
.
(هروب ابن
(5)
الكُوَيز)
(6)
وفيه، في يوم الأربعاء رابعٍ عشره، اختفى الزين عبد الرحمن بن الكُوَيز ناظر الخاص بعد أن قاسى مشاقًّا وأهوالًا عظيمة وكُلفًا كبيرة في قيامه بالكُلَف السلطانية من يوم سلطنة المؤيَّد وهَلُمّ جرًّا إلى هذا اليوم من كثرة مصروف الخِلَع في هذه المُدَد اليسيرة ولا سيما من يوم سلطنة الظاهر هذا، فإنه صرف من الخِلَع ما لا يكاد أن يحصر كثرة، ثم صادف في غضون ذلك مجيء عيد الفِطر، وفيه من الخِلَع ما شاء الله. وصادف قبل ذلك ختم "صحيح البخاري" في شهر رمضان، ولقد سدّ غاية السّداد واجتهد غاية الاجتهاد، ولم يقصر ولا أظهر عجزًا ولا حيفًا
(1)
في الأصل: "بصلبه"، والصواب ما أثبتناه. و"الطُلْب": بضم الطاء المضمومة وسكون اللام. من التطليب أو المطلّب: لفظ عامّيّ دَرَجَ على ألْسنة الناس في عصر المماليك، معناه: الحضور بمجموعة من فِرَق الجُنَد إلى أماكن الاحتفالات على هيئة مخصوصة في مواكب. (معجم المصطلحات والألقاب التاريخية 108).
(2)
خبر قدوم تمربُغا في: نيل الأمل 6/ 121، وبدائع الزهور 2/ 384.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
خبر قراءة التقليد في: نيل الأمل 6/ 121، وبدائع الزهور 2/ 384.
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
العنوان من الهامش.
حتى طلب منه السلطان في هذه الأيام مائة ألف دينار يحضرها إليه من ثمن البهار
لأجل إخراج السلطان ذلك في نفقة الجند، فعجز حينئذٍ وخاف، وهرب من يومه
ذلك، وكان من أمره بعد ذلك ما سنذكره في محلّه
(1)
.
(ولاية الأنصاري نظر الخاص)
(2)
وفيه استقرّ في نظارة الخاص القاضي شرف الدين موسى الأنصاري فباشرها مباشرة حسنة، وقام بأمر النفقة السلطانية أتمّ قيام هو وجانِبك نائب جُدّة، وتَنَم رصاص مع الجدّ في ذلك والاجتهاد إلى الغاية حتى تمّ أمرها وانقضى بعد أن حصلها من ذكرنا من وجوهٍ عديدة عند الله عِلمها وحسابها
(3)
.
[خروج محمل الحاج من القاهرة]
وفيه، في يوم الإثنين تاسع عشره خرج الحاج من القاهرة وأميرهم بالمحمل مُغُلباي طاز، وبالأول تَنِبَك الأشرفي
(4)
.
[استقرار المناوي في قضاء الشافعية]
وفيه في يوم الخميس ثاني عشرينه استقر في القضاء الشافعية بالديار المصرية الشيخ الإمام شيخ الإسلام شرف الدين يحيى المناوي، وصُرف العَلَم البُلقيني، وأشيع أن المناوي المذكور بذل في ذلك مبلغًا له صورة، واللَّه أعلم
(5)
.
[سفر يشبُك البجاسي]
وفيه خُلع على يشبُك البُجَاسي حاجب حلب خلعة السفر، ثم خرج مسافرًا إلى محلّ حجوبيّته.
[طلب بردُبك الدوادار الثاني لمعاقبته]
وفيه طلب السلطان بُردُبك الدوادار الثاني ليعاقبه على إعطاء ما قرّره عليه من المال فإنه لم يغلقه، وكان بدار جانبك الدوادار نائب جدَّة، فشفع فيه، ثم أخذ في
(1)
خبر ابن الكويز في: النجوم الزاهرة 16/ 260، ونيل الأمل 6/ 121، وبدائع الزهور 2/ 384.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
خبر ولاية الأنصاري في: النجوم الزاهرة 16/ 260، ونيل الأمل 6/ 122، وبدائع الزهور 2/ 384.
(4)
خبر المحمل في: نيل الأمل 6/ 122.
(5)
خبر المناوي في: نيل الأمل 6/ 122، وبدائع الزهور 2/ 384.
تعليق الثلاثين ألف دينار وشفع فيه، في أن يرفع عنه مطالبته بالمائة ألف التي لما حقّق السلطان قدرها عليه
(1)
.
[مطالبة السلطان أمَّ المؤيَّد برد المال]
وفيه أيضًا بعث السلطان إلى الخَوَنْد الكبرى زوجة الأشرف إينال وأمّ المؤيَّد أحمد يطلب الخمسين ألف دينار التي كانت فيضت عليها، فأجابت بالسمع والطاعة وأنها مجتهدة في ذلك
(2)
.
(بداية التغيّر على جانَم نائب الشام)
(3)
وفيه وردت مكاتبة جانَم نائب الشام على السلطان تتضمّن شكاية من ابن
(4)
بشارة وغيره، فلم يعد إليه جواب تحته طائل، بل ربّما كلّت عليه في الجواب، وكان ذلك أول تغيّرات الظاهر خشقدم عليه واستحالته وعاكسته
(5)
فيما رآه في مكاتبته، وذلك كله بعد أن أذِن له بالولاية والعزل بتلك البلاد لمن شاء كيف شاء ومتى شاء من غير مراجعة لنقض ذلك في هذا اليوم. على أن جانَم احتشم ولم يُولّ ويعزل إلّا بعد الاستئذان. ولما بعث يستأذن في جزيته لم يؤذن له، بل وأخذ في معاكسته، وكان بعد ذلك ما سنذكره
(6)
.
[مسير ابن عثمان إلى بلاد ابن قرايُلُك]
وفيه أشيع بأن محمد بن عثمان ملك الروم مشى على بلاد ابن
(7)
حسن بن قرايُلُك
(8)
.
[ذو القعدة]
[التجريدة إلى البحيرة]
وفيها، في يوم الأحد ثاني ذي القعدة خرجت تجريدة إلى البُحيرة عليها
(1)
خبر بردبك في: نيل الأمل 6/ 122، وبدائع الزهور 2/ 384.
(2)
خبر مطالبة السلطان في: نيل الأمل 6/ 122، وبدائع الزهور 2/ 384.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
هكذا في الأصل، والصواب:"ومعاكسته".
(6)
خبر بداية التغيّر في: نيل الأمل 6/ 122.
(7)
في الأصل: "بن".
(8)
خبر ابن عثمان في: نيل الأمل 6/ 122.
بَرسْباي البُجَاسي الأمير اخور الكبير، وبيبرس خال العزيز رأس نوبة النُوَب وجمع
(1)
من الجند
(2)
.
(ولاية يحيى بن حجّي نظر الجيش)
(3)
وفيه، في يوم الإثنين ثالثه استقرّ في نظارة الجيش القاضي الزين ()
(4)
الدين يحيى بن حِجّي عِوضًا عن الزين بن مزهر بعد صرفه عنها
(5)
.
[كسر النيل]
وفيه، في يوم الأربعاء خامسه، نزل الأمر للأمير الأتابك جرِباش بأن يتوجّه إلى كسر النيل النازل على العادة بعد أن حصل الوفاء فركب وتوجّه لما نُدب إليه وعدّى إلى الروضة، وخلّق المقياس وعاد في الحرّاقة، وفتح السدّ بين يديه، ثم أُحضر له المركوب من الإسطبل السلطاني بالقماش المذهب والزركش، فركبه وطلع إلى القلعة، فخلع عليه ونزل إلى داره، وهذا أول كسر وقع في دولة الظاهر خُشقدم
(6)
.
[انتهاء النفقة]
وفيه في يوم السبت ثامنه انتهت تفرقة النفقة السلطانية على العسكر بعد أمورٍ جرت واستضعاف وعجز كبير وتفرقته على غير وجه العدل والتسوية، ومع ذلك فكانت فوق الستمائة ألف دينار
(7)
.
[التجريدة إلى قبرس]
وفيه، في يوم السبت نصفه، عيّن السلطان تجريدة تخرج إلى قبرس لنجدة من بها من العسكر الإسلامي الماضي خبر بأخذهم هناك، ثم لم يتمّ ذلك وبطَل ذلك بعد أيام
(8)
.
(1)
في الأصل: "وجمعًا".
(2)
خبر التجريدة في: نيل الأمل 6/ 123، وبدائع الزهور 2/ 384، 385.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
في الأصل بياض مقدار كلمة واحدة.
(5)
خبر ولاية ابن حِجّي في: النجوم الزاهرة 16/ 261، ونيل الأمل 6/ 123، وبدائع الزهور 2/ 385.
(6)
خبر النيل في: نيل الأمل 6/ 123، وبدائع الزهور 2/ 385.
(7)
خبر النفقة في: نيل الأمل 6/ 123، وبدائع الزهور 2/ 385.
(8)
خبر التجريدة في: النجوم الزاهرة 16/ 261، ونيل الأمل 6/ 124.
[ظهور ابن الكُوَيز]
وفيه ظهر الزين بن الكُوَيز بعد أن أمّنه السلطان فطلع إليه مع المعلّم شاكر بن الجَيعان، فساعة وقوع بصر السلطان عليه نهره ووبّخه على اختفائه وطلب منه مالًا له صورة، وأمر بالتوكيل والاحتفاظ عليه
(1)
.
[استقرار الطواشي جوهر في الزمامية والخازندارية]
وفيه، في يوم الخميس سابع عشرينه استقرّ في الزمامية والخازندارية الطواشي صفيّ الدين جوهر التركماني عِوضًا عن لؤلؤ الأشرفي الرومي
(2)
.
[ذو الحجّة]
[التوكيل بابن الكُوَيز]
وفيها، في يوم الأحد مُستَهلّ ذي الحجّة بالرؤية أمر السلطان بإخراج الزين عبد الرحمن بن الكُوَيز إلى منزل الأمير قانَم التاجر يقيم به موكَّلًا عنده إلى أن يقيم بما فرضه عليه وهو ثلاثون ألف دينار، وكان قد أخذ منه قبل ذلك عشرة آلاف دينار، ولم يعمل السلطان بالأمان، وباللَّه المستعان
(3)
.
[عودة سُنقر الأشرفي من دمياط]
وفيه، في هذه الأيام وصل سُنقر الأشرفي الزَرَدْكاش من ثغر دمياط، وكان قد توجّه قبل ذلك إليها لعمل مصالح الأصطول الذي بها، فأصلحه لأجل الخروج فيه إلى قبرس، وعاد في هذا اليوم وكان قد فتر عزم السلطان عن إرسال النجدة بعد أن همّ بذلك على ما ذكرناه فيما أسلفناه. وكان السبب في فتور عزمه ما بلغه من أن آياس الطويل كان قد خرج من طرابلس في البحر متوجّهًا إلى قبرس بجنده وغيرهم من العشير من البلاد الشامية، فاطمأنّ لذلك ولم تعيّن تجريدة
(4)
.
(1)
خبر ابن الكويز في: نيل الأمل 6/ 123.
(2)
خبر الطواشي جوهر في: النجوم الزاهرة 16/ 261، ونيل الأمل 6/ 124، وبدائع الزهور 2/ 385.
(3)
خبر التوكيل في: نيل الأمل 6/ 125، وبدائع الزهور 2/ 385.
(4)
خبر عودة سُنقر في: منتخبات من حوادث الدهور -فصل 3 - ص 409، ونيل الأمل 6/ 125، ووقع فيه "القدس" بدل "قبرس" وهو سهو، وبدائع الزهور 2/ 385، 386.
[الأضاحي في عيد النحر]
وفيه، في يوم الثلاثاء عاشره كان عيد النحر فصلّى السلطان صلاة العيد على العادة في ذلك، ثم أخذ في نحر الضحايا وذبْحها ففعل ذلك على عادة السلاطين قبله إلّا الأشرف إينال. وكانت العادة الذبح بالإيوان الكبير، ثم بباب الستارة من الحريم السلطاني ثم بالحوش، وكانت هذه العادة قد أُبطلت في أيام الأشرف إينال لِما تقدّم من خبر ذلك في محلّه من عبث الجُلبان في هذا اليوم حتى امتنع من ذلك فأبطله وجعل ذلك كله بالحوش. فلما تسلطن الظاهر هذا أعاد العادة الأولى كما كانت
(1)
.
(القبض على الأشرفية من الأعيان والأصاغر)
(2)
وفيه، في يوم الخميس سادس عشرينه، كانت كائنة القبض على جماعة من أعيان الأمراء الأشرفية وغيرهم من الأصاغر أيضًا، وكانوا طلعوا في يوم الأربعاء آخر النهار للمبيت بالقصر للخدمة على العادة، فبدر بالقبض عليهم في بُكرة هذا اليوم وهم بيبرس خال العزيز رأس نوبة النُوَب، وجانِبك الظريف أحد مقدّمي الألوف، والدوادار الثاني، وجانبَك المشدّ أحد المقدّمين أيضًا، وقانَمْ طاز الخازندار الكبير وأحد الطَبْلخاناه، وعدّة من العشرات منهم وهم: نَوروز الإسحاقي، وبَرْسْباي أميراخور، وكُرْتُباي، وأبْرَك البَجْمَقْدار
(3)
، ودولات باي سِكْسان، وسُنْقُر الزَرَدْكاش المعروف بقَرَقْ سِيق، وكان السلطان قد بيّت على القبض عليهم باتفاقٍ منه مع جانِبك نائب جدّة لشيء ذكره عنهم، وأنه بلغه ذلك، واللَّه أعلم بصحّته، فرتّب السلطان جماعته للقبض عليهم، ولما قبض عليهم، وكّل بهم بالقلعة إلى ما سنذكره.
[ثورة الأشرفية بالقاهرة]
وفيه -أعني هذا اليوم- لما شاع هذا الخبر بالقاهرة ثار جماعة من الأشرفية البَرْسْبائية نُصرة لخشداشيهم توفي رجل واحد وثار معهم ووافقهم على ذلك الأشرفية الإينالية وجماعة من الناصرية فركبوا وقصدوا الأمير الكبير الأتابك
(1)
خبر الأضاحي في: نيل الأمل 6/ 125، وبدائع الزهور 2/ 386.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
البجمقدار= بجمق دار= بشمقدار. لفظ مركّب من: بجمق التركي، بمعنى: النَعْل. ودار: الفارسي، بمعنى ممسِك. ويعني المملوك الذي يحمل نعال الملك أو السلطان. (معجم المصطلحات).
جرباش، وكان في هذا اليوم في مأتم ابنةٍ له قد ماتت قبل تاريخه بأيام، وكان قد دفنها بتربة جدّها الظاهر برقوق، وهو مشغول بمأتمها. ولما أحسّ بهم قام من وقته فاختفى منهم، لا سيما وكانت زوجته الخَوَنْد شقراء قد أكّدت عليه بأنه (. . . .)
(1)
لا يدخل بنفسه فيما يتعلّق بسلطنته أصلًا، وقبل منها في اليوم (. . .)
(2)
وذكرت أن ذلك خوفًا على ولدها، فإن زوّجها شيخًا كبيرًا لعلّه إذا تسلطن (. . . .)
(3)
بالضرورة أن يتسلطن ولده أو لا يتسلطن فإنه يُحمل إلى ثغر الإسكندرية فسُجن بها على عادة أولاد السلاطين، هكذا زعمت، فلما وصل بعض (. . . .)
(4)
إلى تربة الظاهر المذكور دخلوا إلى مكان جلوس جرِباش هذا فلم يجدوه فأخبر (. . . .)
(5)
فما وقفوا على مكانه، فيقال إنهم سألوا من ولده الناصر محيي عنه، فأجاب بأنه لا يُعرف له مكان، ويقال: إنهم هدّدوه حتى دلّهم عليه، وأشيع بأنه اختفى ببعض الفساقي. والصحيح أنه اختفى بمكانٍ لا يطّلع عليه به إلّا بمشقّة، وإنّما دلّهم عليه (. . . .)
(6)
.
وما ذكره بعض المؤرّخين
(7)
حين ذِكْره هذه الكائنة واختفاء جرِباش وقال إنه اختفى اختفاءً، ليس بذاك كلام ساقط لا طائل تحته، فإنّ جرِباش لم يعد (يمنّي) نفسه بالسلطنة خوفًا من زوجته، لا سيما وقد أمرته أن لا يتسلطن قبل هذا اليوم في فتنة المؤيَّد، وهو أقرب إلى السلطنة من جميع من كان قد حضر ذلك المجلس في ذلك اليوم من الأمراء، فما ظنّك في هذا اليوم، وكان متابعًا لزوجته، مطيعًا لا يخرج عمّا تأمره به، وهذا لا يحتاج منه إلى إقامة البرهان، فإنه أشهر من:
قفا نبْكِ
(8)
ولما ظفر به الجماعة الثائرون
(9)
أركبوه من التربة على كرهٍ منه وغصيبة، وأتوا به من جهة باب النصر وقد قامت فتنة وهرجة بالقاهرة، فشقّوا بجرباش هذا القاهرة ومعه جماعة من الأمراء الأشرفية وغيرهم وهم محدقون بين يديه، ومن خَلفه، بل من سائر جهاته، وقد رُفع على رأسه سنجق، وكثير من الغوغاء معه،
(1)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(2)
مقدار كلمة واحدة.
(3)
مقدار أربع كلمات.
(4)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(5)
مقدار ثلاث كلمات.
(6)
مقدار أربع كلمات.
(7)
يعني بذلك المؤرّخ ابن تغري بردي.
(8)
تتمّة الشطر: قِفا نبكي على ذكرى حبيبٍ ومنزِلِ.
(9)
في الأصل: "الثائرون".
وسُمع صوت
(1)
من جماعته وهم يقولون: الله ينصر الملك الناصر، فكأنهم لقّبوه بالملك الناصر حين أركبوه.
وشاهدته أنا في ذلك اليوم وهو محتار بالقضية بين القصرين، وكنت أنا في اليوم هذا في ذلك الحين بباب الأشرفية، وشاهدته على الهيئة المذكورة ومعه جماعة عدّة بآلة الحرب والسلاح المشهور
(2)
، وشقّوا القاهرة حتى خرجوا من باب زويلة وساروا قاصدين دار قوصون، المكان الذي جرت عادتهم باجتماعهم به في كل وقعة وكائنة تتعلّق بالسلطنة حتى وصلوا فأنزلوه من على فرسه وأجلسوه بالمقعد من الدار المذكورة وهم مختلفو
(3)
الكلمة فيما بينهم ولا بهجة ولا لهجة لهم ولا عقل ولا تدبير، إذ لو دبّروا لما أتوا به من مدّة الظاهر إلى هذا المحل بقرب القلعة قبل انتظام رأي سديد وقبل اجتماع الآراء، بل لو كان لهم رأي وتدبير
(4)
لأبقوه بمكانه من تربة الظاهر برقوق، وأقاموا عنده جماعة من أعيانهم في هيئة المتوكَّل به، ثم أخذوا في الأُهبة واجتمعوا هناك حتى يستفحل أمرهم وينتظم رأيهم، وحينئذٍ كان يمكنهم أن يفعلوا بعد ذلك ما بدأوا به الآن من إتيانه لدار قوصون، لكن حوّل الله تعالى أبصارهم وبصائرهم لا نورانية بها ولا لها. ولما أجلسوه بدار قوصون ذهب للتهيّؤ
(5)
والتجهيز للقتال وتركوه في أناس قليلين
(6)
جدًا، حتى توهّم جرِباش أخْذه بقليل من جمعٍ يحضر إليه من بالقلعة، فكان ذلك أكبر أسباب هرب جرِباش بعد ذلك إلى القلعة على ما سنذكره. ولما بلغ السلطان هذه الكائنة جمع عساكره، وبدرت الطائفة الظاهرية بالطلوع إلى القلعة أفواجًا أفواجًا في الحال، وهؤلاء الثائرون في غاية وقوف الحال والإهمال. وقد تدرّع الظاهرية وتسلّحوا ولبسوا لامة الحرب وآلة القتال، وانضمّ عليهم جمع موفور من المؤيّدية وغيرهم. ثم طلع جميع من كان أسفل من الأمراء إلى القلعة، ولم يكن دأبهم في الحال إلّا أخْذ السلطان والنزول به إلى الإسطبل، فأجلسوه بمقعد باب السلسلة، ثم أُمر بضرب الكُوسات
(7)
والطبول والزمور والبوقات حزينًا لتهويل الأمر وإرعاب الثائرين من المخالفين، وشرع العسكر الفوقاني
(8)
في القتال في الحال، والتحاتي في غاية الانحلال. ولما أخذوا في المناوشة بالقتال، ورأى
(1)
في الأصل: "وسُمع صوتًا".
(2)
هكذا في الأصل. والصواب: "المشْهَر".
(3)
في الأصل: "مختلفوا".
(4)
في الأصل: "رأيًا وتدبيرًا".
(5)
في الأصل: "للتهيي".
(6)
في الأصل: "قليلون".
(7)
الكُوسات: صُنوج من النحاس تشبه الترس الصغير، يُدقّ بإحداهما على الأُخرى بإيقاع.
(8)
في الأصل: "الفواقاني".
جرِباش أن أمره هذا لا فلاح فيه ولا صلاح عقبه أخذ في التحيّل في ركوب فرسه، ثم أخذ في سوقها قاصدًا القلعة حتى وصل إليها فدخلها، وتمثّل بين يدي السلطان مُظهرًا طاعته، معتذرًا إليه بأن ذلك بغير اختياره بعد أن قبّل الأرض بين يديه، فترحّب به، وقبّل عضُده ظاهرًا، ومن ذلك الحين ثم ما في النفس فيها إلى أن كان من أمر جرِباش هنا ما سنذكره في محلّه.
ولما رأى الثائرون من الأشرفية هَرَبَ جرِباش هذا انهزموا بعد أن ثبت عند السلطان قيامهم وإثارتهم هذه الفتنة، فضمّ هذه الفعلة المهملة إلى الفعلة
(1)
الأخرى، وهي قضية جانَم، فزادت ذنوبهم عنده، ولما انهزموا توجّه كلّ منهم إلى حال سبيله بعد أن فعلوا فعلة كالهوا سوا. وأخذ السلطان في التغافل عنهم وعدم الاكتراث إلى شيء مما فعلوه، ولا الالتفات إليه، وأظهر قبول عُذر من اعتذر إليه وفي نفسه من ذلك أشياء ظهرت بعد ذلك بعد شماتة، فمدّ يده وأربع فيهم وبضّع بالنفي والإخراج إلى التجاريد والحمل إلى السجون وغير ذلك من أنواع تشريدهم وتبديد شملهم وتفريق جمعهم، هذا، ومن قبض عليهم من الأمراء مضيَّقٌ عليهم بالقلعة، حتى كان ما سنذكره
(2)
.
[طلوع والد المؤلّف إلى القلعة]
وفيه -أعني هذا اليوم- طلع الوالد إلى القلعة للسلطان يهنّئه بهذه النصرة، فانبسط إليه، وكلّمه الوالد في الأمير الأتابك جرِباش، وأن ما وقع على كرهٍ منه ليس له فيه اختيار، فأظهر أن ذلك كذلك، ثم هرع الكثير من الناس إلى السلطان لتهنئته، وخمدت تلك الفتنة كأنها لم تكن.
[رأي المؤلّف في جماعةٍ تغيّر حالهم]
وكان فيها جماعة أعرفهم بأعيانهم في هذا الزمان، وصار منهم الأكابر الآن، فانظر إلى هذه الدنيا، لا سيما بهذه البلاد وكيف ترقّى إلى المحلّ الأسمى من لا قدرة له على تدبير ما تدبيره في غاية الظهور، فما بالهم في تدبير الغامض من الأمور بذلك قابلك في ذلك أن هذه المملكة خلت، ولهذا زاد فيها طمع الطامعين، وباللَّه نستعين ممن لا تدبير لهم في منع جَرِباش عن الركوب من بين
(1)
في الأصل: "الععلة".
(2)
خبر ثورة الأشرفية في: النجوم الزاهرة 16/ 261، 262، ووجيز الكلام 2/ 740، ونيل الأمل 6/ 126، 127، وبدائع الزهور 2/ 386، 387.
ظهرانيهم وطلوعه إلى القلعة، وقد قاموا بأمرٍ من إذهاب الأنفس، فما ظنّك بتدبيرهم إذا دهمهم أمرٌ داهم، وهجم عليهم كبير هاجم، فإلى الله تعالى الالتجاء وهو العاصم.
وأنشدت:
عبر الزمانُ بمن كانت لهم هِمَمُ
…
وكان عزْمهُم عزمًا لما دَرَبُوا
ومَن تدابيرهم كانت مواقف
…
وكان ينفع ما قالوا وما حسبوا
وكان آراؤهم
(1)
تقضي الملوك بها
…
وكان ما رسموا نهجًا وما كتبوا
تعتمدبهم الأملاك في بُعدٍ
…
يسترشدونهم حتى بهم غلبوا
مرّوا ففرّوا وفرّوا وانقضوا ومضوا
…
ولا بقيّة منهمُ كِلاهُمُ ذهبوا
وقد بقينا بقومٍ ما بهم غباء
…
لا بد أن ينهزموا يومًا إذا نُدِبوا
نسأل الله إصلاحًا لنا ولهم
…
عساهُمُ يستفيقوا قبل أن ينعطبوا
[نقل الأمراء المقبوض عليهم إلى سجن الإسكندرية]
وفيه، في يوم الجمعة سابع عشرينه، أُخرج الأمراء المقبوض عليهم الماضي خبرُهم، وأُنزلوا من القلعة وتُوُجّه بهم إلى ساحل البحر ببولاق، فأُنزل الجميع في مركب وانحدرت بهم إلى حوادر الإسكندرية فسُجنوا بها. وشمت الناس في هذا اليوم بسُنقر الزَرَدْكاش (لأنه سجن)
(2)
مرة أولئك الأمراء، ففرح المسلمون بأخذه غاية الفرح، كما كان صدر عنه من المظالم التي تقدّم شيء
(3)
من ذِكرها في الدولة الإينالية، لا سيما حين عمارة المراكب على ما تقدّم ذِكره.
ثم نُهبت داره (. . .)
(4)
نهبًا، وأُطلق فيها النار، وكان لذلك يومًا مشهودًا، نعوذ باللَّه من شرور أنفسنا.
ثم كان من أمر هؤلاء المخرَجين ما سنذكره، كلٌّ في محلّه إن شاء الله تعالى
(5)
.
[استقرار تمربُغا مقدَّم أُلوف ورأس نَوبة النُوَب]
وفيه، في يوم الإثنين سلْخ ذي الحجّة استقرّ تمُربُغا الظاهري في جملة
(1)
في الأصل: "وكان ارآهم".
(2)
في الأصل ممسوحة.
(3)
في الأصل: "شيئًا".
(4)
كلمة ممسوحة.
(5)
خبر نقل الأمراء في: النجوم الزاهرة 16/ 262، ونيل الأمل 6/ 127، وبدائع الزهور 2/ 387.
مقدّمين الألوف ورأس نَوبة النُوَب. التقدمة عِوَضًا عن جانِبَك المشدّ، والوظيفة عِوضًا عن بيبرس، خال العزيز وخُلع عليه بذلك
(1)
.
[إقطاع بيبرس]
وقرّر في إقطاع. بيبرس: يَلَباي حاجب الحجّاب لكون هذه التقدمة أكبر من التي بيده
(2)
.
[تقدمة قانبك المحمودي]
وقُرّر في تقدمة يلباي هذا: قانِبك المحمودي أحد مقدّمين الألوف بدمشق كان المؤيّد ابن
(3)
خشداش السلطان، وكان قد تقدم من دمشق، فأنزله السلطان بدار قوصون، ثم صيّره من مقدَّمين
(4)
الألوف بمصر
(5)
.
[استقرار كوهيه في الدوادارية الثانية]
وفيه استقرّ في الدوادارية الثانية جانِبَك الإسماعيلي المؤيَّدي أحد العشرات المعروف بكوهيه، وهو خشداش السلطان، وقُرّر في هذه الوظيفة على إمرة عشرة بيده، لم تُزَد له فيها في هذا اليوم. وكان الذي قبله في الدوادارية الثانية وهو جانِبك الظريف
(6)
وُلّيها على تقدمة ألف، فعُذت من النوادر، كما عُدّت ولاية الثاني على إمرة عشرة أيضًا من النوادر، إذ العادة جرت بأن يكون الدوادار الثاني أمير طبْلخاناه
(7)
.
(محاصرة أحمد بن أبى حمّو لمحمد بن أبى ثابت)
(8)
(بتِلمِسان)
وفيها -أعني هذه السنة- كانت محاصرة السلطان المعتصم باللَّه، أحمد بن أبى حمّو لولد ولد ابن
(9)
أخيه محمد بن أبى ثابت بن أبى تاشفين صاحب تِلمِسان
(1)
خبر تمربُغا في: النجوم الزاهرة 16/ 262، ونيل الأمل 6/ 127، وبدائع الزهور 2/ 388.
(2)
خبر بيبرس في: النجوم الزاهرة 16/ 263، ونيل الأمل 6/ 127، وبدائع الزهور 2/ 388.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
هكذا في الأصل. والصواب: "من مقدَّمي الألوف".
(5)
خبر قانبك في: النجوم الزاهرة 16/ 263، ونيل الأمل 6/ 127، وبدائع الزهور 2/ 388.
(6)
في الأصل: "الضريف".
(7)
خبر كوهيه في: النجوم الزاهرة 16/ 263، ونيل الأمل 6/ 127، وبدائع الزهور 2/ 388.
(8)
العنوان من الهامش.
(9)
في الأصل: "بن".
الملقّب بالمتوكل على الله، الماضي خبر تملّكه تلمسان من أحمد المذكور. وكان من خبر ذلك أن أحمد بن أبى حمّو هذا لما سُيّر إلى الأندلس على ما تقدّم استأذن صاحبها السلطان المستعين باللَّه سعد بن أحمد صاحب غَرناطة وملك الأندلس أن يتوجّه إلى تلمسان بنجدة من عنده ليملكها من محمد بن أبى ثابت قريبه فإنه اعتدى عليه وأخذها منه عدوانًا وظلمًا وأخرجه منها، فأجابه المستعين إلى ذلك، وعيّن معه جمعًا موفورًا من رُماة الأندلس ومقاتليها، فعدّى من الأندلس إلى هُنَيّ بلدة من أعمال تلمِسان، هي من المين لتلمسان المذكورة، وانضمّ إليها جماعة من العربان بهذا البلد
(1)
وكان جمعه موفورًا، ثم قصد تلمسان وبها محمد المتوكل على الله المذكور، فنزل عليها وأخذ في حصارها، وقد تأهّب المتوكل المذكور لقتاله، وظهرت عليه أماير الخذلان، بل وعمل على الخروج من تلمسان، وأخذ في أثناء ذلك في حيلةٍ عساها تصعد معه ولا فر هاربًا، وكان من أمر حيلته أنه دسّ إلى بعض حظايا عمّ أبى والده أحمد المعتصم المذكور سُمًّا يأمرها أن تعطيه لأحمد المذكور، ووعدها ومنّاها إنْ قتله على ما يقال. وبات أحمد في تلك الليلة على أن يصبح فيدخل تلمسان، فما أصبح الصبح إلّا وقد شاع خبر موته بعسكره، ووصل ذلك لتلمسان وأنه مات فجأة، وإلّا ظهر أنه مات مسمومًا بالقرائن دلّت على ذلك، وكان شيخًا مُسِنًّا، فظَنّ به الموت فجأة، وانفلّ جَمْعه، وبعث قريبه محمد من جهّزه وصلّى عليه، ودُفن بالمكان الذي يقال له العبّاد، عند مشهد الوليّ القطب الغوث سيدي أبو
(2)
مَدْين، نفعنا الله تعالى ببركاته، وقد شاهدت قبره، فإنني ذهبت بعد ذلك إلى تلمسان وكان عقيب موته بمدّة ليست بالطويلة في سنة ثمان وستين على ما سأذكر ذلك. وتمام خبر محمد هذا وما جرى له وعليه بعد ذلك، ووفاته أيضًا بمثل نحو هذه الكائنة إن شاء الله تعالى
(3)
.
(ذِكر الوحشة بين السلطانين)
(4)
وفيها أيضًا وقعت الوحشة بين السلطان المستعين باللَّه سعد ملك الأندلس وصاحب غَرناطة، وبين صاحب تلمسان أيضًا، لكونه بعث أحمد الماضي ذكره إليه وأمدّه بالرجال، ثم اَل الأمر بينهما إلى المصالحة والصفاء
(5)
.
(1)
في الأصل: "البد".
(2)
هكذا، والصواب:"أبى".
(3)
خبر ابن أبى حمّو في: الضوء اللامع 1/ 292، ووجيز الكلام 2/ 743 رقم 1706، ونيل الأمل 6/ 128، وبدائع الزهور 2/ 388.
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
خبر الوحشة في: نيل الأمل 6/ 128.
[الوحشة بين جهان شاه وولده]
وفيها أيضًا كانت الوحشة الثانية بين جهان شاه وولده بير بُضاغ صاحب بغداد، وكان لهما ما سنذكره
(1)
.
[الفتن بين المشعشع وبير بُضاغ]
وفيها أيضًا كانت الفِتن بين الخارجي الذي يقال له المشعشع، وبين بير بُضاغ بن جهان شاه
(2)
.
[الوحشة بين السلطان محمد بن عثمان وحسن بن قرايُلُك]
وفيها أيضًا كانت وحشة بين السلطان محمد بن عثمان متملّك الروم وبين حسن بن قرايُلُك حتى أشيع بأن ابن
(3)
عثمان مشى على بلاد حسن
(4)
.
[بداية الوحشة بين الظاهر خشقدم وجانَم نائب الشام]
وفيها كانت بداية الوحشة أيضًا بين الظاهر خشقدم وجانَم نائب الشام، حتى كان ما سنذكره في التي تليها.
[فتن وحروب]
وفيها كانت عدّة فِتَن وحروب بين عدّة ملوك أُخَر شرقًا وغربًا
(5)
.
[ملخّص حوادث السنة]
وفيها كانت عدّة فِتَن وحروب بين عدّة ملوك أُخَر شرقًا وغربًا.
وخرجت هذه السنة وقد وقع فيها من الفِتن والشرور والحروب، ولا سيما بمصر ما قد عرفت، وحكم فيها بمصر ثلاثة
(6)
من السلاطين: الأشرف إينال في أوائلها، ثم ولده المؤيَّد أحمد، ثم الظاهر خشقدم، ورُشّح رابع
(7)
للسلطنة، بل ودُعي في ترشيحه بالملك الناصر، وهو الأتابك جرِباش على ما عرفت ذلك، لكنْ لم يتم، وكان الأمن مع هذه الفتنة بالقاهرة موجودًا بحمد الله
(1)
خبر الوحشة في: نيل الأمل 6/ 128.
(2)
خبر الفِتن في: نيل الأمل 6/ 128.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
خبر الوحشة في: نيل الأمل 6/ 129، وبدائع الزهور 2/ 388.
(5)
خبر الفِتن في: نيل الأمل 6/ 130، وبدائع الزهور 2/ 388.
(6)
في الأصل: "ثلاث".
(7)
في الأصل: "رابعًا".
تعالى وعونه، على أن ذلك وقع نادرًا على خلاف عادة تبدّل الدول
(1)
.
ذِكر نُبَذٍ من تراجم الأعيان ووفياتهم في هذا الزمان [سنة 865 هـ]
127 -
أحمد بن خضر بن سليمان.
الشيخ الصالح، المعتَقَد، المجذوب، شهاب الدين، أبو العباس السطوحي، المعروف بخروف
(2)
.
كان من أهل الجذْب، وللناس فيه الاعتقاد الحَسن، وذُكر عنه الكشف والكرامات. وكان مقيمًا بطريق بولاق بالقرب من الجامع الأخضر على كَوم من الحجارة ونحوها كالأسد الضاري بذلك المكان الذي فيه قبره الآن. وكان يقصده الناس لزيارته، وكان حسن الحال في المجاذيب وعليه الأنس والخفر والهيبة، ولا شك في صلاحه وولايته. وهو من بيت صلاح في الأصل.
توفي في يوم السبت سابع ذي الحجة.
ودُفن بزاويته بالقرب من الجامع الأخضر المذكور.
أظنّه أكمل السبعين.
128 -
أحمد بن محمد بن محمد بن عمر بن رسلان بن نُصَير البُلقينى
(3)
، الكِناني، القاهري، الشافعي.
الشيخ العالم، الفاضل، الكامل، وليّ الدين بن تقيّ الدين ابن
(4)
شيخ الإسلام سراج الدين المعروف بلقبه بالبُلقيني، قاضي القضاة الشافعية بدمشق.
ولد بالقاهرة في سنة أربع عشرة
(5)
وثمانمائة، وبها نشأ.
(1)
الملخّص في: نيل الأمل 6/ 130.
(2)
انظر عن المعروف بخروف (أحمد بن خضر) في: الضوء اللامع 1/ 292، والمجمع المفنّن 1/ 417 رقم 347.
(3)
انظر عن (البُلقيني) في: النجوم الزاهرة 16/ 313، 314، وحوادث الدهور 1/ 564، 565، وإظهار العصر 1/ 185 و 3/ 131 و 156، والضوء اللامع 2/ 188 - 190 رقم 519، ووجيز الكلام 2/ 741 رقم 1697، والذيل التام 2/ 155، والقبس الحاوي 1/ 220، 221 رقم 237، ونظم العقيان 90 رقم 44، ونيل الأمل 6/ 124 رقم 2534، والمجمع المفنّن 1/ 570 - 572 رقم 538، وحوادث الزمان 1/ 154، 155 رقم 176، وبدائع الزهور 2/ 385، وصفحات لم تنشر من بدائع الزهور 104، وشذرات الذهب 7/ 305 (9/ 450).
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
في الأصل: "سنة أربعة عشر".
فحفظ القرآن العظيم، ثم "المنهاج" وغيره، واشتغل فأخذ عن جماعة من علماء عصره وأقاربه البُلاقنية
(1)
، وشارك في فنون، وذُكر بالفضيلة والأدب وتميّز فيه، مع الذكاء المفرط وحُسن الشكالة وبهاء المنظر والهيئة، وفصاحة اللسان، وطلاقة المُحَيا، وجودة النثر، وأظنّه لا نظْم له، وكان يُنْشيء الخُطَب ومجالس الوعظ على أسلوب غريب، وكان يستحضر الكثير من أنواع الآداب، مع شجاوة صوت وطِيب نغمة، وكان إلى خُطَبه المنتهى. خطب بعدّة أماكن، وناب في الحكم، وأفتى ودرّس، ووُلّي عدّة وظائف دينية وتداريس، ثم وُلّي قضاء دمشق عن الجمالى بن الباعوني، وخطابة الجامع الأموي بها.
وكنت حين دخوله إلى دمشق بها، وكان لدخوله إليها يومًا مشهودًا، وكذلك في أول يوم جمعة من دخوله حين خطب بالجامع المذكور، فشنّف الأسماع بخطبته، ثم أعقب ذلك بعد الصلاة بمجلس وعظ حافل جدًّا. سمعت مِن فِيه، وكان ما قاله من إنشائه، فكان إلى ذلك المنتَهَى.
ثم لم تطُل مدّته بدمشق حتى تمرّض فبعث يستعفي من القضاء لأمرٍ أوجب له ذلك، فأجيب إليه، ووُلّي عِوضه القُطب الخيضري. وجرت على صاحب الترجمة أمور آلت به إلى الموت بقدرة المميت جلّ وعلا.
وكان إنسانًا حسنًا، بشوشًا فكِه العشرة والمحاضرة، حسن المذاكرة، كثير التجمّل في مركبه، وملبسه وجميع شؤونه
(2)
.
ومن آثاره المدرسة التي أنشأها بالقرب من داره، والقاعة التي كانت مُعَدّة لسكنه.
وكان يُذكر عنه أن به علّة الانتصاب، وأظنّها كانت السبب المفضي إلى موته على ما يقال.
توفي في ذي القعدة بعد حضور الولاية للقطب بمدّة يسيرة.
129 -
أحمد بن موسى بن يوسف بن عبد الرحمن بن يحيى بن زكراد بن بَنْدُولس
(3)
بن طاع الله بن علي بن قاسم ابن
(4)
الشيخ عبد الواحد، الذي كان يقال له عبد الواحد العبد الوادي التلمساني.
السلطان أمير المسلمين، أبو العباس، المعتصم باللَّه بن أبى حمّو بن أبى
(1)
في الأصل: "البلاقية".
(2)
في الأصل: "شونه".
(3)
في المجمع المفنّن: أحمد بن موسى بن يوسف بن عبد الرحمن بن يحيى بن أحمد بن أبيض بن زيّان بن (. . .) بن محمد بن زكراد بن بندولس. . . (ج 1/ 586 - 588 رقم 562).
وهو في: الضوء اللامع 10/ 345، والذيل التام 2/ 158، وبدائع الزهور 2/ 380.
(4)
في الأصل: "بن".
تاشَفِين الحجّاج بن أبى تاشفين بن أبى (زَيّان)
(1)
صاحب تِلِمْسان (وما والاها من المغرب الأوسط)
(2)
(. . . . .)
(3)
.
ويقال إنه إنّما مات فجأة حتف أنفه من القولنج، وكان شيخًا (يعتريه فمات)
(4)
بذلك.
وكان أحمد هذا ذا عدل وسياسة، ويُذكر بالخير والدين وحُسن السيرة. ومات شهيدًا إن صح ما قيل إنه مات مسمومًا.
وتوفي في هذه السنة، ولم أحرّر الآن شهر وفاته فأنسيت أثبته جَهْدي، لكنّه ضاع مع ضياع أوراقي (. . .. . .)
(5)
وغسل الكثير من مسوَّداتي، ومتا
(6)
وجدت ذلك، بل وضاع عني الآن، ونسيت الكثير مما كتبت، وقد علّقت من أخبار أحمد هذا وأحواله وحروبه مع محمد هذا القائم (. . .)
(7)
ومع أبيه من قبله، ومن العجيب أن قاتله لم يتهنّ بعده بالمُلك إلّا مدّة يسيرة، بل دام في الأنكاد، وسلّط الله تعالى عليه عربان بلاده، وكذا صاحب تونس، فإنه جرّد إليه مرتين، ثم ثار به أحد أولاده وأراد انتزاع مُلك تِلِمْسان منه، ثم حاربه ولد آخر غير الثائر الأول يقال له: الغمواش، هو ملك تِلِمْسان الآن في عصرنا هذا، وآل به الأمر أن بات في ليلته وهو صحيح فأصبح ميتًا كما اتفق لعم جدّ أبيه أحمد صاحب الترجمة (. . . .)
(8)
أخيرًا (. . .)
(9)
صار يصيح (. . .)
(10)
وانتفخ ثم مات، وسلِم ولده من شرّه، ثم عاد إلى تلمسان فملكها ثانيًا. وستأتي هذه الأخبار والحوادث متّصلة في محالّها بعد الخمس وستين إن شاء الله تعالى.
وكان سنّ أحمد صاحب الترجمة يوم موته زيادة على السبعين سنة.
(1)
من المجمع المفنّن 1/ 587.
(2)
ما بين القوسين إضافة من المجمع المفنّن 1/ 587.
(3)
مقدار 14 سطرًا ممسوحة أو مطموسة لا تُقرأ.
(4)
إضافة من: المجمع المفنّن.
(5)
كلمتان ممسوحتان.
(6)
هكذا في الأصل. والصواب: "ومتى".
(7)
كلمة غير واضحة.
(8)
مقدار أربعة أسطر ونصف السطر كلماتها ممسوحة وغير واضحة.
(9)
كلمة غير مقروءة.
(10)
كلمة غير واضحة.
130 -
إينال العلائي
(1)
الظاهري، ثم الناصري الجركسي.
السلطان الملك الأشرف، سيف الدين، أبو النصر، المعروف بالأجرود، صاحب الديار [المصرية] والبلاد الحجازية والشامية وما والاها من الأقطار.
قد تقدّم الكلام عليه في متجدّدات سنة سبع وخمسين وثمانمائة يوم سلطنته، وعرّفنا بأصله وجالبه للقاهرة وتاريخ قدومه إليها، وشراء الظاهر برقوق له، ثم ملْك الناصر إيّاه بعده، وأنه لم أ (. . .)
(2)
حين قدم القاهرة إينال، وأن برقوق الظاهر هو الذي جاء به، ثم بيّنّا أحواله من مبتداه قبل تولّي سلطنته وما ترقّاه وتنقّل فيه من الولايات على أتمّ وجه (. . . .)
(3)
الكلام في أفعاله وسيرته في سلطنته إلى يوم وفاته، فنقول وباللَّه التوفيق.
كان إينال هذا ملكًا جليلًا، وجيهًا، شهمًا، شجاعًا، مقدامًا، صبورًا، جلْدًا، عاقلًا سيوسًا، دَرِبًا، مجرّبًا، ذا حنكة ومعرفة بالحروب والوقائع، لأنه خاض ذلك بنفسه غير مرة في غزوة قبرس، ثم بعد ذلك رودس، ثم عدّة من التجاريد الجيّدة، وقبل ذلك في (. . .)
(4)
أيام (. . .)
(5)
الناصرية، وكان قد مارس الحروب والخطوب والأهوال حتى صار من (. . . .)
(6)
الأبطال، مع معرفته بأنواع الفروسية والأنداب والتعاليم (معرفة تامة، وإحاطة خبره)
(7)
بملوك الأقطار النائية، كثير التأمّل و (التأنّي، ساكنًا)
(8)
في حركاته، ذا وقار وأدب وحشمة وتؤدة
(1)
انظر عن (إينال العلائي السلطان المعروف بالأجرود) في: تاريخ الملك الأشرف قايتباي (بتحقيقنا) ص 177، وحوادث الدهور 168 - 175، والنجوم الزاهرة 16/ 156 - 161، والمنهل الصافي 3/ 209 - 212 رقم 624، والدليل الشافي 1/ 171، 172 رقم 623، ومورد اللطافة، ورقة 15 ب، وإظهار العصر 1/ 69، وإنباء الهصر (فهرس الأعلام) 523، والمواعظ والإعتبار 2/ 244، والتبر المسبوك (فهرس الأعلام) 4/ 134، والضوء اللامع 2/ 328، 329 رقم 1080، ووجيز الكلام 2/ 736 - 739، والذيل التام 2/ 150، 151، وحُسن المحاضرة 2/ 80، وتاريخ الخلفاء 413، وتاريخ ابن سباط (بتحقيقنا) 2/ 802، 803، والتاريخ الغياثي 358، ونيل الأمل (بتحقيقنا) 6/ 102، 103 رقم 2523، والمجمع المفنّن (بتحقيقنا) 2/ 160 - 166 رقم 880، وحوادث الزمان (بتحقيقنا) 1/ 153 رقم 172، وإعلام الورى 58، وبدائع الزهور 2/ 366، 367، وصفحات لم تنشر من بدائع الزهور 83، 84، وشذرات الذهب 7/ 304، وتاريخ الأزمنة 356، وأخبار الدول 214، 215، وتحفة الناظرين 2/ 39، 40.
(2)
كلمة ممسوحة.
(3)
كلمتان ممسوحتان.
(4)
كلمة ممسوحة.
(5)
كلمة ممسوحة.
(6)
مقدار ثلاث كلمات.
(7)
ما بين القوسين ممسوح، استدركناه من المجمع المفنّن.
(8)
ما بين القوسين ممسوح، استدركناه من المجمع المفنّن.
وحُسن سمت (وصدق لهجة، ومعرفة)
(1)
بجهات ممالكه قلّت أو كثُرت، قرُبت أو بعُدت، غير مقدام على (سفك)
(2)
الدماء لا يحب ذلك، حتى قيل إنه لم يسفك دمًا في مدّة سلطنته بغير وجهٍ شرعي، وعُرف بغاية السؤدد والفضيلة، لعلّه من نوادره، على أن مُلكه دام نحوًا من تسع سنين. وكان شديد الاحتمال الزائد المفرط، والإغضاء إلى الغاية، بحيث كان ذلك ذريعة إلى قول بعض المؤرّخين عنه أن ذلك يؤدّي لقلّة المروءة، وجهل هذا القائل، بل إنما ذلك من حلمه (وحيله وكثرة تجاربه)
(3)
وعدم إرادته إثارة الكواين وتحريك السواكن، فإنه كان يحب (أن لا تتحرك في أيامه الفِتَن)
(4)
، ولا تتحرك السواكن، ويدلّ على ما قلت أنه كان إذا أُتي بما يصدر عن جُلبانه أجاب: ماذا الذي فعل هؤلاء وقد كنا في أيام الناصر نختطف النساء من الحمّامات، وهذا عن حنكة زائدة. وكان فصيحًا إلى الغاية باللغة التركية، حتى سمعت شيخنا العلّامة الكافِيَجي، رحمه الله تعالى، يقول: إن إينال أفصح من رأيت من الأتراك بمصر وأعرفهم بلغة الترك. وكان من البخلاء المعدودين بالشحّ حتى على نفسه، وله في البخل أخبار غريبة لا سيما في حال سلطنته واستيلائه على الأمر.
وحُكي عنه أنه أعطى سائلًا رغيفًا في أيام سلطنته.
على أن بخله يكاد أن لا يُذكر بالنسبة إلى غيره (في أيامنا)
(5)
هذه، (فإن كنت عارفًا كفاك هذه الإشارة فلا نحتاج)
(6)
إلى التصريح.
ولقد سمعت الكثير من الناس يذكرون (رحم الله)
(7)
أيام إينال ويذكرون ما كان في غيرها من الأرزاق ومَشي الحال و (حتى كان كرم جنده ما غطّى بُخله هو بخلاف هذه)
(8)
الأيام بات ظاهرًا
(9)
بين الأنام، فلا يحتاج فيه إلى الكلام، إذ البخل بها عامّ وطامّ.
ومما كان يعاب به إينال أيضًا كونه كان عُريًا عن الفضائل العلمية، وكان أمّيًّا
(1)
ما بين القوسين ممسوح، استدركناه من المجمع المفنّن.
(2)
ما بين القوسين ممسوح، استدركناه من المجمع المفنّن.
(3)
ما بين القوسين ممسوح، استدركناه من المجمع المفنّن.
(4)
ما بين القوسين ممسوح، استدركناه من المجمع المفنّن.
(5)
ما بين القوسين ممسوح، استدركناه من المجمع المفنّن.
(6)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل، استدركناه من المجمع المفنّن.
(7)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل، استدركناه من المجمع المفنّن.
(8)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل، استدركناه من المجمع المفنّن.
(9)
في الأصل: "بات ظاهر".
لا يهتدي إلى الكتابة، حتى ولا اهتدى لكتابة العلامة على المناشير، ولعلّه أول سلطان لم يكتب من الجراكسة. وكان أيضًا لا يهتدي إلى كتابة اسمه على المراسيم أيضًا، بل كان الموقّع إذا كتب منشورًا أو مرسومًا ونحوه كتب بالقلم الرفيع العلامة. وكان هو يعيد على ذلك بقلم العلامة الغليظ وما اهتدى إلى حفظها وكتابتها غائبًا مع طول مكث مدّته في السلطنة. ثم بأخرة ألِف كتابة اسمه على المراسيم فقط والتقاليد والتواقيع فقط بخلاف العلامة على المناشير.
وما ذكره بعض المؤرّخين
(1)
من أنه كان يُنقّط له ثم يعيد هو على النُقَط فَوَهْم، بل كان يُكتب له كما ذكرناه. وكذا ما ذكره أنه لم يهتد إلى ذلك مدّة سلطنته، بل اهتدى على ما بيّنّاه في المراسيم ولم يُعِدْها بخلاف المناشير، فإن العلامة فيها:"الله أملي"، فكأنها كانت بعيدة عن ذهنه، ولأنها كانت قليلة الكتابة بخلاف المراسيم فإنها متكرّرة كثيرًا.
وذكر هذا المؤرّخ أيضًا عنه أنه لم يكن عفيفًا عن الفروج، بل قال عنه إنه اتُّهم بحبّ المُرْد، وإنه كانت أحكامه غالبة ساقطة للشريعة الناس، وهذه عبارته بعينها وحروفها، وأنت ترى ما فيها من الخلل، بل كان السُكات عمّا ذكره أجمل، إذ العفّة من غالب هؤلاء الأتراك، وإن ظهرت فالغالب في الباطن بخلافها، على أن من ذكر هذا المؤرّخ عنه العفة منهم كان إينال هذا عندي أعفّ منه، ومن نظر بعين الإنصاف مع تركله الاعتساف والغرض في سيَر هؤلاء وأحوالهم علم ما أقوله بشرط إمعان النظرة والتوسّم الموافق لصحة الخبر حتى به يزن ما يرد عليه ويسمعه.
ثم قال هذا المؤرّخ بعد ذلك، ووقع من مماليكه في أيام دولته من الأذى والتشويش البالغ والفحش ما لا يمكن شرحه، وهو راضٍ به مع قدرته على إزالته. ثم قال: وكان يرضى بظلم الظالمين، بل ربمّا شكرهم على ظلمهم وألبسهم الخلع والتشاريف.
قال: وكان الخلق في آخر أمره تبغضه بغضًا شديدًا عظيمًا، وعَنَوْا زوال ملكه لما شاموه، لا سيما من شدّة وطأة ولده أحمد وزوجته وصِهره بُرْدُبك الدوادار. انتهى كلامه.
أقول: ليت شِعري من ذا الذي لم يتّصف بهذه الصفات بعده من السلاطين، وكذا قبله من جنسه حتى ينكر هذا المؤرّخ على ذاك، أعني صاحب الترجمة، وكذا من ذا الذي سلم من هذه الآفات، لكن الأغراض توقع صاحبها فيما أراد.
(1)
يعني به المؤرّخ ابن تغري بردي في: النجوم الزاهرة 16/ 158.
وللأشرف إينال هذا عدّة من الآثار من ذلك: تربته التي أنشأها بالصحراء بخطته، وبها حضور، وهي تربة أنيقة، والسبيل الذي بين القصرين وما ببلده من مكتب الأيتام تجاه الكاملية دار الحديث، وأنشأ تربة أستاذه الناصر بدمشق، وله غير ذلك من الآثار والأبنية.
(نوادر ما اتفق بين إينال وبَرسْباي الأشرفيين)
(1)
ومن نوادره -أعني الأشرف هذا- موافقته للأشرف بَرسْباي في أشياء نذكرها، وهي أنه صار أتابكًا بعد الدوادارية، وكذا بَرسْباي صار أتابكًا بعد الدوادارية، فإنه لما قبض على الأتابك طرباي لم يقرر أتابكًا بعده حتى عقد له الملك، فقرّر فيها بيبُغا المظفّري، فكان هو الأتابك وهو ظاهر، ولُقّب هذا بالأشرف، وكذا كان بَرسباي لقبُه الأشرف، وكُنّي بأبي النصر، وكُنّي برسباي كذلك، وعقد الملك لكل منهما في ثامن الشهر، وكان ذلك في ربيع، وهذا أيضًا في ربيع، وإن اختلف الربيعان، الأول والثاني، وهذا من غريب الاتفاقات ما سبقني لبيانه غيري.
توفي الأشرف هذا في يوم الخميس نصف جماد الأول على ما تقدّم في محلّه، وذلك بعد سلطنة ولده بيوم على ما عرفته فيما أسلفناه، وكان سنّه يوم مات فوق الثمانين تخمينًا.
131 -
جانِبك النَوروزي
(2)
نائب الإسكندرية المعروف بنائب بعلبك.
كان من مماليك نَورز الحافظي المشهور الترجمة.
وكان من خواصّ مماليكه وولّاه نيابة بعلبك في أيام تغلّبه على دمشق، وبها عرف
(3)
ثم تنقلّت به الأحوال بعده حتى أنزل بديوان الجند السلطاني، وصُيّر خاصكيًّا، ودام على ذلك مدّة في عدّة دول إلى أن تسلطن الظاهر جقمق فأمّره عشرة وصُيّر من رؤوس
(4)
النُوَب، ثم عيّنه بعد مدّة إلى المدينة المشرّفة لقمع أهل الفِتَن والشرور بها، فأقام بها برهة من الزمان وعدّة سنين، وظهرت نتيجته،
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
انظر عن (جانبك النوروزي) في: النجوم الزاهرة 16/ 153 و 310، 311، والدليل الشافي 1/ 240 (دون رقم للترجمة)، ولم يترجم له في المنهل الصافي، والضوء اللامع 3/ 61 رقم 247، ونيل الأمل 6/ 95 رقم 2520، وبدائع الزهور 2/ 363.
(3)
في الأصل: "وبهاعر"، ولم يكتب الفاء سهوًا.
(4)
في الأصل: "روس".
وحُمدت طريقته وحسُنت سيرته وحصل به النفع بالمدينة الشريفة، وأظهر بها من الشجاعة والإقدام ما يُذكر به إلى الآن، ثم استُقدم بعد ذلك إلى القاهرة في آخر دولة الظاهر، وعند سلطنة ولده المنصور عثمان. وآل أمره أن تأمّر طبلخاناه، واستقرّ في نيابة الإسكندرية وبها بغَتَه الأجل في دولة الأشرف إينال. وكان من خيار أبناء طائفته الجركس، ذا خير ودين وعفّة وكرم نفْس مع سخاء ومروءة وشجاعة وإقدام، ومعرفة بكثير أنواع الفروسية، وعنده حُسن سمت وتؤدة وأدب وحشمة ومروءة وغاية تواضع، وبالجملة فكان من نوادر أبناء جنسه الجراكسة وقلّ أن يسمح الزمان بمثله.
وكان بينه وبين الوالد صحبة أكيدة.
توفي في يوم السبت مستهلّ صفر بالثغر المذكور على نيابته، وقد جاوز الثمانين سنة.
132 -
جُمَيل
(1)
بن أحمد بن عُمَيرة بن يوسف، جمال الدين.
شيخ الغرب ببعض إقليم الغربية، وكذا السخاوية بالوجه البحري، المعروف بابن يوسف.
كان لا بأس به في عباداته من الصوم والصلاة والعفّة عن المنكرات والفروج، إلّا أنه كان لا يعفّ عن ظلم وجمع المال من أيّ جهة كانت، وما علم المسكين أن ردّ درهم من الخدام لأصحابه خير من عبادة ستين سنة، وخلّف بعد موته مالاً طائلاً. ووُلّي الإمرة بعده ولده أحمد، ثم ولده ماضي، وصارا يتنافسان عليها، هذا يتولّى، فيسعى عليه الآخر ويعزله، ثم يسعى المعزول حتى يلي ويعزل الآخر، وصارا يتناوبان الولاية على هذا الوجه.
توفي جميل هذا في جماد الأول وله من العمر زيادة على ستين سنة.
133 -
خديجة
(2)
.
ابنة الأتابك جرِباش من زوجته الخَوَنْد شقراء ابنة الناصر فرج بن الظاهر برقوق.
(1)
انظر عن (جُمَيل) في: النجوم الزاهرة 16/ 311، ووجيز الكلام 2/ 745 رقم 1714، والضوء اللامع 3/ 78، ونيل الأمل 6/ 103 رقم 2524، وبدائع الزهور 2/ 372، والذيل التام 2/ 159.
و"جُمَيل " بضم الجيم وفتح الميم، للتصغير.
(2)
انظر عن (خديجة) في: الضوء اللامع 12/ 27 رقم 150 وقد بيّض لتاريخ وفاتها فلم يذكره، ونيل الأمل 6/ 126 رقم 2536، وبدائع الزهور 2/ 386.
لدت في سنة ()
(1)
عقيب ذلك أو قبله بيسير تأمّر والدها عشرة، ونشأت
في عزّ وسعادة، وتنقّل والدها بعد ولادتها في عدّة ولايات جليلة حتى صار أتابكاً، وكان عقد لها حين بلغت حَدّ الزواج على خيربك من حديد، وهو الذي استولدها، واستولدها ابنة اسمها فاطمة هي الآن زوجة الأمير جانِبك حبيب الأميراخور الثاني، ودامت في عظمة خيربك من حديد إلى أن وقع له معها أنْ حنق يومأ منها فلطمها، وكان بأذنها خُرص من ياقوت أو نحو مثمن سقط من اللطمة على الرخام فانكسر، فحنقت أمّها الخونْد شقراء منه لما بلغها ذلك وشكته للظاهر جقمق فأمره ففارقها، ثم اتصلت بعده بآقبردي الأشرفي واستولدها ابنة اسمها عائشة، وهي بِكر الآن موجودة، ثم حملت منه ثانياً. فاتفق أنْ كانت ليلة زفاف أختها على خيربك البهلوان الماضي ذكره من الأشرفية، وبينا هم في أثناء عمل الزفاف قبل تمامه إذ أخذ خديجة هذه الطَلْق، ثم ولدت وماتت لوقتها، فانقلب الفرح عزاءً، وأُخّرت أختها وهي فرح عن بناء خيربك بها، وعاشت الابنة المولودة وسُمّيت زينب، وهي باقية أيضاً بكر إلى الآن، وأسفت الخَوَند شقراء على خديجة هذه أسفاً وافراً، وكذا والدها، وأُخرجت جنازتها حافلة من أشهر الجنائز، ودُفنت بتربة الظاهر برقودا في يوم الجمعة العشرين من ذي الحجّة، ثم عمل لها المأتم، ودام عمل ذلك إلى يوم الأربعاء خامس عشرين الحجّة، والأتابك جرباش بالتربة، وتأخّر عن طلوع الخدمة في هذا اليوم، وأخذ في الاهتمام لعمل الأسمطة الهائلة في ليلة الجمعة، فأشيع بعض إشاعة أنه إنّما تأخّر ليصبح الأمراء الأشرفية، بل وغيرهم في يوم الخميس فينزلون من الخدمة إليه للتربة ويسلطِنوه ثم يقابلون الظاهر خُشقدم، وبلغ الظاهر ذلك، فبيّت على قبْض من ذكرناه من الأمراء وفعل بهم ذلك، ثم وقع ما تقدّم ذِكره من الركوب والتوجّه إلى جرباش. وقد عرفتَ تلك الكائنة برمّتها.
ويقال: إن الذي أشاع ذلك وخيّل به الظاهر خشقدم كان جانِبك نائب جدّة ليكون ذلك مندوحة لأخذ الأشرفية وإن ذلك لا حقيقة له أصلاً، وهو الظاهر، واللَّه أعلم. ولم يتهنّ الأتابك جرباش بعد هذه الكائنة، وكانت سبباً مفضياً به إلى إخراجه بعد ذلك إلى دمياط معزولًا عن الأتابكية، ولهذا كانت الخَوَند شقراء هذه تقول: إن ابنتها خديجة هذه كانت أول سعد أبيها فإنه تأمّر عشرة حين ولادتها، وكانت آخر سعده، إذ بموتها زال عنه ما كان فيه.
وكانت خديجة هذه شابّة حسنة مشكورة، عاقلة، عارفة.
(1)
في الأصل بياض.
توفيت بعشاء في ليلة الجمعة العشرين من ذي الحجة كما ذكرناه، وجُمِعتْ لها شهادتا
(1)
النفاس والموت ليلة الجمعة.
134 -
خُشْكَلْدي الكُجكُي
(2)
(وهو الكوجكي)
(3)
.
نائب حمص، وأحد الأمراء بطرابلس.
كان له ذِكر وشهرة، وعنده خير وديانة، وله حُسن سمت وملتقى وتؤدة وسكون، وأدب وحشمة. وولي نيابة حمص من مدّة، ثم صار بأخرة من الأمراء بطرابلس.
وتوفي بها في أواخر شهر رمضان.
ونسبته إلى كُجُك، وما علمت من هو، ويقال له: الكوجكي، وهو (غلط غير الأول. وقد رأيته بطرابلس، وكان بينه وبين الوالد محبّة وصحبة أكيدة)
(4)
.
135 -
خيربك النَوروزي
(5)
.
نائب صفد.
كان من مماليك نَورز الحافظي، وتنقّلت به الأحوال بعده في عدّة ولايات كلّها ببذل المال حتى وُلّي بأخرة نيابة صفد عِوضاً عن جانِبك الناجي لما نُدب إلى نيابة حماة عوضأ عن إياس الطويل لما نُقل إلى نيابة طرابلس عِوضاً عن الحاج إينال بحكم انتقاله إلى نيابة حماة بعد قانباي الحمزاوي لما نُقل إلى نيابة الشام بعد موت جُلبان، وكان قد وُلّي غيره أيضاً قبل ذلك عوضاً عن جانبك التاجي أيضاً لما نُقل إلى صفد. وقد تقدّمت هذه التنقّلات في السنين الماضية من تاريخنا هذا. ودام خيربك هذا على نيابة صفد حتى قدم جانَم القاهرة في سلطنة الظاهر خشقدم، ومعه تمراز الأشرفي الدوادار فولّاه الظاهر هذا نيابة صفد عِوضاً
(1)
في الأصل: "وجُمعت لها شهادتي".
(2)
انظر عن (خُشكلدي الكُجُكي) في: النجوم الزاهرة 16/ 313، والضوء اللامع 3/ 177 رقم 688 وفيه "خشكلدي الكوجكي" أحد مقدَّمي طرابلس. مات بها في أواخر رمضان
…
وكانت له شهرة وفيه مكارم ومروءة، وناب مرة بحمص، ونيل الأمل 6/ 117 رقم 2531، وتاريخ حمص 2/ 270 رقم 30 وفيه: خوش كلوين الكوكلي، وتاريخ طرابلس 2/ 82 رقم 40.
(3)
ما بين القوسين عن الهامش.
(4)
ما بين القوسين عن الهامش.
(5)
انظر عن (خيربك النَوروزي) في: النجوم الزاهرة 16/ 314، والمنهل الصافي 5/ 287 رقم 1013، والدليل الشافي 1/ 294 رقم 1010 وترجمته ساقطة من أصل الكتاب أضافها محقّقه، ومنتخبات من حوادث الدهور 344، وإنباء الهصر 304، 305، والضوء اللامع 3/ 210 رقم 786، ونيابة غزّة في العهد المملوكي 308 رقم 102، ومملكة صفد 298 رقم 124.
عن خيربك هذا وقرّر في تقدمة تمراز المذكور بدمشق فتوجّه إليها، ولم تطُل مدّته بها.
وتوفي بها في هذه السنة، ولا أعلم شيئاً من حاله لأذكُره.
136 -
سودون الأبوبكري
(1)
المؤَيَّدي.
نائب حماة ثم أتابك حلب.
كان من صغار مماليك المؤيَّد شيخ، وتنقّل بعده في خدم عدّة من الأمراء بالبلاد الشامية، ودام على ذلك مدّة إلى أن تسلطن الظاهر جقمق فصيّره من جملة أمراء حلب، ثم وُلّي حجوبية الحجّاب بها، ثم أتابكيّتها، ثم نُقل إلى نيابة حماة، ثم صُرف عنها ودام بطّالاً مدّة، ثم صُيّر من جملة أمراء دمشق، ثم أعيد إلى أتابكية حلب، ثم دام على ذلك إلى أنْ بَغَتَه الأجل.
وكان إنساناً حسناً، مشكور السيرة، ذا أدب، وصحبة، وتواصي، وخير، ودين، وعفّة، وحياء زائد.
توفي بحلب على أتابكيّتها في أواخر شهر رمضان، وهو في عشر السبعين.
137 -
سودون الإينالي
(2)
، المؤيَّدي.
حاجب الحجّاب المعروف بقراقاش.
كان من مماليك المؤيَّد شيخ وخاصكيّته، ودام خاصكيّاً مدّة في عدّة دول إلى أن تسلطن الظاهر جقمق فصيّره من الدوادارية الصغار فباشر ذلك يوماً واحداً، ثم أصبح فأمّره عشرة وصيّره من جملة رؤوس
(3)
النُوَب. وخرج في بعض السنين أميراً على الحاج بالركب الأول، ثم بعد مدّة أخرجه الظاهر إلى القدس بطّالاً لشيء وقع له. ثم لما تسلطن الأشرف إينال أحضره من القدس وأمّره طبلخاناه، ثم صيّره رأس نوبة ثانياً، ثم قرّره في جملة مقدّمي الألوف بمالٍ بذله في ذلك، ثم وُلّي حجوبية الحجّاب على ما تقدّم، بل وتنقلاته هذه فلا يُحتاج إلى الإطالة بتبيانها
(1)
انظر عن (سودون الأبوبكري) في: النجوم الزاهرة 16/ 313، والدليل الشافي 1/ 335 رقم 1154، والمنهل الصافي 6/ 173، 174 رقم 1157، والضوء اللامع 3/ 276 رقم 1050، ونيل الأمل 6/ 117، 118 رقم 1532، وإعلام النبلاء 5/ 262، 263 رقم 606.
(2)
انظر عن (سودون الإينالي) في: النجوم الزاهرة 16/ 153 و 310، والمنهل الصافي 6/ 175 - 177 رقم 1159، والدليل الشافي 1/ 336 رقم 1156، ووجيز الكلام 2/ 744 رقم 1708، والضوء اللامع 3/ 276، 277 رقم 1052، والذيل التام 158/ 2، ونيل الأمل 6/ 94 رقم 2519، وبدائع الزهور 2/ 363.
(3)
في الأصل: "روس".
وتفصيلها لقربها. ثم عيّنه الأشرف إينال في التجريدة لقبرس مع جاكم على ما عرفته أيضًا، فتوجّه إليها مع من توجّه، وبها كانت منيّته من غير جرح ولا قَتْل، بل تمرّض نحو العشرة أيام لا غير.
وكان لا بأس به، وله عدّة غزوات قد ذكرناها في محالّها من تاريخنا هذا، وكان ذا شكالة وحُسن هيئة، حشمًا، أدوبًا، كيّسا محبًّا في أهل العلم والفضائل على حدّة في مزاجه وطيش وخفة، وطمع زائد، وسوء معاملة، ووصف بقلّة الغَيرة.
توفي في أول المحرم وله من العمر زيادة على الستين.
138 -
طيبُغا الأشرفي
(1)
شعبان.
أحد الخاصكيّة من قدماء القرانصة المعمَّرين.
كان من مماليك الأشرف شعبان بن حسين بن الناصر محمد بن المنصور قلاوون، وهو مشهور الترجمة في ملوك مصر وسلاطينها. وكان ملكًا جليلًا رئيسًا عظيمًا، وكان صاحب الترجمة ممن عُمّر بعده، وطال عُمره إلى سلطنة الظاهر خُشقدم صاحب هذه الدولة التي نحن في الكلام فيها، فرأى طيبُغا هذا بمصر نحوًا من عشرين ملكًا تسلطنوا بها (على تقدير المرات)
(2)
، ولعلّها من نوادر طيبُغا هذا.
ويقال إنه تجاوز المائة.
وكان أعمر مكانًا بالروضة على البحر الكبير قرب المقياس وسكن بقربه ودام به وبيده إقطاعه وماله ببيت السلطان، وكان قد سومح من الخِدم السلطانية لعجزه بكِبَر سنّه. ولا زال بالروضة إلى أن بَغَتَه الأجل، وكان على خير كبير حين مات، وأمّا في أيام صبوته فكان رأسًا في الفروسية وأنواع الأنداب والآداب والتعاليم وسائر الفنون.
توفي في شهر ()
(3)
وترك ولدًا (
…
)
(4)
خيّر موجود الان.
139 -
عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن شرف بن
(1)
انظر عن (طيبُغا الأشرفي) في: نيل الأمل 6/ 129، 130 رقم 2542 وهو ما انفرد به المؤلّف رحمه الله.
(2)
ما بين القوسين عن الهامش.
(3)
ما بين القوسين بياض.
(4)
كلمة غير واضحة.
منصور بن محمود بن توفيق بن محمد بن عبد اللَّه الزُرَعي، الدمشقي، الشافعي.
الشيخ وليّ الدين، أبو محمد المعروف بابن قاضي عجلون
(1)
، وهي شُهرة جدّه.
ولد الوليّ هذا بدمشق في شهر رمضان سنة خمس وثمانمائة. وبها نشأ.
فحفظ القرآن العظيم، ثم "التنبيه" و"المنهاج الأصلي"، و"تصحيح التنبيه" لابن الملقن، ثم اشتغل بالعلم، وأخذ الفقه عن الشمس الكفيري، ولازم التاج بن بهادُر، والتقيّ ابن
(2)
قاضي شهبة وانتفع بهما، وأخذ العربية عن البُصروي، وقدم القاهرة فأخذ بها عن الشمس الشرواني، والعلاء الكرماني، وأخذ في الحديث عن الحافظ ابن
(3)
ناصر الدين وسمع عليه وعلى الحافظ ابن
(4)
حجر، وعلى ابن
(5)
بردس وغيره بدمشق والقاهرة وغيرها، وتردّد إلى القاهرة غير ما مرة، وشهر وبرع، وذُكر بالفضل، وأفتى ودرّس، وناب في الحكم بدمشق ووُلّي بها عدّة تداريس جليلة، وصار رأس الناس ببلده ومن أعيانها الذين يُذكرون بالعلم والفضل والخير والدين، ولا زال على ذلك.
حتى توفي في شعبان.
وترك ولديه محمد الآتي في سنة وفاته وهي سنة ست وسبعين
(6)
.
140 -
• وأبو بكر الشيخ الإمام، العلّامة، تقيّ الدين
(7)
الموجود الآن، شيخ الشام في عصرنا الذي نحن به.
(1)
انظر عن (ابن قاضي عجلون) في: الضوء اللامع 5/ 24، 25 رقم 84، ووجيز الكلام 2/ 742 رقم 1698، والذيل التام 2/ 155، 156، وفيه "شرف"، ونظم العقيان 121 رقم 93، وحوادث الزمان 1/ 153 رقم 173، ونيل الأمل 6/ 109 رقم 2529، وبدائع الزهور 2/ 375، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي (المستدرك) ق 2/ 197، 198 رقم 140.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
انظر عن (محمد - ابن قاضي عجلون) في: الضوء اللامع 8/ 96، 97 رقم 197، ووجيز الكلام 2/ 833 رقم 1909، والذيل التام 2/ 255، 256، وإنباء الهصر 420 - 422 و 455 - 458 رقم 6، وتاريخ البُصْرَوي 52، 53، ونظم العقيان 150 رقم 150، ونيل الأمل 7/ 30، 31 رقم 2890، وحوادث الزمان 1/ 199، 200 رقم 259، وبدائع الزهور 3/ 69، 70، والبدر الطالع 2/ 197، والدارس 1/ 347، 348، وكشف الظنون 865 و 873 و 930 و 1158 و 1875 و 1957، وإيضاح المكنون 2/ 587، وهدية العارفين 2/ 207، وديوان الإسلام 4/ 40، 41 رقم 1711، وشذرات الذهب 7/ 322، والأعلام 6/ 238، ومعجم المؤلفين 60/ 223، 224، وموسوعة علماء المسلمين، ق 2/ ج 4/ 61، 62 رقم 156.
(7)
توفي أبو بكر بن عبد اللَّه بن عبد الرحمن الزُرَعي الدمشقي المعروف بابن قاضي عجلون في =
ولد بدمشق في سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وبها نشأ.
فحفظ القرآن العظيم، ثم "العُمدة" و"المنهاج"، و"جمع الجوامع"، وغير ذلك، وعرض على التقيّ الأذرِعي، والشمس البلاطُنُسي، وغيرهما. ثم اشتغل فأخذ عن جماعة منهم: والده، الزين خطّاب وغيرهما، وقدم القاهرة فأخذ بها عن جماعة منهم: الشمس البرواني، والعَلَم البُلقيني، والجلال المحلّي، وغيرهم، وجلّ انتفاعه كان بأخيه، وبرع في الفقه، وأفتى ودرّس، ووُلّي التداريس الجليلة ببلده، وصنّف وألّف، وله نظم. وهو شيخ الشام الآن، نفع اللَّه تعالى به.
141 -
عبد اللَّه بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سعد اللَّه بن جماعة بن علي بن جماعة بن حازم بن صخر الكِناني، الحموي الأصل، المقدسي، الشافعي.
القاضي جمال الدين ابن
(1)
العلّامة نجم الدين بن زين الدين المعروف بابن جماعة
(2)
، خطيب المسجد الأقصى.
ولد بالبيت المقدس في ذي القعدة سنة ثمانين وسبعمائة، وبه نشأ.
فحفظ القرآن العظيم، واشتغل وسمع الحديث، ووُلّي خطابة بلده أظنّ والقضاء بها، ولم أحرّر ذلك. وكان لا بأس به، وله صيت وشهرة، لكونه من بيت علم ( ............ ).
توفي بهذا الزمان في يوم الجمعة حادي عشرين ذي القعدة.
142 -
عبد الوهاب بن نصر اللَّه بن توما
(3)
القِبطي، المصري، الأسلمي.
= سنة 928 هـ. انظر عنه في: تاريخ البُصَروي 235، وحوادث دمشق من مفاكهة الخلّان 142 - 185، والروض العاطر فيما تيسّر من أخبار القرن السابع إلى ختام القرن العاشر، لشرف الدين موسى بن يوسف الأيوبي الأنصاري -مخطوط مكتبة الدولة في برلين، رقم 9886، ورقة 85 ب، والكواكب السائرة 1/ 114 - 118، وشذرات الذهب 8/ 157، 158، وموسوعة علماء المسلمين ق 2/ ج 5/ 100، 101 رقم 1413.
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
انظر عن (ابن جماعة -عبد اللَّه بن محمد بن عبد الرحمن الكناني) في: عنوان الزمان 3/ 150 رقم 325، وعنوان العنوان 166 رقم 367، ووجيز الكلام 2/ 740، 741 رقم 1695، والضوء اللامع 5/ 51، 52 رقم 92، والذيل التام 2/ 154، ونظم العقيان 121 رقم 96، 97، ونيل الأمل 123/ 6، 124 رقم 2533، وحوادث الزمان 1/ 155 رقم 177، وبدائع الزهور 2/ 385، وشذرات الذهب 7/ 205.
(3)
انظر عن (ابن توما القبطي) في: الضوء اللامع 5/ 114، 115 رقم 408، ووجيز الكلام 2/ =
الصاحب، تاج الدين الورّاق، المعروف بابن الشيخ الخطيب، وهو لقَب لوالده نصر اللَّه في حارة الأقباط في ( ...... )
(1)
كذلك، وكان جدّه توما (
…
)
(2)
.
وُلد على النصرانية بُعيد الثمانين وسبعمائة وأسلم مضطّرًا على ما قاله بعضهم عنه، وباشر بعض جهات الأشرف بَرسْباي قبل تسلطنه، ولما تسلطن رقّاه إلى نظر الإسطبل عن البدر بن مزهر حين ولي كتابة السر، ثم جعل إليه التكلّم على ديوان ولده محمد، ثم لما مات محمد جعل له التكلّم على ديوان ولده يوسف الذي تسلطن بعده ولُقّب بالعزيز. ولما استعفى الجمال يوسف ابن
(3)
كاتب جَكَم من الوزارة طلب الأشرف التاج هذا فولّاه الوزارة عِوضًا عنه فباشرها مباشرة فاحشة لطيشه وحدّة مزاجه، فصرفه الأشرف عنها وتخَومَل وانحطّ قدره عنده بعد أن كان في مبادي الروح عنده. ولما تسلطن الظاهر جقمق قبض عليه وصادره على جملة من المال مستكثرة، وأعيد إلى الوزارة وباشرها غير ما مرّة وكفّ فيها عن المظالم التي كان يفعلها الوزراء قبله، وحُمدت سيرته بالنسبة لمن وليها قبله، ولكنه كان كثير العجز ( ........... )
(4)
له بالسداد والقيام بالكلف، وكان معدودًا من أعيان الكتبة من القِبط العارفين بصناعة المباشرة.
وطعن بعض المؤرّخين
(5)
من المجازفين في إسلامه مستدلًّا على ذلك بأنه إلى الآن غالب من كان ببيته حتى من النسوة على دين النصرانية (
…
)
(6)
قال: ولم يكن عليه نور الإسلام. انتهى.
وأنا أقول: هذا كلام لا ينبغي [قوله]
(7)
في المسلم ممن أظهر الإسلام ومات عليه بين أظهُر المسلمين، ودُفن في مقابرهم ( ........ )
(8)
فما هذا إلّا كلام مجازف. واللَّه المسامح.
توفي التاج هذا في ذي القعدة وقد شاخ وكبُر سنّه، وأظنّه أكمل التسعين، بتقديم التاء، واللّه أعلم.
= 744 رقم 1710، والذيل التام 2/ 158، 159، والنجوم الزاهرة 16/ 313، ونيل الأمل 6/ 124، (دون رقم للترجمة)، وبدائع الزهور 3852.
(1)
كلمتان غير واضحتين.
(2)
كلمة غير واضحة.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(5)
إشارة إلى المؤرّخ ابن تغري بردي في: النجوم الزاهرة 16/ 313.
(6)
كلمة ممسوحة.
(7)
كلمة ممسوحة في الأصل. أضفناها.
(8)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
143 -
عمر الحصني
(1)
.
الشيخ المسلّك، الصالح، المعتقد، العالم، الفاضل.
كان قد قرأ ببلاده ( ....... )
(2)
التوجّه إلى اللَّه تعالى والإقبال على شأنه، فارتحل من بلاده إلى هذه الديار، واجتمع على العلّامة الكمال بن الهُمام، وذكر له أن مقصده الانقطاع إلى اللَّه تعالى، والاشتغال بأمور (
…
)
(3)
فأمره بملازمة سيدي محمد الأندلسي بالقرافة ففعل وانتفع بذلك، وأزوجه الشيخ محمد المذكور ابنة له وخلفه في زاويته بعد موته، وكان من كبار الصالحين ومن أهل اليقين إشراقيًا عاليًا، ويسّر اللَّه تعالى عليه أسبابه فكان يأكل الجيد من المآكل الطيبة، ولم يزل على قدم الخير والصلاح، وانتفع به جمع من الناس.
حتى توفي في هذه السنة على خيرٍ كثير، وكان ممن جاوز الستين فيما أُخبرت عنه، رحمه الله.
144 -
عمر اليمني
(4)
، المكي.
الشيخ الصالح، العابد، الزاهد، المعتقد، نزيل مكة المشرّفة.
كان فردًا في الصلاح وكثرة العبادة والمداومة عليها، وله شهرة بمكة. وكان للناس فيه الاعتقاد الحسن لكثرة تعبُّده حتى حُكي عن الشيخ الصالح أحمد العوفي نزيل مكة أيضاً أنه قال في حق صاحب الترجمة إنه يشبه عُبّاد بني إسرائيل في كثرة العبادة والمداومة عليها.
توفي بمكة المشرَّفة على خير كبير في سَحَر ليلة الأربعاء ثالث شهر ربيع الأول، ودفن بمقابر باب شرقي، رحمه الله ونفع به.
145 -
فرج بن ماجد
(5)
بن ()
(6)
القبطي، المصري.
(1)
انظر عن (عمر الحصني) في: نيل الأمل 6/ 128 رقم 2539.
(2)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(3)
كلمة واحدة ممسوحة.
(4)
انظر عن (عمر اليمني) في: النجوم الزاهرة 16/ 311، والضوء اللامع 6/ 146 رقم 456 وفيه: عمر العدني اليماني نزيل مكة ويُعرف بالمسلي، بفتح الميم ثم مهملة ساكنة ثم بعدها لام، ونيل الأمل 6/ 97 رقم 2521.
(5)
انظر عن (فرج بن ماجد) في: النجوم الزاهرة 16/ 312، ووجيز الكلام 2/ 744 رقم 1711، والضوء اللامع 6/ 69 رقم 570، والذيل التام 2/ 159، ونيل الأمل 6/ 105 رقم 2526، وبدائع الزهور 2/ 372.
(6)
بياض في الأصل.
الصاحب سعد الدين، المعروف بابن النحّال، الوزير، الأستادّار بمصر.
ولد على ما أُخبرت به في سنة إحدى وثمانمائة بالقاهرة، وبها نشأ.
وتقلّبت به الأحوال في أنواع من المباشرات على (
…
…
)
(1)
من يده أوقاف شيخو الخانقاه والجامع.
وكان مشكورًا في مباشراته، وآل به الأمر أن وُلّي كتابة المماليك، ثم الوزارة والإستادّارية، وتكرّر له ذلك فيهما غير ما مرة، وكان لا بأس به، كثير المواظبة على الصلوات، مع رياسة وشُهرة وصدق لهجة. وكان يُعاب بحدّةٍ في مزاجه.
توفي بطّالًا بداره في ليلة الثلاثاء حادي عشر جمادى الآخرة.
146 -
فيروز النَوروزي
(2)
الرويس.
الخادم، الطواشي، زين الدين، زمام الآدُر السلطانية والخازندار.
كان من خدّام الأمير نوروز الحافظي وطواشيته، وتنقّلت به الأحوال بعده في المِحَن والخطوب إلى [أن] ولي خُشداشه أرغون شاه النوروزي الأستادّارية الكبرى، فجعل فيروز هذا كاشف البحيرة، فلم تُحمد له سيرة بها وجرت عليه أمور بعد عزل أرغون شاه عن الأستادارية بل وخطوب وأنكاد إلى أن ولّاه الظاهر جقمق الخازندارية، ثم الزمامية على ما تقدّم ذِكر ذلك في محلّه في دولة الظاهر في متجدّدات سنة ستّ وأربعين وثمانمائة. ولم يزل على ذلك إلى سلطنة المؤيَّد أحمد بن إينال، وبَغَتَه أجله في دولته.
وكان رأسًا في الشح والبُخل راسخًا فيهما، سيء الأخلاق، حادّ المزاج، مذموم السيرة، بل والسريرة. وكان إذا توجّه للسلطان للدُهيشة يمشي من طبقة الزمام إليها على رجليه، وإذا أراد الصلاة أن حدّثته نفسه بهما صلّاها جالسًا -أعني الفريضة- معتذرًا لعجزه وكبِرَ سنّه، وهذا يدلّ على غاية الجهل وعلى التهاون بالصلاة وعدم المبالاة بأمور الدين، وكان يُتّهم بمال كبير، ووجد له بعد موته فوق المائة ألف دينار ذهبًا عينًا وانتقلت لأنه كان يقال إن ماله أضعاف ما وُجد له، هانه لم يظفر من ماله إلّا بالبعض وهو هذا المقدار، فلا حول ولا قوّة إلّا باللَّه.
(1)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(2)
انظر عن (فيروز النوروزي) في: النجوم الزاهرة 16/ 312، 313، والدليل الشافي 2/ 524 رقم 1806، والمنهل الصافي 8/ 416 - 420 رقم 1814، ونزهة النفوس 4/ 252، والتبر المسبوك 1/ 114 و 153 و 312 و 2/ 162 و 3/ 11 و 44 و 4/ 83، والذيل التام 2/ 159، والضوء اللامع 6/ 176 رقم 600، ووجيز الكلام 2/ 745 رقم 1712، ونيل الأمل 6/ 108، 109 رقم 2528، وبدائع الزهور 2/ 375.
توفي فيروز هذا في يوم الخميس خامس عشرين شعبان أو رابع عشرينه بعد مرض طويل، ودُفن بتربة أنشأها بالصحراء، وبه تُعرف الآن.
وكان له زيادة على الثمانين سنة.
147 -
كُزَل السُّودوني
(1)
.
أحد العشرات ورؤوس
(2)
النُوَب، ومعلّم الرمح المعروف بالمعلّم.
كان من مماليك سودون قريب الظاهر برقوق الذي كان يقال له سيّدي سودون، وولي نيابة الشام، وهو مشهور الترجمة، وتنقّلت الأحوال بصاحب الترجمة بعد موت أستاذه إلى أن أُمّر عشرة في دولة الأشرف برسباي وصيّره من رؤوس
(3)
النُوَب ومعلّم الرمح، ونالته السعادة بسبب تعليم الرمح، ودام على ما هو عليه إلى أن مات الأشرف، فكان كُزَل هذا من حزب ولده العزيز، ولما خُلع العزيز حقد عليه الظاهر جقمق ذلك، لكن صار يحتمله على عادته في ذلك من غير أن يلتفت إليه مرة. ثم أخرجه إلى مكة أميرًا على الجند الراكز بها، فبقي بها مدّة، ثم أخرج عنه إمرته فقدم القاهرة ودام بها بطّالاً مدّة إلى أن مات الظاهر وتسلطن ولده المنصور، فكان ممن قام معه في تلك الكائنة التي آلت إلى خلعه فحقدها عليه الأشرف إينال فأخرج عن إمرته فإن المنصور كان أمّره عشرة ثانيًا، ودام مدّة بطّالًا، ثم رضي عليه الأشرف إينال المذكور وأفره عشرة ثالثاً، ودام على ذلك حتى بَغَتَه الأجل.
وكان إنسانًا حسنًا مليح الشكالة مع قِصَر قامته، حسن الهيئة والملتقى، ذا تؤدة وأدب وحشمة، خيّرًا، ديّنا، فصيحًا في العبارة، ورأسًا في معرفة الرمح وفي تعليمه، انتهت إليه الرياسة في ذلك.
توفي في يوم السبت ثاني عشرين جمادى الآخرة، ودُفن من غده بتربة له أنشأها بالصحراء. وكان له نحوًا من تسعين سنة، بتقديم التاء.
148 -
محمد بن أيتمش
(4)
الخضري، ناصر الدين الجركسي الأصل، القاهري، الحنفي.
(1)
انظر عن (كُزَل السودوني) في: النجوم الزاهرة 16/ 312، والدليل الشافي 2/ 557، 558 رقم 1902، والمنهل الصافي 9/ 133، 134 رقم 1919، والضوء اللامع 6/ 227 رقم 1778، ووجيز الكلام 2/ 744 رقم 1709، والذيل التام 2/ 158، ونيل الأمل 6/ 106 رقم 2527، وبدائع الزهور 2/ 373.
(2)
في الأصل: "روس".
(3)
في الأصل: "روس".
(4)
انظر عن (محمد بن أيتمش) في: نيل الأمل 6/ 98 رقم 2522، وبدائع الزهور 2/ 365.
ووالده أيتمش قد عرفت ترجمته فيما تقدّم.
كان ناصر الدين هذا أحد أعيان أولاد الناس والمختصّين بالأشرف إينال لكونه كان ابن
(1)
أخت زوجته وابن
(2)
مملوك والد أستاذه، وكانت أمّه تُسمّى الست تتر، وهي خالة المؤيَّد أحمد بن الأشرف إينال.
وكان صاحب الترجمة شابًا مُتْرَفًا، كثير المال، مسرفاً على نفسه، ثم أظهر التوبة والإقلاع، على أنه يقال إنه فعل ذلك صبراً، واللَّه أعلم. وأقبل على طلب العِلم، وبقي يحضر على التقيّ الشُمُنّي، وصار يجيء إلى زاوية تقيّ الدين بالمصنع في ليالي دروس الشُمُنّي فيبيت بالزاوية المذكورة في جمع من حشمه وخدمه، بل نقل إليها الكثير من متاعه، وصار يُظهِر التنسّك والعبادة ويلازم الأوراد والأذكار. وكان أولًا يعارض ولد خالته المؤيَّد أحمد ويُظهر الاستعلاء عليه، وله في ذلك حكايات تطول.
وكان شابًا حسنًا شهمًا، وله كرم نفْس، وكان يدّعي أنه أحمد من ولد خالته لكون أبيه كان أحمد بن إينال، وكذا أنه كانت أحمد من أمّ المؤيَّد، وكان يحضر مجلسه الكثير من الظرفاء وأولاد الناس وأهل الفنون، وله ثروة طائلة ومتعة عيش، ولعلّ موته على التوبة مما ينفعه.
وكان حسن السمت والعِشرة والمحاضرة، فكِهًا، خيّرًا، ديّنًا بأخرة وعلى ذلك!
توفي في أثناء ذلك في يوم الثلاثاء ثامن ربيع الآخر.
وكانوا في دفنه، فقبل أن يُنزل إلى قبره حضر المقام الشهابي من السرحة التي حدّثنا كيفية خروجه إليها التي كانت آخر سرحاته المشهورة فأدركه قبل دفنه وتأسّف عليه إلى الغاية على ما كان بينهما من المناظرة، ومع ذلك فتألّم لموته لكونه رُبّي وإيّاه، وهو ابن
(3)
خالته.
149 -
محمد بن محمد بن أبي القاسم المَشَدّالي
(4)
، المغربي، البجّائي
(5)
، المالكي.
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
انظر عن (المشدّالي) في: النجوم الزاهرة 16/ 311، والضوء اللامع 10/ 180 - 188 رقم 466، ونظم العقيان 160، وبدائع الزهور 2/ 388، وهدية العارفين 2/ 202، ومعجم المؤلفين 11/ 260، وموسوعة علماء المسلمين (المستدرك) ص 261 - 264 رقم 226.
و"المَشَدّالي": بفتح الميم والمعجمة وتشديد اللام، نسبة لقبيلة من زواوة.
(5)
البَجّائي: نسبة إلى بجّاية. وفي نظم العقيان: "البخاري" وهو غلط، وفي نيل الأمل:"البجالي "، وهو تحريف.
العلّامة أبو الفضل، الماضي ذِكره.
أرّخه الجمال يوسف
(1)
في وفيات هذه السنة، وأرّخه الغير في التي قبلها، ولعلّ الأصوب والأقرب، وقد تقدّم ذِكره في الخالية، وأعدناه هاهنا للتنبّه على ما قلنا
(2)
.
150 -
محمد بن محمد بن عبد السلام المغربيّ الأصل، الصّنهاجي
(3)
، المنوفي، القاهري، الشافعي.
الشيخ عزّ الدين، أحد نوّاب الحكم بالقاهرة، المعروف بجدّه.
ولد بمنْف الثلاثاء في سنة خمس وسبعين وسبعمائة تقريبًا.
وحفظ القرآن وأشياء، واشتغل بالقاهرة، وأخذ عن جماعة، وسمع الحديث على السراج البُلقيني، وبموته انقطع من حضر على السراج المذكور.
وكان إنسانًا حسنًا.
توفي في ليلة الثلاثاء رابع عشر ربيع الآخر.
وقال بعضهم: في بُكرة يوم الثلاثاء. ولعلّه الأصوب
(4)
.
وكان قد ظهر عليه الهرم جدًا.
151 -
محمود بن عمر بن ()
(5)
القرميّ
(6)
الأصل، القاهري، الحنفي.
القاضي أفضل الدين بن سراج الدين.
كان من أعيان نوب الحكم، ولديه فضيلة ومشاركة. أخذ العلم عن جماعة، وناب في القضاء مدّة، وكان مشكورًا، وله ذِكر في "تاريخ" الحافظ ابن
(7)
حجر، ولم يزل قاضيًا نيفًا وثلاثين سنة، وحج بأخرة فجاور بمكة ثم عاد في هذه السنة فبَغَتَه أجله في عَوده.
(1)
هو ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة.
(2)
وقال السخاوي: ولد في ليلة النصف من رجب سنة إحدى أو اثنتين وعشرين وثمانمائة. وجزم ابن أبي عُذَيبة بسنة عشرين ببجّاية.
(3)
انظر عن (الصنهاجي) في: الضوء اللامع 9/ 106 - 108 رقم 279.
(4)
وقال السخاوي: مات بعد عصر يوم الإثنين رابع عشر ربيع الآخر.
(5)
بياض في الأصل.
(6)
انظر عن (القرمي) في: الضوء اللامع 10/ 142، 143 رقم 570 وفيه:"يُعرف بلقبه"(أفضل الدين)، ونيل الأمل 6/ 137 رقم 2537، والنجوم الزاهرة 16/ 314.
(7)
في الأصل: "بن".
وتوفي في ليلة الثلاثاء سابع عشرين ذي الحجة، وجُهّز إلى بدر فدُفن بها. هنيئًا له.
152 -
محمود بن علي بن عبد العزيز بن محمد الهندي
(1)
الأصل، الخانكي، الشافعي، كمال الدين.
وُلد بالخانكة بسِرْياقوس في صفر سنة ست وسبعين وسبعمائة، وبها نشأ.
وتوفي في يوم الإثنين سلْخ ذي الحجة بمكة المشرّفة، ودُفن بالمُعلّاة بالقرب من السيد الولي العارف الفُضيل بن عياض، متّعنا اللَّه به.
153 -
مرجان العادلي
(2)
، المحمودي، الحصني، الحبشي، الخادم، زين الدين.
مقدَّم المماليك.
كان فيما ذكر عن نفسه من طواشية العادل سليمان صاحب حصن كيفا، وقيل بل كان من طواشية بعض تجار الحصن، ومن رجل كان سيده حلويًا بالحصن، وتنقّلت به الأحوال في كثير من الأهوال، وقاسى الشدائد والمِحَن، وتكدّى، وسأل وتعذّب، وقدم القاهرة فتنقل في خدم الأمراء، ثم اتصل بباب السلطان بعد ذلك وتنقّل في عدّة أشياء مما يتعلّق بالخدّام حتى صار مقدَّم طبقة الرفرف، وكان بها مُغُلْباي الساقي فكان يداخله ويتخدّم إليه بالدجاج المعلوف وغيره، ووُلّي نيابة المقدّم بعنايته، ثم ولي تقدمة المماليك في أواخر سنة أربع وخمسين عِوضًا عن جوهر، وكان نائبًا عنه، ولم تُحمد سيرته في التقدمة بل ولا في غيرها، ودام على التقدمة حتى بَغَته أجله، وكان مسرفًا على نفسه، غير مشكور في أُموره، هذا مع ما ذاقه من الفقر والفاقة، ومع ذلك كلّه فلم يتأدّب ولا عرف مقدار النعمة.
وتوفي في يوم السبت ثاني جمادى الآخرة.
ووهِم ابن
(3)
تغري بردي فقال
(4)
: في أواخر جماد الأول.
وكان قد قارب الستين سنة أو زاد عليها، ودُفن من الغد.
(1)
انظر عن (الهندي) في: الضوء اللامع 10/ 140، 141 رقم 564.
(2)
انظر عن (مرجان العادلي) في: النجوم الزاهرة 16/ 312، والمنهل الصافي 11/ 236، 237 رقم 2511، والدليل الشافي 2/ 732، 733 رقم 2502، ووجيز الكلام 2/ 745 رقم 1713، والوضوء اللامع 10/ 153 رقم 610، والذيل التام 2/ 159، ونيل الأمل 6/ 105 رقم 2525، وبدائع الزهور 2/ 372.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في النجوم الزاهرة 16/ 312.
154 -
يونس الأقبائي
(1)
الدوادار الكبير.
الأمير شرف الدين صهر الأشرف إينال على ابنته الخَوَند فاطمة.
كان من مماليك الأمير آقباي المؤيَّدي نائب الشام، وتنقّلت به الأحوال بعده إلى أن صُيّر خاصكيًّا، ثم أُمّر عشرة، ثم صيّره الظاهر جقمق شادّ الشراب خاناه على إمرة طبلخاناه، ثم نقل إلى تقدمة ألف، ثم صيّر دوادارًا كبيرًا في دولة الأشرف إينال عِوضًا عن تمربُغا بعد القبض عليه في كائنة خلع ولد أستاذه المنصور عثمان بن الظاهر جقمق وذلك في سنة سبع وخمسين وثمانمائة، وتقرّب من إينال واختصّ به، وأزوجه ابنته فاطمة المذكورة فاستكبر بها وصار ذا وجاهة وحُرمة كاملة وشهرة، وقُصد في كثير من المهمّات، وأثرى، واقتنى النفائس المستحسنة، ودام على ما هو عليه مدّة سلطنة الأشرف إينال كلها. ولما مات تسلطن ولده إتفق أن تمرّض يونس هذا وطال به المرض مدّة حتى كانت الكائنة التي خُلع فيها المؤيَّد فبعث فيها إليه بأن يجهّز من مماليكه جماعة بلامة الحرب مساعدة للأتابك إينال، فما أمكن إلّا الإجابة على رغمٍ منه ومنهم، ودام بعض أيام وأدركه أجله.
وكان إنسانًا حسنًا، عاقلًا، حشمًا، سيوسًا، مدبّرًا، حسن الهيئة والملتقى، ذا أدب وتؤدة وسكون ورياسة وكياسة، وكرم زائد. وكان عارفًا بأنواع الفروسية والملاعيب، وله من الآثار تربة أنشأها بالصحراء، والسبيل بالصليبة، والمكتب للأيتام، وبه البرّ والمعروف والمرتّب لهم. وبنى
(2)
عدّة دُور جيدة. وكان له محاسن جمّة في الجملة.
توفي يوم الأربعاء العشرين من شهر رمضان، وهو اليوم الرابع من سلطنة الظاهر خشقدم وجُهّز وحُمل إلى تربته المذكورة فدُفن بها.
وأُعطي بَرْكُهُ لجانَم نائب الشام بتمامه وكماله على ما عرفتَ ذلك. ووُلّي الدوادارية بعده جانِبك نائب جُدّة، وقد عرفت هذا أيضًا فيما تقدّم.
(1)
انظر عن (يونس الأقبائي) في: النجوم الزاهرة 6/ 313، والمنهل الصافي 12/ 269، 270 رقم 2744، والدليل الشافي 2/ 811 رقم 2732، والضوء اللامع 10/ 345 رقم 1320، ووجيز الكلام 2/ 744 رقم 1707، والذيل التام 2/ 158، ونيل الأمل 6/ 114 رقم 2530، وبدائع الزهور 2/ 380.
(2)
في الأصل: "وبنا".
سنة ست وستين وثمانمائة
[شهر محرّم]
[أمراء المملكة]
استهلّت هذه السنة والخليفة فيها هو الذي في التي قبلها.
وأمّا السلطان فكان فيها الملك الظاهر أبو سعيد خُشقدم من ناصر الدين المؤيَّدي صاحب مصر والشام والحجاز وما والاها من الممالك. وهو أول رومي تسلطن، وأول مؤيَّدي تسلطن، وقد حكم بعضًا من التي قبلها على ما تقدّم وحكم في بعضها المؤيَّد أحمد قبله، وفي بعضها الأشرف إينال قبل أحمد. وقد عرفت ذلك بتمامه وكماله في المتجدّدات في الخالية.
وأمّا بقية الملوك النائية بالممالك القاصية فعلى ما هم عليه في الخالية لم يبلغنا عن أحدٍ منهم وفاة ولا تغيير
(1)
.
وأمّا الأمراء بمصر فالأتابك كان في هذه السنة الأمير جرباش المحمدي المعروف بكُرد، وُلّيها عن خُشقدم بحكم انتقاله عنها إلى السلطنة.
وأمّا أمير سلاح فيها فكان الأمير قرقماس الجلب الأشرفي، وُلّيها عِوضًا عن جرِباش بحكم انتقاله إلى الأتابكية.
وأمّا أمير مجلس فكان في هذه السنة قانَم التاجر، وُلّيها عن قرقماس.
وأمّا رأس نوبة النُوَب فكان فيها تمربُغا الظاهري، ووُلّيها عن بيبرس خال العزيز بحكم القبض عليه على ما تقدّم.
وأمّا حاجب الحجّاب فكان فيها يُلباي المؤيَّدي، وُلّيها عن بيبرس حين نُقل إلى الرأس نوبة عِوضًا عن قَرقماس الجلب حين نُقل إلى إمرة مجلس عِوَضًا عن جرِباش، ونقل إلى إمرة سلاح عوضًا عن خشقدم حين نُقل إلى الأتابكية عوضًا عن الشهابي أحمد بن الأشرف إينال حين نُقل إلى السلطنة،
(1)
في الأصل: "ولا تغييرًا".
هذا كلّه في دولة المؤيَّد قبل سلطنة الظاهر خُشقدم، وكل ذلك قدّمناه.
وأمّا الدوادار الكبير في هذه السنة فكان جانِبك نائب جدّة، وُلّيها عِوضًا عن يونس الآقبائي الماضي قريبًا بحكم وفاته.
وأمّا نواب البلاد فعلى حالهم في الخالية، ونائب الشام جانَم، وقد عرفتَ ما جرى عيه ثم عَوده إلى محلّ نيابته.
ما عدا نائب صفد فإنه في هذه السنة تمراز الأشرفي الدوادار، وُلّيها عن خيربك.
وما عدا نائب غزّة فإنه في هذه السنة خيربك القصرُوي، وُلّيها عن بُردُبك.
وأمّا القضاة فعلى ما هم عليه ما عدا قاضي القضاة الشافعية بالديار المصرية، فإنه في هذه السنة الشيخ الإمام، شيخ الإسلام شرف الدين يحيى المناوي.
وأمّا مباشرو
(1)
الدولة فعلى ما هم عليه، ما عدا ناظر الخاص فإنه في هذه السنة الشرف الأنصاري، وُلّيها عن الزين بن الكُوَيز بحكم اختفائه عنها على ما تقدّم.
وما عدا ناظر الجيش، فإنه في هذه السنة النجم يحيى بن حجّي وُلّيها عن الزين بن مزهر، وكل هذه التنقّلات قد عرفتها في المتجدّدات الماضية في الخالية.
(1)
في الأصل: "مباشروا".
ذِكر نُبَذٍ
(1)
من المتجدّدات اليومية في هذه السنة
[التهنئة بالشهر المحرم والسنة]
كان أولى هذه السنة يوم الثلاثاء.
ففيها، في هذا اليوم مستهلّ المحرّم طلع القضاة الأربعة
(2)
والمشايخ، ومن له عادة بالطلوع إلى القلعة لتهنئة السلطان بالشهر والعام، وهي أول سنة هُنّيئ بها هذا السلطان.
[غضب السلطان لعودة إياس المحمدي من قبرس]
وفيه، في يوم الأربعاء ثانيه ورد الخبر إلى القاهرة بأن إياس المحمدي الطويل وصل إلى ثغر دمياط من جزيرة قبرس وكان حضوره بغير إذن، فغضب السلطان من ذلك واستشاط وحنق. وكان ما سنذكره
(3)
.
[نفي الأميرين خيربك وقانَم الصغير]
وفيه -أعني هذا اليوم- أمر السلطان بإخراج خيربك البهلوان وقانَم الصغير وهما من العشرات، والأول صهر الأتابك جرِباش فأُخرجا منفيَّيْن إلى البلاد الشامية بشيء نُقل عنهما، اللَّه أعلم بصحّته
(4)
.
[التجريدة إلى الصعيد]
وفيه، في يوم الخميس ثالثه، عيّن السلطان تجريدة للصعيد صحبة الأمير
(1)
في الأصل: "نبذأ".
(2)
في الأصل: "القضاة الأربع".
(3)
خبر غضب السلطان في: النجوم الزاهرة 16/ 264، ونيل الأمل 6/ 131، وبدائع الزهور 2/ 389.
(4)
خبر نفي الأميرين في: النجوم الزاهرة 16/ 264، ونيل الأمل 6/ 131، وبدائع الزهور 2/ 388.
سليمان بن عيسى بن عمر بعد أن ولي إمرة عربان هوّارة، وعزل عنها أحمد ابن
(1)
عمّ سليمان هذا الماضي ذِكر ولايته. وستأتي ترجمة كل منهما في محلّهما: سليمان في تراجم سنة إحدى وثمانين، وأحمد في تراجم سنة أربع وثمانين إن شاء اللَّه تعالى، فجعل السلطان على هذه التجريدة جُكَم خال العزيز، وأيدكي، ومغلباي، والثلاثة من الأشرفية. وكان هذا بداية السُخَر والتشاتيت الواقعة في الأشرفية، وما سنذكره فا (
…
)
(2)
.
[استقرار طوخ في الزردكاشية]
وفيه، في يوم الإثنين سابعه استقرّ في الزردكاشية طوخ الأبوبكري المؤيَّدي عِوضًا عن سُنقر قرق شبق الماضي ذكره وبيان القبض عليه
(3)
.
[استقرار سودون الأفرم في الخازندارية]
وفيه -أعني هذا اليوم- استقرّ في وظيفة الخازندارية الكبرى سودون الأفرم الظاهري عِوضاً عن قانَم طاز بحكم القبض عليه
(4)
.
[تأمير وإقطاع بالجملة]
وفيه - أعني هذا اليوم - أمّر السلطان جماعة وأقطع آخرين، وازدحم عليه الطوائف بسبب ذلك وهو يؤمّر ويُقْطع باستحقاق وبغير استحقاق بالنسبة لعدّتهم
(5)
.
(خروج قايتباي إلى دمياط)
(6)
وفيه -أعني هذا اليوم أيضًا- عيّن السلطان الأمير قايتباي المحمودي شادّ الشراب خاناه، ومعه جماعة من الخاصكية، وكان صاحبنا سيباي العلائي المعروف بعد ذلك بالكاشف معه من جملة الخاصكية، ليتوجّهوا إلى ثغر دمياط للقبض على إياس الطويل وحمْله إلى سجن الإسكندرية لكونه ترك العسكر بقبرس في حال
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
كلمة غير واضحة.
(3)
خبر استقرار طوخ في: النجوم الزاهرة 16/ 264، ونيل الأمل 6/ 131، وبدائع الزهور 2/ 389.
(4)
خبر سودون الأفرم في: النجوم الزاهرة 16/ 264، ونيل الأمل 6/ 131، وبدائع الزهور 2/ 389.
(5)
خبر التأمير في: النجوم الزاهرة 16/ 264، ونيل الأمل 6/ 132، وبدائع الزهور 2/ 389.
(6)
العنوان من الهامش.
اضطرارهم إليه وحضر بغير إذنٍ سلطاني، فخرج قايتباي من ليلته، وهي ليلة الثلاثاء متوجّهًا لِما هو بصدده، حتى وصل لثغر دمياط من غير ممانعة ولا مدافعة.
[حكاية والد المؤلف عن إياس الطويل]
حكى لي الوالد، رحمه الله، عن إياس هذا، قال: من غريب ما وقع لي معه وأنا بطرابلس وهو على نيابتها أنني كنت معه في كلام يتعلّق بزوال النِعَم وتبدُّلها، فأخذ يعارضني فيما أنا فيه، فقلت له: أنت ما جرّبت الأمور فحنق منّي وقال لي: كيف ما جرّبت الأمور وأنا أكبر منك سِنًّا. فقلت له: لا تعلّق للسنّ في ذلك. هل رأيت طبلخانتك أدخلت الضرائر قط. قال: لا، ولا تُدخل الطبلخاناه الغرائر، واستبعد ذلك. وانفصل المجلس من غير أن يُصغي لما قلته ولا اكترث به.
قال الوالد: ثم بعد مدّة من هذا، وبعد مدّة من النقلة التي وقعت له من قبضه اتفق أن اجتمعت به فقال لي: مرحبًا بمجرّب الأمور. فقلت له: وما ذاك؟ فقال لي: واللَّهِ لقد تفكّرت في قولك لي مرة من مدّة، هل رأيت طبلخاناتك وقد أدخل بها الغرائر، وما عبأتُ بذلك حتى جاء إليّ قايتباي بالقبض عليّ بثغر دمياط، فلما قُبض عليَّ وجرى ما جرى ووقع الهرج في غلماني وجماعتي ومن معي لحظت في غضون ذلك، وإذا أنا أنظر إلى غلمان الطبلخاناة وهم يُدخِلون بها الغرائر لزوال سبب جذبها، فحضرني كلامك في ذلك الحين وبقيت متفكّرًا فيه، وعرفت حينئذٍ معناه، وحصل عندي بعض اعتبار وندم على ما فات منّي قبل ذلك. انتهى كلام الوالد.
أقول: وقايتباي هذا المعيَّن للقبض على إياس في ذلك الحين هو سلطان زمننا هذا الملك الأشرف.
- • ولقد عاش إياس هذا بعد هذه الكائنة إلى صدر من سلطنة قايتباي هذا حتى حضر إلى القاهرة بعد ذلك من طرابلس وكان قد أخرج إليها بعد نقله من الإسكندرية إلى سجن المَرقَب، ثم قبّل الأرض لقايتباي هذا، ثم مات بعد ذلك محمولًا بطرابلس على ما سيأتي في محلّه من ترجمته، أظنّ في سنة سبع وسبعين
(1)
إن شاء اللَّه تعالى.
(1)
انظر عن (إياس الطويل) في: نيل الأمل 7/ 68، 69 رقم 2929، وبدائع الزهور 3/ 88، وإظهار العصر 2/ 354، ومنتخبات من بدائع الزهور (طبعة كتاب الشعب) 4/ 446، وصفحات لم تنشر من بدائع الزهور (طبعة دار المعارف بمصر) 1951، وطبعة 1963 ج 3/ 71، والمجمع المفنّن 2/ 137 - 141 رقم 845، وتاريخ طرابلس 2/ 51 رقم 121.
[التجريدة إلى قبرس]
وفيه، في يوم السبت ثاني عشره، عيّن السلطان جماعة من الأشرفية الكبار البَرسبائية والأشرفية الصغار الإينالية تجريدة إلى جزيرة قبرس نجدةً لمن بها من العسكر الإسلامي الذين تركهم إياس وحضر، وجعل الباش على هذه التجريدة مُغلباي البجاسي أتابك طرابلس. وكان مُغلباي هذا قد حضر صحبة إياس الطويل
(1)
.
[تقدمة ألْف لقَراجا العُمري بدمشق]
وفيه في يوم الإثنين رابع عشره أُخرج قَراجا العُمري الناصري الرأس نوبة الثاني إلى دمشق على تقدمة ألف بها، وهي التقدمة التي كانت بيد الوالد لما كان بدمشق، وهي تقدمة هيّنة. والسبب في ذلك أن قراجا هذا كان ممن قد انضمّ على جرِباش هذا في يوم أركب من الصحراء، وهو أيضًا من خشداشيه. وأمّا جرباش فكان في نفس خُشقدم منه شيء إلى أن كان ما سنذكره
(2)
.
[تقرير رأس النوبة الثانية]
وفيه، أعني هذا اليوم، استقرّ تَنَم الأشرفي الحسني في الرأس نوبته الثانية عِوضًا عن قَراجا المذكور
(3)
.
[نيابة طرابلس]
وفيه، في يوم الخميس سابع عشره استقر بَرسْباي البُجَاسي الأمير اخور الكبير في نيابة طرابلس عوضًا عن أياس الماضي ذِكره
(4)
.
[تقرير يُلباي في الأمير اخورية الكبرى]
وفيه -أعني هذا اليوم أيضًا- استقر في الأمير اخورية الكبرى يُلباي الإينالي
(1)
خبر التجريدة في: النجوم الزاهرة 16/ 264، وتاريخ الملك الأشرف قايتباي (حوادث سنة 865 هـ.) ص 179، ونيل الأمل 6/ 132، ومنتخبات من حوادث الدهور 434، وبدائع الزهور 2/ 389.
(2)
خبر التقدمة لقراجا في: النجوم الزاهرة 16/ 264، ونيل الأمل 6/ 132، وبدائع الزهور 2/ 389.
(3)
خبر رأس النوبة في المصادر السابقة.
(4)
خبر نيابة طرابلس في: النجوم الزاهرة 16/ 265، ونيل الأمل 6/ 132، وبدائع الزهور 2/ 389، وتاريخ طرابلس 2/ 52 رقم 122.
المؤيَّدي الذي وُلّي بعد هذا التاريخ السلطنة عن الظاهر خشقدم، ولُقّب بالظاهر أيضًا على ما ستعرف ذلك.
ويلباي هذا هو خُشداش السلطان خشقدم هذا، فلهذا جعله بباب السلسلة ليطمئن
(1)
وأبعد برسباي، لا سيما وقد وقع منه تلك الفعلة وهي تركه باب السلسلة والنزول إلى العسكر التحاتي في أحوج أوقات ما يحتاج إليه، ولا سيما والسلطان حينئذٍ صهره، وإن كان قد نزل إلى خشقدم، لكنْ علم أن ذلك من الذنوب وأنه لربّما فعل معه في قضية يقع كما فعل من هو أقرب منه إليه وهو صهره، أعني المؤيَّد أحمد بن الأشرف إينال
(2)
.
[تقرير بُردُبك في حجوبية الحجّاب]
وفيه أيضًا قُرّر في حجوبية الحجّاب بُرْدُبك الظاهري الأقرع، المعروف بالبُجْمَقْدار
(3)
.
[تقدمة قانِبك المحمودي]
وفيه تقرّرت تقدمة خُشداشه قانِبك المحمودي بالتقدمة التي كانت بيد برسباي البجاسي [منصرفً]، بقانبك المذكور، إذ هذه التقدمة أميز من التي كانت بيده
(4)
.
[تقدمة ططر الناصري]
وفيه قُرّر في تقدمة قانِبك الناصري، المعروف بططر
(5)
.
[إخراج إقطاع تمرباي]
وأمّا إقطاع تَمُرباي فأخرجه السلطان لجماعة من الجند ممن لهم اعتبار أو شوكة أو اختشاء من شرّ بعضهم أو تحرّكه
(6)
.
(1)
في الأصل: "اليطمان".
(2)
خبر تقرير يلباي في: النجوم الزاهرة 16/ 265، ونيل الأمل 6/ 132، وبدائع الزهور 2/ 389.
(3)
خبر تقرير بردبك في: النجوم الزاهرة 16/ 265، ونيل الأمل 6/ 132، وبدائع الزهور 2/ 389.
(4)
خبر تقدمة قانبك في: النجوم الزاهرة 16/ 265، ونيل الأمل 6/ 389، وبدائع الزهور 2/ 389.
(5)
خبر تقدمة ططر في: النجوم الزاهرة 16/ 265، ونيل الأمل 6/ 133، وبدائع الزهور 2/ 389.
(6)
خبر إخراج الإقطاع في: المصادر السابقة.
[نظارة الإسطبل]
وفيه استقرّ في نظر الإسطبل الخواجا القاضي علاء الدين بن الصابوني، وكان قد حضر من دمشق لما بلغه سلطنة الظاهر هذا لما كان بينه وبينه من الصحبة حين كان مقدَّمًا بدمشق. وأيضًا تولى هذا موجود الآن، وهو ناظر خاص زمننا هذا، فلنترجمه على عادتنا في تراجم الأحياء
(1)
.
[ترجمة القاضي علاء الدين]
155 -
فهو علي بن أحمد بن محمد بن سليمان القاضي علاء الدين ابن
(2)
الخواجا شهاب الدين الصابوني
(3)
، الدمشقي، الشافعي، قاضي القضاة بدمشق. كان ناظر الخاص بعصرنا الآن.
ولد بدمشق في سنة ()
(4)
وبها نشأ.
فحفظ القرآن العظيم، و"المنهاج "، وغير ذلك، واشتغل كثيرًا، وأخذ عن جماعة، وتعانى الاتجار كأبيه، وكان والده من أعيان تجار دمشق، وهو أيضًا، وتعانى (
…
)
(5)
حين قدم الظاهر وهو بدمشق، وأظنّه كان سببًا لتزويج خُشقدم بالخَوَنْد شُكْرْباي (
…
…
)
(6)
تسلطن الظاهر خشقدم هذا حضر من دمشق فأكرمه وولّاه عدّة وظائف (
…
…
…
…
…
)
(7)
نظارة الإسطبل في هذا اليوم عوضأ عن الشرف (
…
…
)
(8)
واختصّه وأدناه وقرّبه، ثم رقّاه إلى وكالة بيت المال ونظر الكِسوة (
…
…
…
)
(9)
في ذلك، وشُهر في النقلة وذُكر، ثم آل به الأمر أن وُلّي قضاء دمشق الأكبر وكتابة سرَّها، وباشر ذلك (
…
…
)
(10)
، وكان والده ينوب عنه، ونوّابه، ودام مدّة كذلك ( .........
…
)
(11)
لا زال على ذلك حتى مات الظاهر خشقدم فصُرف عن جميع ذلك
(1)
خبر نظارة الإسطبل في: النجوم الزاهرة 16/ 265، ونيل الأمل 6/ 133، وبدائع الزهور 2/ 389.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
انظر عن (ابن الصابوني) في: حوادث الزمان 2/ 120 رقم 648، ومفاكهة الخلّان 1/ 236، وذيل إعلام الورى 133، والكواكب السائرة 1/ 280، وبدائع الزهور 3/ 474.
وهو توفي في الثالث من شهر رمضان سنة 906 هـ.
(4)
بياض في الأصل مقدار كلمتين.
(5)
كلمة ممسوحة.
(6)
كلمتان ممسوحتان.
(7)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(8)
كلمتان ممسوحتان.
(9)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(10)
كلمتان ممسوحتان.
(11)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
وصودر على ( ............ )
(1)
الأشرف قايتباي وأُخرج موكَّلًا به إلى دمشق بسبب المال، ثم عاد إلى القاهرة ولزم داره ( ...... )
(2)
وقاسى الأهوال غير ما مرة، ثم ولّاه الأشرف قايتباي وكالة بيت المال بعد ( ...... )
(3)
، ثم نظارة الخاص بعد البدر بن الكُوَيز فباشرها بظلم زائد وطمع نفْس وعسْف، لكن له من يحرّكه إلى ذلك ويلجّه إليه على رغمه، فلا حول ولا قوة إلّا باللَّه. وهو باقٍ على ذلك إلى يومنا هذا، وقد أُرجف بعزله غير ما مرة ولعجزه.
وهو متجلّد صابر، إنسان حسن السمت والملتقى، كثير الأدب والحشمة والبِشر والبشاشة، لكنه لو دام على ما كان عليه لمدّة من القوة والرياسة والاتجار لكان في غنية عمّا تورّط فيه وما آل أمره إليه، لكن الأمور بيد اللَّه تعالى.
وسيأتي في المتجدّدات الآتية تنقّلاته مفصّلة وأحواله، وأضيفت إليه على نظارة الإسطبل نظر الأوقاف أيضًا، ولم تكن المباشرة صنعته ولا منه حتى تدرّب في ذلك.
[دخول الحاج القاهرة]
وفيه، في يوم الثلاثاء ثاني عشرينه دخل الحاج إلى القاهرة وطلع مُغلباي طاز إلى القلعة، فخلع عليه وعلى تَنِبك أمير الأول، ونزلا بمركب حفل
(4)
.
[طلوع والد المؤلّف إلى القلعة]
وفيه، في يوم الجمعة خامس عشرينه طلع الوالد إلى القلعة، فأخذ السلطان يسأله عن الطبول التي تُضرب على أبواب السلطان والأمراء في كل ليلة، هل يجوز فعلها أم لا؟ فقال الوالد: إن كان ضَرْبَها لأجل الغزو وإرهاب العدوّ وإظهار شعائر المُلك بالاستعداد لذلك، فلعلّه جائز، وإلّا فلا يجوز، لأنه يكون للتلهّي. فأعجبه هذا الجواب.
[خروج العسكر لقبرس]
وفيه -أعني هذا الشهر- خرج العسكر المعيَّن تجريدة قبرس للجهاد، وكان خروجهم شيئًا فشيئًا أرسالاً
(5)
.
(1)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(2)
كلمتان ممسوحتان.
(3)
كلمتان ممسوحتان.
(4)
خبر دخول الحاج في: النجوم الزاهرة 16/ 265، ونيل الأمل 6/ 133.
(5)
خبر خروج العسكر في: نيل الأمل 6/ 133.
[شهر صفر]
(إعادة الزين ابن مزهر إلى نظارة الجيش)
(1)
وفيها استهلّ صفر بالرؤية بالأربعاء، وهُنّيء السلطان به.
وفيه في يوم الخميس ثانيه أعيد إلى نظارة الجيش الزَّين بن مزهر على عادته، وصُرف النجم بن حجّي
(2)
.
[لبْس السلطان الصوف]
وفيه، في يوم الجمعة ثالثه، الموافق لحادي عشر هاتور، لبس السلطان القماش الصوف، وألبس أمراؤه على العادة، وهُيّئت كوامل الشتاء لنواب البلاد الشامية.
[ترشيح منصور بن الصَّفِي للأستادّارية]
وفيه، في يوم الإثنين سادسه وكّل السلطان زين الدّين للأستادار لأجل الحساب وأن يحضره منصور بن الصَّفِيّ للمحاققة على ذلك. ثم آل الأمر بعد أن ترشح منصور للأستادّارية أن عملت مصلحة الدين للأستادّار بأن يحمل إليه في كل شهر عشرة آلاف دينار خارجًا عن جهات المفرَد، وأشهد عليه بتكفية الجوامك بعد حمل هذا المقدار إليه من الخزائن السلطانية، وخلع عليه باستمراره على عادته
(3)
.
[هدية نائب الشام للسلطان]
وفيه في يوم
(4)
الثلاثاء سابعه، قدم أحد مماليك جانَم نائب الشام ورأس نوبته ومعه هدية للسلطان من عند مرسله، وهي تسعة مماليك لا غير، وعلى يده مكاتبة من مرسله، واعتذر مملوكه عن سيّده بأنه لا علم له ولا عنده بشيء من قضية تمراز في فراره هاربًا من صفد، وأنه باقٍ على الطاعة واقف على قدم الاجتهاد في الخِدم السلطانية
(5)
.
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
خبر نظارة الجيش في: النجوم الزاهرة 16/ 265، ونيل الأمل 6/ 134، وبدائع الزهور 2/ 390.
(3)
خبر ترشيح ابن الصفي في: نيل الأمل 6/ 134.
(4)
ما بين القوسين كتب على الهامش في أعلى صفحة المخطوط.
(5)
خبر الهدية في: النجوم الزاهرة 16/ 265، ونيل الأمل 6/ 134.
وكان من قصّة هرب تمراز أن السلطان كان قد بعث بالقبض عليه، وكأنه أحسّ بذلك ففر هاربًا من صفد موسّعًا، وله قصة مشهورة في ذلك
(1)
.
[استعطاف السلطان على نائب الشام]
وفيه في يوم الثلاثاء رابع عشره قدم إلى القاهرة الزيني عبد القادر بن جانَم نائب الشام لأجل استعطاف خاطر السلطان أيضًا على والده جانَم المذكور، وحضر معه في صحبته قَراجا أتابك دمشق لسلطت (؟) بالسلطان لكون عبد القادر كان حينئذٍ صغير السنّ حَدَث، وأراد جانَم يبعث قَراجا معه أن يكون كالترجمان له، فأذِن السلطان لعبد القادر بالدخول، فدخل في هذا اليوم، وأعيد قَراجا من حيث جاء
(2)
.
[توجُّه تَنَم إلى دمشق للقبض على نائب الشام]
وفيه -أعني هذا اليوم- خرج الأمر من السلطان بطلب الأمير تَنَم من عبد الرزاق المؤيَّدي أمير سلاح كان من ثغر دمياط ليحضر إلى القاهرة، وأشيع بأنه إنما طُلب ليولَّى نيابة الشام عوضًا عن جانَم، وكذلك كان كما سنذكره.
وفيه، في يوم الخميس سادس عشره أصبح تَنَم رصاص الظاهري بالخانقاه السرياقوسية وقد أسرى ليلًا بأمر من السلطان، ومعه جماعة كثيرة من أعيان الخاصكية زيادة على الثلاثين نفرًا، وهم على جرائد الخيل والنُجُب وقد عيّنهم السلطان للتوجّه إلى دمشق للقبض على جانَم نائبها
(3)
.
[طلوع الأمير تَنَم إلى القلعة]
وفيه، في يوم الأربعاء ثاني عشرينه وصل الأمير تَنَم المبعوث بطلبه من ثغر دمياط، وطلع إلى القلعة، وتمثّل بين يدي السلطان، فأكرمه وترحّب به، وأجلسه مرتفعًا على قرقماس أمير سلاح، وقد ترشّح لنيابة الشام
(4)
، وكان من أمره ما سنذكره.
[طلوع والد المؤلّف إلى القلعة ثانيًا]
وفيه، في يوم الجمعة رابع عشرينه طلع الوالد إلى القلعة فاجتمع بالسلطان
(1)
المصادر السابقة.
(2)
خبر استعطاف السلطان في: النجوم الزاهرة 16/ 266، ونيل الأمل 6/ 135.
(3)
خبر توجّه تنم في: النجوم الزاهرة 16/ 266، ونيل الأمل 6/ 134، وبدائع الزهور 2/ 390.
(4)
خبر طلوع تَنَم في: النجوم الزاهرة 16/ 266، ونيل الأمل 6/ 135.
على عادته في ذلك، فقال له: هل سلّمت على صاحبك الأمير تنَم؟
فقال: نعم.
فقال: أليس هو كفُوء
(1)
لنيابة الشام وأولى من جانَم بهذا الأمر.
فقال له: كيف لا يكون كفوًا وقد اعتنى به مولانا السلطان، وهو من الملوك العقلاء، فانبسط لكلامه.
(ولاية تنم نيابة الشام)
(2)
وفيه، في يوم الإثنين سابع عشرينه استقر الأمير تَنَم في نيابة الشام وخُلع عليه بذلك خلعة هائلة ونزل إلى داره بدرب البابا في موكب حافل جدًا، وكان له يومًا مشهودًا، وهرع الناس للسلام عليه
(3)
.
[زيارة والد المؤلّف لتَنَم]
وتوجّه إليه الوالد بعد عصر هذا اليوم، فعظّمه تَنَم إلى الغاية والنهاية. وكان قد بلغه مجلسه مع السلطان قبيل ذلك في يوم الجمعة، فشكره على ذلك جدًّا.
[سفر بُردُبك هجين لتقليد تَنَم]
وفيه عُيّن بُرْدُبك هجين الظاهري للتوجّه مع تَنَم لحمل تقليده وتشريفه إلى دمشق مسفّرًا له.
(ولاية جانِبك الحاجب نيابة صفد)
(4)
وفيه أيضًا قُرّر في نيابة صفد جانبك الناصري المعروف بالحاجب المعزول قبل ذلك بمدّة عن حجوبة الحجّاب بدمشق، وعيّن قانصوه اليحياوي لحمل تقليده إليه. ووُلّي جانِبك هذا صفد عوضًا عن تمراز الماضي حين فراره منها
(5)
.
وقانصوه اليحياوي قد تقدّمت ترجمته.
(1)
هكذا، والصواب:"كفؤًا".
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
خبر نيابة الشام في: المصادر السابقة.
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
خبر نيابة صفد في: النجوم الزاهرة 16/ 266، ونيل الأمل 6/ 135، وبدائع الزهور 2/ 390، ومملكة الصفد في العهد المملوكي 298 رقم 123.
[حضور جانِبك الأبلق من قبرس]
وفيه في يوم السبت، خامس عشرينه، وصل إلى القاهرة جانِبك الأبلق ومعه الجماعة الغُزاة من قبرس، وصعد القلعة وعليه خلْعة جاكم صاحب قبرس. وكان جانِبك هذا قد وصل إلى ثغر دمياط قبل ذلك، فرحّب به مُغُلْباي البُجاسي ومن عُيّن معه من الجند السلطاني للتوجّه لقبرس على ما عرفته قريبًا. فلما وصل جانبك هذا إليهم أمسكوا عن السفر حتى يرِد عليهم ما يعتمدوه في ذلك، فخرج الأمر إليهم بالسفر، ثم أمرّ السلطان جانبك هذا عشرة، وكان من أمره ما سنذكره
(1)
.
[طلوع الوالد إلى القلعة مجدّدًا]
وفيه، في يوم الثلاثاء، ثامن عشرينه، طلع الوالد إلى السلطان على عادته في ذلك، فقال له السلطان: أنت في هذا اليوم في خاطري لأجل رؤيا رأيتها، وقصدت أن أقصّها عليك لتعبّرها لي، ثم قال له: رأيت في هذه الليلة كما في فيّ وفي يدي طاير في مقدار الدجاجة لا أعرف ما هو من طيورنا المعتادة، وبيدي سكّين، فأَدرك في ذبحي للطير الذكور، وأمررت السكّين على مذبحه فلم تقطع شيئًا فجسّيته بالسكين في جوفه فنفذت إليه، ثم اتّكيت به إلى الأرض، وحززت على رقبته فقطعت رأسه وأفصلتها
(2)
عن جثّته، فصار يضطرب إلى أن مات.
فقال له الوالد: خير إن شاء اللَّه، ثم قال: اللهم صلِّ على (سيدنا)
(3)
محمد وعلى آل محمد وسلّم. أما الطير فحصوله في اليد حصول بغتة وكرام. وأمّا عدم القطع أولًا فيدلّ على توقف وصولكم بشيء بعض الوقت، ثم تبلغوه كما ما ظنّ وهذا راجع إليكم فانظروا ما يعنيكم فأوّلوه على ذلك.
فقال: قد فعلت، وانبسط بذلك.
[ربيع الأول]
[عودة أزدمر الإبراهيمي وقرقُماس الخاصكي من دمشق]
وفيها، في يوم الأربعاء، سادس ربيع الأول، بالرؤية، قدم من دمشق أزدمر الإبراهيمي الطويل، وقرقماس الخاصكيّان إذ ذاك، وكانا قد توجّها صحبة تَنَم
(1)
خبر حضور جانبك في: نيل الأمل 6/ 135، وبدائع الزهور 2/ 390.
(2)
هكذا في الأصل. والصواب: "فصلتها".
(3)
عن الهامش.
رصاص للقبض على جانَم فأخبرا بأن جانَم المذكور لما أحسّ بالمجيء لقبضه بادر بأن خرج من دمشق على حميّة هو وجميع من يلوذ به من حَشَمه وخَدَمه وجماعته، وكان خروجه منها على النُجُب وجرائد الخيل ولم يكترث بأحدٍ من الناس، وكان خروجه منها قُبيل العصر سادس عشرين صفر، وأنه كان بعد أن دخل تَنَم رصاص لدمشق، وأن تَنَم لم يقدر عليه لحيلة من الحِيَل ولا قدر على أن يتوفر له بقتال ولا غيره، وأشيع بدمشق أنه خرج متوجّهًا لبلاد ديار بكر قاصدًا
(1)
صاحبها حسن الطويل مع قرايُلُك، فحصل عند السلطان باعث من هذا الخبر، لا سيما ولم يدخل جانَم في قبضته.
وكان من خبر جانم هذا أنه لما دخل إلى دمشق على ما شرطه له من الشروط حين قدم القاهرة وأعمرت له دار السعادة ونودي به وما نُهب له، وصار نحو الكثير من ذلك فلا يؤاخذ من وُجد ذلك عنده، وجاد وشاد، وطال مع الناس حتى احتمى أهل دين، فأخذ السلطان في نقض ما تعاهد وإيّاه عليه شيئًا فشيئًا، وظهر له ذلك، لا سيما لما بلغه القبض على طائفة الأشرف، ثم البعث بالقبض على تمراز، فتأهّب هو للفرار وهيّأ أسبابه، فلما أحسّ بشيء من ذلك، بل وعاين مجيء تَنَم خرج من دمشق ولم يتعرّض لأحدٍ من أهلها، بل إنما زوّدوه بالدعاء له، وأسفوا على خروجه من عندهم. ثم كان له بعد ذلك ما سنذكره
(2)
.
[المولد النبوي بالقلعة]
وفيه، في يوم الأربعاء عاشره عمل السلطان المولد النبوي بالقلعة على العادة في ذلك، وكان حافلًا
(3)
.
[خروج برسباي البجاسي إلى طرابلس لتسلّم نيابتها]
وفيه، في يوم الإثنين حادي عشره خرج بَرْسباي البُجاسي من القاهرة مسافرًا إلى طرابلس محلّ كفالته، وطلّب فاجتاز بالرُمَيلة، وقد عمل الموكب بالقصر، وجلس السلطان بالشبّاك الكبير المُطلّ على الرملة، واجتاز الطُلْب المذكور عليه، فرآه وهو في تجمّل، ثم طلع برسباي فخلع عليه خلعة السفر وسار.
(1)
في الأصل: "قاصد".
(2)
خبر عودة أزدمر في: النجوم الزاهرة 16/ 266، 267، ونيل الأمل 6/ 135، وبدائع الزهور 2/ 390.
(3)
خبر المولد النبوي في: نيل الأمل 6/ 135، وبدائع الزهور 2/ 390.
[خروج ابن الأهناسي إلى الوجه القِبلي]
وفيه، في الخميس (رابع)
(1)
عشره خرج الوزير علي بن الأهناسي من القاهرة إلى الوجه القِبلي لأمور تتعلّق بأحوال الرملة، ثم كان له بعد ذلك ما سنذكره.
[خروج المؤلّف إلى الصعيد]
وفيه- أعني هذا اليوم- خرجت من القاهرة أيضًا متوجّهًا لبلاد الصعيد فبقيت بها نحوًا من الثلاثة
(2)
شهور، وشَرَوت بها كتّانًا برسم الاتجار به، وقصدت التوجّه إلى بلاد المغرب وهيّأت منه شيئًا بنحو الستمائة دينار، ورجعت إلى القاهرة سائرًا إلى الإسكندرية، وكان بعد ذلك ما سنذكره.
(نزول السلطان لمنزل
(3)
تَنَم)
(4)
وفيه، في يوم الجمعة ثاني عشريه ركب السلطان من القلعة ببعض أمرائه وخواصّه بغير هيئة موكب السلطنة، ونزل إلى منزل الأمير تَنَم نائب الشام بدرب البابا فاجتمع به وسلّم عليه، وهذه أول ركبة ركبها هذا السلطان من يوم سلطنته. ثم خرج من دارهم وعاد من وقته للقلعة بعد أن شق الصليبة في حين طلوعه ونزوله
(5)
.
[الإرجاف بمهاجمة العربان التجار المغاربة]
وفيه في يوم الأحد، رابع عشرينه، كلنّا ببانها
(6)
بالقرب من النُوَيرة، فأُرجف بأن بعض العربان الخارجين عن الطاعة من عربان تلك البلاد سيهجمون عليها لنهب من بها لا سيما التجار المغاربة، فحصل بذلك من النكد ما لا عنه مزيد، وكثُر الهرج بهذه البلدة بسبب ذلك، ثم كأن ذلك لم يكن، وسكن الحال وللَّه الحمد.
[تمساح يأكل امرأة]
وفيه، في يوم الثلاثاء، سادس عشرينه، اتفق أن كنت جالسًا على جُرُف مُطِلٍ على النيل ببعض سواحل البلاد القبلية، وإذا بامرأة نزلت للبحر تملأ جرّة معها،
(1)
عن الهامش.
(2)
في الأصل: "الثلاث".
(3)
في الأصل: "لمم نزل".
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
خبر نزول السلطان في: النجوم الزاهرة 16/ 267، ونيل الأمل 6/ 136، وبدائع الزهور 2/ 390.
(6)
هكذا في الأصل. والمراد مدينة "بَنْها".
وإذا تمساح وثب عليها من البحر حين انحنت على الجرة، فصادف أنْ أخذها من رأسها، بأن قصدها فاتحًا فكه وطبق على رقبتها، وبقي رأسها في فمّه، ثم جرّها إليه، وكان آخر العهد بها، فحصل عندي بذلك غاية الباعث والتألّم على تلك المرأة، وبلغ خبرها أهلَ البلد التي هي منها فتأسّفوا عليها لجودتها. وكان هذا التمساح قد عرف بهذا المحل، فانتدب إنسان يقال له "أبو عوكل" من أهل تلك الناحية كان معروفًا بصيد التماسيح فخرج إلى الساحل ولا زال إلى أن صاد ذلك التمساح بعينه على ما قالوه إنه هو الذي عُرف بالأذى في ذاك المكان. وخرج كثير من الناس لرؤية ذلك التمساح. ثم حمل إلى البلد فرأيته أنا أيضًا على صفة هائلة وعجبت من قدرة اللَّه تعالى، وبرد بعض ما كنت أجده من الألم على تلك المرأة في الجملة.
[ربيع الآخر]
[كتابة سرّ حلب ونظر جيشها]
وفيها في يوم الأحد، ثاني ربيع الآخر، بان بالرؤية، استقر في كتابة سرّ حلب ونظر جيشها محمود بن المؤيّد عوضًا عن ابن السفاح في كتابة السرّ، وعن ابن
(1)
الأرجوسي في نظر الجيش، وذلك بعد صرفهما. وبذل محمود هذا في ذلك مبلغًا جيدًا
(2)
على ما يقال.
(نزول السلطان لتربته السلطانية)
(3)
وفيه، في يوم الإثنين تاسعه، نزل السلطان من القلعة بثياب الموكب وسار من على طريق الصحراء إلى جهة التربة التي أنشأها بها بالقرب من قبّة المنصو [ر] حتى وصل إليها ورآها. وخلع على البدر بن حسن بن الطولوي معلّم المعلّمين وكبير المهندسين وعلى آخرين معه. وكانت قد انتهت عمارة هذه التربة فأعجبته، وهي تربة أنيقة مشهورة بالصحراء. ثم توجّه السلطان من هناك إلى مطعم الطين فجلس به، وانتدب أمير شكار
(4)
فصاد بين يديه شيئًا بالجوارح، وكان له وقتًا حفلًا. ثم ركب عائدًا إلى القلعة في موكب حافل جدًا وقصدها من جهة
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "مبلغ جيد".
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
شكار: بفتح الشين المعجَمة. لفظ فارسيّ معناه: الصيد، وأمير شَكار هو الأمير المسؤول عن الطيور والجوارح وأحواشها وكل ما يتصل بأدوات صيد السلطان.
المدينة فدخل من باب النصر شاقًّا القاهرة وقد زُيّنت له، وقعد الناس لرؤيته بالقاهرة وخارجها في مظانّ مروره عليهم، وخرج من باب زويلة، ثم عطف على جهة البسطتين قاصدًا القلعة. ثم لما وصل التبّانة دخل إلى دار تنبك المعلّم الأشرفي. وكان تنِبَك هذا أنْيًا
(1)
للسلطان في أيام إمرته، ثم خرج من دار تنِبَك فطلع إلى القلعة، وكان له يومًا مشهودًا. وهذه ثاني ركبة ركبها من سلطنته، وأول ركبة ركبها بأُبّهة السلطنة والموكب السلطاني
(2)
.
[ولاية ابن الصنيعة الوزارة]
وفيه، في يوم الثلاثاء، سابع عشره، استقرّ في الوزارة إنسان من الكَتَبة يقال له يحيى بن الصنيعة عِوَضًا عن علي بن الأهناسي، وخرج الأمر بالقبض عليه بالوجه القِبلي
(3)
.
[نيابة تقدمة المماليك]
وفيه، أعني هذا اليوم قُرّر في نيابة تقدمة المماليك صندل الهندي الظاهري، شادّ الحوش بعد عزل عنبر اليشبُكي، واستقرّ في شادّية الحوش معروف اليشبُكي الحبشي
(4)
.
[سجْن ابن الإهناسي]
وفيه، في يوم السبت، حادي عشرينه، أُحضر علي بن الإهناسي وهو موكَّل به، محتَفَظ عليه، وصُعد به إلى القلعة فسُجن بها، وكان له ما سنذكره.
[إلزام الجند بالشاش والقماش إذا طلعوا إلى القلعة]
وفيه -أعني هذا الشهر- برزت الأوامر السلطانية إلى طائفة طواشية الطباق بإعلام الجند وجميع الجيش أهل الجوامك بأن يطلعوا إذا طلعوا للقلعة لقبض الجامكية في أيام صرفها بالشاش والقماش على العادة التي كانت قديمًا، وأكّد
(1)
أَنْي: جمع أنْيات. من "أنا"، لفظ ضمير المتكلم، بمعنى المائدة في اللغة الشركسية. وهي تطلق على الإثنين المتساويين في مرتبة الجلوس على مائدة واحدة. وهي تضاهي قول العامّة: بيننا خبز وملح.
(2)
خبر نزول السلطان في: النجوم الزاهرة 16/ 267، ونيل الأمل 6/ 136، وبدائع الزهور 2/ 390، 391.
(3)
خبر ابن الصنيعة في: النجوم الزاهرة 16/ 267، ونيل الأمل 6/ 136، وبدائع الزهور 2/ 391.
(4)
خبر نيابة التقدمة في: نيل الأمل 6/ 136، وبدائع الزهور 2/ 391.
عليهم في ذلك، ونزلت الطواشية فدارت بذلك على الجيش وأعلموهم
(1)
.
[رياسة الطبّ]
وفيه، في يوم الخميس، سادس عشرينه، استقرّ في نصف رياسة الطبّ الريّس شمس الدين محمد بن عبد الوهاب بن يوسف القوصوني، القاهري، الحنفي شريكًا لابن الشريف. والشمس هذا موجود الآن، وندرة إنابته الطب استقلالًا بعصرنا هذا
(2)
.
[ترجمة القوصوني
(3)
]
156 -
ولد بالقاهرة في سنة خمس
(4)
وثلاثين [و] ثمانمائة، وبها نشأ.
فقرأ القرآن العظيم، ثم حفظ "القُدُوري" على ما كتبه إليّ مخبرًا به، ثم تعانى الطب فحفظ "فصول أبقراط"، وهيئات المرض والأسباب والعلاجات العينية، وأتقن حفظها على فتح الدين بن فيروز، ثم اشتغل بالفنّ فأخذ عن جماعة من أعيان الأطباء بعصره، ثم أكثر
(5)
من الحساب، وتدرّب بعد ذلك على جماعة منهم: الناصري البندقي، والسراج بن صغير، وموسى العبري، وغيرهم.
وكان في دُربته، ذا حذق وفطنة، وفَهْم وتوجُّه، وذكاء ومعرفة، وفاق على أقرانه، بل وعلى من علا
(6)
عن سنّه، ولا زال مجِدًّا مجتهدًا حتى برع، وشُهر بالفضيلة، وباشر العلاج، وحُمدت مباشرته، ورؤي منه من المعالجات الجيّدة الفائقة ما لو ذكرناها لطال المجال واتّسع المقال، وإبراء الأجذم والأبرص في تناديهما، بل وبعض من تمكن من ذلك، فما ظنّك بغير ذلك من الأمراض، وصنّف وألف عدّة كتب جيّدة نافعة. وتقرّب من الملوك، وواجه الرؤساء والأعيان، وحُمدت سيرته وشُكرت في الفنّ والمعالجة والدُربة والمزاولة [بـ]ـأياديه، مع حُسن السمت والتؤدة والسكون والعفّة وتنشيط العليل إذا دخل عليه وتهوين ما به من العلّة عنده بكلام حسن، فيهون على العليل مُصابه، فله هذه
(1)
خبر إلزام الجند في: نيل الأمل 6/ 137، وبدائع الزهور 2/ 391، 392.
(2)
خبر رياسة الطب في: نيل الأمل 6/ 137، وبدائع الزهور 2/ 391.
(3)
انظر عن (القوصوني) في: الضوء اللامع 8/ 134 رقم 309 وفيه: محمد بن عبد الوهاب بن صدقة.
و"القوصوني" نسبة لجامع قوصون.
(4)
في الضوء: ولد سنة أربع وثلاثين.
(5)
في الأصل: "الترت".
(6)
في الأصل: "على".
الفضيلة الجليلة والخصلة الجميلة. وهو حسن الذات والصفات، خيّر، ديّن، محمود في سيرته وأحواله، له وجاهة، رافق الكثير من الملوك في أسفارهم، وحج وزار، وله تجمّل في كثير من شؤؤنه
(1)
وبيننا وبينه مودّة ومَيل ومحبة، أحسن اللَّه إليه، وأفاض نعمته عليه.
[جماد الأول]
[التهنئة بالشهر]
وفيها، في مستهلّ جماد الأول بالإثنين، برؤية ثابتة، وطلع القضاة ومن له عادة بالتهنئة للسلطان فهنّاوه بالشهر.
[مقدَّميّة الألوف بالقاهرة]
وفيه- أعني هذا الشهر، في هذا اليوم- استقرّ السلطان ببُردُبك هجين الظاهري الأمير اخوري الثاني في جملة مقدّمين الألوف بالقاهرة على تقدمة تمرباي ططر بحكم وفاته.
وفيه أيضًا استقرّ في إمرة بُردُبك هجين المذكور مُغُلْباي طاز المؤيَّدي أحد خُشداشي السلطان.
واستقرّ في إقطاع مُغُلْباي سودون الأفرم الخازندار، وفي إقطاع سودون الأفرم سودون الفقيه المؤيّدي
(2)
.
وستأتي تراجم هؤلاء كلّ في محلّه من سنة وفاته، فإنهم الجميع ماتوا.
[عدم الظفر بالقبض على جانَم]
وفيه، في يوم السبت سادسه وصل تَنَم رصاص الظاهري المتوجّه قبل ذلك للقبض على جانَم على ما قدّمناه، ولم يظفر به ولا حصل على طائل.
[نيابة مَلَطْية]
وفيه في يوم السبت ثالث عشره استقرّ السلطان بإينال الأشقر اليحياوي، الظاهري، الوالي بالقاهرة في نيابة مَلَطية عوضًا عن قانباي الجَكَمي بحكم وفاته
(3)
.
(1)
في الأصل: "شونه".
(2)
خبر مقدّمي الألوف في: النجوم الزاهرة 16/ 267، ونيل الأمل 6/ 138، وبدائع الزهور 2/ 391.
(3)
خبر نيابة ملطية في: النجوم الزاهرة 16/ 267، ونيل الأمل 6/ 138.
[ولاية القاهرة]
وفيه استقرّ في ولاية القاهرة تمُر من محمود شاه الظاهري عِوضًا عن إينال الأشقر نقلًا إليها من أميراخورية كانت بيد تمُر هذا. وستأتي ترجمة إينال هذا وتمُر كل في محلّه من سنة موته من تاريخنا هذا إن شاء اللَّه تعالى
(1)
.
[مقتل صاحب حصن كيفا]
وفيه ورد الخبر بقتل الملك خَلَف صاحب حصن كيفا، وأن ولده ثار به فقتله، ثم ثار بالقاتل بعض أولاد عمّه فقتله ومَلَك الحصن
(2)
.
[نيابة قلعة دمشق]
وفيه، في يوم الخميس ثامن عشره استقر في نيابة قلعة دمشق صارم الدين إبراهيم بن بيغوت الماضي والده يعقوب، وهو الذي كان نائبًا بصفد على ما عرفتَ ذلك في ما مرّ. وكان إبراهيم هذا من أمراء دمشق. ووُلّي نيابة القلعة بها عوضًا عن سودون الذي كان يعرف بغندورة بحكم انتقاله إلى تقدمة ألف بدمشق
(3)
.
[تطليب تَنَم نائب الشام قبل سفره]
وفيه في يوم الإثنين ثاني عشرينه طلّب تَنَم نائب الشام تطليبًا حافلًا، وخرج من القاهرة في عظمة زائدة وأبَّهة، وشق الرُميلة بطُلبه وعسكره، وجلس السلطان بشباك القصر لرؤيته، وطلع هو إليه فألبسه خلعة السفر وتوجّه إلى الرَّيْدانية فأقام بها أيامًا ثم استقل بالمسير قاصدًا دمشق محلّ كفالته، وكان لخروجه من القاهرة يومًا مشهودًا
(4)
.
[وصول قاصد حسن الطويل]
وفيه في أواخره - أعني هذا الشهر- وصل إلى القاهرة قاصد حسن الطويل
(1)
خبر ولاية القاهرة في: نيل الأمل 6/ 138.
(2)
صاحب حصن كيفا هو: "خلف الأيوبي". انظر عنه في: وجيز الكلام 2/ 749 رقم 1723، والضوء اللامع 3/ 184، 185 رقم 816، والذيل التام 2/ 163، والنجوم الزاهرة 16/ 273، ونيل الأمل 6/ 139 رقم 2549، وبدائع الزهور 2/ 392، وشذرات الذهب 7/ 306.
(3)
خبر نيابة قلعة دمشق في: النجوم الزاهرة 16/ 267، ونيل الأمل 6/ 139، وبدائع الزهور 2/ 392.
(4)
خبر تطليب تنم في: النجوم الزاهرة 16/ 268، ونيل الأمل 6/ 139، وبدائع الزهور 2/ 392.
صاحب ديار بكر وعلى يده مكاتبة من مرسله يخبر فيها أن جانَم جاء إليه مستشفعًا به إلى السلطان
(1)
.
[الإشاعات عن جانَم]
وفيه، في هذه الأيام أيضًا كثُرت الإشاعة بالأخبار بأن جانَم المذكور بعث دُعاة له يستدعون تركمان الطاعة بنواحي حلب وغيرها من أعمال هذه السلطنة لموافقته والقيام معه وهو يعدهم ويمنّيهم إن وافقوه، وزادوا في الأخبار أيضًا بأن حسن الطويل دعا لجانَم هذا على منابر جمعته بسائر دياربكر التي يملكها حسن. وبلغ السلطانَ ذلك فأفزعه ذلك وأنكره فبعث قاصده بالشفاعة بعد موافقته على هذه الفعلة، وكان بعد ذلك ما سنذكره
(2)
.
[رؤية المؤلّف لخلقة عجيبة]
وفيه رأيت بالوجه القِبْلي رأس نفر به فمان
(3)
، وأربعة عيون، وأربعة آذان، وأنفان
(4)
.
[جمادى الآخرة]
[نيابة الكَرك]
وفيها في يوم الخميس ثاني جمادى الآخرة استقر في نيابة الكرَك مبارك شاه السيفي سودون من عبد الرحمن عِوَضًا عن تغري بردي الأشرفي إينال صرفه عنها ويقرّره في جملة مقدّمين
(5)
الألوف بطرابُلُس
(6)
.
[خروج إينال الأشقر إلى ملطية]
وفيه خرج إينال الأشقر لمحلّ نيابته من ملطية ولم يطلّب على العادة، وفرح كثير من الناس لخروجه من القاهرة لظلمه وعسفه لا سيما لما كان واليًا
(7)
.
(1)
خبر وصول القاصد في: النجوم الزاهرة 16/ 268، ونيل الأمل 6/ 139، 140، وبدائع الزهور 2/ 392.
(2)
خبر الإشاعات في المصادر السابقة.
(3)
في الأصل: "فمين".
(4)
في الأصل: "أنفين".
(5)
الصواب: "مقدَّمي".
(6)
خبر نيابة الكرك في: نيل الأمل 6/ 140، وبدائع الزهور 2/ 392.
(7)
خبر خروج إينال في: نيل الأمل 6/ 140، وبدائع الزهور 2/ 392.
[سفر قاصد حسن بك الطويل]
وفيه في يوم الخميس، تاسعه، خرج قاصد حسن بك الطويل الماضي حين قدومه في الشفاعة لجانَم نائب الشام، وعيّن السلطان معه سعد اللَّه الططري التركي مقذم البريدية رسولًا عنه إلى حسن برسائل في حق جانَم، عسى يقبض عليه أو نحو ذلك، وما أفاد الذي فعله خُشقدم الظاهري، بل لعلّ حسن أطلع جانَم على ذلك
(1)
.
[ظهور طائفة خبيثة الاعتقاد بالوجه الغربي]
وفيه، في هذه الأيام ورد مكاتبات من كاشف الغربية وغيره بأن بقرية ططبه
(2)
بالوجه الغربي من أعمال القاهرة طائفة فيهم شناعة اعتقاد وخبث نفوس، كأنهم زنادقة أو نحو ذلك، وفيهم من يدّعي الإلهيّة، وفيهم من يدّعي النُبُوّة، وأن جماعة من الأوباش وسِفلة الناس قد انضمّوا إلى هذه الطائفة ومالوا إلى معتقدهم الباطل القبيح، وأنه صدر منهم أمور شنيعة قبيحة جدًا. وقد قبض الكاشف على جماعة منهم نحو الأربعة عشر نفرًا. فعيّن السلطان القاضي محيي الدين بن عبد الوارث المالكي أحد نواب الحكم، وعيّن معه إنسانًا
(3)
يقال له محمد الخازندار، وأمر القاضي بأن يحرّر هذه القضية ويكشف عن أصلها برمّتها وعن جليّتها، ثم يقول في ذلك بالشرع، فسافرا بعد أيام، وكان لهما ما سنذكره
(4)
.
[انعقاد مجلس القضاة ومشايخ الإسلام بشأن قضية حمزة بن غيث]
وفيه في يوم الأحد، ثاني عشره، خرج أمر السلطان بأن يُعقد مجلس بالقضاة الأربعة
(5)
ومشايخ الإسلام، بسبب ما رُفع إليه من المَحَاضر في حق حمزة بن غيث بن نصير الدين، أحد المشايخ بالغربية، وأن يكون هذا المجلس بمنزل جانِبك نائب جُدّة الدوادار، فحضر القضاة بالمنزل المذكور وعُقد المجلس وكان حافلًا، ثم أُحضر حمزة المذكور وهو في الحديد موكَّلًا به، فقام من ادّعى عليه بأمور شنيعة، ثم قام آخر وآخر وادّعى كلّ منهما، وكثُرت عليه الدعاوى الشنيعة. وكان والده غيث أيضًا حاضرًا في هذا اليوم بمنزل جانبك المذكور، ثم تداولت
(1)
خبر سفر القاصد في: نيل الأمل 6/ 140.
(2)
لم تُذكر في: الخطط التوفيقية لعلي باشا مبارك.
(3)
في الأصل: "إنسان".
(4)
خبر ظهور الطائفة في: نيل الأمل 6/ 140، 141، وهو ما انفرد به المؤلف رحمه الله.
(5)
في الأصل: "الأربع".
الدعاوى عليه بأمور قبيحة مهولة منها بأنه يسجد للشمس، ومنها أنه يضرب الدراهم المغشوشة، ويتجاهر بالمعاصي، ويستحلّ أموال الناس والرعايا وأمثال هذا، وأشباهه مما يطول الشرح في ذكره على التفاصيل. وطال المجلس في ذلك إلى قريب الظهر، وأُحضرت عدّة محاضر كتبت بتلك البلاد لغالب ما ادُّعي به، وكانت الشكوى عليه عند بعض نواب الحنفي، وأخذ ذلك النائب يتوقّف في كثير من الأشياء، ولم يقدم على التحرّي في الحكم، وأخذ في الاستئناف في الأمر، فنُقلت الدعوى من عنده إلى القاضي المالكي الحسام بن حُرَيز ما ادّعى على (
…
…
)
(1)
بنفسه. وآل الأمر في ذلك أن حكم في ذلك المجلس بسفك دم حمزة هذا. وضجّ الكثير من العوامّ بالدعاء لما حكم القضاء في هذا، وآل الأمر بعد أمور مُنكرة إلى أن سُلخ جلده وحُشي تبنًا، وطيف به على جمل بشوارع القاهرة، ثم أخرج على تلك الهيئة إلى عياله وطيف به بتلك النواحي والمنادي أمامه، ودام على ذلك مدّة وهو (يطاف به)
(2)
وينادَى عليه ( .....................
…
)
(3)
كذلك برهة من الوقت واشتفى به الكثير من الخلق، وشمت الكثير، وكان كل ذلك بواسطة قيام جانبك نائب جدّة ومَيله إلى تلفه بعد أن كان السلطان بادر إلى التحرّك لأجل ما كان وعد به حمزة هذا من المال، ومع ذلك تغلّب مراد جانِبَك على مراد السلطان
(4)
.
[تقرير والد حمزة في مشيخة الغربية]
وفيه، في يوم السبت، ثامن عشره، قُرّر غيث والد حمزة المذكور في مشيخة إقليم، عوضًا عن ولده حمزة المذكور بمالٍ وعد به له صورة، وخلع عليه بذلك، ثم وُكّل به لأجل المال، ثم كان له بعد ذلك ما سنذكره
(5)
.
[الحكم بالسجن على المتَّهَمين بالزندقة]
وفيه وصل القاضي محيي الدين بن عبد الوارث ومحمد الخازندار الماضي خروجهما لمن ذكرنا من الطائفة الذين قيل عنهم إنهم زنادقة أو نحو ذلك، وأُحضر الجماعة الذي نُقل عنهم بتمامهم وكمالهم وصعد بهم إلى القلعة في ثاني يوم
(1)
كلمتان ممسوحتان.
(2)
كلمتان ممسوحتان، استدركناهما من: نيل الأمل.
(3)
مقدار إحدى عشرة كلمة ممسوحة.
(4)
خبر انعقاد المجلس في: نيل الأمل 6/ 141 رقم 2551.
(5)
خبر تقرير والد حمزة في: نيل الأمل 6/ 141.
حضوره، وعُرضوا على السلطان، فسألهم عمّا نُسِب إليهم فأنكروا ذلك ولم يعترفوا بشيء منه ودافعوا وطعنوا في المحاضر التي كُتبت بسببهم، وآل أمرهم أن يُسجنوا بعد أن لم يثبت عليهم شيء
(1)
مما نُسب إليهم، وإنما سُجنوا للتهمة أو نحوها، وداموا بالسجن مدّة سنتين.
[صاعقة تحرق منارة جامع أمير حسين]
وفيه، في يوم الثلاثاء، حادي عشرينه، أو ثاني عشرينه -ووافق خامس برمودة- أرعَدت السماء رعدًا مهولًا، وأبرقت برقًا عظيمًا، ونزلت صاعقة في أثناء ذلك على منارة جامع أمير حسين خارج القاهرة فهدمت أكثرها وتعلّقت النار بها، فاختُشي من ذلك، فهُدم باقيها خوفًا من انتشار النار لأماكن أُخَر غيرها
(2)
.
[رحلة المؤلّف من الصعيد إلى الإسكندرية]
وفيه، في هذه الأيام، رجعت من الصعيد إلى القاهرة، فأقمت بساحل بولاق يومًا، ثم انحدرت إلى الإسكندرية ومعي الكتّان الذي أحضرته برسم السفر به إلى بلاد المغرب، وأنا في غاية التطلّع إلى ذلك والتشوّف له، لا سيما وقد بلغني أن بها الفُضلاء في علم الطب، وكان بي نزعة موفورة إلى ذلك، وإن أكبر (
…
)
(3)
كان أعظم الأسباب الداعية إلى توجّهي ذلك، ثم دخلت الإسكندرية في آخر هذا الشهر فرأيت بها جماعة من أهل الفضل وبعض المحدّثين. وكان لي بعد ذلك ما سأذكره.
[شهر رجب]
[التهنئة بالشهر وقراءة البخاري]
وفيها استهلّ رجب بالخميس، وطلع القضاة والمشايخ ومن له عادة بتهنئة السلطان إليه فهُنّيء بالشهر، وبرز أمره بأن يبدأوا هم فيه بقراءة "صحيح البخاري" على العادة التي كانت قديمًا في أيام الأشرف شعبان وآخرين
(4)
.
[الأمر بتزيين القاهرة لدورة المحمل]
وفيه، في يوم الأربعاء سابعه أمر السلطان بأن يُنادى بزينة القاهرة لأجل
(1)
في الأصل: "شيئًا".
(2)
خبر الصاعقة في: نيل الأمل 6/ 141، وبدائع الزهور 2/ 392.
(3)
كلمة ممسوحة.
(4)
خبر التهنئة بالشهر في: نيل الأمل 6/ 141.
دوران المحمل والتّهيُّء له، فزُيّنت في الحال، ثم نودي بأن لا يحمل أحد
(1)
من المماليك ولا غيرهم عِصِيًّا
(2)
ولا سلاحًا ليلًا. ودامت الزينة من هذا اليوم إلى يوم الإثنين مضيئين
(3)
المحمل على العادة الجارية في ذلك.
وما حدث في هذه الأيام ولا في هذه الزينة ما كان قد تعارف حدوثه قبل ذلك في أيام دوران المحمل، بل كان الغالب الخير والسلامة والأمن والطمأنينة، وهذه أول سنة أدير فيها المحمل في سلطنة الظاهر هذا، وكان حافلًا. وكان معلّم الرمّاحة في هذه السنة الأمير قايتباي المحمودي شادّ الشراب خاناه سلطان العصر في زمننا هذا الذي نحن به الآن، وكانت الباشات الأربعة من الأمراء (
…
…
)
(4)
الظاهر برقوق الناصري الظاهري جقمق الذي ولي نيابة الشام فيما بعد ذلك في (
…
)
(5)
السلطانية قايتباي المذكورة ومات على ذلك جماعة سيجيء في المتجدّدات إن شاء اللَّه تعالى، كطومان باي الأشرفي الآتي في وفيات سنة أربع وسبعين، وجانِبك الأبلق الظاهري الآتي أيضًا والماضي بعضٌ
(6)
من أخباره، وبَرسباي قرا الظاهري الذي هو الآن رأس نوبة النُوَب في زمننا الذي نحن به، وقد مرت ترجمته. وكان هذا الدوران من أبهج دورانات المحمل
(7)
.
[الإفراج عن الإهناسي]
وفيه، في يوم الإثنين، ثاني عشره، أُفرج عن علي بن نور الإهناسي الماضي ذِكره وخبر القبض عليه، وكان قد وُكّل به بمنزل تمربُغا رأس نوبة النُوب، فعُملت مصلحته وأُطلق- يقال - بمالٍ بذله وحُمل إلى السلطان زيادة على العشرين ألف دينار، وقيل خمسة وعشرين ألفًا، واللَّه أعلم
(8)
..
[التجريدة إلى الوجه القِبلي]
وفيه، في يوم الخميس خامس عشره عيّن السلطان تجريدة إلى الوجه القِبلي عليها جانبك نائب جدّة الدوادار ومعه من مقدّمين الألوف جانِبَك قلقسيز الأشرفي وعدّة وافرة من الطبلخاناة والعشرات نحو العشرين، ومن الجند السلطاني
(1)
في الأصل: "احدًا".
(2)
في الأصل: "عصيي".
(3)
في الأصل: "متضادين".
(4)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(5)
كلمة ممسوحة.
(6)
في الأصل: "بعضًا".
(7)
خبر دورة المحمل في: النجوم الزاهرة 16/ 268، ونيل الأمل 6/ 142، وبدائع الزهور 2/ 393.
(8)
خبر الإفراج في: نيل الأمل 6/ 142، وبدائع الزهور 2/ 392.
أربعمائة، وحرّضهم على التجهيز والإسراع بالخروج، واستحثّهم على ذلك لما ورد من الأخبار بتخبيط عربان هوّارة
(1)
.
[السلطان يلبس لباس الصيف]
وفيه، في يوم الجمعة سادس عشره لبس السلطان الآق قماش وهو القباقب الذي جرت العادة بلبسه في المصيف
(2)
. ووافق هذا اليوم حادي عشرين برموده من شهور القِبط. ( ...... )
(3)
قبل دخول شهره القبطي وهو بشنس لحرٍّ ظهر في هذا الشهر في هذه الأيام.
[خروج جانبك للوجه القِبلي]
وفيه، في ليلة السبت سابع عشره خرج جانِبَك نائب جُدّة وعُيِّن للوجه القِبلي من غير تأخير
(4)
.
[لعِب السلطان بالكُرة]
وفيه في يوم السبت هذا ابتدأ
(5)
السلطان بضرب الكرة بالصولجان على العادة في ذلك، وهو أول لعب السلطان هذا في سلطنته بالكرة.
[طلب النجدة لحصار الماغوصلة]
وفيه، في يوم الأربعاء، حادي عشرينه، ورد الخبر من قبرس على يد يلخُجا أحد الجند السلطاني، بأن العساكر الإسلامية السلطانية على حصار الماغوصة، وأنهم يلتمسون من السلطان النجدة. وأن يعيّن جماعة لمساعدتهم على ذلك وتقويتهم. فبرز الأمر السلطاني في الحال بأن يُنادى: من أراد الجهاد من العسكر فعليه بالقلعة ليعيّن، ونودي كذلك من غده، واهتمّ السلطان للغزو وتجهيز الغُزاة
(6)
.
[زيارة السلطان لتربته]
وفيه في يوم الخميس، ثاني عشرينه، ركب السلطان ونزل من القلعة بغير
(1)
خبر التجريدة في: النجوم الزاهرة 16/ 268، ونيل الأمل 6/ 142، وبدائع الزهور 2/ 393.
(2)
خبر لبس السلطان في: نيل الأمل.
(3)
كلمتان ممسوحتان.
(4)
خبر خروج جانبك في: النجوم الزاهرة 16/ 268، 269، ونيل الأمل 6/ 142، 143.
(5)
في الأصل: "ابتداء".
(6)
خبر طلب النجدة في: نيل الأمل 6/ 142.
قماش الموكب السلطاني وتوجّه إلى تربته التي تقدّم خبر إنشائها بالصحراء، فرآها ثم عاد من المدينة، شاقًا القاهرة، حتى طلع القلعة بعد أن دخل من باب النصر وخرج من باب زويلة
(1)
.
[عودة جانِبَك من الوجه القِبلي بغير طائل]
وفيه، في يوم الخميس تاسع عشرينه عاد جانِبك نائب جدّة الدوادار من الوجه القِبلي بمن كان معه ونزل بالجيزة، ثم أصبح من غده فطلع إلى القلعة وخُلع عليه ونزل لداره في موكب حافل، وعاد من تلك البلاد على غير طائل، حتى ولا حصل بعض ردع، وللَّه الأمر.
واستعجل جانِبك في عوده لئلّا يفوته تدابير الأحوال والتصرّف في المملكة بما شاء وأراد على رغم أنف السلطان
(2)
، بل ولسان حاله ينشد هذا المفرد:
أمركَ مردودٌ إلى أمرنا
…
وأمرُنا ليس له ردُّ
[شهر شعبان]
[خروج القاضي ابن الصابوني إلى دمشق]
وفيها استهلّ شعبان بالسبت، وهُنيء به السلطان في هذا اليوم.
وفيه في هذا اليوم خرج القاضي علاء الدين بن الصابوني مسافرًا لدمشق بعد أن أُلبس خلعة السفر، وقُرّر في وظيفتي نظر الإسطبل في الأوقاف عبد القادر كاتب العليق عوضًا عن العلاء المذكور
(3)
.
[النفقة على الجند المتوجّه إلى قبرس]
وفيه في يوم الإثنين ثالثه نفق السلطان على المجاهدين لكل واحد منهم خمسة عشر دينارًا.
وكانوا قد عيّنوا قبل ذلك وهم نحو الثلاثمائة نفر
(4)
، وعيّن عليهم جانِبك الأبلق
(5)
. وكان له ما سنذكره.
(1)
خبر زيادة السلطان في: نيل الأمل 6/ 142، وبدائع الزهور 2/ 393.
(2)
خبر عودة جانبك في: النجوم الزاهرة 16/ 268، 269، ونيل الأمل 6/ 142، 143.
(3)
خبر خروج القاضي في: نيل الأمل 6/ 143.
(4)
في الأصل: "نفرًا".
(5)
خبر النفقة في: النجوم الزاهرة 16/ 269، ونيل الأمل 6/ 143.
[عودة بُرْدُبك هجين من الشام]
وفيه، في يوم الخميس، سادسه، وصل بُردُبك هجين من الشام بعد أن قلّد نائبها تَنَم، على ما تقدّم ذلك، وعرفته فيما أسلفناه.
[إبطال سفر تَنَم من بخشايش إلى الشام]
وفيه في يوم الإثنين عاشره عيّن السلطان تَنَم من بخشايش الظاهري المعروف برصاص بأن يتوجّه للبلاد الشامية لكشف الأخبار ويعرف أحوال جانَم نائب الشام والعساكر هناك، ثم بَطَل ذلك ولم يتمّ.
[دوادارية السلطان بحلب]
وفيه في هذه الأيام سافر أُلْماس الأشرفي لحلب على دوادارية السلطان بها، وكان قد قُرّر في ذلك قبل هذا التاريخ.
[حضور زوجة السلطان مولد السيد البدوي]
وفيه في ليلة الثلاثاء ثامن عشره، خرجت الخَوَنْد الكبرى شكرباي الناصرية الأحمدية صاحبة
(1)
القاعة وزوجة الظاهر خشقدم متوجّهة لجهة طنطا بالغربية من الوجه البحري
(2)
لتزور شيخها السيد أحمد البدوي، وخرجت في محفّة هائلة، وصحِبت معها الخَوَند شقراء وحشمها وخدمها وما يليق بمثلها وعدّة، وبها من النوادر التي ما اتفقت لغيرها من الخَوندات قبلها، وما وقع ذلك قط.
[مرض المؤلّف في الإسكندرية]
وفيه في يوم الجمعة، حادي عشرينه، ابتدأ فيّ مرض حاد بثغر الإسكندرية وعولجتُ وحصل الشفاء بعد أيام بعد الأسبوعين وللَّه الحمد على المهلة، نسأل الله تعالى أن يوفّقنا لفعل الخيرات وفتح البصائر لمعرفة الصفات.
[تعاقد التجار للسفر على متن ثلاثة مراكب من الإسكندرية]
وفيه في يوم الجمعة ثامن عشرينه ورد للمينا الثغر السكندري المراكب التي يقال لها الطرائد، وتُعرف أيضًا بالقطائع للبنادقة، وتُعرف بالشواني أيضًا، وكانت ثلاثًا على العادة جاثيات بالبضائع، ويقام البندق (؟) بالساحل من مينا الثغر
(1)
في الأصل: "صاحبت".
(2)
ضرب على الكلمتين خطًا.
السكندري. ثم أخذ الناس من التجار المغاربة بل وغيرهم في التكلّم في وسق المسلمين، وعاقدوهم على حمل بضائع المسلمين إلى المغرب والمتاجر في التجارة، وأخذوا منهم الرهائن والضمان، وتجهّز الناس للسفر فيها وأنا من جملة من تجهّز ثم كان من سفرهم ما سنذكره.
[سفر الغزاة من مصر]
وفيه -أعني هذا اليوم- سافر الغُزاة المعيَّنين من القاهرة لقبرس إلى ثغر دمياط في بحر النيل
(1)
، وكان لهم ما سنذكره.
[استهلال شهر رمضان]
وفيها استهلّ شهر رمضان الأربعاء، وطلع القضاة لتهنئة السلطان.
ولم يحدث ما يؤرّخ غير ذلك.
[ورود الخبر بوفاة إينال نائب حلب]
وفيه في يوم الأحد، خامسه، ورد الخبر على السلطان بموت الحاج إينال اليشبُكي نائب حلب فاستقر السلطان بجانبك التاجي نائب حماة في نيابة حلب عوضًا عن الحاج إينال المذكور. وكانت العادة أن يولَّى حلب نائب طرابلس، فعدل عنه إلى من ذكرنا لغرضٍ ما
(2)
.
[تقليد جانبك نائب حلب]
وفيه في يوم ثاني عشره عيّن السلطان الأمير قاينباي المحمودي لحمل تقليد جانبك الذي عُيّن لنيابة حلب وخلع عليه بذلك
(3)
.
[نيابة حماة]
وفيه قُرّر في نيابة حماة جانِبَك الناصري نائب صفد الماضي قريبًا ذكر ولايته لها، وعُيّن لحمل تقليده مُغلباي طاز المؤيَّدي
(4)
.
(1)
خبر سفر الغُزاة في: النجوم الزاهرة 16/ 269، ونيل الأمل 6/ 143.
(2)
خبر وفاة نائب حلب في: النجوم الزاهرة 16/ 269، ونيل الأمل 6/ 144، وبدائع الزهور 2/ 393.
(3)
المصادر السابقة.
(4)
خبر نيابة حماة في: النجوم الزاهرة 16/ 269، ونيل الأمل 6/ 144، وبدائع الزهور 2/ 393.
[نيابة صفد]
وفيه أيضًا قُرّر في نيابة صفد خيربك القصروي نقلًا إليها من نيابة غزّة، وعُيّن تمرباي الظاهري المعروف بالسلحدار بصفد ليحمل إليه تقليده وتشريفه
(1)
.
[نيابة غزّة]
وفيه قُرّر في نيابة غزّة شادبك الصارمي أتابك حلب عوضًا عن خيربك المذكور، وعُيّن طومان باي الظاهري لحمل تقليده بها. وقُرّر في أتابكية حلب يشبُك البُجاسي حاجب الحجاب بها الماضي ذكره. وتقرر في الحجوبية تغري بردي بن يونس عوضًا عن يشبُك نقلا إليها من نيابة القلعة بها
(2)
.
[نيابة القلعة]
وقرّر في نيابة القلعة شخص من المماليك السلطانية يقال له كمشبُغا السيفي يخشباي
(3)
، وستأتي ترجمته في سنة وفاته وهي سنة ثمان وستين إن شاء اللَّه تعالى.
ووُلّي جميعًا هذه الولاية بالبذل للمال، ولم تتقدّم له رئاسة قبل ذلك ولا ترشّح لذلك، وإنّما قدمه المال على ما فيه من الإهمال وعدم الأهلية.
[خسوف القمر]
وفيه، في ليلة الثلاثاء رابع عشره خُسف غالب جُرم القمر من نصف الليل، ودام ذلك إلى النهار
(4)
.
[قدوم ابن القليب حاجب الحجاب بطرابلس]
وفيه -أعني هذا اليوم قدم إلى القاهرة الشهابي أحمد بن القليب حاجب الحجّاب بطرابلس واستادار السلطان بها أيضًا وما مع ذلك، وتكلّف لأشياء كثيرة.
(1)
نيابة صفد في: النجوم الزاهرة 16/ 269، ونيل الأمل 6/ 144، وبدائع الزهور 2/ 393، ومملكة صفد في عهد المماليك 298 رقم 124.
(2)
نيابة غزّة في: النجوم الزاهرة 16/ 269، ونيل الأمل 6/ 144، وبدائع الزهور 2/ 393، ونيابة غزة في العهد المملوكي 308 رقم 103.
(3)
نيابة القلعة في: النجوم الزاهرة 16/ 269، ونيل الأمل 6/ 144، وبدائع الزهور 2/ 393.
(4)
خبر الخسوف في: نيل الأمل 6/ 145، وبدائع الزهور 2/ 394.
[تفقّد مقياس النيل]
وفيه في يوم الأحد ثاني عشرينه، الموافق لسادس عشرين بؤونة
(1)
من شهور القبط تفقّد ابن
(2)
أبي الرذاذ المقياس على عادته، فأخبر بأن القاعدة كانت ستة أذرع وعشرة أصابع، وطلعت البشارة به للسلطان بذلك، ثم أصبح من غده فنودي عليه.
[وصول مقدّم البريدية بأخبار غير سارّة عن جانَم]
وفيه، في يوم الإثنين، وهو يوم المناداة على البخاتي بالزيارة وصل سعد اللَّه مقدَّم البريدية الماضي خبر توجُّهه لحسن بك الطويل صاحب ديار بكر لأجل جانَم فأخبر السلطان بأخبار غير سارّة، لا سيما من أمر جانَم نائب الشام، وأخبر بأنه ذا شأن بتلك البلاد وعند حسن المذكور
(3)
.
[إشاعة قيام الظاهرية بفتنة]
وفيه -أعني هذا الشهر في هذه الأيام- أشيع بثوران فتنة، وأن الظاهرية في قصدها وضميرها الركوب على السلطان، ونُسب ذلك لجانبك الدوادار نائب جُدّة، ووقع من السلطان بعض همّات في مثل ذلك، ثم آل الأمر أن سكن الحال ولم يقع شيء مما أشيع. وكانت هذه أول الإشاعات الفاشية في حق نائب جدّة، ثم استصحت الحال إلى أنْ كان من أمره ما سنذكره في سنة ثمان وستين إن شاء اللَّه تعالى
(4)
.
[ختم صحيح البخاري]
وفيه ختم قراءة "صحيح البخاري" بالقصر من القلعة وخلع على القارئ والمشايخ ومن له عادة والقضاة الأربعة
(5)
؛ وحُملت إليهم الصرَر على العادة.
[شهر شوال]
[المؤلّف يصلّي العيد في الإسكندرية]
وفيها كلان عيد الفطر مستَهَلّ شوال بالثلاثاء، وكنت بالثغر السكندري،
(1)
في الأصل: "بونه".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
خبر وصول مقدَّم البريدية في: نيل الأمل 6/ 145، وبدائع الزهور 2/ 394.
(4)
خبر الإشاعة في: المصادر السابقة.
(5)
في الأصل: "الأربع".
فحضرت الصلاة بالجامع العزّي، وحضر في ذلك اليوم لصلاة العيد بالجامع المذكلور العزيز يوسف بن الأشرف برسباي، والمنصور عثمان بن الظاهر جقمق وهما بخلعتين قد أُحضرتا إليهما من القاهرة ومركبين بالقماش الذهب والزركش، وركبا بعد الصلاة من الجامع وتوجّها لمنازلهما، وكان لهما يومًا مشهودًا.
[تجريدة البُحَيرة]
وفيه، في يوم الأربعاء تاسع شوال هذا خرجت تجريدة إلى البحيرة كان السلطان قد عيّنها قبل ذلك وعليها ثلاثة
(1)
من الأمراء المقدّمين الألوف، وباشهم قرقماس الجلب أمير سلاح، ويشبُك الفقيه، وبُردُبك هجين، ومن الطبلخاناه خشكلدي العوامي، وتَنَم الحَسَني الأشرفي، الرأس نوبة الثاني، ومن العشرات قانبك السيفي يشبُك بن أزْدَمر القَلَمطائي الإسحاقي، وتنِبك الصغير أخو مبارك (؟)، وصنطباي قَرا الظاهري
(2)
.
[ركوب المؤلّف البحر]
وفيه، في يوم الجمعة حادي عشره ركبت البحر الملح من مينا ثغر الإسكندرية بشواني البنادقة وما قلّعوا، وكان معهم جماعة من تجار المسلمين بأصناف البضائع وأكثرها الكتان، وساروا متوجّهين إلى جهة تونس المغرب، فساعدنا الريح يومًا ثم خالف في هبوبه مقصدنا وبقينا بالبحر مدّة أيام، وكان ما سنذكره.
[توقف النيل عن الزيادة]
وفيه- أعني هذا الشهر، في هذه الأيام توقف النيل عن الزيادة عدّة أيام فهخت الناس وضجّوا بالغلاء، وارتفع سعر الغلال عما كان، وتكالب الناس وازدحموا على شراء القمح، وحصل القلق الزائد بسبب عدم الزيادة
(3)
.
[قراءة الختمة الشريفة بالمقياس]
وفيه أيضًا أمر السلطان بقراءة ختمة شريفة بالمقياس، وأن يتوجّه
(1)
في الأصل: "ثلاث".
(2)
خبر تجريدة البحيرة في: النجوم الزاهرة 16/ 270، ونيل الأمل 6/ 145، وبدائع الزهور 2/ 396.
(3)
خبر توقف النيل في: وجيز الكلام 2/ 746، ونيل الأمل 6/ 145، وبدائع الزهور 2/ 394، 395.
القضاة والعلماء وجماعة القرّاء إليه ويبتهلوا إلى اللَّه تعالى بالتضرّع إليه في أن يرحمهم بالإغاثة بزيادة البحر، وأولم السلطان هناك وليمة هائلة على يد الشرف الأنصاري ناظر الخاص. وكان بالمقياس وقت حافل هائل
(1)
وعاد الناس منه والبحر على حاله، فزاد قلق الناس وتكالبهم، وزادت الأسعار في الغلال ارتفاعًا، ولهج الكثير من الخلق بالخروج من القاهرة خوفًا من التورط قبل تمام أمر الغلاء، وأخذ الكثير منهم في الاجتهاد والتكالب على شراء
(2)
الغلال، وعظم الازدحام على المراكب.
[الابتهال
(3)
إلى اللَّه عند المقياس]
وفيه بعث السلطان العَلَم البُلقيني وهو مصروف عن القضاء يأمره بالتوجّه إلى المقيالس والابتهال إلى اللَّه تعالى فيه، وبلغ ذلك الشرف المناوي وهو على القضاء فعظُم ذلك عليه، ومع ذلك كله لم يزد البحر شيئًا.
[خروج الأمر السلطاني للناس بالتوبة]
وفيه، في يوم الإثنين سابعه، خرج الأمر السلطاني للقضاة والحكام أن يأمروا الناس بالتوبة والكف عن المعاصي والفساد ورح من يتجاهر بشيء من ذلك. وركب تمر الوالي وسار إلى بولادتى وعمل فيها البطيط وقبض على جماعة من المتقدّمين، وكان من جملة المتقدّمين بها من جملة الناس أحد ولدي الشمس القاياتي فاتفق أن قبض عليه من جملة المقبوض عليهم، وأركب حمارًا من جملة من أُركب للإشهار، فغطّى
(4)
وجهه وهو على الحمار، وبلغ الناس ذلك فشقّ عليهم ولا سيما الفقهاء، وركب الأمين الأُقصُرائي رحمه اللَّه تعالى إلى القلعة لما بلغه ذلك ومعه جمع من الأعيان من طلبة العلم فدخل على السلطان وأعلمه بقضية ابن
(5)
القاياتي وواجهه بأن ذلك الذي فعله تمُر مع الناس لا يجوز، فتأثّر من ذلك وقال: أنا الذي أمرته بذلك فنزل وهو عنه راضٍ، وتوجّه جماعة لتمُر المذكور وعرّفوه بمقام ولد القاياتي، فلم يلتفت إلى قولهم، بل قال: لأي شيء أهل العلم يمشون في مواضع التُهَم، ووقع بسبب ذلك أمور تطول، فلا حول ولا قوة إلّا باللَّه
(6)
.
(1)
في الأصل: "وقتًا حافلًا هائلًا".
(2)
في الأصل: "شراي".
(3)
خبر الابتهال في: نيل الأمل 6/ 146، 147.
(4)
في الأصل: "فغطا".
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
خبر خروج أمر السلطان في: وجيز الكلام 2/ 746، ونيل الأمل 6/ 145، وبدائع الزهور 2/ 394، 395، والذيل التام 2/ 161.
[الخلعة على تمُر]
وفيه في يوم الثلاثاء ثامنه خلعٍ السلطان على تمر الوالي خلعة هائلة لأنه للنفي ممن شكاه إليه بالأمس ونزل بها شاقّا القاهرة فسكن كل أحد ممن كان أخذ في أسباب التكلّم في جانبه، بل وتكفيره لأجل ما فعل بولد القاياتي، واستطال هو بذلك.
[تقليد نائب حلب]
وفيه سار قايتباي شادّ الشراب خاناه لما عيّن له من تقليد نائب حلب جانِبَك التاجي.
[عدم زيادة النيل]
وفيه في حادي عشر أبيب لم يظهر زيادة البحر ولا زال على ما هو به من التوقّف، حتى كان ما سنذكره.
[زيادة النيل]
وفيه، في يوم الأربعاء تاسعه زاد النيل ثلاثة أصابع وتكمّل بها سبعة أذرع، وفرح الناس في هذا اليوم وسُرُّوا سرورًا زائدًا.
[الأخبار بتعدية نائب الشام الفرات]
وفيه- أعني هذا الشهر- في هذه الأيام ترادفت الأخبار إلى القاهرة بأن جانَم نائب الشام كان عدّى الفرات في جموع وافرة ما بين جند من المماليك والتركمان القرايلكية، ولم يزل سائرًا بمن معه حتى دخل إلى الأعمال الحلبية ووصل إلى تلّ باشر، وأن جانِبَك نائب حلب تهيّأ لقتاله، فتأثّر السلطان من ورود هذا الخبر عليه، وعيّن في الحال تجريدة فخرج إلى حلب لأجل قتاله فكتب من الجند السلطاني أربعمائة نفر، ثم أضاف إليهم بعد ذلك مائتي نفر آخرين، وعيّن أربعة من مقدمين الألوف، وهرب جانبك نائب جدّة الدوادار الكبير، ويلباي الأميراخور الكبير، وأُزبَك أحد مقدّمين الألوف الذي هو الآن أتابك زمننا هذا (
…
)
(1)
( ......... )
(2)
قلقسيز أحد المقدَّمين أيضًا، ومن الطبلخاناة والعشرات ثلاثة عشر أميرًا. وكان بعد ذلك ما سنذكره
(3)
.
(1)
كلمة ممسوحة.
(2)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(3)
خبر التعدية في: النجوم الزاهرة 16/ 270، ونيل الأمل 6/ 146، وبدائع الزهور 2/ 396، 397.
[النداء بالنفقة على الجند]
وفيه، في يوم الثلاثاء نصفه نودي من قِبل السلطان بالنفقة في الجند المعيَّن لقتال جانَم، وانتخب السلطان العسكر وحرّضهم على التجهيز بسرعة.
[عودة جانَم نائب الشام على أقبح وجه من حلب]
وفيه، في يوم الأربعاء سادس عشره، ورد الخبر من نائب حلب بأن جانَم عاد من حيث جاء على أقبح وجه وأمئتعه (؟)، وأن جماعة من مماليكه تركوه وتوجّهوا إلى حلب. وكان من خبر عودته أنه لما وصل إلى تلّ باشر وقع بينه وبين من معه من عسكره التركمان القرايُلكية حديث. وله قضية في ذلك فيها طول، آل أمرهم معه أن تركوه وعادوا إلى جهة بلادهم. ولما رأى هو ذلك، وأن أمره أدّى إلى التلاشي ( ......... )
(1)
، وعاد من حيث جاء. فلما تحقّق السلطان ذلك (
…
)
(2)
وأمر بإبطال التجريدة. وسنذكر ما كان من الحركة والاضطراب (
…
)
(3)
وكان من أمر ( ...... )
(4)
ذلك ما سنذكره
(5)
.
[ضرب البشائر بالقلعة]
وفيه ( ............ )
(6)
أمر السلطان بضرب البشائر من الطبلخاناه بالقلعة فضربت بها وبأبواب الأمراء ( ...... )
(7)
جانَم لديار بكر
(8)
.
[خروج محمل الحاج]
وفيه، في يوم الخميس سابع عشره خرج الحاج من القاهرة وأميرهم بالمحمل بُرْدُبك البجمقدار الظاهري وعلى الأول (
…
)
(9)
محمد بن جَرباش، وأخرح الأتابك برسبا قريب والدته الخَوَنْد شقراء معه وهي في تجمّل زائد إلى الغاية
(10)
.
وفيه أخرج بُردُبك صهر الأشرف إينال إلى مكة وصحبته زوجته الخَوَند بدريّة
(1)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(2)
مقدار كلمة واحدة.
(3)
مقدار كلمة واحدة.
(4)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(5)
خبر عودة جانم في المصادر السابقة.
(6)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(7)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(8)
المصادر السابقة.
(9)
كلمة واحدة ممسوحة.
(10)
خبر المحمل في: النجوم الزاهرة 16/ 271، ووجيز الكلام 2/ 746، 747، ونيل الأمل 6/ 146، والذيل التام 2/ 161.
ابنة الأشرف المذكور وأولاده محمد وإبراهيم وأحمد وعيالهم ليقيم بمكة حتى يعود بإذن
(1)
.
[بداية رحلة المؤلَّف والوصول إلى رودس]
وفيه، في يوم السبت تاسع عشره أصبحنا في البحر الملح ونحن مسافرون كما تقدّم ذلك، وقد قلّت المياه معنا إلى الغاية ولا ريح لنا نسافر بها، فاضطر الناس إلى دخول (
…
)
(2)
البزور لأخذ الماء، فصوّبوا إلى جهة (
…
)
(3)
بذور (؟) جزيرة رُودس فوصلوا بُعَيد العصر إلى القشتيل، فأغلقوا باب حصنهم، ورأيته وهو حصن منيع مرتفَع بمكانٍ عالٍ على جبل يطل على البحر، وأحضر من معنا من أهل المراكب من الجزيرة عنبًا كثيرًا، ثم أقلعوا قبل الغروب بيسير، وساروا لمقصدهم.
[ولاية ابن الشِحنة القضاء الحنفي بالديار المصرية]
وفيه، في يوم الإثنين حادي عشرينه، استقرّ في وظيفة القضاء الحنفية بالديار المصرية الشيخ محب الدين بن الشحنة نقلًا إليها من كتابة السرّ بعد أن استعفى
(4)
من القضاء الشيخ الإمام شيخ الإسلام شيخنا سعد الدين بن الديري لضعف بدنه وكِبَر سِنّه، وكان قد رتّبه بعضهم في ذلك لغرضٍ له ولم ينله، وعلم به شيخنا السيد المذكور بعد ذلك فدعا عليه، والقصّة مشهورة لا حاجة بنا إلى ذكرها. ولبس المحب بن الشِحنة هذا شعار القضاء ونزل إلى داره في محفل عظيم وجمع جمّ، وحضر إلى الصالحية، ثم توجّه لمنزله. وهذه أول ولايات المحبّ لهذه الوظيفة
(5)
.
[كتابة السرّ بمصر]
وفي هذا اليوم أيضًا استقرّ في وظيفة كتابة السر الشيخ برهان الدين بن الديري أخو قاضي القضاة السعد المذكور ( .......... )
(6)
.
(1)
المصادر السابقة.
(2)
كلمة غير واضحة.
(3)
كلمة غير واضحة.
(4)
في الأصل: "استعفا".
(5)
خبر ولاية ابن الشحنة في: النجوم الزاهرة 16/ 271، ونيل الأمل 6/ 146، وبدائع الزهور 2/ 397.
(6)
مقدار أربع كلمات ممسوحة. والخبر في: المصادر السابقة.
[زيادة النيل]
وفيه، في يوم الثلاثاء ثاني عشرينه زاد النيل المبارك إصبعين، وسُرّ الناس بذلك، ونزل العَلَم البُلقيني إلى (
…
)
(1)
في جمع حافل من الناس (
…
…
)
(2)
وكان المقياس ( ............. )
(3)
( ......... ................ )
(4)
.
[جريمة قتل على المركب الذي فيه المؤلّف والقصاص من القاتل]
منها الدجاجة وتغيّظ عليه وحنق منه فلطمه بعد أن قال إنما أردت بهذا استنقاصي وإيصال العار إليّ والعَيب في حقي كونك تجسر على نزيلي وتسرق متاعه، وحنق النُّوتي من كونه لطمه، فتقاولا، وأخرج الذي سرق الدجاجة سكّينًا معه، فضرب بها القلفاط
(5)
، فاتفق أن وقع ميتًا، فقامت القيامة في المركب وبلغ بترون المركب وهو كبيرها ذلك فأمر بإمساك القاتل قبل أن يبلغه موت القلفاط لئلّا تصدر عنه مفاسد، فدافع عن نفسه وفرّ من مؤخر المركب هاربًا إلى جهة مقدّمها، فلما رأى الفرنج تكاثروا عليه لأخذه ألقى بنفسه إلى الخنّ الذي أنابه ليمتنع به، وكان إلى حذائنا آلة سلاح ما بين حراب وسيوف لهم مُعدّة بهذا المكان، فأخذ واحدة من الحراب وحمى نفسه بما نحن عن تسليمها، وبقي يدافع ولا يمكّن من يقترب إلى باب الخنّ من فوق ظهر المركب، وأنا لا عِلم لي بما جرى، فلا زالوا به وتلطّفوا به، ويذكرون له أن القلفاط لم يمُت، وإنما البندون تغيّظ عليك فاخرج إليه واعتذر عساه يقبل عذرك ونحن نساعدك، فاغترّ بذلك وخرج، فقُبض عليه وأدير كتافه وقُيّد، ووكّلوا به بمكان من المركب، ثم فعلوا بالقلفاط ما يفعلونه بموتاهم ورموا به ميتًا إلى البحر، ثم أجمعوا على قتل هذا الفاعل لذلك فكتبوا واقعته بخطّهم كالمحضر عندنا، ثم أحضروا قاربًا صغيرًا فنزل إليه البندون صاحب المركب ومعه جماعة من أعيان هذه الشونة من الفرنج، وأخذ الخط المكتوب
(6)
معه، وتوجّه في إحدى الشواني الثلاث وهي التي بها حاكمهم الذي يسمّونه القبطان وهو كالأمير الحاكم على أهل هذه الشواني الثلاث، فأعلموه بالقصة، فأمر
(1)
كلمة مطموسة.
(2)
كلمتان غير واضحتين، وخبر النيل في: نيل الأمل 6/ 146، 147.
(3)
مقدار أربع كلمات غير مقروءة.
(4)
مفسح النصف الأيمن من الصفحة، فتعذّر الإفادة من النصف الآخر غير الواضح.
(5)
القلفاط: الرجل الذي يوقد النِفط في المركب.
(6)
في الأصل: "المكتب".
بقتل القاتل قصاصًا فأعادوا القارب وأخذوا القاتل من المركب الذي نحن بها وتوجّهوا به إلى مركب القبطان، فكأنه استفسره عن الحال وفعل معه ما يجب فعله في معتقدهم، وكان الريح في هذا اليوم في غاية السكون، فاجتمعت الثلاث شواني تقرب من بعضها البعض، ثم أحضروا يهوديًا كان معهم في المركب ممن ركب من الإسكندرية قاصدًا بلاد المغرب، وأعطوه في يده شيئًا كالساطور العظيم، وجُعل للقاتل وتدان في حافّة المركب، ودُلّي بدنه إلى جهة البحر، وبقي عُنقه بين الوتدين ورأسه إلى المركب، ثم أمروا اليهودي بأن يضرب بالساطور على رقبته ليفصل رأسه عن بدنه بضربة قويّة، فامتنع اليهودي من ذلك، ورمى بالساطور من يده، فلا زالوا به وألحّوا عليه حتى ضرب ضربة قويّة وقعت على العنق فانفصلت رأسه عن جثّته، ونزلت الجثّة إلى البحر، وبقيت الرأس بالمركب فأُخذت ورُمي بها إلى البحر. فقال لي صاحبٌ لنا من المسلمين: إن هذه الدجاجة لمباركة. فقلت: إنما يعني الكفّار أهل الحرب. وكان المتوفَّى هذا لما سرق هذه الدجاجة أدخل بيديه إلى القفص على ما نُقل عنه فمسك رأسها واقتلعه عن بدنها، ففعل اللَّه به ما فعله هو بها، وحصل لنا لُطف خفيّ، وسلَّمنا اللَّه تعالى من شرّ هذا القاتل فإنه لو علم بموت القلفاط وأنه سيموت لأجل دجاجتين وبسببهما كان لعلّه لما أن نزل إلى عندي لحماية نفسه ومعه آلة السلاح أوقع بنا فعلًا، لا سيما وهو عدوّ الدين، إذ لربّما سوّلت له نفسه قتْلَنا جهادًا أو نكاية فينا، كونه يُقتل بسببنا، لكنْ سلّم اللَّه تعالى وله الحمد والمنّة.
[ذو القعدة]
[وفاة ابنة شُكْرباي زوجة السلطان]
157 -
وفيها، في يوم السبت رابع ذي القعدة ماتت بيخون
(1)
ويقال: باي خاتون، وخاتون أيضًا ابنة الخَوَند شُكْرْباي الأحمدية زوجة السلطان، وهي ربيبة السلطان ابنة أبرك الجَكَمي، وكان من أمراء دمشق، كان زوجًا لشُكْرباي هذه ومات عنها، واتصلت بعده بخشقدم المذكور. وكانت هذه الإبنة ربيبته، وأعد عنده من ابنته لمكان التربية. وكانت تزوجت بالزين عبد الرحيم ابن
(2)
قاضي
(1)
انظر عن (بيخون) في: النجوم الزاهرة 16/ 271، ونيل الأمل 6/ 147 رقم 2553، وبدائع الزهور 2/ 398، والمجمع المفنّن 2/ 266 رقم 1018، ولم يترجم لها السخاوي في الضوء اللامع وغيره.
(2)
في الأصل: "بن".
القضاة البدر محمود العَيني، فولدت له الشهابي أحمد بن العَيني الماضي ترجمته.
وأمّا عبد الرحيم فقد مرّت ترجمته.
(صرف هبة اللَّه بن الديري عن كتابة السرّ وما كُتب في ذلك)
(1)
وفيه، في يوم الإثنين سادسه، صُرف البرهان بن الدَيْري عن كتابة السرّ بعد أن باشرها خمسة عشر يومًا، وكان ذلك من غريب النوادر، ثم أشيع أن سبب صرفه عنها أنه لما ماتت ابنة خَوَنْد المتقدّم ذكرها قال البرهان هذا: ورد في الأخبار المنقولة عن الأفاضل أنه ما خرج من بيت ميّت في يوم السبت إلّا تبعه اثنان من أكابر ذلك البيت، وأنه عرّض في ذلك بالسلطان وزوجته، وبلغ ذلك للسلطان فحنق من ذلك، ووقع أشياء وصرفه عن كتابة السرّ بعد أن بكّته بسؤاله عن ذلك، وأنه في أيّ كتاب نقل ذلك. ووقع قال وقيل كبير في هذه القضية حتى قال البعض إن الذي جرى على البرهان بسبب أخيه شيخ الإسلام وببركته، إلى غير ذلك من كلام يطول الشرح في تفصيله. وشغرت كتابة السر مدّة أيام كثيرة.
وكان القاضي نور الدين بن الأنبابي يباشر تعلّقات ديوان الإنشاء ويشدّ الوظيفة إلى أن وليها الزين بن مزهر كما سنذكره، ولم يَتَهنَّ البرهان بن الدَّيْري بهذه الوظيفة، وللَّه الأمر
(2)
.
[كسر النيل عن الوفاء]
وفيه، في يوم الأربعاء خامس عشره، ووافق ذلك ثامن عشر مِسرَى من شهور القبط، كان كسر النيل المبارك عن الوفاء، وتقدّم أمر السلطان بنزول قانَم التاجر أمير مجلس لذلك، فركب وعدّى المقياس فخلّقه ثم عاد إلى السدّ ففتح بحضوره، ثم ركب المركوب المجهّز إليه من الإسطبل السلطاني بالقماش الذهب والزركش، وصعِد إلى القلعة، وخُلع عليه خلعة هائلة، ونزل إلى داره في موكب حافل، وكان يومًا مشهودًا أكثر في سرور الناس بعد اليأس، وللَّه الحمد
(3)
.
[موقعة العربان والعسكر السلطاني بالبحيرة]
وفيه، في يوم الخميس سادس عشره، ورد الخبر على السلطان من البُحيرة
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
خبر صرف ابن الديري في: النجوم الزاهرة 16/ 271، ونيل الأمل 6/ 146، وبدائع الزهور 397/ 2 و 398.
(3)
خبر كسر النيل في: نيل الأمل 6/ 148، وبدائع الزهور 2/ 399.
بأن العسكر المجهّز لقتال العربان من لبيد قد التقوا بهم وواقعوهم فانهزموا من غير قتال كثير، وعاد الترك فأخذ عربان الطاعة في النهب وتعارضوا مع الجند السلطاني في ذلك، فقتل عرب الطاعة جماعة من العسكر السلطاني، فيهم من الأمراء تَنِبك الصغير، وصنطباي قرا، وهما من العشرات، وجماعة أُخر من الجُند، فحصل عند السلطان بواسطة ذلك غاية التأثّر
(1)
.
[ولاية ابن مزهر كتابة السر]
وفيه، في يوم الإثنين العشرين منه استقرّ في كتابة السرّ القاضي الرئيس، زين الدين، أبو بكر بن مزهر، مسؤولًا
(2)
في ذلك، مرغوبًا في ولايته. وقد تقدّمت ترجمة الزين بن مزهر هذا. وهذه الوظيفة بيده إلى الأن بعصرنا هذا، وله بها زيادة على الإثنين وعشرين سنة، وهي من النوادر، ولم يُسمع بمن بقي بهذه الوظيفة هذه المدّة المديدة سوى الزين هذا، وذلك لنيّته وحُسن طويّته، أطال اللَّه تعالى بقاءه وأدام عُلاه. وخلع على الزين هذا بها في هذا اليوم ونزل إلى داره في موكب حافل، وكان له يومًا مشهودًا، وهرع الناس للسلام على المتصل وتهنئته، وعلى المنفصل وتسليته
(3)
.
[تعيين ابن المَقْسي ناظرًا للجيش]
وفيه، أعني هذا اليوم، استقرّ في وظيفة نظر الجيش التاج عبد اللَّه بن المَقْسي
(4)
الذي عُلّق من رقبته مشنوقًا بعد ذلك في دولة الأشرف قايتباي. وسيأتي ذلك في محلّه إن شاء اللَّه تعالى. ووُلّيها عِوضًا عن الزين بن مزهر المذور.
[دخول المؤلّف تونس]
وفيه، في يوم الأربعاء ثاني عشرينه، دخلنا إلى مدينة تونس بعد أن بقينا بالبحر ثلاثًا
(5)
وثلاثين يومًا فرأيت مدينة حسنة جليلة هائلة بديعة تقرُب من دمشق
(1)
خبر موقعة العربان في: النجوم الزاهرة 16/ 272، ونيل الأمل 6/ 148.
(2)
في الأصل: "مسولا".
(3)
خبر ولاية ابن مزهر في: النجوم الزاهرة 16/ 271، ونيل الأمل 6/ 148، وبدائع الزهور 2/ 399.
(4)
خبر ابن المقسي في المصادر السابقة.
(5)
الصواب: "ثلاثة".
في خفّتها، ونزلت بدار بها بمكان يُسمّى فندق الركاد، ووجدنا صاحب تونس وسلطانها المتوكل على اللَّه عثمان خارجًا عنها آخذًا في التوجّه لجهة تلمسان لأجل إخراج صاحبها محمد بن أبي ثابت منها لكونه أخرج أحمد بن أبي حمّو الماضي ذكره القائم بدعوة بني حفص ملوك تونس وقطْعه هو الدعوة لهم، أعني محمدًا بن أبي ثابت. وكان صاحب تونس خرج في شوال من هذه السنة، ولما قرب عثمان من تلمسان أشير على صاحبها بأن يبعث إليه ويصالحه ويجيبه إلى [ما] كان سأله منه من طاعته والقيام بدعوته، وضرب الدرهم والدينار بمملكته
(1)
، فبعث إليه الشيخ الصالح، الولي، العارف، العابد، الزاهد، سيدي أحمد بن الحسن وعلى يده خطًّا
(2)
من صاحب تلمسان محمد المذكور إلى صاحب تونس بأنه عاهده على طاعته والقيام بدعوته، وبعث إليه بعدّةٍ من الدراهم والدنانير مضروب عليها اسمه، والتمس منه الصلح، وكان قد وقع في عسكر عثمان الغلاء الكبير والقال والقيل وبعض خلف بينهم، وكان هو قد عزم على العَود وبقي يودّ مندوحة لذلك وحجّة من الحجج يحتجّ بها على رجوعه. كما كان اتفق للأشرف بَرسباي حين توجّهه لآمد، فلما قدم عليه الشيخ أحمد المذكور -نفعنا اللَّه تعالى ببركته- أجلّه جدًّا وعظَّمه، وأجابه في الذي جاء بسببه، ورجع من على جهة الصحراء في الشتاء، فتلف الكثير من عساكره وما يفهم من الحال وغيرها. وكان من أمره وأمر صاحب تلمسان ما سنذكره إن شاء اللَّه تعالى.
[ورود جماعة من علماء تونس على المؤلّف]
وفيه، في يوم الخميس ثامن ذي الحجة، ورد عليّ جماعة من علماء تونس، من جملتهم شيخنا سيدي أبو إسحاق إبراهيم الأخدري، وكان السُّؤال من (بعض)
(3)
ضواحي تونس في: امرأة ذات مال ولدت مولودًا نصفه صفة آدمي، ونصفه الآخر صفة حيّة، وماتت الأم عقيب وضعه، وبقي حيًّا بعدها حتى تحققت حياته، ثم مات وترك والده، ولأمّه ولد آخر من غير أبيه، فهل يرث هذا المولود من أمّه شيئًا ويزاحم الولد الباقي من غير أبيه وينتقل ميراثه لأبيه أم لا ميراث له. فوقع في ذلك كلام كثير. ثم أفتى شيخنا إبراهيم المذكور بأن نصفه الأعلى من جهة الرأس إن كان هذا الذي نصفه الحيّة فلا ميراث له، وإن كان نصفه الآدمي
(1)
في الأصل: "بمشكلته".
(2)
الصواب: "خط".
(3)
كُتبت فوق السطر.
والأسفل نصفه الحيّة فله الميراث، ووافقه على ذلك جماعة، منهم، مفتي الأنكحة بتونس إذ ذاك وهو سيدي محمد الزلدوي القُسَنْطيني، وستأتي ترجمة كل منهما إن شاء اللَّه تعالى.
ثم أخذت أستفيد من الشيخ المذكور كذلك، وتكلّمت معه في ذلك على وجه المباحثة، فأنِس بي وأعجبه كلامي. وكان، رحمه اللَّه تعالى، يجلس بجامع الزيتونة في أوقات معلومة من الظهر إلى بُعَيد العصر أحيانًا، وأحيانًا من العصر إلى قرب الغروب، وكنت أجالسه كثيرًا في هذا
(1)
الأوقات وأسمع الكثير من فوائده وتحقيقاته، فإنه كان آية ورأسًا في الفنون، لا سيما الأصلين. رحمه الله.
[ذو الحجة]
[صلاة العيد بجامع الزيتونة]
وفيه، في يوم الجمعة كانت الوقفة بعرفات في هذه السنة.
وفيه، في يوم السبت عيَّدنا النحْر بتونس وصلّينا صلاة العيد بجامع الزيتونة، وهو من أعظم جوامع هذه البلاد وأشرفها وأبهجها. يقال إن السيد الخضر أوى به غير ما مرة.
[توعّك السلطان]
وفيه، في يوم الخميس ثاني عشرينه حصل للسلطان الظاهر خشقدم وعَكٌ في بدنه من إسهال كان قد اعتراه، وأصبح يوم الجمعة فحضر الصلاة وهو يُظْهر الصبر والجلادة، وأوجز قاضي القضاة في خطبته وخفّف الصلاة. ثم كان من أمر السلطان ما سنذكره
(2)
.
[خروج السلطان من الدُهَيشة إلى الحوش]
وفيه، في يوم الإثنين سادس عشرينه، خرج السلطان من الدهيشة إلى الحوش وجلس على الدكَّة، وحضر الأكابر من الأمراء وغيرهم الخدمة بالحوش. وكانت آثار المرض ظاهرة على وجه السلطان، وكان يلازم الفراش من يوم ظهور الإسهال به، ولكنّه كان يتجلّد ويُظهر ذلك، ويجلس على فرشه حين دخول الناس
(1)
الصواب: "في هذه".
(2)
خبر توعّك السلطان في: النجوم الزاهرة 16/ 272، ونيل الأمل 6/ 149، 150، وبدائع الزهور 2/ 400.
إليه وخروجهم للخدمة، حتى ظهر في هذا اليوم، ثم كان له ما سنذكره
(1)
.
[وصول أحد العربان ببشارة الحاج]
وفيه -أعني هذا اليوم- حضر إلى القاهرة شخص من العربان ببشارة الحاج وكُتُبهم، وعُدّ ذلك من النوادر كون مبشّر الحاج يكون من العرب، والعادة جرت بأن يكون من الأتراك ومن أعيان الخاصكية، لكنْ لما أخيفت السُبُل وعُدم الأمن جاء هذا العربي، وأعيب ذلك على السلطان وعُدّ ذلك نقصًا في المملكة ووهْنًا فيها
(2)
.
[المؤلّف يتوسّط لإطلاق أسير من مركب الإفرنج]
وفيه، في يوم الأربعاء ثامن عشْرينه ورد إلى مَرْصا
(3)
تونس وإلى ميناها اثنان من مراكب الفرنج ومعهم عدّة أسرى للفدي
(4)
وأفدوا.
ثم اتفق لي أنني توجَّهت إلى المَرصا ونزلت في قارب للتفرّج على ذَين المركبين، فطلعت إلى الأكبر بينهما، وبينما أنا أتفرّج فيه وإذا بشخص من الأسرى المحضرين تركيّ الجنس من بلاد حاج ترخان من دَيسْت قبجاق التتر لا يعرف شيئًا باللغة العربية، بل بالتركية والفرنجية، لم يبق في المركب غيره من الأسرى، فسألته بالتركية عن اسمه فأجابني، ثم قال لي: أنا من أسرى المسلمين.
فقلت له: قد أُفدي جميع أسرى المسلمين، فما بالُك؟
فقال: كلّموني في حين الفداء فلم أعرف بلغة العرب لأترجم عمّا في ضميري. فلم يلتفت إليّ أحد، وظنّوا أنني كافر.
فوعدته بأنني أفديه، فدعا لي.
ثم لما نزلت اجتمعت بصاحبنا الخواجا التاجر، المعظّم المكرّم، سيدي أبو
(5)
القاسم البينوني الغَرناطي الأندلسي نزيل تونس وعظيم التجار بها، [وحدّثته] عن هذا الشخص فقال: واللَّهِ إننا ظننّا أنه من الكفّار ولم نعلم لغته. فأعلمته بإسلامه وأنه تركيّ الجنس من خيار المسلمين لا يعرف غير لغة الترك والفرنج،
(1)
خبر خروج السلطان في المصادر السابقة.
(2)
خبر بشارة الحاج في: النجوم الزاهرة 16/ 273، ونيل الأمل 6/ 150.
(3)
هكذا في الأصل، والمراد:"مرسى".
(4)
هكذا في الأصل، والصواب:"الفداء".
(5)
الصواب: "بسيدي أبي".
فإنه أُسر في أيديهم وله زيادة على الخمسة وعشرين
(1)
سنة، وكان أضرّ في ذلك. فتلطّف في قضيّته، وفديته بأربعين دينارًا من مالي، وأنزلته إلى البرّ فلازمني ولا زال في خدمتي عدّة سنين، وحصل لي به غاية النفع والرفق. وكان يحدّثني عن بلاد التتر والفرنج بأشياء كثيرة غريبة، ولا زال معي إلى أن وردت القاهرة فتوفي بها في طاعون سنة ثلاث وسبعين، وكان اسمه "مبارك"، وكان مباركًا عند اللَّه، خيّرًا، ديّنًا، سليم الباطن والفطرة، صادق اللهجة، فكه المحاضرة لا يُمَلّ منه، رحمه اللَّه تعالى.
[قياس مياه النيل]
وفيه كانت نهاية النيل ثمانية عشر ذراعًا وستة أصابع، ثم تناقص، ثم ثبت إلى آخر توت على ثمانية عشر ذراعًا إلّا نقص يسير.
[زوال دولة بني أيوب من ديار بكر]
وفيها- أعني هذه السنة- زالت دولة بني أيوب الأكراد الملوك الأيوبية عن مملكة الحصن وما والى ذلك من ديار بكر كأنها لم تكن، وتملّكها حسن بك بن قرايُلُك وأضافها إلى مملكته، وكان من بُعيد ذلك أنه لما قرّر الملك خلف على يد ولده، ثم ثار به بعض أقاربه فقتله وملك بعده لم تستقم أحواله ووقع الخُلف بينهم إلى أن بلغ حسن ذلك، وهو غرضُه، بل كان ذلك غرضًا لآبائه وجدوده من قبل على ما هو مشهور، بل وقد عرفت شيئًا من ذلك فيما تقدّم في ترجمة الكامل خليل وغيره، فورد حسن في غضون ذلك بالفرات ونزل على حصن كيفا، ولا زال محاصرًا لها، وأقام على حصارها سبعة أشهر حتى ملكها في ذي القعدة من هذه السنة، وانقطع ملك الأيوبية منها بعد أن كانت هذه المملكة بيديهم فوق المائتي سنة. وحصل لحسن بأخذ هذه المملكة غاية القوّة، وزادت شهرته وضخم جدًّا، فإنه لما أخذ الحصن أخذ الكثير من المدن والقلاع المتعلّقة به من أعمال ديار بكر. ولم يزل حسن هذا من ذلك اليوم في زيادة الظهور إلى أن كان منه ما سنذكره من تملّكه العراقين، وقصده بعد ذلك الروم، بل ونوى بعد ذلك قصْد البلاد الشامية بل والمصرية لأخْذها. وكان له من الأخيار والفِتن والشرور والأمور المطوّلة ما سيأتي كلٌّ في محلّه بعد السبعين وثمانمائة وهلُمّ جرًّا إلى أن توارث ذلك بنيه
(2)
بعده إلى يومنا هذا.
(1)
الصواب: "على الخمس والعشرين".
(2)
الصواب: "بنوه".
ومن يوم أخذ هذا الحصن زاد تمدّده وتموّله
(1)
، كيف لا وقد وصل إلى شيء عجز عنه جدّه قرايُلُك الأكبر مع جلالة قدره، ولكن فاقه حفيده هذا بأخرة، كما سنقف على ذلك جميعه وتعرفه إن شاء اللَّه تعالى.
وخرجت هذه السنة على ما في ذكرناه لك من الحوادث والمتجدّدات والفِتَن والواقعات، والعدّة من الآيات على ما أسلفنا، كلٌّ في محلّه، وبيّنّاه عن أصله
(2)
.
(1)
في الأصل: "وتتموله".
(2)
خبر زوال دولة بني أيوب في: النجوم الزاهرة 16/ 273، ونيل الأمل 6/ 150.
ذِكر نُبَذٍ
(1)
من تَرَاجِم الأعيان ووَفَيَاتهم في هذا الزمان سنة 866 هـ
158 -
إينال اليَشْبُكي
(2)
نائب حلب، المعروف بالحاج إينال.
كان من مماليك الأمير يشبُك الجَكَمي الأميراخور، وهو مشهور الترجمة. ولما مات تنقّلت بمملوكه هذا الأحوال، ووُلّي عدّة ولايات بالبلاد الشامية، منها نيابة الكَرَك في دولة الظاهر جقمق عِوضًا عن مازي، ثم صُرف عنها وصُيِّر من مقدَّمين الألوف بدمشق، فدام على ذلك مدّة، وحجّ أميرًا على المحمل الشامي عدّة مرار متكرّرة، ولهذا قيل له: الحاج. ثم وُلّي الكرَك ثانيًا فيما أظنّ، على شكٍ عندي وما حرّرت ذلك. ثم آل به الأمر أن وُلّي نيابة حماة نقلًا إليها من التقدمة ألف التي كانت بيده بدمشق، وذلك بعد صرف سودون الأبوبكري عن نيابة حماة، وتقريره في تقدمة الحاج إينال المذكور وذلك في سنة ست وخمسين على ما تقدّم في متجدّداتها، ثم نُقل من حماة إلى نيابة طرابلس عِوضًا عن يشبُك النَوروزي لما قُبض عليه وسُجن بالمرقب، ووُلّي حماة بعده إياس الطويل نقلًا إليها من نيابة صفد فيما أظنّ، ثم نقل من نيابة طرابلس إلى نيابة حلب عوضًا عن جانِبَك
(3)
لما نقل إلى نيابة الشام بعد موت قانباي الحمزاوي، ودام على نيابة حلب إلى أن بغته الأجل بها.
(1)
في الأصل: "نبذًا".
(2)
انظر عن (إينال اليشبُكي) في: النجوم الزاهرة 16/ 269 و 317، ووجيز الكلام 2/ 750 رقم 1726، والضوء اللامع 2/ 330 رقم 1085 وفيه وفاته في سنة 863 هـ، والذيل التام 2/ 164، ونيل الأمل 6/ 143، 144 رقم 2552، وحوادث الزمان 1/ 157 رقم 183، وبدائع الزهور 2/ 393، وإعلام النبلاء 3/ 50، والبذل والبرطلة 35، وتاريخ طرابلس 2/ 51، والمنهل الصافي 3/ 216 رقم 627، والدليل الشافي 1/ 177 رقم 126، وإظهار العصر 1/ 234، والتبر المسبوك 278، والمجمع المفنّن 2/ 175، 176 رقم 887، وصفحات لم تنشر من بدائع الزهور 113، 114، وتحفة الظرفاء 1/ 75.
(3)
في الأصل: "جانباهي".
وكان إنسانًا حسنًا، وقورًا، حشمًا، عاقلًا، سيوسًا، ولم يحمده أهل حلب في ولايته عليهم، ولم تتقدّم له رياسة بالقاهرة حتى ولا صار من العشرات بها، بل ولا صار من الجند السلطاني أصلًا، وإنّما ترقّى في البلاد الشمالية.
وكان بينه وبين الوالد صحبة ومحبّة أكيدة، وكان يُجلّ الوالد جدًّا ويعظّمه، لا سيما ونحن بطرابلس.
وكان مما يشينه دواداره بلاط لكثرة مظالمه للخلق. وقد تقدّمت نبذة من أخبار الحاج إينال هذا في كثير من متجدّدات سِنِيّ تاريخنا هذا من سنة ست وخمسين وهَلُمّ جرًّا في مواضع متعدّدة إن كنت على أخرة فيها. وإلّا فارجع إليها.
توفي الحاج إينال هذا في ليلة الخميس سابع عشرين شعبان، وكان له زيادة على الستين سنة فيما أظنّ.
وذكر بعضهم أنه مات وله نحو الستين، واللَّه أعلم.
ووُلّي حلب بعده جانِبك التاجي الماضي ذِكر ولايته لها.
159 -
بيبرس بن أحمد المعروف بابن بقر
(1)
.
شيخ العربان بالشرقية بالوجه البحري.
كان جوادًا كريمًا، سيوسًا، حسن السمت والملتَقَى، ذا تؤدة، محمود السيرة، مشكور السريرة.
ولد على رأس القرن أو قُبَيله بيسير، على ما أخبرني به بعضٌ من مشايخ تلك البلاد الموثوق بهم.
وتوفي بالقاهرة في يوم الأربعاء مستهلّ صفر.
ولم يخلفْه في أبناء جنسه مثله.
160 -
بَيْخون
(2)
، ويقال: باي خون، وخاتون أيضًا.
ابنة أبرك الجَكَمي من شُكْرْباي التي صارت الخَوَنْد في هذه الدولة الظاهرية الخُشْقَدميّة. تقدّم ذِكر موتها في المتجدّدات.
وكانت ولدت بدمشق. وتوفيت ولها زيادة على الثلاثين سنة.
(1)
انظر عن (ابن بقر) في: النجوم الزاهرة 16/ 135، والضوء اللامع 3/ 20، 21 رقم 99، ووجيز الكلام 2/ 750 رقم 1728، والذيل التام 2/ 165، ونيل الأمل 6/ 133 رقم 2543، والمجمع المفنّن 2/ 259، 260 رقم 1010، وبدائع الزهور 2/ 389.
(2)
تقدّمت ترجمة (بيخون) برقم 157.
ووالدها أبرك كان من أمراء دمشق.
161 -
تمُرباي من حمزة
(1)
الناصري.
أحد مقدَّمي الألوف بمصر، المعروف بططر.
كان من مماليك الناصر فرج بن الظاهر برقوق، وكان تتريّ الجنس، فلهذا قيل له ططر. تنقّلت به الأحوال بعد موت الناصري في أسوئها
(2)
وقاسى الشداد، وخمل جدًا، ثم أعيد إلى دار السلطان في جملة الجند السلطاني بعد المؤيَّد شيخ. ولا زال حتى أُمِّر عشرة في دولة الأشرف إينال فيما أظنّ أو قبله في الدولة الظاهرية، وقد مرّ ذلك، لكنّني لست على بصيرة من ذلك. ورُشح أميرًا على الجوالي، وصُيّر من الطبلخاناة في دولة الظاهر خشقدم كما قدّمناه قريبًا. ثم توليته على تقدمة ألف، وقد عرفت كيفية ذلك، وعمّن كان ذلك، ودام إلى أن بَغَتَه أجله.
وكان إنسانًا ساذَجًا، سليم الفطرة، هيّنًا ليّنًا، متديّنًا، ولكنّه كان من الشح على جانب عظيم ( ......... )
(3)
.
توفى فى ليلة السبت ثانى عشرين جمادى الآخرة وله من السنّ نحو الثمانين أو فوقها.
وقرّر في تقدمته بُردُبك هجين الظاهري على ما تقدّم.
162 -
قَنِبَك
(4)
.
أحد العشرات المعروف بالصغير لقِصَر قامته، وكان من جِلّة رؤوس
(5)
النُوَب.
تقدّم في المتجدّدات كيفية قتله بيد عربان الطاعة في كائنة هزم لَبيد. وكان
(1)
انظر عن (تمرباي من حمزة المعروف بططر) في: النجوم الزاهرة 16/ 316، ووجيز الكلام 2/ 750 رقم 1727، والذيل التام 2/ 164، والضوء اللامع 3/ 38، 39 رقم 158، وفيه "تمراز من حمزة الناصري فرج ويعرف بتمرباي ططر"، ونيل الأمل 6/ 138 رقم 2548، والمجمع المفنّن 2/ 331 رقم 1106، وبدائع الزهور 2/ 391.
(2)
في الأصل: "اسواءها".
(3)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(4)
الاسم ممسوح تمامًا في المخطوط أخذناه من خبر موقعة العربان والعسكر السلطاني بالبحيرة في متجدّدات الحوادث من هذه السنة وهو في: الضوء اللامع 3/ 42 رقم 172، والمجمع المفنّن 2/ 359 رقم 1134، واسمه: تَنِبك الأشرفي الصغير.
(5)
في الأصل: "روس".
(إنسانًا حسنًا)
(1)
لا بأس به، وكان من مماليك الأشرف بَرسْباي وممّن صُيّر خاصكيًّا في دولته، ثم دوادارًا
(2)
صغيرًا في دولة العزيز، وامتُحن بعده في سلطنة الظاهر جقمق في جملة الأشرفية ( ...... )
(3)
وأخرج إلى البلاد الشامية منفيًّا، ودام على ذلك إلى سلطنة الظاهر خشقدم، فخرج إلى البحيرة وتوفي بها قتيلًا كما عرفته.
وكان له زيادة على الخمسين سنة.
وكان حشمًا متواضعًا، لا بأس به.
163 -
جانِبك الجَكَمي
(4)
.
نائب مَلَطْية.
كان من مماليك جَكَم صاحب حلب والمتسلطن بها، وهو مشهور الترجمة، معروفها، وتنقّلت بمملوكه هذا الأحوال بعده في عدّة ولايات قد مرّ أكثرها في المتجدّدات وآل به الأمر أنْ وُلّي مَلَطْية، وبها بغته الأجل.
وكان لا بأس به.
وبينه وبين الوالد صِدْق محبّة وقديم صُحبة.
توفي في ربيع الآخر وله زيادة على الثمانين.
ووُلّي مَلطْية عوضًا عنه إينال الأشقر نقلًا إليها من ولاية القاهرة على ما تقدّم فيما أسلفناه.
164 -
حسن بن محمد
(5)
بن أيوب بن خضر بن إدريس بن حسن بن علي بن عيسى بن علي بن عبد اللَّه بن محمد بن القاسم بن يحيى بن يحيى بن
(1)
ما بين القوسين ممسوح في المخطوط، استدركناه من المجمع المفنّن.
(2)
في الأصل: "دوادا".
(3)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(4)
انظر عن (جانبك الجَكَمي) في: النجوم الزاهرة 16/ 267 و 316، والضوء اللامع 3/ 56 رقم 222، والتبر المسبوك 3/ 59، ونيل الأمل 6/ 137 رقم 2545، والمجمع المفنّن 2/ 402 رقم 1189، وبدائع الزهور 2/ 381.
(5)
انظر عن (حسن بن محمد) في: وجيز الكلام 2/ 747 رقم 1715، والذيل التام 2/ 161، والضوء اللامع 3/ 121، 122 رقم 472، ونظم العقيان 104، 105 رقم 67، ونيل الأمل 6/ 133، 134 رقم 2544، وشذرات الذهب 7/ 305 وفيه:"حسين"، وإيضاح المكنون 2/ 641، وهدية العارفين 1/ 286، وديوان الإسلام 4/ 303، 304 رقم 2077، ومعجم المؤلفين 3/ 276.
إدريس بن إدريس بن عبد اللَّه بن الحسن بن الحسن بن السبط بن علي بن أبي طالب الهاشمي، القُرشي، العلوي، الحسني نسبًا، الحُسيني سكنًا، القاهري، الشافعي.
السيد الشريف حسام الدين وبدر الدين، الصائن، ناصر الدين بن نجم الدين بن خضير الدين بن نفيس الدين، وكلّها ألقاب حِسان، وفيها النادر المستطرف.
ويُعرف صاحب الترجمة بالنسّابة، وكذا جمعًا من أسلافه.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: أصلهم من سرسة.
ولد سنة سبع وستين وسبعمائة بالقاهرة.
وبها نشأ فحفظ القرآن العظيم، ثم تلاه تجويدًا برواية أبي عمرو ونافع على الفخر الضرير إمام الأزهر، والشرف يعقوب، ثم اشتغل بالعلم فأخذ عن جماعة، منهم: البرهان الإبناسي، والسراجين شيخي الإسلام البُلقيني، وابن
(1)
الملقّن، والبدر الطنبذي، والجمال بن الطيماني، والبرهان البيجوري. وأخذ النحو عن المحبّ بن هشام، ودخل دمشق قبل فتنة تمرلَنك. وسمع الحديث على جماعة، منهم: الصلاح بن الناطور، والجلال الحلاوي، والشهاب السُوَيداوي. وتميّز في الفقه، وكان يستحضر الكثير منه، وأسمع الحديث وانتفع به جماعة، وصنّف، وألّف، وضعُف بصره بأخرة، ثم أضرّ.
وتوفي في يوم الأربعاء مستهلّ صفر. وله مائة عام إلّا عام وشهور تقريبًا.
وأُخرجت جنازته من محلّ سكنه بالحسينية، وتقدّم في الصلاة عليه الشرف المناوي، رحمه الله.
165 -
حمزة بن غيث
(2)
بن ندى بن مطر بن نصير الدين.
أحد مشايخ العربان بأحد جهات الغربية من أعمال القاهرة شريكًا لأبيه غيث الآتي قريبًا، فإنه مات بعد ولده هذا أيضًا في هذه السنة بعد أيام قلائل. وقد تقدّم في المتجدّدات كيفية قتْل حمزة هذا، فلا نعيده.
وكان غير مشكور، بل قيل في دينه شيء اللَّه أعلم به، وقد أراح اللَّه تعالى منه العباد والبلاد.
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
انظر عن (حمزة بن غيث) في: نيل الأمل 6/ 141 رقم 2551، والضوء اللامع 3/ 166 رقم 637.
(ترجمة الملك خلف صاحب حصن كيفا)
(1)
166 -
خَلَف بن محمد
(2)
بن سلمان
(3)
الكردي الأصل، الأيوبي، الحصني.
الملك ()
(4)
صاحب حصن كيفا.
قد تقدّم بقية نسبه في ترجمة الكامل خليل، وتقدّم في متجدّدات هذه السنة كيفية قتله من ولده وملكه الحصن، ثم القيام عليه من بعض أقاربه وقتله وملك الحصن ثم الخُلف الذي وقع بين الأكراد بعد خَلَف هذا في هذه الكائنة، وانتهاز حسن بن قرايُلك الفرصة وحصاره الحصن وتملّكه على ما عرفت ذلك فلا نعيده.
167 -
شاهين الناصري
(5)
.
دوادار أزدمر شابًّا، ودوادار قَرَاجا أيضًا.
كان من مماليك الناصر، وتنقّلت به الأحوال حتى صار خاصكيًّا، وعمل دوادارًا عند الأميرين المذكورين.
وهو زوج الست فَرَج ابنة أيتمش
(6)
الخضري من زوجته الست تَتَر
(7)
أخت الخَوَنْد زينب الخاصّكية زوجة الأشرف إينال، وأمّ أولاده المؤيَّد أحمد وسائر إخوته الذكور والإناث.
والست فَرَج
(8)
هذه، وأمّ الست فاطمة بنت شاهين
(9)
هذا زوجة صاحبنا
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
انظر عن (خلف بن محمد) في: وجيز الكلام 2/ 749 رقم 1723، والضوء اللامع 3/ 184، 185 رقم 816، والذيل التام 2/ 163، والنجوم الزاهرة 16/ 273، ونيل الأمل 6/ 2549، وبدائع الزهور 2/ 392، وشذرات الذهب 7/ 306.
(3)
في الضوء، والشذرات:"سليمان".
(4)
بياض في الأصل مقدار كلمة واحدة.
(5)
انفرد المؤلّف رحمه الله بهذه الترجمة لشاهين الناصري.
(6)
انظر عن (فرج بنت أيتمش) في: الضوء اللامع 12/ 114 رقم 690.
(7)
انظر عن (تتر أخت زينب) في: الضوء اللامع 16/ 12 رقم 83.
(8)
وقع في الضوء 12/ 34 رقم 690 "فرح" بالحاء المهملة، وفي ترجمة تتر 1612 "فرج" بالجيم، وفي مخطوطنا "فرج" بالجيم أيضًا.
(9)
انظر عن (فاطمة بنت شاهين) في: الضوء اللامع 12/ 92 رقم 569.
سيباي العلائي
(1)
، وقد مرّ شيء
(2)
من ذِكر هؤلاء غير ما مرة في غير ما موضع من تاريخنا هذا.
وكان شاهين هذا إنسانًا حسنًا، خيّرًا، ديّنًا، حشمًا، حسن السمت، والعشرة، ذا سكون وتُؤدة. وله ذِكر وسيرة.
توفي في هذه السنة، ولم نعرف شهر وفاته.
168 -
صنطباي
(3)
الظاهري.
أحد العشرات المعروف بِقَرا.
قد تقدّم في المتجدّدات الماضية في السنين الخالية شيء
(4)
من أحواله من أنه كان رأس نوبة الجَمْدارية
(5)
في أيام سيده الظاهر جَقْمَق، ودام إلى سَلَطنة ولده المنصور عثمان. ولما جرت كائنة خلعه أُخرج إلى البلاد الشامية، ودام بها إلى سلطنة المؤيَّد بن إينال، فحضر القاهرة بغير إذن، وصادف حضوره وحضور تمراز، وتغيّظ السلطان عليه وإخراجه من القاهرة، فاختشى إن ظهر أن يناله ما نال تمراز، فاختفى مدّة بعد أن علم السلطان بمجيئه، ولا زال خُشداشيه يتلطّفون به عند المؤيَّد، وهو مصمّم على عَوده من حيث جاء، فعاد لما تسلطن الظاهر خُشقدم قدم ثانيًا، فأمّره عشرة، ثم عيّنه في تجريدة البُحَيرة، وجرى عليه ما قدّمنا ذِكره من قتله.
وكان لا بأس به.
توفي هو وتَنِبك في يومٍ واحد وهو في شبوبيته.
وقُرّر في إمرته بعده يحيى بن يشبُك الفقيه وسِبط المؤيَّد شيخ.
169 -
علي بن محمد بن أحمد بن حسن بن محمد بن محمد بن أبي
(1)
قُتل (سيباي العلائي) في سنة 885 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 3/ 288 رقم 1098، ووجيز الكلام 3/ 915 رقم 2076، والذيل التام 2/ 339، ونيل الأمل 7/ 262 رقم 3141، وبدائع الزهور 3/ 169.
(2)
في الأصل: "شيئًا".
(3)
انفرد المؤلف رحمه الله بترجمة "صنطباي الظاهري"، وذكره في موقعة العربان والعسكر السلطاني بالبحيرة باسم "صَنْطباي قرا". في حوادث شهر ذي القعدة من متجدّدات هذه السنة.
(4)
في الأصل: "شيئًا".
(5)
الجمدارية: من الجمْدار= جاما دار. لفظ فارسي معناه: اللباس داخل البيت. يُطلق على من يتصدّى لإلباس السلطان أو الأمير ثيابه.
بكر بن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن عبد اللَّه بن أحمد بن ميمون القَيسي، القسطلّاني
(1)
، المكي، الحنفي.
الشيخ نور الدين المعروف بابن الزين
(2)
، وهو محمد جدّ جدّه أحمد.
ولد -أعني صاحب الترجمة- في ليلة الجمعة سابع عشر جماد
(3)
الأول أو الثاني، على خلاف وُجد في ذلك في سنة ثمان وتسعين وسبعمائة. وذكر بعضهم في سنة تسع، واللَّه أعلم.
وتوفي بمكة المشرَّفة في ليلة الأحد سابع عشر جمادى الأولى، ودُفن بالمُعلّاة عند أخيه.
170 -
غالب بن بدران
(4)
الشامي، النابلسي.
نقيب الطُلْب للأمير يونس الآقبائي الدوادار الكبير.
كان من عشير بلاد نابلس، وقدم القاهرة فتنقّلت به الأحوال حتى اتصل بخدمة يونس المذكور صيّره نقيب طُلبه، وكان يقرّبه ويأنس به لشجاعته وإقدامه ومعرفته برمي النشّاب.
وكان إنسانًا حسنًا، بشوشًا، مشكورًا.
توفي في هذه السنة.
171 -
غيث بن ندى
(5)
بن مطر بن نصير الدين.
الذي تقدّم ذِكر ولده حمزة.
كان شيخ العربان بجهة من الغربية على ما عرفته، وكان شريكًا لولده. ثم لما جرى على ولده ما جرى خُلع عليه بأن يتولّى المشيخة على مالٍ، وعذّبه ووكّل به لإحضاره، فاتفق أن مات في أثناء ذلك.
وكان شِرّيرًا، كثير الفِتَن والفساد، أراح اللَّه تعالى منه ومن ولده العباد والبلاد.
(1)
انظر عن (القسطلّاني) في: الضوء اللامع 5/ 281، 282 رقم 954، ووجيز الكلام 2/ 748 رقم 1719، والذيل التام 2/ 162، ومعجم شيوخ ابن فهد 176، ونيل الأمل 6/ 139 رقم 2550، وبدائع الزهور 2/ 392.
(2)
في الأصل: "بابن الدر".
(3)
هكذا في الأصل.
(4)
انفرد المؤلف رحمه الله بترجمة (غالب بن بدران) هذا، ولم يذكره في وفيات السنة في: نيل الأمل.
(5)
انظر عن (غيث بن ندى) في: الضوء اللامع 4/ 161 رقم 532، والذيل التام 165.
توفي بعد سَلْخ ولده حمزة باثنين وعشرين يومًا، ودُفن خارج القاهرة.
172 -
قانباي الجركسي
(1)
.
أميراخور كبير.
كان في الأصل من مماليك دُقماق نائب حلب، ثم نُقل إلى ملْك الأمير الكبير الأتابك يشبُك الشعباني، ثم وهبه يشبُك المذكور لجركس المصارع القاسمي أخي الظاهر جقمق. وهو -أعني جركس هذا- مزبور الترجمة، وأجرى عتقه على قانباي هذا، ودام عنده إلى أن قُتل في سنة عشرة
(2)
وثماني ميّة
(3)
. فتنزّل قانباي هذا في جملة الخيل السلطاني، ثم صار خاصكيًّا بعد موت المؤيَّد شيخ، واستمر كذلك مدّة مطوّلة في عدّة دول وهو لا يؤبه به ولا يُلتَفَت إليه، ولا يُعوَّل عليه حتى صار أخو أستاذه مدبّر المملكة للعزيز يوسف ابن
(4)
الأشرف برسباي فأمّره بعنايته عشرة لكونه تولّى لأخيه، ثم لما تسلطن بعد قليل قرّب قانباي هذا وأدناه، واختص به ورقّاه إلى شادّية الشراب خاناه على إمرة طبلخاناه، ثم صيّره من جملة مقدّمين الألوف وشادّية الشراب خاناه مدّة، ثم رقّاه إلى الدوادارية الكبرى بعد تعذيب بدوي المؤذي بحكم وفاته، فنالته السعادة وصار أحد مدبّري المملكة للظاهر جقمق مع ما هو فيه من عدم التدبير والطيش والخفّة وكثرة التهويل، وعظُم مع ذلك في الدولة جدًّا حتى صار هو المشار إليه والمرجع في أمور المملكة والتعويل عليه. ثم وُلّي الأميراخورية الكبرى بعد موت قراقجا الحسني في سنة ثلاث وخمسين، ووُلّي إينال الأجرود الدوادارية الكبرى. وكانت الأميراخورية قد عُيّنت لأسَنْبُغا الطيّاري، فلا زال قانباي هذا بالظاهر حتى ولّاها إيّاه، وترك الدوادارية اقتحامًا على الرياسة، فشتّان ما بينه وبين من عُيّنت له الأميراخورية، فأبى إلّا الدوادارية، وكذا بين من عُيّنت له الأميراخورية بعد أن وعد بالدوادارية فما انشرح للأميراخورية.
وقد وقع هذا بعصرنا هذا في دولة الأشرف قايتباي، وسيأتي ذلك في محلّه في سنة ستّ وثمانين إن شاء اللَّه تعالى.
(1)
انظر عن (قانباي الجركسي) في: النجوم الزاهرة 16/ 315، 316، ووجيز الكلام 2/ 749، 750 رقم 1725، والضوء اللامع 6/ 194، 195 رقم 657، والذيل التام 2/ 164، والدليل الشافي 2/ 529، 530 رقم 1818، والمنهل الصافي 9/ 20، 21 رقم 1826، ونيل الأمل 6/ 137 رقم 2546، وبدائع الزهور 2/ 391.
(2)
في الأصل: "سنة عشر".
(3)
هكذا في الأصل.
(4)
في الأصل: "بن".
ودام قانباي هذا على الأميراخورية إلى أن مات الظاهر وتسلطن ولده المنصور عثمان، وخرج عليه الأتابك إينال، وجرى ما جرى، فكان قانباي هذا رأس العسكر المنصوري بالقلعة وعين القائمين بمحاربة إينال ومن معه من العسكر التحتي، وكان زمام باب السلسلة بيده، وأظهر غاية الجهد في تلك الكائنة، وتجلّد على القتال. وهو الذي كان السبب في تطاول تلك الحرب عدّة أيام على ما تقدّم في محلّه.
ثم لما غُلب المنصور وتسلطن إينال قبض على قانِباي هذا مع جملة من قبض، وأُخرج إلى سجن ثغر الإسكندرية فدام بها مضيَّقًا عليه مدّة سنين إلى موت الأشرف إينال وخلْع ولده. ولما تسلطن الظاهر خشقدم بعث بإطلاقه من سجن الإسكندرية وخروجه إلى ثغر دمياط، فتوجّه إليها، وبها بغته الأجل.
وكان إنسانًا حسنًا، خيّرًا، ديّنًا، صادق اللهجة، سليم الباطن، شجاعًا، مقدامًا، ذا قوّة زائدة.
حكى لي الوالد، رحمه الله، عن قانباي هذا أنه كان يأخذ القوس الكبار فيجرّه بيده ويُعِد ذلك إلى أن يبلغ ستة آلاف جرّة، وربّما زاد. قال: وكان له كرة كبيرة جدًا وصَولجان عظيم، وكان يضرب هذه الكرة بذلك الصولجان فينحدر بها من باب السلسلة وهو حافٍ فيُدْخِلُها بالضرب إلى الميدان، ثم خرّجها من بابه الآخر الذي من ظهر القرافة، ويدور كذلك حول القلعة مجتازًا بها على فارس قطايا أحد أمراء القلعة إلى أن يصل بها إلى الصّوّة إلى باب المدرج، وينحدر بها من المحجر فيدخلها من باب السلسلة من الجهة الأخرى، وهذه طاقة هائلة. قال: وكان يفعل ذلك وهو ماش حافٍ
(1)
. قال: وكان إذا جلس للحكم بمقعد داره كان يجلس وإلى حذائه أربعة
(2)
مطارق من خشب ومعها بزدغاني من فولاذ مورّق كبير، فإذا حضره اثنان من الخصوم ووقفا بين يديه وتداعيا ثم كلّم الظالم منهما على زعمه ولم ينجع في كلامه أخرج له أحد المطارق فقال له: انظر هذا أبو حنيفة يقول لك: اعطِ هذا حقّه، ثم يأخذ الثاني فيقول له: هذا الشافعي يقول لك: اعطِ هذا حقّه. ثم يخرِج الثالث ويقول: هذا مالِك، ويعيد ما قاله أولًا وثانيًا، ثم يخرج الرابع من المطارق فيقول: وهذا أحمد بن حنبل، ثم يقول: فإن أعطيت بالطيبة كما أشاروا هؤلاء
(3)
أهل الشرع بها ونِعْمَت، وإلّا قضا
(4)
قانباي الجركسي، ثم
(1)
الصواب: "وهو ماش حافيًا".
(2)
الصواب: "أربع مطارق".
(3)
هكذا في الأصل. والصواب: "كما أشار هؤلاء".
(4)
هكذا في الأصل. والصواب: "وإلّا قضى".
يخرج البزدغاني ويُرِه
(1)
للظالم على زعمه، ويقول له: إن قانِباي يأخذ منك الحق غصبًا بهذا ويوصله إلى صاحبه.
وكان كثير التودّد إلى الوالد، وبينه وبينه محبّة أكيدة وصحبة قديمة. وكان كثيرًا ما يقوم في قضاء حوائجه وأشغاله حين توجّه الوالد عن الديار المصرية وبعده ويتلطّف بأموره لدى الظاهر جقمق ويتعصّب له جدًّا، وإذا حضر عنده عظّمه وأجلّه ورفع من محلّه.
وكان بقانِباي هذا النفع في أحكامه وخلاص الحقوق، وله عدّة آثار وأبنية، من ذلك جامعه الذي بخطته الذي هو في هيئة زاوية بالقرب من داره، وهو بالرُميلة بلصق خط البارع الكامل، شمس الدين محمد بن
(2)
موسى بن محمود الراميني الأصل، الحنفي، أمام الخانقاه الشيخونية، ثم تركه لولده القاضي شهاب الدين أحمد، ولأخيه يحيى الطفل، وإلى جانب هذا الجامع سبيل حسن، وبالقرب منه مكتب للأيتام للسبيل، وبقرب من ذلك أيضًا حوض سبيل مُعَدّ لشُرب البهائم، وبقرب ذلك الحمّامين الحسنين للرجال والنساء، وغير ذلك من الأبنية في هذا الخط. ومن ذلك أيضًا التربة المعظّمة التي أصلها لأستاذه جركس، ثم جدّدها هو تجديدًا هائلًا، وبها دُفن أستاذه الظاهر جقمق، وقد تقدّم ذكرها غير ما مرة في ترجمة ولده محمد، وفي ترجمة محمد بن الظاهر جقمق، وفي ترجمة الظاهر أيضًا. وهي تربة أنيقة بها خطبة وحضور أيضًا. وكانت مشيختها بيد شيخنا العلّامة التّقيّ الشُمُنّي، وهي بيد ولده الآن، وبها مكتب للسبيل أيضًا.
توفي قانِباي هذا بثغر دمياط بطالًا في يوم السبت رابع عشر ربيع الآخر، وحُمل منها ميتًا كما هو فاستُقدم إلى القاهرة وجُهّز بها وكُفّن، وأحضرت جنازته إلى سبيل المؤمني، ونزل الظاهر خُشقدم فحضر الصلاة عليه، وكانت جنازته حافلة، وحُمل إلى تربته التي ذكرناها فدُفن بها، وكان سنّه يوم مات نحو الثمانين أو زاد عليها، وترك موجودًا كبيرًا.
173 -
محمد بن إينال
(3)
.
الأمير ناصر الدين ابن
(4)
السلطان الأشرف سيف الدين، أبي
(5)
النصر الجركسي الأصل، القاهري، الحنفي.
(1)
هكذا في الأصل. والصواب: "ويُريه".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
انظر عن (محمد بن إينال) في: النجوم الزاهرة 16/ 217، والضوء اللامع 7/ 148 رقم 366، والذيل التام 2/ 164، ووجيز الكلام 2/ 749 رقم 1724، ونيل الأمل 6/ 149 رقم 2554، وبدائع الزهور 2/ 399.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
في الأصل: "أبو".
أحد مقدَّمين الألوف بمصر، وولد السلطان.
ولد بالقاهرة ونشأ تحت كنف أبيه، وقرأ القرآن، وأُدّب وهُذّب، وأُمِّر عشرة في دولة أبيه، ثم تقدمة ألف على ما عرفت ذلك في متجدّدات بعض سِنِيّ دولة أبيه وكيفية خروجه للحج صُحبة أخيه وأبيه، وعرفت كيفية قدومهما وكيفية خروجه مع أخيه أيضًا للسرحة، ثم ما جرى له من إخراجه مع أخيه إلى سجن الثغر السكندري، ثم وفاته بها، وحمْل رُمّته بعد ذلك إلى القاهرة ودفنه بتربة أبيه.
وأنه توفي في يوم الخميس مستهلّ ذي الحجّة، وله نحو السبعة عشر
(1)
سنة. عوّض اللَّه تعالى شبابه الجنة.
وكان شابًا حسنًا، ذكيًّا، فطِنًا، أدوبًا، حشمًا، لم تُعرف له صبوة، وتأسّف عليه أخوه وأمّه غاية التأسّف.
وقد عرفتَ جميع ذلك فيما تقدّم وأسلفناه فلا نعيده.
174 -
محمد بن الفرعة
(2)
.
الشاب الحَسَن، أبو عبد اللُّه المالقي، الأندلسي، المالكي.
كان شابًا حسنًا من أبناء الأعيان ببلده.
ولد بها قبل الخمسين بمدّة سنتين أو ثلاث.
ونشأ بها، أعني مالقة، وقرأ القرآن وشيئًا، وكان قريبًا لقاضي مالقة وخطيبها الشيخ العالم أبي عبد اللَّه بن الفرعة أيضًا الموجود الآن، ربّما نترجمه قريبًا إن شاء اللَّه تعالى في الآتية، فقدم صاحب الترجمة حاجًّا ومعه شيء يتّجر به مع بعض جماعة من أعيان بلده، فحج وعاد إلى الإسكندرية ليعود منها إلى بلده، فأدركه أجله بها بمرض ذات الجَنْب.
وكان من أبناء العشرين فما دونها.
وله سكون زائد، وسمت حَسَن، وتُؤدة وأدب وحشمة، وبراعة وشجاعة فائقة في بني جنسه.
توفي في شهر رجب.
175 -
محمد الفُوّي
(3)
.
(1)
الصواب: "نحو السبع عشرة".
(2)
انفرد المؤلّف رحمه الله بترجمة "محمد بن الفُرعة"، ولم يذكره في نيل الأمل.
(3)
انظر عن (محمد الفُوّي) في: النجوم الزاهرة 16/ 315، والضوء اللامع 6/ 300 رقم 995 =
الشيخ الصالح، المعتقد، المسلّك، الربّاني، الصوفي، أبو عبد اللَّه، المعروف بالنسبة إلى فوَّه.
كان من عباد اللَّه الصالحين وحزبه المفلحين. صحِب جماعة من الأكابر المسلّكين وانتفع بهم وتسلّك. وممّن صحب الشيخ المسلك العارف الربّاني، سيدي إبراهيم الأدكاوي
(1)
، وترقّى إلى أن شهر بمزيد الخير والصلاح، وكثُر اعتقاد الناس فيه.
ولعلّه ولد بُعيد الخمس وثمانين وسبعمائة
(2)
بيسير.
وتوفي في ليلة السبت سلْخ ربيع الآخر.
ودُفن من غده بالصحراء، رحمه اللَّه تعالى.
= وفيه: محمد بن أحمد بن أبي بكر الشمس أبو الفتح، ووجيز الكلام 2/ 747، 748 رقم 1717، والذيل التام 2/ 162، ونيل الأمل 6/ 137، 138 رقم 2547، وشذرات الذهب 7/ 306.
(1)
هو: إبراهيم بن عمر بن محمد بن زيادة البرهان الاتكاوي القاهري الشافعي. مات سنة 834 هـ. (الضوء اللامع 1/ 113 - 115).
(2)
في نيل الأمل 6/ 138 "ولعلّه ولد بعد الخمسين وسبعمائة". وفي الضوء اللامع: "ولد قبل التسعين وسبعمائة تقريبًا".
سنة سبع وستين وثمانمائة
[حال الخليفة والسلطان والقضاة والثواب والأمراء]
استهلّت هذه السنة والخليفة والسلطان فيها على ما هما عليه من الخلافة والسلطنة في التي قبلها.
وجميع ملوك الأطراف على ما هم عليه، وكذا النواب والأمراء والحكام ووُلاة أمور الإسلام وقضاة القضاة، الكلّ على ما هم عليه في الماضية، ما عدا صاحب الحصن -أعني حصن كَيْفَا من ديار بكر.
فإنه في هذه السنة حسن الطويل بن قرايُلُك مَلَكَها بعد الخلف الكائن بعد قتل الملك على ما تقدّم ذلك وعرفتَه.
وما عدا نائب الشام فإنه في هذه السنة تَنَم من عبد الرزاق وليها عن جانَم بحكم فراره على ما عرفت ذلك في الخالية.
وما عدا نائب حلب، فإنه في هذه السنة جانِبَك التاجي، وُلّيها عن الحاج إينال الماضي، ذكر وفاته في الخالية.
وما عدا نائب طرابلس، فإنه في هذه السنة بَرسْباي البجاسي، وُلّيها عن إياس المحمدي الطويل الماضي خبر القبض عليه وسجنه بالإسكندرية، ونقل برسباي هذا إليها من الأميراخورية الكبرى. وكان الأميراخور الكبير عوضه في هذه السنة بَلَبَاي الإينالي المؤيَّدي الذي تسلطن بعد ذلك، ولُقِّب بالظاهر على ما سيأتي.
وما عدا نائب حماة، فإنه في هذه السنة جانِبَك الناصري، وُلّيها عن جانِبَك التاجي لما نُقل إلى نيابة حلب منها. وكانت العادة أن ينقل إلى حلب نائب طرابلس، فما اتفق ذلك. ونُقل جانِبك الناصري هذا إليها من صفد.
وما عدا نائب صفد، فإنه في هذه السنة خيربك القصروي نُقل إليها من نيابة غزة.
وما عدا نائب غرة فإنه كان في هذه السنة شادبك الصارمي وُلّيها عن خيربك نقلًا إليها من أتابكية حلب.
وما عدا نائب مَلَطْية، فإنه في هذه السنة إينال الأشقر، وُلّيها بعد موت جانِبَك الجَكَمي الماضي ذِكر موته في تراجم الماضية.
(وما عدا نائب الكَرَك، فإنه كان في هذه السنة مباركشاه)
(1)
.
وأمّا الأمراء بمصر فعلى ما هم عليه ما عدا أميراخور كبير، وقد عرفته.
وما عدا حاجب الحجّاب فإنه في هذه السنة بُردُبك الجمقدار الظاهري، وُلّيها عن بلباي لما نُقل إلى الأميراخورية كما ذكرناه نقلًا إليها من تقدمة ألف.
وأمّا القضاة فعلى حالهم ما عدا قاضي القضاة الحنفية، فإنه في هذه السنة الشيخ محبّ الدين بن الشحنة، وُلّيها عِوضًا عن شيخ الإسلام السعد بن الديري بحكم استعفائه منها على ما شرحناه. وكانت هذه الوظيفة بيده مدّة مديدة من مدّة تزيد على سنة، وهذه أول ولايات ابن
(2)
الشِحنة لهذه الوظيفة.
وأمّا المباشرون فعلى ما هم عليه في الخالية، ما عدا كاتب السرّ، فإنه في هذه السنة الزين بن مزهر، وهو على ذلك إلى يومنا هذا، ووُلّيها عن البرهان الديري على الصفة الماضية في الخالية.
وما عدا ناظر الجيش، فإنه كان في هذه السنة التاج بن المقسي، وُلّيها عن الزين بن مزهر لما نُقل لكتابة السرّ.
وما عدا الوزير فإنه كان في هذه السنة الشرف يحيى بن الصنيعة، ولّيه عوضًا عن ابن الأهناسي بحكم القبض عليه على ما مرّ جميع ذلك.
(1)
ما بين القوسين عن الهامش.
(2)
في الأصل: "بن".
ذِكر نُبَذٍ
(1)
من المتجدّدات اليومية في هذه السنة القمرية
[شهر المحرّم]
[تهنئة السلطان بالشهر والعام]
كان أول هذه السنة بالسبت، ففيها في المحرّم في هذا اليوم طلع القضاة إلى القلعة وهُنّيء السلطان بالشهر والعام، وكانت جميع نواب البلاد الشامية حين استهلال هذه السنة بعساكرهم بحلب لحفظها من جانَم إنْ قصدها.
[تماثُل السلطان للشفاء]
وفيه -أعني هذا اليوم- نَصل السلطان من الوعك الذي كان حصل له وهُنّئ بالعافية حين هُنّئ بالعام والشهر، ودقّت البشائر بالقلعة وعلى أبواب الأمراء بعافيته. وكان قد لازم الفراش مدّة على ما أشرنا إلى ذلك فيما تقدّم في الخالية
(2)
.
[خلعة السلطان على الأطبّاء]
وفيه، في يوم الخميس سادسه خلع السلطان على رئيس الطب وعلى آخرين من الأطبّاء وعلى جماعة من السّفارة وعلى جماعة ممن لهم عادة بذلك في مثل ذلك
(3)
.
[حنق السلطان على مُغلباي البجاسي لعَوده من قبرس ذون إذن]
وفيه، في يوم الجمعة رابع عشره ورد الخبر إلى القاهرة بأن مُغلباي البجاسي الماضي حين بعثه إلى قبرس وصل من جزيرة قبرس لثغر دمياط بغير إذن من
(1)
في الأصل: "نُبذًا".
(2)
خبر شفاء السلطان في: نيل الأمل 6/ 151، وبدائع الزهور 2/ 400.
(3)
خبر الخلعة في: النجوم الزاهرة 16/ 274، ونيل الأمل 6/ 151.
السلطان وترك بقبرس جانبك الأبلق، فحنق منه السلطان غاية الحنق وتغيّظ منه، وظُّن أن العسكر لما سمعوا بمرضه جاؤوا
(1)
، لا سيما وهم أشرفية وإينالية، وجرت أمور وخطوب يطول الشرح في ذكرها، ثم خرج أمره بعودهم من حيث جاؤوا
(2)
، بعد أن كان رسّم بشنق مُغلباي وشُفع فيه، وفي عَوده وعَود العسكر لأنه ما بقي يمكن ذلك عادة، وآل الأمر بعد خطب عظيم إلى نفي مُغلباي إلى القدس بطّالًا، وأبطل عَود الغزاة. وباللَّه العجب من مُغلباي هذا، فإنه كان مع آياس حين جاء بغير إذن وهو أكبر شأنًا منه، ورأى ما جرى عليه من هذا السلطان في مثل هذه الكائنة بعينها، وحضر هو بغير إذن، لكن لا مفرّ من القضاء
(3)
.
[وصول قايتباي المحمودي]
وفيه، في يوم الإثنين، سابع عشره، وصل قايتباي المحمودي شادّ الشراب خاناه بعد تقليده جانبك التاجي نائب حلب
(4)
.
[عودة الحجّاج بحمولهم]
وفيه في يوم الثلاثاء، ثامن عشره، وصل جماعة كثيرون من الحاج بحمولهم وأثقالهم، وكان ذلك من النوادر في هذه الأيام، وقلّ أنْ وقع ذلك في القريب من هذا الزمان، ثم وصل أمر الأول في يوم الأربعاء تاسع عشره، وطلع الناصري محمد ابن
(5)
الأتابك جَرِباش إلى القلعة، وخلع السلطان عليه، ووصلت أمّه الخَوَنْد شقراء في هيئة الأمن والسلامة
(6)
.
[وصول المحمل]
وفيه، في يوم الخميس، عشرينه، وصل المحمل، ودخل بُردُبك البَجْمَقْدار إلى القاهرة بجميع الحاج، وطلع بُردُبك هذا إلى السلطان فخلع عليه على العادة.
ومن غريب ما وقع أن الحاج لما قدِموا القاهرة أخبروا بأنهم سمعوا وبلغه
(1)
في الأصل: "جاوا".
(2)
في الأصل: "جاوا".
(3)
خبر حنق السلطان في: نيل الأمل 6/ 151، 152، ومنتخبات من حوادث الدهور 437، وتاريخ طرابلس 2/ 192.
(4)
خبر وصول قايتباي في: نيل الأمل 6/ 152.
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
خبر عودة الحجّاج في: النجوم الزاهرة 16/ 274، ووجيز الكلام 2/ 751، ونيل الأمل 6/ 152، وبدائع الزهور 2/ 400.
مرض السلطان بتلك البلاد، وحسب يوم بلغهم ذلك وشهر عندهم الخبر بمرضه أنه كان قبل أن يمرض بيومين أو بيوم هكذا أشاعوا
(1)
.
ثم إنّني رأيت في تاريخ الجمال ابن
(2)
تغري بردي يذكر عن نفسه أنه سأل من الناصر بن محمد بن جرِباش عن ذلك، وقد بلغهم ذلك فأخبره أنه بلغهم الخبر وشُهر بالمدينة الشريفة. قال: فحسبنا الأيام فكان يوم سمعوا فيه خبر مرض السلطان قبل أن يمرض بيوم أو يومين، وهذا من النوادر الغريبة
(3)
.
وفيه ( ................................. )
(4)
.
[شهر صفر]
[ضرب المحبّ الأسلمي ناظر الدولة]
في يوم السبت، سادس هذا الشهر، وكان اليوم الثالث من ولايته، فلما حضر بين يديه (
…
)
(5)
من أمر به فبُطح ثم ضُرب ضربًا مُبرحًا كاد أن يهلك منه، ثم أمر به فجعل في عنقه سلسلة من الحديد، وسُلّم لوالي الشرطة، وأمره أن يستخرج منه ستّة آلاف دينار، وقاسى من الشدائد والأهوال ما لا مزيد عليه، وآل أمره بعد اللُتيّا والتي إلى أن حُمل ثلاثة آلاف دينار بعد أن صار مُثْلة للناس، وأُقعد بسبب ذلك، لا جوزي خيرًا عن ذلك ( ...... )
(6)
بيع دينه بدنياه فذهبا معًا، وكان عظةً لمن يتّعظ، وكان مثله كمثل الباحث عن حتفه بظلفه، فلا حول ولا قوّة إلّا باللَّه.
وفي ذلك أنشدت:
(
…
…
…
)
(7)
…
بتأويل النفوس
(
…
…
…
)
(8)
…
وفيه تبدأ العكوس
[وزارة الإهناسي ونظارة الخاص]
وفيه، في يوم الخميس، حادي عشره، استقرّ العلاء بن الإهناسي في وظيفة الوزر ونظارة الخاص معًا، عِوضًا عن الوزير يحيى بن الصنيعة، وعن الشرف
(1)
خبر وصول المحمل في المصادر السابقة.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
النجوم الزاهرة 16/ 274.
(4)
الصفحة سيئة بكاملها.
(5)
كلمة واحدة غير واضحة.
(6)
كلمتان ممسوحتان.
(7)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(8)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
الأنصاري في الخالص، وخلع عليه بهما، ونزل لداره (
…
…
)
(1)
وهرع الناس إليه للسلام عليه
(2)
.
[ولاية ابن الصابوني وكالة بيت المال ونظر الجوالي]
وفيه أيضًا استقرّ العلاء بن الصابوني في وكالة بيت المال (
…
…
)
(3)
ونظر الجوالي، كل ذلك عوضًا عن الشرف الأنصاري، وكان العلاء (
…
)
(4)
ثانيًا من دمشق
(5)
.
[ولاية نظر البيمارستان]
وفيه في يوم السبت، ثالث عشره، وُلّي العلاء بن الصابوني نظر البيمارستان المنصوري عوضًا عن الشمس محمد بن المزاحم بعد صرفه
(6)
.
[إلباس ابن الكويز من ملابس السلطان]
وفيه، في يوم الثلاثاء، سادس عشره، ظهر ابن
(7)
الكُوَيز الزين عبد الرحمن من اختفائه وصعِد إلى القلعة، فأقبل السلطان إليه، وألبسه سلّاريًّا من ملابسه ونزل إلى داره
(8)
.
[التوكيل بالشرف الأنصاري]
وفيه وُكّل بالشرف الأنصاري بالبحرة من القلعة، وطُلب منه عمل الحساب، و (
…
…
…
…
…
…
)
(9)
بعد أيام على سبعة آلاف دينار يحملها (
…
…
…
)
(10)
.
(1)
كلمتان ممسوحتان.
(2)
يخبر وزارة الأهناسي في: النجوم الزاهرة 16/ 274، ونيل الأمل 6/ 153، وبدائع الزهور 2/ 400.
(3)
كلمتان ممسوحتان.
(4)
كلمة واحدة.
(5)
خبر ابن الصابوني في: نيل الأمل 6/ 153، وبدائع الزهور 2/ 400.
(6)
خبر البيمارستان في المصادر السابقة.
(7)
في الأصل: "بن".
(8)
خبر ابن الكويز في: نيل الأمل 6/ 153.
(9)
مقدار ست كلمات غير واضحة.
(10)
مقدار ثلاث كلمات غير واضحة. وخبر التوكيل انفرد به المؤلّف رحمه الله.
[إمرة هوّارة]
وفيه، أعني هذا اليوم قُرّر في إمرة عربان هوّارة الأمير شرف الدين يونس بن إسماعيل، وصُرف سليمان بن علي ولد عمّه
(1)
.
[محنة ابن المزلّق]
وفيه في يوم الثلاثاء ثالث عشرينه، قدم البدر حسن بن المزلّق من (
…
)
(2)
جانِبَك دوادار نائب جدّة، وآل أمره أنْ قُبض عليه بعد ذلك في يوم الأربعاء رابع عشرينه. وكان من خبر ذلك أن السلطان كان بعث قبل تاريخه بالقبض على ابن
(3)
المزلّق هذا وسجنه بقلعة دمشق، وكان بعض أصحابه بالقاهرة (
…
) الإسراع بالخروج إلى دمشق (
…
…
)
(4)
قبل وصوله إلى دمشق، فخرج هو منها مسرعًا إلى القاهرة، فلما وصلها اختفى بها أيامًا، ثم ظهر وصعِد القلعة، فألزمه السلطان بحمل خمسة عشر ألف دينار، فأخذه جانِبك نائب جدّة إلى داره كالضامن له، وأظنّه شفق عليه، فما هو إلّا أن هرب من داره، فلما قبض عليه وأُحضر إلى السلطان غضب عليه جدًّا وحنق منه، ثم أسلمه لجانبك ثانيًا بعد أن وضع الحديد في عنقه، ثم آل أمره أن بعثه جانبك إلى دار أزبك من طَطَخ الظاهري، فحمل ما قدر عليه، وبقي على نظر الجيش بدمشق
(5)
.
[ربيع الأول]
[تعيين ابن جلود في كتابة المماليك]
واستهلّ شهر ربيع الأول بيوم الثلاثاء، وفي هذا اليوم استقرّ علم الدين ابن
(6)
جلود القِبطي، (
…
)
(7)
المكنَّى بأبي الفضل في وظيفة كتابة المماليك
(8)
.
وسيأتي التعريف بابن جلود هذا في سنة وفاته، وهي سنة اثنتين
(1)
خبر إمرة هوّارة في: نيل الأمل 6/ 154، وبدائع الزهور 2/ 401.
(2)
كلمة غير واضحة.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
كلمتان ممسوحتان.
(5)
خبر ابن المزلّق في: نيل الأمل 6/ 154، وانفرد به المؤلّف رحمه الله.
(6)
في الأصل: "بن".
(7)
كلمة ممسوحة.
(8)
خبر تعيين ابن جلود في: النجوم الزاهرة 16/ 274، ونيل الأمل 6/ 154، وبدائع الزهور 2/ 401.
وسبعين
(1)
، وبولده عبد الكريم
(2)
في سنة إحدى وثمانين، إن شاء اللَّه تعالى.
[إمرة الحاج]
وفيه في يوم الإثنين، سابعه، قُرّر في إمرة الحاج بالمحمل بُردُبك المحمدي الظاهري، المعروف بهجين أحد مقدّمين الألوف
(3)
.
[خلعة الرضا لابن المزلّق]
وفيه خُلع على البدر حسن بن المزلّق خلعة الرضا
(4)
بعد أن حمل جملة من المال مستكثرة، ومع ذلك فالمطالبة لم تنفكّ.
(عمل السلطان مولدًا للخَوَند الأحمدية)
(5)
وفيه، في يوم الأحد، ثالث عشره، عُمل المولد النبوي بالحوش على العادة في ذلك في كل سنة، ثم أصبح السلطان من غده فعمل مولدًا آخر لزوجته الخَوَند شُكْرْبَاي الأحمدية، ولم يحضره القضاة ومقدّمين
(6)
الألوف، وعُدّ عمله من النوادر
(7)
.
[تلمسان تدخل بحوزة السلطان المتوكل]
وفيه في يوم الثلاثاء، ثاني عشرينه، وردت الأخبار إلى تونس من صاحبها السلطان المتوكل على اللَّه عثمان بأنه أخذ تلمسان وأقام بها صاحبها محمد بن أبي ثابت نائبًا عنه، وأنه عاد راجعًا بعد تقرير الحال، فدُقّت البشائر لذلك، وزُيّنت تونس زينة هائلة غريبة عجيبة على طريقة تلك البلاد بهيئة غريبة لم أرها بهذه
(1)
في الأصل: "سنة أربع وسبعين"، وهو سهوّ من المؤلّف رحمه الله، والصحيح ما أثبتناه، وسيأتي في وفيات 872 هـ. برقم 392 في من اسمه "محمد بن إسحاق"، وهو في آخر وفيات 872 هـ. في نيل الأمل 6/ 338 رقم 2740 وهي مختصرة. وذكره السخاوي بلقبه "علم الدين"(الضوء 11/ 63 رقم 515).
(2)
انظر عن (عبد الكريم بن محمد بن إسحاق القبطي- ابن جلود) في: الضوء اللامع 4/ 316
رقم 860، ووجيز الكلام 3/ 879 رقم 2010، والذيل التام 2/ 302، ونيل الأمل 7/ 167، 168 رقم 3018، وبدائع الزهور 3/ 123.
(3)
خبرة إمرة الحاج في: نيل الأمل 6/ 155.
(4)
في الأصل: "الرضى".
(5)
العنوان من الهامش.
(6)
الصواب: "ومقدّمو".
(7)
خبر عمل المولد في: النجوم الزاهرة 16/ 274، ونيل الأمل 6/ 156، وبدائع الزهور 2/ 402.
البلاد. ولم يزالوا على ذلك مدّة أيام وأظهروا من الفرح والسرور ما عنه مزيد
(1)
.
وكان من خبر أخذ تلمسان ما قدّمناه لك فقط. ثم كان من أمر صاحب تونس
وقدومه إليها ما سنذكره.
[اختفاء الأستادّار]
وفيه في يوم الخميس، رابع عشرينه، اختفى زين الدين الأستادّار
(2)
.
[تعيين قاسم الكاشف في الاستادّارية]
وفيه في يوم السبت، سادس عشرينه، استقرّ في الأستادّارية قاسم الكاشف عوضًا عن زين الدين بعد أن طلب السلطان منصور بن الصفيّ حين اختفاء الزين، وأراد أن يولّيه الأستادارية فأخذ يشترط على السلطان شروطًا أنِف السلطان عنها ولم يرض بها، ثم طلب قاسم هذا فولّاه ولم يعرّج على منصور
(3)
.
[ضيافة الخواجا البنيولي لكبار التجار بتونس]
وفيه، في يوم الأحد، سابع عشرينه، جمع التاجر المعظّم والخواجا المكرَّم الحاج أبو القاسم البنيولي
(4)
، الغَرناطي، الأندلسي، نزيل تونس وكبير التجار بها جماعة من أعيان التجار من أصحابه والحجّاج، منهم من أهل الأندلس وغيرهم، وعمل لهم ضيافة حافلة بمكان من أجِنّة تونس يقال له "رأس الطابية"، من متنزّهات ملوك تونس وأمكنة فُرَجهم
(5)
.
[صفة الجنان رأس الطابية بتونس]
وكنت في ذلك اليوم ممّن دُعي لهذه الضيافة، فرأيت هذا الجنان في غاية الإتقان والحسن، به مكان كالقصر برسم السلطان ثلاث طباق، عظيم إلى الغاية، أنيق البناء، فرج نزِه، بناء ملوكي على صفة غريبة، وهيئة عجيبة، وبه بركة ماء عظيمة كبيرة جدًّا، وبه شيء يقال له المحتشة برسم جريان الماء فيه نُقر في حجر كالرخام، يدخل الماء إليه من جهة ثم تجول في جولات يجرين في أوضاع
(1)
خبر تلمسان في: نيل الأمل 6/ 156.
(2)
خبر اختفاء الأستادار في: النجوم الزاهرة 16/ 274، ونيل الأمل 6/ 156، 157، وبدائع الزهور 2/ 402.
(3)
خبر تعيين قاسم في المصادر السابقة.
(4)
هكذا في الأصل. ولم أتأكد من صحتها لعدم ورودها في المصادر.
(5)
خبر الضيافة انفرد به المؤلّف رحمه الله.
محفورة نقرًا في هذه البلاطة على هيئة دائرة واسعة، متداخلة النقور، بديعة الصفات، تسُرّ الناظر وتشرح الخاطر، وهي من النوادر، يجول فيها الماء كأنه حنش، وتتعاكس الجولان عدّة معاكسات، غريبة الهيئات، ثم هيّأوا من جملة هذه الضيافة مأكولًا يقال له المجبنة من مأكول الأندلس
(1)
.
(صفة المجبنة)
(2)
وصفته جبن طريّ يُدعك بالأيدي حتى يصير كالعجين، ثم يُعجن الثميد عجنًا محكَمًا مملوكًا جيدًا حتى يصير في قوام عجين الزلابية بهذه البلاد أو أغلظ قوامًا به بيسير، ثم يؤخذ منه قطعة تبسَط بالكفّ بلطافة وشباقة، ثم يُجعل عليها قطعة من الجبن المدعوك، وتجمع حتى يصير الجبن حشوًا لها، ثم يُبسط قليلًا، ثم يُلقى في الطاجن وهو على النار بالدُهن فيُقلَى ثم يُرفع ويُرش عليه السُّكّر المدقوق ناعمًا، ومعه اليسير من الكمّون، وعُمل ذلك بين يدي الحاضرين. وتولى عمله بعضٌ من الجماعة من ظُرفائهم، وكان يومًا معدودًا من الأعمار، سالمًا من الأغيار، اجتمع فيه عدّة من ظرفاء أهل الأندلس وأعيانها من طلبة عِلم وتجّار كلّهم أهل ذكاء
(3)
.
[مذاكرات علمية وأدبية وتاريخية في متنزّه تونس]
176 -
وحصلت مذاكرات علمية أدبية تاريخية إلى غير ذلك، وكان من جملة الجماعة الكاتب المُجيد الباهر، والشاعر الفريد الماهر، الذكيّ النيِّر، محمد الخيِّر
(4)
، المالقي، أحد أدباء بلاده، وشعراء عصره، فأنشدنا في هذا المجلس لنفسه بديهة، وكان قد هبّ النسيم فأنعش بهبوبه، وأذكر المحبّ بحبوبه:
وقالوا: شفاء في النسيم الذي سرى
…
على مسقط الأنداء وهو بليلُ
ولم يشفِني ذاك النسيم لأنّه
…
طبيبٌ يداوي الناسَ وهو عليلُ
والخيّر هذا أحد الكَتَبَة بالأندلس من أعيانها، وفُصَحاء شعرائها.
ولد بمالقة في سنة 831 وبها نشأ.
فقرأ القرآن العظيم، وشيئًا في الفقه وغيره، وتعانى الأدب، وبرع في فنّه،
(1)
وصف الجنان انفرد به المؤلف رحمه الله.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
خبر المجبنة انفرد به المؤلّف رحمه الله.
(4)
انفرد المؤلف رحمه الله بترجمة "محمد الخيّر المالقي".
ونظم ونثر، وقال وشَعَر، وكتب الخط الحسن الجيّد على طريقة أهل بلاده، وكتب لبعض الملوك، ثم قدم تونس في سنة أربع وستين وثمانمائة واتصل بخدمة المنصور باللَّه محمد بن عثمان صاحب تونس وامتدحه، فقرّبه إليه وأدناه واختصّ به وجعله كاتبه، ثم عارضه في ذلك أحمد الخلوف حين قدم على المنصور هذا، وجعله أيضًا كاتبه، فتعارضا وبقي بُغْض كلٍّ من صاحبه، وداما على ذلك مدّة في تنافس ومعارضات بالتُهَم وغيره، إلى أن خرج أحمد الخلوف من تونس لأمرٍ أوجب ذلك سنذكره في محلّه في متجدّدات سنة سبعٍ وسبعين وثمانمائة إن شاء اللَّه تعالى، فعاد الخيّر إلى الاختصاص بالمنصور والابتدار بالكتابة له. ثم لما عاد الخلوف من القاهرة إلى تونس عاد لِما كان عليه، وعاد ما كان منهما من التشاجر.
ثم بلغني في هذه السنة التي هي سنة ثمانٍ وثمانين بأنّ الخيّر هذا قد حصل له خلل في عقله، وأنه تجرّد عن ثيابه، فأشفقت عليه وعلى شبابه. أحسن اللَّه تعالى عاقبة أمره.
وبلغني أن شخصًا كان في خدمة الخلوف هذا في حين حضوره للقاهرة إلى الحج يقال له (
…
…
)
(1)
قد استكتبه المنصور وانعزل على الخلوف وأبعده عنه مدّة حتى حصل له القهر الذي ما عنه مزيد. لكنْ بلغني أنه رضي عليه المنصور بعد ذلك وأعاده لِما كان عليه بعد أن ذاق ذلًّا وهوانًا، وأظنّ ذلك بذنب ذلك المسكين الخيّر.
[ربيع الآخر]
[التهيّؤ لاستقبال الملك عثمان]
وفيها في أول ربيع الآخر
(2)
وردت الأخبار لتونس بوصول صاحبها عثمان وقربه من تونس، فتهيّأ الكثير من الأعيان والناس للقائه.
[قضية جُلَيل البغدادي]
177 -
وفيه في يوم الخميس ثانيه بتونس خرج جُلَيل
(3)
السيد الشريف البغدادي العراقي على زعْمه بأنه سُيّر لملاقاة عثمان صاحب تونس. وكان الخبر قد
(1)
بياض في الأصل مقدار كلمتين.
(2)
في الأصل: "ربيع الأول" وهو سهو.
(3)
في الأصل: "خرج جُليلًا".
ورد قبل ذلك بأن شخصًا من الأشراف حضر من القاهرة لاستحضار صاحب تونس، ثم ظهر أنه هذا الرجل الموجود الآن بالقاهرة المسمّى بيوسف المعروف بالقطب العراقي البغدادي نزيل القاهرة.
ثم بلغني كيفية خروجه من القاهرة، وأنه لما بلغه تعظيم الشُرفاء بالمغرب وما هم فيه من الرفعة وجلالة القدر، وبلغه ما هو فيه جُلَيل العراقي الدَّعيّ أنه من الشرفاء من الحُرمة والوجاهة عند صاحب تونس، فأدّاه رأيه إلى السفر إلى تونس، فجمع جمعًا عظيمًا من أوباش العجم السِفلة والأطراف من القلندرية
(1)
وغيرهم من المُتَكدّين بالقاهرة، وأنه نصب خيمة عظيمة تحت الصور بالرُميلة بإزاء قلعة الجبل، ونشر أَلْوية وأعلامًا، وضرب طبولًا، وجمع عدّة من الجِمال وغيرها
(2)
من الدوابّ بضروب من الحِيَل، وكثُر عليه الغوغاء. واتفق أن الظاهر خُشْقَدم جلس في بعض ليالي المواكب بالقصر، فرأى ما أهاله من ذلك الجمع وكثرة اللغط والعياط
(3)
وضرْب الطبل، واجتماع السواد الأعظم من الناس، ورأى خيمة كبيرة وإلى جانبها عدّة من الخيام وكثير من الأعلام، فسأل عن ذلك، فأخبر بالقضية، فأمر بالنزول إليه وفَلّ جمعه، وضرْبهم، وقلْع خيامهم، وتخريق أعلامهم، فبدر هو لما بلغه ذلك بالطلوع إلى الظاهر بهيئته من كِبَر عمامته جدًا التي عمّها على قُبَع كبير جدًا، بحيث صارت مهولة، مع إرخاء عَذَبةٍ نازلة مسبولة خلف ظهره من تلك العمامة التي ما شُوهد مثلها في العمائم، وعليه الثياب الواسعة الأكمام بالغالب، المسبولة من وراء ظهره، فاجتمع بالسلطان وأخذ يداخله من باب ساسان، فقال له: أنا رجل غريب شريف من آل بيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، غازي، مجاهد في سبيل اللَّه، وقد جمعت طائفة من الفقراء مطّوّعة، وقصدت أن أتوجّه لبلاد المغرب لجهاد الكفّار، وأنا تحت حرم السلطان وفي جواره، وإليه التجائي واستنادي، فلِمَ هذا التشويش عليّ وما سببه؟ فكفّ الظاهر عنه وانخدع له، وأمره بأن يكون على ما هو عليه، بل وأعطاه مبلغًا، يقال: ثلاثمائة دينار، ثم بعد أيام من ذلك خرج من القاهرة وقد انضمّ إليه واجتمع عليه جماعة من صعاليك المغاربة أيضًا، وكبر جمعه، فتوجّه قاصدًا المغرب على طريق برقة، ولما اجتاز بها ثار به
(1)
القلندرية: طائفة وفرقة صوفية تميّز أصحابها بحلق رؤوسهم وشواربهم ولحاهم وحواجبهم. وهي كلمة أعجمية تعني: المحلّقون. ولهم مكان خاص بهم يجتمعون فيه يعرف بالقلندرخانة. (معجم المصطلحات 353).
(2)
مكرّرة في الأصل.
(3)
العياط: بالعاميّة المصرية: البكاء. وفي بلاد الشام: الصراخ.
عربان علي بن فايد وأرادوا أخذه، فلم يزل بهم وأظهر لهم أنه من الأولياء وأهل الصلاح حتى كفّوا عنه، بعد أن نهبوا شيئًا من متاعه ومتاع من معه لا يُعبأ به، فلما خلص نجيًّا حلّ بقومٍ من العربان يعادون هذه الطائفة فأثارهم على أولئك، وأركب كبيرَهم فرسه ووعده بإمراره ومعاونته بجماعته، ووعدوه هم بخلاص ما أخذ له أعداؤهم
(1)
من المتاع. وثارت بين هؤلاء وأولئك حرب هُزم فيها جماعة الشريف هذا ومن معه من العربان، ولا زالوا في الهزيمة إلى أن وصلوا بهم إلى حيث هو نازل، فنهبوه نهبًا ذريعًا، وهدّوا خيمته وغالب ما كان معه ومع جماعته، وحنقوا منه ولم يبق من قِبله إلّا اليسير، ثم تركوه لأجل شرفه على زعمه، ففرّ بنفسه، ولم يزل حتى دخل إلى طرابُلُس المغرب، وكان قائدها إذ ذاك أبو النصر بن جاء الخير، الآتية ترجمته في محلّها وشيء
(2)
من أخباره قبل ذلك إن شاء اللَّه تعالى، فشكى إليه الشريف هذا ما حلّ به وما قاساه من علي بن فايد، وادّعى أنه أخذ منه شيئًا كثيرًا، من ذلك جوهرة كبيرة ثمينة أحضرها تحفةً لصاحب تونس، وكانت مخبّأة بعمامته، وأنه أخذ له مبلغًا من المال، وسمّى شيئًا له جُرم وصورة، وهو كاذب في ذلك جميعه، وما عند قائد طرابلس من كذِبه خبر، فظنّ الأمرَ على جليّته لمكان شرفه، فاختشى من غائلة هذا الخبر وعاقبة أمره، وأن يعود عليه العائد من قِبَل صاحب تونس، فإنّ ذلك كان بالقرب من عمل بلاده، فانتدب عدّة من الفرسان من جماعته كالقُصّاد إلى علي بن فايد، وهو يوبّخه على ما فعله مع الشريف ويخوّفه عاقبة ذلك من صاحب تونس، ويأمره بأن يعيد جميع ما أخذه منه، وإلّا حلّ به من صاحب تونس النكال، بعد أن تدخّل على القُطب هذا بأن يقيم بطرابُلُسَ إلى حين عَود الجواب، فبعث إليه ابن
(3)
فايد بالخيمة التي أخذها وبعض أثاث، وحلف يمينًا أنه ما أخذ له غير ذلك، واستمرّ مصمّمًا على دعواه، ولا مَن يصدّقه عليها من جماعته، بل ربّما كذب خفية، واجتهد قائد طرابُلُس حتى اطّلع على كذبه، فتركه، وخرج هو من طرابُلُسَ قاصدًا تونس، فاتفق وصوله لإقليم تونس حين عَود صاحبها عثمان من تِلمِسان، وكان قد توجّه لأخذها كما بينّاه.
ولما بلغ الشريف جُلَيلَ مجيءُ القُطب هذا وتحقّق أنه إنما جاء بسببه لأذاه لحسده إيّاه، فخرج من تونس وتلقّاه قبل اجتماعه بالسلطان، فترحّب به لأنه من
(1)
في الأصل: "اعداهم".
(2)
في الأصل: "وشيئًا".
(3)
في الأصل: "بن".
بلده، فيقال: إن جُلَيل هذا كان ببلده من أسافل الناس، وليس بشريف، وأن والده كان غاسل الأموات ببغداد، وأنه لما ضاق بولده جُليل هذا الحال خرج من بغداد، وتنقّلت به الأحوال حتى دخل بلاد المغرب، فادّعى الشرف، وراج بسبب هذه الدعوى على أهل المغرب، وجال الكثير من أقطارها وأثرى، وأحضر بأخرة لصاحب تونس، وحصل له منه المال الطائل والرواتب الجليلة، وصار له شهرة وذِكر، بل كان لأحد الأمراء الأكابر بتونس، وبلغ القطب ذلك وهو بالقاهرة فداخَلَه من الحسد من أمره ما لا يُعبّر عنه، واجتهد إلى أن وصل إلى تونس على ما بيّنّاه لك. وبلغ ذلك جُلَيل وعرف مقصده، فأخذ في تلافي هذا الأمر، فتلقّاه كما قلناه قبل أن يجتمع بأحد، وأخذ يتلطّف في شأنه بعد أن أحضر إليه مبلغ ثلاثمائة دينار، على ما قيل هناك، وبلغني.
وقال لي القُطْب: لا بل كانت كيسًا فيه خمسمائة دينار، ولا أصدّقه على ذلك، لكونه كثير الكذب والمجازفة، فيقال إن جُليلٍ هذا قال له: خذ هذه وأنا وأنت غريبان، فاستُرْ عليّ، وأصير أنا وأنت شيئًا واحدًا، ونتعاضد على المقاصد، وأزكّيك عند صاحب تونس مع تعظيم لك، وأقول له: هذا من شرفاء بلدي، فإنني مقرّب إليه، مختصّ به. فاستشاط القطب هذا وأخذ في إساءته على جُليل المذكور والفحش في حقّه، ولكنّه في الملأ العام فإنه ليس بشريف، على أنه هو أيضًا من مقولته، بل وأفحش، فإنه قيل عنه إنه ليس من مسلمي الأصل، فضلًا عن أن يكون شريفًا، بل يقال إنه من المجوس، واللَّه أعلم.
ثم بلغ صاحبَ تونس ذلك فكان سببًا لحطّ قدْر جُليل هذا عنده. ثم اجتمع القطب هذا بصاحب تونس قبل دخولهما إليها، فترحّب به وأركبه فرسًا من خيله بعد أن ألبسه جبّة وقابلارًا، وهو المسمّى بالرأس بتونس، وبالقابال بالأندلس، واستفسره عن حال جليل هذا، فأوضح له أنه ليس بشريف، وتكلّم في حقّه بكلام كثير، وأنه ليس من ذي وجاهة وعراقة، فضلًا عن الشرف، وأوسع المقال في ذلك على عادة طيشه وخفّته وتهوّره في كلامه بالزائد والناقص. ثم أخذ تعريفه نفسه (
…
)
(1)
وفي تعظيمها، فاستشعر منه صاحب تونس ما قال هو في حق غيره، بل وصرّح جليل بذلك وعكس المسألة، ووقع التعارض الكبير. ثم تنبّه صاحب تونس على السؤال عن أحوال شرفاء بلده، بل بلاده، واستشعر بأن كل من قام يدّعي الشرف يمكنه ذلك. وآل الأمر في ذلك بعد الخَبْط الكبير، وجمْع العلماء إلى أن أبعد من تونس في يوم واحد نحوًا من الأربعين نفرًا كانوا قد عُدّوا من الشرفاء،
(1)
كلمة طُمِست بالحِبْر.
وتسلسل الحال، وحصل بواسطة ذلك الضرر ما لا مزيد عليه. ثم أرجف بأن السلطان مُطالبٌ جُلَيل بما استأدّاه في مدّة أربع عشرة
(1)
سنة، وحُسِب ذلك فكان شيئًا كثيرًا. ثم لم يكن ذلك، لكن قطع ما كان مرتّبًا باسمه، وبقي في غاية الخجل من السلطان ومن أعيان تونس، وحصل عليه من النكد والتشويش ما لا عنه مزيد، بعد أن سأله السلطان في إظهار ما يشهد له بصحة نسبه، فاعتذر بما لا يفيد ولا طائل تحته. ثم بعث إلى القاهرة بولده بعد شهور، فأثبت له بها نَسَبًا اللَّه أعلم بصحّته. يقال إنه بَذل في ذلك مالًا كثيرًا
(2)
وتكلّف فيه، ثم لم يشكر أحد القطب على ما فعله على هذه الصفة، بل كان ذلك سببًا لأن يُسأل هو أيضًا عن نسبه، فأجاب بأن معه مُحضر بذلك. فأمر صاحب تونس أحد أعيان دولته محمد بن الكمّاد صاحب الأشغال بتونس، وهو كناظر الخاص بهذه البلاد أو نحو [5]، أن يحرّر له هذه القضية، وينظر ما بيد القُطب من المستند الشاهد له بالشرف، فأخرج له المحضر وعليه خطوط جماعة من المصريّين، وهو ثابت على العَلَم البُلقيني قاضي القضاة بشهادة جماعة من أهل العراق، فطلب من يشهد له على هذه الخطوط، فعجز عن ذلك، فبعث ابن
(3)
الكمّاد إليّ يسألني في الحضور إلى عنده، فتوجّهت إليه ولا شعور لي بهذه القضية وإنّما اطّعلت عليه بأخرة، فأخرج لي المحضر وعليه خط العَلَم البُلقيني، فقال لي: أتعرف هذا خط مَن في بلادكم؟
فقلت: نعم هو خط شيخ الإسلام قاضي القضاة العَلم بن البُلقيني.
فاكتفى بذلك استئناسًا لإعلام السلطان.
ثم أوقفني على القضية برمّتها. ثم بلغ جُليل ذلك فطعن فيه وقال: إنه من بلاد أو من مصر
(4)
.
ثم آل أمر القطب هذا أن أنزله صاحب تونس هو وجماعته بمكان، ورتّب له شيئًا يقوم به وبجماعته، ما بين لحمٍ ودقيق وشعير لعليق بهائمه، وستة ناصرية فضّية عبارة عن ربع دينار في هذه البلاد، فما أرضاه ذلك. وكان بعث إليه في حين قدومه بخمسين دينارًا عندما جاءه وما أركبه من الفرس.
ثم إن القطب هذا واجه صاحبَ تونس بكلماتٍ فيها الجفاء وقلّة الأدب، فأهمله ولم يؤاخذه ولا التفت إليه، ولا زاده على ما رتّبه له أولًا، وانفلّ عنه جمعه
(1)
في الأصل: "أربعة عشر سنة".
(2)
في الأصل: "مال كثير".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
هكذا وردت العبارة، وهي واضحة تمامًا.
شيئًا فشيئًا، لأنه كان وعدهم بالإغناء ومنّاهم، وعلى
(1)
آذانهم بالمواعيد الباطلة، فعاد أكثر [هم] إلى القاهرة وهو غير راضٍ عنه، وخمل ذكره، وبقي في قليل من جماعة الأوباش، فتدارك فارطه، وعاد إلى القاهرة في البحر الملح خوفًا من عرب بَرْقَة، ولم يحصل على طائل ولا نال ما كان في أمله.
وقد ذكر لي من أثق به من أصحابه أنه كان في قصده إثارة فتنة كبيرة عساه يحصل على طائل أو على أمرٍ من الأمور كالمهدي أو نحوه، بل كان يصرّح بذلك لبعض أصحابه. ولما عاد إلى القاهرة نزل بمكان خرِب من القرافة بالقرب من المجراة، وهو مقيم به إلى يومنا هذا. وكان قد تزوّج من مدّة واستولد أولادًا، ثم فارق الزوجة ومات أولاده، وبيني وبينه مواددة بالكلام والسلام، ولم أسأله عن مولده، ولا عن شيء مما يخبرني عنه من أحواله لمعرفتي بكذبه، وكثرة مجازفاته، وكثرة دعواه لأشياء كثيرة حتى العلم، وهو عَرِيّ عن كل فضيلة، عامّي، أي لا يقرأ ولا يكتب، وقد خمل في هذه الأيام، وافتقر جدًّا، حتى إنه عاجز عن قوته، وهو مع ذلك يجمع الأوباش والأطراف من العجم وغيرهم، بالمكان الذي هو به، وعنده فرس هزيل جدًّا، يركبه بما قدّمناه من الهيئة، ويقصد الأعيان والأكابر في رأس كل شهر، ويسألهم فيما يعينه على قوته، وقلّ من يجيبه إلى سؤآله لذهاب الناس، ومنهم من لا ينظر إليه، ومع ذلك فإذا حضر عندهم لا يجلس إلّا في صدور المجالس، ويدخل إلى دُورهم راكبًا، ويرفع نفسه بنفسه. وكان يفعل مثل ذلك مع السلطان أيضًا، فيطلع إليه في رأس كل شهر ويتكلّم بما أحب، فثقل على السلطان، فاتفق أنْ طلع إليه في بعض الشهور، فأمره بأن يقوم فينقض عمامته وينقصها من الشاش إلى مقدار نصفها، وأحضر جَلَبيًّا فأمره أن يقصّ شاربه ويحلق شعرًا كان برأسه، فكشف رأسه في الملأ
(2)
العام، وحلق وهو في غاية الحنق من ذلك، وانقطع من يومه ذلك عن الطلوع إلى السلطان. وأظنّ أن السلطان قصد ذلك بما فعله. وله بَهْوَرات عجيبة وتطوّرات غريبة، من جملة ذلك أنه في يوم عاشوراء من محرّم سنة خمسٍ وثمانين بعث إلى غالب زوايا الأعجام يستحثّهم على الخروج بالأعلام، وركوب المشايخ منهم، وإظهار المأتم على الحسين بن علي رضي الله عنهما فاجتمع إليه جمع وافر
(3)
من هذه الطائفة بالأعلام، وركب هو أيضًا بنفسه، ونشر على رأسه أعلامًا وألوية، وجمع جمعًا موفورًا من غوغاء
(1)
هكذا. والصواب: "وملأ".
(2)
في الأصل: "الملاء".
(3)
في الأصل: "فاجتمع إليه جمعًا وافرًا".
العجم، وغالبهم ممن يُلمز بالرفض، وسار بجموعه من الصليبة شاقًّا القاهرة، وهو وإيّاهم في غَوْش عظيم، وضجّة هائلة، وحركةٍ زائدة، وهم رافعون أصواتهم بقولهم:"يا حسين شاه حسين"، يكرّرون ذلك بصوت عالٍ جدًا وهم ينتحبون، حتى وصلوا المشهد الحسيني، وبلغ القاضي المالكيَّ ذلك، فقبْل أن يصلوا المشهدَ أو بصره بعث إليهم بدّد شملهم وفرّق جمعهم، ثم أحضره لتعزيره، ووبّخه على ذلك، وأراد أن يوقع به فعلًا، فذكر أن يشبُك من مهدي الدوادار الكبير هو الذي أمر بذلك. فأخبر القاضي عن مبالغة تعزيره، على أنه حصل له التعزير، وما كفاه ذلك حتى خرج من عند القاضي، فأعاد جمعه وسار بهم بعد تلك الفعلة خارجًا من باب النصر قاصدًا إلى الحسينية، وكان يشبُك المذكور مقيمًا بها لعمارة ما أنشأه هناك وهو مُجِدٌّ في ذلك مجتهد فيه لأجل حضور السلطان من الحج، ليرى بهجة تلك العمارة، وما عمله من الدِهليز الهائل من عند القبّة إلى عمائر الحسينية، وبينا يشبُك على ما هو عليه من الاستحثاث على العمارة، وإذا بأعلام كثيرة لائحة له على البُعد، مع غوغاء وصياح عظيم، فأرابه ذلك، وسأل عن الخبر، فأُخبر بالقضية، وبما وقع عند المالكي، وما قاله القطب هذا. فحنق يشبُك منه وأَراد أن يوقع به وبمن معه بعد أن بعث إلى المالكي يخبره بأن ما نقله عنه لا حقيقة له، ثم أخذ بعض الناس ممن له كلام مقبول لدى يشبُك يتلطّف بالقضية، وقال ليشبُك: هذا مجنون وهؤلاء فقراء وقد قصدوا، وهذا فأل حَسَن، ونحو ذلك من كلمات يسكّن بها غضب يشبُك حتى سكن الحال.
وللقطب هذا من نحو هذه الحكاية أشياء أُخَر يطول الشرح في ذكرها. وإنّما ذكرت هذه القضايا والكوائن هاهنا وإن كانت وقعت فى أزمنة مختلفة وتواريخ متعدّدة غالبها سيأتي في محلّه إن شاء اللَّه تعالى إن قدّر اللُّه تعالى ذلك لتكون قصة هذا الأحمق منتظمة بعضها بالبعض ويكون ذكرها على هذا الاختصار نموذجًا على حاله، ولتكن قضيّته معلومة لكل أحد وليحترز منه ومن كذبه ومجازفاته، ولا يعتمد على شيء من أفعاله وأقواله فإنه من الغرائب والنودار.
وسنّه نحو السبعين سنة أو أكملها فيما أظن.
وهو قصير جدًّا، سيّئ الأخلاق، ذميم الشكل والهيئة، لكنّه حَسَن الملتقى، سَمح، كريم النفس جدًا، ومهما حصّل له لا يُبقي عليه، وعنده نوادر كثيرة. وأخباره تطول، سامحنا اللَّه تعالى وإيّاه.
[دخول السلطان عثمان تونس]
وفيه، في يوم السبت، رابعه، بتونس، دخل صاحبها السلطان عثمان إليها في بكرة النهار، وقعد الناس لرؤيته، وكان يومًا مشهودًا، ورأيته في ذلك اليوم راكبًا وعن يمينه قاضي الجماعة الشيخ أبو عبد اللَّه محمد ابن
(1)
العلّامة عمر القَلجاني الذي قدم فيما بعد ذلك لهذه البلاد، وحج، وصار شيخًا بتربة السلطان الأشرف قايتباي على ما سيأتي في محلّه إن شاء اللَّه تعالى. وكان على يساره جُليل السيد الشريف بزعمه، الماضي خبرُه مع القطب، والعساكر خلفه. وعاد صاحب تونس هذا ولم يحصل على طائل مما توجّه بصدده من أمر تلمسان. وكان له بعد ذلك ما سنذكره في متجدّدات سنة سبعين وثمانمائة إن شاء
(2)
اللَّه تعالى.
(نادرة عجيبة)
(3)
وفيه في يوم الثلاثاء، سادسه، طلع الوالد إلى الظاهر خُشقدم على عادته، فسأله: ماذا رأيت من عجائب النوادر؟
فقال: شيئًا كثيرًا، والذي يحضرني من ذلك الآن أنني رأيت بالبيت المقدس شخصين
(4)
أحدهما بلحية سوداء لا بياض بها، والآخر بلحية بيضاء لا سواد بها، وهما بحانوت يصنعان عنابر النساء، وهما شَبَهان، فيجيء إليهما من يستعملهما في صناعة العنبر، فيقول لذي اللحية البيضاء: بحياة
(5)
ولدك إلّا ما أسرعت في شغلي، ظنّا منه بأن ذا اللحية السوداء ولد
(6)
لذي اللحية البيضاء. وكان الأمر بالعكس. وكان يعجب الكثير من الناس من ذلك، فهذا من النوادر.
(نادرة أخرى)
(7)
ثم قال: ورأيت من النوادر أيضًا، وكنت ببلاد الصعيد، فمات إنسان فُفتح له قبر لدفنه فوُجد فيه خمسة تماسيح. وهذا من العجب.
قاله الوالد: فتعجب الظاهر من ذلك.
[صلاة صاحب تونس بجامع الزيتونة]
وفيه في يوم الجمعة عاشره بتونس حضر صاحبها المتوكل على اللَّه عثمان
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "شا".
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
في الأصل: "شخصان".
(5)
في الأصل: "بحيات".
(6)
في الأصل: "ولدًا".
(7)
العنوان من الهامش.
للصلاة بجامعها الأعظم الذي يقال له جامع الزيتونة. وقد جرت العادة هناك أن السلطان إذا قدم من سفر صلّى أول جمعة دخوله بهذا الجامع وترك حضور الصلاة بجامع قصبته دار سلطنته، وحضر الشيخ شمس الدين أبو عبد اللَّه محمد البيدمري التريكي الماضية ترجمته، وكان إذ ذاك ناظر الجيش بتونس وبيده نظر هذا الجامع، فأمر بقمّ
(1)
المقصورة التي جرت العادة بصلاة السلطان بها، وبشغْلها بالحصر الجيّدة الجديدة، وأطلق بها مَجَامر العود، وأغلق بابَيها وشبابيكها، ثم أحضرت سجّادة السلطان وهي من سَعَف رفيع، محكَمة الصنعة، ففُرشت بمكان جلوسه للصلاة، ثم حضر هو بأُبّهة زائدة وبين يديه ولده، وليُّ عهده محمد المنصور باللَّه، وجماعةٌ أُخَر من إخوته، وبنوهم
(2)
، والناس تسلّم عليه بالسلطنة أو الخلافة على زعمهم، وكلّما اجتاز بجماعة رفعوا صوتهم بقولهم:"سلام، نصرك اللَّه" لا يزيدون على ذلك. ونزل بالجامع المذكور، وشهد الصلاة به، ثم ركب عائدًا لقصبته، وكان يومًا مشهودًا.
[عيادة الظاهر خُشقدم للأتابك جرباش]
وفيه، في يوم السبت، عاشره، بالقاهرة نزل الظاهر خُشقَدم من القلعة إلى دار الأتابك جرِباش بقرب جامع أُلْماس، وسيدي خَلَف، نفع الله به، فعاده ولم ينزل عن فرسه، لأن الأتابك لما بلغه مجيئه إليه خرج إلى حوشه، وجلس على دكّة به، فدخل إليه السلطان فأقامه مماليكه وهو يقول: دعوه يستريح فأُجلِس، ودام السلطان بقرب دكّته على فرسه وهو يكالمه ويسأل عن حاله. ثم قدّم جرِباش له أشياء تقبّل اليسير من ذلك، وردّ الباقي وعاد إلى القلعة
(3)
.
(مقتل جانَم نائب الشام)
(4)
وفيه، في يوم الثلاثاء ثالث عشره ورد الخبر إلى القاهرة من جانِبك التاجي نائب حلب بأن الأخبار ترادفت عليه بأن جانَم الأشرفي نائب الشام قتل بمدينة الرُها، وأن سبب قتله مختلَف فيه، وأنه لم يحرّره، وإذا حرّره بعث به ثانيًا، فحصل عند السلطان وجماعة من الظاهرية بهذا الخبر ما لا عنه مزيد من السرور والفرح.
(1)
قَمّ: بفتح القاف، أي تنظيف المكان من القمامة.
(2)
في الأصل: "وبنيهم".
(3)
خبر عيادة الظاهر في: نيل الأمل 6/ 158، وبدائع الزهور 2/ 404.
(4)
العنوان من الهامش.
وفيه، في يوم الإثنين تاسع عشره ترادفت الأخبار بقتل جانَم نائب الشام، وورد على السلطان عدّة مكاتبات من نواب
(1)
البلاد الشمالية بصحة هذا الخبر، وكلمن
(2)
ورد على السلطان بهذا الخبر خلع عليه وأظهر غاية الفرح والسرور بذلك، وأمر بدقّ البشائر بالقلعة فدُقّت لذلك بها وبأبواب الأمراء، وحرّر كيفية قتله بعد ذلك، فكان على يد مملوك له يقال له ()
(3)
لا بُورك فيه ولا جوزي خيرًا عن مروءته
(4)
، وكان ذلك بواسطة إغرائه جانبك التاجي نائب حلب لهذا المملوك، وكان هذا المملوك قد فارقه وجاء إلى حلب فأغراه به جانبك وأمره بأن يعود إليه كالطائع له النادم على ما كانَ به. واتفق هذا المملوك هو وآخر على ذلك، فثارا به حين وجدا فرصة على ذلك بغياب ولده وتمراز في الصيد، ولما قتلاه قُتلا هما أيضًا شرّ قتلة بالنظر لشقاوتهما كيف أذهبا أنفسهما، بل وعرّضا بفساد دينهما مما لا طائل لهما فيه
(5)
.
[جمادى الأول]
[ولاية بلاط اليشبُكي نيابة صفد]
وفيه، في يوم الإثنين ثالث جمادى الأول استقر في نيابة صفد بلاط اليشبُكي الذي كان (
…
…
)
(6)
الحاج إينال نائب حلب الماضي ذِكره بمال بذله في ذلك، ولم يكن أهلًا لذلك، وقد ترشح (
…
)
(7)
وعيب ذلك على السلطان كونه يولّي نيابة صفد لمثل هذا اللُكَع دفعة واحدة (
…
…
)
(8)
ولا تقدّم رياسة في الجملة توجب ذلك، وما وصل إليه بعد ذلك فأعظم (
…
)
(9)
بموت ابنه بعد ذلك كله فأغرب. وسنذكر ذلك في محالّه بعد السبعين إن شاء اللَّه تعالى
(10)
.
(1)
في الأصل: "من نياب".
(2)
هكذا في الأصل. والصواب: "وكل من".
(3)
بياض في الأصل مقدار كلمتين.
(4)
في الأصل: "مروته".
(5)
خبر مقتل جانم في: نيل الأمل 6/ 159، وبدائع الزهور 2/ 404.
(6)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(7)
كلمة واحدة ممسوحة.
(8)
كلمتان ممسوحتان.
(9)
كلمة واحدة ممسوحة.
(10)
خبر نيابة صفد في: النجوم الزاهرة 16/ 275، ونيل الأمل 6/ 158، وبدائع الزهور 2/ 403.
[تقرير مناصب بدمشق]
وفيه (
…
…
…
)
(1)
عن خير بك القصرُوي، وقرّر خير بك هذا في تقدمة ألف بدمشق عوضًا عن يشبُك المؤيَّدي المعروف بأوشق قلق، بحكم تقرير السلطان إيّاه في نيابة (
…
…
…
)
(2)
شادبك الصارمي الآتي خبر موته في التراجم، وبعث إلى يشبُك بذلك فما (
…
…
…
)
(3)
واعتمد على إمرته بدمشق وما أمكن إعادة خيربك إلى غزّة للعُرف عند التُرك (
…
)
(4)
أن من العار كونه يهبط هذا المقدار فيعود إلى أدوَن منه مما تولّاه، وإن كان في التقدمة بألف دمشق تقرّر أيضًا، لكن لا كهذا، فإنه كان مدّة قبل ذلك على اصطلاحهم في ذلك، فصار خيربك من جملة البطّالين بدمشق ولا التُفت إليه.
[إلزام شادبك الجلباني بنيابة غزّة أو السجن]
وفيه- أعني هذا الشهر- في هذه الأيام خرج الأمر لشادبك الجُلْباني بإلزامه بعشرة آلاف دينار، وأن يتولّى في مقابلة بذلها نيابة غزّة، وأنه إذا امتنع من ذلك يُحمل إلى سجن قلعة دمشق وتؤخذ منه العشرة آلاف غصبًا، شاء أو أبى، وعُدّ هذا من نوادر أحكام الظاهر خشقدم هذا ومن مظالمه
(5)
.
[تعيين أزدمر الابراهيمي مسفّرًا لنائب صفد]
وفيه عيّن السلطان أزدمر الإبراهيمي المعروف بالطويل، الذي صار بعد ذلك حاجب الحجّاب بمصر، ثم أخرج منفيًّا إلى مكة، ثم أُحضر من على جهة القُصَير قبل أن يحج إلى الصعيد، ثم أُتلف بها في سنة خمس وثمانين كما سيأتي ذلك في ترجمته في السنة المذكورة إن شاء اللَّه تعالى، عيّنه السلطان مسفّرًا لبلاط نائب صفد، فحمل تقليده وتشريفه معه.
[تعيين سودون البُردُبكي لحمل التقليد]
وفيه عُيّن سودون البُردُبكي المؤيَّدي المعروف بالفقيه بحمل تقليد من يستقرّ بغزّة.
(1)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(2)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة، لعلّ منها: "
…
عِوَضًا عن" كما يقتضيه السياق.
(3)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(4)
كلمة ممسوحة.
(5)
خبر إلزام شادبك في: النجوم الزاهرة 16/ 275، ونيل الأمل 6/ 158، وبدائع الزهور 2/ 403.
[تعيين جماعة من الجند للخروج إلى قبرس]
وفيه، في يوم الأربعاء، خامسه، عرض السلطان الجند فعيّن منهم جماعة للخروج لقبرس، ثم عرض ثانيًا وثالثًا بعد ذلك، وهو يعيّن كلّما عرض حتى كمل جميع من عيّنه خمسمائة. وكان عيّن قبل ذلك عدّة من الأمراء سيأتي ذكرهم
(1)
.
[خروج بلاط إلى نيابة صفد]
وفيه، في يوم الخميس، عشرينه، خرج بلاط نائب صفد لمحل كفالته منها، ولم يخرج بتطليب وتعبئة جُند كما هي العادة، ثم خرج إليه الزين بن مزهر كاتب السر لتحليفه على العادة في ذلك، فخلع عليه كاملية بسمّور، وأركبه فرسًا بسَرْج ذهب وكنبوش زركش على العادة.
[القبض على قاسم الكاشف]
وفيه في يوم الإثنين، رابع عشرينه، قُبض على قاسم الكاشف الأستادّار لعجزه عن حمل بعض مال ثم أُطلق
(2)
.
[ولادة مولودة للمؤلّف ووفاتها]
وفيه، في يوم الأربعاء، سادس عشرينه، وُلدت لي ابنة من أَمَتي أم الفتح شُكْرباي وسمّيتها عائشة، فلم تلبث أن ماتت في آخر هذا النهار، وتأسّفتُ عليها لاشتياقي إلى الأولاد، ثم دفنّاها بمكان يقال له الزلّاج جبّانة عظيمة بتونس فيها الكثير من الصالحين والأولياء، واللَّه تعالى يعوّضني خيرًا بمنّه.
[نزهة المؤلّف بتونس]
وفيه، في يوم الخميس، سابع عشرينه، خرجنا لظاهر تونس من باب الزلّاج للتنزّه لِما حصل عندي من ضيق الصدر بسبب موت الابنة، وخرج معنا الشاعر الأديب البارع، الفاضل، الكامل، الديّن، أبو عبد اللَّه محمد بن محمد بن المعروف بابن الرزين الخزرجي الأنصاري، الأندلسيّ الأصل، التونسي، فاجتزنا بممرّنا على زرع أخضر، ومعنا من الشعراء ثلاثة أيضًا أحدهم يسمّى محمد الجريدي، والآخر أحمد الورداني، والآخر شعيب البجائي، فقلت: ليُنشد كل من حضر شيئًا بديهة في هذا الزرع بشرط الإجادة في المعنى،
(1)
خبر تعيين جماعة في: نيل الأمل 6/ 158، وبدائع الزهور 2/ 403.
(2)
خبر قاسم الكاشف في: نيل الأمل 6/ 158، وهو ما انفرد به المؤلّف رحمه الله.
فبدر الفاضل ابن
(1)
الرزين وأنشد ارتجالًا وأنا أسمع ذلك:
يا خليليّ قِفا واعتبِرا
…
كيف ماس الزرعُ حُسنًا واسترد
وبدا منه غديرٌ أخضر
…
صنَعَتْ فيه يدُ الريحِ زَرَد
فلما سمع الباقون ذلك من بديهته أحجموا عن المقال، وسألتهم المرة بعد الأخرى في إنشاد شيء، فاعتذروا وبفضيلة الأول اعترافًا وقالوا: لا قدرة لنا على هذا النفس ولا القريب منه، وسألوا في الكف عنهم، ووقع لنا في ذلك اليوم من البسط والمذاكرة في العلوم والأدب ما أنشأنا بعض ما يجده. وكان يومًا معدودًا من الأعمار، سالمًا من الأغيار.
[استدعاء المسعود باللَّه ابن صاحب تونس للمؤلّف]
وفيه، في يوم السبت، تاسع عشرينه، بعث إليّ محمد المسعود بالله بن المتوكل على اللَّه عثمان صاحب تونس وليّ عهد أبيه يستدعيني إليه بالحضور إلى بين يديه، وكنت لم أجتمع به، وبلغه عني أنني أنظم أو نحو ذلك، فلما حضرت عنده أنس بي ورفع من محلّي، ثم أخذ يتلطّف بي في المؤانسة بالكلام، وأنشدته البيتين اللَّذَين
(2)
مرّا في أول تاريخنا هذا عند ترجمتنا للمسعود هذا، وهما:
ألا يا آل حفص يا ملوكًا
…
ويا دُرّ حلى بهم نُظِمَت سلوك
ألا فُقْتُم ملوكَ الأرض طُرًّا
…
فما من بعدكُمُ أحَدٌ مليك
فأعجباه إلى الغاية وجاد وأثاب، جزاه اللَّه تعالى خيرًا، وكتب لي ظهيرًا بإعفائي عن المغارم واللوازم فيما أتّجر فيه، وتردّدت عليه المرة بعد الأخرى. واجتمعت به مرة وعنده الشيخ العالم الفاضل علي الكسلي من بلد العنّاب، الآتية ترجمته إن شاء
(3)
اللَّه تعالى، فأخذ يسألني عن الشيخ يحيى العجيسي.
ثم انجرّ الكلام إلى مشايخه وما قاله بعض أشياخه من المقصورة التي أولها:
أنتم بقلبي وأنا أشكو النوى
…
إنّ حديثي لم يتُبْ في الهوى
فأنشدني منها جملة أبيات، وقال: هل رأيت مثل حسنها؟
فقلت له: إنني أعرفها.
فقال لي: العقل من همّة سيدنا أن يتفضّل عليّ بنظم مثلها، وكأنه قصد بذلك
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "الذي".
(3)
في الأصل: "شا".
الامتحان لأمرٍ ما له فيه الغرض.
فقلت له: أنا لي بنَفَسٍ كهذا، لكنّني أقول شيئًا بديهةَ وارتجالًا بهمة مولانا صاحب المجلس، ثم أنشدته تسعة أبيات ارتجالًا، فقال لي عند نهاية التاسع: أنا أستغفر اللَّه في حقّك وأقطع. ثم كمل لي عليها ما شئت متى شئت، ففعلت بعد ذلك وجاءت طويلة جيدة، وهذا
(1)
أوائلها التسعة ومعها شيء مما قلته بعد ذلك، وهي جميعها مُثْبَتة عندي:
يا سادةً قد سكنوا منّي الحشا
…
وبعد ذا فإنّني كمن هَذَى
مولَعٌ ومُغْرمٌ وبي جَوًى
…
لا أستفيق دائمًا من الهوى
ومَن أحبّ قد بَرَاني عشقُهُ
…
وأوهن العظْمَ وحَيْلي قد وهى
فما احتيالي وهو لا يرْثي لما
…
قد حلّ بي من أجله وما دَهَى
(2)
ولا أراه صاغيًا ولا له
…
من رحمة بل للحاظه منتَهى
(3)
وخيل لي جواز مأمنها وقد
…
أوقعني في شرَكٍ من الردى
…
(4)
بُعده وطول صدّه
…
وهجره وبينه عنّي انثنَى
…
(5)
ذاك حتى إنه
…
أشْمَتَ بي الأعداءَ لما أنْ قَلَى
وبِعْتُ ليلي في وصاله
…
أباعني بمرخصٍ وقد غلى
واحتجبْن عن ناظري مغاضبًا
…
وهاجرًا وجاهزًا يُبدي الأسى
…
(6)
في بين عشقه
…
فهو على قلبي إذا مرّ حلا
…
…
(7)
والهلال إذ بدا
…
ووجهه كأنه بدر الدُجى
(
…
…
)
(8)
أعرض عنها لذلك.
[جمادى الآخرة]
[التهنئة بالشهر والنفقة للأمراء]
وفيه استهلّ جماد الآخرة بالأحد، وهُنّئ السلطان بالشهر.
وفيه -أعني هذا الشهر- في هذا اليوم حُملت النفقة إلى الأمراء المعيَّنين قبل
(1)
الصواب: "وهذه".
(2)
في الأصل: "وما دهاني".
(3)
في الأصل: "منطى".
(4)
كلمة ممسوحة.
(5)
كلمة ممسوحة.
(6)
كلمتان ممسوحتان.
(7)
كلمتان ممسوحتان.
(8)
كلمتان ممسوحتان.
تاريخه (
…
…
)
(1)
فحُمل إلى بُردُبك الظاهري المعروف بالبَجْمَقْدار حاجب الحجّاب ومقدَّم العسكر خمسة آلاف دينار، ولجانبك قُلَقْسيز أحد مقدَّمي الألوف ثلاثة آلاف، وللأمراء العشرات -وكانوا عدّة- لكُلٍّ مائة دينار.
وفُرّقت النفقة على الجند المعيَّن لكلِّ خمسة عشر دينارًا
(2)
.
[تعيين الأستادّار]
وفيه، في يوم الإثنين، ثانيه، استقرّ شمس الدين منصور بن القفي في الأستادّارية، وصُرف قاسم الكاشف.
[هرب جماعة من أهل مُسراتة إلى مالطة]
وفيه، في يوم الأربعاء، رابعه، ورد الخبر من طرابلس الغرب لتونس بأن جماعة من أهل مُسْراتَة نحو الستين نسمة ركبوا البحر الملح وتوجّهوا إلى جزيرة مالطة للفرنج، ليكونوا تحت إيالتهم هربًا من ظلم القائد أبي
(3)
النصر عامل عثمان صاحب تونس على طرابلس، فلم يكترث صاحب تونس لذلك. فلا حول ولا قوة إلّا باللَّه
(4)
.
[نيابة مَلَطْيَة]
وفيه، في يوم السبت، رابع عشره، قرّر يشبُك البجاسي أتابك حلب في نيابة مَلَطْية، وصرف إينال الأشقر. ثم قرّره في أتابكية حلب
(5)
.
[خروج صاحب تونس للمتنزّه]
وفيه، في يوم الأربعاء ثامن عشره خرج صاحب تونس إلى المكان الذي أنشأه بأرض من الجبّان العظيم به وما بناه به من القصور والمتنزّهات، فدام به ثلاثة أيام وعاد.
[استغاثة المساجين من الجوع]
وفيه في يوم الأحد، ثاني عشرينه، كثرت استغاثة المسجونين بتونس حتى
(1)
كلمتان ممسوحتان.
(2)
خبر التهنئة والنفقة في: نيل الأمل 6/ 159 وهو ما انفرد به المؤلف رحمه الله.
(3)
في الأصل: "أبو".
(4)
خبر هرب الجماعة ليس في المصادر.
(5)
خبر نيابة ملطية في: النجوم الزاهرة 16/ 275، ونيل الأمل 6/ 159، وبدائع الزهور 2/ 403.
أعيوا السامعين، فسأل السلطان صاحب تونس عن حالهم فبُلغ بأنهم يشكون الجوع، فأمر لهم بطعام يُفرّق فيهم، وحصل لهم بذلك نوع رفق في الجملة.
[زيارة زوجة السلطان الظاهر مقام السيد البدوي]
وفيه، في سلْخه، خرجت الخَوَنْد شُكْرْبَاي الأحمدية، زوج السلطان الظاهر، متوجّهة إلى طنتدا في محفّة لزيارة السيد أحمد البدوي، وخرج معها جماعة من الخَوَندات كما فعَلَتْ قبل ذلك على ما تقدّم
(1)
.
[شهر رجب]
وفيها استهلّ رجب بالإثنين وطلع القضاة للقلعة لتهنئة السلطان فيه.
[سفر الجند المعيَّنين لقبرس إلى دمياط]
وفيه- أعني هذا اليوم من رجب هذا خرج العسكر المعيَّن لسفر قبرس قبل تاريخه فساروا إلى شاطئ النيل وانحدروا منه لثغر دمياط وهم جماعة من الجند السلطاني نحو الخمسمائة نفر وعليهم من مقدّمين الألوف بُردُبك البجمقدار الظاهري حاجب الحجّاب، وهو الباش. وجانِبك قلقسيز أحد مقدّمين الألوف أيضًا، ومن الأمراء غير مقدّمين الألوف اثنا عشر أميرًا وهم من الأشرفية البرسبائية بُردُبك التاجي، وقانصوه المحمدي، وقانصوه الساقي، ويشبُك الأشقر، وخيربك من حديد، وقَطْلُباي. ومن الظاهرية الجقمقيّة: يشبُك القرمي، وقانصوه، وتمرباي السلحدار، ومن المؤيَّديّة: تَنَم الفقيه. ومن السيفية: مغلباي الجقمقي المعلّم، وتنبك السيفي جانبك الثور، وهذا خلاف المطوّعة والخدّام وجند الأمراء، وخلاف أرباب الصنائع وغيرهم
(2)
.
(إعادة زين الدين للأستادّارية)
(3)
وفيه- أعني هذا اليوم- ظهر زين الدين الأستادّار وصعِد القلعة فاجتمع بالسلطان وخلع عليه جبّة بسمّور، وقُرّر في الأستادّارية على عادته وصرف منصور ووكِّل به
(4)
.
(1)
خبر الزيارة في: النجوم الزاهرة 16/ 275، ونيل الأمل 6/ 160، وبدائع الزهور 2/ 403.
(2)
خبر سفر الجند في: النجوم الزاهرة 16/ 275، ونيل الأمل 6/ 160، وبدائع الزهور 2/ 403.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
خبر زين الدين في: النجوم الزاهرة 16/ 276، ونيل الأمل 6/ 160، وبدائع الزهور 2/ 403.
[صعود جانبك نائب جُدّة ومعه شادبك الجُلباني إلى قلعة الجبل]
وفيه، في يوم الثلاثاء ثانيه، صعِد جانبك نائب جُدّة الدوادار الكبير إلى القلعة ومعه شادبك الجُلُبّاني الذي كان دوادار جُلُبان نائب الشام، وكان قد حضر من دمشق خائفًا مترقبًا، وذلك عقيب البعث إليه بنيابة عشرة بعد أن يحمل عشرة آلاف دينار، وإن امتنع يُلزم بحملها أيضًا، ويودع سجن قلعة دمشق، وعلم هو أن ذلك مصادرة له، فقبل أن يُتمكّن منه أسرع في مجيئه إلى القاهرة، وترامى على بعض جماعة جانبك نائب جدّة حتى أوصله إليه وعطّفه عليه، فأخذه جانبك وصعد به إلى القلعة كما قلناه، وساعة وقوع بصر السلطان عليه نهره ووبّخه، ثم آل به الأمر أن عملت مصلحة بمبلغ كبير وغرم مالًا طائلًا لكنْ دون ما قُرّر عليه وأُعفي من غيره، وعاد إلى دمشق وسافر من غيره
(1)
.
(مولد ()
(2)
ولد الظاهر خشقدم)
(3)
وفيه، في يوم الخميس رابعه، ولد للسلطان ولد ذكر من بعض سراريه، وسُمّي (
…
…
…
…
)
(4)
وله الكثير من التعلّقات. انتشأ نشأة حسنة
(5)
.
[تزيين القاهرة]
وفيه، في هذه الأيام نودي بزينة القاهرة لأجل دوران المحمل على العادة.
[دوران المحمل]
وفيه، في يوم الإثنين نصفه، أدير المحمل على عادته في ذلك
(6)
.
(ولاية جَكَم نيابة غزّة)
(7)
وفيه، في يوم الثلاثاء سادس عشره، استقرّ في نيابة غزّة جَكم الأشرفي خال العزيز بعد شغورها هذه المدّة المطوّلة
(8)
.
(1)
خبر صعود جانبك في: النجوم الزاهرة 16/ 276، ونيل الأمل 6/ 160، وبدائع الزهور 2/ 404.
(2)
بياض مقدار كلمة واحدة.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
مُسح سطر بالكامل.
(5)
خبر المولود في: نيل الأمل 6/ 160، وبدائع الزهور 2/ 403، 404.
(6)
خبر دوران المحمل في: النجوم الزاهرة 16/ 276، ونيل الأمل 6/ 160.
(7)
العنوان من الهامش.
(8)
خبر ولاية جكم في: النجوم الزاهرة 16/ 276، ونيل الأمل 6/ 160، وبدائع الزهور 2/ 404، ونيابة غزّة 308 رقم 105.
[لبْس السلطان البياض]
وفيه، في يوم الجمعة تاسع عشره، ووافق ثالث عشرين برمودة لبس السلطان البياض وبكّر بذلك فسبق العادة في أوان لبسه بزيادة على شهر، وإنّما فعل ذلك لأجل ضرب الكرة قبل هجوم شهر رمضان
(1)
.
[تقدمة نائب الشام للسلطان]
وفيه، في يوم السبت عشرينه، حضر قاصد تَنَم من عبد الرزاق نائب الشام وعلى يده تقدمة هائلة للسلطان، فقدّمها له، وكانت شيئاً كثيراً
(2)
.
[قاصد من قرمان]
وفيه وصل قاصد من قرمان
(3)
.
[التجريدة إلى البُحَيرة]
وفيه- أعني هذا الشهر، جهّز السلطان تجريدة إلى البحيرة وعليها جانبك الناصري المعروف بالمؤيَّد أحد مقدّمين الألوف وقانبك المحمودي المؤيَّدي أحد الألوف أيضًا وخشداش السلطان وجماعة من الطبلخانات والعشرات وجمعاً وافراً من الجند السلطاني
(4)
.
[ثورة جماعة من الجلبان على أستاذهم]
وفيه- أعني هذا الشهر أيضاً- ثار جماعة من جُلبان السلطان على أستاذهم وسعى الأمراء والمباشرون
(5)
وغيرهم من الطلوع إلى السلطان للقلعة للخدمة، ثم أخرقوا الجوهر مقدَّم المماليك، بل وضربوه وهجموا على سودون القصروي نائب القلعة، وطال الأمر معهم في ذلك، ثم سكن الحال وخمدت الفتنة بعد أمور جرت. ومن جسر أخذ جُلبان هذا السلطان في النسْج على منوال جُلبان إينال، وكانت أهم فتن وشرور وأذى يأتي ذكره شيئاً فشيئاً كما سيأتي
(6)
.
(1)
خبر لبس السلطان في: نيل الأمل 6/ 161، وبدائع الزهور 2/ 404.
(2)
خبر التقدمة في: نيل الأمل 6/ 161، وبدائع الزهور 2/ 404.
(3)
خبر القاصد في: نيل الأمل 6/ 161، وبدائع الزهور 2/ 404.
(4)
خبر التجريدة في: النجوم الزاهرة 16/ 276، ونيل الأمل 6/ 161، وبدائع الزهور 2/ 404.
(5)
في الأصل: "وسعا الأمرا والمباشرين".
(6)
خبر ثورة الجلبان في: النجوم الزاهرة 16/ 276، ونيل الأمل 16/ 161، وبدائع الزهور 2/ 404.
[المطر في مكة المكرَّمة]
وفيه أيضًا ترادفت الأخبار من مكة بأنه وقع بها مطر كثير استمر نحو الساعة فقط، وأنه سال منه سيل عظيم
(1)
فوق الحدّ والغاية، ودخل الحرم (
…
)
(2)
وفي زيادته بأن وصل إلى قريب قفل باب الكعبة المشرَّفة، وأغرق مقام السيد إبراهيم الخليل، على نبيّنا وعليه أفضل الصلاة والسلام حتى عمّه الماء بأجمعه، وأنه مات من السيل ( ........ )
(3)
وهدم الديار ما يزيد على المائتي دار، ويقال خمسمائة، وكان سيلاً مهولاً، ذكر (. .)
(4)
أن رؤي مثله قبله، لكن جاء بعده بعد هذا التاريخ في سنة (. .)
(5)
وثمانين (. .)
(6)
هذا السيل، وسيأتي خبره في السنة المذكورة من تاريخنا هذا إن شاء الله تعالى
(7)
.
[استقرار ابن الصّواف الحصني في قضاء الحنفية بالديار المصرية]
وفيه، في يوم الإثنين تاسع عشرينه استقر في وظيفة القضاء الحنفية بالديار المصرية بدر الدين حسن بن الصوّاف الحصنيّ الأصل الحموي، وكان قد قدم القاهرة من بلدة حماة (. .)
(8)
وفي أوائل هذا الشهر، ثم وقع بينه وبين المحبّ بن الشِحنة تنافس لا حاجة لنا (أن نذكره)
(9)
. وآل الأمر جرّاء ذلك أنْ ولي القضاء عنه بمال كبير بُذل في ذلك نحو العشرة آلاف دينار (. .)
(10)
وصُرف المحبّ المذكور.
وكان من أمر ابن
(11)
الصواف هذا ما سنذكره في التي تليها (. .)
(12)
فإنه مات مقهوراً في أولها ويقال إنه مات مسمومًا
(13)
. واللَّه أعلم.
(1)
في الأصل: "سال منه سيلاً عظيماً".
(2)
كلمة ممسوحة.
(3)
ما بين الحاصرتين ممسوح في الأصل، أضفناه من الذيل التام.
(4)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(5)
كلمة واحدة.
(6)
كلمتان ممسوحتان.
(7)
خبر السيل في: الذيل التام 2/ 169، ووجيز الكلام 2/ 751، ونيل الأمل 6/ 161، وبدائع الزهور 2/ 404، وشذرات الذهب 7/ 306، وأخبار الدول 2/ 316.
(8)
كلمتان ممسوحتان.
(9)
في الأصل: كلمتان ممسوحتان.
(10)
كلمتان ممسوحتان.
(11)
في الأصل: "بن".
(12)
كلمتان ممسوحتان.
(13)
خبر ابن الصوّاف في: النجوم الزاهرة 16/ 276، ونيل الأمل 6/ 162، وبدائع الزهور 2/ 405.
[شهر شعبان]
وفيها استهلّ شعبان بالأربعاء.
[تسلُّط جَكَم وإساءته بحق والد المؤلّف]
وفيه -أعني هذا الشهر- تسلّط جَكَم نائب غزّة على الوالد بسبب أخته أصيل زوجة الوالد، وحصل منه قلّة أدب في حق الوالد، وبعث إليه من نقباء جانبك الدوادار نائب جدّة من أحضره ليدّعي عليه بتعلّقات أخته وكيلاً عنها، وطال الكلام بينهما، وخشن الوالد في ذلك المجلس على جانِبك كونه لم يُراعه ويحتشم معه، ووقع بين الوالد وبين السُّوهائي
(1)
أحد نواب الحكم الشافعي إذ ذاك -لا جزاه الله تعالى خيراً عن دينه ومروءته- كلام ومنازعة بسبب بيتٍ أنشده الوالد حين أُحضر لجانبك، وهو قول بعضهم:
لقد هزُلتْ حتى بدت من هزالها
…
كلامها وقد شامها كل مفلس
فبدر السُّوهائي بأن قال: هذا فيه تحقير مجلس الأمير، إلى غير ذلك من كلمات على عادة نحسه وقلّة دينه يلقى الله تعالى بها. وبلغ السلطان ذلك في غضون ذلك، فبعث إلى جانبك يعتبه على ذلك ويأمره أن يدعه وزوجته ولا يدخل بينهما. ثم بعث إلى الوالد يتعطّف بخاطره ويأمره أن يراجع أصيل المذكورة. وكان قد حنق الوالد من أخيها فصرّح بطلاقها، فما هان ذلك عليها، فسألت السلطان في ذلك وقالت: أنا امرأة كثيرة الأسقام وقد آن الرحيل، فلا ألقى الله إلّا وأنا متزوجة. واتفق أن ماتت بعد ذلك بقليل كما ستأتي ترجمتها في محلّها.
[تطليب نائب غزّة]
وفيه، في يوم الإثنين ثالث عشره خرج جَكَم نائب غزّة إليها وطلّب تطليباً حافلاً وعُمل له الموكب بالقصر السلطاني، وجلس السلطان بالشباك الكبير المطلّ على الرملة، واجتاز جكم المذكور بطُلبه وخرج في تجمّل زائد
(2)
.
(1)
السُّوهائي: نسبة لسُوها بضم أوله ثم واو ساكنة وهاء مفتوحة. بلدة من أعمال أخميم من الصعيد الأعلى. ومنها: أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن إسماعيل السُوهائي القاهري الشافعي. ناب في القضاء عن العَلَم البُلقيني ولمن بعده. مات سنة 895 هـ. (الضوء اللامع 9/ 204، 205 رقم 501، ووجيز الكلام 3/ 155 رقم 2347، والذيل التام 2/ 581، ونيل الأمل 8/ 210 رقم 3587، وبدائع الزهور 3/ 276).
(2)
خبر نائب غزة في: نيل الأمل 6/ 162.
[كسوف الشمس]
وفيه في يوم الأربعاء ثالث عشرينه كُسفت الشمس كسوفاً ليس بتام، ودام من قبل الزوال بساعة إلى ما بعده بدرجات
(1)
.
[قدوم شواني البنادقة إلى تونس]
وفيه ورد إلى تونس شواني البنادقة برسم الإتجار وحمل التجار من تونس ببضائعهم إلى ثغر الإسكندرية، وقوي عزمي على العَود، وتجهّزت لذلك، ثم خرجنا من تونس في يوم سلْخ شعبان. وكان لنا ما سنذكره.
[شهر رمضان]
وفيها استهلّ شهر رمضان بالخميس، وهُنّيء به السلطان، ولم يقع من الحوادث ما يؤرَّخ.
[دخول المؤلّف جزيرة جربة]
وفيه -أعني شهر رمضان هذا في يوم الخميس ثامنه- دخلنا إلى جزيرة جرْبة، ونزلنا من الشواني إليها فرأيت جزيرة عجيبة في الجزائر، قريبة من أحد جوانبها إلى البر الكبير، خصبة جداً، ذات كروم وزيتون وغنم كثير وخير وافر. وإلى قرب ميناها حصن منيع دخلت إليه ورأيته، وديارها في بساتينها، وليست بمدينة مسوّرة، بل مفرّقة الأبنية، أنيقة جداً، مربّعة الشكل في الجزائر بوضع غريب، فأقمنا بساحلها ثمانية أيام، فأوسق التجار منها الزيت الكثير وأنواع الأكسية، ثم أقلعنا عنها قاصدين طرابلس الغرب فوصلنا إليها بكرة نهار الخميس خامس عشر شهر رمضان، ونزلنا بها، وفتر عزمي عن السفر في البحر إلى جهة ثغر الإسكندرية، ونويت الإقامة بها، وهُيّئت لي أسباب الإقامة بها على يد تاجرها صاحبنا عبد الحميد العوّادي كلبير التجار بها، فأنعم وتفضّل بمكانٍ سكنّا به. ثم لم نلق بها من ينتسب للعلم، فضلاً أن يعلمه، وفضلاً عن العلماء، بل وجدناها مشحونة بالتجار طلبة الدنيا وأكثرهم عار عن الفضيلة إلّا في تحصيل الدنيا. ورأيتها بلدة كيّسة أنيقة على ساحل البحر، كثيرة الأرزاق والخصب في الرخاء، لكنها زائد [ة]، الظلم، والعامل بها من جهة صاحب تونس، قائدها أبو النصر ابن
(2)
(1)
خبر الكسوف في: نيل الأمل 6/ 163، وبدائع الزهور 2/ 405.
(2)
في الأصل: "بن".
جاء الخير، وهو من كبار الظلمة لا يخاف الله تعالى ولا يراقبه، والرعيّة معه في أسوأ
(1)
الأحوال، لا سيما أهل الأرياف.
وذُكر لي إن عليه في العام لصاحب تونس فوق المائة ألف دينار من الذهب المستجدّ بدنانير تلك البلاد التي زنة الدينار منها مثقال
(2)
من الذهب لا يريد الخالص، وأنه يحصل ذلك من جهات ومظالم يهلك فيها الحرث والنسل، ويحملها لصاحب تونس من عدّة معاملات، منها معاملة طرابلس، ومعاملة غريان، ومعاملة مُسْراتَة، ومعاملة فَزّان وعلى هذه المعاملات قوّاد وكُتّاب وجُبَاة وغير ذلك. وهي متّسعة لكنّ العلم بها غاية في العدم.
(شيء من ترجمة البنجريري)
(3)
178 -
ولقيت بها من الفضلاء قاضيها وخطيبها ومفتيها القاضي منصور البنجريري القَرَوي
(4)
، وليس هو من أهلها وإنما هو من قرية بالقرب من القيروان تسمَّى بنجرير.
وهو إنسان حسن من أهل العلم، ولديه فضيلة علمية وأدب، وله نظم حسن أنشدني منه الكثير. وله تخميس "الدّرّة"
(5)
اجتمعت به عدّة مرار وأنس بي وأنا به، وسمعت الكثير من فوائده. وستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى في ما يأتي إن قدّر الله تعالى ذلك.
(كائنة جرت في مدينة طرابلس)
(6)
واطّلعنا في هذه البلدة على كائنة عظيمة جرت بها في أول ليلة رؤية شهر رمضان، وكانت هذه الكائنة قريبة العهد لها من حين وقوعها عدّة أيام قلائل نحو الخمسة عشر يومًا، وهي موت جماعة من الأطفال والشبّان نحو الزيادة على الأربعين نفسًا في لحظة واحدة وكان من خبر ذلك على ما أخبرني به جمع وافر
(7)
. وكان مستفيضاً على الألسِنة، أنه لما كان يوم التاسع والعشرين من شعبان في آخر هذا النهار اجتمع الجمع لرؤية هلال شهر رمضان، عساه يرى لمظنّة رؤيته المانع لغالب من حضر من أغراضهم الفاسدة. ولما تكامل الجمع وقرُب غروب الشمس
(1)
في الأصل: "في اسواء".
(2)
في الأصل: "مثقالاً".
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
انفرد المؤلّف رحمه الله بذكر منصور البنجريري القروي.
(5)
في الأصل: "البدره" من غير تنقيط.
(6)
العنوان من الهامش.
(7)
في الأصل: "أخبرني به جمعا وافرا".
طلع من له عادة مظنّة رؤية الهلال عساه يراه بمنارها من جامعها الأعظم، وحضر الغالب من أحداث أهل البلد، فأخذوا في الطلوع للمنار. وكانت العادة بالبلد في رؤية الهلال الاجتماع بالجامع، ثم صعود من له عادة برؤيته ليخبر القاضي ومن له النظر في ذلك إذا رؤي ويثبت الشهر. ولما صعِد من له عادة تبعَهم الأحداث وهم يزدحمون على باب المنار للطلوع شيئاً فشيئًا حتى ضاق أعالي المنار عمّن صعِد، وتكاثروا في درجه بحيث ملأوا الدرج من باب المنار لأعلاه، والكثير أيضاً مقتحم على باب المنار للطلوع، وكل من
(1)
حضر يأخذ في الطلوع، وكثر الازدحام جدّاً ولا لمخلص فوق المنار، ولا مكان يَسَع وحصْر. واتفق أن الشهر ما رؤي، ففرح غالب من كان على المنار، وبدروا بالهبوط منها، وعارضهم الصاعدون بقوّة عزْم الصعود، وأولئك بقوّة عزْم الهبوط، لا أولئك يرعوون فيقفون أو يرجعون، ولا هؤلاء عن الازدحام والاقتحام عن الصعود يكفّون، أو من حيث جاؤوا
(2)
يعودون. فعارضت سرعة حركة الهابطين مع سرعة حركة الصاعدين، وحصل بينهما تزاحم عظيم، فما تنبّهوا إلّا وقد مات منهم بالزحام لبعضهم البعض جمعٌ وافر من الأحداث، ولا سيما الصغار، فانْوَهَجُوا وزاد توهّمهم، وضاقت أنفاسهم وانْعَصَر بعضهم بالبعض في قوائم المنار ودَرَجه حتى هلك غالبهم، وكان بينهم مقتله عظيمة بغير قتال، وفيها غمرة وفي البصائر والأحوال. ولما انجلى ذلك شاع بالبلد موت الأطفال والأولاد بالمنار، فانزعج غالب أهلها، لا سيما من له ولد، وكأنه قد أطلق في هذه البلد النار، وكثُر هرج الناس واضطرابهم وحركتهم
(3)
. وكان قد جنّ الظلام وهجم الليل، فهرع الناس لا سيما من له ولد، وامتلأ
(4)
الجامع بالخلائق من أهل البلد، وخرجن
(5)
النساء متهتّكاً على الأولاد، وكثُر الزحام بالجامع المذكور، فكان وقتاً مهولاً، ثم أخذوا في إخراج الموتى، الواحد بعد الواحد، وقد دعوا ورضوا وهلّلوا، وخرج الحَدَث من بطونهم، بل وأمعاء الكثير منهم من أدبارهم، وأوقدت الشموع، وبقي من له ولد يفتّش عليه بين القتلى ليعرفه فيحمله إلى داره، ولا زالوا على ذلك ليلتهم، ثم أصبحوا في تجهيزهم ودفنهم. وكانت ليلة مهولة عندهم ويوماً مهولاً إلى الغاية من نوادر الليالي والأيام وغرائبها وعجائبها.
ولقد تعجبت أنا من ذلك لما قدِمنا طرابلس، وسمعت بهذه الكائنة الغريبة
(1)
في الأصل: "وكلمن".
(2)
في الأصل: "جاوا".
(3)
في الأصل: "حركتم".
(4)
في الأصل: "وامتلاء".
(5)
الصواب: "وخرجت".
حين طلعت إلى هذه المنار الذي جرت في
(1)
هذه الكائنة، فوجدته واسع الدرج جداً، عريضها
(2)
، لا كما ببلادنا هذه، ومع ذلك وقع ما وقع، تعجّبت من ذلك، ولكنّ القدرة صالحة لكل شيء، ولعلّ ذلك انتقام من الله تعالى. فإنني أُخبرتُ أنهم لما تحقّقوا عدم رمضانهم في تلك الليلة أخذ الكثير منهم على الفِسْق والفساد ليلته تلك وفي صبيحتها،/ فأتاهم الله تعالى غرّةً لعلّهم يعتبرون. وكانت آية لمن بقي منهم، فهل من مدَّكر؟ نعوذ باللَّه من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا
(3)
.
[ختم البخاري بالقلعة]
وفيه، في ليلة السابع والعشرين منه، أعني آخر نهار السادس والعشرين كان ختم البخاري بالقلعة على ما رأيته بخط بعض الفُضلاء، وخُلع على من له عادة بذلك من قضاة القضاة والمشايخ وغيرهم، وحُملت إليهم الصُرَر على العادة.
[تعيين الطواشي مثقال في تقدمة المماليك السلطانية]
وفيه- أعني هذا الشهر- وأظنّ في يوم الخميس نصفه، استقرّ في تقدمة المماليك السلطانية الطواشي سابق الدين مثقال الحبشي الظاهري البرهاني، وكان نائب المقدّم، وصُرف صندل المقدّم
(4)
.
179 -
ومثقال
(5)
هذا موجود الآن، وهو في الأصل من خدّام ابن
(6)
البرهان، وهو معروف مشهور، ما عرفت هل أجرى عتقه عليه أم لا، ثم اتصل بجوهر اللالا، وأوصله إلى الظاهر جقمق فاختص به، وعيّنه مرة رسولاً إلى ملك الحبشة، وأثرى من ذلك، وحصل له المال ثم صُيّر شادّ المواريث، وحصل له أيضًا من ذلك نفع، ثم وُلّي نيابة تقدمة المماليك بعد صندل هذا، ثم ترقّى إلى التقدمة في هذا التاريخ، ثم صُرف عنها بعد مدّة وأعيد إليها بعد جوهر النوروزي، ودام بها مدّة مطوّلة كما سيأتي ذلك في محلّه، وعظُم جدّاً، وضخُم في دولة
(1)
هكذا في الأصل. والصواب: "هذه المنارة التي جرت فيها".
(2)
هكذا في الأصل. والصواب: "فوجدتها واسعة الدرج جداً، عريضتها".
(3)
الخبر في: نيل الأمل 6/ 163، 164 وهو مما ينفرد به المؤلّف رحمه الله.
(4)
خبر تعيين الطواشي في: النجوم الزاهرة 16/ 277، ونيل الأمل 6/ 164، وبدائع الزهور 2/ 405.
(5)
انظر عن (مثقال) في: الضوء اللامع 6/ 239 رقم 839 ولم يؤرّخ لوفاته، وهذا يعني أنه بقي إلى ما بعد سنة 900 هـ.، وقد ذكره المؤلّف رحمه الله في حوادث سنة 886 هـ. (نيل الأمل 7/ 301).
(6)
في الأصل: "بن".
الأشرف قايتباي سلطان العصر بزيادة عمّا كان، وشرع في بناء دار بالقاهرة بالقرب من المصبغة، وبينا هو في أثناء ذلك، وقبل تمامه غضب السلطان عليه لشيء قيل له عنه، فأخرجه مَنْفيّاً إلى طرابلس، ووُلّي التقدمة عِوضه خالص الآتي في محلّه أيضاً، فدام بطّالاً بطرابلس مدّة، ثم أعطي شيئاً من الجهات بسفارة الأتابك أُزبك. ثم لما توجّه الأتابك أُزْبَك إلى البلاد الشامية بعد كائنة باينْدُر التي قُتل فيها يشبُك من مهدي الدوادار، قدم عليه من طرابلس، وتشفّع به في أن يقيم بالقدس بطّالاً، فأحضره معه إلى القدس، ووعده أن يشفع فيه بدخوله القاهرة، وأمره أن يقيم بالقدس إلى أن يرد عليه ما يعتمده من ذلك، كل ذلك بغير إذْنٍ من السلطان. ولما بلغ السلطان ذلك أمر بنفيه من القدس إلى الكرَك، ثم عدل عن ذلك إلى إخراجه إلى مكة المشرّفة وقال: هو قصده الخير، بل مكة أفضل من القدس، فأُخرج إليها وهو مقيم بها الآن
(1)
.
إنسان حشم، حسن السمت، من مشاهير الخدّام، له أدب ولا بأس به فيما أُخبرت عنه. وستأتي غالب هذه التنقّلات وبعضٌ من أخباره أيضاً كلّ في محلّه إن شاء الله تعالى.
[القصاص من عبدٍ وأَمَة قتلا امرأة بغير حق]
وفيه، في ليلة الخميس، تاسع عشريه، اتفق عبد وأَمَة سوداء على مولاتهما بطرابلس الغرب، وكان قد غاب الزوج لها عنها، فقتلاها وأخذا ما وجداه لها من حُليّ ونحوه، وخرجا من البلد بكرة النهار هاربين، فأُخذا في ظُهر يومهما ذلك وأُحضرا، ثم أُمر بهما فذُبحا قصاصاً، وتولّى ذبحهما رجل من اليهود على عادتهم في تلك البلاد، إذا وقع مثل ذلك يحضرون يهوديًا من أعراض اليهود كائناً من كان، فيؤمر بذبح من وجب عليه القصاص، وأن يُمضي ذلك اليهودي الحكم فيه، سواء كان قتلًا قصاصًا أو غيره أو قطعاً، وليس عندهم هذا الذي يقال له المشاعلي في هذه البلاد الذي هو مُعَدّ لمثل هذه الأمور، تحاشياً عن أن يتولّى الواحد منهم شيئاً من ذلك
(2)
.
[انتقال جماعة من أهل مُسْرَاتَة إلى مالطة لظلم قائد طرابلس]
وفيه، في يوم الخميس هذا بَلَغَنا أن طائفة من أهل مُسْراتَة نحو الخمسة عشر
(1)
نيل الأمل 7/ 301، بدائع الزهور 3/ 190 (حوادث سنة 886 هـ.).
(2)
هذا الخبر ينفرد به المؤلّف رحمه الله.
رجلاً توجّهوا إلى جزيرة مالطة في بعض القوارب بأهاليهم وأولادهم وآبائهم ليسكنوا بها تحت إيالة الفرنج أهل الحرب فراراً من ظلم قائد طرابلس، ثم جاء الخبر من مالطة بأنّ الفرنج أنسوا إليهم وبهم وأنزلوهم وأعطوهم أرضاً، وشرطوا عليهم أن يعطونهم من الخراج نحو الثلث أو الأقلّ مما كانوا يعطونه لقائد طرابلس وهم آمنون من المظالم وعلى أنفسهم وأموالهم. فإنّا للَّه وإنّا إليه راجعون
(1)
.
[شهر شوال]
[صلاة العيد بجامع طرابلس الغرب]
وفيها استهلّ شوّال بالسبت، وكنّا بطرابلس فخرجنا لصلاة العيد بها بخارجها بالمصلَّى، وركب صاحب طرابلس القائد أبو
(2)
النصر الماضي ذِكره في موكب حافل، وخرج للصلاة ومعه أولاده وكثير من الفرسان، وكان يوماً مشهوداً من خروج الناس، ثم لما قُضيت صلاة العيد بدأ
(3)
الناس للدخول للمدينة، وكان بابها مغلقاً على عادتهم الجارية بذلك هناك، فاجتمع على النائب جمع من الناس وازدحموا بقربه، فلما فُتح الباب أسرعوا في الدخول إليه وهم في ازدحام كبير، ومات من الزحمة نحو الخمسة أنفار فكانت من الغرائب أيضاً مع ما وقع في أول الشهر من تلك الكائنة الماضي ذكرها في أول شهر رمضان أو آخر شعبان
(4)
.
[تفقد مقياس النيل]
وفيه في يوم الإثنين ثالثه، ووافق سادس عشرين بؤنة
(5)
من شهور القبط تفقّد ابن
(6)
أبي الرذاذ القاعدة بالمقياس، ثم أخبر بأنها سبعة أذرع وعشرين إصبعاً، فبشّر بذلك في هذا اليوم.
[عودة أُزْبك من التجريدة]
وفيه، في يوم الثلاثاء أيضاً وصل أُزبَك من ططخ من تجريدة البحيرة، وكان قد خرج إليها قبل ذلك، ونودي في هذا اليوم أن النيل المبارك بالزيادة.
(1)
خبر الخبرد ينفرد به المؤلّف رحمه الله.
(2)
في الأصل: "أبا".
(3)
في الأصل: "بدء".
(4)
خبر صلاة العيد ينفرد به المؤلّف رحمه الله، وهو في: نيل الأمل 6/ 165.
(5)
في الأصل: "بونه".
(6)
في الأصل: "بن".
[اختفاء ابن الأهناسي]
وفيه، في يوم السبت ثانيه أشيع بأن الوزير ابن الأهناسي، قد اختفى في هذه الليلة، ثم تحقّق صحة ذلك، وشغرت وظيفتا
(1)
الوِزْر والنظر الخاص، أعني هذا اليوم قُرّر في نظارة الخاص التاج ابن
(2)
المُقْسي، وهي ( ..
…
)
(3)
أيضاً قُرّر في الوزارة القاضي مجد الدين أبو الفضل ابن
(4)
البَقَري
(5)
.
وقد وقفت على هذه الحادثة في بعض التواريخ ورأيت على الهامش من
(. .)
(6)
لصاحبه، ولا لمن ذَين البيتين:
…
(7)
وقالوا قد وزر
…
فقلت كلّا لا وَزَرْ
…
(8)
لكنّه لا
…
يدور إلّا بالبَقَرْ
[خروج محمل الحاج]
وفيه، في يوم الإثنين سابع عشره خرج الحاج من القاهرة، وأميرهم على المحمل بُرْدُبك هجين كما تقدّم، وبالأول (أحمد ابن الأتابك)
(9)
تنِبُك البُردُبكي الآتية ترجمته، وأنه خرج أيضاً في دولة الأشرف قايتباي ( .... (
(10)
فلم يُعْف من التوبة، ومات ببركة الحاج، وسيأتي ذلك مبيّناً في محلّه (. .)
(11)
إن شاء
(12)
الله تعالى، وتأتي ترجمة بُردُبك هجين هذا أيضًا
(13)
.
[زيارة المؤلّف للزاوية التي بثاها ولد صاحب تونس]
وفيه، في يوم الثلاثاء ثامن عشره، خرج الحاج، خرجنا مع جماعة من أعيان
(1)
في الأصل: "وظيفتان".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
اختبر اختفاء ابن الأهناسي في النجوم الزاهرة 16/ 277، ونيل الأمل 6/ 165، وبدائع الزهور و"الأهناسي": بفتح الهمزة وسكون الهاء وآخره مهملة نسبة إلى بلدة بصعيد مصر، تدعى "أَهناس".
(6)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(7)
كلمة ممسوحة.
(8)
مقدار كلمتين أو ثلاث.
(9)
ما بين القوسين ممسوح من الأصل، استدركناه من: نيل الأمل.
(10)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(11)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(12)
في الأصل: "ان شا".
(13)
خبر خروج المحمل في: النجوم الزاهرة 16/ 277، ونيل الأمل 6/ 165، بدائع الزهور 2/ 405، والذيل التام 2/ 166.
تجار طرابلس المغرب إلى خارجها للتنزّه بمنشآتها، وزيارة الزاوية التي أنشأها الأمير أبو عبد الله محمد ابن
(1)
السلطان الكبير الشهير الخطير أبي
(2)
فارس عبد العزيز صاحب تونس، وهو عبد الله هذا هو والد عثمان صاحب تونس الآن. وهذه الزاوية التي مات بها أبو عبد الله هذا بمرضه الذي مات به.
وقد ذكر هذه الزاوية الحافظ ابن
(3)
حجر في تاريخه "إنباء الغمر"
(4)
في ترجمة أبي عبد الله هذا في وَفَيات سنة خمس وثلاثين وثمانمائة، وهي زاوية ظريفة جدّاً، مطلّة على بستان عظيم، كانت منتزهاً لابن عبد الله هذا هي والبستان، وما به من البناء الأنيق، والقصر الجيّد، لما كان حضر في سرحاته إلى طرابلس هذه. وله فيها الزاوية البرّيّة المعروفة، وهي من آثاره هناك، رحمه الله تعالى، فإنه كان من الأجواد ومن ذوي الشهامات، لا تُعرف له نقيصة غير غرامه بالصيد. ولما مات تأسّف عليه والده إلى الغاية، فإنه كان وليّ عهده.
ثم تنزّهنا بهذا البستان ورأيناه والقصر الذي به، وهو في غاية الحسن ومن محاسن المباني في محلّه
(5)
.
[انتهاء عمارة زاوية الأمير جانِبك نائب جدّة]
وفيه- أعني هذا الشهر- كان نهاية الأمير جانبك نائب جدّة من عمارة زاويته التي أنشأها بشاطئ النيل من منشأة المهراني، وقرّر أمورها، وجاءت أنيقة بقبّة معظّمة من أحسن المباني وأتقنها، وبها شيخ
(6)
من الأشراف أقامه بها جانِبك المذكور، وهو على مشيختها
(7)
إلى يومنا هذا، وهو السيد مسعود ومعه إمام
(8)
(بالمكان المذكور)
(9)
السيد ()
(10)
وهما إنسانان حسنان
(11)
.
(إعادة البُلقيني إلى القضاء وصرف المناوي)
(12)
وفيه، في يوم الخميس العشرين منه، استقرّ في القضاء الشافعية شيخ
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "أبو".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
إنباء الغمر 3/ 488 رقم 12.
(5)
خبر زيارة المؤلّف رحمه الله للزاوية ينفرد به.
(6)
في الأصل: "وبها شيخاً".
(7)
في الأصل: "مشيتها".
(8)
ومعه اماما.
(9)
ما بين القوسين عن الهامش.
(10)
بياض في الأصل مقدار كلمتين.
(11)
خبر عمارة الزاوية في: نيل الأمل 6/ 165، وبدائع الزهور 2/ 406.
(12)
العنوان من الهامش.
الإسلام العَلَم البُلقيني، وصُرف شيخ الإسلام الشرف المناوي
(1)
.
[ذو القعدة]
وفيها استهلّ ذو
(2)
القعدة بالإثنين، وطلع القضاة للسلطان ومن له عادة، فهنّوه
(3)
بالشهر على العادة.
[إصابة المؤلّف بوعكة في طرابلس الغرب]
وفيه، في يوم الثلاثاء ثانيه، وعكتُ بطرابلس فأصبح من غده قاضيها الشيخ منصور البَنْجَريري
(4)
، فجاء إليّ ليعودني ومعه إنسان من فضلاء الأطبّاء يقال له سيدي محمد الطبيب فعاداني، وخرجا بعد أن قرأ القاضي الفاتحة، ودعا بالدعاء المأثور بعيادة المريض. وكنت لم أتوجّه إلى منزل هذا القاضي قط من يوم قدومي عليه إلى طرابلس وإلى هذا الحين، بل كنت اجتمع به في الجامع بها، فكتبت إليه:
لي سيّد قد زار وما زرتُهُ
…
فمنّي النقصُ ومنه التمامْ
إنْ تحمل سهوي ففِقه مضى
…
لا في المأموم وهو الإمامْ
وطالما
(5)
زار الغمامُ الثَرَى
…
ولم يزُرْ قطّ الثرى لِلغمامْ
ثم حصل الشفاء، وللَّه الحمد.
[قائد طرابلس الغرب يأخذ ثوباً للمؤلف]
وفيه، في يوم الأحد سابعه، بعث إليّ قائد طرابلس أبو النصر الماضي ذِكره يطلب منّي ثوباً من ثياب الصوف السميك الأرُجُوان ليشتريه، وكان معي عدّة من تلك الثياب أحضرتها من تونس للإتجار، فبعثت إليه ثوباً منها طوله أربعون ذراعاً كان قد قام عليّ بتونس بمبلغ ثمانية وعشرين
(6)
ديناراً، ولم أقطع به قيمة وفي ظنّي أنه يبعث لي بثمنه وزيادة فأخذه وما أعاد عليّ جواباً، وكنت لم أجتمع به لِما هو
(1)
خبر إعادة البُلقيني في: النجوم الزاهرة 16/ 277، ووجيز الكلام 2/ 751، والذيل التام 4/ 166، ونيل الأمل 6/ 165، وبدائع الزهور 2/ 405.
(2)
في الأصل: "استهل ذي".
(3)
هكذا في الأصل. والصواب: "فهنّأوه".
(4)
تقدّمت ترجمته برقم (178).
(5)
في الأصل: "وطال ما".
(6)
في الأصل: "بمبلغ ثمانية وعشرون".
يتّصف به من الظلم والجور، وكأنه حسّ منّي عدم التفاتي إليه فأراد أن ينكيني بأخذ هذا الثوب، فلم أزل حتى أعاد إلي هذا الثوب على يد قاضيها منصور المذكور بعد أن أغلظ عليه في القول، وقال له: يجيء إلى بلدك رجل من أهل العلم والديانة غريب البلاد، وقد اجتمع بولد مولاك، يشير إلى المسعود باللَّه ولد عثمان صاحب تونس وأكرمه وعظّمه وأجازه، وتأخذ أنت ثوبه، فلم يكنه إلّا إعادة الثوب على يد القاضي المذكور، فأخذته ولم ألتفت إليه البتّة، وكان منه في حقّي ما سأذكره.
(نزول ابن العَيني لكسر البحر)
(1)
وفيه، في يوم الثلاثاء سادس عشره، ووافق تاسع مِسْرَى من شهور القبط، كسر النيل عن الوفاء، ونزل لذلك الشهابي أحمد بن العَيني سِبط الخَوَنْد شُكْرُباي الأحمدية زوجة السلطان، وعدّى إلى الروضة فخلّق المقياس، وعاد إلى السدّ، فكُسر الخليج بحضرته، وركب المركوب المجهَّز من الإسطبل السلطاني وإليه بالسَرْج الذهب والكنبوش الزركش، وصعِد القلعة وخُلع عليه، ومعه تائب جُدّة الدوادار الكبير، وجماعة كثيرة من الأعيان والأمراء، وخلع السلطان عليه خلعة هائلة مثل خِلَع أولاد السلاطين في مثل هذا اليوم
(2)
.
(ولاية حسن بن أيوب نيابة الكرَك)
(3)
وفيه، في يوم الثلاثاء ثالث عشرينه استقرّ بدر الدين حسن بن نجم الدين أيوب في نيابة الكَرَك بمالي كبير بذله في ذلك، وصُرف مبارك شاه
(4)
.
[احتيال المملوك على المؤلّف]
وفيه شريت عشرة من الجواري الزنوج وأسلمتهم
(5)
لمملوك لي كنت شريته بتونس، وأصله من علوج سردينية
(6)
أُسِر وأسلم وصار مملوكاً، وتنقّلت به الأحوال بعدّة بلاد إلى أن شريته وأحسنت إليه وأنست به وأعتقته وصرت أركن إليه في كثيرٍ من أموري وتعلّقاتي وهو يُظهر المودّة الزائدة والمحبّة لي والخدمة خداعاً
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
خبر نزول ابن العيني في: نيل الأمل 6/ 166، وبدائع الزهور 2/ 406.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
خبر ولاية حسن بن أيوب في نيابة السلطنة بالكرك في نيل الأمل 16/ 67، وبدائع الزهور 2/ 406.
(5)
هكذا في الأصل. والصواب: "من الجواري الزنجيّات وأسلمتهنّ".
(6)
في الأصل: "سردينه".
منه ومكراً وأنا لا شعور لي بغرضه، ثم احتال عليّ بأن قال لي: إن الرقيق في غاية الرخص بهذه البلاد، وفي غاية ارتفاع السعر بساحل بيروت، فاشترِ لي عدّة من ذلك أتوجّه به
(1)
إلى بيروت صحبة الشواني للبنادقة مع التجار، فأبيع ذلك ببيروت، ثم أحضر مع الشواني أيضاً بمالٍ طائل. فأعجبتني المقالة عليّ بذلك مع ركوني إليه وعدم شعوري بشيء من حيلته، بل ولا توهّمت منه شيئاً من ذلك، فضلاً أن أتحقّقه، وهيّأت له ذلك، وصرفت مبلغاً جيداً في ثمن الجواري وفي زادهنّ وعمل يَرَقه، وأنزلته صحبة التجار، ثم ورد الخبر بعد مدّة لطرابُلُس بأن الذي توجّه بالرقيق فنزل بهنّ في جزيرة رودس وباعهنّ بها، وورد هذا الخبر على قائد طرابلس، وأن الذين أنزلهنّ قبض أثمانهنّ من إفرنج رودس، وارتدّ عن الإسلام، وخرج إلى سردينية
(2)
. ولما تحقّق قائد طرابلس هذا الخبر من بيع الجواري برودس وأنا لا علم عندي بشيء من ذلك، بعث إليّ من أحضرني إليه، وسأني عن الجواري وقال لي: بعثت بهنّ إلى أيّ مكان؟
فقلت: إلى بيروت.
فقال: إنك بعثتَ بهنّ لرودس وأمرت بأن يُبَعن بها.
فقلت: إن فعلت ذلك فعليّ ألف دينار لبيت مال المسلمين.
فسكت عنّي حتى قمت (. .)
(3)
مرزة، ثم لم ألبث إلّا وقد بعث إليّ ثانياً، وأحضر اثنين
(4)
من الأسارى كانا هربا من رودس فأخبراه بحضوري بما ذكرناه.
فقلت: أَأُبِعن في رودس للفرنج؟
فقالا: نعم، وذكرا البائع ووصفاه.
فأخذت
(5)
العجب من ذلك، وظننت أن هذا من وضع ذين الأسيرين بتعليم هذا الظالم واتفاقه معهما للإنتقام
(6)
منّي لكونه بغض منّي.
فقلت: أنا أَلتزم لبيت مال المسلمين بالعدول بألف دينار إن صحّ أنني بعثت بهنّ إلى رودس للبيع بها.
فأحضر اثنين
(7)
من يهود ديوانه منتظراً عليّ التزماً بذلك وأنا غافل عن ما هم فيه.
(1)
الصواب: "بها".
(2)
في الأصل: "سردينة".
(3)
كلمة ممسوحة.
(4)
في الأصل: "واحضر اثنان".
(5)
الصواب: " فأخذني".
(6)
في الأصل: "معهما لانتقاع"
(7)
في الأصل: "فاحضر اثنان".
ثم قال لي: إن أتانا آتٍ فأخبر عبر ذَين الأسيرين بما لعله وجب عليك ما قد التزمت به.
ثم انفضَّ الأمر وكان ما سأذكره بعد ذلك.
(الوليمة لجانبك نائب جدّة)
(1)
وفيه، في يوم الخميس خامس عشرينه هيّأ جانِبك نائب جُدّة الدوادار الكبير أسباب وليمة عظيمة يعملها في ليلة الجمعة هذه التي هي صبيحة غد هذا اليوم الذي هو الخميس، وأمر بجمع القراء والناس إلى هذه الوليمة بالقبّة الزاوية التي تقدّم خبر نهاية عمارتها، واحتفل لهذه الوليمة غاية الاحتفال وهيّأها في هذا اليوم بهذا المكان، وكان لها شأناً عظيماً حضرها جميع أعيان الدولة وأكابر المملكة وأمرائها ما عدا بعض مقدَّمين الألوف لم يطلبهم فلم يحضروا. ثم عُملت هذه الوليمة في هذه الليلة، وكانت حافلة جداً، ثم أشيع عنه بأنه إنما فعلها لغرض من الأغراض، وبلغ ذلك السلطان فأسرّ ذلك في نفسه. ثم لهج الناس في يوم الجمعة صبيحة تلك الليلة والوليمة بأنها آخر سعدة، وتمام أمره لِما هالهم من أمرها وما وُقد فيها من القناديل على صفات غريبة بالمراكب وكثرتها بشاطئ النيل في تلك الليلة وكثرة الناس واجتماعهم فيها بحيث لم يُرَفي القرب من هذه الأيام مثل هذه الاجتماعية ولا نظيرها. ثم كان ما لهج به الناس، فإن جانِبك هذا قُتل بعد ذلك بخمسة أيام في غلس يوم الثلاثاء مستَهَلّ ذي الحجّة كما سنذكره
(2)
.
[هرب الأسرى الفرنج من سجن طرابلس الغرب]
وفيه، في يوم الأحد ثامن عشرينه اتفق الأسرى الذين بطرابلس من الفرنج وحفروا المطمور الذي يُحبسون به ليلاً ونزلوا من سور البلد، وقبل أن يتم أمرهم بهم (؟) فُطن بهم، وكانوا هيّأوا قاربًا لهربهم فيه، فبدر خمسة منهم بالركوب فيه وخرجوا هاربين، وأُخذ من بقي منهم فنُكّل بهم، ثم أصبح القائد أبو النصر فبعث بسلوقيّ في أثر الهاربين فعادت ولم يظفر منهم على طائل، وحصل عنده من ذلك غاية الباعث والقهر
(3)
.
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
خبر الوليمة في: النجوم الزاهرة 16/ 277، ووجيز الكلام 2/ 752، ونيل الأمل 6/ 167، وبدائع الزهور 2/ 406، 407.
(3)
خبر هرب الأسرى انفرد به المؤلّف رحمه الله.
[ذو الحجّة]
وفيها كان استهلال ذي الحجّة بالثلاثاء بتمام العدد لعدم الرؤية، ثم ظهر أنه ثانية.
[كائنة قتْل جانبك نائب جدّة]
وفيه- أعني في ذي الحجة في يوم الثلاثاء المذكور- كان قتْل جانِبك نائب جدّة الدوادار، وكان من خبر ذلك أن السلطان بلغه ممن يثق به أن جانبك هذا في قصده وعزْمه الثوران به هو وجماعة من خُشداشيه وغيرهم ممن انتمى
(1)
له من أصحابه، وأنه في ليلة الوليمة قد تم اتفاقه وإيّاهم، وزاد الكلام في تفاصيل ذلك، وذكروا كيفية ما قيل عنهم إنهم يفعلونه بالظاهر خُشقدم وكيف شور على الأمر، وأشيع ذلك عنه إشاعة فاشية، وكان الظاهر من حركاته ليس من هذه الأيام فقط، بل من يوم سلطنة خُشقدم هذا، فإنه وطّأ
(2)
بها لسلطنته لنفسه، ولا زال إلى أن ظهر ذلك في هذه الأيام خصوصاً من يوم عمل الوليمة، ولعلّها كانت وسيلة لذلك، بل كانت كذلك.
فيقال إنهم اتفقوا على ذلك بأن يكون يوم الأربعاء ثاني أو ثالث ذي الحجة، ويصبح في يوم الخميس سلطاناً. فرتّب الظاهر خُشقدم بعض مماليكه في ليلة الثلاثاء واتفق معهم على قتله في يوم الثلاثاء إذا طلع إلى القلعة وقتل تَنَم رصاص معه فإنه كان أكبر القائمين معه والرأس في ذلك. ولما طلع جانبك في هذا اليوم على عادته في الطلوع للقلعة للخدمة بغير مباشرة للخدمة، وكان معه خمسة أنفار من جماعة منهم جانَم الذي وُلّي حماة فيما بعد الآتي في محلّه من سنة ثمان وثمانين، وكان إذ ذاك دواداره، وصل في طلوعه للقلعة لباب القلّة في الغلس قبل أن تترامى الوجوه، فوجد مقدّم المماليك وهو جالس بباب القلّة، فسلّم عليه على العادة ثم مشى حتى تجاوز العتبة الأخرى من باب القلّة، والتفت عن يمينه لجهة الجهة الموصلة إلى القصر، فوجد به جماعة من المماليك الجُلبان وهم وقوف، فظن أن وقوفهم لأجل أخْذ الأُضحية، فسلّم عليهم، ثم تجاوزهم في مَشْيه، وعطف إلى جهة يساره، والتفت إلى العتبة الكائنة تجاه باب الجامع الناصري، وإذا به جماعة من الجُلبان وهم وقوف على درَجه، فسلّم عليهم، وقبل أن يستتمّ سلاحه ابتدروه، فوصلوا إليه دفعة واحدة، وأحدقوا به وهم بالسيوف، وتناولوه بها
(1)
في الأصل: "انتما".
(2)
في الأصل: "وطاء".
حتى وقع إلى الأرض، وهرب من كان معه من جماعته إلى جهة الحوش والدُهيشة، وكان غالب الضرب بالسيوف على رأسه، ولما سقط ضُرب بسيف على خاصرته، فنهض قائماً، ثم استند إلى حائط الجامع، ثم سقط في الحال، فسحب البعض منهم برجله إلى طريق المطبخ، ووُجد به بعض الرمق، فأخذ حجرًا هائلاً وحمله بجهد، ثم ألقاه على رأسه فردخه به فمات من وقته ذلك، ثم سلبوه، وألقوا على بدنه لستره حصيراً كان هناك ستروه به، ثم رجعوا إلى باب القلّة ليقتلوا من نُدبوا لقتله غيره أيضاً من خُشداشه، فوافوا تَنَم رصاص المحتسب وقد أقبل في أثر جانِبك فقصدوه، فاستجار بمقدَّم المماليك وبجماعة من أنْياته، فلم يلتفتوا
(1)
إليه ولا إلى من استجار بهم، ولا أغنى عنه ذلك شيئًا. ثم تناولوه بالضرب، ولما رأى عينها ثار بهم وطال عليهم، واستطال، فخرج من بينهم كالأسد الضاري وهو بغير سلاح، فعدّى
(2)
إلى جهة القصر وهم في طلبه، كل ذلك والنجوم ظاهرة، والغَلَس باق، ثم طلبوه فعاد وهم في أثره إلى جهة الجامع، فرأى جانبك وهو مقتول مُلقَى، فجال، وظفر في غضون ذلك بعصا، فدافع بها عن نفسه أن ضربهم بها. وبقي يحطِم عليهم، وهم يُحجمون عنه مع كثرة عَدَدهم وعُدَدهم، وأظهر من الشجاعة في ذلك اليوم ما هو مذكور إلى الآن، ولا زال على ذلك حتى كاد أن ينجو منهم، ثم تكاثروا عليه بالأسلحة، وبدر إنسان منهم بأن ضربه بسيف فأطاح يده، ثم أخذته السيوف حتى ظُنّ أنه مات فتركوه، فأتى إليه جماعة من أنْياته وحملوه وبه بعض رمق، ثم مات بعد قليل. ولما وقع هذا وحصلت حركة بالقلعة بادر نائب القلعة بغلق بابها ولا عِلم عنده بالخبر، وكثُر الهَرَج والمَرَج، وماجت الناس. وهبّ كل من الأمراء والجُند والجامكية إلى جهة من جهات القلعة، وكان السلطان في ذلك لوقت بقاعة الدُهَيشة والفانوس موقد بالشمع بين يديه، بعد أن فرغ من صلاة الصبح، فدخل عليه جانَم دوادار جانبك ولم يعلم ما جرى على أستاذه، ولا عرف بقتله، بل أخبر السلطان أن الجُلبان قد اعترضوا أستاذه ومنعوه من الدخول على السلطان، فسكت السلطان لعلّه بباطن، ثم قال بعد ساعة: ما الخبر؟
فقال له: جانِبك كوهيه: خير يا مولانا السلطان.
وقال مُغُلباي طاز: أيّ خبر؟
وقال بَلَبَاي الأميراخور الكبير: ما لقي اليوم خبرية للهرج الواقع، وما نعلم ما هو.
(1)
في الأصل: "فلم يلتفتون".
(2)
في الأصل: "فعد".
فقال السلطان: بلى خرج إلى الحوش، ثم قام وهم معه، وخرج إلى الحوش فجلس به على الدكة وذلك بعد طلوع الشمس، وجميع أبواب الحوش والقلعة مغلقة، فجلس السلطان ساعة، ولم يصح عنده شيء
(1)
، من أمر جانِبك إلى الآن. وبينا هو على ذلك إذ دخل عليه نائب المقدّم، فتقدّم إليه وأسرّ إليه خبر قتل جانبك، فتحقّقه السلطان، ثم جاء غيره فذكر ذلك، فلم يكترث بذلك. ثم ورد خبر قتْل رفيقه تَنَم رصاص أيضاً، فطلب السلطان الخازندار ثم قال له: أخرج ثوباً بَعْلَبكيّاً
(2)
لتكفين جانبك وتَنَم، وندب جانبك كوهيه أن يمضي فيأخذهما، ويقف على غسلهما وتجميرهما، ويتولّى أمرهما إلى أن يدفنهما فخرج وفعل ما أُمِر به، ثم صلّى عليهما بباب القلّة، وأُخِذا على نعشين، وحُملا إلى محلّ دفنهما وليس معهما كثيرُ أُناس، بل جميع من كان معهما دون العشرة أنفس، فدُفن جانِبك بتربته قرب القرافة، ودُفن تَنَم رصاص بتربته أيضاً بالقرب من مشهد الليث بن سعد رضي الله عنه. ثم شاع خبرهما بالقاهرة، وكثُر أسف جماعة من الناس على جانِبك، وعظُمت مصيبته على أصحابه وخُشداشيه فقط
(3)
.
وأمّا قول الجمال بن تغري بردي
(4)
: وكثُر أسف الناس عليه، فليس كما قال، بل ربّما سُرّوا بموته لظلمه وشدّة وطأته، وكذا قوله: وانطلقت الألسُن بالوقيعة في السلطان، ليس كما قال. نعم إن كان ذلك منه وممن له غرض عند جانبك فصحيح. بل رُبّما حُمد السلطان على ذلك لإزالته الغُمّة عن نفسه وعن المسلمين. وقوله: وخاف أكثر الظاهرية على نفسه وماجت المملكة وكثُر الكلام في الدولة. كل ذلك ممّن له غرض عند جانِبَك.
وأمّا كثرة القال والقيل فهو عادة الناس، لا سيما أهل مصر في مثل هذه الحركات.
وقوله: وطالت المذاكلرة في أمره قطع في كيفية قتلته وفي عدم وفاء السلطان له إلى آخر ما قاله كلام لا طائل تحته ولا نتيجة له، وما عرفت ما فيه من الزبدة وأيّ شيء يهم
(5)
المذاكرية حتى يذكر أنهم قالوا قطعاً وصرّحوا بذمّ السلطان، وأنه
(1)
في الأصل: "عنده شيئًا".
(2)
في الأصل: "اخرج ثوب بعلبكي".
(3)
خبر قتل جانِبك في: النجوم الزاهرة 16/ 320 - 324، والمنهل الصافي 4/ 234 - 248 رقم 829، والدليل الشافي 1/ 239، 240 رقم 827، ووجيز الكلام 2/ 752، والضوء اللامع 3/ 57 رقم 235، ونيل الأمل 6/ 167، 168 رقم 2572، وبدائع الزهور 2/ 407.
(4)
في النجوم الزاهرة 16/ 324.
(5)
في الأصل: "نعم".
كان السبب أعني جانبك في تثبيت دولة الظاهر وسلطنته. نعم كان ذلك لا لأجل ذات السلطان، بل لأجل تمهيد الأمر لنفسه وقد كان في ضميره من الفعل بالظاهر نحواً ما فعله الظاهرية على ما عُرف بعد ذلك وشُهر.
[القبض على ستة أمراء]
وفيه، في بُكرة هذا اليوم لما وقع من قتْل جانِبك وتَنَم ما وقع قبض السلطان على ستة من الأمراء الظاهرية، وهم سودون الشمسي البرقي الأميراخور الثاني، وقانصوه اليحياوي، وأزدمر الإبراهيمي، وطومان باي، ودمرداش، وتغري بردي ططر، والجميع من العشرات ورؤوس
(1)
النُوَب ما عدا سودون، والكل ماتوا، وستأتي تراجمهم ما عدا تغري بردي ططر فإنه موجود الآن وهو حاجب الحجّاب بعصرنا هذا، فلنترجمه على عادتنا في تراجم الأحياء
(2)
.
[ترجمة تغري بردي المعروف بططر]
180 -
هو تغري بردي الشمسي
(3)
الظاهري، المعروف بططر لكونه تتريّ الجنس، وهو في الأصل ممّن بقي من كتابية الأشرف برسباي، وملكه الظاهر، وصيّر خاصكياً في دولة ولده المنصور فيما أظنّ، ودام على ذلك إلى سلطنة الظاهر خُشقدم، فأمّره عشرة وصيّره من رؤوس
(4)
النُوَب، ثم قبض عليه في هذا اليوم الذي ذكرناه، وأُخرج مَنفيّاً إلى طرابلس، ثم أعيد سريعاً، وأعيد إلى الإمرة على عادته، ودام على ذلك إلى سلطنة خشداشه الظاهر تمربُغا، فأمّره طبْلخاناة، واستقرّ به في نيابة القلعة بعد نفي سودون الفقيه، ودام على ذلك مدّة في صدرٍ من سلطنة خشداشه الأشرف قايتباي، وأثرى وحصّل مالاً طائلاً لمزيد اعتناء السلطان به وتقريبه وقضاء أشغال الناس قراجا الطويل بعد ولايته نيابة حماة قرّر صاحب الترجمة في تقدمة قجماس المذكور، ثم صيّر حاجب الحجّاب عوضاً عن برسباي قرا لما نُقل إلى الرأس نوبة الكبرى عوضاً عن تمراز الشمسي لما نُقل إلى إمرة
(1)
في الأصل: "روس".
(2)
خبر القبض على الأمراء في: النجوم الزاهرة 16/ 277، 278، ونيل الأمل 6/ 169، 170، وبدائع الزهور 2/ 409.
(3)
انظر عن (تغري بردي الشمسي) في: الضوء اللامع 3/ 28 رقم 136، ووجيز الكلام 3/ 1064 رقم 2283، والذيل التام 2/ 497، ونيل الأمل 8/ 117 رقم 3481، والمجمع المفنّن 2/ 288 - 290 رقم 1056، وبدائع الزهور 3/ 254. وهو توفي سنة 893 هـ.
(4)
في الأصل: "روس".
سلاح عوضاً عن يشبُك من مهدي بعد قتله في كائنة باينْدُر، وخرج أميراً على الحاج بالمحمل، ثم عُيّن في الأولى من غيلان النقلة
(1)
صحبة أزْدَمر أمير مجلس قريب السلطان، وهو مقيم بمصر إلى الآن مع العسكر.
وهو إنسان حَسَن، خيّر، ديِّن، نزِه، عفيف النفس بالنسبة لغيره، كثير التحرير في أحكامه، ينتمي لطلب العلم، بل ويقرأ الفقه وربما حقّق فيه، وله ميل لأهل العلم وطلبته، كثير البِرّ في أيام الزكوات تزدحم الفقراء على بابه لأخذها وهو تركيّ كما قلت، مسلم الأصل، فعلى هذا لم يملكه الأشرف ولا الظاهر ولا مسّه الرقّ.
وهو من أبناء القريب من الستين سنة.
وكان بينه وبين الوالد غاية الصحبة الأكيدة والوداد، ويُذكر ببعض بُخل وشُح.
[اجتماع والد المؤلف بالسلطان]
وفيه، في عصر هذا اليوم طلع الوالد على عادته إلى القلعة فاجتمع بالسلطان فقال له: ما تقول في جانِبَك نائب جدّة؟
فقال الوالد: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا
(2)
(30) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الإنسان: 30، 31].
فأعجبه ذلك، وعُدّ هذا من بديع الأجوبة التي فيها الموازنة. وقصد الوالد بذلك، لا سيما وحزب جانبك حزب موفور، فإنّه يمكن من قرأ هذه الآية جواباً عن هذا السؤال أن يقول في مرارة ما شاء.
ثم لما قام الوالد من عند السلطان حمل عليه الجمال يوسف بن تغري بردي، فأعاد السلطان عليه ما قاله للوالد من توخّي ما يقول في جانبك. فقال: عاش سعيداً، ومات شهيداً، فلم يعجبه تخليطه. ثم لما قام قال السلطان لبعض خواصّه: أين ذاك الكلام؟ يشير إلى مقالة الوالد من تلاوته تلك الآية الشريفة من هذا؟ يشير إلى مقالة ابن
(3)
تغري بردي.
ذكر لي هذه الحكاية بعض من أثق به ممن سمعها من لفظ السلطان.
(1)
هكذا قرأناها في الأصل.
(2)
في الأصل: "تشاون".
(3)
في الأصل: "بن".
[سجن أمير وإخراج أمراء من السجن]
وفيه، في يوم الأربعاء ثالثه حمل سودون البرقي إلى سجن ثغر الإسكندرية ليُسجَن بها، وأخرج قانصوه اليحياوي، وتغري بردي ططر إلى طرابلس، وألحق الثلاثة الأُخَر وهم: طومان باي، وأزدمر، ودمرداش
(1)
.
[ولاية يشبك الفقيه الدوادارية الكبرى]
وفيه، في يوم الإثنين ثامنه استقرّ في الدوادارية الكبرى الأمير يشبُك الفقيه خشداش السلطان وخلع عليه بذلك، ونزل إلى داره في موكب خيل، وهرع الناس إليه، وباشر هذه الوظيفة بتواضع وحُسن سيرة وعفّة ونزاهة، وخبرة من له دين ويقين.
وقد ذكر الجمال يوسف بن تغري بردي
(2)
ولاية يشبُك هذا للدوادارية، ثم قال عقيب ذلك بعد قتل جانبك: فولي يشبُك وظيفته ولم يل مجده ولا ثناءه
(3)
ولا همّته ولا حُرمته ولا شهامته ولا عَظمته (. .)
(4)
كان به. دل فى الزمان. انتهى كلامه.
أقول: وهذا كلام لعله صدر عن من لا يعرف الإيمان ولا بعقلٍ وبرهان. وأنت يا مخاطَب منصفي منه فدونك وهذا الشأن، وانظر بدين الإنصَاف واترك الاعتساف في النسبة بين جانبك ويشبُك الفقيه (
…
)
(5)
وأدبه وحشمته وتواضعه، وصحبته لأهل العلم والفضل، وقربه ونجدته، وعدله وقلّة أذاه، فشتّان ما بينهما. فلا حول ولا قوّة إلا باللَّه. اللهم اجعلنا ممن يقول الحق وينظر بعين الإنصاف.
[تعيين سودون الفقيه في حسبة القاهرة]
وفيه - أعني هذا اليوم - استقر في الحسبة بالقاهرة سودون البُرْدُبكي المؤيَّدي المعروف بالفقيه، عوضاً عن تَنَم رصاص
(6)
.
(1)
خبر سجن أمير في: نيل الأمل 6/ 169 وفيه مصادره.
(2)
في النجوم الزاهرة 16/ 277، 278.
(3)
في الأصل: "ثناه".
(4)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(5)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(6)
خبر تعيين سودون في: النجوم الزاهرة 16/ 278، ونيل الأمل 6/ 170، وبدائع الزهور 2/ 410.
[الأميراخورية الثانية]
وفيه استقر في الأميراخورية الثانية نانَق الظاهري، عِوضاً عن سودون البرقي
(1)
.
وستأتي ترجمته (. .)
(2)
.
[الاختلاف في الشهر]
وفيه، في يوم الخميس، كان عاشر ذي الحجة عندنا بطرابلس وعند النحر. وكان بالقاهرة بالأربعاء.
[نظر الدولة]
وفيه، في يوم السبت، ثالث عشره، استقر في نظر الدولة شخص كان من معاملي اللحم زفوري، ثم صار صيرفياً فيه يسمّى المعلّم محمد الببائي. وكان شيخاً سيّئاً، فظاً، غليظاً، عارياً من كل فنّ وفضيلة، وترك زيّه الذي كان يتزايا به وتزيّيه بزيّ السُوقة ونحوهم، وتزايا بزيّ الكُتّاب والمباشرين، وركب الفرس، ولبس الخفّ، واتخذ المهماز، وكثُر تشنيع الناس على السلطان بسبب ولاية هذا لهذه الوظيفة، وما كفاه ذلك حتى ولّاه الوزارة بعد ذلك كما سيأتي
(3)
.
(القبض على تمربُغا وأمراء الظاهرية)
(4)
وفيه، في يوم الإثنين حادي [أو] ثاني عشرينه، قبض السلطان على جماعة من أكابر الأمراء، ومن العشرات أيضاً من الظاهرية، وهم: تمربُغا رأس نوبة النُوَب. وأُزْبَك من ططخ أتابك زماننا الآن، وكان إذ ذلك من مقدّمين
(5)
الألوف، وبرقوق الناصري أحد العشرات ورؤوس
(6)
النُوَب، وقانِباي الساقي أحد العشرات أيضاً ورؤوس
(7)
النُوَب. وكان السلطان قد بلغه عنهم شيء في قضية قتل جانبك نائب جُدّة. والكلام في ذلك في طول، فرتّب القبض عليهم باتفاقٍ منه مع جماعة من جُلبانه بأن يقبضوا على من ذكرنا بالقصر حين الخدمة، فلما قبض عليهم حُملوا إلى البرج من القلعة، فسُجنوا به مقيَّدين. ثم لما تعالى النهار أُنزلوا من القلعة على
(1)
خبر الأميراخورية فى: المصادر السابقة.
(2)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(3)
خبر نظر الدولة فى: المصادر السابقة.
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
هكذا. والصواب: "من مقدّمي الألوف".
(6)
في الأصل: "روس".
(7)
في الأصل: "روس".
البغال ومعهم الأوجاقية
(1)
رُدفاء لهم بالخناجر، ومعهم جماعة من العسكر من الجند السلطاني.
حكى لي من أثق به من غُلمان الرَكَبْخَانَاه السلطانية أنه لما قُدّم لتمربُغا البغل حين أُخرج من البرج ليركبه للنزول عليه، قال للركَبْدار محضر البغلة: قدّم إليّ عادت الخزينة للعادة القديمة، وهو مَثَل يضربه العوامّ حين تكرُّر الفِعل بمن يُفعل معه شيء كان قد وقع له مثل ذلك قبله أو نحو ذلك، وإتيان تمربُغا بذلك إلى سابق محبّة على ما عرفت ذلك فيما تقدّم في محالّه، فلما نزلوا بهم من القلعة شقّوا بهم الصليبة مجتازين بهم منها، ولما جازوا على الخانقاه الشيخونية أظهر بعضٌ من أهلها الشماتة بتمربُغا، بل أسمعه ذلك، فإنه كان الناظر عليها، ولربما أساء في حق ذلك المتكلم الذي أظهر الشماتة به، وساروا بهم إلى أن أوصلوهم إلى شاطئ النيل، فأنزلوا إلى مركب، وانحدرت بهم في الحال لجهة ثغر الإسكندرية ليُسجنوا بها. ثم لما انفضّ الموكب أمر السلطان بقية الأمراء بأن يقيموا بالحوش السلطاني، ومنعهم من النزول إلى ديارهم مخافة حدوث حادث أو ثوران فتنة، لا سيما من بقيّة من بقي من الظاهرية. ثم أخذ الناس في القيل والقال في هذا اليوم، ولَهَجُوا بزوال الظاهرية عن آخرهم، وأُرجِف بوقوع فتنة، وكثُر هَرَج الظاهرية ومَرَجُهم واضطرابهم، وتخوّفوا غاية التخوّف، وأوصى الكثير منهم، وعمّ الخوف الناسِ جميعًا، حتى السلطان نفسه، فإنه صار يخشاهم كما كانوا يخشونه، وأخذ كلٌّ حَذره.
وكان السبب في هذه الكائنة على جهة الاختصار، أن السلطان لما قتل نائب جُدّة، واستحسّ بتغلّث خواطر الظاهرية منه، واختشى من عواقبهم، أخذ يُظهر أنه لم يرتّب قتله، ولا كان يأمر به، بل ولا عن عِلمه، وإنّما جُلبانه هم الذين وثبوا عليه، وإنهم إنّما فعلوا ذلك للعداوة القديمة بين الظاهرية والإينالية، فإنّ الذين باشروا قتله كانوا من الطائفة الذين لقوا كتابته عن الأشرف إينال، وأجرى هو عتقه عليهم، وأظهر أنهم إنّما فعلوا ذلك للعداوة وأرادوا بذلك إرضاء الظاهرية من غير أن يأمل أن ذلك لا يطيب على خُواطر جُلبانه إذا بلغهم ذلك، لما بلغ الجُلبان ذلك لم يهن ذلك عليهم، وتوهّموا أن أستاذهم أراد بذلك أن يلقي العداوة بينهم وبين الظاهرية فانعدلوا
(2)
فيه البواطن على أستاذهم، وأخذوا يدبّروا
(3)
في أخذه،
(1)
الأوجاقية: من أوجاق: لفظ تركي، يعني الفرقة العسكرية.
(2)
هكذا واضحة.
(3)
الصواب: "يدبّرون".
فتواطأ
(1)
جماعة منهم على الهجوم عليه في ليلة الخدمة بمكان رقاده، وأن يغتالوه فيه ويقيموا من شاؤوا
(2)
، إمّا من الإينالية أو الأشرفية الكبار من غير تأمّل في ذلك ولا رأي وتدبير ولا استشارة الأكابر ذوي الآراء والتجارب منهم. وقوي عزمهم على ذلك، فهجم منهم عدّة فوق الستة على السلطان في الخوخة بالقصر، وكان فيهم الاثنان اللذان وسطهما كما سنذكره قريباً. وكان السلطان قد أراد التَّهيُّؤ
(3)
للخروج إلى القصر لجلوسه به للخدمة، فلما دخلوا عليه أُلقيت عليهم هيبته لتأخّر أجله () الله تعالى وعدم فراغه، فأحجموا عن قصدهم وتوقّفوا وغُلّت أيديهم، وجبنوا جدّاً، وأخذهم أمر عظيم. ولما رآهم السلطان استراب وقال: ما شأنكهم؟ فبدروا بأن قالوا نقبض على الأمراء بعد أن أحسّ منهم الغدر، وكأنهم هم لما أحجموا أخذوا يعهدوا مندوحة لهجومهم عليه، فكأنهم يُظهرون له النصيحة فقالوا: نقبض على الأمراء، فلم يصدّق أن قالوا ذلك، فقال: افعلوا، افعلوا، مكرّراً ذلك لدفعهم عنه، فخرجوا وهم يسرعون حتى فعلوا ما فعلوا كما شاؤوا
(4)
من غير تعيين السلطان المقبوض عليهم هذا هو الصحيح، ورأى السلطان أن الشروع ملزم فما أظنّه إلّا لزوم غلطه، لا سيما وما وقع بعض مصدره للوهم الذين عنده من الظاهرية، بل وظنّ أن الذي فعله مماليكه هو النصيحة له وزال ما كان قد توهّمه من وثوبهم عليه، ثم لم يزل يتفحّص عن ذلك حتى تحقّقه في ليلة الثلاثاء تاسع عشرينه، فإنه لما صلّى العشاء الأخيرة جاء إليه من بلّغه أن جُلبانه، وذكر جماعة فيهم من دخل عليه في اليوم الذي قدّمنا (
…
)
(5)
قد أبرموا الاتفاق، وأضمروا الهجوم عليه ثانياً، وأن يفعلوا ما تواصوا به بغيبته، وعلم أنهم في تلك المدّة إنما قصدوه، وأنه إن لم يتدارك هذا الفارط في هذا الليل وإلّا ذهبت روحه، فحار في أمره، وضاقت عليه الأرض بما رحُبت، فلم يجد بُدّاً من الصلح مع الظاهرية والاعتذار إليهم وتطييب خواطرهم، وحرص أن يكون ذلك في هذه الليلة قبل اتساع الخرق عليه أو فروط الفارط، فبدر بأن بعث ليلاً إلى الأمير قايتباي المحمودي شادّ الشراب خاناه يطلبه إليه، وكان يركن له كثيراً ويعتقد فيه الخير والأمانة، ويأمره أن يحضر إليه بجماعة موفورة من أصحابه وخُشداشيه بآلة السلاح، فلم يكن إلّا القليل من الزمن وقد حضر تجمّع وافر أثارهم، وطلع ليلاً من باب السلسلة ومرّ بأكبر جموعه، وتوصّل إلى السلطان من
(1)
في الأصل: "فتواطى".
(2)
في الأصل: "شاوا".
(3)
في الأصل: "التهي ".
(4)
في الأصل: "شوا".
(5)
كلمة ممسوحة.
الحدرة، ونزل عن فرسه، فدخل على السلطان بمن معه، وتركهم بالقرب من الدُهَيشة ودخلها، فلما رأى السلطان قبّل الأرض بين يديه، فقام له واعتنقه واعتذر إليه وتسارّ معه، فكأنه ذكر له جليّة الأمر، وأنّ ما وقع من قبضه على الظاهرية ليس بأمرٍ منه، ثم أمر بإحضارهم من الإسكندرية. ولما طلع النهار خرج السلطان من القاعة إلى مقعد البحرة من الحوش، وفعل ما أرضى به الظاهرية ما يطول الشرح في ذِكره، وخرجت الأوامر في الحال بإحضار من توجّه لسجن الإسكندرية، وكان حضورهم بعد ذلك في السنة التي تليها كما سنذكره في أوائلها إن شاء الله تعالى. ومن غرائب ما رأيت أنا بتعليقي
(1)
في نكتة من متعلّقات هذه القضية أن ما فعله الظاهر خُشقدم هذا من طلب قايتباي هذا في تلك الليلة مع ما فعله قبل ذلك بخُشداشيه من نوادر أفعال أهل التدبير، ومن الغَرر المحض لذي السلامة عقيبه على غير قياس، إذ طلوع هؤلاء الجمع على تلك الصورة والكيفية، وليس عند السلطان من يساعده ولا يحميه، لا سيما وقد خاف من مساعديه وذويه من أكبر الأسباب في الطمع فيه لمن لا غرض له عنده إذا انفتح له هذا الباب، فضلاً عمّن له غرض أو يتوهّم فيه بشيء من أمره، ولو وقع منهم أمر مما يوجب زوال ملك الظاهر، بل وأخذ روحه، وكذا لو ثبت قايتباي على الأمر لكان ذلك كله ممكناً، لأن جميع من كان عند خُشقدم في تلك الليلة بأسرهم كانوا لا قدرة لهم على دفع البعض ممن جاء مع قايتباي لو أراد الوثوب على الأمر، وانتهز الفرصة في تلك الحالة التي قد اتفقت للابن مع والده الملك لانتهزها، فضلًا عن أمرٍ قد بدّد شمل جماعة وأشيع عنه بإزالة الجميع. وأظن أن قايتباي لما ترك ذلك مع قدرته عليه لا سيما إن كان نفسه حدّثته بذلك، وردّ هؤلاء ذلك للوفاء بوعد من اعتقده وركن إليه، عوّضه الله تعالى ذلك الذي بذله بعينه بعد ذلك حتى آتاه إيّاه وأدامه معه، وهو الملك إلى يومنا هذا أضعاف ما كان مع الذي تركه له من المدّة. فصدق من قال: من ترك شيئاً للَّه عوّضه الله خيرًا منه. ولا شك أن ما ملكه قايتباي بعد ذلك أَدْوَم مدّة بأضعافٍ مضاعفة من مدّة خُشقدم.
[تغريق السلطان خمسة من مماليكه]
وفيه- أعني هذا الشهر، في هذه الأيام، في هذه الكواين غرّق السلطان خمسة أنفار من مماليكه، وهم الذين تقدّم خبرهم في الهجوم عليه، وبينهم يَرَش السيفي جانبك نائب جُدّة، وكان السلطان قرّبه وأدناه وجعله من أخِصّائه، ثم بلغه
(1)
في الأصل: "لععلى". مهملة من غير تنقيط.
ما قدّمنا ذكره من الاتفاق عليه، وكان يَرَش هذا من أكبر الثائرين بتلك الكائنة، فقبض السلطان عليه، وأحضره بين يديه وضربه وعصره، ووقع له معه أمور يطول الشرح في ذِكرها، حتى أقرّ على جماعة، بل وواجه السلطان بكلمات مُنكية في أنه هو الذي أمر بقتل جانبك إلى غير ذلك. ثم آل الأمر بعد ذلك إلى تغريقه مع آخرين. ثم أشيع بعد ذلك بأن الناصر بن محمد بن جرِباش الأتابك له دخْلٌ في هذه الكائنة، وأنه ممن مالأهم على ذلك. ونفى السلطان جماعة أيضاً في مماليكه، منهم أُزبَك
(1)
الذي هو الآن أحد الأمراء بطرابلس، إنسان يُذكر الآن بخير وعقل وحُسن سمت، وإنه لا بأس به.
[النداء بزيادة النيل]
وفيه، أعني هذا الشهر، في أول توت من شهور القبط نودي على النيل بزيادة ثلاثة أصابع من العشرين ذراع، وهي من غرائب الزيادات، ثم كانت نهايته في هذه السنة تسعة عشر ذراعاً وسبعة أصابع.
[تحرّك حزب بني السراج على السلطان بغرناطة]
وفيها- أعني هذه السنة- تحرّك حزب بني السراج المالكي الأندلسي، ووزيراها، وأعيان الأمراء بغَرناطة، وأخذو في الممالأة على صاحبها السلطان المستعين بالله منقذ بن الأحمر ملك الأندلس، ولا زالوا بولده حتى ثار بأبيه، وكان له معه ما سنذكره في التي تليها إن شاء الله تعالى
(2)
.
[نقض السلطان المتوكل على الله صاحب تلمسان العهد مع صاحب تونس]
وفيها أيضاً أشيع بنقض السلطان المتوكل على الله محمد بن أبي ثابت صاحب تلمسان ما كان قد بعث به من العهد على يد الولي القاسم منذر أحمد بن الحسن إلى صاحب تونس عثمان بالمصالحة على ما تقدّم ذِكره في محله. وأشيع بأن عثمان صاحب تونس أخذ في أسباب عودة آله
(3)
، وكان من ذلك ما سنذكره في سنة تسع وستين.
(1)
سيأتي أزبك هذا في الترجمة رقم (184).
(2)
خبر تحرّك الحزب في: نيل الأمل 6/ 173.
(3)
خبر نقض السلطان في: نيل الأمل 6/ 173.
[خروج السنة]
وخرجت هذه السنة بما قد عَرَفْتَه فيها من الفِتن والشرور وكثرة الأهوال والأراجيف، لا سيما بالقاهرة، خصوصاً بعد قتْل جانِبك نائب جُدّة، وما وقع بعده، وما كان فيه السلطان من أخذه الذي على نفسه بما قد عرفتَ جميع ذلك، فلا نعيده.
[مرض السلطان عثمان صاحب تونس]
(وفيها، في هذه السنة وعك السلطان عثمان صاحب تونس عدّة أيام، وبَلَغَنا الخبر ونحن بطرابلس ثم جاء من (
…
)
(1)
عدّة أيام تزيد على العشرين، وبقي يُرجف في تونس بموته، وكثُر فيه القال والقيل، وزاره القاضي الشيخ الإمام أبو عبد الله محمد الذلدوي قاضي الأنكحة بتونس، والعالم في الطب لعلاجه، هو وشيخنا عبد الرحمن بن أبي سعيد الصقلّي، واجتهدا في علاجه غاية الاجتهاد على القانون المعمول به، حتى قدّر الله تعالى بعافيته وحصل له الشفاء
(2)
.
ثم ورد الأخبار إلى طرابلس بذلك فزيّنت لذلك، وتظاهروا بالفرح والسرور، وكانت زينة غريبة عجيبة رأيتها على وجه سياج ليس مما يفعل بالذين في هذه البلاد)
(3)
.
(1)
كلمتان ممسوحتان.
(2)
خبر مرض السلطان في: نيل الأمل 6/ 173.
(3)
هذا الخبر من أوله إلى هنا كتب على الهامش. وكنّا ذكرنا في حاشية رقم (1) من نيل الأمل ص 173 أنه لم يُذكر في الروض الباسم. فليُصحّح.
ذكر نُبَذٍ
(1)
من تراجم الأعيان ووَفَيَاتهم في هذا الزمان سنة
867
181 -
إبراهيم بن أحمد بن أحمد بن محمد بن عبد الواحد بن قاسم بن أبي بكر بن خليل بن عبد الخالق بن طاهر بن حسن بن حسين بن جرير بن عبد الله بن النُعمان بن المنذر بن ماء السماء اللخْمي، الحسني، الشاذلي، القاهري، الشافعي.
الشيخ الإمام، العالم، العامل، البارع، الكامل، برهان الدين بن بدر الديّن. وهو من غريب ألقاب أحمد، المعروف بابن الميلق
(2)
، وهو لقب لجدّه أحمد.
وفيما ذكرناه من نسبه كلام وعند رفع هذا النسب، وقد طعن فيه جماعة، بل ذكر غير [هـ]، وأكّد أنه اختلقه، وصرّح بهذا عدّة من الأكابر.
والحَسَني في نسبه نسبة لحسن في نسبه.
ولد صاحب الترجمة في شهر رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة بالقاهرة.
وبها نشأ فحفظ القرآن العظيم وبعض متون. ثم اشتغل فأخذ عن جماعة منهم: شيخا
(3)
الإسلام، السراج البُلقيني، وابن
(4)
الملقّن، والشيخ القليوبي، والنور الأدمي، والشمس البوصيري، وغيرهم. ولم يزل مُجِدّاً حتى برع وتمهّر،
(1)
في الأصل: "نبذاً".
(2)
انظر عن (ابن الميلق= إبراهيم بن أحمد) في: عنوان الزمان 2/ 9 - 11 رقم 97، والذيل على رفع الإصر، 82، والقبس الحاوي 1/ 40 رقم 2، والضوء اللامع 1/ 9، 10، ونيل الأمل 6/ 162، 163 رقم 567، والمجمع المفنّن 1/ 153، 154 رقم 7، وحوادث الزمان 1/ 162 رقم 198، وبدائع الزهور 2/ 405.
(3)
في الأصل: "منهم شيخي".
(4)
في الأصل: "بن".
وشُهر ذكره، وسمع الحديث على البرهان الشامي فيما أخبر عن نفسه على ما نقله عنه بعضهم، ونسَبَه إلى عدم الوثوق به فيما يخبر به، وإلى الجهل المفرِط والمتهوّر، واللَّه أعلم بما قاله، فإنّ الظواهر تكذّبه، وفيه تخايُل ظاهر.
وناب إبراهيم هذا في القضاء وحُمِدت سيرته في ذلك، وصحِب الظاهر جقمق في حال إمرته، ثم (
…
)
(1)
وصرفه الحافظ ابن
(2)
حجر مرة عن نيابة الحكم، أذِن له الظاهر (. .)
(3)
ويحكم استقلالاً، ويفصل القضاء بغير إذن من الشافعي، أعني الحافظ ابن حجر (
…
)
(4)
بغير تعيين، بل صار في معناه من وجه، وكان سببًا لوفور حُرمته (وأدّى إلى تغيّر)
(5)
الظاهر على الحافظ ابن
(6)
حجر لأمرٍ ما بعث إلى صاحب الترجمة (يأمره أن يخطب)
(7)
بجامع القلعة وفعل، بل وعيّن للقضاء، ولم يبق إلّا ولايته وفصّلت خلعته (ثم)
(8)
لم يتم ذلك، وفي خطابة الجامع الطولوني عوضاً عن أبي هريرة بن النقاش، وكان ذلك بعد أن صرف الظاهر ابن
(9)
النقاش على ما تقدّم ذلك في محلّه في متجدّدات سِنيّ دولة الظاهر جقمق على ما ذكرنا هذا.
وكان خطيباً مِصْقعاً، يُقصد لسماع خطبته، وكان إذا خطب سُمع على (. .)
(10)
حتى بلغني أنه كان إذا خطب بالجامع الطولوني ربّما سُمع من الشارع الموصل إلى الكبْش.
ومع اختصاص الظاهرية وتقريبه، وصحبته كان يقول عنه إن جقمق هذا من الدجاجلة. وصحب البرهان هذا بأخرة قليلاً. فقال إن ذلك باختياره وبقصده لخيره ودينه.
توفي قبل منتصف شهر رمضان.
وكنت حين موته ببلاد المغرب.
(1)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(4)
كلمتان ممسوحتان. كما أن كلمتي "ابن حجر" ممسوحتان. أثبتناهما بحكم سياق الخبر.
(5)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل، أثبتناه بما في المجمع المفنّن.
(6)
في الأصل: "بن".
(7)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل. وهو في المجمع المفنّن 1/ 154.
(8)
عن المجمع المفنّن.
(9)
في الأصل: "بن".
(10)
كلمة ممسوحة.
182 -
إبراهيم بن محمد بن (أحمد)
(1)
اللنتي
(2)
، التازي
(3)
، المغربي، المالكي.
الشيخ الولي، العارف، القدوة، المسلّك، الإمام، العالم، العامل، البارع، الكامل، أبو سالم (نزيل واهران)
(4)
، المعروف بالنسبة إلى تازة
(5)
، وهي مدينة من مدن فاس.
ولد الشيخ بها في سنة عشر
(6)
وثمانمائة تقريباً.
وبها نشأ
(7)
نشأة حسنة فحفظ القرآن العظيم، واشتغل بالعلم، وأخذ عن جماعة، وشُهر بالفضيلة وذُكر، ثم حُبِّبتّ إليه طريقة القوم من متصوّفي أهل السُّنّة والجماعة، فطلبها وحرص على ذلك، وطوّف الكثير من البلاد، وأخذ الطريق عن جماعة من الأكابر، وقدم القاهرة حاجّاً فحجّ وجاور، ثم عاد إلى المغرب فقطن مدينة واهران، ملازماً بها الشيخ الصوفي العارف بالله تعالى سيدي محمد بن عمر الهوّاري صاحب الزاوية المعظّمة بواهران، وكان من كبار عباد الله الصالحين، وأوليائه العارفين، ومن حزبه المفلحين، ومن العلماء الأعيان، وكان به النفع العام في تلك البلاد لسائر الخلق، وأنشأ بها زاوية معظّمة تُعرف به، ودام صاحب الترجمة ملازماً له مدّة. وهو -أعني: الهوّاري- لعظَمه ويُجلّه ويقدّمه على جميع أصحابه، بل وعلى ولده لما رآه منه من الدين المتين والتوجّه التامّ إلى الله تعالى.
ولما توفي الشيخ -ولعلّ وفاته كانت بعد الأربعين- فإنّني لم أحرّرْها، خَلَفَه صاحب الترجمة في طريقته.
وكان الهوّاري قد ترك ولدًا، وهو مقيم بزاوية أبيه، ولصاحب الترجمة بها
(1)
في الأصل بياض. والاستدراك من نيل الأمل 6/ 166، وفي نيل الابتهاج 54 "إبراهيم بن محمد بن علي".
(2)
اللنتي: بالنون، والمثنّاة من فوق. (المجمع المفنّن). وفي نيل الأمل 6/ 166 "اللنبني"، وهو غلط.
(3)
انظر عن (التازي) في: نيل الأمل 6/ 166 رقم 2571، والمجمع المفنّن 1/ 243 - 257 رقم 112، ونيل الإبتهاج بتطريز الديباج، للتنبُكتي، طبع بمطبعة السعادة بمصر 1329 هـ.، على هامش كتاب الديباج المذهب، لابن فرحون - ص 54 - 57.
(4)
ما بين القوسين عن الهامش.
(5)
في المجمع المفنّن/ 243 "تازان".
(6)
في الأصل: "سنة عشرة".
(7)
في الأصل: "نشاء".
خلوة أنزله بها الشيخ من أيام حياته، فكان الناس بعد موت الهوّاري يتردّدون إلى صاحب الترجمة بالزاوية المذكورة ولا يلتفتون إلى ولد الهوّاري مع كونه صاحب الزاوية وابن
(1)
مُنشِئها، فصار ابن
(2)
الشيخ يغضّ من سيدي إبراهيم هذا في الباطن، وأحسّ هو بذلك، ولم يكن له قصد في قصد الناس إيّاه، ولا فيما يفعل معه، بل ربّما كان التفاته إلى ضدّ ذلك من عدم اعتناء أحدٍ بشأنه وتركه في حاله، فبدا له أن يخرج من الزاوية مراعاة لخاطر ولد شيخه، ليكون هو المقصود بإتيان الناس إليه، وسكن بمكانٍ بالبلد أنزله إيّاه بعضٌ من أهلها، به طبقة صغيرة جداً، فسكنها صاحب الترجمة، وظنّ انقطاع الناس عنه، وخفّة الأمر عليه من خداعهم وقصْدهم إياه، وقصد أن يتفرّغ لنفسه، فصرفت الناس وجوههم إليه بذلك المكان وقصدوه به، وتُركت الزاوية من ورود الناس إليها إلّا من يدخل لزيارة ضريح سيدي محمد الهوّاري، فبعد أن كانت تُقصد ويُقصد صاحب الترجمة بها صار يُقصد بمكانه فقط، ولا يقصد الزاوية إلّا زوّار الشيخ، ويخرجون سريعًا حتى ندم ابن
(3)
الشيخ على ما كان منه غاية الندم، وصار يتمنّى لو دام الشيخ سيدي إبراهيم بالزاوية. ولما كثُر ترداد الناس إلى صاحب الترجمة، وضاق عليهم مكانه، وبقي هو في شبه الحصر، قام إنسان من أعيان أهله والعَرض ومُترفيها يقال له محمد بن موسى، وكان محبّاً في صاحب الترجمة، وله ثروة ظاهرة وأملاك وديار وأمكنة، فأشار على الشيخ أن يُنشئ زاوية له، وأعطاه أمكنة كثيرة من أملاكه، وأرضًا بالقرب إلى داره في أحسن أمكنةٍ من البلد، فتمنّع صاحب الترجمة من ذلك، وقال: إن هذا يحتاج إلى مال طائل وتعبٍ كبير، ونحن فقراء ما لنا وللبناء؟ فلم يزل به هو وغيره من أعيان أهل واهران، وألحّوا عليه في ذلك، وجمعوا مبلغاً فيما بينهم له صورة، وأحضروه إليه، فقال: دعوه مع ابن
(4)
موسى، ثم شرعوا في العمارة، ووضع زاويته الموجودة الآن بواهران، وقاموا في ذلك بقلوبهم وقوالبهم وهِممهم. وبلغ ذلك صاحب تِلمسان، فأمّده بمالٍ وببعض ما يحاج إليه من وجه، بل وبعث إليه جماعة من مترفين
(5)
تلمسان أيضاً بمال، وبقي يزداد الأمر في ذلك وينمو
(6)
المال من غير طلب ولا سؤال، ولا تصوَّر يقال، وحُسِب فوُجد شيئًا كثيراً. وكان هذا المال في الحقيقة شيئًا لعمارة واهران، فضلاً عن الزاوية فقط.
(1)
في الأصل: "وبن".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
هكذا في الأصل. والصواب: "من مُتْرفي تلمسان".
(6)
في الأصل: "ينموا".
فكان ذلك سبباً لشهرة واهران زيادة عمّا كانت، وللتنويه بها، وقصدها للسُكنَى، ثم أخذوا في العمارة والبنيان، وحكمت زاوية الشيخ معلّقة، وارتفاعها نحو العشرين درجة من السلالم، وبها منار حسن للتأذين عليه، وبنى تحت الزاوية سوقاً جيداً بعدّة من الحوانيت، صار ذلك المكان أعظم أمكنة واهران. وأنشأ بجوارها وأحوازها منذ زمن، وحمّاماً، (وأجرى الماء)
(1)
إليها إلى البلد، وكانت قليلة الماء جدّاً، بها قناة واحدة بمجرى واحد يستقي منه أهل البلد بالجرار والقلال، مع ازدحام عظيم، وساق في بعض الأحيان، فصارت وافرة المياه ببَرَكَة الشيخ، وأدخل منه للبلد
(2)
مجراة جيّدة وللحمّام والميضأة الزاوية، وصارت هذه الزاوية وما بأحوازها من الأبنية من أعظم أخطاط مدينة واهران والخط المعتبر بها، وتوسّط البلد، وبقيت زاوية سيدي محمد الهواري في طرف البلد، وفاقت هذه الزاوية على تلك، وجاءت أنيقة، بديعة الصفات والوضع، وأنشأ جوارها منزلاً حسناً ظريفاً أنيقاً، غريب الهيئة، مرتفعاً بعدّة شبابيك، غريب الوضع، من أحسن المباني. أعدّه لسكنه، وجعل له بابين
(3)
، أحدهما يُتَوَصّل به إلى هذه الزاوية، يخرج منه الشيخ إليها في أوقات الصلوات، والآخر خارج الزاوية، وأعدّ له مدفناً بأحواز الزاوية ابتغاء دفنه
(4)
فيه بعد موته. ورتّب لهذه الزاوية إماماً ومؤذّناَ وقَوَمة من أصحابه، وجعل بها مكانًا عظيماً إلى جانب مسكنه، به باب يدخل منه إلى سكن الشيخ، جعله سماطاً بين العشاءين، ورتّب أذكاراً تُقرأ به و"الوظيفة المنصورة" التي عملها الشيخ، وأنشأ مكتباً هائلاً تجاه الزاوية تجوزها برسم قراءة جماعة من الأيتام به، وبه أحد أصحابه، وهو إمام الزاوية لإقرائهم، وصار أهل البلد وأعيانهم يبعثون أولادهم أيضاً إلى هذا المكتب للقراءة والتعليم به، وكملت هذه الأبنية كلها في أقرب الأوقات، وعُدّت من كرامات الشيخ، وطار صيت هذه الزاوية، وعُمِّرت المدينة بواسطتها، وأنيرت، وزاد حُسنها، ولَهَج الناس بذلك، لا سيما المدجَّنين من أهل الأندلس الذين هم تحت إيالة النصارى من الفرنج، فهرعوا إلى واهران واختاروا سُكناها، وزاد بها الأبنية والديار والعماير على نحو زيادة النصف مما كانت قبل ذلك، وانحشَتْ بالخلق، وأعمر خارجها بالكروم والأبنية بها، وامتدّت الكروم بها بظاهرها، واتسعت جداً، وكثُر إنْسها. وعظُم بها أمر الشيخ، وصار أكثر أهل البلد من مريديه وتحت نهيه وأمره، لا يخرجون عن إشارته، ويجتمع الكثير منهم من الأعيان بين العشاءين لقراءة "الوظيفة" بزاويته
(1)
ما بين القوسين مكرّر.
(2)
في الأصل: "للبد".
(3)
في الأصل: "بابان".
(4)
في الأصل: "ابتغاء دفن".
بالمكان المُعَدّ لها، وهي وظيفة جليلة ذكرتُ سببَ جمعها في بعض رسائلي وذكرثها، ورويتها عن جماعة من أصحابه عن الشيخ. وكذا يجتمعون بها كل جمعة بغرفة لقراءة القصيدة التي أنشأها، فتُقرأ بعد صلاة الجمعة بجمع حافل، ويحضر أطفال المكتب أيضًا لقراءتها، ويُمَدّ لهم سِماط من الخبز والتين اليابس.
وقُصد الشيخ بالزيارة من سائر الجهات، وتسامع به الملوك وبعثوا يلتمسون دعاءه
(1)
، وهادوه، وتفقّدوه، وقصده صاحب تِلِمسان للزيارة من تِلِمسان بنفسه، ودخل واهران وقصد زاويته، وترجّل مرةً عن فرسه وصعِد إليه بمكان سكنه واجتمع به، وجلس بين يديه بأدب وسكون ووقار، والتمس منه الدعاء، ووقف في يوم قدوم السلطان إليه جماعة من أعيان أهل واهران، وكانوا وقوفاً بين يدي الشيخ والسلطان، فالتفت السلطان إليهم وقال: أنا في بَرَكَة الشيخ، وهذه البلدة في الحقيقة هي للشيخ، إذ هو الذي أعمرها. ثم تكالما، وكان من جملة كلام الشيخ له أن قال: إذا زار الأميرُ الفقيرَ فنِعم الأميرُ ونِعَم الفقيرُ. وإن زار الفقيرُ الأمير فبئس الفقيرُ والأميرُ. فقال السلطان: عسى أن نكون من "نِعم" لا من "بئس". ثم سأله عن حوائجه ليتولّى قضاءها.
فقال له الشيخ: أسأل الله تعالى أن يقضي حوائجي وحوائجك المقرِّبة إليه، ثم دعا له بالصلاح.
فوادعه
(2)
السلطان وخرج من عنده، فزادت وجاهة الشيخ وحُرمته، ولا سيما عند العوامّ، وصارت الطلبة تهابه وتخشاه جداً. ولم يزل على ما هو عليه من الدين والخير والصلاح ومع المسلمين حتى بَغَتَه أجَلُه.
وكان له التوجّه التامّ إلى الله تعالى، وبه النفع العام جَمَالياً، سَنِيّاً، بهياً، له الأخلاق الرضيّة والشمائل المَرضيّة، ذا حُسن سمت، وتؤدة زائدة، وأدب وحشمة، ووقار وأُبَّهة، وهيئة حسنة، عليه الأنس والخَفَر، مع وضاءة ونورانية، ونزاهة ولطافة، متجمّلاً في شؤونه
(3)
وملبسه، كثير التهجّد والتعبّد، وافر الخير، كثير البِرّ والإحسان إلى الخلق، كريم النفس جداً، سمح الأيادي، فقير في صفات الملوك، بشوش الوجه، طلْق المحيّا، غزير التواضع، كثير الحلم والعلم، فكِه المحاضرة، حلْو المذاكرة، فصيح اللسان، قويّ الجَنان، له شجاعة وإقدام.
(1)
في الأصل: "دعاوه".
(2)
هكذا في الأصل. والصواب: "فودّعه".
(3)
في الأصل: "شونه".
وبالجملة فكان من محاسن الدنيا، فضلاً عن ذلك القطر الذي كان به، وانتفع به جمع جمّ وصلوا به إلى الله تعالى.
وكنت سمعت بمحاسنه وقصدت زيارته ورؤيته، فلم يُقدَّر لي ذلك، فإنه توفي بواهران في هذه السنة، أظنّ في شوال
(1)
. ولقد أنسِيتُ شهر وفاته، رحمه الله تعالى ورضي عنه. وكنت أنا بتونس إذ ذاك، وكان ليوم موته بواهران شأن عظيم في المصاب، وكثُر أسف الناس عليه، وأدركت بواهران حين دخلتُها بعد ذلك عدّة من أصحابه من أهل الخير والدين والصلاح والعلم. ورأيت آثاره الدالّة على عُلوّ مقامه وهمّته، وكان ممن يقرئ العلم لأصحابه، ووقف بزاويته خزانة كتب جليلة في جُمَل من سائر الفنون العلمية.
وكنت أنا لما رجعت من الأندلس إلى واهران معي جملة من الكتب وقفتها بزاويته لما كنت تركت التعلّقات الدنيوية وحصل لي بعضُ توجُّهٍ إلى ذلك الجناب، فيا ليته لو دام، فإنّا للَّه وإنّا إليه راجعون.
وللشيخ -رحمه الله تعالى- نظْم حسن جيّد، رويت عن بعض أصحابه الكثيرَ منه بحق سماعه له، من إنشاء الشيخ لنفسه، فمن ذلك ما أنشدنيه صاحبنا الشيخ العالم، الصالح، أبو عبد الله ابن القصّار أحد تلامذة الشيخ، وأعزّ أصحابه عليه، قال: أنشدني الشيخ لنفسه:
أما آن ارعواؤك عن شَنار
(2)
…
كفى بالشيب زجراً عن عُوارِ
(3)
أبَعْدَ الأربعين ترومُ هزْلًا
…
وهل بعد العشيّة
(4)
من عَرارِ
فخلّ حظوظَ نفسك والْهُ عنها
…
وعن ذِكر المنازل والديارِ
وعَدّ عن الرَباب وعن سعادٍ
…
وزينب والمعازف والعُقارِ
فما الدنيا وزُخْرُفها بشيء
…
وما أيّامها إلّا غرارِ
(5)
وليس بعاقلٍ من يصطفيها
…
أتَشْري الفوز
(6)
، ويْحَكَ، بالتَبارِ
فتُبْ
(7)
واخلَعْ عِذارك في هَوى من
…
له دارُ النعيم ودارُ نار
(1)
في نيل الإبتهاج 55 توفي تاسع شعبان سنة 866.
(2)
في نيل الأمل 6/ 166 "عن الساري".
(3)
في نيل الأمل 6/ 166 "عواري"، ومثله في نيل الإبتهاج 56.
(4)
في نيل الأمل 6/ 166 "بعد الشيبة".
(5)
في المجمع المفنّن 1/ 247 "الإعواري"، والمثبت يتفق مع نيل الأمل. وفي نيل الإبتهاج "غرار".
(6)
في المجمع المفنّن: "أيُشْرَى الفوز".
(7)
في المجمع المفنّن: "تب".
جمالُ الله
(1)
أكملُ كل حُسنٍ
…
فللَّه الكمالُ ولا مُمَاري
(2)
وحبّ الله أشرف كل أنسٍ
…
فلا تَنْسَ التخلُّقَ بالوَقارِ
وذِكرُ اللَّهِ مَرْهَمُ كلِّ جُرحٍ
…
وأنفع من زُلالٍ للأُوَارِ
ولا موجود إلّا الله حقّاً
…
فدع عنك التعلُّقَ بالفُشارِ
(3)
قال شيخنا ابن القصّار المذكور: وكان خطاب الشيخ بهذه الأبيات لي، فإنني كنت قد تشوّقت إلى الوطن والأهل وغير ذلك بتلمسان، فذكرت له ذلك واستأذنته في التّوجّه إليهم، فنظم هذه القصيدة، وجعلها كالجواب لي.
وأنشدني ابن
(4)
القصّار المذكور أيضاً قال: أنشدني الشيخ لنفسه:
مرادي من المولى وغايةُ آمالي
…
دوامُ الرضا
(5)
والعفْوُ عن سوء أعمالي
وتنويرُ قلبي بانْسِلال سخيمة
(6)
…
به أخلدتني عن ذوي الخُلُق العالي
وإسقاط تدبيري وحولي وقوّتي
…
وصدقي في الأحوال والفِعل والقال
وفي حبّه مع حبّ صَفوته الرضى
…
ملائكة والأنبياء وأرسالِ
(7)
وحبّ النبي الهاشميّ محمدٍ
…
وأصحابه الغُرّ الأفاضل والآلِ
وحبّ رجالٍ خالفوا النفسَ والهوى
…
وخافوا مقام الواحدِ الصمدِ العالي
(8)
وهي طويلة مثبتة عندي.
وأنشدني المذكور أيضاً قال: أنشدني الشيخ لنفسه أيضاً:
رُويدُكم فما سمعي بقابل
(9)
…
لغا
(10)
لاع ولا يُصغي لعاذلِ
وما لي -ويْحَكم- عن ذا انفصالٌ
…
ولو انّي أفصَّل بالمناجل
(11)
(1)
في المجمع المفنّن: "حماك الله".
(2)
دي المجمع المفنّن: "ولا تُماري"، وفي نيل الإبتهاج:"ولا ممار".
(3)
في المجمع المفنّن: "بالشفار".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
في الأصل، والمجمع المفنّن:"الرضى".
(6)
في المجمع المفنّن: "بالسلال مخيمة".
(7)
في المجمع المفنّن: "والأرسال".
(8)
في المجمع المفنّن 1/ 247، 248 زيادة ثمانية عشر بيتًا.
(9)
في المجمع المفنّن 1/ 248 "فما سمعي بفاسد".
(10)
في المجمع المفنّن 1/ 248 "كفالاغ".
(11)
في هامش المخطوط كتب بإزائها: "بالمفاصل".
(1)
ذي ذِكر الله سرًّا
…
وجهراً بالغُدُوّ وبالأصايل
(بجمع صا)
(2)
لحين ذوي اهتمام
…
بقاداتٍ، بساداتٍ أكاملِ
(وحبّ)
(3)
الله ممزوج بكلّي
…
بفضل الله وهّاب الفضائلِ
(وحبّ)
(4)
لمصطفين من البرايا
…
وشمس ضحى الأواخرِ والأوائلِ
محمد الرسول بمعجزاتٍ
…
أحدّ من الصوارم والذوابلِ
(إلى كل)
(5)
الورى حُمرٍ وسودٍ
…
وأجناس العشائر والقبائل
وهي طويلة أيضاً
(6)
.
وأنشدني أيضاً قال: أنشدني الشيخ لنفسه في أحكام الزيارة وآدابها:
زيارة أربابِ التُقى مرهم يُبْري
…
ومفتاح أبواب الهداية والجَبْر
وتُحدِثُ في القلب الخَلِيّ إرادةً
…
وتُكسِب معدوماً وتجبر ذا كسْر
وتنصر مظلوماً وترفَع خاملًا
…
وتشرح صدراً ضاق من سعة الوِزْر
وتبسط مقبوضاً وتُضحك باكياً
…
وتوقد بالبذل
(7)
الجزيل وبالأجر
عليك بها فالقوم (باحوا بسرّها)
(8)
…
وأوصوا بها يا صاح في السرّ والجهر
فكم خلّصت من لُجّة الإثم فاتكاً
…
فأ (لقته في)
(9)
برّ الإنابة والبِر
وكم من بعيدٍ قرّبته بجذبةٍ
…
ففاجاه
(10)
الفتحُ المبينُ من البَر
وكم من مُريدٍ أظْفَرْته بمرشدٍ
…
حكيم خبير بالبلايا وما يُبْري
فألقى عليه حلّة يمنيَّة
…
مطرّزةً باليُمن والفتح والنصرِ
فزُرْ وتأدَّبْ بعد تصحيح نيّةٍ
…
تأدُّبَ مملوكٍ مع المالك الحرّ
وهي عدّة أبيات
(11)
.
(1)
في المجمع: "فهجير آي".
(2)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل. استدركناه من المجمع المفنّن 1/ 248.
(3)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل. استدركناه من المجمع المفنّن 1/ 248.
(4)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل. استدركناه من المجمع المفنّن 1/ 248.
(5)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل. استدركناه من المجمع المفنّن 1/ 248.
(6)
في المجمع المفنّن 1/ 248، 249 زيادة خمسة وعشرين بيتاً.
(7)
في المجمع المفنّن 1/ 249 "وترفد بالنقد".
(8)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل، استدركناه من المجمع المفنّن.
(9)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل، استدركناه من المجمع المفنّن.
(10)
في المجمع المفنّن: "ففاجأهن".
(11)
في المجمع المفنّن: زيادة عشرة أبيات.
وأنشدني أيضاً قال: أنشدني الشيخ لنفسه:
بإحسانِ ذي الطَّول أهلِ الكَرَم
…
له الحمد حمداً يوافي النِعَم
جُعِلنا لخير الورَى أمّةً
…
فكنّا بذلك خير الأُمَمِ
هنيئاً لنا أمَّةُ المجتَبَى
…
حَرَزْنا المعالي وحُزْنا العظم
شريعتُنا سَمحةٌ سهلة
…
فلا إصْر فيها ولا مُقتَحَم
نُجازَى بسيّئة مثلها
…
إذا العدلُ بالعدل فينا حكم
وذات البها عشْر أمثالها
…
فأكثر
(1)
أعظمْ به من كرم
وبالتَوب تُغْفَرُ أوزارنا
…
ولا أخدان جونبت
(2)
باللَّمَم
وهي أيضًا من قصائده الطوال.
وأنشدني ابن
(3)
القصّار أيضًا قال: أنشدني الشيخ لنفسه:
رَوحي وراحةُ روْحي ثم رَيْحاني
…
وجنّتي من شرور الأنس والجان
ومأمني وأماني من سعير لَظَى
…
ذِكر
(4)
المهيمن في سرٍّ وأعلان
ومدح أحمد أعلى العالمين حِمًى
…
وذو المقام الذي ما قامه ثاني
(5)
وهي أيضاً طويلة.
ومما أنشدنيه أيضاً لمذكور مما سمعه من لفظ الشيخ رحمه الله:
أبت مهجتي إلّا الولوع بمن تَهَوى
…
فدع عنك لومي فالنفوس وما تقوى
هوانُ الهوى عِزٌ وعذْبٌ أُجاجُه
…
وعاقبتي
(6)
أحلى من المنّ والسلوى
وتعذيبُه للصبّ عينُ نعيمه
…
وسعْي اللوامي
(7)
في السُّلُوّمن العدوى
ومن لم يجُدْ بالنفس في حبّ حبّه
…
فلوعتُهُ إفْكٌ وصَبْوتُه دعوى
وليس بحُرِّ من تعبُّدُه الهوى
…
للهْو الدُنا فاختَرْ لنفسك ما تهوى
(1)
في المجمع المفنّن: "فأكثر".
(2)
في المجمع المفنّن: "ولا أخذ إن جونبت".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في المجمع المفنّن 1/ 251 "بذكر".
(5)
في نيل الإبتهاج 57:
"ومدح أحمد أحمى العالمين حمى
…
وذو المقام الذي مقامه ثاني"
وفيه زيادة بيتين بعده.
(6)
في المجمع المفنّن 1/ 251 "وعاقبه"، وفي نيل الإبتهاج 57 "وعلقمه".
(7)
في نيل الإبتهاج: "اللواحي".
فما الحبّ إلّا حبّ ذي الطَّوْل والغِنَى
…
وأملاكه والأنبياء وأُولي التقوى
وخيرة رُسُل الله أفضل خلْقه
…
محمد الهادي إلى جنّة المأوى
(1)
رسول وَصُول مجمّل متفضّل
…
فلامثله في الوصل والفضل والجدوى
بشيرٌ نذيرٌ رحمةٌ نعمةٌ هدًى
…
سراجٌ منيز غايةٌ في التُقى قُصوَى
رؤوفٌ
(2)
عطوفٌ ليس بالفظّ ليّنٌ
…
وفي الحرب ليثٌ لا يطاق ولا يُقوَى
جميلُ المُحيّا، أزهرُ اللون، رَبْعةٌ
…
وسيمٌ، قسيئم، ملجأ لأُولي اللأْوَى
وفيٌّ، زكيٌّ، كاملُ الخلق والحِجَى
…
وليس له في العِلم والحِلْم من شَروى
على السيّد المولى
(3)
الشفيع وآله
…
وأصحابه أهل المَبرَّة والتقوى
سلامٌ بتبليغ المُنَى متكفّل
…
وبالرفع في الدارين للنوء
(4)
والبلوى
ومما أنشدنيه أيضاً قال: أنشدنيه الشيخ رضي الله عنه لنفسه:
يا صاح من رُزق التُقى وقلا
(5)
الدنا
…
نال السعادة والكرامة والغِنا
(6)
فاصرفْ هوى دنياك واصرم حبلها
…
دار البلايا والرزايا والعَنَا
وودادها رأس الخطايا كلّها
…
ملعونةٌ طوبى لمن عنها انثنا
(7)
لا تغْترر بغرورها فمتَاعُها
…
عرَضٌ مُعَدّ للزوال وللفَنَا
لعِبٌ ولهْوٌ، زينةٌ وتفاخرٌ
…
لاتخدعنّك جناها
(8)
مُرّ الجَنا
خدّاعةٌ، غدّارةٌ، مكّارةٌ
(9)
…
ما بلّغت لخليلها قطّ المنا
(10)
اليوم عندك جاهُها وحُطامُها
…
وغدًا تراه بكف غيرك مقتنا
(11)
فاقبل نصيحةَ مخلصٍ واعمل بها
…
يُدنيك من رضوان ربك ذي الغنا
(12)
(1)
حتى هنا في نيل الإبتهاج.
(2)
في الأصل: "روف".
(3)
في المجمع المفنّن 1/ 251 "الولي".
(4)
هكذا في الأصل. وفي المجمع المفنّن: "للسوء".
(5)
في الأصلْ "وقلى".
(6)
في المجمع المفنّن: "نال الكرامة والسعادة والغِنَى"، ومثله في نيل الإبتهاج.
(7)
هكذا، والصواب:" انثنى".
(8)
في نيل الإبتهاج 56 "جنانها".
(9)
في نيل الإبتهاج 56 "نكّارة".
(10)
هكذا، والصواب:"المنى".
(11)
هكذا، والصواب:"مُقتنى".
(12)
هكذا، والصواب:"الغِنى".
يُدْخِلْك جنّاتِ النعيم بفضله
…
دار المقامة والمَسَرّة
(1)
، والهنا
وأنشدني أيضاً قال: أنشدني الشيخ رحمه الله تعالى لنفسه:
خذي رياح اليُمن عَم
(2)
نسيمُها
…
أزْكى
(3)
من المسك الفَتيق شميمُها
وبحلول مولدِ أحمد قد بشّرت
…
واستنشقت ندّاً وتمّ نعيمُها
نجم الهدى (
…
)
(4)
قاسم العِدَى
…
ماحي الضلال، أخي العُلا
(5)
وحميمها
وهي قصيدة طويلة
(6)
.
وأنشدني أيضاً قال: أنشدني الشيخ رحمه الله لنفسه:
أنوارسيّدنا النبيّ المرسَل
…
سطعت علينا في ربيع الأول
بسعادةٍ أبديّةٍ وهداية
…
بعد الضلالة وانتشار الباطل
(بُشْرَى لأمّته السُّراةِ لقد سَمَوا
…
بمحمدٍ)
(7)
فوق السماك الأعزل
ومنها:
(هو رحمة للعالمين وعصمة)
(8)
…
وهو الشفاءُ لكلّ داءٍ مُعْضِل
ومنها:
(يا سيّد الرُسلِ الكرام وعَونَهم)
(9)
…
ومَلاذَهم ووسيلةَ المتوسّل
(كن لي شفيعاً يا شفيعُ واسْقِني)
(10)
…
من ماء حوضك في الرعيل الأول
(أنا مسرفٌ أنا بالمثابة مسوِّف)
(11)
…
أنا خائف من جرأتي وتغافل
(12)
(رُحماك في الدارين بي مالي حِمًى)
(13)
…
إلّا حمى ذاك الجناب الكامل
(1)
في المجمع المفنّن 1/ 251 "دار المسرّة والمقامة".
(2)
في الأصل: "نم"، والمثبت من: المجمع المفنّن 1/ 252.
(3)
في الأصل: "أذكى".
(4)
كلمة ممسوحة.
(5)
الصواب: "أخي العُلَى".
(6)
لم يذكر منها سوى البيت الأول في المجمع المفنّن 1/ 252.
(7)
ما بين القوسين ممسوح. استدركناه من المجمع المفنّن 1/ 252.
(8)
ما بين القوسين ممسوح. استدركناه من المجمع المفنّن 1/ 252.
(9)
ما بين القوسين ممسوح. استدركناه من المجمع المفنّن 1/ 252.
(10)
ما بين القوسين ممسوح. استدركناه من المجمع المفنّن 1/ 252.
(11)
ما بين القوسين ممسوح. استدركناه من المجمع المفنّن 1/ 252.
(12)
في المجمع المفنّن 2/ 252 "وتعاملي".
(13)
ما بين القوسين ممسوح من الأصل، استدركناه من المجمع المفنّن.
وهي قصيدة طويلة.
وممّا أنشدنيه ابن القصّار أيضاً للشيخ رحمه الله تعالى وسمعها (هذه القصيدة
…
)
(1)
التي تُقرأ في كل ليلة بزاويته بين العشاءين.
[حصار الفرنج ميناء وهران]
[وقد كان للفرنج حصار لميناء وهران]
(2)
يطول الشرح في ذِكره، ملخصه أن عدّة من مراكب الفرنج (. .)
(3)
وعاثوا بميناها وشرعوا في محاصرتها، وخرجوا إلى برّها (. .)
(4)
أغلقت (
…
)
(5)
الأبواب، ثم دحرهم الناس إلى زاوية الشيخ فدخل (. .)
(6)
ثم خرج بعد أذان المغرب. وقد أنشأ هذه الوظيفة فصلّى (. .)
(7)
بين العشاءين والناس في أمر مَريج من الفرنج وعد (. .)
(8)
على المسلمين الأسوار للقتال فيما فرغ الشيخ من قراءتها ودعا
(9)
، ثم صلّى العشاء الأخيرة وذهب مقدار (نصف الليل) أرسل الله تعالى رياحاً عاصفة أقلع الفرنج من خوفهم على مراكبهم منها، ومن كثرة عجلتهم تركوا عدّة منهم بساحل المسلمين، وما تمهّلوا لقلع المراسي الحديد، فقطّعوا حبالها وتركوها ووسّعوا إلى البحر خوفاً من جرف المراكب إلى البرّ وتكسّرها، فأصبحت صبيحة تلك الليلة وقد نصر الله أهل البلدة، وكفاهم الله شرّ أولئك، وقبضوا على من وجدوه من الفرنج، ثم أخرجوا المراسي وكانت تساوي مبلغًا كبيراً يقال: خمسمائة دينار. وصار لهذه الوظيفة شأن عظيم، وسمّاها الشيخ "الوظيفة المنصورة"، وكُتبت وقُصدت بالعناية، وهي مُثْبَتة عندي، وواظبت عدّة سنين على قراءتها بين العشاءين، ورأيت الكثير من بركاتها، وجوّدت لها رسالة مشتملة أوضحت الكلام فيها عليها وأوردتها برُمّتها، وهي مُثْبَتة في هذه الرسالة عندي، رويتها عن غير واحدٍ من أصحاب الشيخ عنه، ولها بواهران حين قراءتها بزاوية الشيخ بين العشاءين أُبَّهة وعظمة زائدة. وهذه القصيدة في ضائعها كما ذكرناه يمكن من يتأملّها أن يستخرج الوظيفة منها بتمامها وكمالها، وهي هذه القصيدة:
(1)
في الأصل مُسِح ما بين القوسين، والإضافة من المجمع المفنّن.
(2)
ما بين الحاصرتين ممسوح في الأصل. وما استدركناه يقتضيه السياق.
(3)
مقدار كلمتين أو ثلاث كلمات ممسوحات.
(4)
مقدار أربع كلمات.
(5)
كلمة واحدة.
(6)
مقدار خمس كلمات.
(7)
مقدار أربع كلمات.
(8)
كلمة واحدة.
(9)
في الأصل: "ودعاء".
حسامي ومنهاجي القويم وشُرعتي
…
ومَنْجاتي في الدارَيْن من كل فتنةِ
(1)
محبّة ربّ العالمين وذِكره
…
على كل أحياني بقلبي ولهجتي
وأفضلُ أعمالِ الفتى ذِكرُ ربِّهِ
…
فكُنْ ذاكراً بذكرك باري البريّة
وما من حسامٍ للمريدين غيره
…
فكم حسموا من ظهرٍ زارٍ وباهتِ
وكم بدّدوا شملاً لذي جيرة
(2)
وكم
…
أبادوا عدوّاً مسّهم بمضرّة
وكم عزلوا ذا إمرةٍ وولايةٍ
…
فأضحى مُهاناً بعد عزّ الإمارةِ
وكم دافَعَ اللَّهُ الكريمُ بذِكرهم
…
عن الخلق من مكروهة ومَسَرّةِ
(3)
وأفضل ذِكر دعوة الحقّ فلتكُنْ
…
بها لهِجاً في كل وقتٍ وحالةِ
فكثرةُ ذِكر الشيء آية حُبّه
…
وحسب الفتى تشريفه بالمحبّةِ
وداومِ على ذِكر الوظيفة إنها
…
لذاكرها أمن وأمنع جنّةِ
وفيها من الذِكر المصون خزاين
…
مفاتيحها التقوى وصدق الإرادةِ
(4)
وليس لها وقت يرجح فضلُه
…
على غيره بل كلّه وقتَ رحمةِ
ولا حدّ في مرّاتها إن تكرّرت
…
وواحدة حسب المريد بدورةِ
وإن
(5)
تنفردْ في ذِكرها فهو فاضل
…
وأفضل منه ذِكرها بالجماعةِ
وذِكر مُرادي بعد عشر بإثرها
…
مُرادي ولكنْ ليس شرطًا لصحّة
وهاك زمامًا للوظيفة كاملاً
…
بترتيبها نَظَمْته في قصيدتي
تعوَّذْ وبَسْمِل واقرأ
(6)
الحمد جهرةً
(7)
…
وأمّن جَهراً إنْ ذكرت وظيفتي
وسورة إخلاص ثلاثاً وبعدها الـ
…
مُعَوّذتين مرّة تثبّت
وبَسْمِلْ لكلٍّ مطلقاَ في محلّه
…
وعند اختتام الناس فافصِل بسكْتةِ
وسَلْ ربَّكَ الغفرانَ تُب صلّ سلّمن
…
على المصطفى الماحي ثلاثاً بقوّة
وربَّك فاستغفِرْ عشراً وبعدها
…
ثلاثاً لذا التقييد منك بعدّة
ومثلهما سبّحْهُ واحْمدْ وهلِّلَنْ
…
وكبّر وحَوْقِل ثم صلِّ سوى اللتي
(1)
في المجمع المفنّن 1/ 252 "محنة".
(2)
في المجمع المفنّن 1/ 252 "لذي حمأة".
(3)
في المجمع المفنّن 1/ 252 "ومُساءة".
(4)
هذا البيت ليس في المجمع المفنّن.
(5)
في المجمع المفنّن 1/ 253 "ولئن".
(6)
في الأصل: "واقراء".
(7)
في الأصل: "مرة"، وما أثبتناه من المجمع المفنّن 1/ 253.
تُسمَّى دعاء الكرْب فاستوفِ ذِكرها
…
ثلاثاً وقابلْ بالقبول نصيحتي
وصلِّ على الأملاك والأنبياء والـ
…
مطيع ثلاثاً وادعَوَنْ للصحابة
كذاك وهلِّل
(1)
بعد عشرٍ ثمانياً
…
وذلك حدّ للأقلّ المؤقّت
وهلّل واقرْر بالرسالة مرّة
…
لأفضل مرسول
(2)
إلى خير أمّةِ
وحيّ بدعاءٍ بعد ذلك مرة
…
ودوما عشراً وجيء بالشهادة
ثلاثاً وقد تمّ الذي رُمتُ نظْمه
…
بحمد إلهي ضابطاً للوظيفة
وصلِّ
(3)
إله العرش بدءاً
(4)
وعودة
…
على المصطفى والآل ثم الصحابة
وقد ذكرت هذه القصيدة بالرسالة التي جمعتها للأعلام بهذه الوظيفة، وذكرت القصيدة المعروفة بمرادي الماضي سياقها التي أشار الشيخ إليها في هذه القصيدة أن يقال بعد ذكر الوظيفة، وذكرت العُشْر الذي يقرأ وهو قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ} [الصف: 14] وذكرت أنه هو الأولى مع جواز قراءة غيره.
وللشيخ، رحمه الله، أيضاً قصيدة مطوّلة أنشدنيها ابن
(5)
القصّار بحقّ إنشاد الشيخ إيّاها له لنفسه، وهي من أبدع القصائد وأنفعها، سمّاها الشيخ "النُصْح التامٍ للخاصّ والعام"، وهي كما قال، ولْنذكُر بعضَ أبياتٍ منها هاهنا، تكون نموذجًا على الباقي فيها، وهذا من أوائلها:
إن شئتَ عيشاً هنيّاً واتباع هدى
…
فاسمَعْ هُدِيتَ وكُن باللَّه معتضدا
(شرور نفسِك باعِدْها تَجِدْ رشدا)
(6)
…
فمن يُطِع ربّه والمصطفى رشدا
(دنياك دار غرور حُبُّها سَفَهُ)
(7)
…
رأس الخطايا فمن يُغرم
(8)
بها بعُدا
(والغَيظ مِسْعر شرّ ما)
(9)
استطعتَ فلا
…
تغْضَبْ بذاك حكيمُ الرسل قد عهدا
(1)
في المجمع المفنّن: "وهلّا".
(2)
في المجمع المفنّن: "لأفضل رسول".
(3)
في الأصل: "وصلي".
(4)
في الأصل: "بداية".
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل، استدركناه من المجمع المفنّن 1/ 254.
(7)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل، استدركناه من المجمع المفنّن.
(8)
في المجمع المفنّن: "يقدم".
(9)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل، استدركناه من المجمع المفنّن.
(سلامة المصدر من خير الخلال)
(1)
فمن
…
أتى بقلبٍ سليم ربّه سَعِدا
(والحِقد طبْغ ذميم عدّ عنه وعُذْ
(2)
…
باللَّه ربّ العُلى من شرّ مَن حقدا
(
…
وهي قصيدة طويلة)
(3)
فلولا الخوف من الإطالة لذكرتها وهي مُثبتة عندي برمّتها.
(ومن نظمه ما أنشدنيه ابن القصار)
(4)
ما أنشده الشيخ أيضًا لنفسه وسمعه منه، هذه القصيدة:
(ما حال من فارق ذاك)
(5)
الجمال
…
وذاق طعْم الهجر بعد الوصال
(والعقلُ منه ذاهبٌ)
(6)
والحشا
…
ملتهبٌ، والجسمُ يحكي الخيال
(أمسيت أرقب)
(7)
الشُهبَ في أُفقها
…
وليل أهل الحب رحبٌ طوال
(والدمع كالمدرار من مُقلتي
(8)
…
تجري على الوجنة يا للرجال
(وليس لي عَيشٌ)
(9)
، ولا راحةٌ
…
والحال يُغْني ذا الحِجا عن سؤال
(يا قبَّح اللُّهُ (. .)
(10)
إنه
(11)
…
قتْلٌ بلا سيف وداء عُضال
(ويا رعى الله زماناً)
(12)
مضى
…
بالأنس في وارف تلك الظلال
(ظلال تَيْماي التي تَيَّمَت
(13)
…
عقلي
(14)
وخلّت مهجتي في نكال
(آهٍ لها مَن لي بأنسي)
(15)
بها
…
جَوفَ الدُجَى ما بين تلك الجبال
(1)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل، استدركناه من المجمع المفنّن.
(2)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل، استدركناه من المجمع المفنّن.
(3)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل، أضفناه حسب السياق.
(4)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل، أضفناه حسب السياق.
(5)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل، أضفناه من المجمع المفنّن 1/ 256.
(6)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل، أضفناه من المجمع المفنّن 1/ 256.
(7)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل، أضفناه من المجمع المفنّن 1/ 256.
(8)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل، أضفناه من المجمع المفنّن 1/ 256.
(9)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل، أضفناه من المجمع المفنّن 1/ 256.
(10)
كلمتان ممسوحتان في الأصل، وفي: المجمع: "النسوى" ولا معنى لها.
(11)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل، أضفناه من المجمع المفنّن.
(12)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل، أضفناه من المجمع المفنّن.
(13)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل، أضفناه من المجمع المفنّن.
(14)
في المجمع المفنّن 1/ 256 "قلبي".
(15)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل، استدركناه من المجمع المفنّن.
(ألزَمُها أبُثُّ سرّي لها)
(1)
…
أنعّم الطّرْفَ بذاك الجمال
(الله ما أحسن خالاً لها)
(2)
…
تقبيله المحرّم عين الجلال
وما ألَذّ العيش في قربها
…
فجُدْ به يا ذا العطا والنوال
فيا سادتي (يا صفوتي يا ذوي)
(3)
…
بزي وشكري يا كرام الفعال
كان سروري مستجدّاً
(4)
وافراً
…
وبدرُ سعدي يشرق في كمال
(5)
فانخسف البدر ولاح الهنا
…
ما كان ذا يخطر منّي ببال
(يا جيرة الحيّ وأهلِ الحِمَى)
(6)
…
أنتم من قلبي على كل حال
(وليس لي صبر ولا سلوة)
(7)
…
عنكم، ولو شط المدى واستطال
فارعَوْا زمامي
(8)
واجهدوا في الدعا
…
للمدنَف المُضنَى عسى ذو الجلال
أن يجمع الشمْل بكم عاجلاً
…
بذاكُمُ المغَنى العديمِ المِثال
وهذا ما حضرني الآن من نظمه، وله غير ذلك من نظْم حسن وأكثره في طريقة القوم.
ولم يزل في واهران بزاويته معظَّماً موقَّراً، نافعاً للناس من سائر الأجناس في دينهم ودُنياهم، متنزّهاً عن الدنيا، معرضاً عنها وهي تقبل عليه، ويصرفها في وجوه البِرّ والخير، ونفْع الخلق، ووضع الأشياء في محلّها، مع ظهور الكرامات، وإقبال الخلق عليه، وتوجّههم إليه، ومحبَّتهم له. ولعلّي لم أسمع في المغاربة من بني جنسه في القريب من عصرنا هذا بمثله، ولا من يُدانيه في عصره ولا القريب منه.
وكنت قد علّقت الكثير من أخباره وأحواله. ولما أخذت في التَّثبُّت بما لم يثبت لي من الحال ضيّعتُ جميع أوراقي، بل وغسّلتُ الكثير منها فضاع من جملتها ما كان متعلّقاً بالشيخ، وهذا الذي ذكرته لفّقْته بعد ذلك بنحو العشرين سنة بفكري الفاتر وعزمي القاصر، وأنا أرجو من الله تعالى أن ينفعني بصاحب هذه الترجمة، وأن يرضى عنه ويرحمه بمنّه وكرمه.
(1)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل، استدركناه من المجمع المفنّن.
(2)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل، استدركناه من المجمع المفنّن.
(3)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل، استدركناه من المجمع المفنّن.
(4)
في المجمع المفنّن: "كان سرروي بكم".
(5)
في المجمع المفنّن: "وبدر سعدي مشرقًا في كمال".
(6)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل، استدركناه من المجمع المفنّن.
(7)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل، استدركناه من المجمع المفنّن.
(8)
في الأصل: "زمامي" بالزاي، وهو غلط.
183 -
(أبرك بن محمد
(1)
شاه الظاهري، الخاصكي.
كان من مماليك الظاهري جقمق وصيِّر خاصكياً في دولة الظاهر خُشقدم، وأُقطع إقطاعاً جيداً، وخرج لقبرس في جملة من خرج في هذه السنة، وبها توفي شهيداً من جرح أصابه وكان (. .)
(2)
به.
وكان إنساناً حسناً، متفقّهاً، خيّراً، ديّناً، عارفاً بأنواع الأنداب والآداب والتعاليم، وعنده شجاعة وإقدام. وله تُؤَدة وحُسن سَمْت (. .)
(3)
وحُسن سيرة وثروة.
واسمه إن كان عربياً فهو أفعل من البَرْك. وإن كان جركسياً فمعناه: المهاجر أو هاجر (. .)
(4)
هذا.
184 -
أُزْبَك المحمودي
(5)
الأشرفي، المعروف بقَراسقل.
كان من مماليك الأشرف بَرسْباي وخاصكيّته (في أيامه)
(6)
ولم ينكب بعده (مع صحبة)
(7)
كانت بينه وبين الظاهر جقمق في حال إمرته، ولعدم مداخلته لأحد من خُشداشيه. وزاد الظاهر في مرتبته وإقطاعه، ودام إلى سلطنة الأشرف إينال فصيّره من الخمسات لضيق الأقاطيع، فدام على ذلك حتى تسلطن الظاهر خُشقدم، فعيّنه لتجريدة قبرس، فتهيّأ للخروج، بل وخرج إلى ساحل بولاق، وركب بمركب ليتوجّه فيه إلى ثغر دمياط، وما بقي إلّا انحداره، فاعتراه شيء في المركب شبه القولنج، فما مضى عليه اليسير من الوقت إلّا وقد توفي بذلك في أوائل رجب منها.
وكان حسن السمت والشكالة، لا بأس به
(8)
.
185 -
تَنَم من بخشايش
(9)
الظاهري.
(1)
انظر عن (أبرك بن محمد) في: نيل الأمل 6/ 172 رقم 2578، والمجمع المفنّن 1/ 277 رقم 156، وبدائع الزهور 3/ 191.
(2)
كلمتان ضائعتان من الهامش.
(3)
كلمة واحدة.
(4)
كلمة واحدة.
(5)
انظر عن (أزبك المحمودي) في: نيل الأمل 6/ 162 رقم 2565، والمجمع المفنّن 2/ 29، 30 رقم 664، وبدائع الزهور 2/ 404.
(6)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل، أضفناه من المجمع المفنّن.
(7)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل، أضفناه من المجمع المفنّن.
(8)
هذه الترجمة والتي قبلها كتبتا على هامش المخطوط، على اليسار وإلى أعلى الصفحة.
(9)
انظر عن (تَنَم من بخشايش) في: النجوم الزاهرة 16/ 324، وإظهار العصر 1/ 321، والضوء اللامع 3/ 43 رقم 181، 182، ووجيز الكلام 2/ 752، ونيل الأمل 6/ 168 رقم 2573،=
محتسب القاهرة، وأحد الطبلخاناة، المعروف برصاص.
كان من مماليك الظاهر جقمق، وممّن صُيِّر خاصكيّاً في أيامه. وكان أنْياً لجانِبك نائب جُدّة ومختصّاً به، وسافر معه إلى بندر جُدّة غير ما مرة. ولما جرت كائنة تمراز نائب جدّة المعروف بالمصارع وهربه من جُدّة بمالها على ما أسلفنا ذلك في محلّه. ثم مات تمراز بالحُدَيّدة بعث جانبك تَنَم هذا فأحضر جميع ما ترك تمراز من المال من غير أن ينقص منه شيء
(1)
، وشُهر من حينئذٍ، ثم ترقّى بعد موت أستاذه في دولة الأشرف إينال بعناية جانِبك أيضًا حتى وُلّي حسبة القاهرة على خاصكية بغير إمرة، مع أنه بذل فيها المال، وغير ذلك من النوادر. ثم لم يزل على ذلك إلى سلطنة الظاهر خُشقدم، فأُمّره عشرة بعناية جانبك، وصار له به مزيد الاختصاص -أعني بجانبك-، وصار أحد أعوانه في كل ما يفعله، وزاد اختصاصه به، وعيّنه الظاهر خُشقَدم في عدّة مهمّات، من ذلك القبض على جانَم نائب الشام، وما قدر على ذلك. ثم أمّره طبلخاناه بسفارة جانِبَك، وزادت شهرته، ولم يكن بالمحمود في حسبته (في بعض الأحوال، على أنه باشرها مباشرة جيدة)
(2)
، واستغاث العامّة منه للظاهر خُشقدم غير ما مرة، وأُرجف بصرفه، ثم لم يمكّنه جانبك من ذلك، ولم يزل على ما هو عليه حتى قُتل مع جانبك على العبارة الماضي شرحها.
وكان شاباً حسناً في شكله وهيئته، متجمّلاً، حسن الهيئة والملتقى، ذا أدب وحشمة وتؤدة، ومعرفة بأنواع الفروسية وغيرها، وذا رأي وتدبير وكرم نفْس، فصيحاً باللسان العربي، ذكيّاً، يقِظاً. وقد عرفت غالب تنقّلاته وأحواله فيما تقدّم من المتجدّدات الماضية في السنين الخالية.
وله من الآثار: الجامع بالقرب من داره بالسبع سقايات، وتربة لطيفة بالقرافة بالقرب من مشهد الليث بن سعد
(3)
رضي الله عنه، وغير ذلك.
توفي قتيلاً مع جانِبك في يوم الثلاثاء ثاني ذي الحجّة أو مستهَلّها كما تقدّم.
وله من السنّ زيادة على الثلاثين سنة.
=والمجمع المفنّن 2/ 370 - 372 رقم 1146، وبدائع الزهور 2/ 408، 409، وصفحات لم تنشر من بدائع الزهور 130.
(1)
في الأصل: "شيئًا".
(2)
ما بين القوسين عن الهامش.
(3)
انظر عن (الليث بن سعد) في: تاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 171 - 180 هـ.) - ص 302 - 315 رقم 246 وفيه حشدنا عشرات المصادر لترجمته.
وأُخرج هو وجانبك معاً، ودُفنا. وعُدّ ذلك من نوادرهما كونهما ترافقا حتى في القتل والتجهيز.
186 -
/ 65 ب/ جانِبَك الظاهري
(1)
، المعروف بنائب جُدّة.
الدوادار الكبير.
كان في الأصل من مماليك الخَوَنْد شقراء أو زوجها الأتابك جرِباش بعد أن تنقّل قبل ذلك في عدّة أملاك. وتنقّلت به الأحوال حتى ملكه الظاهر جقمق ورقّاه في أيامه إلى الخاصكية، ثم ولّاه شادّية جدّة فباشرها عدّة سنين وهي سبب سعادته وثروته وذِكره وشُهرته، لا سيما ببلاد الحجاز فإنه شُهر بها جداً وعظُم أمره، وعرف الناس وعرفوه، حتى ملوك الأطراف مما يلي الحجاز وكافأوه
(2)
وهادوه من الهند، واليمن، والحبشة. وغير ذلك. وتردّد إليه قُصّاد ملوك تلك البلاد، ونال من الخدمة والوجاهة بجدّة ما لم ينله قبله ولا بعده إلى يومنا هذا غيره، وصار حاكم الحجاز في وقته لا سيما بعد كائنة تمراز المصارع، فإنه كان صُرف عن جُدّة بتحسين البجاسي ذلك للظاهر. ووُلّي تمراز، فلما جرى منه ما جرى ندم الظاهر على صرفه وأعاده مسؤولاً في ذلك، فزادت شُهرته وعظمته وقام بأعباء كثيرة من الأمور بتلك البلاد، بل وقام بولاية صاحب مملكة
(3)
محمد بن بركات الموجود بها الآن، وكان إليه المرجع هناك، ولم يزل على ذلك حتى مات أستاذه الظاهر، وولي ولده المنصور فولّاه الأستادّارية عوضاً عن زين الدين على ما أسلفنا ذلك في محلّه واضحاً بيّنًا بسببه في أول سلطنة المنصور عثمان في سنة سبع وخمسين، وباشر الأستادّارية مباشرة أرضت المنصور وقام قومة كبيرة في تحصيل النفقة السلطانية على الجُنْد حتى سدّ ذلك.
ثم لما جرت فتنة المنصور و [أراد] جانبك زواله انحاز إلى جهة الأتابك إينال بحيلته ورأيه إليه جماعة من خُشداشيه فلم يُنكب بعد خلع المنصور بل قرّبه الأشرف إينال وأخذ هو في السعي إلى جمع كثير من مقدَّمين الألوف، وباشر جُدّة وهو على التقدمة فزادت وجاهته وبقي حاله على ذلك حتى مات الأشرف إينال بعد
(1)
انظر (جانبك الظاهري) في: النجوم الزاهرة 16/ 320 - 324، والمنهل الصافي 4/ 243 - 248 رقم 829، والدليل الشافي 1/ 239، 240 رقم 827، ووجيز الكلام 2/ 752، والذيل التام 2/ 167 وفيه "جانبك الجداوي"، والضوء اللامع 3/ 57 رقم 235، ونيل الأمل 6/ 167، 168 رقم 2572، وبدائع الزهور 2/ 407.
(2)
في الأصل: "وكافيوه".
(3)
في الأصل: "صاحب ملكة".
أن صُرف عن جُدّة، ثم أعيد إليها أيضاً. ولما مات إينال وتسلطن ولده قام جانبك هذا عليه أشدّ القيام على ما عرفت ذلك (. .)
(1)
في حين ذكرنا ذلك فيما أسلفناه، وتحيّل تحيّلاً
(2)
، وفعل أفعالًا يعجز عنها الكثير من أرباب العقول وأهل الحِيَل والتدابير، وقام بسلطنة الأتابك خُشقدم، وقاتل بين يديه، ولا نال قائماً بها حتى وليها خُشقَدم هذا بضروب من حِيَل وتدابير وقعت من جانبك هذا، وأنت على معرفة من ذلك، لما بيّنّاه في محلّه. ويعرف المتأمّل فيها ما كان عليه جانبك هذا من المكر والخداع والحِيَل، ومعرفة الأمور وتدابيرها، وما كان عليه من وفور العقل وجودة الرأي. حتى استعان بأعدائه الأشرفية البَرْسْبائية على مقصده، واستمالهم معه في قيامه بدولة خُشقدم بضروبٍ من تلك الحِيَل التي عرفتها، مع إظهاره النجوم لهم، وأنه معهم حتى بلغ مقصده، ثم كرّ برأيه على زوالهم، وأخذ جانَم نائب الشام، ولم يزل حتى انفرد بطائفته بعد أن خادع واحتال بحِيَل يعجز عنها (. .)
(3)
ولو عددناها لطال المجال واتّسع المقال، فإنّما قدّمناه بعض
(4)
من كلّ منها، لكنْ من له خبرة ببعض أحوالهم يدري ما أقوله.
ووُلّي الدوادارية الكبرى في أول سلطنة الظاهر خُشقدم عوضاً عن يونس الأقبائي بحكم وفاته، فزادت صحابته، وتوفّرت حُرمته، ونَفَذَت كلمته، وطار صيته في آفاق الممالك القاصية والدانية، وصار مدبّراً للمملكة الظاهر خُشقدم وبيده حلّها وعقدها، وإليه المرجع فيها، وخُشقدم معه كالآلة، وهو المتصرّف بما شاء كيف شاء، وهابته الناس وخدموه، وتردّد الأكابر والأعيان إلى بابه، ووقفت الخاصكية في خدمته
(5)
وبين يديه، بل والأمراء، وكان من جملة من كان في خدمته وواقفاً بين يديه يشبُك من مهدي، ومنه اكتسب، وعلى منواله نَسَج حين صارت إليه الدوادارية فيما بعد على ما سيأتي ذلك في محالّه. وفي ترجمته في سنة خمس وثمانين إن شاء الله تعالى. ولم يزل جانبك هذا على ما هو عليه، وهو تولّى في الحقيقة لنفسه حتى نقل على الظاهر خشقدم لمزاحمته له في آرائه وأحكامه، بل ومعارضته له في كثير من ذلك، لكنْ بلباقة ولياقة مع اطلاع خشقدم على ذلك ومعرفته بأنه مثل المجبول عليه، بل ربّما صرّح به لبعض خواصّه على ما عُرف ذلك بعد قتل نائب جُدّة، ولما عمل جانبك هذا تلك الوليمة على ما تقدّم ذِكره، وأشيع عنه ما قدّمناه بادر الظاهر خشقدم هذا بترتيب الحيلة في قتله حتى
(1)
كلمة ممسوحة.
(2)
هكذا في الأصل.
(3)
كلمتان ممسوحتان.
(4)
في الأصل: "بعضاً".
(5)
في الأصل: "في خدمه".
تمّت، وقُتل على الكيفية
(1)
التي تقدّمت في غلس صبيحة يوم الثلاثاء مستَهَلّ ذي الحجة على ما عرفت ذلك فلا نعيده.
وكان سِنّه يوم قتْله نيّفاً وخمسين
(2)
سنة.
وكان قصير القامة، أشقر
(3)
، ذا همّة عالية، وحزم وعزم وشجاعة وإقدام، وعقل تامّ، ومعرفة ويقظة وحذْق وفطنة، وتدبير وسياسة. ومن سياسته وتدبيره بقاؤه
(4)
على جهته وعدم نكبته بعد موت أستاذه، بل وترقّيه في مظنّة تديّنه، مع وجاهته في طائفته. ومن سياسته قيامه تجاه خشداشيه حين مظنّة زوالهم أيضاً لوجود أعدائهم الكثير عددهم بعد أن آلت دولتهم إلى الزوال فأعادها بتدبيره وحيلته ودهائه ومعرفته، وقيامه في أسباب ذلك بكل ما تصل إليه قدرته. ففي الحقيقة إن كل من وُجد الآن منهم فوجوده في ظلّ تدبير جانِبك هذا، مع مساعدة المقادير.
وكان محبّاً في الظهور والاستعلاء والرياسة، متناهياً في ذلك، له الاقتحام التام على ذلك. وكان ذا كرم نفْسٍ إلى الغاية، يعطي العطايا الوافرة كعطاء من لا يختشي الفقر لسائر أصناف الناس، على تباين الأنواع والأجناس، وكانت أقلّ عطاياه العشرة دنانير لآحاد الفقراء ولمن قصده بغير مناسبة، ووهب الآلاف، بل والدُّور. وأمّا الخيول والأقمشة والأمتعة والأسلحة، فكان يهب منها الشيء الكثير. وكان كثير التجمّل في شؤونه
(5)
وأحواله ومساكنه وملابسه، ومأكله وخَدَمه وحشمه، واقتنى من نفائس الأشياء كثيراً وبناء الأملاك الهائلة، والعمائر الطائلة.
وله عدّة اَثار دالة على علوّ همّته. منها داره المعظّمة، وما بجانبها من البستان الذي أوله بداره بالسبع سقايات. وآخره بشاطئ النيل من المُنْشأة. ومنها تربته المتقدّم ذِكرها بالقرافة، وهذا ما حضَرَنا من محاسنه، وأشياء غير ذلك.
فكان كثير المكر والغدر والحِيَل والخداع، مع حدّة في مزاجه وبعض طيش في بعض الأحيان، وعَسَف وعُنْف، وظُلم وجور، وجمْع الأموال من غير وجهها.
ويُحكى عنه أمور ارتكبها، وهو بحدّة غريبة عجيبة في الجرأة والإقدام والجسارة، وتناول ما لا يحلّ له، مع بعض طمع ممن لا يطمع، وفيما ظنّك بغيره. ولو عدّدنا ذلك أو بعضاً منه لطال المجال واتسع المقال. وكان متكبرًا
(1)
في الأصل: "الكيفة".
(2)
في الأصل: "وخمسون".
(3)
في الأصل: "اشقرًا".
(4)
في الأصل: "بناية".
(5)
في الأصل: "شونه".
متجبراً، كثير التعاظم والشمم. له خبرة بإثارة الفِتَن وحِيَل في ذلك. وبالجملة فكان من العجائب، زواله كان أغرب وأعجب. ومن يوم قتْله استقلّ الظاهر خُشقدم بتدبير المملكة والأمور، واستبدّ بالمُلك في الحقيقة.
وما ذكرناه من ترجمة جانِبك هاهنا فهو على جهة الاختصار والاقتصار.
187 -
جانِبَك القوامي
(1)
، المؤيَّدي.
أحد العشرات.
كان من مماليك المؤيَّد شيخ، وتنقّلت به الأحوال بعده حتى صُيّر من الخاصكية، ثم صيّره الظاهر من أمراء دمشق ودام بها مدّة، ورأيته أنا في تلك الأيام بدمشق، وكان مجاوراً للوالد. ثم لما تسلطن الظاهر خُشقدم خُشداشه استقدمه إلى القاهرة، وصيّره من العشرات. وكان يأنس به وإليه، وصار له شهرة في دولته وذِكر، ودام كذلك إلى أن بَغَتَه الأجل.
وكان إنسانأ حسناً، خيّراً، ديّناً، كثير التواضع والسكون.
توفي في يوم الجمعة ثماني عشرين جمادى الأولى.
وجُهّز وأُحضرت جنازته إلى سبيل المؤمني، ونزل السلطان فحضر الصلاة عليه.
وكان سنّه يوم مات زيادة على السبعين سنة فيما أظنّ.
188 -
جانَم من عيني
(2)
الأشرفي.
نائب الشام، كان من مماليك الأشرف برسباي وأقاربه، فيقال إنه كان ابن
(3)
عمّه، ويقال: بل كان أخاً له من أمّه، وبالجملة فكان من أقاربه، وأحضر إليه من بلاد الجركس لا كما يُحضر بالمماليك، فيقع عليه البيع والشراء، بل أحضر إليه بحشمة وتنويه، وصيّره الأشرف من الخاصكية، ثم لا زال يرقّيه إلى أنْ ولّاه الأميراخورية الكبرى بعد تغري بَرْمش لما بعثه إلى نيابة حلب، وعظُم جانَم هذا في دولة الأشرف، روجّه وصار له (. .)
(4)
، ثم عيّنه الأشرف في آخر دولته
(1)
انظر عن (جانبك القوامي) في: نيل الأمل 6/ 158 رقم 2562، وبدائع الزهور 2/ 403.
(2)
انظر عن (جانم من عيني) في: النجوم الزاهرة 16/ 318، والمنهل الصافي 4/ 217، 218 رقم 814، والدليل الشافي 1/ 235 رقم 812، والضوء اللامع 3/ 63 رقم 255، ووجيز الكلام 2/ 758 رقم 1743، ونيل الأمل 6/ 157 رقم 2560، وبدائع الزهور 402، 403.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
كلمتان ممسوحتان.
مع من خرج لأَرْزَنْجان، وعاد إلى القاهرة (
…
…
)
(1)
تسلطن الظاهر جقمق بعد قبضه عليه في حين تدبيره للمملكة وسجنه وامتحنه. ثم نقله من سجن الإسكندرية إلى سجن قلعة الصُبَيْبة، ودام بها مدّة سنين، حتى أضرّ السجن بعينه، ولهذا كان يكحّلها، حتى قيل له:"المكحّل"، بل ربّما عُرف بذلك في تلك البلاد. وقاسى أنواعًا من الذُلّ والهوان، ثم أمر الظاهر بإطلاقه وإخراجه إلى مكة، ثم استقدمه إلى البيت المقدس، ثم قبض عليه وأعاده إلى السجن ثانيًا، ودام إلى سلطنة الأشرف إينال فأطلقه، واستقدمه إلى القاهرة، وصيّره حين القرب من قدومه من جملة مقدّمين
(2)
الألوف بها على تقدمة قَراجا، وقد أخرجها عنه لا لذنبٍ صدر منه. ثم نقله من هذه التقدمة إلى نيابة حلب، عِوَضًا عن قانِباي الحمزاوي، لما نُقل إلى نيابة الشام عِوَضًا عن جُلبان بحكم موته، وخرج جانَم هذا إلى حلب على كرهٍ منه، وباشرها مباشرةً بحُرمةٍ وافرة، وعظَمة زائدة، وقمع بها أهل الشرّ والفساد، لا سيما الزُعْر بها، فظّع فيهم حتى خافوا من سطوته ومهابته وحُرمته، ثم نُقل من نيابة حلب إلى نيابة الشام بعد موت قانباي الحمزاوي، على ما عرفته في محلّه في متجدّدات سنة اثنتين
(3)
وستين، ورافقه الوالد بها في تلك الأيام على إمرة طبلخاناةٍ بها طرخانًا، وكان يُجلّه ويعظّمه ويتجمّل معه، على أنه كان يُغضي منه بخلاف سائر الأشرفية. وكان السبب في ذلك أنه كان خَطَب المصونة أصيل أخت الخَوَنْد جُلبان أمّ العزيز، فلم يُجَب إلى ذلك، وزُوّجت للوالد عقيب ذلك.
ودام جانَم هذا على نيابة دمشق إلى أن تسلطن المؤيَّد أحمد بن إينال بعد والده، ووقع الكلام بالقاهرة بين الأشرف وغيرهم في إثارة فتنة، وجرى ما جرى ما عرفتَه قريبًا من الاتفاق على سلطنة جانَم هذا و (
…
)
(4)
إليه بالحضور، وحضر ولده ليرى حال العسكري في رضاهم عن أبيه، وأحسّ المؤيَّد بذلك، وكتب الملطّفات إلى حاجب دمشق ونائب قلعتها وغيرهما من أمرائها، بأنهم إن قدروا على جانَم فليقبضوا عليه، ولو كان في ذلك موته، وأحسّ هو أيضًا بذلك، فتحرّك لمجيئه إلى القاهرة، لا سيما وقد كاتبه العسكر بذلك، وبينا هو في أثناء ذلك إذ فطن به بدمشق، فرمى عليه من قلعتها بالمدفع لدار السعادة، وكان آخذًا حذره، فخرج منها على حميّة، وقصد العامّة دار السعادة فنهبوها، وأطلقوا فيها النار، وهُتك حريمه، وجرى عليه من ذلك ما لا خير فيه، ولولا تيقّظه لأُخِذ أو قُتل،
(1)
كلمتان ممسوحتان.
(2)
الصواب: "مقدَّمي".
(3)
في الأصل: "سنة اثنين".
(4)
كلمة غير واضحة: "والرس".
وكانت كائنة من أفظع
(1)
الكوائن بدمشق، ولا زال على فوره فارًا من دمشق قاصدًا القاهرة، ومعه تمراز الماضي خبره، وأخذ بذله صورة
(2)
في بعث من يمنع وصول خبره إلى القاهرة قبله، حتى يكون هو جرّ نفسه على ما أسلفنا ذلك، وكان في تدبيره تدميره، إذ لو لم يفعل ذلك لربّما كان خرج إليه الكثير من العساكر ولاقوه، وأدخلوه القاهرة سلطانًا، وقاتلوا به المؤيَّد فلم يقدّر ذلك، بل كان من سلطنة الظاهر خُشقدم ما تقدّم خبره، وحضر جانَم عقيب ذلك بأيام، ولو تدارك الأشرفية فارطهم وخرجوا إليه لأمكنهم أن يَقْلعوا خُشقدم من المُلك، لا سيما وهو في بداية الحال لكنْ لم يقدّر ذلك، وقد عرفتَ ما وقع من جانِبك نائب جُدّة من الحِيَل التي كان فيها ضدّ مقاصد الأشرفية، من غير شعورهم بها، وآل الأمر إلى عَود جانَم هذا على نيابة الشام، بعد أن أرضاه الظاهر خُشقدم بكل ما تصل قدرته إليه، على ما عرفت تفاصيل ذلك فيما تقدّم. ولما عاد إلى دمشق عاد بكل من عنده وتفرّس ماَل حاله، فلما دخلها أظهر الإغضاء عن أهلها وغاية العدل والإنصاف الذي ما عنه مزيد، واستمال قلوب الناس إليه بعد نفرتها عنه، ونَفَعَه ذلك فيما بعد حين هربه من دمشق لأنه لم يقم عليه أحد، وفاز بالنجاة، ودام بدمشق بعد دخوله إليها حتى جرى على الأشرفية بالقاهرة ما جرى، ثم عُزل جانَم هذا بتَنَم، وبعث الظاهر لجانَم بجماعة من الخاصكية عليهم تَنَم رصاص للقبض عليه، ولما أحسّ بذلك يوم دخول تَنَم إلى دمشق خرج منها على حميّة، ولحِق بديار بكر، وأنزله حسن عنده، ثم جمع جموعًا وجرّده لحلب فلم ينتج له أمر في تجريده ذلك، وعاد من تلّ باشر لأمورٍ وقعت له يطول ذِكرها قد أشرنا إليها فيما تقدّم. ولما عاد أقام في قلعة الرُها وفي عزمه العَود أيضًا إلى حلب وحصل على الظاهر خشقدم من ذلك غاية الباعث، ولا زال يتلطّف بحسن، ودسّ إليه بدسائس في حق جانَم وحسّن له القبض عليه، فما أفاده ذلك، ودام جانَم حتى اغتاله مملوك
(3)
له بتدبير جانِبك التاجر نائب حلب على ما تقدّم وقتله غيلة في ليلة الثلاثاء تاسع عشرين ربيع الأول.
وقيل: قاتله ومعه إنسان آخر كان متفقًا معه على ذلك.
وكان سنّه يوم مات قريبًا من الثمانين أو بلغها فيما أظنّ.
وكان إنسانًا قصير القامة، منوَّر الشيبة، حسن الشكالة، خيِّرًا،
(1)
في الأصل: "افضع".
(2)
هكذا في الأصل.
(3)
في الأصل: "مملوكًا".
ديّنًا، صادق اللهجة، محبًّا لأهل العلم والخير والصلاح، حشمًا أدوبًا وقورًا، حسن السمت والملتقى، عفيفًا، نزهًا، سخيًّا، كريمًا جدًّا، عارفًا بفنون الفروسية، شجاعًا، جريئًا، قويّ القلب مع حدّة مزاج وبعض طيش وخفّة. وكان وجيهًا في الدول، وعنده تهوّر زائد وسرعة حركة.
وترك بعد موته عدّة أولاد تقدّم ذِكر بعضهم. وكان تزوّج بالخَوَنْد جان سوار ابنة كرتباي زوجة الظاهر جقمق الآتي والدها قريبًا، وهي موجودة إلى يومنا هذا بالقاهرة هي وولدها محمد أحد أمراء دمشق، شاب، حسن السمت والملتقى، لا بأس به، وابنتها خديجة
(1)
أخت محمد هذا، وهي زوجة الأمير تمراز الشمسي أمير سلاح زمننا هذا المشهور، الماضية ترجمته، وأمّها وأخوها مقيمان عندها بدار تمراز المذكور.
189 -
سعد بن محمد
(2)
بن عبد اللَّه بن سعد بن مصلح
(3)
بن أبي بكر بن سعد العبْسي، المقدسي، الدَّيري، القاهري، الحنفي.
شيخنا، الشيخ الإمام، والحَبْر الهُمام، شيخ مشايخ الإسلام، ملك العلماء الأعلام، وعالم الملوك، قاضي القضاة، وشيخ الشيوخ، سعد الدين ابن
(4)
شيخ الإسلام شمس الدين قاضي القضاة أيضًا، المعروف بابن الدَيري، ووالده الشمس قاضي القضاة كان من أجلّ علماء الإسلام، وهو مشهور الترجمة.
ولد ولده السعد هذا بالبيت المقدس في رجب سنة ثمان وستين وسبعمائة.
وبها نشأ فحفظ القرآن العظيم في حالة صغره وعدّة من المتون، كـ"الكنز"، وبعض "منظومة" و"جميع مختصر" سعد بن الحاجب الأصلي، و"المشارق"
(1)
كتب قبلها: "فاطمة" ثم ضرب عليها خطأ.
(2)
انظر عن (سعد بن محمد) في: عنوان الزمان 3/ 24 - 40 رقم 240، وعنوان العنوان 123 رقم 268، ومعجم الشيوخ لابن فهد 115، 116، والنجوم الزاهرة 16/ 318، 319، والمنهل الصافي 5/ 387 - 395 رقم 1169، والدليل الشافي 1/ 33 رقم 1566، والضوء اللامع 3/ 249 - 253 رقم 939، والذيل على رفع الإصر 127، ووجيز الكلام 2/ 754، 755 رقم 1734، والذيل التام 2/ 169، 170، وحُسن المحاضرة 1/ 270، 271، ونيل الأمل 6/ 155، 156 رقم 2556، وحوادث الزمان 1/ 160، 161 رقم 192، وكشف الظنون 896 و 1522 و 1667، وشذرات الذهب 7/ 306، وبدائع الزهور 2/ 401، 402، وهدية العارفين 1/ 385، والفوائد البهية 78 - 80، والبدر الطالع 1/ 264، 265، ومعجم المؤلفين 4/ 213، وتاريخ قاضي القضاة، للعليمي، ورقة 138 أ.
(3)
في نيل الأمل 6/ 155 "مفلح".
(4)
في الأصل: "بن".
للقاضي عياض، وغير ذلك. ثم أخذ في الاشتغال بفقر حاله الفقير جدًّا بذكاء مفرط وحذق تام، ودُربة ويقظة، وسُرعة فهم وحِفْظ، فلازم والده واعتنى به فجد بالعلم جدًا، وحبّبه فيه وإليه، فأخذ عنه الكثير وتفقّه به وبغيره. ومن مشايخه غير والده: الكمال الزالجي، والعلاء بن النقيب، والشهاب ابن
(1)
الحافظ العلائي، وغيره. وأجاز له جماعة منهم: الشمس القُونَوي، والحافظ البزاري، ولم يزل مشتغلًا محصّلًا، مجدًّا، مجتهدًا حتى فضل وشُهر وذُكر، وتميّز وبرع، وصار مُعيدًا في حالة صِغره. ونزل منتهيًا بالمدرسة المعظّمية بالبيت المقدس وله نحو الثلاث عشرة
(2)
سنة.
حكى عن نفسه في ذلك قال: كان الشيخ علاء الدين بن الرصاص الحنفي قد سافر من القدس، وغاب في سفره مدّة سنين، ووُلدت، ونشأت في حالة غيبته، ولما عاد كان لي نحو الثلاث عشرة سنة، وكنت بالمعظميّة من منتهى الطلبة بها، فرآني الشيخ -يعني ابن
(3)
الرصاص المذكور- فقال للوالد: هذا ولدك الذي وُلد في غيبتي؟
فقال: نعم، وهو منتهى في المدرسة المعظّمية.
فقال له: قد تغيّرتم بعدنا، صبيّ هذا سِنّه يكون منتهيًا بالمعظّمية.
فقال له الوالد: إمتحِنْه. فإن كان أهلًا كان ذلك منك إجازة له، وإلّا جعلته في الطبقة التي تشير إليها.
فقال الشيخ: غلامي الذي هذا غاية الإنصاف.
ثم استعرضني من محفوظاتي "الكنز" و"الحاجبيّة" في النحو فسَرَدتُ عليه منهما ما شاء اللَّه أن أسرُد، فقال: واللَّهِ إنّ حفظه لجيّد، وقرأ
(4)
قراءة من يفهم. قال: ثم قال لي: أتعرف تُعرِب شيئًا؟
فأجبت بنعم.
فقال: لو، ما هي؟
فقلت: حرف امتناع لامتناع.
فقال: ولولا؟
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "نحو الثلاثة عشر سنة".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الأصل: "وقراء".
فقلت: حرف امتناع لوجوب.
فقال: فجواب لو بماذا؟
فقلت: باللام إمّا ظاهرة أو مقدَّرة.
قال: فما تقول في قوله تعالى: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ - • لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} [التكاثر: 5، 6].
فأردت أن أقول إن جوابها "لَتَرَوُنّ" ثم وُفّقت إلى معرفة أنه لو كان جوابها نفى قولي إن جواب لو باللام لما سألني عنها، فلم أسرع في الكلام وأفكرت
(1)
في ذلك. فاتفق أن أَقيمت الصلاة وأنا في أثناء تفكّري، وشرعنا في الصلاة، فألهمني الله تعالى أنّني إن تفكّرت في ذلك في أثناء صلاتي لا يفتح اللَّه عليّ بشيء، فأُلهمتْ الجواب. فلما قضينا الصلاة قال له الوالد: سلْه عن سبب نزولها. قال: وكنت أضبط عبارة الواحدي في "الوجيز"، فقلت: اختلف في سبب نزولها، فقيل: إنها نزلت في بطنين من قريش سهم وغيرهم، وقيل: في طائفتين من اليهود، تكاثروا وتعادوا الأحياء، فغلبت إحداهما الأخرى، ثم تعادوا الأموات، فأنزل اللَّه تعالى هذه السورة ذمًّا لهم وتقريعًا:{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر:1] أي شغلكم التكاثر حتى زرتم المقابر تعدّون الأموات. {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر: 3] عند النزع سوء عاقبة ما كنتم عليه. {ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر: 4] تكرير للتأكيد. {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر: 5] طريق الحق لسلكتموها، وواللَّهِ {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} [التكاثر: 6].
فقال الشيخ علاء الدين بصوته العالي: أشهد أنك إمام، أشهد أنك إمام.
قال السعد، رحمه الله: هذا ما كان عندي إذ ذاك، وأمّا الآن فعندي في {ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر: 4] جوابان آخران، أي كلّا سوف يعلمون عند الموت. أو كلّا سوف تعلمون عند الموت، ثم كلّا سوف تعلمون عند البعث، فيكون التكرار على هذا هاهنا للتأسيس لا للتأكيد
(2)
.
وقد عرفتَ بهذا ما كان عليه صاحب الترجمة من الفضل والعلم، ولقد فاق على أبيه في حال حياته.
وكان إمامًا بارعًا في الفقه والتفسير، غاية في السِيَر، وله فيه اليد الطولى،
(1)
هكذا في الأصل. والصواب: "وفكّرت".
(2)
قارن بما في: عنوان الزمان 3/ 27، 28.
وفي الوعظ. وكان صوفيًّا على طريقة أهل السُنّة والجماعة، إمامًا في ذلك، بل مسلِّكًا، وله كرامات ذُكرت عنه، وأفتى ودرّس في حالة صِغره، ثم قُصد للأخْذ عنه من أقاصي الدنيا، وقُصد للكتابة على الفتاوى، وازدحمت عليه الورّاد في ذلك، وبعُد صيته. وكان جيّد الكتابة على الفُتْيا مع غاية الوجازة والاختصار والاقتصار على المقصود من غير أن يتمحّل عوض المستفتي، بل يكتب الجواب بنظر دقيق وجودة تحقيق. ووُلّي عدّة من الوظائف السنيّة الدينية، كمشيخة المؤيديّة، وقضاء الحنفية، وولّي القضاء في سنة إحدى وأربعين كالمُكْرَه عليه، وكان لولايته إيّاه يومًا مشهودًا، وباشره بحُرمة وافرة، وشهامة وعَظَمة ومهابة. ثم تحدّث الظاهر جقمق في أن يكون هو رأس الميمنة، وأن يكون خطيب الخطباء وما إلى قضاة القضاة الشافعية إليه، فتلطّف بجقمق في ذلك وامتنع. وكان وجيهًا في الدول، معظَّمًا عند الملوك، قائمًا في الحقّ، وإليه انتهت رياسة الحنفية بمصر، بل بالدنيا، ودُعي بسلطان الفقهاء وملك العلماء، وقصده الأعيان من طلبة سائر المذاهب للأخذ عنه، وافتخروا به، وصنّف وألّف عدّة من التصانيف والتواليف الجيّدة المفيدة، فمن ذلك:"تكملة شرح الهداية" للسروجي في خمس مجلّدات، ولم يكمله أيضًا، كتب فيه من حيث قطع السروجي من الإيمان، وانتهى إلى السِيَر، فكتب على الإيمان مجلَّدين، وعلى الحدود مثلهما، ومن السِيَر مجلَّد. وله "المنظومة النُعمانية" وهي كبيرة جدًا، ولم يكملها. وله عدّة رسائل وغيرها. وله في الفقه اختيارات جيّدة، منها "القَصْر والجمع في السَفر" حيث المشقّة خاصّة. بل ذلك مع الدين المتين والصلاح، بل والولاية، والعفّة والأمانة، والتواضع، ولِين الجانب، وحُسن السمت والملتَقَى، والبشْر والبشاشة، وعُلُوّ الهمّة، وكرم النفْس، والتؤدة، والنفع التام، والشفقة علىَ خلق اللَّه تعالى. وله النظْم الحسن المقبول.
فمنه ما أنشدنيه في شوال سنة خمس وستين وثمانمائة بقاعة سكنه بالمؤيَّدية، والوالد يسمع معي. وكنت أنشدت ذلك عنه قبل ذلك بطرابلس، ثم أنشدنيه لنفسه بعد حضور الوالد إلى القاهرة في التاريخ المذكور:
هي الدنيا الدنيّةُ فاحذروها
…
فليس لها على أحدٍ ثبات
فأوّلها وأوسطها انقلابٌ
…
على كدَر وآخرها شتات
وغايتها المماتُ و (حب هذا)
(1)
…
إذا ما لم يكن إلّا الممات
(1)
ما بين القوسين عن هامش المخطوط.
ولكن لعدّة أشياء منها
…
تفرّ من البنين الأمّهات
فويلٌ عند ذلك أيُّ أجلٍ
…
لعاصٍ أوهَنَتْه السّيئات
ويا فوز العبد (
…
)
(1)
خرجت
…
عن النار المسعَرة النجاة
ومن نظمه ما أجازني وقرأته عنه قوله:
لم أنس إذ قالت وقد أزِف النَوَى:
…
أفديك بالأموال بل بالأنفُسِ
ماذا الفراق؟ فقلت: أنتِ أردتِ
…
قالت: كذا فِعْلُ الجوارِي الكُنَّسِ
فكأن تبْر دُموعِها بخدودها
…
طَلٌّ على وردٍ هما من نرجسِ
وله مما أجازني بروايته عنه أيضًا:
أرْخ (
…
)
(2)
براحات الأملِ
…
وتعلّل بعَسَى ثم لَعَل
واحتمل أَوصاب دهرٍ كدِرٍ
…
فغريقُ البحر لا يخشى البَلَل
وابْد للبلوى بوجهٍ طلقِ
…
واترك الشكوى ودع عنك الملل
فمعالجات
(3)
صروفِ الدهر لا
…
تُبعد البلوى ولا تُدني الأجل
وإذا ضاق بك الأمرُ فقُل:
…
قدَّرَ اللَّهُ وما شاءَ فعل
ماتناهى الخَطْب إلّا وانتهى
…
وبدا النقصُ به حين كمل
ومما أرويه عنه قصيدة حائيّة مطوّلة نحو السبعين بيتًا، مدح بها النبيَّ صلى الله عليه وسلم مخمّسة غريبة، عذبة، وهي مثبتة عندي وهذا أولها:
ما بالُ سرّكَ بالهوى قد باحا
(4)
…
وخفيُّ أمرِك صار منك فوّاحا
(5)
ألِفَرْط وجْدك من حبيب لاحا
(6)
…
ضمّ
(7)
السقَامُ على المحبّ فباحا
ونما
(8)
الغرام به فصاح وناحا
ولما وقف على بَيْتيَّ من الفنّ في صريح الطلاق وبائنِهِ في لحوق ما يلحق منه وما لا يلحق، وهما:
(1)
كلمة ممسوحة.
(2)
كلمة ممسوحة.
(3)
في الأصل: "فمعالجاه".
(4)
في عنوان الزمان 3/ 29، والضوء اللامع 3/ 253، والذيل التام 2/ 170، والبدر الطالع 1/ 264 "قد لاحا".
(5)
في المصادر السابقة: "بوّاحا".
(6)
هكذا والصواب: "لاحى".
(7)
في المصادر: "نمّ".
(8)
في الأصل: "ونمى".
صريحُ طلاق المرء يلحق مثلَه
…
ويلحق أيضًا بائنًا كان قبله
كذا عكسُه لا بائنٌ بعد بائنٍ
…
سوى بائنٍ قد كان على فعله
نظم الشعر بهذا المعنى جميعه في بيت مفرد، رويته عنه بالإجازة، وهو هذا:
وكلّ طلاقٍ بعد آخَرَ واقعٌ
…
سوى بائنٍ مع مثله لم يعلق
وغير ذلك من النظم والنثر أيضًا.
وكان بينه وبين الوالد محبّة أكيدة وصحبة قديمة، وأخذ عنه قديمًا. وأجازه من مدّة مديدة. وأجازني أيضًا.
ولم يزل في عزّ وخير وديانة على منصبه إلى أن كبُر سنّه واعتراه في أواخر شبه ذهول. وهو الذي كان المندوحة في صرفه عن القضاء، بتدبير بعضٍ ممن له الغرض والوصول إلى القضاء، ظنًّا منه أنه يليه، فأشار عليه بالتنصل من القضاء، بأن يبعث إلى السلطان مستعفيًا منه، لكونه عجز لكِبَر سنّه، وما حصل له من شبه الذهول. ولا زال هذا المشير عليه به حتى فعل ذلك، فوُلّي القضاء بعده المحبّ بن الشِحنة، وما حصل ذلك المشير على مقصده، وجاء الأمر بعكس قصْده، واطّلع الشيخ على ذلك فدعا عليه، فما تهنّأ
(1)
بعده، وعدم مالًا طائلًا، ثم بعد مدّة وُلّي القضاء، ولم تطُل فيه إقامته، وصُرف أيضًا، وراح الشيخ بعد صرفه عن القضاء بدار زوجته بمصر العتيقة، وزاد به ذلك الشيء الذي يشبه الذهول، إلى أن توفي بعد ذلك بقليل في ليلة الجمعة تاسع ربيع الأول من هذه السنة.
وقد أكمل مائة عام إلّا عامًا وبعض شهور.
ويُحكى عنه في سنّه غريبة نادرة بأنه قال: رأيت في منامي ما يدلّ على أن عدد سِنِيّ حياتي بعدد أسماء اللَّه تعالى الحُسنى. أو ذكر أنه كُوشف به من بعض الصالحين، ولم أحرّر هذا، واللَّه أعلم.
وأُخرجت جنازته في مشهد حافل جدًّا، وأُحضرت إلى سبيل المؤمني. ونزل الظاهر خُشقدم فحضرها هو ومَن دونه، وأمر بأن يُدفن بتربته التي أنشأها بالصحراء -أعني السلطان- فحُملت جنازة الشيخ إليها ودُفن بها، وتأسّف الناس على فقده، وتحمّلت منه الكثير من الموالي، ولم يخلفْه بعده مثلُه، رحمه الله تعالى ورضي عنه.
(1)
في الأصل: "تهنى".
190 -
شادبك الصارمي
(1)
.
نائب غزّة.
كان من مماليك المقام الصارمي الأمير صارم الدين إبراهيم ابن
(2)
المؤيَّد شيخ. وهو مشهور الترجمة، وكان من أجلّ أولاد الملوك حُرمة ووجاهة، ومعرفة وكياسة وفروسية.
يُذكر أن والده سمّه لأمر ما بتحسين بعض أرباب دولته ذلك له، وندم على ذلك بعد وقوعه، وكاد أن يبطش بالمشير عليه بذلك.
ويقال إنه عمل له ذلك المشير عليه يومًا حافلًا ببولاق، وببعض الدُور بها، عقيب موت إبراهيم ليشغله بالنزهة عنه عساه يسلاه، فلما أحضر إليه السماط وجلس على رأسه للأكل، نظر إلى مكان كان يجلس ولده إبراهيم، فلم يمدّ يده للسماط، بل نظر إلى من حضر إلى المشير عليه، فقال له: ما كان ينقص هذا السماط إلّا إبراهيم، ثم أمر به، فهرب من بين يديه، ولم يأكل شيئًا، لا هو ولا من حضر من خواصّه وله حكايات تطول.
وهو الذي أحضر ابن
(3)
قَرَمَان مأسورًا من بلاده إلى مصر.
وكان شادبك هذا من خواصّ مماليكه، ونزل بعده في ديوان الخدمة السلطاني، ثم صُيّر خاصكيًّا، ثم تنقّلت به الأحوال حتى صيِّر من العشرينات بطرابلس، ثم صُيّر حاجب الحجّاب بها، وكانت إمرته بسعي الوالد ونحن بطرابلس، يأكلها الوالد طرخانًا على ما تقدّم ذلك، فكان كثير التودّد والتردّد إلى الوالد ونحن بطرابلس. ثم آل أمره أنْ وُلّي نيابة غزّة بمالٍ بذله فيها. وقد قدّمنا خبر ولايته لها. وقدم غزّة، فلم ينشَب أن بَغَتَه الأجل بها قبل أن يستوفي ما بذل فيها.
وكان شيخًا منوّر الشيبة، حسن الهيئة، ساكنًا، حشمًا، أدوبًا، ذا سمت حسن وتؤدة، وعقل تام، ولا بأس به.
قارب الستين، فإنّي أعرفه جدّ المعرفة، بل ربّما أكمل السبعين.
(1)
انظر عن (شادبك الصارمي) في: النجوم الزاهرة 16/ 319، والضوء اللامع 3/ 290 رقم 1107، ونيل الأمل 6/ 156 رقم 2559، وبدائع الزهور 2/ 402، وتاريخ طرابلس 2/ 74 رقم 27، ونيابة غزة 308 رقم 103.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "بن".
191 -
طوخ الأبوبكري
(1)
، الناصري.
أحمد الخمسات. المعروف بكسّا.
كان من مماليك الناصر فرج، وتنقّلت به الأحوال بعد قتله في خدم عدّة من الأمور، كنوروز الحافظي، بل وغيره، وآل به الأمر أن نزل إلى ديوان الجند السلطاني جَمْدارًا في دولة الأشرف بَرسْباي، ثم صيّره خاصكيًّا بعد ذلك على إقطاع جيّد. ولما تسلطن الظاهر جقمق زاده على إقطاعه، فصلح لأن يقال له أمير خمسة، بل كان يقال له "الأمير"، ودام على ما هو عليه مدّة حتى بَغَتَه أجله.
وكان إنسانًا حسنًا، خيّرًا، ديّنًا، عاقلًا، حشمًا، ساكنًا، سيوسًا، من خيار طائفة الجركس.
توفي في هذه السنة ولم يحضُرْني شهرُ وفاته.
- • وترك ولده الناصري محمد أحد أجناد الحلقة الآن. إنسان حسن السمت والملتَقَى، كثير السكون، لا بأس به في أبناء جنسه.
192 -
عائشة بنت جقمق
(2)
.
الخَونْد ابنة الظاهر، وأخت المنصور، وزوجة الأتابك أُزبك ططخ. أعني أتابك زمننا هذا.
قد تقدّم ذِكر زواج أُزْبَك بها في دولة أبيها، وهو من العشرات. وذكرنا كيف جُهّزت، وكيف دخل عليها أُزبَك المذكور في منزل خالها أخي
(3)
أمّها الخَوَند ابنة البارزي، فإنها مولودة منها، وكانت أمّها مطلّقة من السلطان على ما تقدّم في ذلك، ودامت بعصمته، ونزل السلطان إلى دارها لزيارتها غير ما مرة.
وكانت جميلة، حسنة الذات، شابّة، رئيسة، مشكورة.
توفيت في عصر يوم الإثنين عاشر جمادى الأول، وسِنّها دون الثلاثين سنة.
وكان زوجها غائبًا بالسرحة وما حضر جنازتها. وكان (
…
)
(4)
مقدّميّة الألوف. وأُخرجت جنازتها حافلة جدًّا، فأُحضرت إلى سبيل المؤمني، ونزل السلطان فحضر الصلاة عليها، ودُفنت بتربة قانباي الجركسي حيث دُفن أبوها
(5)
(1)
انظر عن (طوخ الأبوبكري) في: نيل الأمل 6/ 171 رقم 2575، وبدائع الزهور 2/ 411، ولم يترجم له السخاوي.
(2)
انظر عن (عائشة بنت جقمق) في: نيل الأمل 6/ 159 رقم 2563، وبدائع الزهور 2/ 404، ولم يذكرها السخاوي في تراجمه.
(3)
في الأصل: "أخو".
(4)
كلمتان ممسوحتان.
(5)
في الأصل: "دُفن أبيها".
الظاهر. وأسِفت أمّها عليها أسفًا شديدًا، وعملت لها المأتم الهائل. وتركت ولدًا من الأتابك أُزبك المذكور الناصري محمد الموجود الآن، وكان رضيعًا إذ ذاك، ونشأ بعدها في حجر السعادة، وقرأ القرآن وشيئًا من الرسائل الفقهية، وتعلّم الَاداب والأنداب والتعاليم، وشهر وذُكر. وهو ذات حسنة، متميّز في الفضائل، ملازم لزيارة الإمام الليث
(1)
، وقراءة القرآن، وبيده إمرة عشرة الآن، وله سمت حسن وسيرة محمودة.
193 -
عبد الرحيم بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن يحيى بن أبي المجد اللخمي، الأميولي
(2)
المكي، الشافعي.
الشيخ المسنِد، زين الدين ابن العلّامة جمال الدين، المعروف بالأميولي.
ولد بمكة المشرَّفة في يوم الإثنين ثاني شعبان سنة ثمان وثمانين وسبعمائة.
ووهِم، أو سها
(3)
(من قال)
(4)
إنه ولد في سنة ثمانٍ وتسعين، فإنّ الحافظ ابن
(5)
حجر رحمه الله، ذكر وفاة أبيه في سنة تسعين
(6)
، فمن المحال أن يكون وُلد له ولد بعد ذلك بثمان سنين.
ونشأ بمكة وسمع الكثير.
توفي بمكة أيضًا في شعبان أو رمضان.
194 -
علي بن [أحمد
(7)
بن محمد، العلاء البغدادي الأصل]
(8)
، الغزّي، [الحنفي]
(9)
.
(1)
هو الليث بن سعد محدّث مصر. مات سنة 175 هـ. انظر عنه في تاريخ الإسلام (بتحقيقنا)(حوادث ووفيات 171 - 180 هـ.) ص 302 - 315 رقم 246 وفيه حشدنا عشرات المصادر لترجمته.
(2)
انظر عن (الأميولي) في: الضوء اللامع 4/ 166، 167 رقم 438 وفيه: الأميوطي، ونيل الأمل 6/ 164 رقم 2569 وفيه:"الأسيوطي"، وبدائع الزهور 2/ 405 وفيه:"الأسيوطي".
(3)
في الأصل: "سهى".
(4)
ما بين القوسين مكرّر.
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
انظر: الدرر الكامنة، لابن حجر 1/ 60، 61 رقم 161 وفيه نسبته محيّرة بين: الأسيوطي والأميوطي.
(7)
انظر عن (علي بن أحمد) في: النجوم الزاهرة 16/ 319، 320 وفيه:"علاء الدين المغربي"، ووجيز الكلام 755/ 2 رقم 1735، والضوء اللامع 5/ 188، 189 رقم 639، ونيل الأمل 6/ 159، 160 رقم 2564، وبدائع الزهور 2/ 403.
(8)
ما بين الحاصرتين بياض في الأصل. استدركناه من: الضوء اللامع.
(9)
من الضوء اللامع.
إمام السلطان الأشرف إينال.
كان قد عرف إينال المذكور من غزّة حين كان نائبًا بها، ولما تسلطن صيّره من أئمّته. وكان لديه فضيلة بالجملة، مع طيش وخفّة، وكثرة الإسراف والتخليط. كذا قاله ابن
(1)
تغري بردي
(2)
عنه.
وأمّا أنا فلا علم عندي بشيء من أحواله.
غير أنه توفي في ثالث جمادى الآخرة وهو في عشر الستين، أو قارَبَها على ماقيل.
195 -
عنبر الطَّنْبذي
(3)
، الحبشي، الخادم، الطواشي.
()
(4)
الدين، نائب المقدَّم.
كان من خدّام الخواجا نور الدين على الطَّنْبَذي، أحد تجار الكارِم، وهو مشهور الترجمة، وتنقلت به الأحوال بعد موته حتى اتصل ببيت السلطان، وتنقّلت به الأحوال إلى أن صيّر نائب المقدَّم، فباشرها مدّة ثم صُرف عنها ولزم داره، ودام بها بطّالًا حتى بَغَتَه أجله.
وكان إنسانًا لا بأس به.
وله من الآثار المدرسة التي أنشأ بخط سوق الغنم، وهي مدرسة كيّسة أنيقة كان قد شرع فيها قبل موته بمدّة يسيرة فأكملها.
وتوفي عقيب ذلك في يوم السبت ثامن المحرَّم، ودُفن بمدرسته المذكورة.
196 -
قَرَدم
(5)
الأبوبكري المؤيَّدي.
أحد الخمسات وأمير جان دار
(6)
.
كان من مماليك المؤيَّد شيخ، وصار خاصكيًّا في دولة الأشرف بَرْسْباي،
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في النجوم الزاهرة 16/ 319.
(3)
انظر عن (عنبر الطنبذي) في: النجوم الزاهرة 16/ 318، ووجيز الكلام 2/ 758 رقم 1744، والذيل التام 2/ 173، والضوء اللامع 6/ 148 رقم 465، ونيل الأمل 6/ 151 رقم 2555.
(4)
بياض في الأصل. ولم يُذكر لقبه في المصادر.
(5)
انظر عن (قردم) في: نيل الأمل 6/ 172 رقم 2576 ولم يذكره السخاوي في الضوء اللامع. وسيعاد في السنة التالية.
(6)
جان دار: الجاندار= جَنْدار: لفظ فارسي مركب من: جان ومعناه: سلاح، ودار: ممسك، أي ممسك السلاح. والمعنى فئة من المماليك تتبع السلطان أو الأمير، وهي حرسه الخاص، ويعرفون بالجاندارية.
ودام على ذلك مدّة في عدّة دول حتى تسلطن خشداشه الظاهر خشقدم فزاده على إقطاعه فصار من الخمسات، وولّاه إمرة الخازندارية، وكانت قديمًا من أجلّ الوظائف، ودام على ذلك حتى بَغَتَه الأجل.
وكان شيخًا طُوالًا، به غتمة في لسانه، وعنده أدب وحشمة، وكان لا بأس به.
توفي في أواخر هذه السنة، (أو التي بعدها)
(1)
فيما يغلب على ظنّي.
واسمه تركيّ: ومعناه "نَصَبْتُ"، فإن الميم فيه كـ"نا" المتكلّم في لغة العرب.
197 -
كمشبُغا المؤيَّدي
(2)
.
أحد الخمسات، المعروف بشبشق.
كان من مماليك المؤيَّد شيخ، وترقّى إلى الخاصكية بعده بمدّة في سلطنة الظاهر جقمق. ولما تسلطن الأشرف إينال أمّره خمسة لضِيق الأقاطيع، ودام كذلك إلى دولة الظاهر خُشقدم، فكان يأنس إليه ويتفقّده، من غير أن ينقله إلى شيء ولا يرقّيه.
وتوفي في دولته في هذه السنة.
وكان رأسًا في رمي النشّاب ومعرفة فنونه. يُحكى عنه فيه ما يشبه الكذب.
وهو الذي بنى القبّة والمصطبة وأقام بهما العمود بأواخر الريدانية، وبه يُعرف ذلك البناء الآن.
واسمه مركَّب من "كمش" وهو الفضّة بالتركية، و"بُغا" قد تقدّم أنه اسم للثَور، فكأنه قيل ثور فضّة، ثم جُعل عَلَمًا على الشخص كالْطُنْبُغا وهو الثور الذهب. وطاش بُغا، ونحو ذلك.
198 -
ماهر بن عبد اللَّه
(3)
بن نجم بن عِوض بن نُصَير بن نصّار الأنصاري، الهِلّاوي، المقدسي، القاهري، الشافعي.
(1)
ما بين القوسين عن الحاشية.
(2)
انظر عن (كمشبُغا المؤيّدي) في: نيل الأمل 6/ 172 رقم 2577، وبدائع الزهور 2/ 411 ولم يذكره السخاوي في الضوء اللامع.
(3)
انظر عن (ماهر بن عبد الله) في: عنوان الزمان 4/ 149 رقم 431، وعنوان العنوان 219 رقم 512، ووجيز الكلام/ 753 رقم 1730، والذيل التام 2/ 168، والضوء اللامع 6/ 236، 237 رقم 820، ونظم العقيان 135 رقم 123، ونيل الأمل 157/ 6 رقم 2561، وبدائع الزهور 2/ 402، 403.
الشيخ الإمام، العالم، العلّامة، الصالح، زين الدين.
ولد بهِلّية
(1)
، قرية بالقرب من سَفْط رشيد من أعمال البَهْنَسَاوية، في سنة (تسع وسبعين وسبعمائة)
(2)
، وبها نشأ.
ثم قدم القاهرة فاشتغل بها بعد حفظه القرآن العظيم، فأخذ عن جماعة، منهم: البرهان الإبناسي، وغيره، وحجّ وعاد إلى القاهرة، ثم رحل إلى البيت المقدس فلازم به الشهاب بن الهائم، وأخذ عنه الكثير. وانتفع به في فنون، وبرع في الفقه والنحو، وشُهر وذُكر، وشارك الناس، وقطن بالقدس، وشُهر بها بالعلم، والفضل والدين، والخير والصلاح، وأخذ عنه جماعة وانتفعوا به، منهم، الأعيان كالشمس بن حسّان، وعبد الكريم النقشبندي، والبرهان البقاعي، وآخرون
(3)
، وكان مقصدًا للناس في مَهَمّاتهم والكثير من أمورهم، وبه النفع العام، ولم يزل بالقدس إلى أن بَغَته أجلُه به.
وكان إمامًا عالمًا، عاملًا، فاضلًا، كاملًا، خيّرًا، ديّنًا، صالحًا، رأسًا في الفرائض والفقه والعربية، بل وغير ذلك، كثير التواضع، ملازمًا للخيرات، منجمعًا عن الناس جدًّا، ذا سمت حسن وتؤدة، وبشاشة، وحسن محاضرة، كثير التثبّت في نقله، غير مجازف ولا متهوّر، له اقتدار على تأدية الكلام مع حسن التصوّر واستقامة الفهم. وبالجملة فكان من نوادر وقته، كما كان اسمه من نوادر الأسماء، مطابقًا لمُسمّاه.
توفي بالبيت المقدس، على خيرٍ كثير في ليلة الأربعاء سلْخ ربيع الأول.
وكانت جنازته حافلة، ولم يخلُفْه بعده مثله.
ولما بلغني موته أنشدت في ذلك من غير تدوين بل على البديهة ارتجالًا بحسب الحال هذه الأبيات في رثائه
(4)
، رحمه الله:
أحييتَ بالعلم رسمًا
…
قد كان قبلك داثرْ
وقد تمهّرْتَ فيه
…
فطابَقَ الاسم مماهرْ
وزدْتَه بصلاح
…
لكم وخير المآثر
ودمت دهرًا مُعينًا
…
للناس نَفْعُك ظاهر
(1)
القاموس الجغرافي ق 2 ج 3/ 143.
(2)
بياض في الأصل. والمستدرك من: عنوان الزمان 4/ 149.
(3)
في الأصل: "وآخرين".
(4)
في الأصل: "رثاية".
والآن غُيّبْت عنّا
…
وصرْتَ رهْن المقابر
عين إمام التُّقى
…
على النوائب ناصر
جزاه المولى خيرًا
…
فإنه في الأخاير
(
…
…
…
)
(1)
…
منكم بسُحُبٍ مواطِر
199 -
محمد بن أحمد بن عمر بن شَرَف القرافي
(2)
، المصري، المالكي.
الشيخ العالم، الفاضل، القاضي شمس الدين، المعروف بالنسبة إلى القرافة. أحد أعيان السادة المالكية ونوّاب الحكم، وسِبط الشيخ الصالح (الإمام)
(3)
العارف عبد اللَّه بن أبي جمرة.
ولد في العشر الأخير من شهر رمضان سنة إحدى وثمانمائة بالقاهرة.
وبها نشأ ذكيًّا فطِنًا، فحفظ القرآن العظيم في حالة صِغره وبعض المتون. واشتغل أخيرًا فأخذ عن جماعة من علماء عصره، وحضر دروس الأعيان من بني مذهبه، وتمهّر وشُهر وتميّز، وناب في القضاء وحُمدت فيه سيرته، وكان له خبرة تامّة بالصناعة. وله طريقته بكتابة الشروط مع جودة الخط وحُسنه.
وكان فاضلًا، مشاركًا، ذكيًّا، يقِظًا، فطِنًا، حذِقًا، فَهْمًا، أدوبًا، متواضعًا، حشمًا، وافر الحرمة، له شهرة في القضاء، يُذكر بالخير، وعنده تؤدة وحُسن سمت، وبالجملة فكان من الأعيان.
توفي في ليلة الإثنين ثلاث عشرة
(4)
ذي الحجّة.
وأُخرجت جنازته مشهودة وافرة بالأعيان، وصُلّي عليه بجامع المارداني، وتقدّم في الصلاة عليه العَلَم البُلقيني، وحُمل إلى القرافة وبها دُفن، وعظُم تأسّف الناس عليه ولم يخلفه مثله، وترك ولده بدر الدين ()
(5)
وستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى.
(1)
الشطر ممسوح بالكامل.
(2)
انظر عن (القرافي) في: النجوم الزاهرة 16/ 325، وعنوان الزمان 5/ 38 - 41 رقم 465، وعنوان العنوان 439، ووجيز الكلام 2/ 756 رقم 1737، والذيل التام 2/ 170، 171، والضوء اللامع 7/ 27، 28 رقم 56، ونيل الأمل 6/ 170، 171 رقم 2574، ونظم العقيان 136 رقم 126، وحوادث الزمان 1/ 163 رقم 199، وبدائع الزهور 2/ 410.
(3)
كلمة ممسوحة.
(4)
في الأصل: "ثلاثة عشر".
(5)
بياض في الأصل.
200 -
محمد بن أحمد بن عمر بن محمد بن عثمان بن عبد الله بن عمر بن عبد الرحيم الحلبي، الشافعي.
الشيخ شمس الدين بن شهاب الدين، أبو جعفر، قاضي القضاة بحلب، المعروف بابن الضياء
(1)
، ويُعرف بابن العجمي أيضًا.
ولد بحلب في ربيع الأول سنة خمس وسبعين وسبعمائة
(2)
.
وبها نشأ واشتغل، وولي قضاءها
(3)
، وكان من ذرّية الكرابيسى صاحب الإمام الشافعي.
وكان الكرابيسي من ذريّة عثمان بن عفّان رضي الله عنه.
وتوفي صاحب الترجمة بحلب أيضًا في يوم الأربعاء خامس عشر شهر رمضان.
ودُفن بالمدرسة الكاملية بالجُبيل الصغير.
(ترجمة الشمس بن العماد)
(4)
201 -
محمد
(5)
بن أحمد بن عماد بن يوسف بن عبد النبي الأقفهسي
(6)
، القاهري، الشافعي.
(1)
انظر عن (ابن الضياء) في: الضوء اللامع 7/ 30 رقم 58، ونيل الأمل 6/ 164، 165 رقم 2570، وبدائع الزهور 2/ 405.
(2)
كتب إلى جانبها على الهامش: "وقد عرفت من توهّم من قال إنه جاوز السبعين بل لم يزد على السبعة وستين إلا ببعض شهور".
(3)
في الأصل: "قضائها".
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
كتب إلى جانبه على الهامش: "يقدَّم على الذي قبله".
ويقول خادم العلم وطالبه محقق هذا الكتاب "عمر عبد السلام تدمري": إن من حق هذه الترجمة أن تتقدم على الترجمتين اللتين قبلها، على اعتبار أن اسم "عماد" يسبق اسم "عمر" في الترجمتين.
(6)
انظر عن (الأقفهسي) في: معجم الشيوخ لابن فهد 206، 207، وعنوان الزمان 5/ 36، 37 رقم 464، وعنوان العنوان 239 رقم 566، والضوء اللامع 7/ 24، 25 رقم 50، ووجيز الكلام 2/ 753، 754 رقم 1731، والذيل التام 2/ 168، ونيل الأمل 6/ 154 رقم 2556، وحوادث الزمان 1/ 159 رقم 187، والمنجم في المعجم 176، 177 رقم 133، وكشف الظنون 826، وهدية العارفين 2/ 203، والأعلام 5/ 333، 334، ومعجم المؤلفين 8/ 301، 302 Brokelmann .G 2/ 96، 114/ 92 ،
الشيخ شمس الدين ابن
(1)
الإمام، العلّامة، شهاب الدين، المعروف بابن العماد.
ولد بالقاهرة في سنة ثمانين وسبعمائة تقريبًا.
وبها نشأ فحفظ القرآن العظيم في حالة صِغره، ثم حفظ "العُمدة" و"المنهاج الفقهي والأصلي"، و"ألْفيّة ابن
(2)
مالك" و"الشاطبية" وغير ذلك، وعرض على السراج البُلقيني وغيره من الأعيان في ذلك العصر، واعتنى به والده فأسمعه في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة "جزء ابن
(3)
فيل" والمجلس بأخرة على البرهان ابن
(4)
الشامي. ثم أخذ في الاشتغال فأخذ عن جماعة، وبحث "الشاطبية" على الفخر الضرير، إمام الجامع الأزهر، وتكسّب بالشهادة بحانوت بين السورَيْن.
وله عدّة تصانيف وقفتُ على بعضها.
وكان شيخًا منوّر الشيبة، حسن الهيئة والشكالة، من بيت أصالة في العلم.
ووالده مشهور الترجمة، معروفها.
توفي الشمس هذا في يوم السبت خامس ربيع الأول.
(ترجمة الحُمَيد النعماني)
(5)
202 -
محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر بن محمد بن ثابت بن عثمان بن محمد بن عبد الرحمن بن ميمون بن محمود بن حسّان بن سمعان بن يوسف بن إسماعيل بن حمّاد ابن
(6)
الإمام الأعظم أبي
(7)
حنيفة النُعمان بن ثابت البغدادي الأصل، الفَرغاني، المَرَاغي، الدمشقي، النُعماني
(8)
، الحنفي.
الشيخ الإمام، العلّامة، الحبر، البحر، الفهّامة، شيخنا حميد الدين، أبو الفضل بن تاج الدين بن حسام الدين، قاضي القضاة بدمشق.
ولد بمَرَاغة من أعمال تبريز في سابع عشرين صفر سنة خمس وثمانمائة.
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
العنوان من الهامش.
(6)
في الأصل: "بن".
(7)
في الأصل: "أبو".
(8)
انظر عن (النعماني) في: الضوء اللامع 7/ 46، 47 رقم 98، ووجيز الكلام 2/ 755، 756 رقم 1736، والذيل التام 2/ 170، ونظم العقيان 135 رقم 125، ونيل الأمل 6/ 154، 155 رقم 2557، وحوادث الزمان 1/ 159، 160 رقم 188، وكشف الظنون 984، وهدية العارفين 2/ 203، ومعجم المؤلفين 8/ 316.
ونشأ ببغداد نشأة حسنة، ذكيًّا، يقظًا، فطِنًا، حذِقًا، فهْمًا، فقرأ القرآن العظيم، ثم اشتغل فتفقّه بأبيه التاج قاضي بغداد، وكان من أفاضل العلماء وأعيانهم، وهو الذي جذع قرا يوسف أنفه، وقدم القاهرة بعد العشرين وثمانمائة قاصدًا المؤيّد موليًا عنده على قَرا يوسف المذكور، فرثا المؤيّد لحاله وهَمّ بغزو بغداد.
وترجمته مشهورة مذكورة. معروفة، مسطورة في غاية التواريخ.
وممن أخذ عنه الحُميد هذا ببغداد أيضًا السيد الشريف عبد المجيد البخاري وغيره، وحج مع أبيه في سنة ثماني عشرة
(1)
وثمانمائة، ثم قدم معه إلى دمشق أيضًا في سنة إحدى وعشرين، ثم قدم القاهرة في أواخر سنة اثنتين
(2)
وعشرين. وأخذ بها عن: الشمس بن الدَّيْري وآخرين، منهم العزّ عبد السلام البغدادي، ثم عاد إلى دمشق في سنة أربعٍ وعشرين فقطنها، ولازم بها العلاء البخاري نحو العشر سنين وأخذ عنه كثيرًا في كثير من الفنون العقلية والنقلية والتصوّف، واقتصر على ملازمته. ومن مشايخه أيضًا الشرف قاسم العلائي. ولم يزل مُجِدًّا حتى حصّل وبرع ومهر وشُهر وذُكر، وأفتى ودرّس، وسمع الحديث من جماعة، بل وأسمعه بمكة وغيرها. وصنّف وألّف عدة تصانيف في عدّة فنون، وله عدّة رسائل أيضًا. ووُلّي عدّة تداريس جليلة بدمشق كالخاتونية، والقصّاعية، والعزيزية وغير ذلك. ثم آل به الأمر أن وُلّي القضاء الأكبر بدمشق بعد صرف الحسام الغزّي، ثم صرف ثم أعيد غير ما مرة، وحُبّب إليه منصب القضاء، وعادى الناس بسببه، وصار مُغرَمًا به وقاسى الأهوال، وجرت له أمور قبله وبعده يطول الشرح في ذكرها.
وقد تقدّم ما وقع له مع الشهاب الكوراني ونُبَذٌ
(3)
من ما جريات اتفقت له مع آخرين. وولايته القضاء في عدّة مواضع من تاريخنا هذا. ولا زال على ذلك حتى بَغَتَه أجله.
وكان من أهل العلم والفضل والأصالة والعراقة ومن الأعيان، ذا أدب وحشمة وحُسن هيئة وشكالة، إلّا أنه كان يعاب ببعض لجاج وطيش وقيام في كثير من أغراض نفسه، ومحبّته المجادلة، وكثرة المجاورة، ولو بغير طريق، مع التصحيح على ما يجنح إليه، وعدم الرجوع إلى الناس فيما نحا لقوله فيه. وكان كثيرًا ما ينكر على الناس أشياء لا يليق بمثله التكلّم فيها. وكان شهمًا لا يحتمل
(1)
في الأصل: "ثمانية عشر".
(2)
في الأصل: "اثنين".
(3)
في الأصل: "ونبذًا".
النُّصح، وهذا هو الذي كان يوجب له ما ذكرناه، مع اعتقاده نفسه ومع تديّنه.
وكان بينه وبين الوالد محبّة أكيدة وصحبة زائدة، لا سيما ونحن بدمشق، وكان يكثر من التردّد على الوالد، وربّما تردّد إليه في الأسبوع مرتين أو ثلاث. وهو من أشياخي الذين أخذت عنهم إجازة، وقرض
(1)
لي على بعض تصانيفي في تلك الأزمان، وأخذ عنه الشاميّون (
…
)
(2)
بالتلمذة له وإقراء. وأقرأ القطعة التي عملها على "الهداية" وما أكملها، وكذا شرح (
…
)
(3)
بالجملة.
وما ذكرناه من نسبه هاهنا عن المقريزي كتبناه، فإنه ساقه في تاريخه (دُرَر العقود الفريدة)
(4)
.
فقال الحافظ ابن
(5)
حجر في "إنبائه"
(6)
في حوادث سنة أربع وأربعين وثمانمائة (
…
)
(7)
في كائنته مع الشهاب الكوراني
(8)
: وكان تاج الدين والد هذا يدّعي (أنه من ذرّية الإمام)
(9)
أبي حنيفة أملى لنفسه نسبًا إلى يوسف بن أبي حنيفة يَعرِف مَن (له أدنى ممارسة)
(10)
بالأخبار تلفيقه، وكتبه عنه الشيخ تقيّ الدين المقريزي. انتهى.
وقد ذكر ابن حجر هذا النسب في "إنبائه" أيضًا في ترجمة الحسام النُعماني
(11)
وما تعرّض له (هناك كما) تعرّض له بذلك.
(1)
هكذا في الأصل. والصواب: "وقرّظ".
(2)
كلمة ممسوحة.
(3)
كلمة ممسوحة.
(4)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل. وكامل نسبه في: درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة، للمقريزي 1/ 196، 197 رقم 188، والضوء اللامع 1/ 312.
توفي أول يوم من شهر المحرم سنة 834 هـ.
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
إنباء الغمر 4/ 159.
(7)
كلمة ممسوحة.
(8)
هو شرف الدين، أحمد بن إسماعيل بن عثمان بن أحمد بن رشيد بن إبراهيم، ودُعي شهاب الدين الشهرزوري، الهمذاني، الكوراني، الشافعي. مات سنة 894 هـ. انظر عنه في: درر العقود الفريدة 1/ 183، 184 رقم 166، والضوء اللامع 1/ 241 - 243 و 2/ 247 (قبل الرقم 690) وفيه: "أحمد بن يوسف بن إسماعيل
…
"، ونيل الأمل 8/ 167 رقم 3558، ونظم العقيان 1/ 10، وانظر: السلوك ج 4 ق 3/ 1215.
(9)
في الأصل بياض، استدركناه من: إنباء الغمر 4/ 159.
(10)
ما بين القوسين ممسوح، استدركناه من: إنباء الغمر.
(11)
هو جدّ صاحب الترجمة "محمد بن أحمد بن عمر بن محمد بن ثابت
…
".
وقد بلغني أن جماعة من أهل بغداد طعنوا في هذا النَسَب. كما بلغنى أن ممّن شهد به في هذه البلاد العلّامة عبد السلام البغدادي. واللَّه أعلم.
(
…
…
)
(1)
قال بعض الفضلاء: وما ذكره الحافظ ابن
(2)
حجر من التلفيق فيه، فمن الأسامي ما يأتي (
…
)
(3)
وسحان، وحسان، قال: فإن أحدًا من أهل تلك البلاد لم يُسَمّ بهذه الأسماء لا قديمًا ولا حديثًا كما سترى ذلك. هكذا قال. واللَّه أعلم.
توفي الحُمَيد هذا في ليلة الأحد سادس ربيع الأول بدمشق، ودُفن صبيحة في سفح قاسيون. وكان له مشهود حفل
(4)
، رحمه الله.
203 -
محمد بن أحمد بن محمد بن محمد القاهري، الشافعي.
الخطيب شمس الدين بن الخطيب شهاب الدين، المعروف بابن الخلّال
(5)
، بالمُعْجَمَة والتثقيل.
ولد سنة ست وسبعين وسبعمائة.
ونشأ حذِقًا، فطِنًا، ووُلّي مشيخة (مدرسة في)
(6)
ابن
(7)
نصر اللَّه (؟) بمدينة فُوَّه، وخطب أيضًا بمدرسة ابن
(8)
سُويد بمصر العتيق
(9)
.
ولا عِلم عندي بشيء من حاله غير ما ذكرت.
وتوفي بمدينة فُوَّه على مشيخته في شهر شعبان على غالب الظنّ.
204 -
محمد بن سعد
(10)
بن خليل بن سليمان الروميّ الأصل، (القاهري، الشافعي.
العالم الفاضل، شمس الدين بن سعد الدين (
…
…
)
(11)
بالخانقاه
(1)
كلمتان ممسوحتان.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
كلمة ممسوحة.
(4)
في الأصل: "مشهدا حافلا".
(5)
انظر عن (ابن الخُلّال) في: عنوان الزمان 5/ 93 رقم 485، وعنوان العنوان 250، والضوء اللامع 7/ 83، 84 رقم 170، ونيل الأمل 6/ 162 رقم 2566 وفيه:"ابن الجلال"، وبدائع الزهور 2/ 405 وفيه:"ابن الجلال" أيضًا، وقد اتّضح لنا أن ابن آياس ينقل عن "نيل الأمل" دون أن يتحقق من الغلط. والصواب "ابن الخُلّال" بضم الخاء المعجمة ولام مشدّدة كما ضبطه السخاوي في الضوء.
(6)
ما بين القوسين عن الهامش.
(7)
في الأصل: "بن".
(8)
في الأصل: "بن".
(9)
هكذا في الأصل.
(10)
انظر عن (محمد بن سعد) في: نيل الأمل 6/ 163 رقم 2568.
(11)
كلمتان ممسوحتان.
الشيخونية، المعروف بابن سعد الدين. وهو والده سعد، وربّما عُرف بابن الخادم، لكون والده كان الخادم الكبير بالخانقاه المذكور، وكان بيده أيضًا (
…
)
(1)
قد كتبها.
كان روميًّا عالمًا، فاضلًا (
…
)
(2)
، وله عدّة تصانيف [بالعر] بية والصرف وغير ذلك. وأخذ عنه الذكر عمر بن قديد (؟).
[
…
]
(3)
ومات قتلًا في سنة أربع وستين وثمانمائة، [وما] ت ولده صاحب الترجمة.
وكان مولده [سنة] السبعين وسبعمائة.
ونشأ نشأة حسنة، [واشتـ]ـــغل بالعلم، وأخذ عن جماعة، منهم: أبو بكر تلميذ والده، و (
…
…
…
)
(4)
عبد السلام البغدادي، و ( ...... ........................... )
(5)
ويعيد به بالجامع (
…
…
…
)
(6)
وأخذ عنه الجمع الجمّ من الجامع الحاكمي (
…
)
(7)
).
205 -
يَرَش الخاصكي
(8)
.
تقدّم في المتجدّدات كائنته
(9)
، وأنه كان من مماليك نائب جُدّة مدّة حالة صِغَره، ربّاه وأعتقه، ورقّاه وقرّبه وأدناه، واختصّ به، حتى نُقل عنه أنه اتفق مع آخرين من خاصكية السلطان على اغتياله، فقبض عليه، ثم أمر بضربه بين يديه، وقاسى الذل والهوان.
وآل أمره أن غُرّق في بحر النيل في ليلة من ليالي أواخر ذي الحجة هو وآخرون
(10)
معه.
وله من السنّ دون العشرين سنة.
(1)
كلمة واحدة.
(2)
كلمة واحدة.
(3)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(4)
مقدار إحدى عشرة كلمات ممسوحة.
(5)
مقدار ثلاث كلمات.
(6)
كلمة واحدة.
(7)
ما بين القوسين على هامش المخطوط، على اليسار، وأعلى الصفحة.
(8)
انظر عن (يرش الخاصكي) في: آخر متجدّدات حوادث هذه السنة وهو لم يذكر في نيل الأمل.
(9)
انظر خبر: تغريق السلطان خمسة من مماليكه، في شهر ذي الحجة.
(10)
في الأصل: "هم وآخرين".
وكان شكلًا حسنًا، شابًا، متجمّلًا، كيّسًا، حذِقًا، فطِنًا. نادرة في بني جنسه.
واسمه مفرَد بلغة التُرْك معناه: "تُصاحِبْ" أمرٌ من المصاحبة، هنا إذا كان بفتح الراء. أمّا إذا كان بكسرها -والأول هو المستعمل- فيكون معناه:"إلْحَقْ" أمر من اللّحوق والوصول إلى الشيء. وربّما يكون له معانٍ أُخَر إذا أمعن عارفُ لغة التُرك في النظر، ولسنا بصدده.
سنة ثمانٍ وستين وثمانمائة
[حال الخليفة والسلطان والقضاة والنواب]
استهلّت هذه السنة والخليفة والسلطان، وسائر ملوك الإسلام وأمرائهم وقُضاتهم وحكّامهم والنواب وسائر وُلاة أمور الإسلام على ما هم عليه في الخالية على ما وصل لعِلمنا.
ما عدا قاضي القضاة الشافعية بالديار المصرية، فإنه في هذه السنة العَلَم البُلقيني، وُلّيه عن الشرف المناوي بعد صرفه على ما مرّ بيانه.
وما عدا قاضي القضاة الحنفية أيضًا بها، فإنه في هذه السنة الشيخ بدر الدين حسن بن الصوّاف الحموي، وُلّيه عن المحبّ بن الشِحنة كما تقدّم ذلك أيضًا.
وما عدا الدوادار الكبير، فإنه في هذه السنة بلاط اليشبُكي دوادار الحاج إينال، وُلّيها بعد خيربك بعد صرفه.
وما عدا نائب غزّة، فإنه في هذه السنة جَكَم الأشرفي خال العزيز.
وما عدا نائب الكَرَك، فإنه في هذه السنة حسن بن أيوب.
وما عدا نائب مَلَطْية فإنه في هذه السنة يشبُك البجاسي.
وما عدا ناظر الخاص فإنه في هذه السنة التاج بن المَقْسي.
وما عدا الوزير، فإنه في هذه السنة المجد بن البَقَري.
وما عدا الأستادّار، فإنه في هذه السنة زين الدين.
وقد عرفت كيفيّة هذه التنقّلات في الماضي في الخالية من المتجدّدات.
ذِكر نُبَذٍ
(1)
من المتجدّدات اليوميّة في هده السنة القمريّة
[شهر محرّم]
[التهنئة بالشهر والسنة]
كان أول هذه السنة بالخميس. ففيها وفي هذا اليوم مستَهَلّ محرّم طلع القضاة ومن له عادة بالطلوع إلى السلطان وهنأوه
(2)
بالشهر والعام.
(كائنة ابن الأهناسي)
(3)
وفيه -أعني هذا اليوم- وقع لعليّ بن الأهناسي أمور يطول الشرح في ذِكرها لا طائل تحتها لمن كان السبب في ذلك، بل كان فيه خسارة المال لمن قام بذلك في حظ نفْس، نعوذ باللَّه من ذلك، وآل أمر ابن
(4)
الأهناسي هذا بعد الدعاوى عليه إلى إخراجه إلى مكة كما سنذكره، ومن حينئذٍ فُتحت الأعيُن زيادة على ما كانت قبل ذلك للذي قام بتلك الكواين الكائنة على عليّ بن الأهناسي هذا، ولم يكن هذا القائم خيرًا بعد عليّ هذا، بل وكان ذلك سببًا لطمع الطامع فيه، بل الطامعين إلى أن قرُب حاله من الإنكشاف لولا ستر اللَّه عليه بالموت بعد ذلك قبل فحش الحال واتساع الخَرق، وأعقب شؤم ذلك من خَلَفَه من بعده، بل هو مستصحب بعدُ في يومنا هذا
(5)
.
(وصول تمُربُغا ومن معه من سجن الإسكندرية)
(6)
وفيه -أعني هذا الشهر- في يوم الإثنين خامسه، وصل الأمراء الذين حُملوا إلى سجن ثغر الإسكندرية على ما قدّمناه، ثم أمر بإطلاقهم كما في محلّه من
(1)
في الأصل: "نبذًا".
(2)
في الأصل: "هنوه".
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
خبر كائنة ابن الأهناسي فى: نيل الأمل 6/ 174.
(6)
العنوان من الهامش.
أحداث الماضية بيّنّاه، فدخلوا القاهرة في هذا اليوم، وهم تمُربُغا، وأُزبَك، وبرقوق، وقانباي، وباتوا في هذه الليلة بدار يشبُك الفقيه الدوادار الكبير، ثم طلعوا إلى القلعة في صبيحة يوم الثلاثاء، واجتمعوا بالسلطان، وخلع عليهم كوامل بفرو سمَّور مسبولة الأطواق، وأمر باستمرارهم على ما كان بأيديهم من أقاطيعهم ووظائفهم. وكانت لم تخرج عنهم لأحد لأنّ غضبه عليهم إن كان من قبله فكان يومًا واحدًا، ولذا كان سجنهم بالإسكندرية يومًا واحدًا، وعُدّ ذلك من النوادر ومن الفرج السريع بعد الشدّة، ونزلوا إلى ديارهم، وكان لطلوعهم ونزولهم وقتًا مشهودًا، وهرع الناس للسلام عليهم وتهنئتهم
(1)
.
[وزارة يونس بن عمر]
وفيه -أعني هذا اليوم- استقرّ في الوزارة شخص يُسمّى يونس بن عمر بن جَربُغا من أولاد الناس، وهو الذي كان دوادارًا عند الطواشي فيروز النَوروزي، وكان بزي الأجناد، فخلع عليه أطلَسَين متمَّر [ين]
(2)
لذلك، ولم يخلع عليه الخلعة التي جرت العادة بخلعها على الوزراء، ووُلّي الوزارة عِوَضًا عن ابن
(3)
الأهناسي بعد صرفه على ما بيّنّاه من قبل
(4)
.
[إعادة ابن الشِحنة إلى قضاء الحنفية بمصر]
وفيه، في يوم الخميس ثانيه أعيد المحبّ بن الشِحنة إلى وظيفة قضاء القضاة الحنفية بالديار المصرية عِوَضًا عن الفقيه ابن
(5)
الصّوّاف بحكم موته ولم تطُلْ ولايته حتى مات، وهذه ثانية ولاية ابن الشِحنة هذا للقضاء
(6)
.
[منْع أهل الذمّة من مباشرات الأمراء]
وفيه، في يوم الإثنين ثاني عشره برز أمر السلطان بأن يمنع أهل الذمّة من
(1)
خبر وصول تمربُغا في: النجوم الزاهرة 16/ 280، ونيل الأمل 6/ 175، وبدائع الزهور 2/ 412.
(2)
الأطلس المتمّر: هو رداء من الحرير الأطلس المبرقش بزخارف من الخطوط المتموّجة. وهو حرير اسكندراني منسوج بخطيط الذهب. (صبح الأعشى 4/ 53، الملابس المملوكية 27).
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
خبر وزارة يونس في: النجوم الزاهرة 66/ 281، ونيل الأمل 6/ 175، وبدائع الزهور 2/ 412.
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
خبر ابن الشحنة في: النجوم الزاهرة 16/ 281، ونيل الأمل 6/ 175، وبدائع الزهور 2/ 412.
التكلّم في المباشرات، والتحدّث على ديوان الأمراء وغيرهم ونودي بذلك في شوارع القاهرة بكفّ أهل الذمّة قاطبة من الأقباط وغيرهم من التصرّف والمباشرة (
…
…
…
)
(1)
واستقرّوا على ذلك بوجهٍ من الوجوه، وكُتب بذلك إلى سائر الممالك (
…
…
…
)
(2)
بشان ولي حكمه
(3)
؟
[إنعقاد المجلس بالمدرسة الصالحية بشأن أهل الذمّة]
وفيه أيضًا أمر السلطان بعقد مجلس بالمدرسة الصالحية بالقضاة الأربعة
(4)
ونوابهم وحضره جماعة من المشايخ، والدوادار الكبير بسبب أهل الذمّة. والحضور بالعهود المكتوبة قديمًا لأهل الذمّة وقُرئَت فوُجد ببعضها، وأن أحدًا منهم لا يباشر في ديوان أحد من الأعيان بقلم الدَّيْوَنة ولا في عمل من الأعمال (
…
…
…
)
(5)
إلى أن وجد فها، وأن لا يتعمّم على رأسه بأكثر من عشرة أذرُع، (
…
…
…
)
(6)
هم عن نساء المسلمين بالأزرق للنصارى، والأصفر لليهود على أن يلتزمن بلباسهنّ بالأسواق والشوارع حين خروجهنّ إليها، وكذا يتميّزون في الحمّامات. ووقع كلام كثير لهذا المجلس. ثم اتفق الرأي أن يلزم أهل الذمّة بذلك فأُلزموا جميع ذلك، وحكم به العَلَم البُلقيني، ونفّذه الآخرون
(7)
من رفقته القضاة، وألزموا به ما عَدا الطبّ والصرف بشروطهما، وصمّم السلطان على ذلك. وساء ذلك أهلَ الذمّة وأنِف عنه جمع
(8)
منهم فأسلموا وداموا على مباشراتهم، وعظُم الأمر على قبط مصر، وما أحسن ذلك لو دام، لكنّه لم يدم إلّا نحو السنة. ثم عاد كل شيء إلى ما كان عليه. قبل هذه الحادثة، وبلغ السلطان فلم يكترث به ولا اهتم له أصلًا، بل ولا سأل عنه، فأين ذلك التصميم العظيم والتفتيش مع هذا السُكات، فإنّا للَّه وإنّا إليه راجعون
(9)
.
(1)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(2)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(3)
خبر أهل الذمّة في: النجوم الزاهرة 16/ 281، ووجيز الكلام 2/ 759، والذيل التام 2/ 174، ونيل الأمل 6/ 175، وبدائع الزهور 2/ 412.
وقد صنّف السخاوي في هذا: "القول المعهود فيما على أهل الذمّة من العهود". انظر في ترجمته بالضوء اللامع 8/ 18، وإيضاح المكنون 2/ 254.
(4)
في الأصل: "القضاة الأربع".
(5)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(6)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(7)
في الأصل: "ونفذه الآخرين".
(8)
في الأصل: "وأنف عنه جمعًا".
(9)
خبر انعقاد المجلس في: النجوم الزاهرة 16/ 281، ونيل الأمل 6/ 175، 176، وبدائع الزهور 2/ 412، 413.
[سجن المؤلّف في طرابلس الغرب]
وفيه، في يوم الخميس نصفه، وصل إلى طرابلس الغرب قارب فيه اثنان من الأسرى من المسلمين فرّا
(1)
هربًا من رودس بهذا القارب، ووصلا
(2)
إلى طرابلس في هذا اليوم فأخبرا بأن شخصًا نزل من شواني البنادقة بعدّة جوارٍ من طرابلس وباعهنّ برودس، وارتدّ عن الإسلام وهو مقيم به، ودسّ يطلب السفر إلى سردانية. ولما بلغ هذا قائد طرابلس الماضي ذكره بعث يطلبني لأجل الألف دينار التي كنت التزمتها على ما تقدّم ذكر ذلك على ذلك الوجه الماضي بعد أن رتب أن يذكر المخبر بيع الجواري برودس فقط. ولا يذكر ارتداد البائع ولا غير ذلك، فلما حضرت أحضر إليّ الشخصين
(3)
فأخبرا بأنهما رأيا
(4)
شخصًا ووصفاه بأنه باع عدّة جواري مسلمات للكبار برودس، فعرفتُ أن هذه الصفات صفات ذلك المملوك الذي جَهَّزتُ معه الجواري، فأخذت في المرافعة في ذلك فما أفادني ولا سمع هذا الظالم شيئًا مما أقوله، وأمر في أن أسجن بقصبة طرابلس بسجنها، فحُملت إلى سجنها، ثم بعث إلى داري بجماعة فأخرج ما وجده بها من المتاع، وحُملت أمّ ولدي إليه. وبتُ بالسجن ليلة، ثم قام جماعة من أعيانها من غير أن أسألهم في شيء من ذلك، فكلّموا القائد المذكور في أن هذا ليس بمصلحة. وقام القاضي في ذلك قومة، وكان بلغه أن الذي باع الجواري ارتدّ عن الإسلام، فبعث يقول للقائد إن هذا أمر لا يلزم به شيء لهذا الإنسان شرعًا، كيف وقد ذهب ماله على يد إنسان كان يأتمنه فارتدّ عن الإسلام، ولما علم القائد أن الأمر على خلاف مقصده وعدهم بأنه في الغد من هذا النهار يفرج عنّي، فلما كان الليل أحضرني إليه وتوعّدني وأخافني، وحلف أن الجواري قد أبيعت
(5)
برودس، ولا علم عندي أنا بارتداد ذلك المملوك إلّا بعد ذلك، وكان على وسطي نحو الثلاثمائة دينار فأخذها منّي بمكرٍ وخديعة، وحلّفني يمينًا على إبداء شيء
(6)
من ذلك لأحدٍ من أهل طرابلس، وأنا لا عِلم عندي بما فعله الناس والقاضي في غيبتي، ثم أصبح فأطلقني، واطّلعت على الكائنة بعد ذلك، وتديّنت على إعطائه
(7)
المبلغ، وسكتّ
(8)
على مضضٍ كبير، ثم بلغني أن صاحبنا التاجر عبد الحميد العوّادي، كبير التجار بطرابلس، لما بلغه ذلك داهن القائد في أمري خوفًا من شرّه لما بيننا من الصحبة، فقال له: أهل الشرق
(1)
في الأصل: "فروا".
(2)
في الأصل: "ووصلوا".
(3)
في الأصل: "الشخصان".
(4)
في الأصل: "راينا".
(5)
في الأصل: "أبعت".
(6)
في الأصل: "شيئا".
(7)
في الأصل: "أعطاوه".
(8)
في الأصل: "وسكتت".
قليلون الذين يفعلون ما شاؤوا، وما راعى الصحبة، وراعى هذا الظالم، ولما بلغني ذلك تألّمت له. وكان عندي إنسان من ظرفاء سمرقند يقال له خليل العجمي ممن كان أقام بدمشق والقاهرة كثيرًا، وله إلمام بالنَظْم، فحنق من العوّادي هذا إلى الغاية ثم هجاه بقطعة غريبة في الأهاجي كأنه لسان حالي، أو قالها على لساني، وأنشدنيها ولم يحضُرني منها الآن إلّا ما أثبتُه هاهنا، وهو قوله:
بني
(1)
العوّادي أقوامٌ لئام
…
حلالُ الشرعِ عندهُمُ حرام
لهم فِتَن تُشاعُ بكلّ نادٍ
…
عليهم لعنةُ المولى دوام
شويشوا مشهور
…
إذا حلّو شواش
لا علموا منشور
…
بسوق الأوباش
جَوَّعْ أُمّوا وأولادوا حتى صار ما لو موجود
…
في الغيبة يا ناس زاد وعوّادي اسمو من عود
فلا عجبًا إذا افتخروا بعرضي
…
فإنّ العَرْضَ عندهمُ مُباح
وإنْ قالوا: قليل الدين قلنا
…
فطيم، لا يريد سوى النكاح
مشهور القَطْمة يؤذي من حاذاه
…
من ينظر عمّه يحسب بنتي أباه
ما هو شيء إلّا خَرَيتُه
…
حاشاه من هو يسمعني
(
…
…
)
(2)
النّيّة من يقرا ينقل عنّي.
وهي طويلة.
ثم بعد أيام من هذه الكائنة ورد قارب من أسارى ورد من الأروام المسلمين هاربين منها، وكانوا زيادة على العشرة، فأخبروا بالقضية على جليّتها، وأن ذلك الكلب مملوكي كان باقيًا
(3)
على دين النصرانية مُبطِن الكُفْر، مُظهر الإسلام، وأنه ذكر لهؤلاء الأسارى برودس أنه تحيّل عليّ وأخذ الجواري مُظهرًا الاتجار بهنّ في ساحل بيروت لي، وأنه أخذهنّ لنفسه وباعهنّ برودس بحيلةٍ تزيد على الخمسمائة دينار، وارتدّ عن ما كان يُظهره من الإسلام، وأنه ذكر لهم أنه متوجّه إلى جزيرة سردانية بلاده، وكان منه
(4)
على ما تقدّم ذِكره، وذكر لهم أنه لما دخل البنادقة بالشواني لرودِس تحيّل على صاحب المركب الفرنجي الذي هو معه، وذكر له أنني ذكرت له أنه إن قُدِّر دخولهم إلى رودس فلْينزلْ بها هو والجواري ويحملهنّ إلى برّ التركية فيبيعهنّ ببلاد الروم لأنهنّ أغلى ثمنًا منهنّ ببلاد الشام، وأنه قال له إنّ
(1)
هكذا في الأصل، والصواب:"بنو".
(2)
كلمتان غير واضحتين، تُقرآن:"المو مفقود".
(3)
في الأصل: "كان باقي".
(4)
في الأصل: "وكان منها".
كِراك حاضر معي. وخدع الفرنجيّ صاحبَ المركب بذلك، وأنه كان قد تعامل هو وإنسان من اليهود على ذلك، وأن اليهودي قد أعطاه الكِراء من ماله سلفًا حتى باع الجواري بعد سفر الشواني من رودس. ثم شاعت هذه القصّة على هذا الوجه بطرابلس، وكان عند القائد بعض
(1)
منها لكنّه أخفاه بتواطئه مع الذين حضروا قبل ذلك من الإثنين الأسرى الماضي ذِكرهما
(2)
. ولما تحقّقت ذلك ذهبت إليه فأخفته بعودي إلى تونس وشكواه لصاحبها السلطان عثمان ولولده المنصور. ولا زلت أُضمر حق أعاد إليّ ما أخذه منّي، وذهبت الجواري والمحنة بالسجن، ونجّانا اللَّه تعالى من هذه المحنة، والخلف على اللَّه تعالى فيما نَزَلنا.
فما أحسن قول من قال، وأحسن في المقال:
كم يأسفُ المرءُ على فائتٍ
…
ما وجد الإسلامَ والعافيَهْ
ما دام دينُ المرء مع عقله
…
دامت له النِعَمُ الكافيَهْ
[إخراج ابن الأهناسي إلى مكة بطّالًا]
وفيه، في يوم الأحد ثامن عشره أُخرج علي بن الأهناسي إلى الطور ليتوجّه مَنفيًا إلى مكة المشرَّفة يقيم بها بطّالًا
(3)
.
[إسلام عدد من النصارى]
وفيه -أعني هذا اليوم، ثم في الذي يليه، أسلم عدّة من مباشري النصارى بسبب الكائنة التي جرت الماضي خبرها، وكانوا من الأعيان، وللَّه الحمد على ذلك
(4)
.
[القبض على الأستادّار]
وفيه، في يوم الإثنين تاسع عشره قُبض على زين الدين الأستادّار ووُكِّل به بالقلعة على مالٍ طلبه السلطان منه
(5)
.
(1)
في الأصل: "بعضًا".
(2)
في الأصل: "ذكرهم".
(3)
خبر ابن الأهناسي تقدّم قبل قليل، وهو في: نيل الأمل 6/ 174.
(4)
خبر إسلام النصارى في: النجوم الزاهرة 16/ 281، ونيل الأمل 6/ 176، وبدائع الزهور 2/ 413،412.
(5)
خبر الأستادّار في: نيل الأمل 6/ 176.
[وصول أول ركْب الحجّاج]
وفيه، في يوم
(1)
الثلاثاء عشرينه، وصل رَكْب كبير قبل الركب الأول، وهم جماعة من المجاورين والعربان
(2)
.
[وصول الركب الأول]
وفيه، في يوم الأربعاء حادي عشرينه، وصل الركب الأول وهم في كنف السلامة، وطلع أميره أحمد ابن
(3)
الأتابك تَنِبك إلى السلطان فخلع عليه خلعة فوق العادة إجلالًا له
(4)
.
[التوكيل بالأستادّار]
وفيه -أعني هذا اليوم أنزِل الزين يحيى الأستادّار إلى دار الشرف الأنصاري ليوكّل به بها إلى أن يقوم بما طُلب منه.
[وصول المحمل من الحجّ]
وفيه، في يوم الخميس ثاني عشرينه، وصل المحمل، ولقيته الحجّاج إلى القاهرة، ثم طلع أمير الحاج بُرْدُبك وطلع عليه ونزل، وكان قد أحضر معه جماعة من جماعة جانِبَك نائب جُدّة الدوادار، وهم الذين كانوا في التكلّم على بندر جُدّة، منهم علي بن رمضان الآتي في يومه وغيره أيضًا وصودروا
(5)
. على مالٍ كثير أُخِذ منهم
(6)
.
[إخراج أزبك خاصكي السلطان منفيًّا إلى الشام]
وفيه، في يوم السبت، رابع عشرينه أمر السلطان بإخراج أحد خواصّ مماليكه وخاصكيّته أُزْبك منفيًّا إلى البلاد الشامية، وكان عيّنه مسفّرًا للجماعة الذين أُخرجوا إلى الإسكندرية، تمربُغا ومن معه الماضي خبرهم آنفًا، ثم بلغه عنه كلام
(7)
فأخرجه منفيًّا في هذا اليوم
(8)
.
(1)
كتب أولًا: "الأربعاء حادي عشريه" ثم ضرب عليها خطأ.
(2)
خبر الحجاج في: نيل الأمل 6/ 177.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
خبر الركب الأول في: نيل الأمل 6/ 177.
(5)
في الأصل: " صرفودوا".
(6)
خبر وصول المحمل في: نيل الأمل 6/ 177.
(7)
في الأصل: "بلغه عنه كلامًا".
(8)
خبر إخراج أزبك في: النجوم الزاهرة 16/ 282، ونيل الأمل 6/ 177.
- • وأُزْبك
(1)
هذا موجود إلى يومنا هذا، وهو الآن أحد الأمراء بطرابلس، ما علمتُ هل أُعطيها حين أُخرج مَنْفيًّا أو بعد ذلك. ويُذكر بحُسن السمْت والسيرة والسكون، وصدق اللهجة، وإنه لا بأس به، كذا أُخبِرتُ عنه ممّن أثق به.
[ظهور ابن المزلّق بعد اختفائه]
وفيه -أعني هذا اليوم- ظهر البدر بن المزلّق من اختفائه بعد مدّة طويلة فخُلع عليه باستقراره في نظر الجيش بدمشق على عادته، وصُرف ابن
(2)
الرسّام. وكان قد وُلّيها عنه قبل ذلك
(3)
.
(تحليف السلطان جماعة من المقدّمين الألوف)
(4)
وفيه أيضًا طلب السلطان جماعة من مقدَّمين
(5)
الألوف إلى داخل قاعة الدُهَيشة وحلّفهم أَيمانًا مغلَّظة على طاعته لأمرٍ ما أوجب ذلك
(6)
.
(ولاية مغلباي باشيّة الجُند بمكة)
(7)
206 -
وفيه، في يوم الإثنين سادس عشرينه عيّن السلطان مُغُلْباي الساقي
(8)
الأشرفي، أحد العشرات ورؤوس
(9)
النُوَب بالخروج إلى مكة المشرَّفة باشًا على
(1)
هو أزبك من ططخ الظاهري، الأتابك. توفي سنة 904 هـ. انظر عنه في: إظهار العصر 1/ 142، والمنهل الصافي 2/ 346 رقم 394، والدليل الشافي 1/ 13 رقم 392، وإنباء الهصر/ فهرس الأعلام 522، 523، وتاريخ البُصرَوي 30 و 43 و 132 و 140، وتاريخ يشبك 34، والضوء اللامع 2/ 270 - 272 رقم 844، والتبر المسبوك/ فهرس الأعلام 4/ 131، والمجمع المفنّن 2/ 25 - 28 رقم 660، ومفاكهة الخلّان 2/ 164، والكواكب السائرة 1/ 200، وبدائع الزهور 2/ 355، ومتعة الأذهان 1/ 301 رقم 264، وتاريخ طرابلس 2/ 79 رقم 7.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
خبر ابن المزلّق في: نيل الأمل 6/ 177.
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
الصواب: "من مقدّمي".
(6)
خبر تحليف السلطان في: النجوم الزاهرة 16/ 282، ونيل الأمل 6/ 177.
(7)
العنوان من الهامش.
(8)
انظر عن (مُغُلباي الساقي) في: الضوء اللامع 10/ 165 رقم 671 ولم يؤرّخ لوفاته، ومفاكهة الخلّان 1/ 230 و 231 (في حوادث سنة 906 هـ.) وهو حاجب كبير بدمشق، ونائب الغيبة، وانظر: إعلام الورى 106 و 116 و 124 و 128 و 129 وفيه: "مُغلباي السمين".
(9)
في الأصل: "روس".
الجند الراكز بها، وعيّن معه خمسين نفرًا من الجُند السلطاني للإقامة بمكة، وعيّن خمسين أيضًا للإقامة بمدينة النبيّ عليه الصلاة والسلام، واستحثّهم على الخروج سريعًا.
ومُغُلْباي
(1)
هذا موجود إلى زمننا هذا الآن، وهو إنسان حَسَن السَمت والملتَقَى، له ديانة، وعنده خير وعفّة، دام مدّة على هذه الباشيّة، ثم تكرّرت له في دولة الأشرف قايتباي أيضًا. وكان قد جرت عليه كائنة في كائنة خير بك
(2)
وسُجن بالبرج أيامًا ثم أخرج خير بك من حديد إلى سجن قلعة دمشق، وبقي هو على ما هو عليه.
ويُعرف بصِق، وبالساقي.
وهو من مماليك الأشرف برسباي، وصُيّر خاصكيًّا (في دولته)
(3)
ثم ساقيًا، ثم أُمِّر عشرة، وصُيّر من رؤوس
(4)
النُوَب (في دولة الأشرف إينال وأعطي (
…
)
(5)
في دولته، ثم أخرجه الظاهر خُشقدم في دولته باشًا على الجُند بمكة كما ذكرنا في هذا اليوم، ثم صيّره الأشرف قايتباي حاجب الحجّاب بحلب، ثم من مقدّمين
(6)
الألوف بدمشق، ثم استُقدم إلى القاهرة (
…
)
(7)
في ( ......... .... )
(8)
وعُرف (
…
)
(9)
لقانصوه اليحياوي)
(10)
(وهو باقٍ على ذلك)
(11)
.
[موت ولد قائد طرابلس الغرب]
وفيه، في أواخره مات (
…
)
(12)
أحد أولاد أبي
(13)
النصر قائد طرابلس، فأسف عليه، زاده اللَّه أسفًا على أسف.
(1)
خبر ولاية مغلباي في: نيل الأمل 6/ 178.
(2)
جرت كائنة خير بك في سنة 885 هـ. انظر عنها في: نيل الأمل 7/ 173، وبدائع الزهور 3/ 176)، وفي ترجمته في الضوء اللامع 7/ 253 رقم 778 وهو توفي سنة 887 هـ.
(3)
ما بين القوسين عن الهامش.
(4)
في الأصل: "روس".
(5)
كلمة غير مفهومة كتبت على الهامش.
(6)
الصواب: "من مقدّمي".
(7)
كلمة غير مقروءة.
(8)
مقدار خمس كلمات غير واضحة.
(9)
كلمة واحدة.
(10)
ما بين القوسين، من قوله:"في دولة الأشرف إينال" إلى هنا عن هامش المخطوط.
(11)
هذه تكملة المتن.
(12)
بياض في الأصل.
(13)
في الأصل: "اولاد أبو".
[شهر صفر]
[تهنئة السلطان بالشهر]
وفيها استهلّ صفر بالجمعة بالرؤيَة، وهُنّيء السلطان به في هذا اليوم.
[نيابة كمشْبُغا البيرة]
وفيه -أعني صفر هذا- في يوم السبت ثانيه استقرّ في نيابة البيرة كمشبُغا
(1)
السيفي بخش باي، نائب قلعة حلب الماضي خبر ولايته لنيابة قلعة حلب في محلّه
(2)
.
[نيابة قلعة حلب]
وفيه أيضًا استقرّ في نيابة قلعة حلب عِوضًا عن كمشبُغا هذا تغري بردي بن يونس
(3)
.
[حجوبية الحجّاب بحلب]
207 -
وفيه أيضًا استقرّ في حجوبيّة الحجّاب بحلب أبو بكر بن صالح
(4)
الكردي نائب البيرة، وهو باقٍ على هذه الوظيفة إلى يومنا هذا.
إنسان حسن السمت والملتقى، كثير السكون والعفّة والأمانة، ولا بأس به، وقد صار من أعيان حلب الآن وأكابر الأمراء بها.
[استقرار سودون الشمسي مقدَّمًا بدمشق]
وفيه أيضًا استقرّ في جملة مقدَّمين الألوف بدمشق سودون الشمسي البرقي. وكان مسجونًا بثغر الإسكندرية، فخرج له الأمر بإطلاقه واستقدامه إلى القاهرة ليتوجّه منها إلى دمشق
(5)
.
(1)
في الأصل: "قمشبغا" بالقاف.
(2)
خبر نيابة كمشبُغا في: النجوم الزاهرة 16/ 282، ونيل الأمل 6/ 178، وبدائع الزهور 2/ 413 وفيه:"نخشباي" بدل بخشباي.
(3)
خبر نيابة قلعة حلب في المصادر السابقة.
(4)
هو أبو بكر باكير بن صالح: (نيل الأمل 6/ 178) وعنه ينقل ابن آياس في: بدائع الزهور 2/ 413.
(5)
خبر سودون الشمسي في: نيل الأمل 6/ 179.
(توسيط برسباي الدوادار بالحَوش)
(1)
وفيه، في يوم السبت، تاسعه، وسّط السلطان بَرْسْباي الخاصكي
(2)
أحد (الدواداريّة)
(3)
وأعيان مماليكه الذين ملكهم من تركة الأشرف إينال وأعتقهم، وكان أحد من تولّى قتل جانبك نائب جُدّة، ثم كان من أعظم القائمين بتلك الكائنة التي تقدّم الذِكر لها، من اتفاق جماعة على الغدر بالسلطان وقتْله غِيلة، وقبل أن يوسّطه أمر به، فضُرب بالحوش بين يديه ضربًا مبرحًا، وهو يقول في أثناء ذلك: أنت الذي أمرتني بقتل جانِبك نائب جُدّة.
فقال: كذبتَ عليّ، وقد اعترفتَ بالقتل، فاقتلوه عِوضًا عن نائب جُدّة.
ووُسّط بين يديه بالحَوش.
وكان قد وُسّط منهم آخر يسمّى قانم
(4)
من تمالأ
(5)
مع بَرسْباي هذا في تلك القضية على ما يقال
(6)
.
(إعادة ابن البقري إلى الوزارة)
(7)
وفيه، في يوم الإثنين، حادي عشره، أعيد الصاحب مجد الدين ابن البقري إلى الوزارة بعد اختفاء يونس بن جَرْبُغا الماضي خبر ولايته لها
(8)
.
[تخوّف سودون البرقي من الذهاب إلى دمشق]
وفيه، في يوم الثلاثاء، ثاني عشره، وصل سودون البرقي المتقدّم خبر تقرّره في جملة مقدّمين
(9)
الألوف بدمشق، ووصل وهو متخوّف من توجّهه لدمشق، لئلّا يجري عليه ما جرى على أزْدَمر الإبراهيمي الطويل، فإنّ السلطان كان قد أخرجه
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
انظر ترجمة برسباي الخاصكي برقم (217).
(3)
عن الهامش.
(4)
انظر ترجمة قانَم برقم (241).
(5)
في الأصل: "تمالى".
(6)
خبر التوسيط في: النجوم الزاهرة 16/ 282، ونيل الأمل 6/ 179، وبدائع الزهور 2/ 413، 414.
(7)
العنوان عن الهامش.
(8)
خبر ابن البقري في: النجوم الزاهرة 16/ 282، ونيل الأمل 6/ 179، وفيه:"جردبغا"، وبدائع الزهور 2/ 414.
(9)
الصواب: "مقدّمي".
من القاهرة على إمرة طبلخاناة بدمشق، ثم بعث في أثره بالقبض عليه، وإيداعه سجنَ قلعة دمشق. وبلغ سودون هذا، فتوهّم أن يقع له مثله، وهو وهْم باطل، على أنه ولو وقع لكان في محلّه، فإنه أُخرج من سجن إلى سجن، فماذا التخوّف الذي يأباه المقام ظاهرًا. ثم أمر سودون هذا بالتهيّؤ
(1)
والتجهّز إلى دمشق وخرج إليها بعد ذلك، وكان من أمره ما سنذكره في سنة إحدى وسبعين، والتي تليها أيضًا، إن شاء اللَّه تعالى
(2)
.
[ولاية شَرَمُرْد المؤيّدي دوادارية السلطان بدمشق]
وفيه في يوم الخميس، رابع عشره استقرّ جارمُرد، الذي يقال له شَرَمُرد
(3)
المؤيَّدي، أحد العشرات بمصر، في دوادارية السلطان بدمشق على الإمرة الطبلخاناة التي كانت أعطيت لأَزْدَمُر الطويل، وخرج إليها وجرى عليه ما تقدّم ذِكره
(4)
.
[اليهودي والمؤلّف]
وفيه، في يوم الإثنين، ثامن عشره، قدم إلى طرابُلُس الغرب شخص من القاهرة يقال له عبد الرحمن، كان أصله من اليهود من بلاد الفرنج، وقدم طرابُلُس هذه فتوطّنها مدّة، وتزوّج بها بحارة اليهود امرأة واستولدها، ثم سافر للقاهرة وتوجّه منها لزيارة القدس، فوُجد وهو يزني بمسلمة، فأسلم على كرهٍ منه، ثم عاد إلى طرابلس وأنا بها إذ ذاك، فصار يتودّد إليّ، وقمت معه في خلاص ولده من امرأته اليهودية، وحُكم بأخْذه، فأخذه متوجّهًا به إلى جهة بلاد المغرب الأقصى، بعد أن أحسنتُ إليه غاية الإحسان، ثم ظهر منه في حقّي بعد ذلك من الإساءة المؤدّية إلى الهلاك ما سأذكره في التي تليها إن شاء اللَّه تعالى.
[المناداة على الفلوس العُتق]
وفيه، في يوم الأربعاء، عشرينه، نودي على الفلوس العُتق بستة وثلاثين درهم الرطل، ونودي ببطلان المعاملة بالفلوس مفاردة وأُدخلت جميعها الميزان. وكانت الفلوس قد ضُربت جُدُدًا قبل ذلك، وتُعُومل بها بالعدد، فأبطل ذلك
(5)
.
(1)
في الأصل: "التهي".
(2)
خبر سودون البرقي مختلف في: النجوم الزاهرة 16/ 282.
(3)
يقال؛ "شرامرد" و"شرمرد" و"جرمرد".
(4)
خبر ولاية شرامرد في: النجوم الزاهرة 16/ 282، ونيل الأمل 6/ 179.
(5)
خبر الفلوس العتق في: نيل الأمل 6/ 180.
[فرار جانبك العلائي من بلاد الصعيد]
وفيه -أعني هذا اليوم- أشيع بالقاهرة بأن جانبك العلائي الأشرفي إينال المعروف بحبيب، الذي كان قد أخرج إلى الصعيد في جماعةٍ من خُشداشيه الإينالية، استحسّ بأنّ السلطان قد بعث بالأمر بالقبض عليه، فهرب فارًّا بنفسه من بلاد الصعيد، ومعه عدّة من خشداشيه الإينالية، وأشيع بأنه توجّه إلى جهة بلاد العَبيد
(1)
، وقيل إلى غيرها، ثم تحقق بأخرة بأنه توجّه لجهة بلاد المغرب. ولقد أجاد في ذلك وأرجل
(2)
.
208 -
وجانبك حبيب
(3)
هذا موجود إلى يومنا هذا، وهو الأميراخور الثاني بعصرنا الذي نحن به، فلْنترجمه على عادتنا في تراجم الأحياء.
هو في الأصل من مماليك العلاء ابن أَقْبَرْس
(4)
، على ما تقدّم ذِكر شيء من ذلك في ترجمة العلاء هذا
(5)
، وقدّمه للظاهر جقمق، ومات عنه كتابيًا، فملكه الأشرف إينال، في جملة كتابية الظاهر، ثم اختصّ به فرقّاه إلى الخاصكية، ثم صيّره خازندارًا صغيرًا، ثم من جملة الدوادارية. ومَهَرَ في دولة أستاذه وشُكر، وقُصِد لكثير من المهمّات، وخُدم من الناس، وكثُرت حماياته والدين، ودام وجيهًا في دولة أستاذه إلى أن مات، فتقرّب من ولده المؤيَّد زيادة تقرّب، لكنّه لم يؤمّره لاشتغاله بأول الدولة، وقصده ذلك مع اعتنائه به. ثم لما تسلطن الظاهر خُشقدم أخرجه مَنْفيًّا إلى الصعيد مع جملة (من أخرج)
(6)
(7)
من خُشداشيه. وكما جرت كائنة نائب جُدّة -على ما تقدّم- تخوّف جانبك هذا على نفسه، فاختفى
(1)
في الأصل: "العبد".
(2)
خبر فرار جانبك في: نيل الأمل 6/ 180، وبدائع الزهور 2/ 414.
(3)
انظر عن (جانبك حبيب) في: الضوء اللامع 3/ 59 رق 236، ووجيز الكلام 3/ 1065، 1066 رقم 2287، وبدائع الزهور 3/ 246، 247، ونيل الأمل 8/ 94 رقم 3458، والذيل التام 2/ 498، 499، وحواد الزمان 1/ 253 و 303 و 304، وتاريخ البصروي 105، والتعليق، لابن طوق 91 ب. وهو توفي سنة 893 هـ.
(4)
هو أبو الحسن علي بن محمد بن أقبرس القاهري الشافعي، توفي سنة 862 هـ. انظر عنه في: النجوم الزاهرة 16/ 190، 191، والمنهل الصافي 8/ 113، 114 رقم 167، والدليل الشافي 1/ 480 رقم 1665، والضوء اللامع 5/ 292 رقم 293، والذيل التام 2/ 128، ووجيز الكلام 2/ 715 رقم 1643، ونيل الأمل 6/ 31 رقم 2432، وبدائع الزهور 2/ 344، وشذرات الذهب 7/ 301، وعنوان الزمان 4/ 57 - 61 رقم 381، وعنوان العنوان رقم 191.
(5)
ضاعت ترجمته في ما ضاع من المخطوط.
(6)
ما بين القوسين تكرّر في آخر الصفحة وأول التي تليها.
(7)
هنا تكرار في ترقيم الصفحة (74 أ).
بالصعيد، حتى أشيع عنه فِراره إلى بلاد السودان وغير ذلك. وأخذ هو في أسباب التوجّه إلى المغرب من على طريق بَرْقَة، وهو في غاية والحذر والتخوّف على نفسه، وما عرف بنفسه حتى دخل برقة، وله في ذلك حكاية تطول.
ثم دَخل طرابُلُسَ، وكنت أنا إذ ذاك قد خرجتُ منها، ودخلها عقيب سفري بقليل، وبلغني خبر قدومه بتونس، ثم قدِمها وأكرمه صاحب تونس وأحسن إليه، حتى اتصل به وأكرمه، ورتّب له شيئًا يكفيه، وأقام بتلك البلاد إلى أن بلغه وفاة
(1)
الظاهر خُشقدم، فعاد إلى القاهرة بإذنٍ من ابن
(2)
عثمان، ثم وصل إليها في أوائل سلطنة الأشرف قايتباي، وطلع إلى القلعة بزيّ الأروام وهيئتهم، فأكرمه السلطان. وأقطعه إنْبابه في الحال بعد أن أخرجها عن الخليفة، وهي إمرة عشرة. ثم صيّر من رؤوس
(3)
النُوَب، ثم من الطَبْلخاناة عِوَضًا عن حَمْوه خير بك من حديد لما تقدّم. ثم رقّاه، إلى الأميراخورية الثانية عِوَضًا عن يشبُك جن
(4)
حين تقدّم، وباشر هذه الوظيفة مباشرة حسنة، وهي بيده عدّة سنين، وتوجّه رسولًا عن السلطان لابن عثمان. وعاد.
وهو إنسان حَسَن السَمت والملتقى، حَسَن السيرة، غزير العقل، تامّ المعرفة، فصيح العبارة، طلْق المُحيّا، بشوش الوجه، له معرفة وسياسة وكياسة، وحُسن هيئة وشكالة، ولذا قيل له حبيب. وله أدب وحشمة، وعنده سكون زائد ومحبّة لأهل العلم والفضل والفقراء، وله تقرّب للسلطان ويراكبه ويسايره غالبًا، وله عصبية. وخرج في نوبة باينْدُر، وأُسر في جملة من أُسر بعد قتْل يشبُك، وخلّص بعد ذلك، وعاد من تبريز مع من عاد من أكابر الأمراء.
وهذه نبذة من ترجمته، وستأتي تفاصيل الكثير مما ذكرناه كلٌّ في محلّه من تاريخنا هذا إن شاء اللَّه تعالى.
(1)
في الأصل: "وفات".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "روس".
(4)
جاء في الضوء اللامع 10/ 276 رقم 1086 ما يلي: "يشبك جنب (بالجيم والنونو والباء الموحّدة في آخره) الظاهري جقمق. ترقّى إلى أن صار رأس نوبة ثاني في أيام الأشرف قايتباي حتى مات في ربيع الثاني سنة سبع وتسعين، ونزل فصلّى عليه. وكان ضخمًا متهتّكًا، بحيث قيل إنه مات وهو ثمِل، سامحه الله".
ثم ذكر السخاوي بعد ذلك مباشرة: (يشبك جن. مضى قريبًا)، وهو يقصد الذي قبله، ما يعني أنه: يشبك جنب، ويشبك جن. وذكره أيضًا في وجيز الكلام 3/ 1289 رقم 2503 "يشبك جنب"، ومثله في: الذيل التام 2/ 705، وبدائع الزهور 3/ 285.
[المناداة بعودة المماليك الإينالية إلى الصعيد]
وفيه، في يوم الخميس، حادي عشرينه، نودي من قِبل السلطان بأن من جاء من بلاد الصعيد من المماليك الإينالية يعود إليها، وإن وُجد بعد هذه المناداة وما عاد، يُنَكَّل به، ولا يلوم إلّا نفسه، وإن من أحضر منهم واحدًا فله خمسُمائة دينار
(1)
.
وكان سبب هذه المناداة أنه بلغ السلطانَ أن رفقة جانبك لما هرب هو حضروا للقاهرة، فشقّ ذلك عليه، وأمر بما أمر.
(لبس السلطان الصوف على خلاف العادة)
(2)
وفيه، في يوم الإثنين، خامس عشرينه، الموافق هاتور، لبس السلطان الصوف بالقصر، وألبس الأمراء على خلاف العادة في ذلك، وكان قد قصد أن يلبسه بمطعم الطير، فأشيع وقوع فتنة، وفشا ذلك حتى نقل الكثير من الناس شيئًا كثيرًا من أمتعتهم وأثاثهم من ديارهم، ثم لم تصحّ هذه الإشاعة
(3)
.
[ربيع الأول]
[تهنئة السلطان بالشهر]
وفيها استهلّ ربيع الأول بالأحد، وهُنّيء به السلطان على العادة، ولم يقع فيه ما يؤرّخ.
[غضب السلطان من عودة الغُزاة من قبرس]
وفيه، أعني هذا الشهر، في يوم الثلاثاء ثالثه، أشيع بالقاهرة بأن الغزاة الذين توجّهوا إلى قبرس عادوا إلى سواحل البلاد الشامية وغيرها، وبلغ السلطان ذلك، فحصل عنده بذلك الباعث، وغضب غضبًا شديدًا، كونهم حضروا بغير إذنٍ منه. ثم ترادفت الأخبار في ذلك بصحة هذه الإشاعة
(4)
.
(1)
خبر المناداة في: نيل الأمل 6/ 180 وقد انفرد به المؤلّف رحمه الله.
(2)
العنوان عن الهامش.
(3)
خبر لبس السلطان في: نيل الأمل 6/ 180.
(4)
خبر غضب السلطان في: النجوم الزاهرة 16/ 282، 283، ونيل الأمل 6/ 181، وبدائع الزهور 2/ 416.
[عمل المولد النبويّ]
وفيه، في يوم الأحد ثامنه، عمل السلطان المولد النبويّ على العادة، ثم عمل من عنده مولدًا آخر لزوجته الخَونْد شُكْرْبَاي
(1)
.
[إمرة الحاج بالمحمل]
وفيه، في يوم الإثنين، سادس عشره، استقرّ في إمرة الحاجّ بالمحمل أحمد بن عبد الرحيم العَيني، سِبط الخَوَنْد شُكْرْباي، وذلك لكون الخَوَنْد المذكورة عزمت على الحج في هذه السنة، فأرادت أن تكون مع سِبطها هذا، ثم أخذت خَوَنْد في التهيّؤ
(2)
والتجهّز في الحج
(3)
.
[استقرار ابن يشبُك في إمرة الركب الأول]
وفيه استقرّ الشرف يحيى بن يشبُك الفقيه الدوادار، سِبط المؤيَّد شيخ (في إمرة الركب الأول
(4)
)
(5)
.
[ولاية الأستادّارية]
وفيه أيضًا استقرّ في الأستادّارية المجد
(6)
بن البَقَري، عِوَضًا عن زين الدين بعد اختفائه
(7)
.
[وزارة البِبائي]
وفيه أيضًا استقر في الوزارة محمد البِبَائي
(8)
الذي تقدّم خبر استقراره في نظر الدولة، بعد كونه معاملًا في اللحم زفوريًا، ولم يُخلع عليه في هذا اليوم، بل قُرّر فيها ثم خُلع عليه بعد ذلك في يوم الثلاثاء سابع عشر الشهر، فصار يقال له
(1)
خبر المولد النبوي في: النجوم الزاهرة 16/ 283، ونيل الأمل 6/ 181، وبدائع الزهور 2/ 414.
(2)
في الأصل: "في النهي".
(3)
خبر إمرة الحاج في: النجوم الزاهرة 16/ 283، ونيل الأمل 6/ 181، وبدائع الزهور 2/ 414.
(4)
ما بين القوسين عن الهامش.
(5)
خبر الركب في المصادر السابقة.
(6)
في نيل الأمل 6/ 181 "المحب".
(7)
خبر الأستادّارية في: النجوم الزاهرة 16/ 283، ونيل الأمل 6/ 181، وبدائع الزهور 2/ 414.
(8)
مات غرقًا سنة 869 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 10/ 118، 119 رقم 459 وسيأتي برقم (281).
الصاحب الوزير بعد أن كان يقال له المعلّم. وهو أول زفوريّ تولّى الوزارة فيما
نعلم. وكانت وزارته من أعظم المصائب والعار والمعايب
(1)
.
[وصول الغزاة من قبرس]
وفيه، في يوم الجمعة، سابع عشرينه، وصلت الغزاة من قبرس إلى القاهرة من عدّة سواحل، وطلع جانِبَك قُلَقْسِيز، وبُرْدُبَك، وخلع عليهما، وما أمكن السلطان غيرُ ذلك، لقُرب العهد بالفِتن وللإرجاف بها في كل قليل، فما حرّك ساكنًا، ولا أثار كامنًا، مع ما في نفسه من ذلك، ونزلا على الخيول بالسروج الذهب والكنابيش، وخلع على جميع من كان معهما من الأمراء، ونزلوا إلى دُورهم
(2)
.
[ربيع الآخر]
[شادّية عمارة المراكب]
وفيها، في يوم الإثنين، ثامن ربيع الآخر، استقر بَرْسْباي قَرا
(3)
المحمّدي الظاهري، الذي هو رأس نَوبة النُوَب في زمننا هذا
(4)
.
وقد مرّت ترجمته (
…
)
(5)
تولّى شادّية عمارة المراكب التي اهتم السلطان لعمارتها لأجل الجهاد. وكان بَرْسْباي هذا إذ ذاك أحد العشرات ورؤوس
(6)
النُوَب.
[أخبار بعزل قائد طرابلس الغرب]
وفيه، في يوم السبت، خامس عشرينه، ترادفت الأخبار لطرابلس المغرب من تونس بإنّ القائد ظافر بن جاء الخير أخا أبي
(7)
النصر قائد طرابلس، قد عُيّن
(1)
خبر وزارة الببائي في النجوم الزاهرة 16/ 283، ونيل الأمل 6/ 181، وبدائع الزهور 2/ 414 - 416.
(2)
خبر وصول الغزاة في: النجوم الزاهرة 16/ 283، ونيل الأمل 6/ 182.
(3)
مات برسباي قرا في شهر ذي الحجة بمدينة أذنة سنة 893 هـ. انظر عنه في الضوء اللامع 3/ 10 رقم 40 وستأتي ترجمته في صفحة 322.
(4)
خبر شادّية العمارة في: نيل الأمل 6/ 182.
(5)
كلمة غير ظاهرة.
(6)
في الأصل: "روس".
(7)
في الأصل: "أخو أبو".
لقيادة طرابُلُس، وأُرجف بولايته لها، وبلغ الظالم أبا النصر المذكور ذلك، فحصل عنده الباعث الشديد والتخوّف الذي ما عنه مزيد، وأذِن في الانخفاض عمّا كان عليه من (
…
)
(1)
بعض ما يزعم له من العدل، وكفّ عن كثير من أسباب الأذى عمّا كان عليه قبل ذلك. ثم لم يكن شيء
(2)
من ذلك، ولما تحقّق عدم صحّة ذلك أخذ ينكّل بمن أحسّ منه أنه سُرّ بما كان قد أشيع، وبمن أحسّ منه (
…
)
(3)
وشماتة به في ذلك، وتسلّط على بعض أعيان بطرابلس بالأذى. منهم صاحبنا سيدي محمد الخطيب، بل طلبه وقصد أذاه، فخلّصه اللَّه تعالى منه وحماه.
[مقصد صاحب تونس طرابلس الغرب]
وفيه، في هذه الأيام، ورد الخبر أيضًا إلى طرابُلُس بأن صاحب تونس السلطان عثمان المتوكل على اللَّه خرج منها قاصدًا طرابلس، فعاد وهْم قائدها الماضي ذِكره، وزاد خوفه لكثرة ظلمه وأذاه.
[نيابة طرسوس]
وفيه، في يوم الإثنين، تاسع عشرينه، استقرّ دمرداش في نيابة طرسوس بعد موت ()
(4)
ابن
(5)
جانبك]
(6)
الجِكمي
(7)
.
[جمادى الأول]
[نيابة حلب]
وفيها، في يوم الإثنين، سادس جماد الأول، استقر في نيابة حلب بُرْدُبك الفارسي
(8)
الظاهري حاجب الحجّاب، المعروف بالبَجْمَقْدار، عِوضًا عن جانبك التاجي
(9)
، بحكم صرفه عن نيابة حلب، وطلبه إلى القاهرة على إقطاع بُرْدُبك
(1)
كلمة ممسوحة.
(2)
في الأصل: "وشيئا".
(3)
كلمة ممسوحة.
(4)
بياض في الأصل.
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
إضافة للضرورة.
(7)
خبر نيابة طرسوس في: نيل الأمل 6/ 182، وبدائع الزهور 2/ 416.
(8)
مات بردبك الفارسي في سنة 875 هـ. انظر عنه في: إنباء الهصر 300 (197، 198)، وتاريخ الملك الأشرف قايتباي (بتحقيقنا) 91 والضوء اللامع 3/ 6 رقم 24، ووجيز الكلام 2/ 829 رقم 1906، والذيل التام 2/ 251، ونيل الأمل 6/ 425 رقم 2861، والمجمع المفنّن 2/ 198 - 201 رقم 928، وإعلام الورى 68 رقم 66، وبدائع الزهور 3/ 51.
(9)
مات في سنة 868 هـ. وستأتي ترجمته في صفحة 313 وأيضًا برقم 220.
المذكور
(1)
. وكان من أمر جانبك هذا ما سنذكره إن شاء اللَّه تعالى.
[حجوبية الحجّاب]
وفيه، في يوم الخميس تاسعه، استقرّ في حجوبية الحجّاب أُزبَك من طَطَخ الظاهري، عِوضًا عن بُرْدُبك البَجْمَقْدار
(2)
.
[الشروع في عمارة المراكب]
وفيه، في هذه الأيام، شرع بَرسْباي قَرا، الماضي خبر إقامته شادًّا على عمارة المراكب، في عمارة ما نُدب إليه من ذلك.
[قدوم الخيضري إلى القاهرة]
وفيه في يوم الإثنين عشرينه قدم القُطْب الخَيْضري
(3)
من دمشق إلى القاهرة
(4)
.
[قدوم قانصوه الجُلباني]
وفيه، في يوم سلْخه، حضر من دمشق قانصوه الجُلباني الحاجب
(1)
خبر نيابة حلب في: نيل الأمل 6/ 183، وبدائع الزهور 2/ 416.
(2)
خبر الحجوبية في: النجوم الزاهرة 16/ 283، ونيل الأمل 6/ 183، وبدائع الزهور 2/ 417.
(3)
خبر قدوم الخيضري في: نيل الأمل 6/ 183.
والقطب الخيضري توفي سنة 894 هـ. انظر عنه في: معجم الشيوخ (الذيل) لابن فهد 389، 390 رقم 102، والقول المستظرف (بتحقيقنا) 48، والذيل على رفع الإصر 9، والضوء اللامع 9/ 117 - 124 رقم 305، ووجيز الكلام 3/ 1099، 1100 رقم 2304، والذيل التام 2/ 530، 531، والقبس الحاوي 2/ 327 - 329 رقم 839، وتاريخ البُصَروي 133، 134، ونظم العقيان 162 رقم 170، ونيل الأمل 8/ 145 رقم 3531، وحوادث الزمان (بتحقيقنا) 1/ 315 رقم 410، وقضاة دمشق 177، ومفاكهة الخلّان 1/ 102، وبدائع الزهور 3/ 263، والدارس 1/ 7، وكشف الظنون 132 و 141 و 156 و 179 و 239 و 250 و 365 و 468 و 492 و 555 و 921 و 960 و 1001 و 1055 و 1102 و 1559 و 1650 و 1566 و 1889، وإيضاح المكنون 1/ 231 و 2/ 67، وهدية العارفين 2/ 215، وديوان الإسلام 22/ 235، 236 رقم 873، والرسالة المستطرفة 94، وتاريخ الأدب العربي 2/ 97، وذيله 2/ 116، والقاموس الإسلامي 2/ 312، والأعلام 7/ 51، ومعجم المؤلفين 11/ 237، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي (تأليفنا) ق 2 ج 4/ 154، 155 رقم 1165، والتاريخ العربي والمؤزخون 4/ 201، 202 رقم 197، ومختارات من المخطوطات العربية النادرة في مكتبات تركيا 414 رقم 775، والكتاب العربي وعلم المخطوطات 2/ 34. .
(4)
خبر الخيضري في: نيل الأمل 6/ 183.
الثاني، وعلى يده سيف تَنَم من عبد الرزاق
(1)
نائب الشام وأخبر بموته.
[جمادى الآخرة]
[التهنئة بالشهر]
وفيها استهلّ جمادى الآخرة بالخميس وهُنّيء فيه السلطان بالشهر.
[نيابة الشام]
وفيه -أعني هذا الشهر- في يوم الخميس هذا، خرج الأمر باستقرار جانبك التاجي المعزول عن نيابة حلب في نيابة الشام، وبَطَل ما كان قصده السلطان من إحضاره على تقدمة بُرْدُبك البَجْمَقْدار، بل ولعلّه ندم شيئًا، كونه حرّك إخراج بُردُبك إلى حلب من غير مندوحة ظاهرة، حتى لو علم أن هذا يجري لآخر ذلك، ليكون بعد ذلك بمندوحة. وكان إخراج بُردُبك لحلب عنده من أعظم ذنوب الظاهر هذا وإساءته إليه. ومن حينئذٍ أخذ في مباينته بزيادة، وكان من أمره ما سنذكره بعد ذلك في كائنة شاه سوار، وما أشيع عنه من العصيان، وموافقة سوار ومواطأته
(2)
.
[تقدمة الفقيه مُغُلباي طاز]
وفيه قُرّر في تقدمة بُردُبك يشبُك الفقيه الدوادار، وقُرّر في تقدمته يشبُك الفقيه مُغُلباي طاز، فجعله من المقدّمين في هذا اليوم
(3)
.
[تقدمة قايتباي المحمودي]
وفيه استقر في جملة المقدّمين أيضًا الأمير قايتباي المحمودي شادّ الشراب خاناه، بأنْ قرّر السلطان إقطاع مُغُلباي طاز، وهو طبلخاناه، باسم قايتباي هذا مضافًا لِما بيده من الطبْلخاناة، فضُمّا وصُيّرا تقدمة. ولم يل قايتباي هذا تقدمةً مستقلّة من التقادم بالقاهرة، وهذا أول تقدّم قايتباي هذا وبين تقدمته ثم ولايته السلطنة بعد ذلك أربع سنين، وهي من النوادر الغريبة
(4)
.
(1)
ستأتي ترجمته برقم (219).
(2)
خبر نيابة الشام في: نيل الأمل 6/ 184.
(3)
خبر تقدمة مغلباي في: نيل الأمل 6/ 184.
(4)
خبر تقدمة قايتباي في: النجوم الزاهرة 16/ 284، ونيل الأمل 6/ 184، وبدائع الزهور 2/ 417.
[تعيين قانباي الحَسَني مسفّرًا]
وفيه عيّن السلطان قانِباي الحَسَني المؤيَّدي
(1)
مسفّرًا لجانبك التاجى نائب الشام بحمل تقليده وتشريفه بذلك.
[شادّيّة الشراب خاناه]
وفيه أيضًا قُرّر في شادّية الشراب خاناه نانِق الظاهري
(2)
الأميراخور الثاني، عِوضًا عن قايتباي
(3)
.
وقُرّر في الأميراخورية الثانية جانِبَك من طَطَخ الظاهري عِوضًا عن نانِق
(4)
.
209 -
• وجانبك الفقيه
(5)
هذا هو الذي وُلّي بعد ذلك الأميراخورية الكبرى ثم إمرة سلاح، ثم خرج أميرًا على الحاج في سنة ثلاث وثمانين، وبعث إليه بالعَقَبَة في عَوده بتوجّهه إلى القدس بطّالًا، حتى مات بها في سنة أربع وثمانين
(6)
. وستأتي ترجمته في ذِكرنا هذه السنة من تاريخنا هذا إن شاء اللَّه تعالى.
(كائنة الجثّة)
(7)
وفيه، في يوم الأحد، رابعه، وقعت نادرة غريبة من أغرب النوادر وأعجبها بالقاهرة، ما سمعنا بمثلها قبلها قطّ، وهي أن شخصًا كان له على آخر دَين يسير، وهو مبلغ سبعمائة درهم فلوس نُقرة، عبارة عن دينارين وثلاث
(8)
في زمننا هذا، قضاه منها المديون شيئًا، وبقي خمسمائة، ومَطَله فيها، فاتفق أن مات المديون وعليه الدَّين بعد مدّة يسيرة. فجُهّز وأُخرج ليُدفن، وقبل وصولها إلى محلّ الدَّفن بلغ صاحبَ الدَّين ذلك، وأنه أُخرج، فتوجّه مسرعًا ومعه أربعة نقباء، حتى أدرك الجنازة قبل أن توضع عن أعناق الرجال، فأمسك نعشَ الميت ورجع به حتى دخل
(1)
قُتل قانباي الحسني في سنة 872 هـ. وستأتي ترجمته.
(2)
قُتل نانق الظاهري في وقعة سوار سنة 872 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 10/ 197 رقم 841، ونيل الأمل 6/ 324 رقم 2716، وبدائع الزهور 3/ 12.
(3)
خبر الشراب خاناه في: نيل الأمل 6/ 184.
(4)
نيل الأمل 6/ 184.
(5)
انظر عن (جانبك الفقيه) في: الضوء اللامع 3/ 53، 54 رقم 211، ووجيز الكلام 3/ 891 و 895 رقم 2038، والذيل التام 2/ 317، والأنس الجليل 2/ 447، ونيل الأمل 8/ 216 رقم 3089، وبدائع الزهور 3/ 148.
(6)
هكذا. والصواب: سنة 883 هـ. كما في مصادر ترجمته.
(7)
العنوان من الهامش.
(8)
في الأصل: "وثلاث".
بالميت من باب النصر، بعد أن عولج أشدّ علاج بأن يُمهل إلى أن يدخل الميت، ثم تُعمل مصلحته، ثم يُدفن بذلك، ولما رأى العامّة ذلك صاحوا: الشرع، الشرع. واجتمع جمع وافر
(1)
منهم، وأخذوا التفتيش بجثته والغريم حتى وصلوا بهما إلى المدرسة الصالحية بين القصرين، وقد زاد الناس، وتوفّر جمعهم، وكثُر السواد الأعظم من الناس لما تسامعوا بهذه الكائنة، وتزاحموا ودخلوا بالدائن المشتكي والجنازة إلى داخل المدرسة، حتى وقفوا عند القاضي جلال الدين ابن
(2)
الأمانة
(3)
، أحد نواب الحكم الماضي ذِكره، للحكم في هذه الحادثة. ولما رأى القاضي ذلك هاله الأمر، فأخذ يتلايق في ذلك بحسن سياسته، لئلّا يحصل الفساد ويقع الخَرق، فبدر أولًا بأن قام من وقته فتوضّأ، ثم صلّى على الجنازة، ثم عزّر ربَّ الدَّيْن أبلغ تعزير، وكان في ذلك خلاص مهجته، وإلّا فكانت العامّة قتلوه بأيديهم، على أنهم تناولوه بالضرب والشتم واللعن والتوبيخ، وضربوا النُقباء، ثم حُمل الميت إلى محلّ دفنه فدُفن، وعُدّ ذلك من سياسة هذا القاضي ودُربته وكياسته، وحُمد على ذلك
(4)
.
[تجهيز قائد طرابلس المال لسلطان تونس]
وفيه، في هذه الأيام، ونحن بطرابُلُسَ الغرب هيّأ
(5)
قائدُها جملة من المال مستكثَرة، فوق المائة ألف دينار، وهي الحمْل المقرَّر عليه في كل سنة، جهّزه ليُحمل إلى صاحب تونس، على يد ولده شاشي.
وكان شاشي هذا قد عزم على التوجّه لتونس بإعادة من حضر من النساء فيها، مع ابنة عمّه ظافر التي تزوّج بها شاشي هذا، وعمل لها بطرابُلُس عرسًا حافلًا عظيمًا قبل هذا التاريخ بشهور، وأقاموا مدّة، ثم أرادوا العَود
(6)
.
(1)
في الأصل: "واجتمع جمعًا وافرًا".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
هو عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز الأبياري، القاهري، الشافعي، المعروف بابن الأمانة. كان موجودًا في سنة 895 هـ. حين تنازل عن مشيخة تدريس الشافعية بالشيخونية. ترجم له السخاوي ولم يؤرّخ لوفاته. انظر عنه في: الضوء اللامع 4/ 120، 121 رقم 321، ونيل الأمل 8/ 195.
(4)
كائنة الجثة في: نيل الأمل 6/ 185، وبدائع الزهور 2/ 318 وابن أياس ينقل عن المؤلّف رحمه الله الذي تفرّد بالخبر.
(5)
في الأصل: "هياء".
(6)
الصواب: "وأقمن مدة ثم أردن العَود".
[خروج المؤلّف من طرابلس الغرب]
وتهيّأت أنا أيضًا للسفر إلى تونس عائدًا إليها مع هذه الرفقة. وبلغ أبا النصر عزمي، فاختشى
(1)
من ذِكري له بسوء عند صاحب تونس، أو ولده المسعود، فبعث إليّ يستعطف خاطري، ويعتذر إليّ، حتى حلفت لقاصده يمينًا أنني لا أذكره بسوء. ثم بعث إليّ بشيء على جهة الهدية، فلم أقبله. فتوهَّم شيئًا، ولم يزل حتى قبلت ذلك.
وفيه، في ثانيه خرج شاشي المذكور بجماعة، وخرجت أنا مع هؤلاء من جملة المتوجّهين إلى تونس.
[تعيين تجريدة للبحيرة]
وفيه، في يوم الثلاثاء، ثالث عشره، عيّن الظاهر خُشقدم تجريدة للبُحَيرة، فكتب من الجُند السلطاني أربعمائة جندي، عليهم أُزبك من طَطَخ حاجب الحجّاب، وصُحبته عدّة من الأمراء، منهم جانبك [كوهيه]
(2)
أحد الطبلخاناه، والدوادار الثاني، وكَسْبَاي الشِّشّماني
(3)
المؤيَّدي، أحد الطبْلخاناه أيضًا، المعروف بالسمين. ومن العشرات أرغون شاه الأشرفي
(4)
أستادّار الصحبة، [وقانَم نَعْجَة]
(5)
، وجانَم أمير شُكار، وتَنِبَك الأشقر
(6)
، وتَغْري بَرْدي الطيّاري
(7)
،
(1)
في الأصل: "فاختشا".
(2)
ممسوحة في الأصل. استدركناها من: النجوم الزاهرة. ومات جانبك كوهيه في سنة 887 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 3/ 60 رقم 240، ونيل الأمل 7/ 310 رقم 3200، وبدائع الزهور 3/ 192.
(3)
مات كسباي الشِشْماني سنة 870 هـ. انظر عنه في: النجوم الزاهرة 16/ 346، والضوء اللامع 6/ 228، 229 رقم 782، ووجيز الكلام 780 رقم 1798، والذيل التام 2/ 197، 198، ونيل الأمل 6/ 234 رقم 2641، وبدائع الزهور 2/ 435، 436.
(4)
كان أرغون شاه الأشرفي موجودًا سنة 875 هـ. وقد عُيّن لنيابة صفد، ثم بطل ذلك وأعيد إلى غزة. انظر: إنباء الهصر 237، ونيل الأمل 6/ 434.
(5)
ما بين الحاصرتين ممسوح في الأصل. استدركناه من النجوم الزاهرة.
وقد مات "قانم نعجة" سنة 871 هـ. وستأتي ترجمته فيها.
(6)
توفي تنبك الأشقر في سنة 884 هـ. انظر عنه في: المجمع المفنن 2/ 365، 366 رقم 1139، ونيل الأمل 7/ 246، رقم 3123، وبدائع الزهور 3/ 161.
(7)
مات تغري بردي الطياري سنة 885 هـ. انظر عنه في: إظهار العصر 3/ 130، والمجمع المفنّن 2/ 290 رقم 1057.
وقانْصوه، وقانِباي الساقي
(1)
، وأخذوا في التجهّز للخروج
(2)
.
[نزول السلطان لزيارة بعض الأمراء]
وفيه، في يوم الأحد، ثامن عشره، خرج السلطان من القلعة ونزل إلى دار بُردُبك البَجْمَقْدار
(3)
نائب حلب ودخل إليه [من باب زويلة]
(4)
ثم خرج من عنده ودخل إلى دار برقوق الظاهري
(5)
الذي بالرملة، فلم يجد برقوق بداره
(6)
.
[موت جانبك التاجي المعزول عن نيابة حلب]
وفيه، في يوم الإثنين، تاسع عشره، ورد الخبر بموت جانِبَك التاجي الذي عُزل عن حلب، ووُلّي بعد ذلك الشام على الكيفية التي تقدّم خبرها، وكان بعد بحلب، وبلغه عزْلُه عنها، ولم يبلغه ولايته للشام حتى بَغَتَه أجله، كما سنذكره في التراجم. وعُدّت هذه الحادثة من النوادر، كون هذا يُعزَل عن حلب، ثم يتولّىِ نيابةَ الشام عن قريب، ثم يموت عقيب ذلك قبل أن يبلغه، وما ذلك على اللّه بعزيز
(7)
.
[نائب طرابلس ينقل إلى نيابة دمشق]
وفيه، في يوم الثلاثاء، عشرينه، استقرّ السلطان ببَرْسْباي البُجَاسي نائب طرابُلُس في نيابة دمشق، عِوضًا عن جانِبَك التاجي، وعُدّ ذلك من النوادر، كون
(1)
مات قانصوه الساقي سنة 880 هـ. انظر عنه في: نيل الأمل 7/ 131 رقم 2984، وبدائع الزهور 3/ 107.
(2)
خبر التجريدة في: النجوم الزاهرة 16/ 284، ونيل الأمل 6/ 185، وبدائع الزهور 2/ 418.
(3)
هو بردبك الفارسي، الظاهري، المعروف بالأقرع (طاز)، وبالجمقدار. مات سنة 875 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 3/ 6 رقم 24، والذيل التام 2/ 251، ووجيز الكلام 2/ 829 رقم 1906، وإنباء الهصر 300 (197، 198)، وتاريخ الملك الأشرف قايتباي 91، ونيل الأمل 6/ 425 رقم 2861، والمجمع المفنّن 2/ 198 - 201 رقم 928، وإعلام الورى 68 رقم 66، وبدائع الزهور 3/ 51.
(4)
ما بين الحاصرتين ممسوح في الأصل. استدركناه من: نيل الأمل.
(5)
هو برقوق الناصري الظاهري، نائب الشام المعروف بالساقي. مات سنة 877 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 3/ 12 رقم 9 (باختصار شديد)، ووجيز الكلام 2/ 844 رقم 1931، والذيل التام 2/ 266، ونيل الأمل 7/ 59 رقم 2918، والمجمع المفنّن 2/ 232 - 236 رقم 967، وإعلام الورى 68 - 70 رقم 67، وحوادث الزمان 1/ 228 رقم 296، وبدائع الزهور 3/ 83.
(6)
خبر نزول السلطان في: نيل الأمل 6/ 186، وبدائع الزهور 2/ 418.
(7)
نيل الأمل 6/ 186.
نائب طرابُلُس يتولّى نيابة الشام دفعةً واحدة. وأمر السلطان قانِباي الماضي خبرُ تعيينه مسفّرًا لجانبك، مسفّرًا لبَرسْباي، يحمل تقليده وتشريفه إليه.
وكان قانباي هذا قد خرج من القاهرة متوجّهًا لجانبك، فوافاه خبر موته بقَطْيا
(1)
.
[نيابة جانبك الناصري طرابلس]
وفيه، استقرّ في نيابة طرابُلُسَ جانِبَك الناصري، المعروف بالحاجب
(2)
، نقلًا إليها من نيابة حماة، وعيّن السلطان (مسفّره)
(3)
لاجين الظاهري
(4)
الذي وُلّي فيما بعد إمرة مجلس، ومات بعد ذلك في سنة ست وثمانين على ما سيأتي ذلك إن شاء اللَّه تعالى
(5)
.
(ولاية إينال نيابة حماة)
(6)
وفيه قُرّر بلاط
(7)
دوادار الحاج إينال في نيابة حماة نقلًا إليها من صفد، وعُيّن لحمل تقليده إليه طُوخ الأبوبكري
(8)
المؤيَّدي الزَّرَدْكاش
(9)
.
(ولاية أوش قلق نيابة صفد)
(10)
210 -
وفيه استقرّ السلطان بخُشْداشيه يشبُك المؤيَّدي المعروف بأوش
(1)
خبر نائب طرابلس في: نيل الأمل 6/ 186، وإعلام الورى 63، وبدائع الزهور 2/ 418.
(2)
توفي جانبك الناصري المعروف بالحاجب في سنة 869 هـ. وسيأتي.
(3)
عن هامش المخطوط.
(4)
انظر عن (لاجين الظاهري) في: الضوء اللامع 6/ 432 رقم 803، ونيل الأمل 7/ 291، وبدائع الزهور 3/ 182، وتاريخ طرابلس 2/ 83 رقم 60.
(5)
خبر نيابة جانبك في: نيل الأمل 6/ 186، وإعلام الورى 63، وبدائع الزهور 2/ 418.
(6)
العنوان من الهامش.
(7)
هو بلاط اليشبُكي. مات سنة 878 هـ. انظر عنه في: إظهار العصر 3/ 357، ونيل الأمل 7/ 82 رقم 2939، والمجمع المفنّن 2/ 249، 250 رقم 996، وبدائع الزهور 3/ 92 ولم يترجم له السخاوي في الضوء اللامع.
(8)
توفي طوخ الأبوبكري في سنة 876 هـ. انظر عنه في: إنباء الهصر 454، 455 رقم 4، ونيل الأمل 7/ 27 رقم 2887، وبدائع الزهور 3/ 68 وهو:"طوخ أقجى الأبوبكري". ولم يترجم له السخاوي.
(9)
الزَرَدْكاش: المسؤول عن صنع الأسلحة وصيانتها.
وخبر نيابة حماة في: نيل الأمل 6/ 186، وإعلام الورى 63، وبدائع الزهور 2/ 418.
(10)
العنوان من الهامش.
قلق
(1)
في نيابة صفد، نقلًا إليها من تقدمة ألف بدمشق، وعيّن إليه لحمل تقليده خُشكَلْدي البَيسَقي
(2)
، أحد مماليك السلطان من الخدّام عنده في حال إمرته، وهو الذي وُلّي الرأس نوبته الكبرى بعد موت أستاذه، ونُكب بعد ذلك. وهو موجود إلى يومنا هذا، فلْنُترجمه.
كان أستاذه أولًا بَيْسَق اليشبُكي
(3)
نائب قلعة دمشق، وهو الذي أعتقه. وقد مرّت ترجمته، في الماضي من سِنيّ تاريخنا هذا في سنة ثلاثٍ وخمسين
(4)
، واتصل بعد موته بخدمة الظاهر خُشقدم في أيام إمرته من جملة مقدَّمين
(5)
الألوف بدمشق، واختصّ به ورقّاه إلى عدّة وظائف عنده أيام الإمرة، إلى أن تسلطن، فصيّره خاصكيًّا على إقطاع هائل، وبعثه في هذا الشُغل الذي ذكرناه، وحصل له مال، ثم جعله رأس نَوبة الجَمْدارية، ثم إمرة عشرة، ثم صيّره من جملة رؤوس
(6)
النُوَب، ثم ولّاه حسبة القاهرة بعد صرف سودون الفقيه
(7)
عنها، ثم رقّاه إلى شاذية الشراب خاناة بعد نافق لما قدّمه، ومات أستاذه وهو على ذلك.
ولما تسلطن الظاهر تمربُغا صيّره من مقدَّمين
(8)
الألوف، أو تقدّم في دولة الظاهر يُلَباي على ما أظنّ، ثم صيّر رأس نوبة النُوَب، عِوضًا عن قايتباي سلطان العصر، لما نُقل إلى الأتابكية عِوضًا عن تَمُرْبُغا لما تسلطن بعد خلع يُلباي في فتنة يشبُك الفقيه.
ولما جرت فتنة خيربك التي خُلع فيها تمربُغا، وتسلطن الأشرف قايتباي اختفى خُشْكَلدي هذا، ثم ظهر فقُبض عليه وصودر، وأُخذ منه المال الطائل، ثم نُفي إلى دمشق بطّالًا أو إلى القدس، ثم أذِن له بعد ذلك بالخروج إلى دمشق، وهو مقيم بها إلى يومنا هذا.
(1)
توفي يشبك المؤيّدي المعروف بأوش قلق سنة 872 هـ. وستأتي ترجمته ومصادرها هناك.
(2)
انظر عن (خشكلدي البيسقي) في: الضوء اللامع 3/ 177 رقم 684 ولم يؤرّخ لوفاته.
(3)
مات (بَيْسَق اليشبُكي) سنة 853 هـ. انظر عنه في: حوادث الدهور 1/ 220 و 239، و 240 رقم 25، والنجوم الزاهرة 15/ 544، والمنهل الصافي 3/ 504، 505 رقم 743، والدليل الشافي 1/ 210 رقم 741، والتبر المسبوك 278، 279، والضوء اللامع 3/ 23 رقم 115، والذيل التام 2/ 52، ونيل الأمل 5/ 292 رقم 2196، وحوادث الزمان 1/ 94 رقم 29، وبدائع الزهور 2/ 276 ولم يترجم له المؤلّف رحمه الله في المجمع المفنّن.
(4)
في الجزء الضائع من المخطوط.
(5)
الصواب: "مقدَّمي".
(6)
في الأصل: "روس".
(7)
انظر: النجوم الزاهرة 16/ 291، ونيل الأمل 6/ 227، وبدائع الزهور 2/ 434.
(8)
الصواب: "من مقدَّمي".
وكان قد تزوّج بابنة الخليفة المستنجد باللَّه وفُتح عليه بعد خروجه.
وهو إنسان غير مشكور، وستأتي تنقّلاته المذكورة هاهنا محرّرة على التفصيل فيما بعد إن شاء اللَّه تعالى.
[تقرير شَرمُرد دوادار السلطان في تقدمة يشبُك]
وفيه قرّر السلطان شرمُرد العثماني المؤيَّدي دوادار السلطان بدمشق في تقدمة يشبُك المنتقل إلى نيابة صفد
(1)
.
(كائنة أتابك جانبك الأبلق بالماغوصة)
(2)
وفيه، في يوم الجمعة، ثالث عشرينه، ورد إلى القاهرة قاصد جاكم بن جُوان
(3)
متملّك قبرس الماضي ذِكره آنفًا، لا سيما في الدولة الإينالية، وعلى يده مكاتبة من مرسله، بأنه أخذ مدينة الماغوصة وقلعتها من يد الفرنج، بعد أن أمّنهم على أنفسهم وأموالهم، وأنه سلّمها لجانبك الأبلق
(4)
باش العسكر المقيم بقبرس، وأن جانِبَك المذكور أساء السيرة في أهل الماغوصة لما تمكّن منها، ونقض الأمان والصلح الذي وقع، ومدّ يده لأخذ أولاد الأعيان من أهل الماغوصة من الصبيان الأحداث الحِسان الوجوه، وأن ذلك شقّ عليهم وما احتملوه، وقالوا له: ليس هذا من شرط الأمان، فإنكم لم تأخذوا منّا البلد والقلعة إلّا بالمصالحة والأمان على أنفسنا وأولادنا وأموالنا، وبهذا الشرط دخلنا تحت طاعتكم، وقد نقضتم وغدرتم، فنحن أيضًا نغدر وننقض، وصمّموا أولًا على ذلك، وأنهم يقومون ويقاتلوا حتى يغلبوا أو يُغْلبوا، عساه يرعوي فما ارعوى، وتلطّفوا به إلى الغاية فما التفت إليهم بوجهٍ من الوجوه، واستمرّ على ما هو عليه، فبدروا بأن بعثوا إلى جاكُم بما وقع، وعرّفوه بالخبر، فبادر جاكُم أن بعث إليه يتلطّف به في هذا الشأن ويعرّفه أن ذلك مما يؤدّي إلى تقليل ناموس السلطان في هذه البلاد، وإلى اتساع الخَرْق، وربّما كُسِرت الحُرمة السلطانية وفشَت القضية، وأكّد في نهيه عن ذلك، خوفًا من حدوث ما حدث بعد ذلك من مخالفة، وأنه لما وصل إليه القاصد بهدله، وما ارعوى حتى ضربه وأوسعه سبًّا، وعاد إلى منزلته على هذه الهيئة، فاحتمل
(1)
خبر تقرير شرمرد في: نيل الأمل 6/ 187، وإعلام الورى 63 وفيه:"شرامنت".
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
هو جاكم بن جوان بن جينوس بن جاكم الفرنجي، الكيتلاني. مات سنة 878 هـ. انظر عنه في: نيل الأمل 7/ 74 رقم 2930، وبدائع الزهور 3/ 91 ولم يترجم له السخاوي.
(4)
قُتل في السنة 868 هـ. انظر عنه في تراجم السنة المذكورة.
الألم لأجل عمل المقرّر، وأعاد إليه بثانٍ من القُصّاد، وهو يتدخّل عليه ويخوّفه من عاقبة هذا الرأي، ففعل بقاصده الثاني كفعله بالأول وزيادة، فاضطر جاكُم للركوب بنفسه من الأفقُسيّة قبل اتساع هذه القضيّة عساه يعد لو كره ذلك، وجاء إليه، فلم يلتفت له ولا عرّج عليه، بل واستطال في حقّه بالقول في جماعته وأعيان قومه ومملكته، وبهدله بالفاحش من الكلام، فأخذ جاكم يتلطّف به، وكلّمه ثانيًا، فحنق جانِبَك منه، وضربه بشيء كان في يده، فسقط جاكم مغشيًّا عليه، ولما رأى ذلك من رجال جانِبَك أخذتهم الأنَفَة، لا سيما وهم بمملكتهم وبلادهم، فمدّوا أيديهم إلى جانبك ومن معه من المسلمين، وثارت فتنة كبيرة تقاتلوا فيها بالسيوف، وكان فراغ أجل جانبك من ذلك، وقُتل شرّ قتلة، وقتل معه خمسة وعشرون نفرًا من الجُند السلطاني. هذا ما كان من جاكم في كائنة قتل جانبك الأبلق على يد قاصده.
وكان اسم القاصد يعقوب، وأخذ جاكم يعتذر إلى السلطان غاية الاعتذار، وكذلك قاصده يعقوب، وذكر أن ( ......... )
(1)
ملكها جاكُم وأنها في يده، وهو نائبٌ فيها عن السلطان حتى يرى فيها السلطان رأيه، وأنه بافي على الطاعة، ولم يكن يودّ أن يقع ما وقع. وأوسع يعقوب أيضًا الاعتذار، وما ذُكر من الاختلاف بعد هذا، أي قتْل جانبك فليس كما ذكر. والأقرب ما ذكرناه وحرّرناه، ولا التفات لِما ذكر عداه من الوجوه العديدة في ذلك.
ولما عرف السلطان بذلك وتحقّق الحال عيّن سودون المنصوري
(2)
للخروج مع يعقوب قاصد جاكُم للكشف عن جليّة هذه الكائنة حتى يبني عليها السلطان ما يدبّره بعد ذلك. وتجهّز سودون هذا وخرج، ثم جرت عليه أمور يطول الشرح في ذكرها سنذكر شيئًا منها
(3)
.
[دخول المؤلّف مدينة قابس]
وفيه، في يوم الأحد خامس عشرينه، دخلت إلى مدينة قابس بالقرب من القيروان، فرأيت مدينة عجيبة، غير أنها خربت جدًا، وليس بها إلّا القليل من الناس والعمارة، فسبحان من لا يتغيّر.
(1)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(2)
مات (سودون المنصوري) سنة 879 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 3/ 286 رقم 1086، ونيل الأمل 7/ 106 رقم 2963، وبدائع الزهور 3/ 99.
(3)
خبر كائنة جانبك الأبلق في: النجوم الزاهرة 16/ 285، 286، ونيل الأمل 6/ 187، وبدائع الزهور 2/ 418.
[دخول المؤلّف مدينة القيروان]
وفيه، في يوم الأربعاء ثامن عشرينه، دخلنا إلى مدينة القَيروان، وحللت بها للإقامة شيئًا، فأنزَلَنا الشيخ الإمام العالم، العلّامة أبو عبد اللَّه محمد بن محمد بن محمد البَلَوي الشهير بابن البكّوشَ، عالم القيروان ومفتيها وخطيبها، بدارٍ إلى جانب داره، وأنس إليّ جدًّا، وأخذت بعد ذلك في الحضور إلى مجالس دروسه، وأخذنا عنه العلم الكثير في الوقت اليسير باجتهاد وكثرة ترداد، ما بين قراءة بنفسنا عليه وسماع، واستفدنا منه نُبَذًا جيّدة في صناعة الطب، وحصّلنا الفوائد الجمّة الجليلة إلى الغاية والنهاية، وأجاز لنا.
[شهر رجب]
(إعادة المناوي للقضاء)
(1)
وفيه، في يوم السبت خامس شهر رجب أعيد الشرف المناوي إلى منصب القضاء الشافعية بالديار المصرية
(2)
، بحكم وفاة شيخ الإسلام العَلَم البُلقيني. وستأتي ترجمته في الوَفَيات رحمه اللَّه تعالى.
[دورة المحمل]
وفيه، في يوم الإثنين، عاشره، أدير المحمل على عادة دورانه في كل سنة بعد أن زُيّنت القاهرة قبل ذلك على العادة أيضًا.
[خروج تجريدة ثانية إلى البُحيرة]
وفيه، في يوم الخميس، ثالث عشره، خرجت تجريدة ثانية إلى البُحيرة، عليها طومان باي الظاهري
(3)
، وخُشْكَلْدي البَيْسَقي رِدْفًا وعونًا ومددًا لقَرْقَماس الجَلَب أمير سلاح، ومُغُلْباي طاز، وكانا قد خرجا إليها قبل ذلك.
[ولادة مولود للسلطان]
وفيه وُلد للسلطان ولد ذكَر أيضًا من بعض سراريه.
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
خبر المناوي في: النجوم الزاهرة 16/ 286، ونيل الأمل 6/ 188، وبدائع الزهور 2/ 419.
(3)
توفي طومان باي الظاهري في سنة 874 هـ. وستأتي ترجمته في وفياته.
(كائنة ابن
(1)
عطيّة وحرْقه بدمشق)
(2)
وفيه ورد الخبر بكائنة محمد بن عطيّة البرددار
(3)
بدمشق، وهي قتْله ثم حرْقه بالنار في يوم الخميس ثاني عشرين جمادى الآخرة.
وكان محمد بن عطيّة هذا برددار عند جانَم، ثم اتصل بعدها بينهم أيضًا برددارًا وظلم وعسف، وخرج في ظُلمه عن الحدّ، وكان من كبار الظَلَمَة رأسًا في تفتيق المظالم، وسنّ السُنَن السيّئة، وكان من جماعة الظلمة الذين أحرقوهم الشاميّين
(4)
قبل هذا التاريخ أيضًا. ولما مات تَنَم ادّعى عليه بدعاوى
(5)
كبيرة، بشعة شنيعة، فيها ما يقتضي الكفر. وجرت عليه خطوب يطول الحال في ذكرها، آل فيها الأمر إلى قَتْله، ثم حَرَّقته العامّة
(6)
.
(كائنة قانبك المحمودي)
(7)
وفيه، في يوم الإثنين، سابع عشره، اختفى قانِبَك المحمودي المؤيَّدي، أحد مقدَّمين
(8)
الألوف وخُشداش السلطان، وكان من خبر ذلك أنه كان وقع بين مماليك السلطان ومماليكه فتنة كبيرة بسبب إسطبل كل من الطائفتين يريد سُكناه، فتعارضا، وأدّى ذلك إلى المقاتلة، وبلغ السلطان ذلك، فبعث لقانبك بأن يبعث إليه بمن قاتل مماليكه، فامتنع قانبك من ذلك، وتكلّم بكلام خشن فيه الجفاء وقلّة الأدب على السلطان، وذلك لطيشه وعادته في تهوّره وخفّته، ولاستدلاله على السلطان، ثم فكّر بعقله في عاقبة ما صدر منه، فاختشى وتخوّف من ذلك فاختفى. ولما بلغ السلطان ذلك أمّنه على نفسه، وأمر قانم التاجر أمير مجلس بأن يفحص عن مكانه ويتوجّه إليه بنفسه، ويبلّغه أمان السلطان وعفوه عنه وعدم مؤآخذته، بل
(1)
في الأصل: "ابن".
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
البرد دار: هو أمير جان دار، من أمراء الطبلخاناة، مهمّته تنظيم دخول الأمراء على السلطان وتقديم البريد له مع الدوادار، يعمل بإمرته صنف من العساكر يُعرفون باسم: برد دارية أو جان دارية، انحصر عملهم عند مباشري الديوان. وقد انحطّت هذه الوظيفة في آخر العصر المملوكي حتى صارت من اختصاص أمراء العشرات. (حدائق الياسمين لابن كنان 130، معجم المصطلحات والألقاب التاريخية 43، 44 و 73).
(4)
الصواب: "الذين أحرقهم الشاميّون".
(5)
في الأصل: "بدعاوا".
(6)
كائنة ابن عطية في: نيل الأمل 6/ 188.
(7)
العنوان من الهامش.
(8)
الصواب: "أحد مقدَّمي".
ويعرّفه بأنه يكون مُعْفَى عن الخدم بسبب ما يعتريه من مرض المفاصل، إلى أن يحصل له الشفاء التام، وأن يحضره إلى منزله، مع تطييب خاطره، ففعل ذلك
(1)
.
[تعيين تجريدة ثالثة إلى البُحيرة]
وفيه، في يوم السبت، ثاني عشرينه، عيّن السلطان تجريدة ثالثة للبُحيرة أيضًا، نجدة ومددًا لمن توجّه قبل ذلك. وكان ورد الخبر عليه بالتقاء العسكر السلطاني بالعرب، وأنه مات جماعة من الجُند السلطاني قُتلوا من العرب. واستحثّ السلطان من عيّنه في هذا اليوم، وحرّضهم على الإسراع في التجهّز والخروج بسرعة
(2)
.
(نادرة غريبة)
(3)
وفيه ورد خبر من تونس إلى القيروان بأن شخصًا دخل إلى مدينة تونس مدّعي المعرفة بالطبّ، مع طعنه في من وُجد من أطبّاء تونس، وأنهم لا يعرفون شيئًا، وأنه سعى إليه ذوو
(4)
الأمراض والعاهات، وهو يُظهر أنه يقاسم من جاءه. فاتفق أن جاءه إنسان كالمستشفي، فقال له بعد أن نظر إليه: أنت قد بلعت ثعبانًا وهو في جوفك، ومنه حصل لك هذا الحاصل، ثم سقاه دواءً معيّنًا، موهِمًا بأنه سيخرج الثعبان من جوفه، فتقيّأ في طشْت بعنف إلى أن سقط الثعبان من جوفه في الطشت حيًّا، وشاهده كل أحد. واستفيض ذلك لكثير من الناس حتى بلغ السلطان، فأكرم ذلك الشخص، وأشيع بأنه يجعله كبير الأطبّاء بتونس، وبلغ هذا الخبر شيخنا ابن
(5)
البكّوش الماضي ذكره، فأنكر ذلك، وتعجب من السلطان في قبوله مثل ذلك، وأخذته الغَيرة، فكتب مكتوبًا لعثمان صاحب تونس يلومه على قبول عقله مثل ذلك، ويعرّفه أن هذا من الخلل في ملكه ونقص في حقه، وبيّن له أن الحيوان لا يدخل المعدة من غير شعور صاحبها، وعلى تقدير دخوله إليها لا يمكن أن يعيش فيها إذا ورد عليها من الخارج، وبيّن له ذلك. فلما وقف صاحب تونس على ذلك أحضر ذلك الشخص وقال له: قد أمّنتُك على
(1)
كائنة قانبك في: نيل الأمل 6/ 188، 189، وبدائع الزهور 2/ 419.
(2)
خبر التجريدة الثالثة في: النجوم الزاهرة 16/ 286، ونيل الأمل 6/ 189، وبدائع الزهور 2/ 419.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
في الأصل: "ذوي".
(5)
في الأصل: "بن".
نفسك، وأعلِمني بهذه القضية، وإلّا كان لك ما لا خير فيه، فأعلمه أنه إنسان فقير الحال، وقصد أن يروّج نفسه بما فعله، ووجد هذا الإنسان المستشفي، فأوهمه بأنه ابتلع ثعبانًا، وناوله دواء فتقيّأ بعنف، وأن الثعبان كان مُعدّاً معه في كمّه حيّاً، ولما تقيّأه
(1)
أخذ يُظهر بأنه يمسّ رأس المريض أو نحو ذلك، وألقى الثعبان بالطشت، ولما نزل إلى الماء أخذ في الحركة والجولان فراراً من الإهلاك، وكان ما كان، فأمر السلطان بإخراج هذا الإنسان من تونس، وعظُم شيخنا في عينه، وبعث بطلبه إلى تونس، فامتنع من ذلك.
وستأتي ترجمة الشيخ هذا في محلّها إن شاء اللَّه تعالى.
[خروج التجريدة وارتكاب حادثة شنيعة]
وفيه، في يوم الأربعاء
(2)
سادس عشرينه، خرجت التجريدة المعيّنة للبحيرة لنجدة قَرقماس أمير سلاح ومن معه، ووقع في يوم سفره هذا وخروجهم حادثة شنيعة، وهي أنهم غاروا ظلماً وعدواناً على جمال السّقّايين ورواياهم وقِرَبهم، ليحملوا لهم الماء معهم في مهمّهم هذا، وأخذوا عدّةً من الجِمال والروايا في هذا اليوم ممن وجدوه من السّقّايين. ولما تفطّن السقاوُون
(3)
لذلك تغيّبوا جملة كافية، وتعطّلت أحوالهم وأحوال الناس، ولم يوجد بمصر والقاهرة في هذا اليوم حمل من الماء، ووقع الضرر الزائد بسبب ذلك، وتكالب الناس على الماء، وازدحموا على الأسبلة لأخذ الماء، وعزّ وجوده بالقاهرة، وبعث الكثير من الناس ممن له مملوك بغلة أو حمارة مع عبده أو غلامه ليستقي له الماء بالجرار، وربّما أخذت في ( ..... )
(4)
وعطش الناس حتى أبيعت الراوية الماء فيه بأربعة أنصاف عبارة عن الخمسين درهماً ( ............ )
(5)
فضة، بل رئما أبيعت بستة أنصاف أيضًا، وحصل على الناس ما لا خير فيه، واقتصر الكثير من الناس على مياه الأبيار المالحة وشربوها، وزاد تكالبهم على الأسبلة بالمكيلات والجِرار وغيرها بقية هذا النهار. ودامت هذه الشدّة عدّة أيام حتى قال كثير من الناس: كنّا نخشى الغلاء ونعمل حسابه، وأمّا العطش فلم يكن لنا ببال
(6)
.
ولعلّ هذه الكائنة من نوادر الحوادث المتجدّدة الجارية بمصر، وللَّه الأمر.
(1)
في الأصل: "قياه".
(2)
كتب قبلها: "الجمعة" ثم ضرب عليها خطاً.
(3)
في الأصل: "السقاون".
(4)
كلمتان ممسوحتان.
(5)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(6)
خبر خروج التجريدة في: النجوم الزاهرة 16/ 286، ونيل الأمل 6/ 189، وبدائع الزهور 2/ 419.
[خروج المؤلّف إلى جبّانة القيروان وزيارة قبور الصالحين]
وفيه، في صبيحة يوم الجمعة، ثامن عشرينه، خرجتُ لجبّانة القيروان برسم زيارة من بها من الأعيان المشهورين، فرأيت جبّانة عظيمة، وزرنا جماعة من العلماء الصالحين وعدّة من الأولياء والمشايخ، وكنت أثبت أسماء الكثير منهم، وغاب ذلك عنّي الآن بذهاب ذلك التعليق، فكان من جملة من زرناه: الإمام سَحْنُون
(1)
، والشيخ أبو الحسن القابسي
(2)
، وشُقرون
(3)
، وآخرون
(4)
. ثم تجوّلت على القيروان بظاهرها، ورأيت بِركها المُعَدَّة لمياه الأمطار، وكانت عدّة ما بقي منها واحدة معمورة تمتلئ بماء المطر، ومنها يستقي أهل القيروان، والبقية خراب. وزرنا بداخل الجبّانة الشيخ ابن
(5)
أبي وزير صاحب الرسالة.
[دخول برسباي البجاسي نيابة الشام]
(قلت: أعني الإثنين موافاته بالقاهرة، وأوله بدمشق، دخل بَرْسْباي، البُجاسي نائب الشام، الماضي خبر ولايته، إليها، وكان له يومًا مشهودًا
(6)
.
[وقوع سقيفة فوق المقياس]
واتفق فيه ( .................. )
(7)
أن الناس من ( .......... )
(8)
جاء منهم (
…
)
(9)
المذكور، واجتمع منهم جماعة على سقيفة فوق المقياس فاتفق أن سقطت بهم السقيفة، وأصيب منهم جماعة ...............
(10)
من أثق به
…
(11)
).
(1)
توفي "سحنون" سنة 240 هـ. وقد تقدّم التعريف بمصادر ترجمته في مقدّمة الكتاب.
(2)
توفي "القابسي" سنة 403 هـ. وقد تقدّم ذِكر مصدر ترجمته في مقدّمة الكتاب.
(3)
هكذا في الأصل، وهو: أبو علي شُقران بن علي القيرواني. توفي سنة 186 هـ. انظر عنه في: الإكمال في رفع الإرتياب، لابن ماكولا، وفهرسة ما رواه عن شيوخه، لابن خير الإشبيلي 265، ومعالم الإيمان في معرفة أهل القيروان، للدبّاغ 1/ 279 - 287 رقم 78، ورياض النفوس في طبقات علماء القيروان وإفريقية، للمالكي 1/ 222، وطبقات علماء إفريقية، لأبي العرب التميمي 61، والكامل في التاريخ، لابن الأثير (بتحقيقنا) 5/ 347، وتاريخ الإسلاح (بتحقيقنا) وفيات 186 هـ.- ص 186 رقم 155، ووفيات الأعيان 1/ 316، وموسوعة أعلام العلماء والأدباء العرب والمسلمين 15/ 32 - 34.
(4)
في الأصل: "وآخرين".
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
الصواب: "يوم مشهود".
(7)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(8)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(9)
مقدار كلمة واحدة.
(10)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(11)
كلمة ممسوحة. والمرجّح أن العبارة الأخيرة هي: "أخبرني من أثق به بذلك".
وما بين القوسين، من قوله:"قلت" إلى هنا عن هامش المخطوطة.
[شهر شعبان]
[التهنئة بالشهر]
وفيها استهلّ شعبان بالأحد، وهُنّيء به السلطان.
[لبْس السلطان البياض]
وفيه، في يوم الجمعة، سادسه، ووافق ثاني عشر برمودة من شهور القبط، لبس السلطان البياض على العادة، لكنّه سبّق بها، فإنها جرت في بشنس الذي بعد برمودة
(1)
.
[تفرقة الكِسوة على الجند]
وفيه، في يوم الثلاثاء، سابع عشره، فُرّقت الكِسوة السلطانية على الجند وحضرها السلطان فقطع في هذا اليوم كِسوة جماعة من ضعفاء الجند وأولاد الناس وغيرهم من المتعمّمين وغيرهم، وعُدّ ذلك من سيّئات الظاهر هذا
(2)
.
[المطر الغزير]
وفيه، في يوم الجمعة، عشرينه، ووافق ثاني بشنس من شهور القبط، أمطرت السماء مطرًا غزيرًا بحيث سألت منه الوديان والأزِقّة والشوارع، ودلفت البيوت، وكان الرعد والسحاب المطبق المتراكم في ذلك اليوم كله. ثم أمطرت في ليلة السبت. ثم عاود ذلك أيامًا وذلك خلاف عادة مصر
(3)
.
(كائنة غريبة اتفقت بالقيروان)
(4)
وفيه، في أواخره، اتفق بمدينة القيروان غريبةٌ من النوادر، وهي أن شخصًا له أخ تزوّجٍ وهيّأ أسباب البناء بزوجته، فقال لأخيه على جهة المباسطة: إنه لو وجد شيئًا مما يقوّي الباه ويُعين على الجماع في هذه الليلة لحصل له بذلك السرور. واتفق أن أخاه كان قد نظر في بعض المجاميع قبل ذلك خفية لمعجونٍ بهذا المعنى، فبادر بأن فزع إلى ذلك المجموع وراجعه، فرأى في أجزاء ذلك
(1)
كتب إلى جانبها على الهامش: "وكان تمامه بذلك ثلاثين".
(2)
خبر تفرقة الكسوة في: نيل الأمل 6/ 189، 190، وبدائع الزهور 2/ 419.
(3)
خبر المطر في: نيل الأمل 6/ 190، وبدائع الزهور 2/ 419، 420.
(4)
العنوان من الهامش.
الدواء، ومنها أفيون، وزن قيراط أو نحو ذلك. فبدر بأن جمع تلك الأدوية من غير أن يُعلِم أخاه بذلك، إلّا في وقت الحاجة، بعد أن يهيّئه له، ورأى برأيه أنّ القيراط من الأفيون قليل، فجعل منه زيادة على الدرهم، ولم يدر بحال الأفيون وما فيه من السُّمِّيّة، وحدّثَتْه نفسُه أن هذا المقدار يسير يفعل التقوية، فما بال الكثير! فهيّأ منه معجونًا لأخيه، ثم أحضره إليه وقال له وقت فراغه من الزفاف: كُل من هذا قبل الجِماع، فإنه مُتمنّاك الذي تمنّيته، وقد عملتُه لك وهو جيّد. فلما خلا
(1)
الزوج بالزوج بادر إلى استعمال المعجون، فحين حصل في جوفه حصل عنه الأذى البالغ في حقّه، وتغيّرت أحوال هذا المسكين، وآل به الأمر أن مات في القليل من الزمن، ولم يُسمع منه إلّا قوله: أخي أطعمني معجون
(2)
قُتل به. وبلغ الأخ ذلك وخبر موته، فاختفى، فاستفتى جماعة في هذه المسألة
(3)
، فأفتوا بأنه يُقتل به، إلّا شيخنا أبو عبد اللَّه محمد بن البكّوش، فإنه أفتى بالتفصيل، بأنه إن قال الميت: ناوِلني أخي السمّ فقُتل به، أو معجونًا مسمومًا، أو نحو ذلك، فما يدلّ بأن المتناوَل مما يقتل، وإن كان لم يقل ذلك، بل قال: معجونًا فقط، فلا يُقبل به. ورجع جميع من أفتى إلى شيخنا. ثم آل الأمر أنْ ظهر الأخ وما لزِمه شيء، وفرط الفارط في الميت وذهبت روحه، ولله الأمر.
[شهر رمضان]
(كائنة أخْذ قلعة كركر)
(4)
وفيها استهلّ شهر رمضان بالإثنين، وطلع القضاة ومن له عادة بتهنئة السلطان للقلعة فهنّأوه
(5)
بالشهر.
وبينا هو في أثناء ذلك إذ ورد عليه الخبر بأن الأكراد بكركر احتالوا على نائب القلعة بها، وهو جَكَم، فقتلوه غدرًا غِيلةً، وملكوا القلعة، فحصل عند السلطان ما لا خير فيه بهذا الخبر، وتأثّر منه. ثم كان ما سنذكره من أمر كركر
(6)
.
[طلوع والد المؤلّف إلى السلطان]
وفيه، في يوم الثلاثاء، ثانيه، طلع الوالد إلى السلطان على عادته في ذلك،
(1)
في الأصل: "خلى".
(2)
الصواب: "معجونًا".
(3)
في الأصل: "المسلة".
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
في الأصل: "فهنوه".
(6)
خبر قلعة كركر في: نيل الأمل 6/ 190، وبدائع الزهور 2/ 286.
فوجده في غاية ما يكون من النكد والتشويش والهمّ، بسبب أخْذ قلعة كركر، فكان من كلامه للوالد: ما تقول في هذه الحادثة العظيمة والوهن والنقص في المملكة، هل وقع مثل ذلك في الأيام الماضية، كون كركر تكون بيد الاكراد الخارجين عن الطاعة، وهي بالقرب من حلب، وتكلّم بكلمات كثيرة، وهو في غاية الانزعاج من هذه الكائنة فأخذ الوالد يهوّن عليه هذه الكائنة ويخفض
(1)
ما به، فكان من جملة ما قاله: أن السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، مع جلالة قدره وعِظَم ملكه وسلطنته، كان جارًا للبيت المقدس وبالقرب منه، لقربه من الديار المصرية، وهو بيد أعداء اللَّه تعالى الفرنج، وقد ملكوه من المسلمين، ثم قام السلطان ولا زال به حتى رجع إلى الإسلام، وكان المحرّك له الأبيات المشهورة التي بعث بها الخطيب الذي كان بالبيت المقدس قبل أخذ الكفّار له، وهي هذه:
يا أيّها الملك الذي
…
لمعالم الصُلبان نكَّسْ
جاءت إليك ظلامة
…
تسعى من البيت المقدّسْ
كلّ المساجد طُهّرتْ
…
وأنا على شَرَفي مدنَّسْ
(2)
ثم ذكر له قضيّة عكا وقربها من الشام، وكانت بيد الفرنج فضلًا عن الأكراد، وكيف ثار الأشرف خليل بن قلاون وأخذها، فعادت للإسلام، إلى غير ذلك من قضايا نحو هذه مما يهوّن عليه الأمر، فأعجبه ذلك بعد أن قال له وفي همّه السلطان وسعده ( ...... )
(3)
على مراده، وستعود هذه إن شاء اللَّه تعالى.
[استخلاص كركر من الأكراد]
ثم بعد مدّة قليلة ورد الخبر بأن حسن بن قرايُلك استخلصها ممن أخذها، وأعقب ذلك قاصد حسن المذكور، وعلى يده مفاتيح القلعة ( .........
…
)
(4)
من حسن بإعلام السلطان، بأنه استخلصها لتعود إلى مملكة السلطان ( ............ )
(5)
بأن الخدمة له، وأنه قائم بما يتعلّق بأمور هذه المملكة، فأظهر الظاهر الفرح بذلك والسرور
(6)
.
(1)
هكذا. والصواب: "ويخفّف".
(2)
الأبيات في: الأنس الجليل 1/ 461 وفيه: "منجَّس" بدل "مدنَّس"، وهو ينقلهما عن: زبدة كشف الممالك لوالد المؤلّف رحمه الله ص 20.
(3)
كلمتان ممسوحتان.
(4)
كلمتان ممسوحتان.
(5)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(6)
خبر استخلاص كركر في: نيل الأمل 6/ 190، ووجيز الكلام 2/ 759.
واتفق أنْ طلع الوالد في يوم ورود هذا الخبر، ثم ذكر له ما ذكرناه. وقد نقلت هذا من بعض تعاليق الوالد، رحمه الله.
[تعيين ابن الشِحنة قضاء الحنفية بمصر]
وفيه، في هذا اليوم أو الذي (
…
)
(1)
الإثنين مستَهَلّ هذا الشهر، وهو الغالب على ظنّي، فإنّي ما اشتغلت بتحريره إلى الآن، استقرّ لسان الدين بن أثير الدين بن قاضي القضاة محب الدين بن الشِحنة في القضاء الحنفية (
…
…
)
(2)
عن ولايته بحكم رغبته له فيه عن رضًى وطيب نفْس. وكانت ولايته بسفارة جدّه المذكور
(3)
.
[عودة العسكر المجرَّد إلى البحيرة]
وفيه، في يوم الأحد، سابعه، وصل العسكر المجرّد إلى البُحيرة، وخلع السلطان على مقدَّمين
(4)
الألوف منهم خاصة في يوم الإثنين.
[مسايرة ابن العَيني]
وفيه، في يوم الجمعة سابع عشره، نودي بمدينة القاهرة لأجل مسايرة الشهاب أحمد بن العَيني، وقد احتفل لها.
وفيه في ليلة الأحد، حادي عشرينه، كانت المسايرة المذكورة وكانت هائلة من نوادر المسايرات وأعجبها
(5)
.
[وصول قاصد السلطان العثماني إلى القاهرة]
وفيه، في يوم الأحد، ثامن عشرينه، وصل إلى القاهرة قاصد السلطان محمد بن عثمان ملك الروم. ولما طلع إلى السلطان لم يقبّل الأرض كجاري عادة القصّاد، فحنق منه السلطان ولم يخلع عليه، وكان قد أحضر هدية، ففرّقها السلطان، أو غالبها، بحضور القاصد على من حضر من الأمراء وغيرهم، وقُرئ كتابه الذي على يده من عند مرسله، فوجد به ألقابًا لم تجر العادة بكتابتها لصاحب
(1)
كلمة ممسوحة.
(2)
كلمتان ممسوحتان.
(3)
خبر تعيين ابن الشِحنة في: نيل الأمل 6/ 190، وبدائع الزهور 2/ 420.
(4)
الصواب: "على مقدَّمي".
(5)
خبر ابن العيني في: نيل الأمل 6/ 190، وبدائع الزهور 2/ 420.
مصر، فزاد حنق السلطان من ذلك، ووقع بسبب ذلك القال والقيل الكثير، وكان هذا أول أسباب تغيّر خاطر كلِّ من السلطانين من صاحبه، واستصحب ذلك إلى يومنا هذا على ما ستعرف ذلك فيما يأتي من سِنيّ تاريخنا هذا
(1)
.
[شهر شوّال]
[استهلال شوّال وعيد الفِطر]
وفيها استهلّ شوّال بالقاهرة بالأربعاء، فكان في ليلة هذا اليوم الذي هو عيد الفِطر ليلة عيد بيكاييل
(2)
، فاتفق عيد المسلمين والقبط في هذا اليوم، وكان ذلك من نوادر الغرائب التي يقال: إن من مائة سنة ما وقع مثلها ولا نظيرها إلّا في هذا اليوم
(3)
.
[عيد الفطر بالقاهرة]
(وفيه، أعني يوم عيد الفطر بالقاهرة طلع قاصد ابن
(4)
عثمان إلى القلعة حين قدومه ذلك القاهرة بقصد العيد مع السلطان، وأدخله السلطان بعد الصلاة إلى القصر، فجلس على سرير المُلك، فقبّل له القاصد الأرض بين يديه، وكان قد اعتذر بأنه لا يعرف هذه العادة. ثم خلع السلطان في هذا اليوم على من له عادة في كل سنة. وخلع على القاصد من جملتهم. وهال القاصد ما رآه من كثرة الخِلَع في هذا اليوم، وكانت نحو الثمانمائة خلعة، لعلّ لم يقع مثل ذلك في مثل هذا اليوم في قطر من الأقطار ولا في مُلك غير صاحب مصر)
(5)
.
[عيد الفِطر بالقيروان]
وفيه، في يوم الجمعة ثالثه، بالقاهرة، كان يوم عيد الفِطر بالقيروان، فكان التفاوت ليلتان، ولا بِدْع في ذلك، فإن مسافة ما بين القاهرة والقيروان مقدار مسيرة مائة ليلة، فيختلفَ الطالع اختلافًا فاحشًا، أو لعلّ الاختلاف في ليلة والأخرى تعارض آخر في الشهور الماضية. وحضرنا في هذا اليوم صلاة العيد بالقيروان بجامع عُقْبة بن عامر، وهو الجامع الأعظم بها، وهو من بديع الجوامع وأحسنها.
(1)
خبر وصول القاصد في: نيل الأمل 6/ 191، وبدائع الزهور 2/ 420.
(2)
هكذا في الأصل. وهو "ميكائيل" في نيل الأمل.
(3)
خبر استهلال شوّال في: نيل الأمل 6/ 191، وبدائع الزهور 2/ 420.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
ما بين القوسين كتب على هامش المخطوط.
ثم حضرنا صلاة الجمعة بها، ولَهَجَ بعضُ أهل القيروان والكثير من العوامّ بزوال عثمان صاحب تونس. ولم يكن إلّا خيرًا، وهو موجود من بعد ذلك التاريخ إلى يومنا هذا على ملكه وسلطنته.
[ولاية بُرْدُبك هجين أميرجان دار]
وفيه، في يوم الإثنين سادسه، بالقاهرة استقرّ بُردُبك هجين أحد مقدَّمين
(1)
الألوف أميرجان دار، وهي وظيفة قديمة كانت من أجلّ الوظائف فيما مضى من الأزمنة، ثم تلاشى أمرها وتلاشت إلى أن صارت بيد بعض الخاصكيّة من الأجْناد، بل صارت لا وجود لاسمها ولا شُهرة ولا ذِكر على تقدير الوجود. فلما مات قردم
(2)
الماضي ذِكره في أواخر الماضية على غالب ظنّي، أو في هذه، فإنني ما اشتغلت بتحرير ذلك، لا سيما وقد كنت غائبًا عن هذه المملكة. فأراد السلطان أن يُحيي هذه الوظيفة فقرّر بها بُردُبك هذا، ونوّه بها لولايتها له، ومع ذلك فلم تشتهر ولا ذُكرت، بل ولا مرّت بعد ذلك. ولعلّ ذلك كان أن السلاطين كانوا في الزمن الأول كثيري
(3)
الأستار الموجِب لظهور الجان دار، فإن معناه:"ماسك الروح" كأنه موكَّل بحفظ السلطان في لياليه لخيانةٍ في أستاذه، ولما لم يوجد ذلك في هذه الأزمنة كان ذلك سببًا بجمود ذكر هذه الوظيفة، وبه أجزم فلا يُشك في ذلك
(4)
.
[الخلعة على قاصد ابن عثمان]
(وفيه، في يوم الخميس، تاسعه، خلع السلطان على قاصد ابن
(5)
عثمان خلعة السفر، وخلع على جماعة أُخَر من رفقته (
…
)
(6)
عنهم، (
…
)
(7)
بالسفر، وكان قد عيّن قبل ذلك سودون القصروي للتوجّه صحبة القاصد الأول عن السلطان ابن عثمان، ثم أبطل ذلك، بل بعث ما كان هيّأه من الهدية إلى ابن
(8)
عثمان على يد قاصده فامتنع القاصد من حمل ذلك وقال: لم تجر العادة بذلك، وتوجّه إلى جهة مرسله)
(9)
.
(1)
الصواب: "أحد مقدَّمي".
(2)
تقدّم برقم (196) وسيأتي أيضًا برقم (242).
(3)
في الأصل: "كثيرو".
(4)
خبر ولاية بردبك هجين في: النجوم الزاهرة 16/ 287، ونيل الأمل 6/ 191، وبدائع الزهور 2/ 420.
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
كلمة واحدة ممسوحة.
(7)
كلمة واحدة ممسوحة.
(8)
في الأصل: "بن".
(9)
ما بين القوسين كتب على هامش المخطوط. والخبر في: وجيز الكلام 2/ 759، ونيل الأمل 6/ 192، وبدائع الزهور 2/ 420.
[خروج الحاج من القاهرة]
وفيه، في يوم السبت سابع عشره، خرج الحاجّ من القاهرة، وأميرهم على المحمل الشهاب أحمد بن العَيْني، حفيد الخَوَند شُكرْباي، وقد خرجت متوجّهة للحج معه، وأمير الأول يحيى بن يشبُك الفقيه.
وفيه خرج يشبُك الفقيه الدوادار الكبير للحج أيضًا، لكنه لم يخرج مع ولده في يوم خروجه. وحجّ من الأعيان أيضًا قاضي القضاة المحبّ بن الشِحنة، ومعه ولده أثير الدين وخرجا ليحجّا حجّة الإسلام، فإنهما لم يحجا قبل ذلك
(1)
.
وكان الظاهر خُشقَدم دائمًا ينكّت على المحبّ بن الشِحنة في ذلك، وكثيرًا ما يذكر له ولغيره كونه لم يحجّ حتى قال السلطان يومًا للوالد: ما تقول في رجلٍ قاضٍ للشرع قادر واسع القدرة والغنى ولم يحجّ؟
قال الوالد: فعرفت مقصده بالتعريض، فأفكرت في جواب مُسكِت أراعي فيه جهة السلطان لئلا أكون كالرّادّ عليه مقصدَه، وأراعي فيه جهة المحبّ أيضًا، فقلت: يا مولانا السلطان، قد قيل في كتب الفقه إن الحج سقط فرْضُه عن الناس من غير زيادة على المائتي سنة، فما بال زمننا هذا لأمور منها: كون الطريق غير آمن. ثم بعثت بإحضار القول بذلك، فأحضر في المجلس ووقف عليه السلطان، فلم يعد إلى التنكيت بها. وبلغ ذلك القول عن الوالد، فأعجبه جوابُه حتى شكره على ذلك بعد ذلك. ثم أخذ للتجهيز في هذه السنة حتى خرج.
[خروج المؤلّف من القيروان إلى تونس]
وفيه، في يوم العشرين منه، خرجت من القيروان متوجّهًا إلى تونس، فوصلناها في يوم الثالث والعشرين آخر النهار، فلم نُقم بها إلّا بعض أيام قلائل، ثم خرجنا في أواخر شوال هذا صُحبةَ الركْب المتوجّه إلى المغرب تلمسان وتلك الديار، صُحبة شيخ الركب محمد بن إبراهيم الفيلالي العبد الصالح، ودخلنا باجَة، وكان العذاب في أثناء سفرنا، ورأينا أشياء يطول شرحها، وكان لنا ما سنذكره بعد ذلك.
[القبض على الزين ابن كاتب حلوان]
وفيه في يوم الخميس ثالث عشرينه قبض السلطان على الزين ابن
(2)
كاتب
(1)
خبر خروج الحاج في: وجيز الكلام 2/ 759، ونيل الأمل 6/ 192، وبدائع الزهور 2/ 421.
(2)
في الأصل: "بن".
حُلوان الأستادّار، وكان بالبحرة، وكان المجد بن البقري أيضًا موكّلًا به بها
(1)
قبل ذلك، فاجتمعا بها معًا وآل أمرهما أن وُلّي المجد الأستادّارية والزين كشف البُحَيرة
(2)
.
[شهر ذي القعدة]
[الكشف على البُحيرة]
وفيها في يوم الإثنين رابع ذي القعدة، سافر الزين الأستادّار إلى جهة البُحيرة على كشفها
(3)
.
[نيابة البيرة وقلعة صفد]
وفيه، في هذه الأيام من أوائله، استقرّ في نيابة البيرة قانباي البكتمُري
(4)
نائب قلعة صفد، عِوضًا عن كمشْبُغا السيفي بَخْش باي
(5)
، بحكم وفاته.
واستقرّ في نيابة قلعة صفد جانبك السيفي تغري بَرْمَش
(6)
الخاصكي، وكان قد عيّنه السلطان قبل ذلك للخروج إلى دمشق لضبط موجود تَنَم نائب الشام
(7)
.
[دخول المؤلّف قسنطينة]
وفيه، في سابع عشره، دخلتُ لمدينة قسَنْطينة، فرأيت مدينة عجيبة الموضوع، حسنة المجموع، على جبلٍ عالٍ، وتحتها وادٍ عظيم، كثير الخصب والأجنّة والبساتين، ذات الأشجار ذوي الثمار المتنوّعة، فيها النِعَم والخيرات والرخاء الغالب، وأعجبتني إلى الغاية، ورأيت أبنيتها وهي جيّدة (
…
)
(8)
وأقمنا بها ثلاثة أيام، ثم سرنا في رابعها إلى جهة تلمسان.
(1)
هكذا في الأصل.
(2)
خبر القبض على الزين في: نيل الأمل 6/ 192، وبدائع الزهور 2/ 421.
(3)
خبر الكشف على البحيرة في المصدرين السابقين.
(4)
هو: قانباي طاز البكتمري. يأتي في وفيات السنة التالية 869 هـ.
(5)
ستأتي ترجمة "كمشبُغا السيفي بخش باي" في وفيات هذا العام 868 هـ.
(6)
مات جانبك السيفي تغري برمش في سنة 873 هـ. وستأتي ترجمته هناك.
(7)
خبر البيرة وصفد في: نيل الأمل 6/ 192 و 193، وبدائع الزهور 2/ 421، ومملكة صفد في عهد المماليك 36 رقم 18.
(8)
كلمة ممسوحة.
[وفاء النيل وكسر الخليج]
وفيه في يوم الخميس تاسع عشرينه، ووافق العاشر من مِسرَى حصل الوفاء للنيل المبارك، وتهيّأ السلطان للنزول لكسر الخليج بنفسه، وبات على ذلك، ثم أصبح في يوم ( .................. )
(1)
بل بأبّهة السلطنة فتوجّه إلى مصر وعبر إلى الروضة ( ......... )
(2)
على عادة من تقدّم من الملوك في ذلك، وخُلّق المقياس بحضرته، ثم عاد ( ..................... )
(3)
وركب وعاد إلى القلعة من حيث جاء، وبين يديه أربعة ( ......... )
(4)
فدخلوا على الخيول المسرَجة بالسروج الذهب والكنابيش الزركش التي ( ......... )
(5)
من الإسطبلات السلطانية والأربعة هم الأتابك جَرِباش المحمدي كرد، وقَرقماس ( ..................... )
(6)
التاجي أمير مجلس، وتمُربُغا رأس نَوبة النُوَب، وعليهم الخلع. وأمّا [خدم]
(7)
المقدّمين كانوا بين يديه بالخِلَعٍ لا غير، من غير أن يحملوا على الخيول السلطانية، وكان ( ...... )
(8)
حافلًا عجب فيه الناس من نزول السلطان لبُعد عهدهم من ذلك، فإنه كان في سنة ثلاثٍ وثلاثين في دولة الأشرف برسباي، ثم انقطع ذلك إلى هذا الزمان، فأعاده هذا السلطان في هذا اليوم في هذه السنة، وبين الفعلين زيادة على الأربع وثلاثين سنة
(9)
.
[شهر ذي الحجّة]
[دخول المؤلّف مدينة بجّاية]
وفيه ( ...... )
(10)
دخلنا مدينة بجايّا
(11)
، وبادرتُ بالاجتماع بشيخنا الإمام العالمٍ، العلّامة الشهير، الخطير، الكبير، سيدي عبد الرحمن الثعلبي، وسمعنا شيئًا من فوائده، وسألته بعض أسئلة كانت تُشْكل علي فأجابها على أحسن وجه وأتمّه، ورأيت تفسيره، وقرأت عليه من أوله بعض سطور، وأجازني رحمه اللَّه تعالى. ثم دخلنا من الجزائر فاجتزنا بطريقنا إلى تِلِمسان بمدينة
(1)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(2)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(3)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(4)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(5)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(6)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(7)
إضافة على الأصل.
(8)
كلمتان ممسوحتان.
(9)
خبر وفاء النيل في: النجوم الزاهرة 16/ 287، ونيل الأمل 6/ 184، وبدائع الزهور 2/ 422.
(10)
كلمتان ممسوحتان.
(11)
هكذا في الأصل.
مازونا، وقلعة هوّارة، والبنجا
(1)
، ودخلنا تِلِمسان في أواخره.
[عيد النحر بتلمسان]
وفيه، في يوم الأحد عاشره كان عيد النحر بتِلِمسان، فخرجنا للمصلَّى بظاهرها، وحضر محمد بن أبي ثابت صاحب تِلِمسان صلاة العيد في هذا اليوم، بعد أن خرج في موكب حافل، حين تعالى النهار جدًّا، ثمِ صلّى ونحر أُضحيته كَبْشًا أملحًا في المصلّىً بعد فراغه من الصلاة، وشُهر هذا الكبْش محمولًا على بغْل مع رجل مُعَدّ لذلك، فشقّ به المدينة لأجل أن يُتَيقّن بتضحية الإمام على قاعدة مذهب الإمام مالك رضي الله عنه، وكان هذا الرجل لما سار بهذه الذبيحة الأضحية مُجدًّا ببغله في سيره مُحِثًّا في ذلك، ولم أكن أعرف ذلك قبل هذا التاريخ، فسألت بعَض أصحابي عن ذلك، فأجابني بأن ذلك من عادة ملوك هذه البلاد، وأصل ذلك ما لحظته أنا من إعلام الناس بأن الإمام ذبح، ثم عاد محمد بن أبي ثابت المذكور إلى المدينة في موكبه الحافل. وسمعت امرأة فى غضون اجتيازه على الناس من العجائز تدعو له بدعوات، من ذلك أن يسخّر الله تعالى له سليمان بن موسى، فعجبت من ذلك. وكان سليمان هذا من كبار أمراء عرب تلك البلاد، وهو أمير عرب هلال أعظم من أمير آل فضل في هذه البلاد، ومن كان سليمان هذا معه من ملوك تِلِمسان راج أمره، ومن كان عليه، كان في إدبار وتخوّف.
[ولادة مولودة للمؤلّف]
وفيه، في طلوع فجر يوم الأربعاء، ثامن عشره، وُلدت لي ابنة بتلمسان من أمّ ولدي شُكْرباي أم الفتح، وسمّيتها عائشة أيضًا، واغتبطت بها بحيث كنت أتولّى أكثر أمورها في التربية بيدي. ودامت معي إلى أن دخلتُ بها القاهرة في عَودي من بلاد المغرب، ونشأتْ كيّسة فطِنة على صِغر سِنّها، وأقرأتُها شيئًا من القرآن، وتعلّمتْ الكتابة، فلما دخل الطاعون سنة ثلاثٍ وسبعين الآتي، ماتت مطعونةً في ليلة نصف شهر رمضان، ولم تُكمِل الخمس سنين، وكثُر أسفي عليها، عوّضني اللَّه خيرًا منها.
(كائنة يَرَشْ وتغريقه مع أنفار)
(2)
وفيه، في ليلة الخميس، عشرينه، غرّق السلطان يَرَشْ السيفي
(3)
جَانبك
(1)
في الأصل مضبَّبة: "الببلجا" أو "البطحاء"؟.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
ستأتي ترجمة يَرَش السيفي في وَفَيات هذا العام.
نائب جدّة ومعه أربعة أنفار من أعيان الخاصكية بسبب ما قدّمنا من الخبر في كائنة هجومهم على السلطان، وكان يَرَشْ أكبر القائمين بتلك الفتنة، ثم قيل عنه إنه اتفق على هجومه على السلطان بقاعة الدُهَيشة هو وآخرون
(1)
لاغتياله بها وقتْله، فأبلغ بذلك السلطان، فقبض على يَرَشْ هذا وأمر بضربه وعصْره بالكسّارات حتى كاد أن يهلك، ثم قرّره فأقرّ على جماعة، وأنه كان اتفاقه معهم، بل وواجههم بذلك. ثم لما علم أنه لا يبقى كلّم السلطان بكلمات مُنكية، منها أنه هو الذي أمر بقتل جانبك، إلى غير ذلك. ثم آل أمره بعد ذلك إلى تغريقه مع من أقرّ عليهم في هذه الليلة. ثم أشيع بعد ذلك بأن الناصري محمد ابن
(2)
الأتابك جرباش أدخل في هذه الكائنة، وأنه ممن مالًا
(3)
يَرَشْ وغيره على ذلك، وكان من أمره وأمر والده ما سنذكره
(4)
.
(محنة ابن
(5)
البَقَري)
(6)
وفيه، في يوم الثلاثاء، خامس عشرينه، قبض السلطان على المجد بن البَقَري الأستادّار وضربه ضربًا مبرحًا وحبسه بالقلعة على أن يقوم بتكفية جامكيّته السنة. ثم وقع له أمور لعلّ نذكر شيئًا منها إن شاء
(7)
اللَّه تعالى
(8)
.
[زيادة النيل]
وفيه، في يوم الأربعاء، سادس عشرينه، ووافق أول توت من شهور القبط، كانت زيادة النيل فيه ثلاثة أصابع من الذراع والعشرين، فكانت هذه من نوادر الزيادات، ولعلّ ما وقعت في القريب من هذه الأزمنة
(9)
.
[تولية الأستادّارية]
وفيه، في هذه الأيام، طُلب زين الدين الأستادّار من البُحيرة ليولَّى الأستادّارية.
(1)
في الأصل: "واخرين".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "مالي".
(4)
كائنة يَرَش في: نيل الأمل 6/ 195، وبدائع الزهور 2/ 422، 423.
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
ما بين القوسين عن الهامش.
(7)
في الأصل: "أنشا".
(8)
خبر محنة ابن البقري في: نيل الأمل 6/ 196، وبدائع الزهور 2/ 424.
(9)
خبر زيادة النيل في: نيل الأمل 6/ 196، وبدائع الزهور 2/ 424.
[إختباء اثنين من السرّاق يسكن المؤلّف]
وفيه، في أواخره دخل لمكان سكني بتلمسان اثنان من السّرّاق واختفيا بالمنزل من غير أن أشعر بهما، ثم ثارا علينا ليلًا، وجرى لي معهما أنا ومملوك لي خَطْب كبير بعد أن أْحسسنا بهما قبل أن يأخذنا النوم، وسلّم اللَّه تعالى من شرّهما، وخلصا من أيدينا هربا بحيلة منهما، ولو ثارا بنا ونحن رقود لحصل ما لا خير فيه لعلّ على النفس، لكنْ سلّم اللَّه تعالى، وله الحمد على المهلة.
[أوضاع البلاد عند خروج السنة]
وخرجت هذه السنة على ما قدّمناه من الحوادث والفِتن، وعلى ابتداء الوحشة بين المصريين وابن
(1)
عثمان.
وكانت أحوال الأندلس مضطربة، وقد ابتدأت الوحشة بين صاحبها المستعين باللَّه سعد بن الأحمر ملك غَرناطة وبين ولده أبي
(2)
الحسن علي، وكان من أمرهما ما سنذكره في التي تليها.
وكان أيضًا حال المغرب الأقصى من بين البرّ -أعني فاس وما والاها- مضطربًا
(3)
أيضًا بين صاحب فاس السلطان عبد الحق، وبين وزارته من طائفة بني وطاس. واضطربت أيضًا أحوال أهل فاس بواسطة اليهودي من بني حَنَش الإسرائيلي الذي توزّر لعبد الحق المذكور، بعد قتل عدّةٍ من بني وطاس، وإخراج آخرين، وانحيازهم بتازا ومِكناس، وقيامهم على عبد الحق المذكور. ثم كان من أمر عبد الحق واليهودي ما سنذكره في التي بعدها إن شاء اللَّه تعالى.
وكان من أحوال مملكة تِلِمسان أيضًا مصائب بواسطة الوحشة بين صاحبها محمد بن أبي ثابت، وبين عثمان صاحب تونس، حتى كان من أمرهما، وعَود صاحب تونس إلى تِلِمسان ثانيًا وأخْذها، بعد أن حصّنها صاحبها محمد بن أبي ثابت المذكور ما سنذكره إن شاء اللَّه تعالى.
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "أبو".
(3)
في الأصل: "مضطرب".
ذِكر نُبَذ
(1)
من تراجم الأعيان ووَفَياتهم في هذا الزمان سنة
868
211 -
إبراهيم بن محمد بن علي بن محمد بن قرمان
(2)
القرماني، التركماني، اللارندي، الرومي، الحنفي.
السلطان صارم الدين، أبو إسحاق صاحب قونية، ولارندَة، وقيصرية، ونكدة، وما والى ذلك من بلاد الروم التي يقال لها الآن بلاد ابن
(3)
قرمان.
ولد في أوائل القرن تقريبًا، (لعلّ بعد الثمان وثمانمائة، أو قبل ذلك بسنين
(4)
وقيل: ولد سنة خمس)
(5)
.
ونشأ (بلا رندة)
(6)
وجيهًا في حِجْر السعادة حتى ملك بعد أبيه محمد بن علي. وهو الذي جرى بينه وبين عساكر (المؤيَّد)
(7)
حروب، وآل أمره أن قبض عليه وحُمل مأسورًا إلى القاهرة، وكان لدخوله يومًا مشهودًا، وسُجن بها مدّة. ثم لما تسلطن الظاهر ططر أفرج عنه وأعاده إلى مملكته في أوائل سنة أربعٍ وعشرين، ودام بمملكته حتى توجّه لحصار بعض القلاع ببلاد الروم من متعلّقات مرادبك بن عثمان صاحب الروم أدِرْنا بل وبُرْصا وما والاهما، وجرت بينه وبينهم حرب، فأصابه حجر في جبهته من الحصار فصرعه، ومات في سنة خمسٍ وعشرين
(1)
في الأصل: "نبذًا".
(2)
انظر عن (ابن قرمان) في: النجوم الزاهرة 16/ 334، 335، والضوء اللامع 1/ 155، ووجيز الكلام 2/ 764 رقم 1759، والتبر المسبوك 1/ 42، والذيل التام 2/ 179، ونيل الأمل 6/ 193 رقم 2595، والمجمع المفنّن 1/ 234، 235 رقم 102.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
أو بسنتين.
(5)
ما بين القوسين عن الهامش.
(6)
ما بين القوسين ممسوح، أثبتناه من: المجمع المفنّن 1/ 234.
(7)
ما بين القوسين ممسوح، أثبتناه من: المجمع المفنّن 1/ 234.
وثمانمائة، وتملّك بعده ولده إبراهيم هذا، وله فوق الخمس عشرة
(1)
سنة، ودام ملكه نحوًا من ثلاثٍ وأربعين سنة أو هي.
وكانت الملوك من بني عثمان وملوك مصر دائمًا تضايقه وهو مع ذلك متجلّد
(2)
. بل ويعيث في بلاد المملكتين في الأحيان، وجُرّد إليه من مصر في أيام الأشرف إينال على ما تقدّم في محلّه. وكان الباش على العساكر المجرَّدة إليه خُشقدم الظاهر الذي مات إبراهيم هذا في دولته، وكان إذ ذاك أمير سلاح على ما مرّ آنفًا. وأمّا ابن
(3)
عثمان فجرّد إليه أيضًا غير ما مرة، وخرّب الكثير من بلاده من عسكر مصر في تلك التجريدة التي كان عليها خُشقدم كما تقدّم. ثم وقع الصلح بينه وبين المصريين.
ولم يزل منعَّمًا إلى أن بَغَتَه أجله.
وكان من عقلاء الملوك وضخمائهم. وله أصالة وعراقة ونَبَالة ورياسة، وعنده قلّة شرّ، وله عدل ومعروف، وتؤدة، وحُسن سمت، وسياسة وخبرة تامّة. وكان صحبًّا في أهل العلم، (كثير)
(4)
التواضع لهم. وكان من أعرق الملوك أصلًا كابرًا عن كابر حتى يتصل نسبه بالسلطان السلجوقي. كذا ذكره البعض.
وذكر لي بعض أصحابي من التُرك التتار من أهل الفضل والمعرفة أن بني قَرَمان سلطنتهم قبل الإسلام، وأن الكاهن الكبير رأس الأغوز
(5)
الذين يقال لهم الغُز بالعربية، وهو الكاهن المسمَّى بقُرقُط، ذكر قَرَمان في كهانته أنه سيكون فيما بعد، ووصفه بأوصاف فوُجدت به.
وقيل: إن أصلهم من ذرّيّة ماينْدُر
(6)
أحد الأمراء الكبار لجنكزخان ملك الترك الأعظم. وبالجملة فعواقبهم غير مشكورة، وأصالتهم بالمُلك مشهورة.
توفي إبراهيم هذا في أواخر ذي قعدة أو أوائل ذي حجّة من هذه السنة.
وترك عدّة أولاد، مَلَك منهم بعده ولدُه إسحاق بك. ووقع بينه وبين بقيّة إخوته أحمد وغيره اختلاف.
وكان أحمد من بنت ابن
(7)
عثمان ملك الروم، وكان قد تزوّجها صاحب
(1)
في الأصل: "فوق الخمسة عشر سنة".
(2)
في الأصل: "متجلدًا".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
مكرّرة.
(5)
الأغوز= الغُزّ.
(6)
يقال له: ما ينْدُر، وباينْدُر.
(7)
في الأصل: "بن".
الترجمة فاستولدها أحمد هذا وغيرَه، فالتجأ أحمد للسلطان محمد بن عثمان
(1)
، ووقع لهم أمور، وحروب يطول
(2)
الشرح في ذكرها، آلت وكانت سببًا لزوال ملكهم عن آخرهم، واستيلاء محمد بن عثمان عليه بعد فرار إسحاق هذا إلى دياربكر، واتصاله يحسن الطويل، ودام بها حتى مات هناك في سنة ثلاث وسبعين
(3)
وثمانمائة، كما ستأتي ترجمته إن شاء اللَّه تعالى في السنة المذكورة.
212 -
أحمد بن برْسْباي
(4)
الجركسيّ الأصل، القاهري، الحنفي.
المقام الشهابي، شهاب الدين، ابن
(5)
السلطان الأشرف سيف الدين. تركه والده حين مات حملًا.
وأمّه أمّ ولد جركسيّة الجنس، اسمها مَلَكْ بَاي، وقد تقدّمت ترجمتها.
ولد ولدها هذا في سنة اثنتين
(6)
وأربعين وثمانمائة.
ونشأ تحت كَنَف قريب والده الأمير قرقماس الجلب، فإنه تزوّج يملك باي المذكورة، وتولّى كفالة ولد أستاذه فربّاه أحسن تربية حتى نشأ
(7)
نشأة حسنة، وكبُر، ومات أمّه. ودام مقيمًا بعدها بمنزل قرقماس أيضًا مستمرًا عنده، وما جَسَر أحد من الملوك أن يقتلعه من قرقماس ويبعث به إلى الإسكندرية، بل قصد غير واحد من السلاطين ذلك، وأن يزوره عند أخيه بالثغر السكندري، فلم يسمح قرقماس بذلك، بل كان يقول: إذا أخرج هذا فإلى أيّ جهة يَخرج أخرج أنا أيضًا معه، لعزّته عنده وتربيته ومحبّته فوق حجّة الأولاد، لا سيما وهو قريبه وربيبه، وولد أستاذه، فتركوه لجودة قرقماس وحُسن طاعته للملوك وسكونه، واطمأنّوا بإقامته بالقاهرة بهذا المقتضى، ولم يزل مقيمًا بها إلى أن بلغ مبالغ الرجال، وهو مع ذلك لم يره أحد، ولا نَظَرَه من له شُهرة، ولم يخرج من منزل قرقماس هذا حتى ولا إلى صلاة الجمعة والعيدين، وكان يسمع به ولا يرى شخصه، وكان على
(1)
في المجمع المفنّن 1/ 235 "محمد بن مراد بن عثمان".
(2)
في الأصل: "يطل".
(3)
في المجمع المفنَّن 1/ 235 "ومات في تلك البلاد سنة سبعين". وهو الصحيح، وستأتي ترجمته فيها لاحقًا.
(4)
انظر عن (أحمد بن برسباي) في: النجوم الزاهرة 16/ 329، 330، والضوء اللامع 1/ 247، ووجيز الكلام 2/ 763، 764 رقم 1758، والذيل التام 2/ 179، ونيل الأمل 6/ 180، 181 رقم 2584، والمجمع المفنّن 1/ 393، 394 رقم 314، وبدائع الزهور 2/ 414، وشذرات الذهب 7/ 309.
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
في الأصل: "اثنين".
(7)
في الأصل: "نشاء".
ما يقال شابًا طُوالًا، جميل الصورة وحسن الهيئة والشكالة، بهيّ المنظر، وله فضل وطلب علم ومعرفة تامّة. كل ذلك بواسطة تربية قرقماس له وتعليمه له بمن أحضره إلى داره لتعليمه، فأحفظه أولًا القرآن العظيم، ثم أقرأه شيئًا من الفقهيّات وغير ذلك، واجتهد في ذلك، وفي تعليمه الأنداب والفروسية، وكان له محبّة في الفضيلة ومَيل للعلم وأهله، مع كثرة المواظبة على مطالعته الكتب ونَظَرها، وكتب بخطه المنسوب، ودام كذلك إلى أن بَغَتَه الأجَل، كون أخيه العزيز يوسف الآتي في رتبته من هذه التراجم تبِعه في ثمانية عشر يومًا
(1)
، ولم يسكن الطاعون حتى تُعُجّب من اتفاق أجلهما.
ويقال إنه سُمّ بدسيسة من الظاهر خُشقدم لما مات أخوه، لما أنه في حياة أخيه لا يتوجّه إليه، وأمّا بعده فربّما يتوجّه إليه. واللَّه أعظم بصحّة ذلك، فلعلّها ليست ببعيدة، لأن خُشقدم كان كثير التوهّم، أسود الباطن، كثير المكر والحِيَل، واسع الخيال، فأين هذا من الأشرف قايتباي، وقد أحضر المنصورَ عثمانَ، وضرب معه الكرة بالصَّولجان بالقلعة بعد أن أمره أن يتزيّا بزِيّ السلطان بالبند وغيره، حتى صار كاجتماع سلطانين في آنٍ واحد موليان. وأين خُشقدم من قايتباي أيضًا، وقد أذِن بحضور المؤيَّد أحمد للقاهرة، وكانا وليا السلطنة، فضلًا عن أن يكونا مخبّأين لم ينظرهما أحد. وأين خُشقدم من قايتباي، ووَلَد خُشقدم هذا موجود في القاهرة بين ظهراني العسكر وبين ظهراني مماليك أبيه، وهو يركب وينزل. ثم قيل إنه دسّ إليه السُّمّ من جهة أن شاء
(2)
اللَّه الموت في التراب هذا في يوم السبت سابع ربيع الأول (
…
)
(3)
وأُخرجت جنازته من دار قَرقماس الجلب بالتبّانة، وأُحضر إلى سبيل المؤمني، ثم نزل السلطان وشهد جنازته وحضر الصلاة عليه، وحُمل إلى تربة الأشرف والده بالصحراء (فأنزل على أبيه)
(4)
وأخيه في الفسقية بالقبّة وترك بناتًا صغارًا من الجواري، وهو آخر (أولاد الأشرف، فكان)
(5)
أصغرهم سنًّا، عوّض اللَّه تعالى شبابه الجنّة.
213 -
أحمد بن قرا
(6)
(الموصلي، الدمشقي، القُبيباتي
(7)
، الشافعي.
(1)
العبارة في المجمع المفنّن 1/ 394 "مات بعد أخيه العزيز بشهر وثمانية عشر يومًا".
(2)
في الأصل: "انشاء".
(3)
كلمة ممسوحة.
(4)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل. أثبتناه من: المجمع المفنّن 1/ 394.
(5)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل. أثبتناه من: المجمع المفنّن 1/ 394.
(6)
انظر عن (أحمد بن قرا) في: نيل الأمل 6/ 183 رقم 2586، والمجمع المفنّن 1/ 499، 500 رقم 460، ولم يذكره غير المؤلّف رحمه الله.
(7)
في نيل الأمل: "القبلياني".
الشيخ الإمام، العالم، الفاضل، (البارع الكامل)
(1)
شهاب الدين، المعروف بابن قَرا، أحد أفراد عسكر دمشق وأعيانها.
كان من كبار أهل العلم والفضل، وله خير وفضيلة. وللناس فيه الاعتقاد الحَسَن الزائد. وكان به النفع العام للناس، وله شهرة، وذِكر لدى جماعة، وأخذ عن جماعة، واتّسع (
…
)
(2)
وكان كثير الديانة والخير، على جانب عظيم.
توفي في يوم الخميس تاسع جماد الأول.
ودُفن برأس القُبيبات، وكان له مشهد حفل رحمه الله
(3)
.
214 -
(أحمد بن محمود)
(4)
بن عبد السلام بن محمود العدوي
(5)
، البقاعي، الدمشقي، الشافعي.
الشيخ (شهاب الدين، خطيب صَرَفَنْد
(6)
)
(7)
.
ولد بالبقاع العزيزي في أحد الجمادين سنة اثنتين
(8)
(وثمانين وسبعمائة)
(9)
.
…
(ونقله أخوه)
(10)
عبد السلام إلى دمشق، فحفظ بها القرآن العظيم، ثم تلا
(11)
لأبي (عَمرو على الشهاب ابن غياث)
(12)
ثم اشتغل فأخذ عن الشُهُب الثلاثة: الغزّي، وابن
(13)
(نشوان)
(14)
والزُهري، وحج غير ما مرة، وسمع
(1)
ما بين القوسين مطموس. أثبتناه من: المجمع المفنّن.
(2)
كلمتان غير واضحتين.
(3)
ما بين القوسين من قوله: "الموصلى" حتى هنا، كُتب على هامش الصفحة على اليسار والأعلى.
(4)
ما بين القوسين ممسوح تمامًا، أثبتناه من: المجمع المفنَّن.
(5)
انظر عن (العدوي) في: عنوان الزمان 1/ 263، 264 رقم 90، والضوء اللامع 2/ 221، 222 رقم 620، وعنوان العنوان، رقم 101، وإظهار العصر (مخطوط) 217 ب، والمجمع المفنّن 1/ 583 رقم 556، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي ق 2 ج 1/ 372، 373 رقم 237 ولم يذكره المؤلّف رحمه الله في نيل الأمل.
(6)
صَرَفَنْد = صَرَفَنْدَة: بلدة على ساحل البحر، بين صيدا وصور.
(7)
ما بين القوسين ممسوح تمامًا، أثبتنا من: المجمع المفنّن.
(8)
في الأصل: "اثنين".
(9)
ما بين القوسين من المجمع المفنَّن.
(10)
ما بين القوسين من المجمع المفنَّن.
(11)
في الأصل: "تلّى".
(12)
ما بين القوسين ممسوح تمامًا، أثبتناه من المجمع المفنّن.
(13)
في الأصل: "بن".
(14)
ما بين القوسين ممسوح، أثبتناه من المجمع المفنّن.
الحديث على عائشة ابنة عبد الهادي (وله نظم حسن جيّد)
(1)
لم يحضرني منه الآن شيء
(2)
. وقدم القاهرة غير ما مرة. وناب (في القضاء بدمشق)
(3)
.
وكان إنسانًا حسنًا، خيّراً، ديّنًا، عاقلًا، ساكنًا، ذا ثروة زائدة (ووجاهة ورئاسة و)
(4)
في الجملة ذا شهرة، وعنده بشر وبشاشة، وبيننا وبينه مودّة. وكان ( .................. )
(5)
.
توفي ليلة الثلاثاء ثاني ربيع الآخرة.
وكانت جنازته حافلة.
215 -
(أحمد بن البكيراني)
(6)
، البَلَنْسي، الأندلسي، المدجّن.
أحد أعيان كبار التجار بتونس (وحمو شيخنا العلّامة)
(7)
أبي
(8)
عبد اللَّه بن محمد الواصلي.
كان من بَلَنْسية ممن تحت إيالة أهل (بيت)
(9)
الحديث من موضع هذه المدرسة الذي قد بيّنّا خبرهم في ترجمة الخواجا غالب الذيول، أعني ما تقدّم الحديث ذلك
(10)
. وخرج من بَلَنْسِيَة مهاجرًا ففطن بتونس، ووجُه بها مع وجاهته ببلده و ( ...... )
(11)
ومتاجره.
وكان له ابنة رغب إلى شيخنا المذكور في أن يتزوجها ولا يكلّفه في ذلك، بل لالتماس بركته، فأجابه إلى ذلك، وكان واسع المال، كثير المتاجر بكثير من البلاد.
وكان إنسانًا حسنًا، خيّراً، ديّنًا، له طلب ومَيل كبير لأهل العلم.
(1)
ما بين القوسين ممسوح، أثبتناه من المجمع المفنّن.
(2)
في الأصل: "شيئًا".
(3)
ما بين القوسين ممسوح، أثبتناه من المجمع المفنّن.
(4)
ما بين القوسين ممسوح، أثبتناه من المجمع المفنّن.
(5)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(6)
ما بين القوسين ممسوح، أثبتناه من المجمع المفنّن 1/ 610 رقم 589 وقد انفرد المؤلف رحمه الله بترجمته، ولم يذكره في: نيل الأمل.
(7)
ما بين القوسين ممسوح، أثبتناه من المجمع المفنّن.
(8)
في الأصل: "أبو".
(9)
في المجمع.
(10)
العبارة مشؤشة. والذي في المجمع المفنَّن: "وكان الواصلي المذكور متزوّجًا بابنته، برغبة أبيها صاحب الترجمة في ذلك".
(11)
كلمتان ممسوحتان.
توفي في هذه السنة على ما بلغني، وكان في عشر السبعين.
وقد رأيته بتونس، كثير الحشمة و ( ...... )
(1)
له تجمّل وحُسن سمت.
216 -
(بُرْدُبك)
(2)
الأشرفي، القُبْرسي
(3)
.
الدوادار الثاني، وصهر الأشرف إينال أستاذه على ابنته الخَوَنْد بدرية أخت بُردُبك هذا من سبي قبرس المحضَرين في سنة تسع وعشرين وثمانمائة.
ولكن إينال من السبْي، وكان مراهقًا للبلوغ، وكان إينال ممن حضر فتح قبرس وأبلى في الفرنج البلاء الحسن، وأحضر عدّة من السبي، بينهم بُردُبك هذا، وقَراجا الطويل، وآخرون
(4)
قد أشرنا إليهم في تاريخنا هذا، وربّاه إينال هذا فأحسن تربيته، ثم أعتقه وجعله خازنداره، ثم أزوجه بعد ذلك بابنته الكبرى من زوجته الخَوَند زينب وهي أمّ أولاده، أعني بدريّة، فإنّ بُردُبك هذا استولدها عدّة أولاد من الذكور ثلاثة
(5)
، وهم: محمد، وأحمد، وإبراهيم، والثلاثة موجودن الآن، وقد قدّمنا ذِكرهم في ترجمة لمحمد الأكبر. ومن الإناث اثنتان
(6)
أيضًا منهنّ وهما: سعد الملوك زوجة تَنِبَك قَرا أحد مقدَّمين الألوف بعصرنا هذا، من مماليك جدّها لأبيها الأشرف إينال (
…
)
(7)
زوجة آقبردي الأشرفي أمير الحاج الأول أحد العشرات الآتي في محلّه، وتزوّجت قبله غيره أيضًا.
وستأتي ترجمة الخَوَند بدريّة في سنة وفاتها إن شاء اللَّه تعالى.
ودام بُردُبك هذا خازندارًا عند إستاذه مدّة، ثم نقله إلى دواداريّته، ودام إلى أن تسلطن، فأراد أن يصيّره دوادارًا ثانيًا، فعارضه تمراز في ذلك، ووُلّي الدوادارية، وأمّده أستاذه عشرة، وصيّره دوادارًا ثالثًا. ثم لما غضب على تمراز وأخرجه مَنَفّيًا نقل بُردُبك هذا إلى الدوادارية الثانية، عِوَضًا عنه، على ما بيّنّا ذلك فيما تقدّم، فباشر بُردُبك هذا الدوادارية الثانية مباشرة حسنة، وعظُم قدْرُه بها جدًّا،
(1)
كلمتان ممسوحتان.
(2)
ما بين القوسين ممسوح، أثبتناه من المصادر.
(3)
انظر عن (بردبك القبرسي) في: النجوم الزاهرة 6 - / 335، 336، والضوء اللامع 3/ 4 - 6 رقم 20، ووجيز الكلام 2/ 765 رقم 1763، والذيل التام 2/ 180، ونيل الأمل 6/ 195، 196 رقم 2601، والمجمع المفنّن 2/ 186 رقم 911، وبدائع الزهور 2/ 423، 424.
(4)
في الأصل: "وآخرين".
(5)
في الأصل: "ثلاث".
(6)
في الأصل: "اثنتين".
(7)
الاسم ممسوح في الأصل.
وزادت وجاهته وحُرمته، ونفدت كلمته، ونالته السعادة، وصار من أعيان الدولة، بل ومن مدبّريها وأركانها، وقُصد في المهمّات وقضاء الأشغال، وخُدم من الناس، وقام هو أيضًا في حوائج الناس بقلبه وقالبه، وأنهى
(1)
القضايا المهمّة، وتكلّم في أشياء كثيرة كبيرة، وطار صيته، وبعدت شُهرته، وخرج في عدّة أشغال مهمّة، وقضايا كبيرة إلى جهة البلاد الشامية غير ما مرة، ونفع الكثير من الناس، مع عقل وعدل وسياسة وتعب
(2)
وحشمة وحُسن سمت وتؤدة وتواضع، وبِرّ وخير ومعروف، ومحبّة في أهل العلم والفضل، ومجالستهم والقيام معهم في مرامهم ومقصدهم، والتعظيم لهم إلى الغاية والنهاية، والسعي إليهم بنفسه مع عظمته ووجاهته. وكان يردّ السلطان عن كثير من أغراضه الفاسدة، ويُرجعه عن ذلك، ويرشده إلى الخير، ويُحسِن سفارة الناس بينه وبينهم، مع عفّة وكرم نفْس وصدقات، لا سيما في شهر رمضان.
وله عدّة آثار جليلة، منها الجامع المعظّم بخُط قناطر السباع، وقد تقدّم شيء
(3)
من ذِكره. وله الجامع الجليل بدمشق أيضًا، والمدرسة بالقرب من رحبة الأيْدَمُري التي كان بها الشيخ علاء الدين الحصْني، وغير ذلك من الآثار الدالّة على علوّ همّته وكثرة معروفة.
وكان إليه النَّهْي والأمر في مملكة أستاذه، فإنه كان الثالث من مدبّري المملكة، أستاذه، وولده أحمد المؤيَّد، ثم بُردُبك هذا. ولم يزل على ما هو عليه حتى مات أستاذه، وآل المُلك لولده أخي
(4)
زوجته بُردُبك هذا، فدام على ما هو عليه من العظمة وتدبير المُلك إلى أن خلع ولد أستاذه أعني المؤيَّد أحمد، وكان معه في تلك الكائنة (
…
)
(5)
فنُكب بعده، وصودر على مال كثير أُخذ منه على ما بيّنّاه. فيقال إن جملة ما تكلّفه وأُخِذ منه نحو المائتي ألف دينار. وكان يعاب بجمع ذلك من أيّ وجهٍ كان، ومع ذلك فكان لا بأس به.
وكان كثير المحبة للوالد جدًّا، وبينهما صحبة أكيدة.
وقد تقدّم كثير
(6)
من ذِكرنا لتنقّلاته وأحواله فيما تقدّم من سِنِيّ سلطنة أستاذه، وكيف أخرج إلى مكة، ودام بها إلى هذه السنة، فاستُقدم إلى القاهرة.
وبينا هو في أثناء قدومه مع الحجّاج إذ تُوُفي قتيلًا بخُلَيص
(7)
، بيد
(1)
في الأصل: "وأنها".
(2)
في الأصل: "ولعب".
(3)
في الأصل: "شيئًا".
(4)
في الأصل: "أخو".
(5)
كلمة ممسوحة.
(6)
في الأصل: "كثيرًا".
(7)
خُليص: حصن بين مكة والمدينة. (معجم البلدان 2/ 387).
بعض العربان. طعنه بحربة في يوم الإثنين سادس عشر ذي الحجة.
ويقال إنه سُلّط عليه، واللَّه أعلم بحقيقة ذلك.
وكان سنّه يوم مات زيادة على الإثنتين
(1)
وخمسين سنة.
واسمه مركَّب من "بُردي" بمعنى أعطى، و"بك" تقدّم الكلام عليه غير ما مرة، وهو الأمير على المشهور، وتُلُوعب بها في النُطْق والكتابة إلى ما كتبناه، وهو غلط عمّا ذكرناه.
217 -
بَرْسْباي الظاهري
(2)
.
أحد الدوادارية وأعيان الخاصكية.
كان من مماليك الظاهر خُشقدم ممّن ملكه الأشرف إينال كتابيًّا، ومَلَكَه الظاهر هذا وأعتقه، ورقاه إلى الخاصكية، ثم صيّره من الدوادارية الصغار، واختص به جدًّا، وقرّبه وأدناه، وكان من نُجباء من عُيّن لقتل جانِبك نائب جُدّة، بل يقال إنه هو الذي تولّى قتْل جانِبَك المذكور، ثم بلغ عنه أستاذَه شيء
(3)
، وقد عرّفناك غير ما مرة ذلك، فقبض عليه وضربه أشدّ الضرب، ثم وسَّطه بالحوش بين يديه، فكانت قتلته شرّ قتلة، عيب على السلطان فِعلُه ذلك، من ضرْبه الضرب الشديد، ثم توسيطه، إذ من يُتلف لا فائدة في ضربه.
توفي موسّطًا كما قلناه في يوم السبت تاسع صفر وهو في شبوبيته.
وكان شجاعًا مقدامًا.
218 -
تَنَم الأبوبكري
(4)
الناصري.
أحد العشرات المعروف بالأعرج.
كان من مماليك الناصري فَرَج بن برقوف، وتنقّلت به الأحوال بعد قتل الناصر في خدمة جماعة من الأمراء، حتى اتصل بخدمة الأمير ططر، فلما تسلطن أنزله في ديوان الجند كما كان، وكانت نيّته له ( ...... )
(5)
ثم لما تسلطن
(1)
في الأصل: "الإثنين".
(2)
انظر عن (برسباي الظاهري) في: النجوم الزاهرة 16/ 282، ونيل الأمل 6/ 179 رقم 2582، والمجمع المفنّن 2/ 223 رقم 957، وبدائع الزهور 2/ 413، 414.
(3)
في الأصل: "شيئًا".
(4)
انظر عن (تنم الأبوبكري) في: نيل الأمل 6/ 188 رقم 2591، والمجمع المنفّن 2/ 368، 369 رقم 1143، ولم يذكره غير المؤلّف رحمه الله.
(5)
كلمتان ممسوحتان.
الأشرف برسباي صيّره خاصكيًّا، ثم صيّره في أواخر دولته من العشرات بسفارة يشبُك الشادّ الذي وُلّى الأتابكية فيما بعد. وكان بينهما معرفة ( ......... )
(1)
حتى بَغَتَه الأجل.
وكان إنسانًا حسنًا، ساكنًا، خيّرًا، ديّنًا، من قدماء الأمراء ذوي المحنَّكات، والتجارب، ذا أدب وحشمة، وتؤدة، وحُسن هيئة.
توفي في رجب.
(وقرّر)
(2)
الظاهر خُشقدم في إمرته مملوكه طرباي
(3)
الذي صار محتسبًا فيما بعد، وسيأتي.
219 -
تَنَم من عبد الرزاق
(4)
المؤيَّدي.
نائب الشام، المعروف بالمحتسب. (وعُرف بالخازن)
(5)
كان من مماليك (المؤيَّد شيخ)
(6)
، وصار خاصكيًا في دولته، ثم خازندارًا صغيرًا (مدّة)
(7)
، ومات أستاذه وهو على ذلك، ولما تسلطن الأشرف صيّره رأس نوبة الجمْداريّة ثم أمَّرهُ عشرة، ودام على ذلك إلى سلطنة الظاهر جقمق، فولّاه الحسبة في أوائل دولته.
وذكر الحافظ ابن
(8)
حجر في تاريخه
(9)
حين ولايته الحسبة، وذكر فيه أيضًا في غير ما موضع منه، ثم نقل إلى نيابة الإسكندرية، ثم صرف عنها، واستُقدم إلى القاهرة، ثم وُلّي نيابة حماة، ولم تطُل مدّته بها حتى نُقل منها إلى نيابة حلب بعد
(1)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(2)
ممسوحة في الأصل. أثبتناها من المجمع المفنّن.
(3)
في المجمع المفنّن 2/ 369 "توقاي"، والمثبت هو الصحيح. وقد مات طرباي الظاهري المحتسب في سنة 874 هـ. وستأتي فيها ترجمته.
(4)
انظر عن (تنم من عبد الرزاق) في: النجوم الزاهرة 16/ 284 و 330 - 332، والمنهل الصافي 4/ 175 - 777 رقم 801، والدليل الشافي 1/ 229 رقم 799، وحوادث الدهور 570، 571، والضوء اللامع 3/ 44 رقم 182، ووجيز الكلام 2/ 764 رقم 1761، والذيل التام 2/ 180، والتبر المسبوك/ فهرس الأعلام 4/ 143، وإظهار العصر 1/ 71، ونيل الأمل 6/ 184 رقم 2588، والمجمع المفنّن 2/ 376 - 378 رقم 1154، وحوادث الزمان-/ 165 رقم 204، وإعلام الورى 62، 63 رقم 62، وبدائع الزهور 2/ 417، وصفحات لم تنشر من بدائع الزهور 138.
(5)
ما بين القوسين عن الهامش.
(6)
ما بين القوسين ممسوح من الأصل، أثبتناه من المجمع المفنّن.
(7)
عن الهامش.
(8)
في الأصل: "بن".
(9)
إنباء الغمر.
صرف قانِباي الحمزاوي عنها، واستقدامه إلى القاهرة. ولم تُحمد سيرة تَنَم هذا بحلب ورُجم من أهلها. فصرفه الظاهر عنها واستقدمه إلى القاهرة من جملة مقدَّمي الألوف بها. ثم ترقّى إلى أمرة مجلس، ثم نُقل في دولة المنصور عثمان إلى إمرة سلاح عوضًا عن جَرِباش الكريمي لما صرف عنها لعجزه وكِبَر سنّه.
ولما كانت الكائنة التي أدّت إلى خلع المنصور وسلطنة الأتابَك إينال انحاز تَنَم هذا إلى المنصور، فلما غلب وأخذ، ورأى تَنَم الغَلَبة أراد أن يجعل له يدًا عند إينال، فنزل من باب السلسلة للحوقه به، فقبل أن يصل إليه أخذ من الجُند التحاتي، وبُهدل بهدلة كبيرة قد بيّنّاها في محلّها في يوم نهاية الحرب بين المنصور وإينال، وقبض عليه إينال وسجنه بالإسكندرية، ودام بسجنها إلى أن تسلطن خُشداشه الظاهر خُشقدم، فبعث بإطلاقه وأن يتوجّه لثغر دمياط، ثم استقدامه إلى القاهرة، وولّاه نيابة الشام عوضًا عن جانَم، على ما عرفت ذلك في ما تقدّم، ونزل السلطان إلى داره بعد ولايته، ثم توجّه إلى دمشق بأبّهة زائدة، وباشرها، فلم تُحمد سيرته بها لطمعٍ كان عنده، ودام بدمشق إلى أن بغته أجلُه بها.
وكان من قدماء الأمراء، وله وجاهة، لكنْ كانت مساوئه أكثر من محاسنه. على أنه كان بينه وبين الوالد صحبة أكيدة، لكن الحق يقال.
وأخبرني الوالد بأنه كان يصرّح له فيما بينه بأنه لا بدّ له أن يلي الأمر، معتمدًا في ذلك على أخبار الكثير من الذاكرة ممن يدّعي الصلاح، وكذا أخبار بعض من يُنسب للنجامة ومعرفة الزايرجة وغير ذلك، طمعًا من قائل ذلك ورجمًا بالغيب، لما يتحقق هذا المحبذ بأنه لا يخلو
(1)
إمّا أن يكون ما قاله على طريق الاتفاق كما وقع لغيره، فيكون ما قاله مندوحةً لكثير من الأغراض، وقد كفى الله من ذلك. وكذب القائل أو لا يكون ذلك فيموت، فلا على قائله من الكذب، إذ لا يمكنه أن يقول لهم كذبتم ما وليتُ السلطنة. وكان قد رسخ ببال تَنَم أنه لا بدّ له من ذلك، حتى إنه لما مر قرب دمشق لم يهتم ولا توهّم موته، ولا عمل بمقتضى ذلك، فضلًا عن أن يظن أنه يموت أو يجزم به، إذ هو جازم أنه لا يموت إلّا بعد السلطنة فأنّى له باعتقادٍ يخالف ذلك؟ فلا حول ولا قوّة إلّا باللَّه، نعوذ باللَّه من مثل هذه الأحوال.
وتوفي تَنَم هذا في يوم الأربعاء ثاني عشرين جمادى الأولى.
وعُوّق عن دفنه لأجل جوامك مماليكه (وخدمه)
(2)
، فإنهم ثاروا ثورة واحدة
(1)
في الأصل: "لا يخلوا".
(2)
عن الهامش.
وقالوا: لا يمكن من تجهيزه وإخراجه إلّا إذا غُلّقت ديونُنا المرتّبة بذمّته. وثارت العامّة أيضًا لما رأوا ذلك وقالوا: ونحن أيضًا ما نمكّن من دفنه حتى يعادلنا ابن شبل إلى الحسبة، وكان قد صرفه تَنَم هذا عنها، ولا زال بعض الناس يتلطّف بهم حتى دُفن بعد أيام على ما ذكره الجمال يوسف بن تغري بردي
(1)
.
وقد سألت أنا عن ذلك فقيل لي: لم يعوّق ولا تمام اليوم، بل عُوّق إلى حين اتفاق الحال على عمل مصالح أهل الجوامك والعامّة، وما حرّرت ذلك.
وترك ولديه: محمد وفرج وسيأتيان. وكان فَرَج من زوجته سلطان نبخ المدعوّة دولات قريبة الظاهر الماضي ذكرها.
وكيفية زواج تَنَم هذا لها في محلّه، وهي موجودة الآن.
وكان سِنّه -أعني تَنَم- يوم مات نحو السبعين سنة إن لم يكن أكملها.
220 -
جانبك التاجي
(2)
، المؤيّدي.
نائب حلب والشام، المعروف بنائب بيروت. رواه بعض المؤرّخين، والمرشح لنيابة الشام. قول مُهمَل فإنه ما رُشح لها فقط بل وُلّيها. وخرج له الأمر بذلك غاية ما في الباب، باب قبل مباشرتها ووصول ذلك إليه، لكنه مات وهو متولّيها على ما عرفت ذلك في المتجدّدات من هذه السنة.
كان جانبك هذا من مماليك المؤيَّد شيخ، ومات أستاذه وهو من جملة الجَمْدَارية، ثم صُيّر خاصكيًا بعده، ثم أُخرج في أوائل دولة الظاهر جقمق على نيابة بيروت، أظنّ في تلك الكائنة اتي جرت بعد قتل ابن
(3)
بشارة الماضي ذكرها في محلّها، ثم نُقل إلى نيابة صفد، ثم حماة، وذلك ببذل المال لا بالاستحقاق الذي اصطلح عليه الأتراك، فإن جانبك هذا لم يكن له ذكر في الدول، بل ذِكْره مقدار يشهد به، ثم نُقل من حماة إلى نيابة حلب بعد موت الحاج إينال اليشبُكي وكان من مقولته، بل كان الحاج إينال أمثل منه، وله شُهرة وذكر.
وكنت أنا في أيام ولايته لحلب بالمغرب، وبلغني ولايته، فبقيت متحيّرًا لا
(1)
في النجوم الزاهرة 16/ 330 - 332.
(2)
انظر عن (جانبك التاجي) في: النجوم الزاهرة 16/ 285 و 332، وإظهار العصر 3/ 24 و 300، والضوء اللامع 3/ 55، 56 رقم 220، والتبر المسبوك 3/ 51 و 85، ووجيز الكلام 2/ 764، 765 رقم 1762، والذيل التام 2/ 180، ونيل الأمل 6/ 185 رقم 2589، والمجمع المفنّن 2/ 397، 398 رقم 1184، وحوادث الزمان 1/ 165 رقم 205، وإعلام الورى 63، وبدائع الزهور 2/ 471.
(3)
في الأصل: "بن".
أعرف من هو، مع وصوله هذا المنصب الجليل، ولا عرفت أنْ أَوَ قَعَ اسمُه على مسمّاه، مع معرفتي بكثير من الأتراك، وتفتيشي على تراجمهم كبارًا وصغارًا، وما عرفت هذا في الصغار، وهذا دليل ظاهر على كَونه وضيع القدر قبل ذلك. وباشر نيابة حلب إلى أن ولّاها الظاهر خُشقدم كما قلناه لبُردُبك البَجْمَقْدار، وبعث لجانبك هذا يستقدمه إلى القاهرة على تقدمة بُردُبك المولّى حلب، فاتفق وصول الخبر بموت تَنَم الماضي ذكره، فاستقر السلطان بصاحب الترجمة في نيابة الشام، وكتب تقليده إليه بذلك، وجُهّز إليه مع تشريفه ومركوبه، فاتفق أنْ بَغَتَه أجَلُه قبل وصول الخبر إليه بذلك، ووصل الخبر إلى حلب في ثاني يوم موته، فكان في ذلك من غريب الاتفاقات النادرة.
وكان جانبك هذا متوسط السيرة في غالب أحواله وولاياته، يصلح أن يقال كان لا بأس به، لكنه وُلّي غالب ما ولّيه ببذل المال، فقسا وظلم زيادةً عن غيره لأخذ ما بذله من غير وجهه. وكان يُلمز باستعمال القاذورة (المسَمّاة بالحشيشة)
(1)
فإن صحّ ذلك فهو من نوادر الأتراك في ذلك، واللَّه أعلم بصحة ذلك.
(وكان لما بلغه عزْلُه)
(2)
عن حلب وطلبه التقدمة بالقاهرة تهيّأ للخروج منها، (وبينا هو في أثناء)
(3)
ذلك قبل أن يخرج من دار سعادتها تمرّض بعض أيام.
توفي يوم الخميس ثامن جماد الآخر.
وله نحو السبعين سنة أو أكملها.
ويقال إنه ( ......... )
(4)
كونه عُزل عن حلب وبه مات، واللَّه أعلم. وهو من الأصاغر الذين قرّبهم خُشقدم ورفعهم، وعيب عليه ذلك غاية كون نيابة حلب، بل ودمشق تولَّى إلى ( ............ )
(5)
وعزله الأعيان الأكابر، وعُدّ ذلك من سيّئات الظاهر.
221 -
جانبك الظاهري
(6)
.
(1)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل، أثبتناه من المجمع المفنّن 2/ 398.
(2)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل، أثبتناه من المجمع المفنّن 2/ 398.
(3)
ما بين القوسين ممسوح في الأصل، أثبتناه من المجمع المفنّن 2/ 398.
(4)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(5)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(6)
انظر عن (جانبك الظاهري) في: النجوم الزاهرة 16/ 333، وإنباء الهصر 460، والضوء اللامع 3/ 57 رقم 233، ونيل الأمل 6/ 183 رقم 2587، والمجمع المفنّن 2/ 391، 392 رقم 1176، وبدائع الزهور 2/ 417.
أحد العشرات، ورأس الجند الراكز بقبرس في تلك الفتنة ( ...... )
(1)
المعروف بالأبلق. وتقدّم كيفية توجّهه لقبرس أولًا وهو خاصكي، ثم إقامته هناك، ثم عَوده في سلطنة الظاهر خُشقدم وتأمّره، ثم إعادته إلى قبرس، وإقامته هناك، وكيفية قتله بما يغني عن مزيد إعادة ذلك، فإنه قريب فى متجدّدات هذه السنة، وبقي التعريف به فقط.
كان من مماليك الظاهر جقمق وخاصكيّته، وتأمّر في دولة الظاهر خُشقدم كما ذكرناه، وصُيّر باشا على العسكر الغازي بطلبٍ منه، فإنه كان له بتلك البلاد تعلّقات ومعاملات، وبها توفي قتيلًا كما ذكرناه، وذلك فى أحد الجمادين من هذه السنة. ولم يكن محمودًا ولا مشكور السيرة.
222 -
جَكَم نائب كركر
(2)
.
قتله الأكراد وأخذوا قلعة كركر بحيلةٍ عليه، كما تقدّم في المتجدّدات، ولا عِلم لي بشيء من أحواله غير ما ذكرت.
223 -
حسن بن علي بن محمد بن علي الحصْني، ثم الحموي، الحنفي.
الشيخ بدر الدين، المعروف بابن الصوّاف
(3)
، قاضي القضاة الحنفية بالديار المصرية.
وغلط ابن
(4)
تغري بردي في نسبه حيث قال
(5)
: حسن بن محمد بن أحمد، بل كذب في ذلك.
وُلد البدر هذا بحماة في سنة ثلاث وثمانمائة.
وبها نشأ فحفظ القرآن العظيم، ثم حفظ "المنظومة" و"المختار" و"الإخسيكتي" في أصول الفقه، واشتغل بالعلم بعد ذلك، فأخذ ببلده عن قاضيها الشيخ ناصر الدين الجيني
(6)
، ثم قدم القاهرة فأخذ بها عن الشمس الدَّيْري،
(1)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(2)
انظر عن (جَكَم نائب كركر) في: متجدّدات الحوادث أول شهر رمضان من هذه السنة، في نيل الأمل 6/ 190، وبدائع الزهور 2/ 286.
(3)
انظر عن (ابن الصوّاف) في: النجوم الزاهرة 16/ 281 و 326، والضوء اللامع 3/ 113، 114 رقم 443، ووجيز الكلام 2/ 761 رقم 1751، والذيل التام 2/ 176، 177، ونظم العقيان 104 رقم 66 وفيه "ابن الصراف" بالراء، وهو غلط، والذيل على رفع الإصر 123، ونيل الأمل 6/ 174 رقم 2579.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
في النجوم الزاهرة 16/ 326.
(6)
هو محمد بن عثمان بن الجيني، كما في الضوء اللامع 3/ 113.
والسراج قارئ "الهداية"، والكمال بن الهُمام، والأمين الأُقصُرائي، وغيرهم. وسمع الحديث بحماة على الشمس الأشقر. وكان من أولاد التجار، ولكنّه تعانى العلم، وجاء منه وتميّز، وشُهر بالفضيلة. وكان هو أيضًا يتبع طريقة التكسّب بالتجارة، فأثرى من ذلك، وحصّل أموالًا جمّة، ووُلّي قضاء بلده، لكنْ بمال بذله في ذلك، ودام على قضائها مدّة مطوّلة، مع كثرة تردّده إلى القاهرة للإتجار، وجعل القضاء وقاية له عن طمع الطامعين فيه. وصحب جماعة من الأعيان والرؤساء، منهم: الجمال ابن
(1)
كاتب جَكَم، وكان كثير الإهداء لهم وإتحافهم بما يحبّ من الهدايا الطائلة لسعة ماله.
وكان سخيًّا، كريم النفس جدًّا لا قيمة للأموال عنده، مع تحصيله إيّاه بالإتجار لا بشيء هيّن كميراثٍ ونحوه، وهو خلاف غالب التجار، فإن الغالب الإمساك عندهم، فكان هذا من نوادرهم، وكان بينهما عالي الهمّة، قويّ العزيمة.
قدم في بعض قدماته للقاهرة في سنة ست وستين الماضية قبل هذه لأمرٍ لا حاجة لنا بذكره، فقام البدر هذا في حظ نفس وسعي في القضاء بجماعةٍ، منهم: قانَم التاجر، إلى أن وليه بمالٍ كبير بذله فيه نحو العشرة آلاف دينار، واستقرّ فيه في التاريخ المتقدّم ذِكره في (رجب)
(2)
سنة سبع وستين المذكورة، وكان قد بقي عليه بعض من ذلك المال فطولب به، وربّما لوزم أخاه بسبب ذلك، فحصل لصاحب الترجمة بذلك قهر وغُبن، لا سيما وقد قصد الاستعلاء على ابن
(3)
الشِحنة، فما رضي بما فعل مع أخيه وأنِف من ذلك، فتأثّر له مزاجه، فمرض مرضًا (
…
)
(4)
أدَّى إلى الجثماني، ودام مدَّة حتى بَغَته الأجل.
وكان إنسانًا حسنًا، خيّرًا، ديّنًا، ذا صلاح وتواضع زائد، مع عفّة وحُسن سمت وتؤدة، وبشاشة وبشْر، وطلاقة وجه، وسلامة فطرة، وحُسن عِشْرة وفُكاهة محاضرة ومذاكرة، مع فضيلة تامّة. وكان له اليد في الأصول الفقهية. وأثنى عليه الشرف المناوي في مجلس الظاهر خُشقدم قبل ولايته القضاء وعلى علمه وخيره.
وترجمه الجمال ابن
(5)
تغري بردي بترجمة لا تليق به
(6)
، بل ما عرف مقامه ولا القريب منه، فجازف فيما قال بما لا يسعه ذلك، وبيد اللَّه عاقبة الأمور.
توفي البدر هذا في يوم الأحد رابع المحرّم بعد ولايته ببعض شهور تزيد على الخمسة.
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
عن الهامش.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
كلمة غير مفهومة.
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
في النجوم الزاهرة 16/ 326.
ويقال إنه سُمّ، واللَّه أعلم بحقيقة ذلك.
ثم أُخرجت جنازته وكانت حافلة، وحضرها قانَم التاجر، ثم حمله إلى تربته التي أنشأها بالصحراء، فدُفن بها. وعاد القضاء بعده إلى المحبّ بن الشِحنة على ما كان عليه.
224 -
حسن خُجا الجمالي
(1)
، الظاهري.
الخاصكي، وأحد الأميراخورية.
كان من مماليك الظاهر جقمق ومن خاصكيّته. ولم يزل على ما هو عليه إلى أن تسلطن الظاهر خشقدم فصيّره من الأميراخورية، ودام على ذلك حتى بَغَتَه الأجل.
وكان إنسانًا حسنًا، ساكنًا، حسن الاعتقاد، سليم الباطن، تركيّ الجنس، مسلم الأصل. وعلى هذا لم يملكه الظاهر، وكان لا بأس به.
توفي في هذه السنة، ولا أحرّر شهر وفاته لأُثبته.
225 -
سودون اليشبُكي
(2)
، التركماني.
أحد مقدَّمين
(3)
الألوف بدمشق، المعروف بقَنْدُورَة.
كان من مماليك يشبُك الجَكمي الأميراخور، وهو خشداش جانبك اليشبُكي الوالي. ولما مات سيّده نزل في ديوان الجُند السلطاني، ودام على ذلك مدّة، ثم انتمى للجمال ابن
(4)
كاتب جَكَم بواسطة جانبك الوالي خُشداشه المذكور، فاعتنى به الجمال حتى وُلّي بعض قلاع البلاد الشامية، ثم تنقّل في عدّة ولايات في تلك البلاد غالبها أو كلها ببذل المال، وآل أمره أن صُيّر في دولة الظاهر خُشقَدَم من جملة مقدَّمين
(5)
الألوف بدمشق، وخرج بأخرة أميرًا على الحاج بالمحمل الشامي، فلما حج وعاد وزار المدينة الشريفة ثانيًا، وخرج متوجّهًا للشام.
توفي إمّا في أواخر ذي الحجّة من الماضية، أو في أوائل محرّم من التي تليها، ولم يتحرّر لي ذلك.
(1)
لم أجد له ترجمة في المصادر.
(2)
انظر عن (سودون اليشبُكي) في: النجوم الزاهرة 16/ 336، 337، والضوء اللامع 3/ 287 رقم 1090، ونيل الأمل 6/ 196 رقم 2603.
(3)
الصواب: "أحد مقدّمي".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
الصواب: "مقدَّمي".
وكان سنّه زيادة على الستين سنة.
وكان لا بأس به.
226 -
صالح بن عمر بن رسلان
(1)
نُصَير الكِناني، البُلقيني، القاهري، الشافعي.
الشيخ، الإمام ( ...... )
(2)
شيخ الإسلام، عَلَم الدين، أبو البقاء ابن
(3)
شيخ الإسلام سراج الدين قاضي القضاة، شيخ الشافعية بالديار المصرية. وبقيّة نسبه قد تقدّم.
ولد بالقاهرة في ( ..................... )
(4)
ثالث عشر جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين وسبعمائة.
( ......... )
(5)
شيخ الإسلام، وحفظ القرآن العظيم وعدّة من المتون في ( ..................... )
(6)
وكان فهْما، حاذقًا، فطِنًا، ثم اشتغل بالعلم فأخذ شيئًا عن ( ..................... )
(7)
ولازمه وانتفع به، وأخذ أيضًا عن المجد البرماوي، والبرهان البيجوري، ( .................. )
(8)
من جماعة، والشمس الشطنوفي، وغيرهم. وأخذ في علوم الحديث ( ............ ...... )
(9)
كابن حجر. وسمع الكثير على جماعة منهم والده. هكذا رأيت ( .................. )
(10)
الوالد، وذكر فيه الكثير من مسموعاته. وذكر بخطه
(1)
انظر عن (ابن رسلان) في: النجوم الزاهرة 16/ 286 و 333، وعنوان العنوان، رقم 277، ومعجم شيخ ابن فهد 357، 358، والضوء اللامع 3/ 312 - 314 رقم 1199، ووجيز الكلام 2/ 759، 760 رقم 1746، والذيل التام 2/ 175، وحوادث الدهور 3/ 573، والمنهل الصافي 6/ 327 - 329 رقم 1208، والدليل الشافي 1/ 351 رقم 205، وتاريخ قاضي القضاة العليمي، ورقة، وحسن المحاضرة 1/ 210، ونظم العقيان 119 رقم 91، والمنجم في المعجم 126 - 133 رقم 58، ونيل الأمل 6/ 187، 188 رقم 2590، وحوادث الزمان 1/ 166 رقم 207، وبدائع الزهور 2/ 419 وفيه وفاته سنة 869 هـ.، والبدر الطالع 1/ 286، 287 رقم 201، وطبقات المفسّرين للداوودي 1/ 214 رقم 208، وتحفة الأحباب 51 - 53، وشذرات الذهب 7/ 307، وهدية العارفين 1/ 422، وديوان الإسلام 1/ 298، 299 رقم 464، ودائرة معارف الأعلمي 20/ 162، والأعلام 3/ 194، ومعجم المؤلفين 5/ 9، Brockelmann، G 2/ 52/114،115.
(2)
كلمتان ممسوحتان.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(5)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(6)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(7)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(8)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(9)
مقدار ست كلمات ممسوحة.
(10)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
أيضًا محصِّلًا، مُجِدًّا حتى ( ...... )
(1)
وشُهر وذُكر، وأفتى ودرّس، وقصد بالكتابة على الفتاوى مع الإيجاز في جوابه (
…
)
(2)
وتثبُّته، وعظُمت شهرته، وناب في القضاء عن أخيه الجلال، وكان مختصًا بأخيه هو وولد ( ...... )
(3)
، وكانا في الحقيقة باب الجلال وإليهما المرجع في الأمور في القضاء، ولهما (
…
…
)
(4)
في جميع الجهات. ووُلّي عدّة وظائف دينية وتداريس جليلة، إلى أن ترقّى إلى القضاء الأكبر، وتلقّاه عن الولي العراقي، وتكرّر ولايته له غير ما مرة إلى أن صار يتناوبه هو والحافظ ابن
(5)
حجر، وحصل بينهما من المنافسات والضغائن، والعجائب والغرائب، والقيل والقال ما لا يعبّر عنه، وأكثر ما وقع بينهما مشهور، ثم تناوبه مع الشرف يحيى المناوي. ودام معظَّمًا ضخمًا، فخمًا، وجيهًا. وانتهت إليه رياسة الشافعية في زمنه، وأخذ عنه الفضلاء من كل مذهب، وافتخروا بتلمذته والأخذ عنه. وألَّف وصنّف.
وتوفي في يوم الأربعاء سادس رجب.
ووهم من قال: خامسه.
وجُهّزت وأُخرجت جنازته حافلة جدًّا، وصلّي عليه بجامع الحاكم، وتقدّم في الصلاة عليه قاضي القضاة الحنفية المحبّ بن الشِحنة، وأعيد إلى حارة بهاء الدين فدُفن بها بمدرسة والده تجاه دارهم، وفقده الناس وعظُم به المصاب، ولم يخلفْه بعده مثلُه.
وكان إمامًا عَلَمًا عالمًا بمذهب الشافعي وله فيه اختيارات كأبيه، بل وأنظار دقيقة.
وهو من أشياخنا، وأخذ عنه الوالد أيضًا، فكان بينهما محبّة وصحبة أكيدة جدًا.
وكانت والدته تسمّى صالحة. وقد ترجمها الحافظ ابن
(6)
حجر في "إنبائه "
(7)
.
227 -
وترك العَلَم هذا ولده الشيخ العالم الفاضل فتح الدين أبا
(8)
الفتح محمد، شاب حسن الذات والصفات.
(1)
مقدار كلمتين.
(2)
مقدار كلمة واحدة.
(3)
مقدار كلمتين.
(4)
مقدار كلمتين.
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
في الأصل: "بن".
(7)
إنباء الغمر.
(8)
في الأصل: "أبو".
ولد في ()
(1)
بالقاهرة، وبها نشأ، فحفظ القرآن العظيم وعدّة متون، وعُرض على جماعة، واشتغل فأخذ عن أبيه وآخرين، وسمع الحديث، ووُلّي وظائف والده بعده. وهو من ذوي البيوتات والأصالة والأثالة والنجابة والنبالة والعراقة، حَسَن السمت والملتقى، كثير البشْر والبشاشة، واضح المحيّا، يواددنا بالسلام، سلّمه اللَّه تعالى.
228 -
طوخ الجَكَمي
(2)
.
أحد الطبْلخانات والرأس نَوبة الثاني.
كان من مماليك جَكَم من عوض المتغلّب على حلب والمتسلطن بها. وهو مشهور الترجمة. تنقّلت الأحوال بمملوكه هذا حتى صار إلى ما صار إليه، وآخر ذلك ترقّيه إلى إمرة طبلخاناة بالديار المصرية، ووظيفة الرأس نَوبة الثانية، ودام بها إلى أن بَغَتَه الأجل.
وكان إنسانًا سيّء السيرة، مسرفًا على نفسه، مدمنًا على الشُرب.
قال الجمال ابن
(3)
تغري بردي في ترجمته
(4)
: ما أظنّه ترك الشرب إلّا في مرض موته، ثم وصفه بأوصاف غير مرضية. وكُفّ بأخرة وصُرف عن الإمرة والوظيفة، ودام بطّالًا مدّة ملازمًا لداره، ولم يتفق له أن حجّ حجّة الإسلام مع ثروته وغِناه وسعة أمواله وطول عمره، فإنه جاوز الثمانين فيما أظنّ.
وتوفي في ليلة الأربعاء تاسع عشر ذي الحجة، ودُفن من غده بالصحراء.
واسمه قد تقدّم الكلام عليه وأنه مفرَد معناه: "شَبْعان" خلاف "الجَيعان".
229 -
عبد اللَّه بن أبي إبراهيم المغربي، الصحراوي، الفيلالي
(5)
، الأذرعاتي
(6)
، (المالكي)
(7)
.
(1)
بياض في الأصل.
(2)
انظر عن (طوخ الجكمي) في: النجوم الزاهرة 16/ 335، والمنهل الصافي 7/ 16، 17 رقم 1279، والدليل الشافي 1/ 372 رقم 1236، والضوء اللامع 4/ 10 رقم 33، ونيل الأمل 6/ 195 رقم 2599، وبدائع الزهور 2/ 422.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في النجوم الزاهرة 16/ 335.
(5)
انظر عن (الفيلالي) في: نيل الأمل 6/ 197 رقم 2606، وفيه:"الصلالي"، وبدائع الزهور 2/ 424، وهو ينقل عن المؤلّف رحمه الله.
(6)
في نيل الأمل: "الأرغاني"، وفي بدائع الزهور "الأرعاني".
(7)
كتبت على الهامش.
الشيخ الصالح العابد، المعتقد، أبو محمد، شيخ ركب المغاربة المصامدة.
كان من مدينة أذرعات بالصحراء بالقرب من المدينة التي يقال لها بافيلال بصحارى المغرب، مما يقرُب من مزاكش، وسجلماسة، وهي من بلاد البربر.
وكان الشيخ عبد اللَّه هذا وإخوته وأسلافهم من قبل من مشايخ تلك البلاد وأكابرها ورؤسائها، من أهل العلم والفضل والصلاح والخير، ولهم شهرة وذِكر بتلك البلاد، بل وبالمغرب جميعه. وكانت ملوك المغرب ولم تزل تعتقدهم ويعظّمونهم، ويلتمسون بركتهم.
قدم عبد اللَّه هذا للقاهرة بالركب المغربي للحج غير ما مرة، آخر ذلك في سنة سبع وستين، وحج وعاد إلى القاهرة فبَغَتَه الأجَل.
وكان عالمًا صالحًا، عابدًا، خيّرًا، ديّنًا، معتقدًا، حسن السمت، كثير السكون، ذا تؤدة ونفْع للناس في إقامة حَجّهم، وكانت العربان تعتقده وأسلافه، فيكرمون الحاجّ لأجله، ولا يحصل عليهم منهم الأذى والضرر.
توفي بالقاهرة في أواخر هذه السنة.
وقدم بالحاج إلى تونس أخوه أبو عبد اللَّه محمد، وكان قد حج معه.
230 -
• ومحمد هو الأصغر، ورافقته في توجُّهي للمغرب صُحبة الركْب المغربي من تونس إلى تِلِمسان، بل ورافقت
(1)
أخاه أيضًا قبل ذلك في بعض أسفاري.
وكان سنّ صاحب الترجمة يوم مات نحو الخمسين سنة.
وأمّا أخوه فهو موجود الآن ببلاده، قام مقام أخيه، وله الذِكر والشُهرة، وهو نحو
(2)
من أخيه في ترجمته وأحواله وصلاحه، نفع اللَّه تعالى به
(3)
.
231 -
(ظَهِيرةُ
(4)
بن أبي حامد بن ظهيرة المكي، المالكي.
القاضي بدر الدين، قاضي المالكية بمكة المشرّفة ولد بمكة وبها نشأ، واشتغل على جماعة ( ..............................
…
(5)
) إلى القضاء.
(1)
في الأصل: "وارافقت".
(2)
في الأصل: "وهو نحوًا".
(3)
توجد ترجمة على هامش الصفحة إلى اليسار غير مقروءة ومُسح أغلبها.
(4)
انظر عن (ظهيرة) في: الضوء اللامع 4/ 15 رقم 59، ووجيز الكلام 2/ 762، 763 رقم 1755، والذيل التام 2/ 178، ونيل الأمل 6/ 197 رقم 2605، وبدائع الزهور 2/ 424، ونيل الإبتهاج 130.
(5)
مقدار إحدى عشرة كلمة ممسوحة.
وكان ظهيرة هذا إنسانًا حسنًا)
(1)
.
232 -
عبد اللَّه بن حسّان
(2)
المغربي، الطرابلسي.
منفّذ طرابلس، وهو في معنى كاتب السرّ بهذه البلاد.
كان منفّذًا بها في أيام القائد أبي
(3)
النصر الماضي شيء
(4)
من أحواله أثناء فيما تقدّم. وكان عبد اللَّه هذا معينًا له على المظالم، متعاضدين
(5)
على ذلك، ذاك بيده وساقه، وهذا بقلمه ولسانه. وكان ولده عبد الرحمن، وهو موجود الآن، منفِّذًا لشاشي
(6)
ولد أبي
(7)
النصر هذا على غريان، وكان شاشي
(8)
قائدًا بغريان
(9)
. ولم يزل عبد اللَّه هذا على ما هو عليه من المظالم إلى أن توفي في هذه السنة، فيما يغلب على الظنّ. وكان عارفًا بصناعته، ماهرًا فيها، عارفًا بالضبط والحساب. ووئي بعده منفّذ طرابلس ولدُه عبد الرحمن المُكنَّى بأبي زيد، وهو باقٍ على ذلك إلى يومنا هذا. وهو كأبيه في ترجمته، بل فوقه في الظلم.
ومات والده وقد جاوز الستين بكثير.
233 -
عبد اللَّه بن علي بن يوسف بن علي بن بدر بن علي بن عثمان الدمشقي، المخزومي. الماحوزي، الشافعي.
الشيخ جمال الدين، خادم الخانقاه الصلاحية سعيد السُعداء، المعروف بابن أيوب
(10)
، وهو لقب على اسم عَلَم
(11)
.
ولد في سِنيّ بعد الثمانين وسبعمائة
(12)
.
(1)
هذه الترجمة بين القوسين كتبت على هامش الصفحة إلى اليسار.
(2)
لم أجد لعبد الله بن حسّان المغربي مصدرًا غير ما ذكره المؤلّف رحمه الله وهو لم يذكره في نيل الأمل، كما لم يذكره ابن آياس في بدائع الزهور كعادته في النقل عنه.
(3)
في الأصل: "أبو".
(4)
في الأصل: "شيئا".
(5)
في الأصل: "متعاضدان".
(6)
مهمل في الأصل.
(7)
في الأصل: "أبو".
(8)
مهمل في الأصل.
(9)
غريان: مدينة قريبة من طرابل الغرب إلى الجنوب منها.
(10)
انظر عن (ابن أيوب = عبد اللَّه بن علي الماحوزي) في: النجوم الزاهرة 16/ 330، وعنوان الزمان 3/ 140 - 146 رقم 316، وعنوان العنوان 161 رقم 358، والضوء اللامع 5/ 36، 37 رقم 132، ووجيز الكلام 2/ 760، 761 رقم 1749، والذيل التام 2/ 176، ونيل الأمل 6/ 182 رقم 2585، وحوادث الزمان 1/ 164 رقم 201، والأعلام 4/ 106، والقبس الحاوي 1/ 455، 456 رقم 448، وهدية العارفين 1/ 469.
(11)
قال البقاعي: "الملَقّب أيوب لكثرة بلاياه". (عنوان الزمان 1/ 140).
(12)
قال البقاعي: "ولد سنة ست وسبعين وسبعمائة تقريبًا، هكذا كما ظهر لي وله مما نستحضره من =
ونشأ في خير.
وكان والده الشيخ نور الدين أبو الحسن من الصالحين ومن أهل الخير والدين والسلوك واليقين، قدوة.
واشتغل ولده بالعلم. وكان مشاركًا في كثير من الفضائل، حسن السمت والملتقى، كثير السكون، ذا بِرّ وبشاشة، وطلاقة كلام، وفصاحة لسان، وفكاهة محاضرة ومعاشرة، حَسَن الهيئة نيّرًا، وضيئًا، متجملًا، على أنه كان (
…
…
)
(1)
ومع ذلك فكان في غاية الزهارة والقوافة والنزاهة.
ومما حُكي لي عنه أنه في ( ...... )
(2)
أعطاه بعض أصحابه دينارًا ذهبًا من الزكاة فجعله في رأسه وهو جالس بمكان ( ......... )
(3)
فرآه إنسان من الفقراء فقصده وقال له: باللَّه عليك لا تخيّبني فإنّني فقير ( ...... )
(4)
قصدتك في شيء من زكاة مالك، ظنًّا منه أنه من ذوي اليسار لحسن هيئته وتجمّله، فأخرج ذلك الدينار وأعطاه إيّاه.
وله في خدمته بخانقاه سعيد السعداء من الحكايات المؤذنة (
…
)
(5)
على الناس، ونفع الطلبة أشياء يطول الشرح في ذكرها. وكان كريم النفس جدًّا، وقد عرفت ذلك مما (
…
)
(6)
مع انجماعه عن الناس وقناعة وتحسين هيئة كما قلناه، وسلامة الناس من يده ولسانه. وهو صهر السراج العبادي، ودام على خير.
حتى توفي فجأة في ليلة الأربعاء سابع الشهر ربيع الآخر.
وأُخرجت جنازته بعد حضور الخانقاه المذكورة إلى مصلّى باب النصر في مشهد حافل، وصُلّي عليه بالمصلَّى المذكور، ودُفن بمقابر الصوفية، وكثُر الثناء عليه.
234 -
عبد الرحمن بن عبد الوارث
(7)
بن محمد بن عبد الوارث بن
= سنّه، ثم أخبرني سيدي يوسف بن تغري بردي أنه ظهر له ما ولد إلا بعد سنة ثمانين. (عنوان الزمان 3/ 140) ".
وفي الضوء اللامع 5/ 36 ولد بعد سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة.
(1)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(2)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(3)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(4)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
(5)
مقدار كلمة واحدة.
(6)
مقدار كلمة واحدة.
(7)
انظر عن (ابن عبد الوارث) في: عنوان الزمان 3/ 72 - 74 رقم 274، والضوء اللامع 4/ 90، 91 رقم 264، ونظم العقيان 123، 124 رقم 101، والمنجم في المعجم 138، 139 رقم 69، ونيل الأمل 6/ 193، 194 رقم 2596، وبدائع الزهور 2/ 422، ونيل الإبتهاج 172.
محمد بن عبد العظيم بن عبد المنعم بن يحيى بن الحسن بن موسى بن يعقوب بن نجم بن عيسى بن شعبان بن عيسى بن داود بن محمد بن (نوح بن)
(1)
طلحة بن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصدّيق بن أبي قحافة البكري، المصري، المالكي.
الشيخ الإمام، العالم، العامل، الفاضل، البارع، الكامل، الريّس، الأجلّ، نجم الدين، المعروف بابن عبد الوارث.
ولد في ثالث ذي الحجة سنة ثلاثٍ وثمانين وسبعمائة بمصر، وبها نشأ
(2)
. فحفظ القرآن العظيم، و"الإلمام" لابن دقيق العيد، وابن
(3)
الحاجب الفرعي، وعرض على شيخَي الإسلام: السراجَين البُلقيني، وابن
(4)
، الملقّن، والناصر التّنّيسي
(5)
، والجمال الأفقهسي. واشتغل بالعلم فأخذ عن جماعة منهم الأخيرين، وسمع الحديث على الصلاح الزفتاوي، والنجم البالسي، والناصر بن الفرات، والزين العراقي، وآخرين. ولازم الاشتغال ودأب وجدّ واجتهد وبرع، وشهر بالفضيلة، وعُرف بالخير والديانة والصلاح والقيام في اللَّه تعالى بقلبه وقالبه، وناب في القضاء قديمًا عن الوليّ ابن
(6)
خلدون فمن بعده، ثم ناب عن القضاة الشافعية أيضًا ببلاد الصعيد بمُنْية ابن
(7)
خصيب عن الجلال البُلقيني فمن بعده، واختصّ به شيخ الإسلام الحافظ ابن
(8)
حجر، وفوّض إليه جميع ما فوّضه السلطان إليه.
وكان عالي الهمّة، وافر الحُرمة، نافذ الكلمة، ذا سطوة ونجدة وغلبة على أهل العناد، لا سيما في بلاد الصعيد جميعها، وخصوصًا عند كُتّابها ومباشريها ومشايخ عربانها وأمرائهم، فما ظنّك بمن عداهم. وكان يكثر ترداده ببلاد الصعيد لتعلّقات له بها وللنظر في مصالح المسلمين، فلا يزال يطوفها وينظر في كثير من مهمّات المسلمين وأمورهم، مع التواضع الزائد، والعفّة والنزاهة، والديانة والأمانة، وهضم النفس واطّراحها. وله في ذلك أخبار يطول الشرح في ذكرها، وكذلك في قيامه في الحق، وإقماع المفسدين. ولم يزل على ذلك لا تأخذه في اللَّه لومة لائم.
حتى توفي في يوم الجمعة خامس عشر ذي القعدة.
(1)
ما بين القوسين عن الهامش.
(2)
في الأصل: "نشاء".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
في الأصل: "التنسي".
(6)
في الأصل: "بن".
(7)
في الأصل: "بن".
(8)
في الأصل: "بن".
ولقد رأيته وعليه الأمن والخَفَر، مع ما كان عليه من تمتّعه بإحدى عينيه، رحمه اللَّه تعالى.
235 -
علي بن جمعة
(1)
بن أبي بكر البغدادي، الخُريزاتي.
نزيل القاهرة.
ولد في سنة خمسين وسبعمائة أو بعدها بيسير.
وكان والده خادم مقام الإمام أحمد بن حنبل ببغداد، وكان من كبار الصالحين، وممن تخضع له الأُسُودة ويركبها.
قدم ولده علي هذا إلى القاهرة وقطَنَها، وتَعَانَى التكسّب تحت المدرسة الظاهرية العتيقة في عمل الشريط والحفر. وكان صالحًا ديّنًا مواظبًا على الأذكار والأوراد. وله في قصد الأسودة له (
…
)
(2)
عصاتين ( ...... )
(3)
به في الملأ العام من الناس بالقاهرة بين القـ (ــصرين)
(4)
مشهورة شاهدتها غير ما مرة والكثير من الناس، فلا أشك في خيره ودينه وصلاحه، من ذلك إنه كان إذا اجتيز بالأسد عليه وهو جالس بمقعده تحت الظاهرية، انحاز إلى جهته مع كونه مغلولًا، وانجذب حتى يقصده، ثم يعانقه ويمرّغ رأسه عليه، ويحوّل رأسه ووجهه من جهة يمينه إلى جهة يساره وبالعكس، وهو كالخاضع المستكِن له. وكانت الناس تجتمع عليه حين مرور الأسد به لرؤية ذلك، ويتعجّبون منه، وصار هذا دأب الأسد كلما اجتاز به، فصار هو يتضرّر من ذلك لكثرة اجتماع الناس عليه في ذلك، ثم صار بعد ذلك إذا أحسّ بمجيء الأسد قام من حانوته فدخل الظاهرية إلى أن يجوز الأسد، ليعود إلى الحانوت. وكان عنده ما يشبه البَلَه. وله حُسن اعتقاد وسلامة فطرة. وبالجملة فكان في قصته الشاهدة مع الأسد نادرة من العجائب. فيقال إنهم مع الأُسودة هكذا خَلَفًا عن خَلَف وذلك مشهور عنهم.
توفي صاحب القصة بالقاهرة في عاشر رمضان.
236 -
عبد العزيز بن أحمد
(5)
بن علي بن أبي بكر بن أبي السعادات بن
(1)
انظر عن (علي بن جمعة) في: الضوء اللامع 5/ 209، 210 رقم 702، وعنوان الزمان 4/ 31 - 34 رقم 365.
(2)
كلمة ممسوحة.
(3)
كلمتان ممسوحتان.
(4)
كلمتان ممسوحتان.
(5)
انظر عن (عبد العزيز بن أحمد) في: عنوان الزمان 3/ 115، 116 رقم 300، والضوء اللامع 4/ 212 رقم 543.
زكريا
(1)
بن يحيى بن أحمد بن عبد اللَّه الفارقي الأصل، اليمني، الربيعي
(2)
، القاهري، عزّ الدين.
ولد بعد الثمانين وسبعمائة تقريبًا.
ودخل مع والده إلى اليمن وله نحو العشرين سنة، ثم قدم القاهرة في سنة سبع وثمانمائة، ثم عاد إلى اليمن، وتقرّب من صاحبها الأشرف إسماعيل بن الأفضل عباس ابن
(3)
المجاهد علي، وحظي عنده جدًّا، وكان يصحبه في أسفاره ويرحل معه، وينزل حيث ينزل، فتارةً بتعِز وأخرى بغيرها، وكذلك كان والده قبله.
أمّا عمّه فتَوزّر للأشرف المذكور. ثم قدم عبد العزيز هذا إلى القاهرة، وصار يتنقل في الإقامة، تارةً بها، وأخرى بثغر الإسكندرية، بل وغيرها.
إلى أن توفي في يوم الجمعة سابع عشر
(4)
جماد الأول بالقاهرة.
وكان عارفًا بضرب الرمل، له فيه براعة ويد
(5)
طُولى، وأظنّ حظوته بصاحب اليمن كان بسبب ذلك.
237 -
علي بن محمد بن ()
(6)
الأهناسي
(7)
، القاهري.
الصاحب الوزير علاء الدين ابن
(8)
الصاحب الوزير شمس الدين.
ولد بالقاهرة في سنة ()
(9)
.
وبها نشأ وتعانى البَرْدَدَارية في ديار الأمراء، وكذا كان والده قبله على ما سيأتي في ترجمته وتنقّلت به الأحوال في ذلك، حتى اتصل بخدمة الشهابي أحمد ابن
(10)
الأشرف إينال بَرْدَادارًا غيره، ثم ترقّى عنده حتى صار في هيئة أستادّاره.
(1)
ليس في الضوء "زكريا"، وهو في عنوان الزمان.
(2)
قال السخاوي: الربيعي نسبة لربيعة الفرس بالفاء والراء.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الضوء اللامع 4/ 212 "سابع عشري"، والمثبت يتفق مع: عنوان الزمان 3/ 116.
(5)
في الأصل: "ويدا".
(6)
بياض في الأصل. وفي الضوء: "ابن أبي بكر بن محمد بن حسين".
(7)
انظر عن (الأهناسي) في: النجوم الزاهرة 16/ 334، والضوء اللامع 5/ 296 رقم 995، ووجيز الكلام 2/ 765 رقم 1764، والذيل التام 2/ 181، ونيل الأمل 6/ 194 رقم 2597، وبدائع الزهور 2/ 423.
(8)
في الأصل: "بن".
(9)
بياض في الأصل. ولم يذكر السخاوي تاريخ مولده أيضًا.
(10)
في الأصل: "بن".
وآل به الأمر أن وُلّي الأستادّارية دفعةً واحدة في دولة الأشرف إينال، من غير أن يترشح لها، ثم وُلّي الوزارة، وتكرّر له ذلك غير ما مرة. ثم وُلّي نظارة الخاص (
…
)
(1)
. وقد ذكرنا تنقّلاته وما جرى عليه بتمامه وكماله فيما أسلفناه من سِنِيّ تاريخنا هذا، كلّ في محلّه. وآل به الأمر أن صرفه الظاهر خُشْقَدم عن الوزارة الصرفة الأخيرة، وأخرجه مَنْفيًّا إلى مكة، بعد أمور جرت عليه وخطوب ومِحَن، أولًا وثانيًا يطول الشرح في ذكرها. وكان أكبر ( ......... )
(2)
الحسام بن حُرَيز، وغرم في ذلك المال الطائل في حظّ نفس، ودام (مريضًا في)
(3)
مكة المشرّفة، حتى توفي بها في ثاني عشرين ذي القعدة.
وكان والده حيًّا فتأسّف على ولده. وكان ولده هذا كثير البشاشة، وعرف مباشرة الوزارة، وتدرّب ( .................. )
(4)
الرؤساء الأعيان، ووجُه وكثُر ظلمه وأذاه، ولم تُحمد سيرته لنذالة أصله ( ...... )
(5)
رياسته.
وله من الآثار: المدرسة بالحسينية، وهي أنيقة جيّدة في محلّها.
238 -
علي بن محمد بن فلاح
(6)
المشعشع
(7)
.
السيد الشريف الحسني (العباسي)
(8)
صاحب واسط وجزائر بني عليّان (
…
…
)
(9)
إلى ذلك، ووالده محمد المشعشع هو القائم بتلك البلاد في سنة خمس أو ست ( ...... )
(10)
وقد قدّمنا ترجمته، لكننا لم نحرّر موته فلهذا لم نذكره. بعد، ذلك ثار به صاحب ( ...... )
(11)
فامتلك المملكة منه، وصار والده من جملة أتباعه، ادّعى صاحب الترجمة أنه ( ...... )
(12)
طالت وقال بنقل الأرواح، وقصد مشهد الإمام علي فهدمه وحفر القرين ( .................. )
(13)
ثم نهبت
(14)
الحاج، ووقع منه أمور يطول الشرح في ذكرها ( ............ )
(15)
لكن الأمر والنهي للولد، وصدّقه والده على مُدّعاه، وصار (
…
)
(16)
على ما هو عليه.
(1)
كلمة ممسوحة.
(2)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(3)
عن الضوء اللامع.
(4)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(5)
مقدار كلمتين.
(6)
انظر عن (ابن فلاح) في: النجوم الزاهرة 16/ 424، والضوء اللامع 6/ 7 رقم 18 والترجمة في سطر واحد، ونيل الأمل 6/ 97 رقم 2604.
(7)
في الضوء اللامع، "الشعشاع".
(8)
عن الهامش.
(9)
كلمتان ممسوحتان.
(10)
كلمتان ممسوحتان.
(11)
كلمتان ممسوحتان.
(12)
كلمتان ممسوحتان.
(13)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(14)
هكذا في الأصل.
(15)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(16)
كلمة واحدة.
وكان بير بُضاغ بن جهان شاه قد ترفّض، وغلا
(1)
في رفْضه، حتى قال بإلهيّة عليّ بن أبي طالب، وعظُم المشهد جدًّا، واحتفل بشأنه إلى الغاية. ولما بلغه ما فعله صاحب الترجمة به، وبَلَغته دعواه قامت قيامته. ولم يزل حتى وصل من شيراز، فوصل إليه في مدّة قصيرة جدًّا، وكاد العقل لا يسعها، وكان وصوله إليه بحيَل عجيبة، وأمور غريبة، من طُرُق غير سالكة، وجبال شامخة قطعها بجماعة مُشاة، حتى وصل إلى (
…
)
(2)
في مدّة يسيرة. واتفق قبل ذلك أن كان عليّ هذا قتل إنسانًا من الأكراد ظلمًا. وكان للمقتول أخ، فصار يترصّد صاحب الترجمة لقتله، لأخذ ثأر أخيه، فاحتال في ذلك بكل حيلة، حتى صار من رُعاة غنمه، وترصّده يومًا وقد نزل بشاطئ الدجلة للاغتسال. وكان الكردي مختفٍ في (
…
)
(3)
فعاينه، ورماه بسهم أصابه به، وفُطن به، فحُمل وأُخرج بسهمه، وتسامع به عسكره وجماعته، فصاروًا يأتون إليه فيرونه في تلك الحالة، وبه بعض رَمَق، فيُخرجون سيوفهم من الأغماد، ثم يقيمون السيف، ويجعلون ذبابته في صدورهم، ويُؤكئون أنفسهم حتى يخرج السيف من قفا من يفعل ذلك منهم، ويقع على صاحب الترجمة، وازدحموا عليه لذلك، وهم يفعلون بأنفسهم ما ذكرناه، فأكملوا قتله، ومات منهم الجمع الوافر على تلك الهيئة. وبينا هم في ذلك إذ صادف مجيء بير بُضاغ، ووصوله إلى بلادهم، ولا عِلم عنده بما اتفق، فثاروا به وظنّوا أن ما وقع لصاحبهم من قِبَله، ووقع بينهم حرب كبير، انهزم فيها أصحاب صاحب الترجمة إلى الجزائر، بعد أن قتل منهم الجمع الوافر. وأخذ بير بُضاغ عليًّا هذا فاحتزّ رأسه، وبعث بها لأبيه جهان شاه، وحشا جثّته، وجُعلت بوا (؟) وعلّقت على باب بغداد أيامًا، وصار أعداؤه
(4)
يقصدونه بالرمي بالسهام، إلى أن صار كالقنفذ بالسهام، وكان البعض يُنكِرونه، وأنه هو، ثم يعرفونه من إصبع رِجله، وكانت زائدة الطول، فيجزمون بقتله.
وكان ذلك في هذه السنة فيما أظنّ أو في التي قبلها، واللَّه أعلم.
وأراح اللَّه تعالى منه العباد والبلاد.
ومَلَك بعده مملكتَه أخوه المحسّن، وكان أخّذه سببًا لرَفْع بير بُضاغ رأسه على أبيه، كما يأتي ذلك في محلّه من تاريخنا هذا إن شاء اللَّه تعالى.
(1)
في الأصل: "غلى".
(2)
كلمة غير مفهومة، لعلّها "المُكَلّا"؟
(3)
كلمة غير مفهومة، لعلّها "المدفن"؟
(4)
في الأصل: "اعداه".
(ترجمة سيد
(1)
عمر الكردي)
(2)
239 -
عمر بن ()
(3)
البَبَاني
(4)
، الكردي.
نزيل القاهرة، الشيخ الصالح، الوليّ، المعتقد، المجذوب.
هو من طائفة الأكراد الذين يقال لهم البَبَانيّة بباءين، ثانية الحروف، مفتوحتين، بعدهما ألف ونون.
ولد بتلك البلاد بعد القرن بيسير.
وقدم القاهرة من بلاده، وتنزّل في صوفيّة الخانقاه الصلاحية سعيد السعداء، ودام على ذلك مدّة حتى بدا
(5)
منه ما يشبه الاختلال، ثم تزايد به الحال حتى انجذب، وصار يخلّط في كلامه، فنقله أهل الخانقاه عنهم، فسكن ببعض الدُور، ثم انتقل إلى جامع قَيْدَان
(6)
بنواحي قناطر الإوَزّ من ضواحي القاهرة، وأقام بمكانٍ هناك مدّة حتى شُهر بالصلاح، وقصده النار للتبرّك به، وكثُر اعتقادهم فيه، وطلبوا منه الدعاء، وازدحموا عنده، وهو مع ذلك لا يخلّ بالصلوات الخمس في أوقاتها، مع الطهارة الكبرى في الخمسة أوقات على مدى الأزمنة، لا يفتر عن ذلك، ولا يتركه غالبًا، لا شتاءً ولا صيفًا. واجتمع عليه جمعٌ حافل من الفقراء بزاوية هناك تُعرف به، وكان من أهل الطلب في مبادئه، ولعله قرأ شيئًا ببلاده، فإنه كان في بعض الأحيان يصحو من الجذْبة يتكلّم بكلام متين يدلّ على الفضل والعلم، ثم ذُكر عنه الكرامات والمكاشفات.
وكاشف الوالَد غير ما مرة على ما نُقل لي عن الوالد.
وكان لا يقبل من أحدٍ شيئًا، إلّا من نوع الأكل، من بعض الناس، لا من كل من يُحضر إليه ذلك. ولم يزل على ما هو عليه مدّةً مطوّلة.
(1)
هكذا. والمصطلح: "سيدي".
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
بياض في الأصل، وفي الضوء: عمر بن إبراهيم بن أبي بكر البانياسي.
(4)
انظر عن (البَبَاني) في: النجوم الزاهرة 16/ 328، 329، والضوء اللامع 6/ 64 رقم 219، ونيل الأمل 6/ 178 رقم 2581، وبدائع الزهور 2/ 413، و"البَبَاني" بموحّدتين مفتوحتين ونون.
(5)
في الأصل: "بدى".
(6)
جامع قيْدان: بفتح القاف وياء ساكنة ودال مهمَلَة. بظاهر باب الفتوح، على الخليج المصري. وهو منسوب إلى الأمير مظفّر الدين قيدان الرومي الذي أقام فيه منبرًا لخطبة الجمعة. انظر عنه في: المواعظ والاعتبار ج 4 ق 1/ 254، والنجوم الزاهرة 16/ 328، وبدائع الزهور 3/ 176، والخطط التوفيقية لعلي مبارك 5/ 200.
حتى توفي في ليلة الجمعة سلْخ محرّم.
وهرع الناس لجنازته لما تسامعوا بموته، فجُهّز وأُخذ متوجّهًا به إلى الصحراء. وكان الظاهر خُشقدم أمر بأن يُحمل إلى تربته فيُدفَن بها، وصُلّي عليه ثلاث مرّات، وحُمل نعشه على الأصابع، وازدحمت الناس، ولا سيما العوامّ، على جنازته، وكانت حافلة جدًّا، رحمه اللَّه تعالى ونفعنا به.
وكان له يوم مات نحو السبعين سنة.
240 -
قان بَرْدي الظاهري
(1)
.
الخاصكي، وأحد الدوادارية، المعروف بالصُّغيرَّ.
كان من مماليك الظاهر جقمق، وصُيّر خاصكيًّا بعده، ودام كذلك إلى سلطنة الظاهر خُشقدم، فصيّره من جملة الدوادارية، وأقطعه إقطاعًا جيدًا، ودام على ذلك حتى بلغه الأجل.
وكان إنسانًا حشمًا، أدوبًا، عاقلًا، سيوسًا، ذا خيرٍ وديانة.
توفي في هذه السنة، ولم يحضُرني شهر وفاته.
واسمه مركّب من "قان" وهو الخان أيضًا، وهو السلطان. و"بَرْدِي" بمعنى أعطى، وقد مرّ الإشارة إليهما معًا وما في "قان" من الكلام والسلام.
241 -
قانَم الظاهري
(2)
، الخاصكي والبوّاب.
كان من مماليك الظاهر خُشقدم وأحد خواصّه، وصيّره خاصكيًّا في دولته وبوّابًا، وبلغه عنه شيء
(3)
، وقد أشرنا إلى ذلك آنفًا، فقبض عليه وأمر بتوسيطه بين يديه بالحَوْش، فوُسّط، ووُسّط بعده بَرْسْباي الماضي في مرتبة الباء.
وكان قانَم هذا شابًا له جرأة وعنده شجاعة، ويقال: إنه كان لا بأس به.
242 -
قَرَدَم الأبو بكري
(4)
، المؤيَّدي.
أحد الخمسات، وأمير جان دار.
(1)
لم أجد مصادر لترجمة قان بردي الظاهري.
(2)
انظر عن (قانم الظاهري) في: الضوء اللامع 6/ 199، 200 رقم 689، ونيل الأمل 6/ 179 رقم 2583.
(3)
في الأصل: "شيئًا".
(4)
انظر عن (قردم الأبو بكري) في: نيل الأمل 6/ 172 رقم 2576 وقد تقدّمت ترجمته في السنة السابقة.
تقدّم في التي قبلها
(1)
. ولعلّه مات في هذه، بدليل كون بُرْدُبك هجين وُلّي الجان دارية في هذه السنة على ما عرفت ذلك في المتجدّدات فيها، في شوال، فقوي اليقين بأنه مات إمّا في شهر رمضان أو في شوّال منها، فلهذا أعدناه هاهنا، على أنّني ما حرّرت ذلك، ولا يخلو الأمر من هذا أو ذاك.
243 -
كَرْتَباي الجركسي
(2)
.
حموُ الظاهر جقمق، ثم حمو جانَمْ نائب الشام
(3)
، وأحد ملوك بلاد الجركس ببعض القلاع.
قدم القاهرة في دولة الظاهر جقمق، ومعه ابنته جان سوار الماضية، فأكرمه الظاهر غاية الإكرام، وعرض عليه الإسلام وعرّفه محاسنه، فأسلم، وقيل: بل حضر مسلمًا. ثم عقد السلطان على ابنته جان سوار المذكورة على ما عرفتَ ذلك في يوم وقوعه في تاريخنا هذا. ثم عاد صاحب الترجمة إلى بلاده وبيده مُلْك بعض بلاد الجركس وحصونها، وأسلم على يده جماعة من أهل بلاده، ودام بها حتى تزوّج جانَم الأشرفيُّ ابنتَه، وصُيّر نائب الشام، فقدم عليه بدمشق في سنة أربع وستين، ودام عنده مدّة فأكرمه غاية الإكرام.
ورأيته غير ما مرة بدمشق وهو يساير جانَم المذكور في بعض الأحيان حين ركوبه، شيخًا طُوالًا، منوّر الشيبة، حسن الهيئة والشكالة، مع وضاءة.
وكان فارسًا، بطلًا، شجاعًا، من ذوي العراقات ببلاده، وله رياسة بها.
وعاد إلى بلاده في سنة خمسٍ وستين معزَّزًا مكرَّمًا من جانَم، ودام على ما هو عليه حتى توفي بها في هذه السنة.
واسمه مركّب من "كرت" وهو بمعنى: حقّ، أو اللَّه حق، ثم جُعل عَلَمًا على الشخص.
244 -
كمشْبُغا السيفي
(4)
بخش باي
(5)
الأشرفي.
نائب البيرة.
كان من مماليك بَخْش باي الأشرفي، أحد خواصّ الأشرف بَرسْباي، وهو
(1)
برقم 196.
(2)
لم أجد لكرتباي الجركسي ترجمة في المصادر.
(3)
هو جانم الجركسي. قتل سنة 866 هـ. انظر عنه في: إعلام الورى، وذيله 56 - 62 رقم 61.
(4)
انظر عن (كمشبغا السيفي) في: النجوم الزاهرة 16/ 334، والضوء اللامع 6/ 231 رقم 798، ونيل الأمل 6/ 192 رقم 2594، وبدائع الزهور 2/ 334.
(5)
في بدائع الزهور "نخشباي" بالنون، ومثله في النجوم الزاهرة 16/ 334.
الذي ضُربت عنقه بسبب ما ذُكر أنه سبّ الشريف حسام الدين بن حُرَيز في بعض سفراته لمنفلوط، على ما زعموا، وأثبتوا ذلك بقيام الظاهر بذلك. وترجمته وكائنته مشهورة في محلّها من التواريخ، وذكرها الحافظ ابن
(1)
حجر في تاريخه "إنباء الغمر"
(2)
. ونزول مملوكه كمشبُغا هذا بعده في ديوان الجند السلطاني، ثم ترقّى إلى الخاصكيّة، ولم يزل على ذلك حتى سعى له في نيابة قلعة حلب بمالٍ بذله في ذلك، وتوجّه إليها فلم تُحمد سيرته، ولا شُكرت أفعاله بها فنقل منها بعد صرفه إلى نيابة البيرة عِوضًا عن أبي بكر بن صالح لما نُقل إلى حجوبية الحجّاب بحلب، ووُلّي نيابة القلعة عوضًا عنه (تغري بردي بن)
(3)
يونس، على ما عرفت ذلك في متجدّدات هذه السنة في أوائل صفر، فلم تطُل مدّته بالبيرة.
حتى توفي بها في أوائل شوال.
وكان لا بأس به.
ولما ترجمه تغري بردي قال في حقّه
(4)
: وكان لا ذات ولا أدوات، ولولا أنه وُلّي ذَين الولايتين لما ذكرته. هكذا قال. واللَّه أعلم.
245 -
محمد بن أحمد بن ()
(5)
البطونسي
(6)
، السكندري، المالكي.
الشيخ الإمام، العالم، البارع، تاج الدين.
أحد أئمّة القصر، ومدرّس الحديث بالمدرسة الظاهرية البرقوقية.
ولد سنة خمس عشرة وثمانمائة.
وحفظ القرآن العظيم في حالة صِغره، وجوّده على جماعة بالسبْع، وزاد أيضًا على ذلك، واشتغل أيضًا، وأخذ عن جماعة. وكان أحد القرّاء بمصر، وانتفع به جماعة في القراءات
(7)
، وأمّ بالقصر، وكان من جملة أئمّته غير سنة،
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
ج 4/ 101 وفيه: "يَخْشباي الأشرفي" بالياء المثنّاة من تحتها.
(3)
ما بين القوسين عن الهامش.
(4)
في النجوم الزاهرة 16/ 334 وفيه "نَخْشَباي" بالنون.
(5)
بياض في الأصل.
(6)
انظر عن (البطونسي) في: نيل الأمل 6/ 194 رقم 2598 وفيه: "البطرلسي"، والنجوم الزاهرة 16/ 336 وفيه "الفطويسي"!، وبدائع الزهور 2/ 422 وفيه كما أثبتناه "البَطَونسي". ولم نجده في الضوء اللامع لنتحقق من صحة النسبة.
(7)
في الأصل: "القرات".
ووُلّي الحديث بالبرقوقية، وسمع الحديث على جماعة. ولم يكن ماهرًا في غير القراءات، ووجُه في أواخره وشُهر.
وتوفي في نصف ذي القعدة.
246 -
محمد بن عطيّة
(1)
البَرْدَدار.
المقتول بدمشق.
تقدّم في المتجدّدات ذِكر كائنة قتْله فلا نعيد ذلك، وكان ظالمًا سيّئ السيرة، فلا جَرَم أخذه اللَّه تعالى على تلك الهيئة التي ذكرناها.
247 -
محمد بن محمد بن حسن بن علي بن سليمان الحلبي
(2)
، الحنفي. شمس الدين المؤقّت بجامع حلب، المعروف بأمير حاج ابن
(3)
شمس الدين المؤقّت أيضًا.
ولد في سنة إحدى أو اثنتين وتسعين وسبعمائة بحلب.
وبها نشأ فحفظ القرآن العظيم، واشتغل شيئًا، وبرع في علم الوقت وعرفه المعرفة الجيدة التامّة. وكان والده مثله كذلك.
وتوفي بحلب في سادس عشرين شوال.
وهو والد العلّامة شمس الدين ابن
(4)
أمير حاجّ الآتي في سنة 88
(5)
، إن شاء اللَّه تعالى.
(ترجمة أبي
(6)
الفضل)
(7)
248 -
محمد بن محمد بن حسن التيمي
(8)
، القاهري، (الشاذلي)
(9)
الحنفي. الشيخ شمس الدين، أبو الفضل بن الشيخ الصالح القُدوة، المسلّك،
(1)
انظر عن (ابن عطية) في: نيل الأمل 6/ 188 رقم 2592 ولم يذكره غير المؤلّف رحمه الله.
(2)
انظر عن (ابن سليمان الحلبي) في: الضوء اللامع 9/ 72، 73 رقم 193.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
هكذا في المخطوط. وهو "محمد بن محمد بن محمد بن حسن
…
" ولد سنة 825 ومات ليلة الجمعة 29 رجب سنة 879 هـ. (الضوء اللامع 9/ 211210 رقم 193) ".
(6)
في الأصل: "أبو".
(7)
العنوان من الهامش.
(8)
انظر عن (التيمي) في: النجوم الزاهرة 11/ 334، والضوء اللامع 9/ 72، 73 رقم 193، وص 75، 76 رقم 198، ووجيز الكلام 2/ 862 رقم 1754، وفيه اسمه "عبد الرحمن"، والذيل التام 2/ 177، 178، ونيل الأمل 6/ 196 رقم 2602، وحوادث الزمان 1/ 166، 167 رقم 209.
(9)
عن الهامش.
العارف، شمس الدين، صاحب الزاوية، الماضي ذكره في محلّه في تراجم سنة سبع
(1)
وأربعين من تاريخنا هذا.
ولد الشمس صاحب الترجمة في سنة ()
(2)
بالقاهرة، وبها نشأ. فحفظ القرآن، وعدّة متودن، واشتغل شيئاً، وأخذ عن أبيه في طريقه، وسمع الحديث، وخَلَف والده في زاويته، وصار يحض
(3)
الناس على طريقة أبيه
(4)
، وإليه التكلّم على الزاوية وأوقافها، وخرج مرة لبعض جهات الوجه البحري وعاد من سفره موعوكاً فنزل بدارهم بجزيرة أرْوَى المعروفة بالوسطى، فاتفق أن بَغَتَه أجله بها. وكان من أهل الفضل، وله مشاركة في أشياء، ولم يكن بالخالي من الفضيلة.
قال ابن
(5)
تغري بردي
(6)
: لكنه لم يكن أميناً على الأوقاف.
وذكره بعضهم فقال: وكان من المخلّطين، واللَّه أعلم.
توفي بالجزيرة المذكورة في ليلة السبت ثامن ذي الحجة.
وحُمل من الجزيرة في بكرة يوم السبت وجُهّز، وصُلّي عليه، ودُفن بزاوية أبيه.
وترك ولده الشاب المشتغل المحصّل أبا
(7)
اليَسَر محمد
(8)
، وهو إنسان حسن، ساكن، ولد سنة اثنتين
(9)
وخمسين وثمانمائة، ونشأ نشأة حسنة فحفظ
(1)
ضاعت ترجمته في جملة ما ضاع من حوادث ووفيات سنة 847 هـ. وهو: محمد بن حسن بن علي التيمي، الشاذلي، الحنفي، انظر عنه في: النجوم الزاهرة 15/ 500، وإنباء الغمر 4/ 222 رقم 11، ونزهة النفوس 4/ 292 رقم 849، ووجيز الكلام 2/ 591، 592 رقم 1364، والتبر المسبوك 84، والذيل التام 1/ 643، وحُسن المحاضرة 1/ 529، ونيل الأمل 5/ 174 رقم 2040، وبداثع الزهور 2/ 238.
(2)
بياض في الأصل.
(3)
في الأصل: "يحظ".
(4)
ذكر السخاوي في الضوء اللامع 9/ 75، 76 رقم 198 ما يلي:"محمد بن محمد بن حسن بن علي، خير الدين، أبو الخير القاهري، الشاذلي، الماضي أبوه. ولد سنة ثلاث عشرة وثمانمائة. وهو ذو وجاهة وسمت وتوجّه للوعظ على طريقة أبيه". والنفس تميل إلى أن صاحب الترجمة هو المقصود، وإن كان لقبه وكنيته مختلفين.
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
في النجوم الزاهرة 16/ 334.
(7)
في الأصل: "أبو".
(8)
هكذا في الأصل. وفي الضوء اللامع 11/ 151 رقم 493: "أبو اليسر بن أبي الفضل هو أحمد بن عبد الرحمن بن الشيخ محمد بن حسن الحنفي الماضي أبوه وجدّه. ولد سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، وحفظ القرآن وغيره، واشتغل ولازم السيفي الحنفي ولذا".
(9)
في الأصل: "سنة اثنين".
القرآن العظيم وبعض متون. وعرض على جماعة من الأعيان، ثم اشتغل بالعلم فأخذ عن جماعة منهم: الزين قاسم بن قطْلُوبُغا الحنفي، وكان جدّه لأمّه ولازم شيخنا العلّامة السيف الحنفي، ثم لازم بعده الصلاح الطرابُلُسي، وهو بصدد الاشتغال إلى يومنا هذا. وله ديانة وخير، نفع اللَّه تعالى به.
وقد تقدّم ترجمة عدّة من إخوة (صاحب الترجمة)
(1)
وأولادهم، لا سيما في ترجمة الشيخ الحنفيّ.
249 -
مُغُلْباي البُجَاسي
(2)
.
حاجب الحجّاب بطرابلس، ثم الأتابك بها.
كان من مماليك تَنِبَك البُجاسي وتنقّلت به الأحوال بعده حتى وُلّي نيابة قلعة الروم، ثم الحجوبية الكبرى بطرابُلُس، ثم صُرف، ثم قرّر في الأتابكية بطرابُلُس، وخرج إلى غزوة قبرس، ثم عاد منها، ثم أعيد إلى قبرس، ثم عاد وأُخرج إلى القدس (بَطّالاً، فدام بها حتى توفي في هذه السنة)
(3)
.
250 -
يَرَش السيفي
(4)
جانبك نائب جُدّة.
الدوادار الكبير، الخاصكي، كان من مماليك جانبك المذكور، اشتراه صغيراً فربّاه وأدّبه وهذّبه وأعتقه، ورقّاه إلى خازنداريّته الثانية، ثم لما قُتل صار إلى خدمة السلطان وقرّبه وأدناه واختصّ به حتى نُقل عنه أنه اتفق مع آخرين من خاصكيّة السلطان على اغتياله فقبض عليه، ثم أمر به فضُرب بين يديه، وقاسى الذُلّ والهوان.
وآل أمره أن غُرّق في بحر النيل في ليلة الخميس العشرين من ذي الحجة، كما تقدّم ذلك. وذكر [نا] هذه الكائنة في متجدّدات الحجّة من هذه السنة.
وغُرّق معه أخرون
(5)
.
(1)
ما بين القوسين كُتب تحت السطر.
(2)
لم نجد ترجمة لمغلباي البجاسي في المصادر. وهو مذكور في حوادث سنة 867 هـ. في نيل الأمل 6/ 151، 152، والنجوم الزاهرة 16/ 92، والتبر المسبوك 393، وتاريخ طرابلس 2/ 73 رقم 24.
(3)
ما بين القوسين من هامش المخطوط.
(4)
انظر عن (يَرَش السيفي) في: الضوء اللامع 10/ 269 رقم 1072 وفيه: "يرش الدواداري جانبك. مات سنة ثمان وستين". (انتهى)، ونيل الأمل 6/ 195 رقم 2600، وبدائع الزهور
(5)
في الأصل: "آخرين".
وله من السنّ دون العشرين سنة.
وكان شكلاً حسناً، شاباً، متجمّلاً، كيّساً، حذقاً، فطِناً، نادرة في بني جنسه.
واسمه مفرَد بلغة التُرك معناه: "تُصاحِب" أمر من المصاحبة، هذا إذا كان بفتح الراء، وأمّا إذا كان بكسرها فيكون معناه:"إلْحَق" أمر من اللحوق والوصول إلى الشيء. وربّما يكون له معان أُخَر إذا أمعن عارف لغة التُرك في النظر، ولسنا بصدده.
251 -
يوسف بن بَرْسْباي
(1)
الدُّقماقي، الظاهري، الجركسي الأصل، القاهري، الحنفي.
السلطان الملك العزيز، أبو المحاسن، جمال الدين ابن
(2)
السلطان الملك الأشرف، أبو النصر، سيف الدين، صاحب الديار المصرية والبلاد الشامية والأقطار الحجازية وما والى ذلك من الممالك وخلافه.
ولد بقلعة الجبل في أيام سلطنة أبيه في جمادى الأولى سنة سبع وعشرين وثمانمائة.
252 -
• وأمّه أمّ ولد اسمها جُلُبّان
(3)
، جركسية الجنس، أعتقها الأشرف أستاذها بعد ولادة ولدها هذا، وعقد عليها، وجعلها الخَوَند الكبرى بعد ذلك، وكانت مختضة بأستاذها، وتقدّمت عنده، وعظُم أمرها عنده جدّاً، وبعث إلى بلاد الجركس بإحضار أقاربها، فأُحضرت هي وجماعة من إخوتها ما بين رجال ونساء، وكانوا عدّة، فمن إخوتها الذكور: بيبرس، و ()
(4)
، وقانباي، وبايزيد، ومن
(1)
انظر عن (يوسف بن برسباي) في: النجوم الزاهرة 16/ 326 - 328، والمنهل الصافي 12/ 202 - 210 رقم 2703، والدليل الشافي 2/ 799 رقم 2691، ومورد اللطافة 2/ 156، 157، والضوء اللامع 10/ 303 رقم 1174، ووجيز الكلام 2/ 763 رقم 1757، والذيل التام 2/ 178، 179، ونظم العقيان 179 رقم 199، ونيل الأمل 6/ 176، 177 رقم 2580، وبدائع الزهور 2/ 413، وشذرات الذهب 7/ 309، وتاريخ قاضي القضاة العليمي (مخطوط المتحف البريطاني، رقم 1544) ورقة 137 أ.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
انظر عن (جُلُبّان) في: السلوك ج 4 ق 2/ 985، 986، وإنباء الغمر 4/ 27 رقم 9، والنجوم الزاهرة 15/ 203، ونزهة النفوس 3/ 361، 362 رقم 757، والضوء اللامع 12/ 17، ووجيز الكلام 2/ 546 رقم 1266، والذيل التام 1/ 600، ونيل الأمل 4/ 405 رقم 1849، وبدائع الزهور 2/ 169.
(4)
الاسم ممسوح.
النساء: أرزي، وأصيل زوجة الوالد، وغيرهما. وأحضر أيضاً من أقاربها غير من ذكرنا. وحجّت جُلُبّان في سلطنة زوجها حجّة حافلة، ورأت من الجاه والحُرمة ونَفَاذ الكلمة ما لا يُعبّر عنه بوصف.
وماتت بعد أن انتهت إليها رياسة الخَوَندات بمصر في يوم الخميس ثاني شوال سنة تسعٍ وثلاثين وثمانمائة.
وتركت ترِكة هائلة جدّاً، ما بين آلات الخَوَندات من أمتعة وجواهر ويواقيت وفصوص مثمّنة، وغير ذلك من أقمشة وملابس وأثاث، وأشياء أُخَر يطول الشرح في ذكرها. وتركت من الذهب بالنقد العين سبعين ألف دينار على ما قيل. وماتت بعلّة الصرَع. وكان لها جنازة حافلة، ودُفنت بتربة زوجها وأستاذها بالقبّة المُعَدّة لها بالحَوش الذي خلف التربة المذكورة. وترجمتها مشهورة.
ونشأ ولدها هذا في حجر السعادة والعزّ والإدلال، وكان عزيزاً عند أمّه جدّاً، وكذا عند أبيه. ولما وعك في الطاعون الكائن في سنة ثلاثٍ وثلاثين تُصدّق عنه بوزنه فضّة مضروبة. وكان سنّه إذ ذاك فوق الست سنين مع خصب جسمه. ولم يزل ينبت نباتاً حسناً إلى أن ترعرع، فأُقرئ القرآن العظيم، وكان المتولّي لقراءته الشيخ سراج الدين العبّادي، لهذا قيل له: فقيه سيدي. بل ربّما عُرف بذلك. ثم لما بلغ نحو السبع سنين خُتِن، واحتفلت أمّه بشأن ختانه، وكذا والده، وكان مَهَمّاً هائلاً، وخُتن معه جماعة من أولاد الأعيان، ثم أُقرئ شيئاً من الرسائل الفقهية وعُلّم الآداب والأنداب والتعاليم وأنواع الفروسية، ثم صُيّر أميراً كبيراً من مقدَّمين
(1)
الألوف. وكان يجلس على رأس ميسرة أبيه على عادة أولاد الملوك، وباشر في أيامه تخليق المقياس، وكسْر البحر غير ما مرة، في مواكب جليلة حافلة. وكان له ذِكر وشُهرة وعظمة زائدة في سلطنة أبيه، ولا زال في ذلك العزّ إلى أن تمرّض والده، فعهد إليه بالمُلك في يوم الثلاثاء رابع ذي القعدة سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، بحضور الخليفة والقضاة الأربعة
(2)
والأمراء وغيرهم من أهل الحلّ والعقد، والأكابر والأعيان والجُند، وأنفق فيهم الأشرف في ذلك اليوم نفقة أصاب كل إنسان من الجند ثلاثين
(3)
ديناراً. ثم كُتب العهد بذلك، وشهد على الأشرف به، وأمضاه الخليفة. ثم جُعل الأتابك جقمق وصيّاً على ولده، ونظّاماً مدبّراً لمملكته، وكتب له بذلك سِجلّاً مفرَداً.
(1)
الصواب من "مقدَّمي".
(2)
في الأصل: "القضاة الأربع".
(3)
الصواب: "ثلاثون".
ثم لما مات والده الأشرف المذكور بويع له بالسلطنة، وعُقد له المُلك في يوم موته، وذلك بعد عصر نهار السبت ثالث عشر ذي الحجّة سنة إحدى وأربعين المذكورة، بعد حضور الخليفة، وهو يومئذٍ الإمام المعتضد باللَّه أبو الفتح داود، أمير المؤمنين، وحضر قضاة القضاة والأمراء وغيرهم من أهل الحلّ والعقد. وعُقد له المُلك بباب الستارة، وأُحضِر الشِعار وهو الخلعة السوداء الخليفتي، فأفيض عليه وتعمّم بالعمامة السوداء، وتقفد بالسيف، وأُحضر إليه فَرَس النَوبة بالقماش الذهب والزركشي، فركب من باب الستارة وقد تهيّأ الأمراء والجُند بقماش الموكب السلطاني على العادة، وسار والكلّ مُشاة بين يديه قاصداً القصر الكبير، ثم أُحضرت القبّة والطير فحملها الأتابك جقمق على رأسه، ومشى، والجاويشية تزعق بين يديه، وعملت الشبّابة والدفّ، ولُعب بالغاشية أمام فرسه. ولم يزل في سيره بذلك الموكب الهائل حتى وصل لباب القصر فأُنزل على بابه ودخل إليه، وقد هُيّيء التخت سرير المُلك لجلوسه عليه، فرفع إليه فجلس به وقام الكلّ بين يديه، ثم قبّلوا له الأرض على عادتهم في ذلك.
ولُقّب بالعزيز، وكُنّي بأبي المحاسن. وهو ثاني سلطان لُقّب بالعزيز بمصر، والأول العزيز عثمان، وهو مشهور، وهذا اللقب باسم يوسف أقعَد وأَنسَب. وهو ثاني سلطان اسمه يوسف أيضاً بمصر، والأول الناصر يوسف بن أيوب أول ملوك الأكراد من بني أيوب المشهور أيضاً، ثم خلع على النظام جقمق وعلى الخليفة. وضربت البشائر بسلطنته. ونزل المنادي لها بشوارع القاهرة وطلب الدعاء له. وهو السلطان الثالث والثلاثون من ملوك التُرك وأولادهم بمصر، وخامس ابن
(1)
ناس يُسلطن من بعد برقوق. ولما تم أمره في المُلك فرّق النفقة السلطانية على العسكر بحكم العدل والتسوية من غير أن يفرّق بين أحدٍ من الجند، وكانت نفقته على قاعدة الملوك العظام ذوي الهِمَم العليّة القائمين بناموس المُلك والنظام، ولم تفرّق بعده النفقة على ذلك الوجه من غيره، وأخذ من السلاطين ولم يخلع على البعض منهم نفقة أصلاً. ودام العزيز هذا في المُلك ناهياً آمِراً، ظاهراً باطناً، ووُلّي مُلك والده (
…
)
(2)
وكانوا عدداً موفوراً، وفيهم الأعيان والأمراء وغيرهم، إلى أن ثار به الأتابك جقمق بسبب تحالفٍ وقع بينه وبين مماليك أبيه، خاف على نفسه، فضيّق عليهم حين حضور قَرقُماس الشعباني
(3)
من البلاد الشامية، وقام قَرقُماس
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
كلمة ممسوحة.
(3)
مات قرقماس الشعباني قتلاً سنة 842 هـ. انظر عنه في: السلوك ج 4 ق 3/ 1104، 1105 =
المذكور في إزالته أتمّ قيام، وحرّض الأتابك جقمق على ذلك، مع تطلّع الأتابك وتشوّفه لذلك، وكان المُنْبَغي له عدمه، لا سيما وقد قبض على من كان يخافهم. لكنْ خلَاله
(1)
المُلك فلم ينل
(2)
عاطفة من الإعانات. وآل الأمر بعد ذلك إلى القال والقيل الكثير الذي يطول الشرح في ذِكره، حتى خُلع صاحب الترجمة من المُلك في يوم الأربعاء تاسع عشر ربيع الأول سنة اثنتين
(3)
وأربعين وثمانمائة، وبويع فيه للظاهر جقمق على ما عرفته في ترجمة الظاهر، فكان مدّة ملك العزيز هذا ثلاثة
(4)
شهور، تزيد يومين، ولم يكن له فيها من الأمر والمُلك إلّا مجرّد الاسم فقط، وقُبض عليه بعد خلعه، وأدخل إلى القاعة البربرية بالحريم السلطاني، وأُمر بأن يقيم بها مع جماعة من خدمه، وفيهم بعض طواشية أُمّه، وهو صندل
(5)
، لتقاضي أشغاله، وكان له دون العشرين سنة، لكنه فطِن يقِظ حاذق
(6)
، فكان كلّما بلغه عن العزيز هذا شيء
(7)
يبلغه إيّاه. وكانت الإشاعات والأراجيف قد كثُرت بالقاهرة في حق العزيز، منها أنه سيُقتل، ومنها أنه يُحمل إلى سجن الإسكندرية، ومنها أنه يكحَّل، إلى غير ذلك من الإشاعات المخيفة، وصندل يبلغه جميع ذلك، فصار في تخوّف عظيم، لا سيما وهو صغير السنّ، وتوسّع خياله، فأخذ صندل يمنِّيه ويحسّن له الهروب من القلعة، واستبعد هو ذلك، ثم وافقه عليه بواسطة موافقة إبراهيم الطبّاخ
(8)
مع صندل في ذلك، والتزام الطبّاخ بأنه ينقب من المطبخ إلى القاعة، (
…
)
(9)
الطبّاخ (
…
…
)
(10)
صندل والعزيز ومن عنده من
= و 1149، 1150، وإنباء الغمر 4/ 103، 104 و 124 رقم 13، والنجوم الزاهرة 15/ 281، 282 و 466 - 468، والمنهل الصافي 9/ 57 - 63 رقم 1867، والدليل الشافي 2/ 541 رقم 1859، ونزهة النفوس 4/ 128 رقم 784، والضوء اللامع 6/ 219 رقم 729، ووجيز الكلام 2/ 563، والذيل التام 2/ 615، 616، وتاريخ الملك الأشرف قايتباي 158، 159 و 161، والتبر المسبوك 139، وتاريخ ابن سباط (بتحقيقنا) 2/ 793، ونيل الأمل 5/ 65، 66 رقم 1919، وبدائع الزهور 2/ 205، 206، وتاريخ الأزمنة 349.
(1)
في الأصل: "خلى".
(2)
في الأصل: "فلم ينال".
(3)
في الأصل: "سنة اثنين".
(4)
في الأصل: "ثلاث شهور".
(5)
انظر عن (صندل) في: نيل الأمل 5/ 81 و 6/ 236 و 164 وهو صندل الهندي الطواشي.
(6)
في الأصل: "لكنه فطنا، يقظا، حذقا".
(7)
في الأصل: "شيئا".
(8)
انظر عن (إبراهيم الطبّاخ) في: نيل الأمل 5/ 73.
(9)
كلمة ممسوحة.
(10)
كلمتان ممسوحتان.
الجواري موارياً لنقبه، حتى تهيّأ لهم ذلك، واتصل الثُقْبان، وكان ذلك في رمضان في آخر لياليه، فخرج العزيز من النقب (
…
…
)
(1)
عرياناً مكشوف الرأس، وزَيّاه إبراهيم الطبّاخ بزِيّ صبيان الملفدارية (
…
…
)
(2)
على رأسه بالطعام، وأنزله من القلعة بين المغرب والعشاء في الغَلَس الكائن بعد المغرب. ولما نزل وجد طوغان
(3)
، وأزدمر
(4)
، وصندل، وشِرْذمة قليلة من الأشرفية (
…
)
(5)
صندل قد قرّر عند طوغان، وهرب بروحه، وقرّروا أنهم يقومون معه من غير أن يتشاوروا في ذلك مع الأكابر والأعيان من الأشرفيّة، ومن غير رأي ولا تدبير سديد (
…
)
(6)
نزول العزيز. ولما رأى العزيز ذلك أنكره ونَهَرَ صندل، وكان في ظنّه أنه في ساعة خروجه (
…
…
…
)
(7)
الظاهر حتى يعود هو إلى ملكه، ولما لم يجد شيئاً من ذلك، عَزم على عَوده لمكانه، فلم يمكنه ذلك، فندم على نزوله على هذا الوجه غاية الندم، فأخذ طوغان يُطمئنه ويَعِده ويُمنّيه، ثم أخذ في تدبيره في التوجّه إلى بلاد الصعيد بمن معه من الجماعة الأشرفية، ليُعْلمهم بأن يحضروا إليه حتى يقوموا معه، ثم توجّه من ساعته، وجرت عليه أمور، وكان له قصّة يطول الشرح في ذِكرها آل فيها الأمر إلى قتْله موسَّطاً شرّ قتْلة، ثم دخل جماعة من الأشرفية إلى إينال الأشرفي، وكان قد عيّن لإمرة الحاجة، فأخبره بالكائنة ليتأهّب للقيام مع العزيز، واختفى العزيز ببعض الدُّور بالمضيّع. ولما بلغ إينال ذلك وعده بالخيل، وعرف ذلك هذا مما يؤذن إلى التشويش عليه، فاختفى لوقته لئلّا يتنبّه الظاهر إلى شيء. ولما أصبح النهار، واتفق أنه لم يُرَ هلال الفِطر، خرج الظاهر ليركب ولا علم عنده بما وقع ( ...... )
(8)
وأمر السلطان ونهى، وعيّن التجاريد إلى البلاد الشامية لأجل إينال الجَكَمي، وتَغْري بَرْمش، وكانا قد قاما بتلك البلاد، وخرجا عن طاعة الظاهر، ودعيا للعداءات.
وبينا الظاهر في أثناء ذلك، إذ بلغه خبر تسحُّب العزيز، فحصل عنده
(1)
كلمتان ممسوحتان.
(2)
كلمتان ممسوحتان.
(3)
هو طوغان الأشرفي. (نيل الأمل 5/ 73) وهو قُتل سنة 842 هـ. ويُدعى طغان الزردكاش. (السلوك ج 4 ق 3/ 1127، ونزهة النفوس 4/ 92 - 94، ونيل الأمل 5/ 80، 81 رقم 1927، وبدائع الزهور 2/ 213).
(4)
انظر عن (أزدمر) في: نيل الأمل 5/ 3 و 81.
(5)
كلمة ممسوحة.
(6)
كلمة ممسوحة.
(7)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(8)
مقدار كلمتين فقط.
الباعث الشديد من ذلك، وقلق قلقا زائداً، وظهرت عليه وعلى أمرائه الكآبة والخوف الشديد، وماجت المملكة واضطربت، واختلفت الأقاويل في أمر العزيز. وبينا السلطان في هذا الخَطْب العظيم وما دهمه منه إذ بلغه هروب إينال أيضاً، فزاد ما به وكثُر وهْمُه، ولم يشكّ في أن إينال هو الذي أخذه، وتوجّه به على الهُجُن للبلاد الشامية لإينال الجَكَمي، وتَغري بَرْمش، ولو فعل إينال ذلك لكان له شأن، لكنّ القضاء أغلب. ثم أخذ الظاهر في التوصّل إلى معرفة هذه الحادثة على جليّتها بعد أن حنق من الزمام، وعزله، حتى ظهر بخلاف ما (قاله)
(1)
الظاهر، وأسفر الحال بأن العزيز مختفٍ بالقاهرة، وكذا إينال، ولم يخرجا منها، وقبض الظاهر على دادة العزيز سرّ النديم، وكانت عنده بالدُّور السلطانية، ثم قبض بعد ذلك على جهّاله أيضاً. وكانت هذه الكائنة من أعظم الكواين، وحصلت فتنة عامّة، لا سيما في يوم هرب العزيز، وثانيه وهو يوم عيد الفطر، فإنه كان أبشع الأعياد، حتى لم يُصلِّ السلطان بالجامع، بل صلّى بالقصر، وخطب به الحافظ ابن
(2)
حجر على منبر صغير هُيّيء في ذلك اليوم. وجرت أمور يطول الشرح في ذكرها. ووقع للعزيز في اختفائه مِحَن وأمور، وقضايا كثيرة يطول تعدادها ووصْفها، وحصل لكثير من الناس بواسطة ذلك ما لا خير فيه، ونُكبت جماعة كبيرة بسبب ذلك، وتسلّطت المؤيَّدية بالتشويش والأذى البالغ على الناس، وصاروا يركبون ويكبسون مظانّ اختفاء
(3)
العزيز، بل وغير المَظَانّ لأغراضٍ فاسدة، وصار من له غرض عند آخر يلمزه بهذه الكائنة، وضرب الظاهر جماعة كبيرة بالمقارع وعاقبهم بالكسّارات، وفعل ذلك مع الكثير من المماليك الأشرفية، ووسّط طوغان، وغيره، وكُبست الكثير من الحارات، وهُجمت الدُّور، وقلق الظاهر وانزعج لذلك، وكذلك العزيز بسبب التفتيش عليه، وخاف أن يُظفر به، فصار ينتقل من مكان إلى غيره، وتفرّقت عنه أصحابه، ولم يبق معه غير مملوكه أزدمر. ثم بأخرة بعث إلى خاله بيبرس، وكان يسكن بحارة زقاق حلب بداره، فأعلمه بأنه سيجيء إليه ليختفي عنده، فخاف بيبرس المذكور عاقبة ذلك ورأى أنه يقبُح عليه إنْ قُبض عليه، واختشى العار، فنبّه عليه جاره يلباي الذي ولي السلطنة فيما بعد، ولُقّب بالظاهر، وأعلمه بوقت مجيئه إليه، فترصّده يَلَباي حتى قبض عليه وعلى مملوكه هو وآخرين معه، وطلع به إلى الظاهر ليلاً، ففرح الظاهر بذلك، وصيّر يَلَباي من الطبْلخاناة، ووجد مع العزيز مبلغاً نحو الثمانمائة دينار، فأعطى الظاهرُ يَلَباي
(1)
أثبتناها على الترجيح.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "اختفاي".
خمسمائة دينار منها، وفرّق الباقي على من حضر معه وأعانه. ثم أمر بالعزيز إلى الحريم، ودخل السلطان إلى زوجته نعل ابنة البارزي فأسلمه لها، وأمرها أن تجعله في المخدع المُعَدّ لنوم السلطان، وأن تتولّى هي ما يحتاج إليه بيدها، وحرّضها على ذلك، كل ذلك بعد أن أظهر الظاهر قبل ظفره به أنه ظفر به وأنه آتٍ.
واتفق أن مات طواشيّ
(1)
من الخدّام بالقلعة، فجُهّز وأُخرج على أنه العزيز، على ما بلغني. ودام العزيز بالدّور السلطانية إلى أن أخرج إلى سجن ثغر الإسكندرية، فبقي بها بالبرج مدّة سنين، إلى أن أعياه ذلك، وهو مع ذلك متجلّد صابر، واشتغل بمطالعة الكتب والنظر في القرآن، ثم تعانى كتب الأدب حتى حفظ الكثير من الشعر، واجتهد في الفضائل، وحصّل الكمالات النفسانية، مع المواظبة على نوافل الطاعات والعبادات، وهو صابر متجلّد، حتى مضت الدولة الظاهرية الجقمقية والأشرفية الإينالية، وولي الظاهر خُشقَدَم بعث بإطلاقه هو والمنصور عثمان، وكان قد حُمل إلى الإسكندرية على ما تقدّم ذلك. وكان العزيز هذا يُحسن إليه، وما أظهر الشماتة به، ولا أخبره بفعل أبيه معه، لسيادته وعلوّ همّته، وسكن بمكانٍ من الثغر إلى أن بَغَتَه الأجل بها.
وكنت لما دخلت الإسكندرية رأيته بها، ورأيت من حشمه وأدبه وفضله وعلمه وحلمه وجودة قريحته وحُسن سمته، وعقله وتؤدته، ورياسته وعراقته وأصالته، وأثالته ونبالته ونجابته، وكرمه وسخائه، وكبير مروءته، وعُلُوّ همّته، إلى غير ذلك من محاسنه الجمّة ما لا أقدر أن أعبّر عنه، ولو ذكرت شيئاً من ذلك على جهة التفصيل لطال المجال واتّسع المقال، حتى كان عنده من الثياب المخيطة التي تليق بسائر أجناس الناس الشيء الكثير يتسبّب بها من حضر إليه وقصده، أو نحو ذلك. فَما ظنُّك بغير ذلك؟!
وكان وجيهاً في الثغر، وله ذِكر وصِيت حسن، وكان يذاكر بالكثير من الشِعر يحفظه بحيث خرج في حفظه عن الحدّ.
ويُحكى عنه فيه العجب، حتى سمعت إنساناً يذكر لي عنه أنه كان إذا أنشده إنسان مثلاً بيتاً من المواليا أخذ في تصوّره من المواليا ما شاء اللَّه أن يقدر منها، حتى قال لي: لو دام ثلاثة أيام ينشدنا من هذا النوع
(2)
فقط لما فرغ ما في حفظه من ذلك، فما ظنُّك بغير ذلك؟
253 • ولا يكثُر عليه ما ذكرناه من محاسنه، لأن والده كان أضخم مَن ملك من الجراكسة، وأجَلّ ملوكهم في الحقيقة، فإنه كان ملكاً ضخماً، شهماً،
(1)
في الأصل: "طواشيا".
(2)
في الأصل: "النوم".
جليلاً، شجاعاً، مقداماً، بطلاً، ضرغاماً، سيوساً، مدبّراً، ذا عقلٍ تامّ وخبرة وحنكة وتجربة، وديانة وأمانة، كامل الذات، حَسَن الهيئة والصفات، بهيّ الشكل، طاهر الذيل واللسان، مُستوياً
(1)
بظاهرُه وباطنُه، كثير المَيل لسماع القرآن العظيم، حتى رتّب عدّة أجواق من القرّاء تقرأ بالقصر في ليالي الموكب دواما، بمرتبات لهم على ذلك. وكان يحبّ العلماء ويُجلّهم، وُينزلهم منازلهم، بل كان ذلك دأبه مع كل أحد في تنزيله منزلته، وكان له المَيل الكلّي في أهل الخير والدين والصلاح والفقراء، كثير الصيام، عفيفاً عن القاذورات والمنكرات والمسكِرات، حريصاً على قيام ناموس المُلك. وكانت أيامه غُرَر الأيام، على ما حُكي لنا ورأينا في التواريخ. وكان شَرَهُه في المال بواسطة تحسين المحسّنين ذلك له حتى لو حلا
(2)
وطبعه لما مال إلى ذلك، على أنّ من رأى مَن بعده من الملوك عرف قدْره، وأين ذاك وأيامه من هؤلاء وأيامهم:
لم يأتِ من بعده ملك
(3)
يُشابهُهُ
…
ولا يُقاربه أعظمُ منه ملكا
ولم يُر
(4)
مثلُهُ في عُلُوّ همّتِهِ
…
ولا طريقته من بعده سلكا
وله من الآثار العظام والأبنية الهائلة المشهورة المذكورة ما يعرفها كل أحد، وكان يتحرّى في أوقافه وبرّه وخيره الحِلّ.
وبالجملة فكان من أجلّ الملوك قدراً، وأعظمهم شهامة وذِكراً. وفي أيامه فُتحت الجزائر القبرسية، وله نوادر ومفردات لسنا بصددها ولا بصدد ذِكرها، فإنها خارجة عن شريطة تاريخنا هذا، وإنّما ذكرنا هذه النُبذة اليسيرة استطراداً في ترجمة ولده ليُعلمَ قدْرُ الولد أيضاً، فإنه سرّ أبيه.
وتوفي ولده العزيز المذكور بثغر الإسكندرية في يوم الإثنين تاسع عشر المحرّم.
وقد جاوز الأربعين.
عوّض اللَّه تعالى شبابه الجنّة. ثم حُمل إلى القاهرة بعد مدّة من موته يسيرة فدُفن على أبيه في فسقيته.
ويقال إنه سُمّ، واللَّه أعلم بذلك، ولعلّه ليس كذلك. أعني كونه سُمّ.
(1)
في الأصل: "مستو".
(2)
في الأصل: "حلى".
(3)
في الأصل: "ملكاف".
(4)
في الأصل: "ولم يرى".