الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصفحة الأولى من فهرس الجزء الثالث الموضوع بدار الكتب المصرية
الصفحة (94 ب) وقد مُسِح قسم من وسطها
الصفحة (98 ب) وقد مُسِح من وسطها أيضاً
الصفحة (104 ب) وقد طُمس طرفها الأيسر
الصفحة (107 ب) وفيها بداية حوادث عام 870 هـ. وبأعلاها حاشية
الصفحة (108 ب) وقد طُمس طرفها الأيسر
الصفحة (109 ب) وهي سيئة الوضوح في أطرافها
سوء الوضوح في طرف الصفحة (110 ب)
سوء الوضوح في الصفحة (113 أ)
سوء الوضوح في الصفحة (113 ب)
بياض وحاشية وبداية تراجم وفيات سنة 870 هـ. في الصفحة (137 أ)
حاشية وطمس الجانب الأيمن من الصفحة (138 أ)
بداية حوادث عام 874 هـ. في الصفحة (143 ب) وقد طمس طرفها
سنة تسعٍ وستين وثمانمائة
[الخليفة والسلطان والقضاة والوُلاة]
استهلّت هذه السنة وجميع من ذكرنا في الخالية من الخليفة، والسلطان، وغالب ملوك الإسلام، وقُضاتهم، ونوّابهم، وحكّامهم شرقاً وغرباً، وبُعداً وقُرباً على ما هم عليه، ما عدا صاحب قونية ولا رِنْدَة ومملكة الروم من بلاد ابن
(1)
قَرَمَان، فإنه في هذه السنة: إسحاق بك ابن
(2)
السلطان صارم الدين، إبراهيم بن قَرَمان الماضي ترجمة والده في الماضية، وملك بعد أبيه بعهدٍ منه إليه، والخلاف بينه وبين إخوته، على ما سيأتي ذلك في متجدّدات هذه السنة إن شاء اللَّه تعالى.
وما عدا قاضي القضاة الشافعية بمصر، فإنه في هذه السنة: الشرف المناوي، وُلّيها بعد موت العَلَم البُلْقيني.
وما عدا قاضي القضاة الحنفية بمصر أيضاً، فإنه في هذه السنة: المحبّ بن الشِحنة، وُلّيها في أوائل الخالية عن البدر بن
(3)
الصوّاف، على ما تقدّم كيفية ذلك. وعُدّ موت الشافعي والحنفي في سنة واحدة من النوادر.
وما عدا نائب الشام، فإنه في هذه السنة بَرْسْباي البُجاسي، نُقل إليها من طرابُلُسَ بعد موت تَنَم، وولاية جانِبَك التاجي، ثم موته قبل مباشرتها، على ما تقدّم تفصيلُ ذلك في الخالية.
وما عدا نائب حلب، فإنه في هذه السنة: بُردُبك البَجْمَقْدار الظاهري، وُلّيها عن جانِبَك، على ما عرفتَ ذلك.
وما عدا نائب طرابُلُس، فإنه في هذه السنة: جانِبَك الناصري، وُلّيها عن بَرسْباي المتولّي نيابة الشام.
وما عدا نائب حماة، فإنه في هذه السنة: بلاط، نُقل إليها من صفد، ووُلّيها عِوَضاً عن جانِبَك الناصري.
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "بن".
وما عدا نائب صفد، فإنه في هذه [السنة]
(1)
: يشبُك أوش قَلق المؤيَّدي، نُقل إليها من تقدمة ألف بدمشق، ووُلّيها عِوضاً عن بلاط.
وما عدا حاجب الحجّاب بمصر، فإنه في هذه السنة: أُزْبَك من طَطَخ، أتابك زمننا هذا الذي نحن فيه الآن، وُلّيها عن بُردُبَك لما نُقل إلى نيابة حلب.
وما عدا نائب الكرَك، فإنه في هذه السنة حسن بن أيوب.
وما عدا نائب مَلَطْية، فإنه في هذه السنة شادبَك المحمدي، الأشرفي، المعروف بيَسَق.
وما عدا الوزير، فإنه في هذه السنة محمد البِبَائي، بعد أن تقدّمه يونس بُردُبُغا فيها في أوائل الماضية.
وما عدا الأستادّار، فإنه في هذه السنة المجد ابن
(2)
البَقَري، وُلّيها بعد اختفاء الزين ابن
(3)
كاتب حُلوان.
وقد عرفت هذه التنقلات والولايات غالباً في المتجدّدات من الماضية.
(1)
إضافة على الأصل يقتضيها السياق.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "بن".
ذِكر نُبَذٍ
(1)
من المتجدّدات اليومية
فى هذه السنة القمرية [869 هـ]
[شهر المحرَّم]
[التهنئة بالعام والشهر]
كان أول هذه السنة بالإثنين.
وفيها في المحرّم في أول يوم منه، وهو يوم الإثنين المذكور هُنِّيء السلطان بالعام والشهر على العادة.
[قدوم الخيضري من دمشق]
وفيه -أعني هذا اليوم - قدم إلى القاهرة القاضي قُطب الدين الخَيْضري من دمشق، وهو على كتابة سرّها، فطُلب، وأشيع بأنه يولّى كتابة السرّ بالقاهرة، ولم يقع ذلك، وحمل ألف دينار. ثم عاد راجعاً إلى دمشق
(2)
.
(فائدة ملوكية)
[طلوع والد المؤلّف إلى الظاهر خُشقدم]
وفيه، في يوم الثلاثاء، ثانيه، طلع الوالد إلى الظاهر خُشقَدَم على عادته، فسأله الظاهر عن الفرق في الاصطلاح الذي وُضع في هذه المملكة بين ملك الأمراء وبين النائب، ما هو؟
فقال الوالد: ملك الأمراء وُضع بإزاء النوّاب الكبار الذين لهم اتساع معاملات، بل ويولّي البعض منهم نوّاباً من تحت يده، وهم ثمانية: كُفّال الممالك، وملوك الأمراء، لكون عندهم غالباً الأتابكية، وحجّاب الحُجّاب، ومقدّمين
(3)
(1)
في الأصل: "نبذاً".
(2)
خبر قدوم الخيضري في: نيل الأمل 6/ 198، وبدائع الزهور 2/ 424.
(3)
الصواب: "ومقدّمو".
الألوف، وأمراء طبْلخاناه، وعشرينات، وعشرات، ولهم كُتّاب سِرّ من قبل السلطان، ونُظّار جيش. بل وفي بعض البلاد الوزير، واستادّار السلطان، ودواداره، وهم: نائب الشام، نائب حلب، وطرابُلُس، وحماة، وصفد، وغزّة، والكرَك. وكان نائب الكرَك أولاً يلي نائب الشام ويكاتب السلطان في الورق الأحمر كنائب الشام، ثم تلاشى، لا سيما بعد موت الأشرف بَرْسَباي، لكنه مع ذلك ملك الأمراء، ونائب مَلَطْية، وهؤلاء هم كُفّال الممالك الإسلامية بالمملكة المصرية بالبلاد الشمالية، وما عداهم من النواب هناك لا يقال لهم ملوك الأمراء، بل يقال للواحد منهم: نائب فلان للمدينة التي هو بها، كنائب سيس، نائب طَرَسوس، نائب لارِنْدة، نائب دُوركي، نائب صهْيون، نائب جَبَلَة، نائب اللاذقية، نائب المَرْقَب، نائب القدس، نائب بيروت، نائب بَعْلَبكّ، نائب صيدا، ونحو هذه البلاد فإن الكلّ نوّاب
(1)
(
…
)
(2)
، أمّا نائب الإسكندرية فيقال فيه أيضاً: ملك الأمراء، وكذا متولّي الوجه القِبلي كان يقال له ملك الأمراء، وهو تابع لكنه صار الآن يقال له: الكاشف، وإن قيل له ملِك الأمراء مجازاً (
…
)
(3)
الإصطلاح، فعُلم من هذا أن كل ملك أمراء يقال له النائب، وليس كل نائب يُدعى ملك الأمراء.
ثم أخذ الوالد بعد ذلك في بيان أحوال هؤلاء وطرائقهم وكيفية ذلك، مفصّلاً ذلك بكلام طويل، فأعجب الظاهر بذلك.
وبالجملة فهو من الفوائد. نقلتُ هذا من خطّه (
…
…
)
(4)
.
[إحضار أسرى إفرنج إلى تلمسان]
(
…
)
(5)
هذه الأيام أُحضر إلى مدينة تِلِمْسان - ونحن بها - أحد عشر نفراً من [الفرنج كانوا على]
(6)
ساحل هني، وكانوا وردوا إليها بمركب لتخطف المسلمين والإغارة عليهم (
…
…
…
)
(7)
فأُخِذوا وجُهّزوا إلى تِلِمْسان للسلطان بها حتى يرى فيهم رأيه (
…
)
(8)
، فلما فطن المسلمون
(9)
بهم ثاروا
(1)
في الأصل: "نواباً".
(2)
كلمة ممسوحة.
(3)
كلمة ممسوحة.
(4)
هنا مَسْح لبعض الكلمات.
(5)
هنا مَسْح لبعض الكلمات.
(6)
ما بين الحاصرتين أضفناه على الأصل الممسوح.
(7)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة. وفي نيل الأمل: "أحضر إلى تِلمسان أحد عشر نفراً من الفرنج".
(8)
كلمة ممسوحة.
(9)
في الأصل: "المسلمين".
عليهم، فهرب منهم الكثير، وأُخذ من ذكرنا، وتقلّع الباقون بمركبهم (
…
)
(1)
ووقعوا، ولما أُحضر المأخوذون إلى صاحب تِلِمسان أمر بستة منهم، فعُلّقوا مشنوقين، [وعُلّقت]
(2)
رقابهم على بعض أبواب تِلمِسان إلى أن ماتوا، وأُبقي منهم خمسة فذُكر أنهم من ذوي اليسار، ففادى الجميع أنفسهم بالمال
(3)
.
[فتح سدّ بني مُنَجّا]
وفيه، في يوم الأربعاء، ثالثه، ووافق ذلك ثامن توت، فتح سدّ بني مُنَجّا، وكان البحر يومئذٍ في ثلاثة عشر إصبعاً من عشرين من الذرعان. وكان ذلك نهاية نيل هذه السنة.
[وصول الأستادّار ابن كاتب حُلوان من البُحَيرة]
وفيه، في يوم الخميس، رابعه، وصل الزين يحيى ابن
(4)
كاتب حلوان الأستادّار من البُحَيرة، وكان على كشفها، فبُعث بطلبه كما قدّمناه، وكان من أمره ما سنذكره في يوم السبت
(5)
.
[زيارة المؤلّف رَبَض العُبّاد من تِلِمْسان]
وفيه، في يوم الجمعة، خامسه، خرجت من تِلمسان قاصداً رَبَض تِلمسان الذي يقال له العُبّاد، ونسبته لتلمسان كنسبة ضاحية دمشق لها، وبه مقام الشيخ سيدي أبي
(6)
مَدْيَن شعيب الإشبيلي
(7)
، القُطْب الوليّ، العارف، نفعنا اللّه تعالى ببركاته ورضي عنه، فزرته.
(1)
كلمة ممسوحة.
(2)
إضافة على الأصل يقتضيها السياق.
(3)
خبر أسرى الفرنج في: نيل الأمل 6/ 198.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
خبر وصول الأستادّار في: نيل الأمل 6/ 198، وبدائع الزهور 2/ 424.
(6)
في الأصل: "أبو".
(7)
هو شعيب بن حسين، وقيل: الحسن. توفي سنة 594 هـ. وقيل 593 هـ. وقيل 590 هـ. وقيل 589 هـ. انظر عنه في: تكملة الصلة، رقم 2015، وجذوة الاقتباس 332، وسلوة الأنفاس 1/ 364، وتعريف الخلف 2/ 172، وطبقات الأولياء 437، 438 رقم 132، ونيل الابتهاج 127 - 129، والذيل والتكملة، للمرّاكشي 4/ 127، والبستان، لابن مريم 108، والوافي بالوفيات 16/ 163 رقم 190، وعنوان الدراية للغبريني 55، والتشوّف إلى رجال التصوّف، للتادلي 316، ونفح الطيب، للمقري 7/ 136، وكشف الظنون 584، وشذرات الذهب 4/ 203، وإيضاح المكنون 1/ 133، وهدية العارفين 1/ 417، والطبقات الكبرى، للشعراني 1/ 180 - 184، وجامع كرامات الأولياء 2/ 39 - 41، والأعلام 3/ 244، وتاريخ الأدب العربي 1/ 438، ومعجم المؤلفين 4/ 302، وشجرة النور الزكية 164، وذيل تاريخ الأدب العربي 1/ 784.
254 -
• ثم اجتمعت بسيدنا وشيخنا الإمام، العالم، العلّامة، أبي عبد اللَّه محمد بن العباس
(1)
، شيخ تلمسان، وعالمها، وخطيب جامع العُبّاد، تغمّده اللَّه تعالى برحمته، فوجدته بحراً في الفنون العلمية، آية في ذلك، فأنس بي، ثم سمعت خطبته التي شنّف بها الأسماع، وموعظته التي بها الانتفاع، وتردّدت إليه بعد ذلك، وحضرت كثيراً من دروسه الحافلة في كثير من الفنون العلمية، واستفدت الجمّ من فوائده في مدّة ستة شهور. وكان أجلّ علماء تِلمسان في عصره ذلك، وله من السنّ نحو الثمانين سنة أو جاوزها، مع تمتّعه بحواسّه وسلامة بدنه.
(ذِكر جماعة من علماء تلمسان)
(2)
255 -
• ثم لقينا من العلماء بتِلمسان قاضي الجماعة بها الشيخ العالم، الفاضل، سيدي أبا
(3)
عبد الله محمد العُقْباني
(4)
، وأخاه
(5)
سيدي أبا
(6)
سالم إبراهيم، خطيب جامع تِلمسان الأعظم وإمامه.
256 -
• وسيدي الشيخ العالم محمد بن مرزوق، وسيدي الشيخ محمد بن زكريّا مفتي تِلمسان، والسيد الشريف يحيى بن أبي الفرج قريب السيد الشريف التِلمساني قاضي غرناطة وعالم الأندلس الآتي ذكره إن شاء اللَّه تعالى.
257 -
• ولقينا بها جماعة أُخَر من الفُضَلاء والأدباء والأطبّاء، منهم سيدي علي بن قشوش أحد أطبّاء تلمسان في المزاولة والمدرسة، وسمعت من فوائدهم وحضرت دروس بعضهم ونقلت عنهم أشياء، وأجازوني.
(ترجمة موسى اليهودي)
(7)
258 -
• ولازَمت في الطب الريّس الفاضل، الماهر، الأدري، الأقدري، موسى بن سمويل بن يهودا الإسرائيلي، المالقي، الأندلسي، اليهودي، المتطبّب،
(1)
هو محمد بن العباس بن محمد بن عيسى العبادي. توفي سنة 871 هـ. انظر عنه في الضوء اللامع 7/ 278 رقم 714، والبستان، لابن مريم 223، 224، ونيل الابتهاج 318، وكشف الظنون 1536، وهدية العارفين 2/ 205، ومعجم المؤلفين 15/ 121، ولم يذكره المؤلّف رحمه الله في نيل الأمل.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
في الأصل: "أبو".
(4)
هو: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن قاسم العُقباني. انظر عنه في: تاريخ الدولتين الموحّدية والحفصية، للزركشي 153 و 155، و"العقباني" نسبة لبني عُقبة، (الضوء اللامع 6/ 181) في ترجمة جدّه "قاسم" رقم 618.
(5)
في الأصل: "واخوه".
(6)
في الأصل: "أبو".
(7)
العنوان من الهامش.
المعروف بأبيه (وبابن الأشقر)
(1)
، هداه اللَّه تعالى للإسلام، لم أسمع بذِمّي، ولا رأيت كمثله في مهارته في هذا العلم وفي عِلْم الوِفْق، والميقات، وبعض العلوم القديمة مع التعبّد الزائد في دينه على ما يزعمه ويعتقده. وهو في الأصل من يهود الأندلس.
وولد بمالِقة قبل العشرين وثمانمائة.
وأخذ عن أبيه وغيره، ومَهَرَ في صناعة الطِّبّ، وانتقل إلى تِلمسان فقطنها، وقصده الكثير من الفُضلاء للأخذ عنه.
لازَمتُه مدّةً وأخذت عنه نُبذة كبيرة نافعة في الطبّ وغيره، وأجازني، وبلغني عنه في هذه الأيام بأنه انتهت إليه الرياسة في الطب بتلمسان، وهو مقرّب ومختصّ بصاحبها من غير أن يداخله فيما يتعلق بالمملكة لعقله ورأيه. أسأل اللَّه تعالى أن يميته على ملّة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
[استادّارية ابن كاتب حلوان]
وفيه، في يوم السبت سادسه، استقرّ الزين يحيى ابن
(2)
كاتب حُلوان في الأستادّارية على عادته، وخُلع عليه بذلك، ونزل إلى داره في موكب حفل.
[استمرار ابن مزهر بكتابة السرّ]
وفيه - أعني هذا اليوم أيضاً - خُلع على الزين بن مزهر أيضاً خلعة الاستمرار على وظيفة كتابة السرّ على عادته، بسبب ما كان قد أشيع عن ابن الخيضري، كما تقدّم ذلك.
[الاستقرار في نظر الإسطبل]
وفيه أيضاً استقرّ في نظر الإسطبل تاج الدين عبد الوهاب ابن
(3)
أمين الدين عبد اللَّه بن إبراهيم، رجل من أهل الشام، وصرف الشيخ يحيى بن البَقَري وهو مصادَر على مالٍ طُلب منه وأُلزم به، له صورة
(4)
.
[خروج الناس لملاقاة الخَوَند شُكْرباي]
وفيه، في هذه الأيام كثُرت الحركة بسبب خروج الناس من الأعيان وغيرهم
(1)
ما بين القوسين عن الهامش.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
خبر نظر الإسطبل في: نيل الأمل 3/ 198، وبدائع الزهور 2/ 424.
إلى عجرود لملاقاة الخَوَنْد شُكْرْباي الأحمدية، وولد ابنتها الشهابي أحمد بن العَيْني، أمير المحمل، وبلغ السلطان ذلك، فأمر بأن لا يخرج من مقدَّمين
(1)
الألوف أحد إلى ملاقاتها بالبِركة، ثم خرج البعض بإذنٍ من السلطان
(2)
.
(تملّك أبي
(3)
الحسن الأندلس)
(4)
وفيه في هذه الأيام أيضاً، ورد الخبر إلى تِلمسان بأن صاحب غَرناطة وملك الأندلس أمير المسلمين المستعين باللَّه سعد بن أبي عبد اللَّه محمد بن أبي الحجاج يوسف بن أبي الوليد إسماعيل بن نصر المعروف بابن الأحمر قد وقعت الوحشة بينه وبين ولده أبي
(5)
الحسن عليّ
(6)
، وصار أبو الحسن المذكور على أبيه المذكور وأخرجه من غرناطة وملكها، وأن المستعين باللَّه توجّه بمالقة، وسبب ذلك الوزراء من بني السراج وغيرهم الذين حسّنوا هذا لأبي الحسن. وكان بعد ذلك ما سنذكره
(7)
.
[وصول الأمير قرقماس من قبرس بثياب الصوف]
وفيه، في يوم السبت، العشرين منه، وصل قرقماس ورفقته من جزيرة قبرس وصحبتهم ثياب الصوف، عِوضاً عن جزية قبرس المقرّرة عليهم، وكان وصولهم إلى القاهرة من البرّ من طرابلس
(8)
.
[تقرير قانصوه المحمّدي مقدَّم ألف بدمشق]
وفيه أيضاً قرّر السلطان قانصوه المحمدي الأشرفي أحد العشرات بمصر، المعروف بالساقي، في تقدمة ألف بدمشق، وخرج إليها بعد ذلك
(9)
.
(1)
الصواب: "من مقدَّمي".
(2)
خبر خروج الناس في: النجوم الزاهرة 16/ 288، ونيل الأمل 6/ 199، وبدائع الزهور 2/ 425.
(3)
في الأصل: "أبو".
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
في الأصل: "أبا".
(6)
في الأصل: "عليا".
(7)
خبر تملّك الأندلس في: نيل الأمل 6/ 198، وبدائع الزهور 2/ 424.
(8)
خبر وصول قرقماس في: نيل الأمل 6/ 199، وقد انفرد به المؤلّف رحمه الله.
(9)
خبر تقرير قانصوه في: النجوم الزاهرة 16/ 288، ونيل الأمل 6/ 199، وبدائع الزهور 2/ 424.
[التقرير في إقطاع قانصوه]
وفيه أيضاً قرّر السلطان في بعض إقطاع قانصوه المذكور قانصوه اليحياوي الظاهري الماضية ترجمته
(1)
.
[وصول الركب الأول من الحاج]
وفيه، في يوم الثلاثاء، ثالث عشرينه، وصل يحيى ابن
(2)
الأمير يشبُك الفقيه بالركب الأول من الحاج.
ثم في يوم الأربعاء، رابع عشرينه، وصل الشهابي أحمد بن العَيْني بالمحمل، وصُحبته الخَوَند شُكرْ باي جدّته، وطلع للسلطان فخلَع عليه خلعة هائلة، ثم على يحيى بن يشبُك، ونزل الشهاب إلى داره في موكب حافل، وكان لدخوله يوماً مشهوداً، وهرع الناس إليه للسلام عليه
(3)
.
[القبض على زين الدين الأستادّار]
وفيه، في يوم الخميس، خامس عشرينه، قبض السلطان على زين الدين الأستادّار، ووُكّل به بالقلعة إلى آخر هذا النهار، ثم أمر به أن ينزل في التوكيل به إلى دار الحسام بن حُرَيز القاضي المالكي، وادّعى عليه الشرف الأنصاري عن السلطان بعشرين ألف دينار باقية في ذمّته إلى يوم هذه الدعوى، من مال الديوان المفرَد، فلم يثبت ذلك عليه بالطريق الشرعي [فأخِذ]
(4)
إلى منزل القبّابي الوزير، بعد أن فرض السلطان عليه مبلغاً له صورة يقال عشرة آلاف دينار، وقيل خمسة آلاف، واستمر محمد الببائي يتكلّم في تعلّقات الأستادّارية ( ...... )
(5)
ما سنذكره بعد ذلك
(6)
.
[فكّ أسر سودون المنصوري]
وفيه، في يوم السبت، سابع عشرينه، وصل سودون (
…
)
(7)
المعروف
(1)
خبر إقطاع قانصوه في المصادر السابقة.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
خبر وصول الركب في المصادر السابقة.
(4)
إضافة على الأصل يقتضيها السياق. وموضعها ممسوح في الأصل.
(5)
كلمتان ممسوحتان.
(6)
خبر القبض على زين الدين في: نيل الأمل 6/ 199، وبدائع الزهور 2/ 425.
(7)
كلمة ممسوحة.
بالمنصوري
(1)
الماضي خبر أسره، ففُكّ وبُعث به إلى القاهرة، وكان فكّه على يد الملكة أخت جاكُم متملّك قبرس، وأرادت أن يكون لها أيادٍ عند السلطان، ليصفح عنها، ويسمح لها بعَودها إلى ملكها كما كانت، مع جِدّها في السعي في ذلك
(2)
.
[نيابة بلاط بالكرَك]
وفيه، في يوم الإثنين، تاسع عشرينه، استقر في نيابة الكرَك بلاط حاجب الحجّاب بدمشق، عِوضاً عن حسن بن أيوب، واستقر على تقدمة سودون قندورة، مضافة، إلى نيابة الكرك، بمالٍ كثيرٍ بذله في ذلك، يقال اثنا عشر ألف دينار
(3)
.
[حجوبية الحُجّاب بدمشق]
وفيه أيضاً استقر في حجوبية الحجّاب بدمشق شرامُرد العثماني المؤيَّدي، خُشداش السلطان، بمالٍ بذله في ذلك، عِوَضاً عن بلاط المنتقل لنيابة الكرَك، واستقر في دوادارية السلطان بدمشق تنبك الحمزاوي بمالٍ بذله أيضاً
(4)
.
[أتابكية طرابلس]
واستقرّ في أتابكية طرابلس تمراز
(5)
الشرفي بمالٍ بذله في ذلك أيضاً.
واستقرّ أركماس الجاموس
(6)
على تقدمة تمراز بطرابلس بمالٍ بذله أيضاً في ذلك.
ذكر بعض المؤرّخين أن جملة ما حصل للسلطان من المال في هذه التنقّلات نحو الخمسة وثلاثين ألف دينار، فلا حول ولا قوّة إلّا باللَّه العليّ العظيم، ما
(1)
توفي سودون المنصوري في سنة 879 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 3/ 286 رقم 1086، ونيل الأمل 7/ 106 رقم 2963، وبدائع الزهور 3/ 99.
(2)
خبر فك الأسر في: نيل الأمل 6/ 199، وبدائع الزهور 2/ 425.
(3)
خبر نيابة الكرَك في: نيل الأمل 6/ 200، وبدائع الزهور 2/ 425.
(4)
خبر حجوبية الحجاب في: النجوم الزاهرة 16/ 288، ونيل الأمل 6/ 200، وبدائع الزهور 2/ 425.
(5)
في الأصل: "تنبك" وهو سهوٌ من المؤلّف رحمه الله والتصويب من كتابه: المجمع المفنّن 2/ 316 رقم 1082.
(6)
انظر عن (أركماس الجاموس) في: نيل الأمل 5/ 21 و 104 وهو لم يؤرّخ لوفاته. والمرجّح أنه (أركماس الأشرفي) المعروف بالصفدي، وكان مقدّم ألف بطرابلس. مات سنة 873 هـ. ودُفن بطرابلس وترك عدّة أولاد. (المجمع المفنّن 2/ 14، 15 رقم 641، ولم يذكره المؤلّف رحمه الله في وفيات السنة المذكورة في نيل الأمل).
شاء الله كان. انظر إلى شَرَه هذا السلطان ولا عليه من كَسْر الناموس، فقلّ إنصافه وكثُر طمعه وجمعه للمال من أيّ وجهٍ كان، وباللَّه المستعان، ومع ذلك فلقد بُكي بعده على زمانه، وأقول كما قيل:
قالت الضفْدَعُ قولاً
…
فهمَتْه الحكماء
في فمي ماءٌ وهل ينـ
…
ـطِقُ مَنْ في فِيه ماء؟
[شهر صفر]
[التضييق على صاحب غَرناطة]
وفيها، في أوائل صفر، ورد الخبر إلى تِلمسان بأن المستعين باللَّه صاحب غَرناطة بعث إليه ولده الذي مَلَكَ بعده من حمله إلى بعض حصون الأندلس، مضيّقاً عليه به، ثم كان من أمره ما سنذكره بعدُ
(1)
.
[تخوّف صاحب تلمسان من صاحب تونس]
وفيه، في هذه الأيام ورد الخبر على صاحب تِلمسان محمد بن أبي ثابت من تونس، بأنّ صاحبها السلطان أبا
(2)
عمرو عثمان في قصد تحدّره إليه ثانياً، فحصل عنده الباعث بسبب ذلك، وأخذ في أسباب تدبير أمره، وكان ما سنذكره
(3)
.
[اجتماع مباشري الدولة بين يدي السلطان]
وفيه، في يوم الثلاثاء، سابعه، أمر السلطان باجتماع مباشري دولته بين يديه لعمل مصلحة الأستادّارية، ويبدي رأيه فيمن يولّيه الأستادّارية، فجُمِعوا عنده، وطال الكلام في هذه القضية. وآل الأمر إلى أن يلي الأستادّارية الشمسُ منصورُ بنُ الصَّفيّ بعد أن يسدّ الببائي جوامك الجُند في هذا الشهر، وزين الدين في منزله، ثم ينقل منصور من ربيع الأول. فعيّن للأستادّارية بهذا الشرط، ولم يخلع عليه في هذا اليوم بهذا السبب، وكان له ما سنذكره.
[زيارة صاحب تلمسان للوليّ الزاهد أحمد بن الحسن في داره]
وفيه، في يوم الجمعة، سابع عشره، خرجتُ من منزلي بتِلمسان متوجّهاً إلى
(1)
خبر التضييق في: نيل الأمل 6/ 200، وبدائع الزهور 2/ 425.
(2)
في الأصل: "أبو".
(3)
خبر صاحب تلمسان في: نيل الأمل 6/ 200، 201.
جامعها الأعظم لصلاة العصر، وإذا أنا بالسلطان صاحب تلمسان بالشارع الذي به أحد أبواب هذا الجامع، وهو الباب المقابل لباب المكان الذي به الشيخ الصالح، الولي، الكبير، الشهير، الخطير، العابد، الزاهد، السالك، الناسك، سيدي أحمد بن الحسن
(1)
، نفع اللَّه تعالى به، فترجّل - أعني السلطان المذكور - عن فرسه، ووقف بباب الشيخ المذكور، ثم طرق الباب بلطف، فقال الشيخ من داخل المكان: مَن؟
فقال له: عبدك ابن
(2)
أبي ثابت. بهذه العبارة.
ففتح له الباب، فساعة وقوع بصر السلطان عليه أهوى لتقبيل يده، ثم دخل إليه فزاره، ثم خرج وتوجّه.
وقد تقدّم شيء
(3)
من ذِكر الشيخ هذا، ويأتي أيضاً شيء من ذلك، ثم لعلّنا أن نترجمه فيما بعد السبعين إن شاء اللّه تعالى.
(أخذ الفرنج جبل الفتح من الأندلس)
(4)
وفيه - أعني هذا الشهر - أخذ الفرنج البرطُقال
(5)
، البلد المعظّم، أحد أعزّ حصون الإسلام وبلدانها بالأندلس، المسمَّى بجبل الفتح، وذلك في هذه الفتنة الكائنة بين الأب والابن، أعني أبا النصر سعد بن الأحمر وولده أبا الحسن الماضي خبرهما، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، فإن ذلك من أعظم المصائب في الإسلام، لأن من هذا الحصن كانت بداية أخذ بلاد الأندلس من الكُفّار في الزمن الأول، وهو أعظم معاقل الإسلام بالأندلس، وخرج أهلها منها بالأمان، وباللَّه المستعان، ولما بلغ هذا الخبر تِلِمسان وغيرها من بلاد الأنلس بهذه الجهة، عظُم ذلك عليهم، وكثُر التأسّف على ضعف الإسلام بالأندلس واشتغالهم عن حفظ الحصون الإسلامية، بما هم فيه من الفِتن وطلب العزّ والسلطان المُفضي إلى الذلّ والهوان
(6)
.
وبَلَغَنا أن الكفّار احتالوا
(7)
بعض حيلة على أهل جبل الفتح، ثم أمّنوهم،
(1)
انظر عن الشيخ أحمد بن الحسن في: تاريخ الدولتين الموحدية والحفصية، ص 153.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "شيئاً".
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
في نيل الأمل: "البرطغال".
(6)
خبر جبل الفتح في: نيل الأمل 6/ 201.
(7)
في الأصل: "احالوا".
فخرجوا ولم يتعرّضوا لهم البتّة، بل أعانوهم على نقل الكثير من أمتعتهم واجتيازهم إلى حيث مأمنهم.
[استبدال جماعة من الأمراء والعشرات]
وفيه، في يوم الخميس، ثالث عشرينه، استقر السلطان بجماعة من الأمراء العشرات في ولايات كشف الجسور، الذين يقال لواحدٍ منهم كاشف النواب، فاستقر بُرْدُبك التاجي الأشرفي في كشف البَهْنَساوية بالوجه القِبلي، وخيربك من حديد الأشرفي في كشف الشرقية، وسِيباي الظاهري الأميراخور الثالث في كشف الجيزية.
[استقرار الشمس منصور بالأستادّارية]
وفيه في يوم الإثنين، سابع عشرينه، خُلع على الشمس منصور بالأستادّارية ونزل إلى داره في موكب حافل
(1)
.
(وصول قاصد ابن
(2)
قَرَمان لمصر)
وفيه - أعني هذا اليوم - قدم قاصد إسحاق بن إبراهيم بن قَرَمان سلطان قونية وما والاها من بلاد الروم القَرَمانية، بمكاتبة من مرسله للسلطان، وبمشافهة أيضاً، من محصول ذلك أن إسحاق يذكر للسلطان أن والده إبراهيم قد مات بعد أن عهد بملكه إليه دون غيره من إخوته، وأن إخوته خرجوا عن طاعته، وانتموا لابن خالهم محمد بن مراد بن عثمان صاحب الروم، وهم يحضّونه في قيامه معهم عليه، وأن يقصد بلاده لإخراجه منها، وأنه مظلوم مع من قام عليه، وليس له من ينتمي إليه سوى السلطان، وأنه مملوكه وقت أوامره ونواهيه وطاعته، وأنه متخوّف من ابن
(3)
عثمان للعداوة القديمة، لا سيما وقد خرج إخوته عن طاعته، وتوجّهوا لابن عثمان المذكور، ونحو هذا من كلمات في هذا المعنى. فرحّب السلطان بالقاصد المذكور، ووعده بنُصرة مرسله، والقايم معه حيث أحوج الأمرُ إلى ذلك، وخلع على القاصد، وعلى شخص يقال له قَرَمان من الخاصكية، وعيّنه أن يتوجّه رسولاً عنه إلى ابن
(4)
قَرَمان مع قاصده، وأمره أن يكتب الجواب بما قلناه،
(1)
خبر استقرار الشمس في: نيل الأمل 6/ 201.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الأصل: "بن".
ويهنّيء فيه بالمُلك، ويعزّي بأبيه، ثم أضاف السلطان القاصدَ المذكور في يوم الأربعاء تاسع عشرينه بالقلعة، وخلع عليه بسفره وعلى رفقته، وعيّن لمرسله إسحاق خلعة هائلة ومركوباً بالسَرْج الذهب والكَنْبوش الزركش، ووعده بكل خير
(1)
.
(الإرجاف بالأندلس بغزو الفُنْش)
(2)
وفيه ورد الخبر إلى تِلمِسان من الأندلس، بأن ألْفُنْش صاحب قشْتالة وإشبيلية وقُرطُبة وباقي ما في ذلك من بلاد الفرنج وممالكها، قد عزم على الزحف على الأندلس لغزوها وأخْذها (
…
…
)
(3)
الخلاف الكائن بين الأب والابن، أعني ملك الأندلس سعداً وولده أبا الحسن، وما وقع لهما، وأرجف بذلك في تلك البلاد.
ولما بلغ أبا
(4)
الحسن ذلك بعث باستقدام أبيه من الحصن الذي كان به، ولما خرج الأب توجّه إلى مدينة أرية فأقام بها، ولم يعارِضْه ولدُه في ذلك، بل بعث إليه يطلب رضاه والاعتذار إليه، وأنه الملك وهو في معنى وزيره، ونحو ذلك من الكلمات. وكان بالمدينة القائد محمد بن سيدهم، فقام بأمر المستعين باللَّه سعد هذا أتم القيام، وخدمه، ولم يزل بالمدينة كالمتصافي مع ولده حتى مات بها في آخر السنة هذه على ما بلغني
(5)
. وستأتي ترجمته في التراجم إن شاء اللَّه تعالى.
[ربيع الأول]
[تهنئة السلطان بالشهر]
وفيها استهلّ ربيع الأول بالخميس، وطلع القضاة وغيرهم لتهنئة السلطان به، أعني الشهر.
[تعاظُم أمر اليهود بفاس]
وفيه -أعني ربيع الأول هذا في أوائله- تواترت الأخبار من قبِل فاس ونحن
(1)
خبر وصول القاصد في: نيل الأمل 6/ 201، 202.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
كلمتان ممسوحتان.
(4)
في الأصل: "أبو".
(5)
خبر الإرجاف في: نيل الأمل 6/ 202.
بتِلمِسان، بعِظَم أمر اليهود بها وشأنهم، بواسطة الوزير اليهودي الذي أقامه صاحب فاس عبد الحق المريني، بعد قتْل عدّة من الوزراء من بني وطاس، ومعاداته لآخرين، وإخراج جماعة من بني وطاس وقيامهم عليه بخارج فاس، وأن اليهود بفاس تسلّطوا على المسلمين بالظلم والأذى، وعظُم شأنهم وكبرت شوكتهم، حتى كان من أمر السلطان والوزير المذكور واليهود ما سنذكره، إن شاء اللَّه تعالى
(1)
.
[خروج صاحب تلمسان إلى بعض أعماله]
وفيه - أعني هذا الشهر، في هذه الأيام - خرج السلطان صاحب تِلمسان إلى بعض أعماله ثم عاد بعد العشرين يوماً.
[نزول السلطان إلى جهة مطعم الطير]
وفيه، في يوم الإثنين، خامسه، ووافق تاسع هاتور، ركب السلطان من القلعة ونزل في موكب حافل إلى جهة مطعم الطير، ومعه الأمراء وأعيان الدولة ووجوه المملكة بين يديه، فنزل بالمطعم، ولبس به الصوف، وألبس الأمراء على العادة، ثم عاد والخاصكيّة مُشاة بين يديه من أطراف الحسينية حتى دخل من باب النصر، شاقّاً القاهرة، إلى أن صعد القلعة على تلك الهيئة، وقعد الناس لرؤيته، وكان له يوماً مشهوداً
(2)
.
[إمرة الحاج]
وفيه، في يوم الخميس، ثامنه، استقر في إمرة الحاج بالمحمل جانبك قلقسيز، أحد مُقدَّمين
(3)
الألوف وخلع عليه بذلك
(4)
.
[عمل المولد النبوي بالقلعة]
وفيه في يوم الأحد حادي عشره عُمل المولد النبوي بالقلعة على العادة، ثم عُمل المولد الثاني لخَوَند في ثاني يوم على عادة هذا السلطان في ذلك.
(ولاية جانبك التَنَمي نيابة الكرَك)
(5)
وفيه، في يوم السبت سابع عشره، استقر في نيابة الكرَك جانبك التَنَمي،
(1)
خبر تعاظم أمر اليهود في: نيل الأمل 6/ 203.
(2)
خبر نزول السلطان في: نيل الأمل 6/ 203، وبدائع الزهور 2/ 425، 426.
(3)
الصواب: "أحد مقدَّمي".
(4)
خبر إمرة الحاج في: نيل الأمل 6/ 203.
(5)
العنوان من الهامش.
وصُرف حسن بن أيوب
(1)
، ووُلّيها جانبك هذا بمالٍ بذله فيها، مع قُبح سيرته وعدم أهليّته.
[إمرة الركب الأول]
وفيه، في يوم الإثنين تاسع عشره، استقرّ في إمرة الركب الأول خُشْكلدي القوّامي، أحد أمراء الطَبْلخاناه
(2)
.
[تجريد الجند إلى تلمسان]
وفيه، في يوم الثلاثاء عشرينه، استُفِيض الخبر بتِلمسان بتجريد عثمان صاحب تونس إليها، وزاد الإرجاف بذلك بتلمسان. وكان ما سنذكره
(3)
.
(كائنة الشرف موسى)
(4)
وفيه، في هذه الأيام، كائنة الشرف موسى ابن
(5)
كاتب غريب
(6)
القبطي ناظر الديوان المفرَد، أو المتكلّم على بعض جهاته، وهي طويلة لو استقصيناها، مُحَصّلُها أنه بُهدل وضُرب بين يدي الأستادّارية ضرباً مُبرحاً، ثم بين يدي السلطان بالمقارع. وآل أمره أن أُثبت عليه عند القاضي بدر الدين حسن الرهوني
(7)
لجهة الديوان المفرَد أو للسلطان مبلغ خمسين ألف دينار أو أكثر، وهو مع ذلك مُصرّ على أنه لا قدرة له ولا موجود. وكان هذا سبب تأكّد
(8)
العداوة بينه وبين منصور الأستادّار، إلى أن كان من أمرهما ما سنذكره
(9)
.
[قتال الإخوة من بني قَرَمان]
وفيه أيضاً وردت مكاتبة حسن الطويل صاحب آمِد وما والاها من ديار بكر بأنه سار نجدة لإسحاق بن قَرَمان على إخوته لما قصدوه، وقاتل هو
(1)
خبر ولاية جانبك التنمي في: نيل الأمل 6/ 203، وفيه: "استقر
…
عوضاً عن بلاط فيما أظنّ"، وعن نيل الأمل ينقل ابن إياس في بدائع الزهور 2/ 426.
(2)
خبر إمرة الركب في: نيل الأمل 6/ 203.
(3)
خبر تجريد الجند في: نيل الأمل 6/ 204.
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
مهمل في الأصل.
(7)
توفي "الرهوني" في سنة 870 هـ. وستأتى مصادر ترجمته هناك.
(8)
في الأصل: "تالد".
(9)
كائنة الشرف موسى في: نيل الأمل 6/ 204، وبدائع الزهور 2/ 426.
وابن
(1)
قَرَمان الإخوة وهزمهم بعد حرب كبير كان بينهم، وأخذ عدّة قلاع أو بلاد لابن قَرَمان كانوا ملكوها إخوته
(2)
منه، من ذلك قونية، وآقصراي
(3)
، وآق شهر
(4)
، وغير ذلك، وأنهم انهزموا بعد الحرب العظيمة لجهة ابن
(5)
عثمان، فسُرّ السلطان بذلك
(6)
.
[ربع الآخر]
[تحصين تلمسان خوفاً من صاحب تونس]
وفيها، في أوائل ربيع الآخر، لما زادت الإشاعات وكثُرت الأراجيف بتلمسان بحركة صاحب تونس لجهة تلمسان، أخذ صاحبها في أسباب تحصين تلمسان، وأنه يتفقد سورها بالبنيان، وكذا يبني برجاً على بابها أو نحو ذلك، كل ذلك خوفاً من عثمان صاحب تونس بعد تثبّت في ذلك، فلم يجِد لذلك صحّة في هذه السنة، بل كان في التي تليها على ما سنذكره فيها إن شاء اللَّه تعالى.
[خروج الأمير مُغُلْباي طاز للسرحة]
وفيه، في يوم الخميس سادسه خرج مُغُلْباي طاز أحد مقدَّمين
(7)
الألوف إلى جهة الوجه القِبْلي للسرحة ومسح أراضي تلك البلاد.
[سفر جانبك الزيني إلى بلاد الشام]
وفيه، في يوم الجمعة، سابعه، سافر جانِبَك الزَيني المؤيَّدي
(8)
أحد العشرات، إلى البلاد الشامية لعرض العساكر بها
(9)
.
[مهاجمة ملك البندقية جزيرة رودس وتخليص الأسرى المسلمين بها]
وفيه، في يوم السبت ثامنه، ورد الخبر من كُسْباي المؤيَّدي نائب الإسكندرية، بأن ملك البُندقية الفرنجي صاحب بِنِيزِيَة
(10)
لما بلغه أن السلطان
(1)
في الأصل: "وبن".
(2)
هكذا، وصحّتها:"كان مَلَكَها إخوته".
(3)
آقصراي = آق سراي: وتعني: السراي البيضاء.
(4)
آق شهر: تعني: المدينة البيضاء.
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
خبر قتال الإخوة في: نيل الأمل 6/ 204، وبدائع الزهور 2/ 426.
(7)
الصواب: "أحد مقدّمي".
(8)
مات جانبك الزيني المؤيَّدي في سنة 873 هـ. وسيأتي.
(9)
خبر سفر جانبك في: نيل الأمل 6/ 205.
(10)
هكذا ضبطها في الأصل.
ضيّق على تجار الفرنج البنادقة بسبب ما أخذه كفّار رودِس من تجار المسلمين وأموالهم وبضائعهم، جهّز إلى جهة رودس عدّة مراكب يطلبون إعادة ما أخذوه أو يقاتلوهم، فأجابوه إلى ما طلبه، وأُطلق التجار وما أُخِذ لهم، بل وأطلقوا الكثير من أسرى المسلمين قبل ذلك، بل وجماعة من أسرى اليهود أيضاً برودس، وأن الجميع وصلوا في كَنَف الأمن والسلامة إلى الإسكندرية، فسُرّ السلطان بذلك غاية السرور. ثم أخذ في الإفراج عن البنادقة الذين ضيّق عليهم بسبب ذلك قبل تاريخه، وعلى غيرهم من طوائف الفرنج. وكان السلطان قد قام في ذلك قياماً تامّاً، وأفرغ فيه جَهده، حتى أشيع بأنه وُعد من الفرنج بمائة ألف ألف دينار، على شكايته لما أخذ أهل رودس تجار المسلمين وأموالهم، فلم يرض وصمّم على ما فعله، حتى كان ما ذكرناه، وللَّه الحمد، وعُدّ ذلك من محاسن خُشقدم هذا
(1)
.
[نيابة القدس]
وفيه، في يوم السبت، خامس عشره، استقر في نيابة القدس حسن بن أيوب عوضاً عن تغري بردي
(2)
.
[خروج جانبك التَنَمي إلى الكرَك]
وفيه، في يوم الإثنين، سابع عشره، خرج جانبك التَنَمي
(3)
نائب الكرَك إلى محلّ نيابته.
[استقرار أُلماس الأشرفي في نيابة البيرة]
وفيه، في يوم الإثنين، رابع عشرينه، استقرّ أُلْماس الأشرفي
(4)
، دوادار السلطان بحلب، في نيابة البيرة بعد موت قانباي البكتمُري المعروف بطاز
(5)
.
واستقرّ علي الشيباني في الدوادارية بحلب عوضاً عن أُلماس المذكور.
(1)
خبر جزيرة رودس في: نيل الأمل 6/ 205.
(2)
خبر نيابة القدس في: نيل الأمل 6/ 205، وبدائع الزهور 2/ 426.
(3)
مات (جانبك التَنَمي) في سنة 889 هـ. انظر عنه في: تاريخ البُصروي 96، والتعليق، لابن طوق (المخطوط) 65 أ، ونيل الأمل 7/ 385 رقم 3292، والمجمع المفنّن 2/ 400 - 402 رقم 1188، وحوادث الزمان 1/ 293 رقم 378، ومفاكهة الخلّان 1/ 64، ومتعة الأذهان 1/ 15 رقم 287، وبدائع الزهور 3/ 209.
(4)
توفي (ألماس الأشرفي) في سنة 872 هـ. وستأتي ترجمته هناك.
(5)
انظر عن (قانباي البكتمري طاز) في: النجوم الزاهرة 16/ 338، ونيل الأمل 6/ 204 رقم 2610، وبدائع الزهور 2/ 426، ولم يترجم له السخاوي في الضوء اللامع.
[دخول المؤلّف مدينة وَهْران]
وفيه، في يوم الإثنين المذكور (
…
…
)
(1)
قصدت واهران
(2)
، فدخلتها في سابع عشرينه آخر النهار، ثم [زرت الشيخ عبد الرحمن بن عزّوز]
(3)
إمام زاوية سيدي إبراهيم التازي الماضي ذِكره وذِكر زاويته (
…
…
…
)
(4)
الشيخ الإمام، العالم، الكامل، سيدي أبو العباس أحمد بن العباس المالكي، مفتي واهران ( ............ )
(5)
وهما من كبار أهل العلم والفضل بهذه البلدة، فاستفدت (
…
…
)
(6)
الكثير من (
…
)
(7)
منهما (
…
)
(8)
.
[جمادى الأول]
[ضيافة الأمير قانَم التاجر للسلطان]
وفيها استهلّ جماد الأولى بالأحد، وفيه (
…
…
)
(9)
ونزل السلطان بغير قماش الموكب، وسار إلى جهة مَرْبع خيول الأمير قانَم التاجر أمير مجلس، بناحية أراضي بهتيم
(10)
، ولما أن وصل إليه نزل عنده، وكأن قد هيّأ
(11)
له المذكور ضيافة هائلة، ومدّ له أسمطة حافلة، فأكل وتنرّه، ثم قدّم له بعد ذلك تقدمة هائلة ما بين خيول ومماليك وغير ذلك. ودام السلطان عنده إلى ما بعد الزوال ثم ركب عائداً إلى القلعة مجتازاً على قنطرة الحاجب ودخل في عوده إلى دار الوزير محمد الببائي، ثم خرج منها فدخل من باب النصر متوجّهاً إلى جهة حارة بهاء الدين حتى وصل إلى دار منصور الأستادّار، وأحسّ بمجيئه فبسط الشقف الحرير تحت مواطئ مركوبه، ونثر خفائف الذهب على رأسه، وقدّم له تقدمة بنحو الألفي دينار. وسار لما خرج من عنده قاصداً القلعة حتى طلعها
(12)
.
(1)
كلمتان ممسوحتان.
(2)
هكذا يكتبها المؤلّف رحمه الله في كل المواضع.
(3)
ما بين الحاصرتين ممسوح في الأصل، وما أثبتناه مما سيأتي في خبر ختم القرآن في آخر حوادث شهر شعبان من هذه السنة.
(4)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(5)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(6)
كلمتان ممسوحتان.
(7)
كلمة واحدة ممسوحة.
(8)
كلمة واحدة ممسوحة.
(9)
كلمتان ممسوحتان.
(10)
بهتيم: قرية من مديرية القليوبية بمصر.
(11)
في الأصل: "هياء".
(12)
خبر الإضافة في: وجيز الكلام 2/ 766، 767، ونيل الأمل 6/ 205، 206، وبدائع الزهور 2/ 427.
[التجريدة إلى عرب محارب]
وفيه، في يوم الثلاثاء، ثالثه، خرج يَلَباي الأميراخور الكبير إلى إقليم الجيزية، مضافاً لمن سبقه من العسكر قبل ذلك، ثم خرج بعد ذلك لاحقاً بيَلَباي هذا بُرْدُبك هجين أمير جاندار تجريدة لأجل عربان محارب لما عاثوا بتلك النواحي
(1)
.
[وصول قاصد ابن قَرَمان]
وفيه، في يوم الخميس، خامسه، وصل إلى القاهرة قاصد ابن
(2)
قَرَمَان، وعلى يده مكاتبة من مرسله، تتضمّن الإخبار بالكائنة التي اتفقت مع إخوته ونُصرته عليهم، على ما قدّمنا ذلك، وأن عسكر ابن
(3)
عثمان كان مع إخوته وقد انهزموا. فخلع السلطان على القاصد المذكور وترحّب به، وسَرّه نُصرة ابن
(4)
قَرَمان
(5)
.
[تقرير معلّمية المعلّمين]
وفيه - أعني هذا اليوم - استقر في معلّميّة المعلّمين البدر حسن التَنَمي
(6)
، عِوَضاً عن البدر حسن بن الطولوني بعد صرفه، ثم صُرف بعد أربعة أيام من ولايته، وقُرّر عِوَضه يوسف شاه العلمي
(7)
، واستقر حسن المذكور في نظارة حرمين
(8)
القدس والخليل، على نبيّنا وعليه أفضل الصلاة والتسليم كما كان قبل ذلك
(9)
.
(أخْذ حسن قلعة كَركَر باسمه)
(10)
وفيه، في يوم الأحد، ثامنه، ورد الخبر إلى القاهرة بأنّ أعوان حسن
(1)
خبر التجريدة في: نيل الأمل 6/ 206، وبدائع الزهور 2/ 427.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
خبر وصول القاصد في: نيل الأمل 6/ 206.
(6)
في نيل الأمل 6/ 319 "التيمي" وهو غلط، والمثبت يتفق مع المذكور في 6/ 206.
(7)
خبر يوسف شاه العلمي داود بن الكويز. مات سنة 876 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 10/ 339 رقم 1293.
(8)
الصواب: "حرمي".
(9)
خبر تقرير المعلّمية في: نيل الأمل 6/ 206، وبدائع الزهور 2/ 427.
(10)
العنوان من الهامش.
الطويل بن قرايُلُك تسلّموا قلعة كركر، وكان من خبر ذلك أن العساكر الحلبية كانت قد توجّهت من حلب لقتال أهل كركر بعد أخْذها، فحاصروهم مدّة حتى أبادوهم السر
(1)
، وعجزوا عن قتال العسكر وحصارهم، فبعثوا إلى حسن بن قرايُلُك المذكور تسليمَها إيّاه، فندب حسن في الحال سريّة عدّتها أربعمائة من خوّاص جنده وجيادهم، فتسلّموها وأقاموا بها، وعادت عساكر حلب إليها بعد أن أقاموا على حصارها نحو العشرة أشهر، حتى إذا أشرفوا على أخذها عمل أهل كركر معهم ما ذكرناه، فعادوا بغير طائل، لأنه لم يبق لإقامتهم فائدة. ولما بلغ السلطان ذلك قامت قيامته، لا سيما وقد أظهر حُسن الموافاة والمصافاة والاتفاق على عداوة ابن
(2)
عثمان، ولم يَسَعْه أن يُظهْر ذلك، فأخذ يلوّح لقاصد حسن بك الذي ورد إليه بأن يسلّم قلعة كركر، وفطن القاصد لذلك، فعامله بالمواربة وبما يزعمه، فقال إن حسن أحد مماليك السلطان، وهو نائب عنه بكركر وبغيرها من بلاده نفسه، فضلاً عن كركر، فصار السلطان كالمُلزَم، وهذا الجواب مع ما هو فيه من شدّة الحصر من حسن المذكور والحيرة في أمره، إذ كان قصْده أنه لما بعث إليه أهل قلعة كركر أن يبعث إليهم بقوله: أعطوه إمرة بها، أو إذا بعث من أخذها يُسلّمها عقيب ذلك العسكر حلب. ولما لم يفعل ذلك لا شك أنه عدوّ وغدّار. وحصل عند السلطان بهذا الأمر الباعث الشديد الذي ما عنه من مزيد. ثم أخذ بعد ذلك في تلافي أمره مع ابن
(3)
عثمان واستدراك فارطه، فعيّن السيد الشريف نور الدين أبا
(4)
الحَسن علي القَصيري المعروف بالكردي، وخلع عليه بالتوجّه رسولاً عنه إلى ابن
(5)
عثمان، وندبه بأن يهتم غاية اهتمامه في إبرام الصلح بينه وبين ابن
(6)
عثمان. وكان بعد ذلك ما سنذكره
(7)
.
[تسديد الأستادّار الجامكية وتفرقتها]
وفيه - أعني هذا الشهر - أظهر الشمس منصور الأستادّار الاحتفال الزائد في شأن سداد الجامكية وتفرقتها، وبقي ينادي في كل جامكية بمُنادٍ من قِبله، أن يأتي الضعفاء والفقراء لأخْذ جوامكهم قبل الأقوياء والأغنياء. وأُلبس خلعة بعد خلعة
(1)
هكذا في الأصل؟
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الأصل: "أبو".
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
في الأصل: "بن".
(7)
خبر قلعة كركر في: النجوم الزاهرة 16/ 288، ونيل الأمل 6/ 206، 207، وبدائع الزهور 2/ 427.
للسداد، ثم أخذ السلطان في شكره وإطرائه، حتى كان من أمره معه أنْ قتله بعد ذلك، كما ستعرف ذلك إن شاء اللَّه تعالى
(1)
.
(عقد الصلح والهدنة بين صاحب قشتالة والأندلس)
(2)
وفيه - أعني هذا الشهر - ثار (بعض)
(3)
ملوك الفرنج بصاحب قشتالة، فأشغله اللَّه تعالى عن المسلمين وما كان قصده، وردّ اللَّه تعالى كيده في نحره، حتى بعث يلتمس الصلح بينه وبين المسلمين من أهل الأندلس، واتفق الحال على عقد الصلح بينه وبينهم في هذه السنة إلى مدّة خمس سنين، وحصل لبعض الناس بل لعامّة أهل الأندلس بعض الطمأنينة، وأمِنوا شرّ صاحب قشتالة.
وفيه أخذ الفرنج - في أثناء التكلّم في الصلح قبل أن يُعقد - حصناً للمسلمين بالأندلس
(4)
، وكنت أعرف اسمه وإنّما أَنسيته الآن وأظنّه حصن لوشا
(5)
، وما حرّرت ذلك إلى الآن لبُعد العهد بتلك البلاد.
[طلوع والد المؤلف إلى السلطان]
وفيه، في يوم الجمعة سلْخه، طلع الوالد إلى السلطان على عادته، فأنس به جدّاً، ثم قال له: ما سألتني حاجةً لنفسك قَطّ، وإنّما تسألني حوائج الناس.
وكان الوالد قد سأله في أمر إرث المغاربة بدمشق بأن يُنفق فيهم لفقرائهم، فأجابه لذلك وقال له هذا القول عقيب ذلك، فانتهز الوالد -رحمه الله تعالى - الفرصة، فإنه كان دائماً يخطر بباله أن ينزل عمّا بيده من الإقطاع بدمشق باسم أولاده، فسأله في ذلك، فأجابه إلى سؤاله، وكتب له المنشور باسم أولاده، وهم: أمير حاج، وأحمد، وعبد الباسط، - وهو الفقير مسطّره - ومحمد وهو أخي أبو الفضل الماضي، ويوسف، وإبراهيم، وعبد الرحمن، والكل في قيد الحياة الآن ما
(1)
خبر تسديد الأستادّار في: نيل الأمل 6/ 207.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
مكرّرة في الأصل.
(4)
خبر عقد الصلح في: نيل الأمل 6/ 207.
(5)
لَوْشا: لَوْشة: بالأندلس من أقاليم البيرة، بينهما ثلاثون ميلاً. (تحفة الألباب، لأبي حامد الغرناطي - تحقيق فران - طبعة باريس 1925 - ص 121، وكتاب الجغرافية، المنسوب للزُهري - تحقيق محمد حاج صادق - دمشق 1968 - ص 94، وآثار البلاد، للقزويني 502، والروض المعطار 513، وصفة جزيرة الأندلس (منتخبة من الروض المعطار مع الترجمة الفرنسية، - تحقيق ليفي بروفنسال - القاهرة 1937 - ص 173)، وهي بالإسبانية:(Lojo) بلد لسان الدين الخطيب.
عدا إبراهيم. ثم لما جرى للوالد مع الظاهر هذا ما جرى وأمر بإخراجه إلى مكة المشرَّفة على ما سيأتي في متجدّدات سنة إحدى وسبعين أخرج هذا الإقطاع عنّا وتركنا بغير شيء، ثم قطع مرتّبنا على الذخيرة بالبيت المقدس، وللَّه الأمر.
[جمادى الآخرة]
[ورود قاصد صاحب تونس إلى تلمسان]
وفيها، في أوائل جمادى الآخرة، ورد قاصد صاحب تونس عثمان إلى تلمسان لصاحبها، فأعاده سريعًا من غير جواب شافٍ عمّا جاء بسببه، من سؤاله عن نقضه الصلح، أو عن كونه لم يُعرف بما وقع عليه القرار بينهما. وكان ما سنذكره بعد ذلك
(1)
.
[وفاة ولد للسلطان خُشقدم]
وفيه، في يوم السبت، تاسع عشره، مات للسلطان الظاهر خشقدم ولد ذَكَر، له دون السنتين.
[وصول يَلَباي]
وفيه -أعني هذا اليوم- وصل يَلَباي بمن معه.
[وصول قاصد حسن الطويل ومعه مفاتيح كركر]
وفيه، في يوم الإثنين، حادي عشرينه، وصل قاصد حسن الطويل، وعلى يده مفاتيح قلعة كركر للسلطان، من غير أن يسلّمها لأحدٍ من جهة السلطان، ومكاتبة بين الناس بأن حسن طلب في مقابلة تسليم قلعة كركر عشرة آلاف دينار وقلعة خَرْتَ برْت، ولعلّ ذلك كما أشيع، فإن الظاهر هذا تأثّر في هذه الأيام من حسن هذا غاية التأثير، وندم على ما صدر منه من موافقته ومصافاته، على أن قلعة خرْت برْت كانت بيد ملك أصلان بن دُلغادر نائب السلطان، وهو وحسن مُتعاديَيْن، فحار السلطان في أمره من هذه الحوادث
(2)
. ثم كان بعد ذلك ما سنذكره إن سمح لنا الدهر بمناسبة ذكره إن شاء اللَّه تعالى.
(1)
خبر ورود القاصد في: نيل الأمل 6/ 208.
(2)
خبر وصول القاصد في: نيل الأمل 6/ 208.
[عزل القاضي الرهوني]
وفيه، أعني هذا اليوم، عزل السلطان القاضي بدر الدين حسن الرهوني، أحد نواب الحكم المالكي، وكتب عليه قسامةَ أنه لا يتولّى الحكم في مدّة عُمُره، لكائنةٍ اتفقتْ غَضِب السلطان منها، وفعل ذلك، ثم عُزل مدّة من نوّاب في الحكم أيضًا
(1)
.
[الخلعة على منصوب الأستادّار]
وفيه، في يوم الإثنين، ثامن عشرينه، خلع السلطان على منصور الأستادّار، لكونه غَلّق الجوامك، وشكره في الملأ العام، ثم كفّره بعد ذلك، بل قتله كما سيأتي ذلك في محلّه.
[شهر رجب]
وفيها استهلّ شهر رجب بالأحد.
[الإشاعات بعزم ابن عثمان مهاجمة بلاد الفرنج من جهة المغرب]
وفيه، في هذا اليوم أشيع بتلمسان أن ابن
(2)
عثمان ملك الروم قد تهيّأ، وعزم على المشْي على بلاد الفرنج من جهة المغرب لإبادتهم، وزادت هذه الإشاعة وكثُرت في هذا الشهر بكثير من بلاد المغرب وبلاد الكفّار، حتى يقضي اللَّه، ذلك أن هذه الإشاعة دخل رعبها في قلوب الكثير من الفرنج النائيين عن بلاد ابن
(3)
عثمان، حتى النائيين ببُعدٍ كبير عن بلاد ابن
(4)
عثمان.
(الزينة ودوران المحمل وما حدث من فساد)
(5)
وفيه نودي بزينة القاهرة لدوران المحمل على العادة، فزُيّنت، ونشأ في هذه الزينة التشويش على الناس من الجُلبان الخُشقَدَمية، وأخذوا في التمرّد والتنمرُد، حتى زادوا بعد ذلك في الحدّ، كما سيأتي ذلك إن شاء اللَّه تعالى
(6)
.
وفيه، في يوم الإثنين، ثالث عشره، أدير المحمل على العادة، لكنْ حصل من الجُلبان من الأحوال والأنكاد والتشاويش والتسلّط على الخلق ما لا عنه مزيد،
(1)
خبر عزل القاضي في: نيل الأمل 6/ 208.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
العنوان من الهامش.
(6)
خبر الزينة في: نيل الأمل 6/ 209.
وقاسى الناس منهم أنواعًا من الشدائد، وصاروا يخطفون العمائم، وفعلوا أشياء لا تُحدّ ولا تُعدّ ولا تحلّ ولا تجوز من فسق وفساد وأذى، وبدأوا في هذه الأيام بشَيْل رؤوسهم
(1)
حتى كادوا بعد ذلك أن يبلغوا ما بلغ جُلبان الأشرف إينال، بل فعلوا أفعالًا مثل أفعال أولئك، لكنْ عاجَلَهم اللَّه تعالى بأخذ أستاذهم وموته قبل كمالة السنتين من بداية أمرهم وشرّهم، وإلّا كان الحال قد عظُم
(2)
.
[قدوم قاصد صاحب تونس إلى تلمسان]
وفيه، بعد نصفه، قدم إلى تِلمسان قاصد صاحب تونس أيضًا، وهو إنسان من عين جماعته، ومعه جماعة أُخَر بطلب جوابٍ شافٍ عن نقض ما كان اتفق الحال عليه، وعرض في مكاتبته بأنه ماش عليه وقاصده بعساكر عن قريب، ثم كان ما سنذكره
(3)
.
[خلعة السفر على قاصد حسن الطويل]
وفيه، في يوم الخميس سادس عشره، خلع السلطان على قاصد حسن الطويل، وبعث معه أشياء كثيرة من الهدايا المرسلة، طمعًا في تسليم قلعة كركر للسلطان خصوصًا، وقد ترادفت الأخبار بمشْي جهان شاه على حسن وثورانه به، متّفقًا هو وولده بير بُضاغ صاحب بغداد، وكان قد بلغ السلطان خبرهما على حسن، فعيّن أربعة من الأمراء مقدَّمين
(4)
الألوف بسبب ذلك احتياطًا لأجل حفظ حلب. وكان ما سنذكره
(5)
.
(كائنة نهب مصر العتيقة)
(6)
وفيه، في يوم الخميس، ثاني عشرينه، كائنة نهْب مصر العتيق
(7)
من جُلبان السلطان، بأنْ ثار منهم جماعة توجّهوا إلى مصر القديم
(8)
غايرين عليها، فنهبوا الكثير من حاراتها وحوانيتها وأفحشوا في ذلك غاية الفحش.
وكان السبب في ذلك أن جماعة من الجُلبان توجّهوا في أمس هذا اليوم إلى جهة جزيرة الصابوني، وخاضوا النيل إليها، وأراد بعضهم أخْذ شيء من القِثّاء
(1)
في الأصل: "روسهم".
(2)
الخبر في: نيل الأمل 6/ 209.
(3)
تقدّم مثل هذا الخبر في أول شهر جمادى الآخرة.
(4)
الصواب: "مقدّمي".
(5)
خبر خلعة السفر في: نيل الأمل 6/ 209.
(6)
العنوان من الهامش.
(7)
هكذا يكتبها في كل المواضع.
(8)
هكذا يكتبها في كل المواضع.
ببعض المقاثي
(1)
بالجزيرة المذكورة، فردّه بعض الحرّاس بالمقاثي
(2)
، فوقع بينهما معارضة ومغايظة، وضرب المملوك الحارس، حتى يقال إنه مات من ذلك. ولما بلغ أهل الجزيرة ذلك ثاروا بأجمعهم ثورة رجلٍ واحد لما رأوا ما حلّ بصاحبهم، فتحاملوا على الفاعل لذلك، ووقع بينهم ضرب وخبْط، وثارت فتنة كبيرة، اتفق فيها فراغ أجل ذلك المملوك، فمات من ضربهم، فقامت قيامة المماليك الجُلبان لهذا الشأن، فقصدوا مصر بعد تحزّبهم في هذا اليوم، وفعلوا ما ذكرناه، وبلغ السلطان ذلك، فمال مع مماليكه، وراعى جانبهم، وأمر والي الشرطة أن يحصّل له من فعل ذلك، فغار الوالي على مصر، ثم أحضر ثلاثة نفر من أعراض الناس لا دخْل لهم في هذه الكائنة. وكان الذي قد قتل فرّ هاربًا من جهته لجهة البلاد القِبلية بالصعيد، فاختشى الوالي بأن يحضر لا بغير أحد معه، لا سيّما وقد أكّد عليه السلطان، فأخذ هؤلاء الثلاثة الأنفار وجدهم بالجزيرة وهم مظلومون، فأحضرهم إلى السلطان ليسدّ مخزومته معه، فلما
(3)
وصل بهم لحضرة السلطان شهد جماعة بأن هؤلاء ليسوا من القاتلين ولا يقربون لهم، ولا كانوا في الثائرين فضلًا عن غير ذلك من القتل أو نحوه، فلم يلتفت السلطان لذلك، وأمر بالثلاثة فوُسّطوا في الحال بعد أن قطّع أيديهم. فلا حول ولا قوّة إلّا باللَّه، إنا للَّه. وحصل التأسّف الشديد من المسلمين على هؤلاء المساكين، وأُعيب ذلك على السلطان، لا سيما وقد قطع أيديهم. وكان ذلك في يوم السبت خامس عشرينه.
ثم أخذ السلطان بعد ذلك في ردع الجُلبان وأمرهم بأن يردّوا ما نهبوه، وندب مملوكه خيربك الخازندار الذي وُلّي الدوادارية الكبرى، وتسلطن ليلة على ما سيأتي، بأن يتوجّه إلى مصر لعمل مصالح من نُهب منهم، ولم يحصّل لهم من ذلك الربع مما أُخذ لهم، وللَّه الأمر
(4)
.
[سفر القصيري رسولًا لابن عثمان]
وفيه، في يوم الإثنين، سابع عشرينه، خرج نور الدين علي القصيري الشريف (متوجّهًا)
(5)
في الوسيلة لابن عثمان.
(1)
في الأصل: "المقاث".
(2)
في الأصل: "بالمقاث".
(3)
كتب بعدها في أول الصفحة التالية: "ولما"، وهو سهو وتكرار من المؤلّف رحمه الله.
(4)
كائنة النهب في: نيل الأمل 6/ 209، 210، وبدائع الزهور 2/ 428.
(5)
مكرّرة في الأصل.
[سفر ابن رمضان إلى بندر جُدّة]
وفيه سافر علي بن رمضان القبطي
(1)
إلى بندر جُدّة، متكلّمًا عليه بعناية أحمد بن العَيني وقيامه معه، بعد أن التزم بمالٍ كبير، قدّره على نفسه من هذه الجهة
(2)
.
[وصول سيف جانبك نائب طرابلس]
وفيه في يوم الخميس، سلْخه، قدم الحاجب الثاني بطرابلس -وأظنّه علي المعروف ببساط
(3)
- وعلى يده سيف جانبك الناصري، وأخبر بموته
(4)
.
[شهر شعبان]
[نزول السلطان إلى مصر العتيقة لامتصاص غضب الناس]
وفيها، في يوم الأحد، ثالث شهر شعبان، نزل السلطان من القلعة بغير قماش الموكب، وتوجّه إلى مصر العتيق
(5)
، وهو يظنّ أن أهل مصر لا بدّ وأن يستغيثوا إليه، ويتشكّوا له ما وقع لهم وحصل عليهم، وقصد أنه إذا وقع منهم ذلك، فأخذ في تطييب خواطرهم، وأخمد ذلك في نزوله، وما نزل إلّا بسبب ذلك، وذلك لما كان من بعض الأمراء من أهل الجند، فإنه خوّفه من دعاء العامّة ومن ثورتهم، وأن ذلك مما لا يتلافى إلّا بتعبٍ كبير. فلما نزل بهذا القصد، واجتاز شوارع مصر، وجدها قد زُيّنت لمروره. ثم لما رأوه
(6)
العوامّ ضجّوا بالدعاء له بالنصر، ولم يذكروا ولا الواحد من الكائنة، ولا ما وقع لهم، ولا تكلّم بكلمة واحدة في مثل ذلك، حتى حصل لذلك الأمير الذي خوّف السلطان من عواقب العوامّ غاية القهر. ثم عاد السلطان ودخل في عَوده لمنزل أحمد بن العَيني، سِبط زوجته الخوند شُكْرباي الأحمدية، وكان يسكن بدار نائب جُدّة،
(1)
هكذا في الأصل، ومثله في نيل الأمل، وفي بدائع الزهور 2/ 447 "وكان أصله من الأقباط"، وفي الضوء اللامع 5/ 220، 221 رقم 745 "الأسلمي". وهو توفي سنة 871 هـ. وستأتي ترجمته فيها.
(2)
خبر سفر ابن رمضان في: نيل الأمل 6/ 210.
(3)
لم أجد له ترجمة.
(4)
خبر وصول السيف في: النجوم الزاهرة 16/ 288، ونيل الأمل 6/ 210، وقد توفي جانبك الناصري في شهر رجب من هذه السنة، وستأتي ترجمته.
(5)
هكذا في الأصل.
(6)
الصواب: "لما رآه".
فأضافه ضيافة هائلة من أنواع أصناف الحلوى والفواكه، وقدّم له عدّة من الخيول الخاص، ثم خرج من عنده فدخل إلى دار بُردُبك هجين، وهي قريبة من دار جانبك المذكور، فقدّم له بُردُبك ثمانية من الخيل، فقيل أخذها ثم خرج، واجتاز بقناطر السباع، وعطف على يُسرته من طريق قنطرة عمر شاه والمارستان العتيق، وسار إلى جهة قنطرة طُقُزدمُر، واجتازها إلى قنطرة سُنْقُر، فلما وصل إلى باب دار محمد بن أبي الفرج نقيب الجيش دخل إليه، فقبّل له الأرض، ثم حمل له من غده خمسمائة دينار. واعتذر بأنها ضيافة السلطان. ثم خرج السلطان من دار نقيب الجيش متوجّهًا إلى دار نانَق الظاهري شادّ الشراب خاناة التي بالقرب من المدابغ فدخلها ثم خرج منها فصعِد القلعة
(1)
.
[نيابة طرابلس]
وفيه، في يوم الخميس سابعه استقرّ السلطان بالناصري محمد بن مبارك في نيابة طرابُلُس، نقلًا إليها من نيابة حماة. وكان محمد هذا لما مات جانبك نائب طرابلس بعث بالسعي في نيابته. يقال بمالٍ كثير بذله في ذلك، فأجيب إلى ذلك
(2)
.
[تعيين سودون الأفرم مسفّرًا لنائب طرابلس]
وفيه عيّن السلطان سودون الأفرم
(3)
الظاهري الخازندار، بأن يكون مسفّرًا لمحمد بن مبارك بنيابة طرابلس، بنقله من حماة إليها، ويحمل إليه تقليده.
(ولاية يشبُك البُجَاسي نيابة حماة)
(4)
وفيه أيضًا استقر في نيابة حماة يشبُك البُجاسي
(5)
أحد أمراء حلب، عوضًا
(1)
خبر نزول السلطان في: نيل الأمل 6/ 210، 211، وبدائع الزهور 2/ 428، 429.
(2)
خبر نيابة طرابلس في: النجوم الزاهرة 16/ 288، ونيل الأمل 6/ 211، وبدائع الزهور 2/ 429، وتاريخ طرابلس 2/ 52 رقم 124.
(3)
توفي سودون الأفرم في سنة 878 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 3/ 283 رقم 1076، ونيل الأمل 7/ 94 رقم 2945، وبدائع الزهور 3/ 95.
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
مات يشبك البجاسي في سنة 890 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 10/ 275 رقم 1083 ولم يؤرّخ لوفاته، ونيل الأمل 7/ 414، 415 رقم 3332، وبدائع الزهور 3/ 217، وتاريخ طرابلس 2/ 53 رقم 129.
عن ابن
(1)
مبارك، وعيّن كُسْباي الشِّشْماني
(2)
المؤيَّدي لحمل تقليده إليه
(3)
، ثم وقع الصلح عن تسفير سودون الأفرم وكُسباي هذا، ولم يخرجا من القاهرة، فلا حول ولا قوّة إلّا باللَّه، ذهب ناموس ملك مصر بذهاب القواعد الملوكية، فإن المقصود كان بالمسفّر إقامة الناموس بنقل المتولّي إلى ولايته مع قاصد السلطان الحامل إليه تقليد الولاية وتشريفها إلى أن يوصله لمحلّ ولايته. وأمّا ما يحصل له من المال فكان ضمنًا لا قصدًا، فانعكس الأمر، بل لم يصر العكس موصلًا للأمير الضمني أيضًا، فصار المقصد أخْذ المال للمسفّر، وبهذه الفعلة وأنظارها كاد مُلْك مصر أن يتلاشى، وبهذا وأنصاره طمع فيه الطامع.
[توسيط السلطان لاثنين من الغلمان]
وفيه، في يوم السبت تاسعه أمر السلطان بتوسيط اثنين
(4)
من الغلمان، أحدهما بالخِيَميّين بالقرب من الجامع الأزهر، وكان هذا من غلمان بعض المماليك، فاتفق أنْ سكر هذا الغلام، فعربد على الناس، فأحضر لبعض القضاة فحدَّه، فتوجّه لأستاذه وأحضره، فحصل منه تشويش لأهل الجامعٍ الأزهر وغيرهم، وبلغ السلطان ذلك، فأحضرهما وضرب المملوك بين يديه ضربًا مبرحًا، وأمر بغلامه فوُّسّط.
وأمّا الغلام الثاني فكان من كبار المفسدين الشِّرّيرين على ما قيل
(5)
.
[ختان ولدي كاتب السرّ]
وفيه، في يوم الأربعاء، تاسع عشره، كان ختان ولَدَي الزين ابن
(6)
مزهر كاتب السرّ، وهما: بدر الدين الذي وُلّي فيما بعد نظارة الخاص، وهو المحتسب الآن. والآخر إبراهيم، وأحفل لختانهما غاية الاحتفال، وكان هائلًا وختانًا حافلًا ويومه يومًا مشهودًا
(7)
.
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
توفي كسباي الششماني في سنة 870 هـ. وستأتي ترجمته هناك.
(3)
خبر ولاية يشبك في: النجوم الزاهرة 16/ 288، ونيل الأمل 6/ 211، وبدائع الزهور 2/ 429.
(4)
في الأصل: "بتوسيط اثنان".
(5)
خبر التوسيط في: وجيز الكلام 2/ 767، ونيل الأمل 6/ 212.
(6)
في الأصل: "بن".
(7)
خبر الختان في: نيل الأمل 6/ 212، وبدائع الزهور 2/ 429.
[لبْس السلطان القماش الأبيض]
وفيه، في يوم الجمعة، ثاني عشرينه، ووافق رابع عشرين برمودة، لبس السلطان القماش
(1)
الأبيض.
[عزل ابن الخيضري عن كتابة سرّ دمشق]
وفيه كُتب بعزل ابن
(2)
الخيضري عن كتابة سرّ دمشق، وأن يلزم داره ولا يكاتب أحدًا من المصريّين جملة كافية
(3)
.
[تأثر السلطان من أخبار الحرب بين ابن عثمان وابن قرمان]
وفيه، في أواخره ترادفت الأخبار بأن ابن
(4)
عثمان بعث عساكره مع أحمد بن قرمان وإخوته لقتال أخيهم إسحاق الماضي خبر تملّكه بعد أبيه، فتأثّر السلطان لذلك غاية التأثّر
(5)
.
[غضب السلطان على يشبك الساقي]
وفيه، في يوم السبت ثالث عشرينه غضب السلطان على يشبُك الساقي
(6)
، أحد أعيان خاصكيّته وسُقاته الخاص ومماليكه الأجلاب، فأمر بإخراجه إلى البلاد الشمالية
(7)
.
[ختْم ولد خطيب وهران القرآن العظيم]
وفيه عُملت وليمة عظيمة بمدينة واهران في منزل خطيبها لأجل ختم ولده القرآن العظيم، وحضرها جماعة من الأعيان بواهران، وأكل منها غالب أهل البلد. وحصل للشيخ عبد الرحمن بن عزّوز إمام زاوية إبراهيم التازي، وفقيه المكتب الذي أنشأه الشيخ المذكور، وهو فقيه هذا الولد الذي أحفظه القرآن، زيادة على المائة دينار ذهبًا، كل دينار زنة مثقال، وكان مهمًّا حافلًا في يوم مشهود بتلك البلدة.
(1)
كتب بعدها: "الصوف" ثم ضرب خطًا عليها.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
خبر عزل ابن الخيضري في: نيل الأمل 6/ 212، وبدائع الزهور 2/ 429.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
خبر تأثر السلطان في: نيل الأمل 6/ 212، وبدائع الزهور 2/ 429.
(6)
هو غير يشبك الساقي المعروف بالأعرج، فهو توفي سنة 831 هـ. انظر: الضوء اللامع 10/ 276، 277 رقم 1088.
(7)
خبر غضب السلطان في: النجوم الزاهرة 16/ 289، ونيل الأمل 6/ 212.
[شهر رمضان]
[تهنئة السلطان بالشهر]
وفيها استهلّ شهر رمضان بالسبت بالرؤية، وهُنّيء السلطان به.
[قراءة الحديث الشريف]
وفيه، في يوم الأحد ثانيه قُرئ الحديث بالقصر
(1)
.
[اختفاء الأستادّار زين الدين]
وفيه، في يوم الخميس سادسه، أمر السلطان بإخراج زين الدين الأستادّار إلى القدس، ولما استحسّ الزين بذلك اختفى، فلم يُعلم له خبر، ولا وُقف له على حال، ولا عُرف مكانه
(2)
.
(إخراج الأتابك جَرِباش لدمياط)
(3)
وفيه، في يوم الثلاثاء، ثامن عشره، أُخرج الأمير الكبير الأتابك جَرِباش المحمدي، الناصري، المعروف بكُرْد
(4)
، إلى ثغر دمياط بطّالًا، وأُخرج ولده محمد معه، فأُركبا من داره الملاصقة لسيّدي خَلَف
(5)
بقرب جامع أُلْماس، ومعه حاجب الحجّاب، والدوادار الثاني، والوالي، ونقيب الجيش، وتوجّه به إلى شاطئ النيل، فأُركب مركبًا وانحدر به، وكثُر أسف الناس عليه، وأقامت الخَوَند شقراء
(6)
، ابنة الناصر فرج زوجته المَقْرأ في منزله، ودام جَرِباش هذا بدمياط، إلى أن كان من خبره بعد ذلك ما سنذكره
(7)
.
(1)
خبر قراءة الحديث في: نيل الأمل 6/ 213.
(2)
خبر اختفاء الأستادار في: نيل الأمل 6/ 213، وبدائع الزهور 2/ 429.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
مات جرباش المحمدي في سنة 877 هـ. انظر عنه في: وجيز الكلام 2/ 844 رقم 1932، والذيل التام 2/ 267، والضوء اللامع 3/ 66 رقم 270، ونيل الأمل 7/ 59، 60 رقم 2919، وبدائع الزهور 3/ 83، 84.
وكُرد= كُرْت: قيل له ذلك لكونه كثير الشعر. (الضوء) وعندنا في طرابلس الشام يقال لمن يكون شعره كثيفًا: أكرَد.
(5)
المرجّح أنه: "الزين خلَف بن محمد بن محمد بن علي الشاذلي الششيني، الحنفي" المتوفى سنة 874 هـ. وسيأتي فيها.
(6)
انظر عن (شقراء) في: الضوء اللامع 12/ 68 رقم 415 ولم يؤرّخ لوفاتها.
(7)
خبر إخراج الأتابك في: النجوم الزاهرة 16/ 289، ووجيز الكلام 2/ 797، ونيل الأمل 6/ 213، وبدائع الزهور 2/ 429.
(ولاية قانَم التاجر الأتابكية)
(1)
وفيه، في يوم الخميس، العشرين منه، استقر في الأتابكية الأمير قانَمْ من صَفَر خُجا المؤيَّدي، المعروف بالتاجر
(2)
، أمير مجلس، وعُزل عن أمير سلاح، وهو قَرْقَماس الجَلَب
(3)
لأمرٍ ما، وخُلع على قانَم بذلك عِوَضًا عن جَرِباش الماضي ذِكره، وكانت (خلعةً)
(4)
هائلة سنيّة، ونزل إلى داره في موكب حافل جدًّا، وهرع الناس إليه لتهنئته والسلام عليه
(5)
.
[إمرة مجلس]
وفيه، في يوم الإثنين، رابع عشرينه، استقرّ في إمرة مجلس عِوَضًا عن قانم المذكور تَمُربُغا الظاهري، نقلًا إليها من رأس نوبة النُوَب
(6)
.
[رأس النوبة الكبرى]
وفيه استقر في الرأس نوبة الكبرى أُزبَك من ططخ، حاجب الحجّاب، عِوضًا عن تمُربُغا المذكور، وخُلع عليه بذلك
(7)
.
[حجوبية الحجّاب]
وفيه أيضًا خُلع على جانبك الأشرفي قُلَقْسيز باستقرار حجوبية الحجّاب، عِوَضًا عن أُزبك المذكور
(8)
.
[استقرار ابنُ العَيني في مقدَّمية الألوف]
وفيه أيضًا استقرّ السلطان بالشهابيّ أحمد بن العَيْني في جملة مقدَّمين الألوف بمصر، على تقدمة قانَم التاجر، وهذا أول تقدمته
(9)
.
وهو أولُ ولدِ فِقْهٍ يُقدَّم في مصر، وعُدّ ذلك من النوادر، بل أول من تخلّق
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
توفي قانَم من صفر خجا المعروف بالتاجر في سنة 871 هـ. وسيأتي.
(3)
مات قرقماس الجلب مقتولًا في سنة 873 هـ. وسيأتي.
(4)
مكرّرة في الأصل.
(5)
خبر ولاية قانم في: النجوم الزاهرة 16/ 289، ووجيز الكلام 2/ 767، ونيل الأمل 6/ 214.
(6)
خبر إمرة المجلس في: النجوم الزاهرة 16/ 289، ونيل الأمل 6/ 214.
(7)
خبر رأس النوبة في: النجوم الزاهرة 16/ 289، ونيل الأمل 6/ 214.
(8)
خبر الحجوبية في: النجوم الزاهرة 16/ 289، ونيل الأمل 6/ 214.
(9)
خبر ابن العيني في: نيل الأمل 6/ 214.
بأخلاق الفقهاء تقدّم بمصر، أو من الصوفية، فإنه كان من صوفية الأشرفية البَرْسْبائية، وبيده غير ذلك من وظائِف الفقهاء، وهؤلاء الأربعة الذين ذكرناهم آل أمرهم إلى عُلُوّ ورفعة، وبُعْد صِيت وسُمعة، فأحدهم وهو تَمُربُغا صار سلطانًا بعد ذلك، والآخران وهما أُزبَك وجانِبَك وُلِّيا الأتابكية ونيابة الشام، بل وترشّحا للسلطنة، وأحمد بن العَيني وُلّي الأميراخورية الكبرى، ثم إمرة مجلس، بل وترشّح لإمرة سلاح، بل وللسلطنة بعد موت خُشْقَدم، فلعلّ في ذلك ردّ على من يتشاءم باليوم الرابع والعشرين من الشهر.
[خروج المؤلّف من وهران لتِلِمْسان]
وفيه -أعني شهر رمضان هذا- خرجت متوجّهًا من واهران لتِلمسان، فدخلتها في اليوم السابع والعشرين منه، ونزلت بمنزل عبد الرحمن بن النجار صاحب الأشغال بها، بل مدبّر المملكة لسلطانها محمد بن أبي ثابت، وكان قد اختصّ به وقرّبه وأدناه في سلطنته دون كل أحد، وذكره له واطمأنّ إليه، ولم يكن للوزير ولا لغيره معه كلام، والأمر في مملكة تِلمسان والنَّهي إليه، فأنس بي هو وولداه
(1)
عبد اللَّه الأكبر، وعبد الواحد الأصغر، وكان عبد اللَّه نائبًا عن والده ومن الكتبة، وأمّا عبد الواحد فكان في هيئة الجند، ويركب وينزل مع السلطان، ولم يكن بعبد الرحمن هذا بأس بالنسبة لغيره، فإنه كان سَيوسًا عاقلًا، وكذا ولده عبد اللَّه، مع مَيله لطلب العلم، ومحبّة الفضل والفضيلة وأهل العلم، ذاكرًا للناس.
فسألني عبد الرحمن في شيء من النظم في مدح صاحبه، أعني صاحب تِلمسان، يُلقيها عنده بالقصر في المجلس العام، في يوم عيد الفِطر، بحضرة قاصد صاحب تونس، فأجبته إلى ذلك بعد أن أكد عليّ فيه، وأن أعرّض فيه بأشياء ذكرها لي، فنظمت قصيدة نحو الأربعين بيتًا، جيّدة في معناها، وكتبت بها إليه، فلما وقف عليها دعاني إليه، ورفع من محلّي لديه، وشكري على ذلك، وكتب لي ظهيرًا بمسامحتي في كل ما أتصرّف فيه من نوع المتجر، وإنزالي بمكانٍ بواهران إلى حين سفري، ورتّب لي بها شيئًا، ما بين لحم ودقيق وعدس. وسألني عن مواضع في القصيدة أُشكلت عليه، فأجبته عنها، فأخذ في مباحثات في ذلك، فوجدته ممن يُنسَب للعلم والفضيلة التامّة، ومعرفة الأدب، ونقد الشِعر، ثم أمر بالقصيدة فكُتبت بخط أحد من يكتب الكتابة، الجيّدة بتلمسان، ثم أمر بأن يقرأها
(1)
في الأصل: "وولديه".
عليّ إنسان من أهل تلمسان، ممن له حُسن صوت وطِيب نغمة ليصفصحها
(1)
، حتى ينشدها بين يديه في يوم العيد، بحضور قاصد صاحب تونس. وقد كانت هذه القصيدة مُثْبتة عندي، فلما أن تصوّفت غسلتها في جملة ما غسلت من شِعري والكثير من أوراقي وتعاليقي التي ندمت بعد ذلك على كثيرٍ منها، لِما كان بها من الفوائد، ولم يحضُرْني من تلك القصيدة الآن إلّا ذَين
(2)
البيتين من مديحها، وهما:
أعني المليكَ الذي شاعتْ مكارمُه
…
من آلِ زيّان أقيالٌ أماجيدُ
هُمُ الملوكُ وأبناءُ الملوكِ ومَن
…
يقُل سوى ذا فذاك القولُ مردودُ
[ختم البخاري بالقصر]
وفيه في يوم الأربعاء، سادس عشرينه، خُتم البخاري بالقصر، وخُلع على القضاة والقارئ والمشايخ، ومن له عادة بذلك، وفُرّقت الصُرَر على العادة في ذلك.
[خلعة النظر على البيمارستان]
وفيه، في يوم الخميس، سابع عشرينه، خُلع على الأتابك قاتَم خلعة النظر على البيمارستان المنصوري
(3)
.
[شهر شوال]
[إنشاء قصيدة المؤلّف بقصر صاحب تلمسان]
وفيها، في أول يوم من شوّال، عيّدنا الفِطر بتِلمسان، وبلّغني ابن
(4)
النجّار أن القصيد قُرئت بحضرة السلطان صاحب تلمسان، مع حضور قاصد صاحب تونس، وسمعها هو والملأ العام ممّن حضر القصر عند السلطان، وأثنوا على قائلها، وانبسط لها السلطان، ووقعت منه الموقع، لا سيما وبها تعريض بصاحب تونس، فإنني كنت في نظمي لها صرّحت بأن محمدًا هذا أخذ تلمسان بشيعته، من غير قيام قائم معه في ذلك، حتى يكون له أيادٍ وفضل يوجب الإقامة بدعوته، ونحو ذلك من أشياء فيها التعريض الظاهر.
(1)
هكذا في الأصل. والصواب: "ليصحّحها".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
خبر خلعة البيمارستان في: نيل الأمل 6/ 215.
(4)
في الأصل: "بن".
[التجريدة إلى جهة المنوفية والغربية]
وفيه، في يوم الخميس، خامسه، خرجت تجريدة من القاهرة، عليها أُزبَك رأس نوبة النُوَب، ويشبُك الفقيه الدوادار الكبير، لجهة المنوفية والغربية، لإخراج العربان منها، لإفسادهم بها، وهم في هيئة الطائعين، والحال أنهم أنحس من العُصاة
(1)
.
[إحضار طائفة من عرب الجيزية إلى القاهرة]
وفيه، في ليلة السبت، سادسه، خرج الوزير محمد البِبَائي، وتمُر الوالي، وخشكَلْدي البَيْسَقي، أحد الأمراء، ورؤوس
(2)
النُوَب، فبيّتوا طائفة من عرب الجيزية المفسدين بها، وأحضروهم للقاهرة
(3)
.
(كائنة قتل اليهود بفاس وذبح سلطانها عبد الحق المريني)
(4)
وفيه، في حادي عشره، ورد الخبر من جهة مدينة فاس لتِلمسان، بقيام أهل فاس من السواد الأعظم على اليهود بفاس، وقتْلهم عن آخرهم، وأنه لم يخلُص منهم إلّا خمسة ذكور وست إناث، أو أقلّ من ذلك، وهم الذين اختفوا بحيث لم يُطَّلَع عليهم. وكانت كائنة عظيمة ومقتلة كبيرة، آل الأمر فيها إلى ذبح عبد الحق المَرِيني
(5)
سلطان فاس وصاحب المغرب الأقصى، مع جلالة قدره وعِظَم شأنه ومملكته، وولي عِوَضه رجل من شرفاء فاس يقال له الشريف محمد بن عِمران
(6)
.
وكان من خبر هذه الكائنة أن عبد الحق هذا أقام على مُلك فاس مدّةً تزيد على الثلاثين سنة، وكان مغلوبًا فيها مع بني وَطّاس الوزراء، وكان ذلك دأبُهم ببلاد المغرب وبفاس. وجرت العادة أن تكون الغلبة بها والأمر للوزراء، وهم مُلّاك العباد والبلاد، وإليهم الأمر والنهي، ولا يصدر شيء بهذه المملكة إلّا عن رأيهم وإنّما السلطان من بني مَرِين كالآلة معهم، مثل الخلفاء بمصر الآن مع السلاطين من التُرك، بل أولئك أقوى شوكةً من الخلفاء ها هنا. فلا زال عبد الحق
(1)
خبر التجريدة في: نيل الأمل 6/ 215، وبدائع الزهور 2/ 430.
(2)
في الأصل: "روس".
(3)
خبر عرب الجيزية في: نيل الأمل 6/ 215.
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
هو: عبد الحق بن أبي سعيد عثمان بن أحمد بن أبي سالم إبراهيم بن أبي الحسن المريني العبد الحقي، سلطان فاس. ستأتي ترجمته في وفيات هذه السنة.
(6)
في موسوعة المغرب العربي 3/ 337 "محمد بن علي الإدريسي نقيب الأشراف بفاس".
هذا يحتال بكل حيلة، ويتوسّل بكل وسيلة، حتى أباد بأخرة الكثير منهم، وقتل الوزير يحيى بن يحيى الماضي في محلّه، وشيء
(1)
من ذِكر عبد الحق في تراجم سنة ثلاثٍ وستين
(2)
، وذبح معه ولد أبي
(3)
حسّون الوزير قبله من بني حسّون أيضًا علي بن يوسف بن زيّان بن عمر الوطاسي، وتشتّت شمل بني وَطّاس بسبب ذلك، وغلب عبد الحق على الأمر، واستبدّ به، وأقام وزيرًا من بني وَطّاس ملائمًا لمُراده، ولم يُخَلِّ له كلمةً، بل صار في الوزارة كما كان عبد الحق قبل ذلك في السلطنة، لا ذِكر له ولا شُهرة، بل ولا اسم، وأقام شخصًا من يهود فاس، يقال له هارون بن طبش، كان صرّافًا، أو كالصيرفي عند الوزراء، فجعله كالنائب عن الوزير، واختصر الوزير، وقصد بذلك نكاية بني وَطّاس، بعد أن أباد جمعًا منهم، وحبس آخرين بمكناس، وأقام منهم هذا الوزير الذي لا ذِكر له، وكان اسمه أبو الحسن علي أيضًا، وكان أولًا قد غلب عليه بعض غَلَبَة، حتى آل أمره إلى الغلب، فَزَاوَاه عبد الحق بفاس في شبه الموكَّل به، ولم يمكِّنْه من الكلام في المملكة (
…
…
)
(4)
، وفي غيره من الغائبين بالسجون، وآخرين تغلّبوا على بعض أعمال فاس من الفارّين (
…
…
)
(5)
أقام اليهودي معرِّضًا بأنه كهُم في الاحتياج إليه، وبقي اليهوديّ هذا (
…
…
…
…
)
(6)
وزير غيره، وله التكلّم في الوزارة، وهو باقٍ على دينه، وذلك (
…
…
…
…
)
(7)
أبلغ في النكاية والإيذاء لبني وَطّاس، وأخذ عبد الحقّ هذا (
…
…
)
(8)
اليهودي هذا. واختص به جدًّا، حتى صارت المملكة في يده، وعبد الحق به (
…
…
…
)
(9)
اليهودي أن يتجاوز حدّه، ولا يتعدّى طوره، على ما رغبه عبد الحق، وصار (
…
…
…
…
)
(10)
الذين في مملكة فارس، مع تلبُّسه بدين اليهودية، وصار يخاطب (
…
…
…
)
(11)
فتطاولت اليهود في أيامه بناس، بل بسائر الأعمال منها، وصار (
…
…
…
…
…
)
(12)
وعبد الحق راضٍ بذلك، بل مسرورٌ به، منبسط له (
…
…
…
)
(13)
السيف بالحمائل الحرير، المنقوش عليها كتابة آيتي الكرسي (
…
…
)
(14)
لا إله إلّا اللَّه محمد
(1)
في الأصل: "وشيئًا". .
(2)
في القسم الضائع من الكتاب.
(3)
في الأصل: "أبو".
(4)
كلمتان ممسوحتان.
(5)
كلمتان ممسوحتان.
(6)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(7)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(8)
كلمتان ممسوحتان.
(9)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة
(10)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(11)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(12)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(13)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(14)
مقدار كلمتين ممسوحتين.
رسول اللَّه، وكان يركب الخيول المسوّمة بشعار الوزراء (
…
…
…
)
(1)
ويسلّم الجهلة بالوزارة، ويحضر مع السلطان في يوم الجمعة إلى الجامع، فينزله، ويقف هو على باب الجامع إلى دخول السلطان. وظهرت لهذا اللعين قبائح كثيرة وفضائح ومَظالم، وكثُر تسلط اليهود على المسلمين من أهل فاس بواسطته، فلم تحملهم العامّة، وأبغضوا عبدَ الحق بهذه الواسطة، وتمنّوا زواله. على أن بني وطّاس أيضًا كانوا كثيري المظالم على العباد، لكنْ أولئك وزراء مسلمين، بخلاف هذا اللعين الذي من غير الدين.
ثم اتفق أنْ خرج عبد الحق في هذه السنة من فاس لبعض شؤونه
(2)
، ومعه الوزير اليهودي، وقد أقام اليهوديُّ هذا متكلّمًا عنه بفاس، إنسانًا
(3)
من اليهود أيضًا من أقاربه أو معارفه، يسمّى شاول بن بطش، وهو ملازم دار السلطنة بفاس الحرير، فاتفق أنْ طلب اليهودي هذا امرأة من شرفاء فاس لقضيّة من القضايا، وأغلظ عليها في الحَول بها، يقال إنه بهدلها بضربٍ أو نحوه، وبلغ ذلك خطيبَ فاس سيدي أبا
(4)
عبد اللَّه محمد، وكان والمسلمون
(5)
في قهرٍ عظيم من قضية اليهود، وظهورهم وتحكّمهم في المسلمين، وكان دائمًا يعرّض في خطبته في يوم الجمعة بجامع فاس الأعظم، الذي يقال له جامع القَرَويّين، بأمورٍ في حق اليهود، بل ويعرّض بتحريض العامّة، وتشجيعهم، عسى يقومون في هذه القضية للَّه تعالى، وعلَّهم يثوروا فيها، حتى شاع أمره، وذاع في ذلك. ولما وقعت هذه الكائنة من إحضار هذه الشريفة، بايع نفسه للَّه، فخرج من داره وهو رافعٌ صوته بأعلى ما تصل إليه قدرته في رفْعه في شوارع فاس وطُرقاتها، بقوله: من لم يقُم للَّه، فلا مروءة ولا دين له، ويعقب ذلك بقوله: الجهاد، الجهاد، وأمر من ينادي بذلك أيضًا في شوارع فاس، فتسامع العامّة بذلك، فثاروا معه في الحال، واجتمع عليه السواد الأعظم من كل فجٍّ عميق بفاس، وأخذوه قاصدين دارَ الشريف محمد بن عِمران، وهو مزوار الشرفاء بفاس، كنقيب الأشراف بهذه البلاد، ولكنْ مع حُرمة وافرة، وكلمة نافذة، وشهامة ظاهرة، فدخل إليه الخطيب واستشاره معه، فلم يُجبه، واعتذر إليه بأنه لا يُحسن القيام وحده، ولا ينهض بأعباء هذا الأمر مع وجود العلماء بفاس، وقبل أن يستفتوا عن هذه الكائنة، فبادروا إلى علماء فاس وجمعوهم، ومنهم، بل أجلّهم يومئذٍ عالمهم ومفتيها سيدي الشيخ
(1)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(2)
في الأصل: "شونه".
(3)
في الأصل: "إنسان".
(4)
في الأصل: "أبو".
(5)
في الأصل: "والمسلمين".
الإمام العالم، العلّامة أبو عبد اللَّه محمد القوري، فأحضروه ومن جمعوه إلى منزل السيد الشريف، فبدر الخطيب بأنْ قال لهم: جاهِدوا معنا واغْزوا، وأغزوا الإسلام، وتبعه العامّة على مقالته، ثم قالوا: وإن لم تُغزوا معنا وإلّا فأول ما نغزوا فيكم، لأنكم شرفاء وعلماء، وأنتم راضون بحكم اليهود عليكم، ثم نادوا: الجهاد الجهاد ثانيًا، وبالغوا في الحث على ذلك، وطلبوا من القوري أن يُفتيهم، فامتنعٍ من ذلك، واعتذر لهم بالخوف من الشوكة، فتكاثروا عليه، بعد أن كتبوا سؤالًا بواقعة الحال، وما يصدر من اليهودي، وكذا اليهود، وأن ذلك نقض العهد بعينه، بل هو فوقه، وسلّوا السيوف من أغمادها، وقالوا للقوري: نحن أيضًا أُولُوا شوكة وقوّة، قمنا للَّه وبايَعْنا بأنفُسنا، وهذا سؤال، نريد منك أن تُفْتينا فيه بحكم اللَّه تعالى، وإلّا أرَحْنا الدنيا منك، لا بل عالم لم تعمل بعلمك، إلى غير ذلك من كلمات نحو هذه الكلمات. فلم يَسَعْه إلّا كتابة خطّه بجواز قتل اليهود، ثم بجواز القيام عليهم، بل وعلى السلطان. وحين فرغ من خطّه بدروا إلى حارة اليهود، ووضعوا فيهم السيف، وقتلوا منهم ما شاء اللَّه أن يقتلوا، ولم يكفّوا عن أحدٍ منهم حتى أفنوهم عن آخرهم، بحيث أخْلوا الحارة منهم، وكان يومًا مشهودًا بفاس، وملحمة عظيمة، قُتل فيها جمع
(1)
كثير العدد من اليهود، ثم قصدوا دار السلطنة فهجموها، وقتلوا اليهوديّ الدي كان بها نائبًا عن الوزير، ثم أقاموا السيد الشريف محمد بن عِمران المذكور، وأنزلوه بالدار المذكورة، وأرادوا مبايعته، فأشار عليهم ذوو
(2)
التجارب والحنكات من أرباب العقول وأهل البصائر بعدم الاستعجال في ذلك، حتى يظفروا بعبد الحق السلطان، وإلّا أعياهم أمره. ثم دبّروا بأن يكاتب الأعيان من أهل فاس والشريف لعبد الحق، الغائب عن فاس، فيذكرون له الكائنة، وقيام السواد الأعظم وثورانهم، ويعرّفونه أن دار السلطنة كانت آيلة إلى النهب والخراب، لولا تطمين خواطر السواد الأعظم، نجعل السيد الشريف فيها، وهو ينوب عنكم إلى حين حضوركم، وعمل مصالح المسلمين والسواد الأعظم، لا يخرج شيء عن أمركم، وبعثوا إليه بذلك وبنحو هذا من الكلمات. فحين بلغه ذلك أخذ في الحال في أسباب التهيّؤ
(3)
للعود إلى فاس، فبدر إليه وزيره اليهوديّ وقال له: ليس عَودك بمصلحة، فإنّ هذا الذي كتبوه حيلة على مولانا، وإنْ رأى مولانا -نصره اللَّه- أن ينحاز إلى مدينة تازا أو غيرها من المدن حتى تنطفئ هذه الجمرة، ويقوى أمر مولانا، ثم يتوجّه إلى فاس، وهو
(1)
في الأصل: "جمعا".
(2)
في الأصل: "ذوي".
(3)
في الأصل: "التهي".
الأَوْلَى. وكان الرأي مع اليهودي، لكنْ إذا نزل القضاء عمي البصر، فنَهَرَه عبد الحق وقال له: هذا هو رأيك الفشيش أولًا وآخرًا، وهذا كلّه لأجلك، لا بُورك فيك.
وكان إنسان
(1)
من بني مَرِين بهذا المجلس، ورأى السلطان قد حنق من اليهودي، فبدر إليه بحربةٍ معه طعنه بها بحضرة السلطان، فوقع ميتًا لوقته بين يدي عبد الحق، وقصد بذلك إرضاء أهل فاس إذا بلغهم ذلك. وأشار هذا الطاعن على عبد الحق في سرعة تدارك هذا الأمر، بعَوده إلى فاس، ووافقه على إشارته آخرون
(2)
من خواصّ عبد الحق، وكان رأيًا فاسدًا، لغَلَبة القضاء والقدر، وفراغ أجل عبد الحق، وحضور مَنِيّته، فأخذ في (
…
…
…
)
(3)
سبق عساكره، ووصل إليها في قليل من العسكر، وأكثر عساكره أحسّوا بما (
…
…
…
…
)
(4)
في سيرهم خوفًا على أنفسهم من السواد الأعظم
(5)
. ولما بلغ أهل فاس أن عبد الحق [قام إليهم]
(6)
خرج السواد الأعظم إليه، وهم مُظهرون أنهم خرجوا لملاقاته [ومنهم]
(7)
الطائفة، الذين يقال لهم الوكسارة، وهم نحو الزُعر بهذه البلاد، فساعة [رأوه وهو في]
(8)
الطريق ثاروا به ونادوا: الجهاد الجهاد فيما بينهم، وحين تسامع من كان [معه من جماعة]
(9)
العسكر بذلك انفلّوا عنه وفرّوا، وأُخِذ هو باليد، وأنزِل من على فرسه (
…
…
…
…
…
)
(10)
وباشر يحاكي بمجزرة كما يُفعل بالغنم، وذُبح صبرًا في وقته، وذلك في الثاني والعشرين من شهر رمضان من هذه السنة، وقتلوا الكثير من عساكره [وبعد ذلك عاد الجميع]
(11)
إلى فاس، فبايعوا السيد الشريف محمد بن عِمران، وعقدوا له البيعة، وملّكوه عليهم. [فلما بلغ]
(12)
بني وطّاس ذلك أرادوا الرجوع إلى فاس ودخولها، فلم يمكنهم [دخول] فاس [بعد] ذلك، وحسُن ببال الشريف بقاؤه بالمُلك، وجمع
(1)
في الأصل: "إنسانًا".
(2)
في الأصل: "اخرين".
(3)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(4)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(5)
كتب بإزائها على هامش الصفحة: "وكانوا بالسر عنه (؟) جدًا ولم يحضر إلى فاس إلا في ثلاثة أنفس من جماعته".
(6)
مقدار كلمتين ممسوحتين، وما أثبتناه يقتضيه السياق.
(7)
كلمة ممسوحة. وما أثبتناه يقتضيه السياق.
(8)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة. وما أثبتناه يقتضيه السياق.
(9)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة. وما أثبتناه يقتضيه السياق.
(10)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(11)
مقدار أربع كلمات ممسوحة. وما أثبتناه يقتضيه السياق.
(12)
كلمتان ممسوحتان. وما أثبتناه يقتضيه السياق.
له جموعًا من غير طائفتي [بني مَرِين]
(1)
الملوك [و] من بني وطّاس الوزراء. واختلفت الكلمة بين أهل فاس وخارجها.
ثم شاع [في البلاد] النائية عن فاس بهذه الكائنة، فثاروا بيهود البلدان، وفعلوا بهم نحو فِعل أهل فاس بيهودها، وكانت كائنة عظيمة على اليهود، لعلّها لم تقع لهم قبل ذلك نظيرها، وفني منهم ما شاء اللَّه تعالى. ووقع بعد ذلك بفاس وأعمالها خُطوب، وحروب، وفِتَن، وأهوال، وفساد عظيم، وخراب بلاد، وهلاك عباد
(2)
.
[استيلاء الفرنج على طنجة وأصيلا]
وأخذت الفرنج في تلك الفترات عدّة مدن من برّ العُدْوة، منها طَنْجة، وأصيلا، وغير ذلك.
[عودة بني وطاس لمُلك فاس]
ثم آل الأمر بعد ذلك أيضًا إلى أنْ مَلَك بنو
(3)
وطاس فاس، وأخرجوا السيد الشريف محمد بن عِمران منها بعد مدّة سنين، نحو الأربع
(4)
وكان الشريف هذا بفاس لا يملك إلّا داخلها فقط، ولا حكم له على ما عداها من البلاد خارجها، والأعمال كلّها بيد بني وطاس، وهم أيضًا على قسمين مختلفين، وعُربان الخليط مع قسم، والشاوية مع قسم آخر، فوقع الاتفاق فيما بين القسمين على أخْذ الشريف، فأخذوه ولم يقتلوه، وإنّما أمروه بالمُضِيّ إلى حيث شاء رعاية لشرفه، ثم تعادت الطائفتان
(5)
من بني وطاس، وأخرجت إحداهما الآخرى، وتقاتلوا فيما بينهم.
ولا زالت الفِتَن والشرور قائمة مستصحبة بتلك البلاد مدّة سنين، بل إلى يومنا هذا، ولعلّنا ننبّه على هذه الحوادث في متجدّدات سِنِيّ ما بعد الخمس والستين
(6)
وثمانمائة إن شاء اللَّه تعالى، فإنها مُحال وقوعها. وبالجملة فكانت هذه الكائنة من أعظم الكائنات.
(1)
كلمتان ممسوحتان. وما أثبتناه يقتضيه السياق.
(2)
خبر كائنة اليهود في: نيل الأمل 6/ 215، 216، وتاريخ الدولتين الموحّدية والحفصية 156، وبدائع الزهور 2/ 430.
(3)
في الأصل: "بني".
(4)
في الأصل: "الأربعة".
(5)
في الأصل: "الطائفتين".
(6)
في الأصل: "وستين".
[إنفعال صاحب تلمسان لقتل عبد الحق]
ولما بلغ صاحب تلمسان ما وقع لعبد الحق وقتْله على ذلك الوجه المشروح، حصل عنده بذلك الباعث، لِما كان بينه وبين عبد الحق من المواددة وإظهار الصُحبة، وأنه معه فيما عساه يَدهمه، وكان يظنّ أنه ينجده على صاحب تونس. فلما بلغه ما حلّ به انفعل لذلك.
[عُدول المؤلّف عن التوجّه إلى فاس]
ولقد كنت في عَودي لتلمسان هذه المرة عزمت على التوجّه منها لجهة فاس لأراها، فلما بلغني ما وقع بها من هذه الفِتن والخطوب، فَتَر عزمي عن ذلك، فعدت إلى واهران بشيء، فسوّقته من تِلمسان لأجل بيعه بالأندلس، وعزمت على التعدية والجواز من برّ العَدْوَة لبرّ الأندلس، وكان لي ما سأذكره في التي تليها إن شاء اللَّه تعالى.
[خروج الحاج من القاهرة]
وفيه، في يوم الإثنين سابع عشره، خرج الحاج من القاهرة، وأميرهم على المحمل جانبك قلقسيز الأشرفي حاجب الحجّاب، وبالأول خُشْكَلدي القوامي المؤيَّدي.
وتوجّه للحج في هذه السنة قانِبَك المحمودي أحد مقدَّمين
(1)
الألوف
(2)
.
[التجريدة إلى عربان لَبيد بالبحيرة]
وفيه عيّن السلطان تجريدة للخروج بجهة البحيرة لأجل عربان، لَبِيد، لما ورد الخبر بنزولهم بها
(3)
.
[تفقّد مقياس النيل]
وفيه، في يوم الأربعاء خامس عشرينه، الموافق لسادس عشرين بؤونة
(4)
أيضًا تفقد ابن
(5)
أبي الرذّاذ أمين المقياس القاعدة، فأخذه قاع النيل المبارك بشّر
(1)
الصواب: "أحد مقدّمي".
(2)
خبر خروج الحاج في: نيل الأمل 6/ 216، وبدائع الزهور 2/ 430.
(3)
خبر التجريدة في: نيل الأمل 6/ 216، وبدائع الزهور 2/ 430.
(4)
في الأصل: "بونه".
(5)
في الأصل: "بن".
بأنها جاءت سبعة أذرُع سواء. ثم أصبح من غده فنودي بزيادة البحر، ومع ذلك فكانت الغِلال مرتفعة الأسعار في هذه السنة.
[خروج التجريدة إلى البُحيرة]
وفيه، في سلْخه، خرجت التجريدة المعيّنة للبحيرة وعليها تمربُغا أمير مجلس، وجانبك الناصري المرتدّ، ومُغلباي طاز، وهما من مقدَّمين
(1)
الألوف، وعدّة من الأمراء الطبلخاناة والعشرات
(2)
.
[شهر ذي القعدة]
[خروج قاصد صاحب تونس من تلمسان]
وفيها، في أوائل ذي القعدة، خرج قاصد صاحب تونس من تلمسان عائدًا لمرسله، وأعقبه صاحب تلمسان بعد أيام ببعث القاضي محمد بن العقباني
(3)
قاضي الجماعة بتلمسان رسولًا إلى صاحب تونس، وخرج في عاشر هذا الشهر، فيما أظنّ، متوجّهًا لصاحب تونس بمكاتبته من مرسله إليه، وكان له ولمرسله وصاحب تونس ما سنذكر في سنة إحدى وسبعين وثمانمائة، الآتية بعد التي تليها إن شاء اللَّه تعالى
(4)
.
(تسليم حسن قلعة كركر لإينال الأشقر)
(5)
وفيه، في يوم الثلاثاء خامس عشره، ورد الخبر من حلب بأن أتابكها إينال الأشقر توجّه منها إلى آمِد، حسْب ما أمره به السلطان، قيل ذلك حتى اجتمع بصاحب آمِد حسن بن قرايُلُك بسبب تسليم قلعة كركر، وأن حسن لما ورد عليه إينال المذكور أكرمه جدًّا، ثم سلّمه القلعة المذكورة، ثم أسلمها إينال لعثمان بن أُغْلُ بَك
(6)
الحلبي، حسْب ما كان رسم به السلطان وعيّنه لذلك
(7)
.
(1)
الصواب: "من مقدَّمي".
(2)
خبر خروج التجريدة في: نيل الأمل 6/ 216، وبدائع الزهور 2/ 430.
(3)
في نيل الأمل 6/ 216 "محمد بن الغسّاني".
(4)
خبر خروج القاصد في: نيل الأمل 6/ 216، 217.
(5)
العنوان من الهامش.
(6)
قُتل عثمان بن أغْلُ بك شنقًا بحلب في سنة 877 هـ. انظر عنه في: نيل الأمل 7/ 55 حوادث شهر شعبان.
(7)
خبر قلعة كركر في: نيل الأمل 6/ 217.
(أخْذ ابن
(1)
عثمان بلاد ابن
(2)
قرمان)
(3)
وفيه، أعني هذا الشهر، في هذه الأيام، صحّ عند السلطان أن عساكر ابن
(4)
عثمان قد وصلت لبلاد ابن
(5)
قَرَمان مع بني قَرَمان الذين خالفوا إسحاق أخاهم، ونزحوا عنه إلى ابن
(6)
عثمان على ما أسلفنا ذلك، وأنهم ملكوا بلاد ابن
(7)
قرمان، وأخرج إسحاق منها، وفرّ منهزمًا إلى جهة ديار بكر، وأن أحمد بن قَرَمان ولي المُلك بنجدة ابن
(8)
عثمان، وكان من أمرهم بعد ذلك ما سنذكره
(9)
.
(كائنة ملك أصلان بن دُلغادر مع حسن الطويل)
(10)
وفيه، في يوم السبت سادس عشرينه، ورد الخبر من (حلب بأن)
(11)
حسن الطويل نزل بعساكره على خَرت بِرْت، وهو يحاصرها ليأخذها من ملك أصلان بن دُلغادر
(12)
، وذلك لِما قد أسلفناه من أن حسن كان بعث بطلبها، في مقابلة تسليمه قلعة كركر، وأن السلطان اعتذر إليه بأنها مضافة لابن دُلغادر المذكور، وفي إخراجها عنه تكدير لخاطره وتشويش عليه.
ثم إن السلطان أراد عمل المصلحة من الجهتين، خوفًا من مثل هذه الكائنة، فبعث إلى حلب فأخرج بعض معاديها بمشترى من بيت المال، وأضيفت هذه البندر إلى حسن، وهي التي دامت بيده مدّة حتى يملك العراقين، وكان منه ما يؤذن بانعزاله على هذه المملكة بعد الخمس والسبعين
(13)
. فأخرجها الأشرف قايتباي سلطان العصر عنه، على ما سيأتي بيان ذلك في محلّه. وكان الظاهر خُشقَدم لما فعل ذلك، أسكت به حسن، مع ما بعث به إليه من الهدايا الجليلة، وخمسة آلاف دينار من الذهب النقد العين، إلى غير ذلك من الأشياء، بحيث أرضاه.
ثم تغيّر خاطر السلطان على ملك أصلان، وكان ذلك التغيّر سببًا لفسادٍ كبير
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
في الأصل: "بن".
(7)
في الأصل: "بن".
(8)
في الأصل: "بن".
(9)
خبر أخذ ابن عثمان في: نيل الأمل 6/ 217، وبدائع الزهور 2/ 430.
(10)
العنوان من الهامش.
(11)
ما بين القوسين كتب فوق السطر.
(12)
قتل (أصلان بن دُلغادر) في السنة التالية 870 هـ. انظر: نيل الأمل 6/ 231، والضوء اللامع 2/ 312، 313 رقم 991.
(13)
في الأصل: "بعد الخمس وسبعين".
لم تزل شرارة عمالته إلى يومنا هذا، فإنه لما تحرّك ابن
(1)
عثمان لجهة هذه البلاد، وبعث عساكره نجدة لابن قَرَمان، نقل للسلطان أن ملك أصلان هذا مُباطنه ومُمالئه على مصر، ولعلّ ذلك لم يكن كذلك، وإنّما كان الظاهر كثير التوهّمات، من مثل هذه الأمور. وكان ملك أصلان فطن بتغيّر خاطر خُشْقَدم عليه، فأرسل إليه يعتذر له بأنه إنما يداهن ابن
(2)
عثمان ويصانعه خوفًا منه على بلاده، فإنها متاخمة لبلاده وقربه لها، وجعل السلطان كأنه قبل عُذره ظاهرًا، وفي الباطن خلافه (
…
)
(3)
حسن جملة ذلك، فانتهز الفرصة ونازل خَرْت بِرْت بعساكره، حتى أخذها من (
…
…
)
(4)
بهذه المندوحة
(5)
.
[الحرب بين خشقدم الزيني وعرب قطّاب والهوادجة]
وفيه، أعني هذا الشهر، جرت حرب عظيمة بين خُشَقْدَم الزيني كاشف البُحَيرة، وبين عرب قطّاب والهوادجة
(6)
بخارج دمنهور، والتقى
(7)
خُشقدم بالطائفتين، فقتل منهما خلقًا لا يُعدّون، فيقال بلغ عدّة من قتل منهما فكانت ثلاثمائة، ويقال: خمسمائة
(8)
.
[الحرب بين هوّارة وعربان الوجه البحري]
وفيه كانت حرب أيضًا بين هوّارة وعربان الوجه البحري من الوجه القِبلي، وفيهم عرك، وقتيل، وفزارة، وجماعة محارب، اتفق الكل على هوّارة وتحاربوا، فكانت بينهم مقتلة عظيمة، قُتل فيها زيادة على الخمسمائة، ويقال نحو الألف، واللَّه أعلم. وكانت الفِتَن الهائلة
(9)
.
[شهر ذي الحجّة]
[عيد النحر بالقاهرة ووهران]
وفيها استهلّ ذو
(10)
الحجّة بالخميس، وهُنّيء السلطان بالشهر.
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
كلمة ممسوحة.
(4)
كلمتان ممسوحتان.
(5)
كائنة ملك أصلان في: نيل الأمل 6/ 217، وبدائع الزهور 2/ 430.
(6)
في نيل الأمل 6/ 217 "الهدادجة".
(7)
في الأصل: "والتقا".
(8)
خبر الحرب في: نيل الأمل 6/ 217.
(9)
خبر حرب هوّارة في: نيل الأمل 6/ 217، 218.
(10)
في الأصل: "استهل ذي".
وفيه كان عيد النحر بالقاهرة بالسبت، وكان عندنا بواهران بالجمعة، وخرجنا لمُصلّى واهران بظاهرها، وكانت الأضحية بها في غاية الرخاء، فأبيع بها كل أربعة من جياد الغنم بدينار.
[وفاء النيل]
وفيه، في يوم الثلاثاء، ثالث عشره، بالقاهرة، ووافق أيضًا ثلاثة عشر
(1)
مِسْرَى، من شهور القبط، كان وفاء النيل المبارك، ونزل السلطان لتخليق المقياس بموكبٍ حافل، علىٍ ما قدّمناه في الخالية، فخلّق المقياس، وعاد ففتح السدّ بين يديه، وركب صاعدًا القلعة على الهيئة الماضية في الخالية، وكان لنزوله يومًا مشهودًا
(2)
.
[وفاة المستعين باللَّه صاحب غَرناطة]
وفيه، في هذه الأيام ورد الخبر لواهران بموت المستعين باللَّه سعد بن الأحمر
(3)
صاحب غرناطة، الماضي شيء
(4)
من ذِكره مع ولده، وأنه مات بالمدينة بعد أن تمرّض أيامًا، واستبدّ حينئذٍ ولده بالمُلك زيادة استبداد.
[بشارة الحاج]
وفيه ورد مبشّر الحاج، وأخبر بالأمن والسلامة.
[تعطّل أحوال الناس بسبب الفلوس العُتق]
وفيه، في يوم السبت، رابع عشرينه، نودي على الفلوس العُتْق، كل رِطلٍ بثلاثين درهم نُقرة. والجُدُد كل أربعة بالعدد بدرهم نُقرة، فحصل على الناس بواسطة هذه المناداة التشويش البالغ، والنكد الذي ما عنه مزيد، ووقفت أحوالهم وتعطّلت، ثم أصبح من الغد فنودي بإبطال ما كان قد نودي بالأمس، وعاد كل شيء لأصله. واستمر الحال على ما كان عليه أولاً
(5)
.
(1)
في الأصل: "ثلاث عشرة".
(2)
خبر وفاء النيل في: النجوم الزاهرة 16/ 289، ووجيز الكلام 2/ 767، ونيل الأمل 6/ 218، وبدائع الزهور 2/ 431.
(3)
في الضوء اللامع 3/ 248 رقم 937، "سعد بن علي بن يوسف بن محمد بن يوسف بن إسماعيل بن نصر بن الأحمر صاحب غرناطة الأندلس، ووالد أبي الحسن علي، وأبي عبد اللَّه محمد. ذكرته استطرادًا في حوادث سنة ست وتسعين".
(4)
في الأصل: "شيئًا".
(5)
خبر الفلوس العتق في: نيل الأمل 6/ 218.
[ملخّص حوادث السنة]
وخرجت هذه السنة على ما بيّنّاه من الفِتَن والشرور العامّة، بكثيرٍ من الأقاليم والممالك الإسلامية، بل والكُفرية، على ما عرفت ذلك.
فيما بين ابن
(1)
عثمان وابن
(2)
قَرَمَان.
وبين صاحب مصر وأولئك باطنًا.
وبينه وبين حسن الطويل وبين ابن
(3)
دُلغادر، وبين حسن.
وبين صاحب تونس المغرب وصاحب تِلِمْسان.
وبين الأب وابنه بالأندلس.
والفتنة العظمى بفاس، وبين ملك قشْتالة وبعض ملوك الكفّار.
وبين جهان شاه وولده مع المشعشع.
إلى غير ذلك من فِتَن وفساد، وهلاك عباد وخراب بلاد. هذا ما بلَغَنَا، وما لا فلعلّه أكثر، وبالله المستعان على فساد الزمان وطمع السلطان. وكانت جُلبان
(4)
الظاهر خُشْقَدم قد تنمردوا أيضًا، بل وتمرّضوا، وأخذوا في أذى الخلق، والله تعالى فعّالٌ لِما يريد.
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الأصل: "وكانت الجلبان الظاهر".
ذِكر نُبذٍ من تراجم الأعيان ووَفَياتهم في هذا الزمان [سنة 869 هـ
.]
259 -
أحمد بن محمد بن علي بن طُرُنطاي
(1)
.
الأمير الوجيه الرئيس، شهاب الدين المنكلي، الخطائي، التركيّ الأصل، القاهري، المهمندار، المعروف بابن الخطائي.
وهو طُرُنطاي المنكلي الخطائي جدّ أبيه.
ولد الشهاب هذا بالقاهرة فى سنة (. . .)
(2)
.
وبها نشأ في وجاهة وعزّة، وصاهر الخليفة المتوكل على الله محمد، أمير المؤمنين، على ابنته الست مريم
(3)
، أخت الخليفة المعتضد بالله، واستولدها ولَدَها محمد الماضي في محلّه. وكان قد ضخُم وعظُم ورَأَس، ووُلّي المهمندارية فباشرها مباشرةً حسنة، وكان له ذِكر وصيت وشهرة وبعد (
…
)
(4)
، ولا زال وجيهًا حتى بَغَتَه الأجل.
وكان حَسَن الهيئة والملتقَى، كثير الحشمة والأدب، ذا ثروة ظاهرة وكرم نفْس وسخاء، وكان لا بأس به في سيرته، مع بعض إسرافٍ على نفسه. وهو ثقة على ما نُقل لي عنه.
توفي في سابع عشر شوال. وأُخرجت جنازته حافلة
(5)
.
(1)
انظر عن (ابن طرنطاي) في: نيل الأمل 6/ 216 رقم 2618، والمجمع المفنّن 1/ 548، 549 رقم 518، وبدائع الزهور 2/ 430، ولم يترجم له السخاوي في الضوء اللامع.
(2)
في الأصل بياض، ومثله في نيل الأمل، ولكنْ فيه:"وثمانمائة".
(3)
انظر عن (مريم بنت المتوكل على الله) في: الضوء اللامع 12/ 125 رقم 765 ولم يؤرّخ لوفاتها.
(4)
كلمة ممسوحة.
(5)
كتب هنا على الهامش ترجمة قصيرة مُسِح بعضها، ومنها: "أحمد بن محمد الغزّي، الشيخ المبارك [من] أعيان دمشق (
…
…
) في ليلة الجمعة سلخ (
…
…
) مشهودة".
260 -
أحمد المَنَسْتيري
(1)
، المغربي، التونسي.
العلّامة، أبو العباس المالكي، أحد علماء تونس وأئمّة النحو بها.
كان إمامًا بارعًا، عارفًا بكتاب سِيبويه غاية المعرفة، وله في النحو الأنظار الدقيقة.
أخذ عنه جمع جمّ
(2)
من علماء تونس وأفاضلها، ممن انتهت إليهم الرياسة، وهو بقيد الحياة بها.
أدرك ابن
(3)
عَرَفة وأخذ عنه، وعن جماعة من أكابر العلماء بتلك البلاد.
رأيته بتونس، واستفدت من فوائده وجالسته، وكان يأنس إليّ ويرتاح لأخبار بلادنا وأنا بتونس.
وتوفي بعد ذلك فيما بلغني أنها كانت في هذه السنة، على شكٍ عندي في ذلك.
وكان سنّه يوم مات نحو المائة، أو أكملها، أو جاوزها، والله أعلم.
261 -
أصيل
(4)
ابنة يشبُك طَطَر الجركسيّة.
أخت الخَوَند جُلُبّان
(5)
، زوجة الأشرف بَرْسْباي، أم العزيز يوسف، الماضية في ترجمة ولدها يوسف في التي قبلها جهة الوالد، أعني أصيل هذه.
ولدت ببلاد الجركس، وما مسّها الرِق، وإنّما أُحضِرت من بلادها مع عدّة من أقاربها، على ما ذكرناه فيما أسلفناه.
وكان والدها أيضًا قد أُحضر قبل ذلك. كل ذلك بعناية أختها الخَوَنْد جُلُبّان
(6)
المذكورة، وأُحضِرت وهي كبيرة بالغة، فأُزوجت للأمير تَنِبَك، (
…
)
(7)
ومات عنها بآمِد في سنة ست وثلاثين وثمانمائة حين توجّه الأشرف
(1)
انظر عن (أحمد المَنَستيري) في: نيل الأمل 6/ 221 ربم 2628، وفيه:"المستيري"، والمجمع المفنّن 1/ 623 رقم 621، وبدائع الزهور 2/ 431.
(2)
في الأصل: "جمعًا جمّا".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
انظر عن (أصيل) في: نيل الأمل 6/ 222 رقم 2630، والمجمع المفنّن 2/ 85، 86 رقم 753.
(5)
ورد ذكرها في ترجمة "بيبرس الأشرفي برسباي". (الضوء اللامع 3/ 21 رقم 103) وترجمتها في الضوء 12/ 17 رقم 89 وقد ماتت مسمومة في سنة 839 هـ.
(6)
في الأصل: "جبان".
(7)
بياض في الأصل.
إليها، ثم اتصلت بالوالد وهو على نيابة الإسكندرية في سنة سبع أو ثمانٍ وثلاثين، ولم يخطبها ولا كانت بباله، بل بعثت إليه أختَها الخَوَنْد جُلُبّان تخطبه لها، فأجابها إلى ذلك، وأمهرها ألف دينار، وحُملت إليه إلى ثغر الإسكندرية وأسكنها بدار السلطان بها، ونقل المُفترج والحلقية إلى تجاه رحبة الدار المذكورة، وكان لدخولها إلى الإسكندرية يومًا مشهودًا، وكذا ليلة بنائه بها كانت ليلة مشهودة تُذكر بالإسكندرية إلى يومنا هذا، ولم تزل في صحبة الوالد، ورأت معه عدّة بلاد في حين تنقّلاته في الولايات، كالكرَك، ومَلَطْية، ودمشق، وحصل بينه وبينها مرة منافرة ومفارقة، ثم أعادها إلى عصمته. وكان أجَلُها وهي تحته.
وكانت خيّرة ديّنة، ذات مال طائل وأملاك، من ذلك القاعة العظمى بالبُندقانيّين، التي بها الآن بركات بن الجيعان، والبهاء أبو البقاء أخوه
(1)
، وهي من أوقافها على مصالح وجهات بِرّ وخير، ولها عليّ حق التربية.
توفيت في هذه السنة وأنا غائب بالمغرب، ولم أحرّر شهر وفاتها.
وكانت قد جاوزت الستين.
262 -
بُدَيْد
(2)
بن شُكر الحَسَنيَ المكّي.
وزير السيد الشريف محمد بن بركات أمير، مكة المشرّفة وصاحبها.
كان من أكابر الشيوخ ذوي الوجاهات، ومن بقيّة الناس، محمود السيرة. ولي الوزارة لمحمد بن بركات المذكور، وكان حسن السفارة بين أستاذه والناس، وكان مرجع دار النفقات، وإليه غالب المهمّات، وكان مقصدًا للخير. وكان والده شُكْر من عسكر الحَسَن بن عجْلان
(3)
، وإليه نُسب بالحَسَني.
(1)
في الأصل: "اخاه".
(2)
انظر عن (بُدَيد) في: النجوم الزاهرة 16/ 338، ووجيز الكلام 2/ 770 رقم 1774، والذيل التام 2/ 186 وفيه "بدير" بالراء في آخره، ومثله في: الضوء اللامع 3/ 4، وضبطه بالدال في آخره 3/ 306 رقم 1174، وفي نيل الأمل 6/ 207 رقم 2612 "بدير" بالراء في آخره، وفي المجمع المفنّن 2/ 184، 185 رقم 906 "بديد" بالدال، ومثله في بدائع الزهور 2/ 427.
(3)
مات الحسن بن عجلان في سنة 829 هـ. انظر عنه في: العقد الثمين 4/ 86 رقم 995، والسلوك ج 4 ق 3/ 730، 731، وذيل الدرر الكامنة 306 رقم 604، وإنباء الغمر 3/ 376، 377 رقم 5، والنجوم الزاهرة 14/ 135، 136، والمنهل الصافي 5/ 92 - 97 رقم 907، والدليل الشافي 1/ 264 رقم 905، ونزهة النفوس 3/ 109 رقم 642، ووجيز الكلام 2/ 492 رقم 1125، والضوء اللامع 3/ 103 رقم 417، وبدائع الزهور 2/ 106، وسمط النجوم العوالي 4/ 275 - 279.
توفي في ليلة السبت سابع جماد الأول بوادي الآثار
(1)
خارج مكة، وحُمل منها إلى مكة على الرقاب، في بقيّة ليلته، حتى أصبح بمكة، فأُدخِل به إلى الدار التي أنشأها أستاذه محمد بن بركات
(2)
بمكة، فغُسّل بها وجُهّز وكُفّن، وأُخرجت جنازته حافلة جدًّا، وحضرها السيد محمد
(3)
المذكور، ومشى أمام نعشه، وصلّى عليه بعد صلاة الصبح بالمسجد [الحرام]
(4)
، ودُفن بالمعلّاة، وتأسّف الناس على فَقْده لخيره وجودته.
واسمه بالباء الموحّدة المضمومة، وبعدها دال مهملة مفتوحة، ثم باء آخر الحروف ساكنة، ثم دال ثانية، وهو على صفة المصغّر، ويشبه أن يكون تصغير بُدّ.
263 -
بُطا الناصري
(5)
، الخازندار.
أحد الخمسات.
(كان من مماليك)
(6)
الناصر فرج بن برقوق، ومن خاصكيّته، وصُيّر خازندارًا صغيرًا في دولته، وكان مختصًّا به، وله ذِكر وشُهرة في أيامه. ولما قُتل اختفى، ثم فرّ لبلاد المشرق، وجال الكثير منها حتى مات المؤيَّد، وتسلطن الأشرف بَرْسْباي، فظهر بُطا هذا من اختفائه. وكان قد قدم القاهرة في أواخر دولة المؤيَّد، من غير أن يُشعر به، فأعاده الأشرف إلى الخاصكيّة كما كان، ودام إلى سلطنة الظاهر جَقْمق، فزاد في إقطاعه، وصيّره من الخمسات، واستمر كذلك حتى بَلَغَه الأجل.
وكان إنسانًا حسنًا، عاقلًا، خيّرًا، ديّنًا، ساكنًا، متواضعًا.
وهو ثاني من علِمْنا بأنه يُسمّى بهذا الاسم في هذه الدولة التركية، والأول بُطا الدوادار المشهور.
توفي بُطا هذا في حدود هذه السنة فيما أُخبرت.
واسمه مفرَد بلغة التُرك، ومعناه الغَرَضَ الذي يُرمى عليه.
(1)
ممسوحة في الأصل، والمثبت من: المجمع المفنّن 2/ 185.
(2)
انظر عن (محمد بن بركات) في: الضوء اللامع 7/ 149 - 153 رقم 377.
(3)
في المجمع المفنّن 2/ 185 "وحضرها السيد حسن المذكور".
(4)
ممسوحة في الأصل.
(5)
انظر عن (بُطا الناصري) في: نيل الأمل 6/ 220 رقم 4624، والمجمع المفنّن 2/ 245، 246 رقم 987، وبدائع الزهور 2/ 431.
(6)
ما بين القوسين مكرّر في الأصل.
264 -
بَكْتَمُر
(1)
الأبوبكري، الأشرفي.
أحد العشرات، المعروف بالبوّاب.
كان من مماليك الأشرف بَرسْباي، وصار خاصكيًّا بعده، ودام على ذلك مدّة في عدّة من الدول، إلى أن تسلطن الأشرف إينال، فصيّره بوّابًا، ودام على ذلك مدّة سلطنته، ولذا عُرف بالبوّاب. ولما تسلطن الظاهر خُشقَدم صيّره من العشرات، ودام على ذلك إلى أن حصل له خلْط فالج، فأُخرجت عنه الإمرة، ودام بطّالًا.
حتى بَغَتَه الأجل، وتوفي في هذه السنة فيما أُخبِرت.
ولم أقف على شيء من أحواله لأذكرها غير ما ذكرت وكان تركيًّا تتريّ الجنس.
واسمه مركَّب من: "باك" وقد عرفتَ معناها، و"تَمُر" أيضًا، ولا حاجة إلى إعادة ذلك.
265 -
جانِبَك الناصري
(2)
.
نائب طرابلس، المعروف بالحاجب.
كان من أصاغر مماليك الناصر فرج بن برقوق، وتنقّلت به الأحوال بعد موته، حتى اتصل بخدمة خُشداشه وأغاته بَرْسْباي من حمزة
(3)
الناصري، حاجب الحجّاب بدمشق، فقرّبه وأدناه واختصّ به وأحبّه، وصيّره دواداره، وعُرف به. ولم يزل في خدمته عدّة سنين، ويظنّه الظانّ مملوكًا لبَرْسْباي. ودام على ذلك عدّة سنين، حتى كانت كائنة إينال الجَكَمي
(4)
، وهزيمته على يد العسكر المصري،
(1)
انظر عن (بكتمر الأبوبكري) في: المجمع المفنّن 2/ 247، 248 رقم 992، ونيل الأمل 6/ 220 رقم 2625 وفيه:"تلكتمر"، وكذلك في: بدائع الزهور 2/ 431، ولم يترجم له السخاوي في الضوء اللامع في أيِّ من الصيغتين.
(2)
انظر عن (جانبك الناصري) في: النجوم الزاهرة 16/ 339، ونيل الأمل 6/ 209 رقم 2614، والضوء اللامع 3/ 61 رقم 246.
(3)
مات (برسباي من حمزة) في سنة 851 هـ. انظر عنه في: حوادث الدهور 1/ 161، 162 رقم 4، والنجوم الزاهرة 15/ 522، 523، والمنهل الصافي 3/ 277، 278 رقم 652، والدليل الشافي 1/ 186 رقم 651، ونزهة النفوس 4/ 162، ووجيز الكلام (في ترجمة قانباي الأبوبكري، رقم 1421)، والتبر المسبوك 191، والذيل التام 2/ 25، 26، والضوء اللامع 3/ 7 رقم 32، ونيل الأمل 5/ 235، 236 رقم 2118، وحوادث الزمان 1/ 90، 91 رقم 18 (في وفيات سنة 854 هـ.)، وبدائع الزهور 2/ 259، والدارس 2/ 184، ومنادمة الأطلال 322، وتاريخ طرابلس 2/ 51 رقم 117 وص 269.
(4)
مات (إينال الجكمي) في سنة 3 أو 854 هـ. انظر عنه في: التبر المسبوك 1/ 209 و 2/ 5 و 44، والمجمع المفنّن 2/ 152، 153 رقم 868.
فاتفق أن هرب واختفى بقرية من ضواحي دمشق، وأُحِسّ به، فقبض جانبك هذا عليه بعد أن بعثه بَرْسْباي إليه، لما بلغه مظنّة اختفائه، وكان هذا سببًا للتنويه بذِكر جانبك هذا بعد ذلك، بأنْ بلغ الظاهر ذلك، فأنعم عليه بإمرة طبْلخاناة بدمشق، ثم تنقّل بعد ذلك حتى وُلّي حجوبية الحجّاب بدمشق بعد بَرْسْباي، وكان قد درّب الحجوبية بواسطة دواداريّته فيها لبَرْسْباي، وباشرها بحُرمة ونفاد كلمة، وأثرى في غضون ذلك، وحصل الأموال الطائلة، وصرف عنها مرة بالناصري محمد بن مبارك، ثم أعيد إليها وبها شُهر، ثم بذل المال حتى وُلّي نيابة صفد، عِوضًا عن تمراز الأشرفي، بحكم هربه فارًّا من صفد، على ما تقدّم ذلك في متجدّدات سنة ست وستين. وكان جانبك هذا قد صرف عن حجوبية الشام أيضًا بابن مبارك، ودام بصفد إلى أن نُقل منها إلى حماة، عِوضًا عن جانبك التاجي، لما نقُل إلى نيابة حلب بعد
(1)
(وفاة الحاج إينال)
(2)
، ودام على نيابة حماة، حتى نُقل منها إلى نيابة طرابُلُس بمالٍ كبير، بذله فيها بعد بَرْسْباي البُجَاسي، لما نُقل منها إلى نيابة الشام، بعد موت تنم، وجانِبك التاجي، على ما تقدّم كتابته في محلّه، ووُلّي هذه النيابات الجليلة، مع عدم التنويه به قبل ذلك بغير حجوبية الحجّاب بدمشق، ولم يل شيئًا من الولايات بالقاهرة، ولا تأمّر بها، بل ولا صُيّر خاصكيًّا بها. ولم يزل على نيابة طرابُلُس حتى بَغتَه الأجل بها.
وكان إنسانًا حسنًا، عاقلًا، ساكنًا، حشمًا، أدوبًا، سَيوسًا، ذا حُسن عشرة ومُداراة وبالجملة فكان لا بأس به.
توفي في يوم الأربعاء حادي عشرين رجب، وقد جاوز السبعين.
وترك أولادًا منهم: قاسم وهو الأكبر، وهو الآن متولّي فُوَّه، بعناية العلاء بن الصابوني بلديّه، ويُذكر فيها بحُسن سيرة وجميل. ومنهم أبو بكر
(3)
، وهو أصغر من قاسم، وله نحو الأربعين أو فوقها، وهو عين على قاسم، فإنه من الأمراء بدمشق، وله رياسة وعراقة وثروة، وهو ساكن بدار بَرْسْباي، الناصري الذي كان بها والده في حالة حجوبيّته بدمشق، وعنده بعضٌ من إخوته، ولهم أرزاق كفاية لهم، لكنّهم
(4)
تحت كنف أبي
(5)
بكر هذا، وهو إنسان حشم أدوب، معدود الآن من أعيان دمشق.
(1)
كتب بعدها في الأصل: "جانم الأشرفي لما نقل إلى نيابة" ثم ضرب عليها خطًا.
(2)
ما بين القوسين عن الهامش.
(3)
كتب بجانبها على الهامش: "قاسم وأبو بكر ولدي جانبك الحاجب".
(4)
في الأصل: "للنهم".
(5)
في الأصل: "أبو".
266 -
خليل بن شيخ إبراهيم الدَرْبَنْدي
(1)
.
الأمير السلطان، غرس الدين، صاحب مملكة شَرْوان
(2)
وشَمَاخي
(3)
وما والاها. مَلَك هذه المملكة نحوًا من خمسين سنة.
267 -
* كذا رأيت في بعض تعاليق الوالد في قصّة الشيخ محمد الدَمْدَمَكي
(4)
، المشهور بهذه المملكة المذكورة، فإنّ السلطان الظاهر خُشقدم سأل الوالد مرة على ما نقلته من خطّه عن الشيخ بيد محمد الدَمْدَمَكي هذا، وهل له حقيقة كما يشاع ذلك، أم لا، فقال الوالد: نعم له حقيقة وصيت مشهور، وقد سمعتُ جماعة من المسافرين إلى تلك البلاد، بأنه في مملكة شَمَاخي في مكانٍ في هيئة مَغَار، له به مدّة طويلة من حين مات، وعليه ثياب، وعلى رأسه تاج من لبِد كتاج البسطاية
(5)
من الفقراء، وهو مستند إلى حائط، جالس، إذا دخل عليه إنسان وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، أو قرأ عنده شيئًا من القرآن تمايل وتحرّك كالمتواجد، ولا روح به، ولم تنقطع أوصاله في هذا الزمن الطويل.
قال الوالد: وبينا أنا مع السلطان في هذا الكلام، إذ حضر الأمير نانَق الظاهري
(6)
، فسمع طرفًا من الكلام، فأعاد السلطان عليه القصّة كما سمعها، متعجّبًا منها لتعجّب هذا أيضًا. فقال نانق: نعم هذا حق، وقد دخلت أنا لتلك البلاد، ورأيت هذا الشيخ مشاهدة بالبصر، وليس الخبر كالعيان، وأخذ يذكر عنه أشياء كثيرة، ثم قال: وسلطان ملك البلاد، ويقال له السلطان خليل، متملّك هذه المملكة نحو الخمسين سنة أو فوقها. انتهى كلام الوالد في ذلك.
وأمّا ما سمعته أنا في قضية الشيخ المذكور، رحمه الله، فقد حدّثني الشيخ العالم الفاضل، البارع، الكامل، عبد الحميد بن موسى
(7)
بن أبي يزيد الطالبي
(1)
انظر عن (خليل الدربندي) في: النجوم الزاهرة 16/ 339، 340، والضوء اللامع 3/ 189 رقم 727، ونيل الأمل 6/ 218، 219 رقم 2620، وبدائع الزهور 2/ 431.
(2)
شَرْوان: مدينة من نواحي الأبواب، بناها أنو شَرْوان فسُمّيت باسمه ثم خُفّفت بإسقاط شطر اسمه، وبين شَرْوان وباب الأبواب مئة فرسخ. (معجم البلدان 3/ 339).
(3)
شَمَاخي: بفتح أوله، وتخفيف ثانيه، وخاء معجمة مكسورة، وياء مثنّاة من تحت. هي قصبة بلاد شروان في طرف أران تُعدّ من أعمال باب الأبواب. (معجم البلدان 3/ 361).
(4)
توفي (الدَمدَمكي) حوالى سنة 336 هـ. انظر عنه في: درر العقود الفريدة 3/ 227 - 229 رقم 1233، والضوء اللامع 7/ 241 رقم 590.
و"دَم" بالفارسية: ساعة أو لحظة، و"دمدمكي": ساعاتي.
(5)
هكذا في الأصل.
(6)
مات نانق في موقعة شاه سوار سنة 872 هـ. وستأتي ترجمته فيها.
(7)
لم أجد له ترجمة.
الشرواني، قال: الذي هو مستفيض ببلادنا في أمر الشيخ الدَمْدَمَكي هذا، أنه كان مُريدًا لبعض أكابر الأولياء، وكان يؤذّن بزاوية شيخه، فاتفق أنْ قال له شيخه يومًا: قُم أذِّنْ، كأنّه ظنّ دخول الوقت. فقال له محمد هذا: دَمْ، ومعناه بالفارسية: ساعة أو لحظة، يعني: أصعد يسيرًا. فقال له الشيخ ثانيًا: قُم أذّدن. فأعاد الشيخ محمد قوله: دَمْ إلى ثالث مرة. فقال: دَدَك، يعني بقي سُوَيعة ديده، فإنّ الكاف علامة الصغير في لغة فارس. ولما رأى الشيخ ذلك من قول محمد هذا، كأنه تأثر منه، كونه لم يُجب أمره، وتغيّر منه، وظهر ذلك للشيخ محمد هذا بالفراسة، فقال لشيخه: اجعل رِجلك على رجلي، وانظر إلى جهة السماء، ففعل ونظر، فوقع بصره على الديك الذي يقال: إنه تحت العرش، باسط جناحيه خافضهما، كالمنتظر الإذن بالأذان. فلما رأى شيخه ذلك هاله الأمر، وعلم بولاية مُريده الشيخ محمد، فقال له: بارك الله فيك ولا بُليت.
قال: وكان الشيخ محمد هذا فيما بَلَغَنا عنه يتعبّد بجبل ومَغَار بينه وبين الزاوية التي لشيخه مقدار ما بين الجامع الطولوني ومصر العتيق
(1)
، فاتفق أن مات الشيخ محمد هذا، بعد فراغ أجله، بذلك المغار، وهو جالس في حالة ذِكر وقراءة، فكان يُقصَد لأخذه وتجهيزه، فلم يقدر من قَصَد ذلك على ذلك، فتُرك على حاله، وسُجّي بقبره [وهو جالس مستقبل القبلة في]
(2)
ذلك المغار كأنه من الأحياء، وجعل على باب المغار (
…
…
…
…
)
(3)
وغُلّق بابها عليه، وهو يُرَى من داخل الخُرداه للواقف بخارجها، وهو مُسجَّى بالثوب، ولا يُرى شيء
(4)
من جسده مكشوفًا. ولا زال على ذلك عدّة سنين من مدّة (
…
…
)
(5)
في كل من يغيّر ما سُجّي به بجديد، ويدخل الناس في كل وقت لزيارته، ويرونه من خارج الخركاة، وهو ظاهر بداخلها، غير أنه مسجّى كما قلناه.
قال لي الشيخ عبد الحميد: وقد استُفيض بتلك البلاد أنّ تيمورلنك، لما ورد إلى بلاد شَمَاخي، وخرج السلطان خليل هذا إلى لقائه، أقرّه على مملكته، وزار الشيخ محمد هذا، وزاد على تلك الهيئة، فجمع من حضره حينئذٍ من العلماء، واستفتاهم في أمره، وأنه ميت، ولا يجوز أن يبقى على وجه الأرض من غير غُسْل ولا تكفين ودفْن، وأن ذلك يأثم به كل الناس بأنه كذلك، وأنه لا بدّ من تجهيزه
(1)
هكذا في الأصل.
(2)
ما بين الحاصرتين غير واضح في الأصل. وما أثبتناه من الضوء.
(3)
مقدار أربع كلمات مطموسة.
(4)
في الأصل: "شيئًا".
(5)
كلمتان مطموستان.
ودفنه. فدعا
(1)
تمُرلنك بمحتسبه، وكان من الأشراف، وأمره أن يتوجّه لمقام الشيخ فيأخذه، ويتولّى تجهيزه، ثم دَفْنه بمكانه من المغار، فأتى المحتسب المذكور، وفتح باب المغار الذي عليه الخركاه، ودخل إلى الشيخ، فأُخذ وحُمل مُسجَّى بثوبه، وعدّى به إلى البرّ الآخر، فإنه كان بين مقام الشيخ والبلدة نهر ماء، ويُتَعدَّى إليه لزيارته، ثم جُعل على سرير، وأراد الغاسل تجريده، وإذا بالجوّ قد أظلم جدًا، ولقيته رياح عاصفة مزعجة، وكثُر البرق والرعد، وتكاثف الظلام الشديد، ونزل ثلج عظيم، وصار من حضر لا يكاد يرى يده لو أقامها، وحيل بينهم وبين الشيخ، واشتغل كل من حضر بنفسه. ثم بعد ساعة عاد الأمر إلى ما كان عليه أوّلًا، ولم يوجد الشيخ على السرير. وجاء الخبر من أهل الغار بأنّ الشيخ بمكانه من الغار على هيئته التي كان عليها، فأُعلِم تيمورلنك بذلك، فتركه وما تعرّض له بعد ذلك، وقال: هذا شأن خارج عمّا نحن فيه، وكفّ
(2)
عنه، وزاد اعتقاد الناس في الشيخ زيادة عما كان عليه قبل ذلك. ومات الشريف المحتسب بعد هذه الكائنة بثلاثة أيام. هذا ما حدّثني به الشيخ عبد الحميد.
ثم أُخبرتُ به من جماعة من أهل تلك البلاد، وهذا من غرائب النوادر، والله على كل شيء قادر.
ولْنَرجع إلى صاحب الترجمة، فيقال: إن أصله من ذرّية أنوشُرْوان، وأنهم يتوارثون المُلك بهذه البلاد من زمنه إلى يومنا هذا. ومملكة خليل هذا واسعة كبيرة، ويُسمّى الإقليم باسم أنوشُرْوان، وأسقطوا "أنو" تخفيفًا، وقالوا:"شُرْوان"، وهو بضم الشين المعجمة وسكون الراء. هكذا ضبطه، وتعلّق به أهل فارس، وهم أعرف بلغتهم. ومن العوامّ من يكسِر الشين، ومنهم من يفتحها مع الراء. وبهذا الإقليم مدن كثيرة، منها شَمَاخي، وهي كرسي هذا الإقليم، ومحلّ إقامة السلطان. ومنها مدينة دَرْبَنْد، وباكو، وغير ذلك. والإقليم به زيادة على ثلاثة آلاف كورة، وبه عدّة حصون وقلاع، منها قلعة كُلُسْتان.
وأمّا جُند هذا السلطان وعساكره فكثيرون، نحو العشرين ألف، وله مماليك نحو الألف من الجراكسة وغيرهم يحملون الطيور بين يديه إذا خرج للصيد فقط. وكان خليل هذا مغرمًا بالصيد، وكان له زوجة واحدة، ومائة من السراري، وله ولد من هذه الزوجة، واسمه شروان شاه، وهو الذي مَلَك بعده وهو موجود إلى يومنا هذا، ملك تلك البلاد، يُذكر بالخير كأبيه. وملوك هذا الإقليم كخليل وغيره
(1)
في الأصل: "فدعى".
(2)
في الأصل: "ولف".
قبله مُعظّمون، وإنّما عند ملوك الأقطار مُراعون، لا سيما خليل هذا، وما حصل عليه ولا على أسلافه من قبله أذَى ولا ضرر، ولا قُصد من أحدٍ من الملوك النائية، بل الملوك يراعونهم ويكارمونهم ويسألونهم، ويعتقدون ديانتهم وسيادتهم، ورسوخ قدمهم في المُلك، وأن مُلكهم موروث
(1)
لهم أبًا عن جدّ، ويرون معارضتهم من العار. وكانت الملوك النائية من سائر طوائف ملوك الإسلام تُهادي خليل هذا وتراسله وتبجّله وتعظّمه وتحترمه، حتى إن السلطان مراد بن عثمان أوصاه مع بُعده عنه على ولده السلطان محمد الذي ملك بعده، وناهيك من توصية مثل ابن
(2)
عثمان على مثل ولده محمد، ولا زال على ملكه وسلطانه هذه المدّة المطوّلة حتى بَغَتَه أجَلُه.
وكان ملكًا جليلًا شهمًا عاقلًا، مدبّرًا، سَيوسًا، عادلًا، خيّرًا، ديّنًا، شجاعًا، بطلًا، مقدامًا، ذا رأي وحنكة، وحزم وعزم، وفضل، وعلم، وذكاء، وفَهْم، يحبّ العلم والعلماء، ويجالسهم ويعظّمهم. وكان كثير التعظيم للشيخ فتح الله الشَرَواني
(3)
عالم بلاده، الذي قدم القاهرة بعد السبعين وثمانمائة، أظنّ في سنة خمس وسبعين حاجًّا، وكان التمس منه مرة أن ينقل له كتاب "الأنوار" من اللغة العربية إلى اللغة الفارسية، ليكون سهلًا عليه في الاستفادة منه، لكونه لسانه، ولا يدري العربية، ففعل له ذلك بعد أن تعب عليه العلّامة فتح الله المذكور التعب البالغ، ودام في ذلك نحو السبع سنين، حتى حرّره له، وكان دأب خليل هذا وعادته في كل سنة جَمْعَ علماء بلاده في شهر رمضان من سائر بلدان ممالكه، يقيمون عنده الشهرَ جميعه، ويتذاكر معهم العلم. ثم إذا كان أول العشر الأخير من الشهر، اختار منهم عشرة لوعظه، كل إنسان يومًا، حتى يفرغ الشهر، فيخيّر الجميع تمرينات لهم كأنها ( ...... )
(4)
ويخلع عليهم الخِلَع السنيّة، ويعيدهم بعد أن يعيّد معهم عيد (الفطر)
(5)
، ثم يأمرهم بالإنصراف. وكان يحضّ عساكره على إقامة الصلاة وملازمتها، ويؤدّب من بلغه عنه تركُها أو تهاونه بها، ويزجره على ذلك. وبالجملة فكان من أجلّ الملوك و (
…
)
(6)
عاملًا بالشرع متمسّكًا به،
(1)
في الأصل: "موروثا".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
هو فتح الله بن أبي يزيد بن عبد العزيز بن إبراهيم الشرواني الشافعي. كان موجودًا بعد 870 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 6/ 166، 167 رقم 557، ومعجم المؤلفين 8/ 58.
(4)
كلمتان ممسوحتان.
(5)
ممسوحة في الأصل. أضفناها لاقتضاء السياق قبله.
(6)
كلمة ممسوحة.
ماشيًا
(1)
على سُنَنه. وكان آخر من بقي من أعيان ملوك الإسلام وأكابرهم. وكان يتغالى في جمع النفائس من كُتُب العِلم، وجمع منها الكثير، مع انعكافه على المطالعة والنظر في الكتب. وكانت رعَاياه راضية عنه.
وتوفي في هذه السنة أو التي قبلها، فإن خبر موته بَلَغَنا في أوائل هذه السنة، وهو قرينة دالّة على موته في أواخر تلك، وما حرّرتُ ذلك، واللّه أعلم. ويُذكر أنه مات وقد قارب المائة أو جاوزها، وهو مع ذلك موفور القِوى، سالم الحواسّ، وهذا من النوادر.
268 -
• ومَلَك بعده ولده شُرْوان شاه، ويقال: شاه شروان أيضًا، وله على مُلك أبيه الآن عشرون سنة، وهو نحوٌ
(2)
من أبيه في ترجمته.
وقد بَلَغَنا عنه أنه تجهّز في سنة ثمانٍ وثمانين وثمانمائة ليحج، وخرج لذلك، حتى وصل إلى تبريز، واجتمع بملكها يعقوب شاه بن حسن
(3)
بن قرايُلُك، فمنعه من ذلك، وقال له: إن بيني وبين صاحب مصر عداوة، ولا يمكن توجّهك، فإذا ثبت فاجتهد أن تمكّن من المجيء إلى الحج. فأصرّ يعقوب على منعه، فما أمكنه مخالفته، وعاد لبلاده، فثار به، ولذلك خرج من أعماله قاصدًا يعقوب في القيام معه على أبيه. فيقال إن يعقوب أمدّه بجيش، وعاد غازيًا أباه في أواخر سنة ثمانٍ المذكورة، وحصل بسبب ذلك فِتَن وخطوب وشرور بتلك البلاد ونكد، جرى على خلاف ما عُهد بذلك الإقليم وأولئك الملوك، وإنهم على ذلك إلى الآن. وما علمتُ ما جرى بعد ذلك. ولعلّنا يبلغنا شيء
(4)
نذكره في محلّه، وهذه الكائنة أيضًا في سنة ثمانٍ وثمانين إذا وصلنا إليها إن شاء الله تعالى.
(ترجمة السلطان المستعين بالله ملك الأندلس)
(5)
269 -
سعد بن محمد
(6)
بن يوسف بن إسماعيل بن مفرّج بن إسماعيل بن
(1)
في الأصل: "ماش".
(2)
في الأصل: "نحوًا".
(3)
مات يعقوب شاه بن حسن في سنة 896 هـ. انظر عنه في: وجيز الكلام 3/ 1180 و 1210 رقم 2420، والذيل التام 604، 605، والضوء اللامع 10/ 283 رقم 1110، ونيل الأمل 8/ 237 رقم 3602، ومفاكهة الخلّان 1/ 37، وشذرات الذهب 7/ 359، وأخبار الدول 3/ 9.
(4)
في الأصل: "شيئا".
(5)
العنوان من الهامش.
(6)
انظر عن (سعد بن محمد) في: نيل الأمل 6/ 202 رقم 2608، ولم يذكره السخاوي في الضوء اللامع.
يوسف بن نصر الأنصاري، السعدي، العُبادي، الخَزَرجي، الأَرْجُونيّ الأصل، الأندلُسي، الغَرناطي.
السلطان، أمير المسلمين، المستعين بالله، أبو النصر بن أبي عبد الله ابن
(1)
السلطان أبي الحجّاج ابن
(2)
السلطان أبي الوليد، صاحب غرناطة وما والاها من بلاد الأندلس، المعروف بابن الأحمر.
وبنو
(3)
الأحمر هم ملوك الأندلس من مدّة مديدة، وهم في الأصل من أَرْجُونا، بلدة مشهورة بالأندلس، وهم من ذرّيّة سعد بن عُبادة
(4)
على ما استُفيض ذلك بتلك البلاد، وهو نَسَب صحيح أثبته جماعة من علماء الأندلس المعتمدين.
وُلد صاحب الترجمة بغرناطة قبل القرن، ولم يملك والده، بل عمومته، ومَلَك ابن عمّه أو قريبه الغالب بالله محمد بن الأحمر
(5)
، وجرت له خطوب وحروب ووقائع طويلة مع أقاربه، ومع عدوّه من الفرنج المجاورين له، كصاحب قَشْتَالَة ألْفُنْش، وصاحب البُرطُقال، وكان دائمًا في الحروب، وأقيم الغزو في دولته إقامة جيّدة، وطالت مدّته في المملكة إلى أن ثار به ولده أبو الحسن علي، بتدبير وزراء تلك البلاد وبعض أمرائها، لما سئموا
(6)
من صاحب الترجمة، وكان القائم بذلك بنو السراج، وآل الأمر أن أُخرج صاحب الترجمة من غَرناطة وملكها ولده، فتوجّه سعد هذا إلى مالقة، ثم بعث به ولده بعد ذلك لبعض حصون الأندلس مضيّقًا عليه. ثم لما بلغه تحرُّب الفرنج وتحرُّكه على الأندلس، بسبب الاختلاف الواقع بين الأب والابن، أطلقه، ثم بعث به للمَريّة، وصالحه، واعتذر إليه بأنه إنّما فعل ذلك من تملّكه بعده، ليَسْلم هو وإيّاه، وأن ذلك ليس باختياره. ولم يزل بالمَريّة وعنده ولده أبو الحَجّاج يوسف، وفي خدمته قائد المَرِيّة محمد بن سيدهم، وقام بخدمته أتمّ قيام، وهو كالملك للمرية المستعلية بها، ورسائله وقُصّاده تتردّد منه إلى ولده، ودام على ذلك حتى بَغَتَه الأجل بها بعد قليل.
وكان إنسانًا حسنًا، ملكًا جليلًا، شجاعًا، قائمًا بغزو الكفّار، وله في ذلك
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "وبنوا".
(4)
هو سعد بن عُبادة بن دُليم بن حارثة
…
الأنصاري الساعدي، سيّد الخزرج. أحد النقباء ليلة العقبة. مات سنة 15 هـ. انظر عنه في: تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، للذهبي - بتحقيقنا- (عهد الخلفاء الراشدين) ص 146 - 149 وفيه حشدنا عشرات المصادر لترجمته.
(5)
انظر: نيل الأمل 7/ 332، وبدائع الزهور 3/ 199، والتاريخ الإسلامي، لمحمود شاكر (العهد المملوكي) - طبعة المكتب الإسلامي، بيروت 1421 هـ./ 2000 م.- 7/ 318.
(6)
في الأصل: "ساموا".
أيادٍ حسنة. وكان عاقلًا سيوسًا مدبّرًا، من أجلّ ملوك الأندلس همّة وحزمًا وعزمًا.
توفي في هذه السنة، ولم أحرّر شهر وفاته.
وقد ذكرت شيئًا من أخباره فيما تقدّم في المتجدّدات، واستقلّ بعده ولده بالمُلك من غير مزاحم، ووقع بينه وبين أخيه أبي
(1)
الحَجّاج المذكور فتنة، ثم تصالحا.
وسيأتي في سِنِيّ ما بعد الثمانين ما وقع لأبي الحسن هذا أيضًا مع ولده أبي
(2)
عبد الله نحو
(3)
مما وقع له هو مع والده، وأخرجه ولده أبو عبد الله، وجرت بينهما أمور، ثم أعيد أبو الحسن إلى ملك غرناطة أيضًا، بعد أن أُخرج عنها، وأُسِر ولده وهو على مُلكه وسلطنته، وهو تحت أسر العدوّ الآن، وسيأتي تفاصيل ذلك في سنة سبع وثمانين وثمانٍ وثمانين
(4)
إن شاء الله تعالى.
(ترجمة ابن بني هلال العامري)
(5)
270 -
سليمان بن موسى
(6)
العامري
(7)
، الهلالي.
شيخ عربان بني هلال بن عامر بتِلِمْسان، وأمير طائفته، بل أمير تلك المملكة، وعظيم عربان تِلِمْسان.
كانت ملوك تِلِمْسان تخشاه جدًّا لكثرة جموعه. ومن الغرائب في أمره ما قدّمتُ لك ذِكره من سماعي تلك المرأة في يوم عيد النحر، وهي تدعو لصاحب تِلِمْسان بأن يسخّر الله تعالى لي صاحب الترجمة، وهذا يدلّك على غاية عَظَمَة سليمان هذا. وكان صاحب تِلِمْسان هذا -أعني المدعو له- وهو محمد بن أبي ثابت يخشاه بالخصوص. واتفق أن تمرّض مَرَضَه الذي مات به، فبعث إلى تِلِمْسان بطلب شيخنا في الطبّ موسى بن سَمْويل الإسرائيلي
(8)
، الماضية ترجمته، ليُطِبّه، فتوجّه إليه، ثم عاد بعد أيام، فأخبر بأنّ مرضه مَخُوف، لعلّه لا يقوم منه، فكان كما قال.
(1)
في الأصل: "أبو".
(2)
في الأصل: "أبو".
(3)
في الأصل: "نحوًا".
(4)
انظر: نيل الأمل 6/ 202 و 7/ 332 و 342، وبدائع الزهور 3/ 199.
(5)
العنوان من الهامش.
(6)
انظر عن (سليمان بن موسى) في: نيل الأمل 6/ 219 رقم 2621، وبدائع الزهور 2/ 431، ولم يذكره السخاوي في الضوء اللامع.
(7)
في نيل الأمل: "العمري"، والمثبت يتفق مع بدائع الزهور.
(8)
تقدّم قبل قليل في الحوادث.
وتوفي في أوائل هذه السنة على غالب ظنّي، أو أواخر الماضية، ولعلّ الأول أقرب.
وكان في عشْر السبعين.
وكان لا بأس به، وله رئاسة وضخامة وشُهرة وصِيت، وبُعد سُمعة. وكان كريمًا جدًّا، مُثْريًا من نوادر أمراء العربان، كثير الجموع، واسع الدائرة.
271 -
عبد الرحمن بن خليل بن سلامة بن أحمد بن يونس بن شريف الأذرعي الأصل، القابوني
(1)
، الدمشقي، الشافعي.
الشيخ الصالح، الخيِّر، الديِّن، زين الدين، إمام الجامع الأموي، المعروف بابن الشيخ خليل.
ولد سنة أربع وثمانين وسبعمائة.
ونشأ خيّرًا، ديّنًا، صالحًا، عابدًا، زاهدًا، ورِعًا، منجمعًا عن الناس، وحفظ القرآن العظيم في حالة صِغره، وأجاد حفظه، ثم جوّده على جماعة من القرّاء والأعيان بعصره، أظنّه قرأه للسبع أو ببعض الروايات وعسر شكره في ذلك، وأَمَّ بالناس مدّةً مطوّلةً بالجامع الأموي، مع انقطاعه ببيت الخطابة بالجامع المذكور.
ورأيته وصلّيت خلفه كثيرًا.
وكان نيّرًا، حسن الشكالة، منوّر الشيبة، متقشّفًا في ملبسه، مع عفّة، ونزاهة نفْس إلى العامّة، مع حُسْن سَمت وتؤدة، وكثرة سكون. وكان نزيلًا بالعنّابة يقيم بها، وينزل إلى دار الخطابة، فبقي بها مدّة، وكان له ابنة بالعنّابة، فاتفق لما أن مرض مرضَ الموت توجّه إلى العنّابة لمنزل ابنته، فتمرّض به.
إلى أن توفي في يوم الخميس سابع شعبان.
وأُخرجت جنازته حافلة، وتقدّم في الصلاة عليه الجمال يوسف بن الباعُوني
(2)
، وهو إذ ذاك قاضي القضاة بدمشق. ومشى الناس في جنازته من العنّابة
(1)
انظر عن (الأذرعي القابوني) في: معجم شيوخ ابن فهد 125، 126، وعنوان الزمان 3/ 70 رقم 271، وعنوان العنوان - ص 141 رقم 305، ووجيز الكلام 2/ 768 رقم 1766، والضوء اللامع 4/ 76 رقم 223، والذيل التام 2/ 184، ونيل الأمل 6/ 211 رقم 2615، وحوادث الزمان 1/ 168، 169 رقم 211، وكشف الظنون 245، وإيضاح المكنون 2/ 654، وهدية العارفين 1/ 532، والأعلام 3/ 306، ومعجم المؤلفين 5/ 137.
(2)
هو يوسف بن أحمد بن ناصر بن خليفة الباعوني. توفي سنة 880 هـ. انظر عنه في: وجيز الكلام 2/ 864، 865 رقم 1974، والذيل التام 2/ 287، والضوء اللامع 10/ 298، 299 رقم 1162، وعنوان العنوان، رقم 855، وتاريخ البُصروي 72 و 73، وحوادث الزمان 1/=
إلى مقابر الباب الصغير فدُفن بها، وكان يومًا مَطيرًا، وكثُر ترحّم الناس وتنادمهم عليه.
وقد ترجم ابن
(1)
حجر والده، فسمّاه:"خليل بن عبد الله" وهو سهْو، وإنّما هو ابن
(2)
سلامة. كذا قال ولده صاحب الترجمة، وهو الأصوب.
272 -
عبد الحق بن عثمان
(3)
بن أحمد بن إبراهيم بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق بن أبي بكر بن حاتم بن محمد بن وصف بن ملوس بن كوماط
(4)
بن مَرِين البربري، المَرِيني، المغربي، الفاسي، المالكي.
السلطان، أمير المسلمين، أبو
(5)
محمد ابن
(6)
أمير المسلمين أبي سعيد بن أبي العباس بن أبي سالم بن أبي الحسن، صاحب فاس ومكناس، وما والاهما من الممالك والبلدان بالمغرب الأقصى. ومَلَك فاس مدّة تزيد على الثلاثين سنة. وكان مغلوبًا مع بني وَطّاس، وقد مرّ في المتجدّدات ما يُغني عن مَزيد ذِكره ها هنا من إمارة عبد الحق هذا مع وزرائه، واتخاذه اليهوديّ هارون وزيرًا، وما جرى عليهما بعد كائنة قتل اليهود. ثم أدّى
(7)
الأمر إلى قتْل صاحب الترجمة، وعرفت جملة ذلك وتفصيله، وكيف مَلَك بعده السيد الشريف محمد بن عبد الحقّ، وأن صاحب الترجمة تُوُفّي مذبوحًا في ثاني عشرين شهر رمضان من هذه السنة. وبمدّته انقرضت دولة بني مَرِين بفاس كأنها لم تكن، وصارت إلى بني وَطّاس.
وكان عبد الحق هذا من كبار العلماء ومن احـ (
…
)
(8)
الإفتاء والتدريس، عارفًا بالفقه، مشاركًا في كثير من العلوم، بارعًا (
…
…
)
(9)
تامّ الفضيلة.
= 208، 209 رقم 277، وقضاة دمشق 173 والقلائد الجوهرية 2/ 488، ونيل الأمل 7/ 137، 138 رقم 2991، وبدائع الزهور 3/ 109، وشذرات الذهب 7/ 330، 331 (9/ 494)، وتاريخ طرابلس 2/ 624، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي ق 2 ج 5/ 53 - 55 رقم 1350.
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
انظر عن (عبد الحق بن عثمان) في: وجيز الكلام 2/ 770 رقم 777، والذيل التام 2/ 186، والضوء اللامع 4/ 37 رقم 113، ونيل الأمل 6/ 214، 215 رقم 2617، وبدائع الزهور 2/ 430، وشذرات الذهب 7/ 309 (9/ 457)، والأعلام 3/ 281.
(4)
هكذا وردت، وهي أسماء بربرية.
(5)
في الأصل: "أبي".
(6)
في الأصل: "بن".
(7)
في الأصل: "ثم ادل".
(8)
كلمة غير واضحة.
(9)
كلمتان مطمسوتان.
وأخذ عن جماعة منهم: العلّامة أبو عبد الله محمد بن القوري عالم فاس ومفتيها، بل عالم المغرب في وقته، وكان يحضر دروسه بعد ولايته السلطنة أيضًا، وما ترك ملازمته، وكان معه كآحاد الطلبة، ويجلس إلى حذائه على يمينه. وكان القوري يغضّ منه بأخرة بعد ولايته الملك، لا سيما في أواخر أمره ولا يأنس به ولا ينبسط إليه، وخصوصًا بعد تسليطه اليهود، ولبعض مظالم ظهرت له منه، حتى صار كثيرًا ما يعرض عنه في درسه بين الملأ من الطلبة، ويودّ أن لا يحضره، لكنّه لم يمكنه منْعه لسلطنته وولايته للأمر، حتى إنه يومًا مدّ رِجله بمكان جلوسه مُظهرًا بأنها مؤفنة، عساه يكفّ عن حضوره مجلسه، فلما حضر ورأى رِجل الشيخ ممدودة في مكانٍ يجلس هو، فغالطه واجتاز إلى الجهة الأخرى، فجلس بها على يسار الشيخ، ثم لما تمّ الدرس خلا بالشيخ وقال له: لِمَ فعلتَ ذلك؟ أما حسّيت بسطوة الملك، يمازجه ويمازحه بذلك. فقال له في جوابه: إن السواد الأعظم معي، فتركه السلطان وما انقطع مع ذلك عن درسه لمحبّته في الفضائل.
وكان في أوّليّته كثير العدل والإنصاف، ويُذكر عنه من الورع والديانة ما لا مزيد عليه.
ذكر لي من أثق به عنه أنه اشتهى يومًا طعام اللِّفْت، فأُحضر إليه، فحين أراد أكْلَه وجد لِفْتَه مُرًّا، فسأل حوائج كاتبه: من أين شراه؟ فذكر له إنسانًا عرَّفَه بشخصه. ثم اتفق بعد مدّة أن أُحضر إليه بائع اللِّفْت مع خصمٍ يدّعي على بائع اللِّفْت هذا، فامتنع من سماع الدعوى عليه، وبعث بهما للقاضي بعد أن قال للقاضي: احكُم بينهما، فإنّني أكلت منه لِفْتًا مُرًّا، وأنا أخشى من الحَيْف عليه لحنْقي منه فيما تقدّم. وعُدّ ذلك من ديانة عبد الحق هذا، ويُذكر عنه كثير
(1)
من المحاسن.
وكان لما مات شيخًا، أبيض اللحية، لعلّه مات في عشر السبعين.
ولما ورد إليه الخبر بالكائنة بفاس، وطلب حيلة، قدِم فاس مُجِدًّا في سيره، وترك الكثير من عساكره وراءه، حتى وصل لفاس في ثلاثة. أنفار، ولم يظنّ أنه يفعل معه المكروه، وكان في ذلك أجله على ما تقدّم. ومَلَك بعده فاس السيد الشريف محمد بن عِمران، على ما أسلفنا كيفية ذلك. ولم يزل الشرّ بتلك المملكة مدّة مطوّلة، ولعلّه باقٍ إلى يومنا هذا. وجرت فِتَن وفترات كبيرة سنتين، إلى فيما يأتي إن شاء الله تعالى.
(1)
في الأصل: "كثيرًا".
273 -
عجل بن نُعَير
(1)
.
أمير آل فضل ببلاد الشام.
توفي في هذه السنة ببعض أعمال حلب، وهو مصروف عن الإمرة، نازح من بلاده.
ولم يبلُغْني، ولا وقفتُ على شيء من أحواله لأذكرها غير ما بَلَغَنا من وفاته فى هذه السنة.
274 -
عيسى التاجر الطرابلسي
(2)
.
أحد التجّار المياسير بها. كان مُثْريًا وممن له شُهرة وذِكر بطرابلس، وأعمر بها دارًا حسنة ومِلْكًا جيّدًا، سكنها الوالد في حين دخوله لطرابلس، وبقي بها مدّة على جهة التنزّه بها.
وكان قد صاهر ابن
(3)
مُزاحم
(4)
النبطي
(5)
على ابنته.
وتوفي بطرابُلُسَ في هذه السنة فيما أُخبِرتُ تقريبًا.
وكان لا بأس به.
275 -
عيسى المغربي
(6)
الذي كان يُعرف بالقاهرة بالشيخ علي.
كان قدم القاهرة من تونس لقضية اتفقتْ له مع صاحبها عثمان، فأخرجه بسببها من تونس. ولما قدم القاهرة شُهر بها وذُكر، وادَّعى الصلاح، وقصده الناس لزيارته، وصحِب جماعة من الأتراك، أعتقد منهم بُرْدبك الدوادار، صهر الأشرف إينال، وتزوّج بالقاهرة بامرأة من المشاهير، وكان له شأن بالقاهرة. ولما مات
(1)
انظر عن (عجل بن نعير) في: النجوم الزاهرة 16/ 339، ووجيز الكلام / 770 رقم 1776، وفيه اسمه "علي"، والذيل التام 2/ 187، والضوء اللامع 5/ 146 رقم 501، ونيل الأمل 6/ 219 رقم 2622، وبدائع الزهور 2/ 431.
(2)
انفرد المؤلّف رحمه الله بهذه الترجمة.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
المرجّح لدينا أنه هو: محمد بن عبد الرحمن بن يوسف الشمس الطرابلسي، ثم القاهري ابن النحال، ويُعرف بابن مزاحم. ممن يزعم قرابة بينه وبين الزيني الاستادار، وهما دخيلان. خدم علي بن أرج الأستادار بطرابلس وتزوج زوجته بعده، ثم إينال الأشقر حين كان نائب طرابلس
…
(الضوء اللامع 8/ 47 رقم 44) ولم يؤرّخ لوفاته.
(5)
هكذا تُقرأ في الأصل.
(6)
انظر عن (عيسى المغربي) في: الضوء اللامع 6/ 159 رقم 531، ونيل الأمل 6/ 221 رقم 2629، وبدائع الزهور 2/ 431.
وقال السخاوي: عيسى التلمساني المغربي، الملقّب هناك بالغندور وعندنا بالزلباني.
الأشرف إينال، وصودر بُردُبك ووُجد له عند عيسى هذا مال له صورة، على ما تقدّم ذلك في محلّه في مصادرة بُردُبك، في متجدّدات سنة خمسٍ وستين، وأُخرج عيسى هذا إلى بلاده، فقدم إلى طرابلس الغرب وأنا بها في سنة ثمانٍ وستين، ثم ذهب إلى تونس، ورأيته أنا بطرابُلُس، وبوجهه آكلَة أخذت أنفه وما إلى جانبه من أحد جهات وجهه.
وتُوُفّي بأعمال تونس في هذه السنة، وله زيادة على السبعين سنة.
وكان الناس في أمره على قسمين، والظاهر أنه كان صاحب مُحال لا حال، ولم يكن خاليًا من فضيلة وعِلم شيء من العلوم المخفيّة من الاستخدامات ونحوها. والله أعلم.
276 -
قانِبَاي البَكْتَمُري
(1)
نائب البيرة المعروف بطاز.
كان من مماليك بَكْتَمُر جُلَق نائب الشام، وهو مشهور الترجمة، ونزل مملوكه هذا بعده في ديوان الجُند السلطاني، ودام كذلك مدّةً مطوّلة في عدّة دُوَل، حتى تسلطن الظاهر خُشقدم، فولّاه نيابة قلعة صفد، ثم نقله إلى نيابة البيرة، على ما أسلفْنا ذلك، وبها بَغَتَه أجَلُه.
وكان إنسانًا ساكنًا، يقال: إنه لا بأس به، ولم أعرفْه، ولا عرفتُ شيئًا من حاله، لأنه اشتهر ومات في غيبتي بالبلاد المغربية، وإنما أُخبرت به بعد عَودي.
توفي في أحد الربيعين من هذه السنة، وهو يقرب من الثمانين.
277 -
قجماس المؤيَّدي
(2)
.
أحد الخمسات.
كان من مماليك المؤيَّد شيخ، وصُيِّر خاصكيًّا في دولة الظاهر جقمق، ودام على ذلك إلى سلطنة خُشداشه الظاهر خُشقدم، فصيّره من الخمسات لضيق الأقاطيع، ووعده بعد ذلك بترقيته، فلم يلبث بعد الوعد أن بَغَتَه أجَلُه.
وكان شيخًا وجيهًا من القرانصة الأغوات، وله تؤدة وسكون، وحُسن سمت.
توفي في حدود هذه السنة، وقد جاوز الثمانين أو بلغها.
واسمه بالتركي معناه: "ما يَهْرب"، أي بالنفي، فإن "قَجْ" معناه: الهروب، و"ماس" كما أو لا النافية في لغة العرب.
(1)
انظر عن (قانباي البكتمري) في: النجوم الزاهرة 16/ 338، ونيل الأمل 6/ 204 رقم 2610، وبدائع الزهور 2/ 426، ولم يترجم له السخاوي في الضوء اللامع.
(2)
انظر عن (قجماس المؤيّدي) في: نيل الأمل 6/ 220 رقم 2626، وبدائع الزهور 2/ 431.
278 -
كمشبُغا الظاهري، الخاصكي، المعروف بالجاموس
(1)
.
كان من مماليك الظاهر برقوق، وصُيّر خاصكيًّا بعده، واستمر على ذلك في عدّة دول، وله وجاهة فيما بين الأتراك وقرنَصَه، بل يقال: إنه كان من أغوات الأشرف إينال، ورُشّح للإمرة، فامتنع عن ذلك طلبًا للراحة، فإنه كان بيده إقطاع جيد
(2)
فوق كفايته، فكان يقول: راحة بدني خير لي من أن أُسمَّى بالأمير. وكانت الملوك تبعث إليه تستفهمه عن أشياء من تعلّقات الحروب وغيرها.
توفي في هذه السنة فيما يغلب على ظنّي، بعدما شاخ وعجز عن الحركة.
وكان من الأخيار، ومن أهل الدين والخير. وكان الظاهر خُشقَدم في كل قليل يسأل عنه، ويبعث إليه بالسلام، ويتفقّده.
أظنّه بلغ السبعين أو جاوزها.
(ترجمة البدر ابن
(3)
حجر)
(4)
279 -
محمد بن أحمد بن علي بن حجر
(5)
الكِناني، العسقلاني الأصل، القاهري، الشافعي.
بدر الدين
(6)
، أبو المعالي ابن
(7)
شيخ الإسلام، حافظ العصر، قاضي القضاة، أبي
(8)
الفضل شهاب الدين، المعروف بابن حجر. وبقيّة نسبه تقدّم في ترجمة والده.
ولد البدر هذا في حدود سنة خمس عشرة وثمانمائة، بمنزل أبيه بحارة بهاء الدين.
ونشأ تحت كَنَفه، فحفظ القرآن العظيم وبعض المتون، واجتهد فيه والده،
(1)
انظر عن (كمشبُغا المعروف بالجاموس) في: نيل الأمل 6/ 221 رقم 2627، وبدائع الزهور 2/ 431، ولم يترجم له السخاوي في الضوء اللامع.
(2)
في الأصل: "اقطاعا جيدًا".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
انظر عن (محمد بن أحمد بن حجر) في: النجوم الزاهرة 16/ 339، وعنوان العنوان، رقم 862، والضوء اللامع 7/ 20 رقم 34، والمنجم في المعجم 176 رقم 132، ونيل الأمل 6/ 208 رقم 2613، وحوادث الزمان 1/ 168 رقم 210، وبدائع الزهور 2/ 427.
(6)
كتب قبلها: "أبو المعالي" ثم ضرب عليها خطًا.
(7)
في الأصل: "بن".
(8)
في الأصل: "أبو".
فلم يقرب له بشيء من العلم يقارب به والده، ولو أدنى شيء، فسبحان الرزاق المانح من شاء، بما شاء، كيف شاء، والمانع عمّن شاء، ما شاء، كما شاء، ولكنّه سمعٍ الحديث على أبيه وغيره. ولما مات والده شيخ الإسلام ورث عنه شيئًا جيّدًا وخصوصًا الكتب العلمية، وما أحسن التصرّف في معيشته، ولا اهتدى إلى كيفيّة أخذ نفقته، وباع الكثير من تعلُّقاته حتى أشرف على الفقر والفاقة، ولم يكن لديه فضيلة علمية، ولا عُرف بقابليّته، عارٍ من سائر الفنون نحوًا من ولده على الموجود الآن، وليس له فضيلة يُذكر بها بين الأنام، غير كونه ولد مثل هذا الإمام، فلعلّ فخره بنسبته إليه أعظم فخر وأجلّه. ودام على ذلك حتى تمرّض بحموةٍ حدثت له في جنْبه، وطال بها مرضه نحوًا من ثلاثة شهور بمنزله من بركة الرطْلي.
إلى أن توفي في يوم الأربعاء سادس عشرين جمادى الآخرة.
وأخرجت جنازته حافلة بجمعٍ جمّ من العلماء والطلبة، وتقدّم في الصلاة عليه قاضي القضاة الشرف المناوي، ودُفن بالصحراء بتربة جَوشن، وترك ولده نور الدين علي
(1)
، الموجود الآن.
(ترجمة الشمس البابا المعبّر)
(2)
280 -
محمد بن محمد بن سليمان الأوزاعي
(3)
، الدمشقي، الصالحي، الطرابلسي.
المعبّر الحنفي، شيخنا، الشيخ الإمام، العالم، الفاضل، الكامل، شمس الدين، المعروف بالبابا.
ولد بصالحية دمشق في سنة خمس وستين وسبعمائة.
ونشأ بعَقَبة الأوزاع من دمشق أيضًا، وحفظ القرآن العظيم، وتعانى صناعة غسيل الثياب التي يُعرف من يعانيها بالبابا، مع اشتغاله بالعلم وأخْذه عن جماعة من علماء عصره ذلك، حتى تميّز في الفقه، وحُبّب إليه علم التعبير، فلازم فيه
(1)
انظر عن (علي بن محمد بن أحمد بن علي بن حجر) في: الضوء اللامع 5/ 283 رقم 961 ولم يؤرّخ لوفاته، والكواكب السائرة 2/ 187 (في ترجمة: عبد الوهاب العنابى).
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
انظر عن (الأوزاعي) في: الضوء اللامع 9/ 85 رقم 240، ونيل الأمل 6/ 219 رقم 2623، وبدائع الزهور 2/ 431، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي ق 2/ 4/ 142 - 144 رقم 1155.
جماعة ودأب فيه وجدّ، حتى برع فيه وشُهر، وقُصد لتعبير الرؤيا، وتصدّى لنفع الطلبة والإقراء، ورحل إلى طرابلس بعد فتنة اللَّنْك فقطنها، وهو على ما هو عليه من الخير والإقراء، وجلس بحانوت يتكسّب به بغسيل الثياب وصقْلها، وربّما أقرأ وهو في تلك الحالة، وربّما سُئل وهو يصقل، وشُهر بطرابلس، وكانت النواب بها تُجلّه، وكان يشبُك النَوروزي
(1)
، وهو نائب طرابلس، يقصده ويتردّد إليه بحانوته بسوق أسَندمُر
(2)
ويحادثه، ويسأل منه عن مرائي
(3)
رآها، وعن مسائل دينية. وكان الشيخ مع ذلك لا يكترث به، ودام على ذلك حتى كبر سنّه بعد الستين، وعجز عن الحركة، فترك ولزم داره، مع تردّد الناس إليه لأخذ الفقه عنه، والسؤال عن تعبير الرؤيا، وكانوا يَبَرّونه حين تعبير المرائي
(4)
، ويتفقّده بعض أعيان طرابلس، لكونه قعد عن التكسّب، ثم تسبّب له الشهاب أحمد بن القُلَيب
(5)
، وكان يعتقده ويُجِلّه في مرتّب على الجوالي
(6)
بطرابلس، في كل يوم خمسة دراهم شامية، عبارة عن
(1)
توفي (يشبك النوروزي) في سنة 863 هـ. انظر عنه في: النجوم الزاهرة 16/ 199، ومنتخبات من حوادث الدهور 2/ 204، والضوء اللامع 10/ 280 رقم 1100، ووجيز الكلام 2/ 727 رقم 1673، والذيل التام 4/ 240، ونيل الأمل 6/ 48، 49 رقم 2454، وبدائع الزهور 2/ 350، والبذل والبرطلة 52، وتاريخ طرابلس 2/ 56 رقم 119.
(2)
هو (أسندمر الكرجي) نائب طرابلس قتل سنة 710 هـ. انظر عنه في: ذيل العبر، للذهبي 64، وذيل تاريخ الإسلام، له 98 رقم 245، ونهاية الأرب، للنويري 32/ 168، والوافي بالوفيات، للصفدي 9/ 248، 249، وأعيان العصر، له 1/ 534 - 537 رقم 280، وتذكرة النبيه، لابن حبيب الحلبي 2/ 29، والسلوك ج 1 ق 2/ 894 وج 1 ق 3/ 94، والدرر الكامنة 1/ 414، والمنهل الصافي 2/ 443، وشذرات الذهب 6/ 25، وتاريخ طرابلس 2/ 34 رقم 7.
أما "سوق أسندمر" فهو المحلّة المعروفة الآن "بين الجسرين" من محلّة السُوَيقة على نهر طرابلس، وسُمّيت بسوق أسندمر نسبة إليه فهو الذي اختطّه وبنى فيه عدّة مُنشآت. انظر كتابنا: وثائق نادرة من سجلّات المحكمة الشرعية بطرابلس -منشورات مؤسسة المحفوظات الوطنية- بيروت 2002، انظر فهرس الأسواق رقم 15 ص 537.
(3)
في الأصل: "عن مرايا".
(4)
في الأصل: "تعبير المرايا".
(5)
انظر عن (ابن القُليب) في: كتاب في التاريخ (مخطوط) مجهول المؤلف (نرجّح أنه لبرهان الدين البقاعي) بدار الكتب المصرية، رقم 5631 تاريخ، الأوراق 6 أ، و 136 أ، و 137 أ، والنجوم الزاهرة 16/ 354، ومنتخبات من حوادث الدهور 3/ 423 و 539، والضوء اللامع 2/ 215، 216 رقم 592، ونيل الأمل 6/ 262 رقم 2677، والمجمع المفنّن 1/ 567 رقم 530، وتاريخ طرابلس 2/ 74 رقم 29.
وهو: أحمد بن محمد بن القليب، توفي سنة 871 هـ. وسيأتي.
(6)
الجوالي: مصطلح مملوكي موروث عن الأيوبيّين يتعلّق بالرسوم السنوية التي يفرضها السلطان على أهل الذمّة من النصارى واليهود وغيرهم.
وزن درهم وربع فضّة، فكان ذلك قوته بأخرة، مع تفقّد ابن
(1)
القُليب له وبِرّه، والتودّد إليه لزيارته بمنزله في كل قليل، مع بُعده عن داره. فإن الشيخ كان يسكن بأطراف البلد، بمكان يقال له حارة العُوَايراتية
(2)
بالقرب من جامع طينال
(3)
تحت الجبل. وكان مجاورنا بعد عمارة الوالد لأمكنة بالجبل.
وكنت قد لازمتُه كثيرًا في الفقه والتعبير، وأخذت عنه الكثير وانتفعت به فيهما
(4)
.
وصنّف مختصرًا جيّدًا في الفقه أسماه "جواهر الأفكار في حلّ ألفاظ المختار"
(5)
كتاب جيّد مفيد مع اختصاره، فإنه في نحو حجم "المختار"
(6)
(
…
…
)
(7)
.
ودام بطرابلس على ما هو عليه حتى بَغَتَه الأجل.
وكان سبب نزوله بطرابلس واختيار سُكناها الغزو، فإنه كان في شبابه إنسانًا
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
العُوَايراتية= الأُوَيراتية، محلّة في الجهة الجنوبية من مدينة طرابلس الشام، في الطريق إلى بيروت. راجع عنها بالتفصيل في تقديمنا للكتاب.
(3)
هو جامع نائب طرابلس الأمير سيف الدين طينال الأشرفي الحاجب، بناه سنة 736 هـ./ 1336 م. بظاهر طرابلس بين البساتين، وهو أجمل جوامع طرابلس بل ولبنان على الإطلاق. انظر عنه في كتابنا: تاريخ وآثار مساجد ومدارس طرابلس في عصر المماليك - طبعة دار البلاد، طرابلس 1974 - ص 162 - 189، وتاريخ طرابلس 2/ 372، 373، والأوقاف الإسلامية في طرابلس الشام من وثائق الأرشيف العثماني وأهميتها في رصد حركة العمران - بحث لنا نُشر في كتاب المؤتمر الدولي السابع لتاريخ بلاد الشام عن: الأوقاف في بلاد الشام منذ الفتح العربي الإسلامي إلى نهاية القرن العشرين -منشورات لجنة تاريخ بلاد الشام- الجامعة الأردنية 1431 هـ. / 2010 م. -تحرير د. محمد عدنان البختيت- ص 30 - 32 رقم 7، ووظائف ومضامين النقوش التاريخية، والتزيينية على عمارة طرابلس المملوكية بحث لنا نشر في حوليّة "أبجديّات" التي تصدر عن مركز الخطوط بمكتبة الإسكندرية - العدد الرابع 2009 - ص 38 - 42.
(4)
كتب بجانبها على الهامش: "وأظنه سمع غالبًا بدمشق وغيرها لكنني ما وقفت على ما يرشد على ذلك ولا سألته عن سماعه".
(5)
لم يذكره "كحّالة" في معجم المؤلفين.
(6)
هو كتاب "المختار في فروع الحنفية" لأبي الفضل مجد الدين عبد الله بن محمود (بن مودود) الموصلي الحنفي، المتوفى سنة 683 هـ. (كشف الظنون 2/ 1622، 1623)، وهو لم يذكر "الأوزاعي الطرابلسي" بين المختصرِين للكتاب، كما لم يذكر كتابه "جواهر الأفكار في حلّ ألفاظ المختار".
(7)
كلمتان غير واضحتين.
أيْدًا، ذا شجاعة وقوّة جَنان، وجُرأة وإقدام، ومعرفة بالفروسية والنقّاف (النشاب)
(1)
، ونحو ذلك. وكان يُلام على كونه بابا، وكُلّم غير مرة في تركه هذه الصناعة، فكان يقول: هذه صناعتي وكسْبي الحلال الطيّب، فلا أتركها وأسعى فيما لا يحلّ لي، وهيهات إن أُعطيت ذلك. وكان لا يتردّد إلى أَحد من بني الدنيا بسبب دنياهم، ولا يزاحم الفقهاء، ولا يُداخلهم فيما هم فيه، مع خيره ودينه، وعبادته، وصلاحه وزهده، وحُسن سمته وتؤدته، وفكاهته، وجودة محاضرته، وكان يكتب كثيرًا لما أن يكون لا شُغل عنده بحانوته.
وكتب بخطّه الكثير من الكتب الكبار وغيرها، ولا زال يكتب إلى أن مات وهو على ذلك، مع رداءة خطّه بأخرة لكِبَره، وكان سريع الكتابة. وله نظم، فمنه ما أنشدنيه لنفسه في شعبان سنة إحدى وستين وثمانمائة مضمّنًا:
ألا ليت شِعري هل أبيتنّ ليلةً
…
بساحل بحر للرباط فضيلُ
وهل أرِدْن يومًا مياه بِرِنْزِها
(2)
…
وهل يبدون
(3)
لي أبرُجٌ
(4)
وظليلُ
وهل أشهدَنْ يومًا قتالًا بمرجها
(5)
…
إذا شاهدت عيني الدماءَ تسيلُ
وأضرب في أعناق قومٍ كوافرٍ
…
بصارمٍ هنديّ للرقاب فصيلُ
فإنْ سلّم الرحمن فُزتُ بنصره
…
وإلّا قتيلٌ في الفلاة جديلُ
(1)
كتبها تحت السطر.
(2)
يريد بمياه برنْزها: قناة المياه التي كانت تنقل مياه نهر قاديشا المنحدر من جبال الأرز إلى مدينة طرابلس وتسقي أهلها وبساتينها. وسُمّيت بقناة أو قناطر البرنْس، وهو أحد أمراء طرابلس في فترة حكم الفرنج الصليبيين لها. وقد ذكرها المؤرّخ "ابن حبيب الحلبي" في وصفه لطرابلس، في كتابه "درّة الإسلاك في دولة الأتراك" - مخطوط مصوَّر بدار الكتب المصرية رقم 6170 ح. الجزء 2/ 391، كما ذكرها شيخ الربوة الدمشقي في كتابه: تحفة الدهر في عجائب البر والبحر - نشره مهرن، ليبزغ 1923 - ص 207، وقال "ابن عبد الظاهر" في كتابه "الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر"- ص 305 إنها قناة رومانية البناء ووصفها بأنها "بناء عظيم لم يُر مثله "، وقد هدمها الظاهر بيبرس لما حاصر طرابلس سنة 666 هـ. / 1268 م. ليقطع المياه عن الفرنج، وهي قنطرة على وادٍ بين جبلين، يمر عليها الماء من منبعه إليها في ارتفاع نحو من سبعين ذراعًا، وطول هذه القنطرة نحوٌ من مائتي ذراع. انظر:(تاريخ طرابلس 3/ 504 و 506).
(3)
مهملة في الأصل.
(4)
إشارة إلى أبراج طرابلس المنتشرة على امتداد شواطئ المدينة وسواحلها، وفي داخل البلد، في عصر المماليك. انظر عنها في كتابنا: تاريخ طرابلس 2/ 259 - 279.
(5)
كانت كلمة "المرج" تُطْلق حتى منتصف القرن العشرين على المنطقة العامرة بالبساتين بين طرابلس والميناء.
تحوم على شَلْوي خيولٌ سوابق
…
وذلك في ذات الإله قليلُ
توفي، رحمه الله تعالى، في حدود هذه السنة، وما حرّرتُ شهر وفاته.
(ترجمة البَبَائي)
(1)
281 -
محمد بن عبد الله ()
(2)
البَبَائي
(3)
، القاهري.
الصاحب شمس الدين، المعروف بالنسبة إلى بَبَا، وهي قرية بالوجه القِبلي تُسمَّى بَبَا الكبرى، وهي بباءين
(4)
ثانيَتَي الحروف.
ولد صاحب الترجمة هذا بعد العشرين وثمانمائة.
وكان خفيرًا بتلك البلاد، ويقال: راعيًا، وقيل غير ذلك. (ويُذكر أنه لم يُعرف له أب، ولهذا كان
…
…
…
عليه)
(5)
. ثم قدم القاهرة وصار صبيًّا لبعض الطبّاخين وفي خدمته ملقدارًا
(6)
، ثم صار من صبيان بعض مقابلي اللحم، وتنقّل في عدّة حِرَف نحو هذه، إلى أن صار من مقابلي اللحم، وجَدّ في التكسُّب في معالجته، واجتهد بقلبه وقالَبه، حتى حسُنت هيئته شيئًا، وحالته، فركب الحمار وداخَلَ الناس، وما زال في ازدياد، وفي جِدّ واجتهاد في تحصيل المال بأنواعٍ من التكسّب، حتى أثرى، وشُهر بكثرة المال من دَولَبَته اللحم، وما قيل عنه من أنه لقي خبيئة من المال، فهو كلامٌ الظاهرُ عَدَمُ صِدقه. نعم كان حريصًا جدًا على التكسُّب، حتى صار من أعيان مُدَولبِي اللحم والجزّارين، وهي دولبة فيها الكسب الهائل، لا سيما لمن عرف الخَوَلَة وأرباب الأغنام، وكان البَبَائي كذلك مُذْ داخَلَ الجميعَ ممن ذكرنا، وعرفوه واطمأنّوا إليه وعاطُوه، ثم صار يَعُول الوزراء (في)
(7)
حمل اللحوم المرتّبة لأرباب الدولة من الجُند السلطاني وغيرهم عليه، فكانوا
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
بياض في الأصل.
(3)
انظر عن (البَبَائي) -بفتح الباءين- في: النجوم الزاهرة 16/ 340 - 342، ووجيز الكلام 2/ 770، 771 رقم 1777، والذيل التام 2/ 187، والضوء اللامع 10/ 118، 119 رقم 459، ونيل الأمل 6/ 218 رقم 2619، وبدائع الزهور 2/ 431، 432، وفي ترجمته فيه فائدة.
(4)
مهملة في الأصل.
(5)
ما بين القوسين عن الهامش.
(6)
هكذا في الأصل. وهي: "مرقدارًا"، واحدهم:"مَرَقْدار"، وهم طائفة من معلّمي الطبخ، مهمّتها الإشراف على صنع الأطعمة وحفظها، وعمل ما يأمر به الأستادّار مما يختاره السلطان من الأطعمة. (معجم المصطلحات 394).
(7)
مكرّرة في الأصل.
يأخذون منه الكثير من ذلك، ويعوّضونه أغنامًا ومالًا على مهلهم، فكانوا يراعونه، لذلك شُهر وذُكر بهذه الواسطة. وبلغ الظاهر خُشقَدم بسَعة ماله، فسعى لأخذه، فاحتال عليه بأنْ ولّاه نظر الدولة، وتزيّا بزِيّ الكتبة مع كونه عَرِيًّا، أمّيًّا، لا يقرأ ولا يكتب، وركب الفَرَس بالفَرْجيّة، واتخذ الخُفَّ والمِهمَاز، فشُقّ ذلك على كثيرٍ من الناس، كون الزّفُوري
(1)
الدنيء الأصل يُرفع قدْره إلى هذا المحلّ، فباشر نظر الدولة مدّة، وما كفاه ذلك حتى ترقّى إلى الوزارة، فوُلّيها عن المجد بن البَقَري
(2)
لما نُقل إلى الأستادّارية، بعد اختفاء الزين يحيى ابن
(3)
كاتب حُلوان الأستادّار، على ما تقدّم ذلك في محلّه، وأُلبس خلعة الوزارة، ونزل إلى داره في موكبٍ جليل، وهو أول زَفُوريّ وُلّي الوزارة فيما نعلم، وعُدّت ولايته من قبائح أفعال الظاهر خُشَقدم، لرفعه مثل هذا الخسيس الوضيع إلى مثل هذا المنصب السامي الموضع، وإن كان قد بُهدل من أوائل هذا القرن، أعني الثامن، لكنْ بهدلة بحيث تصل إلى هذا الحدّ في القُبح والشناعة وقلّة الحياء والمروءة، فلا.
ولقد عمّت المصيبة بعد البَبَائي هذا بولاية من هو أخسّ منه وأدوَن وضاعة، فلا حول ولا قوة إلّا بالله.
ولما ولي البَبَائي هذا الوزارة باشرها بظلم وعسف وعنف وجبروت، (مع)
(4)
قلّة أدب وحياء مع الأكابر والأعيان، ولا يَكثُر ذلك عليه، فإنه ما خالط الأكياس، ولا رأى الرؤساء والناس، ولا عرف المقامات، ولا تقرّب من شيء من ذلك حتى كان غاية أدبه كأعلى
(5)
إساءة ريّس من الرؤساء، بل لا أرضى بذلك. كل ذلك مع تخليطه، وكثرة تخبيطه، وقُبح سيرته، وعدم صدق لهجته، بخلاف ما كان عليه أولًا في صدق اللهجة، فمقته الناس غاية المَقْت، وكثر الدعاء عليه وأبغضه حتى من لم يكن له عليه وطأة ولا له به معرفة، لأن القدرة غيورة تحرّك القلوب لبغض الظالم. وهجاه الشعراء بأهاجي كثيرة مشهورة، حتى بالغ بعضهم في هجائه، فإنه هجي بسببه الهجو لهجْوه بالهجو. وآل به الأمر أن أخذه الله تعالى أخذ عزيزٍ مقتدر بأن أغرقه في النيل.
(1)
الزفوري: الذي يعمل في الزفارة من الطبيخ.
(2)
بإزاء هذه الكلمة كتبت حاشية بعكس الصفحة من أسفل إلى أعلى، وهي في نحو عشر كلمات غير واضحة.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
مكرّرة في الأصل.
(5)
في الأصل: "كأعلا".
وكان من خبر غرقه أنه توجّه في مركب لناحية طَنَاش بالجيزية لبعض شؤونه
(1)
وتعلّقاته ومظالمه، ثم عاد بساحل بولاق وهو بقرب فم الخُور، وإذا بريحٍ عاصف بعثها الله تعالى في وقت المغرب، بعد أن لم يبق من وصوله للساحل إلّا اليسير، أو كاد أن يكون قد وصل، وإذا بها هبّت وكأنها مبعوثة بهلاكه، فقلبت مركبه وهو بها، فلم يكن إلا أقلّ من لحظة، إلّا وكأنّ الأرض ابتلعته من الماء، ولعلّه لم يمت من تلك المركب إنسان غريق سواه، حتى عُدّ ذلك من نوادر الغرائب.
وكان ذلك في آخر نهار يوم الأربعاء ثامن عشرين ذي الحجة من هذه السنة.
ولم يُر بعد ذلك، ولا وُجد له أثر، ولا وُقف له على خبر حتى إلى يومنا هذا.
وكان له نحو الخمسين سنة.
ثم بُعث في ليلته أو في صُبحها في إثر غرقه ليطلبه من شَطَّنُوف وغيرها من مَظانّ وجود الغَرْقى
(2)
، فلم يتفق وجوده بل ولا سُمع بوجوده بعد ذلك، ولا تُسُومع به، وهذا حاله الدُنْيَوي. وأمّا عاقبة أمره فإلى الله، وعلّه ينتفع بموته غريقًا، ويسمح الله تعالى له، لكنْ ماذا تقول في مظالم العباد، وكثرة ذلك بالفساد؟ نسأل الله تعالى الهداية للرشاد.
(ترجمة صاحب حَلْي من اليمن)
(3)
282 -
موسى بن محمد بن موسى اليمني
(4)
.
الأمير، أبو عِمران، صاحب حَلْي
(5)
ابن يعقوب، من بلاد اليمن، في مدينة حَلْي المذكورة، ودام بها مدّة، وحُمدت سيرته بها.
وكان وجيهًا من أكابر الأمراء ذوي البيوتات، ومن الأُصلاء النُجَباء الأُثَلاء.
واتفق لجدّه موسى
(6)
مع السيد الشريف حسن بن عَجلان، أمير مكة
(1)
في الأصل: "شونه".
(2)
في الأصل: "الغرقاء".
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
انظر عن (موسى اليمني) في: النجوم الزاهرة 16/ 338، ووجيز الكلام 2/ 770 رقم 1775، والذيل التام 2/ 186، 187، والضوء اللامع 10/ 191 رقم 802، ونيل الأمل 6/ 203 رقم 2609، وبدائع الزهور 2/ 426.
(5)
حَلْي: بفتح المهملة وسكون اللام. مدينة باليمن على ساحل البحر بينها وبين البرّين يوم واحد، وبينها وبين مكة ثمانية أيام. (معجم البلدان).
(6)
انظر عن (موسى) وهو: موسى بن أحمد بن عيسى الحرامي، بالمهملتين، أمير حَلْي. توفي سنة 819 هـ. انظر عنه في: إنباء الغمر 3/ 122 رقم 50، وذيل الدرر الكامنة 249 رقم 453، والضوء اللامع 10/ 176 رقم 750.
وصاحبها، وقائع عديدة مشهورة، وقد ذُكرت في كثير من التواريخ. ولم يزل موسى هذا على إمرة حَلْي.
حتى توفي بها في ربيع الأول.
(ترجمة اليهودي وزير فاس)
(1)
283 -
هارون بن بطش
(2)
اليهودي، الإسرائيلي، المغر بي، الفاسي.
الوزير بالمغرب للسلطان عبد الحق المَرِيني صاحب فاس، وهو تقدّم في المتجدّدات كائنةُ قتله، وقتل السلطان عبد الحقّ، وقتل اليهود بفاس، وما اتفق من ذلك بما يغني عن مزيد إعادته.
وكان قتْل هارون هذا بيد بعض بني مَرِين بحربةٍ ضربه بها، فخرجت من ظهره، على ما أسلفناه، وذلك في أوائل العَشْر الأول من شهر رمضان، من هذه النسة.
وكان يُذكر بحذقٍ وعقلٍ تام، وخبرة بالأمور الدنيوية، والسياسة، لعنه اللَّه تعالى.
ومات في كهولته.
284 -
يعقوب الرومي
(3)
، الحنفي.
(000)
(4)
القدس الشريف.
من أهل العلم والفضل، وقرأ ببلاده، ثم قدم هذه البلاد) ......
…
)
(5)
تدريس المدرسة القادرية ( ....
…
.... )
(6)
التي بسلطنته، ثم بالبيت المقدس (
…
)
(7)
ودرّس بها، وانتفع به جماعة.
وكان إنسانًا خيّراً ديِّنًا.
توفي يوم الجمعة عاشر صفر.
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
انظر عن (هارون بن بطش) في: نيل الأمل 6/ 213 رقم 2616، ولم يذكره السخاوي في الضوء اللامع.
(3)
انظر عن (يعقوب الرومي) في: نيل الأمل 6/ 201 رقم 2607 ولم يذكره السخاوي في الضوء اللامع.
(4)
ضاعت كلمة من طرف الورقة لقطْعها، والمرتجح أنها "شيخ".
(5)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(6)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(7)
كلمة واحدة.
سنة سبعين وثمانمائة (سنة
870)
(1)
[الخليفة والسلطان والقضاة والأمراء]
استهلّت هذه وجميع من ذكرناه في التي قبلها من الخليفة، والسلطان، وغالب ملوك الإسلام، وأمرائهم، ونوّابهم، وحكامهم، وقضاتهم، وولاة أمورهم، على ما هم عليه في الخالية، في سائر ما قدّمنا ذِكره من الأمصار والأقطار، شرقًا وغربًا.
ما عدا صاحب فاس وسلطانها، فإنه في هذه السنة السيد الشريف الأمير السلطان، أمير المسلمين، أبو عبد اللَّه محمد بن عِمران، بويع بالسلطنة بفاس لقيام السواد الأعظم معه في شهر رمضان، وعُقدت بيعة العامة برمضان أيضًا، بعد قتل صاحبها عبد الحق المَرِيني، على ما عرفت ذلك فيما قد بيّناه من كائنة قتل اليهود، التي لعلّها من أعظم الكائنات وأغربها وأندرها وأعجبها.
وما عدا صاحب غرناطة وملك الأندلس، فإنه استقلّ بها فى الخالية، وهو بها في هذه السنة السلطان، أمير المسلمين، أبو الحسن علي ابن
(2)
أمير المسلمين أبي النصر سعد، المعروف بابن الأحمر. وقد أسلفنا كيفية تملّكه الأندلس عن أبيه، وهو موجود إلى يومنا هذا، وبيده ملْك الأندلس الآن، فلنُترجمه على عادتنا في تراجم الأحياء. هو:
285 -
علي بن سعد بن محمد وبقيّة نسبه قد تقدّم في ترجمة أبيه سعد.
وُلد علي هذا بغَرناطة قُبَيل الأربعين وثمانمائة فيما أخبرتُ به.
وبها نشأ تحت كنف أبيه في عزّ ورياسة، وآل به الأمر أن ثار بأبيه مع قوّاد الأندلس، فأخرجه عن غَرناطة، ومَلَكها في سنة سبعٍ وستين وثمانمائة، وكان المُنبغي أن نترجمه فيها ونستثنيه؟ هناك، وإنّما أخّرنا ذلك لكونه استقلّ بالمُلك بعد
(1)
عن الهامش.
(2)
في الأصل: "بن".
موت أبيه، فإنّه في حياته كان على شفى حَرْف الزوال توهُّمًا، ودام على مُلك أبيه مدّة، ورأيته لما دخلتُ غَرناطة، وهو شاب يُذكر بالفضيلة والمعرفة التامّة، والشجاعة والإقدام، ومحبّة العلم والعلماء. ثم جرت بينه وبين أبيه منافسات بعد إخراجه، وكذا بينه وبين أخيه أبي
(1)
الحَجّاج يوسف، حتى أشرف على انتزاع المُلك منه. ثم مات. واستقلّ هو بملْك الأندلس من غير معارض، حتى نشأ له ولد اسمه محمد، ويُكنَّى بأبي عبد اللَّه، فثار بأبيه هذا بعد الثمانين، وفعل معه نحو
(2)
ما فعله هو مع والده سعد الماضي، وهي غالب عادتهم بتلك البلاد مع الآباء والأولاد، بل والأجداد والأحفاد، وآل أمره أن أخرجه إلى مالقة، ومَلَك غرناطة.
ثم جرت كائنة عُظمى، وداهية طمّى، سنشير إليها في سنة سبعٍ وثمانين، ونذكرها هناك، آل الأمر فيها إلى أخْذ الفرنج أبا
(3)
عبد اللَّه هذا في حال كونه سلطانًا، وأُسر عندهم بجموع من عساكر المسلمين من الأندلس، فبدر أهل غَرناطة لمالِقَة، وأخذوا صاحب الترجمة، وأعادوه إلى ملكه بعد تمنُّع منه، وكان عَوده إليها في صفر سنة سبع وثمانين، وهو الآن بها على مُلكها.
وهو إنسان حسن، وله همّة وأيادٍ، وآثار محمودة في غزو الكفار، وأبلى
(4)
فيهم بلاءً حسنًا
(5)
، وغزا عدّة غزوات مشهورة مذكورة، وقام بإعادة الحامة إلى المسلمين أتمّ قيام، حتى أعادها بعد أن أخذها الكفّار، وغُزيت من صاحب قَشْتالة، وأشرف على أخذه أو قتله بعد أن نهبه، وندب جميع عساكره)
…
…
)
(6)
حتى منعه الكفّار من أن يبقى أميرهم وأقاموا غيره فنشأ) ......
…
)
(7)
للمسلمين (
…
)
(8)
دام ملكه على الأندلس فوق العشرين سنة، بما في ذلك من مدّة تملّك ولده، وهي مدّة يسيرة.
ولي في مدح أبي الحسن هذا قصيدة مطوّلة، هذا أوّلها:
إلى أبي الحسن الأعناقُ تنخضعُ
…
وعند سُدّته الأملاكُ تتّضعُ
ومن شجاعته الأبطالُ قد فَرَقُوا
…
ومنه أفئدة الاعداءِ تنخلعُ
وهي طويلة، وقف عليها وأثاب وشكر. وسيأتي تفاصيل بعض مما ذكرناه هاهنا في محلّه إن شاء اللَّه تعالى.
(1)
في الأصل: "أبو".
(2)
في الأصل: "نحوًا".
(3)
في الأصل: "أبي".
(4)
في الأصل: "وابلا".
(5)
في الأصل: "حسا".
(6)
كلمتان غير واضحتين.
(7)
ثلاث كلمات غير واضحة.
(8)
كلمة واحدة.
وكان الأمير الكبير أتابَك العساكر بمصر في هذه السنة قانَم التاجر، وُلّيها عن جَرِباش على ما تقدّم من خبر ذلك، وكونه كان بعد إخراج جَرباش إلى ثغر دمياط.
وكان أمير مجلس في هذه السنة تمُربُغا، وُلّيها عِوَضًا عن قانَم المذكور.
وكان رأس نوبة النُوَب في هذه السنة أُزبَك من طَطَخ، وُلّيها عن تمُربُغا.
وكان حاجب الحجّاب في هذه السنة جانِبَك قلقسيز، وُلّيها عن أُزبَك.
وأمّا النُوَب
(1)
فكانوا على ما هم عليه.
ما عدا نائب طرابلس، فإنه كان في هذه السنة الناصري محمد بن مبارك، نقلاً إليها من حماة، فإنه كان في هذه السنة يشبُك البُجَاسي، نُقل إليها بعد محمد المذكور من أتابكية حلب أو إمرة بها، ولم أحرّر ذلك، ولعلّه يُعلم من المتجدّدات الماضية فيما أسلفنا.
وما عدا نائب الكرَك، فإنه في هذه السنة جانبك التَنَمي على ما تقدّم.
وأمّا الوزير فاستهلّت السنة ولم يُوَلّ بعد البَبَائي أحد. وكان ما سنذكره.
(1)
هكذا في الأصل.
ذِكر نُبَذٍ
(1)
من المتجدّدات اليومية
في هذه السنة القمرية
[شهر المحرَّم]
[التهنئة بالعام والشهر]
كان أول هذه السنة السبت.
فيها، في هذا اليوم مستهَلّ محرّم، طلع القضاة ومن له عادة بالطلوع للقلعة بتهنئة السلطان بالعام والشهر.
(تحويل السنة الخراجية)
(2)
ولم يحدث ما هو مشهور من الوقائع ليؤرَّخ إلّا أمر السلطان بأن تُحوّل السنة الخراجية
(3)
.
[قدوم مبشّر الحاج]
وفيه أيضًا -أعني هذا اليوم- قدم مبشّر الحاج وهو نجّاب من العرب ولم يجيء معه غيره لا تركيّ
(4)
ولا نحوه لما تقدّم بيانه، وقد تأخّر هذا المبشر عن العادة بأيام كثيرة، ولكنّه أخذ بالأمن والسلامة
(5)
.
[الخلعة على ابن الصنيعة]
وفيه أيضًا خُلع على يحيى بن الصنيعة كاملية، وأُذن له بالتحدّث في الدولة، وعُيّن للوزارة من غير أن يُخلع عليه بها، ووُعد بأن سيُخلع عليه في
(1)
في الأصل: "نبذًا".
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
خبر تحويل السنة في: النجوم الزاهرة 16/ 290، ونيل الأمل 6/ 223.
(4)
في الأصل: "لا تركيًا".
(5)
خبر قدوم المبشّر في: النجوم الزاهرة 16/ 290، ونيل الأمل 6/ 223.
يوم الثلاثاء
(1)
. (وسيأتي ذكر ذلك
…
خلع عليه)
(2)
.
(كائنة محمد بن قانباي اليوسفي)
(3)
وفيه، في يوم السبت، ثامنه، كائنة الناصري محمد بن قانِبَاي اليُوسُفي المهمندار، الماضية ترجمته في ترجمة والده قانباي المذكور. وكان من خبر هذه الكائنة أنه ذُكر للسلطان عنه بأنه فتح مراسيم
(4)
مجهّزة إلى دمشق، بأنْ فضّ ختْمها، واطّلع على ما فيها، فطلبه السلطان إلى بين يديه، وأمر به فضرب بحضرته، ثم أمر بإخراجه منْفيًّا إلى قوص، وأخرج السلطان عنه المهمندارية، وقرّر فيها تمُرباي التمرازي
(5)
، أمير مشوي، ثم آل أمر محمد المذكور بأن تشفّع فيه بأن يقيم بالقاهرة بطّالًا، [و] قُبلت الشفاعة فيه، ورُسم له بذلك، وأبطل قضية إخراجه إلى قوص
(6)
.
[عودة تجريدة البحيرة]
وفيه، في يوم الأربعاء، ثاني عشره، وصل العسكر المجردون
(7)
قبل تاريخه البحيرة، وهم الأمراء الخمسة الماضون، ومن معهم من الطبْلخاناة والعشرات والجند، وطلع الأمراء إلى القلعة، وخلع السلطان على المقدَّمين، ونزلوا إلى دُورهم.
(ولاية ابن الصابوني قضاء دمشق)
(8)
وفيه أيضًا استقر في وظيفة القضاء الشافعية بدمشق القاضي علاء الدين بن الصابوني، عِوَضًا عن الجمال بن الباعوني بعد صرفه، وأضيف إليه أيضًا نظر جيشها، عِوضًا عن البدر حسن بن المزلّق
(9)
، وبعث العلاء إلى أبيه بأن يكون نائبًا عنه في التكلّم على الوظيفتين، مفوّضًا إليه جميع تعلّقات القضاء وأمور
(1)
خبر الخلعة في: نيل الأمل 6/ 223، وبدائع الزهور 2/ 432.
(2)
ما بين القوسين عن الهامش.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
في الأصل: "مراسيمًا".
(5)
توفي تمرباي التمرازي في سنة 874 هـ. وسيأتي هناك.
(6)
كائنة محمد بن قانباي في: نيل الأمل 6/ 223، وبدائع الزهور 2/ 432.
(7)
في الأصل: "المجردين".
(8)
العنوان من الهامش.
(9)
مات حسن بن المزلّق في سنة 878 هـ. وهو حسن بن محمد بن علي بن أبي بكر الحلبي، الدمشقي. انظر عنه في: الضوء اللامع 3/ 126 رقم 485.
نوّاب
(1)
الحكم بدمشق وغير ذلك، وباشر قضاء دمشق ونظر جيشها، وهو مقيم بالقاهرة مدّة طويلة، وجميع نواب الحكم بدمشق على عادتهم، والمرجع في الأمور لأبيه، وعدّ ذلك من النوادر التي لم تتفق لغيره في دولة من الدول
(2)
.
(ترجمة الكمال بن الجمال ابن
(3)
كاتب جَكَم)
(4)
وفيه في يوم الخميس، ثالث عشره، استقر كمال الدين محمد بن الجمال يوسف ابن
(5)
كاتب جَكَم
(6)
المعروف الآن في عصرنا هذا بناظر الجيش وبابن ناظر الخاص، استقر في وظيفة نظر الجوالي بالباب العزيز عِوضًا عن ابن الصابوني
(7)
.
وكمال الدين هذا هو موجود الآن، وهو ناظر الجيش بعصرنا، وُلّيه من مدّةٍ مديدة، كما سيأتي قريبًا، فلْنترجمه على عادتنا. هو:
286 -
محمد بن يوسف بن عبد الكريم كمال الدين القبطي
(8)
، القاهري، الشافعي.
ناظر الجيش.
ولد بالقاهرة في شهر رمضان سنة ثلاثٍ وخمسين وثمانمائة، في رياسة والده.
ونشأ تحت كَنَفه في عزّ وسعادة، فحفظ القرآن العظيم وجوّده، ثم حفظ "المنهاج" الفقهي، و"المنهاج" الأصلي و"العُمدة من ألفيّة النحو"، وعرض على جماعة، منهم الكمال بن الهُمام، والسعد الدَيري، والعَلَم البُلقيني، والكافِيَجي، والشمس الشَرَواني، في آخرين، واشتغل فأخذ عن جماعة منهم: التقيّ الشُمُنّي، والجلال السيوطي، والبرهان البقاعي، والجلال البكري ولازمه كثيرًا، وأذِن له،
(1)
في الأصل: "نياب".
(2)
خبر ولاية ابن الصابوني في: النجوم الزاهرة 16/ 290، ونيل الأمل 6/ 224، وبدائع الزهور 2/ 432، 433.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
مات ابن كاتب جكم (محمد بن يوسف بن عبد الكريم) في سنة 890 هـ. انظر عنه في الضوء اللامع 10/ 94، 95 رقم 306.
(7)
نيل الأمل 6/ 224، بدائع الزهور 2/ 433.
(8)
لم يترجم له المؤلّف رحمه الله في نيل الأمل.
ثم وُلّي هذه الوظيفة وهي نظر الجوالي، فأُلهي شيئًا عن العلم، ثم نُقل إلى نظر الجيش، كل ذلك في حوالى سنة، ولم يزل على هذه الوظيفة إلى يومنا هذا.
وهو شاب عاقل، سيوس، حسن الوجه والملتقى، له اعتناء بالفضائل، وقد فُرض عليه في نظارة الجيش مال في تحديد مبلغٍ معيّن أضرّ ذلك به، بل وأُخذ منه المال غير ما مرّة، فلا حول ولا قوّة إلّا بالله، ولا (
…
)
(1)
من غير تقدير شيء عليه، ولا بمعارضة له في مال لكان إفلاس أهل المقصد (
…
…
)
(2)
بين الرؤساء له عيان، لكن فسد الزمان، واشتغل البال بالسلطان، وباللَّه المستعان.
- • وله ولد يقال له بدر الدين محمد، شاب صغير لم يَلْتَح الآن، ومولده في سنة (
…
…
…
)
(3)
أُقرئ القرآن حفظًا وتجويدًا، ثم حفظ "المنهاج " و"جمع الجوامع " و"العمدة" و"ألفيّة النحو" و"الحاجبيّة" و"تلخيص المفتاح"، وعرض على جماعة من الأعيان، ثم لازم الاشتغال قُرَابة سنة، وأنجب بملازمة العلماء، كالجلال العُكْبَري، والشمس الجوجري، وغيرهما، و (
…
…
)
(4)
وذكاء مُفرِط، وملازمة المطالعة والمذاكرة. وإن داوم على ما هو في (
…
…
…
)
(5)
يحقق اللَّه تعالى ذلك.
[ولاية ابن البَقَري نظر البيمارستان]
وفيه استقر الشرف عبد الباسط بن البَقَري في نظر البيمارستان، عِوَضًا عن ابن الصابوني أيضًا.
[ولاية الاتصاري نظر الأحباس]
وفيه أيضًا استقر ابن الصائغ بشرف الدين الأنصاري في نظر الأحباس، عِوضًا عن الصابوني أيضًا.
[وصول أمير الركب الأول للحاج]
وفيه، في يوم (
…
…
)
(6)
عشرينه، وصل خُشكَلْدي القوامي، أمير الركب الأول بالحاج، ثم وصل على (
…
…
)
(7)
عشرينه الأمير جانبك قلقسيز
(1)
كلمة ممسوحة.
(2)
كلمتان غير واضحتين.
(3)
ثلاث كلمات مطموسة.
(4)
كلمتان مطموستان.
(5)
ثلاث كلمات مطموسة.
(6)
كلمتان مطموستان.
(7)
كلمتان مطموستان.
حاجب الحجّاب بالمحمل، وكان قد وصل قبلهما (قانِبَك)
(1)
المحمودي.
(زيادة شرور الجُلبان وضررهم)
(2)
وفيه -أعني هذا الشهر- زاد شرّ الجُلبان من مماليك (
…
) وتشويشهم وفسادهم، وتسلّطهم على عباد اللَّه تعالى، وظلمهم وعسفهم، وقَرُبَت سِيَرُهم من سِيَر جُلبان الأشرف إينال، بل جدّوا جِدّهم، واقتفوا أثرهم، وصار من له عند آخر طلابة أو حقّ أو غير ذلك لغرض من الأغراض الفاسدة ونحوها، يجيء إلى الواحد من الجُلبان فيركبه إلى مطلوبه، وَلا يزال هذا الجَلَب بالمطلوب حتى يصل الطالب إلى غرضه بعد البهدلة والضرب أحيانًا، والسبّ وغير ذلك، وحصل على التجار بسبب ظهور هؤلاء الأجلاب غايةُ الضرر والتشويش، وصاروا يأخذون ما يريدونه منهم بأقلّ من رأس المال، بل برُبْع القيمة، بل بأقلّ، بل وفي الأحيان بغير ثمن، وعمّت بهم البليّة، وزادت الأذيّة، وبلغ السلطان ذلك، وكان ما سنذكره في صفر.
(ذِكر الصخرة ومسجد الجدار)
(3)
وفيه- أعني هذا الشهر- زرنا الصخرة التي بساحل واهران، التي أشيع بها بأنها المرادة في قوله تعالى حكايةً عن فتى موسى بن عِمران، على نبيّنا وعليه أفضل الصلاة والسلام:{أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ} [الكهف:63]، وذلك أنّني خرجت إلى ظاهر واهران من باب البحر إلى الساحل، فرأيت صخرة عظيمة بالساحل المذكور، وعلى ظَهرها مسجد لطيف يُصلَّى فيه ويُدعى
(4)
به، فيقال: إنه مشهور بإجابة الدعاء فيه. وكنت رأيت قبلِ ذلك بتِلِمْسان مسجدًا يقال له مسجد الجدار، يزوره أهل تِلِمْسان، وعليه أنْس وخَفر، ويزعم أهل تِلِمْسان بأنه مكان الجدار الذي أقامه السيد الخضر. ثم رأيت في بعض التفاسير أن المراد بالقرية المذكورة في سورة الكهف هي تِلِمْسان، فلم أستبعد حينئذٍ على هذا القول أن تكون الصخرة هذه التي بواهران، وبالجملة فهذا شيء قد قيل على إمكان أن يكون الأمر بخلاف ذلك، واللَّه أعلم.
[وصلول القاضي العقباني إلى تلمسان]
وفيه، في أواخره، ورد الخبر علينا بواهران بوصول القاضي أبي عبد اللَّه محمد العقباني، قاضي الجماعة بتِلِمْسان، الماضي خبر توجُّهه إلى تونس صُحبة
(1)
مطموسة في الأصل: أثبتناها من: نيل الأمل 6/ 216.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
في الأصل: "ويدعا".
قاصد صاحبها، وأنه دخل تِلِمْسان، واجتمع بمرسله، وذكر له عن صاحب تونس بأنه أعرض عنه، وأنه توعّد من مثله، وصرّح له بالتجرّد إليه، فحصل عند صاحب تِلِمْسان من ذلك الباعث الشديد الذي ما عنه مزيد. وأخذ في تحصين تِلِمْسان. وكان من أمره ما سنذكر قريبًا.
[ولاية ابن أبي الهول نظر الإسطبل]
وفيه، في يوم السبت تاسع عشرينه، استقر عبد القادر بن أبي الهَول في نظارة الإسطبل، عِوضًا عن تاج
(1)
الدين الشامي، الماضي خبر ولايته لهذه الوظيفة فيما أسلفناه
(2)
.
[شهر صفر]
[مكاتبة صاحب تِلِمْسان صاحب غَرناطة]
وفيها، في أوائل صفر، بعث المتوكل على اللَّه محمد بن أبي ثابت، صاحب تلمسان، مكاتبةً إلى صاحب غَرناطة، وهو يومئذٍ أبو الحسن الماضي ذِكره، يستمدّه ببعض رُماةٍ من عنده، إعانةً له على صاحب تونس إن حضر إليه وحصره.
(خسوف القمر في هذا العام)
(3)
وفيه، في ليلة السبت ثالث عشره، خُسِف جُرم القمر إلّا القليل منه، ودام كذلك من وقت الغروب إلى بعد عشاء الآخرة، وتُعُجّب من هذا الخسوف في كونه في ليلة الثالث عشر، وأجازه أهل الهيئة
(4)
.
(كائنة طلوع التجار للقلعة)
(5)
وفيه- أعني هذا اليوم- نودي من قِبَل السلطان بالقاهرة إلى طلوع التجّار وأعيان السوقة إلى القلعة في غَد هذا اليوم. ولما بلغ الناسَ ذلك ظنّوا التفات السلطان إلى النظر في أحوالهم، لِما حلّ بهم من (
…
)
(6)
والشدّة مع جُلبانه في
(1)
في الأصل: "ـاحى" مهملة.
(2)
خبر ولاية الإسطبل في: نيل الأمل 6/ 224، وبدائع الزهور 2/ 433.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
خبر الخسوف في: نيل الأمل 6/ 224، وبدائع الزهور 2/ 433.
(5)
العنوان من الهامش.
(6)
كلمة غير واضحة.
أخْذ أموالهم ظلمًا وعدوانًا، بغير طريق، وبما يشاؤوا
(1)
، وكيف شاؤوا
(2)
، وهرعوا إلى القلعة، وطلع أكثر الناس (
…
)
(3)
تمكينًا. ولما اجتمعوا بالقلعة ركب السلطان، ثم نزل إلى جهة القرافة، وعبرها، فباتوا بالقلعة في انتظاره، حتى عاد وقد تعالى النهار بعد أن تعطّل الكثير منهم عن أسبابهم ومعايشهم وأشغالهم وحوائجهم، وجلس السلطان بالحوش على الدّكّة، وأمر بإحضار الجماعة إلى بين يديه، ثم بدأهم بالكلام بما معناه، أنهم لا يشترون القماش بالجريدة أصلًا، فإنهم يشترون بغلُوّ السعر، ثم يُجبرون المشتري ويطلبون مع هذا العُلُوّ فائدة أيضًا، ثم أمرهم بأنهم إذا أُخيروا
(4)
التقدير، فلا يزيدون، بل يخبرون بالصدق، وتكلّم بكلمات من نحو هذه المقالة لا فائدة فيها، ولا طائل تحتها، ولا وجه لها شرعًا، فإنّ للإنسان أن يشتري ما شاء، كيف شاء، إلى متى شاء، ويبيع ما يشاء، كيف شاء، لا حجّة عليه في ذلك شرعًا ولا عُرفًا، بل كان في مقالة السلطان ما يؤذن بجسارة الجُلبان، وبكثير أذاهم، وباللَّه المستعان.
ورجع من جاء بالخيبة، وزاد بهذا فساد الجُلبان، ولو أنهم إذا أخّروا بالمشترين يعيدون فائدة يسيرة، ويأخذون أو يأخذون بما قام على البائع، لَطَاب الأمر، لكنهم كانوا إذا أخّروا بمشترين شيئًا
(5)
بمثلهم (
…
)
(6)
مثلًا أُعطوا نصفه، أو أقلّ، أو أكثر قليلًا، وإن امتنع البائع أخذوه بغير شيء، وذلك بعد بهدلة صاحبه. وزادت بعد هذه المناداة شرور هذه الجُلبان على الباعة، حتى باعة أصناف المأكل. ثم زاد الأمر شدّة بأن صار من له شَبَه بالمملوك كالتركماني من الغلمان، وغيرهم من المتشابهة بالمماليك من أيّ جنس كان هذا المتشابه، يلبس على رأسه الزّمْط لدى (
…
…
)
(7)
الجُلبان، ويلثّم وجهه، ويجيء إلى أيّ حانوت شاء، ويأخذ منها ما شاء، كيف شاء (
…
…
)
(8)
بشأن، ولا يسأله، وإن كلّم فلا يخلو إمّا أن يكون تركمانيًا يعرف اللغة التركية (
…
…
)
(9)
المهمترة (؟) والغُتْمة بالتركي، فيُسْكِت البائع، وإن كان غير ذلك بأن كان لا يعرف اللغة التركية فعل ما يفعله وهو ساكت، وإن عورض أدّى بمعارضه رفع عصًا
(10)
معه ( ......
…
)
(11)
بها، بل ربّما ضرب حين يعلم استلياش السوقي ومن حضر، وحصل
(1)
في الأصل: "يشاوا".
(2)
في الأصل: "شاوا".
(3)
كلمة غير واضحة.
(4)
هكذا في الأصل، والصواب:"إذا خُيّروا".
(5)
في الأصل: "شي".
(6)
كلمة غير واضحة.
(7)
كلمتان ممسوحتان.
(8)
كلمتان ممسوحتان.
(9)
كلمتان ممسوحتان.
(10)
في الأصل: "رفع عصى".
(11)
ثلاث كلمات ممسوحة.
بواسطته كثير من الأذى والضرر الزائد على الناس ما لا يُعبَّر عنه، لكنْ فرّج اللَّه تعالى عن الناس شرّ هؤلاء الجُلبان بموت أسيادهم، ومعاجلة أخذه قبل الخبث، بل لكثير (
…
)
(1)
الكبير، وأراح اللَّه تعالى العباد، وأزال الفساد حين الاشتداد، وبدايته قبل نهايته، ولله الحمد على ذلك
(2)
.
(كائنة الطباخ وبغلة القاضي)
(3)
وفيه، في يوم السبت العشرين منه، فُقدت بغلة القاضي محيي الدين عبد القادر الطوخي
(4)
الشافعي، أحد نواب الحكم، ثم اطُّلع على طبّاخ أخذها فذبحها، وعمل من لحمها مرقَّقات، وباع ذلك على المسلمين، فظُفر به، فضرب أشدّ الضرب، ثم شُهّر بشوارع القاهرة
(5)
.
وكان إنسان
(6)
من طلبة العلم من الأروام، ممّن أعرفه، يواظب كل الأوقات من هذا الطبّاخ، حتى ذكر لي مرة بأنه لم يأكل عند طبّاخ غيره مثل ما عنده، لكثرة ما في مرقّقاته من الحرارات والأباريز، وكان في أثناء بيعه يقول: ياكرّ طاهر، وعِرق ظاهر، فلما اطّلع عليه، وفُعل به ما فعل، صَدَفَه هذا الإنسان وهو يُشهّر بالقاهرة (
…
…
…
) يخبره وقال: إن اللحم كان عليه بغير ثمن، فلا جَرَم كان يكثر أباريزه، وهذا يضاهي في قوله عِرقٌ ظاهر، فإنه عِرق البغل، ولا خلاف في إظهاره.
[وصول كتاب الخواجة الأندلسي إلى السلطان بالقاهرة عن الكائنة بفاس]
وفيه أيضًا وصل كتاب إلى القاهرة من الخواجة
(7)
إبراهيم الإفرنتيني الأندلسي المدجَّن إلى السلطان ووكيله (
…
)
(8)
يخبر السلطان فيه بكائنة
(1)
كلمة مطموسة.
(2)
كائنة طلوع التجار في: النجوم الزاهرة 16/ 290، 291، ونيل الأمل 6/ 225.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
هو عبد القادر بن علي بن رمضان بن علي، محيي الدين الطوخي القاهري الشافعي سمع من السخاوي، واشتغل يسيرًا، وصحب ابن قاضي عجلون وقتًا، وتكسّب بالشهادة عند الشهاب القليحي. (الضوء اللامع 4/ 277 رقم 733) ولم يؤرّخ السخاوي لوفاته.
(5)
كائنة الطباخ في: وجيز الكلام 2/ 772، والذيل التام 2/ 188، ونيل الأمل 6/ 225، وبدائع الزهور 2/ 433.
(6)
في الأصل: "وكان إنسانًا".
(7)
في الأصل: "الخواجا".
(8)
كلمة مطموسة.
اليهود التي اتفقت بفاس، على ما تقدّم، لكنْ لم يخبر بها على جليّتها كما ذكرناها، بل ذكر شيئًا، وغابت عنه أشياء. وكان الخبر ورد إلى الإسكندرية بها في هذه الأيام، لبُعد المسافة.
(أخْذ حسن خَرْتَ بِرْت بعد محاربة ابن ذُلغادر)
(1)
وفيه، في هذه الأيام، تواترت الأخبار وترادفت من جهة حلب، بأنّ حسن الطويل بن قرايُلُك قصد مَلك أصلان بجموع كبيرة، وتَوَاقعا، وأن حسن هزم ملكَ أصلان المذكور، ودخل في إثره الأَبُلُسْتَين، وخرّب غالبها، ثم أخذ خَرْتَ بِرْت منه، فانزعج السلطان لهذا الخبر، وشقّ عليه ذلك
(2)
في الباطن
(3)
.
وكان السبب فيه في الحقيقة هو السلطان، لأن حسن لما بعث يطلب خَرْتَ بِرْت عِوَضًا عن كركر، احتجّ السلطان عليه بأنه أعطاها لنائبه ملك أصلان، وإنْ قَدَر حسن على أن يأخذها منه، فَعَل، فكأنّ حسن استند لهذا الإذْن، وإن لم يكن ذلك مُراداً للسلطان، على أن السلطان دسّ لملك أصلان يأمره بأنه لا يسلّمها لحسن.
[ولاية بلاط نيابة الكرَك]
وفيه، في أواخره، أعني هذا الشهر، استقر بلاط في نيابة الكرَك، عِوضًا عن جانبك التَنَمي
(4)
، بعد عزله عنها
(5)
.
[ربيع الأول]
وفيها استهلّ ربيع الأول بالثلاثاء، وطلع القضاة لتهنئة السلطان به.
[عودة الشريف الكردي من رُسليّته إلى ابن عثمان]
وفيه، أعني هذا الشهر، في يوم الثلاثاء المذكور، وصل السيد الشريف علي
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
كزر (عليه ذلك).
(3)
خبر أخذ خرت برت في: نيل الأمل 6/ 225، وبدائع الزهور 2/ 433.
(4)
توفي جانبك التنمي سنة 889 هـ. انظر عنه في: تاريخ البُصروي 96، ونيل الأمل 7/ 385 رقم 3292، والمجمع المفنّن 2/ 400 - 402 رقم 1188، والتعليق، لابن طوق 65 أ، وحوادث الزمان 1/ 293 رقم 378، ومفاكهة الخلّان 1/ 64، ومتعة الأذهان 1/ 15 رقم 287، وبدائع الزهور 3/ 209.
(5)
خبر ولاية بلاط في: نيل الأمل 6/ 226، وبدائع الزهور 2/ 434.
الكردي الشافعي من بلاد ابن
(1)
عثمان ملك الروم، عائدًا من الرسليّة التي تقدّم خبر خروجه إليها، وطلع إلى السلطان، وعليه خلعة ابن
(2)
عثمان، وعلى يده مكاتبة منه تتضمّن التودّد للسلطان، لكن الحال على ما هو عليه في عدم الإنصاف في مكاتبته، وعدم جَرْي ذلك على ما كانت عليه العادة قبل ذلك
(3)
.
[الخلعة على خيربك بإمرة المحمل]
وفيه، في يوم الخميس ثالثه، خلع السلطان على مملوكه خيربك الخازندار باستقراره في إمرة الحاجّ بالمحمل
(4)
.
[إمرة الركب الأول]
وقرّر في إمرة الركْب الأول كُسْباي الشِّشْماني المؤيَّدي، وخلع عليه أيضًا
(5)
.
[تقرير خُشكَلدي في الحسبة]
وفيه، في يوم الإثنين، سابعه، استقر في وظيفة الحسبة بالقاهرة خُشكلدي البَيْسَقي
(6)
، أحد مماليك السلطان من الخدامة عنده في إمرته، وصرف سودون الفقيه
(7)
.
[صرف يشبُك أوش عن نيابة صفد]
وفيه، بظنّي هذا الشهر، صُرف يشبُك أوش قُلُق
(8)
المؤيَّدي عن نيابة صفد، وأُمر بالتوجّه إلى دمشق على التبدية التي كانت بيده أولًا على ما أسلفنا ذلك في محلّه
(9)
.
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
خبر عودة الشريف في: وجيز الكلام 2/ 772، والذيل التام 2/ 188، ونيل الأمل 6/ 226، وبدائع الزهور 2/ 434.
(4)
خبر إمرة الحاج في: النجوم الزاهرة 16/ 291، ونيل الأمل 6/ 227، وبدائع الزهور 2/ 434.
(5)
خبر إمرة الركب في المصادر السابقة.
(6)
انظر عن (خشكلدي البيسقي) في: الضوء اللامع 3/ 117 رقم 684، ونيل الأمل 6/ 310 وفيه فقد سنة 872 هـ.
(7)
خبر تقرير الحسبة في: النجوم الزاهرة 16/ 291، ونيل الأمل 6/ 227، وبدائع الزهور 2/ 434.
(8)
هكذا في الأصل. وفي الضوء اللامع 10/ 275 رقم 1082 "يشبك باش قلق" ومعناه: ثلاثة آذان. مات سنة 872 هـ.
(9)
خبر صرف يشبك في: نيل الأمل 6/ 227، وبدائع الزهور 3/ 434، ومملكة صفد في عهد المماليك 299 رقم 127.
(ولاية جَكَم نيابة صفد)
(1)
وفيه استقر في نيابة صفد جَكَم الأشرفي
(2)
خال العزيز، عِوضًا عن يشبُك المذكور نقلًا إليها من نيابة غرّة
(3)
.
(ولاية إيثال الأشقر نيابة غزّة)
(4)
وفيه أيضًا استقر في نيابة غزّة إينال الأشقر
(5)
الظاهري، نقلًا إليها من أتابكية حلب، واستقر في أتابكية حلب عِوضًا عن إينال المذكور أُلماس الأشرفي، نقلًا إليها من نيابة البيرة
(6)
.
[نيابة البيرة]
واستقرفي نيابة البيرة شادبك الجُلْباني
(7)
الصغير بمالٍ بذله في ذلك
(8)
.
[تهيّؤ السلطان للنزول للرماية والصيد]
وفيه، في هذه الأيام، في هذا العقد من هذا الشهر، عزم السلطان على النزول للرماية والتنزّه بالصيد، فأخذ في التهيّؤ
(9)
لذلك وتجهيزه وعمل أسبابه. وكان ما سنذكره.
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
يوجد في المصادر اثنان يُسفَيان "جَكَم الأشرفي"، أحدهما: الأشرفي قايتباي أحد الخاصكية ويلقّب بالبهلوان لتقدّمه في الصراع. مات بالطاعون سنة 881 (الضوء اللامع 3/ 76 رقم 293)، والآخر: جكم الأشرفي الخاصكي، معلّم النشاب. توفي سنة 886 هـ. (نيل الأمل 7/ 306 رقم 3191).
(3)
خبر ولاية جكم في المصادر السابقة.
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
هو إينال اليحياوي الظاهري المعروف بالأشقر. توفي سنة 879 هـ. انظر عنه في: تاريخ الملك الأشرف قايتباي (بتحقيقنا (33 و 176، وإظهار العصر 3/ 202، وتاريخ الأمير يشبك/ الفهرس 182، وإنباء الهصر الفهرس 524، ووجيز الكلام 2/ 861 رقم 1972، والذيل التام 2/ 284، والضوء اللامع 2/ 330 رقم 1084، ونيل الأمل 7/ 119 رقم 2973، والمجمع المفنّن 2/ 170 - 173 رقم 886، وبدائع الزهور 3/ 102، 103.
(6)
خبر نيابة غزة في: النجوم الزاهرة 16/ 291، ونيل الأمل 6/ 227، وبدائع الزهور 2/ 434، ونيابة غزة في العهد المملوكي 309 رقم 106.
(7)
في الضوء اللامع 3/ 290 رقم 1106 "شاذبك الجباني، أتابك دمشق وصاحب المدرسة التي بالقنوات منها. مات في جمادى الثانية سنة 887 ودُفن بمدرسته. أخبرني بذلك إمامها". فلعلّه هو نائب البيرة وإلّا فهو غيره.
(8)
خبر نيابة البيرة في: النجوم الزاهرة 16/ 291، ونيل الأمل 6/ 228، وبدائع الزهور 2/ 434.
(9)
في الأصل: "التهي".
[تحزَّب بني وَطّاس لحصار فاس]
وفيه، في يوم الأربعاء، تاسعه، ورد الخبر إلى واهران في البحر الملح بأدن بني وَطّاس تحزّبوا، وجمعوا جموعًا عظيمة، وهم في نيّة حصار فاس، ليأخذها الذي يقال له مولاي الشيخ من صاحبها الشيخ الشريف محمد بن عِمران، وأن أهل فاس في ضررٍ كبير بسبب ذلك، وأن التجار والقوافل قد انقطعت ما بين تلك البلاد بسبب هذه الفِتن، وأن العرب الذين يقال لهم الشادية مع بني وَطّاس
(1)
.
[نزول السلطان من قلعة القاهرة إلى المطعم]
وفيه، في يوم الخميس عاشره، ووافق رابع هاتور من شهور القبط، ركب السلطان من قلعته، ونزل إلى مطعم الطير، وهو لابس الصوف، وبين يديه أمراؤه وأعيان دولته، ووجوه مملكته، في موكب حافل جدًّا، وسار إلى أن وصل المطعم، فنزل بالمسطبة هناك، وألبس الأمراء الصوف على العادة، ثم عاد للقلعة، وقعد الناس لرؤيته
(2)
.
(حيلة غريبة نادِرة)
(3)
وفيه، في هذه الأيام، ورد الخبر إلينا بواهران، بأنّ جَمعًا من التجّار كانوا توجّهوا من تِلِمْسان وغيرها إلى فاس، وباعوا ما حملوه معهم للاتجار فيه. ولما جرت الفتنة حُصروا عن الرجوع عائدين إلى أوطانهم، فاتفق أربعة منهم على الرجوع بحيلبما احتالوها، مشت على العرب وقُطّاع الطريق، بأن سيّروا حميرًا، وجعلوا عليها أخراجًا بما كان معهم من المال النقد، وعمدوا إلى عِبِيّ عتيقة، فجعلوها أغطية على الأخراج، وأنهم أخذوا الطحّال من الغنم، فجفّفوه ودقّوه، وحملوه معهم مع شيء من الغراء، وخرجوا، وكانوا إذا قربوا من طائفة من العربان أو نجعًا أذابوا الغراء الذي معهم، وجعلوا يلطّخون مواضع من أبدانهم على رقابهم ووجوههم وأيديهم إلى المرافق، وأرجلهم إلى نصف الساق، ثم يُذْرون على ذلك مما معهم من الطحال المرقوق المُجفّف ويمشون باستكانة، يوهمون بأنهم مجاذيم من أهل البلاء، وأنهم يجولون بحميرهم، عليها زادهم وأثاثهم، فكانوا إذا اجتازوا على العرب ورأوهم على تلك الحالة هربوا فارّين منهم، وأبعدوا عنهم جنون
(1)
خبر تحزّب بني وطّاس في: نيل الأمل 6/ 228.
(2)
خبر نزول السلطان في: نيل الأمل 6/ 228، وبدائع الزهور 2/ 434.
(3)
العنوان من الهامش.
العدوى، حتى كانوا يجعلون لهم من أنواع المآكل على ممرّهم بالطريق، ويشيرون إليهم من البُعد بأن يأخذوا ذلك، ويدعون لهم من غير أن يقربوا منهم، ولا يصلوا إليهم، ومعهم من كان يجعل الفضّة على رأس رمحه فيناوله إيّاهم، ولم يزالوا على ذلك حتى وصلوا إلى بلادهم، ولم يروا إلّا الخير والسلامة، وكان يكاد أن لا يطير الطير من شرور من اجتازوا بهم من العربان. وعُدّ ذلك من غريب الحِيَل والنوادر
(1)
.
[ثورة الجُلبان على السلطان بالقلعة]
وفيه، في يوم الجمعة حادي عشره، ثارت جُلبان السلطان عليه بالقلعة، وطلبوا منه تتريات
(2)
صوف التي جرت العادة بأن تكون مُعدّة عندهم للأسفار والرايات، وخروج السلطان للصيد، وأفحشوا في ذلك وفي طلبهم، فأبطل السلطان ما كان قد عزم عليه في أوائل الشهر من خروجه للرماية، على ما أسلفنا ذلك، إذ لم يسَعه إلّا ذلك، وبعث إليهم بأن ذلك لأجل خروجه، وقد آن وقت الخروج، وكان ذلك من أهمّ ما فعله، لأنهم كانوا متعنِّتين، فاختشى عاقبة أمرهم، ولهم في هذه القضيّة حكاية مطوّلة، هذا ملخّصها
(3)
.
[قراءة المولد النبوي]
وفيه، في يوم الأحد ثالث عشره، عمل السلطان المولد النبويّ بالحوش من القلعة على العادة
(4)
.
[وصول قاصد ملك أصلان]
وفيه- أعني هذا اليوم، وصل قاصد ملك أصلان بن دُلغادر
(5)
نائب الأَبُلُسْتَين، وبُلّغِ السلطان قدومه، فلم يأذن له بالمثول بين يديه غضبًا على مرسله، لكونه سلّم خرْتَ برْت لحسن الطويل من غير إذنٍ له في تسليمها له من السلطان
(6)
.
(1)
انفرد المؤلّف رحمه الله بهذا الخبر.
(2)
تتريات أو ططريات: جمع تترية، وهي كالقفطان.
(3)
خبر ثورة الجلبان في: نيل الأمل 6/ 228، 229.
(4)
خبر قراءة المولد في: 6/ 229، وبدائع الزهور 2/ 434.
(5)
سيأتي خبر مقتله قريبًا.
(6)
خبر وصول القاصد في: نيل الأمل 6/ 229، وأخبار الدول 3/ 101.
[تعيين برسباي قرا لتقليد نائب صفد]
وفيه، في يوم الخميس سابع عشره، عيّن السلطان بَرْسْباي قَرا المحمدي
(1)
الظاهري، الذي هو رأس نَوبة النُوَب الآن بعصرنا هذا، وكان إذ ذاك من العشرات، عيّنه لحمل تقليد نائب صفد جَكَم الأشرفي إليه.
(تعيين بخشباي لتقليد إيثال نيابة غزّة)
وعيّن بخشباي من (
…
)
(2)
أحد الخاصكية والدوادارية من مماليكه، وهو الذي صار دوادارًا ثانيًا بعده، و (
…
…
)
(3)
ذلك ما سيأتي بيانه في محلّه، لحمل تقليد إينال الأشقر نيابة غزّة (
…
…
…
)
(4)
لها.
(غضب السلطان على منصور الأستادّار)
(5)
وفيه، في يوم الإثنين، ثامن عشرينه، قبض السلطان على منصور بن الصفيّ
(6)
الأستادّار، وحبسه بالقلعة بغير موجب ظاهر، فإنه لم يُظْهر العجز، بل وكانت أحوال الديوان المفرَد مسدَّدة
(7)
.
[إعادة زين الدين إلى الاستادارية]
وفيه أعيد زين الدين الأستادّار إلى الوظيفة على عادته
(8)
.
[ضرْب منصور الصفيّ]
وأمّا منصور فإنه بقي في الحبس، ثم طلبه السلطان وحنق عليه، فقال له منصور: أغضبتُ اللَّهَ وأرضيتُك، أنَا أستحق منك فوق هذا الذي أنا فيه منك. فزاد غضب السلطان منه وحنْقه، فأمر به، فضرب بالمقارع بين يدي السلطان، ثم أعيد إلى الحبس، فبعث منصور إلى الوالد بأنه إذا اجتمع بالسلطان في يوم الثلاثاء عساه يُجري له ذِكره ويتلطّف في قضيّته عنده، وأكّد عليه في ذلك، فوعده الوالد بأنه يبدأ السلطان في ذلك، ويجتهد فيه غاية الاجتهاد.
(1)
لم أجد له ترجمة.
(2)
كلمة غير مقروءة.
(3)
كلمتان مطموستان.
(4)
مقدار ثلاث كلمات مطموسة.
(5)
العنوان من الهامش.
(6)
ضُربت عُنق منصور بن الصفيّ في شهر شوال من هذه السنة، وسيأتي.
(7)
خبر غضب السلطان في: النجوم الزاهرة 16/ 291، 292، ونيل الأمل 6/ 330، وبدائع الزهور 2/ 435.
(8)
خبر إعادة زين الدين في: نيل الأمل 6/ 230.
ثم لما طلع الوالد للسلطان على عادته في كل ثلاثاء، بدأه السلطان، بعد أن استقر به الجلوس عنده، وأخذ في إجراء ذِكلر منصور، وبثّ قضيّته له كالمشتكي منه. فقال: طلبناه لنهيب عليه، ولا غرض لنا عنده، ولا في ضميرنا أذاه، فقلّل حياءه
(1)
علينا بحضور الملأ العام، وكان من جملة ما قاله لنا: إنه أغضب اللَّه وأرضانا، فضربته بالمقارع تعزيرًا له على ما وقع منه من قلّة الأدب.
فوجد الوالد المندوحة حينئذٍ في التلطّف بقضيّته، فكلّمه كلامًا طويلًا في كظْم الغيظ، والعفو عند المقدرة، وأورد بعضًا
(2)
من الآيات الشريفة القرآنية، وبعضَ أحاديث، من جملتها قوله عليه السلام:"الراحمون يرحمهم الرحمن"
(3)
إلى غير ذلك، فما أثّر ذلك فيه، ولا عطّفه اللَّه تعالى عليه، بل صمّم على ما هو عليه من حنقه عليه، وغضّه منه، حتى آل أمره أن كُفّر بأشياء، من ذلك ما قاله للسلطان، وضربت عنقه صبرًا تحت الصالحية، بحكم الحسام بن حُرَيْز المالكي، زعمًا بأن ذلك بطريق شرعي، وعند اللَّه مجتمع الجميع.
[ربيع الآخرة]
[الخلعة بالأستادارية وديوان المفرد]
وفيها في يوم الخميس، مستهلّ ربيع الآخرة، خُلع على زين الدين بالأستادّارية، عِوضًا عن منصور الماضي خبره، وخُلع على موسى ابن
(4)
كاتب عُرَيب القبطي بنظر ديوان المفرَد بعد أن كان السلطان عيّنهما لذلك قبل ذلك في الشهر الماضي، وألبسهما خلعتَيْ الرضا
(5)
، لا رضي الله عنهما
(6)
.
(1)
في الأصل: "حياوه".
(2)
في الأصل: "واورد بعض".
(3)
حديث " الراحمون يرحمهم الرحمن " تكملته: " ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ". رواه الترمذي في: البر والصلة، باب في رحمة الناس، رقم (1925)، وأبو داود في الأدب، باب في الرحمة، رقم (4941)، وقال الترمذي: حَسَن صحيح. وصحّحه الحاكم في المستدرك 4/ 248، وقال: هذا حديث صحيح ولم يُخرجاه. وأحمد في المسند 2/ 160، والسخاوي في المقاصد الحسنة 48، 49، والحُميدي في مُسنده 2/ 269 رقم 591، والبخاري في التاريخ الكبير 9/ 64، وهو في مشيخة قاضي القضاة ابن جماعة 1/ 83، ومجمع الزوائد، للهيثمي 8/ 86، 187.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
في الأصل: "الرضى".
(6)
خبر الأستادّارية في: نيل الأمل 6/ 230 و 231.
[ضرب منصور بالمقارع]
وفيه، في يوم (السبت) ثالثه، أحضر السلطان منصور فضربه بالمقارع بين يديه، وامتحنه بأنواع من المِحَن ثم كان له ما سنذكره
(1)
.
(وصول الخبر بقتل ملك أصلان بن دُلغادر)
(2)
- وفيه، في يوم الخميس عاشره، قدِم إنسان وعلى يده سيف ملك أصلان بن دُلْغادر
(3)
، نائب الأبُلُستَين، وأخبر بموته قتيلًا، بأنْ وثب عليه فِداويّ في يوم الجمعة بالجامع، فقتله بسكّينٍ معه.
وأشيع بالقاهرة بأنّ قتله كان بدسيسةٍ من السلطان، وكان ذلك أشأم رأي، فإنه حصل من بعد قتله من الشرور والفِتن وتلاف الأنفُس والأحوال، وهلاك العباد، وخراب البلاد، وأثار بفِتَنٍ وهلاك الكثيرمن عساكر المسلمين، وكسر ناموس هذا الملك، وكشف حاله لكل أحد، وطَمَعَ الطامعين فيه، بأن يكاد أن [لا] يوصف ولا يُحَدّ، ولا يُعبّر عنه. فإنّا للَّه وإنّا إليه راجعون. فإن تلك الفِتَن لا زالت تنموا وتزيد من تلك الأزمان وإلى الآن، وهي باقية إلى يومنا هذا نحوًا أو زيادة على العشرين سنة على ما هو معلوم للسامع في ذلك. هذا، وبالفه المستعان وعليه التكلان.
(ولاية شاه بضاغ بن دُلغادر)
(4)
وفيه -أعني هذا الشهر- استقر في نيابة الأبُلُستَين شاه بُضاغ
(5)
بن دُلغادر
(6)
، أخو المقتول، عوضًا عن المذكور
(7)
.
(1)
خبر ضرب منصور في: نيل الأمل 6/ 230، وبدائع الزهور 2/ 435.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
انظر عن (أصلان بن دُلغادر) في: النجوم الزاهرة 16/ 292، والذيل التام 2/ 197، والضوء اللامع 2/ 312، ووجيز الكلام 2/ 779 رقم 1795، ونيل الأمل 6/ 229 رقم 2636، وبدائع الزهور 2/ 434 وهو: سيف الدين أصلان بن سليمان بن ناصر الدين محمد بن دُلْغادر، وفي أخبار الدول، للقرماني 3/ 101 اسمه أرسلان بدل أصلان.
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
يرد في المصادر: بُضاغ، وبُداغ، وبُضاع، وبُضع، وبُداق.
(6)
تأخرت وفاة شاه بضاغ بن دلغادر إلى سنة 903 هـ. وقد ورد ذِكره لآخر مرة في نيل الأمل 8/ 172 في حوادث سنة 895 هـ. حين فرّ من بني عثمان إلى مصر فأكرمه السلطان قايتباي. ولم يذكره السخاوي في الضوء اللامع، وهو في: تاريخ الأمير يشبك/ فهرس الأعلام 182، والمجمع المفنّن 2/ 245 رقم 986، وحوادث الزمان 2/ 40، وبدائع الزهور 3/ 389، ومتعة الأذهان 1/ 307 رقم 276.
(7)
خبر ولاية شاه بضاغ في: نيل الأمل 6/ 232، وبدائع الزهور 2/ 435، وأخبار الدول 3/ 101.
[ترجمة شاه بُضاغ]
- • وشاه بُضاغ هذا موجود إلى زمننا هذا، وُلّي هذه الولاية ولم يتهنّ بها، ووردعليه شاه سِوار
(1)
، وأخرجه من البلاد، وملك عدّة سنين، ووقع منه الأمور المشهورة المعروفة، الآتية شيئًا فشيئًا في محالّها، من بعد هذه السنة إلى سنة سبعٍ وسبعين
(2)
، وستقرأها مفصلة.
ثم أُخِذ سِوارُ بعد اللُّتَيا والتي، وبعد الحروب والخطوب الهائلة، وأعيد شاه بُضاغ هذا
(3)
، ثم قبل ذلك كان عُزل بأخيه رستم، قبْل أخْذ شاه سوار، وأعيد، ثم لما أعيد بعد سوار باشر مدّةً، حتى ورد عليه أيضًا علاء الدولة
(4)
، وهو أخوه أيضًا لِسوار، فأخرجه من البلاد وملك عِوضه، وذلك بعد نوبة بايُنْدُر التي قُتل بها يشبُك الدوادار، وما كفاه إخراج أخيه إيّاه، حتى تغيّظ عليه الأشرف سلطان العصر، كونه لم يدافع علاء الدولة المذكور، ونسَبَه إلى التفريط ظُلمًا وعدوانًا، والحال إنهم المفرّطون، الذين أطمعوا الناس في هذا الملك، حتى تُركمان ملكتهم الذين كانوا في الحقيقة كَرُعيانهم، وبعث الأشرف بسَجْنهم، فسُجِن بقلعة دمشق، وهو بها إلى يومنا هذا، من سنة خمسٍ وثمانين أو التي بعدها.
وهو شاب حسن، ساكن، قليل الشرّ بالنسبة لإخوته وأقاربه، حسن الطاعة لملوك مصر، أحسن اللَّه تعالى عاقبته، فإنه من أصحابنا وبيننا مودّة لما أن كان مقيمًا بالقاهرة في فترات سوار بعد إخراجه من المملكة الدُلْغادريّة
(5)
.
[سفر المؤلّف إلى الأندلس]
وفيه، في يوم نصفه، سافرت في البحر الملح إلى بلاد الأندلس في مركب
(1)
قُتل شاه سوار في سنة 877 هـ. انظر عنه في: تاريخ الخميس، للدياربكري 2/ 433 وفيه وفاته سنة 879 هـ.، وتاريخ الأمير يشبك 159، والتاريخ الغياثي 366، ووجيز الكلام 2/ 839، والذيل التام 2/ 261، والضوء اللامع 3/ 274، 275 رقم 1046 و 10/ 273) في ترجمة يشبك بن مهدي، رقم 1077)، وتاريخ البُصري 55، والأندلس الجليل 2/ 419، ونيل الأمل 7/ 45 رقم 2906، وتاريخ ابن سباط (بتحقيقنا) 2/ 813، وإعلام الورى 69، وبدائع الزهور 3/ 78، وتاريخ الأزمنة، للدُوَيهي 360 (وفيه وفاته سنة 872 هـ.)، وأخبار الدول 3/ 102، وتاريخ الأمير حيدر الشهابي 546 (وفيه وفاته سنة 872 هـ.).
(2)
أخبار الدول 3/ 102 ووقع فيه سنة 895 هـ. وهو غلط.
(3)
أخبار الدول 3/ 102.
(4)
هو علاء الدولة بن سليمان (أخبار الدول 3/ 102).
(5)
كتب عندها على الهامش: "بلغ". وهي إضافة من قارئ النسخة.
كبير للجنويّين مع جماعة من تجار الأندلس وتِلِمْسان وواهران وغيرهم، وأقامت أمّ ولدي بمنزل الشيخ الإمام، العالم، الفاضل، الصالح، العابد، الزاهد، سيدي أبي
(1)
عبد اللَّه محمد المعروف بابن القصّار (التِلِمْساني)
(2)
خطيب جامع البيطار بواهران، وأحد أعيان أصحاب سيدنا الشيخ الوليّ، العارف باللَّه، سيدي إبراهيم التازي، الماضية ترجمته. وذُكر القصّار هذا أيضًا في روايتنا عنه بالسعد بن التازي المذكور من النظم، فَخَلَفَنَا سيدي محمد المذكور في أهلنا خلْفاً جميلًا، جزاه اللَّه تعالى عنّا خير الجزاء، ورحمه رحمة واسعة، فإنه ورد علينا بعد هذا التاريخ للقاهرة حاجًّا في سنة أربع وسبعين، وتوجّه إلى مكة المشرّفة، فأقام مجاورًا بها.
ومات في سنة ست وسبعين
(3)
.
وستأتي ترجمته في ذِكرنا هذه السنة إن شاء اللَّه تعالى.
[دخول المؤلّف مالقة]
وفيه، في يوم الجمعة، ثالث عشرينه، دخلت لمدينة مالقة من بلاد الأندلس، فنزلنا بها، واجتمعنا بها بالشيخ العالم العلّامة، الإمام، الهُمام، سيدي أبي
(4)
العباس أحمد السيد الشريف التِلِمْساني، شيخ الأندلس وعالمها، وقاضي الجماعة بغَرناطة كان، بل عالم المغرب في وقته، فأنِس بنا، وسمعنا الكثير من فوائده. وستأتي ترجمته إن شاء اللَّه تعالى.
- • واجتمعت بها أيضًا بالشيخ العالم، الفاضل، سيدي أبي
(5)
عبد اللَّه محمد بن القرعة قاضي مالقة وخطيبها، وسألني عن ترجمة الشيخ خليل المالكي
(6)
، وذكر لي أنه بصدد شرح "مختصره"
(7)
، وأنه لا خبر عنده من أحواله، وأن له الشوف والاستشراف الزائد في ترجمته، وكانت ترجمته عندي من "دُرَر"
(8)
الحافظ ابن
(9)
حجر، فأوقفته عليها، فانشرح لذلك صدره. ثم حضرتُ الكثير من
(1)
في الأصل: "أبو".
(2)
إضافة من الهامش.
(3)
لم يذكره المؤلف رحمه الله في كتابه: نيل الأمل، في وفيات السنة المذكورة. كما لم يذكر وفاته في كتابنا هذا لأنه انتهى بوفيات 874 هـ.
(4)
في الأصل: "أبو".
(5)
في الأصل: "أبو".
(6)
هو خليل بن إسحاق بن موسى المالكي المعروف بالجندي، وكان يسمّى محمداً ويلقّب ضياء الدين. توفي سنة 767 هـ. انظر عنه في:"الدرر الكامنة 2/ 86 رقم 1653 "، ونيل الإبتهاج (طبعة فاس)95.
(7)
هو كتاب "مختصر ابن الحاجب" في ست مجلّدات انتقاه من شرح ابن عبد السلام وزاد فيه.
(8)
هو كتاب الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة.
(9)
في الأصل: "بن".
دروسه استئناسًا به، وسمعت الكثير من فوائده، ولا سيما العربية، فإنه آية فيها.
وهو إنسان حسن، عنده بِشْر وبشاشة، وطلاقة محيّا، قرأ الكثير، وأخذ عن جماعة من علماء عصره، منهم الشريف التِلِمْساني المذكور، ومنهم قاضي الجماعة في ذلك العصر سيدي الشيخ العلّامة، الرَّحلة، أبي عبد اللَّه محمد بن منصور
(1)
، الآتية ترجمته في سنة (ثمانٍ)
(2)
وثمانين إن شاء اللَّه تعالى، وشُهر وتميَّز، ووُلّي قضاء مالقة وخطابة جامعها الأعظم وإفتاءها
(3)
وهو بصدد نفع الطلبة بها. وكان شابًّا في تلك الأيام من أبناء الأربعين فما دونها، وبلغني الآن بأنه في غاية الشهرة والذِكر بمالقة، وهو على ما هو عليه، نفع اللَّه تعالى بعلومه وكثّر منه.
[خبر فرار إنسان من مالقة إلى بلاد الفرنج]
وفيه، في يوم الأحد، رابع عشرينه، كنّا وقوفًا بباب البحر بمالقة، وإذا بإنسان فارّ مسرع في جَرْيه، مستريب جدًّا، وهو مُجِدّ في العدْو، مرّ علينا كالبرق الخاطف، ثم أعقبه أُناس مسرعون
(4)
خلفه، مُجدّون
(5)
في طلبه وإدراكه، فلم يقدروا على تحصيله، وقصد في هربه بلاد الكُفْر من بلاد الفرنج، فسألنا عنه، فقيل لنا إنه احتنق هو وآخر، فقتله في هذه الساعة، ثم سألت عنه بعد ذلك، فقيل لي إنه لحِق بدار الحرب، ودخل تحت إيالتهم ببلاد الفرنج البُرطقال. فلا حول ولا قوة إلّا باللَّه.
[هجوم الفرنج على طاحون خارج مالقة]
وفيه، في يوم الثلاثاء، سادس عشرينه، هجم جمعٌ من الفرنج البرطقال على بعض الطواحين، خارج مالقة، فأسروا عدّة من المسلمين ممن كان بالطاحون المذكورة.
ثم ورد الخبر بأن أسيرًا من الكفّار، ممن أسلم بهذه البلاد، ثم هرب من مالقة، هو الذي أتى دليلًا مع هؤلاء الكفّار بعد ارتداده، وفعل معهم ما فعل بهذه الطاحون، وللَّه الأمر
(6)
.
(1)
انظر عن (محمد بن منصُور) في: نيل الأمل 7/ 365 رقم 3260، وبدائع الزهور 3/ 205 ولم يذكر اسمه.
(2)
في الأصل بياض. وما أثبتناه من المصدرين السابقين.
(3)
في الأصل: "وافتاها".
(4)
في الأصل: "مسرعين".
(5)
في الأصل: "مجدّين".
(6)
خبر هجوم الفرنج في: نيل الأمل 6/ 232.
[عزل الطواشي جوهر]
وفيه، في يوم الخميس، تاسع عشرينه، عزل السلطان الطواشي جوهر النوروزي
(1)
عن تقدمة المماليك، وقرّر عِوضه في التقدمة نائبه مثقال الظاهري الحبشي
(2)
، الماضية ترجمته
(3)
.
- • - وقرّر في نيابة المقدّم الطواشي، زين الدين خالص التكروري
(4)
أحد الخدّام
(5)
، وهو موجود إلى يومنا هذا وفي تقدمة المماليك، وهو عليها في عصرنا. وأصله من خدّام فاطمة ابنة مقبل القريري
(6)
، ثم انتقل إلى مِلك فاطمة زوجة جَرِباش قاشق
(7)
، أمّ الخَوَنْد زوجة الظاهر جقمق الماضية، ولهذا قيل له خالص السيفي جرباش قاشُق بهذه المناسبة، لا أنه مشترى
(8)
لجرباش المذكور، ولم يزل في حرازها إلى أن مات جَرِباش المذكور، فتنزّل في بيت السلطان من جملة الطواشيّة، وصار بعد ذلك مقدّمًا لبعض الطِباق، أو نحو ذلك، حتى صُرف جوهر النَوروزي ووُلّي عِوضه مثقال، طلب الظاهر خُشقَدم هذا، فولّاه نيابة التقدمة، فدام بها مدّة، إلى أن غضب الأشرف قايتباي على مثقال هذا، لشيءٍ
(1)
توفي (جوهر النوروزي) في سنة 882 هـ. انظر عنه في: وجيز الكلام 3/ 890 ر قم 2033، وفيه إن صاحب الترجمة في الضوء اللامع 2/ 82 رقم 324، وأرّخ لوفاته، وأيضًا 3/ 85، 86 رقم 332، والذيل التام 2/ 312، وهو جوهر الحبشي شراقُطلي، ونيل الأمل 7/ 188 رقم 3066، وبدائع الزهور 3/ 127.
(2)
هو مثقال السودوني الظاهري جقمق الحبشي الطواشي الساقي، رأس نوبة السقاة. مات سنة 895 هـ. انظر: الضوء اللامع 6/ 239، 240 رقم 840.
(3)
هكذا في الأصل. وهو سهو من المؤلّف رحمه الله، والصواب: الآتية ترجمته.
(4)
انظر عن (خالص التكروري) في: الضوء اللامع 3/ 173 رقم 668 ولم يؤرّخ لوفاته. وذكر في نيل الأمل 7/ 253 في حوادث سنة 885 هـ.
(5)
خبر عزل الطواشي وغيره في: النجوم الزاهرة 16/ 292، ونيل الأمل 6/ 232، وبدائع الزهور 2/ 435.
(6)
لم أجد لفاطمة وأبيها مقبل ترجمة.
(7)
انظر عن (جرباش قاشق) في: النجوم الزاهرة 16/ 183، 184 وفيه وفاته في ليلة السبت ثالث عشر المحرم سنة 861، والمنهل الصافي 4/ 256 - 260 رقم 838، وفيه "جرباش بن عبد اللَّه من عبد الكريم الظاهري" ولم يؤرّخ لوفاته، والدليل الشافي 1/ 243 رقم 836 وفيه: مات بطّالّا في المحرّم سنة ستين وثمانمائة، ووجيز الكلام 2/ 710، 711 رقم 1635 (وفيات 861 هـ.)، والذيل التام 2/ 124، والضوء اللامع 3/ 66، 67 رقم 272 وفيه:"يعرف بعاشق" بالعين، ونيل الأمل 6/ 11 رقم 2403، وبدائع الزهور 2/ 337، وتاريخ طرابلس 2/ 50 رقم 113.
(8)
في الأصل: "مشترا".
نُسِب إليه، فأخرجه مَنْفيًّا إلى طرابُلُس، على ما قد بيّنّاه في ترجمته، وعلى ما سيأتي في سنة كينونته، فطلب السلطان الأشرفُ المذكور خالصَ هذا، واستقرّ به في تقدمة المماليك، عِوَضًا عنه، وهو عليها إلى الآن، وباشرها في الأوائل مباشرة بحُرمة وافرة، قبل تنمرد جُلْبان الأشرف المذكور، وتمرّدهم، وحين كانوا كامنين خاسرين، وكان له عليهم السطوة والمهابة الظاهرة، حتى كانت الخاصكيّة الأعيان تخشاه، فضلاً عن غيرهم. ثم انحطّت حُرمته شيئًا بعد ذلك عمّا كانت، ثم جرى بينه وبين الجُلبان، كأنه أرادوا القيام عليهه، بل قتْله، ثم خلّصه اللَّه تعالى، وخمدت حُرمته جدًّا عمّا كانت بعد وفورها جدًا.
وهو إنسان لا بأس به، مع حدّة في مزاجه وبعض طَيش وخفّة، لكنّه قليل الشر، كثير التودّد إلى الناس، ينصرهم على المماليك، ويقوم مع من قصده.
أظنّه بلغ الخمسين سنة، أو قاربها.
وهو أسود، بصّاص، طويل القامة، ضعيف أجفان العينين، له شهامة وضخا مة، وثر وة زائدة، وعنده (
…
)
(1)
وحشمة، وبشاشة وجه.
(ذِكر قَصَبة مالقة)
(2)
وفيه، أعني هذا اليوم صعِدت بمالقة إلى قَصَبتها، وهي القلعة بها دار الإمارة، وكانت حينئذٍ خالية من السكان، لأنها لم يكن بها عامل
(3)
حينئذٍ، فرأيتها قبّة هائلة، وبها الآثار العظيمة. وهى من تجديد السلطان الكبير أبو الحسن المَرِيني، ملك المغرب فاس، الذي ملك المغرب جميعه، ومَلَك الأندلس الملقّب بالمنصور
(4)
.
ثم إنني رأيت بهذه القصبة مكانًا مُعَدّاً للماء به ثلاثة من الأزيار المالقي، ما رأيت ولا سمعت بمثلها ولا بحُسنها، قد صُفّت ثلاثتُها إلى جانب بعضها البعض بهذا المكان، المُعَدّ لشرب الماء، بدِهليز هذه القصبة، كل زير منها كالثغار أو الخابية الكبيرة بهذه البلاد، لكنّها ليست كالنواعير واسعة الأفواه، بل ضيّقتها، بأعناقٍ كالأزيار لا الخوابي، وهي بديعة الصنعة، غريبة النقوش، من العجائب والنوادر، ومن جنسها في هذه البلاد، لكنْ لا قَدْرها في العِظَم وحُسن الصنعة،
(1)
كلمة مُسح نصفها.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
في الأصل: "عاملًا".
(4)
هو أبو الحسن علي بن سعد، من بني نصر، أو بني الأحمر، تولى مُلك غرناطة مرتين، الأولى سنة 868 هـ والثانية سنة 888 هـ.
زِيرٌ بالسبيل الذي تجاه بركة الناصرية، بالقرب من زاوية أبي
(1)
شامة. وكذلك بحارة زَويلة بسبيل ابن
(2)
جلّود، الذي إلى جانب باب داره. لكنْ شتّان ما بين الصنعتين، على أنهما- أعني ما بتلك البلاد وما بهذه البلاد من صنعة مالقة، لكن ما هناك عُمل للسلاطين.
[جمادى الأول]
وفيها استهلّ جمادى الأول بالجمعة، وطلع القضاة ومن له عادة للتهنئة للسلطان.
[الرياح العاصفة]
وفيه- أعني جماد [ى] هذا في يوم الأحد، ثالثه، ثارت رياح عاصفة جدًّا عظيمة هائلة بمدينة مالقة ونحن بها، فاقتلعت الكثير من الأشجار الهائلة العظيمة، فما ظنُّك بغيرها، وغرّقت الكثير من المراكب في البحر. ووردت الأخبار بأنه فسد بهذه الريح عدّة من مراكب للفرنج البرطقال، كانوا قد تجهّزوا بها قاصدين غزو المسلمين، فخذلهم اللَّه تعالى وأهلكهم. ودام هبوب هذه الرياح من بعد نصف العصر إلى فجر يوم الإثنين، وكانت أمرًا مهولًا، لا سيما في الليل
(3)
.
[وفاة الخَوند شُكْرباي]
وفيه، في يوم الأربعاء سادسه، مات الخَوَند شُكْرباي
(4)
الأحمدية، زوجة السلطان، وكان لها جنازة حافلة مشهودة.
وستأتي ترجمتها في تراجم هذه السنة إن شاء اللَّه تعالى.
[طلوع والد المؤلّف إلى السلطان]
وفيه، في يوم الجمعة، عاشره، طلع الوالد للاجتماع بالسلطان على العادة، لتعزيته في الخَوَند شكْرْباي المذكورة، فقال له السلطان: لقد قاست خَوَنْد هذه من الشدّة في النزْع ما لا يُعبّر عنه، حتى لقد صغُرت الدنيا في عيني، وصغُرت عندي نفسي لما رأيتها على تلك الحالة.
فأجابه الوالد بجوابٍ حصل له عنده منه السرور والارتياح.
(1)
في الأصل: "أبو".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
خبر الرياح في: نيل الأمل 6/ 232.
(4)
ستأتي مصادر ترجمتها في الوفيات.
[خروج المؤلّف من مالقة لجهة غَرناطة]
وفيه، خرجنا من مالقة على البغال لجهة غَرناطة، فاجتزنا بطريقنا على بلدة من بلادها يقال لها يكش، مدينة جيّدة، كثيرة الخيرات والفواكه، وبها من التين اليابس والزبيب واللوز شيء كثير
(1)
.
وذكر لي جماعة من أهلها أن المراكب الكبار تأتي إلى بعض السواحل القريبة من يكش هذه، وتوسق من التين واللوز ما شاء اللَّه أن توسِق، وتحمل ذلك منها إلى غالب البلدان النائية عنها. ومع ذلك فلا يظهر نقصُ ذلك ببلدنا.
ثم سرنا منها إلى بلد يقال لها الحامة، وهي من أعظم البلدان نزاهة وحسنًا، وبخارجها مكانان بُنيا على عينين من الماء الحارّ من نبعهما، وبهما بُنيت هذه البلدة الحامة، أحد المكانين للرجال، والآخر للنساء. وليس بهذه البلدة حمّام
(2)
غيرهما يجريان بلا تكلّف، ويدخل الداخل إليها للاغتسال والاستحمام من غير أجرة. ورأيتهما مبنيَّين
(3)
بنافي عجيبًا محكم
(4)
البناء. ثم دخلت الحامة المختصّة بالرجال واغتسلت منها، ثم بتنا بهذه البلدة. وهي ذات سور منيع، وأصبحنا في الغد على الطريق لجهة غَرناطة، فدخلناها في اليوم الثاني صبيحة النهار، وكان ذلك في أواخر هذا الشهر، ورأيت غرناطة فإذا بها بلدة نزهة عظيمة، من أعظم بلاد الأندلس، وهي قاعدة ملك الإسلام بالأندلس، وتخت السلطنة بها، غريبة الوضع، حسنة الأبنية، ظريفة، أنيقة، بديعة الوضع، بها سائر أرباب الصنائع، وهي كدمشق الشام، وبها المياه الجارية والبساتين الآجنة والكروم، وهي مجمع الفضلاء والعلماء والأعيان والشعراء، وأرباب الفنون والعمالات، وبها بقايا الناس، والآثار العظيمة، والأمكنة النزهة، وهي في الجند بقدْر دمشق، لكنها محشُوّة حشوًا، وأهلها من خيار أهل البلاد، وأشجع الناس. يقال إن بها ثمانين ألف رام بقوس الجَرْخ. ومن كانت العامّة من أهل غَرناطة معه من ملوكٍ راج أمرُه، ومن شاؤوا
(5)
سلطنته أبقوه، ومن أبوه أخرجوه. وبها الطرائف والآداب والأنداب الغريبة. وبالجملة فهي من أعظم بلاد المغرب وأنزهها.
لقيت بها جماعة من العلماء والفُضلاء، منهم:
287 -
• شيخنا، سيّدنا، ومولانا، قاضي الجماعة بها، الشيخ الإمام،
(1)
في الأصل: "شيئًا كثيرًا".
(2)
في الأصل: "حمامًا".
(3)
في الأصل: "مبنيّان".
(4)
في الأصل: "محكمًا".
(5)
في الأصل: "شاوا".
العالم، العلّامة، أبو
(1)
عبد اللَّه محمد بن منصور
(2)
، إنسان من كبار أهل العلم والفضل الغزير، له تُؤدة وحُسن سمْت، وسكون زائد، ووقار ودين، في خيرٍ، وأدب، وحشمة، وورع، وعفّة. حضرت عنده غير ما مرة، وسمعت الكثير من فوائده. كثّر اللَّه في الإسلام من مثله. وقد بلغني أنه موجود إلى الآن في هذا الزمان، وهو باقٍ على قضائه ومنصبه لدينه وعفّته، وحُسن سيرته، وحمْده وشُكره في إنصافه، وقضائه بالحق والعدل. حفظه اللَّه تعالى وأبقاه، وبعين عنايته رعاه.
(الرياح والبَرَد النادِر بالقاهرة)
(3)
وفيه، في يوم السبت، سادس عشره، ثارت رياح مزعجة بالقاهرة مَرِيسيّة، وكان ذلك موافقًا لثاني طُوبة، من شهور القِبط، ثم أعقب ذلك بَرَد شديد جدًّا، بحيث لم يُر مثل ذلك البَرَد من شدّته، وما عهده أهلُ مصر، ولا رأوا ما يشبهه في القريب من هذه الأزمنة إلّا نادرًا جدًا، بحيث جمدت المياه من هذا البَرد، وصارت جليدأ، وأبيع الجليد في المزابل على الحمير بالقاهرة، وهلك الكثير من الزرع والشجر، وأضرّ ذلك بحال الكثير من الناس، وكان من النوادر الواقعة بمصر
(4)
.
[خروج المؤلّف إلى بساتين غَرناطة]
وفيه، في ثامن عشرينه، خرجتُ إلى جهة أجِنّة غرناطة وبساتينها، فرأيت العجبَ من كثرة ذلك، وما بها من الفواكه والخيرات. ثم في يوم سلْخه خرجنا نتنزّه في كروم غَرناطة أيضًا من جهتها الأخرى، غير جهة الأجِنّة، فرأيت أمرًا مهولًا من الأشجار من عنب وتين.
[طلوع المؤلّف إلى سلطان غَرناطة]
وفيه، في يوم الجمعة، تاسع عشرينه، طلعتُ إلى صاحب غرناطة السلطان أبي
(5)
الحسن الماضي ذِكره، وهو بحصنه دار الإمارة، التي يقال لها "حمراء كَرناطة" يأنس إليّ، وكان بعث يطلبني إليه ليسألني عن أخبار صاحب تِلِمْسان،
(1)
في الأصل: "أبي".
(2)
تقدّم قبل قليل.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
خبر الرياح والبَرَد في: نيل الأمل 6/ 233.
(5)
في الأصل: "أبو".
وصاحب تونس، فذكرت له ما حضرني من ذلك، ثم أخذ يسألني عن الشام وأحواله، وعن القاهرة وملكها، وأنا أجيبه عن كل ما سأل من ذلك، وهو متعجب بما أجيبه. ثم خرج لي أمره في ظهر كتب لي عليه خَطّه، بأن لا يؤخذ منّي مما يلزم التجّار من المغارم، وأكرمني إلى الغاية، جوزي خيرًا.
[جمادى الآخرة]
(عقد الظاهر على سورباي وجعلها الخَوَند)
(1)
وفيها استهل جمادى الآخرة بالسبت.
ففيه، في يوم الأحد ثانيه، عقد السلطان الظاهر خُشقَدَم على إحدى سراريه، أمّ ولد له، ولدت ابنةً منه، واسمها -يعني هذه السريّة- سورباي
(2)
، ولما عقد عليها بعد عتْقها، جعلها الخَوَند الكبرى، عِوَضًا عن الخَوَند شُكْرباي الأحمديّة، ونُقلت إلى قاعة العواميد.
وسُورباي هذه موجودة إلى هذا، عَزْباء. تسكن بدار سودون قراقاش بالحُصريّين، بالقُرْب من الجامع المسمَّى بجامع المارداني. كان استولدها السلطان ابنةً اسمها فرح. ثم لما ماتت الخَوند شُكْرباي عقد على هذه في هذا اليوم، وتولّى العقد قاضي القضاة المحبّ بن الشِحنة. ولما مات أستاذها دامت عَزباء، وخرجت إلى الحج وعادت
(3)
.
[إمرة الطبلخاناة]
وفيه، في يوم الخميس سادسه، استقرّ في الإمرة الطبْلخاناة، التي كانت بيد كُسْباي الشِّشْماني
(4)
، جانبك من طَطَخ
(5)
الظاهري، الأميراخور الطبّاخ حينئذٍ، الذي صار أميرا خورًا كبيرًا فيما بعد ذلك، ثم أمير سلاح. وستأتي ترجمته إن شاء اللَّه تعالى.
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
في النجوم الزاهرة: "سوارباي".
(3)
خبر عقد الظاهر في: النجوم الزاهرة 16/ 292، ونيل الأمل 6/ 233.
(4)
مات في هذه السنة، وسيأتي.
(5)
مات جانبك من ططخ في سنة 883 هـ. انظر عنه في: وجيز الكلام 3/ 891 و 895 رقم 2038، والذيل التام 2/ 317، والضوء اللامع 3/ 53، 54 رقم 211، والأنس الجليل 2/ 447، ونيل الأمل 7/ 216 رقم 3089، وبدائع الزهور 3/ 148.
[تزايد الأسعار]
وفيه، في يوم الأحد تاسعه، ووافق أول أمشير من شهور القبط، تزايدت الأسعار في الغلال. وبيد اللَّه الأمور.
(ذِكر ما يتعلّق بأوصاف غَرناطة)
(1)
وفيه، في عاشره، خرجتُ من غرناطة إلى جهة الرَبَض بها، وهو المعروف برَبَض البيازين، فرأيناه ورأينا جامعه الأعظم، وهو غريب من أحسن الجوامع بناءً، به السواري الرخام الأبيض الأنيقة، واجتزنا في مرورنا بالمسجد، الذي بمنارته في مكان الهلال، هيئة دِيَكة، باسطة جناحيها
(2)
، ويُعرف عندهم بفروج الرواح، أي الرياح. ورأيت من ذكر أنه وُضع طلْسَم لمنع الريح العظيمة ويُذكرون أنه لولاه لهبّت الرياح على غرناطة، وأضرّت بحالها، بل أهلكتها.
ثم عدنا ودخلنا إلى الحمراء لرؤيتها، وهي دار الإمارة، وقلعة السلطنة دار المُلك على مما قدّمنا ذلك، وهي غريبة الهيئة، محكمة البناء، أنيقة جدًّا، رائقة، على عِلّيةٍ بوجهين، أحد وجهيها مُطِلّ على مرج غرناطة، وهو مرج عظيم، يشقّه النهر الذي يقال له شنيل من عجائب الأنهار وأحسنها، به سَمَك غريب في جودته، يصفه الأطبّاء لأصحاب الحُمّيات، يقال له الرضراضي، وجهته هذه الحذاء الأخرى، مطلّ على جهة، وله جُدُر، والذي به أجِنّة غَرناطة وبساتينها بمنظر بهج رائقٍ نزهٍ من كِلا الجانبين. وهذه البلدة التي بُنيت عليها هذه الدار المعظمة، بلً الحصن الأعظم، ذ [و] الأبراج العجيبة. والسور الغريب، طرف جبل أحمر اللون بحضيضه من جهة المرج مكان يُستخرج منه تراب أحمر اللون جدًّا، يشبه في لونه الطين الأريني، (؟) يُعرف بالأندلس بتراب الأبحار المعدني، ومنه يُصنع الكيزان التي يُشرب بها الماء في تلك البلاد، وهي كيزان رفيعة، غاية في جودة الصناعة، مبرِّدة للماء بطبْعها، بل ولها منافع، فيقال إنها تنفع الإسهال الدموي شربًا، وهو كلام مقبول.
ثم رأينا بها من الأبنية الغريبة، والأوضاع العجيبة الأنيقة، والنماذج التي في صناعة الجبْس، يُعجز الآن عن شرحه ووصفه.
وبالجملة فإنّ غَرناطة هذه وحمراءها
(3)
من أجلّ مدن الإسلام وأظرفها، لولا
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
في الأصل: "جناحيه".
(3)
في الأصل: "وحمرايها".
قُرب الكفّار من تلك الديار، وأخْذهم غالبَ تلك الأقطار الأندلسية، والكثير من مدن الإسلام التي كانت مشهورة، لا سيما في أيام بني أُميّة، مثل مرسِية، وبَلَنسية، وقُرطُبة، وطُليطلة، وسَرَقُسْطة، وجَيّان، والحصمون المنيعة، كشاطِبة، ونحو ذلك من بلادٍ كثيرة كانت للإسلام، صارت للفرنج الان، فلا حول ولا قوّة إلّا باللَّه.
وكنت قد عزمتُ على التوجّه لرؤية قُرطبة لقربها من غَرناطة، لا سيما والصلح بين المسلمين والكفّار من أهل تلك الديار باق. وكانت تجار
(1)
طائفتي الإسلام والكفر كل يتردّد إلى بلاد الآخرين، فحصلتْ لي الكائنة التي أعاقتني عن ذلك، وهي ضربة السيف التي جاءت بوجهي من ذلك الإنسان العدوّ للَّه، الماضي خبرُه، الذي أسلم عن اليهوديّة، وسُمّي بعبد الرحمن، وحضر من القاهرة إلى طرابلس الغرب، وخلّصتُ له ولدَه، وتوجّه فدخل في توجّهه لغرناطة، وقَطَنها، ولا على ذهني شيء من خبره، ولا علم عندي من يوم خروجه من طرابلس. وكان لما توجّه من طرابلس جال ببعض البلاد أحتى قدم إلى غَرناطة،
(2)
وادّعى بها أنه من الأشراف، وأنه من القاهرة، وأنه عارفٌ بالطبّ، رأسٌ فيه، وأخذ في مُعاداة الناس من أعيان أهل غرناطة وأطبّائها، مع جهله وقصوره في كلل فنّ، وصار يضيّق عليهم في كثير من الأشياء. والعادة جرت بتلك البلاد، بل غالب بلاد المغرب، أن الشرفاء يُراعون، ومهما فعلوا جاز، وأنا لا عِلم عندي بشيء من خبره، ولا بدعواه ما ادّعى، وهو أيضًا لا شعور له بقدومي إلى غرناطة. فاتفق لما أن قدمتُ إليها بعد أيام، بأن سُئلتُ عن إنسانٍ وُصف لي، خاصّة من غير أن يذكر لي واصفُه السائلُ عنه شيئًا من أحواله، لأنني لو كنتُ عرفت أو اطّعلت على صفة دعواه وحاله، لربّما سترت عليه بما لا يضرّني في ديني، فلما وصف لي السائل صفات إنسان سألني عنه، تأمّلت فإذا هي صفات عبد الرحمن الذي ذكرته فيما تقدّم، فعرفته بصفاته، وأظهرتُ لهم ما كان عليه، وما جرى له في إسلامه، وكيف ورد إلى طرابلس، وخلّصت له ولده، وقمت معه، ظنًّا منّي بأنه لا تخفى حاله، وبلغه ذلك، ورأى أنه فسدت حاله وصورته، فأخذ يترقّبني. واتفق أن اجتزت بمكان من أزِقّة غرناطة، يقال له زَنْقة الكُحْل، فسعى وانفرد بي من ورائي، ولا شعور لي به، لآخُذ حَذَري منه، وبيده سيف، فالتفتّ وإذا به معي، وضربني بما في يده من السيف في الغفلة، قاصداً بها كنقي، فأخطأت الضربةُ بشلل يده، كونه يهوديّاً في الأصل، لا خبرة له بضرب السيف، فجاءت بوجهي، فسقطتُ من قوّتها إلى الأرض، وفرّ هو هاربًا
(1)
الصواب: "وكان تجار".
(2)
ما بين الحاصرتين إضافة على الأصل.
مختفيًا، ظنًّا منه أنه قتلني، إذ لو تحقّق حياتي عقيب تلك الضربة لَثَنَّى، ولكنْ سلّم اللَّه من الموت. وأطاقت هذه الضربة طرْفَ أنفي، مع الشفة العليا، والخدّ الأيسر، وثمانيةً من الأسنان، وفُصِلت الشفة، ثم أعان اللَّه تعالى بأن أخيطت الجراحة، وتمرّضتُ بغرناطة نحو الشهر، وبلغت الموت، ثم عافاني اللَّه تعالى، وله الحمد على المهلة. ولما بلغه أنني على قيد الحياة، وأُخبرتُ به أنه الفاعل في ذلك، هرب فارًّا قبل أن يؤخذ، ودخل إلى بلاد الكفر مرتدًّا عن الإسلام. ثم بلغني عنه أنه اغتاله إنسان من (أسرى)
(1)
المسلمين، فضربه بخنجرٍ معه قثله، لكائنةٍ اتفقتْ له معه.
وذكر لي إنسان أنه لم تجر بينه وبينه كائنة، وإنّما بلغه ما فعل بك، وقيل له: إنه فعل بإنسانٍ من أهل العلم والفضل، غريب البلاد، ووصف له ما فعله معي، فقام حميّةً للَّه تعالى من غير أن يعرفني، وفعل به ما فعل، وأنه قال له: هذه عِوَض ضربك للغريب، ولارتدادك عن الإسلام، وأن الأسير لما ضربه وقع ميتًا. وهرب الضارب ونجا إلى بعض بلاد المسلمين. وكان ذلك من أغرب أسرار القدرة الإلهيّة. ولولا الخوف من الإطناب، لذكرت هذه الكائنة برُمّتها، وما اتفق في ذلك، لكنْ هذا ملخّصها، وفيه كفاية.
(ولاية المكيني قضاء الشافعية بمصر)
(2)
وفيه، في يوم الخميس، ثالث عشره، استقر في وظيفة القضاء الشافعية بمصر الشيخ صلاح الدين أحمد بن بركوت
(3)
المكيني، المدعو بأمير الحاج، قريب العَلَم البُلقيني، وصُرف الشرف المناوي
(4)
، وبذل الصلاح هذا في المنصب مبلغًا له صورة. فلا حول ولا قوة إلّا باللَّه.
(1)
مكرّرة في الأصل.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
هو أحمد بن محمد بن بركوت المعروف بأمير حاج، مات سنة 881 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 2/ 99 - 101 رقم 304، والتبر المسبوك 1/ 91 و 2/ 208، ووجيز الكلام 3/ 873 رقم 1994، والذيل التام 2/ 296، 297، وإظهار العصر 1/ 364، والذيل على رفع الإصر 94 - 104، ونظم العقيان 54 رقم 36، والمجمع المفنّن 1/ 526، 527 رقم 503، ونيل الأمل 7/ 160 رقم 3012، وبدائع الزهور 3/ 120.
(4)
هو يحيى بن محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن مخلوف بن عبد السلام، الشرف أبو زكريا المناوي، القاهري، الشافعي. ينسب إلى مُنية ابن الخصيب مات سنة 871 هـ. انظر عنه في: عنوان العنوان، رقم 851، ووجيز الكلام 2/ 783، 784 رقم 1403، والضوء اللامع 10/ 254 - 257 رقم 1033، والذيل التام 2/ 200، 201، والنجوم الزاهرة 16/ 353،=
وستأتي ترجمة الصلاح هذا فيما بعد، في سنة وفاته
(1)
إن شاء اللَّه تعالى.
(ولاية البرهان ابن
(2)
المؤيَّدي القضاء الحنفية بمصر ثانيًا)
(3)
وفيه، أيضًا، استقر الشيخ برهان الدين إبراهيم ابن
(4)
شيخ الإسلام شمس الدين الدَيري
(5)
في القضاء الحنفية بمصر أيضًا، بعد صرف المحبّ ابن
(6)
الشِحنة، يقال بمالٍ بذله هو أيضًا
(7)
.
[إمرة الحاج]
وفيه استقر أرغون شاه الأشرفي استاذار الصحبة في إمرة الحاج بالركب الأول عوضًا عن كُسباي الشّشْماني بحكم وفاته
(8)
. وسيأتي في الوفيات.
(ترجمة الوزير قاسم شُغَيته)
(9)
288 -
وفيه، في يوم الخميس، ثالث عشره، استقر في الوزارة قاسم المعروف بشُغيتة
(10)
.
وكان قاسم هذا صيرفيّ اللحم، أحد جماعة الصاحب محمد البَبَائي الماضي، ترك لبس العوامّ وزِيّهم، وتزيّا بزيّ الكُتّاب، وركب الفرس، ولبس الخفّ، واتخذ المِهماز
(11)
.
= 354 وحُسن المحاضرة 1/ 445، والمنجم في المعجم 237، 238 رقم 190، وذيل رفع الإصر 440 - 469، ونيل الأمل 6/ 256 رقم 2668، وبدائع الزهور 2/ 445، وكشف الظنون 1635، وحوادث الزمان 1/ 177 رقم 227، وشذرأت الذهب 7/ 312، وهدية العارفين 2/ 528، ومعجم المؤلفين 14/ 227، 228، 85، 84/ 5، 11 / Brockelmann G 2.
ولم يترجم له المؤلّف رحمه الله في وفيات سنة 871 هـ. الآتية.
(1)
لم يترجم المؤلّف رحمه الله للصلاح ابن بركوت في كتابه هذا حيث توقف به عند وفيات 874 هـ. والخبر في: نيل الأمل 6/ 234، وبدائع الزهور 2/ 436.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
هو قريب والد المؤلّف -رحمهما اللَّه-.
(6)
في الأصل: "بن".
(7)
خبر ولاية البرهان في: نيل الأمل 6/ 235، وبدائع الزهور 4/ 436.
(8)
خبر إمرة الحاج في: نيل الأمل 6/ 235، وبدائع الزهور 4/ 436.
(9)
العنوان من الهامش.
(10)
انظر عن (قاسم المعروف بشُغَيتة) في: الضوء اللامع 6/ 179، 180 رقم 609 ولم يؤرّخ لوفاته.
(11)
النجوم الزاهرة 16/ 292، 293، ونيل الأمل 6/ 234، وبدائع الزهور 4/ 436.
وقاسم هذا موجود إلى يومنا هذا. وهو الوزير في عصرنا هذا أيضًا.
وهو قاسم بن أحمد بن صلاح الدين القرافي، القاهري، ويُعرف بشُغَيتة، لشيء ذكر أنه ببدنه فات من هيئة الجلد المدَلَّى، وما عرفتُ صحة ذلك.
ولد بباب القرافة قُبيل الأربعين وثمانمائة تقريباً، وبها نشأ مُقِلًّا، فتنقّل في عدّة صناعات وحِرَف، منها أنه كان خبّازًا يبيع الخبز بباب القرافة، ثم عرف محمد البَبَائي، وتنقّلت به الحالات عنده، إلى أن جعله صيرفيّ اللحم، وكان خصّيصًا به، فلما غرق البَبَائي أقام الظاهر يحيى بن الصنيعة
(1)
متكلّمًا في الدولة، ليرى رأيه فيمن يولّيه الوزارة، على ما تقدّم ذلك، فتكلّم فيها نحو الشهر ونصف، ثم طلب السلطان قاسم هذا، فولّاه الوزارة، نقلًا إليها من صيرفة اللحم دفعةً واحدة، من غير أن يلي نظر الدولة، ولا ترشَّح لشيءٍ من ذلك، وجاءته السعادة بغتة، وقال الدهر: أنتم ما ترضون بولاية البَبَائي، سوف آتيكم بغلامه.
وباشر قاسم هذا الوزارة مدّة إلى سلطنة الأشرف قايتباي، فصُرف عنها بالحاج محمد الأهناسي
(2)
، المقدّم والد علي الماضي، بعد أن اختفى قاسم هذا، ودام في اختفائه سنة. ثم ظهر، فما التُفِت إليه، ولا عُرّج عليه، حتى وُلّي يشبُك من مهدي الوزارة، على ما سيأتي بيان ذلك جميعه في محلّه، طلب قاسم هذا، وصيّره يشبُك ناظرَ الدولة، بإذنٍ من السلطان، ثم امتُحن غير ما مرة وتكرّرت ولايته لنظر الدولة غير ما مرة، حتى جُعل رفيقًا لخُشقَدم الطواشي، حين وُلّي الوزارة عن يشبُك، وصُيّر ناظر الدولة عند خُشقدم هذا، فأخذا في معارضة أحدهما للآخر، وطال ذلك بينهما على ما قدّمناه في ترجمة خُشقَدم، بل وفي ما سيأتي في محالّه من بعد الثمانين إن شاء اللَّه تعالى.
وآلَ بقاسم أمرُه إلى الاختفاء، حتى احتيط بجميع ماله وموجوده، ودام مختفياً مدّة، وولي بعده نظَرَ الدولة إنسانٌ من القبط، يسمّى موفّق الدين الأسلمي
(3)
، وجرت بعده أمور في الدولة، ثم ظهر قاسم هذا، فالتزم التكفية والقيام بأمور الدولة، وشرط أن لا يتكلّم خُشقدم هذا في الوزارة أصلاً، بعد أن حاول أن يستقلّ بها، فما أجيب إلى ذلك، بل أجيب إلى أن يكون هو المتصرّف
(1)
هو يحيى، الشرف القبطي، القاهري، يُعرف بابن صنيعة. مات سنة 882 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 10/ 268 رقم 1061، ووجيز الكلام 3/ 890 رقم 2032، والذيل التام 2/ 312، ونيل الأمل 7/ 187 رقم 3065، وبدائع الزهور 3/ 127.
(2)
كتب قبلها في الأصل: "يشبك من مهدي" ثم ضرب عليها خطأ.
(3)
كان موفق الدين الأسلمي حيّاً في سنة 892 هـ. (نيل الأمل 8/ 83).
وخُشقدم، لا يتكلّم في شيء مع بقاء اسم الوزارة له، فدام قاسم هذا على ذلك، وأمر الدولة معزوٌ به مدّةً تزيد على السنة. وكان في كل قليل يرجف بولايته للوزارة، وهو متقحّم على ذلك، ولا يُجاب إليه، على أنه لا وزير غيره، إذ خُشقدم الحِسّ، وقاسم هو المعنى، بل إن شئت فقل هو الحِسّ والمعنى، لأنه من يوم تكلّمه على الدولة لم يتكلّم خُشقَدم فيها بوجهٍ من الوجوه، ثم استقر في الوزارة الجمال يوسف بن
(1)
عثمان الزراريري، كاشف البَهْنَسا والأشمونين مدّة يسيرة، واستعفى، فقرّر فيها قاسم هذا في سنة تسعٍ وثمانين
(2)
، فاستقلّ بها وهو يباشرها مباشرة سداد، حتى تُعُجّب منه في ذلك، وهو على ذلك في الحقيقة من مدّة مديدة، وصار قاسم هذا معدوداً من الأعيان، لمرور السنين عليه والأيام، إذ له في هذه الوظيفة وزيرًا ناظر دولة نحو العشرين سنة أو زاد عليها.
وهو إنسان حسن، لا بأس به بالنسبة لغيره، وله مَيل لأهل العلم والفقهاء.
وأنشأ مدرسة بباب القرافة. وأنشأ في هذه الأيام مكانًا حسنًا بالصناعة بشاطئ مصر، يقال له الوزيرية. وهو من أهل الثروة.
وله ولدان، أحدهما يقال له أبو السعود، شاب طائش مخلوع، كثير التهتّك. والآخر لا أعرفه.
[نظر الدولة]
وفيه استقر في نظر الدولة أيضًا إنسان يقال له عبد القادر لا أعرفه ولا إلى يومنا هذا.
[الخلاف حول نيابة الأبُلُستَين والتجريدة إلى البلاد الحلبية]
وفيه وردت الأخبار بأن ابن
(3)
عثمان جهّز شاه سِوار بن دُلغادر، وهو أخو ملك أصلان الذي تقدّم خبر موته، ومعه جمع من عسكره لما بلغه قتْل ملك أصلان، وبعث معه قاصدًا
(4)
من عنده للسلطان يلتمس منه أن يقرّره على نيابة الأَبُلُستَين، عوضًا عن أخيه.
ثم لما بلغهم أن السلطان قرّر فيها شاه بُضاغ، وكانوا قد قربوا للدخول لمعاجلة السلطان فدخلوها، وبلغ نائب حلب ذلك، فخرج إليهم بجموعه. ولما
(1)
في الأصل: "ابن".
(2)
نيل الأمل 7/ 374، 375 و 380.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الأصل: "قاصد".
بلغ شاه سِوار ومن معه من عساكر ابن
(1)
عثمان ذلك قهقروا، حتى انفصلوا عن هذه المملكة، ثم أقاموا بأطرافها، وقصْدهم المطالعة بالأخبار، والالتماس من السلطان أن يقرّر شاه سوار على مملكة أخيه. ولما تحقّق السلطان هذه الأخبار ضاقت عليه الأرض بما رحُبت، وضاقت عليه نفسُه، واضطربت حركاته وقَلِق، ثم أخذ في تعيين تجريدة للبلاد الحلبية، لنجدة شاه بُضاغ إنْ هجم عليه شاه سوار، وداس بلاده، فعيّن من الأمراء الألوف سبعة، وهم: الأتابك قانَم، وتمربُغا أمير مجلس، ويَلباي أميراخور كبير، وقانبك المحمودي أحد مقدَّمين
(2)
الألوف، وبُردُبك هجين الظاهري، أحد الألوف أيضًا. وعيّن معهم من الطبْلخانات والعشرات عدّة وافرة. ثم بعد أيام بَطَلت هذه التجريدة لما ورد الخبر بأن أولئك تأخّروا وتأدّبوا مع السلطان، وما في قصدهم أن يفعلوا شيئًا، وإنّما كان قصدهم الالتماس من السلطان أن يولّي شاه سوار لا غير، وهذا أول ظهور شاه سوار
(3)
. ويا ليت لما جاءهم بعثوا بولايته وعزْل شاه بُضاغ، وكان يتوفّر عليهم ما وقع. وكان بعد ذلك من الفِتَن الكبيرة التي هي مشهورة، وستأتي في محالّها شيئًا فشيئًا من هذه السنة إلى سنة سبعٍ وسبعين إن شاء اللَّه تعالى.
[عودة المؤلّف من غَرناطة إلى مالقة]
وفيه، في أواخره عدتُ من غَرناطة إلى مالقة، وقد حصل لي بعض الشفاء مما كنت فيه من الجراحة، وعافاني اللَّه تعالى بعد أن أشرفت على الموت، وللَّه الحمد على المهلة.
[شهر رجب]
[عودة المؤلّف إلى وهران]
وفيها استهلّ رجب بالإثنين، ففيه في هذا اليوم ركبنا البحر عائدين إلى وهران، فدخلناها في رابع رجب هذا، وعزمت على السفر في البحر في المركب التي ركبنا بها، والتوجُّه فيها إلى جهة تونس. ثم رأيت آثار الضعف باقيةً بي، وأشار عليّ بعض خُفص أصحابي بالإقامة حتى تقوى البنية، وتشتدّ القوّة، فأقمنا بها على عادتنا.
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
الصواب: "أحد مقدّمي".
(3)
خبر الخلاف في: النجوم الزاهرة 16/ 293، ونيل الأمل 6/ 235، وبدائع الزهور 2/ 436.
[تسلّم السلطان مفاتيح خرْت بِرت من سارة خاتون]
وفيه في يوم الإثنين ثامنه، وردت مكاتبة نائب حلب بوِصول سارة خاتون أُمّ حسن الطويل من عند ابنها حسن المذكور، ومعها مفاتيح خرْت بِرْت، لتُسلّمها للسلطان، وتستمدّ منه الرضى عن ولدها، ثم حضرت هي بعد ذلك، فأكرمها السلطان وأنزلها، وقبِل المفاتيح منها، ثم ردّها إليها، وقال لها: هو نائبي فيها، وشكرها، وأظهر رضاه عن ولدها وأعادها
(1)
.
[النداء بطلوع الجند السلطاني للقلعة]
وفيه- أعني هذا الشهر، في هذه الأيام، نودي بطلوع الجند السلطاني للقلعة، لأجل عرضهم، ليعيّن السلطان منهم من اختاره للتوجّه تجريدةً لقتال شاه سوار.
وفيه في يوم السبت، ثالث عشره، بدأ السلطان بعرض الجُند، وتم على ذلك أيام
(2)
حتى تكامل العرض، فكان جملة من عيّنه منهم نحو الستماية
(3)
.
[زيارة ولد مدبّر تلمسان للمؤلّف للإطمئنان عليه]
وفيه، في يوم الأحد، رابع عشره، قدم عبد اللَّه بن عبد الرحمن المعروف بابن النجار، ولدُ صاحب الأشغال بتِلِمْسان، بل ومدبّر مملكة تِلِمْسان، أعني والده عبد الرحمن، وقدم لأجل تعشير مراكب قدمت من الفرنج بمتاجر لمدينة واهران، وجاء إلى منزلي وسأل عن خاطري، وذكر لي أنه ساءه ما بلغه من أمر الجراحة والتشويش، وأبلغني سلام والده، وذكر لي أن صاحب تلمسان بلغه هذا الأمر، سهل به وتاسّف، فشكرتُ له ذلك، ثم عاد بعد يُويمات
(4)
إلى تِلِمْسان، بعد أن أوصى عليّ مشرف واهران غاية الوصية، وكان المشرف على واهران إذ ذاك إنسان من أهلها يقال له محمد الركاجي
(5)
، كان هو المدبّر لواهران، وبيده جميع تعلّقاتها، ليس لأحدٍ معه كلمة، وكان وُلّي الإشراف عن ()
(6)
وكان من رؤساء
(1)
خبر تسلّم السلطان في: نيل الأمل 6/ 236، وبدائع الزهور 2/ 437.
(2)
في الأصل: "أيامًا".
(3)
خبر النداء في: نيل الأمل 6/ 236، وبدائع الزهور 2/ 437.
(4)
في الأصل: "ولمات".
(5)
توفي "محمد الركاجي، مشرف وهران" في هذه السنة، وسيأتي في كائنة قصر تلمسان في شهر شوال.
(6)
بياض في الأصل.
واهران وأكابرها، في دولة أحمد بن أبي حَمَّو، المعتصم باللَّه، الماضي خبره وترجمته
(1)
، فلما وليها محمد بن أبي ثابت بعد أحمد المعتصم المذكور، أخرجه عن إشراف واهران، بعد أن صادره، واستقدمه إلى تلمسان، فسجنه بالقصر بها، هو وجماعة من أعيان دولة أحمد بن أبي حَمّو، منهم وزيره، وكان من المشرف هذا بعد سجنه، وكذا الوزير ما سنذكره.
[نقل منصور بن الصفيّ من منزل الوالي إلى منزل الأتابك]
وفيه- أعني هذا الشهر، في هذه الأيام، نُقل منصور بن الصفيّ الأستادّار كان من منزل الوالي إلى منزل الأتابك قانَم التاجر، وجرت عليه أمور ومِحَن وشدائد يطول الشرح في ذكرها، وآل به الأمر أن أعيد إلى منزل الوالي أيضًا، وكان له بعد ذلك ما سنذكره
(2)
.
[الأراجيف بخروج صاحب تونس إلى تِلِمْسان]
وفيه بعد العشرين منه، كثُرت الأراجيف بمدينة واهران من تِلِمْسان، بمجيء صاحب تونس، ثم ظهر كذب ذلك. ثم كثُرت الإشاعة أيضًا في أواخره أيضًا بأن صاحب تونس تهيّأ للخروج منها إلى جهة تِلِمْسان وكان [من] ذلك ما سنذكره.
[إضافة السلطان لسارة خاتون]
وفيه- أعني هذا الشهر، أظنّ في يوم السبت العشرين منه، وصلت سارة خاتون أم حسن الطويل، وأضافها السلطان وأكرمها على ما قدّمنا بيان ذلك، وعادت بعد أيام قلائل
(3)
.
[القبض علي زين الأستادّار]
وفيه قبض السلطان على زين الأستادّار لغرضٍ ما، ثم أمر موسى ابن
(4)
كاتب [غريب]
(5)
بالتكلّم في الأستادّارية
(6)
، وكان ما سنذكره.
(1)
راجع ترجمته التي تقدّمت برقم (129) سنة 865 هـ.
(2)
خبر نقل منصور في: نيل الأمل 6/ 236، وبدائع الزهور 2/ 437.
(3)
خبر إضافة السلطان في: نيل الأمل 6/ 236، وبدائع الزهور 2/ 437.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
إضافة على الأصل للضرورة.
(6)
خبر القبض على زين في: نيل الأمل 6/ 236، وبدائع الزهور 2/ 437.
[قدوم نائب حلب إلى القاهرة]
وفيه- أعني هذا الشهر- قدم أبو بكر دوادار بُرْدُبك نائب حلب
(1)
إلى القاهرة، ومعه هدية هائلة من عند نفسه للسلطان، وأحضر مبلغًا له صورة من عند أستاذه، في مقابلة القَوَد الذي جرت عادته ببعثه
(2)
.
[شهر شعبان]
[بناء برج على باب تِلِمْسان]
وفيها- في أوائل شعبان- ابتدأ صاحب تِلِمْسان في بناء برج عظيم على با أب، تِلِمْسان، وأخذ في قطع ما إلى جانب الباب من خارجه من الأشجار، واجتهد في تحصينها وتفقّد أسوارها، وجدّ في العمل في إنشاء هذا البرج حتى أنهاه في أواخر هذا الشهر
(3)
.
[زيارة صاحب تِلِمْسان للحصن في جبل بني مشعل]
وفيه، أعني هذا الشهر، بعد نهاية البرج خرج صاحب تِلِمْسان إلى المكان الذي يقال له جبل بني مشعل، وبه حصن منيع، فتفقّده، وأشيع بأنه قصد أن يبعث بحريمه وذخائره إليه إذا بلغه مجيء صاحب تونس إليه. وكان ما سنذكره.
(ولاية ابن كاتب غريب الأستادّارية)
وفيه استقرّ في الأستادّارية الكاتب شرف الدين موسى ابن
(4)
كاتب غريب القِبطي، عِوضًا عن الزين ابن
(5)
كاتب حُلوان
(6)
. وستأتي ترجمة موسى هذا في محلّها.
[قضاء المالكية بدمشق]
(وفي يوم الخميس، ثالثه، استقر في قضاء المالكية بدمشق الشهاب التلمساني المغربي، وصُرف ابن عبد الوارث، ثم لم يَنْشَب أن صرف الشهاب
(1)
كتب قبلها "الشام" ثم ضرب عليها.
(2)
خبر نائب حلب في: نيل الأمل 6/ 236، 237.
(3)
خبر بناء البرج في: نيل الأمل 6/ 237.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
خبر الولاية في: النجوم الزاهرة 16/ 293، ونيل الأمل 2/ 237.
المذكور بابن عبد الوارث المذكور، قبل أن يخرج إلى دمشق ويباشر القضاء)
(1)
.
[إهانة منصور الأستادّار]
وفيه، في يوم الثلاثاء، ثامنه، طلب السلطان منصورَ الأستادّار، فطلع به الوالي إليه على هيئة غير مُرضية، والسلسلة في عنقه، فطلب السلطان منه ما ذكر أنه بقي عنده من الأموال التي صودر عليها، فأجاب بأجوبة مفحِمة مسكِتَة، فلم يرض السلطان بذلك، وأمر به، فضرب بالمقارع بين يديه، وأهين غاية الإهانة
(2)
.
(كائنة الكمالي)
(3)
وفيه، في يوم الخميس، عاشره، صودر سيدي محمد بن عبد اللَّه بن طُغاي
(4)
المعروف بالكمالي، على عشرة آلاف دينار ظلمًا وعدوانًا، ووُكّل به بمنزل نقيب الجيش حتى يقيم بذلك، كل ذلك بعد تقرّبه منه، واختصاصه به إلى الغاية والنهاية. وكان السلطان يستشيره في كثير من الأمور. ثم أخذ السلطان في ذِكر قبائحه ومساوئه، وصار يقول: لو فعلت ما كان يرشدني إليه أو سمعت منه لأخربت مصر.
وكان ما وقع لمحمد هذا جرّاء ما جرّه لنفسه، فإنه كان في حاله مدّة بمعزل عن الناس، حتى داخَل السلطان، وصار يتردّد له، ويتحشّر فيه، ويُدخل نفسه في كثير من الأمور، ويتكلّم في ولايات وعزل، وعمل مصالح السلطان في كثير من الرشا، حتى كان من السلطان ما كان في حقّه. وصَدَق المثل:"من أعان ظالماً سُلّط عليه". ودام في التوكيل حتى أُطلق في يوم الجمعة، على أنه يحمل ستة آلاف دينار.
ثم لما توجّه إلى داره عاد السلطان إلى العَشَرَة، وصمّم أنه لا يأخذ أقلّ منها، فأخذها بكمالها، ثم رسم له بالخروج إلى حماة، فخرج، ثم تحيّل بأن أظهر بأنه قُتل في طريقه، وأشيع عنه ذلك بالقاهرة، فعاد إليها واختفى بها مدّة حتى مات خُشقدم فظهر
(5)
. وستأتي ترجمته في سنة وفاته إن شاء اللَّه تعالى.
(1)
هنا الخبر بين القوسين كتب في أسفل الصفحة بالحاشية، وضعناه هنا للسياق الزمني.
(2)
خبر إهانة منصور في: نيل الأمل 6/ 237.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
هو ناصر الدين الدمشقي. توفي سنة 882 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 8/ 92 رقم 193.
(5)
كائنة الكمالي في: وجيز الكلام 2/ 772، 773، والذيل التام 2/ 311، ونيل الأمل 6/ 237، 238، وبدائع الزهور 2/ 438.
[ظهور أربعة مراكب للفرنج عند سواحل المغرب]
وفيه، في أواخره، ونحن بواهران، ظهرت أربعة مراكب للفرنج من جهة المغرب، ففزع أهل النواحي بخارج واهران، إليها، بل وأُرجف بواهران أن هذه المراكب مشحونة بالمقاتلة، وأنهم قصدوا أذى المسلمين. ثم اجتازت تلك المراكب ولم تعرّج لجهة واهران ولا سواحلها، وسلّم اللَّه تعالى.
ثم بَلَغَنا الخبر بأنها أخافت السُبُل بنواحي بجّايا، وأخذت المارّة، وأسرت الكثير من المسلمين.
[شهر رمضان المبارك]
(نادرة غريبة)
(1)
وفيها استهلّ شهر رمضان بالأربعاء، وهُنّئ به السلطان.
ووقع في هذا اليوم غريبة لم يُسمع بمثلها وهي (أن)
(2)
ابن
(3)
العَيني وقف أوقافًا متعدّدة على مدرسة جدّه البدر العَيني، وسأل السلطان أن يخلع على جماعة عيّنهم له من علماء العصر وأعيانهم بالقاهرة، باستقرارهم في عدّةٍ من الوظائف، قدَّرَها هو، أعني أحمد المذكور، فجعل الشيخ العلّامة أمين الدين الأُقصرائي شيخ حضورها بعد حضور الأشرفية بالعنبرانيّين، ومعه جماعة من أعيان نواب الحكم والطلبة، ونحوهم ممن له ذِكر وشُهرة يحضرون بها.
وقرّر الشيخ تقيّ الدين الأميني
(4)
في مشيخة الحديث.
وقرّر العضُد السيرامي
(5)
، شيخ الخانقاه البرقوقية، في مشيخة تدريس السِيَر.
واستقر بالتقيّ الحِصْني
(6)
في مشيخة تدريس العلوم العقلية.
ثم نزل جماعة من الأعيان والقضاة صُوفةً، ورتّب معاليم الجميع، فتعجّب الناس من ذلك وما صيّره به، إذ الأَولى كان بتنزيل الفقراء المستحقّين، لا الأغنياء
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
مكرّرة.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الأصل: "اليمني"، والصواب ما أثبتناه، وهو أمين الدين الأقصرائي.
(5)
هو عبد الرحمن بن يحيى. مات سنة 880 هـ.
(6)
هو أبو بكر بن محمد بن شاذي. مات سنة 881 هـ.
المُثْرين. ولعلّه قصد دوام الوقت بأهل السرحة والقوّة، وكان في ذلك قوت الحزم على ما هو ظاهر. وقَد عُرِف
(1)
.
[لبس البياض]
وفيه أعني شهر رمضان هذا في يوم الجمعة ثالثه، ووافق ذلك خامس عشرين برمودة لبس السلطان البياض.
[سفر ابن عبد الوارث لتولّي قضاء دمشق]
(وفيها، في عشرين رمضان الآتي، سافر ابن عبد الوارث إلى دمشق بعد ذلك، وباشر القضاء، وحصل عند القاضي شهاب الدين التلمساني من النكد ما لا مزيد عليه)
(2)
.
(أخْذ شاه سوار البلاد من أخيه)
(3)
وفيه، في يوم السبت، خامس عشرينه، ورد الخبر إلى القاهرة بأن شاه سوار بن دُلغادر مشى على المملكة الدُلغادرية على أخيه شاه بُضاغ، واقتلعها منه. وأن بُردُبك نائب حلب، ويشبُك البُجاسي نائب حماة، خرجا بعساكرهما وتركمان الطاعة لقتاله
(4)
، ثم كان ما سنذكره.
[ختم البخاري]
وفيه، في يوم الأحد
(5)
سادس عشرينه خُتم البخاري بالقلعة، وخُلع على القضاة والمشايخ ومن له عادة بذلك، وفُرّقت الصُرَر على أهلها.
[تقدمة نائب الشام]
وفيه، في يوم الإثنين، سابع عشرينه، وصلت تقدمة بَرْسْباي البُجاسي نائب الشام، وكانت شيئًا كثيرًا، ويقال: عشرة آلاف دينار من الذهب العين أيضًا
(6)
.
(1)
النادرة الغريبة في: وجيز الكلام 2/ 773، والذيل التام / 189، ونيل الأمل 6/ 238.
(2)
خبر السفر، وهو بين قوسين كتب بحاشية الصفحة 115 ب، من أسفل، وضعناه هنا لاقتضاء التساوق الزمني.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
خبر شاه سوار في: نيل الأمل 6/ 238.
(5)
كتب في الأصل: "الإثنين سابع عشرين" ثم ضرب على ذلك.
(6)
خبر التقدمة في: نيل الأمل 6/ 239.
[شهر شوال]
(الكلام في التطيّر بالخطبتين)
(1)
وفيها كان أول شوال بالجمعة، وخُطب فيه خطبتان، ولهج الكثير من الناس بزوال السلطان، فلم يكن شيء
(2)
مما لهجوا به في هذه السنة
(3)
.
[نفي محمد الكمالي إلى حماة]
وفيه -أعني هذا اليوم، في آخر النهار -أُخرج محمد الكمالي الماضي ذِكره. وخبر إخراجه أيضًا منفياً إلى حماة، وفعل ما قدّمنا ذكره.
[سؤَال السلطان والدَ المؤلّف عن الخطبتين في اليوم]
وفيه -أعني هذا الشهر، في يوم الثلاثاء خامسه- سأل السلطان الوالدَ عن وقوع خطبتين في يوم، وهل في ذلك شيء مما يقوله الناس ويتشاءمونه، لا سيما من تطير منهم على السلطان. فقال: لم يُسمع في شيء من الأحاديث والآثار في ذلك شيء مما يتوهّمه المتوهّمون، أكثر مما يكون على السلطان. ولقد بقي الخليفة الناصر لدين [اللَّه]
(4)
في الخلافة زيادة على الخمسين سنة
(5)
، وكذا المستنصر الفاطمي
(6)
بقي في الخلافة بمصر فوق الستين سنة، وكم من خطبتين خُطبت في زمنهما في يوم واحد، ومن السلاطين محمد بن قلاوون
(7)
بقي في المُلك فوق الأربعين سنة وما جرى عليهم شيء
(8)
مما يقال، ولا مما يُتطيّر به.
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
في الأصل: "شيئًا".
(3)
خبر الخطبتين في: النجوم الزاهرة 16/ 293، ونيل الأمل 6/ 240، وبدائع الزهور 2/ 439.
(4)
إضافة ضرورية.
(5)
الصواب أن الخليفة الناصر لدين اللَّه، أبا العباس أحمد ابن المستضيء بأمر اللَّه أبي محمد الحسن
…
بقي في الخلافة أقلّ من خمسين عامًا، وبالتحديد 47 عامًا (575 - 622 هـ.). انظر عنه في: تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، للحافظ الذهبي (بتحقيقنا) - وفيات سنة 622 هـ.- ص 83 - 92 رقم 67 وفيه حشدنا عشرات المصادر لترجمته.
(6)
هو المستنصر باللَّه أبو تميم مَعَدّ ابن الظاهر لإعزاز دين اللَّه. بويع له بالخلافة سنة 427 ومات آخر سنة 487 هـ. انظر عنه في: تاريخ الإسلام، المصدر السابق بتحقيقنا، وفيات سنة 487 هـ.- ص 227 - 229 رقم 247 وفيه حشدنا مصادر كثيرة لترجمته.
(7)
هو سلطان دولة المماليك. تولّى السلطنة نحو منتصف محرم 693، ومات في أواخر 741 هـ. انظر عنه في: تاريخ الفاخري، لبدر الدين بكتاش الفاخري (بتحقيقنا) - ص 372 - 374 وفيه حشدنا مصادر كثيرة لترجمته.
(8)
في الأصل: "مما".
وأغرب من ذلك كله، ما بلغني أنـ[ـه] خُطب في يومٍ واحدٍ في زمن معاوية أربع خطب: خطبة لعيد الفِطر، وأخرى للاستسقاء فيه، وأخرى للجمعة، وأخرى لكسوف الشمس، وهذا أبلغ، ولم يقع له إلّا السلامة والخير، بل يُختَشى على من يتشاءم
(1)
بذلك، لأنه فيها يكون في الخطبتين زيادة بركة وخير، لا سيما ويتكرّر حمد اللَّه تعالى ظاهرًا على المنابر، ويوعظ الناس ويُذكَرون.
فأعجب الظاهرَ ذلك وارتاح إليه.
نقلت هذا من خطّ الوالد، رحمه الله، لأنني كنت كائبًا ببلاد المغرب
(2)
.
[الإدّعاء على منصور بن الصفيّ]
وفيه في يوم الخميس، سابعه، أمر السلطان نقيب الجيش بأن يمضي إلى منصور، فيتوجّه به إلى منزل الحسام بن حُرَيز
(3)
القاضي المالكي إذ ذاك، ليدّعي عليه عنده، فنزل وأخذه، وتوجّه به إليه، فقام إنسان من الرسُل يقال له إسماعيل، فادّعى عليه بدعاوى
(4)
كثيرة، منها ما يقتضي تكفيره وسفْك دمه، فطلب منصور أن يوكّل وكيلاً، فلم يُقبل منه ذلك، بل أمّنه بأن يجيب هو بنفسه، فطلب من المدّعي عليه بأن يُثبت ما يدّعيه، ودام موكّلًا به. ثم ركب القاضي وصعِد إلى السلطان، ووقع القال والقيل الكثير في حق القاضي، بحيث لم أحرّر ما أقول. والظاهر ما أشاعه الناس عنه، من مُمالأته مع السلطان على منصور، فكم بين هذا القاضي من الفرق وبين القاضي المالكي البدر التَّنسي
(5)
، رحمه الله، في كائنة أسد الدين الكيمياوي
(6)
التي قدّمناها في محلّها من تاريخنا هذا، وامتناعه فيها
(1)
في الأصل: "يتشام".
(2)
كتب بعدها: "على أنه ثبت الشهر بعد ذلك" ثم ضرب على هذه الجملة.
(3)
هو محمد بن أبي بكر بن محمد بن محرز، المعروف بابن حُريز. مات سنة 873 هـ. وستأتي ترجمته فيها.
(4)
في الأصل: "بدعاو".
(5)
التَنَسي بتحريك التاء والنون بالفتح، نسبة لتنس من أعمال تلمسان. وهو محمد ابن ناصر الدين أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عطاء الله. (في ترجمة أخيه شمس الدين محمد) انظر:(الضوء اللامع 7/ 90 رقم 183) المتوفى سنة 844 هـ. ولم يُفرد له السخاوي ترجمة، قد ضاع القسم الأكبر من المتوفين في السنة المذكورة من المخطوط، وقيل توفي سنة 853 هـ.
(6)
هو السيد الشريف الحسني. ضربت عنقه في عهد الظاهر جقمق سنة 853 هـ. انظر: الضوء اللامع 11/ 152 رقم 497، والمجمع المفنّن 2/ 55 رقم 693، ونيل الأمل 5/ 275، ووجيز الكلام 2/ 643 رقم 1475، والتبر المسبوك 212، و 254، والذيل التام 2/ 50، وحوادث=
بالحكم في شأنه، وقوله: أنا نبيّ استحياني السلطان في هذا الشأن، حتى فوّض السلطانُ إلى مالكيِّ من النواب في الحكم في تلك القضيّة، فلا حول ولا قوّة إلّا باللَّه. فإن ابن
(1)
حُرَيْز المسكين كان من العجائب في لجاجة القيام مع أهل الدنيا، فيمن لهم عنده غرض، لاسيما إن كان له هو أيضًا الغرض في مثل (
…
)
(2)
الكافّ عن مثل ذلك أجمل، بل وأكمل.
وآل أمر منصور هذا إلى ما سيأتي، بعد أن أُرجف في هذا اليوم بضرب رقبته، وأخذ الكثير من الناس يترحّمون له، ويتأسّفون عليه، ويُظهرون المَيل الكفي إليه، والرأفة عليه، وأنه مظلوم، وأن أهل الدولة والقاضي أيضًا قد تحاملوا عليه على (
…
)
(3)
كان كذلك في نفس الأمر، وهذا ظهر لكل أحد
(4)
.
[زيارة السلطان لجانِبك من طَطَخ]
وفيه، في يوم الجمعة، ثامنه، ركب السلطان ونزل إلى بعض جهات القاهرة، ثم عاد فدخل في عَوده في طريقه لمنزل جانِبَك من طَطَخ بعوده لمرض كان حصل له، ثم خرج من عنده، وصعِد إلى القلعة
(5)
.
[زيارة السلطان لقايتباي المحمودي]
وفيه، في يوم السبت، تاسعه، ركب السلطان أيضًا، ونزل إلى دار قايتباي المحمودي، سلطان عصرنا الآن، وكان إذ ذاك أحد مقدَّمين
(6)
الألوف، فلما وصل إلى داره فرش له الشقق الحرير تحت نعل فرسه، ونثر عليه نثارًا من الذهب والفضّة، ثم قدّم له تقدمة، فقبِل منها البعض
(7)
.
(الكائنة التي اتفقت بالقصر بتِلِمْسان)
(8)
وفيه، أعني هذا الشهر، خرج صاحب تِلِمْسان لبعض مقاصده وجعل ولده الأصغر المسمَّى بعبد اللَّه بالقصر، وأوصى عبد اللَّه بنَ النجّار الماضي ذِكره، بأن يرقد ليلًا بالقصر مع جماعة من الحَرَسيّة، فاتفق في بعض ليالي هذا الشهر بأنْ
= الدهور 1/ 173 و 183 - 185 و 200، 201، والنجوم الزاهرة 15/ 388 وقد ورد في الأصل:"الليمياوي"، وفي المصادر:"الكيماوي".
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
كلمة غير مقروءة.
(3)
كلمة غير مقروءة.
(4)
راجع المصادر السابقة.
(5)
خبر زيارة السلطان في: نيل الأمل 6/ 240، وبدائع الزهور 2/ 439.
(6)
الصواب: "أحد مقدَّمي.
(7)
المصدران السابقان.
(8)
العنوان من الهامش.
تغافل من بسجن القصر من الوزير الذي كان من جهة المعتصم الماضي ذِكره، وجماعة أُخر معه إلى السجن، فكسروا بابه، ثم خرجوا إلى وسط القصر، وهجموا على عبد اللَّه بن النجار وهو راقد في غفلة، فقتلوه ذبحًا هو وبعض من كان عنده، ثم توجّهوا إلى دار ابن
(1)
السلطان عبد اللَّه المذكور، فأخرجوه منها، وأرادوا أن يسلطنوه، ثم يصبحوا فيملكون به تِلِمْسان، ويقاتلون به والده، ويمنعونه من دخول تِلِمْسان، فاحتال عبد اللَّه هذا، وكان شابًا حَدَثًا لم يلتح بعد، بأنْ قال لهم: حُبًّا وكرامة وأنا معكم، وفي الباكر يكون ما تريدونه، وأخذ في تحليفهم وتجشيعهم على ما قصدوه، فلم يتوهّموا في سلامته معهم لكونه يملك، فتركوه ليصبح النهار، ثم دسّ ليلًا من عنده من بلّغ عبدَ الرحمن النجار، والدَ عبد اللَّه المقتول بما وقع، وأنه يدركهم، وإلّا اتّسع الخَرْق. فثار عبد الرحمن من ساعته بجمع كبير، وهجم على القصر، فثار الذين قتلوا ولده به، ووقع بالقصر من الخَطب العظيم ما لا مَزيد عليه. ثم غلب النجار عليهم، وقبض على الجميع وقيّدهم، وأعادهم إلى السجن، وبعث إلى صاحبه سلطان تِلِمْسان يُعلمه بالكائنة، فعاد إلى تِلِمْسان سريعًا، وأحضر أولئك فاعترفوا، ثم سألهم عن مشرف واهران، فأجابوا بأنه لم يوافقهم على مقصدهم البتّة، بل وحذّرهم وأنذرهم لما أن تكلّموا معه في شيء من ذلك، وأنهم لما سمعوا مسألته أظهروا الرجوع عمّا قصدوه، حتى رقد، ففعلوا ما فعلوا من غير علمه. واستظهر السلطان ذلك، فوجده كما قيل، فعَرَفَها المشرف هذا، فأطلقه من السجن، وأعاده إلى بلده ليقيم بها بداره، وأعادها إليه، بعد أن كان قد انتزعها منه، وأُعِدّت دار ضيافة، ثم أمر بالوزير ومن كان معه في هذه الكائنة فذُبحوا بين يديه، وحُزَّت رؤوسهم
(2)
، وعُلّقت على أبواب تِلِمْسان، وكانوا أحد عشر نفرًا، وكان لهم يومًا مشهودًا
(3)
.
وبَلَغَنا ذلك ونحن بواهران، فأسِفْنا على ذلك الشاب الحسن، أعني عبد اللَّه بن النجار، لكنّه مات شهيدًا، وكان من أهل الدين والبشاشة وحُسن السمت، والسفارة الحسنة على ما تقدّم ذلك. وسنترجمه في تراجم هذه السنة إن شاء اللَّه تعالى.
289 -
• وأمّا ولد السلطان الأصغر عبد اللَّه فأكرمه والده، وأحبّه جدًّا زيادة عمّا كان قبل ذلك، وآل به أن ولي تِلِمسان بعد أبيه وأخيه، وهي بيده
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "روسهم ".
(3)
خبر الكائنة في: نيل الأمل 6/ 241، 242.
الآن، فأعجب من قدرة اللَّه تعالى، كيف لما عفّ فيها من تمكُّنه منها، فإنه لو وليها لأتعب أباه، فأعطاها اللَّه تعالى إيّاه.
وهو شابّ حَسَن، يُذكر بالعدل وحُسن السيرة، فيما بلغني، وكان سِنّه في يوم الكائنة التي اتفقت نحو الخمس عشرة سنة.
فلعلّه وُلد في سنة خمس وخمسين وثمانمائة.
ثم قدم علينا مشرف واهران
(1)
إليها، ورأيته شيخًا حَسَن الهيئة، منوَّر الشيبة، من أهل العقل والرأي والتدبير، وله من السنّ فوق السبعين سنة.
فلعلّه ولد قُبيل القرن بيسير.
وكان له إذ ذاك ثلاثة أولاد، نُجباء طلبة علم، رؤساء.
- • أحدهم: يسمّى عبد الرحمن، ويُكنَّى بأبي زيد، شاب حَسَن، ولد بعد الأربعين وثمانمائة.
ونشأ نشأة حسنة في عزّ وثروة، وحفظ القرآن العظيم في حالة صِغره، وتعانى الاشتغال بالعلم.
ولما قدمتُ إلى واهران لازَمَني مدّة، وسمع الكثير من نظمي، وقرأ علي شيئًا
(2)
في الطبّ وكيره، وله ذكاء مُفرط وَفَهْم وعقل وتؤدة وحشمة وأدب وسكون، وعراقة أصل.
ثم لم يَنشَب والده أن مات بعد أن تمرّض أيامًا قلائل، رحمه الله.
[إمرة جانبك الإسماعيلي بتقدمة ألف]
وفيه، في يوم السبت، سادس عشره، أمّر جانبك الإسماعيلي المؤيَّدي المعروف كوهيه
(3)
بتقدمة ألف، نقلًا إليها من الدوادارية الثانية، فصار من جملة مقدَّمين
(4)
الألوف بمصر، وذلك عِوضًا عن جانبك الناصري المعروف بالمرتدّ
(5)
لما أُخرجت عنه تقدمة بحُكم عجزه عن الخِدَم السلطانية، لكِبَر سِنّه وتعطّله عن الحركة
(6)
.
(1)
هو محمد الركاجي، وقد تقدّم اسمه قبل قليل، في خبر زيارة ولد مدبّر تلمسان للمؤلف.
(2)
في الأصل: "شي".
(3)
انظر عن (جانبك الإسماعيلي كوهيه) في: الضوء اللامع 3/ 60 رقم 240، ونيل الأمل 7/ 310 رقم 3200، وبدائع الزهور 2/ 192. وهو توفي سنة 887 هـ.
(4)
الصواب: "مقدَّمي".
(5)
مات جانبك المرتدّ في سنة 871 هـ. وسيأتي.
(6)
خبر إمرة جانبك في: النجوم الزاهرة 16/ 293، ونيل الأمل 6/ 242، وبدائع الزهور 2/ 439.
[ولاية خيربك الخازندار الدوادارية الثانية]
وفيه استقر في الدوادارية الثانية خيربك الخازندار، أحد مماليك السلطان، الماضي خبر تقريره في إمرة الحاج
(1)
.
وخيربك هذا قد ذكرناه غير ما مرة، ووعدنا بالإتيان بترجمته في محلّها إن شاء اللَّه تعالى، وهو الذي تسلطن ليلة على ما سيأتي في سنة اثنتين وسبعين.
[إمرة المحمل]
وفيه، في يوم الإثنين، ثامن عشره، خرج خيربك أمير المحمل المذكور بالحاج إلى البِركة
(2)
. وكان أمير الأول أرغون شاه، كما تقدّم ذِكر ذلك.
[ضرب عنق منصور بن الصفيّ]
وفيه، في يوم الأربعاء عشرينه، كان ضرب عُنق منصور بن الصفيّ الأستادّار، بحكم ابن
(3)
حُرَيز قاضي القضاة المالكية، بعد أن اغتسل في محبسه، وصلّى الظهر، وأخذ في قراءة القرآن. ولما أُحضر لضرب العُنُق تحت الصالحية، استسلم وأخذ في الإعلان بالشهادتين، إلى أن فُعل به ما فُعل، وهو ناطق بالشهادتين، كما يأتي ذلك في ترجمته، وكثُر أسف الناس عليه.
وكان الشرف موسى بن كاتب غريب حضر خفيةً لرؤيته، فجلس بمكانٍ على حانوت الباب الذي تجاه شبّاك المدرسة الصالحية، ليتشفّى برؤيته، فكادت العامّة حين نظروه أن يوقِعوا به فعلًا، وأحسّ بذلك ففرّ
(4)
.
[عودة نائب حلب إليها]
وفيه، في هذه الأيام، ورد الخبر إلى القاهرة من نائب حلب، بأنه عاد إليها من غير أن يلقى حرباً، وأنّ شاه سِوار خرج عن الأَبُلُستَين، وأرسل قاصده إلى نائب حلب بأن يبعث إلى السلطان ليعطفه عليه، ويبعث له بنيابة الأَبُلُستَين، عِوَضًا عن أخيه، وبعث نائب حلب إلى السلطان بذلك، وكان من أكبر المصالح وأسدّ
(1)
خبر ولاية خيربك في: نيل الأمل 6/ 243، وبدائع الزهور 2/ 439.
(2)
خبر إمرة المحمل في: وجيز الكلام 2/ 773، والذيل التام 2/ 189، ونيل الأمل 6/ 243.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
خبر ضرب العنق في: النجوم الزاهرة 16/ 294، 349، ووجيز الكلام 2/ 781 رقم 1800، والضوء اللامع 10/ 170، 171 رقم 716، والذيل التام 2/ 198، ونيل الأمل 6/ 243 رقم 2651، وبدائع الزهور 2/ 439، 440.
الرأي لو وقع ذلك، ولكن ليقضي اللَّه أمرًا كان مفعولًا، فلم يقبل السلطان ذلك
(1)
، وكان ما سنذكره
(2)
.
(ولاية رستم نيابة الأبُلُستَين)
(3)
وفيه، في يوم الإثنين خامس عشرينه، استقر في نيابة الأَبُلُستَين رستم بن محمد بن خليل بن قَرَاجا بن (
…
…
)
(4)
عمّ شاه سوار، عِوَضًا عن ولد أخيه شاه بُضاغ بن سليمان الماضي ذكر ولايته عن ملك أصلان، وكانت المندوحة لولايته أنه عساه أن يقاوم ولد أخيه شاه سوار، بل جزم السلطان بذلك، فلهذا فعله، ونُسب شاه بُضاغ إلى التقصير في مقاومة أخيه.
قال بعضهم: ولعلّ رستم هذا أضعف من شاه بُضاغ في دفع شاه سوار
(5)
. ولقد كان ما قاله بعد حين، كما سيأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى.
[شهر ذي القعدة]
وفيها استهلّ ذو
(6)
القعدة بالسبت، وطلع القضاة لتهئنة السلطان.
[نجاة إنسان من الأسد بالاحتماء فوق الشجرة]
ففيه- أعني هذا الشهر، في ثانيه- خرج إنسان من أهل واهران إلى جهة أجِنّتها في وقت السَحَر، وإذا بأسدٍ عظيم لقيه، فلما رآه ذلك الإنسان فزع منه فزعًا شديدًا، وبَدَر بأن طلع إلى شجرة بالقرب منه، وأسرع الأسد في المجيء إليه، ففاته الإنسان بالطلوع للشجرة. ولما وصل الأسد إلى الشجرة صار يزأر، ويقفز إلى الشجرة، ثم يتّكيء فيها كالذي يريد قلعها، ولم يزل على ذلك حتى أصبح، فذهب الأسد، وجاء ذلك الشخص بخيرٍ مما اتفق له.
[تفقّد مقياس النيل]
وفيه، في يوم الجمعة سابعه، تفقّد ابن
(7)
أبي الرذّاذ أمين المقياس، وذلك
(1)
خبر نائب حلب في: النجوم الزاهرة 16/ 294، ونيل الأمل 6/ 243، وبدائع الزهور 2/ 243.
(2)
هنا كتبت حاشية على يسار الصفحة من أسفل إلى أعلى، ولكنها غير واضحة، وهي في نحو سطر.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
كلمتان غير مقروءتين.
(5)
خبر ولاية رستم في: النجوم الزاهرة 16/ 294، ونيل الأمل 6/ 423، وبدائع الزهور 2/ 440.
(6)
في الأصل: "استهل ذي".
(7)
في الأصل: "بن".
في اليوم الموافق لسادس عشرين بؤونه
(1)
، واختبر القاعدة، فأخبر بأنها جاءت سبعة أذرع ونصف، فبشّر به، ثم أصبح من غده فنودي على النيل المبارك بالزيادة إلى أن كُسر، على ما سنذكره.
[نيابة قانباي الحَسَني بطرابلس]
وفيه، في يوم الخميس العشرين منه، استقر في نيابة طرابلس قانباي الحَسَني، أحد الأمراء الطبلخاناة بالقاهرة دفعةً واحدة، من غير تقدّم ولا ترشّح لذلك، بل ولا أهلية. وعُدّ ذلك من النوادر. وولّيها عوضًا عن محمد بن مبارك بعد عزْله عنها، وأعيب على الظاهر خُشقدم هذه الفعلة لعِظَم جلالة هذه الوظيفة، لأنه لم يُعهد قطّ في دولة من الدول أن وُلّي طرابُلُسَ إلّا مقدّمين
(2)
الألوف بمصر، مع الوظائف الجليلة، كالأتابكية، كما في طرابلس
(3)
، ووُلّيها أيضًا من وُلّي إمرة مجلس، ومن وُلّي الأميراخورية الكبرى، ومن وُلّي الرأس نوبية الكبرى
(4)
.
وأمّا نائب حماة فكثيرٌ منهم ممن وُلّيها إلى غير ذلك من أعيان الأمراء. وياليت مع هذا كان قانباي هذا ممن له أهليّة من جهة أخرى، لفضيلةٍ أو معرفة أو ذِكر حسن بصيت وسمعة، أو غير ذلك مما يكون مندوحة، حتى يقال له وغير ذلك المعنى المكمّل له، فلهذا وُلّيها، بل كان في غاية الإهمال. وثبت الأمر صددتى الصادق المصدوق:"إذا وُسِّد الأمر لغير أهله فانتظروا الساعة"
(5)
، على أن هذه الطائفة كلها غير أهله، لكن النحس في هذا أظهر وأكثر وأكبر.
[شهر ذي الحجّة]
وفيها استهلّ ذو
(6)
الحجّة بالإثنين، وهُنّيء به السلطان على العادة.
(ورود الخبر بحصار جهان شاه بغداد وفيها ولده)
(7)
وفيه، في أواسطه، ورد الخبر بأنّ جهان شاه حاصر بغداد وفيها ولده بير
(1)
في الأصل: "بونه".
(2)
في الأصل: "إلّا مقدَّمو".
(3)
في الأصل: "طرباي"، وهو سهو.
(4)
خبر نيابة قانباي في: النجوم الزاهرة 16/ 294، ومنتخبات من حوادث الدهور 3/ 660، ونيل الأمل 6/ 244، وبدائع الزهور 2/ 445، وتاريخ طرابلس 2/ 52 رقم 125.
(5)
رواه البخاري في كتاب العلم، باب فضل العلم 2 بلفظ:"إذا وُسّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة"، وأحمد في المسند 3/ 361 بلفظ:"إذا توسّد الأمر غيرُ أهله فانتظر الساعة".
(6)
في الأصل: "استهل ذي".
(7)
العنوان من الهامش.
بُضاغ، وكان بير بُضاغ هذا قد تمرّد وتنمرد بقوّته على أبيه، ورفع رأسه عليه، لشجاعته وكثرة جيوشه وجموعه، فاستلاش والده في غيبته، ولا سيما لما قتل علي بن محمد بن فلاح المشعشع
(1)
، ومن حينئذٍ استطال على أبيه، وملك بغداد والعسكر بها، على ما سيأتي في ترجمته، فقصده أبوه
(2)
وحصره، فلم يقدر عليه، وآل الأمر بينهما إلى الصلح، ثم إلى قتْل بير بُضاغ كما سنذكر ذلك
(3)
. واختُلف في كيفية قتله على أقوالٍ لا فائدة لنا في ذكرها.
ثم بعث ولده الآخر بعد قتل بير بُضاغ لقتال المحسّن بن المشعشع الذي ملك بعد أخيه على ما تقدّم.
(عقد أزبك على ابنة الظاهر الثانية)
(4)
وفيه، في يوم الجمعة، تاسع عشرة، عُقد لأُزْبَك من طَطَخ الظاهري، رأس نوبة النُوَب إذ ذاك وأتابك زمننا الآن، على ابنة أستاذه الظاهر جقمق.
وهي الست (خديجة)
(5)
، بعد موت زوجها جانبك الظريف
(6)
الأشرفي، وهي ثانية زوجاته من بنات أستاذه، و ()
(7)
موجودة الآن في عصمة الأتابك المذكور، وأمّها أمّ ولد اسمها ()
(8)
. وكانت من سراري الظاهر
(9)
. وأمّا زوجته عائشة فقد عرفنا أنها كانت من الخَوَنْد مُغُل البارزية
(10)
ووُلدت
(1)
قُتل علي المشعشع في سنة 860 هـ. (التاريخ الغياثي 313).
(2)
في الأصل: "أباها".
(3)
خبر جهان شاه في: نيل الأمل 6/ 245، ومقتل بير بضاغ في: التاريخ الغياثي 324، وحوادث الدهور 3/ 523 و 592، والضوء اللامع 3/ 22، وتذكرة الشعراء، لدولتشاه بن علاء الدولة بختيشاه - نشره إدوارد براون انكليسي، ليدن 1910 - ص 460 وفيه مقتله 4 ذي القعدة سنة 871 هـ.، وكتاب دياربكرية، لأبي بكر طهراني - تصحيح نجاتي لوغال وفاروق سومر- أنقرة 1962 - ج 2/ 373، وتاريخ حبيب السِيَرفي أخبار أفراد البشر، لخواند ميرغياث الدين بن همام الدين الحسيني 4/ 86، وتاريخ روضة الصفا، لميرخواند، مير محمد بن سيد برهان الدين خوارشانده (ت 903 هـ.) بيروز، تهران 1339 هـ.- ج 6/ 855.
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
بياض في الأصل. وما أثبتناه من الضوء اللامع 12/ 163.
(6)
ستأتي ترجمته في وفيات هذه السنة.
(7)
بياض في الأصل.
(8)
بياض في الأصل.
(9)
خبر العقد في: نيل الأمل 6/ 245.
(10)
هي مُغُل ابنة محمد بن محمد بن عثمان خَوَند الكبرى ابنة القاضي ناصر الدين ابن البارزي، شقيقة الكمال محمد. ماتت سنة 871 هـ. انظر عنها في: الضوء اللامع 12/ 126، 127 رقم 776.
()
(1)
هذه بعد الأربعين وثمانمائة، وعقد لها الأشرف إينال على جانبك الظريف على ما قدّمنا في سنة سبع وخمسين، ودامت في عصمته
(2)
إلى أن مات، فعقد لها في هذا التاريخ على أُزْبَك المذكور، وهي تحته الآن، واستولدها عدّة أولاد، وتُذكر بجميل، وأنها لا بأس بها.
[توقف النيل عن الزيادة]
وفيه- أعني هذا الشهر، توقّف النيل عن الزيادة من يوم الإثنين ثاني عشرينه، ووافق حادي عشر مِسرَى، إلى يوم السبت سابع عشريه، الموافق لسادس عشر مِسرَى، ستة أيام متوالية، فقلق الناس لذلك، واضطربوا فيما بين ذلك غاية القلق والاضطراب الذي لا مزيد عليه، وتوجّه القضاة وجماعة من الأعيان والفقهاء إلى المقياس للاستسقاء والابتهال إلى الله تعالى هناك، وكان ما سنذكره
(3)
.
[قدوم مبشّر الحاج]
وفيه، في يوم الأربعاء رابع عشرينه، قدم مبشّر الحاج فأخبر بالأمن والسلام.
[الابتهال بجريان النيل]
وفيه، في يوم الجمعة، سادس عشرينه، تزايد ابتهال الناس إلى الله تعالى في أن يُجري لهم النيل المبارك، وضرعوا إليه تعالى في ذلك.
ولما كان وقت صلاة الجمعة تزايد ابتهال الخطباء على المنابر بذلك والناس بتفاؤلهم
(4)
، وكثر بكاؤهم ونحيبهم
(5)
، وخشعت بعض القلوب، فأصبح في يوم السبت سابع عشرينه وقد زاد البحر، فسُرّ الناس
(6)
بذلك، وتباشروا وفرحوا، واستمرت الزيادة، وللَّه الحمد، ودامت كذلك إلى أن كان الوفاء كما سيأتي في التي بعدها إن شاء الله تعالى
(7)
.
وخرجت هذه السنة على ما بيّنّا من الحوادث والكوائن الماضية فلا نعيدها.
(1)
بياض في الأصل.
(2)
في الأصل: "عصمه".
(3)
خبر توقف النيل في: نيل الأمل 6/ 246، وبدائع الزهور 2/ 440، 441.
(4)
في الأصل: "بتفالهم".
(5)
في الأصل: "بكاؤهم ونحيبكم".
(6)
في الأصل: "للناس".
(7)
خبر الابتهال في: نيل الأمل 6/ 246، وبدائع الزهور 2/ 440، 441.
ذِكرُ نُبَذٍ
(1)
من تراجم الأعيان ووَفَياتهم في هذا الزمان [سنة 870 هـ]
290 -
إبراهيم بن أحمد بن ناصر بن خليفة بن فرج بن عبد الله بن عبد الرحمن المقدسي، الناصري، الدمشقي، الشافعي.
شيخنا، الشيخ الإمام، العالم، العلّامة، الفهّامة، الأديب، الأريب، المفنّن، برهان الدين، أبو إسحاق ابن العلّامة شهاب الدين المعروف بابن الباعوني
(2)
، قاضي القضاة بدمشق، وخطيبها ومفتيها.
ولد بها في سابع عشرين شهر رمضان سنة سبعٍ وسبعين وسبعمائة.
وبها نشأ فقرأ القرآن العظيم، ثم حفظ عدّة متون، منها:"الإبتهاج" و "الألفيّة"، وعرض على جماعة، ثم اشتغل بالعلم مع ذكائه وحذقه وفطنته، وفهْم وتيقّظ. وأخذ عن جماعة من علماء عصره، منهم: السراج البُلقيني ووالده
(1)
في الأصل: "نبذاً".
(2)
انظر عن (ابن الباعوني) في: معجم شيوخ ابن فهد 38 - 40، وعنوان الزمان 2/ 15 - 23 رقم 100، وعنوان العنوان، رقم 113، والنجوم الزاهرة 16/ 345، 346، والمنهل الصافي 8/ 26، 27 رقم 11، والدليل الشافي 1/ 7 رقم 11، والضوء اللامع 1/ 26 - 29، ووجيز الكلام 2/ 774 رقم 1778، والذيل التام 2/ 190، ونظم العقيان 13 - 15 رقم 1، ونيل الأمل 6/ 229، 230 رقم 2637، والمجمع المفنّن 1/ 158 - 162 رقم 13، والقبس الحاوي 1/ 26 - 29، والذيل على رفع الإصر 108 و 307، والتبر المسبوك 1/ 183 و 2/ 43 و 3/ 64، ودرر العقود الفريدة 1/ 105 رقم 7، وإظهار العصر 2/ 136، وحوادث الزمان 1/ 172، 173 رقم 218، والقلائد الجوهرية 1/ 185، 186، وبدائع الزهور 2/ 435، وصفحات لم تنشر من بدائع الزهور 159، والبدر الطالع 1/ 8 - 10 رقم 4، والدارس 1/ 175، وكشف الظنون 1154، وشذرات الذهب 7/ 309، وإيضاح المكنون 1/ 492 و 501 و 2/ 152 و 579 و 731، وهدية العارفين 1/ 20، ومعجم المصنّفين 3/ 63، 64، ودستور الإعلام بمعارف الأعلام، لمحمد بن عزم التونسي، (مخطوط برلين) 9876، ورقة 20 ب، والأعلام 1/ 23، ومعجم المؤلفين 1/ 10.
وغيرهما من الأكابر، وسمع الحديث منهما ومن الزين القرافي، والنور الهيثمي، وآخرين، ودأب وجدّ حتى تميّز وشُهر، لا سيما في الفقه والأدب، وأفتى ودرّس، ووُلي القضاء الأكبر بدمشق، ثم تعفّف عنه بأخرة، ودُعي إليه غير ما مرة بعد ذلك، وبُعث إليه بالولاية فامتنع، ووليها أخوه الجمال يوسف
(1)
الآتي في محلّه في وفيات سنة ثمانين وثمانمائة إن شاء الله تعالى، وكان بيده عدّة وظائف دينية، منها خطابة جامع دمشق، ومشيخة الباسطية. وله في ذلك نادرة كادت أن تكون أو كانت من كراماته، لعلّها تقدّمت في ترجمة عبد الباسط
(2)
في وفيات سنة أربع وخمسين
(3)
، وولي عدّة تداريس جليلة أيضًا، وكان مفتي دمشق وإليه المرجع بها لا سيما بأخرة، وكان له يد في العربية، وخمّس "ألفيّة" ابن مالك، فزادها ألفًا وخمسمائة بيت
(4)
كلّها فوائد نحوية ومسائل زائدة على ما في "الألفيّة"، حتى عُدّ ذلك من نوادره. وله عدّة مصنّفات أُخَر، ونظْم جيّد، ونثر حَسَن. وكان أحد علماء الأدب، بل عينهم ورأسهم بدمشق.
فمن نظمه ما كتبه في إجازة الوالد، وفيه جناس:
سل الله ربَّكَ ما عنده
…
ولا تسأل الناسَ ما عندهم
ولا تبتغي من سواه الغِنَى
…
وكن عبده لا تكن عبدهم
ومنه قوله:
إذا استغنى بنو الدنيا بمالٍ
…
لهم جَمٌّ فكُن بالعلم أغنى
وإن مالوا إلى الإكثار فاقنعْ
…
فإنّ القنْعَ كنزٌ ليس يَفْنَى
ومنه وفيه تضمين:
سَلِّم إلى الله في كل الأمور وثِقْ
…
به ولا تكُ في البأساء ذا هلَعِ
وماءُ وجهك صِنْه لا تُرِقْه ولا
…
تذلّ يومًا لمخلوقٍ على طَمَعِ
ومنه، وفيه لزوم ما لا يلزم مع الجِناس:
لا تعلِّق بامريء من سائر الناس رجاءك
…
وإلى ربّك فاجعل في المهمّات التجاءك
(1)
انظر عنه في: نيل الأمل 7/ 137، 138 رقم 2991 وفيه مصادر ترجمته.
(2)
هو عبد الباسط بن خليل بن إبراهيم، ناظر الجيش وعظيم الدولة الأشرفية البرسبائية. انظر عنه في نيل الأمل 5/ 321 رقم 2227 وفيه مصادر ترجمته.
(3)
ضاعت مع ما ضاع من الجزء الأول من المخطوط.
(4)
في الأصل: "بيتًا".
وإذا خفت فابك لُطْفه تلْق نجاءك
…
فهو ذو جود إذا مارُمت منه الخيرَ جاءك
لا تُرائي الناس بالمدح لهم واترُك هجاءك
ومنه وأجاد:
أُقسمُ باللَّه العليّ العظيم
…
مكوّنِ الكَوْنِ العزيز العليمْ
ما تعدل الدنيا لدى عاقلٍ
…
خضوعَه فيها لنذْلٍ لئيمْ
فكن فتًى حُرًّا أخا هِمّةٍ
…
عالية واقْفُ الصراطَ المستقيمْ
ولا تعوّلْ في الذي تبتغي
…
إلّا على الله الجوادِ الكريمْ
(1)
ومنه مضمن:
كل الذين قد رأيتَ فإن
…
وكلّ جَمْع إلى افتراق
فثِقْ بباقٍ بلا زوال
…
واعمل لما سر في التلاق ي
واقصدْ به الله لا سواهُ
…
ما كان للَّه فهو باق ي
ومنه وهو ضدّه:
الناس لا يرجوهُمُ ويخافهم
…
إلّا جَهُولٌ أو ضعيفٌ ولاهِ
فاترك مخافتَهم وخلِّ رجاءهم
…
وعن الإله فلا تكنْ باللاهي
فالله أَوْلَى أن يخاف ويُرتَجَى
…
فأَنِبْ إليه إنابة الأوّاهِ
وإذا بدتْ لك حاجةٌ وضرورةٌ
…
فالْجأ
(2)
إلى ملكٍ عظيم الجاهِ
ربِّ كريم مُنعمٍ متفضّلٍ
…
عالٍ عن الأمثال والأشباهِ
لا يستطيع بأن يعارض حكمَه
…
وقدْرَه من أمير أو شاهِ
والنفس فاقْمَعْها فما يُعْميك عن
…
طُرُق الهدى وسلوكها إلّا هي
وانظُرْ إلى ما قاله ذو فطنةٍ
…
عمّا يحبّ الله ليس بساهَ
نزّهتُ نفسي في الحوائج عنهم
…
فحوائجي بيني وبين اللهِ
وهذا ما حضرني الآن من كلماته البليغة الفصيحة، التي قالها على سبيل النصيحة.
وأمّا ما قال من رقيق الغزَل والنسيب، الذي هو كنسيم أيضًا نسيب، فشيء كثير، غزير شهير.
وكان يخطب غالباً بخُطَبٍ من إنشائه، ولا بِدْع، فإنّ أباه قبله كان كذلك.
(1)
الأبيات في عنوان الزمان 2/ 17.
(2)
في الأصل: "فالجاء".
ولم يزد على عظمته بدمشق وجلالة قدره، حتى بَغَتَه الأجل بها.
وكان إمامًا فاضلًا، بارعًا، كاملًا، بشوشاً، ذا بشر وطلاقة وجه، منوّر الشيبة، حسن الهيئة والسمت، كثير الأدب والحشمة، مع تؤدة وخير وعزّ، ونزاهة نفس، وتواضع زائد، كريماً جدًا، سخيّاً، جواداً، نافعاً للطلبة وغيرهم، قائمًا في الحق والمهمّات، كثير النوال، واسع الأفضال، معدوداً من الرجال.
كان بينه وبين الوالد صحبة أكيدة ومحبّة ومودّة زائدة، ومذاكرات ومحاضرات.
وكان قد وُلّي خطابة البيت المقدس من مدّة.
توفي في يوم الخميس رابع عشرين ربيع الأول، ودُفن من يومه، وكان له مشهد حافل، وكثُر أسف الناس عليه.
291 -
• وأمّا والده الشهاب أحمد الباعوني
(1)
، فناهيك بترجمته، فقد ترجمه جماعة من الأكابر في تواريخهم، وتلخيص ذلك بأنه كان من أكابر الأعيان، من العلماء المشاهير في العلم والأدب والخير والدين والصلاح، وولّاه الخليفة السلطان المستعين باللَّه حين سلطنته قضاء الشافعية بمصر، ولم يتفق له مباشرتها.
وكان قوّاماً بالحق قوّالاً به، لا تأخذه في الله لومة لائم. وله اليد الطولى في النظم والنثر وإنشاء البليغ من الخُطَب. ووُلّي قضاء دمشق فشاع بها عدله وذاع، وحُمدت سيرته، وشُكرت أياديه في قضائه وأحكامه، وبالجملة ففضله أشهر من أن يذكر، فقُل ما شئت فلا يُنكر.
(1)
انظر عن (أحمد الباعوني) المتوفى سنة 816 هـ. في: ذيل التقييد 1/ 405 رقم 793، ودُرر العقود الفريدة 2/ 348 - 351 رقم 174، وطبقات الشافعية، لابن قاضي شهبة 4/ 350 - 352 رقم 723، وعقد الجمان 187 رقم 13، والدر المنتخب، لابن خطيب الناصرية (المخطوط) 1/ ورقة 131 ب - 133 ب، والنجوم الزاهرة 14/ 124، والمنهل الصافي 2/ 238 - 241 رقم 326، والدليل الشافي 1/ 93 رقم 324، والضوء اللامع 2/ 231 رقم 655، ووجيز الكلام 2/ 427، والذيل التام 1/ 483، والقبس الحاوي 1/ 524، 225 رقم 242، والذيل على رفع الإصر 105 - 109، وإنباء الغمر 2/ 124، والمجمع المؤسس 3/ 79، ولحظ الألحاظ 251، وقضاة دمشق 122 - 124 رقم 125، ونيل الأمل 3/ 248 رقم 1303، وبدائع الزهور 2/ 6، وشذرات الذهب 7/ 117، وهدية العارفين 1/ 121، وديوان الإسلام 1/ 237 رقم 360.
ولم يذكره كحالة في معجم المؤلفين، مع أنه من شرطه، كما لم يُذكر في المستدرك.
(ترجمة الغنّام الشيخ المعتَقَد)
(1)
292 -
إبراهيم بن ()
(2)
بن ()
(3)
المعروف بالغنّام
(4)
.
الشيخ المعتقد بالصلاح، وكان من المعمَّرين، وللناس فيه الاعتقاد الحَسَن لخيره ودينه وصلاحه وشهرته بذلك، وكان له مَعِز يسوقها بين يديه بالطرقات، لأجل بيع حليبها على عادة باعة اللبن، ويرتزق من ثمن ذلك، ويسأله الناس الدعاء في أثناء مروره بهم، وربّما قصده البعض لتقبيل أياديه وطلب الدعاء. وكان ساكناً بالحسينية خارج باب النصر.
وبها توفي في منزله يوم الخميس بمستهلّ ربيع الآخر، وصُلّي عليه برحبته بالقرب من داره، وبها دُفن، نفع الله به.
(ترجمة ابن أبي السعود الشافعي)
(5)
293 -
أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن سعيد بن علي المنوفي، القاهري، الشافعي.
الشيخ الأديب، الفاضل، الأريب، البارع، الكامل، شهاب الدين، أبو العباس، أحد شعراء العصر، المعروف بابن أبي السعود
(6)
، وهي كنية والده إسماعيل، وهي من نوادر كنى هذا الاسم.
ولد بمَنْف
(7)
العليا في شوال سنة أربع عشرة وثمانمائة.
وبها نشأ فحفظ القرآن العظيم، ثم حفظ "منهاجَي الفقه والأصول" و"ألفيّة ابن مالك"، وقدم القاهرة في سنة تسع وعشرين فاشتغل بها. وأخذ عن جماعة،
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
بياض في الأصل.
(3)
بياض في الأصل.
(4)
انظر عن (الغنّام) في: النجوم الزاهرة 16/ 344، والضوء اللامع 1/ 188، 189، ووجيز الكلام 2/ 779 رقم 1792، والذيل التام 2/ 196، ونيل الأمل 6/ 231 رقم 2639.
(5)
العنوان من الهامش.
(6)
انظر عن (ابن أبي السعود) في: عنوان الزمان 1/ 55 - 58 رقم 9، والنجوم الزاهرة 16/ 348، ووجيز الكلام 2/ 775، 776 رقم 1782، والذيل التام 2/ 192، والضوء اللامع 1/ 231 - 234، ونيل الأمل 6/ 239، 240، والمجمع المفنّن 1/ 372 - 375 رقم 298، وإظهار العصر 1/ 208، والتحفة اللطيفة 1/ 97 - 100 رقم 170، والقبس الحاوي 1/ 130 رقم 105، والتبر المسبوك 4/ 58، ونظم العقيان 36، وبدائع الزهور 2/ 438، وشذرات الذهب 7/ 310.
(7)
مَنْف: منُوف كما في القاموس الجغرافي، لرمزي 2/ 22.
منهم: الزين القُمُنّي، والزين البوتيجي، ومَهَر في الفرائض والحساب، وكان بعد ذلك يتردّد من بلده والقاهرة، فيسكن هذه مرة، وتلك أخرى، وأخذ ببلده عن البرهان الكَرَكي، وتميّز في فنّ الأدب، وقال الشعر الحسن الجيّد، فمن ذلك ما أنشدنيه لنفسه في شيخ منجّم:
لمحبوبي المنجّم قلتُ يومًا
…
فدتْك النفسُ يا بدرَ الكمال
براني الهجر فاكشف عن ضميري
…
فهل يومًا أرى بدري وفى
(1)
لي
(2)
؟
ومما أنشدنيه لنفسه قصيدته الطويلة التي هذا أولها:
خذوا بدمي رقيم الوجنتين
…
على الجرعاءِ
(3)
بين الرَقْمتَين
(4)
ومَن في مُهجتي وَفَتْ بعهد
…
حُسامي مقلتيها الماضيين
(5)
واعترض النُواجي
(6)
على مطلعها على عادته في تهوّره وتهويله في اعتراضاته
(1)
في الأصل، وأصل نيل الأمل، وبدائع الزهور:"وفا".
(2)
البيتان في: عنوان الزمان 1/ 56، ونيل الأمل 6/ 240، وبدائع الزهور 2/ 438، والضوء اللامع 1/ 234، والتحفة اللطيفة 1/ 100 وفيهما:"وفالي".
(3)
الجَرْعاء: الجَرَعَة، بفتح الراء وسكونها. المكان الذي فيه سهولة ورمل. ويقال: جَرعَ وجَرْع وجرعاء بمعنى. (معجم البلدان 2/ 127، 128) وهو موضع قرب الكوفة.
(4)
الرقمتان: بفتح أوله وإسكان ثانيه، تثنية رقْمه: رقْمتا فلْج، وهما خَبْرَوان: خبراء ماويّة، وخَبْراء البَيْسوعة، وهي أضخمهما، والرقمتان: روضتان، إحداهما قريب من البصرة، والأخرى بنجد. وقيل إحداهما قرب المدينة، والأخرى موضع بالبادية. وقيل: هما في أطراف اليمامة من بلاد بني تميم. وعند أهل اللغة: كل روضة رقمة. (معجم ما استعجم 2/ 667).
(5)
في الأصل: "الماضيان". والبيتان في المجمع المفنّن 1/ 373.
(6)
هو محمد بن حسن. توفي سنة 859 هـ. له عدّة مؤلّفات، منها:"حلبة الكُميت في الأدب والنوادر" وغيره: انظر عنه في: النجوم الزاهرة 16/ 177، وحوادث الدهور 2/ 555 - 558 رقم 7، والمنهل الصافي 10/ 33 - 36 رقم 2122، والدليل الشافي 2/ 615، 616 رقم 2114، وعنوان الزمان 5/ 121 - 130 رقم 504، وعنوان العنوان 260، والضوء اللامع 7/ 229 - 232 رقم 571، ووجيز الكلام 2/ 693 رقم 1589، والذيل التام 2/ 105، والقبس الحاوي 2/ 176 - 178 رقم 724، ونظم العقيان 144 - 148 رقم 144، وحُسن المحاضرة 1/ 573، ونيل الأمل 5/ 439، 440 رقم 2376، وبدائع الزهور 2/ 324، 325، وصفحات لم تنشر من بدائع الزهور 26، 27، وكشف الظنون 336 و 721 و 722 و 932 و 1052 و 1650، وشذرات الذهب 7/ 295، 296، وإيضاح المكنون 1/ 92 و 252 و 391 و 438 و 546 و 2/ 51، 52 و 64 و 114 و 497، وهدية العارفين 2/ 100، 201، والبدر الطالع 2/ 156، 157، وذيل ثمرات الأوراق 397، وفهرست الخديوية 4/ 277، 278، وفهرس المخطوطات المصوّرة، لفؤاد سيد 1/ 433، 434، وفهرس المخطوطات المصوّرة بمعهد المخطوطات العربية (التاريخ) 2/ 446 رقم 2119، وفهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية =
فقال: هذا كلام لا معنى له، لأن الجَرْعاء مكان على حِدته، والرَقْمَتَين مكان آخر على حِدَته، ومن المستحيل نقْل مكانٍ إلى مكان. ثم أخذ بعد هذا الاعتراض ينكّت بأن قال عن صاحب الترجمة، ولقد بلغه عنّي هذا الاعتراض، فلم ينتصر لنفسه ولم يتكلّم. انتهى.
أقول أنا: والظاهر من عدم تكلّمه سدّ باب القيل والقال وفتح الجدال، لا سيما وهو يعلم بأن النواجي من أهل المشاغبة، أو جرى في ذلك على عادته، إنه كان لا يهجو من هجاه، فضلاً أن يعترض على من اعترض عليه، وكان سبيله المَيل إلى السكون دائماً، لا سيما في مثل هذه الأمور، وإلّا فكان بمكنته أن يقول ما يقول أنا نواجي في قول المتنبّي في بعض قصائده في مدح البعض من الأكابر:
وأخاف أهل الشِرك حتى إنه
…
لتَخَافُه النُطَف التي لم تُخَلقِ
(1)
فإن ذلك من باب الإيغال، وهو شائع ذائع. وقوله: من المستحيل نقل مكان إلى مكان ليس بمسلّم. ألا ترى أن الله تعالى نقل أرضاً من الشام إلى الطائف، والطائف إلى الشام!؟
ومن نظمه فيمن اسمه "علي":
قل لي متى ظعنُهم جَدّ السرى بعلي
…
وأيُّ دمعٍ عليه غير منهمل
قد سارَعَ الحزن نحوي بعد فُرقتهم
…
فلا تَسَلْ عن مصابي يوم سار علي سارع لي
(2)
وله نحو ما ذكرناه أشياء كثيرة ونظم كثير.
= (قسم الأدب) ق 1/ 174، 175 و 185 و 190 و 351، وتاريخ الأدب العربي 2/ 56، وذيله 2/ 56، ومخطوطات الموصل 47، والأعلام 6/ 320، ومعجم المؤلفين 9/ 203، وديوان الإسلام 4/ 325، 326 رقم 2108، ومختارات من المخطوطات العربية النادرة في مكتبات تركيا 832 رقم 1560، والتاريخ العربي والمؤرخون 3/ 240 رقم 110، والمعجم الشامل للتراث العربي المطبوع 5/ 260، 261.
و"النواجي" نسبة إلى قرية نواج من الغربية من أعمال القاهرة.
(1)
هذا البيت ليس في ديوان المتنبي، بل هو في ديوان أبي نواس -تحقيق أحمد عبد المجيد الغزالي- بيروت، نشرته دار الكتاب العربي - ص 401، وقد نُسب إليه في: العقد الفريد، لابن عبد ربّه الأندلسي (بتقديمنا) - طبعة دار الكتاب العربي ببيروت 1411 هـ. / 1991 م. - ج 1/ 54 و 5/ 324، ونصيحة الملوك، للماوَردي - تحقيق محمد جاسم الحديثي - بغداد، وزارة الثقافة والإعلام 1986 - ص 138.
والبيت بلفظ:
وأخَفْتَ أهل الشِرك حتى إنه
…
لَتَخافُكَ النُطَفُ التي لَم تُخْلَقِ
(2)
هكذا في الأصل. والبيتان في عنوان الزمان 1/ 57.
وقد هجاه جماعة من شعراء عصره، فما أجاب عن ذلك، ولا هجا
(1)
من يهجوه
(2)
، وغير ذلك من فضائله. وكان قد ناب في القضاء.
وكان حسن العشرة، فكِه المحاضرة، له مداخلة بالأعيان، وخبرة بذلك، مع حُسن شكالته وهيئته وتؤدته وسكونه، وحُسن سمته وملتقاه.
توفي بالمدينة المشرَّفة في خامس عشري شهر رمضان.
(ترجمة الواعظ القدسي)
(3)
294 -
أحمد بن عبد الله بن محمد العسقلانيّ الأصل، المقدسي، الشافعي.
الشيخ شهاب الدين، أبو العباس، الواعظ، المعروف بالقدسي
(4)
.
ولد بالبيت المقدس في سنة ثلاث عشرة
(5)
[و] ثمانمائة، وبه نشأ
(6)
.
فحفظ القرآن [العظيم] وغير ذلك من كتب، ثم اشتغل بالعلم فأخذ عن جماعة، وواظب على الاشتغال بجدّ واجتهاد حتى تميّز ونبغ، ثم تعانى الكلام على الناس فمهر في ذلك وشُهر، واجتمع عليه خلق كثير لسماع وعظه وتذكيره، وكان على مجلسه الأُنس، ولوعظه التأثير، وله اليد الطولى في سرد الأحاديث والتفسير فيما هو بصدده من التذكير، ويستحضر الكثير من كرامات الصالحين وحكاياتهم وأخبارهم في الوعظيّات، وقدم إلى القاهرة وعمل بها المواعيد الحافلة والمجالس الهائلة. وكان يجتمع عليه الخلق الكثير والجمّ الغفير من الناس، لا سيما النساء.
واتفق أن حكى في بعض مجالسه حكاية عن الإمام مالك رحمه الله تعالى، وكان بذلك (المجلس)
(7)
بعض المالكية، فنسبوه إلى تنقيص الإمام مالك، وشكوه إلى القاضي المالكي، فبعث إليه يمنعه من الكلام على الناس جملة كافية، ثم أذِن له بعد شفاعة وقعت له. وتوجّه بعد ذلك إلى الحج، وجاور بمكة في سنة أربع
(1)
في الأصل: "هجى".
(2)
في الأصل: "لهجاه".
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
النظر عن (القدسي) في: النجوم الزاهرة 16/ 347، والضوء اللامع 1/ 363 - 366، ووجيز الكلام 2/ 775 رقم 1781، والذيل التام 2/ 191، ونيل الأمل 6/ 235، 236 رقم 2643، وبدائع الزهور 2/ 437.
(5)
في الأصل: "ثلاثة عشر".
(6)
في الأصل: "نشاء".
(7)
عن الهامش.
وأربعين، وجرى عليه كائنة بها قد تقدّمت في محلّها في أوائل تاريخنا هذا، وتعصّب عليه قاضياها الشافعي والمالكي بشيء بلغهما عنه في حقّهما، فحقدا عليه، فقاما عليه قياماً تامّاً، وامتُحن بالقبض على لحيته من أحد القاضيين، وتلّه إليه، ثم سُجن في يوم جمعة، ومُنع من الصلاة، ومُنع من الكلام على الناس، وكُتب فيه محضر، وجرى عليه ما لا خير فيه. ثم مُنع من الفُتيا والتدريس بمكة، فإنه كان جلس فيها لإقراء الطلبة وللكتابة على الفُتيا.
ولما عاد إلى القاهرة أراد الطلوع إلى الظاهر ليشكوهما، فما أُشير عليه بذلك، وسكت على مضَض.
وكان داهية من دواهي الدهر، وله ثروة ومال كثير.
ثم جرى بينه وبين البرهان البقاعي
(1)
كائنة يطول الشرح في
(1)
هو إبراهيم بن عمر بن حسن بن علي الخرْباوي الرباط، الدمشقي، الشافعي. توفي سنة 885 هـ. انظر عنه في: عنوان الزمان 2/ 61 - 85 رقم 121، ومعجم شيوخ ابن فهد (الذيل) 336 - 339 رقم 4، وإظهار العصر / فهرس الأعلام 1/ 418 و 2/ 151، والعنوان، للنعيمي (مخطوط) ورقة 8، والضوء اللامع 1/ 101 - 111، ووجيز الكلام 2/ 909 رقم 2060، والذيل التام 2/ 332، والتبر المسبوك/ فهرس الأعلام 4/ 96، والتوبيخ لمن ذمّ التاريخ 163، والقبس الحاوي 1/ 76، 77 رقم 50، وإنباء الهصر 508، 509، ونيل الأمل 7/ 263، 264 رقم 3142، والمجمع المفنّن 1/ 214 - 220 رقم 82، والذيل على رفع الإصر 174 و 216 و 217 و 255 و 346، ونظم العقيان 24، وحوادث الزمان 1/ 245 - 248 رقم 308، ومفاكهة الخلّان 1/ 23، ومتعة الأذهان 1/ 260، 261 رقم 212، وبدائع الزهور 3/ 169، والبدر الطالع 1/ 19 - 22 رقم 12، وكشف الظنون 1/ 156، وشذرات الذهب 8/ 157، وهدية العارفين 1/ 21 و 29، والتاج المكلّل، للقنوجي 358، وديوان الإسلام 1/ 253، 254 رقم 388، وعلم التأريخ عند المسلمين 531، وتاريخ الأدب العربي 2/ 142، وذيله 2/ 177، 178، وفهرس الفهارس، للكتّاني 2/ 48، والأعلام 1/ 56، ومعجم المؤرّخين الدمشقيين 259 - 261، ومعجم المؤلفين 1/ 71، ونوادر المخطوطات العربية في مكتبات تركيا، لرمضان ششن 1/ 69، وفهرس مخطوطات الحديث بالظاهرية، للألباني 238، 239، ونوادر المخطوطات العربية وأماكن وجودها، لأحمد تيمور باشا - نشره د. صلاح الدين المنجد، بيروت 1980، ومصادر التراث العسكري عند العرب، لكوركيس عوّاد -بغداد- طبعة المجمع العلمي العراقي 1981 - ج 1/ 37، وفهرس المخطوطات المصوّرة (العلوم) ج 3 ق 3، (الرياضيات) ص 5 - وضعه فؤاد سيد- طبعة معهد المخطوطات العربية، القاهرة 1960، وفهرست المخطوطات المصورة بمعهد المخطوطات العربية (قسم التاريخ) ج 2 ق 4/ 143 - القاهرة 1390 هـ. / 1970 م، ومعجم الدراسات القرآنية المطبوعة والمخطوطة، د. ابتسام مرهون الصفار -نشرته مجلّة المورد، بغداد 1402 هـ.- مجلّد 10 عدد 3 و 4/ ص 405، والمخطوطات العربية في مكتبة محمد باشا كوبريلي في استانبول -حكمت رحماني- نشرته مجلّة المورد، بغداد 1397 هـ. / 1976 م. - مجلّد 5، العدد 4/ 221، ومخطوطات خزانة =
ذِكرها، ترافعا فيها إلى يشبُك الفقيه الدوادار الكبير، ووقع بينهما ما لا خير فيه، ونسب كلٌّ منهما الآخر إلى ما لا فائدة في ذكره، وهو مشهور عنهما.
ولم يزلى صاحب الترجمة على وعظه وتذكيره.
حتى توفي بالقاهرة في ليلة الأربعاء سادس عشرين جمادى الآخرة بعد مرض طال به مدّة، ودُفن بالقرافة الصغرى. والله يعفو عنّا وعنه، آمين.
295 -
أحمد بن النخلي
(1)
التونسي، المغربي، المالكي.
الشيخ الإمام، العالم، العلّامة، أبو العباس.
كان أحد أفراد علماء تونس الأعيان، فاضلًا، متقناً، متفنّناً، عارفاً بكثير من العلوم، خيّراً، ديّنًا. انتفع به الكثير من الطلبة وأخذوا عنه. ولم يزل على خير ودين ونفع للطلبة.
= الشيخ بدر الدين الحسني، لمحمد رياض المالح، نشرته مجلّة المورد بغداد 1397 هـ./ 1977 م. المجلّد 6، العدد 2/ 229، ومخطوطات الخزانة الألوسية في مكتبة المتحف العراقي، لأسامة ناصر النقشبندي - نشرته مجلّة المورد، بغداد 1395 هـ./ 1975 م. - المجلّد 4، العدد 1/ 178، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي (تأليفنا) ق 2 ج 1/ 227 - 238 رقم 42، والمعجم الشامل للتراث العربي المطبوع - لمحمد عيسى صالحية - طبعة معهد المخطوطات العربية، القاهرة 1/ 203، ومختارات من المخطوطات العربية النادرة في مكتبات تركيا 51، والمخطوطات الموقّعة (توقيعات البقاعي) بحث د. محمد حسّان الطيّان، في المؤتمر الدولي الثاني المنعقد بمكتبة الإسكندرية 2005، منشورات مكتبة الإسكندرية 2008 - ص 217 - 225، وحوادث دمشق اليومية، من مفاكهة الخلّان، لابن طولون - تحقيق أحمد أيبش، دمشق، دار الأوائل 2002 - ص 145، وذخائر التراث العربي في مكتبة جستربيتي، بدبلن، لكوركيس عوّاد - نشرته مجلّة المورد، بغداد 1973، العدد 2/ 199 تسلسل 3696، ومخطوطات المجمع العلمي العراقي، دراسة وفهرسة ميخائيل عوّاد، بغداد (طبعة المجمع العلمي العراقي) 1399 هـ. / 1979 م. - ج 1/ 86، والمخطوطات العربية في مكتبة باريس الوطنية -ترتيب د. هادي حسن حمّودي- بيروت، دار الآفاق الجديدة 1986 - ص 14، وفهرس المخطوطات العربية المصوّرة بمركز المخطوطات والتراث، الجامعة الأردنية، إعداد الأساتذة د. محمد عدنان البخيت، ونوفان رجا الحمود، وفالح صالح حسين - عمّان 1406 هـ. / 1986 م.- ج 2/ 30 رقم 172، والتاريخ العربي والمؤرّخون 4/ 208 رقم 223، ومجلة النصاب في النَسَب والكُنَى والألقاب، لمستقيم زاده (ت 1202 هـ.) مخطوط مصور عن الأرشيف العثماني، ميكرو فيلم رقم 628، ورقة 144 ب، والقاموس الإسلامي، لأحمد عطية الله 1/ 336، ومجلة آفاق الثقافة والتراث، خير الله الشريف - دُبيّ 1316 هـ. / 1995 م. العدد 9/ 77 - 88، وبرهان الدين البقاعي المؤرّخ الموسوعي (809 - 885 هـ.) عمر عبد السلام تدمري - بحث في مجلة تاريخ العرب والعالم، بيروت 2000 - العدد 187/ ص 9 - 24، ومعجم الموضوعات المطروقة 1/ 331 و 338 و 427.
(1)
انظر عن (ابن النخلي) في: الضوء اللامع 2/ 265 رقم 813، ونيل الأمل 6/ 246 رقم 2656.
حتى توفي في هذه السنة على ما أخبرني بذلك الشيخ العلّامة حمزة المغربي، الآتي ذكره في سنة سبع وسبعين إن شاء الله تعالى.
وكان في عشر ()
(1)
حين مات، رحمه الله تعالى.
296 -
إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن علي بن قَرَمان الدويني
(2)
، اللارَندي.
الأمير، (السلطان)
(3)
شرف الدين، صاحب لارَنْدَة، وقونية، وقيصرية، ونكدة، وما والاها من بلاد الروم الأوسط، التي يقال لها بلاد ابن
(4)
قَرَمان.
قد تقدّم كيفيّة تملّكه للبلاد بعد أبيه، بعهده منه إليه، وكان لأبيه عدّة أولاد، وهم نحو الستة أو السبعة، منهم خمسة من بنت ابن
(5)
عثمان، وكانت أخت مراد بك السلطان والد محمد سلطان الروم، وكانت عمّته. وكان إسحاق من غيرها، فلما مات والده إبراهيم، وعُهد إليه بالمُلك، وتسلطن بعده، لم يُطعه
(6)
إخوته وخالفوه وخرجوا عنه لعدم رضاهم بسلطنته، على أنه كان الأكبر منهم سنّاً، ومع ذلك فلم يرضوا به، وكان قيامهم عليه سببًا لزوال المُلك عن جميعهم، وإنّما خرجوا عن طاعته لدعواهم رياستهم عليه، بكونهم أولاد بنت ابن
(7)
عثمان، وكون ابن خالتهم السلطان محمد موجودًا، ظنّاً منهم بأنه يأخذ لهم المُلْك من أخيهم، والتحقوا به، وكان أكبرهم يسمّى أحمد رضوا استنابته
(8)
بسلطنته عليهم فانتموا لابن عثمان للقرابة بينهم. وانتمى إسحاق القرماني لمصر، وبعث قاصده للظاهر خُشقدم على ما تقدّم، ووعده بالقيام معه، ثم انتمى لحسن الطويل أيضًا، وقصده إخوته بجمع وافر، وجرت بينه وبينهم أمور يطول الشرح في ذكرها، وفرّ إلى حسن، وعادً مع عساكر حسن إلى بلاده ثانيًا. ثم قصده ابن
(9)
عثمان بالعساكر، وأخرجه وولى عوضه أحد إخوته من بنت ابن
(10)
عثمان المذكور، وعاد هو إلى بلاد حسن أيضًا، ولم يتهنّ بالمُلك للحروب والخطوب الواقعة بينه وبين إخوته.
(1)
بياض في الأصل.
(2)
انظر عن (ابن قرمان الدويني) في: وجيز الكلام 2/ 779 رقم 1794، والذيل التام 2/ 196، والضوء اللامع 6/ 276، 277 رقم 872، والنجوم الزاهرة 16/ 343، ونيل الأمل 6/ 223، 224 رقم 2631، وبدائع الزهور 2/ 432.
(3)
كتبت فوق السطر.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
في الأصل: "لم تطيعه".
(7)
في الأصل: "بن".
(8)
في الأصل: "استامه".
(9)
في الأصل: "بن".
(10)
في الأصل: "بن".
وآل أمره إلى أن توفي بدياربكر قريبًا من بلاده في أوائل العام.
وكان لا بأس به فيما أُخبرت.
297 -
بير بُضاغ
(1)
بن جهان شاه بن قرا يوسف بن قرا محمد بن بيرم خُجا التُركماني الأصل، الرافقي.
صاحب بغداد والعراق من قِبَل والده جهان شاه، ثم المستبدّ بها بعد ذلك.
كان كأبيه في سوء الاعتقاد والإلحاد، بل فاقهم في انحلال العقيدة.
ويقال إنه قال بإلهيّة علي بن أبي طالب، واتخذ مكوى من الحديد، ويقال مكاوي من الذهب، عليها أسامي الأئمة الإثني
(2)
عشر، وحماها بالنار، وكوى جميع بدنه بذلك، وجرت عليه من النار ما لا خير فيه، ليتها كانت القاضية، وبلغ التلاف، وصار يلفّ في القطن الحروق ويعيد على ذلك، ودام هكذا كذلك وهو في النار الدنيوي قبل الأخروي، ثم حصل له الشفاء وقام وعلى بدنه أسامي هذه الأئمة، وهم براء منه ومن اعتقاده.
ولما بلغ عليّاً بن محمد المشعشع تفانيه في اعتقاده أو رفضه أو تشييعه أو كفره وإلْحاده، أخذ في دعواه بأنه هو علي بن أبي طالب، وقال: انتقل الأرواح، وثار بأبيه فاقتلع منه تلك الجراير، وصار والده تَبَعاً له، وصدّقه على مقالته، ثم تجهّز بجموعٍ وافرة من عساكره، وقصد المدينة المسمّاة بمشهد علي.
وكان بير بُضاغ صاحب الترجمة قد تغالى في عمارة المشهد الذي يقال إن عليّاً به، وأعمره عمارة هائلة، وجعل به قناديل الذهب والفضة إلى غير ذلك من أشياء عظم بها المشهد، فدخلها ابن المشعشع هذا ونهبها وأخرب المشهد وقال: من يقول إنّ عليّاً بهذا القبر أعلوه بحسامي هذا، وها أنا عليّ. ثم أحضر جمعًا من العلماء والأعيان، وأمر بنبش القبر الذي يقال إنه قبر عليّ، رضي الله عنه، فما وجد به ما يدلّ على أنه آدميُّ
(3)
أصلاً، فقال لهم: صدقتم، إنه أنا. وفعل أفعالاً
(1)
انظر عن (بير بُضاغ) في: حبيب السِيَر 3/ 576 - 578، وصحائف الأخبار، لأحمد بن لطف الله المولوي المعروف بمنجم باشي (مطبعة عامره 1285) ج 3/ 150، والتاريخ الغياثي 131 و 291 و 324، 325 وفيه: بير بوداق، وحوادث الدهور 3/ 523 و 592، والضوء اللامع 3/ 22 رقم 111 وفيه:"بير بُضع"، ونيل الأمل 6/ 245، وتذكرة الشعراء 460، وروضة الصفا 6/ 855، وديار بكرية 2/ 373، وتاريغ العراق بين احتلالين 2/ 291 و 298، وتاريخ الأمير يشبك/ الفهرس 182.
(2)
في الأصل: "الإثنا".
(3)
في الأصل: "آدميا".
عجيبة، وبلغ صاحبَ الترجمة ذلك فقامت قيامته، وكان بشيراز، فاستأذن والدَه وجمع جموعًا وافرة، وقصد العراق، فاتفق قتْل المشعشع علي هذا في يوم وروده لبلاده، يقال بدسيسة منه لإنسان من الكُرد، على ما عرفتَ ذلك في ترجمة عليّ هذا فيما تقدّم، ثم عاد إلى بغداد فملكها واستلاش والده، لا سيما وقد فعل أفعالاً أوجبت له تعظيم نفسه، فاستبدّ يملك بغداد من غير مشاورة أبيه ولا مراجعته في الأمور. وبلغ جهان شاه ذلك، فقصده، فلم ينجح، بل قصده غير ما مرة، ووقع منهما أمور ووقائع وخطوب يطول الشرح في ذكرها، آل الأمر بأخرة أن نازل بغداد وحاصره بها مدّة نحو الثلاث سنين، وهو في غاية القوّة، والمنعة الزائدة، والعظمة، لتحصينه بغداد، خوفًا من مثل هذه الكائنة، وانجراره في بنائها. ثم آل أمره مع أبيه بعد هذه المحاصرة العظيمة إلى المصالحة. ورحل جهان شاه عنه عائدًا، ثم أُغري به بعد عَوده، فأعاد إليه أخاه محمدًا بحيلة، واطّلع صاحب الترجمة عليها، فقاتله لما علم مقصده بأنه ما جاء إلّا لأخذه. وآل أمره إلى أن طِيف به، فقتله في هذه السنة، وما حرّرتُ شهر قتْله، وأراح الله تعالى منه العباد والبلاد، فلا رحم الرحمن تربةَ قبره، ولا زال فيها مُنكَر ونكير.
298 -
تغري بَرْمش
(1)
السيفي قَراقُجا الحسني.
أحد العشرات ورؤوس
(2)
النُوَب.
كان من مماليك قراقجا الحَسَني
(3)
الأميراخو [ر] الكبير، الماضية ترجمته في سنة ثلاثٍ وخمسين وثمانمائة.
وأصل تغري بَرْمش هذا من سبْي قبرس لما خرج قَراقُجا أستاذه إليها لغزوها في أيام الأشرف [بَرْسْباي]، وكان إذ ذاك من العشرات، وملكه بالسَّبْي فيما أظنّ، وقرّبه واختصّ به، ورقّاه بعد ذلك إلى أن صيّره دواداره، وتنقّلت به الأحوال بعد موته، حتى تأمّر عشرة في دولة الظاهر خُشقَدم، لأيادٍ كانت له على خُشقَدم هذا من قبل وصُحبته، فراعاها له، ودام على إمرته حتى بَغَتَه أجَلُه.
(1)
انظر عن (تغري برمش) في: النجوم الزاهرة 16/ 349، 350، والضوء اللامع 3/ 34 رقم 244، ونيل الأمل 6/ 246 رقم 2655.
(2)
في الأصل: "روس".
(3)
انظر عن (قراقُجا الحَسَني) في: النجوم الزاهرة 15/ 541، وفيه:"قراخُجا"، وحوادث الدهور 1/ 204 و 235، 236 رقم 13، والتبر المسبوك 283، ووجيز الكلام 2/ 634 رقم 1480، والذيل التام 2/ 51، 52، والضوء اللامع 6/ 216 رقم 722، وبدائع الزهور 2/ 273، ونيل الأمل 5/ 281 رقم 2180.
وكان إنسانًا حسنًا، مشكورًا، خيّرًا، ديّنًا، سيوسًا، عاقلًا، حشمًا، أدوبًا، عارفًا.
توفي في ليلة الخميس ثامن عشر ذي الحجة، وجُهّز صبيحة ذلك اليوم، وأُحضرت جنازته لمصلَّى المؤمني، ونزل السلطان فحضر الصلاة عليه.
وكان قد جاوز الستين من العمر فيما أظنّ.
واسمه تقدّم معناه فيما مرّ في "تغري".
299 -
جانِبَك من أمير
(1)
الأشرفي.
أحد مقدَّمين
(2)
الألوف والدوادار الثاني، المعروف بالظُرَيف، بالتصغير.
كان من مماليك الأشرف بَرْسْباي من صغارهم، وصُيِّر خاصكيًا في دولة الظاهر جقمق، واختصّ به وقرّبه، وصيّره بعد خاصكيّته خازندارًا صغيرًا، ثم دوادارًا صغيرًا، ثم أمّره عشرة. ودام كذلك إلى سلطنة الأشرف إينال، فصيّره خازندارًا كبيرًا، أظنّ على إمرة طبلخاناة، ودام على ذلك حتى تسلطن الظاهر خُشقَدَم، وكان أحد القائمين من الأشرفية البَرْسبائية بسلطنته، بل قام في سلطنته أول الناس فبايعه، وقبّل له الأرض قبل كل أحد، وتبِعه الناس على ما عرفت ذلك في المتجدّدات في سلطنة خُشقَدم في سنة خمسٍ وستين، فصيّره الظاهر هذا دوادارًا ثانيًا عِوَضًا عن بُرْدُبك الفرنجي، بحكم القبض عليه، وصيّره من مقدَّمين
(3)
الألوف، وعُدّ ذلك من نوادر جانبك هذا، فإنه لم يقع لأحدٍ قبله ذلك في القرب من هذا الزمان.
وكان قد تزوّج في دولة الأشرف إينال بالست ()
(4)
ابنة الظاهر جقمق، ودامت معه لموته، وهي الآن زوجة الأتابك أُزبَك على ما قدّمنا ذلك. ولم تطُل أيام جانبك هذا في الدوادارية الثانية حتى قبض الظاهر خُشقَدَم عليه مع من قبض من الأشرفية خُشداشيه بالقصر، وحُبس عدّة سنين في غير ما سجن، آخر ذلك سجن قلعة صفد، وبها بَغَتَه الأجَل مسجونًا.
وكان شابًا حسنًا، شكلاً، جميل الصورة، وضيئاً، بهيّ الهيئة، حسن
(1)
انظر عن (جانبك من أمير) في: وجيز الكلام 2/ 780 رقم 1797، والذيل التام 2/ 197، والضوء اللامع 3/ 53 رقم 210، ونيل الأمل 6/ 247 رقم 2659، وبدائع الزهور 2/ 441.
(2)
الصواب: "أحد مقدَّمي".
(3)
الصواب: "من مقدَّمي".
(4)
في الأصل بياض.
الذات، ذا شجاعة وإقدام، ومعرفة تامّة بأنواع الأنداب والتعاليم ما بين رمح ونشاب، وله خبرة بالبُرْجاس
(1)
، وغير ذلك من أنواع الفروسية وفنون الملاعيب، مع طيش وخفّة وجبروت، وبأوٍ زائد وتعاظُم، وبُخل وشُحّ إلى الغاية. وكان مع ما فيه من الجبروت إذا حضر إليه الوالد أجلّه ورفع من محلّه، وقام له، وخرج عن مكانه وذلك في عهد نهاية عظمته، مع مخاطبته بالخطاب المُشْعِر بغاية التعظيم، من جملة ذلك قوله: نحن (
…
)
(2)
بعين أستاذنا، يشير إلى الأشرف بَرْسْباي، حتى كان غالب من يراه في (
…
)
(3)
مع الوالد يتعجّب غاية التعجّب، لِما عُهد به هذا من التعاظم وشُهر به، وبل التكبَّر على الخاص والعام.
توفي في ()
(4)
.
300 -
جانَم المؤيَّدي
(5)
.
أحد العشرات ورؤوس
(6)
النُوَب، المعروف بحرامي شَكَل. ومعناه شكل الحرامية، أي المشبَّه لهم.
كان من أصاغر مماليك المؤيَّد شيخ، ومن المساخير الأوباش الأطراف في الطائفة الجركسية، بل في طائفة الأتراك، لم يُر كمثله
(7)
ضحكة لكل حركة.
تنقّلت به الأحوال بعد موت المؤيَّد في الخمول والفقر والفاقة والشحادة. وكان كثير التردّد إلى أبواب المشاهير بالكرم من الأمراء، بل وغيرهم، وصناعته التقرّب إلى خواطرهم بالبجاحة والتمسخر والمَضَاحك. ولما تسلطن الظاهر جقمق جعله بوّابًا، وأقطعه إقطاعًا حسنًا جدًا، حسُن به حاله، وكان سببًا لانقطاعه عن التكدّي من الأكابر بواسطة ذلك الإقطاع، من استشرافه إلى ذلك لاعتياده به واستطلاعه إليه، وإنّما كان يخشى الظاهر لئلّا يبلغه عنه ذلك، ولذلك امتنع من الشحادة، على أنه كان عنده بقاياها مع بعض أُناس يقصدهم من أكابر الأكابر، ففي
(1)
البُرجاس: لعبة من ألعاب الرياضة اقتبسها العرب من الفرس وتتكوّن من غرض طائر يكون في الهواء أو على رأس رمح أو نحوه يطلبون إصابته بالنشاب. ويقال: إن الرشيد أول من لعب البُرجاس. (القاموس الإسلامي 1/ 297).
(2)
كلمة ممسوحة.
(3)
كلمة ممسوحة لعلّها: "يمشي".
(4)
بياض في الأصل.
(5)
انظر عن (جانم المؤيَّدي) في: النجوم الزاهرة 16/ 343، 344، ونيل الأمل 6/ 247 رقم 2660، وبدائع الزهور 2/ 441.
(6)
في الأصل: "روس".
(7)
في الأصل: "حمله".
الحقيقة ما تركها رأسًا وأصلًا، فإنه كان رديء الأصل، لا يمكنه الانقطاع عما ألِفَه طبْعُه، وصار كالمباح له، فما أحقّه بقول بعضهم:
تَوَقَّ بطونًا جُوِّعت ثم أُشبعتْ
…
فإنّ بقايا الجوع فيها مخمَّر
وراعِ بُطونًا أُشبعتْ ثم جُوِّعتْ
…
فإنّ كريمَ الأصل لا يتغيّر
ودام كذلك مدّة الظاهر على بوّابته، إلى أن تسلطن الأشرف إينال. وبينا الأشرف المذكور في أثناء تفرقة الأقاطيع والإمريّات على الناس في أول دولته، إذ وقف له جانَم هذا، وسأله في إمرةٍ لنفسه بغير واسطة، من جسارته وجوعه النفسي، وإلّا فهو في كفاية وغنْية، فلم يُجبه الأشرف إلى سؤاله، ولا التفت إليه، فبدر بأن ألقى بنفسه إلى الأرض في الملأ
(1)
العام من الناس بالحَوش، ثم قال باللغة التركية: إمّا أن تأمر المشاعلي بأن يوسّطني ها أنا مستسلم، وإمّا أن تعطيني إمرة! وقصد بذلك التمسخر والمضحكة بين يدى السلطان، فضحك منه ومَن حضر، وشفع له بعض أعيان ذلك المجلس، فأمّر عشرة، ثم صُيّر من رؤوس
(2)
النُوَب، ودام على ذلك حتى بَغَتَه أجَله.
ذكر لي بعض من أثق به أنه مع تأمّره لم يزُل عن طبعه في الشحادة، وكان يسأل بعض أكابر الأمراء في أشياء، ويُجاب إلى سؤاله لكونه أميرًا. وكانت الأتراك من طائفته يستعيبون عليه فعله، ويلحقهم منه العار، وله في البخل والحماقة، والنذالة، وقلّة المروءة، ودناءة الهمّة والمقالة، والعسالة، والمضحكات، والتمسخر حكايات طويلة يُستَحَى من ذِكر بعضها.
توفي بعد مرضٍ طال به في ()
(3)
.
وكان مُسِنًّا.
301 -
جوهر الأرغون شاوي
(4)
الظاهري، الحبشي.
الخادم
(5)
الطواشي، صفيّ الدين، رأس نوبة الجَمدارية، المعروف بالساقي. كان من خدّام أرغون شاه الصالحي، الظاهري برقوق، أحد الأجناد
(1)
في الأصل: "الملاء".
(2)
في الأصل: "روس".
(3)
بياض في الأصل.
(4)
انظر عن (جوهر الأرغون شاوي) في: النجوم الزاهرة 16/ 347، 348، ووجيز الكلام 2/ 781 رقم 1799، والذيل التام 2/ 198، والضوء اللامع 3/ 81 رقم 317، ونيل الأمل 6/ 237 رقم 2644، وبدائع الزهور 2/ 437، 438.
(5)
كتب قبلها "الساقي" ثم شطب عليها.
الظاهرية، وخدم بعده عند الظاهر جقمق وهو يومئذٍ الأميراخور الكبير في دولة الأشرف بَرسْباي، ودام معه في السرّاء والضرّاء إلى أن تسلطن، فقرّبه وأدناه واختصّ به ورقّاه، وصيّره ساقيًا، وعظُم عند الناس ووجْه. وكان له ذِكر وصيت وشُهرة في دواته، ونفدت كلمته، وتوفّرت حرمته، وذُكر لحسن السيرة. ثم نقله الظاهر إلى وظيفة رأس نوبة الجَمْدارية، فزادت وجاهته فوق ما كانت وعلى ما كانت بأضعاف، وتوفّرت حُرمته، وأنهى قضايا مهمّة عند الظاهر، وأحسن السفارة، ودام على حُرمته وعزّته إلى أن بَغَتَه أجَله.
وكان من أجلّ الخدّام رياسة وأدبًا وحشمة وتواضعًا وخيرًا ودينًا، ذا حُسن هيئة وسمت وتؤدة، وعقل تام، ومعرفة وخبرة. وكتب الخط المنسوب، مع فضيلة كانت لديه، وكان يلمزه البعض ببعض بُخل. وبغرام وتولّع في لعِب الشطرنج، ومنهم من عدّة من نوادر الخدّام، وأنه لم يَخْلفه بعده مثلُه من أبناء جنسه.
توفي في ليلة الخميس عاشر شعبان، وأُحضرت جنازته لسبيل المؤمني، ونزل الظاهر خُشقدم فحضر الصلاة عليه، وحُمل إلى تربة قانِبَاي الجركسي فدُفن بها.
وكان سنّه نحو الستين سنة أو بَلَغَها، والله أعلم.
302 -
حسن الرَّهُوني
(1)
.
القاضي بدر الدين المالكي.
كان أسلافه ممن لهم شُهرة وذِكر، وكذا هو.
ولد قُبيل العشرة
(2)
وثمانمائة.
ونشأ مشتغلاً بالعلم، وأخذ عن جماعة، ثم ناب في القضاء، وصرفه السلطان مرة، وكتب عليه قَسامة أنه لا يتولّى بعد ذلك. ووقع له غير ما كائنة لتهوّره في أحكامه، ولم يكن خاليًا من فضيلة.
توفي في يوم الثلاثاء مستَهلّ ربيع الأول.
303 -
خالد بن أيوب
(3)
بن خالد.
(1)
انظر عن (حسن الرَهُوني) في: النجوم الزاهرة 16/ 344، والضوء اللامع 8/ 226، 227 رقم 597، ونيل الأمل 6/ 226 رقم 2634.
و"الرهوني" نسبة لقبيلة بالمغرب.
(2)
الصواب: "العاشرة".
(3)
انظر عن (خالد بن أيوب) في: النجوم الزاهرة 16/ 349، ووجيز الكلام 2/ 776 رقم 1783، والذيل التام 2/ 192، والضوء اللامع 3/ 170 رقم 656، وبدائع الزهور 2/ 438، 439.
الشيخ زين الدين، شيخ الخانقاه الصلاحية سعيد السُعداء.
توفي في يوم الأربعاء ثالث عشر شهر شوال، بعد مرضٍ طال به.
وكان له من العمر نحو ()
(1)
سنة.
ووُلّي مشيخة الخانقاه المذكورة بعده الحافظ تقيّ الدين عبد الرحمن القَلْقَشَندي الآتي في محلّه من سنة وفاته، وهي السنة التي تلي هذه السنة إن شاء الله تعالى.
304 -
سودون المؤيَّدي
(2)
، الأشقر.
أحد العشرات، المعروف بالفقيه.
كان من مماليك المؤيَّد شيخ في أيام تدبيره المملكة للخليفة قبل سلطنته بأيامٍ يسيرة، وصيّر خاصكيًا بعده في أول سلطنة الأشرف بَرسْباي، ودام على ذلك مدّةً إلى سلطنة المؤيَّد أحمد بن الأشرف إينال، فأمّره عشرة، ولم يزل على ذلك حتى بَغَته الأجل.
وكان إنسانًا حسنًا، خيّرًا، ديّنًا، فقيهًا، فاضلًا، يستحضر الكثير من المسائل الفقهية ويذاكر بها، ويعتني بالكتب العلمية، مع حسن السمت والتؤدة والأدب والحشمة والسكون، والمواظبة على وظائف الطاعات، وفوائد العبادات، وتلاوة القرآن، وملازمة النظر في كتب العلم، ومواظبة الخمس صلوات مع الجماعات، ولم تفُتْه تكبيرة الافتتاح مع الجماعة في غالب أحواله.
وكان ساكنًا بزقاق حلب، بمكانٍ أنشأه لنفسه، وكان وجيهًا، محبّبًا إلى الناس، مقرَّبًا من خواطر الملوك، لا سيما خُشداشه الظاهر خُشقدم.
ولم يزل على خير إلى أن توفي في يوم الخميس سابع عشر رمضان.
وقد جاوز الستين سنة.
وأُحضرت جنازته لسبيل المؤمني، ونزل الظاهر المذكور فحضر الصلاة عليه في مشهد حفِل.
305 -
• وهو والد صاحبنا وأخينا في الله تعالى، الفاضل الخيّر الديّن، الشَرَفي يونس، وهو من مقولة أبيه في حسن السمت والملتقى والبِشر، مع البشاشة
(1)
بياض في الأصل.
(2)
انظر عن (سودون المؤيَدي) في: النجوم الزاهرة 16/ 348، والضوء اللامع 3/ 376 رقم 1049، ونيل الأمل 6/ 238، 239 رقم 2645، وبدائع الزهور 2/ 438.
والتؤدة والأدب والحشمة والسكون الزائد والتواضع والفضيلة، ومحبّة العلم وأهله، واستحضار الكثير من أيام الناس ومحبّة التاريخ ومعرفته وخبرته بكثيرٍ من (
…
)
(1)
نيابة لا سيما العضُدية، وله الكتابة الجيّدة بالخط الحسن المنسوب، وكتب الكثير.
ولد، أعزّه الله تعالى، على ما أخبرني به من لفظه
(2)
، بالقاهرة في يوم الإثنين خامس عشرين ربيع الأول سنة أربعين وثمانمائة.
وبها نشأ خيّرًا ديّنًا، هيّناً، ليّناً، ذكيّاً، حشمًا تحت كَنَف أبيه، متعلماً من اَدابه، متخلّقاً بأخلاقه، حتى فاق أباه وأربى عليه، وقرأ القرآن، وتعلّم الكتابة الحسنة، وحضر دروس عدّة من الأعيان، وهو مُجِدّ في تحصيل الفضيلة، وبيده من الرزق ما يكفيه ويفيض عليه.
وله ولد يسمّى يحيى، أحياهما الله تعالى وأبقاهما وحفظهما وتولّاهما.
(ترجمة الخَوَند الأحمدية)
(3)
306 -
شُكْرْباي الناصرية
(4)
الجركسية، الأحمدية.
الخَوَند الكبرى، زوجة الظاهر خُشقَدم، كانت في الأصل من جواري الجمال الأستادّار، وقدّمها للناصر فرج مع سمّيّتها أيضًا شُكْرباي أمّ الخَوَنْد شقراء، وكانت تلك هي المقصودة بالتقدمة وشُكْرباي هذه بقيت ضمناً في خدمة شُكْرباي أم شقراء، ثم تنقّلت بها الأحوال، وأجرى الناصر عينه عليها، وآل أمرها أن تزوّجت بأبرك الجَكَميِ
(5)
وكان أحد أمراء دمشق، وولدت له باي خاتون
(6)
، ويقال: أيخون، وباي خوَند، وخاتون أيضًا، وهي أمّ الشهابي أحمد بن العيني على ما أسلفنا إشارة إلى ذلك غير ما مرة. ولما مات أبرك عيّنها بدمشق من جملة أمرائها
(1)
كلمة غير مقروءة.
(2)
أي صاحب الترجمة "سودون".
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
انظر عن (شكرباي الناصرية) في: النجوم الزاهرة 16/ 346، ووجيز الكلام 2/ 781 رقم 1801، والذيل التام 2/ 198، والضوء اللامع 12/ 68، 69 رقم 417، ونيل الأمل 6/ 233 رقم 2640، وبدائع الزهور 2/ 435.
(5)
انظر عن (أبرك الجكمي) في: الضوء اللامع 1/ 190 وفيه "الحكمي" بالحاء المهملة، ونيل الأمل 6/ 147 و 233.
وهو توفي بدمشق قبيل 840 هـ. ظنًّا.
(6)
تقدمت ترجمة "باي خون" في وفيات سنة 866 هـ.
كما قلنا، واتصلت بعصمة خشقدم، وكان إذ ذاك أحد مقدّمين
(1)
الألوف بدمشق، فيقال إنها هي التي كانت السبب الأعظم لعوده إلى القاهرة ودخوله إليها، وأشيع بأنها أقرضته مبلغاً جيّداً له صورة وأمدّته، وأشارت عليه بأن تسعى به في شيء من الأشياء بالقاهرة، فبعث إلى تمربُغا وهو الدوادار الثاني حينئذٍ لأستاذه الظاهر جقمق بعده ويأمره أن يسعى له في شيء يليه بالقاهرة، ومهما رآه مصلحة للسلطان يلتزم به عنه ويقوم هو به. وكذا بعث لأبي الخير النحاس بذلك أيضًا، فتعاضدا في أمره.
واتفق أن جرت كائنة إخراج تَنِبَك البُرْدُبكي
(2)
، وهو إذ ذاك حاجب، إلى ثغر دمياط على ما تقدّم بيان ذلك في محلّه من تاريخنا هذا، فتكلّم النحاس مع الظاهر خُشقدم هذا في الحجوبية، وحسّن تمربُغا ذلك للظاهر، وذكروا له مبلغاً، يقال إنه عشرة آلاف دينار، ويقال: ستة، وباقي العشرة لهما، فأحضره إلى القاهرة وولّاه الحجوبية الكبرى على ما تقدّم ذلك أيضًا في محلّه، ثم آل أمره بعد ذلك إلى السلطنة على ما عُرف، فعرف خُشقدم ذلك لصاحبة الترجمة، فقدّمها وعظّمها في حال سلطنته زيادة على ما كانت عليه، وأجلّها وراعاها، ولم يتزوّج عليها، وكانت عنده بمحلّ سام رفيع، وشُهِرت وذُكرت.
ومن نوادرها عمل المولد النبوي لها بالحوش بعد عمل المولد للسلطان، وحجّت في سلطنة زوجها مع حفيدها الشهابي أحمد بن العَيني حَجّةً حافلة هائلة، وخرجت إلى زيارة السيد أحمد البدوي
(3)
في محفّة مع عدّة من الخَوَندات في
(1)
الصواب: "أحد مقدّمي".
(2)
توفي (تنبك البردبكي) في سنة 862 هـ. انظر عنه في: حوادث الدهور 318، والنجوم الزاهرة 16/ 195 - 197، والمنهل الصافي 4/ 24 - 29 رقم 756، والدليل الشافي 1/ 215 رقم 757، وإظهار العصر 2/ 384، ووجيز الكلام 1/ 718 رقم 1650، والذيل التام 2/ 131، والضوء اللامع 3/ 42 رقم 173، والتبر المسبوك/ الفهرس 4/ 145، ونيل الأمل 6/ 45 رقم 2450، والمجمع المفنّن 2/ 353 - 355 رقم 1128، وبدائع الزهور 2/ 349.
(3)
هو أحمد بن علي بن إبراهيم بن محمد بن أبي بكر
…
أبو الفتيان وأبو العباس المعروف بالسيد البدوي. توفي سنة 675 هـ. انظر عنه في: النجوم الزاهرة 7/ 252، وطبقات الأولياء 422، 423 رقم 121، وحُسن المحاضرة 1/ 299، وشذرات الذهب 5/ 345، وإيضاح المكنون 2/ 644، وتاريخ الأدب العربي 1/ 450، وطبقات الشعراني 1/ 214 - 220، وجامع كرامات الأولياء 1/ 309 - 312، والأعلام 1/ 180، ومعجم المؤلفين 1/ 314، وحياة السيد البدوي، لإبراهيم أحمد نور الدين، والسيد البدوي، لمحمد فهمي عبد اللطيف، والسيد أحمد البدوي، د. سعيد عبد الفتاح عاشور، والقاموس الإسلامي 1/ 291.
صحبتها غير ما مرة، وهي أيضًا من نوادرها. وكانت قد لبست الخرقة الأحمدية وتمشيخت، مع ديانتها وعفّتها، وعدم رغبتها الكلّية في الدنيا كغيرها من الخَوَندات، وإلّا لو كانت متطلّعة ومستشرفة إلى ذلك لأُشهرت فوق ما اشتهرت به الخَوَند زينب الخاص بكية
(1)
في تدبير المملكة مع زوجها، لكنها كانت غالباً تُظهِر الالتفات إلى الآخرة.
وكانت خيّرة ديّنة، تحبّ الفقراء وتميل إليهم وإلى طريق الفقر.
ولم تزل على ما هي عليه حتى توفيت في يوم الأربعاء سادس جماد الأول.
ولها نحو السبعين سنة من العمر أو فوقها.
وجُهّزت وأُخرجت جنازتها، وحضرها السلطان وصلّى عليها تحت طبقة الزمام تجاه باب الحريم السلطاني، ثم حُمل نعشها وهو مُسجَّى بمرقّعة من شعار الأحمدية، وأمام نعشها الأعلام الحُمُر الأحمدية، ولم يُرفع على نعشها البَشْتَخَاناه
(2)
بالرماح، على ما جرت به العادة في جنائز أمثالها، وكان ذلك بوصيّة منها، وعُدّ ذلك من نوادرها أيضًا. ودُفنت (بتربة)
(3)
الظاهر خُشقدم زوجها، وكثُر أسفه عليها، وصيّر الخَوَند بعدها سريّته أمّ ابنته فرج
(4)
المسمّاة بسورباي الموجودة الآن بعصرنا الذي نحن به، الماضي ذكرها.
307 -
عبد الله بن عبد الرحمن بن النجار الإسرائيلي
(5)
الأصل، التِلِمْساني، المالكي.
تقدّم في المتجدّدات كيفية قتله بالقصر من دار الإمارة بتِلِمْسان.
وكان شابًا حسنًا، أظنّه ما بلغ الثلاثين سنة.
وكان يستحضر المسائل العلمية والأدب، وله إلمام بالمباشرة، وناب عن والده في وظيفته، وكان مقرَّبًا من صاحب تِلِمْسان. عوّض الله تعالى شبابه الجنة.
(1)
هي زينب ابنة العلاء علي بن محمد الحنفي، وتعرف بابنة ابن خاص بك، وزوجة إينال الأجرود- لم يؤرَّخ لوفاتها في الضوء اللامع 12/ 44، 45 رقم 261.
(2)
البشتخاناه من: بشت تحوير لكلمة بشتدار الفارسية التي تأتي بمعنى كل ملبوس سميك. وهي في النص تعني الراية السميكة التي تُرفع عادة أمام النعش عند التشييع، ويُنسج عليها شعار الطريقة الصوفية التي ينتمي إليها الميت.
(3)
مكرّرة في الأصل.
(4)
ستأتي ترجمتها بعد قليل.
(5)
انظر عن (ابن النجار الإسرائيلي) في: نيل الأمل 6/ 241.
(ترجمة الجلال ابن
(1)
الملقِّن)
(2)
308 -
عبد الرحمن بن علي بن عمر بن علي بن أحمد بن محمد بن عبد الله الأنصاري، الأندلسي الأصل، القاهري، الشافعي.
القاضي جلال الدين أبو هريرة ابن
(3)
القاضي نور الدين ابن
(4)
شيخ الإسلام سراج الدين، المعروف بابن الملقّن
(5)
.
وترجمة جدّه السراج مشهورة، وشهرته تغني عن مزيد ذكره.
ولد حفيده الجلال هذا بالقاهرة بخُط سلّار، بمنزلهم هناك بين القصرين في شهر رمضان سنة تسعين وسبعمائة.
ونشأ فحفظ القرآن العظيم ثم "العمدة" و"المنهاج"، وعرض "العمدة" على الزين العراقي في سنة اثنتين
(6)
وثمانمائة، وأجازه بروايتها عنه، وعرض أيضًا على الصدر المناوي، وعلى جدّه السراج شيخ الإسلام، وأجاز له هو وغيره، ثم اشتغل بالعلم فأخذ عن جماعة، منهم: البرهان البيجوري، وغيره، وشُهر وذُكر، وناب في القضاء، وصار من أجلّ نوّاب الحكم، مع حُسن سمت وملتقى.
وكان والده من أعيان نوابغ الطلبة الفضلاء.
وأمّا جدّه فناهيك به.
وأمّا جدّ أبيه فكان شيخ النُحاة، ولهذا كان السراج جدّه يعرف بابن النحوي أيضًا.
ووُلّي الجلال هذا عدّة وظائف وتداريس تلقّاها عن والده بعد موته، وحسُنت سيرته فيما تولّاه من نيابة الحكم وغيرها. وكان وجيهًا أنِساً. ومرض مرة بسَلَس البَول، ثم آل به الأمر أن
(7)
انتقل إلى عُسر البَول، ثم حصل له تورّم سببه
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
انظر عن (ابن الملقّن) في: عنوان الزمان 3/ 75 - 88 رقم 276، والنجوم الزاهرة 16/ 348، 349، ووجيز الكلام 2/ 774، 775 رقم 1780، والذيل التام / 191، والضوء اللامع 4/ 101، 102 رقم 288، والمنجم في المعجم 139، 140 رقم 70، ونظم العقيان 124 رقم 102، ونيل الأمل 6/ 241 رقم 2649، وحوادث الزمان 74 رقم 222، وبدائع الزهور 2/ 439، وشذرات الذهب 7/ 310.
(6)
في الأصل: "اثنين".
(7)
في الأصل: "إلى".
الاستسقاء، وجزم الكثير من الأطبّاء بموته فتركوا معالجته. ثم لما انحبس
(1)
البَول رأسًا عنه تيقّنوا بموته قريبًا. ثم اتفق أن خرج من ذلك الدم بعد انقطاع الأطباء عنه، وبرأ مما كان به بعد قليل من الأيام، وعاش مدّة سنين بعد ذلك.
حتى توفي بعد ذلك في يوم الجمعة ثاني شوال.
ودُفن بمدرسة سعيد السعداء على أسلافه، وكانت جنازته حافلة، وتأسّف الكثير من الناس عليه لخيره ودينه، وتُؤدته وسكونه، وحُسن سمته، وانجماعه عن الناس، ورياسته وحشمته، وأدبه، ومحاسنه الجمّة.
309 -
عبد الغفار بن أحمد بن عطية
(2)
الطرابلسي، المغربي، المالكي.
الشيخ الصالح، العدل، الرضيّ، الزّكيّ، أبو محمد، شيخ زاوية ابن
(3)
عطيّة بطرابلس، ويُعرف هو أيضًا بابن عطية.
ولد بطرابلس الغرب قُبيل التسعين وسبعمائة.
وبها نشأ في كنف أبيه بزاوية جدّه.
وكان والده شيخًا يُلجأ إليه للمُلِمّات والمَهمّات، صالحًا، نيّراً، ذا وجاهة وحرمة، ونفاذ كلمة.
حفظ صاحب هذه الترجمة القرآن العظيم في صِغره، واشتغل فأخذ عن جماعة، وتميّز في فقه مالك رضي الله عنه، وتبع طريق التصوّف على طريقة أهل السُنّة، واستقرّ بعد والده في زاويتهم، وصار له ذِكر وشهرة، وكان مُثريًا ذا أوقاف على زاويته يُقْري الضيفان وينفع الناس، وكان بيده (
…
)
(4)
عدالة كِبره ويُقصد للشهادة، فيشهد في الوثائق حسبة للَّه بغير أجر، وكان من أجلّ عدول طرابلس المعتبرين، والعدالة بتلك البلاد من أجلّ المناصب، لا سيما وهذا كان يشهد حسبة للَّه، مع الدين المتين، والورع الزائد، والعفّة والخير والصلاح، وحُسن السمت والهيئة والوجاهة، وفكاهة المحاضرة، والمداومة على الطاعات ونوافلها، والأوراد والأذكار. وكان على مجلسه الأُنس.
رأيته وصحبته وأنا بطرابلس وسمعت الكثير من فوائده، وتردّدت إلى زاويته وداره كثيرًا، وكان يأنس إليّ.
ولم يزل على خير حتى توفي في هذه السنة، ولم يحضرني شهر وفاته.
(1)
كتب بإزائها على الهامش: "باطنه مرض (
…
)؟ ".
(2)
انظر عن (ابن عطية) في: نيل الأمل 6/ 246 رقم 2657.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
كلمة ممسوحة.
واستقرّ بعده في مشيخة زاويته ولده ()
(1)
، وهو شاب حسن، ويبلغنا عنه الخير والصلاح في هذه الأيام على حداثة سِنّه.
310 -
عُقبة
(2)
.
أحد الصُلحاء من أهل الجذب بطرابلس الغرب.
وكان من كبار الأولياء المجاذيب.
رأيته بطرابلس وهو عاري الرأس، (على بدنه خلقة رثّة، يأوي إلى حانوت خراب بها، ويقصده الناس للتبرّك به. ولقد قصدته مرة مضمراً شيئًا ( ......
…
)
(3)
صريحاً بتؤدة وسكون زائد، وكان أكثر حركة ليلًا، وأمّا في النهار فلا يُرى إلّا مُلقى كالميت بتلك الحانوت. وكان لا يسأل الخلق شيئًا، ودام على ذلك مدّة حتى توفي منتقلاً إلى الله تعالى في هذه السنة في أوائلها، أو لعلّ في أواخر الماضية، وعندي شك، والله أعلم)
(4)
.
(ترجمة النور الشِيشيني)
(5)
311 -
علي بن أحمد بن محمد بن عمر بن وجيه بن مخلوف الشِشيني
(6)
، القاهري، الحنبلي.
الشيخ العالم الفاضل، البارع، الكامل، نور الدين بن قطب الدين
(7)
.
ولد النور هذا في شهر رمضان سنة سبع وثمانمائة بالقاهرة، وبها نشأ.
فحفظ القرآن العظيم، ثم "الخِرَقي"، واشتغل في صِغره بذكاء وحذْق تام وتيقظ وفَهْم، فأخذ عن جماعة منهم: المحبّ بن نصر الله قاضي القضاة، وشيخنا التقيّ بن قُنْدُس، والزين الزرْكشي، والعزّ القدسي، وغيرهم. ودأب وجدّ واجتهد. ولم يزل محصّلاً مشتغلاً مع فَرْط ذكاء وحفظ في حالة كِبَره غالب
(1)
بياض في الأصل.
(2)
انفرد المؤلّف رحمه الله بهذه الترجمة، ولم يذكر صاحبها في كتابه "نيل الأمل".
(3)
ثلاث كلمات ممسوحة.
(4)
ما بين القوسين شُطب بعدّة خطوط مائلة.
(5)
العنوان من الهامش.
(6)
انظر عن (الششيني) في: النجوم الزاهرة 16/ 344، والضوء اللامع 5/ 187، 188 رقم 638، ونيل الأمل 6/ 226 رقم 2633، وبدائع الزهور 2/ 434، وشذرات الذهب 7/ 310، والمنهج الأحمد 499، والدر المنضّد 2/ 661 رقم 1623، والسُحُب الوابلة 228، 289 رقم 935.
(7)
كتب بعدها: "الماضي في محله" ثم ضرب عليها.
"المحّرر" في فقه مذهبه، ومهر وبرع، وذُكر بالفضيلة التامّة، وأفتى ودرّس، وجلس لإفادة الطلبة، وانتفع به جماعة، وسمع الحديث على الزين الزركشي المذكور في مشايخه، بل وعلى غيره، وناب في القضاء، وصار معدوداً من أعيان علماء مذهبه، وحُمدت سيرته في قضائه وأحكامه، وشُكرت قضاياه. ودام على ذلك مع الخير والدين، والعفّة، والتؤدة، والسكون، وحُسن السمت، والملتقى، حتى توفي في يوم الأحد تاسع عشرين صفر.
(ترجمة ولده الشهاب الشِشِيني)
(1)
312 -
• وترك ولده العلّامة، صاحبنا، الشيخ، الإمام، العالم، العامل، البارع، الكامل، الفاضل، شهاب الدين، أبا
(2)
العباس، أحمد
(3)
.
وُلد على ما أخبرني به من لفظه، حصّنه الله تعالى بحفظه، ونظر إليه بعين عنايته ولحظه، في آخر يوم الخميس خامس عشر شوال سنة أربع وأربعين وثمانمائة، وأخبرني بأنه رآه كذلك بخط والده صاحب الترجمة.
ونشأ نشأة حسنة، فحفظ القرآن العظيم في حالة صغره، ثم حفظ "المحرّر" و "ألفيّة النحو" و "تلخيص المفتاح" وغير ذلك، ثم اشتغل بالعلم، مع فرط ذكاء وفهْم وحذق وتيقّظ وفطنة، بقريحة وقّادة، فكرة نقّادة، فلازم والده، وأخذ عنه الكثير وانتفع به. ومن مشايخه العزّ الكناني قاضي القضاة. ولازم التقيّ الحصني في الفنون. وأخذ أيضًا عن شيخنا الكافِيَجي، وكان يُثني على فهمه وذكائه وعلمه، ويعجبه حُسن سمته وعقله. ومن مشايخه أيضًا: التقيّ الشُمُنّي، والشمس الشرواني، وغيرهما. ولم يزل محصّلاً حتى برع ومَهَر وشُهر وذُكر! وأفتى ودرّس، وكتب على الفتاوى الكتابة الجيّدة لإتقانه مذهبه وضبطه إيّاه، وفاق فيه على أبيه وعلى أقرانه، بل على الأعلى منه سِنًّا، وصار يُقصَد في المهمّات والواقعات في مذهبه، وترد عليه الفتاوى، ويُعتمد على ما يكتبه في مذهبه، وعُدّ من أعيان السادة الحنابلة في هذا العصر وأشير إليه في مذهبه إمامة، مع خير ودين وحُسن سمت وطلاقة مُحيّا. ووُلّي تدريس الفقه بالأشرفية المستجدّة بين القصرين، وبيده عدة وظائف أُخَر. وهو أهل لأن يرقى إلى أسنى الوظائف لعموم نفعه والانعكاف على الإقراء والإشغال ونفع الطلبة، مع ما هو مشغول به من التأليف والتصنيف. وقد
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
في الأصل: "أبو".
(3)
في الضوء اللامع 2/ 9 - 11 رقم 29 "أبو حامد" ولم يذكر وفاته.
أقرأ بعض مؤلّفاته بالخانقاه الأشرفية، بلّغه الله تعالى الأمل وصانه من الخطأ
(1)
والخطل، وسدّده في القول والعمل، وقد فعل. وهو أخ في الله تعالى. وهذه النسبة مستمرة، وأرجو له توالي المَسَرَّة، وكشف المَضَرّة، ومزيد الرفعة، وبُعد الصيت والسُمعة.
وفيه قلت مرتجلاً، مُستعجلاً.
هو الشهاب الذي شاعت محاسنه
…
وحاز مِن كل مَن فوق ما أصفُ
(ترجمة ابن
(2)
حامد الصفدي)
(3)
313 -
علي بن محمد بن إبراهيم بن حامد
(4)
بن خليفة الصفدي، الشافعي.
الشيخ الإمام، العالم، العامل، البارع، الفاضل، الكامل، علاء الدين، قاضي القضاة بصفد، المعروف بابن حامد، وهو جدّ أبيه.
ولد بصفد في سنة أربع وثمانمائة، وبها نشأ
(5)
.
فحفظ القرآن العظيم، ثم "المنهاج"، و "مختصر ابن الحاجب الأصلي"، و "ألفيّة ابن مالك"، واشتغل بالعلم فأخذ ببلده وبدمشق عن جماعة من علماء عصره، ثم دخل إلى القاهرة ولازم بها جماعة من الأعيان من العلماء، ودأب وجدّ، ولم يزل محصّلاً حتى شُهر بالفضل، وذُكر في أهل العلم وتميّز، ثم صحِب الظاهر جقمق في حال إمرته، ولم يحصل له طائل منه بعد سلطنته، وليته مع ذلك لم يحصل له من الشر والبهدلة، بل حصل عليه منه الضرر الزائد، فإنه ولّاه قضاء صفد ثم صرفه، ثم جرت له كائنة مع حاجب صفد فأمر الظاهر بسجن الحاجب، ونفى القاضي إلى دمشق بسبب تلك الكائنة، فتلطّف إلى أن حضر إلى القاهرة، فلم يأذن له الظاهر بدخوله عليه، بل وأمر بنفيه إلى قوص على عادته في مثل ذلك مع غير صاحب الترجمة، حتى شفع فيه، إلى ما كان من أمر دمشق، فخرج إليها، ووُلّي قضاء صفد عِوضاً عنه ابن
(6)
سالم، وكان من أدوَن الناس مرتبة بالنسبة إلى
(1)
في الأصل: "الخطاء".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
انظر عن (ابن حامد) في: نيل الأمل 6/ 247 رقم 2658، وعنوان الزمان 4/ 54. 55 رقم 377، وعنوان العنوان 189، والضوء اللامع 5/ 277، 278 رقم 944.
(5)
في الأصل: "نشاء".
(6)
في الأصل: "بن".
صاحب الترجمة، بل رُمي بأشياء في أيام قضائه، وما حُمدت سريرته، وتأثّر ابن
(1)
حامد من كونه يُعزل بمثل هذا، لا سيما لما بلغه بأنه حمل رشوة قرّرها على نفسه وقيمتها، وهي أربعمائة دينار، قدّمها وقرّرها في كل سنة عليه، فحصل على صاحب الترجمة بسبب ذلك مرض نفسانيّ من القهر، أدّاه إلى التمرّض بالمرض الجثماني، ثم تنقلت به فيه الأحوال، إلى أن توفي بغتة في هذه السنة، وما حرّرتُ شهر وفاته.
314 -
فَرَج
(2)
ابنة السلطان الظاهر أبي
(3)
سعيد خُشقَدَم.
الطفلة الجنانية.
ولدت في أثناء سنة خمس وستين وثمانمائة.
من أمّ ولد سريّة للسلطان اسمها سورباي. وكانت الخَوَنْد الكبرى في هذه السنة، وهي التي تقدّم ذِكرها غير ما مرة، بل وترجمناها، وكان السلطان يأنس بهذه الإبنة ويحبّها جدًّا، لكونها أكبر أولاده من الذكور والإناث، فأسِف عليها جدًّا حين ماتت، حتى أبطل خدمته يوم الإثنين من كثرة أسفه عليها، واشتغال باله بها، وحزنه عليها الحزن الشديد الذي ما عُهد بمثله من سلطان على ولدٍ له كبير ذَكَر، فضلاً عن أنثى صغيرة، وعُدّ ذلك من النوادر، وكذلك جرى لأمّها، فإنها وجدت عليها وجْداً عظيمًا حين ثُكِلت بها، حتى نزلت إلى قبرها، وذلك بخلاف عادة الخَوَندات.
وتوفيت فرج هذه في يوم السبت سابع عشر ذي الحجّة.
وجُهّزت وأُخرجت جنازتها، وصُلّي عليها تحت طبقة الزمام تجاه باب السعادة، وتقدّم في الصلاة عليها الخليفة الإمام المستنجد باللَّه أبو المظفّر يوسف
(4)
أمير المؤمنين، وحُملت إلى تربة أبيها بالصحراء فدُفنت بها،
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
انظر عن (فرج بنت خشقدم) في: الضوء اللامع 12/ 114 رقم 691، ونيل الأمل 6/ 245 رقم 2654، وبدائع الزهور 2/ 440.
(3)
في الأصل: "أبو".
(4)
هو يوسف بن محمد بن أبي بكر بن سليمان بن أحمد بن حسين المستنجد باللَّه. توفي سنة 884 هـ. انظر عنه في: وجيز الكلام 3/ 903 رقم 2054، والذيل التام 2/ 326، والضوء اللامع 10/ 329، 330 رقم 1247، والأنس الجليل 2/ 447، 448، وتاريخ الخلفاء 513، 514، وحُسن المحاضرة 2/ 91، 92، ونيل الأمل 7/ 226، 227 رقم 3104، وحوادث الزمان 1/ 229 رقم 297، وبدائع الزهور 3/ 151، 152، وشذرات الذهب 7/ 339، وأخبار الدول 2/ 221، والأعلام 8/ 251.
ودامت القرّاء بالأجواق عند قبرها أسبوعاً، وعُملت لها المآتم.
315 -
قاسم بن تمرباي
(1)
الجركسي الأصل، القاهري، الحنفي، زين الدين.
أحد الحجّاب بالقاهرة.
ولد بُعَيد العشرة وثمانمائة بالقاهرة.
وبها نشأ
(2)
صيّناً، كيّساً، عارفاً، ذكيّاً، فقرأ شيئًا من القرآن وشيئاً من الرسائل الفقهية، وحضر بعض الدروس، ونظر في كثير من كتب الأدب. (وسمع الحديث على الحافظ ابن
(3)
حجر وغيره)
(4)
. ولما مات والده تمرباي وكان من الخاصكية من الظاهرية البرقوقية تعانى ولده هذا صناعة الخياطة في بعض الحوانيت.
وكان بينه وبين الوالد صحبة أكيدة، وكان الوالد يجالسه كثيراً وما مَن في حانوت خياطة تجاه درب الحزام، حيث كان يسكن الوالد إذ ذاك. ولما أن تنقّلت بالوالد الأحوال بالإسكندربة إلى أن ولي نيابتها، بعث إلى القاهرة بطلب قاسم هذا وصيّره دواداره، واختص به لعقله ولفهْمه و (
…
)
(5)
وحُسن سمته وتؤدته وسكونه، وشُهر بالإسكندرية وذُكر، وأحسن (
…
)
(6)
في دواداريّته، وشُكرت سيرته، وتردّد إلى القاهرة في كثير من المهمّات، وعرّفه (
…
)
(7)
دونه. ثم تنزّل بعناية الوالد في بيت السلطان من جملة الجند، وتولّى الخاصكية بعد ذلك، وأُقطع إقطاعًا جيدًا، ولا زال حتى صُيّر من جملة الحجّاب بالقاهرة، وصحب الأتابك تَنِبَك البُرْدُبَكي وغيره من أعيان الأمراء وأرباب الدولة. وحج غير ما مرة آخرها في دولة الظاهر خُشقَدم. ولما عاد كلَّم الوالدُ السلطانَ في جبر خاطره بشيء يُلبسه إيّاه، فأجابه إلى ذلك وألبسه سلّارياً
(8)
من ملابيسِه لما طلع إليه حين قدومه من حجّه. وحُمدت سيرته في حجوبيّته.
وكان إنسانًا حسنًا، أدوبًا، حشمًا، حسن السمت والملتقى، ذا فصاحة وبِشر وبشاشة ومعرفة.
(1)
انظر عن (قاسم بن تمرباي) في: نيل الأمل 6/ 247 رقم 2661، وبدائع الزهور 2/ 441.
(2)
في الأصل: "نشاء".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
ما بين القوسين من الهامش.
(5)
كلمة ممسوحة.
(6)
كلمة ممسوحة.
(7)
كلمة ممسوحة.
(8)
السلّاري: ويُلفظ أيضًا بغلوطاق. لفظ فارسي بمعنى الثوب بدون أكمام يُلبس تحت الفرجية (الصدرية مفتوحة الصدر) مصنوع من القطن البعلبكي الأبيض، أو جلد السنجاب أو الحرير. (معجم المصطلحات 82).
توفي في هذه السنة.
وكان قد ابتدأ به علّة الحزام خفيفة، ولم تفحش به حتى مات. ولم أحرّر شهر وفاته.
316 -
قَراجا العمري
(1)
، الناصري، ثم المؤيَّدي.
أحد مقدّمين
(2)
الألوف بدمشق، المعروف بالوالي.
كان من مماليك الناصر فرج بن برقوق
(3)
، وتنقّلت به الأحوال بعده في الجندية حتى تسلطن الظاهر جقمق، فصيّره والياً بالقاهرة، ثم تنقّل بعد ذلك في عدّة ولايات يمكن الوقوف عليها من المتجدّدات الماضية في سِنِيّ دولة الظاهر جقمق إلى يوم خروجه لدمشق، من جملة ذلك نيابة القدس وكرَك، ثم بعد مدّة وُلّي كشف الرملة. ثم بأخرة تقدّم بدمشق أيضًا، ودام إلى أن بَغَتَه الأجل بها.
وكان شجاعاً مقداماً، مشهوراً بالشجاعة، مع إسراف على نفسه.
توفي في المحرّم وقد ناهز الثمانين.
317 -
كَسْباي الشِشْماني
(4)
، الناصري، ثم المؤيّدي.
أحد الطبْلخانات بالديار المصرية.
كان من مماليك الناصر فَرَج، وقُتل عنه قبل أن يُجْري عتقه عليه، فملكه
(1)
انظر عن (قراجا العمري) في: النجوم الزاهرة 16/ 343، والضوء اللامع 6/ 215، 216 رقم 720، ونيل الأمل 6/ 224 رقم 2632، وحوادث الزمان 1/ 171 رقم 216.
(2)
الصواب: "أحد مقدَّمي".
(3)
انظر عن (الملك الناصر فرج بن برقوق) المتوفى 815 هـ. في: السلوك ج 4 ق 1/ 223 - 228، وإنباء الغمر 2/ 510، 511، وذيل الدرر الكامنة 222 رقم 395، وعقد الجمان 158، 159 رقم 11، والسيف المهنَّد 260، وشفاء الغرام، لقاضي مكة الفاسي (بتحقيقنا) 2/ 407، وزبدة كشف الممالك (لوالد المؤلّف -رحمهما الله-) 148، 149، وتاريخ بيروت، لصالح بن يحيى 238، ونزهة النفوس 2/ 309، 310، والنجوم الزاهرة 13/ 147 - 153، وماَثر الإنافة، للقلقشندي 2/ 205، والضوء اللامع 6/ 168 رقم 562، ووجيز الكلام 2/ 420، والذيل التام 1/ 476، وتاريخ الملك الأشرف قايتباي (بتحقيقنا) 100، وحُسن المحاضرة 2/ 29، وتاريخ الخلفاء 506، ونزهة الأساطين 120 - 122، ونيل الأمل 3/ 232، 233 رقم 1288، والتاريخ الغياثي 353، وتاريخ ابن سباط (بتحقيقنا) 2/ 772، وبدائع الزهور ج 1 ق 2/ 819 - 822، وشذرات الذهب 7/ 112.
(4)
انظر عن (كَسباي الشِشماني) في: النجوم الزاهرة 16/ 346، والضوء اللامع 6/ 228، 229 رقم 782، ووجيز الكلام 2/ 780 رقم 1798، والذيل التام 2/ 197، 198، ونيل الأمل 6/ 234 رقم 2641، وبدائع الزهور 2/ 435، 436.
المؤيَّد شيخ وأعتقه، وصيّره خاصكيّاً بعده، ودام على ذلك مدة في عدّة دول، حتى تسلطن الظاهر جقمق، فصيّره من جملة الدوادارية الصغار، ثم وقع له عدّة من الخطوب والمِحَن. ولما تسلطن الأشرف إينال صيّره من العشرات، ودام على ذلك إلى سلطنة خُشداشه الظاهر خُشقدم، فرقّاه إلى إمرة طبْلخاناة، واستمر عليها حتى (استقر به في هذه السنة في إمرة الركب الأول، فلم يَنشَب أن)
(1)
بغته أجله.
وكان إنسانًا حسنًا، جيّداً، ديّنًا، سليم الباطن والفطرة، وعنده شجاعة ومعرفة بفنون الفروسية والأنداب والتعاليم، رأسًا في الرمح والنشاب وغيرهما، مع خفّة وطيش وتهوّر.
توفي في ليلة الإثنين ثالث جمادى الآخرة، ودُفن بتربته التي أنشأها خارج القاهرة.
وقُرّر في إمرته جانِبَك من طَطَخ الذي صار بعد ذلك أميراخورًا كبيرًا، ثم أمير سلاح، وكان يُعرف بالفقيه.
(ترجمة تغري بَرْمش دوادار آقبردي الدوادار الكبير)
(2)
318 -
• وكَسْباي هذا هو أستاذ تغري بَرْمش الذي هو الآن دوادار آقبردي
(3)
قريب السلطان، الدوادار الكبير بعصرنا الذي نحن به. وكان لما مات أستاذه وقد أزوجه بابنته اتصل بعده بجانِبَك من طَطَخ، لكونه أخذ إقطاعه، فصار في خدمته، وترقى عنده إلى أن صُيّر دواداره، ثم دوادارًا لجانَم أحد مقدّمين
(4)
الألوف قريب السلطان، ثم لآقبردي.
وهو إنسان حسن السمت، مشكور السيرة بالنسبة إلى غيره، له خبرة ومعرفة تامّة وسياسة وكياسة، وليس بخالٍ من فضيلة وفهْم وحذق.
سِنّه زيادة على الأربعين أو نحو الخمسين.
واسم أستاذه -أعني كَسْباي صاحب الترجمة- مركّب من لفظين أصلاً، هما: جركسية وهي كَسا اسم لجيلٍ من الجركس. وباي، وهي الثانية تركية وهي معروفة، ويحتمل أن تكون فارسية. وهي كاسَة باي، وكاسَه بمعنى الكأس بالعربي، والأول أظهر، وأسقط الألِف استخفافاً على اللسان.
(1)
ما بين القوسين عن الهامش.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
توفي (آقبردي الدوادار) في سنة 904 هـ. انظر عنه في: حوادث الزمان 2/ 78 رقم 609، ومفاكهة الخلّان 1/ 218، وإعلام الورى 98، وبدائع الزهور 3/ 421.
(4)
الصواب: "أحد مقدَّمي".
319 -
كوكاي من حمزة
(1)
الظاهري، الخاصكي.
أحد القرانصة الأغوات القدماء.
كان من مماليك الظاهر برقوق، وكان تركياً، تتريّ الجنس، وصيّره الأشرف بَرْسباي خاصكيّاً في دولته، وأقطعه إقطاعًا حسنًا، ودام على ذلك مدّة في عدّة دول، حتى بَغَتَه الأجل على ذلك.
وكان إنسانًا حشمًا، أدوبًا، ساكناً، خيّرًا، ديّنًا، سليم الباطن والفطرة، محموداً في سائر أحواله، منجمعاً حتى عن بني جنسه، قانعاً بما كان فيه. رأى عدّة دول وأناس، وشاخ حتى بلغ التسعين فيما أظنّ، مع قوّة وسلامة نيّة.
(وتوفي في هذه السنة فيما أُخبرت، ولم يتحرّر لي شهر وفاته)
(2)
.
واسمه مركّب من لفظتين، تركيّتين، أحدها:"كوُكْ" وهو اسم للسماء
(3)
، والثانية:"أُي" وهو اسم للقمر، ومعناه: القمر والسماء، وجُعل عَلَماً.
ولقد سألت عن معناه طائفة من الناس ممن يدّعي معرفة لغة التُرك فما أجابني
(4)
.
320 -
محمد بن أحمد بن ناصر بن خليفة المقدسي، الناصري، الباعوني
(5)
، الشافعي.
الشيخ شمس الدين، أخو شيخنا البرهان الماضي في أول التراجم، وبقيّة نسبه أيضًا هناك.
ولد بدمشق وبها نشأ، فحفظ القرآن العظيم، و"منهاج النووي"، وعَرَضه على جماعة من أعيان علماء دمشق، ثم اشتغل فأخذ في الفقه عن أبيه، والشهاب الغزّي، والشمس الكفيري، وأخذ عنهم في فنون أخَر وعن غيرهم. وسمع
(1)
انظر عن (كوكاي من حمزة) في: نيل الأمل 6/ 231 رقم 2638، وبدائع الزهور 2/ 435.
(2)
ما بين القوسين عن الهامش.
(3)
انظر ديوان لُغات الترك 352.
(4)
كتب بجانبها على الهامش: "انوارك".
(5)
انظر عن (الباعوني) في: الضوء اللامع 7/ 114 رقم 249، ووجيز الكلام 2/ 774 رقم 1779، والذيل التام 2/ 191، ونيل الأمل 6/ 239 رقم 2646، وحوادث الزمان 1/ 178 رقم 229 في وفيات سنة 871 هـ. وكشف الظنون 369، و 1243، وشذرات الذهب 7/ 310، وبدائع الزهور 2/ 438، وهدية العارفين 2/ 205، وتاريخ الأدب العربي 2/ 41، وذيله 2/ 38، ومجلّة معهد المخطوطات العربية 2/ 128، والأعلام 5/ 334، ومعجم المؤلفين 9/ 24، والتاريخ العربي والمؤرّخون 4/ 194 رقم 175، ومختارات من المخطوطات العربية النادرة في مكتبات تركيا 310 رقم 563، والمعجم الشامل للتراث العربي المطبوع 1/ 136.
الحديث على عائشة ابنة عبد الهادي وغيرها، وتعانى الأدب والنظم فأكثر منه، ونظم سيرة الحافظ مُغُلْطاي، وسمّاها "بهجة اللبيب في سيرة الحبيب"، وهي فوق الألف بيت، وكتب بخطه شيئًا كثيرًا من الكتب العلمية على اختلاف أنواعها، وخطب بجامع دمشق نيابة، وخطب أيضًا بمسجد القصب، ووُلّي نظر الأسرى والأسوار وغير ذلك، وحدّث باليسير من نظمه ومن غيره أيضًا، فممّا حدّث به من نظمه قوله وفيه الجناس المصحّف:
أقول للأعمى لما لَحَاني
…
وأصبح في العوارض لي يعارضْ
لعذري في العِذار أقِم وإلَّا
…
فلا تدخل على قلبي بعارضْ
وله غير ذلك من نظم ونثر، وكان مجموعاً حسنًا، ذا تؤدة وبِشر وبشاشة وحُسن سمت وملتقى، وفكاهة ومحاضرة وجودة عشرة.
توفي بعد أخيه الماضي بشهور في رمضان.
(ترجمة الفالاتي)
(1)
321 -
محمد بن علي بن نصير بن عبد الرحمن الدمشقي الأصل، القاهري، الشافعي.
الشيخ العالم، الفاضل، البارع، الكامل، شمس الدين، المعروف بابن الفالاتي
(2)
.
ولد بالقاهرة في سنة ()
(3)
، وبها نشأ
(4)
.
فحفظ القرآن العظيم، وتعانى صناعة والده برهة من الزمان، وصار له في ذلك اليد الطولى، ثم ثنى عنانه عن ذلك كلّه إلى ملازمة الاشتغال، وهو بهذا الاستعداد، فتفقّه بجماعة من علماء عصره، ودأب وجدّ واجتهد، حتى عُدّ من أعيان الفقهاء، وسمع الحديث، وخطب بالجامع الأزهر، واغتبط به الناس، وناهيك به بأخرة فلا كأوّله.
وكان خيّرًا، ديّنًا، صالحًا، عالمًا، فاضلًا.
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
انظر عن (الفالاتي) في: النجوم الزاهرة 16/ 349، والضوء اللامع 8/ 197 - 199 رقم 517، ووجيز الكلام 2/ 776، 777 رقم 1786، والذيل التام 2/ 193، 194، ونيل الأمل 6/ 244 رقم 2653، وبدائع الزهور 2/ 440.
(3)
بياض في الأصل.
(4)
في الأصل: "نشاء".
322 -
• وأمّا والده فهو الفالاتي، وهي صناعة معروفة بالقاهرة تعملها الحلقية.
ولد بدمشق في سنة سبع وسبعين وسبعمائة.
وكان من عوام الناس، وكان له اثنان من الإخوة، عَمّا صاحب الترجمة. أحدهما كان جكارة (؟) ويجالس العوامّ، يجلس في الحلَق حين يتناشدون وهو يسمع، ثم يرجعون إليه في تمييز كلٍّ منهم و (
…
…
)
(1)
، ويتكسّب بضرب الرمل، وكان مع ذلك حكماً للمصارعين، فهم في المصارعة (
…
)
(2)
لكنهم كانوا ليسوا بخالين من الفضيلة والفنون، وانتقل عليّ
(3)
مع والده إلى القاهرة في الأحد عشر
(4)
وكتب على الوسيمي فانصلح خطّه، ثم عُني بالأدب على طريقتهم، ونظم الفنون حتى صار له شُهرة وذكر فيها، ويد طولى، وعظُم بين أهل فنّه، وصار ككاتب السر للمهاترة، فكان هو الذي يكتب الأوامر التي جرت العادة بكتابتها للمهاترة، مما يصدر عنهم فيما يتعلّق بالقوم، ولهم فيها طريقة غريبة وضوابط في الاصطلاح، ينحون بها نحو التقاليد والتواقيع المكتتبة من ديوان الإنشاء عن السلاطين، وكان له في معرفة ذلك يد طولى وبراعة، وأمعن في هذه الفنون وشُهر بها، حتى صار أديب القاهرة وحكورها، وبعُد صيته في ذلك جدًّا، وكان يتردّد إلى جمال الدين الأستادّار مع عظمة هيئته، وينشده أشياء لنفسه، وكان الجمال يأنس به، وكان يكتب للحافظ ابن
(5)
حجر، رحمه الله، بعض ما ينظمه من الأزجال والمواليا، فيجيبه على نظمه، ويعجبه ما يقوله. وكان له حلقة حافلة هائلة تحت شبّاك الصالحية بين القصرين، بعد المغرب، يقف فيها جماعة من المعتبرين، ويتقصّدها الكثير لسماعه، وكان ذا مَلَكة قويّة.
ومن نظمه في بعض أصهاره، وكان حصل له معهم مجافاة:
روحي التي طلبتْ في الحبّ ملّتكُم
…
مِلتُمْ عليها أشدَّ المَيل ملتكم
ومُذ رأتْ في الخلائق قُبْحَ خِلّتكم
…
وما رأت قطّ فيكم خِلّ خلتكم
وله أشياء غريبة عجيبة.
وكان ولده صاحب الترجمة نحوًا من أبيه، لكنّه صار من الأعيان من العلماء.
(1)
كلمتان ممسوحتان.
(2)
كلمة ممسوحة.
(3)
في الأصل: "عليا".
(4)
الصواب: "وهو في الإحدى عشرة سنة" أو "الحادية عشرة".
(5)
في الأصل: "بن".
وتوفي في يوم الجمعة رابع عشر ذي القعدة، وأُخرجت جنازته حافلة.
(ترجمة البدر ابن المخلّطة)
(1)
323 -
محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله السكندري، القاهري، المالكي.
القاضي بدر الدين بن ناصر الدين بن فخر الدين، أحد نواب الحكم، (قاضي الإسكندرية)
(2)
، المعروف بابن المخلّطة
(3)
.
كان جدّ قاضي القضاة المالكية، فهو من بيت علم ورياسة.
وأمّا والده فتقدّم في وَفَيات سنة ثمانٍ وخمسين
(4)
، ووُلد ولده البدر هذا بالقاهرة في سنة ()
(5)
وبها نشأ.
فحفظ القرآن العظيم وعدّة متون، واشتغل فأخذ عن جماعة من علماء العصر وتميّز وشُهر، وناب في القضاء، ثم وُلّي قضاء الإسكندرية، وحسُنت سيرته في قضائه وأحكامه. ولما توجّه إلى الإسكندرية مرض بها، فعاد إلى القاهرة موعوكاً، ولزم الفراش إلى أن بَغَتَه الأجل.
وكان عالمًا فاضلاً، فقيهًا، له نظم، وحُسن هيئة وشكالة، وتجمُّل في شؤونه
(6)
، وكان يعتريه القولنج.
وبه توفي في ليلة السبت تاسع عشر ربيع الأول.
324 -
محمد بن السيوطي
(7)
، القاهري، الشافعي.
القاضي فخر الدين، أحد نواب الحكم.
لا أعرف شيئًا من حاله.
وذكره بعضهم
(8)
فقال: مات وله أزْيَد من سبعين سنة، وقد ناب في الحكم
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
ما بين القوسين عن الهامش.
(3)
انظر عن (ابن المخلّطة) في: النجوم الزاهرة 16/ 344، والضوء اللامع 10/ 8، 9 رقم 13، ووجيز الكلام 2/ 778 رقم 1789، والذيل التام 2/ 195، ونيل الأمل 6/ 228 رقم 2635.
(4)
ضاعت ترجمته في جملة ما ضاع من المخطوط.
(5)
في الأصل بياض.
(6)
في الأصل: "شونه".
(7)
انظر عن (ابن السيوطي) في: النجوم الزاهرة 16/ 347، ووجيز الكلام 2/ 772، ونيل الأمل 6/ 234 رقم 2642، وبدائع الزهور 2/ 436.
(8)
يقصد المؤرّخ ابن تغري بردي.
أزيد من أربعين سنة، على أنه كان قليل العلم والعمل، عفا الله عنه. انتهى كلامه ولا أعتمده.
وتوفي الفخر هذا في يوم الخميس ثالث عشر جمادى الآخرة.
325 -
ملك أصلان
(1)
بن سليمان بن محمد بن خليل بن قراجا بن دُلغادر اليوزاقي، التُركماني، الدُلغادري.
الأمير ()
(2)
الدين، صاحب الأَبُلُستَين وما والاها من بلاد ابن
(3)
دُلغادر. قد تقدّم ذِكر ولايته، وتقدّم أيضًا كيفية قتله.
ويقال إن الذي دسّ إليه الفداوي ليقتله هو الظاهر خُشقدم، بسبب ما كان يقال عنه إنه يميل إلى ابن عثمان. وكان بين حسن بن قرايُلُك وبينه عداوة، وجرت لهما وقائع وأمور يطول الشرح في ذكرها، قد أشرنا لشيء منها فيما تقدّم، واَل أمره أن وثب عليه الفداوي في يوم جمعة وهو بالجامع، فقتله بخنجر معه طعنه في خاصرته في شهر ربيع الأول، وقُتل الفداوي أيضًا في الوقت. ولعلّه مات قبل موت ملك أصلان.
وقد بلغني من إنسان، ولا أعلم صحة ذلك، أن الفداوي لما توجّه إليه كان معه رفيقاً
(4)
له، فترصّده ورام موتَه على اقتضاء ما في ضميره، حتى اتفقا بأن أحدهما يجلس بالجامع حين حضور ملك أصلان [ويجلس]
(5)
بالقرب منه، والآخر يطلع إلى منار الجامع فينادي: أنا أريد أن أطير، حتى خرج [الحرس]
(6)
إليه لصياحه فقام الفداوي وفعل ما فعل، والله أعلم.
ووُلّي الأَبُلُستَين بعده أخوه شاه بُضاغ، وكان قتْله فاتوحة
(7)
؟ الشر على العساكر المنصورة والكثير من أمرائها (
…
)
(8)
الأعيان، فما بالك بغيرهم؟ ولم يزل الشر مسلسلاً إلى يومنا هذا.
(1)
انظر عن (ملك أصلان) في: النجوم الزاهرة 16/ 345، والضوء اللامع 2/ 312، 313 رقم 991، ونيل الأمل 6/ 229 رقم 2636، وبدائع الزهور 2/ 434، 435، وحوادث الدهور 2/ 360، 361، والتاريخ الغياثي 363 بالحاشية، والذيل التام 2/ 197، وتاريخ الأمير يشبك 30.
(2)
في الأصل: بياض.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
الصواب: "رفيق".
(5)
كلمة ممسوحة من الأصل. وما أثبتناه يقتضيه السياق.
(6)
كلمة ممسوحة من الأصل. وما أثبتناه يقتضيه السياق.
(7)
هكذا في الأصل. والصحيح "فاتحة".
(8)
كلمة ممسوحة.
326 -
منصور بن الصفي
(1)
.
الأمير، الوزير، الصاحب، شمس الدين.
ولد بُعيد الثلاثين وثمانمائة بالقاهرة، وبها نشأ.
وتنقّلت به الأحوال حتى وُلّي الأستادّارية والوزارة غير ما مرة، وكان معظَّمًا لدى خُشقدم الظاهر، ونزل إلى داره مرة، وآل أمره أن غضب عليه، لا سيما لما واجهه بقوله: أغضبتُ اللهَ وأرضيتُك، هذا جزائي منك، أستحق أكثر من هذا. وعُدّ ذلك من نوادر منصور، ومن اعترافه بالحق على النفس، حتى سمعت بعضاً من أرباب القلوب يذكر عن منصور هذا أنه لعلّه ينال عند الله تعالى ورضاه بهذا الكلام الحق عند السلطان الجائر. ولم يزل في تَوَلِّ وإدبار، ومِحَن وشدائد، وضرب بالمقارع غير ما مرة، وعُصِر وامتُحن وقاسى الأهوال، إلى أن آل به الأمر أن ادُّعي عليه بأمور شنيعة بتمالي
(2)
جماعة من أهل الدولة والسلطان والقاضي، فيما أشيع ذلك، وكان الذي أثبتوه عليه أنه يُبطن الكفر ويُظهر الإيمان، وأنه يسرح في الأرض بالفساد، وأنه يستحل المال الحرام، وأحضروا بيّنة بذلك، يقال إنهم يلفّقون مرتشين
(3)
من أعدائه بأموال كثيرة بذلوها لهم. وآل الأمر في ذلك أن أُخرج من محبسه، وأُحضر إلى تجاه شبّاك الصالحية، وقد ازدحمت العامّة، وهم يرأفون به ويتأسّفون لِما جرى عليه، بل ويصرّحون بأنه مظلوم مُمَالأً عليه، حتى من السلطان والقاضي، وأخذ هو في الشهادتين، ولم يقطع بلفظه بهما، وهو يكرّر ذلك بتؤدة وسكون زائد، من غير قلقٍ ولا توهّج ولا انزعاج ظاهر، وأخذ في تفكيك أزراره بيده، وجلس للقتل جلوساً متمكّناً نحو العشرة درج
(4)
، وهو لا يتحرّك ولا يضطرب، حتى ضُربت عنقه.
وذلك في يوم الأربعاء العشرين من شوال، وله دون الأربعين سنة.
وحُمل وصلّى عليه جماعة وشهدوا جنازته، وكثُر التأسّف والترحم عليه.
327 -
يوركلي كوز
(5)
الجركسية.
(1)
انظر عن (ابن الصفيّ) في: النجوم الزاهرة 16/ 294 و 349، والضوء اللامع 10/ 170، 171 رقم 716، ووجيز الكلام 2/ 781 رقم 1800، والذيل التام 2/ 198، ونيل الأمل 6/ 243 رقم 2651، وبدائع الزهور 2/ 439، 440.
(2)
الصواب: "بتملُّؤ".
(3)
في الأصل: "مُرتشون".
(4)
الصواب: "نحو العشر درجات".
(5)
انظر عن (يوركلي كوز) في: نيل الأمل 6/ 243، 244 رقم 2652.
الخَوَنْد زوجة الناصر فرج ابن
(1)
الظاهر برقوق، وهي أول نسائه من الجواري، وتزوّجت بعده بعدّةٍ من الأمراء ومن الأجناد أيضًا، وانحطّ قدْرها بعد ذلك.
حتى توفيت في ثامن عشرين شوال.
واسمها تركيّ معناه: العين القلبية، فإن "يورك" القلب، و"كوز" العين، ولفظة "لي" كالنسب في لغة العرب.
(1)
الصواب: "بن".
سنة إحدى وسبعين وثمانمائة
[الخليفة والسلطان والقضاة والأمراء]
استهلّت هذه السنة وجميع من ذكرنا في التي قبلها: من الخليفة، والسلطان، وملوك الإسلام، وأمرائهم، وقُضاتهم، وحكامهم، على ما هم عليه في الخالية.
ما عدا قاضي القضاة الشافعية، فإنه في هذه السنة: الصلاح أحمد بن بركوت المكيني، وُلّيه عن الشرف المناوي على ما بيّنّاه فيما أسلفنا.
وما عدا قاضي القضاة الحنفية، فإنه في هذه السنة: البرهان بن الدَّيْري، وُلّيه عن المحبّ بن الشِحنة.
وما عدا نائب طرابلس، فإنه في هذه السنة: قانِبَاي الحسَني، وُلّيها عن محمد بن مبارك بعد عزله.
وما عدا نائب صفد، فإنه في هذه السنة: جكم الأشرفي خال العزيز، وُلّيها عن يشبُك أوش قلق، بعد صرفه عنها على تقدمة ألف بدمشق.
وما عدا نائب غزّة، فإنه في هذه السنة: إينال الأشقر، وُلّيها عِوضًا عن جَكَم، نقلاً إليها من أتابكية حلب.
وما عدا الوزير، فإنه في هذه السنة: قاسم شُغَيْتَه، وهو وزير زمننا هذا الآن أيضًا، وتقدّم ذِكره.
وما عدا الأستادّار، فإنه في هذه السنة: الشرف موسى بن كاتب عُريب القبطي، وُلّيها عن الشمس منصور.
وقد عرفت كيفية هذه التنقّلات في المتجدّدات الماضية في الخالية إن كنت على بصيرة من ذلك، وإلّا فارجع إليها تعرفها بتفاصيلها. وباللَّه المستعان.
[شهر المحرّم]
ذِكر نُبَذ
(1)
من المتجدّدات اليومية
في هذه السنة القمرية
كان أول هذه السنة بالأربعاء، ووافق العشرين من شهر مِسْرَى من شهور القِبط.
(نزول الأتابك قانَم لكسر البحر)
(2)
ففيها، في هذا اليوم، وهو مستهلّ المحرّم، نزل الأتابَك قانَم التاجر، الأمير الكبير، لكسر البحر عن الوفاء، فعدّى إلى جزيرة الروضة، وخلّق المقياس، وعاد إلى السدّ، وفُتح الخليج بحضوره، ثم قُدّم إليه المركوب المجهّز من الإسطبل السلطاني، بالسَّرْج الذهب والكنبوش الزركش والرقيق، فركب وصعِد إلى القلعة، وخُلع عليه خلعة هائلة، ونزل إلى داره في موكب حافل، وهو أول كسْر وقع لهذا الأتابك، ولم ينزل السلطان كعادته فيما تقدّم. قيل لأجل تعظيم قانَم هذا. وقيل لأجل غَرَضٍ ما
(3)
.
[تهنئة السلطان بالعام والشهر]
وفيه، أعني المحرّم هذا، في هذا اليوم، هنّأ القضاة ومن له عادة بالتهنئة للسلطان بالعام والشهر والوفاء.
[سفر قانِبَاي الحسني لكفالة طرابلس]
وفيه، في يوم الخميس، ثانيه خرج قانِبَاي الحَسَني مسافراً من القاهرة لمحلّ كفالته من طرابلس، وعُمل له الموكب بالقصر، وجلس السلطان بالشباك الأعظم به المطلّ على الرملة لرؤية طُلْب قانِبَاي هذا، وأُنجز من الرملة، وكان طُلْباً متجمّلاً إلى الغاية
(4)
.
(1)
في الأصل: "نبذاً".
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
خبر نزول الأتابك في: النجوم الزاهرة 16/ 295، ونيل الأمل 6/ 248، وبدائع الزهور 2/ 441.
(4)
سفر قانباي في: نيل الأمل 6/ 248، وبدائع الزهور 2/ 442.
[عزْم بني وَطّاس على منازلة فاس]
وفيه، في ثانيه، ورد علينا الخبر ونحن بواهران، أن بني وَطّاس عزموا على منازلة فاس وحصارها، وأنهم تحزّبوا لذلك، وثار معهم طوائف العربان من الساوية وغيرهم، وأن السيد الشريف محمد بن عِمران صاحب فاس تهيّأ لهم
(1)
.
(نادرة وغريبة)
(2)
وفيه في ثالثه، جرت بواهران غريبة، وهو أن شخصاً من التجار قدم إليها بأشياء، من جملة ذلك ثلاثة قرون مَلأى
(3)
بالزباد
(4)
الجيّد، تساوي قيمتها جملة من المال، فخاف إنْ دخل بها من باب المدينة يؤخذ عُشْرها، فأوسع الحيلة قبل أن يدخل المدينة في إخفائها في إدخالها، والعادة جرت هناك أن من خاف على لبسه من مثل ذلك وزّع ما معه لمن يدخل البلد من أهلها، أو أعطاه له ليدخل له به، فإنه لا يُفَتّش، سواء عرفه صاحب المتاع أو لم يعرفه، وإذا دخل البلد إمّا قصده صاحب المتاع فأخذه، أو جاء هو به إلى صاحبه. فاتفق أنْ خرج أمير الباب الذي هو على أخذ هذه العشور، فرآه هذا التاجر وهو راكب، فتوسّم فيه الخير وسأله أنه يأخذ هذه الثلاثة
(5)
قرون، ويدخل بها من الباب لأجل خلاصها له من التعشير، من غير أن يعلم أنه هو المعشّر صاحب الباب، فأجابه إلى ذلك بعد أن قال له التاجر: لعلّك تدخل بها المدينة وتخلّصني من تعشيرها وتسليط الظَلَمة عليّ، ويحصل لك أجر، بل وأثيبك على ذلك بشيء من مالي على وجه حِلّ. فقال له: حبّاً وكرامة، وأخذ منه ذلك، وأخفاه معه، ودخل به من الباب، ثم دخل التاجر بعده، فوجده الجالس لأخذ العشور بالباب، فحصل عنده الباعث بذلك منه، ولم يمكنه أن يقابله ولا يكلّمه. فقصد في هذا التاجر، وكان بيننا معرفة من قبل ذلك، وذكر لي واقعته، وصار في غاية الخوف من أن ينكر العشّار ذلك، أو يجعل له الذنب مناقر جميعه، فإنه جرت بعض العادة بأن من فعل مثل ذلك من التجار وظفر به أخذ جميع ما فوّزه وأخفاه من التعشير، لا سيما إن طمع في جانبه. فحملتُ هَمَّ هذا المسكين وقلت له: قد غرّرت بنفسك، فلا حول ولا قوّة إلّا باللَّه، لكنْ قُم بنا إليه عساه أن يسخّره الله تعالى ونكلّمه في أخذ عُشره ونعتذر إليه، وأنا أساعدك عليه للَّه، فإنني أعرف هذا الشخص، فلعلّه لا يخيّبنا، ولا شك
(1)
خبر بني وطَّاس في: نيل الأمل 6/ 249.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
في الأصل: "ملئ".
(4)
هكذا.
(5)
في الأصل: "الثلاث".
عندنا في أننا إذا أكرَمَنا غاية الإكرام أن يأخذ العُشر ويردّ الباقي، وإمّا غير ذلك من أخذ الجميع. أو زيادة على العُشر، أو الإنكار رأسًا. فصار متوهّماً لنا، فلما قدِمنا عليه، ووقع بصره علينا نهض إليّ قائماً وأجلسني بمكان أرفع منه، وأجلس الآخر، ثم أخذت في الكلام معه سرّاً، وقلت له: خُذ العُشر ورُدّ الباقي إلى صاحبه، ولك أيضًا شيء يخدمك به، ولا تؤاخذْه.
فقال لنا: أعوذ باللَّه، إنه يقبح بي أن يكون هذا الغريب قد ظنّ فيَّ الخير، وآخُذ العُشر من متاعه، ولم يطّلع عليه الشهود ولا غيري من أهل الباب، وقد اعتمد في تخليصه علي، وأنا أحضر به إليك بنفسي. والتفت إلى صاحب المتاع وقال له: متاعك عند فلان، اقصده باكر النهار تجده عنده، وأشار إلي، فشكرته على صنيعه ودعوت له، وقمنا، وذكرت ذلك للتاجر، فحصل عنده بذلك غاية السرور، وأحضر شيئًا من نوع الهدية ليعطيه صاحبَ الباب إذا حضر عندي بالزباد، فما استقمنا صلاة المغرب إلَّا وقد حضر ومعه القرون وأسلمها لصاحبها، وأقسم باللَّه أنه لا يأخذ الهدية، وأنه لو ظفر بالزباد معه أو مع غيره لعشّره، وكان عشره نحو العشرين دينارًا. فعجبت من هذا الإنسان غاية التعجّب، مع ظلمه ووقوفه في هذه الوظيفة كيف عفّ وكفّ، لكنني أعرف أصالته، وكونه من ذوي البيوتات. جزاه الله تعالى خيرًا عن همّته ومروءته. ثم أمرنا بالتكتّم في هذه القضية خوفًا من إشاعتها ووصول علمها للسلطان، فكتمنا ذلك عنه إلى أن سافرت من واهران.
[نزول السلطان إلى القرافة]
وفيه، في يوم الجمعة ثالثه أيضًا، ركب السلطان ونزل إلى القرافة فسيّر بها وعاد
(1)
.
[وصول جانبك قلقسيز من الصعيد]
وفيه، في يوم السبت رابعه، وصل جانِبَك قلقسيز من تجريدة الصعيد إلى القاهرة بمن معه.
(إعادة المحب ابن
(2)
الشحنة إلى القضاء)
(3)
وفيه، في يوم الإثنين سادسه، أعيد قاضي القضاة الشيخ محبّ الدين بن
(1)
خبر نزول السلطان في: نيل الأمل 6/ 249.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
العنوان من الهامش.
الشِحنة الحنفي إلى القضاء الحنفية بمصر، بعد أن صرف البرهان ابن
(1)
الدَيري، وهي ثالثة في ولاية القضاء، أعني المحبَ هذا
(2)
.
[تقرير خطيب في جامع البيطار بوهران]
وفيه، في ثامنه، ورد ظهير -وهو الذي كالتوقيع ببلادنا هذه- مكتَتَب من تِلِمْسان، عليه خط السلطان صاحبها محمد بن أبي ثابت المتوكل على الله، بتقرير إنسانٍ من أهل واهران في خطابة جامع البيطار بها، وصُرف صاحبنا الشيخ الفاضل، العالم، العامل، الصالح أبو عبد الله محمد بن العطار، الماضي ذكره غير ما مرة. وكان السبب في صرفه كلام بلغ السلطان المذكور عنه فيه أمر بمعروف ونهْي عن مُنكر، فلا حول ولا قوة إلّا باللَّه.
(ولاية أبي
(3)
السعادات البُلقيني قضاء الشافعية)
(4)
وفيه، في يوم السبت حادي عشره، استقر في وظيفة القضاء الشافعية الشيخ الإمام بدر الدين، أبو السعادات، محمد ابن
(5)
الشيخ تاج الدين ابن
(6)
شيخ الإسلام سراج الدين ابن
(7)
البُلقيني بعد صرف الصلاح المكيني، وهو صِهره، وأشيع أن البدر هذا بذل في ذلك مبلغاً كبيرًا له صورة. فلا حول ولا قوّة إلّا باللَّه. وقد تقدّمت ترجمة البدر هذا، ثم لم تطُل مدّته في القضاءة لتهوّره، وعدم معرفته إصطلاح أهل بابته، وسلامة باطنه، على ما سنذكر ذلك عند ذِكرنا صرْفه
(8)
.
(شيء من أخبار بني وَطّاس مع الشريف بفاس)
(9)
وفيه، في نصفه، ورد الخبر إلى واهران بأن الوزير الوَطّاسي، الذي يقال له مولاي الشيخ، شيخ الطائفة الوَطّاسية، القائم على الشريف محمد بن عِمران
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
خبر إعادة ابن الشحنة في: النجوم الزاهرة 16/ 295، ووجيز الكلام 2/ 782، ونيل الأمل 6/ 249، وبدائع الزهور 2/ 442.
(3)
في الأصل: "أبو".
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
في الأصل: "بن".
(7)
في الأصل: "بن".
(8)
خبر ولاية أبي السعادات في: النجوم الزاهرة 16/ 295، ووجيز الكلام 2/ 782، ونيل الأمل 6/ 249، وبدائع الزهور 2/ 442.
(9)
العنوان من الهامش.
صاحب فاس، الذي كان بمِكْناسة، وحشد على فاس لأخذها، ثم أخذها بأخرة، كما سنذكره، ورد الخبر بأنه بعث رسولاً إلى الشريف بكتابة إليه، يذكر له في أشياء، منها: إنك رجل شريف وعافية ومن الحضر، وهذا الأمر يحتاج من يقوم بأعبائه، ونحن أَوْلَى من الغير، لمكان حرصنا وملْكنا قبل ذلك، وتصرّفنا، لئلّا يطمع في هذا الملك الطامع بولايتك له، فتخرج عنك وعنّا، ولا تجد مثلنا في مراعاتك، ونحن نؤمّنك على نفسك وعلى ما أردت أن نؤمّنك عليه. ومهما أمرت به فعلناه لك، واسترح بنفسك من هذا الأمر، فإنّا أولو الأمر في الحقيقة. ولما بلغ السيد الشريف صاحبَ فاس ذلك أعاد إليه جواباً من جنس كتابه، بعد أن صدّر كتابه بقوله له إلى:{إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128]. وإن هذا الأمر قد آتانيه الله تعالى بغير حول منّي ولا قوّة، فلا أخلع من عنقي ما أرادني الله تعالى له، وشرّفني به زيادة على شرفي، ونحن ذرّية المختار عليه السلام، صاحب الأرض في البلاد، وأرباب السيف والقلم أصلًا وفصلاً، وأنت إن أطعت الله تعالى ووليّه، فلك عاقبة الخير والسلامة، ومهما قلته لنا إنك تفعله معنا، على تقدير ما تزعمه إنْ لو أجبناك، فنحن نفعله معك إنْ أجبتنا، ومثل هذا الكلام وأنظاره، وذكر له أنه لا فائدة في الشرّ، وإطفاءُ النائرة خيرٌ من إيقادها، وعصمةُ الأنفس والأموال واجبة، فلا تكن سبباً لإثارة الفِتن بعد سكونها، وتحريكها بعد ركونها، إلى غير ذلك من نحو هذا الكلام.
ثم لم يزل الأمر يتردّد بينهما، إلى أن وقعت بعد سفرنا من المغرب الخطوب المُدْلهمّة، والأمور المُغمَّة، واَل الأمر في ذلك بأخرة إلى تملّك مولاي الشيخ الوطّاسي، وإخراج السيد محمد، على ما سيأتي ذلك في محلّه من سنة خمس وسبعين [و] ثمانمائة
(1)
إن شاء الله تعالى.
(ولاية يشبُك من مهدي كشف سيوط)
(2)
وفيه، في يوم السبت سادس عشره، استقرّ يشبُك من مهدي الظاهري الخاصكي، وأحد الدوادارية الصغار، الذي صار بعد ذلك دوادارًا كبيرًا وأمير سلاح وغير ذلك، بل صار مدبّر المملكة استقرّ في كشف الوجه القِبلي بسؤاله في ذلك، وأُمّر عشرة في هذا اليوم
(3)
.
(1)
لم يذكر المؤلّف رحمه الله ما وعد به، لانتهاء الكتاب بحوادث 874 هـ.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
خبر ولاية يشبك في: نيل الأمل 6/ 249، وبدائع الزهور 2/ 442.
[وصول الحاج إلى البركة]
وفيه، في يوم الأربعاء ثاني عشرينه، وصل الحاج (من الركب الأول)
(1)
إلى البِركة مع أميرهم أرغون شاه الأشرفي أستادّار الصُحبة، وذكروه بحُسن السيرة.
[وصول المحمل إلى القاهرة]
وفيه، في يوم الخميس، ثالث عشرينه، وصل المحمل، وأميره خيربك الدوادار الثاني، ودخل إلى القاهرة دخولاً حافلاً، وكان له يومًا مشهودًا، واهتمّ به، واحتفل له قبل ذلك بأيام، وخلع السلطان عليه خلعة سنيّة، وهرع الناس إليه، وقدّموا له التقادم الكثيرة الحافلة
(2)
.
[شهر صفر]
وفيها استهلّ صفر بالجمعة، وهُنّيء السلطان بالشهر على العادة.
(ولاية الكمال ابن
(3)
كاتب جَكَم نظر الجيش)
(4)
وفيه- أعني صفر هذا- في يوم الخميس سابعه، استقر في نظارة الجيش الشاب، الرئيس، الأثيل، الأثير، العريق الأصل، كمال الدين، محمد ابن
(5)
الجمال ابن
(6)
كاتب جَكَم، وخلع عليه بذلك، ونزل في موكب حافل، وكان سِنّه إذ ذاك سبع عشرة
(7)
سنة، وأخذ منه في مقابلة ذلك ما له صورة، وصُرف التاج ابن
(8)
المقسي عنها، وبقي على نظارة الخاص. ونُقل الكمال هذا إلى هذه الوظيفة من نظر الجوالي على شك عندي في ذلك
(9)
.
[وظيفة الأستادّارية]
وفيه أيضاً استقر زين الدين الأستادّار في وظيفة الأستادّارية على عادته
(10)
.
(1)
ما بين القوسين عن الهامش.
(2)
خبر المحمل في: نيل الأمل 6/ 249، وبدائع الزهور 2/ 442.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
في الأصل: "بن".
(7)
في الأصل: "سبعة عشر".
(8)
في الأصل: "بن".
(9)
خبر ولاية الكمال في: النجوم الزاهرة 16/ 295، ووجيز الكلام 2/ 782، ونيل الأمل 6/ 249، 250، وبدائع الزهور 2/ 442.
(10)
خبر الأستادّارية في: النجوم الزاهرة 16/ 295، ونيل الأمل 6/ 250، وبدائع الزهور 2/ 442.
[نزول السلطان من القلعة]
وفيه، في يوم الأحد عاشره، ركب السلطان من القلعة ونزل إلى تربته بالصحراء، ثم عاد من باب القنطرة ودخل في طريقه لدار أُزبَك الظاهري، رأس نَوبة النُوَب إذ ذاك، وأتابك زمننا الان، ثم خرج منه فاجتاز في مروره بدار الزين الأستادّار فدخلها، ثم خرج ودخل لدار ناظر الجيش الذي مرّ معنا ذِكر ولايته، ثم خرج من عنده فدخل حين اجتيازه بدر مقبل الطواشي إلى دار الأتابك قانَم التاجر.
واتفق أنْ مات قانَم المذكور في ليلة غد هذا اليوم، وعُدّ ذلك من النوادر الغرائب، ولهذا أشيع بأنه سُمّ
(1)
.
(ولاية قايتباي الأتابكية)
(2)
وفيه، في يوم الإثنين ثامن عشره، استقر في الأتابكية بالديار المصرية الأمير يَلَباي الإينال المؤيَّدي، نقلاً إليها من الأميراخورية الكبرى، وذلك بعد وفاة الأمير الكبير الأتابك قانَم التاجر فجأة، على ما سنذكر ذلك في ترجمة قانَم هذا في التراجم من هذه السنة، إن شاء الله تعالى
(3)
.
[تقدمة أمير جان دار]
وفيه قرّر السلطان في تقدمة يَلَباي بُرْدُبك المحمدي الظاهري أمير جان دار، المعروف بهجين.
[تقدمة نانَق الظاهري]
وفيه أيضاً استقر فى تقدمة بُردُبك المذكور نانَق الظاهري، شادّ الشراب خاناه، وهذا أول تقدّمه
(4)
.
(ولاية العَيني الأميراخورية الكبرى)
(5)
وفيه، في يوم الخميس حادي عشرينه، استقر في الأميراخورية الكبرى الشهابي
(1)
خبر نزول السلطان في: نيل الأمل 6/ 250، وبدائع الزهور 2/ 442.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
خبر ولاية قايتباي في: نيل الأمل 6/ 251، وبدائع الزهور 2/ 443.
(4)
خبر التقدمة في: نيل الأمل 6/ 251، وبدائع الزهور 2/ 443.
(5)
العنوان من الهامش.
أحمد بن العَيني، عِوضًا عن يَلَباي بحكم انتقاله إلى الأتابكية على ما بيّنّاه
(1)
.
[ولاية خشكلدي شادّية الشراب خاناه]
وفيه استقر في شاديّة الشراب خاناه خُشكلدي البَيْسقي، أحد العشرات
ورؤوس
(2)
النُوَب، (والمحتسب)
(3)
، الماضية ترجمته
(4)
.
[وفاة برسباي البجاسي]
وفيه، في يوم الأحد رابع عشرينه، ورد الخبر من دمشق إلى القاهرة بموت بَرسْباي البُجاسي
(5)
نائب الشام.
(ولاية بُردُبك البَجْمقْدار نيابة الشام)
(6)
وفيه، في يوم الخميس، ثامن عشرينه، خرج الأمر السلطاني لبُردُبك نائب حلب باستقراره في نيابة الشام، عِوضاً عن بَرسْباي المذكور. وعيّن السلطان نانَق الماضي ذكره بأنه يكون مسفّراً له، ليحمل إليه تقليده وتشريفه إلى حلب، فينقله منها إلى دمشق
(7)
.
(ولاية يشبُك البُجَاسي نيابة حلب)
(8)
وفيه، قُرّر في نيابة حلب يشبُك البُجاسي نائب حماة، وعُيّن لتفسيره، فحمل تقليده وتشريفه إليه الشرفي يحيى ابن
(9)
الأمير يشبُك الفقيه الدوادار الكبير
(10)
.
(ولاية تَنَم الحَسَني نيابة حماة)
(11)
وفيه استقر السلطان بتَنَم الحَسَني الأشرفي أحد الأمراء الطبلخاناة والرأس
(1)
خبر ولاية العيني في: النجوم الزاهرة 16/ 295، ونيل الأمل 6/ 251، وبدائع الزهور 2/ 443.
(2)
في الأصل: "روس".
(3)
عن الهامش.
(4)
خبر ولاية خشكلدي في: النجوم الزاهرة 16/ 295، ونيل الأمل 6/ 251، وبدائع الزهور 2/ 443.
(5)
ستأتي ترجمته في وفيات هذه السنة.
(6)
العنوان من الهامش.
(7)
خبر ولاية بردبك في: النجوم الزاهرة 16/ 296، ونيل الأمل 6/ 251، وإعلام الورى 64، وبدائع الزهور 2/ 443.
(8)
العنوان من الهامش.
(9)
في الأصل: "بن".
(10)
خبر ولاية يشبك في: النجوم الزاهرة 16/ 296، ونيل الأمل 6/ 252، وإعلام الورى 64، وبدائع الزهور 2/ 443.
(11)
العنوان من الهامش.
نَوبة الثاني في نيابة حماة، عِوضًا عن يشبُك المذكور، وعُيّن لتسفيره تمُر المحمودي الظاهري والي القاهرة الآتية ترجمته في محلّها إن شاء الله تعالى.
[تقرير رأس النَوبة الثانية]
وفيه قرّر السلطان في الرأس نوبة الثانية تنِبَك الأشرفى، المعروف بالمعلم
(1)
، الآتية ترجمته أيضًا إن شاء الله تعالى.
[تقرير مُغلْباي الظاهري في حسبة القاهرة]
وفيه استقر مُغُلْباي الظاهري، أحد مماليك السلطان، المعروف بأزُن سقل، الآتية ترجمته في محلّها، استقر في وظيفة الحسبة بالقاهرة، عِوضاً عن خُشكَلدي، الماضي ذكره
(2)
.
[ورود شونة عظيمة للفرنج للتجارة بوهران]
وفيه، في يوم، تاسع عشرينه، ورد إلى ساحل مدينة واهران شونة عظيمة من مراكب الفرنج الجنويّين، برسم الإتجار في الجوخ. وكانت وردت من المحيط من بلاد افلنده
(3)
ونحوها من بلاد الفرنج بالمحيط، وتجهّز كثير من تجار واهران وتِلِمْسان للسفر فيها إلى جهة بلاد تونس، وتجهّزت أنا أيضًا كذلك، وعزمت على العَود لهذه البلاد بعد دخول تونس وغيرها من البلاد. وكان ما سنذكره.
(فُحش الجُلبان في المولد وأذاهم)
(4)
وفيها، في يوم الأحد، ثامن ربيع الأول، عمل السلطان المولد النبوي بالقلعة على العادة، لكن أفحش الجلبان من مماليك السلطان فيها، وأمعنوا في الأذى والتشويش على الناس، ما بين نهب سِماط، وضرب للخلق، وغير ذلك من الأذى، وقاسى الناس منهم الشدائد التي لا تُعدّ ولا تُحدّ
(5)
.
[الخلعة بإمْرةِ المحمل والركْب]
وفيه، في يوم الإثنين، تاسعه، خُلع على نانِق بإمرة الحاج بالمحمل،
(1)
خبر رأس النوبة في: النجوم الزاهرة 16/ 296، ونيل الأمل 6/ 252، وبدائع الزهور 2/ 443.
(2)
خبر تقرير مغلباي في: النجوم الزاهرة 16/ 296، ونيل الأمل 6/ 252، وبدائع الزهور 2/ 444.
(3)
افلنده= فنلنده. إحدى الدول الواقعة عند المحيط المتجمّد الشمالي شرقي السُوَيد.
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
خبر فحش الجلبان في: النجوم الزاهرة 16/ 296، ونيل الأمل 6/ 253، وبدائع الزهور 2/ 444.
وعلى سيباي الظاهري الأميراخور الثالث بإمرة الركب الأول
(1)
.
[نيابة قلعة حلب]
وفيه استقر دمِرداش السيفي تغري بردي المؤذي في نيابة قلعة حلب، وصرف علي ابن الشيباني
(2)
.
[ركوب المؤلّف البحر إلى تونس]
وفيه، في حادي عشره، ركبت في البحر الملح في الشونية الماضي ذكرها، وأقلعنا إلى جهة تونس.
[وصول المؤلّف إلى بجّاية]
وفيه، في يوم السبت رابع عشره غلب علينا الريح وسكنت، فمُنعنا فيه من السفر، فعملت النواتية البحارة فيه بالمقاديف، وكانت المراكب مثقلة فقَلّ سيرها النهار كلّه. فلما كان عند العصر دخلنا إلى ساحر البرّ بالقرب من بجّاية، فنزلنا من المركب فوجدنا طائفة من برابر تلك النواحي في الجبال، فلما رأونا فرّوا عنّا، وظنّوا أن هذه المركب قرصالا
(3)
للفرنج وأنهم غيّروا هيئاَتهم حيلةً لأخذ المسلمين، فصِرنا نصيح عليهم من البُعد ونكلّهم بالعربي، ونقرّ بالشهادتين وهم لا يلتفتون إلينا، ولا يعرّجون علينا لكونهم لا يعلمون باللغة العربية، بل البربرية، فلا يفرّقون بين لغة الفرنج والعرب. فعجبت أنا من هؤلاء.
ثم لما دخلنا بجّاية في ثاني هذا اليوم وجدنا الخبر عندهم بأنّ مركبًا من مراكب الفرنج قد تراءى
(4)
فيها أهلها بزيّ الفرنج حيلة لأخذ المسلمين، وظهر الحال لأهل بجّاية بأننا هم أولئك، ثم طابت رياحنا فسرنا من بجّاية. وكان لنا ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
[لبس السلطان الصوف]
وفيه، في يوم الخميس تاسع عشره، ووافق ثالث هاتور من شهور القِبط، لبس السلطان الصوف، وركب من القلعة فنزل قاصداً الريدانية ومعه الأمراء وأعيان
(1)
خبر الخلعة في: نيل الأمل 6/ 253، وبدائع الزهور 2/ 444.
(2)
خبر قلعة حلب في: نيل الأمل 6/ 253، وبدائع الزهور 2/ 444.
(3)
قرصالاً= قُرصاناً.
(4)
في الأصل: "ترايا".
الدولة، ونزل بالمطعم، فألبس الأمراء على العادة منه في ذلك، وعاد إلى القاهرة في موكب حافل، وقعد الناس لرؤيته، فشقّ القاهرة صاعدًا القلعة حتى دخلها.
(نزول السلطان إلى الإسطبل للحكم به)
(1)
وفيه، في يوم السبت، ثالث عشرينه، نزل السلطان للإسطبل فجلس بالمقعد الكائن به، وابتدأ بالحكم فيه بين الناس، وأمر بالمواظبة على حضوره به، وعمل الخدمة السلطانية به في يومين: السبت والثلاثاء، وذلك على عادة من تسلطن من الملوك. ولم يقع لهذا السلطان ذلك من يوم سلطنته سوى في هذه السنة في هذه الأيام، وما عرفتُ ما الباعث للسلطان على ذلك، فإن سلاطين السلف الماضي لما كانوا كثيري
(2)
الأحتجاب عن أعينُ الناس، ولا يقام لهم الموكب السلطاني في يومي السبت والثلاثاء بالحوش، بل ولا كان يدخل إلى الحوش من المماليك السلطانية ولا غيرهم إلّا من عليه ثياب الموكب، ولا كان أحد
(3)
يجتمع بالسلطان بالحوش والدهشة إلّا الأخِصّاء المقرّبون
(4)
جدًّا لا غير. وكان من له حاجة عند السلطان من أكابر الأمراء وغيرهم لا يمكنه اجتماعه به إلّا في القصر السلطاني في ليالي المواكب فقط. ولهذا كان السلطان منهم ينزل إلى الإسطبل، ويجلس به للمظالم في يومي السبت والثلاثاء، وكانت العادة أن يكون ذلك في أيام الشتاء غالبًا، والخيل بالرَبْع أمام القرط، لخُلُوّ الإسطبل في هذه الأيام من الغَوش والغلمان.
فأمّا في هذا الزمن فالسلطان من سلاطين هذه الأزمان، صار يجلس بالحوش على الدكّة، وينظر في الأحكام بنفسه فيه، وقلّ من يُمنع من دخول الحوش، فأيّ شيء هو المُحوج له لنزوله إلى الإسطبل؟ وما ذلك إلا مجرّد تَشَهّي على غالب ظنّي، للتشبّه بأوَلئك مع الغفلة عن القواعد الماضية للملوك الخالية. ولعلّ يمكن أن يكون له وجه، وهو أن الإذن والحجاب يكون بالإسطبل مرفوعًا مكانه إذن عام لكل أحد بدخوله، فيتوصل فيه كل أحد إلى السلطان بخلاف الحوش، فإنّ في دخوله بعض تكلُّف على كثير من الناس، فيكون هذا الموكب أعمّ من موكب الحوش بهذا الاعتبار. ومن ذلك الحين إلى يومنا هذا صارت السلاطين تفعل هذا بعد خُشقدم، ففعله تمُربُغا في سلطنته، وزاد الأشرف قايتباي سلطان العصر بأن صار ينزل في هذه الأيام في أيام الربيع إلى الميدان الأسود، ويجلس بمقعده،
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
في الأصل: "لما كانوا كثيروا".
(3)
في الأصل: "ولا كان أحدا".
(4)
في الأصل: "المقربين".
ويتعاطى في الأحكام وغيرها، ويدخل الميدان كل أحد بحاجة وبغير حاجة
(1)
.
[الأمر بمساعدة نائب حلب لرستم بن دُلغادر]
(وفيه، في يوم الخميس، ثامن عشرينه، برز أمر السلطان لنائب حلب أن يتوجّه هو جميع النواب لمساعدة رستم بن دُلغادر على أخيه شاه سوار لمحاربته وقتاله)
(2)
.
[دخول المؤلف مرسى تونس]
وفيه، في يوم تاسع عشرينه، دخلنا لساحل المرسى بتونس، وعزمت على عدم الإقامة بها، وأن أتوجّه إلى طرابلس في المركب التي أنا بها لأقرب من البلاد. وكان بقي العيال وبعض أثقال مما أنزلتهم من المركب لأنها أقامت نحو الأربعة أيام
(3)
ثم سافرت، وجاء إليّ بعض أصحابي من تونس، وتأسّفوا على ما بلغهم من الجراحة التي حلّت ببدني، وبعثوا إليّ بأشياء من أنواع الهدية وأحسنوا وتفضّلوا. وممّن جاءني عظيم التجار بتونس صاحبنا، سيدي أبو القاسم البنيولي، سلّمه الله تعالى.
[ربيع الآخر]
[خروج صاحب تونس إلى جهة تلمسان]
وفيها، في أوائل ربيع الآخر، خرج المتوكل على اللّه صاحب تونس مجرّدًا بعساكره إلى جهة تِلِمْسان، لأجل نقض صاحبها صلحه وعهده واستبداده. ثم لما خرج لم يصل توجّهه إليها بخروجه، بل جال في بلاده أولًا، وعمل الكثير مما يزعم أنه من مصالحها، ودام على ذلك مدّة حتى خرج الشتاء، فسار حينئذٍ إلى تِلِمْسان، وكان من أمره مع صاحبها محمد بن أبي ثابت ما سنذكره
(4)
.
(نزول السلطان للرماية)
(5)
وفيه، في يوم الإثنين، خامسه، ركب السلطان ونزل إلى جهة بِركة الجبّ
(1)
خبر نزول السلطان في: النجوم الزاهرة 16/ 296، ونيل الأمل 6/ 254.
(2)
خبر نائب حلب بين القوسين عن الهامش.
(3)
في الأصل: "ايامًا".
(4)
خبر صاحب تونس في: نيل الأمل 6/ 254.
(5)
العنوان من الهامش.
قاصدًا الصيد، وهذا أول نزولٍ نزله الظاهر هذا للصيد والرماية. فلما كان آَخر النهار عاد في موكب حافل بأبّهة المُلك، وشقّ القاهرة من باب النصر حتى خرج من باب زويلة، وأخذ على طريق البسطيّين صاعدًا القلعة، ثم تكرّر منه بعد ذلك في هذه السنة النزول إلى الصيد والرماية غير ما مرة، في شهور مختلفة في أيام منها.
ووقف له إنسان من أهل البجاحة والتمسخر، يقال له عمر، يجعل على رأسه طرطوراً، به كثير أذناب الثعالب والسّمَّور وغير ذلك، ومعه على وسطه سيف من خشب، وبيده دُفّ وورقة طويلة ممن لقيه من الأعيان أو غيرهم ممن يأمله، يقف عنده ويظهر أنه يحاسبه على مقبوض ومصروف، ويجعل نفسه كأنه يقرأ في تلك الورقة التي في يده، وهو يسرع في كلامه، ويذكر مبالغ لها صورة، ويجعلها أصولًا، ثم يذكر مصارف بعددها، يخصم بها تلك الأصول التي تكلّم بها وجمعها، ثم يُبقي مبلغًا كبيرًا، ثم يُسقط منه شيئًا فشيئًا، إلى أن يبقى إمّا دينار أو ما يختاره هو، وأقلّ ذلك الفلْس، فيأخذه ممن يُظهر أنه يحاسبه، وتارة يطيل في كلامه، وتارة يختصره بحسب انبعاث من يقصده.
فاتفق أن السلطان خرج من باب زويلة في بعض ركباته، بعد أن دخل من باب النصر، فاعترضه عمر هذا بالبسطيين بطريقه، ثم أخذ يماشي السلطان قريبًا منه لا يبعد، فأحسّ بحيث يراه ويسمعه، وقد تهيّأ له قبل ذلك، وتطوّر فوق تطوّره المعتاد، ومعه ورقة، فأخذ في محاسبة السلطان بعد أن رفع صوته بإعلاء الدعاء له بالنصر، حتى استفاق له وصار ذهنه معه، وكان يعرفه قبل ذلك بما هو فيه من البجاحة، فأخذ يذكر أحوالًا هائلة الكميّة، ثم قلب الورقة، وأخذ يذكر خصومًا إلى أن بقي عنده دينار واحد
(1)
، والسلطان يضحك منه مبتسمًا، وكذلك من بين يديه من الأمراء وغيرهم. ولا زال حتى فرغ وقال: هاتِ الدينار الذي بقي. فأمر له بعشرة دنانير، فأخذها في الحال وانصرف.
وجرى له ما يقرب من هذه أيضًا في بعض ركباته مع شخص يسمّى ()
(2)
عليه ثياب خلقة، وهو فقير جدًّا، يتطوّر بتطوّر السُعاة الذين يمشون بين يدي رباب الدولة قائلين: سالم، دائم، إن شاء الله، إلى غير ذلك من كلمات. وكذا يفعلون مع من يلبس الخلع وينزل من القلعة، وكان ()
(3)
هذا يأخذ عصاه ويقف على باب القلعة. ولم يزل إلى الآن على ذلك، فإذا نزل إنسان بخلعة مشى أمامه وهو يدعو له، وجعل ذلك كالمكسب له والمعيشة.
(1)
في الأصل: "دينارًا واحدًا".
(2)
بياض في الأصل.
(3)
بياض في الأصل.
ولما عاد السلطان من بعض ركباته بَدَر هذا بالمشي أمامه في هيئة السُعاة، وهو يدعو له بتلك الدعوات، وليس ذلك من عوائد السلاطين، ولا أن يفعل ذلك أمامهم في مواكبهم، فظنّ السلطان أن هذا من مشاهير السُعاة، فحنق معه وغضب غضبًا شديدًا، وقال: وسّطوا هذا، فبدر إليه جماعة لمسكه، فصاح بأعلى صوته: الله ينصرك يا مولانا السلطان واللهِ واللهِ وحياة
(1)
رأس مولانا السلطان ما توسّطتُ في عُمري قط. فضحك منه السلطان وسكن ما به، ثم كلّمه بعض من حضر بأنه إنما قصد بذلك التطفّل والتحيّل، وذكر له حاله وفقره، فأمر له بعشرة دنانير.
(كائنة أصباي البوّاب)
(2)
وفيه، في هذه الأيام كانت كائنة أصباي البوّاب، أحد مماليك السلطان وخواصّ خاصكيّته المقرّبين عنده، وهي أنه جمع جماعة من الحاكة فرسّم عليهم موكّلًا بهم، حتى رمى عليهم شيئًا من الأطرون بثمن سمّاه هو واختاره يتشهّى نفسه، فشكوه للسلطان، فأمر مقدّم المماليك أدن يخلصهم من أصباي المذكور، فمال المقدَّم مع أصباي وراعاه، خوفًا من شرّه، فبعث بالجماعة مع قاصده إليه، احتشامًا معه على العادة عندهم في مثل ذلك، مستبعدًا أن يقع منه في حقّهم شيء
(3)
، وقد بلّغوا السلطان، فساعة وقوع بصره عليهم أمر بضربهم، فضربوا ضربًا أشرفوا منه على الهلاك، ثم ما كفاه ما فعله بهم حتى جاء بهم إلى تمُر الوالي وأمره بضربهم وإشهارهم، فامتنع من ذلك لِما رآهم فيه من الحال، فلا زال به حتى أجابه لإشهارهم، فشُهّروا على الإجهار على حمير لعدم قدرتهم على المشيء من كثرة ما حلّ بهم من الضرب وهم يُنادَى عليهم: هذا جزاء من يشتكي مماليك السلطان. وقد بلغ الناسَ ذلك، فأخذوا في التأسّف عليهم، بل وتباكوا عليهم. ثم بينا هم في أثناء إشهارهم إذ مات أحدهم، وداموا به في الإشهار على الحمار، وهو مكتوب عليه: ميت، على ما أشيع ذلك. ثم مات آخر بُكرة هذا اليوم، فعند ذلك انطلقت الألسُن بالصياح، واجتمعت الغوغاء من العوامّ وغيرهم. وحُمل الميّتان في تابوتين إلى تحت القلعة. فرأى السلطان وهو بالقصر هذه الغَوشة العظيمة، فأُخبر بالحال، وبينا هو في ذلك إذ نزل جماعة من الجُلبان من الطباق حميّةً لأصباي، فعادوا على العوامّ وعلى من حضر، وحملوا على الخلق حملةً واحدة، وأرادوا أخذ القتيلين منهم.
(1)
في الأصل: "وحيات".
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
في الأصل: "شيئًا".
ويقال إن ذلك كان قبل جلوس السلطان بالقصر، فقاتلهم العوامّ، وتكاثروا عليهم حتى هزموهم على أقبح وجه، وكثُر صياح الناس وقولهم: ما يحلّ. وكان وقتًا هائلًا ولحظة عظيمة، فتلايق بأن أحضر أصباي، وأمر خيربك الدوادار الثاني أن يتسلّمه، وينزل به إليه، ويتلطّف بهم، ويخبرهم بأن السلطان يضربهم في المقتولَين. إمّا يقتل أصباي إن اختار أولياؤهم ذلك، أو بديةٍ برضاهم تُرضيهم، وأن يوسع خيربك الحيلة بكل ما أمكنه في تسكين هذه النائرة الثائرة، ويذكر لهم أن أصباي في الترسّم عنده إلى أن يكون ما يختاره أولياء المقتولَين، فنزل خيربك، وتلطّف بالقضيّة حتى سكن الحال، وأخذ القتيلين إلى داره فجهّزهما وأمر بدفنهما.
ولما أصبح السلطان من الغد قبض على صاحب النطرون، وأسلمه لتَمُر الوالي، وأمره بتسميره وإشهاره، ثم توسيطه، فوُسّط، ثم ذهب أصباي إلى داره، وتردّد إليه خُشداشيه للسلام عليه وتهنئته بسلامته. ثم أمر السلطان أن يُنادى بشوارع القاهرة، بأن أحدًا لا يتجاهى بالخاصكية، ولا يقف على بابهم، ومن فعل ذلك أو احتمى بواحدٍ منهم لا يسأل ما يجري عليه، ويشق أن آخذ بغير معاودة. فسكن الحال يسيرًا، وركدت الفتنة شيئًا، وانكفّ الكثير من الجُلبان، وحصل بعض فُسحة من ذلك الجهد العظيم والبلاء الذي كان في الناس بواسطة الجُلبان وتسليطهم على الناس وأذاهم، وهذا كله من شرور أنفُسِنا وسيّئات أعمالنا، نعوذ بالله من ذلك.
ثم لم يزل خيربك يتلطّف بأولياء المقتولين حتى صالح عنهم بألف فى ينار، ورضوا بذلك فأقبضها إيَّاهم، وكتب بذلك سِجِلًّا محكومًا فيه، وعمل ما يجب عمله في مثل ذلك شرعيًا. وطلع بالأولياء إلى السلطان فطيّب خاطرهم بعد أن قال لهم: أمّا أنتم فَقد أخذتم حقكم من أصباي، وبقي حقي أنا. ولما بلغ أصباي ذلك اختفى مدّة، ثم ظهر بشفاعة البعض، لكنّه انجمع عن الناس بالكلّية. لا جوزي خيرًا
(1)
.
وستأتي ترجمة أصباي هذا في سنة وفاته إن شاء الله تعالى.
[نزول السلطان للرماية]
وفيه، في يوم السبت، سابع عشرينه، نزل السلطان للرماية، ثم عاد شاقًّا القاهرة مثل ما تقدّم قبل ذلك فيما مرّ.
(1)
كائنة أصباي في: نيل الأمل 6/ 255.
(صرف أبي السعادات عن القضاء وما اتفق من سبب ذلك)
(1)
وفيه، في يوم الخميس ثانيه، صُرف البدر أبو السعادات البُلقيني عن القضاء. وكان سبب صرفه عدم دُربته في بابه وحواشيه، وسلامة باطنه وفطرته، فإنه أخذ في تقريب الأشخاص الذين كانوا عند من صُرف من القضاة الشافعية بقباء الحكم وغيرهم، وهم مع أولئك على هذا على ما أشرنا إلى ذلك في ترجمة البدر هذا فيما تقدّم، بل وفي غير موضع بمناسبات ذكرناها فيما مضى من تاريخنا هذا، فبقوا يدبّروا عليه وهو لا يشعر، وبلّغوا الزين ابن
(2)
مزهر كاتب السرّ عنه كلمات وقعت منه في حقّه مع بعض الأمراء، وكذا بلغه عن الشهاب أحمد بن العَيني عنه كلها لا على جهة النّمّ وإنكائه، بل على جهة أنه يشفع عنده فيه، وأنه لا يعارضه، ولا يقوم بمساعدة أحد من القضاة المنفصلين، فحنق الزين ابن
(3)
مزهر وانتكى. وكان من بعض كلامه إنْ بقي في القضاء إلى الشهر الآتي فأنا المغلوب معه.
ثم اتفق أن البدر هذا أخذ في أسباب عمل حلوى أعجمية تصلُح للملوك لأجل إهدائها للسلطان. وتأنّق في عملها إلى الغاية، وصرف عليها مبلغًا جيّدًا، فحسّن له بعض من أهل بابه بأن يأخذ من بعض أناس ذكروهم له شيئًا يستعين به على عمل الحلوى، وكان ذلك التحسين أرطال من الأغراض، والبدر غافل عن مراد ذلك المحسن، بل يظن أنه نصحه في ذلك، ثم أخذ جماعة ممّن لهم غرض في صرف البدر هذا في توسيع الحيلة بباب ساسان وشيطنة ومكر يطول الشرح في تفصيل ذلك. وبَدَرَ الزين ابن
(4)
مزهر بمُمالأة بعضٍ ممن ذكرنا، أنْ قال للسلطان: القاضي الشافعي قد تظاهر بأنه يعمل حلاوة لمولانا السلطان، وجبى في حجّتها مالًا، حتى من اليهود، وهو يقول للناس: نعمل حلاوة للسلطان أعينونا على ذلك، وبَلَصَ الكثير من الناس. ولما قرّر هذا عند السلطان أعقب ذلك بعث البدر الحلوى إلى السلطان في عدّة صدورٍ كبار من النحاس، على رؤوس
(5)
عدّة من الحمّالين، وهو لا يشعر بما كان ولا بما اتفق، وساعة وقوع بصر السلطان على ذلك استشاط وحنق، وصرّح بعزله، وردّ الحلوى. فكاد البدر أن يجنّ حين عُزل عن هذه الوظيفة، حتى قيل إنه حصل له ما يشبه الوسواس عقيب ذلك. ولم يدر من أين أتى عليه، ولا ما السبب لعدم دُربته. فأين هذا من تدبير هذا الوقح الحِيَلي، المعروف بابن المغرفي الغربي الحنفي، حين وُلّي منصب القضاء الحنفية
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
في الأصل: "روس".
في زمننا هذا من غير أن يترشح لذلك ولا أن يتأهّل له، وعلم أن الناس لا ترضاه ولا تميل إليه، فأبعد عنه كل من
(1)
له تعلّق بهذا المنصب في باب الحنفي من النقيب وغيره، حتى الرسُل والأعوان، بل ومن له نيابة عن الحنفي في وقْفٍ أو نحوه. وأنشأ صغارًا عِوضًا عن بعض أولئك أقامهم على بابه من جهته حتى لا تنتشر أخباره، ولا تُعرف أحواله، وما ذلك إلّا عن مكر زائد وحِيَل كبيرة، ومع ذلك فقد اطّلع على خساسته وتعاسته، وما هو فيه من النذالة والتهافت على الدنيا بكلّيته، فلا حول ولا قوة إلّا بالله.
ثم صار البدر بعد عزله في أمرٍ مهول وتخوّف عظيم، زيادة على عزله، وآل به الأمر بعد ذلك أن اختفى أيامًا، منها بعض أيام بمنزل الوالد بالصّوّة، حتى تلطّف به عند السلطان وعطف عليه خاطره.
وقصّته في هذه الحادثة فيها طول، وهذا ملخّصها
(2)
.
[قضاء الشافعية بحلب]
وفيه، في هذا اليوم، أعني الخميس هذا، استقرّ في قضاء الشافعية بحلب بدر الدين محمود المَعَرّي عِوضًا عن أبي البقاء بن الشِحنة، وأضيف إليه نظارة الجيش وكتابة السرّ أيضًا
(3)
.
[نزول السلطان للرماية]
وفيه، في يوم الخميس تاسعه، نزل السلطان للرماية أيضًا، وعاد من يومه، وشقّ القاهرة بعد أن دخل في هذه المرة من باب الفَرَج.
[خروج ابن العَيني إلى السرحة]
وفيه، في يوم السبت حادي عشره، خرج الشهابي أحمد بن العَيني إلى السرحة بالوجه البحري أسفل مصر، وكان خروجه بتجمّل زائد إلى الغاية
(4)
.
(ثورة الجُلبان بطباق القلعة)
(5)
وفيه، في يوم الأربعاء، خامس عشره، ثارت الجُلبان في القلعة بالطباق،
(1)
في الأصل: "كلمن".
(2)
خبر أبي السعادات في: النجوم الزاهرة 16/ 297، ونيل الأمل 6/ 255، وبدائع الزهور 2/ 445.
(3)
خبر قضاء الشافعية في: نيل الأمل 6/ 255.
(4)
خبر خروج ابن العيني في: نيل الأمل 6/ 255، وبدائع الزهور 2/ 445.
(5)
العنوان من الهامش.
ومنعوا الناس من الأعيان وأرباب الدولة من طلوعهم إلى القلعة للخِدم السلطانية، وكثُر هرَجهم ومَرَجهم، وطلبوا من السلطان أن يزيد في جوامكهم وكِسوتهم وعليق خيولهم. ووقع منهم أمور يطول الشرح في ذكرها. وآل الأمر في ذلك إلى السكون بعد أن راسلهم السلطان غير مرة، وترضّاهم حتى رضوا بعد اللُّتيّا والتي
(1)
.
وكان سبب ثورتهم ما كانوا فيه من كسر حُرمتهم التي حصلت لهم بعد كائنة أصباي، فصاروا من ذلك اليوم في لمع وما حملوا ذلك، وبقوا في غاية ما يكون من الباعث، وصاروا يتوقّعون حادثة تكون مندوحةً لقيامهم، حتى وجدوا هذه الحجّة ليكون ذلك ذريعة لعَودهم، لِما كان عليه من التسلّط على الناس والأذى، حيث صار كالطبع لهم، لا سيما وفي ذلك أخذ أموال الناس وبضائعهم. فلا حول ولا قوّة إلّا بالله.
(ولاية السيوطي القضاء)
(2)
وفيه، في يوم الخميس، سادس عشره، استقر في القضاء الشافعية الشيخ العالم، الفاضل، القاضي، وليّ الدين السيوطي الماضية ترجمته في متجدّدات سنة ()
(3)
وخمسين وثمانمائة.
وكان منصب القضاء من يوم صرف البدر أبي
(4)
السعادات البُلقيني شاغرًا. وأذِن السلطان للزين ابن
(5)
مزهر في أن ينظر في الأحكام وأحوال النواب إلى أن يرى السلطان رأيه فيمن يولّيه القضاء، بل وخطب الزين ابن
(6)
مزهر بالسلطان في أيام شغور القضاء، وتكلّم في بعض الأحكام وكثير من الأمور المتعلّقة بمنصب القضاء الشافعية، ولهذا عدّه البعض في قضاة مصر كما تقدّم ذلك في ترجمته. ولم يزل إلى أن تقرّرت
(7)
للولي السيوطي هذا فولّيها
(8)
.
[التنبيه على منع التجار بيع المماليك الجُلبان بحلب]
وفيه، أعني هذا اليوم، أمر السلطان بأن يُكتب إلى نائب حلب بأنه لا يمكّن أحدًا من تجار المماليك بأن يدخل إلى ممالك السلطان بشيء من المماليك الجُلبان
(1)
خبر ثورة الجلبان في: نيل الأمل 6/ 256.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
بياض في الأصل.
(4)
في الأصل: "أبو".
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
في الأصل: "بن".
(7)
في الأصل: "تحرت".
(8)
خبر ولاية السيوطي في: نيل الأمل 6/ 256، وبدائع الزهور 2/ 446.
للبيع بالكلية أصلًا ورأسًا، وأنه كل من
(1)
حضر بمثل ذلك يردّه من حيث جاء. ولقد فرح من تسامع بهذا من المسلمين. فليته كان كذلك، بل لم يمض على ذلك إلّا القليل من الوقت، وإذا بتاجر يقرب للخواجا السيد الشريف أميرجان، وقد أحضر ستمائة من المماليك الجُلبان، فاشتراهم من أمر بأن يُرَدّوا من حيث جاؤوا
(2)
. وهو السلطان، بل أخذ كل واحد منهم بمائتي دينار، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون
(3)
.
[إحضار رِمّة ابن رمضان إلى القاهرة]
وفيه، في ليلة الإثنين، سابع عشرينه، أُحضر إلى القاهرة رِمّة علي بن رمضان
(4)
، المتكلّم على بندر جُدّة، وكان قد خرج مع الشهابي أحمد بن العَيْني للسرحة، لأنه كان ممن ينتمي إليه ويتردّد إلى بابه، لأشياء مشهورة لا حاجة لنا في ذكرها، فأدركه أجَلُه معه، بتعاطي شيء كان سببًا لذلك، مع قدرة الله تعالى، وتمرّض بالمحلّة حتى مات بها، فحُمل إلى القاهرة.
وستأتي ترجمته في تراجم هذه السنة إن شاء الله تعالى.
[دخول المؤلّف مدينة طرابلس الغرب]
وفيه، في أواخره، دخلنا إلى ميناء مدينة طرابلس المغرب، ونزلت بدارٍ بها، وأقمنا بها مدّة شهور إلى أن كان لنا بعد ذلك ما سنذكره.
[قلق صاحب تونس من العربان]
وفيه، في أواخره أيضًا، ورد الخبر بأن صاحب تونس في قلق كبير بسبب عربان بلاده، فإنهم لما تحقّقوا بأنه في عزْم التوجّه إلى تِلِمْسان أخذوا في التعزّز عليه، لكونه احتاج إليهم لأجل التوجّه بهم إلى تِلِمْسان، وأنه وسع فكره في أمرهم، ولا زال يقهقر طائفة منهم حتى أدخلهم الصحارى، وأبعدهم عن بلاده، واستمال طائفة أخرى لأخذهم معه إلى جهة تِلِمْسان، وأنه فرّدتى فيهم أموالًا طائلة، وهو على شرف التوجّه لتِلِمْسان، حتى كان ما سنذكره.
(1)
في الأصل: "كلمن".
(2)
في الأصل: "جاوا".
(3)
خبر التنبيه في: نيل الأمل 6/ 257 وقد انفرد به المؤلّف رحمه الله.
(4)
ستأتي ترجمة (علي بن رمضان) في وفيات هذه السنة.
[جمادى الآخرة]
وفيها استهلّ جمادى الآخرة بالخميس، وهُنّيء فيه السلطان بالشهر.
[حفظ الخيول من العربان ببرّ الجيزة]
وفيه، في يوم الخميس هذا، خرج الأمير قرقماس الجلب أمير سلاح، وقانِبَك المحمودي أحد مقدَّمين
(1)
الألوف لبرّ الجيزة لحفظ الخيول من العربان، وكان معهما عدّة من الأمراء والجند، ومع ذلك كله أخذ العرب عدّة منها للأمراء وغيرهم
(2)
.
[وصول جانبك السليماني ومعه دوادار نائب حلب]
وفيه، في يوم الجمعة، ثانيه، وصل إلى القاهرة جانِبَك السليماني، أحد خاصكيّة السلطان، من حلب، ومعه أبو بكر دوادار بُردُبَك نائب حلب، وكان السلطان قد بعث بطلبه، وأشيع أن بُردُبك امتنع من إرساله، وأنه أظهر العصيان. وجرت أمور تطول، حتى كاتب بُردُبك جماعة من خُشداشيه يلومونه ويعرّفونه بالمصلحة، حتى بعث بدواداره المذكور، وأُرجف بالقاهرة بقتله أو نحو ذلك، ثم لم يلبث أن عُملت مصلحته بمالٍ قُرّر عليه، وعاد لأستاذه بعد أن خلع عليه السلطان خلعة هائلة، وأركبه مركوبًا خاصًا، ثم كتب لأستاذه بما يُرضي به خاطره
(3)
.
[نيابة قلعة دمشق]
وفيه، في يوم الثلاثاء سادسه، استقر في نيابة قلعة دمشق جانبك الظاهري، أحد الدوادارية الصغار، عِوضًا عن إبراهيم بن بيغوت بعد صرْفه عنها
(4)
.
(نادرة عجيبة)
(5)
وفيه، في يوم الأحد حادي عشره، ذبحتُ نعجةً بمنزلي بطرابلس لإضافة بعضٍ من الفقراء، فوجدنا ببطنها جنينًا له رقبة غليظة إلى التر (
…
)
(6)
، له بها
(1)
الصواب: "أحد مقدّمي".
(2)
خبر حفظ الخيول في: نيل الأمل 6/ 258، وبدائع الزهور 2/ 447.
(3)
خبر وصول جانبك في: نيل الأمل 6/ 259.
(4)
خبر نيابة القلعة في: النجوم الزاهرة 16/ 298، ونيل الأمل 6/ 259.
(5)
العنوان من الهامش.
(6)
كلمة مهملة غير مفهومة رسمها: "الترمع"؟
رأسان بأربعة أعيُن، وأربعة آذان، وثمانية أرجل، وله إلْيتان، ومخرجان، وسلسلتا
(1)
ظهر، فتعجّبنا من ذلك
(2)
.
(سفر كاتب السر ابن
(3)
مزهر للحج رجبًا)
(4)
وفيه، في يوم الخميس، تاسع عشرينه، خرج الزين ابن
(5)
مزهر، كاتب السرّ، للحج في هيئة الرجبية، واجتمع معه جمع كبير من الناس، وكان ركبًا هائلًا، وجعل السلطان أميرَ هذا الركب علّان من طَطَخ
(6)
الأشرفي، أحد العشرات، والعُهدة في سفرهم وإقامتهم وسيرهم على الزين المذكور، وخرج الزين المذكور بتجمّل زائد وعظمة هائلة، وصنع في سفره معروفًا كبيرًا، وأظهر من البِرّ وفِعل الخير ما هو مذكور به إلى يومنا هذا، ومسطّر عنه، وشاع ذكره وذاع، وملأ الأسماع، وسارت به الركبان في سائر البلدان. جزاه الله تعالى خيرًا، وتقبّل منه، فلقد حُمدت سيرته وشُكرت أياديه في سفرته إلى الغاية. وأمّا المعروف الصادر عنه والكائن منه بمكة والمدينة المشرّفتين
(7)
وأخباره فاشية شائعة ذائعة إلى يومنا هذا
(8)
.
[شهر رجب]
وفيها استهلّ رجب بالجمعة
(9)
بالرؤية.
[الخلعة باستمرار نائب الشام على نيابته]
وفيه، في يوم السبت، ثانيه، سافر أبو بكر دوادار بُردُبك نائب الشام، وعلى يده خلعة لأستاذه باستمراره على نيابته، وفي النفوس أشياء يدريها الفطِن اللبيب.
(1)
في الأصل: "سلسلتي".
(2)
النادرة العجيبة في: نيل الأمل 6/ 259.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
توفي علّان من ططخ في سنة 886 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 5/ 150 رقم 521، ونيل الأمل 7/ 290 رقم 3181 وفيه "علّان الأشقر من ططخ"، وبدائع الزهور 3/ 182.
(7)
في الأصل: "المشرفتان".
(8)
خبر سفر ابن مزهر في: النجوم الزاهرة 16/ 298، ونيل الأمل 6/ 259، وبدائع الزهور 2/ 447، والذيل التام 2/ 200.
(9)
كتب قبلها: "بالأحد" ثم ضرب عليها.
[عدم صحة الخبر بعزل قائد طرابلس الغرب]
وفيه، في يوم الثلاثاء، خامسه، ورد الخبر إلى طرابلس الغرب بعزل قائدها أبي
(1)
النصر، ثم لم يظهر صحة ذلك.
[النداء بزينة القاهرة]
وفيه، في يوم الجمعة، ثامنه، نودي بزينة القاهرة، لأجل دوران المحمل، فشرع الناس في ذلك، حتى تكملت الزينة على العادة، ثم أدير في يوم الإثنين حادي عشره على عادته في كل سنة
(2)
.
[قدوم سيدي الدهماني إلى طرابلس الغرب في طريقه للحج]
وفيه، في يوم السبت، سادس عشره، قدم إلى طرابلس سيدي أحمد الدُهماني
(3)
القيرواني
(4)
، شيخ الركب، ومعه جمع وافر من المَصامِدة وغيرهم، وهم قاصدون الحج من على طريق بَرْقة، وتجهّز جماعة من طرابلس أيضًا للسفر معهم، وتجهّزت أنا أيضًا، وتكلّفت إلى شراء جمال وكير ذلك، وكان ما سأذكره.
[قدوم جماعة من الصعالكة من الحج]
وفيه، في أواخره، قدم إلى طرابلس جماعة من الصعالكة من على طريق برقة بعد حخهم، فسُئلوا عن أمن الطريق وأحوالها، فأخبروا بخير وسلامة، فقوي عزم الكثير من الناس على السفر صحبة الركب المذكور.
[سفر المؤلّف صحبة الركب]
وفيه، في يوم الخميس ثامن
(5)
عشرينه، اجتمعت بطرابلس بطائفة من المصامدة الذين هم صحبة الركب أستشيرهم في السفر، فأشاروا عليّ بأنه نِعم الرأي، وصحبنا من ثَمّ سيدي محمد بن سعيد المصمودي
(6)
، العبد الصالح،
(1)
في الأصل: "أبو".
(2)
خبر النداء بالزينة في: النجوم الزاهرة 16/ 298، ووجيز الكلام 2/ 782، ونيل الأمل 6/ 259.
(3)
توفي (أحمد الدُهماني) في: سنة 893 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 2/ 262 رقم 781، ووجيز الكلام 3/ 1063، 1064 رقم 2280.
(4)
في الأصل: "القروي".
(5)
كتب قبلها: "تاسع" ثم ضرب عليها.
(6)
لعلّه "محمد بن سعيد المغربي الضرير" الذي ذكره السخاوي وقال إنه مات بمكة سنة 888 هـ. (الضوء اللامع 7/ 253 رقم 636).
وتعارفنا به، وكنّا بعد ذلك في السفر نتأنّس به غاية الأنس، وسمعنا الكثير من فوائده. وهو إنسان حسن من عباد الله تعالى الصالحين، حج لما قدم القاهرة من عامه هذا، وجاور بمكة، وهو بها إلى يومنا هذا فيما أُخبرت، وقد كفّ بصره، وللناس فيه الاعتقاد الحسن، نفع الله تعالى به.
[كسوف الشمس]
وفيه، في صبيحة يوم الجمعة، تاسع عشرينه، (كُسفت الشمس)
(1)
، يقال: قبل الشروق بأربع درج، ودام ذلك بعد الشروق ثلاثًا وعشرين
(2)
درجة، وكان الكسوف من جُرم القمر قدر أربعة أصابع من جهة الجنوب
(3)
.
[شهر شعبان]
وفيها استهلّ شعبان بالأحد، وكان أشيع في رجب بأنه لا يخرج والسلطان موجود في قيد الحياة. بل أشاع أهل التقاويم ومن هو في مقولتهم من المنجّمين والكذّابين، بأن السلطان عليه قَطْع كبير، والظاهر عدم بقائه
(4)
إلى ثامن عشره، ولهج الناس بذلك حتى صار كالذي لا بُدّ منه، واستفيض له بما بلغ ذلك السلطان.
[الإشاعة بقرب موت السلطان]
ولما استهلّ هذا الشهر، وهو شعبان، ظهر كذِب من قال ذلك وافتراؤه
(5)
على الله تعالى، وادّعاؤه
(6)
المغيّبات، وقولهم ما لا يعلمونه رجمًا بالغيب الذي لا مصادفة فيه أيضًا، مع أنني أُخبرت بأن السلطان خُشقدم هذا كان في خصوص هذه الأيام التي ذكروا هم بأنه لا يبقى فيها في أرغد ما يكون من العيش والهناء، ولم يحصل له أدنى ما يسوء
(7)
أو يكدّر في تلك المدّة ليكون ذلك كالمندوحة لهؤلاء، وكالذريعة إلى بعض تصديق ما يقولونه، بل كان على أحسن الحالات وأتمّها
(8)
.
[مشيخة العبّادي بخانقاه سعيد السعداء]
وفيه، في يوم الخميس خامسه، استقر في مشيخة خانقاه سعيد السعداء الشيخ الإمام، العالم، العلّامة، سراج الدين العبّادي، الشافعي، عوضًا عن التقيّ
(1)
ما بين القوسين عن الهامش.
(2)
في الأصل: "ثلاثة وعشرون".
(3)
خبر الكسوف في: النجوم الزاهرة 16/ 447، ونيل الأمل 6/ 260.
(4)
في الأصل: "بقاوه".
(5)
في الأصل: "وافتراه".
(6)
في الأصل: "وادعاه".
(7)
في الأصل: "اد في ما يسوس".
(8)
خبر الإشاعة في: النجوم الزاهرة 16/ 298، ونيل الأمل 6/ 260، 261.
القلقشندي، بحكم وفاته
(1)
. وسيأتي في التراجم والوَفَيَات إن شاء الله تعالى.
[خروج قايتباي نجدةً ليشبُك من مهدي على عربان هوّارة]
وفيه، في يوم الجمعة، سادسه، خرج قايتباي المحمودي أحد مقدَّمين
(2)
الألوف إذ ذاك، وهو سلطان عصرنا الآن، إلى الوجه القِبلي بالصعيد نجدة ليشبُك من مهدي الكاشف إذ ذاك، ومعه عدّة من الجند السلطاني، وكان قد ثار بيشبُك هذا طوائف عربان هوّارة
(3)
.
[وقعة يشبُك وعربان هوّارة]
وفيه، في يوم الخميس، ثاني عشره، ورد الخبر من يشبُك من مهدي المذكور، بأنه واقَعَ العُربان فكسرهم (وقتل)
(4)
منهم جماعة، وبعث رؤوس
(5)
القتلى إلى القاهرة، وكانوا نحوًا من ثلاثين رأسًا من رؤوس
(6)
أكابرهم، وذلك قبل وصول قايتباي إليه
(7)
.
[سلْخ جلد عبد الرحمن بن التاجر]
وفيه، في يوم الخميس، تاسع عشره، سُلخ جلد عبد الرحمن بن التاجر شيخ سَفْط أبي تراب، وكان قد سُلخ جلد ولده إسماعيل قبله في يوم الأحد، وذلك لما قُبض عليهما بعد فسادهما وقتْلهما عبد الله شيخ أبْشيه المَلَق، واحتاط السلطان على موجود عبد الرحمن هذا، وأخذ منه شيئًا لا توصف كثرته
(8)
.
(شيء من أخبار برقة)
(9)
وفيه، أعني هذا الشهر، خرجنا مسافرين مع الركب من طرابلس قاصدين هذه البلاد من على طريق برقة، بعد أن اجتزنا بمُسْراتة، ثم بقصر أحمد من أعمال
(1)
خبر مشيخة العبادي في: نيل الأمل 6/ 261، وبدائع الزهور 2/ 448.
(2)
الصواب: "أحد مقدّمي".
(3)
خبر خروج قايتباي في: نيل الأمل 6/ 261، وبدائع الزهور 2/ 448.
(4)
عن الهامش.
(5)
في الأصل: "روس".
(6)
في الأصل: "روس".
(7)
خبر وقعة يشبك في المصدرين السابقين.
(8)
خبر السلخ في: الضوء اللامع 2/ 300 رقم 924، والذيل التام 2/ 206، 207، ووجيز الكلام 2/ 789 رقم 1820، ونيل الأمل 6/ 261، 262، وبدائع الزهور 2/ 448.
(9)
العنوان من الهامش.
طرابلس، ثم دخلنا برقة فشقّيناها من على الطريق الوسطي لا الساحل، لأن الركب اختشى من التوجّه من على طريق الساحل من شرور عربان برقة وأذاهم، لكونهم غالبًا في هذه الأيام يكونون بالساحل، وقطعنا عقبة المراس، وتسلّمنا البساط من أرض برقة، وبقينا بها ليالي وأيامًا، ورأينا أرضًا عجيبة وبلادًا خربة غريبة لم يبق إلّا رسومها وبعض الآثار، وهي بطحاء لا جبال بها ولا تلال ولا عمران، وتعجّبت من سيرنا فيها بلا ما يدلّ على الطريق حتى ولا آثارها. وكنا نرى بها شيئًا كثيرًا من النعام كبارًا سمينة يُخيَّل لناظرها من بُعد أنها شجرة. ورأينا مدينة لبنا
(1)
وهي خراب، مدينة عظيمة كانت مبنيّة بالرخام الأبض، وأكثر جدرانها قائمة على أصولها، محكَمة البناء، ورأَينا عندها من بلدان خربة. ثم اجتزنا بالبساط بالبئر المعروفة ببئر سادنو
(2)
وهي من أعجب الآبار، عميقة جداً، وإذا رُمي إليها الحجر لا يُسمع صوته لبُعد المسافة بين فمها ومائها. وقاسينا في طريقنا من المشاق ما لا يُعدّ، ولقينا بعض العربان وأخافونا، بل ربّما قصدوا نهب الركب، وأخذوا أشياء من أثاث الناس، وداروا بنا أياماً، وما سلّم الله تعالى منهم إلّا بعد جهد جهيد، وخوف شديد، حتى وصلنا إلى عربان لبيد، وكانت بلادهم مخصبة، ولم يعترضونا بسوء، وأقاموا لنا أسواقًا، وسرنا بعد ذلك إلى جهة الإسكندرية، وكان ما سنذكره.
[شهر رمضان]
[صيام المؤلّف مع الركب والمعاناة من العطش]
وفيها رؤي
(3)
فيها هلال شهر رمضان ليلة الأحد، فأصبحنا صيامًا بالطريق. وحصل لنا في أوائل هذا الشهر عطشة بالطريق لقلّة المياه، وكاد أن يهلك الكثير من الناس، وخلّص الله تعالى بالوصول إلى الماء، وكان مَنْ معه الماء من الناس خافوا واختشوا من هجوم من لا ماء معه عليهم لأخذ الماء منهم، فألهمني الله تعالى أن جعلت قِربة معي فيها الماء في غرارة، وأظهرنا أنه لا ماء معنا، إذ ما معنا لا يكفينا إلّا بجهد، ولو غفلنا عن إخفائه لهلكنا عطشًا مما كان من قلّة الماء. وكان معنا ابنة صغيرة لي لا صبر لها عن الماء وأنا خائف عليها.
(1)
هي مدينة لبنى المجاورة لمدينة بنغازي.
(2)
المرجح أنها مدينة الأبيار المعروفة الآن بين بنغازي ومدينة المرج.
(3)
في الأصل: "راي".
[لبس السلطان البياض]
وفيه، في يوم الجمعة، ثاني عشره، ووافق ثاني عشرين بَرْمُودَة، لبس السلطان البياض على العادة.
[عيادة السلطان ليحيى بن يشبُك الفقيه]
وفيه، في يوم الإثنين، خامس عشره، نزل السلطان إلى دار يحيى بن يشبُك
(1)
الفقيه فعاده وكان قد قدم من حلب وهو مريض، وتمادى به هذا المرض، على أنه دام به بعد ذلك آثاره، حتى كان سببًا لموته بعد مدّة
(2)
.
[قلّة الأزواد على المؤلّف ومن معه من الركب]
وفيه، في سادس عشره قلّت
(3)
الأزواد معنا ونحن بالطريق، وكادت أن تفرغ، بل فرغ الكثير من أزواد بعض الركب، بقوا يأكلون الحلزون، وعمل من معه الزاد أيضًا إلى أن أكل الحلزون أيضًا خوفًا من إنهاء ما معه، فوفّره على نفسه لبلاد أخرى لا حلزون بها، إذ صادفوا هذه الأرض التي قلّت بها الأزواد كثرة الحلزون، فمنهم من أكله اضطرارًا، ومنهم من أكله لتوفر القليل مما معه، وحصلت المشاقّ العظيمة، وأعقبها السلامة ولله الحمد.
(ولاية السيد إبراهيم كتابة سرّ دمشق)
(4)
وفيه في يوم السبت، عشرينه، استقرّ الشريف إبراهيم بن محمد التاجر في كتابة السر بدمشق، وصُرف القُطْب الخَيْضري عنها، وأُمر بلزوم داره
(5)
. والسيد الشريف هذا موجود الآن جرت عليه أمور وخطوب يطول الشرح في ذكرها، وهو الآن مقيم بالقاهرة بطّالًا.
[دوادارية السلطان بدمشق]
(وفيه، قرّر في دوادارية السلطان بدمشق شادبك الأشرفي
(6)
، عوضًا عن
(1)
مات (يحيى بن يشبك) في سنة 876 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 10/ 264، 265 رقم 1053، ووجيز الكلام 2/ 837 رقم 1921، والذيل التام 2/ 259، 260، وإنباء الهصر 412، 413 و 466، 467 رقم 13، ونيل الأمل 7/ 28، 29 رقم 2888، وبدائع الزهور 2/ 69.
(2)
خبر عيادة السلطان في: نيل الأمل 6/ 263، وبدائع الزهور 2/ 448.
(3)
في الأصل: "قله".
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
خبر ولاية السيد في: نيل الأمل 6/ 263، وبدائع الزهور 2/ 448.
(6)
مات (شادبك الأشرفي) في سنة 873 هـ. وستأتي ترجمته هناك.
تَنِبَك الحمزاوي
(1)
، نقلًا إليها من أتابكية حلب، ثم بعد ذلك مات تَنِبَك المذكور في ذي الحجّة يوم الخميس أو قبله)
(2)
.
[ختم البخاري بالقلعة]
وفيه، في يوم الأحد، حادي عشرينه، خُتم البخاري بالقلعة وخُلع على القضاة والمشايخ ومن له عادة على ذلك
(3)
.
[ختم البخاري بباب السلسلة]
وفيه، في يوم الإثنين، ثاني عشرينه، ختم البخاري أيضًا عند الشهاب أحمد بن العَيني، بباب السلسلة، واحتفل لذلك. وخُلع على جماعته عدّة خِلَع
(4)
.
[شهر شوال]
[تعييد المؤلّف في بلاد لَبِيد]
وفيها كان أول شوال بتمام عدد ما قبله بالثلاثاء، وعيّدنا في بلاد لَبيد بالقرب من الإسكندرية، ثم أعاقنا والركبَ عن الجِدّ في السير قلّة الظَّهر، لموتَ الكثير من الجمال ووقوفها، ووقف بالطريق
(5)
بعض جمال تضزرنا بوقوفها، حتى مشيتُ في بعمَر الأحيان على قدمين، ودام ذلك بنا نحو الخمسة أيام، وكان معي دابّة أتعلّل بركوبها، فصرت أخاف أن تقف أو تموت. وضعُف مملوك
(6)
كان لنا يخدمنا وتغلّبنا به، ثم وجّه الله تعالى له بالعافية، فله الحمد على ذلك.
ثم دخلنا ثغر الإسكندرية في خامس هذا الشهر.
(شيء من أخبار الوالد وما جرياته)
(7)
وفيه، في يوم خامسه، جاء إلى منزل الوالد وهو يسكن بالصّوّة إذ ذاك، تجاه صِهْريج مَنْجك: القاضي شهابُ الدين، أحمد بن سعيد التِلِمْساني
(8)
(1)
ستأتي ترجمة (تنبك الحمزاوي) في وفيات هذه السنة.
(2)
هذا الخبر ما بين القوسين كتب على الهامش.
(3)
في الأصل: "ومن له عادة على العادة". وخبر الختم في: نيل الأمل 6/ 263.
(4)
المصدر السابق.
(5)
في الأصل: "ووقف في بالطريق".
(6)
في الأصل: "مملوكًا".
(7)
العنوان من الهامش.
(8)
توفي (أحمد بن سعيد التلمساني) في سنة 874 هـ. وستأتي ترجمته فيها.
المالكي، قاضي قضاة دمشق كان، وكان قد صُرف عن قضاء دمشق، فقدِم إلى القاهرة ليسعى في عَوده كما كان، فأقام بها مدّة، والسلطان مُعرض عنه لا يلتفت إليه، حتى ملّ من إقامته بالقاهرة، فقال للوالد: قصدي أن تستأذن لي السلطان في أن أتوجّه إلى الحج في هذا العام، ثم أتوجّه مع الشامي إلى دمشق، فإن هذا السلطان ما بقي يولّيني، وأنا قد مليت من إقامتي بالقاهرة على غير طائل، وترْك عيالي ودياري.
فقال له الوالد: لقد أُريت في ليلتي هذه الماضية رؤيا غريبة، ورأيتك وأنت بيدك ورقة كاغَد، وكأنّ بها خطوطًا مستوية، وبوسطها نقص في التخطيط، وأنت تقول لي: انظر إلى هذا. فهو يدلّ على زوال خُشَقَدم وجماعته.
فقال الشهاب: هذا أضغاث أحلام.
فأجابه الوالد بقوله: أنا أعلم من الله تعالى ما لا تعلمه من صدق رؤياي، وقد جرّبتُ ذلك غير ما مرة.
قال الوالد: ثم بقيت أنا في خاصّة أتفكّر كيف يكون ذهاب هذا الرجل -يعني خُشقدم-، ولمن يصير الأمر من بعده وكيف يكون حالي بين هؤلاء الطوائف، وهم فِرَق متعدّدة، وأيّ فرقة أتبع أنا منها، وما أعرف من الغالب، وربّما يحصل الضرر، وأخذت في قولي: لا حول ولا قوّة إلّا بالله، والمستعان به، والاعتماد عليه. وبينا أنا في فكرتي تلك وإذا قاصد من عند الخليفة المستنجد بالله، يسألني في حضوري إليه، فلما اجتمعت بالخليفة، سألني أن أكلّم السلطان في شأنه عساه أن يأذن له بالنزول إلى داره على عادته القديمة، فإنه ملّ من إقامته بالقلعة، وأمر في أن أتلطّف في ذلك بالسلطان ما أمكنني، واجتهد في كاية الاجتهاد، فوعدته بذلك وانصرفت، ثم طلعت إلى السلطان بعد أيام قلائل على عادتي في ذلك، فترحّب بي وأنصف بزيادة على العادة، ثم أخذ يسألني كيف أحوال الناس. ثم قال: ولك مدّة لم تدلّني على خير ولا نصيحة تذخرها عند الله تعالى.
قال الوالد، رحمه الله: فوجدت الفرصة ومناسبة المجلس للكلام في شأن الخليفة، فقلت له: يا مولانا السلطان، إن الخليفة أمير المؤمنين وابن
(1)
عمّ سيّد المرسلين صلى الله عليه وسلم وإمام المسلمين، وعزّ السلطنة مكتسَب منه قد طالت أيامه في التعويق بالقلعة، وأنتم قد أطلقثم من سجون ثغر الإسكندرية السلاطين وغير ذلك
(1)
في الأصل: "وبن".
من الملوك، فبالأولى أن يكون هذا الإمام القديم الهجرة في منزله، والناس متردّدون إليه على العادة ورسائله مقبولة عندكم وعند الأعيان، ويشاع هذا عنكم في الممالك.
فلما سمع السلطان ذلك منه تأثر له غاية التأثّر، وقال له: هو سألك في مرسل ذلك؟ فقال له: نعم، وقصدت بذلك سَوْق الأجر إليكم، فبعث السلطان إلى الخليفة من قال له: أنت سألت فلان في أن يشفع فيك عند السلطان. فيقال: إن الخليفة استشعر من ذلك مكروهًا، فأجاب بلا، ويقال: إنه أجاب بنعم، وأن السلطان أظهر أن الخليفة ما سأل في ذلك، وما عاد الجواب إلى السلطان بغير زيادة على نظيره، ثم قام ناهضًا على قدميه معرضًا عن الوالد، ودخل إلى الخيام، ثم في كده أخرج ما كان بيد الوالد من الإقطاع بدمشق باسم أولاده، ثم بعث إليه بقاصده يأمره أن يلزم منزله، وهو كناية عن عزْل وكضْب، ويؤكّد عليه بأنه لا يجتمع بأحد، ولا يركب إلى أحد.
قال الوالد: فحصل عندي من ذلك باعث وفكر زائد وغاية تشويش، وتوسّع خوفي من هذا الإنسان، وإذا بالأمير جانبك المحمودي، وكان من أعزّ أصحابي وأحبابي، وقد حضر إليّ في ليلة ما بين العشاءين، وهو متكتّم حضورَه، ثم أخذ يذكر لي عن السلطان بأنه تكلّم بكلام كبير في حقّي لا ينبغي شرحه، وكانه توهّم من طلبي إخراج الخليفة إلى منزله مساء، ولا سيما كان قانِبك هذا يَسير التردّد والتودّد إليّ، فحدّثت السلطان نفسُه أنّ لي غرضٌ في نزول الخليفة إلى داره، لقيام قانِبك أو غيره، هكذا ظهر لما نقله قانِبَك عن كلام السلطان لأتابك العساكر الأمير يَلَباي، لا سيما لما بعث إلى الخليفة، وأجاب بأنه لم يسأل في ذلك، فتأكّد ما توهّمه السلطان بباله، واتّسع خياله، وبذلك اتّسع خيالي أنا، ثم أمرني الأمير قانِبَك بأن أكون على حذر. قال: فأخذ في الفكر، وألْهَمَني الله تعالى أن أكتب قصّة للسلطان أسأله فيها أن يأذن لي بالتّوجّه إلى القدس الشريف أو حَرَم سيّدنا الخليل، أو يأذن لي بالتوجّه إلى طرابلس لأقيم بها بمنزلي الذي أنشأته هناك، وأنقطِع إلى الله تعالى، كون بالبُعد عنه، ينقطع توهّمه عنّي بما توهّم. وبعثت بالقصَّة مع ولدي فخر. وقبل كتاب القلعة خطر ببالي أن أغيّر القصّة إلى سؤالي بأن أتوجّه إلى الحج في هذه السنة في هذه الأيام، فأردفت ولدي بأخيه ليدركه قبل دخوله إلى السلطان، حتى أغيّر القصّة لذلك، وأمرته أن يحثّ في مشيه ويستحثّ أخاه
(1)
في عَوده قبل اجتماعه بالسلطان، فعاد إليّ وقال: لم أدركه إلّا وقد دخل القلعة وسبقني، ففاتني، فقلت: عساه لا يجتمع بالسلطان ويعود، حتى أغيّر القصّة. وبينا
(1)
في الأصل: "اخيه".
أنا مفكّر في ذلك إذ عاد بسرعة، فقلت له: الظاهر أنك لم تجتمع على السلطان، وظننت ذلك لسرعة عَوده.
فقال: بل اجتمعت به وقرأ القصّة، وقال: مكة أفضل من البيت المقدس والخليل، فلْيتوجّه إليها.
فعجبت من هذا الاتفاق الغريب. وقلت: ذلك ما كنّا نبغي، ثم أخذت في أسباب الحج. فبقي بعض الأصحاب يقول: إنّما قال السلطان ذلك لأجل أن يسكتوا
(1)
عنه وهم لا يدرون، فأعوذ بالله
(2)
تعالى به من فضله وتدبيره إيّاي، وتيسيره الخير لي وتهيئة الأسباب، وإجراء أموري على وفق ما أريده وآمله غالبًا، لا سيما عند تغيّر الدول، وأنا في حرّيتي، وبل أجزم أن هذا الرجل تزول دولته عن قرب.
قال: ثم حججت حجّة هيّنة لم أحجُجْ مثلها قطّ، مع ما تقدّم لي من الحج غير ما مرة، وكان معي في حجّتي هذه الأهل والعيال، والخدم والحشم، والكبار والصغار من جماعتي، ومعي من الجمال والهُجُن والخيل والبغال ما يكفيني. وحصل لي من أمير الحاج غاية الإنصاف، والقيام في حوائجي، وتقاضي أشغالي، وكنت أسير أمام الركلب، وحصلتْ لي فتوحات وعنايات ربّانية من قبل الله العالي، وشكرته على ذلك، وعلى ما أنعم وتفضّل وأكرم وتقبّل. وحين وصولنا مكة المشرّفة بعث إليّ خطيبها يأمرني بالنزول بمكانٍ أعدّه في تيسير الله تعالى بمكان خير إقامته على خلائه
(3)
، به ساقية وبستان للتنزّه به، وقناة من الماء الحلو. فأقمنا بمكة اثني عشر يومًا في أرغد عيش وأهنئه
(4)
، إلى أن فرغنا من أفعال الحج.
وكان قد حضر الركب العراقي في هذه السنة، فسرنا إلى المدينة المشرّفة في صحبته، وكان قد حضر في بعضٍ من إخواننا في الله تعالى، فاجتمعوا بي وقالوا: إن هذه البلاد تحتاج إلى سعة مال، ورحِم الله من زار وخفّف، والرأي عندنا أن تسير معنا إلى العراق، وكان أمير الركب الأمير عبد الحق بن الجُنيد
(5)
البغدادي، المشهور بالولاية والصلاح.
وعبد الحق هذا من ذريّته
(6)
، فقوي العزم على التوجّه صحبتهم، لا سيما
(1)
في الأصل: "أن يسكتون".
(2)
في الأصل: "فاعوذ في الله".
(3)
في الأصل: "خلاه".
(4)
في الأصل: "واهناه".
(5)
لم أجد لعبد الحق بن الجُنيد ترجمة.
(6)
أي من ذرّية (الجُنَيد بن محمد الخرّاز القواريري) المتوفى سنة 297 هـ. انظر عنه في: طبقات الصوفية، للسُلَمي 155 - 163 رقم 1، وحلية الأولياء 1/ 255 - 287 رقم 571، والزهد =
وفي البال اشتغال بالخوف من باطن خُشقَدم، وعدم إهمال الأمر من قِبله. وكانت النفس تحدّثني بالبعد عن بلاده خوفًا من شرّه وسواد باطنه، إلى أن يريد الله تعالى بما يريد. فسرنا على بركة الله تعالى وعونه في أرغد عيش وأهنئه
(1)
في خصْب وأمن وسلامة، وكثرة ماء، وحسن رفعة، وحصل من الأمير عبد الحق صاحب الحلّة وهيت وتكريت
(2)
من قِبل جهان شاه، وأمير المحمل العراقي غاية الإنصاف والإسعاف والبرّ والإحسان، وغير ذلك من كل جميل، ما لا يُعدّ ولا يُضبط، جزاه الله تعالَى عنّي خير الجزاء، وظهرت له أيادٍ، وبل كراماتٍ بذلك الدرب الشريف، نفع الله تعالى به وبسلفه الطاهر. ولم نزل حتى وصلنا الحلّة، فأنزلنا عنده مدّة شهرين، وأجرى علينا ما نحتاج إليه، ثم أفكر لنا في شيء يحصل به النفع والبلغة والرفعة، فأشار علينا بالتوجّه إلى السلطان جهان شاه، وكتب معنا مكاتبات إليه، وقال لي: إن صاحبنا هذا سلطان العجم الآن والعراقين من ذوي الهمم، وأنا أشير عليكم أنكم إذا اجتمعت به يكون غاية ما في وسعكم وطاقتكم وجهدكم أن ترشدوه إلى الصلح بينه وبين حسن بن قرايُلُك قبل وقوع الفِتن المؤدّاة إلى فساد العباد وخراب البلاد، ويكفي الله المؤمنين القتال. ثم قال لي: قد عرَّفتُ جهان شاه في مكتوبي عن عُلوّ مقامكم ورِفعتكم، وبُعد صِيتكم وسُمعتكم بالبلاد المصرية وما تنقّلتم فيه من الثوابت السَّنيّة العليّة، وعرّفتكم له، وعرّفته بأنكم أهلًا لأن يستشيركم
(3)
ويقتدي برأيكم، وأنكم ممن له دُربة وحنكة، وقد دبّرتم الممالك فضلًا عن غير ذلك، وذكرت له أنكم تركتم الدنيا ولا رغبة لكم إلّا في الخير وطلب الآخرة، فسرنا على بركة الله تعالى بعد أن أتحفنا بتُحف كثيرة، وأهدانا ما يليق بمقامه الكريم، بعد أن أقام بالكلفة في هذه المدّة، وأغدق بالعطايا، فمررنا على بغداد، وكان دخولنا البلقاء في ربيع الآخر سنة اثنتين
(4)
وسبعين، فزرنا مشاهد الأئمّة الكرام والسادة الأعلام، الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والسِبطين الحسن والحسين، ومحمد الباقر، وموسى الكاظم، والإمامين الأعظمين أبي حنيفة، وأحمد بن حنبل، رضي الله عنهم أجمعين. وزرنا السيد عبد القادر الكيلاني، وجميع من هناك من الأولياء الصالحين، رضي الله عنهم أجمعين،
= الكبير، للبيهقي، رقم 19 و 20 و 97 و 175 و 183 و 324 و 416، و 429 و 446 و 491 و 697 و 731 و 748 و 753، و 770 و 771 و 761 و 769 وه 78 و 945 و 949، والرسالة القشيرية 18، 19، وتاريخ بغداد 7/ 241 - 249 رقم 3739، ومصادر أخرى كثيرة حشدناها في تاريخ الإسلام، للذهبي (حوادث ووفيات 291 - 300 هـ.) ص 118 - 122 رقم 143.
(1)
في الأصل: "واهناه".
(2)
كلها مدن معروفة في العراق.
(3)
في الأصل: "يستشاركم".
(4)
في الأصل: "سنة اثنين".
ومررنا على الموصل وجزيرة ابن
(1)
عمر، وماردين. ثم بينا نحن في أثناء ذلك إذ وصل لنا الخبر بما وقع لحسن بن قرايُلُك من كسر جهان شاه وقطعه رأسه، وانفصل الأمر، ولم نجتمع بأحدٍ منهما، وحمانا الله تعالى من ذلك، وله حِكَم في ذلك تُنبئ عن تركنا الدنيا غالبًا. ثم بعد ذلك بَلَغَنا وفاةُ خُشقدم أيضًا، وما جرى بعده من الهَرَج والمَرَج بالقاهرة، وتغيّر خمسة من السلاطين بالديار المصرية في مدّة قليلة وكان في غيابنا خيرة عظيمة ولُطف خفي
(2)
، كنت أتوسّمه أنا مع ما حصل لنا من العناية من الله تعالى بالحج وتمريغ اللمّة والوجه على الحجر الأسود والأعتاب
(3)
النبوية المشرّفة. انتهى.
نقلت هذه الجملة من تعليق بخط الوالد، رحمه الله تعالى، وفيه من الغرائب ما قد وقفتَ عليه يا مخاطَب، بل وفيه ما يغنينا عن إعادة ذِكره مع سياق الكلام منتظمًا
(4)
.
[وظيفة الاستادارية]
وفيه، في يوم الإثنين، سابعه، استقر في وظيفة الأستادّارية الشرف موسى بن كاتب غريب، عِوضًا عن زين الدين
(5)
.
[خروج الحاج]
وفيه، في يوم السبت، تاسع عشره، خرج الحاج، وأميرهم على المحمل نانق، وعلى الأول سيباي على ما تقدّم ذلك
(6)
.
[سفر والد المؤلّف مع ركب الحاج]
وفيه، في يوم الأحد، عشرينه، خرج الوالد من القاهرة مسافرًا مع الحج، وكان له ما تقدّم ذِكره، وكنت أنا قد تعوّقت بالإسكندرية، ولا عِلم لي بما كان للوالد، ولا له بما كان من قدومي. وكان قد حصل عندي بعض وعك أعاقني عن الحضور صحبة الركب إلى القاهرة.
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "ولطفا خفيًا".
(3)
في الأصل: "والعتاب".
(4)
خبر غضب السلطان باختصار شديد في: نيل الأمل 6/ 263، 264.
(5)
خبر الأستادرية في: النجوم الزاهرة 16/ 299، ونيل الأمل 6/ 264، وبدائع الزهور 2/ 448.
(6)
خبر خروج الحاج في: النجوم الزاهرة 16/ 299، ونيل الأمل 6/ 264.
[طلوع ابن قرمان إلى القلعة]
وفيه -أعني هذا الشهر- وصل قاصد أحمد بن قَرَمان الذي وُلّي عِوضًا عن أخيه إسحاق، وطلع إلى القلعة
(1)
.
[مولود السلطان]
(وفيه، في شوال هذا، وُلد للسلطان ولد من سرِيّة له، وسُمّي بمنصور، وهو موجود الآن. شابّ حَسَن، نشأ في كنف الأشرف قايتباي. وكان قد أُزوج ابنة لبَرْسْباي العلائي القاهري
(2)
فأدّبه وهذّبه، وأقرأه شيئًا من الرسائل الفقهية بعد قراءة القرآن، والخط، ثم تعليمه شيئًا من الأنداب والتعاليم، وأنشيء
(3)
نشأة حسنة، وهو من الأعيان الآن، وللسلطان به الاعتناء
(4)
)
(5)
.
[شهر ذي القعدة]
وفيها استهلّ ذو
(6)
القعدة بالأربعاء بالرؤية، وهُنّيء به السلطان.
(نزول السلطان لقصر ابن
(7)
العَيني)
(8)
ففيه، في يوم الأحد خامسه، نزل السلطان من القلعة بغير قماش الموكب ومعه الأمراء، وسار إلى القرافة، ثم توجّه منها إلى مصر العتيق
(9)
، ثم إلى الآثار النبوي
(10)
فزاره وعاد إلى تجاه المقياس وقد هُيّئ له الحرّاقة، فركبها ومعه الأمراء، وانحدر إلى جهة القصر الذي أنشأه أحمد بن العيني بساحل المنشأة المهرانية، عند قبّة جانِبَك الدوادار نائب جُدّة، تجاه خرطوم الروضة، فنزل ودخل إلى القبّة فرآها، ثم طلع إلى القصر، ومُدّت له الأسمطة والفواكه والحلوى، ونثر من ذلك الشيء الكثير على الناس تحت القصر، وتخاطف الناس ذلك. وكان يومًا مشهودًا. وأعجب السلطان هذا القصر غاية العجب، ثم ركب وصعِد إلى القلعة قبل العصر
(11)
.
(1)
خبر طلوع ابن قرمان في: نيل الأمل 6/ 264.
(2)
انظر عنه وعن منصور زوج بنته في: نيل الأمل 7/ 393 في حوادث سنة 889 هـ.
(3)
في الأصل: "وانشا".
(4)
ما بين القوسين عن الهامش.
(5)
خبر المولود في: نيل الأمل 6/ 264.
(6)
في الأصل: "ذي".
(7)
في الأصل: "بن".
(8)
العنوان من الهامش.
(9)
هكذا يكتبها المؤلّف رحمه الله.
(10)
هكذا يكتبها، والصواب:"الآثار النبوية".
(11)
خبر نزول السلطان في: نيل الأمل 6/ 264، وبدائع الزهور 2/ 449.
ولقد كان هذا القصر من أنزه المباني وأبدعها وأحسنها، غرم عليه مُنشئه مالًا طائلأ، ولقد أُخرب بعده وأُخذت الكثير من الآنية، وزالت محاسنه بعد أن كان قد شُهر في الآفاق.
[تقدمة ابن العيني]
ولما كان من غد نزول السلطان هيّأ الشهابي أحمد بن العَيني للسلطان تقدمة هائلة ما بين خيول ومماليك، وبعث بها إلى السلطان، فقبِل منها شيئًا يسيرًا جبرًا لخاطر أحمد المذكور، وردّ الباقي بعد أن شكره
(1)
.
[وصول المؤلّف إلى القاهرة]
وفيه، في يوم الثلاثاء، سابعه، قدِمتُ إلى القاهرة فوجدت الوالد قد سافر كما ذكرت، فتأسفتُ على عدم رؤياي إيّاه واجتماعي به، وكان جلّ عزمي أن أتوجّه للحج في هذه السنة فما أراد الله تعالى، وبيده الأمور.
[إعادة ابن الشِحنة للقضاء]
وفيه، في يوم الخميس، تاسعه، أعيد ابن
(2)
الشِحنة إلى قضاء الشافعية بحلب عِوضًا عن ابن
(3)
المَعَرّي الذي كان قد استقر فيها عوضًا عنه، وقدّمنا ذكر ولايته، وبقي مع ابن
(4)
المَعَرّي وظيفتا كتابة السر ونظر الجيش
(5)
.
[تفقّد مقياس النيل]
وفيه، في يوم السبت، ثامن عشره، ووافق سادس عشرين بؤونة
(6)
، تفقّد المقياس، فكانت القاعدة ستة أذرع وعشرين إصبعًا، فبُشّر به، ثم نودي عليه من الغد بزيادة ثلاثة أصابع. ثم في يوم الإثنين بإصبعين، ثم توقف ثمانية أيام بغير زيادة، فقلق الناس لذلك، وزاد ارتفاع الأسعار في الغلال، وقلّت الأخباز بالأسواق، وتكالب الكثير من الناس على القمح على عوائدهم في مثل ذلك، وصاروا في أمر مريج لعدم الزيادة، وتوجّه القضاة وبعض الأعيان للمقياس في هذه الأَيام للابتهال إلى الله تعالى به والاستسقاء، وقُرئ القرآن بالمقياس.
(1)
خبر التقدمة في: نيل الأمل 6/ 265، وبدائع الزهور 2/ 449.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
خبر ابن الشحنة في: نيل الأمل 6/ 265، وبدائع الزهور 2/ 499.
(6)
في الأصل: "بونه".
وفيه، في يوم الأربعاء تاسع عشرينه زاد النيل إصبعين وتتابع ذلك، ولله الحمد
(1)
.
[شهر ذي الحجة]
[التهنئة بالشهر]
وفيها، استهلّ ذو
(2)
الحجة بالجمعة، ورجع فيه القضاة من المقياس وطلعوا القلعة، فهنّأوا
(3)
السلطان بالشهر، وكانوا قد أقاموا بالمقياس ثمانية أيام في قراءة قرآن وابتهال إلى الله تعالى
(4)
.
[نزول السلطان إلى مصر العتيقة]
وفيه، نزل السلطان إلى جهة مصر العتيق
(5)
فسيّر بالساحل ثم عاد
(6)
.
[الكتابة بحضور الخيضري]
وفيه -أعني هذا اليوم- أيضًا، كُتب إلى دمشق بحضور القُطب الخيضري
(7)
.
[توقّف زيادة النيل]
وفيه، في يوم عيد النحر عاشره، توقفت الزيادة أيضًا، فعاد قلق الناس والتشويش والتكالب، وكان عيدًا مشؤومًا
(8)
بكدرة ونكد واشتغال بال
(9)
.
[زيادة بحر النيل]
وفيه، في يوم الثلاثاء، ثاني عشره، نودي على البحر بزيادة إصبعين، فحصل عند الناس بعض السرور بذلك
(10)
.
(1)
خبر تفقد المقياس في: نيل الأمل 6/ 265، وبدائع الزهور 2/ 449.
(2)
في الأصل: "ذي".
(3)
في الأصل: "فهنوا".
(4)
خبر التهنئة في: نيل الأمل 6/ 265، وبدائع الزهور 2/ 449.
(5)
هكذا في الأصل.
(6)
خبر نزول السلطان في: نيل الأمل 6/ 265.
(7)
خبر الكتابة في: نيل الأمل 6/ 266.
(8)
في الأصل: "مشومًا".
(9)
خبر النيل في: نيل الأمل 6/ 266.
(10)
خبر الزيادة في: نيل الأمل 6/ 266.
(إعادة شاه بُضاغ لنيابة الأبُلُستَين)
(1)
وفيه، في أواخره، خرج وردَبَش الظاهري
(2)
الخاصكي، أحد الدوادارية الصغار إذ ذاك، إلى جهة البلاد الحلبية، وعلى يده تقليد شاه بُضاغ بن دُلغادر، وتشريفه بنيابة الأبُلُسْتَين، بعد أن قرّره السلطان فيها على إعادته، وصرْف رستم. ثم ترادفت الأخبار بعد خروج وردَبَش المذكور بأن نائب حلب ونائب طرابلس ونائب حماة خرجوا بعساكرهم لقتال شاه سوار
(3)
.
ووردَبَش المذكور سنترجمه في سنة تسع وثمانين إن شاء الله تعالى.
(قتل ابن
(4)
أوزار أمير الجون)
(5)
وفيه، في هذه الأيام أيضًا، وردت الأخبار بأن سيدي بك بن أوزار
(6)
التركماني الأوزاري، أمير الجون
(7)
، قُتل. وكان من خبر ذلك أن السلطان استقر به في إمرة الجون، وصُرف قريبه أُزْكَب بن أوزار
(8)
أيضًا، فأمره المتولّي بأن يخرج من بلاده، فقصد شاه سوار واستنجد به على سيدي بك المذكور، وقدم إليه بجمع وافر، والتقيا، ووقع بينهما حرب قُتل فيها سيدي بك المذكور وولده، وملك أزكب البلاد على ما كان عليه، فتأثّر السلطان لذلك غاية التأثر
(9)
.
[عودة تمرباي المهمندار من دمشق]
وفيه، في هذه الأيام، أيضًا، وصل تمُرباي المِهْمندار
(10)
من دمشق، وكان
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
قُتل وردبش الظاهري في سنة 889 هـ. انظر عنه في: وجيز الكلام 3/ 956 رقم 2151، والذيل التام 2/ 380 وفيه:"ورد بش"، ويقال بهمزة بدل الواو، ويسفَى فيما قيل -جانبك-، والضوء اللامع 10/ 210 رقم 910، وتاريخ البُصروي 98، ونيل الأمل 7/ 388 رقم 3295، وحوادث الزمان 1/ 294، وبدائع الزهور 3/ 210، وفيه:"يعرف بوردبش من محمود شاه"، وأخبار الدول 3/ 39، والعراك بين المماليك والأتراك 183، 184، وإعلام النبلاء 3/ 74، وتاريخ الأمير يشبك 123 وفيه "أردبش".
(3)
خبر إعادة شاه بُضاغ في: نيل الأمل 6/ 266.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
العنوان من الهامش.
(6)
لم أجد لسيدي بك بن أوزار ترجمة.
(7)
الجون هو جون -خليج- الإسكندرون.
(8)
هكذا بالكاف ثم الباء الموحّدة من تحتها. ولم أجد له ترجمة.
(9)
خبر قتل أوزار في نيل الأمل 6/ 266، وقد انفرد به المؤلّف رحمه الله.
(10)
توفي تمرباي المهمندار في سنة 874 هـ. وسيأتي فيها.
قد توجّه إليها بخلعة لنائبها بُردُبك، باستمراره على نيابته على عادته، وأحضر معه محضرًا على يده مكتتبًا بدمشق بأن بُردُبك المذكور مستمر على طاعة السلطان، وأنه من جملة خدمه ومماليكه، ونشوء إحسانه وإنعامه، وأن الذي يشاع عنه بأنه من العُصاة الخارجين عن طاعة السلطان كذب وافتراء وبُهتان عليه من وضع أعدائه، وأنه لا حدّ له لذلك، إلى غير ذلك، من نحو هذه الكلمات. فأظهر السلطان قبول ذلك وفي نفسه منه ما فيها
(1)
.
(ولاية علي الأزبكي حجوبية طرابلس وما معها)
(2)
وفيه، في يوم الخميس، ثامن عشرينه، استقر في حجوبية الحجّاب بطرابلس علي بن الأزبَكي الطرابلسي عدّاد الغنم بالبلاد الشامية، وكانت الحجوبية شاغرة من منذ مات الشهاب أحمد بن القُلَيب
(3)
، كما سيأتي في الوفيات، وأضيفت إليه الأستادّارية أيضًا عِوضًا عن ابن أرج، وأضيفت إليه كتابة السر أيضًا، كل ذلك بمالٍ بذله في هذه الوظائف، ونفد الأمر
(4)
.
[إعادة ابن مبارك إلى وظيفته]
وفيه، أعيد الناصر بن محمد بن مبارك إلى وظيفة عدّاد الغنم على عادته
(5)
.
(أخْذ صاحب تونس تلمسان صلحًا)
(6)
وفيها -أعني هذه السنة- نازل السلطان المتوكل على الله عثمان الحفصي صاحب تونس تِلِمْسان، فحصرها وبها صاحبها السلطان المتوكل على الله أيضًا محمد بن أبي ثابت العبد الوادي، وكان قد حصن تِلِمْسان على ما قدّمنا ذِكر ذلك، ببناء برجٍ هائلٍ على أحد أبوابها المسلّط عليها، وتحصين أصوارها
(7)
، وأخرج محمد بن أبي ثابت المذكور جميع ما يعزّ عليه إلى حصن جبل سعَل،
(1)
خبر عودة تمرباي في: نيل الأمل 6/ 266.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
ستأتي ترجمته.
(4)
خبر ولاية الأزبكي في: منتخبات من حوادث الدهور 3/ 543، وإنباء الهصر 130، وكتاب في التاريخ لمؤرّخ مجهول (مخطوط بدار الكتب المصرية رقم 6531 تاريخ) ورقة 6 أ، ونيل الأمل 6/ 266، 267، وبدائع الزهور 2/ 449، وتاريخ وآثار مساجد ومدارس طرابلس في عصر المماليك (تأليفنا) 258، وتاريخ طرابلس 2/ 74 رقم 30.
(5)
خبر إعادة ابن مبارك في: نيل الأمل 6/ 267، وبدائع الزهور 2/ 449.
(6)
العنوان من الهامش.
(7)
هكذا في الأصل.
ولما نازلها صاحب تونس دام بها مدّة أيام يحاصرها من تحت أسوارها، إلى أن آل الأمر في ذلك إلى الصُلْح.
وكان من خبر ذلك أنه مات في أيام الحصار عدّة من أهل تِلِمْسان، وكذا من عسكر عثمان فاجتمع علماء تِلِمْسان وتوجّهوا إلى سيدنا القطب، الغوث، الوليّ الصالح، سيدي أحمد بن الحسن، متّع الله تعالى به، فأخذوه ومضوا به إلى صاحب تِلِمْسان وهو في الحصار، ومعهم جماعة من أعيان تِطِمْدان، وأشاروا عليه بأن يصالح ويجيب صاحب تونس لمقصده، وهو القيام بدعوته وضرب الدرهم والدينار باسمه، فأجابهم إلى ذلك بعد تمنّع، وأظهر بعضهم له الخشونة في القول، حتى قالوا له: إنك إذا هجم علينا فررت إلى جبل بني سعل من جهة أخرى، وتركتنا للسيف والنهب وسفك الدماء من المسلمين لأجلك، فإمّا أن تجيب إلى الصلحٍ، أو فنحن نجِبْ دعوةَ صاحب تونس ونسلّم إليه البلد، وإن في المصالحة صَوْنًا لك ولدماء المسلمين. ولما اجتمعوا على ذلك خرج سيدي أحمد بن حسن بنفسه إلى صاحب تونس، ولما أخبر به قام فمشى إلى لقائه، وسعى إليه وتلقّاه بالرحب والإجلال والتعظيم، وقبّل يده بعد أن أنزله من على البغلة التي خرج عليها بيده، عاضده من تحت إبطه، وأجابه إلى كل ما سأله بعد أن قال له: إن صاحبك ناقفق للعهد، فقد نقض كما فعل أولًا، فالتزم له عدم ذلك، وقرّروا الصلح بينهما أن يدخل جماعة من عسكر صاحب تونس إلى تِلِمْسان، وأن يخطب له على منابره بحضورهم في يوم الجمعة، وأن يخرج إليه الدراهم والدنانير منقوشًا
(1)
عليها اسمه، وأن يعمل داره بتِلِمْسان لعَوده، ولما تم ذلك رحل عنها بعد تقرير الصلح على ذلك.
وبَلَغَني أنه صاهره على ابنته أو غيرها من أقاربه لأحد بنى أولاد عثمان، ثم بَلَغَنا أيضًا بعد مدّة أنه نقض ذلك الصلح أيضًا، أعني محمد بن
(2)
أبي ثابت
(3)
.
[بداية الوحشة بين جهان شاه وحسن بك الطويل]
وفيها أيضًا في أواخرها، كانت بداية الوحشة الكبرى بين جهان شاه بن قرا يوسف صاحب تبريز وما والاها من العراقين وغيرهما، وبين حسن بك الطويل بن قرايُلك صاحب آمِد وما والاها من ديار بكر، إلى أن كان من أمرهما ما كان من قتْل حسن لجهان شاه على ما سيأتي
(4)
.
(1)
في الأصل: "منقوش".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
خبر أخذ تِلمسان في: نيل الأمل 6/ 267، وبدائع الزهور 2/ 450.
(4)
خبر بداية الوحشة في: نيل الأمل 6/ 269، وبدائع الزهور 2/ 450.
[حروب طوائف التركمان]
وفيها أيضًا كانت الحروب بين طوائف التركمان ببلاد حلب من سوار وغيره، على ما عرفت ذلك
(1)
.
[الحروب بين طوائف الفرنج]
وفيها أيضًا كانت الفِتَن والحروب بين طوائف الفرنج، لا سيما ببلاد ألْفُنْش بقَشْتالة وتلك الأعمال
(2)
.
[الفِتَن بفاس]
وفيها أيضًا كانت الفِتَن والشرور بفاس بين صاحبها محمد بن عمران السيد الشريف وبين بني وَطّاس، ودامت مشتعلة عدّة سنين، حتى آل الأمر إلى إخراج محمد الشريف المذكور وتملّك فاس منه
(3)
.
[الفِتَن ببلاد الروم]
وفيها أيضًا كانت الفِتَن بين بني قَرَمان ببلاد الروم وبين بني عثمان أيضًا، حتى آل الأمر إلى أخْذ ابن
(4)
عثمان مملكة ابن
(5)
قَرَمان وإضافتها إلى ممالكه
(6)
.
[الوباء بالأندلس]
وفيها كان ابتداء الوباء ببرّ الأندلس وبلاد الفرنج من تلك النواحي، ودامت الأوبئة مسلسلة حتى اتصلت ببلادنا هذه في سنة ثلاث وسبعين على ما سيأتي في ذِكرنا سنة ثلاث وسبعين إن شاء الله تعالى، وفني بهذا الوباء جماعة كبيرة من أهل المغرب، وخلت الكثير من الديار ونُجوع العرب
(7)
.
وخرجت هذه السنة على ما قد ذكرناه من الفتن والشرور والأوبئة، هذا فيما بلغنا من البلاد، وما لم يصل إلينا خبره فالله أعلم بحقيقة أحواله.
(1)
خبر حروب التركمان في: نيل الأمل 6/ 269، وبدائع الزهور 2/ 450.
(2)
خبر الحروب بين الفرنج في: نيل الأمل 6/ 269، وبدائع الزهور 2/ 450.
(3)
خبر الفِتن بفاس في: نيل الأمل 6/ 269، 270.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
خبر الفتن ببلاد الروم في: نيل الأمل 6/ 269، وبدائع الزهور 2/ 450.
(7)
خبر الوباء بالأندلس في: نيل الأمل 6/ 270.
ذِكر نُبَذٍ
(1)
من تراجم الأعيان ووفياتهم في هذا الزمان سنة
871
(ترجمة ابن
(2)
القُلَيب)
(3)
328 -
أحمد بن محمد بن ()
(4)
بن القُليب
(5)
الطرابلسي، الحنفي.
شهاب الدين حاجب الحُجّاب بطرابلس، واستادّار السلطان بها وما مع ذلك.
كان من أتباع موسى بن الصفيّ
(6)
ناظر الجيش بطرابلس، وهو الذي كان السبب في التنويه به واشتهاره، وكان من أجناد الحلقة ببلده فيما أظنّ، ثم تكلّم فيها في الاستادّارية في أيام نظارة جيش موسى. ثم آل أمره أن وُلّي الحجوبية الكبرى بها في دولة الظاهر خُشقدم بمالٍ بذله في ذلك.
وكان إنسانًا ذا ثروة ومالٍ طائل. ودام على الحجوبية بطرابلس حتى بغته الأجل بها.
وكان قد تردّد إلى القاهرة غير ما مرة. وكان محبًّا في أهل العلم والفضائل،
(1)
في الأصل: "نبذًا".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
بياض في الأصل.
(5)
انظر عن (ابن القليب) في: النجوم الزاهرة 16/ 354، ومنتخبات من حوادث الدهور 3/ 423 و 539، وكتاب في التاريخ لمؤرّخ مجهول (مخطوط) ورقة 6 أ و 136 أ و 137 أ، والضوء اللامع 2/ 215، 216 رقم 592، ونيل الأمل 6/ 262 رقم 2677، والمجمع المفنّن 1/ 567 رقم 530، وتاريخ طرابلس 2/ 74 رقم 29.
(6)
هو موسى بن يوسف بن الصفيّ الكركي. توفي سنة 862 هـ. انظر عنه في: إظهار العصر (المخطوط) 97 أ و 99 أ، والنجوم الزاهرة 16/ 193، والمنهل الصافي 16/ 315 رقم 2582، والدليل الشافي 2/ 754 رقم 2573، والتبر المسبوك 422، والضوء اللامع 10/ 192 رقم 809، والذيل التام 2/ 133، ووجيز الكلام 2/ 719 رقم 1655، ونيل الأمل 6/ 41 رقم 2445، وبدائع الزهور 2/ 348، وتاريخ طرابلس 87 رقم 25.
وليس بخالٍ من طلب وحذْق وذكاء، ونقْد للشِعر ومعرفة به، وقُصِد من عدّة من الشعراء ومُدح، وكان كريمًا، سخيّ النفس، له رياسة وكياسة. وكان يحبّ شيخنا الشيخ شمس الدين المعبّر البابا
(1)
الماضية ترجمته، ويتردّد إلى منزله للسلام عليه، وهو الذي كان السبب في مرتّب له على الجوالي، ونفع به الشيخ شمس الدين المذكور، فإنه عجز في أواخره، وكان لا شيء له يقتات منه غير صناعته، وتعطّل عنها، فحصل له الرفق بهذا المرتب، جزاه الله تعالى خيرًا عن مروءته. وكان به حَوَل بعينه مع خيرٍ وديانة وعفّة.
رأيته بطرابلس ونحن بها، وكان محمودًا في سيرته، مشكورًا في أحواله، محسنًا.
توفي يوم الخميس خامس شهر رمضان.
وقد بَلغ الستين فيما أظنّ أو جاوزها.
329 -
إسماعيل بن عبد الرحمن بن التاجر شيخ سَفْط أبي تراب.
تقدّم في المتجدّدات كيف قُتل وسُلخ في يوم الخميس تاسع عشر شعبان، فلا نعيد ذلك
(2)
.
330 -
أمّ هاني
(3)
بنت علي بن (عبد الرحمن بن عبد المؤمن الهوريني.
الشيخة المسنِدة، الصالحة، المصونة، الجليلة، سبطة التقيّ القاياتي المشهور، وزوجة البدر بن مؤيّد. وولدها شيخنا العلامة المحقّق، سيف الدين الحنفي. وربّما سُمّيت "مريم"، وعرفت بأم الشيخ سيف الدين.
ولدت في سنة ثمان وسبعين وسبعمائة.
ونشأت على خير ودين من يومها، وسمعت الحديث قراءة، ولها السند العالي وتزوّجت بوالد شيخنا واستولدها عدّة أولاد، وأقرأت منهم أربعة في المذاهب الأربعة، منهم شيخنا سيف الدين الحنفي، وشجاع الدين محمد الشافعي، وشرف الدين يونس المالكي، ومنصور الحنبلي، ثم تزوجت بعد والد
(1)
هو محمد بن محمد بن سليمان الأوزاعي، الدمشقي الطرابلسي. توفي سنة 869 هـ. وقد تقدّمت ترجمته فيها.
(2)
راجع حوادث شهر شعبان من هذه السنة.
(3)
انظر عن (أمّ هانئ) في: الضوء اللامع 12/ 156، 157 رقم 980، ونيل الأمل 6/ 268 رقم 2683 وكنت ذكرت هناك بالحاشية أن المؤلّف انفرد بها، وهو غير صحيح، وعنوان الزمان 3/ 133 رقم 160 وفيه "الموديني" بدل "الهوريني".
الشيخ بالبدر بن سويد. وكانت مساوية للحافظ ابن
(1)
حجر في الصحيح، وتعلو عليه في غريبها. وأسمعتْ بمنزلها كثيرًا، وسمع منها الفضلاء.
وتوفيت في أوائل هذه السنة.
وناهيك بدينها وخيرها، رحمها الله تعالى)
(2)
.
331 -
أميرزاه بن شاه أحمد بن قرا يوسف التركماني.
وبقيّة نسبه قد تقدّم في بير بُضاغ
(3)
، ويقال له: ميرزاه أيضًا. ويقال: إنه حفيد شاه أحمد، لا ولده.
ولد سنة سبع وثلاثين وثمانمائة.
وقدم القاهرة فارًّا من أقاربه جهان شاه وغيره خائفًا منهم، فأُكرم بالقاهرة ورُتّب له ما أُجري عليه. وكانت أمّه أيضًا قدمت معه، وسكن بباب الوزير، ودام بالقاهرة.
إلى أن توفي في عنفوان شبابه في يوم السبت رابع ذي القعدة.
ونزل السلطان للصلاة عليه.
332 -
بُردُبك النوروزي
(4)
()
(5)
.
333 -
بَرْسْباي البُجَاسي
(6)
، نائب الشام.
كان من مماليك تِنِبك البجاسي
(7)
نائب الشام المشهور المعروف الترجمة،
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
ما بين القوسين، من أول:"عبد الرحمن بن عبد المؤمن" إلى هنا عن الهامش.
(3)
راجع ترجمة بير بضاغ في وفيات السنة الماضية 870 هـ. وهو في الضوء اللامع 2/ 322 رقم 1050.
(4)
انظر عن (بردبك النوروزي) في: نيل الأمل 6/ 270 رقم 2686، والمجمع المفنّن 2/ 210 رقم 937، وبدائع الزهور 2/ 450.
(5)
ترك المؤلّف رحمه الله مقدار ثلاثة أسطر بياضًا، علّه يعود فيُكمل الترجمة، ولم تسعفه مصادره إلّا ما ذكره في نيل الأمل:"القرناص، أحد العشرات".
(6)
انظر عن (برسباي البجاسي) في: النجوم الزاهرة 16/ 352، والمنهل الصافي 3/ 279 - 282 رقم 654، والدليل الشافي 1/ 187 رقم 653، والضوء اللامع 3/ 7، 8 رقم 34، ووجيز الكلام 2/ 789 رقم 818، والذيل التام 2/ 206، ونيل الأمل 6/ 251 رقم 2664، والمجمع المفنّن 2/ 214، 215 رقم 946، وإنباء الهصر 8، وإظهار العصر 2/ 250 و 276 و 277 و 344 و 348، والتبر المسبوك 2/ 15، وحوادث الزمان 1/ 176 رقم 225، وإعلام الورى (الذيل) 63، وبدائع الزهور 2/ 443، وتاريخ طرابلس 2/ 52 رقم 122.
(7)
قُتل تنبك البجاسي في شهر ربيع الأول سنة 827 هـ. انظر عنه في: السلوك ج 4 ق 2/ 673، =
وهو الذي خرج على الأشرف بَرسْباي وقتل في سنة سبع وعشرين، وتنقّلت الأحوال بعد قتله مملوكه بَرسْباي هذا حتى تنزّل في ديوان الجند السلطاني، ثم صُيّر في دولة الظاهر جقمق من العشرات، ثم ولّاه بأخرة نيابة الإسكندرية، ودام بها إلى سلطنة الأشرف إينال، فاستقدمه منها وصيّره من مقدّمين
(1)
الألوف بمصر، ثم ولّاه حجوبية الحجّاب بعد موت جانِبَك القَرَماني
(2)
في سنة إحدى وستين على ما تقدّم ذلك، وتزوّج بابنة ابنة السلطان الأشرف المذكور من بُرْدُبَك الدوادار.
ولما توفي يُونس العلائي
(3)
الأميراخور الكبير، نقله الأشرف من الحجوبية إلى الأميراخورية، فعظُم وضخُم وزادت وجاهته، ولم يزل على الأميراخورية الكبرى، حتى مات الأشرف إينال، وتسلطن ولده المؤيَّد أحمد، وجرت الكائنة التي خلع فيها.
وكان بَرْسْباي هذا بباب السلسلة من القلعة، والسلطان مطمئنَّ
(4)
به، كونه صهره زوج ابنة أخته الخَوَنْد بدرية، فكافأه بأن عَذَره، وتحيّل في نزوله إلى خُشقدم وانضمامه إلى التحاتي، وأعاب ذلك عليه كل أحد، وعرف خُشقدم له ذلك، فلم يصرفه عن الأميراخورية، فضلًا عن أن يؤذيه، بل وثق به بعد ذلك، بأن بعثه على نيابة طرابلس لما قبض على أياس الطويل
(5)
.
= وإنباء الغمر 3/ 323، 324 و 333، 334 رقم 7، والنجوم الزاهرة 14/ 263 و 15/ 120، 121، والدليل الشافي 1/ 214 رقم 754، ونزهة النفوس 3/ 44، ووجيز الكلام 2/ 483 رقم 1105، والضوء اللامع 3/ 26 رقم 125، والذيل التام 1/ 539، ونيل الأمل 4/ 148، 149 رقم 1566، وتاريخ بيروت 241، والدر المنتخب، لابن خطيب الناصرية (مخطوط) 1/ ورقة 233 أ- 1235 أ، وإعلام الورى 46، وبدائع الزهور 2/ 90 و 91.
(1)
الصواب: "من مقدَّمي".
(2)
انظر عن (جانبك القرماني) في: النجوم الزاهرة 16/ 110، والمنهل الصافي 4/ 237، 238 رقم 823، والدليل الشافي 1/ 238 رقم 821، والضوء اللامع 3/ 59 رقم 227، ووجيز الكلام 2/ 710 رقم 1634، والذيل التام 2/ 123، ونيل الأمل 6/ 22 رقم 2419، وبدائع الزهور 2/ 341.
(3)
توفي يونس العلائي في سنة 864 هـ. انظر عنه في: النجوم الزاهرة 16/ 213، 214، والمنهل الصافي 12/ 270، 271 رقم 2745، والدليل الشافي 2/ 811 رقم 2733، وحوادث الدهور 563، ووجيز الكلام 2/ 734 رقم 1691، والضوء اللامع 10/ 346 رقم 1323، والذيل التام 2/ 148، ونيل الأمل 6/ 77، 78 رقم 2492، وبدائع الزهور 2/ 358.
(4)
في الأصل: "مطمين".
(5)
توفي (أياس الطويل) في سنة 877 هـ. انظر عنه في: نيل الأمل 7/ 68، 69 رقم 2929، وبدائع الزهور 3/ 88، ومنتخبات من بدائع الزهور (طبعة كتاب الشعب) 4/ 446، وصفحات لم تنشر من بدائع الزهور (طبعة دار المعارف، مصر 1963) 3/ 71، وتاريخ طرابلس 2/ 51 رقم 121 وص 80 رقم 13.
وما ذكره الجمال يوسف بن تغري بردي
(1)
عند ذكره هذا المحل في ترجمة بَرْسْباي هذا من قوله، وليت الظاهر خُشقدم عرف له ذلك، بل أخرجه بعد قليل إلى نيابة طرابلس، ثم إلى نيابة الشام كلام فيه من عدم المعرفة ما لا يخفى، كيف ما عرف له ذلك، ولم يعترف بسوء، وبقاه على الأميراخورية. من ثم نقله إلى أعلى منها وهي نيابة طرابلس، على ما اعترف به القائل بأنه ما عرف له ذلك. ثم نقله إلى نيابة الشام، وأيّ تقدمة أعظم من هذا؟ ولم يؤذه ولا سجنه ولا أخرج عنه شيئًا. ثم لما مات تنَم نائب الشام نقله من طرابلس إلى نيابة دمشق، وهي من غرائبه ونوادره.
ويقال: إنه بذل مالًا في ذلك، ولم تطُل مدّته بدمشق بعد دخوله إليها بل مرض بها، وطال من فيه، حتى بغته الأجل.
وكان رجلًا شهمًا، سيوسًا، عاقلًا، عارفًا عنده مكر وخداع وحِيَل، وله تديّن، وكان عفيفًا عن المنكرات والفروج، لكنه لم يكن بالعفيف عن الأموال، وكان لا يبالي من أين يجمعها، مع بُخل وشُحّ زائد عنده.
وكان من أصحاب الوالد وأحبابه.
توفي في يوم الإثنين ثامن عشر شهر صفر، (وذكر بعضهم وفاته ليلة الأربعاء أحد عشرينه)
(2)
.
وقد جاوز السبعين سنة.
وله تربة أنشأها بالصحراء، ودُفن (
…
…
)
(3)
بتربة المُنَجّا بمقبرة باب الصغير
(4)
.
334 -
تمراز الإينالي
(5)
، الأشرفي.
نائب صفد، والدوادار الثاني من قبل ذلك.
كان من مماليك الأشرف بَرْسْباي وخاصكيّته، وصُيّر من الزَرَدكاشية في دولة
(1)
في النجوم الزاهرة 16/ 213.
(2)
ما بين القوسين عن الهامش.
(3)
كلمتان ممسوحتان.
(4)
بعدها يوجد بياض مقدار ثلاثة أسطر.
(5)
انظر عن (تمراز الإينالي) في: النجوم الزاهرة 16/ 353، ووجيز الكلام 2/ 289 رقم 1819، والضوء اللامع 3/ 36 رقم 151، والذيل التام 2/ 206، وحوادث الدهور 596 - 598، والدليل الشافي 2/ 227، وإظهار العصر 2/ 30، ونيل الأمل 6/ 257 رقم 2671، والمجمع المفنّن 2/ 313 - 315 رقم 1080، وحوادث الزمان 1/ 178 رقم 231، وبدائع الزهور 2/ 346، وتاريخ طرابلس 2/ 81 رقم 30 و 31، ومملكة صفد 297، 298 رقم 122.
ولده العزيز يوسف فتركه، وهو ولد أستاذه، وانتمى للظاهر جقمق فقرّبه وأدناه واختصّ به، ثم أبعده عنه وجعله أتابك غزّة، ثم صرفه عنها، ثم استقرّ به وأمّره عشرة في سنة أربع وخمسين، ودام على ذلك مدّة إلى سلطنة الأشرف إينال، فأظهر التبروء
(1)
إليه من جقمق وجماعته، وأنه إنما خدمه رياء وسمعة وحيلة عليه، مع بغضه فيه، وداخل الأشرف إينال وتحشّر فيه حتى صيّره دوادارًا ثانيًا بعد أسنباي الجمالي
(2)
، حين القبض عليه، وزاده إمرة عشرة أيضًا على ما بيده من الإمرة، حتى صار من الطبلخاناة، فأخذ في زيادة مداخلة السلطان وتحشّر به، وطاش، وبقي يدخل بنفسه فيما لا يعنيه، وأظهر الحماقة على السلطان، وفي كل قليل يرتقي الدوادارية حتى أمعن في ذلك، فحمق منه السلطان وحنق، لا سيما وقد ثقل عليه جدًّا، ونفاه مُظهرًا أنه نفاه إلى القدس، وكان الأمر بخلافه، ثم ظهر أنه إنما نُفي إلى طرابلس، وسُرّ الكثير من الناس منه وزواله، وكان قد أظهر من الخفّة والطيش والتجاوز في الحدّ ما لا يُعبّر عنه، فلم يحتمل الأشرف إينال، مع ما كان مُنْطوٍ عليه من الحِلم المتّسع جدًا، وبذلك يعلم ما خرج به تمراز هذا من الحدّ، وما أفرط فيه من قلّة ذوقه.
ثم آل به الأمر أن جُعل من مقدَّمين
(3)
الألوف بدمشق، ودام بها إلى ما بعد موت الأشرف إينال. ولما تسلطن ولده المؤيَّد أحمد حضر تمراز هذا إلى القاهرة خفيةً من غير إذن، ونزل عند الأتابك خُشقَدَم، وترامى عليه في أن يشفع له، فبعث دواداره إلى المؤيّد يخبره بقدومه، فاستشاط المؤيَّد من ذلك وأمر بإخراجه من حيث جاء، فعاد إلى دمشق ودام بها وهو يحرّك جانَم على القيام. ولم يزل به حتى كان منه ما كان من حضوره إلى القاهرة، وحضر هو أيضًا معه، فاتفق أنْ وصلا في سلطنة خُشقَدم على ما تقدّم بيان ذلك في محلّه. ولما أعيد جانَم إلى دمشق ولي تمراز هذا نيابة صفد، عوضًا عن خير بك القصروي بعد صرفه عنها وأراد الظاهر خُشقَدم بولايته لصفد تفرقته بينه وبين جانَم وإبعاده عنه.
ولما توجّه إلى صفد لم ينتج له أمر ولا حال، ووقع له أشياء يطول الشرح في ذِكرها، وآل أمره إلى الهرب والفرار، ثم لما هرب جانَم أيضًا اجتمع به وأنعم
(1)
في الأصل: "التبري".
(2)
توفي (أسَنْباي الجمالي) في سنة 860 هـ. انظر عنه في: حوادث الدهور 2/ 599، 600 رقم 3، والمنهل الصافي 2/ 435 رقم 460، والدليل الشافي 1/ 131 رقم 458، والنجوم الزاهرة 16/ 181، والضوء اللامع 2/ 311 رقم 981، ووجيز الكلام 2/ 702 رقم 1616، والذيل التام 2/ 15، ونيل الأمل 5/ 461، 462 رقم 2392، وبدائع الزهور 2/ 334.
(3)
الصواب: "من مقدَّمي".
عليه، وبقيا معًا إلى أن قُتل جانَم، فعاد إلى البلاد الشامية، وتلطّف به عند الظاهر خُشقدم حتى قرّره في إمرة طبلخاناة بطرابلس، فتوجّه إليها وأقام بها مدّة، ووقع له بها أشياء منها أنه كان له جارٌ
(1)
فأفسد سريّة له وأخفاها عنده، ثم ظفر تمراز بها، فأحضره وضربه ضربًا مُبرحًا أشفى منه على الهلاك، فحُمل هذا المضروب في تلك الحالة على تلك الهيئة إلى القاهرة (
…
…
)
(2)
السلطان فشكا
(3)
على تمراز، فبعث بسجنه بقلعة المرقب
(4)
، ولا سيما وهو في خاطره (
…
…
)
(5)
يلوح له عليه مضربًا (؟) يكون مندوحة في وصوله إلى غرضه من إتلافه وإهلاكه.
وأمّا (
…
)
(6)
إن مات المضروب في غضون ذلك، فأثبت الشهاب أحمد بن الشارعي، أحد [رجال] الحكم المالكي بالقاهرة، بأنه مات من ضرب تمراز. ووقع له أشياء يطول الشرح في ذكرها، آل الأمر إلى أن حكم ابن
(7)
الشارعي بقتله، فضربت عنقه قصاصًا على ما زعموا بقلعة المرقب.
وذلك في يوم السبت تاسع عشر جمادى الأولى.
وسِنّه زيادة على الستين سنة.
وحُمل إلى طرابلس وهو ميت فدُفن بها بمكان (كا)[ن]
(8)
قد أعمره له قبل ذلك تربة بها.
وكان تمراز هذا إنساناً خيّرًا، ديّنًا، صادق اللهجة، شجاعًا، مقدامًا، عارفًا بفنون الفروسية بسائر أنواعها، مع طيش عظيم وجُرأة زائدة وإقدام، وحدّة مزاج مفرطة، وحركة زائدة، وتهوّر عظيم.
وكان بينه وبين الوالد محبّة وصحبة أكيدة.
335 -
• وترك ولده الشاب الذكيّ، الفاضل، ناصر الدين محمد. إنسان حسن، يحب الفضل والفضيلة. قرأ
(9)
القرآن العظيم، وحفظ "الكنز"، واشتغل شيئًا، وتعلّم الاداب والأنداب، وتنقّل مع والده في كثير من البلاد، وجال وحجّ غير ما مرة، وله سمت حسن، وعنده تؤدة وسكون، وأدب وحشمة.
(1)
في الأصل: "كان له جارًا".
(2)
كلمتان مطموستان.
(3)
في الأصل: "فشكى".
(4)
قلعة المرقَب: تشرف على ساحل بحر الشام وعلى مدينة بُلْنياس بساحل جبلة، وهو حصن يحدّث كل من رآه أنه لم ير مثله. (معجم البلدان 5/ 108).
(5)
كلمتان مطموستان.
(6)
كلمة مطموسة.
(7)
في الأصل: "بن".
(8)
كتبت فوق السطر.
(9)
في الأصل: "قراء".
ولد بعد الأربعين وثمانمائة.
وهو مقيم الآن بالقاهرة، بيده من الرزق فوق ما يكفيه، وهو من أعيان أولاد الناس، وله وجاهة.
336 -
تنِبَك الحمزاوي
(1)
.
أحد مقدَّمي (الألوف بدمشق، ودوادار السلطان بها.
كان من مماليك قانِباي الحمزاوي نائب الشام الماضي في محلّه، وتنقّل بعده حتى صُير من مقدَّمين
(2)
الألوف بدمشق ودوادار السلطان بمالٍ بذله في ذلك، ثم صُرف بعد مدّة بيشبُك الأشرفي أتابك حلب في شهر رمضان.
وتوفي بعد ذلك في سابع ذي حجة)
(3)
.
337 -
جانِبَك الناصري
(4)
.
أحد مقدَّمين
(5)
الألوف بمصر، المعروف بالمرتدّ.
وقيل: إنها غلط عن المرتاض، من الرياضة، لا من الارتداد.
وقيل: إنه يقال له المرتدّ، لكونه ذهب بعد قتل أستاذه الناصر فرج إلى بلاد الجركس، فكذا يقال له المرتاض أيضًا، لكونه كان يشتغل ببعض الأسماء ويرتاض لها. ولعلّ كلاهما يقال له.
كان جانِبَك من مماليك الناصر فرج، وجرت عليه بعد قتله أمور، وتنقّلت به الأحوال، وعاد لبلاد الجركس، ثم قدم منها بعد ذلك، ولكنه لم يرتدّ عن الإسلام فيما هو المشهور، بل نكّت عليه أبناء طائفته بتلقيبه بالمرتدّ، لكونه عاد إلى تلك البلاد. ويقال: بل ارتدّ.
ثم لما عاد عاد إلى الإسلام، وأظنّ عدم صحة ذلك. ولا زال في تنقّل حالات أيضًا بعد عوده في الجندية، ثم الخاصكيّة، حتى صيّره الظاهر جقمق في
(1)
انظر عن (تنبك الحمزاوي) في: نيل الأمل 6/ 265 رقم 2679، والمجمع المفنّن 2/ 358، 359 رقم 1133.
(2)
الصواب: "من مقدَّمي".
(3)
ما بين القوسين من قوله: "الألوف بدمشق .. " إلى هنا، عن الهامش.
(4)
انظر عن (جانبك الناصري) في: النجوم الزاهرة 16/ 355، ووجيز الكلام 2/ 788 رقم 817، والذيل التام 206، والضوء اللامع 3/ 60، 61 رقم 245، ونيل الأمل 6/ 270، 271 رقم 2688، وبدائع الزهور 2/ 450.
(5)
في الأصل: "أحد مقدَّمي".
سلطنته من العشرات، ثم من رؤوس
(1)
النُوَب، وبعثه مرة إلى منفلوط كاشف القبض بها والمساحة، وبقي بها مدّة، ثم صيّره الظاهر من الطبْلَخاناه، واستمر على ذلك إلى سلطنة خُشداشه الأشرف إينال، فصيّره من مقدَّمين
(2)
الألوف كما تقدّم ذلك في محلّه، ودام على ذلك إلى صدرٍ من سلطنة الظاهر خُشقدم، فأخرج عنه التقدمة بحكم عجزه عن الخِدَم لشيخوخته، ودام على بطالته بداره.
إلى أن توفي في ()
(3)
بعدما شاخ جدًّا.
فلعلّه جاوز التسعين.
وكان إنسانًا حسنًا، خيّرًا، ديِّنًا، ساكنًا، وعنده ورع بالنسبة إلى بني جنسه.
(ترجمة الخواجا الطاهر)
(4)
338 -
حسن بن (محمد بن قاسم الصَّعدي)
(5)
اليمني، المكي.
الخواجا بدر الدين، المعروف بالطاهر شاه
(6)
بندر جُدّة وكبير التجار بها، بل وبمكة المشرّفة وتلك البلاد.
ولد في سنة ()
(7)
.
وتعانى الاتجار، وأثرى من ذلك غاية الإثراء، وحصّل الأموال الطائلة، وقدم من بلاده إلى هذه البلاد للاتجار، وتردّد إليها حتى قطن مكة، ودام بها متردّدًا بينها وبين جُدّة للاتجار، وصار مشهورًا مذكورًا، كثير الوكلاء، والعبيد والأتباع. ومشت متاجره إلى كثير من البلدان، وشُهر بكثرة المال، وصار كبير تجار البندر، بل والحجاز جميعه، مع بُخل مفرط وجهل قاس (؟)، وبُعد عن كل علم وفضيلة. وكان يُلمَز بأنه زيديّ المذهب، كذا نقله عنه بعض المؤرّخين.
ولم يزل بمكة حتى بَغَتَه أجلُه بها، بعد أن انتهت إليه رياسة التجار بها وعظُم جدًّا.
توفي في جماد الأول وقد شاخ.
(1)
في الأصل: "روسب".
(2)
الصواب: "من مقدَّمي".
(3)
بياض في الأصل.
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
بياض في الأصل. وما أثبتناه من: الذيل التام.
(6)
انظر عن (حسن المعروف بالطاهر شاه) في: النجوم الزاهرة 16/ 353، ووجيز الكلام 2/ 788 رقم 1815، وفيه "الظاهر" بالمعجمة، والذيل التام 2/ 255، والضوء اللامع 3/ 127 رقم 490 وفيه "التاجر الكبير"، ونيل الأمل 6/ 257 رقم 2670.
(7)
في الأصل بياض، وفي الضوء اللامع ولد سنة 790 هـ.
وترك من الأولاد ()
(1)
.
339 -
دَمِرداش الناصري
(2)
، الظاهري.
أحد العشرات ورؤوس
(3)
النُوَب، المعروف بالطويل.
كان من مماليك المقام الناصري، الأمير ناصر الدين محمد بن الظاهر جقمق
(4)
، ونزل في ديوان الجُند السلطاني، ثم صيّره الظاهر بعد موت أستاذه خاصكيًّا وبّوابًا، ودام على ذلك إلى سلطنة الأشرف إينال، فتقرّب من ولده الشهاب أحمد لمكان تزوّجه بالخَوَند ()
(5)
بنت ابن
(6)
دُلغادر التي كانت زوجة الظاهر جقمق، فإنه كان لما حضرت في خدمتها مع الطواشية والخدّام في أيام أبيها. ثم لما خرج الشهابي أحمد بن إينال أميرًا على الحاج بالمحمل، كان دِمرداش هذا في صحبته، وعيّنه مبشّراً في تلك السنة، وحصل له من ذلك حين قدومه للقاهرة المال الطائل. ولم يزل على ما هو عليه من اختصاصه بالمقام الشهابي، وله وجاهة وذِكر إلى أن تسلطن الظاهر خُشقدم فصيّره من العشرات ورؤوس
(7)
النُوَب. ثم لما قتل ملك أصلان عيّنه الظاهر (
…
…
)
(8)
شاه بُضاغ وتشريفه إليه بنيابة الأبُلُستَين، فخرج إلى ذلك. واتفق أن تمرّض بحلب حين أن وصل إليها، ولم يزل متمرضًا بها حتى بَغَتَه الأجل قبل أن يبلغ الأبُلُستَين.
وكان شابًا حسنًا، جميل الصورة، بهيّ الهيئة، مرتفع القامة، ذا أدب وحشمة، وحسن سصت وتؤدة، ومعرفة وسياسة، وبشْر وبشاشة، يقظًا، فهْمًا، عاقلًا، طلْق المُحيّا، محبَّبًا إلى الناس، روميّ الجنسَ، وعنده معرفة بأنواع من الأنداب.
(1)
في الأصل بياض، سطرين وربع السطر.
(2)
انظر عن (دمرداش الناصري) في: نيل الأمل 6/ 270 رقم 2687، وبدائع الزهور 2/ 450، والضوء اللامع 3/ 219 رقم 821 ولم يزد على تاريخ وفاته شيئًا.
(3)
في الأصل: "روس".
(4)
مات الأمير محمد بن جقمق في سنة 847 هـ. انظر عنه في: إنباء الغمر 4/ 220، 221 رقم 10، والنجوم الزاهرة 15/ 505، وحوادث الدهور 1/ 100 - 102 رقم 4، والدليل الشافي 2/ 610 رقم 2096، والمنهل الصافي 10/ 8 - 10 رقم 2104، والضوء اللامع 7/ 210 رقم 519، والتبر المسبوك 82، ونزهة النفوس 4/ 289 رقم 848، والذيل التام 1/ 644، ووجيز الكلام 2/ 592 رقم 1366، ونيل الأمل 5/ 182، 183 رقم 2052، وبدائع الزهور 2/ 240، 241.
(5)
بياض في الأصل.
(6)
في الأصل: "بن".
(7)
في الأصل: "روس".
(8)
كلمتان ممسوحتان.
توفي بحلب في هذه السنة، ولم أحرّر شهر وفاته.
واسمه غلط عن تمرطاش
(1)
، ومعناه: الحجر الحديد، ثم استُعمل عَلَمًا على الشخص.
340 -
رُزْمك الدشتكي
(2)
.
أحد العشرات ورؤوس
(3)
النُوَب، كان مماليك الأتابك يشبُك الشَعباني
(4)
، المشهور، وتنقّلت به الأحوال بعده في خدم عدّة من الأمراء، وقاسى الفقر والفاقة، وغير ذلك، إلى أن تنزّل في ديوان الجُند السلطاني، ودام على ذلك إلى سلطنة الظاهر جقمق، فصيّره خاصكيًّا على إقطاع جيّد، ثم جعله بوّابًا، وأخذ هو في جمع المال وتحصيله من إقطاعه وغيره، وحُبّب إليه ذلك حتى حُكي عنه فيه العجب من كثرة شرهه في ذلك.
ولما تسلطن الأشرف إينال تحشّر فيه جدًّا، وصار يتمسخر له ويُضحكه، ماشيًا على طريقة البجاحة، فأثرى من ذلك جدًّا لكونه مضحكة السلطان، وحصّل المال الطائل، لا سيما وقد أمّره الأشرف المذكور عشرة، وصيّره من رؤوس
(5)
النُوَب، ودام على ذلك إلى أن تسلطن الظاهر خشقدم، فاتفق أن عيّنه في سلطنته للجون لإحضار الخشب، فخرج هو وآخرون
(6)
، ولما وصل إلى طرابلس في البحر بَغَتَه أجلُه بها، وذهبت تلك الأموال الطائلة، ولم يوقف لها على خبر، وبقي منهم بها جماعة ممن كان في خدمته ونحوهم، والظاهر براءة من اتّهم بذلك لمكان محلّ رُزْمك هذا، فإنه لا يظنّ به أن يعلم بمكان ماله لأحد ويسافر، فلعلّها ذهبت تحت الأرض أو نحو ذلك، وعليه حسابها.
توفي في ربيع الأول أو الثاني.
(1)
في الأصل: "تمرطاس" بالسين المهملة.
(2)
انظر عن (رُزْمك الدشتكي) في: نيل الأمل 6/ 254 رقم 2667.
(3)
في الأصل: "روس".
(4)
قتل (يشبك الشعباني) في سنة 810 هـ.، انظر عنه في: السلوك ج 4 ق 1/ 59، وإنباء الغمر 2/ 383، والنجوم الزاهرة 3 - / 67 و 170، والمنهل الصافي 12/ 119 - 122 رقم 2656، والدليل الشافي 2/ 784 رقم 2646، ونزهة النفوس 2/ 241، والذيل على تاريخ ابن كثير، لابن حجي (مخطوط) ورقة 329 أ و 329 ب، وتاريخ بيروت 235 - 237 و 239، ووجيز الكلام 1/ 395 رقم 891، والذيل التام 1/ 455، والضوء اللامع 10/ 278 رقم 1090، ونيل الأمل 3/ 157 رقم 1176، وإعلام الورى 36.
(5)
في الأصل: "روس".
(6)
في الأصل: "هو واخرين".
واسمه قد غلط فيه بغَلَط فاحش، لأن أصله "أرَوُسْ بك"، وأروس: اسم لجيل من الناس معروفون و"بك" قدّمت معناها غير ما مرة، فتُلُوعِب بهذا الاسم إلى ما كتبنا على ما رأيته.
341 -
سيدي باك بن أوزار
(1)
التركماني، الأوزاري.
زين الدين، أمير بلاد الجون. تقدّم في المتجدّدات ما وقع له مع أزكب بن أوزار قريبه، وكيفية قتْله هو وابنه على يد أزكب المذكور، بنجدة شاه سوار له عليه، بعد أن ولي عن أزكب ثغرة الجون، وصرّح بالخروج من بلاده، فلا نعيد ذلك ثانيًا.
342 -
(شيخ البخاري
(2)
.
هو العلّامة محمد بن محمد بن محمود، وكان يُعرف (بمحمد بن)
(3)
شيخ أيضًا.
وسيأتي في رتبة الميم إن شاء الله تعالى)
(4)
.
343 -
طومان الجَكَمي
(5)
، الخاصكي.
كان من مماليك الأمير جَكَم من عوَض المتسلطن بحلب، وتنقلّت به الأحوال بعده حتى صُيّر خاصكيًّا على إقطاع جيّد، ثم رُشح للإمرة غير ما مرة وهو ممتنع من قبولها طلبًا للراحة، وكان له ما يكفيه ويزيد عليه. ولم يزل على ذلك حتى بَغَتَه الأجل.
وكان من الأعيان القرانصة الأغوات، خيّرًا، ديّنًا، حشمًا، أدوبًا، متواضعًا. توفي في حدود هذه السنة.
344 -
• وترك ولده أحمد. شابّ حسن، من أجناد الحلقة، لا بأس به.
345 -
عبد الله بن عثمان السُوَيدي
(6)
.
أمير عربان بني سُوَيد بتِلِمْسان.
كان من أكابر أمراء بلاده ومشاهير عربانها المترفين، ذوي الرياسات.
(1)
انطر عن (سيدي بك بن أوزار) في: نيل الأمل 6/ 266 رقم 2680.
(2)
سيأتي في المحمدين من وفيات هذه السنة.
(3)
في الأصل بياض، وما أثبتناه من ترجمته الآتية.
(4)
هذه الترجمة ما بين القوسين كتبت على الهامش.
(5)
انظر عن (طومان الجكمي) في: نيل الأمل 6/ 271 رقم 2689، وبدائع الزهور 2/ 450، ولم يذكره السخاوي في الضوء اللامع.
(6)
انظر عن (السويدي) في: نيل الأمل 6/ 269 رقم 2685 ولم يذكره السخاوي.
رأيت نَجْعه حين توجّهت إلى تِلِمْسان، فكان نجعًا هائلًا، ورأيته شيخًا منوّر الشيبة، له نحو الستين سنة، كثير التجمّل في قوْمه وله ثروة زائدة وحشم وخدم وجواري سراري، وله حُرمة ومهابة في قومه، وشهرة طائلة.
على أن سليمان بن موسى
(1)
الماضي كان أعظم عربان الأقاليم وتلك المملكة، ومَع ذلك فليس كهذا في ترفه ومعيشته وتجمّله، وكثرة تنعّمه، فإنه حضريّ المعيشة، وله حشمة وأدب، وحسن سمت وخير ودين، ومحبّة لأهل العلم والفضلاء والقرّاء، لا مثله قبله ولا بعده.
توفي في هذه السنة على ما بلغني.
وقد أكمل السبعين فيما أظنّ.
(ترجمة الحافظ تقيّ الدين القلقشندي)
(2)
346 -
عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن علي القلقشندي
(3)
، القاهري، الشافعي.
الإمام العالم، الحافظ، تقيّ الدين، وهو من نوادر ألقاب عبد الرحمن، أبو الفضل ابن
(4)
الشيخ قطب الدين، هو أيضًا من نوادر ألقاب أحمد. شيخ الخانقاه الصلاحية سعيد السعداء، أعني صاحب الترجمة. ووالده قد مرّ.
ولد التقيّ هذا بالقاهرة في رجب سنة سبع عشرة وثمانمائة.
وبها نشأ في حياة والده، فأحفظه القرآن العظيم ثم عدّة من المتون، وعُرض واشتغل على جماعة منهم أخوه العلّامة علاء الدين الماضي في محلّه، وغيره من أعيان علماء عصره، وسمع الحديث من الزين القمني، والناصر الفاقوسي، والحافظ ابن
(5)
حجر. ودار على الشيوخ وأكثر، وقرأ بنفسه كثيرًا، واتسعت سماعاته، وشارك الناس في الفنون، ومهر وبرع، وتميّز في أسماء الرجال لإقباله على ذلك بكلّيته، واعتنى بمصنّفات الحافظ ابن
(6)
حجر، رحمه الله. وكتب
(1)
توفي (سليمان بن موسى) في سنة 869 هـ. وقد تقدّمت ترجمته.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
انظر عن (القلقشندي) في: النجوم الزاهرة 16/ 354، والضوء اللامع 4/ 46 - 48 رقم 148، ونيل الأمل 6/ 261 رقم 2675، وبدائع الزهور 2/ 447، 448، وعنوان الزمان 3/ 55 - 57 رقم 263، وعنوان العنوان 138.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
في الأصل: "بن".
الكثير منها، وعلّق الأجزاء، وكتب الطباق، وخرّج لنفسه أربعين حديثًا متباينة الأسانيد، وفاق أهل الفنّ فيه، وشُهر وذُكر، ولُقّب بالحافظ من كثير من الأكابر، ونظم لكن بتكلّف، لا بسليقة.
فمن نظمه في آمنة:
ورُبّ فتاة أخجَلَ الغُصنَ قدُّها
…
سَبَتْ قلبَ صَبِّ والمحبة قاطنه
ويفزع خجلًا حين يُسد بوصْلها
…
فواعجبًا من خوفها وهي آمِنه
وله نظم غير ذلك، وذُكر فيمن يُولّى القضاء الأكبر، بل وتحرّك هو في شيء من ذلك بنفسه بعد صرف البدر أبي
(1)
السعادات البُلقيني، وقبل ولاية الولي السيوطي، ثم لم يتفق له ذلك، ولما عمل الشهاب ابن
(2)
العَيني أميراخور كبير ختم
(3)
البخاري عنده، حضر صاحب الترجمة مجلسه ذلك، والخطيب النُويري أبو الفضل خطيب مكة، فرفعه الشهاب على صاحب الترجمة قائلًا له: أنت سعيت عندنا في القضاء، وهذا لم يَسْع في شيء من ذلك، بل قلنا له شيئًا في الولاية، فأظهر الامتناع، فهو أحق بأن يجلس مرتفعًا عليك.
وكان التقيّ هذا ربّما أظهر أنه كُلِّم في شيء يتعلّق بالقضاء والولاية، وأنه امتنع من ذلك، فحصل عنده بواسطة كلام ابن
(4)
العَيني الباعث الشديد الذي ما عنه مزيد، وترك مهمّه، ومرض أيّامًا بمرضٍ نفساني إلى أن كان فيه أجله.
وكان عالمًا فاضلًا، محدّثًا، حافظًا، خيّرًا ديِّنًا، بشوشًا، حسن السمت والملتقى، لكنّه كان عريض الدعوى جدًّا، وهو مشهور الحال فى ذلك. وكان بيده عدّة وظائف منها مشيخة سعيد السعداء.
وتوفي في ليلة الثلاثاء ثالث شعبان.
ووُلّي بعده سعيد السعداء العلّامة السراج العبّادي الآتي في محلّه، في وفيات سنة خمس وثمانين إن شاء الله تعالى.
347 -
عبد الرحمن بن التاجر
(5)
.
تقدّم في المتجدّدات كيفية قتْله وسلْخ جدّه، ومرّ ذكر ولده قبله أيضًا وما جرى عليهما بسبب ما وقع بينهما، فلا نعيد ذلك.
(1)
في الأصل: "أبو".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
أشار عليها، وكتب بالهامش:"قراءة".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
تقدّم خبر سلْخ عبد الرحمن بن التاجر في حوادث شهر شعبان من السنة.
348 -
عبد الغفّار بن مخلوف بن ()
(1)
السمديسي
(2)
، القاهري المالكي.
الشيخ العالم، الفاضل، القاضي، زين الدين، أحد نواب الحكم.
ولد في سنة ()
(3)
.
ونشأ مشتغلًا بالعلم، وأجازه جماعة من العلماء، وناب في القضاء، وعُدّ من أعيان مذهبه.
وكان إنسانًا حسنًا (
…
)
(4)
أموره على ما أخبرت عنه.
توفي في هذه السنة، ولم أحرّر شهر وفاته.
(ترجمة ابن
(5)
رمضان ناظر جُدّة)
(6)
349 -
علي بن رمضان بن ()
(7)
القبطي
(8)
الأصل، القاهري.
ناظر بندر جُدّة.
كان والده رمضان رسولًا بأبواب الوزراء، وكان من مسالمة النصارى القِبط. ونشأ
(9)
ابنه صاحب الترجمة على صناعة أبيه، وكان جميل الصورة، ويقال إنه نشأ قبل ذلك صبيًّا لبعض الفرّاشين، وكان كثير المخالطة لأهل الفسق والفساد، منسترًا بعد طلوع لحيته، وتبارى بصناعته الرسلية بعد الفراشة، ثم اتصل بخدمة التقيّ بن نصر الله، ثم خدم صيرفيًا عند جانِبك نائب جدّة، فصار البندر بيده وعرفه معرفة تامّة، وتقرّب إلى جانبك، واختص به لحذقه، وخدمه ونالته السعادة،
(1)
بياض في الأصل.
(2)
السَمَديسي: نسبة إلى سَمَديسة من البحيرة بقرب دمنهور.
انظر عنه في: النجوم الزاهرة 16/ 354، ووجيز الكلام 2/ 876، 877 رقم 1801، والذيل التام 2/ 204، والضوء اللامع 4/ 234، 244 رقم 632.
(3)
بياض في الأصل.
(4)
كلمة مطموسة.
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
العنوان من الهامش. وكتب على الهامش: "يؤخر عز الدين بعده".
(7)
بياض في الأصل.
(8)
انظر عن (ابن رمضان القبطي) في: الضوء اللامع 5/ 220، 221 رقم 745، ووجيز الكلام 2/ 789 رقم 1826، والذيل التام 2/ 207، ونيل الأمل 6/ 258 رقم 2672، وبدائع الزهور 2/ 447.
(9)
في الأصل: "نشاء".
وبسط يده في الظلم بتلك الأقطار الحجازية، واقتنى الكثير من كل شيء، وتزوّج بأربع نسوة، واتسعت دائرته، حتى قيل إنه استولى على فوق الخمسمائة ألف دينار في مدّة أولها سنة تسع وأربعين، وآخرها هذه السنة التي نحن فيها، وكان كثير المتحصل، كثير المعروف، مسرفًا على نفسه، متجاهرًا بالفسق، متهتّكًا فيه، لا يبالي فيما يقال عنه، بل ربّما افتخر بارتكابه المعاصي، مع قلّة مروءة، وعدم غَيرة على حرمة. وكانت داره كالفندق للداخل والخارج من أرباب الملاهي والأطراف والأوباش والعبيد والخدم، مع عدم الستر وهتك الحجاب بين نسائه وجواريه، وبين من دخل وخرج من الرجال إلى داره ليلًا ونهارًا، مع التبذير الزائد الذي عدّه بعض الأوباش المتطفّلين عليه المتعرّضين له والمتعصّبين، فإن ذلك من زيادة سخائه، وكثرة كرم نفسه، وليس كما قالوا، بل هو سَفَه وتبذير في وجوه فاسدة لا لغرضٍ صالح. وكان مع ذلك كلّه يتحمّل عليه ما شاء الله تعالى من الديون.
ولما مات أستاذه جانبك أخذ في التقرّب من أحمد بن العَيني بتمسخره عنده وإضحاكه، والبجاحة له بين يديه، وكان ذلك دأبه قبل ذلك، وراج بسبب ذلك عند أحمد بن العَيني المذكور واختصّ به، حتى كان السبب في تحدّثه مع الظاهر خُشقدم له في أن يتكلّم على بندر جُدّة، وأجابه إلى ذلك، فصار يتردّد إليها متكلّمًا على البندر، وخدم ابن
(1)
العَيني، وكان يُحضر له المتاجر.
ثم اتفق بأخرة أن خرج الشهاب ابن
(2)
العَيني للسرحة الماضي ذِكرها، فاستصحبه معه لعدم صبره عنه، ولزم تعالي الحُمُر من يوم خروجه معه إلى يوم دخوله طندَبا وهو على ذلك، لا يفتر لا ليلًا ولا نهارًا مقدار أربعة أيام، وأثر ذلك في حرارة غريبة، مع حركة السفر، فتأثّر لذلك باطنه، وحدث به القولنج الصفراوي. فاستأذن ابن
(3)
العيني في التوجّه إلى المحلّة للتداوي بها، فأذِن له، متأسّفًا على مفارقته إيّاه، وأخذ في التلهّي عنه بالصيد ونحوه. وحُمل هو إلى المحلّة للتمرّض بها وعولج، فلم ينتج له حال، فأخذ في القلق جدًّا. ثم أدّاه رأيه المخبول إلى دخول الحمّام ظنًّا أن ذلك مما يشفيه، وما عرف أن المنيّة فيه. ولما خرج من الحمّام حصل له أرق وقلق وسهر عظيم، فبعث في تلك الحالة بطلب المغاني وأرباب الملاهي إليه، فسامروه في ليلته تلك، وقطعوها بسخف زائد وفسق وفساد، وأصبح من غد يومه ذلك وهو في حالة غير مُرْضية.
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "بن".
وتوفي من يومه ذلك وتمّت القضية، وكان ذلك في يوم السبت خامس عشرين جمادى الأولى.
وحُمل ميتًا إلى القاهرة، فأُدخل إليها من باب القنطرة والسعدية، وتشاءم الناس بذلك، فجهّز ودُفن، ومُستراح منه. ولما جاء خبره لأحمد بن العَيني اتفق أن عُمل عنده في تلك الليلة خيال الظل، بعد أن كان قد أمر بأن يبطل في هذه الليلة، فقام بعضٌ من الخاصكيّة إليه وقال: إن ابن
(1)
رمضان كان يحبّ هذه الأشياء، وكل ميت يعمل له ليلة وحشة أو ختم، فليكن هذا ختم من رمضان.
فانظر إلى بداية حال هذا الإنسان، ثم سبب مرضه، ثم مسامرته، ثم ليلة ختمه، وتعجّب من ذلك!
نسأل الله تعالى التوفيق لِما يرضاه وحُسن الخاتمة عند كرامته.
350 -
علي (بن أحمد بن)
(2)
السُويفي
(3)
، القاهري، المالكي.
نور الدين، إمام السلطان ومحتسب القاهرة. وكان أمّ بعدّة من الملوك السلاطين. وترقّى في دولة الأشرف بَرسْباي إلى حسبة القاهرة.
وتوفي، وقد جاوز التسعين، في يوم الخميس رابع عشر رجب.
351 -
فَرَج ابنة سودون
(4)
الفقيه.
الخَوَنْد زوجة الظاهر ططر، وأمّ الصالح محمد.
كان والدها سودون المذكور جنديّا وما تأمّر، وكان من أصحاب لاجين شيخ الجراكسة المشهور الترجمة، الذي كان يدّعى أنه سيصل إليه الأمر، وأنه سيفعل أمورًا ما بلّغه الله تعالى إليها.
وكان سودون هذا مع كونه جنديًّا مشهورًا مذكورًا، وقد ترجمه الحافظ ابن
(5)
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
ما بين القوسين عن الهامش. وكتب "تقدّم". أي تُقّدم ترجمته على ما قبله.
(3)
انظر عن (السُويفي) في: النجوم الزاهرة 16/ 354، والضوء اللامع 5/ 176، 177 رقم 609، ووجيز الكلام 2/ 787 رقم 1812، والذيل التام 2/ 204، والمنجم في المعجم 153 رقم 94، ونيل الأمل 6/ 260 رقم 2673، وبدائع الزهور 2/ 447.
(4)
انظر عن (فرج بنت سودون) في: نيل الأمل 6/ 253 رقم 2666، وبدائع الزهور 2/ 444.
(5)
في الأصل: "بن".
حجر
(1)
، وترجم شيخه لاجين
(2)
أيضًا، تزوّج الظاهر ططر
(3)
بابنته هذه في أيام إمرته، واستولدها عدّة أولاد منهم ولده محمد الصالح
(4)
الذي تسلطن بعده، وهو مشهور الترجمة. وابنته ست الملوك
(5)
زوجة الأتابك يشبك
(6)
.
ودامت صاحبة
(7)
الترجمة في عصمة الظاهر ططر المذكور حتى مات عنها، ولم تتزوّج بعده حتى بَغَتَها الأجل.
وكانت من خير نساء عصرها دينًا، وأمانة، وعفّة، وخيرًا، وجمالًا.
(1)
في إنباء الغمر 3/ 316 رقم 12، وذيل الدرر الكامنة 293 رقم 570، وهو في الضوء اللامع 3/ 282 رقم 1072، ونيل الأمل 4/ 127 رقم 1547، وبدائع الزهور 2/ 85 وهو توفي سنة 826 هـ.
(2)
هو (لاجين شيخ الجراكسة) توفي سنة 804 هـ. انظر عنه في: السلوك ج 3 ق 3/ 1089، وذيل الدرر الكامنة 125 رقم 166، وتاريخ ابن قاضي شهبة 4/ 285، 286، والنجوم الزاهرة 12/ 236 و 273، وإنباء الغمر 2/ 221، 222 رقم 35، والمنهل الصافي 9/ 174 رقم 1951، والدليل الشافي 2/ 567 رقم 1943، والضوء اللامع 6/ 232 رقم 802، ووجيز الكلام 1/ 365 رقم 816، والذليل التام 1/ 425، ونيل الأمل 3/ 71 رقم 1060، وبدائع الزهور ج 1 ق 2/ 642 و 658.
(3)
توفي الظاهر ططر في سنة 824 هـ. انظر عنه في: السلوك ج 4 ق 2/ 588 و 600، وإنباء الغمر 3/ 250 و 254 و 257، 258 رقم 7، وشفاء الغرام (بتحقيقنا) 2/ 412، والروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر، لبدر الدين العيني، تحقيق د. هانس أرنست - مصر، دار إحياء الكتب العربية 1962، وتاريخ بيروت 239، 240، والنجوم الزاهرة 14/ 206 - 210، والمنهل الصافي 6/ 397 - 405 رقم 1248، والدليل الشافي 1/ 363 رقم 1245، ونزهة النفوس 2/ 513 - 515 و 521، وتاريخ الملك الأشرف قايتباي (بتحقيقنا) ص 124، والتاريخ الغياثي 354، وتاريخ الخلفاء 509، وحُسن المحاضرة 2/ 80، ونيل الأمل 4/ 100 رقم 1526، وتاريخ ابن سباط (بتحقيقنا) 2/ 778، وبدائع الزهور 2/ 75 والبدر الطالع 1/ 302 رقم 212، وشذرات الذهب 7/ 165، 166، وتاريخ الأزمنة 345، وأخبار الدول 211، 212، وتحفة الناظرين 2/ 33، 34، ونزهة الأساطين 129 رقم 5.
(4)
توفي (محمد بن ططر) الملقب بالصالح في سنة 833 هـ. انظر عنه في: السلوك ج 4 ق 2/ 844، وإنباء الغمر 3/ 449 رقم 36، والنجوم الزاهرة 15/ 162، 163، والدليل الشافي 2/ 607، 608 رقم 2086، والمنهل الصافي 10/ 89، 90 رقم 2175، ونزهة النفوس 3/ 209 رقم 688، والضوء اللامع 7/ 150 رقم 375، ووجيز الكلام 2/ 512 رقم 1173، والذيل التام 1/ 567، ونيل الأمل 4/ 274 رقم 1699، ونزهة الأساطين 130 رقم 8، وبدائع الزهور 2/ 130، وشذرات الذهب 7/ 204.
(5)
ماتت (ست الملوك) في سنة 852 هـ. انظر عنها في: الضوء اللامع 12/ 58 رقم 348.
(6)
كتب إلى جانبها على الهامش: "الشعباني" ثم ضرب عليها.
(7)
في الأصل: "صاحبت" بالتاء الممدودة.
دامت عزباء
(1)
نحو الأربعين سنة، ومرضت بالفالج مدّة سنين، وهي بذلك لا تقطع صلاتها، بل مواظبة على الخمس.
إلى أن تُوفيت في يوم الأربعاء ثاني عشر ربيع الأول.
وقد بلغت نحو السبعين سنة أو أكملتها، وربّما جاوزتها.
وما أخلّت بصيامها ولا عباداتها
(2)
، ودُفنت بتربة ابنتها الخَوَنْد لستّ الملوك زوجة الأتابك يشبك المشدّ الماضيَيْن
(3)
.
352 -
قانَم الأشرفي
(4)
.
أحد العشرات ورؤوس
(5)
النُوَب
(6)
، المعروف بنَعْجة.
كان من مماليك الأشرف بَرسْباي، وصار أميراً في دولة الأشرف إينال. وكان له شجاعة وعنده جرأة وإقدام، وقد تقدّم بعضٌ
(7)
من أحواله وذِكره في هذا الكتاب في مواضع منه.
وكان مسرفًا على نفسه جدًّا، متكالبًا على أغراضه، منهمكًا في اللذّات، مع بطشٍ وظلم.
ولم يزل إلى أن توفي شبه الفجأة في ليلة الأحد سادس عشر جماد الأول.
(ترجمة الأتابك قانم التاجر)
(8)
353 -
قانَم من صفر خُجا
(9)
المؤيَّدي.
الأمير الكبير، الأتابك، سيف الدين، المعروف بالتاجر.
كان من مماليك المؤيَّد شيخ، وصار خاصكيًا في دولة ولده المظفَّر أحمد. ولا زال حتى تسلطن العزيز، فأمّره عشرة، ودام على ذلك في جميع الدولة
(1)
في الأصل: "عزبي".
(2)
في الأصل: "عاداتها".
(3)
في الأصل: "الماضيان".
(4)
انظر عن (قانم الأشرفي - نعجة) في: النجوم الزاهرة 16/ 353، والضوء اللامع 6/ 201 رقم 696، ونيل الأمل 6/ 256 رقم 2669.
(5)
في الأصل: "روس".
(6)
كتبها غلطًا وصحّحها.
(7)
في الأصل: "تقدّم بعضًا".
(8)
العنوان من الهامش.
(9)
انظر عن (قانم من صفر خجا) في: نيل الأمل 6/ 250 رقم 2663، وبدائع الزهور 2/ 442، 443، والضوء اللامع 6/ 200، 201 رقم 695.
الظاهرية جقمق، وحج أميرًا على الركب الأول غير ما مرة، وعُيّن مرة في الرسالة لابن عثمان صاحب الروم، فقام بأعباء تلك الرسالة أتمّ قيامٍ، ونهض بما بُعث إليه أكمل نهوض، وكان سفيرًا حسنًا. وبُعث قبل ذلك رسولًا إلى جهان شاه أيضًا، وهو حينئذٍ تاجر المماليك، وهي الوظيفة التي تسمَّى بمعلَّم المعلّمين وكبير الدلَّالين. وكان قرّره فيها الظاهر جقمق، وبقيت بيده مدّة وعُرف بها. ودام قانم هذا على الإمرة عشرة إلى سلطنة الأشرف إينال، فأمّره طبلخاناة، ثم صيّره مرة من مقدَّمين
(1)
الألوف بعد موت خير بك الأجرود المؤيَّدي، الماضي ذِكره، ثم صُيّر رأس نوبة النُوَب في أول دولة المؤيَّد أحمد، عِوَضًا عن قَرقماس الجَلَب، لما نُقل إلى إمرة مجلس عِوضًا عن جَرِباش، لما نُقل إلى إمرة سلاح، بعد نقل خُشقدم من ناصر الدين منها إلى الأتابكية، عِوضًا عن المؤيد نفسه لما تسلطن بعد موت والده. ودام على الرأس نوبته الكبرى حتى تسلطن خُشداشه الظاهر خُشقَدم، فنقله إلى إمرة مجلس، عِوضًا عن قرقماس الجلب أيضًا، لما نُقل إلى إمرة سلاح، عِوضًا عن جَرِباش كُرْد، لما نُقل إلى الأتابكية بعد سلطنة خُشقدم المذكور.
ومن يوم تسلطن الظاهر خُشقدم أخذ أمر قانَم في العظمة، وضخُم جدًّا، ونالته السعادة زيادة عمّا كانت قبل ذلك، ودام على إمرة مجلس في أكثر مدّة الظاهر خُشقَدم، إلى أن ولّاه الأتابكية، عِوضًا عن جرِباش كُرْد، لما أخرج بطّالًا إلى ثغر دمياط، فضخُم جدًّا وعظُم إلى الغاية، حتى تحدّث الناس بوثوبه على الأمر لِما رأوا من عظمته، وأظنّه ما كان يفعل ذلك في حياة خُشقدم، والله أعلم، لكونه كان هو السبب في عظمته، وإنما ذلك من حَدْس الناس في مثل ذلك لمن تناله العظَمَة. نعم لو عاش بعده لكان هو السلطان مع إرادة الله تعالى ذلك. ودام على الأتابكية في عظمته وأُبّهته وشهامته ووفور حُرمته، ونفاذ كلمته إلى أن بَغَتَه الأجل.
وكان ملكًا جليلًا، شهمًا، عاقلًا، أدوبًا، سيوسًا، عارفًا، ذا وقار وحشمة، ومعرفة، وحُسن سمت، وتؤدة ووجاهة في الدول، مع صدق وفطنة، وشجاعة، وإقدام، ومحبّة للعلم، والعلماء، والمَيْل لهم، والتكلّم معهم، وسؤاله إياهم عمّا أشكل عليه، مع انتمائه إلى الطلب. وكان مع ما كان عليه من العظمة والجبروت كثير التأدّب مع أهل العلم، وكان من أعظم محبّي شيخنا العلّامة الكافِيَجي، وممّن يُجلّه ويعظّمه غاية التعظيم ويعضده في كثيرٍ من الأمور، لا سيما في أيام مشاركته إيّاه في النظر على الخانقاه الشيخونية.
(1)
الصواب: "من مقدّمي".
وصنّف له شيخنا بعضَ الرسائل باسمه.
وكذلك كان بينه وبين الوالد صحبة أكيدة ومحبّة قديمة.
ولقانَم هذا عدّة اَثار جليلة معظّمة، من ذلك: تربته التي أنشأها بالصحراء ونزل بها عدّة صوفية وشيوخ
(1)
يحضرون بها. وشيخها الجمال عبد الله الرومي، إنسان من أهل الفضل، وبها من الصوفية جماعة من الفضلاء كالبدر محمد ابن العلائي، والعلاء الحسامي، والبدر محمود النوقاني، وآخرين.
ومن آثاره الجامع بأعالي الكَبْش. وهو جامع
(2)
حسن جيّد في موضعه.
إمامه الشيخ الفاضل، المقرئ، سراج الدين عمر بن محمد بن قاسم بن علي الأنصاري
(3)
القاهري الشافعي، المعروف باليسار، أحد القرّاء السبعة بالقاهرة، رجل حسن من أهل الدين والخير والعفّة، بل والصلاح.
ولد في سنة ثمان عشرة وثمانمائة.
وحفظ القرآن، واشتغل وقرأ في القراءات فأخذها عن جماعة منهم: البرهان الطبالي (
…
…
…
)
(4)
لقانَم هذا عدّة أملاك وأوقاف وغير ذلك، والمـ (
…
…
)
(5)
جميعه له (
…
)
(6)
سورباي، وهي من المشاهير الآن، تزوّجت بعده بقانصوه الخسيف
(7)
(
…
…
)
(8)
[وهي الآن]
(9)
في عصمة صاحبنا بُردُبك الأشرفي
(10)
الخازندار، أحد العشرات، (
…
) الدوادارية.
توفي قانَم هذا في ليلة الإثنين حادي عشر صفر، وكان موته فجأة.
(1)
في الأصل: "وشيخ".
(2)
في الأصل: "جانم".
(3)
لم أجد له ترجمة.
(4)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(5)
كلمتان ممسوحتان.
(6)
كلمة ممسوحة، وفي: الضوء اللامع 3/ 6 "سعادات ابنة السرباي".
(7)
توفي (قانصوه الخسيف) في سنة 892 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 6/ 198 رقم 676، ووجيز الكلام 3/ 1025 رقم 2221، والذيل التام 2/ 454، ونيل الأمل 8/ 60 رقم 3415، وبدائع الزهور 2/ 239.
وسيعيده المؤلّف رحمه الله في الجزء الأخير 175 ب، 176 أ.
(8)
كلمتان ممسوحتان.
(9)
ما بين الحاصرتين ممسوح، أثبتناه بما يقتضيه السياق.
(10)
هو (بُردُبَك التاجي الأشرفي برسباي الأبرص) مات سنة 885 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 3/ 6 رقم 23، ووجيز الكلام 3/ 915 رقم 2075، والذيل التام 2/ 339 وفيها كلها وفاته في شهر ربيع الأول، ونيل الأمل 7/ 259 رقم 3137، وفيه في شهر ربيع الآخر، وعنه ينقل ابن أياس في بدائع الزهور 3/ 168.
ويقال: إنه سُمّ، واللَّه أعلم بصحة ذلك.
ومن غريب الاتفاق أن السلطان كان في اليوم الذي مات هو بعد فراغه في ليلة تليه نزل إلى داره، فأشيع بأنه أمر بعض جماعته في ذلك اليوم بأن يسمّه، وأظنّ ذلك ليس كما أشيع.
وكان سنّه زيادة على السبعين، أو هي بتمامها، ومن قال: نحو السبعين فما أصاب.
وأُحضرت جنازته لمُصَلّى سبيل المؤمنى، ونزل السلطان فصلّى عليها، وحُمل إلى تربته بالصحراء فدُفن بها.
ووُلّي الأتابكية بعده يلباي الأميراخور الكبير الذي تسلطن بعد ذلك، كما سيأتي.
(ترجمة الواعظ ابن
(1)
الشراب دار)
(2)
354 -
محمد بن حسن بن عبد الله بن سليمان بن محمد (القَرَني، الأُوَيْسي)
(3)
، القاهري، الشافعي.
الشيخ بدر الدين، أبو المعالي، المعروف بابن الشراب دار
(4)
، وبالقاصّ أيضًا.
ولد بالقاهرة في سنة سبع وتسعين وسبعمائة.
وبها نشأ فحفظ القرآن الكريم، ثم حفظ "العمدة" و"التنبيه" و"جمع الجوامع" و"منهاج البيضاوي" و"ألفيّة ابن مالك" وبعض "جامع المختصرات" وبعض "التسهيل"، وعرض على الزين العراقي، والسراج البُلقيني، والبدر الطنبدي، والزين الفارسكوري، والبهاء أبى الفتح البُلقيني، وذلك كله بإخباره عن نفسه
(5)
. ثم اشتغل فأخذ عن جماعة، منهم: البرهان البيجوري، والمجد البرماوي، والشمس البرماوي، والشمس الشطنوفي، وبرهام العجمي، ولازم العزَّ ابن جماعة
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
ما بين القوسين عن الهامش.
(4)
انظر عن (ابن الشراب دار) في: الضوء اللامع 7/ 224، 225 رقم 558، ووجيز الكلام 2/ 785 رقم 1805، والذيل التام 2/ 202، ونيل الأمل 6/ 260 رقم 2674، وعنوان الزمان 5/ 131، 132 رقم 505، وعنوان العنوان 259، ومعجم شيوخ ابن فهد 227، وحوادث الزمان 1/ 177 رقم 228، وبدائع الزهور 2/ 448.
(5)
وضع هنا إشارة إلى حاشية على الهامش ممسوحة.
دهرًا، وشُهر وتميّز، ولكنّه ضر نفسه باستعمال البلاذُر
(1)
فاختلط، ثم تراجع، وتعانى التكلّم على الناس حتى عُرف بذلك، وصار فيه ذا حظٍ وافر وصيت وسُمعة، لا سيما عند العامّة، وصار يتكسّب بذلك، ولم يزل كذلك حتى بَغَتَه الأجل، وكان قد اختلّ أمره، وضعف حاله مدّة مطوّلة.
وذكر بعضهم عنه أنه كان يُنسَب إلى بعض تهاون فيما فُرض عليه، وأنه نُسِب إلى ارتكاب ما يوجب الحدّ، واللَّه أعلم بذلك.
وله شعر، فمنه ما أنشدته عنه وهو قوله:
الروض نضرته
(2)
بحُسنك يشهدُ
…
والورد جاء لمدح خدّك يورِدُ
والآس يعشق من عِذارك خُضرةً
…
ويروقه رَيحانه المتجعّدُ
ألبسته معنى جمالك منعمًا
…
وجعلته لك [بالهوى]
(3)
يتعبّدُ
فاسمع حديث جماله عن مُسنِدٍ
…
حسُنتْ روايتُه وصح المسند
(4)
في كل شأنٍ لاح سِرّ جلاله
(5)
…
من طلعةٍ أحديّةٍ تتوحّدُ
لا يحجبنّكَ كاسُه عن أُنْسِه
…
فهو الرَّوِي
(6)
والمرتوِي والموردُ
(7)
وله أشياء أُخر غير ذلك.
وكان بشوشًا، حسن المحاضرة والمذاكرة، فكِهًا، مطبوعًا، ذا حُسن هيئة وتُؤدة.
توفي في يوم الخميس ثاني عشرين رجب. واللَّه يسمح لنا وله.
(ترجمة البُصرَوي)
(8)
355 -
محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن عبد العزيز
(9)
بن عمر بن عامر بن خضر بن هلال بن علي بن محمد القدسي، البُصرَوي
(10)
، الدمشقي، الشافعي.
(1)
البلاذُر: بالهندية وبالرومية: إنقرذيا. ومعناه: الشبيه بالقلب. وهو ثمرة شجرة، لونه إلى السواد على لون القلب، وفي داخله شيء شبيه بالدم، وهو المستعمل منه، جيد لفساد الذهن وجميع الأعراض الحادثة في الدماغ. انظر: المعتَمَد في الأدوية المُفرَدة 1/ 31، 32.
(2)
في الأصل: "نظرته".
(3)
في الأصل: بياض، وما أثبتناه من: عنوان الزمان.
(4)
في الأصل: "اسند".
(5)
في عنوان الزمان: "جماله".
(6)
في الأصل: "الروا".
(7)
الأبيات في عنوان الزمان 5/ 132.
(8)
العنوان من الهامش.
(9)
في نيل الأمل 6/ 267 "عبد الله".
(10)
انظر عن (البصروي) في: عنوان العنوان، رقم 637، والضوء اللامع 7/ 295 - 297 رقم=
الشيخ العالم، الفاضل، شمس الدين ابن
(1)
القاضي زين الدين، أحد الفُضلاء والعلماء الأعيان بالشام.
ولد في المحرّم سنة أربع وتسعين وسبعمائة.
ونشأ ذكيًّا، فحفظ القرآن العظيم، ثم (. . .)
(2)
الفقه والأصول، و"ألفيّة ابن مالك "، ثم اشتغل فأخذ عن جماعة، منهم: العلاء القابوني (. . . .)
(3)
العلاء ابن
(4)
قاضي أذرِعات، ولازم البرهان ابن خطيب عذراء
(5)
فقيه الشام، وأذِن له، وكان يعجبه، وأفتى في حياته، ودرّس، وسمع الحديث بقراءة نفسه على الجمال ابن
(6)
الشرائحي، وحفظ "مختصر ابن
(7)
الحاجب الأصلي" في حالة كِبَره، وشُهر وذُكر حتى صار المشار إليه والمعوَّل في دمشق عليه، وشُهر بحفظ "مسائل الرافعي"، وطار صيته في ذلك، وقُصد في كثير من المهمّات.
وله نظم، فمنه:
قومي قريش هم المعروف شانهم
…
وفضلهم قد أتى في أفضل الكُتُبِ
لا يُستطاع مجاراةُ مكارمهم
…
ولا لحاقهم في الفضل والنَسَبِ
فكيف ينظر فضلي من له نظرٌ
…
أم كيف ما أُبدي من الأدبِ
ولم يزل وجيهًا مقصدًا في المهمّات بدمشق حتى توفي بها بمنزله من خط العنّابة في أواخر هذه السنة، وكانت جنازته حافلة، وكثر التأسّف عليه.
(ترجمة المحبّ ابن
(8)
القطّان)
(9)
356 -
محمد بن محمد بن علي بن محمد بن عيسى بن محمد الكِناني، العسقلاني الأصل، القاهري، الشافعي.
الأديب، محبّ الدين، أبو الوفاء، المعروف بابن القطّان
(10)
.
= 763، وتاريخ البُصروي 27 في وفيات سنة 873 هـ.، ونيل الأمل 6/ 267، 268 رقم 2681، وحوادث الزمان 1/ 178 رقم 230، وهدية العارفين 2/ 204، ومعجم المؤلفين 1/ 146، 147.
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
كلمة ممسوحة.
(3)
كلمتان ممسوحتان.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
عذراء: قرية بغوطة دمشق من إقليم خولان معروفة، وإليها يُنسب مرج. (معجم البلدان 4/ 91).
(6)
في الأصل: "بن".
(7)
في الأصل: "بن".
(8)
في الأصل: "بن".
(9)
العنوان من الهامش.
(10)
انظر عن (ابن القطان) في: الضوء اللامع 9/ 160 رقم 401 وفيه وقع أن وفاته سنة 881 هـ.=
ولد سنة ثمانمائة تقريبًا.
ونشأ ذكيًّا، وقرأ القرآن العظيم، واشتغل وتعانى الأدب، وكان بارعًا فيه، فاضلًا، عارفًا.
وهو أخو القاضي بهاء الدين.
توفي- أعني المحبّ هذا- في يوم الخميس ثاني عشر شهر رمضان.
(ترجمة التقيّ ابن
(1)
فهد)
(2)
357 -
محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله (بن محمد بن عبد الله)
(3)
بن فهد بن سعد بن هاشم بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن القاسم بن عبد الله بن جعفر بن محمد بن علي بن أبى طالب الهاشمي، العلوي، الأصفوني، المكي، الشافعي.
الإمام العالم، الفاضل، البارع، الكامل، المُسنِد، المحدّث، تقيّ الدين، أبو الفضل، المعروف بابن فهد
(4)
، وهو المذكور في جدوده.
ولد بأصفون الجبلين
(5)
من صعيد مصر الأعلى في يوم الثلاثاء خامس ربيع الأول سنة سبع وثمانين وسبعمائة.
= وهو خطأ، ووجيز الكلام 2/ 785، 786 رقم 1807، والذيل التام 2/ 203، ونيل الأمل 6/ 263 رقم 2678.
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
في نيل الأمل: "بن عبد الله بن محمد بن عبد الله".
(4)
انظر عن (التقيّ ابن فهد) في: معجم شيوخ ابن فهد 280 - 284، والنجوم الزاهرة 16/ 352، 353، والضوء اللامع 9/ 281 - 283 رقم 827، ووجيز الكلام 2/ 784 رقم 1803، والذيل التام 2/ 201، 202، ونظم العقيان 170، 171 رقم 185، ونيل الأمل 6/ 252، 253 رقم 2665، وحوادث الزمان 1/ 177 رقم 226، وبدائع الزهور 2/ 444، والبدر الطالع 2/ 259، وديوان الإسلام 3/ 340، 341 رقم 1635، وكشف الظنون 1987، وإيضاح المكنون 1/ 8 و 220 و 269، وهدية العارفين 2/ 205، ودائرة المعارف الإسلامية 3/ 783، وملحق تاريخ الأدب العربي 2/ 225 و 3/ 267، والإعلان بالتوبيخ 515 و 530 و 532 (ملحق بكتاب: علم التأريخ عند المسلمين)، وتاريخ الأدب العربي 2/ 178، والأعلام 7/ 48، ومعجم المؤلفين 11/ 291، ونوادر المخطوطات العربية 144، والتاريخ العربي والمؤرخون 4/ 408، 409 رقم 6، ومختارات من المخطوطات العربية النادرة في مكتبات تركيا 124، 125 رقم 183، وفهرس المخطوطات المصوّرة بمعهد المخطوطات العربية (التاريخ) 2/ 290 رقم 1822.
(5)
أصفون الجبلين: من صعيد مصر الأعلى بالقرب من إسنا.
وكان والده من مكة المشرّفة وتوجّه منها لبلاد الصعيد لمآثر خلّفها جدّه لأمّه سيدي الولي العارف باللَّه تعالى، الشيخ العلّامة نجم الدين، عبد الرحيم الأصولي، الإمام، المشهور، الذي كان قد اختصر "الروضة"، ولما دخل بلاد الصعيد واتفق أن تزوّج بها بوالدة صاحب الترجمة ابنة عمّ جدّه المذكور، وكانت تسمَّى فاطمة بنت محمد بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم القرشي المخزومي، فولدت له بهاء الدين هذا هناك بأصفون الجبلين، وهي بقرب إسنا، ثم نقله والده منها إلى مكة المشرّفة من جهة القُصَير في البحر الملح، فنشأ بمكة.
وقال بعض المؤرّخين: وكانوا -يعني بني فهد- ينتسبون إلى عُتبة بن أبى لهب أولًا، ثم أخرجوا لأنفسهم هذا النسب بعد ذلك.
قال: وقد طعن في كثير من أهل العلم ممن له خبرة بالأنساب. هذا ما قاله، واللَّه أعلم.
حفظ التقيّ هذا القرآن العظيم بمكة، ثم "العمدة" و"التنبيه" و"ألفيّة العراقي" و"ألفيّة ابن مالك"، وعرض على جماعة من علماء ذلك العصر، ثم اشتغل وطلب الحديث بنفسه واعتنى به كثيرًا، وسمع الكثير، وأجيز من جماعة، وصار مُسند الحجاز بل ومحدّثه. وشُهر وذُكر، وبعُد صيته.
توفي بمكة في يوم السبت سابع ربيع الأول.
358 -
• وترك ولده محمد، ويُدعى أحمد أيضًا، ولد بمكة في ليلة الجمعة سلْخ جمادى الآخرة سنة اثنتي عشرة
(1)
وثمانمائة.
359 -
محمد بن محمد بن محمود العجمي، المراغي
(2)
الأصل، البخاري، ثم الدمشقي، الحنفي.
الشيخ الإمام، والحَبْر الهُمام، العالم العلّامة، الرَحلة الفهّامة، شمس الدين، شارح "دُرَر البحار" المعروف بمحمد بن الشيخ، شيخ البخاري أيضًا.
كان علّامة زمانه من أفراد العلماء المشاهير أهل الفضل والعلم (. . .)
(3)
(1)
في الأصل: "اثني عشر".
(2)
انظر عن (المراغي) في: الضوء اللامع 10/ 20 رقم 58، ونيل الأمل 6/ 248 رقم 2662، وكشف الظنون 746 و 1252، وهدية العارفين 2/ 196، وديوان الإسلام 1/ 262 رقم 404، ومعجم المؤلفين 11/ 299.
(3)
كلمة ممسوحة.
والدين والخير، وله التصانيف المفيدة في الفنون، منها "دُرر البحار" وغير ذلك من فنون العلم. وكان له يد في ذلك وفي الأصلين النحو والمعاني والبيان والعَرُوض والفقه، وغير ذلك.
وطن دمشق مدّة بعد أن تنقّل في عدّة بلاد، وأفتى ودرّس، شُهر (وذُكر، مع العلم والدين المتين، والخير. وانتفع به الطلبة، ولم يُداخل بني الدنيا، ودام على (. . . .)
(1)
من الديانة والخير (. . . .)
(2)
.
توفي في مستهلّ المحرّم يوم الأربعاء، وجُهّز (. . .)
(3)
وكانت جنازته حافلة، ودُفن بمقبرة باب الصغير، رحمه الله تعالى)
(4)
.
360 -
محمد
(5)
بن محمد المغربي، الفاسي، التونسي، (المالكي)
(6)
.
السيد الشريف، المتطبّب، المعروف بالفاسي
(7)
.
كان أحد فُضلاء الأطبّاء وأهل العلم.
وولد بفاس بعد العشر وثمانمائة.
واشتغل وتعانى الطب ففضل فيه، لا سيما علمًا، وقدم تونس فقطنها وتعانى العلاج، لكنه كان قليل الدُربة فيه، وله خبرة بالعلم تامّة.
صحِبتُه بتونس، وأخذت عنه الكثير من علم الطب.
وتوفي بتونس في هذه السنة فيما بلغني بالطاعون.
وكان إنسانًا حسنًا، خيّرًا، ديِّنًا
(8)
، حسن السمت والهيئة والشكالة، ذا تُؤدة وفكاهة محاضرة
(9)
.
361 -
مريم ابنة (عبد الرحمن المسنِدة أم هاني.
تقدّمت بمرتبة الألف من هذه السنة)
(10)
.
(1)
كلمتان ممسوحتان.
(2)
كلمتان ممسوحتان.
(3)
كلمة مطموسة.
(4)
ما بين القوسين من الهامش.
(5)
قبل هذا يوجد نقص صفحة كاملة (142 ب).
(6)
كتبت فوق السطر.
(7)
انظر عن (الفاسي) في: نيل الأمل 6/ 268 رقم 2682.
(8)
بجانبها ترجمة من نيّف وستة أسطر كتبت على الهامش الأيمن بعرض الصفحة، وقد مُسح أكثرها ولم يظهر منها سوى اسم صاحبها "محمد المعروف بأبيه، ولد سنة 779".
(9)
كتب على الهامش بجانبها: ". . . البخاري هو محمد بن محمود بن المراغي الماضي قبل محمد بن محمد المغربي، وقد عرفته، فلا نعيده".
(10)
ما بين القوسين عن الهامش، وترجمة مريم تقدّمت في وفيات هذه السنة باسم "أم هاني".
362 -
يحيى بن محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن مخلوف بن عبد السلام المُناوي
(1)
، القاهري، الشافعي.
الشيخ الإمام، والحَبْر الهُمام، شيخ الإسلام، شرف الدين بن سعد الدين. ويقال: قُطب الدين أيضًا. قاضي القضاة الشافعية بالديار المصرية، ونسبته لمنية بني خصيب بالوجه القِبلي. وقد توهّم بعضهم بأنه قبطيّ الأصل، وإنّما نشأ له هذا الوهم من لقب أبيه، وهو سعد الدين، وهذا وهْم فاحش، وإنّما لُقِّب والده بسعد الدين لأنه وُلّي بعض مباشرات شيء من الأعمال بالوجه القِبلي، فصاروا يخاطبونه بهذا اللقب على ما اعتادوه في تلك البلاد. وكان لقبه قطب الدين على عادتهم في ألقاب الفقهاء خاصة. وقد صرّح العراقي
(2)
في رحلته بما قلناه وعنه نقلناه.
وُلد الشرف قاضي القضاة صاحب الترجمة بالقاهرة في العشر الأول من ذي الحجة سنة ثمانٍ وتسعين وسبعمائة.
وبها نشأ، فحفظ القرآن العظيم، وعدّة متون في عدّة فنون من العلوم، واشتغل بالعلم بذكاء تام وفَهم ويقظة، واستجاز جماعة منهم: الشمس البَرَمَاوي، والشمس القرافي، والمجد البَرَمَاوي (. . .)
(3)
العناية، ولازمه كثيرًا وانتفع به.
ومن مشايخه في العربية: الشمس الشطّنوفي. وأخذ أيضًا عن ناصر الدين البارنباري، والكمال بن الهُمام، والعماد بن شرف، وغيرهم من أهل العلم. وسمع الحديث على الشرف بن الكُوَيك، والولي العراقي، وأسمعه كثيرًا، وأخذ في التصوّف عن الأدكاوي، بل وتسفك به وبالطباطبي، وجالس الحفّاظ، ودأب وجدّ واجتهد وحصّل، إلى أن تميّز وشُهر بالفضيلة، وأفتى ودرّس، وجلس لنفع
(1)
انظر عن (ابن مخلوف المُناوي) في: النجوم الزاهرة 16/ 353، 354، وعنوان العنوان، رقم 851، والضوء اللامع 10/ 254 - 257 رقم 1033، ووجيز الكلام 2/ 783، 784 رقم 1802، والذيل التام 2/ 200، 201، وذيل رفع الإصر 440 - 469، وحُسن المحاضرة 1/ 445، والمنجم في المعجم 237، 238 رقم 190، ونيل الأمل 6/ 256 رقم 2668، وحوادث الزمان 1/ 177 رقم 227، وكشف الظنون 1635، وهدية العارفين 2/ 528، وشذرات الذهب 7/ 312، ومعجم المؤلفين 14/ 227، 228، 48/ 51، 11/ G 2 Brockelmann 85.
(2)
هو وليّ الدين أبو زُرعة أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين المعروف بابن العراقي. توفي سنة 826 هـ. له: الذيل على العِبَرفي خبر من غبر. ومن شيوخه المناوي هذا صاحب الترجمة. انظر: الذيل على العبر 1/ 23 و 27 رقم 15.
(3)
كلمة ممسوحة.
الطلبة والأخذ عنه، وانتفع به جمع جمّ، واجتمعوا عليه. وأخذ عنه الفضلاء من سائر المذاهب، ووُلّي عدّة تداريس جليلة، منها تدريس الصلاحية بالشافعي، رضي الله عنه، ثم عُيّن في القضاء الأكبر عن العَلم البُلقيني على ما تقدّم ذلك في محله، ثم تكرّرت ولايته القضاء، وباشره بحُرمةٍ وافرة وعفّة ونزاهة نفْس، وحُمدت سيرته فيه، وشُكرت أياديه، وحصل به النفع التام للخاص والعام، وأنهى
(1)
الكثير من القضايا المهمّة، وقام بأشياء كثيرة، وانتهت إليه رياسة الشافعية بأخرة، وألّف وصنّف. وله نظم، فمنه قوله لما عُزل عن القضاء وتسلّط عليه البعض بالأذى، وأنشدته عنه:
إلى الله أشكو محنةً أشغلت بالي
…
فمن هو لهارِيع اصطباري عدا بالي
وما لى مأمولٌ سوى سيّدِ الورى
…
فإنّي بذاك الجاه علقتْ آمالي
وهي طويلة، ومنها قوله:
أيا سيّدًا لا زال طول حياته
…
إذا سألوه لا يردّ له سالي
(2)
لقد ضاق ذَرْعي من أمورٍ كثيرة
…
وأنت ملاذي في تغيّرِ أحوالي
وإن كنتُ يا مولاي عبدًا مقصّرًا
…
فحِلمُكَ يا مولاي أعلى وأَوْلَى لى
عليك صلاةُ الله ما هبَّتِ الصَّبا
…
وما سال دمعُ الخوف أو ماسَلا
(3)
سالي
ولم يزل على خير ودين ونفْع وسخاء، وكرم مفرِط، وجود وأفضالى وبرّ ومعروف، وصدقات وصِلات، مع عفّة زائدة، ونزاهة نفْس، وسعة فضل، ومروءة وسلامة فطرة وباطن إلى الغاية، حتى توفّي في ليلة الإثنين ثاني عشر جمادى الآخرة.
ووهِمَ من قال: كان في ليلة الثلاثاء.
وجُهّز وكُفّن، وأُخرجت جنازته وكانت حافلة، فأُحضِرت إلى مصلَّى سبيل المؤمني، ونزل السلطان فحضر الصلاة عليه، وما انقطع غير يومين، وكان أجَلُه، ورثاه جماعة، منهم تلميذه الحافظ جلال السيد السيوطي الماضي ذِكره، وقد أنشدني رثاءً لنفسه وهو قوله:
قلت لما مات شيخ العصر حقًّا باتفاقِ
حين صار الأمر ما بين جهولٍ وفسّاقِ
أيّها الدنيا لكِ الويلُ إلى يوم التلاقِ
(1)
في الأصل: "وانها".
(2)
هنا في آخر الصفحة من أسفل على اليمين حاشية مُسح أكثرها من 7 أسطر.
(3)
في الأصل: "سلى".
وكنت حين وفاته غائبًا بالمغرب، وقدمت القاهرة في شوال من سنة وفاته هذه، فعزَّت عليّ وفاته حين بلغني ذلك يوم دخولي إلى الإسكندرية، فنظمت في رثائه
(1)
ارتجالًا هذه الأبيات عقيب سفري وتعبي بلا عذر وهي هذه:
مات المناوي الشرف
…
فات المُنَى
(2)
والشرف
نوحوا على فقْدِهِ
…
وابكوا بدمعٍ ذرِف
فهو الإمام الذي
…
كلٌّ له اعترف
والبحر حاوي العُلَى
(3)
…
فالفضْلُ منه اغترف
والدُّرُّ من علمهِ
…
أهداه لا عن صدف
والشمسُ وقت الضحى
…
والبدرُ تحت السُدَف
قاضي قضاة الوَرَى
…
غيث العَطا والطُرَف
والجود ثم السخا
…
واللُطْف ثم الظرف
رحمة يا خالقي
…
واتحفْه منك التُحَف
وسُقْ شُربًا له
…
طول المدى والسلف
بوابلٍ هاطلٍ
…
يذرف فوق الذرف
برحمةٍ مع رِضًى
…
وارفعه أعلى الغُرَف
كان رحمه الله تعالى مع دينه وخيره وصلاحه وكثرة عباداته يحبّ منصب القضاء جدًا.
وله من الآثار: الجامع الذي أنشأه بجزيرة أَروَى المعروفة بالوسطى إلى جانب داره التي أنشأها هناك، وتقام به الجمعة، وبه النفع في محلّه.
363 -
وصيف الرومي
(4)
الحنفي.
كان من طلبة العلم، وأسره الفرنج في بعض المراكب، وبقي في أسر العدوّ مدّة سنين، ثم هرب، فخرج بالمغرب بواهران، واجتمعت به هناك فلازمني من شهور، وأخذ علي شيئًا في الطب والفقه، ثم توجّه لبلاد المغرب الداخلة فاس ونواحيها، فاتفق أن بَغَتَه أجله بها.
وكان إنسانًا حسنًا، حشمًا، خيّرًا، ديّنًا، ساكنًا، ليس بخالٍ من الفضيلة.
توفي في حدود هذه السنة، وله نحو الأربعين من السنّ.
(1)
في الأصل: "رثاه".
(2)
في الأصل: "المنا".
(3)
في الأصل: "العلا".
(4)
انفرد المؤلّف رحمه الله بترجمته.
سنة اثنتين
(1)
وسبعين وثمانمائة
الخليفة والسلطان والقضاة والأمراء
استهلّت هذه السنة وجميع من ذكرناه في التي قبلها من الخليفة والسلطان، وغالب ملوك الإسلام والنوّاب والأمراء والقضاة والحكّام على ما هم عليه في الخالية، لم تبلغنا وفاة عن أحدٍ منهم ولا تغيّر
(2)
شرقًا وغربًا.
ما عدا قاضي القضاة الشافعية بمصر، فإنه في هذه السنة الولي السيوطي، وُلّيه عن البدر أبى السعادات البُلقيني، وكان قد وُلّيه البدر ولم تطُل به مدَّته على ما تقدّم ذلك.
وما عدا قاضي القضاة الحنفية بمصر أيضًا، فإنه في هذه السنة المحبّ ابن
(3)
الشِحنة، وُلّيه عن البرهان ابن الدَيري على ما عرفت ذلك في ما تقدّم.
وما عدا الأمير الكبير أتابك العساكر، فإنه في هذه السنة الأمير يَلَباي الإينالي المؤيَّدي، وُلّيها بعد موت قانَم التاجر، على ما مرّ ذلك.
وما عدا نائب الشام، فإنه في هذه السنة بُردُبَك الظاهري المعروف بالبَجْمَقْدار، وُلّيها بعد وفاة برسْباي البجاسي، نقلًا إليها من نيابة حلب.
وما عدا نائب حلب، فإنه في هذه السنة يشبُك البجاسي، نُقل إليها من نيابة حماة، عوضًا عن بُردُبك المنتقل لنيابة الشام.
وما عدا نائب حماة في هذه السنة تَنَم الحَسَني الأشرفي، الرأس نوبة الثاني بمصر، كان نُقل إليها من هذه الوظيفة، عِوضًا عن يشبُك.
وما عدا الأمير اخور الكبير، فإنه في هذه السنة الشهاب أحمد بن العَيني، وُلّيها عِوضًا عن يَلَباي.
وما عدا ناظر الجيش، فإنه في هذه السنة الكمال ابن
(4)
كاتب جَكَم، وُلّيها
(1)
في الأصل: "اثنين".
(2)
في الأصل: "تغيرًا".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الأصل: "بن".
عن التاج ابن المقْسي، مع إبقاء نظر الخاص مع التاج المذكور، والكمال بذا باقٍ على هذه الوظيفة من ذلك التاريخ إلى يومنا هذا.
وما عدا الأستادّار، فإنه في هذه السنة الشرف ابن كاتب غريب.
وقد عرفت كيفية هذه التنقلات في المتجدّدات.
ذِكر نُبَذٍ
(1)
من المتجدّدات اليومية
في هذه السنة القمرية
كان أول هذه السنة بالأحد، ووافق ذلك تاسع مِسرَى من شهور القِبط، وثاني آب من شهور الروم، وثاني أُغُسْت من شهور الفُرس.
[شهر المحرّم]
[التهنئة بالعام والشهر]
ففيها، في هذا اليوم، وهو مستهلّ محرّم طلع القضاة إلى القلعة وهنّأوا
(2)
السلطان بالعام والشهر، وكان هذا آخر عام هُنّيء به هذا السلطان، فإنه مات بعد ذلك في أثنائها كما سنذكره.
(نزول السلطان لكسر البحر)
(3)
وفيه، في يوم الجمعة، سادسه، كان الوفاء للنيل المبارك، وأُعلم السلطان به، فتهيّا لنزوله لكسره (. . . .)
(4)
في يوم السبت ركب السلطان ونزل في موكب هائل بأُبّهة السلطنة وموكبها، فعدّى النيل للروضة، وخلّق المقياس على العادة، ثم عاد إلى السدّ وفتح الخليج فحصره كما هي عادته قبل ذلك، وألبس الأمراء الخِلَع، وصعد القلعة، وجلس الناس لرؤيته ذهابًا وإيابًا، وكنت أنا في ذلك اليوم بمصر العتيق
(5)
ببعض الرفاق في (. . . .)
(6)
. واتفق أنه لما ركب الجياد وأخذوا
(7)
في السير به كسر عَلَم من أعلام (. . .)
(8)
المذكورة، فتشاءم الناس بذلك ولجّوا بزوال ملكه، وتحقّق ذلك بعد قليل، فكانت هذه الركبة آخر
(1)
في الأصل: "نبذًا".
(2)
في الأصل: "وهنوا".
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
كلمتان ممسوحتان.
(5)
هكذا في الأصل.
(6)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(7)
الصواب لُغويًا: "لما ركب الجياد وأخذت".
(8)
كلمة ممسوحة.
ركباته لكسر البحر، بل لم يركب بعدها، فيُقال إنه (. . .)
(1)
من يومه ذلك، حتى قيل بأنه سُمّ بالسماط الذي صُنع بالمقياس. وقيل: بل قَرف من الماء الذي أُخرج إليه من بركة المقياس في الطاسة كما هو العادة، فإنه لما شربَه معطّرًا كثيرًا سمّرت طبيعته منه، فكان ذلك سببًا لحركة مرض كان يعتريه، وهو الإسهال والزحير، حتى كان من أمره ومرضه وموته ما سنذكره في متجدّدات ربيع الأول
(2)
.
(ورود الخبر بمشي شاه سوار وتعيين العساكر إليه)
(3)
وفيه في يوم الخميس، ثاني عشره، ورد الخبر من يشبُك البجاسي نائب حلب على يد قاصد، بأن شاه سوار بن دُلغادر قَصَد المشْي على البلاد الحلبية بعد أن أخذ الأبُلُستَين وغيرها من تلك البلاد، فأمر السلطان في يوم ورود هذا الخبر عليه (بأن يكتب)
(4)
إلى نواب البلاد الشمالية بأن يخرجوا بعساكرهم إلى جهة البلاد الحلبية لمعاونة نائب حلب، وأن يتأهّبوا ويحتفظوا على البلاد وعلى حلب من حصول أمرٍ من الأمور، وهذا أول جيش عيّن لشاه سوار، وأول فتنة ثارت بين المصريّين وبينه، وكان من أمره بعد ذلك ما سنذكره
(5)
.
[تجيهز أمراء للتوجّه إلى البلاد الحلبية]
وفيه أيضًا عيّن السلطان الأتابك يَلَباي، وقرقماس الجَلَب أمير سلاح، وتمربُغا أمير مجلس، وقانِبك المحمودي، ومُغُلْباي طاز المؤيَّدي، وهما من مقدَّمي الألوف، بأن يتجهّزوا ويكونوا على أُهبة، ليخرجوا إلى جهة البلاد الحلبية إن ألجأت الضرورة إلى خروجهم، لأجل قتال شاه سوار، وذكر أنه سيعيّن جماعة أُخَر من الأمراء ما بين طبلخاناه وعشرات كثيرين، وأنه تعيّن من الجند السلطاني نحو الألف
(6)
.
(1)
كلمة ممسوحة.
(2)
نجبر نزول السلطان في: النجوم الزاهرة 16/ 300، ونيل الأمل 6/ 272، وبدائع الزهور 2/ 450، 451.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
ما بين القوسين عن الهامش.
(5)
خبر مشي شاه سوار في: النجوم الزاهرة 16/ 300، وتاريخ الأمير يشبك الظاهري 31، ونيل الأمل 6/ 273، وبدائع الزهور 2/ 451.
(6)
خبر تجهيز الأمراء في المصادر السابقة.
[توعّك السلطان]
وفيه حصل للسلطان الوعك الذي ظهر بعض ظهور، وكان بدأ ظهوره لبعض الناس من يوم عاشوراء، وهو يخفيه، بل كان في الحقيقة بدايته من يوم طلوعه من كسر البحر، وهو المرض الذي مات به كما سنذكره
(1)
.
[الإشاعة بعزل يشبُك عن نيابة حلب]
وفيه أيضًا أشيع بعزل يشبُك البجاسي عن نيابة حلب، وأن السلطان قد عيّن لها مُغُلْباي طاز، وكثُرت هذه الإشاعة بحيث كادت أن تبلغ التواتر، وفشت بين الناس ولهجوا بها، وما كان شيء
(2)
من ذلك بعد ذلك، ولا عرفنا ما الموجب لهذه الإشاعة وما أصل ذلك.
(رود الخبر بأخذ العرب إقامة الحاج
. . . .)
(3)
وفيه في يوم الخميس، تاسع عشره، وردت الأخبار من جهة العقبة، بأن عرب بني عُقبة ثاروا بمن خرج لملاقاة الحاج ونهبو ما توجّهوا به من الإقامة لهم، وأن الفاعل لذلك شيخ العربان المذكورة، المسمَّى بمبارك، لا بارك الله تعالى فيه، وأن الإقامة قد أُخِذت عن آخرها، وقتل ممن كان معها جماعة، ومنهم جار قُطْلُو السيفي دولات باي أحد الأميراخورية الصغار الذي جرت العادة بتوجّهه في مثل ذلك، وحين بلغ السلطان هذا تأثّر منه غاية التأثّر، وزاد وعكه، وحصل عند الناس أيضًا بهذا الخبر غاية ما يكون من الفكر والتشويش. وأخبر ما وقع من أخْذ الإقامة أيضًا بحال الحاج إصدارًا بيّنًا بالغًا، وأشرف غالبهم على الهلاك، وأفحش
(4)
ذلك بحالهم، ووقع الغلاء بسبب ذلك بالعقبة
(5)
.
[وصول الحاج الرجبي]
وفيه، في يوم الجمعة، عشرينه، وصل الحاج الرجبي صحبة الزين ابن
(6)
مزهر كاتب السرّ، وكان هو عظيم هذا الركب.
(1)
خبر مرض السلطان في: نيل الأمل 6/ 274.
(2)
في الأصل: "شيئًا".
(3)
العنوان من الهامش وقد مُسِح منه نحو ثلاث كلمات.
(4)
في الأصل: "اححس".
(5)
خبر أخذ العرب في: وجيز الكلام 2/ 790، ونيل الأمل 6/ 273.
(6)
في الأصل: "بن".
ووصل أيضًا أمير الركب الأول سيباي الظاهري، وذكر الحاج بأنهم قاسوا من الشدائد لعدم وجودهم الإقامة ما لا مزيد عليه ما بين جوع وغير ذلك حصل على الناس لا سيما من عدم الميرة وقلّة الظهر
(1)
.
[وصول أمير الحاج نانق بالمحمل]
وفيه، في يوم السبت، وصل نانق أمير الحاج بالمحمل، وتكامل دخول الحاج، وهم أيضًا في غاية النكد، بسبب ما حصل من نهب الإقامة المؤذنة إلى المشقّة التي حصلت.
وبلَغَنَا الخبر بأن الوالد توجّه إلى المدينة المشرّفة، فظنّنا أنه اختارها للإقامة بها، أو أنه يزور، ثم بعد ذلك يعود إلى مكة في أثناء السنة، ونويت أنني أسافر إليه في البحر، ثم بعد أيام قلائل بلغني بأنه توجّه من المدينة مع الركب العراقي إلى العراق، وكان الركب العراقي قد حضر للحج في هذه السنة مع أمير لهم يقال له عبد الحق بن الجُنَيد، الماضي خبره فيما ذكرناه مما يتعلّق بالوالد رحمه الله، وكان للركب العراقي مدّة طويلة لم يحضر. ولما بلغنا ذلك حصل عندي من التشويش والنكد ما لا مزيد عليه.
(تعيين التجريدة لبني عُقبة)
(2)
وفيه، في يوم الإثنين، ثالث عشرينه، عيّن السلطان تجريدة تخرج لقتال مبارك شيخ بني عُقبة الماضي خبر نهبه لإقامة الحاج، وعيّن أُزبَك رأس نوبة النُوَب الذي هو الآن أتابك عصرنا الذي نحن به، وعيّن جانبك قلقسيز حاجب الحجّاب أيضًا معه، وعيّن من العشرات دَولات الأبوبكري المؤيَّدي، وقطْلوباي الأشرفي، وتنِبك الأشرفي، وتغري بردي الطيّاري، وعدّة من الجند السلطاني
(3)
.
[الأمر بتجهيز أمراء آخرين]
وفيه خرجت الأوامر السلطانية على يد نجّاب إلى بلاط وكان نائب الكَرَك إذ ذاك، وإلى إينال الأشقر نائب غزّة بأن يتجهّزا ويسرعا بالمسير بمجموعهما إلى جهة العسكر المُقَرّين المعَّينين لقتال بني عُقبة، وأن يوافيانه بعَقَبَة أيلا، ويتعاضد
(1)
خبر وصول الحاج في: النجوم الزاهرة 16/ 301، ونيل الأمل 6/ 273، وبدائع الزهور 2/ 451 و 453.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
خبر تعيين التجريدة في: النجوم الزاهرة 16/ 301، ونيل الأمل 6/ 273، 274.
الجميع على قتال بني عُقبة ويجدّوا في استئصالهم. وحُرضوا في الأوامر على ذلك غاية التحريض
(1)
.
[ظهور آثار الوعك على السلطان]
وفيه، في هذه الأيام، ظهرت آثار الوعك على السلطان وهو في شدّة من الإسهال، لكنّه لم ينقطع عن العادة بالجلوس مع إظهار التصبّر والجلادة والاحتمال، ويوري بمرضه حتى كان منه ما سنذكره
(2)
.
[سفر التلمساني إلى دمشق]
وفيه سافر الشهاب التِلِمْساني إلى دمشق، وكان سفره في أواخره.
[شهر صفر]
وفيها استهلّ صفر بالثلاثاء وهُنّيء به السلطان من قضاة القضاة وممن له عادة بالطلوع إلى القلعة للتهنئة، والوعك ظاهر على وجه السلطان لكنّه يتجلّد.
[خروج أُزْبَك من ططخ مطلِّبًا لقتال بني عُقبة]
وفيه، أعني صفر هذا في يوم الإثنين، سابعه، خرج أُزْبَك من طَطَخ، رأس نَوبة النُوَب مطلّبًا هو ومن عُيّن معه لقتال بني عُقبة، وعمل السلطان الموكب بالقصر، وجلس به بالشبّاك الأعظم المُطِلّ على الرُمَيلة لينظر خروج العسكر، كل ذلك وهو في غاية ما يكون من الوعك، مع إظهار الصبر والجلادة والتكلّف في ذلك، وكان هذا الموكب آخر موكب عمله بالقصر.
[الإشاعة بموت السلطان]
وفيه، في يوم الخميس عاشره، أُرجف بالقاهرة بموت السلطان، وأُشيع ذلك على ألْسِنة بعض القوم إشاعة ليست بالناشية حتى بلغت السلطان.
(شهود السلطان الجمعة وهو مريض)
(3)
وفيه، في يوم الجمعة، حادي عشره، خرج السلطان لحضور صلاة الجمعة، وهو موعوك، لكنه لما بلغه ذلك الخبر أنِف عن الاحتجاب وعدم الخروج بتجشّم
(1)
خبر الأمر بالتجهيز في المصادر السابقة.
(2)
خبر ظهور آثار الوعك في: نيل الأمل 6/ 274.
(3)
العنوان من الهامش.
المشقّة الزائدة، وخرج بعد أن تقدّم أمره للوليّ السيوطي بأن يشرع في خطبته، ويخفّف الصلاة خوفًا من الإسهال. ثم خرج فرتّب العساكر، وأنزل الحريم بقماش الموكب، وهو ماشٍ على قدميه من غير استناد لأحدٍ من الجند، وهو يُظهر غاية الجلادة. وصلّى الًجمعة وسُنَنَها ونوافلها وهو قائم، لكن في غاية (. . .)
(1)
وتغيُّر اللون على ما كان عليه أولًا، فإنه كان في حال صحته تعلوه صُفرة خفيفة بجبلّته الأصليّة، ثم فرغ من الصلاة بجميع تعلّقاتها في أقلّ من أربع دَرَج، وخفّف القاضي غاية الخفّة، وأسرع في الخطبة والصلاة، ثم عاد السلطان من الصلاة
(2)
، وخرج من الجامع الناصري قاصدًا الحريم، فأخذه في أثناء ذلك لسقوط القوة من الحركة، وسقط مَغْشيًّا عليه، فرشق الماء ورد والخلاف على وجهه، وأقيم فأدخل الحريم. وكانت هذه الجمعة آخر جمعة صلّاها، وهذه آخر دخلة دخلها للحريم أيضًا، ثم لم يخرج بعدها إلّا محمولًا على نعشه. ثم صارت الخدمة بعد هذا اليوم تعمل بقاعة البيسرية
(3)
داخل الحريم إلى أن كان ما سنذكره
(4)
.
(المناداة بالإغلاق)
(5)
وفيه، في يوم السبت، ثاني عشره، خرج الأمر من السلطان بأن ينادَى بشوارع القاهرة بأن أحدًا لا يخرج من داره بعد صلاة المغرب، وأن تُغلَّق الحوانيت من ذلك الوقت، وهُدّد من خالف ذلك. وكانت هذه المناداة كطنين الذباب، أو صوت الرباب، وما التفت إليها أحد ولا عمل بها، وحدس الناس من ذلك أن جُلّ الغرض بها عدم خروج الجند من دُورهم إلى منازل بعضهم البعض خوفًا من وقوع فتنة في هذه الأيام وثورانها، بل بقي السلطان خائفًا من اقتلاع السلطنة منه في حالة مرضه، متوهّمًا من زوال دنياه مع بقاء حياته غير مفكّر في الموت وهجوم المنيّة. فلا حول ولا قوّة إلّا باللَّه.
(ورود الخبر بخروج بُردُبك نائبًا إلى حلب)
(6)
وفيه، في هذه الأيام، وردت الأخبار من دمشق بأن بُردُبك نائب الشام خرج منها بعساكر الشام إلى جهة حلب، لمساعدة من بها من النواب، لما بلغهم عِظم
(1)
كلمة ممسوحة.
(2)
كتب قبلها: "السلطان" ثم شطب عليها.
(3)
كتب قبلها: "الدهيشة" ثم شطب عليها.
(4)
خبر شهود السلطان في: النجوم الزاهرة 16/ 301، 302، ونيل الأمل 6/ 274، وبدائع الزهور 2/ 422.
(5)
العنوان من الهامش.
(6)
العنوان من الهامش.
أمر شاه سوار بن دُلغادر وقوّته، وأخبر المخبر بأن خروجه منها كان في آخر المحرّم، وأنه فعل ذلك من تلقاء نفسه، خوفًا من عائدٍ يعود عليه أو عتب. ولهذا نُسِب إلى الممالأة مع شاه سوار، وجرى عليه بسبب ذلك ما جرى، على ما عسانا أن نذكره في محلّه إن شاء الله تعالى.
[خدمة السلطان بقاعة البَيسريّة]
وفيه، في يوم الإثنين، رابع عشره، عُملت الخدمة بقاعة البيسريّة من الحريم لعجز السلطان عن الخروج إلى قاعة الدُهَيشة من أجل ضعفه، وحضر الأمراء مقدّمين
(1)
الألوف وغيرهم من الأعيان وأرباب الدولة، لكن بغير ثياب الموكب. ثم قُدّمت الدّواة للسلطان للعلامة، فعلّم على دون العشرين من المراسيم والمناشير، وكان آثار الوعك وزيادة المرض ظاهرة عليه وهو متجلّد، ويقوم لمن يدخل عليه من القفماة والعلماء مع ذلك كله ولا يرم (؟) بنفسه، ومَلَك الموت جاثم حول حِماه، وقد قرُب حِمامه.
(انقطاع السلطان عن الجمعة)
(2)
وفيه، في يوم الجمعة، ثامن عشره، انقطع السلطان عن صلاة الجمعة فلم يشهدها، وصلّى الأمراء بجامع القلعة على عادتهم، لكنْ من عند حضور السلطان، ثم بعد قضاء الصلاة استأذنوا في دخولهم عليه، فأذِن لهم ودخلوا، ثم أخذوا يذكرون له أنهم استوجسوه في الصلاة، فأمر لهم بإحضار المشروب فأُحضر وشربوا، وانصرفوا إلى منازلهم. وقد أشيع بالقاهرة بأن السلطان لم يشهد الجمعة، وأن ذلك إنما هو عن أمر عظيم دهمه عن المرض، وكثُر القال والقيل بسبب ذلك.
(الإشاعة بعافية السلطان)
(3)
وفيه، في يوم الإثنين حادي عشرينه، أشيع بالقاهرة بأن السلطان عوفي وتباشر الناس بعافيته، وزاد إشاعة ذلك. وكان السبب في ذلك أنه وجد في نفسه نشاطأ في هذا اليوم وخفّة فقام ومشى عدّة خُطَى، فتباشر الناس بذلك لما بلغهم كل ذلك، وهو مستمر يعلّم على المناشير في أول النهار وآخره، لكنْ ليس كالعادة، بل بحسب ما تيسّر
(4)
.
(1)
الصواب: "من مقدَّمي".
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
خبر الإشاعة في: النجوم الزاهرة 16/ 301، 302، ونيل الأمل 6/ 274، وبدائع الزهور 2/ 452.
[الإفراج عن رئيس الطب]
وفيه، في يوم الأربعاء ثالث عشرينه أُفرج عن رئيس الطب الحكيم ()
(1)
الدين، وأُمر بالنزول إلى داره، وكان قد قُبض عليه قبل ذلك بعد أن اختشى من مرض السلطان لما رآه قد انحطّ وخاف على نفسه أن يجري عليه مثل ما جرى على العفيف، وحضر في نوبة مرض الأشرف بَرسْباي فاختفى، فدُلّ عليه، ولما قُبض عليه أُمر به فسُجن بالبرج إلى أن شفع فيه، فأطلق في هذا اليوم
(2)
.
[تخلّف السلطان عن شهود الجمعة]
وفيه، في يوم الجمعة، خامس عشرينه، لم يشهد السلطان الجمعة أيضًا لثِقله في المرض وأخْذه منه، وظهور ضعف قِواه. وحضر الأمراء فصلّوا بالجامع الناصري على عادتهم في الجمعة الماضية، ثم دخلوا إليه بالإذن، وفعل معهم مثل ما فعل في الماضية من إحضار المشروب إليهم، فشربوا وخرجوا
(3)
.
[شهر ربيع الأول]
[التهنئة بالشهر]
وفيها استهلّ ربيع الأول بالخميس، ولم تطلع القضاة إلى القلعة للتهنئة بالشهر على جاري العادة لضعف السلطان وشغله بنفسه عن مثل ذلك، وملازمته الفراش، وحصل بسبب ذلك في هذا اليوم الهرج الكثير، وكثُر القيل والقال، وزاد كلام الناس ونقص، وتوقفت الأحوال وتعطّلت الأمور في قضاء أشغال الواردين من البلاد البعيدة لقلّة العلامة على الأوامر المكتفية من ديوان الإنشاء بحوائج الناس وتعلّقاتهم، بسبب ضعف السلطان وانحطاطه في مرضه، هذا كلّه مع كثرة الهرج والمرج والفِتَن بالبلاد الشمالية، وجميع النواب نازحون عن ممالكهم من أعمالهم قد خرجوا إلى جهة البلاد الحلبية لأجل شاه سوار وقيام شرّ كثير ببلاده ما عدا جَكَمَ الأشرفي خال العزيز نائب صفد وكذا نائب غزّة فإنهما لم يخرجا، فأمّا الأول فلبعض فِتن ببلاده من العشير
(4)
. وأمّا الثاني فلذهابه لأجل نهْب وسلب شيخ
(1)
بياض في الأصل.
(2)
خبر الإفراج في: نيل الأمل 6/ 174، وبدائع الزهور 2/ 452.
(3)
نيل الأمل 6/ 275.
(4)
العشير: مصطلح من عصر المماليك يطلق على الأقلّيات من غير المسلمين السُّنّة كالشيعة والدروز والإسماعيلية الذين يسكنون في جنوب جبل لبنان وشمال فلسطين بوجه خاص.
عربان بني عُقبة على ما تقدّم بيانه، وخلت البلاد من كثير من الحكام، فكثُر بواسطة ذلك فساد المفسدين، ولا سيما لما بلغهم وعك السلطان، فاستطالوا خصوصًا والأراجيف عمّالة في كل وقت بموته، وقُطعت الطرقات على المسافرين، وعمّت الناس البلايا، وثارت الفِتَن بنواحي البلاد المصرية والأرياف قِبْليّ البلاد وبحريّها شرقًا وغربًا بُعدًا وقُربًا، وتزايدت الهموم والفِتَن والشرور بسبب طول مرض السلطان والإرجاف بموته. ثم ما كفى الناس ما هم فيه حتى وردت الأخبار من كاشف سيوط إذ ذاك ملك الأمراء بالوجه القِبلي، وهو إذ ذاك يشبُك من مهدي، أن الأمير شرف الدين يونس بن عمر الهوّاري
(1)
أمير عربان الهوّارة إذ ذاك خرج عن الطاعة، وأنه افتتن هو ويشبُك وتعاديا ووقع بينهما حرب كبير، قام فيه يشبُك المذكور على جُرجا وقُتل من العسكر السلطاني من الذي مع يشبُك طائفة كبيرة من أعيان الفرسان من المماليك وغيرهم، ورُموا ببئرٍ هناك وطمّ البئر عليهم، وكانوا نحو السبعين نفرًا أو نحوها، وأن يشبُك انهزم وولّى بعد أن جُرح بيده، بل وبوجهه، وأشرف على الهلاك. وكتب يشبُك إلى السلطان يُعلمه بذلك (. . .)
(2)
ولاية إمرة عربان هوّارة للأمير سليمان بن عيسى، عِوضًا عن ابن
(3)
عمّه يونس يبعث إليه بنجدة من العسكر السلطاني وإلّا خربت بلاد الصعيد عن آخرها، فخرج الأمر السلطاني بتعيين قجماس الإسحاقي
(4)
الظاهري بأدن يتوجّه بخلعة ابن
(5)
عمر بولايته.
وكان قجماس إذ ذاك من الخاصكية.
وقجماس هذا هو نائب الشام بعصرنا الآن، وهو عليها ليومنا هذا، فلْتَرَجمه على عادتنا في تراجم الأحياء.
(ترجمة قجماس نائب الشام)
(6)
364 -
هو من مماليك الظاهر جقمق، وصُيّر خاصكيًّا بعده، ودام على ذلك
(1)
هو يونس بن إسماعيل بن يونس بن عمر بن عبد العزيز الهواري البنداري. انظر عنه في: الضوء اللامع 10/ 341 رقم 6304.
(2)
كلمة ممسوحة.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
توفي (قجماس الإسحاقي) في سنة 892 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 6/ 213، 214 رقم 706، ووجيز الكلام 3/ 1015 و 1025 رقم 220، والذيل التام 2/ 454، وتاريخ البصروي 120، والأنس الجليل 2/ 466، ونيل الأمل 8/ 80 رقم 3436، ومفاكهة الخلّان 1/ 79، وإعلام الورى 72 - 78 رقم 70، وبدائع الزهور 3/ 243.
(5)
في الأصل:"بن".
(6)
العنوان من الهامش.
مدّة وهو لا يُلتفت إليه، ولا يُعرَّج عليه، حتى تسلطن الظاهر خُشقدم فأقطعه إقطاعًا حسنًا وعينه لبعض مهمّات، منها هذا المهمّ الذي فيه ولاية ابن
(1)
عمر، وحصل له نفع من ذلك ومال. وكان يسكن بسوق الغنم بجوار قايتباي وهو أمير إذ ذاك، وكان بينهما محبّة وصحبة وخُشداشيّة، فلما تسلطن نوّه به فأمّره عشرة فيما أظنّ، أو أُمّر في دولة الظاهر تمربُغا، وصيّره الأشرف بعد ذلك نائب الإسكندرية على إمرة طبلخاناة كما سيأتي ذلك في محلّه في سنة اثنتين
(2)
وسبعين، وكان قد بعثه في غير ما مهمّ قبل ذلك، منها لضبط تركة دوادار نائب الشام، واستقدمه السلطان من الإسكندرية فصيّره من مقدَّمين
(3)
الألوف بالقاهرة، وعاد إلى سكندرية متحدّثًا عليها، ثم استُقدم فصُيّر أميراخوارًا كبيرًا عِوضًا عن جانبك من ططخ لما نُقل إلى إمرة سلاح عِوضًا عن إينال الأشقر بحكم وفاته، وحجّ أميرًا على المحمل، وشُكر في طريقه، ووجُه وعظُم جدًا.
ثم لما جرت كائنة باينْدُر التي قُتل فيها يشبُك من مهدي وأسر جماعة، منهم: قانصوه اليحياوي الماضي ذكره، وشغرت نيابة الشام، قرّر السلطان فيها قجماس هذا، نقلًا إليها من الأميراخورية، وهي من نوادره، فخرج إليها بتجمّل زائد. وذلك في سنة ست وثمانين، كما سيأتي ذلك إن شاء الله تعالى، وهو على نيابتها ليومنا هذا.
وهو إنسان حسن، جيّد، ديّن جدًّا، كثير العبادة وقيام الليل مع مواظبة على تلاوة القرآن، ويُظهر العفّة الزائدة، والميل لأهل العلم، بل قرأ شيئًا على الصلاح الطرابلسي وغيره، لكنه جاحد الذهن، بعيد الفهم، سليم الباطن والفطرة. ذا برِّ ومعروف. وأنشأ المدرسة المعظّمة الأنيقة بخُطّ الدرب الأحمر، بالقرب من البياطرة، وجامع الماردالي، وله بها المعروف من درس وحضور، وجعل بها شيخ الحضور الشيخ ياسين
(4)
وعدّة صوفية، وشيخ الدرس السيد الشريف الونائي بعد أن كان قرّر قبله الشمس الغزّي. فلما وُلّي قضاء الحنفية بعث بصرفه عن مشيخة هذه المدرسة.
ومن آثاره التربة المعظّمة أيضًا التي أنشأها بالصحراء، وغير ذلك من الآثار.
وهو ممن قارب السبعين سنة.
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "اثني
(3)
الصواب: "من مقدَّمي".
(4)
هو ياسين بن علي بن ياسين الزين البلبيسي، القاهري، الشافعي. انظر عنه في: الضوء اللامع 10/ 211، 212 رقم 918 ولم يؤرخ لوفاته. والونائي: نسبة لوَنا بلد بالصعيد.
ولما عيّنه السلطان في هذا المهم خرج إليه ومعه خلعة ابن
(1)
عمر المذكور.
(تعيين التجريدة للصعيد)
(2)
وفيه، في يوم السبت ثالثه، عيّن السلطان تجريدة إلى بلاد الصعيد نجدةً ليشبُك، ليساعدوه على قتال يونس بن عمر، فعيّن من الجند السلطاني نحو الأربعمائة، وجعل عليهم الأمير قرقماس الجَلَب أمير سلاح، ويشبُك الفقيه الدوادار الكبير، ومن العشرات قَلمْطاي الإسحاقي، وأرغون شاه أستادّار الصحبة الأشرفي
(3)
، ويشبُك الإسحاقي المعروف بجنّ
(4)
، وأيدكي
(5)
، ويشبُك الأشقر
(6)
، والكل أشرفية، وهم من العشرات كما قدّمنا. ثم بَدَر أمر السلطان لنقيب الجيش الناصري محمد بن أبى الفرج
(7)
بأن ينزل إليهم فيسخّنهم على السفر من يومهم، ويحرّضهم على ذلك على لسان السلطان، فاعتذروا عن ذلك بأنهم محتاجون إلى يَرَق ولم يكمل، واليوم الواحد ضيّق عليهم لا تتم فيه احتياجاتهم والتمسوا المهلة يسيرًا، ثم كان ما سنذكره
(8)
.
(الإرجاف بموت السلطان وما جرى)
(9)
وفيه، أعني هذا اليوم في آخر النهار، أُرجف بموت السلطان، وكثُرت الإشاعة بذلك، وظهر الهرج والمرج، وكثرة القيل والقال، ووجد العسكر المعيّن للصعيد مندوحة للتقاعد عن الخروج وفتر عزمهم عن ذلك، وزادت الحركة وكثُر الاضطراب من وقت هذه الإشاعة بالإرجاف بموت السلطان، بل ولبس بعض
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
توفي أرغون شاه أستادار الصحبة الأشرفي في سنة 877 هـ. انظر عنه في: نيل الأمل 7/ 58 رقم 2916، وبدائع الزهور 3/ 83.
(4)
توفي (يشبك الإسحاق المعروف بجن) في سنة 875 هـ. انظر عنه في: إنباء الهصر 229 و 230 و 314، 315 رقم 16، والضوء اللامع 10/ 175 رقم 1079، ونيل الأمل 6/ 433 رقم 2868، وبدائع الزهور 3/ 55.
(5)
ستأتي ترجمة (ايدكي الأشرفي) في وفيات هذه السنة.
(6)
ستأتي ترجمة (يشبك الأشقر) في وفيات هذه السنة.
(7)
هو محمد بن عبد الرزاق بن أبى الفرج الأرمني الأصل. توفي سنة 881 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 8/ 55، 59 رقم 70، ووجيز الكلام 3/ 878، 879 رقم 2009، والذيل التام 2/ 302، ونيل الأمل 7/ 156 رقم 3009، وبداثع الزهور 3/ 119.
(8)
خبر تعيين التجريدة في: النجوم الزاهرة 16/ 303، 304، ونيل الأمل 6/ 275.
(9)
العنوان من الهامش.
الجُند لامة الحرب، واستمرت الحركة موجودة في الناس الليل
(1)
كلّه. وورد على الرملة ليلًا كثيرٌ من الجند ممن يجيء ويذهب وهم باللبوس والعُدَد الكاملة سربًا سربًا، وأفواجًا أفواجًا يتوقّعون الأخبار، وهم لا يشكّون في موت السلطان. واحترز الكثير من الناس على أنفسهم في تلك الليلة، وأُغلقت أكثر الحوانيت من المغرب. ونقل جماعة من الناس أمتعتهم من الدُّور، لا سيما الدُّور التي بسور الميدان، وكانت ليلة نكرة، ثم كان ما سنذكره
(2)
.
(دقّ البشائر وإشاعة عافية السلطان)
(3)
وفيه، في صبيحة هذه الليلة، وهي صبيحة يوم الأحد، رابعه، أصبح الناس، وقد أشيع الخبر بأن السلطان في قيد الحياة، ونودي في الحال بالأمان والإطمئنان والبيع والشراء، ودُقت البشائر بالقلعة، وأشاعوا عافية السلطان وسلامته. كل ذلك تورية وإسكانًا للفِتن وثَوَران حركته، وأكثر ذلك برأي خيربك الدوادار الثاني مملوك السلطان وخصّيصه هذا، والسلطان مُنحَطّ في مرضه انحطاطًا يؤذن بموته، بل ظهرت أمارات ذلك عليه، حتى له هو، وبقي في حيرة ووَهج وقلق وأفكار رديّة، لزوال ملكه ومفارقة الدنيا، وذلك بدليل عدم اعتنائه بشأن أمور آخرته، والوصيّة بشيء مما يتعلّق بذلك. فلا حول ولا قوّة إلّا بالله. ولم تزل البشائر تُدقّ في أول النهار وآخره عذة أيام، وحصل للناس بذلك بعض طمأنينة، وكان ذلك مما لا بأس به من الرأي، مع أن السلطان مع ذلك كله في حيّز العدم والموت
(4)
.
[حثّ الأمراء على السفر]
وفيه، في آخر هذا اليوم في آخره، نزل تنِبك الأشرفي المعلّم الرأس نوبة الثاني إلى قَرَقْماس الجَلَب على لسان السلطان، وهو يأمره بالخروج للسفر، ويستحثّه على ذلك، وأنه يخرج من ساعته هذه بعد أن ذكر له تغيُّظ السلطان عليه، وبلغه عنه كلام
(5)
لا خير فيه، وفيه فحش، فما أمكنه أن خرج من وقته وساعته، ثم تبعه يشبُك الفقيه الدوادار، وتبعهما من بقي ممن عيّن من الأمراء العشرات الماضي ذكرهم، وأُحضرت إليهم المراكب بالساحل، وكانوا عزموا على السفر في
(1)
في الأصل: "اليل".
(2)
خبر الإرجاف في: نيل الأمل 6/ 276، 277.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
خبر دق البشائر في: نيل الأمل 6/ 276.
(5)
في الأصل: "كلها".
البحر، فساروا إلى ساحل مصر، ثم نزلوا إلى مراكبهم وبقوا في انتظار الجُند المعيّن معهم، فلم يتفق أنْ حضر إليهم الواحد ممن عُيّن فيها من الجند، ولا تبِعهم ولا خرج إليهم ولا اكترث بما هم فيه، فأقاموا بالشاطئ، هذا والسلطان صحيح الذهن يعي الكلام ويأخذه ويجيب عنه، مع حضور عقله، وتنفيذ غالب الأمور برأيه، من غير أن يُظهر الملل ولا الكلل، بل وولّى وعزل في أثناء هذه الحادثات وفي هذا اليوم، وأكثر الناس لا يضجّون بالضرر عنه، بل ينسبون إلى خيربك وغيره. هذا، والأشرفية البرسبائية والإينالية أيضًا مستشرفون (. . .)
(1)
إلى موت الظاهر خُشقدم، بل داعون بزواله، ولهم هَرَج ومَرَج وتحرُّك زائد لما نالهم وخُشداشيهم من الأعيان منه، ولم تنقطع حركتهم في هذه الأيام ولا قالهم وقيلهم. وجرى بعد ذلك ما سنذكره
(2)
.
[طلوع بعض الأمراء لخدمة السلطان]
وفيه، في يوم الإثنين، خامسه، طلع بعض الأمراء وأرباب الدولة للخدمة، وحضر كاتب السرّ، فدخلوا على السلطان بالحريم وهو على حاله بالأمس وقُدّمت له العلامة، فعلّم على دون العشرة من المناشير والمراسيم، وكان في غلبة زائدة وتعلّق، وشدّة سقوط قوى من انحطاطه في المرض وغلته. ولما فرغ من تغلّبه على ما ذكرناه من العدّة من المناشير والمراسيم، استلقى على قفاه في فرشه كالذي عيي مما باشره، هذا، وآثار الموت عليه ظاهرة، وقرُب ارتحاله إلى الآخرة، وهو متحسّر على الدنيا، مؤمّلًا البقيا. وانفضّ الموكب، وخرج الناس والهَرَج والقال والقيل في ازدياد، وغالب الظنون حاكمة بزوال خُشقدم
(3)
.
[محادثة السلطان لأحد مقدَّمي الألوف]
وفيه، أعني هذا اليوم، بعد ظُهره، طلع شخص من أعيان مقدَّمين
(4)
الألوف إلى القلعة لرؤية السلطان والسؤال عن خاطره وحاله، فأذِن له بدخوله عليه، فلما رآه أنس إليه وقال له: إنّني طيّب لا بأس عليّ، ثم أخذ يذكر له ما يشيعه أعداؤه
(5)
عنه من الموت، وهو في تشويش من جهة ذلك، ثم تكلّم بكلام كثير، وكان من
(1)
كلمة ممسوحة.
(2)
خبر حثّ الأمراء في: نيل الأمل 6/ 276.
(3)
خبر طلوع بعض الأمراء في: نيل الأمل 6/ 276، 277.
(4)
الصواب: "أعيان مقدّمى".
(5)
في الأصل: "اعداه".
جملته أنْ قال: أنا ما أموت حتى أميت كثيرًا. ثم قال: أنا أعرف من أشاع موتي، ومُراده بذلك الأشرفية البرسبائية والإينالية، فإنه كان يبلغه
(1)
حركاتهم وما هم فيه من القال والقيل وإظهار الفرح بموته وتصريحهم بذلك. وكان كذلك لما بلغهم ما هو فيه من الانحطاط في المرض والعلامات الدّالّة على موته فصاروا يعرّضون بذلك لأخِلّائه بل ولأمرائه، ويُظهرون الشماتة به وبهم ويفرحون بذلك لغيرهم، وكانوا يشيعون في كل قليل موته ويُرجفون بذلك الكَرَّة بعد الكَرَّة والمعرّة بعد المَرّة، كل ذلك لِما نالهم منه.
وأمّا من عُيّن منهم لتجريدة الصعيد فداموا على ما هم عليه من تصميمهم على عدم الخروج، بل ولا تحرّكوا له البتّة، والسلطان يبلغه ذلك، فيزداد حنقه، ويبعث باستحثاثهم على السفر، وكذا فعل مع الأمراء المعيّنين
(2)
، وهو يحرّضهم على السفر، وتردّدت إليهم القصّاد مترادفة من قِبَل السلطان، وهم يعتذرون بأنهم قد خرجوا، وهم ينتظرون من يسافر معهم من الجند، وأنه لم يجيء إليهم منهم الواحد الفرد، ولا يمكنه أن يقول للأمراء سافروا وجدانًا، والجند لا اكتراث لهم بما عيّنوا له، لا سيما وقد جزموا بموت الآمر لهم بالسفر، وبقي السلطان يأمر بالبدْء
(3)
فيهم بالسفر، ولا من يلتفت إلى المناداة، وهو يُظهر الجلادة والصبر العظيم. ويوري بمرضه، وأنه ليس ممن يموت منه، وأنه سيقوم، وسوف يفعل ويفعل، وبقي كثير التوعّد، ولو قدّر معافاته لأوقع بأناس كثيرة، لكن أزاله الله تعالى بأن مات عن قُرب كما سنذكره، ثم انقطعت العلامة بعد هذا اليوم لعدم قدرته وزوال مُكنته، حتى ولا بقي له قدرة على القبض على القلم، فضلًا عن أن يكتب به شيئًا، وبل بقي لا يستطيع الجلوس أيضًا، وإنّما هو ملقى على قفاه ولا جرأة لأحدٍ عليه بأن يذكر له قضية عهده لأحد بالخلعة ولا أقلّ من أن يتكلّم في معنى ذلك معه، أو في الوصيّة على مماليكه وخواصّه ولو بينه وبين من يوصي إليه، ولا كلّمه أعيان خاصّته في مثل ذلك لأنه لم يُظهر أنه سيموت أصلًا، ولا عمل بمقتضى الموت ولو خفية، نعوذ باللَّه من طول الأمل حتى في مثل هذا الأمر
(4)
.
[طلوع الأتابك وغيره إلى السلطان]
وفيه، في يوم الثلاثاء، سادسه، طلع الأتابك يَلَباي الأمير الكبير وصحبته
(1)
في الأصل: "يبلغهم" وهو سهو.
(2)
في الأصل: "المعينون".
(3)
في الأصل: "البدا".
(4)
خبر محادثة السلطان في: النجوم الزاهرة 16/ 304، 305، ونيل الأمل 6/ 277.
قانِبك المحمودي، وجانبك كوهيه، وهما من مقدّمين
(1)
الألوف، والثلاثة مؤيَّديّة من خُشداش السلطان، فأذِن لهم في الدخول عليه، ولم ينهض للجلوس لهم. فبدر الأمير الكبير بأن قال: لا يكلّف من السلطان خاطره بالحركة، وتحرّك هو وبالجهد منه حتى بقي على مشقّة، وأخذت بشكوى ما يجده من الألم ولا يقرب الموت ولا يذكره، حتى ولا أسَرَّ لهؤلاء الثلاثة بما في من ذلك، وما هذا إلَّا عن طول أمل زائد ورانٍ على القلب عظيم. ثم أخذوا في الأسـ (. . .)
(2)
بخاطره وتسليته عن مرضه والدعاء له بالعافية وذهاب الشرّ. ثم خرج أمره بأن ينادى العسكر بسفرهم إلى حيث عُيِّنوا، ولا سمع بذلك
(3)
.
[مشيخة نابلس]
وخلع في هذا اليوم على يوسف بن فُطيس
(4)
الأستادّار بدمشق بمشيخة نابلس. ثم خرج الناس من عنده ولم يعلّم العلامة الواحدة. وكان هذا أول قطع العلامة والمنع منها من يوم مرضه لمن له حاجة أو شغل، وهو على سفر غاية الضرر والتشويش بسبب عدم العلائم. ثم كان ما سنذكره
(5)
.
[شدّة مرض السلطان]
وفيه، في يوم الخميس، ثامنه، أصبح السلطان في غاية الشدّة من المرض والإياس منه في هذا اليوم، وكذا في يوم الجمعة بعده، وهو مع ذلك كلّه واعٍ جدًّا في العقل والذهن، طلْق اللسان بالكلام.
(وفاة السلطان خُشقدم)
(6)
365 -
وفيه، في يوم السبت، سادسه -وكان ثبت بعد ذلك بالرؤية على ما قيل- كانت وفاة السلطان الملك الظاهر خُشقدم، وكان من خبر ذلك أنه أصبح في يوم الخميس في غاية شدّة المرض كما قدّمناه وكذا في يوم الجمعة، ثم لما أصبح
(1)
الصواب: "من مقدَّمي".
(2)
كلمة غير واضحة.
(3)
خبر طلوع الأتابك في: النجوم الزاهرة 16/ 305، ونيل الأمل 6/ 277، وبدائع الزهور 2/ 454.
(4)
له ذكر في سنة 874 هـ. حيث استقر في نيابة القدس. (نيل الأمل 6/ 411) وورد في الأنس الجليل 2/ 413 "يوسف الجمالي المشهور بابن أقطيش".
(5)
خبر مشيخة نابلس في: نيل الأمل 6/ 277.
(6)
العنوان من الهامش.
نهار هذا اليوم أخذ في الاحتضار من بكرة النهار، ثم أخذ في النزع، ولما رأى خواصّه ما هو فيه وقطع الإياس عن حياته أخذوا في تدبير ما يكون، وكان أنْ عيّن هؤلاء الخواصّ والكبير فيهم هو خيربك الدوادار الثاني والباقي كالأتباع للسيد، ولما رأوا حال السلطان على ذلك اضطربوا وماجت القلعة، وكثُرت الحركة فيها، وحدث بها أمور يطول الشرح في ذكرها، إذ لا فائدة في ذلك لقلّة رأي من (. . .)
(1)
عنهم، والملخّص من ذلك أنه لما كان وقت الصحوة الكبرى من هذا اليوم اجتمع الأمراء الأكابر والأعيان بالإسطبل السلطاني، وجلسوا بالمقعد منه عند الشبّاك أحمد بن العَيني الأميراخور الكبير، وتصدّر الأتابك يَلَباي في صدر المجلس ذلك، وحضر تمربُغا أمير مجلس، وهو لسان الطائفة والمتكلّم عن القوم، ولم يحضر قَرَقماس الجَلَب أمير سلاح، ولا يشبُك الفقيه الدوادار لإقامتهما بساحل مصر لأجل سفرهما على ما تقدّم. وحضر في هذا المجلس أيضًا قانِبك المحمودي، ومغلباي طاز. ولم يحضر قايتباي سلطان عصرنا الآن، مع أنه كان من مقدَّمين
(2)
الألوف واكتفى بحضور خيربك، وتمربُغا، وغيره من الظاهرية، وحضر كبير الطائفة الخُشقدمية وهو خيربك الثاني، ثم ابتدأ خيربك هذا بالكلام بما معناه أن السلطان في النزع فكأنه وقد قضى، فانظروا في هذا الشأن. فدار بينهم الكلام وكثُر جدًّا. ثم آل الأمر فيه إلى أن أجمعوا على أنه إذا مات خُشقَدم فالسلطان بعد الأتابك يَلَباي، ورضوا كلهم بذلك، وكذلك رضي تمربُغا وخيربك. وكان ذلك كله على خلاف الظنّ، وإن كان هو القياس بالنظر إلى العادة، فإن الأراجيف كانت عَمّالة بأن السلطنة بعد خشقدم، إمّا لابن العَيني يختاره الجُلبان فلا يعارضهم في ذلك أحد، أو لخيربك. وكان ذلك هو الظنّ الغالب، وما عداهما كيَلَباي، وتمربُغا، وقَرَقماس الجلب، بل وآخرين، فكان ظنًّا أيضًا، أكثره ليس بغالب.
ثم لما أجمعوا على سلطنة يَلَباي تكلّم بعضٌ من الحاضرين ممن له ذِكر في أن القصد الأَيمان والحَلَف من الأتابك بما يقع به الاطمئنان لهم. فأجاب إلى ذلك -أعني يَلَبَاي- وأُحضر إليه مصحف شريف، فتناوله بيده فتكفم بكلام معناه أننا نحن نخشاكم فحلّفناكم ونحن نحلف لماذا وعلى ماذا، وكان هذا أول مخالفات خيربك. ثم انفضّ هذا المجلس على ما ذكرناه. ونزل الأتابك يَلَباي إلى منزله، وبين يديه أكابر الأمراء وقد ترشح للسلطنة، كل ذلك قبل الزوال والظاهر خشقدم
(1)
كلمة ممسوحة.
(2)
الصواب: "من مقدَّمي".
في السياق، لكنه في قيد الحياة على أواخر الأنفاس. وكان لما طلع الأتابك يَلَبَاي إلى باب السلسلة هو والأمراء أرجف بالقاهرة بموت خشقدم، ولما نزلوا عُلم بقاؤه في قيد الحياة، ولكن أكثر الناس يشيعون موته قائلين بأنه مات، وجُلْبانه يُخفون ذلك حتى انتظم الأمر ولم يكن كذلك. هكذا أخبرني من حضره عند الموت.
وكانت وفاته بقاعة البيسرية. ولما تسامع جُلبانه بموته ماجت القلعة موجة ثانية، وزادت الحركة بها والاضطراب، وثارت الجُلبان وهم يصرخون وطال عويلهم وأكثرهم ملبّسين
(1)
وبأيديهم السيوف المُصْلَتَة. وحين بلغ الأمراء خبر موته بدروا بالطلوع إلى القلعة شيئًا فشيئًا، فأول ما طلع الأتابك يَلباي، وهي الطلعة التي تسلطن في يومها في آخر النهار كما سنذكره، وطلع وهو في هيئة الحزانى، مظهرًا الأسف والكاَبة على فقدان خشداشيه السلطان، باكيًا، عليه ملّوطة بياض غير مُزرّر لطوقها، وعلى رأسه عمامة جلوسه، فبدر إليه الجُلبان ومشوا معه ثم عادوا وقد امتلأت القلعة من باب الدرج إلى باب الحريم بالجُلبان.
ثم إنني شاهدت في أثناء طلوع الأمراء شيئًا فشيئًا قايتباي وهو أحد مقدّمين
(2)
الألوف إذ ذاك وقد طلع، ولما دخل من باب القلعة قامت الجُلْبان على ساقٍ، ومشوا إلى جهته بالسيوف المُصْلَتَة، واضطربوا حين رؤيته اضطرابًا كبيرًا، حتى أنني خشيت عليه، ثم مشوا معه إلى أن شيّعوه إلى داخل وعادوا، فتوسّمت في ذلك اليوم فيه السلطنة واللَّه على ما أقول وكليل، فإنّني رأيت الأتابك حين طلوعه، وكذلك الأمراء واحدًا بعد واحد، فلم يتحرّك الجُلبان لطلوعهم كحركتهم لطلوع قايتباي، ولا القرب منها، حتى تعجّبت من ذلك، فكأن قائلًا يقول لهم: هذا هو السلطان. هكذا توسّمت في ذلك اليوم.
ولما تكامل الأمراء أخذوا في تجهيز السلطان من غير أن يُبْدوا شيئًا ولا يعيدوه في قضية يَلَباي وسلطنته، ولا حصلت مبايعته، وإنّما اشتغلوا بتجهيز السلطان والسلطنة شاغرة، فجُهّز وغُسّل وأُخرج في نعشه، وصُلّي عليه بباب القلّة، ثم حُمل نعشه وعليه مرقّعة الفقراء، ونزل معه جماعة قليلة، أظنّهم لا يبلغون العشرين نفسًا من الأمراء والخاصكية، ونزل معه من المباشرين الشرف ابن
(3)
كاتب غريب، وساروا بجنازته إلى جهة الصحراء ليُدفن بتربته التي أنشأها هناك، وقد قعد الناس لرؤيته، وازدحم العوام وكثير من الناس حول نعشه، حتى وصلوا به إلى التربة، وقد فُتحت الفسقية التي بالقبّة المُعَدَّة لدفنه بمدرسة تربته
(1)
في الأصل: "ملبّسون".
(2)
الصواب: "أحد مقدّمي الألوف".
(3)
في الأصل: "بن".
المذكورة، فأنزل إليها وأُغلقت عليه، وخُلّي بعمله، وزال ملكه كأنه لم يكن. فسُبحان من لا زوال لملكه، وبقاؤه
(1)
الحيّ القائم الأبدي. ولم يتأسّف الناس لفقده في هذا اليوم تأسّفًا كثيرًا بذاك. نعم تأسّفوا عليه بعد سلطنة يلباي لِما وقع من الأمور برأي خيربك وذويه، حتى عظُم فَقْد خُشقدم حينئذٍ على بعض الناس.
وقد قدّمنا شيئًا من ترجمة خُشقدم هذا عندما ذكرنا سلطنته، وبقي ما يتعلّق بأوصافه، وسنذكر ذلك في ترجمته أيضًا في وفيات هذه السنة إن شاء الله تعالى.
(ذِكر سلطنة الملك الظاهر يَلَباي)
(2)
وفيه- أعني هذا اليوم الذي هو السبت عاشر ربيع الأول- كانت مبايعة الأتابك يَلَباي بالسلطنة، وعقد المُلك له بعد موت الظاهر خُشقدم والفراغ من تجهيزه وبعثه إلى تربته، ووقع ذلك خلاف العادة فكان من النوادر، فإن العادة جرت أن لا يتكلّم في تجهيز سلطان إلّا بعد سلطنة آخر، ثم يسرعون بعد ذلك في الأخذ في تجهيز الميت. ولعلّ ما وقع الآن خلاف العادة هو الأقرب لموافقة الشرع، كون المأمور فيه بالإسراع بتجهيز الميت، لا سيما وقد أجمع من أجمع على سلطنة يَلَباي. ولما صُلّي على الظاهر خُشقدم وأنزل نعشه، شرع الحاضرون في عقد السلطنة ليلباي، وكان قد انبَرم أمره في المُلك من ضحوة النهار، على ما قدّمنا ذلك. وكان القائم بسلطنته خيربك وذووه
(3)
، ثم تبعه الأمراء وغيرهم، ولما أذعن له الجُلبان الخُشقدميّة، لم يختلف عليه أحد لعِظَم شوكَة الجُلبان يومئذٍ خصوصًا، وقد اختاروه لوجوهٍ منها: كونه قديم الهجرة، وأيضًا فإنه أتابَك العساكر ورتبته السلطنة على ما جرت به عادة هذه الديار غالبًا، فلا تقدَّم عليه غيره. ومنها كونه خُشداش السلطان، وهو الذي أنشأه ورقّاه، فلا شك في اطمئنان الجُلبان به، ثم صارت الظاهرية الجقمقية تبعًا للجُلبان لأنهم معهم في الأمور. وأمّا الطائفة المؤيّدة
(4)
، فعلى رأي مثل العوام طبل طبْلُهم وزَمَر زمرُهم، وبلغوا مُناهم لأنه خُشداشهم. وأمّا الأشرفية البَرْسْبائية والإينالية فعلى ما هم عليه، غاية ما في الباب قد زال عنهم خُشقدم وهو غاية متمنّاهم، وفي ضمائرهم أشياء لا يمكنهم إظهارها في هذا الوقت.
ولما فُرغ من الصلاة على خُشقدم عاد الأتابك يَلَباي والأمراء إلى جهة باب الستارة من الحريم السلطاني، فجلسوا به جلوسًا خفيفًا، وبينا هم على ذلك إذ
(1)
في الأصل: "وبقائه".
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
في الأصل: "وذويه".
(4)
في الأصل: "المؤيد".
خرج خيربك الدوادار الثاني رأس الخُشقدميّة إذ ذاك وكبيرهم، وكان في صحبته جماعة من خُشداشيه الظاهرية، فجاؤوا إلى يَلَباي وحكّموه في الدخول معهم إلى القصر، فقام معهم وأخذوه، ومضوا به من الحريم إلى القصر، وخاطبوه بالسلطنة، وهو يُظهر بعض امتناع ليس بذاك، فأجلسوه وما التفتوا إلى ما أظهره من الامتناع، ثم بعثوا إلى الأمراء ليحضروا إلى القصر من خارج، فلما جاؤوا
(1)
إلى باب القصر وجدوه قد سقط، ولم يجدوا مخلصًا للدخول إليه، لكونه ارتدم بما سقط من الحجارة والأتربة، بحيث غلق، بل سدّ أصلًا رأسًا، ولا يمكن الدخول منه، ولهج الكثير من الناس ممن بلغهم ذلك بزوال يَلَباي، وتفايلوا بأنه لا يطول أمره في السلطنة، وأن عدّته قصيرة، وكان كما تفاءلوه وقالوه على ما ستعرفه إن شاء الله تعالى، ولما لم يمكن الأمراء ولا من حضر الدخول إلى القصر من بابه احتاجوا أن دخلوا إليه من الإيوان هذا، والخليفة لم يحضر بعد، فبعث إليه بطلبه، وجلس الأمراء لما دخلوا قبل مجيء الخليفة عند الأتابك يَلَباي، بعد أن قبّلوا الأرض بين يديه، كما لا يُفعل للسلطان، وذلك قبل المبايعة العامّة، وزاد الهَرَج وهم في انتظار الخليفة والقضاة، وطال جلوس الأمراء إلى [أن] حضر الخليفة والقضاة، فما وصلوا إلى القصر إلّا بعد مشقّة، لأجل خراب بابه، والامتناع من دخوله إلَّا من الإيوان، ثم تشاغل الفكر أيضًا بلباس قماش المذهب وما فرغوا من ذلك، وتكامل الحال إلّا والنهار على فراغ، وشرعوا حينئذٍ في بيعة يَلَباي. وعقْد المُلك له، ولهج الكثير من الناس أيضًا بالتفاؤل
(2)
بزواله سريعًا، لكونه ولّي في هذا الوقت الضيّق والنهار على فراغ. ولما تمّت البيعة العامّة له من الخليفة والقضاة، وحكم بصحّة سلطنته، وبايعه الأمراء، أحضر حينئذٍ شعار المُلْك الخلعة الخيلفتي السوداء، فأفيضت عليه، ثم رُفع من مكانه إلى سرير المُلك، فأُجلس عليه، ووقف الكل بين يديه. وتمّ أمره في القصر في السلطنة من غير موكب سلطاني بالمركوب، وحُمل القبّة والطير على رأسه، وعُدّ هذا من نوادره، ولُقّب في سلطنته بالظاهر أيضًا، وكُنّي بأبي سعيد. ووهم من قال: أبو النصر. وكان هذا اللقب باختيار الظاهرية الكبائر الجقمقية والصغار الخُشْقَدميّة أيضًا. وكان جلوسه على تخت المُلك قبل غروب الشمس بنحو الخمس درج أو دونها. وحين تمّ أمره خلع على تمربُغا بالأتابكية، عِوضًا عن نفسه، نقلًا إليها من إمرة مجلس، ثم خلع بعده على الخليفة المستنجد باللَّه، ودقّت البشائر بسلطنته، ونودي في شوارع القاهرة بها، وطُلب الدعاء له
(3)
.
(1)
في الأصل: "جاوا".
(2)
في الأصل: "بالتفال".
(3)
خبر سلطنة يلباي في: النجوم الزاهرة 16/ 267 - 373، ومنتخبات من حوادث الدهور 3/=
وهو السلطان التاسع والثلاثون من ملوك التُرك وأولادهم، والرابع عشر من الجراكسة وأولادهم، وثامن أو تاسع جركسي تسلطن.
(التعريف بالظاهر يَلَباي)
(1)
ولْنذكر التعريف به قبل الخوض في ما تجدّد من الحوادث في دولته، وما وقع منه وله.
366 -
فهو: يَلَباي الإينالي، المؤيّدي، الجركسي، وهو من جَلَب الأمير إينال ضضع
(2)
المشهور الترجمة، واشتراه منه المؤيَّد شيخ في أواسط دولته، وأنزله قطيعة الرفرف، ثم أخرجه جَمْدارًا. وصيّر خاصكيًّا بعده، ودام على الخاصكية عدّة سنين، ثم أقطعه الأشرف بَرسْباي ثُلث قوته لحجورته من الشرقية، وصار من أعيان الخاصكية الثقال. ولما تسلطن العزيز نقله إلى قرية بَنْها العسل
(3)
بعد الشمس المؤيَّدي. ثم لما تسلطن الظاهر جقمق جعله ساقيًا. ولم تطُل مدّته في السقاية حتى أمّره عشرة، وصيّره من رؤوس
(4)
النُوَب. ثم لما قبض على العزيز على ما تقدّم في ترجمته، وطُلع به إلى الظاهر، أقطعه قرية سرياقوس، زيادة على إقطاعه، وصيّره من الطبْلخاناة، ودام على ذلك مدّة سلطنة الظاهر، حتى تسلطن ولده المنصور عثمان، فقبض عليه لما قبض على دَولات باي الدوادار، وبَرسْباي الأميراخور الثاني، على ما تقدّم ذلك في محلّه، في أول سلطنة
= 602، والدليل الشافي 2/ 792، 793 رقم 2670، والمنهل الصافي 12/ 149 رقم 2680 وفيه وفاته 873 هـ.، وتاريخ الخميس 4/ 433، وتاريخ الملك الأشرف قايتباي (بتحقيقنا) 181، 182، وتاريخ قاضي القضاة العليمي، مخطوط ورقة 138 ب، والضوء اللامع 10/ 287، 288 رقم 1131، ووجيز الكلام 2/ 807 رقم 1808، والذيل التام 2/ 209، وإنباء الهصر 105 - 107، وحُسن المحاضرة 2/ 80 وفيه "قايتباي العلائي"، وتاريخ الخلفاء 514 وفيه "بلباي"، ونظم العقيان 178 رقم 197، ونيل الأمل 6/ 278، وتاريخ أبن سباط 2/ 810، 811، وحوادث الزمان 1/ 180، وبدائع الزهور 2/ 465 - 467، وشذرات الذهب 7/ 315 وفيه "بلباي"، وتحفة الناظرين 2/ 41 وفيه "بلباي"، وأخبار الدول 2/ 317 و"216" وفيه "بلباي"، وتاريخ الغياثي 36 وفيه "بولباي"، وتاريخ الأزمنة 359، ولطائف أخبار الأول فيمن تصرّف في مصر من الدول، للإسحاقي محمد عبد المعطي بن أبى الفتح بن أحمد بن عبد الغني - طبعة القاهرة 1311 هـ.- ص 141.
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
لم أجد لإينال ضضع ترجمة.
(3)
بَنْها العسل: رأس مديرية القليوبية على الشاطئ الشرقي لبحر دمياط.
(4)
في الأصل: "روس".
المنصور في متجدّدات سنة سبع وخمسين
(1)
من تاريخنا هذا، وبعث به معهم إلى الإسكندرية، وأخرج إقطاعه إلى سوَنْجُبُغا اليونُسي
(2)
. ولما تسلطن الأشرف إينال أطلقه ومن كان معه، وبعث به إلى دمياط، ثم استقدمه بعد قليل إلى القاهرة، ولما حضر دام بطّالًا مدّة يسيرة حتى قتل سونجبُغا المذكور ببلاد الصعيد، على ما عرفت ذلك فيما تقدّم في كائنته مع القلاوي
(3)
، فأعاد الأشرف إينال إمرته إليه كما كان أولًا من جملة الطبْلخاناة. ثم لما مات خيربك الأشقر المؤيّدي الأميراخور الثاني استقر يَلَباي هذا في الأميراخورية الثانية، ثم صيّره الأشرف إينال من جملة مقدَّمين
(4)
الألوف، ووقع له في ذلك غريبة، وهو أنه لما شغرت التقدمة التي وُلّيها كلّم المحبّ ابن
(5)
الشِحنة، وهو إذ ذاك كاتب السرّ، في أن يكلّم السلطان أن يقرّره فيها، ويحمل إليه عشرة آلاف دينار. فقال له المحبّ: إن ذلك كثير عليك، وإنك أهلٌ للتقدّم بغير مال، فلتكن خمسة. فقال: لا بل عشرة. فكلّم المحبّ السلطان في ذلك، فأجابه إليه. ثم طلب المحبّ المبلغ منه فقال: لا أعطي شيئًا، فإنْ سمح السلطان بإبقائي على التقدمة، وإلّا فلا حاجة لى بها. فتحيّر المحِبّ منه لما سمع ذلك، وحار في أمره، وماذا يكون جوابه للسلطان، وهو في انتظار هذا المبلغ. فاتفق أن خلا
(6)
المحبّ بالسلطان فسأله السلطان عن المبلغ، فقال له: عساه قد هيّأه، لكنْ يا مولانا السلطان إنني أخشى أن يتكلّم الناس في كون السلطان يقرّر التقادم لمقدَّمين
(7)
الألوف بالبذل، ويَلَباي مجنون لا يخفى ذلك. فقال السلطان: إذًا لا نأخذ منه شيئًا. وعُدّ ذلك من حُسن تصرّفات المحبّ هذا. ولا زال ترشيح هذا على التقدمة إلى أن تسلطن خُشداشه الظاهر خُشقدم، فنقله
(1)
ضاعت حوادث السنة المذكورة في جملة ما ضاع من المخطوط.
(2)
قتل (سونجبُغا اليونسي) في سنة 857 هـ. انظر عنه في: حوادث الدهور 2/ 441 و 469، 470 رقم 10، والنجوم الزاهرة 16/ 68 و 165، والمنهل الصافي 6/ 186، 187 رقم 1165، والدليل الشافي 1/ 337 رقم 1162 ذكر في المطبوع منه إضافة دون ترجمة، فهو ساقط من أصل المخطوط، والضوء اللامع 3/ 287، 288 رقم 2094، ونيل الأمل 5/ 399 رقم 2332، وبدائع الزهور 2/ 312.
(3)
في الأصل: "العلاوي" بالعين المهملة، والتصحيح من مصادر ترجمته، وهي: حوادث الدهور 2/ 441 و 468، 469 رقم 9، والنجوم الزاهرة 16/ 68 و 164، 165، والضوء اللام 3/ 28، 29 رقم 137، ونيل الأمل 5/ 399 رقم 2333، وبدائع الزهور 2/ 312.
وهو: تغري بردي القلاوي، تقاتل هو وسونجبُغا فماتا معًا.
(4)
الصواب: "مقدّمي".
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
في الأصل: "خلى".
(7)
الصواب: "لمقدَّمي".
إلى حجوبية الحجّاب عِوضًا عن بيبرس خال العزيز، لما نُقل إلى الرأس نَوبته الكبرى عِوضًا عن قانَم التاجر لما نُقل إلى إمرة مجلس عِوَضًا عن قَرقماس الجَلَب حين نُقل إلى إمرة سلاح، عِوضًا عن جرِباش كُرْد، لما نُقل إلى الأتابكية، عِوضًا عن خُشقدم بحكم تسلطنه بعد خلع المؤيَّد أحمد ابن
(1)
الأشرف إينال على ما تقدّم جميع ذلك في محلّه. ودام على الحجوبية إلى أن نقل السلطان بَرسْباي البجاسي الأميراخور الكبير إلى نيابة طرابلس، عوضًا عن أياس المحمَّدي الطويل، بحكم القبض عليه حين قدم من قبرس بغير إذنٍ وذلك في أوائل سنة ستّ وستين، فنقل يَلَباي هذا في ذلك التاريخ إلى الأمير اخورية الكبرى، ودام عليها مدّة إلى أن مات الأتابك قانم التاجر، فاستقرّ به السلطان في الأتابكية من الأميراخورية، وعُدّت من نوادره، فإنه كان يجلس في مجلس السلطان خامس جالس من الأمراء، فصار رأسهم دفعة واحدة، وكان ذلك في صفر من الخالية على ما أسلفناه هناك. ودام على ذلك إلى أن مرض الظاهر خُشقدم مرض موته، وثقُل فيه، وتكلّم الناس فيمن يُسلطن من بين الأمراء، ورُشح للسلطنة جماعة، منهم: تمُربُغا، وقُلَقْسيز، وقَرَقماس الجلب، وأحمد بن العَيني، بل وغيرهم. وكثُر كلام الناس في ذلك والقال والقيل.
ولما قطع خواصّ خُشقدم الإياس منه وقعوا في حَيْص بَيْص، وكانوا جماعة، والمشار إليه فيهم خير بك الدوادار الثاني، فدبّروا سلطنة يَلَبَاي بأن اختاروه، وكانوا ذوي شوكة والأمر بيدهم. وكان اختياره رأي خيربك، وتبعه جماعة على ذلك وحسّنوا رأيه، ثم تبعهم من عداهم، وعقد له المُلك كما قلناه في يوم موت خشقدم على ما بيّنّاه، ولم يكن له في سلطنته خدمة ولا أُبّهة، مع قرنصته ووجاهته وقِدَم هجرته، لأن خير بك وأتباعه من جُلبان خُشقدم جعلوه كالآلة، فلم يكن له في سلطنته إلّا مجرّد الاسم فقط، وليس له من الأمر شيء، لغَلَبة الجُلبان له على الرأي. وكان السلطان في الحقيقة ومدبّر المملكة خيربك وحزبه.
ومات يَلَباي هذا بالقصر في ليلة الأحد.
ثم كان من تصرّفاته (المضافة إليه)
(2)
وولايته وعزله، وإن كان ذلك عن رأي غيره ما سنذكره لك.
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
ما بين القوسين عن الهامش.
[الأمر بسفر الأمراء إلى الصعيد]
وفيه، في يوم الأحد حادي عشره أصبح السلطان الملك الظاهر يَلَباي بالقصر، وأول ما بدأ
(1)
به في هذا اليوم، بأن برز أمر لقَرَقماس الجَلَب، ويشبُك الفقيه، ومن عين معهما بالتوجّه لما عُيّنوا إليه من سفرهما إلى الصعيد في يومهم هذا، وكانوا مقيمين بالمراكب بساحل مصر، فما وسِعهم إلّا ذلك، وسافروا أرسالًا
(2)
.
[الخلعة على الأتابك تمربُغا]
وفيه، في يوم الإثنين ثاني عشره، خلع على الأتابك تمربُغا خلعة الأنظار المتعلّقة بالإمرة الكبرى، من ذلك نظر البيمارستان المنصوري على العادة.
(ولاية قانبك إمرة مجلس)
(3)
وفيه أيضًا خلع على قانبك المحمودي باستقراره في إمرة مجلس، عِوضًا تمربُغا دفعة واحدة، لكونه خُشداش السلطان وصاحبه قديمًا وحديثًا، وقديم هجرة
(4)
.
[زيارة المؤلّف لقانباي وتهنئته]
وتوجّهت إليه أنا في عشيّة هذا اليوم لتهنئته بذلك، فرحّب بي وأنس إليّ، وسألني عن أخبار الوالد، وذكر لى أن السلطان يَلَباي ذكره بخير. ثم ذكر لى أنه ذكَّره به، وبرز أمره بأن يحضر إلى القاهرة، وكان الظنّ بأنه مقيم بمكة المشرَّفة أو المدينة الشريفة، وذلك قبل ظهور خبر سفره إلى بلاد العراق، فأخبرته بأنني بلغني سفره للعراق، فتأوّه من ذلك وقال: هل لذلك صحّة؛ فقلت: لا عِلم لى بصحته، ولكنّه بلغني ذلك.
[تقرير إقطاع تمربُغا لقانباي]
ولما قُرّر قانبك في إمرة مجلس، قُرّ أيضًا إقطاع تمربُغا باسمه. وكان من حق الأتابكية أن يليها أمير سلاح، لكنْ لما لم يكن للظاهريّة غرض في التنويه
(1)
في الأصل: "بداء".
(2)
خبر سفر الأمراء في: النجوم الزاهرة 16/ 359، ونيل الأمل 6/ 281، وبداثع الزهور 2/ 459.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
خبر ولاية قانبك في: النجوم الزاهرة 16/ 359، ونيل الأمل 6/ 281، وبدائع الزهور 2/ 459.
بالأشرفية، لا سيما في مثل هذا المقام، عدلوا عن قرقماس إلى تمربُغا، خصوصًا وكلا الطائفتين من الظاهرية الجقمقية والخُشقدمية هما ذَوُو
(1)
الأمر بل السلاطين ومدبّرو المملكة.
[الخلعة على تمر المحمودي]
وفيه أيضًا، خلع على تمر المحمودي خلعة الاستمرار على عادته.
[الخلعة على كاتب المماليك]
وفيه أيضًا، خُلع على العَلَم أبى الفضل بن جلود
(2)
كاتب المماليك، باستمراره أيضًا على وظيفته.
[غرض السلطان في استمرار سفر قرقماس]
وفيه وردت مكاتبة من يشبُك من مهدي كاشف الوجه القِبلي، بأنه لا حاجة إلى التجريدة لسكون الفتنة بولاية سليمان بن عمر
(3)
، فلم يلتفت السلطان إلى ذلك ويُبطل التجريدة، بل سكت عن ذلك، إذ له غَرَض تامّ في سفر قَرقماس الجَلَب، وذلك لمندوحة ما سيأتي بيانه، ولأنه رأي خيربك وحزبه، بل الظاهرية الجقمقية أيضًا، خوفًا من ظهور الأشرفية
(4)
.
[الخلعة على مباشري الدولة بالاستمرار في مناصبهم]
وفيه، في يوم الخميس خامس عشره، خلع السلطان على جميع مباشري الدولة ما بين كاتب السرّ، وناظر الجيش، وناظر الخاص، والوزير، والأستادّار وغيرهم خِلعًا باستمرارهم على ما بأيديهم على عاداتهم كما كانوا.
[النفقة للجند]
وفيه نودي بالنفقة في الجند السلطاني في أول الشهر، وهو ربيع الآخر.
(1)
في الأصل: "مدبروا".
(2)
هو علم الدين أبو الفضل بن جلود القبطي والد عبد الكريم. مات هذه السنة 872 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 11/ 163 رقم 515، ووجيز الكلام 2/ 798 رقم 1839، والذيل التام 2/ 217، ونيل الأمل 6/ 338 رقم 2740، وبدائع الزهور 3/ 18، ولم يترجم له المؤلّف رحمه الله في كتابه هذا.
(3)
لم أجد له ترجمة.
(4)
خبر غرض السلطان في: نيل الأمل 6/ 281.
(عمل المولد والبعث في قرقماس الجلب وغيره)
(1)
وفيه عُمل المولد النبوي بالقلعة بالحوش على العادة، وهو أول مولدٍ عمله هذا السلطان، ولم يتفق له عمل مولد آخر بعده لزوال دولته عن قرب كما سنذكره.
وبينا هم في أثناء المولد وقبل الفراغ منه إذ ندب السلطان بَرْسْباي قَرا المحمدي، الذي هو رأس نوبة النُوَب في زمننا هذا الذي نحن به الآن، وجَكَم قَرا
(2)
أميراخور الجمال الذي وُلّي نيابة الإسكندرية بعد ذلك، وطومان باي
(3)
، والثلاثة ظاهرية، وأمرهم بأن يتوجّهوا إلى بلاد الصعيد فيقبضوا على قَرَقماس الجَلَب أمير سلاح، وقَلَمطاي الإسحاقي، وأرغون شاه أستادّار الصحبة، والثلاثة من الأشرفية البَرْسْبائية، وأن يتوجّهوا بهم من هناك إلى ثغر الإسكندرية فيُشْحنوا بها. وما عُلم ما سبب ذلك سوى تشهّي الظاهرية.
[إعادة القطب الخيضري إلى كتابة السر بدمشق]
وفيه في يوم السبت سابع عشره أعيد القاضي قطب الدين الخَيْضري إلى وظيفة كتابة السر بدمشق، بعد صرف السيد الشريف إبراهيم بن السيد محمد.
(ولاية ابن
(4)
بيغوت حجوبية الحجّاب بدمشق)
(5)
وفيه أيضًا قُرّر في حجوبية الحجّاب بدمشق الصارم إبراهيم بن بيغوت الذي كان نائب القلعة بدمشق، وصرف عنها على ما مرّ ذلك في محلّه، واستقرّ في الحجوبية عِوضًا عن جَرْمرْد العثماني الذي يقال له شَرمَرْد.
[عودة أُزبك من العقبة]
وفيه ورد الخبر بقدوم أزبك رأس نَوبة النُوَب من العَقَبة، بعد أن ظفر بمبارك شيخ عربان بني عُقبة، وقبض عليه وعلى جماعة من أتباعه معه.
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
توفي (جكم قرا) في سنة 887 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 3/ 75، 76 رقم 291، ووجيز الكلام 2/ 936 رقم 2114، والذيل التام 2/ 361، ونيل الأمل 7/ 308 رقم 3198، وبدائع الزهور 3/ 191.
(3)
هو (طومان باي المحمدي) توفي سنة 874 هـ. وستأتي ترجمته فيها.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
العنوان من الهامش.
وفيه، في يوم الإثنين تاسع عشره، وصل أُزبَك إلى القاهرة هو وجانبك قَلَقْسيز حاجب الحجّاب، وصعِد إلى القلعة وخُلع عليهما، ونزلا إلى داريهما.
[توسيط مبارك شيخ بني عقبة وجماعته]
وفيه، في هذا اليوم وُسِّط مبارك شيخ بني عُقبة المتقدّم خبره هو وجماعته الذين قد أُحضروا معه من عربان بني عُقبة، وكانوا نحو الخمسين نفرًا، بعد أن سُمّروا جميعًا ومبارك المذكور، وأُركبوا جِمالًا، وطيف بهم القاهرة، ثم وُسِّطوا عن آخرهم في آخر هذا اليوم.
(ورود الخبر بكائنة سوار مع النواب وكسرهم)
(1)
وفيه، في يوم الخميس، ثاني عشرينه، ورد الخبر على السلطان بأن بُرْدُبَك نائب الشام قد خرج عن الطاعة، وأنه قتل جميع من كان معه من النواب الذين خرجوا لقتال شاه سوار مجرّدين مع بُردُبك المذكور، وكان الأمر بخلاف ما جاء به هذا الخبر، بل كان الخبر الصحيح أن العسكر المصري التقى بعسكر شاه سوار، ووقع بينهما حرب تهاون فيها بُردُبك المذكور في محاربة سوار المذكور، وأخذت في جَوَلان العساكر لما كان عنده من الكمين من الظاهر خُشقدم، وكان ذلك سببًا مُفضيًا إلى كسر العسكر وانهزامهم أقبح هزيمة، وقتل من شاء الله تعالى منهم، وممن قُتل قانِباي الحَسَني
(2)
نائب طرابلس وآخرون
(3)
على ما سيأتي ذلك إن شاء اللَّه.
وكانت هذه الكائنة أول كوائن شاه سوار مع العساكر المصرية، وأول واقعة له معهم، وهي التي أطمعته وقوّته على ما فعل بعد ذلك، مما سيُذكر ذلك في محلّه، لا سيما وقد بلغه قُرب تغيّر الدولة وزوال السلطان. وكانت هذه المقتلة مقتلة هائلة ذهب فيها الكثير من الأعيان، ونُهب فيها العسكر عن آخره، وما سلِم فيها إلّا كل طويل العمر، وأخذ بُردُبك نائب الشام فيها مأسورًا، وأشيع بأن ذلك باتفاق منه مع سوار على ذلك، وأن يظهر غيّه وكان كذبًا، نعم حصل منه الفتور حتى كان سببًا لأخذه أيضًا، وكان في ظئه أنه يخلّص بنفسه، فما قدّر الله تعالى له ذلك. ثم تمادت هذه الفتنة عدَّة سنين إلى سنة سبع حتى كان ما سنذكره إن شاء الله تعالى
(4)
.
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
ستأتي ترجمته في وفيات هذه السنة.
(3)
في الأصل: "واخرين".
(4)
كائنة شاه سوار في: وجيز الكلام 2/ 793، وتاريخ البُصروي 28، ونيل الأمل 6/ 281، وبدائع الزهور 2/ 460.
(تواتر الأخبار بواقعة سوار شاه والعساكر الشامية)
(1)
وفيه- أعني هذا الشهر- تواترت الأخبار واستفيضت بالواقعة التي كانت من سوار وما جرى بينه وبين العساكر الشامية، وكسْرتهم الكسرة الشنيعة، وقتْلهم القتل الذريع، ونهب جميع ما معهم، وأسر نائب الشام، وقتل الكثير من الأمراء الكبار بتلك البلاد، منهم نائب طرابلس. وأن شاه سوار المذكور أخذ عدّة من البلاد والقلاع واستولى عليها، وأن يشبك البجاسي نائب حلب دخل إليها في أسوأ
(2)
الأحوال وعلى أقبح الوجوه، إلى غير ذلك من الأخبار نحو هذا، وكلّما ترادفت هذه الأخبار زادت الشرور والفِتن أزْوَد بهذه البلاد، فما ظنّك بتلك، وزال الأمن وأخيفت السُبُل والطرقات، وأشيع بأنه لا مدبّر للمملكة، وأن السلطان كالآلة له اسم مجرّد عن المعنى، وأنه لا تصريف له ولا تدبير ولا يمكَّن من شيء، وكان الأمر كذلك لغلبة الغير على السلطان، فإنه كان في قبضة خيربك، وليته أتابكًا، أو بل من أكابر الأمراء ذوي الحنكات، ليقع رأيه بعض الموقع، بل كان دوادارًا ثانيًا فحسب، وفي كونه المدبّر للمملكة فساد كبير وطمع عظيم فيها، لا سيما وقد أشيع بأقطار المملكة أنّ حلّها وعقدها إليه، والأمور فيها منوطة به باجتهاده واختياره. وكان السلطان إذا سُئل في شيء أو عوتب على فعل شيء أو نحو ذلك يقول:"أيش كنت أنا؟ قل له"، يعني بذلك خيربك حتى صارت العوام تسمّى السلطان:"أيش كنت أنا، قل له". واضطربت بهذه المقتضيات أحوال المملكة وطمع فيها الطامع من سائر الجهات، واستشرف كل أحد، حتى خيربك نفسه على ما ستعرفه، وضعُف رأي السلطان جدًّا، وهو بعذرة في ذلك، لأنه لا شكوة له وهو محكوم عليه في قبضتهم -أعني الجُلبان- ولا ينفس له في أمرٍ من الأمور، وأيضًا قل: ولا قدرة له على ردع الأجلاب خصوصًا، والظاهرية الكبار بذلك راضون ساكتون.
وزادت شرور الجلبان على ما كانوا عليه قبل ذلك في أيام أستاذهم ودولته، وعظُم أمرهم، لا سيما ولم يبق من يحكم عليهم ويأخذ على يديهم خصوصًا وهم الذين أقاموا السلطان. ونال الناس من النكد ما لا مزيد عليه. وباللَّه المستعان
(3)
.
(ولاية أُزبك نيابة الشام)
(4)
وفيه، في يوم الإثنين، سادس عشرينه، استقر في نيابة الشام أُزبَك من طَطَخ
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
في الأصل: "اسواء".
(3)
خبر تواتر الأخبار في: النجوم الزاهرة 16/ 360، 361، ونيل الأمل 6/ 287، وتاريخ ابن سباط 2/ 810، وتاريخ الأزمنة 359، وتاريخ الأمير حيدر الشهابي 546.
(4)
العنوان من الهامش.
رأس نَوبة النُوَب دفعة واحدة، وعُدّ ذلك من نوادره، ثم وقع بعد ذلك ما هو أندر من ذلك، وهو ولاية برقوق لنيابة الشام في سنة خمس وسبعين من تقدمة ألف فقط، على ما سيأتي ذلك. وكانت ولاية أُزبك هذا للشام عِوضًا عن بُردُبك البجمقدار بحكم أسْره لشاه سواره، أو انضمامه إليه على ما زعم البعض
(1)
.
(ولاية قانبك إمرة سلاح)
(2)
وفيه أيضًا خُلع على قانبك المحمودي باستقراره في إمرة سلاح، عِوضًا عن قَرَقماس الجَلَب، الماضي خبر البعث إليه بالقبض عليه
(3)
.
[التجريدة إلى قتال شاه سوار]
وفيه عيّن السلطان تجريدة للخروج إلى قتال شاه سوار، وجعل وقدَّم العسكر المصري قانِبك المحمودي الذي وُلّي إمرة سلاح، وأضاف إليه من مقدَّمين
(4)
الألوف جانبك الإينالي حاجب الحجّاب الأشرفي المعروف بقُلَقْسيز، وبُردُبك هجين أميرجان دار، وعيّن من الطبلخاناة والعشرات جماعة كثيرة، وعين من الجند السلطاني ستمائة نفر
(5)
، وكان بعد ذلك ما سنذكره
(6)
.
(ولاية ابن مبارك نيابة حماة)
(7)
وفيه- أعني هذا الشهر- استقرّ محمد بن مبارك في نيابة حماة، عِوَضًا عن تَنَم الحَسَني بحكم مرضه، وعَوده من تجريدة شاه سوار إلى مدينة حلب، ثم لم يتم لابن مبارك ذلك، وعُزل عنها لما حضر أُزبَك، وحضر معه إينال الأشقر، وكان إذ ذاك نائب غزّة، فنُقل إلى نيابة حماة، وصُرف ابن
(8)
مبارك قبل خروجه إليها من القاهرة، ثم رُشح لنيابة غزّة فامتنع من ذلك
(9)
.
(1)
خبر نيابة الشام في: النجوم الزاهرة 16/ 362، وتاريخ البصروي 29، ونيل الأمل 6/ 287، وإعلام الورى 67 رقم 65، وبدائع الزهور 2/ 461.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
خبر ولاية قانبك في: النجوم الزاهرة 16/ 362، ونيل الأمل 6/ 287، وبدائع الزهور 2/ 461.
(4)
الصواب: "من مقدَّمي".
(5)
في الأصل: "نفرًا".
(6)
خبر التجريدة في: النجوم الزاهرة 16/ 362، ونيل الأمل 6/ 288.
(7)
العنوان من الهامش.
(8)
في الأصل: "بن".
(9)
خبر نيابة حماة في: النجوم الزاهرة 16/ 362، ونيل الأمل 6/ 288، وبدائع الزهور 2/ 462.
[شهر ربيع الآخر]
وفيها استهلّ ربيع الآخر بالجمعة بالرؤية، وطلع القضاة ومن له عادة في هذا الشهر في هذا اليوم لتهنئة السلطان بالشهر، وهو أول شهر هُنّيء به هذا السلطان.
(تقدمة النفقة السلطانية)
(1)
وفيه في يوم السبت ثانيه، ابتدأ السلطان بالنفقة السلطانية على الجند والعسكر، وكانت هذه النفقة تقدمة على غير الوجه المستقيم، وعلى غير العدل والتسوية، ففُرقت على القويّ، ومن له جاهٌ أو شوكة، مائة دينار والشيخ المُسِنّ خمسون دارًا، وبعضهم خمسة وعشرون، ومن كان غائبًا قُطع أصلًا ورأسًا. وأمّا أولاد الناس والخدّام فلم يُلتفت إليهم، ولا أُعطوا شيئًا أصلًا، بل مُنعوا من ذلك. وكانت العادة جرت بالإنفاق عليهم من قديم الزمان، والظاهر يَلَباي هذا أول سلطان منع من الإنفاق عليهم، وكثُر الدعاء عليه بسبب ذلك، ولهجوا بزوال ملكه لقطْعه الرزق، على ما قاله العامّة، فكان كذلك، وزال على ما سيأتي ذلك. وقطع أيضًا نفقة الأمراء مقدَّمين
(2)
الألوف التي جرت العادة بها إلّا من عُيّن للسفر. ثم تسلسل الأمر في تقدمة هذه النفقة في الأسبوع يومين
(3)
السبت والثلاثاء، طبقة بعد طبقة، مع تراخ عظيم ومهلة زائدة حتى إنهم في بعض الأيام لم يُكملوا الطبقة مع تطاول الأيام.
وذكروا أن سبب ذلك قلّة الأموال بالخزائن السلطانية، وأنها لا تُوفي بالنفقة. وكان جميع ذلك عن رأي خيربك لضعف رأي السلطان، وغَلَبة الغير له على الأمر، فصار الناس يتشاءمون بأيامه، وكثُرت فيها الفِتَن والشرور، وعظُمت جدًّا، وقلّ الخير، وغلت الأسعار، وهو مع ذلك لا يأتي بشيء لأنه في قبضة الغير، حتى صارت العوام تقول
(4)
: ليته لا تسَلْطَن، فإنّ عدمه خير من وجوده، لضعف تدبيره، والحَجْر الكلّي عليه، وعِظم أمر الجُلبان. وعمّت المصيبة بهم، بل ربما فعل خيربك أشياء من غير إعلام السلام ولا عرضه عليه، وزادت فتنة الجُلبان وأذاهم فإنهم كانوا في أيام أستاذهم ربّما حسبوا حسابه فاختشوا شيئًا، وأمّا الآن فكانوا هم السلاطين، بل كانوا يصرّحون بالمنّة على السلطان وأنهم هم العالمون بأمره والمُسلطنين له. فانظر بعقلك ماذا يلزم على هذا من المفاسد، فكأنّ السلطان بهذه المقتضيات كلا شيء، ولا مهابة له ولا حُرمة في النفوس، لا سيما وقد لمزه
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
الصواب: "مقدَّمي".
(3)
الصواب:"يومي".
(4)
في الأصل:"يقول".
الكثير من أعدائه بالجهل والحماقة والبلادة والأمّية، بل والجنون
(1)
.
(ولاية قُلَقْسِيز إمرة مجلس)
(2)
وفيه، في يوم الإثنين حادي عشره، استقر جانبك قُلَقْسِيز في إمرة مجلس، عِوضًا عن قانبك المحمودي، بحكم انتقاله إلى إمرة سلاح، عِوضًا عن قرقماس الجَلَب على ما تقدّم
(3)
.
(ولاية بُردُبَك هجين حجوبية الحجّاب)
(4)
وفيه استقرّ في حجوبية الحجّاب بُردُبك هجين، عِوضًا عن جانبك قُلَقْسيز
(5)
.
(ولاية قايتباي رأس نوبة الكبرى)
(6)
وفيه استقر في الرأس نوبة الكبرى قايتباي المحمودي سلطان عصرنا الآن، وكان من مقدَّمين
(7)
الألوف، وقرّر إقطاع أُزبك أيضًا باسمه، فإنه ولي الرأس نوبة عن أزبك المذكور
(8)
.
[ولاية سودون تقدمة قايتباي]
وفيه قُرّر في تقدمة قايتباي سودون القَصرُوي، نقلًا إليها من نيابة القلعة، فصُيّر من مقدَّمين
(9)
الألوف في هذا اليوم
(10)
.
(1)
خبر تفرقة النفقة في: النجوم الزاهرة 16/ 362، 363، ونيل الأمل 6/ 291، وبدائع الزهور 2/ 462.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
خبر ولاية قلقسيز في: النجوم الزاهرة 16/ 363، ونيل الأمل 6/ 291، وبدائع الزهور 2/ 462.
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
خبر ولاية بردبك في: النجوم الزاهرة 16/ 363، ونيل الأمل 6/ 291.
(6)
العنوان من الهامش.
(7)
الصواب: "من مقدَّمي".
(8)
خبر ولاية قايتباي في: النجوم الزاهرة 16/ 363، ونيل الأمل 6/ 291، وبدائع الزهور 2/ 462.
(9)
الصواب: "من مقدَّمي".
(10)
خبر ولاية سودون في: النجوم الزاهرة 16/ 363، ونيل الأمل 6/ 291.
[تعيين خُشكلدي البيسقي مقدَّم أولف]
وفيه صُيّر خُشكلدي البَيسقي الظاهري خُشقدم من جملة مقدَّمين
(1)
الألوف
أيضًا
(2)
.
[استقرار سودون البُردُبكي في نيابة القلعة]
وفيه، في يوم الثلاثاء ثاني عشره، استقرّ سودون البُردُبكي المؤيَّدي المعروف بالفقيه في نيابة القلعة، عِوَضًا عن سودون القَصرُوي.
(ولاية إينال الأشقر نيابة طرابلس)
(3)
وفيه، في يوم الأربعاء، ثالث عشره، استقر في نيابة طرابلس إينال الأشقر الذي تقدّم خبر ولايته حماة، وذلك بعد فَقْد قانباي الحَسَني في نوبة شاه سوار، وشغور نيابة طرابلس عنه، وكان ذلك بسعيٍ من إينال المذكور قبل وصوله إلى حماة والتحدّث في نيابتها، وكُتب إليه تقليدةً بذلك
(4)
.
[إعادة محمد بن مبارك إلى نيابة حماة]
وفيه، في يوم الخميس، رابع عشره، أعيد إلى نيابة حماة الناصري محمد بن المبارك، وعُدّ ذلك من النوادر، كونه وُلّيها ثم عُزل عنها قبل الخروج إليها سريعًا، ثم لم يتم أمر من وُلّيها فيها، وأعيدت إليه، وكونه لم يتولّ غيره بعد عرضها عليه، حتى عُدّ ذلك من عُلوّ همّة محمد بن مبارك هذا
(5)
.
[استقرار مُغُلْباي الظاهري في شادّية الشراب خاناة]
وفيه، استقرّ مُغُلْباي الظاهري من الخُشقدمية المعروف بأُزُن سقل في شادّية الشراب خاناه، نقلًا إليها من حسبة القاهرة، عِوضًا عن خُشكلدي الماضي خبر تقدمته
(6)
.
(1)
الصواب: "مقدَّمي".
(2)
خبر تعيين خشكلدي في: النجوم الزاهرة 16/ 364، ونيل الأمل 6/ 291.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
خبر ولاية إينال في: النجوم الزاهرة 16/ 364، ونيل الأمل 6/ 292، وبدائع الزهور 2/ 462، وتاريخ طرابلس 2/ 52 رقم 127.
(5)
خبر نيابة حماة في: النجوم الزاهرة 16/ 364، ونيل الأمل 6/ 292.
(6)
خبر استقرار مغلباي في: النجوم الزاهرة 16/ 364، ونيل الأمل 6/ 292، وبدائع الزهور 2/ 462.
[حسبة القاهرة]
وفيه استقر طَرَباي الظاهري خُشقدم في وظيفة حسبة القاهرة، عِوضًا عن مُغُلْباي المذكور
(1)
.
[أستادّارية الصحبة]
وفيه استقر في استادّارية الصُحبة سودون الشهابي أحمد بن إينال، وأُمّر عشرة، واستقر في الوظيفة عِوَضًا عن أرغون شاه الأشرفي، بحكم القبض عليه وسجنه على ما تقدّم
(2)
.
[تأمير جماعة من الجُلبان]
وفيه أُمّر جماعة من الجُلبان وغيرهم فوق الخمسة عشر نفرًا، كلٌّ أمّره عشرة، منهم: أركماس البوّاب
(3)
الظاهري خُشقدم، وخُشداشيه قايت البوّاب
(4)
الأبرص، وطَرَباي
(5)
الذي وُلّي الحسبة وكان بوّابًا، وأصباي
(6)
الذي تقدّم ذِكره في كائنة قتْله القتيلين في أيام أستاذه، وأص تمر
(7)
البوّاب، وجانَم الدوادار، ومُغُلباي الساقي
(8)
قريب الأمير قايتباي وابن
(9)
أخته، وهم الكلّ من جُلبان الظاهر خُشقَدم.
وأمّر من الظاهرية الجقمقية: أُزبك اليُوسُفي
(10)
المعروف بناظر خاص، الذي هو الآن أحد مقدَّمين
(11)
الألوف بعصرنا هذا، وكان ساقيًا، وأُمّر أيضًا قانَم
(1)
خبر حسبة القاهرة في: النجوم الزاهرة 16/ 364، ونيل الأمل 6/ 292، وبدائع الزهور 2/ 462.
(2)
خبر استادّارية الصحبة في: النجوم الزاهرة 16/ 364، ونيل الأمل 6/ 292، وبدائع الزهور 2/ 462.
(3)
هو أركماس قرا الظاهري خُشقدم. توفي سنة 873 هـ. وستأتي ترجمته فيها.
(4)
في نيل الأمل 6/ 292 "قانت" بالنون، ولم أجد له ترجمة في الصيغتين.
(5)
قتل طرباي الظاهر خشقدم في سنة 834 هـ. وستأتي ترجمته فيها.
(6)
تقرّر أصباي البواب في ولاية القاهرة هذه السنة. انظر: نيل الأمل 6/ 300.
(7)
في النجوم الزاهرة 16/ 364 "اصطمر"، وفي نيل الأمل 6/ 292 "أصتمر".
(8)
هو مغلباي الظاهري خشقدم. توفي سنة 873 هـ. وستأتي ترجمته فيها.
(9)
في الأصل:"بن".
(10)
مات (أزبك اليوسفي) في سنة 904 هـ. انظر عنه في: حوادث الزمان (بتحقيقنا) 2/ 74 رقم 604، وبدائع الزهور 3/ 414.
(11)
الصواب: "أحد مقدَّمي".
المعروف بقُشَير
(1)
الذي وُلّي الإسكندرية بعد ذلك على ما سيأتي. وأمّر منهم أيضًا قانَم أمير شكار
(2)
، وجَكَم قَرا
(3)
اميراخور الجِمال، وقرقماس أميراخور. وستأتي تراجم هؤلاء في محالّها إن شاء الله تعالى.
وتأمّر من السيفية في هذا اليوم أيضًا: تمُرباي التمرازي المِهْمَنْدار، وبَرسْباي
(4)
خازندار يونس الدوادار الذي صار بعد ذلك أستادّار الصحبة، ووُلّي إمرة الحج بالأول، ثم بالمحمل، وستأتي ترجمته والآخرين إن شاء الله تعالى
(5)
.
[تخلُّص بردُبك من الأسر]
وفيه ورد الخبر بأن بُردُبك نائب الشام خلّص من أمر شاه سوار، وقدم إلى مَرعَش، بل وقيل بأنه كان معه، ثم فارقه لما بلغه وفاة الظاهر خُشقدم، ووصل إلى مَرْعَش، ثم رحل إلى قارا
(6)
ثم كان من خبره ما سنذكره
(7)
.
[الإمساك بنائب الشام وهو عند غزّة]
وفيه في يوم الخميس، أظنّ سابع هذا الشهر، تواترت الأخبار بأن بُردُبك نائب الشام وصل إلى مدينة غزّة، وجاوزها طالبًا القاهرة. ولما تحقّق السلطان ذلك ندب في الحال تمرباي المهمندار، وجَكَم الظاهري أحد الخُشْقَدمية، وأمرهما بأن يسرعا متوجّهين إليه ويستقبلانه، وفي أيّ مكانٍ وجداه يأخذاه ويتوكّلا به، إلى أن يوصلاه إلى القدس، ليقيم به بطّالًا حتى يرى السلطان رأيه فيه. فتوجّها إليه. ثم كان من أمره ما سنذكره قريبًا
(8)
.
(1)
مات (قانم قشير) في سنة 881 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 6/ 200 رقم 693، ووجيز الكلام 3/ 872، والذيل التام 2/ 295، ونيل الأمل 7/ 162 رقم 3014، وبدائع الزهور 3/ 120.
(2)
مات (قانم أمير شكار) في سنة 891 هـ. ويُعرف بقانم السواق المحمدي الظاهري. انظر عنه في: الضوء اللامع 6/ 200 رقم 292، ونيل الأمل 8/ 36 رقم 3386 وفيه قلت: لم يذكره السخاوي في الضوء اللامع، وبدائع الزهور 3/ 230.
(3)
تقدّم قبل قليل.
(4)
هو برسباي الشرفي أستادّار الصحبة. توفي سنة 878 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 3/ 10 رقم 39، ونيل الأمل 7/ 77، 78 رقم 2934، وبدائع الزهور 3/ 91.
(5)
خبر تأمير الأمراء في: النجوم الزاهرة 16/ 364، ونيل الأمل 6/ 292، وبدائع الزهور 4622، 463.
(6)
قارا: بلد بين حمص ودمشق، سكانها نصارى.
(7)
خبر تخلّص بردبك في: النجوم الزاهرة 16/ 364، 365، وتاريخ البصروي 29، ونيل الأمل 6/ 293، وبدائع الزهور 2/ 463.
(8)
خبر الإمساك بنائب الشام في المصادر السابقة.
[فساد الحال أيام يلباي]
وأشيع بأن جميع هذه الآراء المضافة إلى الظاهر يَلَباي ليس له فيها دخل، بل هي صارت عن رأي خيربك وطائفة، لا عن نفس السلطان باختيارٍ منه، وإنّما هو مضطر إلى ذلك خوفًا على نفسه، وكُسر ناموس السلطنة جدًّا في هذه الأيام، وزاد تهكّم العوام، بل وزادت الشرور، وكثُرت الفِتن، وعظُم البلاء والفساد بالنواحي والبلاد، ودارت لفظة "أيش كنت أنا، قُلْ لُو" بهذه العبارة بين العوام، ويعنون بذلك السلطان، ويشيرون إلى أنه لا أمر له ولا نهْي، بل ويصرّحون بذلك تقريعًا وتنكيتًا. وكانت أيامًا عجيبة في بهدلة السلطنة وقوّة شوكة الظاهرية الخُشْقَدميّة، وتضاعف الضرر بالناس، حتى كشف الله تعالى تلك الغُمّة عن قريب، وزاد الحمد للَّه والشكر على ذلك على ألْسِنة العوام. وزال مُلْك يَلَباي كأنه لم يكن، أو كاد أنه ما كان لعدم التمكّن والإمكان، وضعف القوة والسلطان.
ويقال إنه كان- أعني الظاهر هذا- يُسِرّ إلى إخِصّائه بأن الأشياء الصادرة لا عن آرائه، وأنه محجور عن التدبير والاستبداد بالأمر، وأنه كالمجبور على ما يضاف إليه، وأنه لو استبدّ بالأمر لفعل وفعل، ويذكرون عنه أشياء حسنة كان في قصده أن يصدر عنه، وذلك مما يُنبيء أنه كان في قصْد حَسَن، وفيه خير للمسلمين، فلعلّ لأجل ذلك عاجَلَ الله تعالى أخذه، ولم يهيّئ له أسباب الاستبداد، حتى يتمّ فساد هذا العالم، فإنه المسكين ما ظهر منه نتيجة من يوم سلطنته إلى يوم زواله.
(ضيافة أُزبك وخروجه إلى نيابة الشام)
(1)
وفيه، في يوم الأحد، سابع عشره، بعث السلطان بطلب أُزبَك نائب الشام إلى ضيافةٍ هيّأها له في هذا اليوم، واحتفل بها، وكانت ضيافة هائلة، حضرها أُزبُك المذكور عند السلطان بالبَحْرة. ولما انتهت الضيافة خلع عليه، ونزل مبيِّتًا على سفره في الغد، وكان نزوله من هذه الضيافة إلى داره بأُبّهة زائدة، ثم أصبح من غده في يوم الإثنين ثامن عشره، وهو مبرّز للخروج من القاهرة لمحلّ كفالته، فطلّب تطليبًا هائلًا، وعُمل له الموكب بالقصر، وجلس السلطان بالشبّاك الأعظم الذي بالقصر لرؤية خروجه بطُلْبه، واجتيازه بالرُميلة تحت القلعة، ومرّ الطُلْب شاقًّا الرملة بأبّهة زائدة وتجمّل عظيم، وتوجّه إلى الريدانية، فأقام بها ثلاثة أيام، ثم استقلّ بالمسير إلى جهة دمشق
(2)
.
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
خبر ضيافة أزبك في: النجوم الزاهرة 16/ 365، وتاريخ البصروي 29، ونيل الأمل 6/ 293، وبدائع الزهور 2/ 463.
(قراءة تقليد السلطان)
(1)
وفيه، أعني هذا اليوم، كانت قراءة تقليد السلطان بالقصر الكبير، وحضر الخليفة والقضاة الأربع، فلما تمّت قراءته أُحضرت الخِلَع، فخلعٍ على كاتب السرّ، ثم قضاة القضاة على الترتيب ثم الخليفة، ونزلوا، وكان وقتا مشهودًا، لكنْ لا طلاوة عليه لكون أنّ السلطان فيه كالعارية أو الآلة.
(وصول بُردُبك البَجْمَقْدار إلى القاهرة)
(2)
وفيه- أعني هذا اليوم، في آخره- قدم بُردُبك البَجْمَقدار نائب الشام إلى القاهرة، واختفى بمكان بظاهرها، وبعث إلى تمر الوالي خُشداشه يعرّفه بمكانه، وأنه تجهّز في تلطيف أمره، فعرّف تمر السلطانَ بذلك، فقامت قيامته.
فيقال إن بُردُبك هذا ما اجتاز في قدومه بقَطْيا ولا قدِمها.
ويقال: إنه اجتاز بها مختفيًا، وأبعد عند الدَّرْكاه
(3)
فلم يجتز بها، ولم يَصدف تمرباي المهمندار وجَكَم، ففاتاه وفاتهما.
ويقال: إنهما رأياه وتواطآا
(4)
معه على عدم معارضته، وأنهما اجتمعا به في ذلك خفية، ومكّناه من التوجّه للقاهرة عساه تُعمل مصلحته، وأظهرا أنهما لم يصدفاه.
ويقال بأنه اجتاز في مجيئه على البدوية لا على قَطْيا.
ويقال غير ذلك. وما حرّرت ذلك، واللَّه أعلم.
ثم عاد تمرباي وجَكَم، وقبل أن يصلا للقاهرة وصل هو إليها، ولما تحقّق السلطان ذلك وقامت قيامته ندب أزْدَمر من يَلباي الظاهري المعروف بتمساح
(5)
، بأن يتوخه إليه لمكانه الذي هو به وتوكّل به حتى يوصله إلى القدس بطّالًا، وأنه لولا مراعاته لما حلّ به الخير، فتوجّه أزدمر هذا وفعل ما أُمِر به، وأوصله إلى القدس، وعاد بعد أيام.
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
في الأصل: "وتواطيا".
(4)
الدركاه: لفظ فارسي معناه: عتبة العظماء، يُستعمل أحيانًا مخففًا بلفظ دركه DARGAH.
(5)
أزدمر من يلباي الظاهري المعروف بتمساح، توفي سنة 900 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 2/ 274 رقم 857، وإنباء الهصر 381، وتاريخ الملك الأشرفي قايتباي 37، والمجمع المفنّن 2/ 47، 48 رقم 682، وحوادث الزمان 1/ 378 رقم 512، وبدائع الزهور 3/ 307، والتعليق، لابن طوق (مخطوط) 258 أ.
367 -
وأزدمر هذا هو الذي يقال [له] التمساحي، وتمساح أيضًا، وهو أحد مقدَّمين
(1)
الألوف بعصرنا هذا، فكان ممّن بقي من كتابيّة الأشرف بَرْسْباي، ومَلَكَه الظاهر بعده، وصيّره خاصكيًّا في دولته، ثم أمير عشرة في دولة الظاهر خُشقدم، وصُيّر من رؤوس
(2)
النُوَب، ثم رقّاه خُشداشه الأشرف قايتباي بعد أن تسلطن، كما سيأتي، أنْ صيره من الطبلخاناة، وولّاه الرأس نوبته الثانية بعد بُردُبك المشطوب، ثم نقله إلى تقدمة خيربك من حديد بعد مدّة من ذلك، لما أخرج خيربك هذا مغصوبًا عليه إلى قلعة دمشق، بعد كائنة باينْدر على ما سيأتي. وبئس البديل ذلك الخيّر، الديّن، الفقيه، الصالح، بهذا الجاهل، السيّئ، الفاسق، ولعلّ النسبة عنهما التَّضادّ.
وخرج أزدمر هذا أميرًا على الحاج بالمحمل في سنة ثمانٍ وتسع وثمانين، ولم تُحمد سيرته في ذلك، وهذا شأن سيّئ السيرة في كثير من أحواله، ويُذكر عنه أشياء كثيرة، من جملة ذلك التظاهر باللواط مع شيخوخته، ويوصف ببُخل وشُح زائد. وشهرته تُغني عن مزيد ذكره، لكنّه من الفرسان الشجعان.
وقد بلغ السبعين سنة، أو جاوزها.
[إمرة الحاج بالمحمل]
وفيه، في يوم الثلاثاء، تاسع عشره، استقر في إمرة الحاج بالمحمل جانِبك كوهيه
(3)
، أحد مقدَّمين
(4)
الألوف، وخلع عليه بذلك وعلى تَنِبك الأشرفي المعروف بالمعلّم
(5)
في إمرة الركب الأول
(6)
.
[شهر جمادى الأول]
وفيها استهلّ جمادى الأول
(7)
بالأحد، وهُنّيء السلطان به.
(1)
الصواب: "أحد مقدّمي".
(2)
في الأصل: "روس".
(3)
توفي (جانبك كوهيه) في سنة 887 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 3/ 60 رقم 240، ونيل الأمل 7/ 310 رقم 3200، وبدائع الزهور 3/ 192.
(4)
الصواب: "أحد مقدّمي".
(5)
انظر عن (تنبك الأشرفي المعلّم) في: إنباء الهصر 215 و 303 رقم 6، ونيل الأمل 6/ 429 رقم 2864، وبدائع الزهور 3/ 53.
وهو توفي سنة 875 هـ.
(6)
خبر إمرة الحاج في: النجوم الزاهرة 16/ 365، ونيل الأمل 6/ 293.
(7)
كتب فوقها: "الآخرة".
[الإشاعة بفتنة الخشقدمية]
وكثُرت فيه الإشاعة بين الناس بأن الجُلبان الخُشقَدَمية قد أضمروا شرًّا، وأن في قصدهم إثارة فتنة وأن يركبوا، ولم يُعلم صحة هذا الخبر، غير أن الأمراء المؤيَّدية من خُشداشي السلطان كيشبُك الفقيه، وكان قد حضر من الصعيد بعد التوجّه بقرقماس الجَلَب ومن معه إلى سجن الإسكندرية، وقانِبَك المحمودي، ومُغُلباي طاز، وجانِبَك كوهيه، وجُمَيْعة أُخَر، امتنعوا من الطلوع إلى القلعة للخدم السلطانية في هذه الأيام، وهم يختشون ويحذرون من خير بك وأصحابه. لا يُثنون عليهم. ثم أشيع بأن السلطان متواطئ مع المؤيديّة على عدم طلوعهم، وأنه هو الذي قال لهم: إفعلوا ذلك، ونقص وكثُر القيل والقال. ثم آل الأمر في ذلك إلى اتفاق المؤيّديّة مع الطائفة الأشرفية البَرْسْبائية والإينالية، كل ذلك بتدبير السلطان يلباي وتواطئه مع خُشداشيه على ذلك. وكان تدبيرًا لائقًا، ولكن لم يتم برأي معكوس رآه يشبُك الفقيه، وكان فاسدًا لا رأي لمن دبّره، ولا يكاد أن يكون عنده مسألة
(1)
من عقل، كل ذلك لنفوذ القضاء والقدر، وبلغ الجُلبانَ ذلك وتحقّقوه، فخافوا على أنفسهم، فأخذوا في الإنكار، واجتمع رأيهم قبل تشتّت الكلمة وغلبة الأعداء، حيث قيام شوكتهم وبقاء كلمتهم وغلبتهم على الأمر، وتمكّنهم من السلطان ومَلْكهم القلعة، واتفاق كلمتهم مع الظاهرية وآرائهم أن أطلعوا الظاهرية على ما في ضميرهم، واتفقوا معهم -أعني مع الظاهرية الجقمقية- إذ هم الذين كانوا قاموا بدولة أستاذهم الظاهر خُشقدم، وهم وإيّاهم طبقة واحدة، وكلمتهم متفّقة وهم حلفاء.
وكان الظاهر يَلَباي لما حَجَر عليه خيربك وحَرَمه، ودبّر هو المملكة كما يريد ويختار، مع إضافته للسلطان وهو لا يريد ذلك، واختش من شوكة الجُلبان، ومن شروعه في قبْضه عليه، أخذ في تدبير جيّد لو صعِد معه، فاتفق مع أعقل خُشداشيه حينئذٍ وأكملهم رأيًا وعزمًا في زعمه، وهو يشبُك الفقيه الدوادار الكبير، في أن يحرّك فتنة تكون مندوحة لحصول غرضه من استبداده بالأمر، وأمر بأن يجمع من اتفق وإيّاهم من الطائفة الأشرفية البَرْسْبائية والإينالية، بل والسيفية، ويوضح لهم الأمر والمقصد، ويعرّفهم بأنّ من قصْده القيام لأجل تخليص السلطان من الأسر، وطيّ بساط الظاهرية من الطائشين، وسُئل الجميع من البين
(2)
؟ ويقول لهم إن لم تفعلوا ذلك وإلّا فقد هلكتم كلكم، ويعدّد لهم مساوئ الظاهرية
(1)
في الأصل: "مسلة".
(2)
هكذا في الأصل.
واتفاقهم مع الخُشْقدمية عليهم، وقام وإيّاهم أتمّ القيام، على أنّ له الجُلبان ومَن هو من حزبهم، ثم يكون المقرّبون وذوو
(1)
الأمر والنهْي هم وأعيان خُشداشيهم. وكان هذا الرأي رأيًا حسنًا لا بأس به، بل كان رأي حزم وتدبير صادر عن عقل تام ومعرفة وخبرة زائدة وحنكة. لكنْ لو لم يطّلع أولئك عليه، ولا على كون السلطان هو المدبّر له، بل اطّلعوا عليه قبل تمامه، فأخذوا في نقضه قبل انبرامه، ولم يطّلع من دبّره على أنهم اطّلعوا عليه، ففات الحزم بسبب ذلك، وضاقت فيه المسالك، وعلم الظاهرية الخُشْقَدمية أن الغرض من ذلك إنزالهم من القلعة، بل إزالتهم ومن هو على طريقتهم أصلًا ورأسًا، ليستبدّ يَلَباي بالأمر، فيقبل الظاهر يَلباي ومن معه على ما هم عليه من إطلاع أولئك، وكان جُلّ غرض يَلباي إزالة الجُلبان، بل وبعض الظاهرية، وإذا تحرّكت الفتنة يُظهر هو أنه لا غرض له عند أحد، ولا معه، ثم يأخذ في التحيّل في عمل مصلحة نفسه على يد غيره، ويُظهر بأنه كالحَكم بين من أثار الفتنة وبين الجُلبان، حتى يأمر بنزولهم على جهة المصالحة بينهم وبين الثائرين، كأنه أرضى الطائفتين قبل أن يتقاتلوا، ويُظهر صورة الصلح بينهم، وأنهم إذا اجتمعوا ثم قاموا يقال هو غير ذلك. ثم نزل إليهم لمنزل يشبُك الفقيه هو وجماعة من الظاهرية الكبار، ثم إنْ قدر على إزالة الجلبان أصلًا ورأسًا فعل، و [إ] لّا فلا أقلّ من أن يُصلح بينهم لكبت هذه الفتنة بنزولهم. ثم إذا استفحل أمره بعد ذلك يفعل ما يشاء، هذا بعد أن يركب
(2)
التحاتي ويعلنوا بالقيام عليه قبله، ويبعث هو إليهم فيسألهم عن غرضهم من ركوبهم ما هو؟ مُظهِرًا بأنه لا شعور له بشيء مما هم فيه، فبالضرور أن يجيبوا بأنّ جُلّ غرضهم التساوي، كونهم أسفل القلعة، لأنهم لا تعجبهم حال الجُلبان، وأنهم لا طمأنينة لهم بهم ولا بخيربك وغيره من الخُشْقدمية، ولا يريدون أن يكون كل إنسان إلّا فيما هو بصدده، ولا يداخلون السلطان ويقلّبونه على التعالي، ويفعل لهم ما يختارونه
(3)
، ولكون هذا القول عندما يظهر غلبة الجُلبان وتلاشي أمرهم، فإذا أذعنوا للنزول وخلت القلعة منهم استبدّ هو حينئذٍ بالأمر، وفعل ما في ضميره. ولقد كان هذا رأيًا صائبًا كما بيّنّا، ولكن لو لم يطَّلع أولئك عليه كما ذكرناه، أو لو نزل هو في أول الأمر فخنق الكائنة لأتى بيانها، أوْ لو أذِن لهم بأن يطلعوا إليه حين تظاهروا بالركوب يدًا واحدة إلى القلعة قبل اطّلاع الجُلبان على الحال والوقوف عليه، ثم يأخذوا في أسباب تمام ما دبّروه، حتى يتم لهم ذلك، لكن لا مفرّ من القَدَر، وإذا نزل القضاء غمّ البصر، ففات هذا المقدار من الرأي، وفات التحاتي التدارك، كما سنذكره
(1)
في الأصل: "وذوي".
(2)
في الأصل: "يركبوا".
(3)
في الأصل: "يختاروه".
لك. واطّلع خيربك وأتباعه على رأي أولئك، وأنه حيلة ومكيدة لزوالهم، فأول شيء فعلوه بعد أن وقع لهم خبط كبير في الرأي، أنْ زاد احتياطهم على يَلَباي الظاهر، كما ستعرف ذلك، وصار معهم كالموكَّل به، بل وكّلوا به في صورة الخدمة له، وأدرك هو ذلك، ولا قدرة له ولا رأي عنده في دسّه للتحاتي بإعلامهم بما اطّلِعوا عليه، ليبنوا رأيهم على ذلك، فإنّ التحاتي ما شعروا بذلك أصلًا، ولا جاء ببالهم أن يطّلع أولئك عليه. ولما اطّلع خيرُبَك والجُلبان على هذا الأمر والمقصد، احتاجوا إلى الإذعان للطائفة الظاهرية الكبار، ويحسّنوا لهم أن يكون كلّهم كلمة واحدة على قلب رجل واحد، ولا الذي يصيبهم هو بعينه صائب الآخر، فاتفقوا على خلع الظاهر يَلَباي، وولاية الأمر من شاءه الظاهرية الكبار من أكابر أعيان الأمراء منهم، فوافقهم
(1)
الظاهرية على ذلك، لا سيما وهو غاية مقصدهم، ومنتهى بُغيتهم، وأقصى أَرَبهم، فأخذوا -أعني الظاهرية الكبار بعد ذلك- في التدبير على عوائدهم في حِيَلهم ومكايدهم، وذلك هو الحزم في مثل هذه الحالات، وفي هذا المقام، بل هو العزم، فأول شيء بدأوا به استمالتهم كبير الطائفة الأشرفية الكبار، وهو إذ ذاك جانبك قلقسيز أمير مجلس، لا سيما وقد قبض يَلباي على قرقماس الجَلَب وغيره من الأشرفية خُشداشيه، بأن أسندوا ذلك إلى يَلَباي، وحسّنوا له أن جُلّ غرض يَلَباي الإنفراد مع طائفة المؤيّدية ومعهم السيفية، وإزالة أكابرنا وأكابركم وأكابر الخُشقدمية، وأنه لا غرض له في غير ذلك. ولما سمع جانبك ذلك مال إليهم وصغى
(2)
لقولهم، لا سيما مع ما هو فيه من السذاجة، لا سيما في مثل هذه الأوقات، فوعدهم باستمالة طائفته وممالأتهم على المؤيديّة، وإنّ درَك استمالتهم مع الطائفتين عليه، وتوافقوا، بل ويقال تحالفوا على ذلك بأن يكونوا عُصبةً واحدة على من عداهم، وكان ذلك بعد أن اطّلع خيربك وحرسه على ما أضمره
(3)
يَلباي، وما اتفق عليه مع المؤيّديّة أظنّه، فنقل إليهم من بعض الأفواه، بعد ركوب يشبُك الفقيه في اليوم الآتي، فدبّروا هذه التدابير، ورأوا هذه الآراء في آخرتها، والخميس الآتي ذكره. وكان قبل هذا التدبير ما سنذكره، وإنّما ذكرنا هذا مقدّمًا على وقته لأن عليه يتّسق الكلام ويحسُن الانتظام، لتكون على بصيرة من هذه الكائنة، وإن كان قد وقع بعد ذلك
(4)
.
(1)
في الأصل: "فوافقوهم".
(2)
هكذا، والصواب:" وأصغى".
(3)
في الأصل: "ضمره".
(4)
خبر إشاعة الفتنة في: النجوم الزاهرة 16/ 365، 366، ونيل الأمل 6/ 294، وبدائع الزهور 2/ 464.
[تهيئة الظاهر يَلَباي للموكب]
وفيه، في يوم الأربعاء، رابعه، تهيّأ الظاهر يَلباي للموكب في يوم الخميس على العادة، فعُملت القبّة [و] الخدمة بالقصر على العادة، وطلع الأمراء مقدَّمو
(1)
الألوف على العادة الجارية في ليالي الخدمة للمبيت بالقصر، وطلع في جملة من طلع جانِبَك قلقسيز، ولم يخالف في الطلوع سوى يشبُك الفقيه، وقانِبَك، ومَن تقدّم ذِكرهم، وهم على عادتهم قبل ذلك في الانقطاع عن المواكب في هذه الأيام، لما بيّنّاه لك فيما أسلفناه، وخاصة جماعة أُخَر غير من ذكرنا من الأمراء المؤيّديّة، ومنهم طوخ الزَّرَدْكاش
(2)
، وهو من أجلّ الأمراء من الطبْلخاناة، وكان قد نقل غالب ما بالزَرَدخاناة السلطانية من الآلات والأسلحة، حتى القبّة والطير، فإنها أُخفيت من ذلك اليوم، ولم يوجد بالزَرَدخاناه ما ستعرفه، وفُقد من الزردخاناه أشياء أُخَر كثيرة، ونزّل أكثر آلات الزَّرَدْخاناة إلى دار يشبُك الفقيه، لأجل أن يحصّنها، فإنه أخذ في تحصينها لا سيما الباب، ونزل طوخ بهذه الآلات من غير شعور أحدٍ من الجُلبان، ولم يدع بالزَّرَدْخاناة إلّا أشياء يسيرة، ونزل بعامّة ما كان بها من آلات الحرب والأنفاط وغير ذلك إلى دار يشبُك كما قلناه، وذلك بمواطأته مع السلطان على ذلك، وأخذ يشبُك الفقيه في هذه الليلة -أعني ليلة الخميس خامس جماد الأول- يدبّر حاله ويحصّن داره وبابها وحيطانها، ومعه عدّة جماعة كبيرة ممن انضمّ عليه من المؤيّديّة والأشرفية الكبار البَرْسْبائية، وفيهم جماعة من الأعيان، ما بين أمراء عشرات، وغيرهم من أعيان الأغوات من الخاصكية والأجناد، وكذا الطائفة الأشرفية الإينالية، وجماعة أيضًا من السيفية، من أمراء وخاصكية، واجتمع من ذلك الجمع الوافر من العساكر، وصاروا من المقاتلين لأخصامهم بالقوّة.
(واقعة يشبُك الفقيه)
(3)
وفيه، في يوم الخميس خامسه، أصبح يشبُك الفقيه معلنًا بظهوره عن القوة
(4)
إلى الفعل، وقد تكاملت عنده تلك الطوائف التي قدّمنا ذكرها
(5)
، وتوفّرت
(1)
في الأصل: "مقدمين".
(2)
مات (طوخ الزدركاش) في سنة 886 هـ. انظر عنه في: نيل الأمل 7/ 306 رقم 3103، وبدائع الزهور 3/ 191.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
في الأصل: "من القوة".
(5)
في الأصل: "ذكرهم".
الجموع التي كان وقع الاتفاق معهم على ذلك، فحضر الجميع إلى منزل يشبُك هذا، وهُرعوا إليه من كل جانب، ووردوا عليه، وأظهروا لامة الحرب والقتال، فتدرّعوا وتسلّحوا، واجتمع على يشبُك هذا من الخلائق ما لا يكاد أن يُعدّ ولا يُحدّ، من كل طائفة، ونالت الزُّعْر من العامّة والعبيد معه، وكانوا جمعًا هائلًا حافلًا إلى الغاية، وبلغ ذلك مَن بالقلعة، فخافوهم الخوف الشديد الذي ما عنه مزيد، وبَدَرُوا بلبْس آلة الحراب والضراب، واضطّربت القلعة وماجت، و [لو] قصد إلى جهة القلعة وضربها بقدمه قبل تمام أمرهم واطّلاعهم على حقيقة ما دبّره هو والظاهر يَلَباي، لكان له شأن وأيّ شأن، لكنه لم يخرج وتقاعد، فلم ينتج من أمره شيء
(1)
، ولا من أمر من كان معه في البيان، لعدم مَن يقوم بأمرهم، وكانت المندوحة في تباعد يشبُك عن الركوب بنفسه، والسبب فيه ما قدّمناه لك من تواعده مع السلطان، حين وقع اتفاقه معه وتواطؤه
(2)
في أمر هذه الوقعة، بأنه ينزل إليه ومعه الظاهرية الكبار، ظنًّا منه أن ذلك في وُسْعه، وفاته الحزم في ذلك، وما فكّر في كونه يصير كالأسير، بل ومحكومًا عليه في قبضة خيربك ومن معه من حزبه، حين اطّلاعهم على باطن القضية، فكان كذلك. وكان يشبُك لم يعلم بذلك، فبقي في هذا اليوم كأنه مقيّد عن البيان، لأنه في انتظار أن يأتيه السلطان، ففشل بسبب تواعده الكثير من جمعه، بعد أن خاف منهم مَن بالقلعة ومن الخُشقدمية خوفًا شديدًا، ولما رأى القَلْعيّون عينها، أخذوا السلطان، ونزلوا به إلى باب السلسلة للإسطبل، فأجلسوه بالمقعد المُطِلّ على الرُميلة، وهم غافلون عن مواطأته مع يشبُك، ظانّين بأن يشبُك حنق من السلطان، وقام عليه يطلب الأمر لنفسه، ثم شرعوا في قتال أصحاب يشبُك ممّن أُسِر بالرملة منهم، وهو جالس بداره، والعساكر تخرج منها أفواجًا أفواجًا، ويقصدون الصليبة، وتنزل الجُلبان إليهم من القلعة، فتارة يقع القتال والحرب بينهم بوسط الصليبة وتارة بالبياطرة بسفل الخانقاه الشيخونية، وتارة برأس سُويقة عبد المنعم.
وكنت أنا في ذلك اليوم في أوائل النهار بالخانقاة الشيخونية، فكانت التحاتي تأتي إلى القتال، ويحرّضون بعضهم البعض، بعد [أن] يقول بعضهم لبعض: ما ركب الأمير؟ على جهة الاستفهام، ويَعْنون يشبُك الفقيه، فيقال: لا تفتر همّتهم وعزائمهم، ولا زالوا متطلّعين إلى غلبة أخصامهم، مستشرفين لأخذ القلعة في ساعتهم تلك. وتقاعد يشبُك في هذا اليوم لأمرٍ قدّره اللَّه تعالى، ولا يقربه حتى
(1)
في الأصل: "شيئًا".
(2)
في الأصل: "وتواطيه".
بقي الزُعر يقولون للجند ألّا يتوجّهوا للأمر فتركبونه ويُحطّم حطمة واحدة، وينقضي بالفعل، فإن القلعيّين في غاية الخوف منّا، ألا أمضوا إليه واغْصِبوه على ركوبه، وتزحف الحربية زحفة واحدة، فنأخذ القلعة، وكان يبلغ يشبُكَ ذلك، وهو مع ذلك متقاعد جالس بداره، وهو يحرّض على القتال، منتظرًا نزول السلطان إليه براية العسكر، غير مفكّر فيما هو فيه يَلَباي، على أن يلباي كان في هذا الوقت قبل إطّلاعه على باطن القضية يمكنه أن يطلب مركوبًا، وينزل بنفسه في الحال، قائلًا: أنا أنزل إليهم بنفسي، وأنظر لِمَ
(1)
قاموا هذه النائرة، وادعُهم يفعلون
(2)
بي ما شاءُوا
(3)
، بل أنا الذي أخرجتهم من الأمر، وانظر ماذا غرضهم من قيامهم، وكان لا مانع له من ذلك في بكرة النهار، قبل الاطّلاع على ما كان وقع به من العوالي
(4)
، فإنهم ما عرفوه، ولا اطّلعوا عليه إلّا بعد حين، لكنّه المسكين كان بريئًا، ودَهَمَه الفِكر، وبقي يختشي أن يطّلعوا على مقصده، ويظنّ أن يشبُك إذا استبطأ
(5)
نزوله إليه ركب بنفسه، فطلع هو إليه، ولهذا لم يقتحم النزول إليه، ولا اهتدى إلى أن يرسل إليه بإعلامه، بأنه يختشي من إطّلاعهم، ويأمره بأن يركب ويجيء إلى باب السلسلة، ويشبُك أيضًا لا مروءة عنده بأن يقوم فيركب، ويتلافى الأسر بنفسه، لا سيما بعد أن اطّلع على مقصد يَلَباي وتواطئه مع يشبُك، فبقي يشبُك قبل الاطّلاع ينتظر طلوع السلطان، والسلطان ينتظر يشبُك، حتى فَرَط الفارط، واطّلعوا على مقصدهم، وباتوا طواء عليه، وكان ذلك في آخر النهار، فأخذ القلْعيون، وهم خيربك وحزبه ومن عنده، يدَبّرون الأمر في ذلك، حتى غلب تدبيرهم على تدبير أولئك.
وكان من خبر ذلك أنه لما زاد القتال في هذا اليوم بين التحاتي ومَن بالقلعة من الجُلبان بحرب الفواق غاية الحيرة، وداخَلَهم الخوف الشديد، وكان أمر التحاتي أن يروج وينتج إنْ لو كان يشبُك ومن معه من الأمراء قد حضروهم وركبوا بنفوسهم، لكن لم يتّفق له ذلك لِما قدّمناه. ودام القتال بين الفريقين في شوارع الصليبة من أول النهار إلى آخره، وقُتِل منهم طائفة متعدّدة من الفريقين، وتباطأ
(6)
الناس والزُعر، يشبُك الفقيه ومَن عنده من الأمراء ونحوهم. وظنّوا أن تقاعده عن القتال بنفسه عجْزًا منه عن مقاومة مَن بالقلعة، وكان هذا سببًا لانتكاسه وخموله، وبداية انحلال أمره وانحطاطه، ونَفَرَ عنه أكثرُ الخلق، بعد أن كانوا قد قاموا بهمّةٍ
(1)
في الأصل: "لما".
(2)
في الأصل: "ودعهم يفعلوا".
(3)
في الأصل: "ما شاوا".
(4)
في الأصل: "النوالي ".
(5)
في الأصل: "استبطاء".
(6)
في الأصل: "تباطاء".
وعزم قويّ، وكان أكثر نفْرهم إلى ركوبه، وهو لا مُرُوّة عنده في أن يقوم فيركب بمن معه.
واتفق لي آخر هذا اليوم إلى أن اطّلع خيربك وحزبه على مقصد الظاهر يَلَباي وتواطئه مع خُشداشيه، على ما أشرنا إلى ذلك آنفًا، فدبّروا ما قدّمنا ذِكره من اتفاقهم مع الظاهرية والصغار، ومن هو من حزبهم، فاستمالوهم في الحال، وقالوا: هم أيضًا من غير تأخير، لا سيما وقد اتفقوا معهم على سلطنة تمربُغا أو من شاءه
(1)
الظاهرية من أعيانهم باختيارهم، ثم أخذ الظاهرية الكبار في استمالة الأشرفية الكبار، على ما بيّنّا ذلك، بل والصغار أيضًا على ما تقدّم. ومن هذا الوقت أخذوا في الاحتياط التام بيَلَباي، واختشوا من نزوله إلى خُشداشيه، فصار موكَّلًا به في أيديهم كالأسير، ولم يعلم يشبُك الفقيه ذلك، إذ لو علمه لبَدَر لهدم القلعة قبل تمام رأيهم. ولما تمّ رأي هؤلاء وأبرموا أمرهم مع الظاهرية، أخذوا من ذلك الحين في إنكائهم للظاهر يَلَباي والازدراء به ومقتوه، ولوّحوا له بما يكره، بل وصرّحوا له به من بعضهم في وجهه، وصار محصورًا معهم، وطال عليه ذلك في بقيّة يوم الخميس، وكان جالسًا على المدوّرة، والأتابك تمُربُغا جالس بين يديه، وقد رُشح للسلطنة، والظاهر يَلَباي على عِلم ذلك لقرائن صريحة في ذلك. ثم ترادف بعد انبرام الرأي طلوع بعض الطوائف إلى القلعة في يوم الجمعة، كما سنذكره، لما انبرم رأيهم في آخر هذا اليوم على ما ذكرناه، وأصبح يوم الجمعة سادس جماد الأول، أصبح العسكر على ما أمسوا عليه من القتال، لكن لا بذاك اليوم والجزع الشديد، وكان ذلك بعد الاتفاق المذكور، وانبرام الرأي على زوال المؤيّديّة. ودام القتال في هذا اليوم أيضًا، كل ذلك ويشبُك الفقيه بقلّة رأيه وتدبيره الفاسد جالس إلى مقعد داره، مشغول بتحصين بابها وحيطانها، والناس تتعجّب من ذلك وما الغرض منه، وباللَّه العجب كيف يقوم الواحد من هؤلاء بأمرٍ مَهُول، فيه الخطر العظيم وتلاف الأنفس، ويقدم على مثل ذلك، وهو غافل عن تدبير عدوّه الذي هو بين ظهرانيه وإلى جانبه. فرحم اللَّه الملوك الأُوَلى ذوي الآراء والحنكات والتدابير، الذين كانوا يحسبون حساب أعدائهم
(2)
على البُعد المديد، ويتعرّفون أخبارهم وما هم فيه من الآراء، فيعملون بمقتضى ما يظهر لهم، وهؤلاء مع قربهم من أعدائهم وارتكابهم هذه المشاق والأخطار، لا يتنسّمون الأخبار، ولا يجول في الرأي أفكارهم، ولا يعرفون الأحوال، وما ذلك إلّا خذْلان
(1)
في الأصل: "شاوه".
(2)
في الأصل: "اعداهم".
من اللَّه تعالى بعد الظاهر، ونقصان بعد الكمال والتكاثر، ليظهر فِعل الفاعل الكبير، وليعلم أن اللَّه على كل شيء قدير، فدام قتالهم كما قلناه من أول هذا النهار إلى آخره، والتحاتي يكادون من غبْنهم من عدم ركوب يشبُك الفقيه أن يأكلوا أيديهم، فبقي يحرّض بعضهم البعض في أن يحسّنوا ليشبُك ومَن عنده من الأمراء الركوب، وكلّما تكلم مع يشبُك في مثل ذلك أجاب بما لا فائدة فيه ولا طائل تحته، وشغله الأخذ في تحصين حيطان داره وبابها، ونصب عليها المدافع والنفوط، وسَتَر، وحَصّن، ظنًّا منه أن السلطان سيأتيه، ولا علم عنده بما السلطان فيه من أمره، وحصْره، والتوكيل به ولا مروءة له في إرسال من هو كالجاسوس ليفهم الأخبار وإعلامه بها، ولا ليَلَباي أيضًا فرأوه
(1)
، ولا عنده دُربة، ولا يتعدّى إلى أن يبعث من شاء خفية ليشبُك يُعلمه بالحال، وما هو فيه من الحصر، على أن كل ذلك مما هو ممكن لهما، لكنْ ما اهتديا إليه، ولا وُفِّقا بأن يعرّجا عليه.
ثم وقعت أمور يطول الشرح في جُمَلها، فضلًا عن تفاصيلها، فيها من الحِيَل من الظاهرية، والمكائد التي لا تُعدّ من استمالتهم الأشرفية الكبار بطريقة يعجز عنها ساسان. ولما مالت الأشرفية الكبار إلى العسكر الفوقي، على ما أشرنا إليه إجمالًا فيما تقدّم، وفارقوا يشبُك، اختلّ أمر الأشرفية الصغار -أعني الإينالية-، فمالوا أيضًا مع الفواقي، لا سيما وقد أشاع الظاهرية أن غرض المؤيّدية الانفراد، وهم أعداء لكم بالطبع يا أشرفية، وإن كانوا أصدقاء لك، فقد ظهرت عداوتهم، فما بقي إلّا أنهم إذا تمكّنوا أو الوفاء وإيّاكم، ونحو ذلك من الأشياء، فاتفق الجميع على المؤيّدية، وقد مات حزم المؤيّديّة وعزمهم الجدلي الإبتداء بتباطُئهم وتقاعدهم وعدم الجسارة، وما نظروا إلى قول من قال: من جسَر كسر، ومن هاب خاب، ولا بقول الشاعر: وفاز باللذّة الجسور. على أن ذلك لجسور مفرّ، فما بالك بالمجسور الغالب، وما حضر يشبُك بأن للتأخير آفات. وأما بقيّة من كان مع يشبُك من السيفية وغيرهم، فإنهم لما رأوا تقاعده، ووقع القيل والقال في الجماعة، وظهر فرار الأشرفية إلى الفواقي بالقلوب، قبل الشروع فيه، فترت عزائمهم، وبردت هممهم، وتقاعدوا عن القتال، بل ذهب الأكثر منهم، ووهنت المحاربة وظهرت أماير خذلان يشبُك وطائفته، بعد أن كان لهم العزم والهمّة العالية، والقيام بالقلب، والغالب في القتال، وكان جيدًا في مناديه من سائر الجهات، ولا سيما العبيد والزُعر، حتى لو ركب يشبُك في الميادين وحطم لما
(1)
في الأصل: "فروه".
احتاج إلى القدر من العسكر لكثرة الزُعر والعبيد وجِدّهم وعزمهم.
ثم لما أمسى على يشبُك هذا الليل في ليلة السبت، (نظر)
(1)
فرأى نفسه وحده مع المؤيَّدية خاصّة، وماذا عسى أن يفعل هو بذلك الجمع الوافر، والجيش المتكاثر، وكثرة العساكر، ومع ذلك ما تحرّك، فعرف من نفسه أن حركته الآن لا تفيد، فقام من وقته وأخذ في أسباب اختفائه واختفى، وكذلك فعل قانِبَك وغيره من المؤيَّدية من خُشداشيه، وذلك كله بعد أن ركب جانِبَك قلقسيز وقايتباي المحمودي في يوم الجمعة هذا. وبقيا يحرّضان
(2)
خشداشيهما على مقاتلة التحاتي، بعد أن كانوا معهم
(3)
.
[خلع الظاهر يلباي]
وأمّا ما كان من أمر الظاهر يَلَباي، فإنه كان في يوم الجمعة لما انبرم رأي الفواقي، واستمالوا من استمالوه، جالسًا على المدوّرة كما قد بيّنّا، وإلى قربه بين يديه تمُربُغا، فصارت التحاتي إذا طلع منهم من مال إلى الفواقي يجيئون إلى يَلَباي، فيقبّلون له الأرض حشمة فقط، مع معرفتهم بأنه زائل، ثم يأتون تمُربُغا في ذلك المجلس فيقبّلون يده، ولم يكن بذلك عادة، بل العادة أن يقبّل الأرض بين يدي السلطان، مع قطع النظر عن غيره، فخالفوه في هذا اليوم، الترشّح تمربُغا للسلطنة، بل لو أمكنهم لَقَبّلوا الأرض لتمُربُغا هذا، والأوباش من فجّار الجُلبان وبعض الخاصكية ممن هو حاضر مجلس يَلَباي كالخدم له، وهم موكّلون به، يلوّحون بخلعه ويحضّونه، بل ويصرّحون له بأشياء فيها غاية الإنكاء، وذلك في دَسْت سلطنته، وهو باقٍ عليها، فلعلّ ذلك من غريب النوادر، ومن عجيب الغرائب في بهدلة السلطنة. ثم لما دخل الليل أقاموا السلطان، فأدخلوه إلى مبيت بمقعد الإسطبل، لا سيما وقد جاءهم الخبر بانفلال الناس عن يشبُك الفقيه، بل وأحسّوا بأنه أخذ في أسباب الاختفاء هو وخُشداشيه من المؤيَّديّة، فزاد طمعهم في يُلْباي وواجهوه بما يسوء، وبات بالمبيت المذكور على أقبح وجه وأسوئه
(4)
، مزعوجًا مرعوبًا، حائرًا في أمره، مفكرًا في ماذا يكون حاله. بل ربّما جزم بأنه سيستنكف
(5)
، لأنه ولّي السلطنة وهو جركسيّ الجنس من الأكابر
(1)
مكرّرة في الأصل.
(2)
في الأصل: "يحرضا".
(3)
خبر واقعة يشبك في: النجوم الزاهرة 16/ 369، ونيل الأمل 6/ 295، وبدائع الزهور 2/ 465.
(4)
في الأصل: " واسواه".
(5)
في الأصل: "سينتلف".
والشيوخ، فما قاس بقاؤه، وزالت دولته في هذه الليلة ودولة خُشداشيه المؤيّدية كأنها لم تكن. ثم كان ما سنذكره
(1)
.
(ذكر سلطنة الملك الظاهر أبي
(2)
سعيد تمُربُغا)
(3)
وفيه، في يوم السبت، سابعه، كانت مبايعة الأتابك تمُربُغا بالسلطنة، وعقْد المُلك له.
وكان من خبر ذلك أن يشبُك الفقيه هو وجميع من كان معه من خُشداشيه من المؤيَّديّة، ممن قام بالفتنة الماضية، اختفوا في ليلة هذا اليوم كما ذكرناه، ووكّل بالظاهر يلباي بمبيت الحرّاقة على ما عرفته، وسكن الهَرَج والمَرَج في هذه الليلة، وكأنّ الفتنة لم تكن، فلما أصبح نهار هذا اليوم ابتدأوا قبل كل شيء بإخراج الظاهر يلباي من مبيت الحرّاقة، وطلعوا به إلى القصر ماشيًا على قدميه في هيئة المخلوع من المُلك، وزوّوه بالمخبأة بالقصر، مسجونًا بها، مُوكلًا به، محتَفَظًا عليه. وعاد الخبر إلى باب السلسلة بانزوائه، وقد حضر بمقعد الحرّاقة أكابر الأمراء من سائر الطوائف، وجميع العساكر والجند وأرباب الدولة، فشرعوا في التكلّم في مبايعة الأمير الكبير الأتابك تمربُغا، بعد أن اتفق جميع من حضر من أكابر الأمراء، وسائر الطوائف من الأشرفية الكبار والصغار البَرْسْبائية والإينالية، والظاهرية الكبار والصغار الجقمقية والخُشْقدمية، وجميع السيفية، ومَن حضر من الجند من المؤيّدية، وكان ذلك في باكر هذا النهار، وقد جلس الأتابك تمربُغا في صدر المجلس بالمقعد المذكور بالحرّاقة من الإسطبل السلطاني، بعد أن حضر الخليفة أمير المؤمنين المستنجد باللَّه أبو المظفّر يوسف، وحضر القاضيان الشافعي والحنفي، وتأخر المالكيّ لوعَكٍ كان به، والحنبلي لإبطائه، ثم تكلّموا في سلطنة تمربُغا، وتمّ له الأمر، ومدّ الخليفة يده إليه فبايعه، وتبعه الناس على المبايعة، وعُملت صورة ذلك على الوجه الشرعي، وتم بها، ونفَذَ الحُكم، وانبرم الأمر وتَم، وقام تمربُغا بعد تمام ذلك من وقته، فدخل إلى مبيت الحرّاقة، وقد أحضر شعار المُلك الأسود الخليفتي، فأفيض عليه، وتقلّد السيف، ولبس العمامة السواداء المُعَدّة لمثل هذا الوقت، وخرج من المبيت سلطانًا، وقد تهيّأ جميع
(1)
خبر خلع الظاهر في: النجوم الزاهرة 16/ 367، وتاريخ البصروي 29، ونيل الأمل 6/ 294، 295، وحوادث الزمان 1/ 180، وبدائع الزهور 2/ 464، وشذرات الذهب 7/ 215 وفيه "بلباي".
(2)
في الأصل: "أبو".
(3)
العنوان من الهامش.
العسكر بالشاش والقماش للموكب السلطاني، وقد أُحضر فرس النَوبة بالسرج الذهب والكنبوش الزركش، فقُدّم للسلطان، ونزل من سلّم مقعد الحرّاقة، فركب بأُبَّهة المُلك، وقُدّم للخليفة مركوب آخر، فركبه وسار أمامه، وسار جميع أكابر الأمراء بين يديه مشاة، وجميع العسكر، وهو في موكب جليل، وفُقدت القبّة والطير، فلم توجد حينئذٍ بالزَّرْدخاناة على ما قدّمنا ذلك في كائنة نقل طوخ الزَّرَدْكاش جميع الآلات منها، ومن جملة ذلك القبّة والطير، خوفًا من مثل هذه الحادثة، فأُحضر السنجق السلطاني ليكون عِوَضًا عن القبّة والطير. فأذِن السلطان تمُربُغا للأمير قايتباي بأن يحملها، فتناولها قايتباي المذكور، حملها على رأس السلطان، وقد ترشح للأتابكية عِوَضًا عنه، وساروا في هذا الموكب الحافل، حتى وصلوا إلى باب سرّ القصر، فنزل به ودخل إليه، وقد هُيّئ التخت لجلوسه، فرُفع إليه وجلس عليه، وقام الكل بين يديه، ثم قبّلوا له الأرض على العادة في ذلك.
وكان جلوسه عليه في بُكرة يوم السبت هذا، سابع جماد الأول من هذه السنة، وذلك في الساعة الثانية من هذا النهار، ووافق الثامن من كيهك من شهور القِبط، ولُقّب في سلطنته بالظاهر أيضًا، وكُني بأبي سعيد أيضًا، وهذا من النوادر كون ثلاثة
(1)
من السلاطين على التوالي يلقّبون بهذا اللقب، ويكنّون بهذه الكنية، الواحد بعد الواحد، وهم: الظاهر أبو سعيد خُشقدم، والظاهر أبو سعيد يلباي، والظاهر أبو سعيد تمربُغا هذا، وكان ذلك برأي الطائفة الظاهرية، ليدوم هذا الاسم، لأنه عرفهم، وأن يدوم اسمهم. وكان هذا أيضًا من أغرب ما سُمع في سلاطين مصر في موافقة اللقب والكنية على التعاقب. ولما تم جلوسه على سرير المُلك خلع على الخليفة وعلى الأمير قايتباي المحمودي، الذي هو سلطان عصرنا الآن، وكان إذ ذاك رأس نوبة، فقرّره في الأتابكية، وكانت هذه خلعتها من نوادره، كونه تنقل للأتابكية من الرأس نوبة، ولم يكن في ذلك اليوم من هو على إمرة سلاح، فإنه كان قانبك المحمودي المؤيَّدي، وقد اختفى بسبب الكائنة، فإنه كان ممن قام بها. وأما أمير مجلس فكان جانِبَك قلقسيز، وهو من الأشرفية، ولا غرض في التنويه بهم التنويه العام، فعدل إلى قايتباي، لكونه خُشداش السلطان، وعن الظاهرية الحاضرين في ذلك الوقت بالقاهرة، فإنّ أُزْبَك كان قد أُخرج إلى نيابة الشام، ولعلّه لو كان حاضرًا كان هو الأتابك، بل لعلّه كان هو السلطان، لكنّ القضاء جرى بما في وفق القدرة، جلّ وتعالى عن النظير، بيده تصاريف الأمور يُؤْتي المُلْكَ مَنْ يَشَاءُ، وَيَنْزِعُ المُلْكَ ممَّنْ يَشَاءُ، ويُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ،
(1)
في الأصل: "ثلاث".
بيَدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. ثم أمر المنادي أن ينادي بشوارع القاهرة بالإعلان بسلطَنتَه وطلب الدعاء له، ودُقّت البشائر بذلك، وأظهر الناس الفرح والسرور بولايته للأمر، وهو السلطان الذي تكمل به عدّة الملوك الأتراك بمصر وأولادهم أربعين ملكًا، وهو الثاني من الأروام ممن تسلطن على الصحيح، والأول الظاهر خُشقدم على ما تقدّم هذا، إذا لم يكن المعزُّ أيبك، والمنصور لاجين من الأروام، وهو الصحيح، فإنهما ليسا بروميَّين، وإن كان منهم فهو الرابع.
ولما تم أمره في المُلك هرع الناس إليه للسلام عليه بالسلطنة وتهنئته بالمُلك، فدخلوا عليه أفواجًا أفواجًا، وأظهروا السرور والتباشر باستيلائه على الأمر، ظنًا منهم بأنّ مُلْكه يبقى، وأن الجُلبان الخُشقدمية قد خمدت شوكتهم وكُسرت كلمتهم، ولم يكن كذلك، بل كان الضدّ منه، حتى عظمت شوكتهم بزيادة عمّا كانت، وقويت، وزادت، واشتدّت، وتمادت، حتى ندموا بعد ذلك غاية الندم، حيث لم يتكايسوا مع خُشداش أستاذهم الظاهر يلباي، كما ستعرف ذلك فيما سيأتي
(1)
.
[تواضع تمربُغا مع أهل العلم]
ثم أخذ الظاهر تمربُغا من هذا اليوم من سلطنته، بل وفي جميع مدّته كلها، يُظهر للناس غاية التواضع والحشمة معهم والأدب، بما لا يمكن ضبطه ولا حدّه، حتى خرج فيه عن العادة المعتادة المألوفة، بحيث صار ينهض قائمًا لغالب من يأتيه لتهنئته من أصاغر طلبة العلم في حالتي مجيئه وذهابه. وأما العلماء والفقراء فأجَلّهم غاية الإجلال، وعظّم غاية التعظيم، وطلع إليه في ذلك شيخنا العلّامة الكافِيَجي، تغمّده اللَّه برحمته، فأجَلّه إجلالًا زائدًا وعظّمه عظمة هائلة، على أنه كان يغضّ منه قبل ذلك لأمور اتفقت له معه، حين مشاركته له في النظر على الخانقاة الشيخونية، بل معارضات ومقاولات، حتى قال له شيخنا مرة
(1)
خبر سلطنة تمربُغا في: النجوم الزاهرة 16/ 387 - 393، والمنهل الصافي 4/ 100 - 102 رقم 784، والدليل الشافي 1/ 223 رقم 782، والضوء اللامع 3/ 40، 41 رقم 167، ووجيز الكلام 2/ 860، 861 رقم 1970، والذيل التام 2/ 210، ومنتخبات من حوادث الدهور 3/ 615 - 617، وحُسن المحاضرة 2/ 80، ونظم العقيان 102 رقم 61، وتاريخ الخلفاء 514، وتاريخ الخميس 2/ 433، وتاريخ البُصروي 29، ونيل الأمل 6/ 296، وتاريخ ابن سباط 2/ 861، وحوادث الزمان 1/ 181، وبدائع الزهور 2/ 467 - 476 و 3/ 105، وأخبار الدول 2/ 317، 318، وشذرات الذهب 7/ 326، وتاريخ الأمير حيدر 546، وتحفة الناظرين 2/ 41، 42، وتاريخ قاضي القضاة العليمي، ورقة 38 ب.
في بعض معارضاته له: أنت تظنّ أنك ناظرٌ معنى إيّاك، وذلك، إنما ذلك إليّ، وأنت وأمثالك إنما جُعل لأجل إقامة ناموس الوقف واستخلاص أموالهم، فأنت كالآلة لي، وأما شرط ما وضع له الناظر، فأنت بمعزل عنه. هذا مع ما كان عليه تمربُغا من الفضيلة وطلب العلم في الجملة، بحيث حنق من شيخنا من كلامه ذلك وتباينا.
[توقّع الكافِيَجي زوال سلطنة تمربُغا سريعًا]
ولقد مازَحني شيخنا، رحمه الله، بعد سلطنة تمربُغا هذا مرة في ذكر شيء يتعلّق بتمربُغا هذا وسلطنته، فأخذت أمازحه وأقول له إنه يُخْتَشَى منه، فضحك من قولي ثم قال لي: واللَّهِ إنني لم أتوهّم حصول ضرر لي منه، فضلًا أن أجزم به، فأختشي منه لأجله، لعلمه بأن الأمور ليست إليه ولا بيده. ثم قال لي: لكن سوف يزول ملكه عن قريب، إذ فيّ توسّمٌ يقضي بذلك، لا سيما قيام شوكة الجُلبان، وبقاء أمرهم زيادة على ما كان، وكان ما قاله شيخنا، رحمه اللَّه تعالى وعددت ذلك من كراماته، فإنه خالف فيه غالب الناس أو الجميع، حيث قضوا ببقاء مُلك تمربُغا هذا.
ولم يزل تمربُغا هذا على هذا النموذج الذي ذكرناه في بقية مدّة سلطنته كلها، وهو سالك المسالك التي يستجلب بها خواطر الخاص والعام، وزال ما كان قد عُهد به قبل ذلك من التعاظم والشمم والجبروت في أيام إمرته قبل سلطنته، حتى تُعُجّب منه في ذلك غاية العجب، ولعلّ ذلك التمسكن كان لأجل التمكّن، واللَّه أعلم.
[نهب العامّة دُور جُلبان خُشقدم]
وتمّ تمربُغا هذا في بقية يوم سلطنته، وهو يوم السبت هذا بالقصر، ثم استعجل في هذا اليوم الكثير من العكسر، وبل والعامّة بعد مبايعة الظاهر تمربُغا هذا، بأنْ قصدوا ديار المؤيَّدية، لا سيما جُلبان خُشقدم، فأخذوا في نهبها، وأول ما بدأوا به دار يشبُك الفقيه، فنهبوها بغير إذن من السلطان، ثم أخذوا بعدها في نهب دار قانِبَك المحمودي، وكانت مملوءة من كل شيء، ما بين أموال من ذهب وفضّة وفلوس، وسكّر، وقنْد، وعسل، وقماش، وأثاث، وغير ذلك، حتى لما كثُرت الغوغاء بداره وامتدّت الأيدي للنهب تكسّرت الكثير من أمطار العسل المرسل.
وبلغني أن الناس خاضوا في ذلك، وحُملت الأقمشة وكثير من الأمتعة على
عينك يا تاجر. وكان هو قد اختفى بمكانٍ قريب من داره يرى ويسمع ما يقع. فبقي ينظر تلك الأموال التي جمعها وهي تُنهب من داره، وهو مطَّلع على ذلك، وشمَت فيه في ذلك اليوم الكثير من جيرانه ومبغضيه وتهكّموا عليه، وصاروا يقولون: بشّر مال البخيل بحادث أو وارث. وكذلك فعلوا في دار يشبُك الفقيه. ثم بعد ذلك أخذوا في التفحّص عن الذين اختفوا. ولما رأى قانِبَك شدّة ما وقع من النهب في داره، خاف على نفسه، فتحيّل إلى أن خرج من المكان الذي كان به، وتوجّه إلى دار شيخنا العلّامة السيفي الحنفي، رحمه الله، ثم بلغ السلطان ذلك، فبعث إليه من أحضره في آخر هذا النهار، وطلع به إلى القلعة، فقُيّد وحُبس، وكان من أمره ما سنذكره. وأما يشبُك وآخرون
(1)
فلم يُعلم حالهم في هذا اليوم، ثم كان له بعد ذلك ما سنذكره.
وأمّا مُغلباي طاز فالتجأ إلى الأتابك قايتباي المحمودي، فشفع فيه عند الظاهر تمربُغا، فقبل السلطان شفاعته فيه ولم يسجنه، وأمر بأن يخرج إلى ثغر دمياط فيقيم به بطّالا
(2)
.
[إطلاق المؤيَّد أحمد بن إينال من السجن]
وفيه، أعني يوم سلطنة الظاهر تمربُغا خرج الأمر إلى ثغر الإسكندرية بإطلاق المؤيَّد أحمد بن الأشرف إينال من السجن، وأذِن له بأن يسكن حيث شاء من الثغر، وأن يركب إلى الجمعة والعيدَين، وجُهّز له مركوب بسَرج ذهب وكنْبوش زَرْكَش
(3)
.
[إطلاق قرقماس الجَلَب]
وفيه أيضًا خرج الأمر بإطلاق قرقماس الجَلب الأشرفي، أمير سلاح، الماضي خبر القبض عليه وسجنه بالإسكندرية. وكذا خرج الأمر بإطلاق من مع قرقماس أيضًا، وهم: أرغون شاه أستادّار الصُحبة، وقَلَمطاي الإسحاقي، الأشرفيّان، واستقدامهم إلى القاهرة
(4)
.
(1)
في الأصل: "واخرين".
(2)
خبر النهب في: نيل الأمل 6/ 296، 297.
(3)
خبر إطلاق المؤيَّد في: النجوم الزاهرة 16/ 376، ونيل الأمل 6/ 297، وبدائع الزهور 2/ 469.
(4)
خبر إطلاق قرقماس في: النجوم الزاهرة 16/ 376، ونيل الأمل 6/ 297، وبدائع الزهور 2/ 469.
[الأمر بإطلاق المحابيس من السجون]
وفيه أيضًا كُتب إلى سائر السجون بهذه المملكة بإطلاق من بها من المحابيس، وحضورهم إلى القاهرة، وكذا الحنفيّين بالحجاز والقدس والبلاد الشامية، ونحوها من البطّالين
(1)
.
[الأمر بإحضار دَولات باي وتمراز الشمسي]
وفيه أيضًا خرج الأمر بإحضار دُولات باي النجمي، وتمراز الشمسي الأشْرفيّان، وكانا منفيّين بثغر دمياط. فأمّا دَولات باي فإنه مات بعد ذلك. وستأتي ترجمته وتنقّلاته
(2)
.
(ترجمة تمراز الشمسي أمير سلاح)
(3)
368 -
وأمّا تمراز الشمسي
(4)
فهو الأمير سيف الدين الجركسي الحنفي، أمير سلاح عصرنا هذا، وهو باقٍ في قيد الحياة، فلنُترجمه على عادتنا في تراجم الأحياء:
هو من مماليك الأشرف بَرْسْباي من أصاغرهم، وصُيّر خاصكيّاً بعده، ودام مدّة على ذلك، وهو لا يؤبه إليه، حتى تسلطن الأشرف إينال، فصيّره ساقياً، وعُرف بالسقاية لمدّة، وقرّبه إينال وأدناه، وصار له ذِكر في دولته، وأقطعه إقطاعاً جيّدًا، وقرّبه جدًّا، ثم أمّره عشره في أواخر دولته. ثم لما تسلطن الظاهر خُشقَدم، وجرت الكائنة التي أحضر فيها الأتابك جَرِباش من النُوبة، وكان تمراز هذا ممن قام بتلك الفتنة. بل يقال إنه كان الرأس فيها، فأخرجه خُشقَدم منفيّاً إلى ثغر دمياط، واعتنى به قريبه سلطان العصر الآن الأشرف قايتباي، وهو إذ ذاك شادّ الشراب خاناه، فصار يعطف عليه خاطر الظاهر خُشقدم، ولولاه لما جرى عليه الخير، وكان بعنايته نزوله بدمياط، وعرف الناس، ورُوعي في كثيرٍ من أحواله وأموره لأجل قريبه، لا سيما وهو مختصّ بالظاهر خُشقدم وعين الظاهرية
(1)
خبر إطلاق المحابيس في المصادر السابقة.
(2)
خبر إحضار دولات باي في المصادر السابقة.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
انظر عن (تمراز الشمسي) المتوفى سنة 903 هـ. في: تاريخ الملك الأشرف قايتباي 33، وتاريخ الأمير يشبك/ الفهرس 183، وإنباء الهصر/ الفهرس 527، والضوء اللامع 3/ 36 - 38 رقم 152، ونيل الأمل 8/ 194، والبدر الزاهر (بتحقيقنا) 39 و 41 و 42 و 88 - 90، وإثبات الدلالات (مخطوط) 30، والمجمع المفنّن 2/ 316 - 319 رقم 1083.
الجقمقيّة، فتوفّرت حرمة تمراز هذا بثغر دمياط، ونفذت كلمته، مع كونه مَنْفيّاً، وأثرى من الدولة بها، وحصّل المال، ولم يزل إلى سلطنة الظاهر تمربُغا، فأمر بإحضاره إلى القاهرة في هذا اليوم كما قلناه، وذلك بعناية قايتباي أيضًا.
ولما تسلطن الأشرف قايتباي صيّره من جملة مقدَّمين
(1)
الألوف دفعة واحدة من غير تدريج، ثم ولاه كشف الجسور بالغربية، وحصل به نفع في ذلك. ثم بعد مدّة أحضره إلى القاهرة، وولّاه كشف الجسور بالبُحَيرة، بل ولّاه جميع بلاد البُحيرة بعد [أن آل أمرها]
(2)
إلى الخراب، فتوجّه إليها، وباشرها أحسن مباشرة، وأحسن إلى العباد وأعمر البلاد، وقمع أهل الشرّ والفساد، وصاحَبَ بها العربان وأحسن إليهم، وركنوا إليه، ووقع بها من الأمان ما لم يوجد بها قبل ذلك من له زمان بالعرف من هذا الزمان، وعفّ، وكفّ، كل ذلك بعد عوده من لاجين
(3)
، ومن تجاريد شاه سوار، وبعد القبض عليه، وهو الذي باشر إنزال سوار المذكور من قلعته زمنْطوا بُغية غدره، وإنما خالفه برقوق ويشبُك حتى صار بحلب، ويقسم أنه لو اطّلع على مقصدهما، وأن مرادهما الغدر به ونقص العهد، لما باشر شيئًا مما باشره، وقرّر بعد ذلك في الرأس نوبة الكبرى عوضًا عن إينال الأشقر لما نُقل إلى إمرة سلاح، وباشر ذلك أحسن مباشرة، حتى إنه رتّب لرأس نوبة النقباء ببابه جامكيّة في كل شهر، وجعله مُعَدُّا لمصالح المسلمين، وأمره أن لا يتناول من الخصوم الدرهم الفرد، وجعل لكل نقيب ببابه شيئًا معلوماً، يقال لضمان حقّه إذا توجّه لإحضار الخصم، وزاد دعاء الناس بسبب ذلك له، وعُدّ فعله ذلك من النوادر الغريبة التي لم تقع بمصر من مثله، وتبصر في أحكامه، وربّما صالح عن الخصوم، ووزن من المال من عنده. وكان مجلسه محفوفاً في أوقات حكوماته، بل وغيرها، بالعلماء والقضاة، ولا يخرج في حكمه عن قوانين الشرع، وحصل الرفق العام بنظره على الخانقاه الشيخونية، ونفع الوقف، مع عفّة زائدة عنه، وتفتيش عليه وعلى سائر جهاته. ولم يتناول معلومه الذي شرطه له الواقف، بل كان يصرف منه مرتّبات لبعض أهل العلم من أهل الخانقاه وغيرهم ولوّن بها الأطعمة بمطبخها. وكان له مدّة قد أُبطل منها التلوين. ولم يزل على ذلك، حتى كانت كائنة باينْدر التي قُتل فيها يشبُك من مهدي، وشُغرت عنه إمرة سلاح، فقُرّر فيها تمراز هذا، وولّى رأس نوبة النُوَب عِوضه بَرسْباي قَرَا، فما عفّ عن مال ولا كفّ، وتناول معلومه عن مُدَد آنية، وأخذ الرِشا
(4)
على الوظائف، فبئس البديل هو عن ذاك.
(1)
الصواب: "من مقدّمي".
(2)
في الأصل: "بعد أولها".
(3)
هكذا تقرأ: "بعد عزول".
(4)
في الأصل: "الرشاي".
ودام تمراز هذا على إمرة سلاح إلى يومنا هذا بضخامة وفخامة وأُبّهة زائدة، مع تواضع وكرم نفس، وسخاء زائد إلى الغاية، لعلّ لم يُسمع بمثل كرمه في القريب من هذه الدول، ولا بمثل شفقته على خلق اللَّه تعالى، ومحبّته في العلم والعلماء، وأرباب الفضائل، واستحضاره الكثير من المسائل الفقهية، بل وغيرها من النُكَت، وتعظيم أهل العلم، والقيام في مَهمّات من يقصده، وإنهاء القضايا الكبار عند قريبه السلطان على أتم وجه وأكمله، مع فصاحته وحُسن سمته وهيئته وشكالته، ثم عُيّن للثانية ابن
(1)
علاء الدولة، فخرج باشاً على العساكر بعد أن أمرّه السلطان -يقال: بخمسين ألف دينار- للإنفاق، فصرفها وخرج عليه الدَّين، وكان لخروجه من القاهرة يومًا مشهودًا، وكثُر الدعاء له وبعَوده، وهو الآن بتلك البلاد، بلّغه اللَّه تعالى الأمل، وكثّر في أمراء المسلمين مثله. وهذه نبذة من ترجمته. وسيأتي تفاصيل ذلك فيما بعد إن شاء اللَّه تعالى.
[إعادة جامكية الإينالية بالديوان السلطاني]
وفيه- أعني يوم السبت هذا، سابع جماد الأول، وهو يوم سلطنة الظاهر تمربُغا المذكور، خرج الأمر أيضًا بأن كل من كان له جامكية بالديوان السلطاني من الطائفة الإينالية وخرجت عنه، تعاد إليه، من غير مراجعة السلطان في ذلك. وبجملة هذه التصرّفات وهذه الأشياء الحسنة الظاهرة الحُسن في يوم سلطنة هذا السلطان، حصل للناس غاية الفرح والسرور والتباشر بسلطنته، وزاد فرح الناس وعظُم سرورهم. ثم أخذ بعد هذا اليوم في التصرّف في المملكة
(2)
.
وقبل أن نخوض في ذلك ونذكره ونبيّن تصرّفاته في المُلك نذكر نُبَذاً من ترجمته على سبيل الاختصار، فنقول وباللَّه التوفيق:
(ترجمة الظاهر تمربُغا والتعريف به)
(3)
369 -
إن تمُربُغا
(4)
هذا جُلب أولاً في حالة صغره إلى البلاد الشامية في
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
خبر إعادة الجامكية في: النجوم الزاهرة 16/ 376، ونيل الأمل 6/ 297، وبدائع الزهور 2/ 469.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
انظر عن (تمربُغا الظاهري الجقمقي) المتوفى سنة 879 هـ. في: تاريخ الملك الأشرف قايتباي 182 - 184، وتاريخ الأمير يشبك 11، والضوء اللامع 3/ 40، 41 رقم 167، ووجيز الكلام 2/ 860، 861 رقم 1970، والذيل التام 2/ 284، ونيل الأمل 7/ 124، 125 رقم 2975، والمجمع المفنّن 2/ 333 - 348 رقم 113 و وقع فيه وفاته سنة 899 هـ، وبدائع الزهور 3/ 105، وشذرات الذهب 7/ 326.
سنة أربع وعشرين وثمانمائة، وتنقّلت به الأحوال، حتى مَلَكَه الظاهر جقمق في حال إمرته على وظيفة الأميراخورية الكبرى، فربّاه، وأدّبه، وهذّبه، وقرّبه، واختص به، وأدناه إليه، وأحبّه لنجابةٍ كانت به. وهو روميّ الجنس أرنؤوتي
(1)
العشيرة. ولم يزل عند الظاهر حتى تسلطن، فصيّره خاصكيّاً وسِلَحداراً، وزاد اختصاصه به وتقريبه إياه، ثم صيّره خازنداراً، ثم أمّره عشرة في سنة ستٍ وأربعين، عِوضًا عن آقبردي الأشرفي الأميراخور، ودام مدّة على ذلك، إلى أن نُقل إلى الدواداريّة الثانية، عِوضًا عن دَولات باي المؤيَّدي، لما نُقل إلى تقدمة ألف، فباشرها تمربُغا هذا بحُرمةٍ وافرة وعظمة زائدة وشهامة وأُبّهة. وحج أميراً على الأول، ثم المحمل، وزادت شهرته، وبعُد صيته، ونالته الوجاهة والسعادة، وقُصد في كثير من المهمّات من سائر البلاد والأقطار، حتى من غير هذه المملكة، وصارت الأمور مَنُوطة به، وكثير من تعلّقات المملكة راجعة إليه، وصار الدوادار الكبير بالنسبة إليه كآحاد الدوادارية الصغار. ولم يزل على هذا المَهْيَع، وبيده أزِمّة مملكة أستاذه، وله فيها كبير تدبير، وعن رأيه ومشورته تصدر الآراء، إلى أن مات أستاذه بعد أن تسلطن ولده المنصور عثمان، وكان تمربُغا هذا هو الآمر الأعظم في سلطنته على الكيفية الماضية. وضخُم تمربُغا زيادة عمّا كان عليه، وارتفع قدْره أضعاف ما كان، حتى صار هو المدبّر لمملكة ولد أستاذه، وبيده الحلّ فيها والعقد، وهو صاحب الأمر والنهي لصِغر المنصور، ولم يكن له إلّا مجرّد الاسم فقط، وهو الحسّ، وتمربُغا هو المعنى، لا سيما لما قبض المنصور على جماعة من المؤيّدية دَولات باي الدوادار الكبير وغيره، على ما مرّ في محلّه. وكان ذلك برأي تمربُغا هذا. ثم وُلّي الدوادارية الكبرى عِوضًا عن دَولات باي المذكور، فزادت مهابته وعظُمت حرمته، والمرجع كله في أمور المملكة إليه، واعتماد المنصور في جميع أموره عليه، ودام على ذلك مدّة المنصور، لكنها لم تطُل حتى كانت الكائنة التي خُلع فيها المنصور، ودامت تلك الفتنة والواقعة سبعة أيام، كما عرفت ذلك فيما تقدّم، وكان ذلك كله بتدبير تمربُغا هذا، فإنه هو الذي كان القائم بتلك الحروب في تلك الأيام المتوالية، وهو المتولّي ذلك جميعه، وإليه المرجع فيه، وإن يكن قد كان عند المنصور من هو أعلى رتبة من تمربُغا هذا، كتَنَم من عبد الرزاق
(2)
أمير مجلس، وقانباي الجركسي أميراخور كبير، لكن التدبير في أمر القتال كان إليه، والمعوَّل فيه عندهم كان عليه.
(1)
ارنؤوتي= أرنؤوطي.
(2)
مات (تَنَم من عبد الرزاق) في سنة 868 هـ. وقد تقدّمت ترجمته فيها.
وأظهر بالقلعة من القوّة والصبر والجلادة على القتال والإقدام الزائد ما يُذكر به إلى الآن، ومن الفروسية ما لا يكاد أن يدخل تحت الإمكان.
ولما انتصر الأتابك إينال، وتسلطن بعد خلع المنصور، قبض على تمربُغا هذا وبعث به إلى سجن ثغر الإسكندرية، ودام به مدّة، ثم نُقل منه إلى سجن قلعة الصُبَيْبَة، فدام مسجوناً بها فوق الخمس سنين، ثم أطلقه الأشرف إينال في أواخر دولته، وأذِن له بالدخول إلى دمشق لعمل يَرَقة، وتجهُّزه إلى مكة المشرَّفة، فتوجّه إليها، وأقام بها مدّة بطّالاً من سنة اثنتين
(1)
وستين إلى سنة خمس وستين.
ولما مات الأشرف إينال، وآل الأمر إلى سلطنة الظاهر خُشقَدم، وكان القاسم بدولته الظاهرية طائفة تمربُغا وحزبه، مع ما كان بينه وبين خُشقَدم من الصحبة قبل ذلك، فإنه هو الذي كان السبب في استقدامه إلى القاهرة، على ما عرفتَ ذلك أثناء فيما تقدّم في محلّه، وأيضاً كونه جنسه، بعث إليه بحضوره من مكة المشرّفة إلى القاهرة، فقدمها في أسرع وقت وأقربه، كما أسلفناه في محلّه، ثم رفع الظاهر خُشقدم من محلّه، وأجَلَّه وعظّمه إلى الغاية في يوم حضوره ووروده عليه، وأجلسه مرتفعاً على جماعة من مقدّمين
(2)
الألوف، بل وأرباب الوظائف، ثم أمّره بعد القرب من قدومه تقدمة ألف، عِوضًا عن جانِبك المشدّ الأشرفي، لما قبض عليه مع جملة خُشداشيه الأشرفية، ثم جعله رأس نوبة النُوَب، عِوضًا عن بيبرس خال العزيز، بحكم القبض عليه أيضًا، ودام على وظيفة الرأس نوبة مدّة إلى أن امتُحن امتحانة هيّنة بشهرة هو وعدّة من خُشداشية من الظاهرية، منهم الأتابك أُزبَك وغيره، وأُخرج إلى سجن ثغر سكندرية، ثم أعيد بسرعة، على ما تقدّم ذلك مفصّلا في وقته حين وقع، ونزل ورجع لما كان عليه أولاً، بل وزيادة حُرمة فوق ما كانت، ثم نُقل إلى إمرة مجلس، عِوضًا عن قانَم التاجر، لما نُقل إلى الأتابكية بعد إخراج الأتابك جَرباش إلى ثغر دمياط، ودام على إمرة مجلس إلى موت الظاهر خُشقدم. ولما تسلطن الأتابك يلباي نقله إلى الأتابكية عِوضًا عن نفسه، وتحقق الكثير من الناس أن الأمر سيؤول
(3)
إليه، وجزموا بأنه إذا ولي الأمر طالت مدّته، ولم يقض أحد من ذوي العقول بزوال ملكه سريعاً، لأن القياس العادي يأباه، وإنما تخلّف هذا القياس في يلباي لأجل الجُلبان الخُشقدمية، فإنّ قيام شوكتهم كان مؤذِناً بزوال يلباي، وأمّا تمربُغا فلا، وللَّه عاقبة الأمور. ولم يزل
(1)
في الأصل: "اثنين".
(2)
الصواب: "من مقدَّمي".
(3)
في الأصل: "سيول".
أتابكاً في دولة الظاهر يلباي حتى خلع يلباي كما بيّنّاه لك، وتسلطن هذا في هذا اليوم، وكان منه من التصرّفات ما سنذكره، ثم كان له بعد ذلك أيضًا ما سنذكره.
وكان ملكاً لائقًا، فقيهاً، فاضلًا، حفظ القرآن العظيم، ثم "منظومة النَسَفي"، وكان يستحضر الكثير من المسائل الفقهية الفرعية، وغير ذلك أيضًا، وله مشاركة جيدة في كثير من التاريخ والأدبيّات والشعر، وله جودة مذاكرة، وحُسن محاضرة، وعنده ذكاء وفهم وفطنة وتيقّظ، وعقل تام، وجودة رأي، وتدبير صائب، وسياسة وكياسة، وحُسن سمت، وتؤدة وسكون، وفصاحة لسان، عارفاً بلغة الترك والعرب، عفيف اللسان، ذا حشمة وأدب، ومحبّة لأهل العلم، مع معرفة تامّة بكثير من صنايع اليد وأعمالها، منها مهارته في عمل القوس العربية بيده، وتجويد السهام وعملها، أستاذاً في ذلك، رأساً في رمي النشّاب، لعلّه انتهت إليه الرياسة في ذلك في زمنه، ومع ذلك فكان أمّة في لعب الرمح وتعليمه وأندابه وتعاليمه، عارفاً بسائر فنون الفروسية من الضرب بالسيف، رأسًا أيضًا في معرفة الدّبّوس
(1)
، وتخرّج به في ذلك جماعة من الأعيان من طائفة الأتراك، وكان له خبرة ومعرفة بفنّ اللجام والمهماز والضرب به بسائر أنواعه. وكان كثير التجمّل في ملابسه ومراكبه ومأكله ومشاربه وسائر شؤونه
(2)
وأحواله، يقترح في ذلك أشياء غريبة، وله مفردات انفرد بها تُنسب إليه إلى يومنا هذا.
هذا جملة ما له من المحاسن.
وأمّا غير ذلك فيما يُنسب إليه من المساوئ، فكان يُتّهم بالميل الكلّي إلى محبّة العبيد الحبش، ويُذكر عنه في ذلك أشياء يطول ذكرها، اللَّه أعلم بصحّتها، ولولا أشيع ذلك عنه إشاعة فاحشة، كان يمكننا
(3)
عدم ذكر ذلك والسكوت عنه، لكنه فشا
(4)
عنه ذلك، فإن تركنا ذِكره نُسبنا إلى الفرقة والبُغضة، وليس ذلك من شأن من يتصدّى لبيان التاريخ، ليتّزن بما يقوله الزمان وسِيَر الناس وأحوالهم، وكان يقوم أيضًا في أغراض نفسه القيام التام، مع بعض مكر وحِيَل وخديعة، وإثارة فِتَن، وتكبُّر على الناس، وشمم زائد جدًّا، لكنه زال عنه ذلك حين سلطنته، ولعلَّه كما قيل لأجل التمكّن، واللَّه أعلم.
(1)
الدّبّوس: آلة من آلات الحرب تشبه الإبرة، كانت تُصنع من عود طوله نحو قدمين من الخشب الغليظ في أحد طرفيه رأس من حديد قطرها ثلاث بوصات تقريباً. (تكملة المعاجم العربية، لدوزي 4/ 28).
(2)
في الأصل: "شونه".
(3)
في الأصل: "كان يمكنها".
(4)
في الأصل: "فشى".
وكان كثير التعصّب لمذهب أبي حنيفة، رضي الله عنه، مع التسديد السديد الذي ما عنه مزيد، على مذهب الشافعي، نضّر ضريحه، ظنّا منه أن ذلك مما يقرّبه إلى اللَّه تعالى زُلْفَى، وما ذلك إلّا من عصبيّته وعدم دُربته، وإلّا فما لنا ولمذاهب الأئمّة الأعلام مجتهدي علماء الإسلام، رضي الله عنهم أجمعين، وجزاهم خير الجزاء في يوم الدين.
ولما ترجمه بعض المؤرّخين
(1)
ممّن يجازف في كلامه وتعرّض فيما يقول، قال: لا نعلم في ملوك مصر من ولي تخت مصر في الدولة التركية أفضل منه، ولا أجْمَعَ للفنون والفضائل، مع علمي من ولي مصر قديماً وحديثاً من يوم افتتحها عَمرو بن العاص إلى يوم تاريخه، ولو شئت لقلتُ: ولا من بني أيوب. ثم أخذ بعد ذلك فذكر كلاماً طويلاً لا طائل تحته، ولا يصدر عن من له أدنى مسألة في معرفة نقد الناس، والوقوف على سِيَرهم وأحوالهم وأخبارهم، إما بالمشاهدة والعيان، أو بالخبر والبرهان.
ورأيت هذا المسكين في غاية الجهل بمراتب الناس ومعرفة ذلك. وما لهم من المقامات الذاتية والعرضية، مع ما عرفته من ترجمتنا لتمربُغا هذا، وإيصالنا له إلى حقّه، لكنْ بحيث يصل الإنسان في الإطراء إلى مثل قول هذا القائل، فلعلّ هذا المقال يؤدّي إلى الهبال، وما جميع من ملك مصر (بعد بني أيوب)
(2)
مع بني أيوب، لا سيما السلطان السعيد، الشهيد، الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، إلّا كما قال الشاعر:
نزلوا بمكة في قبائل نوفل
…
ونزلتُ بالبيداء أبعدَ منزلِ
وكذا (مع صالح نجم الدين أيوب، ووالده الكامل محمد، بل ووالده العادل أبي
(3)
بكر بن أيوب)
(4)
فليس من الإنصاف، بل ولا من الدين، لا سيما لمن يدّعي أنه مع علمه بكذا وكذا، وأنه له علماً أن يقول مثل هذا المقال، اللّهمّ إلّا أن يكون به الخبال، فانظر بعين الإنصاف، وتجنّب الاعتساف. وعلى تقدير تسليم ما قاله كيف يدّعي لصاحب مدّة قصيرة لم يظهر له ثمرات في تصرّفاته، بل ونحن نعرف ما كان عليه قبل وصوله إلى ما وصل إليه، بل وآل أمره عن قريب إلى ما آل، أن ينسب إلى كونه أفضل من أولئك الملوك الأقيال، فنعوذ باللَّه من الضلال.
(1)
يقصد ابن تغري بردي في كتابه: النجوم الزاهرة 16/ 374.
(2)
ما بين القوسين عن الهامش.
(3)
في الأصل: "أبو".
(4)
ما بين القوسين عن الهامش.
وهذه ترجمة تمُربُغا هذا على جهة الإقتصار
(1)
. وسيأتي في الوَفَيات في سنة وفاته إن شاء اللَّه تعالى من أحواله أيضًا. ويأتي في هذه السنة أيضًا شيء
(2)
مما نُسب إليه من تصرّفاته.
(ولاية جانبك قُلَقسيز إمرة سلاح وعدّة ولايات كثيرة لغيره)
(3)
وفيه، في يوم الإثنين تاسعه، وهو الثالث يوم من سلطنة تمربُغا هذا، وكان مقيماً بهذه الأيام بالقصر على عادة السلاطين قبله، وكان عمل الموكب في ليلة هذا اليوم، ثم أصبح فاستقر بجانبك الأشرفي قُلَقسيز في إمرة سلاح، عِوضًا عن جانِبَك المحمودي المؤيَّدي، بحكم القبض عليه، على ما بيّنّاه.
[ولاية ابن العَيني إمرة مجلس]
وفيه أيضًا استقر بالشهابي أحمد بن العَيْني الأميراخور الكبير في إمرة مجلس، عِوَضًا عن جانبك قُلَقْسيز المذكور
(4)
.
[ولاية بُرذُبك الأميراخورية الكبرى]
وفيه أيضًا استقرّ السلطان بخُشداشه بُردُبك الظاهري المعروف بهجين في الأميراخورية الكبرى، نقلًا إليها من الحجوبية الكبرى، عِوضًا عن أحمد بن العَيني المذكور
(5)
.
[ولاية خيربك الدوادارية الكبرى]
وفيه أيضًا استقرّ في الدوادارية الكبرى خيربك الظاهري كبير الجُلبان الخُشقدمية، عِوضًا عن يشبُك الفقيه، بحكم اختفائه بعد كائنته
(6)
.
[ولاية كَسْباي الدوادارية الثانية]
وفيه أيضًا استقر في الدوادارية الثانية كَسْباي من وليّ الدين الظاهري، عِوَضًا عن خيربك، وهو خُشداشه، وجهّز السلطان تمربُغا على أخته. وكان كَسْباي إذ ذاك أحد العشرات
(7)
.
(1)
في الأصل: "الاقصار".
(2)
في الأصل: "شيئأ".
(3)
خبر ولاية جانبك في: النجوم الزاهرة 16/ 379، ونيل الأمل 6/ 297، وبدائع الزهور 2/ 469.
(4)
خبر ولاية ابن العيني في: النجوم الزاهرة 16/ 379، ونيل الأمل 6/ 298، وبدائع الزهور 2/ 469.
(5)
خبر ولاية بردبك في المصادر السابقة.
(6)
خبر ولاية خيربك في المصادر السابقة.
(7)
خبر ولاية كسباي في المصادر السابقة.
وستأتي ترجمته في سنة وفاته، وهي سنة إحدى وثمانين
(1)
إن شاء اللَّه تعالى.
[ولاية خشكلدي رأس نوبة النُوَب]
وفيه أيضًا استقر خُشكلدي البَيْسَقي الظاهري في وظيفة رأس نوبة النُوَب، عِوضًا عن قايتباي، بحكم انتقاله إلى الأتابكية
(2)
.
[نيابة الإسكندرية]
وفيه أيضًا استقر في نيابة الإسكندرية قانصوه اليحياوي، الماضية ترجمته، وكان إذ ذاك أحد العشرات بمصر، ووُلّي الإسكندرية عِوضًا عن كَسْباي السمين، بعد صرفه عنها وإخراجه منها إلى ثغر دمياط بطّالاً.
وقُرّر قانصوه هذا في إمرة طبلخاناة عِوضًا عن طوخ الزَّرَدْكاش، بحكم إخراجه أيضًا إلى دمياط بطّالًا
(3)
.
(إخراج الظاهري يلباي إلى سجن الإسكندرية)
(4)
وفيه في ليلة الثلاثاء عاشره، وكان بعد صلاة العشاء الأخيرة بقليل، أنزل الظاهر يلباي من البحرة من القلعة إلى ساحل النيل، ومُضي به إلى سجن ثغر الإسكندرية، وكان من خبر ذلك أنه لما حُبس بالمخبأة على ما قدّمناه، وتمّت البيعة لتمربُغا، بُعث إليه ببَرْسْباي قَرا المحمدي، رئيس نوبة النُوَب في زمننا هذا الذي نحن به، وكان إذ ذاك من العشرات، ليخرجه من المخبّاة المذكورة ويتوجّه به إلى البحرة، فتوجه إليه وأخرجه من المخبأة المذكورة، وتوجّه به من على طريق الحريم، حتى أوصله إلى البحرة، فأقام بها إلى هذه الليلة، بعد أن صودر على مالٍ كبير أُخِذ منه على ما يقال، وزال ملكه كأنه لم يكن.
وكانت مدّته من يوم مبايعته بالسلطنة إلى يوم خلعه شهراً
(5)
وستة وعشرين
(1)
انظر عن (كسباي من ولي الدين) في: الضوء اللامع 6/ 229 رقم 783، ونيل الأمل 7/ 174 رقم 3029، وبدائع الزهور 3/ 123.
(2)
خبر ولاية خشكلدي في: النجوم الزاهرة 16/ 379، ونيل الأمل 6/ 298، وبدائع الزهور 2/ 469.
(3)
خبر نيابة الإسكندرية في المصادر السابقة.
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
في الأصل: "شهر".
يومًا، وليس له في السلطنة مع قِصَر هذه المدّة إلّا مجرّد الاسم فقط، والحلّ والعقد والتدبير فيها لغيره، ويا ليت ذلك الغير كان غالباً برياسة وعلوّ مقامه وهمّته وكبَر صيته وشهرته، بل بشوكته مع عدم تقدّم رياسته في مملكة قبل مملكة أستاذه، وهذا هو الذي أوجب عدم الأمن والطمأنينة، وانعدام ناموس المُلك والسلطنة في دولة يلباي، بل وظهور الشرور والأنكاد، وكثرة الفِتَن والفساد وطمع الطامع في المملكة وما ذلك
(1)
إلّا لغلبة هؤلاء السفلة والجهلة على السلطان والأمر، وتمكّنهم من الحَجْر عليه بالكلّية، حتى انفرد عن التدبير، وأبعد عنه بآرائهم الغالبة، لقيام شوكتهم وقوّتهم في قلعتهم، ولم يُعلم قبل يلباي هذا من ملوك التُرك ممّن مسّه الرق منهم، لا سيما ممن له هذا السنّ
(2)
.
وهو جركسيّ الجنس، له ضخامة ومهابة وحزب وأتباع. بقي في المُلك هذه المدّة القصيرة واليسيرة غيره، ولا عهد في المُدَد أقلّ منها، ومع ذلك فكانت من أعجب المُدَد وأغربها في الأحقاد والدسائس على العباد، على ما قد بيّنّاه وأسبابه.
ولما ذكر الجمال ابن
(3)
تغري بردي هذا الأمر
(4)
وهذه القضيّة نسب العجز والتقصير للظاهر يلباي هذا فقال: وما ذاك إلّا لعدم معرفته وسوء سيرته وخفّته عن تدبير الأمور، وبثّ القضايا، وتنفيذ الأحكام وأحوال الدولة، وقلّة عقله، فإنه كان في القديم لا يعرف إلّا يلباي تلي، أي مجنون، وهذه شهرته قديمًا وحديثاً في أيام شبيبته، فما بالك به وقد شاخ وكبر سنّه، وذهل عقله، وقلّ سمعه ونظره.
هذا ما قاله، وهو كلام في غاية التحامل والاعتساف وقلّة الأدب والإنصاف، بل في غاية السفالة والفسالة، وعدم معرفة الأحوال والحدْس الثاقب، على أن قائله كلان يدّعي معرفة أحوال التُرك على ما هم عليه على ما ينبغي. فليت شِعري كيف لم يكن تمربُغا مساوٍ لهذا في ذلك، حتى لما ترجمه جعله أفضل من بني أيوب. والحال إنه كان في سلطنته دون يلباي هذا، بل كانت قوّة الجُلبان فيها فوق ما كانت في سلطنة يلباي. فلا حول ولا قوّة إلّا باللَّه، وحاشى
(5)
يلباي هذا من سوء السيرة وضعف التدبير، إذ لم يُعلم عليه ذلك، وما كان إلّا برداً في سيرته محمودها، من أعيان الأغوات القرانصة قديماً، ومن أكابر الأمراء ذوي
(1)
في الأصل: "ذالك".
(2)
خبر إخراج الظاهر يلباي في: النجوم الزاهرة 16/ 370، 371 و 379، 380، ونيل الأمل 6/ 298، 299، وبدائع الزهور 2/ 465، 466 و 470.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في النجوم الزاهرة 16/ 379.
(5)
في الأصل: "وحاشا".
الحنكات حديثاً، ذا رأي وتدبير، ولو لم يكن من رأيه إلّا ما دبّره وتواطأ
(1)
مع يشبُك الفقيه وطائفة المؤيَّديّة عليه، على ما عرفته أولاً عدم مساعدة المقادير له، وإلّا فكان ذلك غاية في التدبير.
وكان خيّراً، ديّناً، سليم الباطن والفطرة، حسن العقيدة والاعتقاد، عارفاً بطرائق الملوك رأى الناس، ومارس الأموال. (كان خُشداشه الظاهر خُشقدم يركن للأكراد، ويستشيره في أموره، ويأخذ رأيه)
(2)
، وما لُقّب بالمجنون إلّا لشجاعته وإقدامه وقوله الحق، وعدم مداهنته، وإلّا فلو كان مجنونًا بالمعنى الذي قاله هذا المؤرّخ
(3)
لما جاءت بيعته بالسلطنة، لعلم أن المراد من تلقيبه بذلك، لأجل نوع حدّة كانت في مزاجه وجرأة وإقدام، حتى شُبّه بالمجنون، بل ما قاله هذا المؤرّخ يؤدّي إلى الطعن في أهل الحلّ والعقد من الأئمة والقضاة والعلماء، بل والأمراء والجند، حيث ولّوا عليهم مجنوناً، وبالجملة فذا كلام لا على طريقة الإنصاف بل الإنصاف خلافه.
على أن يلباي هذا كان هو السبب الأعظم في إخراج الوالد من القاهرة بممالأة عليه عند الظاهر خُشقَدم، لأمرٍ ما أوجب له ذلك، بعد صحبةٍ أكيدة كانت بينهما، ومع ذلك فالحق لا يضيع، وهو أولى أن يُتّبع، والإنصاف لا يترك بين أهله لأجل الغرض، لا سيما من هو بصدد كتب تواريخ الناس، بأنه ينبغي له أن يترك غرضه في مثل ذلك بمعزل، وجُلّ غرض ابن
(4)
تغري بردي في ذم يلباي، كونه قطع نفقة أولاد الناس في حين سلطنته، فكان الجمال هذا من جملة من قُطعت نفقته، على أنّ قطع النفقة لم يكن مضافاً ليلباي، لا سيما على ما اعترف به الجمال هذا، وزعمه بأنه لم يكن ليلباي هذا من الأمر شيء، بل كان قطعها مضافاً إلى المؤيَّد في المملكة، وهو خيربك إذ ذاك.
ثم نقل الجمال هذا حكاية ذكرها عن بَرسْباي قَرَا، لما أنْ بعث إليه بإخراجه من المخبأة، والتّوجّه به إلى البحرة كما قلناه. وتلك الحكاية إذ صحّت فما أراد بها يلباي إلّا إظهار الاستكانة، لا سيما في مثل هذا المقام الذي الغالب فيه التلف والإهلاك لا الإبقاء، لأنه القياس الغالب في مثل سلطنة يلباي هذا، لا سيما وله حزب وطائفة وشوكة، وهو من الأكابر ومن الجراكسة، فأخذ حين غلبة الظنّ بإتلافه في شيء ربّما يكون سببًا لبقاء مهجة، فما تكلّم به مما أعابه به الجمال هذا، إنما هو من الخدم وغايته التدبير، فظهر هذا للناقد البصير، ولمن له معرفة ببعض التدابير.
فكم من عائبٍ قولاً صحيحاً
…
وآفَتُه من الفهم السقيم
(1)
في الأصل: "وتواطي".
(2)
ما بين القوسين عن الهامش.
(3)
يقصد ابن تغري بردي.
(4)
في الأصل: "بن".
فيكون ذلك مما يمدح به يلباي هذا، لا مما يُذمّ به، فإنه من التدبير ومن الحِيَل النافعة في محلّها، لا من قبيل العجز الحقيقي، وهو ظاهر جدًّا. وأمّا ذهول عقل يلباي، فلم يُسمع به، ولقد رأيته مرراً قريبًا من سلطنته وكالَمْتُه، فلم يظهر لي، بل ولا لغيري، في عقله قصور ولا ذُهول، ولا ضعف بصره ولا سمعه، بل كان عاقلاً وافر العقل والمعرفة، مدبّرًا، سميعاً، بصيراً، ولا خلل في شيء من ذلك غيره، ولولا الخوف من الإطناب لذكرت نقض كل فصل فصل مما قاله الجمال هذا على حِدَة، لكن لا غرض لنا إلّا في التكلم بالإنصاف، لا سيما في مقام توريخ ما يضاف إلى الناس، سيما الملوك والسلاطين، على أن كل أحد، حتى هذا المتكلّم بما تكلّم قد اعترف بأن يلباي هذا كان محجوراً عليه في الأمور، وأنه لم يستبدّ بها، فكيف يُنسب إليه التقصير مع ذلك؟
ولما صودر يلباي هذا على ما أُخذ منه من المال، أمر بإخراجه إلى السجن في هذه الليلة، فأنزل بها احتشاماً له ومعه وتأدّباً، فلم يُنزَل نهاراً إجلالاً له، ومع ذلك فتسامع الناس بإنزاله وكانت ليلة مقمرة، حيث كانت ليلة عاشر الشهر، فهرع الكثير من الناس لرؤيته لما رأوه من الحركة والاضطراب بالخيول والسلاح، فجلسوا من باب السلسلة إلى أواخر الصليبة، بل وإلى قناطر السباع، وركب جماعة كبيرة من الجند ومعهم الرماح وآلات السلاح والسيوف المُصْلَتَة، ثم أنزل به على فرس بعمامة جلوسه، وعليه ثياب بيض، وتقدّمه قانبك المحمودي أمير سلاح وهو راكب، ومعه أوجاقيّ ردْفاً له بخنجرين في يديه اليمنى واليسرى، وذلك بخلاف العادة، لأنها جرت بأن يكون بيد الأوجاقي خنجر واحد، بقرب خاصرة الغريم، وهو حاضنه بيده الأخرى. وأما يلباي فكان بمفرده من غير رديف، كما هي عادة السلاطين حين إنزالهم في مثل هذه الكائنة، واجتيز به علينا.
وكنت أنا في ذلك الوقت جالساً بمكان برأس سُويقة عبد المنعم وشاهدته وقانبك أمامه، وساروا بهما إلى ساحل النيل، فأنزلوا الظاهر يلباي بموكب أُعِدّ له، وقد جعل مسفّره قانصوه اليحياوي المولّى نيابة الثغر، فتسلّمه وانحدر به لوقته ذلك، ووصل إلى الإسكندرية فسُجن بها، ولم يزل بالسجن إلى أن مات به بعد ذلك في ليلة الإثنين مستهلّ ربيع الأول سنة ثلاث وسبعين الآتية، ونذكر وفاته في تراجمها ووَفَيَاتها إن شاء اللَّه تعالى.
وكان ملكاً ضخمًا، شجاعاً، متديّناً، له وجاهة في الدول، دام في السعادة مدّة من بدايته إلى يوم سلطنته، لم ير المكروه قط، إلّا في قضية إخراجه لسكندرية مع دَولات باي، وكان متموّلاً ذا ثروة، وكان لا يتكلّف في مركبه وملبسه وجماعته
وسماطه، ويوصف ببخل وشح. ومن يوم سلطنته أخذ أمره في الإدبار، لعجزه بغَلَبَة الغير وحَجْرهم عليه، وكان دبّر في الأخير تدبيراً حسنًا جيّداً، لكنه لم ينتج معه، ولا صعد له ذلك بسوء تدبير يشبك الفقيه وتقاعده وتكاسله، على ما تقدم ذلك وعرفتَه.
وكان حشماً، أدوباً، عاقلاً، معدَّل الدماغ، كثير السكون بأخرة، حسن السمت والملتقى، ساذجًا في أشياء، متواضعاً، لا مكر عنده ولا خداع، عفيفاً عن الأموال والفروج والمنكرات، وما قرأ
(1)
ولا كتب.
وكان في أيام سلطنته يُعلَّم له هيئة العلامة بالقلم الرفيع على المراسيم والمناشير وغيرها، ويكتب هو عائداً على ذلك يعلّم العلامة السلطانية، كما كان يفعل الأشرف إينال، وتظهر تصرّفاته التي باختياره في مدّة سلطنته، حتى تعلم حقيقة حاله في السلطنة. والذي يظهر لي أنه لو دام في المُلك واستبدّ به، لَمَا حصل منه ضرر زائد على أحدٍ من خلق اللَّه تعالى، ولعلّه كان ينال الناس منه الخير والسلامة، فإنه كان قليل الأذى والشرّ، ذا حنكة وتجربة. ورأى من عزّ السلطنة في أيام سلطنته عمل المولد النبويّ، وولّى عدّة ولايات معظّمة، وخُطب باسمه على منابر مكة، والمدينة، وبيت المقدس، ومصر، والشام.
ومات وسنّه نحو الثمانين أو جاوزها.
ووهِم من قال: سبعين.
[كائنة غريبة بدمشق]
وفيه (في ليلة الثلاثاء هذه، اتفق بدمشق كائنة غريبة ما سُمع بمثلها، وهي أن جماعة من الفلّاحين تسوّروا سور دمشق، ودخلوها ومعهم القسيّ والسهام والسيوف وكثير من الفؤوس
(2)
وقصدوا باب السجن بباب البريد فكسروه ليلًا، والسجّانون يستغيثون فلا يغاثوا، وأخرجوا إنسانًا بالسجن يقال له شيخ زُرعَ
(3)
، كان قد سُجن قبل ذلك، وأخذوه على حميّة وفرّوا به، وما انتطح في ذلك عَنْزان
(4)
.
(1)
في الأصل: "قراء".
(2)
في الأصل: "الفوس".
(3)
زُرعَ: قاعدة من قواعد حوران. (تقويم البلدان 259).
(4)
خبر الكائنة بدمشق ينفرد به المؤلّف رحمه الله.
(تتمّة نفقة الجند السلطاني حتى تمامها)
(1)
وفيه)
(2)
في يوم الثلاثاء عاشره، وهو صبيحة الليلة التي أُخرج فيها الظاهر يلباي إلى ثغر الإسكندرية، ابتُدئ بتتمّة تفرقة النفقة التي كان بدأ بها الظاهر المذكور. ثم جرى له في أثناء تفريقها، وقبل تمامها ما جرى على ما عرفته.
وأمّا الظاهر تمربُغا فلم ينفق، واعتذر بأن الخزائن لا مال بها، واللَّه أعلم بذلك
(3)
.
(الأمر بالإنفاق على أولاد الناس ثم إيقاف ذلك)
(4)
وفيه -أعني هذا اليوم- خرج أمر الظاهر تمربُغا بأن يُنفق على أولاد الناس الذين كانوا مُنعوا من النفقة في دولة الظاهر يلباي، برأي من حسّن له ذلك، لا برأي نفسه. ثم بعد أن أمر تمربُغا بذلك لم يتمّمه، بل عاد إلى المنع، ويا ليته ما أمر بالإعطاء، فإن ذلك كان أنسب
(5)
.
ويقال: إن السبب في ذلك بعض وسائط السوء.
وقيل: إنّما كان باختياره هو -أعني السلطان- وهذا هو الصحيح.
وأُعيب هذا على الظاهر تمربُغا هذا، حتى قيل: لو سكت عنه بعد الفراغ منه لكان الأنسب في حقّه من تناقضه، إذ لما تكلّم في إعادته ثم رجع كان ذلك ذريعة لتشنيع العامّة عليه، وتلا
(6)
بعض أولاد الناس في ذلك قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]، وكثُر القال والقيل بسبب ذلك.
وفي ذلك أنشدني بعض أولاد الناس لغيره:
نقضمت رأياً برأي .... كلاهما عنك صادر
والعار لم تخش منه
…
فأنت بالعيب ظاهر
[عودة أزدمر تمساح من القدس]
وفيه- أعني هذا اليوم أيضًا- قدم أزدمر تمساح، الماضي خبر خروجه إلى
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
ما بين القوسين من الهامش.
(3)
خبر نفقة الجند في: النجوم الزاهرة 16/ 380، ونيل الأمل 6/ 300، وبدائع الزهور 2/ 470.
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
المصادر السابقة.
(6)
في الأصل: "وتلى".
بُردُبك، بتوجّهه إلى القدس، ففعل ما أمر به، وعاد فقدم القاهرة في هذا اليوم.
[لخلعة على جماعة أمراء]
وفيه في يوم الخميس، ثاني عشره، خلع السلطان على الأتابك قايتباي بنظر البيمارستان المنصوري على العادة في ذلك.
وخلع معه أيضًا على خيربك الدوادار.
وعلى كَسْباي الدوادار الثاني، صهر السلطان، خلع الأنظار المتعلّقة بالدوادارية الكبرى والصغرى.
(تقديم جماعة أمراء)
(1)
وفيه قدّم السلطان ستة من الأمراء فجعلهم من مقدَّمين
(2)
الألوف، وهم: لاجين اللالا
(3)
الظاهري، وسودون الأفرم
(4)
الظاهري الخازندار، وجانِبَك من طَطَخ
(5)
الظاهري الأميراخور ثاني، وتمر من محمود
(6)
شاه
(7)
الوالي الظاهري، وتَنِبَك الأشرفي
(8)
الرأس نوبة الثاني المعروف بالمعلّم، ومُغلباي الظاهري الخُشقَدَمي
(9)
، من الجُلبان، المعروف بأُزُن سقل شادّ الشراب خاناه
(10)
.
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
الصواب: "من مقدَّمي".
(3)
مات (لاجين اللالا) في سنة 886 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 6/ 232 رقم 803، ونيل الأمل 7/ 291 (دون ترقيم)، وبدائع الزهور 3/ 182، 183، وتاريخ طرابلس 2/ 83 رقم 60.
(4)
توفي (سودون الأفرم) في سنة 878 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 3/ 283 رقم 1076، ونيل الأمل 7/ 94، 95 رقم 2945، وبدائع الزهور 3/ 95.
(5)
مات (جانبك من ططخ) في سنة 883 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 3/ 53، 54 رقم 211، ووجيز الكلام 3/ 891، و 895 رقم 2038، والذيل التام 2/ 317، والأنس الجليل 2/ 447، ونيل الأمل 7/ 216 ر قم 3089، وبدائع الزهور 3/ 148.
(6)
توفي (تمر بن محمود) في سنة 880 هـ. انظر عنه في: تاريخ الملك الأشرف قايتباي 27، والضوء اللامع 3/ 42 رقم 171 (باختصار)، ووجيز الكلام 2/ 869، والذيل التام 2/ 292، ونيل الأمل 7/ 132 رقم 2986، والمجمع المفنّن 2/ 326، 327 رقم 1099، وبدائع الزهور 3/ 107.
(7)
في الأصل: "ماه ".
(8)
مات (تنبك الأشرفي المعروف بالمعلّم) في سنة 875 هـ. انظر عنه في: إنباء الهصر 215 و 303 رقم 6، ونيل الأمل 6/ 429 رقم 2864، والمجمع المفنّن 2/ 364 رقم 1137، وبدائع الزهور 3/ 53.
(9)
ستأتي ترجمة (مغلباي الظاهري الخشقدمي) في وفيات السنة التالية 873 هـ.
(10)
خبر تقديم جماعة في: النجوم الزاهرة 16/ 381، ونيل الأمل 6/ 330، وبدائع الزهور 2/ 470.
[التقرير في حجوبية الحجّاب]
وفيه استقرّ تَمُر بعد تقدّمه في هذا اليوم في حجوبية الحجّاب، عِوضًا عن بُردُبك هجين الظاهري، بحكم انتقاله إلى الأميراخورية الكبرى، عِوضًا عن أحمد بن العَيْني، بحكم انتقاله إلى إمرة مجلس على ما تقدّم
(1)
.
[شادّيّة الشراب خاناة]
وفيه أيضًا استقرّ برقوق الناصري الظاهري جقمق
(2)
شادّ الشراب خاناة، عِوضًا عن مُغلباي الماضي ذِكره، المنتقل إلى تقدمة ألف
(3)
.
[نيابة القلعة بالقاهرة]
وفيه أيضًا استقرّ تغري بردي طَطَر
(4)
الشمسي الظاهري في نيابة القلعة، بعد نفي سودون البُردُبكي المؤيَّدي، المعروف بالفقيه.
وتغري بردي طَطَر هذا هو حاجب الحجّاب بعصرنا هذا، وقدّمنا ترجمته فيما مر
(5)
.
(ولاية أصباي ولاية القاهرة)
(6)
وفيه أيضًا خلع السلطان على آص باي الظاهري
(7)
خُشقدم، الماضي ذكره، لا سيما عند ذِكرنا كائنته مع القبليين، واستقر في ولاية القاهرة عِوضًا عن تمُر
(8)
.
(1)
المصادر السابقة.
(2)
توفي (برقوق الظاهري جقمق) في سنة 877 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 3/ 12 رقم 49، ووجيز الكلام 2/ 844 رقم 1931، والذيل التام 2/ 266، 267، ونيل الأمل 7/ 59 رقم 2918، والمجمع المفنّن 2/ 232 - 236 رقم 967، وإعلام الورى 68 - 70 رقم 67، وحوادث الزمان 1/ 228 رقم 296، وبدائع الزهور 3/ 83.
(3)
خبر شادّية الشراب في: النجوم الزاهرة 16/ 381، ونيل الأمل 6/ 300، وبدائع الزهور 2/ 470.
(4)
توفي (تغري بردي ططر) في سنة 893 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 3/ 28 رقم 136 (باختصار)، ووجيز الكلام 3/ 1064 رقم 2283، والذيل التام 2/ 497، ونيل الأمل 8/ 117 رقم 3481، والمجمع المفنّن 2/ 288 - 290 رقم 1056 وفيه وفاته في سنة 894 هـ.، وبدائع الزهور 3/ 254.
(5)
خبر نيابة القلعة في: النجوم الزاهرة 16/ 381، ونيل الأمل 6/ 300، وبدائع الزهور 2/ 470.
(6)
العنوان من الهامش.
(7)
انظر عن (آصباي الظاهري) في: المجمع المفنّن 2/ 83 رقم 746 وضاع تاريخ وفاته فلم يؤرّخ له وترك مكانه بياضاً، ولم يترجم له في نيل الأمل، كما لم يذكره السخاوي في الضوء اللامع.
(8)
خبر ولاية آصباي في: النجوم الزاهرة 16/ 381، ونيل الأمل 6/ 300، وبدائع الزهور 2/ 470.
(ولاية تنبك المعلّم إمرة الحاج)
(1)
وفيه- أعني هذا الشهر الذي هو جماد الأول، في يوم السبت رابعٍ عشره-، خُلع على تَنِبك المعلّم الأشرفي باستقراره في إمرة الحاجّ بالمحمل، عِوضًا عن جانِبَك الإسماعيلي المعروف بكوهيه، بحكم القبض عليه أو اختفائه. وكان تَنِبَك هذا قد وُلّي إمرة الركب الأول قبل ذلك، فنُقل إلى إمرة الحاجّ بالمحمل
(2)
.
[انتهاء تفرقة النفقة]
وفيه- أعني هذا اليوم- كانت نهاية تفرقة النفقة السلطانية على الجند السلطاني وتمامها، بعد أن فُرّقت على غير الوجه المُرضي، ولا على طريق العدل والسّويّة، مع ما قُطع من نفقة الأمراء، غير من عُيّن لسفر حلب، وما قُطع من نفقة أولاد الناس والخدّام من الطواشية، وكذا ما قطع من نفقة المتعمّمين وغيرهم، وكثُر الدعاء في هذا اليوم على من كان السبب في ذلك، بل وعلى الظاهر تمربُغا أيضًا، لا سيما لما أمر بإعطاء من قُطع ثم رجع
(3)
.
[الخلعة على ابن كاتب جلود]
وفيه، بعد تمام النفقة في هذا اليوم خلع السلطان على العَلَم ابن
(4)
كاتب جلود، كاتب (المماليك)
(5)
وعلى ولده عبد الكريم بالتحدّث على تعلّقات الخَوَند، أخت كَسْباي زوجة السلطان، وعلى سائر جهاتها
(6)
.
[استقرار جَكَم الظاهري في الحجوبية الثانية]
وفيه استقر في الحجوبية الثانية جَكَم الظاهري
(7)
، أحد أجلاب الظاهر خُشقدم، وقريب الأتابك قاينباي، عِوضًا عن قانِبَك السيفي
(8)
يشبُك بن أزدمر،
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
خبر ولاية تنبك في: النجوم الزاهرة 16/ 381، ونيل الأمل 6/ 300، وبدائع الزهور 2/ 470.
(3)
خبر انتهاء التفرقة في: النجوم الزاهرة 16/ 382، ونيل الأمل 6/ 300، وبدائع الزهور 2/ 470.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
عن الهامش.
(6)
خبر الخلعة في النجوم الزاهرة 16/ 382، ونيل الأمل 6/ 301.
(7)
مات (جكم الظاهري) في سنة 873 هـ. وسيأتي.
(8)
هو (قانبك الأزدمري) توفي سنة 879 هـ. انظر عنه في: نيل الأمل 7/ 117 رقم 2972، وبدائع الزهور 3/ 102 ولم يذكره السخاوي.
بحكم استعفائه عن الإمرة والوظيفة، لعجزه وضعف حركته. وستأتي ترجمة كلٍ من قانبك هذا وجَكَم أيضًا في محلّهما إن شاء اللَّه تعالى
(1)
.
[ولاية دَولات باي الرأس نوبة الثانية]
وفيه، في يوم الإثنين، سادس عشره، استقر دَولات باي الأشرفي المعروف بحمام
(2)
، أحد العشرات، في وظيفة الرأس نوبة الثانية، على ما بيده من إمرة العشرة، وذلك عِوضًا عن تنبك المعلّم المنتقل إلى تقدمة ألف كما تقدّم. وكانت العادة أن يكون الرأس نوبة الثاني من أمراء الطبلخاناة لكنْ رُشّح لها
(3)
.
[استقرار برسباي قرا في الخازندارية]
وفيه استقر بَرْسْباي قَرا المحمّدي الظاهري، أحد العشرات، ورؤوس
(4)
النُوَب، وشادّ الشُوَن، في الخازندارية، عِوضًا عن سودون الأفرم، الماضي خبر تقدّمه
(5)
.
(ترجمة بَرسْباي قَرا)
(6)
370 -
وبَرسباي
(7)
هذا هو رأس نوبة النُوَب بعصرنا هذا، كان من الخاصكية في أواخر دولة أستاذه الظاهر جقمق، ودام كذلك مدّة من الزمان لا يؤبه إليه، ولا يُعوَّل عليه في عدّة من الدول، حتى تسلطن الظاهر خُشقدم فأمّره عشرة، ثم صيّره من رؤوس النُوَب، ثم ولّاه شادّية الأهراء السلطاني التي يقال لها الشُوَن، ودام على ذلك مدّة سلطنة خُشقدم، وهو الذي كان السبب في راتب العليق للوالد،
(1)
خبر استقرار جكم في: نيل الأمل 6/ 301، وبدائع الزهور 2/ 470.
(2)
مات (دولات باي حمام) في سنة 883 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 3/ 220 رقم 826، ووجيز الكلام 3/ 895، 896 رقم 2040، والذيل التام 2/ 318، ونيل ا لأمل 7/ 216 رقم 3090، وبدائع الزهور 3/ 148.
(3)
خبر ولاية دولات باي في: النجوم الزاهرة 16/ 382، ونيل الأمل 6/ 301، وبدائع الزهور 2/ 470.
(4)
في الأعمل: "روس".
(5)
خبر استقرار برسباي في المصادر السابقة.
(6)
العنوان من الهامش.
(7)
انظر عن (برسباي قرا) في: تاريخ الملك الأشرف قايتباي 33 وتاريخ الأمير يشبك/ فهرس الأعلام 182، والضوء اللامع 3/ 10 رقم 40 (باختصار)، والذيل التام 2/ 496، ووجيز الكلام 3/ 1064 رقم 2282، ونيل الأمل 8/ 132 رقم 3503 (برسباي البواب الطويل)، والمجمع المفنّن 2/ 224 - 229 رقم 960.
في أيام شادّيته، وكان يقول للوالد:"أبي"، ويتردّد إليه، ويتقاضى أشغاله، ومهمّاته عند السلطان وغيره. ولما تسلطن يلباي ثم خُلع كان هو المتولّي لإخراجه من مخبأة القصر، والتوجّه به إلى البَحْرة، على ما قد بيّنّا ذلك، وكان أحد المعلّمين الرمّاحة في دولة خُشقدم في المحمل، ووُلّي الخازندارية بعد ذلك في هذا اليوم، كما ذكرناه، ودام عليها مدّة، إلى صدرٍ من سلطنة خُشداشه الأشرف قايتباي، على ما سيأتي، حتّى نقله منها إلى تقدمة ألف، وقرّر في الخازندارية عِوضه أُزبَك اليُوسُفي، المعروف بناظر خاص، أحد مقدَّمين
(1)
الألوف بعصرنا الآن، الماضي ذكره، وخرج في إحدى نوبات شاه سوار صحبة يشبُك من مهدي. ثم استقر به الأشرف قايتباي في الحجوبية الكبرى، بعد موت تمر الوالي، فباشرها مدّة، حتى خرج من نوبة باينْدَر صحبة يشبك الدوادار أيضًا، وأُسر في تلك الكائنة، ودام مدّةً في أسر التركمان، ولم يظهر خبره بعد أن أُرجف بموته بالقاهرة، وأُيس منه، ومع ذلك فما أخرج السلطان وظيفته. واتفق أن حضر وعاد إلى القاهرة.
ولما نقل السلطان الأمير تمراز الأشرفي إلى إمرة سلاح، عِوَضًا عن يشبُك الدوادار، قرّر بَرسْباي هذا في رأس نَوبة النُوَب، فباشرها على بَونٍ عظيم من مباشرة تمراز لها، على ما تقدّم لك وصْف مباشرة تمراز إياها. وأول ما بدأ
(2)
في حكمه بأهل الشيخونية، بواسطة نظره عليها، فتسلّط على كثيرٍ منهم بالأذى والتشويش البالغ، زعماً منه بأن ذلك من العدل والإنصاف، وكثُر الدعاء عليه بسبب ذلك، لا سيما حين بعث بتسمير أبواب خلواتها الجميع، من غير سؤالٍ عن علمائها ومشايخها وطلبتها، وذكر أنه فعل ذلك ليميّزها، ولم يميّز شيئًا، ولا أصاب فيما فعل، بل من فعل ذلك من أجله لم ينله أذى ولا شيء
(3)
من الضرر، وما نال الضرر إلّا من هو من أهل العلم والخير والاستحقاق وقاطني المدروسة من المتردّدين في غيرهم، فأجلاهم عن مساكنهم، وأضرّ ذلك بحال الكثير منهم، بل وكان سبباً لحصول المرض لبعضهم من تشنططه
(4)
عن مأواه، وتأثير البدر فيه، ومنهم: الشيخ العالم الفاضل عبد الحميد، ودام مرضه عقيب ذلك متسلسلاً به حتى مات، وكدّر صفو الكثير منهم، لا سيما، وكان ما فعله في أيام عيد الفِطر،
(1)
الصواب: "أحد مقدَّمي".
(2)
في الأصل: "بداء".
(3)
في الأصل: "شيئأ".
(4)
هكذا، وهو تعبير عامّي، ويقال:"تشمطط" بالميم، بمعنى: تفرّق.
التي هي أيام السرور والفرح، وما أصاب حتى ولا في جُزئيّة من الجزئيّات.
وتوجّهت أنا إليه في أثناء تلك الحركة، بل وواجهتُه بكلمات فيها النصيحة له إنْ عَرَفها. وقلت له: إن البلاء قد عمّ وزاد الفساد، وما تزعم أنك تفتّش عليه فأصله منكم، وما بقي يرفع هذا الفساد المستحكم إلّا السيد المسيح عيسى ابن مريم وكلّمته
(1)
بكلماتٍ كثيرة من نحو ذلك، حتى استشاط غضباً.
ثم إنه تردّد بنفسه إلى الخانقاه غير ما مرة، وحضر حضورها مرة بعد أخرى، بل مراراً، وأحضر كاتب غيبتها إلى داره، وبهدله بالضرب بين يديه على رِجليه ظلماً وعدواناً، إذ لو كتب على من له الجاه يسعى إلى إمثاله من الأمراء فيبطل ذلك، سواء كان جاهلًا أو عالماً. وأمّا الفقراء من ذوي العلم وغيرهم ممن لا جاه له، فالكتابة لا تنقطع عنهم. ثم سأل عن دروسها، وحضر بعضها في أيام الدروس، وصار يحرّض على كتابة غيبتها وغيبة الحضور، وما أتى بنتيجة نافعة، وعرض خزانة كُتُبها، وحمل إلى داره الكثير من ذلك، ذكر أنه يطالعها، فأذهب عدّة منها في الكائنة التي جرت عليه من الجُلبان، كما سنذكرها، وأخذ منها المصحف الذي بها بخط ياقوت
(2)
، وقد شرط الواقف أن لا يُخرج منها، وهو عنده إلى يومنا هذا، هذا مع دعواه بأنه يعمل فيها بشرط الواقف، بل فعل بها أشياء عديدة لا تقرب من شرط الواقف، فضلاً عن أن تكون على شرطه، منها أخْذَه معلومه عن مدة سنين آتية مستقبَلَة.
ومنها أنه اشترك في وظيفة من وظائف السادة الحنفية بين اثنين، وغير ذلك من أشياء أُخَر، وصار يقول: لا أمضي البُذول، ثم أمضى عدّة نُزُولات برشا أعلى على ذلك.
(1)
في الأصل: "وكلماته".
(2)
هو (ياقوت المستعصمي) المجوّد، صاحب الخط المنسوب، الروميّ الجنس، توفي سنة 698 هـ. انظر عنه في: الحوادث الجامعة 236، 237، وذيل مرآة الزمان 3/ ورقة 303، 304، وتالي كتاب وفيات الأعيان 175 رقم 291، وتاريخ حوادث الزمان وأنبائه (بتحقيقنا) 1/ 458، 459 ر قم 271، وتاريخ الإسلام (بتحقيقنا) - وفيات (698 هـ.) - ص 373، 374 رقم 561، ودول الإسلام 2/ 202، والعبر 5/ 390، والمقتفي على كتاب الروضتين (بتحقيقنا) 2/ 605، 606 رقم 1370، والبداية والنهاية 14/ 6، وفوات الوفيات 4/ 363 رقم 567، والوافي بالوفيات 28/ 37، 38 رقم 40، ووفيات الأعيان 6/ 118، وتذكرة النبيه 1/ 219، ودرّة الأسلاك 1/ ورقة 145، وعقد الجمان (3) 479 - 481، والنجوم الزاهرة 8/ 187، والدليل الشافي 2/ 773 رقم 2616، والمنهل الصافي 12/ 61، 62 رقم 2626، ومنتخب الزمان 2/ 374، وشذرات الذهب 5/ 443، ومفتاح السعادة 1/ 84 - 86، وكشف الظنون 862، ومعجم المؤلفين 13/ 180،. 598/ 1 S ، 353/ 1. Brockelmann، G.
حتى بلغني ممن أثق به أنه أخذ في إمضاء نُزوله بها وبالصِرْغَتْمَشيّة أربعون ديناراً، وما أظنّ هذا وقع لناظر قبله من يوم بُنيت الخانقاه وإلى أيامه، ثم أخذ نقباء داره والرُسُل في التسلّط على جماعة من الخدّام بالخانقاه المذكورة ومؤذّنيها، بل وبعض صوفيّتها
(1)
، وأقام شادّاً من مماليكه قرّره في الشاديّة، وهي بيد إنسان من الأغوات بمستند شرعي، وصار هذا الشادّ يتسلّط على الفرّاشين والمؤذّنين والوقّادين ونحوهم، وجَلت له البواطيل والرشا
(2)
من كثير من خَدَمها، بل وبعض صوفيّتها
(3)
، فزاد ابتهالهم إلى اللَّه تعالى بالدعاء عليه وعلى أستاذه بسبب ذلك، حتى جرى عليه المصيبة العظمى والداهية الطّمّاء التي تكاد أنها لم تقع لأحدٍ قبله، على الوجه الذي وقعت له، بل ولعلّها لا تقع لأحد بعده، من ثوران جُلبان الأشرف قايتباي، وقيامهم عليه حزباً واحداً، لقضيةٍ اتفقت له مع بعضهم، سنبيّنها في سنة وقوعها بأتمّ من هذا إن شاء اللَّه تعالى، في الكثير مما ذكرناه أيضًا في محالّه، فيما يأتي، وقصدوا داره، ولو وجدوه بها ودخلوها في تلك الكائنة والنائرة لقتلوه أصلاً ورأساً، ولما لم يظفروا به أخذوا في الهجوم على داره، وكان قد أحسّ بشيء من ذلك، فأخرج حريمه منها، ووزعّ الكثير من تعلّقاته وما يخاف عليه، واختفى بنفسه، وأغلق مماليكه بابه، وحاربوا الجُلبان أعلى الباب، فزاد ثوران الجُلبان، وتحزّبوا في ذلك اليوم، حتى عظُمت البليّة والفتنة، ولبسوا لأمة الحرب والقتال، وتعطّلت أحوال الكثير من الناس في ذلك اليوم، ثم أخذوا في توسيع الحيلة لأخذ داره والهجوم عليها، فأحضروا النيران ليحرقوا بابه، فلم يتمكّنوا من ذلك، فأضرموا النار بمكانٍ خلف المدرسة تجاه المدرسة الأبوبكرية، وكان به تبن كثير ودرس
(4)
، فتعدّى الحريق إلى المدرسة وإلى كثير من الدُور من تلك الجهة، ثم أحرقوا مواضع من جهة بابه أيضًا، وتعلّقت النار بما يقرب من داره، وما بِتجاهها من الرَيْع وديار الخلق، ثم أخذوا في نهبها، بل نهبوا ديار ذلك الخط بأسره، وهجموا على الكثير من ذلك، وهُتكت من ذلك حريم المسلمين، وأخذت أموالهم بواسطة شؤمه، ونهبوا المدرسة الفخرية التي إلى جانب داره التي جدّدها الجمال يوسف بن كاتب جكم ناظر الخاص، وجرى عليه وعلى كثير من خلق اللَّه تعالى ما لا خير فيه، وربّما قُتل في هذه الكائنة بعض، وجُرح الكثير من مماليك بَرْسْباي هذا. وثارت فتنة كادت أن تكون سبباً لأمور كثيرة، حتى كادت تتعدّى إلى المُلك والملِك، بل كادت الجُلبان أن تخرج عن
(1)
في الأصل: "صوفتها".
(2)
في الأصل: "الرشى".
(3)
في الأصل: "صوفتها".
(4)
في الأصل: "وكان به تبن كثيرًا ودرساً".
طاعة السلطان. وركب الأتابك أُزْبَك بداره وجميع الأمراء بأسرهم من القرانصة وجميع العسكر. وزاد الحال في ذلك اليوم وما خلّص إلّا اللَّه. واختفى هو بنفسه مدِّة، وما نجا وخلص من تلك الكائنة إلّا بعد اللُتيّا والتي، ثم أرجف بأنه يُبْعث به إلى القدس بطّالاً لأجل إرضاء الجُلبان وكسر النائرة، ثم أرجف أيضًا بأنه لا بدّ من فتْك الجُلبان به إذا ظهر، ثم آل الأمر بعد ذلك إلى ظهوره بعد تسكين السلطان الجُلبان وتحليفهم، وأُلبس خلعة، ونزل إلى داره على ما هو عليه، و [لم] يَزْدَد
(1)
إلَّا تعنُّتاً.
وكل ذلك مع إظهاره الديانة والتصولح، والتصوّف، والتصوّن، والتعفّف ومحبّة أهل العلم، مع تهجّد في الليل وتعبّد، وميل لمحبّة الفقراء والصالحين، وحُسن تؤدة وتواضع، ومعرفة بالفروسية. وهو رأس في الرمح وتعليمه، مع طمعٍ وشَرَه زائد في الأموال، واللَّه تعالى يُصلحنا وإيّاه ويُلهمنا رشدنا.
وما ذكرناه هاهنا إنما هو على جهة الاستطراد، لأجل ترجمة بَرسباي هذا، وإن كان أكثر ما ذكرناه وقع فيما بعد هذا التاريخ من السنين على ما سيأتي تفاصيله في محالّه موضوحاً
(2)
. إن شاء اللَّه تعالى.
(ولاية فارس الزَرَدْكاشية)
(3)
وفيه- أعني هذا اليوم أيضًا- استقر فارس السيفي دَولات باي
(4)
، أحد الأمراء العشرات في وظيفة الزَّرَدْكاشية الكبرى، عِوضًا عن طوخ الأبوبكري المؤيَّدي
(5)
، ووُلّيها على إمريّة العشرة من غير زيادة، والعادة أن يليها الطبْلخاناة
(6)
.
(قدوم قرقماس الجلب من السجن)
(7)
وفيه- أعني هذا اليوم في آخره- وصل قُرقماس الجَلَب أمير سلاح كان من
(1)
في الأصل: "ويزاد".
(2)
هكذا في الأصل. والصواب: "موضحًا".
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
توفي (فارس السيفي دولات باي) في سنة 875 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 6/ 163، 164 رقم 546.
(5)
هو (طوخ أقجي الأبوبكري المؤيَّدي) توفي سنة 876 هـ. انظر عنه في: إنباء الهصر 454، 455 رقم 4، ونيل الأمل 7/ 47 رقم 2887، وبدائع الزهور 3/ 68 ولم يترجم له السخاوي في الضوء اللامع.
(6)
خبر ولاية فارس في: النجوم الزاهرة 16/ 382، ونيل الأمل 6/ 301، وبدائع الزهور 2/ 470.
(7)
العنوان من الهامش.
سجن ثغر الإسكندرية هو ورفيقاه
(1)
، أرغون شاه، وقَلَمطاي، وقد أُخرجوا من السجن، وأُدخل من كان سَجَنهم إليه، وعُدّ ذلك من الغرائب، فإنه لما حمل يلباي الظاهر إلى سجن الإسكندرية، فيوم إدخاله صادف يوم إخراج هؤلاء، وباتوا بالميدان الناصري، حيث وصلوا من الثغر ليتهيّأوا منه للطلوع إلى القلعة، على ما سنذكره
(2)
.
(إخراج يشبُك الفقيه إلى القدس)
(3)
وفيه أُخرج يشبُك الفقيه إلى القدس بطّالًا
(4)
.
(الزلزلة الكائنة في القاهرة)
(5)
وفيه، في ليلة الثلاثاء سابع عشره، زُلزلت القاهرة زلزلة لطيفة، وسقط بها بعض أماكن قليلة كانت عتيقة البناء
(6)
.
[طلوع قرقماس الجلب إلى السلطان بالقلعة]
وفيه- في يوم الثلاثاء هذا- بكّر قرقماس الجَلَب ومن معه بالطلوع إلى القلعة للسلطان، ولما تمثَّل قرقماس بين يدي الظاهر تمربُغا أجَلّه وعظّمه، وقام له فالتزمه، ثم رفع من محلّه بأن أجلسه على يسرته، وجلس أميرسلاح المتولّي إلى حذائه، وقرقماس مرتفع عليه، ثم أنِس به السلطان وبرفيقه، وخلع عليه كامليّة هائلة، ونزل إلى داره، وهرع الناس للسلام عليه، وكذا رفيقيه.
[إقطاع أنفار]
وفيه- أعني هذا اليوم- أقطع السلطان نحواً من سبعين نفرًا من الجند سبعين إقطاعًا، وخرجت المثالات لهم بذلك على ما جرت به العادة عند تبدّل الدول وتغيّرها في أوائلها
(7)
.
(1)
في الأصل: "ورفيقيه".
(2)
خبر قدوم قرقماس في: النجوم الزاهرة 16/ 382، ونيل الأمل 6/ 301، وبدائع الزهور 2/ 471.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
خبر إخراج يشبك في: نيل الأمل 6/ 301، وبدائع الزهور 2/ 471.
(5)
العنوان من الهامش.
(6)
خبر الزلزلة في: نيل الأمل 6/ 302، وبدائع الزهور 2/ 471.
(7)
خبر الإقطاع في: نيل الأمل 6/ 302، وبدائع الزهور 2/ 471.
[نفي أمراء من المؤيَّديّة إلى البلاد الشامية]
وفيه، في يوم الأربعاء ثامن عشره، أُخرج من الأمراء المؤيَّديّة خمسة أنفار منفيّين إلى البلاد الشامية، وهم: سودون الفقيه، وجقمق، وجانَم كَسبا، وقانِباي ميق، وجانبك البوّاب، وأُخرج معهم شخص من الجند أيضًا من المؤيّديّة يقال له خُشكلدي قرا لا ذنْب له، وليس ممن له شهرة زائدة حتى يُفعل معه ذلك، بل لعلّه إنّما فُعل به ذلك مندوحة لأخذ ما بيده من الإقطاع، فإن إقطاعه كان إقطاعاً هائلاً ثقيلاً
(1)
.
[الشفاعة في جماعة من المؤيَّديّة]
وفيه شُفع في جماعة من المؤيَّديّة، وهم: تَنَم الفقيه، وجانِبَك الزيني، وطوغان مِيق، ودَولات باي الأبوبكري، وكان الشافع فيهم: الأتابك قايتباي، بل وغيره، فبقوا بمصر، وكانوا من الأمراء المؤيَّديّة، وبقي من الجند منهم أيضًا نحو العشرين نفرًا ممّن لا يؤبه إليهم ولا يُلتفت
(2)
.
[تأمير جماعة من الجند]
وفيه، في يوم الخميس تاسع عشره، أمّر السلطان جماعة نحو العشرين نفرًا خلعهم أمراء عشرات، وهم من أربع طوائف من الأشرفية الكبار والأشرفية الصغار، والعامرية الكبار وكذا الصغار، بل وأمّر آخرين من السيفية
(3)
.
[قدوم أميرين من ثغر دمياط]
وفيه- أعني هذا اليوم- وصل إلى القاهرة دَولات باي النجمي، وتمراز الشمسي، وكانا بثغر دمياط. وقد تقدّم خبر البعث بقدومهما وأن يحضرا إلى القاهرة، فلما حضرا طلعا إلى السلطان في يوم السبت حادي عشرينه فأكرمهما وأنِس إليهما، ووعدهما بكل جميل
(4)
.
[الإشاعة بالفتنة]
وفيه- أعني يوم السبت هذا- أشيع بالقاهرة بإثارة فتنة وركوب على
(1)
خبر نفي الأمراء في: نيل الأمل 6/ 302، والنجوم الزاهرة 16/ 383.
(2)
خبر الشفاعة في: نيل الأمل 6/ 302، والنجوم الزاهرة 16/ 383.
(3)
خبر تأمير جماعة في: النجوم الزاهرة 16/ 383، ونيل الأمل 6/ 302.
(4)
خبر قدوم الأميرين في: النجوم الزاهرة 16/ 383، ونيل الأمل 6/ 352.
السلطان، ولم يذكر أحد يُنسَب إليه الركوب من الأمراء، بل أشيع ركوب الأمراء إجمالاً وإثارة فتنة لا على جهة التفصيل. ثم كان ما سنذكره
(1)
.
(الإشاعة بموت جهان شاه)
(2)
وفيه أيضًا أشيع بالقاهرة موت جهان شاه شاه بن قَرَا يوسف صاحب أَذَرْبَيْجان والعراقين. وفشت هذه الإشاعة! وكان من ذلك ما سنذكره
(3)
.
(ولاية أرغون شاه نيابة غزّة)
(4)
وفيه، في يوم الثلاثاء رابع عشرينه، استقر أرغون شاه الأشرفي في نيابة غزّة، عِوضًا عن دمرداش العثماني بعد صرفه عنها قبل أن يدخلها ويحكمها
(5)
.
[شهر جمادى الآخرة]
وفيها- أعني هذه السنة- كان مستَهلّ جمادى الآخرة بالإثنين، ووافق ذلك أول طوبة من شهور القبط.
[التهنئة بالشهر]
وفيه- أعني هذا الشهر، في هذا اليوم- طلع القضاة ومن له عادة بالتهنئة بالشهر إلى القلعة وهنّأوا
(6)
السلطان
(7)
.
(جلوس السلطان للحكم بالإسطبل في يومي السبت والثلاثاء)
(8)
وفيه، في يوم الثلاثاء ثانيه، نودي بالقاهرة من قِبَل السلطان بأن الحكم بين الناس بالإسطبل في يومي الثلاثاء والسبت، وأن من له ظلامة أو نحو ذلك فلْيَحضر في ذي اليومين. فإن السلطان يجلس لذلك بالإسطبل، ثم أخذ في جلوسه به في
(1)
خبر الإشاعة في: النجوم الزاهرة 16/ 383، ونيل الأمل 6/ 302.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
خبر الإشاعة في: نيل الأمل 6/ 303.
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
خبر نيابة غزّة في: النجوم الزاهرة 16/ 384، ونيل الأمل 6/ 303، وبدائع الزهور 2/ 471، ونيابة غزّة في العهد المملوكي 309 رقم 1007 وفيه تولى نيابة غزّة في شهر محرم سنة 873 هـ.
(6)
في الأصل: "وهنوا".
(7)
كتب إلى جانبها على الهامش: "وهو آخر شهر هني به هذا السلطان ثم خلع في أواخره".
(8)
العنوان من الهامش.
اليومين المذكورين، وحصل به بعض نفع للناس، وتوصّل إليه الكثير ممّن له مظلمة ونحوها، وحُمدت أحكامه فيه وشُكرت، وكثُر الدعاء له
(1)
.
[ولاية خيربك نظر خانقاه سعيد السعداء]
وفيه، في يوم الخميس رابعه، استقر خيربك الظاهري الدوادار في نظر خانقاه سعيد السعداء والخانقاه السرياقوسية. ونظر قبّة الصالح، عوضًا عن الشهاب أحمد بن العَيَني
(2)
.
(وصول رأس جهان شاه إلى القاهرة)
(3)
وفيه قدم القاهرة قاصد حسن بن قرايُلُك صاحب دياربكر، وعلى يده مكاتبة مرسِله، وصحبته رأس جهان شاه بن قرا يوسف ملك العراقين وتبريز وما والاهما من المشرق، ومعه فرسه وجوشنه، وقد بعث بهم
(4)
حسن المذكور، كأنه يُظهر الخدمة لملك مصر، وما قصْده بذلك في الحقيقة إلّا تعظيم نفسه، وأنه صار ممن يُختَشَى منه.
وكان من خير حسن هذا مع جهان شاه هذا أن جهان شاه قصده في جمع وافر لحربه، ووقع بينهما مراسلات وأمور يطول الشرح في ذكرها. وآل الأمر بأخرة أن رحل جهان شاه بعساكره، وتقدّم العسكر عنه، ثم بقي هو في جمع يسير بمكانٍ بات به مشتغلاً فيه بالشرب حتى سكر على ما يقال، منفرداً عن عساكره، وقد تقدّمت عليه، فجاء من أخبر حسن بذلك، فبدر بأن (جهّز إليه ولده محمد مع عذة من عسكره، ثم أعقبه بنفسه و)
(5)
توخه إليه قاصده على غرّة في جمع من عساكره وهو غافل، ولا يمرّ بوهمه ذلك، ولا خطر بباله، فكان من أمرهما ما آل إلى قطع رأس جهان شاه المذكور، واختُلف
(6)
في كيفية ذلك على أنحاء مختلفة، لا حاجة لنا بالتطويل بذكرها، لا سيما وما تحرّر لنا منها ما صحّ حتى نثبته، وعسانا نشير إلى شيء من ذلك في ترجمة جهان شاه إن شاء
(7)
اللّه تعالى. ثم بعث برأسه إلى القاهرة، فوصلت في هذا اليوم، فحُملت إلى باب زويلة فعُلّقت
(1)
خبر جلوس السلطان في: النجوم الزاهرة 16/ 384، ونيل الأمل 6/ 303، وبدائع الزهور 2/ 471.
(2)
خبر ولاية خيربك في: النجوم الزاهرة 16/ 384، ونيل الأمل 6/ 303.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
الصواب: "وقد بعث بها".
(5)
ما بين القوسين من الهامش.
(6)
في الأصل: "واحلت ".
(7)
في الأصل: "انشا".
بها أياماً، وطيف بفرسه على هيئته بشوارع القاهرة، وكان ذلك كله قبل أن يحسّ من حسّ بالتهكّم على مصر ومعاداتهم وظهر لهم أن ما فعله حسن هذا خدمة لهم، وما كان منه إلّا من نوع التخويف لهم وإظهار شأنه، وتعاليه عليهم، على ما عُرف بعد ذلك، على ما سنُبَيّنه في محلّه إن شاء اللَّه تعالى. ثم كان من أمر حسن هذا أن أخذ جميع بلاد جهان شاه ومَلَك العراقين وتبريز، وضخم أمره جدًّا وعظُم، ثم أخذ في الاستطالة على المصريّين على ما سيأتي، وما كان منه وله
(1)
.
[سفر أرغون شاه إلى نيابته بغزّة]
وفيه- أعني هذا اليوم- سافر أرغون شاه نائب غزّة إلى محلّ نيابته منها بعد أن طلّب، وخرج من الرملة، وقد عُملت الخدمة السلطانية بالقصر، وجلس السلطان لرؤية الطُلْب بالشبّاك الكبير المطلّ على الرُميلة على عادته في ذلك، وخرج أرغون شاه المذكور بأُبّهة.
[ثورة رياح هائلة]
وفيه ثارت رياح عظيمة هائلة إلى الغاية، حتى بقي يشاع أن ذلك لأجل دخول رأس جهان شاه لمصر. هكذا قاله العوام ونحوهم
(2)
.
[خروج قرقماس الجَلَب إلى دمياط]
وفيه، في يوم السبت سادسه، خرج قرقماس الجَلَب إلى ثغر دمياط ليقيم به، بعد أن أقطعه السلطان قبل سفره نصف قرية العلاقمة، وكان هو الذي سأل في توجهه إلى ثغر دمياط، بعد أن وعد بأنه يُرقّى إلى ما كان وزيادة، فأبى إلّا
(3)
الراحة والخروج إلى ثغر دمياط باختياره، وأراد من ذلك فراره من الفِتن، ولقد أصاب، ثم كان له ما سنذكره
(4)
.
(ولاية بُردُبَك البجمقدار نيابة حلب)
(5)
وفيه، في يوم الإثنين ثامنه، عيّن السلطان أزدمر الظاهري، المعروف
(1)
خبر وصول رأس جهان شاه في: النجوم الزاهرة 16/ 384، ومنتخبات من حوادث الدهور 3/ 663، ونيل الأمل 6/ 303، والتاريخ الغياثي 7299 وبدائع الزهور 2/ 471.
(2)
خبر ثورة الرياح في: نيل الأمل 6/ 303، 304.
(3)
في الأصل: "إلى".
(4)
خبر خروج قرقماس في: النجوم الزاهرة 16/ 384، ونيل الأمل 6/ 304، وبدائع الزهور 2/ 472.
(5)
العنوان من الهامش.
بتمساح، الماضي ذِكره بتوجّهه إلى القدس حاملاً تقليد بُردُبَك البَجْمَقْدار
(1)
، وتشريفه باستقراره في نيابة حلب، عِوضًا عن يشبُك البجاسي، الماضي ذِكره في محلّه، وذلك بعد صرف يشبُك المذكور عن نيابة حلب، وخروج الأمر بحمله إلى قلعة دمشق ليُسجن بها، وخلع على أزدمر تمساح المذكور بذلك خلعة. وكان أزدمر هذا هو الذي توجّه به إلى القدس قبل ذلك على ما قدّمناه وقدّمنا ترجمة أزدمر أيضًا
(2)
.
[حبس يشبُك البجاسي بقلعة دمشق]
وفيه
(3)
، في يوم الخميس، حادي عشره، عيّن السلطان أزدمر الإبراهيمي، المعروف بالطويل الذي تقدّم خبر مرجعه من دمشق، بأن يتوجّه إلى حلب بمرسوم سلطاني على يده، يتوجّه يشبُك البجاسي إلى القدس بطّالاً. ثم آل أمره إلى ما قدّمناه من حبسه بقلعة دمشق
(4)
.
وأزدمر الطويل هذا هو الذي وُلّي بعد ذلك حجوبية الحجّاب، وآل به الأمر إلى أن نُقل على ما أشرنا إلى ذلك فيما تقدّم، وعلى ما سيأتي في محلّه إن شاء اللَّه تعالى. وأمّا ترجمته فستأتي في سنة خمس وثمانين.
[حنق السلطان من دخول سودون البرقي إلى خانقاه سرياقوس]
وفيه، في يوم السبت، ثالث عشره، ورد الخبر بوصول سودون البرقي
(5)
، الشمسي، الظاهري، أحد مقدَّمين
(6)
الألوف بدمشق إلى خانقاه سرياقوس. ولما بلغ السلطان ذلك حنق من ذلك وتغيّظ وقامت قيامته، ومنع سودون هذا من دخوله إلى القاهرة، وأرسل إليه بكامليّة سمّور، وسَرج ذهب، وكنبوش زركش، على مركوب خاص من خيول السلطان وأمره بالعود، فعاد
(7)
.
(1)
يقال: البجمقدار والبشمقدار.
(2)
خبر ولاية بردبك في: النجوم الزاهرة 16/ 384، ونيل الأمل 6/ 304، وبدائع الزهور 2/ 472.
(3)
كتب بعدها: "أيضًا" ثم ضرب عليها.
(4)
خبر حبس يشبك في: النجوم الزاهرة 16/ 384، ونيل الأمل 6/ 304، وبدائع الزهور 2/ 472.
(5)
توفي سودون البرقي في هذه السنة وستأتي ترجمته.
(6)
الصواب: "أحد مقدَّمي".
(7)
خبر حنق السلطان في: النجوم الزاهرة 16/ 385، ونيل الأمل 6/ 304، وبدائع الزهور 2/ 472.
[الخبر بقصد حسن بن قرايُلُك قتال شاه سوار]
وفيه في يوم الجمعة، تاسع عشره، ورد الخبر من نائب البيرة ومن نائب حلب أيضًا على السلطان، بأن حسن بن قرايُلُك، قصد دخول البلاد السلطانية لقتال شاه سوار، وهو يُظْهر بأنه يقصد السلطان ويخدمه بذلك، ثم ذكرا بأن هذا ربّما أدّى إلى فساد أو غدر من حَسَن، فحصل عند السلطان بذلك باعث شديد
(1)
.
(كائنة القاضي خروف)
(2)
371 -
وفيه، في يوم السبت، عشرينه، كائنة القاضي تقيّ الدين أبي
(3)
بكر بن علي بن ()
(4)
الحلبي، الحنفي، المعروف بابن الطيوري، وبخَروف أيضًا، أحد نواب الحكم، وأخِصّاء الشهاب أحمد بن العَيني، وهو أن السلطان طلبه للإسطبل في أول جلوسه به في هذا اليوم، ولما أُحضر به أمر به، فبُطح على الأرض، وضرب ضرباً مبرحاً. قالوا: إن ذلك بقُبح ما يُذكر عنه من سيرته، ثم جُعل الحديد في عنقه بسلسلة، وأمر به إلى منزل القاضي المالكي، وهو يومئذٍ الحسام بن حريز
(5)
ليدّعي بأمور تُذكر عنه، منها ما يقتضي تكفيره. ثم لم يزل في السلسلة إلى يوم الأحد حادي عشرينه، فأُحضر إلى منزل الزين بن مُزْهر كاتب السرّ، وأخرج محضراً قد اكتُتب عليه، يتضمّن عظائم مهولة، قد ذُكرت فيه عنه، وشهد به جمع جمّ من المسلمين، فلم يدّع عليه بشيء مما كتب بذلك المحضر، سوى أنه يصلّي بغير وضوء، ويقع في حق الكثير من العلماء والأعيان. وكانت الدعوى عليه عند القاضي بدر الدين بن القطّان
(6)
أحد نواب الحكم الشافعي، وثبت عنده ذلك، فحكم بتعزيره بأنْ ضربه ثلاثين شوطاً، ثم قطع كُمّيه، وأمر به
(1)
خبر قصد حسن بن قرايلك في: نيل الأمل 6/ 304، وبدائع الزهور 2/ 472.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
في الأصل: "أبو".
(4)
بياض في الأصل. وفي الضوء اللامع 11/ 57، 58 رقم 150 "أبو بكر بن علي بن محمد بن علي ". قتله بعض فتيانه في سنة 891 هـ. وقد ترك المؤلّف رحمه الله بياضاً في ترجمته كما هنا في: نيل الأمل 8/ 15 رقم 3357، أما في المجمع المفنّن 1/ 306 - 308 رقم 196، فهو: أبو بكر بن علي بن عبد اللَّه (
…
)، وبدائع الزهور 3/ 225.
(5)
هو محمد بن أبي بكر بن محمد بن محرز بن أبي القاسم الهاشمي القرشي الحسيني، المغربي الأصل، المالكي. توفي سنة 873 هـ. وستأتي ترجمته فيها.
(6)
هو محمد بن محمد بن محمد بن علي بن محمد بن عيسى بن عمر بن أبي بكر الكناني، السَمَنّودي الأصل، المصري، القاهري، الشافعي، ويعرف بابن القطان. مات سنة 879 هـ. (انظر عنه في: الضوء اللامع 9/ 248 - 252 رقم 600).
فشُهّر بالقاهرة مع المناداة عليه وهو مكشوف الرأس، وكان ما فعل به من اللُطْف في حقّه، حتى سكت عنه السلطان وغيره، وإلّا كان حاله لا يؤول
(1)
إلى خير. ثم أمر به بعد إشهاره بأن يُحبس، ثم أمر السلطان بإخراجه بعد ذلك بتسفيره إلى بلده حلب، فدخل إليها على أسوأ
(2)
حال وأقبحه. وما قدر الشهاب أحمد بن العيني أن يفيد في حقّه بشيء ولا يُبدي. ولم يكن ما فُعِل به أرضى الكثير من الناس، بل كانوا يودّون ضرب عنقه، أو معاملته بالتعزير، على مقتَضَى ما ذُكر عنه من الجرائم بذلك المحضر المكتتب عليه، لبُغض الناس فيه، بسبب تحشّره في ابن
(3)
العَيني، والتكلّم عنده فيما لا يعنيه، وذمّ الكثير من الناس، إلى غير ذلك من أشياء تفيض بغضة. ولم يزل منفيّا حتى قدم القاهرة بعد ذلك، وهو مقيم بها إلى يومنا هذا، ساكن بخط بولاق.
وهو ممن ولد بحلب في سنة (ثلاثين)
(4)
وثمانمائة، وبها نشأ
(5)
.
وكان والده تاجراً بها يلعب بالحمام، ولهذا قيل له الطيوري، ونشأ ولده هذا فقرأ القرآن العظيم وشيئاً، واشتغل سراً (؟)، وقدم القاهرة، وآل أمره أنْ وُلّي نيابة الحكم بها في أيام قضاء ابن
(6)
الشِحنة، بعناية الشهابي أحمد بن العَيْني، ويذكر عنه أنه يؤرّخ، وأنه صنّف في التاريخ أشياء، وما وقفت على شيء من ذلك. ويُذكر بكرم النفس، ولا علم عندي بشيء من أحواله غير ما ذكرت
(7)
.
(ذِكر نُبَذ
(8)
الغلاء الكائن من سلطنة قايتباي ودوامه)
(9)
وفيه- أعني هذا الشهر، بل وقبله- زادت الأسعار، وغلت الغِلال، وارتفع سعر القمح إلى خمسمائة الإردبّ، واستغاث الناس من الغلاء. فأمر السلطان في يوم الإثنين تاسع عشرينه بفتح شُونة من شُوَنه، وأبيع القمح منها بسعر ثلاثمائة الإردبّ، بعد أن نادى من قِبَله بالشوارع بهذا السعر، وحصل بذلك بعض رفق
(1)
في الأصل: "يول".
(2)
في الأصل: "اسواء".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الأصل بياض، والمُثْبت من: المجمع المفنَّن 1/ 306.
(5)
في الأصل: "نشاء".
(6)
في الأصل: "بن".
(7)
وذكر المؤلّف رحمه الله في المجمع المفنّن 1/ 307 "وذكر لي من أثق به أنه كان وقع له قبل هذا بمذة بمدينة طرابلس ما أوجب تكفيره، فإنه وقع في حق الجناب الرفيع، وأن القاضي شهاب الدين بن قرطاي المالكي إذ ذاك بطرابلس حكم بسفك دمه، وأنه قد أراد فلم يتمكن منه .. ".
(8)
في الأصل: "نبذاً".
(9)
العنوان من الهامش.
للناس. ثم بعد مدّة عاد الحال، لما كان عليه. ورجع السعر إلى الإرتفاع، ودام الغلاء عدّة سنين، وزاد ارتفاع السعر أيضًا، على ما سنذكر ذلك إن شاء اللَّه تعالى
(1)
.
[الإشاعة بقصد خيربك الوثوب على السلطنة]
وفيه، في هذه الأيام، كثُرت الإشاعة بين الناس، بأن خيربك الدوادار في قصده الوثوب على الأمر، وأنه يروم ذلك لنفسه، لكثرة حزبه وأنصاره وخُشداشيه من مماليك أستاذه، ولكون القلعة في يده، وأن في ضميره الوثوب على السلطان وعلى الأتابك قايتباي، والقبض عليهما، وأنه في ترقّب طلوع قايتباي في ليالي الموكب، وأن الأمر في ذلك قديم بينه وبين الطائفة من جنس الجراكسة، الذين يقال لهم الأبازا، من الظاهرية الخُشقدمية، ووقع القال والقيل الكثير في مثل هذا وأشباهه، وأن طائفة الجراكسة أيضًا من الظاهرية الذين هم جنوس كَسباي الدوادار الثاني، وصهر السلطان مائلة إلى كَسْباي، وليس لهم قصد في موافقة خيربك على ما أضمره، وقويت هذه الإشاعة في أواخر هذا الشهر، بحيث لما بلغ ذلك الأتابك قايتباي امتنع من الطلوع إلى الخدم في غالب الأوقات، وأخذ حذره، ولم يطلع في وقت الجمعة ولا في ليالي المواكب، وصار يعتذر بأعذار، وتارة يتوجّه إلى رَبْع خيله، وتارة يتمارض، إلى غير ذلك من أشياء يتعلّل بها عن طلوعه. ويقال إنه أعلم السلطان بذلك، وأنه تواصى هو وإيّاه على عدم طلوعه، ووافقه على ذلك.
ويقال إنه كان يفهم عنه ذلك بالحَدَس، فلذلك كان لا يجبره على الطلوع، بل كان هو أيضًا يخشى على نفسه من هذه الإشاعة، ولكن لِما يبلغه ذلك، ويفهمه البعض عنه يأخذون في تسكين بابه والمسكّنون عنه ذلك كانوا ممن لهم غَرَض مع خيربك ومَيل إليه. وكان كَسْباي صهره يقوّي جأشه ويقول له: ما دمت موجوداً لا يمكن تحرّك طائفتنا الظاهرية ظنًّا منه بأن خير بك لا يجسُر على مخالفته هان كان في نفسه شيء
(2)
وأنه لا يفعله بغير إذن كَسْباي هذا. ولم يزل هذا القيل والقال إلى أن كان من ذلك ما سنذكره
(3)
.
(1)
خبر الغلاء في: نيل الأمل 6/ 305.
(2)
في الأصل: "شيئًا".
(3)
خبر الإشاعة في: النجوم الزاهرة 16/ 385، ونيل الأمل 6/ 305، وبدائع الزهور 2/ 472، 473،.
[شهر رجب]
[التهنئة بالشهر]
وفيها استهلّ رجب بالأربعاء بتمام العدد، وطلع القضاة ومن له عادة بالطلوع إلى القلعة للتهنئة وهنّأوا
(1)
السلطان بالشهر، وكان هذا آخر شهر هُنّيء به هذا السلطان، فإنه خُلع في يوم سادسه بعد ذلك على ما سنذكره.
[توجُّه قايتباي إلى مربط جِماله]
وفيه التمس الأتابك قايتباي من السلطان أن يأذن له في التوجّه إلى مربط جِماله على الغربي، ليتفقّدها ويبعُد عن الشرّ أيضًا، وما يشاع في هذه الأيام، فأذِن له في ذلك. وكانت جِماله في بعض مرابع قُرى القليوبية، فخرج وغاب مدّة أيام، وكانت المندوحة في خروجه كثرة اختشائه من الإشاعة التي قدّمنا ذِكرها. ثم كان بعد ذلك ما سنذكره قريبًا
(2)
.
[الخشية من فتنة الجُلبان من حزب خيربك]
وفيه، في يوم الجمعة، ثالثه، كادت أن تقوم الفتنة من الجُلبان من حزب خيربك، فإنهم كانوا تواصوا على ذلك والتفّوا عليه، وهم في ضمير سوء، ولكنهم مستشرفون، ويتطلّعون إلى حجّة بأدنى مناسبة تكون مندوحةً لما قصدوه.
وكان في يوم الخميس، قبل هذا اليوم، قد أشيع إشاعة فاحشة، بأنه يفتك بالسلطان في هذا اليوم. وكانت هذه الإشاعة قبل انفضاض الموكب السلطاني، ثم انفضّ والإرجاف مترادف بأنه سيكون ذلك في يوم الجمعة، وعزموا هم على ذلك، لكنهم أحجموا لغياب الأتابك قايتباي، فسكنوا وبقوا في انتظار حجّة، فلهذا أمسكوا عن الفتنة بعد أن كادت أن يكون. ثم كان ما سنذكره
(3)
.
(واقعة البعث لعبد الرحيم البارزي بأن يخرج من داره)
(4)
وفيه، في يوم الأحد، خامسه، بعث السلطان الظاهر تَمُربُغا إلى
(1)
في الأصل: "وهنوا".
(2)
خبر توجّه قايتباي في: النجوم الزاهرة 16/ 385، 386، ونيل الأمل 6/ 305، 306، وبدائع الزهور 2/ 472، 473.
(3)
خبر الخشية من الفتنة في المصادر السابقة.
(4)
العنوان من الهامش.
عبد الرحيم بن البارزي
(1)
بخُشقدم الطواشي الأحمدي
(2)
، الذي هو الزمام والخازندار الآن والوزير، يأمره بأن ينتقل من سكنه بالخرّاطين، من الدار التي كانت سكناً للكمال بن البارزي
(3)
كاتب السر، ليسكنها أصباي الوالي، وكان ذلك بتسليطٍ من بعض أقارب الزين عبد الرحيم، لضغائن بينهم، فلما ورد عليه خُشقدم بهذا الخبر ضاق ذرعاً وتشوّش، وكان عنده نزيلاً بقافي صغيرة من هذه الدار الشيخ الصالح المعتقد، سيدي أبو العباس، شهاب الدين أحمد بن عبد القادر بن عُقبة اليمني
(4)
الحَضْرَمَوتي، (الرفاعي)
(5)
، الشافعي، وهو موجود الآن في زمننا هذا. وكان قد قدم من مكة مع الزين هذا برسم أن يزور البيت المقدس، ويعود إلى مكة، فأنزله عنده، فدخل عبد الرحيم إليه، وذكر له ذلك، وترامى عليه في أن يلاحظه بخاطره، فقال: ليس لي من الأمر شيء، لكنّني أقرأ لك الفاتحة وندعوا
(6)
اللَّه تعالى في ذلك وكان عنده الشيِخ أبو المواهب، فقرأ الفاتحة ودعا، ثم قرأ قوله تعالى {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [هود: 81]، وشرع ابن
(7)
البارزي فنقل أشياء من حوائجه إلى القاعة التي بها الشيخ، وهو في أثناء ذلك، وإذ البعض من خيول أصباي وإناثه وقد أُحضر للدار المذكورة، وعَمل على أن يصبح أصباي المذكور فيجيء ببقيّة تعلّقاته، ويسكن الدار، فكان في ليلة الإثنين ما كان، من الكائنة التي قام بها خير بك، ثم أصبح، فخُلع بها تمربُغا وتسلطن
(1)
توفي عبد الرحيم بن البارزي في سنة 874 هـ. انظر عنه في: إنباء الهصر 170 - 172 رقم 7، والضوء اللامع 4/ 168 رقم 443، ووجيز الكلام 816/، 817 رقم 1878، والذيل التام 2/ 238، ونيل الأمل 6/ 420 رقم 2856 دون ترجمة، ولم يذكره في كتابنا هذا كعادته.
(2)
نُكب في سنة 894 هـ. انظر عنه في: وجيز الكلام 3/ 1072، ونيل الأمل 8/ 138، وبدائع الزهور 3/ 259.
(3)
هو محمد بن محمد بن محمد بن عثمان بن محمد بن عبد الرحيم، كمال الدين المعروف بابن البارزي. توفي سنة 856 هـ. انظر عنه في: حوادث الدهور 2/ 258 و 386 - 488 رقم 3، والنجوم الزاهرة 16/ 13 - 18، والدليل الشافي 2/ 677، 678 رقم 2322، والمنهل الصافي 11/ 10 - 16 رقم 2331، والتبر المسبوك 417 - 420، والضوء اللامع 9/ 236 - 240 رقم 583، ووجيز الكلام 2/ 667، 668 رقم 1533، والذيل التام 2/ 77، 78، ومعجم شيوخ ابن فهد 279 - 284، وعنوان العنوان، رقم 783، ونظم العقيان 168 - 170 رقم 184، ونيل الأمل 5/ 352، 353 رقم 2276، وحوادث الزمان 1/ 111، 112 رقم 69، وبدائع الزهور 2/ 293، 294.
(4)
لم أقف على ترجمته، وسيأتي. ولم يذكره المؤلّف رحمه الله في المجمع المفنّن.
(5)
عن الهامش.
(6)
في الأصل: "وندعو".
(7)
في الأصل: "بن".
الأشرف قايتباي سلطان عصرنا هذا، كما سنذكر ذلك، فاشتغل أصباي بنفسه، بل وقُبض عليه، وعُدّ هذا من كرامات السيد أحمد بن عُقبة هذا، نفع اللَّه تعالى به.
ولْنُتَرجم أحمد هذا:
(ترجمة الشيخ أحمد بن عُقبة اليمني)
(1)
372 -
(هو أحمد بن عبد القادر بن عُقبة.
الشيخ (
…
)
(2)
، العارف، أبو العباس الحضرمي، اليمني، الشافعي، المعروف (
…
(3)
)
(4)
.
ولد بحضرموت من بلاد اليمن بعد العشرين وثمانمائة.
ونشأ فقرأ القرآن العظيم، واشتغل بالعلم وتصوّف وتزهّد، ثم قدم من بلاده مكة حاجّاً، وقطنها عدّة سنين، ووقع له بها أشياء، وظهرت له كرامات، ثم قدم القاهرة في سنة إحدى وسبعين صحبة الزين بن القادري المذكور، وقصد التوجّه إلى القدس فما قُدّر له ذلك في قدمته هذه. وعاد إلى مكة، ثم قدم القاهرة ثانيًا، ونزل بمكانٍ بدرب الأتراك، ثم توجّه إلى زيارة البيت المقدس، فزاره وعاد إلى القاهرة، وآواه سليمان الخازن بوصيّة من الشيخ عبد الكبير الحضرموتي
(5)
اليمني، الوليّ المعتَقَد بمكة، المشهور، ثم انتقل إلى تربة بَرسْباي البجاسي بالصحراء، فسكنها بمكالب بها فرارًا من الناس بالقاهرة، ويقصده الناس والأعيان من العلماء والأكابر لزيارته والتبرّك به. ورتّب له السلطان ثلاثين دينارًا في العام يقبضها عبذ له يقال له عبد اللَّه، ومنها يكون قوته وكِسوته، ويتولّى عبده عبد اللَّه ذلك، وهو في غاية ما يكون من تعظيم نفسه، مع زهادة وعبادة وورع ودين وخير، وحُسن سمت وتؤدة، وسكون زائد، ونورانية، وحُسن هيئة ونظافة، ولطافة مزاج، وخفّة روح، جمالي
(6)
.
وكان الشيخ أبو المواهب
(7)
، نزيل الجامع الأزهر، كثير الاعتقاد له والتعظيم
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
كلمة مضيَّبة.
(3)
كلمة غير واضحة.
(4)
ما بين القوسين من الهامش.
(5)
هو عبد الكبير بن عبد اللَّه بن محمد بن أحمد بن علي بن أحمد، أبو حُميد الأنصاري، من ذرّية أبي حميد الصحابي الحضرمي اليماني، نزيل مكة. توفي سنة 869 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 4/ 304، 305 رقم 821، ووجيز الكلام 2/ 769 رقم 1772، والذيل التام 2/ 186.
(6)
في الأصل: "جماليا".
(7)
هو محمد بن أحمد بن محمد بن داود بن سلامة، أبو عبد اللَّه وأبو المواهب ابن الحاج=
له ولشأنه، وله ملازمة له، كل ذلك مع انقطاعه إلى اللَّه تعالى وعدم الالتفات إلى شيء من الدنيا، ولا يقبل شيئًا من بنيها، وهو على قدم الخير، نفع اللَّه تعالى به.
(ذِكر الكائنة التي خلع فيها تمربُغا الظاهر)
(1)
وفيه -أعني يوم الأحد هذا، في آخر النهار منه- حضر الأتابك قايتباي من مربط جِماله، وكان ذلك في ليلة الموكب بالقصر السلطاني، ولم يطلع إلى القلعة، وبعث من يعتذر للسلطان بأنه جاء في غاية التعب، وأنه يلتمس الإذن له أن يُعفى عنه في هذه الليلة من الطلوع إلى القلعة، وفي باكر النهار يطلع، وما طلعها باكر النهار إلّا سلطانأ على ما سنذكر ذلك. وكان الجُلبان من الظاهرية الخشقدمية من حزب خيربك يظنّون طلوعه في هذه الليلة، وكانوا قد تمالؤوا
(2)
، واتفقوا على الوثوب على السلطان ومن حضر معه من الأمراء في هذه الليلة، وأبرموا أن يفعلوا ذلك ويُمضوه، وتوافقوا على عدم تأخيره في هذه الليلة، لئلّا يفوت الخدم. فلما لم يطلع قايتباي، وكانوا قد تواصوا على تنفيذ ما دبّروه، ما أمكنهم تأخير ذلك ولا التراخي في الأمر الذي قد انبرم رأيهم عليه.
وحضر السلطان القصر على عادته مع كثرة الإشاعة، بل يكاد أن الفتنة قد تيقّنت، وتأخّر في هذه الليلة أيضًا جماعة كبيرة من مقدَّمين
(3)
الالوف، ولم يطلع فيها سوى الأمير جانبك قلقسيز أمير سلاح، والشهابي أحمد بن العَيني أمير مجلس، وسودون القَصرُوي، وتنِبك الأشرفي المعلّم، وخُشكلدي البَيْسقي، وهو من الرؤوس
(4)
في هذه الكائنة، ومن أعظم القائمين مع خيربك، والموافقين له، وكذلك مُغُلْباي الظاهري المعروف بأزُن سقل.
ولما صلّى السلطان المغرب بالقصر على عادته، قام فدخل الخرجة من القصر كما هي العادة، ومعه من حضر من الأمراء، فما استقر به الجلوس بها قليلًا إلّا والهرج والاضطراب خارج القصر، وسمع السلطان ذلك، فاستراب منه وانزعج انزعاجًا كليًّا، وسأل عن الخبر، فقيل له إن الجُلبان في هَرَج ومَرَج، وقد تعادى بعضهم مع البعض، فزاد تخيّل السلطان، ورابَه ذلك فوق ما قد رابه، وتوسّع خياله، فبعث بطلب خيربك الدوادار، فدخل عليه بالخرجة وهو متقلّق مُظهر بأن
= اليزلتيني -نسبة لقبيلة- التونسي، المغربي، ثم القاهري المالكي، ويعرف بابن زَغْدان - بمعجمتين أولاهما مفتوحة ثم مهملة، وآخره نون. مات سنة 882 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 7/ 66، 67 رقم 127.
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
في الأصل: "تمالوا".
(3)
الصواب: "من مقدَّمي".
(4)
في الأصل: "الروس".
رجله ما وَفَتْه، وهي في غاية الوجع، وأنه متألّم منها. ولم يطُل جلوسه عند السلطان لئلّا يفوته ما قصده، ثم خرج مسرعًا وقد زاد الهَرَج والاضطراب خارج القصر، بحيث فحش ذلك، فقام السلطان منزعجًا وخرج إلى القصر، وحين رآه البعض من أصحاب خيربك وحزبه يفينون عليه الأمر، وينهونه عن البقاء بالقصر، وأخذوا في التحسين، وبأن يعود إلى الخرجة. كل ذلك خوفاً من أن يقطع عليهم ما قصدوه قبل أن يشرعوا فيه، لئلّا يفوت ما هم بصدده، ويركب أياديهم في منع ذلك. فعاد إلى الخرجة وفي نفسه شيء. ثم بعث بطلب خُشكَلدي رأس نَوبة النُوَب، وسأله عن الحال، فأجاب بأنه لا علم عنده بشيء من ذلك، وأنهم في حركة مع بعضهم البعض، في شيء لا يتعلّق بغيرهم، ليسكّنه بذلك، حتى يتم الأمر في الذي قصدوه. وخرج من عنده وقد عظُم الخطب، ودهم الكَرْب.
وكان سبب ذلك الاضطراب ثوران طائفة خيربك وحزبه على بقية خُشداشيهم من طائفة كَسْباي وحزبه، بعد أن تطاولوا وتعارضوا وإيّاهم على مرافقتهم لهم، فامتنعوا عن ذلك، وصمّموا على عدم الحركة، وهم منتمون لكَسْباي ولطَرَاباي، ولا قصد لهم في شيء مما هو في قصْد حزب خيربك، وكان بالمصادفة قد اتفق في هذه الليلة أنه لم يطلع من هؤلاء -أعني حزب كَسْباي- إلى القلعة إلّا القليل. وأمّا أولئك فكانوا على ميعاد. وطلع جميعهم إلى القلعة متفقين على أن يثبوا على السلطان، ويستميلوا بقيّتهم. فلما لم يقدروا على استمالة من حضر منهم، أخذوا في هذه الحركة الزائدة والاضطراب، ثم أخذوا في ضرب كَسْباي وطَرَبَاي المحتسب حتى كادا أن يهلكا، لأنهما لما تكلّموا معهم
(1)
في القيام معهم، وامتنعا من ذلك، وصمّموا
(2)
على عدم ذلك، وأخذا في الدفع عن السلطان بكل ما تصل إليه قدرتهما، وقع منهم ما ذكرناه من الهَرَج والمَرَج والاضطراب في الحركة الزائدة بواسطة التعارض، لا سيما وقد تهيّأوا لِما قصدوه، وما بقي إلا الشروع فيه. ولما رأيا -أعني: كَسْباي وطَرَباي- ومَن حضر من قومهما ذلك لم يوافقوا عليه، فدامت هذه الحركة وهذا الاضطراب بينهم خارج القصر إلى بعد صلاة العشاء الأخيرة، وصلّى السلطان العشاء بالخرجة، وخالف العادة في ذلك، فإنها جرت بأن يصلّي بالقصر بمن حضر معه من الأمراء، ثم يعود إلى الخرجة، فأبطل ذلك لهذه الهرجة، على أنه تيقّن قيامهم، وأن حركتهم هذه عليه، لكنْ ما وسِعه إلا التغافل، ليرى ما يكون، وهو صابر للقضاء، إذ لا يمكنه الآن غير ذلك، لكونه
(1)
كتبها أولًا: "معكم".
(2)
الصواب: "وصمّما".
كالأسير في يدهم، وهم أرباب الشوكة، ومالكوا
(1)
القلعة، وإليهم الأمر، وما تحرّك بحركة، ولا أبدى ولا أعاد، إذ هو وخشداشيه في قبضتهم.
ثم قوي أمر حزب خيربك خارج القصر، وما بقي إلّا الهجوم على السلطان، وكانوا لم يدّرعوا
(2)
إلى وقتهم هذا لاشتغالهم بدفع التعارض، إلى أن غلبوا. ولما عظُم الأمر بدروا بالتفرُّق إلى طباقهم للإدّراع، وكانوا قد هيّأوا آلة الحرب من دروعهم وأسلحتهم، فلم تكن إلّا ساعة وقد لبسوا كلّهم، وتهيّأوا بلامة الحرب، ثم أعلنوا بالخروج على السلطان عائدين إلى جهة القصر، وهم في قوّة زائدة وشوكة حافلة هائلة، ولهم شأن وأمر مهول، وشرع البعض منهم في إحضار الخليفة، وآخرون
(3)
في نهب الحريم السلطاني، وهجموا على الدُور السلطانية، وفعلوا في ليلتهم هذه في تلك الساعة بالحريم أفعالًا لا تفعلها الخوارج، من النهب والسلْب والإفساد والفسق، مما لا يكاد أن يُعبَّر عنه، وأخافوا من بالقلعة. كل ذلك والسلطان مقيم بالخرجة. ثم لما عاين عِظَم الأمر وكِبَر الهول الفظيع
(4)
وتحقّق وجزم بأن قصدهم وإرادتهم الفتك به، بدأ بأن أمر بغلق باب الخرجة عليه. ولعلّ لم يتم ذلك حتى قصدوه قبل وصولهم إلى الباب مع تمام غلقه. ولما أبصروه مغلقاً عليه طرقوه، وسألوا فتحه، فلم يفتحه لهم، فتكاثروا عليه وصدموه صدمة، ولا زالوا به حتى كسروه على السلطان، ثم دخلوا عليه هجمًا، وقالوا له: نريد إخراج هؤلاء من عندك. وأشاروا إلى من كان عنده من الأمراء ممن حضر لأجل الموكب، فقال لهم: إنهم خُشداشيّ، وما لكم ولإخراجهم، وما القصد من ذلك؟
فقالوا: لا بدّ من ذلك.
ثم أخرجوهم وكانوا نحوًا من عشرة أنفار، وهم: تمر حاجب الحجّاب، وبرقوق شادّ الشراب خاناه، إذ ذاك، وبَرسْباي قَرا وهو الخازندار إذ ذاك، وتغري بردي نائب القلعة، وقانباي الساقي الحاجب الثاني بعد ذلك، وأُزبك اليوسُفي المعروف بناظر الخاص، وقانِباي قَراسقل، وجانبك من طَطَخ، وقَجْماس، واثنان آخران أظنّهما، لكنّني لم يحضرني اسماهما
(5)
. فلما أخرجوهم بقي السلطان في جماعة يسيرة من مماليكه وأصحابه، ثم بعد لحظة يسيرة دخل على السلطان ثلاثة نفر ملبّسين، وهم ملثّمون لا تظهر إلّا أعينهم، فقالوا للسلطان: قم.
(1)
في الأصل: "ومالكوا".
(2)
في الأصل: "يدرعو".
(3)
في الأصل: "وآخرين".
(4)
في الأصل: "الفضيع".
(5)
في الأصل: "اسميهما".
فقال: إلى أين؟
فأشاروا إلى المخبأة التي تحت مقعد الخرجة.
فيقال: إنه أراد أن يمتنع من نزوله إليها، فخشي الإخراق به، فأجاب إلى ما سألوه، وقام من وقته ذلك معهم، وتوجّهوا به إليها، فأنزلوه بها من الطابقة، وأنزلوا معه بعض مماليك، فطلب بعضهم منهم شيئًا من الفرش لأجل السلطان، فرموا إليه طرّاحة ومقعدًا من الذين
(1)
بالخرجة، ففرشوا للسلطان مكانًا مرتفعًا عليهم، وأجلسوه به.
أخبرني بعضر من كان مع السلطان من خاصكيّته في ثلك الكائنة، قال: لما أنزل السلطان إلى هذه الخزانة المخبأة بقينا في حيرة، كيف نجلس ونحن في حياء منه إنْ ساويناه في الجلوس، فوجدت تختًا بعْلبكيّا في قطْنية، وهو جديد مخزوم، وهو في هيئة المصطبة المرتفعة التي يجلس بها الإنسان المنفرد مستريحًا وحده، فعدت إلى الطرّاحة وفرشتها عليه، ثم بسطت المقعد فوقها، وجلس السلطان على تخت مرتفع عنّا، وأعجبه ذلك في هذه الحالة، وكوني تنبّهت لذلك.
قال: ثم لم يستقر بنا الجلوس إلّا وقد فُتحت الطابقة، وأنزل إلينا الأمراء الذين كانوا قد أخرجوا من الخرجة، واحداً بعد واحد، حتى تكاملوا عندنا، وكانوا بعد إخراجهم من الخرجة قبضوا عليهم، ثم أتوا بهم إلينا، ولما استمر إنزالهم طبّقوا علينا الطابقة، ثم أخذوا فيما بينهم بعد أن أووا السلطان ومن (
…
)
(2)
التكلّم في سلطنة خيربك، وتناولوا سيف الملك الذي يقال له النمجاة
(3)
، وكذا ترس الملك، فناولوهما لخيربك إشارة إلى سلطنته، ثم أجلسوه مكان جلوس السلطان. ويقال: إنهم قبّلوا الأرض بين يديه، وصرّحوا بسلطنته، ولقّبوه بالعادل. ويقال: إنّما لقّبه بالعادل مؤذّن القلعة بمنارة الجامع الناصري في تلك الليلة، فإنه حين الدعاء للسلطان على العادة تحيّر فماذا يقول، فأجرى اللَّه تعالى على لسانه أنْ قال: اللهمّ انصر عبدك السلطان الملك العادل.
ويقال: إن جانِبك قلقسيز عيّن في هذه الليلة للأتابكية من خيربك، وأحمد بن العَيني لإمرة سلاح، وأنهما قبّلا الأرض بين يدي خيربك، وفعلا معه كما يُفعل مع السلاطين، وعلى كل تقدير فقد ترشّح للسلطنة في هذه الليلة، بل وإن شئت فقُل قد تسلطن فيها، فإنها بمبايعته طائفة كبيرة، وجمع جمّ، أو
(1)
الصواب: من الذي.
(2)
كلمة ممسوحة.
(3)
النمجاة= النمجة= النمشاه: سيف لطيف خاص بالملك أو السلطان.
اتفاقهم، وإنْ قصُرت المدّة، فلا بدّ في أن يسمّى خيربك بالسلطان، كيف وقد جلس مكان السّجّان باتفاق جماعة، وفعل معه ما يُفعل مع السلطان، وعلى هذا قيل له "سلطان ليلة" حتى عُرف بذلك بعد ذلك إلى يومنا هذا، وحينئذٍ لا بدْع في أن يقال: وُلّي في هذه السنة خمسة
(1)
من السلاطين لسلطنة الأشرف قايتباي على ما سنذكره.
ولما كانت هذه الكائنة العظمى والداهية الطمّاء كان بُردُبك هجين الأميراخور الكبير بباب السلسلة من الإسطبل السلطاني، واستحسّ بهذه الكائنة في بدايتها، فأخذ في نقل تعلّقاته وأثاثه شيئًا فشيئًا من قبل المغرب.
وشاهدنا الكثير مما ينقل من قماشه وأثاثه وهم نازلون به من قبل المغرب، وتم على ذلك غاية من الليل، حتى بلغه ما وقع بعد العشاء، فلم يكذّب الخبر، ونزل من ساعته من باب السلسلة، وبعث إلى الأتابك قايتباي من يُعلمه بالكائنة ليلًا، فركب الأتابك من داره في الحال حين بلغه الخبر، وجمع جمعًا وافرًا من خُشداشه وأصحابه، ومن انضمّ عليه من طائفتي الأشرفية البرسبائية والإينالية، وكانوا قد تعئأوا وتهيّأوا لذلك من النهار، لأمارات كانت قد ظهرت لهم، دالّة على وقوع حادثة في الليلة
(2)
هذه. وكانت الأشرفية من الإينالية قد كثروا بالقاهرة، بل والبَرْسْبائية، فإنهم جاؤوا
(3)
من النفي بعد سلطنة تمربُغا، لكنه لم يلتفت إليهم ذلك الالتفات، فبقي في نفوسهم منه شيء
(4)
، فيقال: إنهم قرّروا مع قايتباي في هذه الليلة أن يسلطنوه، وأنه تمنّع من ذلك، وقال لهم: أنا ما أقوم إلّا بنصرة خُشداشي، يُشير إلى الظاهر تمربُغا.
ويقال: إنه إنما قال ذلك ظاهرًا، وأنه باطَنَهم على سلطنته بعد بلوغه ما وقع لتمربُغا، وأن الأشرفية قالوا له: أنت منّا وأنت مشير
(5)
لأستاذنا ولا غيره لسرير الظاهر لك، ونحن وإيّاك شيء واحد، وما الغرض إلّا أن نسلطنك، ونلقّبك بالأشرف، ولا غرض لنا عند الظاهرية، فلنكن نحن وإيّاهم شيئًا واحدًا، وكذا قال له الإينالية أيضًا، وانه مال إلى مقالتهم، بل كانوا هم السبب الأعظم في ذلك. وكان منهم جماعة من المشهورين منهم هم القائمون بهذا الأمر، منهم قانصوه الأحمدي الخسيف، وتَنِبَك قَرا، وقان بردي، وآخرون
(6)
لا يُحصون، وعدّة من
(1)
في الأصل: "خمس".
(2)
في الأصل: "اليلة".
(3)
في الأصل: "جاوا".
(4)
في الأصل: "شيئًا".
(5)
في الأصل: "مشيرًا" وقد كتبت: "مشترا".
(6)
في الأصل: "وآخرين".
الأشرفية، منهم تمراز، وكان أكبر المحرّكين لقايتباي لهذا الأمر، ويقال إنه دسّ في بكرة النهار إلى جانِبَك قُلَقسيز مَن أعلمه بما وقع، ليكون على بصيرة من ذلك، ويدلّ على هذا أشياء هي كالقرائن على ذلك، على ما سنذكره عند ذكرنا سلطنة الأشرف قايتباي هذا، قريبًا إن شاء اللَّه تعالى.
ثم لما ركب قايتباي الأمير الكبير، هو ومَن ذكرنا، قصد دار قوصون ()
(1)
وفي صحبته أيضًا يشبُك من مهدي، وكان قد حضر من الصعيد، ومنعه الظاهر تمربُغا من تعديته من برّ الجيزة، فأقام بها، ثم انضمّ إلى قايتباي هذا، وبينهما من الصحبة القديمة ما هو مشهور، فأتاه وركب معه، وفي رأيه من تمربُغا ما فيه، فيقال إنه أيضًا حسّن لقايتباي سلطنة نفسه، فوصل إلى دار قوصون، وكان بها بُرْدُبك هجين الأميراخور، وهو الذي بعث إليه بإعلامه بالكائنة على ما قلناه، وقعد لانتظاره، فوصل الأتابك قايتباي للدار المذكورة قبل نصف الليل، وكان بالرُميلة والشوارع في هذه الليلة هرجة هائلة، وانزعج لذلك الكثير من الناس، وكان الظاهر تمربُغا مَزْويًّا بالمخبأة كما بينّاه، فرأى من شبّاكها نوافذ الجموع بالرُميلة، وهم على خيولهم، وما علم من حال هذا العسكر المجتمع، وما هم عليه، ومن أيّ الطوائف هم، وهل هم معه أو عليه.
ثم أخذ أمر الأتابك قايتباي في الإزدياد، حتى كان له ما سنذكره. هذا ما كان من هؤلاء
(2)
.
[تطلّع خيربك للسلطنة]
وأمّا ما كان من أمر خيربك فإنه لما فعل ما فعل، وجرى منه ما كان، وجلس بمكان السلطان وبيده النّمْجاة والتّرس في هيئة السلاطين، بل يخالطه الكثير
(1)
كلمة مطموسة.
(2)
كائنة خلع تمربُغا في: النجوم الزاهرة 16/ 387 - 390، ومنتخبات من حوادث الدهور 3/ 615 - 617، والتاريخ الغياثي 360 - 362، والدليل الشافي 1/ 223 رقم 782، وتاريخ الملك الأشرف قايتباي 182 - 184، والضوء اللامع 3/ 40، 41 رقم 167، ووجيز الكلام 2/ 860، 861 رقم 1870، والذيل التام 2102، وتاريخ البُصروي 30، ونظم العقيان 102 رقم 61، وتاريخ الخلفاء 514، وحُسن المحاضرة 2/ 80، ونيل الأمل 6/ 306، 307، والمجمع المفنّن 2/ 333 - 348 رقم 1113، وتاريخ ابن سباط (بتحقيقنا) 2/ 811، وبدائع الزهور 2/ 467 - 476 و 3/ 105، وشذرات الذهب 7/ 366، وأخبار الدول 4/ 317، 318، وتاريخ الأمير حيدر 546، وتحفة الناظرين 2/ 41، 42، وتاريخ قاضي القضاة العليمي، ورقة 138 ب.
بالسلطنة، وقد أُشرب المُلك في قلبه، وبات وطائفته على ذلك. وأصبح في الغَلس، أخذ في الحال في الشروع في عمل مصالح نفسه، ليتمّ له الأمر وما قصده، فقام من وقته، وقد أحضر إليه من مراكيب السلطان فرسًا فركبه، ونزل من القصر إلى جهة باب السلسلة، وبين يديه وحوله جمْعٌ جمّ من جُلبان أستاذه وطائفته وخُشداشيه، ومع بعضهم التّرس والنّمْجاة باشر بهما إلى جانبه، كما هو الدأب مع السلطان، وسار إلى أن دخل الإسطبل، وجاء إلى باب السلسلة بفرسه، ووقف عنده من داخله ساعة جيّدة كالمنتظر.
ويقال: إنّما وقف به ينتظر من تَوَالَى معه من الطوائف على فِعله ذلك، ولعلّ ذلك إن صحّ، إنّما فعلوه ليحرّكوه بحركة يكون سببًا لزواله مع الجُلبان. ثم إذا تحرّك لا يأتوه، وذلك لِما في قلوبهم منهم، لا سيما الأشرفية الكبار والصغار، ودام وراء باب السلسلة، وما زال على ذلك حتى أيس وقنط، وكان في ظنّه أو حدسه أن الهرجة الكائنة بالرُميلة والركوب هرجة من وافقه، فلما تحقّق وتيقّن خلاف ذلك، وأنهم غدروه وما أرادوا إلّا خذلانه، إنْ صح اتفاقهم معه، ظهر عليه الندم الشديد الذي ما عنه مزيد، لكنّه لم يَسَعه التصريح بذلك بين جماعته وأكابر طائفته القائمين معه، لا سيما وهم معه وبين يديه، فما أمكنه إلّا الأخذ في تحريضهم على القتال، وتحصين الإسطبل وصعودهم على أسواره، واستعدادهم للقتال، ومن هذا وأشباهه، وهو يخاطب الجُلبان ويحرّضهم غاية التحريض بأن يكونوا مستفيقين على القتال في هذا اليوم، كل ذلك ظاهرًا، وفي باطنه خلاف ذلك، وهو في بحر افتكار كيف يكون تنصّله من ذلك. وكان ما سنذكره
(1)
.
(ذِكر سلطنة الملك الأشرف أبي
(2)
النصر قايتباي)
(3)
وفيه، في يوم الإثنين، سادس رجب، كانت مبايعة الأمير الكبير الأتابك قايتباي المحمودي الظاهري بالسلطنة، وعقد له المُلك له. وكان من خبر ذلك أن خيربك المذكور لما فعل ما فعل، وأصبح في غَلس بُكرة هذا النهار، ونزل إلى باب السلسلة على الوجه الذي ذكرناه، ورأى أنه لم يحضر إليه أحد من العسكر، وندم، ولكنه ما أظهر ذلك، وأخذ في تحريض الجُلبان على قتال التحاتي لما تحقّق بأنهم عليه أخذ الجُلبان في مقابلتهم في بُكرة هذا النهار، ووقع الحرب
(1)
خبر خيربك في المصادر السابقة.
(2)
في الأصل: "أبو".
(3)
العنوان من الهامش.
الشديد والمقاتلة الهائلة، ولم يدم ذلك حتى انهزم فيها الجُلبان، بعد أن قتل جماعة من الفريقين، وخرج آخرون
(1)
و [لما] رأى خيربك ما هو فيه من الإدبار أخذ في الطلوع إلى القصر، وهو متيقّن تلاشي أمره وإدبار سعادته، بل زواله بالكليّة، وتحقّق ذلك. وبينا هو في أثناء هذه الفكرة، وغضون هذه السَّكْرة، وقد زادت به الحيرة، إذ بلغه فرار أعيان خُشداشيه وأكابر ذويه والكثير من طائفته وحرسه وجماعته، مثل خُشكلدي، ومُغُلْباي، وآخرين يطول الشرح في عدّهم، فلم يكن دأبه وشغله إلّا مُلافاة هذا الأمر المهمّ، والحادث المُدلهمّ، فبدر بأن توجّه إلى الظاهر تمربُغا، فأفرج عنه من المخبأة، وعمّن كان معه من خُشداشيه الماضي ذِكرهم، وكذا جماعته. وساعة وقوع بصره عليه وقع على رِجليه، ومرّغ عليهما خذيه وهو يقبّل ذلك ويعتذر في ذلك إليه وعمّا صدر منه، ويبكي، وهو في غاية الاستكانة والخضوع، فأظهر تمربُغا القناعة
(2)
وقبول عذره، وأخذ في تسكينه وطمأنينة
(3)
خاطره وتطييبه، ثم مشى بين يدي تمربُغا حتى أوصله إلى القصر، وأجلسه بمكان السلطنة الذي جلس هو به ليلًا، ووقف بين يديه على العادة، وأعطاه التّرس والنَّمْجاة، وقد انهزم الجُلبان عن آخرهم، ونزلوا من القلعة لا يلوي أحد على أحد. كل ذلك قبل أخذ التحاتي باب السلسلة، فإن من كان به كانوا مشتغلين بالقتال، لا علم عندهم بما كان بالقلعة. وكان الأتابك قايتباي بالرُمَيلة في جموعه، وقد أبطنوا سلطنته بعد توافقهم عليها
(4)
فيما بينهم. ولما تم جلوس الظاهر تمربُغا بالقصر أمر من كان عنده من الأمراء بالنزول لمساعدة الأتابك قايتباي، فنزل جانِبَك قُلقسيز، وسودون القصروي، وتَنِبَك المعلّم، وهم من الذين كانوا عند خيربك حين فعل ما فعل، ولم يحبسهم، لأنهم ليسوا من طائفة الظاهرية الذين يختشي الجُلبان منهم الآن، ويقال إنهم أطاعوه وقبّلوا الأرض بين يديه، بل يقال إنهم ونحوهم كانوا السبب في تحريكه على هذه الصفة، ووعدوه ومنّوه حتى تكون ببركته مندوحة لإخوته
(5)
وطائفته. وأُعيب على تمربُغا إرساله هؤلاء إلى التحاتي، لأنهم كانوا أكبر القائمين بسلطنة الأتابك قايتباي بعد ذلك في هذا اليوم على ما يقال.
ويقال: إنما نزلوا بعد أن حسّنوا نزولهم للظاهر تمربُغا، فأجابهم إليه، اعتقادًا منه بأنهم ينزلوا وهم من حزبه، من غير أن يعلم أنهم عليه، فكانت هذه من
(1)
في الأصل: "اخرين".
(2)
في الأصل: "القنوعة".
(3)
هكذا، والصواب:"طمأنة".
(4)
هكذا، والصواب:"عليه".
(5)
في الأصل: "لأخوت".
هفواته، ومن أسباب زوال ملكه، بل وبعث أيضًا بعد ذلك تمُر الحاجب، وبرقوق، وتغري بردي طَطَر، وقانِبَاي، وآخرين، وهم الذين كانوا معه بالمخبأة في ليلته تلك. وكان الرأي أن ينزل هو إليهم بنفسه ومعه أمراؤه ويركب أيديهم في سلطنة غيره، أو ينزل إلى باب السلسلة، فكانوا بالضرورة إذا طلعوا ووجدوه به هابوه أن يبايعوا غيره، لكن القضاء أغلب. ولما انضمّ من نزل إلى الأتابك قايتباي أخذوه وطلعوا به إلى باب السلسلة، ولم يتمّوا متوجّهين إلى القصر في حالة صعودهم، بل عرّجوا إلى جهة الحرّاقة بباب السلسلة وقايتباي معهم، وطالبوه بأن يتسلطن، واحتجّوا بأن تمربُغا قد طمع فيه، وأنه خُلع من المُلك، وما قدر على المدافعة، وليس من الناموس تبقيته في المُلك. وأنزلوا الأتابك المذكور بالحرّاقة، وأجلسوه بمقعدها، وكانت الأشرفية الكبار والصغار قد اتفقوا على سلطنته وبيّتوا ذلك على ما قدّمناه.
ويقال إنّما حدث ذلك بعد الدخول إلى باب السلسلة، واللَّه أعلم بالحقيقة.
[حبس خيربك]
ثم تكاثروا على الأتابك قايتباي. كل ذلك والظاهر تمربُغا جالس بالقصر على المدوّرة في مرتبة السلطنة، والناس طلوع إليه أفواجًا أفواجًا وزُمَرًا لتهنئته بالسلامة والنجاة من هذه الكائنة والورطة، ولا علم عنده ولا عندهم بما هو صائر بباب السلسلة، وكان خيربك في أثناء ذلك واقفًا بين يدي السلطان تمربُغا، حتى حضر إنسان من الخاصكية يقال له تَنَم الأجرود
(1)
الظاهري لأجل تهنئة السلطان، ورأى خيربك وهو واقف بين يديه، فحنق منه حين وقوع بصره عليه، وحطم عليه طالبًا قتْله أصلًا ورأسًا، فمنعه السلطان من ذلك، ثم أمر بحبس خيربك المذكور بداخل الخرجة، فحُبس بالمخدع الصغير بمقعدها ووكّل به
(2)
.
واستمرّ السلطان على ما هو عليه من جلوسه بالقصر، والناس تحضر إليه للتهنئة أرسالًا، وهو في انتظار طلوع الأتابك إليه، ولم يخطر ببال أحد، ولا توهّم أن قايتباي هذا يتسلطن في هذا اليوم. ولما أنزلوا الأتابك المذكور بمقعد الحرّاقة أخذ من كان معه من الأمراء والعساكر والأعيان، وكان قد طلع في
(1)
لم أجد لتنم الأجرود ترجمة.
(2)
خبر حبس خير بك في: التاريخ الغياثي 362، والضوء اللامع 3/ 208، 209 رقم 282، ووجيز الكلام 2/ 861 رقم 1971، والذيل التام 2/ 210، ونيل الأمل 6/ 309، وتاريخ ابن سباط 2/ 812، وحوادث الزمان 1/ 181، وبدائع الزهور 3/ 5.
عظمة زائدة وجمع حافل وافر، وعساكر هائلة، ومن كان له غرض تامّ في الاستعلاء ويحسّنوا
(1)
له السلطنة. بل سمع قائلًا يقول حين طلوعهم إلى باب السلسلة: "اللَّه ينصر الملك الناصر قايتباي"، هذا، وهو في قلبه ما فيه على ما قيل إن الاتفاق كان قد وقع مبيّتًا بذلك.
قال بعض ظرفاء الأذكياء: ويدلّ على ذلك كون الأتابك هذا لما طلع إلى باب السلسلة، لم يستمر في طلوعه إلى القصر، إذ لا مانع له من ذلك، بل دخوله إلى مقعد الحرّاقة بالإسطبل وجلوسه فيه دليل ظاهر على ما يقال: إن الاتفاق على ذلك كان قبل ذلك، أو كان مبيَّنًا، لأنه كان يمكنه أن يصعد إلى الظاهر تمربُغا دفعة واحدة. ولما تكلّموا معه في ذلك أخذ هو يُظهر الامتناع، إلى أن قام بعضهم فقبّل له الأرض، وامتنع بعد هذا أيضًا، بل وذكر عنه أنه قال: أنا إنّما قمت بنُصرة خُشداشي السلطان، وعار عليّ أن أتسلطن مع وجوده وهو سالم صحيح قد خلعه اللَّه تعالى.
فقيل: إنما قال ذلك إبعادًا للوهم عنه، فبدروا بأن قالوا: ما بقي في الامتناع فائدة، وخُشداشك لا تشويش عليه، ونحن لا نرضى إلّا بك، فإمّا أن تتسلطن وإمّا أن تسلطن غيرك، وأمّا إبقاء تمُربُغا فلا سبيل إليه، لأنه كسر ناموس المُلك بعدم مدافعته عن نفسه.
أو ذكروا غير هذا من الكلمات التي هي كالمندوحة. فخُلع تمربُغا، وأخذوا في ذكر كلمات أُخر من نحو هذا، مما يطول الشرح في ذكره، لو ذكرته برُمّته على حقيقته، إذ كنت في هذا اليوم، بل وفي ليلته أيضًا مخالطًا
(2)
لهؤلاء على جهة الاعتبار بهم، والاطّلاع على حقائق أحوالهم الظاهرة، وعلى القرائن الدالّة على ما في بواطنهم، فما أظهروه لبعضهم البعض لا للغير، ولم أكن مخالطًا لهم لحاجة لي عندهم، ولا لمناسبة لي معهم.
وكنت حاضرًا أيضًا بباب السلسلة حين مبايعة الأتابك قايتباي، ولو شرحت أصل هذه القضيّة على ما كانت عليه من أولها إلى آخرها، وما رأيت فيها وما سمعت، وما توسّمت، وكان كلما توسّمته، لطال المجال، واتّسع المقال، ولسنا بصدد ذلك، بل نحن بصدد أن نذكر ما فيه الاعتبار لأهل البصائر والأبصار، لا سيما للمعتبرين من أهل اليقين، ليعلم أن هذه الدنيا تلعب بأهلها، وتتلهّى بهم وعليهم:
(1)
في الأصل: "يحسّنوا".
(2)
في الأصل: "مخالط".
هي الدنيا أقلّ من القليل
…
وطالبها أذلّ من الذليل
ومما يقرب منه:
هي الدنيا تقول بِملء فيها
…
حَذَارِ حَذَارِ من بطشي وفتكي
أُري أُولاها منّي ابتسامٌ
…
فَقَولي مُضحِكٌ والفِعلُ مُبكي
ولما أخذوا في إظهارهم بالإلحاح على الأتابك قايتباي، وبالغوا في ذلك، أجابهم إليه على كُرهٍ منه في الظاهر. والله متولّي السرائر.
وظهر لي منه أنه ما بقي يمكنه المخالفة، لا سيما وقد تعيّن لهذا الأمر، لأنه امتنع حتى يتولّى غيره ربّما حصل عليه ما لا ينبغي على ما هو الظاهر، فاتفق كل من حضر على بيعته، وأولهم في المقال جانِبك قُلقسيز، فبدر بأنْ كان أول من قام بسلطنته في ذلك المجلس ليحمّله المِنّة
(1)
بذلك.
ويقال: إن ذلك بسبب ما قدّمنا ذِكره من دسّ تمراز إليه به، على ما تقدّم آنفًا، وسمعناه من الأفواه. ولعلّ الحدْس الصائب يرشد إليه، وإن كان إسماع من له غير ذلك من الغرض يأباه. وكان يشبك من مهدي قد حضر هذه الحادثة، على ما تقدّم كيفيّة قدومه فيما تقدّم، بل كان أكبر القائمين بها.
بل قيل إنه اتفق مع الأتابك قايتباي أنه يولّيه الدوادارية الكبرى إذا تسلطن، عِوضًا عن خيربك.
وقيل: بل حدث ذلك بعد السلطنة، فإنه وليها في هذا اليوم دفعة واحدة، وعُدّ ذلك من النوادر، كون أمير عشرة كاشف الصعيد يتولّى الدوادارية الكبرى من غير أن يترشّح لها، وما وصل إليه بعد ذلك فأعظم، على ما ستعرفه في محالّه، بل وعُدّت
(2)
سلطنة قايتباي أيضًا في مثل هذه الكائنة من غريب النوادر أيضًا.
[إخراج تمربغا إلى البحْرة]
ولمّا تم هذا الأمر بَدَرَ يشبُك هذا بالطلوع إلى القصر، وقد انتدبه الأتابك قايتباي بأن يأخذ تمُربُغا من القصر، ويتوجّه به إلى البَحْرة من غير عنف ولا إزعاج، ويعتذر إليه بما رآه، وما يمكنه أن يعتذر به عنه إليه، مع تطييب خاطره. فدخل يشبُك عليه وهو جالس في دَست سلطنته وعزّ مُلكه، وهو منتظر طلوعهم إليه وتقبيل الأرض بين يديه. فقال له: السلطان يأمرك أن تتوجّه إلى البحرة.
(1)
في الأصل: "المانه".
(2)
في الأصل: "وعد".
فسأله: من هو السلطان؟
فقال له: الملك الأشرف قايتباي.
فقام من وقته وتوجّه إلى البَحْرة من على طريق الحريم بحُرمةٍ وعَظَمَة، ويشبُك بين يديه وآخرون
(1)
من أخِصاء تمربُغا.
وقيل: إنّما طلع يشبُك إليه من تلقاء نفسه حين تم الأمر لقايتباي في السلطنة، وإنه أدخله إلى الخرْجة للخزانة التي بها خيربك، وكلّمه بأن الناس بايعوا قايتباي، وإنه هو الذي أراد التوجّه إلى البَحرة.
فأجابه يشبُك إلى ذلك، ومرّ به إليها بعد أن طيّب خاطره من جهة الأتابك قايتباي، ومشى بين يديه إلى البَحْرة حتى أوصله إليها، بعد أن أخذ منه التّرس والنّمْجاة، ودفعهما لتمراز الشمسي، وكان قد طلع هو أيضًا معه في هذا الأمر، وعاد تمراز بما معه، وأخبر بانزواء تمربُغا بالبحرة، وأنه توجّه إليها طائعًا مختارًا، وهو بها
(2)
.
(ذِكر المبايعة العامّة لقايتباي بالسلطنة)
(3)
فأُحضر الخليفة حينئذٍ والقضاة وأهل الحلّ والعقد، ليعقدوا البيعة على الوجه الشرعي، فبَدَرَ القضاة بعمل القضية، وبعثوا إلى تمُربُغا ليشهدوا عليه بخلع نفسه، فتوجّه إليه الشهود إلى البحرة -على ما بلغني-، وأنه قال لهم حين دخلوا عليه: اشهدوا عليّ أنني رددت ما فوّضه إلى الخليفة من أمر المسلمين، فشهدوا عليه بذلك، ثم عادوا إلى القضاة فأعلموهم بذلك، وشهدوا به عندهم، ثم عملوا القضية.
ويقال: إنهم لم يبعثوا إليه بذلك، بل ابتدأوا له بالبيعة، لأنها قضية تولية، واللَّه أعلم بذلك. ومدّ الخليفة يده فبايع الأتابك قايتباي، وتَبعه الناس. ثم أحضر شعار الملك: الخلْعة السوداء الخليفتي، والعمامة، وقام قايتباي فدخل لمبيت الحرّاقة، وأُفيض عليه الشعار، وتعمّم، وتقلّد بالسيف، وخرج من البيت ملكًا سلطانًا، وقد تهيّأ الأمراء والأعيان بقماش الموكب لمثل هذه الساعة، وقُدّم إليه المركوب فرس النَوبة بالسَرج الذهب والكَنْبوش الزَرْكش، فركبه، بعد أن رصد له
(1)
في الأصل: "واخرين".
(2)
خبر إخراج تمربُغا في: النجوم الزاهرة 16/ 394، وتاريخ البصروي 30، ونيل الأمل 6/ 309، 310، وبدائع الزهور 3/ 6.
(3)
العنوان من الهامش.
إمامه إبراهيم بن الكرَكي
(1)
وقتًا على ما زعمه، ذكر أنه اختاره له لطالع سعيد في ساعة الشمس والطالع الثور والزُهرة، وكان ذلك قبل الزوال بنحو الثمانية عشر
(2)
درجة، وهذه أول شيطنات ابن الكرَكي، وبهذا فشا رأيه، فإنه أراد بذلك في ذلك اليوم إظهار نفسه، ثم تقرّبه من السلطان. وكان الزَين بن مُزْهِر في هذا اليوم أيضًا من أكبر القائمين بسلطنة الأشرف قايتباي هذا بلسانه وتدبيره، ولا شك أنه عرفها له، ولهذا هو كاتب سرّه من ذلك الزمان وإلى الآن. ولما قُدّم له المركوب ركبه من سلّم الحرّاقة، وسار إلى جهة القصر، والأمراء والأعيان بين يديه، ودَسْت المملكة وهم مُشاة، وهو في موكب حافل في أُبّهة السلطنة. وتقدّم الأمير جانِبَك قُلقسيز فحمل السَّنْجق السلطاني على رأس قايتباي، بعد أن أذِن له في ذلك إيذانًا بأنه الأتابك بعده، ويتعيّن بها جانِبك، وإنّما حمل السنجق لما تقدّم ذلك في سلطنة تمربُغا، بأن القبّة والطير كانت قد فُقدت من الزَرَدخاناة، في فتنة يشبُك الفقيه، ولما وصل إلى باب القصر أنزل به، ودخل إليه، وقد هُيّئ تخت المُلك، فرفعوه وأجلسوه عليه، وقام الكل بين يديه، ثم قبّلوا له الأرض، وتم أمره في المُلك، ولُقِّب بالأشرف، وكُنّي بأبي النصر، باختيار ذلك له الطائفة الأشرفية، وأرضاهم بذلك. ثم خلع على جانِبَك قُلقسيز بالأتابكية في وقته ذلك، على خلاف العادة، وخلع على الخليفة على عادته في ذلك. ثم دُقّت البشائر بسلطنته، ونودي بها بالقاهرة، وطلب الدعاء له، وتعجّب الناس من ذلك، فإن ذلك لم يكن ببال أحدٍ ممن هو أسفل القلعة. وكانت سلطنته من نوادر السلطنات، ومن غرائب الاتفاقات.
وهو السلطان الحادي والأربعون من ملوك الأتراك وأولادهم بمصر، والخامس عشر من ملوك الجراكسة وأولادهم، وتاسع أو عاشر جركسيّ يُسَلْطن، من غير أن نحسب خيربك. ودام بالقصر، والناس تزدحم عليه لتهنئته بالسلطنة
(3)
. ولنُترجم الأشرف هذا قبل أن نبتدئ بالشروع بذكر المتجدّدات من الحوادث في سلطنته، وما يضاف إليه من التصرّفات والأوامر والنواهي، وما حدث في مدّته
(1)
هو إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن إسماعيل، البرهان الكركي الأصل، القاهري، الحنفي، إمام السلطان قايتباي. مات سنة 923 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 1/ 59 - 64، وحوادث الزمان/ فهرس الأعلام 3/ 178، والكواكب السائرة 1/ 112، وبدائع الزهور 5/ 66، وشذرات الذهب 8/ 102 - 104، ومفاكهة الخلّان 2/ 61.
(2)
الصواب: "الثماني عشرة".
(3)
البيعة لقايتباي في: النجوم الزاهرة 16/ 394، 395، ونيل الأمل 6/ 310، ووجيز الكلام 2/ 792، والذيل التام 2/ 210.
من الحوادث، ونذكر ما تفرّد به من الأشياء التي هي من نوادره المختصّة به عن غيره من السلاطين من الجراكسة وغيرهم، فإن ترجمته تكاد أن تكون من غريب التراجم، ومن أندرها، بالنسبة إلى الطائفة الجركسية. ولنجعل هذه الترجمة كالنموذج، لِما سنذكره مما سيأتي في السنين الآتية من سِنِيّ دولته، مما يضاف إليه وإلى دولته وأيامه، فنقول، وباللَّه العون والتوفيق.
(ترجمة السلطان الأشرف قايتباي)
(1)
373 -
هو: قايتباي المحمودي
(2)
، الظاهري، الجركسي الجنس.
السلطان، الملك، الأشرف، أبو النصر، سيف الدين، صاحب الديار المصرية والبلاد الشامية، والأقطار الحجازية، وما والى ذلك من الأمصار والأقاليم والأقطار. جلبه الخواجا محمود الرومي إلى القاهرة في حدود سنة تسع وثلاثين وثمانمائة، فشراه منه الأشرف بَرسْباي، وأنزله كتابيًا بالطبقة الطازية، ولم يَجْر عليه
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
انظر عن (قايتباي المحمودي) المتوفَّى سنة 901 هـ. في: الضوء اللامع 6/ 201 - 211 رقم 697، والنجوم الزاهرة 16/ 394 - 396 وكتاب في التاريخ، لمؤلّف مجهول (مخطوط بدار الكتب المصرية، رقم 5631)، وإنباء الهصر فهرس الأعلام 542، والأنس الجليل 2/ 407، 408، ومورد اللطافة فيمن ولي السلطنة والخلافة، لابن تغري بردي (مخطوط) ورقة 151 أ، والقول المستظرف بسفر مولانا الملك الأشرف، لابن الجَيعان (بتحقيقنا)، ونزهة الأساطين في من ولي مصر من السلاطين، للمؤلّف رحمه الله ص 43 - 46، ونيل الأمل فهرس الأعلام 9/ 80 - 82، وإثبات الدلالات على نُصرة الملك الناصر أبي السعادات، مجهول المؤلف - مخطوط أحمد الثالث رقم 2960، والبدر الزاهر في نُصرة الملك الناصر (يُنسب لابن الشحنة) - (بتحقيقنا) - ص 43، 44، وتاريخ البصروي 182، 183 وتاريخ الخلفاء 514، وحُسن المحاضرة 2/ 80، وحوادث الزمان (بتحقيقنا) 2/ 9، وإعلام الورى 80، ومفاكهة الخلّان 1/ 167، ومتعة الأذهان 2/ 575، 576 رقم 643، وتاريخ ابن سباط (بتحقيقنا) 2/ 909، والكواكب السائرة 1/ 297 - 300، والنور السافر عن أخبار القرن العاشر، للعيدروسي 36 - 39، وشذرات الذهب 8/ 6 - 9، وتاريخ الملك الأشرف قايتباي، مجهول المؤلف (بتحقيقنا)، وهدية العارفين 1/ 834، وبدائع الزهور 3/ 325 - 332، وأخبار الدول 2/ 318 - 320، والبدر الطالع 2/ 55 - 65 رقم 377، وتاريخ الأزمنة 370، وتاريخ الكعبة المشرّفة، لباسلامة 138، وتحفة الناظرين 2/ 42 - 45، وذيل تاريخ الأدب العربي 2/ 123، والأعلام 5/ 188، وقاموس الأعلام 5/ 188، ومعجم المؤلفين 8/ 127، وفهرست وثائق القاهرة للدكتور محمد محمد أمين فهرس الأعلام 535، وهدية العبد القاصر إلى الملك الناصر (سيرة الملك الأشرف أبي النصر قايتباي)(مخطوط بدار الكتب المصرية، رقم 11657 ح).
العتق على ما ظهر. ثم أُدّب بالطبقة وهُذّب، وأُقرئ القرآن. وبينا هو في أثناء ذلك إذ مات الأشرف المذكور، وجرى بعد موته ما جرى، وتسلطن الظاهر جقمق، فملكه مع جماعة كثيرة، منهم الأتابك أُزْبَك، وقانصوه اليحياوي، وإينال الأشقر، وجانِبَك من طَطَخ، وآخرون
(1)
. ثم أجرى عليه عتقه، ثم صيّره خاصكيًّا بعد ذلك، ثم دوادارًا صغيرًا من جملة الدوادارية.
وكانت آثار النجابة ظاهرة عليه، ولوائح السعادة بين عينيه.
ويقال: إن الأتابك إينال الجَكَمي
(2)
، وهو على نيابة الشام، كان قد رآه حين جلبه الخواجا محمود قبل أن يقدم به إلى القاهرة، فامتُحن امتحانةً هيّنة، ثم خلّصه اللَّه تعالى، وصيّره الأشرف إينال في سلطنته دوادارًا كما كان، ثم أمّره عشرة في يوم الإثنين ثالث محرم سنة اثنتين
(3)
وستين وثمانمائة. وقرّبه الأشرف وأدناه ولم يبعده، ولا نفر منه كما نفر من غالب طائفته، بل وصار بينهما مناسبة، حيث تزوّج بابنة العلائي بن خاصْبَك
(4)
، وهي الست فاطمة الخَوَند، صاحبة القاعة بعصرنا هذا، ودام على ما هو عليه إلى سلطنة الظاهر خُشقدم فأحبّه وأدناه وقرّبه، واختص به جدًّا، وكان يأتمنه ويعتمده، وندبه لمهمّات كثيرة، وربّما استشاره في كثير من أموره وإمرة طبلخاناة، ورقّاه إلى شاديّة الشراب خاناة عِوضًا عن جانبك المَشَدّ
(5)
، وعيّنه للقبض على إياس المحمدي
(6)
نائب طرابلس، ثم بعد ذلك بمدّة عيّنه مسفّرًا لنائب حلب جانبك التاجي
(7)
، وحصل له من ذلك مال
(1)
في الأصل: "وآخرين".
(2)
قُتل (إينال الجكمي) سنة 842 هـ. انظر عنه في: السلوك ج 4 ق 3/ 1151، 1152، وإنباء الغمر 4/ 114، والنجوم الزاهرة 15/ 469، 470، ونزهة النفوس 4/ 114 و 115 - 117 و 132 رقم 792، والضوء اللامع 2/ 327 رقم 1074 وفيه "الحكمي" بالحاء المهملة، ووجيز الكلام 2/ 563، والذيل التام 1/ 616، ونيل الأمل 5/ 86 رقم 1932.
(3)
في الأصل: "سنة اثنين".
(4)
انظر: الضوء اللامع 11/ 245 "ابن خاص بك".
(5)
توفي جانبك المشدّ في سنة 881 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 3/ 54 رقم 215، ووجيز الكلام 3/ 879 رقم 2012، والذيل التام 2/ 302، 303، ونيل الأمل 7/ 166، 167 رقم 3016، وبدائع الزهور 3/ 121، 122.
(6)
مات (إياس المحمدي ويُعرف بالطويل) في سنة 877 هـ. انظر عنه في: بدائع الزهور 3/ 88، ومنتخبات من بدائع الزهور (طبعة كتاب الشعب 4/ 446)، وصفحات لم تُنشر من بدائع الزهور 14 (طبعة دار المعارف بمصر 1951) و 3/ 71 (طبعة مصر 1963)، ونيل الأمل 7/ 68، 69 رقم 2929، وتاريخ طرابلس 2/ 51 رقم 121 و 90 رقم 13.
(7)
مات (جانبك التاجي) سنة 868 هـ. وقد تقدمت ترجمته فيها.
طائل، وعاد إلى القاهرة وقد زادت شهرته على ما كانت وضخم، ثم أضاف إلى طبلخاناته طبلخاناة أخرى، وصيّره من مقدَّمي الألوف في ربيع الآخر سنة ثمانٍ وستين، على ما عرفت ذلك، ولعلّ ذلك من النوادر، بل بين تأميره وعشر
(1)
وسلطنته عشر
(2)
سنين كما قد عرفت ذلك، أيضًا مما بيّنّاه. ودام على التقدمة (بقية)
(3)
مدّة الظاهرة خُشقدم، وكان قبل ذلك. قد ساق المحمل معلّمًا للرمّاحة، واخترع في معلّميّته تقبيل الأرض للسلطان حين اللعب، وصار ذلك من الأنداب المضافة إلى سَوْق المحمل.
ثم لما جرت كائنة قتل جانِبَك نائب جُدّة، وقبض الظاهر خُشقدم عقيبها على جماعة من الظاهرية بعد مُدَيدة، منهم الأتابك أُزْبَك، وآخرون
(4)
على ما تقدّم في محلّه، وأراد مماليك الظاهر الوثوب عليه، واضطر [أن] بعث إلى صاحب الترجمة ليلًا بطلبه مع جماعة من أصحابه وخُشداشيه، ليدركه بآلة السلاح قبل أن تشرع مماليكه في أمر، ويتّسع الخرق، فحضر إليه بنيّة صادقة، وطلع إليه بذلك الجمع من باب السلسلة، على ما تقدّم خبر ذلك فيما مرّ، وبيّنّاه على أتمّ وجه وأحسنه. ومن تلك الليلة زاد مقام صاحب الترجمة عند الظاهر خُشقدم زيادة على ما كان عليه، وأحبّه، وصار كثير الركون إليه. ولم يزل على ذلك حتى مات الظاهر خُشقدم، وقام بالأمر من بعده الظاهر يَلباي، فرقّاه إلى الرأس نوبة الكبرى، عِوَضًا عن أُزْبَك الأتابك الآن لما نُقل منها إلى نيابة الشام، عِوضًا عن بُردُبك البَجْمَقْدار، بحكم القبض عليه عند سِوار، ولم تطُل مدّته في هذه الوظيفة حتى تسلطن الظاهر تمربُغا، فولّاه الأتابكية عِوضًا عن نفسه، على ما مرّ بيان ذلك، نقلًا إليها من الرأس نوبة، وعُدّت من نوادره.
ثم لما وقع ما ذكرناه من فتنة خيربك عقد له الملك على ما أوضحنا، لكن نيابة باتفاق العسكر والأكابر والأعيان من الأمراء وأرباب الدولة على ذلك، ودام بالقصر آمِرًا ناهيًا، ثم أخذ في أسباب ما هو بصدده، وأخرج تمربُغا إلى ثغر دمياط بعد أن أكرمه وأجلَّه، ثم اعتذر إليه في ليلة خروجه، بل وأهوى إلى يده ليقبّلها وهو سلطان، وذاك مخلوع، وذلك من كثرة أدبه وحشمته. وسنذكر ذلك قريبًا إن شاء الله تعالى عند ذكرنا إخراج تمربُغا.
ولما مَلَك وتمكّن ساس الأمور بنباهة وشهامة وصرامة وعظمة ومَهَابة، وأُبَّهة
(1)
و
(2)
في الأصل: "عشرة" في الموضعين.
(3)
كتبت فوق السطر.
(4)
في الأصل: "واخرين".
زائدة، مع توكّل عظيم، بحيث عُدّ ذلك من العذر، ولعلّ بدايته كانت من حيث التمكن كنهاية كثير من السلاطين، وعُدّ ذلك من نوادره. ولم تتفق نفقة السلطنة.
ومن نوادره أيضًا أنه كتب إليه ثلاثة
(1)
من سلاطين مصر يخاطبونه بمولانا السلطان، بعد أن كتبوا إليه عن أنفسهم: المملوك وهم: المؤيَّد أحمد بن إينال، والظاهر يلباي، والظاهر تمربُغا، ولم يقع ذلك لغيره من الملوك والسلاطين.
وأمّا اسمه فهو من نوادر الأسماء في هذه الطائفة، لعلّه لم يتَسَمَّ به أحد قبله.
وكثُرت في أيامه الفِتَن، لا سيما بالبلاد الشامية، وهي باقية إلى يومنا هذا، وجهّز التجاريد متكرّرة إلى شاه سوار القائم بالأَبُلُسْتَين، وغرم الأموال الطائلة في جرّته، وفنيت في أيامه الكثير من العساكر وأعيان أكابر الأمراء المصريين، على ما سنذكر ذلك، وآل الأمر أن قُبض على سوار بعد ذلك، وأحضر إلى القاهرة، وكُلّب بحلَق بباب زُوَيلة، ومعه آخرون
(2)
من إخوته، ووُسّط جماعة من أمرائه، ثم أُرجف في أيامه بتحرّك ابن
(3)
عثمان ملك الروم، السلطان محمد بن تمراز
(4)
غير ما مرة، واحتاط هو من ذلك غاية الاحتياط، وراعى الحزم، فأمر بشدّ الثغور وعمارة الأبراج وتحصين الكثير من السواحل، وأنشأ البرج العظيم الهائل بمينا الثغر السكندري بمكان المنار، وحصل به النفع في دفع العدوّ، وعمل السلسلة بثغر دمياط.
ثم مات ابن
(5)
عثمان ولم ينل هذه المملكة منه السوء بعد أن أشيع عنه قصْدها، وما اتفق له ذلك. وكذا حسن الطويل، وجهان شاه، وأكثر هذه الأشياء هي الأسباب الداعية إلى سيرة هذا السلطان في الأموال وجمعها حزمًا منه، واجتهد في تحصيل ذلك غاية الاجتهاد، حتى كادت أن تُفتح له كنوز الأرض، بل فُتحت له، لكنّه ضيّق على كثيرمن العباد في معاشهم. بل ومعادهم، واقتنى الكثير من المماليك الجياد، وأغلاق عليهم بالعطايا والأرزاق والأسلحة والعُدد والأمتعة.
ويقال: إن عدّة مماليكه بلغت خمسة آلاف فما فوقها، ولعلّ ذلك إن صحّ لم يقع لغيره من ملوك الجراكسة والتُرك، من يوم سلطنة برقوق وإلى الآن، هذا، مع ما هو فيه من الاجتهاد التامّ في أمرهم من تعليمهم أولًا القرآن، والخط،
(1)
في الأصل: "ثلاث".
(2)
في الأصل: "آخرين".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
مهملة في الأصل.
(5)
في الأصل: "بن".
والاستخراج، ثم تعليمهم أديانهم، ثم تعليمهم الأنداب والآداب والتعاليم، وسائر أنواع الفروسية بسائر فنونها، حتى إنه غالبًا يحضر ملاعيبهم بنفسه، وينظر في تعاليمهم، بل ربّما علّم البعض بنفسه في بعض الأحيان، وهذا من نوادره التي لم تقع لأحدٍ من السلاطين أيضًا قبله.
ومن غريب نوادره أيضًا أحكامه لمماليكه، وضبطه إيّاهم، مع كثرة عددهم وعُددهم، وشهامتهم الزائدة في فروسيتهم، وذلك في طول مدّته هذه، وإن كانوا قد تغيّروا في هذه الأيام، وأخذوا في الاستظهار، وبدأوا الناس ببعض الأذى، ومع ذلك فليس هم كغيرهم من مماليك من مضى من السلاطين. وقرّب مماليكه جدًّا، وأقطعهم الأقاطيع الهائلة، وقدّم الكثير منهم، حتى صار غالب الملوك الأكابر بمصر، بل وبجميع المملكة، منهم كالأميراخور الكبير، والدوادار الكبير، وغالب نوّاب البلاد الشامية، مثل نائب طرابلس، نائب حماة، نائب صفد، نائب غزّة، نائب الكرَك، نائب مَلطْية، نائب قلعة الروم، نائب دوركي، نائب سِيس، نائب طَرَسُوس، نائب عَنْتاب، نائب القدس، إلى غير ذلك من النيابات، ونائب الإسكندرية بهذه البلاد، ثم نيابات القلاع والأتابكيّات والحجّاب، ومقدَّمين
(1)
الألوف، والطبْلَخَاناة، والعشرينات، والعشرات بتلك البلاد، وعدّة وظائف وإمريّات بالقاهرة وخارج الأعمال، كالدوادارية الثانية، وشدّ الشراب خاناه، واستادارية الصُحبة، وتجارة المماليك، وكشف الوجه القِبْلي، بل والبحري، وعدّة ولايات وأعمال وتصرّفات بهذه البلاد، وتلك البلاد الشمالية، ولم يقع ذلك لغيره من ملوك مصر على هذه الوتيرة.
ومن نوادره تطلُّعه واستشرافه لأخبار أمرائه وجُنده، بل وسائر رعيّته، ووقوفه على الكثير من أخبارهم وأحوالهم الجزئية، وما هم فيه وعليه، فضلًا عن أخبارهم الكلّية، بل ومعرفة أحوال بعض ممّن لا يؤبه إليه، فيعمل بمقتضى آرائه فيما يصل إليه من أحوالهم، وتقديم من يستحق التقدّم، ولو لم يرشّح لذلك، وتأخير من يستحق التقديم، ولو ترشّح للتقديم، فله فضيلة إيصال كلّ إلى ما يستحقّه إذا وقف على حقيقة ما هو الشخص عليه.
ومن نوادره تكلّمه في أشياء لا يليق بمثله التكلّم فيها، مع إظهاره بأن ذلك من تمام المصالح واليقظة والمعرفة، وهذا هو قصده من ذلك، وإن كان ذلك على زعم الغير عن مصلحة.
(1)
الصواب: "ومقدّمي".
ومن نوادره جمعه للأموال الكثيرة التي لم يجمعها قبله من الملوك غيره، من يوم سلطنة برقوق وهلُمّ جرًّا إلى أيامه، لكنْ من أيّ وجهٍ كان، وعلى أيّ وجهٍ كان.
ومن نوادره صرف الأموال أيضًا على العساكر، وعلى من يعلم ويتحقّق باستحقاقه بمقدار كبير، ولم يقع لغيره ما وقع له من المصارف على العساكر، والنفقات عليهم بنفقات عظيمة لم تتفق لمن تقدّمه، بحيث يولي لمن كانت عادة النفقة له ألفي دينار نحو الخمسين ألف دينار، وقِس على هذا غير ذلك.
ومن نوادره ركوبه بنفسه في كل قليل من الأحيان، واجتيازه بكثير من الأزِقّة الضيّقة التي لم تجر عادة سلطان ممن تقدّم من السلاطين الاجتياز بها ولا دخولها في حالة سلطنتهم.
ومن نوادره حضوره غالبًا تعليم مماليكه
(1)
في الرمح والنشّاب بظواهر القاهرة.
ومن نوادره في التكلّم في بعض الأحيان في الأشياء الجليلة والحقيرة، حتى أقاطيع الخاصكية وغيرهم، بل ومشافهة الفلاحين في مثل ذلك، بل ربّما حاسبهم على بعض أشياء وحاققهم.
ومن نوادره التفاته في بعض الأحيان لِما لا يؤبه إليه ولا يوحي
(2)
عليه من قليل الأشياء، مع عظمته وشهامته الطائلة.
ومن نوادره إبطال الكثير من المراكب والخِدَم الملوكية، كخدمة القصر وغير ذلك، وقطع الكثير من الأسمطة التي جرت بها عادة مَن تقدّمه من الملوك.
ومن نوادره الزيادة في بعض الأسمطة والطواري أيضًا أشياء غريبة الزيارة، ولم تجر العادة بها، كإحضار الأشربة والمُرَبّيات والمخلّلات والحلاوات، وفي من الفواكه والبطاطيخ والأجبان والمخبوز، وغير ذلك، فتجعل على الأسمطة بين اللحوم والأطعمة، وهي من غريب نوادره التي حُمد عليها، لأنها تؤذِن بالهمّة والشهامة والكمال.
ومن نوادره في كثرة العماير والأبنية التي أنشأها وملكها أيضًا، التي قلّ أنْ وقعت أو لم تقع لملك قبله، وذلك بسائر بلاد مملكته ومدنها غالبًا، ومع ذلك فإنه يسّره لأقلّ ملك من أملاك رعيّته، ويملكه بأدنى سبب، حتى ملك منها شيئًا يجلّ عن الحدّ والعدّ.
(1)
في الأصل: "مماليه".
(2)
في الأصل: "ولا يوح".
ومن نوادره غاية يقظته وفطانته، ومعرفته بأدقّ رجل في مملكته من غالب أحوال الناس، وكذا معرفته جهات مملكته كلّها وبلادها، ومعرفة ما يحصل فيها، حتى لمن يتكلّم في ذلك.
ومن نوادره إضافة الكثير من الجهبذات والتعلّقات التي تختص بمثل الوزراء والأستادار ونظّار الجيش، لا يبعثهم إلى ديوانه، بل وإضافة ما يتعلّق بمثل البرددارية ونحوهم، مما يجتمع لهم ذلك من الأشياء الهوائية، وذلك بسائر جهات مملكته.
ومن نوادره فصل الأحكام الهيّنة جدًّا، وبروزه لذلك حتى بين النساء وأزواجهنّ، إلى أن صار يطلع إليه في أقلّ جزئيات
(1)
ليفصلها. ولو عددناها لطال المجال، حتى إنه لما كثر ذلك عليه أمر بالمناداة بأن لا يطلع إليه إلّا في الأشياء التي لم يفصلها الحكام من قضاة وأمراء وغيرهم ممن له الحكم.
ومن نوارده كثرة الفِتَن في أيامه في سائر جهات مملكته، بل وغيرها من الممالك، حتى أتعبه ذلك.
ومن نوادره ظهور أشياء مهولة ومزعجة في أيامه من غرائب ونوادر، بحيث لا تُعدّ ولا تُحدّ، من ذلك أخْذ الفرنج عدّة مدن بالمغرب الأقصى. ومن ذلك حدوث بعض زلازل مهولة، وخسوف أراضي وكسوفات وخسوفات في الشمس والقمر، وظهور أشياء أُخَر، ونزول الصاعقة بحرم المدينة الشريفة، ومجيء السيل العظيم بمكة الذي لم يقع مثلهما في القريب من الأزمنة، بل والبعيد. ومن ذلك الأوبئة التي كانت والغلاء أيضًا.
ومن نوادره انقراض جمع جَمّ من أعيان العلماء في أيام دولته بمملكته وبسائر الممالك مثل شيخنا العلّامة الكافِيَجي، والأمين الأُقصُرائي، والسراج العبّادي، والعضُد السيرامي، والسيف الحنفي، والتقيّ الحصني، والعلّامة التقيّ الشُمُنّي، والعلاء الحصني، والنجم القرمي الحنفي، والعلاء القومجي، والعلّامة خسرو عالم الروم، والعلّامة إبراهيم الخدري عالم تونس، والسيد الشريف المسلماني، ومحمد النوري عالم فاس، وابن
(2)
منصور عالم غرناطة، وابن
(3)
العباس عالم تِلِمْسان، والشمس الجوجري، والنور السنهوري، وجماعة أُخَر يطول الشرح في تعدادهم.
(1)
في الأصل: "جزيات".
(2)
في الأصل: "وبن".
(3)
في الأصل: "وبن".
ومن نوادره أيضًا: انقراض عدّة من الملوك في أيامه كجهان شاه أبي
(1)
سعيد، وحسن الطويل، وابن
(2)
عثمان، وولده مصطفى، وابن
(3)
قر مان، وحسن علي، ومحمد بن أبي ثابت صاحب تلمسان، وغيرهم من أكابر الملوك، وكذا الكثير من الأمراء الأعيان من الأكابر بهذه المملكة، كالظاهر يلباي، والظاهر تمربُغا، وجانِبَك قُلقسيز، وبُردُبك البَجْمَقدار، وقُرقُماس الجَلَب، وبُردُبك هجين، وقانِبَك المحمودي، ومُغُلباي طاز، ويشبُك الفقيه، والأتابك جَرِبَاش كُرْد، وجانِبَك الفقيه، وجانِبَك كوهيه، وسودودن القصروي، ونانق رأس نَوبة النُوَب، وخيربك سلطان ليلة، وإينال الأشقر، ولاجين أمير مجلس، ويشبُك من مهدي، وآخرين يطول الشرح أيضًا في تعدادهم.
وأمّا أصاغر الأمراء والخاصكية الأعيان وقرانصة الجُند، وعدّة من المباشرين والقضاة أو أرباب الدولة فشيء كثير.
ومن نوادره قطْعه الكثير من الجوامك والمرتّبات واللحوم والعليق، مما خفّف به على الوزراء والأستادّارية. ولقد كان في ذلك ممن لا يستحق الأجر شيئًا كثيرًا، وإن كان في ذلك من يستحق أيضًا، لكنْ ذهب الصالح بالطالح.
ومن نوادره الأموال التي فرّقها على الكثير من المُقطَعين والجُند وأرباب الجوامك من المماليك وأولاد الناس والمباشرين وغيرهم.
ثم من نوادره أيضًا ردّه بعد ذلك بمدّة الكثير ممّا أخذه ممّن أخذه.
ومن نوادره أنه لم يَلِ السلطنة من تأمير غيره، ثم صار سلطانًا بعد عشر سنين سواه من الجراكسة.
ومن نوادره العظيمة الغريبة سفره إلى الحج وحجّه، ثم عَوده في جمع قليل من جماعته وأخصّائه، ولم يقع ذلك لغيره من ملوك الجراكسة ولا القريب منهم، وكذا سفره إلى القدس والفُرات في جمع قليل.
ومن نوادره أنه لم ير حينها قطّ سوى محنة يسيرة زالت بسرعة.
ومن نوادره أنه إذا علم بالمستحق من أيّ جنس كان، أوصله ما يناسبه من حقه، بل وزيادة.
ويُذكر عنه العفّة وطهارة الذيل عن القاذورات، والكفّ عن المنكَرات والمسكِرات، والتديّن وكثرة الصيام في الأيام التي وردت السُّنّة في الترغيب في
(1)
في الأصل: "أبو".
(2)
في الأصل: "وبن".
(3)
في الأصل: "وبن".
صومها، وكثرة النوافل، والصلاة والتهجّد بذلك في جوف الليل، وتلاوة القرآن وسماعه، ومحبّته الأذكار والأوراد، بل واخترع أذكارًا جمعها، وهي مشهورة، اعتنى
(1)
بها الكثير من الناس واستعملوها، يقال: بنَغَم طيّب غريب يُستَلَذّ ويُذكر عنه أنه يغضّ من طائفة الفقهاء، فإن صحّ ذلك فلعلّه بعض من هؤلاء الذين عُرفوا بهذا الاسم في زمننا هذا، وهو فيهم يعذره، حيث غلب عليهم بالأخير في ذكره، مما يعرفه كل أحدٍ عنهم، وهو أكثر الناس معرفة بأحوالهم، على أنه أنصف الكثير ممن سُمّي بهذا الإسلام من أهل الخير والدين.
ومن محاسنه حلمه مع حدّة مزاجه.
ومن محاسنه أيضًا لتواضع الزائد مع من يستحق ذلك، وانبساطه إليه وتقريبه ومكالمته ومحادثته، بحيث لم يقع ذلك لمن قبله من السلاطين. كل ذلك مع شهامته، وعُلوّ همّته.
ومن محاسنه عفّته عن الأنفُس وسفك الدماء.
ومن عُلُوّ همّته في سلطنته اقتناء الكثير من الأشياء الحسنة، ما بين خيول حِسان تكاد أن لا تُحصر عدًّا، وكذا البغال والجمال والهُجُن، وآلات السلاح واحتياج الملوك، ولو وصفنا تفاصيل ذلك لاحتجنا له عدّة مجلّدات.
وله ميل للعلم والفضائل، ويستحضر أشياء كثيرة، ويشارك في أشياء، مع فصاحة، وذكاء، وفطنة، وفَهم، وتيقّظ دائم، وجودة طبيعة، ويحبّ الجمال في سائر شؤونه
(2)
وشؤون
(3)
جماعته وأرباب دولته في سائر أحوالهم وأمورهم.
وأمّا شجاعته وإقدامه وفروسيّته، ومعرفته بأنواع الأنداب والآداب والتعاليم بتمامها وكمالها، ما بين رُمح، ورمي سهام، وضرب سيف وبرجاس
(4)
، وسَوق خيل، إلى غير ذلك من سائر أنواع الفروسية شيء لا يكاد أن يُضبط، ولا يُصدّق قائله لو بثّه عنه.
وأمّا جلادته واحتماله للمشاقّ، وتعبّره وثباته على الخيل في أسفاره، فشيء يُعجز الفرسان والكثير من جَلَدة الشبّان عنه، وكذا أصحاب القوى والجأش، حتى سمعت عنه في ذلك ما لا يكاد أن يكون في طاقة البشر.
وأمّا ما له من الأبنية والآثار العظيمة الهائلة الحافلة، فشيء يكاد أن لا يُحدّ ولا يُضبط بعد.
(1)
في الأصل: "اعتنا".
(2)
في الأصل: "شونه".
(3)
في الأصل: "شون".
(4)
تقديم التعريف به.
فمن ذلك الأبنية الهائلة بقلعة الجبل في عدّة أماكن منها، كالإيوان العظيم الذي جدّده، والمقعد بالحوش، والمبيت، والمناظر، والكثير من الأماكن العجيبة النادرة الجليلة النزهة، والطباق، وباب الحوش، وغير ذلك من الأبنية بالقلعة، مما يكاد أن لا يُضبَط، ولا وقعت لسلطان قبله في دولة الجراكسة.
ومن آثاره التوبة المعظَّمة التي أنشأها بالصحراء، المشتملة على المدرسة الهائلة، والمدفن بالقبّة العظيمة عليه، وما بداخل ذلك من الأمكنة، وما إلى جانب بابها من السبيل المعظّم، وما يعلوه من المكتب للأيتام، وما تجاه ذلك من الأمكنة المُعَدّة لصوفيّتها وشيخها، وما يقرُبها أيضًا من الرَبْع العظيم الهيئة والشكل، المُعَدّ ذلك لسُكْنَى صوفية التوبة المذكورة أيضًا، وخدّامها وجماعتها، وما أنشأه بقربها من الحوض المعظَّم الهائل، المُعَدّ لشُرب البهائم. وبهذه التوبة عدّة من الصوفية من أعيان الناس، وطلبة العلم وأهل الفضائل. وولي مشيختها أول ما فتحت شيخنا قاضي الجماعة الشيخ الإمام العالم العلّامة أبو عبد اللَّه محمد بن عمر القَلْجَاني
(1)
المغربي، التونسي، المالكي، قاضي تونس، لما قدم هذه البلاد، ثم لما عاد لبلاده وُلّيها عِوَضه تلميذه الشيخ أبو العباس أحمد بن عاشر
(2)
، رجل من أهل العلم والفضل والتديّن والسكون، وبها الحضور في الأوقات الخمسة، ولشيخها وصوفيّتها وخِدْمَتها الأرزاق الجيدة والمعاليم الكافية، ولها ترتيب أنيق حسن.
ومن آثاره أيضًا لجامع المعظّم بالكبْش وما بجواره وأسفله من الأبنية الجليلة.
ومن آثاره أيضًا لجامع الأنيق بروضة مصر، وهو من أحسن المباني في موضعه.
ومن آثاره جامع سلطان شاه.
وله عدّة أسبِلة هائلة، من ذلك السبيل بتحت الرَبْع، وما يعلوه من المكتب، والسبيل بالجبل، وهو من أحسن الأسبلة وأنفعها في ذلك المحلّ. والسبيل بزيادة
(1)
مات (القَلجاني) في سنة 890 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 8/ 257، 258 رقم 698، ووجيز الكلام 2/ 965 رقم 2164، والذيل التام 2/ 388، ونيل الأمل 7/ 436 رقم 3353، وبدائع الزهور 3/ 222 وفيه "الفلحاني" بفاء وحاء، وشجرة النور الزكية 1/ 259.
(2)
هو أحمد بن قاسم بن أحمد بن عبد الحميد التميمي التونسي المالكي، المعروف بابن عاشر. (الضوء اللامع 2/ 62 رقم 187) ولم يؤرّخ لوفاته.
جامع ابن
(1)
طولون، حيث كانت دار ابن
(2)
النقاش
(3)
، والسبيل المعظّم برأس سُويقة ابن
(4)
عبد المنعم.
ومن آثاره الرباط المعظّم بمكة المشرّفة وما يليه من الأمكنة، وما بناه بجبل مِنَى من الآثار المعظَّمة، منها مسجد الخَيْف.
ومن آثاره تجديد سوق الماء إلى تلك الأمكنة. والرباط بالمدينة النبوية، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، وأعظم هذه الآثار بناء الحُجّرة الشريفة النبوية، بعد الحريق العظيم الذي كان في هذا الزمان، وكمل ذلك، فكان من أعظم الأبنية هو وما يليه من أبنية المسجد الشريف النبوي، وما اخترعه من المقصورة الغربية على حُجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن آثاره الجامع المعظّم بغزّة، والمدرسة الأنيقة بالبيت المقدس، والمدرسة بثغر دمياط، وغير ذلك من بيوتٍ للَّه تعالى.
ومن آثاره البرج الأعظم بالثغر السكندري بمكان المنار من ميناها، الذي لم يُر مثله فيما غبر، وعُدّ من عظيم المباني المهولة، وشاع صيته وملأ الأقطار.
ولقد وُصف لي ذلك البرج وما بُني إلى وبه من الأمكنة، فكان وصفه وصفًا هائلًا.
ومن آثاره البرج الذي بفم رشيد، وغير ذلك من الآثار والمباني بهذه البلاد وبالبلاد الشمالية، وقناطر الخيرية، والأسبِلة والرباع، والخانات، والحمّامات، والفنادق، والديار، والقاعات، والقصور، وَالحوانيت، ما يكاد أن لا يُعَدّ ولا يُحدّ بغالب أخطاط القاهرة ونواحيها، مما هو ظاهر لكل أحد.
وبالجملة، فهو سلطان جليل، وملك ضخم، شهم، يقِظ، درِب، عارف، خبير، تامّ العقل، سيوس، جُلّ قصده وضع الأشياء في محلّها وإن أخطأ
(5)
في المحل. ومن حذقه نظَرُه في الأمور، وعدم إقدامه على الشيء سريعًا في كثيرٍ من الأشياء. وله التأنّي التام والتروّي في كثير من الولايات، لا سيما الوظائف الدينية، كالقضاء والتدريس، ونحو ذلك، بل في كثير من الوظائف الدنيوية والولايات
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
هو علي بن عبد القادر بن محمد بن نور الدين القرافي، القاهري، النقاش الميقاتي. مات سنة 880 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 5/ 243 رقم 828
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
في الأصل: "اخطاء".
والنيابات والعمالات والمباشرات، وغير ذلك. ومع ذلك فقد وقع له الخطأ في بعضها، كتوليته القضاء الحنفية بالديار المصرية لمثل هذا الشخص الذي يقال له ابن
(1)
المغربي الغزّي، فإن ذلك من أعظم المصائب وأكبر المعائب، والعار على ملك مصر، لعلّ يقع قبلها مثلها، وإن كان قد وليها بعضٌ ممن لا ينبغي أن يولّي لشيءآخر، لكنْ من حيث الذات، وكثير من أوصافها، فلا يمكن أن يكون وليها مثل هذا قط، ولكنّ السلطان معذور، لأنه دُلِّس عليه، لكنْ لا أعلم ما عُذره بعد ظهور ذلك له، مع شهامته وعدم رضاه بأقلّ من هذا الحال، فما بالُك بهذا؟
وأمّا ما له من البِرّ والمعروف والخيرات فشيء كثير، من ذلك ما قد فعله بالحرمين الشريفين في هذا القرب، مما يطول الوصف في تفصيله، وهو مشهور، وأوقف لذلك وقفًا هائلًا، وجعل عليه ناظرًا ومتحدّثين. وله صدقات تُفرَّق
(2)
في أول كل شهر رمضان على الكثير من الناس من أهل العلم وطلبته، وعلى الزوايا وغيرها.
وبالجملة، فهو أعظم أتراك زمننا هذا، لم يأت قبله مثله.
وهو في عشر السبعين. ولا شك في مجاوزته للخمس وستين.
وهذه نُبَذ
(3)
من أخباره وترجمته على جهة الاختصار والاقتصار.
وكان بينه وبين الوالد محبّة وصُحبة في أيام إمرته، ولعلّه لو عاش إلى زمنه لنال منه الخير الدنيوي وأنصفه. واللَّه أعلم.
وما ذكرناه عنه من غير المحاسن فلعلّها من شرور أنفُسنا ومن سيّئات أعمالنا، كيف وقد قال الصادق المصدوق عليه السلام: "كما
(4)
تكونوا يُوَلَّى
(5)
عليكم"
(6)
، وقال عليه السلام:"إنْ هي إلّا أعمالُكم تُردّ عليكم فمن وجد خيرًا فلْيحمَد اللَّه، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلّا نفسَه"
(7)
.
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "يفرق".
(3)
في الأصل: "نبذًا".
(4)
في الأصل: "اينما".
(5)
في الأصل: "يول".
(6)
الحديث بتمامه: "كما تكونوا يولّى عليكم أو يؤمّر عليكم". رواه القُضاعي في "مُسْند الشهاب" 1/ 336، 337 رقم 372 (577) بسنده إلى أبي بَكرَة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. ورواه الدَيلمي في "مسند الفردوس" 3/ 352 رقم (4953)، ورواه البَيهقي من طريق الديلمي في "شُعَب الإيمان"، والسِلَفي في "الطيورّيات" 1/ 282 و 328، 329، وقال الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة": ونُقل عن ابن حجر في تخريج الكشاف 4/ 25.
(7)
هذا جزء من حديث قُدْسي، رواه أبو ذرّ الغِفاريّ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، فيما روى عن اللَّه تبارك وتعالى أنه قال: "يا عبادي، إنّي حرّمتُ الظُلم على نفسي وجعلته بينكم محرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا.=
ولْنرجِعْ إلى ذِكر المتجدّدات في دولة هذا السلطان، وباللَّه المستعان، وعليه التكلان.
(ذِكر سجن خيربك وأحمد بن العَيْني)
(1)
وفيه أعني يوم الإثنين هذا، وهو يوم جلوس هذا السلطان على تخت المُلك، في سادس رجب، كما تقدّم، أمر بأن يُسجن خيربك الدوادار الكبير الظاهري، القائم بالفتنة المتقدّم ذكرها بالرَكْبَخانَاه السلطانية، وأن يُسجَن أحمد بن العَيني معه
(2)
.
وتفقّد خُشْكلدي البَيْسَقي رأس نوبة النُوَب، فلم يوجد في هذا اليوم، ثم كان من أمره بعد ذلك ما نذكره
(3)
.
[حبْس مُغُلباي الظاهري]
وفيه -أعني هذا اليوم ظُفر بمُغُلْباي الظاهري، فحُبس بالبرج من القلعة، ثم أُخرج إلى القدس بطّالًا بعد أيام قلائل
(4)
.
[القبض على كَسْباي الدوادار]
وفيه أيضًا قُبض على كَسْباي
(5)
الدوادار الثاني، لكنّه لم يحصل عليه
= يا عبادي، كلّكم ضالّ إلّا مَن هَدَيته. فاستَهْدوني أَهْدكُم. يا عبادي، كلّكم جائع إلَّا من أطعمتُه فاستطعِمُوني أُطْعِمْكُمْ. يا عبادي، كُلّكم عارٍ إلّا من كَسَوتُهُ فاستكسُوني أكسُكُم. يا عبادي، إنكم تُخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفرُ الذنوب جميعًا. فاستغفروني أغفرْ لكم. يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضَرّي فَتضُرّوني. ولن تَبلُغُوا نفعي فتَنَفعوني. يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخرَكُم، وإنسَك وجِنّكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحدٍ منكم، ما زاد ذلك في مُلكي شيئًا. يا عبادي لو أن أوّلكم وآخركم، وإنسَكم وجنّكم قاموا في سعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل إنسانٍ مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلّا كما ينقُصُ المخْيَط إذا أُدخِل البحر. يا عبادي، إنما هي أعمالكم أُحصيها لكم، ثم أوفيكم إيّاها. فمن وجد خيرًا فلْيَحْمد اللَّه. ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلّا نفسه".
قال سعيد بن عبد العزيز: كان أبو إدريس الخَوْلاني إذا حدّث بهذا الحديث جَثا على ركبتيه. رواه مسلم في صحيحه، كتاب البِرّ والصِلة والآداب، باب: تحريم الظلم (15) -الجزء 4/ 1994، 1995 رقم 55 (2577).
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
خبر سجن خيربك في: نيل الأمل 7/ 310، وتاريخ قاضي القضاة العليمي، ورقة 138 ب.
(3)
المصدر السابق.
(4)
المصدر السابق.
(5)
هو كسباي من ولي الدين، وقد تقدّم.
تشويش، لكونه كان مع الظاهر تمربُغا، وما وافق أولئك على ما هم فيه، ورُفق به في الجملة، وأُمِر بأن يقيم بدار يشبُك من مهدي، وقد ولي الدوادارية بتعيين السلطان إيّاه لها، فدام عليها أيامًا، ثم أُخرج على إمرة إلى حلب، وكان من أمره بعد ذلك ما سيأتي في محلّه، وستأتي ترجمته أيضًا في سنة إحدى وثمانين، فإنه مات بها في الطاعون
(1)
.
ثم تتبّع السلطان الجُلبان من الأمراء وغيرهم في هذا اليوم، واستصحب الحال في عدّة أيام وهو في تطلّبهم، وحبس الكثير منهم، وأخرج جماعة ما بين أمراء وغيرهم إلى البلاد الشامية، وزالت شوكتهم كأنها لم تكن
(2)
.
(الأمر بإحضار جماعة من الأشرفية ثم إبطاله بعد ذلك)
(3)
وفيه أيضًا أمر بإحضار قرقُماس الجَلَب من كفر دمياط.
وفيه أيضًا كتب بإحضار بيبرس خال العزيز، وجانبك المشَدّ، وبيبرس الأشقر الطويل، وكانوا بالقدس. ثم لما وصل إليهم الخبر تهيّأوا وخرجوا من البيت المقدس إلى جهة القاهرة، فلما قربوا من قطْيا دبّر جماعة من الظاهرية من خُشداشي السلطان بأن يردّهم، وأشاروا عليه بذلك، وخيّلوه وخوّفوه من عاقبة أمر الأشرفية، وأن تكثيرهم بمصر، لا سيما الأعيان منهم، ليس بمصلحته، وخصوصًا إذا تأمّروا، وكان هذا أول ظهور لغير التفات بعد الإنفاق على الصغار، والوفاء والعدل والإنصاف والتسوية وكان خروج الأمر بعَودهم وردّهم بعد مجيئهم، وقربهم، من أعظم ما شاء الأشرفية، وعُدّ ذلك من سيّئ التدبير، إذ كان الأَولى أن لا يفعل أولًا
(4)
.
(إخراج الظاهري تمربُغا لثغر دمياط)
(5)
وفيه، في ليلة الأربعاء، ثامنه، أُخرج الظاهر تمربُغا إلى ثغر دمياط. وكان من خبر ذلك أن الأشرف قايتباي هذا لما تسلطن بعث إليه غير ما مرة بالاعتذار إليه عمّا وقع، وأنه يطيّب خاطره، ولا يفكّر في شيء مما يسوء، فإنه لا يكون إلّا ما
(1)
نيل الأمل 6/ 310، 311.
(2)
خبر القبض على كسباي في: النجوم الزاهرة 16/ 396، ونيل الأمل 6/ 311 وبدائع الزهور 3/ 5.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
خبر إحضار جماعة في: نيل الأمل 6/ 311، وبدائع الزهور 3/ 5.
(5)
العنوان من الهامش.
يختاره، وما طابت عليه نفسه، وأن يتوجّه إلى ثغر دمياط معزَّزًا مكرَّمًا فيقيم به، ويسكن هناك بأيّ مكانٍ اختاره هو، ومعه من شاء من خَدَمه وحَشَمه وغير ذلك، ولا يُمنع من ركوب ونزول وغير ذلك، ويتوجّه هو إليها من القاهرة باختياره، من غير ترسيم، ولا من سفره إلى دمياط. واطمأن الظاهر تمربُغا بهذه الأشياء لما بلغه عن السلطان، وشكره على ذلك.
ثم لما كانت هذه الليلة بعث إليه بأن ينزل بين العشاءين، ولما توجّه إليه من يخرجه من البحرة لإنزاله أخذه، وجاء به من على طريق الحريم وهو ماشٍ، وبينا هو في أثناء ذلك قام الأشرف قايتباي لما عرف بأنه قد قَرُب مروره واجتيازه بدِهليز الحريم، وكان نوى توديعه، فأسرع الأشرف في مشيه، وتوافيا بالقرب من سيدي الشيخ الرُدَيْني، وكان مع الأشرف هذا جماعة من الأمراء والأعيان من الخاصكية، والفانوس بين يدي كل من السلطانين، المتّصل والمنفصل، فبادره الأشرف بالسلام حين تلاقيا، ثم اعتنقه وأهوى على يده ليقبّلها، فمنعه من ذلك، ثم تنحيّا عن الطريق، وشرع الأشرف في الاعتذار له عمّا وقع مشافهة، وأنه ليس ذلك باختياره ولا قصده، وتمربُغا يُظهر قبول عذره وفرحه بكونه تسلطن هو، وقال له: أنا وأنت كشيء واحد، وقد اختارك اللَّه تعالى لهذا الأمر، والأشرف يزيد في تعظيمه. وكان قد حضر معه الأتابك جانِبَك قُلقسيز ويشبُك من مهدي، وتمر الحاجب، وجماعة أُخَر من خواصّهما وجماعتهما، فأشار لهم بالوقوف، ثم تنحّى هو هايّاه قليلًا، واختلى به، وتكالما
(1)
سرًّا بكلام طويل كثير وهما واقفان، ثم تعانقا وتباكيا، ومشى الأشرف معه بعض خطوات كالذي بين أياديه، وتمربُغا يسأله في الرجوع، ويُقسم عليه مكرّرًا عليه ذلك، وافترقا متوادعَين على أتمّ وجه وأكمله، وعُدّ ذلك من غرائب النوادر، ومن غاية محاسن الأشرف هذا وفضائله. ثم وادعه
(2)
من حضر مع السلطان من الأمراء واحدًا بعد واحد. وما قبّل يشبُك من مهدي يده أعطاه ألفَي دينار ذهبًا، دفعها لبعض مماليكه بحضرته، وبعث إليه للبحر بخمسة
(3)
قناطير من السكر، وبستمائة إردبّ من المُغَلّ، وأشياء أُخَر.
ثم نزل تمربُغا بعد أن قُدّم إليه مركوب من جياد خيله، فركبه وسار إلى جهة الساحل من على باب القرافة، ومعه جماعة من خُشداشيه وأصحابه، وغالبهم كالمودّع له، والماشي في خدمته، وهو في غاية الحشمة والعظَمَة في سيره، من غير توكيل به، ولا هو في هيئة من أُنزل من السلاطين غير ما مرة في حال خلْعهم،
(1)
الصواب: "وتكلّما".
(2)
الصواب: "ودّعه".
(3)
في الأصل: "بخمس".
ولم يشقّ شارعًا، بل ولا علم أحد بنزوله، ولا جلس لرؤيته. ولما وصل إلى الساحل نزل بالمركب الذي قد هُيّئ له، بعد أن وادع
(1)
من كان معه من الأمراء والأعيان من خُشداشيه، وانحدر من وقته ذلك إلى جهة ثغر دمياط، وسار هو بنفسه من غير مسفّر معه، وسُيّر معه مركوب برسم ركوبه وهو بثغر دمياط وخروجه إلى حيث شاء وأراد، من غير مانع ولا معارض له في ذلك، (وأُذِن له بأن يكون له أربعة من الخيل برسم ركوبه)
(2)
، وعُدّ ذلك من أعجب العجائب وأغرب النوادر.
ثم وصل تمربُغا إلى ثغر دمياط، ونزل بها بمنزل أنيق هُيئ له يليق بمثله، فسكنه على أحسن حالة وأتمّها، ومعه جماعة من خَدَمه وحَشَمه وحَرَمه. ومن جملة من كان معه هناك قانصوه خمسمائة
(3)
الأميراخور كبير في عصرنا هذا، وهو في خدمته. ولم يزل بالثغر المذكور إلى أن كان منه وله ما سنذكره، ثم نذكر وفاته أيضًا في محلّها من سنة وفاته إن شاء اللَّه تعالى.
وكانت مدّة سلطنة تمربُغا هذا شهران ويومًا واحدًا، والغَلَبَة فيها لخيربك والجُلبان على ما عرفتَ ذلك
(4)
.
[مكر الظاهرية وحِيَلهم على الأشرف قايتباي]
وفيه -أعني هذا الشهر- لما عاد السلطان إلى القصر بعد تشييعه تمربُغا وتوديعه، أقام به إلى يوم الخميس، والقبض عمّالٌ في جُلبان الظاهر خُشقدم والحبْس و النفي، وفي أثناء ذلك أخذت الظاهرية الكبار على عادتها في الحِيَل والمكر في تخييل السلطان من الأشرفية الكبار والصغار، وتوسيع خياله في أمر تقريبهم، وإبعاد الظاهرية الصغار، وأن ذلك ليس من المصلحة، وذكروا له أنهم أعداء لعيون الأشرفية، وأن العدوّ لا يصير صديقًا، فمال لكلامهم بعد أن أملوه أن يجعل كل طائفة قبالة الأخرى، حتى تنتظم الأحوال، فأطلق غالب من قبض عليهم من الخُشقدمية. وقد عملت الظاهرية عليهم الأيادي، وحمّلوهم الجمايل والمُوان
(5)
العظيمة واستجلبوهم، ثم كتب بقود من بعث بإحضارهم
(1)
الصواب: "ودّع".
(2)
ما بين القوسين عن الهامش.
(3)
مات (قانصوه خمسمائة) في سنة 905 هـ. (حوادث الزمان 2/ 103، 104، بدائع الزهور 3/ 436).
(4)
خبر إخراج تمربُغا في: نيل الأمل 6/ 311، 312، وبدائع الزهور 3/ 6، وتاريخ قاضي القضاة، ورقة 138 ب.
(5)
الصواب: "المُوَن" أو "المَوْنات".
من القدس من الأشرفية، على ما قلناه، فيما قد بيّنّاه
(1)
.
(مصادر خير بك)
(2)
وفيه التفت السلطان لمصادرة من يُذكر بالمال، مثل خيربك، وابن
(3)
العَيني، وآخرين. فبعث إلى خيربك يقول له: أنت وعدت بأن تنفق على كل مملوك مائتي دينار، فاعطنا من قرض مائة، ووقع له أمور آل فيها الحال أن حمل نحو الستين ألف دينار صودر عليها، غير ما أُخذ منه من بَرْكه ويَرَقه ومماليكه وخيوله وبغاله وجِماله، وجميع تعلّقات الإمرة. وكان من أمره ما سنذكره
(4)
.
[الخلعة على قُرقماس الجلب]
وفيه، في يوم الأحد، ثاني عشره، قدم قُرقماس الجَلَب من ثغر دمياط، وطلع إلى السلطان، فخلع عليه كاملية بفَرْو سمَّور يليق بمثله، ونزل لداره بعد أن وُعد بخيل، وهرع الناس للسلام عليه
(5)
.
[القبض على قاسم الركبدار]
(وفيه -أعني هذا اليوم- قبض قانِباي الحَسَني الأشرفي والي الشرطة على قاسم الركبدار الماضي ذِكره، وما وقع منه في يوم إنزال المؤيَّد أحمد بن الأشرف إينال. وكان قاسم هذا قد اختفى من يومه ذلك خوفًا من الظاهر خُشقدم، فإنه كان يتطلّبه لما بعث إليه المؤيَّد يشكو إليه ما وقع منه، ولا زال مختفيًا إلى هذا الوقت، فظهر ظنًّا منه أنه لا يلتفت إليه، فقُبض عليه وأُصعِد إلى القلعة بين يدي السلطان، فضُرب بين يدي السلطان ضربًا مبرّحًا بالمقارع، وشُهّر بالقاهرة والمنادون
(6)
معه، ثم سُجن بسجن ابن أبي الخواتم، وتشفّى الكثير من الناس فيه.
[ضرب إنسان من جُلبان الظاهر خُشقدم]
وفيه -في هذا اليوم- شكا
(7)
بعض التجار إنسانًا من جُلبان الظاهر خُشقدم
(1)
خبر مكر الظاهرية في: نيل الأمل 6/ 312، وبدائع الزهور 3/ 6.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
خبر المصادرة في: نيل الأمل 6/ 312، وبدائع الزهور 3/ 6.
(5)
خبر الخلعة في: نيل الأمل 6/ 312، وبدائع الزهور 3/ 6.
(6)
في الأصل: "والمنادين".
(7)
في الأصل: "شكى".
يقال له آقباي، بأنه أخذ منه أشياء وأمتعة، ولم يُقرضه ثمن ذلك. فأمر السلطان بضربه بين يديه ضربًا مبرّحًا، ثم أمر بسجنه.
وكان آقباي هذا من أشرار الخُشقَدمية، كثير الأذى والضرر، وهو موجود الآن)
(1)
.
(ولاية بُرْدُبَك هجين إمرة سلاح)
(2)
وفيه، في يوم الإثنين، ثالث عشره، استقر السلطان ببُردُبَك هجين الظاهري، الأميراخور الكبير، في إمرة سلاح، نقلًا إليها من الأميراخورية الكبرى، عِوضًا عن الأتابك جانِبَك قُلقسيز، وخُلع عليه بذلك خلعة هائلة، ونزل إلى داره في موكب حافل
(3)
.
(ولاية يشبُك من مهدي الدوادارية الكبرى)
(4)
وفيه -أعني هذا اليوم- استقرّ في الدوادارية الكبرى يشبُك من مهدي كاشف الوجه القِبلي، نقلًا إليها من الكشوفية، وأمّره عشرة وغير ذلك من نوادره. وولّي الدوادارية عوضًا عن خيربك الماضي خبره
(5)
.
(ولاية قان بردي الدوادارية الثانية)
(6)
وفيه أيضًا، استقرّ قان بردي الإبراهيمي
(7)
الأشرفي في الدوادارية الثانية دفعة واحدة، من غير سبْق رياسة قبل ذلك، بل ولا شهرة ولا ذِكر، عِوضًا عن كَسْباي، وقد أُخرج إلى حلب
(8)
.
[تولّي قانباي الحَسَني ولاية القاهرة]
وفيه استقرّ قانباي الحَسَني
(9)
الأشرفي إينال في ولاية القاهرة، عِوَضًا عن أصباي، الماضي خبره آنفًا غير ما مرة، بحكم نفيه)
(10)
.
(1)
ما بين القوسين من أول: "وفيه أعني هذا اليوم قبض قانباي" إلى هنا كتب على الهامش.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
خبر ولاية بردبك في: نيل الأمل 6/ 312.
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
خبر ولاية يشبك في: نيل الأمل 6/ 312.
(6)
العنوان من الهامش.
(7)
مات (قان بردي) في سنة 873 هـ. وسيأتي.
(8)
خبر تولّي قان بردي في: نيل الأمل 6/ 312.
(9)
مات (قانباي الحسني) في سنة 873 هـ. وسيأتى.
(10)
خبر تولّي قانباي في: نيل الأمل 6/ 312.
(تقديم قراجا الطويل وتمراز الأشرفي)
(1)
وفيه قرّر قُرقماس الجَلَب في تقدمة ألف، وكذلك أيضًا قُدّم قراجا الطويل، وتمراز الشمسي، فصُيّرا من مقدَّمين
(2)
الألوف بمصر
(3)
.
ولما ذكر الجمال ابن
(4)
تغري بردي هذه الحادثة في تاريخه
(5)
قال، أَما قُرقماس الجَلب فلا كلام في استحقاقه فوق ذلك. وقَرَاجا فهو الآن رأس الأشرفية الصغار، والكلام إنّما هو في أخذ تمراز مع وضاعة قدره. انتهى كلامه.
أقول: قد تعجّبت من هذا المسكين من تتبّع أغراض نفسه في الشيء وضدّه، فإنه ذكر في عدّة مواضع من تاريخه هذا بعينه كلامًا يدلّ على عدم استحقاق قُرقماس.
وأمّا قَرَاجا فإنه ذكر عنه في تاريخه أيضًا عند ذِكره إخراجه مع المؤيّد ولد أستاذه كلامًا طويلًا في حقّه، وجعله فيه كلا شيء. ثم أخذ في هذا المحلّ يذكر ما يُنبئ عن تعظيمه وتحقير تمراز.
وفي الحقيقة إن استحقاق تمراز لذلك بالتأمّل الإنصافي فوق استحقاق رفيقيه، لا سيما من ثبت الذات وفضائلها، وكيف يسمّي تمراز وضيعًا، وقد كان في الأوج والارتفاع، ومزيد التعرّف والشُهرة لدى الأشرف إينال، ثم كان بثغر دمياط مع كونه مَنْفيًا في غاية الوجاهة والذكر والشهرة، وما هذا إلّا خباط وينهي النفس، وما عرفت ما غرض الجمال من ذلك، فعساه أن يكون يغضّ منه لأمرٍ من الأمور.
[الخلعة على الناصري محمد ابن الأتابك جرباش]
وفيه -أعني هذا اليوم- قدم من ثغر دمياط إلى القاهرة الناصري محمد ابن
(6)
الأتابك جَرِبَاش وسبط الناصر فرج، وطلع إلى السلطان، فخلع عليه كاملية بسمَّور، ونزل إلى دار والدته الخَوَند شقراء، وأظهرت من الفرح بقدومه والسرور ما لا مزيد عليه. وكان من يوم أخرج من القاهرة هو [و] والده إلى دمياط مقيمًا بها، حتى قدم في هذا اليوم بإذن من السلطان، وهرع الناس إليه للسلام عليه
(7)
.
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
الصواب: "من مقدَّمي".
(3)
خبر تقديم قراجا في: نيل الأمل 6/ 312.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
في النجوم الزاهرة 16/ 379.
(6)
في الأصل: "بن".
(7)
خبر الخلعة في: نيل الأمل 6/ 312.
[التجريدة لقتال شاه سوار]
وفيه، في يوم الأربعاء، خامس عشره، عيّن السلطان تجريدة للخروج إلى قتال شاه سوار ودُلغادر، المتغلّب على الأَبُلُستَين، والمحارب للعسكر الشامية، وكانت شوكته قد قويت، لا سيما في هذه الفترات الكائنة بالقاهرة على ما عرفتها. وجعل السلطان على هذه التجريدة عدّة من أكابر الأمراء الألوف، وعدّة من الطبْلَخانات والعشرات، فأمّا الألوف فالأتابك جانِبك قُلَقْسيز الأمير الكبير، وبُردُبك هجين أمير سلاح، ونانق رأس نوبة النُوَب، وغير حاجب الحجّاب. وأمّا بقية الأمراء فنذكرهم إن شاء اللَّه تعالى
(1)
.
[الخلعة على يشبُك بن مهدي بنظارة الدوادارية الكبرى]
وفيه، في يوم الخميس، خامس عشره، خُلع على يشبُك من مهدي خلعة الأنظار المتعلّقة بالدوادارية الكبرى كالمؤيّدية والأشرفية ونحوهما، ونزل إلى بيت المدرّسين في موكب حافل
(2)
.
[ولاية نانق رأس نوبة النُوَب]
وفيه استقرّ نانَق رأس نوبة النُوَب عِوضًا عن خُشكلدي بحكم اختفائه، وخُلع على نانَق هذا بذلك، وكان قد عُيّن للوظيفة قبل ذلك
(3)
.
(ولاية جانبك الفقيه الأميراخورية الكبرى)
(4)
وفيه أيضًا خُلع على جانبك الفقيه بالأميراخورية الكبرى، عِوضًا عن بُردُبك هجين المنتقل لإمرة سلاح
(5)
.
[ولاية يشبك الإسحاقي الأميراخورية الثانية]
وفيه أيضًا ستقر يشبُك الإسحاقي الأشرفي في الأميراخورية الثانية، عِوضًا عن جانبك الفقيه. وكان لما تقدّم جانبك المذكور شُغرت
(6)
عنه، ودامت مدّة شاغرة حتى استقر فيها يشبُك جن المذكور في هذا اليوم
(7)
.
(1)
خبر التجريدة في: نيل الأمل 6/ 313، وبدائع الزهور 3/ 7.
(2)
نيل الأمل 6/ 313.
(3)
نيل الأمل 6/ 313.
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
نيل الأمل 6/ 313.
(6)
في الأصل: "سفرت".
(7)
نيل الأمل 6/ 313.
(ولاية قانصوه الخسيف الحسبة بالقاهرة)
(1)
وفيه استقر قانصوه الأحمدي الأشرفي إينال المعروف بالخسيف في وظيفة الحسبة بالقاهرة، عوضًا عن طَرَباي الظاهري الخُشقَدمي، بحكم نفيه
(2)
.
وقانصوه هذا موجود الآن بهذا الزمان، فلْنُتَرجمه.
[ترجمة قانصوه الأحمدي
(3)
المعروف بالخسيف]
374 -
هو من مماليك الأشرف إينال. من أعيانهم، وصُيّر خاصكيًّا في دولته، ثم نُفي بعد موته. ولما مات الظاهر خُشقدم حضر إلى القاهرة، ثم كان من أعظم القائمين مع الأتابك قايتباي، فلما تسلطن قرّبه وأدناه، وولّاه الحسبة في هذا اليوم على إمرة عشرة، ثم رقّاه بعد ذلك إلى تقدمة ألف. ووقع بينه وبين يشبُك من مهدي شَنآن لأمرٍ ما، وبلغ السلطانَ ذلك، فغضب عليه وأخرجه إلى ثغر دمياط بطّالًا، فدام بها إلى هذه الأيام. فيقال إن المنصور عثمان بعث بشكواه إلى السلطان مما يرتكبه من مظالم الناس، واستعمالهم في أشغال له وبعض عماير بغير أجرة، وإن أعطاهم فبغير نصفه، وأنه يتظاهر بأمور منكَرَة ما بين شُرب وغير ذلك. فأمر السلطان بإخراجه من ثغر دمياط متوجّهًا إلى مكة، وخرج له الأمر بذلك في شعبان سنة تسع وثمانين، فتجهّز وحضر إلى القاهرة، ونزل بتربة الدوادار من غير اجتماع على أحد، ثم توجّه من التوبة إلى جهة الطور ليتوجّه إلى مكة من البحر.
وهو إنسان حشم، كثير التعاظم والشمم الزائد، وعنده شجاعة وإقدام، وله حُسن هيئة وشكالة.
وسنّه يقرب من الخمسين.
وعنده إسراف على نفسه.
(ترجمة تَنِبَك قَرا)
(4)
وفيه أيضًا استقرّ تَنِبك من شادبك الأشرفي إينال، المعروف بقرا
(5)
في معلّمية الدلّالين، بعد أن أُمّر عشرة.
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
نيل الأمل 6/ 313.
(3)
انظر عن (قانصوه الأحمدي) في: الضوء اللامع 6/ 198 رقم 676، ونيل الأمل 8/ 133 رقم 3507، وهو مات سنة 893 هـ. وقيل 892 هـ.
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
توفي (تنبك قرا) في سنة 905 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 3/ 43 رقم 177، وحوادث الزمان 2/ 94 رقم 629.
وتَنِبك هذا هو أحد مقدَّمين
(1)
الألوف بعصرنا الآن، وهو موجود فلْنترجمه.
375 -
هو في الأصل من مماليك بعض أهل دمشق، ثمَّ ملكه شادبك دوادار جُلُبّان
(2)
نائب الشام
(3)
، ثم قدّمه للظاهر جقمق، ومات عنه وهو كتابيّ، فملكه الأشرف إينال، وتنقّلت به بعده الأحوال في نفْي وغيره، وأقام في غضون ذلك بغزّة مدّة، ثم حضر القاهرة بعد موت الظاهر خُشقدم، وكان من أكبر القائمين بسلطنة الأشرف قايتباي، فأمّره حين تسلطن عشرة، وصيّره في هذا اليوم تاجر المماليك، وقرّبه وأدناه، وأحبّه واختصّ به، ثم رقّاه إلى الدوادارية الثانية، عوضًا عن قان بردي حين تقدّمه، فباشرها تَنِبَك هذا مدّة مطوّلة، فوق الثلاث عشرة
(4)
سنة، وحُمدت بها سيرته، وتحرّى في أحكامه القوانين الشرعية، وبالغ في إظهار العفّة والخير والعدل في ذلك، ونال الوجاهة الزائدة، وشُهر وذُكر وبعُد صيته، وقُصد لمهمّات كبيرة كثيرة، فأنهاها عند السلطان، وأثرى، ونالته السعادة، وعمّر الدار الهائلة التي كانت تُعرف قديمًا بدار طاز، وهي التي تجاه حمّام الفارقاني، ونال حُرمة زائدة، لا سيما كان ينفرد في حين أسفار يشبُك من مهدي، فلا يبقى يتكلّم في الدوادارية غيره، وقام مع الناس في حسن السفارة عند السلطان، وأجابه السلطان إلى كثير مما سأله فيه من القضايا والمهمّات، وحصل به النفع للناس، كل ذلك مع التديّن والتعفّف ومحبّة العلم وأهله، والتواضع الزائد لهم، بل ولغيرهم، والمشاركة في كثير من المسائل، والتفقّه، بل قرأ الفقه وغيره، وأخذ عن جماعة، منهم: الشمس الأمشاطي، والصلاح الطرابلسي، والنظام بن الجربُغا، وغيرهم. وسمع الحديث على جماعة، بل وقرأ بنفسه على التقيّ الأوجاقي، وأجازه على ما تقدّم ذلك في ترجمة التقيّ في محلّها في أوائل تاريخنا هذا. ولم يزل مجلسه
(1)
الصواب: "أحد مقدَّمي".
(2)
مات (شادبك دوادار جُلُبّان) في سنة 887 هـ. انظر: الضوء اللامع 3/ 290 رقم 1106، ونيل الأمل 7/ 333 رقم 3219.
(3)
توفي (جُلُبّان نائب الشام) في سنة 859 هـ. انظر: الضوء اللامع 3/ 77، 78 رقم 302، ووجيز الكلام 2/ 695 رقم 1598، والذيل التام / 108، والنجوم الزاهرة 16/ 174، والدليل الشافي 1/ 248، 249 رقم 854، والمنهل الصافي 5/ 10 - 12، وحوادث الدهور 2/ 550 - 552 رقم 3، ومنتخبات من حوادث الدهور 362 وفيه وفاته سنة 858 هـ.، والسلوك ج 4 ق 3/ 1115، وإنباء الغمر 3/ 65، ونزهة النفوس 4/ 67، ونيل الأمل 5/ 431 رقم 3370، وحوادث الزمان 1/ 132 رقم 112، وإعلام الورى 53، وبدائع الزهور 2/ 322، 323، وتاريخ طرابلس 2/ 50 و 612، ووقفية برج الأمير جُلُبّان، كُتبت على رَق غزل، بدار الكتب الظاهرية، رقم 4838 عام.
(4)
في الأصل: "الثلاثة عشر".
مشحونًا بالعلماء وأعيان الطلبة وأهل الفضل، وهم متردّدون إليه، ويعوّلون في كثير من مَهمّاتهم عليه، وهو مع ذلك يسعى في مصالحهم، وقام مع الكثير منهم، وخلّص لهم الوظائف. ولم يزل يُبدي المباحث والأسئلة في مجالسه، ويقتحم على الفضائل، ويقتني الكتب العلمية، ولم يزل على وظيفة الدوادارية حتى شغرت تقدمة أزدمر الطويل
(1)
حاجب الحجّاب، حين أُخرج إلى مكة المشرّفة، فاستقرّ به السلطان فيها، وصار من جملة مقدّمين
(2)
الألوف. ثم لما عُيّن يشبُك من مهدي إلى سفرة البلاد الشمالية، وخرج إليها كان تَنِبَك هذا معه، لكونه كان من أخِصّائه وأصحابه.
ولما جرت كائنة باينْدُر التي قُتل فيها يشبُك المذكور، أُسر تَنِبَك هذا، وقاسى خطوبًا، ثم نجّاه اللَّه تعالى بضروب من الحِيَل منه، ترجّل في ذلك، فصار يُظهر بأنه ليس من طائفة الأتراك، لا سيما وهو مستعرب اللفظ، فصيحه، أسمر اللون، وذكر لمن أسره أنه من جملة التجار الحلبيّين، وأنه إنّما حضر مع العسكر غصيبة لا باختياره، إلى غير ذلك من أعذار أبداها لهم. وآل أمره إلى الخلاص بعد أن خفي خبره بالقاهرة، وأُرجف بموته غير ما مرة، وعاد بعد ذلك إلى القاهرة، وسُرّ الكثير من الناس بسلامته وهو باقٍ على تقدمته، مع وفور حُرمته، ومزيد شهامته وعفّته ودينه وخيره وعقله التام، وحُسن سمته وتؤدته وتدبيره وشجاعته، ومعرفته بأنواع الأنداب والتعاليم.
وهو من أبناء ما يزيد على الخمسين سنة فيما أظنّ.
ومن آثاره: المسجد اللطيف الذي جدّده، وما علاه من المكتب، وما تحته من الحوض والميضأة إلى جانب فى اره.
وله بِرّ وخير ومعروف، كثَّر اللَّه تعالى في الأمراء من مثله.
[مصادرة خيربك الظاهري وسجنه بالإسكندرية]
وفيه، في ليلة الجمعة (سابع)
(3)
عشره، أُنزل خيربك الظاهري الدوادار الكبير وسلطان ليلة على ما شُهر به بين الناس ليُحمَل إلى سجن ثغر الإسكندرية
(1)
قُتل (أزدمر الطويل) في سنة 885 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 2/ 273، 274 رقم 854، ووجيز الكلام 3/ 915 رقم 2073، والذيل التام 2/ 338، ونيل الأمل 7/ 259 رقم 3136، وبدائع الزهور 3/ 167، 168.
(2)
الصواب: "من مقدَّمي".
(3)
عن الهامش.
بعد أن صودر على ما تقدّم ذِكره من المال والأسباب المتعلّقة به، (ومقيّدًا، وجاء معه الأوجاقي رديفًا له، وسمع من العوامّ وغيرهم كلمات مُنكية، ودعا عليه (!) وكان معه جماعة من الجند بالسلاح والعُدّة حتى أوصلوه إلى النيل وأُنزل المركب وسار إلى أن وصل به إلى البحر من الثغر
(1)
.
وسيأتي تفصيل ما جرى بعد ذلك كلّ في محلّه إن شاء
(2)
اللَّه تعالى)
(3)
.
[ولاية قرقماس الجَلَب إمرة مجلس]
وفيه، في يوم الإثنين عشرينه، استقرّ في وظيفة إمرة مجلس الأمير قرقماس الجَلَب، عِوضًا عن أحمد بن العَيني، بحكم عزله والقبض عليه ومصادرته.
[خلعة الأنظار على جانبك الفقيه]
وفيه أيضًا خُلع على جانبك الفقيه الأميراخور كبير خلعة الأنظار المتعلّقة به كالبرقوقية والقانبائية وغيرهما.
[إقطاع السلطان لجماعة كبيرة]
وفيه، في يوم الثلاثاء، حادي عشرينه، أقطع السلطان جماعة كبيرة كثيرة العدد عدّة إقطاعات، وخرّج لهم بذلك المثالات السلطانية، نحو الخمسمائة مثال أو فوقها، هذا مع ما تقدّم قبل ذلك من تفرقته عدّة أقاطيع أيضًا مما يعمل الإقطاع منها المائة ألف أو فوقها
(4)
.
[تأمير جماعة من الجُند]
وفيه أيضًا، أمّر جماعة كبيرة من كل طائفة من طوائف الجند، ما بين أشرفية كبار وصغار، وظاهرية كبار، ولعلّ بعضٌ من الصغار أيضًا، وعدّة من السيفية وغيرهم، مما يطول الشرح في ذكرهم على التفصيل، فكان الأكثر منهم الإينالية، ومع هذا كله فالقال والقيل والكلام الكثير لا ينقطع، لا سيما من الظاهرية الجقمقية خُشداشي السلطان، إذ جُلُّ غرضهم في عدم ذكر غيرهم وقصدهم أن لا يُشهَر
(1)
خبر المصادرة في: تاريخ البُصْرَوي 30، ونيل الأمل 6/ 315، وبدائع الزهور 3/ 7، وتاريخ قاضي القضاة، ورقة 138 ب.
(2)
في الأصل: "انشا".
(3)
ما بين القوسين عن الهامش.
(4)
خبر إقطاع السلطان في: نيل الأمل 6/ 315، وبدائع الزهور 3/ 8.
سواهم، ولا يذكر على أنه مال لكلامهم، فلو بقي على ما نواه أولًا لكان أنسب وأقعد، وأقرب للوفاء بالعهد وأرشد، لكن لا عبرة للمعتبر ولا تبصرة إلّا بدون ما حلّ بالكثير
(1)
، وكيف زالت الدنيا عنه والخير
(2)
.
فرحِم اللَّه من قال وأحسن في المقال.
دُنْيتُك إن ما حبت لك أنجبت وأنْكَتْ
…
إن أقبلت أقلَبَتْ أو أقعدت اتكت
أو أسبلت أسلبَت وأشْكرت أسْكرت
…
أو أوكبت أنكبت أو أضحكت أبكت
(3)
[توجّه الدوادار الثاني إلى حلب]
(وفيه، في ليلة الإثنين عشرينه، خرج كَسْباي من ولي الدين الصدر، الدوادار الثاني، الماضي خبره، متوجّهًا إلى حلب على هيئة حسنة، ومعه جماعة من حاشيته ومماليكه، ولم يوكَّل به ولا شُوِّش عليه.
وسيأتي تمام أمر كَسباي هذا في محلّه إن شاء اللَّه تعالى)
(4)
.
[الإرجاف بالفتنة]
وفيه، في ليلة الخميس، ثالث عشرينه، كثُر الإرجاف بثوران فتنة، وأشيع بأن الظاهرية الكبار خُشداشي السلطان قصدُهم الركوب، واستفيض بأنهم اتفقوا على ذلك هم والظاهرية الصغار الخُشقَدَمية، وفشا هذا وشاع، وذاع بين الناس، حتى بلغ ذلك السلطان، وانزعج منه في نفسه، ثم أصبح الخميس ولم يكن شيء
(5)
مما أشيع، وللَّه الحمد على عدم الفِتَن والشرور
(6)
.
(مشافهة السلطان الأمراء بأشياء)
(7)
وفيه، في يوم الخميس هذا، لما أصبح السلطان فجلس للخدمة أخذ يذكر للأمراء شيئًا من قضية ما بلغه من الكلام الذي تقدّم ذِكر إشاعته في الليلة الماضية، وبالغ في ذلك لهم:
أخبرني من أثق به من أعيان الخاصكية ممن كان حاضرًا ذلك المجلس أنه
(1)
مضبّبة في الأصل.
(2)
خبر تأمير الجماعة في: نيل الأمل 6/ 315.
(3)
هنا يوجد سطر على الحاشية غير واضح.
(4)
ما بين القوسين من هامش المخطوط.
(5)
في الأصل: "شيئًا".
(6)
خبر الإرجاف بالفتنة في: نيل الأمل 6/ 315.
(7)
العنوان من الهامش.
تكلّم فيه بكلام كثير، من جملة ما منه ما معناه، أنني لم أتولّ
(1)
هذا المنصب باختيارِ منّي، كما تعلمون ذلك، وإنّما أجبت إليه تسكينًا للشرور والفِتَن، واتفقنا على التسوية والعدل والإنصاف فيما ذات البين، وزوال الضغائن، وفساد ما بالقلوب، واجتماع الرأي والكلمة، وتعظيم بعضكم البعض، وإقامة ناموس مُلككم هذا، وأنا إن شئتم تركته لكم، فإنه يبلغني أشياء لا تحلّ ولا تجوز، فافعلوا ما شئتم، فإنكم لستم بصدد مصالح المسلمين، بل ولا مصالح أنفسكم، وإنما قصدكم التعنّت والثراء
(2)
الذي لا طائل تحته، بل فيه سوء العاقبة وإثارة الفِتن والضغائن، وجُلّ غرضكم التلاعب بهذا المنصب الجليل، وصار ذلك دَيدَنًا لكم، وأنتم عارفون بمصارع الباغي، إلى غير ذلك من كلمات نحو هذه الكلمات، وأكثر من ذلك، وهو يبالغ فيه، مع تخشين الكلام في أثناء تحسين. ولقد أصاب في ذلك غاية الإصابة، بل وكان سببًا للمهابة.
ثم سكن الأمر على خير ولم يكن شيء
(3)
مما أشيع ولا اشتهر.
ثم بلغني عنه بعد ذلك بأنه كلّم خُشداشيه بكلام أخافهم فيه، وقال لهم: إن الإنصاف أولى من الطمع الزائد الذي يؤدّي إلى زوال الكلّ، لا سيما وقد اقتحمكم العدوّ، وهو من أقلّ رعيان مملكتكم
(4)
. يشير بذلك إلى شاه سوار قبل الظهور التام ودهوم الأمر الكبير. ثم قال لهم: دعوا ما أنتم فيه وانظروا، فلا أقلّ ما يكون إلى مصالح أنفسكم، إن كان ما عليكم من مصالح الخلق والمسلمين. وأمّا أنا فسلطنتكم ولا سلطنتكم عندي على شريطة واحدة
(5)
.
[ولاية شادبك الجُلباني أتابكية دمشق]
وفيه -أعني هذا اليوم- استقرّ في أتابكية دمشق شادبَك الجُلُبّاني، ببذل ثمانية آلاف دينار، وذلك عِوضًا عن شرامُرد العثماني المؤيَّدي، وكان قد وُلّيها قبل ذلك، فقبض عليه وصُرف عنها، وقُرّر فيها شادبك هذا
(6)
.
(كذا ذكره بعضهم (
…
…
…
)
(7)
شادبك هذا قُرّر في الأتابكية عِوضًا عن قراجا بُغا (
…
…
…
…
(8)
)
(9)
.
(1)
في الأصل: "لم اتولى".
(2)
في الأصل: "الثرى".
(3)
في الأصل: "شيئًا".
(4)
في الأصل: "ملكتكم".
(5)
الخبر باختصار في: نيل الأمل 6/ 315.
(6)
خبر ولاية شادبك في: نيل الأمل 6/ 315، وبدائع الزهور 3/ 8.
(7)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(8)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(9)
ما بين القوسين من الهامش.
وستأتي ترجمة كل من شادبَك وشَرَمُرد إن شاء اللَّه تعالى.
(مصادرة أحمد بن العَيْني)
(1)
وفيه -أعني هذا الشهر- في هذه الأيام صودر الشهابي أحمد بن العَيني على مائتي ألف دينار طُلبت منه، ووقع له أمور يطول الشرح في ذكرها. وكان قد طلب السلطان منه مبلغًا فوق ما ذكرناه مَهُولًا كبيرًا، ولم ينتج له مع السلطان أمر فيما يطلبه منه من المال. ونُقل بعد أيام إلى طبقة الزمام، فأقام بها مدّة، ثم نُقل إلى دار يشبُك من مهدي الدوادار، على ما تقرّر عليه الحال من المائتي ألف دينار. وألحّ السلطان عليه في ذلك، وصمّم على أنه لا يأخذ أقلّ من ذلك، ثم كان من أمره ما سنذكره
(2)
.
[النداء على أصحاب الإقطاعات بالشام]
وفيه -في هذه الأيام أيضًا- أمر السلطان بأن من له إقطاع بالبلاد الشامية لا يقيم بالقاهرة، بل يتوجّه إلى بلاده. وتكرّرت هذه المناداة غير ما مرة. ثم هدّد من يخالفها.
(عرض الجند وتعيينهم لشاه سوار)
(3)
وفيه أيضًا، نودي بعرض الجند السلطاني، لأجل كتابة من يختاره السلطان للتعيين، لتجريدة شاه سوار.
[عرض الجند بالحوش]
وفيه، في يوم السبت، خامس عشرينه، كان عرض الجُند بالحوش، والسلطان جالس بالدّكّة، ومقدَّمو
(4)
الألوف جلوس بين يديه. وحضر في هذا المجلس جميع أرباب الدولة والجُند، وهم وقوف بين يدي السلطان. ثم استدعى كاتب المماليك الجُندَ واحدًا بعد واحد، والسلطان يعيِّن من يختاره. ولا زال العرض عمّالًا
(5)
، حتى عرض جميع الطباق عن آخرها، طبقة بعد طبقة، حتى أتى على الجميع، وفرغ منها، وطال هذا العرض، وامتدّ من بُكرة النهار إلى قُبيل العصر، والسلطان جالس في مجلسٍ واحد لم يتحرّك منه برواح ولا
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
خبر المصادرة في: نيل الأمل 6/ 316.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
في الأصل: "ومقدّمومين".
(5)
في الأصل: "عمال".
مجيء، سوى لصلاة الظهر فقط، قام فتوجّه وصلّى، وعاد مسرعًا، ولم يتناول أكلًا إلى بعد عصر نهاره هذا. وكان هذا من نوادره العجيبة. وتعجّب الناس من صبره وتجلّده في هذا اليوم. وما عرفنا ما السبب الداعي لهذا، فإنه كان يمكنه أن يعرض شيئًا فشيًا في عدّة أيام، بل لعلّه الأنسب مما يشاع أن عسكر مصر جميعه عُرض في أقلّ من نهار، فما عرفت ما المندوحة في ذلك. ثم ظهر لهذا السلطان بعد ذلك من نوع الجلادة والصبر أشياء تكاد أن تكون خارجة عن طوق البشر. وعيّن في هذا اليوم من الجُند فوق الألف. ولما انتهى العرض أمر بالمناداة عقيبه بأن النفقة في المعيَّنين للسفر يكون في يوم الخميس الآتي. وانفضّ الموكب بعد أن تضجّر الكثير من الناس من طوله وكثرة وقوفهم به على الأقدام، لا سيما أعيان الرؤساء والأكابر من أرباب الدولة والمباشرين، وغيرهم ممن لا يمكنه الجلوس في مثل هذا المجلس
(1)
.
[قدوم سودون الشمسي البرقي من دمشق]
وفيه، في يوم الأحد، سادس عشرينه، قدم من دمشق سودون الشمسي البرقي
(2)
، وكان السلطان لما تسلطن بعث بطلبه، بعد أن عيّنه في جملة مقدَّمين
(3)
الألوف بمصر، لأنه كان بينهما صحبة أكيدة ومحبّة، وكان قد عُيّن لتجريدة شاه سوار أيضًا، وأنه يجيء إلى القاهرة ويتجهّز منها، ويخرج في جملة من يخرج من الأمراء، فدخل إلى القاهرة وهو موعوك، وأعفي من خروجه صحبة العسكر
(4)
.
[قدوم أزدمر الابراهيمي من دمشق]
وفيه أيضًا قدم من دمشق أزدمر الإبراهيمي الطويل، الماضي ذكر شيء
(5)
من خبر ذلك ذِكره بالخروج، لحمل يشبُك البجاسي نائب حلب إلى سجن قلعة حلب، ثم لما تمثّل أزدمر هذا بين يدي السلطان عامله معاملة مقدَّمين
(6)
الألوف بعد أن قرّره في جملتهم بالقاهرة
(7)
.
(1)
خبر عرض الجند في: نيل الأمل 6/ 316.
(2)
مات في هذه السنة وسيأتي.
(3)
الصواب: "مقدَّمي".
(4)
خبر قدوم سودون في: نيل الأمل 6/ 316.
(5)
في الأصل: "شيئًا".
(6)
الصواب: "مقدَّمي".
(7)
خبر قدوم أزدمر في: نيل الأمل 6/ 316، وبدائع الزهور 3/ 8.
[جَمْعُ السلطان المال للنفقة على العسكر]
وفيه، في هذه الأيام، شرع السلطان في جمع مالٍ يستعين به على سفر العساكر في الإنفاق عليهم، فعرض على جماعة كثيرة من أولاد الأمراء الأسياد، وعلى جماعة من الأعيان والمقطعين ومباشري الدولة مبالغ كثيرة، وأمرهم بإحضار ذلك، وأخذ المال ممّن لم يؤخذ منه قبل ذلك قط، وعُدَّ ذلك من سُنَنه التي لم يُسبق إليها، وأعُيب ذلك عليه لأنّ مقامه يجل عن ذلك
(1)
.
[حمل النفقات إلى الأمراء]
وفيه، في يوم الأربعاء تاسع عشرينه، حُملت النفقات من السلطان لمن عُيّن من الأمراء، فحُمل إلى الأتابك جانِبَك قُلقسيز أربعة آلاف دينار، ولكلِّ من الثلاثة الأمراء الأُخَر الماضي ذِكرهم ثلاثة آلاف دينار الواحد، وحُمل لكل واحد من الطبلخاناة خمسمائة دينار، وللعشرات لكل واحد مائتى دينار، على العادة الجارية في ذلك قديمًا
(2)
.
[قضاء المالكية بدمشق]
(وفيه -أعني هذا الشهر، أظنّ في أواخره- قُرّر في القضاء المالكية بدمشق صاحبنا الشهاب أحمد التِلِمْساني، عِوضًا عن ابن
(3)
عبد الوارث، بحكم صرفه.
[ولاية نيابة قلعة دمشق]
وفيه أيضًا وُلّي نيابة قلعة دمشق يشبُك ()
(4)
الظاهري جقمق، وصُرف جانبك الظاهري خُشقدم، وأُلزم بمالٍ كثير، يقال سبعة آلاف دينار هو وخُشداشه نقيب القلعة، وقُرّر على النقيب أيضًا مال كثير، يقال خمسة آلاف دينار
(5)
.
[سجن أميرين بقلعة المرقب]
وفيه خرج الأمر السلطاني بالقبض على أُزْبَك (
…
…
…
)
(6)
من
(1)
خبر جمع السلطان في: نيل الأمل 6/ 316، وبدائع الزهور 3/ 8.
(2)
خبر حمل النفقات في: نيل الأمل 6/ 317، وبدائع الزهور 3/ 8.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
بياض في الأصل.
(5)
خبر قلعة دمشق في: نيل الأمل 6/ 317 وفيه: يشبك السيفي علي باي، وبدائع الزهور 3/ 9.
(6)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
مماليك السلطان خُشقدم، وردّهما إلى قلعة المَرقَب يُسجنا بها، بعد أن يُحتاط على ما لكلّ منهما، ففُعل بهما ذلك)
(1)
.
[شهر شعبان]
وفيها -أعني هذه السنة- استهلّ شهر شعبان بالخميس، وطلع القضاة ومن له عادة بذلك إلى القلعة للتهنئة بالشهر.
[النفقة بالجند المعيَّن للتجريدة]
وفيه، في هذا اليوم، كانت النفقة في الجُند المعيَّن لشاه سوار، وجلس السلطان للتفرقة بالحوش على الدّكة، وفُرّقت النفقة على الجند لكل دينار ذهبًا، وذلك بين يدي السلطان، وتم جالسًا حتى انتهت النفقة (على البعض منها)
(2)
. وطال هذا المجلس أيضًا.
[ولاية يشبك السيفي نيابة قلعة دمشق]
وفيه -أعني هذا اليوم- استقرّ يشبُك السيفي علي باي في نيابة قلعة دمشق عوضًا عن جانبك الظاهري ببذل خمسة آلاف دينار في ذلك
(3)
.
[ولاية الصارمي ابن بيغوت حجوبية الحجّاب]
وفيه أيضًا استقرّ الصارمي إبراهيم بن بيغوت في حجوبية الحجّاب بدمشق على عادته، بعد أن بذل سبعة آلاف دينار
(4)
.
[ولاية تمِرباي نيابة قلعة حلب]
وفيه أيضًا استقرّ في نيابة قلعة حلب تمِرباي أخو أُلْماس، عِوَضًا عن دمرداش السيفي تغري بردي المؤذي، بعد أن بذل فيها تمرباي ستة آلاف دينار، على ما بلغني ممن أثق به
(5)
.
[جمع المال من أولاد الأمراء]
وفيه بعث السلطان إلى الجماعة الذين تقدّم ذكرهم، من أولاد الأمراء
(1)
ما بين القوسين من أول خبر قضاء المالكية بدمشق إلى هنا كتب على الهامش.
(2)
ما بين القوسين من الهامش.
(3)
تقدّم هذا الخبر قريبًا بتغيير بعض مفرداته.
(4)
خبر ولاية الصارمي في: نيل الأمل 6/ 317، وبدائع الزهور 3/ 9.
(5)
خبر ولاية تمرباي في: نيل الأمل 6/ 317.
وغيرهم، من يطالبهم بما قرّره السلطان عليهم من المال مصادرة، وبثّ جماعة لذلك، واستحثّهم في إحضار المال منهم، فحصل بذلك من الضرر ما لا يزيد عليه. وللَّه الأمر
(1)
.
[نقل ابن العَيْني إلي طبقة الزمام]
وفيه نُقل أحمد بن العَيني من دار يشبُك الدوادار إلى طبقة الزمام ثانيًا، وجرت عليه أمور وخطوب. ثم كان من أمره ما سنذكره.
[تفرقة السلطان بقية الثفقة على الجند]
وفيه، في يوم السبت ثالثه، جلس السلطان على الدكّة بالحوش، وفُرّقت بقية النفقة على الجند المعيّن للسفر لشاه سوار، وتمّت النفقة في هذا اليوم، ونودي من قبل السلطان عقيب نهايتها بأن الكِسوة تُفرّق في يوم الخميس الآتي، ليستعدّوا لحضورها، ونودي أيضًا بأنه تُفرّق الجامكية عن شهر على من عُيّن للسفر من الجند أيضًا. ونودي أيضًا بأن في يوم الأحد، وهو عند هذا اليوم، تُفرَّق الجمال على المسافرين أيضًا. ونودي أيضًا بأن من له فَرَس في دار السلطان فليحضر أيضًا في يوم الأحد لأخذه، ثم انفضّ الموكب على ذلك
(2)
.
[ضرب ابن العَيني بين يدي السلطان]
وفيه -أعني هذا اليوم- بعد أن انفضّ الموكب، طلب السلطان أحمد بن العَيني من طبقة الزمام إلى الدُهَيشة، وأمر به فضُرب بين يديه. وكان السبب في ذلك أنه كان قد قرّر عليه بعد أمور وخطوب اتفقت له، مائة ألف دينار وخمسين ألف دينار، وكان قد تسلّمه يشبُك من مهدي لاستخراج ذلك منه، ونزل به إلى داره، وكان قد أخذ منه قبل ذلك جميع بَرْكه ويَرَقه وخيله، وغير ذلك مما يتعلّق بالآت الإمرة، وكان قد أخذ منه تمربُغا أيضًا قبل ذلك خمس مائة بكرة فلفل، وثلاث عشرة
(3)
بكرة، وهي مجمل مستكثرة. وكان السلطان هذا أيضًا قد وضع يده على شُوَنه من مُغَلّه له، فيها نحو العشرين ألف إردبّ من الغلال، وأُخذ له عدّة فُسَخ صابون، بنحو الخمسة عشر ألف دينار، فطلب ابن العيني أن يقام من المبلغ الذي قرّر عليه، فقال: إنما ذلك من الذين قد قرّر عليّ، فروجع السلطان
(1)
خبر جمع المال في: نيل الأمل 6/ 316.
(2)
خبر التفرقة في: نيل الأمل 6/ 317.
(3)
في الأصل: "ثلاث عشرة".
في ذلك، فقال: بل الذي قرّرته عليه خارج عن ذلك، وتناوب الكلام بينهما في ذلك، فحنق السلطان منه وغضب، وأمر بنقله من دار يشبك إلى طبقة الزمام كما ذكرناه. ثم بعث السلطان إليه من كلّمه في ذلك وهو بالطبقة المذكورة، فصمّم أن ذلك من المائة وخمسين ألف دينار المقرّرة عليه، وأنه لا موجود له غير ما قرّر عليه، ولا قدرة له على غيره. فأمر بإحضاره بين يديه، وأمر به، فضُرب بيد بعض الخدّام، فلم يعجب السلطان ذلك الضرب، وحنق على الضارب وسبّه، ثم قام بنفسه وتناول السَوط، وضرب به الخادم لكونه لم يُجِد الضرب.
(ضرب السلطان ابن العَيني بيده)
(1)
ثم أخذ السلطان في ضرب ابن العيني بيده وضربه ضربًا مبرحًا أشرف منه على الهلاك، وكان ضربه له نحو العشرين عصًا
(2)
، لكن كل عصًا
(3)
بعصيّ كبيرة في الألم، بحيث صارت كل ضربة تُدمي، حتى تلوّث بذلك الدم جماعةٌ من الحاضرين، وأعيب ذلك على السلطان، لكونه لفخامته وعُلوّ مقامه يتولّى مباشرة الضرب بيده. ولما رأى ابن
(4)
العَيني عين الهلاك، لا سيما والسلطان بنفسه هو المباشر لضربه، ذكر ودائع له عند جماعة من أصحابه، وذكر أن له ببعض الحواصل مال أيضًا، فتتبّع ذلك جميعه على ما ذكره، فحصل من ذلك من أماكن متفرّقة نحو الستين ألف دينار، بل يزيد على ذلك، فحُملت للسلطان من وقتها، وهو أعني السلطان باق على المطالبة له بودائع أُخر.
ثم أصبح في يوم الأحد فبعث السلطان إلى ابن العَيني من يخوّفه بأنه يطلبه، فذكر أن له عند دواداره محمد الطرابلسي تسعة آلاف دينار، فحُملت من وقتها للسلطان، ولسان حاله يقول:"هل من مزيد"؟ بل وزاد خرجه على الزيادة. وخُوّف ابن
(5)
العَيني أيضًا بالوهم، وقول بعض الخواصّ له: السلطان يطلبك لتعذّرك أيضًا على المال، فاعترف في يوم الإثنين خامس الشهر بأن له عند محمد الطرابلسي خمسين
(6)
ألف دينار. فحُملت أيضًا في الحال. ثم كان بعد ذلك لابن العَيني هذا ما سنذكره
(7)
.
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
في الأصل: "عصى".
(3)
في الأصل: "عصى".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
في الأصل: "خمسون".
(7)
خبر الضرب في: نيل الأمل 6/ 318، وبدائع الزهور 3/ 9.
(ضرب جماعة من الجند ونفي آخرين)
(1)
وفيه، في يوم الثلاثاء سادسه، ضرب السلطان جماعة من المماليك الذين عُيّنوا للسفر، في يوم تفرقة الجمال، لكونهم تهوّروا في الكلام، ونفى آخرين. وصار السلطان في هذه الأيام كلّما قدر على زيادة إظهار حُرمته وشهامته ومهابته فعل، حتى هابه كل أحد، وصعد معه ما أراده، واستعمل قول من قال: من هاب خاب، ومن جسر كثر. لا سيما وهو لا يرثي لأحد، ويظهر الحدّة في مزاجه، الانحراف الكلّي، وإساءة الأخلاق، وصار لا يلتفت لأحد يشفع عنده في أحد، بل ربّما احتدّ عليه، ولو كان ما عساه أن يكون، وعرف كل أحد منه ذلك، فأحجموا عنه، وتركوه وما يريده في جميع أموره، من ولاية وعزْل وغير ذلك، وصار لا يداخله أحد في أموره.
[النداء بإنفاق الكسوة والجامكية]
وفيه، في يوم الأربعاء سابعه، نودي بأنّ في غده يكون إنفاق السلطان الكِسوة، وجامكية أربعة
(2)
شهور في المعيّنين للسفر
(3)
.
[تحصيل عشرة آلاف دينار من ابن العَيني]
وفيه أُطْلع للشهاب أحمد بن العَيني على عشرة آلاف دينار، وكان قد خُوّف وأوهم أيضًا، فأظهرها من غير أن يُفعل به شيء
(4)
، بل بمجرّد الوهم والتخويف فقط.
[تفرقة الكسوة والجامكية]
وفيه، في يوم الخميس ثامنه، جلس السلطان على الدكّة بالحوش، وفُرّقت الكِسوة والجامكية على المسافرين، وصار السلطان يحرّضهم، على أنه إذا وقع القتال أن تنفِروا وتقاتلوا مقاتلة جيدة، ثم تقدّم أمره للأمراء المعيّنين أن يخرجوا يوم الإثنين.
[خروج العسكر لقتال شاه سوار]
وفيه، في يوم الإثنين، ثاني عشره، خرج العسكر المعيّن لقتال شاه سوار بتجمّل زائد وعظمة هائلة، وجلس السلطان بالقصر لرؤية الأطلاب المعبّأة حين
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
في الأصل: "أربع".
(3)
خبر النداء في: نيل الأمل 6/ 318.
(4)
في الأصل: "شيئًا".
خروجها، وهو بالشبّاك الكبير المُطِلّ على الرُميلة. وتتابعت الأطلاب بحضرته، فخرجوا واحدًا بعد واحد، على الترتيب الذي جرت به العادة عندهم، حتى كملت أطلاب الأمراء مقدَّمين
(1)
الألوف الماضي ذكرهم، وآخرهم الأتابك جانبك قُلقسيز، وكان في تجمّل زائد ويَرَق جيد جديد في غاية الزهاوة. وكان من الأمراء المسافرين من يحضُرني الآن أسماؤهم نحو العشرين أميرًا، وهم:
تمُرْباي الظاهري
(2)
المعروف بالسِّلَحْدار، أحد الطبْلَخاناة، ويشبُك الأشقر
(3)
، وأيدكي
(4)
، وتَنِبَك الساقي
(5)
، وقُطْلُباي المحمودي
(6)
، وجانَم أمير شَكار
(7)
، وآقبردي
(8)
، وتمرباي الساقي
(9)
، ونَوروز
(10)
المعروف بحميدان، وهم أشرفية بَرسْبائية، وقوزي
(11)
، ويشبُك القَرْمي
(12)
، وتمرباي قُزُل
(13)
ويقال: الأحمر بالعربية، وهم ظاهرية جقمقية، وطوغان
(14)
، ودَولات باي
(15)
، وهما من المؤيَّدية، ومُغُلباي الجَقْمَقي
(16)
، وتَنِبَك السيفي
(17)
، جانبك الثور، وهما من السيفية.
(1)
الصواب: "مقدَّمي".
(2)
توفي (تمرباي الظاهري السلحدار) في سنة 897 هـ. انظر عنه في: تاريخ الملك الأشرف قايتباي 27، والمجمع المفنّن 2/ 332 رقم 1108.
(3)
قُتل في هذه السنة، وسيأتي.
(4)
قُتل في هذه السنة، وسيأتي.
(5)
قُتل في هذه السنة، وسيأتي.
(6)
قُتل في هذه السنة، وسيأتي.
(7)
هو جانم من يلباي: انظر: تاريخ الملك الأشرف قايتباي 27.
و"أمير شكار: لفظ مركب من العربية والفارسية. معناه: أمير الصيد. لُقّب به المسؤول عن الطيور الجوارح وأحواشها وكل ما يتصل بأدوات صيد السلطان".
(8)
هو آقبردي من أصباي. توفي سنة 887 هـ. انظر عنه في: تاريخ الملك الأشرف قايتباي 28، والمجمع المفنّن 2/ 199 - 101 رقم 779، ونيل الأمل 7/ 311 رقم 3201، وبدائع الزهور 3/ 193.
(9)
قتل تمرباي الساقي في وقعة سوار هذه السنة، وسيأتي.
(10)
هو نوروز سِمْز العلائي الأشرفي برسباي. قتل سنة 873 هـ. وسيأتى.
(11)
هو قوزي العثماني الظاهري. مات سنة 873 هـ. وسيأتي.
(12)
مات يشبك الجمالي القرمي هذه السنة، وسيأتي.
(13)
قُتل تمرباي قُزُل في هذه السنة، وسيأتي.
(14)
هو طوغان= طُغان العمري المؤيَّدي. مات سنة 872 هـ. وسيأتي.
(15)
هو دولات باي بطيخ الأبوبكري المؤيَّدي. مات سنة 885 هـ. انظر عنه في: تاريخ الملك الأشرف قايتباي 28، ونيل الأمل 7/ 276 رقم 3166، وبدائع الزهور 3/ 77.
(16)
قتل مُغُلباي الجقمقي في هذه السنة، وسيأتي.
(17)
هو تنبك السيفي جانبك الثور، قتل هذه السنة. وسيأتي.
وخرج من الجُند السلطاني ما بين أعيان خاصكية وأَغَوات قَرَابُغَة، وغيرهم نحو الألف، وأقاموا بالرَيدانية إلى ليلة الخميس، ثم أصبحوا في غدوته، فاستقلّوا بالمسير، أو قبل طلوع فجره، وساروا لجهة شاه سِوار. ثم كان لهم ما ستعرفه. وكانت هذه أول تجريدة جُرّدت لسوار من الديار المصرية، وثاني تجريدة قاتلته من تجاريد سلطان مصر على ما عرفت التجريدة الأولى، وهم النواب بالبلاد الشامية، وغرم السلطان على هذه التجريدة من المال ما لا يكاد أن يُعدّ، فلعلّه نحو المائتي ألف دينار، فلا حول ولا قوّة إلّا باللَّه، ويا ليتهم انتصروا، بل انكسروا وقُتل غالبهم ونُهبوا وأُسروا على ما سيأتي ذكر ذلك
(1)
.
[ركوب السلطان إلى الميدان]
وفيه في يوم الأربعاء، رابع عشره، ركب السلطان من القلعة، ونزل إلى الميدان، ثم خرج منه (ودار حول القلعة)
(2)
، وعاد إلى القلعة من باب السلسلة. وهذه أول رَكبة ركبها هذا السلطان في سلطنته من يوم تسلطن، ثم تكرّرت ركباته ليلًا ونهارًا، وكثُرت جدًّا، بحيث خرج فيها عن الحدّ والحصر بعد ذلك، حتى ترك أكثر المؤرّخين الكثير من ذكر ركباته، وعُدّ ذلك من نوادر هذا السلطان، فإن عادة المؤرّخين جرت بضبط ركبات السلاطين إلّا هذا، فإنها خرجت عن الحدّ، فلهذا تركوا ضبطها، وهو باق على ذلك إلى يومنا هذا في كثرة ركوبه ونزوله وبياته خارجًا عن القلعة. وسنذكر بعضًا من ركباته وخرجاته وأسفاره، كلٌّ في محلّه من سِنِيّ دولته بتاريخنا هذا إن شاء اللَّه تعالى
(3)
.
[إرسال ستة آلاف دينار لأربعة مقدَّمين من الأمراء]
وفيه -أعني هذا اليوم- بعث السلطان إلى مقدَّمين
(4)
الألوف الأربعة، الأتابك جانبك قُلقسيز، ومن تقدّم ذكره منهم، وهم بالرَيدانية ستة آلاف دينار. لكل منهم ألف وخمسمائة دينار، زيادة على ما أخذوه قبل ذلك من النفقات، وقصد بذلك تقويتهم، وعُدّ ذلك من نوادره أيضًا.
(1)
خبر خروج العسكر في: وجيز الكلام 2/ 793، ونيل الأمل 6/ 318، وبدائع الزهور 3/ 9.
(2)
ما بين القوسين من الهامش.
(3)
خبر ركوب السلطان في: نيل الأمل 6/ 318، وبدائع الزهور 3/ 10.
(4)
الصواب: "إلى مقدَّمي".
[انتقال الشمس إلى برج الحَمَل]
(وفيه، في يوم الخميس خامس عشره نُقلت الشمس إلى برج الحَمَل فكان أول فصل الربيع)
(1)
.
[ضرب ابن العَيني من أجل المال من جديد]
وفيه، في يوم السبت، سابع عشره، تقدّم أمر السلطان بطلب الشهابي أحمد بن العَيني إلى قاعة الدُهيشة، وطُلب منه المال، فأجاب بأنه لم يبق معه. ولا عنده شيء، وأن جميع ما كان عنده نفد، فأمر به فضُرب فوق المائة عصاة
(2)
، فما اعترف بشيء من المال، ولا ظهر له في هذا اليوم على شيء أصلًا، وأعيد إلى طبقة الزمام. ثم هُدّد غير ما مرة، وهو مع ذلك لم يعترف بشيء
(3)
.
[اختفاء الوزير شغَيْتة]
وفيه، في يوم الأحد، ثامن عشره، اختفى الوزير قاسم شُغَيتة، فخلع السلطان على عبد القادر ناظر الدولة في التكلّم في تقلّبات الدور، حتى يرى السلطان رأيه في ذلك
(4)
.
[نيابة القدس]
وفيه، في يوم الخميس، ثاني عشرينه، استقرّ في نيابة القدس دَمِرداش العثماني، عِوَضًا عن (محمد بن حسن)
(5)
بن أيوب التركماني أو الكردي
(6)
، لِما ذُكر عنه من سوء سيرته.
[نظر حَرَمَي القدس والخليل]
وفيه أيضًا ستقرّ بُردُبك التاجي الأشرفي في نظر حَرَمَي
(7)
القدس والخليل، عِوَضًا عن حسن السمين بعد عزله، وطلبه للقاهرة.
(1)
ما بين القوسين كُتب على الهامش.
(2)
في الأصل: "عصى".
(3)
خبر ضرب ابن العيني في: نيل الأمل 6/ 318، 319.
(4)
خبر اختفاء الوزير في: نيل الأمل 16/ 319، وبدائع الزهور 3/ 10.
(5)
ما بين القوسين عن الهامش.
(6)
خبر نيابة القدس في: نيل الأمل 6/ 319، وبدائع الزهور 3/ 10، وفيهما "حسن التيمي".
(7)
في الأصل: "حرمين".
[شادّية بندر جُدّة]
وفيه أيضًا ستقرّ الأمير شاهين الجمالي
(1)
، صاحبُنا، في شادّية بَنْدَر جُدّة
(2)
، وقُرّر في نظر البندر المذكور أبو الفتح محمد بن [العزّ محمد]
(3)
المَنُوفي، الذي كان موقّعًا عند السلطان في حال إمرته.
وشاهين الجمالي المذكور موجود الآن، وهو أحد العشرات بمصر. إنسان حسن الذات والصفات، فلْنُتَرجمه على عادتنا في تراجم الأحياء.
[ترجمة شاهين الجمالي]
376 -
هو من مماليك القاضي الريّس جمال الدين يوسف بن كاتب جَكَم، ناظر الخاص، الماضي ذكره في سنة اثنتين
(4)
وستين، بل والإشارة إلى مملوكه شاهين هذا. وبل مملوكه هذا من خواصّ أستاذه يوسف المذكور ومن المقرّبين عنده، واشتراه بعد الخمسين وثمانمائة فيما أظنّ، وأدّبه وهذّبه، وأقرأه القرآن وغيره، واجتهد فيه، فتعلّم جُمَلًا من الفنون والفضائل وأنواع الفروسية والملاعيب. ونزل في أيامه بديوان الجند السلطاني، وصار خاصكيًّا، وعرف الأشرف قايتباي من تلك الأيام، حيث جنديّة قايتباي قبل تأمّره. ولما تسلطن قرّبه وأدناه واختص به، فولّاه جُدّة في هذا اليوم وباشرها مباشرة حسنة بعفّة وديانة وأمانة، ثم أمّره عشرة، ودام على شدّيته
(5)
على جُدّة عدّة سنين، حتى شُهر بها إلى يومنا هذا، وحج أميرًا بالركب الأول غير ما مرة، وحُمدت سيرته في الحاج وطريقته. ثم وُلّي التحدّث على الأعمال المنفلوطية بعد قتل سيباي العلائي، وجعل السلطان إليه ضبط تركة سيباي المذكور، وأنهى ذلك على أتمّ وجه وأحسنه، ثم استعفى من ذلك، فلم يُجَب إلى الإعفاء، وكرّر سؤاله في ذلك غير ما مرة.
ومن غريب ما وقع له في ذلك أنه كان قد قرّر السلطان في إمرة الركب الأول أحمد بن الجمال يوسف ابن كاتب جَكَم
(6)
في سنة ست وثمانين، فاتفق أن حضر
(1)
انظر عن (شاهين الجمالي) في: الضوء اللامع 3/ 293، 294 رقم 1123، ونيل الأمل 7/ 179، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي (المستدرك على القسم الثاني) -تأليفنا- ق 2/ 162، 163 رقم 102.
(2)
خبر بندر جدّة في: نيل الأمل 6/ 319.
(3)
في الأصل بياض، وما أثبتناه بين الحاصرتين من: الضوء اللامع 11/ 127 (دون ترقيم).
(4)
في الأصل: "سنة اثنين".
(5)
في الأصل: "شحديته".
(6)
هو أحمد بن يوسف بن عبد الكريم المعروف بابن كاتب جكم. انظر عنه في: الضوء اللامع 2/ 247 رقم 693 ولم يؤرّخ له.
الأمير شاهين هذا إلى القاهرة برسم الاستعفاء من الأعمال المنفلوطية، فيوم دخوله إلى القاهرة طلع إلى السلطان لأجل ذلك وقبل أن يشرع فيه حين وقع بصر السلطان عليه أمره أن يتوجّه مع الشهاب أحمد ابن أستاذه المذكور مدبّرًا لأمره في طريقه، ناظرًا عليه لسياسته وعدله وجَودة تدبيره، فخرج إلى الحج، ولم يكن ذلك بباله ولا توهّمه، وحداه بُعيد موته الإستعفاء من السلطان، وتعجّب من ذلك غاية التعجّب، لكونه كان بينه وبين القاهرة عدّة أيام، وقد أزف رحيل الحاج، وقدم هو ليستعفي مما هو فيه، فلم يلبث أنْ سهّل اللَّه تعالى عليه الحج من غير تكلّف، ولا أخذ في أسباب التجهّز، ثم خرج من غير تكلّف، بل وجد جميع ما يحتاج إليه حاضرًا، وعُدّت هذه من نوادر الألطاف الخفيّة وغريب القضايا. وحجّ حجّة هنيّة، وكان هو أمير الركب في الحقيقة. ولما عاد أقام بالقاهرة على إمرته، وزاده السلطان شيئًا، أو غيّر إقطاعه قبل ذلك لِما هو أجوَد من الأول، ثم جعله بعد ذلك شادًّا على بعض عمايره، فباشر ذلك أحسن مباشرة، من غير أن يشقّ على العمال، وأعمر أماكن هائلة بالبندقانيّين جيّدة أنيقة.
وهو من أهل الفضل والدين والخير، وله مشاركة حسنة في فنون، مع جودة فهم وتيقّظ ونباهة، واستحضار لكثير من المسائل الفقهية والحديثية وغير ذلك. وسمع الحديث على الفخر الديمي وغيره، (وسمعه)
(1)
بمكة أيضًا، كل ذلك مع الدين المتين والخير والعبادة، وملازمة نوافل الطاعات، وتلاوة القرآن، ومحبّة أهل العلم والفضائل والطلبة والفقهاء والفقراء وأهل الخير والصلاح، مع ما هو عليه من الشجاعة والفروسية والتواضع الزائد، والتجمّل في شؤونه
(2)
، زاده اللَّه تعالى من فضله، وكثّر في أمراء المسلمين من مثله.
[ترجمة أبي الفتح والد يوسف بن تغري بردي المؤرّخ]
377 -
وأمّا أبو الفتح المذكور فهو أيضًا موجود في زمننا هذا، وهو والد الجمال يوسف
(3)
كاتب المماليك الآن.
(1)
مكرّرة في الأصل.
(2)
في الأصل: "شونه".
(3)
هو تغري بردي الكمشبُغاوي الرومي والد المؤرّخ. مات في سنة 815 هـ. انظر عنه في: السلوك ج 4 ق 1/ 210، وإنباء الغمر 2/ 526 رقم 9، وعقد الجمان 99، والنجوم الزاهرة 14/ 115 - 118، والمنهل الصافي 4/ 31 - 43 رقم 760، والدليل الشافي 1/ 215، 216 رقم 758، ومورد اللطافة 104، والضوء اللامع 3/ 27 رقم 132، ووجيز الكلام 2/ 427 رقم 956، والذيل التام 1/ 480، ونزهة النفوس 2/ 320، 321 رقم 506، ونيل الأمل 3/ 230 رقم 1282، وبدائع الزهور ج 1 ق 2/ 818، وشذرات الذهب 7/ 109.
ولم يزل أبو الفتح هذا يتردّد إلى هذا البندر، وجرت عليه بسببه مِحَن ومصادرات من السلطان يطول الشرح في ذكرها. ثم آل به الأمر أن استقلّ بنيابة جُدّة بعد ذلك أيضًا ثانيًا، وهو على ذلك في عصرنا هذا، وكان قد عُزل عنها قبل ذلك بالشمس محمد بن عبد الرحمن الآتي في محلّه، ثم لما مات أعيد. وسيأتي تفاصيل هذه الجُمَل في محالّها من سِنِيّ ما بعد الثمانين إن شاء اللَّه تعالى.
[الإفراج عن الشهاب ابن العيني]
وفيه أفرج السلطان عن الشهاب أحمد بن العَيْني، ثم خلع عليه كاملية بسمّور، يقال إنها خلعة الرِضى، ونزل من القلعة على أن يحمل عشرين ألف دينار، وأجرى بعد كل حساب، فكان جملة من صودر عليه من الذهب العين النقد مائة ألف دينار وتسعة وتسعين ألف دينار، غير ما أخذ له قبل ذلك، مما قد بيّنّا ذِكره، وهو أيضًا يزيد على مائة ألف دينار وخمسين ألف دينار، فكان مجموع ما أُخذ منه أولًا وآخرًا نحو الثلاثمائة ألف دينار وخمسين ألف دينار، فانظر إلى هذه الأموال التي يملكها هؤلاء، وكيف ملكوها، ومن أين؟ وما الأمر في ذلك؟ وكيف حسابهم عند اللَّه؟ فإنّا للَّه، ولا حول ولا قوّة إلّا باللَّه
(1)
.
[ركوب السلطان إلى القرافة]
(وفيه، في يوم السبت، رابع عشرينه، ركب السلطان متوجّهًا إلى القرافة، وزار الإمام الشافعيّ، والسيد أبا
(2)
السعود، ثم السيدة نفيسة، وعاد من جهة خط قناطر السباع، وعطف إلى المنزل الذي به سودون البرقي، فدخل إليه ليعوده وهو مريض، على ما عرفتَ ذلك، واجتمع الغوغاء وكثير من العوامّ، حتى خرج السلطان بعد جلوسه عند سودون المذكور قليلًا، فضجّ [الناس]
(3)
بالدعاء له، بل صاروا [بقربه]
(4)
فأراد [الجمدارية]
(5)
والسلاح دارية [ضربهم]
(6)
، فمنعهم السلطان بيده، وكان يومًا مشهودًا)
(7)
.
(1)
خبر الإفراج في: نيل الأمل 6/ 319، وبدائع الزهور 3/ 10.
(2)
في الأصل: "أبو".
(3)
ممسوحة فى الأصل.
(4)
كلمة ممسوحة، وما أثبتناه من: نيل الأمل.
(5)
كلمة ممسوحة، وما أثبتناه، من نيل الأمل.
(6)
كلمة ممسوحة، وما أثبتناه، من نيل الأمل.
(7)
خبر ركوب السلطان بين القوسين، كُتب على الهامش. وهو على يسار الصفحة. والخبر في: نيل الأمل 6/ 319، 320، وبدائع الزهور 3/ 10، 11.
[تعيين جماعة من الظاهرية الخشقدمية للخروج إلى الوجه القِبْلي]
وفيه، أعني هذا الشهر، عيّن السلطان جماعة من الطائفة الظاهرية الخُشقدمية يُخرجون إلى الوجه القِبلي، لإعانة كُشّاف تلك النواحي على العربان، كما كان ذلك دأب الإينالية في دولة أستاذ هؤلاء، وهذا بذاك، ولا عتبٌ على الزمن
(1)
.
[ردّ الأمراء البطّالين إلى البلاد الشامية]
وفيه أيضًا ترادف مجيء جماعة من الأمراء البطّالة من الأشرفية بالبلاد الشامية، وبعث السلطان بردّ كل من جاء منهم إلى حيث جاء، إلّا بيبرس الأشقر، فإنّه قُرّر في أتابكية صفد
(2)
.
[وزارة محمد الأهناسي]
وفيه، في يوم الإثنين، سادس عشرينه، استقر في الوزارة الحاج محمد الأَهْنَاسي
(3)
، والد علي
(4)
الماضي ذِكره ووفاته في محلّها. واستقرّ ولده ()
(5)
في نظر الدولة، وصُرف عبد القادر
(6)
.
[النداء بخروج العسكر إلى الوجه القِبلي في أول شهر رمضان]
(وفيه، في يوم الأربعاء، ثامن عشرينه، نودي من قِبَل السلطان بأن العسكر المعيَّن للوجه القِبلي يخرج من مصر في يوم الجمعة مستَهَلّ شهر رمضان، ولا يتأخر ساعةً واحدة. وكان قد عيّن هذا العسكر قبل ذلك، وجعل السلطان باشَهم قَرَاجا الطويل، أحد مقدَّمين
(7)
الألوف الماضي خبر تقدّمه. وكان بالاتفاق قد عقد قَرَاجا هذا على ابنة (
…
)
(8)
الخَوَند، ابنة الأشرف إينال وزوجة بُردُبك، ودخل بها في هذه الليلة، فما تهيّأ، وبعث إليه السلطان بألفَي دينار.
(1)
خبر تعيين الجماعة في: نيل الأمل 6/ 320، وبدائع الزهور 3/ 10، 11.
(2)
خبر ردّ الأمراء في: نيل الأمل 6/ 320.
(3)
هو محمد بن أبي بكر بن محمد بن حسين الأَهْناسي. مات سنة 873 هـ. وسيأتي.
(4)
مات علي بن محمد بن أبي بكر الأهناسي في سنة 868 هـ. وقد تقدم.
(5)
بياض في الأصل.
(6)
خبر الوزارة في: نيل الأمل 6/ 320، وبدائع الزهور 3/ 11.
(7)
الصواب: "أحد مقدّمي".
(8)
كلمة ممسوحة.
[وفاة سودون البرقي]
وفيه -أعني هذا اليوم- كانت وفاة سودون البرقي. وستأتي ترجمته إن شاء اللَّه تعالى)
(1)
.
[شهر رمضان]
وفيها كان أول شهر رمضان بالجمعة بالرؤية، وطلع القضاة ومن له عادة بالطلوع إلى القلعة لتهنئة السلطان بالشهر.
(سرقة عشرين ألف دينار للسلطان ومعرفة السارق)
(2)
وفيه، في يوم الجمعة هذا، ظهر السارق للعشرين ألف دينار من خزانة السلطان. وكان من خبر ذلك أنه فُقد من الخزانة نحو العشرين ألف دينار من الذهب العين أو هي. ثم ظهر في هذا اليوم أن الذي سرق ذلك بعض الجواري من سراري الظاهر خُشقدم، ممن هنّ بالدُور السلطانية يتولّين
(3)
تربية أولاد الظاهر المذكور، فاستعيد منها نحو الإثني
(4)
عشر ألف دينار، ووُجد الباقي قد تُصرُّف فيه، فتُتبّع إلى أن حُصّل جميعه على ما يغلب على ظنّي
(5)
.
[البدء بقراءة "الجامع الصحيح" للبخاري]
(وفيه، في يوم الأحد، ثالثه، ابتُدئ بقراءة "الجامع الصحيح" للبخاري، رحمه الله، بالقلعة، وكان القارئ الشهاب المقري، وحضر قضاة القضاة، ومن له عادة بالحضور، وجلس السلطان على العادة، وكان مجلسًا حافلًا، ودار فيه الكلام في مباحث على العادة. وهذه أول قراءة للبخاري في دولة هذا السلطان
(6)
.
[الخلة على جماعة من المماليك]
وفيه، في يوم الإثنين، رابعه، خلع السلطان على جماعة من المماليك بعدّة لطائف، ما بين سِلَحداريّة وسقاة، وغير ذلك)
(7)
.
(1)
ما بين القوسين من أول خبر النداء بخروج العسكر إلى هنا كتب على يمين وأسفل الهامش.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
في الأصل: "يتولون".
(4)
في الأصل: "نحو الإثنا".
(5)
خبر السرقة في: نيل الأمل 6/ 320، وبدائع الزهور 3/ 11.
(6)
خبر قراءة البخاري في: نيل الأمل 6/ 321، وبدائع الزهور 3/ 11.
(7)
ما بين القوسين، من خبر قراءة البخاري إلى هنا كتب على اليمين وأعلى صفحة الهامش.
(قدوم السيد علي بن بركات إلى القاهرة مُغاضبًا لأخيه)
(1)
وفيه، في يوم الأربعاء، ثالث عشره، قدم الشريف علي بن بركات صاحب مكة مغاضبًا لأخيه، وأشيع بالقاهرة بأنه إنما جاء إليها ليَلي إمرة مكة عِوضًا عن أخيه.
ثم تحقّقنا أنه إنما جاء بهذا القصد، لكنه لم يُجَب إلى ذلك.
ولما طلع إلى القلعة واجتمع بالسلطان أكرمه، وترحّب به وخلع عليه، ثم نزلى بمكان أُعِدّ له. وبعد أيام من ذلك. قدم قاصد محمد بن بركات أمير مكة برسالة محمد المذكور، يلتمس فيها استمراره على إمرة مكة على عادته، ووقع في أثناء ذلك أمور يطول الشرح في ذكرها، آل الأمر فيها إلى أن يحمل محمد المذكور ستين ألف دينار، يعجّل منها البعض، ويقوم بما بقي بعد مدّة ذكرها، وأجيب إلى ذلك. وبعث إليه باستمراره على إمرته على ما كان عليه، وأخرج عليًّا مع قاصده، ليكون الصلح بينهما هناك، مع الوصيّة التامّة من السلطان على علي المذكور، فخرج مع الحاج وهو في غاية الرعْب باطنًا، مُظهرًا، الرضا
(2)
ظاهرًا
(3)
.
ولما ذكر الجمال ابن
(4)
تغري بردي
(5)
: كان حضور عليّ هذا ثم عَوده مع قاصد أخيه بوصية السلطان، قال عقيب ذلك: وأظنّ أن ذلك آخر عهده لدخول مصر. انتهى.
قلت: لم يكن ذلك آخر عهده لذلك، بل قدم بعد ذلك إلى مصر في سنة اثنتين
(6)
وثمانين، ودام بها إلى يومنا هذا قاطنها
(7)
. وكان لما عاد إلى أخيه أقام عنده مدّة، ووقع بينهما أمور، وتوسّع خيال عليّ هذا من أخيه، ففرّ منه إلى القاهرة من على جهة القُصَير في البحر، وقدم القاهرة من الصعيد.
وهو شابّ حسن السمْت والملتقى، بشوش الوجه، حسن الهيئة والشكالة.
ولد بمكة في سنة ()
(8)
وبها نشأ
(9)
.
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
في الأصل: "الرضى".
(3)
خبر قدوم ابن بركات في: نيل الأمل 6/ 321، وبدائع الزهور 3/ 11.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
في النجوم الزاهرة.
(6)
في الأصل: "سنة اثنين". وفي الضوء اللامع 5/ 197 دخل في شوال سنة 881 هـ.
(7)
مات علي بن بركات بن حسن بن عجلان في شهر رجب سنة 891 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 5/ 197، 198 رقم 670، ووجيز الكلام 3/ 989 رقم 2187، والذيل التام 2/ 413، ونيل الأمل 8/ 36 رقم 3387، وبدائع الزهور 3/ 30.
(8)
بياض في الأصل.
(9)
في الأصل: "نشاء".
وقرأ القرآن وأشياء، وتعلّم الفروسية وغير ذلك من الأنداب والآداب.
وله نظم.
ومعه ولده الشاب الذكيّ، الزكيّ، السيد أبو القاسم، وهو أيضًا يقول الشِعر على حداثة سنّه وصغَره
(1)
.
[ختم البخاري بالقلعة]
وفيه، أعني هذا الشهر، خُتم البخاري بالقلعة، وخلع على القضاة ومن له عادة بذلك. وفُرِّقت الصُّرَر على أربابها
(2)
.
[شهر شوال]
وفيها استهلّ شوّال بالأحد، بتمام عدد شهر رمضان، وطلع القضاة إلى السلطان لتهنئته بالشهر، هم ومن له عادة بذلك، فهُنّئ به ونزلوا. (وقد خُلعت عليهم الخلَع على عوائدهم وعلى الأمراء من له عادة، وكان عدّة الخلع فيما بَلغني ثمانمائة خلعة)
(3)
.
(وفيه، في يوم الإثنين ثانيه، ركب السلطان من القلعة، ونزل متوجّهًا إلى القرافة، ومعه عدّة من الأمراء مقدَّمين
(4)
الألوف، ويشبُك الدوادار الكبير، وعدّة من الأمراء الطبلخاناة والعشرات، وعدّة من الخاصكية والجند السلطاني، فزار في رَكْبته قبرَي الإمام الشافعي، والإمام الليث بن سعد، نفع اللَّه بهما، ثم سار إلى الجبل، ولعبت الجند والأمراء بين يديه بالكُرة، وعاد إلى قلعته، ودخلها من باب السلسلة، فخلع على تَنِبَك جَكَم الأشرفي، أحد مقدَّمين
(5)
الألوف ( ......
…
)
(6)
(
(7)
.
[لبس السلطان البياض]
وفيه- أعني شوال هذا في يوم الجمعة سادسه، ووافق رابع بشنس من شهور القِبط- لبس السلطان سلاق قماش، وهو البياض على العادة، وهذا أول لبْسه لذلك في سلطنته.
(1)
كتب بعدها: "استهل شوال بالأحد بتمام عدد شهر رمضان" ثم ضرب على ذلك.
(2)
نيل الأمل 6/ 321، وبدائع الزهور 3/ 11 وقد تقدّم هذا الخبر.
(3)
ما بين القوسين من الهامش.
(4)
الصواب: "مقدَّمي".
(5)
الصواب: "مقدَّمي".
(6)
مقدار عشر كلمات ممسوحة.
(7)
خبر ركوب السلطان كتب على الهامش. وهو في: نيل الأمل 6/ 321.
[ارتفاع سعر الأقوات]
وفيه -أعني هذا الشهر- ارتفع السعر في كل شيء من الأقوات، وكان هذا بداية الغلاء الكائن في سلطنة هذا السلطان، ودام بعد ذلك عدّة سنين متوالية، وأجحف بمال الكثير من الناس، بل مات فيه جماعة من الجوع. وكان سعر الإردبّ القمح ستمائة درهم، أو نحو ذلك، وزاد بعد ذلك. وبالجملة فكانت الأسعار مرتفعة مع سائر الأقوات وأنواعها، لكن كان الشيء ذا وجود بأيدي الناس
(1)
.
[وصول العساكر المصرية إلى حلب]
وفيه ورد الخبر بأن العساكر المصرية وصلت إلى حلب، وأنهم دخلوها في سابع عشر شهر رمضان. ثم لم يصل لنا بعد ذلك خبر شافٍ عن أمورهم وأحوالهم وما هم فيه. وكان لهم بعد ذلك ما سنذكره.
[توعّك السلطان]
وفيه، في يوم الأحد، خامس عشره، وعك السلطان في بدنه وعكًا شديدًا لم يمنعه عن الركوب ولا الخروج إلى الحوش، لكنه لم يخرج إلى القصر السلطاني للموكب في ليلة الإثنين
(2)
.
[خروج محمل الحاج]
وفيه، في يوم الخميس، سابع عشره، وجد السلطان من نفسه نشاطًا، فعُملت الخدمة في هذا اليوم بالقصر على العادة، لأجل خروج الحاج، وخرج/ الحاج في بكرة هذا النهار، وأميره على المحمل تَنِبَك الأشرفي المعلّم، وأمير الركب الأول تَنِبَك الأشقر الأشرفي أيضًا. وخرج الباش على الجند الراكز بمكة في هذه السنة مُغُلْباي الشريفي العزّي الأشرفي الخاصكي.
(ترجمة مُغلباي الباش بمكة كان)
(3)
378 -
ومُغلباي هذا موجود إلى يومنا هذا، وهو أحد العشرات بزمننا، ويُعرف بميق
(4)
، وهو من مماليك الأشرف برسباي، وصُيّر خاصكيًّا بعده، ودام
(1)
خبر ارتفاع السعر في: نيل الأمل 6/ 321، وبدائع الزهور 3/ 11.
(2)
خبر توعّك السلطان في: نيل الأمل 6/ 322، وبدائع الزهور 3/ 11.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
انظر عن (مغلباي المعروف بميق) في: الضوء اللامع 10/ 164 رقم 669 ولم يؤرّخ له.
على ذلك مدّة حتى عيّنه الأشرف قايتباي في هذه السنة في هذه الوظيفة، فخرج إليها وهو على خاصكيّته، ثم أضيف إليه نظر الحرم فيما أظنّ، وباشر ذلك بحرمة وعفّة، وحُمدت سيرته في ذلك، ودام على ذلك مدّة، ثم استُقدم إلى القاهرة، وّأمره السلطان عشرة. ثم لما جرت كائنة باينْدر، وعيّن السلطان تجريدة تخرج إلى حلب عقيب قتْل يشبُك من مهدي، وعيّن خيربك من حديد، عيّن مُغلباي هذا أيضًا، فأظهر الامتناع من ذلك، فأمر به السلطان إلى البرج، فحُبس به أيامًا، ثم أطلق بعد أن استعفى عن الإمرة، فلم يُعْفَ، وبقي على ما هو عليه.
وهو إنسان حسن، خيّر، ديِّن، عنده حشمة وأدب وحُسن سمت وتؤدة، وله مَيْل لأهل العلم ومحبّة لهم، مع استحضاره لبعض المسائل، وانتمائه للطلب.
(القبض على ابن الصابوني)
(1)
وفيه في يوم الثلاثاء، رابع عشرينه، قبض السلطان على العلاء ابن
(2)
الصابوني قاضي القضاة بدمشقِ وناظر جيشها، وكان قد وُلّي ذَيْن الوظيفتين وهو مقيم بالقاهرة على ما قدّمنا خبَر ذلك، بل وقدّمنا ترجمة العلاء هذا
(3)
. (ولما قُبض عليه كُتب إلى دمشق بالقبض على والده الشهاب أحمد، وابن
(4)
عمّه السراج عمر، المتكلّمين عنه في القضاء ونظر الجيش، فقُبض عليهما بدمشق، وحُملا إلى القلعة فسُجنا بها)
(5)
.
ثم كان من أمره بعد القبض عليه ما سنذكره.
(قدوم جانِبَك حبيب من الروم)
(6)
وفيه، في يوم الخميس، سادس عشرينه، قدم إلى القاهرة جانِبَك العلائي الأشرفي إينال، المعروف بحبيب، الماضية ترجمته وبعض كثير
(7)
من أجناده، وكان قد توجّه لبلاد الروم من على جهة المغرب على ما تقدّم، فوصل بعد موت الظاهر خُشقدم في هذا اليوم من بلاد الروم، وهو في هيئة الأروام، ومتزيّا بزيّهم، وطلع إلى السلطان على تلك الهيئة، فرحّب به، ثم خلع عليه كاملية بفَرْو سمّور،
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
خبر ابن الصابوني في: تاريخ البصروي 31، ونيل الأمل 6/ 322.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
ما بين القوسين كتب بهامش الصفحة على اليمين.
(6)
العنوان من الهامش.
(7)
في الأصل: "وبعضًا كثيرًا".
ونزل إلى داره بعد أن احتفل به
(1)
الناس وبملاقاته قبل وصوله إلى القاهرة، وخرج إليه جماعة وهرع إليه الكثير من الناس بعد ذلك إلى داره للسلام عليه، (وحُمِلت له التقادم والأشياء الكثيرة من خُشداشيه وغيرهم. وبعث إليه يشبُك من مهدي الدوادار بالغد
(2)
)
(3)
.
[عزل العلاء ابن قاضي عجلون]
(وفيه، أي في هذا الشهر (
…
)
(4)
العلاء ابن
(5)
قاضي عجلون القاضي معزولًا منها، قدم إلى القاهرة (
…
)
(6)
السلطان عزله ينوب (
…
…
)
(7)
أن يحكموا على عادتهم (
…
)
(8)
)
(9)
.
[شهر ذي القعدة]
وفيها استهلّ ذو
(10)
القعدة بالإثنين، وهُنّئ فيه السلطان بالشهر على العادة.
[أخذ عساكر السلطان عنتاب من شاه سوار]
وفيه- أعني هذا الشهر، في يوم الأربعاء ثالثه، وردت الأخبار من بعض الأمراء المجرّدين بسفر، بأن العسكر أخذوا عنتاب من أعوان شاه سوار بن دُلغادر، وأعادوها إلى السلطان، وكانت قد ترادفت الأخبار بذلك قبل ذلك، لكن في كتب بعض الجُند لا للسلطان، حتى ورد الخبر بذلك على السلطان. ووردت في هذه الأيام أخبار أُخَر مخبّطة، وما عُلم صحتها، ثم تحرّرت فيما بعد على ما ستعرف ذلك إن شاء اللَّه تعالى
(11)
.
(صعود الخَوَند إلى القلعة)
وفيه، في ليلة الخميس، رابعه، صعدت الخَوَند فاطمة ابنة العلائي سيدي علي بن خاص بك، زوجة السلطان، من دار السلطان التي كان يسكنها بسوق الغنم، في أيام إمرته، وكانت مقيمة بها من يوم سلطنة زوجها إلى هذا الوقت،
(1)
كتب بعدها: "السلطان" ثم ضرب عليها.
(2)
ما بين القوسين كتب على الهامش على اليمين.
(3)
خبر قدوم جانبك في: نيل الأمل 6/ 322، وبدائع الزهور 3/ 11.
(4)
كلمة ممسوحة.
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(7)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(8)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(9)
ما بين القوسين كتب بالهامش على اليسار.
(10)
في الأصل: "استهل ذي".
(11)
خبر عنتاب في: نيل الأمل 6/ 323.
ولم يكن عنده، بالقلعة أحد من خدمه، خوفًا من ثوران فتنة، حتى حصلت الطمأنينة، فصعدت في هذه الليلة في محفّة على بغلين، ومعها جماعة من النساء والخدّام
(1)
.
(ترجمة خَوَند هذه)
(2)
379 -
وخَوَند هذه هي صاحبة القاعة الآن، وهي موصوفة
بالعقل التام والرأي، والأخلاق الحسنة، ولها انجماع عن مداخلة زوجها، مع حشمة وأدب وسكون، وحُسن سمت وتواضع. ولم يتزوّج السلطان عليها قطّ، لا من قبل سلطنته ولا بعدها، وحجّت حجّةً هائلة بأُبّهة وعظمة، وهي باقية على ما هي عليه الآن.
380 -
• ووالدها العلائي مشهور، معروف بحسن السمت والشكالة والهيئة، وله أُبّهة وحُرمة طائلة، وسكون زائد، وعنده تواضع وأدب وحشمة.
ولد في سنة (
…
)
(3)
وثلاثين وثمانمائة.
ونشأ بالقاهرة في عزّ وسعادة، وقرأ القرآن وشيئًا، وتعلّم الأنداب. وباسمه الآن عدّة أقاطيع، وله جهات كثيرة وأموال طائلة. وهو أخو الخَوَند زينب
(4)
زوجة الأشرف إينال، وأمّ المؤيّد أحمد.
[إفساد العربان ببلاد البحيرة]
(وفيه -أي يوم الخميس هذا- عُيّن الأمير لاجين (
…
)
(5)
أحد مقدّمين
(6)
الألوف للخروج إلى العربان المفسدين ببلاد البحيرة، وعيّن معه عدّة من الجند السلطاني (
…
)
(7)
، وخرج بعد ذلك.
[غلاء الغلّة بدمياط]
وفيه ورد الخبر على السلطان بأن [ذهن]
(8)
تمربغا في تشويش من جهة غلاء
(1)
خبر صعود الخوند في: نيل الأمل 6/ 323، وبدائع الزهور 3/ 12.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
بياض في الأصل.
(4)
هي زينب ابنة العلاء علي بن محمد الحنفي المعروفة بابنة ابن خاص بك.
انظر عنها في: الضوء اللامع 12/ 44، 45 رقم 261 وترك مكان وفاتها بياضًا.
(5)
كلمة ممسوحة.
(6)
الصواب: "أحد مقدَّمي".
(7)
كلمتان ممسوحتان.
(8)
كلمة ممسوحة، وما أثبتناه يقتضيه السياق.
الغلّة، وما عنده شيء منها، فرسم له بألف إردبّ تُحمل إليه، وألف إردبّ تباع بدمياط لتوسعة الناس بها)
(1)
.
(ولاية التركماني ثيابة الكرَك)
(2)
وفيه، في يوم الإثنين، خامس عشره، استقر البدر حسن بن أيوب التركماني في نيابة الكرَك، بعد عزْل بلاط، واستقدامه إلى القاهرة، ثم توجّهه إلى الشام على تقدمة ألف بدمشق.
[حصار قلعة عنتاب]
وفيه، في يوم الخميس ثامن عشره، وصل نجّاب إلى القاهرة وعلى يده مكاتبة من الأمير أُزبَك من طَطَخ نائب الشام، يتضمّن أنه على حصار قلعة عنتاب بعد أخذ البلد، وأنه مجتهد في ذلك، ولعلّه أشرف على أخذها. وذكر في مكاتبته أنه وصل إليه قاصد الأمير أحمد بن قَرَمان، الذي ولي البلاد عن أخيه إسحاق، ومعه مكاتبة من مرسِلِه أحمد بن قَرَمان المذكور، بأنه وقع بينه وبين خاله السلطان محمد بن عثمان صاحب الروم وحشة، وأن ابن
(3)
عثمان المذكور قصد بسبب ذلك أخْذ بلاده، وأنه وجّه إليه عسكرًا وهم على قونية، وقد نازلوها لأخذها، وأنه يطلب نجدة من السلطان، لكونه مملوكه ومنسوبًا إليه.
ثم أشيع بالقاهرة أن عساكر ابن
(4)
عثمان إنما جاؤوا
(5)
لمساعدة شاه سوار، وزاد الكلام في ذلك ونقص، ثم كان ما سنذكره بعد ذلك.
(فساد العربان بالجهات)
(6)
وفيه ورد الخبر من إقليم البحيرة بأن جميع عربان تلك النواحي اتفقوا على خروجهم عن طاعة السلطان، وأنهم تحالفوا على ذلك، وأن يكونوا شيئًا واحدًا على من يقصدهم من العسكر المصري، وأنهم أفسدوا الكثير من البلاد، وأخربوها بتلك النواحي، وحرّقوا الكثير، وأن الأمير لاجين أمَدَّ مقدَّمين
(7)
الألوف المتوجّهة
(8)
قبل هذا التاريخ إلى تلك البلاد بجماعة من الجند السلطاني
(1)
ما بين القوسين، من أول خبر إفساد العربان إلى هنا كتب بالهامش من فوق.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
في الأصل: "جاوا".
(6)
العنوان من الهامش.
(7)
الصواب: "مقدَّمي".
(8)
في الأصل: "المتوجه".
كالمحصور في تلك البلاد، وربّما يُخاف عليه. ولما بلغ السلطان هذا، أخذ في الحال في تعيين جماعة من مقدّمي الألوف، وعدّة من الجُند السلطاني للتوجّه إلى البحيرة. ثم كثُر الهَرَج والمَرَج بجميع النواحي والبلاد، وزاد أذى العربان ورفعوا رؤوسهم
(1)
في هذه الأيام بسائر الأقاليم والأعمال من البلاد المصرية، قِبْليّها وبحريّها، شرقًا وغربًا، ثم زاد الحال بفساد عرب حربيل، الذين أحضرهم يشبُك من مهدي بمكاتبته إلى هذه البلاد، وأنزلهم بإقليم الجيزية، وسكنوا به، وكثرت القالة في سبب إحضارهم لهذه البلاد، واختلفت الأقوال في ذلك بما لم يظهر في ما تحرّر في ذلك لا قوله:(وعيّن السلطان عدّة أمراء وجُند أرسلها عدّة جهات. وقبل تمام ذلك وردت الأخبار بكسر العساكر المصرية، فاشتغل السلطان عن ذلك وأخذ في تلافي الأمر بأن قرّر حينئذٍ (صقر)
(2)
في مشيخة عربان البحيرة، وعزل خُشقدم الزيني عن الكشف، وقرّر عِوضه محمد الصغير
(3)
)
(4)
.
(إخراج إنبابة عن الخليفة باسم جانبك حبيب)
(5)
وفيه -أعني هذا الشهر- أخرج السلطان قرية إنبابة عن الخليفة أمير المؤمنين، ثم أقطعها لجانبك حبيب
(6)
، وكان أخرج عن الخليفة قبل ذلك أيضًا جزيرة الصابوني، وأقطعها لبعض مماليكه، فعُدّ ذلك من النوادر التي ما وقعت لغيره، من كونه يخرج جهات الخليفة أمير المؤمنين الذي هو الإمام الأعظم في الحقيقة، ومنه يكتسب السلطان عزّ السلطنة، ثم يُقطعها لمن لا يستحقّها، وأعيب ذلك على السلطان، وشنّعت القالة في حقّه، فلا حول ولا قوّة إلّا باللَّه، إنّا للَّه وإنا إليه راجعون
(7)
.
(ورود الخبر بكسر العسكر من سوار وكيفية ذلك)
(8)
وفيه في يوم الثلاثاء، ثالث عشرينه، وصل إلى القاهرة قانصوه الجُلُبّاني
(9)
،
(1)
في الأصل: "روسهم".
(2)
في الأصل: "حار".
(3)
ما بين القوسين من الهامش.
(4)
خبر فساد العربان في: نيل الأمل.
(5)
العنوان من الهامش.
(6)
توفي (جانبك حبيب) في سنة 893 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 3/ 59 رقم 236، ووجيز الكلام 3/ 1065، 1066 رقم 2287، والذيل التام 2/ 498، 499، ونيل الأمل 8/ 94 رقم 3458، وبدائع الزهور 3/ 246، 247.
(7)
خبر إنبابة في: نيل الأمل 6/ 327، وبدائع الزهور 3/ 13.
(8)
العنوان من الهامش.
(9)
مات (قانصوه الجلباني) في سنة 873 هـ. وسيأتي.
الحاجب الثاني بدمشق، وعلى يده مكاتبة أُزْبَك نائب الشام بالخبر، بكسر العساكر السلطانية جميعهم، المصريّين والشاميّين
(1)
على يد شاه سوار بن دُلغادر، بعد وقوع مقتلة عظيمة وحرب هائلة بين الفريقين، حتى انهزم العسكر السلطاني، ودخل أُزبَك نائب الشام إلى حلب في هزيمته على أقبح وجه وأسوأ
(2)
حال، وبه جراحات، وما سلم إلّا بعد شدائد وأهوال، وأن بُردُبَك نائب حلب، وإينال الأشقر نائب طرابلس وصلوا كذلك إلى حلب، وأنهم لا يعرفون شيئًا من أحوال الأتابك جانِبَك قُلقسيز ومن معه من العساكر السلطانية المصرية، ولا ما هم فيه، ولا إلى أين توجّهوا بعد هذه الكائنة العظمى، وأن هذا ما اتفق، وإذا تحرّر بعد ذلك حالهم يرسل يعرّف به السلطان.
ثم أخبر قانصوه هذا عن خبر هذه الوقعة وكيفيّتها، وذكر أنها كانت في يوم الإثنين سابع ذي القعدة، وكان العسكر على حصار قلعة عنتاب، وأنّ بَيْنَا هم في أثناء الحصار ذلك، كثر هَرَجُهم ومَرَجُهم واضطرابهم، وأن نائب الشام، وكان الباش على العسكر، لما بلغه ذلك، انتدب في الحال الأمير باكير، وهو الزين أبو بكر بن صالح الكردي
(3)
، حاجب الحجّاب بحلب، وبعث به لأجل كشف الخبر له، وتعريفه بحقيقة ذلك، وأنه سائر ثم عاد منهزمًا في أسرع وقت من أعوان شاه سوار، وأخبرهم بأن شاه سوارًا بأَثَره، فلم يمض بين إخباره بذلك، وبين وصول شاه سوار، إلّا مدّة قصيرة، وإذا به قد دهمهم بخيله ورَجله، وعساكره من التركمان، بحيث ظهر لهم وقرُب منهم، فبدرت العساكر المصرية إلى لقائه ومقاتلته، ونهضوا جميعًا فتأهّبوا وأخذوا في التوجّه إلى جهة من ظهر لهم من العسكر التركماني، وكانوا طلائع لشاه سوار أو بعضًا من عسكره، وكان سوار هذا لما قرب من هذه العساكر المصرية أمر عساكره بأن يناوشوهم القتال، بعد أن كمن هو وجماعة، وأظهر أن عسكره هو من يُرى فقط، وأمرهم بأنهم إذا ناوشوهم لا يزالوا يشارقونهم حتى يقربوا منه حيث هو كامن، ويجتازوا عليه من غير أن يعلم به أحد منهم، وإذا جاوزوه يُظْهِروا أنهم كالمنهزمين بين أياديهم، ليشغلوهم عن الالتفات لِما وراءهم، وعن التطلّع والإشراف لذلك، حتى يبعُدوا عن الكمين، ففعلوا ذلك. ولما جاوزوا سواه وهو مُكمن خرج الكمين، وبدروا بالتوجّه لوطاق
(1)
في الأصل: "المصريون والشاميون".
(2)
في الأصل: "اسواء".
(3)
اسمه: باكير بن صالح الكردي. كان موجودًا في سنة 894 هـ. انظر عنه في: نيل الأمل 8/ 148، وبدائع الزهور 3/ 264.
العسكر، وكان به نائب الشام، ونائب حلب، (ونائب طرابلس، وجموعهم المصافّة إليهم من عساكر البلاد الشامية)
(1)
وآخرون
(2)
، فحلّ بهم الرعب الشديد الذي ما عنه مزيد، وزعموا هلاك من تقدّم بأسرهم، فبدر العسكر بالنهوض مسرعين، وركبوا بعد أن تأهّبوا للقتال، ثم التقوا في الحال، ووقعت الحرب بينهم، وفرّ العسكر التركماني ثلاث مرات، ثم بكّروا في كل مرة، حتى كانت الثالثة فكرّوا فيها جملة واحدة حملة رجلٍ واحد، بعد أن حرّض بعضهم البعض، وصدموا العسكر المصري من الشاميّين وهزموهم، فولّوا الأدبار لا يلوي أحد على أحد، وركب التركمان أقفيتهم نهبًا وسلبًا، وقتلًا وأسرًا، وأخذوا جميع وطاقاتهم وما كان معهم، واستولوا على ذلك جميعه، واستمر النواب في هزيمتهم تلك حتى دخلوا إلى حلب على أقبح حال، ولم يعلموا ما جرى للعسكر المصري، وأنهم لما دخلوا حلب تربّصوا بإرسال الجُند يومين، فلم يبلغهم شيء
(3)
فبعثوا به إلى القاهرة، وكان هذا من أخبار قانصوه
(4)
.
وأمّا ما جرى لأولئك وتمام هذه الكائنة فسيأتي أيضًا.
(ذكر ما كان من القلق بعد ورود خبر كسر العسكر)
(5)
ولما ورد هذا الخبر إلى الديار المصرية كادت أن تموج بأهلها، بل وحصل من ذلك الاضطراب الشديد والهمّ الذي ما عنه مَزيد، وماجت الناس، وانزعج السلطان من ذلك، وقلِق القلق الذي ما عنه مزيد، بل كادت روحه تزهق من قهره وغبنه، مع ما في هذا الخبر من انتظار لخبر آخر بأخبار أحوال العسكر المصري، وعلم كل أحد بأنه لا خير في هذا الخبر، بل ولا يعقبه ما يسُرّ عن المصريّين، غير أن بعض الناس أخذ في إشاعة أشياء لا طائل في إشاعتها، لأن الخبر أعقب بعد ذلك بضدّها، وعظُم هذا الأمر على السلطان وغيره، لا سيما وقوع هذه الفعلة من مثل هذا التركمانيّ الذين كانوا لا يعدّونه شيئًا ولا يؤبه إليه، بل ويقولون هو أقلّ رعياننا وخادم أعتابنا، وكانوا يرون أنه ليس بشيء بالنسبة إلى ما وجّهوا إليه من العساكر، وحار السلطان في أمره، والغمز في بحر فكره، لا سيما إذا رأى إلى ما ذهب من الرجال والعساكر والأموال، وأعظم من ذلك ذهاب الحرمة، وكسر ناموس هذا الملك، فلم يكن دأبه إلّا أنه أخذ في الحال يأمر الأمراء والجند أن
(1)
ما بين القوسين عن الهامش.
(2)
في الأصل: "واخرين".
(3)
في الأصل: "شيئًا".
(4)
خبر كسر العسكر في: نيل الأمل 6/ 327.
(5)
العنوان من الهامش.
يتهيّأوا بأجمعهم للخروج، وأشغله هذا الحادث المهم، والخَطْب المدلهمّ، عن تجهيز العسكر لجهة أقاليم هذه البلاد، لأجل إفساد العربان فيها، وطغيانهم، وشيْل رؤوسهم
(1)
وعصيانهم هذا قبل ورود هذه الأخبار، فما ظنّك بالحال بعد ورودها، فانظر فتأمّل عقلك ما يترتّب على هذا من الفساد وخراب البلاد وهلاك العباد، وطمع الطامعين.
ثم أخذ السلطان يشكو
(2)
من قلّة المال بالخزائن، وعدم متحصّل الذخيرة. وتفكّر في أنه لا بدّ من مصرفٍ كبير يقوم بكفاية من يجهّزه في هذه الحادثة الفظيعة
(3)
وبغير ذلك أيضًا، فخرج أمره في هذا اليوم بأن بعث إلى الخليفة والقضاة ومشايخ الإسلام بأن يحضروا إلى عنده في غد هذا اليوم، ليستفتيهم في شأن هذا المهم العظيم، وفي جواز أخذ المال من ذوي اليسار من التجار والمقطَعين، ومن الأوقاف، وأهالهم ما سمعوه من ذلك، لا سيما أهل الأموال، فإنهم أيقنوا، بل جزموا بأن أموالهم أُخذت من أيديهم، لما تحقّقوه من طمع السلطان، ومن عدم اكتراثه بأحد، ولا مشورته لأحد، ولا قبوله شفاعة أحد، إلى غير ذلك من خلال به يعرفون ويتحقّقون أنهم لا قدرة لهم ولا لغيرهم على مخالفته وردّ كلمته، وأساء الكثير من الناس الظن بغالب من تسمّوا بالعلماء في هذا الزمان، لما يعلمونه من مَيلانهم لأغراض الأتراك، لا سيما السلاطين، فترادفت الهموم على كثير من الخلائق، بل على الجميع، حتى أهل الذمّة. وكانت هذه الحادثة من أقبح الكائنات في هذا العصر. ثم كان ما سنذكره
(4)
.
(عقد المجلس بسبب أخذ المال من أجل النفقة)
(5)
وفيه، في يوم الأربعاء، رابع عشرينه، حضر الخليفة والقضاة الأربعة
(6)
، وجماعة من العلماء والمشايخ بالحوش، وجلس السلطان وإلى حذائه الخليفة عن يمينه، والقضاة في مراتبهم على العادة، وكذلك من حضر من العلماء كلٌّ في مكانه المعروف لجلوسه، وحضر من كان بالقاهرة من الأمراء مقدَّمين
(7)
الألوف، وجلسوا وبقية الأمراء وأرباب الدولة وقوف، فنهض القاضي زين الدين بن مُزْهر قائمًا، وتكلّم، وهو كاتب السرّ، مع الخليفة والقضاة. وكان الخليفة إذ ذاك
(1)
في الأصل: "روسهم".
(2)
في الأصل: "يشكوا".
(3)
في الأصل: "الفظية".
(4)
خبر قلق السلطان في: نيل الأمل 6/ 327، 328، وبدائع الزهور 3/ 13.
(5)
العنوان من الهامش.
(6)
في الأصل: "الأربع".
(7)
الصواب: "مقدّمي".
المستنجد باللَّه أبو
(1)
المظفّر يوسف، والقاضي الشافعي الولي السُيوطي، والحنفي المحبّ بن الشِحنة، والمالكي الحسام بن حُرَيز، والحنبلي العزّ الكِناني، فقال لهم يخاطبهم ومن حضر عن لسان حال السلطان ما معناه: إن السلطان قد طرقه هذا الحادث المهم الفظيع، والأمر المُدْلهِمّ الشنيع، وإن في قصده تجهيز العساكر للذبّ عن المسلمين، وليس ببيت المال ما يقوم بذلك، وإن كثيرًا من الناس معهم زيادات في أرزاقهم ووظائفهم وأقاطيعهم وفائض أوقافهم، وإن السلطان قصْده أخْذ ذلك لهذه المصلحة. فمال الخليفة والقضاة إلى شيء، معناه الإجابة إلى ذلك والرضا
(2)
به، وإن لم يصرّحوا، وقبل تمام تصريحهم بالرضا
(3)
وهم في أثناء ذلك، إذ بعث اللَّه لهم في ذلك المجلس بشيخنا الإمام العلّامة، شيخ الإسلام، الشيخ أمين الدين يحيى بن الأُقصُرائي الحنفي، فحضر وجلس في رتبته، فبدر كاتب السرّ الزين بن مُزْهر بأن أعاد عليه ذلك المقال الذي قاله، فأنكر الشيخ أمين الدين ذلك المقال غاية الإنكار، ثم قال في الملأ العام من ذلك المجلس: لا يحلّ للسلطان أخذ مال أحدٍ من الناس إلّا بوجهٍ وطريق شرعي، ولو نفد جميع ما في بيت المال، فلا يحل له أخذه من أحدٍ شيئًا، حتى ينفد جميع ما في أيدي الأمراء من الأموال والمتاع والأثاث والأقمشة مما لا يُحتاج إليه في الحرب، وكذا جميع ما في أيدي الجند، فإذا لم يبق في أيديهم شيء، ففي ذلك الحين إن كان المهم من الضروريات في الدفع عن المسلمين حلّ ذلك، لكن بشرائط متعدّدة، وهذا هو دين اللَّه. وهذا محصَّل ما قاله الشيخ أمين الدين وملخّصه جمعناه، وإن لم يكن بلفظه، إذ المجلس في ذلك اليوم طال وكثُر فيه اللغط، وطالت المكالمة في ذلك أيضًا بين الأمين الأُقصُرائي والزين بن مُزْهر، ويُظهِر مساعدة الملك ظاهرًا، وهو مع الشيخ أمين الدين في الباطن، بقرائن دلّت على ذلك في أثناء كلاميهما. وكان الخليفة والقضاة بعد ذلك كذلك. ثم أخذ الزين بن مُزْهر كاتب السرّ في تقليل الكلام وبراعة الاختتام، وخُتم الأمر على غير طائل من أهل الشرع لما قصده السلطان، وانفضّ بذلك المجلس، وبلغ ذلك الخاصَّ والعام، فكثُر دعاء الناس في ذلك اليوم للشيخ أمين الدين، وزاد الثناء عليه، وعُدّ ما قاله (من النوادر)
(4)
، ومن القيام في اللَّه تعالى والقول بالحق، جزاه اللَّه تعالى خيرًا عن دينه ومروءته.
وكان السلطان في بداية هذا المجلس أظهر أنه يريد السفر بنفسه لقتال شاه
(1)
في الأصل: "أبي".
(2)
في الأصل: "والرضى".
(3)
في الأصل: "بالرضى".
(4)
ما بين القوسين من الهامش.
سوار، فقال الخليفة والقضاة: ليس في سفر السلطان بنفسه فائدة في هذه الكائنة ولا مصلحة للمسلمين، بل الأَوْلَى تجهيز العساكر. فأخذ السلطان في الاعتذار بقلّة المال، وكان ذلك براعة الاستهلال لمقصده، حتى وقع بعده ما ذكرناه.
ثم لما انفضّ هذا المجلس من الخليفة والقضاة والمشايخ، أخذ السلطان في الكلام مع الأمراء في أمر التجريدة، وذكر لهم أيضًا بأنه يريد السفر بنفسه، وطال الكلام في ذلك أيضًا. ثم نودي بالحوش السلطاني بأن العرض في يوم السبت، وأنه من تعيّن في ذلك اليوم للسفر فليكن على أُهبة. ثم قام السلطان فدخل إلى الدُهيشة وهو مُظْهر ومصمّم على ما عزم عليه وقصده من أخذه أموال الناس، لشرهه في ذلك، لكنّه بقي في حيرةٍ في أمر الفقهاء، وفكّر في كيفية ذلك، وما هو السبيل والمندوحة إليه، ولو كان ذلك بأدنى مناسبة وملابسة، حتى لا يشاع عنه مخالفة العلماء في ذلك
(1)
.
(أخْذ الملك الظاهر تمربُغا بثغر دمياط)
(2)
وبينا هو في تحيّر هذا الافتكار قبل أن يستقر به الجلوس، وقبل نزول كاتب السر إلى منزله، دهمه الخبر، وهو أدهى وأمرّ بأمرٍ اتفق أشغله اللَّه تعالى به وبنفسه عن قصده، بأنْ ورد إليه الخبر من يشبُك من مهدي الدوادار الكبير، وكان قد خرج قبل ذلك من القاهرة متوجّهًا إلى بلاد الشرقية، بسبب محمد بن عجلان
(3)
، شيخ العربان بها، وبسبب عيسى بن سيف
(4)
، وأنه وقع له معهما أمور، وأنهما انهزما منه بمن معهما من عربانهما، وتوجّها إلى ثغر دمياط، وأخذا منها الملك الظاهر تمربُغا، وحضرا به إلى جهة الصالحية، وما عليه مقصدهم و إلى أين مسيرهم، ولا ما المراد بذلك. فانزعج السلطان لهذا الخبر غاية الانزعاج، واشتدّ عليه الأمر، وعظُمت المصيبة، وترادفت البليّة، وتصاعدت القضية، ولعلّ ذلك لشؤم مقصده، وسوء ما دبّره من أخذ أموال المسلمين، ومع ذلك فلا معتبر ولا مذكّر، على أنه نسي ما كان فيه من التدبير، وأخذ في الانتقال لتدبير آخر أهم
(1)
خبر عقد المجلس في: نيل الأمل 6/ 328، وبدائع الزهور 3/ 13 - 15.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
مات (محمد بن عجلان) في سنة 886 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 8/ 151 رقم 356 وفيه: مات ظنًا في أول سنة 888 أو أواخر التي قبلها، ونيل الأمل 7/ 307 رقم 3197، وبدائع الزهور 3/ 191.
(4)
لم أجد له ترجمة.
الآن من الأول، ففكّر في تجهيز تجريدة للعربان قبل الشروع في ذلك الأمر الذي تقدّم الكلام عليه، وهو ما قصده وأضمره من أخذ الأموال، لأجل تجريدةٍ لشاه سوار. ثم حدس في نفسه بأن عسكره مختلف عليه ويلتفتون إلى غيره، لا سيما وهم لا يريدون الأسفار ولا الخروج إلى التجاريد، فسُقط حينئذٍ في يده، وحار في أمره ومقصده، لا سيما وقد كثُرت الأقوال في قضيّة تمربُغا، وحسب الفعال حسبانات، وكثرت الخباطات، وشاع بجملة هذه المقتضيات بين الناس الكثير من الإشاعات على مقتضى الأغراض والشهوات، منها أن ابن عجلان إنما توجّه للظاهر تمربُغا، وأخَذه وتوجّه به بدسيسة من العساكر المصرية، لا سيما الظاهرية، وأنهم توافقوا على ذلك، وسيركبون، وإليه يتوجّهون، أو إذا قَرُب إلى القاهرة يخرجون إلى لقائه، ثم يقومون معه على السلطان، ونُسِب هذا إلى جميع العسكر، وأن المحرّك له هو الظاهرية.
ومنها أن هذا شغل الظاهرية فقط، وأنهم دسّوا إلى تمربُغا قبل ذلك، لكونهم يقدّمونه في نفس الأمر على السلطان هذا، لا سيما وقد ظهر لهم منه خلاف ما كانوا يؤمّلونه منه، وخصوصًا وقد قرّب أعداءهم
(1)
الأشرفية الكبار والصغار، وانتمى إليهم وانتموا إليه.
ومنها أن نفس تمربُغا خاف على نفسه من السلطان ومن الظاهريين اللذين قرّبهما، فتوسّع خياله، فأضمر الخروج إلى الشام ليلحق بمن هناك ويتسلطن، ثم يعود إلى القاهرة ويقاتل السلطان، ويملك كما كان.
ومنها أن يشبُك من مهدي باطَنَه على الخروج، وتواطأ معه على ذلك، وإلّا لكان قام عليه فقبضه، وكثُرت هذه الظنون في هذا اليوم بمثل ما قلناه، ودام ذلك من باكر النهار إلى آخره. ثم فترت الأخبار إلى أن كان ما سنذكره
(2)
.
[عودة سودون المصري بعد كسر العسكر أمام شاه سوار]
وفيه، في يوم الأربعاء، رابع عشرينه، عاد سودون المنصوري، وكان قد عُيّن قبل ذلك في يوم ورود الخبر بكسر العسكر على يد شاه سوار، ليخرج إلى كشف ذلك وتجريده على أتم وجه، وتجريد جند العسكر المصري، فتوجّه وعاد في هذا اليوم، وأخبر أن سبب عَوده هو أنه لما سار إلى جهة البلاد الشامية وصل
(1)
في الأصل: "اعدائهم".
(2)
خبر ثغر دمياط في: نيل الأمل 6/ 328، 329، وبدائع الزهور 3/ 15.
إلى مكان ببحريّ الصالحية، وإذا بعربان ابن
(1)
عجلان من أصحاب تمربُغا وقد وافوه، ونهبوا جميع ما كان معه، حتى مراسيم السلطان، ولم يتركوا له غير ما معه من المراكيب لا غير، فعاد على أقبح وجه، فعظُم ذلك على السلطان وزاد ما به. ثم سأله السلطان فيما بينه: هل رأى تمربُغا نفسه، فأخبر بأنه لم يره. وقيل: بل قال له: رأيته على بُعد. ويقال إنه علم باطن الأمر وأخفاه عن السلطان، لأنه من حزب تمربُغا وأحد أنْياته.
[انتداب تغري بردي الأرمني للسفر إلى البلاد الشامية]
وفيه، أعني هذا اليوم، ندب السلطان تغري بردي الأرمني
(2)
، أحد الخاصكية، وعيّنه للسفر للبلاد الشامية، عِوَضًا عن سودون المذكور، وأمره بالخروج لوقته لأجل تجريد جند العسكر المصري، وعَوده إليه بذلك سريعًا.
[النداء بحظر الخروج من الدور بعد العشاء بالقاهرة]
وفيه، في يوم الجمعة، سادس عشرينه، نودي من قِبَل السلطان بشوارع القاهرة بأن أحدًا لا يخرج من داره بعد صلاة العشاء، ولا يحمل سلاحًا، ولا يتتام على وإن ونحو ذلك، وهدّد من خالف هذه المناداة، كل ذلك مخافة اتفاق بعض العسكر ليلًا للخروج إلى الظاهر تمربُغا، كما وقع له هو في ليلة كائنة خيربك التي أدّت وآلت إلى سلطنته، وكان ذلك بمندوحة ما قدّمناه من الأوهام التي أشيعت.
[نجاة تمربُغا بنفسه والاستيلاء على مخلّفاته]
وفيه، في آخر النهار، ورد الخبر من يشبُك الدوادار بأنه عيّن جماعة عليهم جَكَم قَرا للكبس على الظاهر تمربُغا، وأنهم لما توجّهوا إليه كادوا أن يظفروا به، ففاتهم ونجا بنفسه. وذكر يشبُك في مكاتبته أن السلطان لا يهتم لذلك، فإنه سيؤخذ عن قريب، وذكر فيها أيضًا بأنه لما فاز تمربُغا بنفسه ترك ما كان معه من جِمال وأثاث وغير ذلك من رحله، وكان [معه]
(3)
ثلاثة جمال أو أربعة محمّلة بالزاد، وقطار بغال عليها قماشه وأثاثه في أخراج، وأنهم ظفروا بمملوك
(4)
كان له
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
مات (تغري بردي الأرمني) في سنة 873 هـ. انظر عنه في: نيل الأمل 6/ 379 رقم 2791، وبدائع الزهور 3/ 35، ولم يذكره السخاوي في الضوء اللامع.
(3)
ممسوحة في الأصل.
(4)
في الأصل: "مملوك".
قد أخرجه ليأخذه معه، وكان من خواصّه، وممّن شراه بمبلغ كبير. وكان هذا المملوك غير مُلتحٍ، وذكر فيه أيضًا أنه لما جاء يشبُك الخبر بهذا، ندب جماعة أُخر أيضًا بعد فوز تمربغا بنفسه، وهم عدّة من العربان والجند أيضًا سريّة، وجعل عليها سيباي العلائي
(1)
الكاشف بعد ذلك، وحرّضهم على لحوق تمربُغا. وكان ما سنذكره
(2)
.
[طلب السلطان من يشبُك العودة إلى القاهرة]
ثم ورد على يشبُك الخبر من السلطان بطلبه إلى القاهرة فيقال: لعلّ السلطان توهّم منه ما أشيع عنه من المواطأة مع تمربُغا، هكذا ظنّ بعض، وأظنّ أنا أن السلطان لم يخطر ذلك بباله، بل ولا توهّمه في يشبُك. نعم أشاع عنه بعض ذلك.
وفيه، في يوم السبت، سابع عشرينه، وصل يشبُك من مهدي الدوادار إلى القاهرة وطلع إلى القلعة، وعرّف السلطان بما وقع مفصَّلًا.
[ولاية الخيضري قضاء الشافعية بدمشق]
وفيه -أعني هذا اليوم- استقر القاضي، الشيخ، الحافظ، قُطْب الدين الخَيضري، كاتب سرّ دمشق حينئذٍ، في وظيفة القضاء الشافعية بدمشق، عِوَضصا عن علي بن الصابوني، مضافًا ذلك لكتابة السرّ
(3)
.
[ولاية ابن المزلّق نظر الجيش]
وفيه أيضًا، استقرّ البدر حسن بن الخواجا شمس الدين بن المزلّق
(4)
في وظيفة نظر الجيش على عادته أولًا، وذلك عِوَضًا عن العلاء بن الصابوني أيضًا، بحكم القبض عليه، وبذلٌّ كل من القُطب
(5)
، والبدر في ذلك مالًا
(6)
له صورة على ما أشيع عنهما
(7)
.
(1)
مات غيلة في سنة 885 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 3/ 288 رقم 1098، ووجيز الكلام 3/ 915 رقم 2076، والذيل التام 2/ 339، ونيل الأمل 7/ 262 رقم 3141، وبدائع الزهور 3/ 169.
(2)
خبر نجاة تمربغاي في: نيل الأمل 6/ 328، 329، وتاريخ قاضي القضاة، ورقة 138 ب.
(3)
خبر ولاية الخيضري في: تاريخ البُصروي 31، ونيل الأمل 6/ 329، وبدائع الزهور 3/ 15.
(4)
هو حسن بن محمد بن علي بن أبي بكر بن محمد الحلبي الأصل، الدمشقي، المعروف بابن المزلق توفي سنة 878 هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع 126/ 3 رقم 485، ونيل الأمل 7/ 94 رقم 2944، وحوادث الزمان 1/ 204 رقم 267، وبدائع الزهور 3/ 95.
(5)
أي القطب الخيضري.
(6)
في الأصل: "مال".
(7)
خبر ولاية ابن المزلق في: تاريخ البُصري 31، ونيل الأمل 6/ 329، وبدائع الزهور 3/ 15.
(أخْذ الركب اليَنْبُعي وما فيه من التجار)
(1)
وفيه -أعني هذا اليوم أيضًا- ورد الخبر بأن الركب من الينابعة، وكان قد توجّه قبل ذلك من القاهرة لجهة المشرّفة مكة، وكان فيه السيد الشريف علي بن بركات، أخو صاحب مكة الماضي ذِكره، القاضي أبي
(2)
البركات بن ظهيرة قاضي جُدّة، وجميع من كان فيه من التجار، أُخذ عن آخره من العربان الذين أحضرهم سبع وسَبّاع ولدا
(3)
هجار السيدان الشريفان صاحبا
(4)
الينبُع، وأن النهب استقصى جميع الركب عن آخره، حتى لم يُبْقوا لهم شيئًا من المال ولا من أنواع المتاجر، وهو شيء كثير. ثم كان من أمر ذلك ما سنذكره
(5)
.
[عودة سيباي العلائي دون الإمساك بتمربُغا]
وفيه، في آخر هذا اليوم أيضًا، وصل سيباي العلائي الأشرفي، الماضي خبر بعث يشبك إيّاه، في أثَر تمُربُغا، وعاد ولم يحصل به على طائل، وأخبر سيباي المذكور السلطان بأنه لقي الأمير يشبُك الجمالي بمدينة قطْيا، وأخبره بأن تمربُغا اجتاز به، ولم يتعرّض له فيما معه من الأموال التي أحضرها من البلاد الشامية، وكانت شيئًا كثيرًا، فحدس السلطان بواسطة هذا الخبر، بأنّ تمُربُغا إنّما توجّه من تخيّله وتوسّع خوفه، وكان الأمر كذلك على ما سيأتي ذلك. وبالجملة فخفّ عن السلطان ما كان يجده قبل ذلك من أمر خروج تمربُغا، وهان عليه الأمر، وكان بعد ذلك ما ستعرفه
(6)
.
[إقامة والد المؤلّف بطرابلس]
وفيه، في يوم الأحد، ثامن عشرينه، قدم عليّ إلى القاهرة إنسان من أتباع الوالد، يقال له علي بن مُغُلْطاي
(7)
، من عند الوالد، فأخبر بأنه قدم من العراق من على جهة حلب، ووصل بعد ذلك إلى طرابُلُسَ، وله بها عدّة شهور، وهو مقيمٍ بها بالدار التي أنشأها بها، وأحضر على يده مكاتبة من الوالد للأمير تمراز، وتحفة من التُحَف المستظرَفَة، برسم إهدائها للسلطان، وتعريفه بوصوله وبأحواله، فدخلت إلى تمراز الشمسي، أمير سلاح بعصرنا الآن، وأوصلته المكاتبة وما معها، فأظهر
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
في الأصل: "أبو".
(3)
في الأصل: "ولدي".
(4)
في الأصل: "صاحبي".
(5)
خبر الركب الينبعي في: نيل الأمل 6/ 329، وبدائع الزهور 3/ 15.
(6)
خبر عودة سيباي فى: نيل الأمل 6/ 329.
(7)
لم أجد له ترجمة.
الفرح بعَود الوالد إلى هذه البلاد، ثم وعد بأنه سيجتهد غاية الاجتهاد عند السلطان في أمر الوالد، لكن بعد أن يتفرغّ السلطان مما هو فيه من هذه الهموم التي ترادفت عليه.
(ورود الخبر بهلاك العسكر المصري)
(1)
وفيه في يوم الإثنين، تاسع عشرينه، وصل ساعٍ من قبل أُزبَك نائب الشام بمكاتبته، يخبر السلطان فيها بأن العسكر المصري هلك غالبه، ولم يسلم منه إلّا القليل ممن لا عبرة به، وأن أمراءه
(2)
ذهبوا جميعًا في القتال.
وسنذكر قريبًا كيفية هذا القتال بعد أن ورد الخبر به في تاريخ ورده كما سيأتي، ونذكر ما جرى على من أخبر.
ولما ورد هذا الخبر على السلطان، وقُرئت هذه المكاتبة بعد فضّها بالقصر بين الملأ
(3)
العام، وانزعج السلطان ومن حضر من هذا الخبر أشدّ الإنزعاج، وعظُم على الناس ذلك، بأن السلطان، بل وجمع من الناس كانوا يترجّون العسكر المصري، بل وكانوا يظنّون أن شاه سوار لما فعل ما فعل مع عساكر البلاد الشامية، وأنه لا بُدّ يعود العسكر المصري عليه فيكسره، أو إذا بلغهم عنه ما فعله وهم بعيدون
(4)
عنه أخذوا في تدبير الحيلة في عَودهم سالمين بوجهٍ من الوجوه، وكان التوهّم بهلاكهم
(5)
توهّمًا بعيدًا. ولما جاء الأمر بخلاف مُرتَجَى
(6)
السلطان، بل والناس، أوجب ذلك تضاعف الهمّ وعظم المصيبة والبليّة وازديادها عمّا كانت، ولهذا عظُم ذلك على السلطان
(7)
.
[تفقّد مقياس النيل]
وفيه -أعني هذا اليوم، ووافق سادس عشرين بؤونة
(8)
، تفقّد ابن
(9)
أبي الروّاد المقياس، وأخبر بأن القاعدة جاءت ستة أذرُع وأربعة عشر إصبعًا، وطلعت البشارة بذلك في يوم ورود هذا الخبر، وكان يومًا على الأتراك عسيرًا، بل وعلى غيرهم من كثير من الناس.
(1)
العنوان من الهامش.
(2)
في الأصل: "وإن امراؤه".
(3)
في الأصل: "الملاء".
(4)
في الأصل: "بعيدين".
(5)
في الأصل: "بهلاهم".
(6)
في الأصل: "مرتجا".
(7)
خبر هلاك العسكر في: نيل الأمل 6/ 330، وبدائع الزهور 3/ 15.
(8)
في الأصل: "بونة".
(9)
في الأصل:"بن".
[مشاورة السلطان الأمراء]
وفيه، أعني هذا اليوم، بعث السلطان بطلب الأمراء مقدَّمين
(1)
الألوف، وتشاوَرَ وإيّاهم في سفره إلى قتال شاه سوار بنفسه، فأشاروا عليه بعدم ذلك، وأنه ليس برأي، وأن الرأي إنّما هو في تجهيز العسكر إليه ثانيًا، فاحتجّ السلطان بقلّة المال عَودًا وانعطافًا لِما هو في قصده وضميره، من أخذه أموال الناس. وذكر السلطان بأن المال معدوم
(2)
من الخزائن السلطانية. وطال الكلام في هذا اليوم فيما بينهم في ذلك، حتى قال يشبُك الدوادار: يخرج الجند بغير نفقة له يقوم الأمر المهم، فبدر أزدمر الإبراهيمي الطويل، فإن قال
(3)
: متى عُهد بمصر ذلك، ومن ذا الذي سمع قطّ أن عسكر مصر خرج منها بغير نفقة إلى غير ذلك من كلمات.
(تعيين العسكر لشاه سوار بن دُلغادر)
(4)
وفيه -أعني هذا اليوم- لما وقع القال والقيل، وانتهى أخذ السلطان في تعيين تجريدة أخرى للخروج إلى قتال شاه سوار، فعيّن من الأمراء الأمير قرقماس الجَلَب أمير مجلس، وسودون القصروي رأس نوبة النُوَب، وقَراجا الأشرفي الطويل، وأزدمر الإبراهيمي الطويل، وهما من مقدَّمين
(5)
الألوف، وذكر أنه تعيّن ألف من الجُند المماليك، وعدّة من الأمراء العشرات وأراد يشبُك الدوادار السفر، فمُنِع من ذلك، فبدر بأن قال: إن لم أسافر أنا بنفسي، فأنا أُعِين العسكَرَ بعشرين ألف دينار من مالي، ثم التفت إلى أزدمر الطويل، وقال: وأعطيك من مالي أيضًا ألف دينار. وقال له السلطان: وأنا أعطيك ألف دينار أيضًا، يعني بذلك زيادة على النفقة المعتادة لمثله. فقبّل أزدمر الأرض للسلطان، ثم قبّل يد يشبُك الدوادار، وانفضّ المجلس على ذلك
(6)
.
[التشاور في مساعدة السلطان]
وفيه -أعني هذا اليوم- لما انفضّ هذا المجلس ونزل الأمراء من القلعة، بقي يشبُك الدوادار بها، فجلس وجلس حوله جماعة من أعيان مباشري
(7)
الدولة، فأخذ يشبك في الكلام معهم في مساعدة السلطان في هذا المهم، ثم فرضوا أموالًا
(1)
الصواب: "مقدَّمي".
(2)
في الأصل: "معدوما".
(3)
هكذا في الأصل.
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
الصواب: "من مقدَّمي".
(6)
خبر تعيين العسكر في: نيل الأمل 6/ 330، وبدائع الزهور 3/ 16.
(7)
في الأصل: "مباشرين".
طائلة على جماعة كثيرة من أنواع وأجناس شتّى، فلا فائدة لنا في ذكرهم
(1)
.
[وصول أزبك نائب الشام إلى نواحي حلب]
وفيه -أعني هذا اليوم- في آخره، ورد الخبر على السلطان من أُزبك نائب الشام، بأن الأتابك جانِبَك قُلقسيز قد وصل إلى قريب حلب، وهو على الدخول إليها عن قريب، وأنه في حِرْز الأمن والسلامة على ما بلغه ذلك، ثم بلغه كذلك هذا الخبر فيما بعد، وكان بعض التركمان قد وضع كذلك لغرضٍ ما، وظهر أن جانبك المذكور قد أسره شاه سوار، وأنه في قبضته هو وآخرون
(2)
من الأمراء على ما سنذكره
(3)
.
[شهر ذي الحجّة]
وفيها كان أول ذي الحجة بالقاهرة بالثلاثاء، يقال برؤيةٍ ثبتت، وكان بالحجاز وغيره من الأقطار بالأربعاء، على ما عُرف بعد ذلك.
[ارتفاع الأسعار]
واستهلّ هذا الشهر والناس في حال عجيب وأمر غريب من نوادر الأخبار غير
(4)
السارّة، بل الضارّة. وكانت الأنكاد والغلاء الكبير. وقد زاد السعر في الغلال جميعها، وارتفع سعر القمح عمّا كان قبل ذلك، حتى بلغ الإردبّ إلى سبعمائة درهم، وارتفعت سائر الأسعار بسائر الأقوات في سائر النواحي، وكانت الأحوال غير مُرضية، وكثُرت الأنعية بديار المسافرين، وعُمِلت الأعزية. وكانت القاهرة في هذه الأيام عجيبة الأقوال، وللَّه الأمر
(5)
.
[التهنئة بالشهر]
وفيه طلع القضاة والمشايخ ومن له عادة بالطلوع إلى القلعة لتهنئة السلطان بالشهر، وكانت تهنئة، وفي الحقيقة تعزية.
[تغليظ السلطان القول لأزدمر الطويل]
وفيه -أعني هذا اليوم أيضًا- وقع بين الظاهرية الكبار خُشداشي السلطان
(1)
المصدران السابقان.
(2)
في الأصل: "واخرين".
(3)
خبر وصول أزبك في: نيل الأمل 6/ 330، وبدائع الزهور 3/ 16.
(4)
في الأصل: "الغير".
(5)
خبر ارتفاع الأسعار في: نيل الأمل 6/ 330.
وبين الأشرفية الإينالية من الأمراء، من كلا الطائفتين، مقاولة في الكلام، ومحاورة بحضور السلطان وبين يديه، وأغلظ السلطان فيه القول لأزدمر الطويل، وتوقع الناس عقيب ذلك ثورانًا
(1)
فيه، بل أشاعوا بأن ستكون، ثم لم يكن شيء
(2)
من ذلك
(3)
.
[مصادفة يشبُك الجمالي لتمربُغا بقطيا]
وفيه، في يوم الأربعاء ثانيه، قدم يشبُك الجمالي من البلاد الشمالية، وطلع إلى القلعة، وأخبر أنه لما صادف تمربُغا بقَطيا، لم يتعرّضه بأذى ولا ضرر، ثم أثنى على تمربُغا خيرًا.
ويشبُك الجمالي هذا هو أحد مقدَّمي الألوف بعصرنا الآن، والزَّرَدْكاش الكبير، وهو من مماليك الجمال بن كاتب جَكم. وقد مرّت ترجمته فيما أظنّ.
(ذكر القبض على الظاهر تمربغا)
(4)
وفيه، في يوم الخميس ثالثه، ورد الخبر بالقبض على تمربُغا بالقرب من غزّة.
وكان من خبر ذلك أن السلطان كان قد بثّ مراسيمه إلى غزّة وغيرها من الجهات بالتفحص على تمربُغا، والقبض عليه إن أمكن ذلك، عقيب نجاة
(5)
تمربُغا وخروجه من ثغر دمياط. (!).
وكان تمربُغا هذا قد سار من قَطْيا لما لم يُظفَر به، ووقع ما تقدّم خبره من فوزه بنفسه، وترك حموله وأثاثه على ما مَرّ بيان ذلك، وكان معه محمد بن عجْلان الماضي ذِكره، وعيسى بن سيف، بجمعٍ من عربانهما التابعين لهما. وكان معه ناظر ثغر دِمياط المسمَّى بأبي الفتح، ومعه ابنان من مماليك الظاهر خُشقدم، وهما دَولات باي، وتَنَم ونحو أربعة من المماليك أيضًا، ووصلوا إلى خان يونس، وظنّ أن نائب غزّة ينضمّ إليه، أولا أقل من أن لا يتوجّه، واتفق أن نائب غزّة حين ورد عليه مرسوم السلطان ركب بجماعة، ومعه عسكر غزّة، وقصد جهة خان يونس، فصادف تمربُغا به، بل رآه رأي العين، فانهزم تمربُغا منه إلى بعض الجهات من غير قتال، وتفرّقت عنه أصحابه لما رأوا عسكر غزّة متقحّمين عليهم، وثار القوم
(1)
في الأصل: "ثوران".
(2)
في الأصل: "شيئًا".
(3)
خبر تغليظ السلطان في: نيل الأمل 6/ 331.
(4)
العنوان من الهامش.
(5)
في الأصل: "نجاته".
في أثره، واتفق أن تبعه دوادار أرغون شاه نائب غزّة، وإنسان آخر من مماليك السلطان الأشرف قايتباي، ممَن كان بغزّة في بعض المهمّات، فما يتعلّق بالسلطان، ومعهما جُمَيعَّة لا بأس بها في القوّة. وكان نائب غرة توجّه لجهة أخرى تابعًا أثر تمُربُغا، اتفق أن أدركه الدوادار هذا بجمعٍ من نجوع العرب، فأخذه ووصل به إلى غزّة ليلًا، فدخلها قبل عَود أستاذه أرغون شاه، ثم حضر أرغون شاه فكتب إلى السلطان بإعلامه بذلك، والتماسه من يجهّزه إليه السلطان ليتسلّم تمُربُغا منه. ثم اختشى أرغون شاه من طول ذلك عليه، لئلّا تقوم فتنة أو نحوها، فركب بعساكره، وحمل تمربُغا معه، وقصد الديار المصرية. وكان لما وصل الخبر إلى السلطان أمر يشبُك من مهدي الدوادار بالتّوجّه ليتسلّم تمربُغا، فاتفق أن وافاه ببلبيس، وتسلّمه منه على ما سنذكره
(1)
.
(ورود الخبر بأسر الأتابك جانبك وغيره)
(2)
وفيه، في يوم السبت، خامسه، وصل إلى القاهرة إنسان من الخاصكيّة، ممن كان مع العسكر المصري، يسمَّى يشبُك (ويُعرف بقمر، وهو من الخاصكية من مماليك الظاهر جقمق)
(3)
، وكان قد أُسر حين وقعة سوار، وفادَى عن نفسه بألفي ومائتي دينار، وضمنه فيها الأتابك جانِبك قُلقسيز، وهو في أسرهم أيضًا، فأطلق هذا ليعمل مصلحة نفسه في إحضار المال. ولما قدم القاهرة أخبر أن شاه سوار المذكور أسر جماعة كثيرة من الأمراء المصريّين ومن الخاصكية، وأنه قرّر على الأتابك جانِبَك قُلقسيز أربعة وثلاثين ألف دينار، يحملها إليه حتى يطلقه، وندب الأتابك السلطان بحلب سبعة عشر ألف دينار، وعلى يشبُك الأشقر تسعة آلاف أيضًا، وعلى نَوروز المعروف بحُمَيدان كذلك، وعلى ابن
(4)
والي الحجر من أمراء حلب مبلغًا لا يحضرني كمّيّته الآن. وكذا على علي بن القيشاني من أمراء حلب أيضًا، وعلى جماعة أخر جُمل يسيرة من المبلغ. وأخذ يشبُك قمر المذكور في تهيئة المبلغ الذي قُرّر عليه، لكونه ضمنه منه الأتابك جانِبَك، وكذا شرع قصّادُ مَن ذكرنا من الأمراء في تحصيل ما قُرّر على أستاذيهم. ثم أخبر يشبُك قمر المذكور عن كيفية هذه الكائنة، وأنها كانت من مشاهير الوقعات، وأنه مات بها
(1)
خبر القبض على تمربغا في: نيل الأمل 6/ 331، وتاريخ قاضي القضاة، ورقة 138 ب و 139 أ.
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
ما بين القوسين من الهامش.
(4)
في الأصل: "بن".
عدّة كثيرة قتلوا، وآخرون
(1)
فُقدوا أصلًا ورأسًا، وأن الذي قُتل من المماليك السلطانية نحو المائتين
(2)
مملوك، والخبر في كيفيّتها على جليّتها وحقيقتها الظاهر لنا عدم تحريره، فإنني كنت حريصًا على ذلك على وجه أمرّره من غير زيادة ولا نقص، وطالما مالت عن ذلك جماعة، ويخبر كلٌّ بحسب غرضه، وما تهواه نفسه، حتى سألت عنه من السوارية أيضًا، فوجدتهم يختلفون فيه، ويناقض بعض منهم، ومن المصريّين أيضًا البعض، فلهذا أعرض عن بيان كلٍّ من كلام المخالفين لبعضهم البعض، لكنْ محصّل ذلك كسر العسكر المصري وقتْلهم القتل الذريع وأسْرهم ونهْب ما في أيديهم، بحيث عاد من خلّص مسلوبًا (
…
)
(3)
. وكان معهم بعض من العساكر الشمالية.
ولما ذكر الجمال ابن
(4)
تغري بردي كيفية هذه الوقعة بما اعتمده من بعض الأفواه، أطال الكلام في ذلك، وخبّط فيه، بل وتكلّم بما تهواه نفسه، لا بإنصاف، يظهر ذلك لمن نظر في كلامه في ذلك وتأمّله، وكان على بصيرةٍ من أمر عسكرنا المصري، بل عسكر هذه المملكة جميعه في هذه الأيام، فلا فائدة في اشتغالنا بردّنا عليه بما لا إليه.
(وأمّا يشبُك قمر، فما تم له خبر حتى أدركه أجله، فمات بعد دخوله القاهرة بأيام)
(5)
.
[خروج يشبُك من مهدي لتسلُّم تمربُغا]
وفيه، في يوم الإثنين سابعه، خرج يشبُك من مهدي الدوادار، ومعه جماعة من الأمراء الإينالية، وجمعٌ من مماليكه، متوجّهًا إلى جهة تمربُغا ليتسلّمه من نائب غزة، ويتوجّه به إلى ثغر الإسكندرية، ليقيم بها بالثغر، لا بسجن ولا نحوه، مما يضيّق به عليه، وتقدّم الإذن له بأن يسكن فيها بدار العزيز يوسف بن بَرْسْباي، وأن يركب إلى الجمعة والعيدين، ولا يوَكَّل به
(6)
.
(ورود مكاتبة تمربُغا على السلطان باستمراره كما كان)
(7)
وفيه -أعني هذا اليوم في آخر نهاره- ورد كتاب الظاهر تمربُغا على السلطان وهو يتلطّف فيه ويعتذر إليه غاية الاعتذار، وخاطبه فيه بمولانا
(1)
في الأصل: "واخرين".
(2)
في الأصل: "نحو المئتان".
(3)
كلمة غير واضحة "ملثوما".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
ما بين القوسين عن الهامش.
(6)
نيل الأمل 6/ 331.
(7)
العنوان من الهامش.
السلطان، وكتب له فيه عن نفسه:"المملوك تمُرْبُغا"، وذلك على خلاف عادة السلاطين المنفصلين في الكتابة للمتّصلين، على أن الظاهر يلباي كاتَبَ بذلك أيضًا، والمؤيَّد أحمد، ثم ذكر تمربُغا هذا في كتابه من جملة ما قاله: إنه يقسم باللَّه العظيم، أنه ما توجّه لطلب مُلك، بل خوفًا على نفسه حيث صار يبلغه وهو بثغر دمياط أشياء تؤدّي إلى ذلك، أو إلى سجنه بثغر الإسكندرية، وأطال الكلام في اعتذاره، وكان الكتاب بخط الظاهر تمربُغا بيده. ولما ورد على السلطان وعرف أنه بخطّهِ بعد وقوفه عليه، بسط عُذره في ذلك وقبِله منه
(1)
.
[الأضحية في العيد]
(وفيه، في يوم الخميس عاشره، كان عيد الأضحى، فأقيم الموكب بالقصر على العادة في مثله، وذبح السلطان ونحو الضحايا، وفرّق قبل ذلك على عادة من تقدّم من الملوك.
[زيادة أسعار الغِلال]
وفيه -أعني هذا الشهر في هذه الأيام- تحسّنت الأسعار في الغلال، وبلغ سعر الإردبّ القمح سبعمائة درهم نُقْرة، وارتفع سعر جميع الغِلال. وأمر السلطان بفتح بعض شُوَنه، وأبيع من ذلك بناقص سعر غير السبعمائة، وحصل من ذلك بعض رِفق)
(2)
.
[طلوع نائب غزة إلى السلطان بالقلعة]
وفيه، في يوم السبت ثاني عشره، وصل إلى القاهرة أرغون شاه نائب غزّة، وصعد إلى القلعة، وتمثّل بين يدي السلطان، وقبّل له الأرض، وأخبره بأنه سلّم الظاهر تمربُغا للأمير يشبُك الدوادار، فأنِس السلطان إليه، ثم خلع عليه، (وبعث إليه بأشياء تليق به، وأركبه فرسًا من خرجكانه (؟) بالسَّرْج الزَرْكَش
(3)
)
(4)
.
[أسر الشريفين سبع وسبّاع وتخليصهما]
وفيه، أعني هذا اليوم، وردت الأخبار من جهة الحجاز بأن الشريف خنافر
(5)
(1)
نيل الأمل 6/ 331.
(2)
ما بين القوسين من الهامش.
(3)
ما بين القوسين من الهامش.
(4)
خبر نائب غزة في: نيل الأمل 6/ 331.
(5)
قتل (خنافر) في مناطحة بينه وبين سبع في سنة 875 هـ. انظر الضوء اللامع 7/ 203 رقم 777.
أمير الينبوع أغار على الشريف سبع
(1)
وأخيه سبّاع
(2)
ولدي هجّان، الذي تقدّم خبر أخذهما لركب الينابعة، وأن خنافر المذكور قتلهما وأخرين معهما، واستخلص جميع ما كانا قد أخذاه، فشُكر الشريف خنافر على ذلك.
[إخراق المماليك بالوزير والأستادّار]
وفيه، في يوم الإثنين، رابع عشره، أخرق المماليك الجُلبان بالوزير والأستادّار، فضربوهما ضربًا مؤلمًا، وبهدلوهما بهدلة زائدة، ولم ينتطح فيهما شاتان
(3)
.
[الفتنة لعدم تفرقة اللحوم بالقلعة]
وفيه، في يوم الثلاثاء، خامس عشره، لم يحمل الوزير اللحم الذي يفرّق على المماليك بالقلعة على العادة، فقامت فتنة كبيرة بسبب ذلك، وضجيج كثير من العبيد والغلمان الذين تطلّعوا لأخذ اللحم، وخطفوا الكثير من العمائم في هذا اليوم، وأفحشوا في ذلك، وصادف نزول الجُلبان (من طباقهم)
(4)
، وثاروا في هذا اليوم يطلبون الزيادة في جوامكهم ومرتّباتهم، وكثُر الاضطراب في هذا اليوم والهَرَج بالقلعة، حتى فحش ذلك، وخرج فيه عن الحدّ، وغُلّقت أبواب القلعة، واستمر الحال على ذلك ساعة كبيرة، حتى نزل إليهم بعض الأمراء واسترضاهم، وتلطّف بهم، وتعطّف بخواطرهم، ووعدهم بعمل مصالحهم على لسان السلطان، وسكن الحال شيئًا
(5)
.
[قبض والي القاهرة على مثيري الفتنة من البعيد]
وفيه، في يوم الأربعاء، سادس عشره، ركب قانِبَاي الحَسَني الأشرفي والي القاهرة بأعوانه، وقبض على كثير من العبيد، ممن كان بالأمس في كائنة خطف العمائم ومن غيرهم، بل أكثر من قبض عليه ممن لا دخل له في تلك الكائنة، حتى حصل على كثير من الناس من أهل الخير وغيرهم الضرر البالغ من ذلك، حيث قبض على عبد الواحد منهم، فتعطّلوا من خدمهم في قضاء أشغالهم، وسعى
(1)
مات (سبع بن هجان) في سنة 887 هـ. (الضوء اللامع 23/ 43 رقم 917).
(2)
لم أجد لسبَّاع ترجمة.
(3)
خبر إخراق المماليك في: نيل الأمل 6/ 331.
(4)
ما بين القوسين من الهامش.
(5)
خبر الفتنة في: نيل الأمل 6/ 332، وبدائع الزهور 3/ 17.
الكثير في خلاص عبيدهم، فأطلق البعض، وطُلع إلى السلطان بآخرين فضُربوا، وقُطعت آذان الكثير منهم، وذلك في يوم السبت تاسع عشر ذي حجّة هذا، وشُهّروا بشوارع القاهرة
(1)
.
[وصول مكاتبة أُزْبَك نائب الشام بأخبار الحرب بين ابن عثمان وابن قرمان]
وفيه، في يوم الثلاثاء، ثاني عشرينه، وصل تغري بَرْدي الأرمني الخاصكي، والبَجْمَقْدار الذي تقدّم خبر خروجه إلى البلاد الشامية، لكشف الأخبار، وعلى يده مكاتبة أُزبَك نائب الشام، يذكر فيها بأن السلطان محمد بن عثمان ملك الروم كان لما قصد أحمد بن قَرَمان، ونازله بعساكره وحاصره، ورد الخبر عليه بأن الفرنج تحرّكوا على بعض بلاده لما استغنموا غيبته، فرحل متوجّهًا إلى بلاده، وأن أحمد بن قَرَمان تبِعه في عساكره، وقاتل عسكر ابن
(2)
عثمان مقاتلة شديدة، حتى كسرهم وهزمهم. هكذا قال في مكاتبته، ولم يكن الأمر كما قاله على إطلاقه، بل لما رحل ابن
(3)
عثمان عن [ابن]
(4)
قَرَمان، وتبعه أحمد المذكور أدرك بعضًا من عساكره المتأخّرة، فوقع له معهم مقاتلة، لا أنه فعل ذلك مع العسكر العظيم الذي فيه ابن
(5)
عثمان أو أميره
(6)
.
[القبض على الوزير الأهناسي]
وفيه، في يوم الخميس، رابع عشرينه، قبض السلطان على الوزير الصاحب الحاج محمد الأهناسي، ووكّل بطبقة الزمام
(7)
.
[توقف النيل عن الزيادة]
وفيه، في يوم الجمعة، ثم يومان
(8)
بعده، وهما السادس والعشرون
(9)
والسابع والعشرون
(10)
توقف النيل عن الزيادة هذه الثلاثة الأيام المتوالية، وقلق
(1)
خبر والي القاهرة في: نيل الأمل 6/ 332.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
إضافة للضرورة.
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
خبر وصول المكاتبة في: نيل الأمل 6/ 332.
(7)
خبر الوزير الأهناسي في: نيل الأمل 6/ 332.
(8)
في الأصل: "ثم يومين".
(9)
في الأصل: "العشرين".
(10)
في الأصل: "العشرين".
الناس بسبب ذلك وانزعجوا، وكثُر القلق، لا سيما والغلاء مرتفع في الأسعار في كل شيء، وقد ارتفع جدًّا قبل هذا الحادث، فما ظنُّك به بعده، وكثُر أنكاد الناس زيادة عمّا كانوا عليه، وزاد جور العربان بالنواحي من البلاد والأرياف، حتى آل أمر الكثير منها إلى الخراب، خصوصًا والأتراك في أمرٍ مَريج، وفي اشتغال بأنفسهم. فلا حول ولا قوة إلّا باللَّه
(1)
.
[زيادة النيل والفرح بذلك]
وفيه، في يوم الإثنين، ثامن عشرينه، مَنّ اللَّه تعالى بزيادة النيل، وحصل بذلك السرور الزائد للناس والفرح، وتتابعت الزيادة، واستمرت حتى كان الوفاء على أتمّ وجه وأحسنه، كما سيأتي ذلك في التي تليها إن شاء اللَّه تعالى
(2)
.
(كائنة السارق ستْر الليث بن سعد رضي الله عنه
(3)
وفيه، أعني هذا اليوم، قُبض على شخص تجرّأ على ضريح الإمام الليث بن سعد، فسرق الستر من عليه، وكشف اللَّه بواسطة سرقته الستر عنه، فقطعت يده، وطيف به شوارع القاهرة، وتعجّب الكثير من الناس من عظيم جرأة هذا، وإقدامه على مثل ذلك، وماذا كان بقلبه حين فعل ذلك، وكاد العامّة أن تبطش بهذا التعيس، بل كادوا أن يقتلوه، ولو علم به جمع كبير قبل قطْع يده مثلًا لقتلوه، لكنْ لما قُطعت يده سكن عنه الحال شيئًا. فلا حول ولا قوة إلّا باللَّه
(4)
.
[ظهور ابن شُغَيْتة من اختفائه]
وفيه ظهر الصاحب زين الدين قاسم شغيتة من اختفائه، فلم يُلتَفَت إليه، ولا عُرّج عليه
(5)
.
[الإفراج عن الوزير الأهناسي]
وفيه، في يوم الثلاثاء، تاسع عشرينه، أُفرج عن الوزير الحاج محمد الأهناسي، وخُلع عليه باستقراره في الوزارة على عادته مستمرًا، وصُرف ولده (
…
)
(6)
عن نظر الدولة
(7)
.
(1)
خبر توقف النيل في: نيل الأمل 6/ 332، وبدائع الزهور 3/ 17.
(2)
المصدران السابقان.
(3)
العنوان من الهامش.
(4)
خبر كائنة السارق في: نيل الأمل 6/ 333، وبدائع الزهور 3/ 17.
(5)
خبر ابن شغيتة في: نيل الأمل 6/ 334.
(6)
بياض في الأصل.
(7)
خبر الإفراج في: نيل الأمل 6/ 334.
(كائنة إحضار ابن
(1)
الكَرَكي الوالي إلى الخانقاه الشيخونية)
(2)
وفيه-أعني هذا الشهر- الكائنة بالخانقاه الشيخونية، وهي أنه فُتحت بها خلوة البرهان إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن إسماعيل الكرَكيّ الأصل، القاهري، الحنفي، الشيخ برهان الدين أبي
(3)
الوفاء، إمام السلطان، ثم شيخ الخانقاه الأشرفية بعد ذلك، المعروف بابن الكرَكي، وأُخذ منها بعض أثاث له كان بها ومتاع، ما بين ثياب بدن وفرش، وآنية صيني، وغير ذلك، مما لو قُوِّم جميعه لما بلغت قيمته خمسة عشر دينارًا، أو لعلّ أقلّ من ذلك بكثير، فأحضره ومعه الشرطة إلى الخانقاه المذكورة، وقبض على جماعة من أهل الخانقاه ما بين متردِّدين وخدّام وغيرهم من الصوفية، وممن يبيت بها، وادّعى أنه أُخذ له من خلوته شيء كثير
(4)
. وهو كاذب فيما قال، وحملوا -أعني المقبوض عليهم- إلى دار الوالي، وباتوا في التوكيل بهم ليلة بمسجد بالقرب من منزل الوالي المذكور، في ليلة مُحِرّة، وكانوا جماعة مع صِغَر المسجد، وحصل عليهم الأذى والضرر والتشويش ما لا عنه مزيد. وكان بهم جماعة من أهل العلم، بل والصالحين، مثل الشيخ عبد القاهر البرجساني، الآتية ترجمته في سنة سبع وثمانين، إن شاء اللَّه تعالى، وشيخنا المحقّق يونس الأدِرنائي الرومي، والشيخ العالم الفاضل عبد الحميد الطالبي، والفاضل جبريل، والعبد الصالح غرس الدين ابن
(5)
كاتب الغيبة، والشيخ الفاضل الصالح محيي الدين محمد بن سندان الرومي، وغيرهم ممن ذُكر بالعلم والدين والخير والفضل، ولم يحتشم معهم في ذلك، مع علمه بأنهم ليسوا ممن يُتّهم بمثل ذلك، وإن كانت الكائنة من بعض أهل الخانقاة من الأوباش والأطراف، ومع ذلك فلم يأمر هؤلاء بالإنصراف، بل داموا في التوكيل بهم ليلة وبعضًا من يوم ثانٍ، حتى أظهر والي الشرِطة الاستحياء منهم، بل ربّما قصد الكرَكي
(6)
نكاية بعض أهل العلم منهم وقهره، وكثُر الدعاء عليه بسبب ذلك، وآل الأمر في ذلك بعد خراب البصرة أن أمروا برمي التراب، ثم وُجدت الحوائج المذكورة بسطح الخانقاه وقد رُمين بها.
وإبراهيم هذا موجود الآن بزمننا هذا، فلنُترجمه على عادتنا في ذلك:
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
في الأصل: "أبو".
(4)
في الأصل: "شيئًا كثيرًا".
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
في الأصل: "قصدت للكركي".
[ترجمة البرهان الكرَكي]
381 -
وُلد بالقاهرة في سنة خمسٍ وثلاثين وثمانمائة.
وبها نشأ مُقِلًّا، وأحفظه والده القرآن العظيم في حالة صِغره. وذكر هو عن نفسه بأنه حفظ "الكنز"، بل وغيره، وأنه عرض على جماعة، منهم: الكمال بن الهُمام، وغيره، وأظنّه ليس كما قال. ثم تعانى القراءة في الاتباع على بيوت الناس وفي اسطبلاتهم، مع معانية الأذان والميقات وعرف الوقت وبرع في ذلك شيئًا، ثم ناب عن والده في رياسة وقت بجامع ابن
(1)
طولون، وصار يؤذّن مع المؤذّنين به، ثم اتصل بخدمة الأتابك جَرباش كُرْد مؤذّنًا له.
ذكر لي التاج محمد بن الكردي الآتية ترجمته في سنة تسع وثمانين: كان إمامًا لجربالش هذا، وهو الذي كان السبب في إيصال إبراهيم هذا به، أن جرِباش كان في قليل يقول: في أيّ شيء هذا المؤذّن، وكان لا يعجبه صوته. وكان قد لازم قبل ذلك الشهاب ابن
(2)
العطار وقرأ عليه "البخاري" سردًا فيما أخبر عن نفسه، وكذا "مسلم"، وأنا أعرف كونه قرأ عليه "مسلمًا"، وأما "البخاري" فيمكن ذلك، ولازم الشمس إمام الشيخونية أيضًا، يظهر أنه يقرأ عليه، وكذا شيخنا النجم القَرْمي، وأخذ عنهما شيئًا، ثم اتصل بخدمة الأشرف قايتباي في أيام إمرته مؤذّنًا، ثم صار يؤمّ به أيضًا، وجمع بين الأذان والإمامة عنده. ولما تسلطن صار من أئمة القصر، وداخل السلطان، وتحشّر فيه جدًا، ثم أنزله يشبُك من مهدي في صوفية المؤيَّديّة، وحضرها مدّة وهو على إمامته، لدناءة نفسه ومزاحمة الطلبة، وإلّا فقد كان في كفاية وغنية. ثم أخذ في العُلوّ والارتفاع بعد موت التقيّ الشُمُنّي، وسعى في وظائفه فحيل بينه وبينها وجود مولود كان لتركة الشيخ، ستأتي ترجمته في ترجمة الشيخ إن شاء اللَّه تعالى، في تراجم (هذه السنة)
(3)
، وما أمكنه إلّا أن يكون نائبًا عن الولد، طمعًا في أنه يموت، فيستقلّ هو بها، وأشربها قلبه، وصار يحضر في حضور تربة قانِبَاي في المشيخة لحضورها، ولازم ذلك مدّة، ثم تعاظم عن ذلك، فصار يبعث والده إلى حضورها نائبًا عنه. وداخل يشبُك الدوادار وتحشّر فيه، وصار يربّي نفسه عنده، ويعرف بها بطريقة تغلب فيها شاشان، وراج بعض الرواج، لا سيما وهو يدري اللغة التركية، وكذا صار دأبه مع السلطان أيضًا، في تعريف نفسه بنفسه بحِيَل في ضمن كلام، حتى أقام لنفسه
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
عن الهامش.
ناموسًا، واكتسب الوجاهة. ثم أخذ في التظاهر للناس بأنه متمكن من السلطان غاية التمكن، فقُصد من الناس وخدموه بالرِشَى والأموال، وأثرى من ذلك. وأنشأ دارًا بالروضة والصليبة وزخرفهما، وركب الخيول المسوَّمة، والنقلة في هيئة القضاة بالكنبوش. ووُلّي وظائف البدر بن عُبيد اللَّه بعد موته بعناية يشبُك الدوادار، كمدرسة أمّ السلطان، والمحمودية، والبَرْسْبائية، وغير ذلك، وأخذ في التعاظم والشمم الزائد، مع مزيد البأو، وبطر الحق، وغمص الناس، ثم أخذ بعد موت العلّامة الأمين الأُقصُرائي وولده في السعي في مشيخة الخانقاة الأشرفية المستجدّة، ولا زال به حتى تسلّط على السلطان، فولّاه إيّاه على كُره منه، بعد أن أسمعه كلمات مُنكية، وتكلّم في نظر الكِسوة أيضًا، ووُلّي بعض تداريس شيخنا العلّامة السيف الحنفي بعد موته، وعلم كره كل ذلك، ولم يقنع ولا شبع، ولم يعرف ما كان فيه من الفقر والفاقة والمشي إلى قراءة الأسباع، بل وربّما عمل إمام بعض الوقف مع الواعظ، وبشيء ما كان عليه من الشهر بالمواذن في بعض النيابات في الأذان والميقات عن أبيه وغيره، فأخذ بعد ولايته لهذه المناصب الجليلة يتعاظم على الخلق كافّة ويترافع، حتى على أعيان العلماء وكبار الرؤساء، وصار يهزأ بهم ويذكرهم عند السلطان بالمعايب والمثالب، ويرميهم بالعظائم والمصائب، تارةً تصريحًا، وتارة تلويحًا، وأخرى كناية، ومرة بحِيَل في أثناء كلامه، مُظهرًا بأنه لا غرض له عند من تكلّم فيه بضروب من الحِيَل، مثل ذكر باب خير يقصد به الشرّ، ويدخل في ضمنه ما شاء مما أراده من تنقيص من أراد، ورمي الناس أجمعين لعظائم من الأمور، وقلّ من سلِم من شرّه، وذكره بالسوء من سائر الطوائف، حتى الأتراك على ما أخبر به السلطان عنه بعد نكبته على ما سنذكرها، حتى كان السبب الأعظم في تطرّق فساد كبير، وظهر منه من الأمور والشرور ما لا مزيد عليه. ثم ما كفاه ذلك كله حتى أخذ يتعاظم على العلماء والمشايخ الموجودين بعصرنا، ويُظهر لهم في وجوههم بأنه أعلم الناس، وأنه كان مخفيًا لعدم جاهه، وأنه الآن قد ظهر بالجاه، وصار يجمع جماعة من الناس من طلبة وغيرهم، فيظهر أنه تلقّى الدروس، واستدعى جماعة من فُضلاء أهل العلم من أهل الخير والسكون والفقر والفاقة، وأمرهم بأن يقرأوا عليه، مُظهرًا بأنه يلقي لهم الدروس، وكان في الحقيقة هو الآخذ عنهم، حتى تدرّب بهم في أشياء كثيرة، وأكبّ على المطالعة، وصار يُظهر أنه مجاز بالفنون والتدريس من عدّة
(1)
من أعيان العلماء، منهم: شيخنا
(1)
في الأصل: "من يده" مهملة.
الكافِيَجي، وبعث إليه في الخفية يسأله أن يكتب له إجازة بالإذن والفنون والتدريس، وأن لا يزكّيه فيها، كونه إمام السلطان، وأن يقدّم التاريخ. وكتب له شيخنا بضدّ ما قصده، وله في ذلك قضية طويلة. ثم ما كفاه جميع ذلك حتى بقي يُظهر، بل يذكر للناس أنه قرأ على الكمال ابن
(1)
الهُمام وأخذ عنه، وأنه لازمه مدّة، بل وباحَثَه، وقد غيّر ذلك بوقاحته عند من يعرف حقيقته بين ظهراني الناس، الذين هم بحاله عارفون، ثم ما كفاه ذلك حتى صار يتسلّط على من وجد الآن من علماء العصر، وقضاة القضاة، ومشايخ الإسلام، وبقي يحطّ عليهم في وجوههم، فما بالُك في أقفيتهم، وأفحش في ذلك بحيث خرج فيه عند الحدّ، بسماجته وقلّة أدبه. واتفق له ذلك مع مثل الشمس الأمشاطي قاضي القضاة الحنفية، والبرهان اللقاني قاضي المالكية، والقطب الخيضري قاضي قضاة دمشق، وآخرين، مع حال كون البعض منهم على مناصبهم (وفي)
(2)
مجالس البخاري بالقلعة، وهو القارئ يصغّر وجوه الأعيان والطلبة، فيظهر بين الأتراك أنه فائق على جميع من حضر ذلك المجلس، ويهدر من المهملات، وكثير من الخرافات، توطئة لرواجه، ويعرف من نفسه أن الذي هو فيه لا شيء، فيرضى برواجه عند العوام، ولا عليه من ظهور زيفه عند الخواصّ، بل ربّما أساء في ذلك المجلس على بعضٍ ممن يحضره. وأمّا طنزه فيه على الناس وإظهار التهكّم، فأمر لا ينكره من كان يحضر ذلك المجلس، ثم صار يكتب على الفتوى، ويذكر أنه يريد إتمام القطعة الهائلة التي عملها الإمام العلّامة الكمال بن الهُمام على "الهداية"، بل ربّما كتب شيئًا بما أراده مما يكاد أن يُعدّ من الهذيانات والتُرَّهات، بالنسبة لكلام ابن
(3)
الهُمام وعُلوّ تحقيقه، حتى أنشد بعض الظرفاء حين رأى شيئًا مما كتبه:
سارت مشرّقة وسرت مغرّبا
…
شتّان بين مشرّق ومغرّب
وأنشدت أنا في ذلك أيضًا ارتجالًا:
ما بين ما قلت وقال الكمال
…
إلّا تضادّ النقص ثم الكمال
ويا ليته في الترتيب الكمال بن الهُمام، ودع الكلام في ناحية، بل ولا في الترتيب حام حول حماه، فلعلّ اللَّه حفظ الشرح وحماه. ثم صار يحضر ما وليه من الدروس من أعيان الطلبة، فيُبدي فيها من التهوّر والأمور التي يضحك منها ما لو دُوّن لكان محيّرة للناظر. وأخذ في أثناء دروسه يظهر الإنكار على
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
مكرّرة.
(3)
في الأصل: "بن".
مثل الكبار من دون الأيدي والأبصار، كالشيخ أكمل الدين وغيره.
ثم لما مات الشمس الأمشاطي قاضي الحنفية أخذ يرشّحِ نفسه للقضاء، ويُظهر للناس أن يتولّاه، بل ويُظهر أنه سُئل به، وأن السلطان شافَهَه في ذلك، وأنه امتنع من ذلك، وأشاع ذلك إشاعة فاشية لكل أحد، وجزم كثير من الناس، بل جميع من بلغه ذلك عنه أو سمعه منه لصحبته، إلّا أنا فإنّني مع ما كان يذكره ما توهّمته بأن يكون فضلًا عن أن أجزم به، لعلمي بشهامة السلطان، وكذب هذا القائل. ثم لما عيّن الغزّي للوظيفة، وهو أجمل من الأول، لكنّه دلّس على السلطان في أمره، فأخذ هو يُظهر أنه قد عجّز السلطان، وحتى إذا لم يُجبه عدل عنه إلى الغزّي، وأنه سُئل عن العرف، فأجاب بأنه لا يصلح لذلك، وكان هو قد أخذ في أسباب السعي في القضاء، وتكلّم مع من يحسن ذلك، ينال السلطان من الأتراك، حتى بلغني أنه لما كلّم السلطان، في ذلك نَهَر الذي تكلّم به وقال: إن الناس قد أكلوا فهمنا في توليته لمشيخة الأشرفية وتولية القضاء، وما وقع من السلطان غير ذلك أصلًا، وكاد أن يهلك غمًّا حين ولاية الغيب، وأخذ في إظهار حمده للَّه وشكره في كونه نجَّاه من ذلك، وصرفه عنه باختياره، وإلَّا فقد كان ولي، ثم إنه شرع في عمارة مكانٍ هائل بداره، زيادة على ما كانت عليه أولًا وثانيًا، وهدم ما كان قد أنشأ
(1)
بها بطرًا، بعد أن كان يسكن بالأجرة، وهو عاجز عن دفعها، ويجيء إلى مطبخ الخانقاة الشيخونية، وبيده سطل نحاس، يأخذ فيه نصيب والده من الخبز والطعام الذي بها لصوفتها، ويحمل ذلك لمنزل أبيه ليأكله وإيّاه، ثم شرع في بناء ما قصده من الزيادة على بركة الفيل، فأدخل في بنائه قطعة من البركة، وبدر فيها على كثير من جيرانه، مُدَّعيًا بأنه بإذنٍ من السلطان، ومن ذا الذي يعارضه. وبناه على هيئة غريبة نادرة بهذه البلاد على ترتيب أهل الشام من عمل المربّع، ومقابلة الإيوان، وتوسّط الدار ما بينهما بركة ماء، ومن الجانبين حوضين للزراعة بهما، وحمل إليه الكثير من الناس أشياء ما بين أخشاب ورخام، وغير ذلك من آلات البناء، واستعمل جماعة من الرؤساء في ذلك، منهم: الكاتب على ذلك، ومنهم الواقف في هيئة الشادّ، وغير ذلك، وفرغ ذلك وأتمّه، وبلغ السلطان ذلك، وبينا هو في ألذّ عَيش وأهنئه
(2)
أخذه اللَّه من الجانب الذي إليه يركن، وهو أستاذه السلطان الذي في الحقيقة أنشأه وأظهره، فنكبه وما مرّ ذلك على وهمه قط، بعث إليه بالطواشيّة، ومعهم الفَعَلة، وهدموا ما بناه بحضوره،
(1)
في الأصل: "انشاء".
(2)
في الأصل: "واهناه".
ودام ذلك أيامًا والفَعَلَة تأخذ منه الأجرة والطواشية أيضًا يأخذون ما جرت به عوائدهم في مقابل ذلك، وبلغ الناس ذلك، فهرع الكثير منهم إليه يُظهرون السلام عليه، وأكثرهم به شامت لما عندهم منه من الكمائن، وصار هو يُظهر أن ذلك ليس من تغيّظ السلطان عليه وإنّما هو لما نُقل إليه من أن البناء قد دُخل به إلى البركة، وأن السلطان أراد بذلك المصلحة له بقطع ألسِنة الناس عنه، وأنه بعث إليه بالاعتذار عن ذلك، ونحو ذلك من كلامٍ ساقط الاعتبار، مُؤذِنٍ بالفشار. وكان السلطان قد تحقق ما هو عليه من الشرور والفجور، والمصائب والمعايب والمثالب، وقلّة الدين، واتّهامه على ما يقال بأشياء كثيرة، منها مَيله إلى المُرد والعبيد الحبش وغير ذلك. ثم زاد بغيره عليه لما بلغه عنه من أمور مهولة ظهرت له بعد نكبته إيّاه، مما لا يمكن شرح ذلك، من ذلك إدخاله بنفسه فيما لا يعنيه، بل ربّما ذكر بالممالأة على السلطان، وأنه في حين سفره للشام ووعكه في تلك البلاد تكلّم بكلمات نُقلت للسلطان فيمن يؤول
(1)
إليه المُلْك، بل ربّما نقل له عنه أنه قال والسلطان متمرّض في المحفّة ما بين دمشق وحماة أو نحوها: أَسرِعوا به لئلّا يموت في الطريق، فنُقتل عن آخرنا، وبقي يحرّض الخاصكية في الحثّ على السير، ويداخلهم في أمور كثيرة تتعلّق بما بعد موت السلطان على تقدير موته، هذا كلّه بعد إحسان السلطان إليه وتقديمه له، وتنويهه به بعد خموله وعدم شهرته، بل ووضاعته بين الناس، بحيث لم يذكر قبل سلطنة أستاذه ولا في عداد الطلبة، فضلًا عن المشايخ.
نعم كان له ذكر بأحواز الصليبة وجامع ابن
(2)
طولون في عداد المؤذّنين، بل والمنغّمين بأكرية وفيرة، وأنعم عليه بدارٍ شراها له، وهي التي زاد فيها الزيادة لما وُلّي بعد شرائها، ثم هدم ذلك بَطَرًا، وزاد الثانية التي أمر السلطان بهدمها، ثم أعطاه مبلغ ألف دينار في وقت ليجهّز ابنته، ثم صحبه معه حين حج، وقرّبه وأدناه، ورقّاه إلى الوظائف السنيّة، فمشيخة الأشرفية وقراءة الحديث بالقلعة، وكثير من الوظائف الماضي ذكرها.
واقتنى الجواري البيض والحبش والسود والعبيد، والحشم والخدم، والخيول المسوَّمة، والأقمشة الكثيرة الهائلة، وتزوّج بثلاثٍ من النسوة غير السراري، ووصلت مرتباته من الإمامة والجوالي، وتعلّق نظر الكِسوة والمسموح على المكْس، ومتحصّل وظائفه زيادة على العشرة
(3)
دنانير في اليوم على ما أشيع ذلك
(1)
في الأصل: "يول".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "العشر".
إشاعة فاشية، زيادة على ما يدخل إليه من الهدايا والتقادم والرِشى وغير ذلك، ومع ذلك كله فبلغ السلطان عنه أنه ماذا فعله معه السلطان، وماذا الذي هو فيه، وأنه أهلٌ لأنْ
(1)
يفعل معه أضعاف ذلك مُضاعفة، وأن ذلك كلّه قليل في حقه، وأنه له الأيادي على السلطان والجميلة والمانة تفوق ما له هو عليه، لأنه هو الذي علّمه وأدّبه وهذّبه، وعلّمه المناسك حين حج، وأنه ربّما كان سببًا لسلطنته، وأنه اختار له طالعًا سعيدًا يوم تسلطن، وأنه يردّه عن أشياء كثيرة من مظالم العباد، إلى غير ذلك من كلمات وأشياء لا تصدر عمّن له أدنى مسألة
(2)
في العقل، كل ذلك لطيشه وخفّته وحدّة مزاجه، مع ذمامة هيئته، ودناءة أصله، فإنه من فلّاحي بلاد الكرَك في الأصل، وكان والده قدم القاهرة شابًا حدثًا، فخدم بعض (
…
)
(3)
بعض القرّاء وعلّمه القرآن، فكان ذلك سببًا بعد ذلك في كونه اتصل ببعض الأمراء، حتى وصل ولده بعد ذلك إلى ما وصل، وصار يتزايا مع دعواه بأنه من كبار العلماء، وأنه صار شيخ الشيوخ بزيّ غير أهل خرقته التي يدّعيها من لبسه الحنيني المشفر بالألوان، واستعمال الشدّ بالحبكة الفضّة الصامت، والدواة المحلّاة بالفضة، والجلوس على الحرير، ولبس الثياب المختصّ
(4)
بالأتراك في بعض ثيابه التحاتي، بل والفواقا
(5)
حين جلوسه، والتعميم بالملف بالحاشية والحبكة بالشناشل والشنانيل في أطرافه، إلى غير ذلك.
وبالجملة فكان ولم يزل من مساوئ الدهر، وباللَّه العجب كيف كان يقع في مثل هذه الأمور مع مثل هذا السلطان، وهو يعلم ويتحقّق منه أنه دائمًا يتفحّص عن أحوال الناس، لا سيما أحوال مثله، وكان هو في الغالب ينقل إليه ما هم الناس فيه بزيادات يكذب فيها، لأجل أغراض له فاسدة، واتفق له وقائع مع أناس متعدّدة، أسفر فيها عن قلّة مروءة زائدة، لو عددناها لطال المجال واتسع المقال.
وقد عرفتَ ما ذكرناه من الكائنة معه لأهل الخانقاة الشيخونية، فقِس على ذلك. وآل به الأمر بعد هدم داره أنْ قام عليه بعضٌ ممن أخذ منهم الرشى على أمور لطول الشرح في ذكرها، لا وجود لها، ليأخذ عليها، بل أخذ ذلك بإيهامه لمن أخذ منه شيئًا، وتفتّحت عليه الأبواب. وآل به الأمر بعد هذا أيضًا أن ادُّعي عليه بقتيل، فأمر السلطان القاضي الشافعي أن ينظر في ذلك، فأُحضر إليه موكَّلًا به إلى مجلس الشافعي بالسابقية، وصولح أولياء القتيل وكتب بينهم مبارأة وحكم
(1)
في الأصل: "لئن".
(2)
في الأصل: "مسلة".
(3)
كلمه غير مفهومة "حمر".
(4)
الصواب: "الخاصّة".
(5)
الفواقا: أي الفوقانية.
بها. وحكم بها، وبلغ السلطان ذلك، فما أحبّه، وبلغه هو ذلك عن السلطان فخاف جدًّا، واختفى من يومه ذلك غاية الاختفاء، واحترز على نفسه، ودام في اختفائه إلى يومنا هذا، وله نحو الأربع سنين في الاختفاء، وبقي يُرجف بقتله، ثم يُرجَف بنفيه إن وُجد وخلّص من التلف، وأشيع عنه بأنه ابتُلي في جسده، واللَّه أعلم.
وأمّا ما له من الفضيلة على وجه الإنصاف، فقد سمع على التقيّ الشُمُنّي في "المغني" لابن هشام أو قرأ
(1)
عليه، ولم أحرّر ذلك، وحضر دروس التقيّ الحصني في أشياء، وربّما قرأ عليه وعلى شيخنا النجم القَرْمي، وعرف الميقات كما يعرفه آحاد العوامّ من رؤساء المؤذّنين، لا أعلم له فضيلة غير ذلك. نعم له قابلية وبعض ذكاء، ولو عرف نعمة الله تعالى عليه وراعاها وعمل بمبتغاها وراعى الناس، ووقف عند ما وصل إليه من المناصب، فلا أقلّ من التكلّف بأن يناسب أهلها في الصورة الظاهرة، لأمكن أن يحصل له بعض رياسة نفسانية، ولَنَال حظًا من الشُهرة بذكر خير، ولكن لا تبديل لخلق اللَّه. ولعلّ ما وقع لهذا المسكين لم يقع لأحد قبله، ولا ما وقع منه لم يكن اتفق من أحدٍ ممن قبله، بل ولا بعده، مع ما هو فيه من المكر والخداع.
وهذه ترجمته على سبيل الاختصار والاقتصار، ولم يبلغ في ذلك المعشار، ومن عرف حاله وباله صدَّقني في المقالة. وسنذكر نُبَذًا من تفاصيل مما هاهنا أجملنا من أحواله، كلّا
(2)
في محلّه من سِنِيّ وقوعه ونزوله إن شاء اللَّه تعالى
(3)
.
(ذكر خروج هذه السنة وما فيها من الملاحم والفِتَن وغير ذلك)
(4)
وخرجت هذه السنة -أعني سنة اثنتين وسبعين المذكورة- وقد وقع فيها من الفِتَن ما ظهر منها وما بطن ما لا يكاد أن يُحدّ، ولا يُضبط بعدّ، فكادت أن تكون -بل لعفها كانت- سنة لا نظير لها في هذا القرن من كثرة الفِتَن والأنكاد والشرور الكائنة بها، والفساد وهلاك العباد وخراب البلاد، ووجود الحروب والملاحم بسائر
(1)
في الأصل: "قراء".
(2)
في الأصل: "كل".
(3)
انظر عن (الكركي) في: الضوء اللامع 1/ 59 - 64، والمجمع المفنّن 1/ 184 - 194 رقم 55، والنور السافر 108 - 110، وكشف الظنون 1/ 155 و 2/ 1304، والطبقات السنية 236، 237 رقم 48، وشذرات الذهب 8/ 102 - 104، ومعجم المصنّفين للتونكي 3/ 179 - 182، ومعجم المؤلفين 1/ 46، 95.47/ Brockelmann 11\B 3،s،II وهو توفي سنة 922 هـ.
(4)
العنوان من الهامش.
الأقطار، وغالب البلاد والأمصار في مشارق الأرض ومغاربها، من تغيّر الدول ووقوع الخطوب والكروب، وكثرة الحروب، وغلاء الأسعار، والقتال بين المسلمين، بل والكفّار والأتراك والأملاك والعربان والتركمان، ومخافة السُبُل وقلّة الأقوات والزراعات، واعتراء الفواكه والثمار العاهات والآفات، لا سيما بالبلاد الشامية. وقد عرفت أحوال الديار المصرية، من تغيّر أربعة سلاطين في نحو أربعة أشهر، بل خمسة إن شئتَ، بخيربك.
وكان في أول هذه السنة من الوباء العظيم في بلاد الروم والمغرب، بل وبلاد الفرنج من برّ الأندلس، وما والى تلك النواحي، مما هو على البحر المحيط (وبقربه)
(1)
من بلاد الفرنج، فأفنى به الخلق الكثير والجَمّ الغفير بالطاعون والوباء، والمقاتلة بين عساكر ابن
(2)
عثمان والفرنج، والفِتن ببلاد ابن قَرَمان بين ابن
(3)
عثمان وأحمد بن قَرَمان قريبه من النساء على ما مر، والفِتَن بين جهان شاه وحسن بن قرايُلُك، وقتْل جهان شاه مع مُلكه الطائل وشهامته وسلطنته. ثم الحروب الثائرة ببلاده وبالعراقين وبلاد العجم، إلى أن آل ذلك إلى قطع رأس القان بو سعيد في السنة الآتية، فما ذلك إلّا عن فِتن كثيرة وحروب كثيرة، ثم فتنة شاه سوار بن دُلغادر بهذه المملكة، وحروبه أولًا وثانيًا، ثم الفِتَن بأعالي بلاد الصعيد. ثم ما بَلَغنَا من المصيبة العظمى ببلافى المغرب، في أخذ طَنْجَة وأصيلا من بلاد الإسلام، وصيرورتها دار حرب وكُفر، ثم فِتَن فاس الباقية، بل وحصارها في هذه السنة من بني وَطّاس الذي دام بعد ذلك، ثم تغيُّر صاحب تونس على صاحب تِلِمْسان، ونقْض صاحب تِلِمْسان الصلحَ الكائن بينه وبين صاحب تونس المذكور ثانيًا، على ما تقدّم بيانه.
وأمّا بلاد الأندلس فناهيك بفِتَنها التي لا تنقطع، القائمة بين المسلمين والكفّار، وكذا الفِتَن القائمة بين طوائف الكفار أيضًا، أنفُسِهم في بعضهم البعض، من ألْفُنْش صاحب قَشْتَالة، وكذا البرطُقال والكيتلان وغيرهم. وما كان من الشرور في طريق الحجاز، وأخْذ ركب الينابعة، ثم المقتلة الكائنة بعد ذلك بين خنافر وسبْع وسَبّاع ولدي هجّان الماضي ذِكرهم، والفِتن الكائنة بِقِبْليّ مصر وبحريّها شرقًا وغربًا، ومقاتلة العربان أيضًا بعضها البعض، وما غاب عنّا ببلاد الهند والسند والصين واليمن، فلعلّ كذلك، ولعلّ هذه السنة كانت من أصعب السنين للمعتبرين، ولمن نظر وتبصّر وباللَّه المستعان
(4)
.
(1)
عن الهامش.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
خبر خروج السنة في: نيل الأمل 6/ 337، وبدائع الزهور 3/ 18.
ذكر نُبَذٍ
(1)
من تراجم الأعيان ووَفَياتهم في هذا الزمان سنة
872
382 -
إبراهيم بن خليل بن شاهين الطرابلسيّ المولد، الدمشقي، القاهري.
أخي الشاب السعيد، الشهيد، صارم الدين.
ولد بطرابلس في سنة ثلاث وستين وثمانمائة.
وحُمل إلى دمشق فنشأ بها شيئًا، ثم استُقدم مع الوالد إلى القاهرة، فانتشأ بها شيئًا، وأُقرئ القرآن، وتعلّم في صِغَره شيئًا من الأنداب، وكان فطِنًا ذكيًا، عزيزًا عند الوالد جدًا.
وأمّه أم ولد اسمها بلبل، كانت تركية الجنس، خيّرة، ديّنة، استولدها الوالد عدّة أولاد غير ولدها هذا قبل ذلك، وعقد عليها، ولما أُخرج الوالد إلى مكة استصحبهما معه، ثم إلى العراق، ولما عاد الوالد من العراق اتفق أنْ بَغَتَ إبراهيم هذا أجَلُه بقرب الرُها، وتوفي
(2)
(في يوم الأربعاء تاسع عشرين شعبان)
(3)
وصنع له والده تابوتًا حمله فيه، إلى أن وصل به إلى طرابلس، فدفنه بالمدفن الذي أعدّه لنفسه، وعليه أُنزل الوالد بعد ذلك حين مات بعد شهور، على ما سيأتي في تراجم سنة ثلاث وسبعين.
وكان شابًا لطيفًا، ظريفًا، ذكيًّا، فهمًا، بصدد كل خير، وما أمهله أجَله، عوّضه اللَّه تعالى الجنّة، وجعله فَرَطًا وذُخرًا
(4)
.
383 -
إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن شرف بن منصور بن محمود بن توفيق بن محمد بن عبد اللَّه الزُرَعي، الدمشقي، الشافعي.
(1)
في الأصل: "نبذًا".
(2)
كتب بعدها: "أواخر هذه السنة" ثم ضرب عليها.
(3)
ما بين القوسين من الهامش.
(4)
المجمع المفنّن 1/ 174 رقم 36.
الشيخ برهان الدين، المعروف بابن قاضي عجلون
(1)
، وهي شهرة جدّه على ما قد بيّنّاه.
ولد صاحب الترجمة بدمشق في سنة (إحدى وتسعي وسبعمائة)
(2)
.
وبها نشأ فحفظ القرآن العظيم، ثم عدّة متون في فنون، واشتغل إلى أن شُهر بالفضل، وأخذ عن جماعة من علماء عصره ذلك، وأفتى فيما أظنّ ودرّس، وسمع الحديث على الشيخ العلّامة شهاب الدين ابن
(3)
حجر، والجمال ابن الشرائحي، وحدّث، وسمع منه الفضلاء، وناب في القضاء بدمشق، وكان محمودًا في أحكامه وقضائه، حسن السيرة.
توفي في محرم، وكانت جنازته من مشاهير الجنائز الحافلة المشهورة بدمشق، وكثُر ثناء الناس عليه بعد موته لخيره ودينه وأمانته وعفّته ومحاسنه الجمّة، ورثاه ابن
(4)
اللبودي.
384 -
أبو القاسم بن جهان شاه
(5)
بن قَرا يوسف (بن قَرا محمد بن بيرم خُجا التركماني الأصل.
الأمير، السلطان ابن الشرفاء صاحب مملكة كرمان وما والاها.
ولي كرمان سنة قتل أبيه، ودام (
…
)
(6)
سبب ذلك مدّة، وصار له ذكر وشهرة وعظمة، حتى جرى على أبيه ما جرى من حسن بن قرايُلُك، على ما سيأتي قريبًا إن شاء اللَّه تعالى، فوفد صاحب الترجمة على أخيه حسن علي (
…
…
)
(7)
ليجتمعا على محاربة حسن المذكور، أعني الطويل، فلم يأمن حسن علي على نفسه، بسبب قتله غيلة في هذه السنة، فلم يتهيّأ
(8)
(
…
)
(9)
كما جرت
(1)
انظر عن (ابن عجلون) في: الضوء اللامع 1/ 64، ووجيز الكلام 2/ 793، 794 رقم 1824، والذيل التام 2/ 212، والقبس الحاوي 1/ 63 رقم 35، وإظهار العصر 1/ 170، وتاريخ البصروي 28، ونيل الأمل 6/ 272، 273 رقم 2690، والمجمع المفنّن 1/ 194، 195 رقم 56، وحوادث الزمان 1/ 179 رقم 232، وبدائع الزهور 2/ 451.
(2)
في الأصل بياض، وما أثبتناه عن الضوء اللامع.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
انظر عن (أبي القاسم بن جهان) في: نيل الأمل 6/ 334، 335 رقم 2732، والتاريخ الغياثي 326 - 331، وتاريخ حبيب السِيَر، لخواندمير 4/ 87، ولب التواريخ، القزويني 218، وبدائع الزهور 3/ 17.
(6)
كلمة غير واضحة لمحوها.
(7)
مقدار أربع كلمات ممسوحة.
(8)
في الأصل: "فلم يتهي".
(9)
كلمة ممسوحة.
عادة أمير كرمان بذلك (
…
)
(1)
.
وكان أبو القاسم هذا لا بأس به فيما أُخبرت عنه)
(2)
.
385 -
أحمد بن أسد
(3)
بن عبد الواحد الأميوطي الأصل، السكندري، القاهري، الشافعي.
الشيخ العالم، الفاضل، شهاب الدين، (المقرئ)
(4)
، المعروف بأبيه.
ولد بالإسكندرية في سنة ثمانٍ وثمانمائة
(5)
.
وانتقل مع أبويه إلى القاهرة، فنشأ بها وحفظ القرآن العظيم في حالة صِغَره، ثم "المنهاجَين الأصلي والفرعي"، و"ألفيّة العراقي" و"ألفيّة ابن
(6)
مالك"، و"الشاطبية" و"الرائية"، وغير ذلك، وعوض محفوظاته على جماعة من كبار العلماء الأعيان، ثم أدرك الأخذ عن جمع منهم بعد اشتغاله بالفنون، فمن مشايخه: الشمس القاياتي، والشمس الونائي، والجلال المحلّي، والبرهان البَيْجُوري، والطَنْدَتائي، والنظام السّيرامي، والعَلَم البَرَواني، والشهاب الصِّنْهاجي، والشمس الشَطَّنُوفي، والشيخ عُبَادة، والشهاب الحِنّاوي، ولازمَه في المقدّمة وانتفع به، وشارك في غالب فنون العلوم، ولكنه اشتهر بعلم القراءات، فكان مقرئ العصر في وقته، ومن شيوخه في ذلك ابن
(7)
الجَزَري، وابن
(8)
الزراتيتي إمام البرقوقية، وشيخ الناس في القراءات
(9)
. وسمع الحديث على جماعة، منهم الحافظ ابن
(10)
حجر وطبقته، بل ومن هو أعلى منه، كالمُسنِدين الثلاثة الذين أحضروا من الشام، بعناية الأمير تغري بَرْمَش الجلالي الفقيه، الماضي خبرهم في أوائل تاريخنا هذا. وأخذ في علوم الحديث عن التقيّ المقريزي، وبرع في فنون، وشُهر وذُكر، وكتب الخط الحسن المنسوب، وجلس للإفادة، وانتفع به
(1)
مقدار خمس كلمات ممسوحة.
(2)
ما بين القوسين من أول: "بن قرا محمد بن بيرم خجا إلى هنا عن الهامش".
(3)
انظر عن (أحمد بن أسد) في: الضوء اللامع 1/ 227 - 231، ووجيز الكلام 2/ 793 رقم 1822، والذيل التام 2/ 211، والمنجم في المعجم 50 رقم 5، ونظم العقيان 36، ونيل الأمل 6/ 334 رقم 2731 وفيه "السيوطي"، وشذرات الذهب 7/ 314، وديوان الإسلام 1/ 182 رقم 270، وهدية العارفين 1/ 133، ومعجم المؤلفين 1/ 162، وموسوعة علماء المسلمين (المستدرك على القسم الثاني) 85، 86 رقم 34.
(4)
عن الهامش.
(5)
هكذا.
(6)
في الأصل: "بن".
(7)
في الأصل: "بن".
(8)
في الأصل: "بن".
(9)
في الأصل: "القرات".
(10)
في الأصل: "بن".
الناس بعد ذلك، وأخذوا عنه في علوم القراءات
(1)
وقصده الناس لذلك، وأخذ عنه في ذلك جمعٌ من الفضلاء الأعيان.
وكان بيده عدّة تداريس، كتدريس القراءة
(2)
بالظاهرية البرقوقية بين القصرين، وكذا المؤيَّديّة، وتصدير بالسابقية، وكان بيده إمامة جامع الحاكم، ودام على ذلك مدّة، ثم أمّ بالزيْنبية، وناب في الحكم عن الولي السقطي، فمن دونه. وكان قبل ذلك يتعانى التكسُّب بالشهادة ويؤدّب الأطفال، وكان له همّة علِيّة في الأخذ عن الناس، ولا يتحاشى عن الاستفادة والأخذ عمّن كان ممّن شُهر بالفضيلة، كما هو دأب طلبة العلم الذين قصدهم بكثير الفوائد وزيادة المراد في الفضائل، بخلاف ما عليه أهل زمننا الآن، ولهذا كثُر الجهل وذاع وفشا وشاع، ولم يبق في ذلك نزاع، وربّما صنّف وألّف. وله نظْم. ونظم "رسالة ابن
(3)
المجدي" في الميقات، وقيّد على كثير من كتب الحواشي المفيدة، ووُلّي قراءة الحديث بالقلعة. ولم يزل يواظب على الشغل والاشتغال، مع الدين والخير والعفّة وحسن السمت والسيرة إلى أن عنّ له أن يحجّ في هذه السنة، وعاد فتمرّض في عَوده.
حتى توفي بوادي الصفا بين الحرمين الشريفين في ذي الحجة منها.
386 -
وترك ولده الشيخ العالم الفاضل البارع الكامل (
…
)
(4)
الذي أبو الفضل محمد.
ولد بالقاهرة في سنة (
…
)
(5)
وثلاثين وثمانمائة.
وبها نشأ وحفظ القرآن العظيم، وحفّظه والده، وعرضه على جماعة، واشتغل فأخذ عن جماعة أيضًا، منهم والده، وشاركه في بعض أشياخه، وأخذ عن شيخنا العلّامة الكافِيَجي أيضًا، وعن العَضُد السيرامي، وسمع الحديث على جماعة، ورُشّح مرة للقضاء والأكبر، وطلبه السلطان ليراه، ثم لم تتّفق له ولايته، وكان أشيع عنه بأنه يغلّ في الوظيفة المال.
وهو إنسان حسن السمت والملتقى، كثير السكون، ناب في الحكم، وكان عارفًا بالقراءات أيضًا، وترجمته نحوًا من ترجمة أبيه.
(ترجمة التقيّ الشُمُنّي)
(6)
387 -
أحمد بن محمد بن محمد بن حسن بن علي بن يحيى بن
(1)
في الأصل: "القرات".
(2)
في الأصل: "القراة".
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
بياض في الأصل.
(5)
بياض في الأصل.
(6)
العنوان من الهامش.
محمد بن خَلَفَ اللَّه بن خليفة بن محمد القسنطيني، المغربيّ الأصل، السكندري، الشُمُنّي
(1)
، القاهري، المالكي، ثم الحنفي.
الشيخ الإمام، والقرم الهُمام، العالم العلّامة، الحَبْر الفهّامة، البحر النحرير، الشهير الخطير، شيخ الإسلام، تقيّ الدين بن كمال الدين، أحد أعيان أفراد العلماء الأعيان، مشايخ الإسلام.
وترجمة والده الكمال مشهورة، وقد ذكره الحافظ ابن
(2)
حجر في "إنبائه".
ولد التقيّ صاحب الترجمة ولده هذا في العشر الأخير من شهر
(3)
رمضان سنة إحدى وثمانمائة
(4)
بثغر الإسكندرية وبها نشأ.
فحفظ القرآن العظيم، ثم عدّة متون منها ابن
(5)
الحاجب الفرعي لأنه كان مالكيًّا أولًا، واعتنى به والده فاستجاز له (
…
)
(6)
من شيخَي الإسلام: البُلقيني، وابن
(7)
الملقّن، والحافظ زين الدين العراقي، وآخرين، ثم انتقل به والده من إسكندرية إلى القاهرة في سنة ست وعشرين فاستوطنها، وأسمعه الحديث على جماعة، وحضر به على الشيخ أبي الفضل بن الإمام التِلِمْساني، ونشأ ذكيًّا فطِنًا يقظًا، حذِقًا، حادّ الذهن، مفرط الذكاء، واشتغل فأخذ في الفنون العلمية بأسرها العقلية والنقلية عن جماعة. فمن مشايخه: العلاء البخاري، والنظام السيرامي، وهو الذي كان السبب في تحنيفه، وذلك أنه كان يرافق الزين طاهر في القراءة على البساطي، فاتفق أن أجاز البساطي طاهر المذكور، وأخّر إجازته للتقيّ هذا، فغضب من ذلك، وكان النظام دائمًا يحبّبه في مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه حين ملازمته له، لا سيما، وكان كثير الإحسان إليه، فانتقل إليه، واغتبط به
(1)
انظر عن (الشُمُنّي) في: عنوان الزمان 1/ 245 رقم 85، وحوادث الدهور 3/ 668، والضوء اللامع 2/ 174 - 178 رقم 493، ووجيز الكلام 2/ 794 رقم 1826، والذيل التام 2/ 212، 213، والقبس الحاوي 1/ 214 - 216 رقم 231، والمنجم في المعجم 92 - 94 رقم 18، ونيل الأمل 6/ 332، 333 رقم 2730، والمجمع المفنّن 1/ 527 - 532 رقم 504، وحوادث الزمان 1/ 181، 182 رقم 236، وبغية الوعاة 1/ 375 - 381، وحُسن المحاضرة 1/ 474 - 477، وبدائع الزهور 3/ 17، وكشف الظنون 152 و 202 و 1154 و 1752 و 935 - 1937 و 1971، وشذرات الذهب 7/ 313، 314، والبدر الطالع 1/ 119 - 121، وهدية العارفين 132، 133، وروضات الجنات 92، 93، ومعجم المؤلفين 2/ 149، والمعجم الشامل للتراث العربي المطبوع 3/ 396، 397.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل كتب أولًا: "من شهر".
(4)
في الأصل: "وثماني مية".
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
كلمتان ممسوحتان.
(7)
في الأصل: "وبن".
النظام، وزاد في إحسانه إليه خصوصًا، وكان التقيّ هذا في بداية أمره مملِقًا، فاعتنى النظام بشأنه، ورتّب له مرتّبًا من ماله، ولازمه التقيّ هذا زيادة عمّا كان عليه قبل ذلك، وقرأ عليه الكثير من تصانيفه.
ومن مشايخه أيضًا: الشيخ أبو بكر العجمي الطبيب، والشهاب بن المجدي، وابن
(1)
الهائم، والشمس الشطَّنوفي، والشهاب الصِّنهاجي، والشمس الزراتيتي، وأخذ عن والده أيضًا الكثير، وقرأ علوم الحديث على الحافظ ابن
(2)
حجر، وسمع عليه أيضًا "ألفيّة العراقي"، وله مشايخ أُخَر عدّة، ولم يزل يدأب ويحصّل ويجتهد حتى مهر وبرع وشُهر وذُكر
(3)
، وأشير إليه بالفضيلة، وتصدّر لنفع الطلبة والإقراء والتدريس في زمن صباه وشبوبته، وحياة الكثير من مشايخه، وانتفع به الجمع الجمّ من أعيان الطلبة من أهل كل مذهب، وافتخروا بالأخذ عنه، وطارت شهرته وبعُد صيته، وصنّف وألّف، فمن تصانيفه "شرح النقاية" في عدّة مجلّدات، وهو شرح جيّد كثير النفع، تُلُقّي بالقبول من كل قبيل، و"شرح نظْم نخبة الفِكر" لوالده في علوم الحديث، وله "الحاشية" المفيدة على "الشفاء" و"الحاشية على مُغني ابن
(4)
هشام" وغير ذلك.
ولما أنشأ قانباي الجركسي تُربته التي تُنسب لأستاذه، الماضي ذِكرها غير ما مرة، ولّاه مشيختها وإمامتها وخطابتها، وأنزله بسَكنٍ جيّدٍ جعله له بها، وكان يعتني به وبشأنه، وقُصد للمشكلات والمعضلات وكثير من المهمّات في كل فنّ، فأتى بما يُستغرب ويفيد، وأوضح ذلك غاية الإيضاح، وعُيّن غير ما مرة للقضاء فامتنع، وعُدّ بأخرة من أئمّة الإسلام، كل ذلك مع الدين المتين وقوّة اليقين والخير والصلاح، وكثرة الانجماع عن بني الدنيا، وعدم الالتفات إلى أحدٍ منهم وإليها.
وكان بينه وبين الوالد صحبة أكيدة ومحبّة قديمة.
ولما قدمتُ من المغرب في شوّال سنة إحدى وسبعين اجتمعت به فأنِس لي وإليّ، وكان متعلّلًا فسألته الإجازة، فشافهني بها في ثالث ذي القعدة، وأكرمني، وسمعت الكثير من فوائده، ولا زال متعلّلًا حتى زاد به الحال.
وتوفي في ليلة السبت سادس عشرين ذي الحجّة، ودُفن من الغد بتربة قانباي المذكورة.
وكانت جنازته حافلة ومشهدًا من أحفل المشاهد، وكثُر تأسّف الناس عليه.
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
في الأصل: "وذكرا".
(4)
في الأصل: "بن".
388 -
• وترك ولده جلال الدين عبد الرحمن
(1)
صغيرًا، له دون السنة، فإنه ولد في أوائل هذه السنة، ونشأ يتيمًا، وقام البرهان بن الكرَكي، الماضي ذكره قريبًا، بالسعي في أخذ وظائف أبيه، وآل الأمر أن صار نائبًا عنه فيها (فدرّس باسم الوالد)
(2)
، ثم ترعرع الجلال هذا ونشأ نشأة حسنة، وأُحفظ القرآن العظيم وعدّة كتب متون في الفقه والنحو، وغيرذلك، وعرضها على جماعة من الأعيان، ثم أخذ في الاشتغال بعد ذلك، وأخذ عن جماعة، منهم: الصلاح الطرابلسي، والشيخ حمزة المغربي، والجلال السيوطي، والشمس ابن
(3)
خادم الشيخونية، والشيخ يونس الرومي، وآخرون
(4)
. وهو ملازم الاشتغال، وبصدد الانتقال مع جودة ذهنه وحذقه، وعليه آثار النجابة، وعنده مع حداثة سنّه كياسة وعقل، وتؤدة، وسكون، وحُسن سمت. وحج في سنة ثمانٍ وثمانين، وذُكر عنه الخير في طريقه، وبيده وظائف أبيه، وهو يباشر ذلك من حضور المشيخة بالوصفية بتربة قانباي المذكورة والإمامة والخطابة، وهو ساكن بالتربة المذكورة، بالسكن الذي كان به والده، جعله اللَّه تعالى خَلَفًا باقيًا، ونفع به كما نفع بأصله، وجعله من غاية العلماء، ورحِم سَلَفه الكريم.
389 -
إسماعيل بن إسماعيل بن عبد القادر النابلسي
(5)
.
شيخ العشير بنابلس.
كان لا بأس به بالنسبة لغيره.
توجّه في هذه السنة مع جماعة العشير والمُشاة القوّاسة صحبة العسكر، فاتفق أن مات قتيلًا في الوقعة
(6)
.
390 -
أسَنْبُغا
(7)
من صفر خُجا المؤيَّدي.
نائب باب القُلّة من قلعة الجبل.
كان تركيًّا تتريّ الجنس، من مماليك المؤيّد شيخ، وصيّر خاصكيًّا في دولة الظاهر جقمق، ثم قرّره في نيابة باب القُلّة، وتفقّد إقطاعه فلعلّه زاده شيئًا فيما
(1)
انظر عن (عبد الرحمن) في: الضوء اللامع 4/ 58 رقم 182.
(2)
ما بين القوسين عن الهامش.
(3)
في الأصل: "بن".
(4)
في الأصل: "واخرين".
(5)
انظر عن (النابلسي) في: المجمع المفنّن 1/ 62 رقم 711.
(6)
بعدها فراغ في المخطوط سطرين.
(7)
انظر عن (أسنبُغا) في: نيل الأمل 6/ 324 رقم 2718، والمجمع المفنّن 1/ 75 رقم 734.
أظنّ، ودام على هذه الوظيفة بباب القُلّة مدّة سنين في عدّة دول، إلى أن تسلطن الأشرف قايتباي، فأخرجه في نوبة سوار الماضي ذِكرها، وأراد بذلك إبعاده لحدّة مزاجه وشراسة أخلاقه، حتى لم يحتمله السلطان.
ويقال إنه كان السبب الأعظم للعسكر في دخولهم المضيق الذي كان أعظم الأسباب في هلاكهم. وذُكر أن الأتابك جانبك قُلقسيز لما تبع عسكر التركمان على ما قدّمناه، ووصل إلى هذا المضيق، استشار من معه في دخوله، فبَدَرَ أسنَبُغا هذا من دون الناس كلهم بأن قال ما معناه: ما الذي جرى علينا ولنا حتى لا ندخل؟ وتكلّم بكلمات كثيرة كانت أقرب الأسباب الداعية إلى دخول العسكر لذلك المضيق، لفراغ أجله المسكين.
وكان إنسانًا متهوّرًا، كثير الخباط، حادّ المزاج، غير محمود السيرة، وكان به فتْق عظيم
(1)
في حالبه، ومع ذلك فكان جبّارًا عنيدًا، وشيطانًا مَريدًا، كثير الإسراف على نفسه، كثير الحَلَف بالطلاق، حتى كان يُلمز بأنه مع زوجته في الحرام، وكان يعاب بذلك جدًّا، لكونه خالف عادة أبناء جنسه في ذلك.
توفي قتيلًا في الوقعة في ذي القعدة شرّ قتْلة، وكان له من العمر نحو الثمانين سنة
(2)
.
ووُلّي نيابة باب القُلّة بعده سُنقُر الأشرفي إينال
(3)
، وهو بها الآن إنسان لا بأس به فيما أُخبرت.
391 -
أُلْماس الأشرفي
(4)
أتابك حلب.
كان من صغار مماليك الأشرف برسباي، وصُيِّر من الخاصكية بعده، ثم تنقّلت به الأحوال بعد ذلك في عدّة ولايات بالبلاد الشامية، وخصوصًا بحلب، وآل به الأمر أن وُلّي أتابكيّتها، ودام بها حتى خرج في نوبة سوار مع العسكر الحلبي، في أول الخرجات إليه.
وتوفي قتيلًا في أوائل ربيع الأولى، وقد جاوز الخمسين سنة.
وكان حسن السمت والملتقى، والشكل والهيئة، والسيرة، خيّرًا، ديّنًا، مشهورًا بالشجاعة.
(1)
في الأصل: "فتقًا عظيمًا".
(2)
كتب فوقها: "له".
(3)
لم أجد له ترجمة.
(4)
انظر عن (ألماس الأشرفي) في: الضوء اللامع 2/ 321 رقم 1036، ونيل الأمل 6/ 284 رقم 2701، والمجمع المفنّن 1/ 112، 113 رقم 797، وبدائع الزهور 2/ 460.
واسمه لفظ تركيّ معناه: "ما يموت"، وهذا إذا كان بضمِّ الهمزة، وهو المشهور. ومنهم من قال إن اسمه بالفتح، وهو اسم بالعربي، عَلم على الحجر المعروف بحجر الماس، ومنهم من فتح وجعل عِوض السين صادًا وقال: إن معناه: ما يأخذ. والأول هو المستعمَل المشهور المعروف، لأنه فيه قرائن تدلّ على ذلك، ولم نعلم في هذه الدولة التركية، بل ولا قبلها من تَسَمَّى بهذا الاسم أميرًا بل ولا غيره قبل صاحب الترجمة، سوى ألْماس الحاجب صاحب الجامع المعروف به، وترجمته مشهورة في محلّها، وبعده من الأمراء ألْماس الأشرفي قايتباي نائب صفد، الآتي في وفيات سنة تسع وثمانين إن شاء اللَّه تعالى.
وأمّا ألْماس العلائي الآتي في وفيات سنة سبع فهو رابعهم، ولعلّه يُعدّ أميرًا. فإنه كان بيده إقطاع هائل، وعَدَّه البعض من الخمسات، وبعضهم عَدَّه من الخاصكية، وإنما قيل له الأمير مجازًا، على ما وقع الاصطلاح عليه في هذه المملكة في الأمير.
392 -
أيْدكي الأشرفي
(1)
.
أحد العشرات ورؤوس
(2)
النُوَب.
كان من صغار مماليك الأشرف بَرسْباي وتنقّلت به الأحوال بعد موته حتى أُمّر عشرة في دولة الأشرف قايتباي، وعيّنه في البحر مرة لسوار، وبها بَغَتَه أجَلُه، وكان جركسيّ الجنس متحركًا (؟) وعنده شجاعة وإقدام مع إسراف على نفسه.
توفي قتيلًا في الوقعة الثانية في سابع ذي القعدة يوم الإثنين، وقد جاوز الستين فيما يغلب على الظنّ.
واسمه تقدّم الكلام عليه.
393 -
بُرْدُبَك المحمدي
(3)
الظاهري.
أمير سلاح المعروف بهجين.
كان من مماليك الظاهر جقمق وخاصكيّته، ثم صيّره بَجمَقْدارًا، ثم أمّره
(1)
انظر عن (أيدكي الأشرفي) في: التبر المسبوك 2/ 184، والضوء اللامع 2/ 325 رقم 1062، ونيل الأمل 6/ 324 رقم 2717، والمجمع المفنّن 1/ 145 رقم 852، وبدائع الزهور 3/ 12.
(2)
في الأصل: "روس".
(3)
انظر عن (بردبك المحمدي) في: تاريخ الملك الأشرف قايتباي 26 و 34، وإظهار العصر 3/ 346، ووجيز الكلام 2/ 797 رقم 1836، والضوء اللامع 3/ 7 رقم 30، والذيل التام 2/ 216، ونيل الأمل 6/ 323، 324 رقم 2715، والمجمع المفنّن 1/ 208، 209 رقم 935، وبدائع الزهور 3/ 7.
عشرة. ولما مات أستاذه وجرت فتنة المنصور خالفه، ونزل مع خُشداشه جانِبك نائب جُدّة ومعه آخرون
(1)
، وكانوا السبب في كسرة ولد أستاذهم، وأعيب ذلك عليهم.
ولما تسلطن الأشرف إينال قُرّر في الأميراخورية الثالثة، ثم دام على ذلك مدّة، حتى تسلطن الظاهر خُشقدم، فصيّره أميراخورًا ثانيًا، ثم ولّاه تقدمة ألف، ثم صيّره جان دارًا على القاعدة القديمة، وبقي على ذلك مدّة، ولم تشتهر هذه الوظيفة كما كانت، فنقل بُرْدُبَك هذا إلى حجوبية الحجّاب، ثم منها إلى الأميراخورية الكبرى في دولة خُشداشه وأغاته في طبقته الظاهر تمُربُغا، فإنه اطمأنّ له واستأمنه على ذلك، ووليها عِوضًا عن الشهاب بن العَيْني، حين نقل إلى إمرة مجلس، ثم نُقل إلى إمرة سلاح، عِوضًا عن جانِبَك قُلقسيز، وذلك في دولة خُشداشه أيضًا الأشرف قايتباي، على ما عرفت هذه التنقّلات فيما مضى في المتجدّدات من هذه السنة، وعُيّن عقيب ذلك إلى الخروج مع الأتابك جانِبَك قُلقسيز في نَوبة سوار الأولى من القاهرة والثانية من تجاريده، وبها لقيه الأجل.
وكان شكلًا حسنًا، مرتفع القامة ولذا قيل له:"هجين" تشبيهًا به في طول قامته، وأريد بذلك صفة مدح له، وإن كانت لفظة هجين مُستقبحة لغةً في عُرف العرب، وكان حشمًا وقورًا، كثير الأدب، وعنده فروسية وشجاعة.
توفي قتيلًا يوم الوقعة الثانية من وقعات سوار في يوم الإثنين سابع ذي القعدة قتيلًا.
وما وقف له على خبر موته ولا عُرفت كيفية قتلته، بل ما وُجدت رِمّته.
ولم تزل وظيفة إمرة سلاح شاغرة مدّة بعده، حتى اتفق خلاص جانِبك قُلقسيز من أسر شاه سوار، وكانت الأتابكية قد خرجت عنه لأُزبَك من طَطَخ الذي هو بها إلى الآن، [فـ]ــــقرّر جانِبَك في إمرة سلاح، عِوضًا عن صاحب الترجمة، وعُدّ ذلك من النوادر. وسيأتي ذِكر هذه الولاية في محلّها.
وكان سنّ بردبك هذا نحوًا من ستين سنة يوم قُتل. واسمه تقدّم الكلام عليه فيما مرّ.
394 -
بَك بُلاط
(2)
الأشرفي.
(1)
في الأصل: "ومعه آخرين".
(2)
انظر عن (بك بلاط) في: الضوء اللامع 3/ 17 رقم 76، والمجمع المفنّن 1/ 246، 247، رقم 970، ونيل الأمل 6/ 284 رقم 2700، وبدائع الزهور 2/ 460 وفيه:"بكبلاط".
أحد أمراء طرابُلُس. (ووهِم من سمّاه بلاط بل غلط)
(1)
.
كان من مماليك الأشرف إينال وخاصكيّته الأعيان، وكان له ذِكر وشهرة في دولته، وأُخرج بعد موت أستاذه إلى طرابلس على إمرة عشرين بها، ودام على ذلك إلى أن خرج من طرابلس مع عسكرها صحبة إينال الأشقر نائبها إذ ذاك إلى شاه سوار بن دُلغادر، وبها بَغَتَه الأجل في الوقعة الأولى مع النوّاب.
وكان شابًا حسنًا لا بأس به بأخرة، وهو الذي جرت للأتابك قانَم التاجر لما أن كان من جملة مقدّمين
(2)
الألوف، في دولة الأشرف إينال ما جرى، وضربه بالدبّوس، وقد ذكرنا هذه الكائنة في محلّها من تاريخنا هذا، وهذا هو الفاعل لها.
توفي قتيلًا في أوائل ربيع الأول في يوم الوقعة الأولى.
وكان شابًّا حين موته.
واسمه مركّب من: "بَك" وهي هاهنا بمعنى: "القويّ"، وإن كانت تُستعمل بمعنى الأمير، لكنّ المناسب هاهنا الأول، لأن بُلاط الآتية بعده معناها الفولاذ، فالمناسب فيها القوّة، فكأنه قيل: فولاذ قوي، ويجوز أن يكون الثاني مُرادًا أيضًا، ويبقى المعنى أمير فولاذ، ثم استعمل عَلَمًا على الشخص كما في غيره.
395 -
بَيْسَق العلائي
(3)
الأشرفي.
أحمد الخمسات.
كان من مماليك الأشرف بَرسْباي، وصار خاصكيًّا في دولة الظاهر جقمق، واستمر على ذلك إلى سلطنة الأشرف إينال
(4)
، فقرّبه وأدناه، وزاد في إقطاعه، أو غيّره بأجوَد منه، ثم جعله بَجْمَقْدارًا، وذُكر في دولته، وقُصد لأمور وأنهاها عند الأشرف المذكور، ولم يزل على ذلك إلى أن تسلطن الظاهر خُشقدم، فصيّره من الخمسات لِضيق الأقاطيع والازدحام عليها، ودام على ذلك إلى سلطنة الأشرف قايتباي، فعيّنه في التجريدة صحبة الأتابك جانِبَك قُلَقسيز في أول تجريدة خرجت إلى سوار من القاهرة، على ما عرفت ذلك وكان بها أجَلُه.
وبَيسق هذا هو زوج ابنة أخت الجمال يوسف بن تغري بردي المؤرّخ صاحبنا، الآتي في وَفَيات سنة أربع وسبعين إن شاء اللَّه تعالى.
(1)
ما بين القوسين عن الهامش.
(2)
الصواب: "مقدَّمي".
(3)
انظر عن (بيسق العلائي) في: المجمع المفّنن 1/ 270 رقم 1025.
(4)
كتب قبلها: "قايتباي" ثم ضرب عليها.
وكان بَيْسق هذا إنسانًا متعاظمًا، وعنده شمم زائد مع فروسية وشجاعة وعصبية، وحُسن سمت وتؤدة.
واسمه تقدّم في: بَيسق اليشبُكي في سنة ثلاث وخمسين.
(توفي في يوم الوقعة من ذي القعدة يوم الإثنين سابعه
(1)
)
(2)
.
396 -
تَمُربَاي الأشرفي
(3)
.
أحد العشرات ورؤوس
(4)
النُوَب المعروف بالساقي.
كان من مماليك الأشرف بَرسْباي، وصيّر خاصكيًّا بعده، ثم رقّاه إينال الأشرفي إلى السقاية، فدام بها مدّة، وبها عُرف، وأُمّر عشرة في دولة الأشرف قايتباي، وعُيّن في أول نَوبات سوار من القاهرة، فاتفق أنْ بَغَتَه أجله هناك في كائنة سوار مع العساكر المصرية.
وكان إنسانًا مسرفًا على نفسه، منهمكًا في لذّاتها، لا يُعرف بفضيلة.
توفي قتيلًا في يوم الإثنين سابع ذي القعدة يوم الوقعة الثانية الماضية في محلّها.
وقد قارب الستين سنة.
397 -
تَمُرْبَاي الحَسَني
(5)
الظاهري.
أحد الطبْلخاناة المعروف بالسلحدار.
كان من مماليك الظاهر جقمق، وصيّره خاصكيًّا في دولته، ثم سِلَحدارًا، ودام على ذلك مدّة حتى عُرف بذلك. ولما تسلطن الظاهر خُشقدم أمّره عشرة، وصيّره من جملة رؤوس
(6)
النُوَب، واستمر على ذلك إلى أن تسلطن خُشداشه الظاهر تمربُغا، فأمّره طبْلخاناة، عِوضًا عن لاجين اللالا، كما قدّمنا ذلك. ولما جرت كائنة كسر العسكر من سوار، أخذ تَمُرباي هذا أسيرًا هو ونَوروز الآتي، ويشبُك الآتي أيضًا، فحبسوا ببعض القلاع، ثم قُتلوا صبرًا.
(1)
ما بين القوسين من الهامش.
(2)
كتب بعدها: "تغري بردي الأرمني المنصوري"، وأثبت خمسة أسطر من ترجمته. وكتب على الهامش:"ينقل إلى التي بعدها".
(3)
انظر عن (تمرباي الأشرفي) في: الضوء اللامع 3/ 39 رقم 159، ونيل الأمل 6/ 325 رقم 2719، والمجمع المفنّن 1/ 331 رقم 1107، وبدائع الزهور 3/ 12.
(4)
في الأصل: "روس".
(5)
انظر عن (تمرباي الحسني) في: تاريخ الملك الأشرف قايتباي 27، والمجمع المفنّن 1/ 332 رقم 1108.
(6)
في الأصل: "روس".
وقيل إن تمُربَاي ويشبُك قُتلا صبرًا في يوم ضرب رقاب المماليك السلطانية الذين وقعوا في قبضة سوار، وجعلهم صفًّا واحدًا، وضرب أعناقهم. وأمّا نَوْروز فحبسه مع الأتابك جانِبَك قُلَقسيز.
وكان تمرباي هذا أميرًا حشمًا، عارفًا، أدوبًا، عاقلًا، عصبية، مع بعض إسراف على نفسه.
398 -
تمرباي الظاهري
(1)
.
أحد العشرات، المعروف بقُزَل.
كان من مماليك الظاهر جقمق، وتنقّلت به الأحوال في الجندية إلى أن تسلطن الظاهر تمربُغا، فأمّره عشرة، وعيّنه الأشرف قايتباي في التجريدة لسوار، صحبة الأتابك جانِبَك قُلَقسيز، فأدركه أجَله بها.
وكان غير مشكور.
توفي قتيلًا في يوم الإثنين سابع ذي القعدة يوم الوقعة.
وقد جاوز الستين.
399 -
تَنِبَك السيفي
(2)
جانِبَك الثور.
أحد العشرات.
كان من مماليك جانِبَك الثور نائب الإسكندرية، وهو مشهور الترجمة، وهو الذي وُلّي الوالد نيابة الإسكندرية عِوضًا عنه. تنقّلت الأحوال بمملوكه صاحب الترجمة، حتى نزل في ديوان الجند السلطاني، ثم صُيّر خاصكيًّا، ثم تأمّر عشرة في دولة الظاهر خُشقدم، ودام على ذلك مدّة، حتى خرج في هذه التجريدة لسوار، على ما تقدّم ذِكره آنفًا، فاتفق أنْ بَغَتَه أجله.
وتوفي قتيلًا في الوقعة الثانية من التجريدة الأولى من المصريّين.
وقد بلغ الستين أو جاوزها.
وكان أدوبًا، عاقلًا، حشمًا، ساكنًا.
(1)
انظر عن (تمرباي الظاهري) في: الضوء اللامع 3/ 39 رقم 164، ونيل الأمل 6/ 325 رقم 2719، والمجمع المفنّن 1/ 333 رقم 1111، وبدائع الزهور 3/ 12.
(2)
انظر عن (تنبك السيفي) في: تاريخ الملك الأشرف قايتباي 28، والضوء اللامع 3/ 42 رقم 174، ونيل الأمل 6/ 325 رقم 2721، والمجمع المفنّن 1/ 356 رقم 1130، وبدائع الزهور 3/ 12.
400 -
تَنَم الحَسَني
(1)
الأشرفي.
نائب حماة، المعروف بخوني.
كان من مماليك الأشرف بَرسْباي، وصُيّر خاصكيًّا ثم ساقيًا في دولته، وسجنه الظاهر بعد موت الأشرف بثغر الإسكندرية، ثم نقله إلى سجن قلعة صفد، ثم أطلقه، وبقي بتلك البلاد مدّة، حتى تسلطن الأشرف إينال، فقدم القاهرة، فأمّره الأشرف المذكور عشرة، وصيّره من رؤوس
(2)
النُوَب. ولما تسلطن الظاهر خُشقدم أمّره طبلخاناة، ثم صيّره رأس نَوبة ثانيًا، ثم نقله إلى نيابة حماة دفعةً واحدة على ما تقدّم في محلّه، وتوجّه من حماة في نوبة سوار في أول التجاريد إليه مع النواب، فاتفق أن تمرّض بحلب بمرض المفاصل، وكان يَعتريه دائمًا في كل قليل، وكان أجله في ذلك.
وتوفي بحلب في العشرين من ربيع الأول.
وكان بخيلًا شحيحًا، غير مشكور.
401 -
جارقُطْلُو السيفي
(3)
دولات باي.
الخاصكي، وأحد الأميراخورية.
كان من مماليك دَولات باي الدوادار الماضي ذكره، وتنزّل في ديوان الجند السلطاني، ثم صُيّر خاصكيًّا، ثم من جملة الأميراخورية.
وهو الذي تقدّم خبر خروجه من القاهرة في محرّم من هذه السنة بملاقاة الحاج، والإقامة في جماعة معه، وعارضهم مبارك شيخ بني عُقبة الآتي ذكره، وجرت بينهم مقاتلة، وقُتل فيها جارقُطْلو هذا ومعه جماعة، وتقدّم ذلك في المتجدّدات.
وكان جارقُطْلُو هذا لا بأس به.
واسمه مركَّب من: "جار" بالتفخيم، ومعناه: أربع، و"قُطْلُو" معناه: المبارك أو البركة، لأنه قيل: أربع بركات، وهو بلغة التُرك. ثم استُعمل علمًا على الشخص على العادة في مثله.
(1)
انظر عن (تنم الحَسَني) في: حوادث الدهور 722، وإظهار العصر 3/ 145، والضوء اللامع 3/ 45 رقم 186، ونيل الأمل 6/ 288 رقم 2705، والمجمع المفنّن 1/ 375 رقم 1151، وبدائع الزهور 2/ 461.
(2)
في الأصل: "روس".
(3)
انظر عن (جار قطلو السيفي) في: المجمع المفنّن 1/ 382 رقم 1159.
402 -
جانِبَك المؤيَّدي
(1)
الأشقر المعروف بالبوّاب أيضًا.
أحد مقدَّمي الألوف بحلب.
كان من مماليك المؤيَّد شيخ، وصُيّر خاصكيًّا بعده، ثم بوّابًا في دولة الظاهر جقمق، ودام على ذلك مدّة، وعُرف بالبوّاب لذلك. ولما تسلطن خُشداشه الظاهر خُشقدم أمَّره عشرة. ثم لما تسلطن الظاهر تمربُغا أخرجه إلى حلب على تقدمة ألف بها، ثم لما خرج العسكر إلى شاه سوار، وكان معهم، فقُتل في الوقعة الثانية.
وله من السنّ نحو السبعين سنة.
وكان لا بأس به.
403 -
جِهان شاه
(2)
بن قرايوسُف بن قَرا محمد بن بيرم خُجا التركماني الأصل.
القان الأعظم، صاحب المشرق، وملك العراقين، وممالك أذَرْبيجان، وهي تبريز وما والاها من الشرق إلى مدينة شيراز.
وكان يُدعى تمرزاه على عادتهم في تلك البلاد مع ملوكهم من السلاطين وأولادهم.
وقد عرفتَ في مواضع متعدّدة من كتابنا هذا ترجمة بعض أولاد قَرايوسف، ونبذة من ترجمة قَرايوسف نفسه، بل ونبذة من أخبار جهان شاه هذا وأولاده، فأنت على بصيرة من أمره.
ولد بعد العشرة وثمانمائة تقريبًا.
ونشأ شجاعًا مقدامًا، داهية من الدواهي، ثم آل به الأمر إلى أن مَلَك بعد أخيه قَرايوسف، وجرت له خطوب وحروب، ووقائع يطول الشرح في تعدادها مع عدّة من الملوك ومع ولده بير بُضاغ لما خرج عن طاعته، وملك بُنْدار على ما مرّ ذلك آنفًا، ووقع بينه وبين المصريين منافرة، كما كان ذلك أيضًا مع والده قبله، لا سيما في زمن المؤيَّد شيخ، وأرجف مرارًا بمجيئه، أعني جهان شاه، للبلاد
(1)
انظر عن (جانبك المؤيَّدي) في: نيل الأمل 6/ 325 رقم 2722، والمجمع المفنّن 1/ 397 رقم 1183، وبدائع الزهور 3/ 12.
(2)
انظر عن (جهان شاه) في: وجيز الكلام 2/ 797 رقم 835، والذيل التام 2/ 56، والضوء اللامع 3/ 80 رقم 314، ونيل الأمل 6/ 289 رقم 2707، وشذرات الذهب 7/ 314، وأخبار الدول 3/ 92.
الحلبية، وكان قد عادى الكثير من الملوك، لا سيما حسن بن قرايُلُك، وجرت له معه خطوب كبيرة وحروب كثيرة، وقصده غير ما مرة، وآل الأمر بأخرة أنْ قصد حسن المذكور بعساكره في هذه السنة، ثم لم يحصل منه على طائل، ووقع الوباء والغلاء بعسكره، فأمره برحيل عائدًا، فرحل جلّ عسكره، وبقي هو بمكان أعجبه، فأقام فيه للشرب ومعه جماعة من أمرائه وقوّاته، فقط نحو الألف وخمسمائة فارس، بعد أن لم يبق من عسكره غيرهم إلّا رحلوا، ووصل خبره مع بعض جواسيس حسن، فبدَرَ بأن بعث إليه ابنه محمد بك جريدة، وسار هو في إثره، وأسرعوا في ذلك، وهم نحو الأربعة آلاف فيما بلغني. ويقال بل كانوا أول ممن كان مع جهان شاه، فأدركوه وهو نازل سكران ثمل، طافح سُكرًا هو وأمراؤه، و مسكه له على ما شُهر، وكان وصول عسكر حسن إليه ليلًا، فلما قربوا منه دقّوا طبوله، ثم أحاطوا به من سائر جهاته وأولئك على عدّة وفي غفلة، فما استفاق منهم من استفاق إلّا والسيف عمّال فيهم، وتعاضد حسن وابنه، والتحم القتال، وكُسر جهان شاه أفحش كسرة على أقبح وجه، وقُتل جهان شاه المذكور، ولم يُشعَر به قاتله وانهزم من طال عُمُره، بل ما سلم إلّا القليل. وقُتل ولده محمد أيضًا، وأُخذ ولده العلّامة الفاضل يوسف مأسورًا، ثم سُملت عينه، ثم علم حسن بعد ذلك بقتل جِهان شاه، فيقال: إن إنسانًا من أوباش عسكر حسن قبض عليه في الهَرَجة، فصار يقول له: لا تقتلني أنا جهان شاه، وقال له: تكذِب، وما التفت إليه لعبارته، بل سلبه ما عليه، ثم حزّ رأسه وعلّقها في قَرَبوص سَرْجه، على ما جرت به العادة هناك، أنه إذا وقع القتال وقُتل علّق كل إنسان من العسكر رأسًا معه، إيذانًا بشطارته، وأنه ممن قتل حتى يرى الملك ذلك، فكان هذا أهم عرض قاتل جهان شاه، وكان ذلك ليلًا، ولما عاد حسن عن مكان المعركة للنزول بمكان بقيّة ليلته عاد عسكره معه، ومنهم قاتل جهان شاه، فاتفق أن سقطت منه الرأس وهو لا يشعر بها، فلما أصبح أشيع قتل جهان شاه، فتفحّص حسن على ذلك حتى وُجدت ببابه مع قاتله، فعرف أنه قتل لما سأل منه غير صاحبها فقال: قتلته وكانت رأسه معه فسقطت نفسي، فأمر حسن بأن يتتبّع خبره ذلك الرجل، فوُجدت الرأس، ويقال: بل قُتل. ثم لما أحسّ حسن بقتله بعث من يتفحّص عنه في القتلى، فوُجد ميتًا من جراحات به، فحُمل كما هو إليه وحُزّت رأسه بعد ذلك، ثم بعث بها إلى القاهرة، وهذا والأول أقرب ما قيل في ذلك.
ويقال: إن جهان شاه قاتل بنفسه وهو صاح مستفيق على نفسه، عازمًا على الرحيل من المكان الذي كان به، وإنّما دَهَمَه حسن ليلًا، فما أمكنه إلّا مقابلته،
وكان في جمعٍ قليل، وأحيط به من سائر جهاته، فثار وقاتل بنفسه إلى أن قُتل.
ويقال: بل كان مريضًا معلبًا
(1)
، وهم يُخفون مرضه، وأذِنوا للعسكر بالرحيل، ثم أرادوا الرحيل به فوجدوه محتضرًا، فأقاموا لأجل ذلك، ثم مات حتف أنفه، ثم أدركهم حسن بعساكره، وكان قد دُفن جهان شاه بمكانٍ لئلّا يطّلع عليه، حتى يبعث بأخذه بعد ذلك، فأخرجه حسن وحزّ رأسه، وبعث بها إلى مصر.
ويقال: بل لما قُتل في الوقعة أخذه جماعته، وحملوه كما هو وهو قتيل لبلاده، وإن حسن لما تحقّق موته حزّ رأسًا من أعراض رؤوس
(2)
القتلى وسلخها، وحُشيت قطنًا، ثم أشاع أنها رأس جهان شاه، وبعث بها إلى القاهرة.
وكان قتْله في أحد الربيعين، ووصلت هذه الرأس إلى القاهرة في التاريخ الذي قد بيّنّاه في سلطنة الظاهر تمربُغا. واتفق هبوب ريح شديدة جدًا في يوم دخولها للقاهرة، وكانت حازة وأثارت غبارًا عظيمًا أصفر
(3)
سدّ ما بين الخافقين، وعُدّ ذلك من النوادر، في كونها ثارت في يوم وصول هذه الرأس، وكان مع هذه الرأس لما وصل بها إلى القاهرة فَرَس مُسرَج مُلجَم، عليه لبْس كامل، وذكر أن ذلك فرس جِهان شاه التي قُتل عليها.
ورأيت أنا في ذلك اليوم الرأس والفَرَس.
وعُلّقت هذه الرأس على باب زويلة عدّة أيام، بعد أن طيف بها من القلعة، إلى أن وصل بها للباب المذكور.
وكان جِهان هذا من مشاهير الملوك وأكابرها وأجلّها، ذا رأي وتدبير وعقل تام، ومن أكثر الملوك مالًا ورجالًا وعددًا وعُدَدًا، وأقواهم
(4)
على القتال جَلَدًا، وأدراهم
(5)
بالمكر والخداع، وكانت لديه فضيلة في فنون من العلوم، وله يد في بعضها. بل يقال إنه عُدّ من العلماء في بعض فنون عقلية، وكان يحبّ أهل العلم والفضائل ويميل إليهم، مع إظهاره أنه من أهل التحرير والعدل. وكان سيوسًا، كل ذلك مع خُبث في اعتقاده، وعدم سلامته في عقيدته مع فسق وفساد وانهماك في لذّات نفسه، مُدمنًا على الشُرب، حتى ربّما احتجب عن عسكره الشهر فما فوق لا يصحو أصلًا، وكان في غالب أوقاته في حال سفره وإقامته في كل ليلة
(6)
(1)
هكذا في الأصل.
(2)
في الأصل: "روس".
(3)
في الأصل: "اصفرا".
(4)
في الأصل: "واقواها".
(5)
في الأصل: "وادراها".
(6)
في المخطوط هنا قطعة من ورقة ملصَقة فيها ترجمة جهان كير بن علي بن عثمان بن قرايُلُك. وأخذت القطعة رقم 195، وهي معترضة لترجمة جهان شاه التي بقيتها في الصفحة 196، ولهذا سنضع ترجمة جهان كير في موضعها حسب الترتيب على الحروف.
ابنةً بِكرًا تُحضَر إليه من أيّ وجهٍ كان، وغالب ذلك، بل الكلّ بالحرام، ومن أيّ طائفة كانت تلك الإبنة، ثم إذا استكبر بها كأنها حُرِّمت على غيره، فلا تُطْلَق إلى حال سبيلها، بل تُعطّل وتُعوّق، حتى اجتمع عنده من ذلك ما شاء الله من النساء، وكان يترك شاربه ويحلق لحيته على عادتهم في تلك البلاد. وكان شجاعًا مقدامًا، بطلًا، ضرغامًا، ظالمًا، غاشمًا، سفّاكًا للدماء، كثير التعاظم والجبروت، غير مكترثٍ بأمور دينه، ومع ذلك كله فكان خيرًا من أبيه وجدّه، وغالب إخوته.
وله الآثار العظيمة ببلاده كتبريز وغيرها، من ذلك المدرسة المعظَّمة بتبريز.
ومما أنشدني الأخ أبو الفضل لغيره في هجو جِهان شاه ما سمعه من بعض الأفواه بتلك البلاد لما توجّه إليها صحبة الوالد في سنة إحدى وسبعين:
كبَّرْتُما الأمر وعظّمتُمَاه
…
فقلتُمُ للشاه شاهان شاه
ومن تكون الشاة أُمًّا لهُ
…
فما يكون التَّيسُ إلّا أباه
وهو معنى غريب.
واسمه مركّب من: "جِهان" وهو لفظ فارسي معناه: الزمان، وشاه معناه: الملك، فكأنه قيل: ملك الزمان. وأمّا شاهان شاه فمعناه: ملك الملوك، وهو الذي نُهي في الحديث الشريف عن التسمّي به.
ومَلَك بعد جِهان شاه ولده حسن علي وسيأتي شيء
(1)
من ذلك.
404 -
جِهان كِيْر
(2)
بن علي بن عثمان قرايُلُك بن طرغلي التركماني، القرايُلُكي.
الأمير السلطان، زين الدين، صاحب آمِد وماردين وما والاهما من ديار بكر، و (000)
(3)
حسن الطويل.
ولد صاحب الترجمة في حدود
(4)
العشرين وثمانمائة تقريبًا.
ونشأ تحت كنف أبيه وجدّه قرايُلُك، وقدم القاهرة مع أبيه، وقُرّب وأُقطع تقدمة ألف بمصر، ثم ولّاه الظاهر جقمق نيابة الرُها وكثرت جنوده، لأنه بقي بها
(1)
في الأصل: "شيئًا".
(2)
انظر عن (جهان كير) في: زبدة الآثار الجليّة، لابن خير الله العمري 56 في وفيات سنة 864 هـ.، ومنتخبات من حوادث الدهور 3/ 663، والتاريخ الغياثي 376، والضوء اللامع 3/ 80، 81 رقم 315، ونيل الأمل 6/ 293، 294 رقم 2711، وبدائع الزهور 2/ 463، وأخبار الدول 3/ 92.
(3)
كلمة ممسوحة.
(4)
في الأصل غير واضحة، أثبتناها من: نيل الأمل.
مدّة مطوّلة. ثم لما مات عمّه حمزة بن قرايُلُك مَلَك البلاد بعده مع وجود والده، أعني عليًّا أخا حمزة.
ويقال إن حمزة عيّنه في (
…
)
(1)
توليّه هذا، أو أشار بتملّكه من بعده لدينه وعقله وخيره، وباشر السلطنة مدّة، وقُصد من جِهان شاه وغيره، واستنجد بالظاهر جقمق، وكان متغيّظًا عليه فلم يُنجده، ثم انضمّ (
…
…
)
(2)
أخوه وصار يعضده، وبعثه على جيش لقتال عمّه الشيخ حسن فقتله، ومن حينئذٍ (
…
)
(3)
في أخيه حتى (
…
…
)
(4)
ولا زال حتى وثب على آمِد فأخذها منه بحيلة وا (
…
)
(5)
أن يملك عن جِهان (
…
…
)
(6)
وبقي محصورًا بها (
…
)
(7)
والسكة والخطبة باسم (
…
.... )
(8)
ليس له من الأمر شيء (
…
…
…
…
)
(9)
والغالب على الأمر (
…
…
…
…
.... .... .... .... )
(10)
.
توفي في شهر ربيع الثاني، أو جماد الأول، من هذه السنة.
وكان من (
…
)
(11)
حسن بعده بالمملكة (
…
)
(12)
.
(ترجمة السلطان الظاهر خشقدم)
(13)
405 -
خُشقدم
(14)
من ناصر الدين المؤيَّدي (الرومي)
(15)
.
السلطان، الملك، الظاهر، أبو سعيد، سيف الدين، صاحب الديار المصرية
(1)
كلمة ممسوحة.
(2)
كلمتان ممسوحتان.
(3)
كلمة ممسوحة.
(4)
كلمتان ممسوحتان.
(5)
كلمة ممسوحة.
(6)
كلمتان ممسوحتان.
(7)
كلمة ممسوحة.
(8)
كلمتان ممسوحتان.
(9)
أربع كلمات ممسوحة.
(10)
مقدار ثماني كلمات ممسوحة.
(11)
كلمة ممسوحة.
(12)
كلمة ممسوحة.
(13)
العنوان من الهامش.
(14)
انظر عن (خشقدم) في: النجوم الزاهرة 16/ 378، ومنتخبات من حوادث الدهور 2/ 455 - 458، والمنهل الصافي 5/ 210، 211 رقم 985، والدليل الشافي 1/ 286 رقم 982، وتاريخ الخميس 2/ 433، ووجيز الكلام 2/ 795، 791، والضوء اللامع 3/ 175، 176 رقم 181، والذيل التام 2/ 208، 209، وتاريخ البُصروي 28، وتاريخ الخلفاء 513، 514، ونظم العقيان 109، 110 رقم 75، ونيل الأمل 6/ 279، 280 رقم 2693، وتاريخ ابن سباط 2/ 809، 815، وحوادث الزمان 1/ 179، 180 رقم 233، وبدائع الزهور 2/ 455 - 458، وشذرات الذهب 7/ 315، وأخبار الدول 2/ 316، 317، وتاريخ الأزمنة 358، وتحفة الناظرين 2/ 40، 41.
(15)
عن الهامش.
والأقطار الحجازية والبلاد الشامية وما والى ذلك.
قد تقدّم في المتجدّدات من ترجمته ما قد عرفتَ من كونه روميّ الجنس، أرنؤوطي القبيلة.
جلبه إلى مصر الخواجا ناصر الدين، واشتراه المؤيَّد شيخ في سنة خمس أو ست عشرة
(1)
وثمانمائة، وإنه دام كتابيًّا حتى أخرجه المظفّر أحمد بن المؤيَّد، أو أخرجه أستاذه على غالب ظنّي، وصيّره المظفّر خاصكيًّا. ثم لما تسلطن الظاهر جقمق ساقيًا، ثم أمّره في سنة خمس وأربعين عشرة بسفارة تغري بردي البكلمشي المؤذي، ثم صيّره من رؤوس
(2)
النُوَب، ثم أخرجه على تقدمة ألف بدمشق في سنة خمسين.
وكان رفيقًا للوالد بها حين كان الوالد من جملة المقدَّمين بها وأمير ميسرة. وكان خُشقدم هذا يجلس خامس أو سادس جالس بعد الوالد في مجلس جُلُبّان نائب الشام، وكان يكثر التردّد إلى منزل الوالد جدًّا، مع صحبة بينهما أكيدة.
ثم استُقدم إلى الآخرة من جملة مقدَّمين
(3)
الألوف بها على حجوبية الحجّاب، عِوضًا عن تَنِبَك البُرْدُبكي، لما أُخرج إلى دمياط في كائنة سعيد عبد قاسم الكاشف، على ما تقدّم ذلك. وكان قدومه للقاهرة كما قد بيّنّاه بواسطة تمربُغا وأبي الخير النحاس بمالٍ بذله لهما وللسلطان، على ما عَرَفَتَه آنفًا. واستمر في الحجوبية مدّة حتى تسلطن الأشرف إينال، فنقله إلى إمرة سلاح، وهي من النوادر. ووليها عن تَنِبَك البردبكي أيضًا لما نُقل إلى الأتابكية، بحكم سلطنة الأتابك إينال بعد ولاية الأتابكية لولده الشهابي أحمد المؤيَّد، ثم صرفه في ثاني يوم من سلطنته كما تقدّم ذلك، ودام على إمرة سلاح مدّة إينال كلها، وخرج باشا على العساكر في نَوبة ابن
(4)
قرمان.
ثم لما تسلطن المؤيَّد أحمد بن إينال بعد أبيه جعله أتابكًا عِوضًا عن نفسه، وكان ذلك مقصدًا لأبيه من قبله، ومقصد المؤيَّد أيضًا، إنفاذًا لهذه الوظيفة عن الجراكسة لما هو ظاهر. وما كان إلّا الذي أراده الله تعالى، حتى ولي السلطنة على الكيفية التي تقدّمت في سنة خمس وستين في يوم سلطنته، وقد عرفتها فلا نعيدها. وباشر السلطنة بحرمة وافرة، لا سيما بأخرة، مع أن سلطنته كانت أبعد ما في الأذهان، لكونه روميّ الجنس، وما جرت العادة بسلطنة هذا
(1)
في الأصل: "سنة خمسة أو ستة عشر".
(2)
في الأصل: "روس".
(3)
الصواب: "مقدَّمي".
(4)
في الأصل: "بن".
الجنس، وزاد في أول سلطنته كثيرًا من الوظائف لم تكن قبله، وعُدّ ذلك من نوادره، واضطربت أحواله في أوائل سلطنته بقدوم جانَم نائب الشام، كما بيّنّا ذلك، فقام بتدبير عَوده إلى دمشق، وأحسن التدبير في ذلك، وتحيّل غاية التحيّل، حتى أعاده من حيث جاء، ثم ثبّت قدمه في المُلك، وكان القائم بسلطنته في نفس الأمر جانِبَك نائب جُدّة، ثم بلغه أنه في قصد الوثوب عليه، فعاجلَه بقتله، على ما مرّ ذلك آنفًا. ثم استبدّ بالأمر، وضخم وعظُم، ثم كاد أن يضطرب ملكه اضطرابة أخرى، يعني قتل جانِبَك، ودبّر فأحسن التدبير في بنائه، على ما تقدّم ذلك أيضًا، ومن يومئذٍ أخذ في زيادة العظمة الهائلة، وشاع اسمه وبعُد صيته، وهابَه الكثير من الملوك، وطال وصال، وجمع الكثير من الأموال، وعظمت له الأحوال، وكثُرت مماليكه، وزادت شرورهم، وشانوا سُؤددَه بأخرة بأفعالهم القبيحة، واقتنى من كل شيء أحسنه، وكان متجمّلًا في جميع شؤونه
(1)
وأحواله. وأمّا تحرّيه في الملابس، فلعلّ لم يقع لسلطانٍ قبله ما وقع له في ذلك، فإنه كان يتغالى في ذلك، وكان يُعمل له الثوب البَعْلَبَكيّ بأربعين دينارًا، ولا يعجبه منه إلّا العجب، فما بالك بالمخمل، والحرير، والجوخ والصوف وغير ذلك. وكان يخترع أنواعًا من الملابس الحسنة.
وكان مليح الشكالة، حسن القَدّ والهيئة، معتدل القامة إلى الطول أقرب، مع نحافة بدن باعتدال، وبياض لون تعلوه صُفرة نيّرة بهيّة، حسن اللحية، منوّر الشيبة، وكان شجاعًا، مقدامًا، عارفًا بفنون الفروسية وأنواع الملاعيب، له شهامة ومهابة ووقار وأدب وحشمة، وعظمة زائدة في سلطنته، وعقل تام وحنكة، ومعرفة بتجارب الأمور، وسياسة وتدبير، وخبرة وصبر وجلادة، وبعض تواضع، وحجّة في العلم وأهله، يُجلّ مقام العلماء ويعظمّهم. وكان يسأل عن أمور يستشكلها. وكان له التفات لِما يهمّه في أمور دينه، وكان يشارك في بعض القراءات
(2)
، عارفًا بلغة التُرك، يقظًا في تكلّمه بالعربية، مع عُجمة في لسانه. وكان مع ذلك إلى الفصاحة أقرب، وكان يُعاب بالشَرَه في تحصيل الأموال من أيّ وجهٍ كانت، مع حرص وطمع، وبعض غلّ، بل وشُح. وأعيب أيضًا بتقديمه في دولته الكثير من الأسافل والأوباش وأطراف الناس، ومن لا ذِكر له، وأخْذ الرِشا على كثيرٍ من الولايات والوظائف، وعلى القضاء بمصر، فما ظنّك بغيرها.
وعادى السلطان، الغازي، المجاهد الأعظم، محمد بن عثمان ملك الروم،
(1)
في الأصل: "شونه".
(2)
في الأصل: "القرات".
وهي من نوادره، وإن كانت العداوة لم تظهر، لكنْ قد علم بها كل أحد، ومن ثَم وحينئذٍ تنافرت قلوب ملوك الروم والمصريّين، وكفّت تلك الملوك عن مراسلة صاحب مصر، وكذا صاحب مصر، حتى إن السلطان أبا يزيد يلدرُم بن محمد بن عثمان مَلَك بعد أبيه، وله الآن نحو الأربع سنين في المُلك، ولم يقع بين المصريين وبينه مراسلة.
وكان عند خُشقدم هذا بأخرة البطش والفتك بمن أراد، وطال أمله وساء عمله، فلا جَرَم صار مَهيبًا في أواخر عمره، وقدّم الكثير من مماليكه، ورقّاهم إلى الرُتَب السنيّة، وما ثارت في أيامه فتنة كبيرة، ولا دهمه داهم.
ولما بدت الفِتَن تثور من شاه سوار، وابن
(1)
عثمان، وحسن الطويل بَغَتَه أجله، وما أدرك شيئًا من ذلك.
وكان كثير المكر والحِيَل، أسود الباطن.
ذكر لي من أثق به أنه كان من يهود الأرنؤوط لا من نصاراها، والصُفرة التي كانت تعلوه كانت من أعظم الدلائل على صدق هذا القائل، واللَّه أعلم.
توفي الظاهر هذا في يوم السبت عاشر ربيع الأول من هذه السنة، على ما تقدّم، بعد مرض طال به مدّة، وهو يودي به إلى أن غلبه، فانقطع به، ثم صار يرجَف بموته في كل قليل، إلى أن كان حقيقة في التاريخ المذكور، وقد قدّمنا ذلك في محلّه.
وكان سنّه نحو الخمس والستين
(2)
سنة أو فوقها.
وجُهّز وأُخرجت جنازته قبل سلطنة غيره، وعُدّ ذلك من نوادره، ودُفن بتربته التي أنشأها بالصحراء، وهي من آثاره، وبها مدرسة جليلة بخطبة، ورؤي بعد موته في النوم في حالة غير مرضية، واللَّه أعلم.
406 -
سالم الزواوي
(3)
، المغربي، المالكي.
(الشيخ العالم السا
…
…
…
(4)
)
(5)
قاضي القضاة المالكية بدمشق.
(1)
في الأصل: "وبن".
(2)
في الأصل: "وستون".
(3)
انظر عن (سالم الزواوي) في: الضوء اللامع 3/ 243 رقم 916 وفيه: مات في صفر سنة ثلاث وسبعين، ونيل الأمل 6/ 275 رقم 2692.
(4)
مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(5)
ما بين القوسين من الهامش.
توفي بها في صفر من هذه السنة، وما عندي شيء من أحواله غير ذلك
(1)
.
407 -
سبّاع بن هجّان
(2)
.
السيد الشريف الحسيني، أمير مدينة الينبوع. كان صرف عنها بخنافر، فاتفق أن نُقل النقلة الماضي ذكرها في المتجدّدات، وهي خروجه على ركب الينابعة ومعه أخوه سبع، وجموع من عربانه، فأخذ الركب المذكور عن آخره، كما مرّ ذلك. ولما بلغ السيد خنافر أمير الينبوع ذلك خرج قاصده، ووصل إليه على غرّة وحين غفلة، فأغار عليه، واسترجع جميع ما أخذه، وما ذهب من ذلك شيء
(3)
.
وقُتل سبّاع هذا في ذي القعدة، أو أوائل [ذي] الحجة.
408 -
سبع بن هجّان
(4)
.
أخو الذي قبله، كان مع أخيه في سائر الحالات، ومعه قُتل في يوم واحد، في الكائنة التي تقدّمت على يد السيد خنافر، على ما عرفت ذلك، فلا نعيده.
409 -
سُنقُر الظاهري
(5)
.
شمس الدين، أتابك طرابلس، المعروف بالعائق، وبالجُعَيدي أيضًا.
كان من مماليك الظاهر جقمق في أيام إمرته، وصُيّر خاصكيّا بعد سلطنته، ثم خازندارًا صغيرًا، وكان يعينه في بعض مهمّات في كل قليل، ثم أمّره عشرة، ثم صيّره أميراخورًا ثالثًا، ودام على ذلك إلى سلطنة المنصور، فنقله إلى الأميراخورية الثانية، عِوضًا عن بَرسْباي الإينالي المؤيَّدي لما قبض عليه، وبعثه إلى سجن الإسكندرية مع دَولات باي، ويلباي الذي تسلطن بعد ذلك، على ما تقدّم كلٌّ من ذلك في محلّه.
ولما جرت الكائنة التي خُلع فيها المنصور، كان سُنقُر هذا من الذين معه وعنده بالقلعة. فلما تسلطن الأشرف إينال أخرجه مَنْفيًّا إلى البلاد الشامية، ورأى
(1)
كتب بعدها بخط مختلف، على الهامش: "وذكر بعض
…
…
…
وترك من الأولاد ثلاثة الباقي منهم الآن ولده منصور، وترك من المماليك فيما قيل زيادة على الثلاثة آلاف، ولم أحرر ذلك، ومن قال أكثر من ذلك
…
…
…
وذلك
…
والجمال والبغال
…
…
ومن الذهب
…
…
…
…
ألف دينار".
(2)
انظر عن (سبّاع بن هجان) في: نيل الأمل 6/ 330 رقم 2729، وبدائع الزهور 3/ 15، 16.
(3)
في الأصل: "شيئًا".
(4)
انظر عن (سبع بن هجّان) في المصدرين السابقين.
(5)
انظر عن (سنقر الظاهري) في: نيل الأمل 6/ 290 رقم 2709، وبدائع الزهور 2/ 461، 462، وتاريخ طرابلس 2/ 82 رقم 47، ولم يذكره السخاوي في الضوء اللامع.
بتلك البلاد الكثير من الخطوب والأهوال. وتنقّل بها في عدّة أماكن بطّالًا منها بطرابلس، وكنّا بها إذ ذاك.
ولما تسلطن الظاهر خُشقدم قدم إلى القاهرة، فأمّره عشرة، ثم صيّره من جملة رؤوس
(1)
النُوَب، ودام على ذلك إلى سلطنة الأشرف قايتباي، فأخرجه إلى أتابكية طرابلس.
وبها توفي في هذه السنة.
ورأيت من أرّخه في التي بعدها، واللَّه أعلم.
وكان سُنقُر هذا عاين عند اسمه كثير الوقاحة والجرأة من يومه، مع تهوّر زائد وإسراف على نفسه وانهماك في لذّاتها. وكان شجاعًا، مقدامًا، عارفا بكثير من أنواع الفروسية مع قوّةٍ عنده، وشدّة بِنْية بدنية.
وكان سنّه يوم مات زيادة على الخمسين سنة فيما أظنّ، أو لم يبلغها، واللَّه أعلم.
واسمه تقدّم الكلام عليه.
410 -
سودون البُرْدُبكي
(2)
، المؤيَّدي.
أحد مقدَّمين الألوف بدمشق، المعروف بالفقيه.
كان من مماليك المؤيَّد شيخ، وصار خاصكيّا بعده، ودام على ذلك مدّة من السنين، وهو لا يُلتفت إليه في عدّة دول، حتى تسلطن خُشداشه الظاهر خُشقدم، فأمّره عشرة، ثم ولّاه حسبة القاهرة، وباشرها بعفّة وديانة وحُسن سيرة، ثم ولّاه الظاهر يلباي نيابة القلعة، ثم لما جرت كائنة يشبُك الفقيه أخرجه الظاهر تمربُغا إلى دمشق على تقدمة ألف بها.
وبها توفي في هذه السنة.
وكان إنسانًا حسنًا، خيّرًا، ديّنًا، ساكنًا، متواضعًا، يدّعي التفقه ويقتني الكتب ويقرأ القرآن، مع حُسن سمت وتؤدة.
411 -
سودون الشمسي
(3)
، الظاهري.
(1)
في الأصل: "روس".
(2)
انظر عن (سودون البُردُبكي) في: الضوء اللامع 3/ 277 رقم 1054 ولم يؤرخ له. ولم يذكره المؤلّف رحمه الله في نيل الأمل.
(3)
انظر عن (سودون الشمسي) في: وجيز الكلام 2/ 798 رقم 1837، والذيل التام 2/ 216، والضوء اللامع 3/ 280 رقم 1064، ونيل الأمل 3206 رقم 2713، وبدائع الزهور 3/ 11.
أحد مقدّمين
(1)
الألوف بمصر، المعروف بالبرقي.
كان ممن بقي من كتابية الأشرف برسباي، ومَلَكه الظاهر جقمق بعده إن صحّ أن الأشرف لم يعتق من كان في ملكه حين قرُب موته، فإنه قيل إنه أعتق جميع من كان في ملكه في زمن موته، واللَّه أعلم. وصيّره الظاهر خاصكيًا في أيامه، ثم رقّاه أنْ جعله بَجْمَقْدارًا، ومات الظاهر وهو على ذلك. ولما خُلع ولد أستاذه المنصور عثمان امتحنه الأشرف إينال، ثم هرب واختفى مدّة سنين. يقال إنه كان مختفيًا بمكان بالبرقية حيث كان سكنه، ثم ظهر في أواخر دولة الأشرف إينال.
ولما تسلطن الظاهر خُشْقَدم أمّره عشرة، وصيّره من رؤوس
(2)
النُوَب، ثم نقله إلى الأميراخورية الثانية. ثم لما جرت كائنة قتل جانِبَك نائب جُدّة قُبض عليه، وبُعث به إلى سجن ثغر الإسكندرية، ثم أطلقه وبعث به إلى دمشق من جملة مقدَّمين
(3)
الألوف بها. وحجّ أميرًا على المحمل الشامي في سنة إحدى وسبعين.
ولما تسلطن خُشداشه الظاهر تمربُغا بادر من فرحه بالمجيء إلى القاهرة، ولما وصل إلى الخانكة وعلم بذلك الظاهر تمربغا غضب، وأمر به أن يعود من حيث جاء، لكونه جاء بغير إذن، وشفع فيه فيما قيل شفاعة من شفع فيه، لكنّه بعث إليه بمركوب بسَرْج ذهب وكنْبوش مزركش وكاملية، وأعاده إلى دمشق، وذلك بواسطة الأتابك قايتباي، وخرج الأتابك المذكور إليه إلى حيث هو بالخانكة وطيّب خاطره، ولما عاد إلى دمشق زاد وعكه من قهره، سيما وقد كان لما قدم من الحاج قدم موعوكًا، فزاد ما به من قهره. واتفق أن خُلع الظاهر تمربُغا، وتسلطن الأشرف قايتباي، وبلغه ذلك ففرح به غاية الفرح. وكان الأشرف المذكور أول ما تسلطن عيّنه في مقدّمين
(4)
الألوف بالقاهرة، وبعث إليه بذلك، وأمره أن يقيم بدمشق، ولا يتحرّك لسفرٍ حتى ينصل من مرضه، ثم يتوجّه مع العساكر المعيّنة لشاه سوار، ويعود معهم بعد ذلك، فما صبر عن القاهرة وتجهّز، وهو في تلك الحالة، وقدم القاهرة بغير إذن، ولم ينكر عليه السلطان ذلك، وأبطله من التجريدة لوعكه. وكان لما قدم صعِد إلى القلعة وهو في غاية الوعك بجهدٍ جهيد، وخلع السلطان عليه كاملية، ونزل إلى داره، ولم يَنشَب أنْ بَغَتَه [أجلُه].
وكان إنسانًا حسنًا، ذا هيئة حسنة، وعنده شجاعة وإقدام.
توفي في يوم الأربعاء ثامن عشرين شعبان، وله نحو الخمسين سنة.
(1)
الصواب: "أحد مقدَّمي".
(2)
في الأصل: "روس".
(3)
الصواب: "مقدَّمي".
(4)
الصواب: "مقدَّمي".
وأُحضرت جنازته لسبيل المؤمني، ونزل السلطان فحضر الصلاة عليه، وأظهر التأسّف عليه.
وذكر بعضهم موته في شهر رمضان، وما علمت ذلك.
412 -
شادبك الأشرفي
(1)
.
أتابَك حماة، المعروف بفرفور.
كان من مماليك الأشرف بَرْسْباي ومن صغارهم، وتنقّلت به الأحوال بعده حتى وُلّي أتابكية حمّاة. ولما كانت نوبة سوار الأولى خرج في جملة عسكر حماة.
وتوفي قتيلًا في يوم الوقعة في ربيع الأول، وقد جاوز الخمسين سنة.
413 -
طوغان العُمري
(2)
، المؤيَّدي.
أحد الطبْلخانات بمصر، المعروف بميق، وبصهر الوليّ، لكونه كان قد صاهر الوليّ السَّفْطي قاضي القضاة، على ابنة الوليّ المذكور.
كان طوغان هذا من مماليك المؤيّد شيخ، وصُيّر خاصكيًّا بعده، ودام على ذلك إلى سلطنة خُشداشه الظاهر خُشقدم، فأمّره عشرة في أول دولته، ثم أضاف إلى إمرته أخرى، وصُيّر من الطبْلخانات على ما بلغني. ولما جرت كائنة يشبُك الفقيه، وخُلع الظاهري يلباي، أخرج طوغان هذا إلى دمشق، أظنّ على إمرةٍ بها، وخرج في تجريدة سوار في هذه السنة.
وبها توفي قتيلًا في يوم الوقعة.
وكان لا بأس به، ساكنًا، قليل الشرّ، مختصًّا بالظاهر خُشقدم، مقرَّبًا لديه.
ومات عن نحو من سبعين سنة أو أكملها.
414 -
ظافر بن جاء الخير
(3)
الروميّ الأصل، الفرنجي، المغربي، التونسي.
قائد طرابلس، وأحد الأمراء الكبار لعثمان صاحب تونس.
ولد بتونس قُبيل القرن.
(1)
انظر عن (شادبك الأشرفي) في: الضوء اللامع 3/ 289 رقم 1102.
(2)
انظر عن (طوغان العمري) في: الضوء اللامع 4/ 13 رقم 47، ونيل الأمل 6/ 336 رقم 2738، وبدائع الزهور 3/ 18.
(3)
انظر عن (ظافر بن جاء الخير) في: نيل الأمل 6/ 337 رقم 2739، وبدائع الزهور 3/ 18 ولم يذكره السخاوي في الضوء اللامع.
وكان والده جاء الخير من علوج أبي العباس أو ولده أبي فارس صاحب تونس. وكان والده أيضًا من أجلّ القوّاد بتونس، ونشأ ولده هذا في عزّ ووجاهة، وتنقّل في عدّة ولايات ببلاد المغرب، منها قيادة طرابلس، وباشرها مدّة، ثم سعى عليه أخوه أبو النصر فأخرجه منها، وتوجّه ظافر إلى تونس، فأقام بها في خدم السلطان عثمان صاحب تونس حتى ولّاه قسنْطينة، وبقي على قيادتها مدّة، حتى حاربه أهلها، وأرادوا قتله لظُلمٍ حصل لهم منه، فتدارك عثمان صاحب تونس بأن صرفه عنهم بولد ابنه المسعود باللَّه، وعاد إلى تونس في سنة ست وستين، فأقام بها بداره التي أنشأها بتونس، وهي من أعظم ديار تونس، ولها بها الشُهرة، ورأيتُها وصاحبَها حين دخولي لتونس.
وكان شيخًا منوّر الشيبة، بهيّ الهيئة، حسن السمت، وجيهًا. ذا شُهرة طائلة وبُعد صيت.
وجرت بينه وبين أخيه أمور في العداوة على الإمرة بطرابلس، مما يطول شرحه.
وتوفي في هذه السنة فيما بلغني بعد حضوري إلى هذه البلاد.
وقد قارب الثمانين سنة.
وكان خيرًا من أخيه على ما كان فيه من الظلم والعسف، وترك أموالًا جمّة.
415 -
(عبد الأول
(1)
بن [محمد بن إبراهيم بن أحمد]
(2)
المرشدي، المكي، الحنفي.
وُلد بها في سنة (
…
)
(3)
وثمانمائة
(4)
، وبها نشأ.
واشتغل، وسمع الحديث، وكان عين هذا البيت ورئيسهم في عصره، وعنده خير كثير ومروءة وتؤدة.
توفي بدمشق في هذه السنة، أظنّ في يوم الخميس رابع عشر ربيع الآخر)
(5)
.
(1)
انظر عن (عبد الأول) في: وجيز الكلام 2/ 795 رقم 1828، والذيل التام 2/ 213، والضوء اللامع 4/ 21 - 23 رقم 77، ونيل الأمل 6/ 291، 292 رقم 2710، وشذرات الذهب 7/ 316.
(2)
ما بين الحاصرتين بياض في الأصل، وما أثبتناه عن السخاوي في الذيل التام.
(3)
بياض في الأصل. وفي الضوء اللامع: ولد في حدود سنة خمس وسبعين وسبعمائة.
(4)
هكذا في الأصل. وانظر قبله.
(5)
ترجمة "عبد الأول" بين قوسين، كتبت على الهامش يسار الصفحة من أعلى.
(ترجمة ابن
(1)
أبي سعيد مُباع الشريف الصقلّي)
(2)
416 -
عبد الرحمن بن أبي سعيد الفرنجيّ
(3)
الأصل الصقِلّي، التونسي.
الطبيب الحاذق، العارف، شيخنا.
كان والده علجًا من علوج الفرنج، ملكه السيد الشريف الصقلّي، الطبيب الكبير، وترجمته مشهورة، وأعتقه، وكان يتولّى الكثير من أعمال اليد في أيام أستاذه، وأخذ عنه أشياء كثيرة في الدربة، وتزوّج بتونس واستولد ولده صاحب الترجمة، ونشأ متدربًّا على أبيه في صناعة الطب من غير غزير علم، لكن غزير دُربة، وعرف العلاج معرفة تامّة، وكان يحفظ أجزاء
(4)
الرئيس ابن
(5)
سينا، واجتمعت به بتونس وأخذت عنه، وكان محمودًا في علاجه.
توفي في هذه السنة وقد قارب التسعين أو جاوزها.
ولم يخلفه مثله في صناعته ودُربته ومزاولته، وكان خيِّرًا، ديّنًا، حسن السمت والشكالة.
417 -
(عصام الدين
(6)
.
الشيخ العالم، الفاضل، البارع، الكامل، أبو (
…
)
(7)
البخاري، العجمي
(8)
، الحنفي، نزيل دمشق.
كان من أهل العلم والفضل، وبه النفع.
توفي ذيل شهر ذي قعدة.
ودُفن بالروضة من صالحية دمشق. وكان له مشهد حافل، رحمه الله تعالى)
(9)
.
(ترجمة النظام بن مفلح)
(10)
418 -
عمر بن إبراهيم بن محمد بن مفلح
(11)
بن محمد بن مفرّج بن عبد الله المقدسي، الدمشقي، الصالحي، الحنبلي.
(1)
في الأصلى: "بن".
(2)
العنوان من الهامش.
(3)
انظر عن (ابن أبي سعيد الفرنجي) في: نيل الأمل 6/ 335 رقم 2733.
(4)
في الأصل: "اجز".
(5)
في الأصل: "بن".
(6)
انظر عن (عصام الدين) في: نيل الأمل 6/ 330 رقم 2728.
(7)
بياض في الأصل.
(8)
في نيل الأمل: "الجهني".
(9)
ترجمة عصام الدين كلها بين القوسين عن الهامش.
(10)
العنوان من الهامش.
(11)
انظر عن (ابن مفلح) في: معجم الشيوخ لابن فهد 187، 188، وعنوان الزمان 4/ 112 رقم =
الشيخ الإمام، العالم، الفاضل، الكامل، قاضي القضاة، نظام الدين، وهو من نوادر ألقاب عمر ابن
(1)
الشيخ تقيّ الدين ابن
(2)
قاضي القضاة، العلّامة شمس الدين، المعروف بابن مفلح.
ولد بصالحية دمشق سنة ثمانين وسبعمائة تقريبًا.
وبها نشأ فحفظ القرآن العظيم، وحضر على الحافظ أبي بكر بن المحبّ، وغيره، ثم اشتغل فتفقّه على أبيه وعمّه الشرف ابن مفلح، وجماعة، منهم: الشهاب الفندمي، والشرف الأنطاكي وغيرهما. ولم يزل مجتهدًا حتى مهر وبرع، وتردّد إلى القاهرة غير مرة، وناب في القضاء ببلده عن أبيه. وكان يتكلم على الناس بأحسن عبارة، وأجاد في ذلك، واشتهر، وحجّ غير مرة، ورحل إلى كثير من البلاد ووعظ بها، ثم وُلّي القضاء الأكبر بدمشق، وتكرّرت ولايته لها، وحسُنت سيرته في ذلك. وكان يتناوب هو والعزّ القدسي القضاء، فيُصرف هذا بذاك، وذاك بذا.
وتوفي بعد ذلك وهو غير قاضٍ في أواخر هذه السنة.
وقد جاوز التسعين.
419 -
غريب
(3)
- ويُدعى بمحمد أيضًا - لكن غلب هذا عليه صار لا يُدعَى بغيره ولا يُعرف إلّا به.
كان وُلّي أستادّارية السلطان بحلب، وتنقّلت به الأحوال في عدّة إمريّات أيضًا بدمشق، وحلب، وطرابلس.
وكان إنسانًا حسنًا، محمود السيرة.
توفي في الوقعة الأولى من هذه السنة.
= 403، وعنوان العنوان 211، والمنهج الأحمد 499، (5/ 257) وفيه وفاته سنة 870 هـ. وهو وهم، والمقصد الأرشد، رقم 801، والجوهر المنضّد 156، والدرّ المنضّدّ 2/ 661 رقم 1622، والضوء اللامع 6/ 66 رقم 222، ووجيز الكلام 2/ 796، 797 رقم 1833، والذيل التام 2/ 215، والتاريخ البصروي 32، والمنجم في المعجم 156، 157 رقم 101، والقلائد الجوهرية 1/ 145، ونيل الأمل 6/ 322، 323 رقم 2714، وحوادث الزمان 1/ 180 رقم 234، وبدائع الزهور 3/ 12، والدارس 2/ 55، والسُحُب الوابلة 314، 315 رقم 475، وشذرات الذهب 7/ 311، والأعلام 5/ 39.
(1)
في الأصل: "بن".
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
انظر عن (غريب) في: نيل الأمل 6/ 285 رقم 2702، وبدائع الزهور 2/ 460.
وكان في العسكر الذي خرج إلى سوار مع النوّاب.
420 -
فارس
(1)
المؤيَّدي، الخاصكي.
المعروف (بأبي شامة.
كان من قرانصة المؤيَّديّة ومملوكه في أيام إمرته، لكنه لم يصر خاصكيًّا إلّا في دولة الظاهر جقمق.
وكان لا بأس به، مع بعض إسراف على نفسه.
توفي في هذه السنة)
(2)
.
421 -
(فضائل)
(3)
هو محمد بن إسحاق القبطي
(4)
.
كاتب المماليك المعروف بابن جلّود، وسيأتي في "محمد" من هذه السنة، فإنه بعد إسلامه سُمّي بذلك، على ما سنذكره في مرتبته قريبًا إن شاء الله تعالى.
422 -
(قانباي)
(5)
الأشرفي.
أحد العشرات ورؤوس
(6)
النُوَب، المعروف بأَنْي
(7)
قانصوه النَوروزي.
وقد تقدّمت ترجمة قانصوه النَوروزي في محلّها.
كان قانِبَاي هذا من مماليك الأشرف بَرسْباي، وصُيّر خاصكيًّا بعده وتأمّر عشرة في دولة الظاهر خُشقدم، ودام إلى سلطنة الأشرف قايتباي، وعيّنه مع من عيّن إلى شاه سوار.
وتوفي قتيلًا في يوم الوقعة في ثماني ذي القعدة.
وكان لا بأس به فيما بلغني عنه.
423 -
(قانباي)
(8)
الحَسَني، المؤيَّدي.
نائب طرابلس.
(1)
انظر عن (فارس) في: نيل الأمل 6/ 336 رقم 2737، وبدائع الزهور 3/ 18.
(2)
ما بين القوسين من الهامش.
(3)
من الهامش.
(4)
سيأتي باسمه "محمد" لاحقًا.
(5)
الاسم ممسوح من الأصل. أثبتناه من: نيل الأمل 6/ 325 رقم 2723، وبدائع الزهور 3/ 12.
(6)
في الأصل: "روس".
(7)
في الأصل: "باني".
(8)
الاسم ممسوح من الأصل. أثبتناه من المصادر: النجوم الزاهرة 16/ 361، ومنتخبات من حوادث الدهور 3/ 660، والدليل الشافي 2/ 531 رقم 1822، والمنهل الصافي 9/ 21 رقم 1830، والضوء اللامع 6/ 195 رقم 660، ونيل الأمل 6/ 282 رقم 2694، وبدائع الزهور 2/ 460، وتاريخ طرابلس 2/ 52 رقم 125.
كان من مماليك المؤيَّد شيخ، وصُيّر خاصكيّاً بعده في دولة ولده المظفّر أحمد، حين تدبير طَطَر المملكة، واستمر كذلك مدّة مديدة في عدّة دول، لا يُلتفت إليه، ولا يؤبه به، ولا يُعرّج عليه، حتى تسلطن الظاهر جقمق، فأمّره عشرة، ودام على ذلك مدّة سنين، ثم أخرجه إلى أتابكية حماة، فدام بها مدّة حتى تسلطن خُشداشه الظاهر خُشقدم، فاستقدمه إلى القاهرة، وصيّره من الطبلخانات بها، ثم نقله إلى نيابة طرابلس دفعة واحدة على ما تقدّم في محلّه، ودام بها إلى أن كانت حركة سوار، فخرج مع النواب إليه.
وتوفي في الوقعة الأولى قتيلًا في ربيع الأول.
ولم يوقف له على خبر إلى يومنا هذا، ولا عرفت حقيقة حاله ولا كيفيّة موته.
وكان له زيادة على السبعين سنة.
وكان إنسانًا متديّنًا، عارفًا بالرمح وغيره من الأنداب، وعنده عفّة مع بعض طيش وخفّة وسرعة حركة، لا سيما بلسانه.
424 -
(قانصوه)
(1)
المحمدي، الأشرفي.
أحد مقدَّمين
(2)
الألوف بدمشق، المعروف بخوني، وبالساقي أيضًا.
كان من مماليك الأشرف بَرسْباي، وممّن صُيّر خاصكيًّا وساقيًا في دولته، ثم امتُحن بعده وسُجن، ثم أطلق ونُفي إلى البلاد الشامية، وبقي بها مدّة، ثم استقدم إلى القاهرة، فأقام بها إلى أن تسلطن المنصور عثمان بن الظاهر، فأمّره عشرة، ودام على ذلك مدّة حتى تسلطن الظاهر خُشقدم بعد خلْع المؤيَّد أحمد.
وكان قانصوه هذا أكبر القائمين بإثارة تلك الفتنة التي خُلع فيها المؤيَّد، توطئةً لسلطنة جانَم خُشداشه ومُصاهِره. وكان الظاهر خُشقَدم يغضّ من قانصوه هذا، وإن كانت تلك الفتنة التي كان أعظم الأسباب فيها قانصوه هذا آلت إلى ملك خُشقدم المذكور، حتى اتّهمه بعد ذلك بممالأة وميله إلى صهره جانَم لما قدم إلى الخانكة، وكان خُشقدم هذا مع عظمة منه وتقدمة لا يظهر له ذلك، حتى أخرجه إلى دمشق من جملة مقدَّمين
(3)
الألوف بها. ولما كانت نوبة سوار التي خرج فيها
(1)
الاسم ممسوح في الأصل، أثبتناه من: الضوء اللامع 6/ 199 رقم 685، ونيل الأمل 6/ 336 رقم 2735، وبدائع الزهور 3/ 17.
(2)
الصواب: "أحد مقدَّمي".
(3)
الصواب: "مقدَّمي".
النواب قبل كل عسكر توجّه إليه خرج قانصوه هذا مع نائب الشام في جملة العسكر الشامي، فاتفق أنْ تمرّض بحلب، وتمادى به المرض.
حتى توفي به في هذه السنة، وما حرّرتُ شهر وفاته.
وكان له نحو الستين سنة.
وكان إنسانًا حسنًا، خيّرًا، ديّنًا، ذا أدب وحشمة، وسكون تام، وتُؤدة، وحُسن سمت وهيئة، مع العقل التام والشجاعة والإقدام.
وكان بينه وبين الوالد صحبة أكيدة.
425 -
قراجا
(1)
الظاهري.
حاجب الحجّاب بمصر، ثم أتابك دمشق المعروف بالخازندار، الأمير زين الدين.
كان (روميّ الجنس وقبرسي. وكذب من قال إنه كان جركسيّ الأصل، فإنه لم يكن كذلك. وكان قراجا هذا)
(2)
من مماليك الظاهر جقمق في أيام إمرته، وكان مقرّبًا عنده جدًّا في تلك الأيام. ولما تسلطن صيّره من الخاصكية، ثم الخازندارية، ودام مدّة على ذلك، ثم أمّره عشرة وصيّره خازندارًا كبيرًا، ثم أمّره طبلخاناة، ودام إلى سلطنة ولد أستاذه المنصور عثمان فصيّره من مقدّمين
(3)
الألوف. ثم لما تسلطن الأشرف إينال استقرّ به في حجوبية الحجّاب عِوضًا عن خُشقدم لما نُقل إلى إمرة سلاح، ثم قبض عليه الأشرف المذكور وسجنه لا لشيء عُرف منه، وقُرّر في تقدمة جانَم الأشرفي نائب الشام بعد ذلك، ثم أُطلق من السجن وبعث به إلى القدس، ثم وُلّي أتابكية دمشق، ودام بها إلى أن خرج مع النواب في أول نوبات سوار.
وتوفي قتيلًا في يوم الوقعة الأولى.
وله نحو الخمسين سنة أو بلغها إن لم يكن زاد عليها.
وكان إنسانًا حسنًا، خيّرًا، ديّنًا. قرأ الكثير في الفقه، وكان يستحضر الكثير
(1)
انظر عن (قراجا) في: الدليل الشافي 2/ 538 رقم 1846، والمنهل الصافي 9/ 44، 45 رقم 1955، والضوء اللامع 6/ 215 رقم 717، والنجوم الزاهرة 16/ 343، ونيل الأمل 6/ 282 رقم 2695، ووجيز الكلام 2/ 798 رقم 1837، والذيل التام 2/ 217، وبدائع الزهور 2/ 460، وإعلام النبلاء 3/ 53.
(2)
ما بين القوسين من الهامش.
(3)
الصواب: "من مقدَّمي".
من المسائل، مع تواضع زائد وأدب، وحشمة، وتُؤدة، وسكون، وحُسن سمت، وملتقى، وكرم
(1)
زائد، وسخاء مُفرط حتى تحمّل عليه ديونًا
(2)
كثيرة. وكان محبًّا في العلم وأهله.
وهو الذي أنشأ الدار التي بالقرب من الجامع الأزهر التي تُعرف به، وبها الآن ساكن القُطب الخيضري.
426 -
قَرَاكُز العثماني
(3)
، الظاهري.
أحد أعيان الخاصكية والبوّاب، المعروف بحُمار.
كان من مماليك الظاهر جقمق، ممن بعث به ابن
(4)
عثمان في آخرين، وصُيِّر خاصكيًّا في دولة أستاذه، ودام على ذلك مدّة حتى تسلطن الظاهر تمربُغا خُشداشه وجنسه، فزاد في إقطاعه وصيّره بوّابًا. ولما تسلطن الأشرف قايتباي عيّنه في التجريدة إلى سوار، فخرج مع الأتابك جانِبَك قُلقسيز.
فاتفق أنْ بَغَتَه أجله في كائنة سوار، توفي بها قتيلًا في يوم الوقعة.
وكان لا بأس به، مع بِشْر وبشاشة.
واسمه مركّب من: "قَرا" وهو الأسود، وكذا اسم للعين الباصرة، فكأنه قبل العين السوداء. ثم جُعلت هذه عَلَمًا على الشخص، على ما عرفتَ ذلك في مثل ذلك.
427 -
قُطْلُبَاي المحمودي
(5)
، الأشرفي، العزيزي.
أحد العشرات ورؤوس
(6)
النُوَب.
كان من مماليك الأشرف بَرسْباي، ولكنّه لم يُجْر عليه عتقه. فلما تسلطن ولده العزيز يوسف بعده ملكه وأعتقه.
هكذا أُخبرتُ، وأُخبرت أيضًا بأنه عتيق الأشرف، لكنّه لم يدرك إخراجه،
(1)
في الأصل: "يلتقى ولرم".
(2)
في الأصل: "تحمّل عليه ديون".
(3)
انظر عن (قُراكز العثماني) في: نيل الأمل 6/ 336 رقم 2736، وبدائع الزهور 3/ 17، 18.
(4)
في الأصل: "بن".
(5)
انظر عن (قُطْلُباي المحمودي) في: الضوء اللامع 6/ 223 رقم 741، ونيل الأمل 6/ 325 رقم 2724، وبدائع الزهور 3/ 12 واسمه يشبه أسماء التتر وهو مركّب من قطلو ومعناه المبارك. وباي: الأمير.
(6)
في الأصل: "روس".
فأخرجه العزيز، وتنقّلت به الأحوال بعد ذلك إلى أن تسلطن الأشرف إينال، فنوّه به وصيّره ساقيًا، ودام على ذلك إلى أن تسلطن الظاهر خُشقدم، فأمّره عشرة بسفارة يلباي الذي تسلطن بعد ذلك.
وكان قَطْلُباي هذا متزوّجًا بابنته، فعُني به عند خُشداشه خُشقدم، ثم عيّنه لقبرس في نوبة بُردُبك البَجْمَقدار على ما تقدّم ذلك. ثم دام على ما هو عليه بعد عَوده من قبرس إلى أن خرج في نوبة سوار مع الأتابك جانِبَك قُلَقسيز، في دولة الأشرف قايتباي هذه على ما تقدّم.
وتوفي بها قتيلًا في يوم الوقعة.
وله من السنّ نحو الخمسين سنة.
وكان حشمًا أدوبًا، ساكنًا، لا بأس به. وكان جركسيّ الجنس، وإن كان اسمه يشبه أسماء التتر.
واسمه مركّب من "قُطْلو" ومعناه: "المبارك"، و"باي ": الأمير، على ما عرفته آنفًا، فكأنه قيل: أمير مبارك، واختُصر إلى ما كتبناه، وجُعل عَلَمًا، مع قَطْع النظر عن معناه.
428 -
كرتباي الأشرفي
(1)
.
أحد العشرات.
كان من مماليك الأشرف بَرسْباي من أعيانهم، وصار خاصكيًّا بعده، ودام على ذلك إلى سلطنة الظاهر خُشقدم، فأمّره عشرة في أول دولته، ثم قبض عليه مع جماعة من قبض من الأشرفية، وسُجن بثغر الإسكندرية، ثم أُطلق ونُفي إلى البلاد الشامية، ثم صُيّر من جملة الأمراء بطرابلس، ودام بها إلى أن كانت كائنة سوار مع نوَّاب البلاد الشامية.
وكان كرتباي هذا قد خرج فيها في جملة عسكر طرابلس.
وتوفي قتيلًا في (ربيع الأول)
(2)
يوم الوقعة الأولى في هذه السنة.
وله زيادة على الستين سنة.
وكان إنسانًا حسنًا، خيّرًا، ديِّنًا، عفيفًا، ذا فروسية وشجاعة، وحُسن سمت وتُؤَدَة.
(1)
انظر عن (كرتباي الأشرفي) في: الضوء اللامع 6/ 227 رقم 771، ونيل الأمل 6/ 283 رقم 2697، وبدائع الزهور 3/ 460.
(2)
عن الهامش.
واسمه مركّب من: "كرت" وهو: الصدق أو الحق. و"باي" الأمير، فمعناه: الأمير الصدْق، أو الحق، كما في نظائره.
429 -
مامِش
(1)
من قصروه الأشرفي.
أحد أمراء طرابلس.
كان من مماليك الأشرف بَرسْباي من الذين بعث بهم إليه هديّة قصروه نائب الشام في عدّة نحو الأربعين أو هم. وصُيّر خاصكيًّا بعد أستاذه، أظنّ في الدولة الإينالية، ولما تسلطن الظاهر خُشقدم أُمّر عشرين بطرابلس بسفارة خُشداشه جانِبَك الظريف، ثم نُقل إلى طبْلخاناة بها أيضًا، عِوضًا عن داود بك بن محمد بن دُلغادر بعد موته، ودام على ذلك بطرابلس، حتى خرج مع العسكر الطرابلسي في نوبة سوار.
وتوفي قتيلًا في يوم الوقعة.
ذُكر أنه خرج فوُجد وبه رمق تحت شجرة، وهو يستغيث: الماء، ولم يوجد له ذلك، ومات كذلك.
وكان قبل تأمّره غير مشهور بالقاهرة، ولا له ذِكر.
واسمه مفرَد معناه: ( ..
…
…
…
…
…
)
(2)
.
430 -
مبارَك
(3)
.
شيخ عربان بني عُقبة.
تقدّم في المتجدّدات خبره وما فعله من أخذه ملاقاة الحاج وقتل جماعة، ثم كيف خرج إليه أُزبك رأس نَوبة النُوَب إذ ذاك، وكيف ظفر به ومعه آخرون
(4)
من جماعة من عربان بني عُقبة، وأُحضروا إلى القاهرة، وسُمّر هو وإيّاهم، وطيف بهم القاهرة.
ثم وُسّط وهم في يوم الإثنين تاسع عشر ربيع الأول من هذه السنة. وبيّنّا ذلك بترجمته فلا نعيده.
وكان له يومًا مشهودًا بالقاهرة.
(1)
انظر عن (مامش) في: نيل الأمل 6/ 283 رقم 2698، وبدائع الزهور 2/ 460.
(2)
بياض في الأصل.
(3)
انظر عن (مبارك) في: النجوم الزاهرة 16/ 360، 361، ونيل الأمل 6/ 286 رقم 2704، وبدائع الزهور 2/ 461.
(4)
في الأصل: "ومعه اخرين".
431 -
محمد بن إسحاق
(1)
التاج القبطي، القاهري، الأسلمي.
كاتب المماليك. القاضي عَلَم الدين، أبو الفضل، المدعو أولًا بفضائل بن التاج المعروف بابن جلود.
ولد بالقاهرة على دين النصرانية إباية الأقباط بعد الثلاثين وثمانمائة.
ثم تزوّج المحتسب يار علي الخراساني
(2)
بأمّه، فاستسلمه وسمّاه "محمدًا"، وربّاه كبيرًا، وكان قبل إسلامه في حال شبوبيّته كاتب العليق للأمير جرِباش الكريمي، المعروف بعاشق. وكان جميل الصورة. ولما أسلم لم يكن له فضيلة غير معرفة قلم الدَيْوَنَة، فتعانى المباشرة، وتنقّلت به الأحوال فيها، ثم حجّ صحبة بَرسْباي البجاسي حين خروجه أميرًا على المحمل، وعاد وقد حسُن إسلامه فيما كان يظهر، واشتهر ورأس، ثم كتب في ديوان المماليك السلطانية إلى أن نقله الظاهر خُشقدم إلى الوظيفة الكبرى، بعد عزل سعد الدين، فباشرها بشهامة وافرة وحُرمة، ونالته السعادة وأثرى، ووجُه وعظُم وضخُم، وبلغ من الحرمة ونفاد الكلمة مبلغًا لم ينله الكثير ممن تقدّمه من كُتّاب المماليك، ودام على ذلك إلى سلطنة الظاهر تمربُغا، فجعل إليه مضافًا لوظيفة التحدّث على جهات خَوَند الكبرى، وهي إذ ذاك الخَوَند خمسمائة أخت كَسْباي، ودام كذلك إلى أن بَغَتَه أجله.
وكان إنسانًا عاقلًا، حشمًا، أدوبًا، وقورًا، ريّسًا، ذا رأي وسياسة، وأدب، وحشمة، وكرم نفس وسخاء، وله حذْق تامّ ومعرفة، وحُمدت سيرته في مباشراته، وباشر عدّة جهات غير ما ذكرناه.
وتوفي في ظُهر يوم الأربعاء سلْخ ذي الحجّة.
وخَلَفَه في الوظيفة ولده الشاب الرئيس كريم الدين عبد الكريم
(3)
، ففاق على أبيه مع صِغر سنّه وحداثته، حتى تُعُجّب منه.
وستأتي ترجمته في سنة إحدى وثمانين إن شاء الله تعالى.
(1)
انظر عن (محمد بن إسحاق) في: الضوء اللامع 11/ 163 رقم 515، ووجيز الكلام 2/ 798 رقم 1439، ونيل الأمل 6/ 338 رقم 2740، وبدائع الزهور 3/ 18.
(2)
لم أجد له ترجمة.
(3)
انظر عن (عبد الكريم بن العَلَم القبطي) في: الضوء اللامع 4/ 316 رقم 860، ووجيز الكلام 3/ 879 رقم 2010، والذيل التام 2/ 302، ونيل الأمل 7/ 167، 168 رقم 3018، وبدائع الزهور 3/ 122.
432 -
محمد بن جُلُبّان
(1)
ناصر الدين ابن
(2)
الأمير سيف الدين نائب الشام الجركسي الأصل، الدمشقي الحنفي.
أحد الأمراء بدمشق.
ووالده جُلُبان
(3)
قد مرّت ترجمته.
وُلد ولده هذا بدمشق في أوائل نيابة أبيه عليها أو بعد ذلك بمدّة، ونشأ تحت حجر أبيه في كَنَف العزّ والسعادة، وأُقرئ القرآن وشيئًا في الفقه وعلم الآداب والأنداب، ووُلّي إمرة بدمشق، وخرج في جملة العسكر الشامي لشاه سوار.
وبها توفي قتيلًا في يوم الوقعة الأولى.
وله دون الثلاثين سنة.
وكان عاقلًا، حشمًا، أدوبًا، رئيسًا، ساكنًا، حسن الشكل والشمائل.
433 -
محمد بن جهان شاه
(4)
بن قَرايوسف التركماني.
الماضي ولده في مرتبته.
كان عسرة وأسوأ
(5)
حالًا من أبيه وأخيه بير بُضاغ.
وهو الذي كان مع والده لما حاصر بغداد، ثم صالح ولده بير بُضاغ ورحل عنه، ثم ندم على عدم قتله، فأعاد إليه صاحب الترجمة فقتله، وطمع في ولاية بغداد، فلم يمكّنْه والده من ذلك خوفًا من أن يكون منه مثل ما كان من بير بُضاغ، لا سيما وهو فوقه في الشر بأضعاف مضاعفة. ثم لما جاء والده إلى بلاد حسن، وجرى عليه ما جرى مما قدّمناه. وقد عرفتَه.
أُخذ صاحب الترجمة وقُتل في صبيحة قتل والده في أحد الربيعين على ما تقدّم.
434 -
محمد الواصلي
(6)
، التونسي، المغربي، المالكي.
شيخنا، الإمام، العلّامة، أبو عبد الله، أحد. أفراد علماء تونس من الأعيان.
(1)
انظر عن (محمد بن جُلُبان) في: نيل الأمل 6/ 285 رقم 2703، وبدائع الزهور 2/ 460.
(2)
في الأصل: "بن".
(3)
مات (جلبان) في سنة 859 هـ. وقد ضاعت ترجمته من جملة ما ضاع من المخطوط. انظر عنه في: نيل الأمل 5/ 432 رقم 2370 وفيه مصادر ترجمته. وقد تقدّمت مصادرها قبل قليل من حوادث هذه السنة، ضمن ترجمة تنبك قرا
(4)
انظر عن (محمد بن جهان شاه) في: نيل الأمل 6/ 290 رقم 2708.
(5)
في الأصل: "اسواء".
(6)
انظر عن (محمد الواصلي) في: نيل الأمل 6/ 335 رقم 2734، وبدائع الزهور 3/ 17.
كان عالمًا بسائر الفنون العلمية، وله في ذلك اليد الطولى وسعة الباع والاطّلاع. وكان أحد مدرّسي تونس وعُدُولها، وبيده تدريس مدرسة (
…
)
(1)
.
وحضرت دروسه كثيرًا، وسمعت عليه الكثير من "صحيح مسلم" ومن تفسير القرآن، والفقه المالكي، والعربية، والمعاني، والبيان، وأصول الدين، والفقه، وغير ذلك.
وكان فصيحًا مفوَّهًا، جيّد التقرير في درسه، كثير الفوائد والإيرادات، وله أنظار دقيقة مع دين وخير، وعفّة وصلاح، وحُسن سمت وتُؤدة.
توفي في هذه السنة فيما بلغني وهو في عشر السبعين من العُمُر، رحمه الله تعالى.
435 -
مُغُلْباي الأشرفي
(2)
، الخاصكي، المعروف بجلبي.
كان من مماليك الأشرف بَرسْباي، وأظنّه صيّر خاصكيًّا في دولة (الأشرف إينال)
(3)
، ودام على ذلك إلى أن خرج في نوبة سوار صحبة الأتابك جانبك قُلَقسيز.
وتوفي قتيلًا في يوم الوقعة.
وكان لا بأس به.
436 -
مُغُلباي الجقمقي
(4)
.
أحد العشرات ورؤوس
(5)
النُوَب، (الرومي
…
)
(6)
.
كان من مماليك الأمير جقمق نائب الشام. وهو مشهور الترجمة، وتنقّلت به الأحوال بعد موت جقمق المذكور، حتى نزل في ديوان الجند السلطاني، ثم صار خاصكيًّا، ودام كذلك إلى أن تسلطن الظاهر خُشقدم، فأمّره عشرة لمعرفةٍ كانت بينهما، واستمر على ذلك إلى أن خرج في التجريدة لسوار مع الأتابك جانِبَك.
وبها توفي قتيلًا في يوم الوقعة وهو الإثنين سابع ذي القعدة من هذه السنة.
(1)
بياض في الأصل.
(2)
انظر عن (مغلباي الأشرفي) في: نيل الأمل 6/ 325 رقم 2725، وبدائع الزهور 3/ 12.
(3)
من الهامش.
(4)
انظر عن (مغلباي الجقمقي) في: الضوء اللامع 10/ 165 رقم 673.
(5)
في الأصل: "روس".
(6)
في الأصل: بياض، والذي بين القوسين من الهامش.
وكان قصير القامة جدًّا، غير محمود السيرة ولا مشكورها.
437 -
نانِق المحمدي
(1)
، الظاهري.
رأس نَوبة النُوَب.
كان من أصاغر مماليك الظاهر جقمق. وكان أنْيًا لخُشقدم من ناصر الدين، بطبقة المقدّم، لما كان آغًا بالطبقة المذكورة، فلما تسلطن قرّبه وأدناه، واختصّ به ورقّاه، فأول ما أمّره عشرة، ثم نقله إلى الأميراخورية الثانية، ثم جعله شادّ الشراب خاناة، بعد أن قرّره في جملة أمراء الطبلخاناة قبل ذلك، ثم جعله من مقدَّمين
(2)
الألوف، وسافر أميرًا على الحاج بالمحمل في سنة إحدى وسبعين، على ما تقدّم في محلّه.
ورافقه الوالد في توجّهه إلى الحجّ في هذه السنوات في بعض طريقه، وكان يتفقّده في طريقه لصُحبة كانت بينهما.
ودام نانِق على تقدمته إلى أن تسلطن الأشرف قايتباي خُشداشه، فصيّره رأس نوبة النُوَب، عِوضًا عن خُشكلدي البَيْسقي، بحكم إخراجه إلى القدس بطّالًا، بعد كائنة خيربك، وخلع الظاهر تمربُغا، ثم عُيّن في نوبة شاه سوار الأولى.
وبها توفي قتيلًا في يوم المعركة، ولم يُعلم خبر كيفية قتله، ولا وُجدت رِمّته.
وكان سِنّه نحو السبعين سنة، أو أكملها.
وكان إنسانًا شهمًا، عارفًا حال الكثير من البلاد وطوّفها في حال شبابه قبل شراء الظاهر إيّاه، فرأى الروم والكثير من بلاد العجم وغير ذلك. وكان حسن العشرة في الملتقى، لكنه كان مسرفًا على نفسه مع عصبية.
واسمه جركسيّ الأصل، ومعناه:"ابن أمّ"، وهو مركَّب من لفظين، وأصلها
(3)
: نان أقّ، وتغلّب علمًا على الشخص.
438 -
نَورُوز المحمدي
(4)
، الأشرفي.
أحد مقدَّمين
(5)
الألوف بحلب، المعروف بأبزا، وهو نوع من الجركس وجبل معروف.
(1)
انظر عن (نانق المحمدي) في: الضوء اللامع 10/ 197 رقم 841، ونيل الأمل 6/ 324 رقم 2716، وبدائع الزهور 3/ 12.
(2)
الصواب: "من مقدّمي".
(3)
الصواب: "وأصله".
(4)
انظر عن (نوروز المحمدي) في: نيل الأمل 6/ 283 رقم 2696، وبدائع الزهور 2/ 460.
(5)
الصواب: "أحد مقدّمي".
كان من مماليك الأشرف بَرسْباي، وتنقّلت به الأحوال بعد موته بالبلاد الشامية، تارة بدمشق، وتارة بحلب، وآل به الأمر أن صُيّر من مقدَّمين
(1)
الألوف بحلب، فيما أظنّ. وخرج في نوبة سوار مع النوّاب.
وبها توفي قتيلًا في يوم الوقعة الأولى.
وكان غير مشكور السيرة، غير أنه كان ساكنًا، هيّنًا، ليّنًا.
واسمه بالفارسية، وهو يوم العيد المعروف بالنَوروز، وجُعل عَلَمًا على الشخص.
439 -
(يشبُك الظاهري، الخاصكي، المعروف بقمر.
تقدّم ذِكره في الحوادث
(2)
، وكيف جاء من أسر شاه سوار، وتضخّم في جَمْع ما فدى
(3)
به نفسه من المبلغ الذي ضمنه فيه الأتابك جانِبَك قُلَقسيز، وأنه مات في أثناء ذلك، فلْيُراجَع)
(4)
.
440 -
يشبُك القَرْمي
(5)
، الظاهري.
أحد العشرات، ووالي القاهرة.
كان من مماليك الظاهر جقمق وخاصكيّته، ومات أستاذه وهو على ذلك. ولما تسلطن ولده المنصور عثمان ولّاه ولاية الشرطة على جنديّته، من غير أن يؤمّره
(6)
فيما أظنّ، وبقي بها أيامًا، ثم لما خُلع المنصور وتسلطن الأشرف إينال جرت على يشبُك هذا خطوب ومِحَن، آل به الأمر بعدها أن أُمِّر عشرة في دولة الظاهر خُشقدم، (وخرج إلى غزوة قبرس في أيام خُشقدم، وكان باشا لبعض المراكب ورأسًا في الجماعة، و (
…
…
…
)
(7)
للقاهرة)
(8)
، ودام على ذلك حتى تسلطن خُشداشه الأشرف قايتباي، فعيّنه فى تجريدة سوار.
وبها توفي قتيلًا في يوم الوقعة.
(1)
الصواب: "من مقدّمي".
(2)
انظر عن (يشبك الظاهري) ضمن "ورود الخبر بأسر الأتابك جانبك وغيره" (الورقة 186 أ].
(3)
في الأصل: "فدا".
(4)
ما بين القوسين من الهامش.
(5)
انظر عن (يشبك القرمي) في: الضوء 10/ 279 رقم 1094، ونيل الأمل 6/ 326 رقم 2729، وبدائع الزهور 3/ 12.
(6)
في الأصل: "من غير أن يأمره".
(7)
مُسح مقدار ثلاث كلمات.
(8)
ما بين القوسين من الهامش.
وكان مسرفًا على نفسه، منهمكاً في لذّاتها.
441 -
يشبُك المؤيَّدي
(1)
.
نائب صفد، المعروف بأوش قلق.
كان من مماليك المؤيَّد شيخ، وصيّر خاصكيًّا بعده، ثم أُخرج إلى البلاد الشامية في دولة الأشرف بَرْسْباي (وغلط من قال إن الأشرف المذكور جعله من مقدَّمين
(2)
دمشق، بل أُخرج إليها على شيء هيّن)
(3)
وتنقّلت به الأحوال بها في عدّة إمريّات، من جملة ذلك حجوبية دمشق الثانية، ودام عليها مدّة مطوّلة.
ورأيته أنا بدمشق في تلك الأيام وهو على هذه الوظيفة.
ثم تنقّل في عدّة ولايات بعدها بعد توجّهي إلى بلاد المغرب، حتى استقرّ به الظاهر خُشقدم في نيابة صفد، عِوضًا عن خيربك القصرُوي، فلم تحمَد سيرته بها، ولم يحمله أهل صفد حتى صرف عنها، وعاد إلى دمشق على تقدمة ألف بها، ثم عُيّن بعد ذلك لنيابة غزّة، فامتنع من ذلك، وبقي بدمشق حتى خرج لسوار في أول نوباته مع عسكر الشام صحبة النواب، (وعاد إلى دمشق متمرّضًا وبها
(4)
توفي في هذه السنة، ولم أحرّر شهر وفاته.
وكان له نحو الثمانين سنة.
وكان ظالمًا، عسوفًا، غير محمود السيرة، بخيلًا، شحيحًا، مسرفًا على نفسه، لم يُشْهَر بشجاعة ولا بفنّ من الفنون.
وهو أخو رُزمك الماضي ذِكره.
442 -
يشبُك من يلباي
(5)
الأشرفي.
أحد العشرات ورؤوس
(6)
النُوَب، المعروف بالأشقر.
كان من مماليك الأشرف بَرسْباي، وكان تاجره يلباي قد أحضر جماعة منهم: تغري بردي خازندار يشبُك الدوادار، الذي هو الآن الأستادّار، لكنّه من الظاهرية.
(1)
انظر عن (يشبك المؤيدي) في: الضوء اللامع 10/ 279 رقم 1082 وفيه: "يشبك باش قلق" ومعناه: ثلاثة آذان، ونيل الأمل 6/ 288، 289 رقم 2706، وبدائع الزهور 2/ 461.
(2)
الصواب: "من مقدَّمي".
(3)
ما بين القوسين من الهامش.
(4)
ما بين القوسين من الهامش.
(5)
انظر عن (يشبك من يلباي) في: نيل الأمل 6/ 326 رقم 2727، وبدائع الزهور 3/ 12.
(6)
في الأصل: "روس".
وستأتي ترجمته في محلّها.
وصُيّر يشبُك هذا خاصكيًّا في دولة العزيز يوسف، فيما يغلب على ظنّي. ثم لما خُلع العزيز وتسلطن الظاهر جقمق، نفاه إلى البلاد الشامية، وبقي بها مدّة، ثم استُقدم إلى القاهرة وأعيد إلى الخاصكية على إقطاع جيّد في دولة الأشرف إينال. وحج أميرًا على الركب الأول في سنة خروج الشهابي أحمد بن الأشرف المذكور أميرًا على المحمل، وهي سنة إحدى وستين على ما عرفت ذلك في محلّه، ودام على ما هو عليه بعد عَوده من الحج، إلى أن تسلطن المؤيَّد أحمد بعد والده، فأقره عشرة، ثم صيّره من رؤوس
(1)
النُوَب، ودام كذلك إلى سلطنة الأشرف قايتباي، فعيّنه إلى التجريدة صحبة الأتابك جانبك قُلَقسيز.
فبغته الأجل هناك، فقيل في يوم الوقعة، وقيل قُبض عليه، وضربت عُنقه بين يدي سوار، وهو الأرجح على ما أظنّ.
(1)
في الأصل: "روس".