المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المقدمة الحمد لله القائل: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ - الشامل في زكاة الأسهم واستثمار أموال الزكاة

[صالح بن زابن المرزوقي البقمي]

فهرس الكتاب

‌المقدمة

الحمد لله القائل: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)} (الشمس: 9 - 10)

والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد، القائل:«بني الإسلام على خمس؛ شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، إيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً»

(1)

. وبعد:

فقد تناول هذا الكتاب موضوعين كل منهما في غاية الأهمية.

أولهما: الزكاة، وهي ركن من أركان الإسلام؛ فرضها الله على كل مسلم قادر.

وثانيهما: أسهم شركات المساهمة؛ وهي نوع جديد من المعاملات المالية، لم يسبق للفقه الإسلامي في عصور ازدهاره أن عرفها.

ولظني أنه اشتمل على معظم المسائل المهمة في موضوعه، إن لم يكن كلها سميته (الشامل في زكاة الأسهم واستثمار أموال الزكاة)

وأسهم الشركات، وما تعلق بها نازلة من النوازل الفقهية، ولها جوانب متعددة؛ ومن أهم هذه الجوانب زكاتها.

ومن أهم ما يتعلق بزكاة الأسهم معرفة من يجب عليه أداؤها، أهو المساهم أم الشركة، وقد تم بيان ذلك في الباب الأول وهو:(من تجب عليه زكاة أسهم الشركة المساهمة). وقد جاء في خمسة مباحث.

ولتنوع استثمارات أموال الشركات في هذا العصر تنوعاً كثيراً؛ كأن تكون شركة تجارية محضة، أو أن تكون زراعية، أو عقارية، أو خدمية، أو شركة نقل، أو مواشٍ، أو غير ذلك، وكل نوع من هذه الأنواع قد يتداخل مع نوع آخر.

(1)

صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 1/ 49.

ص: 11

ولتباين وجهات نظر المعاصرين في مسائل كثيرة من زكاة أسهم الشركات؛ من حيث شمول الزكاة لرأس المال والأرباح، أو قصره على الأرباح؛ ومن حيث التسوية بين جميع الشركات، أو عدم ذلك مراعاة لنوع نشاطها. أو بناءً على الأصل المعهود من نشاط الأفراد فيما شابهها؛ ومن حيث إن صاحب الأسهم أعدها للتجارة أو للحصول على أرباحها؛ ومن حيث مقدار الواجب فيها، تناولت هذا الموضوع في الباب الثاني وهو:(تحرير القول في زكاة أسهم الشركات بالنظر إلى نوع نشاطها).

وقد أوردت للعلماء المعاصرين خمسة آراء، يختلف كل منها عن الآخر، وقد يلتقي بعضها في جزئية محددة أو أكثر.

ولما أثير بشأن (استثمار أموال الزكاة في مشاريع ذات ريع يعود على مستحقيها)؛ وذلك بأن تتولى إدارة معينة من قبل ولي الأمر استثمار جزء من موارد الزكاة؛ كإنشاء مصانع أو مزارع، أو متاجر لينمى هذا الجزء، وما ينتج عنه من أرباح يوزع على مستحقيها. تناولت هذا الموضوع في الباب الثالث، وجاء في أربعة فصول.

وقد أفردت مبحثاً خاصاً في كل باب أوضحت فيه رأيي مؤيداً ذلك بالأدلة، وبنقول عن أصحاب المذاهب الفقهية.

ولست أزعم أنني لم اُسبق بالكتابة في هذه الموضوعات، بل كُتبت فيها بحوث عديدة، وصدرت في شأنها قرارات من مجامع فقهية وهيئات شرعية. وبعض البحوث كانت جيدة وعميقة، لكنها لم تستوف كل جوانب الموضوع من جهة، ومن جهة أخرى لم يسلك معظمها منهج البحث العلمي؛ كما أن لي وجهة نظر

ص: 12

لا تتوافق مع بعض آرائها، وبالنسبة لقرارات الهيئات الشرعية

(1)

. وإن كان فيها خير كثير، وكانت موفقة أيما توفيق، إلاّ أنها لم تتناول بعض الجوانب بوضوح.

وقد تجنبت ذكر الآراء الضعيفة والشاذة، أو الجزئيات غير المؤثرة، لأنها من جهة مستوفاة في كتب الفقه، ومن جهة أخرى ليست من أهداف البحث، ولأن من منهجي الإيجاز ما أمكن.

وفيما أرى أن الكتاب أثار مشكلات عديدة وأجاب عنها، مستفيداً ممن سبقني، ومن واقع التطبيق العملي، والاعتماد على الأدلة والاهتداء بمقاصد الشريعة الغراء، والأخذ في الحسبان أنا أمام قضايا لها جوانب متعددة وشائكة؛ لزاماً على الباحث أن يلتمس في هدي الشريعة وسماحتها ما يجلي الصورة، ويوضح الجواب، ونأمل أن الله جلت قدرته قد يسّر ذلك.

ومنهجي في ذلك على ما يلي:

1 -

جمع أهم ما يتعلق بكل موضوع من المصادر الأصيلة القديمة، ومن بحوث المعاصرين، وعرضه عرضاً جديداً، مبوباً ومرتباً، يساعد على توضيحه، وعلى بيان الحكم الشرعي الذي يفضي البحث إليه.

2 -

تمحيص ما ورد في الموضوع من خلافات كثيرة، واضحة حيناً، ومتشابكة أحياناً أخرى، وتصنيفها وضم كل صنف منها إلى صنفه؛ حتى تتجانس جزئياته مندرجة تحت كلياته.

3 -

عرض آراء الهيئات الشرعية التي لها رأي في الموضوع، وآراء العلماء المعاصرين، وتخريج هذه الآراء على ما يمكن تخريجه عليه من أقوال العلماء السابقين والأئمة المتبوعين.

(1)

أعني بها مجمع الفقه الإسلامي بجدة، والهيئة الشرعية العالمية للزكاة بالكويت.

ص: 13

4 -

تحرير محل النزاع، وذكر نصوص القرارات، ونقل نصوص بعض العلماء إذا دعت الحاجة.

5 -

إيراد أدلة كل فريق، وعند عدم وفاء ما ذكروه فإني أفترض لهم أدلة وأوردها، أو أكملها، وأعمل على إيضاحها، وأبين وجه دلالتها، وأذكر مصادرها، وإن كانت الأدلة حديثية فإني أبين درجة الاحتجاج بها.

6 -

مناقشة هذه الأدلة مناقشة أرجو أن تكون وافية، وفي حالة عدم وجود مناقشة لأي من الفريقين، فإني أفترض لهم مناقشة في ضوء رأيهم وأدلتهم.

7 -

بعد ما سبق أقوم بترجيح الرأي الذي أراه أقوى دليلاً، مع بيان سبب الترجيح، وأُورد الأدلة، والتعليلات التي تؤيده، وربما افترضت ما يمكن أن يورد عليها، وأُجيب عن هذا الافتراض.

8 -

اختيار سهولة العبارة، ووضوح الفكرة، مع البعد عن الإطناب.

9 -

الاتصال ببعض الشركات في المملكة العربية السعودية؛ لمعرفة كيفية تزكيتها لأسهمها.

وكما اشتمل الكتاب على الأبواب الثلاثة المذكورة، فقد اشتمل على هذه المقدمة، وعلى مبحث تمهيدي، وخاتمة، وثبت للمراجع.

اللهم أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

ص: 14

سائلاً المولى جلت قدرته أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخراً لي يوم الدين، وأن ينفع به عموم المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.

تم هذا الشامل بفضل الله

يوم الاثنين 07/ جمادى الآخرة/ 1443 هـ _ 10/ يناير/ 2022 م

في حي العوالي- بمكة المكرمة

ص: 15

‌الباب الأول

من تجب عليه زكاة أسهم الشركة المساهمة

ص: 17

‌ملخص الباب الأول

اختلف العلماء المعاصرون فيمن تجب عليه زكاة الأسهم أهو المساهم أم الشركة؟ على ثلاثة أقوال:

أ- تجب على المساهم.

ب- تجب على المساهم، وتخرجها إدارة الشركة نيابة عنه.

ج- تجب على الشركة.

والرأي الذي توصلت إليه هو أن وجوب الزكاة متوجه إلى الشركة لا إلى آحاد المساهمين، لأن الزكاة تكليف متعلق بالمال، ولذا فإنها تجب على الشخص الاعتباري حيث لا يشترط لها التكليف الذي أساسه العقل والبلوغ، كوجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون، ويدفعها عنهما وليهما، هذا إذا كانت الشركة تقوم بإخراجها، أما إذا كانت لا تقوم بذلك فيجب على المساهم أن يخرج زكاة أسهمه. وما توصلت إليه هو للأدلة التي أُوردت في المبحث الخامس ومنها عموم حديث «لا يُجمعُ بين متفرِّقٍ ولا يُفرَّقُ بين مجتمعٍ خشيةَ الصَّدقةِ»

(1)

، وكذلك أخذاً بمبدأ الخلطة في أموال التجارة، ولثبوت ملكية كل شريك فيما قدمه بقية الشركاء، وبناءً على شخصيتها المعنوية، فيجب على ذي السلطة فيها إخراجها، وعليه فإذا كانت الشركة في دولة إسلامية تطبق نظام الزكاة، أو كانت في دولة غير إسلامية، لكنها تتمكن من أداء الزكاة لمصارفها، لزم الشركة أن تقوم بحصر الزكاة، وتسليمها إلى الجهة المختصة بها، لتقوم بتوزيعها على مستحقيها.

(1)

صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 3/ 314، واللفظ له، سنن أبي داود 2/ 222. مصنف عبدالرازق 4/ 8 وما بعدها، والدار قطني: 1/ 2/ 77، سنن ابن ماجة 1/ 576؛ رقم 1801، والبيهقي في سننه 4/ 105.

ص: 19

‌مبحث تمهيدي

في حكم الزكاة، وحكم من لم يؤدها جحوداً أو تهاوناً

‌المطلب الأوّل:

حكم وجوب الزكاة:

الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وفرضٌ من فروضه، وهي حق مالي، فُرضت للمواساة والإحسان، فتجب العناية بها، والحرص على أدائها كما أوجب الله، وقد جمع الله بينها وبين الصلاة في اثنين وثمانين موضعاً من كتابه الكريم، منها قول الله عز وجل {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)} (البقرة: 43)، وقوله سبحانه:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56)} (النور: 56)، وقوله تعالى {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (البينة: 5)، وكذلك جمع بينهما الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً رضي الله عنه إلى اليمن:«ادْعُهُمْ إلى شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا الله، وأَنِّي رَسولُ الله، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لذلكَ، فأعْلِمْهُمْ أنَّ الله قَدِ افْتَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كُلِّ يَومٍ ولَيْلَةٍ، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لذلكَ، فأعْلِمْهُمْ أنَّ الله افْتَرَضَ عليهم صَدَقَةً في أمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أغْنِيَائِهِمْ وتُرَدُّ علَى فُقَرَائِهِمْ»

(1)

.

وبهذا تبين عظم شأن الزكاة، وأنها في كتاب الله، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم قرينة الصلاة، والصلاة لا يخفى عظم شأنها، فهي عمود الإسلام، وهي أعظم الأركان

(1)

صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 3/ 261.

ص: 21

بعد الشهادتين، والزكاة أختها وقرينتها، فمن بخل بها حُشر مع أعداء الله، الذين آثروا المال على طاعة الله ورسوله

(1)

.

وقد وجبت بالكتاب والسنة والإجماع

(2)

، وقد سبق ذكر بعض آياته الدالة على ذلك، أما السنة فمنها حديث معاذ الذي سبق ذكره، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم:«بُنِيَ الإسْلَامُ علَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا الله وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ الله، وإقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضَان »

(3)

. وأما الإجماع فقد أجمع المسلمون في جميع الأعصار على وجوبها، واتفق الصحابة على قتال مانعها

(4)

.

فيجب على كل مسلم مكلّف، إحصاء ما لديه من المال الزكوي، وإخراج زكاته إذا حال عليه الحول، وبلغ نصاباً، ويكون طيب النفس بذلك، أداءً لما أوجبه الله، وشكراً لنعمته، وإحساناً إلى عباده، وإذا فعل المسلم ذلك، ضاعف الله له الأجر، وأخلف عليه ما أنفق

(5)

، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (سورة البقرة: 277). {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (سورة سبأ: 39) وبارك له في الباقي، قال صلى الله عليه وسلم:«مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الْآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا»

(6)

. وزكاه وطهره، كما قال الله سبحانه:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (التوبة: 103).

(1)

الموقع الرسمي لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز على الشبكة العنكبوتية.

(2)

المغني 2/ 476.

(3)

صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 1/ 49.

(4)

المغني، موقع سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز على الشبكة العنكبوتية.

(5)

الموقع الرسمي لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز على الشبكة العنكبوتية.

(6)

صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 3/ 304.

ص: 22

ويجب على المسلم أن يعظم حرمات الله، وأن يحذر من التساهل في أداء الزكاة، للأدلة التي سبق ذكرها، أما غير المكلف من المسلمين؛ كالصغير والمجنون، فالواجب على وليّه إخراج زكاة ماله

(1)

، كلما حال عليه الحول، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«ابتَغُوا في مالِ اليتامى لا تأكُلُها الزكاةُ»

(2)

، ولعموم الأدلة من الكتاب والسنة الدالة على وجوب الزكاة في مال المسلم مكلفاً أو غير مكلف.

ويرى الحنفية أنها لا تجب على الصبي والمجنون، وعّللوا ذلك بأنها عبادة محضة، وليسا مخاطبين بها

(3)

.

والراجح هو رأي الجمهور لعموم الأدلة الشاملة للمسلم مكلّفاً أو غير مكلّف، وليس في أيٍ منها استثناء للصبي والمجنون، بل ورد الحديث المحتج به مؤيداً لعموم الأحاديث الأخرى. كما يؤيد ذلك ما أخرجه ابن زنجويه بسنده إلى الحكم ابن أبي العاص الثقفي قال: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لي: هل قبلكم متجر؟ فإن في يدي مالاً ليتيم، قد كادت الصدقة أن تأتي عليه.

(4)

(1)

المهذّب مع المجموع 5/ 297، المغني 2/ 477، بداية المجتهد 1/ 245.

(2)

المهذّب، المغني، قال النووي:(هذا الحديث ضعيف، رواه الترمذي والبيهقي من رواية المثني بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم، والمثني بن الصباح يضعف في الحديث، ورواه الشافعي والبيهقي بإسناد صحيح عن يوسف بن ماهك عن النبي مرسلاً، وقد أكّد الشافعي هذا المرسل بعموم الحديث الصحيح في إيجاب الزكاة) المجموع 5/ 297.

(3)

رد المحتار على الدّر المختار 3/ 173. طبع ونشر دار عالم الكتب، الرياض، سنة 1423 هـ - 2003 م.

(4)

الأموال لابن زنجويه 3/ 990. وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير 1/ 2/ 331 عن أبي نعيم بهذا الإسناد، وابن حزم من طريق وكيع عن القاسم بن فضيل، وعبد الرزاق 4/ 67 و 68، وأبو عبيد ص 405، وأخرجه البيهقي 4/ 107، ورواه الشافعي من حديث عمرو بن دينار وابن سيرين عن عمر مرسلاً. قال: الدكتور شاكر ديب فياض محقق كتاب الأموال لابن زنجويه: إسناد ابن زنجويه صحيح.

ص: 23

‌المطلب الثاني:

حكم من لم يؤد الزكاة جحوداً أو بخلاً أو تهاوناً

‌الفرع الأول: حكم من لم يؤد الزكاة جحوداً لوجوبها

في حكم تارك الزكاة تفصيل، فإن تركها جاحداً لوجوبها مع توافر شروط وجوبها عليه كفر بذلك إجماعاً، ولو زكّى ما دام جاحداً لوجوبها

(1)

، وهو مرتد تجري عليه أحكام المرتدين

(2)

.

فالجاحدون لوجوب الزكاة حكمهم حكم الكفرة، ويحشرون معهم إلى النار، وعذابهم فيها مستمر أبد الآباد كسائر الكفرة؛ لقول الله عز وجل في حقهم وأمثالهم:{كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} البقرة: (167). وقال {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} (المائدة: 37). والأدلة في ذلك كثيرة، ومن السنة حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلُ النَّاسَ حتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إلَهَ إلَّا الله، ويُؤْمِنُوا بي، وبِما جِئْتُ به، فإذا فَعَلُوا ذلكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِماءَهُمْ، وأَمْوالَهُمْ إلَّا بحَقِّها، وحِسابُهُمْ علَى اللَّهِ»

(3)

فدّل هذا الحديث، وما جاء في معناه، على أن الذي يمتنع من أداء الزكاة، يُباح قتاله، كما قاتل الصديق مانعيها؛ لأنه لا يكون معصوم الدم إلاّ بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ولهذا لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم امتنع بعض العرب من أداء الزكاة، وارتدوا عن الإسلام، وتنوعت ردتهم، فبعضهم قال: لو كان نبياً ما مات، وجهل أن الأنبياء ماتوا قبله عليه الصلاة والسلام. وبعضهم قال: هذه الزكاة لن نؤديها، وبعضهم ارتد بأنواع أخرى، فقام أبو بكر في الناس خطيباً رضي الله عنه وأرضاه، وحث الصحابة على قتالهم

(1)

المغني 2/ 277.، مجموع فتاوى ابن باز 1/ 227، طبع ونشر رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء، الطبعة الأولى، 1420 - 1999 م.

(2)

المراجع السابقة.

(3)

صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 1/ 75.

ص: 24

حتى يدخلوا في الإسلام كما خرجوا منه، فراوده عمر في ذلك

(1)

جاء في صحيح البخاري: «لمّا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبوبكر رضي الله عنه، وكفر من كفر من العرب، فقال عمر رضي الله عنه كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّ الله، فمن قالها فقد عصم منّي ماله ونفسه إلاّ بحقها وحسابه على الله»

(2)

. فقال: «والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، واللهِ لو مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلى رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ علَى مَنْعِهَا»

(3)

وفي لفظ (عِقالاً).

قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: «فَما هو إلَّا أنْ رَأَيْتُ أنَّ الله شَرَحَ صَدْرَ أبِي بَكْرٍ رضي الله عنه بالقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أنَّه الحَقُّ»

(4)

. فأجمع الصحابة على هذا، وقاتلوا المرتدين، وجاهدوهم جهاداً عظيماً، حتى أدخلوهم في الإسلام كما خرجوا منه، إلاّ من سبقت له الشقاوة فقُتل على ردته؛ كمسيلمة الكذاب وآخرون. وهدى الله من هدى منهم من بقاياهم

(5)

.

وإذا طلبها ولي الأمر وجب أن تؤدى إليه، فإن لم يطلبها وزعها المسلم بين المستحقين لها. وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن مانع الزكاة إذا أُخذت منه قهراً لا يؤخذ معها من ماله شيء.

وذهب الشافعي في القديم

(6)

، وإسحاق بن راهويه، وأبو بكر عبد العزيز من أصحاب أحمد إلى أن مانع الزكاة يؤخذ شطر ماله عقوبةً له، مع أخذ الزكاة منه

(7)

.

(1)

المغني/ 476، وانظر: موقع سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز على الشبكة العنكبوتية.

(2)

صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 3/ 262 رقم الحديث (1399)

(3)

المصدر السابق رقم الحديث (1400).

(4)

الحديث السابق.

(5)

المغني 5/ 476 والموقع الرسمي لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز على الشبكة العنكبوتية.

(6)

مذهب الشافعي رحمه الله على قوله الجديد.

(7)

المغني 2/ 477، الموسوعة الفقهية 23/ 231، ط 2 (1412 - 1992 م).

ص: 25

يُستدل لقول الجمهور بحديث «ليس في المالِ حقٌّ سوَى الزَّكاةِ»

(1)

وبأن الصحابة رضي الله عنهم لم يأخذوا نصف أموال الأعراب الذين منعوا الزكاة.

واستدل أصحاب القول الثاني: بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «في كلِّ إبلٍ سائمةٍ في كلِّ أربعينَ ابنةُ لبونٍ لا يفرَّقُ إبلٌ عن حسابِها من أعطاها مؤتَجرًا فلَهُ أجرُها ومن أبى فإنَّا آخذوها وشطرَ إبلِهِ عزمةٌ من عزماتِ ربِّنا لا يحلُّ لآلِ محمَّدٍ منْها شيءٌ»

(2)

.

والراجحُ قول الجمهور لقوة أدلتهم، وأُجيب عن حديث «فإنَّا آخِذوها وشَطْرَ مالِهِ» بما قاله البيهقي وغيره: بأنّ حديث بهز منسوخ

(3)

، وبما أجاب به إبراهيم الحربي (بأن: لفظه وهم فيه الراوي، وإنما هو:«فإنّا آخذوها من شطر ماله» أي نجعل ماله شطرين، فيتخير عليه المصدّق، ويأخذْ الصدقة من خير الشطْرين عقوبةً لمنعه الزكاة، فأمّا ما لا يلْزمه فلا)

(4)

.

ومن كان مقراً بوجوب الزكاة، ومنعها وهو خارج عن قبضة الإمام، فعلى الإمام أن يقاتله، لأن الصحابة قاتلوا الممتنعين من أدائها، فإن ظفر به أخذها منه من غير زيادة على قول الجمهور كما تقدم.

ومانع الزكاة المنكر لوجوبها، إن كان جاهلاً ومثله يجهل ذلك، لحداثة عهده بالإسلام، أو لأنه نشأ ببادية بعيدة عن الأمصار، أو نحو ذلك، فإنه يعرَّف وجوبها ولا يُحكم بكفره، لأنه معذور، وإن كان مسلماً ناشئاً ببلاد الإسلام بين

(1)

سنن ابن ماجة 1/ 570، تلخيص الحبير 2/ 160 وضعّف ابن حجر أحد رواته.

(2)

سنن أبي داود 2/ 233، 234، اختلف الناس في القول بظاهر هذا الحديث:(لأن أحد رواته يضعف في الحديث وهو بهز بن حكيم) فمذهب أكثر الفقهاء أن الغلول في الصدقة لا يوجب غرامة في المال، وهو مذهب الثوري وأصحاب الرأي وإليه ذهب الشافعي. وكان الأوزاعي يقول: في الغال في الغنيمة إن للإمام أن يحرق رحله، وكذلك قال: أحمد وإسحاق. وفي تلخيص الحبير 2/ 162 بهز بن حكيم قال أبو حاتم هو شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال الشافعي: ليس بحجة، وهذا الحديث (لا يثبته أهل العلم بالحديث، ولو ثبت لقلنا به) وكان قال به في القديم.

(3)

تلخيص الحبير 2/ 160 - 161.

(4)

المصدر السابق.

ص: 26

أهل العلم فيُحكم بكفره، ويكون مرتداً، وتجري عليه أحكام المرتد، لكونه أنكر معلوماً من الدين بالضرورة

(1)

.

‌الفرع الثاني: حكم من لم يؤدها بخلاً أو تهاوناً أو تأولاً

إن تركها المسلم بخلاً أو تهاوناً أو تأولاً، فإنه يعتبر بذلك فاسقاً، قد ارتكب كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب، وهو تحت مشيئة الله إن مات على ذلك؛ لقول الله سبحانه:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} (النساء: 48). ولا يحكم بكفره، ولذا فإن مات في قتاله عليها، ورثه المسلمون من أقاربه وصُلى عليه.

وفي رواية عن أحمد يحكم بكفره ولا يُورثْ ولا يُصلى عليه، لما روي أن أبا بكر لما قاتل مانعي الزكاة، وعضتهم الحرب قالوا: نؤديها، قال: لا أقبلها حتى تشهدوا أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، ووافقه عمر. ولم ينقل إنكار ذلك عن أحدٍ من الصحابة فدّل على كفرهم

(2)

.

وكل مالٍ لا تُؤدى زكاته فهو كنز، يعذب به صاحبه يوم القيامة، وقد دل القرآن الكريم والسنة المتواترة على أن تارك الزكاة يعذب يوم القيامة بأمواله التي ترك زكاتها، ثم يُرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار. وهذا الوعيد في حق من ليس جاحداً لوجوبها. قال سبحانه وتعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (التوبة: 34) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما مِنْ صاحِبِ ذَهَبٍ ولا فِضَّةٍ، لا يُؤَدِّي مِنْها حَقَّها، إلَّا إذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ، صُفِّحَتْ له صَفائِحُ مِنْ نارٍ، فَأُحْمِيَ عليها في نارِ جَهَنَّمَ، فيُكْوَى بها جَنْبُهُ وجَبِينُهُ وظَهْرُهُ، كُلَّما بَرَدَتْ أُعِيدَتْ له، في يَومٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ

(1)

المغني 2/ 477، الموسوعة الفقهية 23/ 231، (1412 - 1992 م).

(2)

المصدر السابق ص 231.

ص: 27

ألْفَ سَنَةٍ، حتَّى يُقْضَى بيْنَ العِبادِ).

(1)

كما دلّت على تعذيب من لم يزك ما عنده من بهيمة الأنعام - الإبل والبقر والغنم - وأنه يعذب بها نفسها يوم القيامة. وإذا بخل بالزكاة وتهاون بأمرها، غضب الله عليه، ونزع بركة ماله، وسلط عليه أسباب التلف والإنفاق في غير الحق، وعذبه به يوم القيامة قَالَ صلى الله عليه وسلم:«تَأْتِي الْإِبِلُ عَلَى صَاحِبِهَا عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ إِذَا هُوَ لَمْ يُعْطِ فِيهَا حَقَّهَا تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَأْتِي الْغَنَمُ عَلَى صَاحِبِهَا عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ إِذَا لَمْ يُعْطِ فِيهَا حَقَّهَا تَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَقَالَ وَمِنْ حَقِّهَا أَنْ تُحْلَبَ عَلَى الْمَاءِ قَالَ وَلَا يَأْتِي أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِشَاةٍ يَحْمِلُهَا عَلَى رَقَبَتِهِ لَهَا يُعَارٌ فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُ وَلَا يَأْتِي بِبَعِيرٍ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ لَهُ رُغَاءٌ فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُ»

(2)

، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ شُجَاعاً أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثم يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ -يَعْنِي شِدْقَيْهِ- ثم يَقُولُ أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ» ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (آل عمران: 180)

(3)

.

وحُكم من ترك زكاة العملة الورقية، أو عروض التجارة، ومنها الأسهم حكم من ترك زكاة الذهب والفضة؛ لأنها حلت محلها وقامت مقامها.

(1)

صحيح مسلم بشرح النووي 3/ 17.

(2)

صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 3/ 267.

(3)

المصدر السابق ص 268.

ص: 28

‌المبحث الأول في تعريف الزكاة، والشركة، والأسهم

‌المطلب الأول: تعريف الزكاة

الزكاة لغة: مصدر زكا الشيء إذا نما وزاد؛ يقال زكا الزرع يزكو زكاءً، والمال يزكو إذا كثر وزاد

(1)

.

وأصل الزكاة في اللغة: الطهارة، والنماء، والبركة، والمدح

(2)

. قال أبو الحسن الواحدي: والأظهر أن أصلها من الزيادة

(3)

، وقد جاء لفظ الزكاة بجميع هذه المعاني في القرآن الكريم. قال تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (التوبة: 103)، وقال الله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} أي طهرها من الأدناس، وقال تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ

أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} (النجم: 32) أي لا تمدحوها. وقال ابن فارس: الأصل في الزكاة: رجوعها إلى هذين المعنيين، وهما النماء والطهارة

(4)

.

فالزكاة في اللغة تطلق على النماء، وتطلق على المدح والصلاح والطهارة والبركة، فإن من يخرج الزكاة يحصل لنفسه المدح والثناء الجميل.

قال أبو علي: الزكاة: صفوة الشيء

(5)

.

(1)

مختار الصحاح، المصباح المنير مادة (زكا).

(2)

لسان العرب، مادة (زكا). النهاية في غريب الحديث والأثر حرف الزاي، باب الزاي مع الكاف، المفردات في غريب القرآن ص 213 و 214. المجموع 5/ 291.

(3)

المجموع 5/ 291.

(4)

معجم مقاييس اللغة 3/ 17.

(5)

المحكم والمحيط الأعظم 7/ 74. والمراد به أبو علي الفارسي.

ص: 29

واصطلاحاً: للعلماء اتجاهان في تعريف الزكاة، فمنهم من يعرفها بالمعنى الاسمي، أي باعتبار القدر المخرج، ومنهم من يعرفها بالمعنى المصدري، أي باعتبار الإخراج.

فمن تعريف الزكاة بالمعنى الاسمي، أنها «اسم لقدر مخصوص يجب صرفه لأصناف مخصوصة بشرائط»

(1)

.

ومن تعريفها بالمعنى المصدري، أنها:«إخراج جزء مخصوص من مال مخصوص بلغ نصاباً إن تم الملك وحال الحول»

(2)

.

وقد عرف ابن عرفة الزكاة بالاعتبارين، فقال: «الزكاة اسماً: جزء من المال شرط وجوبه لمستحقه بلوغ المال نصاباً، ومصدراً: إخراج جزء

الخ»

(3)

.

إذاً فهي تطلق شرعاً على إخراج مال الزكاة، كما تطلق على القدر المخرَج من المال، ولذلك عرفها ابن قدامة بأنها:«حق يجب في المال»

(4)

؛ والحق يشمل الإخراج والقدر المخرج معاً.

وترد شرعاً بالاعتبارين معاً؛ أما الأول؛ فلأن إخراجها سبب للنماء في المال، أو بمعنى أن الأجر يكثر بسببها، أو بمعنى أن تعلق أهلها بالأموال ذات النماء كالتجارة، والزراعة، كما جاء أن الله تعالى يربي الصدقة

(5)

. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَصَدَّقَ بعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، ولَا يَقْبَلُ اللهُ إلَّا الطَّيِّبَ، وإنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهَا بيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كما يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ» (متفق عليه)

(6)

.

(1)

مغني المحتاج للشربيني 1/ 268.

(2)

جواهر الإكليل للآبي 1/ 188.

(3)

شرح حدود ابن عرفة 1/ 140.

(4)

المغني لابن قدامة 4/ 5.

(5)

مغني المحتاج 1/ 268، نيل الأوطار 4/ 114.

(6)

صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 3/ 326، نشر دار الريان للتراث، القاهرة.

ص: 30

أما الثاني؛ فلأنها طهرة للنفس من رذيلة البخل، وطهرة من الذنوب، كما أن معنى الثناء والبركة والصلاح مراد شرعاً.

والمناسبة بين المعنى اللغوي والشرعي للزكاة ظاهرة، قال ابن عابدين: وكلها توجد في المعنى الشرعي؛ لأنها تطهر مؤديها من الذنوب ومن صفة البخل بإنفاق بعضه؛ ولذا كان المدفوع مستقذراً

وتنميه بالخلف

(1)

قال الله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)} (سبأ: 39)، ويمدح بها الدافع، ويثني عليه بالجميل

(2)

قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4)} (المؤمنون: 4).

(1)

رد المحتار على الدر المختار 2/ 2.

(2)

كشاف القناع 2/ 166.

ص: 31

‌المطلب الثاني: تعريف الشركة:

تعريفها لغة: للشركة في اللغة ثلاثة معان وهي:

المخالطة

(1)

، والاختلاط

(2)

، والخلط

(3)

.

(هذه العبارات كل منها له معنى خاص، فالمخالطة مفاعلة تدل على خلط من كل من الشريكين، والخلط يدل على وجوده من أحدهما، والاختلاط هو أثر الخلط، سواء تم بصنع الشريكين، أو بدون صنعهما، بأن اختلط المالان بعامل خارج عن إرادتهما

(4)

.

(فمن عبر بالخلط، أو المخالطة راعى الفعل الصادر من الشريكين، ومن عبر بالاختلاط راعى أثره. لكن لما كانت الشركة تحصل تارة في رأس المال، وتارة في الربح، كان التعبير بالاختلاط أعم؛ لأنه يشمل ما حصل بخلط، أو بدونه؛ كالحاصل في ربح المضاربة، وشركة الأبدان)

(5)

.

تعريفها اصطلاحاً:

عرف الحنفية شركة العقد بأنها: (عقد بين المتشاركين في الأصل والربح)

(6)

.

وعرفها الدردير من المالكية بأنها: (عقد مالكَيْ مالين فأكثر على التجر فيهما معاً، أو عقد على عمل بينهما والربح بينهما بما يدل عليه عرفاً)

(7)

.

وعرفها الشافعية بأنها: (ثبوت الحق في شيء لاثنين فأكثر على جهة الشيوع)

(8)

.

(1)

لسان العرب، تهذيب اللغة، تاج العروس، مادة «شرك» .

(2)

فتح الباري 5/ 195، عون المعبود 9/ 236، تبيين الحقائق 3/ 312، مواهب الجليل 5/ 117، الشرح الكبير للدردير 3/ 313، مغني المحتاج 2/ 211، تحفة المحتاج 5/ 3.

(3)

فتح القدير 5/ 4، الدر المنتقى شرح الملتقى 149، الفقه على المذاهب الأربعة 3/ 63.

(4)

شركات العقد في الشرع الإسلامي ص 4، للدكتور صالح بن زابن المرزوقي، رسالة ماجستير مطبوعة على الآلة الكاتبة.

(5)

المصدر السابق.

(6)

رد المحتار على الدر المختار 3/ 333.

(7)

الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك للدردير 3/ 455.

(8)

مغني المحتاج 2/ 211.

ص: 32

وعرفها الحنابلة بأنها: (اجتماع في تصرف)

(1)

.

وقد أضفنا لتعريف الحنابلة قيد «للكسب لهما» ، فصار التعريف:«اجتماع في تصرف للكسب لهما»

(2)

. وفائدة هذا القيد بيان للغرض الذي تنعقد الشركة من أجله، وهو طلب الكسب. ولتخرج الوكالة، فإنه قد يجتمع اثنان في التصرف في الوكالة.

ولعل أجمعها وأدقها عبارة تعريف المالكية.

‌المطلب الثالث: تعريف شركة المساهمة، والأسهم:

‌الفرع الأول: تعريف شركة المساهمة:

(عقد يلتزم بمقتضاه شخصان، أو أكثر بأن يساهم كل منهم في مشروع يستهدف الربح، بتقديم حصة من مال، أو عمل، أو منهما معاً، لاقتسام ما ينشأ عن هذا المشروع من ربح، أو خسارة)

(3)

.

تناول التعريف شركات العقد، وهي التي تتم بطريق التعاقد بين أطرافها، وبين أركان الشركة، فأشار بقوله:(عقد) إلى الصيغة، وبقوله:(شخصان فأكثر) إلى العاقدين، وبقوله:(بتقديم حصة من مال، أو عمل) إلى المحل المعقود عليه.

وحيث إن الصيغة هي التي تنبئ عن رضا الأطراف، بوصفها الإرادة الظاهرة المعول عليها في إنشاء العقد، فالإشارة إليها تدل على أنه يجب أن يكون هناك تراضٍ على رأس مال الشركة، وشروطها، ومجال نشاطها، حتى يصح العقد ويترتب عليه أثره.

(4)

ثم ذكر التعريف أهم أحكام الشركة، وهو الاشتراك في الربح والخسارة

(5)

.

(1)

كشاف القناع 3/ 497، الروض المربع 5/ 242.

(2)

شركات العقد في الشرع الإسلامي ص 5.

(3)

نظام الشركات السعودي، المادة الثانية.

(4)

شركة المساهمة في النظام السعودي دراسة مقابلة بالفقه الإسلامي، للدكتور صالح بن زابن المرزوقي البقمي ص 40 - 44.

(5)

المرجع السابق.

ص: 33

‌الفرع الثاني: تعريف الأسهم:

الأسهم لغة: جمع سهم، أي النصيب والحظ. والسهم في الأصل واحد السهام التي يضرب بها في الميسر، وهي القداح، ثم سمي به ما يفوز به الفالج سهمه، ثم كثر حتى سمي كل نصيب سهما، ويجمع على أسهم، وسهام وسُهْمان

(1)

.

السهم في الاصطلاح: اختلف الكتَّاب من فقهاء وقانونيين في تعريف السهم؛ بناءً على اختلافهم في المراد منه. وذلك على ثلاثة أقوال:

الأول: الحصة التي يقدمها الشريك في شركة المساهمة

(2)

.

الثاني: الصك الذي يعطى للمساهم

(3)

.

الثالث: هناك من جعله للاثنين؛ أي للصك، ولحق الشريك في الشركة

(4)

.

والذي نراه أن السهم هو حصة المساهم في رأس مال الشركة، وكل ما ينتج منه من أرباح، واحتياطات، وحقوق. ولذا فإن التعريف المختار لدينا في تعريف السهم اصطلاحاً:(هو الجزء الذي ينقسم على قيمته مجموع رأس مال الشركة، المثبت في صك له قيمة اسمية، وتمثل الأسهم في مجموعها رأس مال الشركة، وتكون متساوية القيمة)

(5)

.

(1)

لسان العرب، المصباح المنير، مختار الصحاح، القاموس المحيط، معجم مقاييس اللغة، المعجم الوسيط: مادة «سهم» . النهاية في غريب الحديث والأثر، باب السين مع الهاء. المراد بالفالج: الفائز

(2)

شركة المساهمة في النظام السعودي، للدكتور صالح المرزوقي البقمي ص 248 - 249. وقال بهذا كثير من الفقهاء المعاصرين، منهم الشيخ محمد الصديق الضرير، مجلة مجمع الفقه 4/ 1/ 759، و 380 والدكتور وهبة الزحيلي، انظر: الفقه الإسلامي وأدلته 2/ 773، والشركات للدكتور كامل ملش ص 149 فقرة 135، محاضرات الدكتور محسن شفيق 194.

(3)

الوجيز في النظام التجاري السعودي للدكتور سعيد يحيي ص 500، النظام التجاري السعودي ص 258 للدكتور حمزة المدني. وممن قال به من الفقهاء المعاصرين الشيخ محمد المختار السلامي في بحثه (المبادئ الشرعية التي تحكم تعامل شركة المساهمة بالحلال المختلط أحياناً بالحرام) ص 5. وقد رددنا على هذا القول في بحثنا: حكم الإسهام في شركات القطاع العام التي يدخل الربا في نشاطها.

(4)

الشركات للخياط 2/ 212، الأسهم والسندات للخياط ص 18، القانون التجاري اللبناني ص 406 الدكتور مصطفى كمال طه.

(5)

شركة المساهمة في النظام السعودي 249.

ص: 34

أما الورقة التي تسمى صك السهم، فليست هي السهم، ولكنها وسيلة لإثباته، وهي وثيقة مستقلة تعطى للمساهم، وتتضمن المعلومات الخاصة بالشركة، مثل اسم الشركة، ومقدار رأس مالها، وجنسيتها، ومركزها الرئيس، ورقم السهم، وقيمته، واسم صاحبه إن كان سهماً اسمياً، أو يكتب فيه أنه لحامله

(1)

.

(1)

شركة المساهمة في النظام السعودي 249.

ص: 35

‌المبحث الثاني

آراء العلماء في من تجب عليه زكاة أسهم الشركات المساهمة

اتفق معظم العلماء المعاصرين- لا سيما بعد أن اتضحت صورة الأسهم، وأنواعها وخصائصها، وأمعنوا في بحثها- على جواز إنشاء الأسهم، وتداولها بالبيع والشراء، ونحوهما، بشرط أن تكون الأسهم خالية من أي مخالفة شرعية، وأن تكون الشركة خالية من الربا، أو التعامل في المحرمات.

(1)

أما وجوب الزكاة في الأسهم فيكاد يكون إجماعاً

(2)

.

ولكن العلماء المعاصرين اختلفوا فيمن تجب عليه زكاة الأسهم، أهو المساهم أم الشركة؟ ويمكن حصر أقوالهم في ثلاثة آراء، هي:

‌الرأي الأول: أن زكاة الأسهم تجب على المساهم،

ويجب عليه إخراجها، وهذا هو رأي مجمع البحوث الإسلامية. جاء في توصيات مؤتمره الثاني:(في الشركات التي يسهم فيها عدد من الأفراد لا ينظر في تطبيق هذه الأحكام إلى مجموع أرباح الشركات وإنما ينظر إلى ما يخص كل شريك على حدة)

(3)

. وممن قال بوجوب زكاة الأسهم على المساهم الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام، والشيخ محمد المختار السلامي، والشيخ سالم عبد الودود، والدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، والدكتور فاضل الدبو.

(4)

(1)

شركة المساهمة ص 254 وما بعدها، للدكتور صالح المرزوقي.

(2)

مجلة مجمع الفقه الإسلامي 4/ 1/ 830 و 831.

(3)

جاء هذا في المؤتمر الثاني لمجمع البحوث. انظر: التوجيه التشريعي في الإسلام من بحوث مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية، فقرة 24/ 71، الاقتصاد الإسلامي 2/ 656 للدكتور علي السالوس.

(4)

مجلة مجمع الفقه الإسلامي 4/ 1/ 725 وص 838 - 848، زكاة الأسهم في الشركات ص 34، للشيخ صالح السدلان.

ص: 37

‌الرأي الثاني: إن زكاة الأسهم تجب على المساهم، وتخرجها إدارة الشركة نيابة عنه،

وهذا هو قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة.

(1)

وممن قال به الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير.

(2)

والمجمع وإن قال بوجوبها على المساهم، إلا أنه فصل في ذلك؛ حيث يرى إخراجها من قبل الشركة بناءً على خِلطة الأموال في الحالات التي بينها، فنص على أنه:

(أولاً: تجب زكاة الأسهم على أصحابها، وتخرجها إدارة الشركة نيابة عنهم، إذا نص في نظامها الأساسي على ذلك، أو صدر به قرار من الجمعية العمومية، أو كان قانون الدولة يلزم الشركات بإخراج الزكاة، أو حصل تفويض من صاحب الأسهم لإخراج إدارة الشركة زكاة أسهمه.

ثانياً: تخرج إدارة الشركة زكاة الأسهم كما يخرج الشخص الطبيعي زكاة أمواله، بمعنى أن تعد جميع أموال المساهمين أموال شخص واحد وتفرض عليها الزكاة بهذا الاعتبار، من حيث نوع المال الذي تجب فيه الزكاة، ومن حيث النصاب، ومن حيث المقدار الذي يؤخذ، وغير ذلك مما يراعى في زكاة الشخص الطبيعي، وذلك أخذاً بمبدأ الخِلطة عند من يعممه من الفقهاء في جميع الأموال. ويطرح نصيب الأسهم التي لا تجب فيها الزكاة، ومنها أسهم الخزانة العامة، وأسهم الوقف الخيري، وأسهم الجِهات الخيرية، وكذلك أسهم غير المسلمين.

ثالثاً: إذا لم تزك الشركة أموالها لأي سبب من الأسباب، فالواجب على المساهمين زكاة أسهمهم

) وقد توافق قول الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير مع ما جاء في قرار المجمع من قيود بشأن إخراج الشركة للزكاة نيابة عن المساهمين

(3)

.

(1)

قرار رقم 28 صدر في الدورة الرابعة المنعقدة عام 1408 هـ الذي يوافقه عام 1988 م.

(2)

مجلة مجمع الفقه الإسلامي 4/ 1/ 832.

(3)

مجلة مجمع الفقه 4/ 1/ 832 و 833 و 862 و 763.

ص: 38

ومجمع الفقه الإسلامي بجدة والشيخ صديق الضرير يرون الأخذ بمبدأ الخِلطة في زكاة الأسهم؛ من حيث بلوغ مجموعها نصاباً وإن قل نصيب بعض الملاك عن النصاب، وأن الأسهم المباعة حولها حول أصلها

(1)

، ولا تأثير لما يباع من الأسهم في أثناء الحول، وتضمن قرار المجمع رقم 3 د 4/ 8/ 88، أن الأسهم المضافة في أثناء العام تضم إلى موجودات الشركة ولا يستقبل بها عام جديد

(2)

.

‌الرأي الثالث: تجب زكاة الأسهم على الشركة،

وهي التي تتولى إخراجها، وقال بهذا مؤتمر الزكاة الأول في الكويت بقيود تأتي قريبا إن شاء الله

(3)

. وقال الشيخ أبو الأعلى المودودي: (نرى أن تقوم الشركات بعد طرح المساهمين الذين لم تبلغ أسهمهم قدر النصاب، أو الذين لم يحل حول كامل على امتلاكهم السهم بأداء زكاة سائر المساهمين مجتمعين، لما في ذلك من تسهيلات إدارية، ولعدم منافاته أي أصل من أصول الشريعة)

(4)

.

وقال بوجوب الزكاة على الشركة الدكتور وهبة الزحيلي والدكتور عبد اللطيف صالح الفرفور والدكتور عمر الأشقر

(5)

. والدكتور علي السالوس

(6)

ومن الجدير بالذكر أن الدكتور وهبة الزحيلي كان له رأي سابق وهو أنه يدفع مالك الأسهم الزكاة، أو الشركة

(7)

، ويظهر لنا أنه رجع عن هذا القول إلى ما بيناه؛ لأن ما نسبناه إليه هو آخر القولين.

(1)

قرار المجمع رقم 3 د/ 4/ 8/ 88 ومجلة مجمع الفقه 4/ 1/ 865

(2)

مجلة المجمع 4/ 1/ 765

(3)

أبحاث مؤتمر الزكاة الأول وأعماله ص 441، المنعقد في الكويت بتاريخ 29 رجب عام 1404 هـ الذي يوافقه 30 إبريل عام 1984 م، وانظر: الاقتصاد الإسلامي ص 2/ 649 للدكتور علي السالوس، وأبحاث فقهية لقضايا الزكاة المعاصرة 2/ 869 للدكتور عمر الأشقر.

(4)

فتاوى الزكاة ص 18.

(5)

مجلة مجمع الفقه الإسلامي 4/ 1/ 859، 825، 740.

(6)

المصدر السابق ص 851 و 852.

(7)

الفقه الإسلامي وأدلته 2/ 774.

ص: 39

وقد بنى أصحاب الرأي الثالث قولهم: على أن للشركة شخصية معنوية، مستقلة عن أشخاص الشركاء

(1)

. جاء في فتوى المؤتمر الأول للزكاة المنعقد في الكويت (تربط الزكاة على الشركات المساهمة نفسها؛ لكونها شخصاً اعتبارياً، وذلك في كل من الحالات الآتية:

1 -

صدور نص قانوني ملزم بتزكية أموالها.

2 -

أن يتضمن النظام الأساسي ذلك.

3 -

صدور قرار الجمعية العمومية للشركة بذلك.

4 -

رضا المساهمين شخصياً.

والطريق الأفضل -وخروجاً من الخلاف- أن تقوم الشركة بإخراج الزكاة، فإن لم تفعل فاللجنة توصي الشركات بأن تحسب زكاة أموالها، وتلحق بميزانيتها السنوية بياناً بحصة السهم الواحد من الزكاة)

(2)

.

وجاء فيه: (إذا قامت الشركة بتزكية أموالها فلا يجب على المساهم إخراج زكاة أخرى عن أسهمه منعاً للازدواج.

أما إذا لم تقم الشركة بإخراج الزكاة فإنه يجب على مالك السهم تزكية أسهمه

).

يقول الدكتور وهبة الزحيلي: (وبما أن الزكاة تكليف متعلق بالمال نفسه، فإنها تجب على الشخص الاعتباري، حيث لا يشترط لها التكليف الذي أساسه البلوغ مع العقل)

(3)

.

(1)

فقرة ب من فتاوى المؤتمر الأول للزكاة، وانظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي 4/ 1/ 825 و 840.

(2)

أبحاث مؤتمر الزكاة الأول وأعماله ص 441، أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة 2/ 869، الاقتصاد الإسلامي 2/ 649.

(3)

مجلة مجمع الفقه 4/ 1/ 740.

ص: 40

ويقول الدكتور الفرفور: (يجب على الشركة بوصفها شخصية اعتبارية أن تخرج الزكاة عن كل الأسهم

دون أن يعطى هذا الحق للشريك المالك للسهم، ما دام هذا السهم ذائباً في الشركة فلا سلطان له عليه)

(1)

.

ويتخرج القول بوجوب الزكاة على الشركة على مذهب الإمام الشافعي

(2)

، قال النووي: المذهب الجديد الصحيح إن الخِلطة تؤثر في غير الماشية، كما يتخرج على إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، بناءً على قوله بتأثير الخِلطة في كثير من الأموال الزكوية؛ كعروض التجارة والزروع والثمار

(3)

. وهو قول إسحاق والأوزاعي في الحب والثمر

(4)

، وهذه الرواية عن الإمام أحمد اختارها الآجري، وصححها ابن عقيل، قال أبو الخطاب في خلافه الصغير: هذا أقيس.

قال المرداوي: فعلى هذه الرواية تؤثر خِلطة الأعيان

(5)

بلا نزاع، وكذلك خِلطة الأوصاف. قال الزركشي: وهو ظاهر كلام الأكثرين؛ لإطلاقهم الرواية

(6)

.

(1)

المصدر السابق 4/ 1/ 825.

(2)

المهذب مع المجموع 5/ 431.

(3)

الأم 4/ 47، الحاوي الكبير 4/ 319، المجموع 5/ 431، مغني المحتاج 1/ 377، حلية العلماء 3/ 71، نهاية المحتاج 3/ 62، مختصر الخرقي بشرح الزركشي 2/ 410، الهداية 1/ 68، لأبي الخطاب الكلوذاني، الانتصار في المسائل الكبار 3/ 294، لأبي الخطاب الكلوذاني الحنبلي، المغني 4/ 64 و 65، المحرر 1/ 216، المبدع 2/ 335، الفروع 2/ 398، الإنصاف 3/ 83.

(4)

المغني 4/ 65.

(5)

خلطة الأعيان: هي أن يكون المال لاثنين أو أكثر، مشتركاً بينهما على الشيوع، وهذه من صور شركة الملك. وسميت خلطة أعيان؛ لأن أعيانها مشتركة، وتسمى أيضاً خلطة اشتراك، وخلطة شيوع.

وخلطة الأوصاف: وهي أن يكون لكل واحد منهما ماشية متميزة، فمال كل من الخليطين معروف لصاحبه بعينه لكنهما متجاوران فيخلطانه في المراح، والمسرح، والمرعى، وهو يؤدي إلى الرفق بهما في المؤنة، ويقال لها أيضاً: خلطة الجوار.

وخلطة الأوصاف يعتبر فيها اشتراكهم في خمسة أوصاف هي، المسرح، والمبيت، والمحلب، والمشرب، والفحل. انظر: الشرح الصغير 1/ 602، المجموع 5/ 406، المغني 4/ 53، الإنصاف 3/ 67.

(6)

شرح الزركشي على مختصر الخرقي، المغني، الإنصاف، الفروع.

ص: 41

‌المبحث الثالث

الأدلة

‌أدلة الرأي الأول:

استدل القائلون بأن زكاة الأسهم تجب على المساهم لا على الشركة، بما يلي:

1 -

إن وجوب الزكاة خطاب تكليفي متوجه إلى المكلف، ويتعلق به الثواب والعقاب، والشركة ليست أهلاً لخطاب التكليف، ولا يتعلق بها الثواب والعقاب، فلا يجب عليها شيء

(1)

.

2 -

إن الشركة مملوكة للمساهمين؛ لأن كل سهم يمثل جزءًا من الشركة، فالقول بوجوب الزكاة على الشركة يؤدي إلى أن تكون هي المالكة للأسهم، بينما هي مملوكة لأصحاب الأسهم، وفي ذلك من التناقض ما لا يخفى

(2)

.

3 -

إن الأسهم تنتقل من مالك إلى آخر في أثناء الحول، فإذا أوجبنا زكاة الأسهم على الشركة أدى ذلك إلى إخراج الزكاة قبل أن يحول عليها الحول عند المالك الجديد للأسهم، وفي ذلك ظلم له

(3)

، ومخالفة صريحة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول»

(4)

.

(1)

مجلة مجمع الفقه الإسلامي ص 838 - 839 و 841.

(2)

المصدر السابق 1/ 4/ 840 و 841 و 842 و 849.

(3)

المصدر السابق 4/ 1/ 847.

(4)

روي من حديث عائشة وأنس وبن عمر وعلي. فحديث عائشة وأنس ضعيفان. وأما حديث ابن عمر فله طريقان مرفوعان؛ أحدهما: عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من استفاد مالاً فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول عند ربه) أخرجه الترمذي 3/ 125، والدار قطني في سننه 2/ 66، والبيهقي في بالسنن الكبرى 4/ 103 و 104، وقال البيهقي: عبدالرحمن ضعيف لا يحتج به، وذكر الترمذي نحوه.

والثانية: عن بقية عن إسماعيل بن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً بلفظ: (لا زكاة في مال امرئ حتى يحول عليه الحول). قال البيهقي ليس بصحيح، وقال الحافظ ابن حجر: عبد الرحمن ضعيف: تلخيص الحبير 2/ 156، قال الترمذي،، والبيهقي، وابن الجوزي وغيرهم: الصحيح عن ابن عمر موقوف. وأما حديث عليّ: فقال الحافظ ابن حجر: لا بأس بإسناده، والآثار تعضده؛ فيصلح للحجة.

ص: 43

وعن أم سعد الأنصارية امرأة زيد بن ثابت قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليسَ على منِ استفادَ مالًا زكاةٌ حتى يَحُولَ عليه الحَوْلُ» . رواه الطبراني

(1)

، وفيه عنبسة بن عبد الرحمن وهو ضعيف

(2)

.

4 -

يقول ابن رشد: (إلا أنه لما كان مفهوم اشتراط النصاب إنما هو الرفق، فوجب أن يكون النصاب من شرطه أن يكون لمالك واحد، وهو الأظهر والله أعلم

(3)

. فلو قلنا إن الشركة هي التي تجب عليها زكاة الأسهم لأدى ذلك إلى إخراج الزكاة ممن لا تبلغ أسهمه نصاباً، وفي ذلك مخالفة صريحة للحديث الشريف، وظلم على المالك الجديد

(4)

. قال صلى الله عليه وسلم: «ليس فيما دون خمسِ أواقٍ من الورِقِ صدقةٌ»

(5)

.

5 -

قال صلى الله عليه وسلم: «فأَعْلِمْهُم أنَّ اللهَ افترضَ عليهم صدقةً في أموالِهم تُؤخذُ من أغنيائِهم وتُرَدُّ على فقرائِهم»

(6)

. وحد الفقر والغنى هو ملك النصاب، فغير مالك النصاب لا يعد غنياً، بل هو صالح لأن يتقبل الزكاة، وهو مصرف من مصارف الزكاة

(7)

.

‌أدلة الرأي الثاني:

استدل القائلون بأن زكاة الأسهم تجب على المساهم وتخرجها الشركة نيابة عنه، بما يلي:

(1)

المعجم الكبير رقم الحديث 4420 طبع دار الفكر، بيروت سنة 1412 هـ.

(2)

مجمع الزوائد 3/ 79.

(3)

بداية المجتهد 1/ 258.

(4)

مجلة مجمع الفقه الإسلامي 4/ 1/ 847.

(5)

صحيح مسلم بشرح النووي 3/ 7.

(6)

صحيح البخاري بشرحة فتح الباري 3/ 261.

(7)

المبسوط 2/ 149، بدائع الصنائع 2/ 15.

ص: 44

1 -

موافقة للقول بتأثير الخِلطة في زكاة التجارة كما في المواشي وغيرها؛ وهو مذهب الشافعية الجديد، وهو الصحيح عند محققي المذهب كالنووي

(1)

، وهو إحدى الروايتين عند الإمام أحمد. وهو مذهب المالكية والحنابلة في المواشي

(2)

.

2 -

إن أموال المساهمين صارت كالمال الواحد في المؤن، فأثرت الخِلطة في زكاتها كالمواشي

(3)

.

‌أدلة الرأي الثالث:

استدل القائلون إن زكاة الأسهم تجب على الشركة بما يلي:

1 -

عملاً بعموم الحديث؛ وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يُجمعُ بين متفرِّقٍ ولا يُفرَّقُ بين مجتمعٍ خشيةَ الصَّدقةِ»

(4)

، فهو عام في كل مال مختلط، وليس من الأدلة ما يخصصه، ومنه أسهم الشركات؛ ففيه دلالة واضحة على أن ملك الخليطين كملك رجل واحد لا يجوز التفريق بينه

(5)

، فكذلك أسهم الشركات ينبغي أن تكون كملك رجل واحد؛ نظراً لاختلاط أموال المساهمين بعضها ببعض، فلا يجوز التفريق بينها عند إخراج الزكاة.

2 -

إن الشركة المساهمة لها شخصية اعتبارية مستقلة، ولها ذمة مالية تكتسب بموجبها الحقوق، وتلتزم بالواجبات، وبما أن الزكاة تكليف متعلق بالمال نفسه، فإنها تجب على الشخص الاعتباري؛ حيث لا يشترط في الزكاة التكليف والبلوغ

(6)

.

(1)

المجموع للنووي 5/ 431.

(2)

بداية المجتهد 1/ 263، المغني 4/ 51 - 52.

(3)

المجموع للنووي 5/ 431، والمغني 4/ 51.

(4)

صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 3/ 314، واللفظ له، سنن أبي داود 2/ 222. مصنف عبدالرازق 4/ 8 وما بعدها، والدار قطني: 1/ 2/ 77، سنن ابن ماجة 1/ 576؛ رقم 1801، والبيهقي في سننه 4/ 105.

(5)

بداية المجتهد 1/ 263، المجموع 5/ 431، والمغني 4/ 51.

(6)

مجلة مجمع الفقه الإسلامي ع 4/ ج 1/ ص 740.

ص: 45

3 -

إن في إلزام الشركة بإخراج زكاة الأسهم جميعها منفعة أكبر للفقراء، وهو مقصد شرعي

(1)

.

4 -

إذا كانت مصلحة جباية الزكاة تحرص على أخذ الزكاة من مجموعة من سائمة الأنعام، فالأولى أخذها من أموال الشركة مجتمعة، لأنه أيسر، وأكثر نصيباً للفقراء، لا سيما أنها تجتمع بالملايين، وطلب جابي الزكاة لها من أيدي الشركاء بعد قبضهم لها أمر عسير، إن لم يكن متعذراً، أو سيكون مبلغ الزكاة قليلاً.

(1)

المصدر السابق 4/ 1/ 741.

ص: 46

‌المبحث الرابع

مناقشة الأدلة

‌مناقشة أدلة الرأي الأول:

1 -

قولهم: إن وجوب الزكاة خطاب تكليفي متوجه إلى المكلّف، والشركة ليست من أهل التكليف. يجاب عنه بأن تعلق الزكاة بالمال من باب خطاب الوضع، وليس من باب خطاب التكليف؛ بدليل وجوبها في مال الصبي، وهو ليس من أهل التكليف، وعليه فالزكاة واجبة في المال، وقد استقل المال بشخصية ممثلة في الشركة، فلا مانع أن تجب عليها الزكاة -بمعنى على القائمين عليها- كما يجب على القائم على مال الصبي

(1)

.

2 -

قولهم: إن الشركة مملوكة للمساهمين، فكيف تكون مالكة لأسهمهم؟ يجاب عنه بأنه ليس هناك مانع في العقل ولا في الشرع، من أن يكون الشيء مالكاً باعتبار ومملوكاً باعتبار آخر.

أما عقلاً فلأنه لا يلزم من وقوعه محال، وأما شرعاً فإنه قد دل الشرع على إمكان وقوعه، كما هو الحال في العبد، فقد جاء في الحديث:«ومَنِ ابْتَاعَ عَبْدًا وله مَالٌ، فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ، إلَّا أنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ» متفق عليه

(2)

. فقد أثبت الحديث صفة الملك للعبد مع كونه مملوكاً.

3 -

قولهم: إذا باع أحد المساهمين أسهمه في أثناء العام، وأوجبنا الزكاة على الشركة فإنه يترتب على ذلك إخراج الزكاة عن هذه الأسهم قبل أن يحول عليها الحول. يجاب عنه بأن هذا لا يؤثر في إخراج الزكاة؛ لأن السهم وما يمثله من

(1)

مجلة مجمع الفقه الإسلامي 4/ 1/ ص 851.

(2)

صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 5/ 49، وصحيح مسلم بشرح النووي 4/ 38.

ص: 47

أموال باقٍ في الشركة مهما تعدد المشترون المتعاقبون، فهو وإن انتقل من مالك لآخر إلاّ أنه باق في الشركة لا يخرج منها. وإنما تغير مالكه، ولذا فإن بيعه لا يؤثر في وجوب الزكاة فيه، ولا يضر كون المالك الجديد لم يمض حول على ملكه، ما دام السهم قد حال عليه الحول عند الشركة، ولو تنقل بين عدد من الأشخاص فإن الحكم واحد لا يتغيّر

(1)

. قال الصديق الضرير: وإيجاب الزكاة على المشتري الجديد يتبع أصله، ولا يشترط فيه حولان الحول، و (يخضع لمبدأين: مبدأ الخلطة، ومبدأ المال المستفاد. فبعدما قررنا أن الزكاة واجبة على المساهمين، وهذه الشركة قد اشترك فيها عدد من المساهمين، ثم خرج أحدهم ودخل شخص آخر فهذا مال مستفاد بالنسبة لهؤلاء الشركاء المساهمين الذين تجب عليهم الزكاة والذي اعتبرنا الأموال كلها كمال شخص واحد بمقتضى مبدأ الخِلطة)

(2)

.

(والأسهم التي تدفع قيمتها، أو تعرضها الشركة للاكتتاب في أثناء العام لا يستقبل بها عام جديد، وإنما تضم إلى موجودات الشركة، ويكون حولها حول المال الذي ضمت إليه إذا كان نصاباً، عملاً بمذهب جماهير الفقهاء

(3)

. في أن الفوائد كلها تزكى بحول الأصل إذا كان الأصل نصاباً)

(4)

.

4 -

قولهم: إن وجوبها على الشركة يؤدي إلى إخراج الزكاة ممن لا تبلغ أسهمه نصاباً، وفي ذلك مخالفة لمقصود الشرع، وظلم على المالك الجديد. لقوله صلى الله عليه وسلم:«ليس فيما دون خمسِ أواقٍ من الورِقِ صدقةٌ» ، ولقوله صلى الله عليه وسلم:«إِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً عن أرْبَعِينَ شاة شَاةً واحِدَةً، فليسَ فِيهَا صَدَقَةٌ» .

(1)

مجلة مجمع الفقه الإسلامي 4/ 1/ 765.

(2)

المصدر السابق ص 862.

(3)

بدائع الصنائع 2/ 13/ رد المحتار 2/ 7، مختصر خليل مع الشرح الصغير 1/ 626، الشرح الصغير 1/ 626 و 627، والمجموع 5/ 335 - 337، منتهى الإرادات 1/ 132، الروض المربع 3/ 170.

(4)

مجلة مجمع الفقه 4/ 1/ 765.

ص: 48

يجاب عنه بنعم ليس فيما دون خمس أواقٍ من الورق صدقة، وليس فيما دون أربعين من الغنم زكاة، ولكن المراد به حال الانفراد. فيكون جمعاً بين الأخبار، وفق القواعد الأصولية المعمول بها. وحديث «إِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً عن أرْبَعِينَ

» عام في غير الخِلطة، وحديث «لا يُجمعُ بين متفرِّقٍ» خصص عموم الحديث السابق. وإنما جاز ذلك، لأن تأثير الخِلطة تنزيل الملكين بمنزلة ملك واحد في وجوب الزكاة، وقدرها، وأخذها شرعاً، كما نزلا منزلة ملك واحد لخفة المؤونة وغزارة الرفق حسّاً وعرفاً. ولأن الزكاة حق الله تعالى يتعلّق بقدر من المال؛ وهو النصاب سواءً كان هذا النصاب لواحد، أم لجماعة، كالقطع في السرقة، يتعلق بالقليل والكثير؛ إذا كان ربع دينار فصاعدا؛ فكذلك الزكاة تتعلق بالواحد، وبالجماعة إذا كان المملوك لهم نصاباً.

وهذا موافق لمذهب الشافعي الجديد، وإحدى الروايتين عند أحمد، خلافاً لأبي حنيفة ومالك وأرجح الروايتين عند أحمد. وسبب اختلافهم الإجمال في قوله صلى الله عليه وسلم:«ليس فيما دون خمسِ أواقٍ من الورِقِ صدقةٌ» فإن هذا القدر يمكن أن يفهم منه أنه إنما يخصه هذا الحكم إذا كان لمالك واحد فقط، ويمكن أن يفهم منه أنه يخصه هذا الحكم كان المالك واحداً، أو أكثر من مالك واحد

(1)

.

قولهم: في ذلك مخالفة لمقصود الشرع. يجاب عنه بل ذلك ملائم للشرع، ووضع الزكاة؛ لأن الشرع لما أوجب في سبعين من البقر تبيعاً ومسنة، اقتضى الحساب أن يجب في كل واحدة سُبْعُ عشرِ مسنة وتبيع، تقسيطاً للواجب على ما وجب فيه، ولكن لم يوجب الشرع في الواحد المنفرد؛ لأن مؤنته تكثر، ورفقه يقل، وذلك يؤذن بمنع احتمال المواساة. فأما إذا اختلطوا، واكتفوا براع واحد، ومبيت، ومسرح، وحوض واحد، قلت المؤونة وكثرت الفائدة)

(2)

.

(1)

بداية المجتهد 258.

(2)

الانتصار 3/ 290، لأبي الخطاب الكَلْوَذاني.

ص: 49

(فجاز لخفة المؤونة، وكمال النماء أن تبقى فيه على موجب التقسيط، بتعلق الزكاة بكل واحد منهما بحسبه. فهذا نوع من القياس يجوز تنزيل الشرع عليه)

(1)

.

5 -

قولهم: غير مالك النصاب لا يعد غنياً بل هو صالح لأن يتقبل الزكاة. يجاب عنه بما قاله أبو الخطاب الكلوذاني (أن هذا اعتماد على أن من يجوز له الأخذ لا يجب عليه الإعطاء، وليس ذلك بصحيح؛ فإنه لا خلاف بيننا أنه يجوز للإنسان أخذ العشر، ويجب عليه العشر، وكذلك تجب عليه الكفارة، وإن جاز له أخذ الكفارة، وكذلك العامل، وابن السبيل، ومن يقاتل في سبيل الله، يجوز لهم الأخذ من الزكاة، وتجب عليهم الزكاة، فلا يمتنع في مسألتنا مثل ذلك)

(2)

. بخلاف المدين؛ فإنه يسقط من الزكاة عنه بمقدار الدين، لأن ملكه على ما يقابل الدين ناقص؛ بدليل أنه ينتزع من يده، ويحجر عليه في التبرعات، فهو كملك المكاتب

(3)

.

‌مناقشة أدلة الرأي الثاني:

1 -

قياس زكاة الأسهم على زكاة الماشية قياس مع الفارق، ثم إن هذا رأي الشافعية فقط، أما جمهور العلماء فيرون عدم تأثير الخلط في غير المواشي.

2 -

قولهم: إن المالين صارا كالمال الواحد في المؤن والتكاليف، فهو كالمواشي. يجاب عنه: بأن تخصيص المواشي بالذكر يدل على أن حكم الخلط خاص بالمواشي، لا يتعداها إلى غيرها من الأموال؛ إذ لو كان الخلط يؤثر في غيرها لبيّن ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم.

‌مناقشة أدلة الرأي الثالث:

1 -

قياس الأسهم على المواشي في تأثير الخلط، ثم الاستدلال على ذلك بحديث «لا يُفرَّقُ بين مجتمعٍ خشيةَ الصَّدقةِ» قياس مع الفارق، والفرق أن

(1)

الانتصار 3/ 290، لأبي الخطاب الكَلْوَذاني.

(2)

المصدر السابق 3/ 296.

(3)

المصدر السابق.

ص: 50

المواشي فيها أوقاص

(1)

. فالخِلطة فيها نفع للمالك تارة وللمستحقين تارة أخرى، ولا وقص في غير المواشي

(2)

.

2 -

وأما قولهم: إن للشركة شخصية مستقلة، وأنها تصبح مالكة للأسهم دون المساهمين، فغير مسلم؛ لأن هذا رأي القانونيين، أما في الشرع فالأسهم تبقى ملكاً للمساهمين

(3)

. بدليل إمكانية بيعها وشراء غيرها. وكيف تكون ذاتاً معنوية وهل تثاب وتعاقب

(4)

؟

3 -

قولهم: إن إلزام الشركة بإخراج زكاة الأسهم فيه منفعة أكبر للفقراء، وهو مقصد معتبر شرعا. يجاب عنه بأن العدالة أيضاً مقصد معتبر شرعا، بل على العدل قامت السماوات والأرض، فمراعاة منفعة الفقراء لا يسوِّغ ظلم المالك وأخذ الزكاة منه ولو لم يبلغ ماله نصاباً.

(1)

الوقص: بفتح القاف وإسكانها لغتان أشهرهما عند أهل اللغة الفتح، والمستعمل عند الفقهاء الإسكان. وهو ما بين الفريضتين من الإبل والغنم. والجمع أوقاص.

وبعضهم يجعل الأوقاص في البقر خاصة. واستعمله الشافعي والشيرازي والبندنيجي وآخرون فيما دون النصاب الأول أيضاً. قال الشافعي: ليس في الشنق من الإبل والبقر والغنم شيء. قال: والشنق ما بين السنين من العدد. قال وليس في الأوقاص شيء. قال: والأوقاص مالم تبلغ ما تجب فيه الزكاة. المجموع 5/ 355 و 356، المحكم، لسان العرب فصل الواو مع الصاد.

(2)

نهاية المحتاج 3/ 63.

(3)

مجلة مجمع الفقه الإسلامي 4/ 1/ 841، 842.

(4)

المصدر السابق ص 838 و 839.

ص: 51

‌المبحث الخامس

الرأي الذي توصلت إليه

الرأي الذي توصلت إليه هو أن الزكاة واجبة في المال، لحديث «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول» فالحديث خص المال؛ لأن الزكاة تكليف متعلق بالمال، ولذا فإنها تجب على الشخص الاعتباري؛ حيث لا يشترط لها التكليف الذي أساسه العقل والبلوغ، فالزكاة واجبة على الشركة، وكما أنه يجب على ولي الصبي أن يدفع الزكاة عنه، فكذلك يجب على من يقوم مقام مالك الأسهم وهو الشركة أن تدفعها. والأصل وجوب إخراج زكاة الأسهم على المساهم، لكن لما كانت الشركة -ممثلة في مجلس الإدارة- قائمة مقام المساهمين أمكن القول بأن وجوب الزكاة متوجه إلى الشركة لا إلى آحاد المساهمين، فيجب على ذي السلطة فيها إخراجها؛ وعليه فإذا كانت الشركة في دولة إسلامية تطبق نظام الزكاة، أو كانت في دولة غير إسلامية، لكنها تتمكن من أداء الزكاة لمصارفها، لزمها أن تقوم بحصر الزكاة وأدائها لمستحقيها، أو تسليمها للجهة الخاصة بجباية الزكاة من جهة الدولة.

وقلت بهذا لما يلي: حديث «لا يُجمعُ بين متفرِّقٍ ولا يُفرَّقُ بين مجتمعٍ خشيةَ الصَّدقةِ» ، وأخذاً بمبدأ الخِلطة في أموال التجارة، ولثبوت ملكية كل شريك فيما قدمه بقية الشركاء، وبناءً على شخصيتها المعنوية التي تعلق بها الأحكام كتعلقها بالأشخاص الحقيقيين، ولوجوب الزكاة في أموال القصر، ولأن الشركة وكيلة عن الشركاء، وفيما يلي بيان ما أجملته.

ما قيل من أن قياس الأسهم على المواشي قياس مع الفارق. يجاب عنه بأنه ليس قياساً على المواشي فقط، ولكن العمدة في الدليل على ما توصلت إليه هو

ص: 53

الاحتجاج بعموم الحديث «لا يُجمعُ بين متفرِّقٍ ولا يُفرَّقُ بين مجتمعٍ خشيةَ الصَّدقةِ» حديث صحيح، وهو عام فيعم كل مال مختلط؛ لأن الخِلطة تقع في كثير من الأموال؛ ومنها عروض التجارة؛ ومن عروض التجارة الأسهم في شركات المساهمة، وليس هناك مخصص لهذا الحديث بالمواشي. فإن قيل هو مخصص بحديث «الخليطان ما اجتمعا على الحوض والراعي والفحل»

(1)

. أجيب عنه بأن هذا حديث باطل كما قاله أبو حاتم الرازي

(2)

، وقال النووي: حديث ضعيف

(3)

فلا دليل على القول بتخصيصها في الماشية.

وقولهم: لو كان الخلط يؤثر في غير الماشية لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم يجاب عنه بأن تخصيصها لم يصح كما سبق بيانه، ولأن الرسول أعطي جوامع الكلم، والشريعة لا تنص على كل قضية بعينها، وإنما تأتي بألفاظ عامة تنطبق على الموجود، وعلى ما لم يوجد من القضايا المماثلة.

يؤيد هذا أن المساهم لم يُعد له حق معين، وإنما هو حق مشاع في مجموع المال؛ بدليل أنه لا يستطيع أخذ سهمه المملوك له شرعاً وسحبه من الشركة، التي تنوب عنه في إحرازه، والمتاجرة به، ودفع أرباحه، وغير ذلك من التصرفات؛ ومنها دفع زكاته، ولأن المساهم لم يعد له حق عيني على الحصة التي قدمها للشركة، ويبقى حقه قبل الشركة من طبيعة منقولة، ولو كانت حصة الشريك عقاراً

(4)

.

ولو قلنا تُدفع الزكاة من قبل أصحاب الأسهم لربما أدى ذلك إلى أن ترفض الشركة إعطاء أصحاب الأسهم ما يدفعون به الزكاة في وقتها، ويشح المالك فتضيع الزكاة على الفقراء.

(1)

سنن الدار قطني 1/ 2/ 77.

(2)

علل الحديث 3/ 219، لأبي حاتم.

(3)

المجموع 5/ 431.

(4)

مجلة مجمع الفقه الإسلامي 4/ 1/ 758، محاضرات الدكتور محسن شفيق ص 155، دروس في القانون التجاري للدكتور أكثم الخولي 2/ 62.

ص: 54

وقد قال بثبوت ملكية كل شريك فيما قدمه سائر الشركاء: المالكية والحنابلة في الصحيح من المذهب؛ حيث قرروا ثبوت ذلك بمجرد عقد الشركة، سواءً خلطت أموالهم أم لم تخلط، غير أن الحنابلة قيدوا المسألة بما إذا تعّين المال بإحضاره، وقيده المالكية بغير المثلي

(1)

.

وعليه فما يحصل من ربح، أو تلف فيما قدمه الشركاء فإنه لهم وعليهم جميعاً؛ لأن العقد اقتضى أن يكون المالان كالمال الواحد

(2)

. جاء في مواهب الجليل: (الشركة الأعمية تقرر متمول بين مالكين فأكثر ملكاً فقط والأخصية بيع ملك كل بعضه ببعض كل الآخر موجب صحة تصرفهما في الجميع فيدخل في الأول شركة الإرث والغنيمة لا شركة التجر يريد أنها تخرج بقوله ملكاً فقط؛ لأن فيها زيادة التصرف)

(3)

. ولذا عرف ابن عرفة المالكي الشركة بأنها (بيع مالك كل بعضه ببعض كل الآخر، موجب صحة تصرفهما في الجميع)

(4)

.

وجاء في المغني: (وقولهم: إنه يتلف من مال صاحبه، أو يزيد على ملك صاحبه ممنوع، بل ما يتلف من مالهما، وزيادته لهما، لأن الشركة اقتضت ثبوت الملك لكل واحد منهما في نصف مال صاحبه)

(5)

. وجاء في كشاف القناع:

(1)

المال المثلي: (هو مالا تتفاوت آحاده تفاوتاً تختلف به القيمة. وهو يشمل المكيل، والموزون، والعددي المتقارب). القاموس الفقهي، حرف الميم، تأليف سعيد أبو جيب، دار الفكر، دمشق، الطبعة الثانية، سنة 1408 هـ-1988 م. وعُرِّف بأنه (ماله مثل في الأسواق من غير تفاوت في أجزائه أو وحداته يعتد به؛ كالمكيلات والموزونات والعدديات المتقاربة)، وأضيف: المصنوعات الحديثة المتحدة الأحجام والأسماك والخامات.

(2)

مواهب الجليل 5/ 118 و 122 - 125، حاشية البناني على شرح الزرقاني 6/ 40، التاج والإكليل بحاشية مواهب الجليل 5/ 117، حاشية الصاوي 3/ 461، المغني 7/ 127، كشاف القناع 3/ 497 و 499، شركة العقد في الشرع الإسلامي ص 96.

(3)

/ 118، وانظر: التاج والإكليل بحاشية مواهب الجليل 5/ 117.

(4)

شرح حدود ابن عرفة/ 431، الفواكه الدواني 2/ 171، مواهب الجليل 5/ 118، التاج والإكليل بحاشية مواهب الجليل 5/ 117. الخرشي على مختصر خليل 6/ 38، حاشية الصاوي 3/ 461.

(5)

/ 127.

ص: 55

(وتنعقد بمصير كل منهما أي المالين لهما) وجاء فيه: (وما يشتريه كل منهما بعد عقد الشركة فهو بينهما مشترك. وإن تلف أحد المالين، أو بعضه ولو قبل الخلط فالتالف من ضمانهما، لأن العقد اقتضى أن يكون المالان كالمال الواحد كنمائه)

(1)

.

وقال ابن مفلح في تعريفه لشركة العنان هي: (أن يشتركا بماليهما المعلومين بما يدل على رضاهما بمصير كل واحد منهما لهما)

(2)

. وفي حاشية ابن قايد على منتهى الإرادات (أنه ينتقل ملك نصف مال كل واحد منهما للآخر، وأن ذلك مقتضى عقد الشركة)

(3)

.

وقال الشافعية والظاهرية وزفر من الحنفية: عقد الشركة بعد خلط رأس المال يثبت ملكية كل شريك في جميع أموال الشركة؛ لأن شركة العقد عندهم مبنية على ثبوت شركة الملك

(4)

. ولا شك أن أموال الشركة تختلط في حساب بنكي واحد.

وعلى فرض أن المال لم يختلط -على رأي من لا يرون ثبوت ملك جميع الشركاء إلاّ بالخلط- فإن الشركة تدفع الزكاة وكالة عن المساهمين، لأنه الأيسر على المساهمين، والأرفق بالمستحقين، ولأن من أحكام الشركة المتفق عليها بين الفقهاء أنها متضمنة للوكالة. واتفق الفقهاء على أنه يشترط في أهلية عاقد الشركة أن يملك أهلية التوكيل والتوكل، لأن كلاً منهما وكيل عن الآخر

(5)

.

(1)

/ 497 و 499.

(2)

الفروع 4/ 395.

(3)

/ 8.

(4)

فتح القدير 6/ 181/، روضة الطالبين 4/ 277، مغني المحتاج 2/ 213، المحلى 8/ 545.

(5)

رد المحتار 3/ 337، مواهب الجليل 5/ 118، الشرح الكبير للدردير 3/ 313، متن المنهاج 2/ 213، روضة الطالبين 4/ 277، تحفة المحتاج 5/ 6، فتح العزيز 10/ 404، المغني 7/ 128، كشاف القناع 3/ 128.

ص: 56

وهذه الوكالة لا تتوقف على رضا الشريك؛ لأنها حكم لازم مترتب على عقد الشركة، دون صدور وكالة منه؛ فلا يتوقف تصرف الشركة عليها؛ لأن الشركة بمنزلة الشريك، بل هي أقوى، لأنها ممثلة لجميع الشركاء، ومن هذه التصرفات أداء الزكاة.

وبالنسبة للشخصية المعنوية للشركة: فلأنه يترتب عليها أن للشركة ذمة مالية مستقلة، وهذه الذمة المستقلة ممثلة لذمم الشركاء؛ وبموجبها تكتسب الشركة الحقوق وتلتزم بالواجبات، فهي تملك التصرف في الأموال بوصفها ممثلة لهم؛ وحينئذ يجب على القائمين عليها إخراج الزكاة عن جميع أموالها مجتمعة بوصفهم ممثلين للشركة. صحيح أن الشركة شخص معنوي، وليست شخصاً حقيقياً، ولكن هذا الشخص المعنوي، يمثله شخص حقيقي؛ وصحيح أن الشركة ليست مخاطبة بالزكاة؛ وأنها لا تثاب ولا تعاقب، ولكن خطاب التكليف بالزكاة، والثواب والعقاب متوجهان على الشركة في أشخاص القائمين عليها. كمديرها، أو مجلس إدارتها.

والشخصية المعنوية وما تفرع عنها من وجود ذمة مالية؛ أمر ثابت في الفقه الإسلامي؛ فهناك أحكام شرعية فرعية يستفاد منها أن الفقه الإسلامي عرفها وطبقها، وإن لم يذكرها باسمها. والدليل على ذلك أمور كثيرة منها بيت المال، وجهة الوقف، والمسجد، فإن لها حقوقاً وعليها واجبات يقوم بها القيّم عليها

(1)

. إلاّ أن القانون الوضعي تناولها بهذا المصطلح فاشتهر بها.

(1)

لمزيد من التفصيل انظر: شركة المساهمة في النظام السعودي ص 196 وما بعدها. ونظرية الحق للدكتور عبدالعزيز عامر 187، والمال والالتزام في الفقه الإسلامي فقرة 317، لمحمد سلام مدكور، والشركات للدكتور عبدالعزيز الخياط 1/ 213 وما بعدها.

ص: 57

وقد قال بالشخصية المعنوية كثير من الفقهاء المعاصرين بل يكاد يكون إجماعا.

أما القيود التي ذكرها قرار مجمع الفقه الإسلامي بهذا الشأن فهي:

- إذا نص في نظامها الأساسي على ذلك، أو صدر به قرار من الجمعية العمومية.

- أو كان قانون الدولة يلزم الشركات بإخراج الزكاة. اهـ.

كما عليه نظام الشركات السعودي؛ حيث نص في نموذج الشركة المساهمة في المادة (43) منه على: تجنيب الزكاة المفروضة شرعاً قبل تقسيم الأرباح، وقبل تجنيب الاحتياطي النظامي، أو الاتفاقي، أو غيرهما.

وهذا اتجاه محمود من النظام السعودي أوصي بأن تحذو بقية القوانين في البلدان الإسلامية حذوه.

- أو حصل تفويض من صاحب الأسهم لإخراج إدارة الشركة زكاة أسهمه.

وكذلك القيود التي ذكرها مؤتمر الزكاة الأول الصادر عن الهيئة العالمية للزكاة بالكويت، وهي مماثلة لقيود مجمع الفقه بجدة.

فالذي أراه أن وجوب إخراج زكاة الأسهم من قبل الشركة لا يتوقف على شيء من هذه القيود، بل يجب عليها أداء الزكاة بدونها، لما يلي:

1 -

لأن وجوب الزكاة متجهٌ إلى الشركة مباشرة، وهذا الخطاب إذا وجه إلى الشركة فهو توجيه للمساهمين؛ لأن الشركة أصبحت بمنزلة المساهمين، بل الشركة والمساهمون شيء واحد، وذمة الشركة هي ذمم المساهمين مجتمعة في ذمة واحدة، فليس هناك انفكاك بين المساهمين وبين الشركة.

2 -

لما أوضحناه - فيما سبق - من ثبوت ملكية كل شريك فيما يقدمه بقية الشركاء.

3 -

بناءً على القول بثبوت الملك لجميع الشركاء فيما يقدمه أي منهم فإنه يتخرج القول بأن على الشركة دفع الزكاة على مذهب المالكية والحنابلة، وكذلك

ص: 58

على مذهب الشافعية والظاهرية وزفر من الحنفية، لأن أموال الشركاء تختلط اختلاطاً يرتفع معه تمييز بعضها عن البعض لذا كانت نسبة الربح والخسارة لكل سهم واحدة.

4 -

وللوكالة التي هي حكم من أحكام الشركة، وأثر مترتب على عقدها، بدون أن ينص عليها.

5 -

وللشخصية المعنوية.

ومع قولي بعدم توقف أداء الزكاة من قبل الشركة على أيٍّ من هذه المبررات فإني أوصي أن تنص قوانين الدول الإسلامية بإلزام الشركات بإخراج زكاة أسهمها، لأن هذا من الأمر بالمعروف، الذي هو من أهم قواعد هذا الدين القويم، وليكون دافعاً للشركات على تنفيذ هذا الركن العظيم، لتتحقق المواساة المقصودة من هذه الفريضة.

كما أن من الأفضل أن ينص في نظام الشركة الأساسي على ذلك، بل أرى تأكيده، فإن لم ينص عليه فيه فينبغي أن يصدر به قرار من الجمعية العمومية؛ لئلا تخلو نظم الشركات من تأكيد وجوب إخراج الزكاة؛ ولإشاعة الالتزام بأحكام الدين الإسلامي في المؤسسات المالية عامة، ومنها الشركات.

وعلى الشركة أن تذكر في الخطاب الذي توجهه إلى المساهم عند نهاية السنة المالية المتضمّن مقدار نصيبه من الأرباح، مقدار الزكاة المدفوعة عن أسهمه؛ ليكون على بينة من ذلك.

والقول بوجوب إخراج الشركة لزكاة جميع الأسهم لمستحقيها، أو تسليمها للجهة المختصة بجباية الزكاة هو المتعيّن الذي لا ينبغي العدول عنه؛ للأدلة والتعليلات التي سبق عرضها، ولأنه يتفق مع مقاصد الشريعة الإسلامية في إبراء

ص: 59

الذمم، وحفظ حق الفقراء، والمبادرة به إليهم في وقته، الذي يغفل عنه بعضهم -لا سيما في هذا العصر- الذي ضعف فيه الوازع الديني لدى كثير من الناس. هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن تسليم الزكاة مجتمعة من الشركة إلى الجهة المختصة بجباية الزكاة يؤدي إلى كثرة مبلغ الزكاة، وبالتالي يُمكْن تلك الجهة -إذا أخلصت في عملها- من أن توزعه توزيعاً يراعي مصالح المستحقين، ويغطي حاجاتهم.

وقلت بتسليمها للجهة المختصة من قبل الدولة، لأن الواقع يؤكد أن أسهم الشركات المساهمة في هذا العصر أصبحت أموالاً ظاهرة؛ لأنها تتداول في الأسواق المالية، وتُنشر أسعارها يومياً في الشبكة العنكبوتية، وعلى شاشات التلفاز، وفي الصحف اليومية، وتنشر ميزانية تلك الشركات، وبيان ما عندها من الموجودات من الأصول الثابتة والمتداولة، وما لديها من الاحتياطي، وغير ذلك من المعلومات عند إقرار الميزانية كل سنة.

وما قيل من أن أسهم بعض المساهمين قد لا تبلغ نصاباً، يجاب عنه؛ بأنه إذا كان تأثير الخِلطة هو تنزيل الملكين بمنزلة ملك واحد، في وجوب الزكاة، وقدرها، وأخذها شرعاً، كما نزلا منزلة ملك واحد في خفة المؤونة، وغزارة الرفق حساً وعرفاً. حتى وإن تفاوت مقدار مال الخليطين، ولو لم يبلغ مال كل منهما لوحده نصاباً وهو مذهب الشافعية والحنابلة

(1)

. فمن باب أولى جواز ذلك في أموال الشركة؛ لأنها أصبحت ملكاً لجميع الشركاء، فينظر إلى هذه الأموال مجتمعة.

(1)

المجموع 5/ 406 و 407، حاشية الشبرا ملسي على نهاية المحتاج 3/ 59، المغني 4/ 53، الإنصاف 3/ 67، الفروع 2/ 381، كشاف القناع 2/ 196.

ص: 60

يقول الشيخ الصديق الضرير: (ينظر في بلوغ النصاب إلى أموال الشركة مجتمعة، لا إلى مقدار ما يملكه كل مساهم)

(1)

.

ونستأنس لهذا بما وضحه الشيخ أحمد الدردير في كتابه الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب مالك حيث قال: ("ويزكي العامل ربحه" بعد النضوض

(2)

والانفصال

(3)

" وإن قل" عن النصاب ولو لم يكن عنده ما يضمه إليه " لعام" واحد

" وحصة ربه بربحه نصاب" فأكثر .... وإن نابه هو نصاب بل يستقبل حينئذ به "أو" حصة ربه بربحه "أقل" من نصاب، "و" لكن "عنده" أي ربه "ما يملكه" فيزكي العامل وإن قل، لأن زكاته تابعة لزكاة ربه)

(4)

.

فالمنظور إليه بلوغ مجموع مال الشركة نصاباً، لا أسهم كل مساهم على حدة؛ أخذاً بمبدأ الخلطة في عروض التجارة، وعلى فرض وجود من لا تبلغ أسهمه نصاباً، وهي إن وجدت ستكون قليلةً جدا - فإنه يستفيد من ضمه إلى بقية أموال الشركة الكثيرة، فالغالب أن يربح ربحاً ما كان يربحه لو كان بمفرده، وهذا هو المعنى الذي لاحظه الإمامان الشافعي وأحمد في الرواية الثانية عنه في موضوع الخِلطة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فهذا لا يمكن أن يتم إلا بعد التحقق من أن أصحابها لا يملكون ما يكمل النصاب، وفي هذا مشقة على الشركة، ويتعذر تنفيذه، والمشقة تجلب التيسير.

ولأن السهم وما يمثله من أموال، وإن انتقل من مالك لآخر، إلاّ أنه باقٍ في الشركة لا يخرج منها مهما تعدد المشترون المتعاقبون. ولذا فإن بيعه لا يؤثر في وجوب الزكاة فيه.

(1)

مجلة مجمع الفقه 4/ 1/ 763.

(2)

النضوض: تحول المال من عروض إلى نقود.

(3)

الانفصال: يريد بها القسمة وقبض العامل نصيبه.

(4)

/ 645 - 647.

ص: 61

وإذا كانت الشركة في دولة غير إسلامية، أو في دولة إسلامية لا تعتني بجباية الزكاة وصرفها في مصارفها، فإنه يجب عليها دفعها لمستحقيها إن استطاعت.

وإذا كانت الشركة في دولة لا تسمح لها بجمع الزكاة وأدائها لمستحقيها، ففي هذه الحالة أرى أن الواجب على الشركة هو حساب الزكاة على أسهم كل مساهم على حدة، وإبلاغه بذلك، حتى يتمكن من أداء الزكاة بنفسه ليبرئ ذمته ويطّهر أمواله.

ومعرفة حساب زكاة الأسهم أمر سهل على الشركات في وقتنا الحاضر؛ نظراً لتطور النظم المحاسبية الإلكترونية.

ص: 62

‌الخاتمة

1 -

الزكاة عبادة يتقرب بها إلى الله، وهي ركن من أركان الإسلام الخمسة. يتحقق بها التكافل الاجتماعي بين المسلمين، وتشيع التآلف بينهم، وتنشر الفضيلة، وتمنع بعض الظواهر السيئة في المجتمع.

2 -

إن ترك المسلم أداء الزكاة جاحداً لوجوبها مع توافر شروط وجوبها عليه كفر بذلك إجماعاً، ولو زكى، وهو مرتد تجري عليه أحكام المرتدين.

3 -

إن تركها بخلاً أو تهاوناً أو تأولاً، فإنه يعتبر بذلك فاسقاً، قد ارتكب كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب، وهو تحت مشيئة الله إن مات على ذلك.

4 -

الزكاة مورد رئيس من موارد الدولة الإسلامية، تسهم في زيادة التنمية الاقتصادية في المجتمع الإسلامي، بما تحققه من آثار على الإنفاق والاستثمار والتوزيع والاستقرار الاقتصادي، كما تسهم في معالجة كثير من التقلبات الاقتصادية، كالتضخم والانكماش والبطالة، وكنز النقود.

5 -

بينت أن السهم هو حصة المساهم في رأس مال الشركة، وكل ما ينتج منه من أرباح واحتياطيات وحقوق. أما صك السهم فليس هو السهم، وإنما هو مستند لإثباته.

6 -

اختلف المعاصرون فيمن تجب عليه زكاة الأسهم، أهو المساهم أم الشركة؟ على ثلاثة أقوال.

أ- تجب على المساهم.

ب - تجب على المساهم، وتخرجها إدارة الشركة نيابةً عنه.

ج- تجب على الشركة.

7 -

الرأي الذي توصل إليه البحث هو أن الزكاة واجبة في المال، ويجب على مالكه أو من يقوم مقامه دفعها، لأن الزكاة تكليف متعلق بالمال ولذا فإنها تجب

ص: 63

على الشخص الاعتباري حيث لا يشترط لها التكليف الذي أساسه العقل والبلوغ، وذلك لوجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون، ويدفعها عنهما وليهما، لذا فإن وجوب الزكاة متوجه إلى الشركة لا إلى آحاد المساهمين، وهذا هو ما رجحه البحث، لعموم حديث ((لا يفرَّقُ بين مجتمِعٍ ولا يجمَعُ بين متفرِّقٍ خشيةَ الصدقةِ))، وليس هناك مخصص له، وأخذاً بمبدأ الخلطة في أموال التجارة، لأن الأسهم من عروض التجارة، ولثبوت ملكية كل شريك فيما قدمه بقية الشركاء، وبناءً على شخصيتها المعنوية ولمبررات أخرى وردت في المبحث الخامس. كما أن ما جاء في الفقرات التالية يؤيد ذلك.

8 -

يُخرَّج القول بوجوب الزكاة على الشركة على الأظهر من مذهب الشافعية، وإحدى الروايتين من مذهب الإمام أحمد؛ بناءً على قولهم بتأثير الخِلطة في عروض التجارة، والأسهم من عروض التجارة التي تجب فيها الزكاة.

9 -

قال الحنابلة في الصحيح من المذهب، والمالكية تثبت ملكية كل شريك فيما قدمه بقية الشركاء بمجرد عقد الشركة، فاقتضى أن يكون المالان كالمال الواحد.

10 -

قال الشافعية والظاهرية وزفر من الحنفية: عقد الشركة بعد خلط رأس المال يثبت ملكية كل شريك في جميع أموال الشركة.

11 -

اشتمل البحث على أدلة كل فريق، وتمت مناقشتها.

12 -

من أحكام الشركة المتفق عليها بين الفقهاء أنها متضمنة للوكالة، ويشترط في أهلية عاقد الشركة أن يملك أهلية التوكيل والتوكل.

13 -

يجب على ذي السلطة فيها إخراجها فيلزم الشركة أن تقوم بحصر الزكاة وأدائها لمستحقيها، أو تسليمها للجهة الخاصة بجباية الزكاة من جهة الدولة.

14 -

إذا كانت الشركة في دولة لا تسمح لها بجمع الزكاة وأدائها لمستحقيها، فالواجب عليها في هذه الحالة بيان حساب زكاة كل مساهم على حدة، وإبلاغه بذلك، فإن لم تفعل وهو لا يعلم مقدار زكاة أسهمه، فعليه أن يطالب الشركة بذلك حتى يتمكن من أدائها بنفسه؛ ليبرئ ذمته، ويطّهر أمواله.

ص: 64

15 -

ما نص عليه النظام السعودي من تجنيب الزكاة المفروضة شرعاً قبل تقسيم الأرباح؛ وقبل تجنيب الاحتياطي النظامي، أو الاتفاقي، أو غيرهما اتجاه محمود، وأوصي أن تحذو بقية القوانين في البلدان الإسلامية حذوه.

16 -

على الدولة الإسلامية متابعة الشركات ومطالبتها بأداء الواجب، والتحقق من ذلك.

17 -

تتوجه المطالبة بأداء زكاة أموال الشركة، إلى ذي السلطة فيها؛ كمديرها، أو مجلس إدارتها.

18 -

ما قيل من أن أسهم بعض المساهمين قد لا تبلغ نصاباً، أجيب عنه أن أموال الشركة أصبحت ملكاً لجميع الشركاء، ولم يعد للشريك حق عيني فيما قدمه وإنما له نصيب مشاع، فجاز ذلك؛ فالمنظور إليه بلوغ مجموع مال الشركة نصاباً، لا أسهم كل مساهم على حدة.

19 -

السهم وما يمثله من أموال، وإن انتقلت ملكيته من مالك لآخر، إلاّ أنه باقٍ في الشركة لا يخرج منها، مهما تعدد المشترون المتعاقبون، ولذا فإن بيعه لا يؤثر في وجوب الزكاة فيه.

20 -

أوصي أن يذكر لكل مساهم مقدار الزكاة المدفوعة عن أسهمه؛ ليكون على بيّنة من ذلك.

21 -

أوصي أن ينص في نظام الشركة الأساسي على أن تقوم الشركة بإخراج زكاة أسهمها.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد؛ وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.

ص: 65

الباب الثاني

تحرير القول في زكاة أسهم الشركات

بالنظر إلى نوع نشاطها

ص: 67

‌الباب الثاني

تحرير القول في زكاة أسهم الشركات بالنظر إلى نوع نشاطها.

وجاء في أربعة مباحث.

المبحث الأول: شروط وجوب الزكاة في الأسهم، وحكم إخراج زكاة الأسهم منها أو من غيرها، وحكم زكاة الأسهم المحرمة.

المبحث الثاني: آراء العلماء في زكاة أسهم الشركات المساهمة باعتبار نوع نشاط الشركة، وأدلتهم.

المبحث الثالث: مناقشة الآراء والأدلة.

المبحث الرابع: الرأي الذي توصلت إليه.

الخاتمة: في نتائج البحث وتوصياته.

ص: 69

‌المبحث الأول

شروط وجوب الزكاة في الأسهم وحكم إخراج زكاة الأسهم منها أو من غيرها وحكم زكاة الأسهم المحرمة

وفيه مطالب

‌المطلب الأول: شروط الأسهم

لوجوب الزكاة في الأسهم شروط منها: الإسلام، والحرية، وبلوغ النصاب، وتمام الملك، ومضي الحول

(1)

، ويشترط بعض الفقهاء النية، ويشترط الحنفية النماء، وأن يكون المال خالياً من الحاجات الأصلية، وتراعي بعض المذاهب شرط النماء دون أن تنص على اشتراطه، وسأقتصر على بيان ما تدعو حاجة البحث إلى بيانه.

‌الفرع الأول: نصاب الأسهم ومقداره:

يشترط لوجوب الزكاة في الأسهم بلوغها نصاباً، من الذهب أو الفضة، كما في بقية عروض التجارة

(2)

. وقيمة النصاب في هذا العصر 85 جراماً من الذهب، أما قيمته من الفضة فهي 595 جراماً، والنصاب في عروض التجارة يقوم بالأحظ للفقراء

(3)

؛ والأحظ هو أقل هذين المعدنين قيمة على الراجح

(4)

، والغالب أن

(1)

منتهى الإرادات، لابن النجار 1/ 921 - 131.

(2)

الهداية شرح بداية المبتدي، للمرغيناني 2/ 218، بدائع الصنائع 2/ 20 و 21، بداية المجتهد 1/ 269، روضة الطالبين 2/ 267، المغني 4/ 249 - 252.

(3)

فتح القدير والهداية 2/ 219، المجموع 6/ 60، متن الخرقي، لأبي القاسم عمر بن الحسين الخرقي مع المغني، المغني 3/ 31، الإنصاف 3/ 155.

(4)

المبسوط 2/ 191، فتح القدير 2/ 220، الهداية بداية المبتدي 2/ 219، بدائع الصنائع 2/ 21، المغني، تحقيق عبدالله بن عبدالمحسن التركي والحلو 4/ 253، الفروع 2/ 319، المبدع 2/ 380.

ص: 71

التقويم بالفضة أقل، ففي هذا العصر وما قبله من عصور متقدمة تراجع صرف الفضة بالذهب من عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، ففي المأثور أن عشرة دراهم فضة كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تساوي ديناراً، وبلغت في عهد عمر رضي الله عنه كل اثني عشر درهماً بدينار

(1)

. فإذا بلغت الأسهم عند حلول الحول من العملة -أياً كانت هذه العملة- الرائجة في بلد الشركة، قيمة نصاب الفضة وهو (595 جراماً)، ولم تنقص عن ذلك أثناء الحول، وجبت فيها الزكاة. وهو لأوجه عند الشافعية

(2)

، وهو المذهب المعتمد عند الحنابلة

(3)

، وهو ما يرجحه الباحث.

والصحيح المشهور عند الشافعية أنه يعتبر في آخر الحول فقط، لأنه يتعلق بالقيمة، وتقويم العرض في كل وقت يشق، فاعتبر حال الوجوب وهو آخر الحول

(4)

.

وقال الحنفية وأحد الأوجه عند الشافعية: المعتبر طرفا الحول، ولو نقص النصاب في أثنائه

(5)

، وقال الحنفية ما لم ينعدم المال كلية

(6)

.

والمقدار الواجب إخراجه في زكاة أسهم الشركات التجارية ربع العشر، ويعادل 2?5%. وهذا محل اتفاق لدى المعاصرين، والفقهاء القدماء حسب نصوصهم في عروض التجارة، قال النووي:(لا خلاف فيه)

(7)

، وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة وأكثر الحنفية

(8)

. أما أنواع الشركات الأخرى، فسيأتي بيان مقدار ما يجب إخراجه منها، عند الكلام على كل نوع منها

(9)

.

(1)

أبحاث وأعمال الندوة السابعة لقضايا الزكاة المعاصرة، بحث الدكتور محمد بن سليمان الأشقر، ص 87.

(2)

المجموع 6/ 53

(3)

المغني، تحقيق التركي والحلو 4/ 252.

(4)

المجموع 6/ 53 و 54.

(5)

رد المحتار، ومتنه الدر المختار 2/ 33، المجموع 6/ 53.

(6)

رد المحتار ومتنه.

(7)

روضة الطالبين 2/ 273، مغني المحتاج، ومتنه 1/ 399.

(8)

بدائع الصنائع 2/ 21، بداية المجتهد 2/ 269، مغني المحتاج، ومتنه 1/ 400، المغني 4/ 24.

(9)

سيكون هذا -إن شاء الله- في المبحث الرابع.

ص: 72

ويمكن معرفة مقدار الزكاة الواجب إخراجها بقسمة قيمة الأسهم عند حلول حولها على (40)، ونتيجة القسمة هي الواجب دفعه.

‌الفرع الثاني: هل يشترط لوجوب الزكاة على الشركة بلوغ أسهم كل شريك نصاباً، أم يكفي بلوغ مجموع رأسمالها نصاباً؟

إذا كان المساهم هو الذي يقوم بدفع الزكاة، فإنها لا تجب عليه إلا إذا بلغ ما يخصه نصاباً.

أما إذا كانت الشركة هي التي تدفع الزكاة، ففيه تفصيل، هذا بيانه:

بنى كثير من الفقهاء المعاصرين رأيهم، في حكم هذه المسألة على خلاف الفقهاء في خلطة سائمة بهيمة الأنعام؛ أي هل يشترط للوجوب فيها بلوغ مال كل من الخليطين نصاباً؟ أم أنه يكفي أن يكون مجموع مالهما من السائمة نصابا؟ وهذا بيان آراء العلماء في هذه المسألة.

قال أبو حنيفة ومالك والمذهب عند الحنابلة: أنه يشترط لوجوب الزكاة على كل واحد من الخليطين أن يبلغ ماله وحده نصاباً

(1)

. وقال مالك سواء خالطه بالنصاب أو ببعضه

(2)

.

وقال الشافعي، وهو مذهب الشافعية ورواية عند الحنابلة: أن المعتبر هو بلوغ مجموع أموال الشركاء نصاباً

(3)

.

ونظراً لأن خلطة السائمة التي أجاز العلماء اعتبارها في وجوب الزكاة منها، هي خلطة الأوصاف؛ وهي أن تكون سائمة كل واحد منهما متميزة عن سائمة

(1)

المبسوط 2/ 153، المدونة، للإمام مالك 1/ 2/ 331، الشرح الكبير للدردير 1/ 404، الشرح الصغير 1/ 602، بداية المجتهد 1/ 258، المغني 7/ 64.

(2)

المدونة 1/ 2/ 331، وانظر: الشرح الكبير، للدردير.

(3)

الأم، للإمام الشافعي، 4/ 47، المغني 2/ 506.

ص: 73

الآخر

(1)

، ومع أن هذه ليست خلطة أملاك. إذ إنها لا تفيد ملك كل من الخليطين في مال الآخر، وإنما خلطتهما في المراح والمسرح والمرعى والحوض فقط فقد قال من ذكرنا من العلماء بوجوب الزكاة فيها إذا بلغ مجموعها نصاباً. بينما خلطة الشركاء في شركات العقد تفيد الملك، فهي أقوى وأولى بالقول في وجوب الزكاة فيها إذا بلغ مجموع مالها نصاباً. وبيان ذلك فيما يلي:

الراجح لدى الفقهاء المعاصرين، وتخريجاً على آراء المذاهب الأربعة. -في قولهم بثبوت ملك كل شريك فيما قدمه بقية الشركاء- أن المعتبر هو: بلوغ مجموع مال الشركة نصاباً، لا أسهم كل شريك على حدة

(2)

. وقال به مجمع الفقه الإسلامي

(3)

، وممن قال به الصديق الضرير

(4)

.

وذلك أخذاً بمبدأ الخلطة في أموال التجارة، عند من قال بها من الفقهاء، وبناءً على شخصيتها المعنوية، التي تتعلق بها الأحكام، كتعلقها بالأشخاص الطبيعيين. وأضيف لثبوت ملكية كل شريك فيما قدمه بقية الشركاء.

فقد قال بثبوت ملكية كل شريك فيما قدمه سائر الشركاء: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في الصحيح من المذهب.

وقال الشافعية والظاهرية وزفر من الحنفية: عقد الشركة بعد خلط رأس المال يثبت ملكية كل شريك في جميع أموال الشركة؛ لأن شركة العقد عندهم مبنية على ثبوت شركة الملك

(5)

.

(1)

المجموع 5/ 407، المغني 2/ 506.

(2)

قد بسطنا القول في هذا الموضوع وأدلته في المبحث الخامس من الباب الأول، وأوردنا نقولاً كثيرة من كتب المذاهب الفقهية.

(3)

قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم 28/ 4/ 85.

(4)

مجلة مجمع الفقه الدولي 4/ 1/ 763.

(5)

فتح القدير 6/ 181، روضة الطالبين، للنووي 4/ 277، مغني المحتاج، للشربيني 2/ 213، المحلى، لابن حزم 8/ 545، وانظر: شركات العقد في الشرع الإسلامي ص 96 و 97 للدكتور صالح المرزوقي، مطبوع على الآلة الكاتبة

ص: 74

وحيث إن أموال الشركة المساهمة بطبيعتها تكون مختلطة، فإنه يتخرج ثبوت ملك كل شريك بقدر نصيبه في جميع الأسهم الأخرى عند المذاهب الفقهية الأربعة، وبهذا يتضح أنه يكفي بلوغ مجموع أسهم الشركة نصاباً، ولا يلزم أن تبلغ أسهم كل شريك لوحده نصاباً.

فإن قيل إن قياس الأسهم على المواشي قياس مع الفارق. أجيب عنه بأنه ليس قياساً على المواشي، لكن لأن الأسهم من عروض التجارة، وقد قال بعض الأئمة كما سبق بيانه أن الخِلطة تؤثر في عروض التجارة كخِلطة السائمة هذا من جهة، ومن جهة أخرى يحتج بهذا القول بعموم حديث:«لا يُجمعُ بين متفرِّقٍ ولا يُفرَّقُ بين مجتمعٍ خشيةَ الصَّدقةِ» رواه البخاري

(1)

؛ فقوله صلى الله عليه وسلم «لا يُفرَّقُ بين مجتمعٍ» عام فيشمل أسهم الشركات وليس له مخصص، فإن قيل هو مخصص بحديث «الخَلِيطانِ: ما اجْتمَعَا على الحَوضِ والفَحلِ والرَّاعي»

(2)

. أجيب عنه بأن هذا حديث باطل كما قال أبو حاتم الرازي

(3)

، وقال النووي: حديث ضعيف

(4)

.

وحيث إن أسهم المساهمين في الشركة تختلط اختلاطاً يتعذر معه تمييز بعضها من بعض، فإنها تأخذ حكم المال الواحد، لأنه يصدق عليها قوله صلى الله عليه وسلم:«ولا يُفرَّقُ بين مجتمعٍ» .

وأما قول من يقول قد يوجد في المساهمين من لا تبلغ أسهمه نصاباً، فقد سبقت الإجابة عليه

(5)

.

وبالنسبة للشخصية المعنوية للشركة، فلأنه يترتب عليها ثبوت ذمة مالية مستقلة للشركة، هذه الذمة ممثلة لذمم الشركاء؛ وبموجبها تكتسب الشركة

(1)

صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 3/ 314.

(2)

سنن الدار القطني 1/ 2/ 77.

(3)

علل الحديث، لأبي حاتم محمد بن عبدالرحمن الرازي 3/ 219.

(4)

المجموع 5/ 431.

(5)

ينظر: آخر المبحث الخامس من الباب الأول.

ص: 75

الحقوق وتلتزم بالواجبات، فهي تملك التصرف في الأموال بوصفها ممثلة لهم؛ وحينئذ يجب على القائمين عليها إخراج الزكاة عن جميع أموالها مجتمعة، بوصفهم ممثلين للشركة.

يؤيد هذا أن المساهم لم يعد له حق معين على الحصة التي قدمها للشركة، ويبقى حقه قبل الشركة من طبيعة منقولة، ولو كانت حصة الشريك عقاراً

(1)

. وبهذا يصبح حقه مشاعاً في مجموع المال؛ بدليل أنه لا يستطيع أخذ سهمه المملوك له وسحبه من الشركة، ولكنها تنوب عنه في إحرازه، والمتاجرة به، ودفع أرباحه، وغير ذلك من التصرفات، ومنها دفع زكاته.

‌الفرع الثالث: النية

يشترط جمهور الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية

(2)

، في زكاة عروض التجارة النية، أي أن ينوي الاتجار في هذه العروض، وأن تكون النية سابقة للعقد، أو مرافقة له.

وحيث إن نية التجارة ملازمة -بطبيعة الحال- لعقد شراء أسهم الشركات، أو الاكتتاب فيها. فلا يشترط لوجوب زكاتها نية التجارة، لأن مالك الأسهم لا يريد بتملكه لها إلا التجارة؛ سواء كان ذلك بالبيع والشراء فيها، أم بالحصول على أرباحها، ولأن فعل الشراء والاكتتاب أقوى من النية، فإنه مقصد وهي وسيلة، والمقاصد مقدمة على الوسائل

(3)

، ويؤيد ذلك أن الحنفية مع اشتراطهم نية التجارة قالوا:(أو دلالة بأن يشتري عيناً بغرض التجارة لا نية صريحة)

(4)

.

(1)

محاضرات الدكتور محسن شفيق، ص 155، دروس في القانون التجاري، للدكتور أكثم الخولي 2/ 62.

(2)

رد المحتار، 2/ 10، الهداية 2/ 169، الشرح الصغير 1/ 637، حاشية الدسوقي 1/ 423، المجموع 6/ 45، المغني 4/ 251.

(3)

الذخيرة 3/ 20.

(4)

رد المحتار، ومتنه الدر المختار للحصكفي 2/ 10.

ص: 76

وقالوا: ما يشتريه المضارب فإنه يكون للتجارة مطلقاً، لأنه لا يملك بمال المضاربة غير المتاجرة به

(1)

.

«ويثور سؤال، وهو كيف تتصور النية من غير المكلفين؟ والجواب عن ذلك أن نية الولي عليهم تقوم مقام نيتهم، لأن الأداء عنهم يكون بالنيابة الشرعية عنهم، فتعتبر نية من يؤدي عنهم، كنيتهم على السواء»

(2)

.

‌الفرع الرابع: الحول

يشترط لوجوب الزكاة في الأسهم تمام الحول، كبقية عروض التجارة

(3)

، لقوله صلى الله عليه وسلم:«وليس في مالٍ زكاةٌ حتى يحولَ عليه الحولُ» ، رواه أبو داود والإمام أحمد والبيهقي بسنده عن علي بن أبي طالب

(4)

.

قال ابن حجر بعد أن أورد عدة روايات بهذا المعنى: (حديث علي لا بأس بإسناده والآثار تعضده فيصلح للحجة)

(5)

، وهذا اللفظ ليس على عمومه؛ إذ يخرج منه ما يكال ويدخر من الزروع والثمار، وكذلك المعدن، فهذان لا يعتبر لهما حول. والمعتبر في الحول هو الحول القمري أي الهجري، لا الشمسي

(6)

أي الميلادي، وبداية الحول هو منذ بلوغ رأسمال الشركة بمجموعه نصاباً. و إذا لم يمكن مراعاة السنة الهجرية لارتباط الشخص أو الشركة بالسنوات المالية الميلادية، فإن له إخراجها بالسنة الميلادية، مع مراعاة ما في ذلك من تأخير يسير،

(1)

المصدر السابق، الموسوعة الفقهية 23/ 272.

(2)

الزكاة، لأبي زهرة ص 149.

(3)

بدائع الصنائع 2/ 21، بداية المجتهد 1/ 269، روضة الطالبين 2/ 267، نهاية المحتاج 3/ 101، المغني 4/ 249 و 251، منتهى الإرادات 1/ 129.

(4)

السنن الكبرى 4/ 95، المنتقى 2/ 94، سنن أبي داود 2/ 232، تحقيق عزت الدعاس وعادل السيد.

(5)

تلخيص الحبير 2/ 156.

(6)

رد المحتار 2/ 4.

ص: 77

ودفع ما يعادله من زكاة؛ إذ إن المقدار الواجب إخراجه في السنة الميلادية هو: 2?577%

(1)

.

ولحول الأسهم عدة حالات

(2)

:

1 -

إذا اشترى الأسهم أو اكتتب فيها؛ فإن حولها يكون من حين تملك ثمنها، لأن حولها هو حول أصلها، لا من شراء الأسهم

(3)

، أو الاكتتاب فيها؛ لأنه لو لم يشتر الأسهم، لوجبت الزكاة في ثمنها الذي شريت به، فتحويل هذا الثمن إلى أسهم لا يسقط حول الثمن.

2 -

إذا باع الأسهم بنقود أو بعروض تجارية أخرى، فإن الحول لا ينقطع؛ لأن المباع والمشترى كلاهما مال زكوي، أما إذا أبدلها بأموال للقنية فإن الحول ينقطع

(4)

.

3 -

إذا حصل على الأسهم ما يمنع تصرف مالكها فيها؛ كالرهن أو الغصب، أو كان ذلك بأمر السلطان، أو بسبب دعاوى قضائية، فإن الحول ينقطع، فإذا زال المانع، وأمكنه التصرف ابتدأ حولاً جديداً

(5)

.

4 -

إذا تملك أسهماً في أوقات متفرقة، وكل مجموعة منها تبلغ نصاباً، فإن لكل منها حوله الخاص به، ولا يضم بعضها إلى بعض

(6)

، وإن كانت الأسهم الأولى لا تبلغ نصاباً، والأسهم الثانية تكمل مع الأولى نصاباً، فحولهما واحد منذ أن كمل بعضها بعضا

(7)

.

(1)

المعاييرالشرعية، إعداد هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، (معيار رقم 35) ص 474، عام 2007 م، دار الميمان للنشر والتوزيع، الرياض، أبحاث فقهية معاصرة 2/ 872.

(2)

المجموع 6/ 54، نهاية المحتاج 3/ 104، المغني 4/ 74 و 254.

(3)

الشرح الكبير للدردير 1/ 403 و 404، الشرح الصغير 1/ 641، المغني 4/ 254، تحقيق التركي والحلو، شرح منتهى الإرادات 1/ 408.

(4)

الذخيرة 3/ 19، المجموع 6/ 55، نهاية المحتاج 3/ 101 و 102، المغني 3/ 32.

(5)

بدائع الصنائع 2/ 9، حاشية الدسوقي 1/ 408، و 420، المغني 3/ 48، فتوى جامعة، للدكتور بكر بن عبدالله أبو زيد ص 26.

(6)

المغني، تحقيق التركي والحلو 4/ 252.

(7)

المصدر السابق.

ص: 78

‌الفرع الخامس: أن تكون الأسهم مملوكة ملكاً تاما:

يشترط لوجوب الزكاة في الأسهم أن تكون مملوكة ملكاً تاماً، أما إذا كانت غير مملوكة ملكاً تاماً فإن الزكاة لا تجب فيها. ومنها الأسهم المملوكة للدولة، وأسهم الوقف الخيري، وأسهم الجهات الخيرية، وكذلك أسهم غير المسلمين

(1)

، فهذه الجهات لا زكاة في أسهمها، لتخلف شرط من شروط الزكاة، وهو تمام الملك، والملك العام ليس له مالك معين. وما بقي بعد ذلك تجب فيه الزكاة. فعلى الشركة قبل حساب الزكاة أن تحسم الأسهم المذكورة، وتزكي الباقي. وهذا قول جمهور العلماء.

وقد أوصت الندوة الثالثة عشرة لقضايا الزكاة في الكويت بوجوب الزكاة في أسهم الشركات المملوكة للدولة، المتخذة للاستثمار، إذا اختلطت بغيرها من الأموال الخاصة للأفراد، وكان في شركة ذات شخصية معنوية

(2)

، ويتخرج هذا القول على رأي محمد بن الحسن الشيباني.

1 -

يشترط أن يكون تملك الأسهم بفعله؛ كالبيع والنكاح والخلع، وقبول الوصية والغنيمة، أما إذا كان تملك الأسهم بغير فعله؛ كالأسهم الموروثة والممنوحة، فإن حولها يبدأ من وقت تملكها

(3)

.

2 -

انتقال السهم من مالك لآخر لا يؤثر في وجوب الزكاة فيه، إذا كانت الشركة هي التي تخرج الزكاة، لأنه باق في الشركة لا يخرج منها مهما تعدد المشترون المتعاقبون. قال بهذا مجمع الفقه الإسلامي الدولي. وقد اشترط نظام الشركات السعودي أن تخرج الشركة الزكاة، فيكون إخراجها من الأسهم، دون النظر إلى من هي في ملكه، وهو شرط جائز، لما فيه من المصلحة.

(1)

رد المحتار 2/ 4، بدائع الصنائع 2/ 994، المجموع 5/ 308، كشاف القناع 2/ 208، شرح منتهى الإرادات 1/ 368، قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم 28 (3/ 4).

(2)

ص 414.

(3)

الشرح الصغير 1/ 637، المجموع 6/ 545، نهاية المحتاج 3/ 103، المغني 3/ 29 و 30.

ص: 79

‌المطلب الثاني: حكم إخراج زكاة الأسهم منها أو من غيرها

قد لا يجد صاحب الأسهم من النقود ما يمكنه من دفع زكاتها، أو يكون واجداً لها، لكنه يرغب في دفع الأسهم بدلاً منها، كأن يراها أنفع للمستحق، أو أسهل عليه، وحكم إخراج زكاة الأسهم منها ينبني على الخلاف في حكم إخراج زكاة عروض التجارة من جنسها، أو من قيمتها، وقد اختلف الفقهاء في ذلك على أقوال:

القول الأول: يجب إخراج زكاة العروض بقيمتها نقداً، ولا يجزئ إخراجها من العروض نفسها.

وهذه رواية عن مالك اختارها أكثر أصحابه، وهو المشهور في الجديد عند الشافعية، والصحيح عند الحنابلة

(1)

.

ومن أدلة هذا القول:

1 -

ما جاء عن أبي عمرو بن حماس عن أبيه قال: أمرني عمر رضي الله عنه فقال: أدِّ زكاة مالك، فقلت: مالي مال إلا جعاب وأدم، فقال: قومها، ثم أد زكاتها

(2)

.

فقول عمر يدل على ارتباط زكاة العروض بالقيمة. قال ابن قدامة: (وهذه قصة يشتهر مثلها ولم تنكر فيكون إجماعاً)

(3)

.

وأجيب عن الحديث بأنه ضعيف الإسناد، وممن ضعفه ابن حزم والألباني

(4)

، كما أن التقويم لبيان قدر المخرج لا يلزم منه أن يكون المخرج نقداً، بل يجوز أن يخرج من العروض بقيمة النقد.

(1)

الذخيرة 3/ 20، المنتقى 2/ 93، المجموع 6/ 66، روضة الطالبين 2/ 273، الحاوي الكبير 4/ 298، المغني 3/ 29، المبدع 2/ 873، الإنصاف 7/ 55.

(2)

السنن الكبرى للبيهقي 4/ 147، سنن الدار القطني، لعلي بن عمر الدار قطني 2/ 2/ 97.

(3)

المغني 3/ 28.

(4)

المحلى 5/ 349، إرواء الغليل 3/ 311.

ص: 80

2 -

إن النصاب معتبر بالقيمة، وهي النقود، فيجب الإخراج مما اعتبرت به، وهو القيمة، لا من عينه

(1)

.

وأجيب عن هذا الدليل بأن اعتبار القيمة للنصاب لأنه أيسر في ضبطه به، بسبب تعدد أنواع العروض واختلافها، فيشق أن يكون لكل نوع نصاب خاص، فإذا عرف القدر الواجب، فإن ذلك لا يمنع من إخراج العين

(2)

.

القول الثاني: يجب إخراج زكاة العروض من العروض نفسها، ولا يجزئ إخراجها من النقد. وعلى هذا القول يجب إخراج زكاة الأسهم منها. وهذا قول قديم عند الشافعية

(3)

.

واستدلوا بما يلي:

1 -

ما جاء عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمُرُنا أن نُخْرِجَ الصدقةَ من الذي نَعُدُّ للبيعِ»

(4)

. وإذا أمر بالإخراج منه، لم يجز العدول عنه

(5)

.

(1)

الحاوي الكبير 4/ 299، نهاية المحتاج 3/ 106، المغني 3/ 29.

(2)

الزكاة في العقار، لصالح بن عبدالله اللاحم، المكتبة الشاملة، ص 83. وانظر: أحكام زكاة الأراضي، لصالح بن محمد الفوزان، مجلة الجمعية الفقهية السعودية العدد 19، ص 493.

(3)

المجموع 6/ 66، روضة الطالبين 2/ 273، ينظر: بداية المجتهد 1/ 269.

(4)

سنن أبي داود 2/ 212، وسكت عنه، والقاعدة عند أبي داود أنه لا يسكت عن حديث إلا وهو يراه صالحاً للاحتجاج به، سنن الدار قطني 1/ 2/ 98، السنن الكبرى للبيهقي 4/ 146، والحديث حسنه ابن عبدالبر في الاستذكار 9/ 115، واحتج به في التمهيد 17/ 180، وجود ابن الملقن إسناده، كما في البدر المنير 5/ 592، لسراج الدين أبي حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري، تحقيق مصطفى أبو الغيط وآخرون، نشر دار الهجرة-الرياض-ط الأولى، سنة 1425 هـ، وقال ابن حجر: في تلخيص الحبير 2/ 179 في إسناده جهالة، وقال في تقريب التهذيب 1/ 386: سليمان بن سمرة بن جندب مقبول من الثالثة. وقال في 4/ 198 ذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو الحسن بن القطان حاله مجهولة. وقال ابن حجر في بلوغ المرام بشرحه سبل السلام 2/ 271: على الحديث المذكور: وإسنادُهُ ليّنٌ، قال الصنعاني: لأنه من رواية سليمان بن سمرة وهو مجهول، والدار قطني والبزار من حديثه أيضاً. «سبل السلام في شرح بلوغ المرام للصنعاني» . نشر دار الريان القاهرة، ودار الكتاب العربي بيروت، الطبعة الرابعة، سنة 1407 هـ.

بينما ضعفه ابن حزم في المحلى 5/ 349، والألباني في إرواء الغليل 3/ 310.

(5)

الحاوي الكبير (4/ 299).

ص: 81

ويمكن أن يناقش بأن الحديث يدل على وجوب الزكاة في العروض المعدة للبيع، وليس فيه نص على اشتراط إخراج العروض

(1)

.

ويمكن أن يجاب عن هذه المناقشة بأن (من) هنا تفيد التبعيض، أي بعض الذي نعد للبيع.

2 -

(لأنه مال مزكى فوجب أن تخرج زكاته منه كسائر الأموال

(2)

.

ونوقش بعدم التسليم بوجوب الزكاة في المال، بل وجبت في القيمة

(3)

.

ويرد على عدم تسليم المناقش بوجوب الزكاة في المال، بأن وجوب الزكاة ثابت في المال؛ لأنه لو لم يوجد المال، وتتوفر شروط الزكاة فيه، لما وجبت الزكاة على صاحبه، وهو مردود أيضاً بحديث:«وليس في مالٍ زكاةٌ حتى يحولَ عليه الحولُ»

(4)

إذ نص على أن الزكاة في المال.

القول الثالث: أن المزكي مخير بين الإخراج من العروض أو النقد.

وهذا مذهب أبي حنيفة

(5)

، ورواية عن مالك

(6)

، وقول عند الشافعية

(7)

، ورواية عن أحمد

(8)

، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وقيده بالحاجة والمصلحة الراجحة

(9)

. وقال: (هذا أعدل الأقوال)

(10)

.

(1)

حكم إخراج زكاة الأراضي، مصدر سابق.

(2)

الحاوي الكبير 3/ 299، وانظر: المغني، تحقيق التركي والحلو 4/ 250.

(3)

المغني 4/ 250.

(4)

سبق تخريجه.

(5)

فتح القدير 2/ 219 و 220، بدائع الصنائع 3/ 21، تبيين الحقائق 1/ 279.

(6)

الذخيرة 3/ 20، المنتقى 2/ 93.

(7)

الحاوي الكبير 3/ 288، المجموع 6/ 68، روضة الطالبين 2/ 273.

(8)

المغني 4/ 250، المبدع 2/ 378.

(9)

فتاوى ابن تيمية 25/ 79.

(10)

المصدر السابق.

ص: 82

واستدلوا على ذلك بما يلي:

1 -

إن الزكاة تتعلق بهما: العين والقيمة، فجاز الإخراج من أيهما شاء

(1)

.

2 -

إخراج زكاة العروض منها، فيه توسعة على المزكي ورفق به؛ إذ قد يترتب على إلزامه بإخراج النقد أن يبيع الأسهم، ويستأجر غيره كالدلال، أو النشر في وسائل الإعلام لبيعها، وقد لا يجد من يشتري، وقد يبيع بأقل من قيمتها، فيكمل الواجب من ماله، أو يخرج أقل من الواجب

(2)

.

(1)

المجموع 6/ 68.

(2)

المنتقى 2/ 93، الحاوي الكبير 3/ 189.

ص: 83

‌الترجيح

الراجح هو التخيير بين إخراج الزكاة من الأسهم، أو إخراجها من النقود، وتقييد ذلك بمصلحة المستحق. وممن رجح التخيير من المعاصرين الدكتور محمد سليمان الأشقر

(1)

والدكتور محمد عبدالغفار الشريف

(2)

، والدكتور صالح بن عبدالعزيز الفوزان

(3)

. وذلك لأن هذا القول فيه تحقيق عدد من المصالح تعود إلى المستحق، أو المزكي، أو جابي الزكاة؛ كالدولة ومن يمثلها؛ فتخيير المزكي بين إخراج القيمة أو الأسهم في حالة تحقق مصلحة المستحق، فيه تيسير على المزكي، ومراعاة لمصلحة الفقير؛ من حيث حاجته إلى العرض أو النقد، ومراعاة لمن يجبي الزكاة؛ من حيث جمع الزكاة وحفظها وتوزيعها، فقد يكون إخراج النقد أيسر في حالة، وقد يكون إخراج العرض أيسر في حالة أخرى، ولأن المزكي واسى الفقراء، فأعطاهم من جنس ماله.

ويؤيد جواز إخراج زكاة الأسهم وبقية عروض التجارة منها أو من قيمتها، جواز إخراج القيمة في زكاة المواشي، لا سيما أنه لا يمنع من ذلك نص خاص، بل تدل عليه مقاصد الزكاة وحِكَمِ مشروعيتها

(4)

.

ومما يؤيد ذلك ما أورده أبو عبيد القاسم بن سلام، من روايات ووقائع عن عدد من الصحابة رضوان الله عليهم، تبين جواز إخراج نوع من المال في زكاة غيره، وقال: (وجدنا السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه: أنه قد يجب الحق في

(1)

بحث (الأصول المحاسبية للتقويم في الأموال الزكوية) لمحمد سليمان الأشقر، أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة 1/ 35.

(2)

بحث (إخراج الزكاة من العروض نفسها) محمد عبدالغفار الشريف، ضمن أبحاث وأعمال الندوة الأولى لقضايا الزكاة المعاصرة ص 431 و 432.

(3)

مجلة الجمعية الفقهية السعودية، عدد 19 ص 496.

(4)

المصدر السابق.

ص: 84

المال ثم يحول إلى غيره مما يكون عطاؤه أيسر على معطيه من الأصل)، وقال: (فكل هذه الأشياء قد أخذت فيها حقوق من غير المال الذي وجبت فيه تلك الحقوق، فلم يدعهم ذلك إلى إسقاط الزكاة؛ لأنه حق لازم لا يزيله شيء، ولكنهم فدوا ذلك المال بغيره؛ إذ كان أيسر على من يؤخذ منه، فكذلك أموال التجارة، إنما كان الأصل فيها أن تؤخذ الزكاة منها أنفسها، فكان في ذلك عليهم ضرر من القطع والتبعيض، فلذلك ترخصوا في إخراج القيمة.

وقال: ولو أن رجلاً وجبت عليه زكاة في تجارة، فقوم متاعه، فبلغت زكاته قيمة ثوب تام، أو دابة أو مملوك، فأخرجه بعينه، فجعله زكاة ماله، كان عندنا محسنا مؤديا للزكاة، وإن كان أخف عليه أن يجعل ذلك قيمة

(1)

من الذهب والورق كان ذلك له)

(2)

.

‌المطلب الثالث: حكم زكاة الأسهم المحرمة

قال كثير من الفقهاء المعاصرين تجب الزكاة في الأسهم المحرمة، منهم مجمع الفقه الإسلامي الدولي، ولجنة الفتوى بوزارة الأوقاف الكويتية

(3)

والشيخ أبو زهرة

(4)

، والدكتور وهبة الزحيلي

(5)

، وعبدالرحمن الحلو

(6)

، وعبدالله بن منيع

(7)

، ومحمد عبداللطيف الفرفور

(8)

.

(1)

لعل صوابها: (أن يجعل ذلك قيمته).

(2)

الأموال لأبي عبيد، تحقيق محمد هراس 1401 هـ -1981 م، مكتبة الكليات الأزهرية، دار الفكر، القاهرة، ص 387 و 388.

(3)

صدر بذلك قراره رقم 62/ 11/ 6 عام 1410 هـ، فتاوى الزكاة ص 92.

(4)

الزكاة لأبي زهرة، ضمن أبحاث المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية ص 183.

(5)

أبحاث وأعمال الندوة السابعة لقضايا فقهية معاصرة ص 230.

(6)

المصدر السابق ص 212.

(7)

المصدر السابق ص 311.

(8)

مجلة مجمع جدة 4/ 1/ 825.

ص: 85

وقال بعض الفقهاء المعاصرين لا تجب الزكاة في الأسهم المحرمة والسندات، قياساً على المغصوب والمنهوب. وعللوا ذلك بأن من شروط الزكاة الملك، والغاصب لا يملك المغصوب.

ومع أن بعض العلماء قالوا بوجوب الزكاة في المال المغصوب والمنهوب؛ كأبي حنيفة

(1)

والمالكية

(2)

وشيخ الإسلام ابن تيمية

(3)

والنووي؛ إذ قال في المال المغصوب: (في الفصل مسائل إحداها إذا ضل ماله أو غصب أو سرق

ففي وجوب الزكاة أربعة طرق، أصحها وأشهرها فيه قولان أصحهما وهو الجديد وجوبها)

(4)

. والطريق الثاني: القطع بالوجوب وهو أشهرها

(5)

. فإنا لا نقيسهما عليهما.

وقياس من قاس الأسهم المحرمة على الأسهم المغصوبة والسندات فقياسه مع الفارق بينهما. لأن الأسهم والسندات المحرمة مملوكة، فيجب أن نقيسها على شيء مملوك، كالحلي المحرم، لا أن يقيسها على شيء غير مملوك كالمغصوب -على رأي من يرى أنه غير مملوك-؛ إذ قال العلماء بوجوب الزكاة في الحلي المحرم

(6)

. فتجب في الأسهم والسندات المحرمة قياساً عليه.

وقد أجمع الفقهاء على وجوب الزكاة في كل ما حرم استعماله واتخاذه من حلي الرجال، وكذا أواني الذهب والفضة للرجال والنساء، يقول ابن قدامة (إذا ثبت هذا فإن فيها الزكاة بغير خلاف بين أهل العلم)

(7)

.

(1)

رد المحتار 2/ 5.

(2)

الشرح الصغير 1/ 622، حاشية الدسوقي 1/ 420.

(3)

فتاوى شيخ الإسلام 30/ 325.

(4)

المجموع 5/ 310.

(5)

المصدر السابق.

(6)

المبسوط 3/ 37، الشرح الكبير 1/ 423، الأم 4/ 150، 149 المجموع 6/ 34، الحاوي 4/ 279، المغني 2/ 609 - 612، فتاوى الزكاة ص 82 و 85.

(7)

المجموع 6/ 34، المغني 3/ 19.

ص: 86

ويقول النووي: (ذكرنا أن المتخذ من ذهب أو فضة إن كان استعماله محرماً وجبت فيه الزكاة قولاً واحداً). قال الشافعي

(1)

والأصحاب: (فكل متخذ من الذهب والفضة من حلي وغيره إذا حكم بتحريم استعماله وجبت فيه الزكاة بلا خلاف ونقلوا فيه إجماع المسلمين)

(2)

. ويقول أيضاً: (ومن ملك مصوغاً من الذهب والفضة فإن كان معداً للقنية وجبت فيه الزكاة؛ لأنه مرصد للنماء فهو كغير المصوغ، وإن كان معداً للاستعمال نظر فإن كان لاستعمال محرم كأواني الذهب والفضة وما يتخذه لنفسه من سوار أو طوق أو خاتم ذهب وجبت فيه الزكاة؛ لأنه عدل به عن أصله بفعل غير مباح فسقط حكم فعله وبقي على حكم الأصل)

(3)

.

والزكاة في هذه الأحوال تكون في المال، سواء قيل هو ملك لمن هو بيده، أم للمغصوب منه

(4)

. وأما المالكية فقال ابن القاسم: (المال المغصوب في ضمان الغاصب ففيه الزكاة)

(5)

، وقال الدردير:(وتزكى العين المغصوبة من ربها)

(6)

، قال الشيخ أحمد الصاوي المالكي:(أما الغاصب فلا زكاة عليه قيده الحطاب بما إذا لم يكن عنده وفاء بما يعوضه به. وإلا زكاة وعلى هذا يحمل قول الشيخ أحمد الزرقاني)

(7)

.

فالراجح أن الزكاة واجبة في الأسهم المحرمة؛ كالأسهم الممتازة، أو أسهم الشركات التي تتعامل بالربا، أو غيره من المحرمات، وكذلك السندات، لعموم

(1)

انظر: الأم 3/ 149 و 150.

(2)

المجموع 6/ 34.

(3)

المرجع السابق.

(4)

المصدر السابق، فتاوى شيخ الإسلام 25/ 325، رد المحتار 2/ 5.

(5)

حاشية الدسوقي 1/ 420.

(6)

الشرح الصغير 1/ 622، وانظر: الشرح الكبير 1/ 420.

(7)

حاشية الصاوي مع الشرح الصغير 1/ 622 و 623.

ص: 87

النصوص الموجبة للزكاة، ولعدم المخصص، ومراعاة لحق الفقير، لأنها صارت عروضاً تجارية، ويتحمل المخالف إثم معصيته، وفساد عقده، وقد تبين مما تقدم أنه لا فرق بين زكاة الحلي المحرم، وبين زكاة الأسهم المحرمة، فالحكم الشرعي لا يتعلق بالذوات، وإنما يتعلق بالأفعال، وهي استعمال الحلي أو اتخاذه، وكذا كسب الأسهم الحرام؛ وحيث وجبت الزكاة في الحلي المحرم فإنها تكون واجبة في كل كسب محرم خبيث. ومن ذلك الأسهم المحرمة والسندات.

فإن وجد للسندات أو للأسهم المحرمة ربح خضع مع أصله للزكاة، ولا يصح أن تكون المعاصي سبباً في الإعفاء من أداء الواجبات، كما أن المكاسب المحرمة لا يجوز أن تكتسب مزية خاصة، تغري بالمزيد منها، لو أعفيت من الزكاة.

ولم يعهد في الشريعة أن يكون ارتكاب المخالفات سبباً في التخلص من الحقوق الواجبة الأداء.

والزكاة فريضة كتبها الله على الموسرين من عباده في أموالهم، وإذا كان بعضهم قد خالفوا أوامر الله، باكتسابهم أموالاً محرمة، عن طريق الربا أو الرشوة أو استغلال النفوذ، فإن هذا لا يكون مانعاً من أن تفرض عليهم الزكاة في هذه الأموال جميعها

(1)

.

والقول بغير ذلك يؤدي إلى نتائج غير مقبولة، فلو أعفيت المكاسب المحرمة من الزكاة لما يلابسها من المحرم، لأقبل بعض الناس عليها، وتزودوا منها. فيكون ذلك الإعفاء مشجعاً على ارتكاب المحرمات، وفتح أبوابها، ومن ثم يجب القول بزكاتها، وزكاة أرباحها، بالرغم من حرمة هذه المكاسب والأرباح

(2)

.

(1)

الزكاة لأبي زهرة ص 183 و 184.

(2)

المصدر السابق.

ص: 88

يذكر أن بعض الشركات في العصر الحاضر تظهر الحسابات بصورة أقل، لإنقاص ما تدفعه من الزكاة عن مقدار الواجب، وهذا فعل منكر، وحرام شرعًا؛ لأنه عمل لإسقاط ركن من أركان الإسلام. وقد توعد الله مانعي الزكاة بالعذاب الشديد، قال تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34]، وفي الحديث الشريف: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما مِنْ صاحِبِ ذَهَبٍ ولا فِضَّةٍ، لا يُؤَدِّي مِنْها حَقَّها، إلَّا إذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ، صُفِّحَتْ له صَفائِحُ مِنْ نارٍ، فَأُحْمِيَ عليها في نارِ جَهَنَّمَ، فيُكْوَى بها جَنْبُهُ وجَبِينُهُ وظَهْرُهُ، كُلَّما بَرَدَتْ أُعِيدَتْ له، في يَومٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ، حتَّى يُقْضَى بيْنَ العِبادِ» أخرجه مسلم

(1)

.

وقد قاتل الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه مانعي الزكاة، وأهدر دماءهم، فيجب على الجهات المعنية أن تتخذ من التدابير والجزاءات، ما يمنع هذه الحيل. وعلى مجلس الإدارة، والجمعية العمومية، أن يحرصوا على الحصول على المعلومات التي تبين المقدار الصحيح للزكاة، وأن يخرجوها طيبة بها نفوسهم

(2)

.

(1)

صحيح مسلم بشرح النووي 3/ 17.

(2)

شركة المساهمة في النظام السعودي دراسة مقابلة بالفقه الإسلامي، لصالح بن زابن المرزوقي البقمي، طبع ونشر شركة العبيكان، الرياض، سنة 1440 هـ، ص 374.

ص: 89

‌المبحث الثاني

آراء العلماء في زكاة أسهم الشركات المساهمة باعتبار نوع نشاطها وأدلتهم

قبل الدخول في تفاصيل أنواع الشركات التي يتناولها البحث، وآراء العلماء المعاصرين فيها، أبين أنه تجب الزكاة في قيمة عروض التجارة، في قول أكثر أهل العلم. قال ابن المنذر:(أجمع أهل العلم على أن في العروض التي يراد بها التجارة الزكاة إذا حال عليها الحول)

(1)

، وقال المجد ابن تيمية:(وهو إجماع متقدم)

(2)

، روي ذلك عن عمر وابنه وابن عباس، وبه قال الفقهاء السبعة والحسن وجابر بن زيد وميمون بن مهران وطاوس والنخعي والثوري والأوزاعي والشافعي وأبو عبيد وإسحاق وأصحاب الرأي

(3)

.

ويمكن جمع آراء الفقهاء المعاصرين في حكم زكاة أسهم الشركات المساهمة باعتبار نوع نشاط الشركة، في خمسة آراء، هي كما يلي:

‌الرأي الأول:

وقسمه القائلون به إلى قسمين:

القسم الأول: أن الأسهم إذا كانت لشركة صناعية محضة، لا تمارس عملاً تجارياً؛ كشركات الصباغة وشركات التبريد وشركات الفنادق والنقل البري أو البحري أو الجوي، وشركات الإعلانات، فلا تجب الزكاة في أسهمها وأصولها الثابتة، وإنما تجب الزكاة في أرباح الأسهم، إذا بلغت نصاباً، أو كملت مع ما عند مالكها من مال آخر نصاباً، وحال عليها الحول.

(1)

الإجماع ص 24، المجموع 6/ 44، المغني 4/ 248، تحقيق التركي والحلو.

(2)

كشاف القناع 2/ 240.

(3)

المغني 4/ 248، المجموع 6/ 44، بداية المجتهد 1/ 269.

ص: 91

القسم الثاني: إذا كانت الأسهم لشركات تجارية، أو لشركات صناعية تقوم ببيع منتجاتها؛ كالشركات التي تستخرج المواد الخام، أو تشتريها، ثم تجري عليها عمليات تحويلية ثم تبيعها؛ كشركات البترول، وشركات الغزل والنسيج، وشركات الحديد والصلب، والشركات الكيماوية، فتجب الزكاة في أسهمها، وقالوا تقدر بقيمتها الحالية، أما الأرباح فإذا قبضت وحال عليها الحول من قبضها فتزكى، وممن قال به الشيخ عبد الرحمن عيسى

(1)

.

ويتفق مع هذا الرأي في جزئيةٍ من فقرته الأولى، وهي قولهم:(لا تجب الزكاة في أصول الشركة الثابتة) سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في فتواه التي نص فيها (أنه لا زكاة في سيارات النقل وفي عين البواخر، والفنادق، والمكائن والآلات، والدور والمراكب ونحوها)

(2)

. كما يتفق مع هذا الرأي في هذه الجزئية جميع الفقهاء قديماً وحديثاً، أما بقية آرائهم فلا يتناوله قوله فيما ظهر لي.

وقال أصحاب هذا الرأي بالنسبة للشركات التجارية أو الصناعية وغيرها، تحسم قيمة المباني والآلات، والأدوات المملوكة للشركة، المعدة للاستعمال، لا للمتاجرة فيها، فقد تمثل هذه الأشياء ثلث قيمة الأسهم أو أقل أو أكثر، فيحسم من قيمة السهم ما يقابل ذلك، وتجب الزكاة في الباقي. ويمكن معرفة قيمة المباني ونحوها بالرجوع إلى ميزانية الشركة، وهي تنشر في بعض الصحف كل عام

(3)

.

(1)

المعاملات الحديثة وأحكامها، للشيخ عبد الرحمن عيسى ص 73 و 74.

(2)

فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ 4/ 106 - 107، فتوى رقم 1043.

(3)

المعاملات الحديثة وأحكامها، لعبدالرحمن عيسى ص 72 و 74.

ص: 92

وقالوا تقدر حسب القيمة السوقية

(1)

، وقال عبدالرحمن عيسى تقدر الأسهم حسب القيمة الحالية، ثم تحسم الموجودات -كما ذكر- ويزكى الباقي.

دليل الرأي الأول:

1 -

قال أصحاب الرأي الأول إن قيمة أسهم الشركات الصناعية ونحوها موضوعة في الآلات والإدارات والمباني وما يلزم الأعمال التي تمارسها، ولأنها لا تزاول عملا تجاريا حتى يطبق عليها زكاة عروض التجارة.

‌الرأي الثاني:

تجب الزكاة في أسهم وأرباح الشركات التجارية بنسبة 2?5% حسب قيمتها السوقية.

أما أسهم الشركات الصناعية؛ كشركات الإسمنت والجبس والكهرباء والأدوية والصناعات الأساسية وغيرها، فإن كان مالك الأسهم اتخذها للاتجار فيها، فتأخذ حكم عروض التجارة، فتؤخذ الزكاة منها بقدر قيمتها نهاية العام بنسبة 2. 5%، بعد حسم الأصول الثابتة. وأما إذا كانت للاقتناء فإن الزكاة واجبة في صافي أرباحها فقط، إذا حال عليها الحول بعد قبضها، ويشترط بلوغ النصاب لكل مساهم. وقال به الشيخان عبد الله بن عبد الرحمن البسام، وعبد الله بن سليمان المنيع

(2)

. وللشيخ ابن منيع رأي آخر في الشركات الزراعية يتفق مع الرأي الخامس

(3)

.

(1)

القيمة السوقية، هي: قيمة السهم في السوق، حسب ما يعلن في الصحف، وبعض وسائل الإعلام الأخرى، ويوافقه، ما قاله جابر بن زيد من التابعين إذ قال:(قومه بنحو من ثمنه يوم حلت فيه الزكاة ثم أخرج زكاته)، الأموال، ص 385.

(2)

مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي 4/ 1/ 715 و 726 و 725، بحوث في الاقتصاد الإسلامي ص 81 و 83، فتاوى في بعض مسائل الزكاة للشيخ عبد الله بن منيع ص 172 و 173.

(3)

يأتي -إن شاء الله- إيراده في مكانه.

ص: 93

وقالوا: (إن ربح الشركة الصناعية ما هو إلا ثمرة تلك الأدوات، من تالف مستهلك، ومن قائم معطل لأعمال الشركة، ومشغول لصالحها، ومتناقص ذاتاً وقيمة. فالأرباح هي نتاج هذه الأدوات، فكيف تقوّم في إخراج الزكاة)

(1)

.

ويلتقي رأي لجنة الفتوى الشرعية في وزارة الأوقاف الكويتية مع معظم هذا القول؛ إذ جاء في فتواها رقم 6/ 141/ 81 (إن كانت الأسهم تجارية، فتزكى على أصل السهم وربحه بقيمته يوم وجوب الزكاة، مع حسم الأموال الثابتة، وأما إذا كانت الأسهم عقارية أو صناعية، فإنها تجب الزكاة في أرباحها دون أصولها)

(2)

.

إلا أن لجنة الفتوى ترى وجوب الزكاة في الأرباح يوم وجوب الزكاة، أما الشيخان فيريان الزكاة بعد حول من قبضها.

وفي رأي لجنة الفتوى اضطراب، نبينه -إن شاء الله- في المناقشة.

أدلة الرأي الثاني:

1 -

لا زكاة في رأس مال الشركة الصناعية قياساً على العقار المعد للكراء، فكما أن العقار المعد للكراء لا زكاة في عينه، فكذلك الشركات الصناعية لا زكاة في رأس مالها، وإنما الزكاة في أرباحها

(3)

، لأن الشركة المساهمة الصناعية شبيهة بالعقار المعد للكراء، من حيث إن كلا منهما تبقى عينه وتتجدد منفعته، إما على سبيل الاستغلال في العقار، أو على سبيل التصنيع وأخذ الكسب من المصنع، وقد أجمع العلماء -إلا من شذ- على أن العقار المعد للكراء تجب الزكاة في غلته

(4)

.

(1)

مجلة مجمع الفقه الدولي ص 722.

(2)

أحكام صور من عروض التجارة المعاصرة، لأحمد الحجي الكردي، ضمن أبحاث وأعمال الندوة السابعة لقضايا الزكاة المعاصرة ص 191.

(3)

بحوث وفتاوى في بعض مسائل الزكاة ص 172 و 173، وبحوث في الاقتصاد الإسلامي ص 73 كلاهما للشيخ عبدالله بن منيع.

(4)

بحوث في الاقتصاد الإسلامي ص 92.

ص: 94

2 -

إن تقسيم المال إلى قسمين؛ مال ثابت ومال متحرك نام، هو من الأصول المقررة المتفق عليها لدى الفقهاء، وقد بنيت أحكام الزكاة من حيث وجوبها في المال أو عدمه على هذا الأصل

(1)

، فالزكاة كما قرر الفقهاء لا تجب في أدوات القنية، ولا في أدوات صاحب الصناعة والحرفة، التي يستعملها في صناعته

(2)

.

3 -

إن الزكاة واجبة في كل ما هو نام بالفعل أو بالقوة، ولا شك أن شركة المساهمة التجارية تجمع الأموال النامية بالفعل، وهي المتمثلة فيما لديها من سلع وبضائع معدة للبيع، وشراء بدلها، وبين الأموال النامية بالقوة، والمتمثلة فيما لديها من سيولة نقدية

(3)

.

‌الرأي الثالث:

إنه لا تأثير لنوع نشاط الشركة، ولا فرق بين شركة وأخرى، بل تجب الزكاة في أسهم الشركات وأرباحها، إذا بلغت نصاباً، أو كملت مع ما عند مالكها نصابا، وحال عليها الحول، بغض النظر عن نشاطاتها، وسواء كانت للمتاجرة، أم للاستثمار، لأن هذه الأسهم ما هي إلا عروض تجارية، فتزكى زكاة عروض التجارة، أي نسبة 2?5% مما وجبت فيه الزكاة. ومن القائلين بهذا القول من نص على حسم الأصول الثابتة غير المعدة للبيع، ومنهم من يفهم ذلك من كلامه، لقولهم تطبق عليها زكاة عروض التجارة، وهذا يفيد حسم ما ذكر.

وممن قال به المشايخ محمد أبو زهرة، وهو قوله الأخير، إلا أنه قال في زكاة الشركات ذات الأصول الثابتة، العشر، وفي قوله هذا يلتقي مع أصحاب الرأي

(1)

المصدر السابق ص 69 و 70.

(2)

المصدر السابق ص 73.

(3)

المصدر السابق، ص 81 و 83 و 91.

ص: 95

الرابع. وعبد الرحمن حسن، وعبد الوهاب خلاف

(1)

، ومحمد المختار السلامي

(2)

وعلي السالوس

(3)

، ورجب التميمي

(4)

، وأحمد الحجي الكردي

(5)

، ولكنه استثنى الشركات الزراعية، وقال فيها العشر أو نصف العشر، وقال:(إذا صدر لهذه الأسهم أرباح قبل نهاية الحول وقبضها المساهم فإنها تضم إلى قيمة الأسهم وتزكى معها، ولو كان ذلك قبل أسبوع من نهاية الحول أو أقل من ذلك، فإن صدرت الأرباح وقبضت بعد نهاية الحول، فإنها لا تحسب مع الحول السابق عليه، ولكنها تضاف إلى قيمة الأسهم في الحول اللاحق إن بقيت في ملكية المساهم إلى نهايته، فإن استهلكها في الحول لم يجب عليه فيها شيء)

(6)

، ووهبة

(1)

الزكاة لأبي زهرة، كتاب التوجيه التشريعي في الإسلام، نشر مجمع البحوث بالأزهر 2/ 146 م مطبعة الرجوي، القاهرة. وانظر: أبحاث المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية ص 183 و 184 وقد صدر بهذا تقرير من أبي زهرة وعبدالرحمن حسن وعبدالوهاب خلاف، قدموه إلى حلقة الدراسات الاجتماعية التي عقدتها جامعة الدول العربية في ديسمبر عام 1952 م، عن وسائل التكافل الاجتماعي في الدول العربية، الدورة الثالثة ص 42.

(2)

مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي 1/ 4/ 839.

(3)

المصدر السابق 4/ 1/ 849 و 850، وقد طلبت من فضيلة الشيخ السالوس أن يكتب لي رأيه، وقد فعل وفقه الله: وهذا نص خطابه المؤرخ في 19/ 10/ 1432 هـ: الأصل في زكاة الأسهم متى كانت حلالاً وكانت للتجارة، فتزكى بقيمتها السوقية، دون النظر إلى ما تمثله من ملكية حصة شائعة في شركة من الشركات، أما الأسهم الحلال التي هي للإقتناء وليست للتجارة فينظر فيها إلى هذه الملكية، فإذا كانت الأسهم تمثل ملكية حصة شائعة في أرض زراعية، والزكاة على الزرع لا على الأرض فينظر فيها إلى ما تخرجه الأرض، ولا تدخل الأرض في التركة، وإذا كانت تمثل حصة شائعة في شركة صناعية، فينظر فيها إلى ما يزكى من هذه الشركة، أي أننا نستبعد الأصول الثابتة، ونزكي الأصول المتداولة والنقود والديون المرجوة الأداء، وهكذا في باقي أسهم الشركات، ننظر إلى ما يقابل السهم من موجودات وما يزكى منها وما لا يزكى.

(4)

المصدر السابق 4/ 1/ 857 و 858.

(5)

أبحاث وأعمال الندوة السابعة لقضايا الزكاة المعاصرة، بحث الدكتور أحمد الحجي الكردي ص 190 و 198.

(6)

مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي 4/ 1/ 735، الجدير بالذكر أن الشيخ وهبة الزحيلي رحمه الله كان يقول بهذا الرأي قديماً كما جاء في كتابه الفقه الإسلامي وأدلته 2/ 774 الذي طبع سنة 1404 هـ بينما رأيه الثاني جاء في دورة مجمع الفقه بجدة المنعقدة عام 1408 هـ. ولأنه رأيه الأخير فهو الرأي الذي نرى أنه استقر عليه.

ص: 96

الزحيلي، وقال: لا أرى حاجة لهذا التفصيل، لأن الهدف من شراء الأسهم واحد، وهو الاتجار والاسترباح، وأن هذه الأسهم تزكى مثل زكاة عروض التجارة، ولا داعي للتفرقة بين أسهم التجارة وأسهم الاستثمار

(1)

، وعبدالرحمن الحلو

(2)

وقال: وذلك بناءً على قيمتها السوقية. ويفهم من قول الدكتور بكر أبو زيد القول بهذا الرأي، إذ قال:(المساهمة التجارية في العقار التي يطلب بها الربح، أو تباع وتشتري، فإن الزكاة تجب فيها وفي ربحها)

(3)

.

ويفهم كذلك من قول الدكتور محمد سليمان الأشقر القول بهذا الرأي؛ إذ قال: (الحيوانات المشتراة بقصد الاتجار بها، ومنها الإبل والبقر والغنم، فيكون فيها زكاة التجارة، وتسقط عنها زكاة السوم

(4)

.

أدلة الرأي الثالث:

استدل أصحاب الرأي الثالث القائلين بأنه لا تأثير لنوع نشاط الشركة بالأدلة التالية:

1 -

إن الأسهم أموال قد اتخذت للاتجار، وصاحبها يتجر فيها بالبيع والشراء، وقيمتها السوقية تختلف في البيع والشراء عن قيمتها الاسمية، فهي إذاً من عروض التجارة، فتكون فيها الزكاة كسائر أموال التجارة، فهذه الأسهم لا تخلو من الصبغة التجارية، حتى وإن كان صاحبها قد اشتراها للاستفادة من ريعها، لكن الغالب هو ادخار هذه الأسهم بنية بيعها إذا ارتفعت أسعارها، أو تناقص ريعها، أو صار بيعها أجدى من الاحتفاظ بها. فإذا تحققت في الأسهم

(1)

مجلة مجمع الفقه الإسلامي 4/ 1/ 737 و 739.

(2)

أبحاث وأعمال الندوة السابعة لقضايا الزكاة المعاصرة تنظمها الهيئة العالمية للزكاة بالكويت ص 208 و 247.

(3)

فتوى جامعة ص 14.

(4)

الأصول المحاسبية للتقويم في الأموال الزكوية لمحمد الأشقر ضمن أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة 1/ 40.

ص: 97

التجارية جملة الشروط الموجبة للزكاة في الأموال، فقد وجب معاملة الأسهم على أنها عروض تجارية.

2 -

إن السهم في حقيقة التعامل خرج عن حقيقته إلى صورة قيمة متمولة، فلكل سهم قيمة مالية، ولا يفترق السهم سواء أكان النشاط نشاطاً زراعياً، أم صناعياً، أم تجارياً، فهو قيمة مالية تباع في الأسواق، ترخص وترتفع أثمانها حسب تغير السوق

(1)

، ولأن هذه الأسهم صار لها شبه بالنقود من حيث إمكان الحصول على أثمانها في أي وقت. ولأن هذا هو الأحوط في الدين والأحسن للفقراء

(2)

.

3 -

التفريق بين أسهم الشركات الصناعية وأسهم الشركات التجارية يؤدي إلى أن تؤخذ الزكاة من إيرادات بعض أسهم المساهم، وفي بعضها الآخر تؤخذ الزكاة من الأسهم نفسها، بحسب قيمتها، ومن إيراداتها أيضاً.

4 -

من يرى عدم اشتراط الحول من القائلين بهذا الرأي، علل لقوله بأن المساهم في شركة صناعية يمكن أن يمضي عليه أعوام دون أن تجب عليه الزكاة، لا في أسهمه ولا في أرباحها؛ لأنه ينفق أرباح أسهمه قبل أن يحول عليها الحول، بخلاف المساهم في شركة تجارية فالزكاة واجبة عليه في كل عام عن أسهمه وأرباحها.

‌الرأي الرابع:

تزكى أسهم الشركات التجارية زكاة عروض التجارة، وذلك بنسبة ربع العشر (2?5%) شاملة للأصل والأرباح.

(1)

مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة 4/ 1/ 839، تعقيب للشيخ محمد المختار السلامي.

(2)

المصدر السابق 13/ 2/ 283، بحث الزكاة للدكتور علي أحمد الندوي،

ص: 98

وتزكى صافي غلاّت أسهم الشركات ذات الأصول الثابتة؛ كالصناعية والعقارية زكاة الخارج من الأرض، بنسبة العُشر (10%).

وممن قال به أبو زهرة

(1)

، ومصطفى الزرقا

(2)

، والهيئة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي السوداني

(3)

.

قال الشيخ أبو زهرة: (الأسهم والسندات إذا اتخذت للتجارة فإن زكاتها تؤخذ من الأصل والنماء على حسب ما قرره جمهور الفقهاء، ويؤخذ منها ربع العشر كزكاة النقدين، لأنها عروض تجارة، وإذا كانت تؤخذ من الغلة فإنها تعامل معاملة الأموال الثابتة فتكون عشر ما ينتج من صافي الغلة)

(4)

.

وقال الشيخ مصطفى الزرقا: (إذا كانت الأسهم قد اقتنيت للتجارة بها بيعاً وشراءً فهي كسائر العروض التجارية، فتزكى أعيانها بحسب قيمتها السوقية في كل عام بنسبة 2?5% من قيمتها، وأما إذا كانت مقتناة لأخذ عائدها من الأرباح السنوية أو الموسمية

فيزكى عائدها الصافي كلما قبض بنسبة 10% من العائد دون النظر إلى حولان الحول، ولا إلى القيمة السوقية للسهم، وذلك قياساً على الأرض الزراعية وما تنتجه، فالأرض لا تزكى عينها وإنما يزكى ما تنتجه يوم حصاده)

(5)

.

(1)

الزكاة لأبي زهرة، ضمن كتاب التوجيه التشريعي في الإسلام، نشر مجمع البحوث بالأزهر 2/ 146 م مطبعة الرجوي، القاهرة، وانظر: أبحاث المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية ص 184.

(2)

فتاوى مصطفى الزرقا ص 123.

(3)

الفتاوى الشرعية لبنك فيصل الإسلامي السوداني، فتوى رقم (13) ضمن الفتاوى الاقتصادية المسجلة على قرص مدمج رقم (1143).

(4)

الزكاة لأبي زهرة 2/ 146.

(5)

فتاوى مصطفى الزرقا ص 123 و 124.

ص: 99

أدلة الرأي الرابع:

حيث إن الأسهم نوع من عروض التجارة؛ فإنه يجب أن تكون زكاة أسهم الشركات التجارية، هي زكاة عروض التجارة.

وقياس الشركات الصناعية والعقارية على الخارج من الأرض؛ حيث قاسوا الغلّة في هذه الشركات على الإنتاج الزراعي في الزروع والثمار إذا سقيت بغير آلة، والعلة الجامعة بينهما أن كلاً منهما نماء خالص، وكل واحد منهما أصلاً لا تجب الزكاة في ذاته، وإنما تجب في غلته ..

‌الرأي الخامس:

تنزيل الشركات مكان الأشخاص، فإذا كانت الشركة تجارية عوملت معاملة التاجر، وإذا كانت صناعية أو عقارية عوملت معاملة صاحب العقار أو المصنع، وإذا كانت زراعية عوملت معاملة المزارع، وإذا كانت شركة مواشٍ عوملت معاملة من يملك ماشية. وإذا استثمرت الشركة أموالها في مجالات متنوعة، من تجارة وصناعة وزراعة وغيرها، فحينئذ تعامل معاملة كل حال حسب نوعه، وتخرج زكاة كل مال بحسبه.

وهذا رأي مجمع الفقه الإسلامي بجدة، الصادر به قراره الثالث في دورته الرابعة

(1)

؛ إذ جاء فيه (تخرج إدارة الشركة زكاة الأسهم كما يخرج الشخص الطبيعي زكاة أمواله، بمعنى أن تعتبر جميع أموال المساهمين بمثابة أموال شخص واحد وتفرض عليها الزكاة بهذا الاعتبار؛ من حيث نوع المال الذي تجب فيه الزكاة، ومن حيث النصاب، ومن حيث المقدار الذي يؤخذ، وغير ذلك مما يراعى في زكاة الشخص الطبيعي، وذلك أخذاً بمبدأ الخلطة عند من عممه من الفقهاء

(1)

مجلة مجمع الفقه الإسلامي 4/ 1/ 881.

ص: 100

في جميع الأموال). وهو رأي الدكتور صديق الضرير

(1)

والشيخ عبدالله بن منيع

(2)

والدكتور محمد بن عبدالله الصواط، وقيد ذلك بالقصد والنية

(3)

، والدكتور أحمد الحجي الكردي في الشركات الزراعية فقط، إذ قال فيها العشر أو نصفه

(4)

.

دليل الرأي الخامس:

الأصل وجوب الزكاة على الأفراد حسب نوعية استثماراتهم، وبناءً عليه فإنه لا فرق بين ما إذا كان المزكون شركاء أم أفراداً.

(1)

المصدر السابق ص 763.

(2)

بحوث في الاقتصاد الإسلامي ص 72.

(3)

زكاة الأسهم دراسة فقهية، لمحمد بن عبد الله بن عابد الصواط ص 76 وما بعدها، بحث مطبوع بالحاسب الآلي.

(4)

أبحاث وأعمال الندوة السابعة لقضايا الزكاة المعاصرة ص 190.

ص: 101

‌المبحث الثالث

مناقشة الآراء والأدلة

مناقشة الرأي الأول وأدلته:

1 -

قولهم بعدم وجوب الزكاة في القسم الأول من الشركات، لأنها لا تمارس عملاً تجارياً، صحيح لو كان واقعها كما يقولون، لكن واقعها ليس كذلك، فواقع هذه الشركات، أنها تمارس عملاً تجارياً، وأنشئت للتجارة، وابتغاء الربح، حتى وإن كانت فنادق أو طيران أو بواخر، كما ذكروا هذه الأمثلة لها؛ لأن حديث «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمُرُنا أن نُخْرِجَ الصدقةَ من الذي نَعُدُّ للبيعِ» شامل لأسهم الشركات التجارية المحضة، وغيرها؛ كأسهم الشركات الزراعية، والصناعية، ونحوهما، مما هو معد للبيع، بصفتها أسهما يتاجر فيها مالكها بالبيع، وشراء بدلها من نوعها، أو من خلافه. وهي أيضاً تنتج بضائع تبيعها الشركة. فكما أنكم أوجبتم الزكاة في أسهم الشركة التي اصطلح على تسميتها تجارية؛ والشركة الصناعية التي تبيع منتجاتها، فإن شركات القسم الأول مثلها. ولذا فهي تساويها في الحكم.

واقتصارهم على إيجاب زكاة الشركات الصناعية ونحوها يؤدي إلى عدم تزكية مال زكوي أوجب الله فيه الزكاة. والمتفق مع القواعد الشرعية، حسم مكوناتها الثابتة وأدواتها المستعملة، التي ليست معدة للبيع، وهو ما يقول به معظم الفقهاء المعاصرين، وما عداها من نقود وأرباح وغيرها من أموال تجب فيه الزكاة، إذا كانت أسهمها للحصول على أرباحها، أما إن كان المساهم يتاجر في أسهمها، فإنه يجب عليه أن يزكي قيمة هذه الأسهم بقيمتها السوقية، كعروض التجارة، دون أن يحسم شيئاً منها، لأن السهم بمجموعه أصبح سلعة تجارية.

ص: 103

فتحسب زكاته على قدر قيمته في السوق، إلا إذا تمكن من معرفة قيمته الحقيقية في موجودات الشركة

(1)

فيزكيه حسب القيمة الحقيقية.

2 -

قولهم في القسم الثاني تزكى أرباح الشركات الصناعية التي تبيع منتجاتها بعد حول من قبضها، يعارضه ويرده قولهم بوجوب زكاة رأس المال في هذه الشركات؛ إذ أوجبوا الزكاة فيها، لأنها أخذت حكم زكاة عروض التجارة، إذ من لازم هذا القول وجوب الزكاة في أرباحها مع رأس مالها، لأن من الثابت شرعاً المجمع عليه أن الربح ملحق بالأصل.

مناقشة الرأي الثاني وأدلته:

1 -

رأيهم في حكم زكاة أسهم الشركات التجارية مسلم، إلا ما يتعلق بحسم الأموال الثابتة. فإنه يجب التفريق في حسمها من الزكاة بين الأسهم المتاجر فيها، وأسهم القنية، ويأتي في المناقشة بيان ذلك.

2 -

قولهم في زكاة أسهم الشركات الصناعية المتخذة للبيع والشراء، تحسم الأصول الثابتة ويزكى الباقي، يجاب عليه إن السهم أصبح سلعة تباع وتشترى بجميع مكوناته؛ من ثابت ومنقول وحقوق معنوية وآلات وغيرها، وما دام أنه كذلك فالزكاة واجبة فيه حسب مقدار قيمته في السوق.

3 -

قياسهم الشركات الصناعية ونحوها على العقار المعد للكراء، يجاب عليه بأن العقار المعد للكراء، الاستثمار ناتج من منفعته، أما أسهم الشركات الصناعية ونحوها، فاستثمارها ناتج فيما تبيعه من الأعيان التي تستخرجها، أو تشتريها وتصنعها، فافترقا، كما أن الأسهم من المنقولات، فلا تقاس على العقار لأنه من الثابت؟ ويأتي -إن شاء الله- في مناقشة أدلة الرأي الرابع مزيد إيضاح.

(1)

سيأتي -إن شاء الله- في المبحث الرابع مزيد بيان عن كيفية تقويم الأسهم.

ص: 104

4 -

قولهم لا زكاة في رأس مال الشركة العقارية والصناعية المتخذة للنماء، يؤدي إلى إسقاط الزكاة عن مال زكوي تجب فيه الزكاة، واحتجاجهم على ذلك بأن قيمة أسهم الشركات الصناعية موضوعة في الآلات والمباني والإدارات، وهي غير نامية، يُرد عليه بأنه ليس كل قيمة الأسهم في هذه الأشياء، بل إن الجزء الأكثر من أموال الشركة الصناعية يستغل في مجال الاستثمار الصناعي، وقولهم بعدم وجوب الزكاة في هذا الجانب من أموال الشركة لا يتوافق مع قولهم بالزكاة في رأس مال الشركات التجارية المتخذة أسهمها للاتجار؛ إذ إن الشركات الصناعية في حقيقتها تجارية، بدليل أنهم قالوا فيها إن اتخذها للاتجار فيها فتزكى زكاة عروض التجارة؛ فأعطوها حكمها، وقالوا تزكى حسب قيمتها نهاية العام، والمراد بها القيمة السوقية؛ إذ إنهم نصوا على هذه القيمة في زكاة الشركات التجارية، ومؤدى هذا شموله لجميع أموال الشركة، لأن القيمة السوقية شاملة جميع ما يخص السهم، من رأسمال وأرباح وقيمة معنوية بما فيها الأشياء الثابتة، ومنها الآلات، فالتفريق بينهما في الحكم تفريق بين متماثلين، ومعارض لحديث «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمُرُنا أن نُخْرِجَ الصدقةَ من الذي نَعُدُّ للبيعِ» ، لأن السهم معد للبيع بجميع مشتملاته بما فيها رأس المال. ويرد عليهم أيضاً بأن جزءًا من مال أسهم الشركات التجارية يوضع في مبان وفي أثاث لتستعمله الشركة في مكاتبها أو متاجرها ونحو ذلك، والباقي في بضائع. فقولهم تزكى حسب القيمة السوقية شامل لما قالوا باستثنائه، والشركات الصناعية مثلها تماما في المباني والأثاث، وقد تزيد عليها في اقتناء معدات التصنيع.

ص: 105

5 -

احتجاجهم بأن الزكاة لا تجب في أدوات القنية وآلات الحرفة والصناعة، مسلم في حال ما إذا كانت الأسهم لأخذ أرباحها، لا للمتاجرة فيها، ويتفق الباحث معهم فيه بالقيد المذكور، وإن خالفهم آخرون؛ إذ قالوا: (ماكينات المصانع اليوم لا تُقاس على الآلات اليدوية القديمة، كمنشار النجار ومطرقته، وسندان الحداد ومطرقته، بل إن هذه الآلات والماكينات والأجهزة في المصانع اليوم هي رأس المال، فتقوم

مع ملاحظة ما تنقص به الآلات بالاستعمال)

(1)

.

ورد أصحاب هذا الرأي على من قال بأن الفقهاء لم يقولوا بوجوب الزكاة في أدوات الصناعة في عصورهم؛ لأنها كانت أدوات أولية، والإنتاج فيها للعامل، قائلين بأن تغير أدوات الصناعات بزيادة حجمها، وكثرة إنتاجها لا يغير من حكمها شيئاً، فهي باقية على أصلها؛ لأن أحكام الشريعة تبقى على أصولها الأولى، ما دامت هي هي، فقطع المسافات البعيدة بالسيارات والطائرات لا يغير شيئاً من أحكام رخص السفر، وتنوع النفقات وتبدل أشكالها من المطاعم والملابس والمساكن لا يغير شيئا من حكم النفقة، فكذلك أدوات الصناعة لا تتغير أحكامها بتغيرها

(2)

.

وقولهم إن الزكاة واجبة في صافي أرباحها إذا حال عليها الحول، هذا القول مردود بما عليه الإجماع من أن ربح التجارة حوله حول أصله

(3)

، والأسهم تجارية.

6 -

الاحتجاج بأن شركة المساهمة التجارية، تجمع الأموال النامية بالفعل، وهي المتمثلة فيما لديها من سلع وبضائع معدة للبيع، وشراء بدلها، وبين الأموال النامية بالقوة، والمتمثلة فيما لديها من نقود، يجاب عليه بأن الشركات الصناعية

(1)

فتاوى مصطفى الزرقاء، المكتبة الشاملة.

(2)

مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي 4/ 1/ 721 - 722.

(3)

المغني 3/ 4.

ص: 106

ونحوها مثل الشركات التجارية فيما تنتجه من سلع، وما يتوفر لديها من سيولة نقدية.

ومع قول الهيئة الشرعية لبيت الزكاة الكويتي

(1)

بقصر الزكاة على الربح دون رأس المال؛ إذ قالت: (أما الشركات العقارية والصناعية فإنه تجب الزكاة في أرباحها دون أصولها)، وقد رددت على هذه الجزئية ضمن ما سبق من ردود، وقد ناقضت نفسها بقولها:(المواد الخام المستخدمة في المصنع إذا حال عليها الحول، أو ضمت إلى حول نصاب مشابه كالنقود أو عروض التجارة، تجب فيها الزكاة، سواء كانت مخزنة لدى الشركة لم تستعمل بعد، أو استعملت في أشياء قد تمت صناعتها ولم يتم بيعها إلى موعد الزكاة فتؤخذ الزكاة من قيمة ما فيها من المادة الخام، ولا تؤخذ مما زادت الصناعة في قيمتها)، أي تزكى قيمتها خالية من الصناعة. فقولها بزكاة المواد الخام معارض لقولها السابق، لأن المواد الخام من رأس المال، وقد قالت بعدم تزكيته.

وكذلك قولها: (لو اشترت هذه الشركات الصناعية بضائع ومواد بقصد بيعها بعد تصنيعها فإن هذه المواد تعتبر عروضاً تجارية)

(2)

. معارض لقولها بعدم زكاة رأس مال الشركات الصناعية.

مناقشة الرأي الثالث وأدلته:

1 -

قولهم هذه الأسهم ما هي إلا عروض تجارة، يمكن للمعارض أن يجيب عليه بأنا لا نسلم أنها عروض تجارة في جميع الشركات، وفي جميع الأحوال، فإذا كانت الأسهم للحصول على ربحها، لا لبيعها فإنها ليست عروضاً تجارية، ولو أننا نسلم بذلك، لما خالفنا في زكاتها.

(1)

أحكام وفتاوى الزكاة، بيت الزكاة الكويتي، إصدار عام 1419 هـ، 1999 م، ص 37.

(2)

المصدر السابق 33.

ص: 107

ويرجح الباحث أنها عروض تجارة، وأن الزكاة واجبة فيها جميعاً، ما عدا الأشياء التي ليست معدة للبيع، إنما للاستعمال، في حال ما إذا كانت الأسهم معدة للحصول على أرباحها.

2 -

قولهم إن التفريق بين أسهم نوعي الشركات -أي نوع التجارية-، والنوع الثاني الصناعية والزراعية والعقارية والمواشي والنقل ونحوها، لا دليل عليه. أُجيب عليه بأن هذا التفريق، تابع للفروق التي بين الشركات الصناعية والشركات التجارية، في القصد من المشاركة فيها، وفي مجال عملها، والشريعة الإسلامية كما أنها لا تفرق بين متماثلين، كذلك لا تجمع بين الضدين، وإذ تأملنا فرق ما بين شركة صناعية وأخرى تجارية أدركنا ما بينهما من فوارق وأحكام متباينة، يترتب على كل منهما حكمها

(1)

.

ويمكن أن يرد على هذا الجواب بأنه لا فرق بينهما في القصد والعمل، إذ إن قصد جميع أنواع الشركات الحصول على الأرباح، والعمل هو التجارة بالبيع والشراء، كل منها في مجاله المتخصص فيه.

وقولهم الشريعة لا تفرق بين متماثلين صحيح، وهو حجة لمن أوجب الزكاة في أنواع الشركات، لأنها متماثلة، كما سبق بيانه، ويوجب الزكاة فيها جميعاً قوله صلى الله عليه وسلم:(أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج الزكاة من الذي نعد للبيع). لأن جميع أموال الشركات معدة للبيع، ما عدا المعدة للاستعمال.

3 -

قولهم إن الأسهم أموال قد اتخذت للاتجار وصاحبها يكسب منها، يمكن أن يجاب عليه بأن هذا ليس في كل الأسهم، وإنما يصدق فيمن يريد اتخاذها

(1)

مجلة مجمع الفقه الإسلامي 4/ 1/ 723، بحث الشيخ عبدالله البسام.

ص: 108

للاتجار، أما من اتخذها للنماء، والحصول على ربحها السنوي، فهذا ليس متجراً فيها، وليس الأمر كون صاحب أسهم الشركات الصناعية يكسب منها، وإلا فصاحب العقار أيضاً يكسب منه، وصاحب الحرفة كذلك يكسب من حرفته، فهل يجب في ذات العقار زكاة، وهل يجب في غلة الحرفة زكاة، لأن صاحبها يكسب منها، ما لم تبلغ تلك الإيرادات عنده نصاباً، ويحول عليها الحول؟ إذاً فالأمر هو كون الأسهم اتخذت للاتجار.

4 -

قولهم إن السهم خرج عن صورته في حقيقة التعامل إلى صورة قيمة متمولة، ترخص وترتفع أثمانها، حسب تغيرات السوق، يمكن أن يجاب عليه بأن هذا يرد فيمن اتخذ الأسهم للاتجار بها بيعاً وشراءً، وهذا لا نخالف فيه، أما من اتخذها للحصول على أرباحها السنوية فهذا القول لا ينطبق عليه؛ لأنه لا يستفيد من القيمة السوقية للأسهم.

5 -

قولهم إن في التفريق بين أسهم نوعي الشركات تعقيداً غير مسلم؛ لأن من يشتري الأسهم من نوعي الشركات يدرك حقيقتها، وكيف يستفيد منها، فلا يصعب عليه معرفة زكاة النوعين. وعلى فرض التسليم بالتعقيد المذكور، فعلى صاحب الأسهم عندئذ أن يستعين بأهل الخبرة في حساب زكاة أسهمه.

6 -

قول من يرى من هذا الفريق عدم اشتراط الحول معللاً لقوله بأن المساهم في شركة صناعية قد يمضي عليه أعوام دون أن تجب عليه الزكاة، يجاب عليه بقاعدة «ما لا يتم الوجوب إلا به فليس بواجب» . فلا يجب على الشخص تحصيل النصاب لكي تجب عليه الزكاة

(1)

، كما لا يحرم عليه الإنفاق من ماله خشية نقصان

(1)

شرح العضد على مختصر ابن الحاجب، لعضد الملة والدين عبدالرحمن الإيجي 1/ 244، البحر المحيط، للزركشي 1/ 223. وانظر: بيان المختصر، شرح مختصر ابن الحاجب، للأصفهاني 1/ 375.

ص: 109

النصاب قبل الحول، فتسقط عنه الزكاة، ما لم يقصد بإنفاقه التحايل والفرار من الزكاة.

ويجاب أيضاً بأن قولهم هذا مخالف للقواعد العامة للفقه، لأنه ما دام أنهم قاسوها على الشركات التجارية، وأسهمها عروض تجارية باتفاق الجميع، فيجب أن يطبق عليها شروط الشركات التجارية، ومنها الحول.

أما قولهم: إذا تحققت في الأسهم جملة الشروط الموجبة للزكاة في الأموال، فقد وجب معاملة الأسهم على أنها عروض تجارة، فيرد عليه بأن هذا محل اتفاق، ولكن محل الخلاف، ما هي الأسهم التي تأخذ هذا الوصف فتجب فيها الزكاة، والتي لا يتحقق فيها هذا الوصف فلا تجب فيها الزكاة، والمعارض لا يسلم بأن تكون الأسهم عروضاً تجارية في جميع الحالات، كما بيناه فيما سبق.

وقول أحمد الحجي الكردي: إذا صدرت الأرباح وقبضت بعد نهاية الحول، فإنها لا تحسب من الحول السابق عليه، ولكنها تضاف إلى قيمة الأسهم في الحول اللاحق

فإن استهلكها في الحول لم يجب عليه فيها شيء، قوله هذا مردود بما عليه الإجماع

(1)

، من أن ربح التجارة حوله حول أصله، فتجب على مالك الأسهم زكاة أرباحها، ولا يجوز له تأخيرها إلى عام قادم، من غير عذر شرعي، ولا يجوز إسقاط الزكاة عنه لأنه استهلكها بعد تمام الحول، لأن هذا إسقاط لركن من أركان الإسلام. بل إن توفي ولم يخرجها وجب إخراجها من تركته

(2)

، لأن دين الله أحق بالوفاء.

(1)

المغني 3/ 4.

(2)

المجموع 5/ 305.

ص: 110

مناقشة الرأي الرابع وأدلته:

قولهم في الأسهم المعدة للبيع، تزكى بنسبة ربع العشر 2?5% شاملة للأصل والأرباح كعروض التجارة، متفق مع الأصول الشرعية، وما قرره الفقهاء القدماء فيما ماثل الأسهم.

أما قولهم في أسهم الشركات ذات الأصول الثابتة، وفي الأسهم المقتناة -أي التي ليست معدة للبيع والشراء- بتزكية عائدها الصافي فقط، أي الغلة، كلما قبض دون النظر إلى حولان الحول، بمقدار العشر أي 10%، فمحل نقاش، ويجاب عليه من ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: قولهم بعدم إيجاب الزكاة على رأس مال الشركات ذات الأصول الثابتة، أي الصناعية والزراعية والمواشي ونحوها، بناءً على نظرتهم بأن رأس مالها في أشياء ثابتة غير مسلم، وقد تمت الإجابة عن هذا عند مناقشة أدلة الرأي الأول. وفي الفقرة الرابعة من مناقشة أدلة الرأي الثاني.

الوجه الثاني: أنهم أوجبوا الزكاة على مالك الأسهم قبل استيفاء أحد شروط وجوب أداء الزكاة، وهو تمام الحول، (لقولهم: بإخراج العشر من الربح فور قبضه) وهذا غير جائز شرعاً، لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول»

(1)

.

الوجه الثالث: قولهم بإخراج العشر من الربح أي 10% فور قبضه، قياساً على غلة الأرض الزراعية إذا سقي بلا مؤونة، يجاب عنه بأنه قياس مع الفارق، لما يلي:

أولاً: لأنه قياس في مقابلة النص، لأن الربح الذي يقبضه المساهم نقود، فزكاتها زكاة الأثمان؛ المنصوص عليها، وهي ربع العشر، ولا تجب فيها الزكاة إلا بعد تمام الحول من قبضها، كسائر الأثمان، وفي هذا الحال تكون زكاة نقود لا زكاة أسهم.

(1)

سبق تخريجه.

ص: 111

ثانياً: إن الخارج من الأرض إنتاج زراعي تجب زكاته منه بشروطه، أما الناتج من الأعيان المعدة للاستغلال فهي في معظم أحوالها نقود، تجب فيها الزكاة وجوبها في النقدين بشروطه

(1)

. وما كان منها عينيا لا يبقى على عينيته.

ثالثاً: إن نسبة كبيرة من ثمرة الخارج من الأرض تتحقق دون عمل بشري؛ كالذي يسقى بالمطر ونحوه، أما الأعيان المعدة للاستغلال، فإن غلتها تحصل نتيجة مجهود بشري، فاختلف الجنسان، وبهذا تخلف شرط صحة القياس

(2)

.

ويمكن أن يجاب على هذا بأن كلاً منهما فيه عمل بشري في جميع الأحوال، حتى لو سقي بالمطر، فإنه بحاجة إلى عمال، لبذره، وحصده، وتصفيته، وغير ذلك، وقد أوجب الشارع في الخارج من الأرض الزكاة وقدرها نصف العشر إذا سقي بمؤنة، لأن فيه عملاً بشريا.

رابعاً: إن الأرض الزراعية مصدر دائم للدخل، لا يعتريه توقف، ولا يلحقه بلى أو تآكل بتقادم العهد، بخلاف المستغلات، فإنها مصدر مؤقت، يبقى مدة من الزمن ثم يتوقف ريعه، إما لتلفه، أو لعدم صلاحيته للاستغلال، فكيف يصح القياس مع هذا الاختلاف بين الأصل والفرع.

فهذا القياس لا يستقيم، لأنه قياس نقود وديون وعروض على الأرض والشجر. فلم يكن حكم الفرع مساوياً لحكم الأصل، ومن شروط العلة المتفق عليها بين الأصوليين أن لا تخالف العلة أصلاً أو إجماعاً، وأن توجد علة الفرع في الأصل بتمامه

(3)

، وهذه الشروط غير متحققة في العلة التي ذكروها، لما سبق بيانه.

(1)

المرجع السابق.

(2)

بحوث في الاقتصاد الإسلامي، للشيخ عبد الله المنيع ص 96.

(3)

تيسير التحرير 3/ 264، المحصول 5/ 371.

ص: 112

قال الرازي: (وشرطه، [أي الفرع] أن يوجد فيه مثل علة الحكم -في الأصل- من غير تفاوت ألبتة، لا في الماهية، ولا في الزيادة، ولا في النقصان)

(1)

.

والقول بأنه نماء خالص غير مسلم؛ إذ إن النماء لا يتحقق إلا بعد حسم المصاريف والنفقات الكثيرة.

خامساً: القائلون من أصحاب هذا الرأي يؤخذ منها العشر، قياساً على غلة الأرض الزراعية، لم يفرقوا بين حالتين نص عليهما الشرع، وهما إذا كانت تسقى بمؤنة ففيها نصف العشر، وبدون مؤنة فيها العشر، فقول القائل العشر مردود بما نص عليه الشارع، من حيث التفريق بينهما.

مناقشة الرأي الخامس وأدلته:

قولهم إذا كانت الشركة تجارية فتعامل معاملة التاجر مسلّم. أما قولهم إذا كانت صناعية أو عقارية عوملت معاملة الصانع وصاحب العقار، ففيه إجمال؛ إذ إنه ليس هناك نص يبين كيف يزكي الصانع المنفرد صناعته، وكذلك صاحب العقار، فهذا القول يحتاج إلى بيان ما أجمل، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن حال الشركة الصناعية يختلف اختلافاً كبيراً عن حال الصانع المنفرد، وهكذا في أنواع الشركات العقارية، والزراعية، والمواشي والنقل، فأسهم هذه الأنواع من الشركات، صارت أموالاً متحركة، تنتقل بالبيع والشراء من شخص إلى آخر، ممثلة في هذه الأسهم، دون النظر إلى مكونات هذه الشركة، وهذا غير موجود في الصانع المنفرد. ثم إن الصانع المنفرد غالباً يعمل لغيره، فهو في هذه الحالة كالأجير المشترك، وإذا أحضر المواد لتصنيعها فهي مواد ضئيلة، ربما لا تبلغ قيمتها نصاباً، وإن بلغت قيمتها نصاباً فأكثر، استهلكها في مصاريفه الخاصة ونفقاته قبل الحول، ففرق بينهما.

(1)

المحصول 5/ 371.

ص: 113

ولأن الصانع المنفرد يقوم بإصلاح المصنوعات، ويأخذ أجرة على إصلاحه، بينما الشركة الصناعية تنتج آلاف الأطنان من البضائع التي تصنعها ابتداءً، أو تشتري موادها الخام وتحولها إلى بضائع؛ كالإسمنت والجبس والفوسفات، والبتروكيماويات وغيرها، ويمثل رأس مالها الملايين من النقود وربما المليارات، فهي وإن كانت تسمى صناعية، لقيامها بأعمال صناعية، إلا أنها في حقيقة أمرها تجارية، لأنها تمارس عملاً تجارياً، بل إن الجانب التجاري طاغ على نشاطها، وتسميتها صناعية لا يغير حقيقتها التجارية، ولذا فإن النظر الفقهي الدقيق يدعو إلى القول بوجوب زكاة أسهمها، لأن منتجاتها عروض تجارية، فيطبق عليها أحكام زكاة الشركات التجارية، على ما يأتي بيانه إن شاء الله.

ص: 114

‌المبحث الرابع

الرأي الذي توصلت إليه

بعد إمعان النظر في الآراء السابقة، وأدلتها، وما أورد عليها من مناقشة، وإجابة عليها، أرى أن الزكاة واجبة في جميع أسهم الشركات المساهمة، سواء أكان قصد المساهم من أسهمه المتاجرة فيها، أم كان قصده الحصول على أرباحها، على تفصيل يأتي قريباً، لأن الأسهم أصبحت عروضاً تجارية، وباب زكاة التجارة قاسم مشترك بين جميع أوعية الزكاة وأصنافها، بل تعد كلها جداول تصب في هذا الوعاء، تأخذ أحكامه متى تخلت عن صفاتها الأساسية، وقصد منها الاسترباح، ومن ثم جعل الفقهاء هذا الباب خاتمة مباحث الزكاة

(1)

. فمناط الحكم فيها وجوداً وعدماً هو قصد الاسترباح فيها، وفي ضوء هذا جرى تمييز الفقهاء، لما فيه زكاة التجارة أو غيرها، كما يتضح من نصوصهم التي سنورد بعضاً منها إن شاء الله. وقولي هذا لا يعني أني أرجح الرأي الثالث بإطلاق. ولكني التقي معه في وجوب الزكاة في رأسمال وأرباح جميع الشركات.

وللحاجة فإني أزيد ما سبق إجماله بياناً فيما يلي:

زكاة الشركات التجارية المحضة

(2)

:

تكون الزكاة في أسهم الشركة التجارية عند تمام الحول، مشتملة على جميع أموالها المعدة للبيع والشراء، من رأس مالها، بما اشتمل عليه من أعيان، ومنافع مقومة، ومنقولات ومثليات، ومالها من ديون على مليء، وأرباح، واحتياطيات،

(1)

مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، العدد الرابع ص 43، أداء الزكاة وحسابها الاقتصادي وتطبيقاتها بالمملكة العربية السعودية، بحث الدكتور عبدالوهاب بن إبراهيم أبو سليمان.

(2)

المحضة الخالصة، أي التي تقوم بالبيع والشراء أو الاستيراد والتصدير، دون أن تدخل على تجارتها أعمالاً أخرى؛ كما هو الحال في الشركات الصناعية أو الزراعية أوالعقارية أو المواشي ونحوها من الشركات، التي تجمع بين التجارة وغيرها.

ص: 115

سواء أكانت الأسهم معدة للتجارة، أم معدة للحصول على الأرباح، على التفصيل التالي:

إذا كانت الأسهم معدة للتجارة، سواء من المساهم أم من الشركة، فإنها تزكى حسب قيمتها الحقيقية

(1)

، فإن تعذر أو شق -وهو غالباً كذلك-فحسب قيمتها السوقية، دون أن يحسم أي شيء من أموال الشركة في هذا الحال، لأن السهم في حال المتاجرة به أصبح بمجموع مكوناته عبارة عن سلعة لها قيمة مالية، تزداد الرغبة فيه، والإقبال على شرائه، وتقل بناءً على عوامل أهمها ما يحققه من أرباح، دون النظر إلى ما يمثله، ودون أن يُلمس أي فارق في أنها أسهم شركة إسمنت، أو شركة مواد غذائية. وتكون الزكاة حسب القيمة السوقية في الأوقات الطبيعية، أما إذا كانت أسعار الأسهم متأثرة، ارتفاعاً أو نزولاً، بظروف غير طبيعية، فإنه يرجع إلى أهل الخبرة، أو يقومها المالك بنفسه. ويزكيها بناءً على ذلك، لأن سعر الأسهم يتأثر ارتفاعاً وانخفاضاً بالعوامل السياسية والاقتصادية، وبحسب وضع الشركة وسمعتها، ونشاطها في الإنتاج، وقدراتها في التوزيع، وجودة منتجاتها ورداءتها، وعلاقتها بالحكومة، ومدى حصولها على إعانة من الدولة، ومدى فرض الضرائب عليها أو إعفائها منها، كل ذلك له تأثير في سعر الأسهم، وفي تقديرها

(2)

. وتُزكى جميعها بما فيها الأرباح؛ فيُخرج الواجب، وهو

(1)

القيمة الحقيقية للسهم: هي المقدار الذي يبلغه تقدير السهم في جميع أموال الشركة، فيشمل رأس المال المدفوع، وموجودات الشركة وأرباحها، واحتياطياتها، بعد حسم ديونها، فإذا حققت الشركة ربحا فإن القيمة الحقيقية تزيد عن القيمة الاسمية، وإذا خسرت الشركة فإن القيمة الحقيقية تقل عن القيمة الاسمية، وإذا لم تحقق الشركة ربحاً ولم تتحمل خسارة، فتتعادل القيمة الحقيقية مع القيمة الاسمية. انظر: شركة المساهمة في النظام السعودي لصالح المرزوقي ص 357 و 358.

(2)

أبحاث وأعمال الندوة السابعة لقضايا الزكاة ص 232، بحث وهبة الزحيلي.

ص: 116

ربع العشر، أي نسبة 2?5%، قال ابن قدامة: لا نعلم فيه خلافًا

(1)

فربح التجارة حوله حول أصله؛ لأنه تابع له في الملك، فتبعه في الحول، كالسخال (للغنم)

(2)

. وهذا قول مالك وأحمد وإسحاق وأبي يوسف

(3)

.

ولكن إذا كان نظام الدولة -كما في المملكة العربية السعودية- يلزم الشركة بدفع الزكاة، ودفعتها حسب القيمة الاسمية

(4)

، والقيمة السوقية للأسهم أكثر من القيمة الإسمية فعلى المساهم أن يكمل ما نقص حسب ما أوجبه الله عليه، وذلك بدفع الفرق بين القيمة الاسمية والقيمة السوقية.

أما إذا كانت الشركة لا تدفع الزكاة فعلى المساهم إذا جاء شهر زكاته أن يزكي جميع أمواله الزكوية بما فيها الأسهم، لأنه يبيع ويشتري، ولا ينتظر ميزانية الشركة السنوية، وقد لا يتفق شهر زكاته مع شهر زكاة الشركة.

وإذا كانت الأسهم غير معدة للبيع والشراء، وإنما لغرض الحصول على أرباحها، فإنها تزكى بناءً على مقدار رأس المال الأساسي، أو بعد زيادته إن كانت الشركة قد زادت رأسمالها، بما فيها الأرباح، والديون التي على ملئ، وذلك بناءً على ميزانية الشركة، أو تقديراتها. فإن تعذر ذلك، أو شق، لأي سبب من الأسباب، مع أنه يستحيل أو يندر ذلك، مع وجود وسائل التقانة الحديثة، فعلى مالكها زكاتها خالية من الأرباح، وذلك بنسبة 2?5%، بعد حسم الديون التي

(1)

المغني 3/ 4، كشاف القناع 2/ 244، بداية المجتهد 1/ 269 و 274.

(2)

المغني 3/ 35، الإنصاف 3/ 30، تبيين الحقائق 1/ 266، 272، بدائع الصنائع 2/ 14، الشرح الكبير للدردير 1/ 224، الشرح الصغير 1/ 626، حاشية الدسوقي 1/ 461، بلغة السالك 1/ 221، المجموع 6/ 59، نهاية المحتاج 3/ 105، المبدع 2/ 303، كشاف القناع 2/ 177.

(3)

المغني: 3/ 37، مواهب الجليل 2/ 301.

(4)

القيمة الاسمية: (هي المقدار الذي يدفعه المشتركون حصةً لاشتراكهم، عند تأسيس الشركة، المثبت في صك السهم، ويكون رأس مال الشركة حسب القيمة الاسمية لمجموع الأسهم)، شركة المساهمة في النظام السعودي ص 276.

ص: 117

على غير مليء، ويزكيها عند قبضها عن كل سنة عند الجمهور، أو لسنة واحدة كما هو رأى المالكية، وهو ما يرجحه الباحث. ويزكي الأرباح حسب المبلغ الذي يقبضه.

أما الاحتياطيين النظامي والاتفاقي، فإن كانت الشركة تقوم بدفع الزكاة، وهو ما عليه العمل في نظام الزكاة بالمملكة العربية السعودية

(1)

، وفي القانون الباكستاني

(2)

، وهما أو شيء منهما موجودان لديها، فيجب عليها دفع زكاته كل عام. وإن كان الذي يدفع الزكاة المساهم فله تأجيل زكاته إلى أن يقبضه، عند تصفية الشركة، قياساً على المال الضمار، فيدفع زكاته لسنة واحدة أخذاً بمذهب المالكية، ومن قال بقولهم من الفقهاء.

وفي حالة أن الأسهم معدة للحصول على أرباحها، فإنه لا زكاة في آلات الشركة؛ كالسيارات المعدة للاستعمال، ولا في أملاكها الثابتة، أو المنقولة، التي لا تعد للتجارة؛ كالمباني المعدة لمكاتب الشركة، أو سكن عمالها وموظفيها، ونحو ذلك، وما تحفظ فيه أموال التجارة، إلا أن يريد بيعها بما فيها، كزجاجات الأدوية فيزكي الكل؛ لأنه مال تجارة

(3)

.

‌زكاة الشركات الصناعية:

إذا كانت الشركة صناعية، تقوم بتصنيع المواد الخام، أو تقوم بتجميع القطع الجاهزة، حتى تكون صالحة للاستعمال، ونحو ذلك، مما يحول الأشياء إلى

(1)

م (43) من أنموذج الشركة المساهمة. إذ نص على تجنيب الزكاة المفروضة شرعاً، قبل تقسيم الأرباح، وقبل تجنيب الاحتياطي النظامي، أو الاتفاق أو غيرهما، انظر: شركة المساهمة في النظام السعودي، ص 370، لصالح المرزوقي البقمي.

(2)

محاسبة الزكاة لحسين شحاته، نقلاً عن بحث قضايا فقهية معاصرة، لرفيق يونس المصري، ضمن أعمال وأبحاث الندوة السابعة لقضايا الزكاة المعاصرة ص 273.

(3)

المصدر السابق.

ص: 118

مصنوعات، ويدخل في هذا الأواني الجاهزة أو التي يراد تصنيعها، لتوضع منتجات الشركة فيها

(1)

وتبيع منتجاتها، فإنها تصبح بهذا الوصف تجارية، تأخذ حكم زكاة عروض التجارة، حتى وإن كان الأصل في تأسيسها أنها صناعية أو زراعية، فلا تخلو شركة مهما كان نوع استثمارها، من طغيان النشاط التجاري على أنشطتها

(2)

.

فإذا كانت أسهم هذا النوع من الشركات معدة للبيع والشراء، أو أنها لأجل الحصول على أرباحها، فيطبق عليها ما سبق قوله بهذا الشأن في زكاة الشركات التجارية المحضة.

وإن كانت الشركة هي التي تخرج الزكاة فيجب عليها أن تقوّم ما لديها من مواد مصنعة، وخام، وما يتوقف عليه الإنتاج أو التصنيع من طاقة الوقود؛ كالنفط والغاز وغيرهما إذا لم تستهلك، وهو قول جمهور الفقهاء

(3)

، وكذلك ما لديها من نقود، أو لها من ديون حالة على مليء، بعد حسم ما عليها من ديون، وتزكي هذه الموجودات بما فيها الأرباح، والاحتياطيات زكاة عروض التجارة بنسبة 2?5%.

(1)

فتح القدير 2/ 164، لابن الهمام، البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم 2/ 226، دار المعرفة، بيروت، الشرح الصغير للدردير 1/ 631 الشرح الكبير للدردير 1/ 403، مغني المحتاج 1/ 398، المبدع 2/ 384، الإنصاف 3/ 154، وانظر: أبحاث أعمال الندوة السابعة لقضايا الزكاة المعاصرة ص 208 تعقيب للشيخ عبدالرحمن الحلو.

(2)

زكاة الأسهم ص 196 ضمن أبحاث وأعمال زكاة الأسهم والصناديق الاستثمارية، للدكتور صالح بن محمد المسلم.

(3)

المبسوط 2/ 198، رد المحتار 2/ 9، الفتاوى الهندية 1/ 172، حاشية الدسوقي 1/ 474، 477، حاشيتا قليوبي وعميرة 2/ 27، حاشية الجمل 2/ 324، نهاية المحتاج 3/ 104، الفروع 2/ 513، الإنصاف 3/ 154، شرح منتهى الإرادات 1/ 89، الموسوعة الفقهية 23/ 275، أحكام وفتاوى الزكاة ص 35، التطبيق المعاصر لشوقي شحاته ص 125.

ص: 119

قال الشاطبي: إن الصانع حكمه حكم التاجر المدير، لأنه يصنع ويبيع، أو يعرض ما صنعه للبيع، فيقوّم كل عام ما بيده من السلع، ويضيف القيمة إلى ما بيده من الناض (النقود) ويزكي الجميع، إن بلغ نصاباً

(1)

.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الطحانين والخبازين: (إن هؤلاء تجار، تجب عليهم زكاة التجارة عند الأئمة الأربعة، وجمهور علماء المسلمين، كما يجب على كل من اشترى شيئاً يقصد أن يبيعه بربح، سواء عمل فيه عملاً أو لم يعمل

فهؤلاء كلهم تجب عليهم زكاة التجارة)

(2)

.

وأما الآلات التي ليست للبيع ولا للتصنيع، وإنما هي أدوات للصناعة بذاتها كالمكائن، ومثلها السيارات المعدة للنقل، فيطبق عليها ما سبق بيانه؛ فإن كان المساهم لا يتاجر في أسهمها فإنه لا زكاة فيها، وإن كان يتاجر في أسهم هذه الشركات، فالزكاة واجبة في جميع موجودات الشركة، دون أن يحُسم شيء منها، حسب قيمتها السوقية، لما سبق بيانه من أدلة وتعليلات.

‌زكاة الشركات الزراعية:

إذا كانت شركة زراعية تتاجر في المنتجات الزراعية عامة، أو تتاجر في ما تنتجه من مزروعات، أو تجمع بين الزراعة وتصنيع منتجاتها، وتتاجر في هذا المجال، فإنه يجب عليها أن تزكي جميع موجوداتها زكاة عروض التجارة، أي بنسبة 2?5% بما فيها الأرباح. قال بهذا الحنفية والشافعية والحنابلة

(3)

، وأما المالكية، وإن وافقوا المذاهب السابقة وقالوا بوجوب زكاة الغلة مع زكاة الأصل، إلا أن لهم تفصيلاً؛ إذ قال بعضهم يستقبل بها حولاً جديداً، وبعضهم قال تزكى وقت وجوب زكاة الأصل

(4)

.

(1)

فتاوى الشاطبي ص 132.

(2)

فتاوى ابن تيمية 28/ 90.

(3)

الدر المختار 2/ 14، مغني المحتاج 1/ 40 و 409، شرح منتهى الإرادات 1/ 407 و 408 و 409.

(4)

الشرح الصغير وحاشية الصاوي معه 1/ 630.

ص: 120

وقد أورد العلماء نصوصاً كثيرة، تؤكد هذه الأحكام، منها ما أورده صاحب شرح منتهى الإرادات؛ إذ جاء فيه (

أو ملك أرضاً لتجارة فزرعت فعليه زكاة تجارة فقط، أو ملك نخلاً فأثمر فعليه زكاة تجارة ولو سبق وقت الوجوب حول التجارة فقط، لأن الزرع والثمر جزء ما خرج منه فوجب أن يقوّما مع الأصل كالسخال والربح المتجدد)

(1)

. وجاء في كشاف القناع: (وإن اشترى أرضاً لتجارة يزرعها، وبلغت قيمتها نصاباً، زكى الجميع زكاة قيمة، أو اشترى أرضاً لتجارة، وزرعها ببذر تجارة زكى الجميع زكاة قيمة، إن بلغت قيمتها نصاباً، أو اشترى شجراً لتجارة تجب في ثمره الزكاة كالنخل والكرم، فأثمر واتفق حولاهما، بأن يكون بدو الصلاح في الثمر، واشتداد الحب عند تمام الحول، أي حول التجارة،

وكانت قيمة الأصل أي الشجر تبلغ نصاب التجارة، زكى الجميع زكاة قيمة، لأنه مال تجارة، فوجبت زكاتها؛ كالسائمة. ولا شك أن الثمر والزرع جزء الخارج منه؛ فوجب أن يقوّم مع الأصل؛ كالسخال، والربح المتجدد، إذا كانت الأصول للتجارة، وكذا لو سبق وجوب العشر بأن كان بدو صلاح الثمرة واشتداد الحب قبل تمام حول التجارة، فيزكي زكاة قيمة ولا عشر عليه)

(2)

.

بل يضيف البهوتي إضافة جديدة بذكر أنواع من الثمار ليس فيها زكاة بصفتها ثماراً، فلما أصبحت مال تجارة وجبت فيها زكاة العروض، فقال:(وإن كان الثمر مما لا زكاة فيه؛ كالسفرجل والتفاح ونحوهما؛ كالمشمش والزيتون والكمثرى، أو كان الزرع لا زكاة فيه كالخضروات؛ من بطيخ وقثاء وخيار، أو كان لعقار التجارة وعبيدها ودوابها أجرة، ضم قيمة الثمرة والخضروات والأجرة إلى قيمة الأصل في الحول، كالربح لأنه نماء)

(3)

. وفي مغني المحتاج: (والأصح أن ولد

(1)

/ 40 و 409.

(2)

/ 242 و 243.

(3)

كشاف القناع 2/ 243، شرح منتهى الإرادات 1/ 407 و 408 و 409، وانظر: الإنصاف 3/ 161، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/ 424.

ص: 121

العرض من الحيوان غير السائمة كمعلوفة وخيل، وثمره، كثمر الشجر وأغصانها وورقها وصوف الحيوان ووبره وشعره مال تجارة لأنهما جزآن من الأم والشجر)

(1)

.

جاء في فتاوى ندوات قضايا الزكاة المعاصرة

(2)

(إذا اجتمع مع عروض التجارة سبب آخر للزكاة كالسوائم أو الزروع تزكى زكاة عروض التجارة). وقدمت زكاة التجارة على السوم أو الزروع والثمار لقوتها

(3)

.

ولا زكاة في الجرافات والحراثات، وبقية الآلات المعدة لعمل الشركات الزراعية.

أما إذا كانت تقوم بالزراعة، وتبيع منتجاتها، وعائد بيعها لا تستثمره في الاتجار به، وإنما تعيد استغلاله في الزراعة، أو توزعه على المساهمين، فإنها تزكى زكاة الحبوب والثمار، على التفصيل المعلوم عند الفقهاء، وذلك عند حصادها.

‌زكاة شركات المواشي:

إذا تاجر الإنسان في سائمة بهيمة الأنعام فللعلماء فيها قولان:

القول الأول: تجب فيها زكاة التجارة، وهو قول أبي حنيفة وأحمد والثوري والشافعي في القديم

(4)

، لأنها أحظ للمساكين، ولأنها تجب فيما زاد بالحساب عن النصاب، ولأن الزائد عن النصاب وجد سبب زكاته، فيجب، كما لو لم يبلغ بالسوم نصاباً.

(1)

/ 399، وانظر: نهاية المحتاج 3/ 105.

(2)

ص 116 و 117.

(3)

الروض المربع مع حاشية العاصمي النجدي 3/ 266.

(4)

المبسوط 2/ 14، فتح القدير 2/ 218 المجموع 6/ 7 و 35، المغني 3/ 43 - 35، الإنصاف 3/ 157.

ص: 122

القول الثاني: وهو رأي مالك والشافعي في الجديد أنه تجب فيها زكاة السوم، لأنه أقوى، لانعقاد الإجماع عليه، واختصاصها بالعين -أي السائمة- فكانت أولى

(1)

.

والراجح هو الرأي الأول إذا كان إنسان أو شركة تتاجر في المواشي، سواء أكانت من جنس ما تجب فيه زكاة سائمة الأنعام؛ كالإبل، أم كانت مما لا تجب فيه زكاة السائمة كالبغال والحمير

(2)

، فإنه يجري في زكاتها حكم زكاة عروض التجارة على ما سبق بيانه، لأن اختلاف الفقهاء في السائمة، ولم يختلفوا في المعلوفة، وشركات المواشي في عصرنا هذا تعتمد على تعليفها لا سومها. ولأن من الواضح أن شركات المواشي في هذا العصر هي شركات تجارية، لأنها تتاجر في المواشي وإن سميت شركة مواشي، والشركات التجارية لا خلاف في زكاتها.

أما إذا كانت لا تقوم بالمتاجرة فيها، وإنما تستغلها في الدر والنسل، وتبيع إنتاجها، وتوزع عائد بيعها على المساهمين، وكانت سائمة أكثر العام، فإنها تزكى زكاة سائمة بهيمة الأنعام.

يؤيد الترجيح السابق ما ذكره كثير من الفقهاء بهذا الشأن؛ فقد جاء في حاشية القليوبي: (إن ولد العرض من الحيوان مال تجارة، سواء كان من نعم أو خيل أو إماء أو غيرها، ويظهر أن مثله فرخ بيض للتجارة، ويلحق بولده صوفه وريشه ووبره وشعره ولبنه وسمنه ونحوها، فكلها مال تجارة)

(3)

.

وفي كشاف القناع: (وإن ملك نصاب سائمة لتجارة، فحال الحول عليه والسوم، ونية التجارة موجودان، فعليه زكاة تجارة، دون زكاة سوم، لأن وضع التجارة على التقليب، فهي تزيل سبب السوم. واقتصر في المغني والشرح على

(1)

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/ 428، الحاوي 4/ 316، المجموع 6/ 7 و 53، روضة الطالبين 2/ 27.

(2)

شرح منتهى الإرادات 1/ 407/ و 408 و 409.

(3)

/ 38، وانظر: نهاية المحتاج 3/ 105.

ص: 123

التعليل بالأحظ)

(1)

، وفي شرح منتهى الإرادات:(ومن ملك نصاب سائمة لتجارة فعليه زكاة تجارة فقط، ولو سبق حول السوم حولها، لأن وصفها يزيل سبب السوم، وهو الاقتناء لطلب النماء)

(2)

.

قال الماوردي: إذا اشترى للتجارة أرضاً أو ماشية، فذلك ضربان:

(أحدهما: أن تكون الماشية غير سائمة، والأرض غير مزروعة، والنخل غير مثمر، فيزكيها زكاة التجارة، من قيمتها.

والضرب الثاني: أن تكون الماشية سائمة، والأرض مزروعة، والنخل مثمرة، فهذا على ثلاثة أضرب.

أحدها: أن تجب فيه زكاة العين دون زكاة التجارة، وذلك أن يكون خمس من الإبل قيمتها دون المائتين، أو تكون الثمرة والزرع خمسة أوسق، قيمتها دون المائتين، فهذا يزكيها زكاة العين.

والثاني: أن تجب فيها زكاة التجارة دون العين، وذلك بأن يكون أقل من خمس من الإبل قيمتها مائتان، وأقل من خمسة أوسق زرع وثمرة قيمتها مائتان، فهذا يزكيها زكاة التجارة من قيمتها.

والثالث: أن يجتمع فيها الزكاتان جميعاً، زكاة التجارة، بأن تبلغ قيمتها مائتي درهم، وزكاة العين بأن تبلغ خمسة أوسق أو خمساً من الإبل، فهذا على ضربين.

أحدهما: أن تجب الزكاتان في وقت واحد، وذلك بأن يشتري خمساً من الإبل بدون المائتين، فيحول عليها الحول، فتجب زكاة التجارة بحوله، وزكاة العين بحوله، أو يملك مائتي درهم ستة أشهر، ثم يشتري بها نخلاً فيثمر ويبدو صلاحه بعد ستة أشهر، فتجب فيه زكاة التجارة بحلول الحول، وزكاة العين ببدو

(1)

/ 242، وانظر: الإنصاف 3/ 157، والروض المربع مع حاشية العاصمي 3/ 266.

(2)

/ 408 و 409.

ص: 124

الصلاح، فالواجب فيها إحدى الزكاتين اجماعاً، لأن سبب وجوبهما واحد، لكن اختلف قول الشافعي أي الزكاتين أثبت حكماً؟ على قولين

(1)

: قال في القديم: تجب زكاة التجارة، وقال في الجديد: تجب زكاة العين).

‌زكاة الشركات العقارية:

راجت تجارة الأراضي في العصر الحاضر رواجاً كبيراً، وأصبح التجار، أو المقاولون لإنشاء المشاريع، يشترون أراضي غير مخططة، ثم يقومون بتخطيطها، وقد يشترون أراضي مخططة، إما لقصد الاتجار في الأراضي ذاتها، وإما للبناء عليها، فيبيعونها بما عليها من بناء. وفي كلا الحالين، تجب الزكاة فيها، مادامت مخصصة للتجارة، لا للسكن الخاص، ويخضع العقار لزكاة عروض التجارة، إذا شري بنية التجارة حال الشراء

(2)

.

والشركة العقارية التي تبيع وتشتري في العقار؛ يجب عليها أن تقوّم جميع موجوداتها المعدة للتجارة؛ من عمائر وأراضي، عند نهاية الحول، وتضم معها ما لديها من نقود، بما فيها الأرباح، وتحسم ما عليها من ديون، ومالديها من أشياء مخصصة للاستعمال لا للبيع، وتزكي الصافي بنسبة ربع العشر 2?5%

(3)

.

وإذا كانت الشركة لا تخرج الزكاة، فإن المساهم الذي يتاجر في أسهمه العقارية يجب عليه أن يزكي أسهمه حسب قيمتها السوقية، على ما سبق بيانه عند

(1)

الحاوي، للماوردي، تحقيق الدكتور ياسين بن ناصر الخطيب، 4/ 316 و 317، المكتبة التجارية، مكة المكرمة، دار الفكر للطباعة والنشر، وانظر: المجموع 6/ 7 و 53، وروضة الطالبين 2/ 138، ط دار عالم الكتب، بيروت، سنة 1423 هـ، والمبسوط 2/ 170، والإنصاف 3/ 161.

(2)

تبيين الحقائق 1/ 280، بداية المجتهد 1/ 260 - 264، القوانين الفقهية ص 103، مغني المحتاج 1/ 397 - 400 كشاف القناع 2/ 280 وما بعدها.

(3)

فتاوى ندوات قضايا الزكاة المعاصرة ص 116، فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 9/ 342 و 325 و 326 و 349 و 350، فتوى جامعة في زكاة العقار، للدكتور بكر بن عبدالله أبو زيد، ص 14.

ص: 125

الكلام على الشركة العقارية. وأما إذا كان لا يتاجر في أسهمه، وإنما للحصول على أرباحها فإنه لا زكاة عليه.

وإذا كانت الشركة تتاجر في عقارها وتؤجره وتعرضه للبيع حال كونه مؤجراً أو معداً للإيجار فإن عائد إجاره يزكى زكاة تجارة، فيضم إلى قيمة مبيعات الشركة ويزكى، وإذا لم يكن لديها مبيعات أو نقود فإن المتوفر من عائد الإجار إذا كان قد بلغ نصاباً يزكى وقت حلول شهر زكاة الشركة، لأنها نماء عروض التجارة، فتزكى معها كربح التجارة

(1)

.

أما إذا كانت الشركة تقوم باستغلال عمائرها عن طريق تأجيرها، وهو ما يسميه بعضهم بالمستغلات، وهي

(2)

:

التي لم تتخذ للبيع والشراء، ولكنها تتخذ للنماء، فتغل لأصحابها كسبًا، بتأجير عينها؛ كالعمائر والدكاكين والفنادق.

فإنه لا زكاة في أعيان هذه المستغلات؛ لأنها ليست معدة للبيع، وهذا هو رأي جماهير العلماء قديماً وحديثاً، وصدر به قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة، ومجمع الفقه الإسلامي بجدة

(3)

، وهو ما يأخذ به المؤلف.

وقال بعضهم: إن تجمع من غلتها نصاب فأكثر، وحال عليه الحول بعد قبضه، وجبت فيه الزكاة. والحقيقة أن هذه الغلة بهذا الوصف ليست زكاة أسهم، ولا زكاة مستغلات، وإنما هي زكاة نقود.

أما أسهم هذه المستغلات، التي يتاجر بها صاحبها فإن فيها الزكاة، حسب قيمتها السوقية.

(1)

الشرح الكبير، وحاشية الدسوقي عليه 1/ 424، كشاف القناع 2/ 243، شرح منتهى الإرادات 1/ 407.

(2)

نهاية المحتاج 2/ 103/ و 104، كشاف القناع 2/ 244.

(3)

قرارات المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة، القرار الأول من الدورة الحادية عشرة، قرار مجمع جدة رقم 28/ 3/ 4.

ص: 126

‌زكاة شركات النقل:

شركات النقل كشركات الطيران، والبواخر، والقطارات، والسيارات، تنشأ للحصول على الأرباح، كبقية الشركات، وذلك إما بقصد المساهم تحقيق أرباح نمائها، وإما بالمتاجرة في أسهمهما، وحكم زكاة أسهمها كزكاة أسهم المستغلات، على ما رجحنا فإذا كانت شركة تبيع وتشتري أو مساهماً يتاجر في أسهمه، فإنهما يزكيان أسهمهما حسب القيمة السوقية، ولا يحسمان شيئاً منها.

أما إذا كانا لا يتاجران فيها، وإنما للحصول على أرباحها، فإن الزكاة واجبة في جميع أموالها النقدية والعينية المعدة للبيع، بنسبة 2?5%، وأما المعدة للنقل كالطائرات والبواخر والسيارات فإنه لا زكاة في أعيانها، كجميع الأشياء المعدة للاستعمال.

وإذا كانت تبيع وتشتري في وسائل النقل -مع أن هذه شركة تجارية وليست شركة نقل- فعليها أن تضم أجرتها إلى موجوداتها الزكوية، كما قلنا في الشركات العقارية.

فجميع أنواع الشركات التي سبق ذكرها، وما ماثلها مما لم يذكر، تجب الزكاة في أسهمها، بما فيها الأرباح، ويطبق عليها زكاة عروض التجارة، على التفصيل السابق، بين الأسهم المعدة للبيع، والمعدة للحصول على أرباحها، لأن المساهم الذي يتاجر في الأسهم تصبح أسهمه تجارية بحتة، حتى وإن كان ما تمثله مصنوعات أو مزروعات، أو مواشي، أو عقاراً، ونحوها، وله تأجيل زكاة الديون التي على غير ملئ إلى حين قبضها، وذلك بعد حسم الأعيان المعدة للاستعمال، وجميع الأشياء التي ليست معدة للبيع، كالعمائر والفنادق والطائرات والبواخر والقطارات والسيارات، وهذه الأشياء الثابتة إذا بيعت، سواء في وقت تصفية الشركة أو غير ذلك، تضم أثمانها إلى أموال الشركة وتزكى.

ص: 127

ومن قال من المعاصرين إن الأرباح يزكيها صاحبها بعد مضي حول من قبضها، مردود بما عليه الإجماع، كما ذكره ابن قدامة

(1)

؛ لأن شركات المساهمة، سواء كانت صناعية، أم زراعية، أم عقارية، أم خدمية، أم مواشي، أم شركة نقل، أم غيرها، من شركات العقد في القوانين الحديثة، أو ما ينطبق عليها أنها (من شركات العقد في مصطلح فقهاء الشريعة الإسلامية). لها صفة تجارية، وإن سميت صناعية ونحوها، سواء كان نشاطها تجارياً بشكل مباشر، أم كان ذلك بتحويل منتجاتها من حال إلى حال.

وإذا تغيرت أسعار الأسهم بين يوم وجوب الزكاة ويوم أدائها، فالعبرة بأسعار يوم الوجوب، سواء زادت القيمة أو نقصت

(2)

.

(1)

المغني 3/ 4، وانظر: الإنصاف 3/ 137، كشاف القناع 2/ 244.

(2)

أبحاث وأعمال الندوة السابعة لقضايا الزكاة المعاصرة ص 591.

ص: 128

‌الخاتمة في النتائج والتوصيات

‌أولاً: النتائج:

•اتفق الفقهاء المعاصرون على أن الزكاة واجبة في أسهم وأرباح الشركات التجارية، وأن الواجب فيها ربع العشر. وقال كثير منهم تزكى الأرباح مع رأس المال، وهو ما رجحه الباحث، و قال قليل منهم بعد حول من قبضها. ورد عليه بأن قولهم هذا مخالف للإجماع من أن أرباح التجارة حولها حول أصلها.

• قال معظم الفقهاء إن الأسهم المعدة للتجارة في أي نوع من أنواع الشركات تجب الزكاة في أسهمها حسب القيمة السوقية، في الأوقات الطبيعية، دون أن يحسم شيء من جميع أموالها، ما عدا الديون التي على غير مليئ، وهو ما رجحه الباحث. واتفقوا أن الواجب فيها ربع العشر، إلا من شذ.

•اختلفوا في الشركات الصناعية ونحوها المعدة أسهمها للحصول على أرباحها، فمنهم من قال تجب الزكاة في أسهمها وأرباحها، بنسبة ربع العشر، وهو ما رجحه الباحث على تفصيل ذكر في محله، ويأتي بيان بعضه، ومنهم من قال لا تجب الزكاة في رأسمالها، وإنما في أرباحها بعد حول من قبضها. ومن هؤلاء من قال فيها العشر، قياساً على غلة الأرض الزراعية. ومنهم من قال تعامل معاملة الأفراد.

• الأسهم المعدة للحصول على أرباحها، وليست معدة للاتجار فيها، تجب الزكاة في أسهمها.

•النصاب يعادل قيمة 85 جراماً من الذهب، أو 595 جراماً من الفضة في أي عصر من العصور، وتقوّم الزكاة بالأحظ للفقراء، وهو أقلهما قيمة على

ص: 129

الراجح، والغالب أن التقويم بالفضة أقل، فإذا بلغت قيمة الأسهم ما يعادلها، من العملة الرائجة في بلد الشركة، ولم تنقص عن النصاب خلال الحول، وجبت فيها الزكاة.

•اتفق الفقهاء على أنه لا زكاة في آلات الشركة المعدة للاستعمال، ولا في أملاكها الثابتة، أو المنقولة، التي ليست معدة للبيع، إذا كانت الأسهم معدة للحصول على أرباحها.

• بعد إيراد شروط زكاة الأسهم، استعرض الباحث آراء الفقهاء المعاصرين في زكاتها، باعتبار نوع نشاط الشركة، وحصرها في خمسة آراء، ثم ساق أدلة كل قول، وناقشها. ونظراً لأن الباحث لا يرى ترجيح أي من الآراء بجميع ما اشتمل عليه، وإن كان يرجح بعضه، أو معظمه، إلا أن فيه فرعاً أو أكثر لا يراه، لذا رأى أن يجعل ترجيحه في مبحث خاص، عنون له، بالرأي الذي توصل إليه، ومما جاء فيه:

•إذا كان المساهم هو الذي يقوم بدفع الزكاة، فإنها لا تجب عليه إلا إذا بلغ ما يخصه نصاباً.

• الراجح لدى المعاصرين، وهو ما رجحه الباحث تخريجاً على آراء المذاهب الأربعة، أن المعتبر هو: بلوغ مجموع مال الشركة نصاباً، لا أسهم كل مساهم على حدة. وذلك لثبوت ملكية كل شريك فيما قدمه بقية الشركاء عند المذاهب الأربعة، وأخذاً بمبدأ الخلطة في أموال التجارة، عند من قال بها من الفقهاء، وبناءً على شخصيتها المعنوية.

•يشترط لوجوب الزكاة في الأسهم الحول الهجري، وبداية الحول هو منذ بلوغ رأسمال الشركة بمجموعه نصاباً.

ص: 130

•إذا كانت الشركة تعد ميزانيتها بالسنة الميلادية، فيمكن إخراج الزكاة بها، وحينئذ تكون 2?577% بدلاً من 2. 500، والنسبة الواجب إخراجها حينئذ في السنة الميلادية.

•إذا دفعت الشركة الزكاة حسب القيمة الاسمية، والقيمة السوقية للأسهم أكثر من القيمة الإسمية فعلى المساهم أن يكمل ما نقص وذلك بدفع الفرق بين القيمة الاسمية والقيمة السوقية.

•إذا اشترى الأسهم أو اكتتب فيها؛ فإن حولها يكون من حين تملك ثمنها. لأن حولها حول أصلها.

•إذا باع الأسهم بنقود أو بعروض تجارية، فإن الحول لا ينقطع؛ إذ إن حول هذه الأسهم يصبح حولاً للنقود أو العروض التجارية؛ لأن المباع والمشترى كلاهما مال زكوي، أما إذا أبدلها بأموال للقنية فإن الحول ينقطع.

•إذا حصل على الأسهم ما يمنع تصرف مالكها فيها؛ كالرهن أو الغصب، أو كان ذلك بأمر السلطان، أو بسبب دعوى قضائية، فإن الحول ينقطع، فإذا زال المانع، وأمكنه التصرف، ابتدأ حولاً جديداً.

•يشترط أن يكون تملك الأسهم بفعله؛ كالبيع والنكاح والخلع وقبول الوصية والغنيمة، أما إذا كان بغير فعله؛ كالأسهم الموروثة والممنوحة، فإن حولها يبدأ من وقت تملكها.

•انتقال السهم من مالك لآخر لا يؤثر في وجوب الزكاة فيه، إذا كانت الشركة هي التي تخرج الزكاة، لأنه باق في الشركة لا يخرج منها، مهما تعدد المشترون المتعاقبون.

•الراجح هو التخيير بين إخراج الزكاة من الأسهم، أو من النقود، لأن فيه عدد من المصالح للمستحق، أو المزكي، أو جابي الزكاة.

ص: 131

• الشركة سواء أكانت تجارية، أم صناعية، أم زراعية، أم عقارية، أم مواشي، أم شركة نقل، أم غير ذلك، إذا كانت تشتري مواد مجال استثمارها، أو تستخرجها، أو تجري عليها عمليات تحويلية، وتبيعها، فإنها تصبح بهذا الوصف تجارية، تأخذ حكم زكاة عروض التجارة، وهو قول جمهور الفقهاء، القدماء والمعاصرين.

• إذا لم تزك الشركة الاحتياطيات، فيزكيها المساهم عند قبضها، أو عند تصفية الشركة، قياساً على المال الضمار، لسنة واحدة، أخذاً بمذهب المالكية.

• إذا كانت الشركة الزراعية تقوم بالزراعة، وتبيع منتجاتها، وعائد بيعها لا تستثمره في الاتجار به، وإنما تعيد استغلاله في الزراعة، أو توزعه على المساهمين، فإنها تزكى زكاة الحبوب والثمار.

• إذا كانت شركة المواشي لا تقوم بالمتاجرة، وإنما تستغلها في الدر والنسل، وتبيع إنتاجها ولا تستثمره، وإنما توزعه على المساهمين، فإنها تزكى زكاة سائمة بهيمة الأنعام.

•المساهم الذي يتاجر في أسهمه العقارية يجب عليه أن يزكي أسهمه حسب قيمتها السوقية، على ما سبق بيانه.

• إذا كانت الشركة العقارية تقوم باستغلال عمائرها عن طريق تأجيرها، وهو ما يسميه بعضهم بالمستغلات، فالراجح أنه لا زكاة في أعيان هذه المستغلات؛ لأنها ليست معدة للبيع، وهذا هو رأي جماهير العلماء القدماء والمعاصرين، وصدر به قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة، ومجمع الفقه الإسلامي بجدة، أما أسهم هذه المستغلات، التي يتاجر فيها فإن فيها الزكاة، حسب قيمتها السوقية. وإذا كانت معدة للبيع وتقوم بتأجيرها فإن عائد إجارها يزكى مضموماً إلى أموالها الزكوية الأخرى.

ص: 132

•شركات النقل كالطيران، والبواخر، والقطارات، والسيارات، إذا كان المساهم يتاجر في أسهمها، فإنه يزكيها حسب القيمة السوقية، ولا يحسم شيئاً منها. أما إذا كان لا يتاجر فيها، فإن الزكاة واجبة في جميع أموالها النقدية والعينية المعدة للبيع، بنسبة 2?5%، أما المعدة للنقل، فإنه لا زكاة في أعيانها، كجميع الأشياء المعدة للاستعمال، إلا في أثمانها عند بيعها.

•جميع أنواع الشركات التي سبق ذكرها، وما ماثلها مما لم يذكر، تجب الزكاة في أسهمها، بما فيها الأرباح، ويطبق عليها زكاة عروض التجارة، على التفصيل السابق، بين الأسهم المعدة للبيع، والمعدة للحصول على أرباحها.

•السندات والأسهم المحرمة كالأسهم الممتازة، أو أسهم الشركات التي تتعامل بالربا، أو غيره من المحرمات، تجب الزكاة فيها، قياساً على الحلي المحرم وأواني الذهب والفضة المعدة للاستعمال، لإجماع العلماء على وجوب الزكاة فيهما، ولأنها صارت عروضاً تجارية.

‌ثانياً: التوصيات:

•أوصي الجهات المعنية أن تتخذ من التدابير والجزاءات، ما يمنع إظهار الحسابات بصورة أقل، لإنقاص ما تدفعه الشركة من الزكاة عن مقدار الواجب، وعلى مجلس الإدارة، والجمعية العمومية، أن يحرصوا على الحصول على إثبات المعلومات، التي تبين المقدار الصحيح للزكاة، وأن يخرجوها طيبة بها نفوسهم.

• أوصي أن تأخذ أنظمة الدول الإسلامية بما عليه نظام الشركات السعودي، وهو اشتراط أن تخرج الشركة الزكاة؛ لأنه شرط جائز، ويحقق مصالح كثيرة.

ص: 133

•أوصي الدول الإسلامية بإنشاء مؤسسة للزكاة، تكون لها الاستقلالية مالياً وإدارياً، كما عليه العمل في بعض الدول الإسلامية؛ كالمملكة العربية السعودية، والكويت.

• من أهم مشكلات التطبيق المعاصر للزكاة، نقص الوعي بأهمية الزكاة دينياً، ودورها الاجتماعي والاقتصادي، والجهل بالأحكام الشرعية للزكاة، والخلط بينها وبين الصدقات التطوعية. لذا يجب نشر التوعية عن ذلك بوسائل الإعلام المختلفة.

• يخص كثير من الناس شهر رمضان بتوزيع زكاته، إما لاعتقاده أنها تجب فيه، وإما رجاءً لكثرة الثواب فيه. والواجب شرعاً أداؤها عند تمام الحول، سواء صادف رمضان أو غيره من الشهور، وله تقديمها عن موعد وجوبها، ولا يجوز تأخيرها عنه إلا لسبب مشروع.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

ص: 134

‌الباب الثالث

استثمار أموال الزكاة في مشاريع ذات ريع يعود على مستحقيها

ص: 135

استثمار أموال الزكاة

في مشاريع ذات ريع يعود على مستحقيها

‌ملخص البحث:

موضوع «استثمار أموال الزكاة في مشاريع ذات ريع يعود على مستحقيها» هو أن تتولى إدارة يعينها ولي الأمر تنمية جزء من الزكاة؛ مثل إنشاء المصانع والمتاجر، وما ينتج عنه من أرباح يعاد توزيعه على الفقراء والمساكين.

تناول البحث بيان آراء العلماء المعاصرين في الموضوع، فكانت ستة آراء، هي: لا يجوز استثمار أموال الزكاة، يجوز إما مطلقاً أو بقيود، يجوز من سهم «الفقراء والمساكين» ، يجوز من سهم «في سبيل الله» ، يجوز إنشاء مشاريع ليست ذات ريع تسد حاجات الفقراء والمساكين؛ كبناء المساكن للفقراء، يجب الاستثمار.

وعرضت الأدلة، وتمت مناقشتها؛ وقد توصل الباحث إلى ترجيح الرأي القائل بعدم جواز استثمار أموال الزكاة في مشاريع ذات ريع.

ص: 137

‌المبحث الأول

معنى الاستثمار وتصويره

‌أولاً: معنى الاستثمار:

الاستثمار لغة: طلب الثمر، فيقال: أثمر الشجر، إذا خرج ثمره، وثَمَر الشيء إذا تولد منه شيء آخر. وثَمَّر الرجل ماله تثميراً: أي كثَّره عن طريق تنميته

(1)

، بمعنى كثرة المال، قال تعالى:{وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} [الكهف: 34]

وعلى هذا فإن الاستثمار: هو طلب الحصول على الثمرة، واستثمار المال هو طلب الحصول على الأرباح. والفقهاء يستعملون هذا اللفظ بهذا المعنى، جاء في المنتقى للباجي في أول كتاب القراض: أن يكون لأبي موسى الأشعري النظر في المال بالتثمير والإصلاح

(2)

، وجاء في تفسير الكشاف عند قوله تعالى: قال تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5]

فالسفهاء: المبذرون أموالهم، الذين ينفقونها فيما لا ينبغي، ولا يقومون بإصلاحها، وتثميرها، والتصرف فيها

(3)

.

‌ثانياً: تصوير الموضوع:

تتلخص فكرة هذا الموضوع في أنه بدلاً من توزيع جميع الزكاة للمصارف الثمانية، يكتفى بتوزيع جزء منها عليهم، وتكلف إدارة معينة، مثل بيت الزكاة بالعمل على تنمية الجزء الباقي في مشاريع استثمارية، يتوقع أن تدر ربحاً؛ مثل:

(1)

لسان العرب، مادة «ثمر» .

(2)

المنتقى للباجي 5/ 150.

(3)

الكشاف للزمخشري 1/ 500.

ص: 139

المصانع، أو عمارات سكنية، أو شركة نقل، لينمى هذا الجزء، دون أن تملك الأعيان المستثمرة لأحد، وإنما تعتبر شخصية معنوية، تمثلها تلك الإدارة الموكلة لها.

ويرى البعض أنها مملوكة للأصناف الثمانية ملكاً جماعياً، وما يحصل من أرباح نتيجة استثمار الأعيان المذكورة، يعاد توزيعه على تلك الأصناف.

ويرى القائلون باستثمار الزكاة إنها لأجل زيادة مواردها، وأن مصلحة الفقراء والمساكين تقتضي ذلك لئلا يستهلك مال الزكاة، ويفنى بمجرد توزيعه، بل ليكون الاستثمار سنداً للزكاة بزيادة الأرباح.

ص: 140

‌المبحث الثاني

آراء العلماء المعاصرين في استثمار أموال الزكاة

اختلف العلماء المعاصرون في حكم استثمار أموال الزكاة من قبل الإمام، أو من قبل جهة تتولى الإشراف والاستثمار على ما صورناه، ويمكن تقسيم آرائهم إلى ستة آراء:

‌الرأي الأول: عدم جواز استثمار أموال الزكاة.

وممن وجدنا له كلاماً من العلماء السابقين حول هذا النووي رحمه الله، إذ قال:(لا يجوز للإمام ولا للساعي بيع شيء من مال الزكاة من غير ضرورة، بل يوصلها إلى المستحقين بأعيانها؛ لأن أهل الزكاة أهل رشد ولا ولاية عليهم، فلم يجز بيع مالهم بغير إذنهم)

(1)

. فالنووي رحمه الله لا يرى جواز بيع أموال الزكاة، وأنه يجب على الإمام والساعي تسليمها إلى مستحقيها بأعيانها، ومن لازم هذا القول أنه لا يجوز عنده استثمارها؛ بل هو أولى؛ لأن الاستثمار لا يخلو من بيع.

وممن قال به من المعاصرين الشيخ الدكتور بكر أبو زيد، والشيخ محمد تقي العثماني، والشيخ خليل محيي الدين الميس، والدكتور وهبة الزحيلي، ونجاتي صابون محمد

(2)

، والشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع، والدكاترة عمر الأشقر، ومحمد نعيم ياسين، وعيسى زكي شقرة، ومحمد رأفت عثمان

(3)

.

(1)

المجموع للنووي 6/ 178.

(2)

مجلة مجمع الفقه بجدة 3/ 1/ ص 334، ص 338، ص 292، ص 407، ص 418.

(3)

أبحاث وأعمال الندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة، المنعقدة في الكويت في 8 - 9 جمادى الآخرة 1413 هـ الموافق 2 - 3/ 12/ 1992 م ص 76، و 83، و 84، و 85، و 88، وص 94 - 95.

ص: 141

وقد صدر بهذا قرار مجمع الفقه الإسلامي بالهند، ونصه:(لا يجوز شرعاً أن تودع أموال الزكاة في مشاريع استثمارية من إنشاء المصانع والشركات لتوزيع منافعها بين أصحاب الاستحقاق للزكاة، سواء أفعل ذلك المزكون أنفسهم أو الجهات الشرعية المسؤولة عن جمع الزكاة وتوزيعها؛ لأن أموال الزكاة لا تصل إلى مستحقيها في هذه الصورة، وكما يخشى في ذلك لحوق الخسائر بالمصانع وضياع المبلغ الكبير من أموال الزكاة، بالإضافة إلى الإمساك عن تلبية الحاجة الماسة الفورية للمستحقين وتجميد أموال الزكاة)

(1)

.

‌الرأي الثاني: ويرى أصحابه جواز استثمار أموال الزكاة.

وأصحاب هذا القول فريقان: أحدهما أجازه بدون قيود، وهم الدكاترة عبد العزيز الخياط، وحسن عبد الله الأمين، والشيخ مصطفى الزرقا

(2)

، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة

(3)

، والدكتور عبد الستار أبو غدة

(4)

.

والفريق الثاني قيدها كل منهم بقيود خاصة، وهم: مجمع الفقه الإسلامي بجدة

(5)

، والندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة بالكويت

(6)

، والدكاترة محمد عبد اللطيف الفرفور، ومحمد عثمان شبير

(7)

، ومحمد سليمان الأشقر.

(1)

القرار الخامس في الندوة الثالثة عشرة المنعقدة في 13 - 16 إبريل 2001 م الموافق 19 - 22 محرم 1422 هـ بجامعة الإمام أحمد بن عرفان الشهيد، أحمد آباد، مليح آباد لكناؤ الهند.

(2)

مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة ع 3 ج 1 ص 364 و 366 و 371 و 386 و 404.

(3)

أبحاث وأعمال الندوة الثالثة لقضايا الزكاة ص 55.

(4)

المصدر السابق ص 91.

(5)

قرار رقم (3) د 3/ 7/ 86.

(6)

أبحاث وأعمال الندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة بالكويت ص 323.

(7)

مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة ع 3 ج 1 ص 334 و 435، استثمار أموال الزكاة رؤية فقهية معاصرة ص 541.

ص: 142

وقد قيده مجمع الفقه بجدة بأن يكون الاستثمار بعد تلبية الحاجات الماسة الفورية للمستحقين، وتوافر الضمانات الكافية للبعد عن الخسائر

(1)

.

وقيدت الندوة الثالثة لقضايا الزكاة الجواز بالقيود التالية:

1 -

أن لا تتوافر وجوه صرف عاجلة تقتضي التوزيع الفوري لأموال الزكاة.

2 -

أن يتم استثمار أموال الزكاة -كغيرها- بالطرق المشروعة.

3 -

أن تتخذ الإجراءات الكفيلة ببقاء الأصول المستثمرة على أصل حكم الزكاة، وكذلك ريع تلك الأصول.

4 -

المبادرة إلى تنضيض

(2)

«تسييل» الأصول المستثمرة إذا اقتضت حاجة مستحقي الزكاة صرفها عليهم.

5 -

بذل الجهد للتحقق من كون الاستثمارات التي ستوضع فيها أموال الزكاة مجدية ومأمونة وقابلة للتنضيض عند الحاجة.

6 -

أن يتخذ قرار استثمار أموال الزكاة ممن عهد إليهم ولي الأمر بجمع الزكاة وتوزيعها لمراعاة مبدأ العناية الشرعية وأن يسند الإشراف على الاستثمار إلى ذوي الخبرة والكفاءة والأمانة

(3)

.

وقيد الشيخ الفرفور جواز ذلك بشكل مؤقت، لا بصورة دائمة، وإذا انتهى الأجل المضروب للاستثمار رفع كل من القائمين عليه يده، وأعاد القاضي، أو ولي الأمر، الأموال إلى الفقراء المستحقين بالتمليك الشرعي، مع الريع الناتج عن ذلك.

(1)

قرار رقم (3) د 3/ 7/ 86.

(2)

نضَّ بمعنى سال، يقال: نضَّ الماء يَنضُّ نَضّاً إذا سال، والنَضُّ الدرهم الصامت، ومن المتاع ما تحول ورقاً أو عيناً. والنَضُّ والناضُّ اسم الدراهم والدنانير عند أهل الحجاز؛ وإنما يسمونه ناضّاً إذا تحول عيناً بعدما كان متاعاً. لسان العرب «نضض» .

(3)

أبحاث وأعمال الندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة بالكويت ص 323.

ص: 143

وقيده محمد عثمان شبير:

1 -

بأن لا توجد وجوه صرف عاجلة لأموال الزكاة، كسد الحاجات الضرورية للمستحقين من طعام وكساء ومسكن وغير ذلك.

2 -

أن تتحقق من استثمار أموال الزكاة مصلحة حقيقية للمستحقين.

3 -

أن يتم استثمار أموال الزكاة في مجالات الاستثمار المشروعة.

4 -

أن تتخذ كافة الإجراءات التي تضمن بقاء تلك الأموال على أصل حكم الزكاة.

5 -

أن تسبق الاستثمار دراسات دقيقة من أهل الخبرة في الجدوى الاقتصادية لمشاريع الاستثمار.

6 -

أن يعتمد قرار استثمار أموال الزكاة ممن له ولاية عامة كالإمام أو القاضي، أو أهل الحل والعقد.

7 -

أن يسند أمر الإشراف والإدارة إلى ذوي الكفاءة والخبرة والأمانة.

8 -

أن تكون نفقات الاستثمار من أجرة القائمين عليه وغيرها من بيت المال في بداية المشروع، أما إذا أصبح يدر ربحاً فلا مانع من أن تحسم تلك النفقات من أرباح ذلك المشروع

(1)

.

وقال محمد الأشقر: (الإمام هنا له الحق أن يتصرف بالنيابة لا بالوكالة، فله أن يفعل ذلك إذا رأى من المصلحة ذلك؛ فلا بد أن ينظر إلى الضوابط التي تكفل عدم إساءة التصرف في هذا المال)

(2)

.

(1)

استثمار أموال الزكاة، رؤية فقهية معاصرة ص 541.

(2)

أبحاث وأعمال الندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة بالكويت ص 96 - 97.

ص: 144

‌الرأي الثالث: جواز استثمار أموال الزكاة من سهم الفقراء والمساكين.

وقال به الشيخ آدم شيخ عبد الله علي

(1)

.

‌الرأي الرابع: الجواز من سهم في سبيل الله.

وقال به الشيخ عبد الله المحفوظ بن بيه

(2)

‌الرأي الخامس: إنشاء مشاريع ليست ذات ريع تلبي حاجات الفقراء.

وقال به الدكتور عبد السلام العبادي.

ويرى أن تتوجه مؤسسة الزكاة لإقامة مشاريع لمصلحة الفقراء العاجلة الملحة كمشاريع التأهيل، وإيواء المسنين الذين لا يجدون من يؤويهم، وكالمستوصفات والمستشفيات لمعالجة الفقراء، ويقول: كل هذه مشاريع ليست ذات ريع، ولكنها تلبي حاجات ملحة قائمة عند الفقراء الآن وليست متوقعة، ويرى أن تملك المؤسسة الزكاة باعتبارها جهة اعتبارية لها حق التملك، مع الضمانات بأن لا تستغل، وأن تكون الجهات الممثلة في هذه المؤسسة جهات تصون الحقوق، وتحفظ مصالح الفقراء، ويقول: أما تمليكها للمسنين فيوقعنا في مشكلة كبيرة عند وفاة المسن أو غير ذلك

(3)

.

‌الرأي السادس: يجب استثمار أموال الزكاة.

وقال به الدكتور حسين حامد حسان

(4)

.

ومما قال: «وأضيف الوجوب بدلاً من الجواز؛ لأنه لا يجوز في الشرع أن يحبس مال دون أن يستثمر، فالقول إذن الوجوب؛ ولأن مقصد الشارع من الزكاة هو

(1)

مجلة مجمع الفقه الإسلامي ع 3 ج 1 ص 352.

(2)

المصدر السابق ص 417.

(3)

المصدر السابق ص 393 و 395.

(4)

أبحاث وأعمال الندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة ص 79.

ص: 145

إغناء الفقير والمسكين، وذلك يتحقق بأعطائهما ما تحصل به الكفاية على الدوام، ولذا يمكن إغناؤه عن طريق الاستثمار والانتاج»

(1)

.

(1)

أبحاث وأعمال الندوة الثالثة لقضايا الزكاة ص 79.

ص: 146

‌المبحث الثالث

الأدلة

‌المطلب الأول: أدلة القائلين بعدم الجواز:

استدل القائلون بعدم جواز استثمار أموال الزكاة، بأدلة منها ما يأتي:

1 -

قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141]، فالمراد الزكاة، والأمر المطلق يقتضي الفور

(1)

، وفورية إخراج الزكاة بعد وجوبها مذهب جمهور الفقهاء؛ فهو القول المختار والمفتى به عند الحنفية، وهو المذهب عند المالكية والشافعية والحنابلة

(2)

.

2 -

ما روي عن عقبة بن الحارث قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم العصر فأسرع ثم دخل البيت فلم يلبث أن خرج، فقلت - أو قيل- له، فقال:«كُنْتُ خَلَّفْتُ في البَيْتِ تِبْرًا مِنَ الصَّدَقَةِ، فَكَرِهْتُ أنْ أُبَيِّتَهُ، فَقَسَمْتُهُ»

(3)

.

قال ابن بطال: (فيه أن الخير ينبغي أن يبادر به، فإن الآفات تعرض، والموانع تمنع، والموت لا يؤمن، والتسويف غير محمود). زاد غيره: (وهو أخلص للذمة وأنفى للحاجة، وأبعد من المطل المذموم وأرضى للرب وأمحى للذنب)

(4)

.

(1)

اختلف الأصوليون في الأمر المطلق، هل يقتضي الفور أو التراخي؟ فذهب المالكية والحنابلة وبعض الحنفية وبعض الشافعية إلى أنه يقتضي الفور. وذهب أكثر الشافعية إلى أنه يقتضي التراخي. ينظر: كشف الأسرار 1/ 254، مسلم الثبوت بشرح فواتح الرحموت 1/ 378، شرح تنقيح الفصول ص 128، وبيان المختصر 2/ 40، البرهان للجويني 1/ 231، المستصفى 2/ 9، العمدة 1/ 281، شرح الكوكب المنير 3/ 48.

(2)

فتح القدير 1/ 155، الدر المختار للحصكفي، ورد المختار لابن عابدين 2/ 13، بدائع الصنائع 2/ 3، الشرح الكبير للدردير 1/ 459، حاشية الدسوقي 1/ 459، المجموع 5/ 305، شرح منهاج الطالبين 2/ 42، حاشية القليوبي 2/ 42، كشاف القناع 2/ 255، الموسوعة الفقهية 23/ 296.

(3)

صحيح البخاري بشرحه فتح الباري، كتاب الزكاة باب من أحب تعجيل الصدقة من يومها 3/ 351.

(4)

فتح الباري 3/ 299.

ص: 147

فإسراع الرسول صلى الله عليه وسلم ومبادرته بقسمة التبر المذكور وكراهته أن يبقى حتى يبيت عنده ليلة واحدة، كل هذا دليل على وجوب توزيع الزكاة على الفور، إلا لسبب مشروع، أو ضرر. وإذا كان الأمر كذلك فلا يجوز استثمار أموال الزكاة؛ لأنه ينافي الفورية المنصوص عليها في الآية الكريمة، والمفهومة من الحديث الشريف.

3 -

المال المستثمر هو مال مستحق للفقراء وغيرهم، بوصفهم هم الذين يجب تمليكهم لهذا المال، وهم بالاستثمار لم يملكوا الأصول، وإنما يملكون العائد أو بعضه فقط، وذلك بعد فترة من الزمن، فإذا قلنا بالاستثمار فمن هو المالك للأموال المستثمرة؛ هل هم الفقراء وغيرهم من الأصناف المستحقة للزكاة؟ الواقع أنه لا مالك لها حقيقة؛ لأنها خرجت من ملك المزكي، ولم تدخل في ملك أحد من مصارف الزكاة، ومن المعلوم أنه لا يجوز النزول عن الملك إلى غير مالك.

4 -

إن هذه الأعمال تعرض المال للفائدة والخسارة، فربما ترتب عليها ضياع أموال الزكاة

(1)

.

5 -

حاجة الفقراء ناجزة، فيجب أن يكون الوجوب على الفور، واستثمار أموال الزكاة في أي من المشاريع الإنمائية يؤدي إلى انتظار الفائدة المترتبة عليها، وهذا ما يأخذ وقتاً طويلاً؛ فيكون سبباً لتأخير تسليم أموال الزكاة لمستحقيها بدون دليل شرعي؛ بل يكون مصادماً للأمر باستعجال تسليم الزكاة لمستحقيها كما في قوله تعالى:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141].

(1)

توظيف الزكاة في مشاريع ذات ريع بلا تمليك فردي للمستحقين، بحث للشيخ آدم شيخ عبد الله علي، مجلة مجمع الفقه ع 3 ج 1 ص 353 و 354.

ص: 148

6 -

إن أموال الزكاة أمانة في يد المسؤولين عنها، حتى يسلموها إلى أهلها، وشأن الأمانة الحفظ فقط، أما تصرف الإمام أو الساعي في أموال الزكاة بدون تمليك المستحقين لها أو صرفها عليهم، فغير جائز، إلا في المنافع التي لا تزول أعيانها؛ كالركوب مثلاً، أو شرب ألبانها، وما شاكل ذلك

(1)

.

7 -

الزكاة عبادة تتكرر في كل عام، فلم يجز تأخيرها إلى وقت وجوب مثلها؛ كالصلاة والصوم، والاستثمار يؤدي حتماً إلى تأخيرها فلم يجز.

8 -

الأصل في العبادات الحظر، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله ورسوله، والأصل في العادات الإباحة، فلا يحرم منها إلا ما حرمه الله ورسوله، وهذه القاعدة من القواعد التشريعية التي أنزلها الشارع بيقين وروداً ودلالة، وأجمع عليها العلماء سلفاً وخلفاً، وقد تضمنت أصلين عظيمين دل عليهما الكتاب والسنة، في مواضع كثيرة يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى.

ويعبر عن هذه القاعدة أيضاً بأن (الأصل في العبادات التوقيف)، وقد يعبر عنها بأن (الأصل في العبادات البطلان)، ومؤداها كلها واحد، وهو أن جميع الأمور التعبدية التي لها هيئات، وأوصاف شرعية خاصة، لا تهدي إليها الغرائز ولا العقول؛ كالصلوات المحدودة بأوقاتها وأعدادها وهيئاتها، وكالزكاة المحدودة بأنواعها ونصابها، ومقاديرها، ومواقيتها، وكالصيام المحدود بزمانه وكيفيته، والحج كذلك، وكالأضاحي والكفارات، وأحكام التوارث والعقوبات المحددة المسماة بالحدود، ونحو ذلك من الأمور التي لاحظَّ للاجتهاد في وضعها، ولا في تبديلها، وتغييرها، مهما تغيرت الأحوال والعصور.

(1)

مجلة مجمع الفقه الإسلامي، ع 3 ج 1 ص 353 - 354.

ص: 149

وهذه الأمور التعبدية هي شعار العقيدة، وعنوانها، وهي جديرة بأن تسمى تكاليف شرعية، وشعائر إسلامية، لأنه لا يشارك فيها مع باعث الدين باعث آخر من غرائز النفوس، ولا هداية العقول

(1)

؛ لذا كان الأصل فيها الحظر.

والزكاة عبادة من العبادات بل هي قرينة الصلاة، وقد بين الله سبحانه وتعالى مصارفها، وبمقتضى هذه القاعدة، فإنه يحظر علينا أن نحيد عن توزيع جميع الزكاة في مصارفها، وأن نستثمرها؛ لأن الأصل في العبادات الحظر.

‌المطلب الثاني: أدلة القائلين بالجواز:

1 -

استثمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إبل الصدقات، وغنمها، وأنعامها، وذلك مثل حلبها، وجز صوفها، وأنفقها على الفقراء.

2 -

استثمار أموال الزكاة يجوز استحساناً خلافاً للقياس للضرورة، أو الحاجة بإشراف ولي الأمر، أو من يفوضه كالقاضي الشرعي.

3 -

يجوز تأجيل دفع الزكاة على مذهب أبي حنيفة، فيجوز استثمار أموال الزكاة بتأجيل دفعها إلى مستحقيها.

4 -

توسع العلماء في معنى (سبيل الله)؛ فشمل كل قربة إلى الله تعالى؛ كبناء الملاجئ، والمستشفيات، وغيرها. فيجوز استثمار أموال الزكاة في مثل هذه المشاريع.

5 -

سواء أكانت اللام في الآية الكريمة للتمليك، أو للاختصاص، فإن تمليك الجماعة من الفقراء والمساكين جائز.

(1)

المختار من كنوز السنة النبوية د/ محمد عبد الله دراز ص 211، 212، وانظر القواعد الفقهية الكبرى ص 154 للدكتور صالح بن غانم السدلان.

ص: 150

6 -

دلت الآية على وجوب إعطاء الغارمين، وليس في الآية ما يمنع من أن يستثمروا أموال الزكاة؛ وقد أعطوها في استعادة تجارتهم، أو صناعتهم، أو في استغلالها زراعياً؛ للإنفاق عليها.

7 -

إن إنشاء المشروعات يفيد الأمة قطعاً، ويحيى اقتصادها، ويدفع البطالة عن المحتاجين القادرين على العمل، ونستهدي في ذلك بدفع الرسول صلى الله عليه وسلم السائل إلى العمل بالاحتطاب وعدم السؤال

(1)

.

8 -

إن معنى «سداد العيش» الوارد في الحديث يدل على أن سداد العيش المستمر بعمل الفقير القادر على العمل في أموال الزكاة المستثمرة أولى وأفضل من أن يعطى لفترة قصيرة فيصرفه ويعود مستحقاً.

9 -

واستدل البعض بأن الشافعية ذهبوا إلى أن الواجب بالنسبة للفقير والمسكين أن يعطى كفاية العمر الغالب لأمثاله ما يغنيه أخذاً من حديث «سِدادًا مِنْ عَيْشٍ «أو «قِوامًا مِنْ عَيْشٍ «وكان عمر يقول: «إذا أعطيتُمْ فأغنوا» . وكان يقول: «والله لأكررن عليهم الصدقة وإن راح على أحدهم مائة من الإبل» ، مائة من الإبل يساوي عشرين نصاباً من أنصبة الزكاة، فأخذ الشافعية أن الفقير يعطى ما يغنيه طوال عمره.

وقالوا إذا كان زارعاً تشترى له ضيعة أو حصة في ضيعة تغنيه طول العمر، وقال: الزركشي إن للإمام دون المالك شراءه له، وله إلزامه بالشراء وعدم إخراجه عن ملكه، يعني كأنه شبه وقف عليه، حينئذ ليس له إخراجه فلا يحل ولا يصح فيما يظهر بيعه.

(1)

هذه الأدلة أوردها الدكتور عبد العزيز الخياط، انظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة ع 3 ج 1 ص 371 و 372.

ص: 151

10 -

إن تغيير الأسلوب من اللام إلى استعمال «في» في قوله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60]، للدلالة على أن جانب التمليك ليس وحده المقصود في الآية، وإنما جانب الصرف مقصود أيضاً؛ فالصرف للأربعة الأخيرة في الآية، والتمليك للأربعة الأولى فيها.

11 -

المصانع أو المشاريع التي تنشأ بقصد الربح لصالح جهات استحقاق الزكاة، هي ملك للمستحقين عامة، ويجوز أن تكون ملكاً لأصناف منهم.

12 -

إن الأمر في نهايته راجع إلى ملكية الفقراء لهذا المال ولو بعد حين مع أرباحه وتثميره لهم

(1)

.

(1)

هذا الدليل أورده الدكتور الفرفور، انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة ع 3 ج 1 ص 359.

ص: 152

‌المبحث الرابع

مناقشة الأدلة

مناقشة أدلة القائلين بعدم جواز الاستثمار:

1 -

القول بأن استثمار أموال الزكاة ينافي الفورية، يجاب عنه بأن الفورية تتعلق بالمالك لا بالإمام، فيجب على المالك إخراج الزكاة على الفور، وإذا وصلت إلى الإمام أو نائبه تحققت الفورية. أما الإمام فيجوز له تأخير قسمتها للمصلحة عند جمهور العلماء - إذا أده اجتهاده إلى ذلك

(1)

.

2 -

القول بأن استثمار أموال الزكاة ينافي تمليك الفقراء لها، يجاب عنه بأن اشتراط التمليك محل نظر؛ فقد أجاز بعض العلماء صرف الزكاة دون تمليك فردي في صور كثيرة، كشراء العبيد وعتقهم، وصرفها لأبناء السبيل، دون تمليك فردي للمستحق. وعلى فرض التسليم باشتراط التمليك، فإن التمليك يتحقق في إنشاء المشاريع الاستثمارية، وتمليكها جماعياً للمستحقين، أو بعضهم.

3 -

وأما القول بأن الاستثمار يعرض أموال الزكاة للخسارة، فتضيع حقوق المستحقين، فيجاب عنه بأن احتمال الخسارة في الأموال لا يمنع الاتجار بها، كما لا يمنع ذلك الأغنياء من الاتجار بأموالهم، بحجة أنه يعرضها للخسارة؛ فتضيع حقوق الفقراء في الزكاة.

ثم إن الاستثمار - يخضع في هذا الوقت- لدراسات اقتصادية دقيقة قبل الإقدام على أي مشروع، مما يقلل جداً احتمال الخسارة.

(1)

الأموال لأبي عبيد ص 342، فتح الباري 3/ 367، عمدة القاري 9/ 106، مواهب الجليل 2/ 363 - 364، نيل الأوطار 4/ 157، المبدع لابن مفلح 2/ 400.

ص: 153

4 -

القول بأن الزكاة أمانة في يد المسؤولين عنها حتى يسلموها إلى أهلها، وشأن الأمانة الحفظ، لا التصرف ولا الاستثمار؛ فهذا غير مسلم، لأن بعض الفقهاء أجازوا للإمام والساعي التصرف في مال الزكاة للمصلحة، إذا اقتضت ذلك ضرورة أو حاجة

(1)

.

مناقشة أدلة القائلين بجواز الاستثمار:

1 -

قياسهم جواز استثمار أموال الزكاة على ما ذكروه بأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه استثمروا إبل الصدقة وغنمها، ليس فيه دلالة على الاستثمار؛ لأن هذا ليس استثماراً، فإذا ولدت ناقة فأعطى حليبها لمرضى أو غير مرضى، أو أطعمها، أو رعاها، أو أعد خيلاً للجهاد، فإن هذا كله ليس هو الاستثمار الذي نتكلم عليه؛ لأن توزيع ما يحصل من توالد وتناسل ودر لبن أمر طبيعي وهو من المصلحة.

بل إنَّ عدم الاستفادة منه يترتب عليه ضرر بالأنعام، وإضاعة للمال وإهداره، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال في قوله صلى الله عليه وسلم:«إنَّ اللهَ كرِه لكم قيلَ وقالَ وكثرةَ السُّؤالِ وإضاعةَ المالِ» متفق عليه

(2)

؛ أما جعل أموال الزكاة في مشاريع استثمارية فإن هذه المشاريع تحجز الزكاة عن أصحابها.

نعم لو ثبت أن إبل الصدقة كانت تؤخر عن التوزيع، وتحجز كي تتناسل وتتكاثر، لصح القياس على ذلك، والقول بجواز استثمار أموال الزكاة، لكن ذلك لم يحصل.

(1)

حاشية الخرشي على مختصر خليل 2/ 223، المجموع للنووي 6/ 178، المغني 4/ 134.

(2)

صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 3/ 340، صحيح مسلم بشرحه النووي 4/ 307.

ص: 154

2 -

القول بأنه يجوز استثمار أموال الزكاة استحساناً خلافاً للقياس للضرورة أو الحاجة، يناقش بأن الاستدلال بالاستحسان يمكن في حالة وجود قياسين متعارضين فيرجح المجتهد أحدهما لمعنى محدد، كما إذا أوقف إنسان أرضاً على جهة خيرية، كدار لتحفيظ القرآن، ولم ينص في الوقف على حق تبعية المرور للأرض الموقوفة، فحق المرور للأرض الموقوفة يتبع الوقف بدون نص أم لا؟

هنا قياسان: قياس على البيع، فلا يتبع؛ لأن البائع إذا لم ينص في العقد على تبعية حق المرور للمشتري فليس من حق المشتري أن يطالب بحق المرور. وأما إذا قسناه على عقد الإيجار فالإجارة تقتضي تبعية حق المرور للمستأجر. فهل نقيس الوقف على عقد البيع أو على عقد الإجارة؟

المعنى هنا يبرر القياس على عقد الإجارة؛ لأن الوقف ما وقف أصلاً إلا لأجل أن يستوفي الموقوف عليهم العائد، وأن تنوبهم هذه الثمرة المقصودة من الوقف، وبالتالي يكون أشبه بعقد الإجارة، هذا نوع من الاستحسان.

وأيضاً قال الحنفية: الاستحسان هو أن يكون قاعدة عامة في الشريعة، يستثنى منها أمر من الأمور، لكن لا بد من الاستناد إلى دليل شرعي كما في السلم مثلاً؛ فالقواعد الشرعية تمنع جواز السلم، لكن لما جاءت النصوص الشرعية في السنة الشريفة وأباحته، قالوا إن هذا نوع من الاستحسان، وهذا على رأي الحنفية.

إذن الاستحسان لا بد أن يكون مبنياً على دليل، أو على معنى، أو على مبرر شرعي

(1)

. وليس في موضوع استثمار أموال الزكاة قياسان، بل فيه استحسان من البعض يقابله نص من كتاب الله، فهل نقدم النص أم الاستحسان؟ الحق أنه لا استحسان ولا قياس مع النص، فضلاً أن يقدما عليه.

(1)

أبحاث وأعمال الندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة ص 94 تعليق الدكتور محمد رأفت عثمان.

ص: 155

3 -

الاستدلال على جواز استثمار أموال الزكاة بجواز تأجيل دفع الزكاة إلى مستحقيها - على مذهب أبي حنيفة- لا يصلح دليلاً على هذه الدعوى؛ لأن قول الفقيه ليس دليلاً من الأدلة الشرعية، وإنما هو قول إنسان يؤخذ من كلامه ويرد. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن التأجيل لا يدل على جواز الاستثمار. ومن جهة ثالثة فإن هذا القول خلاف مذهب جمهور الفقهاء، وخلاف المختار المفتى به من مذهب الحنفية.

قال المالكية والشافعية والحنابلة والمفتى به عند الحنفية إذا وجبت الزكاة، وجبت المبادرة إلى إخراجها على الفور مع القدرة على ذلك، وعدم الخشية من الضرر

(1)

. جاء في الدر المختار: (وقيل فوري، أي واجب على الفور، وعليه الفتوى .. فيأثم بتأخيرها بلا عذر، وترد شهادته؛ لأن الأمر بالصرف إلى الفقير معه قرينة الفور، وهي أنه لدفع حاجته، وهي معجلة، فمتى لم تجب على الفور لم يحصل المقصود من الإيجاب على وجه التمام)

(2)

. وفي رد المحتار على الدر المختار: (فتكون الزكاة فريضة وفوريتها واجبة، فيلزم بتأخيرها من غير ضرورة الإثم، كما صرح به الكرخي، والحاكم الشهيد في المنتقى، وهو معنى ما ذكره الإمام أبو جعفر عن أبي حنيفة أنه يكره؛ فإن كراهة التحريم هي المحمل عند إطلاق اسمها، وقد ثبت عن أئمتنا الثلاثة وجوب فوريتها)

(3)

، وحتى العلماء الذين يرون بأن مطلق الأمر لا يقتضي الفور- وهم أكثر الحنفية والشافعية- يقولون إن الزكاة واجبة على الفور؛ وذلك لقرينة حاجة الفقير وهي معجلة. جاء في فتح القدير

(1)

الشرح الكبير للدردير 1/ 459، حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير 1/ 459، المجموع 5/ 305، شرح منهاج الطالبين 2/ 42، حاشية القليوبي 2/ 42، كشاف القناع 2/ 255، فتح القدير 2/ 155، الدر المختار للحصكفي، مع رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين 2/ 13، الموسوعة الفقهية 23/ 296.

(2)

الدر المختار للحصكفي 2/ 31.

(3)

رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين 2/ 13، وانظر فتح القدير 2/ 155.

ص: 156

لابن الهمام

(1)

: (المختار في الأصول أن مطلق الأمر لا يقتضي الفور ولا التراخي، بل مجرد طلب المأمور به .. والوجه المختار -أي في الزكاة أن الأمر بالصرف إلى الفقير معه قرينة الفور، وهي أنه لدفع حاجته وهي معجلة، فمتى لم تجب على الفور لم يحصل المقصود من الإيجاب على وجه التمام). وجاء في المجموع

(2)

: (الزكاة عندنا يجب إخراجها على الفور، فإذا وجبت وتمكن من إخراجها لم يجز تأخيرها).

وعند عامة مشايخ الحنفية ومنهم أبو بكر الرازي الجصاص أنها على التراخي

(3)

.

4 -

القول بأن الأمر في نهايته راجع إلى ملكية الفقراء لهذا المال ولو بعد حين، هذا القول لا يصلح دليلاً على جواز الاستثمار، وعلى فرض صحة أن ملكيته سترجع إلى الفقراء فهذا لا يبرر الجواز؛ لأنه بدفع الزكاة إلى الجهة التي تتولى الاستثمار انتقل الملك من المزكي ولم يدخل في ملك الفقراء وغيرهم من الأصناف، فحينئذ لمن يكون ملك مال الزكاة؟ ومن المعلوم أنه لا يجوز النزول عن الملك إلى غير مالك.

والقول بأن الفقراء يملكونه ملكاً جماعياً غير مسلم؛ لأن الملك الجماعي فرع عن الملك الفردي؛ لأن الأفراد إذا تملكوا المال سواء كان زكاة أو غيره أمكنهم أن يتفقوا على الاستثمار، ويوكلوا من شاءوا، وهنا يتحقق الملك الجماعي. أما أن نطلق الأقوال بالملك الجماعي مع أنه لا حقيقة له فهذا غير صحيح.

(1)

/ 155

(2)

/ 302

(3)

الدر المختار للحصكفي 2/ 31، رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين 2/ 13، وانظر فتح القدير 2/ 155.

ص: 157

والقول بأن الجهة التي تتولى الإشراف تملك ملكاً اعتبارياً، فإن كان المراد أن الملك ينتقل إلى الشخص المعنوي فهذا غير مسلم؛ لأن الشخصية المعنوية وإن كنا نعترف بها على ضوء الفقه الإسلامي، ولكنه لا يثبت لها من الذمة مثل ما يثبت للإنسان

(1)

، وبالتالي فإنه لا يجوز استثمار أموال الزكاة على هذا الأساس.

5 -

قياس جواز استثمار أموال الزكاة على ما قاله بعض العلماء في مصرف «في سبيل الله» أنه يشمل كل قربة؛ كبناء المستشفيات والملاجئ والمدارس، هذا القياس غير مسلم؛ لأن مصرف «في سبيل الله» للجهاد، وليس ذلك محصوراً على شخص المجاهد، بل يشمل هذه الأشياء للاستفادة منها في الدعوة إلى الإسلام؛ لأنها تحقق وسيلة من وسائل الجهاد؛ فإقامة هذه المشاريع داخلة في مصرف «في سبيل الله» .

ولهذا رأى مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة، كما رأى بعض العلماء دخول الدعوة وما يعين عليها في مصرف «في سبيل الله» اعتماداً على أن الجهاد في الإسلام لا يقتصر على القتال بالسيف، بل يشمل الجهاد بالدعوة، وتبليغ الرسالة، والصبر على مشاقها

(2)

. لكن قرار المجمع المذكور وما ذكر بهذا الشأن لا يصح الاحتجاج به ولا القياس عليه للقول بجواز استثمار أموال الزكاة فهو بعيد كل البعد عن القول بذلك.

وقد ناقش المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة موضوعي: «الاستفادة بأموال الزكاة لبناء المدارس والمستشفيات في البلاد الأوربية، وتأسيس صندوق للزكاة فيها» ، واتخذ قراراً في هذا الشأن في دورته التاسعة، أكد ما قرره في دورته

(1)

شركة المساهمة في النظام السعودي دراسة مقارنة بالفقه الإسلامي ص 215 للدكتور صالح بن زابن المرزوقي.

(2)

القرار الرابع، من الدورة الثامنة. انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 10/ 49.

ص: 158

الثامنة، وأضاف:(يقرر المجلس أن المؤسسات التعليمية والاجتماعية من المدارس والمستشفيات ونحوها، إذا كانت في بلاد الكفر، تعتبر اليوم من لوازم الدعوة وأدوات الجهاد في سبيل الله، وهي مما يدعم الدعوة ويعين على أعمالها، بل هي لازمة للمحافظة على عقائد المسلمين وهويتهم الدينية في مواجهة التخريب العقائدي والفكري الذي تقوم به المدارس والمنشآت التنصيرية واللادينية، على أن تكون هذه المؤسسات إسلامية خالصة محضة، لأغراض الدعوة والرسالة والنفع لعموم المسلمين، وليست لأغراض تجارية تخص أفراداً أو فئة من الناس)

(1)

.

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية: (لا مانع من صرف الزكاة للدعاة إلى الله عز وجل في أي مكان من أرض الله، إذا كانوا متفرغين للدعوة إلى الله عز وجل، وليس لديهم ما يغنيهم عنها)

(2)

.

وهنا فرق بين استثمار أموال الزكاة والمتاجرة بها، وبين إقامة مرافق تحقق النفع للمجاهدين وغيرهم من المسلمين؛ ولذا فإن هذا قياس مع الفارق.

(أما ما يتعلق بتأسيس صندوق للزكاة؛ لجمعها من المكلفين بها، وصرفها في مصارفها الشرعية، ومنها ما ذكرناه أعلاه، فهو أمر محمود شرعاً؛ لما وراءه من تحقيق مصالح مؤكدة للمسلمين، بشرط أن يقوم عليه الثقاة المأمونون العارفون بأحكام الشرع، وتحصيل الزكاة وتوزيعها)

(3)

.

6 -

قولهم إن تمليك الجماعة من الفقراء والمساكين جائز، هذا مسلم إذا تحقق تمليكهم، لكن استثمار أموال الزكاة من قبل جهة تعينها الدولة دون أن يكون

(1)

القرار الرابع، من الدورة الثامنة.

(2)

فتاوى اللجنة الدائمة 10/ 49.

(3)

القرار السادس من قرارات مجمع الرابطة في دورته التاسعة.

ص: 159

للفقراء والمساكين دخل في تعيينها أو توكيلها، ودون أن يقبضوا الزكاة، فهذا ليس تمليكاً، والقول بأنه تمليك فيه قلب للحقائق.

7 -

قياس تجويز استثمار أموال الزكاة على جواز أن يستثمر الغارم ما دفع إليه، بناءً على أنه ليس في الآية ما يمنع من ذلك، قياس مع الفارق؛ لأن الغارم قبض الزكاة وملكها، وللمالك أن يتصرف في ملكه، أما استثمار الزكاة من قبل جهة غير أصحابها فهو تصرف من غير مالك ولا وكيل؛ فتصرف كتصرف الفضولي؛ فيكون باطلاً.

8 -

قياسهم استثمار أموال الزكاة على دفع الرسول صلى الله عليه وسلم السائل إلى العمل بالاحتطاب وعدم السؤال، وقياسهم ذلك أيضاً على معنى سداد العيش الوارد في الحديث، وغير ذلك من الأقيسة الواردة لتبرير استثمار أموال الزكاة يجاب عنه بأن هذه الأقيسة غير مسلمة؛ لأنها ضعيفة ضعفاً واضحاً أمام النصوص الشرعية التي توجب التمليك الذي لا محيل عنه، كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ

} ولأن هذه الأقيسة غير مستوفية لشروط القياس؛ فمن شروطه أن لا يقوم دليل قاطع على خلافه؛ ولأنه قياس مع النص، وهنا قامت الأدلة على خلافه، فقوله تعالى:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} يوجب إيتاء الزكاة لأصحابها، وحيث إن استثمار أموال الزكاة يحول دون إيتاء الأموال المستثمرة لأي من أفراد الأصناف الثمانية، لأنها لا تعطى لهم كما أوجب الله يوم حصاده، فيكون القياس معارضاً للنص. ولأن من شروط القياس اشتراك الأصل والفرع في علة جامعة، وليست هنا علة جامعة.

ص: 160

9 -

الاستدلال على جواز الاستثمار بما ذهب إليه الشافعية من إعطاء الفقير والمسكين كفاية العمر؛ أخذاً من حديث «سِدادًا مِنْ عَيْشٍ»

(1)

، ومن قول عمر رضي الله عنه:(إذا أعطيتم فأغنوا)

(2)

. وقوله فيما نسب إليه رضي الله عنه: (والله لأكررن عليهم الصدقة وإن راح على أحدهم مائة من الإبل)

(3)

، يجاب عليه بأن هذا ليس فيه استثمار ولا ما يدل على الاستثمار؛ لأن هذه الأدلة تفيد في جواز زيادة مقدار نصيب الفقير والمسكين من الزكاة، وهذا لا ينازع فيه المانعون لاستثمار الزكاة، لكن لا يصلح الاستدلال به على جواز الاستثمار؛ بل إنه يدل على تسليمه للفقير والمسكين، وهذا تمليك له، فهو جائز، سواء كان ما أعطي قليلاً أم كثيراً.

وما ذكر عن الزركشي أن للإمام دون المالك إذا كان زارعاً أن يشتري له ضيعة

إلخ، يجاب عليه بأن أقوال الفقهاء ليست دليلاً شرعياً من الأدلة المعتبرة المقررة في أصول الفقه، ولو أخذنا بهذا المبدأ لأصبح رأي هؤلاء المشايخ وغيرهم من العلماء المعاصرين بعد فترة من الزمن دليلاً يستدل به الآخرون، ولا قائل بهذا.

10 -

أما قولهم إن تغيير الأسلوب من اللام إلى «في» يدل على أن جانب التمليك ليس وحده المقصود، وإنما جانب الصرف مقصود أيضا، فيجاب عنه بأنه سواءً كان المقصود أن الصدقات مصروفة للفقراء كما يقول به الإمام مالك رحمه الله، فالمراد أنهم المستحقون لهذا المال المختصون به، فلا يجوز التصرف فيه بالاستثمار بدون إذنهم.

(1)

صحيح مسلم بشرح النووي 3/ 82.

(2)

كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام ص 502. وإسناد الأثر ضعيف لأن فيه الحجاج بن أرطأة، قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب 1/ 188: (صدوق كثير الخطأ والتدليس)، وقد عنعن هنا.

(3)

المرجع السابق، وإسناده ضعيف لأجل الحجاج بن أرطأة، كما سبق قريباً. تقريب التهذيب 1/ 188.

ص: 161

11 -

وأما من قال بوجوب الاستثمار مستدلاً بأن المقصد من الزكاة هو إغناء الفقير والمسكين، فيجاب عليه بأنه لا دليل على الجواز فضلاً عن الوجوب، ثم إن المقصود هو سد حاجات المحتاجين، أما إغناؤهم فإن أمكن ذلك عن طريق توزيع الزكاة عليهم، وإلا فلسنا مكلفين بإغنائهم لا سيما إذا أدى ذلك إلى الخروج بالزكاة عن مقصدها الشرعي.

الرد على المناقشة:

وما ناقش به المجيزون أدلة المانعين، يمكن الرد عليه بما يلي:

1 -

قولهم إن الفورية تتعلق بالمالك لا بالإمام غير مسلم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كُنْتُ خَلَّفْتُ في البَيْتِ تِبْرًا مِنَ الصَّدَقَةِ، فَكَرِهْتُ أنْ أُبَيِّتَهُ، فَقَسَمْتُهُ «. حيث كره النبي صلى الله عليه وسلم وهو الإمام- تأخير توزيع الصدقة، فهذا يدل على أن الفورية تتعلق بالإمام كما تتعلق بالمالك.

2 -

قولهم إن اشتراط التمليك محل نظر؛ لأن بعض العلماء أجاز صرف الزكاة دون تمليك فردي في صور كثيرة، يجاب عليه بأن قول بعض العلماء بالجواز ليس دليلاً على الجواز حتى يثبتوا قولهم بالدليل الشرعي، وعندئذ يكون الدليل الشرعي هو المعتمد وليس قولهم، وليس معهم دليل شرعي. ومن جهة أخرى فإن الصور التي أجازوا فيها صرف الزكاة دون تمليك فردي كشراء العبيد وعتقهم، هذا التصرف ممن وجبت عليه الزكاة، وهو جائز شرعاً؛ إذ إنه استجابة لنص القرآن الكريم حيث جاء فيه «وفي الرقاب» وهذا ليس فيه دليل شرعي يسوغ الاسثتمار.

3 -

قولهم إن احتمال الخسارة في الأموال لا يمنع الاتجار بها، كما لا يمنع ذلك الأغنياء من الاتجار بأموالهم، يجاب عن ذلك بأن احتمال الخسارة لا يمنع

ص: 162

صاحب المال من الاستثمار، ولكن الإمام هنا ليس هو صاحب المال حتى يطلق حرية التصرف في أموال الزكاة كتصرف الملاك.

4 -

قولهم إن بعض الفقهاء أجاز للإمام والساعي التصرف في مال الزكاة لمصلحة إذا اقتضت ذلك ضرورة أو حاجة، يجاب عنه أيضاً بما سبق، وهو أن قول بعض الفقهاء ليس دليلاً يعتمد عليه، ثم إن الفقهاء الذين أجازوا ذلك قيدوه بالضرورة، ولا ضرورة في الاستثمار.

ص: 163

‌المبحث الخامس

الرأي الذي توصلت إليه

لو كان الدين بالرأي لرجحت القول باستثمار جزء من أموال الزكاة بضوابط، كما قال الصحابي الجليل والخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه:«لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ ظَاهِرِه» ، ولذلك وبعد عرض الآراء وأدلتها، ومناقشتها، يترجح لي عدم جواز استثمار أموال الزكاة، لقوة أدلة هذا القول؛ فهي نصوص شرعية من القرآن الكريم والسنة الشريفة، آمرة بدفع الزكاة إلى مستحقيها فوراً، كما في قوله تعالى:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} ، ومبينة مصارفها وحاصرة لها فيها، كما في قوله تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60]، لأن إنما أداة حصر، وكما في قوله صلى الله عليه وسلم:«فأعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أغْنِيائِهِمْ فَتُرَدُّ في فُقَرائِهِمْ»

(1)

.

ولأن أدلة القائلين بجواز استثمار الزكاة لم تثبت أمام المناقشة، وما أجابوا به على أدلة المانعين قد أمكن الرد عليه.

وأيضاً فإن استثمار أموال الزكاة يزيد المشكلة ولا يحلها؛ لأن الجموع الهائلة في العالم الإسلامي تنتظر لقمة العيش، فالناس يسقطون موتى من الجوع، بينما البعض يناقش ويحاور في تكديس أموال الزكاة والمتاجرة بها

(2)

، فالمبادرة بإطفاء لوعة جوع الجياع، وكساء العراة، أولى من استثمار أموال الزكاة وحجبها عن مستحقيها.

(1)

صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 3/ 261.

(2)

أبحاث وأعمال الندوة الثالثة لقضايا الزكاة ص 94 تعليق للدكتور عمر الأشقر.

ص: 165

ولأنه يجب توزيع الزكاة على مستحقيها على الفور؛ والمراد به هنا الفورية الممكنة، ولأن استثمار الزكاة يؤدي إلى انتقال الملك من المزكي، ولا يدخل في ملك الفقراء وغيرهم من الأصناف. وفي هذه الحالة إما أن يبقى المال على ملك المزكي، أو ينتقل إلى غير مالك، ومن المعلوم أنه لا يجوز النزول عن الملك إلى غير مالك، والقول بأن مجموع الفقراء يملكون ملكاً جماعياً غير صحيح.

ولأن الحاجة إلى استثمار أموال الزكاة ليست نازلة جديدة تستوجب النظر فيها، بل إن الضرورة الملازمة لطائفة كبيرة من المسلمين، لا سيما في بعض البلدان أظهر وأبين في المبادرة بتوزيع الزكاة عليهم.

ولأن الأصل في العبادات الحظر، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله ورسوله.

ومعلوم أن الشريعة مبنية على أصلين: الإخلاص لله والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، وهذان الأصلان شرط لصحة كل عمل شرعي ظاهر؛ كأقوال اللسان، وأعمال الجوارح، أو باطن كأعمال القلوب قال تعالى:{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر: 3]، وقال {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]، وقال تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7].

فمن عمل عملاً عليه أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم مخلصاً فيه، فعمله مقبول وسعيه مشكور. ومن عمل عملاً ليس عليه أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فعمله فاسد لا يعتد به لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» متفق عليه

(1)

، وفي رواية لمسلم:«من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»

(2)

.

(1)

صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 5/ 301، ومسلم 4/ 312.

(2)

صحيح مسلم 4/ 313.

ص: 166

فهذا الحديث أصل عظيم من الأصول الإسلامية، إذ إنه يدل بمنطوقه على أن كل عمل ليس عليه أمر الشارع فهو مردود، ويدل بمفهومه على أن كل عمل عليه أمره فهو مقبول. والمراد بأمره هنا دينه وشرعه، فمن كان عمله خاضعاً لأحكام الشريعة، موافقاً لها؛ فهو مقبول ومن كان خارجاً عن ذلك فهو مردود.

قال ابن القيم رحمه الله: «لا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله، ولا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله، ولا دين إلا ما شرعه الله؛ فالأصل في العبادات البطلان حتى يقوم دليل على الأمر

».

وأما قول من يقول بجواز استثمار أموال الزكاة من سهم الفقراء والمساكين فهو مردود بأدلة المانعين، والمناقشة التي أوردت على أدلة المجيزين شاملة له.

والقول بجواز الاستثمار من سهم «في سبيل الله» لا يصح؛ إذ يجب قصره على الجهاد، وعلى إنشاء أمور تخدم الدعوة وتصب في مجال الجهاد بأنواعه كما ورد في قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة.

والقول بجواز إنشاء مشاريع ليست ذات ريع تلبي حاجات الفقراء لا يجوز لعدم توفر الفورية التي وردت بها النصوص، ولعدم تحقق ملك المستحقين.

ص: 167

‌خاتمة الباب الثالث

بعد هذا العرض توصل الباحث إلى نتائج، أهمها ما يلي:

-الراجح الذي تعضده النصوص الشرعية من الكتاب والسنة هو الرأي القائل بعدم جواز استثمار أموال الزكاة في مشاريع ذات ريع تعود على مستحقيها، أما الآراء المجيزة للاستثمار فليس مع أصحابها دليل قوي، وإنما معهم تعليلات وأقيسة ضعيفة، لا تقوم بها حجة على دعواهم.

- الزكاة من العبادات، والأصل فيها الحظر، وقد حدد الله سبحانه وتعالى مصارفها، وأمر بصرفها في وجوهها على الفور في قوله عز وجل:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} ، فلا يجوز تأخيرها عن وقتها بحجة استثمارها ليستفيد المستحقون من أرباحها. فإذا وصلت الزكاة إلى يد الإمام أو من ينوب عنه وجب صرفها لأهلها على الفور- قدر الإمكان- إلا لعذر شرعي.

- الناس يسقطون موتى من الجوع، والمؤكد أن المبادرة بإطفاء لوعة جوع الجياع، وكساء العراة أولى من استثمار أموال الزكاة.

- القيود والضوابط التي ذكرها بعض مجيزي الاستثمار تدل على عدم الجواز، كقيد «عدم وجود وجوه صرف عاجلة لأموال الزكاة مثل سد الحاجات الضرورية للمستحقين من طعام وكساء ومسكن» ؛ لأن هذه حاجات قائمة بصفة دائمة لكثير من المجتمعات الإسلامية في العالم.

- الزكاة كفيلة بسد حاجات الفقراء في المجتمعات الإسلامية إذا تم أداؤها وتطبيقها كما يجب دون الحاجة إلى استثمار، لأن المشكلة ليست في عدم كفاية إيرادات الزكاة للأصناف المستحقة لها، ولكن المشكلة في قلة عدد المزكين بالنسبة للقادرين عليها، وعدم التطبيق الدقيق لنظام الزكاة في كثير من أنحاء العالم

ص: 169

الإسلامي، فلو أن جميع دول العالم الإسلامي والمجتمعات الإسلامية في البلدان غير الإسلامية، قامت بالتطبيق الدقيق لنظام الزكاة في الإسلام، لسدت حاجات الفقراء والمساكين.

- يمكن إنشاء مشاريع استثمارية ذات ريع بأموال الزكاة، إذا اتفقت طائفة معلومة من المستحقين على أن يستثمر نصيبهم من الزكاة في مثل هذه المشاريع، سواء كان ذلك باقتراحهم ابتداء، أو بإشارة من جهة أخرى، فيوافقوا عليه، وعندئذ يكون ذلك المشروع ملكاً لتلك الطائفة، فتوكل من يقوم بمباشرة أعمال المشروع، ويمكن أن توكل جهة حكومية مثل مصلحة الزكاة لتتولى الإشراف عليه.

أسأل الله أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، والحمد لله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ص: 170

‌ثبت المراجع

1 -

أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة، تأليف: د. محمد سليمان الأشقر، د. محمد نعيم ياسين، د. محمد عثمان شبير، د. عمر سليمان الأشقر. الناشر: دار النفائس للنشر والتوزيع، الأردن الطبعة الأولى 1418 هـ، 1998 م.

2 -

أبحاث وأعمال الندوات الأولى والرابعة والسابعة لقضايا فقهية معاصرة. نظمتها الهيئة العالمية للزكاة بالكويت.

3 -

أبحاث وأعمال الندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة، المنعقدة في الكويت 8 - 9 جمادي الآخرة 1413 هـ الموافق 2 - 3/ 12/ 1992 م.

4 -

أبحاث وأعمال مؤتمر الزكاة الأول، بيت الزكاة في الكويت، مطابع القبس التجارية.

5 -

أبحاث وأعمال ندوة زكاة الأسهم والصناديق الاستثمارية، نشر الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل، التابعة لرابطة العالم الإسلامي، طبع عام 1430 هـ-2019 م.

6 -

الإجماع، لمحمد بن إدريس ابن المنذر، مؤسسة الكتب الثقافية، الطبعة الأولى، عام 1414 هـ، 1993 م.

7 -

أحكام وفتاوى الزكاة، بيت الزكاة الكويتي، إصدار عام 1419 هـ، 1999 م.

8 -

إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى، المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، سنة 1399 هـ، 1979 م. ومنار السبيل، للشيخ إبراهيم بن محمد بن سالم ابن ضويان.

9 -

استثمار أموال الزكاة رؤية فقهية معاصرة، للدكتور محمد عثمان شبير، مطبوع ضمن كتاب (أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة).

ص: 171

10 -

الاستذكار، لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر، دار قتيبة، دمشق - بيروت، دار الوعي، حلب - القاهرة، توزيع مؤسسة الرسالة.

11 -

الأسهم والسندات من منظور إسلامي، للدكتور عبد العزيز عزت الخياط، نشر دار السلام، مطابع وزارة الأوقاف، عمان.

12 -

الاقتصاد الإسلامي، للدكتور على السالوس، دار الثقافة الدوحة مؤسسة الريان للطباعة، بيروت 1416 هـ.

13 -

الإقناع للحجاوي، مع كشاف القناع.

14 -

الأم، للإمام الشافعي، تحقيق الدكتور أحمد حسون، دار قتيبة للطبع والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، سنة 1416 هـ 1996 م.

15 -

الأموال لأبي عبيد، تحقيق محمد هراس 1401 - 1981 مكتبة الكليات الأزهرية - دار الفكر- القاهرة -.

16 -

الأموال، لحميد بن زنجويه، تحقيق الدكتور ديب شاكر فياض، طبع ونشر مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الطبعة الأولى، سنة 1406 هـ 1986 م.

17 -

الانتصار في المسائل الكبار، لأبي الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني، تحقيق الدكتور عبدالعزيز بن سليمان البعيمي، نشر مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى، سنة، 1413 هـ 1993 م.

18 -

الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، لعلاء الدين أبي الحسن على بن سليمان المرداوي، الطبعة الأولى، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، سنة 1386 هـ.

19 -

الإنصاف، لعلا الدين أبي الحسن على بن سليمان المرداوي، الطبعة الأولى، مطبعة السنة المحمدية، مصر سنة 1374 هـ.

ص: 172

20 -

البحر الرائق شرح كنز الدقائق، لزين الدين إبراهيم بن محمد بن نجيم، الطبعة الأولى، المطبعة العلمية، مصر، سنة 1310 هـ.

21 -

البحر المحيط، لبدر الدين محمد بن بهادر الزركشي، بدون ذكر الناشر والمطبعة ومتنها.

22 -

بحوث في الاقتصاد الإسلامي، للشيخ عبد الله بن سليمان المنيع، المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، عمان، الطبعة الأولى، عام 1416 هـ-1996 م.

23 -

بحوث وفتاوى في بعض مسائل الزكاة، للشيخ عبد الله بن سليمان المنيع، دار عالم الكتب للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، عام 1434 هـ-2013 م.

24 -

بداية المجتهد ونهاية المقتصد، لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد الحفيد، دار المعرفة، بيروت، الطبعة التاسعة، سنة 1409 هـ.

25 -

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع لعلا الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. الطبعة الثانية 1406 هـ، 1986 م.

26 -

البدر المنير، لسراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري، تحقيق مصطفى أبو الغيط، وآخرون، نشر دار الهجرة- الرياض- ط الأولى، سنة 1425 هـ.

27 -

البرهان في أصول الفقه، لإمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني (419/ 478 هـ). تحقيق: د. عبد العظيم الديب، طبع على نفقة أمير دولة قطر الطبعة الأولى 1399 هـ.

28 -

بلغة السالك إلى أقرب المسالك، للشيخ أحمد بن محمد الصاوي، طبع ونشر شركة مكتبة مصطفى الحلبي، مصر، الطبعة الأخيرة، سنة 1372 هـ-1952 م.

ص: 173

29 -

بلوغ المرام، للحافظ أحمد بن حجر العسقلاني. نشر دار الريان القاهرة، ودار الكتاب العربي بيروت، الطبعة الرابعة، سنة 1407 هـ.

30 -

بيان المختصر، شرح مختصر ابن الحاجب، لشمس الدين أبو الثناء محمود بن عبد الرحمن الأصفهاني، تحقيق محمد مظهر بقا، نشر مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، كلية الشريعة، جامعة أم القرى، الطبعة الأولى، سنة 1406 هـ-1986 م، دار المدني، جدة.

31 -

تاج العروس، للسيد محمد مرتضى الزبيدي، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، 1414 هـ 1994 م.

32 -

التاج والإكليل، بحاشية مواهب الجليل، لمحمد بن يوسف العبدري المواق.

33 -

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، لفخر الدين عثمان بن علي الزيلعي، الناشر دار الكتاب الإسلامي، الطبعة الأولى، المطبعة الأميرية، بمصر، سنة 1313 هـ.

34 -

تفسير مجاهد بن جبر التابعي المكي المخزومي/ طبع بمطابع قطر الوطنية والدوحة الحديثة.

35 -

تقريب التهذيب، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق/ مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، الطبعة الأولى، 1413 هـ، 1993 م.

36 -

التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، لأبي الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني، عني بتصحيحه والتعليق عليه السيد عبد الله هاشم اليماني المدني، المدينة المنورة، سنة 1384 هـ، 1964 م.

ص: 174

37 -

التمهيد، لأبي عمر يوسف بن عبد البر، تحقيق محمد بو خبزة وسعيد عراب.

تهذيب اللغة، لأبي الفضل محمد بن أحمد الأزهري، تحقيق الدكتور رشيد العبيد، القاهرة، مكتبة الخانجي 1396 هـ.

38 -

التوجيه التشريعي في الإسلام، من بحوث مؤتمرات مجمع البحوث الإسلامية، إنتاج المتحدون العرب للتجارة، مطابع الدجوي، القاهرة، سنة 1392 هـ 1972 م.

39 -

توظيف الزكاة في مشاريع ذات ريع بلا تمليك فردي للمستحقين، بحث للشيخ آدم شيخ عبد الله علي، نشر في مجلة مجمع الفقهي الإسلامي بجدة، التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، العدد الرابع، سنة 1408 هـ، 1988 م.

40 -

تيسير التحرير، لمحمد أمين، المعروف بأمير بادشاه الحنفي، مطبعة الحلبي، القاهرة، سنة 1350 هـ.

41 -

الثقات، لأبن حبان، تحقيق السيد شرف الدين أحمد، دار الفكر للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، سنة 1395 هـ.

42 -

جامع العلوم والحكم، لزين الدين أبي الفرج، عبد الرحمن بن شهاب الدين بن أحمد بن رجب الحنبلي، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض.

43 -

جواهر الإكليل شرح مختصر خليل، للشيخ صالح عبد السميع الآبي الأزهري، الناشر: دار الفكر، بيروت، لبنان.

44 -

حاشية ابن قائد على منتهى الإرادات، للشيخ عثمان بن أحمد بن قائد النجدي، تحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، بيروت، سنة 1419 هـ-1999 م.

45 -

حاشية البناني على شرح الزرقاني.

ص: 175

46 -

حاشية الجمل على شرح منهج الطلاب، للشيخ سليمان الجمل، المطبعة الميمنية، القاهرة سنة 1305 هـ.

47 -

حاشية الدسوقي، لمحمد بن عرفة الدسوقي، مصور من طبعة مطبعة التقدم العلمية، مصر، سنة 1331 هـ.

48 -

حاشية الشبراملسي، على نهاية المحتاج، لأبي الضياء نور الدين على الشبراملسي، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، الطبعة الأخيرة، سنة 1386 هـ.

49 -

حاشية الصاوي على الشرح الصغير، لأحمد بن محمد الصاوي، نشر وزارة العدل والشؤون الإسلامية بالإمارات العربية المتحدة، المطبعة العصرية، سنة 1410 هـ.

50 -

حاشية قليوبي، لشهاب الدين أحمد بن سلامة القليوبي، على منهاج لطالبين، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

51 -

حاشية منتهى الإدارات، لعثمان بن قايد النجدي، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، طبع ونشر مؤسسة الرسالة، بيروت سنة 1419 هـ.

52 -

حاشيتا القليوبي وعميرة على شرح جلال الدين المحلي، على منهاج الطالبين للنووي، الطبعة الرابعة، مطبعة أحمد بن سعيد بن نبهان، سنة 1394 هـ-1974 م.

53 -

الحاوي الكبير، لأبي الحسن علي بن محمد الماوردي، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت. سنة 1414 هـ.

54 -

حكم إخراج زكاة الأراضي، للدكتور صالح بن محمد الفوزان، بحث منشور في مجلة الجمعية الفقهية السعودية العدد 19.

55 -

حلية العلماء، لأبي بكر القفال، مكتبة الرسالة الحديثة، عمان، الطبعة الأولى، سنة 1988 م.

ص: 176

56 -

الخرشي على مختصر خليل، لأبي عبد الله محمد الخرشى، الطبعة الثانية، المطبعة الأميرية، سنة 1317 هـ.

57 -

الدر المختار شرح تنوير الأبصار، لمحمد بن علي بن محمد الحصكفي، بهامش رد المحتار.

58 -

درر الحكام شرح مجلة الأحكام العدلية، لعلي حيدر، تعريب المحامي علي فهمي الحسيني، منشورات مكتبة النهضة، بيروت- بغداد.

59 -

دروس في القانون التجاري، للدكتور أكثم أمين الخولي، مطبعة النهضة الجديدة، القاهرة، 1969 م.

60 -

الذخيرة، لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، تحقيق الدكتور محمد أبو خزة، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، عام 1994 خـ.

61 -

رد المحتار على الدر المختار على متن تنوير الأبصار، لأبن عابدين، المشهور بحاشية ابن عابدين، دار إحياء التراث العربي، بيروت لبنان.

62 -

الروض المربع مع حاشية العاصمي، الروض لمنصور بن يونس البهوتي، والحاشية لعبد الرحمن بن قاسم العاصمي النجدي، الطبعة الثالثة، سنة 1405 هـ.

63 -

روضة الطالبين، لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي، المكتب الإسلامي، بيروت، عام 1395 - 1975 م.

64 -

زكاة الأسهم دراسة فقهية، للدكتور محمد بن عبد الله السواط، بحث مطبوع بالحاسب الآلي.

65 -

زكاة الأسهم والسندات والورق النقدي، للشيخ صالح السدلان، دار المسلم، الرياض، الطبعة الثانية 1415 هـ.

66 -

الزكاة في العقار، للدكتور صالح بن عبد الله اللاحم، المكتبة الشاملة.

ص: 177

67 -

الزكاة لأبي زهرة، كتاب التوجيه التشريعي في الإسلام، نشر مجمع البحوث بالأزهر، مطبعة الرجوي، القاهرة.

68 -

سبل السلام في شرح بلوغ المرام، للصنعاني. نشر دار الريان القاهرة، ودار الكتاب العربي بيروت، الطبعة الرابعة، سنة 1407 هـ.

69 -

سنن ابن ماجة، لأبي عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الحديث، مطبعة دار إحياء الكتب العربية، مصر.

70 -

سنن أبي داود، لأبي داود سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني، تحقيق محمد محيي الدين، الطبعة الثانية، مطبعة السعادة، بمصر، سنة 1369 هـ، 1950 م.

71 -

سنن الدار قطني، لعلي بين عمر الدارقطني، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، سنة 1414 هـ 1994 م.

72 -

السنن الكبرى، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، الطبعة الأولى، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، بحيدر آباد الهند، سنة 1352 هـ.

73 -

السنن الكبرى، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، الطبعة الأولى، القاهرة، سنة 1432 هـ، 2011 م.

74 -

السنن الكبرى، للبيهقي، دار الفكر، بيروت.

75 -

الشرح الصغير على أقرب المسالك، للشيخ أحمد بن محمد الدردير، طبع ونشر دولة الإمارة العربية المتحدة، وزارة العدل، سنة 1410 هـ، 1989 م.

76 -

شرح العضد على مختصر ابن الحاجب، لعضد الملة والدين عبد الرحمن الإيجي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، المطبعة الأميرية، سنة 1403 هـ-1983 م.

ص: 178

77 -

الشرح الكبير للدردير، مع حاشية الدسوقي، المكتبة التجارية الكبرى، توزيع دار الفكر، بيروت، لبنان.

78 -

الشرح الكبير، بهامش حاشية الدسوقي، للشيخ أحمد بن محمد بن أحمد الدردير، مصور عن طبعة مطبعة التقدم العلمية، مصر، سنة 1331 هـ.

79 -

شرح الكوكب المنير، المسمى بمختصر التحرير، لمحمد بن أحمد الفتوحي الحنبلي المعروف بابن النجار، تحقيق الدكتور محمد الزحيلي، والدكتور نزيه حماد، نشر مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، بجامعة أم القرى، الطبعة الأولى، سنة 1408 هـ-1987 م.

80 -

شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول في الأصول، لشهاب الدين أبو العباس، أحمد بن إدريس القرافي، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، طبع ونشر مكتبة الكليات الأزهرية القاهرة، سنة 1358 هـ، 1940 م.

81 -

شرح جلال الدين المحلي على منهاج الطالبين، لجلال الدين محمد بن أحمد المحلي، (مطبوع مع حاشيتي قليوبي وعميرة)، دار الفكر.

82 -

شرح حدود ابن عرفة، الموسوم الهداية الكافية الشافية لبيان حقائق الإمام ابن عرفة الوافية، لأبي عبد الله محمد الأنصاري الرصاع، تحقيق: محمد أبو الأجفان والطاهر المعموري، دار الغرب الإسلامي، بيروت لبنان، الطبعة الأولى 1993 م.

83 -

شرح مختصر الروضة، تأليف: نجم الدين أبي الربيع، سليمان بن عبدالقوي بن عبدالكريم بن سعيد الطوفي، تحقيق: د. عبدالله بن عبدالمحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، سنة 1407 هـ، 1987 م.

84 -

شرح منتهى الإرادات، للشيخ منصور بن يونس البهوتي، الناشر: المكتبة السلفية بالمدينة المنورة.

ص: 179

85 -

شركات العقد في الشرع الإسلامي، للدكتور صالح بن زابن المرزوقي البقمي، مطبوع على الآلة الكاتبة.

86 -

الشركات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، للدكتور عبد العزيز عزت الخياط، مطبعة جمعية عمال المطابع التعاونية، الطبعة الأولى سنة 1390 هـ 1971 م.

87 -

الشركات في الفقه الإسلامي، للشيخ على الخفيف، مطابع دار النشر للجامعات المصرية، القاهرة سنة 1962 م.

88 -

الشركات، للدكتور محمد كامل ملش، مطبعة قاصد خير، الفجالة، القاهرة سنة 1980 م.

89 -

شركة المساهمة في النظام السعودي دراسة مقابلة بالفقه الإسلامي، للدكتور صالح بن زابن المرزوقي البقمي، الطبعة الأولى لمطابع العبيكان، الرياض 1440 هـ - 2008 م.

90 -

شركة المساهمة في النظام السعودي دراسة مقارنة بالفقه الإسلامي، للدكتور صالح بن زابن المرزوقي البقمي، مطابع الصفا بمكة المكرمة، عام 1406 هـ.

91 -

الصحاح، تاج اللغة وصحاح العربية، تأليف إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، الطبعة الثانية 1402 هـ، 1982 م.

92 -

صحيح البخاري بشرحه فتح الباري، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وشرح لابن حجر العسقلاني، طبع ونشر المكتبة السلفية ومكتباتها، مصر.

93 -

صحيح مسلم للإمام مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري، بشرح النووي، للإمام يحيى بن شرف النووي، تحقيق: عبد الله أحمد أبو زينة، الناشر: دار الشعب.

ص: 180

94 -

العدة في أصول الفقه، للقاضي أبي يعلى، تحقيق: د. أحمد بن علي سير المباركي، الطبعة الثانية 1410 هـ، 1990 م.

95 -

علل الحديث، لأبي حاتم الرازي، تحقيق محب الدين الخطيب، دار المعرفة، بيروت، 1405 هـ.

96 -

عون المعبود شرح سنن أبي داود، لأبي الطيب محمد شمس الحق، مع شرح ابن قيم الجوزية، الطبعة الثانية.

97 -

فتاوى الزكاة، لأبي الأعلى المودودي، نشر المركز العالمي للاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز، الطبعة الأولى، سنة 1405 هـ 1985 م.

98 -

فتاوى الشاطبي، لأبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي، تحقيق محمد أبو الأجفان، الطبعة الثانية، سنة 106 هـ-1985 م، مطبعة الكواكب، تونس.

99 -

الفتاوى الشرعية لبنك فيصل الإسلامي السوداني، فتوى رقم (13) ضمن الفتاوى الاقتصادية المسجلة على قرص مدمج رقم (1143).

100 -

فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع وترتيب/ الشيخ أحمد بن عبد الرزاق الدويش، النشر: دار العاصمة، الرياض.

101 -

الفتاوى الهندية، للشيخ نظام وجماعة من علماء الهند، الطبعة الثانية، المطبعة الأميرية، مصر، سنة 1300 هـ-1973 م.

102 -

فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، جمع وترتيب، عبد الرحمن بن قاسم العاصمي النجدي، الطبعة الأولى، مطابع الرياض، من سنة 1381 هـ إلى 1389 هـ.

103 -

فتاوى مصطفى الزرقا، الطبعة الأولى، دمشق، دار القلم، عام 1420 هـ.

104 -

فتاوى وتوصيات ندوات قضايا الزكاة المعاصرة، تنظيم الهيئة الشرعية العالمية للزكاة، بيت الزكاة، الكويت.

ص: 181

105 -

فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ، جمع وترتيب وتحقيق محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، الطبعة الأولى، سنة 1399 هـ.

106 -

فتح العزيز شرح الوجيز، بحاشية المجموع، لأبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي، مطبعة التضامن الأخوي، مصر.

107 -

فتح القدير، للإمام كمال الدين محمد بن عبد الواحد المعروف بابن الهمام الحنفي، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده. الطبعة الأولى 1389 هـ، 1970 م.

108 -

فتوى جامعة في زكاة العقار، للدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد، دار العاصمة للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى، سنة 1421 هـ - 2000 م.

109 -

الفروع، لشمس الدين أبي عبد الله بن مفلح المقدسي، الطبعة الثانية، دار مصر للطباعة، مصر، سنة 1380 هـ، -1961 م.

110 -

الفروع، لشمس الدين المقدسي أبي عبد الله محمد بن مفلح، الطبعة الثالثة، عالم الكتب، بيروت، سنة 1388 هـ.

111 -

الفقه الإسلامي وأدلته، للدكتور وهبة مصطفى الزحيلي، الطبعة الثانية، طبع ونشر دار الفكر، دمشق، سنة 1405 هـ 1985 م.

112 -

الفقه على المذاهب الأربعة، لعبد الرحمن الجزري، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت.

113 -

فواتح الرحموت لعبد العلي محمد بن نظام الدين الأنصاري، بشرح مسلم الثبوت في أصول الفقه للشيخ محب الله بن عبد الشكور، المطبعة الاميرية ببولاق، الطبعة الأولى سنة 1322 هـ. (مطبوع مع المستصفى).

ص: 182

114 -

الفواكه الدواني، لأحمد بن غنيم النفراوي، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت.

115 -

القاموس الفقهي، تأليف سعدي أبو جيب، دار الفكر، دمشق، الطبعة الثانية، سنة 1408 هـ-1988 م.

116 -

القاموس المحيط، للشيخ مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، طبعة 1403 هـ 1983 م.

117 -

القانون التجاري السعودي، للدكتور حمزة علي المدني، دار المدني للطباعة والنشر، جدة، الطبعة الأولى، سنة 1406 هـ 1986 م.

118 -

القانون التجاري اللبناني، للدكتور مصطفى كمال طه، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، سنة 1975 م.

119 -

قرارات المجمع الفقهي الإسلامي، التابع لرابطة العالم الإسلامي، مطابع رابطة العالم الإسلامي.

120 -

قرارات المجمع الفقهي بالهند في الندوة الثالثة عشرة المنعقدة في 13 - 16/ إبريل/ 2001 م، الموافق 19 - 22/ محرم/ 1442 هـ، أحمد آباد، مليح آباد لكناؤ الهند.

121 -

قرارات مجمع الفقه الإسلامي بجدة، التابع لمنظمة التعاون الإسلامي، طبع الأمانة العامة للأوقاف، الطبعة الأولى.

122 -

القواعد الفقهية الكبرى، للدكتور صالح بن غانم السدلان، دار بلنسية للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى 1417 هـ.

123 -

القوانين الفقهية، لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن جزي، نشر دار الكتاب العربي، بيروت، ط الثانية، سنة 1409 هـ-1989 م.

ص: 183

124 -

كتاب الأموال، للإمام أبي عبيد القاسم بن سلام، تحقيق: محمد خليل الهراس، الناشر: مكتبة الكليات الأزهرية، ودار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الثالثة 1401 هـ، 1981 م.

125 -

كشاف القناع عن متن الإقناع، للشيخ منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، الناشر: مكتبة النصر الحديثة، الرياض.

126 -

الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، لأبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري، ترتيب محمد عبد السلام شاهين، مكتبة دار الباز، مكة المكرمة، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1415 هـ.

127 -

كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي، لعلاء الدين، عبد العزيز بن أحمد البخاري، طبعة جديدة بالأوفست، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة.

128 -

لسان العرب، لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور، دار صادر، بيروت.

129 -

المبدع في شرح المقنع، لأبي إسحاق برهان الدين إبراهيم بن محمد ابن عبد الله بن محمد بن مفلح. طبع المكتب الإسلامي، بيروت، سنة 1399 هـ.

130 -

المبسوط، لشمس الدين أبي بكر محمد بن أبي سهل السرخسي، الطبعة الأولى، مطبعة السعادة، مصر، سنة 1324 هـ.

131 -

متن الخرقي، لأبي القاسم عمر بن الحسين الخرقي، مع المغني.

132 -

متن المناهج، للنووي، طبع ونشر البابي الحلبي وأولاده، مصر، سنة 1377 هـ.

ص: 184

133 -

مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، العدد الرابع، أداء الزكاة وحسابها الاقتصادي وتطبيقاتها بالمملكة العربية السعودية، بحث للدكتور عبد الوهاب بن إبراهيم أبو سليمان.

134 -

مجلة الجمعية الفقهية السعودية، عدد 19.

135 -

مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي، الأعداد الرابع، والثالث عشر، سنة 1408 هـ-1988 م.

136 -

مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، العدد الرابع، سنة 1408 هـ، 1998 م.

137 -

مجمع الزوائد، للهيثمي، طبعة القاهرة، سنة 1352 هـ.

138 -

المجموع شرح المهذب، للإمام محي الدين يحيى بن شرف النووي، الناشر: زكريا علي يوسف، مطبعة الإمام بمصر.

139 -

مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، للشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، جمع وترتيب الدكتور محمد بن سعد الشويعر، نشر رئاسة البحوث العلمية والإفتاء؛ بالمملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، سنة 1420 هـ 1999 م.

140 -

المجموع، للنووي، وتكملة المجموع، (الأولى) لعلي بن عبدالكافي السبكي، والتكملة (الثانية)، لمحمد بخيت المطيعي، مطبعة الإمام.

141 -

محاضرات الدكتور محسن شفيق، ألقاها على طلاب كلية الاقتصاد بجامعة الملك عبد العزيز بجدة.

142 -

المحرر في الفقه، على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، تأليف الشيخ الإمام مجد الدين أبي البركات، 1369 - 1950 م.

143 -

المحرر، لمجد الدين بن تيمية، مطبعة السنة المحمدية، سنة 1369 هـ 1950 م.

ص: 185

144 -

المحصول في علم أصول الفقه، لفخر الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازي، تحقيق الدكتور جابر فياض العلواني، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية، سنة 1412 هـ-1992 م.

145 -

المحكم والمحيط الأعظم، لابن سيده، تحقيق محمد النجار، معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية، الطبعة الأولى، سنة 1393 هـ 1973 م.

146 -

المحلى، لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد ابن حزم الظاهري الأندلسي، دار الاتحاد العربي، مصر، سنة 1389 هـ.

147 -

مختار الصحاح، لمحمد بن أبي بكر الرازي، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة سنة 1976 م.

148 -

المختار من كنوز السنة النبوية، للدكتور محمد عبد الله دراز، مطابع قطر الوطنية.

149 -

مختصر الخرقي بشرح الزركشي، لأبي القاسم عمر بن الحسين الخرقي، تحقيق الشيخ عبد الله الجبرين، مكتبة العبيكان، الرياض، الطبعة الأولى 1413 هـ.

150 -

المدخل إلى نظرية الالتزام العامة، للشيخ مصطفى أحمد الزرقا، مطبعة طربين، الطبعة السادسة، دمشق، سنة 1384 هـ 1995 م.

151 -

المدونة الكبرى، للإمام مالك بن أنس، رواية سحنون التنوفي، الطبعة الأولى، مطبعة السعادة، مصر.

152 -

المستصفى من علم الأصول، لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي، وبذيله فواتح الرحموت لعبدالعلي محمد بن نظام الدين الأنصاري، بشرح مسلم الثبوت في أصول الفقه، للشيخ محب الله بن عبد الشكور، المطبعة الأميرية ببولاق، الطبعة الأولى سنة 1322 هـ.

ص: 186

153 -

مسلم الثبوت في أصول الفقه مع شرحه فواتح الرحموت، للشيخ محب الله بن عبد الشكور، المطبعة الأميرية ببولاق، الطبعة الأولى سنة 1322 هـ، (مطبوع مع المستصفى).

154 -

المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، للرافعي، تأليف: أحمد بن محمد علي المقري الفيومي، صححه مصطفى السقا، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر.

155 -

المصنف لعبد الرازق الصنعاني، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، منشورات المجلس العلمي.

156 -

المعاملات الحديثة وأحكامها، للشيخ عبد الرحمن عيسى.

157 -

المعايير الشرعية، إعداد هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، عام 2007 م، دار الميمان للنشر والتوزيع، الرياض.

158 -

المعجم الكبير، للطبراني، طبع ونشر دار الفكر، بيروت، سنة 1412 هـ.

159 -

المعجم الوسيط، تأليف مجمع اللغة العربية بالقاهرة، مطابع الأوفست بشركة الإعلانات الشرقية، سنة 1405 هـ 1985 م.

160 -

معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، تحقيق عبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت.

161 -

مغني المحتاج إلى معرفة معاني المنهاج، لمحمد الشربيني الخطيب، والمتن للنووي، طبع ونشر الحلبي، سنة 1377 هـ-1958 م.

162 -

المغني، لموفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد ابن قدامة، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، والدكتور عبد الفتاح محمد الحلو، ط الأولى، سنة 1408 هـ-1987 م، طبع ونشر هجر، القاهرة.

ص: 187

163 -

المفردات في غريب القرآن، لأبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني، تحقيق وضبط محمد سيد كيلاني، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

164 -

المنتقى شرح الموطأ، للإمام أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي، مطبعة السعادة ودار الكتاب الإسلامي، القاهرة، الطبعة الأولى 1332 هـ.

165 -

منتهى الإيرادات، لتقي الدين الفتوحي الشهير بابن النجار، تحقيق الدكتور عبد الغني عبد الخالق، نشر وطبع عالم الكتب، الطبعة الثانية، 1416 هـ.

166 -

المهذب، لأبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي، مع المجموع.

167 -

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، لأبي عبد الله محمد بن محمد المعروف بالحطاب، دار الفكر، الطبعة الثالثة، 1412 هـ، 1992 م.

168 -

الموسوعة الفقهية، إصدار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت، مكتبة آلاء، طباعة ذات السلاسل، سنة 1412 هـ-1992 م.

169 -

موقع الشيخ عبد العزيز بن باز على الشبكة العنكبوتية.

170 -

نصب الراية لأحاديث الهداية، لجمال الدين أبي محمد عبد الله بن يوسف الزيلعي الحنفي، مطبعة دار الحديث، القاهرة سنة 1357 هـ - 1983 م.

171 -

نظام الشركات السعودي، الصادر عام 1437 هـ.

172 -

نهاية المحتاج: لأبي العباس أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملي الشهير بالشافعي الصغير، الطبعة الأخيرة، مطبعة البابي الحلبي وأولاده بمصر، مصور من طبعة عام 1286 هـ-1967 م.

173 -

النهاية في غريب الحديث والأثر لأبي السعادات المبارك بن محمد الجزري بن الأثير، تحقيق طاهر الزاري ومحمود الطناحي، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت.

ص: 188

174 -

نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار، لمحمد بن علي بن محمد الشوكاني، دار الجيل، بيروت، لبنان، ودار الحديث، القاهرة.

175 -

الهداية شرح بداية المبتدي، للمرغيناني، مع فتح القدير، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، الطبعة الأولى 1389 هـ 1970 م.

176 -

الهداية، لأبي الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني، الطبعة الأولى، مطابع القصيم، الرياض، سنة 1390 هـ.

177 -

الوجيز في النظام التجاري السعودي، للدكتور سعيد يحي، الطبعة الثانية، مطبعة المكتب المصري الحديث للطباعة والنشر، القاهرة، سنة 1396 هـ 1976 م.

ص: 189

‌المؤلف في سطور

هو: أبو عمر صالح بن زابن المرزوقي البقمي

حصل على البكالوريوس من كلية الشريعة بمكة المكرمة في العام الدراسي 1390، كما حصل على الماجستير من نفس الكلية عام 1395 هـ، وحصل على الدكتوراه من كلية الشريعة بجامعة أم القرى عام 1403 هـ وحصل على درجة أستاذ مشارك، ثم درجة أستاذ.

‌الخبرات العلمية:

• رئيس قسم الاقتصاد الإسلامي بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية.

• رئيس قسم الدراسات العليا الشرعية.

• درّس الفقه، والقواعد الفقهية، والشركات، في كلية الشريعة بمكة المكرمة، والدراسات العليا الشرعية.

• درّس فقه النوازل والشركات في المسجد الحرام.

• ناقش عدداً كثيراً من رسائل الماجستير والدكتوراه.

• شارك في أكثر من خمسين مؤتمراً وندوة، داخل المملكة العربية السعودية وخارجها.

‌عضوية المجالس واللجان العلمية:

شارك في عدد كثير من المجالس واللجان منها:

1 -

عضو المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي.

2 -

عضو مجلس الشورى لدورتين منذ عام 1426 هـ إلى عام 1433 هـ.

3 -

الأمين العام للمجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي منذ 20/ 12/ 1419 هـ حتى 1/ محرم عام 1444 هـ.

ص: 191

4 -

رئيس تحرير مجلة (المجمع الفقهي الإسلامي) بالرابطة.

5 -

عضو مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا.

6 -

رئيس اللجنة الشرعية لهيئة الإغاثة الإسلامية.

7 -

رئيس لجنة الفتوى برابطة العالم الإسلامي.

8 -

عضو لجنة الموسوعة الفقهية الاقتصادية بمجمع الفقه الإسلامي الدولي.

9 -

عضو لجنة التصنيف والرقابة للبنوك الإسلامية.

10 -

عضو الهيئة العالمية للاقتصاد الإسلامي.

‌مؤلفاته:

له مؤلفات كثيرة، منها:

1 -

شركات العقد في الشرع الإسلامي، وهي رسالة الماجستير، تحت الطبع.

2 -

شركة المساهمة في النظام السعودي دراسة مقابلة بالفقه الإسلامي. وهي رسالة الدكتوراه وقد طبعتها جامعة أم القرى عام 1406، ثم طبعتها شركة العبيكان عام 1440 هـ-2019 م، وقد أجرى المؤلف عليها تعديلات كثيرة، وذلك بعد صدور نظام الشركات السعودي عام 1437 هـ.

3 -

حكم الاشتراك في شركات تودع أو تقترض بفوائد، نشر في العدد (21) من مجلة البحوث الفقهية المعاصرة.

4 -

حكم الإسهام في شركات القطاع العام التي يدخل الربا في نشاطها، نشر في العدد الأول من المجلد العاشر، من مجلة دراسات اقتصادية إسلامية، إصدار معهد البحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية.

5 -

حكم الاكتتاب أو المتاجرة في أسهم الشركات المختلطة، نشرته مكتبة العبيكان 1429 هـ.

6 -

تجارة الذهب في أهم صورها وأحكامها، نشر في ج/ 1 من مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي العدد (9).

ص: 192

7 -

حُسن وفاء الديون وعلاقته بالربط بتغيّر المستوى العام للأسعار، نشر في الجزء (3) عدد (8) من مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي.

8 -

الاتجار في العملات عبر وسائل الاتصال الحديثة وأشهر صور المضاربة المطبقة في الأسواق العالمية، نشر في العدد (39) من مجلة مجمع الفقه الإسلامي بالرابطة.

9 -

موقف الشريعة الإسلامية من ربط القروض والديون بمستوى الأسعار، سبق نشره في العدد (32) من مجلة البحوث الفقهية المعاصرة.

10 -

ربط الديون والالتزامات الآجلة بالذهب أو بعملة معينة أو بسلة من العملات، نشر في العدد (43) من مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي.

11 -

حكم الأواني الذهبية والفضية وما مُوِّه بهما استعمالاً وبيعاً وشراءً واقتناءً، نشرته مكتبة الرشد.

12 -

حدود حرية الفكر في الشريعة الإسلامية، نشر في العدد (14) من مجلة المجمع الفقهي الإسلامي بالرابطة.

13 -

حكم بيع الحلي بجنسه، نشرته مكتبة الرشد.

14 -

المحرر في الإرهاب أسبابه وحلول عملية لمواجهته وجهود المملكة العربية السعودية في محاربته، تحت النشر.

15 -

من تجب عليه زكاة أسهم الشركات المساهمة، سبق نشره في العدد (68) من مجلة البحوث الفقهية المعاصرة.

16 -

تحرير القول في زكاة أسهم الشركات بالنظر إلى نوع نشاطها، سبق نشره في العدد (117) من مجلة البحوث الفقهية المعاصرة.

17 -

استثمار أموال الزكاة في مشاريع ذات ريع يعود على مستحقيها، سبق نشره في العدد (56) من مجلة البحوث الفقهية المعاصرة.

18 -

الشامل في زكاة الأسهم واستثمار أموال الزكاة، وهو هذا الكتاب، وهو شامل للأبحاث الثلاثة السابقة، بعد أن تم إجراء تعديلات كثيرة عليها.

ص: 193

19 -

ربط الديون والالتزامات الآجلة بالذهب أو الفضة أو بسلة من العملات أو بمستوى الأسعار وحكمه شرعاً. وأصله 9 و 10 من المؤلفات السابقة مع بعض التعديلات والإضافات.

20 -

شركات التمويل الإسلامية العاملة في أمريكا دراسة وتقويم لنماذج منها. قدِّم هذا البحث على مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا.

ص: 194