المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (33)   الصواعق - الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم - المقدمة

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (33)

الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

تأليف

الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية

(691 هـ - 751 هـ)

تحقيق

حسين بن عكاشة بن رمضان

تخريج

حسين بن حسن باقر - كريم محمد عيد

وفق المنهج المعتمد من الشيخ العلامة

بكر بن عبد الله أبو زيد (رحمه الله تعالى)

دار عطاءات العلم - دار ابن حزم

ص: 1

راجع هذا الجزء

محمد أجمل الإصلاحي

سعود بن عبد العزيز العريفي

ص: 3

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين.

أمَّا بعد، فيعدّ الإمام شمس الدِّين ابن القيِّم (ت 751 هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ أحد المصنِّفين الذين عمَّ النفع بكتبهم شرقًا وغربًا عجمًا وعربًا، ومصنَّفاته من أعظم الكتب التي انتفع بها المسلمون في العقائد والفقه والسِّيرة النبوية والزُّهد والرَّقائق والأذكار وفي الحديث والعلل والأصول والفرق والمذاهب.

وكتاب «الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة» أحد أنفس الكتب في الرد على الجهمية والمعطلة، وهو كتابٌ جليل الشأن، محكم البنيان، هدم فيه الإمام ابن القيِّم حصونهم من أساسها، وحشد لنقض مذاهبهم أدلة المنقول والمعقول، فلم يُبق لهم حجةً يتعلقون بها لا منقولًا صحيحًا ولا معقولًا صريحًا.

وهو من أكبر الكتب في الردِّ على الجهمية والمعطلة ونُصرة العقيدة السلفية، مع استطرادات كثيرة جدًّا، شحنه ابن القيِّم بفوائد: عقدية وتفسيرية وفقهية وحديثية ولغوية وغيرها، وطالع له كتبًا كثيرةً جدًّا.

ومن دواعي الأسى أننا لم نعثر إلَّا على نحو نصف الكتاب فقط، ولم نجد بقيته بعدُ، نسأل الله أن ييسر الحصول عليها بمنِّه وكرمه.

وهذا الكتاب حقيق أن تكثر به الطبعات ليعم النفع به، فإنه من أحسن الكتب في بابه وأقواها حجة.

ص: 5

وقد قدمت بين يدي التحقيق تعريفًا بالكتاب قسمته على مباحث، هذا مسردها:

(1)

توثيق نسبة الكتاب إلى ابن القيِّم.

(2)

عنوان الكتاب.

(3)

حجم الكتاب.

(4)

عرض موجز لموضوعات الكتاب.

(5)

منهج الكتاب.

(6)

مصادر الكتاب.

(7)

مكانة الكتاب.

(8)

مختصرات الكتاب.

(9)

طبعات الكتاب السابقة.

(10)

مخطوطات الكتاب.

(11)

منهج التحقيق.

وأتقدم بالشكر لكل من أعان على إتمام هذه الطبعة، وأسأل الله أن ينفع بها عموم المسلمين، إنه جواد كريم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

ص: 6

(1)

‌ توثيق نسبة الكتاب إلى ابن القيِّم

كتاب «الصواعق» ثابت النسبة للإمام ابن القيِّم ـ رحمه الله تعالى ـ وقد تضافرت على ذلك الأدلة، وقد قسمتها إلى أدلة داخلية من الكتاب، وأدلة خارجية:

أمَّا الأدلة الداخلية فمنها:

الأول: ما في ثنايا الكتاب من إحالة الإمام ابن القيِّم على كتبه المشهورة:

فقد أحال على ثلاثة من كتبه المشهورة، هي:

1 -

«اجتماع الجيوش الإسلامية» في قوله (ص 846): «وقد ذكرنا في كتاب «اجتماع العساكر الإسلامية على غزو الفرقة الجهمية» أضعاف أضعاف هذه النقول عن الصحابة والتابعين وتابعيهم والأئمة الأربعة نصًّا صريحًا عنهم، نقل أصحابهم وغيرهم، وأئمة التفسير، وأئمة اللغة، وأئمة النحو، وأئمة الفقه، وسادات الصوفية، وشعراء الجاهلية والإسلام، ممَّا في بعضه كفاية لمن أراد الله هدايته». وفي قوله (ص 890):«وهذه النقول التي حكيناها قليلٌ من كثيرٍ، وقد ذكرنا أضعاف أضعافها في كتاب «اجتماع العساكر الإسلامية على غزو الفرقة الجهمية» . وهذه الأقوال في «اجتماع الجيوش الإسلامية» (ص 162 - 510).

2 -

«حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح» في قوله (ص 915): «وقد ذكرنا في كتاب «صفة الجنة» أربعين دليلًا على مسألة الرُّؤية من الكتاب والسُّنَّة». وهي في «حادي الأرواح» (2/ 605 - 714).

3 -

«مفتاح دار السعادة» في قوله (ص 1025 - 1026): «وعلى هذا

ص: 7

الأصل تنشأ مسألة التحسين والتقبيح، وقد ذكرناها مستوفاةً في كتاب «المفتاح» وذكرنا على صحتها فوق الخمسين دليلًا». وهي في «مفتاح دار السعادة» (2/ 875 - 891).

الثاني: ما في ثنايا الكتاب من نقل الإمام ابن القيِّم عن شيوخه المعروفين:

فقد ذكر ابن القيِّم في كتابه هذا اثنين من شيوخه المشهورين، هما:

1 -

شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية (ت 728 هـ).

ذكره في غير موضع وكان به حفيًّا.

2 -

الشيخ عبد الله بن عبد الحليم ابن تيمية (ت 727 هـ)

(1)

.

ذكر ابن القيم (ص 131) مناظرة وقال: «حدثني بمضمونها شيخُنا عبد الله ابن تيمية رحمه الله» .

الثالث: اختيارات ابن القيِّم المشهورة وإحالاته على أبحاثه عنها، منها:

1 -

مسألة دخول الكفّارة في الحلف بالطلاق وكون الثلاث في كلمةٍ واحدةٍ واحدةً، قال (ص 335):«فالذي يَجزِم به أن دخول الكفارة في الحلف بالطلاق وكون الثلاث في كلمةٍ واحدةٍ واحدةً أحد الوجهين في مذهب أحمد، وهو مخرَّج على أصوله أصحَّ تخريج، والغرض نقض قول مَن ادعى الإجماع في ذلك، ولتقرير هذه المسألة موضع آخر» . وينظر: «زاد المعاد» (5/ 344 - 383) و «إغاثة اللهفان» (1/ 499 - 569) و «بدائع الفوائد» (3/ 31 - 38). ولقد نصر الإمام ابن القيم هذه المسألة وأُوذي بسببها كما

(1)

ترجمته في: «المعجم المختص بالمحدثين» للذهبي (ص 121) و «أعيان العصر» للصفدي (2/ 692) و «ذيل طبقات الحنابلة» لابن رجب (4/ 477).

ص: 8

هو معلوم.

2 -

مسألة طلاق الحائض، لما ذكر حديث عبد الله بن عمر طلَّق امرأته وهي حائض، قال (ص 340):«والكلام على هذا الحديث وعلى الحديث الآخر: «أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ» وبيان عدم التعارض بينهما له موضعٌ آخَرُ». وقد تكلم الإمام ابن القيم رحمه الله على هذه المسألة بتوسُّع في «تهذيب السنن» (1/ 483 - 516) وختمها بقوله: «وقد أفردت لهذه المسألة مصنَّفًا مستقلًّا، ذَكَرتُ فيه مذاهب الناس ومآخذهم، وترجيح القول الراجح، والجواب عمَّا احتجَّ به أصحاب القول الآخر» .

3 -

مسألة نكاح المحلل، قال (ص 299):«وغير ذلك من الوجوه التي أَفهَمَتْ منها الآية بطلانَ نكاح المحلِّل، وهي عشرة، قد ذكرناها في موضع آخر» . وينظر عن نكاح المحلل «زاد المعاد» (5/ 154 - 157) و «إغاثة اللهفان» (1/ 473 - 495).

الرابع: أسلوب الإمام ابن القيِّم الذي لا يخطئه من يعرفه.

أسلوب يمتاز بعذوبة اللفظ، وسلاسة العبارة، وحُسن التقسيم، مع الإحاطة بأطراف المسائل وكثرة الاستشهاد بالكتاب والسُّنة وآثار السلف، فتأتي كتبه في غاية القوة مع الإنصاف وحُسن العبارة؛ قال الشوكاني في «البدر الطالع» (2/ 144 - 145): «وله من حُسن التَّصرف مع العذوبة الزَّائدة، وحُسن السِّياق ما لا يقدر عليه غالب المصنِّفين، بحيث تعشق الأفهام كلامه، وتميل إليه الأذهان، وتحبُّه القلوب، وليس له على غير الدَّليل معوَّل في الغالب

وغالب أبحاثه الإنصاف والميل مع الدَّليل حيث مال، وعدم التَّعويل على القيل والقال، وإذا استوعب الكلام في بحثٍ وطوَّل ذيوله أتى

ص: 9

بما لم يأت به غيره، وساق ما ينشرح له صدور الرَّاغبين في أخذ مذاهبهم عن الدَّليل».

وأمَّا الأدلة الخارجية فكثيرة، منها:

الأول: أن الإمام ابن القيِّم نفسه أحال عليه في عدة كتبٍ من كتبه المشهورة:

منها: قوله في «مدارج السالكين» (4/ 306): «وكذلك كان تأويل آيات الصفات وأحاديثها بما يخرجها عن حقائقها من جنس تأويل آيات المعاد وأخباره، بل أبعد منه لوجوهٍ كثيرةٍ، ذكرتها في كتاب «الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة» .

ومنها: قوله في «إغاثة اللهفان» (2/ 526): «وقد دل على هذا نسبة الله سبحانه ذلك الكيد إلى نفسه بقوله: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ اِلْمَلِكِ إِلَّا أَن يَشَاءَ اَللَّهُ} [يوسف: 76] وهو سبحانه ينسب إلى نفسه أحسن هذه المعاني، وما هو منها حكمة وحق وصواب، وجزاء للمسيء، وذلك غاية العدل والحق

كما قد بسطنا هذا المعنى واستوفينا عليه الكلام في كتاب «الصواعق» .

ومنها: قوله في «الكافية الشافية» (ص 517):

عشرون وجهًا تبطل التأويل باسـ

ـتولى ف لا تخرج عن القرآن

قد أفردت بمصنف هو عندنا

تصنيف حبر عالم رباني

ولقد ذكرنا أربعين طريقة

قد أبطلت هذا بحسن بيان

هي في «الصواعق» إن ترد تحقيقها

لا تختفي إ لا على العميان

ص: 10

الثاني: وجود «مختصر الصواعق» للإمام محمد الموصلي تلميذ مصنِّفه.

وهو مختصرٌ نافعٌ جدًّا، مشهور مطبوع عدة طبعات، وهو مختصر يحافظ على عبارة المصنِّف غالبًا، وسيأتي الكلام عليه.

وكذلك وجود «مختصر الصواعق» للشيخ محمد بن عبد الوهاب.

الثالث: نقل أهل العلم عن «الصواعق» .

للأسف لم أقف على نقول كثيرة من «الصواعق» ، وممَّن وقفت على نقله عنه: الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب في «فتح المجيد» (ص 56 - 57) وفي «كشف ما ألقاه إبليس من البهرج والتلبيس على قلب داود بن جرجيس» (ص 144 - 146، 149 - 152) والشيخ سليمان بن سحمان في «إقامة الحجة والدليل وإيضاح المحجة والسبيل» (ص 48 - 49).

الرابع: نسب «الصواعق» إلى الإمام ابن القيِّم جماعةٌ كثيرةٌ من أهل العلم.

منهم: شهاب الدِّين ابن رجب في «معجم شيوخه» -كما في «المنتقى من معجم شيوخ ابن رجب» (ص 101) - وابنه زين الدِّين ابن رجب في «ذيل طبقات الحنابلة» (5/ 175) وابن حجر في «الدُّرر الكامنة» (3/ 402) والعليمي في «الدُّر المنضد» (2/ 522) وفي «المنهج الأحمد» (5/ 94) والدَّاودي في «طبقات المفسرين» (2/ 96) وحاجي خليفة في «سلم الوصول» (3/ 62) وفي «كشف الظنون» (2/ 1083) وابن العماد في «شذرات الذهب» (8/ 290) والشَّوكاني في «البدر الطَّالع» (2/ 144) وابن

ص: 11

بدران في «منادمة الأطلال» (ص 241) وصدِّيق حسن خان في «التَّاج المكلَّل» (ص 411) وفي «أبجد العلوم» (3/ 140) وإسماعيل البغدادي في «هدية العارفين» (2/ 158 - 159) والشَّطي في «مختصر طبقات الحنابلة» (69) والآلوسي في «جلاء العينينِ» (ص 49 - 51) والزِّركلي في «الأعلام» (6/ 56) وكحالة في «معجم المؤلفين» (3/ 165) وغيرهم.

كل هذا يجعلنا لا نرتاب في صحة نسبة «الصواعق المرسلة» إلى الإمام ابن القيِّم.

* * * * *

ص: 12

(2)

‌ عنوان الكتاب

اختلف عنوان الكتاب في المخطوطات والمصادر اختلافًا يسيرًا، بيانه أن العنوان قد ذُكر على أوجه:

الأول: «الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة» .

كذا سمَّاه الإمام ابن القيِّم نفسه في «مدارج السالكين» (4/ 306).

وكذا سمَّاه محمد بن الموصلي في أول «مختصره» (1/ 3).

وكذا سمَّاه ابن حجر في «الدُّرر الكامنة» (3/ 403) وابن العماد في «شذرات الذهب» (8/ 290) وحاجي خليفة في «كشف الظنون» (2/ 1083) والشَّوكاني في «البدر الطَّالع» (2/ 144) وصدِّيق حسن خان في «التَّاج المكلَّل» (ص 411) والآلوسي في «جلاء العينينِ» (ص 49 - 51) والزِّركلي في «الأعلام» (6/ 56) وغيرهم.

ووقع في «هدية العارفين» (2/ 159): «الصَّواعق المرسلة على الجهميَّة المعطِّلة» . بغير واو.

الثاني: «الصَّواعق المرسلة على المعطِّلة» .

كذا سمَّاه شهاب الدِّين ابن رجب في «معجم شيوخه» ، كما في «المنتقى منه (ص 101).

الثالث: «الصَّواعق المنزلة على الجهمية والمعطِّلة» .

كذا سمَّاه زين الدِّين ابن رجب في «ذيل طبقات الحنابلة» (5/ 175): والعليمي في «الدُّر المنضد» (2/ 522) و «المنهج الأحمد» (5/ 94)

ص: 13

والدَّاودي في «طبقات المفسرين» (2/ 96) وابن بدران في «منادمة الأطلال» (ص 241) وصدِّيق حسن خان في «أبجد العلوم» (3/ 140) والشَّطي في «مختصر طبقات الحنابلة» (69) وكحالة في «معجم المؤلفين» (3/ 165).

الرابع: «الصَّواعق المرسلة على فرق المعتزلة والجهميَّة المعطِّلة» .

كذا جاء عنوان الكتاب في مخطوطة برلين، وكتب على حاشيته: ويقال: «الصواعق المرسلة على فرق البدع المتأولة» .

الخامس: «الصَّواعق المنزلة على الطائفة الجهمية والمعطِّلة» .

كذا جاء عنوان الكتاب في مخطوطة حلب، وكذا سمَّاه كحالة في «معجم المؤلفين» (3/ 165).

وقد رأيت أن العنوان الأول أوثق وأشهر وأكثر ورودًا في المصادر؛ فأثبته.

* * * * *

ص: 14

(3)

‌ حجم الكتاب

اختلفت المصادر في تحديد حجم الكتاب، وعدد مجلداته، على أوجهٍ:

الأول: أنه في مجلدات.

كذا قال كلٌّ من: شهاب الدِّين ابن رجب في «معجم شيوخه» ـ كما في «المنتقى منه» (ص 101) ـ وابنه زين الدِّين ابن رجب في «ذيل طبقات الحنابلة» (5/ 175)، والعليمي في «الدُّر المنضد» (2/ 522)، وفي «المنهج الأحمد» (5/ 94)، وصدِّيق حسن خان في «التَّاج المكلَّل» (ص 411) و «أبجد العلوم» (3/ 140)، والشَّطي في «مختصر طبقات الحنابلة» (69).

الثاني: أنه في مجلدين.

كذا قال ابن العماد في «شذرات الذهب» (8/ 290)، وابن بدران في «منادمة الأطلال» (ص 241).

الثالث: أنه في مجلد.

كذا قال الدَّاودي في «طبقات المفسرين» (2/ 96).

وحجم المجلدات يختلف باختلاف عدد أوراقها وعدد الأسطر ومقاس الورق وحجم الخط وطريقة الكتابة، فمثلًا «صحيح البخاري» مخطوطاته لا تُحصى، فنجد نسخةً تامةً في مجلدٍ واحدٍ، ونسخة في مجلدين، وثلاثة، إلى ثلاثين مجلدًا.

ولا شك أن كتاب «الصواعق المرسلة» كبير الحجم، فهو أكبر من مجلدٍ بالحجم المعتاد، فربما يقع في مجلدين كبار أو في مجلدات، فالقدر الذي وقفنا عليه يقع في نسخة حلب في 137 ورقة مسطرتها 35 سطرًا، وقد

ص: 15

تبين أن أصلها كان في مجلدين، فقد وجدت على حاشية الورقة 92 من هذه النسخة:«مطلب أول الجزء الثاني» .

ووجدت المؤرخ إبراهيم بن صالح بن عيسى النجدي يقول في رسالة للشيخ عبد الله بن خلف الدحيان: «ومن طرف المجلد الذي ذكرنا لجنابكم عنه أنه خرج من أيدينا، الذي هو من «الصواعق» ، فهو مجلد قطع الربع لطيف، وخطه وسط، ولا عليه تصحيحات، وهو المجلد الأول، ولا بعد وقفت على «الصواعق» بكاملها، ولا رأيت غير المجلد المذكور منها، ولا أدري كم هي من مجلد؟ والتراجم التي عندي لابن القيم إذا ذُكرت فيها مصنَّفاته قالوا: وله كتاب «الصواعق» مجلدات»

(1)

.

* * * * *

ص: 16

(4)

‌ عرض موجز لموضوعات الكتاب

بدأه الإمام ابن القيِّم بمقدمةٍ رائقةٍ حمد الله تعالى فيها، وشهد لله تعالى بالوحدانية، وأنه موصوف بصفات الجلال، ومنعوت بنعوت الكمال، وشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، وحُجته على عباده، بعثه اللهُ وأهلُ الأرض أحوجُ إلى رسالته من غيث السماء، ومن نور الشمس الذي يُذهِب عنهم حَنَادِسَ الظَّلماء، فحاجتهم إلى رسالته فوق جميع الحاجات، وضرورتهم إليها مقدَّمة على جميع الضرورات؛ فإنه لا حياةَ للقلوب ولا نعيم ولا لذة ولا سرور ولا أمان ولا طمأنينة إلَّا بأن تَعْرِفَ ربها ومعبودها وفاطرها بأسمائه وصفاته وأفعاله، ويكون أحبَّ إليها ممَّا سواه، ويكون سعيُها في ما يقرِّبها إليه ويُدنِيها من مرضاته، ومن المحال أن تستقل العقول البشرية بمعرفة ذلك وإدراكه على التفصيل؛ فأساسُ دعوة الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم- معرفةُ الله سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله.

ثم ختمها بسؤال نقله عن شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو: «كيف يكون هؤلاء المحجوبون المنقوصون الحيارى المتهوِّكون أعلمَ بالله وصفاته وأسمائه وآياته من السابقين الأوَّلِين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، ورثةِ الأنبياء وخلفاءِ الرُّسل، ومصابيح الدُّجى وأعلام الهُدى، الذين بهم قام الكتابُ وبه قاموا، وبهم نطق الكتابُ وبه نطقوا، الذين وهبهم الله من العلم والحكمة ما برزوا به على سائر أتباع الأنبياء، وأحاطوا من حقائق المعارف بما لو جُمعت حكمةُ مَن عداهم وعلومهم إليه لاستحى مَن يطلب المقابلة! ثم كيف يكون أفراخُ المتفلسفة وأتباع الهند واليونان

ص: 17

وورثة المجوس والمشركين وضُلَّال الصابئين وأشباههم وأشكالهم أعلمَ بالله من ورثة الأنبياء وأهل القرآن والإيمان!».

وجعل ابنُ القيِّم الكتابَ كلَّه جوابًا على هذا السؤال، فقال:«إنما يتبيَّنُ حقيقةُ الجواب بفصول» .

ثم ذكر فصول الكتاب، وعددها أربعة وعشرون فصلًا، متفاوتة الحجم، فيقع بعضها في صفحتين أو صفحات قليلة، ويقع بعضها في عشرات الصفحات، ويقع الفصل الرابع والعشرون منها في مئات الصفحات.

وهذا عرضٌ موجزٌ لفصول الكتاب وموضوعاتها الرئيسة:

الفصل الأول: في معرفة حقيقة التأويل ومسمَّاه لغةً واصطلاحًا.

التأويل هو تفسيرُ ما يؤولُ إليه الشيءُ، ثم تُسمَّى العاقبة تأويلًا، وتُسمَّى حقيقة الشيء المخبَر به تأويلًا، ويُسمَّى تعبيرُ الرؤيا تأويلًا بالاعتبارين؛ فإنه تفسيرٌ لها، وهو عاقبتها وما تؤول إليه، وتُسمَّى العِلة الغائية والحكمة المطلوبة بالفعل تأويلًا؛ لأنها بيانٌ لمقصود الفاعل وغرضه من الفعل الذي لم يعرف الرائي له غرضَه به.

والتأويل في اصطلاح أهل التفسير والسلف من أهل الفقه والحديث مرادهم به معنى التفسير والبيان، وأمَّا المعتزلة والجهمية وغيرهم من فرق المتكلمين فمرادهم بالتأويل: صرف اللفظ عن ظاهره وحقيقته إلى مجازه وما يخالف ظاهرَه.

الفصل الثاني: وهو انقسام التأويل إلى صحيح وباطل.

التأويل الصحيح هو الذي يُوافق ما دلَّت عليه النصوص، وجاءت به

ص: 18

السُّنَّة ويطابقها. والتأويل الفاسد هو الذي يُخالف ما دلَّت عليه النصوصُ وجاءت به السُّنَّة، ولا فرقَ بين باب الخبر والأمر في ذلك. وكل تأويلٍ وافق ما جاء به الرسول فهو المقبول، وما خالفه فهو المردود.

ثم قسم التأويل الباطل إلى عشرة أنواعٍ، ثم قال:«فهذه بعض الوجوه التي يُفَرَّقُ بها بين التأويل الصحيح والباطل» .

الفصل الثالث: في أنَّ التأويل إخبارٌ عن مراد المتكلم لا إنشاء.

المقصود فَهْمُ مراد المتكلم بكلامه، فإذا قيل معنى اللفظ كذا وكذا، كان إخبارًا بالذي عَنَاه المتكلم، فإن لم يكن هذا الخبرُ مطابقًا كان كذبًا على المتكلم، فالحملُ إمَّا إخبارٌ عن المتكلم بأنه أراد ذلك المعنى، فهذا الخبر إمَّا صادقٌ إن كان ذلك المعنى هو المفهوم من لفظ المتكلم، وإمَّا كاذبٌ إن كان لفظُه لم يدلَّ عليه، وإمَّا إنشاءٌ لاستعمال ذلك اللفظ في هذا المعنى، وهذا إنما يكون في كلام تُنشِئه أنت، لا في كلام الغير.

الفصل الرابع: في الفرق بين تأويل الخبر وتأويل الطلب.

المقصود من تأويل الخبر هو تصديق مُخبِره، ومن تأويل الطلب هو امتثاله، وكل تأويلٍ يعود على المخبر بالتعطيل وعلى الطلب بالمخالفة تأويل باطل.

الفصل الخامس: في الفرق بين تأويل التحريف وتأويل التفسير وأن الأول ممتنعٌ وقوعُه في الخبر والطلب والثاني يقع فيهما.

التفسير هو: إبانة المعنى وإيضاحه، والتحريف: العدول بالكلام عن وجهه وصوابِه إلى غيره. وهو نوعان: تحريفُ لفظه، وتحريفُ معناه.

ص: 19

والتأويل يتجاذبه أصلانِ: التفسير والتحريف، فتأويل التفسير هو الحق، وتأويل التحريف هو الباطل. فالتأويل الباطل هو إلحادٌ وتحريفٌ، وإن سمَّاه أصحابُه تحقيقًا وعرفانًا وتأويلًا.

الفصل السادس: في تعجيز المتأولين عن تحقيق الفرق بين ما يسوغ تأويلُه من آيات الصِّفات وأحاديثها وما لا يسوغ.

حقيقة الأمر أن كل طائفةٍ تتأوَّل ما يخالف نِحْلتَها ومذهبَها، فالعيارُ على ما يُتأوَّل وما لا يُتأوَّل هو المذهبُ الذي ذهبتْ إليه والقواعد التي أصَّلَتْها، فما وافقها أقرُّوه ولم يتأوَّلوه، وما خالفها فإن أمكنهم دفعُه، وإلَّا تأوَّلوه.

وكلٌّ مِن هؤلاء يتأول دليلًا سمعيًّا، ويُقِرُّ على ظاهره نظيرَه أو ما هو أشد قبولًا للتأويل منه؛ لأنه ليس عندهم في نفس الأمر ضابطٌ كُلي مطَّرِد منعكس، يُفرَّق به بين ما يُتأوَّل وما لا يُتأوَّل، إن هو إلَّا المذهب وقواعده وما قاله الشيوخ. وهؤلاء لا يمكن أحدًا منهم أن يحتج على مبطِلٍ بحُجةٍ سمعيةٍ؛ لأنه يسلك في تأويلها نظير ما سلكَه هو في تأويل ما خالف مذهبَه.

الفصل السابع: في إلزامهم في المعنى الذي جعلوه تأويلًا نظير ما فروا منه.

هذا فصلٌ بديعٌ لمن تأمله، يعلم به أن المتأوِّلين لم يستفيدوا بتأويلهم إلَّا تعطيلَ حقائق النصوص والتلاعب بها وانتهاك حرمتها، وأنهم لم يتخلصوا ممَّا ظنُّوه محذورًا، بل هو لازمٌ لهم فيما فرُّوا إليه كلزومه فيما فرُّوا منه. بل قد يقعون فيما هو أعظمُ محذورًا، والمقصود أن المتأول يفر من أمرٍ، فيقع في نظيره.

ص: 20

فهلَّا أقرَّ النصوص على ما هي عليه، ولم ينتهك حُرمتَها؛ إذ كان التأويل لا يُخرِجه ممَّا فرَّ منه، فإن المتأول إمَّا أن يذكر معنًى ثبوتيًّا، أو يتأوَّل اللفظ بما هو عدمٌ محضٌ، فإنْ تأوَّله بمعنى ثبوتي كائنًا ما كان لزمه فيه نظيرُ ما فرَّ منه. فهو في تأويله بين التعطيل والتشبيه مع جِنايته على النَّص وانتهاكه حُرمته، فهلَّا عظَّم قَدْره، وحفظ حرمتَه، وأقرّه وأمرّه مع نفي التشبيه والتخلص من التعطيل!

الفصل الثامن: في بيان خطئهم في فهمهم من النصوص المعانيَ الباطلةَ التي تأوَّلوها لأجلها فجمعوا بين التشبيه والتعطيل.

هذا الفصل في الكشف عن عجيب أمر المتأوِّلين، فإنهم فهموا من النصوص الباطلَ الذي لا يجوز إرادتُه، ثم أخرجوها عن معناها الحقِّ المراد منها، فأساؤوا الظنَّ بها وبالمتكلِّم بها، وعطَّلوها عن حقائقها التي هي عين كمال الموصوف بها.

فانظر إلى أقبح التشبيه والتمثيل الذي ادَّعوا أنه ظاهر النصوص، وإلى التعطيل الذي سطَوْا به عليها وسمَّوْه تأويلًا! فصحَّ أنهم جمعوا بين فَهْم التشبيه منها، واعتقاد التعطيل، ونسبة قائلها إلى قصد ما يضاد البيان والإرشاد.

الفصل التاسع: في الوظائف الواجبة على المتأوِّل التي لا يُقبل منه تأويله إلَّا بها.

عليه أربعة أمورٍ لا يتم له دعواه إلَّا بها:

الأمر الأول: بيان احتمال اللفظ للمعنى الذي تأوَّله في ذلك التركيب الذي وقع فيه، وإلَّا كان كاذبًا على اللغة مُنشِئًا وضعًا مِن عنده.

ص: 21

الثاني: بيان تعيين ذلك المعنى؛ فإنه إذا أُخرج عن حقيقته قد يكون له معانٍ، فتعيين ذلك المعنى يحتاج إلى دليل.

الثالث: إقامة الدليل الصارِف للفظ عن حقيقته وظاهره، فلا يجوز العدول عنه إلَّا بدليلٍ صارفٍ يكون أقوى منه.

الرابع: الجواب عن المعارض، فإن مُدَّعي الحقيقة قد أقام الدليل العقلي والسمعي على إرادة الحقيقة.

الفصل العاشر في أن التأويل شرٌّ من التعطيل فإنه يتضمن التشبيه والتعطيل والتلاعب بالنصوص وإساءة الظن بها.

فإن المُعطِّل والمؤوِّل قد اشتركا في نفي حقائق الأسماء والصِّفات، وامتاز المُؤوِّل بتلاعبه بالنصوص وانتهاكه لحُرمتها وإساءة الظن بها، ونسبة قائلها إلى التكلم بما ظاهرُه الضلال والإضلال، فجمعوا بين أربعة محاذير:

المحذور الأول: اعتقادهم أن ظاهر كلام الله ورسوله المُحال الباطل، ففهموا التشبيه أولًا.

ثم انتقلوا عنه إلى المحذور الثاني وهو: التعطيل، فعطلوا حقائقها بناءً منهم على ذلك الفهم الذي يليق بهم، ولا يليق بالرَّبِّ جل جلاله.

المحذور الثالث: نسبة المتكلِّم، الكاملِ العلمِ، الكاملِ البيانِ، التامِّ النصحِ إلى ضد البيان والهدى والإرشاد، وأن المتحيِّرين المتهوِّكين أجادوا العبارة في هذا الباب، وعبَّرُوا بعبارةٍ لا تُوهِم من الباطل ما أوهمتْه عبارة المتكلم بتلك النصوص. ولا ريب عند كل عاقلٍ أن ذلك يتضمن أنهم كانوا أعلمَ منه أو أفصحَ أو أنصحَ للناس.

ص: 22

المحذور الرابع: تلاعُبهم بالنصوص وانتهاك حرماتها.

الفصل الحادي عشر: في أن قصْدَ المتكلم من المخاطب حملَ كلامه على خلاف ظاهره وحقيقته ينافي قصدَ البيان والإرشاد والهدى، وأن القصدين يتنافيان، وأنَّ تركَه بدون ذلك الخطاب خيرٌ له وأقرب إلى الهدى.

لو أراد اللهُ ورسوله من كلامه خلافَ حقيقته وظاهره الذي يفهمه المخاطب لَكان قد كلَّفه أن يفهم مراده بما لا يدل عليه، بل بما يدل على نقيض مراده، وأراد منه فَهْمَ النفي بما يدل على غاية الإثبات، وفَهْمَ الشيء بما يدل على ضدِّه.

الفصل الثاني عشر: في بيان أنه مع كمال عِلم المتكلم وفصاحته وبيانه ونصحه يمتنع عليه أن يريد بكلامه خلافَ ظاهره وحقيقته وعدمُ البيان في أهم الأمور وما تشتد الحاجة إلى بيانه

اكتفى من هذا الفصل بذِكْر مناظرةٍ جرَتْ بين جهميٍّ معطِّلٍ وسُنِّيٍّ مُثبِتٍ.

الفصل الثالث عشر: في بيان أن تيسير القرآن للذكر يُنافي حملَه على التأويل المخالف لحقيقته

لا تجد كلامًا أحسن تفسيرًا ولا أتمَّ بيانًا من كلام الله سبحانه، ولهذا سمَّاه سبحانه بيانًا، وأخبر أنه يسَّره للذِّكر. وتيسيرُه للذكر يتضمن: تيسير ألفاظه للحفظ، وتيسير معانيه للفهم، وتيسير أوامره ونواهيه للامتثال.

ومعلوم أنه لو كان بألفاظٍ لا يفهمها المخاطب لم يكن مُيسَّرًا له، بل كان مُعسَّرًا عليه. فهكذا إذا أُريدَ مِن المخاطب أن يفهم من ألفاظه ما لا يدل

ص: 23

عليه من المعاني، أو يدل على خلافه، فهذا من أشد التعسير، وهو منافٍ للتيسير.

الفصل الرابع عشر في أن التأويل يعود على المقصود من وضع اللغات بالإبطال.

المقصود أن العبد لا يعلم ما في ضمير صاحبه إلَّا بالألفاظ الدالة على ذلك، فإذا حمل السامعُ كلامَ المتكلم على خلاف ما وُضع له وخلاف ما يُفهم منه عند التخاطب عاد على مقصود اللغات بالإبطال، ولم يحصل مقصود المتكلم، ولا مصلحة المخاطَب، وكان ذلك أقبحَ من تعطيل اللسان عن كلامه، ولهذا كان التأويل الباطل فتحًا لباب الزندقة والإلحاد، وتطريقًا لأعداء الدِّين على نقضه.

الفصل الخامس عشر: في جنايات التأويل على أديان الرُّسل وأن خراب العالم وفساد الدنيا والدِّين بسبب فتح باب التأويل.

الآفات التي جَنَتْها ويجنيها كل وقتٍ أصحابُها على الملة والأُمة من التأويلات الفاسدة أكثرُ من أن تُحصَى أو يبلغها وصفُ واصفٍ، أو يحيط بها ذِكْر ذاكرٍ، ولكنها في جملة القول أصل كل فسادٍ وفتنةٍ، وأساس كل ضلالٍ وبدعةٍ، والمولِّدة لكل اختلافٍ وفُرقةٍ، والناتِجة أسبابَ كلِّ تباينٍ وعداوةٍ وبغضة.

الفصل السادس عشر: في بيان ما يقبل التأويلَ من الكلام وما لا يقبله.

المقصود أن الكلام الذي هو عرضة التأويل أن يكون له عدة معانٍ، وليس معه ما يبيِّن مراد المتكلم، فهذا للتأويل فيه مجالٌ واسعٌ، وليس في كلام الله ورسوله من هذا النوع شيءٌ من الجُمَل المركبة، وإنْ وقَعَ في

ص: 24

الحروف المفتتَح بها السورُ.

الفصل السابع عشر: في أن التأويل يُفسِد العلوم كلها إنْ سُلِّط عليها ويرفع الثقة بالكلام ولا يمكن أُمةً من الأمم أن تعيش عليه.

معلومٌ أن العلوم إنما قصد بها مصنِّفوها بيانَها وإيضاحها للمتعلمين، وتفهيمهم إياها بأقربِ ما يَقْدِرون عليه من الطرق. فإن سُلِّط التأويل على ألفاظهم، وحملها على غير ظواهرها، لم يُنتفَع بها وفسدت، وعاد ذلك على موضوعها ومقصودها بالإبطال.

فكيف يُسلَّط التأويلُ على كلام مَن لا يجوز عليه الخطأ والغلط والتناقض وضد البيان والإرشاد؟! هذا مع كمال علمه، وكمال قدرته على أعلى أنواع البيان، وكمال نُصحِه وهُداه وإحسانه، وقصده الإفهامَ والبيانَ لا التعميةَ والإلغاز.

فصل: في بيان أنه إنْ سُلِّط على آيات التوحيد القولي العلمي وأخباره لزم تسليطُه على آيات التوحيد العملي وأخباره وفسد التوحيد معرفةً وقصدًا.

إنْ سُلِّط التأويل على التوحيد الخبري العلمي كان تسليطه على التوحيد العملي القصدي أسهلَ، وانمحت رسوم التوحيد، وقامت معالم التعطيل والشرك. ولهذا كان الشرك والتعطيل متلازمينِ، لا ينفك أحدهما عن صاحبه.

الفصل الثامن عشر: في انقسام الناس في نصوص الوحي إلى أصحاب تأويلٍ وأصحاب تخييلٍ وأصحاب تجهيلٍ وأصحاب تمثيلٍ وأصحاب سواء السبيل.

هذه خمسة أصناف انقسم الناس إليها في هذا الباب بحسب اعتقادهم ما

ص: 25

أُريدَ بالنصوص، ثم بيَّن الإمام ابن القيِّم هذه الأصناف، وختم الفصل بقوله:«فقاتَلَ اللهُ أصحابَ التحريف والتأويل، وأصحابَ التخييل، وأصحاب التجهيل، وأصحاب التشبيه والتمثيل. ماذا حُرِمُوه من الحقائق الإيمانية والمعارف الإلهية، وماذا تعوضوا به من زُبالة الأذهان ونُخالة الأفكار! فما أشبَهَهم بمن كان غذاؤهم المَنَّ والسَّلْوى بلا تعبٍ ولا كُلْفةٍ، فآثَروا عليه الفُومَ والعدس والبصل، وقد جرت عادةُ الله سبحانه أن يُذِلَّ مَن آثَرَ الأدنى على الأعلى، ويجعله عبرةً للعقلاء» .

الفصل التاسع عشر: في الأسباب التي تسهل على النفوس الجاهلة قبول التأويل مع مخالفته للبيان الذي علَّمه الله الإنسان وفَطَره على قبوله.

التأويل يجري مَجرى مخالفة الطبيعة الإنسانية والفطرة التي فُطر عليها العبد، فإنه ردُّ الفهم من جريانه مع الأمر المعتاد المألوف إلى الأمر الذي لم يُعهَد ولم يُؤلف. وما كان هذا سبيلَه فإن الطباع السليمة لا تتقاضاه بل تنفر منه وتأباه، فلذلك وضع له أربابُه أصولًا ومهَّدوا له أسبابًا تدعو إلى قبوله، وهي أنواع. ثم ذكر منها ستة أنواع.

الفصل العشرون: في بيان أن أهل التأويل لا يمكنهم إقامة الدليل السمعي على مبطل أبدًا.

قال فيه: «من المعلوم أن كل مبطلٍ أنكر على خصمه شيئًا من الباطل قد شاركه في بعضه أو في نظيره، فإنه لا يتمكن مِن دحْضِ حُجته وكسرِ باطله؛ لأن خصمه تسلَّط عليه بمثل ما تسلط هو به عليه» . ثم بيَّن ذلك، وذكر كثيرًا من حجج القرآن، وأشار أن مقصوده بيان أن القرآن متضمِّنٌ للأدلة العقلية والبراهين القطعية التي لا مطمعَ في التشكيك والأَسْوِلة عليها إلَّا لمعاندٍ مكابرٍ.

ص: 26

الفصل الحادي والعشرون: في الأسباب الجالبة للتأويل.

وهي أربعة أسباب: نقصان بيان المتكلم، وسوء قَصْده. وسوء فهم السامع، وسوء قَصْده. ودرجات الفهم متفاوتة في الناس أعظم تفاوتٍ، فإنَّ قُوى الأذهان كقوى الأبدان، والناس متفاوتون في هذا وهذا تفاوُتًا لا ينضبط.

الفصل الثاني والعشرون: في أنواع الاختلاف الناشئة عن التأويل وانقسام الاختلاف إلى محمود ومذموم.

تكلم فيه عن نوعي الاختلاف في كتاب الله.

الفصل الثالث والعشرون: في أسباب الخلاف الواقع بين الأئمة بعد اتفاقهم على أصلٍ واحدٍ وتحاكمهم إليه وهو كتاب الله وسُنَّة رسوله.

نقل فيه عن أبي محمد بن حزم، ثم نقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية أسباب الاختلاف وهذَّبها وزادها إيضاحًا وبيانًا، وهذا الفصل حقيق أن يُفرد بالطباعة ليعم النفع به، وهو يتكلم عن أسباب الخلاف في الفروع لذلك يبدو لي أن الأنسب له كتاب «أعلام الموقعين» أو كتاب «بدائع الفوائد» .

الفصل الرابع والعشرون: في ذكر الطواغيت الأربع التي هدم بها أصحابُ التأويل الباطل معاقلَ الدِّين، وانتهكوا بها حُرمة القرآن، ومحَوْا بها رُسومَ الإيمان، وهي:

قولهم: إنَّ كلام الله وكلام رسوله أدلةٌ لفظية لا تفيد علمًا ولا يحصل منها يقين.

وقولهم: إنَّ آيات الصِّفات وأحاديث الصِّفات مجازاتٌ لا حقيقة لها.

ص: 27

وقولهم: إنَّ أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة لا تفيد العلم، وغايتها أن تفيد الظن.

وقولهم: إذا تعارَضَ العقلُ ونصوصُ الوحي أخذنا بالعقل ولم نلتفت إلى الوحي

(1)

.

وهذا الفصل هو بيت القصيد وغاية المريد من الكتاب، وكل ما قبله تمهيد له.

قال المصنِّف: «فهذه الطَّواغيت الأربع هي التي فعلتْ بالإسلام ما فعلتْ، وهي التي مَحَتْ رُسُومَه، وأزالتْ مَعالِمَه، وهدمتْ قواعِدَه، وأسقطتْ حُرمةَ النُّصوص من القلوب، ونهجتْ طريق الطَّعن فيها لكل زنديقٍ ومُلحِدٍ، فلا يحتجُّ عليه المحتجُّ بحجَّة من كتاب الله أو سُنَّة رسوله إلَّا لجأ إلى طاغوتٍ من هذه الطَّواغيت واعتصم به، واتخذه جُنَّةً يصدُّ به عن سبيل الله.

والله تعالى بحوله وقُوَّته ومنِّه وفضله قد كسر هذه الطَّواغيت طاغوتًا طاغوتًا على أَلسنة خُلفاء رُسُله وورثة أنبيائه، فلم يَزَلْ أنصار الله ورسوله يَصيحون بأهلها من أقطار الأرض، ويرجمونهم بشُهُب الوحي، وأدلة المعقول، ونحن نُفرِد الكلام عليها طاغوتًا طاغوتًا».

أمَّا الطَّاغوت الأول: وهو قولهم: «نصوص الوحي أدلةٌ لفظيةٌ، وهي لا تُفيد اليقين» . فقد أبطله من ثلاثةٍ وسبعين وجهًا، ولم يترك لهم حجةً ولاشبهةً.

(1)

كذا أخَّر ابن القيِّم هذا الطاغوت في مقدمة الفصل، وعند الرد المفصل قدَّمه فعدَّه الطاغوت الثاني، وهو الذي استغرق الرد عليه نحو نصف الموجود من الكتاب.

ص: 28

وأمَّا الطَّاغوت الثَّاني: وهو قولهم: «إن تعارَضَ العقل والنقل وجب تقديم العقل» . فقد انتفع في إبطاله بكتاب شيخه ابن تيمية «درء تعارض العقل والنقل» انتفاعًا كبيرًا، ولم يغفل الإشارة إلى ذلك، بل قال:«وقد أشفى شيخ الإسلام في هذا الباب بما لا مَزِيدَ عليه، وبَيَّنَ بطلانَ هذه الشُّبهة وكَسَّرَ هذا الطَّاغوت في كتابه الكبير، ونحن نشير إلى كلماتٍ يسيرةٍ هي قطرة من بحره، تتضمن كسره ودحضه، وذلك يظهر من وجوهٍ» . فذكر مائتين واثنين وأربعين وجهًا حسب ما وُجد من الكتاب، واستغرق نحو ثلثي الموجود من الكتاب.

وينبغي التفطن لموضعين:

الأول: أن في المخطوط (ق 54 ب) انتقل من الوجه السابع والأربعين إلى الوجه الخمسين مباشرة، ولم يذكر الوجهين الثَّامن والأربعين والتَّاسع والأربعين، فإمَّا أن يكون سقط الوجهان الثَّامن والأربعون والتَّاسع والأربعون، أو يكون ترقيم الوجوه خطأً.

والثاني: أن في المخطوط (ق 69 ب) انتقل من الوجه الثاني والسبعين إلى الوجه التاسع والسبعين مباشرة، فلم يذكر من الثالث والسبعين إلى الثامن والسبعين. وكتب الناسخ بحاشية «ح»:«هكذا في الأصل» .

فيكون الموجود من أوجه الرد على هذا الطاغوت مائتين وأربعة وثلاثين وجهًا فقط.

فهذا هو القدر الموجود من الكتاب، وبقي ما يتعلق بكسر الطاغوتين الثالث والرابع لم نعثر عليه بعد.

ص: 29

- مع التنبه إلى أن الإمام ابن القيِّم بدا له في ثنايا الكتاب أن يزيد فصلًا في آخره بعد هذه الفصول الأربعة والعشرين، فقد قال (ص 472):«وسنفرد الكلام على هذا بفصلٍ مستقلٍّ بعد كسر الطواغيت الأربعة التي نصبوها لهدم معاقل الدِّين، ونبيِّن معنى المحكم بمعناه، ونبيِّن أن آيات الصِّفات محكمةٌ فإنها من أبين الكتاب إحكامًا، وأن ما تضمنته من الإحكام أعظم ممَّا تضمنه ما عداها، بعون الله وتوفيقه» .

وهذا الفصل لم يُذكر في آخر «مختصر الصواعق» للموصلي، فالله أعلم هل كتبه ابن القيِّم أم لا.

* * * * *

ص: 30

(5)

منهج المؤلف في كتابه

هذه بعض معالم منهجه في الكتاب:

- بنى الكتاب بناءً محكمًا معتمدًا على النبعين الصافيين: القرآن والسُّنة، وقد عاش حياته ناصرًا لهما داعيًا إليهما، واستمع إليه وهو يقول (ص 269):«إذا كان الأصل واحدًا والغاية المطلوبة واحدةً، والطريق المسلوكة واحدةً، لم يكد يقعُ اختلافٌ، وإن وقع كان اختلافًا لا يضر، كما تقدم من اختلاف الصحابة؛ فإن الأصلَ الذي بنوا عليه واحدٌ، وهو كتاب الله وسُنة رسوله، والقصدَ واحدٌ، وهو طاعة الله ورسوله، والطريقَ واحدٌ، وهو النظرُ في أدلة القرآن والسُّنَّة وتقديمها على كل قولٍ ورأيٍ وقياسٍ وذوقٍ وسياسةٍ» .

أمَّا القرآن فقد كان يستحضر آياته وقت حاجته إليها كأنها بين عينيه، وقد شحن الكتاب بالآيات البينات، مع تأمله وتدبره في معانيها ومعرفته بالتفسير وعلومه؛ ويراجع فهرس الآيات وفهرس التفسير.

وأمَّا السُّنة فابن القيِّم حافظٌ كبيرٌ؛ ويكفي للدلالة على علو قدره في حفظ الحديث وفهم معانيه شهادة شيخه حافظ الدُّنيا جمال الدِّين المِزِّي؛ قال الحافظ أبو بكر محمد بن المحب: قلت أمام شيخنا المِزِّيِّ: ابن القيِّم في درجة ابن خُزيمة. فقال: «هو في هذا الزَّمان كابن خُزيمة في زمانه»

(1)

. ويظهر حفظه في استحضاره للأحاديث وقت حاجته إليها، وعزوه غالب الأحاديث إلى مصادرها من كتب السُّنة، ومحافظته على لفظ الرواية غالبًا، وانتقائه

(1)

نقله ابن ناصر الدِّين في «الرد الوافر» (ص 120).

ص: 31

لأصح الروايات في الباب، فإن جُلَّ الأحاديث المذكورة في الكتاب للاستدلال أحاديث صحيحة مشهورة، والنزر اليسير المضعف منها هو مع قلته من النوع المتجاذب بين الحفاظ فمنهم من يقويه ومنهم من يضعفه، كحديث الأطيط

(1)

، وأما النادر الضعيف كحديث:«بَيْنَا أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي نَعِيمِهِمْ إِذْ سَطَعَ لَهُمْ نُورٌ، فَرَفَعُوا رُؤُوسَهُمْ، فَإِذَا الْجَبَّارُ جل جلاله قَدْ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ» فهو يذكره للاستشهاد مع الأدلة الأخرى، أو يذكره عرضًا في استطراداته.

وتمكن ابن القيِّم من الكتاب والسُّنة قوَّى حجته وأعانه على الجمع بين الروايات والترجيح بينها وبيان الصحيح منها والسقيم، ودحض شبهات الفرق ورد أباطيلهم، من ذلك:

قوله (ص 500 - 501): «إن المسائل التي يُقال إنه قد تعارَض فيها العقل والسمع ليست من المسائل المعلومة بصريح العقل كمسائل الحساب والهندسة والطبيعيات اليقينية، فلم يجئ في القرآن ولا في السُّنَّة حرفٌ واحدٌ يخالف العقل في هذا الباب. وما جاء من ذلك فهو مكذوبٌ ومفترًى كحديث: «إن الله لمَّا أراد أن يخلق نفسه خَلَقَ خيلًا فأجراها فعَرِقت، فخلق نفسه من ذلك العرق» ، وحديث:«نزوله عشية عرفة على جمل أورق يصافح الركبان، ويعانق المشاة» .

وقوله (ص 1106 - 1007): «ومن هذا معارضة بعضهم الأحاديث الصحيحة الصريحة التي تكلم فيها النبي صلى الله عليه وسلم بأين الله؟ وسمع السؤال بأين الله؟ وأقرَّ السائل عليه ولم ينكره. كما كفره هؤلاء، فعارضوها كلها بحديثٍ

(1)

ينظر تخريجه (ص 994).

ص: 32

مكذوبٍ موضوعٍ في إسناده من لا يُدرى من أي الدوابِّ هو، كشيحة الذي لا ذكر له في شيءٍ من كتب الحديث، ولعل بعض الوضاعين نسبه إلى واحد الشِّيح. والحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وقد سُئل أين الله؟ فقال:«لَا يُقَالُ أَيْنَ لِمَنْ أَيَّنَ الْأَيْنَ» . فعارض هذا الأحاديث الصحيحة المستفيضة التي نطق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأين، وأقرَّ على إطلاقها بهذا الحديث الركيك الذي يستحيي من التكلُّم به آحاد الناس، فضلًا عن سيِّد ولد آدم».

وقوله (ص 723): «ولهذا لمَّا علم هؤلاء أنه يستحيل كتمان ذلك عن خواصه وضعوا أحاديث بيَّنوا فيها أنه كان له خطابٌ مع خاصَّته غير الخطاب العامِّي، مثل الحديث المُختلق المُفترى عن عمر أنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث مع أبي بكر وكنت كالزنجي بينهما» .

- وأكثر ابن القيِّم من الاستشهاد بأقوال السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، وقد نقل كثيرًا منها من كتاب «خلق أفعال العباد» للإمام البخاري.

- وكذلك استشهد بكثير من الأشعار، وذكر بعض الأشعار للرد عليها، وكان أحيانا يسمي منشدها، وأحيانًا يغفل ذكره، وقد ترجح لي أن بعض هذه الأشعار للإمام ابن القيِّم نفسه، كما في (ص 372، 617 - 619).

- وجمع ابن القيِّم بين المنقول والمعقول، ممَّا أعانه على تمييز صحيح الأقوال والآراء والمذاهب من ضعيفها وحقها من باطلها، وهذا ظاهر في الكتاب.

- وحرَّر ابن القيم في كل مسألة موضع النزاع وبيَّن معاني المصطلحات المجملة؛ وأظهر ما حوته من المعاني الصحيحة والباطلة، وأعانه على ذلك

ص: 33

تمكنه من اللغة، وهو يقول (ص 572 - 573):«إن هؤلاء المعارضين للكتاب والسُّنَّة بعقلياتهم ـ التي هي في الحقيقة جهليات ـ إنما يبنون أمرهم في ذلك على أقوالٍ مشتبهةٍ مجملةٍ تحتمل معاني متعددة، ويكون ما فيها من الاشتباه في المعنى والإجمال في اللفظ يوجب تناولها بحقٍّ وباطلٍ، فبما فيها من الحقِّ يقبل من لم يُحِط بها علمًا ما فيها من الباطل لأجل الاشتباه والالتباس، ثم يُعارضون بما فيها من الباطل نصوص الأنبياء. وهذا منشأ ضلال من ضلَّ من الأمم قبلنا. وهو منشأ البدع كلها» .

ومن أمثلة ذلك:

قوله (ص 583 - 584): «لفظ الجسم لم ينطق به الوحي إثباتًا، فتكون له حرمة الإثبات، ولا نفيًا، فيكون له إلغاء النفي، فمن أطلقه نفيًا أو إثباتًا سُئل عمَّا أراد به» . ثم بين ما يحتمله لفظه من المعاني الصحيحة والباطلة.

وقوله (ص 589): «إن التركيب يُطلق ويُراد به خمسة معانٍ» . ثم بيَّنها.

وقوله (ص 575): «التوحيد اسم لستة معانٍ: توحيد الفلاسفة، وتوحيد الجهمية، وتوحيد القدرية الجبرية، وتوحيد الاتحادية؛ فهذه الأربعة أنواعٍ من التوحيد جاءت الرسل بإبطالها، ودلَّ على بطلانها العقل والنقل» . ثم أفاض في بيان بطلانها.

- وألزم ابن القيِّم المخالفين إلزامات في غاية القوة، منها:

قوله (ص 619): «أمَّا الفلاسفة فأثبتوا وجود الصَّانع بطريق التركيب، وهو أن الأجسام مركبة، والمركب يفتقر إلى أجزائه، وكل مفتقرٍ ممكنٌ، والممكن لا بد له من وجود واجبٍ، وتستحيل الكثرة في ذات الواجب بوجهٍ من الوجوه؛ إذ يلزم تركيبه وافتقاره، وذلك ينافي وجوبه. وهذا هو غاية

ص: 34

توحيدهم، وبه أثبتوا الخالق على زعمهم، ومعلومٌ أن هذا من أعظم الأدلة على نفي الخالق؛ فإنه ينفي قدرته ومشيئته وعلمه وحياته؛ إذ لو ثبتت له هذه الصِّفات ـ بزعمهم ـ لكان مركبًا، والمركب مفتقرٌ إلى غيره، فلا يكون واجبًا بنفسه».

وقوله (ص 832): «إن اللوازم التي تلزم المعطلة النُّفاة شرٌّ من اللوازم التي تلزم المشبهة المحضة، دع المثبتة لحقائق الأسماء والصفات المنزهين الله عن شبه المخلوقات، فإنهم يلزمهم عشرة لوازم» . ثم فصَّلها.

وينظر (ص 646 - 647، 675، 913).

ثم قرر قاعدةً عامةً فيقول (ص 1078): «هذا شأن جميع قضاياهم الكاذبة التي تتضمن تعطيل ما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله، فإنها تستلزم إثبات الباطل وإبطال الحقِّ» .

- وبيَّن مخالفتهم للعقل مع ادعائهم التمسك به، فيقول (ص 1109):«والعجب أن هؤلاء مع شدة تمسكهم بالعقليات واعتنائهم بها حين عارضوا بينها وبين الوحي يجمعون بين النقيضين، ويُثبتون الشيء وينفون لازمه، وينفون اللازم ويثبتون ملزومه، وذلك مخالفةٌ لصريح العقل» .

- ودفع إلزامات المخالفين لأهل السنة اللوازم الباطلة، وبيَّن أنها غير لازمة لهم، ويبين أن لازم الحق حقٌّ.

- وأحال ابن القيِّم لاستيفاء الأدلة على كتبه الأخرى أحيانًا؛ كما في (ص 846، 890، 915، 1025).

- وكرر ابن القيِّم بعض المعاني مرارًا بألفاظ مختلفة ليثبت المعنى ويرسخه في الأذهان.

ص: 35

- وفي الكتاب استطرادات كثيرة حافلة بالفوائد، وما أجمل استطراداته في تفسير آيات كريمات وتدبُّر معانيها، وكذلك استطرادته في التدبُّر في خلق الله تعالى.

- ومع الإسهاب الظاهر في مباحث الكتاب إلا أن ابن القيِّم أشار في عدَّة مواضع إلى أنه كَتَبه مختصرًا؛ وتمنى لو تيسر له بسطه، ومن هذه الإشارات:

قوله (ص 473): «وهذا قطرةٌ من بحرٍ نبَّهنا به تنبيهًا يعلم به اللبيب ما وراءه، وإلا فلو أعطينا هذا الموضع حقَّه ـ وهيهات أن يصل إلى ذلك علمنا أو قدرتنا ـ لكتبنا فيه عدة أسفارٍ. وكذا كل وجهٍ من هذه الوجوه، فإنه لو بُسط وفُصِّل لاحتمل سفرًا أو أكثر، والله المستعان، وبه التوفيق» .

وقوله (ص 642): «إن كل شُبهةٍ من شُبه أرباب المعقولات عارضوا بها الوحي فعندنا ما يبطلها بأكثر من الوجوه التي أبطلنا بها معارضة شيخ القوم، وإن مدَّ الله في الأجل أفردنا في ذلك كتابًا كبيرًا» .

وينظر (ص 783، 825).

- وظهر في الكتاب إنصاف الإمام ابن القيِّم، وكان يُوثق الأقوال بعزوها إلى مصادرها، ويقول (ص 904):«ونحن لا نحيلك على عدمٍ، بل نحكي ألفاظهم بعينها معزوةً إلى مكانها» . ويُفرق بين القول ولا زمه، فيقول (ص 777):«أن هؤلاء المعارضين للوحي بآرائهم جعلوا كلام الله ورسوله من الطرق الضعيفة المزيفة التي لا يتمسك فيها في العلم واليقين. ولعلك تقول إنا حكينا ذلك عنهم بلازم قولهم، فاسمع حكاية ألفاظهم» . ثم حكاها.

فمن إنصافه أنه عاب على من يحكي مذاهب الناس بما يعتقده لازمًا لأقوالهم؛ فقال (ص 826): «ولعل جاهلًا أن يقول: إنَّا قلنا عليهم ما لم

ص: 36

يقولوا، أو استجزنا ما يستجيزونه هم من حكاية مذاهب الناس عنهم بما يعتقدونه هم لازمًا لأقوالهم، فيكذبون عليهم كذبًا صريحًا

فنحن لا نستجيز ذلك على أحدٍ من الناس، ولكن هذه كتب القوم فراجعها، ولا تُقلِّد الحاكي عنهم».

- وظهرت في الكتاب روح الإمام ابن القيِّم الناقدة، فكما انتقد المذاهب والآراء والأقوال، وبيَّن صحيحها من سقيمها، انتقد الأشخاص والكتب.

أمَّا انتقاده وتقويمه للأشخاص فمنه:

وصفه (ص 881) لسعيد بن عامر الضُّبَعي بأنه «إمام أهل البصرة علمًا ودينًا من طبقة شيوخ الشافعي وأحمد وإسحاق» .

ووصفه (ص 848) لعبد الوهاب الوراق بأنه «الرجل الصالح العالم، الذي سُئل الإمام أحمد من يُسأل بعدك؟ فقال: سلوا عبد الوهاب الوراق» .

ووصفه (ص 1009) للإمام محمد بن إسماعيل البخاري بأنه «حافظ الإسلام» .

وقوله (ص 330) عن أبي بكر بن المنذر: «هو من أعلم الناس بالإجماع والاختلاف» .

ووصفه (ص 872) لأبي عمر الطلمنكي المالكي بأنه «أحد أئمة وقته بالأندلس» .

ووصفه (ص 870) للإمام ابن عبد البر بأنه «إمام أهل السُّنَّة ببلاد الغرب» .

ص: 37

ووصفه (ص 867) لعبد القادر الكيلاني بأنه «الشيخ المتفق على كراماته وآياته وولايته، المقبول عند جميع الفرق» .

ووصفه (ص 877) لأبي محمد موفق الدِّين بن قدامة المقدسي بأنه «الشيخ الإمام المتفق على إمامته وعلمه وصلاحه وكراماته» .

وقوله (ص 508) عن أبي الوليد بن رشد: «هو من أعلم النَّاس بمذاهب الفلاسفة ومقالاتهم» .

وقوله (ص 508) عن أبي الحسن الآمدي: «أفضل المتأخرين في زمانه» .

وقوله (ص 335) عن شيخ الإسلام ابن تيمية: «حكاه شيخنا واختاره وأفتى به، وأقلُّ درجات اختياراته أن يكون وجهًا في المذهب. ومن الممتنع أن يكون اختيار ابن عقيل وأبي الخطاب والشيخ أبي محمد وجوهًا يُفتى بها، واختيارات شيخ الإسلام لا تصل إلى هذه المرتبة» .

وينظر أيضًا (ص 642).

وأمَّا نقده وتقويمه للكتب فمنه:

قوله (ص 1009 - 1010) عن كتاب «خلق أفعال العباد» للبخاري: «هو من أجلِّ كُتبه الصغار» .

وقوله (ص 869) عن «الموجز» لأبي الحسن الأشعري: «أجلّ كتبه وأكبرها» . وقوله عنه (ص 839): «من أجلِّ كتبه المتوسطات» .

ووصف (ص 869 - 870)«الإبانة» لأبي الحسن الأشعري أنها أشهر كتب الأشعري، وقال: «اعتمد عليها أنصر الناس له وأعظمهم ذبًّا عنه من

ص: 38

أهل الحديث أبو القاسم بن عساكر؛ فإنه اعتمد على هذا الكتاب وجعله من أعظم مناقبه في كتاب «تبيين كذب المفتري» .

وقوله (ص 337) عن «الأحاديث المختارة» للضياء المقدسي: «هي أصح من صحيح الحاكم» .

ولما نقل عن الحميدي فصلًا من كلام أبي محمد بن حزم في أسباب اختلاف الأئمة قال (ص 270): «وهو من أحسن كلامه» .

وقوله (ص 507) عن المِجَسْطي لبطليموس: «فيه قضايا كثيرة لا يقوم عليها دليلٌ صحيحٌ، وقضايا ينازعه فيها غيره، وقضايا مبنية على أرصاد منقولة عن غيره تقبل الغلط والكذب، وفيه قضايا برهانية صادقة» .

- وقد ظهر في الكتاب جليًّا محبة الإمام ابن القيِّم للعلم وحرصه على تحصيله، حتى قال (ص 642):«ولو نعلم أن في الأرض من يقول ذلك ويقوم به تبلغ إليه أكباد الإبل لاقتدينا بالمسير إليه بموسى في سفره إلى الخضر، وبجابر بن عبد الله في سفره إلى عبد الله بن أُنيسٍ لسماع حديثٍ واحدٍ، ولكن أزهد النَّاس في عالمٍ قومه» .

- وقد انتفع ابن القيِّم في هذا الكتاب بشيخ الإسلام ابن تيمية وبكتبه عامةً وبكتابه «درء تعارض العقل والنقل» خاصةً.

والكتاب يُظهِر أن الإمام ابن القيِّم -رحمه الله تعالى- «تفنن في علوم الإسلام، وكان عارفًا بالتفسير لا يُجارى فيه، وبأصول الدِّين، وإليه فيهما المنتهى، والحديث ومعانيه وفقهه ودقائق الاستنباط منه، لا يُلحق في ذلك، وبالفقه وأصوله وبالعربية، وله فيها اليد الطُّولى، وتعلم الكلام والنَّحو وغير ذلك، وكان عالمًا بعلم السُّلوك وكلام أهل التَّصوف وإشاراتهم ودقائقهم، له

ص: 39

في كل فنٍّ من هذه الفنون اليد الطُّولى». كما وصفه تلميذه زين الدِّين ابن رجب في «الذيل على طبقات الحنابلة» (5/ 171 - 172).

وأمَّا الكلام على أسلوب الإمام ابن القيِّم الأدبي ومميزاته فقد سبقنا للكلام عليه جماعة من الباحثين جزاهم الله خيرًا

(1)

.

* * * * *

(1)

منهم الأستاذ الدكتور محمود رزق سليم في كتابه «عصر سلاطين المماليك» (3/ 268 - 271) والدكتور طاهر سليمان حمودة في كتابه «ابن قيم الجوزية جهوده في الدرس اللغوي» (58 - 63).

ص: 40

(6)

‌ مصادر الكتاب

تنقسم مصادر الإمام ابن القيِّم -رحمه الله تعالى- إلى ثلاثة أقسام:

الأول: مشاهدات ابن القيِّم:

قال (ص 135): «وقريبٌ من هذه المناظرة ما جرى لي مع بعض علماء أهل الكتاب

(1)

، فإنه جمعَني وإياه مجلسُ خلوةٍ، أفضى بنا الكلام إلى أن جرى ذِكر مسبَّة النصارى لربِّ العالمين مسبةً ما سبَّه إيَّاها أحدٌ من البشر، فقلت له: وأنتم بإنكاركم نبوةَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم قد سببتم الربَّ تعالى أعظمَ مسبةً».

وقال (ص 141 - 142): «فطريقتهم ضدُّ طريقة القرآن من كل وجهٍ، إذ طريقة القرآن حقٌّ بأحسن تفسيرٍ وأبينِ عبارةٍ، وطريقتهم معانٍ باطلة بأعقدِ عبارةٍ وأطولها وأبعدها من الفهم، فيجهد الرجل الظمآن نفسَه وراءهم حتى تنفد قُواه، فإذا هو قد اطلع على سرابٍ بِقِيعَةٍ

والله يعلم أنَّا لم نَقُلْ ذلك تقليدًا لغيرنا، بل إخبارًا عمَّا شاهدناه ورأيناه».

وقال (ص 1004): «وأمَّا إطلاقهم العبارات القبيحة الدالة على الاستهانة، فهم لا يتحاشون منها، بل يُصرِّحون بقولهم: أي شيءٍ في المصحف سوى المِداد والورق. ويقولون: ليس في المصحف كلام الله، ولم ينزل إلى الأرض لله كلام، وهذا الذي يقرؤُه المسلمون ليس بكلام الله حقيقةً. وقد رأينا نحن وغيرنا هؤلاء مشاهدةً، وسمعنا بعض أقوالهم التي حكيناها، وهذه الفروع واللوازم فروع ذلك الأصل الباطل» .

(1)

ذكر ابن القيِّم هذه المناظرة أيضًا في «التبيان في أيمان القرآن» (ص 270 - 274) وغيره، وبيَّن أنه كانت مع أكبر علماء اليهود.

ص: 41

الثاني: مشافهة شيوخه له.

وقد صرَّح بمشافهة اثنين من شيوخه:

فقال (ص 508): «وحدثني شيخ الإسلام قال: حكى لي بعض الأذكياء وكان قد قرأ على أفضل أهل زمانه في الكلام والفلسفة، وهو ابن واصل الحموي

».

وقال في الفصل الثاني عشر (ص 131): «نكتفي من هذا الفصل بذِكْر مناظرةٍ جرَتْ بين جهميٍّ معطِّلٍ وسُنِّيٍّ مُثبِتٍ، حدثني بمضمونها شيخُنا عبد الله ابن تيمية رحمه الله» .

الثالث: نقله عن أهل العلم.

كان الإمام ابن القيِّم محبًّا للكُتب جمَّاعًا لها، ومكتبته كانت غاية في الكبر والتنوع، قال ابن كثير في «البداية والنهاية» (18/ 524):«اقتنى من الكتب ما لا يتهيَّأ لغيره تحصيل عُشره من كتب السَّلف والخلف» . وقال الصفدي في «أعيان العصر» (4/ 368): «ما جمع أحدٌ من الكتب ما جمع، لأن عمره أنفقه في تحصيل ذلك، ولمَّا مات شيخنا فتح الدِّين

(1)

اشترى من كتبه أمهات وأصولًا كبارًا جيدة، وكان عنده من كل شيءٍ في غير ما فنٍّ ولا مذهب، بكل كتابٍ نسخ عديدة».

وقد جمعت ما وقفت عليه من أسماء الكتب التي نقل عنها الإمام ابن القيِّم في الجزء الموجود من الكتاب فبلغت مائة وخمسة وعشرين مصنَّفًا، وهي:

(1)

هو الحافظ فتح الدِّين محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله ابن سيِّد الناس اليَعْمَري الأندلسي (ت 734 هـ) ترجمته في «أعيان العصر» (5/ 201 - 244).

ص: 42

1 -

«الآراء والديانات» للنوبختي.

2 -

«الإبانة» لأبي الحسن الأشعري.

3 -

«الإبانة» لأبي بكر الباقلاني.

4 -

«الإبانة» لأبي نصر السجزي.

5 -

«إبطال التأويلات لأخبار الصفات» للقاضي أبي يعلى.

6 -

«أبكار الأفكار» للآمدي.

7 -

«إثبات صفة العلو» لابن قدامة المقدسي.

8 -

«الإجماع» لابن المنذر.

9 -

«الأحاديث المختارة» للضياء المقدسي.

10 -

«إحياء علوم الدين» للغزالي.

11 -

«كتاب اختلاف العلماء» لإسحاق بن راهويه.

12 -

«الإرشاد» لأبي المعالي الجويني.

13 -

«أساس التقديس» للرازي، ولم يُسمِّ الكتاب.

14 -

«الاستذكار» لابن عبد البر.

15 -

«الأسماء والصفات» للبيهقي.

16 -

«أقسام اللذات» لفخر الدِّين الرازي.

17 -

«الأم» للشافعي.

18 -

«الإنجيل» .

ص: 43

19 -

«الأوسط» لابن المنذر، ولم يُسمِّ الكتاب.

20 -

«بُد العارف» لابن سبعين، نقل من مقدمته.

21 -

«البدع والنهي عنها» لابن وضَّاح، وسمَّاه «الحوادث والبدع» .

22 -

«تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي، وسمَّاه «تاريخ الخطيب» .

23 -

«تاريخ نيسابور» للحاكم.

24 -

«تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى أبي الحسن الأشعري» للحافظ أبي القاسم ابن عساكر.

25 -

«التفسير البسيط» للواحدي. نقل منه ابن القيم في غير موضع، ولم يُسمِّه، بل صرح باسم الواحدي في بعضها، ولم يصرح في بعضها.

26 -

«تفسير ابن الخطيب» هو «مفاتيح الغيب» للفخر الرازي.

27 -

«تفسير سُنيد بن داود» .

28 -

«تفسير عبد بن حُميد» ، ولم يُسمِّ الكتاب.

29 -

«التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد» لابن عبد البر.

30 -

«التمهيد في أصول الدِّين» لأبي بكر الباقلاني.

31 -

«تهافت التهافت» لابن رشد.

32 -

«تهافت الفلاسفة» لأبي حامد الغزالي.

33 -

«كتاب التوحيد» لابن خزيمة.

34 -

«التوراة» .

ص: 44

35 -

«الجامع» للترمذي.

36 -

«الجامع» للخلَّال.

37 -

«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي.

38 -

«جامع بيان العلم وفضله» لابن عبد البر، وسمَّاه «فضل العلم» .

39 -

«جامع البيان عن تأويل آي القرآن» لابن جرير الطبري، ولم يُسمِّ الكتاب.

40 -

«الجمع بين الصحيحين» للحميدي. نقل منه ابن القيم فصلًا رائعًا عن أسباب اختلاف العلماء، رواه الحميدي عن شيخه ابن حزم، ولم يُسم الكتاب

(1)

.

41 -

«الحاوي» للماوردي.

42 -

«الحجة على تارك المحجة» للشيخ نصر بن إبراهيم المقدسي الشافعي.

43 -

«حقائق التفسير» لأبي عبد الرحمن السلمي.

44 -

«الخصائص» لأبي الفتح عثمان بن جني، ولم يُسمِّ الكتاب.

45 -

«خلق أفعال العباد» للإمام البخاري. أكثر المصنِّف من النقل عنه في الرد على الجهمية، وسمَّاه «خلق الأفعال» .

(1)

لهذا فات العلامة بكر أبو زيد رحمه الله ذِكْره في موارد ابن القيِّم في كتابه «ابن قيم الجوزية حياته وآثاره وموارده» (ص 340)، وكذا الدكتور دخيل الله في مقدمة طبعته من الصواعق (ص 87).

ص: 45

46 -

«درء تعارض العقل والنقل» لشيخ الإسلام ابن تيمية. ولقد عظمت استفادة المصنِّف من هذا الكتاب فلخَّصه وهذَّبه ورتَّبه في هذا الكتاب، وقد كان به حفيًّا؛ فقال في «الكافية الشافية» (ص 769):

واقرأ كتاب العقل والنقل الذي

1 -

ما في الوجود له نظير ثان

47 -

«ديوان الأخطل» .

48 -

«الدقائق» لأبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني.

49 -

«الذخيرة البرهانية» للإمام ابن مازة نقل منه أقوال أئمة الحنفية في مسألة الطلاق، وسمَّاه «الذخيرة» مهملًا دون تقييد

(1)

.

50 -

«ذم الكلام وأهله» لإسماعيل بن عبد الله الهروي.

51 -

«الرد على الجهمية والزنادقة» للإمام أحمد. نقل منه المصنِّف في مواطن عدة، وانتفع به كثيرًا.

52 -

«الرد على الجهمية» لعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي.

53 -

«رد عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد» . وقد كان ابن القيِّم بكتاب الدارمي هذا وكتابه الآخر «الرد على الجهمية» حفيًّا؛ فقال في «اجتماع الجيوش الإسلامية» (1/ 347 - 348): «كتاباه من أجلِّ الكتب المصنَّفة في السُّنة وأنفعها، وينبغي لكل طالب سُنةٍ -مراده الوقوف على ما كان عليه الصحابة والتابعون والأئمة- أن يقرأ كتابيه، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يوصي بهذين الكتابين أشد الوصية ويعظمهما جدًّا، وفيهما

(1)

فليس هو «الذخيرة» للقرافي كما ظن العلامة بكر أبو زيد رحمه الله في كتابه «ابن قيم الجوزية حياته وآثاره وموارده» (ص 344) والدكتور دخيل الله في مقدمته (ص 88).

ص: 46

من تقرير التوحيد والأسماء والصفات بالعقل والنقل ما ليس في غيرهما».

54 -

«رسائل إخوان الصفا» .

55 -

«رسالة الأشعري إلى أهل الثغر» .

56 -

«الرسالة الأضحوية» لابن سينا.

57 -

«الرسالة النظامية» لأبي المعالي الجويني.

58 -

«الرسالة» للإمام الشافعي.

59 -

«رسالة» لأبي عثمان النيسابوري، وهو كتاب «عقيدة السلف وأصحاب الحديث» لأبي عثمان الصابوني.

60 -

«رفع الملام عن الأئمة الأعلام» لشيخ الإسلام ابن تيمية. لخَّصه المصنِّف في كلامه على أسباب اختلاف العلماء وهذَّبه وزاد عليه وزاده إيضاحًا.

61 -

«السُّنة» لعبد الله بن الإمام أحمد.

62 -

«السُّنة» لأبي بكر الخلال.

63 -

«السُّنن» لأبي داود السجستاني.

64 -

«السُّنن» لابن ماجه القزويني.

65 -

«السنن» للنسائي.

66 -

«السِّيرة النبوية» لابن هشام، ولم يُسمِّ الكتاب.

67 -

«شرح أسماء الله الحسنى» لأبي عبد الله القرطبي.

ص: 47

68 -

«شرح الإنجيل» . نقل عنه بواسطة الشهرستاني.

69 -

«شرح التفريع» للتلمساني المالكي.

70 -

«شرح التنبيه» لأبي القاسم عبد الرحمن بن يونس. نقل منه فصلًا عن الطلاق.

71 -

«شرح القدوري» . نقل منه بواسطة «الذخيرة البرهانية» لابن مازة.

72 -

«شعار الدِّين» للخطابي، ولم يُسم الكتاب إنما صرَّح بالنقل عن الخطابي، وربما نقل عنه بواسطة «منهاج السُّنة» لابن تيمية.

73 -

«الشفاء» لابن سينا.

74 -

«الصحاح» للجوهري.

75 -

«صحيح البخاري» .

76 -

«صحيح ابن حِبَّان» .

77 -

«صحيح مسلم» .

78 -

«كتاب الصفات» لأبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب.

79 -

«كتاب الطهور» لإبراهيم بن مسلم الخوارزمي، نقل منه مسألة في نقض الوضوء بمس الذَّكَر.

80 -

«العقيدة» لأبي أحمد الكرجي.

81 -

«عقيدة أبي نعيم الأصبهاني» .

82 -

«العلل» للدارقطني. ذكر منه حديثًا هو فيه معلقٌ.

ص: 48

83 -

«علوم الحديث» للحاكم.

84 -

«العمدة» لابن قدامة المقدسي.

85 -

«الغنية» لعبد القادر الكيلاني، ولم يُسمِّ الكتاب.

86 -

«فتاوى القفال» .

87 -

«الفتوى الحموية الكبرى» لابن تيمية، ولم يُسمِّ الكتاب.

88 -

«فصوص الحكم» لابن عربي. نقل منه ما زعمه أن خاتم الأنبياء يأخذ عن خاتم الأولياء.

89 -

«الفنون» لأبي الوفاء بن عقيل. نقل منه فصلًا كبيرًا، ولم يُسم الكتاب.

90 -

«القضاء» لأبي عُبيدٍ القاسم بن سلام.

91 -

«الكتاب» لسيبويه، صرَّح بالنقل عن سيبويه ولم يُسمِّ الكتاب.

92 -

«الكشاف» للزمخشري.

93 -

«الكشف عن مناهج الأدلة» لأبي الوليد بن رشد. نقل منه المصنِّف فصلًا في تقرير علو الله تعالى على عرشه والرد على الفلاسفة.

94 -

«المجسطي» لبطليموس.

95 -

«المحصل» للرازي، ولم يُسمِّ الكتاب.

96 -

«المحلى» لابن حزم، ولم يُسمِّ الكتاب.

97 -

«مختصر المُزَني» .

ص: 49

98 -

«المدخل لعلم السنن» للبيهقي.

99 -

«المراسيل» لأبي داود السجستاني.

100 -

«مسائل أحمد وإسحاق» لإسحاق بن منصور الكوسج.

101 -

«مسائل أحمد وإسحاق» لحرب الكرماني.

102 -

«مسائل صالح بن أحمد بن حنبل لأبيه» .

103 -

«المستدرك على الصحيحين» للحاكم النيسابوري، ويُسميه «صحيح الحاكم» .

104 -

«المسند» للإمام أحمد بن حنبل.

105 -

«مسند علي» للحافظ مطين. نقل منه حديثًا.

106 -

«مشارق الأنوار على صحاح الآثار» للقاضي عياض، أحال عليه في تفسير حديث:«لا طلاق في إغلاق» .

107 -

«المصنَّف» لعبد الرزاق، وسمَّاه «الجامع» .

108 -

«المضنون به على غير أهله» لأبي حامد الغزالي.

109 -

«مطالع الأنوار» لأبي إسحاق بن قرقول. أحال عليه في تفسير حديث: «لا طلاق في إغلاق» .

110 -

«مطامح الأفهام في شرح كتاب الأحكام» لعبد العزيز بن إبراهيم بن أحمد المعروف بابن بزيزة. نقل منه فصلًا عن الطلاق الثلاث.

111 -

«معجم الطبراني» . أطلقه المصنِّف ولم يُحدد أي المعاجم هو، وحيث أُطلق فالمراد «المعجم الكبير» للطبراني، والحديث الذي ذكره

ص: 50

المصنِّف موجود في المعجمين «الكبير» و «الأوسط» .

112 -

كتاب «المعرفة» لأبي أحمد العسال.

113 -

«مقالات غير الإسلاميين» لأبي الحسن الأشعري.

114 -

«المقالات الكبير» لأبي الحسن الأشعري.

115 -

«مقالات المصلين» لأبي الحسن الأشعري.

116 -

«المقدمات الممهدات في الأحكام الشرعية» لابن رشد.

117 -

«الملل والنحل» للشهرستاني.

118 -

«الموجز» لأبي الحسن الأشعري.

119 -

«الموطأ» للإمام مالك.

120 -

«نظم السلوك» قصيدة ابن الفارض.

121 -

«النظم» . نقل منه غالبًا بواسطة «التفسير البسيط» للواحدي، ولم يُسم صاحبه.

122 -

«نهاية العقول في دراية الأصول» للرازي.

123 -

«الوثائق» لابن مغيث المالكي.

124 -

«الوصول إلى معرفة الأصول» لأبي عمر الطلمنكي.

125 -

«الهداية» لأبي الخطاب الكلوذاني، ولم يُسمِّ الكتاب.

هذا ما وقفت عليه من المصادر التي صرَّح بها ابن القيِّم أو صرَّح باسم مصنِّفها وتبين لي مصدر نقله، ومن هذا العرض يتبين أن مصادره متنوعة

ص: 51

تنوعًا كبيرًا، فمنها كتب في التفسير وعلومه، وكتب في الحديث وعلومه، وكتب في شروح الحديث وفقهه، وكتب في التوحيد والعقيدة، وكتب في الفرق والملل والنحل، وكتب في الرد على الجهمية، وكتب الفلاسفة والمنطقيين، وكتب في الرد عليهم، وكتب في اللغة وغريب الحديث، وكتب في فقه المذاهب الأربعة وأصولها، وكتب في فقه المذاهب الأخرى، وكتب في الآداب والسلوك، وكتب في التاريخ، وكتب عامة.

* * * * *

ص: 52

(7)

‌ مكانة الكتاب

«الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة» أحد أنفس كتب الإمام ابن القيِّم وأقواها، وهو من أقوى الكتب في الرد على الجهمية والمعطلة بل على الفرق المبتدعة في العقيدة مطلقًا، قد جمع بين صحيح المنقول وصريح المعقول، فقد وافق اسمه مسمَّاه؛ فهو كما سمَّاه مصنِّفه صواعق مرسلة على المبتدعة، يُقرر عقيدة أهل السُّنة والجماعة ويُبطل ما خالفها بالدليل الساطع والبرهان الناصع، مع الإنصاف التامِّ، وحُسن العرض، وسلاسة الأسلوب، لا يكاد يدانيه في ذلك كتاب آخر.

وهذا الكتاب الجليل يُظهر تمكُّن الإمام ابن القيِّم رحمه الله في العلوم، مع قوة تأصيله وبساطة تفصيله.

وقد أثنى عليه جماعة من أهل العلم ثناءً حسنًا، منهم:

العلَّامة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، قال بعد ذكره لابن تيمية:«ولتلميذه العلَّامة ابن القيِّم في بيان أنواع التوحيد والرد على أهل البدع المصنَّفات الكثيرة المفيدة، فمن أحسنها: «إغاثة اللهفان» ، وكتاب «الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة»

(1)

.

والعلَّامة أحمد بن إبراهيم بن عيسى، قال في «توضيح المقاصد» (2/ 27) عن «الصواعق»:«هو في مجلدات، في غاية الإجادة والنفاسة» .

والعلَّامة محمود شكري الألوسي، قال

(2)

: «وتفصيل الكلام في هذا

ص: 53

المقام يُطلب من كتب شيخ الإسلام وتلامذته، فإنهم أحسن من صنَّف في هذه المسائل، وفيها يجد المنشد ضالته، وقد ألف الشيخ الحافظ أبو بكر الشهير بابن القيِّم كتابه «غزو الجيوش الإسلامية في الرد على الجهمية» وكتابه «الصواعق المرسلة على الدهرية

(1)

والمعطلة» في هذه المطالب العالية، وبسط كلامه فيها كل البسط، كما هو شأن كرمهم وجودهم في سخاء نفوسهم ببذل كنوز العلم طيب الله تعالى ثراهم».

والشيخ محمد حامد الفقي، قال:«وخير كتابٍ لابن القيِّم في هذا الباب وأشده وقعًا، وأنكاه فعلاً في هذه البدع الزائفة كتاب «الصواعق المرسلة» ؛ فهو ـ والله ـ كاسمه صواعق أرسلها اللهُ من قلم ابن القيِّم على رؤوس أهل الزيغ والضلال والتعطيل والإلحاد، لم يُبقِ ـ والله ـ لقائل قولًا، ولا لشيطان كيدًا، وحق على كل مسلم غيور على دينه أن يقرأ هذا الكتاب قراءة تدبرٍ وإمعانٍ، وأن يتقلد بغالي درره، التي يعز مطلبها، ويقل وجودها إلَّا في هذا البحر العُباب»

(2)

.

والشيخ عبد الرحمن الوكيل، قال في تعليقه على «الروض الأنف» (6/ 556) في الكلام على صفات الله تعالى كاليد والعين:«من خير من كتب عن هذا الإمام ابن القيِّم في كتابه «الصواعق المرسلة» فراجعه».

* * * * *

(1)

كذا، والصواب «الجهمية» .

(2)

من مقال منشور في مجلة الإصلاح، في غرة شوال سنة 1347 هـ.

ص: 54

(8)

‌ مختصرات الكتاب

للكتاب حسب علمي مختصران:

المختصر الأول: مختصر العلَّامة شمس الدِّين محمد بن الموصلي (ت 774 هـ)

وهو أقدم المختصَرَينِ وأشهرهما، وأكبرهما حجمًا، وأكثرهما فائدة، وقد طُبع عدَّة طبعات، وانتشرت طبعاته قبل أن يُوجد شيءٌ من «الصواعق» نفسه وبعده، وقد عمَّ النفع به.

ولم يُفصح المختصر عن منهجه في الاختصار، إنما قال في مقدمته:«أمَّا بعد، فهذا استعجال «الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة» انتخبته من كلام شيخ الإسلام وقدوة الأنام ناصر السُّنة شمس الدِّين أبي عبد الله محمد ابن قيِّم الجوزية رحمه الله تعالى». ثم بدأ في الكتاب.

وهو مختصرٌ حافظ على روح كتاب «الصواعق» وحافظ على أسلوب ابن القيِّم وعباراته، ونادرًا ما غيَّر من كلامه شيئًا، بل حذف بعض الكلمات وبعض العبارات وربط بين ما تبقى ليبقى السياق متصلًا، وكذلك حذف بعض الفقرات والأوجه التي ذكرها ابن القيِّم، وبعض استطراداته في ثنايا هذه الأوجه.

فمثلًا قد أبطل ابن القيِّم الطاغوت الأول ـ وهو قولهم: «نصوص الوحي أدلةٌ لفظيةٌ، وهي لا تُفيد اليقين» ـ من ثلاثةٍ وسبعين وجهًا، فاكتفى المختصر منها بذكر سبعة وخمسين وجهًا.

وأبطل ابن القيِّم الطاغوت الثاني ـ وهو قولهم: «إن تعارَضَ العقل

ص: 55

والنقل وجب تقديم العقل» ـ من مائتين واثنين وأربعين وجهًا، فاكتفى المختصر منها بذكر اثنين وخمسين وجهًا فقط. مع اختصارٍ أيضًا في ذكر بعض هذه الوجوه

(1)

.

والنسخة التي جرت عليها الإحالة هي التي حققها الدكتور الحسن بن عبد الرحمن العلوي، في أربعة مجلدات، وطُبعت في مكتبة أضواء السلف بالرياض، الطبعة الأولى سنة 1425 هـ- 2004 م.

ولم يسلم المختصر من السقط، فمع تعدد مخطوطاته التي وقفت عليها

(2)

فقد وقع سقطٌ كبيرٌ في جميعها للأسف، وهو يقابل من «الصواعق» من أثناء (ص 255) إلى آخر (ص 422). وسيأتي ذكره عند وصف النسخة «م» ، وينظر تعليق محققه (1/ 210).

وقد انتفعنا بهذا المختصر في ضبط نصِّ الكتاب نفعًا كبيرًا، وقد اعتمدت في المقابلة والمراجعة على أنفس مخطوطاته المكتوبة سنة 758 هـ، وسميتها «م» ، وسيأتي وصفها، وإنما اعتمدتها دون المطبوع لنفاستها ولضبط كثيرٍ من كلماتها.

وتعظم أهمية هذا المختصر لأنه حوى اختصار الجزء المفقود من «الصواعق» ، وهو جزءٌ كبيرٌ، يبدأ من أثناء (ص 570) وينتهي آخر (ص 1648).

(1)

ينظر مقدمة طبعة أضواء السلف للمختصر (ص 73 - 77).

(2)

وقفنا لـ «مختصر الصواعق» على تسع نسخ، أربع منها في الهند، وأربع في المملكة، والتاسعة في القاهرة، وأنفسها نسخة مكتبة دار العلوم لندوة العلماء في لكنو بالهند، التي اعتمدناها، وبقيتها نسخ حديثة، وقد ترجح لي أنها كلها ترجع إلى النسخة «م» إمَّا مباشرة أو بواسطة.

ص: 56

المختصر الثاني: مختصر الإمام محمد بن عبد الوهاب (ت 1206 هـ).

وقفنا عليه مؤخرًا، وهذه بياناته:«مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة للإمام ابن القيِّم» اختصره الإمام محمد بن عبد الوهاب، تحقيق د. دغش بن شبيب العجمي، طُبع في مكتبة أهل الأثر بالكويت، الطبعة الأولى، 1437 هـ- 2016 م.

وهو منتقى صغير من الكتاب، إذ جاء بمقدمته وفهارسه في مائتين وأربع وخمسين صفحة، ولعله يصلح أن يكون مدخلًا لكتاب «الصواعق» .

* * * * *

ص: 57

(9)

طبعات الكتاب

الطبعة الأولى: حققها الدكتور علي بن محمد الدخيل الله ـ جزاه الله خيرًا ـ وطُبعت في دار العاصمة بالرياض، في أربع مجلدات، الطبعة الأولى سنة 1408 هـ، وأصلها رسالة دكتوراة مقدمة لكلية أصول الدِّين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بإشراف الأستاذ الدكتور محمد رشاد سالم.

وهي طبعة جيدة بذل فيها المحقق الفاضل جهدًا كبيرًا في ضبط الكتاب وتقويم نصِّه واستدراك ما سقط منه، والتقديم له وفهرسة محتواه، كما يُشكر له أنه أول من حقق الموجود من الكتاب كاملًا، ويُؤخذ عليه قلة رجوعه للمختصر في مواطن الإشكال.

وقد انتفع الناس بهذه الطبعة لأكثر من ثلاثين سنة، وهي التي كانت بين يدي أثناء العمل، وقد انتفعت بها كثيرًا، وخالفت محققها كثيرًا أيضًا.

ومع جودة الطبعة فلم تسلم من شوائب التصحيف والسقط والخلل، خاصة في الفهارس، وأكبر سقط وقع فيها كان في (4/ 1258) أثناء السطر العاشر فقد سقطت ثمانية أسطر قبل قوله:«ولا ضابط لفرقة منكم» ، وهي:

«فإن قلتم: إن العقل يُعارض جميع المنقول كان هذا من الكفر والإلحاد والزندقة ما لا مزيد عليه. وإن قلتم: بل المعارضة حاصلةٌ بين العقل وبين بعض المنقول دون بعض، قيل لكم: فما هو القدر الذي عارضه العقل من المنقول وما جنسه وصفته، وفي أي باب هو؟ فإن قلتم: ما خالف صريح العقل. كان هذا تعريفًا دوريًا غير مقيد، وكان حاصل كلامكم إذا عارض العقل لما خالف العقل وجب تقديم العقل، وهذا من جنس الهذيان.

ص: 58

فإن قلتم: نحن قلنا إذا جاء النقل بخلاف العقل وجب تقديم العقل. قيل لكم: فالسؤال عائد بعينه، والمطالبة قائمة، ففي أي الأنواع جاء النقل مناقضًا للعقل». قد اكتفيت بذكر هذا المثال الواحد، ولم أر من ضرورة لتسويد الصفحات بأمثلة التصحيف والسقط.

الطبعة الثانية: حققها الدكتور أحمد عطية الغامدي والدكتور علي بن ناصر الفقيهي، وطُبعت في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، كلية الدعوة وأصول الدِّين، الطبعة الأولى سنة 1406 هـ، وطُبعت بعنوان «الصواعق المنزلة على الطائفة الجهمية والمعطلة» ، وقد ذكر المحققان في مقدمتها أنها في ثلاث مجلدات، ولم أقف إلا على المجلدين الأول والثاني منها فقط.

* * * * *

ص: 59

(10)

‌ مخطوطات الكتاب

للأسف لم نقف على نسخة تامة من الكتاب، ولا نعلم للكتاب إلا ثلاث نسخ: نسخة حلب، ونسخة برلين، ونسخة المتحف العراقي

(1)

، ولما كانت نسخة المتحف العراقي منقولة من نسخة حلب فقد استغنينا عنها بوجود أصلها المنقولة منه.

النسخة الأولى نسخة حلب:

نسخة محفوظة في المكتبة العثمانية بحلب، وقد ضُمت إلى مكتبة الأسد الوطنية تحت رقم 15324.

تقع في 137 ورقة، 273 صحيفة، من الحجم الكبير، مسطرتها 35 سطرًا، متوسط عدد الكلمات في السطر سبع عشرة كلمة.

عنوانها: «كتاب الصواعق المنزلة على الطائفة الجهمية والمعطلة تصنيف الإمام العلَّامة محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن القيم الحنبلي رحمه الله تعالى» .

أولها: أول الكتاب.

وآخرها: آخر الموجود من الكتاب، ثم كتب الناسخ: «أنهاه كاتبه يوم

(1)

حاولنا الحصول على هذه النسخة مرارًا وبوسائل مختلفة، لكن لم نتمكن من ذلك، وكانت نتيجة إحدى المحاولات ناجحة لكن لما وصلنا المخطوط من العراق تبين أنه نسخة من المختصر لا الأصل! وهنا نشكر كل من أعان في سبيل الحصول عليها ومنهم د. ياسر البدري، والشيخ إبراهيم الهاشمي الأمير، ونهيب بمن يتمكن من الحصول على مصورتها أن يتواصل معنا. [علي العمران].

ص: 60

17 من ذي القعدة سنة 1110 على ما وجدناه في الأصل، ونعوذ بالله من الزيادة والنقصان». ولم يذكر الناسخ اسمه، واتبع نظام التعقيبة.

وكتب الناسخ آخره: «جملته كراس 14 إلا 3 أوراق» .

كتب الناسخ على حاشيتها بعض العناوين الجانبية للموضوعات، تحت عنوان «مطلب» ، لم نجد كبير فائدة في الإشارة إليها.

كُتبت النسخة بالمداد الأسود إلا عناوين الفصول وبعض الوجوه فقد كُتبت بالمداد الأحمر، ووُضعت خطوط حمراء فوق بعض الكلمات، وجُعلت الكتابة داخل إطار مستطيل باللون الأحمر، والصفحة الأولى مذَهَّبة ومزخرفة بزخارف نباتية.

وعلى لوحة العنوان تملّك نصه: «تملكه عبده الضعيف الحقير شيخ الحرم سابقا أبو بكر أغا في 10 جماد الآخر سنة 1112» .

وعليها خاتم بيضاوي صغير لم يتبين ما فيه، وخاتم مستطيل فيه وقفية المكتبة العثمانية.

وهذه النسخة مقابلة على أصلها المنقولة منه، يدل على ذلك وجود اللحوقات المصححة على حواشي بعض أوراقها، وهي أتم النسختين، ويعيبها كثرة التصحيف والسقط، وقد يقصر السقط وقد يطول، وأطول سقط وقع بها كان في السطر الأول من الورقة السابعة والثلاثين، فقد سقط منها عشرات الصفحات، وكُتب بحاشيتها:«هكذا وجدنا في الأصل» . فظهر أن السقط كان في أصلها، وقد استدركت هذا السقط من النسخة «ب» .

وقد رمزت لهذه النسخة بحرف «ح» .

ص: 61

النسخة الثانية نسخة برلين:

نسخة محفوظة في مكتبة برلين ضمن مجموع رقم 2094، «الصواعق» هي الرسالة الأولى في المجموع، ثم يليها فوائد نحوية في نصف صفحة، ثم «الرسالة التبوكية» للمصنف (ق 100 ب-113 ب).

تقع في 97 ورقة، من 3 ب إلى 100 أ، من الحجم المتوسط، مسطرتها 23 سطرًا، متوسط عدد الكلمات في السطر ثلاث عشرة كلمة.

عنوانها: «كتاب الصَّواعق المرسلة على فرق المعتزلة والجهميَّة والمعطِّلة تصنيف الشيخ الإمام العالم العلَّامة الذاب عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم شمس الدِّين أبي عبد الله محمد بن الشَّيخ الصَّالح أبي بكر بن أيوب ابن القيِّم الجوزيَّة [كذا]» . وكتب على الحاشية: «ويقال الصواعق المرسلة على فرق البدع المتأولة» .

أولها: أول الكتاب.

وآخرها: «وتأمَّلْ أقوالهم تعلمْ أيَّ النوعين معه العقل، ومن الذي خرج عن صريحه! وبالله التوفيق» . فهي تمثل قرابة ثلث الموجود من الكتاب فقط.

ولم يذكر اسم الناسخ ولا تاريخ النسخ، واتبع الناسخ نظام التعقيبة.

وليس على النسخة تملّكات ولا وقفيات.

وهذه النسخة مقابلة على أصلها، يدل على ذلك قول الناسخ آخرها:«بلغ بحمد الله مقابلة حسب الطاقة» . وكذلك وجود اللحوقات المصححة على حواشي بعض أوراقها، وهذه النسخة أصح من نسخة حلب، ولم تسلم

ص: 62

أيضًا من التصحيف والسقط، وترك الناسخ نصف وجه الورقة الخامسة والتسعين بياضًا، وكتب:«أظنه بياض صحيح» . ثم ترك ظهرها كله بياضًا، وكتب:«أظنه بياض صحيح» . وعلى النسخة حواش كثيرة، بعضها شرح لكلمات غريبة، وبعضها عناوين لبعض الموضوعات، ولم نشر إليها في التعليقات لقلة جدواها.

وقد رمزت لهذه النسخة بحرف «ب» .

فقد ظهر من هذا الوصف أن نسخة حلب أتم النسختين؛ فقد تفردت بنحو ثلثي القدر الموجود من الكتاب، لكنها للأسف كثيرة التصحيف، وأن نسخة برلين أوثق النسختين، وقد سدت نقص نسخة حلب في مواضع، بل لقد تفردت بفصول بأكملها، سقطت من نسخة حلب، وأنها لم تسلم كذلك من تصحيف وسقط، لذلك راجعت نسخ «مختصر الصواعق» ، واخترت أوثقها فجعلتها نسخة مساعدة في ضبط الكتاب، وهذا وصفها:

وصف نسخة «مختصر الصواعق» :

نسخة محفوظة في مكتبة دار العلوم لندوة العلماء في لكنو بالهند.

تقع في 260 ورقة، مسطرتها 23 سطرًا، متوسط عدد الكلمات في السطر خمس عشرة كلمة.

عنوانها: «مختصر كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة تأليف الإمام العالم العلَّامة مفتي المسلمين الشيخ شمس الدِّين أبي عبد الله محمد بن الشيخ الإمام العالم أبي بكر الشهير بابن قيم الجوزية قدس الله روحه ونور ضريحه» .

ص: 63

أولها: أول الكتاب.

وآخرها: آخر الكتاب، ثم كتب الناسخ:«تم الكتاب بحمد الله وعونه في خامس شهر شعبان المبارك سنة ثمانٍ وخمسين وسبعمائة على يد العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن عثمان بن محمد بن سلمان الزرعي الدمشقي غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين، ولمن نظر فيه ودعا لكتابه بالمغفرة والرحمة، حامدًا لله تعالى ومصليًا على رسوله محمدٍ وآله وصحبه، وحسبنا الله ونعم الوكيل» . واتبع الناسخ نظام التعقيبة أحيانًا.

وكُتب على بعض حواشي ورقاتها تعليقات، لم نجد كبير فائدة في الإشارة إليها.

وعلى لوحة العنوان تملكات ومطالعات كثيرة.

وهي نسخة في غاية الجودة، كثيرٌ من كلماتها مشكولٌ، وقد نفعنا الله بها في تصحيح كثيرٍ من التصحيفات واستدراك كثيرٍ من السقوطات، وللأسف قد ضاع منها عدة كراسات موضعها بين الورقتين الثانية والثلاثين والثالثة والثلاثين، وقد تبين لي أن هذه النسخة هي أصل كل النسخ التي وقفت عليها للمختصر ـ فقد انتقل هذا السقط منها إلى كل المخطوطات الأخرى، ومن ثم وقع هذا السقط في طبعات المختصر جميعها.

وقد رمزت لهذه النسخة بحرف «م» .

* * * * *

ص: 64

(11)

‌ منهج التحقيق

تسلمت عند الاتفاق على تحقيق الكتاب من الجهة الراعية لذلك ملفًا فيه متن الكتاب مخرَّج الأحاديث الأحاديث والآثار، ونسخة من المنهج المتبع في تحقيق كتب المشروع.

وكان تفصيل عملنا في تحقيق الكتاب: ضبط النصِّ، والتعليق عليه، والتقديم له، وفهرسة محتوياته.

أمَّا ضبط النصِّ:

- فقد قابلنا النَّصَّ على المخطوطتين، ثم على ما وجُد منه في نسخة المختصر «م» ، وقد قرأ عليّ الكتاب أخي مجدي السيد أمين وأنا ممسك بالمخطوطات.

- وقابلت النقول على مصادرها، وأثبتنا الرَّاجح في المتن، وما كان من غير النسخ الثلاث وضعته بين معقوفين.

- وقسمت النصَّ إلى فقرات، وأضفت إليه علامات الترقيم المناسبة.

- ووضع أخي عاطف بن محمود الآيات الكريمة من المصحف مشكولة بالرسم العثماني وفق رواية الدوري عن أبي عمرو البصري، وهي القراءة المعروفة في عصر المؤلف -رحمه الله تعالى-، وقد وافق رسم الآيات في مخطوطات الكتاب هذه القراءة إلا في موضعين نبهتُ عليهما في الهوامش، وقد وضعنا تخريج الآيات داخل المتن عقب كل آية بين معقوفين بحجم أقل من حجم الكتابة.

- وضبطنا الأحاديث النَّبوية الشَّريفة بالشَّكل التام، وكذا الأشعار.

ص: 65

- وضبطنا بالشَّكل ما يُشكل من الألفاظ والأسماء والكنى والأنساب والأماكن والبلدان وغيرها.

- وضعنا في النص أوائل ورقات المخطوطة «ح» هكذا [ق 1 ب]، إلا في الجزء الذي سقط منها فوضعنا أوائل ورقات النسخة «ب» هكذا [ب 75 أ].

وأمَّا التعليق على النصِّ:

- فقد وثَّقنا نُقول الكتاب بعزوها إلى مصادرها، وعزونا الأشعار إلى دواوينها ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا، وإلَّا عزوناها إلى كتب اللغة والأدب.

- خرج أحاديث الكتاب الأخ حسين باقر ثم راجعها الأخ كريم بن محمد عيد، فعدّل وأكمل، ثم راجعته مرة ثانية فاستوفيت التعديل والإكمال.

- واستوفينا عزو إحالات المصنِّف لما تقدم من الكتاب وما سيأتي إلى صفحاتها، وذلك لربط أجزاء الكتاب ببعضها.

- وعلَّقنا على بعض ما يحتاج إلى بيانٍ وإيضاحٍ من نصوص الكتاب، كشرح كلمةٍ غريبةٍ أو إيضاح إبهامٍ أو إزالة لبسٍ أو استدراك، كل ذلك على وجه الاختصار.

- وربطنا أبحاث ابن القيِّم بكتبه الأخرى.

ثم راجع الكتاب الشيخان الفاضلان د. محمد أجمل الإصلاحي ود. سعود بن عبد العزيز العريفي ـ جزاهما الله خيرًا ـ فصححا كثيرًا من الأخطاء، ونبها على كثيرٍ من المواضع التي تحتاج إلى مراجعة وتدقيق، وأشارا بحذف بعض الشروحات اللغوية ونحوها، ودققا علامات الترقيم وغيرها.

وأمَّا مقدمة التحقيق: فكتبتها في أحد عشر مباحثًا سبق سردها.

ص: 66

وأمَّا الفهارس فقد صنعنا الفهارس التي تيسر الانتفاع بالكتاب، وهي نوعان فهارس لفظية وعلمية:

أولًا: الفهارس اللفظية:

(1)

فهرس الآيات القرآنية.

(2)

فهرس الأحاديث والآثار.

(3)

فهرس الأعلام.

(4)

فهرس الفرق والجماعات.

(5)

فهرس الأماكن والبلدان.

(6)

فهرس الكتب.

(7)

فهرس الأشعار.

ثانيًا: الفهارس العلمية:

(1)

فهرس التفسير وعلوم القرآن.

(2)

فهرس الحديث وعلومه.

(3)

فهرس العقيدة.

(4)

فهرس الفقه وأصوله.

(5)

فهرس اللغة والنحو

(6)

فهرس الفوائد المتفرقة.

ثم فهرس الموضوعات.

ص: 67

وقد عاونني في عمل جُلِّ هذه الفهارس أخي مجدي السيد أمين.

ووضعت عقب المقدمة نماذج من صور المخطوطات المعتمدة في التحقيق.

والخلاصة أن طبعتنا تميزت بعدة ميزات:

منها: الاجتهاد في ضبط الكتاب، ومن ذلك وضع الآيات بالرسم العثماني من المصحف وفق قراءة الدوري عن أبي عمرو البصري ـ وهي قراءة الإمام ابن القيِّم

(1)

ـ وضبط الأحاديث والأشعار بالشكل التام، وضبط المشكل ممَّا سواهما.

ومنها: اعتماد أنفس نسخ «مختصر الصواعق» نسخة مساعدة في ضبط المتن، ممَّا أعان على تصويب كثيرٍ من الأخطاء واستدراك كثيرٍ من السقوطات.

ومنها: العناية الكبيرة بتخريج الأحاديث والأشعار وتوثيق النقول والأقوال، ومقابلتها على أصولها، ممَّا أعان على تصويب كثيرٍ من الأخطاء واستدراك كثيرٍ من الخلل والسقط أيضًا.

ومنها: العناية الكبيرة بفهرسة محتويات الكتاب.

ومنها: حُسن التنسيق والطباعة، ولملمة حجم الكتاب في مجلدين بدلًا من أربعة في الطبعة المتداولة.

* * * * *

(1)

معرفة قراءة المصنِّف في غاية الأهمية لضبط الكتاب، وإلا سيُخطأ الصواب، كما وقع لمحقق «الصواعق» (756) ولمحقق «مختصر الصواعق» (1/ 235) في قوله تعالى:{وَاَلَّيْلِ إِذَا دَبَرَ} [المدثر: 33].

ص: 68

‌نماذج

من صور المخطوطات

ص: 69

عنوان نسخة حلب «ح»

ص: 71

أول نسخة حلب (ح)

ص: 72

آخر نسخة حلب (ح)

ص: 73

أول نسخة برلين «ب»

ص: 74

آخر نسخة برلين «ب»

ص: 75

عنوان «مختصر الصواعق» «م»

ص: 76

أول نسخة المختصر «م»

ص: 77

آخر نسخة المختصر «م»

ص: 78