الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدّين كله ولو كره المشركون، وأيّده بأصحاب كالنجوم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وبهم أصحاب الضلالة يهتدون، وأتبعهم بعلماء كأنبياء بنى إسرائيل يعلّمون الناس من شريعة نبيّهم ما يجهلون، صلّى الله وسلّم عليه وعلى آله وصحبه، عدد ما كان، وما يكون، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم يبعثون.
وبعد؛ فإنّ من أراد النجاة فى الدّارين، والسّعادة فى الحالين، والاتّباع بالإحسان، والإحسان باتّباع الأعيان، فعليه بسلوك طريقة من سلف من الأئمة المهتدين، والعلماء العاملين، والفضلاء المحقّقين والمحقّقين الفاضلين، ممّن لم يرد بالعلم مماراة ولا مباهاة، ولا مجادلة ولا مضاهاة، بل قصر ليله على العبادة، ونهاره على الإفادة، يقول الحقّ ويعمل به، ويفعل الخير ويرشد إليه، لا تأخذه فى الله لومة لائم، ولا يصدّه عن الحقّ رهبة ظالم.
ولا سبيل إلى هذا السّبيل إلا بعد معرفتهم، والوقوف على جليّتهم، والإحاطة بأوصاف أخيارهم، والاطّلاع على جملة أخبارهم.
ولمّا
(1)
كان هذا أمرا يتعذّر، وعملا يتعسّر، بل لا يدخل تحت مقدور البشريّة، ولا يمكن إدراكه بالكليّة، وقد قيل: ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه، وواجب علينا أن نبدأ بالأهمّ، والأولى فالأولى.
وكان
(2)
من أهمّ المهمّات أن يعرف الشخص أوّلا من جعله
(3)
وسيلة فى الهداية بينه
(1)
فى ط، ن:«وقد» ، والمثبت فى: ص.
(2)
فى ط، ن:«فأقول» ، والمثبت فى: ص.
(3)
فى ط، ن:«جعل» ، والمثبت فى: ص.
وبين الله، وقلّده فيما يراه، وتبعه فيما يتحرّاه،
(1)
اقتضى الحال
(1)
على أن نقتصر على ذكر أئمّتنا الذين بهم نهتدى، وبأقوالهم وأفعالهم نقتدى.
وهم
(2)
إمام الأئمّة، وسراج الأمة
(3)
وأمين الله تعالى على حفظ شريعته فى أرضه، والمميّز لعباده بين واجبه وفرضه
(3)
، أبو حنيفة النعمان
(4)
بن ثابت
(4)
الكوفىّ
(5)
، تغمده الله بالرحمة والرّضوان، وأسكنه فسيح الجنان
(5)
، وأصحابه الذين أخذوا عنه، واقتدوا به، واتّبعوه بإحسان، إلى زمننا هذا، رضى الله تعالى عنهم أجمعين؛ فإن فيهم كفاية، لمن أراد الهداية، ونهاية، لمن أراد الدّراية، وليس فى أصحاب المذاهب أجلّ منهم، ولا أحد
2 -
وعاصرهم أو جاء بعدهم يستغنى عنهم،/فالناس خصوصا فى الفقه عيال عليهم، وفى الرّحلة أجلّ من تضرب أكباد
(6)
الإبل إليهم، ما تركوا علما يمكن تعلّمه إلاّ حصّلوه، ولا فعلا محمودا إلا فعلوه.
وقد صنّف
(7)
فى مناقبهم وفضائلهم وطبقاتهم، كتب كثيرة، ومجلدات كبيرة، غير أن تقادم الزمان أخلق جدّتها، وأنقص عدّتها؛ فإن غالبها كان بالعراقين مقرّه، وبدار السّلام مثواه ومستقرّه، وكان منها أيضا بما وراء النهر، ما لا يدخل تحت الحصر، ممّا حال بيننا وبينه بعد المراحل، وانقطاع القوافل، وتداول الفتن، وتناوب صروف الزمن، وضاعت الكتب، بعضها بالإغراق، وبعضها بالإحراق، واندرست الآثار، ونسيت الأخبار، وأصيب الإسلام وأهله، فانا لله وإنا إليه راجعون.
فخطر
(8)
فى خلدى أن أجمع كتابا مفردا، جامعا لتراجم السّادة الحنفيّة، مستوفيا لأخبارهم وفضائلهم ومناقبهم، وذكر مؤلّفاتهم ومصنّفاتهم، ومحاسن أشعارهم، ونوادر
(1 - 1) فى ط: «فعزمنا على» ، وفى ن:«فعزمنا» ، والمثبت فى: ص.
(2)
فى ط، ن:«فأولهم» والمثبت فى: ص.
(3 - 3) ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
(4 - 4) ساقط من: ط، ن، وهو فى: ص.
(5 - 5) ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
(6)
فى ط، ن:«آباط» ، والمثبت فى: ص.
(7)
فى ط، ن:«ألف الناس» ، والمثبت فى: ص.
(8)
من هنا إلى قوله: «لأن كل واحد» فى بيان قاعدة التاريخ التى شرحها المصنف، والتى تأتى فى صفحة ( .. )، أوراق ساقطة من: ص، وهى فى: ط، ن.
أخبارهم، وغير ذلك، بحسب الطّاقة، ونهاية القدرة، وإلاّ فهم ممّن لا يمكن حصره، ولا يطمع فى الإحاطة به، ولا فى الوصول إليه.
فانتخبت ذلك من الكتب المعتبرة، التى يرجع فى النّقل إليها، ويعوّل فى الرواية عليها؛ من ذلك:
«الدّرر الكامنة فى أعيان المائة الثامنة» ، للحافظ ابن حجر.
«إنباء الغمر بأنباء العمر» له أيضا.
«رفع الإصر عن قضاة مصر» له أيضا.
ذيله، المسمّى ب «بغية العلماء والرّواة» لتلميذه الشيخ شمس الدّين السّخاوىّ.
«طبقات اللغويّين والنحاة» ، للحافظ جلال الدّين السّيوطىّ.
«طبقات المفسّرين» ، له أيضا.
«نظم العقيان فى أعيان الأعيان» ، له أيضا.
«الرّوض البسّام فى من ولى قضاء الشام» ، لأحمد بن اللبودىّ
(1)
.
«الجواهر المضيّة فى طبقات الحنفيّة» ، للشيخ عبد القادر القرشىّ، وهي أكبر طبقات وقفت عليها لأئمّتنا السّادة الحنفيّة، مع أنها مختصرة بالنسبة إلى شأن من صنّفت فى حقّهم.
«طبقات الحنفية» ، للشهاب المقريزىّ
(2)
.
«طبقات الحنفية» ، للشيخ قاسم بن قطلوبغا الحنفىّ.
(1)
أبو العباس أحمد بن خليل اللبودى، المتوفى نحو سنة خمس وأربعين وتسعمائة.
واللبودى: نسبة إلى عمل اللبود، وكان أبو العباس من أهل صالحية دمشق، وبدمشق موضع يقال له اللبادين، نسبة إلى عمل اللبود من الصوف، وهذا الموضع مشرف على باب جيرون.
معجم البلدان 4/ 345، هدية العارفين 1/ 143.
(2)
المقريزى هو تقى الدين فى جميع مصادر ترجمته، وقد تبع المؤلف صاحب تاج التراجم، فلقبه شهاب الدين، انظر تاج التراجم 3.
«طبقات الفقهاء» ، لأبى إسحاق الشّيرازىّ، وهي شاملة لسائر الفقهاء الكبار، والمجتهدين الأخيار، من أصحاب المذاهب المتّبعة، وغير المتّبعة، من الصّحابة، والتابعين وغيرهم، إلى الزمن الذى كان فيه، رحمه الله تعالى.
«يتيمة الدّهر» ، للثّعالبىّ.
«تتمّة اليتيمة» ، له أيضا
«دمية القصر» ، للباخرزىّ.
«الخريدة» للعماد الكاتب.
«تاريخ قزوين» لأبى القاسم الرّافعىّ.
«تاريخ جرجان» ، للحافظ السّهمىّ.
«تاريخ آل رسول» بغير ألف ولام، للخزرجىّ.
«معجم البلدان» لياقوت الحموىّ.
«طبقات المحدّثين» ، للحافظ الذّهبىّ.
«تاريخ الإسلام» له أيضا.
«العبر» له أيضا.
«ذيل العبر» ، للحافظ زين الدّين العراقىّ.
«ذيل الذّيل» ، لولده الحافظ ولىّ الدّين العراقىّ.
«طبقات النحاة» ، لابن قاضى شهبة.
«الوافي بالوفيات» ، للصّلاح الصّفدىّ.
«أعيان العصر/وأعوان النّصر» له أيضا.
«الشّقائق» ، لابن طاش كبرى.
«تهذيب الأسماء واللغات» ، للإمام النّووىّ.
«تاريخ الصّعيد» للأدفوىّ.
«تاريخ اليافعىّ» .
«مرآة الزمان» ، لسبط ابن الجوزىّ.
«الذيل على مرآة الزمان» ، لليونينىّ.
«المنتظم» لابن الجوزىّ.
وغير ذلك من التواريخ، والطبقات والتراجم، وأسماء الرجال ودواوين الشعراء، ومجاميع الأدباء، ومن أفواه الثّقات، وأعيان الرّواة، ولا أنقل شيئا إلا بعد أن يشهد له العقل والنّقل، وغلبة الظنّ بالصحة.
وقد صدّرت هذا الكتاب بمقدمة، تشتمل على بيان من ألّفته باسمه، وعملته برسمه، وعلى فوائد مهمّة، تتعلق بفنّ التاريخ، لا يسع المؤرّخ جهلها، وعلى بيان ما اصطلحت عليه في هذا الكتاب، وهى
(1)
مقدّمة تحتوى على أبواب وفصول، جعلها الله تعالى منتجة لكل خير، موصّلة لكل مأمول؛ بمنّه وكرمه.
وسمّيته «الطبقات السنيّة فى تراجم الحنفية» .
نفع الله تعالى به، وأثاب عليه، بمنّه
(2)
وكرمه؛ إنه على كل ما يشاء قدير، وبالإجابة قمن وجدير.
(1)
فى ن: «وفى» ، والمثبت فى: ط.
(2)
ساقط من: ط، وهو فى: ن.
باب
فى بيان من ألّفته باسمه، وعملته برسمه
وهو صاحب القرآن السّعيد، وسلطان الأوان المديد، وإسكندر الزمان، وفخر آل عثمان، من تفتخر الملوك بتقبيل أعتابه، وتتباهى السّلاطين بخدمة أبوابه، ومن أنام الأنام فى ظلّ عدله، وأحيا موات العدم بوافر إحسانه وفضله، ونصر الدّين المحمّدىّ وأقام مناره، وخفض كلمة الباطل وأذهب شعاره، وشمل شمل الكفر بعزتّه كلّ خزى ونكال، وتسلّط على ذويه كلّ قهر ووبال.
فلم يبق غراب إلا غربت شمسه، ولا مقاتل إلاّ وسالت على الصّوارم نفسه، ولا ذهب إلا ذهب إلى خزائنه المعمورة، ولا حريم لهم
(1)
إلا وقد هتكت حرمته المستورة، ولا قلعة إلاّ قلعت من أصولها، ولا قافلة إلا قطعت عن قفولها.
وأطلق سيوفه الباترة، في أعناق طغاة الرّوافض الفاجرة، فما أبقى لهم شملا إلاّ بدّده
(2)
، ولا جمعا إلاّ أفرده
(3)
ولا قوة إلا أضعفها، ولا مهجة إلا أتلفها.
وأصبح الرّفض مرفوضا وناصره
…
في ذلة وإمام الحقّ قاهره
وشوكة السّنة الغرّاء قد قويت
…
فكلّ قطر بها تزهى منابره
وهو السّلطان الأعظم، والخاقان الأكرم؛ سيف الله القاطع، وشهابه اللامع، والمحامى عن دينه والمدافع، والذّابّ عن حرمه والممانع، السّلطان مراد خان
(4)
، أدام الله دولته إلى آخر الزمان، ابن السّلطان سليم خان، ابن السّلطان سليمان خان، ابن السّلطان سليم خان ابن السّلطان بايزيد خان، ابن السّلطان محمّد خان-فاتح قسطنطينيّة، حماها الله
(1)
ساقط من: ط، وهو فى: ن.
(2)
فى ط: «أبدره» ، والمثبت فى: ن.
(3)
فى ط: «فرره» ، والمثبت فى: ن.
(4)
تولى السلطان مراد الحكم سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة، وتوفى سنة ثلاث بعد الألف، وكان له اشتغال ومشاركة فى بعض العلوم، وله شعر بليغ بالعربية والفارسية والتركية، وكان يميل إلى علم التصوف، محبا للعلماء، تقيا. وكانت وفاته عن خمس وخمسين سنة.
حقائق الأخبار 1/ 564 - 568، خلاصة الأثر 4/ 341 - 354.
عن كل آفة وبليّة-ابن السّلطان مراد خان، ابن السلطان محمّد خان، ابن السّلطان بايزيد خان، ابن السّلطان مراد خان الغازى، ابن السّلطان أورخان، ابن السّلطان عثمان الغازى، الذى تنسب إليه هذه السّلاطين. أدام الله/أيّام دولتهم، وخلّد أوقات سعادتهم، ورحم أوّلهم، ونصر آخرهم، ولا ردّ لهم راية عن غاية، ولا حساما عن نهاية.
ولا زالت أيّام هذا السّلطان فى سعادة وإقبال، وعظمة وإجلال؛ فإنه ما زال يقرّب أهل العلم من ساحة إحسانه، ويأويهم إلى كنف جوده وامتنانه، ويقابل محسنهم بالإحسان، ومسيئهم بالغفران، وفاضلهم بالإفضال، وكبيرهم بالإكرام والإجلال.
فرغب فى تحصيل العلوم من لم تكن له رغبة، وتأهّب للاشتغال من لم يكن عنده أهبة، وصار كلّ منهم يظهر بالتأليف مقدوره، ويبذل فى التّصنيف ميسوره، ويشرّف ما ألّفه وصنّفه، بخدمة سدّته السّنيّة، وأبوابه العليّة، ويبلغ به من إحسانه أقصى المرام والأمنيّة.
فأحببت أن أدخل نفسى فى عدادهم وإن لم أكن لذلك أهلا، وأضرب معهم فى الخدمة بسهم وإن لم أكن ممّن يعرف الضرب أصلا.
فالكريم يغضّ عن الزّلّة، والحليم يعفو عن الذنب؛ والخيار يستر العوار، والكلام يشرف بمن قيل فيه.
وقد شرّفت نظمى بمديحه، وقلت فيه قصيدة، أحببت أن أجعلها فى هذه المقدّمة مقدّمة، وفى هذه الترجمة مفخّمة.
وهى هذه:
دانت لهيبتك الأيّام والأمم
…
وقد أطاعك فيها السّيف والقلم
وليس يخرج عن أمر أمرت به
…
إلاّ شقىّ به قد زلّت القدم
وأصبح الجور لا يجار ولا
…
يلفى له فى جميع الأرض معتصم
والعدل فى كفّه ماض أشمّ به
…
من عصبة الظلم والعدوان ينتقم
لا يظلم الذئب شاة البرّ ليس لها
…
راع سواه وقد أودى به النّهم
هذا الذى قيل فى أمثال من سلفوا
…
من كثرة الأمن يمشى الذئب والغنم
يحصى الحصا قبل أن تحصى مآثره
…
والغيث يفنى ولا تفنى له نعم
يكاثر الرّمل فى الهيجاء عسكره
…
وكلّ من شئت منهم وحده أمم
هو المراد الذى ربّ العباد قضى
…
فى عالم الذّرّ أن يحيى به العدم
وأن تعود به الدنيا كما بدئت
…
علما وعدلا وجودا دونه الدّيم
أما ترى العلم ينمو كلّ آونة
…
والجهل يزداد نقصا ليس ينكتم
أما ترى علم الإسلام مرتفعا
…
والكفر أصبح لا بند ولا علم
والمال فاض وفاض الباذلون له
…
وكلّ أرض على من حلّها حرم
يا آل عثمان يا من لا نظير لهم
…
بين الملوك وهل يرجى نظيرهم
يا من بأعتابهم من حين ما نصبت
…
شفاه كلّ ملوك الأرض تستلم
لم تصف للناس أيّام ولا سلمت
…
من التكدّر إلا فى زمانكم
فالله يبقى لأهل الأرض دولتكم
…
فإنّها دولة يحيى بها النّسم
والله يعيطكم ما لا يحيط به
…
وصف ولا عن مداه تفصح الكلم
/ولا تزال الورى فى ظلّ دولتكم
…
بخفض عيش وثغر الدّهر يبتسم
باب
يشتمل على فوائد مهمّة، تتعلق بفنّ التاريخ،
لا يسع المؤرّخ جهلها
وهو باب يشتمل على فصول:
الفصل الأوّل
(1)
كانت العرب تؤرّخ فى بنى كنانة من موت كعب بن لؤىّ،
فلما كان عام الفيل أرّخت منه، وكانت المدّة بينهما مائة وعشرين سنة.
قال أبو الفرج الأصبهانىّ، صاحب «الأغانى»: إنه لما مات الوليد بن المغيرة بن عبد الله ابن عمرو بن مخزوم، أرّخت قريش بوفاته مدة؛ لإعظامها إياه، حتى إذا كان عام الفيل جعلوه تاريخا. هكذا ذكره ابن دأب
(2)
.
وأمّا الزّبير بن بكّار فذكر أنها كانت تؤرّخ بوفاة هشام بن المغيرة تسع سنين، إلى أن كانت السّنة التى بنوا فيها الكعبة، فأرّخوا بها. انتهى.
وأرّخ بنو إسماعيل عليه الصلاة والسلام من نار إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى بنائه البيت، ومن بنائه البيت إلى تفرّق معدّ
(3)
، ومن تفرّق معدّ
(3)
إلى موت كعب بن لؤىّ؛ ومن عادة الناس أن يؤرّخوا بالواقع المشهور، والأمر العظيم، فأرّخ بعض العرب بأيام الخنان لشهرتها.
قال النابغة الجعدىّ
(4)
:
فمن يك سائلا عنّى فإنىّ
…
من الفتيان أيّام الخنان
(1)
نقل المصنف هذا الفصل عن الصفدى، فى كتابه الوافى بالوفيات 1/ 9 - 12.
(2)
أبو الوليد عيسى بن يزيد بن بكر بن دأب، أحد بنى ليث بن بكر، كان شاعرا إخباريا، وكان أكثر أهل الحجاز أدبا وأعذبهم لفظا، وكان قد حظى عند الهادى، وهو متهم بوضع الشعر، وأحاديث السمر. تاج العروس (دأب) 1/ 242، المزهر 2/ 414.
(3 - 3) ساقط من: ن، وهو فى: ط، والوافى بالوفيات.
(4)
شعر النابغة الجعدى 161،160.
مضت مائة لعام ولدت فيه
…
وعام بعد ذاك وحجّتان
وقد أبقت صروف الدّهر منّى
…
كما أبقت من السّيف اليمانى
(1)
قال الشريف المرتضى، فى كتابه «غرر الفرائد، ودرر القلائد»
(2)
: إن أيام الخنان أيّام كانت للعرب قديمة، هاج بهم فيها مرض فى أنوفهم وحلوقهم.
قلت:
(3)
وهو بضمّ الخاء وفتح النون، وقد يشتبه بالختان، بكسر الخاء والتاء المثناة من فوق.
وكانت العرب تؤرّخ بالنجوم، وهو أصل قولك: نجّمت
(4)
على فلان كذا حتى يؤدّيه فى نجوم. وأول من أرّخ الكتب من الهجرة عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه، فى شهر ربيع الأوّل، سنة ست عشرة، وكان سبب ذلك، أن أبا موسى الأشعرىّ رضي الله عنه، كتب إلى عمر رضي الله عنه: إنه يأتينا من قبل أمير المؤمنين كتب لا ندرى على أيّها نعمل، قد قرأنا صكّا منها محلّه شعبان فما ندرى أى الشّعبانين، الماضى أو الآتى. فعمل عمر رضى الله تعالى عنه على كتب التاريخ، فأراد أن يجعل أوّله رمضان، فرأى أن الأشهر الحرم تقع حينئذ فى سنتين، فجعله من المحرّم، وهو آخرها، فصيّره أوّلا لتجتمع فى سنة واحدة.
وكان قد هاجر صلى الله عليه وسلم يوم الخميس، لأيام من المحرّم، فمكث مهاجرا بين سير ومقام مدّة شهرين وثمانية أيّام.
فصل
(5)
تقول العرب: أرّخت وورّخت،
فيقلبون الهمزة واوا، لأنّ الهمزة نظير الواو فى المخرج، فالهمزة من أقصى الحلق، والواو من آخر الفم، فهى تحاذيها
(6)
، ولذلك قالوا فى وعد: أعد،
(1)
فى شعر النابغة: «فقد أبقت» .
(2)
أمالى المرتضى 1/ 264. وهذا النقل عن الشريف المرتضى لم يرد فى الوافى بالوفيات.
(3)
هذا قول المصنف.
(4)
فى ن: «أرخت» ، والمثبت فى: ط، والوافى.
(5)
هذا الفصل أيضا فى الوافى بالوفيات 17،1/ 16.
(6)
فى ط، والوافى؛ «محاذيها» ، والمثبت فى: ن.
وفى وجوه: أجوه، وفى أثؤب: أثوب، وفى أحد: وحد. فعلى ذلك يكون المصدر تاريخا/وتوريخا بمعنى
(1)
.
وقاعدة التاريخ عند أهل العربيّة أن يؤرّخوا بالليالى دون الأيّام؛ لأن الهلال إنمّا يرى ليلا، ثم إنهم يؤنّثون المذكّر ويذكّرون المؤنث، على قاعدة العدد؛ لأنك تقول: ثلاثة غلمان، وأربع جوارى
(2)
.
إذا عرفت ذلك، فإنك تقول فى الليالى ما بين الثلاث إلى العشر: ثلاث ليالى، وأربع ليالى، إلى بابه.
وتقول فى الأيّام ما بين الثلاثة إلى العشرة: ثلاثة أيام، وأربعة أيام، إلى بابه.
وأمّا واحد واثنان، فلم يضيفوهما إلى مميّز، فأمّا ما جاء من قول الشاعر
(3)
:
كأنّ خصييه من التّدلدل
…
ظرف عجوز فيه ثنتا حنظل
(4)
فبابه الشعر، وضرورة الشعر لا تكون قاعدة، وإنما امتنعوا من ذلك؛ لأنه يكون من باب إضافة الشئ إلى نفسه؛ فإنك إذا قلت: اثنا يومين، أو واحد رجل، فاليومان هما الاثنان، والواحد هو الرّجل، وإذا قلت: يوم ورجلان. فقد دللت على الكمّيّة والجنس، وليس كذلك فى أيّام ورجال، فيما فوق الثلاثة؛ لأن ذلك يصحّ على القليل والكثير، فيضاف العدد إليه لتعلم الكمّيّة.
وأضافوا العدد من الثلاثة إلى العشرة إلى جموع القلّة، فقالوا: ثلاثة أيّام، وأربعة أحمال، وخمسة أشهر، وستة أرغفة، ولا يورد هاهنا قوله تعالى
(5)
: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) 6} ، لأنّه ميّز الثلاثة بجمع الكثرة؛ لأن المعنى كل واحد من المطلّقات تتربّص للعدّة ثلاثة أقراء، فلما
(1)
ساقط من: ن، وهو فى: ط، والوافى.
(2)
فى الوافى: «جوار» ، والمثبت فى الأصول، وانظر كلام المصنف فى التنبيه الذى سيلى بعد صفحات.
(3)
البيت غير منسوب، فى اللسان (خ ص ى) 14/ 230، وصدره فيه أيضا (د ل ل) 11/ 249.
(4)
ثنتا حنظل: أراد حنظلتان. انظر اللسان 14/ 230.
(5)
سورة البقرة 228.
(6)
هذه قراءة جمهور الناس، ويروى:«قروّ» بكسر الواو وشدها من غير همزة، وقرأ الحسن:«قرء» بفتح القاف وسكون الراء والتنوين. تفسير القرطبى 3/ 113.
كان مجموع الأقراء من المطلّقات كثيرا ميّز الثلاثة، بجمع الكثرة
(1)
، ولا يضاف عدد أقل من ستة إلى مميّزين؛ ذكر وانثى؛ لأن كلّ واحد
(2)
من المميّزين جمع، وأقلّ الجمع ثلاثة.
وقالوا فى العدد المركّب من بعد العشرة إلى العشرين، وهو أحد عشر وبابه: إحدى عشرة ليلة، وما بعده إلى العشرين، بإثبات التأنيث فى الجزءين من إحدى عشرة، واثنتى عشرة، وحذف التأنيث من الجزء
(3)
الأول فى الباقى للمؤنث. وأحد عشر يوما، واثنا عشر يوما، وثلاثة عشر يوما، وما بعده إلى العشرين، بخلوّ الجزءين الأوّلين من التأنيث وإثباته فى الجزء الأول لما بعده فى المذكّر، والحجازيّون يسكّنون الشين فى عشرة، وبنو تميم يكسرونها.
وميّزوا ما بعد العشرة إلى العشرين وما بعدها من العقود إلى التسعين، بمنصوب، فقالوا:
أحد عشر كوكبا وأربعين ليلة، وأتوا بواو العطف بعد العشرين، ومنعوها بعد العشرة إلى العشرين، فقالوا: أحد وعشرون، وأحد عشرة، وقالوا: مائة يوم، ومائتا يوم؛ فجعلوا المميّز من المائة إلى الألف وما بعده مضافا، ولم يجروه مجرى ما بعد العشرة إلى التّسعين.
وقالوا: ثلاثمائة وأربعمائة. وبابه، فميّزوه بالمفرد، ولم يميّزوا بالجمع، وقالوا: ألف ليلة.
فأجروا ذلك فى التّمييز مجرى المائة.
فائدة
(4)
لفظ «ألف» مذكر،
والدّليل عليه قوله تعالى
(5)
: {يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ} ، وقد تقرّر أن المعدود المذكّر يؤنّث، والمؤنّث يذكّر.
ولا يورد قولهم: «هذه ألف درهم» ؛ فإن الإشارة إنما هى إلى الدّراهم، لا إلى الألف، وتقديره: هذه الدّراهم ألف.
(1)
ساقط من: ن، وهو فى: ط، والوافى.
(2)
هذا نهاية الساقط من: ص، الذى سبقت الإشارة إليه فى صفحة 4.
(3)
فى ط: «الحذف» ، وفى ن:«الحرف» ، والمثبت فى: ص، والوافى بالوفيات.
(4)
الوافى بالوفيات 1/ 19.
(5)
سورة آل عمران 125.
فائدة أخرى
(1)
إذا أردت تعريف العدد المضاف/، أدخلت الأداة على الاسم الثانى، فتعرّف به، نحو «ثلاثة الرجال» ، و «مائة الدرهم» كقولك:«غلام الرّجل» . قال ذو الرّمّة
(2)
:
وهل يرجع التسليم أو يكشف العمى
…
ثلاث الأثافى والرّسوم البلاقع
(3)
ولا يجوز «الخمسة دراهم» ؛ لأن الإضافة للتّخصيص، وتخصيص الأوّل باللام يغنيه عن ذلك، فأما ما لم يضف، فأداة التعريف فى الأول نحو «الخمسة عشر درهما» ؛ إذ لا تخصيص بغير اللام، وقد جاء شئ على خلاف ذلك.
تنبيه
(4)
الفصيح
(5)
أن تقول: «عندى ثمانى نسوة» و «ثمانى عشرة جارية» و «ثمانى مائة درهم» ؛ لأن الياء هنا ياء المنقوص، وهى ثابتة فى حالة الإضافة والنصب، كياء قاضى
(6)
وأما قول الأعشى
(7)
:
ولقد شربت ثمانيا وثمانيا
…
وثمان عشرة واثنتين وأربعا
(8)
(1)
الوافى بالوفيات 1/ 19.
(2)
ديوانه 332.
(3)
فى ص: «يوجع التسليم» والمثبت فى: ط، ن، والصفدى، والديوان.
(4)
الوافى بالوفيات 20،1/ 19.
(5)
فى ط، ن:«الأفصح» ، والمثبت فى: ص، والوافى.
(6)
فى ط، ن، والوافى:«قاض» ، وهو لا يستقيم مع هذا التنبيه، والمثبت فى: ص.
(7)
الصحاح (ث م ن) 5/ 2089، اللسان (ث م ن) 13/ 81.
(8)
قال أبو منصور: ووجه الكلام بثمان عشرة، بكسر النون، لتدل الكسرة على الياء، وترك فتحة الياء على لغة من يقول: رأيت القاضى.
وقال الجوهرى: إنما حذفت الياء فى قوله «وثمان عشرة» على لغة من يقول طوال الأيد.
فبابه ضرورة الشعر، كما قال الآخر
(1)
:
وطرت بمنصلى فى يعملات
…
دوامى الأيد يخبطن السّريحا
يريد «الأيدى»
على أنه قد قرئ
(2)
: (وَلَهُ الْجَوارُ الْمُنْشَآتُ). بضمّ الرّاء.
(1)
هو مضرس بن ربعى الأسدى، كما فى الصحاح واللسان، الموضع السابق، وهو أيضا فى اللسان (خ ب ط) 7/ 271، والكتاب 2/ 28.
(2)
سورة الرحمن 24
فصل فى كيفية كتابة التاريخ
(1)
تقول للعشرة وما دونها: خلون؛ لأن المميّز جمع، والجمع مؤنث.
وقالوا لما فوق العشرة: خلت، ومضت؛ لأنهم يريدون أن مميّزه واحد.
وتقول من بعد العشرين: لتسع إن بقين، وثمان إن بقين، تأتى بلفظ الشّك؛ لاحتمال أن يكون الشهر ناقصا أو كاملا.
وقد منع أبو علىّ الفارسىّ: لمستهلّ؛ لأن الاستهلال قد مضى، ونصّ على أن يؤرّخ بأول الشهر فى اليوم، أو بليلة خلت منه.
قال الحريرىّ، فى «درّة الغوّاص»:
(2)
والعرب تختار أن تجعل النون للقليل والتاء للكثير، فيقولون: لأربع خلون، ولأربع عشرة ليلة خلت.
قال: ولهم اختيار آخر، وهو أن تجعل ضمير الجمع الكثير
(3)
الهاء والألف، وضمير الجمع القليل الهاء والنون المشدّدة، كما نطق القرآن به، قال الله تعالى
(4)
: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} . فجعل ضمير الأشهر الحرم بالهاء والنون لقلّتهنّ، وضمير شهور السّنة الهاء والألف لكثرتها.
وكذلك اختاروا أيضا أن ألحقوا لصفة الجمع الكثير الهاء، فقالوا: أعطيته دراهم كثيرة، وأقمت أيّاما معدودة. وألحقوا لصفة الجمع القليل الألف والتاء، فقالوا: أقمت أيّاما معدودات، وكسوته أثوابا رفيعات.
(1)
الوافى بالوفيات 21،1/ 20.
(2)
درة الغواص 45.
(3)
فى الأصول، والوافى بالوفيات:«للكثير» والمثبت فى درة الغواص.
(4)
سورة التوبة 36.
وعلى هذا جاء فى سورة البقرة
(1)
: {وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النّارُ إِلاّ أَيّاماً مَعْدُودَةً} . وفى سورة آل عمران
(2)
{إِلاّ أَيّاماً مَعْدُوداتٍ} . كأنهم قالوا أولا بطول المدّة، ثم إنهم رجعوا عنه فقصّروا المدّة. انتهى.
والواجب أن تقول فى أوّل الشهر: لليلة خلت منه، أو لغرّته، أو لمستهلّه.
فإذا تحقّقت آخره، قلت: انسلاخه، أو سلخه، أو آخره.
قال ابن عصفور: والأحسن أن تؤرّخ بالأقلّ فيما مضى وما بقى، فإذا استويا أرّخت بأيّهما شئت.
وقال الصّلاح الصّفدىّ، بعد نقله كلام ابن عصفور/هذا، قلت: بل إن كان فى خامس عشر، قلت: منتصف، أو فى خامس عشر، وهو أكثر تحقيقا؛ لاحتمال أن يكون الشهر ناقصا، وإن كان فى الرابع عشر، ذكرته، أو السّادس عشر ذكرته.
تنبيه
قال الصّلاح الصّفدىّ
(3)
: رأيت الفضلاء قد كتبوا بعض الشهور بشهر كذا، وبعضها لم يذكروا معه شهرا، وطلبت الخاصّة فى ذلك فلم أجدهم أتوا بشهر إلاّ مع شهر يكون أوّله حرف راء، مثل شهرى ربيع، وشهر رجب، وشهر رمضان، ولم أدر العلة فى ذلك ما هى؟، ولا وجه المناسبة؟ لأنه كان ينبغى أن يحذف لفظ شهر من هذه المواضع؛ لأنه يجتمع فى ذلك راءان، وهم قد فرّوا
(4)
من ذلك وكتبوا: داود، وناوس، وطاوس، بواو واحدة؛ كراهية
(5)
الجمع بين المثلين. انتهى
(1)
الآية 80.
(2)
الآية 24.
(3)
الوافى بالوفيات 1/ 21.
(4)
فى ص: «فرقوا» ، وفى ط، ن:«فرقا» ، والمثبت فى: الوافى.
(5)
ساقط من: ط، ن، وهو فى: ص، والوافى.
وقال الحافظ جلال الدين السّيوطىّ فى كتابه «نظم العقيان، فى أعيان الأعيان
(1)
»، بعد نقله كلام الصّفدىّ هذا، قلت: قد تعرّض للمسألة من المتقدّمين ابن درستويه، فى الكتاب «المتمم» ، فقال: الشهور كلها مذكّرة إلاّ جمادى، وليس شئ منها يضاف إليه شهر إلاّ شهرا ربيع، وشهر رمضان، قال الله تعالى
(2)
: {شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} .
وقال الرّاعى
(3)
:
شهرى ربيع ما تذوق لبونهم
…
إلاّ حموضا وخمة ودويلا
(4)
فما كان من أسمائها اسما للشهر، أو صفة قامت مقام الاسم، فهو الذى لم يجز أن يضاف الشهر إليه، ولا يذكر معه، كالمحرّم، إنما معناه الشهر المحرّم؛ وهو من الأشهر الحرم، وكصفر، وهو اسم معرفة كزيد، من قولهم: صفر الإناء يصفر صفرا، إذا خلا، وجمادى، وهى معرفة، وليست بصفة، وهى من جمود الماء، ورجب وهو معرّف، مثل صفر، وهو من قولهم: رجبت الشئ. أى عظّمته؛ لأنه أيضا من الأشهر الحرم، وشعبان؛ وهو صفة بمنزلة عطشان، من التشعّب والتفرّق، وشوال، وهو صفة جرت مجرى الاسم، وصارت معرفة، وفيها تشول الإبل، وذى القعدة، وهى صفة قامت مقام الشهر والقعود عن التصرف، كقولك، هذا الرجل ذو الجلسة، فإذا حذفت الرجل قلت: ذو الجلسة، وذى الحجّة مثله، مأخوذ من الحجّ.
وأما الربيعان، ورمضان، فليست بأسماء للشهر، ولا صفات له، فلا بدّ من إضافة شهر إليها، كقولك شهر ربيع، وشهر رمضان، ويدلّك على ذلك أن رمضان فعلان من الرّمضاء،
(1)
نظم العقيان 12،11.
(2)
سورة البقرة 185.
(3)
البيت فى جمهرة أشعار العرب 347 من ملحمته، واللسان (دول) 11/ 254، وانظر شعر الراعى 141.
(4)
الحموض: جمع حمض، ووخمة: ذات وخم، والدويل: اليابس من النبات وغيره، وهو أيضا: الكلأ الذى أتت عليه سنتان.
ورواية الجمهرة «وخمة وذبيلا» ، والذبيل: اليابس أيضا.
كقولك الغليان، وليس الغليان بالشهر ولكنّ الشهر شهر الغليان، وجعل رمضان اسما معرفة للرّمضاء، فلم يصرف
(1)
لذلك، فأمّا رواة الحديث فيروون أنه اسم من أسماء الله تعالى.
وربيع إنما هو اسم للغيث، وليس الغيث بالشهر، ولكنّ الشهر شهر غيث، فصار ربيع اسما للغيث معرفة كزيد، فإذا قلت: شهر ربيع
(2)
الأول والآخر، فهما صفتان
(2)
لشهر، وإعرابهما كإعرابه، ولا يكونان صفة لربيع، وإن كان معرفة، لأنه ليس هنا ربيعان، وإنما هو ربيع واحد، وشهرا ربيع، ولو كان كذلك لكانا نكرتين، ولكانا مضافين إلى معرفة، وصارا به معرفة.
انتهى كلام ابن درستويه كما نقله السّيوطىّ.
ويؤخذ منه أن رجب لا يضاف إليه لفظ شهر. كما ذكر الصّفدىّ، فليتأمّل.
وجرت
(3)
العادة بأن يقولوا فى شهر المحرّم: شهر الله. وفى شهر رجب: شهر رجب الفرد، أو الأصمّ، أو الأصبّ، وفى شعبان: المكرّم، وفى رمضان: رمضان المعظّم. وفى شوّال: شوال المبارك، ويؤرّخوا أوّل شوّال بعيد الفطر، وثامن الحجّة/، بيوم التّروية، وتاسعه، بيوم عرفة، وعاشره بعيد النّحر، وتاسع المحرّم بيوم تاسوعاء، وعاشره بيوم عاشوراء.
فلا يحتاجون أن يذكروا الشهر، ولكن لا بد من ذكر السّنة.
فائدة
(4)
قد يجئ فى بعض المواضع «نيّف» و «بضع» ، مثل قولهم: نيّف وعشرون، وهو بتشديد الياء ومن قال: نيف. بسكونها، فذاك لحن. وهذا اللفظ مشتقّ من أناف على الشئ، إذا
(1)
فى نظم العقيان: «يعرف» .
(2 - 2) فى نظم العقيان: «فالأول والآخر صفتان» .
(3)
استفاد المصنف فى هذا الفصل أيضا من الصفدى، فى الوافى بالوفيات 1/ 21.
(4)
الوافى بالوفيات 22،1/ 21.
أشرف عليه؛ فكأنه لماّ زاد على العشرين كان بمثابة المشرف عليها، ومنه قول الشاعر
(1)
:
حللت برابية رأسها
…
على كلّ رابية نيّف
(2)
واختلف فى مقداره، فذكر أبو زيد أنه ما بين العقدين، وقال غيره: هو الواحد إلى الثلاثة.
قال الصّفدىّ: ولعل هذا الأقرب إلى الصّحيح.
وقولهم: بضع عشرة سنة. البضع أكثر ما يستعمل فيما بين الثلاث إلى العشر. وقيل: بل هو ما دون نصف العقد. وقد انزوى القول الأول إلى النبىّ صلى الله عليه وسلم
(3)
، فى تفسير قوله تعالى
(4)
: {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ} ، وذلك أن المسلمين كانوا يحبّون أن تظهر الرّوم على فارس؛ لأنهم أهل كتاب، وكان المشركون يميلون إلى أهل فارس؛ لأنهم أهل أوثان، فلما بشّر الله تعالى المسلمين بأن الرّوم سيغلبون فى بضع سنين، سرّ المسلمون بذلك، ثم إن أبا بكر رضى الله تعالى عنه بادر إلى مشركى قريش، فأخبرهم بما نزل عليهم فيه، فقال ابىّ بن خلف: خاطرنى على ذلك. فخاطره على خمس قلائص، وقدّر له مدّة الثلاث سنين، ثم أتى النبىّ صلى الله عليه وسلم، فسأله كم البضع، فقال، ما بين الثلاث إلى العشر. فأخبره بما خاطر به أبىّ بن خلف. فقال:«ما حملك على تقريب المدّة؟» ، فقال: الثّقة بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم. فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم:
«عد إليهم فزدهم فى الخطر وازدد فى الأجل» . فزادهم قلوصين، وازداد منهم فى الأجل سنتين، فأظفر الله تعالى الرّوم بفارس قبل انقضاء الأجل الثانى، تصديقا لتقدير أبى بكر رضي الله عنه.
وكان أبىّ قد مات من جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ أبو بكر الخطر من ورثة أبىّ، فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم:«تصدّق به» وكانت المخاطرة بينهما قبل تحريم القمار.
(1)
هو عدى بن الرقاع، والبيت فى اللسان (ن و ف) 9/ 342.
(2)
فى اللسان: «ولدت» مكان: «حللت» ، وفيه:«ترابية رأسها» ، وهو خطأ.
(3)
انظر الروايات فى الدر المنثور 151،5/ 150، وتفسير ابن كثير 2/ 422 - 424.
(4)
سورة الروم 4،3.
وقيل: الذى خاطر أبا بكر رضي الله عنه إنما هو أبو سفيان، والأوّل أصحّ.
كذا فى «الوافى بالوفيات» للصّلاح الصّفدىّ، رحمه الله تعالى.
باب
فى بيان العلم، والكنية، واللّقب، وكيفيّة ترتيب
ذلك مع النّسبة على اختلافها المتنوع
(1)
اعلم أن الدّالّ على معيّن
(2)
مطلقا إمّا أن يكون مصدّرا بأب أو أمّ كأبى بكر، وأبى الحسن، وأم كلثوم، وأم سلمة، وإمّا أن يشعر برفعة المسمّى، كملاعب الأسنّة، وعروة الصّعاليك، وزيد الخيل، والرّشيد، والمأمون، والواثق، والمكتفى، والظاهر، والناصر، وسيف الدولة، وعضد الدّولة، وجمال الدّين، وعزّ الدّين، وإمام الحرمين، وصدر الشريعة، وتاج الشريعة، وفخر الإسلام، وملك النّحاة، وإمّا أن يشعر بضعة المسمى كجحى، وشيطان الطّاق، وأبى العبر، وجحظة
(3)
، وقد لا يشعر بواحد منهما، بل أجرى عليه ذلك بواقعة جرت مثل/: غسيل الملائكة، وحمىّ الدّبر، ومطيّن، وصالح
(4)
جزرة، والمبرّد، وثابت قطنة، وذى الرّمّة، والصّعق، وصرّدرّ، وحيص بيص.
فهذه الأقسام الثلاثة تسمّى الألقاب.
وإلا فهو الاسم الخاصّ، كزيد، وعمرو، وهذا هو العلم، وقد يكون مفردا كما تقدّم، وقد يكون مركّبا، إمّا من فعل وفاعل كتأبّط شرّا، وبرق نحره، وإمّا من مضاف ومضاف إليه كعبد الله، أو من اسمين قد ركّبا وجعلا بمنزلة اسم واحد كسيبويه، والمفرد قد يكون مرتجلا؛ وهو الذى ما استعمل فى غير العلميّة كمذحج وأدد، وقد يكون منقولا، إمّا من مصدر؛ كسعد، وفضل، أو من اسم فاعل؛ كعامر، وصالح، أو من اسم مفعول؛ كمحمّد،
(1)
الوافى بالوفيات 1/ 33 - 35.
(2)
فى النسخ: «معنى» ، والمثبت فى الوافى، والنقل منه، والمؤلف يتحدث عن الاسم، وهو ما دل على معين.
(3)
زاد الصفدى بعد ذلك: «والعكوك» .
(4)
فى ط، ن:«وصالحى» ، والصواب فى: ص، والوافى.
ومسعود، أو من أفعل تفضيل؛ كاحمد، وأسعد، أو من صفة؛ كثقيف، وهو الذّرب بالأمور الظافر بالمطلوب، وسلول، وهو الكثير السّلّ
(1)
، وقد يكون منقولا من اسم عين؛ كأسد، وصقر، وقد يكون منقولا من فعل ماض؛ كأبان وشمّر، أو من فعل مضارع؛ كيزيد، ويشكر.
وإذ قد عرفت العلم، والكنية، واللّقب، فسردها يكون على الترتيب: تقدّم اللقب على الكنية، والكنية على العلم، ثم النّسبة إلى البلد، ثم إلى الأصل، ثم إلى المذهب فى الفروع، ثم إلى المذهب فى الاعتقاد، ثم إلى العلم، أو الصناعة، أو الخلافة، أو السّلطنة، أو الوزارة، أو القضاء، أو الإمرة، أو المشيخة، أو الحجّ، أو الحرفة، كلها مقدّم على الجميع.
فتقول فى الخلافة: أمير المؤمنين الناصر لدين الله أبو العباس أحمد السّامرىّ، إن
(2)
كان بسرّمن رأى
(3)
، البغدادىّ، فرقا بينه وبين الناصر الأموىّ صاحب الأندلس، الحنفىّ الأشعرىّ، إن
(4)
كان يتمذهب فى الفروع بفقه أبى حنيفة، ويميل فى الاعتقاد إلى أبى الحسن الأشعرىّ، ثم تقول: القرشىّ، الهاشمىّ، العبّاسىّ.
وتقول فى السّلطنة: السّلطان الملك الظّاهر ركن الدّين أبو الفتح بيبرس الصّالحىّ - نسبة إلى أستاذه الملك الصّالح-التّركىّ الحنفىّ البندقدار، أو السّلاح دار.
وتقول فى الوزراء: الوزير فلان الدّين أبو كذا، وتسرد الجميع كما تقدم، ثم تقول: وزير فلان.
وتقول فى القضاة كذلك: القاضى فلان الدّين، وتسرد الباقى، كما تقدّم.
وتقول فى الأمراء كذلك: الأمير فلان الدّين، وتسرد الباقى، إلى أن تجعل الآخر وظيفته التى كان يعرف بها قبل الإمرة، مثل الجاشنكير، أو السّاقى، أو غيرهما.
(1)
انظر الاشتقاق 468.
(2)
ساقط من: ط، وهو فى: ص، ن، والوافى بالوفيات.
(3)
سر من رأى: مدينة على دجلة، فوق بغداد بثلاثين فرسخا، استحدثها المعتصم لسكنى جنده. معجم البلدان 3/ 14 - 83،82،16.
(4)
ساقط من: ط، وهو فى: ص، والوافى، وفى ن:«إذا» .
وتقول فى أشياخ العلم: العلاّمة، أو الحافظ، أو المسند، فيمن عمّر وأكثر الرّواية، أو الإمام، أو الفقيه، وتسرد الباقى إلى أن تختم الجميع بالأصولىّ، أو النّحوىّ، أو المنطقىّ.
وتقول فى أصحاب الحرف: فلان الدّين، وتسرد الجميع إلى أن تقول الحرفة إمّا البزّاز، أو العطّار، أو الخيّاط.
فإن كان النّسب إلى أبى بكر الصّديق رضي الله عنه قلت: القرشىّ، التّيمىّ، البكرىّ؛ لأن القرشىّ أعمّ من أن يكون تيميّا، والتّيمىّ أعمّ من أن يكون من ولد أبى بكر رضي الله عنه.
وإن كان النسب إلى عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه، قلت: القرشىّ، العدوىّ، العمرىّ.
وإن كان النسب إلى عثمان رضى الله تعالى عنه، قلت: القرشىّ، الأموىّ، العثمانىّ.
وإن كان/النسب إلى علىّ بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه، قلت: القرشىّ، الهاشمىّ، العلوىّ.
وإن كان النسب إلى طلحة رضى الله تعالى عنه، قلت: القرشىّ، التّيمىّ، الطّلحىّ.
وإن كان النسب إلى الزّبير رضى الله تعالى عنه، قلت، القرشىّ، الأسدىّ، الزبيرىّ.
وإن كان النسب إلى سعد بن أبى وقّاص رضى الله تعالى عنه، قلت: القرشىّ، الزّهرىّ، السّعدىّ.
وإن كان النسب إلى سعيد رضي الله عنه، قلت: القرشىّ، العدوىّ، السّعيدىّ، إلاّ أنه ما نسب إليه فيما علم.
وإن كان النسب إلى عبد الرحمن بن عوف رضى الله تعالى عنه قلت، القرشىّ، الزهرى، العوفىّ، من ولد عبد الرحمن بن عوف.
وإن كان النسب إلى أبى عبيدة بن الجرّاح، قلت: القرشىّ، من ولد أبى عبيدة، على أنه ما أعقب.
هذا الذى ذكرته هنا هو القاعدة المعروفة، والجادّة المسلوكة المألوفة، عند أهل العلم.
وإن
(1)
جاء فى الكتاب فى بعض التراجم ما يخالف ذلك من تقديم وتأخير، فإنما هو سبق من القلم، وذهول من الفكر، وما خالف الأصل يردّ إليه، ولا يعترض بعد وضوح الاعتذار عليه. والله أعلم.
تنبيه
(2)
كلما رفعت فى أسماء الآباء والنّسب وزدت انتفعت بذلك، وحصل لك الفرق. فقد حكى أبو الفرج المعافى بن زكريّا النّهروانىّ
(3)
، قال: حججت فى سنة، وكنت بمنى أيّام التّشريق، فسمعت مناديا ينادى: يا أبا الفرج. فقلت: لعلّه يريدنى، ثم قلت: فى الناس كثير ممن يكنى أبا الفرج، فلم أجبه، فنادى: يا أبا الفرج المعافى. فهممت بإجابته، ثم قلت: قد يكون من اسمه المعافى وكنيته أبو
(4)
الفرج. فلم أجبه. فنادى يا أبا الفرج المعافى بن زكريا النّهروانىّ. فقلت: لم يبق شكّ فى مناداته إيّاى؛ إذ ذكر كنيتى، واسمى، واسم أبى، وبلدى، فقلت: ها أنا ذا، فما تريد؟
فقال: لعلّك من نهروان
(5)
الشرق؟.
فقلت: نعم.
فقال: نحن نريد نهروان الغرب.
فعجبت من اتّفاق ذلك. انتهى.
وكذلك الحسن بن عبد الله العسكرىّ أبو هلال، صاحب كتاب «الأوائل» ؛ والحسن بن
(1)
هذا أيضا كلام الصفدى فى الوافى بالوفيات، اقتبسه المصنف.
(2)
الوافى بالوفيات 1/ 35.
وفى ن «فصل» ، والمثبت فى: ص، ط.
(3)
نسبة إلى بليدة قديمة، بالقرب من بغداد. اللباب 249،3/ 248.
والقصة فى معجم البلدان 4/ 851.
(4)
فى ص، ط، والوافى:«أبا» ، والمثبت فى: ن.
(5)
قيد ياقوت ضبط النون بالفتح والكسر، وذكر أنها ثلاثة نهروانات: الأعلى، والأوسط، والأسفل، وقال إنها كورة واسعة بين بغداد وواسط، من الجانب الشرقى. معجم البلدان 4/ 846.
وضبط ابن الأثير النون بالفتح، والراء بالضم. انظر اللباب، الموضع السابق.
عبد الله العسكرىّ أبو أحمد اللّغوىّ صاحب كتاب «التصحيف» كلاهما الحسن بن عبد الله العسكرىّ، الأوّل كان موجودا فى سنة خمس وتسعين وثلاثمائة، والثانى توفّى سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة، فاتّفقا فى الاسم، واسم الأب، والنّسبة، والعلم، وتقاربا فى الزّمان، ولم يفرّق بينهما إلاّ بالكنية؛ لأن الأول أبو هلال؛ والثانى أبو أحمد، والأوّل ابن عبد الله بن سهل ابن سعيد والثانى ابن عبد الله بن سعيد بن إسماعيل؛ ولهذا كثير من أهل العلم بالتّاريخ لا يفرّقون بينهما، ويظنّون أنهما واحد
(1)
.
ومثل هذا كثير جدّا. وفى هذا القدر كفاية. والله تعالى أعلم.
فصل
فى معرفة أصل الوفاة من حيث اللغة
وفى ذكر فائدتها فى التواريخ
(2)
فنقول: أصلها وفية، بتحريك الواو والفاء والياء، على وزن بقرة، ولما كانت الياء حرف علّة سكّنوها فصارت وفية، فلما سكّنت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا، فقالوا: وفاة؛ ولهذا لمّا جمعوه رجعوا به إلى أصله، فقالوا: وفيات، بفتح الواو والفاء والياء، كما قالوا شجرة وشجرات./وقالوا فى الفعل منه: توفّى زيد
(3)
، بضمّ التاء والواو وكسر الفاء وفتح الياء، فبنوه على مال يسمّ فاعله؛ لأن الإنسان لا يتوفى نفسه، فعلى هذا المتوفّى، بكسر الفاء هو الله، أو أحد الملائكة بأمره تعالى، وزيد المتوفى، بفتح الفاء.
وقد حكى أن بعضهم حضر جنازة فسأل بعض الفضلاء، وقال من المتوفى؟ بكسر الفاء. فقال: الله تعالى. فأنكر ذلك. إلى أن بيّن له الغلط، وقال: قل من المتوفى بفتح الفاء. ذكر ذلك الصلاح الصّفدىّ فى مقدّمة تاريخه «الوافى بالوفيات» .
(1)
آخر ما جاء فى هذا الفصل من كلام الصفدى.
(2)
الوافى بالوفيات 44،1/ 43.
(3)
فى هامش ط: «توفى زيد، بفتح الفاء المشددة من غلط العوام، وصوابه بكسر الفاء مبنيا على المجهول» .
وذكر فيه أيضا فوائد للتّاريخ، وقال
(1)
: منها واقعة رئيس الرّؤساء
(2)
مع اليهودىّ الذى أظهر كتابا فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بإسقاط الجزية عن أهل خيبر، وفيه شهادة الصّحابة رضى الله تعالى عنهم، منهم علىّ بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه، فحمل الكتاب إلى رئيس الرّؤساء، ووقع الناس منه فى حيرة، فعرضه على الحافظ أبى بكر، خطيب بغداد، فتأمّله، وقال: إنّ هذا مزوّر. فقيل له: من أين لك ذلك؟. فقال: فيه شهادة معاوية رضى الله تعالى عنه، وهو أسلم عام الفتح، وفتوح خيبر سنة سبع، وفيه سعد ابن معاذ رضى الله تعالى عنه، ومات سعد يوم بنى قريظة قبل خيبر بسنتين. ففرّج ذلك على المسلمين غمّا.
قال الصّلاح الصّفدىّ
(3)
: وروى عن إسماعيل بن عيّاش، أنه قال: كنت بالعراق، فأتانى أهل الحديث، فقالوا هاهنا رجل يحدّث عن خالد بن معدان، فأتيته، فقلت: أىّ سنة كتبت عن خالد بن معدان؟.
فقال: سنة ثلاث عشرة، يعنى: ومائة.
فقلت: أنت تزعم أنك سمعت منه بعد موته بسبع سنين، لأن خالدا مات سنة ست ومائة.
وروى عن الحاكم أبى عبد الله، أنه قال: لما قدم أبو جعفر محمد بن حاتم الكشّىّ - بالشين والسّين معا-وحدّث عن عبد بن حميد، سألته عن مولده، فذكر أنه ولد سنة ستّين ومائتين. فقلت لأصحابنا: هذا سمع من عبد بن حميد بعد موته بثلاث عشرة سنة
(4)
.
وفوائد تاريخ الوفاة لا تنحصر، وهذا القدر كاف منها، والله أعلم
(1)
الوافى بالوفيات 35،1/ 34، والخبر التالى أيضا فى طبقات الشافعية الكبرى 4/ 35، ومعجم الأدباء 4/ 18.
(2)
هو أبو القاسم ابن مسلمة، وزير القائم بأمر الله تعالى، كما جاء فى معجم الأدباء.
(3)
الوافى بالوفيات 1/ 45.
(4)
آخر ما جاء فى هذا الفصل من كلام الصفدى.
باب
فى تعريف التاريخ
بيان معناه وفضيلته، وفى أدب المؤرخ
أقول وبالله التوفيق: قد كثرت الأقوال فى تعريف التاريخ، وبيان فضيلته، وأحسن ما وقفت عليه من ذلك، ما نقله صاحب كتاب «غرر المحاضرة، ودرر المكاثرة» ، وهو الشيخ الإمام المؤرّخ تاج الدّين علىّ بن أنجب المعروف بابن الخازن، فإنه قال فى كتابه المذكور:
قال العلماء: التاريخ معاد معنوىّ؛ لأنه يعيد الأعصار وقد سلفت، وينشر أهلها وقد ذهبت آثارهم وعفت، وبه يستفيد عقول التجارب من كان غرّا، ويلقى آدم ومن بعده من الأمم وهلمّ جرّا، فهم لديه أحياء وقد تضمّنتهم بطون القبور، وغيّاب وهم عنده فى عداد الحضور، ولولا التاريخ لجهلت الأنساب، ونسيت الأحساب، ولم يعلم الإنسان أن أصله من تراب، وكذلك لولاه لماتت الدّول بموت زعمائها، وعمّى على الأواخر حال قدمائها.
ولمكان العناية به لم يخل منه كتاب من كتب الله المنزّلة، فمنها ما أتى بأخباره المجملة، ومنا ما أتى/بأخباره المفصّلة. وقد ورد فى التّوراة سفر من أسفارها، يتضمّن أحوال الأمم السّالفة ومدد أعمارها.
وكانت العرب على جهلها بالقلم وخطّه، والكتاب وضبطه، تصرف إلى التواريخ جلّ دواعيها، وتجعل لها أوفر حظّ من مساعيها، وتستغنى بحفظ قلوبها عن حفظ مكتوبها، وتعتاض برقم صدورها، عن رقم مسطورها، كلّ ذلك عناية بأخبار أوائلها، وأيّام فضائلها، فهل للإنسان إلاّ ما أسّسه وبناه، وهل البقاء لصورة لحمه ودمه لولا بقاء معناه. انتهى.
وأمّا أدب المؤرّخ، فقد ذكر ابن السّبكىّ فى «طبقاته الكبرى» له قاعدة حسنة، فقال
(1)
: قاعدة فى المؤرّخين نافعة جدّا، فإن أهل التاريخ ربّما وضعوا من أناس، أو رفعوا
(1)
طبقات الشافعية الكبرى 2/ 22 - 25، وقد اختصر الصفدى فوائد هذا الفصل أيضا فى الوافى بالوفيات 47،1/ 46.
أناسا، إمّا لتعصّب، أو لجهل، أو لمجرّد اعتماد على نقل من لا يوثق به، أو غير ذلك من الأسباب، والجهل فى المؤرخين أكثر منه فى أهل الجرح والتّعديل، وكذلك التعصّب، قلّ أن رأيت تاريخا خاليا من ذلك.
وأمّا «تاريخ شيخنا الذّهبىّ» غفر الله له، فإنه على حسنه وجمعه، مشحون بالتعصّب المفرط، لا واخذه الله، فلقد أكثر الوقيعة فى أهل الدّين، أعنى الفقراء، الذين هم صفوة الخلق، واستطال بلسانه على كثير من أئمة الشافعيّين والحنفيّين، ومال فأفرط على الأشاعرة، ومدح فزاد فى المجسّمة. هذا وهو الحافظ المدره، والإمام المبجّل، فما ظنّك بعوامّ المؤرّخين.
فالرّأى عندنا أن لا يقبل مدح ولا ذمّ من المؤرّخين، إلاّ بما اشترطه
(1)
إمام الأئمة، وحبر الأمة، وهو الشيخ الإمام الوالد رحمه الله تعالى، حيث قال، ونقلته من خطّه فى مجاميعه:
يشترط فى المؤرّخ الصّدق، وإذا نقل يعتمد اللفظ دون المعنى، وأن لا يكون ذلك الذى نقله أخذه فى المذاكرة، وكتبه بعد ذلك، وأن يسمّى المنقول عنه؛ فهذه شروط أربعة فيما ينقله.
ويشترط فيه أيضا لما يترجمه من عند نفسه، ولما عساه يطوّل فى التراجم من المنقول
(2)
ويقصّر، أن يكون عارفا بحال صاحب الترجمة، علما، ودينا، وغيرهما من الصّفات، وهذا عزيز جدّا، وأن يكون حسن العبارة، عارفا بمدلولات الألفاظ، وأن يكون حسن التصوّر؛ حتى يتصوّر حال ترجمته جميع حال ذلك الشخص، ويعبّر عنه بعبارة لا تزيد عليه ولا تنقص عنه، وأن لا يغلبه الهوى، فيخيّل إليه هواه الإطناب فى مدح من يحبّه، والتقصير فى غيره، بل
(3)
إمّا أن
(3)
يكون مجرّدا عن الهوى، وهو عزيز جدّا
(4)
وإمّا
(5)
أن يكون عنده من العدل ما يقهر به هواه، ويسلك طريق الإنصاف. فهذه أربعة شروط أخرى، ولك أن تجعلها خمسة؛ لأن حسن تصوّره وعلمه، قد لا يحصل معهما الاستحضار حين التّصنيف، فتجعل
(6)
(1)
فى ص: «اشترط» ، والمثبت فى: ط، ن، وطبقات الشافعية.
(2)
فى طبقات الشافعية: «النقول» .
(3 - 3) فى الأصول: «إنما» ، والمثبت فى طبقات الشافعية.
(4)
ساقط من طبقات الشافعية.
(5)
فى ط، ن:«إما» ، وفى ص:«أو إما» ، والمثبت من طبقات الشافعية.
(6)
فى طبقات الشافعية: «فيجعل» .
حضور التصوّر زائدا على حسن التصوّر، والعلم. فهذه تسعة شروط فى المؤرّخ. وأصعبها الاطّلاع على حال الشخص فى العلم؛ فإنه يحتاج إلى المشاركة فى علمه، والقرب منه حتى يعرف مرتبته. انتهى.
ثم ذكر أنّ كتابته لهذه الشروط بعد أن وقف على كلام ابن معين فى الشافعىّ، وقول أحمد ابن حنبل: إنه لا يعرف الشافعىّ، ولا يعرف ما يقول.
قلت: وما أحسن قوله «ولما عساه/يطوّل فى التراجم من المنقول
(1)
، ويقصّر» فإنه أشار به إلى فائدة جليلة، يغفل عنها كثيرون؛ ويحترز منها الموفّقون، وهى تطويل التراجم وتقصيرها؛ فربّ محتاط لنفسه لا يذكر إلاّ ما وجده منقولا، ثم يأتى إلى من يبغضه فينقل جميع ما ذكر من مذامّه، ويحذف كثيرا ممّا نقل من ممادحه، ويجئ إلى من يحبّه فيعكس الحال فيه، يظنّ المسكين أنه لم يأت بذنب؛ لأنه ليس يجب عليه تطويل ترجمة أحد ولا استيفاء ما ذكر من ممادحه، وما
(2)
يظنّ المغترّ أن تقصيره لترجمته بهذه النّيّة استزراء به، وخيانة لله، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وللمؤمنين، فى تأدية ما قيل فى حقّه؛ من مدح وذمّ، فهو كمن يذكر بين يديه بعض الناس فيقول: دعونا منه، أو: إنه عجيب، أو: الله يصلحه. فيظنّ أنه لم يغتبه بشئ من ذلك، وما يظن أن ذلك من أقبح الغيبة.
ولقد وقفت فى «تاريخ الذهبىّ» على ترجمة الشيخ الموفّق ابن قدامة الحنبلىّ، والشيخ فخر الدّين ابن عساكر، وقد أطال تلك، وقصّر هذه، وأتى بما لا يشكّ الثّبت أنه لم يحمله على ذلك إلاّ أنّ هذا أشعرىّ، وذلك حنبلىّ، وسيقفون بين يدى ربّ العالمين.
وكذلك ما أحسن قول الشيخ الإمام: «وأن لا يغلبه الهوى» ؛ فإن الهوى غلاّب إلاّ من عصمه الله تعالى.
وقوله: «فإمّا أن يتجرّد عن الهوى، أو يكون عنده من العدل ما يقهر به هواه» عندنا فيه زيادة، فنقول: قد لا يتجرّد من الهوى، ولكنه لا يظنّه هوى، بل يظنّه لجهله، أو لبدعته حقّا؛ ولذلك لا يتطلّب ما يقهر به هواه؛ لأن المستقرّ فى ذهنه أنه محقّ، وهذا كما يفعل كثير من
(1)
فى طبقات الشافعية: «النقول» .
(2)
فى طبقات الشافعية: «ولا يظن» .
المتخالفين فى العقائد بعضهم فى بعض، فلا ينبغى أن يقبل قول مخالف فى العقيدة على الإطلاق، إلا أن يكون ثقة، وقد روى شيئا مضبوطا عاينه أو حقّقه.
وقولنا: «مضبوطا» احترزنا به عن رواية ما لا ينضبط، من التّرّهات التى لا يترتّب عليها عند التأمّل والتحقّق شئ.
وقولنا: «عاينه أو حقّقه» ليخرج ما يرويه عن من غلا أو رخّص ترويجا لعقيدته.
وما أحسن اشتراطه العلم، ومعرفة مدلولات الألفاظ، فلقد وقع كثيرون
(1)
بجهلهم فى جرح
(1)
جماعة بالفلسفة، ظنّا منهم أن علم الكلام فلسفة، إلى أمثال ذلك مما يطول عدّه. فقد قيل فى أحمد بن صالح، الذى نحن فى ترجمته: إنه يتفلسف. والذى قال هذا لا يعرف الفلسفة. وكذلك قيل فى أبى حاتم الرّازىّ، وإنما كان رجلا متكلّما. وقريب من هذا قول الذهبىّ فى المزنىّ: إنه يعرف مضايق المعقول. ولم يكن الذّهبىّ ولا المزنىّ يدريان شيئا من المعقول.
والذى أفتى به، أنه لا يجوز الاعتماد على كلام شيخنا الذّهبىّ فى ذمّ أشعرىّ، ولا شكر حنبلىّ. والله المستعان.
انتهى كلام ابن السّبكىّ بحروفه.
قلت: أكثر هذه الشروط مفقودة فى أكثر المؤرّخين، وفى غالب التواريخ، خصوصا تواريخ المتأخّرين، وقلّما تراها مجتمعة، حتى إن ابن السّبكىّ نفسه يخالفهم فى كثير من المواضع، ومن تأمّل «طبقاته» حقّ التأمّل، ووقف على كلامه فى حقّ بعض المعاصرين له، ظهر له صحّة ما ذكرنا، ونحن نسأل الله تعالى أن يوفّقنا للعمل بجميعها، وأن يعيننا عليه، ويسامحنا بما طغى به القلم، وحصل فيه الذّهول، وكلّ عنه الفكر، وقصّر فى التعبير عنه اللسان،/بمنّه وكرمه.
(1 - 1) مكان هذا فى طبقات الشافعية: «لجهلهم بهذا. وفى كتب المتقدمين جرح» .
فصل
(1)
فى كيفيّة ضبط حروف المعجم
(2)
قالوا: الباء الموحّدة، وبعضهم يقول: الباء ثانى الحروف، والتاء المثنّاة من فوق، لئلا يحصل الشبه بالياء، لأنها مثنّاة، ولكنها من تحت، وبعضهم قال: ثالثة الحروف، والتاء المثلّثة، والجيم، والحاء المهملة، والخاء المعجمة، والدّال المهملة، والذال المعجمة، والراء، والزّاى. وبعضهم يقول: الرّاء المهملة، والزاى المعجمة، والسّين المهملة، والشين المعجمة، والصّاد المهملة، والضاد المعجمة، والطاء المهملة، والظاء المعجمة، والعين المهملة، والغين المعجمة، والفاء، والقاف، والكاف، واللام، والهاء، والواو، والياء المثنّاة، وبعضهم يقول: آخر الحروف.
هكذا يقولون إذا أرادوا ضبط كلمة؛ فإن أرادوا زيادة قالوا: على وزن كذا.
فيذكرون كلمة توازنها، وهى أشهر منها، كما إذا قيّدوا فلوّا، وهو المهر، قالوا فيه: بفتح الفاء وضمّ اللام وتشديد الواو، على وزن عدوّ، فحينئذ يكون الحال قد اتّضح، والإشكال قد زال.
فائدة مهمة
يعرف منها فضيلة بيان طبقات الفقهاء، ومراتبهم والاحتياجات إلى ذلك.
رأيتها فى آخر «رسالة» ألّفها الإمام العلامة أحمد بن سليمان الشهير بابن كمال باشا
(3)
. تتعلق الرسالة بالكلام على مسألة دخول ولد البنت فى الموقوف على أولاد الأولاد.
قال رحمه الله تعالى: «لا بدّ للمفتى المقلّد أن يعلم حال من يفتى بقوله، ولا نعنى بذلك معرفته باسمه ونسبه إلى بلد من البلاد، إذ لا يسمن ذلك من جوع ولا يغنى، بل نعنى معرفته
(1)
فى ص: «فوائد مهمة» ، والمثبت فى: ط، ن.
(2)
نقله المصنف عن الصفدى، من الوافى بالوفيات 1/ 43.
(3)
تأتى ترجمته، إن شاء الله فى هذا الجزء، برقم 199.
فى الرّواية، ودرجته فى الدّراية، وطبقته من طبقات الفقهاء، ليكون على بصيرة وافية فى التمييز بين القائلين المتخالفين، وقدرة كافية فى الترجيح بين القولين المتعارضين.
فنقول وبالله التوفيق: اعلم أن الفقهاء على سبع طبقات: الأولى، طبقة المجتهدين فى الشرع، كالأئمة الأربعة، رضي الله عنهم، ومن سلك مسلكهم فى تأسيس قواعد الأصول، واستنباط أحكام الفروع عن الأدلة الأربعة؛ الكتاب والسّنة والإجماع والقياس، على حسب تلك القواعد، من غير تقليد لأحد، لا فى الفروع، ولا فى الأصول.
والثانية: طبقة المجتهدين فى المذهب، كأبى يوسف ومحمد، وسائر أصحاب أبى حنيفة، القادرين على استخراج الأحكام عن الأدلّة المذكورة على مقتضى القواعد التى قرّرها أستاذهم أبو حنيفة، وإن خالفوه فى بعض الأحكام الفروع، لكن يقلّدونه فى قواعد الأصول، وبه يمتازون عن المعارضين فى المذهب، ويفارقونهم، كالشافعىّ ونظرائه، المخالفين لأبى حنيفة فى الأحكام، غير مقلدين له فى الأصول.
والثالثة: طبقة المجتهدين فى المسائل التى لا رواية فيها عن أصحاب المذهب، كالخصّاف، وأبى جعفر الطّحاوىّ، وأبى الحسن الكرخىّ، وشمس الأئمة الحلوانىّ
(1)
، وشمس الأئمة السّرخسىّ، وفخر الإسلام البزدويّ، وفخر الدّين قاضى خان، وأمثالهم؛ فإنهم لا يقدرون على المخالفة لشيخ، لا فى الأصول، ولا فى الفروع، ولكنهم يستنبطون الأحكام فى المسائل التى لا نصّ عنه فيها حسب أصول قرّرها، ومقتضى قواعد بسطها.
والرّابعة:/طبقة أصحاب التّخريج من المقلّدين، كالرّازىّ، وأضرابه، فإنهم لا يقدرون على الاجتهاد أصلا، لكنهم لإحاطتهم بالأصول، وضبطهم للمأخذ، يقدرون على تفصيل قول مجمل ذى وجهين، وحكم مهمّ محتمل لأمرين، منقول عن صاحب المذهب، أو عن واحد من أصحابه المجتهدين، برأيهم ونظرهم فى الأصول، والمقايسة على أمثاله ونظرائه من الفروع، وما وقع فى بعض المواضع من «الهداية» من قوله:«كذا فى تخرج الكرخىّ وتخريج الرّازىّ» ، من هذا القبيل.
(1)
الحلوانى، هكذا ينسب شمس الأئمة أبو محمد عبد العزيز بن أحمد بن نصر، ويقال له الحلوائى أيضا، وكلا النسبتين بفتح الحاء وسكون اللام، وهى نسبة الى عمل الحلواء وبيعه، وقد ساق اللكنوى فى التعليقات السنية 97،96 بحثا قيما فى هذه النسبة، ورجح أنه الحلوانى، بفتح الحاء، لا الحلوائى.
والخامسة: طبقة أصحاب التّرجيح من المقلّدين، كأبى الحسين القدورىّ، وصاحب «الهداية» ، وأمثالهما، وشأنهم تفضيل بعض الرّوايات على بعض آخر، بقولهم: هذا أولى، وهذا أصحّ رواية، وهذا أرفق للناس.
والسّادسة: طبقة المقلّدين القادرين على التمييز بين الأقوى، والقوىّ، والضّعيف، وظاهر المذهب، وظاهر الرّواية، والرّواية النادرة، كأصحاب المتون المعتبرة من المتأخّرين، مثل صاحب «الكنز» ، وصاحب «المختار» ، وصاحب «الوقاية» ، وصاحب «المجمع» ، وشأنهم أن لا ينقلوا فى كتبهم الأقوال المردودة، والروايات الضّعيفة.
والسّابعة: طبقة المقلّدين الذين لا يقدرون على ما ذكر، ولا يفرّقون بين الغثّ والسّمين، ولا يميّزون الشّمال عن اليمين، بل يجمعون ما يجدون، كحاطب الليل، فالويل لهم ولمن قلّدهم كلّ الويل».
انتهى ما قاله ابن كمال باشا بحروفه، وهو تقسيم حسن جدّا.
فائدة مهمة
يتعيّن إيرادها، ولا يستغنى عنها، نقلتها من خطّ المولى العلاّمة على چلبى بن أمر الله الشّهير بقنالى زاده، رحمه الله تعالى.
اعلم، وفّقك الله تعالى، أن مسائل أصحابنا الحنفيّة، رحمهم الله تعالى، على ثلاث طبقات:
الأولى: مسائل الأصول، وتسمّى ظاهر الرّواية أيضا، وهى مسائل رويت عن أصحاب المذاهب، وهم أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمّد، رحمهم الله تعالى، لكن الغالب الشائع فى ظاهر الرّواية، أن يكون قول الثلاثة، أو قول بعضهم.
ثمّ هذه المسائل التى تسمّى بظاهر الرّواية والأصول، هى ما وجد فى كتب محمّد التى هى:«المبسوط» ، و «الزيادات» ، و «الجامع الصّغير» ، و «الجامع الكبير» ، و «السّير» .
وإنما سمّيت بظاهرة الرّواية، لأنها رويت عن محمّد بروايات الثّقات، فهى ثابتة عنه؛ إمّا متواترة، أو مشهورة.
الثانية: مسائل النوادر، وهى مسائل مرويّة عن أصحاب المذاهب المذكورين، لكن لا فى الكتب المذكورة؛ إمّا فى كتب أخر لمحمّد غيرها، ك «الكيسانيّات» ، و «الهارونيّات» ، و «الجرجانيّات» ، و «الرّقّيات» .
وإنما قيل لها غير ظاهرة الرّواية؛ لأنها لم ترد عن محمّد بروايات ظاهرة ثابتة صحيحة كالكتب الأولى، وإمّا فى كتب غير كتب محمّد ككتاب «المجرّد» للحسن بن زياد، وغيره.
ومنها كتب «الأمالى» المرويّة عن أبى يوسف، والإملاء أن يقعد العالم وحوله تلامذته بالمحابر والقراطيس، فيقول بما فتحه الله عليه من ظهر قلبه، وتكتبه التلامذة، ثم يجمعون ما يكتبونه فى المجالس، ويصير كتابا فيسمّونه الإملاء والأمالى.
وكان ذلك عادة لعلماء/السّلف من الفقهاء، والمحدّثين، وأصحاب العربيّة، فاندرست لذهاب العلم وأهله، وإلى الله تعالى المصير.
وإمّا بروايات مفردة، مثل رواية ابن سماعة، ومعلّى بن منصور، وغيرها، فى مسائل معيّنة.
والثالثة: الفتاوى، وتسمّى الواقعات أيضا، وهى مسائل استنبطها المجتهدون المتأخّرون لما سئل منهم، ولم يجدوا فيها رواية عن أصحاب المذهب، وهم أصحاب أبى يوسف ومحمّد، وأصحاب أصحابهما، وهلمّ جرّا، وهم كثيرون، موضع ضبطهم كتاب «الطبقات» لأصحابنا.
وغالب من ينقل عنهم المسائل أصحاب أبى يوسف ومحمّد، كمحمّد بن سلمة، ونصير ابن يحيى، وأبى القاسم الصّفّار.
ومن
(1)
أصحاب أبى يوسف، مثل عصام بن يوسف، وابن رستم.
ومن أصحاب محمد، مثل أبى حفص البخارىّ، وكثيرين.
(1)
من هنا إلى نهاية الفصل زيادة فى: ص، لم ترد فى سائر الأصول.
وقد يتّفق لهؤلاء العلماء أن يخالفوا أصحاب المذاهب، لدلائل وأسباب ظهرت لهم بعدهم.
وأول كتاب جمع فى فتاويهم كتاب «النوازل» للفقيه أبى الليث السّمرقندىّ، وكذلك «العيون» له؛ فإنه جمع صور فتاوى جماعة من المشايخ، ممّن أدركهم بقوله: سئل أبو القاسم فى رجل كذا أو كذا، فقال: كذا وكذا. سئل محمد بن سلمة عن رجل كذا وكذا، فقال:
كذا أو كذا. وهكذا.
ثم جمع المشايخ بعده كتبا أخر فى الفتاوى ك «مجموع النوازل والواقعات» للنّاطفىّ، و «الواقعات» للصدر الشهيد، رحمه الله تعالى.
ثم جمع المتأخّرون هذه المسائل فى فتاواهم وكتبهم مختلطة، غير متميّزة، كما فى «جامع قاضى خان» ، «الخلاصة» ، وغيرهما.
وميّز بعضهم كما فى كتاب «المحيط» لرضىّ الدين السّرخسىّ؛ فإنه ذكر أولا مسائل الأصول، ثم النوادر، ثم الفتاوى، ونعم ما فعل.
واعلم أن من كتب الأصول، كتاب «الكافى» للحاكم الشهيد، وهو كتاب معتمد فى نقل المذهب.
وشرحه جماعة من المشايخ منهم: الإمام شمس الأئمّة السّرخسىّ وهو «مبسوط» السّرخسىّ، والإمام القاضى الإسبيجابىّ
(1)
، وغيرهما.
ومن كتب المذهب «المنتقى» له أيضا، إلا أن فيه بعض النوادر؛ ولهذا يذكره صاحب «المحيط» بعد ذكره النوادر معنونا بالمنتقى، ولا يوجد «المنتقى» فى هذه الأعصار.
واعلم أيضا أن نسخ «المبسوط» المروىّ عن محمد متعددة، وأظهرها مبسوط أبى سليمان الجوزجانىّ.
وشرح «المبسوط» المتأخّرون، مثل شيخ الإسلام أبى بكر المعروف بخواهرزاده، ويسمى «المبسوط البكرىّ» والصدر الشهيد وغيرهما، ومبسوطهم شروح فى الحقيقة،
(1)
نسبة إلى أسبيجاب، ويقال لها أسفيجاب، وهى بلدة كبيرة من أعيان بلاد ما وراء النهر، فى حدود تركستان. معجم البلدان 1/ 249، وانظره فى 1/ 237.
ذكرها مختلطة بمبسوط محمد، كما فعل شرّاح «الجامع الصغير» ، مثل فخر الإسلام، وشيخ الإسلام، وقاضى خان، وغيرهم.
وقد يقال: ذكره قاضى خان، فى «الجامع الصغير» ، والمراد شرحه، وكذا غيره، فاعلم ذلك، والله أعلم.
فصل
يتضمن بيان ما صطلحت عليه فى هذا الكتاب،
من ترتيب وتقديم وتأخير، وغير ذلك؛
ليسهل كشفه، ولا تتعسّر مراجعته
فأقول وبالله التوفيق:
قد رتّب هذا التأليف على حروف المعجم كترتيب أكثر المؤرّخين.
فأبتدئ أوّلا من الأسماء بما أوّله همزة وثانيه همزة، ثم بما أوّله همزة وثانيه ألف ساكنة، ثم بما أوّله همزة وثانيه باء موحّدة، ثم بما ثانيه تاء مثنّاة من فوق، ثم بما ثانية ثاء مثلّثة، وهكذا الى آخر الحروف.
ثم بما أوّله باء موحّدة وثانيه همزة أو ألف ساكنة، ثم بما ثانيه باء أيضا، ثم بما ثانيه تاء مثنّاة، وهكذا إلى آخر الحروف.
ثم أذكر فى أواخر الكتاب أصحاب الكنى جميعا فى حرف الهمزة، اقدّم من لم يعرف له اسم سوى الكنية، ثم من له اسم واشتهر بكنيته وله ترجمة فى حرف من الحروف، أذكره باختصار، ولا أعيد له ترجمة، وأذكر اسمه واسم أبيه ليسهل كشفه فى محلّه.
وأذكر جميع هذه الكنى مرتّبة ترتيب الأسماء، وبالنظر إلى ما بعد ذكر الأب، كأبى إبراهيم، أذكره مقدّما على أبى أحمد، وأبى داود مقدّما على أبى ذرّ، وهكذا إلى آخر الحروف.
وأذكر فى آخر الكتاب بابا للألقاب، وبابا فيمن اشتهر بابن فلان، وبابا فى الأنساب.
أقدّم فى كل من البابين الأوّلين من اشتهر بلقبه، واشتهر بأبيه ولم يعرف له اسم، ثم من له اسم منهما أذكره باختصار، كما فعلته فى الكنى.
وأمّا الأنساب فأقدّم فيها من لا يعرف إلاّ بالنسبة ولم يذكر له فى الكتاب ترجمة، وأما من ذكر له فى الكتاب ترجمة، فقد أذكره فى نسبته، وقد لا أذكره، لأن ذكر جميع من انتسب فى الكتاب إلى الموصل أو الشام أو حماة مثلا فى تلك النسبة، ممّا يطول شرحه، ويملّ ذكره، بلا كبير فائدة.
*** هذا ولمّا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذى أظهر هذا الدّين القويم، وأنار هذا الصّراط المستقيم، وكان كلّ فضل منسوبا إلى فضله، وكلّ علم مستفادا من علمه، ولولاه ما كان عالم يذكر، ولا فاضل علمه ينشر، وكانت سائر الأفاضل، والعلماء الأماثل، والأولياء المخلصين، والصّلحاء السّابقين، يغترفون من ذلك البحر، ويستنيرون بذلك البدر.
وكانوا كما قال صاحب البردة، رحمه الله تعالى
(1)
:
وكلّهم من رسول الله ملتمس
…
غرفا من البحر أو رشفا من الدّيم
تعيّن أن نبدأ بذكر شئ يسير من سيرته الشريفة، وأوصافه المنيفة،/لتكون لهذا الكتاب مشرّفة، وعلى غيره من الطّبقات التى خلت عنها مفضّلة، ويكون لهم فى الذّكر إماما، كما كان لهم فى الدّين هاديا وهماما.
*** ثمّ نتلوه بذكر ترجمة الإمام الأعظم، والحبر البحر المكرّم، أحد أفراد الزمان، وإنسان عين الأعيان، الذى سارت بفضله الرّكبان، وعمّت فواضله سائر البلدان، واعترف بمعروفه الشامل كلّ قاص ودان، وأجمعت الأمة، أنه قدوة الأئمّة، وهو أبو حنيفة النعمان، رضى الله تعالى عنه وأرضاه، وجعل الجنة متقلّبه ومثواه، وفى ذلك المحلّ المقدّس جمعنا وإيّاه
(2)
.
(1)
بردة المديح 5.
(2)
هكذا ورد النص فى ص على هذه الصورة من السعة، وجاء فى ط، ن:«أبى حنيفة النعمان، جمعنا الله وإياه فى أعلى طبقات الجنان» .
فإنه صاحب المذهب الذى به يأخذون، وعليه يعتمدون، وله يقلّدون، ومن بحر علمه يغترفون، تغمّده الله برحمته ورضوانه، وأباحه بحبوحة جنانه، ونفعنا ببركات علومه فى الدنيا والآخرة، إنه جواد كريم، رءوف رحيم.
*** واعلم أيّها الواقف على كتابى هذا أنى ربّما أكثرت فى بعض التراجم، من إيراد نفائس الأشعار، ومحاسن الأخبار، ولطائف النّوادر، ونوادر اللطائف، وربّما ذكرت فى الأنساب شيئا من أوصاف البلدان، وخصائصها، وما قيل فيها من الأشعار، وورد فى حقّها من الأخبار والآثار، ومقصودى بذلك أن يكون مطالعه متنزّها فى رياض من الآداب، لا يذوى زهرها، ولا يمنع ثمرها، حتى لا يملّ مطالعه، ولا يصادف الضّجر سامعه. وهذا أوان الشروع فى المقصود، بعون الملك المعبود، فنقول وبالله التوفيق، ومنه التّيسير:
***
سيرته
صلى الله عليه وسلم
(1)
محمّد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحبيبه وصفيّه
(2)
وخيرته من خلقه، وأفضل الأوّلين والآخرين، أبو القاسم
(3)
بن عبد الله بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصىّ بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤىّ بن غالب بن فهر بن مالك بن النّضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان، الذى قيل فيه
(4)
:
وكم أب قد علا بابن ذرى شرف
…
كما علا برسول الله عدنان
هذا هو المتّفق على صحّته. ومن هنا الى آدم عليه الصلاة والسلام مختلف فيه، ومذكور فى كتب السّير المطوّلة، فمن أراد الوقوف عليه فليراجعها.
ولد صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، فى شهر ربيع الأوّل من عام الفيل، قيل: ثانيه، وقيل: ثالثه، وقيل ثانى عشره، وقيل غير ذلك.
يوم أضاء به الزمان وفتّحت
…
فيه الهداية زهرة الآمال
ومات أبوه وله من العمر ثمانية وعشرون شهرا، وقيل: شهران، وقيل: سبع، وقيل: وهو حمل، وكفله جدّه عبد المطّلب، ثم توفى عبد المطّلب وله صلى الله عليه وسلم من العمر إذ ذاك ثمان سنين وشهران وعشرة أيّام، فكفله عمّه أبو طالب.
وماتت أمّه آمنة، وهو ابن أربع سنين، وقيل: ست.
وأرضعته حليمة السّعديّة، وثويبة الأسلميّة، وحضنته أمّ أيمن.
ولما بلغ اثنتى عشرة سنة وشهرين وعشرة أيام، خرج مع عمّه أبى طالب إلى الشام، فلما بلغ بصرى رآه بحيرى الرّاهب، فعرفه، بصفته، فجاءه وأخذ بيده، وقال: هذا رسول ربّ
(1)
أفاد المصنف فى هذا الفصل من الفصل الذى ساقه الصفدى، فى كتاب الوافى بالوفيات 1/ 56 - 57.
(2)
بعد هذا فى ص زيادة: «وخليله» .
(3)
بعد هذا فى ص زيادة: «الأمين» .
(4)
نسب الثعالبى هذا البيت لابن الرومى، فى التمثيل والمحاضرة 21.
العالمين، يبعثه الله رحمة للعالمين، إنكم/حين أقبلتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلاّ خرّ ساجدا، ولا يسجد إلاّ لنبىّ، وإنّا نجده فى كتبنا.
وقال لأبى طالب: لئن قدمت به إلى الشام لتقتلنّه اليهود. فردّه خوفا عليه منهم.
ثمّ خرج مرة ثانية إلى الشام، مع ميسرة غلام خديجة بنت خويلد، فى تجارة لها قبل أن يتزوّجها، فلما قدم الشام، نزل تحت ظلّ شجرة قريبا من صومعة راهب، فقال الراهب:
ما نزل تحت ظلّ هذه الشجرة إلا نبىّ.
وكان ميسرة يقول: إذا كان الهاجرة، واشتدّ الحرّ، نزل ملكان يظلاّنه
(1)
.
ولما رجع من سفره تزوّج خديجة بنت خويلد، وعمره خمس وعشرون سنة وشهران وعشرة أيّام، وقيل غير ذلك.
ولمّل بلغ خمسا وثلاثين سنة شهد بنيان الكعبة، ووضع الحجر الأسود بيده.
ونشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قومه، وقد طهّره الله تعالى من دنس الجاهليّة ومن كل عيب، ومنحه كلّ خلق جميل، حتى لم يكن يعرف من بينهم إلاّ بالأمين؛ لما رأوه من أمانته، وصدق لسانه، وطهارته.
ولمّا بلغ أربعين سنة ويوما بعثه الله بشيرا ونذيرا، وأتاه جبريل عليه السلام بغار حراء، فقال: اقرأ.
فقال: ما أنا بقارئ.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأخذنى فغطّنى حتى بلغ منّى الجهد، ثمّ أرسلنى، فقال: اقرأ.
فقلت: ما أنا بقارئ.
(1)
فى ص: «يظللانه» ، والمثبت فى: ط، ن، والوافى بالوفيات.
فقال فى الثالثة: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} إلى قوله تعالى: {عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ}
(1)
.
وقالت عائشة: رضى الله تعالى عنها: أوّل ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحى، الرؤيا الصّادقة فى النوم، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصّبح، وحبّب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنّث فيه-وهو التعبّد-الليالى ذوات العدد قبل أن ينزع الى أهله، ويتزوّد لذلك، ثم يرجع لخديجة فيتزوّد لمثلها، حتى جاءه الحقّ. رواه البخارىّ
(2)
ومسلم
(3)
.
وكان مبدأ النبوّة فيما ذكر يوم الاثنين ثامن شهر ربيع الأوّل.
ثم حصره أهل مكّة هو وأهل بيته فى الشّعب ثلاث سنين، ثم خرج من الشّعب وله تسع وأربعون سنة.
وبعد ذلك بثمانية أشهر وأحد وعشرين يوما، مات عمّه أبو طالب.
وماتت خديجة، رضى الله تعالى عنها بعد أبى طالب بثلاثة أيام.
وكانت أوّل من آمن بما جاء به، ثم آمن أبو بكر، ثمّ علىّ بن أبى طالب، وزيد بن حارثة، وبلال رضى الله تعالى عنهم، ثم بعد هؤلاء عمرو بن عبسة السّلمىّ، وخالد بن سعيد ابن العاص، وسعد بن أبى وقّاص، وعثمان بن عفّان، والزبير بن العوّام، وطلحة بن عبيد الله ابن عثمان، ثم كان عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه تمام الأربعين إسلاما. ذكر ذلك ابن حزم فى «مختصر السيرة
(4)
»
ولما بلغ خمسين سنة وثلاثة أشهر قدم عليه جنّ نصيبين
(5)
، فأسلموا.
ولما بلغ إحدى وخمسين سنة وتسعة أشهر، أسرى به إلى البيت المقدس.
(1)
سورة العلق 1 - 5.
(2)
صحيح البخارى (باب كيف كان بدء الوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 1/ 3.
(3)
صحيح مسلم (باب بدء الوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، من كتاب الإيمان) 1/ 139.
(4)
جوامع السيرة لابن حزم 51،46،45.
(5)
نصيبين: مدينة عامرة من بلاد الجزيرة، على جادة القوافل من الموصل إلى الشام. معجم البلدان 4/ 787.
روى البخارىّ
(1)
، ومسلم
(2)
،
(3)
والتّرمذىّ، والنّسائىّ
(3)
، عن أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه، أن نبىّ الله صلى الله عليه وسلم حدّثهم عن ليلة أسرى به، قال:«بينما أنا فى الحطيم» -وربّما قال: «فى الحجر مضطجع» -ومنهم من قال: «بين النّائم واليقظان» ، «إذ أتانى آت» ، قال: فسمعته يقول: «فشقّ ما بين هذه إلى هذه» . فقيل للجارود/: ما يعنى به؟ قال: من ثغرة نحره إلى شعرته. وسمعته يقول: من قصّه
(4)
إلى شعرته. «فاستخرج قلبى ثمّ أتيت بطشت من ذهب مملوءة إيمانا، فغسل قلبى ثمّ حشى، ثمّ دعى بدابّة دون البغل وفوق الحمار» فقال له الجارود: هو البراق يا أبا حمزة؟ فقال أنس: نعم، يضع خطوه عند أقصى طرفه «فحملت عليه، فانطلق بى جبريل عليه السلام، حتّى أتى السّماء الدّنيا، فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال جبريل. قيل: ومن معك؟ قال:
محمّد. قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، فنعم المجئ جاء» الحديث بطوله. ورأى الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، ورأى من آيات ربّه الكبرى، ثمّ دنا فتدلّى، فكان قاب قوسين أو أدنى، وأوحى إليه ما أوحى، وفرضت الصّلاة تلك الليلة، ولمّا أصبح قصّ على قريش ما رأى.
وروى البخارىّ
(5)
، ومسلم
(6)
، والتّرمذىّ
(7)
عن جابر، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:«لمّا كذبنى قريش قمت إلى الحجر الأسود، فجلا الله لى بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته، وأنا انظر إليه» .
(1)
صحيح البخارى (باب كيف فرضت الصلوات فى الإسراء من كتاب الصلاة) 1/ 97.
(2)
صحيح مسلم (باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السموات، وفرض الصلوات، من كتاب الإيمان) 1/ 145.
(3 - 3) بحثت جهد الطاقة فلم أعثر بمكان الحديث فيها.
(4)
فى الأصول: «قصته» ، والتصويب فى النهاية 4/ 71، وفيها: القص والقصص، عظم الصدر المغروز فيه شراسيف الأضلاع فى وسطه.
(5)
صحيحه فى (باب سورة بنى إسرائيل، من كتاب التفسير) 6/ 104.
(6)
صحيحه بشرح النووى فى (باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم، من كتاب الإيمان) 2/ 237.
(7)
سنن الترمذى (بشرح ابن العربى) 293،11/ 292، فى (تفسير سورة بنى إسرائيل، من أبواب التفسير)، وفيه: «لما كذبتنى قريش قمت فى الحجر
…
».
وقد اختلف الناس فى كيفيّة الإسراء، فالأكثرون من طوائف المسلمين متّفقون على أنه بجسده صلى الله عليه وسلم، والأقلّون قالوا بروحه.
حكى الطّبرىّ فى «تفسيره»
(1)
عن حذيفة، أنه قال: كل ذلك رؤيا. وحكى هذا القول أيضا عن عائشة، وعن معاوية رضى الله تعالى عنهما.
ومنهم من قال بجسده إلى البيت المقدس، ومن هناك إلى السّماوات السّبع بروحه.
قال الصّلاح الصّفدىّ، بعد أن نقل ما ذكرناه من الأقوال، قلت: والصّحيح الأول؛ لأنه قد صحّ أنّ قريشا كذّبته، ولو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت رؤيا، لما كذّب، ولا أنكر ذلك على غيره، فضلا عنه؛ لأن آحاد الناس يرون فى منامهم أنهم ارتقوا إلى السموات. وما ذلك ببدع.
قال: أنشدنى لنفسه الشيخ الإمام شهاب الدّين أبو الثّناء محمود بن سلمان
(2)
بن فهد الحلبىّ الكاتب رحمه الله تعالى قراءة منّى عليه، من جملة قصيدة طويلة، من جملة مجلّدة فيها مدح النبىّ صلى الله عليه وسلم:
أسرى إلى الأقصى بجسمك يقظة
…
لا فى المنام فيقبل التّأويلا
إذ أنكرته قريش قبل ولم تكن
…
لترى المهول من المنام مهولا
ولمّا بلغ صلى الله عليه وسلم ثلاثا وخمسين سنة هاجر إلى المدينة ومعه أبو بكر الصّدّيق رضى الله تعالى عنه، ومولى أبى بكر عامر بن فهيرة، ودليلهم عبد الله بن الأريقط الليثىّ.
قال الحافظ عبد الغنىّ، وغيره: وهو كافر، ولم نعرف له إسلاما.
فأقام بالمدينة عشر سنين. وكان يصلّى الى بيت المقدس مدّة إقامته بمكّة، ولا يستدبر الكعبة يجعلها بين يديه، وصلّى إلى بيت المقدس بعد قدومه المدينة سبعة عشر شهرا، أو ستّة عشر شهرا، ولمّا أكمل فى المدينة عشر سنين سوا توفّى وقد بلغ ثلاثا وستين سنة، وقيل غير
(1)
تفسير الطبرى 13،15/ 12.
(2)
فى ط، ن:«سليمان» ، وهو خطأ صوابه فى: ص، والوافى بالوفيات 1/ 60، والدرر الكامنة 5/ 92، وفوات الوفيات 2/ 564.
ذلك، وفيما تقدم من التواريخ خلاف، وكانت وفاته يوم الاثنين، حين اشتدّ الضّحى، لثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع الأوّل، ومرض أربعة عشر يوما، ودفن ليلة الأربعاء.
ولما حضره الموت كان عنده قدح فيه ماء، فجعل يدخل يده فيه ويمسح وجهه ويقول:
«اللهمّ /أعنّى على سكرات الموت» . وسجّى ببرد حبرة
(1)
. وقيل: إن الملائكة سجّته.
وكذّب بعض أصحابه بموته دهشة، يحكى ذلك عن عمر رضى الله تعالى عنه، وأخرس عثمان رضى الله تعالى عنه، وأقعد علىّ رضى الله تعالى عنه، ولم يكن فيهم أثبت من العباس، وأبى بكر رضى الله تعالى عنهما.
ثم إن الناس سمعوا من باب الحجرة: لا تغسّلوه، فإنه طاهر مطهّر. ثمّ سمعوا بعد ذلك:
اغسلوه؛ فإن هذا إبليس، وأنا الخضر، وعزّاهم فقال: إن فى الله عزاء من كلّ مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل فائت، فبالله فثقوا، فإن المصاب من حرم الثواب.
واختلفوا فى غسله، هل يكون فى ثيابه أو يجرّد عنها؟
فوضع الله عليهم النّوم، فقال قائل، لا يدرى من هو: اغسلوه فى ثيابه. فانتبهوا، وفعلوا ذلك.
والذين ولوا غسله علىّ والعباس، وولداه الفضل، وقثم، وأسامة وشقران مولياه، وحضرهم أوس بن خولىّ من الأنصار، ونفضه علىّ فلم يخرج منه شئ، فقال: صلّى الله عليك وسلّم، طبت حيّا وميّتا.
وكفّن فى ثلاثة أثواب بيض سحوليّة، ليس فيها قميص ولا عمامة، بل لفائف من غير خياطة.
وصلّى المسلمون عليه أفذاذا، ولم يأمّهم أحد.
(1)
فى ن: «وحبرة» ، والمثبت فى: ص، ط، والوافى بالوفيات 1/ 60.
والحبرة: ضرب من برود اليمن.
وفرش تحته فى القبر قطيفة حمراء، كان يتغطّى بها. ونزل شقران، وحفر له، وألحد وأطبق عليه تسع لبنات.
واختلفوا: أيلحد، أم يضرح؟.
وكان بالمدينة حفّاران، أحدهما يلحد، وهو أبو طلحة، والآخر يضرح وهو أبو عبيدة، فاتفقوا أن من جاء منهما أولا عمل عليه، فجاء الذى يلحد، فلحد له. ونحّى فراشه، وحفر له مكانه فى بيت عائشة، رضى الله تعالى عنها.
وقال الحافظ عبد الغنىّ: حوّل فراشه.
وكان ابتداء وجعه فى بيت عائشة، واشتدّ أمره فى بيت ميمونة، فطلب من نسائه أن يمرّض فى بيت عائشة رضى الله تعالى عنها، فأذنّ له فى ذلك، وكان ما ابتدأ به من الوجع صداع، وتمادى به، وكان ينفث فى علّته شيئا يشبه أكل الزّبيب، ومات بعد أن خيّره الله تعالى بين البقاء فى الدنيا ولقاء ربّه، فاختار لقاء الله تعالى.
ويروى أن عمر رضى الله تعالى عنه سمع بعد وفاة النبىّ صلى الله عليه وسلم يقول، وهو يبكى: بأبى أنت وأمّى يا رسول الله، لقد كان لك جذع تخطب عليه، فلما كثر الناس اتّخذت منبرا تسمعهم، فحنّ الجذع لفراقك، حتى جعلت يدك عليه، فسكن، فأمّتك أولى بالحنين عليك حين فارقتهم.
بأبى أنت وأمّى يا رسول الله، لقد بلغ من فضيلتك عند ربك، أن جعل طاعتك طاعته، فقال تعالى
(1)
: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ} .
بأبى أنت وأمّى يا رسول الله، لقد بلغ من فضيلتك عنده، أن أخبرك بالعفو عنك، قبل أن يخبرك بذنبك، فقال
(2)
: {عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} .
بأبى أنت وأمّى يا رسول الله، لقد بلغ من فضيلتك عنده أن جعلك آخر الأنبياء،
(1)
سورة النساء 80.
(2)
سورة التوبة 43.
وذكرك فى أوّلهم، فقال تعالى
(1)
بأبى أنت وأمىّ يا رسول الله، لقد بلغ من فضيلتك عنده أنّ أهل النار يودّون لو يكونوا أطاعوك، بين أطباقها يعذّبون، يقولون
(2)
: {يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا} .
بأبى أنت وأمّى/يا رسول الله، إن كان موسى بن عمران عليه السلام، أعطاه الله حجرا تتفجّر منه الأنهار، فماذا بأعجب من أصابعك حين نبع منها الماء صلّى الله عليك وسلّم.
بأبى أنت وأمّى يا رسول الله، لئن كان سليمان بن داود أعطاه الله الريح غدوّها شهر ورواحها شهر، فما ذلك بأعجب من البراق حين سرت عليه إلى السّماء السّابعة، ثمّ صلّيت الصّبح بالأبطح
(3)
، صلّى الله عليك وسلّم.
بأبى أنت وأمّى يا رسول الله، لئن كان عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، أعطاه الله تعالى إحياء الموتى، فما ذلك بأعجب من الشّاة المسمومة حين كلّمتك وهى مشويّة، فقالت:
لا تأكلنى؛ فإنى مسمومة.
بأبى أنت وأمىّ يا رسول الله، لقد دعا نوح على قومه، فقال
(4)
: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً} ، ولو دعوت علينا مثلها لهلكنا من عند آخرنا، فلقد وطئ ظهرك، وأدمى وجهك، وكسرت رباعيتك
(5)
، فأبيت أن تقول إلا خيرا، فقلت:«اللهمّ اغفر لقومى فإنّهم لا يعلمون» .
بأبى أنت وأمىّ يا رسول الله، لقد اتّبعك فى قلّة سنّك، وقصر عمرك، ما لم يتبع نوحا فى كبر سنّه، وطول عمره، فلقد آمن بك الكثير وما آمن معه إلا القليل.
(1)
سورة الأحزاب 7.
(2)
سورة الأحزاب 66.
(3)
الأبطح: هو المحصب، وهو خيف بنى كنانة، يضاف إلى منى، وإلى مكة؛ لأن المسافة بينهما واحدة، وربما كان إلى منى أقرب. معجم البلدان 1/ 62.
(4)
سورة نوح 26.
(5)
الرباعية، بوزن الثمانية: السن التى بين الثنية والناب. المصباح المنير (ر ب ع).
بأبى أنت وأمّى يا رسول الله، لو لم تجالس إلا كفوا ما جالستنا،
(1)
ولو لم تنكح إلاّ كفوا ما آكلتنا
(1)
، لبست الصّوف، وركبت الحمار، ووضعت طعامك بالأرض، ولعقت أصابعك تواضعا منك صلّى الله عليك وسلم.
صفته صلى الله عليه وسلم
كان ربعة، بعيد ما بين المنكبين، أبيض اللون، مشربا حمرة، يبلغ شعره شحمة أذنيه.
قالت عائشة رضى الله تعالى عنها: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان له شعر فوق الجمّة ودون الوفرة.
رواه أبو داود
(2)
، والتّرمذىّ
(3)
.
وقالت أمّ هاني، رضى الله تعالى عنها: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، وله أربع غدائر.
روياه أيضا
(4)
.
كان سبط الشّعر، فى لحيته كثاثة، ومات ولم يبلغ الشيب فى رأسه ولحيته عشرين شعرة، ظاهر الوضاءة، يتلألأ وجهه كالقمر ليلة البدر.
وروى عن عائشة رضى الله تعالى عنها، أنها وصفته، فقالت: كان والله كما قال شاعره حسّان بن ثابت الأنصارىّ
(5)
:
متى يبد فى الدّاجى البهيم جبينه
…
يلح مثل مصباح الدّجى المتوقّد
(6)
(1 - 1) يبدو أن فى الكلام سقطا.
(2)
سنن أبى داود، فى (باب ما جاء فى الشعر، من كتاب الترجل) 2/ 126.
(3)
سنن الترمذى (بشرح ابن العربى) 7/ 257، فى (باب ما جاء فى الجمة واتخاذ الشعر، من أبواب اللباس).
(4)
أبو داود فى سننه (باب فى الرجل يعقص شعره، من كتاب الترجل) 2/ 126. والترمذى فى سننه (بشرح ابن العربى) 7/ 277، فى (باب دخول النبى صلى الله عليه وسلم مكة، من أبواب اللباس).
(5)
ديوانه 101.
(6)
فى الأصول: «متى يند» ، والمثبت فى: ديوانه، والوافى.
فمن كان أو من قد يكون كأحمد
…
نظام لحقّ أو نكال لمعتدى
(1)
وروى عن أنس بن مالك، رضى الله تعالى قال: كان أبو بكر الصّدّيق رضى الله تعالى عنه إذا رأى النبىّ صلى الله عليه وسلم يقول:
أمين مصطفى بالخير يدعو
…
كضوء البدر زايله الظلام
وروى عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه، قال: كان عمر بن الخطّاب رضى الله تعالى عنه إذا رآه ينشد قول زهير فى هرم بن سنان
(2)
:
لو كنت من شئ سوى بشر
…
كنت المضئ لليلة البدر
أزهر اللون، ليس بالأبيض الأمهق ولا بالآدم، أقنى العرنين، سهل الخدّين، أزجّ الحاجبين، أقرن/، أدعج العين، فى بياض عينيه عروق حمر رقاق، حسن الخلق، معتدله، أطول من المربوع وأقصر من المشذّب، دقيق المسربة، كأنّ عنقه إبريق فضّة، من لبّته إلى سرّته شعر مجرى كالقضيب، ليس فى بطنه ولا صدره شعر غيره، ششن الكفّ والقدم، ضليع الفم، أشنب، مفلّج الأسنان، بادنا متماسكا، سواء البطن والصّدر، ضخم الكراديس، أنور المتجرّد، أشعر الذّراعين والمنكبين، عريض الصّدر، طويل الزّند، رحب الراحة، سائل الأطراف، سبط القضيب، خمصان، بين كتفيه خاتم النّبوّة.
قال جابر بن سمرة: مثل بيضة الحمام يشبه جسده.
إذا مشى كأنما ينحدر من صبب، وإذا مشى كأنما ينقلع من صخر، إذا التفت التفت جميعا، كأنّ عرقه اللؤلؤ، ولريح عرقه أطيب من ريح المسك الأذفر.
وقال
(3)
عند أمّ سليم، فعرق، فجاءت بقارورة، فجعلت تسكب العرق فيها، فاستيقظ النبىّ صلى الله عليه وسلم؛ فقال: يا «أمّ سليم، ما هذا الذى تصنعين؟» .
قالت: هذا عرقك، نجعله فى طيبنا، وهو أطيب الطّيب.
(1)
فى الديوان «أو من يكون
…
نظام لحق أو نكال لملحد».
(2)
شرح ديوان زهير 95.
(3)
من القيلولة.
وفى وصف أمّ معبد له: وفى صوته صهل، وفى عنقه سطع، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلّم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، حلو المنطق.
وفى وصف هند بن أبى هالة
(1)
: خافض الطّرف، نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السّماء، يسوق أصحابه، ويبدأ من لقيه بالسّلام.
وفى وصف علىّ بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه: أجود الناس كفّا، وأرحب الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة، وأوفى الناس بذمّة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه أحبّه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله، صلى الله عليه وسلم.
شرح الغريب
مما فى صفته صلى الله عليه وسلم
الوضاءة: الحسن والجمال.
والأزهر: الأبيض.
والأمهق: الشديد البياض، ليس بنيّر ولا تخالطه حمرة.
والآدم من الناس: الأسمر.
والقنا: احديداب فى الأنف.
والزّجج: دقة فى الحاجبين وطول.
والدّعج: شدّة سواد العينين.
والمشذّب: الطّويل.
والمسربة، بضمّ الراء: الشّعر الذى يأخذ من الصّدر إلى السّرّة، وهو مستدقّ.
واللّبّة: المنحر.
والشّثن، بتحريك الثاء: مصدر شثنت كفّه، إذا خشنت وغلظت.
(1)
هو ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمّه خديجة بنت خويلد، قتل هند مع على رضى الله تعالى عنه يوم الجمل. أسد الغابة 72،5/ 71، وحديثه هذا فيه.
وضليع الفم، قال أبو عبيد
(1)
: أراد أنه كان واسع الفم.
قال القتيبىّ: ضليع الفم: عظيمه.
والشّنب: حدّة الاسنان.
والبادن: السّمين.
والمتماسك: المستمسك اللحم.
والكراديس: جمع كردوس، وهو كل عظمين التقيا فى مفصل.
وسواء البطن والصّدر، يريد أن بطنه غير مستفيض، فهو مساو لصدره.
أنور المتجرّد، يعنى شديد بياض ما جرّد عنه الثوب.
رحب الرّاحة: واسع الكفّ.
والخمصان، الخمص: ما ارتفع عن الأرض من باطن القدم.
الصّهل، والصّحل فى رواية: شبه البحّة، وهو غلظ فى الصّوت، لأنه مأخوذ من صهيل الفرس.
والسّطع: طول العنق.
أسماؤه صلى الله عليه وسلم
روى البخارىّ
(2)
والنّسائىّ
(3)
، عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه، قال: قال رسول /الله صلّى الله علية وسلم: «ألا تعجبون كيف يصرف الله عنّى شتم قريش ولعنهم، يشتمون مذمّما، ويلعنون مذمّما، وأنا محمّد» .
قال السّخاوىّ فى «سفر السّعادة» : قيل لعبد المطّلب: بم سمّيت ابنك؟
فقال: بمحمّد.
فقالوا له: ما هذا من أسماء آبائك!
(1)
انظر غريب الحديث لأبى عبيد 3/ 317.
(2)
صحيح البخارى (باب ما جاء فى أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم، من كتاب المناقب) 4/ 225.
(3)
سنن النسائى (باب الإبانة والإفصاح بالكلمة الملفوظ بها، من كتاب الطلاق) زهر الربى 2/ 101.
قال: أردت أن يحمد فى السّماء والأرض.
قال الصّفدىّ: وأحمد أبلغ من محمّد، كما أن أحمر وأصفر أبلغ من محمّر ومصفّر.
وروى البخارىّ
(1)
، ومسلم
(2)
، والتّرمذىّ
(3)
، عن جبير بن مطعم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لى خمسة أسماء، أنا محمّد، وأنا أحمد، وأنا الماحى الذى يمحو الله به الكفر، وأنا الحاشر الّذى يحشر النّاس على قدمى، وأنا العاقب» .
والعاقب: الذى ليس بعده نبىّ.
وقد سمّاه الله تعالى رءوفا رحيما.
قال الصّلاح الصّفدىّ
(4)
: أنشدنى لنفسه قراءة منىّ عليه، الشيخ الإمام الحافظ فتح الدّين ابن سيّد الناس اليعمرىّ، فيما وافق من أسماء الله الحسنى لأسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى قصيدة له فى مدحه:
وحلاّه من حسنى أساميه جملة
…
أتى ذكرها فى الذّكر ليس يبيد
(5)
وفى كتب الله المقدّس ذكرها
…
وفى سنّة تأتى بها وتفيد
رءوف رحيم فاتح ومقدّس
…
أمين قوى عالم وشهيد
ولىّ شكور صادق فى مقاله
…
عفوّ كريم بالنّوال يعود
ونور وجبّار وهادى من اهتدى
…
ومولى عزيز ليس عنه محيد
بشير نذير مؤمن ومهيمن
…
خبير عظيم بالعظيم يجود
وحقّ مبين آخر أوّل سما
…
إلى ذروة العلياء وهو وليد
(1)
فى صحيحه، الموضع السابق، واللفظ هنا لفظ البخارى.
(2)
صحيح مسلم (باب فى أسمائه صلى الله عليه وسلم، من كتاب الفضائل) 4/ 1828.
(3)
سنن الترمذى (بشرح ابن العربى) 282،10/ 281، فى (باب ما جاء فى أسماء النبى صلى الله عليه وسلم، من أبواب الأدب).
(4)
الوافى بالوفيات 1/ 63.
(5)
فى ص: «وحلاه من حسنى أساميه جملة» ، والمثبت فى: ط، ن، والوافى.
فآخر أعنى آخر الرّسل بعثه
…
وأوّل من ينشقّ عنه صعيد
أسام يلذّ السّمع إن هى عدّدت
…
نعوت ثناء والثناء عديد
وقال حسّان بن ثابت، رضى الله تعالى عنه
(1)
:
فشقّ له من اسمه ليجلّه
…
فذو العرش محمود وهذا محمّد
ومن أسمائه: المقفّى، ونبىّ التّوبة، ونبىّ الرحمة.
وفى «صحيح مسلم» : ونبىّ المرحمة
(2)
.
ومن أسمائه: طه، ويس، والمزّمّل، والمدّثّر، وعبد الله، فى قوله تعالى
(3)
: {وَأَنَّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ)،} ومذكّر فى قوله تعالى
(4)
: {إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ} . وله من الأسماء غير ذلك.
اصطفاؤه، وفضله على سائر الخلق
(5)
روى البخارىّ
(6)
، عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «بعثت من خير قرون بنى آدم، قرنا فقرنا، حتّى كنت
(7)
من خير قرن، كنت منه
(7)
»
وروى مسلم
(8)
، والتّرمذىّ
(9)
، عن واثلة بن الأسقع، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «إنّ الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من
(1)
شرح ديوان حسان بن ثابت 78.
(2)
فى الأصول وعيون الأثر 2/ 315: «الملحمة» ، وهو خطأ. انظر شرح النووى لصحيح مسلم 14/ 106.
(3)
سورة الجن 19.
(4)
سورة الغاشية 21.
(5)
هذا الفصل أيضا فى الوافى بالوفيات 1/ 62.
(6)
فى صحيحه (باب صفة النبى صلى الله عليه وسلم، من كتاب المناقب) 4/ 229.
(7 - 7) فى الصحيح: «من القرن الذى كنت فيه» .
(8)
فى صحيحه (باب فضل نسب النبى صلى الله عليه وسلم، من كتاب الفضائل) 4/ 1782.
(9)
سنن الترمذى (بشرح ابن العربى) 13/ 94، فى (باب فى فضل النبى صلى الله عليه وسلم من أبواب المناقب).
كنانة، واصطفى من قريش بنى هاشم، واصطفانى من بنى هاشم».
وروى التّرمذىّ
(1)
، عن ابن عبّاس، رضى الله تعالى عنهما، قال: جلس ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتذاكرون، وهم ينتظرون خروجه.
قال: فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون، فسمع/حديثهم، فقال بعضهم:
عجبا، إن الله تبارك وتعالى اتّخذ من خلقه خليلا، اتّخذ إبراهيم خليلا.
وقال آخر: ماذا بأعجب من كلام موسى، كلّمه تكليما.
وقال آخر: ماذا بأعجب من جعله عيسى كلمة الله وروحه.
وقال آخر: ماذا بأعجب من آدم، اصطفاه الله عليهم-زاد رزين-: وخلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته-ثم اتّفقا-
فسلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أصحابه، وقال:«قد سمعت كلامكم وعجبكم أنّ إبراهيم خليل الله، وهو كذلك، وأنّ موسى نجىّ الله، وهو كذلك، وأنّ عيسى روح الله وكلمته، وأنّ آدم اصطفاه الله وهو كذلك، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة، ولا فخر، وأنا أكرم الأوّلين والآخرين على الله، ولا فخر، وأنا أوّل شافع وأوّل مشفّع يوم القيامة، ولا فخر، وأنا أوّل من يحرّك حلق الجنّة فيفتح الله لى فيدخلنيها ومعى فقراء المؤمنين، ولا فخر» .
أخلاقه صلى الله عليه وسلم
سئلت عائشة رضى الله تعالى عنها، عنه، فقالت: كان خلقه القرآن؛ يغضب لغضبه، ويرضى لرضاه، ولا ينتقم لنفسه، ولا يغضب لها، إلاّ أن تنتهك حرمات الله فيغضب لله، وإذا غضب لم يقم لغضبه أحد.
وكان أشجع الناس، وأسخاهم، وأجودهم، ما سئل شيئا، فقال: لا، ولا يبيت فى بيته
(1)
سنن الترمذى (بشرح ابن العربى) 13/ 103، فى الباب السابق ذكره.
دينار ولا درهم، فإن فضل، ولم يجد من يأخذه، وفجأه اللّيل، لم يرجع إلى منزله حتى يبرأ منه إلى من يحتاج إليه، لا يأخذ ممّا آتاه الله إلا قوت أهله عاما فقط، من أيسر ما يجد من التمر والشعير، ثم يؤثر من قوت أهله
(1)
حتى ربّما احتاج قبل انقضاء العام.
وكان من أحلم الناس، وأشدّ حياء من العذراء فى خدرها، خافض الطّرف، نظره الملاحظة.
وكان أكثر الناس تواضعا، يجيب من دعاه من غنىّ أو فقير، أو حرّ أو عبد.
وكان أرحم الناس، يصغى
(2)
الإناء للهرّة، وما يرفعه حتى تروى، رحمة لها.
وكان أعفّ الناس، وأشدّهم إكراما لأصحابه، لا يمدّ رجليه بينهم، ويوسّع عليهم إذا ضاق المكان. ولم تكن ركبتاه تتقدّم ركبة جليسه. له رفقاء يحفّون به، وإن قال أنصتوا له، وإن أمر تبادروا لأمره، ويتحمّل
(3)
لأصحابه، ويتفقّدهم؛ ويسأل عنهم، فمن مرض عاده، ومن غاب دعا له، ومن مات استرجع فيه، وأتبعه الدّعاء له، ومن تخوّف أن يكون وجد فى نفسه شيئا، انطلق إليه حتى يأتيه فى منزله. ويخرج إلى بساتين أصحابه، ويأكل ضيافتهم، ويتألّف أهل الشرف، ويكرم أهل الفضل. ولا يطوى بشره
(4)
عن أحد، ولا يجفو عليه، ويقبل معذرة
(5)
المعتذر إليه
(6)
، والضّعيف والقوىّ عنده فى الحق سواء، ولا يدع أحدا يمشى خلفه، ويقول:«خلّوا ظهرى للملائكة» . ولا يدع أحدا يمشى معه وهو راكب، حتى يحمله، فإن أبى قال: تقدّمنى إلى المكان الفلانىّ. ويخدم من خدمه، وله عبيد وإماء، ولا يرتفع عنهم فى مأكل ولا ملبس.
(1)
ساقط من: ط، ن، وهو فى: ص، والوافى بالوفيات 1/ 66، والفصل فيه.
(2)
فى ص: «يصفى» والصواب فى ط، ن، والوافى.
ويصغى الإناء للهرة: يميله ليسهل عليها الشرب منه.
(3)
فى ص: «ويتجمل» ، والمثبت فى: ط، ن، والوافى.
(4)
فى ص: «نشره» ، والمثبت فى: ط، ن، والوافى.
(5)
فى ن: «عذر» ، والمثبت فى: ص، ط، والوافى بالوفيات 1/ 67.
(6)
زيادة من: ص، والوافى، على ما فى: ط، ن.
قال أنس بن مالك، رضى الله تعالى عنه: خدمته نحوا من عشر سنين، فو الله ما صحبته فى حضر ولا سفر لأخدمه إلاّ كانت خدمته لى أكثر من خدمتى له،/وما قال لى أفّ قطّ، ولا قال لشئ فعلته: لم فعلت كذا. ولا لشئ لم أفعله: ألا فعلت كذا.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر، فأمر بإصلاح شاة، فقال رجل: يا رسول الله، علىّ ذبحها.
وقال آخر: علىّ سلخها.
وقال آخر: علىّ طبخها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وعلىّ جمع الحطب» .
فقالوا: يا رسول الله، نحن نكفيك.
فقال: «قد علمت أنّكم تكفوننى، ولكن أكره أن أتميّز عليكم؛ فإنّ الله يكره من عبده أن يراه متميّزا بين أصحابه» . وقام فجمع الحطب.
وكان فى سفر، فنزل إلى الصّلاة، ثم كرّ راجعا.
فقيل: يا رسول الله، أين تريد؟
فقال: «أعقل ناقتى» .
فقالوا: نحن نعقلها.
قال: «لا يستعن أحدكم بالنّاس ولو فى قضمة من سواك» .
وكان لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر، وإذا انتهى إلى القوم جلس حيث انتهى به المجلس، ويأمر بذلك، ويعطى كلّ أحد من جلسائه نصيبه، لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، وإذا جلس إليه أحدهم لم يقم صلى الله عليه وسلم حتى يقوم الذى جلس إليه، إلا أن يستعجله أمر، فيستأذنه. ولا يقابل أحدا بما يكره، ولا يجزى السّيّئة بمثلها، بل يعفو ويصفح.
وكان يعود المرضى، ويحبّ المساكين، ويجالسهم، ويشهد جنائزهم، ولا يحقّر فقيرا لفقره، ولا يهاب ملكا لملكه.
يعظم النّعمة وإن قلّت، ولا يذمّ منها شيئا، ما عاب طعاما قطّ؛ إن اشتهاه أكله، وإلاّ تركه.
وكان يحفظ جاره، ويكرم ضيفه.
وكان أكثر الناس تبسّما، وأحسنهم بشرا. ولا يمضى له وقت فى غير عمل لله، أو فى مالا بدّ منه، وما خيّر بين أمرين، إلا اختار أيسرهما، إلا أن يكون فيه قطيعة رحم، فيكون أبعد الناس منه.
يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويركب الفرس والبغل والحمار، ويردف خلفه عبده، أو غيره، ويمسح وجه فرسه بطرف كمّه، أو بطرف ردائه.
وكان يحبّ الفأل، ويكره الطّيرة، وإذا جاءه ما يحبّ، قال:«الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» ،} وإذا جاءه ما يكره، قال:«الحد لله على كلّ حال» .
وإذا رفع الطعام من بين يديه قال: «الحمد لله الذى أطعمنا، وسقانا، وأوانا، وجعلنا مسلمين» .
وأكثر جلوسه مستقبل القبلة.
ويكثر الذّكر، ويطيل الصّلاة، ويقصر الخطبة.
ويستغفر فى المجلس الواحد مائة مرّة.
وكان يسمع لصدره وهو فى الصّلاة أزيز كأزيز المرجل من البكاء.
وكان يقوم حتى ترم
(1)
قدماه.
وكان يصوم الاثنين، والخميس، وثلاثة أيّام من كل شهر، وعاشوراء.
وقلّما كان يفطر يوم الجمعة، وأكثر صيامه فى شعبان.
(1)
فى ط: «تورم» ، وفى ن:«تورمت» ، والمثبت فى: ص، والوافى بالوفيات 1/ 68.
وفى الصّحيحين، من رواية أنس رضى الله تعالى عنه
(1)
: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر. ويفطر حتى نقول: لا يصوم.
وكان عليه الصلاة والسلام تنام عيناه ولا ينام قلبه، انتظارا للوحى.
وإذا نام نفخ، ولا يغطّ.
وإذا رأى فى منامه ما يكره قال: «هو الله لا شريك له» .
وإذا أخذ مضجعه قال: «ربّ قنى عذابك يوم تبعث عبادك» .
وإذا استيقظ قال: «الحمد لله الذى أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النّشور» .
وكان لا يأكل الصّدقة، ويأكل الهديّة، ويكافئ عليها، ولا يتأنّق فى مأكل، ويعصب على بطنه الحجر من الجوع. وآتاه الله مفاتيح خزائن الأرض فلم يقبلها، واختار الآخرة، وأكل الخبز بالخلّ، وقال:«نعم الإدام الخلّ» . وأكل لحم الدّجاج، ولحم الحبارى، وكان يأكل ما وجد، ولا يردّ ما حضر، ولا يتكلّف ما لم يحضر، ولا يتورّع عن مطعم حلال؛ إن وجد تمرا دون خبز أكله، وإن وجد حلوا أو عسلا أكله.
وكان أحبّ الشّراب إليه الحلو البارد. وقال لأبى الهيثم
(2)
بن التّيّهان «كأنّك علمت حبّنا للّحم» . وكان لا يأكل متّكئا، ولا على خوان. لم يشبع من خبز برّ ثلاثا تباعا، حتى لقى الله عز وجل إيثارا على نفسه، لا فقرا ولا بخلا. ويجيب الوليمة، ويجيب دعوة
(1)
هذا لفظ عائشة رضي الله عنها فى الصحيحين، وليس لفظ أنس رضي الله عنه، وإنما الرواية عن أنس فى صحيح البخارى:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر من الشهر حتى نظن أن لا يصوم منه، ويصوم حتى نظن أن لا يفطر منه شيئا» ، وفى صحيح مسلم:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم حتى يقال: قد صام، قد صام. ويفطر حتى يقال: قد أفطر، قد أفطر» . انظر صحيح البخارى (باب صوم شعبان، وباب ما يذكر من صوم النبى صلى الله عليه وسلم وإفطاره، من كتاب الصيام) 3/ 50، وصحيح مسلم (باب صيام النبى صلى الله عليه وسلم فى غير رمضان، واستحباب أن لا يخلى شهرا عن صوم، من كتاب الصيام)،2/ 809 - 812.
(2)
فى الأصول: «للهيثم» ، وهو خطأ، وإنما هو أبو الهيثم مالك بن التيهان بن مالك الأنصارى. انظر أسد الغابة 4/ 274، الاشتقاق 445.
العبد والحرّ. ويقبل الهدايا ولو أنها جرعة لبن أو فخذ أرنب. وكان يحب الدّبّاء
(1)
، والذّراع من الشّاة. وقال:«كلوا الزّيت، وادّهنوا به، فإنّه من شجرة مباركة» ، وكان يأكل بأصابعه الثلاث، ويلعقهنّ. منديله باطن قدميه. وأكل خبز الشّعير بالتمر، والبطّيخ بالرّطب، والقثّاء بالرّطب، والتمر بالزّبد، وكان يحبّ الحلواء والعسل.
ويشرب قاعدا، وربّما شرب قائما، ويتنفّس ثلاثا مبينا للإناء، ويبدأ بمن عن يمينه إذا سقاه. وشرب لبنا وقال:«من أطعمه الله طعاما، فليقل: اللهمّ بارك فيه وأطعمنا خيرا منه، ومن سقاه لبنا فليقل: اللهمّ بارك لنا وزدنا منه» .
وقال: «ليس شئ يجزئ مكان الطّعام والشّراب غير اللبن» .
قال ابن حزم: وشرب النّبيذ الحلو.
قال الصّلاح الصّفدىّ: تفسيره الماء الذى ينبذ فيه التّمرات اليسيرة ليحلو.
وكان يلبس الصّوف، وينتعل المخصوف، ولا يتأنّق فى ملبس، وأحبّ اللّباس إليه الحبرة من اليمن، فيها حمرة وبياض. وأحبّ الثّياب إليه القميص، ويقول إذا لبس ثوبا استجدّه:«اللهمّ لك الحمد كما ألبستنيه أسألك خيره، وخير ما صنع، وأعوذ بك من شرّه، وشرّ ما صنع» . وتعجبه الثياب الخضر، وربّما لبس الإزار الواحد ليس عليه غيره، ويعقد طرفه بين كتفيه.
ويلبس يوم الجمعة برده الأحمر، ويعتمّ.
ويلبس خاتما من فضّة، نقشه «محمد رسول الله» فى خنصره الأيمن، وربّما جعله فى الأيسر.
ويحبّ الطّيب، ويكره الرّائحة الكريهة.
ويقول: «إنّ الله جعل لذّتى فى النّساء والطّيب، وجعل قرّة عينى فى الصّلاة» .
(1)
الدباء: القرع. القاموس (د ب ب).
وكان يتطيّب بالغالية والمسك، أو المسك وحده، ويتبخّر بالعود والكافور، ويكتحل بالإثمد، وربما اكتحل وهو صائم. ويكثر دهن رأسه ولحيته، ويدّهن غبّا
(1)
ويكتحل وترا.
ويحبّ التّيمّن فى ترجّله، وتنعّله، وفى طهوره، وفى شأنه كلّه.
وينظر فى المرآة، ولا تفارقه قارورة الدّهن فى سفره، والمكحلة، والمرآة، والمشط، والمقراض، والسّواك، والإبرة، والخيط.
ويستاك فى الليلة ثلاث مرّات، وقبل النوم، وبعده، وعند القيام لورده، وعند الخروج لصلاة الصّبح، وكان يحتجم.
وكان يمزح ولا يقول إلا حقّا. وجاءته امرأة، فقالت: يا رسول الله، احملنى على جمل.
فقال: «أحملك على ولد النّاقة» .
قالت: لا يطيقنى.
فقال لها الناس: وهل الجمل إلا ولد الناقة!
وجاءته امرأة، فقالت: يا رسول الله، إن زوجى مريض، وهو يدعوك.
فقال: «لعلّ زوجك الّذى فى عينيه بياض» .
فرجعت، وفتحت عين زوجها. فقال: ما لك؟
قالت:/أخبرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فى عينيك بياضا.
فقال: وهل أحد إلا فى عينيه بياض.
وقالت له أخرى: يا رسول الله، ادع الله لى أن يدخلنى الجنة.
(1)
أى يوما بعد يوم.
فولّت المرأة وهى تبكى، فقال صلى الله عليه وسلم: «أخبروها أنّها لا تدخل الجنّة وهى عجوز، إنّ الله تعالى يقول:
(1)
{أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً* فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً* عُرُباً أَتْراباً} .
قد جمع الله له كمال الأخلاق، ومحاسن الأفعال، وحسبك ما أثنى عليه فى قوله تعالى:
(2)
{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} .
وآتاه الله علم الأوّلين والآخرين، وما فيه النّجاة والفوز، وهو أمّى لا يكتب ولا يقرأ، ولا معلّم له من البشر، ونشأ فى بلاد الجهل والصّحارى، وآتاه ما لم يؤت أحدا من العالمين، واختاره على الأوّلين والآخرين، صلى الله عليه وسلم.
فصل
يتضمّن ذكر شئ من معجزاته وآياته
صلى الله عليه وسلم
منها: القرآن العظيم، وهو أكبرها، الذى دعا به بلغاء قريش، وهم ما هم قالة البلاغة، ولسن الفصاحة، ولهم من ذلك قمراها والنجوم الطّوالع
(3)
، ودعا غيرهم، مذ بعثه الله قرنا بعد قرن، وجيلا بعد جيل، إلى يومنا هذا، وإلى يوم البعث والنشور، على أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات، وتنازل معهم إلى الإتيان بسورة من مثله، وفى السّور ما هو ثلاث آيات، وتحدّى به الإنس والجنّ، فلم يأتوا بمثله، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، ونكصوا على أعقابهم خائبين، وذهب كلّ نبىّ بمعجزاته، ولم يبق لها أثر ظاهر خلا الرّوايات عنها والأخبار، وأبقى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم معجزا خالدا بين ظهرانينا إلى يوم القيامة، بعد ذهابه، لا تنكسف شموسه، ولا تذوى زهراته.
(1)
سورة الواقعة 35 - 37، وصدر الآية الأولى:(إِنّا أَنْشَأْناهُنَّ).
(2)
سورة القلم 4.
(3)
ينظر إلى قول الفرزدق:
أخذنا بآفاق السماء عليكم
…
لنا قمراها والنجوم الطوالع
ديوانه 519.
وفى حاشية الوافى بالوفيات 1/ 70: لو كنت شاعرا لبدلت هذا البيت، وقلت من الخفيف:
ولهم من آفاق ذلك آيات
…
قمراها والأنجم الطّالعات
وانشقاق القمر. روى مسلم
(1)
والتّرمذىّ
(2)
، عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما، قال: انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقتين، فستر الجبل فلقة، وكانت فلقة فوق الجبل.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهمّ اشهد» .
وروى التّرمذىّ
(3)
، عن جبير بن مطعم، قال: انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصار فرقتين. فقالت قريش: سحر محمّد أعيننا.
فقال بعضهم: لئن كان سحرنا ما يستطيع أن يسحر الناس كلّهم.-وزاد رزين-:
فكانوا يتلقّون الرّكبان فيخبرونهم بأنهم قد رأوه، فيكذّبونهم.
وما أحقّه صلى الله عليه وسلم بقول أبى الطّيّب
(4)
:
متى ما يشر نحو السّماء بطرفه
…
يخرّ له الشّعرى وينكسف البدر
(5)
وأن الملأ من قريش تعاقدوا على قتله، فخرج عليهم، فخفضوا أبصارهم، وسقطت أذقانهم فى صدورهم، وأقبل حتى قام على رءوسهم فقبض قبضة من تراب، وقال:
«شاهت الوجوه» وحصبهم، فما أصاب رجلا منهم من ذلك الحصباء شئ
(6)
إلاّ قتل يوم بدر.
ورمى يوم حنين بقبضة من تراب فى وجوه القوم، فهزمهم الله تعالى.
ونسج العنكبوت فى الغار.
(1)
فى صحيحه (باب انشقاق القمر، من كتاب صفات المنافقين وأحكامهم) 2159،4/ 2158.
(2)
سنن الترمذى (بشرح ابن العربى) 12/ 176 فى (تفسير سورة القمر، من أبواب التفسير).
(3)
سنن الترمذى (بشرح ابن العربى) 12/ 176 فى (تفسير سورة القمر، من أبواب التفسير).
(4)
ديوانه 57.
(5)
فى الديوان: «متى ما يشر نحو السماء بوجهه» .
(6)
ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
وما كان من أمر سراقة بن مالك، إذ بعث خلفه فى الهجرة، فساخت قوائم فرسه./فى الأرض الجلد.
(1)
ومسح على ظهر عناق لم ينز عليها الفحل فدرّت.
وشاة أمّ معبد.
ودعوته لعمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه أن يعزّ الله به الإسلام.
ودعوته لعلىّ رضي الله عنه أن يذهب عنه الحرّ والبرد.
وتفله فى عينيه، وهو أرمد، فعوفى من ساعته، ولم يرمد بعد ذلك.
وردّه عين قتادة، بعد أن سالت على خدّه، فكانت أحسن عينيه وأحدّهما.
ودعاؤه لعبد الله بن عبّاس، رضي الله عنهما، بالتّأويل والفقه فى الدّين، وكان يسمّى الحبر والبحر لعلمه.
ودعاؤه لجمل جابر، فصار سابقا بعد أن كان مسبوقا.
ودعاؤه لأنس بن مالك، رضى الله تعالى عنه، بطول العمر، وكثرة المال والولد، فعاش مائة سنة أو نحوها، وولد له مائة وعشرون ولدا ذكرا لصلبه، وكان نخله يحمل فى السّنة مرّتين.
ودعاوه فى تمر جابر بالبركة، فأوفى غرماءه، وفضل ثلاثة عشر وسقا.
واستسقاؤه عليه الصلاة والسلام، فمطروا أسبوعا ثم استصحاؤه فانجابت السّماء.
وإذا النوائب أظلمت أحداثها
…
لبست بوجهك أحسن الإشراق
ودعاؤه على عتبة بن أبى لهب، فأكله الأسد بالزّرقاء
(2)
من الشام.
(1)
الأرض الجلد: الصلبة المستوية المتن: القاموس (ج ل د).
(2)
الزرقاء: موضع بالشام، بناحية معان، وهو نهر عظيم فى شعارى ودحال كثيرة، وفيه سباع كثيرة مذكورة بالضراوة. معجم البلدان 2/ 924.
وشهادة الشّجرة له بالرّسالة، فى خبر الأعرابىّ الذى دعاه إلى الإسلام؛ فقال: هل من شاهد على ما تقول؟
فقال: «نعم، هذه الشّجرة» . ثم دعاها فأقبلت، فاستشهدها، فشهدت له أنه كما قال، ثلاثا، ثم رجعت إلى منبتها.
وأمره شجرتين فاجتمعتا، ثمّ افترقتا.
وأمره أنسا أن ينطلق إلى نخلات، فيقول لهنّ: أمر كنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجتمعن، فاجتمعن، فلما قضى حاجته أمره أن يأمرهنّ بالعود إلى أماكنهنّ، فعدن.
ونام، فجاءت شجرة تشقّ الأرض حتى قامت عليه، فلما استيقظ ذكرت له، فقال:
«هى شجرة استأذنت ربّها أن تسلّم علىّ، فأذن لها» .
وسلام الحجر والشجر عليه ليالى بعث: السلام عليك يا رسول الله.
وقوله: «إنّى لأعرف حجرا بمكّة كان يسلّم علىّ قبل أن أبعث» .
وحنين الجذع إليه.
وتسبيح الحصا فى كفّه، وكذلك الطّعام.
وإعلامه الشّاة بسمّها.
وشكوى البعير إليه كثرة العمل، وقلّة العلف.
وسؤال الظّبية له أن يخلّصها من الحبل؛ لترضع ولديها وتعود، فخلّصها، فتلفّظت بالشهادتين.
وإخباره عن مصارع المشركين يوم بدر، فلم يعد أحد منهم مصرعه.
وإخباره أنّ طائفة من أمّته يغزون فى البحر، وأن أمّ حرام بنت ملحان منهم، فكذلك.
وقوله لعثمان رضى الله تعالى عنه تصيبه بلوى شديدة، فكانت، وقتل.
وقوله فى الحسن: «إنّ ابنى هذا سيّد، وإنّ الله سيصلح به بين فئتين عظيمتين من
المسلمين».
وإخباره بقتل العنسىّ الكذّاب، وهو بصنعاء، ليلة قتله.
وقوله لثابت بن قيس: «تعيش حميدا وتقتل شهيدا» ، فقتل يوم اليمامة.
ولما ارتدّ رجل من المسلمين، ولحق بالمشركين، بلغه أنه مات، فقال:«إنّ الأرض لا تقبله» فكان كذلك.
وقوله لرجل يأكل بشماله: «كل بيمينك» فقال: لا أستطيع. فقال له: «لا استطعت» فلم يطق أن يرفعها إلى فيه بعد.
ودخوله مكّة/عام الفتح، والأصنام حول الكعبة معلّقة، وبيده قضيب، فجعل يشير إليها به، ويقول
(1)
: {جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ)،} وهى تتساقط.
وقصّة مازن بن الغضوبة الطّائىّ
(2)
، وسواد بن قارب
(3)
، وأمثالهما.
وشهادة الضّبّ بنبوّته.
وإطعام ألف من صاع شعير بالخندق، فشبعوا والطعام أكثر ممّا كان، وأطعمهم من تمر يسير. وجمع فضل الأزواد على النّطع، ودعا لها بالبركة، ثم قسمها فى العسكر، فقامت بهم.
وأتاه أبو هريرة رضى الله تعالى عنه بتمرات قد صفّهنّ فى يده، وقال: ادع لى فيهنّ بالبركة. فدعا له.
(1)
سورة الإسراء 81.
(2)
كان مازن بن الغضوبة سادنا لصنم يقال له ناجر، بقرية من أرض عمان، فذكر أنه سمع صوتا من الصنم يخبره بمبعث النبى صلى الله عليه وسلم، فاستخبر رجلا من أهل الحجاز قدم عليهم، فصدقه الخبر، فوفد على النبى صلى الله عليه وسلم وأسلم، ودعا له الرسول أن يذهب الله عنه ما كان يجد من حب الطرب وشرب الخمر والنساء. انظر خبره فى أسد الغابة 4/ 269.
(3)
هو سواد بن قارب الأزدى، وكان كاهنا فى الجاهلية، أتاه رئيه فأخبره بمبعث النبى صلى الله عليه وسلم، فوفد عليه وأسلم. انظر أسد الغابة 2/ 375.
قال أبو هريرة: فأخرجت من ذلك التّمر كذا وكذا وسقا فى سبيل الله، وكنا نأكل منه، ونطعم، حتى انقطع فى زمن عثمان رضى الله تعالى عنه.
ودعاؤه أهل الصّفّة لقصعة ثريد، قال أبو هريرة: فجعلت أتطاول ليدعونى، حتى قام القوم، وليس فى القصعة إلاّ اليسير فى نواحيها، فجمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصار لقمة، ووضعها على أصابعه وقال: «كل بسم
(1)
الله»، فو الله الذى نفسى بيده ما زلت آكل منها حتى شبعت.
وأمر عمر بن الخطّاب رضى الله تعالى عنه، أن يزوّد أربعمائة راكب من تمر كان فى اجتماعه كربضة البعير، فزوّدهم كلّهم منه، وبقى تحسبه كما كان.
ونبع الماء من بين أصابعه حتى شرب منه القوم وتوضّئوا، وهم ألف وأربعمائة.
وأتى بقدح فيه ماء، فوضع أصابعه فى القدح، فلم يسع، فوضع أربعة منها، وقال:
«هلمّوا» . فتوضّئوا أجمعين، وهم من السّبعين إلى الثمانين.
وورد فى غزوة تبوك على ماء لا يروى واحدا، والقوم عطاش، فشكوا إليه، فأخذ سهما من كنانته، فغرسه فيها، ففار الماء، وارتوى القوم، وكانوا ثلاثين ألفا.
وشكا إليه قوم ملوحة فى مائهم، فجاء فى نفر من أصحابه حتى وقف على بئرهم، فتفل فيها، فتفجّر بالماء العذب المعين.
وأتته امرأة بصبىّ أقرع، فمسح على رأسه فاستوى شعره، وذهب داؤه، فسمع أهل اليمامة بذلك؛ فأتت امرأة إلى مسيلمة بصبىّ، فمسح رأسه، فتصلّع، وبقى الصّلع فى نسله.
وانكسر سيف عكّاشة يوم بدر، فأعطاه جذلا من حطب، فصار فى يده سيفا، ولم يزل بعد ذلك عنه.
وعزّت كدية بالخندق عن أن يأخذها المعول، فضربها فصارت كثيبا أهيل.
ومسح على رجل أبى رافع، وقد انكسرت، فكأنه لم يشكها قطّ.
(1)
فى ط، ن:«قل» ، والمثبت فى: ص، والوافى بالوفيات 1/ 73.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله زوى لى الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمّتى ما زوى لى منها» .
قال الصّلاح الصّفدىّ: وصدّق الله قوله، بأن ملك أمّته بلغ أقصى المشرق والمغرب، ولم ينتشر فى الجنوب ولا فى الشّمال.
وأخبر عن الشّيماء بنت بقيلة الأزديّة، أنها رفعت له فى خمار أسود على بغلة شهباء، فأخذت فى زمن أبى بكر الصّديق رضى الله تعالى عنه، فى جيش خالد بن الوليد، بهذه الصّفة.
وقال لرجل ممّن يدّعى الإسلام، وهو معه فى القتال:«إنه من أهل النار» . فصدّق الله قوله، بأن ذلك الرجل نحر نفسه. وهذا لا يعرف البتّة بشئ من النجوم، ولا بخطّ ولا بزجر، ولا بالنّظر فى الكفّ، ولا بتصويت الودع
(1)
.
وأبطل الله تعالى ببعثته الكهانة، فانقطعت/، وكانت ظاهرة موجودة.
ودعا اليهود إلى تمنّى الموت، وأخبرهم بأنهم لا يتمنّونه، فحيل بينهم وبين النّطق بذلك.
وأخبر بأن عمّارا تقتله الفئة الباغية، فكان مع علىّ بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه، وقتله جماعة معاوية.
وأنذر بموت النّجاشىّ، وخرج هو وأصحابه إلى البقيع، فصلّوا عليه، فورد الخبر بموته بعد ذلك، فى ذلك اليوم.
وخرج على نفر من أصحابه مجتمعين؛ فقال: «أحدكم فى النّار ضرسه مثل أحد» .
فماتوا كلّهم على الإسلام، وارتدّ منهم واحد، وهو الدّجّال الحنفىّ، فقتل مرتدّا مع مسيلمة.
(1)
فى الأصول: «الوزع» ، ولعل الصواب ما أثبته، وهو جمع ودعة، وهو شئ أبيض يجلب من البحر، يعلق فى حلوق الصبيان وغيرهم. النهاية 5/ 168.
وقال لآخرين منهم: «آخركم موتا فى النّار» فسقط آخرهم موتا فى نار، فمات، وهو سمرة بن جندب.
وأخبر بأنه يقتل أميّة بن خلف الجمحىّ، فخدشه يوم أحد خدشا لطيفا، فكانت منيّته منه.
وأخبر فاطمة ابنته، رضى الله تعالى عنها، أنها أول أهله لحاقا به، فكانت كذلك.
وأخبر نساءه أن أطولهنّ يدا أسرعهنّ لحاقا به. وكانت زينب بنت جحش الأسديّة؛ لأنها كانت كثيرة الصّدقة.
وحكى الحكم بن أبى العاص مشيته صلى الله عليه وسلم مستهزئا، فقال:«كذلك فكن» ، فلم يزل يرتعش إلى أن مات.
وخطب أمامة بنت الحارث بن أبى عوف، وكان أبوها أعرابيا جافيا، فقال: إنّ بها بياضا. فقال: «لتكن كذلك» ، فبرصت من وقتها، فتزوّجها ابن عمّها يزيد بن حمزة، فولدت له الشاعر شبيب بن يزيد، وهو المعروف بابن البرصاء.
وليلة ميلاده اضطرب إيوان كسرى، حتى سمع صوته، وسقطت منه أربع عشرة شرفة
(1)
، وخمدت نار فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وغاضت بحيرة ساوة.
(2)
ومن علائم نبوّته: حراسة السّماء بالشّهب التى تقذف الشياطين، فلا تسترق السّمع، وبشرى الكهّان به والهواتف، وإخبار الأحبار بظهوره، وفراسة بحيرى الرّاهب فيه، ومعرفته آيات النّبوّة وأمارات
(3)
البعثة فيه.
ورأوك وضّاح الجبين كما يرى
…
قمر السّماء السّعد ليلة يكمل
(1)
فى الأصول: «شرافة» .
(2)
ساوة: مدينة حسنة بين الرى وهمذان. معجم البلدان 3/ 24.
(3)
فى ط، ن:«وأمارة» ، والمثبت فى: ص، والوافى بالوفيات 1/ 74.
وولادته مختونا مسرورا، وسجع شقّ وسطيح، ورؤيا الموبذان
(1)
، إلى غير ذلك من الآيات الظاهرة، والأمارات الباهرة، والدّلالات الزاهرة، والمعجزات القاهرة، والسّيرة التى شهرت شهرة النجوم الزّواهر، وسار الذّكر منها فى الناس سير القوافى السّوائر.
وقد ألّفت
(2)
العلماء
(3)
الحفّاظ، والثّقات الأيقاظ فى سيرته، ومعجزاته، وفى خصائصه، صلى الله عليه وسلم، كتبا كثيرة، ومجلّدات كبيرة، لا يحيط بها حدّ، ولا يحصرها عدّ.
وكلّ منهم بذل جهده، ولم يدّخر شيئا عنده، وما أتوا بعشر معشار فضائله، ولا بقطرة من بحار فواضله، وكان أكثر ممّا قيل ما تركوا، وكلّ منهم ينشد مع ذلك بلسان حاله، أو لسان قاله، معتذرا عن تقصيره، ومخبرا بما هو الواقع فى ظاهر ضميره، قول صاحب البردة، رحمه الله تعالى
(4)
:
وإنّ فضل رسول الله ليس له
…
حدّ فيعرب عنه ناطق بفم
/وأجمع ما وقفت عليه من ذلك، كتاب «الخصائص الكبرى» للجلال السّيوطىّ، وكتاب «السيرة النبوية» للحافظ تقىّ الدّين المقريزىّ، فمن أراد أن ينزّه بصره وبصيرته فى رياض الجنة، فعليه بمطالعتهما، والوقوف عليهما، جزاهما الله تعالى عن نبيّه صلى الله عليه وسلم أحسن الجزاء، بمنّه، وكرمه، آمين.
ومدحه صلى الله عليه وسلم بالشّعر جماعة عديدة، من رجال الصّحابة ونسائهم، جمعهم الشيخ الإمام الحافظ فتح الدّين ابن سيّد الناس اليعمرىّ فى قصيدة ميميّة، ثم شرحها فى مجلّد، سمّاها «منح المدح» ، ورتّبهم على حروف المعجم، فأربى فى هذا الجمع على الحافظ ابن عبد البرّ؛ لأنه ذكر منهم ما يقارب المائة والعشرين، أو ما يزيد على ذلك، والشيخ فتح الدّين قارب المائتين، كذا قاله الصّلاح الصّفدىّ
(5)
، وقال: لا أعلم أحدا
(1)
الموبذان: الكبير من ملوك العجم وعظمائهم.
(2)
فى ن: «ألف» ، والمثبت فى: ص، ط.
(3)
من هنا إلى قوله: «بمنه وكرمه آمين» الآتى ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
(4)
بردة المديح 5.
(5)
الوافى بالوفيات 1/ 93.
حصّل من الصحابة الذين مدحوا النبىّ صلى الله عليه وسلم، هذا القدر
(1)
، وقد كتبت هذا المصنّف بخطّى، وسمعت من لفظه ما يقارب نصفه، وأجازنى البقيّة.
وأمّا شعراؤه الذين كانوا بصدد المناضلة عنه، والهجاء لكفّار قريش، فإنهم ثلاثة:
حسّان بن ثابت الأنصارىّ، وعبد الله بن رواحة الأنصارىّ، وكعب بن مالك الأنصارىّ، وكان حسّان يقبل بالهجو على أنسابهم، وعبد الله بن رواحة يعيّرهم بالكفر، وكعب بن مالك يخوّفهم الحرب، فكانوا لا يبالون قبل الإسلام بأهاجى ابن رواحة، ويألمون من أهاجى حسّان، فلما دخل من دخل منهم الإسلام، وجد ألم أهاجى ابن رواحة أشدّ وأشقّ.
ومن أشهر الصّحابة بالمدح له كعب بن زهير بن أبى سلمى السّعدىّ
(2)
، وقصيدته «بانت سعاد» مشهورة، وما من شاعر فى الغالب جاء بعده، ومدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلاّ وقد نظم فى وزنها ورويّها، ولله درّ القاضى محيى الدّين ابن عبد الظّاهر، حيث يقول:
(3)
لقد قال كعب فى النبىّ قصيدة
…
وقلنا عسى فى مدحه نتشارك
فإن شملتنا بالجوائز رحمة
…
كرحمة كعب فهو كعب مبارك
*** وهذا القدر من سيرته الشريفة صلى الله عليه وسلم كاف فى التبرّك بذكره الشريف، وفى الدّلالة على أنه صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق، وأشرف الخلق، وشريعته أفضل الشرائع، وأمّته أكرم الأمم، وعلماؤها أكرم العلماء، وأمّا حصر فضائله ومعجزاته، وما خصّه الله به فى الدنيا والآخرة، وأعدّ له عنده فلا سبيل إليه، ولا يحوم طائر فكر عليه، ولا يعلمه إلاّ الله تعالى.
اللهمّ أدخلنا فى شفاعته، وأمتنا على ملّته، واحشرنا فى زمره علماء أمته، ووفّقنا إلى العمل بطاعتك، ولا تمكر بنا عند الخاتمة، فإنا متوسّلون فى ذلك به إليك، ومتوكّلون فى
(1)
فى ط، ن «العدد» ، والمثبت فى: ص، والوافى بالوفيات.
(2)
لم يرد فى ترجمة كعب بن زهير نسبة «السعدى» ، ولعل هذا من قولهم «زهير بن أبى سعدى» ، وانظر مقدمة ديوانه.
(3)
البيتان فى الوافى بالوفيات 1/ 94.
غفران الذنوب عليك
(1)
، وإنك جواد كريم، رءوف رحيم، لا تردّ من سألك، ولا تخيّب من قصدك، يا أرحم الراحمين
(2)
.
(1)
مكان هذه الكلمة فى ص: «على كرمك، ومفوضون أعضل من الأمور إليك» ، والمثبت فى: ط، ن.
(2)
ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن، وفى ن بعد هذا زيادة:«يا مجيب السائلين آمين، آمين» .
ترجمة الإمام الأعظم
رحمه الله تعالى
(*)
هو إمام الأئمة، وسراج الأمّة، وبحر العلوم والفضائل، ومنبع الكمالات والفواضل،
(*) ترجمة الإمام الأعظم فى مراجع كثيرة يصعب حصرها؛ منها: أخبار أبى حنيفة وأصحابه، للصيمرى 1 - 89، الانتقاء، لابن عبد البر 121 - 171، الأنساب، للسمعانى 196 ظ، البداية والنهاية 10/ 107، التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول 136 - 138، تاريخ بغداد 13/ 323 - 454، التاريخ الكبير، للبخارى 8/ 81، تذكرة الحفاظ 169،1/ 168، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 216 - 223، تهذيب التهذيب 10/ 449 - 452، جامع كرامات الأولياء 2/ 277، الجرح والتعديل، لابن أبى حاتم 1/ 449/4، خلاصة تذهيب تهذيب الكمال 402، الخميس فى أحوال أنفس نفيس 2/ 326 - 329، الذريعة إلى تصانيف الشيعة 1/ 316، ذيل المذيل، للطبرى 102، روضات الجنات 8/ 167 - 176، شذرات الذهب 1/ 227 - 229، طبقات الحفاظ للسيوطى 73، طبقات الفقهاء، للشيرازى 86، الطبقات الكبرى، لابن سعد 6/ 256، الطبقات الكبرى، للشعرانى 54،1/ 53، العبر، للذهبى 1/ 214، غاية النهاية، لابن الجزرى 2/ 342، الفهرست، لابن النديم 285،284، كشف الظنون 2015،1680،1437،1287،842، الكواكب الدرية، للمناوى 176،1/ 175، اللباب 1/ 360، مرآة الجنان، لليافعى 1/ 309 - 312، المعارف، لابن قتيبة 495، مفتاح السعادة 2/ 195، ميزان الاعتدال 4/ 265، النجوم الزاهرة 2/ 12 - 15، نزهة الجليس، للموسوى 2/ 176، هدية العارفين 2/ 495، وفيات الأعيان 5/ 405 - 415.
وترجم عبد القادر القرشى الإمام الأعظم بكتاب كبير، سماه البستان فى مناقب إمامنا النعمان، التقط منه فى الجواهر المضية 1/ 49 - 63.
والكفوى، فى أول كتيبة الأئمة المجتهدين، وأصحاب المذهب وأهل اليقين. كتائب أعلام الأخيار، ترجمة رقم 70.
وذكر حاجى خليفة فى كشف الظنون 1836 - 1839 من ألف فى مناقب الإمام الأعظم، ومن ترجمه أثناء كتابه. وذيل عليه البغدادى فى إيضاح المكنون 2/ 560، فذكر كتابين.
ومن التراجم المفردة المطبوعة فى مناقب الإمام الأعظم:
مناقب الإمام الأعظم أبى حنيفة، لأبى المؤيد الموفق بن أحمد المكى الخوارزمى، المتوفى سنه 568 هـ.
مناقب الإمام أبى حنيفة، لحافظ الدين محمد بن محمد بن شهاب الكردرى، ابن البزازى، المتوفى سنه 827 هـ.
وقد طبع هذان الكتابان معا، سنة 1311 هـ، فى حيدرآباد فى مجلدين، كما طبعا فى مجلد واحد سنة 1321 هـ فى حيدرآباد أيضا.
عقود الجمان فى مناقب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان، لمحمد بن يوسف الصالحى الدمشقى. طبع فى الهند سنة 1394 هـ.
الخيرات الحسان فى مناقب الإمام أبى حنيفة النعمان، لشهاب الدين أبى العباس أحمد بن محمد بن على، ابن حجر الهيتمى المصرى المكى، المتوفى سنة 974 هـ، طبع بمصر سنة 1305 هـ، ثم سنه 1326 هـ.-
عالم العراق، وفقيه الدنيا على الإطلاق، من أعجز
(1)
من بعده عن لحاقه، وفات من عاصره فى سياقه، ومن لا تنظر/العيون مثله، ولا ينال مجتهد كماله وفضله.
أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطى، بضمّ الزاى وفتح الطاء، وهو المشهور، وقال ابن الشّحنة، نقلا عن شيخه مجد الدّين الفيروزآباديّ، فى «طبقات الحنفيّة»: إنه بفتح الزاى والطّاء المهملة، مثل سكرى
(2)
. وكان زوطى مملوكا لبنى تيم الله بن ثعلبة.
واختلف فى أصله فقيل: من كابل، وقيل: من بابل، وقيل: من نسا، وقيل: من ترمذ، وقيل: من الأنبار، وقيل غير ذلك.
قال السّراج الهندىّ: ووجه التّلفيق بين هذه الرّوايات أن يكون جدّه من كابل، ثم انتقل منها إلى نسا، ثم إلى ترمذ، أو ولد أبوه بترمذ، ونشأ بالأنبار، إلخ.
قال ابن الشّحنة: وهذا التلفيق أصله لخطيب خوارزم، ونظّر ذلك ببعض مشايخه، فقال: كأبى المعالى الفضل بن سهل الأسفراينيّ، فإن أباه من أسفراين، وولد هو بمصر، ونشأ بحلب، ثم أقام ببغداد، ومات بها، ويقال له: المصرىّ، الحلبىّ، البغدادىّ.
وروى الخطيب
(3)
بسنده، عن إسماعيل بن حمّاد بن أبى حنيفة، أنه كان يقول: أنا
(*) مناقب الإمام الأعظم، لعلى بن سلطان محمد القارى، المتوفى،1014 هـ، وطبع ذيلا للجواهر، بحيدرآباد سنة 1332 هـ.
وللمحدثين فى ترجمة الإمام الأعظم جهود مشكورة، أذكر منها:
للشيخ محمد زاهد الكوثرى: «تأنيب الخطيب على ما ساقه فى ترجمة أبى حنيفة من الأكاذيب» ، «والترحيب بنقد التأنيب» ، «والنكت الطريفة فى التحدث عن ردود ابن أبى شيبة على أبى حنيفة» .
للشيخ محمد أبو زهرة: «أبو حنيفة: حياته، وعصره، وآراؤه، وفقهه» .
للأستاذ عبد الحليم الجندى: «أبو حنيفة بطل الحرية والتسامح فى الإسلام» .
للأستاذ مصطفى نور الدين: «المطالب المنيفة فى الذب عن الإمام أبى حنيفة» .
للأستاذ سيد عفيفى: «حياة الإمام أبى حنيفة» .
للأستاذ عناية الله إبلاغ: «الإمام الأعظم أبو حنيفة المتكلم» .
للدكتور محمد يوسف موسى: «أبو حنيفة والقيم الإنسانية فى مذهبه»
(1)
فى ص: «أقعد» ، والمثبت فى: ط، ن.
(2)
انظر ذيل الجواهر ال مضية 2/ 451.
(3)
تاريخ بغداد 13/ 326.
إسماعيل بن حمّاد بن النعمان بن ثابت بن النعمان بن المرزبان، من أبناء فارس الأحرار، والله ما وقع علينا رقّ قطّ؛ ولد جدّى فى سنة ثمانين، وذهب ثابت إلى علىّ بن أبى طالب، رضى الله تعالى عنه، وهو صغير، فدعا له بالبركة فيه، وفى ذرّيّته، ونحن نرجو من الله أن يكون استجاب ذلك لعلّى بن أبى طالب، رضى الله تعالى عنه، فينا. انتهى.
قال السّراج الهندىّ، بعد أن نقل ما ذكر عن إسماعيل: وكذلك قاله أخو إسماعيل، ولا يحلّ لمسلم أن يظنّ بهما مع جلالة قدرهما، ودقّة ورعهما، أن ينتسبا إلى غير آبائهما.
قال الخطيب البغدادىّ:
(1)
والنعمان بن المرزبان، أبو ثابت، هو الذى أهدى لعلىّ بن أبى طالب الفالوذج يوم النّيروز، فقال: نورزونا كلّ يوم.
وقيل: كان ذلك فى المهرجان، فقال: مهرجونا كلّ يوم.
وذكر فى «الجواهر المضيّة»
(2)
لأبى حنيفة نسبا طويلا، أوصله إلى آدم عليه الصلاة والسلام، تركنا ذكره لعدم صحّته، والله تعالى أعلم.
فصل
فى ذكر مولده ووفاته، وصفته
عن مزاحم بن داود بن عليّة، أنه كان يذكر عن أبيه أو غيره، أن أبا حنيفة ولد سنة إحدى وستّين، ومات سنه خمسين ومائة.
وقال الخطيب
(3)
: لا أعلم لصاحب هذا القول متابعا، ثمّ روى بسنده عن أبى نعيم، أنّ أبا حنيفة ولد سنة ثمانين، وكان له يوم مات سبعون سنة، ومات فى سنة خمسين ومائة، وهو النعمان بن ثابت.
(1)
الموضع السابق.
(2)
الجزء الأول، صفحة 51 - 53.
(3)
تاريخ بغداد 13/ 330.
وروى عنه بسند آخر، أنه قال: ولد أبو حنيفة سنه ثمانين بلا مائة، ومات سنة خمسين ومائة، عاش سبعين سنة.
واختلف فى الشهر الذى مات فيه، فقال بعضهم: فى شعبان. وقال بعضهم: فى رجب. وعن أبى يوسف: أنه مات فى النصف من شوال.
وكانت وفاته بمدينة بغداد، ودفن بالجانب الشّرقىّ منها فى مقبرة الخيزران، وقبره هناك ظاهر معروف مقصود بالزيارة.
وقال ابن خلّكان
(1)
: وبنى شرف الملك أبو سعد محمّد بن منصور الخوارزمىّ، مستوفى مملكة السلطان ملك شاه السّلجوقىّ، على قبره مشهدا وقبّة، وبنى عنده مدرسة كبيرة للحنفيّة،/ولما فرغ من عمارة ذلك، ركب إليها فى جماعة من الأعيان ليشاهدوها، فبينما هم هناك إذ دخل عليهم الشريف أبو جعفر مسعود المعروف بالبياضىّ
(2)
، وأنشد
(3)
:
ألم تر أنّ العلم كان مبدّدا
…
فجمّعه هذا المغيّب فى اللّحد
كذلك كانت هذه الأرض ميتة
…
فأنشرها فعل العميد أبى سعد
(4)
فأجازه أبو سعد بجائزة سنيّة.
وكان بناء المشهد والقبّة، فى سنة تسع وخمسين وأربعمائة.
وقيل: الذى بنى ذلك ألب أرسلان محمّد، والد السّلطان ملك شاه.
قال ابن خلّكان: والظاهر أن أبا سعد بناهما نيابة عن ألب أرسلان المذكور، وهو كان
(1)
وفيات الأعيان 415،5/ 414.
(2)
فى ط، ن:«بالبياض» ، والتصويب من: ص، ووفيات الأعيان.
وهو أبو جعفر مسعود بن عبد العزيز البياضى، من شعراء دمية القصر.
توفى سنة ثمان وستين وأربعمائة.
دمية القصر (تحقيقى) 1/ 373.
(3)
البيتان فى مناقب الإمام الأعظم 2/ 194، ومناقب الكردرى 2/ 33، وهما فى المصدرين للشريف أبى جعفر مسعود ابن أبى المحسن العباسى، وفى الاسم خطأ كما ترى.
(4)
فى مناقب الإمام الأعظم، ومناقب الكردى:«جود العميد» .
المباشر، كما جرت عادة النّوّاب مع ملوكهم، فنسبت العمارة إليه بهذا الطريق. انتهى.
وأمّا ما ورد فى صفة أبى حنيفة:
فمنه ما ذكر أبو نعيم، قال: كان أبو حنيفة حسن الوجه، حسن الثياب، طيّب الرّيح، حسن المجلس، شديد الكرم، حسن المواساة لإخوانه.
وقال أبو يوسف: كان أبو حنيفة ربعة من الرجال، ليس بالقصير ولا بالطّويل، وكان أحسن الناس منطقا، وأحلاه نغمة، وأنبهه على ما يريده.
وعن عمر بن حمّاد بن أبى حنيفة، أن أبا حنيفة كان طوالا، تعلوه سمرة، وكان لبّاسا، حسن الهيئة، كثير التعطّر، يعرف بريح الطّيب إذا أقبل وإذا خرج من منزله قبل أن نراه.
رضي الله عنه.
فصل
فى ذكر خبر ابتداء أبى حنيفة
بالنّظر فى العلم
عن أبى يوسف
(1)
أنه قال: قال لى أبو حنيفة: لما أردت طلب العلم جعلت أتخيّر العلوم، وأسأل عن عواقبها، فقيل لى: تعلّم القرآن.
فقلت: إذا تعلمت القرآن، وحفظته، فما يكون آخره؟.
قالوا: تجلس فى المسجد، ويقرأ عليك الصّبيان والأحداث، ثم لا تلبث أن تخرج منهم من هو أحفظ منك، أو يساويك فى الحفظ، فتذهب رياستك.
قلت: فإن سمعت الحديث، وكتبته حتى لم يكن فى الدنيا أحفظ منّى؟.
قالوا: إذا كبرت وضعفت، حدّثت واجتمع عليك الأحداث والصّبيان، ثم لا تأمن أن تغلط فيرموك بالكذب، فيصير عارا عليك فى عقبك.
(1)
ذكر هذا الخطيب، فى تاريخ بغداد 332،13/ 331.
فقلت: لا حاجة لى فى هذا.
قلت: فإذا
(1)
حفظت العربيّة، وتعلّمت النحو ما يكون آخر أمرى؟.
قالوا: تقعد معلّما، فأكثر رزقك ديناران إلى الثلاثة.
قلت: وهذا لا عاقبة له.
قلت: فإن نظرت فى الشّعر، فلم يكن أشعر منّى، ما يكون آخر أمرى؟
قالوا: تمدح هذا فيهب لك، أو يحملك على دابّة، أو يخلع عليك خلعة، وإن حرمك هجوته، فصرت تقذف المحصنات.
فقلت: لا حاجة لى فى هذا.
قلت: فإن نظرت فى الكلام، ما يكون آخره؟.
قالوا: لا يسلم من نظر فى الكلام من مشنّعات الكلام، فيرمى بالزّندقة، فإما أن يؤخذ فيقتل، وإمّا أن يسلم فيكون مذموما ملوما.
قلت: فإن تعلّمت الفقه؟
قالوا: تسأل، وتفتى الناس، وتطلب للقضاء، وإن كنت شابّا.
قلت: ليس فى العلوم شئ أنفع من هذا. فلزمت الفقه، وتعلّمته.
وعن زفر بن الهذيل
(2)
، قال: سمعت أبا حنيفة، يقول: كنت انظر فى الكلام، حتى بلغت فيه مبلغا يشار إلىّ فيه بالأصابع، وكنّا نجلس بالقرب من حلقة حمّاد بن أبى سليمان، فجاءتنى امرأة يوما، فقالت:/رجل له امرأة أمة، أراد أن يطلّقها للسّنّة، كيف يطلّقها؟
فلم أدر ما أقول، فأمرتها تسأل حمّادا، ثمّ ترجع فتخبرنى.
(1)
فى ص: «فإن» ، وفى تاريخ بغداد:«إذا» ، والمثبت فى: ط، ن.
(2)
تاريخ بغداد 13/ 333.
فسألت حمّادا، فقال: يطلّقها وهى طاهرة من الحيض والجماع تطليقة، ثمّ يتركها حتى تحيض حيضتين، فإذا اغتسلت فقد حلّت للأزواج.
فرجعت، فأخبرتنى، فقلت: لا حاجة لى فى الكلام، وأخذت نعلىّ، وجلست إلى حمّاد، فكنت أسمع مسائله، فأحفظ قوله، ثمّ يعيدها من الغد، فأحفظ ويخطئ أصحابه، فقال: لا يجلس فى صدر الحلقة بحذائى غير أبى حنيفة، فصحبته عشر سنين.
ثمّ إنّي نازعتنى نفسى لطلب الرياسة، فأحببت أن أعتزله، وأجلس فى حلقة لنفسى، فخرجت يوما بالعشىّ وعزمى أن أفعل، فلما دخلت المسجد، فرأيته، لم تطب
(1)
نفسى أن أعتزله، فجئت فجلست معه، فجاءه فى تلك الليلة نعىّ قرابة له، قد مات بالبصرة، وترك مالا وليس له وارث غيره، فأمرنى أن أجلس مكانه، فما هو إلا أن خرج حتى وردت علىّ مسائل لم أسمعها منه، فكنت أجيب وأكتب جوابى، فغاب شهرين، ثم قدم، فعرضت عليه المسائل، وكانت نحوا من ستّين مسألة، فوافقنى فى أربعين، وخالفنى فى عشرين. فآليت على نفسى أن لا أفارقه حتى
(2)
يموت، فلم أفارقه حتى مات.
وروى عن أبى حنيفة أنه قال
(3)
: قدمت البصرة، فظننت أنّى لا أسأل عن شئ إلاّ أجبت فيه، فسألونى عن أشياء لم يكن عندى فيها جواب، فجعلت على نفسى أن لا أفارق حمّادا حتى يموت، فصحبته ثمانى عشرة سنة.
وعن ابن سماعة
(4)
، أنه قال: سمعت أبا حنيفة يقول: ما صلّيت صلاة مذ مات حمّاد إلاّ استغفرت له مع والدىّ، وإنّي لأستغفر لمن تعلّمت منه علما، أو علّمته علما.
وعن يونس
(5)
بن بكير، أنه قال: سمعت إسماعيل بن حمّاد بن أبى سليمان، يقول:
عاب أبى غيبة فى سفر له، ثم قدم، فقلت له: يا أبة، إلى أىّ شئ كنت أشوق؟
(1)
فى ط، ن:«تطلب» ، والمثبت فى: ص، وتاريخ بغداد.
(2)
ساقط من: ط، ن، وهو فى: ص، وتاريخ بغداد.
(3)
تاريخ بغداد 13/ 333.
(4)
هو إبراهيم، كما جاء فى تاريخ بغداد 13/ 334.
(5)
فى ط: «يوسف» ، وفى ن:«أبى يوسف» ، وكل ذلك خطأ، والصواب فى: ص، وتاريخ بغداد 13/ 334.
قال: وأنا أرى أنه يقول: إلى ابنى.
فقال: إلى أبى حنيفة، ولو أمكننى أن لا أرفع طرفى عنه فعلت.
وعن أبى مطيع البلخىّ
(1)
أنه قال: قال أبو حنيفة: دخلت على أبى جعفر أمير المؤمنين، فقال: يا أبا حنيفة عن من أخذت العلم؟.
قال: قلت عن حمّاد، عن إبراهيم، عن عمر بن الخطاب، وعلى بن أبى طالب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عبّاس.
قال: فقال أبو جعفر: بخ بخ، استوثقت ما شئت يا أبا حنيفة عن الطّيّبين المباركين، صلوات الله عليهم.
وعن ابن أبى أويس
(2)
، قال: سمعت الرّبيع بن يونس، يقول: دخل أبو حنيفة يوما على المنصور، وعنده عيسى بن موسى، فقال للمنصور: هذا عالم الدنيا اليوم.
فقال له: يا نعمان، عن من أخذت العلم؟
قال: عن أصحاب عمر عن عمر، وعن أصحاب علىّ عن علىّ، وعن أصحاب عبد الله عن عبد الله، وما كان فى وقت ابن عبّاس على وجه الأرض أعلم منه.
قال: لقد استوثقت لنفسك.
وروى عن أبى حنيفة، أنه قال: رأيت رؤيا فأفزعتنى، رأيت كأنى أنبش قبر النبىّ صلى الله عليه وسلم، فأتيت البصرة، فأمرت رجلا أن يسأل محمّد بن سيرين، فسأله، فقال:
هذا رجل ينبش أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفى رواية أنه قال: صاحب هذه الرؤيا يثوّر
(3)
علما لم يسبقه إليه/أحد قبله.
(1)
تاريخ بغداد 13/ 334.
(2)
تاريخ بغداد 13/ 335.
(3)
فى تاريخ بغداد: «يثير» . وثور العلم: بحثه أو بحث فى معانيه.
قال هشام
(1)
: فنظر أبو حنيفة، وتكلّم حينئذ
(2)
. والله تعالى أعلم.
فصل
فى مناقب أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه،
وثناء الأئمة عليه
روى الخطيب البغدادىّ
(3)
بسنده، عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال:«إنّ فى أمّتى رجلا» ، وفى حديث القصرىّ
(4)
: «يكون فى أمّتى رجل، اسمه النّعمان، وكنيته أبو حنيفة، هو سراج أمّتى
(5)
»
قال الخطيب، بعد روايته: قلت: وهو حديث موضوع، وتفرّد بروايته البورقىّ
(6)
.
قلت: قد ذكر أنه موضوع غير الخطيب أيضا، وإنما ذكرناه نحن هنا لاحتمال صحّته فى نفس الأمر عند الله تعالى، ولأن معناه متحقّق فى الإمام رضى الله تعالى عنه، فإنه، بلا شبهة ولا ريب، سراج يستضاء بنور علمه، ويهتدى بسناء فكره الثاقب، وحسن فهمه، ولأنه لا يترتّب عليه شئ من أحكام الدين، ولا يثبت به قاعدة من قواعد الإسلام.
وروى الخطيب
(7)
أيضا، عن الحسن بن سليمان، فى تفسير الحديث:«لا تقوم السّاعة حتّى يظهر العلم» قال: هو علم أبى حنيفة وتفسيره للآثار
(8)
.
(1)
يعنى ابن مهران، كما جاء فى تاريخ بغداد.
(2)
ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
(3)
تاريخ بغداد 13/ 335، وانظر مناقب الإمام الأعظم صفحات 9 وما بعدها.
(4)
هو عبد الله أحمد بن أحمد بن على، كما فى تاريخ بغداد.
(5)
بعد هذا فى تاريخ بغداد تكرار «هو سراج أمتى» للمرة الثالثة، وعلى تكراره مرتين علامة «صح» فى: ص.
(6)
نسبة إلى بورق، وهو شئ يقال له بورة، وهو أبو عبد الله بن سعيد البورقى، من أهل مرو، كان يضع الحديث، توفى بمرو سنة ثمان عشرة وثلاثمائة.
اللباب 1/ 150.
وفى حاشية تاريخ بغداد، تعليقا على هذا الحديث:«استوفى طرقه البدر العينى فى تاريخه الكبير، واستصعب الحكم عليه بالوضع مع وروده بتلك الطرق الكثيرة» .
(7)
تاريخ بغداد 13/ 336.
(8)
فى تاريخ بغداد: «الآثار» .
وروى أيضا عن خلف بن أيّوب، انه قال: صار العلم من عند
(1)
الله تعالى إلى محمّد صلى الله عليه وسلم، ثم صار إلى أصحابه، ثم صار إلى التّابعين، ثمّ صار إلى أبى حنيفة وأصحابه، فمن شاء فليرض، ومن شاء فليسخط.
وعن إسحاق بن بهلول
(2)
، سمعت ابن عيينة، يقول:«ما مقلت عينى مثل أبى حنيفة» .
وعن إبراهيم بن عبد الله الخلاّل، قال: سمعت ابن المبارك يقول: كان أبو حنيفة آية.
فقال له قائل: فى الشرّ يا أبا عبد الرحمن، أو فى الخير؟
فقال: اسكت يا هذا؛ فإنه يقال: غاية فى الشّرّ، آية
(3)
فى الخير، ثم تلا هذه الآية
(4)
:
{(وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} .
وعن ابن المبارك أيضا
(5)
، قال: ما كان أوقر مجلس أبى حنيفة، كان حسن السّمت، حسن الوجه، حسن الثوب، ولقد كنّا يوما فى مسجد الجامع، فوقعت حيّة، فسقطت فى حجر أبى حنيفة، وهرب الناس غيره، ما رأيته زاد على أن نفض الحيّة، وجلس مكانه.
وعنه أيضا
(6)
، أنه قال: لولا أن الله أعاننى
(7)
بأبى حنيفة وسفيان، لكنت كسائر الناس.
وعن أبى يحيى الحمّانىّ أنه كان يقول
(8)
: ما رأيت رجلا قطّ خيرا من أبى حنيفة.
(1)
زيادة من: ط، ن، على ما فى: ص، وتاريخ بغداد.
(2)
تاريخ بغداد 13/ 336.
(3)
فى تاريخ بغداد: «وآية» .
(4)
سورة المؤمنون 50.
(5)
تاريخ بغداد 13/ 336.
(6)
تاريخ بغداد 13/ 337.
(7)
فى تاريخ بغداد: «أغاثنى» .
(8)
تاريخ بغداد 13/ 337.
والحمانى: نسبة إلى حمان، وهى قبيلة من تميم، وهو أبو يحيى عبد الحميد بن عبد الرحمن بن ميمون.
اللباب 1/ 316.
وكان أبو بكر
(1)
الواعظ، يقول: أبو حنيفة أفضل أهل زمانه.
وعن سهل بن مزاحم
(2)
، أنه كان يقول: بذلت الدنيا لأبى حنيفة فلم يردها، وضرب عليها بالسّياط فلم يقبلها.
وقيل للقاسم بن معن
(3)
بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود: ترضى أن تكون من غلمان أبى حنيفة؟.
قال: ما جلس الناس إلى أحد أنفع من مجالسة أبى حنيفة.
وحدّث الشافعىّ محمد بن إدريس
(4)
، قال: قيل لمالك بن أنس: هل رأيت أبا حنيفة؟.
قال: نعم، رأيت رجلا لو كلّمك فى هذه السّارية أن يجعلها ذهبا، لقام بحجّته.
وعن روح بن عبادة
(5)
، أنه قال: كنت عند ابن جريج سنه خمسين، وأتاه موت أبى حنيفة، فاسترجع، وتوجّع، وقال: أىّ علم ذهب.
قال: ومات فيها ابن جريج.
وروى عن عبد الله بن المبارك، أنه قال: قدمت الشام على الأوزاعىّ، فرأيته ببيروت، فقال لى: يا خراسانىّ، من هذا المبتدع الذى خرج بالكوفة، يكنى أبا حنيفة؟!
فرجعت إلى/بيتى، فأقبلت على كتب أبى حنيفة، فأخرجت منها مسائل من جياد
(6)
المسائل، وبقيت فى ذلك ثلاثة أيام، فجئته يوم الثالث وهو مؤذّن مسجدهم وإمامهم، والكتاب فى يدى، فقال لى: أىّ شئ هذا الكتاب؟
(1)
هو ابن عياش، كما فى تاريخ بغداد 13/ 337.
(2)
تاريخ بغداد 13/ 337.
(3)
تاريخ بغداد 13/ 337.
(4)
تاريخ بغداد 338،13/ 337.
(5)
تاريخ بغداد 13/ 338.
(6)
فى ط، ن:«جباه» ، والمثبت فى: ص، وتاريخ بغداد.
فناولته، فنظر فى مسألة منها وقّعت عليها: قال النعمان بن ثابت
(1)
. فما زال قائما بعد ما أذّن حتى قرأ صدرا من الكتاب، ثم وضع الكتاب فى كمّه، ثم قام وصلّى، ثمّ أخرج الكتاب حتى أتى عليها. فقال: يا خراسانىّ، من النعمان بن ثابت هذا؟
قلت: شيخ لقيته بالعراق.
فقال: هذا نبيل من المشايخ، اذهب فاستكثر منه.
قلت: هذا أبو حنيفة الذى نهيت عنه.
وعن مسعر بن كدام
(2)
، أنه قال: ما أحسد أحدا بالكوفة إلاّ رجلين، أبا حنيفة فى فقهه، والحسن بن صالح فى زهده.
وعن إبراهيم بن الزّبرقان، أنه قال: كنت يوما عند مسعر، فمرّ بنا أبو حنيفة، فسلّم ووقف عليه، ثم مضى، فقال بعض القوم لمسعر: ما أكثر خصوم أبى حنيفة!!
فاستوى مسعر منتصبا، ثم قال: إليك فما رأيته خاصم أحدا قطّ إلا فلج
(3)
عليه.
وعن أبى غسّان
(4)
، أنه قال: سمعت إسرائيل، يقول: كان نعم الرجل النعمان، ما كان أحفظه لكلّ حديث فيه فقه، وأشدّ فحصه عنه، وأعلمه بما فيه من الفقه.
وكان مسعر يقول: من
(5)
جعل أبا حنيفة بينه وبين الله رجوت أن لا يخاف، ولا يكون فرّط فى الاحتياط لنفسه.
وعن علىّ ابن المدينىّ (6) أنه قال: سمعت عبد الرّزّاق، يقول: كنت عند معمر، فأتاه ابن المبارك، فسمعنا معمرا يقول: ما أعرف رجلا يحسن يتكلم فى الفقه، أو يسعه أن يقيس
(1)
ساقط من تاريخ بغداد.
(2)
تاريخ بغداد 13/ 338.
(3)
فلج عليه: غلبه وفاز عليه.
(4)
تاريخ بغداد 13/ 339.
(5)
فى الأصول: «لمن» ، والمثبت فى تاريخ بغداد 13/ 339.
تاريخ بغداد 13/ 339.
ويشرح لمخلوق النجاة فى الفقه، أحسن معرفة من أبى حنيفة
(1)
، ولا أشفق على نفسه
(2)
، أن يدخل فى دين الله شيئا من الشّكّ من أبى حنيفة.
وعن عبد الله بن أبى جعفر الرّازىّ
(3)
قال: سمعت أبى يقول: ما رأيت أحدا أفقه من أبى حنيفة، وما رأيت
(4)
أورع من أبى حنيفة.
وحدّث سعيد بن منصور
(5)
، قال: سمعت الفضيل بن عياض، يقول: كان أبو حنيفة رجلا فقيها، معروفا بالفقه، مشهورا بالورع، واسع المال، معروفا بالإفضال على كلّ من يضيف، صبورا على تعليم العلم بالليل والنّهار، حسن الليل
(6)
، كثير الصّمت، قليل الكلام، حتى ترد مسألة فى حلال أو حرام، وكان
(7)
يحسن
(8)
يدلّ على الحقّ، هاربا من مال السّلطان
(9)
، وكان إذا وردت مسألة فيها حديث صحيح اتّبعه، وإن كان عن الصّحابة والتّابعين، وإلاّ قاس فأحسن
(10)
القياس.
وقال أبو يوسف
(11)
: ما رأيت أحدا أعلم بتفسير الحديث، ومواضع النّكت التى فيه من الفقه، من أبى حنيفة.
وقال: ما خالفت أبا حنيفة فى شئ قطّ، فتدبّرته، إلاّ رأيت مذهبه الذى ذهب إليه أنجى فى الآخرة، وكنت ربّما ملت إلى الحديث، وكان هو أبصر بالحديث الصحيح منّى.
(1)
ساقط من: ن، وهو فى: ص، ط، وتاريخ بغداد.
(2)
فى تاريخ بغداد بعد هذا زيادة: «من» .
(3)
تاريخ بغداد 13/ 339.
(4)
بعد هذا فى تاريخ بغداد زيادة: «أحدا» .
(5)
تاريخ بغداد 13/ 340.
(6)
مكان هذه الكلمة بياض فى: ن، و «حسن الليل» يعنى حسن القيام بالليل.
(7)
فى تاريخ بغداد: «فكان» .
(8)
فى تاريخ بغداد بعد هذا زيادة: «أن» .
(9)
فى تاريخ بغداد أن هذا آخر حديث مكرم، وما سيأتى هو من زيادة ابن الصباح.
(10)
فى تاريخ بغداد: «وأحسن» .
(11)
تاريخ بغداد 13/ 340.
وقال: إنّي لأدعو لأبى حنيفة قبل أبوىّ
(1)
، ولقد سمعت أبا حنيفة يقول: إنّي لأدعو لحمّاد مع أبوىّ.
*وقال الأعمش يوما لأبى يوسف
(2)
: كيف ترك صاحبك أبو حنيفة قول عبد الله:
عتق الأمة طلاقها؟
قال: تركه لحديثك الذى حدّثته عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة: أن بريرة حين أعتقت خيّرت.
قال الأعمش: إن أبا حنيفة لفطن. وأعجبه
(3)
ما أخذ به أبو حنيفة./
وعن أبى بكر بن عيّاش
(4)
، قال: مات عمر بن سعيد أخو سفيان، فأتيناه نعزّيه، فإذا المجلس غاصّ بأهله، وفيهم عبد الله بن إدريس، إذ أقبل أبو حنيفة فى جماعة معه، فلما رآه سفيان تحرّك من مجلسه، ثم قام فاعتنقه، وأجلسه فى موضعه، وقعد بين يديه.
قال أبو بكر: فاغتظت عليه.
وقال ابن إدريس: ألا ترى ويحك!
فجلسنا حتى تفرّق الناس، فقلت لعبد الله بن إدريس: لا تقم حتى نعلم ما عنده فى هذا.
فقلت: يا أبا عبد الله، رأيتك اليوم فعلت شيئا أنكرته وأنكره أصحابنا عليك.
قال: وما هو؟
قلت: جاء أبو حنيفة، فقمت إليه، وأجلسته فى مجلسك، وصنعت به صنيعا بليغا، وهذا عند أصحابنا منكر.
(1)
ساقط من: ط، ن، وهو فى: ص، وتاريخ بغداد.
(2)
تاريخ بغداد 13/ 340.
(3)
قبل هذا فى تاريخ بغداد زيادة: «قال» .
(4)
تاريخ بغداد 13/ 341.
فقال: وما أنكرت من ذلك! هذا رجل من العلم بمكان، فإن لم أقم لعلمه قمت لسنّه، وإن لم أقم لسنّه قمت لفقهه، وإن لم أقم لفقهه قمت لورعه.
فأفحمنى فلم يكن عندى جواب.
وعن محمّد بن الفضل الزاهد البلخىّ
(1)
، قال: سمعت أبا مطيع الحكم بن عبد الله، يقول: ما رأيت صاحب حديث أفقه من سفيان الثّورىّ، وكان أبو حنيفة أفقه منه.
وعن الحسن بن علىّ، أنه قال: سمعت يزيد بن هارون، وقد
(2)
سأله إنسان، فقال: يا أبا خالد، من أفقه من رأيت؟
قال: أبو حنيفة.
قال الحسن: ولقد قلت لأبى عاصم-يعنى النّبيل-أبو حنيفة أفقه أو سفيان؟
قال: عبد أبى حنيفة أفقه من سفيان.
وسئل يزيد بن هارون
(3)
،
(4)
مرّة أخرى
(4)
، أيّهما أفقه أبو حنيفة أو سفيان؟
قال: سفيان أحفظ للحديث، وأبو حنيفة أفقه.
وقال أبو عاصم النّبيل
(3)
، وقد سئل أيضا عنهما: غلام من غلمان أبى حنيفة أفقه من سفيان.
وقال سجّادة
(3)
: دخلت على يزيد بن هارون، أنا وأبو مسلم المستملى، وهو نازل ببغداد على المنصور
(5)
بن المهدىّ، فصعدنا إلى غرفة هو فيها، فقال له أبو مسلم: ما تقول يا أبا خالد فى أبى حنيفة، والنّظر فى كتبه؟
(1)
تاريخ بغداد 13/ 342.
(2)
سقطت «قد» من: ص، وتاريخ بغداد، وهى فى: ط، ن.
(3)
تاريخ بغداد 13/ 342.
(4 - 4) ساقط من تاريخ بغداد.
(5)
فى ص، وتاريخ بغداد:«منصور» ، والمثبت فى: ط، ن.
قال: انظروا فيها إن كنتم تريدون أن تفقهوا؛ فإنى ما رأيت أحدا من الفقهاء يكره النّظر فى قوله، ولقد احتال الثّورىّ فى «كتاب الرّهن» حتى نسخه.
وروى عن عبد الله بن المبارك
(1)
، أنه قال: رأيت أعبد الناس؛ ورأيت أورع الناس، ورأيت أعلم الناس، ورأيت أفقه الناس، فأمّا أعبد الناس فعبد العزيز بن أبى روّاد، وأمّا أورع الناس فالفضيل بن عياض، وأما أعلم الناس فسفيان الثّورىّ، وأما أفقه الناس فأبو حنيفة
(2)
، ما رأيت فى الفقه مثله.
وعنه أيضا
(3)
، أنه قال: إن كان الأثر قد عرف واحتيج إلى الرّأى، فرأى مالك، وسفيان، وأبى حنيفة، وأبو حنيفة
(4)
أحسنهم، وأدقّهم فطنة، وأغوصهم على الفقه، وهو أفقه الثلاثة.
وقال
(5)
أبو عاصم النّبيل، وقد سئل: أيّهما أفقه؛ سفيان، أو أبو حنيفة؟
فقال: إنما يقاس الشئ إلى شكله، أبو حنيفة فقيه تامّ الفقه، وسفيان رجل متفقّه.
وقال ابن المبارك
(6)
: رأيت مسعرا فى حلقة أبى حنيفة، جالسا بين يديه، يسأله ويستفيد منه، وما رأيت أحدا قطّ فى الفقه أحسن من أبى حنيفة.
وعن إبراهيم بن هاشم
(7)
، عن أبى
(8)
داود، أنه قال: إذا أردت الآثار. أو قال:
الحديث. وأحسبه
(9)
/قال: والورع، فسفيان، وإذا أردت تلك الدّقائق، فأبو حنيفة.
(1)
تاريخ بغداد 343،13/ 342.
(2)
بعد هذا فى تاريخ بغداد زيادة: «ثم قال» .
(3)
تاريخ بغداد 13/ 343.
(4)
ساقط من: ط، ن، وهو فى ص، وتاريخ بغداد.
(5)
فى ص: «وقال أحمد بن محمد: حدثنا نصر بن على، قال: سمعت أبا عاصم» ، وهذا هو سند الخطيب، كما ورد فى تاريخه 13/ 342، وليس من عادة المصنف إيراده، والمثبت فى: ط، ن.
(6)
تاريخ بغداد 13/ 343.
(7)
تاريخ بغداد 13/ 344.
(8)
فى تاريخ بغداد: «ابن» ، وأظنه الصواب، ولعله عبد الله بن داود الخريبى الآتى بعد.
(9)
فى ط، ن «أو حسبه» ، والمثبت فى: ص، وتاريخ بغداد.
وقال محمّد بن بشر: كنت أختلف إلى أبى حنيفة، وإلى سفيان، فآتى أبا حنيفة فيقول لى: من أين جئت؟.
فأقول: من عند سفيان.
فيقول: لقد جئت من عند رجل لو أن علقمة والأسود حضرا لاحتاجا إلى مثله.
فآتى سفيان، فيقول لى: من أين جئت؟.
فأقول: من عند أبى حنيفة.
فيقول: لقد جئت من عند أفقه أهل الأرض.
وقال أبو نعيم
(1)
: كان أبو حنيفة صاحب غوص فى المسائل.
وعن أبى عبد الله الكاتب، قال: سمعت عبد الله بن داود الخريبىّ
(2)
يقول: يجب على أهل الإسلام أن يدعوا الله لأبى حنيفة فى صلواتهم.
قال: وذكر حفظه عليهم السّنن والفقه.
وقال شدّاد بن حكيم: ما رأيت أعلم من أبى حنيفة.
وقال مكّىّ بن إبراهيم
(3)
: كان أبو حنيفة أعلم أهل زمانه.
وقال النّضر بن شميل: كان الناس نياما عن الفقه، حتى أيقظهم أبو حنيفة؛ فيما فتّقه وبيّنه ولخّصه.
وحدّث أحمد بن على بن سعيد القاضى، قال سمعت يحيى بن معين، يقول: سمعت
(1)
تاريخ بغداد 13/ 344.
(2)
فى الأصول: «عبيد الله بن داود الحريثى» وفى تاريخ بغداد: «عبيد الله بن داود الخريبى» ، والصواب ما أثبته. انظر العبر 1/ 364، واللباب 1/ 359.
والخريبى نسبة إلى الخريبة، وهى محلة بالبصرة.
(3)
تاريخ بغداد 13/ 345.
يحيى بن سعيد القطّان، يقول: لا نكذب الله، ما سمعنا أحسن من رأى أبى حنيفة، وقد أخذنا بأكثر أقواله.
قال يحيى بن معين: وكان يحيى بن سعيد يذهب فى الفتوى إلى قول الكوفيّين، ويختار من قولهم قوله، ويتبع رأيه من بين أصحابه.
وقال الإمام الشافعىّ
(1)
: الناس عيال على أبى حنيفة فى الفقه.
وقال أيضا: ما رأيت أفقه من أبى حنيفة. يعنى ما علمت
(2)
.
وقال
(3)
: كان أبو حنيفة ممّن وفّق له الفقه، ومن أراد أن يتبحّر فى الشّعر فهو عيال على زهير بن أبى سلمى، ومن أراد أن يتبحّر فى المغازى فهو عيال على محمّد بن إسحاق، ومن أراد أن يتبحّر فى النحو فهو عيال على الكسائىّ، ومن أراد أن يتبحّر فى تفسير القرآن فهو عيال على مقاتل بن سليمان.
وعن حرملة
(4)
، أنه قال: سمعت الشافعىّ، يقول: الناس عيال على هؤلاء الخمسة.
وعن الحسن بن عثمان
(4)
، أنه كان يقول: وجدت العلم بالعراق والحجاز ثلاثة، علم أبى حنيفة، وتفسير الكلبىّ، ومغازى محمّد بن إسحاق.
وعن أحمد بن عطيّة
(4)
، قال: سمعت يحيى بن معين، يقول: القراءة عندى قراءة حمزة، والفقه فقه أبى حنيفة، على هذا أدركت الناس.
(5)
وعن أبى علىّ الجبّائىّ المعتزلىّ المشهور، أنه قال: الحديث لأحمد بن حنبل، والفقه لأصحاب أبى حنيفة، والكلام للمعتزلة، والكذب للرّافضة
(5)
.
وقال جعفر بن ربيع
(6)
: أقمت على أبى حنيفة خمس سنين، فما رأيت أطول صمتا
(1)
تاريخ بغداد 13/ 346.
(2)
هذا تفسير الخطيب البغدادى.
(3)
تاريخ بغداد 13/ 346.
(4)
تاريخ بغداد 13/ 347.
(5 - 5) ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
(6)
تاريخ بغداد 13/ 347.
منه، فإذا سئل عن شئ من الفقه تفتّح وسال كالوادى، وسمعت له دويّا، وجهارة بالكلام.
وقال إبراهيم بن عكرمة المخزومىّ
(1)
: ما رأيت أحدا أورع، ولا أفقه من أبى حنيفة.
وعن علىّ بن عاصم
(2)
، قال: دخلت على أبى حنيفة وعنده حجّام يأخذ من شعره، فقال للحجّام: تتبّع موضع البياض.
فقال الحجّام: لا، فإنه يكثر.
قال: فتتبّع مواضع السّواد، لعلّه يكثر.
وبلغت هذه الحكاية شريكا، فضحك، وقال: لو ترك قياسه لتركه مع الحجّام.
*وروى الخطيب فى «تاريخه»
(3)
، عن محمد بن فضيل الزّاهد، قال: سمعت أبا مطيع، يقول: مات رجل/وأوصى إلى أبى حنيفة وهو غائب.
قال: فقدم أبو حنيفة، فارتفع إلى ابن شبرمة، وادّعى الوصيّة، وأقام البيّنة، أن فلانا مات وأوصى إليه.
فقال ابن شبرمة: يا أبا حنيفة، احلف أنّ شهودك شهدوا بحقّ.
قال: ليس علىّ يمين.
قال: ضلّت مقاييسك
(4)
يا أبا حنيفة.
قال أبو حنيفة: بل
(5)
ضلّت مقاييسك أنت
(5)
، ما تقول فى أعمى شجّ، فشهد له شاهدان أن فلانا شجّه، هل
(6)
على الأعمى يمين أن شهوده شهدوا بالحق، وهو لا يرى؟
(6)
فانقطع ابن شبرمة
(6)
.
(1)
تاريخ بغداد 13/ 347.
(2)
تاريخ بغداد 348،13/ 347.
(3)
تاريخ بغداد 13/ 348.
(4)
فى تاريخ بغداد: «مقاليدك» .
(5 - 5) فى تاريخ بغداد: «ضلت مقاليدك» .
(6 - 6) ساقط من تاريخ بغداد.
*وروى الخطيب أيضا
(1)
، عن النّضر بن محمّد، قال: دخل قتادة الكوفة، ونزل فى دار أبى بردة، فخرج يوما، وقد اجتمع إليه خلق كثير، فقال قتادة: والله الذى لا إله إلا هو، ما يسألنى اليوم أحد عن الحلال والحرام إلا أجبته.
فقام إليه أبو حنيفة، فقال: يا أبا الخطّاب، ما تقول فى رجل غاب عن أهله أعواما، فظنّت امرأته أن زوجها مات، فتزوّجت، ثم رجع زوجها الأوّل، ما تقول فى صداقها؟
وقال لأصحابه الذين اجتمعوا إليه: لئن حدّث بحديث ليكذبنّ، وإن قال برأى نفسه ليخطئنّ.
فقال قتادة: ويلك، أوقعت هذه المسألة؟
قال: لا.
قال: فلم تسألنى عمّا لم يقع؟
فقال أبو حنيفة: إنا نستعدّ للبلاء قبل نزوله، فإذا وقع عرفنا الدّخول فيه والخروج منه.
قال قتادة: والله لا أحدّثكم بشئ من الحلال والحرام، سلونى عن التفسير.
*فقام إليه أبو حنيفة، فقال له: يا أبا الخطّاب: ما تقول فى قول الله تعالى
(2)
قال: نعم، هذا آصف بن برخيا بن شمعيا، كاتب سليمان بن داود، وكان يعرف اسم الله الأعظم.
فقال أبو حنيفة: وهل كان يعرف الاسم سليمان؟
قال: لا.
(1)
تاريخ بغداد 349،13/ 348.
(2)
سورة النمل 40.
قال: فيجوز أن يكون فى زمان نبىّ من هو أعلم من النبىّ؟
قال: فقال قتادة: والله لا أحدّثكم بشئ من التفسير، سلونى عمّا اختلف فيه العلماء.
*قال: فقام إليه أبو حنيفة، فقال: يا أبا الخطّاب، أمؤمن أنت؟
قال: أرجو.
قال: ولم؟
قال: لقول إبراهيم عليه الصلاة والسلام
(1)
: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} .
فقال أبو حنيفة: فهلا قلت كما قال إبراهيم، عليه الصلاة والسلام
(2)
: {قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى} .
قال: فقام قتادة مغضبا، ودخل الدّار، وحلف أن لا يحدّثهم.
وروى الخطيب أيضا
(3)
، عن الفضل بن غانم، قال: كان أبو يوسف مريضا شديد المرض، فعاده أبو حنيفة مرارا، فصار إليه آخر مرّة، فرآه ثقيلا، فاسترجع، ثم قال: لقد كنت أؤمّلك بعدى للمسلمين، ولئن أصيب الناس بك ليموتنّ علم كثير.
ثم رزق العافية، وخرج من العلّة، فأخبر أبو يوسف بقول أبى حنيفة فيه، فارتفعت نفسه، وانصرفت وجوه الناس إليه، فعقد لنفسه مجلسا فى الفقه، وقصّر عن لزوم مجلس أبى حنيفة، فسأل عنه، فأخبر أنه عقد لنفسه مجلسا، وأنه بلغه كلامك فيه.
*فدعا رجلا كان له عنده قدر، فقال: صر إلى مجلس يعقوب، فقل له: ما تقول فى رجل دفع إلى قصّار ثوبا ليقصره بدرهم
(4)
، فصار إليه بعد أيّام فى طلب الثوب، فقال له
(1)
سورة الشعراء 82
(2)
سورة البقرة 260.
(3)
تاريخ بغداد 350،13/ 349.
(4)
قصر الثوب: بيّضه. المصباح المنير (ق ص ر).
القصّار: مالك عندى شئ. وأنكره، ثم إن ربّ الثّوب رجع إليه، فدفع إليه الثّوب مقصورا، أله أجره؟. فإن قال: له أجره، فقل: أخطأت. وإن قال: لا أجر له. فقل: أخطأت.
فصار إليه، فسأله، فقال أبو يوسف: له الأجرة.
فقال: أخطأت/.
فنظر ساعة، ثم قال: لا أجرة له.
فقال: أخطأت.
فقام أبو يوسف من ساعته، فأتى أبا حنيفة، فقال له، ما جاء بك إلا مسألة القصّار.
قال: أجل.
فقال: سبحان الله، من قعد يفتى الناس، وعقد مجلسا يتكلّم فى دين الله، وهذا قدره، لا يحسن أن يجيب
(1)
فى
(2)
مسألة من الإجارات!
فقال: يا أبا حنيفة، علّمنى.
فقال: إن قصره بعد ما غصبه فلا أجرة له، لأنه قصر لنفسه، وإن كان قصره قبل أن يغصبه، فله الأجرة، لأنه قصره لصاحبه.
ثم قال: من ظنّ أن يستغنى عن التعلّم فليبك على نفسه.
*وحدّث الحسن بن زياد اللّؤلؤىّ
(3)
، قال: كانت هنا امرأة يقال لها أمّ عمران مجنونة، وكانت جالسة فى الكناسة، فمرّ بها رجل فكلّمها بشئ، فقالت له: يا ابن الزّانيتين.
وابن أبى ليلى حاضر، فسمع ذلك، فقال للرّجل: أدخلها علىّ المسجد. وأقام عليها حدّين، حدّا لأبيه وحدّا لأمّه.
(1)
فى ص: «يحبسه» ، والمثبت فى: ط، ن، وتاريخ بغداد.
(2)
ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن، وتاريخ بغداد.
(3)
تاريخ بغداد 13/ 351.
فبلغ ذلك أبا حنيفة، فقال: أخطأ فيها فى ستّة مواضع؛ أقام الحدّ فى المسجد، ولا تقام الحدود فى المساجد، وضربها قائمة، والنّساء يضربن قعودا، وضرب لأبيه حدّا، ولأمّه حدّا، ولو أن رجلا قذف جماعة كان عليه حدّ واحد، وجمع بين الحدّين، ولا يجمع بين حدّين، حتى يخفّ
(1)
أحدهما، والمجنونة ليس عليها حدّ، وحدّ لأبويه، وهما غائبان، لم يحضرا فيدّعيان.
فبلغ ذلك ابن أبى ليلى، فدخل على الأمير، فشكا إليه أبا حنيفة، فحجر عليه، وقال:
لا يفتى.
فلم يفت أيّاما، حتى قدم رسول من ولىّ العهد، فأمر أن يعرض على أبى حنيفة مسائل حتى يفتى فيها، فأبى أبو حنيفة، وقال: أنا محجور علىّ.
فذهب الرّسول إلى الأمير، فقال الأمير: قد أذنت له. فقعد فأفتى.
فصل
فى ذكر ما نقل فى حقّ
(2)
الإمام،
رضى الله تعالى عنه
(3)
من أنه
(3)
كان من كبار
الحفّاظ للحديث الشريف، وكان مقبول القول
فى الجرح والتّعديل، وفى
(4)
ذكر طائفة ممّن روى
عن الإمام، وروى الإمام عنه، وأنه كان من كبار
(5)
الثّقات، وثقات الكبار، رضى الله تعالى عنه
(5)
قال الخطيب فى تاريخه
(6)
: النعمان بن ثابت، أبو حنيفة، التّيمىّ، رأى أنس بن مالك، رضي الله عنه، وسمع عطاء بن أبى رباح، وأبا إسحاق السّبيعىّ، ومحارب بن دثار،
(1)
فى ن: «يحف» ، والمثبت فى: ص، ط، وتاريخ بغداد.
(2)
فى ص: «بيان ذكر» ، والمثبت فى: ط، ن.
(3 - 3) ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
(4)
سقطت «فى» من ص، وهو فى: ط، ن.
(5 - 5) فى ص: «مقبولى الرواية، ومن ثقاتهم، رحمة الله» والمثبت فى: ط، ن.
(6)
تاريخ بغداد 324،13/ 323.
وحمّاد بن أبى سليمان، والهيثم بن حبيب الصّرّاف
(1)
، وقيس بن مسلم، ومحمّد بن المنكدر، ونافعا مولى ابن عمر، وهشام بن عروة، ويزيد الفقير، وسماك بن حرب، وعلقمة بن مرثد، وعطيّة العوفىّ، وعبد العزيز بن رفيع
(2)
، وعبد الكريم أبا أميّة، وغيرهم.
وروى عنه أبو يحيى الحمّانىّ، وهشيم بن بشير، وعبّاد بن العوّام، وعبد الله بن المبارك، ووكيع بن الجرّاح، ويزيد بن هارون، وعلىّ بن عاصم، ويحيى بن نصر بن حاجب، وأبو يوسف القاضى، ومحمّد بن الحسن الشّيبانىّ، وعمرو بن محمد العنقزىّ
(3)
، وهوذة بن خليفة، وأبو عبد الرحمن المقرى
(4)
، وعبد الرزّاق بن همّام، فى آخرين لا يحصون.
وقال فى «الجواهر
(5)
»، نقلا عن «كتاب التعليم»: إنه روى عن أبى حنيفة، ونقل مذهبه، نحو من أربعة آلاف نفر.
وقال أبو إسحاق الشّيرازىّ
(6)
: كان فى زمنه أربعة من الصّحابة: أنس بن مالك، وعبد الله بن أبى أوفى
(7)
/، وسهل بن سعد
(8)
، وأبو الطّفيل
(9)
، ولم يأخذ عن أحد منهم.
وكان أبو حنيفة ممّن تلقّى عنه الحفّاظ، وعملوا بقوله فى الجرح والتعديل، كتلقّيهم عن الإمام أحمد، والبخارىّ، وابن معين، وابن المدينىّ، وغيرهم من شيوخ الفنّ.
وعن يحيى الحمّانىّ، قال: سمعت أبا حنيفة، يقول: ما رأيت أكذب من جابر الجعفىّ، ولا أفضل من عطاء بن أبى رباح.
(1)
فى تاريخ بغداد: «الصواف» ، وهو خطأ. انظر تهذيب التهذيب 92،11/ 91.
(2)
هذا الضبط من: ص، ضبط قلم.
(3)
فى الأصول: «العبقرى» والصواب فى تاريخ بغداد.
والعنقزى: نسبة إلى العنقز، وهو المرزنجوش، وقيل الريحان، وكان عمرو بن محمد يبيعه أو يزرعه. اللباب 2/ 156.
(4)
فى ط، ن:«المقوى» ، والمثبت فى: ص.
(5)
الجواهر المضية 1/ 5.
(6)
طبقات الفقهاء 86.
(7)
زاد فى الطبقات: «الأنصارى» .
(8)
زاد فى الطبقات: «الساعدى» .
(9)
زاد فى الطبقات: «عامر بن واثلة» .
وعن عبد الحميد الحمّانىّ: سمعت أبا سعيد الصّنعانىّ
(1)
وقام
(2)
إلى أبى حنيفة، فقال: يا أبا حنيفة، ما تقول فى الأخذ عن الثّورىّ.
فقال: اكتب عنه، فإنه ثقة، ما خلا أحاديث أبى إسحاق عن الحريث، وحديث جابر الجعفىّ.
وقال أبو حنيفة: طلق بن حبيب كان يرى القدر.
وقال: زيد بن عيّاش ضعيف.
وعن سفيان بن عيينة، قال: أوّل من أقعدنى للحديث أبو حنيفة، قدمت الكوفة، فقال أبو حنيفة: إن هذا أعلم الناس بحديث عمرو بن دينار. فاجتمعوا علىّ، فحدّثتهم.
وقال أبو سليمان الجوزجانىّ: سمعت حمّاد بن زيد، يقول: ما عرفنا كنية عمرو بن دينار إلا بأبى حنيفة، كنا فى المسجد الحرام، وأبو حنيفة مع عمرو بن دينار، فقلنا له: يا أبا حنيفة، كلّمه يحدّثنا. فقال: يا أبا محمّد، حدّثهم
(3)
.
وقال أبو حنيفة: لعن الله عمرو بن عبيد، فإنه فتح للناس بابا إلى علم الكلام.
وقال: قاتل الله جهم بن صفوان، ومقاتل بن سليمان، هذا أفرط فى النّفى، وهذا أفرط فى التّشبيه.
*وعن أبى يوسف، قال: قال أبو حنيفة: لا ينبغى للرّجل أن يحدّث من الحديث إلاّ بما حفظه من يوم سمعه إلى يوم يحدّث به.
قال صاحب «الجواهر
(4)
»: ولكنّ أكثر الناس على خلاف هذا، ولهذا قلّت رواية أبى حنيفة، لهذه العلّة، لا لعلّة أخرى زعمها المتحمّلون عليه.
(1)
فى ط: «الضعائى» ، والمثبت فى: ص، والكلمة غير واضحة فى: ن.
(2)
فى ط، ن:«قام» بدون الواو، والمثبت فى: ص.
(3)
فى ص بعد هذا زيادة: «ولم يقل يا محمد» ، والمثبت فى: ط، والتصوير مظلم فى: ن.
(4)
الجواهر المضية 1/ 62.
وسئل يحيى بن معين، عن أبى حنيفة، فقال: هو ثقة، ما سمعت أحدا ضعّفه، هذا شعبة بن الحجّاج يكتب إليه أن يحدّث بأمره، وشعبة شعبة
(1)
!!.
وقيل له
(2)
: يا أبا زكريّا، أبو حنيفة كان يصدق فى الحديث؟.
فقال: نعم، صدوق.
وأثنى عليه ابن المدينىّ.
وكان شعبة حسن الرّأى فيه، وشعبة أوّل من تكلّم فى
(3)
الرّجال.
وقال ابن عبد البرّ
(4)
: الذين رووا عن أبى حنيفة، ووثّقوه، وأثنوا عليه، أكثر من الذين تكلّموا فيه، والذين تكلّموا فيه من أهل الحديث أكثر ما عابوا عليه الإغراق فى الرّأى والقياس.
قال: وكان يقال: يستدلّ على نباهة الرّجل من الماضين بتباين الناس فيه. قالوا: ألا ترى إلى علىّ بن أبى طالب، رضى الله تعالى عنه، أنه هلك فيه فتيان؛ محبّ أفرط، ومبغض أفرط.
وقد جاء فى الحديث: «إنّه يهلك فيه رجلان
(5)
محب مطر، ومبغض مفتر
(5)
».
قال: وهذه صفة أهل النّباهة، ومن بلغ فى الفضل والدّين الغاية.
***
(1)
ساقط من ط، ن، وهو فى: ص.
(2)
فى ص: «ليحيى بن معين» ، والمثبت فى: ط، ن.
(3)
فى ط، ن:«فيه» ، والصواب فى: ص.
(4)
جامع بيان العلم وفضله 184،2/ 183.
(5 - 5) فى الأصول: «محب مضطر، ومبغض مكثر» والصواب من جامع بيان العلم وفضله.
فصل
فى ذكر عبادته، وورعه،
وثناء الناس عليه بذلك
(1)
عن يحيى بن معين
(2)
، أنه قال: سمعت يحيى القطّان، يقول: جالسنا، والله، أبا حنيفة، وسمعنا منه، وكنت والله إذا نظرت إليه عرفت فى وجهه أنه يتّقى الله عز وجل.
وعن الحسن بن محمّد اللّيثىّ
(3)
أنّه كان يقول: قدمت الكوفة، فسألت عن أعبد أهلها، فدفعت إلى أبى حنيفة، ثم قدمتها وأنا شيخ، فسألت عن أفقه أهلها، فدفعت إلى أبى حنيفة.
وعن سويد بن سعيد، قال: سمعت سفيان بن عيينة، يقول: ما قدم رجل/مكة فى وقتنا أكثر صلاة من أبى حنيفة.
وقال أبو مطيع
(3)
: كنت بمكّة، فما دخلت الطّواف فى ساعة من ساعات الليل إلاّ رأيت أبا حنيفة وسفيان فى الطّواف.
وقال يحيى بن أيّوب الزّاهد
(3)
: كان أبو حنيفة لا ينام الليل.
وقال أبو عاصم النّبيل
(4)
: كان أبو حنيفة يسمّى الوتد؛ لكثرة صلاته.
وعن أسد بن عمرو
(5)
، قال: صلّى أبو حنيفة-فيما حفظ عليه-صلاة الفجر بوضوء صلاة العشاء أربعين سنة، فكان عامّة الليل يقرأ القرآن جميعه فى ركعة واحدة، وكان يسمع بكاؤه بالليل حتى يرحمه جيرانه، وحفظ عليه أنه ختم القرآن فى الموضع الذى توفّى فيه سبعة آلاف مرّة.
(1)
زيادة من: ص، على ما فى: ط، ن، وانظر فى هذا الفصل صفحات 229 وما بعدها من الجزء الأول، من مناقب الإمام الأعظم.
(2)
تاريخ بغداد 13/ 352.
(3)
تاريخ بغداد 13/ 353.
(4)
تاريخ بغداد 13/ 354.
(5)
فى تاريخ بغداد 13/ 354: «عمر» ، وهو خطأ، وستأتى ترجمته فى ترجمته برقم 465.
وعن إسماعيل بن حمّاد بن أبى حنيفة
(1)
، عن أبيه قال: لما مات أبى سألنا الحسن بن عمارة أن يتولّى غسله، ففعل فلما غسّله، قال: رحمك الله، وغفر لك، لم تفطر منذ ثلاثين سنة، ولم تتوسّد يمينك باللّيل أربعين سنة، وقد أتعبت من بعدك، وفضحت القرّاء.
وعن أبى يوسف
(2)
، قال: بينا أنا أمشى مع أبى حنيفة، إذ سمع رجلا يقول لرجل:
هذا أبو حنيفة، لا ينام الليل.
فقال أبو حنيفة: والله، لا يتحدّث عنّى بما لا أفعل.
فكان يحيى الليل صلاة، ودعاء، وتضرّعا.
وعن ابن أبى معاذ
(3)
، عن مسعر بن كدام، قال: أتيت أبا حنيفة فى مسجده، فرأيته يصلّى الغداة، ثم يجلس للناس فى العلم، إلى أن يصلّى الظّهر، ثم يجلس إلى العصر، فإذا صلّى العصر جلس إلى المغرب، فإذا صلّى المغرب جلس إلى أن يصلّى العشاء، فقلت فى نفسى: هذا الرجل فى هذا الشّغل، متى يتفرّغ للعبادة؟، لأتعاهدنّه الليلة.
قال: فتعاهدته، فلما هدأ الناس، خرج إلى المسجد، فانتصب للصّلاة إلى أن طلع الفجر، ودخل منزله، ولبس ثيابه، وخرج إلى المسجد، وصلّى الغداة، فجلس للناس إلى الظهر، ثم إلى العصر، ثم إلى المغرب، ثم إلى العشاء.
فقلت فى نفسى إن الرّجل قد تنشّط الليلة الماضية للعبادة، لأتعاهدنّه الليلة، فتعاهدته، فلما هدأ الناس خرج فانتصب للصّلاة، ففعل كفعله فى الليلة الأولى، فلما أصبح خرج إلى الصّلاة، وفعل كفعله فى يوميه، حتى إذا صلّى العشاء، قلت فى نفسى: إن الرّجل لينشط الليلة والليلة، لأتعاهدنّه. ففعل كفعله فى ليلتيه، فلما أصبح جلس كذلك، فقلت فى نفسى: لألزمنّه إلى أن أموت أو يموت.
قال: فلازمته فى مسجده.
(1)
تاريخ بغداد 13/ 354.
(2)
تاريخ بغداد 13/ 355.
(3)
تاريخ بغداد 13/ 356.
قال ابن أبى معاذ: فبلغنى أن مسعرا مات فى مسجد أبى حنيفة فى سجوده، رحمه الله تعالى.
وكان خارجة بن مصعب، يقول: ختم القرآن فى الكعبة أربعة من الأئمة: عثمان بن عفّان، وتميم الدّارىّ، وسعيد بن جبير، وأبو حنيفة، رضى الله تعالى عنهم.
وكان أبو حنيفة ربّما ختم القرآن فى شهر رمضان ستين ختمة
(1)
.
وحدّث أحمد بن يونس
(2)
، قال: سمعت زائدة، يقول: صلّيت مع أبى حنيفة فى مسجده عشاء الآخرة، وخرج الناس، ولم يعلم أنّى فى المسجد، وأردت أن أسأله عن مسألة، من حيث لا يراني أحد، قال: فقام فقرأ، وقد افتتح الصّلاة، حتى إذا بلغ إلى هذه الآية
(3)
: {فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ} . فأقمت فى المسجد أنتظر فراغه، فلم يزل يردّدها حتى أذّن المؤذّن لصلاة الفجر.
وروى عن يزيد بن الكميت
(4)
،/وكان من خيار الناس، أنه كان يقول: كان أبو حنيفة شديد الخوف من الله تعالى، فقرأ بنا علىّ بن الحسن المؤذّن ليلة فى عشاء الآخرة (إذا زلزلت)، وأبو حنيفة خلفه، فلمّا قضى الصّلاة، وخرج الناس، نظرت إلى أبى حنيفة وهو جالس يفكّر، ويتنفّس، فقلت: أقوم، لا يشتغل قلبه.
فلما خرجت تركت القنديل، ولم يكن فيه إلا زيت قليل، فجئت وقد طلع الفجر، وهو قائم، قد أخذ بلحية نفسه، وهو يقول:«يا من يجزى بمثقال ذرّة خيرا خيرا، ويا من يجزى بمثقال ذرّة شرّا شرّا، أجر النعمان عبدك من النار، وما يقرب منها من السّوء، وأدخله فى سعة رحمتك» .
قال: فأذّنت، فإذا القنديل يزهو وهو قائم، فلما دخلت، قال لى: تريد أن تأخذ القنديل؟
(1)
هذا الخبر فى تاريخ بغداد 13/ 357 عن يحيى بن نصر.
(2)
فى ط، ن:«يوسف» ، والمثبت فى: ص، وتاريخ بغداد 13/ 357.
(3)
سورة الطور 27.
(4)
تاريخ بغداد 13/ 357.
قال: قلت قد أذّنت لصلاة الغداة.
قال: اكتم علىّ ما رأيت.
وركع ركعتى الفجر، وجلس حتى أقمت الصّلاة، وصلّى معنا الغداة على وضوء أوّل اللّيل. انتهى.
وقام
(1)
رضى الله تعالى عنه ليلة بهذه الآية
(2)
: {بَلِ السّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ} يردّدها، ويبكى، ويتضرّع.
وكان رحمه الله تعالى-كما قال ابن المبارك-أورع أهل الكوفة.
وروى
(3)
أنه كان شريكا لحفص بن عبد الرحمن، وكان أبو حنيفة يجهّز إليه الأمتعة، وهو يبيع، فبعث إليه فى رقعة بمتاع، وأعلمه أن فى ثوب كذا وكذا عيبا، فإذا بعته، فبيّن.
فباع حفص المتاع، ونسى أن يبيّن، ولم يعلم ممّن باعه، فلما علم أبو حنيفة تصدّق بثمن المتاع كلّه.
وروى أيضا
(4)
، عن أبى عبد الرحمن المسعودىّ، عن أبيه، قال: ما رأيت أحسن أمانة من أبى حنيفة، مات يوم مات، وعنده ودائع بخمسين ألفا، ما ضاع منها ولا درهم واحد.
ونقل
(4)
أنّ أبا جعفر المنصور أجازه بثلاثين ألف درهم فى دفعات، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّى ببغداد غريب، وعندى للناس ودائع، وليس لها عندى موضع، فاجعلها فى بيت المال.
فأجابه المنصور إلى ذلك، فدفع إليه الثلاثين ألفا، ووضعها فى بيت المال، فلما مات أبو حنيفة أخرجت ودائع الناس من بيته.
فقال المنصور: خدعنا أبو حنيفة.
(1)
هذا الخبر أيضا، فى تاريخ بغداد 13/ 357 عن القاسم بن معين.
(2)
سورة القمر 46.
(3)
تاريخ بغداد 13/ 358.
(4)
تاريخ بغداد 13/ 359.
وكان
(1)
رحمه الله تعالى، قد جعل على نفسه أن لا يحلف بالله فى عرض كلامه إلا تصدّق بدرهم، فحلف فتصدّق به، ثم جعل على نفسه إن حلف أن يتصدّق بدينار، فكان إذا حلف صادقا فى عرض كلامه تصدّق بدينار.
وكان
(1)
إذا أنفق على عياله نفقة تصدّق بمثلها، وإذا اكتسى ثوبا جديدا أكسى بقدر ثمنه الشيوخ العلماء.
وكان
(1)
إذا وضع بين يديه الطعام أخذ منه فوضعه على الخبز، حتى يأخذ منه بقدر ضعف ما كان يأكل، ثم يعطيه لإنسان فقير، فإن كان فى الدّار من عياله إنسان يحتاج إليه، دفعه إليه، وإلاّ أعطاه مسكينا.
وقال وكيع
(2)
: كان، والله، أبو حنيفة عظيم الأمانة، وكان الله فى قلبه جليلا كبيرا عظيما، وكان يؤثر رضاء ربّه على كلّ شئ، ولو أخذته السّيوف فى الله لاحتمل، رحمه الله تعالى، ورضى عنه رضى الأبرار، فلقد كان منهم.
وقال ابن المبارك
(3)
: ما رأيت أحدا أورع من أبى حنيفة، وقد
(4)
جرّب بالسّياط والأموال.
فصل
فى بيان ما روى/وصحّ عن أبى حنيفة
من إرادتهم إيّاه على القضاء
وامتناعه من قبوله، وضربهم إيّاه بالسّياط على ذلك
رحمه الله تعالى
روى الخطيب
(5)
بسنده، أن ابن هبيرة
(6)
كلّم أبا حنيفة أن يلى قضاء الكوفة، فأبى
(1)
تاريخ بغداد 13/ 358.
(2)
تاريخ بغداد 13/ 358.
(3)
تاريخ بغداد 13/ 359.
(4)
ساقط من: ط، ن، وهو فى: ص، وتاريخ بغداد.
(5)
تاريخ بغداد 13/ 326، وانظر فى هذا الفصل أيضا مناقب الإمام الأعظم،2/ 169 وما بعدها.
(6)
يعنى أبا خالد يزيد بن عمر بن هبيرة، والى مروان بن محمد على العراقين. قتل سنة اثنتين وثلاثين ومائة.
تاريخ الإسلام 5/ 315، وفيات الأعيان 5/ 357.
عليه، فضربه مائة سوط وعشرة أسواط، وهو على الامتناع، فلمّا رأى ذلك خلّى سبيله.
وكان ابن هبيرة إذ ذاك عامل مروان على العراق، فى زمان بنى أميّة.
وروى الخطيب أيضا
(1)
، أنه كان يخرجه كلّ يوم، أو بين الأيّام، فيضرب، ليدخل فى القضاء، فيأبى.
ولقد بكى فى بعض الأيّام، فلما أطلق، قال: كان غمّ والدتى أشدّ علىّ من الضّرب.
وكان أحمد بن حنبل
(1)
إذا ذكر له ذلك بكى، وترحّم عليه، خصوصا بعد أن ضرب هو أيضا.
وروى عن إسماعيل بن حمّاد بن أبى حنيفة، أنه قال: مررت مع أبى بالكناسة
(2)
، فبكى، فقلت: ما يبكيك يا أبت؟
قال: يا بنىّ، فى هذا الموضع ضرب ابن هبيرة أبى عشرة أيّام، فى كل يوم عشرة أسواط، على أن يلى القضاء، فلم يفعل.
وروى الخطيب
(3)
بسنده، عن بشر بن الوليد الكندىّ، قال: أشخص أبو جعفر المنصور أبا حنيفة من الكوفة، فأراده على أن يولّيه القضاء فأبى، فحلف عليه ليفعلنّ، فحلف أبو حنيفة أن لا يفعل
(3)
، فحلف المنصور ليفعلنّ، فحلف أبو حنيفة أن لا يفعل
(4)
، فقال الربيع الحاجب: ألا ترى أمير المؤمنين يحلف!
فقال أبو حنيفة: أمير المؤمنين على كفّارة أيمانه أقدر منّى على كفّارة أيمانى.
فأبى أن يلى، فأمر به إلى الحبس فى الوقت.
(1)
تاريخ بغداد 13/ 327.
(2)
الكناسة: القمامة، وموضعها، وهى محلة بالكوفة. معجم البلدان 4/ 307، القاموس (ك ن س).
(3)
تاريخ بغداد 328،13/ 327.
(4)
ساقط من: ط، ن، وهو فى: ص، وتاريخ بغداد.
وروى
(1)
أنّ أبا جعفر المنصور بعد أن حبسه دعاه يوما، وقال له: أترغب عن ما نحن فيه؟.
فقال: أصلح الله أمير المؤمنين، لا أصلح للقضاء.
فقال له: كذبت.
ثم عرض عليه الثانية، فقال أبو حنيفة: قد حكم علىّ أمير المؤمنين أنّى لا أصلح للقضاء، لأنّه نسبنى إلى الكذب، فإن كنت كاذبا فلا أصلح، وإن كنت صادقا فقد أخبرت أمير المؤمنين أنّى لا أصلح.
فلم يقبل منه وردّه إلى الحبس، فأقام به إلى أن مات فيه، على الصحيح من الرّوايات.
وحدّث عبّاس الدّورىّ
(2)
، قال: حدّثونا عن المنصور، أنه لما بنى مدينته، ونزلها، ونزل المهدىّ فى الجانب الشّرقىّ، وبنى مسجد الرّصافة، أرسل إلى أبى حنيفة، فجئ به، فعرض عليه قضاء الرّصافة، فأبى. فقال: إن لم تفعل ضربتك بالسّياط.
قال: أو تفعل؟!
قال: نعم.
فقعد فى القضاء يومين فلم يأته أحد، فلما كان فى اليوم الثالث أتاه رجل صفّار ومعه آخر، فقال الصّفار: لى على هذا درهمان وأربعة دوانيق، ثمن تور
(3)
صفر.
فقال أبو حنيفة: اتّق الله، وانظر فيما يقول الصفّار.
قال: ليس له علىّ شئ.
فقال أبو حنيفة للصّفّار: ما تقول؟
(1)
تاريخ بغداد 13/ 328.
(2)
فى الأصول: «الدورقى» ، وهو خطأ، صوابه فى تاريخ بغداد 13/ 329.
(3)
التور: إناء يشرب فيه. القاموس (ت و ر).
قال: استحلفه.
فقال أبو حنيفة للرجل: قل والله الذى لا إله إلا هو. فجعل يقول، فلما رآه أبو حنيفة عازما على أن يحلف، قطع عليه، وضرب بيده إلى كمّة فحلّ صرّة، وأخرج درهمين ثقيلين، فقال للصّفّار: هذان عوض من باقى تورك.
فنظر الصّفّار إليهما، وقال: نعم. فأخذ الدّرهمين.
فلما كان بعد يومين، اشتكى أبو حنيفة، فمرض ستة أيّام، ثم مات، رحمه الله تعالى، ورضى عنه.
قال عبّاس: وهذا قبره فى مقابر الخيزران/إذا دخلت من باب القطّانين يسرة، بعد قبرين أو ثلاثة.
وقيل
(1)
: إن المنصور أقدمه بغداد لأمر آخر غير القضاء.
وقيل
(2)
: إنه أقام بعد قدومه إلى بغداد خمسة عشر يوما، ثمّ سقاه المنصور، فمات، رحمه الله تعالى، ورضى الله عنه، وذلك فى سنة خمسين ومائة، وله من العمر سبعون سنة.
فصل
فى ذكر جود أبى حنيفة، وسماحه،
وحسن عهده، رضى الله تعالى عنه
عن قيس بن الرّبيع
(3)
، قال: كان أبو حنيفة رجلا ورعا فقيها محسودا، وكان كثير الصّلة والبرّ لكل من لجأ إليه، كثير الإفضال على إخوانه.
(1)
تاريخ بغداد 13/ 329.
(2)
تاريخ بغداد 330،13/ 329، وانظر أيضا الخيرات الحسان 61، ومناقب الإمام الأعظم 2/ 171.
(3)
تاريخ بغداد 13/ 360.
وقال أيضا: كان أبو حنيفة من عقلاء الرّجال، وكان يبعث بالبضائع إلى بغداد، يشترى
(1)
بها الأمتعة، ويحملها إلى الكوفة، ويجمع الأرباح عنده من سنة إلى سنة، فيشترى بها حوائج الأشياخ المحدّثين وأقواتهم، وكسوتهم، وجميع حوائجهم، ثم يدفع باقى الدّنانير من الأرباح إليهم، فيقول: أنفقوا فى حوائجكم، ولا تحمدوا إلاّ الله؛ فإنى ما أعطيتكم من مالى شيئا، ولكن من فضل الله علىّ فيكم، وهذه أرباح بضاعتكم؛ فإنه هو والله ممّا يجريه الله لكم على يدى فما فى رزق الله حول لغيره.
وحدّث حجر بن عبد الجبّار
(1)
، قال: ما رأى الناس أكرم مجالسة من أبى حنيفة، ولا أكثر إكراما لأصحابه.
وقال حفص بن حمزة القرشىّ: كان أبو حنيفة ربّما مرّ به الرّجل فيجلس إليه لغير قصد ولا مجالسة، فإذا قام سأل عنه، فإن كانت به فاقة وصله، وإن مرض عاده.
وكان أكرم الناس مجالسة.
وروى
(2)
أنه رأى على بعض جلسائه ثيابا رثّة، فأمره فجلس حتى تفرّق الناس، وبقى وحده. فقال له: ارفع المصلّى، وخذ ما تحته.
فرفع الرجل المصلّى وكان تحته ألف درهم. فقال له: خذ هذه الدّراهم فغيّر بها من حالك.
فقال الرجل: إنّي موسر، وأنا فى نعمة، ولست أحتاج إليها.
فقال له: أما بلغك الحديث: «إنّ الله يحبّ أن يرى أثر نعمته على عبده» ، فينبغى لك أن تغيّر حالك، حتى لا يغتمّ صديقك.
وروى
(3)
أن امرأة جاءت إلى أبى حنيفة تطلب منه ثوب خزّ، فأخرج لها ثوبا.
فقالت له: إنّى امرأة ضعيفة، وإنها أمانة فبعنى هذا الثوب بما يقوم عليك.
(1)
فى تاريخ بغداد: «فيشترى» .
(2)
تاريخ بغداد 13/ 361.
(3)
تاريخ بغداد 13/ 361.
فقال: خذيه بأربعة دراهم.
فقالت: لا تسخر بى، وأنا امرأة عجوز كبيرة.
فقال: إنّي اشتريت ثوبين، فبعت أحدهما برأس المال إلاّ أربعة دراهم، فبقى هذا يقوم علىّ بأربعة دراهم.
وجاء إليه يوما رجل
(1)
، فقال: يا أبا حنيفة، قد احتجت إلى ثوب خزّ.
فقال: ما لونه؟
قال: كذا، وكذا.
فقال له: اصبر حتى يقع، وآخذه لك، إن شاء الله تعالى.
فما دارت الجمعة حتى وقع، فمرّ به الرجل، فقال: قد وقعت حاجتك، وأخرج إليه الثوب، فأعجبه، فقال: يا أبا حنيفة، كم أزن
(2)
؟
قال: درهما.
فقال الرجل: يا أبا حنيفة ما كنت أظنّك تهزأ!
قال: ما هزأت، إنّي اشتريت ثوبين بعشرين دينارا ودرهم، وإنّي بعت أحدهما بعشرين دينارا، وبقى هذا بدرهم، وما كنت لأربح على صديق.
ومن المشهور
(3)
عن مروءته، ووفائه ورعايته حقّ الجوار، ما روى أنّه كان له جار بالكوفة/إسكاف، يعمل نهاره أجمع، حتى إذا جنّه الليل رجع إلى منزله، وقد حمل معه لحما فطبخه أو سمكة فشواها، ثم لا يزال يشرب حتى إذا دبّ الشراب فيه غنىّ بصوت، وهو يقول.
(4)
أضاعونى وأىّ فتى أضاعوا
…
ليوم كريهة وسداد ثغر
(1)
تاريخ بغداد 13/ 362.
(2)
بعد هذا فى تاريخ بغداد زيادة: «للغلام» .
(3)
تاريخ بغداد 363،13/ 362، والقصة على نحو آخر فى مناقب الإمام الأعظم 1/ 224، ومناقب الكردى 1/ 236.
(4)
البيت للعرجى، وهو فى: الأغانى 1/ 413، زهر الآداب 1/ 559، وهو فى المناقب أيضا.
فلا يزال يشرب ويردّد هذا البيت، حتى يأخذه النوم.
وكان أبو حنيفة يصلّى الليل كلّه، ففقد صوته، فسأل عنه، فقيل: أخذه العسس منذ ليال، وهو محبوس.
فصلّى أبو حنيفة صلاة الفجر من غد، وركب بغلة، واستأذن على الأمير. فقال: ائذنوا له، وأقبلوا به راكبا، ولا تدعوه ينزل حتى يطأ البساط.
ففعل، فلم يزل الأمير يوسع له فى مجلسه، وقال: ما حاجتك؟
قال: لى جار إسكاف، أخذه العسس منذ ليال، ويأمر الأمير بتخليته.
فقال: نعم، وكلّ من أخذ فى تلك الليلة إلى يومنا هذا. فأمر بتخليتهم أجمعين.
فركب أبو حنيفة، والإسكاف يمشى وراءه، فلما نزل أبو حنيفة مضى إليه، فقال:
يا فتى، هل أضعناك؟.
فقال: لا، بل حفظت ورعيت، جزاك الله خيرا عن حرمة الجوار، ورعايته
(1)
.
وتاب الرجل، ولم يعد إلى ما كان عليه، ببركة الإمام، رضى الله تعالى عنه وأرضاه، وجعل الجنة متقلّبه ومثواه،
(2)
ونفعنا ببركاته، وبركات علومه فى الدنيا والآخرة
(2)
.
فصل
فى ذكر ما كان عليه أبو حنيفة من حسن الاعتقاد
ووفور العقل، والفطنة، والذكاء المفرط
(3)
،
والتلطّف فى الجواب، وبرّه لوالديه، رضي الله عنه
روى الخطيب
(4)
بسنده، عن يحيى بن نصر، قال: كان
(5)
أبو حنيفة يفضّل أبا بكر
(1)
فى تاريخ بغداد: «ورعاية الحق» .
(2 - 2) فى ص: «بمنه وكرمه» ، والمثبت فى: ط، ن.
(3)
ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
(4)
تاريخ بغداد 13/ 383.
(5)
ساقط من: ط، ن، وهو فى: ص.
وعمر، ويحبّ عليّا وعثمان، وكان يؤمن بالأقدار، ولا يتكلّم فى القدر، وكان يمسح على الخفّين، وكان من أعلم الناس فى زمانه وأتقاهم.
*وعن أبى يوسف، عن أبى حنيفة، أنه قال: من قال: القرآن مخلوق
(1)
فهو مبتدع، فلا يقولنّ أحد بقوله، ولا يصلّينّ أحد خلفه.
وروى
(2)
أن ابن المبارك قدم على أبى حنيفة، فقال له أبو حنيفة: ما هذا
(3)
الذى دبّ فيكم؟
قال له: رجل يقال له جهم.
قال: وما يقول؟
قال: يقول القرآن مخلوق.
فقال أبو حنيفة: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاّ كَذِباً 4} .
وكان معلّى بن منصور
(5)
الرّازىّ، يقول: ما تكلّم أبو حنيفة، ولا أبو يوسف، ولا زفر، ولا محمّد، ولا أحد من أصحابهم فى القرآن، وإنّما تكلّم بشر المريسىّ، وابن أبى دواد.
وعن ابن المبارك
(6)
: قلت لسفيان الثّورىّ، يا أبا عبد الله، ما أبعد أبا حنيفة من الغيبة، وما سمعته يغتاب عدوّا له قطّ.
قال: هو والله أعقل من أن يسلّط على حسناته ما يذهب بها.
وكان علىّ بن عاصم، يقول: لو وزن عقل أبى حنيفة بعقل نصف أهل الأرض لرجح
(1)
مكان قوله «القرآن مخلوق» فى ط كلام مضطرب هو: «ينبغى أن يقال من قال بخلق القرآن ليصح الكلام تأمل بالقرآن» ، وفى ن:«بخلق القرآن» ، والمثبت فى: ص.
(2)
تاريخ بغداد 378،13/ 377.
(3)
ساقط من: ط، ن، وهو فى: ص، وتاريخ بغداد.
(4)
سورة الكهف 5.
(5)
زيادة من: ص، على ما فى: ط، ن.
(6)
تاريخ بغداد 13/ 363.
بهم.
وقال خارجة
(1)
بن مصعب: لقيت ألفا من العلماء فوجدت العاقل فيهم أربعة. فذكر أبا حنيفة فى الثلاثة أو الأربعة.
وقال أيضا
(2)
: من لا يرى المسح على الخفّين، أو يقع فى أبى حنيفة، فهو ناقص العقل.
وكان يزيد بن هارون
(2)
، يقول: رأيت
(3)
الناس، فما رأيت أحدا أعقل، ولا أفضل، ولا أورع من أبى حنيفة.
وروى الخطيب، فى «تاريخه»
(2)
، أنه كان بالكوفة رجل يقول: عثمان بن عفان كان يهوديّا.
فأتاه أبو حنيفة، فقال: أتيتك خاطبا لابنتك.
قال: لمن؟
قال: لرجل شريف، غنىّ من المال، حافظ /لكتاب الله، لكتاب الله، سخىّ، يقوم الليل فى ركعة، كثير البكاء من خوف الله.
قال: فى دون هذا مقنع يا أبا حنيفة.
قال: إلاّ أن فيه خصلة.
قال: وما هى؟
قال: يهودىّ.
قال: سبحان الله، تأمرنى أن أزوّج ابنتى من يهودىّ.
(1)
فى ط: «جارحة» ، والكلمة غير واضحة فى: ن، والصواب فى: ص، وتاريخ بغداد 13/ 364.
وهو خارجة بن مصعب السرخسى، من كبار المحدثين بخراسان، توفى سنة ثمان وستين ومائة. العبر 1/ 252.
(2)
تاريخ بغداد 13/ 364.
(3)
فى تاريخ بغداد: «أدركت» .
قال: لا تفعل؟
قال: لا.
قال: فالنبىّ صلى الله عليه وسلم زوّج ابنته من يهودىّ!.
قال: أستغفر الله، فإنّى تائب إلى الله
(1)
.
وروى الخطيب أيضا
(2)
، بسنده، عن إسماعيل بن حمّاد بن أبى حنيفة، قال: كان لنا جار طحّان رافضىّ، وكان له بغلان
(3)
؛ أحدهما أبو بكر
(4)
والآخر عمر، فرمحه ذات ليلة أحدهما، فقتله، فأخبر أبو حنيفة، فقال: انظروا البغل الذى رمحه، هو الذى سمّاه عمر. فنظروا. فكان كذلك.
وقال ابن المبارك
(4)
: رأيت أبا حنيفة فى طريق مكة، وقد شوى لهم فصيل سمين، فاشتهوا أن يأكلوه بخلّ، فلم يجدوا شيئا يصبّون فيه الخلّ، فتحيّروا، فرأيت أبا حنيفة قد حفر فى الرّمل حفرة، وبسط عليها السّفرة، وسكب الخلّ على ذلك الموضع، فأكلوا الشّواء بالخلّ. فقالوا له: تحسن كل شئ!!
قال: عليكم بالشكر، هذا شئ ألهمته فضلا من الله عليكم.
وعن أبى يوسف
(5)
، قال: دعا المنصور أبا حنيفة، فقال الربيع حاجب المنصور، وكان يعادى أبا حنيفة: يا أمير المؤمنين، هذا أبو حنيفة يخالف جدّك، كان عبد الله بن عبّاس يقول: إذا حلف اليمين ثمّ استثنى بعد ذلك بيوم أو يومين جاز الاستثناء، وقال أبو حنيفة:
لا يجوز الاستثناء، إلا متّصلا باليمين.
فقال أبو حنيفة: يا أمير المؤمنين، إن الرّبيع يزعم أنه ليس لك فى رقاب جندك بيعة.
(1)
فى ط: «فأتى تائبا» ، وفى تاريخ بغداد:«إنّي تائب» ، والمثبت فى: ص، ن.
(2)
تاريخ بغداد 13/ 364.
(3)
فى تاريخ بغداد بعد هذا زيادة: «سمى» .
(4)
فى تاريخ بغداد: «أبا بكر» .
(5)
تاريخ بغداد 13/ 365.
قال: وكيف؟
قال: يحلفون لكم، ثم يرجعون إلى منازلهم فيستثنون، فتبطل أيمانهم.
قال: فضحك المنصور، وقال: يا ربيع، لا تعرض لأبى حنيفة.
فلمّا خرج أبو حنيفة، قال: أردت أن تشيط
(1)
بدمى؟
قال: لا، ولكنّك أردت أن تشيط بدمى فخلّصتك، وخلّصت نفسى.
وكان أبو العبّاس الطّوسىّ
(2)
سيّئ الرّأى فى أبى حنيفة، وكان أبو حنيفة يعرف ذلك، فدخل أبو حنيفة على أبى جعفر المنصور يوما، وكثر الناس عنده، فقال الطّوسىّ: اليوم أقتل أبا حنيفة.
فأقبل عليه، فقال: يا أبا حنيفة، إن أمير المؤمنين يدعو الرجل منّا، فيأمره بضرب عنق الرجل، لا يدرى ما هو، أيسعه أن يضرب؟
فقال: يا أبا العباس، أمير المؤمنين يأمر بالحقّ أو بالباطل؟
قال: بالحقّ.
قال: أنفذ الحقّ حيث كان، ولا تسأل عنه.
ثم قال أبو حنيفة لمن قرب منه: إن هذا أراد أن يوثقنى فربطته.
وكان أبو حنيفة، رحمه الله، كثير البرّ بوالدته، والقيام بواجب حقّها، وإدخال السّرور عليها، وعدم المخالفة لها.
حدّث حجر بن عبد الجبّار الحضرمىّ
(3)
، رحمه الله تعالى، قال: كان فى مسجدنا قاصّ يقال له زرعة، ينسب مسجدنا إليه، وهو مسجد الحضرميّين، فأرادت أمّ أبى حنيفة أن
(1)
شاط بدمه: أهلكه، أو عمل فى هلاكه، أو عرضه للقتل. القاموس (ش ى ط).
(2)
تاريخ بغداد 366،13/ 365.
(3)
تاريخ بغداد 13/ 366.
تستفتى فى شئ، فأفتاها أبو حنيفة، فلم تقبل، وقالت: ما أقبل إلاّ ما يقوله
(1)
زرعة القاصّ
(2)
.
فجاء بها
(3)
أبو حنيفة إلى زرعة
(4)
، فقال: هذه أمىّ تستفتيك فى كذا وكذا.
فقال: أنت أعلم منّى وأفقه، فأفتها أنت.
فقال أبو حنيفة: قد أفتيتها بكذا وكذا.
فقال زرعة: القول كما قال أبو حنيفة.
فرضيت وانصرفت.
وفى رواية، أن زرعة قال لها: أفتيك ومعك فقيه الكوفة!
فقال أبو حنيفة: أفتها بكذا وكذا. فأفتاها، فرضيت.
وفى برّه بوالديه وتعظيمه لشيخه حمّاد يقول بعضهم
(5)
:
/نعمان كان أبرّ الناس كلّهم
…
بوالديه وبالأستاذ حمّاد
ما مدّ رجليه يوما نحو منزله
…
ودونه سكك سبع كأطواد
روى أن أبا حنيفة قال: ما مددت رجلى نحو دار أستاذى حمّاد؛ إجلالا له. وكان بين داره وداره سبع سكك.
وعن ابن المبارك، أنه قال: رأيت الحسن بن عمّار آخذا بركاب أبى حنيفة، وهو يقول: والله ما أدركت أحدا تكلّم فى الفقه أبلغ، ولا أصبر، ولا أحضر جوابا منك، وإنك لسيّد من تكلّم فيه فى وقتك غير مدافع، ولا يتكلّمون فيك إلا حسدا.
(1)
فى تاريخ بغداد: «يقول» .
(2)
ساقط من: ن، وهو فى: ص، ط، وتاريخ بغداد.
(3)
ساقط من: ن، وهو فى: ص، ط، وتاريخ بغداد.
(4)
فى ط: «فأجابها» ، والمثبت فى: ص، وتاريخ بغداد.
(5)
قائل هذين البيتين-من أبيات-هو الموفق المكى صاحب المناقب، وهما فيها 2/ 807، وأيضا فى مناقب الكردرى 1/ 263.
وكان ابن داود يقول: الناس فى أبى حنيفة حاسد، وجاهل، وأحسنهم عندى حالا الجاهل.
وحدّث سفيان بن وكيع
(1)
، قال سمعت أبى يقول: دخلت على أبى حنيفة، فرأيته مطرقا مفكّرا، فقال لى: من أين أقبلت؟
قلت: أقبلت من عند شريك.
فرفع رأسه وأنشأ يقول
(2)
:
إن يحسدونى فإنىّ غير لائمهم
…
قبلى من الناس أهل الفضل قد حسدوا
فدام لى ولهم ما بى وما بهم
…
ومات أكثرنا غيظا بما يجد
قال: وأظنه كان بلغه عنه شئ.
وذكر لمحمد بن الحسن ما يجرى الناس من الحسد لأبى حنيفة فقال
(3)
:
محسّدون وشرّ الناس منزلة
…
من عاش فى الناس يوما غير محسود
(4)
فصل
فى ذكر بعض الأمور التى اعترض بها الحسّاد على
أبى حنيفة، رضي الله عنه، وشنّعوا بها عليه،
وما أجيب به عنه، وذكر بعض ما مدح به من
الشّعر، وما نسب إليه، وما تمثل به منه، وغير ذلك
قال قاضى القضاة ابن خلّكان، فى «وفيات الأعيان»
(5)
، بعد أن ذكر طرفا صالحا
(1)
تاريخ بغداد 13/ 367، ومناقب الكردرى 1/ 265، ومناقب الإمام الأعظم 16،2/ 10.
(2)
هذان البيتان، فى المختار من شعر بشار 67، وتخريجهما فى حاشيته، وهما فى ذيل الجواهر المضية 2/ 498.
(3)
تاريخ بغداد 13/ 367، ومناقب الكردرى 1/ 266، ومناقب الإمام الأعظم 2/ 11، وذيل الجواهر المضية 2/ 498.
(4)
وصدر البيت فى المناقب: «هم يحسدونى وشر الناس منزلة» .
(5)
وفيات الأعيان 5/ 413.
من مناقب الإمام رضى الله تعالى عنه: ومناقبه وفضائله كثيرة، وقد ذكر الخطيب فى «تاريخه»
(1)
منها شيئا كثيرا، ثم أعقب ذلك بذكر ما كان الأليق تركه والإضراب عنه، فمثل هذا الامام لا يشكّ فى دينه، ولا فى ورعه وتحفّظه، ولم يكن يعاب بشيء سوى قلّة العربيّة.
*فمن ذلك ما روى
(2)
أن أبا عمرو بن العلاء سأله عن القتل بالمثقل هل يستوجب القود أم لا؟
فقال: لا. كما هو قاعدة مذهبه، خلافا للإمام الشّافعىّ.
فقال له أبو عمرو: ولو قتله بحجر المنجنيق؟.
فقال: ولو قتله بأبا قبيس.
يعنى الجبل المطلّ على مكّة، حرسها الله تعالى.
قال: وقد اعتذروا عن أبى حنيفة بأنه قال ذلك على لغة من يقول: إن الكلمات السّت المعربة بالحروف «أبوه، وأخوه، وحموه، وهنوه، وفوه، وذو مال» إن إعرابها يكون فى الأحوال
(3)
بالألف. وأنشدوا على ذلك
(4)
:
إنّ أباها وأبا أباها
…
قد بلغا فى المجد غايتاها
وهى لغة الكوفيّين، وأبو حنيفة من أهل الكوفة، فهى لغته. انتهى كلام ابن خلّكان.
قلت: وهو مع ما اشتمل عليه من الصّواب فى الجواب لا يخلو من شائبة التّعصّب، حيث جزم بأنّ الإمام رضى الله تعالى عنه كان قليل العربيّة، بمجرّد كلمة صدرت منه على لغة أهل بلده، واستعملها غير واحد ممّن يحتجّ بقوله فى شعره، والحال أنه لم ينقل عن أحد من أهل اللغة وحملة العربيّة، أنه قال: إن كلّ من تكلّم بكلمة غير فصيحة فى عرض
(1)
تاريخ بغداد 13/ 386 - 394.
(2)
روى الخطيب بعض هذا الخبر، فى تاريخ بغداد 13/ 412.
(3)
فى وفيات الأعيان بعد هذا زيادة: «الثلاث» .
(4)
وهو لأبى النجم الفضل بن قدامة العجلى. انظر شواهد القطر للشربينى 42، وشرح الشواهد للعينى 1/ 70.
كلامه، على لغة أهل بلده وهى غير شاذّة/، ولم يدوّنها فى كتاب من كتبه، يكون لحّانا قليل العربيّة. هذا الإمام الشافعىّ رحمه الله تعالى، مع كونه ممّن يحتجّ بقوله فى اللغة، قال فى بعض تآليفه:«ماء عذب أو مالح» ، فقال:«مالح» ولم يقل «ملح» وهى لغة شاذّة، أنكرها أكثر أهل اللغة، ولم يقل أحد فى حقّه بسبب ذلك، إنه كان قليل العربيّة واللغة، ولكن جرى الأمر فى ذلك على قول الشاعر
(1)
:
وعين الرّضا عن كلّ عيب كليلة
…
كما أنّ عين السّخط تبدى المساويا
وقد ذكر بعض من صنّف فى مناقب الإمام الأعظم، فى حقّ الإمام الشافعىّ من مثل هذه المؤاخذات شيئا كثيرا، أضربنا عن ذكره؛ لعدم الفائدة، ولأنّ الأليق بكلّ إنسان أن يكفّ لسانه عن التكلّم فى حقّ مثل هؤلاء الأئمة، الذين اتّفق الناس على علمهم، وصلاحهم، وعلوّ مقامهم، إلاّ بخير؛ فإنه قلّما أطلق أحد لسانه فى حق السّلف، إلاّ وعجّلت له النّكبة فى الدنيا قبل الآخرة، عصمنا الله من ذلك بمنّه وكرمه.
*** ومن جملة التّشنيعات
(2)
فى حقّ الإمام، رضى الله تعالى عنه
(3)
، قول بعض الحسّاد: إنه كان قليل الرّواية، وليس له إحاطة بكثير من الأحاديث والآثار، كغيره من مجتهدى عصره، ومن تأخّر بقليل عنهم.
والجواب عن ذلك هو المنع؛ بدليل أنّ أبا حنيفة، رضى الله تعالى عنه، كان أكثر الناس تفريعا للأحكام، ووضعا للمسائل، وكثرة الفروع تدلّ على كثرة الأصول، وصحّتها على صحّتها، وقد سلّموا أن أبا حنيفة أقوى فى القياس من غيره، وأعرف به من سواه، وإنما يقاس على الكتاب والأثر، وكثرة قياسه فى المسائل تدلّ على كثرة اطّلاعه على الآثار، وكثرة إحاطته بها.
وإنما قلّت الرّواية عنه لما ذكرناه سابقا، من كونه كان يشترط فى جواز الرّواية حفظ الرّاوى لما يرويه من يوم سمعه إلى يوم يحدّث به، ولأنه صاحب مذهب، نصب نفسه
(1)
هذا البيت لعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر، وهو فى العقد الفريد 2/ 348.
(2)
انظر تاريخ بغداد 13/ 420.
(3)
ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
لتدوين الفقه، وإثبات الأحكام، وتفقيه الناس وإفتائهم، وهذا لا يدلّ على أن ما كان يرويه عن غيره، عن النبىّ صلى الله عليه وسلم كان قليلا؛ لأن صاحب المقالة والمذهب، إذا أنهى إليه الخبر، أخذ حكمه المشتمل عليه، فدوّنه، وأثبته عنده، وجعله أصلا ليقيس عليه نظائره؛ فمرّة يفتى بحكمه ولا يروى الخبر، فيخرجه على وجه الفتوى، فيقف لفظ الخبر، وينقطع عنده. وكذا فعل أكثر فقهاء الصّحابة؛ كالخلفاء الأربعة، وعبد الله بن مسعود، وزيد، وغيرهما من فقهاء الصّحابة، رضي الله عنهم.
ويدلّك على هذا، أن الخلفاء الأربعة صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من مبعثه إلى وفاته، وكانو لا يكادون يفارقونه فى سفر ولا حضر، وكذلك عبد الله بن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وعمّار بن ياسر؛ وأبو هريرة أكثر رواية منهم، وإنما صحب النبىّ صلى الله عليه وسلم نحو سنتين؛ لأنه تأخّر إسلامه، أفتراه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ممّا سمع هؤلاء، أو شاهد أكثر ممّا شاهد هؤلاء!!، وقد روى الناس عنه أكثر ممّا رووا عنهم!! وإنما كان كذلك؛ لأن الخلفاء الرّاشدين، رضي الله عنهم، كانوا فقهاء الصّحابة، وكانوا أصحاب مقالات ومذاهب، وكذلك عبد الله بن مسعود، وكانوا يفتون بكلّ علم صدر عن قول رسول الله صلّى الله/عليه وسلّم أو عن فعله، فيخرجونه على وجه الفتوى، ولا يروونه، وربّما رواه البعض منهم عند احتياجه إلى الاحتجاج به على غيره ممّن خالفه من نظرائه.
وهذا هو المعنىّ فى قلّة رواية ذى المقالة والمذهب عن النبىّ صلى الله عليه وسلم للناس، وقلّة روايتهم عنه.
وأمّا هو
(1)
فقد سمع من الأخبار، وجمع ما لم يحط به غيره؛ فإنّ الأخبار منها ناسخ ومنسوخ، ومثبت وناف، وحاظر ومبيح، ونحو ذلك، فإذا ورد جميع ذلك إلى صاحب المقالة نظر فيها، وأخذ بالنّاسخ منها، وهو المتأخّر، فإن لم يعلم المتأخّر، أخذ بأرجحهما عنده، وترك الآخر، فإذا أخذ المتأخّر أو ما رجح عنده، فربمّا رواه، وربّما أفتى بحكمه، ولم يروه، وأسقط ما نافاه، ولم يلتفت اليه، وأصحاب الحديث يروون الجميع؛ فلهذا قلّت رواية الخلفاء الأربعة، ومن بعدهم من الفقهاء.
(1)
ساقط من: ط، وهو فى: ص، ن.
وقد يرد أيضا الخبر من طرق كثيرة، فيقتصر صاحب المذهب منه على أصحّ الطّرق، فيرويه منها، وربّما أفتى بحكمه ولم يروه. وأصحاب الحديث يروونه من جميع طرقه، فلهذا قلّت الرواية عن الفقهاء أولى المقالات.
قال أبو بكر عتيق بن داود اليمانىّ: فإن قال قائل: قد روى عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بلّغوا عنّى ولو آية» ، وقال عليه الصلاة والسلام:«نضّر الله امرءا سمع مقالتى فوعاها، ثمّ أدّاها إلى من لم يسمعها، فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه» . قيل له: إذا أفتى بما قال النبىّ صلى الله عليه وسلم، أو بما فعل، فقد بلّغ أشدّ التّبليغ؛ لأنّ صاحب المقالة والمذهب، يلزمه أن لا يروى جميع الأخبار المتنافية، لأن ذلك يؤدّى إلى تحيّر من يستفتى، ولا يحصل له التخلّص ممّا نزل به من الحادثة، فإذا أفتاه بالصّحيح عنده، أو رواه، حصلت للمستفتى الفائدة، وفى هذا كفاية لكل ذى بصر.
فهذا يدلّ على أن قلّة الرّواية عنه، لا تدلّ على قلّة ما نقله من الأخبار والآثار، عن النبىّ صلى الله عليه وسلم. انتهى.
هذا، ولئن سلّم ما زعمه المشنّع من قلّة الرّواية، فجوابه أنّا نقول: قال أبو عمر بن عبد البرّ
(1)
: الذى عليه جماعة [فقهاء] المسلمين وعلمائهم ذمّ الإكثار-يعنى من الحديث -دون تفقّه ولا تدبّر، فالمكثر لا يأمن من مواقعة
(2)
الكذب على رسول الله، صلى الله عليه وسلم
(3)
.
ثمّ روى بسنده، عن قتادة، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إيّاكم وكثرة الحديث، ومن قال عنّى فلا يقولنّ إلاّ حقّا» .
وروى بسنده أيضا، عن وهب بن بقيّة
(4)
، قال: سمعت خالد بن عبد الله، يقول:
سمعت ابن شبرمة، يقول: أقلل الرّواية تفقه.
(1)
جامع بيان العلم وفضله 2/ 124، وما بين المعقوفتين زيادة منه.
(2)
فى الأصول: «من موافقة» ، والمثبت فى جامع بيان العلم وفضله.
(3)
زاد ابن عبد البر بعد هذا: «لروايته عمن يؤمن وعمن لا يؤمن» .
(4)
فى الأصول: «منبه» ، والمثبت فى جامع بيان العلم وفضله.
وقال أيضا
(1)
: أمّا طلب الحديث على ما يطلبه
(2)
كثير من أهل عصرنا [اليوم]، دون نفقّه فيه، ولا تدبّر لمعانيه، فمكروه عند جماعة أهل العلم.
ثمّ ذكر
(3)
بعد كلام طويل، قول الأعمش لأبى يوسف: أنتم الأطبّاء ونحن الصّيادلة.
ومن ها هنا قال التّرمذىّ: إنّ من يحمل الحديث ولا يعرف فيه التأويل كالصّيدلانىّ.
وعن ابن المبارك، أنه قال: ليكن الذى تعتمد عليه الأثر، وخذ من الرأى ما يفسّر لك الحديث.
ولله درّ بعضهم حيث يقول:
إن الرّواة على جهل بما حملوا
…
مثل الجمال عليها يحمل الودع
/لا الودع ينفعه حمل الجمال له
…
ولا الجمال بحمل الودع تنتفع
وقال ابن أبى ليلى: لا يفقه الرجل فى الحديث حتى يأخذ منه ويدع.
*** ومن التّشنيعات أيضا، قولهم: إن مذهب أبى حنيفة فى موضوعه مخالف لما عليه أساس الإمارة والإمامة، ولا يوافق فى كثير من فروعه للأمراء والأئمّة.
والجواب عن ذلك هو المنع، بل مذهبه أوفق للإمامة والإمارة، والأصلح للولاة والأئمّة.
والدّليل على ذلك، ما ذكرناه سابقا
(4)
من الجواب عنه لأبى جعفر المنصور فى مسألة الاستثناء المنفصل، وخلافه فيه لابن عبّاس؛ فإنه أوفق للإمامة والإمارة، بخلاف مذهب غيره.
وكان بعض السّلف يقول: لا يزال الإسلام مشيّد الأركان ما بقى له ثلاثة أشياء:
(1)
جامع بيان العلم وفضله 2/ 127، وما بين المعقوفتين زيادة منه.
(2)
فى ص: «يطلقه» ، وفى ط:«يطلعه» ، والمثبت فى: ن.
(3)
جامع بيان العلم وفضله 2/ 131.
(4)
انظر ما تقدم فى صفحة 112.
الكعبة، والدّولة العبّاسيّة، والفتيا على مذهب أبى حنيفة. فلولا الموافقة بين الدولة العباسيّة ومذهب أبى حنيفة ما قرن بينها.
وقال بعض الشعراء فى ذلك:
أبو حنيفة فاق الناس كلّهم
…
فى العلم والزّهد والعلياء والباس
له الإمامة فى الدّنيا مسلّمة
…
كما الخلافة فى أولاد عبّاس
وسمّاهما بعض السّلف التّوأمين؛ لاتّفاقهما فى الموضوع، وظهورهما فى زمن واحد.
وكيف يجوز أن يدّعى أن أبا حنيفة على خلاف الإمامة مع ما ذكرناه عنه سابقا، حين منع من الفتوى
(1)
، وسألته ابنته عن مسألة فقال لها: سلى أخاك؛ فإن الأمير
(2)
منعنى من الفتيا.
فلم يرض لنفسه أن يعمل بخلاف سلطان زمانه فى جواب مسألة.
والذى يدلّ على صحّة ذلك أنّ من صفة الإمامة أن يكون الإمام غالبا، قاهرا، نافذ الأمر، جائز التصرّف فى مملكته، مطلق اليد فى الرّعيّة. وعلى مذهب أبى حنيفة كلّ هذا مفوّض إلى الأئمّة أينما نزلوا، ومذهب المخالفين ليس على هذه الصّفة.
وبيان ذلك فى مسائل كثيرة من فروع الفقه، لا بأس بذكر بعضها فى هذا الموضوع للإيضاح.
*مسألة، من له أرض خراجيّة، عجز عن زراعتها، وأداء خراجها.
قال أبو حنيفة: للإمام أن يؤجّرها من غيره، ويأخذ الخراج من أجرتها، سواء رضى بذلك صاحبها أم لم يرض.
وقال الشافعىّ: ليس للإمام ذلك.
(1)
انظر ما تقدم فى صفحة 95،94.
(2)
فى ط: «أمير المؤمنين» ، والمثبت فى: ص، ن.
*مسألة، إذا فتح السّلطان بلدة من بلاد الكفار، فأراد أن يمنّ عليهم ويقرّهم على أملاكهم، ويضع الجزية على رءوسهم، ولا يقسمها بين الأجناد.
قال أبو حنيفة: له أن يفعل ذلك، سواء رضى الجند بذلك أم لم يرضوا.
وقال الشافعىّ: ليس له ذلك إلا برضى الجند، وعليه أن يقسمها بين الغانمين.
وهذه مسألة نفيسة، والعمل بها على مذهبنا.
*مسألة، السّلب فى حال القتال لا يكون للقاتل عند أبى حنيفة، إلا أن يكون الإمام قال قبل ذلك: من قتل قتيلا فله سلبه.
وقال الشافعىّ: السّلب للقاتل، سواء قال الإمام ذلك أو لم يقل.
*مسألة، من عزّره الإمام؛ لاستحقاقه التعزيز، فمات فى تعزيره.
قال أبو حنيفة: لا ضمان/عليه، ودمه هدر.
وقال الشافعىّ: يجب عليه الضّمان.
*مسألة، من أحيا أرضا مواتا.
قال أبو حنيفة: إن أحياها بإذن الإمام ملكها.
وقال الشافعىّ: يملكها، ولا يحتاج إلى إذن الإمام.
*مسألة، إذا كان للرجل عبد، فزنى، أو شرب خمرا، لا يقيم مولاه عليه الحدّ إلاّ بإذن الإمام.
وقال الشافعىّ: يقيم مولاه، ولا يحتاج إلى إذن الإمام.
وهو افتيات على السّلطان فى ولايته؛ قال عليه الصلاة والسلام: «الحدود للولاة» .
*مسألة، إذا كان للرجل سوائم، وحال عليها الحول، وأدّى صاحبها زكاتها.
قال أبو حنيفة: للسلطان أن يأخذ زكاتها ثانيا
(1)
، ويصرفها إلى الفقراء.
(1)
زيادة من: ص، على ما فى: ط، ن.
وقال الشافعىّ: ليس للسّلطان ذلك.
وهو افتيات على السّلطان أيضا؛ فإن القبض فى الأموال الظاهرة له، لا إلى أصحاب الأموال.
*مسألة، أهل مصر خرجوا إلى المصلّى يوم العيد، وأرادوا أن يصلّوا العيد.
قال أبو حنيفة: إن كان السلطان أو نائبه معهم جاز
(1)
، وإلا فلا.
وقال الشافعىّ: يجوز، ولا يحتاج إلى حضور السّلطان ولا نائبه.
*مسألة، رجل قتل لقيطا متعمّدا.
قال أبو حنيفة: للسّلطان ولاية استيفاء القصاص من قاتله.
وقال الشافعىّ: ليس عليه ذلك.
*مسألة، رجل مات، فحضر السّلطان وأولياء الميت جنازته.
قال أبو حنيفة: السّلطان أحقّ بالتّقديم للصّلاة عليه من الأولياء.
وقال الشافعىّ: الأولياء أحقّ.
*مسألة، الجزية إذا أخذت على مذهبنا حصل أكثر ممّا أخذت على مذهبه، وكان أنفع لبيت المال؛ فإنّ عندنا يوضع على الغنىّ الظاهر الغنى فى كلّ سنة ثمانية وأربعون درهما، وعلى المتوسّط الغنى أربعة وعشرون درهما، وعلى الفقير المعتمل اثنا عشر درهما، وتؤخذ سلفا، وعنده على كل شخص دينار، والدّينار عشرة دراهم، فظهر التفاوت بينهما.
*مسألة، الإمام إذا أخذ صدقات أموال الناس، ثم أراد أن يمنع أعيان الصدقة، ويدفع أبدالها وأثمانها إلى الفقراء.
قال أبو حنيفة: له فعل ذلك إذا رأى فيه المصلحة.
(1)
بعد هذا فى ص زيادة: «لهم» ، والمثبت فى: ط، ن.
وقال الشافعىّ: ليس له ذلك.
*مسألة، السّلطان إذا احتاج إلى تقويه الجيش، فأخذ من أرباب الأموال ما يكفيه من غير رضاهم، له ذلك.
ومثل هذه المسائل كثيرة، قلّ أن تحصر فى مصنّف، وفيما ذكرناه منها كفاية للمنصف؛ فإنه إذا تأمّل ما أوردناه، ونظر بعين الإنصاف إلى ما قرّرناه، ظهر له أن مذهبنا أوفق للإمامة من غيره، وأكثر تفويضا للأئمّة من سواه، والله الموفّق للصّواب.
*** ومن التّشنيعات أيضا، قولهم: إنّه قدّم القياس الذى اختلف الناس فى كونه حجّة على الأخبار الصّحيحة، التى اتّفق العلماء على كونها حجّة.
والجواب/أن هذا القول
(1)
زعم منهم، فإن أبا حنيفة أخذ بكتاب الله تعالى، ثم بسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بما اتّفقت عليه الصحابة، ثم بما جاء عن واحد من الصّحابة، وثبت ذلك واشتهر ولم يظهر له فيه مخالف، وإن كان أمرا اختلف فيه الصّحابة والعلماء فإنه يقيس الشئ بالشئ حتى يتّضح الأمر، ثم بالقياس إن لم يكن فى الحادثة شئ ممّا ذكرناه.
والدّليل على أن مذهب أبى حنيفة على الصّفة المشروحة، ما روى أبو مطيع البلخىّ، قال:[كتب]
(2)
أبو جعفر المنصور إلى أبى حنيفة يسأله عن مسائل، وكان ممّا سأل:
أخبرنى عن ما أنت عليه، فقد وقع فيك الناس، وزعموا أنّك ذو رأى، وصاحب اجتهاد وقياس، وكتبت
(3)
إليك بالمسائل، فإن كنت بها عالما علمنا أنك تقول بما نقول، وإن اشتبهت عليك، وتماديت فيها، علمنا أنك تقول بالقياس، والسّلام.
(1)
فى ط، ن:«القدر» ، والمثبت فى: ص.
(2)
تكملة لازمة.
(3)
فى ص: «فكتبت» ، والمثبت فى: ط، ن.
فأجاب عن تلك المسائل، وقال: يعلم أمير المؤمنين أن الذين يقعون فينا لأنّا نعمل بكتاب الله، ثم سنّة رسوله عليه الصلاة والسلام، ثم بأحاديث الصحابة أبى بكر وعمر وعثمان وعلى ونحوهم، وهذا حسد منهم، وطعن فى الدّين، وهذا علم لا يعرفه إلاّ الخبير البصير، والله ما تكلّمت بمسألة حتى أذنت
(1)
نفسى بالنصيحة، وليس بين الله وبين خلقه قرابة، وقد قالت الصّحابة والتابعون: الأمر بالرّأى لا بالكبر والسّنّ، فمن وافق كان أقرب إلى الحقّ، وأوفق للقرآن والسّنن، فالأولى أن يعمل بقولهم.
وقال أبو مطيع البلخىّ لأبى حنيفة: أرأيت لو رأيت رأيا، ورأى أبو بكر رأيا غيره، أتدع رأيك برأيه؟
قال: نعم.
فقلت: أرأيت
(2)
لو رأيت رأيا، ورأى عمر رأيا، أتدع رأيك برأيه؟
قال: نعم.
قال: ثم سألته عن عثمان وعلىّ، فأجاب بمثل هذا، وقال: إنّي أدع رأيى عند رأى جميع الصحابة، إلا ثلاثة أنفس: أبو هريرة، وأنس بن مالك، وسمرة بن جندب.
فهذا يدلّ على أنه يؤخّر القياس عند الآثار.
ويدلّ على ذلك أيضا، ما روى عن محمّد بن النّضر، وكان من كبار العلماء، وأنه قال:
ما رأيت أحدا تمسّك بالآثار أكثر
(3)
من أبى حنيفة.
وعن أبى مطيع البلخىّ، أن سفيان الثّورىّ، ومقاتل بن حيّان
(4)
، وحمّاد بن سلمة، وغيرهم من فقهاء ذلك العصر، اجتمعوا وقالوا: إن النّعمان هذا يدّعى الفقه، وما عنده إلا
(1)
فى ص: «أدبت» ، والمثبت فى: ط، ن.
(2)
تكملة لازمة.
(3)
فى ط: «أكبر» ، والمثبت فى: ص، ن.
(4)
فى الأصول: «حبان» والتصحيح عن ميزان الاعتدال 4/ 171، وهو أبو بسطام النبطى البلخى الخراسانى الخزاز، وكان عابدا، كبير القدر، صاحب سنة وصدق، توفى قبل الخمسين ومائة.
القياس، فتعالوا حتى نناظره فى ذلك، فإن قال: إنه قياس. قلنا له: عبدت الشمس بالمقاييس، وأوّل من قاس إبليس، لعنه الله، حيث قال
(1)
: {خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} .
فناظرهم أبو حنيفة، يوم الجمعة فى جامع الكوفة، وعرض عليهم مذهبه كما ذكرنا، فقالوا: إنك سيّد العلماء، فاعف عنّا؛ فإنّنا وقعنا فيك من غير تجربة ولا رويّة.
فقال لهم أبو حنيفة: غفر الله لنا ولكم.
وروى أن أبا حنيفة كان يتكلّم فى مسألة من المسائل القياسيّة، وشخص من أهل المدينة يتسمّع، فقال: ما هذه المقايسة، دعوها فإن أوّل من قاس إبليس.
فأقبل عليه أبو حنيفة، فقال: يا هذا، وضعت الكلام فى غير موضعه/، إبليس ردّ على الله تعالى أمره، قال الله تعالى
(2)
(3)
(4)
: {إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ)،} وقال
(5)
: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً} فاستكبر وردّ على الله أمره، وكلّ من ردّ على الله تعالى أمره فهو كافر، وهذا القياس الذى نحن فيه نطلب فيه اتّباع أمر الله تعالى؛ لأنّا نردّه إلى أصل أمر الله تعالى فى الكتاب، أو السّنّة، أو إجماع الصّحابة والتّابعين، فلا نخرج من أمر الله تعالى، ويكون العمل على الكتاب والسّنّة والإجماع، فاتّبعنا فى أمرنا إليها أمر الله تعالى، قال الله تعالى
(6)
: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} . إلى قوله: {وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)،} فنحن ندور حول الاتّباع، فنعمل بأمر الله تعالى، وإبليس خالف أمر الله تعالى، وردّه عليه، فكيف يستويان؟ فقال الرجل: غلطت يا أبا حنيفة، وتبعت إلى الله تعالى، فنوّر الله قلبك كما نوّرت قلبى.
***
(1)
سورة الأعراف 12.
(2)
سورة الكهف 50
(3)
سورة الحجر 31،30.
(4)
سورة البقرة 34
(5)
سورة الإسراء 61.
(6)
سورة النساء 95.
ولا بأس بذكر بعض المسائل الشّاهدة لما ذكرنا، والموضّحة لما قرّرنا، على أنها لا تدخل تحت الحصر، والله الموفّق للصّواب:
*مسألة، رجل ردّ عبدا آبقا من مسيرة ثلاثة أيّام.
قال أبو حنيفة: له الجعل أربعون درهما. وكان القياس أن لا يجب، فترك القياس وأخذ من ذلك بالخبر الذى روى عن عبد الله بن مسعود رضى الله تعالى عنه، فى خبر طويل، أن رجلا قدم بآبق من الفيّوم
(1)
، فقال القوم: لقد أصاب أجرا.
فقال ابن مسعود: وأصاب جعلا.
وقال من خالفه: لا يجب الجعل. فترك الخبر وأخذ بالقياس.
*مسألة، ولو أن رجلا حلق لحية رجل، أو حاجبيه، فلم تنبت ثانيا.
قال أبو حنيفة: يجب على الحالق دية كاملة.
وقال من خالفه: لا يجب الدّية على الكمال.
وكان القياس أن لا تجب الدّية على الكمال، فترك القياس، وأخذ بالخبر المروىّ فى حديث سعيد بن المسيّب، رحمه الله تعالى.
*مسألة، ولو أن رجلا أوجب على نفسه أن ينحر ولده.
قال أبو حنيفة: يلزمه أن يذبح شاة.
وقال من خالفه: لا يجب عليه شئ. فأخذ بالقياس وترك الخبر.
*مسألة، ولو أن رجلا حلف، وقال: إن فعلت كذا فأنا برئ من الإسلام. ففعل ذلك.
(1)
لعله يعنى فيوم العراق، وهو موضع قريب من هيئت. معجم البلدان 3/ 933.
قال أبو حنيفة: يجب عليه كفّارة يمين.
وكان القياس أن لا يجب عليه شئ، فترك القياس، وأخذ بالخبر المروىّ عن عائشة، وابن عمر، رضي الله عنهما، أنهما أوجبا فيه كفّارة يمين.
وقال من خالفه: لا شئ عليه إلاّ التّوبة. فأخذ بالقياس.
*مسألة، ولو أن رجلا اشترى شيئا بألف درهم، وقبضة، ولم ينقد الثمن، ثم باعه من البائع بخمسمائة درهم.
قال أبو حنيفة: بيع الثانى لا يجوز.
وكان ينبغى فى القياس أن يجوز. فترك القياس، وأخذ فى ذلك بخبر روى عن عائشة، رضي الله عنها، أنها قالت للمرأة التى سألتها عن هذا البيع: أبلغى زيد بن أرقم أن الله تعالى أبطل جهاده/مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب.
وقال من خالفه: يجوز بيعه. فأخذ بالقياس وترك الخبر.
*مسألة، ولو أن رجلا باع من ذمّىّ خمرا.
قال أبو حنيفة: جاز بيعه.
وكان ينبغى فى القياس أن لا يجوز، فترك أبو حنيفة القياس، وأخذ بالخبر الذى روى عن عمر أنه قال: ولّوهم بيعها، وخذوا العشر من أثمانها.
وقال من خالفه: لا يجوز بيعه. وأخذ بالقياس وترك الخبر.
*مسألة، ولو أن رجلا اغتسل من الجنابة، ولم يتمضمض ولم يستنشق، وصلّى على ذلك.
قال أبو حنيفة: لا يجوز ما لم يتمضمض ويستنشق.
فرآهما فرضين فى الجنابة، وكان القياس أن لا يكونا فرضين، فترك القياس، وأخذ بخبر
الواحد، وهو ما روى عن ابن عبّاس، رضى الله تعالى عنهما، أنه قال: من ترك المضمضة، والاستنشاق، فى الجنابة، وصلّى، تمضمض، واستنشق، وأعاد ما صلّى.
وقال من خالفه: المضمضة والاستنشاق غير مفروضين فى غسل الجنابة. فأخذ بالقياس، وترك الخبر.
ويقع
(1)
الخلاف من هذا الجنس بين أبى حنيفة ومالك؛ لأن عند أبى حنيفة الخبر المروىّ من طريق الآحاد مقدّم على القياس، وعند مالك، القياس مقدّم على الخبر المروىّ من طريق الآحاد.
*مسألة، ولو أن صائما أكل، أو شرب، أو جامع، ناسيا.
قال أبو حنيفة: لا يبطل صومه.
وكان القياس أن يبطل، فترك القياس، وأخذ بخبر رواه أبو هريرة، عن النبى صلى الله عليه وسلم:«الصّائم إذا أكل أو شرب ناسيا فليتمّ صومه، فإنّ الله تعالى أطعمه وسقاه» .
وقال من خالفه: يبطل صومه. فأخذ بالقياس، وترك الخبر.
*مسألة، ولو أن رجلا تزوّج أمة على حرّة.
قال أبو حنيفة: لا يجوز.
وكان القياس أن يجوز؛ إلاّ أنه ترك القياس، وأخذ فى ذلك بخبر، روى عن النبىّ صلى الله عليه وسلم، أنه قال:«لا تنكح الأمة على الحرّة» .
وقال من خالف: يجوز نكاحها. فأخذ بالقياس، وترك الخبر.
*مسألة، إذا تزوّج العبد بإذن مولاه.
(1)
فى ص: «ولا يقع» والمثبت فى: ط، ن.
قال أبو حنيفة: لا يجوز أن يتزوّج أكثر من امرأتين.
وكان القياس أن يجوز له أن يتزوّج بأربع نسوة كالحرّ، إلاّ أن أبا حنيفة ترك القياس، وأخذ بالخبر، وهو ما روى عن النبىّ صلى الله عليه وسلم، أنه قال:«لا يتزوّج العبد أكثر من اثنتين» .
وقال من خالفه بالقياس، وترك الخبر.
*مسألة، رجل وهب آخر هبة، ولم يقبضها الموهوب له.
قال أبو حنيفة: لا تصحّ الهبة.
وكان القياس أن تصحّ، إلاّ أنه ترك القياس، وأخذ بالخبر الوارد فى ذلك، وهو ما روى عن أبى بكر الصّدّيق، رضي الله عنه، أنه قال لعائشة: كنت نحلتك جداد
(1)
عشرين وسقا بالعالية
(2)
، ولم تكونى حزتيه، ولا قبضتيه، وإنما هو مال الوارث. جعل القبض شرطا.
ومخالفه أخذ بالقياس، وترك الخبر.
*/مسألة، إذا تزوّج الرّجل امرأة وهو غير كفء لها.
قال أبو حنيفة: للأولياء حقّ الاعتراض.
وكان القياس أن لا يكون لهم ذلك، فترك أبو حنيفة القياس، وأخذ بالخبر، وهو ما روى عن النبىّ صلى الله عليه وسلم، أنه قال؛ «لا تزوّج النّساء إلاّ من كفء
(3)
».
ومخالفه أخد بالقياس، وترك الخبر.
*مسألة، عبد بين اثنين، أعتقه أحدهما وهو معسر.
(1)
فى ن: «جذاد» ، والمثبت فى: ص، ط.
والجداد: صرام النخل. القاموس (ج د د).
(2)
العالية: اسم لكل مكان من جهة نجد من المدينة، من قراها وعمائرها إلى تهامة. معجم البلدان 3/ 592.
(3)
فى ص: «الأكفاء» ، والمثبت فى: ط، ن.
قال أبو حنيفة: على العبد أن يسعى فى نصف قيمته.
وكان القياس أن لا سعاية عليه؛ لأنه لم تكن منه جناية، فترك أبو حنيفة القياس، وأخذ بالخبر، وهو ما روى أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبىّ صلى الله عليه وسلم، أنه قال فى عبد بين اثنين أعتقه أحدهما: «إن كان موسرا ضمن نصف قيمته، وإن كان معسرا سعى العبد فى نصف قيمته غير مشقوق
(1)
عليه».
وقال المخالف: لا سعاية عليه. فأخذ القياس وترك الخبر.
*مسألة، السّكران إذا طلّق امرأته.
قال أبو حنيفة: يقع طلاقه وعتاقه.
وكان القياس أن لا يقع، فترك القياس، وأخد بخبر رواه أبو هريرة رضى الله تعالى عنه، عن النبىّ صلى الله عليه وسلم، أنه قال:«ثلاث جدّهنّ جدّ وهزلهنّ جدّ: الطّلاق، والعتاق، والنّكاح» .
وقال من خالفه: لا يقع طلاقه، وعتاقه؛ لأنه لا يعقل. فأخذ بالقياس، وترك الخبر.
*مسألة، لو اجتمع جماعة فى قتل رجل عمدا.
قال أبو حنيفة: يقتلون جميعا.
وكان القياس أن لا تقتل الجماعة بواحد، فترك القياس، وأخذ بخبر روى عن عمر رضى الله تعالى عنه، أنّه قتل سبعة نفر بقتل رجل واحد، فترك القياس بهذا، حتى قال عمر، رضى الله تعالى عنه: لو اجتمع أهل صنعاء على قتله لقتلتهم به.
وقال من خالفه: لا تقتل الجماعة بواحد. فأخذ بالقياس، وترك الخبر.
وفى هذا القدر كفاية فى الدّلالة على أن أبا حنيفة رضي الله عنه لم يقدّم القياس على
(1)
فى ط، ن:«مشفوق» ، والمثبت فى: ص.
الخبر، ومن ادّعى ذلك فليس عنده خبر، وأن مخالفه هو الذى فعل ذلك، والله أعلم.
*** ومن جملة التّشنيعات فى حقّ الإمام، رضى الله تعالى عنه، أنهم زعموا أنه ترك من
(1)
فروع الفقه طريق الاحتياط والتورّع، وأفرط فى الرّخصة فيما يحتاج فيه إلى التحرّج.
والجواب عن ذلك، أن هذا زعم ممنوع، وقول غير مسموع، لأن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه، كان من أزهد الناس وأورعهم وأتقاهم لله تعالى، وقد ذكرنا سابقا من شهادة العلماء له
(2)
بذلك ما فيه الكفاية، والدّلالة على أنه كان أجلّ قدرا من أن يترك الاحتياط، ويتساهل فى الدّين.
ولا بأس بذكر بعض المسائل، التى تدلّ على أنه أخذ فيها بالأحوط، وترك غيره. فنقول، وبالله التوفيق:
*مسألة، إذا أكل أو شرب فى رمضان متعمّدا.
قال أبو حنيفة: يجب عليه الكفّارة، كما يجب على المجامع. فأخذ بالاحتياط.
وقال من خالفه: يجب عليه قضاء يوم واحد/، ولا يجب عليه الكفارة.
وفيما ذهب إليه المخالف ترك الاحتياط.
*مسألة، إذا شرع الرجل فى صوم التّطوّع، ثم أفطر.
قال أبو حنيفة: يجب عليه القضاء.
وقال من خالفه: لا يجب عليه القضاء.
والاحتياط فيما ذهب إليه أبو حنيفة، لا فيما ذهب إليه المخالف.
(1)
فى ص: «فى» والمثبت فى: ط، ن.
(2)
انظر ما تقدم فى صفحة 99 وما بعدها.
*مسألة: إذا صبّ فى جوف الصّائم شراب أو طعام.
قال أبو حنيفة: انتقض صومه، وعليه القضاء. وسلك فيه طريقة الاحتياط.
وقال المخالف: لا ينتقض صومه. فترك الاحتياط فى فتواه.
*مسألة، إذا قاء الرجل، أو رعف أو افتصد.
قال أبو حنيفة: انتقض وضوءه.
وقال المخالف: لا ينتقض.
والأحوط ما قاله الإمام.
*مسألة، إذا صلّى الرّجل خلف إمام، والإمام محدث أو جنب وهو لا يعلم، ثم علم بعد فراغه من الصّلاة.
قال أبو حنيفة: لا تجوز صلاة الإمام، ولا صلاة المقتدى.
وقال من خالفه: صلاة المقتدى جائزة.
والاحتياط فيما ذهب إليه الإمام.
*مسألة، إذا نسى الرجل الظهر والعصر، فى يومين مختلفين، ولا يدرى أيّهما الأوّل.
قال أبو حنيفة: يصلّى الظهر، ثم العصر، ثم الظهر، حتى يسقط الفرض عن ذمّته بيقين، ويكون ذلك أخذا بالاحتياط.
وقال من خالفه: يصلّى مرّة واحدة، ولا يصلّى مرّتين.
وفي ذلك ترك الاحتياط، لأن الفرض لا يسقط عن ذمّته بيقين.
*مسألة، إذا تكلّم الرّجل فى صلاته ناسيا.
قال أبو حنيفة: تفسد صلاته.
وقال من خالفه: لا تفسد إن كان قليلا، وإن كان كثيرا تفسد.
والاحتياط فيما ذهب إليه الإمام.
*مسألة، إذا تناول المحرم من محظورات إحرامه ناسيا.
قال أبو حنيفة: تلزمه الذّكاة.
وقال من خالفه: لا تجب عليه إذا كان ناسيا، إلاّ فى الأشياء التى نصّ الله فى كتابه على تحريمها، نحو قتل الصّيد والجماع، وحلق الرأس.
والاحتياط فيما ذهب إليه الإمام.
*مسألة، إذا اشترك الرّهط المحرمون فى قتل الصّيد.
قال أبو حنيفة: يجب على كلّ واحد منهم كفّارة على حدة.
وقال من خالفه: يجب عليهم كفارة واحدة.
والاحتياط فيما قاله أبو حنيفة.
*مسألة، إذا استأجر الرجل شيئا، ثم أجره من غيره بأكثر ممّا استأجره، ولم يزد من عنده شيئا.
قال أبو حنيفة: لا يطيب له الفضل، ويتصدّق به.
والاحتياط فيما ذهب إليه أبو حنيفة، حتى لا يكون داخلا تحت نهيه عليه الصلاة والسلام عن ربح ما لم يضمن.
ومسائل هذا النوع لا تنحصر، وفيما ذكرناه كفاية.
*** ومن جملة ما يشنّع به الحسّاد على أبى حنيفة، رضي الله عنه، أنه من جملة الموالى وليس هو من العرب، وأنّ من كان مجتهدا من العرب أولى بالتّقديم من غيره.
والجواب، أن شرف العلم مقدّم على شرف النّسب، وشرف الدّين مقدّم على شرف المنتسبين، وأكرم الناس عند الله أتقاهم، وما يضرّ العالم العامل كونه من الموالى، وما ينفع الغوىّ الجاهل كونه حجازيّا،/أو تميميّا، وهو لا يعرف اليمين من الشمال، ولا يفرّق بين الهدى والضلال.
وممّا روى أن رجلا من بنى قفل
(1)
، من خيار بنى تيم الله، قال لأبى حنيفة: أنت مولاى.
فقال: والله!! أنا والله أشرف لك منك لى.
فجعل أبو حنيفة شرف القرشىّ التّيمىّ يكون من مواليه مثل أبى حنيفة، أفضل من شرف أبى حنيفة بكونه من موالى القرشىّ التّيمىّ، وهذا ممّا لا شبهة فيه، فإنه ثابت بالكتاب والسّنّة.
أمّا الكتاب، فقوله تعالى
(2)
: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ} .
وأمّا السّنة، فقوله صلى الله عليه وسلم:«لا فضل لعربىّ على عجمىّ إلاّ بالتّقوى» ، وقال صلى الله عليه وسلم:«سلمان منّا أهل البيت» . ونفى الله تعالى ولد نوح عليه الصلاة والسلام منه، فقال
(3)
: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} . وعلى هذا بلال الحبشىّ
(4)
، وأبو لهب الهاشمىّ، وأبو جهل
(5)
القرشىّ.
وقد أنشد الخطيب الخوارزمىّ
(6)
في هذا المعنى، وأجاد، فقال:
إلى التّقى فانتسب إن كنت منتسبا
…
فليس يجديك يوما خالص النّسب
بلال الحبشىّ العبد فاق تقى
…
أحرار صيد قريش صفوة العرب
غدا أبو لهب يرمى إلى لهب
…
فيه غدت حطبا حمّالة الحطب
وذكر القاضى عياض فى «الشفاء»
(7)
عن الشّعبىّ، قال: صلّى زيد بن ثابت على
(1)
انظر المعارف 495، وكان أبو حنيفة مولاهم.
(2)
سورة الحجرات 13.
(3)
سورة هود 43.
(4)
ساقط من: ن، وهو فى ص، ط.
(5)
زيادة من: ص، على ما فى: ط، ن.
(6)
هو صاحب المناقب الموفق بن أحمد المكى، خطيب خوارزم، والأبيات فى مناقب الإمام الأعظم 9،1/ 8، وانظر أيضا مناقب الكردرى 1/ 62.
(7)
انظر شرح الشفاء للخفاجى 3/ 461.
جنازة أمّه، ثم قرّبت له بغلته ليركبها، فجاء ابن عبّاس، فأخذ بركابه، فقال زيد: خلّ عنه يا ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا.
فقبّل زيد يد ابن عباس، وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبيّنا، صلى الله عليه وسلم.
ففعل ابن عبّاس فعله معه بالعلم، وإنّه إنما بالغ فى التواضع إلى هذه الغاية، لكونه عالما، وابن عبّاس ابن عباس. انتهى.
وفي أوائل «شرح الهداية» لمحمّد بن محمّد المعروف بابن الشّحنة، حكاية مشهورة، نقلها
(1)
هو وغيره
(1)
عن عطاء، وأظنّه عطاء بن السّائب الكوفىّ. قال: دخلت على هشام بن عبد الملك بالرّصافة، فقال: يا عطاء، هل لك علم بعلماء الأمصار؟.
قلت: بلى، يا أمير المؤمنين.
فقال: من فقيه أهل المدينة؟.
قلت: نافع مولى ابن عمر.
قال: فمن فقيه أهل مكة؟.
قلت: عطاء بن أبى رباح.
قال: مولى أم عربىّ؟.
قلت: مولى.
قال: فمن فقيه أهل اليمن؟.
قلت: طاوس بن كيسان.
قال: مولى أم عربىّ؟.
قلت: مولى.
(1 - 1) ساقط من: ص، وهو فى ط، ن، وممن نقل الحكاية الموفق المكى، فى مناقب الإمام الأعظم 8،1/ 7.
قال: فمن فقيه أهل الشام؟
قلت: مكحول.
قال: مولى أم عربىّ؟
قلت: مولى.
قال: فمن فقيه أهل الجزيرة؟
قلت: ميمون بن مهران.
قال: مولى أم عربىّ؟
قلت: مولى.
قال: فمن فقيه أهل خراسان؟
قلت: الضّحّاك بن مزاحم.
قال: مولى أم عربىّ؟
قلت: مولى.
قال: فمن فقيه أهل البصرة؟
قلت: الحسن، وابن سيرين.
قال: موليان أم عربيّان؟
قلت: موليان.
قال: فمن فقيه أهل الكوفة؟
قلت: إبراهيم النّخعىّ.
قال: مولى أم عربىّ؟
قلت: لا، بل عربىّ.
قال: كادت تخرج نفسى.
أقول
(1)
: إنّ اصطلاح أهالى الديار الرّوميّة فى هذه الأيّام إطلاق لفظ الموالى على العلماء الكبار منهم، سواء كانوا من قسم الموالى المذكورين هنا، أم من الأحرار أبا وجدّا، من غير أن يمسّهم أو يمسّ أحدا منهم الرّقّ، والسّبب/فى ذلك-والله تعالى أعلم-أنهم لمّا رأوا غالب العلماء من طائفة الموالى، أطلقوا هذا على علمائهم تشبّها بهم، وتقليدا لهم، ومنعوا من إطلاقه على غير أهل العلم، ثم طال الأمد، وقصرت الهمم، وتساهلت الناس فى إطلاق الألقاب، على غير ذوى الألباب، وشارك الفاضل المفضول، وتساوى العالم بالجهول،
وصار من ليس له منصب
…
يقال عنه جاهل يمذق
(2)
ومن غدا بالمال ذا ثروة
…
يقال عنه عالم مفلق
مولى الموالى كلّهم وهو بال
…
حقّ غبىّ جاهل أحمق
والعلم عند الله لا يرتجى
…
به نوال لا ولا يرزق
ولا ترى عنه امرءا سائلا
…
ولا به يعطى ولا ينفق
هذا ولم يبق من يستحقّ أن يوصف بالمولويّة بالدّيار الرّوميّة، على الوجه الأكمل، والوصف الأجمل، إلاّ جماعة يسيرة، ذكر آباؤهم فى هذه الطبقات، ووفّينا كلاّ منهم حقّه، أدام الله تعالى بهم جمال هذه الدّولة العثمانية، بمنّه وكرمه
(3)
.
*** وأمّا ما ينسب إلى أبى حنيفة من الشعر فكثير، منه قوله:
إن يحسدونى فإنّى غير لائمهم ..
البيتين السابقين
(4)
.
(1)
من أول هذا القول إلى آخر قوله: «بمنه وكرمه» الآتى ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
(2)
يمذق: يخلط.
(3)
آخر الساقط من: ص.
(4)
انظر ما تقدم، صفحة 115
ومنه قوله وقد اتّفق له مع شيطان الطّاق
(1)
فى الحمّام لمّا رآه الإمام مكشوف العورة، ونهاه عن ذلك، ما هو مشهور، وهو
(2)
:
أقول وفى قولى بلاغ وحكمة
…
وما قلت قولا جئت فيه بمنكر
ألا يا عباد الله خافوا إلهكم
…
فلا تدخلوا الحمّام إلاّ بمئزر
وأمّا ما كان يتمثّل به أبو حنيفة من الشعر، وما مدح به رضى الله تعالى عنه من النظم، فكثير لا يدخل تحت الحصر، ومنه قول بعضهم
(3)
:
لأبى حنيفة ذى الفخار قراءة
…
مشهورة منخولة غرّاء
عرضت على القرّاء فى أيّامه
…
فتعجّبت من حسنها القرّاء
لله درّ أبى حنيفة إنّه
…
خضعت له القرّاء والفقهاء
خلف الصّحابة كلّهم فى علمهم
…
فتضاءلت لجلاله العلماء
سلطان من فى الأرض من فقهائها
…
وهم إذا أفتوا له أصداء
إن المياه كثيرة لكنّه
…
فضل المياه جميعها صدّاء
(4)
قال ابن الشّحنة: وكأنّ «أصداء» هذا جمع صدى بالقصر، وهو الذى يجيبك مثل صوتك فى الجبال وغيرها، إشارة إلى أن الأصل منه نشأ وعنه أخذ؛ لأنّه كان كافل الفقهاء ومربّيهم، لأنهم عياله، كما نصّ عليه الشّافعىّ. انتهى.
(1)
هو أبو جعفر محمد على بن النعمان البجلى الكوفى الأحول.
وإنما سمى بالطاق؛ لأنه كان يعانى الصرف بطاق المحامل بالكوفة.
كان فصيحا بليغا، فقيها مناظرا.
والشيعة تسميه مؤمن الطاق، ويقال: إن أبا حنيفة هو الذى سماه شيطان الطاق.
وكانت وفاته نحو سنه ستين ومائة.
أخبار شعراء الشيعة للمرزبانى (التلخيص)،83، تاريخ بغداد 13/ 411، رجال الكشى 123، لسان الميزان 5/ 300، الوافى بالوفيات 4/ 104. وانظر القاموس (ط و ق).
(2)
ذيل الجواهر المضية 2/ 477، ومناقب الكردرى 1/ 162، ومناقب الإمام الأعظم 1/ 169.
(3)
ذيل الجواهر المضية 512،2/ 511، والأبيات لصاحب المناقب، وهى فيها 2/ 79، وفى مناقب الكردرى أيضا 2/ 69.
(4)
صداء: ركية ليس عند العرب ماء أعذب منها، ومنه قولهم «ماء ولا كصداء» وهو مثل يقال فى الرجلين يكونان ذوى فضل، غير أن لأحدهما فضلا على الآخر. معجم البلدان 3/ 372.
وفى هذه الأبيات تصريح بأن الإمام، رضى الله تعالى عنه، كان من المتقدّمين فى فنّ القراءات، كما هو من المتقدّمين السّابقين فى علم الفقه، وهو كذلك، فقد أفردوا بالتآليف قراءته التى انفرد بها، ورووها عنه بالأسانيد.
وممّن أفردها بالتأليف أبو القاسم الزّمخشرىّ، وأبو القاسم يوسف بن على بن جبارة
(1)
الهذلىّ البسكرىّ
(2)
، بموحّدة وسين مهملة، فى كتابه المعروف ب «الكامل» ، وغيرهما.
وممّن روى عنه القراءة أبو يوسف، ومحمّد، رحمهما الله، وغيرهما.
وحروفه معروفة مذكورة فى «المناقب» ، وغيرهما.
وقد وضع بعض الحسّاد قراءات، ونسبها إليه، فأظهر الله/الحقّ، ومحق الباطل، وجوزى كلّ بفعله.
وقال صاحب المناقب يمدحه
(3)
:
رسول الله قال سراج دينى
…
وأمّتى الهداة أبو حنيفة
غدا بعد الصّحابة فى الفتاوى
…
لأحمد فى شريعته خليفه
وقال غيره، يصفه بالعلم والعبادة، من أبيات
(4)
:
نهار أبى حنيفة للإفاده
…
وليل أبى حنيفة للعباده
(5)
وودّع نومه خمسين عاما
…
لطاعته وخدّاه الوساده
وكان يحيى بن معين إذا ذكر من يتكلّم فى أبى حنيفة، يقول
(6)
:
(1)
بكسر الجيم فى لسان الميزان 6/ 325، وبضمها أيضا، فى القاموس (ج ب ر). وانظر التاج.
(2)
نسبة إلى بسكرة، بكسر الباء، وقيل: بفتحها، وهى بلدة من بلاد المغرب. اللباب 1/ 125.
(3)
البيتان فى: مناقب الإمام الأعظم 1/ 23، مناقب الكردرى 1/ 30.
(4)
نسب خطيب خوارزم هذين البيتين لنفسه فى المناقب 1/ 255، من أبيات، وهما أيضا فى مناقب الكردرى 1/ 251.
(5)
بعد هذين البيتين فى ص زيادة: «منها» ، والمثبت فى: ط، ن.
(6)
مناقب الإمام الأعظم 2/ 15، ومناقب الكردرى 1/ 268، والخيرات الحسان 68، وفيه أن الذى تمثل بذلك هو أبو عاصم النبيل، والبيتان أيضا فى ذيل الجواهر المضية 2/ 498.
والبيتان لأبى الأسود الدؤلى. انظر البيان والتبيين 4/ 63.
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه
…
فالقوم أعداء له وخصوم
كضرائر الحسناء قلن لوجهها
…
حسدا وبغيا إنّه لذميم
(1)
وقيل لعبد الله بن طاهر: الناس يقعون فى أبى حنيفة، فقال
(2)
:
ما يضرّ البحر أمسى زاخرا
…
أن رمى فيه غلام بحجر
ثم أنشد
(3)
:
إن يحسدونى فزاد الله فى حسدى
…
لا عاش من عاش يوما غير محسود
(4)
ما يحسد المرء إلاّ من فضائله
…
بالعلم والبأس أو بالمجد والجود
وقال
(5)
:
فازداد لى حسدا من لست أحسده
…
إنّ الفضيلة لا تخلو عن الحسد
(6)
وقال
(7)
:
ما ضرّنى حسد اللّئام ولم يزل
…
ذو الفضل يحسده ذو والنّقصان
يا بؤس قوم ليس ذنبى بينهم
…
إلاّ تظاهر نعمة الرّحمن
(8)
والله درّ الشريف الرّضىّ، حيث يقول
(9)
:
نظروا بعين عداوة ولو أنّها
…
عين الرّضا لاستحسنوا ما استقبحوا
(10)
(1)
فى البيان والتبيين، ومناقب الإمام الأعظم، ومناقب الكردرى «إنه لدميم» .
(2)
مناقب الإمام الأعظم 2/ 16، ومناقب الكردرى 1/ 269، وذيل الجواهر المضية 2/ 498.
(3)
المصادر السابقة.
(4)
فى ذيل الجواهر المضية: «هم يحسدونى» .
(5)
مناقب الإمام الأعظم 2/ 17، ومناقب الكردرى 1/ 269.
(6)
فى مناقب الإمام الأعظم، ومناقب الكردرى:«وازداد لى» .
(7)
مناقب الإمام الأعظم 2/ 17، وذكر أنهما لعمارة بن عقيل، ومناقب الكردرى 1/ 269.
(8)
فى مناقب الإمام الأعظم: «ليس حربى بينهم» ، وفى مناقب الكردرى:«وليس جرمى بينهم» .
(9)
ديوان الشريف الرضى 202،1/ 201، وبين البيتين تقديم وتأخير فيه، والبيتان أيضا فى: مناقب الإمام الأعظم 2/ 19، ومناقب الكردرى 1/ 269، وروايتهما فيهما توافق رواية الطبقات.
(10)
فى الديوان: «بعين عداوة لو أنها» .
يولوننى شزر العيون لأنّنى
…
غلّست فى طلب العلى وتصبّحوا
(1)
ومما أنشده صاحب المناقب فى مدح الإمام، وذكر واقعته مع ابن هبيرة، قوله
(2)
:
أرضيت نفسك ضارب النّعمان
…
فكسبت جهلا سخطة الرّحمن
(3)
ما زلت تنقص لا تزيد بضربه
…
يا بئس ما قدّمت للميزان
أضربت عابد ربّه فى ليله
…
ونهاره يا عابد الشّيطان
أعطيته الدنيا ولكن ردّها
…
ردّ التّقىّ الخائف الرّبّانى
(4)
حرّ السّياط قد ارتضى كى لا يرى
…
يوم الجزاء مقامع النّيران
ما ذلّ يا ابن هبيرة بالضّرب من
…
ملأ الفؤاد بعزّة الإيمان
ولصاحب المناقب أيضا فى مدحه قوله
(5)
:
غدا مذهب النّعمان خير المذاهب
…
كما القمر الوضّاح خير الكواكب
(6)
تفقّه فى خير القرون مع التّقى
…
فمذهبه لا شكّ خير المذاهب
ولا عيب فيه غير أنّ جميعه
…
حلا إذ تخلّى عن جميع المعايب
(7)
لأنّ عداه قد أقرّوا بحسنه
…
وإقرارهم بالحسن ضربة لازب
(8)
وكان له صحب بنود علومهم
…
تجلّى عن الأحكام سجف الغياهب
(9)
ثلاثة آلاف وألف شيوخه
…
وأصحابه مثل النجوم الثّواقب
(1)
فى الديوان «خرز العيون» .
(2)
انظر مناقب الكردرى 2/ 30.
(3)
فى مناقب الكردرى «مسخط الرحمن» .
(4)
فى مناقب الكردى: «الخائف الديان» .
(5)
هذه المقدمة والأبيات بعدها زيادة من: ص، على ما فى: ط، ن.
والأبيات فى: مناقب الإمام الأعظم 147،2/ 146، مناقب الكردرى 1/ 70.
(6)
فى مناقب الإمام الأعظم: «كذى القمر» وفى مناقب الكردرى: «كذا القمر» .
(7)
فى مناقب الكردرى: «جلا إذ تخلى» .
(8)
فى مناقب الإمام الأعظم، ومناقب الكردرى:
ألدّ عداه قد أقرّوا بحسنه
…
وإقراره بالحسن ضربة لازب
(9)
فى مناقب الكردرى: «بنور علومهم .. سحب الغياهب» .
وله أيضا يمدحه
(1)
:
نعمان فحل العلم يعسوب الهدى
…
فى خير قرن قد أتى وقران
(2)
نعمان كان سراج أفضل أمّة
…
لكن سراجا دائم اللّمعان
(3)
الفقه فى ناديه مجتمع النّوى
…
راسى القواعد شامخ البنيان
بحر موارده تراها عذبة
…
قذّافة للدّرّ والمرجان
(4)
/وشقائق النّعمان فى بهجاتها
…
هزأت بهنّ دقائق النّعمان
كم قد رموه بمعضلات ردّها
…
بجواب حقّ ساطع البرهان
وعن سفيان بن عيينة، قال: قال مساور الورّاق، وكان رجلا صالحا، فى أبى حنيفة، وله فيه رأى
(5)
:
إذا ما الناس يوما قايسونا
…
بمعضلة من الفتيا لطيفه
(6)
أتيناهم بمقياس صحيح
…
بديع من طراز أبى حنيفة
(7)
إذا سمع الفقيه به وعاه
…
وأثبته بحبر فى صحيفه
(8)
(1)
الأبيات فى مناقب الإمام الأعظم 2/ 198.
(2)
فى ط، ن:«فى حين قرن» ، والمثبت فى: ص.
وفى مناقب الإمام الأعظم: «فحل الفقه
…
».
(3)
فى مناقب الإمام الأعظم: «مجتمع القوى» .
(4)
صدر البيت فى مناقب الإمام الأعظم:
*بحر موارده فردها عذبة*
(5)
الأبيات فى المعارف 495، وكذلك الرد عليها، وهى أيضا فى: مناقب الإمام الأعظم 189،188،2/ 60، مناقب الكردرى 149،1/ 148.
(6)
فى مناقب الكردرى: «إذا ما الناس فقها قايسونا» ، وفيه:«بفائدة من الفتيا طريفه» ، وفى المعارف، ومناقب الإمام الأعظم:«بآيدة من الفتيا طريفه» .
(7)
فى مناقب الإمام الأعظم: «بمقياس صليب» ، وفى مناقب الكردى:«بمقياس عجيب» .
وفى مناقب الإمام الأعظم، ومناقب الكردرى:«مصيب من طراز أبى حنيفة» ، وفى المعارف:«تلاد من طراز أبى حنيفة» .
(8)
فى المعارف: «بها وعاها*وأثبتها بحبر
…
»، وفى مناقب الإمام الأعظم، ومناقب الكردى: «بها وعاه*وأثبتها بحبر
…
».
وعن الحسن بن الرّبيع، قال: سمعت عبد الله بن المبارك، يقول
(1)
:
رأيت أبا حنيفة كلّ يوم
…
يزيد نباهة ويزيد خيرا
(2)
وينطق بالصّواب ويصطفيه
…
إذا ما قال أهل الحقّ حورا
(3)
يقايس من يقايسه بلبّ
…
ومن ذا تجعلون له نظيرا
(4)
كفانا فقد حمّاد وكانت
…
مصيبتنا به أمرا كبيرا
(5)
رأيت أبا حنيفة حين يؤتى
…
ويطلب علمه بحرا غزيرا
إذا ما المشكلات تدافعتها
…
رجال العلم كان بها بصيرا
(6)
وقال بعضهم يرثيه بقصيدة، أظنّها لصاحب «المناقب» ، منها
(7)
:
لقد طلع النّعمان من أرض كوفة
…
كغرّة صبح يستفيض انبلاجها
هو المرتضى فى الدّين والمقتدى به
…
وصدر الورى فى الخافقين وتاجها
إذا مرض الإسلام والدّين مرضة
…
فمن نكت النّعمان يلفى علاجها
وإن كسدت سوق الهدى وتوجّعت
…
فمن مذهب النّعمان أيضا رواجها
وإن فتحت أبواب جهل وبدعة
…
على الناس يوما كان منه رتاجها
وإن غمّة غمّت فمنه انجلاؤها
…
وإن شدّة ضاقت فمنه انفراجها
سقاه إله الخلق فى الخلد شربة
…
بكأس من الكافور كان مزاجها
(1)
الأبيات فى: مناقب الإمام الأعظم 2/ 192، مناقب الكردرى 1/ 129.
(2)
فى مناقب الإمام الأعظم 2/ 192، ومناقب الكردرى:«وجدت أبا حنيفة» .
وفى ط: «يريد نباهة ويزيد جبرا» ، والمثبت فى: ص، والتصوير ردئ فى: ن. وفى مناقب الإمام الأعظم، ومناقب الكردرى:«يزيد نبالة ويزيد خيرا» . والخير، بالكسر: الكرم والشرف.
(3)
فى ص: «أهل الحق جورا» والمثبت فى: ط، ن.
وفى مناقب الإمام الأعظم ومناقب الكردرى «أهل الجور جورا» .
والحور: النقص والهلاك. القاموس (ح و ر).
(4)
فى مناقب الإمام الأعظم، ومناقب الكردرى: «بمقياس يقايسه بلب*فمن ذا تعلمون
…
».
(5)
فى مناقب الإمام الأعظم، ومناقب الكردرى «موت حماد
…
مصيبته لنا أمر كبيرا».
(6)
فى مناقب الإمام الأعظم، ومناقب الكردرى: «إذا ما المعضلات
…
رجال القوم
…
».
(7)
ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
وقال عبد الله بن صهيب الكلبىّ: كان أبو حنيفة يتمثّل كثيرا بهذين البيتين، وهما
(1)
:
عطاء العرش خير من عطائكم
…
وسيبه واسع يرجى وينتظر
أنتم يكدّر ما تعطون منّكم
…
والله يعطى فلا منّ ولا كدر
هذا، وما قيل فى حقّ الإمام من المديح، وما رثى به، وما مدح به، وما تمثّل به هو، أو تمثّل به الغير عند ذكره، فأمر لا يدخل كما قلنا تحت الحصر، وفيما ذكرناه منه كفاية، والله تعالى أعلم.
***
(1)
تاريخ بغداد 13/ 359، مناقب الإمام الأعظم 2/ 85، مناقب الكردرى 2/ 28، ذيل الجواهر المضية 2/ 506.
فصل
فى ذكر بعض ما يؤثر من إجابة الدّعاء عند قبره،
وبعض المنامات التى رآها له الصّالحون قبل موته،
وبعد موته
فمن ذلك ما روى عن الإمام الشافعىّ، أنه كان يقول: إنّى لأتبرّك بأبى حنيفة رضي الله عنه، وأجئ إلى قبره فى كلّ يوم، وكنت إذا عرضت لى حاجة صلّيت ركعتين، وجئت إلى قبره، وسألت الله تعالى الحاجة، فما تبعد عنّى حتى تقضى.
وقال أبو يوسف:/رأيت أبا حنيفة فى المنام، وهو جالس على إيوان، وحوله أصحابه، فقال: ايتونى بقرطاس ودواة. فقمت من بينهم وأتيته بهما، فجعل يكتب، فقلت: ما تكتب؟
قال: أكتب أصحابى من أهل الجنّة.
فقلت: أفلا تكتبنى فيهم؟.
قال: نعم.
فكتبنى فى آخرهم.
وعن أبى معاذ، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنام فقلت: يا رسول الله، ما تقول فى علم أبى حنيفة؟
فقال: ذلك علم يحتاج إليه الناس عند الحكم.
وعن بعضهم، قال: كنت فى حلقة مقاتل بن سليمان، إمام أهل التفسير فى زمانه، فقام إليه رجل، فقال: يا أبا الحسن، رأيت البارحة فى المنام كأنّ رجلا من السّماء قد نزل، ثيابه بيض، وقام على المنارة الفلانيّة ببغداد، وهى أطول منارة بها، فنادى: ماذا فقد الناس!!
فقال له مقاتل: لئن صدقت رؤياك ليفقدنّ أعلم الناس.
فأصبحنا فإذا أبو حنيفة قد مات.
وعن ابن بسطام، أنه قال: صحبت أبا حنيفة اثنتى عشرة سنة، فما رأيت أفقه منه،
ورأيت ليلة كأنّ القيامة قد قامت، وإذا أبو حنيفة ومعه لواء وهو واقف، فقلت له:
ما بالك
(1)
واقفا؟.
قال: أنتظر أصحابى، لأذهب معهم.
فوقفت معه فرأيت جماعة عظيمة اجتمعت عليه، ثمّ مضى ومعه اللواء، ونحن نتبعه.
فأتيته فذكرت ذلك له، فجعل يبكى، ويقول: اللهمّ اجعل عاقبتنا إلى خير.
وعن أزهر، أنّه قال: كنت زاهدا فى علم أبى حنيفة، فرأيت النبىّ صلى الله عليه وسلم، وخلفه رجلان، فقيل لى: المتقدّم هو النبىّ صلى الله عليه وسلم، واللّذان خلفه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
فقلت لهما: أسأل النبىّ صلى الله عليه وسلم عن شئ؟.
فقالا لى: سل، ولا ترفع صوتك.
فسألته عن علم أبى حنيفة.
فقال: هذا علم انتسخ من علم الحضرة.
وعن السّرىّ بن طلحة، قال: رأيت أبا حنيفة فى النّوم جالسا فى موضع، فقلت ما يجلسك هنا؟.
قال: جئت من عند ربّ العزّة سبحانه وتعالى، وقد أنصفنى من سفيان الثّورىّ.
وعن مسدّد بن عبد الرحمن البصرىّ، قال: نمت بين الرّكن والمقام، فإذا أنا بآت قد دنا منّى، فقال لى: أتنام فى هذا المكان، وهو مكان لا يحجب فيه دعاء!.
فانتبهت من نومى، فقمت مبادرا أدعوا لله للمسلمين والمؤمنين إلى أن غلبتنى عيناى، فإذا أنا بالنبىّ صلى الله عليه وسلم، فدنا منّى، فقلت يا رسول الله، ما تقول فى هذا الرّجل الذى بالكوفة، يقال له النعمان، أآخذ من علمه؟.
(1)
فى ص: «مالك» ، والمثبت فى: ط، ن.
فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم: خذ من علمه، واعمل به، فنعم الرجل هو.
فقمت من نومى، فإذا منادى صلاة الغداة، ولقد كنت، والله، من أكره الناس للنّعمان، وأنا أستغفر الله ممّا كان منّى.
ويحكى أن أبا حنيفة رضي الله عنه، رئى فى المنام على سرير فى بستان، ومعه رقّ عظيم، يكتب جوائز قوم، فسئل عن ذلك، فقال: إنّ الله قبل عملى ومذهبى، وشفّعنى فى أصحابى، وأنا أكتب جوائزهم.
ومنامات الصّلحاء والأولياء، التى رؤيت له فى مثل ذلك كثيرة، وهذا اليسير منها كاف لمن بصّره الله تعالى، ولم ينظر بعين الحميّة، وقوّة العصبيّة.
***
نبذ يسيرة من مناقب الإمام/وفضائله، وما يؤثر
عنه من المحاسن، وحسن الاعتقاد
وهى وإن كان محلّها الفصول المتقدّمة، فقد ذكرنا هاهنا على حدة، لما أنها وقعت إلينا بعد الانتهاء من التّرتيب المتقدّم، لأن النّفس إلى مثل هذا أميل، وإلى مطالعته أرغب، فنقول، وبالله التّوفيق:
روى عن علىّ بن مسهر، أنه قال: خرج الأعمش إلى الحجّ، فشيّعه أهل الكوفة، وأنا فيهم، فلما أتى القادسيّة، رأوه مغموما، فقالوا له: مالك؟.
قال: أعلىّ بن مسهر شيّعنا؟.
قالوا: نعم.
قال: ادعوه لى.
فدعونى، وقد كان عرفنى بمجالسة أبى حنيفة، فقال: ارجع إلى المصر، واسأل أبا حنيفة أن يكتب لنا المناسك.
فرجعت، فسألته، فأملى علىّ، ثم أتيت بها الأعمش.
وعن أبى معاوية، قيل للأعمش فى علّته: لولا أنّ أبا حنيفة يأتيك، لأتيناك مرّتين فى اليوم.
فلما جاءه أبو حنيفة، قال: إن الناس يستثقلوننى لما أصنع بهم فى الحديث، وقد زدتنى أنت عندهم ثقلا، قالوا لى كيت وكيت.
فقال له: لولا العلم الذى يجريه الله على لسانك ما رأيتنى ولا أحدا من أصحابى ببابك، وذلك أنّ فيك خصالا أنا لها كاره، تتسحّر عند طلوع الفجر، وتقول: هو الأوّل. وقد صحّ عندى أنّه الثانى، وترى الماء من الماء وتفتى به، وتجامع أهلك، فإذا لم تنزل لم تغتسل، أنت ولا هى، ولولا أنك تتأوّل من الحديث ما غاب عنك معانيه ما استحللت أن أكلّمك، ولكنك تتأوّل شيئا غيره، والله أولى بك.
فما تسحّر الأعمش بعد ذلك إلاّ باللّيل، ولا قرب أهله إلاّ اغتسل وأمرها بالغسل، وقال:
صيام وصلاة يكونان باختلاف، والله لا أفتيت بذلك أبدا.
وعن عبد الصّمد بن حسّان، قال: كان سفيان الثّورىّ يختلف إلى أبى حنيفة، فوقعت بينهما وحشة، فقعد عنه، ثمّ عاد إليه، فجلس متقنّعا، فسئل أبو حنيفة عن مسألة، فأسرع الجواب فيها، فقال له السّائل: يا أبا حنيفة، ألا تنظر فيها؟.
قال: إنّى أستيقن أنها كما أجبت، كما أستيقن أن هذا سفيان.
ثم أخذ أبو حنيفة بقناعه، فحرّكه ابن المبارك.
وقال عبد الصّمد أيضا: قلت لأبى عبد الله سفيان الثّورىّ: ما تقول فى الدّعوة قبل الحرب؟.
فقال: إن القوم قد علموا ما يقاتلون عليه.
فقلت: إن أبا حنيفة يقول فيها ما قد بلغك.
فنكّس رأسه، ثم رفعه، وأبصر يمينا وشمالا فلم ير أحدا، فقال: إن كان أبو حنيفة ليركب فى العلم أحدّ من سنان الرّمح، وكان، والله، شديد الأخذ للعلم، ذابّا عن المحارم، متّبعا لأهل بلده، لا يستحلّ أن يأخذ إلاّ بما يصحّ عنده من الآثار عن النبىّ صلّى الله عليه
وسلّم، شديد المعرفة بناسخ الحديث ومنسوخه، وكان يطلب أحاديث الثّقات، والأخير من فعل النبىّ صلّى الله وسلّم؛ وما أدرك عليه عامّة أهل الكوفة، حيث وجد الحقّ أخذ به، وجعله دينه، وقد شنّع عليه قوم بما نستغفر الله منه، بل كان منّا اللفظة بعد اللفظة.
قال: فقلت أرجو أن يغفر الله لك ذلك.
وعن قاسم بن آدم، قال: قلت للفضل بن موسى السّينانىّ: ما تقول فى هؤلاء الذين يقعون فى أبى حنيفة.
قال: إنّ أبا حنيفة عليم بما يعقلونه، وبما لا يعقلونه من العلم، ولم يترك/لهم شيئا، فحسدوه.
*وحدّث أبو سفيان الحميرىّ، قال: قال ابن شبرمة: كنت شديد الإزراء على أبى حنيفة، فحضر الموسم، وكنت حاجّا يومئذ، فاجتمع عليه قوم يسألونه، فوقفت من حيث لا يعلم من أنا، فجاءه رجل، فقال: يا أبا حنيفة، قصدتك عن أمر قد أهمّنى، أو أعجزنى.
قال: ما هو؟.
قال: لى ولد ليس لى غيره، فإن زوّجته طلّق، وإن سرّيته أعتق، وقد عجزت عن هذا، فهل من حيلة؟.
فقال له للوقت: اشتر الجارية التى يرضاها لنفسه هو، ثمّ زوّجها منه، فإن طلّقها رجعت مملوكتك، وإن أعتق ما لا يملك.
قال: فعلمت أنّ الرجل فقيه من يومئذ، فكففت عن ذكره إلاّ بخير.
وروى عن الليث بن سعد، أنه كان يقول: كنت أسمع بذكر أبى حنيفة، وأتمنّى أن أراه، فكنت يوما فى المسجد الحرام، فرأيت حلقة عليها الناس منقضّين، فأقبلت نحوها، فرأيت رجلا من أهل خراسان أتى أبا حنيفة، فقال: أنا رجل من أهل خراسان، كثير المال، وأنّ لى ابنا ليس بالمحمود. وليس له ولد غيره، وذكر نحو ما تقدّم.
قال الليث: فو الله ما أعجبنى قوله بأكثر مما أعجبنى سرعة جوابه.
*وعن عثمان بن زائدة، قال: كنت عند أبى حنيفة، فقال له رجل: ما قولك فى الشّرب فى قدح أو كأس فى بعض جوانبه فضّة؟.
فقال: لا بأس به.
فقال عثمان: فقلت له: ما الحجّة فى ذلك؟.
فقال: إنّما ورد النّهى عن الشّرب فى إناء الفضّة والذهب، فما كان من غير الفضّة والذّهب فلا بأس بما كان فيه منهما.
ثمّ قال: يا عثمان، ما تقول فى رجل مرّ على نهر، وقد أصابه عطش، وليس معه إناء، فاغترف الماء من النهر، فشربه بكفّه، وفى أصبعه خاتم؟.
فقلت: لا بأس.
قال: فهذا كذلك.
قال عثمان: فما رأيت أحضر جوابا منه.
*وعن زفر بن الهذيل، قال: اجتمع أبو حنيفة، وابن أبى ليلى، وجماعة من العلماء، فى وليمة لقوم، فأتوهم بطيب فى مدهن فضّة، فأبوا أن يستعملوه؛ لحال المدهن، فأخذه أبو حنيفة، وسلته
(1)
بأصبعه، وجعله فى كفّه، ثم تطيّب به، وقال لهم: ألم تعلموا أن أنس بن مالك أتى بخبيص
(2)
فى جام فضّة، فقلبه على رغيف، ثم أكله.
فتعجّبوا من فطنته وعقله.
وعن أبى الوليد الطّيالسىّ قال: قدم الضّحّاك الشّارىّ الكوفة، فقال لأبى حنيفة: تب.
فقال: ممّ أتوب؟
فقال: من قولك بتجويز الحكمين.
فقال: أبو حنيفة: تقتلنى أو تناظرنى.
(1)
سلته: نحاه وأزاله. المصباح المنير (س ل ت).
(2)
الخبيص: طعام من تمر وسمن. القاموس (خ ب ص).
قال: بل أناظرك.
قال: فإن اختلفنا فى شئ ممّا تناظرنا فيه، فمن بينى وبينك؟.
قال: اجعل أنت من شئت.
فقال أبو حنيفة لرجل من أصحاب الضّحّاك: اقعد بيننا فيما نختلف فيه إن اختلفنا.
ثم قال للضّحّاك: أترضى بهذا بينى وبينك؟.
قال: نعم.
فقال أبو حنيفة: فأنت قد جوّزت التّحكيم.
فانقطع الضّحّاك.
*وعن أبى يوسف، قال: بعث ابن هبيرة إلى أبى حنيفة، وعنده ابن شبرمة، وابن أبى ليلى، فسألهم عن كتاب صلح الخوارج، وكانت بقيت بقيّة من الخوارج، من أصحاب الضّحّاك الخارجىّ، فقالت الخوارج: نريد أن تكتب لنا صلحا، على أن لا نؤخذ بشئ أصبناه
(1)
فى الفتنة، ولا قبلها، لا الأموال، ولا الدّماء.
فقال ابن شبرمة: لا يجوز لهم الصّلح على ذلك، على هذا الوجه، لأنّهم يؤخذون بهذه الأموال والدّماء.
وقال ابن أبى ليلى: الصّلح لهم جائز فى كلّ شئ.
/قال أبو حنيفة: فقال لى ابن هبيرة: ما تقول أنت؟.
فقلت: أخطأ جميعا.
فقال ابن هبيرة: أفحشت، فقل أنت.
فقلت: القول فى هذا، إن كان مال ودم أصابوه من قبل إظهار الفتنة، فإنّ ذلك يؤخذ
(1)
فى ص: «أصبناه» ، والمثبت فى: ط، ن.
منهم ولا يجوز لهم الصّلح عليه، وأمّا كلّ شئ أصابوه من مال ودم فى الفتنة، فالصّلح عليه جائز، فلا يؤخذون به.
فقال ابن هبيرة: أصبت، وقلت الصّواب، هذا هو القول.
وقال: يا غلام، اكتب ما قال أبو حنيفة.
*وعن علىّ بن عاصم، قال: سألت أبا حنيفة عن درهم لرجل ودرهمين لآخر، اختلطت، ثمّ ضاع درهمان من الثلاثة، لا يعلم أيّها هما.
فقال: الدّرهم الباقى بينهما أثلاثا.
قال علىّ: فلقيت ابن شبرمة، فسألته عنها. فقال: سألت عنها أحدا غيرى؟.
قلت: نعم، سألت أبا حنيفة عن ذلك، فقال: يقسم الدّرهم الباقى بينهما أثلاثا.
قال: أخطأ أبو حنيفة، درهم من الدّرهمين الضائعين يحيط العلم أنه من الدّرهمين، والدّرهم الباقى بعد الماضيين يحتمل أن يكون الدّرهم الباقى من الدّرهمين، ويحتمل أن يكون الدّرهم المنفرد المختلط بالدّرهمين، فالدّرهم الذى بقى يكون بينهما نصفين.
قال ابن عاصم: فاستحسنت ذلك، ثمّ لقيت أبا حنيفة، فو الله لووزن عقله بنصف عقول أهل المصر، يعنى الكوفة، لرجح بهم، فقلت له: يا أبا حنيفة: خولفت فى تلك المسألة. وقلت له: لقيت ابن شبرمة، فقال: كذا.
فقال أبو حنيفة: إن الثلاثة حين اختلطت ولم تتميّز، رجعت الشّركة فى الكلّ، فصار لصاحب الدّرهم ثلث كلّ درهم، ولصاحب الدّرهمين ثلثا كلّ درهم، فأىّ درهم ذهب
(1)
، فعلى هذا.
وعن أبى يوسف، قال: جاء رجل إلى مسجد الكوفة يوم الجمعة، فدار على الخلق يسألهم عن القرآن، وأبو حنيفة غائب بمكّة، فاختلف بمكّة، فاختلف الناس فى ذلك، والله ما أحسبه إلاّ شيطانا تصوّر فى صورة الإنس، حتى انتهى إلى حلقتنا؛ فسألنا عنها، وسأل
(1)
ساقط من: ط، ن، وهو فى: ص.
بعضنا بعضا، وأمسكنا عن الجواب، وقلنا ليس شيخنا حاضرا، ونكره أن نتقدّم بكلام حتى يكون هو المبتدى بالكلام.
فلمّا قدم أبو حنيفة تلقّيناه بالقادسيّة، فسألنا عن الأهل والبلد، فأجبناه، ثم قلنا له بعد ذلك: رضى الله عنك، وقعت مسألة فما قولك فيها؟.
فكأنّه كان فى قلوبنا، وأنكرنا، وظنّ أنه وقعت مسألة معنتة، وأنّا قد تكلّمنا فيها بشئ. فقال: ما هى؟.
قلنا: كذا وكذا.
فأمسك ساكتا ساعة، ثم قال: فما كان جوابكم فيها؟.
قلنا: لم نتكلّم فيها بشئ، وخشينا أن نتكلّم فيها بشئ فتنكره.
فسرّى عنه، وقال: جزاكم الله خيرا، احفظوا عنّى وصيّتى: لا تكلّموا فيها ولا تسألوا عنها أبدا، انتهوا إلى أنه كلام الله عز وجل، بلا زيادة حرف واحد، ما أحسب هذه المسألة تنتهى حتى توقع أهل الإسلام فى أمر لا يقومون له ولا يقعدون، أعاذنا الله وإيّاكم من الشيطان الرّجيم.
*وسئل حفص بن مسلم عن القرآن، فقال: القرآن كلام الله، غير مخلوق، ومن قال غير هذا فهو كافر.
فقال ابنه سالم: هل يخبر عن أبى حنيفة فى هذا بشئ؟.
فقال: نعم، كان أبو حنيفة على هذا، وما علمت منه غيره، ولو علمت منه غيره لم أصحبه/
قال: وكان أبو حنيفة إمام الدنيا فى زمانه، فقها وعلما وورعا، وكان محنة، يعرف به أهل البدع من الجماعة، ولقد ضرب بالسّياط على الدّخول فى الدنيا لهم، فأبى.
*وعن أبى مقاتل: سمعت أبا حنيفة يقول: الناس عندنا على ثلاث منازل؟
الأنبياء من أهل الجنة، ومن قالت الأنبياء إنه من أهل الجنة فهو من أهل الجنّة.
والمنزلة الأخرى المشركون، نشهد عليهم أنّهم من أهل النار.
والمنزلة الثالثة المؤمنون: نقف عنهم، ولا نشهد على واحد منهم أنه من أهل الجنة ولا من أهل النّار؛ ولكنّا نرجو لهم، ونخاف عليهم، ونقول كما قال الله تعالى
(1)
: {خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ)،} حتى يكون الله عز وجل يقضى بينهم، وإنما نرجو لهم، لأنّ الله عز وجل يقول
(2)
: {إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ)،} ونخاف عليهم بذنوبهم وخطاياهم، وليس أحد من الناس أوجب له الجنّة ولو كان صوّاما قوّاما غير الأنبياء، ومن قالت فيه الأنبياء إنه من أهل الجنّة.
*وعن أبى مقاتل أيضا، عن أبى حنيفة، قال: الإيمان هو المعرفة، والتّصديق، والإقرار بالإسلام.
قال: والناس فى التّصديق على ثلاث منازل:
فمنهم من صدّق الله، وما جاء منه بقلبه ولسانه.
ومنهم من صدّق بلسانه، وهو يكذّبه بقلبه.
ومنهم من يصدّق بقلبه ويكذّب بلسانه.
فأمّا من صدّق الله، وما جاء به رسوله عليه الصلاة والسلام، بقلبه ولسانه، فهو عند الله وعند الناس مؤمن.
ومن صدّق بلسانه، وكذّب بقلبه، كان عند الله كافرا، وعند الناس مؤمنا؛ لأن الناس لا يعلمون ما فى قلبه، وعليهم أن يسمّوه مؤمنا، بما أظهر لهم من الإقرار بهذه الشهادة، وليس لهم أن يتكلّفوا علم القلوب.
ومنهم من يكون عند الله مؤمنا، وعند الناس كافرا، وذلك أن يكون المؤمن يظهر الكفر بلسانه فى حال التّقيّة، فيسمّيه من لا يعرفه كافرا، وهو عند الله مؤمن. انتهى.
***
(1)
سورة التوبة 102.
(2)
سورة النساء 48.
(1)
وللإمام الأعظم رضي الله عنه وصيّة مشهورة، أوصى بها أصحابه، تشتمل على كثير من أصول الدّين، نقلها كثير من المؤرّخين، يتعيّن إيرادها هنا، لما اشتملت عليه من صحيح الاعتقاد، ودفع الانتقاد، وردّ كلام الحسّاد، وهى هذه:
قال، رضى الله تعالى عنه: اعلموا يا أصحابى وإخوانى، أن مذهب أهل السّنّة والجماعة على اثنتى عشرة خصلة، فمن كان يستقيم على هذه الخصال لا يكون مبتدعا، ولا صاحب هوى، فعليكم بهذه الخصال حتى تكونوا فى شفاعة سيّدنا محمد، عليه الصلاة والسلام:
*الأولى، الإيمان، وهو إقرار باللّسان، وتصديق بالجنان.
والإقرار وحده لا يكون إيمانا؛ لأنه لو كان إيمانا لكان المنافقون كلّهم مؤمنين.
وكذلك المعرفة وحدها لا تكون إيمانا، لأنها لو كانت إيمانا لكان أهل الكتاب كلّهم مؤمنين.
قال الله تعالى فى حقّ المنافقين
(2)
: {وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ} .
وقال فى حقّ أهل الكتاب
(3)
: {الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ} .
والإيمان لا يزيد ولا ينقص، لأنه لا يتصوّر نقصان الإيمان إلاّ بزيادة الكفر، ولا يتصوّر زيادته إلاّ بنقصان الكفر، وكيف يجوز أن يكون الشخص الواحد فى حالة واحدة مؤمنا وكافرا.
/والمؤمن مؤمن حقّا، والكافر كافر حقّا.
وليس فى الإيمان شكّ، كما أنه ليس فى الكفر شكّ، قال الله تعالى
(4)
: {أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا)،} و
(5)
(1)
من هنا إلى آخر وصية الإمام لأبى يوسف رضي الله عنهما فى صفحة 169 ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
(2)
سورة المنافقون 1.
(3)
سورة البقرة 146.
(4)
سورة الأنفال 4.
(5)
سورة النساء 151.
والعاصون من أمّة محمد صلى الله عليه وسلم كلّهم مؤمنون حقّا، وليسوا بكافرين.
والعمل غير الإيمان، والإيمان غير العمل؛ بدليل أن كثيرا من الأوقات يرتفع العمل عن المؤمن، ولا يجوز أن يقال ارتفع عنه الإيمان، فإن الحائض رفع الله عنها الصّلاة، ولا يجوز أن يقال: رفع الله عنها الإيمان. وأمرها بترك الإيمان. وقال لها الشرع: دعى الصّوم ثمّ اقضيه.
ولا يجوز أن يقال: دعى الإيمان ثم اقضيه. ويجوز أن يقال: ليس على الفقراء زكاة. ولا يجوز أن يقال: ليس على الفقراء إيمان.
وتقدير الخير والشّرّ من الله تعالى؛ لأنه لو زعم أحد أنّ تقدير الخير والشّرّ من غيره لصار كافرا بالله تعالى، وبطل توحيده، والله أعلم.
*والثانية، نقرّ بأنّ الأعمال ثلاثة؛ فريضة، وفضيلة، ومعصية.
فالفريضة بأمر الله، ومشيئته، ورضائه، وقدره، وتخليقه، وكتابته فى اللّوح المحفوظ.
والفضيلة ليست بأمر الله، ولكن بمشيئته، ومحبته، ورضائه، وقدره، وتخليقه، وكتابته في اللوح المحفوظ.
والمعصية ليست بأمر الله، لكن بمشيئته، لا بمحبّته، وبقضائه، لا برضائه، وبتقديره
(1)
، لا بتوفيقه، وبخذلانه، وعلمه
(2)
، وكتابته فى اللّوح المحفوظ.
*والثالثة، نقرّ بأنّ الله سبحانه وتعالى على العرش استوى، أى استولى، من غير أن يكون جارحة واستقرار، وهو حافظ للعرش وغير العرش من غير احتياج، فلو كان محتاجا لما قدر على إيجاد العالم وتدبيره، ولو كان محتاجا إلى الجلوس والقرار لكان قبل
(3)
خلق العرش، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
*والرابعة، نقرّ بأنّ القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق، ووحيه، وتنزيله، لا هو ولا غيره، بل هو صفته على التّحقيق، مكتوب فى المصاحف، مقروء بالألسنة، محفوظ فى الصّدور،
(1)
فى ن: «وقدره» ، والمثبت فى: ط.
(2)
مكان هذا فى ن: «وتخليقه» ، والمثبت فى: ط.
(3)
فى ط: «فقبل» ، والمثبت فى: ن.
غير حالّ فيها، والحبر والكاغد والكتابة مخلوق، لأنها أفعال العباد، لأن الكتابة والحروف والكلمات والآيات دلالة القرآن، لحاجة العباد إليها.
وكلام الله تعالى قائم بذاته، ومعناه مفهوم بهذه الأشياء، فمن قال بأنّ كلام الله مخلوق فهو كافر بالله العظيم، والله تعالى معبود لا يزال عمّا كان، وكلامه مقروء، ومكتوب، ومحفوظ فى الصّدور من غير مزايلة عنه.
*والخامسة، نقرّ بأنّ أفضل هذه الأمّة بعد نبيّنا محمّد عليه الصلاة والسلام أبو بكر الصّدّيق، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علىّ، رضوان الله عليهم أجمعين؛ لقوله تعالى
(1)
: {وَالسّابِقُونَ السّابِقُونَ * أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ} .
وكلّ من كان أسبق إلى الخير فهو أفضل عند الله تعالى، ويحبّهم كلّ مؤمن تقىّ، ويبغضهم كلّ منافق شقىّ.
*والسّادسة، نقرّ بأن العبد مع أعماله وإقراره ومعرفتة مخلوق، فلمّا كان الفاعل مخلوقا، فأفعاله أولى أن تكون مخلوقة.
*والسّابعة، نقرّ بأنّ الله سبحانه وتعالى خلق الخلق، ولم يكن لهم طاقة؛ لأنهم ضعفاء عاجزون، فالله تعالى خالقهم ورازقهم؛ لقوله تعالى
(2)
: {اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} .
والكسب بالعلم والمال من الحلال حلال، ومن الحرام حرام.
والناس على ثلاثة أصناف؛ المؤمن المخلص فى إيمانه، والكافر الجاحد فى كفره، والمنافق المداهن فى نفاقه.
والله تعالى فرض على المؤمن العمل، وعلى الكافر الإيمان، وعلى المنافق الإخلاص؛ لقوله تعالى
(3)
: {يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ)،} يعنى يا أيّها المؤمنون أطيعوا الله بالعمل الصّالح،
(1)
سورة الواقعة 10 - 12.
(2)
سورة الروم 40، وفى الأصول:«والله خلقكم» ، وهو خطأ.
(3)
سورة النساء، الآية الأولى، وسورة لقمان 33.
ويا أيّها الكافرون آمنوا، ويا أيّها المنافقون أخلصوا، والله أعلم.
*والثامنة، نقرّ بأن الاستطاعة مع الفعل، لا قبل الفعل، ولا بعد الفعل؛ لأنه لو كان قبل الفعل لكان العبد مستغنيا عن الله تعالى وقت الحاجة، فهذا خلاف حكم النّصّ؛ لقوله تعالى
(1)
: {وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ)،} ولو كان بعد الفعل لكان من المحال، لأنّه حصول بغير استطاعة، ولا طاقة.
*والتاسعة، نقرّ بأن المسح على الخفّين واجب للمقيم يوما وليلة، وللمسافر ثلاثة أيّام ولياليها؛ لأن الحديث ورد هكذا، فمن أنكر فإنه يخشى عليه الكفر، لأنّه قريب من الخبر المتواتر.
والقصر والإفطار فى السّفر رخصة بنصّ الكتاب؛ لقوله تعالى
(2)
: {وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ)،} وفى الإفطار قوله تعالى
(3)
: {فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ} .
*والعاشرة، نقرّ بأن الله تعالى أمر القلم أن يكتب، فقال القلم ماذا أكتب يا ربّ؟ فقال الله تعالى: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة؛ لقوله تعالى
(4)
: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ* وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} .
*والحادية عشر، نقرّ بأن عذاب القبر كائن لا محالة، وسؤال منكر ونكير حقّ؛ لورود الأحاديث، والجنة والنار حقّ، وهما مخلوقتان لأهلهما؛ لقوله تعالى فى حقّ المؤمنين
(5)
:
{(أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} . وفى حقّ الكافرين
(6)
: {أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ)،} خلقهما الله تعالى للثّواب والعقاب، والميزان حقّ؛ لقوله تعالى
(7)
: {وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ} . وقراءة
(1)
سورة محمد، الآية الأخيرة.
(2)
سورة النساء 101.
(3)
سورة البقرة 184.
(4)
سورة القمر 53،52، ولم ترد الآية الأولى فى: ن، وهى فى: ط.
(5)
سورة آل عمران 133.
(6)
سورة البقرة 24، وسورة آل عمران 131.
(7)
سورة الأنبياء 47.
الكتب،
(1)
لقوله تعالى
(2)
: {اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} .
*والثانية عشر، نقرّ بأنّ الله تعالى يحيى هذه النفوس بعد الموت، ويبعثهم فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، للجزاء والثواب، وأداء الحقوق؛ لقوله تعالى
(3)
: {وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ)،} ولقاء الله تعالى لأهل الحقّ حقّ، بلا كيفيّة، ولا تشبيه، ولا وجه، وشفاعة نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم لكلّ من هو من أهل الجنة
(4)
، وإن كان صاحب الكبيرة، وعائشة رضى الله تعالى عنها بعد خديجة الكبرى أفضل نساء العالمين، وأمّ المؤمنين، ومطهّرة من الزّنا، بريئة عن ما قال الرّوافض
(5)
، فمن شهد عليها بالزّنا فهو ولد الزّنا، وأهل الجنة فى الجنة خالدون، وأهل النار فى النار خالدون، لقوله تعالى فى حقّ المؤمنين
(6)
: {أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ} وفى حقّ الكفّار
(7)
: {أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ} .
*** وللإمام رضى الله تعالى عنه، وصيّة أخرى، أوصى بها الإمام أبا يوسف، رحمه الله تعالى، لا بأس بإيرادها هنا؛ فإنها قد تضمّنت كثيرا من لطائف الحكم، ومحاسن الكلم، وفيها لمن تدبّرها نفع كبير، وأدب غزير.
وقد نقلها الشيخ الفاضل زين بن نجيم، فى آخر/كتابه «الأشباه والنظائر»
(8)
، ومنها نقلنا.
قال رضى الله تعالى عنه: يا يعقوب، وقّر السّلطان، وعظّم منزلته، وإيّاك والكذب بين يديه، والدّخول عليه فى كلّ وقت ما لم يدعك لحاجة
(9)
؛ فإنك إذا أكثرت الاختلاف عليه
(1)
أى حقّ أيضا.
(2)
سورة الإسراء 14.
(3)
سورة الحج 7.
(4)
أى حق أيضا.
(5)
فى ن: «الرفض» ، والمثبت فى: ط.
(6)
سورة البقرة 82، وسورة الأعراف 42، وسورة يونس 26، وسورة هود 23.
(7)
سورة البقرة 257،39، وسورة الأعراف 36، وسورة يونس 27، وسورة المجادلة 17.
(8)
شرح الحموى للأشباه والنظائر 2/ 325 - 329، والوصية أيضا فى مناقب الإمام الأعظم 2/ 112 - 119.
(9)
فى الأشباه والنظائر بعد هذا زيادة: «علمية» .
تهاون بك، وصغرت منزلتك عنده، فكن منه كما أنت من النار، تنتفع منها
(1)
، وتتباعد عنها
(2)
؛ فإن السلطان لا يرى لأحد ما يرى لنفسه. وإيّاك وكثرة الكلام بين يديه، فإنه يأخذ عليك ما قلته، ليرى من نفسه بين يدى حاشيته أنه أعلم منك وأنه يخطّئك، فتصغر فى أعين قومه. ولتكن إذا دخلت عليه تعرف قدرك وقدر غيرك، ولا تدخل عليه وعنده من أهل العلم من لا تعرفه؛ فإنك إن كنت أدون حالا منه لعلّك ترتفع عليه فيضرّك، وإن كنت أعلم منه لعلّك تنحطّ عنه فتسقط بذلك من عين السّلطان. وإذا عرض عليك شيئا من أعماله، فلا تقبل منه إلاّ بعد أن تعلم أنه يرضاك، ويرضى مذهبك فى العلم والقضايا؛ كيلا تحتاج إلى ارتكاب مذهب غيرك فى الحكومات. ولا تواصل أولياء السّلطان وحاشيته، بل تقرب إليه فقط، وتباعد عن حاشيته؛ ليكون مجدك وجاهك باقيا.
ولا تتكلّم بين يدى العامّة إلاّ بما تسأل عنه.
وإيّاك والكلام فى العامّة والتّجّار إلاّ بما يرجع إلى العلم؛ كيلا يوقف على حبّك ورغبتك فى المال؛ فإنّهم يسيئون الظّنّ بك، ويعتقدون ميلك إلى أخذ الرّشوة منهم.
ولا تضحك، ولا تبتسم بين يدى العامّة.
ولا تكثر الخروج إلى الأسواق.
ولا تكلّم المراهقين فإنهم فتنة، ولا بأس أن تكلّم الأطفال، وتمسح رءوسهم.
ولا تمش فى قارعة الطّريق مع المشايخ والعامّة، فإنك إن قدّمتهم ازدرى
(3)
بعلمك، وإن أخّرتهم ازدرى بك من حيث إنهم أسنّ منك،
(4)
قال النبىّ
(4)
صلى الله عليه وسلم
(5)
:
«من لم يرحم صغيرنا، ولم يوقّر كبيرنا، فليس منّا» .
ولا تقعد على قوارع الطّريق، فإذا دعاك ذلك فاقعد فى المسجد.
(1)
ساقط من الأشباه والنظائر.
(2)
فى الأشباه والنظائر: «ولا تدن منها» .
(3)
فى الأشباه والنظائر بعد هذا زيادة: «ذلك» .
(4 - 4) فى الأشباه والنظائر: «فإن النبى» .
(5)
فى الأشباه والنظائر بعد هذا زيادة: «قال» .
ولا تأكل فى الأسواق والمساجد.
ولا تشرب من السّقايات، ولا من أيدى السّقّائين.
ولا تقعد على الحوانيت.
ولا تلبس الدّيباج، والحلىّ، وأنواع الإبريسم؛ فإن ذلك يفضى إلى الرّعونة.
ولا تكثر الكلام فى بيتك مع امرأتك فى الفراش، إلاّ وقت حاجتك إليها بقدر ذلك، ولا تكثر لمسها، ولا تقربها إلاّ بذكر الله تعالى، ولا تتكلّم بأمر نساء الغير بين يديها ولا بأمر الجوارى، فإنها تنبسط إليك فى كلامك، ولعلّك إذا تكلّمت عن غيرها تكلّمت عن الرجال الأجانب.
ولا تتزوّج امرأة كان لها بعل، أو أب أو أمّ، أو بنت، إن قدرت، إلاّ بشرط أن لا يدخل عليها أحد من أقاربها
(1)
، فإنّ المرأة إذا كانت ذات مال
(2)
يدّعى أبوها أن جميع مالها له، وأنّه عارية فى يدها.
ولا تدخل بيت أبيها ما
(3)
قدرت. وإيّاك أن ترضى أن تزفّ فى بيت أبويها، فإنهم يأخذون أموالك، ويطمعون فيها غاية الطّمع.
وإيّاك أن تتزوّج بذات البنين والبنات، فإنها تدّخر جميع المال لهم، وتسرق من مالك، وتنفق عليهم؛ فإن الولد أعزّ عليها منك.
ولا تجمع بين امرأتين فى دار واحدة. ولا تتزوّج إلاّ بعد أن تعلم أنّك تقدر على القيام بجميع حوائجها/.
واطلب العلم أوّلا، ثم اجمع المال من الحلال، ثم تزوّج
(4)
، فإنك إن طلبت المال فى وقت التّعلّم عجزت عن طلب العلم، ودعاك المال إلى طلب
(5)
الجوارى والغلمان، وتشتغل
(1)
فى الأشباه والنظائر: «أقاربك» .
(2)
فى الأصول والأشباه والنظائر: «ذا مال» .
(3)
فى ن: «إن» ، والمثبت فى: ط، والأشباه والنظائر.
(4)
فى الأشباه والنظائر: «تتزوج» .
(5)
فى الأشباه والنظائر: «شراء» .
بالدنيا والنّساء قبل تحصيل العلم، فيضيع وقتك، ويجتمع عليك الولد وتكثر عيالك، فتحتاج إلى القيام بمصالحهم وترك
(1)
العلم.
واشتغل بالعلم فى عنفوان شبابك، ووقت فراغ قلبك وخاطرك، ثم اشتغل بالمال ليجتمع عندك؛ فإنّ كثرة الولد والعيال يشوّش البال، فإذا جمعت المال فتزوّج.
وعليك بتقوى الله، واداء الأمانة، والنصيحة لجميع الخاصّة والعامّة.
ولا تستخفّ بالناس، ووقّر نفسك ووقّرهم، ولا تكثر معاشرتهم إلاّ بعد أن يعاشروك، وقابل معاشرتهم بذكر المسائل، فإنه إن كان من أهله اشتغل بالعلم، وإن لم يكن من أهله أحبّك.
وإيّاك أن تكلّم العامّة بأمر الدّين فى الكلام، فإنهم قوم يقلّدونك، فيشتغلون بذلك.
ومن جاءك يستفتيك فى المسائل، فلا تجب إلاّ عن سؤاله، ولا تضمّ إليه غيره؛ فإنّه يشوّش عليه جواب سؤاله.
وإن بقيت عشر سنين بغير كتب
(2)
ولا قوّة
(3)
فلا تعرض عن العلم، فإنّك إن
(4)
أعرضت
(5)
عنه كانت معشيتك ضنكا.
وأقبل على متفقّهيك كأنك اتّخذت كلّ واحد منهم ابنا وولدا، يزيدهم
(6)
رغبة فى العلم.
ومن ناقشك من العامّة والسّوقة، فلا تناقشه؛ فإنه يذهب ماء وجهك.
ولا تحتشم من أحد عند ذكر الحقّ، وإن كان سلطانا.
(1)
فى الأشباه والنظائر: «وتترك» .
(2)
فى الأشباه والنظائر: «بلا كسب» .
(3)
فى ن: «قوت» ، والمثبت فى: ط، والأشباه والنظائر.
(4)
فى الأشباه والنظائر: «إذا» .
(5)
فى ط: «عرضت» ، والمثبت فى: ن، والأشباه والنظائر.
(6)
فى الأشباه والنظائر: «لتزويدهم» .
ولا ترض لنفسك من العبادات إلاّ بأكثر ممّا يفعله غيرك، وتعاطاها
(1)
؛ فإن العامّة إذا لم يروا منك الإقبال عليها بأكثر ممّا يفعلون، اعتقدوا فيك قلّة الرّغبة، واعتقدوا أن علمك لا ينفعك إلاّ ما نفعهم الجهل الذى هم فيه.
وإذا دخلت بلدة فيها أهل العلم، فلا تتّخذها لنفسك، بل كن كواحد
(2)
من أهلها؛ ليعلموا أنك لا تقصد جاههم، وإلاّ يخرجون عليك بأجمعهم، ويطعنون
(3)
فى مذهبك
(4)
، وتصير
(5)
مطعونا عندهم بلا فائدة.
وإن استفتوك فى المسائل، فلا تناقشهم فى المناظرة والمطارحات، ولا تذكر لهم شيئا إلاّ عن دليل واضح، ولا تطعن فى أساتذتهم، فإنّهم يطعنون فيك.
وكن من الناس على حذر. وكن لله تعالى فى سرّك كما أنت له فى علانيتك. ولا يصلح أمر العلم إلا بعد أن يجعل سرّه كعلانيته.
وإذا ولاّك السّلطان عملا
(6)
، فلا تقبل ذلك منه، إلاّ بعد أن تعلم أنه إنما يولّيك ذلك
(7)
لعلمك.
وإيّاك أن تتكلّم فى مجلس النّظر على خوف؛ فإن ذلك يورث الخلل فى الألفاظ، والكلل فى اللّسان.
وإيّاك أن تكثر الضّحك، فإنّه يميت القلب.
ولا تمش إلاّ على طمأنينة. ولا تكن عجولا فى الأمور.
ومن دعاك من خلفك فلا تجبه، فإن البهائم تنادى من خلف
(8)
.
(1)
فى ن: «وتعاطاه» ، وفى الأشباه والنظائر:«ويعاطاها» ، والمثبت فى: ط.
(2)
فى ن: «منهم» ، وفى الأشباه والنظائر:«من أهلهم» ، والمثبت فى: ط.
(3)
فى الأصول: «ويظنون» ، والمثبت فى الأشباه والنظائر.
(4)
بعد هذا فى الأشباه والنظائر زيادة: «والعامة يخرجون عليك، وينظرون إليك بأعينهم» .
(5)
فى الأشباه والنظائر: «فتصير» .
(6)
فى الأشباه والنظائر بعد هذا زيادة: «لا يصلح لك» .
(7)
فى الأشباه والنظائر بعد هذا زيادة: «إلا» .
(8)
فى الأشباه والنظائر: «خلفها» .
وإذا تكلّمت فلا تكثر صياحك، ولا ترفع صوتك واتّخذ لنفسك السّكون وقلّة الحركة
(1)
؛ كى يتحقّق عند الناس ثباتك.
وأكثر ذكر الله تعالى فيما بين الناس؛ ليتعلّموا ذلك منك.
واتّخذ لنفسك وردا خلف الصّلوات، تقرأ فيه
(2)
القرآن، وتذكر الله تعالى، وتشكره على ما أودعك من الصّبر، وأولاك من النّعم.
واتّخذ أياما معدودة من كلّ شهر تصوم فيها؛ ليقتدى
(3)
غيرك بك.
وارقب
(4)
نفسك، وحافظ على
(5)
الغير؛ لتنتفع من دنياك وآخرتك بعلمك.
/ولا تشتر بنفسك، ولا تبع، بل اتّخذ لك مصلحا يقوم بأشغالك، وتعتمد عليه فى أمورك، ولا تطمئنّ إلى دنياك، وإلى ما أنت فيه، فإن الله تعالى سائلك عن جميع ذلك.
ولا تشتر الغلمان المرد
(6)
.
ولا تظهر من نفسك التقرّب إلى السّلطان وإن
(7)
قرّبك؛
(8)
فإنه ترفع إليه الحوائج، فإن قمت أهانك، وإن لم تقم أعابك
(8)
.
ولا تتبع الناس فى خطاياهم، بل اتبع فى صوابهم.
وإذا عرفت إنسانا بالشرّ فلا تذكره به، بل اطلب منه خيرا فاذكره به، إلاّ فى باب الدّين، فإنّك إن عرفت فى دينه ذلك فاذكره للناس؛ كيلا يتّبعوه ويحذروه، قال عليه الصلاة والسلام:«اذكروا الفاجر بما فيه، حتّى يحذره النّاس» ، وإن كان ذا جاه
(1)
فى الأشباه والنظائر بعد هذا زيادة: «عادة» .
(2)
في الأشباه والنظائر: «فيها» .
(3)
فى الأشباه والنظائر بعد هذا زيادة: «به» .
(4)
فى الأشباه والنظائر: «وراقب» .
(5)
بعد هذا بياض فى الأصول بمقدار كلمة، والكلام متصل فى الأشباه والنظائر.
(6)
فى الأشباه والنظائر: «المردان» .
(7)
فى الأصول: «فإن» ، والمثبت فى الأشباه والنظائر.
(8 - 8) مكان هذا بياض فى الأصول، والمثبت فى الأشباه والنظائر، وفى شرح الحموى عليه:«هكذا فى النسخ، والصواب كما فى حاشية مناقب الكردرى: فإن قمت بها أهانك، وإن لم تقم بها عابك» .
ومنزلة
(1)
، فاذكر ذلك، ولا تبال من جاهه؛ فإنّ الله تعالى معينك وناصرك وناصر الدّين، فإذا فعلت ذلك مرّة هابوك، ولم يتجاسر أحد على إظهار البدعة فى الدّين.
وإذا رأيت من سلطانك مالا يوافق العلم، فاذكر ذلك مع طاعتك إيّاه؛ فإنّ يده أقوى من يدك، تقول له: أنا مطيع لك فى الذى أنت فيه سلطان، ومسلّط علىّ، غير
(2)
أنّى أذكر لك من سيرتك مالا يوافق العلم. فإذا فعلت ذلك مع السّلطان مرّة كفاك؛ لأنّك إذا واظبت عليه، ودمت، لعلّهم يمقتونك
(3)
،
(4)
فيكون قمعا
(4)
للدّين، فإذا فعل ذلك مرّة
(5)
أخرى، فادخل عليه وحدك فى داره، وانصحه فى الدّين، وناظره إن كان مبتدعا، وإن كان سلطانا، فاذكر له ما يحضرك من كتاب الله تعالى وسنّة رسوله عليه الصلاة والسلام، فإن قبل منك، وإلاّ فاسأل الله تعالى أن يحفظك منه، واذكر الموت، واستغفر للأستاذ، ومن أخذت عنهم العلم، وداوم على التّلاوة، وأكثر من زيارة القبور والمشايخ والمواضع المباركة.
واقبل من العامّة ما يقصّون
(6)
عليك من رؤياهم للنبىّ صلى الله عليه وسلم، ورؤيا
(7)
الصّالحين فى المنازل، والمساجد، والمقابر.
ولا تجالس أحدا من أهل الأهواء إلاّ على سبيل الدّعوة إلى الدّين.
ولا تكثر اللّعب، والشّتم.
وإذا أذّن المؤذّن فتأهّب لدخول المسجد؛ كيلا تتقدّم عليك العامّة.
ولا تتّخذ دارك فى جوار السّلطان.
(1)
بعد هذا فى الأشباه والنظائر زيادة: «والذى ترى منه الخلل فى الدين» .
(2)
فى الأصول: «غيرى» ، والمثبت فى الأشباه والنظائر.
(3)
فى الأشباه والنظائر: «يقهرونك» .
(4 - 4) فى الأشباه والنظائر: «فيكون فى ذلك قمع» .
(5)
فى الأشباه والنظائر بعد هذا زيادة: «مرة أو مرتين، ليعرف منك الجهد فى الدين، والحرص فى الأمر بالمعروف، فإذا فعل ذلك» ، وفى شرح الحموى عليه: «فإذا فعل ذلك مرة أو مرتين. كذا فى النسخ، والصواب: افعل ذلك مرة أو مرتين. بقرينة قوله: ليعرف منك الجهد فى الدين
…
إلخ».
(6)
فى الأشباه والنظائر: «يعرضون» .
(7)
فى الأشباه والنظائر: «وفى رؤيا» .
وما رأيت على جارك فاستره عليه؛ فإنّه أمانة. ولا تظهر أسرار الناس.
ومن استشارك فى شئ فأشر عليه بما
(1)
يقرّبك إلى الله تعالى
(2)
.
وإيّاك والبخل؛ فإنه
(3)
تنقص به المروءة
(3)
.
ولا تك طمّاعا، ولا كذّابا، ولا صاحب تخاليط
(4)
، بل احفظ مروءتك فى الأمور كلّها.
والبس من الثّياب البيض فى الأحوال كلّها.
وأظهر غنى القلب، مظهرا فى نفسك قلّة الحرص، والرغبة فى الدنيا. وأظهر من نفسك الغنى، ولا تظهر الفقر، وإن كنت فقيرا.
وكن ذا همّة، فإن من ضعفت همّته ضعفت منزلته.
وإذا مشيت فى الطّريق فلا تلتفت يمينا ولا شمالا، بل دوام النّظر إلى الأرض.
وإذا دخلت الحمّام، فلا تساو
(5)
الناس فى أجرة الحمّام، بل ارجح على ما تعطى العامّة؛ لتظهر مروءتك بينهم، فيعظّمونك.
ولا تسلّم الأمتعة إلى الحائك وسائر الصّنّاع، بل اتّخذ لنفسك ثقة يفعل ذلك.
ولا تماكس بالحبّات والدّوانيق، ولا تزن الدّراهم، بل اعتمد على غيرك.
وحقّر الدّنيا المحقّرة عند أهل العلم؛ فإن ما عند الله خير منها.
وولّ أمورك غيرك، ليمكنك الإقبال على العلم
(6)
،/فذلك أحفظ لحاجتك.
(1)
بعد هذا فى الأشباه والنظائر زيادة: «تعلم أنه» .
(2)
بعد هذا فى الأشباه والنظائر زيادة: «واقبل وصيتى هذه، فإنك تنتفع بها فى أولاك وأخراك، إن شاء الله تعالى» ، وسيأتى هذا فى نهاية الوصية، وهو موضعه.
(3 - 3) فى الأشباه والنظائر: «يبغض به المرء» .
(4)
فى الأشباه والنظائر: «تخليط» .
(5)
فى الأصول: «تقاوم» ، والمثبت فى الأشباه والنظائر.
(6)
فى الأشباه والنظائر: «فإن ذلك» .
وإيّاك أن تكلّم المجانين، ومن لا يعرف المناظرة والحجّة من أهل العلم، والذين يطلبون الجاه ويستغرقون بذكر المسائل فيما بين الناس؛ فإنهم يطلبون تخجيلك، ولا يبالون منك وإن عرفوك على الحقّ.
وإذا دخلت على قوم كبار فلا ترتفع
(1)
عليهم، ما لم يرفعوك، لئلاّ
(2)
يلحق بك منهم أذيّة.
وإذا كنت فى قوم فلا تتقدّم عليهم فى الصّلاة، ما لم يقدّموك على وجه التّعظيم.
ولا تدخل الحمّام وقت الظّهيرة أو الغداة
(3)
.
ولا تحضر مظالم السّلاطين، إلاّ إذا عرفت أنك إذا قلت شيئا ينزلون على قولك بالحقّ، فإنّهم إن فعلوا ما لا يحلّ وأنت عندهم ربّما لا تملك منعهم، ويظنّ
(4)
الذين هناك
(4)
أن ذلك حقّ؛ لسكوتك فيما بينهم وقت الإقدام عليه.
وإيّاك والغضب فى مجلس العلم.
ولا تقصّ على العامّة؛ فإن القاصّ لا بدّ له أن يكذب.
وإذا أردت اتّخاذ مجلس لأحد من أهل العلم
(5)
، فاحضر بنفسك، واذكر فيه ما تعلمه؛ كيلا يغترّ الناس بحضورك، فيظنّون أنّه على صفة من العلم، وليس هو على تلك الصّفة، فإن
(6)
كان يصلح للفتوى فاذكر منه ذلك، وإلاّ فلا، ولا
(7)
ليدرّس
(8)
بين يديك، بل اترك عنده أحدا من أصحابك؛ ليخبرك بكيفيّة كلامه، وكمّيّة علمه
(9)
.
(1)
فى الأشباه والنظائر: «ترفع» .
(2)
فى الأشباه والنظائر: «كيلا» .
(3)
فى الأشباه والنظائر بعد هذا زيادة: «ولا تخرج إلى النظارات» .
(4 - 4) فى الأشباه والنظائر: «الناس» .
(5)
فى الأشباه والنظائر بعد هذا زيادة: «فإن كان مجلس فقه» .
(6)
فى الأشباه والنظائر: «وإن» .
(7)
فى الأشباه والنظائر بعد هذا زيادة: «تقعد» .
(8)
فى الأشباه والنظائر بعد هذا زيادة: «الآخر» .
(9)
فى الأشباه والنظائر بعد هذا زيادة: «ولا تحضر مجالس الذكر، أو من يتخذ مجلس عظة بجاهك، وتزكيتك له، بل وجّه أهل محلتك وعامتك الذين تعتمد عليهم مع واحد من أصحابك» .
وفوّض أمر المناكح إلى خطيب ناحيتك، وكذا صلاة الجنائز
(1)
والعيدين.
ولا تنسنى من صالح دعائك.
واقبل هذه الموعظة منّى. وإنّما أوصيك لمصلحتك، ومصلحة المسلمين. انتهى
(2)
.
*** هذا، وقد آن لنا أن نحبس عنان القلم عن الجرى فى ميدان لا غاية لمداه، وأن نكفّ لسان المقال عن تعداد ما لا سبيل إلى حصره، وليس يدرك منتهاه، على أنّ ما أوردنا منه فيه
(3)
مقنع لمن نوّر الله بصيرته، وطهّر من دنس التعصّب سريرته، وأحسن فى السّلف عقيدته، ولم ينكر لأحد من الناس فضيلته.
ولقد صنّف الفضلاء فى مناقب هذا الامام الجليل كتبا لا تحصى، وأوردوا فيها من فضائله ومناقبه ما لا يستقصى، وكلّ منهم معترف بأنه لم يبلغ من تعداد فضائله، وما يستحقّه، وما كان عليه من العلم والعمل، عشر معشاره، رضى الله تعالى عنه وأرضاه.
ونحن نسأل الله تعالى، ونتوسّل إليه بنبيّه محمّد صلى الله عليه وسلم، أن ينفعنا ببركات علومه فى الدنيا والآخرة، وأن يجمع بيننا وبينه فى جنّات النعيم، إنّه جواد كريم، رءوف رحيم.
***
(1)
فى الأشباه والنظائر: «الجنازة» .
(2)
آخر الساقط من: ص، والذى قدمت الإشارة إليه فى صفحة 156
(3)
ساقط من: ط، وهو فى: ص، ن.
باب
من اسمه آدم، وإبراهيم
1 - آدم بن سعيد بن أبى بكر الجبرتىّ الحنفىّ
(*)
نزيل مكة المشرّفة. شاب قطنها مديما للاشتغال على فضلائها، والواردين عليها، فى الفقه، وأصوله، والعربية، وغيرها، وللتّلاوة على طريقة جميلة، وفاقة
(1)
.
ومن جملة شيوخه السّراج معمّر بن عبد القوىّ فى العربيّة، وعبد النّبىّ المغربىّ.
قال السّخاوىّ: وسمع علىّ وأنا بمكّة الكثير من «الصّحيح» ، وغيره، وحضر
(2)
عندى بعض الدّروس.
مات فى ليلة الأربعاء، خامس
(3)
ذى الحجّة، سنة سبع وثمانين وثمانمائة، وصلّى عليه من الغد، ودفن بالمعلاة
(4)
رحمه الله تعالى
(4)
.
***
2 - إبراهيم بن إبراهيم بن داود بن حازم الأسدىّ
(**)
بفتح السّين، أسد خزيمة
(5)
.
والد قاضى/القضاة شمس الدّين محمد.
من بيت العلم، والفضل.
(*) ترجمته فى: الضوء اللامع 1/ 7.
(1)
فى الضوء اللامع: «وأناقة» .
(2)
فى الضوء اللامع: «بل حضر» .
(3)
المعلاة: موضع بين مكة وبدر، بينه وبين بدر الأثيل. معجم البلدان 4/ 557.
(4 - 4) فى الضوء اللامع: «عوضه الله الجنة» .
(**) ترجمته فى: الجواهر المضية برقم 1، وفى النسخ:«بن خازم» ، وانظر ما يأتى فى تراجم الأسرة.
(5)
زاد فى الجواهر المضية: «الأذرعى» ، وفى م منها:«القضاعى» .
وكان إبراهيم هذا فقيها منقطعا.
تفقّه عليه ولده قاضى القضاة.
ذكره فى «الجواهر» ، ولم يؤرّخ له مولدا، ولا وفاة. والله تعالى أعلم.
***
3 - إبراهيم بن إبراهيم، الشهير بابن الخطيب الرّومىّ
(*)
وهو أخو المولى المشهور بخطيب زاده أيضا
(1)
.
أخذ عن أخيه المذكور، وصار مدرّسا بعدّة مدارس، منها إحدى المدارس الثّمان، ثم صار مدرّسا بمراديّة بروسة.
وتوفّى وهو مدرّس بها، فى سنة عشرين وتسعمائة.
وكان من فضلاء بلاده
(2)
(3)
المشهورين بالتقدّم
(3)
. رحمه الله تعالى.
***
4 - إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الله
ابن عبد المنعم بن هبة الله
ابن محمّد بن عبد الباقى الحلبىّ
(**)
المعروف بابن الرّهبانى
(4)
، وبابن أمين الدّولة-وأمين الدّولة لقب هبة الله جدّه الأعلى-أبو إسحاق، كمال الدّين.
(*) ترجمته فى: الشقائق النعمانية 504،1/ 503.
(1)
ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
(2)
فى ص: «دهره» ، والمثبت فى ط، ن.
(3 - 3) ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
(**) ترجمته فى: إنباء الغمر 1/ 101، الدرر الكامنة 7،1/ 6. وهو فيه:«إبراهيم بن أحمد بن عبد الله» .
(4)
فى الدرر: «بابن الرعبانى» .
ولد بحلب، فى ربيع الأول، سنة خمس وسبعين وستّمائة، وسمع بها من سنقر الحلبىّ «صحيح البخارىّ» و «مشيخته» ، وسمع من أبى بكر بن أحمد بن العجمىّ، وأخيه أبى طاهر إبراهيم بن عبد الرحمن بن الشّيرازىّ، وغيرهم.
وولى وكالة بيت المال بحلب، ونظر الدّواوين، وغيرهما.
وكان كاتبا مجيدا، رئيسا، نبيلا.
حدّث بدمشق، وحلب، وسمع منه ابن ظهيرة
(1)
.
وهو من شيوخ الحافظ أبى الوفاء سبط ابن العجمىّ، بالسّماع.
مات فى ليلة الأحد، ثامن
(2)
جمادى الأولى، سنة ستّ وسبعين وسبعمائة، رحمه الله.
***
5 - إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن سليمان،
أبو إسحاق
(*)
الفقيه، الموصلىّ، الغزنوىّ الأصل
كان رحمه الله تعالى من كبار أصحاب الإمام برهان الدّين أبى الحسن البلخىّ المشهور.
تفقّه عليه، وسمع منه الحديث، وكان معه بحلب.
قال ابن عساكر: وما أظنّه روى شيئا، وكذلك قال ابن العديم.
قالا: واستنابه برهان الدّين بمدينة بصرى، ثم ولى التّدريس بالمدرسة الصّادريّة
(3)
وولى قضاء الرّها بعد فتحها من أيدى الفرنج.
وذكر ابن عساكر أن والده هو الذى تولّى القضاء بها.
(1)
أى أبو حامد، كما جاء فى الدرر.
(2)
فى الأصول: «من» والصواب فى الدرر.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية برقم 2.
(3)
المدرسة الصادرية: داخل دمشق بباب البريد، على باب الجامع الأموى الغربى. الدارس 1/ 537.
قال: وتوفّى يوم الأربعاء، ثانى عشر ذى الحجّة، سنة ستّين وخمسمائة، ودفن بجبل قاسيون، رحمه الله تعالى.
*** كذا ذكر هذه الترجمة فى «الجواهر المضيّة» ، ثم ذكر ترجمة مختصرة فيمن اسمه إبراهيم ابن محمّد
(1)
، وأرّخ وفاة صاحبها كما هنا، ووعد فى هذه الترجمة أن يذكر والد صاحبها أحمد فى محلّه، ولم يذكره، فإمّا أن تكون التّرجمتان لواحد، ويكون المؤلّف أو الكاتب أسقط أباه أحمد، وجدّه إبراهيم، أو أن كل ترجمة منهما لواحد غير الآخر، وقد اتّفقا فى الوفاة، والله تعالى أعلم.
***
6 - إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل
الجعفرىّ الدّمشقىّ
(*)
قال ابن حجر: برع فى الفقه، وناب فى الحكم، ودرّس.
وقال الولىّ العراقىّ: كان مشكورا.
مات فى المحرّم، سنة أربع وسبعين وسبعمائة، ودفن بسفح قاسيون، رحمه الله تعالى.
***
(1)
ورد هذا فى الجواهر المضية 1/ 110، فى ترجمة إبراهيم بن محمد، أبو إسحاق الموصلى القاضى. ولم يرد الوعد الذى يذكره التقى التميمى فيه.
(*) ترجمته فى: الدرر الكامنة 1/ 7.
وجاءت هذا الترجمة بعد ترجمة إبراهيم بن أحمد، ابن السديد، التالية، فى ص، وسقطت كلها من: ن، وهى فى ط على هذا الترتيب المثبت.
7 - إبراهيم بن أحمد بن أبى الفرج بن أبى عبد الله
ابن السّديد الدّمشقىّ، أبو إسحاق،
المنعوت زين الدّين
(*)
كان إماما بالمقصورة الكنديّة الشّرقيّة بجامع دمشق، وتصدّر بها لإقراء/النّحو.
وسمع من المحدّث عمرو بن بدر الموصلىّ «مسند أبى حنيفة» رواية ابن البلخىّ.
وروى عنه المزّىّ، وابن العطّار.
وتوفّى فى جمادى الأولى، سنة سبع وسبعين وستمائة، بالمزّة.
وكان مولده فى شعبان، سنة أربع وستمائة. رحمه الله تعالى.
***
8 - إبراهيم بن أحمد بن بركة الفقيه الموصلىّ
(**)
له «شرح المنظومة»
(1)
، وله «سلالة الهداية»
(2)
.
كذا فى «الجواهر»
(3)
.
***
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 6، وهو فيه:«ابن الشريد» ، المنهل الصافى 23،1/ 22، النجوم الزاهرة 7/ 80.
(**) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 3، الدرر الكامنة 1/ 7، كشف الظنون 2038،1867،1623،1622.
(1)
هى منظومة النسفى أبى حفص عمر بن محمد بن أحمد فى الخلاف. كشف الظنون 1867.
(2)
هو مختصر الهداية، كما ذكر حاجى خليفة فى كشف الظنون 2038، وذكره قبل ذلك فى صفحة 995.
(3)
زاد فى الدرر الكامنة أنه شارح المختار، وسماه «توجيه المختار» ، وأنه كان عالما بارعا، أخذ عن صاحب المختار، وكان موجودا بعد السبعين. يعنى بعد السبعين وسبعمائة.
وانظر حاشية الجواهر المضية 67،1/ 66.
9 - إبراهيم بن أحمد بن عقبة بن هبة الله
ابن عطاء بن ياسين بن زهير،
أبو إسحاق، البصراوىّ، القاضى
الملقّب بالصّدر
(*)
تفقه ببصرى على الطّورىّ، مدرّس الأمينيّة، بها.
ودرّس بالمدرسة الرّكنيّة
(1)
بجبل قاسيون.
وولى قضاء حلب، ثم عزل، وأقام معزولا مدّة طويلة، ثم قدم إلى الدّيار المصرية، وتوصّل إلى أن كتب تقليده بقضاء حلب، وعاد به إلى دمشق، فأقام بها مدّة، فأدركه الحمام قبل بلوغ المرام، فى يوم السّبت، حادى عشر رمضان، سنه سبع وتسعين وستمائة، ودفن فى غد ذلك اليوم.
وكان مولده ببصرى، سنة تسع وستمائة. رحمه الله تعالى.
(2)
وبصرى، بضمّ الباء وسكون الصّاد المهملة وفتح الرّاء بعدها ألف
(2)
.
***
10 - إبراهيم بن أحمد بن محمد بن حمّويه بن بندار
ابن مسلمة، الفقيه، البيارىّ، بكسر الباء الموحّدة
(**)
سكن بيار، من أعمال قومس، وحدّث بها عن أبى القاسم البغوىّ، ويحيى بن صاعد، فى آخرين. وروى عنه ولده أبو أحمد
(3)
.
(*) ترجمته فى: البداية والنهاية 13/ 353، الجواهر المضية برقم 4، الدارس 1/ 512، شذرات الذهب 5/ 438، المنهل الصافى 1/ 17، النجوم الزاهرة 18/ 113، الوافى بالوفيات 5/ 311.
(1)
هى المدرسة الركنية البرانية بالصالحية، وهى من مدارس الحنفية. الدارس 1/ 519.
(2 - 2) ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
وبصرى: من أعمال دمشق، وهى قصبة كورة حوران. معجم البلدان 1/ 654.
(**) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 5.
(3)
وهو محمد بن إبراهيم، كما فى الجواهر المضية.
قال فى «الجواهر» : ذكره ابن النّجّار، وأسنده عنه حديثا واحدا، عن عائشة رضى الله تعالى عنها، مرفوعا، متنه:«اللهمّ اجعلنى من الّذين إذا أحسنوا استبشروا وإذا أساءوا استغفروا» .
***
11 - إبراهيم بن أحمد بن محمد بن خضر
ابن مسلم الدّمشقىّ الحنفىّ
(*)
ولد فى رمضان، سنة أربع وأربعين وسبعمائة.
وناب فى القضاء بمصر
(1)
، ودرّس وأفتى، وولى إفتاء دار العدل.
وكان جريئا، مقداما، ثم ترك الاشتغال بأخرة، وافتقر.
ومات فى ربيع الأوّل، سنة
(2)
ست عشرة
(2)
وثمانمائة، رحمه الله تعالى.
كذا ذكره السّخاوى، نقلا عن ابن حجر
(3)
. رحمهما الله تعالى.
12 - إبراهيم بن أحمد بن محمّد بن محمّد بن محمّد
-ثلاث محمّدين-الخجندىّ، بضمّ الخاء وفتح الجيم،
ثم المدنىّ، برهان الدين، أبو محمّد،
ابن العلاّمة جلال الدّين أبى الطّاهر
(**)
أحد الأفاضل الأعيان،
(4)
الذين سار بذكرهم الرّكبان
(4)
.
ولد سنة تسع وسبعين وسبعمائة.
(*) ترجمته فى: إنباء الغمر 3/ 16، الضوء اللامع 1/ 23.
(1)
فى الضوء: «مدة» .
(2 - 2) فى ص، والضوء اللامع:«ستة عشر» ، والصواب فى: ط، ن.
(3)
فى إنباء الغمر، كما جاء فى الضوء اللامع.
(**) ترجمته فى: البدر الطالع 1/ 24، الضوء اللامع 1/ 42، كشف الظنون 1/ 59، معجم المصنفين للتونكى 3/ 54 - 56، نظم العقيان 15.
(4 - 4) ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
وسمع ابن صدّيق، والمراغىّ.
وأجاز له التّنوخىّ، وابن الذّهبىّ
(1)
.
ودرّس، وصنّف «شرحا» على «الأربعين النّوويّة» .
وله نظم، ونثر، وترسّل.
مات فى رجب، سنة إحدى وخمسين وثمانمائة، بالمدينة النبويّة، وقد جاوز السّبعين.
كذا عدّه جلال الدّين السّيوطىّ فى «أعيان الأعيان» .
وذكره السّخاوىّ فى «الضّوء اللامع» بأبسط من ذلك، فقال: إنه ولد بالمدينة الشريفة فى التاريخ المذكور، ونشأ بها، فحفظ القرآن العظيم، و «الكنز» و «الألفيّة» ، و «الكافية» وتلا بالسّبع على يحيى التّلمسانىّ الضّرير، وغيره وأخذ النحو عنه أيضا، وعن والده الجلال،/وأخذ الفقه عن أبيه وغيره، وانتفع بأخيه، وسمع جماعة كثيرة، منهم البلقينىّ، وغيره.
وحجّ غير مرّة.
وبرع فى العربيّة، وتعانى
(2)
الأدب، وجمع لنفسه «ديوانا» ، وأنشأ عدّة رسائل، بحيث انفرد فى بلده بذلك.
وكان يترسّل مع سميّه البرهان الباعونيّ، وكان يكتب الخطّ الجيّد. وقد درّس وحدّث بالبخارىّ، وغيره.
وقرأ عليه ولده، وسمع منه الطلبة، ولقيه البقاعىّ، فكتب عنه، وزعم أن جيّد شعره قليل، يتنقل من بحر إلى بحر، ومن لجّة إلى قفر، وهو بالعربيّة غير واف، وكثير منه سفساف، وربّما انتقل من الحضيض إلى السّها، وكأنّه ليس له.
قال السّخاوىّ: إنما هو فى مدح الناس، وإذا قال فى الغرام أجاد.
(1)
هو أبو هريرة بن الذهبى، كما فى الضوء اللامع.
(2)
فى ط، ن:«ومعانى» ، والمثبت فى: ص.
وذكر أنه رأى له فى
(1)
بعض الاستدعاءات مكتوبا قوله
(2)
:
أجزت لهم أبقاهم الله كلّ ما
…
رويت عن الأشياخ فى سالف الدّهر
ومالى من نثر ونظم بشرطه
…
على رأى من يروى الحديث ومن يقرى
وأسأل إحسانا من القوم دعوة
…
تحقّق لى الآمال والأمن فى الحشر
(2)
ثمّ قال: وكان فاضلا، بارعا، ناظما، ناثرا، بليغا، كيّسا، حسن المجالسة، محبّا للفائدة، لطيف المحاضرة، كثير النّوادر والملح، ذاكرم زائد، وآداب وغرائب.
ومات فى ثانى رجب، من التاريخ المذكور، ودفن فى يومه بالبقيع، بعد الصّلاة عليه بالرّوضة
(3)
. رحمه الله تعالى.
وأورد من شعره المقريزىّ فى «عقوده»
(4)
قوله
(5)
:
كن جوابى إذا قرأت كتابى
…
لا تردّنّ للجواب كتابا
إعفنى من نعم وسوف ولى شغ
…
ل وكن خير من دعى فأجابا
***
13 - إبراهيم بن أحمد بن يوسف
ابن محمد، برهان الدّين، بن القاضى شهاب الدّين
أبى العباس، بن قاضى الجماعة الجمالىّ
أبى المحاسن الدّمشقىّ، ويعرف بابن القطب
(*)
سمع الحديث وناب فى قضاء الحنفيّة، ثم خطب للقضاء استقلالا ببذل شئ فأبى ذلك، فحبس، وضيّق عليه إلى أن أجاب، وولى قضاء مصر استقلالا.
(1)
فى ص: «على» ، والمثبت فى: ط، ن.
(2)
الضوء اللامع 25،1/ 24.
(3)
بعد هذا فى ص زيادة: «انتهى ملخصا» ، والمثبت فى: ط، ن.
ومن هنا إلى نهاية الترجمة ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
(4)
يعنى «درر العقود الفريدة» ، وهو فى تراجم معاصريه.
(5)
الضوء اللامع 1/ 25.
(*) ترجمته فى: الضوء اللامع 1/ 29.
وكان قبل ذلك قد طلب إلى القاهرة، وأخذ عنه بعض الطلبة.
ومات سنة ثمان وتسعين وثمانمائة، رحمه الله تعالى.
كذا ذكره السّخاوىّ.
وذكره فى «الغرف العليّة» ، فقال: ولد سنة سبع وعشرين وثمانمائة، واشتغل، وحصّل، وبرع، وأخذ عن العلامة حميد الدّين الحنفىّ.
ودرّس، وأفتى، وناب فى الحكم.
ولمّا عيّن لقضاء الحنفيّة استقلالا امتنع من قبوله، مع أهليّته الزائدة، فحبس إلى أن قبله، وسار فى الناس سيرة حسنة، وصار يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، على حسب ما يقتضيه زمانه.
وذكر أنه قرأ عليه، وأنه مات فى التّاريخ المذكور. انتهى
***
14 - إبراهيم بن أحمد بن يوسف بن يعقوب بن إبراهيم
ابن هبة الله بن طارق بن سالم الأسدىّ، الحلبىّ،
نجم الدّين، أبو إسحاق، ابن النّحّاس
(*)
ذكره صاحب «درّة الأسلاك» فقال: رئيس أشرق نجمه، وأصاب الغرض سهمه، وظهر فضله وعلمه، وعلت همّته وسما عزمه.
كان ذا نفس سخيّة، وأخلاق رضيّة، وتواضع وتلطّف، وميل إلى/فعل الخير وتشوّف.
كتب الحكم لبنى العديم، ولازم التّحلّى بعقد بيتهم النّظيم، وأحسن إلى ذوى الطّلب، ودرّس بالجرد بكية بحلب.
وكانت وفاته بها، وقد جاوز السّتّين، وذلك فى سنة أربعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
***
(*) ترجمته فى: الدرر الكامنة 17،1/ 16.
15 - إبراهيم بن أحمد البصراوىّ
(*)
ذكره فى «الغرف العليّة» ، ونقل عن البرزاليّ أنّه ولد سنة خمس وأربعين وستمائة، وأنّه قرأ القرآن، وسمع الحديث، وقرأ على الشيوخ كثيرا من الكتب والأجزاء، وكان مشهورا بحسن القراءة.
وبعد ملازمته للطّلب، والاشتغال بالعلم، خدم فى الدّيوان، وحصل له دنيا وافرة.
ثم إنه رأى رؤيا أوجبت له التّوبة، والإقلاع عمّا كان عليه، وحجّ، ولازم المسجد والتّلاوة، وبقى على ذلك عشرين سنة، وعرض له صمم فى آخر عمره.
ومات سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
***
16 - إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن عبّاد بن محمّد،
برهان الدّين، أبو إسحاق بن أبى الفداء،
العنبوسىّ -نسبة لقرية من نابلس-
المقدسىّ الحنفىّ، الكتبىّ
(**)
ولد فى رجب سنة اثنين وتسعين وسبعمائة ببيت المقدس.
ونشأ به، فقرأ القرآن، واشتغل فى الفقه والتفسير على القاضى سعد الدّين ابن الدّيرىّ، ووالده
(1)
.
وقرأ فى الحديث على الشّمس ابن
(2)
المصرى، وابن
(2)
ناصر الدّين عبد الكريم القلقشندىّ، وغيرهما.
(*) سقطت هذه الترجمة كلها من: ص، وهى فى: ط، ن.
(**) ترجمته فى: الضوء اللامع 1/ 31. وفيه: «إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن عياد»، ونسبته فيه: «العينبوسى»، وسقطت من ص نسبة «الحنفى»، وهى فى: ط، ن.
(1)
فى الضوء اللامع: «وولده» .
(2 - 2) ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن، والضوء اللامع.
وباشر قراءة الحديث بالمسجد الأقصى، وكتب بخطّه الكثير، وتميّز فى معرفة الشّروط.
ونظم الشعر المتوسّط، والغالب عليه فيه المجنون، مع الخير، والسّمت الحسن، والتواضع، والتّقنّع بتجليد الكتب.
ومن نظمه قوله
(1)
:
فى وجه حبّى آيات مبيّنة
…
فاعجب لآيات حسن قد حوت سورا
فنون حاجبه مع صاد مقلته
…
ونون عارضه قد حيّر الشعرا
وقوله
(2)
:
أنا المقلّ وحبّى
…
أذاب قلبى ولوعه
أبكى عليه بجهدى
…
جهد المقلّ دموعه
ومن نظمه فى مسائل الشّهادة بالاستفاضة، قوله
(3)
:
افهم مسائل ستّة واشهد بها
…
من غير رؤياها وغير وقوف
نسب وموت والولاد وناكح
…
وولاية القاضى وأصل وقوف
وله غير ذلك كثير.
وكانت وفاته يوم الجمعة، عشرى المحرّم، سنة أربع وستّين وثمانمائة، رحمه الله تعالى.
كذا لخّصت هذه الترجمة من «الضوء اللامع» .
***
17 - إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم الطّرزىّ، بالتحريك
(*)
من أهل دامغان
(4)
.
(1)
البيتان فى الضوء اللامع 1/ 31.
(2)
الضوء اللامع 1/ 31.
(3)
الضوء اللامع 1/ 31.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 7، المنهل الصافى 1/ 34.
(4)
دامغان: بلد كبير بين الرى ونيسابور، وهى قصبة قومس. معجم البلدان 2/ 539.
ذكره أبو العلاء الفرضىّ، فى «معجم شيوخه» ، فقال:
كان شيخا فقيها، وعالما فاضلا، زاهدا عابدا، مدرّسا مفتيا، عارفا بأصول الفقه وفروعه، ملازما بيته، لا يخرج إلا إلى مسجده أو إلى الجامع.
وكان قد رحل إلى بخارى، وتفقّه بها، ثم رجع إلى بلده، ولم يزل يفتى ويدرّس، إلى أن توجّهت العساكر الأحمديّة
(1)
إلى خراسان، فعبروا على دامغان، وكانوا كرجا
(2)
نصارى،/فعذّبوا أهلها، وعذّب الشيخ فى جملة من عذّب، وأصابته جراحات، فهرب إلى بسطام، فتوفّى بها، ودفن هناك، فى سنة اثنتين وثمانين وستمائة، رحمه الله تعالى.
***
18 - إبراهيم بن إسحاق بن أبى العنبس، أبو إسحاق
الزّهرىّ، القاضى، الكوفىّ
(*)
سمع جعفر بن عون المعمرىّ، وإسحاق بن منصور السّلولىّ، ويعلى بن عبيد الطّنافسىّ.
روى عنه أبو بكر بن أبى الدنيا، ومحمد بن خلف وكيع، وأحمد بن محمّد بن إسماعيل الأدمىّ، وشعيب بن محمّد الذّارع، ويحيى بن صاعد، وعامّة الكوفيّين.
وولى قضاء مدينة المنصور بعد أحمد بن محمد بن سماعة.
وكان ثقة، خيّرا
(3)
، فاضلا، كيّسا، ديّنا، صالحا.
قال محمد بن خلف وكيع: كتبت عنه، وهو على قضاء مدينة المنصور، فى سنة ثلاث وخمسين ومائتين.
وعن طلحة بن محمد بن جعفر، قال: صرف أحمد بن محمّد بن سماعة، واستقضى مكانه إبراهيم بن إسحاق بن أبى العنبس، وذلك فى سنة خمس وثلاثين، وكان تقلّد قضاء
(1)
فى حاشية المنهل الصافى: «يريد عسكر التتار. والأحمدية: نسبة إلى السلطان أحمد بن هولاكو» .
(2)
انظر اللباب 3/ 34، وذكر أنهم جيل من الناس.
(*) ترجمته فى: تاريخ بغداد 26،6/ 25 الجواهر المضية، برقم 8.
(3)
فى ص، ونسخة م من الجواهر:«حبرا» ، والمثبت فى: ط، ن، وتاريخ بغداد.
الكوفة، وهذا رجل جليل القدر، صالح العلم، حسن الدّين، من أصحاب الحديث، حمل الناس عنه حديثا كثيرا، وكان سبب صرفه أن الموفّق أراد منه أن يدفع إليه أموال الأيتام على سبيل القرض، فأبى أن يدفعها، وقال: لا والله، ولا حبّة منها. فصرفه عن الحكم فى سنة أربع وخمسين ومائتين، وردّ إلى قضاء الكوفة. انتهى.
وكانت وفاته يوم الثلاثاء، لثلاث بقين من ربيع الآخر، سنه سبع وسبعين ومائتين، وقد بلغ ثلاثا وتسعين سنة، رحمه الله تعالى.
***
19 - إبراهيم بن إسحاق بن يحيى
ابن إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل، الآمدىّ
الأصل، الدّمشقىّ، عفيف الدّين، ابن فخر الدّين
(*)
ولد بدمشق فى ليلة عاشوراء، سنة خمس وتسعين وسبعمائة.
وسمع من ابن مشرّف، والتقىّ سليمان، وابن الموازينىّ
(1)
، وغيرهم.
وأجاز له أبو
(2)
الفضل ابن عساكر، وإسماعيل الفرّاء
(3)
، وغيرهما.
وخرّج له المحدّث صدر الدّين ابن إمام المشهد «مشيخة» ، حدّث بها بدمشق ومصر.
قال ابن حجر: سمع منه جماعة من أصحابنا، منهم المجد إسماعيل البرماويّ
(4)
وقريبه
(*) ترجمته فى: الدرر الكامنة 1/ 18.
وفى ص: «الاحدى الأصل» ، وهو تحريف، صوابه فى: ط، ن، والدرر.
(1)
فى ط، ن:«وابن الموارسى» ، والصواب فى: ص، والدرر الكامنة.
(2)
زيادة من الدرر الكامنة، وانظر النجوم الزاهرة 11/ 89.
(3)
فى الدرر: «إسماعيل بن الطبال» .
(4)
نسبة إلى برمة، بكسر فسكون: بليدة ذات أسواق، فى كورة الغربية، من أرض مصر، فى طريق الإسكندرية. معجم البلدان 1/ 595.
محمّد بن عبد الدّائم بن فارس، وأبو حامد ابن ظهيرة، وأبو محمد سبط ابن العجمىّ، وغيرهم.
قال: وهو من شيوخى بالإجازة العامّة
(1)
.
وقد ولى نظر الأيتام والأوقاف، ثم نظر الجيش بدمشق، والجامع، وغير ذلك من المناصب الجليلة.
وكان مشكور السّيرة، معظّما عند الناس.
وحصل له فى آخر عمره صمم.
وحدّث بمصر، ودمشق.
مات فى ربيع الأول، سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
***
20 - إبراهيم بن أسد بن أحمد، أبو العباس
(*)
من بيت علم وفضل.
روى عنه ابن ابنه نصر بن أحمد بن إبراهيم، الآتى ذكره فى محلّه، إن شاء الله تعالى.
***
21 - إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم
ابن يحيى، أبو إسحاق، الدّمشقىّ، المعروف بابن الدّرجىّ
(**)
ذكره الذّهبىّ فى «العبر» ، وقال: روى عن الكندىّ، وأبى الفتوح البكرىّ.
(1)
هذا آخر كلام ابن حجر فى الدرر الكامنة.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 9.
وهو من رجال القرن الخامس، فإن حفيده نصرا، الذى روى عنه، ولد سنة تسع عشرة وأربعمائة. على ما يأتى فى ترجمته.
(**) ترجمته فى: البداية والنهاية 13/ 300، الجواهر المضية، برقم 10، الدارس 557،1/ 556، العبر 5/ 335، المنهل الصافى 1/ 37 - 39، النجوم الزاهرة 7/ 356، الوافى بالوفيات 5/ 327.
وأجاز له أبو جعفر الصّيدلانىّ، وطائفة.
وحدّث «بالمعجم الكبير» للطّبرانىّ.
وتوفّى فى صفر سنة/إحدى وثمانين وستمائة. انتهى.
وذكر فى «المنهل» أنه ولد سنة تسع وتسعين وخمسمائة.
قال: وكان ثقة، فاضلا، خيّرا، ديّنا.
روى عنه ابن تيميّة، والمزّىّ، والبرزاليّ، وابن العطّار. وأجاز الذّهبىّ
(1)
.
وذكره الدّمياطى فى «معجم شيوخه» .
***
22 - إبراهيم بن إسماعيل بن أحمد
ابن إسحاق بن شيث بن نصر الأنصارىّ، الوائلىّ،
أبو إسحاق، الفقيه، المعروف بالصّفّار
(*)
من بيت العلم والفضل.
تفقّه على والده، وغيره.
وسمع «الآثار» للطّحاوى على والده، وكتاب «العالم والمتعلّم» لأبى حنيفة، على أبى يعقوب السّيّارىّ
(2)
بقراءة والده، و «السّير الكبير» لمحمّد بن الحسن، على أبى حفص البزّار
(3)
، وكتاب «الكشف فى مناقب أبى حنيفة» ، تصنيف عبد الله بن محمّد بن يعقوب الحارثىّ، على والده، وكتاب «الرّدّ على أهل الأهواء» تصنيف أبى حفص
(4)
الكبير.
(1)
فى ص: «للذهبى» ، والمثبت فى: ط، ن، والمنهل.
(*) ترجمته فى: الأنساب 353، التحبير 1/ 71، الجواهر المضية، برقم 11، الفوائد البهية 7/ 9، كتائب أعلام الأخيار، برقم 317.
(2)
فى ط، ن «الشارى». والصواب فى: ص، وقيده فى الفوائد البهية بتشديد التحتية.
(3)
هو عمر بن منصور البزار. انظر سند السرخسى فى أول شرحه للسير الكبير 1/ 5.
(4)
فى الجواهر المضية: «أبى عبد الله بن أبى حفص» . وأبو عبد الله هذا اسمه محمد، انظر كتائب أعلام الأخيار، ترجمة رقم 317، واسم أبيه أحمد بن حفص.
وكان مولد إبراهيم هذا فى حدود سنة ستّين وأربعمائة.
نقله أبو سعد فى «ذيله» ، وقال: كان من أهل بخارى، موصوفا بالزهد، والعلم، وكان لا يخاف فى الله لومة لائم.
ثم مات ببخارى فى السّادس والعشرين من ربيع الأوّل، سنة أربع وثلاثين وخمسمائة.
واشتغل عليه الجمّ الغفير، ومن جملتهم قاضى خان. رحمه الله تعالى.
***
23 - إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الكريم
ابن سلطان اللّبنانىّ الحنفىّ، السّيد برهان الدّين
(*)
كذا ذكره فى «الغرف العليّة» ، ثم قال: ذكره شيخنا ابن المبرد فى «اختصار الدّرر» ، وقال: أخذ عن الفخر ابن البخارىّ، وأثنى عليه البرزاليّ، ووصفه بالكرم والمروءة.
وكانت وفاته سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
***
24 - إبراهيم بن إسماعيل
(**)
المعروف والده بإسماعيل المتكلّم، صاحب كتاب «الكافى» .
قال فى «الجواهر» : وهو إمام ابن إمام. رحمهما الله تعالى.
***
(*) ترجمته فى: الدرر الكامنة 1/ 19.
وهذه الترجمة كلها ساقطة من: ص، وهى فى: ط، ن.
(**) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 12.
وفى ترجمة أبيه أن إبراهيم هذا يقال له: «برهان الدين» .
25 - إبراهيم بن أيّوب بن أحمد الحنفىّ
(*)
كتب عنه سعيد بن عبد الله الذّهلىّ الحنفىّ
(1)
شعره.
ومنه قوله:
وحبيب قلبى بالصّدود مواصلى
…
ماذا أقول وذنبه مغفور
***
26 - إبراهيم بن أبى بكر بن محمود
ابن إبراهيم بن محمود الحموىّ
(**)
شقيق عبد الرحمن، الآتى ذكره وذكر أبيهما فى محلّه، إن شاء الله تعالى.
ولى قضاء الحنفيّة بعد أبيه، فى سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة.
وكان له فضيلة، وهو أصغر من أخيه سنّا وفضلا. رحمه الله تعالى.
***
27 - إبراهيم بن أبى عبد الله بن إبراهيم
ابن محمد بن يوسف، أبو إسحاق الأنصارىّ
الإسكندرىّ، الكاتب، عرف بابن العطّار
(***)
ولد سنة خمس وتسعين وخمسمائة.
وتأدّب على أبى زكريّا يحيى بن معطى النّحوىّ، وجال فى بلاد الهند، واليمن، والعراق، والرّوم.
(*) ترجمته فى: الضوء اللامع 1/ 36.
(1)
بعد هذا فى ط، ن زيادة:«من» ، والمثبت فى: ص.
(**) ترجمته فى: الضوء اللامع 2/ 36، والترجمة كلها ساقطة من ص، وهى فى: ط، ن.
(***) ترجمة فى: الجواهر المضية، برقم 27.
قال منصور بن سليم، فى «تاريخ الإسكندرية
(1)
»: مات سنة تسع وأربعين وستمائة، فيما بلغنى بالقاهرة.
قال منصور: ورأيته بالموصل، وبغداد، رحمه الله تعالى.
***
28 - إبراهيم بن أبى يزيد
-بالياء المثنّاة من تحت، ورأيت بعضهم ضبطه
خطأ بالباء الموحّدة، والراء المهملة، مصغّرا-
الهندىّ الشيخ الإمام، العلاّمة، المحقّق، برهان الدّين
(*)
نزيل/القاهرة بالجوهريّة، ثم شيخ القانبانيّة
(2)
.
كان من أفراد علماء عصره الأفاضل، ومن الفضلاء الأماثل.
قدم مكة فحج، وأخذ بها عنه الجمّ الغفير؛ منهم قاضيها البرهان ابن ظهيرة.
ثم قدم القاهرة، فنزل بالجوهريّة، وشهر بالفضائل، وقصده الفضلاء، وأخذوا عنه فى فنون متعدّدة.
ثم قرّره الظاهر فى مشيخة الحنفيّة بالقانبانيّة، عوضا عن ابن التّفهنىّ
(3)
بحكم وفاته، ودام بها مدّة.
(1)
ويسمى: «الدرر السنية فى أخبار الإسكندرية» .
(*) جاءت هذه الترجمة فى ص قبل الترجمة رقم 26، وجاء اسمه فيها:«إبراهيم بن أبى بريد» ، وجاء فيها أنه بالباء الموحدة والراء المهملة. وقد رجع المصنف عن هذا، وعده خطأ على ما تذكر نسختى: ط، ن.
وفى الضوء اللامع 1/ 180 ترجمة لإبراهيم بن أبى مزيد الحنفى. انظرها.
(2)
هى مدرسة قانى باى بن عبد الله المحمدى، وهى لا تزال قائمة باسم جامع المحمدى، فى النهاية الشرقية، من شارع شيخون، الموصّل من الصليبة إلى ميدان القلعة. انظر حواشى النجوم الزاهرة 11/ 39.
وجاء اسم المدرسة فى ص أول مرة: «القانباية» ، وثانيا «القايابية» ، وهو فى ط، ن:«القانباية» ، أولا، وثانيا ما أثبته.
(3)
فى ص: «ابن النغرى» ، والمثبت فى: ط، ن.
وتفهنا: بليدة بمصر، من ناحية جزيرة قوسنيا. معجم البلدان 1/ 859. وورد فيه هكذا:«قوسنيا» وعرف بها فى 4/ 200، وضبطها بالعبارة، وتعرف اليوم باسم:«قويسنا» .
وكان شكله
(1)
حسنا، خيّرا، ديّنا، كثير الأدب.
توفّى سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، رحمه الله تعالى.
***
29 - إبراهيم بن الجرّاح بن صبيح التّميمىّ
(*)
مولى بنى تميم.
أصله من مرو الرّوذ
(2)
، وسكن الكوفة، ثم مصر، فولاّه عبيد الله بن السّرىّ القضاء بها، بعد امتناع إبراهيم بن إسحاق، وذلك فى مستهلّ جمادى الأولى، سنة خمس ومائتين، فاستكتب عمرو بن خالد الحرّانىّ، وجعل على مسائله معاوية بن عبد الله الأسوانىّ.
تفقّه على أبى يوسف، وسمع منه الحديث، وكتب عنه «الأمالى» .
وروى عن علىّ بن الجعد، وأحمد بن عبد المؤمن، وأحمد بن عبد الله البكرى.
وذكره ابن حبّان فى «الثّقات» ، وقال: كان من أصحاب الرّأى، سكن مصر بخطّى
(3)
.
وقال كاتبه عمرو بن خالد: ما صحبت أحدا من القضاة مثل إبراهيم بن الجرّاح، كنت إذا عملت له المحضر، وقرأته عليه، أقام عنده ما شاء الله أن يقيم، حتى ينظر فيه، ويرى رأيه، فإذا أراد أن يمضى ما فيه دفعه إلىّ لأنشئ
(4)
له منه سجلاّ، فأجد بحافّته:«قال أبو حنيفة كذا. قال ابن أبى ليلى كذا. قال مالك كذا. قال أبو يوسف كذا» ، وعلى بعضها علامة له كالخطّ، فأعلم أنّ اختياره وقع على ذلك القول، فأنشئ عليه.
(1)
فى ط، ن:«شكلا» ، والمثبت فى: ص.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 13، رفع الإصر 1/ 24، طبقات الفقهاء للشيرازى 139، فتوح مصر وأخبارها 246، الولاة والقضاة 427 - 430.
وفى ط، ن:«إبراهيم بن الجراح بن صبح» ، والمثبت فى: ص، والجواهر.
(2)
مرو الروذ: مدينة قريبة من مرو الشاهجان، بينهما خمسة أيام، وهى على نهر عظيم. معجم البلدان 4/ 506.
(3)
كذا بالأصول.
(4)
فى ص: «مستجلا» ، والمثبت فى: ط، ن.
ولم يزل إبراهيم على القضاء حتى توجّه عبد الله بن طاهر بن الحسين، من قبل المأمون إلى مصر، ليحارب عبيد الله بن السّرىّ، فصرفه عن القضاء، سنة إحدى عشرة ومائتين.
وعن أبى جعفر الطّحاوىّ، أنه قال: كان إبراهيم بن الجرّاح راكبا فى موكب، فيه جمع كثير من الناس، فبلغهم أنه عزل، فتفرّقوا أوّلا فأوّلا، إلى أن لم يبق معه أحد، فقال لغلامه:
ما بال الناس!!.
قال: بلغهم أنك عزلت.
فقال: سبحان الله، ما كنّا إلاّ فى موكب ريح
(1)
.
ولما صرف عن القضاء، قال: سمعت أبا يوسف يقول: سمعت أبا حنيفة فى جنازة رجل ينشد هذه الأبيات عند القبر:
لمّا رأيت المشيب قد نزلا
…
وبان عنّى الشباب وارتحلا
أيقنت بالموت فانكسرت له
…
وكلّ حىّ يوافق الأجلا
كم من أخ لى قد كان يؤنسنى
…
فصار تحت التّراب منجدلا
لا يسمع الصّوت إن هتفت به
…
ولا يردّ الجواب إن سئلا
لو خلّد الله فاعلموا أحدا
…
لخلّد الأنبياء والرّسلا
وذكره ابن الجوزىّ فى «المنتظم» ، وقال: أصله من مرو الرّوذ، وعزل سنة عشر ومائتين، وعاش بعد ذلك إلى أن مات بالرّملة، سنة سبع عشرة. يعنى ومائتين.
وقال ابن يونس: مات فى المحرّم، بمصر.
وعن عبد الرحمن بن عبد الحكم، أنه قال: لم يكن إبراهيم بن الجرّاح بالمذموم/فى أوّل ولايته حتّى قدم عليه ابنه من العراق، فتغيّر حاله، وفسدت أحكامه.
*** *وإبراهيم هذا هو آخر من روى عن أبى يوسف، قال: أتيته أعوده، فوجدته مغمى عليه، فلما أفاق قال لى: يا إبراهيم، أيّما أفضل فى رمى الجمار، أن يرميها الرجل راجلا أو راكبا؟
(1)
فى ط، ن:«ربح» ، والمثبت فى: ص.
فقلت: راكبا.
فقال: أخطأت.
ثم قال: أمّا ما كان يوقف عنده للدّعاء فالأفضل أن يرميه راجلا، وأمّا ما كان لا يوقف عنده فالأفضل أن يرميه راكبا.
ثمّ قمت من عنده، فما بلغت باب داره حتى سمعت الصّراخ عليه، وإذا هو قد مات، رحمه الله تعالى.
***
30 - إبراهيم بن حاجّى صارم الدّين
ابن شيخ تربة برقوق، وقاضى العسكر، زين الدين، الحنفىّ
(*)
سمع على الجمال الحنبلىّ «ثمانيّات النّجيب» ، «وسباعيّاته» .
ولقيه البقاعىّ، وغيره.
كذا ذكره السّخاوىّ فى «ضوئه» ، ثم قال: ولم أعلم متى مات، رحمه الله تعالى.
***
31 - إبراهيم بن الحسن
الفقيه، أبو الحسن العزرىّ
(**)
بفتح العين، وسكون الزّاى، وكسر الرّاء؛ نسبة إلى باب عزرة، محلّة كبيرة بنيسابور.
سمع من أبى سعيد
(1)
عبد الرحمن بن الحسن، وإبراهيم بن محمّد، النّيسابوريّين.
وسمع منه الحاكم، وذكره فى «تاريخ نيسابور» وقال: كان من فقهاء أصحاب أبى حنيفة، رضى الله تعالى عنه.
(*) ترجمته فى: الضوء اللامع 1/ 37.
والترجمة كلها ساقطة من: ص، وهى فى: ط، ن.
(**) ترجمته فى: الأنساب 389 ب، الجواهر المضية، برقم 14، اللباب 2/ 135، معجم البلدان 3/ 668، وهو فيه:«إبراهيم بن الحسين» ، وكناه أبا إسحاق.
(1)
فى الأصول: «أبى سعد» ، والمثبت فى المصادر السابقة.
وذكره أبو سعد فى «أنسابه» أيضا.
قال الحاكم: توفّى سنة سبع وأربعين وثلاثمائة، رحمه الله تعالى.
***
32 - إبراهيم بن الحسين بن هارون
أبو إسحاق، السّمرقندىّ، الدّقّاق
(*)
قال فى «الجواهر» : ذكره أبو سعد الإدريسىّ، «فى تاريخ سمرقند» فقال: كان من عباد الله الصّالحين، من أصحاب أبى حنيفة، فاضلا فى نفسه، أنفق على أهل مذهبه جملة، وأوقف عليهم ضياعات فاخرة.
قال: إلاّ أنه لم يكن يعلم رسوم الحديث والرّواية، رأيته يحدّث بكتاب أبى عيسى التّرمذىّ، عن أبى علىّ الحافظ، من أصل
(1)
لم يكن فيه سماع.
مات سنة تسعين وثلاثمائة، أو بعد التسعين بقليل، رحمه الله تعالى.
***
33 - إبراهيم بن خليل باشا
ابن إبراهيم بن خليل الرّومىّ
(**)
كان أبوه
(2)
وزيرا للسّلطان
(2)
مراد خان.
وكان جدّه الأعلى خليل أوّل من ولى قضاء العسكر فى الدّولة العثمانية، كما سيأتى فى محلّه من حرف الخاء.
وولى إبراهيم هذا قضاء مدينة أدرنة، فلما فتح السّلطان محمد قسطنطينيّة غضب على
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 15.
(1)
فى النسخة م من الجواهر المضية بعد هذا زيادة: «كتاب» .
(**) ترجمته فى الشقائق النعمانية 1/ 310 - 314.
(2 - 2) فى ط، ن:«وزيرا لسلطان» ، والمثبت فى: ص، والشقائق النعمانية.
أبيه خليل، وصادره واستصفى أمواله، وحبسه إلى أن مات، وعزل ابنه إبراهيم عن قضاء أدرنة، وأقصاه عن حضرته الجميلة، ومناصبه الجليلة، فتوجّه
(1)
إلى حضرة الشيخ حاجّى خليفة، وأقام عنده مدّة، وسلك طريقته.
ثم قدم قسطنطينيّة فى خبر طويل
(2)
، وفوّض إليه السلطان محمد قضاء أماسية، وكان بها إذ ذاك ولده السّلطان بايزيد، فلما توفّى السّلطان محمّد، وولى السّلطنة ولده المذكور، فوّض لإبراهيم قضاء العسكر بولاية روملى، عوضا عن المولى القسطلاّنىّ، ثم فوّض إليه الوزارة العظمى، وارتفع جاهه، وبعد صيته.
وكانت سيرته فى القضاءة والوزارة سيرة محمودة، وطريقته مشكورة.
وكان/كريم النفس، جواد الكفّ، يأكل من مطبخه كلّ يوم نحو ستمائة نفر، ولم يخلّف من المال سوى ثمانية آلاف درهم عثمانىّ، تغمده الله تعالى برحمته.
***
34 - إبراهيم بن خير خان
ابن مودود بن خير خان
(*)
ذكره فى «الجواهر» ، وقال: سمع من أبى طاهر بركات الخشوعىّ
(3)
وحدّث.
مات بدمشق، سنة خمس وأربعين وستمائة، رحمه الله تعالى.
***
(1)
فى ط، ن:«وتوجه» ، والمثبت فى: ص.
(2)
تجد تفصيله فى الشقائق النعمانية.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 16.
(3)
فى النسخ، وبعض نسخ الجواهر:«الجوعى» خطأ، وهو أبو طاهر بركات بن طاهر الخشوعى، المتوفى سنة ثمان وتسعين وخمسمائة.
انظر وفيات الأعيان 1/ 269.
35 - إبراهيم بن داد بن دنكة
أبو إسحاق، التّركىّ
(*)
والد أبى العباس أحمد، الآتى ذكره.
تفقّه عليه ولده أبو العباس المذكور، وكان فقيها فاضلا.
وداد، بدالين مهملتين بينهما ألف.
قال فى «الجواهر» : وهو اسم مشترك بين لسان الفارسيّة والتّركيّة، ومعناه العدل. نقلا عن شيخنا شجاع الدّين هبة الله التّركستانىّ.
***
36 - إبراهيم بن داود بن حازم
(**)
والد إبراهيم المتقدّم ذكره فى أوّل حرف الهمزة.
وهو الإمام الملقّب نجم الدّين، رحمه الله تعالى.
***
37 - إبراهيم بن رستم
أبو بكر، المروزىّ
(***)
أحد الأئمة الأعلام.
سمع منصور بن عبد الحميد، وهو شيخ يروى عن أنس بن مالك، وسمع أيضا مالك بن أنس، ومحمّد بن عبد الرحمن بن أبى ذئب، وسفيان الثّورىّ، وغيرهم.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 17.
(**) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 18.
وفى ص: «بن خازم» .
(***) ترجمته فى: تاج التراجم 3، تاريخ بغداد 6/ 72 - 74، الجواهر المضية، برقم 19، الفوائد البهية 10،9، كتائب أعلام الأخيار، برقم 111، كشف الظنون 2/ 1981، لسان الميزان 1/ 56 - 58، معجم المصنفين للتونكى 137،3/ 136، ميزان الاعتدال 31،1/ 30.
قدم بغداد غير مرّة، وحدّث بها، فروى عنه من العراقيّين؛ سعيد بن سليمان سعدويه، وأحمد بن حنبل، وزهير بن حرب، وغيرهم.
قال العباس بن مصعب: كان إبراهيم بن رستم من أهل كرمان
(1)
، ثم نزل مرو فى سكّة الدّبّاغين، وكان أوّلا من أصحاب الحديث، فحفظ الحديث، فنقم عليه من أحاديث، فخرج إلى محمّد بن الحسن وغيره من أهل الرّأى، فكتب كتبهم، وحفظ كلامهم، فاختلف الناس إليه، وعرض عليه القضاء، فدعاه المأمون، فقرّبه منه، وحدّثه.
روى أنّه لمّا عرض عليه القضاء فامتنع، وانصرف إلى منزله، تصدّق بعشرة آلاف درهم، وأتاه ذو الرّئاستين إلى منزله مسلّما، فلم يتحرّك له، ولا فرّق أصحابه.
فقال إشكاب-وكان رجلا متكلّما-: عجبا
(2)
لك، يأتيك وزير الخليفة فلا تقوم من أجل هؤلاء الدّبّاغين!.
فقال رجل من هؤلاء
(3)
المتفقّهة: نحن من دبّاغى الدّين، الذى رفع إبراهيم بن رستم حتى جاءه وزير الخليفة.
فسكت إشكاب.
وسئل عنه يحيى بن معين، فقال: ثقة.
وذكر عن الدّارمىّ توثيقه أيضا.
قال إسحاق بن إبراهيم الحفصىّ: مات إبراهيم بن رستم المروزىّ بنيسابور، قدمها حاجّا، وقد مرض بسرخس، فبقى عندنا تسعة أيّام وهو عليل، ومات فى اليوم العاشر، وهو يوم الأربعاء، لعشر بقين من جمادى الآخرة، سنة إحدى عشرة ومائتين، فى دار إسماعيل
(1)
كرمان بفتح الكاف وكسرها: ولاية مشهورة، وناحية كبيرة معمورة، بين فارس ومكران وسجستان وخراسان. معجم البلدان 4/ 26.
(2)
فى ط، ن:«أعجبا» ، والمثبت فى: ص.
(3)
فى ص: «أولئك» ، والمثبت فى: ط، ن.
الطّوسىّ، فى سكّة حفص، وصلّى عليه الأمير محمد بن محمد بن حميد الظّاهرىّ، ودفن بباب معمر
(1)
.
وقال محمد بن إسحاق الثّقفىّ: إنّه مات سنة عشر ومائتين. رحمه الله تعالى.
***
38 - إبراهيم بن سالم، أبو إسحاق، الشّكانىّ
(*)
بكسر الشّين المعجمة، وفتح الكاف، وفى آخرها النون؛ نسبة إلى شكّان، قرية من قرى بخارى، فى ظنّ السّمعانىّ، وقيل: من قرى كشّ /
(2)
. والصحيح الأوّل.
قال السّمعانىّ: فقيه فاضل، تفقّه على أبى بكر محمد بن الفضل.
وروى الحديث عن أبى عبد الله الرّازىّ، وأبى محمد أحمد بن عبد الله المزنىّ، وغيرهما.
وروى عنه السّيّد أبو بكر محمد بن على الجعفرىّ، وأبو بكر محمد بن نصر الخطيب.
وكان يملى ببخارى.
ومات سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة، رحمه الله تعالى.
***
39 - إبراهيم بن سليمان بن عبد الله
أبو إسحاق، التّميمىّ، الصّرخدىّ، الفقيه
(**)
خطيب صرخد
(3)
أنشأ خطبا مليحة، وله ترسّل وشعر.
(1)
فى الجواهر المضية: «بباب يعمر» ، والضبط المثبت من: ص، وفى ط بضم الميم الأولى وتشديد الثانية، ضبط قلم.
(*) ترجمته فى: الأنساب 337 و، الجواهر المضية، برقم 20، اللباب 2/ 25، معجم البلدان 3/ 310.
واسمه فى بعض نسخ الجواهر المضية، ومعجم البلدان:«إبراهيم بن مسلم» ، وفى أصل الجواهر، والأنساب، واللباب:«إبراهيم بن سلم» .
(2)
وكشّ: قرية على ثلاثة فراسخ من جرجان، على جبل. معجم البلدان 4/ 277.
(**) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 21.
(3)
صرخد: بلد ملاصق لبلاد حوران، من أعمال دمشق. معجم البلدان 3/ 380.
مات بصرخد، سنة سبع عشرة وستمائة، وقد بلغ أربعا وخمسين سنة. رحمه الله تعالى.
***
40 - إبراهيم بن سليمان الحموىّ
المنطقىّ، الإمام
(*)
رضىّ الدّين، الرّومىّ الأصل، المعروف بالآب كرمىّ؛ نسبة إلى بلدة صغيرة من بلاد قونية، يقال لها آب كرم.
كان فقيها، نحويّا، مفسّرا، منطقيّا، ديّنا، متواضعا.
درّس بالقيمازيّة
(1)
، ثمّ تركها لولده، ثم درّس بها بعد موت ولده.
وتفقّه ببلاده، ثمّ ورد دمشق، فتفقّه عليه جماعة، وأقام بها إلى أن مات، سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، فى سادس عشرى ربيع الأوّل، وقيل: فى خامس عشره، ودفن بمقبرة الصّوفيّة، وقد جاوز الثمانين.
وكان قد حجّ سبع مرّات.
وشرح «الجامع الكبير» فى ستّ مجلّدات، وله «شرح المنظومة» فى مجلّدين. رحمه الله تعالى.
***
41 - إبراهيم بن شعيب
(**)
قال فى «الجواهر» : من طبقة بشر بن أبى الأزهر القاضى
(2)
، رحمهما الله تعالى.
***
(*) ترجمته فى: الإشارات إلى أماكن الزيارات، للسويدى 16، إيضاح المكنون 1/ 314، البداية والنهاية 14/ 159، تاج التراجم 3، الجواهر المضية، برقم 22، الدارس 576،1/ 575، الدرر الكامنة 1/ 28، شذرات الذهب 6/ 97، الفوائد البهية 9، كتائب أعلام الأخيار، برقم 537، كشف الظنون 1868،1/ 569، المختصر 4/ 105، معجم المصنفين، للتونكى 152،3/ 151، من ذيول العبر (ذيل الذهبى) 172، المنهل الصافى 50،1/ 49.
(1)
القيمازية: من مدارس الحنفية بدمشق، داخل بابى النصر والفرج. الدارس 1/ 572.
وفى حاشية المنهل الصافى 1/ 49 أنها كانت بالمناخلية، ثم درست عند ما وسع الطريق.
(**) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 23.
(2)
كانت وفاة بشر سنة ثلاث عشرة ومائتين.
42 - إبراهيم بن طهمان
(*)
عالم خراسان.
ذكره الذّهبىّ فى «طبقات الحفّاظ» ، وقال: حدّث عن سماك بن حرب، وعمرو بن دينار، ومحمد بن زياد الجمحىّ، وأبى حمزة، وثابت البنانىّ، وأبى إسحاق، وطبقتهم.
وعنه ابن المبارك، وحفص بن عبد الله، ومعن بن عيسى، وخالد بن نزار
(1)
الأبلّىّ، ومحمد بن سنان العوفىّ، وأبو حذيفة النّهدىّ، وسعد بن يزيد الفرّاء.
وحدّث عنه من شيوخه صفوان بن سليم، وأبو حنيفة الإمام.
قال ابن راهويه: كان صحيح الحديث، ما كان بخراسان أكثر حديثا منه.
وقال أبو حاتم: ثقة مرجئ.
وقال أحمد بن حنبل: هو صحيح الحديث، مقارب، يرمى بالإرجاء، وكان شديدا على الجهميّة.
وعن ابن معين، أنه قال مرّة: ليس به بأس، يكتب حديثه. ومرّة: ثقة.
وقال الدّارقطنىّ: ثقة، إنما تكلّموا فيه للإرجاء.
وقال أبو إسحاق الجوزجانىّ: فاضل يرمى بالإرجاء.
وضعّفه محمد بن عبد الله بن عمّار الموصلىّ وحده، فقال: ضعيف، مضطرب الحديث.
ولا عبرة بتضعيفه، مع ما ذكرنا من ثناء الأئمّة عليه.
(*) ترجمته فى: أعيان الشيعة 5/ 376، البداية والنهاية 10/ 146، تاريخ بغداد 5/ 105 - 111، التاريخ الكبير، للبخارى 1/ 294، تذكرة الحفاظ 1/ 213 - 315، تهذيب التهذيب 1/ 129 - 131، الجرح والتعديل 108،1/ 107/1، الجواهر المضية، برقم 24، شذرات الذهب 1/ 257، طبقات الحفاظ للسيوطى 90، العبر 1/ 241، العقد الثمين 3/ 215، 216، الفهرست 319، الكامل 6/ 62، معجم المصنفين، للتونكى 3/ 166 - 169، مرآة الجنان 1/ 351، ميزان الاعتدال 1/ 38، الوافى بالوفيات 24،6/ 23.
(1)
فى ط، ن:«مزار» ، والمثبت فى: ص، وتاريخ بغداد.
وقد روى له الأئمّة الستّة، وغيرهم.
قال الخطيب: قيل كان لإبراهيم على بيت المال شئ، وكان يسخو به، فسئل يوما عن مسألة فى مجلس الخليفة، فقال: لا أدرى. فقيل له: تأخذ فى كلّ شهر كذا وكذا، ولا تحسن مسألة؟.
فقال: ما آخذه فعلى ما أحسن، ولو أخذت على ما لا أحسن لفنى بيت المال. فأعجب ذلك أمير المؤمنين.
قال الذّهبىّ: وكان إبراهيم قد جاور بمكة فى أواخر عمره، ومات فى/سنه ثلاث وستين ومائة.
وعن الفضل بن عبد الله المسعودىّ، قال: كان إبراهيم بن طهمان حسن الخلق، واسع الأمر، سخىّ النفس، يطعم الناس، ويصلهم، ولا يرضى بأصحابه حتى ينالوا من طعامه.
وعن عبد الله بن أبى داود السّجستانىّ، قال: سمعت أبى يقول: كان إبراهيم بن طهمان ثقة، وكان من أهل سرخس، فخرج يريد الحجّ، فقدم نيسابور، فوجدهم على قول جهم، فقال: الإقامة على قول هؤلاء أفضل من الحجّ. فنقلهم من قول جهم إلى الإرجاء.
وروى الخطيب بسنده، عن أبى الصّلت، قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: ما قدم علينا خراسانىّ أفضل من ابن أبى رجاء عبد الله بن وافد الهروىّ.
قلت له: فإبراهيم بن طهمان؟.
قال: كان ذلك مرجئا.
وقال أبو الصّلت: لم يكن إرجاؤهم هذا المذهب الخبيث، أنّ الإيمان قول بلا عمل، وأن ترك العمل لا يضرّ بالإيمان، بل كان إرجاؤهم أنهم
(1)
كانوا يرجئون لأهل الكبائر الغفران، ردّا على الخوارج وغيرهم، الذين يكفّرون الناس بالذنوب، فكانوا يرجئون، ولا يكفّرون بالذنوب،
(2)
ونحن على ذلك
(2)
.
(1)
ساقط من: ط، ن، وهو فى: ص.
(2 - 2) فى ص: «ونحن كذلك» ، والمثبت فى: ط، ن.
سمعت وكيع بن الجرّاح، يقول: سمعت سفيان الثّورىّ فى آخر عمره، يقول: نحن نرجو لجميع أهل الذنوب والكبائر، الذين يدينون ديننا، ويصلّون صلاتنا، وإن عملوا أىّ عمل.
وروى الخطيب بسنده أيضا، عن عبيد الله بن عبد الكريم، قال: سمعت أحمد بن حنبل، وذكر عنده إبراهيم بن طهمان، وكان متّكيا من علّة، فاستوى جالسا، وقال: لا ينبغى أن يذكر الصّالحون فيتّكى.
ثم قال أحمد: حدّثنى رجل من أصحاب ابن المبارك، قال: رأيت ابن المبارك فى المنام، ومعه شيخ مهيب، فقلت: من هذا معك؟
قال: أما تعرف، هذا سفيان الثّورىّ!
قلت: من أين أقبلتم؟
قال: نحن نزور كلّ يوم إبراهيم بن طهمان.
قلت: وأين ترونه؟
قال: فى دار الصّدّيقين، دار يحيى بن زكريّا، عليه الصلاة والسلام.
***
43 - إبراهيم بن عبد الله
-وفى «تاريخ دمشق» عوض عبد الله: عبد الرحمن-
ابن جعفر بن عبد الرحمن بن جعفر، أبو السّمح، التّنوخىّ
الفقيه، المعرّىّ
(*)
رحل إلى أصبهان، وسمع الحديث بها، وبغيرها، وروى عن عبد الواحد بن محمد الكفرطابىّ
(1)
، وغيره.
(*) ترجمته فى: تهذيب تاريخ دمشق 2/ 224، الجواهر المضية، برقم 25، الوافى بالوفيات 46،6/ 45.
وفى النسخ: «المقرى» مكان: «المعرى» .
(1)
فى الأصول: «الكفرطانى» ، والصواب ما أثبته.
وكفر طاب، التى ينتسب إليها: بلدة بين المعرة ومدينة حلب، فى برية معطشة. انظر اللباب 3/ 46، معجم البلدان 4/ 289.
قال ابن عساكر، فى «تاريخ دمشق»: اجتاز بها عند توجّهه إلى بيت المقدس، وكان زاهدا، ورعا، ديّنا، حدّثنا عنه أبو الطيّب أحمد بن عبد العزيز المقدسىّ، إمام مسجد الرّافقة.
وقال أبو المغيث
(1)
، فى «ذيله»: كان أبو السّمح زاهدا، ورعا، فقيها على مذهب أبى حنيفة، رضي الله عنه.
وذكره ابن النّجّار فى «تاريخه» ، وقال: كان شاعرا، أديبا، فاضلا، قدم بغداد، ومدح بها الإمام المقتدى بأمر الله، ومدح خواجا بزرك
(2)
، فمن شعره قوله
(3)
:
أهلا وسهلا بالخيال الزّائر
…
منح الوصال من الحبيب الهاجر
يا مرحبا بخياله الوافى ويا
…
لهفى على ذاك الغزال النّافر
(4)
أمّا الجفون فقد وفت لهواكم
…
يا نائمين عن المعنىّ السّاهر
(5)
وقال فى «تاريخ دمشق» : وأنشدنى أبو الطّيب، قال: أنشدنى أبو السّمح، قال:
وجدت/بخطّ عمر بن علىّ بن محمد البخارىّ المحدّث بكفر طاب:
ما لامنى فيك أحبابى وأعدائى
…
إلاّ لغفلتهم عن عظم بلوائى
تركت للناس دنياهم ودينهم
…
شغلا بحبّك يا دينى ودنيائى
وكانت وفاة صاحب الترجمة سنة ثلاث وخمسمائة. رحمه الله تعالى.
***
(1)
هو منقذ بن مرشد بن على الكنانى، مؤرخ، له «تاريخ» ذيل به على أبى همام المعرى، توفى سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة.
معجم المؤلفين 13/ 23.
(2)
هذا الضبط من: ص، ضبط قلم.
(3)
الأبيات فى الجواهر المضية 1/ 88.
(4)
فى الجواهر: «الغزال الغادر» .
(5)
فى النسخ: «يا نائيين» .
44 - إبراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم
ابن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن محمد
ابن عبد الباقى، الشهير بابن أمين الدولة
أبو إسحاق، الحلبىّ
(*)
من بيت الرّئاسة والتقدّم.
مولده بحلب، سنة عشرين وستمائة.
ذكره البرزاليّ فى «معجم شيوخه» ، وقال: سمع من ابن خليل، ودخل بغداد، وسمع بها من الكشغرىّ
(1)
، ودرّس بالحلاوية بحلب.
قال: وكان شيخا حسنا، فقيها على مذهب أبى حنيفة.
مات بالقاهرة، سنة إحدى وتسعين وستمائة، وصلّى عليه بجامع الحاكم، ودفن بباب النّصر، رحمه الله تعالى.
وذكره ابن حبيب، وأثنى عليه، فقال: عالم تجلّى بدر كماله، وتحلّى جيد الطّرس بدرّ مقاله، وطاب محتده، وأناف مجده وسؤدده.
سمع بحلب وبغداد ومكة، ونظم بسلك أهل الحديث النّبوىّ سلكه، واجتهد فيما هو من العلم بصدده، وباشر تدريس الحلاويّة المجاورة لجامع بلده.
***
45 - إبراهيم بن عبد الله بن موسى
تاج الدّين، الحميدىّ
(**)
كان من فضلاء الدّيار الرّوميّة، وصار ملازما من المولى صارى كرز، وأخذ عن المولى
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 26.
(1)
نسبة إلى مدينة من بلاد المشرق. اللباب 3/ 22.
(**) ترجمته فى: شذرات الذهب 8/ 369، معجم المصنفين للتونكى 3/ 219 - 223.
وهذه الترجمة كلها ساقطة من: ص، وهى فى: ط، ن.
العلاّمة شيخ محمد بن إلياس، مفتى الدّيار الرّوميّة، والسّيّد الشريف محمد المشهور بمعلول أمير.
وصار مدرّسا بمدارس متعدّدة؛ منها إحدى الثّمان، وأيا صوفية، وسليميّة اصطنبول، ثمّ صار مدرّسا بمدرسة السّلطان بايزيد خان، عليه الرحمة والرّضوان، بمدينة أماسية، ومفتيا بولايتها.
ثم فرّغ عن ذلك كلّه، وجعل له ثمانون درهما عثمانيّا بطريق التّقاعد.
ومات بقسطنطينيّة، فى شهر ربيع الأوّل، سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة، رحمه الله تعالى.
ومن مؤلّفاته «حاشية على صدر الشريعة» لم تكمل، وهى من كتاب الحجّ إلى آخره.
***
46 - إبراهيم بن عبد الله الطّرابلسىّ
الأصل، الدّمشقىّ، ثم المصرىّ، الحنفىّ
الشيخ، الإمام، العلاّمة، برهان الدّين
(*)
اشتغل، وحصّل، وبرع، ودرّس، وأفتى.
واختصر «مجمع البحرين» ، وزاد زيادات حسنة.
وولى مشيخة النّحّاسيّة بمصر.
وتوفّى سنة تسع وتسعين وثمانمائة، وصلّى عليه بدمشق صلاة الغائب، رحمه الله تعالى.
كذا نقلت هذه الترجمة من «الغرف العليّة» بحروفها.
***
(*) ترجمته فى: كشف الظنون 2/ 1601، معجم المصنفين، للتونكى 3/ 227.
وهذه الترجمة كلها ساقطة من: ص، وهى فى: ط، ن.
47 - إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عبد الرحيم
المنبجىّ، الفقيه، المنعوت بهاء الدّين
(*)
سمع منه أبو حفص عمر ابن العديم، وذكره فى «تاريخه» ، فقال: شيخ حسن، وقور، فقيه، من أصحاب أبى حنيفة.
ولى التدريس بالأتابكيّة، بباب مراغا
(1)
، وأقام بها مدّة، ثم عاد إلى منبج
(2)
فى سنة إحدى وثلاثين وستمائة.
وتوفّى فى حدود الأربعين وستمائة، رحمه الله تعالى.
و
(3)
منبج، بفتح الميم، وسكون النون، وكسر الباء الموحّدة، وبعدها جيم: من مدن الشّام
(3)
.
***
48 - إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد
ابن إسماعيل، أبو الوفاء، وأبو الفضل
الكركىّ الأصل، القاهرىّ /المولد والدار
(**)
ولد بالقاهرة، سنة خمس وثلاثين وثمانمائة، وأمّه جركسيّة، من خدم يشبك المشدّ.
حفظ القرآن، وجوّده على الشّمس ابن الحمّصانىّ، وأخذ الميقات عن البدر القيمرىّ
(4)
، والفقه والعربيّة عن الشّمس إمام الشّيخونيّة، وكذا أخذ عن النّجم القرمىّ، قاضى العسكر، وقرأ «الصّحيحين» على الشّهاب ابن العطّار، ولازم التّقىّ الحصنىّ فى
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 28.
(1)
فى ص: «باب بزاعا» ، والمثبت فى: ط، ن.
(2)
ساقط من: ن، وهو فى: ص، ط.
(3 - 3) ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
(**) ترجمته فى: شذرات الذهب 104،8/ 102، الضوء اللامع 1/ 59 - 64، كشف الظنون 2/ 1304،1/ 155، معجم المصنفين 3/ 179 - 182، النور السافر 108 - 110.
(4)
نسبة إلى قيمر، وهى قلعة فى الجبال، بين الموصل وخلاط. معجم البلدان 4/ 218.
فنون، وكذا التّقىّ الشّمسىّ، والسّيف الحنفىّ، وحضر دروس الكافيجى
(1)
فى آخرين وذكر أنه أخذ عن ابن الهمام وغيره.
وذكر السّخاوىّ أنه ولى المناصب الجليلة، وتقدّم فى الدّولة، وعاشر الملوك والوزراء والأمراء
(2)
.
وساق له فى «الضّوء اللامع» ترجمة حافلة، وبالغ فى مدحه، والثناء عليه.
وذكر أنّه جمع فى الفقه «فتاوى» فى مجلّدين، وأنّه صنّف «حاشية» على «توضيح ابن هشام» فى النحو.
وقال بعضهم: كانت سيرته غير محمودة، وطريقته غير مشكورة.
قال: وقد رأيت بخطّه من نظمه مقرّظا لبعض الفضلاء المقتبسين من علمه، قوله:
في الله درّك من كتاب
…
حوى ما لم يسطّر فى كتاب
أتى ببلاغة وفصيح لفظ
…
وأسئلة محرّرة الجواب
وتحقيق وتدقيق نفيس
…
به يهدى لمعرفة الصّواب
ومنشئه جزاه الله خيرا
…
وضاعف أجره يوم الحساب
بفضل المصطفى خير البرايا
…
إمام المرسلين بلا ارتياب
فصلّى الله مولانا عليه
…
وآتاه الوسيلة فى المآب
وناظمها الإمام عبيد باب
…
يروم شفاعة يوم الحساب
فيا مولاى بلّغه مناه
…
وجد وامنن بتحسين الثّواب
***
(1)
لقب بذلك لكثرة اشتغاله بكتاب الكافية فى النحو، وهو محمد بن سليمان بن سعد، وصحة رسم الكلمة «الكافية جى» . انظر الشقائق النعمانية 1/ 124.
(2)
من هنا إلى قوله: «وقال بعضهم» ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن، وفى ص مكان هذا: «وله المصنفات الجليلة، ومن جليلها كتاب جليل سماه فيض المولى الكريم فى المذهب، على طريقة المؤلفات الفروعية، ولقد أجاد فيه
…
» وقد ذهب تصوير الورقة ببقية الكلام.
49 - إبراهيم بن عبد الرزّاق بن رزق الله
ابن أبى بكر بن خلف الرّسعنىّ، أبو إسحاق
(*)
عرف بابن المحدّث.
سمع بالموصل من والده الإمام عزّ الدّين، وتفقّه عليه.
وكان فقيها، عالما، فاضلا.
ذكره البرزاليّ فى «معجم شيوخه» ، وقال: كتبت عنه، وفاق أبناء جنسه معرفة، وذكاء.
وكان نبيها، نبيلا، فاضلا، عالما، متنسّكا، ورعا، حسن الأخلاق.
وله منظوم، ومنثور.
وشرح «القدورىّ
(1)
»، وكتب الإنشاء بديوان الموصل.
أنشدنى من شعره كثيرا فى كلّ فنّ.
مولده فى جمادى الأولى، سنة اثنتين وأربعين وستمائة بالموصل.
وتوفّى فى شهر رمضان، سنة خمس وتسعين وستمائة، بدمشق، ودفن بسفح قاسيون.
انتهى.
كذا فى «الجواهر المضيّة» .
وقوله: إنه تفقّه على أبيه فيه شبهة، لأن الصّحيح أن أباه كان حنبلىّ المذهب، كما سيأتى فى محلّه إن شاء الله، اللهمّ إلاّ أن يكون تفقّه عليه حنبليّا، ثمّ صار حنفيّا، والله أعلم.
(*) ترجمته فى: تاج التراجم 4، الجواهر المضية، برقم 29، كشف الظنون 1632، المنهل الصافى 85،1/ 84.
والرسعنى: نسبة إلى مدينة رأس عين، وهى معروفة بديار بكر، منها يخرج ماء دجلة. معجم البلدان 1/ 467.
(1)
ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
وذكره ابن شاكر الكتبىّ فى «عيون التواريخ» ، وأنشد له من الشعر قوله:
سلام من الصّبّ المقيم على العهد
…
على نازح دان خلىّ من الوجد
عن العين ناء وهو فى القلب حاضر
…
بنفسى حبيبا حاضرا غائبا أفدى
غدت أرضه نجدا سقى ربعها الحيا
…
فأقصى المنى نجد ومن حلّ فى نجد
/أبيت إذا ما فاح نشر نسيمها
…
لفرط الأسى أطوى الضّلوع على وقد
وإن لاح من أكنافها لى بارق
…
فسحب دموع العين تهمى على الخدّ
كلفت به لا أنثنى عن صبابتى
…
به والجوى حتّى أوسّد فى لحدى
فيا عاذلى خلّ الملامة فى الهوى
…
وكن عاذرى فاللّوم فى الحبّ لا يجدى
فلست أرى عنه مدى الدهر سلوة
…
ولا لى منه قطّ ما عشت من بدّ
***
50 - إبراهيم بن عبد الكريم بن أبى الغارات
أبو إسحاق الموصلىّ
(*)
شرح قطعة كبيرة من «القدورىّ» .
وكتب الإنشاء لصاحب الموصل، ثم استعفى من ذلك.
توفّى سنة ثمان وعشرين وستمائة، رحمه الله تعالى
***
51 - إبراهيم بن عبد الواحد بن إبراهيم
ابن أحمد بن أبى بكر بن عبد الوهّاب
المرشدىّ، المكّىّ، الحنفىّ
(**)
ولد يوم الثلاثاء، منتصف صفر، سنة ست عشرة
(1)
وثمانمائة، بمكة المشرّفة.
وحفظ القرآن الكريم، و «القدورىّ» ، واشتغل على أبيه.
(*) ترجمته فى: البداية والنهاية 13/ 130، تاج التراجم 4، وفيه:«ابن أبى السعادات» ، حاشية الجواهر المضية 1/ 42 (طبعة الهند)، كشف الظنون 2/ 1632.
(**) ترجمته فى: الضوء اللامع 1/ 73.
(1)
فى الضوء اللامع: «تسع عشرة» .
وكان تاليا لكتاب الله تعالى، متعفّفا عن الصّدقات والزّكوات، متقنّعا مع ثروة.
مات فى ظهر يوم الجمعة، عاشر صفر، سنة سبع وسبعين وثمانمائة، بمكة المشرّفة.
أرّخه ابن فهد. كذا فى «الضوء اللامع» للسّخاوىّ.
و
(1)
هو من بيت العلم، والفضل والدّيانة، وفى هذا الكتاب كثير من أهله وأقار به
(1)
.
***
52 - إبراهيم بن عثمان، أبو القاسم
ابن الوزّان، القيروانىّ، اللّغوىّ، النّحوىّ، الحنفىّ
(*)
قال الزّبيدىّ، وياقوت: كان إماما فى النحو واللغة والعروض غير مدافع، مع قلّة ادّعاء وخفض جناح، وانتهى من العلم إلى ما لعلّه لم يبلغه أحد قبله، وأمّا من فى زمانه فلا يشكّ فيه.
وكان يحفظ «العين» ، و «غرائب»
(2)
أبى عبيد»، و «إصلاح المنطق» لابن السّكّيت، و «كتاب سيبويه» وغير ذلك، ويميل إلى مذهب البصريّين، مع إتقانه مذهب الكوفيّين.
قال عبد الله المكفوف النّحوىّ: ولو قال قائل: إنه أعلم من المبرّد وثعلب، لصدّقه من وقف على علمه.
وكان يستخرج من العربيّة ما لا يستخرجه أحد، وله فى النحو واللغة تصانيف كثيرة، وكان مع ذلك مقصّرا فى الشّعر.
مات يوم عاشوراء، سنة ستّ وأربعين وثلاثمائة. رحمه الله تعالى.
كذا فى «طبقات النحاة» للحافظ جلال الدّين السّيوطىّ، نقلته من نسخة مصحّحة
(1 - 1) ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
(*) ترجمته فى: إنباء الرواة 1/ 272 - 174، بغية الوعاة 1/ 419، الديباج المذهب 91، شذرات الذهب 2/ 372، طبقات اللغويين والنحاة للزبيدى 169 - 271، العبر 2/ 271، معجم الأدباء 204،1/ 203، معجم المصنفين للتونكى 3/ 232.
(2)
كذا فى الأصول، وفى كتاب السيوطى الذى ينقل عنه المصنف:«وغريب أبى عبيد المصنف» .
بخطّه
(1)
؛ وما أدرى هل قوله «الحنفى» نسبة إلى المذهب، أو نسبة إلى القبيلة، لكن الذى يغلب على الظّنّ هو الأوّل؛ لأن المذهب لأبى حنيفة كان فى تلك البلاد أظهر المذاهب،
(2)
إلى أن حمل المعزّ الناس على مذهب الإمام مالك، وحسم مادّة الخلاف فى المذاهب، واستمرّ ذلك إلى الآن، وكانت ولادة المعزّ بالمنصوريّة، سنة أربع وخمسين وأربعمائة؛ فيكون على هذا صاحب الترجمة، متقدّما على المعزّ، وكان الغالب قبله مذهب أبى حنيفة، والغالب له الحكم، حتى يتبيّن خلافه.
ولم يذكره فى «الجواهر» .
***
53 - / إبراهيم بن عثمان بن يوسف
ابن أيّوب، أبو إسحاق بن أبى عمرو، الكشغرىّ
المحتد، البغدادىّ الدّار والوفاة، الفقيه، الزّركشىّ
(*)
قال فى «الجواهر» : هكذا رأيته بخطّ الحافظ الدّمياطىّ، فيما جمعه من الشّيوخ الذين أجازوا له.
وقال: مولد الكاشغرىّ ببغداد، فى الثانى عشر من جمادى الأولى، سنة أربع وخمسين وخمسمائة.
ووفاته فى سنة خمس وأربعين وستمائة.
وكان يتشيّع، رحمه الله تعالى.
(3)
وكاشغر، بفتح الكاف بعدها ألف، ثم شين معجمة، وغين مفتوحة، وفى آخرها راء:
من بلاد الشّرق
(3)
.
***
(1)
من هنا إلى قوله: «حتى يتبين خلافه» الآتى، ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
(2)
انظر: وفيات الأعيان 234،5/ 233، الجواهر المضية 1/ 9.
(*) ترجمته فى: أعيان الشيعة 5/ 704، الجواهر المضية، برقم 30، العبر 5/ 185، لسان الميزان 80،1/ 79، ميزان الاعتدال 1/ 48.
(3 - 3) ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
54 - إبراهيم بن على بن إبراهيم
ابن خشنام بن أحمد الكردىّ، الحميدىّ
الحلبىّ، الحنفى، شمس الدّين
(*)
ولد فى رجب سنة تسع وعشرين وستمائة.
وتفقّه، وسمع من أبى البقاء يعيش النّحوىّ، وابن رواحة، ومكّىّ بن علاّن، ويوسف ابن خليل، والعماد ابن النّحّاس، وغيرهم، فى صحبة ابن العديم.
ثم ولى قضاء حمص، ثم إمامة الجامع بها، ونظر المشهد الخالدىّ.
وكان شهما، شجاعا، جريّا، فلما وصل التّاتار
(1)
إلى حمص داخل غازان، وولى قضاء حمص، وحكم، وظلم، ثم سافر مع التّاتار فولّوه قضاء خلاط
(2)
، فأقام بها ستّ سنين.
ومات سنة خمس وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
ذكر ذلك البرزاليّ.
***
55 - إبراهيم بن على بن إبراهيم
ابن محمد بن سعيد بن عبيد الله،
السّيّد، برهان الدّين، بن العلاء،
الحسينىّ، البقاعىّ الأصل، الدّمشقىّ، الصّالحىّ
(**)
ولد بعد الخمسين تقريبا، بصالحيّة دمشق، ونشأ بها.
وقرأ القرآن عند عمر اللؤلؤىّ الحنبلىّ.
وأخذ الفقه عن قاسم الرّومىّ، والشرف ابن عيد
(3)
، والكمال ابن شهاب النّيسابورىّ،
(*) ترجمته فى: الدرر الكامنة 1/ 43.
(1)
كذا هنا وفيما يأتى، وفى الدرر:«التتار» ، والترجمة منقولة عنه.
(2)
خلاط: قصبة أرمينية الوسطى. معجم البلدان 2/ 457.
(**) ترجمته فى: الضوء اللامع 1/ 75.
(3)
فى ط، ن:«ابن عبد» ، وفى الضوء:«ابن عبيد» ، والمثبت فى: ص.
وعنه أخذ أصول الدّين والنحو، والمنطق والمعانى.
ولازم عبد النبىّ المغربىّ فى الأصلين، والحكمة، وأدب البحث، والمنطق، وغيرهما.
وجوّد القرآن على عبد الله ابن العجمىّ الرّفّاء.
وسمع الحديث على البرهان ابن مفلح، وغيره.
وأمّ بالرّيحانيّة
(1)
، وتكسّب بالشّهادة، وحجّ، وجاور.
قال السّخاوىّ: ولازمنى حينئذ، حتى قرأ «شرحى على التقريب» للنّووىّ، وكتبه بخطّه، بل وسمع فى «شرحى للألفية» ، وكذا «شرح المصنّف» .
وكان إنسانا فاضلا، يستحضر كثيرا من «البخارىّ» وغيره.
رحمه الله تعالى.
***
56 - إبراهيم بن على بن أحمد
ابن على بن محمد بن أحمد بن يوسف بن إبراهيم
ابن على الدّمشقىّ، ابن قاضى حصن الأكراد،
برهان الدّين، ابن كمال الدّين، المعروف بابن عبد الحق
(*)
وعبد الحق هذا هو ابن خلف الواسطىّ الحنبلىّ، جدّ صاحب الترجمة لأمّه.
ولد إبراهيم سنة سبع، أو تسع وستين وستمائة.
وتفقّه على الظّهير أبى
(2)
الرّبيع سليمان، وغيره.
(1)
المدرسة الريحانية: جوار المدرسة النورية لغرب. الدارس 1/ 522.
(*) ترجمته فى: البداية والنهاية 14/ 212، تاج التراجم 5، الجواهر المضية، برقم 31، الدرر الكامنة 49،1/ 48، الدارس 1/ 606، كشف الظنون 2037،1981،1920،1852،2/ 1007،1/ 10، معجم المصنفين للتونكى 3/ 244 - 247، المنهل الصافى 109،1/ 108، النجوم الزاهرة 10/ 104.
وجاء اسمه فى الدرر الكامنة: «إبراهيم بن على بن محمد بن أحمد» .
(2)
فى ط، ن:«بن» ، والصواب فى: ص، وتأتى ترجمته.
وأخذ الأصول والعربيّة عن ظهير الدّين الرّومىّ، والصّفىّ الهندىّ، والمجد التّونسىّ
(1)
، وغيرهم.
ودخل إلى القاهرة، وأخذ عن ابن دقيق العيد، وأذن له بالإفتاء، وأخذ عن السّروجىّ، وغيره.
وسمع على أبيه كمال الدّين علىّ، وعمّه نجم الدّين إسماعيل، وشرف الدّين الفزارىّ، والفخر ابن البخارىّ، وغيرهم.
وتصدّر للتّدريس، بدمشق، وحدّث، وخرّج له الحافظ علم الدّين البرزاليّ «مشيخة» ، وحدّث بها بالقاهرة، بقراءة التاج ابن مكتوم.
ثم طلب/إلى مصر، بعد وفاة شمس الدّين الحريرىّ، وفوّض إليه قضاء الدّيار المصريّة، ودرّس فى عدّة أماكن.
ولم يزل قاضيا بها إلى أن صرف هو والقاضى جلال الدّين القزوينىّ
(2)
معا، فرجع إلى دمشق، واستقرّ مكانه الحسام الغورىّ
(2)
.
قال ابن حجر: وكان يقال: إنه انتهت إليه رياسة المذهب فى عصره، وكان يقرّر «الهداية» تقريرا بليغا، وصرف عن القضاء، فى النّصف من جمادى، سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، فرجع إلى الشام، ودرّس بالعذراويّة
(3)
، والخاتونيّة
(4)
، رافعا أعلام العلم، إلى أن مضى لسبيله، فى ذى الحجّة، سنة أربع وأربعين وسبعمائة. انتهى.
وله من التصانيف «شرح الهداية» ضمّنه الآثار، ومذاهب السّلف-قال فى «الجواهر»: رأيت منه قطعة، وما أظنّه كمّله-و «المنتقى» فى فروع المسائل، و «نوازل الوقائع» فى مجلّد، و «إجارة الإقطاع» فى مجلّد، و «إجارة الأوقاف زيادة على المدّة» ،
(1)
فى ط: «التنوسى» ، وفى ن:«التنوسى» و والمثبت فى: ص، والدرر الكامنة.
(2 - 2) زيادة من: ص، على ما فى: ط، ن.
(3)
المدرسة العذراوية، بحارة الغرباء، داخل باب النصر، بدمشق. الدارس 1/ 373.
(4)
هى المدرسة الخاتونية البرانية، على الشرف القبلى، عند مكان يسمى صنعاء الشام المطل على وادى الشقراء، وهى مسجد خاتون. الدارس 1/ 502.
و «مسألة قتل المسلم بالكافر» ، واختصر «السّنن الكبير» ، للبيهقىّ، فى خمس مجلّدات، واختصر «التّحقيق» لابن الجوزىّ، فى أحاديث الخلاف، واختصر «ناسخ الحديث ومنسوخه» لأبى حفص ابن شاهين.
وكان رحمه الله تعالى من محاسن الزمان، وفيه يقول الأديب شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن يوسف الدّمشقىّ، لمّا ولى الحكم بمصر، من أبيات:
طوبى لمصر فقد حلّ السّرور بها
…
من بعد ما رميت دهرا بأحزان
كنانة الله قد قام الدّليل على
…
تفضيلها من بنى حقّ ببرهان
أكرم بها وبقاضيها فقد جمعت
…
نهاية الوصف من حسن وإحسان
قد كان قدما بها بحر وفاض بها
…
بحر العلوم ففيها الآن بحران
غدا بها مذهب النّعمان ذا شرف
…
بأوحد ماله فى فضله ثان
دعاه للمنصب السّلطان منتخبا
…
لا عزّ فى دولة إلاّ بسلطان
فاسلم بها حاكم الحكّام فى دعة
…
ما غنّت الورق تحريكا لعيدان
***
57 - إبراهيم بن على بن أحمد
ابن عبد الواحد بن عبد المنعم بن عبد الصّمد،
نجم الدّين، أبو إسحاق، الطّرسوسىّ، ابن القاضى عماد الدّين
(*)
كذا ترجمه ابن قطلوبغا، واللّبودىّ، وغيرهما، فيمن اسمه إبراهيم، وترجمه صاحب «الجواهر» فيمن اسمه أحمد، وأسقط اسم جدّه أحمد، والصّحيح الأوّل
(1)
.
ولد سنة إحدى وعشرين وسبعمائة.
(*) ترجمته فى: إيضاح المكنون 615،430،1/ 137، تاج التراجم 4، الجواهر المضية، برقم 148، الدارس 1/ 623، الدرر الكامنة 1/ 44، و 45، الفوائد البهية 11،10 (نقلا عن كتائب أعلام الأخيار) قضاة دمشق 198، كشف الظنون 1616،1300،1226،1167،1166،2/ 1098،910،858،830،705،364،183،127،97، 1/ 33، 2039،2019،1867،1832، معجم المصنفين 3/ 241 - 244، من ذيول العبر (ذيل الحسينى) 316،315، المنهل الصافى 111،1/ 110، النجوم الزاهرة 10/ 326.
(1)
انظر حاشية الجواهر المضية 1/ 213.
وناب عن أبيه فى قضاء دمشق، ثم وليه استقلالا فى سنة ست وأربعين، ونزل له أبوه عنه، فباشره مباشرة حسنة، ولكن أجلس المالكىّ فوقه لكبر سنّه، إلى أن مات المالكىّ، فعاد إلى مكانه.
وله نظم رقيق، منه قوله
(1)
:
من لى معيد فى دمشق لياليا
…
قضّيتها والعود عندى أحمد
بلد تفوق على البلاد شمائلا
…
ويذوب غيظا من ثراها العسجد
(2)
وكانت وفاته فى شعبان، فى سنة ثمان وخمسين وسبعمائة، وكانت جنازته حافلة وصلّى عليه أمير على الماردانىّ، نائب دمشق، إماما.
وكان له سماع من أبى نصر ابن الشّيرازىّ /، والحجّار، وغيرهما.
وخرّج له بعض الطّلبة «مشيخة» .
ولمّا نازعه علاء الدّين ابن الأطروش فى تدريس الخاتونيّة
(3)
، كتب له أئمة الشام إذ ذاك محضرا بالغوا فى الثّناء عليه، منهم أبو البقاء السّبكىّ، وقال فيه: إنه شيخ الحنفيّة بالشّام.
وكتب فيه أيضا الشيخ ناصر الدّين ابن مؤذّن الرّبوة، وغيره.
قال الحسينىّ فى حقّه: برع فى الفقه، والأصول، ودرّس، وأفتى، وناظر، وأفاد، مع الدّيانة، والصّيانة، والتعفّف.
وقال فى «المنهل» : نشأ فى حياة والده
(4)
، وتصدّر للإقراء سنين، وناب فى الحكم عن والده، ثم استقلّ بالوظيفة، وحسنت سيرته.
وكان إماما، عالما، عفيفا، وقورا، معظّما فى الدّولة، وله تصانيف كثيرة. انتهى.
(1)
البيتان فى الدرر الكامنة 1/ 44.
(2)
فى الدرر الكامنة: «بلد يفوق على الشمول شمائلا» .
(3)
تقدم التعريف بها فى الترجمة السابقة، صفحة 212.
(4)
لم يذكر فى المنهل أنه نشأ فى حياه والده، إنما قال:«ونشأ بدمشق» وفى هامش المنهل ما يدل على أن بالنسخة بياضا، والنقل هنا فيه بعض اختلاف.
ومن تصانيفه «الفتاوى الطّرسوسيّة» ، و «أرجوزة فى معرفة ما بين الأشاعرة والحنفيّة من الخلاف فى أصول الدّين»
(1)
.
وذكره ابن طولون فى «الغرف العلّية» ، وأثنى عليه، وعدّ له من المصنّفات غير ما ها هنا: كتاب «رفع الكلفة عن الإخوان، فى ذكر ما قدّم فيه القياس على الاستحسان» ، وكتاب «مناسك الحجّ» مطوّل، وكتاب «الاختلافات الواقعة فى المصنّفات» ، وكتاب «محظورات الإحرام» ، وكتاب «الإشارات فى ضبط المشكلات» عدّة مجلّدات، وكتاب «الإعلام فى مصطلح الشهود والحكّام» ، وكتاب «الفوائد المنظومة» فى الفقه.
وترجمه صاحب «الجواهر» فى الأحمدين
(2)
، والصّحيح ما هنا. رحمه الله تعالى.
***
58 - إبراهيم بن على بن عبد الوهّاب الأنصارىّ
(*)
عرف بابن حمّود
تفقّه على الفقيه الرّضىّ ندى بن عبد الغنىّ مدّة، وحصّل من معرفة المذهب قطعة صالحة.
وأعاد بالمدرسة السّيوفيّة
(3)
بالقاهرة.
وحصّل كتبا حسنة، ونظر فى شئ يسير من علم الحديث.
وتوفّى بالقاهرة، فى ثانى صفر، سنه اثنتين وأربعين وستمائة. رحمه الله تعالى.
***
(1)
من هنا إلى نهاية الترجمة ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
(2)
سبقت إشارة المصنف إلى هذا فى صدر الترجمة.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 32.
(3)
هى التى تعرف الآن باسم جامع الشيخ مطهر، الذى بأول شارع الخردجية، على يسار الداخل إليه من جهة شارع السكة الجديدة. انظر حاشية النجوم الزاهرة 5/ 290.
59 - إبراهيم بن على بن منصور
(*)
أخو القاضى صدر الدين.
كان يتعانى الشهادة، وولى قضاء بعض البلاد الشّاميّة، ثم ولى الحسبة مدّة.
وكان لا بأس به، وعنده فضيلة.
مات فى ربيع الأول، سنة سبع وتسعين وسبعمائة. رحمه الله تعالى.
***
60 - إبراهيم بن على المرغينانىّ
الملقّب نظام الدين، أبو إسحاق
(**)
أحد مشايخ قاضى خان، وقد انتفع به، وتفقّه عليه، وتخرّج به
(1)
، رحمهما الله تعالى
(2)
.
***
61 - إبراهيم بن عمر بن حمّاد بن أبى حنيفة
(***)
روى عنه أنه قال: قال أبو حنيفة: لا يكتنى بكنيتى بعدى إلا مجنون.
قال: فرأينا عدّة اكتنوا بها، فكان فى عقولهم ضعف.
وسيأتى كلّ من عمر وحمّاد، فى بابه، إن شاء الله تعالى.
***
(*) ترجمته فى: إنباء الغمر 1/ 496.
(**) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 33.
والمرغينانى: نسبة إلى مرغينان، وهى مدينة من مشاهير بلاد فرغانة. اللباب 3/ 126.
(1)
فى: ط، ن:«عنده» ، والمثبت فى: ص، والجواهر المضية.
(2)
فى ص مكان هذا: «قاله فى الجواهر» ، والمثبت فى: ط، ن.
(***) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 34.
62 - إبراهيم بن عمر بن على
ابن عمر بن محمد بن أبى بكر العلوىّ
الفقيه، المحدّث، أبو إسحاق
(*)
قال الخزرجىّ: كان فقيها نبيها، حنفىّ المذهب، عارفا محقّقا، وإليه انتهت الرياسة فى علم الحديث باليمن.
وأخذ عن كبار العلماء كابن أبى الخير الشّمّاخىّ، وإبراهيم بن محمّد الطّبرىّ، والحجّار، /وغيرهم.
وعنه أخذ فقهاء العصر، وإليه كانت الرّحلة من الآفاق، وحضر مجلسه جلّة العلماء.
وكان جامعا بين فضيلتى العلم والعمل، وكان متواضعا، سهل الأخلاق، كثير البشاشة، مسموع القول، له قبول عظيم عند الخاصّ والعامّ.
درّس فى مدرسة أمّ السّلطان المجاهد بزبيد.
وكان ميلاده سنة ثلاث وتسعين وستمائة.
وتوفّى ليلة السّبت، عشرى ذى الحجّة، سنة اثنين وخمسين وسبعمائة. رحمه الله تعالى.
***
63 - إبراهيم بن محمد بن إبراهيم
ابن العلاّمة جلال الدّين أحمد بن محمد بن محمد
ابن محمد، البرهان، أبو إسحاق، الخجندىّ، المدنىّ
(**)
المتقدّم ذكر جدّه إبراهيم
(1)
.
ولد يوم الجمعة، عاشر جمادى الأولى، سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة بطيبة، ونشأ بها، فحفظ القرآن الكريم، و «الكنز» .
(*) ترجمته فى: العقود اللؤلؤية 91،2/ 90.
(**) ترجمته فى الضوء اللامع 120،1/ 119.
(1)
برقم 12، صفحة 176.
وأخذ فى الفقه ببلده عن أخيه الشّهاب أحمد، والفخر عثمان الطّرابلسىّ.
وفى العربيّة، وعلم الكلام، عن الشّهاب ابن يونس المغربىّ.
وكذا أخذ فى «شرح العقائد» عن السيّد السّمهودىّ.
وسمع على أبيه، وأبى الفرج المراغىّ.
وقرأ بمكّة فى منى على النّجم ابن فهد «الثّلاثيّات» .
ودخل القاهرة مرارا؛ أوّلها فى سنة أربع وسبعين، وسمع بها على الشّاوى
(1)
والدّيمىّ، وأجاز له جماعة، وأخذ بها عن الزّين قاسم،
(2)
والعضد السّيرامىّ
(2)
الفقه، وغيره، وعن النّظام الفقه، والأصول، والعربيّة، وعن الجوجرىّ
(3)
العربيّة، وكذا قرأ فيها على الزّينىّ زكريّا «شرحه لشذور الذّهب»
(4)
، ولازم الأمين الأقصرائىّ فى فنون عديدة.
قال السّخاوىّ: وأكثر أيضا من ملازمتى رواية ودراية، ثم كان ممّن لازمنى حين إقامتى بطيبة، وقرأ علىّ جميع «ألفيّة العراقىّ» بحثا، وحمل عنّى كثيرا من «شرحها» للنّاظم سماعا، وقراءة، وغير ذلك من تآليفى ومرويّاتى،
(5)
وأذنت له على الوجه الذى أثبتّه فى ترجمته، من «تاريخ المدينة
(5)
».
وقد ولى إمامة الحنفيّة بالمدينة الشريفة بعد أخيه.
إلى أن قال: ونعم الرجل فضلا، وعقلا، وتواضعا، وسكونا، وأصلا. انتهى.
مات فى سنة ثمان وتسعين وثمانمائة. رحمه الله تعالى.
***
(1)
فى الضوء اللامع: «النشاوى» .
(2 - 2) فى الضوء اللامع: «والعضدى السيرامى» .
(3)
نسبة إلى جوجر، وهى بليدة، بمصر من جهة دمياط. معجم البلدان 2/ 142.
وهو محمد بن عبد المنعم بن محمد، فقيه شافعى، وهو صاحب الشرح على شذور الذهب. توفى سنة تسع وثمانين وثمانمائة.
البدر الطالع 2/ 200، الضوء اللامع 8/ 123.
(4)
من قوله: «وكذا» السابق ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
ولعله يعنى قراءته على زكريا شرح الجوجرى لشذور الذهب.
(5 - 5) ساقط من: ط، ن، وهو فى: ص، والضوء اللامع.
64 - إبراهيم بن محمد بن إبراهيم
ابن ظهير الدّين-ظهير كوزير-برهان الدّين
السّلمونىّ الأصل، القاهرىّ
(*)
والد البدر محمّد. المعروف بابن ظهير.
كان والده
(1)
فيما يقال
(1)
، يذكر بالفضيلة.
ونشأ ولده هذا فى طلب العلم وتحصيله.
وناب عند التّفهنىّ، وولى الشهادة ببعض الدّواوين، وغير ذلك من المناصب، وكان ماهرا فى المباشرة، ذا وجاهة.
مات فى يوم الاثنين، ثالث صفر، سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة مطعونا، ولم يكمل الستّين، وصلّى عليه من الغد بمصلّى باب النّصر، ودفن بالتّربة المعروفة بهم
(2)
تجاه تربة يلبغا العمرىّ.
انتهى ملخّصا من «الضّوء اللامع
(2)
»، رحمه الله تعالى.
***
65 - إبراهيم بن محمد بن إبراهيم
ابن محمد بن نوح بن زيد النّوحىّ
(**)
تفقّه على أبيه.
(3)
وهو من بيت مشهور بالعلم، والفضل، والتقدّم.
قال السّمعانىّ رحمه الله تعالى: هذه النّسبة نسبة إلى الجدّ. وذكر منهم إسحاق بن محمد
(*) ترجمته فى: الضوء اللامع 122،1/ 121.
(1 - 1) فى الضوء اللامع: «فيما قيل» .
(2 - 2) ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
(**) ترجمته فى: الأنساب 570 و، الجواهر المضية، برقم 37.
وجاءت هذه الترجمة فى ص مكان ترجمة إبراهيم بن محمد الحلبى، الآتية برقم 68.
(3)
من هنا إلى نهاية الترجمة ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
ابن إبراهيم.
ثم قال: وإخوته أهل بيت كلّهم يقال لهم النّوحىّ، وهم علماء فضلاء، رحمهم الله تعالى.
***
66 - إبراهيم بن محمد بن إبراهيم
ابن محمد بن سالم بن علوىّ، أبو منصور
الأنصارىّ، الخزرجىّ، الفقيه، القاضى/الهيتىّ
(*)
ولد بهيت
(1)
، سنة ستين.
وقدم بغداد، واستوطنها سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة.
وتفقّه على قاضى القضاة أبى عبد الله الدّامغانىّ.
وتفقّه عليه أبو السّعادات يحيى بن هبة الله بن أحمد.
وبرع فى الفقه وأجاد، وله يد طولى فى المناظرة، وكان يعرف العربيّة معرفة حسنة، وكان انظر أصحاب أبى حنيفة فى زمانه.
وكان ينوب فى القضاء عن قاضى القضاة الزّينبىّ، إلى أن كبر وعجز عن الحركة، وقعد فى داره.
سمع الشريف أبا نصر الزّينبىّ، وأبا الحسين المبارك بن عبد الجبار الصّيرفىّ،
(2)
فى آخرين.
وخرّج له الحافظ
(3)
أبو عبد الله بن خسروا الفقيه
(2)
البلخىّ
(4)
الحنفىّ «فوائد»
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 35، المنتظم 104،10/ 103، الوافى بالوفيات 141،6/ 140.
وفى النسخ: «سلم» مكان: «سالم» ، والمثبت من: الجواهر، ومما يأتى فى تراجم الأسرة.
(1)
هيت: بلدة على الفرات من نواحى بغداد فوق الأنبار، ذات نخل كثير وخيرات واسعة. معجم البلدان 4/ 997.
(2 - 2) ساقط من: ن، وهو فى: ص، ط.
(3)
زيادة من: ص، على ما فى: ط.
(4)
فى ص: «الثلجى» ، والمثبت فى: ط، ن، والجواهر المضية.
انتقاها من أصوله.
وقرأ عليه السّمعانىّ كتاب «البعث» لأبى بكر بن داود.
وذكره عبد الخالق بن أسد الحنفىّ فى «معجم شيوخه» ، فقال: كان مشارا إليه فى أيّامه، وكان عارفا بمعانى القرآن وأحكامه، وعلم الحديث، حافظا لمذهب أبى حنيفة، بصيرا بأحكام القضاء، موصوفا بالحفظ، مشهورا بالورع.
درّس بمشهد الإمام أبى حنيفة.
ومات فى شوال، سنة سبع وثلاثين وخمسمائة، وصلّى عليه قاضى القضاة الزّينبىّ، ودفن عند مشهد أبى حنيفة، بالخيزرانيّة.
وهو أستاذ نصر الله بن على بن منصور الواسطىّ، وعنه علّق نصر مسائل الخلاف. والله تعالى أعلم
(1)
***
67 - إبراهيم بن محمد بن إبراهيم
أبو إسحاق الخدامىّ، بالخاء المعجمة،
النّيسابورىّ، الفقيه، المحدّث
(*)
سمع بالعراق، والشام، وكان أوّل سماعه بنيسابور، من أحمد بن نصر اللبّاد الحنفىّ، وأبى بكر ابن ياسين.
وروى عنه أبو أحمد محمد بن شعيب بن هارون الشّعيبىّ
(2)
.
وذكره
(3)
الحاكم فى «تاريخ نيسابور» : وقال
(4)
: كان من جلّة الفقهاء لأصحاب
(1)
بعد هذه الترجمة فى ص ترجمة إبراهيم بن محمد بن محمد المروزى، وهى الآتية برقم 69، والترتيب المثبت فى: ط، ن.
(*) ترجمته فى: الأنساب لوحة 190 ظ، الإكمال 3/ 7، تاج التراجم 5، الجواهر المضية برقم 36، اللباب 1/ 349، معجم المصنفين 318،4/ 317. وانظر الأعلام 1/ 57.
(2)
فى النسخ: «الشعبى» والصواب فى الجواهر، وتأتى ترجمته فى المحمدين.
(3)
فى الأصول: «وذكر» ، والمثبت فى الجواهر.
(4)
فى الأصول: «وقيل» ، والمثبت فى الجواهر.
أبى حنيفة، وأزهدهم، وحدّث بالعراق، وخراسان، والشام الكثير.
قال: ورأيت له مصنّفات عند أخيه أبى بشر، ورأيت له عند أخيه أيضا أصولا صحيحة.
توفّى فى شهر ربيع الأوّل، سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، رحمه الله تعالى.
والخدامىّ، بكسر الخاء المعجمة، وفتح الدّال المهملة، فى آخره ميم،
(1)
نسبة إلى خدام
(1)
. والله أعلم.
***
68 - إبراهيم بن محمد بن إبراهيم
الحلبىّ، ثم القسطنطينىّ
(*)
خطيب جامع السّلطان محمد، وإمامه.
ذكره الشيخ بدر الدّين الغزّىّ، فى «رحلته» ، وقال فى حقّه: الشيخ الصّالح، العالم الأوحد، الكامل الخيّر، الجيّد، المقرى المجوّد.
وذكر أنه اجتمع به مرّات عديدة، وأنه كان يستعير منه بعض الكتب، وأثنى عليه، ودعا له.
وذكره صاحب «الشقائق» وبالغ فى الثّناء عليه.
وحكى أنه صار مدرّسا بدار القرّاء التى عمرها المفتى سعدى أفندى.
وأنه كان ماهرا فى العلوم العربيّة، والتفسير، والحديث وعلوم القراءات، والفقه، وكانت له فيهما يد طولى، وكان أكثر فروع المذهب نصب عينيه.
(1 - 1) وردت هذه الجملة فى ن بعد قوله: «والخدامى» السابق، والمثبت فى: ط.
وخدام سكة بنيسابور. انظر اللباب.
(*) ترجمته فى: إعلام النبلاء 5/ 569، إيضاح المكنون 1/ 461، شذرات الذهب 8/ 308، الشقائق النعمانية 2/ 110، 111، وفيها أن وفاته كانت سنة ست وخمسين وتسعمائة، الكواكب السائرة 2/ 77، كشف الظنون 1/ 268، 2/ 1814، معجم المصنفين 4/ 313 - 316.
وكان ورعا، تقيّا، زاهدا ناسكا، منجمعا عن الناس، لا يكاد يرى إلاّ فى المسجد، أو فى بيته، ولا يلتذّ بشئ سوى العبادة، والعلم، ومذاكرته، والتّصنيف.
وله عدّة مصنفات: منها؛ كتاب سمّاه «ملتقى الأبحر» ، وشرح «منية المصلّى» سمّاه «بغية المتملّى، فى شرح منية المصلّى» أطنب فيه، وأجاد.
واختصر/ «الجواهر المضيّة» ، واقتصر فيه على من حوله تصنيف، أو له ذكر معروف فى كتب المذهب، واختصر «شرح العلاّمة ابن الهمام» ، وانتقد عليه فى بعض المواضع انتقادات لا بأس بها.
وبالجملة فقد كان من الفضلاء المشهورين، والعلماء العاملين. رحمه الله تعالى.
***
69 - إبراهيم بن محمد بن أحمد
ابن قريش، أبو إسحاق، المذكّر، المروزىّ
(*)
سكن سمرقند.
وروى عن أبى إسحاق إبراهيم بن أحمد الكاتب، وعبد الله بن محمود السّغدىّ
(1)
، المروزيّين.
ذكره أبو سعد الإدريسىّ، فى «تاريخ سمرقند» ، وقال: كتبنا عنه بسمرقند، لا بأس به، كان من أصحاب أبى حنيفة، ينتحل مذهب الزّهد والتّقشّف.
ومات بسمرقند، فى صفر، سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة، رحمه الله تعالى.
(2)
والمروزىّ، نسبة إلى مرو الشّاهجان
(2)
.
***
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 38.
(1)
انظر المشتبه 359، وترجمته فى تذكرة الحافظ 2/ 718.
وورد فى الجواهر: «السعدى» .
(2 - 2) ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
ومرو الشاهجان، هى مرو العظمى، وهى أشهر مدن خراسان وقصبتها. معجم البلدان 4/ 507.
70 - إبراهيم بن محمد بن أحمد
ابن هشام، الفقيه، أبو إسحاق،
البخارىّ، المعروف بالأمين
(*)
سمع أبا علىّ صالحا جزرة.
وقدم بغداد، وحدّث بها، وروى عنه أهلها.
قال محمد بن عبد الله الحافظ النّيسابورىّ: هو فقيه أهل النّظر فى عصره.
قدم علينا حاجّا، سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، وكتبنا عنه بانتخاب أبى علىّ الحافظ.
مات سنة ست وأربعين وثلاثمائة، رحمه الله تعالى.
***
71 - إبراهيم بن محمّد بن أحمد
البصراوىّ، الدّمشقىّ، عماد الدّين،
المعروف بابن الكيّال
(1)
مولده سنة خمس وأربعين وستمائة.
سمع من ابن عبد الدّائم، وابن أبى اليسر، وابن البخارىّ، وغيرهم.
وخدم فى الديوان، مشارفا مرة، وناظرا مرة، وغير ذلك.
ثم ترك الدّيوان، وولى إمامة الرّبوة.
ثمّ فرّغ عنها، وولى إمامة المسجد المجاور لكنيسة اليهود بدمشق، وانقطع به للعبادة، وفرّغ عن كلّ ما يشغله عنها، إلى أن مات بالمسجد المذكور، سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
***
(*) ترجمته فى: تاريخ بغداد 166،6/ 165، الجواهر المضية، برقم 39.
(1)
كذا ذكره المؤلف باسم: «إبراهيم بن محمد بن أحمد» وصحة اسمه: «إبراهيم بن يحيى بن أحمد» ، وتأتى ترجمته كذلك برقم 103.
72 - إبراهيم بن محمد بن إسحاق
ابن إبراهيم بن نصرويه، أبو إسحاق
الدّهقان، السّمرقندىّ، النّصروىّ
(*)
مولده سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة.
قال الإدريسىّ أبو سعد: كتبنا عنه، وكان يحدّثنا عن كتب جدّه إبراهيم بن نصرويه، وكان فاضلا، من أصحاب الرّأى.
***
73 - إبراهيم بن محمد بن أيدمر
ابن دقماق، صارم الدّين، القاهرىّ، الحنفىّ
(**)
مؤرّخ الديار المصرية فى زمانه.
ولد فى حدود الخمسين وسبعمائة، واشتهر بجدّ جدّه، فيقال له ابن دقماق.
واشتغل بالفقه يسيرا، واعتنى بالتاريخ، فكتب منه الكثير بخطّه، وعمل «تاريخ الإسلام» ، و «تاريخ الأعيان» ، و «أخبار الدّولة التركيّة» فى مجلدين، «وسيرة الظاهر برقوق» ، و «طبقات الحنفيّة» ، لم أقف عليها إلى الآن.
وأخبرنى قاضى العسكر، بولاية روملى عبد الكريم الشهير بابن قطب الدّين، أن عنده منها نسختين، ووعدنى بإعارة واحدة منهما، ولم يفعل
(1)
.
وامتحن
(2)
ابن دقماق بسبب هذه الطبقات
(2)
؛ لأنه وجد فيها بخطّه حطّ شنيع على الإمام الشافعىّ، رحمه الله تعالى، فطولب بالجواب عن ذلك فى مجلس القاضى الشافعىّ،
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 40.
(**) ترجمته فى: الإعلان بالتوبيخ 152، إنباء الغمر 2/ 306، إيضاح المكنون 1/ 45، حسن المحاضرة 1/ 321، شذرات الذهب 81،7/ 80، الضوء اللامع 1/ 145، كشف الظنون 1/ 174، معجم المصنفين 4/ 348 - 350، المنهل الصافى 121،1/ 120.
(1)
ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
(2 - 2) مكان هذا فى ص: «بسببها» ، والمثبت فى: ط، ن.
فذكر أنه نقله من كتاب عند أولاد الطّرابلسىّ، فعزّره القاضى جلال الدين بالضّرب والحبس، هذا مع أن الناس متّفقون على أنه كان قليل الوقيعة فى الناس
(1)
،/لا تراه يذمّ أحدا من معارفه، بل يتجاوز عن ذكر ما هو مشهور عنهم، ويعتذر لهم بكلّ طريق.
وقال ابن حجر: كان يحبّ الأدبيّات، مع عدم معرفته بالعربية، ولكنه كان جميل العشرة، كثير الفكاهة، حسن الودّ، قليل الوقيعة فى النّاس.
قال السّخاوىّ: وهو أحد من اعتمده
(2)
شيخنا-يعنى ابن حجر-فى «إنبائه» .
قال: وغالب ما نقله من خطّه وخطّ ابن الفرات عنه، وقد اجتمعت به كثيرا.
ثم ذكر أنّه بعد ابن كثير عمدة العينىّ، حتى يكاد يكتب منه الورقة الكاملة متوالية، وربما قلّده فيها يهم فيه، حتى فى اللّحن الظاهر. انتهى
(3)
.
***
74 - إبراهيم بن محمد بن حمدان
الخطيب، المهلّبىّ، أبو إسحاق
(*)
من طبقة أبى بكر محمد بن الفضل
(4)
.
روى عنه الحسين بن الخضر بن محمد النّسفىّ.
***
75 - إبراهيم بن محمد بن حيدر
ابن على، أبو إسحاق المؤذّنىّ، الخوارزمىّ
(**)
أحد علماء أصحاب أبى حنيفة فى وقته.
(1)
فى ص بعد هذا زيادة: «لا يحب أن يتكلم فى أحد بما يكره. قال المقريزى: كان حافظا للسانة من الوقيعة فى الناس» ، والمثبت فى: ط، ن، وهذه الزيادة أيضا فى الضوء اللامع.
(2)
فى ط، ن:«اعتمد عليه» ، والمثبت فى: ص، والضوء اللامع.
(3)
كانت وفاته بالقاهرة، فى ذى الحجة سنة تسع وثمانمائة، وقد جاوز الستين.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 41، الفوائد البهية 11، وزاد فى أنسابه:«الكمارى» ، كتائب أعلام الأخيار، برقم 187.
(4)
كانت وفاته سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة. على ما يأتى فى ترجمته.
(**) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 42، سلم الوصول 1/ 32، معجم الأدباء 16،5/ 15.
ولد فى ذى الحجة، سنة تسع وخمسين وخمسمائة.
ذكره
(1)
أبو بكر بن المبارك
(1)
بن الشّعّار، فقال: جليل القدر، كثير المحفوظ، متقن فى علوم الإسلام والشريعة، إمام فى الفقه، والفرائض، وعلم التفسير، والحديث، والأصل، والكلام، مع معرفة النّجوم، واللغة، والأدب.
وكان له اعتناء بتصانيف الزّمخشرىّ، كثير الميل إليها.
وذكر له تصانيف.
***
76 - إبراهيم بن محمد بن سالم الهيتىّ،
القاضى، الإمام
(*)
عمّ محمد بن نصر الله بن سالم الهيتىّ، وجدّ إبراهيم بن محمد الأنصارىّ، المتقدم ذكره قريبا
(2)
.
كان مقيما بمشهد أبى حنيفة، رضي الله عنه.
وهو أستاذ الصّفّار المروزىّ
(3)
.
رحمه الله تعالى.
***
77 - إبراهيم بن محمد بن سفيان
أبو إسحاق، النيسابورىّ
(**)
الفقيه، الزاهد.
قال الحاكم أبو عبد الله ابن البيّع: سمعت محمد بن يزيد العدل، يقول: كان إبراهيم بن
(1 - 1) هكذا ذكر المؤلف، وهو خطأ صوابه «أبو البركات المبارك بن أبى بكر» . انظر العبر 5/ 219.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 43.
(2)
تقدم برقم 66، صفحة
…
؟
(3)
هو: محمد بن محمد بن عبد الرحمن. كما جاء فى الجواهر.
(**) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 44، شذرات الذهب 2/ 252، الوافى بالوفيات 129،6/ 128.
سفيان مجاب الدّعوة، وكان من أصحاب أيّوب بن الحسن الزاهد، صاحب الرّأى، الفقيه، الحنفىّ. انتهى
(1)
وذكره فى «تاريخ الإسلام» ، وذكر جماعة ممّن
(2)
روى عنه
(2)
، ونقل عن محمد ابن أحمد بن شعيب، أنه قال: ما كان فى مشايخنا أزهد ولا أكثر عبادة من إبراهيم بن محمد بن سفيان.
قال فى «الجواهر» : وإبراهيم هذا هو راوى «صحيح مسلم» ، عن مسلم.
قال إبراهيم: فرغ لنا مسلم من قراءة الكتاب، فى شهر رمضان، سنة سبع وخمسين ومائتين.
ومات إبراهيم فى رجب، سنة ثمان وثلاثمائة. رحمه الله تعالى.
***
78 - إبراهيم بن محمد بن سليمان بن عون
الطّيبىّ، الدّمشقىّ، الشّاغورىّ، برهان الدّين، أبو إسحاق
(*)
ولد سنة خمس وخمسين وثمانمائة، ورحل إلى مصر مرّات.
وأخذ الحديث عن جماعة؛ منهم: شمس الدّين السّخاوىّ وغيره.
وتفقّه على جماعة كثيرين؛ منهم: الشيخ أمين الدّين الأقصرائىّ.
وحلّ «مجمع البحرين» ، و «شرحه» لابن الملك، على الشيخ أمين الدّين المذكور.
وحضر دروس زين الدّين ابن العينىّ، وكتب عنه بعض مؤلّفاته.
وتلا بالسّبع على الشمس/ابن عمران، ببيت المقدس المقدّس، وأفتى، ودرّس.
(1)
من هنا إلى آخر قوله «محمد بن سفيان» الآتى ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
(2 - 2) كذا فى الأصول، ولعل الصواب «روى عنهم» أو «رووا عنه» .
(*) ترجمته فى: كشف الظنون 1832،2/ 1796، معجم المؤلفين 1/ 595، معجم المصنفين 361،4/ 360.
وهذه الترجمة ساقطة من: ص، وهى فى: ط، ن.
وجاء اسم المترجم فى ط، ن:«إبراهيم بن سليمان» ، وسقط «بن محمد» ، وهو فى مصادر الترجمة والترتيب يقتضيه.
والشاغورى، نسبة إلى الشاغورى، محلة بالباب الصغير، من دمشق، فى ظاهر المدينة. معجم البلدان 3/ 236.
وكان حسن الأخلاق، قليل الكلام، صبورا على الأذى، محبّا للطّلبة، خصوصا الفقراء والغرباء منهم، لا تعرف له صبوة.
وقلّما وقعت مسألة خلافيّة إلاّ وانتصر بقول أئمّتنا، وربّما وضع فيها مؤلّفا.
وشرح «المقدّمة الأجروميّة» ، وجمع منسكا مفيدا.
وقرأ عليه صاحب «الغرف العليّة» ، وانتفع به، وذكر له فيها ترجمة حافلة، ومنها لخّصت هذه الترجمة.
قال: وقد جمعت ما تيسّر لى من «فتاويه» فى كراريس، سمّيتها «النفحات الأزهرية فى الفتاوى العونيّة» .
وكانت وفاته سنة تسعمائة وستّ عشرة، وصلّى عليه مفتى دار العدل جمال الدّين ابن طولون، ودفن بمقبرة باب الصّغير
(1)
، رحمه الله تعالى.
79 - إبراهيم بن محمد بن شهاب الدّين،
أبو الطّيب، العطّار
(*)
حدّث عن أبى مسلم الكجّىّ، ومحمّد بن يونس الكديمىّ، وعبد الله بن أيّوب الخرّاز، وإبراهيم بن محمد العمرىّ.
وروى عنه أبو عبيد الله المرزبانىّ، ومحمد بن طلحة النّعالىّ
(2)
.
وكان أحد متكلّمى المعتزلة.
وعن محمد بن عمران المرزبانىّ، قال: كان أبو الطيّب إبراهيم بن محمد بن شهاب العطّار أحد مشايخ المتكلّمين، والفقهاء على مذهب العراقيّين، عاشرنى فى منزلى أربعين
(1)
باب الصغير، من أبواب دمشق، وهو الذى نزل عليه يزيد بن أبى سفيان فى حصار المسلمين الروم، ودخل منه، وهو فى قبلة البلد.
نزهة الأنام 24.
(*) ترجمته فى: إيضاح المكنون 2/ 429، الفهرست 1/ 174، معجم المصنفين 366،4/ 365.
(2)
فى ط، ن:«الثعالبى» ، وهو خطأ صوابه فى: ص، واللباب 3/ 231.
سنة، أو أكثر منها، معاشرة متّصلة غير منقطعة.
ومات فى شهر ربيع الآخر، سنة ست وخمسين وثلاثمائة، عن أربع وثمانين، أو خمس وثمانين سنة. رحمه الله تعالى.
***
80 - إبراهيم بن محمد بن طنبغا الغزّىّ
(*)
اشتغل، وحصّل، وأخذ عن الكافيجى.
ونظم «المجمع» .
وولى قضاء غزّة غير مرّة، وكذا قضاء صفد، ثم اقتصر على الشهادة.
كذا ذكره السّخاوىّ، ثمّ قال: وهو الآن حىّ يرزق
(1)
.
***
81 - إبراهيم بن محمد بن عبد الله
ابن سعد بن أبى بكر
ابن سعد بن أبى بكر بن مصلح بن أبى بكر بن سعد الدّين الدّيرىّ
(**)
قاضى القضاة، برهان الدّين، ابن قاضى القضاة شمس الدّين.
من بيت العلم،
(2)
والفضل، والرّئاسة، والتقديم. وفى الكتاب منهم جماعة كثيرة
(2)
.
ذكره الحافظ جلال الدّين السّيوطىّ، فى «أعيان الأعيان» ، وقال: ولد سنة عشر وثمانمائة.
(*) ترجمته فى: الضوء اللامع 1/ 148، وفيه «بن طيبغا» ، ولعله الصواب. انظر فهارس الجزء الثانى عشر من النجوم الزاهرة.
وهذه الترجمة ساقطة من: ص، وهى فى ط، ن.
(1)
لم ترد كلمة «يرزق» فى الضوء اللامع.
(**) ترجمته فى الضوء اللامع 151،1/ 150، نظم العقيان 27،26، بغية العلماء والرواة 4 - 12.
والديرى: نسبة إلى نهر بالبصرة يقال له نهر الدير، وهى قرية كبيرة. اللباب 1/ 437.
(2 - 2) ساقط من: ص، ما عدا كلمة «والرياسة» وهو فى: ط، ن.
وسمع على والده، وعلى الشّرف ابن الكويك
(1)
.
وتفقّه، وبرع، وتفنّن.
وولى نظر الإصطبل، ثم كتابة السّرّ، ثم مشيخة المؤيّديّة، ثم قضاء الحنفيّة.
مات فى سنة ست وسبعين وثمانمائة، رحمه الله تعالى.
وذكره السّخاوىّ فى كتابه «بغية العلماء، والرّواة» ، الذى جعله ذيلا على كتاب «رفع الإصر عن قضاة مصر» ، لشيخه الحافظ شهاب الدّين ابن حجر، فقال ما ملخّصه: إنّه ولد فى ثانى عشر جمادى الآخرة، سنة عشر وثمانمائة، ببيت المقدس.
وقدم مع أبيه القاهرة وهو صغير، وحفظ القرآن العظيم، ثم حفظ «المغنى» للخبّازىّ، و «المختار» و «المنظومة» ، و «التلخيص» ، وكذا حفظ «الحاجبيّة» فى سبعة وعشرين يوما، وقطعة من «مختصر ابن الحاجب» .
وتفقّه بالسّراج قارئ «الهداية» ، قرأ عليه «الهداية» بكمالها، وكذا أخذ عن والده، وأخيه سعد الدّين الآتى ذكره، وعنه أخذ أصول الدّين.
وأخذ العربيّة/وغيرها عن الشّهاب الحنّاوىّ، والعزّ عبد السلام البغدادىّ، وكتب الخطّ الحسن.
ودرّس بالفخرية فى حياة والده، قبل استكماله خمس عشرة سنة، وناب عنه فى مشيخة المؤيّديّة.
وعرف بقوّة الحافظة، وولى تدريس الفقه بمدرسة سودون من
(2)
زاده، وناب عن أخيه فى القضاء بتفويض من السّلطان، ثم وليه استقلالا بعد صرف القاضى محبّ الدّين ابن الشّحنة، فباشره مباشرة حسنة، بفقه ونزاهة، وأكّد على النّوّاب فى عدم الارتشاء، وحسن تصرّفه فى الأوقاف وغيرها، وحمدت سيرته، وسلك طريق الاحتشام.
(1)
فى نظم العقيان بعد هذا: «وأجاز له» ، وبعده بياض.
(2)
فى ص، ن:«بن» ، والمثبت فى: ط، وبغية العلماء والرواة، والضوء اللامع.
ثم صرف بعد مدّة بالمحبّ ابن الشّحنة المذكور، ولزم منزله بالمؤيّديّة، يفتى، ويدرّس، مع الانجماع عن الناس، والتّقنّع باليسير، بالنسبة إلى ما ألفه قبل ذلك، وسلوك مسالك الاحتشام، ومراعاة ناموس المناصب، مع ما اشتملت عليه من حسن الشّكالة، والفصاحة فى العبارة، وقوّة الحافظة، وحسن العقيدة، وعدم الخوص فيما لا يعنيه.
وله نظم رقيق، فمنه ارتجالا قوله
(1)
:
كريم إذا ما القوم شحّوا تراكمت
…
عطاياه عن بشر يفوح بنشره
(2)
يجود بما يلقاه من كلّ نعمة
…
ويعطى جزيلا ثمّ يأتى بعذره
ومنه أيضا
(3)
:
تباشير الصّباح لنا أباحت
…
دم العنقود فى وقت الصّبوح
ونشر الرّوض هيّج كلّ صبّ
…
إلى لقياك بالخبر الصّحيح
(4)
وماء المزن صبّ لنا مزاجا
…
فخذ بشراك من قول نصوح
إذا ما الغيم قطّب كن بشوشا
…
وهيّئ من غبوقك للصّبوح
وكانت وفاته ليلة الجمعة، تاسع المحرّم، فى التاريخ المتقدّم، وصلّى عليه من الغد، ودفن بالقرافة، بجوار الشيخ أبى الخير الأقطع، والبوصيرىّ صاحب «البردة» ، وتأسّف الناس عليه. رحمه الله تعالى.
***
82 - إبراهيم بن محمد بن عبد الله الظّاهرىّ
(*)
أخو أبى العبّاس أحمد، الآتى ذكره فى بابه.
سمع من أبى إسحاق إبراهيم بن خليل، أخى الحافظ يوسف بن خليل «معجم الطّبرانىّ الصّغير» ، وكتاب «اقتضاء العلم العمل» للخطيب، وسمع غيره.
(1)
البيتان فى: بغية العلماء والرواة 12، الضوء اللامع 1/ 151.
(2)
فى بغية العلماء والرواة: «عن نشر يفوح بنشره» .
(3)
الأبيات فى: بغية العلماء والرواة 12.
(4)
فى بغية العلماء والرواة: «ونشر النور» .
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 45، الدرر الكامنة 1/ 63.
وروى، وحدّث.
ومات فى سابع عشر ذى الحجّة، سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، ودفن بباب النّصر.
وكان مولده بحلب، سنة سبع وأربعين وستمائة.
***
83 - إبراهيم بن محمد بن عبد المحسن
ابن خولان الدّمشقىّ، الحنفىّ
(*)
قال السّخاوىّ: ذكره شيخنا فى «معجمه» ، وقال: رافقنا فى سماع الحديث بالقاهرة، ثم ولى وكالة بيت المال، بدمشق، وكانت لديه فضائل.
وحدّث عن أبى جعفر الغرناطىّ المعروف بابن الشّرفىّ، بكثير من شعره.
ومن النوادر التى كان يخبر بها، أن رجلا من أصدقائه/ماتت امرأته، فطالت عزبته فسئل عن ذلك، فقال: لم أهمّ بالتّزويج إلاّ رأيتها فى المنام، فأواقعها، فأصبح وهمّتى باردة عن ذلك.
قال: فاتّفق أنه تزوّج أختها، بعد ثلاث سنين، فلم يرها بعد ذلك فى المنام.
مات فى الكائنة العظمى، فيما أظنّ.
وترجمه
(1)
أيضا فيما قرأته بخطّه، فيما استدركه على المقريزىّ، فقال: سمع كثيرا، وولى وكالة بيت المال، بدمشق، وكان يلازم يلبغا السالمىّ
(2)
، فاعتنى به، وكان لطيف المحاضرة.
مات بدمشق، فى الفتنة العظمى، سنة ثلاث وثمانمائة. رحمه الله تعالى.
***
(*) ترجمته فى: الضوء اللامع 1/ 153.
(1)
أى شيخ السخاوى. انظر الضوء اللامع.
(2)
سقط من ط، ن:«لمى» من «السالمى» ، وهو فى: ص، والضوء اللامع.
84 - إبراهيم بن محمد بن على بن غالب
الأسترآباذيّ، أبو القاسم
(*)
كان قاضيا بإستراباذ
(1)
.
تفقّه على أبيه محمد بن على، من أصحاب الصّيمرىّ
(2)
.
كذا ذكره فى «الجواهر» ، من غير زيادة.
***
85 - إبراهيم بن محمد بن عمر بن عبد العزيز بن محمد
ابن أحمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن زهير
العقيلىّ، الحلبىّ، جمال الدّين، ابن ناصر الدين،
ابن كمال الدّين، المشهور بابن العديم
(**)
من بيت كبير مشهور بحلب، تحلّى أكثر أهله بفضيلتى العلم والرياسة.
ولد فى سادس ذى الحجّة، سنة إحدى عشرة وسبعمائة تقريبا.
وسمع «صحيح البخارىّ» على الحجّار بحماة، وسمع من العزّ إبراهيم بن صالح بن العجمىّ، والكمال ابن النّحّاس، وحفظ «المختار» .
وولى قضاء حلب، بعد أبيه، إلى أن مات، إلا أنه تخلّل فى ولايته أنّه صرف مرّة بابن الشّحنة.
قال علاء الدّين فى «تاريخه» : كان عاقلا، عادلا فى الحكم، خبيرا بالأحكام، عفيفا،
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية برقم 46.
وجاءت هذه الترجمة فى ص بعد ترجمة إبراهيم العقيلى التالية، والترتيب المثبت فى: ط، ن.
(1)
أسترآباذ: بلدة كبيرة، من أعمال طبرستان، بين سارية وجرجان. معجم البلدان 1/ 242، وضبطها ياقوت بالفتح ثم السكون وفتح التاء المثناة من فوق، وضبطها ابن الأثير فى اللباب 1/ 40 بكسر الألف وسكون السين المهملة وكسر التاء المنقوطة باثنين من فوقها.
(2)
كذا ورد فى النسخ، نقلا عن الجواهر. وانظر حاشيتى عليها صفحة 105 من الجزء الأول.
(**) ترجمته فى: الدرر الكامنة 67،1/ 66، المنهل الصافى 158،1/ 157، النجوم الزاهرة 11/ 305.
كثير الوقار والسّكون، إلاّ أنه لم يكن نافذا فى الفقه
(1)
، ولا فى غيره من العلوم، مع أنه درّس بالمدارس المتعلّقة بالقاضى الحنفىّ كالحلاويّة، والشّادبختيّة
(2)
، وكان يحفظ «المختار» ، ويطالع فى «شرحه» .
قال ابن حجر: وقرأت بخطّ البرهان المحدّث، أن ابن العديم هذا ادّعى عنده مدّع على آخر بمبلغ، فأنكره، فأخرج المدّعى وثيقة فيها: أقرّ فلان
(3)
بن فلان
(3)
.
فأنكر المدّعى عليه أن الاسم المذكور فى الوثيقة اسم أبيه.
قال
(4)
: فما اسمك أنت؟
قال: فلان.
قال: واسم أبيك؟
قال: فلان.
فسكت عنه القاضى، وتشاغل بالحديث مع من كان عنده، حتى طال ذلك، وكان القارئ يقرأ عليه فى «صحيح البخارىّ» ، فلما فرغ المجلس، صاح القاضى: يا ابن فلان، فأجابه المدّعى عليه مبادرا.
فقال له: ادفع لغريمك حقّه.
فاستحسن من حضر هذه الحيلة، التى استغفل المدّعى عليه، حتى التجأ إلى الاعتراف.
وكانت وفاته فى سادس عشرى المحرّم، سنة سبع وثمانين وسبعمائة.
قال: وقرأت بخطّ البرهان الحلبىّ: كان من قضاة السّلف، وفيه مواظبة على الصّلوات
(1)
فى الأصول: «العلم» ، ولا وجه له مع ما يأتى، والمثبت فى الدرر الكامنة.
(2)
فى ط: «والشاذيخية» ، ومثلها فى ن إلا أن نقط الذال والياء والخاء غير واضح، وفى الدرر «والشاذبختية» ، والمثبت فى: ص.
(3 - 3) ليس فى الدرر.
(4)
فى الدرر الكامنة بعد هذا زيادة: «له» .
فى الجامع، نظيف اللسان، وافر الفضل، طويل الصّمت والمهابة، فى غاية العفة، مع المعرفة بالمكاتيب والشّروط، كبير القدر عند الملوك والأمراء، وله مكارم ومآثر، وكان حسن النّظر فى مصالح أصحابه. رحمه الله تعالى.
***
86 - إبراهيم بن محمد بن محمد
ابن عمر بن محمود، سعد الدين بن محبّ الدين،
القاضى، شمس الدين
(*)
سبط السّراج، قارئ «الهداية» ، ويعرف بابن الكماخىّ
(1)
.
أحد نوّاب الحنفيّة كأبيه وجدّه.
ولد فى/تاسع عشر شعبان، سنة خمس وثلاثين وثمانمائة.
ونشأ، فحفظ القرآن، وكتبا، وعرض، واشتغل فى الفقه، وأصوله، والعربيّة، وغيرها، وشارك فى الفضائل.
ومن شيوخه الأمين الأقصرائىّ، والشّمنّىّ
(2)
.
وكان عاقلا، متودّدا، محتشما، لطيف العشرة.
واستقرّ بعد أبيه فى تدريس الفقه بالظّاهريّة القديمة، محلّ سكنهم، وبمدرسة قلمطاى
(3)
بالقرب من الرّملة، وباشر فى عدّة جهات، وحجّ غير مرّة، وجاور.
ومات فى يوم الاثنين، ثامن ربيع الأوّل، أو ليلة التاسع منه، سنة ست وثمانين وثمانمائة، وصلّى عليه من الغد.
(*) ترجمته فى: الضوء اللامع 161،1/ 160.
(1)
فى ط، ن:«بالكماخى» ، والمثبت فى: ص، والضوء اللامع.
ولعله منسوب إلى كماخ، كسحاب: بلد بالروم. القاموس (ك م خ).
(2)
فى ط، ن:«والمثنى» والصواب فى: ص، والضوء اللامع.
(3)
فى ط، ن:«قلمطماى» ، والصواب فى: ص، والضوء اللامع.
وممّا كتبه عنه الشّهاب الحجازىّ، من نظمه، قوله
(1)
:
من رحمة الرحمن لا تيأسن
…
إن كنت فى العالم ذا مرحمه
(2)
فمن يكن فى الناس ذا رحمة
…
حقّ على الرّحمن أن يرحمه
(3)
***
87 - إبراهيم بن محمد بن نوح بن محمد بن زيد
ابن النعمان بن عبد الله بن زيد بن نوح
النّوقدىّ، النّوحىّ، الفقيه
(*)
يروى عن أبى بكر بن بندار الأسترآباذيّ، وأبى حفص
(4)
محمد بن إبراهيم النّوقانىّ.
وغيرهما.
روى عنه أبو العبّاس المستغفرىّ، وغيره.
مات فى ذى القعدة، سنة خمس وعشرين وأربعمائة.
والنّوقدىّ، بفتح النون، وسكون الواو، وفتح القاف، وفى آخرها دال مهملة؛ نسبة إلى نوقد قريش
(5)
، وهى من قرى نسف.
***
(1)
البيتان فى: الضوء اللامع 1/ 161.
(2)
فى الضوء اللامع: «من رحمة الله» ، وفى حاشيته:«من رحمة الناس» .
(3)
فى ص: «للناس ذا رحمة» ، والمثبت فى: ط، ن، والضوء اللامع.
(*) ترجمته فى: الأنساب 571 ظ، الجواهر المضية برقم 47، اللباب 3/ 245، معجم البلدان 4/ 825.
(4)
هكذا كناه المؤلف «أبا حفص» ، نقلا عن الجواهر المضية، وكنيته فى اللباب «أبو جعفر» .
(5)
فى الأنساب واللباب أنه منسوب إلى نوقد ساوة، وانظر حاشية اللباب، فى معجم البلدان أنه منسوب إلى نوقدسازه.
88 - إبراهيم بن محمد بن يوسف
العابودىّ، المنعوت كمال الدّين، أبو إسحاق
(*)
المعروف جدّه بإمام الحرمين.
تفقّه يسيرا، وكان إماما فى الشّعر.
قال فى «الجواهر» : رأيت بخطّ الحافظ اليغمورىّ، أنشدنى كمال الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يوسف العابودىّ
(1)
، سنة ثلاثين وستمائة، بدمشق:
قلت وجفن الليل مغرورق
…
وموعد الإصباح قد فاتا
ما طال ليلى وجرى مدمعى
…
إلاّ لأنّ الصّبح قد ماتا
***
89 - إبراهيم بن محمد، أبو إسحاق الفقيه،
الدّهستانىّ
(**)
دخل نيسابور فى سنة نيّف وستين وأربعمائة، وتفقّه فى مدرسة الإمام الصّندلىّ
(2)
، ومهر
(3)
، فى الفقه، وصار من المدرّسين والمسئولين.
وسمع «سنن أبى داود» على أبى الحسين أحمد بن عبد الرحيم الحاكم الإسماعيلىّ.
وكان إمام الحرمين يقبل عليه فى مجالس المناظرة، كعادته مع من يشمّ منه رائحة التحقيق فى أىّ فنّ كان.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 48، وهو فيه «القابونى» فى النسخة: م، وكذلك فى ترجمته فى المنهل الصافى 1/ 149، وفى النسخ الأخرى من الجواهر:«العابونى» .
وعابود: بليد من نواحى بيت المقدس، من كورة فلسطين. معجم البلدان 3/ 583.
وقابون: موضع بينه وبين دمشق ميل واحد، فى طريق القاصد إلى العراق فى وسط البساتين. معجم البلدان 4/ 5.
(1)
فى م من الجواهر، والمنهل:«القابونى» أيضا.
(**) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 49، الفوائد البهية 11، كتائب أعلام الأخيار، برقم 316.
(2)
هو على بن الحسين، كما فى الفوائد البهية.
(3)
فى الجواهر المضية: «وتوجه» .
وولى قضاء الرّىّ.
وكان يحفظ طريقة أبى زيد الدّبوسىّ، على وجهها، ويتكلّم فى مناظرته بها.
وذكره الهمذانىّ فى «الطبقات»
(1)
من أصحاب الصّندلىّ، وقال: قرأ على
(2)
أبى زيد
(2)
الفرائض والحساب.
ووهب له معين الملك
(3)
«تفسير أبى العباس السّمنانىّ
(4)
» قاضى الرّىّ، وهو ثلاثة عشر مجلّدا كبارا ضخمة، ابتاعها من تركة أبى يوسف القزوينىّ.
وكانت وفاة الدّهستانىّ، فيما يقال: سنة ثلاث وخمسمائة. رحمه الله تعالى.
*****
90 - إبراهيم بن محمد، أبو إسحاق،
الموصلىّ، القاضى
(*)
قال فى «الجواهر» : درّس بالمدرسة الصّادريّة
(5)
.
ومات سنة ستين وخمسمائة
(6)
.
ذكره الذّهبىّ فى «تاريخه» .
*****
(1)
أى طبقات الحنفية الشافعية، وصاحبها الهمذانى المتقدم هو عبد الملك بن إبراهيم. انظر الفوائد البهية.
(2 - 2) فى الجواهر المضية: «أبى» ، فحسب.
(3)
فى الجواهر المضية بعد هذا زيادة: «منه» .
(4)
فى الجواهر المضية: «السمان» ، وانظر حاشيته، صفحة 109 من الجزء الأول.
(*) ترجمته فى الجواهر المضية، برقم 50.
(5)
تقدم التعريف بها فى ترجمة رقم 5.
(6)
ساقط من: ط، ن، وهو فى: ص.
91 - إبراهيم بن محمد، برهان الدّين القرمىّ،
القاهرىّ
(*)
/ - ابن أخى النّجم إسحاق، الآتى ذكره.
لازم عمّه المذكور، والأمين الأقصرائىّ.
وفهم، وحصّل، وتكسّب بالشهادة، وحجّ غير مرّة.
وسعى فى قضاء العسكر، فأجيب إليه، لكنه أجاب داعى الله قبله، ومات فجأة، ليلة الأربعاء، تاسع ذى الحجّة، سنة ثمان وثمانين وثمانمائة.
وكان يذكر بديانة، وهمّة، وتودّد، ومساعدة. رحمه الله تعالى
(1)
.
***
92 - إبراهيم بن محمد الرّومىّ الحنفىّ
(**)
كان عالما، عاملا، فقيها، فاضلا، يرجع إليه فى أمر الفتوى فى زمانه.
كذا ترجمه فى «الشقائق» ، من غير زيادة.
***
93 - إبراهيم بن محمود الغزنوىّ،
أبو إسحاق
(***)
قال عبد القادر: تفقّه يسيرا، وله شعر حسن.
(*) ترجمته فى: الضوء اللامع 169،1/ 168.
(1)
فى ص بعد هذا زيادة: «كذا ترجمه السخاوى» ، والمثبت فى: ط، ن.
(**) ترجمته فى: الشقائق النعمانية 1/ 98، وذكره فى الطبقة الرابعة فى علماء دولة السلطان بايزيد خان، الذى بويع له بالسلطنة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة.
(***) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 51.
سمع منه الحافظ الدّمياطىّ، وأنشد من شعره قوله:
ورشيق دمعى عليه طليق
…
وفؤادى العانى لديه أسير
أمّروه على الملاح وهذا
…
شعره إن شككتم المنشور
كلّما جاء بالملام عذولى
…
قلت ذا منكر وهذا نكير
(1)
ومولده سنة خمس وستمائة تقريبا.
ودرس بمدرسة الصّادريّة
(2)
، بدمشق.
***
94 - إبراهيم بن محمود بن أحمد
ابن حسن، أبو الطيّب، الأقصرائىّ الأصل، المواهبىّ
(*)
نسبة إلى شيخ يقال له أبو المواهب، كان يقرأ عليه فاشتهر به.
أخذ عن إينال باى الفقه.
وأثنى عليه القاضى خير الدّين السّخاوىّ قاضى المالكية بطيبة، وتكلّم فيه غيره، والله أعلم بحاله
(3)
.
***
95 - إبراهيم بن معقل، أبو إسحاق، النّسفىّ
(**)
قاضى نسف
(4)
.
(1)
فى ط، ن:«هذا منكر» ، والمثبت فى: ص، والجواهر المضية.
(2)
تقدم التعريف بها، ترجمة 5، صفحة.
(*) ترجمته فى: إيضاح المكنون 1/ 483، شذرات الذهب 37،8/ 36، الضوء اللامع 1/ 171، كشف الظنون 1/ 426، معجم المصنفين 427،4/ 426، النور السافر،50،49.
(3)
ذكر السخاوى فى الضوء اللامع، أنه جاور سنة ثمان وتسعين، وذكر العيدروس فى النور السافر، أنه توفى سنة ثمان وتسعمائة.
(**) ترجمته فى: تذكرة الحفاظ 2/ 686، تهذيب تاريخ دمشق 2/ 297، الجواهر المضية، برقم 52، شذرات الذهب 2/ 218، طبقات الحفاظ، للسيوطى 298، العبر 2/ 100، كشف الظنون 2/ 1685،1/ 436، مرآة الجنان 2/ 223، معجم المصنفين 4/ 435 - 437.
(4)
نسف: مدينة كبيرة بين جيحون وسمرقند. معجم البلدان 4/ 781.
ذكره فى «تاريخ دمشق» .
وروى
(1)
له حديثين
(1)
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أحدهما عن أنس بن مالك، رضى الله تعالى عنه، أنه قال:«من صلّى صلاة الضّحى بنى الله له قصرا فى الجنّة من ذهب» ، وفى رواية أخرى:«من صلّى ثنتى عشرة ركعة من الضّحى بنى له بيت فى الجنّة» .
والحديث الثانى، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بنى الإسلام على خمسة أسهم، شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّدا عبده ورسوله، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وحجّ البيت، وصوم رمضان» .
ولم يؤرّخ وفاته.
وقال فى «الجواهر» : مات سنة خمس وتسعين ومائتين، رحمه الله تعالى
(2)
.
قلت: وذكره الذّهبىّ، فى «تاريخ الإسلام» ، فقال: إبراهيم بن معقل بن الحجّاج، أبو إسحاق، النّسفىّ، قاضى نسف وعالمها.
رحل، وكتب الكثير.
وسمع جبارة بن المغلّس، وقتيبة بن سعيد، وهشام بن عمّار، وأقرانهم.
وروى «الصحيح» عن أبى عبد الله البخارىّ.
وكان فقيه النّفس، عارفا باختلاف العلماء.
وروى عنه ابنه سعيد، وعبد المؤمن بن خلف، ومحمّد بن زكريّا، النّسفيّون، وخلف بن محمّد الخيّام، وخلق سواهم.
صنّف «المسند» ، و «التفسير» ، وغير ذلك.
وتوفّى فى ذى الحجة، سنة خمس وتسعين ومائتين. انتهى.
***
(1 - 1) فى ط، ن:«عنه» ، والصواب فى: ص.
(2)
من هنا إلى نهاية الترجمة ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
96 - إبراهيم بن منصور
(*)
سبط حفص بن عبد الرحمن، راوى
(1)
وفاة جدّه حفص، على ما يأتى.
كذا فى «الجواهر» من غير زيادة.
***
97 - إبراهيم بن مهنّا بن محمّد
(**)
الفقيه، الصّالح.
قال الخزرجىّ: كان فقيها، صالحا، ورعا، ناسكا.
/وكان مولده سنة تسع وثمانين وستمائة.
وهو أحد الفقهاء المدرّسين على مذهب الإمام أبى حنيفة، درّس بالدّعاسيّة بزبيد.
وكان ذا مروءة، وحسن خلق.
وتوفّى سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة
(2)
، رحمه الله تعالى.
***
98 - إبراهيم بن موسى بن أبى بكر
ابن الشيخ على الطّرابلسىّ، الحنفىّ
(***)
نزيل القاهرة.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 53.
(1)
فى الجواهر المضية: «روى» .
(**) ترجمته فى: الدرر الكامنة 1/ 75، العقود اللؤلؤية 2/ 76.
ذكر ابن حجر أنه «إبراهيم بن مهنا بن محمد بن مهنا الصرفى الحنفى» . وفى ط: «بن مهنا» ، وكذلك فى: ن، وعلى النون فيها تشديد، والمثبت فى: ص، والدرر الكامنة.
(2)
فى الدرر الكامنة أنه توفى سنة 747 هـ، وفى العقود اللؤلؤية أنه توفى سنة 743 هـ.
(***) ترجمته فى: الضوء اللامع 1/ 178، كشف الظنون 2/ 1895،1/ 85، معجم المصنفين 4/ 454، النور السافر 111، 112، وذكر أنه توفى سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة.
أخذ فى دمشق، عن جماعة، منهم: الشرف ابن عيد، وقدم معه القاهرة، حين طلب لقضائها.
ولازم الصّلاح الطّرابلسىّ، ورغب له عن تصرّفه
(1)
بالمؤيّديّة، لمّا أعطى مشيخة الأشرفيّة.
وأخذ عن الدّيمىّ «شرح ألفيّة العراقىّ» للناظم، وعن السّنباطىّ أشياء.
قال السّخاوىّ: وكذا سمع علىّ «شرح معانى الآثار» لمحمد بن الحسن، وغيرهما، وعلّق عنّى بعض التآليف.
وهو فاضل، ساكن، ديّن. رحمه الله تعالى.
ورأيت
(2)
بخطّ الشّيخ العلاّمة علىّ ابن غانم المقدسىّ
(3)
، مفتى الدّيار المصريّة، أنّ من تآليف صاحب الترجمة كتاب «الإسعاف فى أحكام الأوقاف» ، وكتاب «مواهب الرحمن فى مذهب النّعمان» وشرحه سمّاه «البرهان» .
***
99 - إبراهيم بن موسى، أبو إسحاق،
الفقيه الوزدولىّ
(*)
ذكره السّهمىّ فى «تاريخ جرجان» ، فقال: روى عن المعتمر بن سليمان، وعبد الله
(1)
فى الأصول: «تصوفه» ، ولعل الصواب ما أثبته.
(2)
من هنا إلى نهاية الترجمة ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
(3)
هو على بن محمد بن على، المعروف بابن قاسم المقدسى الحنفى.
من رجال القرن العاشر، وبداية القرن الحادى عشر.
انظر ترجمته فى ريحانة الألباء 2/ 52.
(*) ترجمته فى: الأنساب 582 ظ، تاريخ جرجان 88،87، الجواهر المضية، برقم 54.
والوزدولى، نسبة إلى وزدول، قال السمعانى: وظنى أنها من قرى جرجان.
وجزم ياقوت أنها من قرى جرجان. انظر معجم البلدان 4/ 926.
ابن المبارك، وفضيل بن عياض، وخالد بن نافع، وأبى معاوية، وابن عيينة، وابن عليّة، ومن فى طبقتهم.
روى
(1)
عنه عبد الرحمن بن عبد المؤمن، وأحمد بن حفص
(2)
السّعدىّ، وغيرهما.
روى عن جعفر بن محمّد الفريابىّ
(3)
، وكان أحد المتعصّبين على أصحاب أبى حنيفة، أنه قال: دخلت جرجان، فكتبت عن العصّار
(4)
، والسّبّاك، وموسى بن السّندىّ، فقيل: يا أبا بكر، وإبراهيم بن موسى الوزدولىّ؟
قال: نعم، كان يحدّث هناك، ولم أكتب عنه، لأنّى لا أكتب عن أصحاب الرّأى، وإبراهيم شيخ أصحاب الرّأى.
وروى له فى «التاريخ» المذكور بإسناده إلى
(5)
أبى الحسن القصرىّ
(5)
أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من زعم أنّه عالم فهو جاهل» .
وكان لإبراهيم ولد فاضل محدّث، صنّف الكتب والسّير، وهو مستقيم الحديث.
رحمهما الله تعالى.
***
100 - إبراهيم بن ميمون، الصّائغ، المروزىّ
(*)
روى عن أبى حنيفة، وعطاء، وغيرهما.
(1)
فى: ط، ن:«وروى» ، والمثبت فى: ص، وتاريخ جرجان.
(2)
فى الأصول: «بن أبى حفص» ، والمثبت فى: تاريخ جرجان، والجواهر المضية.
(3)
فى ط: «الغربانى» ، وفى ن:«الغريانى» ، والصواب فى: ص، وتاريخ جرجان.
(4)
بالعين. انظر تاريخ جرجان.
(5 - 5) فى الأصول: «الحسن البصرى» ، والتصويب من: تاريخ جرجان، وهو على بن محمد بن عبد الله.
(*) ترجمته فى: الأنساب 348 ظ، التاريخ الكبير للبخارى 1/ 325/1، تهذيب التهذيب 173،1/ 172، الجرح والتعديل 135،1/ 134/1، الجواهر المضية، برقم 55، خلاصة تذهيب تهذيب الكمال 23،22، شذرات الذهب 1/ 181، اللباب 2/ 48، مشاهير علماء الأمصار 195، ميزان الاعتدال 1/ 96.
وروى عنه حسّان بن إبراهيم، وغيره.
وروى له النّسائىّ، وأبو داود.
وقال النّسائىّ: لا بأس به.
قال السّمعانىّ: كان فقيها فاضلا، قتله أبو مسلم الخراسانىّ بمرو، سنة إحدى وثلاثين ومائة.
قال ابن المبارك: لمّا بلغ أبا حنيفة قتل إبراهيم الصائغ بكى
(1)
حتى ظننّا أنه سيموت، فخلوت به، فقال: كان والله رجلا عاقلا، ولقد كنت أخاف عليه هذا الأمر.
قلت: وكيف كان سببه؟
قال: كان يقدم ويسألنى، وكان شديد البذل لنفسه فى طاعة الله تعالى، وكان شديد الورع، وكنت ربّما قدّمت
(2)
إليه بالشئ
(3)
، فيسألنى عنه، ولا يرضاه، ولا يذوقه، وربّما رضيه فأكله.
*فسألنى عن الأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر، إلى أن اتّفقنا على أنه فريضة من الله تعالى، فقال لى: مدّ يدك حتى أبايعك.
فأظلمت الدنيا بينى وبينه.
فقلت
(4)
: ولم؟
قال: دعانى إلى حقّ من حقوق الله تعالى فامتنعت عليه، وقلت له: إن قام به رجل واحد قتل/ولم يصلح للناس أمر، ولكن إن وجد أعوانا صالحين، ورجلا يرأس عليهم مأمونا على دين الله، فنعم.
(1)
ساقط من: ط، ومكانه بياض فى: ن، وهو فى: ص، والجواهر المضية.
(2)
التشديد من: ص، ضبط قلم.
(3)
فى الجواهر المضية: «بشى» .
(4)
القائل هو ابن المبارك.
وكان يقتضى
(1)
ذلك كلّما قدم علىّ تقاضى الغريم الملحّ، فأقول: هذا أمر لا يصلح بواحد، ما أطاقته الأنبياء حتى عقدت عليه من السّماء، وهذه فريضة ليست كالفرائض، يقوم بها
(2)
الرجل وحده، وهذا متى أمر الرجل به وحده أشاط
(3)
بدمه، وعرّض نفسه للقتل، فأخاف أن يعين على قتل نفسه، ولكن ننتظر
(4)
، فقد قالت الملائكة:{أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها} الآية
(5)
.
ثم خرج إلى مرو، حتى كان أبو مسلم فكلّمه بكلام غليظ، فأخذه، فاجتمع عليه فقهاء
(6)
خراسان وعبّادهم حتى أطلقوه، ثم عاوده، فزجره، ثمّ عاوده، ثمّ قال: ما أجد شيئا أقوم به لله تعالى أفضل من جهادك، ولأجاهدنّك بلسانى، ليس لى قوة بيدى، ولكن يرانى الله وأنا أبغضك فيه. فقتله، رحمه الله تعالى.
وروى ابن عساكر فى «تاريخ دمشق» بسنده، عن الحسن بن رشيد العنبرىّ، قال:
سمعت يزيد النّحوىّ، يقول: أتانى إبراهيم الصّائغ، فقال لى: ما ترى ما يصنع هذا الطاغية! -يعنى أبا مسلم الخراسانىّ -إن الناس معه فى سعة غيرنا أهل العلم.
قال: قلت لو علمت أنّه يصنع بى إحدى الخصلتين لفعلت؛ إن أمرت ونهيت، يقبل منا أو يقتلنا، ولكن أخاف أن يبسط
(7)
علينا، وأنا شيخ كبير لا صبر لى على السّياط.
فقال الصّائغ: لكن لا أنتهى عنه.
قال: فذهب إبراهيم، فدخل على أبى مسلم، فأمره ونهاه، فقتله على ذلك
(8)
.
وعن الحسن بن رشيد، أيضا، أنه قال: سمعت النّعمان: أنا حدّثت إبراهيم الصائغ،
(1)
فى ط، ن:«يقضى من» والمثبت فى: ص.
(2)
فى الجواهر المضية: «لها» .
(3)
أشاط بدمه: أذهبه، أو عمل على هلاكه، أو عرضه للقتل. القاموس (ش ى ط).
(4)
فى ط، ن:«تنتظر» ، وفى الجواهر المضية:«ينتظر» ، والمثبت فى: ص.
(5)
سورة البقرة 30.
(6)
فى الجواهر المضية بعد هذا زيادة: «أهل» .
(7)
يبسط علينا: يسلط علينا.
(8)
ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
عن عكرمة، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيّد الشّهداء حمزة، ثمّ رجل قام إلى إمام جائر، فأمره، ونهاه، فقتله على ذلك» .
وعن الحسن بن رشيد أيضا
(1)
، قال: دعا أبو مسلم الناس إلى البيعة، فدعا الصّائغ، فقال له: بايع طوعا غير كاره.
فقال الصّائغ: لا، بل كرها غير طائع.
قال: فكيف بايعت لنصر بن سيّار؟
قال: إنّى لم أسأل عن ذلك، ولو سئلت لقلت.
وقال أحمد بن سيّار: وذكر يعمر بن بشر، قال: كتب إبراهيم الصّائغ إلى أبى مسلم بكتاب، يأمره وينهاه، وذكر أنّه كان بين أبى مسلم وبينه اجتماع أيّام دعوته، وأن أبا مسلم وعده القيام بالحقّ، والذّبّ عن الحرام
(2)
أيّام دولة بنى أميّة؛ فلما ملك أبو مسلم وبسط يده، دخل عليه إبراهيم الصّائغ، فوعظه ونهاه.
فقال أبو مسلم: يا إبراهيم، أين كنت عن نصر بن سيّار، وهو يتّخذ زقاق الذّهب للخمر فيبعث بها إلى الوليد بن يزيد!؟.
فقال إبراهيم: إنّي كنت معهم أخشى، وأنت وعدتنى أن تعمل بالحقّ وتقيمه.
فكفّ عنه أبو مسلم، وكان إبراهيم يظهر مخالفته إيّاه، ومع ذلك لا يدع ما يمكنه.
تغمّده الله برحمته، فما كان أحبّه فى الأمر بالمعروف، والنّهى عن المنكر.
وروى ابن عساكر، بسنده عن علىّ بن الحسين بن واقد
(3)
، عن أبيه، قال: لمّا قتل أبو مسلم إبراهيم الصّائغ، فأحببت أن أراه فى المنام، فرأيته، فقلت: ما فعل الله بك؟
قال: غفر لى مغفرة ليس بعدها مغفرة.
(1)
زيادة من: ص، على ما فى: ط، ن.
(2)
كذا فى النسخ.
(3)
فى ط: «وافد» ، والكلمة غير واضحة فى: ن، والمثبت فى: ص.
قلت: فأين يزيد النّحوىّ؟
قال: أيهات
(1)
، هو أرفع منى بدرجات.
قلت: لم وقد كنتما سواء؟
قال: بقراءة القرآن.
قال: ورأيت فى منامى رجلا على مصلاه على النار يغلى، فقلت: من هذا؟
فقالوا: أبو مسلم.
قال علىّ: فأخبرنى بعض أهل بيتى، عن أبى، قال: قيل لى فى منامى: إنّه سيرى فى كلّ بلاد خراسان مثل ما رأيت فى هذه الليلة.
وبالجملة، فقد كان إبراهيم من العلماء العاملين
(2)
، الآمرين بالمعروف، النّاهين عن المنكر،/الذّابّين عن محارم الله
(2)
، الذين لا تأخذهم فى الله لومة لائم. رحمه الله تعالى
(2)
ونفعنا ببركاته، وبركات علومه، فى الدنيا والآخرة، آمين
(2)
.
***
101 - إبراهيم بن نصرويه بن سختام
(*)
روى عنه ابنه علىّ الآتى ذكره وذكر أخيه إسحاق، إن شاء الله تعالى.
***
(1)
فى ص: «ابهات» ، والصواب ما أثبته، وهو ما فى: ط، ن.
وأيهات: لغة فى هيهات، القاموس (ا ى هـ).
(2 - 2) ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 56، وترجمة ابنه على فى تاريخ بغداد 11/ 342، واللباب 1/ 380، وفيه «ابن سختام» ، وفى ص «سحنام» وفى ط، ن:«سحيام» ، والمثبت فى الجواهر المضيّة، وتاريخ بغداد، واللباب.
102 - إبراهيم بن والى الذكرىّ
الأصل، الغزّىّ المنشأ والدّار
(*)
ذكره فى «الغرف العليّة» ، وقال: قدم علينا فى صفر، سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة، وأرانى «نظم الأجروميّة
(1)
».
ثم إنه-أعنى صاحب «الغرف» -ذكر له جماعة ممّن نظم الأجرومية وشرحها، وذكر أنه أنشده بعض الأشعار، وساق منها شيئا لم أكتبه؛ لسفم النّسخة، وتحريف الكاتب، وإن ظفرت له بشئ صحيح ألحقته. تغمّده الله برحمته.
***
103 - إبراهيم [بن يحيى] بن أحمد البصراوىّ
(**)
الشيخ، الإمام، المحدّث، عماد الدّين، أبو إسحاق
ذكره فى «الغرف العليّة» .
ونقل عن البرزاليّ، أنه ولد سنة خمس وأربعين وستمائة.
وأنه قرأ القرآن، وسمع الحديث، وقرأ على الشيوخ كثيرا من الكتب والأجزاء، وكان مشهورا بحسن القراءة.
وبعد ملازمته للطّلب والاشتغال بالعلم، خدم فى الدّيوان، وحصل له دنيا وافرة.
(*) ترجمته فى: إيضاح المكنون 1/ 254، شذرات الذهب 8/ 325، كشف الظنون 2/ 1797، الكواكب الدرية 2/ 81.
والترجمة ساقطة من: ص، وهى فى: ط، ن، وفى ن:«الذكرى» ، والمثبت فى: ط، ومصادر الترجمة.
(1)
فى ط هنا وفيما يأتى: «الجرومية» ، والمثبت فى: ن.
(**) ترجمته فى: الدرر الكامنة 79،1/ 78، شذرات الذهب 6/ 98، من ذيول العبر (ذيل الذهبى)172.
هذه الترجمة كلها ساقطة من ص، وهى فى: ط، ن.
وما بين المعقوفتين زيادة من مصادر الترجمة يصح بها الترتيب، وقد سبق للمؤلف ترجمته برقم 71، باسم:«إبراهيم بن محمد بن أحمد» .
ثم إنه رأى رؤيا
(1)
أوجبت له التوبة والإقلاع عمّا كان فيه، وحجّ ولازم المسجد والتّلاوة، وبقى على ذلك عشرين سنة، وعرض له صمم فى آخر عمره.
ومات سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
***
104 - إبراهيم بن يعقوب بن إبراهيم
(*)
وهو أخو الإمام يوسف بن أبى يوسف.
تفقّه على أبيه، رحمه الله تعالى.
ذكره فى «الجواهر» ، هو والذى قبله
(2)
.
***
105 - إبراهيم بن يعقوب بن البهلول
التّنوخىّ، أبو إسحاق، الأنبارىّ
(**)
من بيت كبير، مشهور بالعلم والتقدّم ورواية الحديث.
روى عنه ابن أخيه أبو الحسن أحمد بن يوسف بن يعقوب حكاية.
ويأتى أحمد، فى بابه، إن شاء الله تعالى.
***
(1)
ذكر ابن حجر تفصيل هذه الرؤيا، فى الدرر الكامنة.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 57.
(2)
هكذا فى النسخ، ولم ترد الترجمة السابقة فى الجواهر.
(**) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 58.
106 - إبراهيم بن يعقوب بن أبى نصر
ابن أبى النصر بن مدوسة، الواعظ، الكشانىّ
(*)
سكن سمرقند، وتولّى خطابتها نيابة عن محمود بن أحمد السّاغرجىّ
(1)
، الملقب شيخ الإسلام.
سمع بالكشانيّة أباه، وبسمرقند أبا إبراهيم إسحاق بن محمّد الخطيب النّوحىّ.
وكان فقيها، فاضلا، عارفا بمذهب أبى حنيفة، وروايته، مفسّرا، واعظا، حسن السّيرة.
ولد فى عشر
(2)
ذى القعدة، سنة ثمان وسبعين وأربعمائة.
وتوفّى بسمرقند، سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة، رحمه الله.
***
107 - إبراهيم بن يوسف بن رستم
(**)
قال فى «الجواهر» : هكذا نسبه فى «مآل الفتاوى» فلا أدرى؛ أهو إبراهيم بن رستم، الإمام المذكور قبله
(3)
، ونسب إلى جدّه رستم، أو غيره؟ ولا أعلم أحدا من الحفّاظ ذكر أنّ رستم جدّ إبراهيم، والله تعالى أعلم.
***
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 59، وفيه:«بن أبى نصر بن أبى النصير» وسقط من ص: «بن أبى النصر بن مدوسة» ، وهو فى: ط، ن.
وله ذكر فى الأنساب 483 ظ.
والكشانية التى ينتسب إليها: بلدة من بلاد الصغد بنواحى سمرقند.
ضبطها ابن الأثير بضم الكاف، وضبطها ياقوت بفتحها: انظر: اللباب 3/ 41، معجم البلدان 4/ 276.
(1)
فى ص، والجواهر:«الساغوجى» ، والصواب فى: ط، ن، واللباب 1/ 522.
وساغرج: قرية من قرى سمرقند.
(2)
فى الجواهر المضية: «عاشر» .
(**) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 61.
وجاءت هذه الترجمة فى ص بعد ترجمة البونى الآتية برقم 109، وهو موافق لما فى الجواهر المضية، والمثبت فى: ط، ن، وهو موافق للترتيب الهجائى.
(3)
تقدم برقم 37.
108 - إبراهيم بن يوسف بن على
البرهان، أبو إسحاق، القاهرىّ، الحنفى، المعروف
بابن/العدّاس
(*)
ولد تقريبا فى العشر الأوسط من شهر رمضان، سنة إحدى وأربعين وسبعمائة.
واشتغل بالفقه، والقراءات، وغيرهما.
وقرأ على الشيخ أكمل الدّين «شرحه للهداية» ، وغيره، وعلى التّقىّ ابن البغدادىّ «الصّحيحين» ، وعلى الجمال ابن خير أوّلهما.
وفضل بحيث ناب فى القضاء.
وحدّث، سمع منه الزّين رضوان، والشّمس محمّد بن على بن محمّد بن عبد الكريم الفوّىّ.
وروى عنه بالإجازة التّقىّ الشّمنّىّ
(1)
.
مات فى ليلة الاثنين، سابع جمادى الآخرة، سنة ثمان وثمانمائة، رحمه الله تعالى.
***
109 - إبراهيم بن يوسف بن محمّد
ابن البونىّ، أبو الفرج
(**)
إمام محراب الحنفيّة بدمشق.
مقرئ، محدّث.
روى عن أبى القاسم ابن عساكر.
(*) ترجمته فى: الضوء اللامع 1/ 182.
(1)
فى الأصول: «الشمسى» ، والمثبت فى الضوء اللامع.
(**) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 60.
والبونى: نسبة إلى بونة، مدينة بساحل أفريقية. اللباب 1/ 153.
ومات سنة اثنتى عشرة وستمائة. رحمه الله.
***
110 - إبراهيم بن يوسف بن ميمون
ابن قدامة، وقيل ابن رزين، أبو إسحاق، الباهلىّ
(*)
عرف بالماكيانىّ؛ نسبة إلى جدّه، فيما ذكره السّمعانىّ.
وهو أخو عصام، ومحمّد، ووالد عبد الله وعبد الرحمن، الآتى كلّ منهم فى بابه.
وإبراهيم هذا هو الإمام المشهور، الكبير المحلّ عند أصحاب أبى حنيفة، وشيخ بلخ
(1)
، وعالمها فى زمانه.
لزم أبا يوسف حتى برع، وروى عن سفيان بن عيينة، وإسماعيل بن عليّة، وحمّاد بن زيد.
وروى عن مالك بن أنس حديثا واحدا، عن نافع مولى
(2)
ابن عمر رضى الله تعالى عنهما: «كلّ مسكر خمر، وكلّ مسكر حرام» .
وسبب تفرّده أنه دخل على مالك يسمع منه، وقتيبة بن سعيد حاضر، فقال لمالك: إن هذا يرى الإرجاء. فأمر أن يقام من المجلس، ولم يسمع غير هذا الحديث، ووقع له بهذا مع قتيبة عداوة، فأخرجه من بلخ، فنزل بغلان
(3)
، وكان بها إلى أن مات.
وروى النّسائىّ عن إبراهيم هذا، وقال: ثقة.
(*) ترجمته فى: الأنساب 503 و، تذكرة الحفاظ 2/ 453، تهذيب التذهيب 185،1/ 184، الجواهر المضية، برقم 62، خلاصة تذهيب تهذيب الكمال 24، شذرات الذهب 2/ 91، الفوائد البهية 11، كتائب أعلام الأخيار، برقم 113، اللباب 3/ 85، ميزان الاعتدال 1/ 76، الوافى بالوفيات 6/ 172.
(1)
بلخ: مدينة مشهورة بخراسان. معجم البلدان 1/ 713.
(2)
زيادة على ما فى الأصول.
وانظر الموطأ 846،2/ 845 (باب تحريم الخمر، من كتاب الأشربة).
(3)
فى الأصول: «بعلان» والصواب مأثبته، وهى بلدة بنواحى بلخ، وكان قتيبة بن سعيد ينزل بها. انظر: تاريخ بغداد 12/ 464، تهذيب التهذيب 8/ 358، معجم البلدان 1/ 695.
وذكره ابن حبّان فى «الثّقات» .
وقال عبد الرحمن بن أبى حاتم فى كتاب «الرّدّ على الجهميّة» : حدّثنى عيسى بن بنت إبراهيم بن طهمان، قال: كان إبراهيم بن يوسف شيخا جليلا فقيها، من أصحاب أبى حنيفة.
طلب الحديث بعد أن تفقّه فى مذهبهم، فأدرك ابن عيينة ووكيعا.
*فسمعت محمّد بن محمد بن الصّدّيق، يقول: سمعته يقول: القرآن كلام الله، ومن قال مخلوق فهو كافر، بانت منه امرأته، ولا يصلّى خلفه، ولا يصلّى عليه إذا مات، ومن وقف فهو جهمىّ.
*وقال أحمد بن محمّد بن الفضل: سمعت محمد بن داود الفرعىّ
(1)
، يقول: حلفت أن لا أكتب إلاّ عن من يقول: الإيمان قول وعمل.
فأتيت إبراهيم بن يوسف، فقال: اكتب عنّى، فإنى أقول: الإيمان قول وعمل.
*وكان عصام بن يوسف، أخو إبراهيم هذا يرفع يديه عند الركوع، وعند رفع الرّفع، وكان إبراهيم لا يرفع.
توفّى سنة إحدى وأربعين، فى أوّلها، وقيل: سنة تسع وثلاثين ومائتين، رحمه الله تعالى.
***
111 - إبراهيم بن يوسف
(*)
* روى عن أبى يوسف، عن أبى حنيفة، أنه قال: لا يحلّ لأحد أن يفتى بقولنا ما لم يعرف من أين قلنا.
قال فى «الجواهر» : ولعلّه الذى قبله، والله تعالى أعلم.
***
(1)
نسبة إلى فرع: وهو والد تميم بن فرع الفرعى المصرى. اللباب،2/ 206.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 63.
112 - إبراهيم، تاج الدّين
الرّومىّ، الشهير بابن الخطيب
(*)
قرأ على المولى يكّان
(1)
، ودأب، وحصّل، وصارت عنده مهارة تامة فى غالب الفنون، وصار مدرّسا بمدرسة إزنيق.
(2)
/
وكان شيخا فاضلا، صاحب شيبة نيّرة، وأخلاق حميدة.
توفّى فى أوائل سلطنة السلطان محمد خان
(3)
ببلدة إزنيق، تغمده الله تعالى برحمته.
***
113 - إبراهيم السّيّد الشريف العجمىّ
ثم الرّومىّ، الشهير ببير أمير
(**)
كان من عباد الله الصّالحين، والعلماء العاملين، ومن أبناء الأكابر.
اشتغل، وحصّل، وأخذ عن المولى حسن السّامسونىّ
(4)
، والمولى خواجا زاده.
وصار مدرّسا بعدّة مدارس، وصار أيضا مفتيا بمدينة أماسية.
وكانت وفاته سنة خمس وثلاثين وتسعمائة، وقد أناف على التّسعين، ودفن بجوار أبى أيّوب الأنصارىّ، رضى الله تعالى عنه.
(*) ترجمته فى: الشقائق النعمانية 1/ 156.
وفى ط، ن:«إبراهيم بن تاج الدين» ، والصواب فى: ص.
(1)
هذا التشديد من: ص، ضبط القلم.
(2)
فى ص: «أزينق» ، والمثبت فى: ط، ن.
(3)
بويع للسلطان محمد خان بن السلطان مراد خان بالسلطنة سنة خمس وخمسين وثمانمائة. انظر الشقائق النعمانية 1/ 181.
(**) ترجمته فى: الشقائق النعمانية 1/ 454 - 462.
وفى ط، ن:«الشهير بيبر أمير» ، والمثبت فى: ص.
(4)
فى ط،:«السامونى» ، وفى ن:«السامولى» ، والمثبت فى ص، وهو مترجم فى الشقائق النعمانية 1/ 247 باسم «المولى حسن بن عبد الصمد الساميسونى» .
وكان مجرّدا، لم يتأهّل قطّ، وأفنى عمره فى الاشتغال والعبادة.
وكان فقيها بتلك الدّيار منقطع القرين، وكان يكتب الخطّ المليح جدّا.
وعمى فى آخر عمره، ثم عولج فأبصر بعينه الواحدة، واكتفى بها إلى أن مات، رحمه الله تعالى.
***
114 - إبراهيم الرّومىّ، الشهير بابن الأستاذ
(*)
كان أبوه دبّاغا، وهو فيما قيل: أوّل من صبغ الجلود اللازورديّة.
ورغب ابنه فى الاشتغال، والتّحصيل، وقرأ على المولى سنان باشا، وغيره.
وصار مدرّسا بأنقرة وأماسية، وقاضيا ببعض النّواحى.
وكان عنده فضيلة تامّة، وله فى العلوم مشاركة، رحمه الله تعالى.
***
115 - إبراهيم بن الكركىّ الحنفىّ
المصرىّ، قاضى القضاة، برهان الدّين
ولى قضاء الدّيار المصريّة عوضا عن عبد البرّ ابن الشّحنة، فى
(1)
سادس عشر رجب، سنة ثمان عشرة وتسعمائة، وكان له نهار مشهور.
وتوفّى سنة ثلاث وعشرين وصلّى عليه صلاة الغائب بدمشق.
(2)
كذا نقلته من «الغرف العليّة»
(2)
.
***
(*) ترجمته فى: الشقائق النعمانية 480،1/ 479.
(1)
زيادة من: ص، على ما فى: ط، ن.
(2 - 2) زيادة من: ص، على ما فى: ط، ن.
باب
من اسمه أحمد
116 - أحمد بن إبراهيم بن أسد
ابن أحمد بن محمّد الهروىّ
(*)
والد نصر الفقيه الآتى ذكره، وتقدّم أبوه إبراهيم
(1)
.
روى عنه ابنه نصر.
***
117 - أحمد بن إبراهيم بن أيّوب،
شهاب الدّين، العينتابىّ
(**)
قاضى العسكر، بدمشق.
قال الولىّ العراقىّ: اشتغل على الشيخ رضىّ الدّين المنطيقىّ.
ودرّس بعدّة مدارس بدمشق.
وقال ابن حجر: تفقّه، ودرّس.
وجمع «شرحا للمغنى» ، وشرح «مجمع البحرين» فى ستّ مجلّدات.
ومات فى المحرّم، سنة سبع وستين وسبعمائة.
وذكره ابن حبيب فى «تاريخه» ، وقال فى حقّه: إمام شهابه لامع، وسحابه هامع،
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 64.
(1)
برقم 20.
(**) ترجمته فى: تاج التراجم 11، الدرر الكامنة 1/ 87، الفوائد البهية 13، كشف الظنون 2/ 1601، المنهل الصافى 1/ 197، النجوم الزاهرة 11/ 90.
وقلمه لأشتات الفضائل جامع، وكلمه يفيد الطالب ويطرب السّامع.
كان ذا شكل حسن، وبراعة ولسن، وأخلاق جميلة، وطريقة معروفة بالفضيلة، عادلا فى أحكامه، بارعا فى مذهب إمامه.
أقام بحلب مدّة من الدّهر، ثم استوطن دمشق، منتقلا من النّهر إلى البحر.
أفتى، ودرّس، ونوّع، وجنّس، وحرّر المنقول من النّقول، وشرح «مجمع البحرين» و «المغنى» فى الأصول.
وقال أحمد بن محمّد بن الشّحنة، ومن خطّه نقلت: شرح «مجمع البحرين» ، وقفت عليه،/واسمه «المنبع فى شرح المجمع» ، و «المرتقى فى شرح الملتقى» ، وهو فى ستّ مجلّدات كبار، نحو ثلاثمائة كرّاس.
***
118 - أحمد بن إبراهيم بن داد
ابن دنكة التّركىّ، أبو العباس، القاضى محيى الدّين
(*)
مولده سنة أربع وسبعين وستمائة، بالقاهرة.
تفقّه على والده
(1)
، ثم ورد حلب، ودرّس بها فى عدّة مدارس.
وولى مشيخة الخانقاه المقدّميّة، وأذن له والده فى الفتوى، وانتهت إليه رياسة الحنفيّة بحلب فى زمانه.
وكان حيّا بحلب، فى
(2)
سنة ثمان وعشرين وسبعمائة.
قاله فى «الجواهر» .
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 65، الدرر الكامنة 89،1/ 88، وفيه «أحمد بن إبراهيم بن داود» .
(1)
تقدمت ترجمته، برقم 35.
(2)
ساقط من: ص، والجواهر المضية، وهو فى: ط، ن.
وقال ابن حجر: إنه مات فى السنة المذكورة. رحمه الله تعالى.
***
119 - أحمد بن إبراهيم بن داود المعرّىّ،
الحلبىّ، شهاب الدّين، أبو العباس، المعروف بابن البرهان
(*)
ذكره فى «تاج التراجم» وقال: كان فقيها، فاضلا، له مشاركة فى علوم عديدة، ومصنّفات مفيدة، شرح «الجامع الكبير» ، وانتفع
(1)
به الصّغير والكبير.
وكانت وفاته سادس عشر رجب الفرد
(2)
، سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة.
وذكره أيضا ابن حبيب، فقال: عالم شهابه زاهر، وبرهانه ظاهر، وبحر فضله زاخر، ودرّ مصنّفاته نفيس فاخر.
كان خيّرا ديّنا، فاضلا متفنّنا، بارعا فى مذهبه، عارفا بمعجمه ومعربه، مواظبا على التعليم والتّعريف، ماهرا فى القراءات والنحو والتّصريف، متصدّيا للفتوى، سالكا طريق العزلة والتّقوى.
باشر بحلب تدريس الشّهابيّة، ونيابة الحكم العزيز، ونصب حال جماعة من الطلبة على المدح والتّمييز.
وكانت وفاته بها وقد جاوز السّتّين، تغمّده الله برحمته، آمين.
***
(*) ترجمته فى: إيضاح المكنون 2/ 268، تاج التراجم 11، وفيه «المقرى» مكان «المعرى» ، تنقيح المقال 1/ 46، فهرست الطوسى 32، منتهى المقال 30،29، منهج المقال 30.
(1)
فى تاج التراجم: «فانتفع» .
(2)
لم ترد فى تاج التراجم.
120 - أحمد بن إبراهيم بن عبد الغنى
ابن أبى إسحاق، أبو العباس، السّروجىّ
(*)
قاضى القضاة بمصر.
ولد سنة سبع وثلاثين وستمائة، أو بعدها، وتفقّه على مذهب أحمد، فحفظ بعض «المقنع» ، ثم تحوّل حنفيّا، فحفظ «الهداية» ، وأخذ عن الشيخ نجم الدّين أبى الطاهر إسحاق بن على بن يحيى، وصاهره على ابنته، وأخذ أيضا عن القاضى صدر الدّين سليمان ابن أبى العزّ، وغيرهما.
وبرع فى المذهب، وأتقن الخلاف، واشتغل فى الحديث والنحو، وشارك فى الفنون، وصار من أعيان الفقهاء،
(1)
وفقهاء الأعيان
(1)
.
وشرع فى «شرح» على «الهداية»
(2)
أطال فيه النّفس، وهو مشهور، ولم يكمل، تكلّم فيه على الأحاديث، وعللها.
وكان قد سمع الحديث من محمّد بن أبى الخطّاب بن دحية، وغيره.
فلما مات معزّ الدّين النعمان
(3)
قرّر عوضه فى قضاء الحنفيّة، وحكى عنه أنه شرب ماء زمزم لولاية القضاء، فحصل له.
وكان مشهورا بالمهابة، والعفّة والصّيانة، والسّماحة، وطلاقة الوجه، مع عدم مراعاة أصحاب الجاه.
فلما عزل لم يجد معه من يساعده، فمات قهرا فى شهر رجب، سنة عشر وسبعمائة.
(*) ترجمته فى: إيضاح المكنون 1/ 241، البداية والنهاية 14/ 60، تاج التراجم 12،11، الجواهر المضية، برقم 66، حسن المحاضرة 1/ 221، الدرر الكامنة 97،1/ 96، رفع الإصر 1/ 50، شذرات الذهب 6/ 23، وسماه محمدا، وجعله شافعيا خطأ، الفوائد البهية 13، كتائب أعلام الأخيار، برقم 509، كشف الظنون 2/ 2033،1/ 362، مفتاح السعادة 2/ 267، من ذيول العبر 53، المنهل الصافى 1/ 188 - 193، النجوم الزاهرة 9/ 212.
(1 - 1) ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
(2)
فى الجواهر، أنه سماه:«الغاية» .
(3)
هو ابن الحسن الخطيبى، وكانت وفاته سنة إحدى وتسعين وستمائة. انظر: الجواهر، الدرر.
ولعلّ الله أراد به خيرا، وادّخر له ذلك عنده.
ومن تصانيفه «الرّدّ على ابن تيميّة» ، وهو فيه/منصف، متأدّب، صحيح المباحث، وبلغ ذلك ابن تيميّة، فتصدّى للرّدّ على ردّه.
وذكره الذّهبىّ فى «تاريخه» ، فقال: كان نبيلا، وقورا، فاضلا، كثير المحاسن والبرّ، وما أظنّه روى شيئا من الحديث. انتهى.
ولمّا كان شهر رجب سنة سبعمائة طلب بطرك النّصارى، وربّان اليهود، وجمع القضاة والعلماء، وفوّض إليه أخذ العهد عليهم وتجديده، فجدّدوه، وكان من جملة ما شرط عليهم، أن لا يركب أحد منهم فرسا ولا بغلة؛ وأن لا تلبس النّصارى العمائم الزّرق، واليهود العمائم الصّفر، فالتزموا بذلك واستمرّ.
ويقال: إنّه كان له دفتر يكتب فيه ما يستدينه، فأوصى عند موته أن يعتمد ما فيه، فجاء شخص، فذكر أنّ له عنده مائتى درهم، فلم يجدوها فى الدّفتر، فرآه شخص من أصدقائه فى منامه، فقال له: إن الرجل صادق، وإنّها فى الدّفتر بقلم دقيق. فانتبه الرجل، فوجد الأمر كما قال.
ويقال إنه حجّ، فسأل الله حاجة، ولم يذكر ذلك لأحد، فجاء شخص بعد مدّة، فقال:
رأيت النبىّ صلى الله عليه وسلم فى النّوم، فأمرنى أن أقول لك: أعطنى جميع ما عندك، والأمارة الحاجة التى سألتها بمكّة.
فقال: نعم. وأخرج له ما عنده، وهو مائة دينار وألف درهم. وقال: لو كان عندى أكثر من هذا لدفعته لك؛ فإن الأمارة صحيحة.
والله تعالى أعلم.
***
121 - أحمد بن إبراهيم بن عمر
ابن أحمد العمرىّ، الصّالحىّ، شهاب الدّين
(*)
المعروف بابن زبيبة، بزاى مضمومة، وباء موحّدة، وياء مشدّدة، تصغير زبيبة.
(*) ترجمته فى: الدرر الكامنة 1/ 100.
نزيل حلب، أقام بها مدّة يشتغل، ويدرّس.
ثم توجّه إلى القاهرة، وناب فى الحكم بها.
وكان حفظه
(1)
للنّوادر والحكايات المضحكات،
(2)
كثيرا جدّا
(2)
.
ثم ولى القضاء بالإسكندريّة، وهو أوّل حنفىّ ولى بها القضاء.
ومات بها فى ربيع الأوّل، سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة.
أثنى عليه ابن حبيب، وقال: إنّه عاش سبعين سنة.
كذا ذكر هذه الترجمة الحافظ ابن حجر.
وأمّا الولىّ العراقىّ، فقال: أحمد بن محمّد العمرىّ الحنفىّ، الشهير بابن زبيبة.
تفقّه، ودرّس، وناب فى الحكم، ثمّ ولى قضاء الإسكندريّة.
وكان كثير الحفظ للحكايات المضحكة، حلو النادرة.
مات فى رجب أو شعبان، سنة اثنتين وستين وسبعمائة. انتهى.
وهو كما تراه مخالف لما قاله ابن حجر فى اسم الأب، وتاريخ الوفاة،
(3)
ولعلّه من تحريف الكتاب
(3)
، والله تعالى أعلم.
***
122 - أحمد بن إبراهيم بن محمّد
ابن عبد الله، شهاب الدّين، أبو العبّاس،
اليمانىّ الأصل، الرّومىّ، الزاهد
(*)
نزيل الشّيخونيّة
(4)
المعروف بابن العرب، وبعرب زاده، وهو بمعنى الأوّل.
(1)
فى الدرر: «حفظة» .
(2 - 2) لم يرد هذا فى الدرر الكامنة.
(3 - 3) ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن، وفى ن:«تحريف الكاتب» .
(*) ترجمته فى: الضوء اللامع 201،1/ 200، المنهل الصافى 1/ 203 - 205.
(4)
هى خانقاه شيخون، تجاه جامع شيخون بحى الصليبة، قسم الخليفة بالقاهرة، وتعرف الآن باسم جامع شيخون القبلى.
حاشية المنهل الصافى 1/ 203.
أصله من اليمن، ثم انتقل أبوه منها إلى بلاد الرّوم فسكنها، وولد صاحب الترجمة بها، ونشأ بمدينة بروسة.
وكان يقال له عرب زاده، على عادة الرّوم والتّرك
(1)
فى بلادهم، لمن يكون أصله عربيّا ولو ولد ببلادهم، ونشأ بها
(1)
.
وكانت نشأته حسنة، على قدم جيّد.
ثم قدم القاهرة وهو شابّ، ونزل بقاعة الشيخونيّة، وقرأ على إمامها خير الدّين سليمان ابن عبد الله، وغيره، ونسخ بالأجرة مدّة، واشتغل./
ثم انقطع عن الناس، فلم يكن يجتمع بأحد، بل اختار العزلة، مع المواظبة على الجمعة والجماعات، ويبكّر إلى الجمعة بعد اغتساله لها بالماء البارد صيفا وشتاء، ولا يكلّم أحدا فى ذهابه وإيابه، ولا يجترئ أحد على الكلام معه، لهيبته ووقاره، وتورّع جدّا، بحيث إنه لم يكن يقبل من أحد شيئا، ومتى اطّلع على أن أحدا من الباعة حاباه؛ لكونه عرفه لم يعد إليه؛ وللخوف من ذلك كان يتنكّر ويشترى بعد العشاء الآخرة قوت يومين أو ثلاثة، وأقام على هذه الطّريقة أكثر من ثلاثين سنة، وكراماته كثيرة، ولم يكن فى عصره من يدانيه فى طريقته.
قال العينىّ: وثبت بالتّواتر أنه أقام أكثر من عشرين سنة لا يشرب الماء أصلا، وكان يقضى أيّامه بالصّيام، ولياليه بالقيام.
مات فى ليلة الأربعاء، ثانى شهر ربيع الأوّل، سنة ثلاثين وثمانمائة، وصلّى عليه العينىّ، وكان الجمع فى جنازته موفورا، مع أن أكثر الناس كان لا يعرفه، ولا يعلم بسيرته، فلما تسامعوا بموته هرعوا إليه، ونزل السّلطان من القلعة، فصلّى عليه بالرّميلة، وأعيد إلى الخانقاه، فدفن بجوار الشيخ أكمل الدّين، وحمل نعشه على الأصابع، وتنافس الناس فى شراء ثياب بدنه، واشتروها بأغلى الأثمان، فاتّفق أنه حسب ما اجتمع من ثمنها، فكان قدر ما تناوله من المعلوم من أوّل ما نزل بالخانقاه، وإلى أن مات، لا يزيد ولا ينقص، وعدّ هذا من كراماته، رحمه الله تعالى.
(1 - 1) فى ص: «تسمية من لم يكن منهم عربيا، ولو ولد ببلادهم ونشأ بها» ، والمثبت فى: ط، ن.
ذكره فى «الضوء اللامع» .
***
123 - أحمد بن إبراهيم بن محمّد
ابن عمر بن عبد العزيز بن أبى جرادة، العقيلىّ
الحلبىّ، المعروف بابن العديم
(*)
أخو كمال الدّين، قاضى الحنفيّة بالقاهرة.
وولى هذا قضاء حلب.
وله إجازة من عمر بن أميلة
(1)
، وموسى بن فيّاض.
ومن مسموعاته على بعض شيوخه عن إبراهيم بن صالح «جزء الجابرىّ» ، وعلى محمّد ابن علىّ بن أبى سلاّم «مسلسلات التّيمىّ» .
قال ابن حجر فى «المجمع المؤسّس» : وكان فى سنة خمس وعشرين موجودا، ثم لقيته فى سنة ست وثلاثين بحلب، وسمعت عليه من «عشرة الحدّاد» ، وغير ذلك.
وقال السّخاوى، فى «الضوء اللامع»: إنه ولى عدّة مدارس، وحمدت سيرته، وكان محافظا على الجماعة والأذكار، ولم يكن تامّ الفضيلة، مع اشتغاله فى صغره.
وقد حدّث، وسمع منه الأئمة، وأخذ عنه غير واحد من أصحابنا، وأثنى عليه البرهان الحلبىّ.
مات ليلة الأربعاء، منتصف شوّال، سنة سبع وأربعين وثمانمائة
(2)
.
***
(*) ترجمته فى: الضوء اللامع 202،1/ 201، ذكر السخاوى أن «العقيلى» بضم العين.
(1)
فى ص، ن:«أميلة» ، والمثبت فى: ط.
(2)
ذكر السخاوى أن المقريزى ذكر أنه مات بعد سنة ست وثلاثين وثمانمائة.
124 - أحمد بن إبراهيم بن محمد
الفقيه، الزّاهد، أبو حامد، البغولنىّ
(*)
بفتح الباء الموحّدة، وضمّ الغين المعجمة، وفتح اللام، وفى آخره النون.
قال السّمعانىّ: هذه النسبة إلى بغولن. قال: وظنّى أنّها من قرى نيسابور؛ منها، أبو حامد، من أصحاب أبى حنيفة، وشيخهم فى عصره.
درّس بنيسابور، والعراق.
وتوفّى فى سابع عشر شهر رمضان، سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة، رحمه الله تعالى
(1)
.
كذا فى «الجواهر المضيّة» .
وقال فى «تاريخ الإسلام» : أحمد بن إبراهيم بن محمّد، العلاّمة، أبو حامد، البغولنىّ
(2)
، النّيسابورىّ، الحنفىّ، الزّاهد.
شيخ أهل الرّأى/فى عصره، وزاهدهم.
أفتى، ودرّس، نحوا من ستّين سنة.
وكتب الحديث بنيسابور، والعراق، وبلخ، وترمذ، وحدّث.
ترجمه الحاكم، وقال: مات فى رمضان، واجتمع الخلق الكثير فى جنازته، رحمه الله تعالى.
***
(*) ترجمته فى: الأنساب 86 و، الجواهر المضية، برقم 67، اللباب 1/ 133، معجم البلدان 1/ 696.
(1)
من هنا إلى نهاية الترجمة ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
(2)
فى ط: «البغوننى» ، والمثبت فى: ن.
125 - أحمد بن إبراهيم بن الشيخ كريم الدّين
ابن جلال الدّين بن
(1)
سيف الدّين، أبو السّيادة،
الحسينىّ
(2)
الأودهىّ، الهندىّ
(*)
قال السّخاوىّ فى «الضّو اللامع» ، ومن خطّه نقلت: لقينى بمكّة فى المجاورة الثانية، فقرأ علىّ «البخارىّ» ، ولازمنى فى أشياء، بل كتب عنّى ما
(3)
أمليته هناك، وكتبت له إجازة حافلة. انتهى.
***
126 - أحمد بن إبراهيم بن يحيى
ابن أحمد الفزارىّ، الدّمشقىّ الحنفىّ، الكاتب
(**)
يعرف أبوه بابن الكيّال.
ذكره السّخاوىّ، فى «الذّيل التّامّ لدول الإسلام» .
وأرّخ وفاته فى شهر ذى الحجّة، سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة. رحمه الله تعالى.
***
127 - أحمد بن إبراهيم الكشّىّ الصّالحىّ
(***)
ذكره ابن حجر فى «الدّرر الكامنة» ، وقال فى حقه: كان من فضلاء الحنفيّة.
(1)
ساقط من: ص، ط، وهو فى: ن، والضوء اللامع 1/ 208.
(2)
فى الضوء اللامع: «الحسنى» .
(*) ترجمته فى: الضوء اللامع 1/ 208.
(3)
فى الضوء اللامع: «مما» .
(**) ترجمته فى: الدرر الكامنة 1/ 102، وفيها «العزازى» ، وفى حاشيتها «الفزارى» كما ورد فى بعض نسخها، انظر ترجمة أبيه، فى الدرر الكامنة 1/ 78، مع حاشيته. وترجمته أيضا فى ذيل الحسينى، من ذيول العبر 291.
والترجمة ساقطة من: ص، وهى فى: ط، ن.
(***) ترجمته فى الدرر الكامنة 1/ 103، وفيه:«المكتبى» مكان «الكشى» وفى حاشيته: «الكتبى» .
مات فى رجب، سنة خمس وتسعين وسبعمائة.
***
128 - أحمد بن إبراهيم الميدانىّ
(*)
قال فى «الجواهر» : هكذا هو مذكور فى الكتب، كتب أصحابنا.
وهذه النّسبة إلى موضعين؛ أحدهما ميدان زياد بنيسابور، والثانى إلى محلّة بأصبهان.
***
129 - أحمد بن إبراهيم الفقيه
(**)
قال فى «الجواهر» : هكذا هو مذكور فى «الذخيرة» .
*وحكى
(1)
عنه فرعا، وهو أنّ من غسل وجهه، وغمّض عينيه شديدا، لا يجوز وضوءه.
ولعله الذى قبله. انتهى.
***
130 - أحمد بن أحمد بن عبد اللّطيف
ابن أبى بكر الأصيل الفاضل، المحدّث،
زين الدين-حفيد سراج الدّين-اليمانىّ،
الشّرجىّ الزّبيدىّ
(***)
أحد أفاضل الحنفيّة، وأعيانهم.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 68.
(**) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 69.
(1)
أى: وحكى صاحب «الذخيرة» .
(***) ترجمته فى: الضوء اللامع 215،1/ 214، كشف الظنون 1/ 544، لحظ الألحاظ 259، معجم المطبوعات العربية 1114،1113.
وهذه الترجمة كلها ساقطة من: ص، وهى فى: ط، ن.
وفى الأصول: «السرحى» ، والمثبت فى مصادر ترجمته.
والشرجى نسبة إلى شرجة، من أوائل أرض اليمن، وهو أول كورة عثر. معجم البلدان 3/ 275.
ولد سنة ثمانمائة وستة عشر، بزبيد، ومات أبوه وهو حمل فسمّى باسمه.
واشتغل، ودأب، وحصّل، وسمع، وحدّث.
وكان أديبا، شاعرا، له مولّفات منها، «طبقات الخواصّ» ، و «مختصر صحيح البخارىّ» ، و «نزهة الأحباب» فى مجلّد كبير، يتضمّن أشياء كثيرة، من أشعار ونوادر، وملح، وحكايات، وفوائد، وهو كتاب يشمل على مائة فائدة، وغير ذلك.
مات سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة، ونزل الناس فى زبيد بموته درجة فى الرّواية. رحمه الله تعالى.
***
131 - أحمد بن أحمد بن محمود
ابن موسى الهمامىّ، شهاب الدّين، المقدسىّ،
ثمّ الدّمشقىّ، المقرى
(*)
ويعرف بالعجيمىّ، وفى الشام بالمقدسىّ.
قرأ القراءات
(1)
على جماعة، منهم العلاء بن اللّفت، ومهر فيها، وتصدّى لإقرائها، فانتفع به جماعة؛ أولاده، وغيرهم.
وهو ممّن أخذ أيضا عن ابن الهمام، والعماد ابن شرف، وآخرين.
وتحوّل إلى الشام، فى سنة خمسة وعشرين، باستدعاء محمّد بن منجك؛ لإقراء بنيه، فقطنها، وتكسّب بكتابة المصاحف،/وكان متقنا فيها، مقصودا من الآفاق بسببها.
مات بدمشق، فى جمادى الأولى، سنة سبع وخمسين وثمانمائة.
قاله
(2)
السّخاوىّ، نقلا عن الهمامىّ، ابن صاحب التّرجمة، رحمه الله تعالى.
***
(*) ترجمته فى: الضوء اللامع 1/ 224.
(1)
فى ط: «القرآن» ، والمثبت فى: ص، ن، والضوء اللامع.
(2)
فى ط، ن:«قال» ، والمثبت فى: ص.
132 - أحمد بن إدريس بن يحيى الماردانىّ الحنفىّ
(*)
كان زكيّا، فاضلا، كثير المحفوظ.
وكتب الشّروط، وجلس تحت السّاعات، وكان يحبّ الكتب، وجمع منها شيئا كثيرا.
وحصل له فى آخر عمره مرض، وطال به، وتعلّل إلى أن مات، فى سنة ثمان وعشرين وسبعمائة. تغمده الله تعالى برحمته.
***
133 - أحمد بن إسحاق [بن محمد] بن أحمد
ابن إسحاق بن عبد الرحمن بن يزيد بن موسى،
أبو جعفر، الإصطخرىّ، الحلبىّ
(**)
قاضى حلب، الملقب بالجرذ.
حدّث ببغداد ومصر، وحلب
(1)
، عن محمد بن معاذ المعروف ببدران، وأبى عبد الله أحمد ابن خليل الكندىّ الحلبىّ.
روى عنه ابن أخيه على بن محمّد بن إسحاق القاضى.
ذكره الخطيب
(2)
.
وذكره ابن عساكر، وقال: قضى
(3)
بحلب فى أيّام سيف الدّولة ابن حمدان.
كذا ذكره عبد القادر فى «الجواهر» .
(*) ترجمته فى: إيضاح المكنون 2/ 13، الدرر الكامنة 1/ 109، كشف الظنون 2/ 1963.
وهو فى الإيضاح والكشف: «الماردينى» .
وهذه الترجمة ساقطة من: ص، وهى فى: ط، ن.
(**) ترجمته فى: إعلام النبلاء 4/ 62، الجواهر المضية، برقم 78، الوافى بالوفيات 6/ 239.
وما بين المعقوفين تكملة من مصادر الترجمة، والسقط من المؤلف حيث دل عليه الترتيب.
(1)
فى الجواهر بعد هذا زيادة: «يروى» .
(2)
لم أجده فى تاريخ بغداد.
(3)
أى اشتغل بالقضاء. وهو أيضا بمعنى: مات.
(1)
وذكره الذّهبىّ، فيمن توفّى فى حدود سنة خمسين وثلاثمائة
(1)
.
***
134 - أحمد بن إسحاق بن البهلول
ابن حسّان بن سنان، أبو جعفر، التّنوخىّ،
الأنبارىّ الأصل
(*)
ولى قضاء مدينة المنصور نحو عشرين سنة، وحدّث حديثا كثيرا.
وسمع أباه إسحاق بن البهلول، وإبراهيم بن سعيد الجوهرىّ، وأبا سعيد الأشجّ
(2)
، وسعيد بن يحيى الأموىّ، وغيرهم.
وروى عنه أبو الحسن الجرّاحىّ، ومحمّد بن إسماعيل الورّاق، وأبو الحسن الدّارقطنىّ، وجماعة سواهم.
وكان ثقة.
قال طلحة بن محمّد، فى تسمية قضاة بغداد: وأحمد بن إسحاق بن البهلول بن حسّان ابن سنان التّنوخىّ، من أهل الأنبار، عظيم القدر، واسع الأدب، تامّ المروءة، حسن الفصاحة، حسن المعرفة بمذهب أهل العراق، ولكنّه غلب عليه الأدب.
وكان لأبيه إسحاق «مسند» كثير حسن، وكان ثقة، وحمل الناس عن جماعة من أهل هذا البيت، منهم البهلول بن حسّان، ثم ابنه إسحاق، ثم أولاد إسحاق.
حدّث منهم بهلول بن إسحاق، وحدّث القاضى أحمد بن إسحاق، وابنه محمّد، وحدّث ابن أخى القاضى داود بن الهيثم بن إسحاق، وكان أسنّ من عمّه القاضى، وأبو بكر يوسف بن يعقوب بن إسحاق الأزرق، وكان من جملة الكتّاب.
(1 - 1) ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
(*) ترجمته فى: بغية الوعاة 296،1/ 295، تاريخ بغداد 4/ 30 - 34، الجواهر المضية، برقم 75، شذرات الذهب 2/ 676، العبر 2/ 171، كشف الظنون 2/ 1920،457،1/ 46، معجم الأدباء 2/ 138 - 161، المنتظم 6/ 231، نزهة الألباء 253 - 255، الوافى بالوفيات 6/ 235 - 237.
(2)
فى ط، ن:«الأشح» ، وهو خطأ، صوابه فى: ص، وهو عبد الله بن سعيد. انظر اللباب 51،1/ 50.
ولم يزل أحمد بن إسحاق بن البهلول على قضاء المدينة، من سنة ستّ وتسعين ومائتين، إلى شهر ربيع الآخر، سنة ست عشرة، ثم صرف. انتهى.
قال الخطيب: وكان ثبتا فى الحديث، ثقة، مأمونا، جيّد الضّبط لما حدّث به.
وكان متفننا فى علوم شتّى؛ منها: الفقه على مذهب أبى حنيفة وأصحابه، وربّما خالفهم فى مسيئلات يسيرة.
وكان تامّ العلم باللغة، حسن القيام بالنّحو على مذهب الكوفيّين، وله فيه كتاب ألّفه.
وكان واسع الحفظ للشّعر القديم والمحدث، والأخبار الطّوال/والسّير، والتفسير.
وكان شاعرا، كثير الشّعر جدّا، خطيبا، حسن الخطابة والتفوّه بالكلام، لسنا، صالح الحظّ من التّرسّل فى الكتابة، والبلاغة فى المخاطبة.
وكان ورعا، متخشّعا فى الحكم.
وتقلّد القضاء بالأنبار، وهيت
(1)
، وطريق الفرات، من قبل الموفّق بالله النّاصر لدين الله، فى سنة ستّ وسبعين ومائتين، ثم تقلّده للنّاصر دفعة أخرى، ثم تقلّده للمعتضد، ثم تقلّد بعض كور الجبل للمكتفى، فى سنة اثنتين وتسعين ومائتين، ولم يخرج إليها.
ثم قلده المقتدر بالله، فى سنة ست وتسعين، بعد فتنة ابن المعتز، القضاء بمدينة المنصور، مدينة السّلام، وطسّوجى
(2)
قطربّل
(3)
، ومسكن
(4)
، وأنبار، وهيت، وطريق الفرات.
ثم أضاف له إلى ذلك بعد سنتين القضاء بكور الأهواز مجموعة، لمّا مات قاضيها إذ ذاك محمّد بن خلف، المعروف بوكيع، فما زال على هذه الأعمال، إلى أن صرف عنها، فى سنة سبع عشرة وثلاثمائة.
(1)
هيت: بلدة على الفرات من نواحى بغداد فوق الأنبار. معجم البلدان 4/ 997.
(2)
الطسوج: الناحية، وجاء فى ذكر قطربل أنها قرية بين بغداد وعكبرا، وقيل هى: اسم لطسوج من طساسيج بغداد.
أى كورة، فما كان من شرقى الصراة فهو بادوريا، وما كان من غربيها فهو قطربل. معجم البلدان 4/ 133.
(3)
فى ص: «وقطربل» ، والمثبت فى: ط، ن، وتاريخ بغداد.
(4)
مسكن: موضع قريب من أوانا، على نهر دجيل، عند دير الجاثليق. معجم البلدان 4/ 259.
وروى [سبط]
(1)
ابن الجوزىّ فى «مرآة الزمان» بسنده عن أبى الحسن على بن محمّد ابن أبى جعفر بن البهلول، قال: طلبت السّيدة أمّ المقتدر من جدّى كتاب وقف بضيعة كانت ابتاعتها، وكان الكتاب فى ديوان القضاء، وأرادت أخذه لتحرقه، وتتملّك الوقف، ولم يعلم أحد بذلك، فحمله إلى الدار، وقال للقهرمانة: قد أحضرت الكتاب، فأين ترسم؟
فقالوا: نريد أن يكون عندنا.
فأحسّ بالأمر، فقال لأمّ موسى القهرمانة: تقولين لأمّ المقتدر السّيّدة، اتّقى الله، هذا والله ما لا سبيل إليه أبدا، أنا خازن المسلمين على ديوان الحكم؛ فإن مكّنتمونى من خزنه كما يجب، وإلا فاصرفونى، وتسلّموا الدّيوان دفعة واحدة، فاعملوا فيه ما شئتم، وأمّا أن يفعل شئ من هذا على يدى فو الله لا كان ذلك أبدا، ولو عرضت على السّيف.
ونهض والكتاب معه، وجاء إلى طيّارة، وهو لا يشك فى الصرف، فصعد إلى ابن الفرات، وحدّثه بالحديث، فقال: ألا دافعت عن الجواب، وعرّفتنى حتى أكتب، وأملى فى ذلك، والآن، أنت مصروف، فلا حيلة لى مع السّيّدة فى أمرك.
قال: وأدّت القهرمانة الرسالة إلى السّيّدة، فشكت إلى المقتدر، فلما كان يوم الموكب خاطبه المقتدر شفاها فى ذلك، فكشف له الصّورة، وقال له مثل ذلك القول والاستعفاء.
فقال له المقتدر: مثلك يا أحمد من قلّد القضاء، أقم على ما أنت عليه، بارك الله فيك، ولا تخف أن ينثلم محلّك عندنا.
قال: فلما عاودت السّيّدة، قال لها المقتدر: الأحكام ما لا طريق إلى اللّعب بها، وابن البهلول مأمون علينا، محبّ لدولتنا، ولو كان هذا شيئا يجوز لما منعك
(2)
إيّاه.
فقالت السّيّدة: كأنّ هذا لا يجوز!.
فقيل لها: لا، هذه حيلة من أرباب الوقف على بيعه. وأعلمها كاتبها ابن عبد الحميد شرح الأمر، وأن الشراء لا يصحّ بتمزيق الكتاب، وأن هذا لا يحلّ، فارتجعت المال وفسخت
(1)
تكملة يصح بها السياق.
(2)
فى ص: «منعتك» ، والمثبت فى: ط، ن.
الشّراء، وعادت تشكر جدّى، وانقلب ذلك أمرا جميلا عندهم، فقال جدّى بعد ذلك: من قدّم أمر الله على أمر المخلوق كفاه الله شرّهم.
وحدّث القاضى أبو نصر يوسف بن عمر بن القاضى أبى عمر محمد بن يوسف، قال:
كنت أحضر/دار المقتدر، وأنا غلام حدث بالسّواد، مع أبى أبى الحسين، وهو يومئذ يخلف أباه أبا عمر، وكنت أرى فى بعض المواكب أبا جعفر القاضى يحضر بالسّواد، فإذا رآه أبى عدل إلى موضعه، فجلس عنده، فيتذاكران بالشّعر والأدب والعلم، حتى يجتمع عليهما من الخدم عدد كثير، كما يجتمع على القصّاص، استحسانا لما يجرى بينهما؛ فسمعته يوما قد أنشد بيتا، لا أذكره الآن، فقال له أبى: أيها القاضى، إنّى أحفظ هذا البيت بخلاف هذه الرواية.
فصاح عليه أبو جعفر صيحة عظيمة، وقال، اسكت ألى تقول هذا، وأنا أحفظ لنفسى من شعرى خمسة عشر ألف بيت، وأحفظ للناس أضعاف ذلك وأضعافها. يكرّرها مرارا.
وحدّث القاضى أبو طالب محمّد بن القاضى أبى جعفر بن البهلول، قال: كنت مع أبى فى جنازة بعض أهل بغداد من الوجوه، وإلى جانبه جالس أبو جعفر الطّبرىّ، فأخذ أبى يعظ صاحب المصيبة، ويسلّيه، وينشده أشعارا، ويروى له أخبارا، فداخله الطّبرىّ فى ذلك، ثم اتّسع الأمر بينهما فى المذاكرة، وخرجا إلى فنون كثيرة من الأدب، والعلم، استحسنها الحاضرون، وعجبوا منها، وتعالى النّهار، وافترقنا.
فلما جعلت أسير خلفه، قال لى أبى: يا بنىّ، هذا الشيخ الذى داخلنا اليوم فى المذاكرة من هو، أتعرفه؟
فقلت: يا سيّدى، كأنك لم تعرفه!
فقال: لا.
فقلت: هذا أبو جعفر محمّد بن جرير الطّبرىّ.
فقال: إنا لله، ما أحسنت عشرتى يا بنىّ.
فقلت: كيف يا سيّدى؟.
قال: ألا قلت لى فى الحال، فكنت أذاكره غير تلك المذاكرة، هذا رجل مشهور بالحفظ، والاتّساع فى صنوف العلوم، وما ذاكرته بحسبها.
قال: ومضت على هذا مدّة، فحضرنا فى جنازة أخرى، وجلسنا، فإذا بالطّبرىّ قد أقبل، فقلت له قليلا قليلا: هذا أبو جعفر الطّبرىّ قد جاء مقبلا.
قال: فأوما إليه بالجلوس عنده، فأوسعت له حتى جلس إلى جنبه، وأخذ أبى يحادثه، فلما جاء إلى قصيدة ذكر الطّبرىّ منها أبياتا، قال أبى: هاتها يا أبا جعفر إلى آخرها.
فيتلعثم الطّبرىّ، فينشدها أبى إلى آخرها.
وكلّما ذكر أشياء من السّير، قال أبى: كان هذا فى قصّة فلان، ويوم بنى فلان، مرّيا أبا جعفر فيه.
فربمّا مرّ، وربّما تلعثم، فيمرّ أبى فى جميعه.
قال: فما سكت أبى يومه ذلك إلى الظهر، وبان للحاضرين تقصير الطّبرىّ عنه، ثم قمنا، فقال لى أبى: الآن شفيت صدرى.
وعن أبى بكر ابن الأنبارىّ، أنه كان يقول: ما رأيت صاحب طيلسان أنحى من القاضى أبى جعفر ابن البهلول.
وكانت وفاته فى شهر ربيع الآخر، من سنة ثمان عشرة وثلاثمائة، بعد أن أريد إلى العود إلى منصب القضاء فامتنع، وقال: أحبّ أن يكون بين الصّرف والقبر فرجة.
قيل له
(1)
: فابذل شيئا، حتى يردّ العمل إلى ابنك.
فقال: ما كنت لأتحمّلها حيّا وميّتا.
وقال فى ذلك
(2)
:
تركت القضاء لأهل القضاء
…
وأقبلت أسمو إلى الآخره
(1)
زيادة من: ص، على ما فى: ط، ن.
(2)
الأبيات فى: بغية الوعاة 1/ 296، معجم الأدباء 2/ 156.
فإن يك فخرا جليل الثناء
…
فقد نلت منه يدا فاخره
وإن يك وزرا فأبعد به
…
فلا خير فى إمرة وازره
وقال أيضا
(1)
:
/أبعد الثّمانين أفنيتها
…
وخمسا وسادسها قد نما
ترجّى الحياة وتسعى لها
…
لقد كاد دينك أن يكلما
وقال أيضا
(2)
:
إلى كم تخدم الدّنيا
…
وقد جزت الثّمانينا
لئن لم تك مجنونا
…
لقد فقت المجانينا
(3)
***
135 - أحمد بن إسحاق بن شيث
(*)
ابن نصر بن شيث، أبو نصر، الأديب،
الفقيه، الصّفّار
(*)
من أهل بخارى.
تقدّم ذكر ابن
(4)
ابنه إبراهيم بن إسماعيل بن أحمد.
قال السّمعانىّ: له بيت فى العلم إلى السّاعة ببخارى، ورأيت من أولاده جماعة.
(1)
البيتان فى: بغية الوعاة 1/ 296، معجم الأدباء 2/ 160.
(2)
بغية الوعاة 1/ 926، معجم الأدباء 2/ 160.
(3)
فى معجم الأدباء: «فقد فقت المجانينا» .
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 76، العقد الثمين 3/ 17، الفوائد البهية 15،14، كتائب أعلام الأخيار، برقم 259. وذكر اللكنوى فى الفوائد البهية، أنه رأى فى أنساب السمعانى فى تسميته عكسا، حيث سماه «إسحاق بن أحمد». وهذا حق، فهكذا ورد فى النسخة التى بين أيدينا. الأنساب 353 ظ.
وبهذا الاسم «إسحاق بن أحمد» ترجمة الخطيب فى تاريخ بغداد 6/ 403، وقال:«قدم بغداد حاجا فى سنة خمس وأربعمائة» وياقوت فى معجم الأدباء 6/ 66 - 69، والصفدى فى الوافى بالوفيات 402،8/ 401، والسيوطى فى بغية الوعاة 1/ 438. وذكروا أنه توفى بعد سنة خمس وأربعمائة.
وانظر كشف الظنون 2/ 1428.
(4)
تكملة يقتضيها السياق. وتقدم ذكر ابن ابنه برقم 22.
وسكن أبو نصر هذا مكّة، وكثرت تصانيفه، وانتشر علمه بها.
ومات بالطّائف، وقبره هناك.
وذكره الحاكم فى «تاريخ نيسابور» ، وأثنى عليه بالفقه والأدب، وقال: إنه لم ير فى سنّه ببخارى من هو أحفظ منه فهما.
قال: وكان قد طلب الحديث مع أنواع العلم، وأنشدنى لنفسه من الشّعر المتين ما يطول شرحه. انتهى.
***
136 - أحمد بن إسحاق بن صبيح
الجوزجانىّ، أبو بكر
(*)
صاحب أبى سليمان الجوزجانىّ.
قال فى «الجواهر» : كان من الجامعين بين علم الأصول، وعلم الفروع، وكان فى أنواع العلوم فى الذّروة العليا.
وله كتاب «الفرق والتّمييز» ، وكتاب «التوبة» ، وغيرهما.
***
137 - أحمد بن إسحاق الجوزجانىّ، الإمام،
أبو بكر
(**)
تلميذ أبى سليمان موسى بن سليمان الجوزجانىّ.
أستاذ أبى نصر أحمد بن العبّاس العياضىّ.
(*) ترجمته فى: إيضاح المكنون 2/ 318، الجواهر المضية، برقم 77، الفوائد البهية 14، كتائب أعلام الأخيار، برقم 128، كشف الظنون 2/ 1406، هدية العارفين 1/ 46.
وفى الجواهر: «بن صبح» .
(**) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 77، الفوائد البهية 14.
كذا ذكره فى «الجواهر» ، ثم قال: لعلّه أحمد بن إسحاق بن صبيح
(1)
، الذى قبله.
***
138 - أحمد بن أسد
(*)
من أقران شمس الإسلام محمود الأوزجندىّ
(2)
.
ذكره فى «الجواهر» .
***
139 - أحمد بن أسعد بن المظفّر
الإمام، عزّ الدّين، أبو الفضل
(**)
كان إماما، عالما، فقيها، له مشاركة فى عدّة علوم.
وأفتى، ودرّس، وانتفع به جماعة من الطلبة.
وكان له حظّ وافر من العبادة، والنّسك.
ولد فى ذى الحجّة، سنة ثمانين وخمسمائة.
ومات بكاشغر
(3)
فى تاسع شهر رجب، سنة سبع وستين وستمائة، وصلّى عليه بجامعها بعد صلاة الجمعة، قريب من ستّة آلاف نفس، رحمه الله تعالى.
***
140 - أحمد بن الأسود
أبو علىّ، القاضى، البصرىّ
(***)
سمع يزيد بن هارون، وجماعة.
(1)
فى الجواهر: «صبح» .
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 80.
(2)
نسبة إلى أوزجند أو أوزكند، بلد بما وراء النهر، من نواحى فرغانة. معجم البلدان 1/ 404.
(**) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 82، المنهل الصافى 221،1/ 220.
(3)
كاشغر: مدينة وقرى ورساتيق يسافر إليها من سمرقند وهى فى وسط بلاد الترك. معجم البلدان 4/ 227.
(***) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 81.
وولى قضاء قرقيسيّا
(1)
.
ذكره ابن حبّان فى «الثّقات» ، وقال: حدّثنا عنه أحمد بن عبد الله الجسرىّ
(2)
.
مات سنة خمس وسبعين ومائتين. رحمه الله تعالى.
***
141 - أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم
أبو العبّاس، شهاب الدّين، الجوهرىّ، القادرىّ
(*)
ولد سنة خمس وأربعين وثمانمائة، أو التى بعدها.
وحفظ القرآن العظيم، وبعض المتون.
وأخذ الفقه، والحديث، والعربيّة عن التّقىّ الشّمنّىّ.
وأخذ أيضا عن الأمين الأقصرائىّ، والكافيجى
(3)
، وغيرهما.
ولازم الزّين قاسما، وأخذ عنه كثيرا من الفقه وأصوله، والحديث، و «أوقاف الخصّاف» ،/وجملة من رسائله وتصانيفه.
وقرأ على النّظام فى «شرح الشمسيّة» للقطب، وفى «شرح أكمل الدّين على المنار» ، وأكثر من القراءة حتى على غير أهل مذهبه.
وحجّ، ودخل الشام، وغيره.
وناب فى القضاء عن المحبّ ابن الشّحنة، وأجيز بالإفتاء والتدريس، ببعض المدارس.
وكان مداوما للإشغال، والاشتغال، مع التّواضع، والعفّة، والعقل، وحسن المحاضرة.
(1)
قرقيسيا: بلد على نهر الخابور، قرب رحبة مالك بن طوق، على ست فراسخ. معجم البلدان 66،4/ 65.
(2)
فى ط: «الحسوى» ، وفى ن:«الحسرى» ، والمثبت فى: ص.
(*) ترجمته فى: الضوء اللامع 235،1/ 234.
والترجمة كلها ساقطة من: ص، وهى فى: ط، ن.
(3)
فى الضوء «والكافياجى» ، وتقدم الحديث عنه فى صفحة 205.
ومات سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة، رحمه الله تعالى.
***
142 - أحمد بن إسماعيل بن عامر، أبو بكر،
السّمرقندىّ
(*)
رئيس سمرقند.
روى عن أبى عيسى التّرمذىّ، وسعيد بن خشنام
(1)
.
وذكره الحافظ أبو العبّاس المستغفرىّ، فى «تاريخ نسف» ، وقال: نزل فى دارنا أيّام جدّى أبى بكر ابن المستغفرىّ، وحدّث بها، وكان كثير الحديث.
مات ببخارى، سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة. رحمه الله تعالى.
***
143 - أحمد بن إسماعيل بن عثمان
الإمام، العلاّمة، شهاب الدّين،
الكورانىّ، الشافعىّ، ثم الحنفىّ
(**)
ولد سنة ثلاث عشرة وثمانمائة.
ودأب فى فنون العلم، حتى فاق فى المعقولات، والمنقولات، واشتهر بالفضيلة.
ودخل القاهرة
(2)
، ورحل إلى الرّوم، وصادف من ملكها السّلطان مراد خان حظوة، فاتّفق أنه مات وهو هناك الشيخ شمس الدّين الفنرىّ، فسأله السّلطان أن يتحنّف، ويأخذ وظائفه، ففعل، وصار المشار إليه فى المملكة الرّوميّة.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 85.
(1)
خشنام: علم، معرب خوش نام، أى الطيب الاسم.
(**) ترجمته فى: إيضاح المكنون 2/ 92، تاريخ السليمانية 233، الشقائق النعمانية 1/ 143 - 151، الضوء اللامع 243،1/ 242، كشف الظنون 1/ 553، نظم العقيان 38، هدية العارفين 1/ 135.
(2)
فى ط، ن:«بالقاهرة» ، والمثبت فى: ص، ونظم العقيان.
وألّف للسّلطان محمّد بن السّلطان مراد خان قصيدة فى علم العروض، ستمائة بيت، سمّاها «الشافية فى علم العروض والقافية» .
مات سنة أربع وتسعين وثمانمائة.
ومن نظمه قصيدة يمدح بها النبىّ صلى الله عليه وسلم، منها
(1)
:
لقد جاد شعرى فى ثناك فصاحة
…
وكيف وقد جادت به ألسن الصّخر
لئن كان كعب قد أصاب بمدحة
…
يمانيّة تزهو على التّبر فى القدر
فلى أمل يا أجود النّاس بالعطا
…
ويا عصمة العاصين فى ربعة الحشر
(2)
شفاعتك العظمى تعمّ جرائمى
…
إذا جئت صفر الكفّ محتمل الوزر
وأوّل منظومة «الشافية» قوله
(3)
:
بحمد إله الخلق ذى الطّول والبرّ
…
بدأت بنظم طيّه عبق النّشر
وثنّيت حمدى بالصّلاة لأحمد
…
أبى القاسم المحمود فى كربة الحشر
صلاة تعمّ الآل والشّيع الّتى
…
حموا وجهه يوم الكريهة بالنّصر
ذكره الحافظ جلال الدّين السّيوطىّ، فى كتابه «نظم العقيان، فى أعيان الأعيان» .
وذكره صاحب «الشقائق» ، فقال ما ملخّصه: إن الكورانىّ كان حنفىّ المذهب، قرأ ببلاده، وتفقّه، ثم ارتحل إلى القاهرة، وقرأ بها القراءات العشر، وسمع الحديث، وأجازه ابن حجر، وغيره.
ثم رحل إلى الدّيار الرّوميّة، واجتمع بالسّلطان مراد خان، فأكرمه، وعظّمه، وجعله مؤدّبا لولده السّلطان محمد، فأقرأه القرآن، وأحسن تأديبه.
ثم إن السلطان محمدا المذكور لمّا جلس على سرير الملك، بعد موت أبيه، عرض الوزارة عليه، فأبى ولم يقبل، وقال: إنّ من ببابك من الخدم والعبيد، إنما يخدمونك/لينالوا الوزارة فى آخر أمرهم، فإذا كان الوزير من غيرهم تتغيّر خواطرهم، ويختلّ أمر السّلطنة. فأعجبه ذلك.
(1)
الأبيات فى نظم العقيان 39.
(2)
فى ص، ن:«فى ربقة الحشر» ، والمثبت فى: ط، ونظم العقيان.
(3)
الأبيات فى نظم العقيان 40.
وعرض عليه قضاء العسكر، فقبله، وباشره أحسن مباشرة، وقرّب أهل الفضل، وأبعد أهل الجهل.
ثم إنّ السّلطان عزله، وأعطاه قضاء بروسة، وولاية الأوقاف بها، فلم يزل بها ينفّذ الأحكام، ويعدل بين الأخصام، إلى أن ورد عليه مرسوم مخالف للشّرع الشريف، فحرقه، وعزّر من هو بيده.
فلما بلغ السّلطان ذلك عزله عن القضاء، ووقع بينهما بسبب ذلك منافرة ووحشة.
فرحل الكورانىّ إلى الدّيار المصريّة، وكان سلطانها إذ ذاك الملك الأشرف قايتباى، فأكرمه غاية الإكرام، وأقبل عليه الإقبال التامّ، وأقام عنده مدّة، وهو على نهاية من الإجلال والتّعظيم.
ثم إنّ السّلطان محمّدا ندم على ما فعل، وأرسل إلى قايتباى، يلتمس منه إرساله إليه، فذكر ذلك للكورانىّ، ثم قال له: لا تذهب إليه؛ فإنّى أكرمك فوق ما يكرمك.
فقال له الكورانىّ: نعم أعرف ذلك، إلاّ أن بينى وبينه محبّة أكيدة، كما بين الوالد والولد، وما وقع بيننا من التّنافر لا يزيلها، وهو يعرف أنّى أميل إليه بالطّبع، فإذا امتنعت من الذهاب إليه، لا يفهم إلاّ أن المنع كان من جانبك، فتقع بينكما عداوة.
فاستحسن السّلطان قايتباى منه ذلك، وأهبّ له ما يحتاج إليه فى السّفر، ووهبه مالا جزيلا، وأرسل معه بهدايا عظيمة إلى السّلطان محمّد خان.
فلما وصل إليه أكرمه فوق العادة، وفوّض إليه قضاء بروسة، فأقام به مدّة.
ثم فوّض إليه منصب الفتوى بالدّيار الرّوميّة، وعيّن له كل يوم مائتى درهم، وكلّ شهر عشرين ألف درهم، وكلّ سنة خمسين ألف درهم، سوى ما كان يتفقّده به من الهدايا والتّحف، والعبيد والجوارى.
وعاش فى كنف حمايته فى نعم وافرة، وإدرارات متكاثرة.
وصنّف هناك «تفسير القرآن الكريم» ، وسمّاه «غاية الأمانى فى تفسير السّبع
المثانى»؛ أورد فيه مؤاخذات كثيرة، على العلاّمتين الزّمخشرىّ والبيضاوىّ، رحمهما الله تعالى، وصنّف أيضا «شرح البخارىّ» ، وسمّاه ب «الكوثر الجارى على رياض البخارى» ، ردّ فى كثير من المواضع فيه على الكرمانىّ، وابن حجر، وصنّف «حواشى» لطيفة مقبولة على «شرح الشاطبيّة» للجعبرىّ.
وكانت أوقاته كلّها مصروفة فى التأليف والفتوى، والتدريس والعبادة.
وتخرّج به جماعة كثيرة.
حكى عنه أنّه كان يختم القرآن فى أكثر لياليه، يبتدئ فيه بعد صلاة العشاء الآخرة، ويختمه عند طلوع الفجر.
وكان رجلا طوالا، مهيبا، كبير اللّحية، وكان يصبغها، وكان قوّالا بالحق، لا تأخذه فى الله لومة لائم، يخاطب السّلطان والوزير باسمهما، وإذا لقى أحدا منهما يسلّم عليه السلام الشّرعىّ، ولا ينحنى له، ويصافحه، ولا يقبّل يده، ولا يذهب إلى السّلطان إلاّ إذا دعاه، وكان كثير النّصيحة لمخدومه السلطان محمّد، قوىّ القلب فى الإقدام بها عليه.
وممّا يحكى عنه، أنه قال مرّة لمخدومه المذكور معاتبا: إن الأمير تيمور أرسل بريدا فى مصلحة من المصالح المهمّة، وقال له: إن/احتجت فى الطّريق إلى فرس فخذ فرس كلّ من لقيته، ولو كان ابنى شاه رخ.
فتوجّه البريد إلى ما أمر به، فلقى فى طريقه العلاّمة سعد الدّين التفتازانىّ، وهو نازل فى بعض المواضع، وخيله مربوطة بإزاء خيمته، فأخذ البريد منها فرسا واحدا، فظهر السّعد إليه من الخيمة، وأمسكه وأخذ الفرس منه، وضربه ضربا شديدا.
فرجع البريد إلى تيمور، وأخبره بذلك، فغضب غضبا شديدا، ثم قال: لو كان ابنى لقتلته، ولكن كيف أقتل رجلا ما دخلت إلى بلدة إلا وقد دخلها تصنيفه قبل دخول سيفى.
ثم قال الكورانىّ: إن تصانيفى تقرأ الآن بمكة، ولم يبلغ إليها سيفك.
فقال له السّلطان محمّد خان: نعم، كان الناس يكتبون تصانيفه، ويرحلون من سائر الأقطار إليها، وأمّا أنت فكتبت تصنيفك، وأرسلت به إلى مكة.
فضحك الكورانىّ، واستحسن هذا الجواب غاية الاستحسان.
وفضائل الكورانىّ ومناقبه كثيرة جدّا، وفيما ذكرناه منها مقنع.
وكانت وفاته سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة، بمدينة قسطنطينيّة، ودفن بها، وكان له جنازة حافلة، حضرها السّلطان فمن دونه، وكثر البكاء عليه، وتأسّف الناس على فراقه، رحمه الله تعالى.
***
144 - أحمد بن إسماعيل بن محمّد
ابن صالح بن وهيب بن عطاء بن جبير بن جابر
ابن وهيب الأذرعىّ الأصل، الدّمشقىّ
نجم الدّين، المعروف بابن الكشك
(*)
ولد سنة عشر وسبعمائة تقريبا.
وأجاز له أبو محمد القاسم بن المظفّر بن عساكر الطبيب، ويحيى بن محمّد بن سعيد، وأبو بكر ابن مشرّف، وأبو عبد الله ابن أبى الهيجاء بن الزّرّاد
(1)
، وزينب بنت عمر بن شكر، وجماعة غيرهم.
وسمع «الصحيح» من أبى العبّاس ابن الشّحنة، وسمع من غيره.
وتفقّه، وقدم القاهرة، فقرّر فى قضاء الحنيفيّة، بعد موت القاضى صدر الدّين ابن التّركمانىّ، وكان خبيرا بالمذهب، كثير الاستحضار لفروعه.
ودرّس بأماكن متعدّدة، بدمشق، وغيرها.
وحدّث «بالصّحيح» بالقاهرة.
(*) ترجمته فى: الدرر الكامنة 115،1/ 114، النجوم الزاهرة 12/ 160.
(1)
فى ط، ن:«الرداد» ، والمثبت فى: ص.
والزراد، نسبة إلى صنعة الدروع من الزرد. اللباب 1/ 497.
ولم تطب له الإقامة بمصر، فترك المنصب، واستعفى، ورجع إلى دمشق، ولزم داره.
ثم ولى قضاء دمشق، وكان وليه قبل ذلك.
واتّفق أنه كان له قريب فى عقله خلل، فجاء وطلب منه شيئا، فمنعه، فضربه بسكّين، فمات منها، وذلك فى ذى الحجّة، سنة تسع وتسعين وسبعمائة، فقبض على القاتل، فقتل نفسه أيضا.
قال أحمد ابن الشّحنة: وهو أحد من بقى من قدماء المدرّسين والقضاة، وقد أجاز لى غير مرّة.
وأنجب أولادا تولّوا بعده المنصب.
وكانت فيهم حشمة، ورياسة، وتودّد للناس، ونفع للقادمين.
وكان آخر من بقى منهم القاضى شهاب الدّين أحمد، وقد طلب لولاية القضاء بالدّيار المصرية مرّة، ولكتابة السّرّ أخرى، فاستعفى من ذلك، وكانت وفاته بدمشق، فى سنة ثلاث
(1)
وثلاثين وثمانمائة، ولم يخلّف بعده أرأس منه، رحمه الله تعالى.
***
145 - أحمد بن إسماعيل، شهاب الدّين، الرّومىّ
(*)
سمع «الصّحيح» من ستّ الوزراء، وابن الشّحنة.
وناب فى الحكم عن جمال الدّين ابن التّركمانىّ.
وولى قضاء منية الشّيرج
(2)
، والمرج.
ومات فى ثانى عشر ذى الحجّة، سنة ستّين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
***
(1)
ساقط من: ط، ن، وهو فى: ص.
(*) ترجمته فى: الدرر الكامنة 1/ 115.
(2)
فى ط، ن:«السيرج» ، والمثبت فى: ص.
ومنية الشيرج: بلدة كبيرة طويلة، ذات سوق، بينها وبين القاهرة فرسخ أو أكثر قليلا، على طريق القاصد إلى الإسكندرية. معجم البلدان 4/ 675.
146 - أحمد بن إسماعيل التّمرتاشىّ
(*)
صنف كتاب «التّراويح» .
ذكره فى «الجواهر» ، ثم ذكر بعده شخصا آخر، يقال له أحمد بن إسماعيل التّمرتاشىّ، أبو العباس، شرح «الجامع الصّغير» .
ثم قال: لعله الذى قبله.
***
147 - أحمد بن أبى بكر بن رجب
الرّومىّ الخرتبرتيّ، الخطيب
(**)
خطيب قلعة دمشق، ومدرّسها.
قال البرزاليّ: كان شيخا كبيرا، جاوز التّسعين، فلما توفّى ليلة الاثنين، الرابع عشر من شهر ربيع الآخر، سنة سبعمائة وتسعة عشر، قرّر ولده فى الخطابة، وولى التدريس محيى الدّين الأسمر.
***
148 - أحمد بن أبى بكر بن صالح
ابن عمر، الشيخ، الإمام، العالم،
شهاب الدّين، أبو العبّاس، المرعشىّ
(***)
عالم حلب، انتهت إليه رياسة العلم بها فى زمنه.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 83، الفوائد البهية 15، كتائب أعلام الأخيار، برقم 449، كشف الظنون 2/ 1403،1/ 562.
وتمرتاش التى ينتسب إليها، من قرى خوارزم. الفوائد البهية 15، معجم البلدان 1/ 873.
ويلقب «ظهير الدين» ، ويذكر فى نسبه «الخوارزمى» .
(**) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 88، المنهل الصافى 1/ 210.
وجاءت نسبته فى الأصول: «الخربيرتى» ، والتصويب عن الجواهر المضية، والمنهل، ويأتى «الخرتبرتيّ» فى الأنساب آخر الكتاب.
(***) ترجمته فى: الضوء اللامع 1/ 254، كشف الظنون 2/ 1169، المنهل الصافى 209،1/ 208.
والترجمة كلها ساقطة من: ص، وهى فى: ط، ن.
مولده بمرعش
(1)
سنة ستّ وثمانين وسبعمائة، وقرأ بها القرآن الكريم، وحفظ بعض المختصرات.
ثم رحل إلى عين تاب
(2)
، وتفقّه على علمائها.
ثم رحل إلى حلب بعد أن أذن له بالإفتاء، والتّدريس، وقرأ بها على جماعة، منهم العلامة عمر البلخىّ، بحث عليه فى «الكشّاف» ، و «شرح المفتاح» وبحث فى «المغنى» على الإمام شمس الدّين محمّد بن سلامة الماردينىّ، وسمع عليه «الصّحيحين» .
وبرع فى الفقه، والأصول، والعربيّة، وشارك فى عدّة فنون.
وتصدّر للإفتاء والتّدريس بحلب، وانتفع به الطلبة.
وألّف كتبا كثيرة؛ منها «كنوز الفقه» فى المذهب، ونظم «العمدة» للنّسفىّ، فى أصول الدّين، وزاد عليها، وخمّس البردة.
وعرض عليه الملك الظاهر جقمق القضاء بحلب، فامتنع تنزّها على ضيق عيش، ورقّة حال.
وكان فى عصره عالم البلاد الحلبيّة.
وكان موجودا فى سنة ستّ وثلاثين وثمانمائة.
كذا لخصت هذه التّرجمة من «الغرف العليّة» .
***
149 - أحمد بن أبى بكر بن عبد الوهّاب
القزوينىّ، أبو عبد الله، بديع الزمان، العلاّمة
(*)
قال فى «الجواهر» : رأيت له «الجامع الحريز، الحاوى لعلوم كتاب الله العزيز» .
كان مقيما بسيواس
(3)
، فى سنة عشرين وستمائة.
***
(1)
مرعش: مدينة فى الثغور، بين الشام وبلاد الروم. معجم البلدان 4/ 498.
(2)
عين تاب: قلعة حصينة، ورستاق بين حلب وأنطاكية. معجم البلدان 3/ 759.
(*) ترجمته فى: تاج التراجم 5، الجواهر المضية، برقم 71، طبقات المفسرين للداودى 1/ 33، الفوائد البهية 54 (وحاشيته)، كتائب أعلام الأخيار، برقم 443، كشف الظنون 1/ 540.
(3)
سيواس: من مدن الروم. انظر معجم البلدان 5/ 22،2/ 865،1/ 695.
150 - أحمد بن أبى بكر بن محمّد العبّادىّ
(*)
نسبة لمنية عبّاد، قرية بالغربيّة.
قال ابن حجر: تفقّه على السّراج الهندىّ.
وفضل، ودرّس، وشغل.
ثم صاهر القليجىّ، وناب فى الحكم، ووقّع على القضاة.
ودرّس بمدرسة النّاصر حسن، وكان يجمع الطّلبة، ويحسن إليهم.
وحصلت له محنة مع السّالمىّ، ثم أخرى مع الملك الظّاهر.
ومات فى ثامن عشر أو تاسع عشر شهر ربيع الآخر، سنة إحدى وثمانمائة، رحمه الله تعالى.
وقال فى «المنهل» : كان إماما علاّمة
(1)
، بارعا، فقيها، نحويّا، من أعيان فقهاء الحنفيّة.
ودرّس، وأفتى، عدّة سنين، فى علوم كثيرة.
***
151 - أحمد بن أبى بكر بن محمّد
ابن غازى بن سليمان، أبو العبّاس، شهاب الدّين
(**)
عرف بابن سلك
(2)
.
مولده سنة تسعين وستمائة.
(*) ترجمته فى: الدرر الكامنة 1/ 120، المنهل الصافى 1/ 206.
وزاد فى ص فى ألقابه ونسبه: «شهاب الدين، الحنفى» .
(1)
فى المنهل: «فاضلا» .
(**) ترجمته فى: الجواهر المضية، رقم 89، الدرر الكامنة 1/ 121.
وفى الدرر: «ابن عامرى» مكان «ابن غازى» ، وانظر حاشيته.
والترجمة كلها ساقطة من: ص، وهى فى: ط، ن.
(2)
فى بعض نسخ الجواهر ضبط السين بالضم، ضبط قلم.
درّس، وأفتى، وناب فى الحكم.
وكانت وفاته
(1)
سنة تسع وأربعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
***
152 - / أحمد أبى بكر الخاصىّ
(*)
والد يوسف الآتى ذكره، إن شاء الله تعالى
*قال فى «الجواهر» : حكى يوسف فى «فتاويه» ، فيمن تزوّج امرأة بشهادة شهود، على مهر مسمّى، ومضى على ذلك سنون، وولدت أولادا ومضى سنون، ثم مات الزوج، ثم إنها استشهدت الشهود أن يشهدوا على ذلك المسمّى، وهم يتذكّرون. استحسن مشايخنا أنّهم لا يسعهم أن يشهدوا، بعد اعتراض هذه العوارض، من ولادة الأولاد، ومضىّ الزمان، لاحتمال سقوطه، كلّه أو بعضه عادة. وكان يفتى بهذا والدى
(2)
، ثمّ رجع وأفتى كما هو ظاهر جواب «الكتاب»
(3)
أنه يجوز، وبه يفتى.
قال عبد القادر: ولا أدرى هذه النّسبة إلى أىّ شئ
(4)
، ولم يذكرها السّمعانىّ، والله تعالى أعلم.
***
153 - أحمد بن أبى الحارث
(**)
* قال الجرجانىّ فى «الخزانة»
(5)
: قال أبو العبّاس النّاطفىّ: رأيت بخطّ بعض
(1)
ذكر ابن حجر أن وفاته كانت فى الطاعون العام، فى هذه السنة.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 70، وفى الأصل:«الخاص» ، والمثبت فى الجواهر، حيث أعاد ذكره فى الأنساب 2/ 301، وقال:«وهى نسبة إلى خاص، قرية من قرى خوارزم، لم يذكرها السمعانى» كما ذكر المؤلف ذلك أيضا فى باب الأنساب آخر الكتاب.
(2)
أى: المترجم. فهذا من قول يوسف فى «فتاويه» .
(3)
أى كتاب القدورى، كما هو مصطلح الحنفية.
(4)
سبق أن عبد القادر شرح النسبة فى أنساب الجواهر، آخر الكتاب.
(**) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 72.
(5)
هى «خزانة الأكمل» فى الفروع، لأبى يعقوب يوسف بن على بن محمد الجرجانى. كشف الظنون 1/ 702. وتأتى ترجمته.
مشايخنا، فى رجل جعل لأحد بنيه دارا بنصيبه، على أن لا يكون له بعد موت الأب ميراث.
جاز.
وأفتى به الفقيه أبو جعفر محمّد بن اليمان، أحد أصحاب محمّد بن شجاع الثّلجىّ
(1)
.
وحكى ذلك أصحاب
(1)
أحمد بن أبى الحارث، وأبى عمرو الطّبرىّ.
***
154 - أحمد بن أبى دواد بن حريز
ابن مالك بن عبد الله بن سلاّم بن مالك
-يتّصل نسبه بإياد بن نزار بن معدّ بن عدنان-
الإيادىّ، أبو عبد الله، القاضى
(*)
(2)
أصله من البصرة، وسكن بغداد
(2)
.
ويقال إن اسم والده دعمى
(3)
، ويقال: فرج
(4)
. قال الخطيب البغدادىّ: والصّحيح أن اسمه كنيته.
وكانت ولادته كما نقله أبو العيناء عنه، سنة ستّين ومائة، وكان أسنّ من يحيى بن أكثم.
قال الخطيب: ولى القضاء للمعتصم، والواثق، وكان موصوفا بالجود، وحسن الخلق،
(1)
ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن، والجواهر المضية.
(*) ترجمته فى: البداية والنهاية 10/ 319، تاريخ بغداد 4/ 141 - 156، ثمار القلوب 206، الجواهر المضية، برقم 73، شذرات الذهب 2/ 92، العبر 1/ 431، فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة 105، الفهرست ص 4،3 (من التكملة)، لسان الميزان 1/ 171، ميزان الاعتدال 1/ 97، النجوم الزاهرة 302،2/ 300، وفيات الأعيان 1/ 81 - 91، الوافى بالوفيات 7/ 281 - 285. وكذا ورد:«بن حريز» وفى المصادر «بن جرير» .
(2 - 2) ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
(3)
فى ط: «ذعمى» ، والمثبت فى ص، ن.
(4)
فى تاريخ بغداد: «الفضل» .
ووفور الأدب، غير أنه أعلن بمذهب الجهميّة، وحمل الخليفة على امتحان العلماء بخلق القرآن.
وقال الدّارقطنىّ: هو الذى كان يمتحن العلماء فى زمانه، وولى قضاء القضاة للمعتصم، والواثق، وكان هو الذى يولّى قضاة البلاد كلها من تحت يده، واستمرّ فى أيّام دولة المتوكّل، ثمّ صرف، وصودر.
وقال أبو العيناء: كان أحمد بن أبى داود شاعرا مجيدا، فصيحا، بليغا، ما رأيت رئيسا أفصح منه، وكان فى غاية التّأدّب، ما خرجت من عنده يوما فقال: يا غلام، خذ بيده. بل كان يقول: اخرج معه. فكنت أفتقد هذا الكلام فما أخلّ به قطّ، وما كنت أسمعها من غيره.
وقال النّديم فى «الفهرست» : كان من كبار المعتزلة، تجرّد فى إظهار المذهب، وذبّ عن أهله، وبالغ فى العناية به، وكان من صنائع يحيى بن أكثم، وهو الذى أوصله إلى المأمون، ثم اتّصل بالمعتصم فغلب عليه، ولم يكن يقطع أمرا دونه، ولم ير فى أبناء جنسه أكرم منه.
وقال الصّولىّ: كان يقال أكرم من فى دولة بنى العباس البرامكة، ثم أحمد بن أبى دواد، لولا ما وضع به نفسه من محبّة
(1)
المحنة بخلق القرآن، والمبالغة فى ذلك، واللّجاج فيه، وحمل الخلفاء عليه، ولولا ذلك لأجمعت الألسن على الثّناء عليه، ولم يضف إلى كرمه كرم أحد.
ويقال: إنّه لم يكن له أخ من إخوانه إلا بنى له دارا، ووقف على ولده ما يغنيهم أبدا، ولم يكن لأخ من إخوانه ولد إلاّ من جارية وهبها له.
وممّا يحكى من/كرمه، أنه انقطع شسعه، فناوله رجل شسعا، فوهب له خمسمائة دينار.
ويروى أنّ الواثق أمر بعشرة آلاف درهم، لعشرة من بنى هاشم، على يد ابن أبى دواد، فدفعها إليهم، فكلّمه نظراؤهم من بنى هاشم أيضا، ففرّق فيهم عشرة آلاف درهم مثل
(1)
فى ط، ن:«محنة» ، والمثبت فى: ص.
أولئك، من مال نفسه، على أنها من عند الواثق، فبلغه ذلك، فقال: يا أبا عبد الله، مالنا أكثر من مالك، فلم تغرم، وتضيف ذلك إلينا؟
فقال: والله يا أمير المؤمنين، لو أمكننى أن أجعل ثواب حسناتى لك، وأجهد فى عمل غيرها لفعلت، فكيف أبخل بمال أنت ملّكتنيه على أهلك الذين يكثرون الشكر، ويتضاعف فيهم الأجر.
فوهبه الواثق مائة ألف درهم، ففرّقها كلّها فى بنى هاشم.
وقال محمّد بن عمر الرّومىّ: ما رأيت أحضر حجّة من أحمد بن أبى دواد؛ قال له الواثق يوما: يا أبا عبد الله، رفعت إلىّ رقعة، فيها أنك ولّيت القضاء رجلا أعمى.
قال: نعم، يا أمير المؤمنين، هذا رجل من أهل الفضل، ولّيته ثم بلغنى أنّه أصيب ببصره، فأردت أن أصرفه، فبلغنى أنّه عمى من كثرة بكائه على أمير المؤمنين المعتصم، فحفظت له ذلك، وأمرته أن يستخلف.
قال: وفيها أنك أجزت شاعرا مدحك بألف دينار.
قال: نعم، أجزته بدونها، وهذا شاعر طائىّ -يعنى أبا تمّام-لو لم أحفظ له إلاّ قوله لأمير المؤمنين المعتصم، يحرّضه على استخلافك، فى قصيدة مدحه بها
(1)
:
واشدد بهارون الخلافة إنّه
…
سكن لوحشتها ودار قرار
فلقد علمت بأنّ ذلك معصم
…
ما كنت تتركه بغير سوار
فطرب، وأمر لأبى تمّام بجائزة.
وقال له الواثق يوما آخر: يا أحمد، لقد اختلّت بيوت الأموال بطلباتك للاّئذين بك.
فقال: إنّ نتائج شكرها متّصلة بك، وذخائر أجرها مكتوبة لك.
فقال: لا منعتك بعدها.
(1)
ديوان أبى تمام 155.
(1)
وروى الخطيب أن
(1)
عون بن محمد الكندىّ، قال: لعهدى بالكرخ ببغداد، وأن رجلا لو قال: ابن أبى دواد مسلم. لقتل فى مكانه، ثم وقع الحريق بالكرخ، وهو الذى ما كان مثله قطّ، كان الرجل يقوم فى صينيّة شارع الكرخ فيرى السّفن فى دجلة، فكلّم ابن أبى دواد المعتصم فى الناس، قال: يا أمير المؤمنين، رعيّتك فى بلدك، وبلد آبائك، نزل بهم هذا الأمر، فاعطف عليهم بشئ يفرّق فيهم؛ يمسك أرماقهم، ويبنون ما انهدم عليهم، ويصلحون أحوالهم.
فلم يزل ينازله حتى أطلق له خمسة آلاف ألف درهم، فقال: يا أمير المؤمنين إن فرّقها عليهم غيرى خفت أن لا يقسمها بالسّويّة، فأذن لى فى تولّى أمرها، ليكون الأجر أوفر والثناء أكثر.
قال: ذلك إليك.
فقسّمها على مقادير الناس وما ذهب منهم نهاية ما يقدر عليه من الاحتياط، واحتاج إلى زيادة فازدادها من المعتصم، وغرم من ماله فى ذلك غرما كثيرا، فكانت هذه من فضائله التى لم يكن لأحد مثلها.
قال عون: فلعهدى بالكرخ بعد ذلك، وأنّ إنسانا لو قال: زرّ ابن أبى دواد وسخ. لقتل مكانه.
وحدّث حريز بن أحمد بن أبى دواد، قال: حدّثنى علىّ بن الحسين الإسكافىّ، قال:
اعتلّ أبوك، فعاده المعتصم، وكان معه بغا، وكنت معه/؛ لأنى كنت أكتب لبغا، فقام، فتلقّاه، وقال له: قد شفانى الله بالنّظر إلى أمير المؤمنين.
فدعا له بالعافية، فقال له: قد تمّم الله شفائى، ومحق دائى بدعاء أمير المؤمنين.
فقال له المعتصم: إنّى نذرت إن عافاك الله أن أتصدّق بعشرة آلاف دينار.
فقال له: يا أمير المؤمنين، فاجعلها لأهل الحرمين، فقد لقوا من غلاء الأسعار عنتا.
فقال: نويت أن أتصدق بها ههنا، وأنا أطلق لأهل الحرمين مثلها.
(1 - 1) فى ص: «وعن» ، والمثبت فى: ط، ن.
ثم نهض، فقال: أمتع الله الإسلام وأهله ببقائك يا أمير المؤمنين؛ فإنّك كما قال النّمرىّ لأبيك الرّشيد
(1)
:
إن المكارم والمعروف أودية
…
أحلّك الله منها حيث تجتمع
(2)
من لم يكن بأمين الله معتصما
…
فليس بالصّلوات الخمس ينتفع
(3)
فقيل للمعتصم فى ذلك، لأنه عاده، وليس يعود إخوته وأجلاّء أهله، فقال المعتصم:
وكيف لا أعود رجلا، ما وقعت عينى عليه قطّ إلاّ ساق إلىّ أجرا، أو أوجب لى شكرا، أو أفادنى فائدة تنفعنى فى دينى ودنياى، وما سألنى حاجة لنفسه قطّ.
وروى الخطيب فى «تاريخه» بسنده، عن ابن الأعرابىّ، أنه قال: سأل رجل قاضى القضاة أحمد بن أبى دواد أن يحمله على عير، فقال: يا غلام، أعطه عيرا، وبرذونا، وفرسا، وجارية.
ثم قال، أما والله لو عرفت مركوبا غير هذا لأعطيتك.
فشكر له الرجل، وقاد ذلك كلّه، ومضى، انتهى.
قلت: ومثل ذلك مروىّ عن معن بن زائدة الشيبانىّ، وهو متقدّم على ابن أبى دواد فى الجود والوجود، فلعلّ ابن أبى دواد حكى مكارمه الوافرة، وضارع أخلاقه الظاهرة
(4)
.
ومن لطيف ما يحكى هنا، ويشهد لما ذكرنا، عن الصّاحب أبى القاسم إسماعيل بن عبّاد
(5)
، أنه كان يعجبه الخزّ، ويأمر بالاستكثار منه فى داره، فنظر أبو القاسم الزّعفرانىّ يوما إلى جميع ما فيها من الخدم والحاشية، وعليهم الخزوز الفاخرة الملوّنة، فاعتزل ناحية وأخذ يكتب شيئا، فنظر إليه الصّاحب، وقال: علىّ به.
(1)
البيتان فى الأغانى 13/ 147، مع تقديم وتأخير.
(2)
فى الأغانى: «حيث تتسع» .
(3)
صدر هذا البيت فى الأغانى:
*أىّ امرئ بات من هارون فى سخط *
(4)
فى ص: «الطاهرة» ، والمثبت فى: ط، ن.
(5)
القصة والشعر الآتى فى يتيمة الدهر 195،3/ 194.
فاستمهل ريثما يتمّ مكتوبه، فأمر الصّاحب بأخذ الدّرج من يده.
فقام، وقال: أيّد الله مولانا:
اسمعه ممّن قاله تزدد به
…
عجبا فحسن الورد فى أغصانه
(1)
فقال: هات يا أبا القاسم.
فأنشده أبياتا، منها:
سواك يعدّ الغنى ما اقتنى
…
ويأمره الحرص أن يخزنا
(2)
وأنت ابن عبّاد المرتجى
…
تعدّ نوالك نيل المنى
وخيرك من باسط كفّه
…
وممّن تناءى قريب الجنى
(3)
غمرت الورى بصنوف النّدى
…
فأصغر ما ملكوه الغنى
وغادرت أشعرهم مفحما
…
وأشكرهم عاجزا ألكنا
أيا من عطاياه تهدى الغنى
…
إلى راحتى من نأى أو دنا
كسوت المقيمين والزّائرين
…
كسى لم يخل مثلها ممكنا
وحاشية الدّار يمشون فى
…
ضروب من الخزّ إلاّ أنا
ولست أذكّر بى جاريا
…
على العهد يحسن أن يحسنا
(4)
فقال له الصّاحب: قرأت فى أخبار معن بن زائدة، أن رجلا قال له/: احملنى أيّها الأمير. فأمر له بناقة، وفرس، وبغل، وحمار، وجارية، ثم قال له: لو علمت مركوبا غيرها لحملتك عليه. وقد أمرنا لك من الخزّ بجبّة، ودرّاعة، وقميص، وسراويل، وعمامة، ومنديل ومطرف، ورداء، وجورب، ولو علمنا لباسا آخر يتّخذ من الخزّ أعطيناكه.
وقد بلغ حديث معن المذكور للمعلّى بن أيّوب، فقال: رحم الله ابن زائدة، لو كان يعلم أن الغلام يركب لأمر له به، ولكنه كان عربيّا خالصا.
(1)
البيت للبحترى، وهو فى ديوانه 4/ 2263، وروايته فيه:
اسمعه من قوّاله تزدد به
…
عجبا وطيب الورد فى أغصانه
(2)
فى ط، ن:«سواك بعد الغنى» ، والمثبت فى: ص، واليتيمة.
(3)
فى يتيمة الدهر: «ومن ثناها» .
(4)
فى ط، ن:«ولست أذكرنى جاريا» ، وفى اليتيمة:«ولست أذكر لى جاريا» ، والمثبت فى: ص.
قلت: وقد ذكرت أنا هذه القصّة لبعض موالى الدّيار الرّوميّة، فقال: لو كنت أنا مكان ابن زائدة ما أعطيته إلاّ الغلام فقط، إذ لا يركب غيره.
وعن محمد بن عبد الملك الزّيّات الوزير، قال: كان رجل من ولد
(1)
عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، لا يلقى أحمد بن أبى دواد إلاّ لعنه، ودعا عليه، سواء وجده منفردا، أو فى محفل، وأحمد لا يردّ عليه؛ فاتّفق أن عرضت للعمرىّ حاجة عند المعتصم، فسألنى أن أرفع قضيّته، فخشيت أن يعارض أحمد، فامتنعت، فألحّ علىّ، فأخذت قصّته، ودخلت إلى المعتصم، فلم أجد أحمد، فاغتنمت غيبته، ودفعت له قصّة الرّجل، فدخل أحمد وهى فى يده، فناولها له، فلما رأى اسمه، وفيه أنّه من ذرّيّة عمر بن الخطّاب، قال: يا أمير المؤمنين، عمر ابن الخطاب يا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، تقضى لولده كلّ حاجة.
فوقّع بقضاء حاجته، وأخذت القصّة، ودفعتها للرّجل، وقلت له: اشكر القاضى، فهو الذى اعتنى بك حتى قضيت حاجتك.
فجلس الرّجل حتى خرج أحمد، فقام إليه، فجعل يدعو له ويشكره، فالتفت إليه أحمد، وقال له: اذهب عافاك الله، فإنى إنّما فعلت ذلك لعمر، لا لك.
*** ومن أخباره الشّنيعة المتعلّقة بأمر المحنة بالقول بخلق القرآن، وبقيامه فى ذلك، على وجه الاختصار، ما حكاه ابن السّبكىّ فى «الطّبقات الكبرى» فى ترجمة الإمام أحمد بن حنبل، رحمه الله تعالى، قال
(2)
: ذكر الدّاهية الدّهيا، والمصيبة العظمى، وهى محنة علماء الزمان، ودعاؤهم إلى القول بخلق القرآن، وقيام أحمد بن حنبل الشّيبانىّ، وابن نصر الخزاعىّ، مقام الصّدّيقين، وما اتّفق فى تلك الكائنة من أعاجيب تناقلتها الرّواة على ممرّ السّنين:
كان القاضى أحمد بن أبى دواد ممّن نشأ فى العلم، وتضلّع بعلم الكلام، وصحب فيه
(1)
فى ط، ن:«أولاد» ، والمثبت فى: ص.
(2)
طبقات الشافعية الكبرى 2/ 37 - 61. وتصرف التميمى بعض التصرف فى عبارة ابن السبكى.
صباح
(1)
بن العلاء السّلمىّ، صاحب واصل بن عطاء، أحد رءوس المعتزلة، وكان ابن أبى دواد رجلا فصيحا؛ قال أبو العيناء: ما رأيت رئيسا قطّ أفصح ولا أنطق منه، وكان كريما ممدّحا، وفيه يقول بعضهم
(2)
:
لقد أنست مساوى كلّ دهر
…
محاسن أحمد بن أبى دواد
وما طوّفت فى الآفاق إلاّ
…
ومن جدواك راحلتى وزادى
(3)
مقيم الظّنّ عندك والأمانى
…
وإن قلقت ركابى فى البلاد
(4)
وكان معظّما عند المأمون أمير المؤمنين، يقبل شفاعته، ويصغى إلى كلامه، وأخباره فى هذا كثيرة، فدسّ ابن أبى دواد له القول بخلق القرآن، وحسّنه عنده، وصيّره/يعتقده حقّا مبينا، إلى أن أجمع رأيه فى سنة ثمان عشرة ومائتين، على الدّعاء إليه، فكتب إلى نائبه على بغداد، إسحاق بن إبراهيم الخزاعىّ، عمّ
(5)
طاهر بن الحسين، فى امتحان العلماء كتابا، يقول فيه كذا وكذا.
ثم ساق الكتاب، وجوابه، وأخبارا أخر تتعلّق بالإمام أحمد وغيره، أضربنا عنها خوف الإطالة، إذ المراد بيان أنّ السّبب فى هذه المحنة العظمى هو ابن أبى دواد، وذكر يسير من أخباره المتعلّقة بها، وأمّا حصرها فلا سبيل إليه.
فعن أحمد بن المعدّل، أن ابن أبى دواد كتب إلى رجل من أهل المدينة: إن تابعت أمير المؤمنين فى مقالته استوجبت المكافأة الحسنة.
فكتب إليه: عصمنا الله وإيّاك من الفتنة، الكلام فى القرآن بدعة يشترك فيه السّائل والمجيب؛ لتعاطى السّائل ما ليس له، وتكلّف المجيب ما ليس عليه، ولا نعلم خالقا إلاّ الله، وما سواه مخلوق، والقرآن كلام الله، لا نعلم غير ذلك، والسّلام.
(1)
فى طبقات الشافعية: «هياج» .
(2)
القائل هو أبو تمام، والأبيات فى ديوانه 79، وفى تاريخ بغداد 4/ 145.
(3)
فى الديوان: «وما سافرت» .
(4)
فى الأصول: «وإن قلت ركابى» ، وفى طبقات الشافعية خطأ:«وإن قلقت» ، والمثبت فى الديوان.
(5)
كذا فى الأصول، وفى طبقات الشافعية:«ابن عم» ، والمعروف أن إسحاق هو ابن إبراهيم بن الحسين بن مصعب، وعلى هذا فطاهر عم إبراهيم، وليس إبراهيم عم طاهر، ولا ابن عمه.
وروى الخطيب فى «تاريخه
(1)
» أن طاهر بن خلف، قال: سمعت محمد بن الواثق، الذى يقال له المهتدى بالله، يقول: كان أبى إذا أراد أن يقتل رجلا أحضرنا ذلك المجلس، فأتى بشيخ مقيّد، فقال أبى: ائذنوا لأبى عبد الله وأصحابه. يعنى ابن أبى دواد.
قال: فأدخل الشيخ، فقال: السّلام عليك يا أمير المؤمنين.
فقال: لا سلّم الله عليك.
فقال: يا أمير المؤمنين، بئس ما أدّبك به مؤدّبك، قال الله تعالى
(2)
: {وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها)،} والله ما حيّيتنى بها، ولا بأحسن منها.
فقال ابن أبى دواد: يا أمير المؤمنين، هذا رجل متكلّم.
فقال له: كلّمه.
فقال: يا شيخ، ما تقول فى القرآن؟
قال الشيخ: لم تنصفنى المسألة، أنا أسألك قبل.
فقال له: سل.
فقال الشيخ: ما تقول فى القرآن؟
فقال: مخلوق.
فقال الشيخ: هذا شئ علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلىّ، والخلفاء الرّاشدون، أم شئ لم يعلموه؟
فقال: شئ لم يعلموه.
فقال: سبحان الله، شئ لم يعلمه النبىّ صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علىّ، ولا الخلفاء الراشدون، علمته أنت!
(1)
تاريخ بغداد 152،4/ 151.
(2)
سورة النساء 86.
قال: فخجل ابن أبى دواد.
وقال: أقلنى.
قال: والمسألة بحالها؟
قال: نعم.
قال: ما تقول فى القرآن؟
فقال: مخلوق.
فقال: هذا شئ علمه النبىّ صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلىّ، والخلفاء الرّاشدون، أم لم يعلموه؟
فقال: علموه، ولم يدعوا الناس إليه.
قال: أفلا وسعك ما وسعهم!!
قال
(1)
: ثم قام أبى، فدخل مجلس الخلوة، واستلقى على قفاه، ووضع إحدى رجليه على الأخرى، وهو يقول: هذا شئ لم يعلمه النبىّ صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علىّ، ولا الخلفاء الرّاشدون، علمته أنت، سبحان الله، هذا
(2)
شئ علمه النبىّ صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلىّ، والخلفاء الراشدون، ولم يدعوا الناس إليه، أفلا وسعك ما وسعهم.
ثم دعا الحاجب، وأمره أن يرفع عن الشيخ قيوده، ويعطيه أربعمائة دينار، ويأذن له فى الرجوع، وسقط من عينه ابن أبى دواد، ولم يمتحن بعد ذلك أحدا. انتهى.
وقد أنكر ابن السّبكىّ فى «طبقاته
(3)
» أن يكون صدر من ابن أبى دواد مثل هذا الكلام، الذى تنبو عنه الأسماع، وتنفر منه الطّباع، وهو قوله «شئ لم يعلموه» ، فقال:
(1)
زيادة من: ص، على ما فى: ط، ن.
(2)
ساقط من: ص، ومضروب عليه بالحمرة فى: ط، وهو فى: ن.
(3)
طبقات الشافعية 2/ 55 - 61.
وكان من الأسباب/فى رفع الفتنة، أن الواثق أتى بشيخ مقيّد، فقال له ابن أبى دواد:
يا شيخ، ما تقول فى القرآن، أمخلوق هو؟.
فقال له الشيخ: لم تنصفنى المسألة، أنا أسألك قبل الجواب، هذا الذى تقوله يا ابن أبى دواد من خلق القرآن شئ علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلىّ، رضى الله تعالى عنهم، أو جهلوه؟
فقال: بل علموه.
فقال: هل دعوا الناس إليه، كما دعوتهم أنت، أو سكتوا؟
قال: بل سكتوا.
قال: فهلاّ وسعك ما وسعهم من السّكوت!
فسكت ابن أبى دواد، وأعجب الواثق كلامه، وأمر بإطلاق سبيله، وقام الواثق من مجلسه وهو على ما حكى يقول: هلاّ وسعك ما وسعهم. يكرّر هذه الكلمة.
وكان ذلك من الأسباب فى خمود الفتنة، وإن كان رفعها بالكلية إنما كان على يد المتوكل.
قال:-أعنى ابن السّبكىّ -وهذا الذى أوردناه فى هذه الحكاية هو ما ثبت من غير زيادة ولا نقصان، ومنهم من زاد فيها ما لا يثبت، فاحفظ ما أثبتناه، ودع ما عداه، فليس عند ابن أبى دواد من الجهل ما يصل به إلى أن يقول: جهلوه. وإنّما نسبة هذا إليه تعصّب عليه، والحقّ وسط، فابن أبى دواد مبتدع، ضالّ مبطل لا محالة، ولا يستدعى أمره أن يدّعى شيئا ظهر له، وخفى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدين، كما حكى عنه فى هذه الحكاية، فهذا معاذ الله أن يقوله أو يظنّه أحد يتزيّى بزىّ المسلمين، ولو فاه به ابن أبى دواد لفرّق الواثق من ساعته بين رأسه وبدنه.
قال: وشيخنا الذّهبىّ، وإن كان فى ترجمة ابن أبى دواد حكى الحكاية على الوجه الذى لا نرضاه، فقد أوردها فى ترجمة الواثق من غير ما وجه على الوجه الثابت.
قال: وقد دامت هذه المحنة شطرا من خلافة المأمون، واستوعبت خلافة المعتصم والواثق، وارتفعت فى خلافة المتوكّل.
وقد كان المأمون الذى افتتحت فى أيّامه، وهو عبد الله المأمون بن هارون الرّشيد، ممّن عنى بالفلسفة، وعلوم الأوائل، ومهر فيها، واجتمع عليه جمع من علمائها، فجرّه ذلك إلى القول بخلق القرآن.
قال: وذكر المؤرّخون أنه كان بارعا فى الفقه، والعربيّة، وأيّام الناس، وكان ذا حزم، وحكم، وعلم، ودهاء، وهيبة، وذكاء، وسماحة وفطنة، وفصاحة، ودين.
قيل: ختم فى رمضان ثلاثا وثلاثين ختمة، وصعد فى يوم منبرا، وحدّث فأورد بسنده نحوا من ثلاثين حديثا، بحضور القاضى يحيى بن أكثم، ثم قال له: يا يحيى، كيف رأيت مجلسنا؟
فقال: أجلّ
(1)
مجلس يفقّه الخاصّة والعامّة.
فقال: ما رأيت له حلاوة، إنما المجالس لأصحاب الخلقان والمحابر.
وقيل: تقدّم إليه رجل غريب، بيده محبرة، قال: يا أمير المؤمنين، صاحب حديث، منقطع به السّبيل.
فقال: ما تحفظ فى باب كذا؟.
فلم يذكر شيئا.
قيل: فما زال المأمون يقول: حدّثنا هشيم، وحدّثنا يحيى، وحدّثنا حجّاج، حتى ذكر الباب.
ثم سأله عن باب آخر، فلم يذكر فيه شيئا.
(1)
فى ص: «أحلى» ، وهو يتفق مع كلام المأمون التالى، والمثبت فى: ط، ن، وطبقات الشافعية.
قيل: فقال المأمون: حدّثنا فلان، وحدّثنا فلان. إلى أن قال لأصحابه: يطلب أحدهم الحديث ثلاثة أيّام، ثم يقول: أنا من أصحاب الحديث! أعطوه ثلاثة دراهم.
قال/: وكان المأمون من الكرم بمكان مكين، بحيث إنّه فرّق فى ساعة ستة وعشرين ألف ألف درهم، وحكايات مكارمه تستوعب الأوراق، وإنّما اقتصر فى عطاء هذا السّائل -فيما نراه والله أعلم-لما رأى منه من التّمعلم
(1)
وليس هو هناك، ولعلّه فهم عنه التّعاظم عليه بالعلم، كما هو شأن كثير ممّن يدخل إلى الأمراء، ويظنّهم جهلة، على العادة الغالبة.
وكان المأمون كثير العفو والصّفح، ومن كلامه: لو علم الناس حبّى للعفو لتقرّبوا إلىّ بالجرائم، وأخاف أن لا أوجر فيه. يعنى لكونه طبعا له.
قال يحيى بن أكثم: كان المأمون يحلم حتى يغيظنا.
وقيل: إن ملاّحا مرّ والمأمون جالس، فقال: أتظنّون أنّ هذا ينبل فى عينى، وقد قتل أخاه الأمين؟
فسمعه المأمون، وظنّ الحاضرون أنه سيقضى عليه، فلم يزد على أن تبسّم، وقال:
ما الحيلة حتى أنبل فى عين هذا السّيّد الجليل.
*قال-أعنى ابن السّبكىّ -: ولسنا نستوعب ترجمة المأمون، فإن الأوراق تضيق بها، وكتابنا غير موضوع لها، وإنما غرضنا أنه كان من أهل العلم والخير، وجرّه القليل الذى كان يدريه من علوم الأوائل، إلى القول بخلق القرآن، كما جرّه اليسير الذى كان يدريه فى الفقه، إلى القول بإباحة متعة النّساء، ثم لم يزل به يحيى بن أكثم، رحمه الله تعالى، حتى أبطلها، وروى له حديث الزّهرىّ، عن ابنى الحنفيّة، عن أبيهما محمّد بن علىّ، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النّساء يوم خيبر. فلما صحّ له الحديث، رجع إلى الحقّ.
(1)
فى ط: «التمعظم» ، والمثبت فى: ص، ن، وطبقات الشافعية.
وأمّا مسألة خلق القرآن فلم يرجع عنها، وكان قد ابتدأ بالكلام فيها، فى سنة اثنتى عشرة، ولكن لم يصمّم ويحمل الناس، إلاّ فى سنة ثمان عشرة، ثم عوجل ولم يمهل، بل توجّه غازيا إلى أرض الرّوم، فمرض، ومات، فى سنة ثمان عشرة ومائتين.
واستقلّ بالخلافة أخوه المعتصم محمّد بن هارون الرّشيد، بعهد منه، وكان ملكا شجاعا، بطلا مهيبا، وهو الذى فتح عمّوريّة
(1)
، وقد كان المنجّمون قضوا بأنه يكسر، فانتصر نصرا مؤزّرا، وأنشد فيه أبو تمّام قصيدته السّائرة، التى أوّلها
(2)
:
السّيف أصدق أنباء من الكتب
…
فى حدّه الحدّ بين الجدّ واللعب
والعلم فى شهب الأرماح لامعة
…
بين الخمسين لا فى السّبعة الشّهب
(3)
أين الرّواية أم أين النّجوم وما
…
صاغوه من زخرف فيها ومن كذب
تخرّصا وأحاديثا ملفّقة
…
ليست بنبع إذا عدّت ولا غرب
(4)
قال: ولقد تضيق الأوراق عن شرح ما كان عليه من الشّجاعة والمهابة والمكارم، والأموال، والخيل
(5)
، والدّهاء، وكثرة العساكر، والعدد، والعدد.
وقال الخطيب: ولكثرة عسكره، وضيق بغداد عنه، بنى سامرّا، وانتقل بالعساكر إليها، وسمّيت العسكر.
ويقال: بلغ عدّة غلمانه الأتراك فقط، سبعة عشر ألفا.
وقيل: إنه كان عريّا من العلم، مع أنه رويت عنه كلمات تدلّ على فصاحة ومعرفة.
قال أبو الفضل الرّياشىّ: كتب ملك الرّوم، لعنه الله، إلى المعتصم، يتهدّده، فأمر بجوابه، فلما قرئ عليه الجواب لم يرضه، وقال للكاتب: اكتب: بسم الله الرّحمن الرّحيم، أمّا بعد، فقد قرأت/كتابك، وسمعت خطابك، والجواب ما ترى، لا ما تسمع، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدّار.
(1)
عمورية: بلد ببلاد الروم. مراصد الاطلاع 963.
(2)
ديوانه بشرح التبريزى 1/ 40 - 42.
(3)
السبعة الشهب: الطوالع التى أرفعها زحل، وأدناها القمر، وبعضها الشمس. شرح التبريزى. الموضع السابق.
(4)
النبع: شجر تتخذ منه القسى، والغرب: شجر ينبت على الأنهار ليس له قوة. شرح التبريزى الموضع السابق.
(5)
فى طبقات الشافعية: «والحيل» .
ومن كلامه: اللهمّ إنّك تعلم أنّى أخافك من قبلى، ولا أخافك من قبلك، وأرجوك من قبلك، ولا أرجوك من قبلى.
*قال ابن السّبكىّ: والناس يستحسنون هذا الكلام منه، ومعناه أن الخوف من قبلى؛ لما اقترفته من الذنوب، لا من قبلك؛ فإنك عادل لا تظلم، فلولا الذنوب لما كان للخوف معنى، وأمّا الرّجاء، فمن قبلك؛ لأنك متفضّل، لا من قبلى، لأنه ليس عندى من الطّاعات والمحاسن ما أرتجيك به.
قال: والشّقّ الثانى عندنا صحيح لا غبار عليه، وأمّا الأوّل، فإنا نقول: إنّ الرّبّ تعالى يخاف من قبله، كما يخاف من قبلنا؛ لأنّه الملك القهّار، يخافه الطّائعون والعصاة، وهذا واضح لمن تدبّره.
قال المورّخون: ومع كونه كان لا يدرى شيئا من العلم، حمل الناس على القول بخلق القرآن.
قال ابن السّبكىّ: لأن أخاه المأمون أوصى إليه بذلك، وانضمّ إلى ذلك القاضى أحمد ابن أبى دواد، وأمثاله من فقهاء السّوء، وإنّما يتلف السّلاطين فسقة الفقهاء؛ فإنّ الفقهاء ما بين صالح وطالح، فالصّالح غالبا لا يتردّد إلى أبواب الملوك، والطّالح غالبا يترامى عليهم، ثم لا يسعه إلاّ أن يجرى معهم على أهوائهم، ويهوّن عليهم العظائم، ولهو على الناس شرّ من ألف شيطان، كما أن صالح الفقهاء خير من ألف عابد، ولولا اجتماع فقهاء السوء على المعتصم، لنجّاه الله ممّا فرط منه، ولو كان الذين عنده من الفقهاء على حقّ لأروه الحقّ أبلج واضحا، ولأبعدوه عن ضرب مثل الإمام أحمد، ولكن ما الحيلة والزمان بنى على هذا! أو بهذا
(1)
تظهر حكمة الله فى خلقه.
ومات المعتصم، فى سنة سبع وعشرين ومائتين.
وولى الواثق بالله أبو جعفر هارون بن المعتصم بن الرشيد، وكان مليح الشّعر، يروى أنه كان يحبّ خادما أهدى له من مصر، فأغضبه الواثق يوما، ثم إنّه سمعه يقول لبعض
(1)
فى طبقات الشافعية: «وبهذا» .
الخدم: والله إنه ليروم أن أكلّمه من أمس، فلم
(1)
أفعل. فقال الواثق فى ذلك:
يا ذا الذى بعذابى ظلّ مفتخرا
…
ما أنت إلاّ مليك جار إذ قدرا
لولا الهوى لتجارينا على قدر
…
وإن أفق منه يوما ما فسوف ترى
وقد ظرف عبادة المخنّث، حيث دخل إليه، وقال: يا أمير المؤمنين، أعظم الله أجرك فى القرآن.
قال: ويلك، القرآن يموت!!
قال: يا أمير المؤمنين، كلّ مخلوق يموت، بالله من يصلّى يا أمير المؤمنين بالنّاس التّراويح إذا مات القرآن؟.
فضحك الخليفة، وقال: قاتلك الله، أمسك.
قال الخطيب: وكان ابن أبى دواد قد استولى عليه، وحمله على تشديد المحنة.
قال ابن السّبكىّ: وكيف لا يشدّد المسكين فيها، وقد أقرّوا فى ذهنه أنّه حقّ يقرّبه إلى الله تعالى، حتى إنّه لمّا كان الفداء، فى سنة إحدى وثلاثين ومائتين، واستفكّ الواثق من طاغية الرّوم أربعة آلاف وستمائة، قال ابن أبى دواد، على ما حكى عنه ولكن لم يثبت عندنا:/من قال من الأسارى القرآن مخلوق خلّصوه وأعطوه دينارين، ومن امتنع دعوه فى الأسر.
وهذه الحكاية إن صحّت عنه دلّت على جهل عظيم، وإفراط فى الكفر.
وهذا من الطّراز الأوّل، فإذا رأى الخليفة قاضيا يقول هذا الكلام، أليس يوقعه فى أشدّ ممّا وقع منه؟!. فنعوذ بالله من علماء السّوء، ونسأله التوفيق والإعانة. انتهى
(2)
.
ولنرجع إلى أخبار أحمد: روى عن الحسن بن ثواب، قال: سألت أحمد بن حنبل عمّن يقول: القرآن مخلوق.
(1)
فى طبقات الشافعية: «فما» .
(2)
أى كلام ابن السبكى.
قال: كافر.
قلت: فابن أبى دواد؟
قال: كافر بالله العظيم.
قلت: بماذا كفر؟
قال: بكتاب الله تعالى، قال الله تعالى
(1)
: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ)،} فالقرآن من علم الله، فمن زعم أنّ علم الله مخلوق فهو كافر بالله العظيم.
وقال أبو حجّاج الأعرابىّ يهجوه:
نكست الدّين يا ابن أبى دواد
…
فأصبح من أطاعك فى ارتداد
(2)
زعمت كلام ربّك كان خلقا
…
أمالك عند ربّك من معاد
كلام الله أنزله بعلم
…
وأوحاه إلى خير العباد
ومن أمسى ببابك مستضيفا
…
كمن حلّ الفلاة بغير زاد
لقد أظرفت يا ابن أبى دواد
…
بقولك إنّنى رجل إيادى
قلت: قد ظلمه هذا الشاعر، بنسبته إلى البخل، مع ما قدّمنا ذكره عنه من المكارم، وحسن الصّنيع إلى من يعرف ومن لا يعرف، حتى لعدوّه، وأحسن منه قول بعضهم يهجوه أيضا
(3)
:
لو كنت فى الرّأى منسوبا إلى رشد
…
أو كان عزمك عزما فيه توفيق
لكان فى الفقه شغل لو قنعت به
…
من أن تقول كلام الله مخلوق
ماذا عليك وأصل الدّين يجمعهم
…
ما كان فى الفرع لولا الجهل والموق
(4)
(1)
سورة البقرة 120.
(2)
فى ص: «فأصبحك من أطاعك» ، وفى ن:«وأصبح من أطاعك» ، والمثبت فى: ط، وتاريخ بغداد، والأبيات فيه 4/ 153.
(3)
الأبيات فى: تاريخ بغداد 4/ 153.
(4)
الموق: الحمق.
وفى «تاريخ الخطيب»
(1)
عن أبى الذيل، قال: دخلت على ابن أبى دواد، وابن أبى حفصة ينشده هذه الأبيات
(2)
:
فقل للفاخرين على نزار
…
ومنها خندف وبنو إياد
رسول الله والخلفاء منّا
…
ومنّا أحمد بن أبى دواد
قال: فقال لى: كيف تسمع يا أبا الهذيل؟
فقلت: هذا يضع الهناء مواضع النّقب
(3)
.
ثم إن أبا الهذيل
(4)
نقض على ابن أبى حفصة، فقال:
فقل للفاخرين على نزار
…
وهم فى الأرض سادات العباد
رسول الله والخلفاء منّا
…
ونبرأ من دعىّ بنى إياد
وما منّا إياد إذ أقرّت
…
بدعوة أحمد بن أبى دواد
(5)
فبلغ ابن أبى دواد قوله، فقال: ما بلغ منّى أحد ما بلغ هذا الكلام، ولولا أنّى أكره أن أنبّه عليه، لعاقبته عقابا لم يعاقب أحد مثله، جاء إلى منقبة كانت لى، فنقضها عروة عروة.
كذا عزاه الخطيب إلى ابن أبى حفصة وأبى الهذيل، وقال الصّلاح الصّفدىّ، فى كتاب «المجاراة والمجازاة»: إن الأبيات الأوّل لمروان بن أبى الجنوب، والأبيات الثانية لأبى الهفّان المهزمىّ. والله أعلم.
وروى أن ابن أبى دواد، كان بينه وبين محمّد بن عبد الملك الزّيّات، وزير المعتصم، مناقشات
(6)
وشحناء، حتى قيل: إن أحمد قال له مرّة: والله ما أجيئك
(7)
متكثّرا بك من
(1)
تاريخ بغداد 143،4/ 142.
(2)
البيتان أيضا فى وفيات الأعيان 1/ 86، وذكر أنها لمروان بن أبى الجنوب، وسينبه المؤلف إلى هذا فيما بعد.
(3)
يضرب هذا مثلا لمن يضع الأمر فى نصابه. والهناء: القطران.
(4)
فى وفيات الأعيان 1/ 87، أن الذى فعل ذلك هو أبو هفان المهزمى، وسيشير المؤلف إلى هذا فيما بعد.
(5)
فى وفيات الأعيان: «إن أقرت» .
(6)
فى وفيات الأعيان 1/ 88: «منافسات» .
(7)
فى ط، ن:«أحبك» ، والمثبت فى: ص، ووفيات الأعيان.
قلّة، ولا متعزّزا بك من ذلّة، ولكنّ أمير المؤمنين رتّبك رتبة أوجبت لقاك، فإن لقيناك فله، وإن تأخّرنا عنك فلك. ثم نهض من عنده.
قال ابن خلّكان: وكانت وفاته بعد موت الوزير المذكور بسبعة وأربعين يوما
(1)
.
قال: ولما حصل له الفالج، ولّى القضاء موضعه ابنه أبو الوليد محمد، ولم تكن طريقته مرضيّة، وكثر ذامّوه، وقلّ شاكروه، حتى قال إبراهيم بن العبّاس الصّولىّ:
عفّت مساو تبدّت منك ظاهرة
…
على محاسن أبقاها أبوك لكا
(2)
قف قد تقدّمت أبناء الكرام به
…
كما تقدّم آباء اللّئام بكا
قال ابن خلّكان: ولعمرى، لقد بالغ فى طرفى المدح والذّمّ، وهو معنى بديع.
قال: واستمرّ على القضاء
(3)
إلى سنة تسع
(4)
وثلاثين ومائتين، فسخط المتوكّل على القاضى أحمد وولده محمّد، فأخذ من الولد مائة ألف دينار، وعشرين ألف دينار، وجوهرا بأربعين ألف دينار، وسيّره إلى بغداد من سرّ من رأى، وفوّض القضاء إلى يحيى بن أكثم الصّيفىّ.
وقال بعض البصريّين يهجوه، حين بلغه أنه فلج
(5)
:
أفلت نجوم سعودك ابن دواد
…
وبدت نحوسك فى جميع إياد
فرحت بمصرعك البريّة كلّها
…
من كان منها موقنا بمعاد
لم يبق منك سوى خيال لامع
…
فوق الفراش ممهّدا بوساد
وخبت لدى الخلفاء نار بعد ما
…
قد كنت تقدحها بكلّ زناد
(1)
هذا أحد أقوال ابن خلكان، فقد ذكر فى وفيات الأعيان 1/ 88 أنه «أصابه الفالج لست خلون من جمادى الآخرة، سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، بعد موت عدوه الوزير المذكور-أى ابن الزيات-بمائة يوم وأيام، وقيل: بخمسين يوما، وقيل: بسبعة وأربعين يوما» .
(2)
فى وفيات الأعيان 1/ 89: «منك واضحة» .
(3)
فى وفيات الأعيان: «على مظالم العسكر والقضاء» .
(4)
فى وفيات الأعيان: «سبع» .
(5)
القصيدة فى تاريخ بغداد 4/ 155، ونسبها الخطيب إلى ابن شراعة البصرى.
أطغاك يا ابن أبى دواد ربّنا
…
فجريت فى ميدان إخوة عاد
لم تخش من ربّ السّماء عقوبة
…
فسننت كلّ ضلالة وفساد
كم من كريمة معشر أرملتها
…
ومحدّث أوثقت بالأقياد
كم من مساجد قد منعت قضاتها
…
من أن تعدّل شاهدا برشاد
كم من مصابيح لها أطفيتها
…
كيما تزلّ عن الطّريق الهادى
إن الأسارى فى السّجون تفرّجوا
…
لمّا أتتك مواكب العوّاد
(1)
وغدا لمصرعك الطبيب فلم يجد
…
لعلاج ما بك حيلة المرتاد
لا زال فالجك الذى بك دائما
…
وفجعت قبل الموت بالأولاد
وأبا الوليد رأيت فى أكتافه
…
سوط الخليفة من يدى جلاّد
ورأيت رأسك فى الخشوب معلّقا
…
فوق الرّءوس معلّما بسواد
(2)
قال الخطيب: وأبو الوليد هذا، هو ابن أحمد بن أبى دواد، واتّفق أنّه مات هو وأبوه منكوبين، وكان بين وفاتيهما نحو شهر، هو فى ذى
(3)
الحجّة، سنة تسع وثلاثين ومائتين،/ وأبوه فى المحرم، سنة أربعين ومائتين، يوم السّبت، لتسع بقين منه.
ومن شعر أحمد، وقد بلغه أن شخصا هجا ابن الزّيّات الوزير بسبعين بيتا، وقيل: إن ابن الزّيّات هو الذى قال السّبعين بيتا فى هجو أحمد، فقال
(4)
:
أحسن من سبعين بيتا هجا
…
جمعك معناهنّ فى بيت
ما أحوج الملك إلى مطرة
…
تغسل عنه وضر الزّيت
فبلغ ابن الزّيّات ذلك، فقال
(5)
:
يا ذا الذى يطمع فى هجونا
…
عرّضت بى نفسك للموت
(1)
فى ط، ن، وتاريخ بغداد:«مراكب العواد» ، والمثبت فى: ص.
(2)
فى تاريخ بغداد: «ورأيت رأسك فى الجسور منوطا» .
(3)
ساقط من: ط، ن، وهو فى: ص.
(4)
البيتان فى وفيات الأعيان 1/ 88.
(5)
بعد هذا فى ط، ن زيادة:«إن بعض أجداده كان يبيع القار، فقال» ، ولا يتفق هذا مع ما يأتى من تعليق المؤلف بعد أبيات، فيكرر المعنى، والمثبت فى: ص.
وأبيات ابن الزيات أيضا، فى وفيات الأعيان 1/ 88.
الزيت لا يزرى بأحسابنا
…
أحسابنا معروفة البيت
قيّرتم الملك فلم ينقه
…
حتى غسلنا القار بالزّيت
(1)
وفى هذا إشارة إلى ما يقال من أنّه كان فى أجداد أحمد من يبيع القار.
ومن مختار شعر أبى تمّام فى مدحه قوله
(2)
:
أأحمد إنّ الحاسدين كثير
…
ومالك إن عدّ الكرام نظير
حللت محلاّ فاضلا متقادما
…
من الفخر والمجد القديم فخور
وكلّ غنىّ أو فقير فإنّه
…
إليك وإن نال السّماء فقير
(3)
إليك تناهى المجد من كلّ وجهة
…
يصير فما يعدوك حيث تصير
وبدر إياد أنت لا ينكرونه
…
كذاك إياد للأنام بدور
تجنّبت أن تدعى الأمير تواضعا
…
وأنت لمن يدعى الأمير أمير
فما من ندى إلاّ إليك محلّه
…
ولا رفعة إلاّ إليك تسير
(4)
وقال أيضا، من قصيدة فى مدحه
(5)
:
أيسلبنى ثراء المال ربّى
…
وأطلب ذاك من كفّ جماد
زعمت إذا بأنّ الجود أضحى
…
له ربّ سوى ابن أبى دواد
ومن كلام أحمد الذى ينبغي أن يكتب بماء الذهب: ثلاثة ينبغى أن يبجّلوا وتعرف أقدارهم: العلماء، والولاة، والإخوان؛ فمن استخفّ بالعلماء أهلك دينه، ومن استخفّ بالولاة أهلك دنياه، ومن استخفّ بالإخوان أهلك مروءته.
وحكى عنه ولده، أنه كان إذا صلّى رفع يديه، وقال
(6)
:
ما أنت بالسّبب الضّعيف وإنّما
…
نجح الأمور بقوّة الأسباب
(1)
فى وفيات الأعيان: «فلم ننفقه» .
(2)
ديوان أبى تمام 160.
(3)
فى ط، ن:«وكل غنى» ، والمثبت فى: ص، والديوان.
(4)
فى الديوان: «ولا رفقة إلا إليك تسير» .
(5)
ديوان أبى تمام 81.
(6)
وفيات الأعيان 1/ 87، وتاريخ بغداد 4/ 143، والفهرست صفحة 4 (من التكملة).
اليوم حاجتنا إليك وإنّما
…
يدعى اللّبيب لساعة الأوصاب
(1)
قال أبو بكر ابن دريد
(2)
: كان ابن أبى دواد مألفا
(3)
لأهل الأدب، من أىّ بلد كانوا، وكان قد ضمّ منهم جماعة يعولهم ويمونهم، فلما مات حضر ببابه جماعة منهم، وقالوا:
يدفن من كان على ساقة الكرم، وتاريخ الأدب، ولا نتكلّم، إن هذا وهن وتقصير.
فلما طلع سريره قام إليه ثلاثة منهم، فقال أحدهم:
اليوم مات نظام الملك واللّسن
…
/ومات من كان يستعدى على الزّمن
وأظلمت سبل الآداب إذ حجبت
…
شمس المكارم فى غيم من الكفن
وتقدّم الثانى، فقال:
ترك المنابر والسّرير تواضعا
…
وله منابر لو يشا وسرير
ولغيره يجبى الخراج وإنما
…
يجبى إليه محامد وأجور
وتقدّم الثالث، فقال:
وليس فتيق المسك ريح حنوطه
…
ولكنّه ذاك الثّناء المخلّف
وليس صرير النّعش ما تسمعونه
…
ولكنه أصلاب قوم تقصّف
هذا، وقد أطلقنا عنان القلم فى ترجمة أحمد، ومع ذلك لو رمنا حصر محاسنه، وما يؤثر عنه من مكارم الأخلاق، ومن مساويها التى تعزى إليه فى أمر المحنة، لكلّ لسان القلم، وقصر باع الاطّلاع.
وفيما ذكرناه كفاية لمن أراد الوقوف على حاله، وما كان عليه من الحسن والقبح.
تجاوز الله عنه، إنّه جواد كريم.
***
(1)
فى وفيات الأعيان، والفهرست:«فاليوم .. لشدة الأوصاب» ، والمثبت فى: الأصول، وتاريخ بغداد.
(2)
هذا أيضا فى: وفيات الأعيان 1/ 90، وتاريخ بغداد 151،4/ 150.
(3)
فى وفيات الأعيان: «مؤالفا» .
155 - أحمد بن أبى السّعود
ابن محمّد بن مصلح الدّين الرّومىّ، العمادىّ
(*)
الآتى ذكر أبيه العلاّمة أبى السّعود، مفتى الدّيار الرّوميّة، فى محلّة، إن شاء الله تعالى.
قال المولى قطب الدين، نزيل مكة المشرّفة فى حقّه: كان نادرة زمانه فى الذكاء والحفظ، والآداب، لم يسمع فى هذا العصر له بنظير فى هذا الباب.
اجتمعت به فى سنة خمس وستّين، بمدينة إصطنبول، وهو مدرّس فى مدرسة رستم باشا بخمسين عثمانيّا، فأكرمنى، وأضافنى، وباسطنى، فرأيت من حفظه، وذكائه، ما أدهشنى وحيّرنى، مع صغر سنّه، وكبر قدره وشأنه.
قال: وأخبرنى أن مولده سنة أربع وأربعين وتسعمائة.
وأنّه اشتغل على والده، وعلى المولى شمس الدّين أحمد بن طاش كبرى، صاحب «الشقائق النعمانية» .
وكان يحفظ «مقامات الحريرىّ» على ظهر الغيب، وقرأ لى منها عدّة مقامات، ومع ذلك كان ينظم شعرا غريبا، بليغا، فى أعلى درجات الفصاحة، مع كمال الحسن، والملاحة، فلا أدرى أىّ وصف يوفّيه، وأىّ صنف من الفضل ما هو فيه، وماذا يقال فيه والدّهر من رواته، وفنّ الأدب خامل ما لم يواته.
قال: وأنشدنى من لفظه تخميس قصيدة لأبى الطّيّب المتنبى، وأنّه هو الذى خمّسها، وقد بقى فى حفظى منها هذا البيت:
نشرت على الآفاق درّ فوائدى
…
وفى سلك شعرى قد نظمت فرائدى
فمن ذا يضاهينى وتلك مقاصدى
…
وما الدهر إلاّ من رواة قصائدى
(1)
إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا
(*) ترجمه فى: شذرات الذهب 8/ 357، العقد المنظوم 340 - 246.
(1)
فى الأصول: «وما الدر» ، والمثبت فى ديوان أبى الطيب 361.
فانظر إلى هذا السّبك العجيب، والسّكب الغريب، واللفظ الذى يفوق الدّرّ الرّطيب.
/وكان يدرّس فى «التّلويح» ؛ و «الهداية» ، و «شرح المواقف» ، و «شرح المفتاح» ، وينقل «صحيح البخارىّ» بغاية التّدقيق، والفهم الدّقيق، واللفظ الأنيق، إلى أن ذوى غصن شبابه، وانطوت صحيفة كتابه، وتوفّاه الله إلى رحمته، فى حياة والده
(1)
. انتهى.
قلت: وكان له أخ يسمّى محمدا، ولى قضاء الشام، وحلب، وتوفّى فى حياة أبيه أيضا، وكان فى العلم دون أخيه، وفى الجود ليس فى أبناء جنسه من يوازيه، تغمّده الله برحمته.
***
156 - أحمد بن أبى سعيد
أحمد بن أبى الخطّاب محمّد بن إبراهيم بن علىّ،
القاضى الطّبرىّ، البخارىّ، الكعبىّ
(*)
الإمام
(2)
، العلاّمة.
مولده سنة ستّ وتسعين وأربعمائة.
وكانت له اليد الطّولى فى علم الخلاف، والنّظر.
وتفقّه على والده، وعلى الإمام البرهان.
وروى عنه أبو المظفّر السّمعانىّ
(3)
، وقال: هو أستاذى فى علم الخلاف.
(1)
ذكر صاحب العقد المنظوم أنه توفى سنة سبعين وتسعمائة، وما بلغ عمره ثلاثين سنة، وكان سبب موته، أنه خالط بعض الأراذل، ورغبه فى أكل بعض المعاجين. العقد المنظوم 242،241.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 74.
(2)
ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
(3)
لا شك أن هنا أخطاء فاحشة، فإن المؤلف يذكر أن مولد الكعبى سنة ست وتسعين وأربعمائة، فكيف يروى عنه أبو المظفر السمعانى، ووفاته سنة تسع وثمانين وأربعمائة. انظر طبقات الشافعية 5/ 345.
ثم كيف يذكره الحاكم فى تاريخ نيسابور، والمؤلف يذكر أن وفاته فى عشر الستين وخمسمائة، وقد توفى الحاكم، سنة خمس وأربعمائة. انظر أيضا طبقات الشافعية 4/ 161.
وقد ذكر ابن الأثير فى اللباب 3/ 44 أن الحاكم أبا عبد الله سمع من أبى سعيد أحمد بن محمد الكعبى، وهو فيما يبدو أبو-
ذكره الحاكم فى «تاريخ نيسابور» ، فقال: درّس بنيسابور فقه الإمام أبى حنيفة نيّفا وستيّن سنة، وأفتى قريبا من هذا، وحدّث سنتين.
ومات تقريبا فى عشر السّتين وخمسمائة. رحمه الله تعالى.
وإنما ذكرته هنا، ولم أذكره فيمن اسمه أحمد بن أحمد؛ لغلبة الكنية على اسم أبيه.
***
157 - أحمد بن أبى العزّ
ابن أحمد بن أبى العزّ بن صالح بن وهيب الأذرعىّ
فخر الدّين، ابن الكشك
المعروف بابن الثّور، بفتح المثلّثة.
ذكره الحافظ ابن حجر فى «معجم شيوخه» ، وقال سمع من أوّل «الصحيح» إلى كتاب الوتر على الحجّار، وسمع أيضا من إسحاق الآمدىّ، وعبد القادر بن الملّول
(1)
، وغيرهما.
مات فى صفر، سنة إحدى وثمانمائة، وله ثمانون سنة، إلا أيّاما. رحمه الله تعالى.
***
158 - أحمد بن أبى عمران
أبو جعفر، الفقيه
(*)
الإمام، العالم، العلاّمة، أحد أصحاب التفنّن فى العلوم.
(3)
-المترجم، فلعل هذا هو الذى ساق إلى هذا الخطأ، ولعل من ذكر فى تاريخ نيسابور، ومن روى عنه أبو المظفر السمعانى، هو أبو سعيد أحمد بن محمد الكعبى، أبو المترجم.
وقد تكلمت على القضية بأوفى من هذا، فى حاشية الجواهر المضية 136،1/ 135. فانظرها.
واسم أبى عمران موسى بن عيسى، وإنما ذكرته هنا لغلبة الكنية على أبيه.
نزل أبو جعفر مصر، وحدّث بها عن عاصم بن على، وسعيد
(1)
بن سليمان، الواسطيّين، وعلىّ بن الجعد، ومحمد بن الصباح، وبشر بن الوليد، وإسحاق بن إسماعيل، وغيرهم.
وهو أستاذ أبى جعفر الطّحاوىّ، وكان ضريرا، روى عنه الطّحاوىّ، وغيره.
قال الخطيب: وقال لى القاضى أبو عبد الله الصّيمرىّ: أبو جعفر أحمد بن أبى عمران، أستاذ أبى جعفر الطّحاوىّ، وكان شيخ أصحابنا بمصر فى وقته، وأخذ العلم عن محمّد بن سماعة، وبشر بن الوليد، وأضرابهما.
وقال أبو سعيد بن يونس: أحمد بن أبى عمران الفقيه، يكنى أبا جعفر، واسم أبى عمران موسى بن عيسى، من أهل بغداد، وكان مكينا من العلم، حسن الدّراية بألوان من العلم كثيرة، وكان ضرير البصر، وحدّث بحديث كثير من حفظه، وكان ثقة، وكان قدم إلى مصر مع أبى أيّوب صاحب خراج مصر، فأقام بمصر إلى أن توفّى بها فى المحرّم، سنة ثمانين ومائتين. انتهى.
وذكره الحافظ جلال الدّين السّيوطىّ فى «حسن المحاضرة» ، وقال: قاضى الدّيار المصرية. وأثنى عليه.
وهذا صريح فى أنه ولى القضاء بمصر، فكأنّه وليه/قبل أن أصيب ببصره، فليحرّر، والله أعلم.
***
159 - أحمد بن أبى الكرم
ابن هبة الله، الفقيه
(*)
ذكره ابن العديم، فى «تاريخ حلب» ، وقال: كان فقيها حسنا، ديّنا، كثير التّلاوة للقرآن.
(1)
فى نسخ الجواهر المضية: «وشعيب» ، وهو خطأ، وسعيد بن سليمان الواسطى، هو سعدويه الحافظ، المتوفى سنة خمس وعشرين ومائتين. انظر العبر 1/ 394.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 167.
وولى التدريس بالموصل، ومشيخة الرّباط، وطلب الحديث.
وقدم حلب مررا، رسولا إلى الملك النّاصر داود، فى سنة ثمان وأربعين وستمائة.
وورد بغداد رسولا أيضا فى هذه السّنة.
وتوفّى بالموصل سنة خمسين وستمائة.
قال ابن العديم: بلغنى وفاته وأنا ببغداد، فى هذا التاريخ. رحمه الله تعالى.
***
160 - أحمد بن أبى المؤيّد
المحمودىّ، النّسفىّ، أبو نصر
(*)
كان إماما جليلا، فاضلا، زاهدا، أعجوبة الدنيا، وعلاّمة العلماء.
مصنّف «الجامع الكبير المنظوم» وهو فى مجلّد، و «شرحه» فى مجلّدين، رأيت بخطّ ابن طولون، أنّ كلّ باب منه قصيدة، وأن له قصيدة فى أصول الدين.
وبيت المحموديّة بمرو مشهور بالعلم
(1)
، وهذه النسبة إلى بعض أجداد المنتسب إليه، رحمهم الله تعالى.
***
161 - أحمد بن أبى يزيد
ابن محمّد، شهاب الدّين بن زكىّ الدّين العجمىّ
السّرائىّ، المشهور بمولانا زاده
كان أبوه ناظر الأوقاف ببلاد السّراى، وكان معروفا بالزّهد والصّلاح، فتضرّع إلى الله
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية برقم 265، كشف الظنون 2/ 1344،1/ 570، وفيه أنه كان حيا سنة خمس عشرة وخمسمائة.
(1)
انظر اللباب 3/ 108.
تعالى، أن يرزقه ولدا صالحا، فولد له أحمد هذا، فى يوم عاشوراء، سنة أربع وخمسين وسبعمائة.
ومات أبوه وله تسع سنين، فلازم الاشتغال حتى برع فى أنواع العلوم، وصار يضرب به المثل فى الذّكاء.
وخرج من بلده وله عشرون سنة، فطاف البلاد، وأقام بالشّام مدّة.
ودرّس الفقه والأصول، وشارك فى الفنون، وكان بصيرا بدقائق العلوم.
وكان يقول: أعجب الأشياء عندى البرهان القاطع، الذى لا يكون فيه للمنع مجال، والشكل الذى يكون فيه فكر ساعة.
ثم سلك طريق التصوّف، وصحب جماعة من المشايخ مدّة.
ثم رحل إلى القاهرة، وفوّض إليه تدريس الحديث بالظّاهريّة
(1)
، فى أوّل ما فتحت، ثم درّس الحديث بالصّرغتمشيّة
(2)
، وقرأ فيها «علوم الحديث» لابن الصّلاح، بقوّة ذكائه حتى صاروا يتعجّبون منه.
ثم إن بعض الحسدة دسّ إليه سمّا، فمرض، وطال مرضه، إلى أن مات فى المحرّم، سنة إحدى وتسعين، وكثر الثناء عليه جدّا.
وترك ولدا صغيرا من بنت الأقصرائىّ
(3)
، وأنجب بعده، وتقدّم، وهو محبّ الدّين، إمام السّلطان فى زمنه.
***
(1)
يعنى ظاهرية القاهرة، وهناك مدرستان بشارع المعز لدين الله (منطقة النحاسين وبين القصرين) يطلق عليهما هذا الاسم، بنى الأولى الظاهر برقوق، وبنى الثانية الظاهر ركن الدين بيبرس البندقدارى. انظر حاشية النجوم الزاهرة 11/ 240.
(2)
هى جامع صرغتمش، بجانب مسجد ابن طولون من الجهة البحرية الغربية للجامع بشارع الخضيرى، قسم السيدة زينب. انظر حاشية النجوم 309،10/ 308.
(3)
فى ص: «الآقسراى» والمثبت فى: ط، ن.
162 - أحمد بن بحارة
(1)
بالباء الموحّدة، أو بالنون.
وإنما ذكرته هنا، مع وجود الشك فى اسم أبيه، لأنّى رأيته بخط بعضهم بالباء الموحّدة، فنقلته كما وجدته.
ذكره القاضى عمارة فى «تاريخ زبيد» ، فقال
(1)
: أبو العبّاس، الفقيه الحنفىّ.
كان مبرّزا فى علم الكلام والأدب واللغة، شاعرا يحذو طريق أبى نواس فى الاشتهار بالخلاعة، واجتاز ليلة بدار القاضى أبى الفتوح بن أبى عقامة وهو سكران، وكان فظّا فى ذات الله تعالى، عز وجل، وابن بحارة يخلط كلامه، فصاح عليه القاضى، وليس عنده أحد من الأعوان: إلى هذا الحدّ يا حمار!.
فوقف ابن بحارة مخاطبا للقاضى، وقال:
/سكرات تعتادنى وخمار
…
وانتشاء أعتاده ونعار
(2)
فملوم من قال إنّي ملوم
…
وحمار من قال إنّى حمار
(3)
***
163 - أحمد بن بدر الدّين بن شعبان
(4)
المشهور بجدّه شعبان المذكور.
أحد قضاة القضاة بالدّيار المصريّة، وأصله من الدّيار الشّاميّة.
وكان أبوه من القضاة المذكورين المشهورين.
وكانت سيرته كولده أحمد غير محمودة، وطريقته غير مشكورة، وقد شكى مرارا عديدة،
(1 - 1) ساقط من ص، وهو فى: ط، ن.
(2)
فى ص: «وثعار» ، والمثبت فى: ط، ن.
(3)
فى ص بعد هذا زيادة: «هكذا نقلت هذه الترجمة من بعض تواريخ اليمن، والله أعلم» ، وهذه الزيادة تسد الثلمة التى نبهت عليها سابقا فى النسخة: ص.
(4)
هذه الترجمة كلها ساقطة من: ص، وهى فى: ط، ن.
وفتّش
(1)
عليه وصودر، والأولى بنا أن نضرب صفحا عن ذكر ما هو شائع عنه بين العوامّ والخواصّ، من الأوصاف التى لا تليق بمن ينتمى إلى العلم وأهله أن يتلبّس بها، وفضل الله أوسع من ذنوبه.
وأمّا صاحب الترجمة، فإنّه قد اشتغل، ودأب، وحصّل، وصار ملازما من قاضى القضاة السّيّد الشريف محمّد، المعروف بمعلول أمير، كما يزعم هو، والله تعالى أعلم.
ثمّ صار مدرّسا فى بعض المدارس بديار العرب، وألقى بها يسيرا من الدّروس، بحضور من لا يعترضه، لا فى الخطأ، ولا فى الصواب.
ولم يزل طالبا للقضاء، راغبا فى تحصيله، طائرا إليه بأجنحة الطّمع الزائد، وحبّ الرياسة المفرطة، إلى أن بلغ منه مراده، وصار يتولاه تارة، ويعزل منه أخرى.
ومن جملة البلاد التى ولى قضاءها فوّة
(2)
، والبحيرة، والجيزة، والخانقاه السّرياقوسيّة، وغيرها.
وكان يعامل الرّعايا بكلّ حيلة يعرفها، وكلّ خديعة يقدر عليها، ويتوصّل بذلك إلى أخذ أموالهم، والاستيلاء على أرزاقهم، فحصّل من ذلك أموالا جزيلة، لا تعدّ ولا تحصى، وأضافها إلى ما ورثه من مال أبيه، وهو فيما يقال عنه كثير جدّا، ومدّة عمره وجميع دهره ما رؤى، ولا سمع، أنّه تصدّق على فقير بكسرة ولا درهم نقرة، ولا أضاف غريبا، ولا وصل قريبا، وأمّا إخراج الزكاة فما أظنّ أنّه قرأ لها بابا، ولا رأت عينه لها أصحابا.
وأمّا الكتب النّفيسة فإن عنده منها ما ينوف على أربعين ألف مجلّد، وأكثرها من كتب الأوقاف، وضع يده عليها، ومنع أهل العلم من النّظر إليها، وطالت الأيام، ومضى عليها أعوام، ونسيت عنده، وغيّر شروطها، ومحا ما يستدلّ به من كونها وقفا من أوائلها وأواخرها، وزاد ونقص، وصارت كلّها ملكا له فى الظّاهر، ولم يخف الله ولا اليوم الآخر.
وقد شاع وذاع، وملأ الأفواه والأسماع، أن أجرة مسقّعات أملاكه وأوقافه تزيد كلّ يوم على عشرين أو ثلاثين دينارا ذهبا.
(1)
فى ن بعد هذا زيادة: «وامتحن» .
(2)
فوة: بليدة على شاطئ النيل، من نواحى مصر، قرب رشيد. معجم البلدان 2/ 924.
وقد وصل إلى دقّاقة الرّقاب وهو لا يزداد فى الدنيا إلاّ طمعا، وفى القضاء إلاّ حبّا وكانت نفسه الأمّارة تطمعه فى أن يصير قاضيا بخمسمائة عثمانىّ، فى مرتبة مصر، ويكون بذلك من جملة علماء الدّيار الرّوميّة، وداخلا فى زمرة مواليهم، وكان منه ما سنشرحه مفصّلا، إن شاء الله تعالى
(1)
.
***
164 - أحمد بن بديل الكوفىّ، القاضى
(*)
من أصحاب حفص بن غياث، حدّث عنه، وانتفع به.
وسمع أبا بكر بن عيّاش، وعبد الله بن إدريس، ومحمّد بن فضل، ووكيعا، وعبد الرحمن المحاربىّ /، وأبا معاوية الضّرير، ومفضّل بن صالح، وعبد الله بن نمير، وأبا أسامة، وغيرهم.
قال الخطيب: وكان من أهل العلم والفضل.
ولى
(2)
قضاء الكوفة قبل إبراهيم بن أبى العنبس، وتقلّد أيضا قضاء همذان.
وورد بغداد، وحدّث بها، فروى عنه عبد الله بن إسحاق المدائنىّ، ويحيى بن محمد بن صاعد، وإبراهيم بن حمّاد القاضى، ومحمد بن عبيد الله بن العلاء الكاتب، وعلىّ بن عيسى الوزير، وغيرهم.
قال
(3)
أحمد بن صالح الهمذانىّ: بلغنى أنّه كان يسمّى بالكوفة راهب الكوفة، فلما ولى القضاء قال: خذلت على كبر السّنّ، خذلت على كبر السّنّ!! مع عفّته وصيانته.
وحدّث أبو
(4)
القاسم عبيد الله بن سليمان، قال: كنت أكتب لموسى بن بغا، وكنّا
(1)
هذا يدل على معاصرة المؤلف للمترجم.
(*) ترجمته فى: الأنساب 596 ظ، تاريخ بغداد 4/ 49 - 52، تذكرة الحفاظ 2/ 532، تهذيب التهذيب 18،1/ 17، الجواهر المضية، برقم 86، شذرات الذهب 2/ 137 المشتبه 55، ميزان الاعتدال 85،1/ 84، الوافى بالوفيات 6/ 263.
ويقال فى نسبه: «اليامى» .
(2)
فى ط، ن:«وولى» ، والمثبت فى: ص، وتاريخ بغداد.
(3)
فى ص: «وقال» ، والمثبت فى: ط، ن، وتاريخ بغداد.
(4)
ساقط من الأصول، وهو فى تاريخ بغداد.
بالرّىّ، وقاضيها إذ ذاك أحمد بن بديل الكوفىّ، فاحتاج موسى أن يجمع ضيعة هناك، كان له فيها سهام، ويعمّرها، وكان فيها سهم ليتيم، فصرت إلى أحمد بن بديل، أو فاستحضرت أحمد بن بديل، وخاطبته فى أن يبيع علينا حصّة اليتيم، ويأخذ الثّمن، فامتنع، وقال: ما باليتيم حاجة إلى البيع، ولا آمن أن أبيع ماله، وهو مستغن عنه، فيحدث على المال حادثة، فأكون قد ضيّعته عليه.
فقلت: إنا نعطيك من ثمن حصّته ضعف قيمتها.
قال: ما هذا لى بعذر فى البيع، والصّورة فى المال إذا كثر مثلها إذا قلّ
(1)
.
قال: فأدرته بكلّ لون، وهو يتمنع، فأضجرنى، فقلت: أيّها القاضى، لا تفعل فإنّه موسى بن بغا.
فقال لى: أعزّك الله، إنّه الله تبارك وتعالى.
قال: فاستحييت من الله أن أعاوده بعد ذلك، وفارقته.
فدخلت على موسى، فقال: ما عملت فى الضّيعة؟
فقصصت عليه الحديث، فلما سمع أنه الله تبارك وتعالى بكى، وما زال يكرّرها، ثم قال:
لا تعرض لهذه الضّيعة، وانظر فى أمر هذا الشيخ الصّالح، فإن كانت له حاجة فاقضها.
قال: فأحضرته، وقلت له: إن الأمير قد أعفاك من أمر الضّيعة، وذاك أنّى شرحت له ما جرى بيننا، وهو يعرض عليك حوائجك.
قال: فدعا له، وقال: هذا الفعل أحفظ لنعمته، ومالى حاجة إلا إدرار رزقى؛ فإنّه تأخّر منذ شهور، وأضرّنى ذلك.
قال: فأطلقت له جاريه.
وروى الخطيب بسنده، عن أحمد بن بديل، قال: بعث إلىّ المعتزّ رسولا بعد رسول، فلبست كمّى، ولبست نعل طاق، وأتيت بابه، فقال الحاجب: يا شيخ، نعليك.
(1)
أى يستوى الأمران فى أنه لا يحق له البيع، قل الثمن أو كثر.
فلم ألتفت إليه، ودخلت الباب الثانى، فقال الحاجب: نعليك.
فلم ألتفت إليه، فدخلت إلى الثالث، فقال: يا شيخ، نعليك.
فقلت: أبالواد المقدّس، فأنا أخلع نعلىّ.
فدخلت بنعلىّ، فرفع مجلسى، وجلست على مصلاّه، فقال: أتعبناك أبا جعفر.
فقلت: أتعبتنى، وأذعرتنى، فكيف بك إذا سئلت عنّي!
فقال: ما أردنا إلا الخير، أردنا نسمع العلم.
فقلت: وتسمع العلم أيضا، ألا جئتنى، فإن العلم يؤتى ولا يأتى.
قال: فأخذ الكاتب القرطاس، والدّواة، فقلت له: أتكتب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قرطاس بمداد!
قال: فبم نكتب؟.
قلت: فى رقّ.
فجاءوا برقّ وحبر، وأخذ الكاتب يريد أن يكتب، فقلت: اكتب بخطّك.
فأوما إليه أن لا تكتب، فأمليت عليه حديثين أسخن الله بهما عينيه. فسأله ابن البنّا أو ابن النّعمان: أىّ الحديثين؟
فقال: قلت/: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من استرعى رعيّة فلم يحطها بالنّصيحة حرّم الله عليه الجنّة» ، والثانى:«ما من أمير عشرة إلاّ يؤتى به يوم القيامة مغلولا» . انتهى.
وكانت وفاته سنة ثمان وخمسين ومائتين. رحمه الله تعالى.
***
165 - أحمد بن البرهان
(*)
ذكره فى «الجواهر» ، وقال: هكذا هو معروف بهذه النّسبة.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 87.
الإمام شهاب الدّين المقرى.
له مشاركة فى فنون.
مات بحلب، سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، فى ثامن عشر رجب الفرد. رحمه الله تعالى.
***
166 - أحمد بن بكر بن سيف، أبو بكر، الجصّينىّ
(*)
بفتح الجيم وكسر الصّاد المهملة المشدّدة وسكون الياء آخر الحروف وفى آخرها النون، هذه النّسبة إلى جصين، وهى محلّة بمرو، اندرست، وصارت مقبرة، ودفن بها الصّحابة،
(1)
يقال لها تنّور كران
(2)
. هكذا ذكره السّمعانىّ
(1)
، وذكر الحازمىّ عن أبى نعيم الحافظ، أنه كان يقول: بكسر الجيم.
قال السّمعانىّ: وأحمد هذا ثقة، يروى عن أبى وهب، عن زفر بن الهذيل، عن أبى حنيفة، كتاب «الآثار» .
وروى عن غيره فأكثر.
ترجمه فى «الجواهر» ، ولم يذكر له وفاة، ولا مولدا، والله أعلم.
***
167 - أحمد بن جعفر بن أحمد
ابن مدرك، أبو عمر البكرآباذيّ،
المعروف بالكوسج
(**)
من أهل جرجان.
(*) ترجمته فى: الأنساب 130 ظ، الجواهر المضية، برقم 90، اللباب 1/ 239، معجم البلدان 2/ 84.
(1 - 1) ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
(2)
فى النسخ: «بنود كران» ، والصواب فى: الجواهر المضية.
قال ياقوت: «يقال لها: تنور كران. أى صناع التنانير» .
(**) ترجمته فى: تاريخ جرجان 62، الجواهر المضية، برقم 91. والكوسج: الذى لا شعر على عارضيه.
سمع من أبى الحسن
(1)
أحمد بن محمد بن عمر الجرجانىّ، وغيره.
وروى عنه الحافظ أبو القاسم حمزة بن يوسف السّهمىّ، وذكره فى «تاريخ جرجان» .
توفّى سنة أربع وسبعين وثلاثمائة، رحمه الله تعالى.
***
168 - أحمد بن حاجّ، أبو عبد الله،
العامرىّ، النّيسابورىّ، الفقيه
(*)
صاحب محمد بن الحسن، تفقّه عليه.
وكان جليلا، سمع ابن المبارك، وسفيان بن عيينة.
وروى عنه أبو عبد الله أحمد بن حرب، وأحمد بن نصر اللبّاد، شيخ الحنفيّة بنيسابور.
ذكره الحاكم فى «تاريخها» ، وقال: قرأت بخطّ أبى عمرو المستملى وفاته سنة سبع وثلاثين ومائتين. رحمه الله تعالى.
***
169 - أحمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن
ابن أنوشروان،
الرّازىّ الأصل، ثم الرّومىّ، أبو المفاخر
(**)
قاضى القضاة جلال الدّين، ابن قاضى القضاة حسام الدّين، ابن تاج الدين.
مولده سنة إحدى وخمسين وستمائة، بمدينة أنكوريّة
(2)
، من بلاد الرّوم.
(1)
فى تاريخ جرجان: «أبى الحسين» .
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 92.
وفى ص: «أحمد بن حاجى» ، والمثبت فى: ط، ن.
وحاجى: لغة العجم فى النسبة إلى من حج، يقولون إلى من حج إلى بيت الله الحرام: حاجّى. طبقات الشافعية الكبرى 4/ 299.
(**) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 93، الدرر الكامنة 127،1/ 126، السلوك 3/ 674/2، الفوائد البهية 16 - 18، كتائب أعلام الأخيار، برقم 613، المنهل الصافى 1/ 249 - 251.
(2)
وأنكورية هى أنقرة. انظر معجم البلدان 391،1/ 390.
تفقّه على والده، وغيره، وقرأ التفسير والنحو على يزيد بن أيّوب الحنفىّ، وقرأ النحو أيضا على صدر الدين، تلميذ أبى البقاء العكبرىّ، وعلى قاضى سيواس، تلميذ ابن الحاجب فى النّحو والتّصريف، وقرأ «الجامع الكبير» ، و «الزيادات» للعتّابىّ، على الشيخ شمس الدين الماردانىّ، وقرأ الخلاف على العلاّمة برهان الدّين الحنفىّ، بدمشق، والفرائض على أبى العلاء البخارىّ
(1)
.
وكان قد ولى القضاء بخرت برت
(2)
، وعمره سبع عشرة سنة.
قال القطب فى «تاريخ مصر» : اشتغل كثيرا، وكان جامعا للفضائل، ويحبّ
(3)
أهل العلم، مع السّخاء، وحسن العشرة.
قال البرزاليّ: ولى قضاء الشام، وناب عن والده قبل ذلك، ودرّس بالخاتونيّة
(4)
، والقصّاعيّة
(5)
.
وكانت له عناية ب «جامع الأصول» ألقاه درسا، ويحفظ منه كثيرا.
وكان محبوبا إلى الناس/، كثير الصّدقة، جوادا، متّع بحواسّه، إلا السّمع، وكتب الخطّ المنسوب، على الولىّ الذى كان ببلاد الرّوم.
ومات سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وكان قد انحنى من الكبر، وإذا مرض يقول:
أخبرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنام، أنّى أعمّر. فكان كذلك، فإنه أكمل التّسعين وزاد.
وكان سمع الحديث من الفخر ابن البخارىّ، وكان يحفظ فى كلّ يوم من أيّام الدّروس ثلاثمائة سطر.
(1)
انظر لتحرير أسماء أساتذته السابقين حاشيتى على الجواهر المضية 1/ 155.
(2)
فى ص: «بخيرت» ، والصواب فى: ط، ن، والدرر الكامنة، والجواهر المضية.
وخرتبرت: اسم أرمنى، وهو الحصن المعروف بحصن زياد، فى أقصى ديار بكر، من بلاد الروم، بينه وبين ملطية مسيرة يومين، وبينهما الفرات. معجم البلدان 2/ 417.
(3)
فى الدرر الكامنة: «ومحبة» .
(4)
تقدم التعريف بها، فى الترجمة رقم 56.
(5)
المدرسة القصاعية، بحارة القصاعين، بدمشق. الدارس 1/ 565، وقد جاءت فى الأصول هكذا «القصاعين» ، وتأتى أيضا كذلك فى ترجمة رقم 248.
وقال الشهاب ابن فضل الله: كان كبير المروءة، حسن المعاشرة، سخىّ النّفس، فوق السّبعين سنة يدرّس بدمشق، وغالب رؤساء مذهبه من الحكّام، والمدرّسين، كانوا طلبة عنده، وقلّ منهم من أفتى ودرّس، بغير خطّه.
وقال ابن حبيب فى حقّه: إمام مذهبه، عارف بنقد فضّته وذهبه، حسن التّلطّف، كثير التعفّف، ذو نفس زكيّة، وسيرة مرضيّة، وأخلاق كريمة، ومناقب وجوهها وسيمة، معروف بالمكارم، موصوف بالهمم والعزائم.
باشر بدمشق تدريس عدّة مدارس، وزيّن بنجوم علومه مذولى القضاء بها آفاق المجالس، واستمرّ معدودا من الأكابر والأعيان، إلى أن فرّق الموت بينه وبين الأهل والأوطان. انتهى.
وذكر صاحب آكام المرجان
(1)
، عن الشّهاب ابن فضل الله العمرىّ، عنه، حكاية غريبة، لا بأس بذكرها هنا، قال: سفرنى أبى إلى الشّرق لإحضار اهله إلى
(2)
الشام، فألجأنا المطر حتى نمنا فى مغارة، فبينا أنا نائم إذا شئ يوقظنى، فانتبهت، فإذا امرة لها عين واحدة مشقوقة، فارتعت، فقالت: لا تخف، إنّي رغبت أن أزوّجك ابنة لى كالقمر.
فقلت: على خيرة الله.
ثم نظرت فإذا برجال فى هيئة قاض وشهود، وكلّهم بصفة المرأة،
(3)
فخطب أحدهم، وعقد، وقبلت، ونهضوا.
وعادت المرأة
(3)
، ومعها جارية حسناء
(4)
فتركتها عندى، وانصرفت، فارتعت، وخفت خوفا شديدا، ولم أقرب تلك الجارية، ورحلنا، وهى معنا.
فلما كان فى اليوم الرابع حضرت تلك المرأة، فقالت: كأنّ هذه الشّابّة ما أعجبتك؟
فقلت: نعم.
(1)
آكام المرجان فى أحكام الجان 70،69، وتصرف التميمى يسيرا فى رواية القصة.
(2)
فى آكام المرجان: «من» .
(3 - 3) ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن، وقريب منه فى آكام المرجان.
(4)
فى آكام المرجان زيادة: «إلا أن عينها مثل عين أمها» .
قالت: فناولنيها.
ففعلت، فأخذتها وانصرفت، فلم أرها بعد ذلك.
***
170 - أحمد بن الحسن بن أحمد
أبو نصر الدّرواحكىّ، الزاهد
(*)
عرف بفخر الإسلام.
أستاذ العقيلىّ
(1)
.
ولم يذكر السّمعانىّ هذه النسبة.
كذا فى «الجواهر» .
***
171 - أحمد بن الحسن بن إسماعيل
ابن يعقوب بن إسماعيل، الشّهاب، العينتابىّ،
ثم القاهرىّ
(**)
والد الشمس محمّد ومحمود المعروف كلّ منهما بالأمشاطىّ.
ممّن اشتغل وفضل، وذكر بالخير.
ورافق ابن حجر فى السّماع على بعض شيوخه فى «المستخرج» وغيره، وأثبت اسمه فى «الطّباق» فشيّخه، ونسبه فى بعضها عجميّا، وفى بعضها كحكاويّا، وفى بعضها عين تابيّا.
مات سنة تسع عشرة وثمانمائة. رحمه الله تعالى.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 94، وفيها:«الدرواجكى» .
وفى ص: «الدرواحلى» والمثبت فى: ط، ن، وأنساب الطبقات السنية.
(1)
فى الجواهر المضية: «المفضلى» .
(**) ترجمته فى: الضوء اللامع 1/ 273.
ذكره السّخاوىّ، فى «الضّوء اللاّمع» .
***
172 - أحمد بن حسن بن أبى بكر
ابن حسن الرّهاوىّ، ثم المصرىّ
(*)
الملقّب بطبيق
(1)
.
سمع من الحسن الكردىّ «المائة الشّريحيّة» ومن الوانىّ
(2)
، والدّبوسىّ والختنىّ، وابن قريش، وغيرهم، وأكثر من السّماع، وحدّث.
وسمع منه الإمام جمال الدّين ابن ظهيرة، وغيره.
وناب فى الحكم بالقاهرة،/وولى الحسبة.
ووقع من سلّم، فمات، فى ذى القعدة، سنة ستّ وسبعين وسبعمائة. رحمه الله تعالى.
***
173 - أحمد بن الحسن بن أنوشروان،
الرّازىّ
(**)
قاضى القضاة، أبو المفاخر، تاج الدّين.
والد قاضى القضاة حسام الدّين بن أبى الفضائل الحسن بن أحمد، الآتى ذكره فى محلّه إن شاء الله تعالى.
***
(*) ترجمته فى: الدرر الكامنة 128،1/ 127.
(1)
طبيق: تصغير طبق، وبزنة فعيل: الساعة من الليل، ومليا، ومطابق الشئ. القاموس (ط ب ق).
وانظر الدرر الكامنة 1/ 127، وحاشيتها.
(2)
فى الدرر بعد هذا زيادة: «أحاديث منصور» .
(**) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 95.
وانظر هذه الترجمة مع ما تقدم برقم 169.
174 - أحمد بن الحسن
المعروف بابن الزّركشى، شهاب الدّين
(*)
كان رجلا فاضلا، درّس بالحساميّة
(1)
، وأعاد.
ووضع «شرحا» على «الهداية» ، وانتخب «شرح الصّغناقىّ» ، وله مشاركة فى علوم.
مات فى ثامن عشرى رجب، سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة.
قال فى «الجواهر» : ورأيت بخطّى ثانى جمادى الأولى
(2)
، سنة سبع وثلاثين.
وقال ابن الشّحنة، بعد نقله كلام صاحب «الجواهر» هذا: قلت، قوله «ووضع شرحا على الهداية، وانتخب شرح الصّغناقىّ» . يشعر بأنهما كتابان، وقد اعتبرت ما وقفت
(3)
عليه من شرحه، فوجدته يختصر كلام السّروجىّ، من غير زيادة عليه، ولم أر فيما وقفت عليه من كلامه شيئا من بحوث الصّغناقىّ، ولا حكاية لشئ من كلامه. انتهى.
***
175 - أحمد بن الحسن الزاهد
(**)
عرف بدرواحة
(4)
.
أحد رواة «الأمالى» ، من أقران البرهان.
(*) ترجمته فى: تاج التراجم 12، الجواهر المضية برقم 97، الفوائد البهية 16، كتائب أعلام الأخيار، برقم 684، كشف الظنون 2/ 2037، مفتاح السعادة 2/ 266، المنهل الصافى 1/ 265.
(1)
فى المنهل الصافى: «الخشابية» ، والمثبت فى: الأصول، وتاج التراجم، والجواهر والفوائد.
وقال المقريزى: إن هذه المدرسة بخط المسطاح تجاه سوق الرقيق، ويسلك منها إلى درب العداس، وإلى حارة الوزيرية من القاهرة، بناها الأمير حسام الدين طرنطاى المنصورى نائب السلطنة بمصر، إلى جانب داره، وجعلها برسم الفقهاء الشافعية. خطط المقريزى 2/ 386.
وقد حل محلها الآن جامع أبى الفضل، بعطفة الصاوى، من درب سعادة بالقاهرة. انظر تحقيقا علميا ممتعا عنها فى حاشية النجوم الزاهرة 10/ 145.
(2)
تكملة من الجواهر المضية.
(3)
فى ط: «وقعت» ، والمثبت فى: ص، ن.
(**) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 96.
(4)
فى ط ضبط «درواخة» بفتح الدال والراء، ضبط قلم، وفى الجواهر:«درواجة» ، وفى الألقاب منها:«درواخة» .
ذكره فى «الجواهر» .
***
176 - أحمد بن الحسن بن سلامة
ابن ساعد المنبجىّ الأصل،
البغدادىّ المولد، أبو العبّاس
(*)
قرأ الفقه على أبيه الحسن، ودرّس مكانه بعد وفاته بالمدرسة الموفّقيّة على شاطئ دجلة.
وسمع أبا القاسم على بن أحمد
(1)
الكاتب، وحدّث عنه بكتاب «المغازى» لمحمّد بن مسلم الزّهرىّ.
سمع منه القاضى أبو المحاسن عمر بن علىّ القرشىّ.
وكان مولده سنة اثنتين وخمسمائة.
وتوفّى يوم الأربعاء، لثمان عشرة خلت من شعبان، سنة أربع وثمانين وخمسمائة. رحمه الله تعالى.
***
177 - أحمد بن حسن بن عبد المحسن الرّومىّ
(**)
المدرّس بإحدى المدارس السّليمانيّة.
كان والده قاضيا بالعسكر المنصور، بولاية أناطولى.
وكان من عتقاء الوزير الأعظم رستم باشا، وقد جرى الاصطلاح عند الكتّاب أن من جرى عليه الرّقّ، وكان مسلما، يكتبون فى تعريفه فلانا ابن عبد الله، وكان والد صاحب
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 98، المختصر المحتاج إليه 1/ 178، الوافى بالوفيات 6/ 320.
(1)
فى الوافى بعد هذا زيادة: «بن بنان» .
(**) هذه الترجمة ساقطة من: ص، وهى فى: ط، ن.
والمترجم من معاصرى المؤلف، تجدد ترجمته فى: الكواكب السائرة 117،3/ 116، وذكر أنه توفى فى سنة خمس وتسعين وتسعمائة، ودفن شمالى تربة نور الدين الشهيد داخل دمشق.
الترجمة يكتب حسن بن عبد المحسن، وهو بمعنى المصطلح عليه مع زيادة الإحسان، وعدّ ذلك من حسن ذوقه.
وكان قد ولى قبل قضاء العسكر، وقضاء الشام مرّتين، وقضاء مصر، وقضاء مكة، وقضاء قسطنطينيّة، وحاز، من الجاه والتقدّم والمروءة والكرم، ما فاق بسببه أبناء جنسه، وكان فيه يومه أحسن من أمسه، وقد مدحه شعراء الدّيار الشاميّة، والمصريّة، والرّوميّة، بقصائد طنّانة، وبالغوا فى مدحه وشكره؛ فإنه كان-رحمه الله تعالى-ملجأ لكل قاصد، ومقصدا لكلّ وارد.
ولد صاحب الترجمة فى حدود الستّين من المائة العاشرة.
واشتغل/من صغره، ودأب، وحصّل.
وأخذ الفقه وغيره، عن الإمام العلاّمة بقيّة السّلف، وبركة الخلف أبى السّعود العمادىّ، مفتى الدّيار الرّوميّة، وكان معيدا عنده بمدرسة السلطان بايزيد خان، عليه الرّحمة والرّضوان.
وأخذ عن الفاضل العلاّمة قاضى العساكر المنصورة بولاية أناطولى محمد بن عبد الكريم.
وأجاز له حين دخل مع والده الديار الشّاميّة والمصرية، جماعة من العلماء الأجلّة، منهم:
الإمام العلاّمة محمّد البرهمتوشيّ الحنفىّ، والشيخ الإمام المحدّث شمس الدّين العلقمىّ الشافعىّ، والشيخ البارع بقيّة الأفاضل، ومجمع الفضائل، ناصر الدّين الطّبلاوىّ، والإمام الجامع بين علمى الشّريعة والحقيقة، الولىّ العابد الزاهد العالم الرّبّانىّ الشيخ عبد الوهّاب الشّعراوىّ الشافعىّ، والشيخ العلاّمة أمين الدّين بن عبد العال الحنفىّ، مفتى الدّيار المصريّة، وحافظ العصر ومحدّث الدّيار المصريّة الإمام الجليل البارع الشيخ نجم الدّين الغيطىّ، والإمام الكبير المحدّث الحافظ المفنّن المتقن مفتى الدّيار الشاميّة الشيخ بدر الدّين ابن الشيخ رضىّ الدّين الغزّىّ العامرىّ الشافعىّ، رحمه الله تعالى، وغيرهم.
وهو الآن مكبّ على المطالعة، والمراجعة، والإشغال والاشتغال، وله الذّهن الوقّاد، والفكر النّقّاد، وعنده من الكتب النّفيسة ما لا يتيسّر لغيره جمعه فى العمر الطّويل، ولا بالمال الجزيل، هذا مع ما حواه من حسن الخلق والخلق، وكرم النّفس، وطرح التكلّف، وغير ذلك
من الأوصاف الجميلة، وأحسن معلوماته العلوم العربيّة، وهو من المكثرين لحفظ اللغة العربيّة، والاطّلاع على الكتب الأدبيّة.
وله شعر رقيق، ولكنه قليل، منه ما أنشدنا إيّاه ارتجالا، ونحن بحضرته، وهناك مسمع حسن النغمة، قبيح الصّورة، وهو:
يا لقومى من مغنّ
…
لحنه للوجد معرب
وجهه وجه قبيح
…
فهو فى الحالين مطرب
ومنه قوله، وقد ذكر عنده أنّ أناسا وجّه لهم بعض المناصب العليّة، وأنّ التّوجيه كان لهم ببذلهم لا بفضلهم، فأنكر ذلك، وقال مرتجلا بيتا مفردا، وهو:
يقولون بالفضل المناصب أعطيت
…
فقلت نعم لكن بفضل الدّراهم
وقد مدحه كثير من شعراء عصره، وأطنبوا فى مدحه وشكره، ومنهم بل من أجلّهم، الشيخ الفاضل العلاّمة عماد الدّين بن عماد الدّين الدّمشقىّ الحنفىّ، مدحه مكاتبة بقصيدة، قالها فى ليلة واحدة، وأرسلها إلى حضرته الشريفة، فى سنة ثمانين وتسعمائة، وهى هذه:
هل لصبّ قد هام فيك غراما
…
رشفة من لماك تشفى السّقاما
يا هلالا تحت اللّثام وبدرا
…
كاملا عند ما يميط اللثاما
وغزالا منه الغزالة غابت
…
عند ما لاح خجلة واحتشاما
/وبأوراقها الغصون توارت
…
منه لمّا انثنى وهزّ قواما
لك يا فاتر اللواحظ طرف
…
فتكه فى القلوب فاق الحساما
ذابل وهو فى الفؤاد رشيق
…
ناعس أحرم الجفون المناما
ومحبّا سبى بنمل عذار
…
زمر الحبّ عند ما خطّ لاما
عجبا من بقاء خالك فى الخدّ
…
ونيرانه تؤجّ ضراما
ومن الفرع وهو فوق جبين
…
مخجل الشّمس كيف مدّ ظلاما
يا بديع الجمال يا مالك الحس
…
ن ترفّق بمن غدا مستهاما
عبد رقّ ما حال عنك لواش
…
نمّق الزّور فى هواك ولاما
كم بكى طرفه إليك اشتياقا
…
وقضى بالبكاء عاما فعاما
شاع فى الناس حبّه لك لمّا
…
باح وجدا وحرقة وهياما
مثل ما شاع أن أحمد مولا
…
نا بديع الزمان أضحى الإماما
واحد صحّ فيه جمع المعانى
…
مفرد قد حوى الكمال تماما
وبه للعلوم شأو رفيع
…
شامخ المجد للسماء تسامى
وهو فى حلبة السّباق مجلّ
…
ومحلّ لكلّ أمر تعامى
(1)
كم جلا مشكلا وحلّ عويصا
…
وكفى معضلا وأطفى أواما
يا بديع البيان منطقك العذ
…
ب المعانى فاق العقود نظاما
(2)
وإذا ما نثرت درّا تمنّت
…
زهر الأفق أن تكون كلاما
حزت مجدا وسؤددا وعفافا
…
وافتخارا ورفعة ومقاما
ألفت كفّك المكارم حتى
…
فقت كلّ الورى وفقت الكراما
فقت معنا بذلا وسحبان نطقا
…
وحبيبا شعرا وسدت عصاما
وأخذت العلوم عن خير أصل
…
لسماك السّما غدا يتسامى
(3)
قد حوى المجد والكمال جميعا
…
وامتطى غارب العلى والسّناما
وهو أعلى الورى مقاما وأوفا
…
هم عطاء جمّا وأرعى ذماما
يا رفيع الجناب يا حسن الوص
…
ف ويا من فاق الورى إعظاما
عش قريرا بفرعك الشّامخ الأص
…
ل ولازم شكر الإله دواما
واقبلن بنت ليلة منك جاءت
…
تتمنّى قبولها إنعاما
وأتت تلثم التراب وتهدى
…
لك منّى تحيّة وسلاما
فتجاوز عنها بحلمك واسلم
…
ما شدا بلبل وفاح خزامى
وقد مدحه العبد الفقير إلى الله تعالى، جامع هذه «الطبقات» ، بقصيدة تائيّة، عندى أنها من الشّعر الجيّد أو المقبول، وإن لم تكن عند الغير كذلك؛ فقد شرفت بمن قيلت فيه، ونظمت لأجله، كما قلت فى هذا المعنى:
والشعر قد يرزق سعدا بمن
…
قد قاله أو قيل فى حقّه
(1)
كذا فى الأصول: «ومحل لكل أمر تعامى» .
(2)
فى ط، ن:«يا بديع الجمال» ، والمثبت فى هامش ط.
(3)
السماك: أحد نجمين نيرين، يقال لأحدهما الأعزل، وللآخر الرامح. القاموس (س م ك).
وهى هذه:
لى فى الغرام بمن أهوى صبابات
…
لها نهايات من يهوى بدايات
وكلّ صبّ له فى الحبّ مرتبة
…
لى فوقها رتب فيه عليّات
بقدر من عاشق العشّاق منزلهم
…
وفى الجمال لمن أهوى مزيّات
وكلّ من شغلته الغانيات عن ال
…
أغنّ أشغاله عندى بطالات
حبّ المقرطق لا حبّ المقنّع لى
…
بالرّوح فيه وبالدّنيا مغالاة
(1)
ظبى من التّرك إلاّ أنّ أعينه
…
مهنّدات لها بالرّوح فتكات
من الخطا ما خطا إلاّ وداخله
…
بالقدّ عجب وللأغصان شمخات
ما اهتزّ إلاّ وبزّ الناس أنفسهم
…
وهكذا شأنهنّ السّمهريّات
حذار يا قلب من ألحاظه فلها
…
سهام حتف لها بالقلب رشقات
ولا يغرّك ما يخطى وكن يقظا
…
ففى سهام الخطا تلفى إصابات
عذاره حجّة بالعذر قائمة
…
بها لقاضى قضاة الحسن إثبات
مسك على طرس كافور به كتبت
…
يد البديع وللبارى احتكامات
أو جنّة الحسن حول الخدّ قد نبتت
…
والخدّ نار وما للنار إنبات
لله ما قد رأت عيناى من عجب
…
نار بها نبتت للآس جنّات
كأنّ أصداغه للهائمين بها
…
سود العقارب أو للعطف واوات
والبدر طلعته والليل طرّته
…
إذ كان للوصل فى أخراه ميقات
وقبله ما رأت عينى ولا سمعت
…
أذنى بليل بهيم فيه قمرات
كأنما خاله تحت العذار فتى
…
قد زمّلته ثياب سندسيّات
أو بلبل برياض الخدّ مستتر
…
من خارج اللّحظ أخفته المخافات
أو سارق فى ظلام الليل أمّ إلى
…
كنوز ثغر بها تلفى السّعادات
أو راهب يقرأ الإنجيل من صحف
…
ما فى الحواشى بها للخطّ غلطات
سلطان حسن أعزّ الناس دان له
…
إلاّ الرّوادف فهى الخارجيّات
على القلوب خفيفات على ثقل
…
فيهنّ فهى الخفيفات الثقيلات
لله أوقاتنا اللاّتى مررن وفى
…
حال الحقيقة يا هذا حلاوات
(1)
المقرطق: لابس القرطق، وهو لباس. ويريد هنا غزله بالغلمان، لا بالجوارى.
نضمّ فيهنّ أغصان القدود كما
…
ضمّت حنوّا على الطفل الحنونات
ونحتسى من سلاف الثّغر ما عجزت
…
عنه العجوز وهاتيك المدامات
تمضى الليالى ولا ندرى لها عددا
…
كأنّ أعوامنا بالوصل ساعات
حتى رمانى زمانى عن حنيّته
…
سهام هجر وما عندى مجنّات
وصار روحى وروح الحبّ فى جسد
…
ودون نيل المنى منه مسافات
والهف قلبى على ما فات من فرص الزّ
…
مان إذ فرص الدّهر اختلاسات
/أخّرتها وهى لذّات بها سمح الدّ
…
هر البخيل وللتّأخير آفات
(1)
يا نازلين الحشا فى صدّكم عجب
…
وللشّمائل باللّطف اشتمالات
علىّ قاضى الهوى أن الفؤاد لكم
…
قضى وما قضيت منك لبانات
بالله يا من يطيل اللوم فى قمر
…
أقصر عناك فما تجدى الملامات
تالله لو نظرت عيناك لا نظرت
…
جماله كان لى منك المعونات
للناس أكنى بسلمى والرّباب عسى
…
تلهى عذولى عن الحبّ الكنايات
لأنّنى بالهوى من لا يبوح وإن
…
جرى له من مآقى العين باحات
وما الخطا بمرادى فى النّسيب ولا
…
تغزّلى بالظّبا إلاّ الإشارات
فيمن هويت صفات الحسن أجمعها
…
كأحمد جمّعت فيه الكمالات
من مهده جاء مهديّا له أدب
…
فاق البرايا وأخلاق جميلات
بحر وما البحر إلاّ دون أنمله
…
غيث وما الغيث إلاّ منه قطرات
وما تقدّمه فى الفضل ذو أدب
…
إلاّ زمانا وإن فاتوا فما فاتوا
كأنما هو شمس فى مكارمه
…
ومكرمات الألى كانوا ذبالات
فى كلّ علم له باع يطول وما
…
لمدّعى علمه إلاّ الجهالات
يراعه بالمعانى والبيان له
…
على البديع وأهليه مقامات
حديثه حسن ألفاظه درر
…
مسلسلات صحاح جوهريّات
سنّ الإباحات فى أمواله فله
…
يد تقول خذوا لم تدر ما هاتوا
(1)
فى ن: «وهى فرص سمح الدهر» ، والمثبت فى: ط.
بنحو تصريفه نحو الصّواب له
…
من علّة النّقص أفعال سليمات
أبكار أفكاره الأقمار ساطعة
…
عنها بصائر من يدرى حسيرات
محاسن مالها فى العصر ذو شبه
…
كأنها فى خدود الحسن شامات
(1)
يمنى عرابة عن يسراه قاصرة
…
إذا تبدّى لعزّ المجد رايات
(2)
به منار الهدى والدّين ذو شرف
…
كالنّجم لاحت لنا منه الهدايات
من بعد ما درست آثاره وعفت
…
رسومه وأبادته الضّلالات
وردّ شمس العلى من بعد ما غربت
…
فما ليوشع فى هذا اختصاصات
بالله أقسم والبيت العتيق ومن
…
سعى ولبّى وطابت منه نيّات
لو كان من آدم لليوم كلّ فتى
…
إلى قريش له تلفى انتسابات
ولازم المدح فى أوصافه عجزت
…
عن حصر أوصافه الغرّ العبارات
خذها إليك عروسا ما رأيت لها
…
كفؤا سواك ومن فيه المكافاة
فى حلّة من بديع الحسن رافلة
…
لها بأوج العلى فى التّية خطرات
تزهى على البدر إعجابا بمطلعها
…
فإنّ مطلعها فيه النّهايات
فلو رأى حسنها حسّان قبّح ما
…
أتى به حيث خانته السّجيّات
أو عامر مرّة فى العمر ما عمرت
…
فى حبّ ليلى لهم بالشّعر أبيات
/لها نظام به النّظّام بان له
…
عن سنّة الحسن فى النّظم اعتزالات
إلى ابن أوس تميم ينتهى نسبا
…
لها على البدر فى التّمّ الكمالات
صداقها صدق ودّ لا يزول وهل
…
ترجى سوى عند مولانا المودّات
وأن يؤهّلنى عبدا لخدمته
…
فإنّ أعبده للناس سادات
من أحمد الناس ترجو العفو إن خطرت
…
من غير عمد وقاها الله زلاّت
لا زال بالعفو موصوفا لكلّ فتى
…
أيّامه فى فم الدّهر ابتسامات
***
(1)
سقط هذا البيت من: ن، وهو فى: ط.
(2)
يشير إلى قول الشماخ:
إذا ما راية رفعت لمجد
…
تلقّاها عرابة باليمين
178 - أحمد بن حسن بن محمد
ابن أحمد، أبو العبّاس،
الحامدىّ، الدّامغانىّ، القاضى
(*)
سمع من أبى الحسين بن سمعون
(1)
، وأبى إسحاق بن يزداد.
ذكره عبد الغافر، فى «تاريخ نيسابور» فقال: شيخ من أصحاب أبى حنيفة، ولى قضاء دامغان فأحسن سيرته، وسمع بالعراق، وخراسان.
قاله فى «الجواهر» .
***
179 - أحمد بن الحسن بن محمد
ابن عبد العزيز بن محمد بن الفرات، الموقّع
(**)
ولد سنة ثلاث وثمانين وستّمائة.
وسمع من الدّمياطىّ، والصّفىّ والرّضىّ الطّبريّين، فى آخرين.
قال ابن حجر: سمع منه شيخنا الحافظ أبو الفضل، وغيره. وأثنى عليه.
ومات فى عاشر
(2)
ذى القعدة، سنة ست وخمسين وسبعمائة.
قال: وقرأت بخطّ القاضى تقىّ الدّين الزّبيرىّ: وكان
(3)
رأسا فى صناعة التّوقيع، والكتابة، والحساب، وكان يقصد لذلك، ويعتمد عليه.
واستقر ولده مكانه، رحمهما الله تعالى.
***
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 99.
(1)
فى الأصول: «شمعون» ، والصواب فى الجواهر المضية، وانظر المشتبه 400.
(**) ترجمته فى الدرر الكامنة 1/ 131.
(2)
تكملة من الدرر الكامنة.
(3)
لم ترد واو العطف فى الدرر الكامنة.
180 - أحمد بن الحسن بن محمود
ابن منصور، أبو يعلى
(*)
مولده سنة خمس، وقيل: ستّ وخمسين وأربعمائة.
ذكره أبو زكريّا يحيى بن أبى عمرو بن منده، وقال: حسن المعرفة، يرجع إلى ستر وصلاح.
كتب بأصبهان، وخراسان.
وكان من الحفّاظ، عالما بمذهب الكوفيّين. رحمه الله تعالى.
***
181 - أحمد بن حسن شاه، الشهاب،
أبو الفضل، القاهرىّ، المعروف بابن حسن
(**)
اشتغل بعد بلوغه، وحفظ كتبا، وبرع فى فنون، واختصّ بالشّمنّىّ، والأقصرائىّ.
وتوفّى ثامن عشر رجب، سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة، قبل أن يكتهل
(1)
.
قال السّخاوىّ: ونعم الشابّ فضلا، وديانة، وعقلا، وانجماعا. رحمه الله تعالى.
***
182 - أحمد بن الحسين بن سليمان
ابن فزارة بن عبد الله، قاضى القضاة، شرف الدّين
أبو العبّاس، المعروف بابن الكفرىّ، الدّمشقىّ
(***)
قال الولىّ العراقىّ: تفقّه، وبرع، ودرّس، وأفتى.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، رقم 100.
(**) ترجمته فى: الضوء اللامع 1/ 271.
(1)
فى الضوء اللامع: «يتكهل»
(***) ترجمته فى: إنباء الغمر 1/ 104، الدرر الكامنة 134،1/ 133، وهو فيه:«أحمد بن الحسين بن سلمان» .
وناب فى الحكم بدمشق، ثم ولى قضاء القضاة بها، ثم تركه لولده قاضى القضاة جمال الدّين.
وأضرّ، وانقطع للعبادة.
وكان قد تلا بالسّبع، وأتقن ذلك
(1)
، وسمع حديث السّلفىّ، وحدّث
(1)
، سمع منه والدى، والهيثم، انتهى.
وكانت وفاته سنة خمس
(2)
وسبعين وسبعمائة، وله خمس وثمانون سنة.
وذكره ابن حجر فى «إنباء الغمر» ، وأثنى عليه.
***
183 - أحمد بن الحسين بن علىّ
ابن بندار بن المطهّر بن سعيد بن إبراهيم بن يوسف
ابن يعقوب، الدّماوندىّ، الباركثىّ، اليوسفىّ
(*)
من أهل دماوند، ناحية بين الرّىّ وطبرستان.
كان فقيها/، عالما فاضلا، زاهدا، ورعا، كثير المحفوظ، متواضعا.
وذكر أنه من ذرّيّة القاضى أبى يوسف، وأن مولده بقرية من قرى دماوند، يقال لها باركث، فى حدود سنة تسعين وأربعمائة، وله بيت مشهور بالعراق.
وسافر إلى بلاد غزنة والهند، وأقام بها مدّة، وصحب الكبار.
ومات بمرو، عصر يوم الثلاثاء، الثالث
(3)
عشر من شهر رمضان، سنة ستّ وخمسين وخمسمائة.
(1 - 1) ساقط من: ص، وهو فى ط، ن.
(2)
فى الدرر الكامنة: «ست» .
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 101، ويقال فى دوماند، التى ينتسب إليها دباوند، ودنباوند، انظر: الأنساب 229 ظ، واللباب 1/ 426، ومعجم البلدان 606،585،2/ 544.
وفى ط، ن:«الباركى» مكان «الباركثث» ، وفى ص:«الباركبنى» .
وباركث: قرية من قرى أشروسنة، ثم حولت إلى سمرقند. الأنساب 59 و، اللباب 1/ 86، معجم البلدان 1/ 464.
(3)
تكملة من الجواهر المضية.
وذكره السّمعانىّ فى جملة شيوخه، وأنشد له
(1)
:
عجبت لمن يمشى خليعا عذاره
…
وقد لاح كالصّبح المنير عذاره
(2)
نثار عذار كان مسكا وعنبرا
…
فقد صار كافور المشيب نثاره
***
184 - أحمد بن الحسين بن على
أبو حامد المروزىّ، ويعرف بابن الطّبرىّ
(*)
وكان أبوه من أهل همذان.
سمع أحمد بن الخضر المروزىّ، وأحمد بن محمد بن عمر المنكدرىّ، ومحمد بن عبد الرحمن الدّغولىّ، وغيرهم.
قال الخطيب: وكان أحد العبّاد المجتهدين، والعلماء المتقنين، حافظا للحديث، بصيرا بالأثر.
ورد بغداد فى حداثته، فتفقّه بها، ودرس على أبى الحسن الكرخىّ مذهب أبى حنيفة.
ثم عاد إلى خراسان فولى بها قضاء القضاة، وصنّف الكتب، وروى.
ثمّ دخل بغداد، وقد علت سنّه، فحدّث بها، وكتب الناس عنه، ووثّقه البرقانىّ.
وعن أبى سعد
(3)
الإدريسىّ أنه قال: أحمد بن الحسين، أبو حامد القاضى المروزىّ، ويعرف بالهمذانىّ.
كان أصله من همذان.
تولّى قضاء بخارى، ونواحيها.
(1)
البيتان أيضا فى الجواهر المضية 1/ 161.
(2)
فى الجواهر: «لمن يمسى» .
(*) ترجمته فى: البداية والنهاية 11/ 305، تاج التراجم 12، تاريخ بغداد 108،4/ 107، الجواهر المضية، برقم 102، الفوائد البهية 18، الكامل،9/ 51، كتائب أعلام الأخيار، برقم 181، المنتظم 7/ 137، الوافى بالوفيات 6/ 347.
(3)
فى الأصول: «أبى سعيد» ، وهو خطأ. انظر العبر 3/ 90، اللباب 1/ 29، والجواهر 1/ 66.
وكان من الفقهاء الكبار لأهل الرّأى.
كتب الحديث الكثير، وخرّج، وصنّف «التاريخ» .
وكان متقنا، ثبتا فى الحديث والرّواية.
سكن بخارى، ومات بها، سنة سبع وسبعين وثلاثمائة.
وقيل: مات بمرو، يوم الأربعاء، التاسع من صفر، فى السنة المذكورة، رحمه الله تعالى.
(1)
وورّخه الحاكم، فى سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة
(1)
.
***
185 - أحمد بن الحسين
أبو سعيد البردعىّ
(*)
قال الخطيب: أحد الفقهاء على مذهب أبى حنيفة.
ورد بغداد حاجّا.
قال: فحدّثنى القاضى أبو عبد الله الصّيمرىّ، قال: أخذ أبو سعيد أحمد بن الحسين البردعىّ العلم عن أبى على الدّقّاق، عن
(2)
موسى بن نصر.
وأخذ عنه أبو الحسن الكرخىّ، وأبو طاهر الدّبّاس، وأبو عمرو الطّبرىّ، وأضرابهم.
(1 - 1) ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
(*) ترجمته فى: تاريخ بغداد 100،4/ 99، الجواهر المضية، برقم 103، العبر 2/ 168، طبقات الفقهاء للشيرازى 141، العقد الثمين 34،3/ 33، الفهرست 293، الفوائد البهية 19 - 21، كتائب أعلام الأخيار، برقم 143، النجوم الزاهرة 3/ 226.
والبردعى، نسبة إلى بردعة، وهى بلدة من أقصى بلاد أذربيجان. اللباب 110،1/ 109.
(2)
فى: ط، ن، وتاريخ بغداد:«وعن» ، والمثبت فى: ص.
وانظر تحرير هذا النص فى حاشيتى على الجواهر المضية 1/ 164.
*وكان قدم بغداد حاجّا، فدخل الجامع، ووقف على داود صاحب الظاهر، وهو يكلّم رجلا من أصحاب أبى حنيفة، وقد ضعف فى يده الحنفىّ، فجلس، فسأله عن بيع أمّهات الأولاد، فقال: يجوز.
فقال له: لم قلت؟
قال: لأنّا أجمعنا على جواز بيعهنّ قبل العلوق، فلا نزول عن هذا الإجماع إلاّ بإجماع مثله.
فقال له: أجمعنا بعد العلوق قبل وضع الحمل على أنه لا يجوز بيعها، فيجب أن نتمسّك بهذا الإجماع، ولا نزول عنه إلاّ بإجماع مثله.
فانقطع داود، وقال: ننظر فى هذا.
قال: فعزم أبو سعيد على القعود ببغداد، والتّدريس بها، لما رأى من غلبة أصحاب الظاهر، فلما كان بعد مديدة رأى فى المنام، كأنّ قائلا يقول:{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ 1} فانتبه بدقّ /الباب، وإذا قائل يقول له: قد مات داود بن علىّ صاحب المذهب، فإن أردت أن تصلّى عليه فاحضر.
وأقام أبو سعيد ببغداد سنين كثيرة يدرّس، ثمّ خرج إلى الحجّ فقتل فى وقعة القرامطة مع الحجّاج، سنة سبع عشرة وثلاثمائة. رحمه الله تعالى.
***
186 - أحمد بن حفص
المعروف بأبى حفص الكبير
(*)
الإمام المشهور
(2)
، والعلم المنشور، الذى طنّت حصاته فى الآفاق، وشاع ذكره بين أهل الخلاف والاتّفاق
(2)
.
(1)
سورة الرعد 17.
(*) ترجمته فى: تاج التراجم 6، الجواهر المضية، برقم 104، الفوائد البهية 19،18، كتائب أعلام الأخيار، برقم 98.
(2 - 2) ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
أخذ العلم عن محمّد بن الحسن، وله أصحاب لا يحصون.
*قال شمس الأئمّة: قدم محمّد بن إسماعيل البخارىّ بخارى، فى زمن أبى حفص الكبير، وجعل يفتى فيها، فنهاه أبو حفص، وقال: لست بأهل لها. فلم ينته، حتّى سئل عن صبيّين شربا من لبن شاة أو بقرة، فأفتى بثبوت الحرمة. فاجتمع الناس، وأخرجوه.
والمذهب أنّه لا رضاع بينهما؛ لأن الرّضاع يعتبر بالنّسب، وكما لا يتحقّق النّسب بين بنى آدم والبهائم، فكذلك لا تثبت حرمة الرّضاع بشرب لبن البهائم.
نقله صاحب «الجواهر»
(1)
.
*وكان أبو حفص هذا يقول: لو أنّ رجلا عبد الله خمسين سنة، ثم أهدى لرجل مشرك بصلة
(2)
يوم النّيروز، يريد به تعظيم ذلك اليوم، فقد كفر، وحبط عمله
(3)
.
***
187 -
أحمد بن حمزة
(*)
المشهور بعرب چلبى
قرأ على المولى موسى چلبى بن أفضل زاده، وغيره من علماء الدّيار الرّوميّة، ثمّ رحل إلى القاهرة، واشتغل بها كثيرا، فى التفسير، والحديث، والفقه، والأصول، والعربيّة، وغير ذلك من العلوم، وأجاز له فضلاء تلك الدّيار، وشهدوا له بالفضيلة.
ثم عاد إلى الدّيار الرّوميّة، وبنى له الوزير قاسم باشا مدرسة بالقرب من مدرسة أبى أيّوب الأنصارىّ، رضى الله تعالى عنه.
***
(1)
استبعد اللكنوى وقوع هذه الحكاية فى الفوائد البهية 18.
(2)
فى تاج التراجم: «بيضة» .
(3)
زاد فى الفوائد البهية 19 عن ابن منده أن وفاته كانت سنة أربع وستين ومائتين.
(*) ترجمته فى: الشقائق النعمانية 656،1/ 655.
188 - أحمد بن خاص التّركىّ
شهاب الدين
(*)
أحد الفضلاء المتميّزين من الحنفيّة.
أخذ عنه بدر الدّين العينىّ، وكان يطريه. كذا قاله ابن حجر
(1)
.
(2)
وذكره السّخاوىّ، فى «الضوء اللامع» وقال: أكثر من الاشتغال بالفقه والحديث، ليلا ونهارا، وكتب كثيرا، وجمع، ودرّس.
ومات فى سنة تسع
(3)
. رحمه الله تعالى
(2)
.
***
189 - أحمد باشا
ابن المولى حضر بيك، ابن جلال الدّين
(**)
كان من جملة الأفاضل بالدّيار الرّومية.
وولى إحدى المدارس الثّمان، وسنّه دون العشرين، وهو من المدرّسين الأول بها، فلما عزل أخوه سنان باشا عن الوزارة عزل هو أيضا عن التّدريس، وأعطى قضاء أسكوب ومدرستها.
فلما ولى السّلطان بايزيد، وجّه له تدريس إحدى المدرستين المتجاورتين، بمدينة أدرنة، ثمّ وجّه له إحدى المدارس الثّمان.
ثمّ جعل مفتيا بمدينة بروسة، وعيّن له كلّ يوم مائة درهم عثمانىّ.
(*) ترجمته فى: إنباء الغمر 2/ 361، وفيه خطا:«أحمد بن قاضى الترك» . الضوء اللامع 1/ 292.
(1)
أى فى إنباء الغمر، كما ذكر السخاوى.
(2 - 2) ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
(3)
أى: وثمانمائة.
(**) ترجمته فى: الشقائق النعمانية 277،1/ 276، الفوائد البهية 21.
وفى ص، والفوائد:«ابن المولى خضر» ، والمثبت فى: ط، ن، والشقائق النعمانية.
وكانت وفاته بها، فى سنة سبع وعشرين وتسعمائة، وقد جاوز عشر التّسعين، رحمه الله تعالى.
***
190 - أحمد بن الخضر الحنفىّ
شهاب الدّين
(*)
مفتى دار العدل.
سمع عيسى المطعم، وجماعة، وهو مكثر.
قال ابن حجر، فى بعض مؤلفاته
(1)
: كذا قرأت بخطّ القدسىّ، ولعلّه الذى/قبله، انتهى.
(2)
والذى قبله هو كما قاله
(2)
فى «إنباء الغمر» أحمد بن محمد بن عمر بن الخضر بن مسلم الدّمشقىّ شهاب الدّين الحنفىّ، المعروف بابن خضر.
ولد سنة ستّ وسبعمائة.
كان يدرى الفقه والأصول، ودرّس بأماكن.
وسمع من عيسى المطعم، والحجّار، وغيرهما.
وكان فاضلا، حدّث بدمشق.
ومات بها فى رابع عشر شهر رجب، سنة خمس وثمانين وسبعمائة، عن ثمانين سنة تنقص يسيرا.
وكان جلدا، قويّا.
(*) ترجمته فى: إنباء الغمر 1/ 280، ولقبه فيه «بدر الدين» ، الدرر الكامنة 1/ 138.
(1)
يعنى الدرر الكامنة.
(2 - 2) مكان هذا فى ص: «وقال» ، والمثبت فى: ط، ن، وانظر إنباء الغمر 1/ 281، ولقبه فيه «شهاب الدين» .
ولى إفتاء دار العدل، بدمشق، وهو أوّل من وليه.
وشرح «الدّرر» للقونوىّ، فى مجلّدات. انتهى.
***
191 - أحمد بن داود بن محمد
الأودنىّ، أبو نصر
(*)
تفقّه بأبيه، وروى عنه.
روى عنه عمر بن منصور البخارىّ.
قاله فى «الجواهر» .
***
192 - أحمد بن داود
أبو حنيفة، الدّينورىّ
(**)
صاحب «كتاب النبات» ، أحد العلماء المشهورين فى اللغة.
ذكره أبو القاسم مسلمة بن القاسم الأندلسىّ، فى «الذيل» الذى ذيّل به على «تاريخه الكبير» فى أسماء المحدّثين، وقال: فقيه حنفىّ الفقه.
(*) ترجمته فى: تبصير المنتبه 1/ 51، الجواهر المضية، برقم 105، المشتبه، للذهبى 35.
وتأتى ترجمة أبيه.
والأودنى: نسبة إلى قرية من قرى بخارى، يقال لها أودنة. الأنساب 52 ظ، اللباب 1/ 74.
ويذكر ياقوت فى معجم البلدان 1/ 399 أن أودنة بضم الهمزة وفتحها، وأنه ربما اختلفت الرواية فى هذا الضبط، ويذكر والد المترجم فى أودنة بفتح الهمزة، وضبطها بالفتح الذهبى، وبالضم السمعانى، وابن الأثير، وابن حجر.
(**) ترجمته فى: إنباه الرواة 1/ 41 - 44، إيضاح المكنون 680،421،321،279،2/ 277،368،1/ 43، بغية الوعاة 1/ 306، البداية والنهاية 11/ 72، الجواهر المضية 1/ 67، خزانة الأدب 55،1/ 54، الفهرست 116، الكامل 7/ 475، كشف الظنون 1548،1446،1407،2/ 1399،907،644،614،447،280،1/ 108، المختصر، لأبى الفدا 2/ 60، معجم الأدباء 3/ 26 - 32، نزهة الألباء 240، الوافى بالوفيات 6/ 377 - 379. وانظر مقدمة الأستاذ عبد المنعم عامر لتحقيق الأخبار الطوال.
وله من المصنّفات «كتاب الفصاحة» و «كتاب الأنوار» و «كتاب القبلة» ، و «كتاب حساب الدّور» ، و «كتاب الوصايا» ، و «كتاب الجبر والمقابلة» و «كتاب إصلاح المنطق» .
مات سنة اثنتين وثمانين ومائتين.
كذا فى «الجواهر المضيّة» .
وذكر له ابن شهبة
(1)
، فى «طبقات اللّغويّين والنّحاة» ، ترجمة تليق بشأنه، لا بأس بإيرادها كما هى، فقال: أحمد بن داود الإمام أبو حنيفة الدّينورىّ اللّغوىّ، مؤلف «كتاب النبات» ، وغيره.
أخذ عن البصريّين، والكوفيين، وأكثر عن ابن السّكّيت.
وكان لغويّا، مهندسا، منجّما، حاسبا، راوية، ثقة فيما يرويه ويحكيه.
قال ياقوت فى «معجم الأدباء» : قال أبو حيّان التّوحيدىّ، فى كتاب «تقريظ الجاحظ»: قال عبد الله بن حمّود الزّبيدىّ، وكان من أصحاب السّيرافىّ، قلت للسّيرافىّ:
قد اختلف أصحابنا فى بلاغة الجاحظ، وأبى حنيفة الدّينورىّ صاحب «النّبات» ، ووقع الرّضا بحكمك، فما قولك؟
فقال:
(2)
أنا أحقر
(2)
نفسى عن الحكم لهما وعليهما.
فقلت: لا بدّ من قول.
فقال: أبو حنيفة أكثر ندارة
(3)
، وأبو عثمان أكثر حلاوة، ومعانى أبى عثمان لائطة بالنفس، سهلة فى السّمع، ولفظ أبى حنيفة أعرب
(4)
وأغرب، وأدخل فى أساليب العرب.
(1)
يعنى ابن قاضى شهبة.
(2 - 2) فى ط، ن:«يا أبا جعفر» ، والصواب فى: ص، ومعجم الأدباء.
(3)
فى ص، «بداوة» وفى ط، ن:«نداوة» والمثبت فى: معجم الأدباء.
(4)
فى معجم الأدباء: «أعذب» .
قال أبو حيّان:
(1)
والذى أقوله فأعتقده
(1)
، أنّى لم أجد فى جميع من تقدّم وتأخّر غير
(2)
ثلاثة، لو اجتمع الثّقلان على تقريظهم، ومدحهم، ونشر فضائلهم، فى أخلاقهم وعلمهم، ومصنّفاتهم ورسائلهم، مدى الدنيا إلى أن يأذن الله تعالى بزوالها، لما بلغوا آخر ما يستحقّه كلّ واحد منهم؛ هذا الشيخ الذى أنشأنا له هذه الرسالة، أعنى أبا عثمان، والثانى أبو حنيفة أحمد بن داود الدّينورىّ، فإنه من نوادر الرّجال، جمع مثل
(3)
حكمة الفلاسفة، وبيان العرب،
(4)
له من كلّ فنّ ساق وقدم
(4)
؛ وهذا كلامه فى «الأنواء» يدلّ على حظّ وافر من علم النّجوم، وأسرار الفلك، فأمّا كتابه فى «النّبات» فكلامه فيه عروض
(5)
كلام أبدى
(6)
بدوىّ، وعلى طباع أفصح عربىّ، وقد قيل: إنّ له كتابا يبلغ ثلاثة عشر مجلّدا فى القرآن، ما رأيته، وإنه ما سبق إلى ذلك/النّمط، هذا، مع ورعه وزهده، وجلالة قدره، والثالث، أبو زيد أحمد بن سهل البلخىّ؛ فإنه لم يتقدّم له شبيه فى الأعصر الأول، ولا يظنّ أنه يوجد له نظير فى مستأنف الدّهر؛ ومن تصفّح كلامه فى «كتاب أقسام العلوم» ، وفى «كتاب اختلاف
(7)
الأمم»، وفى «كتاب نظم القرآن» ، وفى «كتاب اختيار التّبيين
(8)
»، وفى رسائله إلى إخوانه، وجوابه عن ما يسأل عنه
(9)
ويبده به
(9)
، علم أنه خزانة
(10)
بحر الجود، وأنه عالم العلماء، وما رؤى فى الناس من جمع بين الحكمة والشريعة سواه، وإن القول فيه لكثير، فلو تناصرت
(11)
إلينا أخبارهما، لكنّا نفرد لكلّ تقريظا مقصورا عليه، وكتابا منسوبا إليه، كما فعلنا
(12)
بأبى عثمان.
(1 - 1) فى معجم الأدباء: «أقول وأعتقد وآخذ به وأستهم عليه» .
(2)
ساقط من معجم الأدباء.
(3)
فى معجم الأدباء: «بين» .
(4 - 4) فى الأصول: «من كل فن شاف وقدم» ، فى معجم الأدباء:«وله فى كل فن ساق وقدم، ورواء وحكم» ، ولعل الصواب ما أثبته.
(5)
فى معجم الأدباء: «فى عروض» .
(6)
فى معجم الأدباء: «آبدىّ» .
(7)
فى معجم الأدباء: «أخلاق» .
(8)
فى معجم الأدباء: «السير» .
(9 - 9) فى الأصول: «ويريده» ، والمثبت فى: معجم الأدباء.
(10)
ليس فى معجم الأدباء.
(11)
فى ط، «تناضرت» ، وفى ن:«تناظرت» ، والمثبت هو ما فى: ص، ومعجم الأدباء.
(12)
فى معجم الأدباء: «فعلت» .
قال ياقوت: قرأت فى كتاب ابن فورّجة، المسمّى ب «التّجنّى على ابن جنّى» فى الرّدّ عليه، فى كتابه المسمّى ب «الفتح على أبى الفتح» ، فى تفسير قول المتنبّى
(1)
:
فدع عنك تشبيهى بما وكأنّه
…
فما أحد فوقى وما أحد مثلى
(2)
وقال فيه ما لم يرضه ابن فورّجة، ونسبه إلى أنه سأل عنه أبا الطّيّب، فأجاب بهذا الجواب
(3)
*فأورد ابن فورّجة هذه الحكاية: زعموا أن أبا العباس المبرّد، ورد الدّينور
(4)
، زائرا لعيسى بن ماهان، فأوّل ما دخل عليه، وقضى سلامه، قال له عيسى: أيّها الشيخ، ما الشّاة المجثّمة، التى نهى النبىّ صلى الله عليه وسلم عن أكلها؟
فقال: هى الشاة القليلة اللبن، مثل اللجبة
(5)
.
فقال: هل من شاهد؟.
قال: نعم، قول الرّاجز:
لم يبق من آل السّليط نسمه
…
إلاّ عنيز لجبة مجثّمه
(6)
فإذا بالحاجب يستأذن لأبى حنيفة الدّينورىّ، فلما دخل، قال له عيسى بن ماهان: أيّها الشيخ، ما الشّاة المجثّمة، التى نهينا عن أكل لحمها؟.
(1)
ديوان أبى الطيب 7.
(2)
هذه رواية معجم الأدباء، ورواية الديوان:
*أمط عنك تشبيهى بما وكأنّه*
(3)
حاشية ديوان أبى الطيب 7.
(4)
من هنا إلى قوله: «وقضى سلامه قال» ساقط من: ط، ن، ومكانه فيهما:«فقال» ، والمثبت فى: ص، ومعجم الأدباء.
(5)
فى ط، هنا وفيما يأتى:«النبجة» ، وهو خطأ، صوابه فى: ص، ن، ومعجم الأدباء.
(6)
فى معجم الأدباء: «من آل الحميد» ، وفى إنباه الرواة. «من آل الجعيد» .
فقال: هى التى جثّمت على ركبها
(1)
، وذبحت من خلف قفاها.
فقال: كيف تقول هذا، وهذا شيخ أهل العراق-يعنى المبرّد-قال: هى مثل اللجبة، وهى قليلة اللبن. وأنشد
(2)
الشّاهد.
فقال أبو حنيفة: أيمان البيعة تلزم أبا حنيفة إن كان هذا التفسير سمعه هذا الشيخ، أو قرأه، وإن كان هذا الشاهد إلاّ لساعته هذه.
فقال المبرّد: صدق الشيخ أبو حنيفة؛ فإنى أنفت أن أرد عليك من العراق، وذكرى قد شاع، فأوّل ما تسألنى عنه لا أعرفه.
فاستحسن منه هذا الإقرار وترك البهت
(3)
.
قال ابن فورّجة: وأنا أحلف بالله العظيم، إن كان أبو الطّيّب قطّ
(4)
سئل عن هذا البيت، فأجاب بهذا الجواب، الذى حكاه ابن جنّى، وإن كان إلا متزيّدا فيما يدّعيه، عفا الله عنه، فالجهل والإقرار به أحسن.
ولأبى حنيفة من الكتب «كتاب الباه
(5)
»، «كتاب ما تلحن فيه العامّة» ، «كتاب الشّعر، والشعراء» ، «كتاب الفصاحة» ، «كتاب الأنواء» ، «كتاب حساب الدّور» ، «كتاب النّخب
(6)
فى حساب الهند»، «كتاب الجبر والمقابلة» ، «كتاب البلدان» كبير، «كتاب النّبات» لم يصنّف فى معناه مثله، «كتاب الجمع والتّفريق» ، «كتاب الأخبار الطّوال» ، «كتاب الوصايا» ، «كتاب نوادر الجبر» ، «كتاب إصلاح المنطق» ، «كتاب القبلة والزّوال» /، «كتاب الكسوف» .
(1)
فى الأصول: «وركها» ، والمثبت فى: معجم الأدباء.
(2)
فى معجم الأدباء: «وأنشده» .
(3)
فى الأصول: «البحث» ، والمثبت فى: معجم الأدباء.
(4)
فى الأصول: «قد» ، والمثبت فى: معجم الأدباء.
(5)
فى ص، ن:«المياه» والمثبت فى: ط، ومصادر الترجمة.
(6)
فى معجم الأدباء: «البحث» ، وكذلك فى الفهرست.
قال أبو حيّان التّوحيدىّ: وله «تفسير القرآن» .
توفّى سنة إحدى وثمانين ومائتين. رحمه الله تعالى.
***
193 - أحمد بن روح الله
ابن سيّدى ناصر الدّين بن غياث الدّين
ابن سراج الدّين الجابرىّ، الأنصارىّ
(*)
من ذرّيّة جابر بن عبد الله الأنصارى، رضى الله تعالى عنه الملك البارى.
الإمام العامل، والبارع الكامل.
قاضى العسكر المنصور بولاية أناطولى.
اشتغل، ودأب، وحصّل، وأخذ العلم عن جماعة كثيرة، من أجلّهم المولى العلامة محمّد شاه، الآتى ذكره فى محلّه إن شاء الله تعالى، وكان معيدا
(1)
له، وملازما منه.
وصار مدرسا بعدّة مدارس، منها مدرسة بناها المرحوم محمد باشا، باسم صاحب الترجمة، وهى معروفة فيما بين قسطنطينيّة ومدينة أدرنة، وهو أوّل من درّس بها، ومنها إحدى الثّمان، ومدرسة أيا صوفية، ومدرسة المرحومة والدة السلطان مراد خان أدام الله أيّامه، بمدينة أسكدار، حميت عن البوار.
وألقى بالمدرسة المذكورة درسا عامّا حضره غالب أفاضل الدّيار الرّوميّة وعلمائها، وتكلّم فى تفسير سورة الأنعام، على قوله تعالى:{وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ} الآية
(2)
، وكان درسا حافلا، لم يعهد فى ذلك الزمان بالدّيار الرّوميّة مثله، لأن المدرّسين فى بلادهم لا يفعلون
(*) ترجمته فى: تراجم الأعيان 162،1/ 161، خلاصة الأثر 190،1/ 189، كشف الظنون 1/ 193، هدية العارفين 1/ 151.
وهذه الترجمة كلها ساقطة من: ص، وهى فى: ط، ن.
(1)
فى الأصول: «مفيدا» ، والمثبت فى: خلاصة الأثر.
(2)
الثامنة من سورة الأنعام.
ذلك، وإنما يجلس المدرّس وحده فى محلّ خال من الناس، ولا يدخل إليه إلا من يقرأ الدّرس، وشركاؤه فيه، ولا يحضرهم أحد من غير تلامذة المدرّس.
وجرى فى ذلك الدرس العامّ، من الأبحاث الرائقة، والفوائد الفائقة، ما حفظته الوعاة، وتناقلته الرّواة.
ثمّ خلع عليه يوم الدّرس المذكور ثلاث خلع، بعد أن أرسلت إليه المرحومة والدة السّلطان، نصره الله تعالى، ألف دينار لأجل ضيافة من يحضر الدّرس المذكور، ومدّ لهم سماط، احتوى على نفائس الأطعمة، وأخذوا منه رعاية له نحو خمسين ملازما، وما وقع ذلك لأحد غيره.
ثم ولى قضاء الشام، ثم قضاء مدينة أدرنة، ثم قضاء قسطنطينيّة، ثم ولى قضاء العسكر، فى أواخر شهر رمضان المعظّم قدره، سنة اثنتين وتسعين وتسعمائة، وأخذ يعامل أهل العلم وطلاّب المناصب بالرّفق، والمداراة، والإحسان، ويقلّد أعناق الرجال منن الإكرام والإفضال، غير أنهم لم يكونوا راضين عنه الرّضاء التام، وقلّما يحصل منهم ذلك فى حقّ قاض من القضاة؛ فإنّ رضاءهم غاية لا تدرك.
ولصاحب الترجمة مؤلّفات تدلّ على فضله، ونبله، وعلوّ مقامه، منها، «تفسير سورة يوسف» ، و «حاشية على تفسير سورة الأنعام» للعلامة البيضاوىّ، و «حاشية فى آداب البحث» على «حاشية ملاّ مسعود» ، و «حواش على أوائل التّلويح» ، و «حواش على غالب شرح المفتاح للسّيّد» ، وله رسائل متعدّدة، فى فنون كثيرة، نفع الله بها، آمين
(1)
.
***
194 - أحمد بن زبهراد بن مهران
أبو الحسن، السّيرافىّ
(*)
المقرى، الفقيه، المتكلم.
(1)
ذكر المحبى أنه توفى بقسطنطينية، فى سنة ثمان بعد الألف.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 107.
ووردت ترجمته باسم «أحمد بن مهران» فى: العبر 2/ 270، النجوم الزاهرة 3/ 318، نقلا عن الذهبى، حسن المحاضرة 1/ 369، شذرات الذهب 2/ 372.
ووفاته فى هذه المصادر سنة ست وأربعين وثلاثمائة.
أحد الفقهاء من أصحاب أبى حنيفة، الذين قدموا مصر، وأملى بها.
حدّث عن أبى داود سليمان بن/الأشعث، والربيع بن سليمان المرادىّ، والقاضى بكّار.
وسمع منه بمصر أبو حفص عمر بن شاهين، وعبد الغنىّ بن سعيد.
وكانت ولادته سنة ثلاث وخمسين ومائتين.
ذكره أبو عمرو الدّانىّ فى «طبقات القرّاء» ، وقال: توفّى بمصر، سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، وقيل: سنة ستّ، ورمى بالاعتزال.
***
195 - أحمد بن زيد
أبو زيد، الشّروطىّ
(*)
ذكره أبو الفتح محمد بن إسحاق النّديم، فى كتاب «الفهرست» ، فى جملة أصحابنا.
وقال: له من الكتب «كتاب الوثائق» ، و «كتاب الشّروط الكبير» ، و «كتاب الشّروط الصّغير» .
وذكره الصّغناقىّ فى «شرحه» فى أثناء كتاب البيوع، فقال فى بحث: ذكره أبو زيد الشّروطىّ.
كذا فى «الجواهر» .
***
196 - أحمد بن سامة بن كوكب
الطّائىّ، أبو العبّاس، الصّالحىّ،
الشّروطىّ، المحدّث
(**)
ذكره الذّهبىّ، فى «المعجم المختصّ» ، وقال: قرأ، ونسّخ، وحصّل، وكان حنفيّا،
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 108، الفهرست 293، كشف الظنون 2/ 1046.
(**) ترجمته فى: الدرر الكامنة 1/ 144.
متواضعا.
مات فى صفر، سنة ثلاث وسبعمائة. رحمه الله تعالى.
***
197 - أحمد بن سعد بن نصر
ابن بكّار بن إسماعيل، أبو بكر،
الفقيه، البخارىّ
(*)
مولده سابع عشر جمادى الآخرة، سنة تسع وسبعين ومائتين.
قدم بغداد، وحدّث بها عن صالح جزرة الحافظ، وعلىّ بن موسى الحنفىّ، وغيرهما.
حدّث عنه أبو الحسن بن رزقويه.
مات ليلة الأربعاء، لخمس بقين من ذى الحجّة، سنة ستّين وثلاثمائة، رحمه الله تعالى.
***
198 - أحمد بن سليمان بن أبى العزّ وهيب
(**)
الإمام تقىّ الدّين بن الإمام صدر الدين، أخو قاضى القضاة شمس الدّين محمد بن سليمان.
درّس بالشّبليّة
(1)
.
وكان فاضلا،
(2)
صدرا من الصّدور
(2)
.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 109.
(**) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 111.
(1)
فى ط: «بالشبنية» ، وفى ن:«بالشينية» ، والمثبت فى: ص، والجواهر المضية.
وهى المدرسة الشبلية البرانية، التى يقال لها الحسامية، بسفح جبل قاسيون. الدارس 1/ 530.
(2 - 2) ساقط من: ن، وهو فى: ص، ط.
مات فى رجب، سنة خمس وثمانين وستمائة.
قاله فى «الجواهر المضيّة» .
***
199 - أحمد بن سليمان بن كمال باشا
(*)
الإمام، العالم، العلاّمة، الرّحلة، الفهّامة
(1)
، أوحد أهل عصره، وجمال أهل مصره، من لم يخلف بعده مثله، ولم تر العيون من جمع كماله وفضله.
كان، رحمه الله تعالى، إماما بارعا، فى التفسير، والفقه، والحديث، والنحو، والتصريف، والمعانى، والبيان، والكلام، والمنطق، والأصول، وغير ذلك، بحيث إنه تفرّد فى إتقان كلّ علم من هذه العلوم، وقلّما يوجد فنّ من الفنون إلاّ وله مصنّف أو مصنّفات.
أخذ عن المولى لطفى
(2)
الرّومىّ، وخطيب زاده، ومعروف
(3)
زاده، وغيرهم.
ودأب، وحصّل، وصرف سائر أوقاته فى تحصيل العلم، ومذاكرته، وإفادته، واستفادته، حتى فاق الأقران، وصار إنسان عين الأعيان.
ودرّس فى بلاده بعدّة مدارس، ثم صار قاضيا بمدينة أدرنة، ثم قاضيا بالعسكر المنصور فى ولاية أناطولى، ثم عزل، وأعطى تدريس دار الحديث بأدرنة، وعيّن له كلّ يوم من العلوفة مائة درهم عثمانىّ، ثم وجّه له تدريس مدرسة السّلطان بايزيد خان، بالمدينة المذكورة، ثمّ صار مفتيا بمدينة إصطنبول، بعد وفاة المولى علاء الدين الجمالىّ.
ولم يزل فى منصب الفتوى، إلى أن لحق باللطيف الخبير، فى سنة أربعين وتسعمائة.
رحمه الله تعالى.
(*) ترجمته فى: إيضاح المكنون 1/ 96، شذرات الذهب 239،8/ 238، الشقائق النعمانية 1/ 591 - 598، الفوائد البهية 22،21، كشف الظنون 1/ 41، الكواكب السائرة 2/ 107، هدية العارفين 1/ 141.
(1)
ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
(2)
ساقط من: ط، ن، وهو فى: ص.
(3)
فى ص: «ومعرّف» ، والمثبت فى: ط، ن، والشقائق النعمانية 1/ 593.
قال/فى «الشقائق النّعمانيّة»
(1)
: وكان السّبب الحامل له على الاشتغال بالعلم، والباعث له على تحصيله، أنه رأى مرّة عند إبراهيم باشا بن خليل باشا، وزير السّلطان المجاهد بايزيد خان، شخصا رثّ الهيئة، خلق الثياب، جاء وجلس فوق بعض الأمراء الكبار المتقدّمين فى الدّولة، فاستغرب ذلك، وسأل عن السّبب فيه، فقيل له: هذا شخص من أهل العلم، يقال له المولى لطفى.
فقال: أيبلغ العلم بصاحبه هذه المنزلة؟
فقيل له: نعم، وأزيد.
فانقطع من ذلك الحين إلى المولى المذكور، وقرأ عليه، ثم قرأ على غيره، إلى أن مهر، وصار إماما فى كلّ فنّ
(2)
، بارعا فى كلّ علم
(3)
، تشدّ الرّحال إليه، وتعقد الخناصر عليه.
انتهى ملخّصا.
ودخل ابن كمال باشا إلى القاهرة، صحبة السّلطان سليم خان بن بايزيد خان، حين أخذها من الجراكسة، وكان إذ ذاك قاضيا بالعسكر المنصور، فى الولاية المذكورة.
وأجاز له بعض علماء الحديث بها، وأفاد واستفاد، وحصّل بها علوّ الإسناد، وشهد له علماؤها بالفضائل الجمّة، والإتقان فى سائر العلوم المهمّة.
وله من التصانيف: «تفسير القرآن العزيز» ، لم يكمل، «حواش على الكشّاف» ، «حواش على أوائل تفسير القاضى» ، «شرح الهداية» ، لم يكمل، «الإصلاح والإيضاح» فى الفقه، «تغيير التّنقيح» ، فى الأصول، «تجويد التّجريد» ، فى أصول الدّين، «متن» و «شرح» فى المعانى والبيان، «شرح المفتاح» ، لم يكمل، «تغيير المفتاح، وشرحه» ، «حواش على المفتاح» ، للسّيّد، «متن» و «شرح» ، فى الفرائض، «حواش على التّلويح» ، «حواش على التّهافت» للمولى خواجا زاده، وله رسائل كثيرة، فى فنون عديدة، لعلّها تزيد على ثلاثمائة رسالة.
(1)
حكى هذا فى الشقائق النعمانية 1/ 591 - 593.
(2)
فى ص: «علم» ، والمثبت فى: ط، ن. هذا، ولم يلتزم المؤلف نقل نص صاحب الشقائق.
(3)
فى ص: «فن» ، والمثبت فى: ط، ن.
وفاق
(1)
فى الإنشاء بالعربيّة، والفارسيّة، والتّركيّة، وكان له منها
(2)
حظّ جزيل، وفيها باع طويل
(2)
.
ومن تصانيفه الفارسيّة، كتاب سمّاه «نكارستان» ، على منوال كتاب «الكلستان» ، وكتاب سمّاه «دقائق الحقائق» ، أبدع فيه إلى الغاية، حتى قيل: لو لم يكن له فى هذا اللّسان إلاّ هذا الكتاب، لكفاه دليلا على تبحّره فيه، واطّلاعه على دقائقه.
وصنّف كتابا بالتركيّة، فى تواريخ آل عثمان.
قال فى الشقائق: أبدع فى إنشائه، وأجاد.
وكلّ مؤلّفاته مقبولة، مرغوب فيها، متنافس فى تحصيلها، متفاخر بتملّك الأكثر منها، وهى لذلك مستحقّة، وبه جديرة
(3)
.
وكان رحمه الله تعالى، فى كثرة التأليف، وسرعة التّصنيف، ووسع الاطّلاع، والإحاطة بكثير من العلوم، فى الدّيار الروميّة، نظيرا للحافظ جلال الدّين السّيوطىّ فى الدّيار المصريّة.
وعندى أن ابن كمال باشا أدقّ نظرا من السّيوطىّ، وأحسن فهما، وأكثر تصرّفا؛ على أنهما كانا جمال ذلك العصر، وفخر ذلك الدّهر، ولم يخلّف أحد منهما بعده مثله. رحمه الله تعالى.
***
200 - أحمد بن سليمان بن محمد
ابن عبد الله الكنانىّ، الحورانى الأصل،
الغزّىّ، المقرى
(*)
نزيل مكة المشرّفة.
(1)
فى ص: «وكان» ، والمثبت فى: ط، ن.
(2 - 2) فى ص: «باع طويل وحظ جزيل» ، والمثبت فى: ط، ن.
(3)
بعد هذا فى ص: «تغمده الله برحمته» ، ثم سقط باقى الترجمة منها، وهو فى: ط، ن.
(*) ترجمته فى: الضوء اللامع 1/ 309.
اشتغل بالقراءات، وتميّز فيها، وفهم العربية، واشتغل، وقطن مكّة، على خير وانجماع، مع تحرّز، وتخيّل.
قال السّخاوىّ: وقد لازمنى كثيرا، فى الرّواية والدّراية، وكتبت له إجازة، وسمعته ينشد من نظمه
(1)
:
/سلام على دار الغرور لأنّها
…
مكدّرة لذّاتها بالفجائع
فإن جمعت بين المحبّين ساعة
…
فعمّا قليل أردفت بالموانع
قال: ثمّ قدم القاهرة من البحر، فى رمضان، سنة تسع وثمانين وثمانمائة.
وأنشدنى من لفظه قصيدتين، فى الحريق والسّيل الواقع بالمدينة وبمكة، وكتبهما لى بخطّه.
وسافر لغزّة لزيارة أمّه، وأقرأ بها
(2)
«البخارىّ» ، وأقبل عليه
(3)
أهلها. انتهى.
كذا قاله فى «الضّوء اللامع» .
***
201 - أحمد بن سليمان بن نصر
ابن حاتم بن على بن الحسن الكاشانىّ
(*)
ولى قضاء القضاة، فى زمن الخاقان أبى شجاع
(4)
، أخى شمس الملك.
(1)
البيتان فى: الضوء اللامع 1/ 309.
(2)
فى الضوء اللامع: «فيها» .
(3)
فى الضوء اللامع بعد هذا زيادة: «جماعة من» .
(*) ترجمته فى: الأنساب:471، الجواهر المضية، برقم 110، اللباب 3/ 21.
والكاشانى: نسبة إلى كاشان أو كاسان، وهى بلدة وراء الشاش.
وفى معجم البلدان 4/ 227 إيرادها بالسين مرة وبالشين أخرى، والتعريف بها بمعنى واحد فى المرتين، وجاءت فى الأنساب واللباب بالسين فقط.
وهذه الترجمة زيادة من: ص، على ما فى: ط، ن.
(4)
اسمه «الخضر بن إبراهيم» كما فى الجواهر، والأنساب، واللباب. ويقع هذا فى المدة من سنة خمس وستين وأربعمائة إلى سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة. انظر الكامل 10/ 171،9/ 301.
وحدّث بسمرقند، وأملى، ولم يكن محمود السّيرة فى ولايته.
روى عن أبى المعالى [محمد بن]
(1)
نصر بن منصور المدينىّ،
(2)
الخطيب بسمرقند
(2)
.
وذكره السّمعانىّ.
***
202 - أحمد بن سهل
أبو حامد، الفقيه، البلخىّ
(*)
روى عن محمد بن الفضل البلخىّ، ومحمد بن أسلم قاضى سمرقند.
وروى عنه
(3)
حفيده عبد الله
(4)
بن محمد بن أحمد بن سهل، وعبد الله بن محمد بن شاه الفقيه السّمرقندىّ.
وذكره أبو سعد الإدريسىّ، فى «تاريخ سمرقند»
(5)
وقال: كان فاضلا من أصحاب الرّأى.
سكن سمرقند
(5)
، وله بها عقب.
وروى أنّ وفاته كانت فى شهر رمضان، سنة أربعين وثلاثمائة.
***
(1)
تكملة من الأنساب، وتأتى ترجمته.
(2 - 2) ورد هذا بعد قوله: «وذكره السمعانى» الآتى، وهو خلط قلد فيه المؤلف أو الناسخ ما فى بعض نسخ الجواهر المضية، والتصويب عن الأنساب واللباب، وبعض نسخ الجواهر.
وجاء بعد قوله: «الخطيب بسمرقند» فى الأنساب: «ولم يحدثنى عنه سواه، وصار وزيرا-أى المترجم-فى زمن أحمد بن الخضر خاقان، واستشهد فى أول عهده» .
وكان ابتداء أمر أحمد خان هذا سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة. وقتل سنة ثمان وثمانين وأربعمائة. انظر الكامل، لابن الأثير 243،10/ 171.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 112، الفوائد البهية 23، كتائب أعلام الاخيار برقم 171.
ومن رجال الحنفية أيضا أبو زيد أحمد بن سهل البلخى، ووفاته أيضا فى تاريخ وفاة هذا المترجم، فلعله هذا، أو لعل المؤلف فاته أن يترجم لأبى زيد البلخى، وهو عالم كبير. انظر مثلا ترجمته فى معجم الأدباء 3/ 64 - 86.
(3)
تكملة من: الجواهر المضية، والفوائد البهية.
(4)
ساقطة من: ط، ن، وهو فى: ص، والجواهر، والفوائد.
(5 - 5) ساقط من: ط، ن، وهو فى: ص، والجواهر، والفوائد.
203 - أحمد بن الصّلت بن المغلّس
أبو العبّاس، الحمّانىّ
(*)
وقيل: أحمد بن محمّد بن الصّلت، ويقال: أحمد بن عطيّة.
وهو ابن أخى جبارة ابن المغلّس الفقيه.
تفقّه على بشر بن الوليد الكندىّ.
وروى عنه، وعن ثابت بن محمّد الزاهد، وأبى نعيم الفضل بن دكين، ومسلم بن إبراهيم، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وجبارة ابن المغلّس، وأبى بكر ابن أبى شيبة، وأبى عبيد القاسم بن سلاّم.
ذكره الخطيب، فى «تاريخه» ، وروى بسنده عنه أنه قال: حدّثنا محمد بن المثنّى، صاحب بشر بن الحارث، قال: سمعت ابن عيينة، قال: العلماء؛ ابن عباس فى زمانه، والشّعبىّ فى زمانه، وأبو حنيفة فى زمانه، والثّورىّ فى زمانه
(1)
.
ثمّ إن الخطيب أخذ فى ردّ هذا القول بالحجج الواهية، والطعن فيه بما يسهل الجواب عنه، ولا يخفى التعصّب فيه.
وقد صنّف الحمّانىّ «كتابا فى مناقب الإمام أبى حنيفة» وأطنب فيه، وذكر ما ورد فى حقّه من الأخبار والآثار، وشهادة العلماء له بالتقدم فى العلم، والعبادة، والورع، وغير ذلك. وكان هذا-والله أعلم-هو السّبب الذى أوغر صدر الخطيب عليه، وحمله على القدح الزائد، والله سبحانه وتعالى يعلم المفسد من المصلح.
وكانت وفاته فى شوّال، سنة ثمان وثلاثمائة. رحمه الله تعالى.
(*) ترجمته فى: تاريخ بغداد 4/ 207 - 210، الجواهر المضية برقم 113، كشف الظنون 2/ 1837، لسان الميزان 272،269،222،1/ 188، ميزان الاعتدال 141،140،1/ 105.
والحمانى: نسبة إلى حمان، وهى قبيلة من تميم. اللباب 1/ 316.
(1)
من هنا إلى نهاية قوله «رحمه الله تعالى» ساقط من ص، وهو فى: ط، ن، وسيعيد المؤلف الإشارة إليه فى نهاية الترجمة.
(1)
وكانت وفاة صاحب الترجمة، فى شوّال، سنة ثمان وثلاثمائة.
ومن تصانيفه «كتاب فى مناقب الإمام الأعظم» ، أطنب فيه إلى الغاية.
وقد ضعّفه الخطيب، ونسبه إلى وضع الأحاديث، وبالغ فى الحطّ عليه، كما جرت عادته بذلك مع أئمّة الحنيفة، وتبع الخطيب فى ذلك غيره
(1)
.
والله أعلم.
***
204 - أحمد بن طاهر بن حيدرة
ابن إبراهيم بن العبّاس بن الحسين
(*)
قال فى «الجواهر» : ولد بمصر، سنة إحدى وخمسمائة.
وكان عالما، تفقّه على مذهب أبى حنيفة، وله يد فى علم الهيئة، والتّواريخ وأخبار الناس.
توفّى بدمشق.
وذكره ابن عساكر، فى «تاريخ دمشق» ، وأوصل نسبه إلى الحسين بن علىّ، رضى الله تعالى عنهما؛ فقال بعد الحسين هذا: ابن العبّاس بن الحسن بن الحسين
(2)
وهو أبو الحسن بن علىّ بن محمد بن علىّ بن إسماعيل بن جعفر الصّادق بن محمد الباقر بن علىّ زين العابدين بن الحسين بن علىّ بن أبى طالب بن عبد المطّلب، أبو العبّاس الحسينىّ النّقيب.
ولد بمصر.
وقدم دمشق وهو شاب، فأقام بها مدّة، ورجع إلى مصر.
(1 - 1) هذا كلام سبق إيضاحه، وهو فى سائر الأصول.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 114، وفيه:«بن العباس بن الحسن» ، وفى الأصول:«بن العباس بن الحسينى» ، وما أثبته يتفق مع ما أورده المؤلف عن ابن عساكر.
(2)
فى ص: «الحسينى» ، والمثبت فى: ط، ن.
ثمّ قدم دمشق، فاستوطنها؛ وولى نقابة الطّالبيّين.
وكان عالما بالحساب وعلم الهيئة، والتّواريخ، وأخبار الناس، وكان يذهب مذهب أبى حنيفة.
انتهى، ولم يؤرّخ وفاته.
ورأيت بهامش النّسخة التى نقلت منها، بخطّ بعضهم ما صورته: قلت: توفّى أوائل أيّام المستضئ، أو فى آخر أيّام المستنجد بالله
(1)
. رحمه الله تعالى.
***
205 - أحمد بن الطّيّب بن جعفر
ابن كمارى الواسطىّ
(*)
والد محمّد، وجدّ إسماعيل.
وكمارى، بفتح الكاف والميم، وبعد الألف راء، كذا ضبطه السّمعانىّ
(2)
.
***
206 - أحمد بن العبّاس بن الحسين بن جبلة بن غالب
ابن نوفل بن عياض بن يحيى بن قيس بن سعد
ابن عبادة الأنصارىّ الخزرجىّ،
الفقيه، السّمرقندىّ، العياضىّ
(**)
تفقّه على الإمام أبى بكر أحمد بن إسحاق الجوزجانىّ، تلميذ أبى سليمان موسى بن
(3)
(1)
كانت وفاة المستنجد، وولاية المستضئ، سنة ست وستين وخمسمائة.
(*) ترجمته فى الأنساب 486 ظ، الجواهر المضية برقم 115.
(2)
فى معجم البلدان 4/ 304: «كمارى، بالفتح وبعد الألف راء مفتوحة، من قرى بخارى» .
هذا ولم يضبط المؤلف الراء تبعا لابن السمعانى، ولكن السمعانى قال: هذه اللفظة تشبه النسبة. وهذا يقتضى كسر الراء. وكمارى هذا أبو جد المترجم. انظر اللباب 3/ 50.
وقد ذكر ابن السمعانى المترجم، وأفاض فى ترجمته بأكثر مما ورد هنا.
(**) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 116، الفوائد البهية 23، كتائب أعلام الأخيار برقم 163.
(3)
فى ط: «أبو» ، والمثبت فى: ص، ن، والجواهر المضية.
سليمان الجوزجانىّ.
وتفقّه عليه جماعة، منهم ولده.
وقال الإدريسىّ فى «تاريخ سمرقند» : كان من أهل العلم والجهاد، وكان له ولدان إمامان فى الفقه من أصحاب أبى حنيفة، شديدان فى المذهب.
قال: ولا أعلم له رواية، ولا حديثا فأذكره.
أسره الكفرة، فقتلوه صبرا فى ديار التّرك، فى أيّام نصر بن أحمد بن أسد بن سامان الكبير.
ولم يكن أحد يضاهيه، ويقابله فى البلاد؛ لعلمه وورعه، وكتابته، وجلادته، وشهامته، إلى أن استشهد. نوّر الله ضريحه.
ومن كلامه: ترك النصيحة يورث الفضيحة.
وحكى أنّه لمّا استشهد خلّف أربعين رجلا من أصحابه، كانوا من أقران أبى منصور الماتريدىّ. رحمهم الله تعالى.
***
207 - أحمد بن العباس الأسترآباذيّ
(*)
صاحب المسجد المنسوب إليه بإستراباذ
(1)
.
ذكره السّهمىّ، فى «تاريخ جرجان» ، وقال: كان فقيها، ثقة، من أهل الرّأى، وله آثار
(2)
بإستراباذ.
روى عن أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفىّ.
روى عنه الحسين بن بندار، وجعفر بن محمد بن شهريل
(3)
.
***
(*) ترجمته فى تاريخ جرجان 466، الجواهر المضية برقم 117.
(1)
أسترآباذ: بلدة كبيرة من أعمال طبرستان، بين سارية وجرجان. معجم البلدان 1/ 242.
(2)
فى تاريخ جرجان: «آبار» .
(3)
فى ص: «شهر بك» ، وفى ط، ن:«شهر بيك» ، والمثبت فى: تاريخ جرجان.
208 - أحمد بن عبد الله بن إبراهيم
المحبوبىّ، شهاب الدّين، الحنفىّ
(*)
ذكره فى «الغرف العليّة» ، وقال: اشتغل، وبرع، ودرّس، وألّف، ومن ذلك «تنقيح العقول فى فروق المنقول» .
كذا فى «تاج التراجم» . انتهى.
***
209 - أحمد بن عبد الله بن أحمد
ابن عبد الله بن أحمد بن عسكر
البندنيجىّ الأصل، البغدادىّ
المولد والدّار، أبو العبّاس بن أبى أحمد، القاضى
(**)
أحد سكّان محلّة مشهد أبى حنيفة، رضي الله عنه.
قال صدقة الفرضىّ: كان فقيها حسنا.
سأله أبو المحاسن القرشىّ عن مولده، فقال: فى سنة تسع وتسعين وأربعمائة.
نقله ابن النّجّار، وقال: حدّث باليسير، وسمع أبا القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين، وأبا بكر محمد بن عبد الباقى بن محمد القاضى الأنصارىّ.
وسمع منه أبو المحاسن القرشىّ، وغيره.
وولى القضاء، والحسبة بالجانب الغربىّ من بغداد، فحمدت سيرته، وشكرت ولايته، وشهد له بالعفّة، والنّزاهة، والدّيانة، والصّيانة، والفضل.
وكانت وفاته ليلة الجمعة تاسع المحرّم، سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة، ودفن قبل الصّلاة، بمقبرة الخيزران، ظاهر قبر أبى حنيفة. رحمه الله تعالى.
***
(*) ترجمته فى: تاج التراجم 12، وفيه:«أحمد بن حب الله» .
وهذه الترجمة ساقطة من: ط، ن، وهى فى: ص وحدها.
(**) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 118، الوافى بالوفيات 7/ 85.
210 - أحمد بن عبد الله
ابن أبى القاسم البلخىّ، أبو جعفر، القاضى
(*)
له كتاب الرّدّ على المشنّعين على أبى حنيفة، سمّاه «الإبانة» .
كذا فى «الجواهر» .
***
211 - أحمد بن عبد الله بن رشيد
الحجازىّ، السّلمىّ
قال ابن حجر فى «المجمع المؤسّس» : تفقّه على مذهب أبى حنيفة ومهر، ثم أسنّ وأضرّ.
وسمع، وهو كبير من القلانسىّ، ومن مسموعاته عليه «معجم ابن قانع» ، وسمع قطعة من كتاب «قضاء الحوائج» لابن أبى الدّنيا، على عزّ الدّين ابن جماعة.
مات فى شهر ربيع الآخر، سنة تسع وتسعين وسبعمائة.
وهو من شيوخ ابن حجر. رحمه الله تعالى.
***
212 - أحمد بن عبد الله بن عباس
أبو العبّاس الطّائىّ، الأقطع
(**)
قال الخطيب: من أهل الرّأى.
سكن بغداد، وحدّث بها عن سهل بن عثمان العسكرىّ، وحفص المهرقانىّ
(1)
، وهارون بن سعيد الأبلّىّ، وأحمد بن سعيد الهمذانىّ، ويونس بن عبد الأعلى المصرىّ.
روى عنه أحمد بن كامل القاضى، وأبو القاسم الطّبرانىّ.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية برقم 122. وانظر الترجمة الآتية برقم 215.
(**) ترجمته فى: تاريخ بغداد 4/ 220، الجواهر المضية، برقم 119.
(1)
نسبة إلى مهرقان، وهى قرية من قرى الرى. اللباب 3/ 193.
وروى له الخطيب فى «تاريخه» عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
***
213 - أحمد بن عبد الله بن عبد الله
ابن مهاجر الأندلسىّ، الوادياشىّ،
شهاب الدّين
(*)
تفقّه ببلده
(2)
، وتأدّب.
ورحل منها إلى المشرق، فحج، ثمّ سكن طرابلس الشام، ثم حلب، وتحوّل حنفيّا.
واشتمل عليه ناصر الدّين ابن العديم قاضيها، فكان يواليه، ويطرب لأماليه، واستنابه فى عدّة مدارس، وفى الأحكام.
وكان قيّما بالنّحو، والعروض، رائق النظم، ومنه قوله
(3)
:
ما لاح فى درع يصول بسيفه
…
والوجه منه يضئ تحت المغفر
إلا حسبت البحر مدّ بجدول
…
والشمس تحت سحابة من عنبر
ومنه
(4)
:
تسعّر فى الوغى نيران حرب
…
بأيديهم مهنّدة ذكور
ومن عجب الظّبى قد سعّرتها
…
جداول قد أقلّتها بدورا
(5)
(1)
أخرجه ابن ماجه، فى: باب شدة الزمان من كتاب الفتن. سنن ابن ماجه 2/ 1341.
والحاكم، فى كتاب الفتن والملاحم. المستدرك 4/ 441.
وأبو نعيم، فى الحلية. انظر جمع الجوامع 1/ 931، وحلية الأولياء 9/ 161.
وانظر أيضا عقد الدرر فى أخبار المنتظر 6 - 8.
(*) ترجمته فى: بغية الوعاة 1/ 318، كشف الظنون 2004،1539،2/ 1538، نفح الطيب 408،3/ 407.
(2)
وادى آش: مدينة من كورة البيرة، بينها وبين غرناطة أربعون ميلا، معجم البلدان 1/ 279.
(3)
البيتان فى نفع الطيب 3/ 407.
(4)
البيتان فى نفح الطيب 3/ 408.
(5)
فى نفح الطيب: «ومن عجب لظى» .
وخمّس «لاميّة العجم» تخميسا جيّدا.
ومدح ابن الزّملكانىّ لما ولى قضاء حلب، بقصيدة على وزن قصيدة ابن النّبيه، التى أوّلها
(1)
:
باكر صبوحك أهنا العيش باكره
…
فقد ترنّم فوق الأيك طائره
ومطلع قصيدته هو، قوله
(2)
:
يمن ترنّم فوق الأيك طائره
…
وطائر عمّت الدّنيا بشائره
قلت: مطلع حسن، وبشائر مقبولة، وطائر ميمون؛ ولكن أين بشائر ابن النّبيه من هذه البشائر، وأين يمن طائره من يمن هذا الطائر.
ولا بأس بإيراد غزل قصيدة ابن النّبيه، وإن كان فيه خروج عن المقصود؛ فإنها قصيدة بديعة، ولى بها وبأخواتها من «ديوانه» غرام زائد، واعتناء متزايد، حتى قلت فى حقّه متفضّلا، وعلى فضله منبّها/، وله فى الشّعر وحسن الذوق مقدّما:
يقولون لى هل للنّباتىّ فى الورى
…
إذا قيلت الأشعار ثمّ شبيه
وهل من نبيه فى المعانى كمثله
…
فقلت وهل كابن النّبيه نبيه
وغزل القصيدة الموعود بذكره، قوله
(3)
:
باكر صبوحك أهنا العيش باكره
…
فقد ترنّم فوق الأيك طائره
والليل تجرى الدّرارى فى مجرّته
…
كالرّوض تطفو على نهر أزاهره
وكوكب الصّبح نجّاب على يده
…
مخلّق تملأ الدّنيا بشائره
فانهض إلى ذوب ياقوت لها حبب
…
تنوب عن ثغر من تهوى جواهره
(4)
حمراء فى وجنة السّاقى لها شبه
…
فهل جناه مع العنقود عاصره
(5)
ساق تكوّن من صبح ومن غسق
…
فابيضّ خدّاه واسودّت غدائره
(1)
ديوان ابن النبيه 6.
(2)
القصيدة فى نفح الطيب 3/ 407.
(3)
ديوان ابن النبيه 7،6.
(4)
فى الديوان ضم هذا البيت إلى الذى يليه، وتأليف بيت واحد منهما، يشتمل على صدر الأول وعجز الثانى.
(5)
فى الديوان: «فهل جناها» .
سود سوالفه لعس مراشفه
…
نعس نواظره خرس أساوره
(1)
مفلّج الثّغر معسول اللّمى غنج
…
مؤنّث الجفن فحل اللّحظ شاطره
مهفهف القدّ يبدى جسمه ترفا
…
مخصّر الخصر عبل الرّدف وافره
تعلّمت بانة الوادى شمائله
…
وزوّرت سحر عينيه جاذره
كأنّه بسواد الصّبح مكتحل
…
وركّبت فوق صدغيه محاجره
(2)
نبىّ حسن أظلّته ذوائبه
…
وقام فى فترة الأجفان ناظره
فلو رأت مقلتا هاروت آيته ال
…
كبرى لآمن بعد الكفر ساحره
قامت أدلّة صدغيه لعاشقه
…
على عذول أتى فيه يناظره
خذ من زمانك ما أعطاك مغتنما
…
وأنت ناه لهذا الدّهر آمره
فالعمر كالكأس تستحلى أوائله
…
لكنّه ربّما مجّت أواخره
(3)
واجسر على فرص اللذّات محتقرا
…
عظيم ذنبك إنّ الله غافره
فليس يخذل فى يوم الحساب فتى
…
والنّاصر ابن رسول الله ناصره
هكذا فليكن الشّعر، وبمثله فليفتخر المادح، ويطرب الممدوح، ويعذر فى إيراده الأديب المؤرّخ.
ومن شعر صاحب الترجمة، قوله فى قالب الطّين
(4)
:
ما آكل فى فمين
…
يغوط من مخرجين
مغرى بقبض وبسط
…
وما له من يدين
ويقطع الأرض عدوا
…
من غير ما قدمين
(5)
وله أيضا من أبيات:
أيّها الطّرف لات حين مناص
…
فابك عهد الوصال إن كنت تبكى
وارم نحو الحسناء لحظك تحظى
…
من سنا ذلك اليقين بشكّ
وإذا أختها الغزالة قالت
…
هى مثلى فقل وأحسن منك
(1)
فى الأصول: «بيض سوالفه» ، والتصحيح من الديوان.
(2)
فى الديوان: «بسواد الصدغ
…
أو ركبت
…
».
(3)
فى ط، ن:«فالدهر كالكأس» ، والمثبت فى: هامش ط، وفى ن، ص، والديوان.
(4)
الأبيات فى نفح الطيب 3/ 408.
(5)
فى نفح الطيب «ويقطع الأرض سعيا» .
/وكانت وفاته سنة تسع وثلاثين وسبعمائة، عن نحو خمسين سنة. رحمه الله تعالى.
214 - أحمد بن عبد الله بن الفضل
أبو نصر، الخيزاخزىّ
(*)
بفتح الخاء المعجمة، وسكون الياء تحتها نقطتان، وفتح الزّاى، وسكون الألف، وفتح الخاء الثانية
(1)
، وكسر الزاى، نسبة إلى قرية خيزاخزى، من قرى بخارى.
الفقيه، الإمام ابن الإمام.
تفقّه على والده، وروى عنه، وعن الحسن بن فراس
(2)
المكّىّ، وغيرهما.
وولى الإمامة بجامع بخارى، وعقد له مجلس الإملاء بها.
قال أبو كامل البصرىّ: سمعت أبا نصر يقول: كان فىّ عرامة شديدة فى حال الصّبا، وكان من يتّصل إلى شيخى، يعنى والده، يغريه علىّ، فيغضب الشيخ منه، ويقول: سلّمته إلى الله تعالى، فهو خير له منىّ، إن أراد الله به خيرا يكن، وإن أراد غير ذلك فليس فى أيدينا شئ غير الدّعاء.
فتوفّى شيخى، ولم يصل إلىّ من ميراثه شئ كثير، فأقبلت على العلم، وأصلحت فيما بينى وبين الله، فببركة تسليم الشيخ إيّاى إلى الله تعالى، أصلح الله شأنى، وصبّ علىّ الدنيا صبّا، وصرت وجيه البلد، ومدرّس الفقه، ومملى الكتب، وإمام العامّة.
***
(*) ترجمته فى: الأنساب 215 و، وفى النسخة سقط، الجواهر المضية، برقم 120، الفوائد البهية 25،24، كتائب أعلام الأخيار، برقم 249، اللباب 1/ 400، معجم البلدان 1/ 506.
(1)
فى معجم البلدان أنه بضم الخاء الثانية.
(2)
فى الأصول: «فراش» والصواب من ترجمته فى: وفيات ابن الحبال (مجلة معهد المخطوطات العربية، الجزء الثانى من المجلد الثانى، صفحة 313)، اللباب 2/ 116، العبر 3/ 89، العقد الثمين 3/ 3 - 5.
215 - أحمد بن عبد الله بن القاسم السّرمارىّ
-قرية من قرى بخارى-
القاضى، الإمام، أبو جعفر
(*)
قال فى «الجواهر» : رأيت له كتاب «النّبأ»
(1)
، فى مجلّد لطيف، وهو نفيس، يشتمل على ستّة أبواب، الأوّل فى أن مذهب الإمام أصلح للولاة والأئمّة من مذهب المخالفين. الثّانى أنه تمسّك بالآثار الصّحيحة. الثالث فى سلوكه فى الفقه طريقة الاحتياط. الرابع فى بيان أن المخالف اعتقد فى مسائل الاحتياط، وهو ترك الاحتياط.
الخامس فى المسائل التى توجب الشّناعة على مذهب المخالفين. السّادس فى الأجوبة عن المسائل التى يذكرها المخالفون، ويشنّعون بها على الإمام.
(2)
وهو كتاب نفيس، يذكر فى كلّ باب من الفروع جملة مستكثرة
(2)
، روى هذا الكتاب عنه صاحبه أبو بكر محمد بن عبد الملك الخطيب، الآتى ذكره. انتهى.
قلت: صاحب هذه الترجمة، وهو أحمد بن عبد الله بن أبى القاسم البلخىّ، صاحب كتاب «الإبانة» المتقدّم ذكره قريبا
(3)
. وهذا الكتاب المذكور هنا فى هذه الترجمة هو كتاب «الإبانة» ، وقد اطّلعت عليه، ونقلت منه كثيرا فى هذا الكتاب، ووهم صاحب «الجواهر» ، فظنّ التّرجمتين لرجلين، وذكر كلاّ منهما على حدة، وليس الأمر كما ظنّ. والله أعلم.
***
216 - أحمد بن عبد الله بن محمد
ابن عمر بن علىّ
(**)
حفظ القرآن الكريم، و «الكنز» .
(*) ترجمته فى الجواهر المضية، برقم 121، كشف الظنون 2/ 1838،1/ 201.
وفى النسخ: «الشير بارى» مكان «السرمارى» والتصويب من الجواهر، وانظر حاشيتى عليها 1/ 183.
(1)
هو ما سيأتى باسم «الإبانة» .
(2 - 2) ساقط من: ص، وهو فى ط، ن، والجواهر المضية.
(3)
ترجمة رقم 210.
(**) ترجمته فى: الضوء اللامع 1/ 367، وفيه بعد هذا زيادة:«القليجى، القاهرى، الحنفى» ، كشف الظنون 1/ 478، 2/ 1377.
واشتغل على ابن الدّيرىّ، والشّمنّىّ، والزّين قاسم، وكذا حضر دروس ابن الهمام، والعزّ عبد السّلام البغدادىّ، وأخذ أيضا عن البرهان الهندىّ؛ والأبّدىّ
(1)
، والتّقىّ الحصنىّ، والشهاب الخوّاص. وسمع من ابن حجر، وغيره.
وتعانى الأدب، وتميّز، وشارك فى الفضائل.
واستقرّ فى موقّعى
(2)
الدّست، وناب فى القضاء، فى سنة ثلاث وخمسين، عن ابن الدّيرىّ، فمن بعده.
وذكر أنه نظم «التلخيص» ، و «الكافى فى علم العروض والقوافى» .
ولكنه كان زرىّ الهيئة، قبيح الفعال، مع مزيد الفاقة.
ومن نظمه إجابة لمن سأله إجازة قول القائل
(3)
:
هذا صباح وصبوح فما
…
عذرك فى ترك صبوح الصّباح
(4)
/فقال
(5)
:
تمنّع الحبّ وفقد النّدى
…
وخوف واش ورقيب ولاح
كذا نقلت هذه الترجمة من خطّ السّخاوىّ، من ورقة وجدتها بأثناء كتابه «الضوء اللاّمع» وأخلى فيها مكانا بعد اسم جدّه علىّ؛ لكتابة ما اشتهر به من نسبة، وغيرها
(6)
، ثم رأيت فى بعض نسخ «الضوء» أنه كان يعرف بالشّهاب القليجىّ
(7)
، وأنّ ولادته فى سنة تسع وعشرين وثمانمائة. رحمه الله تعالى
(6)
.
***
(1)
فى ط: «والأيدى» ، والنقط غير موجود فى: ن، والمثبت فى: ص. انظر اللباب 1/ 71.
(2)
فى ط، ن:«موقع» ، والمثبت فى: ص، والضوء اللامع.
(3)
الضوء اللامع 1/ 367.
(4)
فى الضوء اللامع «صباح الصباح» .
(5)
الضوء اللامع 1/ 368.
(6 - 6) ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
(7)
فى الضوء: «القلخى» ، وانظر ما تقدم فى صدر الترجمة.
217 - أحمد بن عبد الله بن يوسف بن الفضل الصّبغىّ
(*)
الإمام الكبير. من أهل سمرقند.
سمع يوسف بن يحيى البلخىّ، وغيره.
وسمع منه الحافظ أبو حفص عمر بن محمد النّسفىّ.
وكان إماما، فقيها، فاضلا.
ورد بغداذ حاجّا، وكان معيدا فى الدّار الجوزجانيّة، بسمرقند.
ذكره السّمعانىّ فى «ذيله» ، وقال: سمعت أبا بكر الزّهرىّ بسمرقند، سمعت أبا حفص، يقول: توفّى الإمام أحمد الصّبغىّ، يوم الخميس، الثامن من شهر رجب، سنة ست وعشرين وخمسمائة، ودفن فى مشهد ابن عبدة، وقد زاد على سبعين سنة.
والصّبغىّ، بكسر الصّاد المهملة، وسكون الباء الموحّدة، وفى آخرها غين معجمة؛ نسبة إلى الصّبغ والصّباغ، وهو ما يصبغ به الألوان. قاله السّمعانىّ
(1)
.
***
218 - أحمد بن عبد الله الفريمىّ
(**)
ذكره فى «الشّقائق» ، وقال: قرأ على المولى شرف الدّين الفريمىّ
(2)
(3)
الآتى ذكره فى حرف الشين
(3)
.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 123.
(1)
فى الأنساب 349 ظ.
(**) ترجمته فى: الشقائق النعمانية:142،1/ 141، وذكره فى الطبقة السادسة فى علماء دولة السلطان مراد بن محمد، الذى بويع سنة خمس وعشرين وثمانمائة، الفوائد البهية 25، كشف الظنون 2/ 1545،1/ 192.
ولعل الفريمى نسبة إلى فريم، بكسر أوله وثانيه: موضع فى جبال الديلم. معجم البلدان 3/ 890، وانظر بلدان الخلافة الشرقية 413.
(2)
فى الأصول «القرمى» ، والمثبت فى الشقائق هنا، وفى ترجمة 1/ 140.
(3 - 3) هذا قول التقى التميمى.
وصار
(1)
من أفاضل دهره، وعلمائهم العاملين، ودرّس، وأفاد.
واستوطن مدينة قسطنطينيّة إلى أن مات، ودفن بها.
وكان السّلطان محمد يعظّمه، ويقبل قوله.
حكى أنه اجتمع مرّة بالسّلطان المذكور، وهو متوجّه إلى مدينة أدرنة، فسأله السّلطان محمد عن أحوال مدينة فرّم
(2)
، فقال له الشيخ: كنا نسمع أنه كان بها ستمائة مفت، وثلاثمائة مصنّف، وأنها كانت بلدة عظيمة، معمورة بالعلماء والصّلاّح، وقد أدركت أنا أواخر ذلك.
فقال له السّلطان: وما كان
(3)
سبب خرابها؟
قال: حدث هناك وزير، أهان العلماء، وأقصاهم، فتفرّقوا فى البلاد، وجلوا عن الأوطان، والعلماء فى المدينة بمنزلة القلب، ومتى عرضت للقلب آفة سرت إلى سائر البدن.
فأمر السّلطان عند ذلك بإحضار وزيره محمود باشا، فلما حضر حكى له ما ذكره الشيخ، وقال له: قد ظهر أنّ خراب الملك من الوزراء.
فقال له الوزير: لا بل من السّلطان.
قال: لم؟
قال: لأىّ شئ استوزر مثل هذا الرّجل!!
فقال السّلطان: صدقت.
وكان للشيخ مجالس وعظ يحضرها الخاصّ والعامّ.
وله مؤلفات، منها:«حواش على شرح اللّبّ» للسيّد عبد الله، و «حواش على شرح
(1)
روى المؤلف قول صاحب الشقائق مع تصرف كبير.
(2)
فرم، هى فريم، وانظر بلدان الخلافة الشرقية 413.
(3)
ساقط من ط، ن، وهو فى: ص، والشقائق.
العقائد» للتّفتازانىّ، و «حواش على التّلويح» ، وغير ذلك
(1)
.
***
219 - أحمد بن عبد الله بن برهان الدّين السّيواسىّ
(*)
قاضى سيواس
(2)
، قدم حلب، فاشتغل بها، ودخل القاهرة، وأخذ عن فضلائها.
ثمّ رجع إلى سيواس، وصاهر صاحبها، ثم عمل عليه حتى/قتله، وصار حاكما بها.
ثم إن بعض الأمراء الظاهريّة انحاز إليه، وقويت بهم شوكته، فأرسل الملك الظاهر إلى قتالهم العسكر الشاميّة، وهم نحو ألف، وصاحب سيواس أحمد هذا، ومن انحاز إليه، ووافقه من التّركمان وغيرهم نحو عشرين ألفا، فوقعت بينهم وقعة عظيمة، قتل فيها من الفريقين جماعة، ثم كان النصر للشاميّين، وانهزم برهان الدّين.
ثم أرسل يطلب الأمان من الظاهر، ويبذل له الطّاعة، فأمّنه، وصار من جهته.
تم إن التّاتار الذين كانوا بأرزنجان
(3)
، نازلوا برهان الدّين، فاستنجد الظاهر عليهم، فأرسل إليه جماعة كثيرة من العساكر الشاميّة، فلما أشرفوا على سيواس انهزم التّاتار منهم، وكانوا محاصريها.
ثم فى أواخر سنة ثمانمائة قصده عثمان بن قطلبيك
(4)
التّركمانىّ، وحصلت بينهما وقعة، انكسر فيها عسكر سيواس، وقتل برهان الدّين فى المعركة.
وكان جوادا فاضلا، وله نظم، رحمه الله تعالى.
(1)
لم يذكر المؤلف وفاته، وهو من رجال القرن التاسع، وانظر الاختلاف فى ذكر تاريخ وفاته فى: الفوائد البهية، وكشف الظنون.
(*) ترجمته فى: كشف الظنون 1/ 497، النجوم الزاهر 12/ 87، عجائب المقدور فى أخبار تيمور 81 - 83.
(2)
سيواس: بلدة كبيرة مشهورة، وبها قلعة صغيرة، ومسافة الطريق بينها وبين قيسارية ستون ميلا، تقويم البلدان 285.
(3)
أرزنجان: بلدة طيبة من بلاد أرمنية، من أرض الروم. معجم البلدان 1/ 205.
(4)
فى ص: «قطلبك» ، والمثبت فى: ط، ن، وفى النجوم الزاهرة 12/ 87 - أن أولاد ابن بزدغان من التركمان والأمير عثمان بن طرعلى المدعو قرايلك، تقاتلوا مع القاضى برهان الدين أحمد، صاحب سيواس، وفى عجائب المقدور أنه «عثمان قرايلوك» . انظره فى صفحة 81.
(1)
ولبرهان الدّين هذا، فى الكتاب الذى ألّفه ابن عرب شاه، فى سيرة تيمور، ترجمة حسنة، فلا بأس أن نلخّص منها ما يليق بمقام صاحبها، ونوفّيه حقّه، فنقول وبالله التوفيق
(2)
:
قال فى «الغرف العليّة» : وكان سبب دخوله إلى القاهرة أنه كان فى ابتداء أمره حين طلب العلم، رأى منجّما صادقا، فسأله عن حاله، فقال له المنجّم: أنت تصير سلطانا.
فقال: إن كان ولا بدّ فأكون سلطان مصر؛ فإنها أعظم الممالك. فقدم إلى القاهرة، وأقام بها سنين فما صار بها جنديّا، فقال فى نفسه: أقمت هذه المدّة الطويلة، وما صرت جنديّا، فمتى أصير سلطانا، فعاد إلى سيواس، وآل أمره إلى أن ملكها.
وقال المقريزىّ: القاضى برهان الدّين السّيواسىّ، حاكمها، وحاكم قيساريّة
(3)
وترقات
(4)
.
قصده الأمير قراملك
(5)
؛ فلم يكترث به القاضى؛ احتقارا، وركب عجلا بغير أهبة، وساق فى أثره، فكرّ عليه قراملك، فأخذه قبصا باليد، فتفرّقت عساكره شذر مذر.
إلى أن قال: وكان عالما، جوادا، شديد البأس، يحبّ العلم والعلماء، ويدنى إليه أهل الخير والفقراء، وكان دائما يتّخذ يوم الخميس والجمعة والاثنين لأهل العلم خاصّة، لا يدخل عليه سواهم.
وأقلع قبل موته، وتاب، ورجع إلى الله تعالى.
ومن مصنّفاته كتاب «التّرجيح على التّلويح» .
وكان للأدب وأهله عنده سوق نافق.
***
(1)
من هنا إلى نهاية الترجمة ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
(2)
هكذا ذكر المؤلف، ثم بدأ بالنقل عن «الغرف العلية» والمقريزى.
(3)
قيسارية: مدينة عظيمة فى بلاد الروم. معجم البلدان 4/ 214.
(4)
فى ن: «ونوفات» ، والمثبت فى: ص، ط، ولم أعرفه، وأقرب الأسماء إلى ما فى ن:«نوقات» ، ولكنها محلة بسجستان. انظر معجم البلدان 4/ 824.
(5)
فى النجوم الزاهرة 12/ 87: «قرايلك» ، وفى هامشه:«قراتلك» ، وفى عجائب المقدور:«قرايلوك» .
220 - أحمد بن عبيد الله، مصغّرا،
ابن إبراهيم بن أحمد بن عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز
ابن محمد بن جعفر بن هارون بن محمد بن أحمد
ابن محبوب بن الوليد بن عبادة،
الإمام شمس الأئمّة، المحبوبىّ، البخارىّ
(*)
من ذرّيّة عبادة بن الصّامت، رضي الله عنه.
تفقّه على أبيه الإمام الكبير عبيد الله بن إبراهيم.
ومن تآليفه «تنقيح العقول فى فروق المنقول» .
***
221 - أحمد بن عبيد الله،
بالتصغير أيضا، ابن عوض بن محمّد،
الشّهاب، ابن الجلال، ابن التّاج الأردبيلىّ
الشّروانىّ، القاهرىّ
(**)
أخو البدر محمود، المعروف بابن عبيد الله.
ولد فى صفر، سنة إحدى وتسعين وسبعمائة.
واشتغل قليلا، وتعلّم اللغة التركية، وتقرّب بها/عند الدّولة، وكان جميل الصّورة.
وناب فى الحكم عن التّفهنىّ، فمن بعده.
ووصفه السّخاوىّ، بأنه كان قليل البضاعة فى الفقه والمصطلح؛ ولذلك حفظت عليه عدّة أحكام فاسدة.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 137، الفوائد البهية 25، كتائب أعلام الأخيار، برقم 428.
(**) ترجمته فى: الضوء اللامع 376،1/ 385.
وذكر نقلا عن أخيه محمود، أنه حفظ «النافع» ، وأنه درّس بالأيتمشيّة
(1)
، برغبته له عنها، فلما مات عادت الوظيفة له.
مات بالإسهال الدّموىّ، والقولنج
(2)
، والصّرع، ليلة الأربعاء، ثالث عشرى شهر رمضان، سنة أربع وأربعين وثمانمائة، رحمه الله تعالى.
***
222 - أحمد بن عبد الرحمن بن إسحاق
ابن أحمد بن عبد الله، أبو نصر، الرّيغذمونىّ
(*)
المعروف بالقاضى الجمال.
كان إماما فاضلا، ولى قضاء بخارى.
وروى عن أحمد بن عبد الله بن الفضل الخيزاخزىّ، وروى عنه أبو بكر
(3)
عبد الرحمن ابن محمّد النّيسابورىّ، وأبو القاسم محمود بن أبى توبة الوزير، وغيرهما.
وكانت ولادته فى شوّال، سنة أربع عشرة وأربعمائة.
ووفاته فى شهر رمضان، من سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة، ببخارى.
والرّيغذمونىّ، بكسر الراء المهملة، وسكون الياء آخر الحروف، والغين المعجمة، وضمّ الميم، وسكون الواو، وفى آخرها النون، نسبة إلى ريغذمون، قرية من قرى بخارى
(4)
. والله تعالى أعلم.
***
(1)
هى التى تعرف اليوم بجامع أيتمش، الواقع بشارع المحجر، عند تلاقيه بشارع باب الوزير. حاشية النجوم الزاهرة 11/ 168.
(2)
القولنج: مرض معوى مؤلم، يعسر معه خروج الثفل والريح. القاموس (ق و ل ن ج).
(*) ترجمته فى: الأنساب لوحة 265 و، الجواهر المضية، برقم 124، الفوائد البهية 24،23، كتائب أعلام الأخيار، برقم 271، اللباب 1/ 485.
(3)
فى الأصول بعد هذا زيادة: «بن» ، والمثبت فى الأنساب، والجواهر، واللباب.
(4)
لم يذكر المؤلف ضبط الغين، ولا الذال المعجمة، بل لم ينص على أنها دال مهملة أو ذال معجمة، والذى أثبته هو ما فى: الأنساب، والجواهر، واللباب، وفى الفوائد أنه بالدال المهملة، وفى معجم البلدان 2/ 888، أنه بالغين المعجمة المفتوحة، والذال الساكنة.
223 - أحمد بن عبد الرحمن بن على
ابن عبد الملك بن بدر بن الهيثم بن خلف
أبى عصمة بن أبى الهيثم بن أبى حصين
ابن أبى عبد الله بن أبى القاسم اللّخمىّ، القاضى
(*)
قدم مصر من الرّقّة، وحدّث عن أبى يونس بن أحمد بن أبى سلمة الرّافقىّ.
روى عنه محمد بن على الصّورىّ.
قال فى «الجواهر» : ذكره شيخنا قطب الدّين، فى «تاريخ مصر» ، وقال: مات سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، رحمه الله تعالى.
***
224 - أحمد بن عبد الرحمن بن محمد
شهاب الدّين ابن قاضى عجلون
كاتب السّرّ، بدمشق.
وهو والد قاضى القضاء علاء الدّين الحنفىّ، قاضى دمشق.
توفّى سنة إحدى وستّين وثمانمائة، تغمّده الله تعالى برحمته.
***
225 - أحمد بن عبد الرحمن
أبو حامد، النّيسابورىّ، السّرخكىّ
(**)
بضمّ السّين، وسكون الراء، وفتح الخاء المعجمة، والكاف فى آخرها؛ قرية على باب نيسابور.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 125.
وفى ط، ن، «بن أبى حصين بن أبى عبد الله بن أبى عبد الله بن أبى القاسم» ، والمثبت فى: ص، والجواهر.
(**) ترجمته فى: الأنساب 296 و، الجواهر المضية، برقم 126، الفوائد البهية 23، كتائب أعلام الاخيار، برقم 170، اللباب 1/ 540، معجم البلدان 3/ 73.
كذا قاله فى «الجواهر» .
وذكر أنه سمع أبا الأزهر العبدىّ
(1)
، ومحمد بن يزيد
(2)
السّلمى.
وروى عنه أبو العباس أحمد بن هارون، وغيره.
وتوفّى فى شهر رمضان، سنة ستّ عشرة وثلاثمائة، انتهى.
وذكره ياقوت فى «معجم البلدان» ، كما ذكره صاحب «الجواهر» إلا أنه قال: أحمد ابن عبد العزيز
(3)
.
***
226 - أحمد بن عبد الرحيم بن شعبان
الدّمشقىّ، الحنفىّ، ابن النّحّاس
(*)
صحب الشيخ زين الدّين الرّدّادىّ
(4)
، وانتفع به.
وقرأ «ألفيّة ابن معطى» على ابن مالك.
وكان يقرئ بالرّوايات، مع الدّين والعبادة وملازمة الجماعة.
مات فى المحرّم، سنة إحدى وسبعمائة. رحمه الله تعالى.
***
227 - أحمد بن عبد الرّشيد البخارىّ
(**)
الملقّب قوام الدّين، الإمام.
(1)
هو: أحمد بن الأزهر بن منيع النيسابورى. توفى سنة ثلاث وستين ومائتين.
تذكرة الحفاظ 2/ 545.
(2)
فى الأصول «مؤيد» ، وفى معجم البلدان:«مرثد» ، والمثبت فى: الأنساب، والجواهر، والفوائد، واللباب.
(3)
فى النسخة المطبوعة بين أيدينا: «أحمد بن عبد الرحمن» فلعل الخطأ فى نسخة المصنف.
(*) ترجمته فى: الدرر الكامنة 1/ 181.
(4)
فى الدرر الكامنة: «الزواوى» .
(**) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 127، الفوائد البهية 24، كتائب أعلام الأخيار، برقم 358، كشف الظنون 1/ 562، فى ذكره شروح «الجامع الصغير» .
والد طاهر
(1)
الإمام.
له ذكر فى ترجمة صاحب «الهداية» .
كذا فى «الجواهر»
(2)
.
***
228 - أحمد بن عبد السّميع بن علىّ
ابن عبد الصّمد الهاشمىّ
(*)
من ولد عبد الله بن عبّاس.
قال فى «الجواهر» :/سمع أبا نصر الزّينبىّ.
وروى عنه ابن عساكر.
وذكره ابن النّجّار فى «تاريخه» ، وقال: كان خطيبا، فقيها حنفيّا.
***
229 - أحمد بن عبد العزيز بن عمر بن مازه
(**)
المعروف والده ببرهان الأئمة.
وهو أخو عمر بن عبد العزيز، الملقّب بالصّدر الشهيد حسام الدّين.
وأحمد هذا أحد مشايخ صاحب «الهداية» ، وأجازه برواية مسموعاته ومستجازاته مشافهة، بمدينة بخارى، وكتب ذلك بخطّه، وكان من جملة ما حصل لصاحب «الهداية» منه، رواية كتاب «السّير» لمحمّد بن الحسن، من طريقة شمس الأئمّة السّرخسىّ.
***
(1)
فى الأصول: «ظاهر» ، والمثبت فى الجواهر المضية، ويأتى فى حرف الطاء المهملة.
(2)
ترجمته فى الفوائد والكتائب أكثر عائدة مما فى الجواهر، ومما هنا.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 128.
(**) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 129، الفوائد البهية 24، كتائب أعلام الأخيار، برقم 343.
230 - أحمد بن عبد العزيز الحلوانىّ
البخارىّ، الإمام
(*)
قال فى «الجواهر» : تفقّه عليه علىّ بن عبيد الله الخطيبىّ.
ثمّ
(1)
أظنّه ابن الإمام شمس الأئمّة
(2)
عبد العزيز الحلوانىّ. رحمه الله تعالى.
***
231 - أحمد بن عبد العزيز، أبو سعيد، البردعىّ
(**)
كان إماما،
(3)
عالما، علاّمة، من أفراد الرّجال، وممّن تضرب بفضله الأمثال، وكان
(3)
مدار الفتوى عليه
(4)
فى زمانه، وكان يعقد مجلسا للوعظ، ويتكلّم على الناس.
وتوفّى يوم الاثنين، ثامن عشر ذى القعدة، سنة إحدى وتسعين وأربعمائة، رحمه الله تعالى.
***
232 - أحمد بن عبد القادر بن أحمد
ابن مكتوم بن أحمد بن محمّد بن سليم
ابن محمد القيسىّ، تاج الدّين، أبو محمّد، النّحوىّ
(***)
ولد فى أواخر ذى الحجّة، سنة اثنتين وثمانين وستمائة.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 130.
(1)
ليس فى الجواهر. ولعله يعنى: «ثم قال» .
(2)
فى ط، ن:«شمس الدين» والمثبت فى: ص، والجواهر المضية.
(**) ترجمته فى الجواهر المضية برقم 131.
(3 - 3) مكان هذا فى ص: «فاضلا. عليه» والمثبت فى، ط، ن.
(4)
فى ص: «على مذهب أبى حنيفة» ، والمثبت فى: ط، ن.
(***) ترجمته فى: بغية الوعاة 1/ 326 - 329، تاج التراجم 12، الجواهر المضية، برقم 132، حسن المحاضرة 1/ 268، روضات الجنات 310،1/ 309، الدرر الكامنة 1/ 186 - 188، شذرات الذهب 6/ 159، كشف الظنون 1/ 226، 2037،1477،1371،1367،1273،1122،2/ 1021،600،599،393،310، المنهل الصافى 1/ 317، الوافى بالوفيات 7/ 74 - 76.
وأخذ عن بهاء الدّين ابن النّحّاس، والدّمياطىّ
(1)
، وغيرهما.
قال ابن حجر: قرأت بخطه أنه حضر دروس البهاء ابن النّحّاس، وسمع من الدّمياطىّ اتّفاقا قبل أن يطلب، ولزم أبا حيّان دهرا طويلا، وأخذ عن السّروجىّ، وغيره.
ثم أقبل على سماع الحديث، ونسخ الأجزاء، وكتابة الطباق، والتّحصيل، فأكثر عن أصحاب النّجيب، وابن علاق جدّا، وقال فى ذلك
(2)
:
وعاب سماعى للأحاديث بعد ما
…
كبرت أناس هم إلى العيب أقرب
وقالوا إمام فى علوم كثيرة
…
يروح ويغدو سامعا يتطلّب
فقلت مجيبا عن مقالتهم وقد
…
غدوت بجهل منهم أتعجّب
(3)
إذا استدرك الإنسان ما فات من علا
…
فللحزم يعزى لا إلى الجهل ينسب
وكان قد تقدّم فى الفقه
(4)
والنحو واللغة.
ودرّس، وناب فى الحكم.
وله على «الهداية» «تعليق» ، شرع فيه، وشرع أيضا فى الجمع بين «العباب» ، و «المحكم» فى اللغة، وجمع كتابا حافلا سمّاه «الجمع المتناه، فى أخبار اللغويّين
(5)
والنحاة».
قاله ابن حجر، وقال: رأيت منه الكثير بخطّه، من ذلك مجلّدة فى المحمّدين خاصّة.
وذكر السّيوطىّ، أنها عشر مجلّدات.
قال: وكأنه مات عنها مسوّدة، فتفرّقت شذر مذر.
ومن تصانيفه «شرح كافية ابن الحاجب» ، و «شرح شافيته» ، و «شرح الفصيح» ، و «التّذكرة» ثلاث مجلدات، سمّاها «قيد الأوابد» .
(1)
فى ط، ن:«وسمع من الدمياطى» والمثبت فى: ص، والدرر الكامنة.
(2)
الدرر الكامنة 1/ 186.
(3)
فى الدرر الكامنة: «لجهل منهم» ، وكذلك فى بغية الوعاة.
(4)
يأتى هذا بعد «واللغة» فى: ط، ن، والمثبت فى: ص، والدرر الكامنة.
(5)
ليس فى الدرر الكامنة. وانظر حاشيته.
قال السّيوطىّ
(1)
: وقلّما وقفت على كتاب من الكتب الأدبيّة، من شعر/، وتاريخ، ونحو ذلك، إلاّ وعليه ترجمة مصنّف ذلك الكتاب بخطّ ابن مكتوم هذا.
قال: وجمع من «تفسير أبى حيّان» مجلّدا، سمّاه «الدّرّ اللّقيط من البحر المحيط» ، قصره على مباحث أبى حيّان، مع ابن عطيّة، والزّمخشرىّ.
ومن شعره
(2)
:
نفضت يدى من الدنيا
…
ولم أضرع لمخلوق
لعلمى أنّ رزقى لا
…
يجاوزنى لمرزوق
ومن عظمت جهالته
…
يرى فعلى من الموق
ومنه أيضا قوله
(3)
:
ما على العالم المهذّب عار
…
إن غدا خاملا وذو الجهل سام
فاللباب الشّهىّ بالقشر خاف
…
ومصون الثّمار تحت الكمام
ومنه أيضا قوله
(4)
:
ومعذّر قال العذول عليه لى
…
شبّهه واحذر من قصور يعترى
فأجبته هو بانة من فوقها
…
قمر يحفّ بهالة من عنبر
ومنه أيضا قوله
(5)
:
تغافلت إذ سبّنى حاسد
…
وكنت مليّا بإرغامه
وما بى من غفلة إنّما
…
أردت زيادة آثامه
وكانت وفاته فى الطّاعون العامّ، فى شهر رمضان، سنة تسع وأربعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
***
(1)
هذا قول ابن حجر، وليس قول السيوطى. انظر الدرر الكامنة 1/ 187.
(2)
الدرر الكامنة 1/ 187. البيتان الأولان فقط، الوافى بالوفيات 76،7/ 75.
(3)
البيتان فى: الدرر الكامنة 1/ 187، الوافى بالوفيات 7/ 75.
(4)
البيتان فى: الجواهر المضية 1/ 192، المنهل الصافى 1/ 317، الوافى بالوفيات 7/ 75.
(5)
البيتان فى: الدرر الكامنة 188،1/ 187.
233 - أحمد بن عبد القادر بن محمد
ابن طريف-بالطاء المهملة كرغيف-
شهاب الدين، أبو محيى الدّين، الشّاوىّ
-بالشين المعجمة-القاهرىّ
(*)
ولد فى سنة أربع وتسعين وسبعمائة-كما رواه السّخاوىّ مكتوبا بخطّه وصحّحه- بالقاهرة، ونشأ بها، فحفظ القرآن، و «مقدّمة أبى اللّيث» ، والكثير من «المجمع» .
وأسمع على ابن أبى المجد، والتّنوخىّ، والعراقىّ، والهيثمىّ
(1)
.
وسمع على الحلاوىّ، وغيره.
وأجاز له أبو حفص البالسىّ، وغيره، ولزم التّقىّ الشّمنّىّ، وحضر دروسه.
وحدّث ب «البخارىّ» وغيره، وسمع منه الفضلاء.
وصار بأخرة فريد عصره.
وكان خيّرا، قانعا باليسير، محبّا فى الطّلبة، صبورا عليهم، متودّدا إليهم، حافظا لنكت ونوادر وفوائد لطيفة، ذا همّة وجلادة على المشى، مع تقدّمه فى السّن.
ومتّع بحواسّه، إلى أن مات، فى ليلة الخميس، ثامن عشر ذى القعدة، سنة أربع وثمانين وثمانمائة، وصلّى عليه من الغد بمصلّى باب النّصر.
ونزل الناس بموته فى «البخارىّ» بالسّماع المتّصل درجة. رحمه الله تعالى.
***
(*) ترجمته فى: الضوء اللامع 352،1/ 351.
وفى ص: «ابن محيى الدين» ، والمثبت فى: ط، ن، والضوء.
وفى الضوء: «النشاوى» ، مكان «الشاوى» .
(1)
فى ص: «والهيتمى» ، والصواب فى: ط، ن، والضوء اللامع. وكانت وفاة ابن حجر الهيتمى بعد المترجم بكثير، سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة. انظر شذرات الذهب 8/ 370، والنور السافر 287.
234 - أحمد بن عبد الكريم بن عبد الصّمد
ابن أنوشروان التّبريزىّ الأصل، شهاب الدّين
أبو العبّاس، المعروف بابن المكوشت
(*)
قال ابن حجر: اشتغل فى مذهب أبى حنيفة، ومهر وتقدّم، وقال الشعر الحسن.
وقدم دمشق، فأفاد بها، وجلس مع الشهود بباب المسماريّة/.
سمع منه، من نظمه، الحافظان بهاء الدّين ابن خليل، وصلاح الدّين العلائىّ، ووصفه العلائىّ بالعلم، والفضل، والأدب. انتهى.
وذكره ابن خطيب النّاصريّة، فى «تاريخه» المنتقى من «تاريخ ابن حبيب» ، فقال:
فقيه علمه نافع وقربه مختار، وأديب كتابته تخفى بأوراقها محاسن الأزهار.
كان حسن الهيئة والمحاضرة، حريصا على المسالمة بعيدا عن المنافرة، ذا سمت جميل، وفضل جزيل، وحال مضبوط، ويد فى الشّروط، وقصائد نظمها متّسق، وفوائد برقها فى سماء الأدب مؤتلق.
وهو القائل من أبيات:
وحقّكم ما فى الوجود سواكم
…
بقلبى حلا أو فى سويدائه حلاّ
وحاشا وكلاّ أن أسمّى لغيركم
…
بعبد وأن أبقى على غيركم كلاّ
فما جار إلاّ عاذل عن هواكم
…
ولا عاش إلاّ من رأى جوركم عدلا
فلا تقطعوا عنّي عوائد جودكم
…
وردّوا لى العيش الحميد الذى ولّى
ولا تعرضوا عنّي فإنّى وحقّكم
…
أرى كلّ صعب دون إعراضكم سهلا
وذكره ابن شاكر الكتبىّ، فى «عيون التواريخ» .
وأورد من شعره قوله:
أجب بلبّيك دعا الحبيب
…
وكيف يدعوك ولا تستجيب
فإنّ إعراضك عن سيّد
…
إليه يدعوك عجيب عجيب
(*) ترجمته فى الدرر الكامنة 1/ 189.
وفيه: «المعروف بان المكوشة» ، وفى حاشيته:«وفى ب بابن الكوشت وصحتها المكوشب» .
فانتهز الفرصة فى غفلة
…
من حاسد أو كاشح أو رقيب
وارفع إلى مولاك شكوى الهوى
…
فإنّ مولاك قريب مجيب
وقوله أيضا:
أترى تمثّل طيفك الأحلام
…
أم زورة الطّيف الملمّ حرام
يا باخلا بالطّيف فى سنة الكرى
…
ما وجه بخلك والملاح كرام
لو كنت تدرى كيف بات متيّم
…
عبثت به فى حبّك الأسقام
إن دام هجرك والتّجنّى والقلى
…
فعلى الحياة تحيّة وسلام
نار الغرام شديدة لكنها
…
برد على أهل الهوى وسلام
وقوله أيضا:
بعد الثمانين ماذا المرء ينتظر
…
وقد تغيّر فيه السّمع والبصر
وأىّ شئ ترى يرجوه من ذهبت
…
لذّاته وهو للآفات منتظر
يرثى له أبدا من كان يحسده
…
على الشباب لحال كلّه عبر
فقائما فى اضطراب لا يفارقه
…
وقاعدا أشبه الأشيا به الحجر
شيخوخة تأنف الأبصار منظرها
…
لكن بها لذوى الألباب معتبر
كفى بها عبرة أنّ الكبير بها
…
بغير موت وقبر ليس ينجبر
وليس للشّيخ إلا أن يعامله
…
باللّطف مولى على ما شاء مقتدر
وقوله أيضا:
/عوّدتنى الخير وعاملتنى
…
باللّطف فى سائر أحوالى
وكلما عارضنى عارض
…
أثقلنى خفّفت أثقالى
حتى لقد بالقنع أغنيتنى
…
عن كلّ ذى جاه وذى مال
فإن تكن عنّى راض فيا
…
فوزى ويا سعدى وإقبالى
وكانت وفاته بدمشق، سنة خمس وثلاثين وسبعمائة، عن ست وثمانين سنة.
***
235 - أحمد بن عبد الكريم
(*)
رفيق محمود بن عبد الرحيم.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 133.
كانا فى زمن علاء الدّين التاجرىّ، المذكور فى «القنية» .
*ذكرهما فى «الجواهر» ، وحكى أنهما سئلا عن قرية يعطى الإمام لخطيبها فى كلّ سنة من غلاّت نفسه قدرا معيّنا، ثمّ إنّ واحدا خطب سنة، هل يستحقّ هذا المرسوم شرعا؟.
فقالا: لا.
***
236 - أحمد بن عبد المجيد
ابن إسماعيل بن محمّد
(*)
قاضى ملطية
(1)
.
تفقّه على أبيه عبد المجيد
(2)
. رحمهما الله تعالى.
***
237 - أحمد بن عبد الملك بن موسى بن المظفّر،
أبو نصر، القاضى، الأسروشنىّ، المعروف بكاك
(**)
من علماء ما وراء النهر، ومن أئمة أصحابنا.
مولده سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة.
حدّث عن العلاّمة محمود بن حسن القاضى.
ومات فى ربيع الأوّل، سنة تسع عشرة وخمسمائة. رحمه الله تعالى.
***
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 134.
(1)
ملطية: بلدة من بلاد الروم مشهورة مذكورة، تتاخم الشام. معجم البلدان 4/ 64، وذكر ياقوت أن العامة تقوله بتشديد الياء وكسر الطاء.
(2)
كانت وفاة والده على ما ذكر فى الجواهر المضية، سنة سبع وثمانين وخمسمائة.
(**) ترجمته فى الجواهر المضية، برقم 135.
والأسروشني، نسبة إلى أسروشنة، وهى بلدة كبيرة وراء سمرقند، من سيحون.
الأنساب 33، واللباب 1/ 43، وانظر معجم البلدان 1/ 245، وانظره أيضا فى 1/ 278.
وفى النسخ: «المعروف بكمال» اتباعا لبعض نسخ الجواهر، وهو خطأ، وانظر حاشيتى على الجواهر المضية 1/ 194.
238 - أحمد بن عبد المنعم القاضى
أبو نصر، الخطيب، الآمدىّ
(*)
فقيه، إمام.
روى عنه السّلفىّ
(1)
، وذكره فى «معجم شيوخه» .
كذا فى «الجواهر» .
***
239 - أحمد بن عثمان بن إبراهيم
أبو الفرج، الفقيه، عرف بابن النّرسىّ
(**)
من أهل باب الشام.
(2)
روى عنه القاضى أبو علىّ المحسّن بن علىّ التّنوخىّ، حكاية، فى كتاب «الفرج بعد الشّدّة» ، وقال: ما علمته إلا ثقة فيما يرويه، صدوقا فيما يحكيه.
قال: وكان خلف أبا الحسن علىّ بن أبى طالب البهلول التّنوخىّ على القضاء، بهيت، رحمه الله تعالى.
***
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 136.
(1)
انظر فى الجواهر النقل عن السلفى.
(**) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 138، ولم يرد فى الفرج بعد الشدة إلا ذكر أبى الفرج بن دارم وأبى الفرج الأصبهانى، وأبى الفرج المخزومى. على ما جاء فى فهرسته صفحة 509.
والنرسى؛ نسبة إلى نرس، وهو نهر من أنهار الكوفة، عليه عدة قرى. اللباب 3/ 221.
(2)
باب الشام: محلة كانت بالجانب الغربى من بغداد. معجم البلدان 1/ 445.
240 - أحمد بن عثمان بن إبراهيم
ابن مصطفى بن سليمان الماردينىّ الأصل
المعروف بابن التّركمانىّ
(*)
الإمام العلاّمة، تاج الدّين، أخو العلاّمة علاء الدّين، قاضى القضاة، من بيت العلم والرّئاسة.
ولد فى آخر ذى الحجّة، سنة إحدى وثمانين وستمائة.
وسمع من الدّمياطىّ، ومن الصّوّاف، وغيرهما.
وحدّث، واشتغل بأنواع العلوم، ودرّس، وأفتى، وصنّف، وناب فى الحكم.
وكان موصوفا بالمروءة، وحسن المعاشرة.
قرأت بخطّ بعض الأفاضل
(1)
ما صورته: نقلت من خطّ ولده جلال الدّين محمّد- يعنى ولد صاحب الترجمة-قال: كتب الشّهاب ابن فضل الله العمرىّ، كاتب السّرّ الشريف، يسأل والدى عن الاسم، والنّسب، والمولد، والمنشأ، وما له من تصنيف، فكتب إليه: الاسم، والكنية وهى أبو العباس، والمولد، والمسكن، ثم قال: وأمّا القبيلة فهو
(2)
من التّركمان الذين ينسلون من كلّ حدب، لا فارس الخيل، ولا وجه العرب. وأمّا النّسبة فهو من ماردين، ولولا سقوط الألف واللام لكانت من الماردين، فأعجب/لنسبة تمّت بالنّقصان، ولحقيقة وجدت بالفقدان. انتهى.
قال فى: «المنهل الصّافى» : صنّف «التعليقة» على «المحصول» للفخر الرّازىّ، وشرح «مختصر الباجىّ» فى الأصول، وهو مختصر «المحصول» و «تعليقة» على
(*) ترجمته فى: بغية الوعاة 1/ 334، تاج التراجم 13، الجواهر المضية، برقم 139، حسن المحاضرة 1/ 267، الدرر الكامنة 211،1/ 210، شذرات الذهب 6/ 140، الفوائد البهية 26،25، كشف الظنون 2/ 1064،408،339،18،1/ 2، 2036،1849،1805،1632،1615،1257،1246،1134، المنهل الصافى 1/ 362 - 366، من ذيول العبر «ذيل الحسينى» 241،240، الوافى بالوفيات 7/ 182 - 184.
(1)
يعنى القاضى مجد الدين إسماعيل الحنفى، كما جاء فى المنهل الصافى 1/ 362.
(2)
فى المنهل الصافى 1/ 363: «فهى» .
«المنتخب، فى أصول فقه المذهب» ، وثلاث تعاليق على «خلاصة الدّلائل، فى تنقيح المسائل» فى فقه المذهب، الأولى فى حلّ مشكلاته، والثانية فيما أهمله من مسائل «الهداية» ، والثالثة فى ذكر أحاديثه، والكلام عليها، وشرح «الجامع الكبير» لمحمّد بن الحسن، وشرح «الهداية» ، ولم يكمل، وله كتابان فى علم الفرائض، مبسوط ومتوسط
(1)
و «تعليق» على «مقدّمتى ابن الحاجب» ، وشرح «المقرّب» لابن عصفور، و «عروض
(2)
ابن الحاجب» وكتاب «أحكام الرّماية» ، وكتاب «الأبحاث الجليّة، فى
(3)
مسألة ابن تيميّة»، وشرح «الشّمسيّة» فى المنطق، وغير ذلك.
وكان يكتب الخطّ المنسوب، ويجيد النّظم، ومن نظمه ما كتبه إلى الشّهاب ابن فضل الله
(4)
:
غرامى بكم بين البريّة قد فشا
…
فلست أبالى بالرّقيب وما وشى
وهى طويلة. انتهى.
وقال جمال الدين المسلاتىّ: كتبت عنه من فوائده.
وعدّ له سبعة عشر تصنيفا، فى الفقه، والأصول، والعربيّة، والعروض، والمنطق، والهيئة، وله كلام على أحاديث «الهداية» .
قال: وغالبها لم يكمل، والكثير منها ينسب لأخيه.
ومات فى أوائل جمادى الأولى، سنة أربع وأربعين وسبعمائة. رحمه الله تعالى.
***
(1)
ساقط من: ط، ن، وهو فى: ص، والمنهل الصافى.
(2)
أى: وشرح عروض بن الحاجب. انظر المنهل الصافى 1/ 365.
(3)
فى المنهل الصافى: «على» .
(4)
المنهل الصافى 1/ 365.
241 - أحمد بن عثمان بن أبى بكر
ابن بصيبص، النّحوىّ الزّبيدىّ -بفتح
الزّاى-الزّبيدىّ -بضمّها-أبو العباس
(*)
إمام الحفّاظ، شرف النّحاة، وختام الأدباء.
كذا ذكره الخزرجىّ، فى «تاريخ زبيد» ، وقال: انتهت إليه رياسة الأدب، وكانت الرّحلة إليه، وكان بارعا فى فهمه، وله تصانيف مفيدة، وأشعار جيّدة.
(1)
ولم يكمّلها؛ لسبق القضاء عليه، وهو
(2)
شرح غريب المثال، انتحل فيه الأسئلة الدّقيقة، وأجاب عنها بالأجوبة الحقيقة؛ وهذّب منهاجها
(3)
، ونشر مقاصدها.
وله «المنظومة» المشهورة فى العروض.
ولم يزل على أحسن طريقة، حتى توفّى يوم الأحد، الحادى عشر من شعبان، سنة ثمان وستين وسبعمائة. رحمه الله تعالى.
***
242 - أحمد بن عثمان بن محمد
ابن إبراهيم بن عبد الله الكلوتاتىّ
(**)
ولد سنة اثنتين وستّين وسبعمائة.
وأجاز له العزّ ابن جماعة، وحبّب إليه الحديث، وابتدأ فى القراءة من سنة تسع وسبعين، وهلمّ جرّا، ما فتر، ولا ونى.
(*) ترجمته فى: بغية الوعاة 1/ 335، روضات الجنات 85، شذرات الذهب 6/ 210، العقود اللؤية 2/ 136.
(1)
فى ط، ن:«باشاد» ، والمثبت فى: ص.
(2)
فى ط، ن:«وله» ، والمثبت فى: ص.
(3)
كذا فى الأصول، والأولى «مناهجها» ، لتناسب فقرتى السجع.
(**) ترجمته فى: الضوء اللامع 1/ 378 - 380، المنهل الصافى 369،1/ 368.
وانظر الدرر الكامنة 1/ 232.
قال ابن حجر: فلعلّه قرأ «البخارىّ» أكثر من أربعين مرّة، وقرأ باقى الكتب السّتّة، واعتنى بالطّلب، ودار على الشيوخ، وأفاد الطّلبة.
ثم قال: أفادنى كثيرا، وسمعت الكثير بقراءته، وقد قرأ علىّ كتاب «تغليق التعليق» ، وله فى ذلك همّة عالية جدّا، وقرأ علىّ أيضا قطعة من «أطراف المسند» ، وقطعة من «المعجم الأوسط» ، وغير ذلك، والله يديم النفع به.
وقد اشتغل فى العربيّة كثيرا، ولم يمهر فيها، فكان بعض الشيوخ إذا سمع قراءته يقول له: اجزم تسلم.
ولم/يحصل له فى مدّة عمره وظيفة تناسبه.
ومات فى الرابع والعشرين من جمادى الأولى، سنة خمس وثلاثين وثمانمائة.
قال ابن حجر: قرأت بخطّه، أخذت علم الفقه عن الشيخ عزّ الدّين الرّازىّ، وجلال الدّين التّبّانىّ، وشمس الدّين ابن أخى الجار، وغيرهم؛ وعلم العربيّة عن الشيخ شمس الدين الغمارىّ
(1)
، والشيخ سراج الدّين ابن عمر، والشيخ شهاب الدين الصّنهاجىّ، والشيخ عبد الحميد الطّرابلسىّ، وآخرين. انتهى.
(2)
وذكره فى «الغرف العليّة» ، وذكر أنه كان ينشد:
ومحادث يبدى إلىّ بشاشة
…
وتقرّبا منّى بنشر محاسنى
وحديثه ضدّ الذى فى نفسه
…
شتّان بين مناصح ومداهن
كالدّرهم المغشوش ........
(3)
***
(1)
فى ط، ن:«الغمازى» ، والمثبت فى: ص، والضوء اللامع.
(2)
من هنا إلى نهاية الترجمة زيادة من: ص، على ما فى: ط، ن.
(3)
ذهب تآكل هامش النسخة-والزيادة مكتوبة عليه-ببقية البيت.
243 - أحمد بن عزيز بن سليمان
-وقيل: سليم-بن منصور بن عكرمة
النّسفىّ، البزدويّ
(*)
روى عن حبّان بن موسى المروزىّ، وأبى جعفر أحمد بن حفص البخارىّ، وجماعة من المتقدّمين، من أصحاب عبد الله بن المبارك.
ذكره الحافظ أبو العباس المستغفرىّ، فى «تاريخ نسف» ، فقال: كان إماما، من أصحاب أبى حنيفة، وروى عنه أهل نسف.
وجدّه سليم كان بالبصرة، قدم خراسان مع قتيبة بن مسلم، وسكن بزدة، من أعمال نسف.
كذا قال الأمير ابن ماكولا
(1)
. انتهى.
وبزدة: بفتح الباء الموحّدة، وسكون الزّاى، ودال مهملة، وهاء؛ من أعمال نسف، من بلاد ما وراء النّهر، والنّسبة الصّحيحة إليها كما قاله السّمعانىّ: بزدوىّ
(2)
، لا بزدىّ.
***
244 - أحمد بن عصمة، أبو القاسم، الصّفّار،
الملقّب حم، بفتح الحاء، البلخىّ
(**)
الفقيه، المحدّث.
تفقّه على أبى جعفر الهندوانىّ، وسمع منه الحديث.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية برقم 140.
(1)
ليس فى الإكمال. انظر 4/ 329 - 332، ونقله السمعانى فى الأنساب 79 و.
(2)
انظر الأنساب 278 ظ.
(**) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 141، الفوائد البهية 26، كتائب أعلام الأخيار، برقم 158.
روى عنه
(1)
أبو علىّ الحسن بن صدّيق بن الفتح الوزغجنىّ
(1)
.
مات سنة ستّ وعشرين وثلاثمائة، وهو ابن سبع وثمانين سنة.
***
245 - أحمد بن عطيّة الدّسكرىّ
أبو عبد الله، الضّرير
(*)
قال ابن النّجّار: درس الفقه على أبى عبد الله الدّامغانىّ.
وهو شاعر حسن، له معرفة تامّة بالنحو، واللغة.
روى عنه أبو البركات السّقطىّ، ومحمد بن عبد الباقى بن أحمد المقرى.
مدح الإمام القائم بأمر الله، وابن ابنه المقتدى بأمر الله، وابنه المستظهر بالله
(2)
.
وكان خصيصا بسيف الدّولة صدقة بن مزيد، وأحد ندمائه وجلسائه، وله فيه مدائح كثيرة فى المطابقة والمجانسة.
والدّسكرىّ، بفتح الدّال، وسكون السّين المهملة، وفتح الكاف وفى آخرها ياء؛ نسبة إلى دسكرة، وهى قريتان، إحداهما من أعمال بغداد
(3)
، على طريق خراسان، يقال لها:
دسكرة الملك، وهى كبيرة؛ والثانية قرية بنهر الملك، من أعمال بغداذ أيضا.
***
(1 - 1) فى النسخ: «أبو على الحسين بن الحسن بن صديق بن الفتح الوزعجى» والصواب من ترجمته فى حرف الحاء.
وفى اللباب 3/ 271. «وزغجن: قرية من قرى ما وراء النهر، منها أبو على الحسن بن صديق الوزغجنى، يروى عن محمد بن عقيل، وأحمد بن حم».
وكذا فى الأنساب 583 و.
(*) ترجمته فى: بغية الوعاة 1/ 336، الجواهر المضية، برقم 142، نكت الهميان 113، الوافى بالوفيات 185،7/ 184.
(2)
ولى القائم الخلافة سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، وكانت ولاية المستظهر سنة سبع وثمانين وأربعمائة، ووفاته سنة اثنتى عشرة وخمسمائة، فالمترجم على هذا من المعمرين.
(3)
ساقط من: ط، ومكانه بياض فى: ن، وهو فى: ص.
246 - أحمد بن عقبة بن هبة الله
ابن عطاء بن ياسين بن زهير البصراوىّ
(*)
والد إبراهيم، المذكور فيما تقدّم
(1)
.
كذا ذكره فى «الجواهر» من غيره زيادة.
***
247 - أحمد بن على بن إبراهيم، الشّهاب،
القاهرىّ
(**)
خادم الأمين الأقصرائىّ، المعروف بالقريصاتىّ، حرفة أبيه، ويقال له اللاّلا أيضا.
ولد فى سنة أربع وعشرين وثمانمائة.
وترقّى بخدمة الشيخ وملازمته، وملازمة دروسه سفرا وحضرا، وما انفكّ عنه حتى مات، بعد أن أذن له فى الإفتاء والتّدريس.
واستقرّ بجاه الشيخ فى جهات ووظائف/كثيرة، وحصل له ثروة زائدة.
وذكر هو، أنه رافق ابن شيخه أبا السّعود
(2)
فى الأخذ عن الشّمس الفيّومىّ، والعجمىّ، وفى السّماع على الزّين الزّركشىّ، وأنه قرأ على أبى الجود فى الفرائض، وعلى الشرف العلمىّ المالكى فى النّحو، وكذا قرأ فيه «الحاجبيّة» على المحبّ الأقصرائىّ، وجاور بعد شيخه سنة سبع وثمانين وثمانمائة.
***
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية برقم 143.
(1)
تقدم برقم 9.
(**) ترجمته فى الضوء اللامع 2/ 7.
(2)
على أنه بدل من «ابن شيخه» وفى الضوء: «رافق أبا السعود ابن شيخه» .
248 - أحمد بن على بن أحمد
أبو طالب، الهمدانىّ، المعروف بابن الفصيح،
الكوفىّ، فخر الدّين
(*)
كان إماما، عالما، علاّمة، مفنّنا
(1)
، معظّما.
وكان مفيدا، ومدرّسا بمشهد أبى حنيفة، وكان له صيت فى بلاد العراق، ثم قدم دمشق، فأكرمه الطنبغا، نائب الشام.
ودرّس بالقصّاعين
(2)
، وأعاد بالرّيحانيّة
(3)
.
قال ابن حجر: قال شيخنا العراقىّ، كان من فقهاء الحنفيّة، وله مؤلّفات.
وأرّخ الذّهبىّ مولده سنة تسع وسبعين
(4)
وستمائة تقديرا.
وأرّخه الصّفدىّ، وجزم به فى سنة خمس وثمانين
(5)
، انتهى.
وقال الذّهبىّ، فى «تاريخه المختصّ»: هو ذو الفنون فخر الدّين، أبو العباس.
ولد بالكوفة سنة ثمانين وستّمائة
(6)
.
وسمع من الدّواليبىّ وغيره، فأفتى، ودرّس، وناظر بدمشق، وظهرت فضائله، وله المصنّفات المفيدة.
(*) ترجمته فى: بغية الوعاة 1/ 339، تاج التراجم 13، الجواهر المضية، برقم 144، الدارس 526،1/ 252، الدرر الكامنة 1/ 217 - 219، طبقات القراء 1/ 84، الفوائد البهية 26، كتائب أعلام الأخيار، برقم 654، كشف الظنون 1/ 649، 1825،1516،1249،2/ 1248، من ذيول العبر «ذيل الحسينى» 299، المنهل الصافى 1/ 372 - 374، النجوم الزاهر 298،10/ 297.
(1)
فى ط: «مفتيا» ، والمثبت فى: ص، ن.
(2)
وهى التى يقال لها القصاعية، تقدم التعريف بها، فى ترجمة رقم 169.
(3)
تقدم التعريف بها، فى ترجمة رقم 55.
(4)
فى الدرر الكامنة: «99» هكذا رقما، ولم يرد عبارة.
(5)
فى الدرر الكامنة: «والذى قدمته جزم به الصفدى» ، والذى قدمه ابن حجر هو سنة «680» ، رقما، لم يرد عبارة.
(6)
فى الأصول: «وسبعمائة» خطأ.
وقال الكمال جعفر: نظم الكثير، وصنّف فى الفرائض، وكان كثير الإحسان إلى الطّلبة، بجاهه وماله.
وكان قد سمع ببغداذ من ابن الدّواليبىّ، وصالح بن عبد الله بن الصّبّاغ، وغيرهما، وأجاز له إسماعيل ابن الطّبّال، وتقدّم فى العربية، والقراءات، والفرائض، وغيرها، وشغل الناس، وكان كثير التودّد، لطيف المحاضرة.
ذكره الذهبىّ فى «معجمه» ، ومات قبله بمدّة،
(1)
وكتب عنه سعيد الذّهلىّ من شعره
(1)
. انتهى.
وذكره ابن خطيب النّاصريّة، فيما انتقاه من «تاريخ ابن حبيب» ، فقال: عالم حلت عبارته، وعلت إشارته، ولطفت معانى ذاته، وعذبت مذاقة نباته
(2)
، وحسنت أخلاقه، ورقمت بالتّبر أوراقه، تصدّى لمعرفة العلوم الأدبيّة، وتصدّر ببغداد لإقراء العربيّة، ومهر فى حلّ المشكلات والغوامض.
ثم قدم دمشق، فدرّس وأعاد، وجلس للإفادة مبلّغا طلبة العلم غاية المراد.
وهو القائل
(3)
:
أمرّ سواكه من فوق درّ
…
وناولنيه وهو أحبّ عندى
فذقت رضابه ما بين ندّ
…
وخمر مسكر مزجا بشهد
(4)
وقال أيضا
(5)
:
زار الحبيب فحيّا
…
يا حسن ذاك المحيّا
(1 - 1) ساقط من: ط، ن، وهو فى: ص، الدرر الكامنة. وفيهما بعد هذا التكرار:«ومات قبله بمدة» .
(2)
كذا بالأصول، ولعلها:«بناته» أى ألفاظه.
(3)
البيتان فى: المنهل الصافى 1/ 373، النجوم الزاهرة 10/ 298.
(4)
ورد عجز هذا البيت فى المنهل الصافى هكذا:
*وخمر مازجا كلاّ بشهد*
وفى النجوم الزاهرة:
*وخمرا مزجا منه بشهد*
(5)
البيتان فى: المنهل الصافى 1/ 374، النجوم الزاهرة 10/ 298.
من بعده كنت ميتا
…
من وصله عدت حيّا
(1)
وقال أيضا
(2)
:
ما العلم إلاّ فى الكتا
…
ب وفى أحاديث الرّسول
وسواهما عند المحقّ
…
ق من خرافات الفضول
(3)
قلت: ومن مؤلفاته المنظومة أيضا، قصيدة فى القراءات على وزن «الشّاطبيّة» بغير رموز، جاءت فى نحو حجمها بل أصغر، ونظم «المنار» فى أصول الفقه، ونظم «النّافع» ، وغير ذلك.
قال صاحب «تاج التراجم» : كتب إليه الشيخ أثير الدّين أبو حيّان، لمّا قدم دمشق قصيدا، منها
(4)
:
شرف الشام واستنارت رباه
…
بإمام الأئمّة ابن الفصيح
كلّ يوم له دروس علوم
…
بلسان عذب وفكر صحيح
(5)
وكانت وفاته بدمشق، سنة خمس وخمسين وسبعمائة.
رحمه الله تعالى.
***
249 - أحمد بن على بن أحمد
أبو العبّاس، الشّيبانىّ الأصولىّ
(*)
صاحب الإمام الزّاهد علىّ البلخىّ، وأستاذ الفقيه مسعود بن شجاع
(6)
.
ذكره الصّاحب أبو حفص عمر ابن العديم، فى «تاريخ حلب» .
(1)
فى المنهل الصافى، والنجوم الزاهرة:«من صده كنت ميتا» .
(2)
البيتان فى الدرر الكامنة 219،1/ 218.
(3)
فى الدرر الكامنة خطأ: «عند المحققين خرافات الفضول» .
(4)
البيتان أيضا فى المنهل الصافى 1/ 374.
(5)
فى المنهل الصافى: «بلسان عذب ونطق صحيح» وفى نسخة أخرى رواية موافقة لما هنا.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 146.
(6)
انظر حاشيتى على الجواهر المضية 208،1/ 207.
ومن شعره قوله:
أيّها النّوّام ويحكم
…
قد حملنا عنكم السّهرا
(1)
فجرها والصّبر بعدكم
…
ما سمعنا عنهما خبرا
***
250 - أحمد بن على بن أحمد
ابن على بن يوسف، الإمام، العلاّمة
شهاب الدّين، المعروف بابن عبد الحقّ
(*)
أخو قاضى القضاة برهان الدّين، المتقدّم ذكره
(2)
.
مولده تقريبا فى سنة ستّ وسبعين وستمائة.
ووفاته فى ليلة ثامن عشر ربيع الأول، سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة.
وكان إماما، فاضلا، فقيها، محدّثا، أفتى، ودرّس، وحصّل، وأفاد. رحمه الله تعالى.
***
251 - أحمد بن على بن أبى بكر
ابن نصير بن بجير بن خولان
ابن بجير بن خولان الصّالحىّ
(**)
ولد سنة أربع وثمانين وستمائة.
(1)
بعد هذا فى الجواهر المضية بيت أغفله التقى التميمى، ربما لاختلاله، هو:
صبحت فى ظلماء داجية
…
ما لها صبح فينتظرا
ولعل الصواب «فننتظرا» .
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 145، الدرر الكامنة 1/ 217، الوافى بالوفيات 7/ 246.
(2)
تقدم برقم 56.
(**) ترجمته فى: الدرر الكامنة 1/ 220، من ذيول العبر «ذيل الحسينى» 328.
وفيهما: «ابن بحتر» ، فى الموضعين، وفى حاشية الدرر:«فى م، ت: ابن بختر بن جولان، ولعله الصواب» .
وأحضر على الفخر بعض «المشيخة» ، وأسمع من زينب بنت المعلم
(1)
، وأجاز له جماعة.
وحدّث «بالصّحيح» عن ستّ الوزراء، واشتغل بالعلم، وتفقّه.
وولى التدريس ببعض المدارس، وخطب بالقلعة.
قال ابن حجر: سمع منه الحسينىّ، وشيخنا.
قال ابن رافع: كتب الحكم للحنفىّ.
وقال الحسينىّ: كان محترزا فى شهاداته.
مات فى ربيع الأول، سنة خمس وستّين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
***
252 - أحمد بن على بن تغلب
ابن أبى الضّياء بن مظفّر الشّامىّ الأصل،
البغدادىّ المنشأ، المنعوت بمظفّر الدّين،
المعروف بابن السّاعاتىّ
(*)
وأبوه هو الذى عمل السّاعات المشهورة على باب المستنصريّة، ببغداذ.
وكان أحمد إماما كبيرا، عالما علاّمة، متقنا مفنّنا، بارعا، فصيحا، بليغا، قوىّ الذّكاء، حتى كان الشيخ شمس الدّين الأصبهانىّ يفضّله، ويثنى عليه كثيرا، ويرجّحه على الشيخ جمال الدّين ابن الحاجب، ويقول: هو أذكى.
(1)
فى الدرر الكامنة، وذيل الحسينى:«العلم» . وفى أصل ذيل الحسينى: «بنت ست العلم» ، وفى نسخة منه:«بنت بنت العلم» .
(*) ترجمته فى: تاج التراجم 6، الجواهر المضية، برقم 147، روضات الجنات 1/ 325 - 328، الفوائد البهية 27،26، كتائب أعلام الأخيار، برقم 479، كشف الظنون 1991/،2/ 1599،734،1/ 235، مرآة الجنان 4/ 227، هدية العارفين 1/ 100، المنهل الصافى 404،1/ 400.
وفى ن، والفوائد:«بن ثعلب» ، والمثبت فى: ص، ط، والجواهر، والمنهل.
ومن تصانيفه: «الدّر المنضود فى الرّدّ على فيلسوف اليهود» يعنى بذلك ابن كمّونة اليهودىّ، و «مجمع البحرين» فى الفقه، جمع فيه بين «مختصر القدورىّ» و «منظومة النّسفىّ» ، مع زوائد، ورتّبه فأحسن، وأبدع فى اختصاره، وشرحه فى مجلّدين كبيرين.
وله «البديع» فى أصول الفقه، جمع فيه بين أصول فخر الإسلام البزدويّ، و «الإحكام» للآمدىّ.
قال فى خطبته: قد منحتك أيّها الطالب لنهاية الوصول إلى علم الأصول، بهذا الكتاب، البديع فى معناه، المطابق اسمه لمسمّاه، لخّصته لك من كتاب «الإحكام» ، ورصّعته بالجواهر النفيسة من «أصول فخر الإسلام» ؛ فإنّهما/البحران المحيطان بجوامع الأصول، الجامعان لقواعد المعقول والمنقول، هذا حاو للقواعد الكلّية الأصوليّة، وذاك مشحون بالشواهد الجزئيّة الفروعيّة. انتهى.
ووجد إجازة بخطّه، على نسخة من «مجمع البحرين» ، يقول فيها للمجاز له
(1)
: وأنا معتمد على الله تعالى، ثم ملتمس من خدمته أن يصون هذا الكتاب، ويحفظه عن تغيير يقع فيه، وما يرى فيه من مخالفة لفظ أو معنى لما فى أحد الكتابين، فلا يتسرّع إلى إنكاره؛ فإنّ لى فيه مقصدا صالحا؛ من تحرير نقل، أو اختيار ما هو الأصحّ من الأقوال والرّوايات، وقد كنت عازما على التّنبيه على ذلك فى حواشى الكتاب، فلم يتّسع الزمان؛ لسرعة التوجّه إلى دار السّلام، صانها الله تعالى عن الغير، وفتح لها أبواب النّصر والظّفر، ولكن كلّ ذلك منقول من مواضعه، محرّر عند واضعه، منبّه عليه فى شرح الكتاب، والله الملهم للصّواب.
قال العلم البرزاليّ: توفّى سنة أربع وتسعين وستمائة.
وكان يضرب بفصاحته، وذكائه، وحسن كتابته المثل. رحمه الله تعالى.
***
(1)
المجاز له هو زكى الدين السمرقندى، كما فى الجواهر المضية.
253 - أحمد بن على بن على
ابن هبة الله بن محمد بن على بن البخارىّ،
أبو الفضل
(*)
ابن قاضى القضاة أبى طالب.
شهد عند والده فقبل شهادته، واستنابه فى القضاء، ثم لما توفّى والده جعل إليه القضاء ببغداذ، وخوطب بأقضى القضاة، وبذل على ذلك مالا.
ثم عزل، وبقى ملازما لمنزله، إلى أن توفّى، فى يوم الأربعاء، لأربع خلون من ذى الحجّة، من سنة تسع وتسعين وخمسمائة، رحمه الله تعالى.
***
254 - أحمد بن علىّ بن غازى
ابن علىّ بن شير التّركمانىّ
(**)
وقال فى «الجواهر» : أحمد بن غازى، بإسقاط علىّ، والصحيح ما قلناه.
قال صاحب «المنهل»
(1)
: هو الشيخ العلامة، شهاب الدين، المحدّث.
سمع من الحافظ الضّياء، وحدّث، وبرع فى الفقه، والأصول، والعربيّة، وكتب، وجمع، ورحل، وأفتى، ودرّس.
وكان كبير القدر، عظيم الشأن. انتهى.
وكانت ولادته سنة اثنتين وثلاثين وستمائة.
ووفاته فى ثانى
(2)
عشر ربيع الأول، سنة ست وتسعين وستمائة، رحمه الله تعالى.
***
(*) ترجمته فى: التكملة لوفيات النقلة 2/ 427، الجامع المختصر لابن الساعى 9/ 113 - 115، الجواهر المضية برقم 149، ذيل الروضتين 33.
(**) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 162.
وجاء ترتيب هذه الترجمة بعد الترجمة رقم 256 الآتية.
(1)
لم يرد فى الأحمدين من الجزء الأول، وهو ما طبع حتى الآن.
(2)
فى هامش ط: «ثامن» .
255 - أحمد بن على بن قدامة
أبو المعالى، البغدادىّ
(*)
تفقّه على الصّيمرىّ، ثم على قاضى القضاة أبى عبد الله الدّامغانىّ.
وولاّه القضاء بالأنبار، وأقام بها سنين، ثم ورد بغداد معزولا، فأقام بدرب أبى خلف، من الكرخ.
وكان يقرئ الأدب، و «الغرر»
(1)
للمرتضى أبى القاسم الموسوىّ، وسمعها منه.
وتوفّى فى شوّال، سنة ستّ وثمانين وأربعمائة، ودفن بمقرة الشّونيزيّة
(2)
عند أبى حنيفة، وقد زاد على الثمانين. رحمه الله تعالى.
***
256 - أحمد بن علىّ بن قرطاى
شهاب الدّين، أبو الفضل، بن علاء
الدّين بن سيف المصرىّ
(**)
سبط محمّد بن بكتمر السّاقى.
المعروف بابن بكتمر
(3)
.
ولد فى يوم الأحد، ثالث عشرى شعبان، سنة ست وثمانين وسبعمائة بالقاهرة.
ونشأ بها فى ترف زائد، ونعمة سابغة، وثروة ظاهرة؛ من إقطاع، وأوقاف كثيرة جدّا، حتى إن غلّته تزيد على عشرة دنانير/كلّ يوم، فيما قيل، ومع ذلك فلا يزال فى دين كثير؛
(*) ترجمته فى: أعيان الشيعة 9/ 175، بغية الوعاة 1/ 344، الجواهر المضية، برقم 150، معجم الأدباء 4/ 45، نزهة الألباء 371، الوافى بالوفيات 7/ 201.
(1)
كذا فى الأصول: والجواهر، ويعنى بالغرر «غرر الفرائد ودرر القلائد» وهو ما يعرف بأمالى المرتضى.
(2)
الشونيزية: مقبرة ببغداد، بالجانب الغربى. معجم البلدان 2/ 338.
(**) ترجمته فى: الضوء اللامع 31،2/ 30، المنهل الصافى 1 - 372،371.
(3)
فى الضوء اللامع: «ويعرف بسيدى أحمد بن بكتمر» .
لكونه يقتنى الكتب النفيسة، بالخطوط المنسوبة، والجلود المتقنة، وغير ذلك من الآيات البديعة، والقطع المنسوبة الخطّ.
وقد اشتغل فى الفنون، وبرع فى الفقه، وكتب على العلاء ابن عصفور، فبرع فى الكتابة وفنونها، حتى فاق فى المنسوب، لا سيّما فى طريقة ياقوت
(1)
.
وكان يقول: إنه سمع على ابن الجزرىّ، حديث قصّ الأظفار.
وأكثر النّظر فى التاريخ، والأدبيّات، وقال الشّعر الجيّد.
وكان ذا ذهن وقّاد، مع السّمن الخارج عن الحدّ، بحيث لا يحمله إلا الجياد من الخيل.
وكان فاضلا، أديبا، شاعرا، حسن المحاضرة، صبيح الوجه، محبّا فى الفضائل والتّحف.
وأتقن صنائع عدّة، حتى إنه كان يقترح لأصحاب الصّنائع أشياء فى فنونهم، فيقرّون بأنه أحسن ممّا كانوا يريدون عمله.
وهو من أفكه الناس محاضرة، وأحلاهم نادرة، وأبشّهم
(2)
وجها، وأظهرهم وضاءة، عنده من لطافة الصّفات، بقدر ما عنده من ضخامة الذّات، وله وجاهة عند الأكابر.
ومحاسنه شتىّ، غير أنه كان مسرفا فى الإنفاق، يضيّع ما عنده ولو فى غير محلّه، ويستدين أيضا ويصرف.
وقد قطن القدس، ودمشق، والقاهرة، وتوفّى بها، فى الطّاعون، ليلة الاثنين، عاشر ذى القعدة، سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وحمل جنازته ثمانية أنفس، منهم أربعة بالخشب الذى يسمّونه قوبا، رحمه الله تعالى.
ومن نظمه قوله
(3)
:
تسلطن ما بين الأزاهر نرجس
…
بما خصّ من إبريزه ولجينه
(1)
يعنى «ابن عبد الله المستعصمى» انظر المنهل الصافى.
(2)
فى ط، ن، «وأنسبهم» ، وفى الضوء اللامع:«وأحسنهم» ، والمثبت فى: ص.
(3)
البيتان فى الضوء اللامع 2/ 31.
فمدّ إليه الورد راحة مقتر
…
فأعطاه تبرا من قراضة عينه
ومنه أيضا
(1)
:
إنّ إبراهيم أورى
…
فى الحشا منه ضراما
(2)
ليت قلبى بلقاه
…
نال بردا وسلاما
(3)
ومنه أيضا
(4)
:
رعى الله أيّام الرّبيع وروضها
…
بها الورد يزهو مثل خدّ حبيبى
وإنّى وحقّ الحبّ ليس ترحّلى
…
سوى لمكان ممرع وخصيب
***
257 - أحمد بن علىّ بن محمد
ابن علىّ بن أحمد بن علىّ بن يوسف الدّمشقىّ
كمال الدّين، بن صلاح الدّين، المعروف بابن عبد الحقّ
(*)
سبط الشيخ شمس المقرى.
وأمّا عبد الحق فهو جدّ جدّه لأمّه، وهو عبد الحق بن خلف
(5)
الحنبلىّ.
ولد سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة.
وأحضر على البندنيجىّ، وغيره، وأسمع الكثير على المزّىّ، والبرزاليّ، فأكثر عنهما، وتفرّد.
وهو من شيوخ ابن حجر، ذكره فى «المجمع المؤسّس» ، وقال عنه: ولم يكن محمودا فى سيرته، ويتعسّر فى التّحديث.
(1)
البيتان فى: الضوء اللامع 2/ 31، المنهل الصافى 1/ 372.
(2)
فى المنهل الصافى: «فى الحشا منى ضراما» ، وهى أولى.
(3)
من هنا إلى نهاية الترجمة ساقط من ص، وهو فى: ط، ن.
(4)
البيتان فى: الضوء اللامع 2/ 31، المنهل الصافى 1/ 372، وذكر فيه أنه قال البيتين فيمن يسمى خصيبا.
(*) ترجمته فى: الضوء اللامع 2/ 33.
(5)
فى الضوء اللامع «خليل» .
مات فى ثانى ذى الحجّة، سنة اثنتين وثمانمائة، رحمه الله تعالى.
***
258 - أحمد بن على بن محمد
ابن أيّوب بن رافع القلعىّ، الدّمشقىّ
(*)
إمام القلعة.
ذكره ابن حجر، فى «الدّرر» ، وقال: سمع من أبى بكر الرّضىّ، وغيره.
وحدّث، أجاز لى غير مرّة.
ومات/فى شوّال، سنة ثمان وتسعين وسبعمائة، وقد بلغ الثمانين، رحمه الله تعالى
***
259 - أحمد بن على بن محمد
ابن علىّ بن ضرغام بن علىّ بن عبد الكافى
الشّهاب، أبو العباس القرشىّ، التّميمىّ
البكرىّ، الغضائرىّ
(**)
المعروف بابن سكّر، بضم المهملة، ثم كاف مشدّدة.
سمع بإفادة أخيه من البدر الفارقىّ، وأبى زكريّا يحيى المصرىّ، وعبد الرحمن بن عبد الهادى، وغيرهم.
وأجاز له المزّىّ، والذّهبىّ، وابن الجزرىّ، وفاطمة بنت العزّ
(1)
، وآخرون.
وكان شيخا ساكنا.
مات سنة ست وثمانمائة، فى شهر رجب، وله بضع وسبعون سنة.
(*) ترجمته فى: الدرر الكامنة 1/ 232.
(**) ترجمته فى: الضوء اللامع 34،2/ 33.
(1)
هى فاطمة بنت إبراهيم بن عبد الله المقدسية، المتوفاه سنة سبع وأربعين وسبعمائة.
انظر الدرر الكامنة 3/ 300.
ذكره ابن حجر، فى «معجم شيوخه» .
***
260 - أحمد بن على بن محمد
ابن ضوء، شهاب الدّين، أبو عبد العزيز
الصّفدىّ الأصل، المقدسىّ،
ويعرف بابن النّقيب
(*)
ولد فى ليلة الاثنين، سابع عشرى رمضان، سنة إحدى وخمسين وسبعمائة.
وسمع من اليافعىّ، وخليل بن إسحاق الدّارانىّ، وعبد المنعم بن أحمد الأنصارىّ، وغيرهم.
وحدّث، وسمع منه الفضلاء، كابن موسى، ووصفه بالشيخ الإمام العالم.
وذكره ابن حجر فى «إنبائه» ، فقال: أحمد بن على بن النّقيب، تقدّم فى فقه الحنفيّة، وشارك فى فنون، وكان يؤمّ بالمسجد الأقصى.
مات سنة سبع عشرة وثمانمائة، رحمه الله تعالى.
***
261 - أحمد بن على بن محمد بن مكّىّ بن محمد
ابن عبيد بن عبد الرحيم، شهاب الدّين،
الأنصارى الدّماصىّ -بمهملتين نسبة لدماص،
قرية بالشّرقيّة من الدّيار المصرية-
ثم القاهرىّ، البولاقىّ
(**)
المعروف بقرقماس؛ لمشاركته لتركىّ اسمه كذلك.
(*) ترجمته فى: الضوء اللامع 2/ 32.
(**) ترجمته فى: الضوء اللامع 2/ 41.
ودماص، هى دماص الشرقية، من مديرية الدقهلية، بقسم منية غمر، شرقى ترعة أم سلمة. الخطط الجديدة التوفيقية 11/ 20.
قال السّخاوىّ: ولد، كما قرأته بخطّه، فى سنة تسعين وسبعمائة، بالقاهرة.
ونشأ بها، وقرأ القرآن، وحفظ «المختار» و «المنظومة» فى الفقه، و «المنار» فى أصوله، و «الحاجبيّة» فى العربيّة.
واشتغل فى الفقه على الجمال يوسف الضّرير، وغيره، وفى أصوله على الزّين طاهر، وغيره، وفى العربيّة على العزّ ابن جماعة، وحضر درسه فى غيرها أيضا.
وسمع «سنن أبى داود» ، و «ابن ماجه» على الغمارىّ، وختمهما على الإيناسىّ، وأوّلهما على المطرّز، وثانيهما على الجوهرىّ.
وناب فى القضاء على التّفهنىّ، والعينىّ، فمن بعدهما.
وحدّث باليسير، وسمع منه الفضلاء.
مات فى يوم الخميس، سادس عشر شهر ربيع الثانى، سنة اثنتين وثمانمائة، وصلّى عليه الأمين الأقصرائىّ، رحمهما الله تعالى.
***
262 - أحمد بن على بن محمد
ابن على بن محمد بن الحسن بن عبد الملك بن عبد الوهّاب
ابن حمّويه بن حسنويه القاضى،
الدّامغانىّ، أبو الحسين
(*)
ابن قاضى القضاة أبى الحسن بن قاضى القضاة أبى عبد الله.
مولده فى غزّة، سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة.
وكان إماما، فاضلا، بارعا، من بيت العلم والقضاء.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 151، المنتظم 10/ 117، الوافى بالوفيات 209،7/ 208.
وذكر السمعانى، فى الأنساب 219 ظ، أنه كتب عنه أحاديث يسيرة.
فوّض إليه قضاء ربع الكرخ، ثم الجانب الغربىّ بأسره، ثم ضمّ إليه قضاء باب الأزج
(1)
، وجرت أموره فى قضائه على السّداد.
وسمع الحديث من أبى الفوارس طراد
(2)
بن محمد بن على الزّينبىّ الحنفىّ، وأبى عبد الله الحسين بن أحمد بن طلحة، وأبى الحسين المبارك بن عبد الجبّار الصّيرفىّ، وغيرهم.
روى عنه أبو بكر بن كامل، وأبو القاسم/وأبو [سعد]
(3)
السّمعانىّ.
مات فى ليلة الأربعاء، حادى عشر جمادى الآخرة، سنة أربعين وخمسمائة.
نقله أبو سعد، وتابعه ابن النّجّار، وزاد: وصلّى عليه ظاهر الشّونيزيّة ولده أبو الحسن علىّ، ودفن على أبيه بدار النّبعة، رحمه الله تعالى.
***
263 - أحمد بن على بن محمد بن موسى
أبو ذرّ، الأسترآباذيّ
(*)
ذكره الخطيب فى «تاريخه» ، وقال: الفقيه على مذهب أبى حنيفة.
وقدم بغداد حاجّا، وحدّث بها عن أبى الحسن الكرخىّ، وإسماعيل بن محمد الصّفّار، ومحمد بن أحمد بن محمويه العسكرىّ، وجعفر بن محمد الخالدىّ، وعبد الصّمد الطّستىّ، وأبى سهل بن زياد، ودعلج بن أحمد.
وكان ثقة، مشهورا بالزّهد، موصوفا بالفضل.
وقال: حدّثنى عنه القاضيان أبو عبد الله الصّيمرىّ، وأبو القاسم التّنوخىّ.
***
(1)
باب الأزج: محلة كبيرة، ذات أسواق كثيرة ومحال كبار، فى شرقى بغداد. معجم البلدان 1/ 232.
(2)
طراد، ككتاب. انظر تاج العروس (طرد) 2/ 409.
(3)
من الجواهر المضية.
(*) ترجمته فى: تاريخ بغداد 4/ 317، الجواهر المضية، برقم 152.
264 - أحمد بن علىّ بن محمد السّجزىّ
(*)
المعروف بالإسلامىّ
والد علىّ
(1)
، الآتى ذكره فى بابه.
ذكره صاحب «الجواهر» ، ولم يذكر من حاله شيئا.
***
265 - أحمد بن علىّ بن منصور بن محمد
ابن أبى العزّ بن صالح بن وهيب بن عطاء
ابن جبير بن جابر بن وهيب الأذرعىّ الأصل،
الدّمشقىّ، شرف الدّين، أبو العباس
(**)
المعرف سلفه بابن الكشك، واشتهر هو بابن منصور.
ولد فى سنة عشر وسبعمائة، تقريبا.
وسمع الحديث، واشتغل كثيرا، ومهر.
وأذن له فى التّدريس، فدرّس، وأفتى، وأعاد.
وطلبه السّلطان الملك الأشرف من دمشق، وولاّه قضاء القضاة بالدّيار المصرية، فباشر قليلا، ثمّ ترك، ورجع إلى الشام.
وكان صارما مهيبا، نزها، قوّالا بالحقّ، لا يقبل لأحد هديّة، ولا يعمل برسالة أحد من أهل الدّولة، ولا يراعيهم، فكثرت عليه رسائلهم، فكره الإقامة بينهم، وسأل العزل مرّة بعد مرّة، وكان قامعا لأهل الظّلم، منصفا للمظلوم، كثير النّفع للناس.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 153.
(1)
كانت وفاة ولده هذا-كما سيأتى فى ترجمته-سنة ثمان وعشرين وخمسمائة.
(**) ترجمته فى: تاج التراجم 14، حسن المحاضرة 1/ 269، الدرر الكامنة 1/ 234، رفع الإصر 1/ 89، شذرات الذهب 274،6/ 273، الفوائد البهية 29،28، كشف الظنون 2/ 1622، النجوم الزاهرة 11/ 205.
وهذه الترجمة كلها ساقطة من: ص، وهى فى: ط، ن.
وكانت مقاصده جميلة، وأموره مستقيمة، إلا أنه لم يجد من يعاونه.
وكان دمث الأخلاق، طارحا للتكلّف، كثير البشر، جميل المحاضرة، متواضعا.
وكان يباشر صرف الصّدقات بنفسه، ما بين دراهم وخبز.
وصنّف «مختصرا» فى الفقه، وآخر فى أصول الدّين.
وذكر فى «تاج التراجم» ، أن المختصر المذكور فى الفقه اختصره من «المختار» ، وسمّاه «التّحرير» ، وعلّق عليه «شرحا» ، ولم يكمله.
قال ابن حجر: وصار كثير التّبرّم بالوظيفة، فاتّفق أن حصل للأشرف مرض فعالجه الأطبّاء، فما أفاد، فلازمه الجلال جار الله، فاتّفق أنه شفى على يده، فشكر له ذلك، ووعده بتولية القضاء، فبلغ ذلك شرف الدّين، فعزل نفسه.
قال: وأوجب ذلك عنده أنه سئل فى أوقاف أراد بعض الدّولة حلّها، فامتنع، فألحّ عليه، فأصرّ، وعزل نفسه.
وكان لمّا قدم القاهرة، انتصب للإقراء بالمدرسة المنصوريّة
(1)
، فقرأ عليه جماعة فى الفقه، وفى أصول الفقه.
وكانت وفاته بدمشق، فى يوم الاثنين، العشرين من شعبان، سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة.
وكان من محاسن الدّهر، وقضاة العدل، رحمه الله تعالى.
***
266 - أحمد بن على بن يوسف
ابن أبى بكر بن أبى الفتح بن على الحسينىّ
(*)
إمام الحنفيّة بمكّة المشرّفة.
(1)
هى مدرسة المنصور قلاوون، الكائنة بمسجده، فى شارع المعز لدين الله (بين القصرين). انظر حاشية النجوم الزاهرة 326،7/ 325.
(*) ترجمته فى الدرر الكامنة 237،1/ 236، العقد الثمين 113،3/ 111.
ولد سنة ثلاث وستين وستمائة.
وسمع من الشريف الغرّافىّ
(1)
، «تاريخ المدينة» /بسماعه منه، ومن غيره.
واجاز له باستدعاء البرزاليّ شمس الدّين ابن العماد الخليلىّ، وأبو اليمن ابن عساكر، والقطب القسطلاّنىّ، وغيرهم.
وسمع منه جماعة؛ منهم الحافظ الغرّافىّ، قرأ عليه «تاريخ المدينة» لابن النّجّار.
ومات فى رمضان، سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة، وقيل: فى ذى
(2)
القعدة، وقيل:
أوّل سنة ثلاث وستين، وله نحو تسع وثمانين سنة.
ولو كان سماعه على قدر سنّه لكان مسند عصره
(3)
، رحمه الله تعالى.
***
267 - أحمد بن علىّ، أبو بكر الورّاق
(*)
ذكره أبو الفرج محمّد بن إسحاق فى «الفهرست» ، فى جملة أصحابنا، بعد أن ذكر الكرخىّ، فقال: وله من الكتب: كتاب «شرح مختصر الطّحاوىّ» . ولم يزد.
وذكر فى «القنية» أنه خرج حاجّا إلى بيت الله الحرام، فلما سار مرحلة، قال لأصحابه: ردّونى، ارتكبت سبعمائة كبيرة فى مرحلة واحدة. فردّوه. رحمه الله تعالى.
***
268 - أحمد بن علىّ، أبو بكر الرازىّ
(**)
الإمام الكبير الشأن، المعروف بالجصّاص، وهو لقب له، وكتب الأصحاب والتواريخ
(1)
فى الأصول: «العراقى» ، والمثبت فى الدرر الكامنة، والعقد الثمين، وجاء فيه:«وسمع بالإسكندرية من محدثها تاج الدين أحمد الغرافى-بغين معجمة وراء مهملة وألف وفاء-تاريخ المدينة لابن النجار عنه وتفرد به» .
(2)
تكملة من الدرر الكامنة.
(3)
هذا القول فى الدرر الكامنة.
(*) ترجمته فى: تاج التراجم 14، الجواهر المضية، برقم 154، الفهرست 294،293، الفوائد البهية 27، كتائب أعلام الأخيار، برقم 202، كشف الظنون 2/ 1628.
(**) ترجمته فى: البداية والنهاية 11/ 297، تاج التراجم 6، تاريخ بغداد 315،4/ 314، تذكرة الحفاظ 3/ 959، الجواهر المضية، برقم 155، العبر،2/ 354، الفوائد البهية 28،27، كتائب أعلام الأخيار، برقم 196، كشف الظنون 1635،1628،1627،2/ 1032،609،568،562،111،46،32،1/ 20، الوافى بالوفيات 7/ 241.
مشحونة بذلك.
ذكره صاحب «الخلاصة» فى الدّيات والشّركة، بلفظ الجصّاص، وذكره صاحب «الهداية» فى القسمة، بلفظ الجصّاص، وذكره صاحب «الميزان» من أصحابنا، بلفظ أبى بكر الجصّاص، وذكره بعض الأصحاب، بلفظ الرّازىّ الجصّاص.
*وذكره فى «القنية» ، عن بكر خواهر زاده، فى مسألة إذا وقع البيع بغبن فاحش، قال: ذكر الجصّاص، وهو أبو بكر الرّازىّ،
(1)
فى واقعاته
(1)
أن للمشترى أن يردّ وللبائع أن يستردّ.
*وقال الشيخ جلال الدّين فى «المغنى» فى أصول الفقه، فى الكلام فى الحديث المشهور: قال الجصّاص، إنه أحد قسمى المتواتر.
وذكر شمس الأئمة السّرخسىّ هذا القول فى «أصوله» عن أبى بكر الرّازىّ.
وقال ابن النّجّار فى «تاريخه» فى ترجمته: كان يقال له الجصّاص.
ذكر هذا كلّه صاحب «الجواهر» ، ثمّ قال: وإنما ذكرت هذا كلّه؛ لأنّ شخصا من الحنفيّة نازعنى غير مرّة فى ذلك، وذكر أن الجصّاص غير أبى بكر الرّازىّ، وذكر أنه رأى فى بعض كتب الأصحاب:«وهو قول أبى بكر الرّازىّ والجصّاص» بالواو. فهذا مستنده، وهو غلط من الكاتب، أو منه، أو من المصنّف، والصّواب ما ذكرته. انتهى.
قال الخطيب فى حقّه: كان مشهورا بالزّهد، والورع.
ورد بغداد فى شبيبته، ودرس الفقه على أبى الحسن الكرخىّ.
ولم يزل حتى انتهت إليه الرياسة، ورحل إليه المتفقّهة، وخوطب فى أن يلى قضاء القضاة، فامتنع، وأعيد عليه الخطاب فلم يفعل.
حدّث أبو بكر الأبهرىّ، قال: خاطبنى المطيع على قضاء القضاة، وكان السّفير فى
(1 - 1) واقعات الجصاص كتاب له فى الفقه، يذكر فيه ما يستحدث من القضايا والحكم فيها.
وفى الأصول خطأ: «واقعا به» ، والمثبت فى الجواهر المضية.
ذلك أبو الحسن بن أبى عمرو الشّرابىّ، فأبيت عليه، وأشرت بأبى بكر أحمد بن على الرّازىّ، فأحضر للخطاب على ذلك، وسألنى أبو الحسن بن أبى عمرو معونته عليه، فخوطب، فامتنع، وخلوت به، فقال لى: تشير علىّ بذلك؟.
فقلت: لا أرى لك ذلك.
ثم قمنا إلى بين يدى أبى الحسن بن أبى عمرو، وأعاد خطابه، وعدت إلى معونته، فقال لى: أليس قد شاورتك، فأشرت علىّ أن لا أفعل.
فوجم أبو الحسن بن أبى عمرو من ذلك، وقال: تشير علينا بإنسان، ثم تشير عليه أن لا يفعل!!.
قلت: نعم/، إمامى فى ذلك مالك بن أنس، أشار على أهل المدينة أن يقدّموا نافعا القارئ فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشار على نافع أن لا يفعل، فقيل له فى ذلك، فقال: أشرت عليكم بنافع؛ لأنّى لا أعرف مثله، وأشرت عليه أن لا يفعل؛ لأنه يحصل له أعداء وحسّاد.
فكذلك أنا أشرت عليكم به؛ لأنى لا أعرف مثله، وأشرت عليه أن لا يفعل؛ لأنه أسلم لدينه.
قال الصّيمرىّ: استقرّ التدريس ببغداذ لأبى بكر الرّازىّ، وانتهت الرّحلة إليه، وكان على طريقه من تقدّمه فى الورع، والزّهد، والصّيانة.
ودخل بغداذ سنة خمس وعشرين، ودرس على الكرخىّ، ثم خرج إلى الأهواز، ثمّ عاد إلى بغداذ، ثم خرج إلى نيسابور مع الحاكم النّيسابورىّ، برأى شيخه أبى الحسن الكرخىّ ومشورته، فمات الكرخىّ، وهو بنيسابور، ثم عاد إلى بغداذ، سنة أربع وأربعين وثلاثمائة.
تفقّه عليه أبو بكر أحمد بن موسى الخوارزمىّ، وأبو عبد الله محمد بن يحيى الجرجانىّ، شيخ القدورىّ، وأبو الفرج أحمد بن محمد بن عمر المعروف بابن المسلمة، وأبو جعفر محمد ابن أحمد النّسفىّ، وأبو الحسين محمد بن أحمد بن أحمد الزّعفرانىّ، وأبو الحسين محمد بن أحمد ابن الطّيّب الكمارىّ، والد إسماعيل قاضى واسط.
قال الخطيب: لأبى بكر تصانيف كثيرة مشهورة، ضمّنها أحاديث رواها عن أبى العبّاس الأصمّ النّيسابورىّ، وعبد الله بن جعفر بن فارس الأصبهانىّ، وعبد الباقى بن قانع القاضى، وسليمان بن أحمد الطّبرانىّ، وغيرهم.
قال فى «الجواهر» : وله من المصنّفات: «أحكام القرآن» ، وشرح «مختصر شيخه أبى الحسن الكرخىّ» ، وشرح «مختصر الطّحاوىّ» ، وشرح «الجامع» لمحمد بن الحسن، وشرح «الأسماء الحسنى» ، وله «كتاب» مفيد فى أصول الفقه، وله «جوابات» عن مسائل وردت عليه.
قال ابن النّجّار: توفّى يوم الأحد، سابع ذى الحجّة، سنة سبعين وثلاثمائة، عن خمس وستين سنة، وصلّى عليه أبو بكر الخوارزمىّ، صاحبه.
حكاه الخطيب. انتهى.
***
269 - أحمد بن عمر بن أحمد
ابن هبة الله بن أبى جرادة
(*)
ولد الصّاحب كمال الدّين ابن العديم، من البيت المشهور.
قال والده فى «الأخبار المستفادة، فى مناقب بنى جرادة» : ولد قبل صلاة الصّبح، من يوم الأربعاء، لأربع بقين من جمادى الأولى، من سنة اثنتى عشرة وستمائة، فى حياة
(1)
والدى، وسمّاه باسمه.
***
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية برقم 157، وهو:«العقيلى، الحلبى، ابن العديم» .
(1)
فى: ط، ن:«جنازة» ، وهو خطأ، صوابه فى: ص، والجواهر.
270 - أحمد بن عمر بن محمد
ابن أحمد بن إسماعيل بن علىّ بن لقمان
أبو اللّيث، بن شيخ الإسلام أبى حفص، النّسفىّ،
يعرف بالمجد
(*)
من أهل سمرقند، مولده فى سنة سبع وخمسمائة.
تفقّه على والده الإمام نجم الدّين عمر النّسفىّ، وغيره.
وأسمعه أبوه من جماعة من السّمرقنديّين، والغرباء الواردين عليهم بسمرقند.
وكان قد سمع من أبيه كثيرا، غير أنه لم يكن له عناية بالحديث مثل والده.
قال أبو سعد فى حقّه: من أولاد المحدّثين والأئمّة، وكان فقيها فاضلا، واعظا كاملا، حسن الصّمت
(1)
، وصولا للأصدقاء.
قدم مرو، سنة سبع وأربعين، متوجّها إلى الحجاز.
وانصرف من نيسابور لموت السّلطان
(2)
، وتشوّش
(3)
الطّرق.
قال/: ثم لمّا وافيت سمرقند، أوّل سنة تسع وأربعين، لقيته بها، واجتمعت به، وكان يعيرنى الكتب والأجزاء، ويزورنى وأزوره، ومع كثرة اجتماعى معه، وشدّة أنسى به، لم يتّفق لى أن أسمع منه شيئا بسمرقند.
وقدم علينا بخارى، فى سنة إحدى وخمسين، عازما على الحجّ، وورد بغداد، وأقام بها شهرين فى التوجّه والانصراف، أيّاما
(4)
قلائل؛ لأن الحروب قائمة بين امير المؤمنين
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 158، الفوائد البهية 29، كتائب أعلام الأخيار، برقم 353.
وانظر: إيضاح المكنون 2/ 616، كشف الظنون 2/ 1922.
(1)
لعل الصواب: «السمت» .
(2)
فى الجواهر بعد هذا زيادة: «مسعود» .
(3)
فى ط، ن:«ولتشويش» ، والمثبت فى: ص، والجواهر المضية. وتشوش الطرق فسادها بقطاعها، وتنازع الفئات المتصارعة أصحاب الأهواء.
(4)
كذا فى الجواهر، ولعله على البدلية من «شهرين» أو لعله:«إلاّ أياما قلائل» .
المقتفى لأمر الله، والسّلطان محمد شاه، والناس فى شدّة عظيمة، وكان ذلك فى صفر، سنة اثنتين وخمسين، فخرج من بغداد متوجّها إلى وطنه، فلما وصل إلى قومس، وجاوز بسطام، خرج جماعة من أهل القلاع،
(1)
وقطعوا الطريق على القافلة، وقتلوا مقتلة عظيمة من العلماء، والقافلين من الحجاز، أكثر من سبعين نفسا، وكان فيهم المجد النّسفىّ، رحمه الله تعالى.
قال: سمعت بعض الحجّاج القافلين من أهل سمرقند، يقول: قتل الإمام المجد النّسفىّ، يوم الاثنين، السّابع والعشرين من جمادى الأولى، سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة، بقرب كوف
(2)
، من نواحى بسطام، وكان عليه ثلاث ضربات، ضربة على رأسه، وضربتان فى رقبته، ودفن بهذه القرية، وأراد أهل بسطام أن ينقلوه إلى بسطام، فما أمكنهم؛ لأن الشمس والهواء الحارّ أثّرا فيه.
قال السّمعانىّ: أنشدنى الفقيه أبو اللّيث لفظا، قال أنشدنى والدى لنفسه
(3)
:
يا صاحب العلم أترضى بأن
…
يسعد قوم ولك الشّقوه
كفاك الله سبحانه لا يكن
…
غيرك أوفى منك بالحظوه
(4)
وأحمد بن عمر هذا، هو وأبوه من مشايخ صاحب «الهداية» ، وصدّر بهما فى «مشيخته» ، وذكر أن أحمد هذا أجاز له من سمرقند. رحمه الله تعالى.
***
271 - أحمد بن عمر اليمنىّ
شهاب الدّين، الحنفىّ
(*)
عنى بالنّحو، والفقه، والقراءات، والفرائض.
وأفاد ببلاده، وكان من فضلائها الكبار.
مات بزبيد. رحمه الله تعالى.
(1)
يعنى الإسماعيلية.
(2)
ساقط من: ط، ن، وهو فى: ص، والجواهر المضية.
(3)
الجواهر المضية،1/ 228.
(4)
لم يرد هذا البيت فى الأصول، ومكانه بياض فيها جميعا، وهو فى الجواهر المضية.
(*) ترجمته فى: حاشية الدرر الكامنة 1/ 247.
(1)
كذا فى «إنباء الغمر
(1)
».
***
272 - أحمد بن عمر
وقيل: عمرو، بن مهير، وقيل: مهران
الشّيبانىّ، أبو بكر، الخصّاف
(*)
ذكره صاحب «الهداية» فى الوديعة، بلقبه الخصّاف.
روى عن أبيه، وحدّث عن أبى عاصم النّبيل، وأبى داود الطّيالسىّ، ومسدّد بن مسرهد، والقعنبىّ، ويحيى بن عبد الحميد الحمّانىّ، وعلىّ بن المدينىّ، وعارم بن محمد أبى الفضل، وأبى نعيم الفضل بن دكين، فى خلق.
ذكره النّديم، فى «فهرست العلماء» ، فقال: كان فاضلا، فارضا، حاسبا، عارفا بمذهب أصحابه، وكان مقدّما عند المهتدى بالله، وصنّف للمهتدى «كتابا فى الخراج» ، فلما قتل المهتدى نهب الخصّاف، وذهبت بعض كتبه، ومن جملتها كتاب الخراج هذا، و «كتاب» ، عمله فى المناسك، لم يكن خرج للناس.
قال النّديم: وله من المصنّفات: «كتاب الخيل» فى مجلّدين، و «كتاب الوصايا» ، و «الشّروط الكبير» وكتاب «الشّروط الصغير» ، و «كتاب الرّضاع» ، و «كتاب المحاضر والسّجلاّت» ، و «كتاب أدب القاضى» ، و «كتاب النّفقات على الأقارب» ، و «كتاب إقرار الورثة بعضهم لبعض» ، و «كتاب أحكام الوقف» و «كتاب النّفقات» و «كتاب العصير/وأحكامه» و «كتاب ذرع الكعبة والمسجد الحرام والقبر» .
قال ابن النّجّار: وذكر بعض الأئمة، أن الخصّاف كان زاهدا ورعا، يأكل من كسب يده.
(1 - 1) زيادة من ص، على ما فى: ط، ن.
(*) ترجمته فى: أخبار أبى حنيفة وأصحابه، للصيمرى 158، تاج التراجم 7، الجواهر المضية، برقم 160، طبقات الفقهاء للشيرازى 140، طبقات ابن هداية الله 24، الفهرست 291،290، الفوائد البهية 30،29، كتائب أعلام الأخيار، برقم 137، كشف الظنون 1425،1416،1400،1395،2/ 1046،695،46،1/ 21، مفتاح السعادة 277،2/ 276، الوافى بالوفيات 267،7/ 266.
وقال شمس الأئمّة الحلوانىّ: الخصّاف رجل كبير فى العلم، وهو ممّن يصحّ الاقتداء به.
وروى عن بعض مشايخ بلخ، أنه قال: دخلت بغداد، وإذا على الجسر رجل ينادى ثلاثة أيّام، يقول: إن القاضى أحمد بن عمرو الخصّاف، استفتى فى مسألة كذا، فأجاب بكذا وكذا، وهو خطأ، والجواب كذا وكذا، رحم الله من بلّغها صاحبها.
قلت: هكذا ينبغى أن يكون العلماء، وهكذا يجب أن يكون التحفّظ فى دين الله، والنصيحة لعباد الله، لا كعلماء زماننا الذين ليس لهم غرض إلا التفاخر بالعلم، والتكبّر به، وإظهار القوّة والغلبة، فلا يبالى أحدهم إذا كان مستظهرا فى البحث على خصمه، أن يكون على الحقّ أو على الباطل، نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلىّ العظيم.
وكانت وفاة صاحب الترجمة ببغداد، سنة إحدى وستين ومائتين. رحمه الله تعالى.
***
273 - أحمد بن عمرو بن محمد
ابن موسى بن عبد الله، القاضى البخارىّ
(1)
أبو نصر، يعرف بالعراقىّ
(*)
حدّث عن أبى نعيم عبد الملك بن محمد بن عدىّ الأسترآباذيّ، ومحمد بن يوسف بن عاصم البخارىّ، وغيرهما.
ذكره الحافظ الإدريسىّ، فى «تاريخ سمرقند» ، فقال: كان أحد أئمّة أصحاب أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه، فى الفقه، وكان على قضاء سمرقند مدّة، وانصرف منها إلى بخارى.
وعاش إلى سنة ستّ وتسعين وثلاثمائة، ومات ببخارى، رحمه الله تعالى.
***
(1)
تبدأ من هنا أوراق سقطت من: ص، إلى أثناء ترجمة رقم 281 الآتية، وهى فى: ط، ن.
(*) ترجمته فى: الجواهر المضية، برقم 159.
274 - أحمد بن عمران، أبو جعفر،
اللّيموسكىّ، الأسترآباذيّ
(*)
الفقيه، المحدّث لأصحاب أبى حنيفة.
قال السّهمىّ، فى «تاريخ جرجان»: من أصحاب الرّأى، وكان مذهبه مذهب أهل السّنّة.
وروى عن الحسن بن سلاّم السّوّاق، وأحمد بن حازم بن أبى غرزة
(1)
، والهيثم بن خالد، ومحمد بن سعد العوفىّ، وابن أبى العوّام، وغيرهم.
سمع منه أبو جعفر المستغفرىّ، فى سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة، ومات فى هذه السنة.
*ذكره الحافظ أبو سعد الإدريسىّ، فى «تاريخ أسترآباذ» ، وقال: كان ثقة فى الحديث، من أصحاب الرّأى، شديد المذهب، كان يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق، والإيمان قول وعمل، يزيد وينقص.
قال السّمعانىّ: واللّيموسكىّ، بكسر اللام، وسكون الياء، وضمّ الميم، وبعدها واو وسين مهملة ساكنة، ثم كاف؛ نسبة إلى ليموسك، قرية من قرى أسترآباذ.
***
275 - أحمد بن عيسى الزّيبىّ
(**)
(*) ترجمته فى: الأنساب 498 و، تاريخ جرجان 469، الجواهر المضية، برقم 156، اللباب 3/ 75.
(1)
فى الأصول: «عزرة» ، والمثبت فى: تاريخ جرجان، والمشتبه 457، وهو غير متميز فى الأنساب.
(**) ترجمته فى: أخبار أبى حنيفة وأصحابه، للصيمرى 158، تاج التراجم 14، الجواهر المضية، برقم 161، وهى فى المصدرين الأخيرين مفصلة عما ورد هنا.
وفى ط: «الزنبى» ، وفى ن:«الزينى» ، وفى الصيمرى:«البرتى» ، وانظر الاحتجاج لما أثبته فى حاشيتى على الجواهر 233،1/ 232.
ذكره الصّيمرىّ
(1)
فى طبقة الخصّاف، وأحمد بن أبى عمران
(2)
، قال: وكان إليه أحد جانبى بغداد، والجانب الآخر إلى إسماعيل بن إسحاق.
***
276 - أحمد بن عيسى، أبو العبّاس
ابن الرّصّاص، النّحوىّ
شارح «الألفيّة» .
كان إماما كبيرا، فى الفقه، وغيره، وعليه انتفع الشيخ شمس الدّين الدّيرىّ.
توفّى بدمشق، سنة تسعين/وسبعمائة. رحمه الله تعالى.
*** آخر الجزء الأول ويليه الجزء الثانى، وأوله ترجمة:
277 -
أحمد بن الفرج بن عبد العزيز السّاغرجىّ، السّغدىّ، أبو نصر والحمد لله حقّ حمده
(1)
وردت هذه الكلمة قبل: «ذكره» فى الأصول، مما يوهم أنها نسبة المترجم، والتصويب عن المصادر السابقة.
(2)
تقدما، الأول برقم 272، والثانى برقم 158، والمترجم على هذا من رجال القرن الثالث الهجرى.