الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال تعالى:
{وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113].
إهداء
إلى والدي الكريمين، متع الله بهما، أهدي ثمرة جهد متواصل، استمر نحوًا من عشرين عامًا، فلولا الله ثم هما ما كان ما كان، فاللَّهم عطفك ورفقك ورحمتك وعفوك ورزقك وهداك بمن رقَّت عظامهم، وانحنت ظهورهم، وشابت شعورهم، في طاعتك، اللَّهم آمين آمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
شكر وتقدير
في هذه المرحلة، وفي هذا اليوم العظيم، يطيب لي أن أنظر إلى سنوات عمري كلها، فأشكر بحق من كان له أثر جميل في حياتي، يحفزني ويدعوني للنجاح وتحقيق الأمنيات والأهداف، والتمتع بها، والنظر لما بعدها.
المقدمة
الحمد لله ذي القدرة القاهرة، والآيات الباهرة، والآلاء الظاهرة، والدلائل الآسرة، والنعم المتواترة، والمنن المتكاثرة، والمنح الفاخرة.
اللَّهم لك الحمد على ما تميت وتحيي، ولك الحمد على ما تأخذ وتعطي، لك الحمد على حلمك بعد علمك، وعلى عفوك بعد قدرتك، لك الحمد كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، لك الحمد أوله وآخره، وظاهره وباطنه، وسره وعلانيته، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء، وخير الأتقياء، وغرة العلماء، وإمام الفقهاء، فصيح الخطباء، نبينا محمد وآله وصحبه وسلم، تسليمًا كثيرًا.
مولاي لا آوي لغيرك إنه
…
حُرم الهدى من لم تكن مأواه
مولاي جودك لم يدع لي مطلبًا
…
إلا وتممه إلى أقصاه
مولاي أنسك لم يدع لي وحشة
…
إلا محا ظلماءها بسناه
من كان يعرف أنك الحق الذي
…
بهر العقول فحسبه وكفاه
(1)
ثم أما بعد: فإنها والله لمن أعظم المنن، وأجزل النعم، أن يستعمل الله العبد في طاعته ومرضاته وخدمة دينه.
ولا ريب أن طلب العلم والبحمث عنه في مظانه وعند أهله، وثني الركب عند باذليه، من أكبر أبواب الأجر وسبل الثواب، كيف لا! ومنتهى
(1)
تسبيح ومناجاة وثناء (132).
هذا الطريق الجنة ورضوان الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم:"ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله به طريقًا إلى الجنة"
(1)
.
ووالله كفى بالعلم شرفًا، ومكانة عالية، ومنزلة سامية، أن الله تعالى جعل أهل العلم هم أخشى الخلق له، وأكثرهم طاعة وخضوعًا وامتثالًا لأوامره، واجتنابًا لزواجره، قال تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}
(2)
، وهذا إمام العلماء، وسيدهم صلى الله عليه وسلم يقول مخبرًا عن نفسه:"والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتقي"
(3)
.
والخير كله فيما أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالازدياد منه، والإكثار من أخذه، ألا وهو العلم، قال تعالى:{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}
(4)
، ولو كان ثم شيء خيرًا من هذا لأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم به، ولا يأمر الله تعالى نبيه إلا بالأتم والأكمل والأفضل.
العلم أشرف مطلوب وطالبه
…
لله أشرف من يمشي على قدم
العلم نور مبين يستضيء به
…
أهل السعادة والجهال في الظلم
ولما كنت طالبًا في جامعة أم درمان الإسلامية، تلميذًا في معهد بحوث ودراسات العالم الإسلامي، وكان من متطلبات التخرج تقديم بحث في الدراسات الإسلامية.
اخترت أن يكون البحث تحقيقًا لمخطوط "العقد المفرد في فقه الإمام المبجل أحمد بن حنبل" للإمام محمد البيومي بن محمد بن أبي عياشة بن
(1)
أخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر (2699).
(2)
(فاطر: 28).
(3)
أخرجه مسلم، كتاب الصوم، باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب (1110).
(4)
(طه: 114).
علي بن حسن الهاشمي، المولود عام 1263 هـ والمتوفى عام 1335 هـ بدمنهور، بمصر.
وكانت أسباب اختياري لهذا الموضوع القيم عديدة، وجديرة بالذكر، منها:
1 -
الرغبة في التفقه في دين الله تعالى، ومعرفة حكم وأسرار الشريعة، ولا يكون هذا إلا بدراسة كتاب فقهي معتمد، احتوى جميع الأبواب الفقهية، التي تنظم حياة الفرد والمجتمع، بدءًا بالعبادات والمعاملات، مرورًا بالنكاح والأحوال الشخصية، ثم الجنايات والحدود والقضاء.
2 -
الرغبة في الحصول على الخيرية، ورفعة الدرجة، وعلو المنزلة لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين"
(1)
.
3 -
الرغبة في خدمة التراث الفقهي الحنبلي، خاصة وأن المتون الحنبلية، المختصرة والميسرة قليلة نسبيًا، مقارنة بالمتون المتوافرة في المذاهب الأخرى.
4 -
الرغبة في خدمة تراث المؤلف، وإبرازه وإظهاره بصورة تجعله متداولًا، سهلًا قريبًا ميسورًا متوافرًا بين يدي الراغبين والباحثين، وذلك أن كثيرًا من تراث المؤلف رحمه الله لم ينشر أو يطبع، وهو من المكثرين، فلا شك أن دراسة كتابه يعتبر بحق إضافة جيدة وجديدة للمكتبة الإسلامية وإثراءً لها.
5 -
خدمة مذهب من أقوم المذاهب وأعدلها، ومن أشدها تمسكًا بالأثر في الجملة، وقد قيل:"أحمد مذهب، مذهب أحمد"، وقيل:"مذهب أحمد، مذهب أحمد".
وأحب هنا أن أرقم وأدوِّن بعض المصاعب التي واجهتني خلال بحثي، وهي عديدة، أذكر منها:
(1)
أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب:"من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين" برقم (71)، ومسلم، كتاب الإمارة باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة
…
" برقم (1037).
أولًا: ضعف الحصيلة العلمية والبضاعة المزجاة، التي ينوء بها ظهر راقم هذه السطور، حيث إن بحثًا في الدراسات العليا ينبغي لصاحبه أن يكون على درجة عالية من معرفة أمهات كتب كل فن، مطلعا عليها ومتمرسًا في قراءتها، مما يسهل عليه الوصول للمعلومة واستخراجها من مظانها، وفهم كلام العلماء على وجهه، وغير هذا مما لا أدركه.
ثانيًا: كثرة التنقل والترحال الذي أمرت به بعد الموافقة على موضوع الأطروحة، فأجزاء كثيرة من البحث كتبت في أماكن متعددة، منها ما كتب في جدة بلد المنشأ، ومنها ما كتب في مكة المكرمة، ومنها في المدينة المنورة، ومنها في الطائف، ومنها في الرياض، ومنها في القاهرة، ومنها في الدار البيضاء، ومنها كثير في أكرا، فكان هذا البحث أنيسي وجليسي في أوقات الحضر والسفر، في ردهات المطارات، وعلى كرسي الطائرة. ثالثًا: ظهر أثر التنقل الدائم في صعوبة العثور على المراجع كل حين، مما اضطرني إلى الاستعانة بالشبكة العالمية الإلكترونية مرات عدة.
رابعًا: صعوبة قراءة بعض المفردات التي كتبها المؤلف، حيث أظنه كتب كتابه بالريشة الخشبية والحبر الصيني، وذلك يظهر في عرض الخط وتداخل الأحرف.
خامسًا: صعوبة العثور على ترجمة أكثر اتساعًا ووفاء لحق الشيخ البيومي، أبو عياشة، فلطالما راجعت المكتبة المركزية كرات ومرات، ورجعت بخفي حنين، لقلة من تحدث أو ترجم له.
سادسًا: إغلاق بعض العبارات التي ساقها المؤلف؛ لأنه يجمع بين عباراتي كتابين، مما يجعل عبارته غير مفهومة لأول وهلة.
خطة البحث
وتشتمل الرسالة على فصلين:
• الفصل الأول: قسم الدراسة، ويتفرع منه أربعة مباحث:
• المبحث الأول: التعريف بالإمام أحمد رحمه الله وبمذهبه الفقهي، ويشتمل على مطلبين:
المطلب الأول: التعريف بالإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، ويشتمل على سبعة فروع:
الفرع الأول: اسم الإمام ونسبه رحمه الله.
الفرع الثاني: ولادة الإمام ونشأته رحمه الله.
الفرع الثالث: رحلات الإمام وطلبه للعلم رحمه الله.
الفرع الرابع: مؤلفات الإمام رحمه الله.
الفرع الخامس: شيوخ الإمام وتلامذته رحمه الله.
الفرع السادس: محنة الإمام رحمه الله.
الفرع السابع: وفاة الإمام رحمه الله.
المطلب الثاني: التعريف بمذهب الإمام أحمد رحمه الله، ويشتمل على ستة فروع:
الفرع الأول: المراد بالمذهب.
الفرع الثاني: أطوار المذهب.
الفرع الثالث: أصول المذهب.
الفرع الرابع: مميزات المذهب.
الفرع الخامس: مصطلحات الفقه الحنبلي.
الفرع السادس: كتب المذهب المعتمدة.
• المبحث الثاني: التعريف بالمؤلف رحمه الله، ويشتمل على ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: ذكر نبذة عن حياته الشخصية، ويشتمل على ثلاثة فروع:
الفرع الأول: اسمه ونسبه رحمه الله.
الفرع الثاني: مولده رحمه الله زمانًا ومكانًا.
الفرع الثالث: مناقب أسرته رحمه الله.
المطلب الثاني: مكانته العلمية، وثناء العلماء عليه رحمه الله.
المطلب الثالث: حياته العملية وأعماله ومؤلفاته.
المبحث الثالث: دراسة عصر المؤلف، ويشتمل على أربعة مطالب:
المطلب الأول: الحالة السياسية لعصر المؤلف.
المطلب الثاني: الحالة الثقافية والتعليمية لعصر المؤلف.
المطلب الثالث: الحالة الاقتصادية لعصر المؤلف.
المطلب الرابع: الحالة الحضارية والفنية في عصر المؤلف.
المبحث الرابع: التعريف بالكتاب، وفيه ستة مطالب:
المطلب الأول: توثيق الكتاب.
المطلب الثاني: أهمية الكتاب.
المطلب الثالث: مصطلحات الكتاب.
المطلب الرابع: منهج الكتاب.
المطلب الخامس: مصادر الكتاب.
المطلب السادس: تقييم الكتاب.
• الفصل الثاني: قسم التحقيق، ويتفرع منه أربعة مباحث:
المبحث الأول: وصف نسخ المخطوط.
المبحث الثاني: منهج التحقيق وبيان مفرداته.
المبحث الثالث: تحقيق المخطوط.
المبحث الرابع: الفهارس.
الفصل الأول قسم الدراسة
ويشتمل على أربعة مباحث:
المبحث الأول: التعريف بالإمام أحمد رحمه الله وبمذهبه الفقهي.
المبحث الثاني: التعريف بالمؤلف رحمه الله.
المبحث الثالث: دراسة عصر المؤلف.
المبحث الرابع: التعريف بالكتاب.
المبحث الأول التعريف بالإمام أحمد رحمه الله وبمذهبه الفقهي
ويشتمل على مطلبين:
المطلب الأول: التعريف بالإمام أحمد رحمه الله.
المطلب الثاني: التعريف بمذهب الإمام أحمد رحمه الله.
المطلب الأول: التعريف بالإمام أحمد رحمه الله
(1)
ويشتمل على سبعة فروع:
الفرع الأول: في ذكر اسم الإمام ونسبه رحمه الله:
هو: أبو عبد الله، أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد، ويتصل نسبه إلى مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة، وينتهي إلى: ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.
الفرع الثاني: في ذكر ولادة الأمام ونشأته رحمه الله:
توفي والد الإمام أحمد في الثلاثين من عمره، فانتقلت أمه من خراسان إلى بغداد، وكان الانتقال خيرًا على أمه وأمته؛ فولد ونشأ بها، يقول الإمام أحمد كما روى ابنه عبد الله:"قدمت بي أمي حمْلًا من خراسان، وولدتُ سنة 164 هـ".
وأفادت الروايات أن ميلاده كان في العشرين من شهر ربيع الأول عام (164) للهجرة، وأن مولده كان في بغداد.
(1)
انظر: سيرة الإمام رحمه الله في المدخل المفصل لبكر أبو زيد (150)، والمنهج الأحمد للعليمي (1/ 51)، وطبقات الحنابلة للفراء أبي يعلى (1/ 4)، وسير أعلام النبلاء للذهبي (11/ 177)، وانظر: منتدى الأصلين، وملتقى المذاهب الفقهية، على الشبكة العالمية الإلكترونية.
الفرع الثالث: رحلات الإمام، وطلبه للعلم رحمه الله:
تربى الإمام أحمد على يد امرأة صالحة، ألا وهي أمه الكريمة التي آثرت البقاء عليه والتفرغ له، فأعقبها الله جل جلاله بأن جعل ابنها ووحيدها فريد عصره، وأخلد ذكره إلى يوم النشور!
قدمت به أمه دار السلام بغداد، وكانت آنذاك بلد العلم والعلماء، وكان أول شأنه أن بدأ بطلب علم الحديث، وكان أول سماعه من هُشيم بن بشير الواسطي، ولازمه حتى توفي سنة 183 هـ، وكان أول من كتب أحمدُ عنه الحديثَ: هو أبو يوسف!
يعد الإمام أحمد أول من اشتهر بالرحلات في طلب الحديث، فقد رحل من بغداد إلى الكوفة والبصرة، وإلى عبادان، وإلى الجزيرة، وإلى واسط، وإلى الحرمين الشريفين: مكة والمدينة، ورحل ماشيًا إلى صنعاء اليمن، وإلى طرسوس مرابطًا وغازيًا، وإلى الشام وربما منعه من السفر خوف والدته وقلة ذات يده، وأول سفره كان إلى الكوفة بعد وفاة شيخه هُشيم، وأخذ العلم عن وكيع، ثم عاد إلى أمه بسبب حمى أصابته!
وأخذ في طريقه إلى مكة لأداء فريضة الحج عن يزيد بن هارون، وفي الحجاز أخذ عن ابن عيينة والشافعي، وأخذ عن عبد الرزاق بن همام محدث اليمن، وعن إبراهيم بن عقيل.
كان لأحمد بن حنبل شيوخ كثر، منهم في المسند ما يزيد عن 285 شيخًا كما ذكر الذهبي رحمه الله.
الفرع الرابع: مؤلفات الإمام رحمه الله:
للإمام رحمه مؤلفات في فنون متنوعة، وينقسم الفرع إلى ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: ما صنفه الإمام في غير علمي الفقه والأصول:
مثل:
1 -
كتاب المسند: وجمع فيه 30 ألف حديث.
2 -
كتاب الزهد.
3 -
كتاب فضائل الصحابة.
4 -
كتاب التاريخ.
5 -
كتاب الرد على الجهمية والزنادقة.
المسألة الثانية: ما ألفه الإمام في علمي الفقه والأصول:
1 -
رسالة في المسيء صلاته.
2 -
كتاب الأشربة.
3 -
كتاب المناسك الكبير.
4 -
كتاب المناسك الصغير.
5 -
كتاب الناسخ والمنسوخ.
6 -
كتاب الفرائض.
7 -
رسالة في الرد على من يزعم الاستغناء بظاهر القرآن عن تفسير سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
8 -
كتاب في طاعة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
المسألة الثالثة أوسع هذه الفنون وهي المسائل التي رويت عنه: "مسائل الإمام أحمد":
وهي عبارة عن أكثر من ستين ألف مسألة سئل عنها الإمام وجمعت في 20 مجلدًا ومن أشهر الذين رووا عنه هذه المسائل:
1 -
أبو بكر المروزي (ت 275 هـ): كان من ملازميه، وخاصة تلاميذه.
2، 3 - أبناؤه: عبد الله وصالح.
4 -
أبو داود السجستاني، سليمان بن الأشعث (252 - 275)، صاحب السنن.
وغيرهم ممن سيأتي ذكرهم إن شاء الله تعالى.
الفرع الخامس: شيوخ الإمام وتلامذته رحمه الله:
للإمام أحمد رحمه الله شيوخ كثر، منهم: هُشيم، ووكيع بن الجراح، ويزيد بن هارون، وسفيان بن عيينة، والإمام الشافعي، عبد الرزاق بن همام محدث اليمن، وإبراهيم بن عقيل.
وقد بلغ شيوخه في المسند إلى ما يزيد عن 285 شيخًا كما ذكر الذهبي رحمه الله في السير.
وللإمام رحمه الله تلاميذ كثيرون، وفيما يلي ذكر أخص الأصحاب ونقلة فقهه، منهم:
1 -
صالح ابن الإمام أحمد، وهو أكبر أولاد الإمام، تلقى العلم عن أبيه وغيره، توفي في 266 هـ.
2 -
عبد الله ابن الإمام أحمد، اشتغل برواية الحديث عن أبيه، توفي سنة 290 هـ.
3 -
أبو بكر أحمد بن محمد بن هانئ الخراساني البغدادي، الشهير بالأثرم، كان من الفقهاء الأعلام، توفي سنة 273 هـ.
4 -
حرب بن إسماعيل الحنظلي الكرماني، أخذ عن الإمام فقهًا كثيرًا، توفي سنة 280 هـ.
5 -
أبو بكر أحمد بن محمد بن الحجاج المروزي، هو الذي تولى تغسيل الإمام، وكان أخص أصحاب الإمام، وإمامًا في الفقه والحديث، توفي سنة 274 هـ.
6 -
أيوب بن إسحاق بن إبراهيم نقل روايات عن الإمام لا توجد إلا من طريقه.
7 -
وسليمان بن الأشعث السجستاني أبو داود، صاحب السنن، المتوفى سنة 275 هـ.
الفرع السادس: محنة الإمام رحمه الله:
القول بخلق القرآن فتنة عمياء جرّت على الأمة الوبال، حيث كانت ضريبة لإخضاع النص للعقل، لا العقل للنص، والعقل يحركه الهوى، والهوى لا عاصم له! ولما توفي هارون الرشيد سنة 193 للهجرة، وتولى المأمون الخلافة خرجت هذه الفتنة إلى حيز التطبيق، حتى عظمت واشتد عودها في زمن المعتصم، إلى أن بلغت الواثق بن المعتصم.
لم تكن هذه الفتنة في عهد هارون إلا في مجال الدراسة والمناظرة مع خوف شديد من هارون الرشيد، لذا لم يجرؤ رؤوس الضلال على نشر أفكارهم، فكبتوا مقالاتهم، وكفوا ألسنتهم.
فلما تولى المأمون سابع خلفاء بني العباس وهو تلميذ لأبي الهذيل العلاف المعتزلي، وسعى في نشر الفلسفة، وتوغل الفرس في خلافته، وكانوا له بطانة! فتشبعت نفسه بالاعتزال، وقرب رؤوس الضلال ومنهم: ثمامة بن الأشرس، والجاهل أحمد بن أبي دؤاد، ولم يجرؤ المأمون إذ ذاك على مراغمة الناس لوجود شيخ أهل السنة في زمانه، والذي كان له هيبة ومكانة عند العامة والخاصة: يزيد بن هارون، فلما مات يزيد بن هارون وخرج المأمون إلى طرسوس، وتردت حالته دعاه المشؤوم أحمد بن أبي دؤاد على حمل الناس عليها، وإرغامهم على ذلك! فقبل المأمون وكانت آخر أعماله نعوذ بالله من سوء الختام؛ فكان على هذا الفتنة ثلاثة نفر: أحمد بن أبي دؤاد، النافخ في غير هذه الفتنة، والخادم في بغداد صاحب الشرط إسحاق بن إبراهيم الخزاعي. وتلميذ ثمامة بن الأشرس: عمرو بن بحر بن محبوب البصري الكناني المعتزلي المشهور بالجاحظ.
وكان المأمون يبعث بالرسائل التي يأمر فيها بإحياء هذا المذهب، وهو في طرسوس حتى بلغت خمس رسائل، الأولى فيها دعوة العلماء إلى مراكز
الشرط ببغداد وأخذ أقوالهم، ثم بعث الجواب إليه! خاصة من كان من أصحاب المناصب، والذي لم يقل بالخلق يعزل من فوره! والثانية فيها طلب إرسال سبعة من المحدثين إليه، وتحت التهديد أجابوا مكرهين! وغضب عليهم الإمام أحمد وقال: هم أول من ثلم هذه الثلمة! لأنهم أجابوا، وهم عيون البلد، فاجتُرِء على غيرهم.
وبعد الإجابة تغيرت الطريقة، وبدأت شدة اللهجة تظهر في الرسائل، وأن من لم يجب فعقوبته الحبس، وأمر بإحضار علماء بغداد، وامتحانهم على ذلك، فلم يجب أربعة منهم، وهم: أحمد بن حنبل، ومحمد بن نوح، وعبيد الله بن عمر القواريري، والحسن بن حماد، ثم أجاب الأخيران بعد تقية، وأصر أحمد ومحمد على الحق وأن كلام الله غير مخلوق! فحبسا وقيدا وحملا على جملين، وبعث بهما إلى المأمون في طرسوس، وكان الإمام أحمد يسأل الله تعالى أن لا يرى المأمون، وقد بلغه أن المأمون يحد سيفه! فمات المأمون وهما في الطريق إليه سنة 218 للهجرة، فأعيدا إلى بغداد، وفي الطريق توفي محمد بن نوح في مكان اسمه: عانات. فحل قيده وغسله أحمد وصلى عليه، وذهب بأحمد إلى السجن!
ولما أحس المأمون بدنو أجله كانت وصيته لأخيه المعتصم الخليفة بعده، أن يواصل أمر المحنة وحمل الناس عليها!
ولما تولى المعتصم الخلافة كان على النقيض، فلم يكن من أهل العلم والمعرفة إنما كان رجلًا عسكريًا، مرّت به كلمة الكلأ فلم يعرف معناها لا هو ولا وزراؤه فقال:
لا حول ولا قوة إلا بالله: خليفة أميّ، ووزير عاميّ.
وفي عهد المعتصم ضرب الإمام أحمد بالسياط حتى سقط، فإذا أفاق لُعن وسُب وشُتم، وسُحب على وجهه، وخلعت يداه حيث شدتا في خشبتين حتى انخلعتا! وهو مقيد في كل هذه الأحوال بل إنه كان في صيام.
وكانت أقوى حجة دامغة عليهم في نقطتين:
هل علم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أن كلام الله مخلوق.
فإن كان الجواب بنعم، ألم يسعك ما يسعهم؟!
وإن كان الجواب بلا، فمن أنت حتى تؤتى من العلم ما لم يؤت نبينا صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه؟!
واستمرت هذه الحال ثمانية وعشرين شهرًا، والمعتصم يقول لأحمد: لولا أني وجدتك في يد من كان قبلي ما عرضت لك، ويريد أن يخلي سبيله، وابن أبي دؤاد يصرفه عما يريد، ويهول عليه سوء العاقبة إن أطلقه وخلّى سبيله.
ومن عجيب خلق الإمام وسمو نفسه إعلانه العفو عن كل من آذاه، وأنه في حل إلا صاحب بدعة، وجعل المعتصم في حل يوم فتح بابل وعمورية!
ثم توفي المعتصم سنة 227 للهجرة وتولى بعده ابنه الواثق فلم يستطع أن يعاود الكرة مرة أخرى لكنه أرسل إلى عامله إسحاق ينهى فيه الإمام أحمد عن مساكنته وليذهب حيث شاء!، وابتلى غير أحمد من الأئمة العلماء، وذبح أحمد بن نصر الخزاعي، وقيل: إنه تاب من هذا القول قبل موته، فلما ولي المتوكل الخلافة رفع الله به المحنة وأظهر السنة، وأفل نجم التجهم والاعتزال، وكتب بذلك إلى الآفاق سنة 234 للهجرة وكانت له مع أحمد الأخبار الحسان والتي يظهر فيها إكرام العالم وورع الإمام، وتقدير العالم، وإجلال أهل الديانة والمعروف، حكى ابن الجوزي رحمه الله أن الإمام أحمد بن حنبل قيل له أيام المحنة: يا أبا عبد الله! ألا ترى الحق كيف ظهر عليه الباطل؟! فقال: كلا. إن ظهور الباطل على الحق أن تنتقل القلوب من الهدى إلى الضلالة، وقلوبنا بعد لازمة للحق.
الفرع السابع: وفاة الإمام رحمه الله:
بعد أفول هذه الفتنة، والتي ذاق الإمام أحمد مرارتها سنوات طوال،
على كبر سنه، تفرغ لعبادة ربه فكان يختم القرآن في كل أسبوع مرتين، مرة في الليل وأخرى في النهار! وازداد زهده في الدنيا حتى قال: إنما هو طعام دون طعام، ولباس دون لباس، وأيام قلائل!
ولما مرض الإمام بعث إليه المتوكل بابن ماسويه المتطبب، ليصف له الأدوية فلا يتعالج، فلما طالت المدة قال المتوكل لابن ماسويه: ويحك، ابن حنبل ما نجح فيه الدواء؟! فقال له: يا أمير المؤمنين، إن أحمد بن حنبل ليس به علة في بدنه، إنما هذا من قلة الطعام وكثرة الصيام والعبادة، فسكت المتوكل.
توفي الإمام محمومًا في بغداد ضحوة يوم الجمعة الثاني عشر من ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين ومائتين للهجرة، وغسل وصلي عليه ودفن يوم وفاته، وكان عمره يوم مات: سبعة وسبعين عامًا وأحد عشر شهرًا واثنتين وعشرين ليلة.
المطلب الثاني التعريف بمذهب الإمام أحمد رحمه الله
(1)
ويشتمل على ستة فروع:
الفرع الأول: المراد بالمذهب:
المراد بالمذهب الفقهي، معرفة إمام المذهب وسيرته، وعلماء المذهب الذين كان لهم دور في انتشار المذهب وتحقيقه وتنقيحه، والأصول التي بنوا عليها مذهبهم، والمصطلحات فيه، وكتب المذهب المعتمدة، وكيفية نقله، وشروط معرفة المذهب وكيفية طلبه وتلقيه، ونحو ذلك.
الفرع الثاني: أطوار المذهب:
مر المذهب الحنبلي كغيره من المذاهب الإسلامية بعدة مراحل وأطوار، ساهمت في تأصيله وبقائه وتطوره، وهي إجمالًا خمسة أطوار سيأتي ذكرها تباعًا:
(1)
لمعرفة المزيد عن المذهب ونشأته، يراجع تاريخ التشريع الإسلامي لمناع القطان، وتاريخ المذاهب الفقهية له أيضًا، ودراسة المدارس والمذاهب الفقهية للأشقر، والمدخل المفصل لبكر أبو زيد، والمدخل لابن بدران، ومفاتيح الفقه الحنبلي للثقفي، والمنهج الفقهي العام لعلماء الحنابلة لابن دهيش، ويراجع منتدى الأصلين، وملتقى المذاهب الفقهية، على الشبكة العالمية الإلكترونية.
أولًا: طور النشأة والتكوين:
لم يعرف الأئمة الأربعة التمذهب المستفتي ولا التعصب لرأي إمام بعينه، بل كان يدل بعضهم على بعض ويرشد إلى الآخرين حين طلب الفتوى؛ لكن الله كتب القبول للأئمة الأربعة في العالمين، وكان لهم تلاميذ حفظوا علمهم، ودونوه، واستنبطوا مآخذه، وتتبعوا أصوله وقواعده، فالتفت الناس إلى هؤلاء التلاميذ كالعنق الواحد، وكان من هؤلاء الأئمة ناصر السنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله آخر الأئمة زمنًا وأوسعهم رواية وأثرًا، صاحب ديوان الإسلام في الرواية: المسند، الذي جعل الدليل مستنده فأفنى عمره في طلبه، فتلقى عن الأئمة والعلماء ومنهم الشافعي رحمه الله.
وبما أن للإمام تلاميذ فقد دونوا عنه المسائل، وتتبعوا علمه، واعتنوا بأقواله وأفعاله غاية العناية حتى فاق أقرانه، ولم يدرك مَنْ بعده مكانه في تدوين المسائل عنه سواء أكانت في الأمور العلمية أم العملية، وهذا ما تميز به الإمام عن غيره من الأئمة الذين سبقوه.
ثانيًا: طور النمو والنقل والانتشار:
ويمتد من منتصف القرن الثالث، حتى أوائل القرن الخامس الهجري، والتي تنتهي بوفاة شيخ المذهب في زمانه الحسن بن حامد سنة 403 للهجرة، وعرفت هذه الطبقة فيما بعد بطبقة المتقدمين.
وظهر في الجيلين الثاني والثالث من علماء الحنابلة من جمع مسائل الدين في كتب جامعة، ثم نسج أبواب الفقه معتمدًا عليهما.
وفي هذا الدور برز واشتهر علماء أجلاء، منهم عالم فذ جليل، له الفضل على كل منتسب للمذهب، ألا وهو:
1 -
أحمد بن محمد، المعروف بالخلال، والذي توفي سنة 311 ببغداد؛ الذي ألف كتابه الشهير: الجامع لعلوم الإمام أحمد، فلفت بمصنفه الأنظار، وصار مطلبًا لكثير من الأئمة والأعلام، وبان المذهب واتضحت معالمه، وشغل الناس به، ومن هنا بدأ ظهور الانتساب إلى الإمام أحمد،
وأخذت أصول المذهب وخطوطه العريضة ومصطلحاته الدقيقة وآثاره النفيسة محل درس وتدريس واستقراء، وتأليف وتقريب وتلقين، كل ذلك كان بالإسناد والتلقي.
وممن اشتهر من علماء هذه الطبقة أيضًا:
2 -
الإمام أبو القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله، المشهور بالخِرقي المتوفى سنة 324، وقد تتلمذ على يد أصحاب أبي بكر المروزي، وجمع مسائل الإمام وبرع في المذهب، وكان من أوائل من وضع المتون في مذهب الحنابلة.
3 -
أبو بكر عبد العزيز بن جعفر بن أحمد، وقد صحب الخلال وخدمه حتى اشتهر بلقب: غلام الخلال.
ثالثًا: طور تحرير المذهب وضبطه وتنقيحه:
ويمتد هذا الطور من أوائل القرن الخامس حتى منتصف القرن التاسع الهجري، وينقسم هذا الطور إلى طبقتين:
أولًا: طبقة المتوسطين: وتبدأ من أوائل القرن الخامس وحتى نهاية القرن السادس.
من أبرز علماء هذا الطور:
1 -
القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين الفراء، المتوفى عام 380 هـ، وانتهت إليه رئاسة المذهب، وله كتب كثيرة في الفقه والأصول، والتنقيحات والتخريجات والترجيحات، والتي اعتمد عليها محققو المذهب فيما بعد.
2 -
أبو الخطاب الكلوذاني، محفوظ بن أحمد بن الحسن، وهو من تلاميذ القاضي أبي يعلى، برع في الفقه والأصول، وصنف كتبًا كثيرة أيضًا في المذهب.
3 -
ابن عقيل، أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد البغدادي، المتوفى عام 513 هـ، تتلمذ على القاضي أبي يعلى، خدم المذهب خدمات جليلة، وكان من علماء الحنابلة المحققين.
4 -
ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي، المتوفى عام 597 هـ، برع في علوم كثيرة، وكتب في علوم الإسلام عامة، وله مؤلفات كثيرة في خدمة المذهب.
ثانيًا: طبقة المتأخرين: وتبدأ من بداية القرن السابع وحتى منتصف القرن التاسع.
ومن أبرز علماء هذه الطبقة والذين كان لهم أثر في إثراء المذهب بالتأليف والتصحيح وبيان محاسنه:
1 -
ابن قدامة، أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد المقدسي، المتوفى عام 621 هـ انتهت إليه رئاسة المذهب في عصره، وخدم المذهب خدمة عظيمة بالتصنيف في الفقه والأصول، وبشرحه متن الخرقي، الشرح المعروف باسم المغني، كانت له متون فقهية لاقت اهتمام الحنابلة من بعده، فقاموا بشرحها في شروح كثيرة، وكانت له اليد الطولى في استقرار المذهب وشموخه ودوامه.
2 -
المجد أبو البركات، مجد الدين، عبد السلام بن عبد الله بن تيمية، المولود بحران سنة 590 هـ، له في فقه الحنابلة مصنفات متعددة، من أشهرها كتابه المحرر، وله ترجيحات مقدمة عند الحنابلة المتأخرين.
3 -
شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام، الملقب بابن تيمية الحراني، رحمهُ الله تعالى، المتوفى عام 728 هـ، تعلم العلم ودرس الفقه الحنبلي، وبلغ الإمامة في فروع الدين وأصوله، صنف كتبًا متعددة في الفقه وأصوله، منها شرح العمدة لابن قدامة، وله اجتهادات عظيمة بلغت الآفاق، ونفع الله تعالى بها البلاد والعباد، وأثنى عليه الموافق والمخالف.
4 -
أبو عبد الله محمد بن بكر بن أيوب، المشهور بابن قيم الجوزية، المتوفى عام 751 هـ، وتتلمذ على ابن تيمية، وتابعه على اجتهاداته في الجملة، ونصر المذهب الحنبلي وصححه.
5 -
برهان الدين بن مفلح الدمشقي، له كتاب الفروع وهو من الكتب
المعتمدة في المذهب، وحكاية الخلاف بين المذاهب، وهو من أنجب تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية.
6 -
زين الدين أبي الفرج، عبد الرحمن بن شهاب الدين بن أحمد بن رجب البغدادي.
ثالثا: امتداد طبقة المتأخرين إلى عصرنا الحاضر:
وأبرز ما في هذا الدور الاستفادة من كتب المذهب، وتمتد من منتصف القرن التاسع حتى نهاية القرن الرابع عشر الهجري، واستقر في هذه المرحلة المذهب تمامًا، وتميزت ببيان ما استقر عليه المذهب من روايات وأوجه، في مقابل الروايات والأوجه التي خالفها جمهور الحنابلة.
ومن أبرز علماء هذا الطور:
1 -
الإمام المرداوي، علاء الدين أبو الحسن على بن سليمان بن أحمد، المتوفى عام 885 هـ، وله كتاب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، وهو من أجلِّ المصنفات التي حررت روايات المذهب وأوجهه وترجيحاته، بل هو عمدة المتأخرين ممن كتب وصنف وأفتى، وألف في مذهب الحنابلة.
2 -
الإمام يوسف بن عبد الهادي المتوفى عام 959 هـ، وأشهر كتبه كتاب: مغني ذوي الأفهام عن الكتب الكثيرة في الأحكام.
3 -
الإمام شرف الدين موسى بن أحمد الحجاوي صاحب زاد المستقنع والإقناع وغيرها.
4 -
الإمام محمد بن أحمد بن عبد العزيز الفتوحي، الشهير بابن النجار الحنبلي، المتوفى عام 972 هـ الذي جاء بكتاب: منتهى الإرادات في الجمع بين المقنع والتنقيح وزيادات، وشرحه بنفسه، فكان نورًا على نور.
5 -
الإمام منصور بن يونس البهوتي ت 1051 هـ، له جهد كبير في خدمة المذهب ولمؤلفاته قبول عند متأخري الحنابلة، من خلال شروحه الروض المربع وكشاف القناع وغيرها.
6 -
الإمام عبد القادر بن مصطفى الدمشقي، المعروف بابن بدران، المتوفى عام 1346 هـ، له كتاب: المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وله حواش على الروض المربع وعلى شرح المنتهى للبهوتي، وله في أصول الفقه نزهة الخاطر العاطر شرح روضة الناظر لابن قدامة.
رابعًا: الدور الأخير وهو دور تنقيح وإحياء التراث الفقهي ودراسته دراسة موسعة:
وهذه من خصائص هذا العصر الحديث وذلك بإخراج التراث الفقهي المخطوط على شكل رسائل علمية محكمة، أو التأليف في مسائل فقهية معاصرة أو نوازل من خلال قواعد وأصول المذهب التي سيأتي ذكرها إن شاء الله.
الفرع الثالث: أصول المذهب
(1)
:
لمذهب الإمام أحمد رحمه الله كما لغيره من المذاهب الإسلامية أصول تعين الفقيه على الفتوى، ويستمد منها اجتهاده وتوجهه ونظره الفقهي، وإجمالًا يوجزها من يكتب في أصول الإمام أحمد في خمسة أصول سنعرض لذكرها بإيجاز وبالله التوفيق.
الأصل الأول: النص، وأعني بالنص: الكتاب وصحيح السنة:
قال ابن بدران في كتابه القيم "المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل": كان إذا وجد النَّصَ أفتى بِمُوْجِبه، ولم يلتفت إلى ما خالفه ولا إلى من خالفه، كائنًا من كان، ولهذا لم يَلتفت إلى خلاف عُمر في المبتوتة، لحديث فاطمة بنت قيس؛ ولا إلى خلافه في التَّيمم للجُنُب، لحديث عمار بن ياسر المصرح بصحة تيمم الجنب؛ وكذلك لم يلتفت إلى قول علي وعثمان وطلحة وأبي أيوب وأبي بن كعب في ترك الغسل من الإكسال،
(1)
انظر: المدخل، والمدخل المفصل وتاريخ المذاهب الفقهية، ومفاتيح الفقه الحنبلي، ومنتدى الأصلين على الشبكة العالمية الإلكترونية.
لصحة حديث عائشة "أنها فعلته هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلا" إلى غير ذلك مما هو كثير جدًّا.
ولم يكن يُقَدِّم على الحديث الصحيح عملًا ولا رأيًا ولا قياسًا، ولا قول صاحب، ولا عدم علمه بالمخالف، الذي يسميه كثير من الناس بالإجماع، ويقدمونه على الحديث الصحيح.
وقال الإمام ابن القيم وغيره من علماء الأصول: قَد كَذَّب أحمدُ مَن ادّعى هذا الإجماع، ولم يُسِغ تقديمه على الحديث الثابت، وكذلك الشافعي أيضًا، نَصَّ في الرسالة على أنّ ما لم يُعلم فيه خلاف لا يُقال له: إجماع. وقال عبد الله ابن الإمام أحمد: سمعت أبي يقول: "ما يَدّعي فيه الرجلُ الإجماعَ فهو كَذِبٌ، وَمَن ادّعى الإجماع فهو كاذب، لعل الناس اختلفوا، ما يُدريه ولم يَنته إليه، فليقل لا نعلمُ النَّاسَ اختلفوا، هذه دعوى بِشْر المرّيسي والأصم، ولكنه يقول: لا نعلم الناس اختلفوا أو لم يبلغني ذلك".
ونصوص رسول الله أجلّ عند الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث من أن يُقَدِّموا عليها تَوَهُّم إجماع مضمونه عدم العلم بالمخالف، ولو سَاغَ لَتَعَطّلت النصوصُ وسَاغَ لكل مَن لم يَعلمُ مخالفًا في حكم مسألة أن يُقدِّم جهله بالمخالف على النصوص، فهذا هو الذي أنكره الإمَام أحمد والشافعي من دعوى الإجماع، لا ما يظنه بعض الناس أنه استبعاد لوجوده.
الأصل الثاني: الأخذ بأقوال الصحابة رضي الله عنهم ما لم يكن لهم مخالف منهم:
كان الإمام أحمد رحمه الله إذا وجد للصحابي فتوى في مسألة، ولا يُعرف له مُخالف منهم فيها لم يَتجاوزها إلى غيرها، ولم يَقُل: إن ذلك إجماع، بل مِن وَرَعِه في العبارة يقول: لا أعلم شيئًا يدفعه، أو نحو هذا، وكان إذا وجد هذا النوع عن الصحابة لم يُقدم عليه عملًا ولا رأيًا ولا قياسًا، فكانت فتاواه لذلك، مَن تَأمّلها وتَأمّل فتاوى الصحابة رأى مطابقة كل منهما للأخرى، ورأى الجميع كأنها تخرج من مشكاة واحدة.
حتى إن الصحابة إذا اختلفوا على قولين جاء عنه في المسألة روايتان، وكان تَحَرِّيه لفتاوى الصحابة كتحرّي أصحابه لفتاواه ونصوصه، بل أعظم، حتى إنّه لَيُقَدِّم فتاواهم على الحديث المرسل.
قال إسحاق بن إبراهيم بن هانيء في "مسائله": قلت لأبي عبد الله حديث عن رسول الله مرسل برجالٍ ثبت أحبّ إليك، أو حديث عن الصحابة والتابعين متصل برجال ثبت؟
قال أبو عبد الله رحمه الله: "عن الصحابة أعجب إليّ" وَمِن ثمّ صارت فتاواه إمامًا وقدوة لأهل السنة على اختلاف طبقاتهم، حتى إنّ المخالفين لمذهبه في الاجتهاد والمقلدين لغيره، ليعظمون نصوصه وفتاواه، ويعرفون لها حقها، وقربها من النصوص، وفتاوى الصحابة.
الأصل الثالث: إذا اختلف الصحابةُ تَخَيّر من أقوالهم، ما كان أقربها إلى الكتاب والسنة، ولم يخرج عن أقوالهم، فإن لم يتبين له موافقة أحد الأقوال، حكى الخلاف فيها، ولم يَجزِم بقولٍ:
قال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ في "مسائله": قيل لأبي عبد الله: يَكُونُ الرجل في قومه فَيُسألُ عن الشيء فيه اختلاف؟ قال: يُفتي بما وَافَقَ الكتاب والسنة، وما لم يوافق الكتاب والسنة أَمسك عنه. قيل له: أَفَيُجاب عليه؟ قال: لا.
الأصل الرابع: الأخذ بالمرسل والحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه:
وهو الذي رجحه على القياس، وليس المراد بالضعيف عنده الباطل، ولا المنكر، ولا ما في روايته متهم بحيث لا يَسُوغُ الذهاب إليه والعمل به، بل الحديث الضعيف عنده: قسيم الصحيح، وقسم من أقسام الحسن، وَلم يَكُن يُقَسِّم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف بل إلى صحيح وضعيف. وللضعيف عنده مراتب: فإذا لم يَجِد في الباب أثرًا يدفعه، ولا قول صحابي، ولا إجماعًا على خلافه، كان العملُ به عنده أولى من القياس.
الأصل الخامس: القياس:
كان الإمام أحمد يستعمله للضرورة، ففي كتاب الخلال عن أحمد قال:"سألت الشافعي عن القياس؟ فقال: إنما يُصار إليه عند الضرورة".
فهذه الأصول الخمسة، أصول فتاوى الإمام أحمد رحمه الله، وعليها مدارها.
وكان رضي الله عنه يتوقف أحيانًا في الفتوى لتعارض الأدلة عنده، أو لاختلاف الصحابة فيها، أو لعدم اطلاعه فيها على أثر، أو قول أحد من الصحابة والتابعين، وكان شديد الكراهة والمنع للإفتاء بمسألة ليس فيها أثر عن السلف. فقد قال لبعض أصحابه: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام.
الفرع الرابع: مميزات المذهب:
ليس المقصود من ذكر هذه المميزات أن المذاهب الفقهية الأخرى تعرى عن مثل هذه المزايا، لا، لكن المقصود أن المتتبع لأبواب الفقه الحنبلي وفروعه ينطبع في ذهنه، ويرسخ في عقله، هذه الأطر والخطوط العريضة بشكل جلي واضح بين، فمن هذه المميزات ما يلي:
أولًا: العناية بذكر الدليل من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة في جل المسائل:
فلذلك يعتبر هذا المذهب قبلة لمدرسة النص لأن الناظر فيه يجد حشدًا ضخمًا من الأدلة، مع جودة الاستنباط منها والتفريع عليها وهو ما يعرف بفقه الدليل، أو فقه الأثر، فلا تكاد تجد مسألة إلا وجواب الإمام فيها: فيه حديثان، فيه أربعة أحاديث، فيه أحاديث جياد حسان، روى هذه السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا من الصحابة رضي الله عنهم.
ثانيًا: البعد عن الفقه الافتراضي:
وهو الذي يشتمل على مسائل يفترض أن تقع، ثم يفترض الحكم
الفقهي المناسب لها، وهذا من مميزات مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وفي المذهب أكثر من ستين ألف مسألة، ليس من بينها أي مسألة افتراضية، والفقه الافتراضي موجود عند بقية الأئمة، وبشيوع ملحوظ عند السادة الحنفية، وهذا لا يعني انتقادهم على ذلك، فإن هذا الأمر فيه أيضًا من الفوائد ما لا ينكر، إنما الذي ينكر الخروج عن حد الاعتدال والتجاوز إلى حد التفريط والتعمق المفضي إلى التكلف المنهي عنه.
ثالثًا: البعد عن الإغراق في الرأي:
لأن من يعتمد على النصوص يقل اعتماده على القياس والرأي؛ لأن النصوص دالة على عامة الفروع الواقعة، وأهل النصوص دائمًا أقدر على الإفتاء، وأنفع للمسلمين في ذلك من أهل الرأي وحده، كما أن الإمام رحمه الله كان شديد الكراهة والمنع للإفتاء بمسألة ليس فيها أثر عن السلف، كما قال لبعض أصحابه: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام.
رابعًا: فإن مما يميز الفقه الحنبلي التيسير في الأحكام من العبادات والمعاملات والشروط والنكاح وغير ذلك:
وهي نتيجة متوقعة لمن كان نهجه الدليل؛ لأن الشريعة مبناه على التيسير والسماحة والرفق، وتحقيق مصالح الخلق، ولربما شاع عند بعض العوام أن المذهب الحنبلي مذهب متشدد، والحق إن مذهب الحنابلة من أوسع المذاهب في الفروع سواء في أبواب العبادات أو المعاملات أو العقود أو الشروط.
ومن الأمثلة على ذلك:
1 -
في باب الطهارة: المذهب الحنبلي في أبواب الطهارة ينص على طهارة بول وروث مأكول اللحم، ولولا هذا لضاق الأمر وكثر الحرج، وخاصة مع الفلاحين الذين يتعاملون مع الأنعام بصورة مباشرة ومستمرة.
2 -
في أبواب المعاملات والعقود: ينص المذهب الحنبلي على أن الأصل في الشروط والعقود هو الصحة، وهذا يفتح باب الحرية للمتعاقدين
في إبرام العقود المختلفة والشروط بناءً على هذا الأصل، ويستمر في التوسع والتوسيع ما لم يعارض النص، ولا يخفى ما في هذا من التيسير والسعة ورفع الحرج.
3 -
في أحكام الطلاق والفرقة: ينص المذهب الحنبلي على أن الخلع فسخ وليس طلاقًا، لذا لا يُنقص المذهب بالخلع عدد الطلقات التي للمطلق على زوجته، وفي هذا تضييق لدائرة الفراق، وفي مقابل هذا يتميز بالحكم بالفسخ لعدم النفقة والوطء، فإذا امتنع الرجل عن الإنفاق وامتنع عن وطء زوجته، وصارت هنا مضارة للنساء فإنه يجيز الفسخ لهذا الضرر.
هذه الأمثلة وغيرها ترد على من اتهم المذهب الحنبلي بالتشدد في الأحكام الفقهية، وإذا تتبعت رأي الإمام في مسألة تجد أنه تُجمع له في المسألة ثلاث روايات أو أزيد، فإذا بحثت في أقوال الفقهاء في الفقه المقارن وجدت الروايات أقوالًا في المذاهب الأخرى، فكأن المذاهب الثلاثة قد اجتمعت في المذهب الحنبلي واحتواها.
الفرع الخامس: في بيان مصطلحات الفقه الحنبلي:
للمذهب الحنبلي مصطلحات خاصة، يقصد الفقهاء بها، الرمز إلى أئمة أو كتب أو أقوال، اختصارًا يغني عن التطويل، فيوردون كلمة:
1 -
رواية: ويقصدون بها إما:
أ - الحكم المروي عن الإمام أحمد في مسألة من المسائل إما نصًا من كلامه أو إيماءً.
ب - أو قد تكون تخريجًا من علماء الحنابلة الأوائل على نصوص الإمام، فتكون رواية مخرجة.
2 -
نَصَّ عليه أو النص أو المنصوص عليه: ما قاله الإمام نصًا أو تصريحًا فقط.
3 -
رواه الجماعة: يعني: عن الإمام أحمد، والجماعة هم سبعة من
كبار تلاميذه: عبد الله، وصالح، وحنبل ابن عمه، وأبو بكر المروزي، وإبراهيم الحربي، وأبو طالب، والميموني.
واستعمل هذا المصطلح ابن قدامة في المغني والمرداوي في الإنصاف.
4 -
وهذا عند أصحابنا، وهذا عند الأصحاب: أي: علماء الحنابلة وخاصة تلامذة الإمام أحمد والأوائل من الحنابلة.
5 -
التخريج: هو نقل حكم مسألة من المسائل التي نص الإمام أحمد على حكمها إلى ما يشبهها من المسائل التي لم ينص عليها.
6 -
الوجه: هو قول بعض أصحاب الإمام أو قول بعض المجتهدين أو تخريجه إن كان مأخوذًا من قواعد الإمام أحمد أو إيمائه أو تعديله أو مأخوذًا من سياق كلامه.
7 -
الاحتمال: هو قول لبعض الأصحاب المجتهدين، قد يصلح أن يكون وجهًا، وهو ما يكون بدليل مرجوح بالنسبة إلى ما خالفه وهو الراجح أو بدليل مساوٍ له.
8 -
المذهب: هو ما نص عليه الإمام أو كان مخرجًا على نصه وعليه جمهور الحنابلة، ولم يشذ عنه إلا القليل منهم.
9 -
هذا ظاهر المذهب: أي: المشهور في المذهب.
10 -
الأصح أو في الأصح أو الصحيح من المذهب أو في المشهور أو على المشهور أو الأشهر: هذه كلها مصطلحات تقال عند الاختلاف والترجيح والاختيار وغالبًا ما يكون الترجيح بين قولين أو وجهين أو روايتين.
11 -
وهذا قول الإمام: الإمام أحمد.
12 -
قاله القاضي: يعني: أبا يعلى.
13 -
قاله الشيخ: في طبقة المتوسطين، يقصدون: ابن قدامة المقدسي، وفي طبقة المتأخرين: يقصدون ابن تيمية.
14 -
قال تقي الدين أو قال شيخ الإسلام: ابن تيمية.
15 -
قال الشيخان: ابن قدامة ومجد الدين جدّ شيخ الإسلام.
16 -
قال الشارح: هو شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر المقدسي، وهو ابن أخي ابن قدامة، وهو تلميذه وهو صاحب الشرح الكبير، وهو شرح لمتن المقتع لابن قدامة.
الفرع السادس: كتب المذهب المعتمدة:
أولًا: الكتب الأصيلة:
مثل: المسند، ومسائل الإمام أحمد لابنه عبد الله، ومسائل الإمام أحمد برواية أبي داود السجستاني، ومسائل الإمام أحمد برواية ابنه أبي الفضل صالح، والجامع الكبير لأبي بكر الخلال.
ثانيًا: المختصرات:
وأهمها في الجملة: مختصر الخرقي، والعمدة والمقنع في الفقه لموفق الدين بن قدامة، والهداية لأبي الخطاب الكلوذاني، والمستوعب لمحمد السامري، والتذكرة لأبي الوفاء بن عقيل البغدادي، ومنتهى الإرادات في الجمع بين المقنع والتنقيح وزيادات لابن النجار، ودليل الطالب لمرعي الكرمي، والإقناع لطالب علم الانتفاع لشرف الدين موسى الحجاوي، وأخصر المختصرات لابن بلبان الدمشقي.
ثالثًا: الشروح:
وأهمها في الجملة: المغني شرح مختصر الخرقي، والشرح الكبير للمقنع، والمبدع شرح المقنع لبرهان الدين بن مفلح الدمشقي، وكشاف القناع عن متن الإقناع لمنصور البهوتي، والروض المربع شرح زاد المستقنع للبهوتي، ومنار السبيل شرح الدليل لابن ضويان الحنبلي، وغيرها كثير.
رابعًا: كتب جمعت بين كتابين أو أكثر:
مثل: التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح للشويكي، ومنتهى الإرادات في الجمع بين المقنع والتنقيح وزيادات لابن النجار الفتوحي الحنبلي، وغاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى لمرعي الكرمي، ومنها كتابنا العقد المفرد، حيث جمع بين كتابي: الروض المربع، ونيل المآرب.
خامسًا: كتب عنيت بالتصحيح:
وأولها الإنصاف في بيان الراجح من الخلاف على مذهب أحمد، للعلامة مجدد المذهب علي ابن سليمان المرداوي، وكذلك تصحيح الفروع له، وكذلك التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع له أيضًا، فهو مجدد المذهب بحق.
المبحث الثاني: التعريف بالمؤلف رحمه الله
ويشتمل على ثلاثة مطالب:
المطلب الأولى: نبذة عن حياته الشخصية، ويشتمل على ثلاثة فروع:
الفرع الأولى: اسمه ونسبه رحمه الله.
الفرع الثاني: مولده رحمه الله زمانًا ومكانًا.
الفرع الثالث: مناقب أسرته رحمه الله.
المطلب الثاني: مكانته العلمية، وثناء العلماء عليه رحمه الله.
المطلب الثالث: حياته العملية وأعماله ومؤلفاته.
المطلب الأول: نبذة عن حياته الشخصية
(1)
ويشتمل على ثلاثة فروع:
الفرع الأول: اسم المؤلف ونسبه رحمه الله.
هو الشيخ العلامة الأديب الأريب اللوذعي، الفقيه الفرضي الفلكي الرياضي، محمد (البيومي) بن محمد بن علي حسن (أبي عياشة) بن بسيوني بن عطية النجار بن يوسف الحسني الدمنهوري المصري، وينتهي نسبه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما.
الفرع الثاني: مولده رحمه الله زمانًا ومكانًا:
ولد المؤلف صبيحة يوم الجمعة في الرابع من ذي الحجة، سنة 1262 هـ - 1847 م بدمنهور، وتوفي بها بعد حياة حافلة بالجد والاجتهاد في طلب العلم والتأليف عام 1335 هـ - 1917 م، رحمه الله رحمة واسعة.
الفرع الثالث: مناقب أسرته رحمه الله:
أسرة الشيخ محمد البيومي أسرة ذات حسب ونسب وشرف، ومقام
(1)
لمطالعة المزيد عن سيرة المؤلف العطرة، انظر: الإعلام للزركلي (12/ 303)، ومقدمة الفتح الرباني، بتحقيق العلامة الدكتور: عبد العزيز بن ناصر السبر، ومقدمة منهج السالك إلى بيت الله المبجل في أعمال المناسك، بتحقيق العلامة الدكتور: صالح بن غانم السدلان.
عال، وقدر رفيع، حيث ينتهي نسبه إلى الصحابي الجليل، الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، ولاهتمامهم بمعالي الأمور وبعدهم عن سفاسفها، فوالده رحمه الله هو محمد أبي عياشة، المولود عام 1226 هـ، وقد تلقى العلوم العقلية والنقلية في الأزهر على يد نخبة من العلماء الأعلام، أمثال: الشيخ إبراهيم الباجوري، والشيخ علي الزيات، والعلامة مصطفى الذهبي وغيرهم، واشتغل بالعلم والتأليف والمطالعة، ومن آثاره:
1 -
الدرر المنثورة في التواريخ المشهورة.
2 -
تحفة الإخوان في الكسوف والخسوف على مر الأزمان.
3 -
تحفة الأحباب في العمل بالإسطرلاب.
وظل حريصًا على طلب العلم والتقوى والصلاح حتى توفي يوم الأربعاء في الثامن من شهر ربيع الآخر سنة 1308 هـ عن اثنتين وثمانين سنة. وقد خلف ابنان هما: شيخنا محمد البيومي المولود عام 1263 ومحمد القطب المولود عام 1271.
أما جده الشيخ علي فقد نشأ صالحًا، مجتهدًا في طلب العلم، ومكث في الأزهر مدة طويلة يتعلم مذهب الشافعية، وتوفي سعيدًا حاجًا في مكة عام 1243 هـ.
أما جده الشيخ حسن فكان نجارًا لكن مع التقوى والصلاح، وتوفي في عام 1243 هـ، وأما جده الشيخ بسيوني فكان أميرًا على دمنهور، وأما أسلافه من بني عطية فما فوق فكانوا يعملون بمهنة النجارة في دمنهور أما أبناء الشيخ فهم ستة: ثلاثة من الذكور، هم: محمد، ومحمد أمين، ومصطفى، وقد قضوا قبل عام 1375 هـ وثلاث من الإناث، كانوا أحياءً إلى ذلك التاريخ.
المطلب الثاني: مكانة المؤلف العلمية، وثناء العلماء عليه رحمه الله
يعد العلامة أبو عياشة الدمنهوري عقلية فذة وعبقرية يرجع إليها في علوم شتى في عصره، فله اشتغال بعلوم وفنون مختلفة ومتنوعة، فله اشتغال بالمذاهب الأربعة والفرائض والقراءات والفلك والرياضيات والهندسة، وقد تلقى العديد من العلوم العقلية والنقلية على يد والده رحمهما الله.
وقد أثنى عليه من ترجم له وعرف به، فقد قال عنه الشيخ نصر العادلي، خادم التصحيح في المطبعة الأميرية في آخر رسالة "أقرب المسالك إلى أسمى المطالب في المناسك على المذاهب" وقد طبعت عام 1329 هـ في حياة المؤلف:"فإن من إحسان الله علينا، وفضله العميم علينا، طبع هذه الرسالة النفيسة، تأليف الفهامة اللبيب اللوذعي الأديب، حضرة من أثره إلى فهمه يومئ، الأستاذ الشيخ أبي عياشة محمد البيومي حفظه الله".
وذُكر في فهرس الخزانة التيمورية بالأستاذ الفاضل الشيخ محمد بيومي، من علماء أوائل القرن الرابع عشر الهجري وكان موجودًا عام 1312 هـ، وله: برهان التصديق في الرد على مدعي التلفيق.
المطلب الثالث: حياته العملية وذكر أعماله ومؤلفاته
لم تذكر المراجع التي ترجمت للمؤلف من أعماله سوى أنه عين عضوًا في مجلس حسبي دمنهور عام 1320 هـ.
أما مؤلفاته فهي متنوعة في العديد من الفنون، ومنها المطبوع والمخطوط:
فمن المطبوع:
1 -
خلاصة المختصرات في علم الفرائض والمناسخات، وقد طبع في حياة المؤلف عام 1326 هـ وبعد وفاته عام 1339 هـ.
2 -
أقرب المسالك إلى أسمى المطالب في أعمال المناسك على المذاهب، طبع على نفقة المؤلف عام 1329 هـ بالمطابع الأميرية بمصر.
3 -
الدرة النضيرة في معرفة التواريخ الشهيرة، طبع بالمطبعة الأميرية عام 1331 هـ.
4 -
منهج السالك إلى بيت الله المبجل في أعمال المناسك، تحقيق الأستاذ الدكتور صالح بن غانم السدلان، أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وقد طبعته دار بلنسية بالرياض عام 1417 هـ.
5 -
الفتح الرباني في القراءات السبعة من طريق حرز الأماني، تحقيق الدكتور عبد العزيز بن ناصر السبر، أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وقد طبع أيضًا عام 1417 هـ.
ومن المخطوطات التي كتبها المؤلف ولم تر النور بعد:
1 -
مقدمة المعرفة في رسم البسيطة والمنحرفة.
2 -
فتح القريب العليم في معرفة تقويم الكواكب من الدر اليتيم.
3 -
تقريب النسائي في الحساب الهوائي.
4 -
تقريب النفع العام في أركان الإسلام.
5 -
الراحة في علم المساحة.
6 -
تحفة الناسك وكفاية الطالب في أعمال المناسك على المذاهب.
7 -
تقريب المقصود لمن يتعاطى العقود على المذاهب الأربعة.
8 -
تحفة الإخوان في تفسير بعض آيات من القرآن.
9 -
دليل السالك إلى البقاع الشريفة في أعمال المناسك على مذهب الإمام أبي حنيفة.
10 -
إرشاد السالك في أعمال المناسك على مذهب الإمام مالك.
11 -
إسعاف السالك من أقرب المسالك في أعمال المناسك.
12 -
العبارة الجلية شرح الفكرة السنية في مسألة الوصية.
13 -
كفاية العوام فيما يلزم الميت من أحكام.
14 -
تقريب النفع العام في أحكام الإسلام.
15 -
نزهة الأرواح في أحكام الزواج.
16 -
القول الفصل المتبع وإزالة الأوهام في بيان السنن والبدع من الأحكام.
17 -
نهاية الأماني في تلخيص الفتح الرباني في القراءات السبع من طريق حرز الأماني.
18 -
القول المجدي في شرح لامية ابن الوردي.
19 -
تقريب الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم.
20 -
الدر المنضود في أحكام العقود.
21 -
منظومة في علم الوضع.
22 -
العقد المفرد في فقه الإمام المبجل أحمد بن حنبل، وهو كتابنا هذا.
وبفضل الله تعالى ثم بفضل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أضحت معظم مؤلفات شيخنا محمد البيومي في قسم المخطوطات بالمكتبة المركزية، بعد أن اشتريت جميع مؤلفات أبي عياشة من مكتبة روضة خيري بدسونس بدمنهور مصر، وقد أعد فهرس خاص بهذه المجموعة ليسهل حصول الباحثين عليها.
* * *
المبحث الثالث: دراسة عصر المؤلف
ويشتمل على أربعة مطالب:
المطلب الأول: الحالة السياسية لعصر المؤلف.
المطلب الثاني: الحالة الثقافية والتعليمية لعصر المؤلف.
المطلب الثالث: الحالة الاقتصادية لعصر المؤلف.
المطلب الرابع: الحالة الحضارية والفنية لعصر المؤلف.
* * *
المطلب الأول: الحالة السياسية
(1)
لعصر المؤلف
لدراسة الحالة السياسية والأحداث التي مرت بها الدول، والتقلبات التي عاشها الناس إبان فترة معينة أعظم الأثر في إدراك طبيعة ظروفهم وبيئتهم، ومن ثم إدراك مدى تأثيرها عليهم، ومدى تأثر الناس بها، أو تحركهم لتغيير الظروف السلبية، والتفاعل معها، والمؤرخون في العصر الحديث، وخاصة من عني بدراسة تاريخ مصر يرون الفترة التي عاشها إمامنا محمد البيومي أبو عياشة رحمه الله، بين عامي 1263 هـ - 1847 م و 1335 هـ - 1917 م، يرونها فترة ثرية بالأحداث العظيمة، والمواقف التاريخية المؤثرة، ليس على صعيد العالم العربي أو العالم الإسلامي، بل على مستوى العالم أجمع، وما ذلك إلا لمكانة مصر وعلو شأن أهلها وعلمائها، ولاستراتيجية موقعها ومنزلتها في الصورة والواقع، حيث هي من العالم موقع القلب في الجملة، فإلى بيان نبذة تاريخية عن الحالة السياسية في الفترة التي عاصرها إمامنا، وبالله العصمة والتوفيق.
بدأ الغزو الفرنسي لمصر عام 1798 ميلادية بقيادة نابليون بونابرت، لتكون مصر نواة للإمبراطورية الفرنسية في الشرق الأوسط، لكن الحملة الفرنسية فشلت في تحقيق أهدافها، بعد المقاومة المشتركة من قبل الخلافة
(1)
لمعرفة المزيد عن الحالة السياسية، انظر: موقع تاريخ مصر الحديث، وذاكرة مصر الحديثة، وموقع مكتبة الإسكندرية، على الشبكة العالمية الإلكترونية.
العثمانية والإنجليز والمصريين المماليك، وبعد هروب نابليون إلى باريس سرًا، ومرور ثلاثة أعوام وشهرين على الغزو الفرنسي، أعلنت باريس هزيمتها وانسحابها وعودة جيشها إلى بلاده على ظهور السفن البريطانية، كان ذلك عام 1801 ميلادية، فتنازع السلطة في مصر آنذاك ثلاثة قوى مختلفة المصالح والمشارب والتوجهات، وكانت قد اتحدت فيما قبل على محاربة الفرنسيين، ثم بدأت كل قوة تعمل على تحقيق أطماعها الخاصة في أرض وادي النيل.
القوة الأولى: هي الخلافة العثمانية التي فتحت مصر قبل ثلاثة قرون، فأرادت أن تبقى مصر كإحدى ولاياتها.
والقوة الثانية: هي إنجلترا التي كانت تطمع في احتلال المواقع الهامة على شواطئ مصر، في البحرين المتوسط والأحمر، لتضمن لنفسها السيادة في البحار في طريقها إلى الهند.
أما القوة الثالثة: فكانت المماليك الذين سبق لهم حكم مصر قبل الفتح العثماني، كما كانت لهم قوة لا يستهان بها إبان الحكم العثماني، وقد تجاهلت هذه القوى الثلاث في تنازعها على السلطة العامل القومي والانتماء الوطني ولم تلق له بالًا، لكن رجلًا واحدًا أدرك مدى تأثير هذا العامل لمن يستعين به، وهو محمد علي قائد الكتيبة الألبانية في الجيش التركي في مصر، فتقرب إلى القوة الوطنية والشعب المصري فأحبه وناصره.
وفي عام 1805 ميلادية وصل محمد علي إلى منصب الوالي، ولم يجد الباب العالي في الأستانة أمامه إلا أن يصدر قرارًا بذلك، وبهذا حكم محمد علي وأسرته من بعده مصر حكمًا استمر قرنًا ونصفًا من الزمان، وتتابع على حكم مصر أحد عشر حاكمًا منهم الوالي أو الباشا، ومنهم الخديوي، ومنهم السلطان، ومنهم الملك، وهم على التوالي:
1 - محمد علي باشا:
مولده ونشأته:
ولد محمد علي بمدينة قولة في مقدونيا، عام 1769 ميلادية، وفي سن
الشباب انخرط في سلك الجندية، وتزوج من امرأة ذات ثروة واسعة، وأنجبت له إبراهيم وطوسون وإسماعيل، واشتغل بالتجارة فربح منها.
حياته العسكرية:
عاد محمد علي إلى الحياة العسكرية عندما أغار نابليون على مصر وشرع الباب العالي في الأستانة في تعبئة جيوشه لمحاربة الفرنسيين، فوصل إلى مصر في عام 1801 ميلادية كمعاون لرئيس كتيبة قولة، وأظهر كفاءة حربية ومهارة عالية وحسن تصرف، فتدرج في الترقية إلى أن أخرج الفرنسيين، فأصبح من الرجال المقربين للوالي الجديد خسرو باشا.
وفي مايو 1805 ميلادية وصل إلى كرسي والي مصر، وفي العام نفسه وصل قرار تنصيبه من الباب العالي في الأستانة حاكمًا على مصر.
أهم الأحداث السياسية في عصره:
1 -
قضى على المماليك في مذبحة القلعة الشهيرة عام 1811 ميلادية.
2 -
أرسل جيشه إلى الحجاز فاستولى عليها، ثم استولى على النوبة وعلى جزيرة كريت ثم على فلسطين والشام. وقد أدت هذه الانتصارات وهذا التفوق العسكري، إلى وقوف الدولة العثمانية وبعض الدول الأوروبية ذات المصالح ضده فاجتمعوا في لندن عام 1840 ميلادية ووقعوا المعاهدة التي منح بمقتضاها محمد علي رتبة نائب الملك على مصر، وأن تكون مصر بحدودها القديمة وراثية في أسرة محمد علي، للأكبر سنًا من الأولاد والأحفاد، على أن تكون مصر جزءًا من الدولة العثمانية، وأن تدفع الجزية سنويًا للسلطان، وألا يزيد جيشها عن ثمانية عشر ألفًا، وألا تبني سفنًا حربية.
مرضه ووفاته:
مرض محمد علي عام 1848 ميلادية، وصدر فرمان من الباب العالي بالأستانة، بتعيين إبراهيم باشا واليا على مصر، ثم توفي محمد علي عام 1849 ميلادية بالإسكندرية، ودفن بمسجد القلعة.
2 - إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا:
وهو الابن الأكبر لمحمد علي، ولد عام 1789 ميلادية، وعين واليًا في حياة والده بعد مرضه بقرار من الباب العالي في 2 سبتمبر 1848 ميلادية.
ومما يذكر من الأحداث المهمة التي يذكر فيها: أنه عين قائدًا للحملة الحجازية بين أعوام (1816 - 1819) ميلادية، وهي أول حرب خاضها إبراهيم، وفي هذه الحرب استعان بخبرة الأوروبيين في الحروب فاصطحب معه عددًا من الضباط الأجانب منهم الضابط الفرنسي "فيسيير" أحد ضباط أركان الحرب.
ظل إبراهيم باشا يحارب في شبه الجزيرة العربية حتى تمكن من تدمير مدينة "الدرعية" عاصمة الدولة السعودية الثانية، ومنحه السلطان العثماني لقب "أمير مكة".
ويذكر أنه قاد الجيش المصري الذي قمع ثوار اليونان الخارجين على تركيا، وقاد جيشًا مصريًا وصل به إلى فلسطين والشام وعبر جبال طوروس بين عامي 1832/ 1833 ميلادية، وانتصر في المعركة الفاصلة بين المصريين والأتراك في نزيب عام 1839 ميلادية، ولكن الدول الأوروبية أجبرته على الجلاء عن جميع المناطق التي استولى عليها.
وتوفي في حياة والده، ولما يتجاوز الستين من عمره، في 10 نوفمبر 1848 ميلادية.
3 - عباس حلمي الأول ابن أحمد طوسون باشا ابن محمد علي باشا:
ولد سنة 1813 ميلادية في جدة ونشأ في مصر، وخلف عمه إبراهيم باشا في تولي مصر بدءًا من عام 1848 ميلادية، وهو حفيد محمد علي وابن أخ إبراهيم، وفي عهده اضمحل الجيش والبحرية في مصر وأغلقت كثير من المدارس والمعاهد، عاش عيشة بذخ وانصرف عن التفرغ لشؤون الدولة، على ما يرى بعض المؤرخين، لكنه أعاد لشكيل المجلس الخصوصي عام 1849، وعدل اسمه إلى "ديوان محافظة مصر"، كما أنشأ في العام نفسه "مجلس الأحكام"، وكان يشارك المجلس الخصوصي في السلطة التشريعية،
كما كان يشرف على السلطة القضائية، وظل في الحكم قرابة خمس سنوات، واغتيل في قصره في بنها، في يوليو عام 1854 ميلادية.
4 - محمد سعيد باشا ابن محمد علي باشا:
وهو عم سلفه عباس الأول ولكنه أصغر منه سنًا، منذ الصغر ألحقه والده محمد علي باشا بخدمة الأسطول، وترقى إلى أن أصبح قائد الأسطول، فهو خامس أمراء البحار في الأسطول المصري.
عين واليًا على مصر في 14 يوليو عام 1854 ميلادية، منح محمد سعيد باشا فرديناند ديليسبس في عام 1854 ميلادية امتياز حفر قناة السويس.
واشتركت مصر إبان حكمه في حربين: حرب القرم، وحرب المكسيك، وحكم مصر إلى أن توفي في يناير عام 1863 ميلادية.
5 - الخديوي إسماعيل بن إبراهيم بن محمد علي:
ولد عام 1830 ميلادية، وآلت إليه ولاية مصر عام 1863 ميلادية، وحاول أن يسير على نهج جده محمد علي في تحديث مصر والاستقلال بها عن الإدارة العثمانية، ولكن بطريقة التودد ودفع الرشاوى لذوي القوة في الآستانة، فحصل بذلك على لقب خديوي مصر سنة 1867 ميلادية.
ومما يذكر من الأحداث المهمة التي وقعت إبان فترة حكمه أنه حصر وراثة العرش في أنجاله، وأنشأ دار الكتب في 26 من سبتمبر 1870 ميلادية، وعقد معاهدة مع بريطانيا عام 1877 ميلادية لإبطال الرق ومنع الاتجار بالرقيق، وكافح تجارة الرقيق في السودان، ووسع أملاك مصر في أفريقيا، وافتتح قناة السويس للملاحة العالمية، ولم تكن الفترة الباقية من حكمه كما كانت سابقتها، بل زادت ديون مصر في عهده زيادة كبيرة، أدت إلى تدخل إنجلترا وفرنسا في شؤون مصر الداخلية بحجة حماية ديونها، وأدت سياسته المالية إلى أن عزله السلطان عبد الحميد الثاني بضغط من إنجلترا وفرنسا في يونيو عام 1879 ميلادية، وتنصيب ابنه الآتي ذكره، محمد توفيق باشا خديويًا على مصر.
توفي الخديوي إسماعيل بن إبراهيم باشا بالآستانة، عام 1895 ميلادية ودفن بالقاهرة.
6 - الخديوي محمد توفيق بن إسماعيل باشا ابن إبراهيم بن محمد علي باشا:
ولد عام 1852 ميلادية، وخلف أباه إسماعيل خديويًا على مصر عام 1879 ميلادية، قبل المراقبة الثنائية لفرنسا وبريطانيا على مالية مصر، ومما يذكر:
أنه اندلعت في عهده في فبراير عام 1881 ميلادية أول وقائع الثورة العربية وهي حادثة قصر النيل، ثم واقعة ميدان عابدين في سبتمبر عام 1881 ميلادية، واحتلت بريطانيا مصر في عام 1882 ميلادية، وكان هناك ما يسمى بالحكم الثنائي بين مصر والسودان بين عامي 1884/ 1885 ميلادية، وتوفي الخديوي محمد توفيق عام 1892 ميلادية.
7 - الخديوي عباس حلمي الثاني بن محمد توفيق بن إسماعيل باشا ابن إبراهيم بن محمد علي باشا:
ولد عام 1874 ميلادية، وكان أكبر أبناء الخديوي محمد توفيق، وتولى الحكم في يناير عام 1892 ميلادية، وحاول أن ينتهج سياسة إصلاحية ويتقرب إلى المصريين، ويقاوم الاحتلال البريطاني، فانتهز الإنجليز فرصة بوادر نشوب الحرب العالمية الأولى، وكان وقتها إذ ذاك خارج مصر، فطلبوا منه عدم العودة إلى مصر، وفرضوا عليها الحماية رسميًا، وخلع الإنجليز الخديوي مقابل 30000 جنيهًا مصريًا ليترك ولاية البلاد في ديسمبر 1914، وتوفي بعد ذاك عام 1944 ميلادية بسويسرا.
8 - السلطان حسين كامل بن إسماعيل باشا ابن إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا:
ولد عام 1853 ميلادية، وهو الابن الثاني لإسماعيل باشا، وأقامه
الإنجليز سلطانًا على مصر من 19 ديسمبر عام 1914 ميلادية، بعد خلع الخديوي عباس حلمي، وبهذا الإعلان من جانب الإنجليز صارت مصر تحت الحماية الإنجليزية.
توفي السلطان حسين في أكتوبر عام 1917 ميلادية، عن ابن واحد هو الأمير كمال الدين حسين وقد تنازل هذا الابن عن حقوقه في تولي السلطنة
(1)
.
وبوفاة السلطان حسين كامل بن إسماعيل باشا، يكون إمامنا محمد البيومي أبو عياشة الدمنهوري كذلك قد أفضى إلى ربه، ولحق بخالقه، وتبين بعد هذه المذكرة التاريخية الأحداث السياسية التي عصفت بمصر، وظهر أثرها على مستقبل هذا البلد العامر، التي ولا شك لها أثر ظاهر على المستوى الاقتصادي والديني والثقافي، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
* * *
(1)
انظر: في تاريخ مصر: التاريخ الإسلامي، للعلامة محمود شاكر (12)، وعلى الشبكة العالمية الإلكترونية: موقع تاريخ مصر الحديث، وذاكرة مصر المعاصرة.
المطلب الثاني: الحالة الثقافية والتعليمية لعصر المؤلف
قام محمد علي باشا بوضع أولى لبنات التعليم الحديث في مراحله الابتدائية والتجهيزية والخصوصية، كما أنشأ المدارس الحربية والعسكرية والألسن، ومدرسة الطب ومدرسة الولادة ومدرسة الزراعة، كما عمد إلى إرسال البعثات العلمية إلى الخارج، وحاول أبناء محمد علي أن ينهضوا بالبلد، فمن ذلك أن شهدت البلد في عهد الخديوي إسماعيل أول مشروع فكري ظهر في مصر، والمسمى بلائحة رجب أو مشروع علي مبارك عام 1867 ميلادية، ثم في عام 1880 ميلادية تم إنشاء دار العلوم لتزويد المدارس بالصفوة من معلمي اللغة العربية، وفي عام 1908 افتتحت الجامعات الأهلية.
أما على صعيد المجامع العلمية والمراكز البحثية:
ففي عهد محمد سعيد باشا تم إعادة بناء المجمع العلمي الذي أنشأه نابليون بونابرت عام 1859 ميلادية، وفي عام 1868 ميلادية ظهرت جمعية المعارف لنشر الثقافة بواسطة التأليف والطباعة والنشر، وظهرت الجمعية الجغرافية عام 1875 ميلادية، وظهرت الجمعية الزراعية الملكية عام 1880 ميلادية، وتم إنشاء مصلحة الإحصاء، التي اقترحت عمل أول إحصاء للسكان في أواخر عهد الخديوي إسماعيل، ثم تم إنشاء مصلحة المساحة لتهتم بأعمال العمران والأراضي الزراعية.
أما من ناحية الطباعة والصحافة:
فلم تعرف مصر الطباعة إلا أثناء وجود الحملة الفرنسية بين عامي (1798 - 1801) ميلادية، ثم شهدت مصر منذ تولى محمد علي الحكم عهدًا جديدًا حيث بدأت مظاهر التجديد الإداري والاقتصادي تظهر على الحياة في مصر، فكان على الوالي - محمد علي - أن يرى ضرورة متابعة ما يحدث في الأقاليم والمصالح على أن يقدم ملخصًا عنها في نهاية كل شهر، أطلق على هذا التقرير اسم "جورنال الخديوي" وكان يطبع بمطبعة القلعة، حيث كانت ترفع تقارير الأقاليم إلى ناظر عام يرسلها لديوان الجورنال العام لبحثها وعرضها على محمد علي، ثم يبلغ قرار الوالي إلى المجالس، وبذلك يعتبر جورنال الخديوي أقدم الصحف المصرية على الإطلاق، وتحول عام 1828 ميلادية إلى صحيفة الوقائع المصرية التي تُعد أول صحيفة رسمية مصرية.
* * *
المطلب الثالث: الحالة الاقتصادية لعصر المؤلف
مر الاقتصاد المصري بمراحل عديدة عبر تاريخنا الحديث، ابتداءً من عصر محمد علي حيث ازدهرت الزراعة والصناعة، ثم حدثت أزمة الدين في مصر وقام الخديوي إسماعيل بإنشاء صندوق الدين، الذي نتج عنه قيمًا بعد إنشاء بنك مصر الدولي، كما اهتم محمد علي بالصناعة التي تطورت تطورًا كبيرًا في عهده والتي أصبحت ثاني عماد للدولة بعد التعليم بكافة أشكالها، وكان أول مصنع حكومي بمصر هو مصنع الخرنفش للنسيج، وكان ذلك في سنة 1816 ميلادية، ثم بدأت تتوالي المصانع سواء الحربية أو غيرها الأمر الذي أدى بمحمد علي إلى اتباع سياسة خاصة للنهوض بهذه المصانع بدأها أولًا باستقدام الخبراء والصناع المهرة من الدول الأوروبية، لتخريج كوادر مصرية من رؤساء وعمال وصناع وفنيين، ومن ثم إحلالهم محل الأجانب بالتدريج.
أما من حيث تنمية القطاع الزراعي فقد أولى محمد علي الزراعة اهتمامًا كبيرًا فأقام مشروعات كبرى لتنظيم الري والمياه كالقناطر الخيرية وترعة المحمودية التي أمدت الإسكندرية بمياه النيل، وأدخل المحاصيل النقدية إلى مصر خاصة محصول القطن، وكذلك بعض المنتجات الأخرى المستخدمة في الصناعة.
ثم حاول أبناء محمد علي أن يسلكوا مسلكه في محاولة اللحاق
بالحضارة الأوروبية، فقد شهدت البلاد في عهد الخديوي إسماعيل باشا نهضة تمثلت في الإصلاح الإداري، كما شهدت الصناعة والزراعة نهضة وازدهارًا كبيرًا في عهده.
* * *
المطلب الرابع: الحالة الحضارية والفنية في عصر المؤلف
تزخر مصر بالعديد من الأبنية والمنشآت المتنوعة، من مساجد وقصور وقلاع وحصون وفنادق ومدارس وجامعات ومتاحف وغيرها، لها تاريخ زاخر، وتحتفظ داخلها بذكريات لو تحدث بها ما سكت أبد الدهر، ولو كتب عنها المؤرخون والصحفيون لمَا توقفت أقلامهم، يحكون حكاية الإبداع والجمال.
ولقد ظهرت في حياة المؤلف رحمه الله بدايات الثورة والتجديد في عالم البناء، وتغيير نمط البنايات وطراز المسكن، حيث صار يوحي أو يقتبس من الطراز الفرنسي أو الأوروبي على وجه العموم ويقوم بالتصميم والإشراف مهندسون ومختصون أوروبيون جلبوا أو مكثوا في مصر لهذا العمل، ويظهر هذا جليًا مثلًا في جامع محمد علي باشا في قلعة الجبل، وقد فرغ من بنائه عام 1860 ميلادية، ويظهر التجديد كذلك في وسط القاهرة بالعمارات الخديوية بشارع عماد الدين، التي يرجع تاريخ إنشائها إلى عام 1911 ميلادية، على يد المعماري أنطونيو لاشاك، وهي من أوائل العمارات المتعددة الأدوار والمهيأة للأغراض السكنية، والتي شيدت في وسط البلد، ويتبع طرازها الأرت نوفو، وتمثل صرحًا لا مثيل له في العمارة المصرية الحديثة آنذاك. ومن ذلك عمارة أسيكيو رازيوني في وسط القاهرة، ومن ذلك أيضًا منزل أحمد عرابي باشا، والذي يعد تحفة معمارية رهيبة، وتحول فيما بعد إلى مستشفى باسم سترانجفورد.
أما من ناحية القصور الملكية والرئاسية فقد زخرت مصر بالعديد من القصور الملكية مثل: القصر العالي، قصر نازلي هانم، قصر إبراهيم باشا، قصر محمد علي، قصر النيل، قصر بنها، قصر النزهة، قصر القبة، قصر المغارة، سراي عابدين، سراي الحلمية، سراي الإلهامية، سراي الأزبكية، سراي إبراهيم باشا يكن، وغيرها كثير.
فعلى سبيل المثال نجد قصر القبة وهو من أكبر القصور في مصر، وهو يستخدم حاليًا كمقر لنزول الضيوف الأجانب من رؤساء وغيرهم، وقد بناه الخديوي إسماعيل في أوائل 1800 ميلادية، ويبعد عدة كيلومترات شمال وسط القاهرة، وكانت تحيط به الحقول الزراعية والقرى الريفية ثم تحول إلى أحد قصور رئاسة الجمهورية بعد ثورة يوليو 1952 ميلادية.
وأيضًا قصر عابدين، وهو من أهم وأشهر القصور التي شيدت خلال حكم أسرة محمد علي باشا لمصر، فقد كان القصر مقرًا للحكم من عام 1872 ميلادية، حتى عام 1952 ميلادية، وقد شهد خلالها القصر أهم الأحداث التي كان لها دور كبير في تاريخ مصر الحديث والمعاصر.
وكان الخديوي إسماعيل قد أمر ببناء قصر عابدين فور توليه الحكم في مصر عام 1863 م، ويرجع اسم القصر إلى "عابدين بك"، أحد القادة العسكريين في عهد محمد علي باشا وكان يمتلك قصرًا صغيرًا في مكان القصر الحالي، فاشتراه إسماعيل من أرملته وهدمه، وضم إليه أراضي واسعة ثم شرع في تشييد هذا القصر العظيم وغيرها من القصور.
أما من حيث المتاحف وقيمتها الفنية، ومدى حرص حكام مصر على إبراز هذا الجانب فيعكسه كثرة وتنوع المتاحف وتعدد اتجاهاتها، حيث تحفل بمصر بالعديد من المتاحف، منها: المتحف المصري، المتحف الحربي، المتحف اليوناني والروماني، متاحف قصر عابدين، متحف الأسلحة، متحف الأوسمة والنياشين، متحف الفن الإسلامي وغيرها.
فالمتحف المصري: أنشأته مصلحة الآثار المصرية عام 1835 ميلادية، وأقيم أول متحف لحفظ الآثار المصرية في القاهرة في مبنى صغير في
حديقة الأزبكية، ثم نقلت الآثار إلى قلعة صلاح الدين، ثم أهداها الخديوي عباس إلى ولي عهد النمسا عام 1855 ميلادية، وفي عام 1858 ميلادية أقام "ماريبت" وكان مديرًا لمصلحة الآثار متحفًا آخر صغيرًا على شاطئ النيل في بولاق، ثم نقلت الآثار مرة أخرى إلى الجيزة عام 1891 ميلادية. بدأ العمل في المتحف الحالي عام 1897 ميلادية، وتم افتتاحه عام 1902 ميلادية في عهد الخديوي "عباس حلمي الثاني"، وقد صمم بناء المتحف المهندس الفرنسي مارسيل دور نون على الطراز الكلاسيكي المحدث، واستخدمت الخرسانة المسلحة لأول مرة في البناء بمصر.
أما المتحف الحربي: فيعد من المتاحف المصرية المتخصصة، ويأتي في الصدارة بين المتاحف الحربية العالمية، بمقاييس الثراء الشامخ للمجموعات التي يتضمنها، ويرجع تاريخ المبنى إلى عصر محمد علي، ومؤسس المتحف الحربي الملك فؤاد الأول ابن الخديوي إسماعيل.
أما من حيث فنون التمثيل والمسرح والأوبرا، والذي عرف في أكتوبر عام 1841 ميلادية، واعتبرت الأوبرا القديمة في القاهرة هي الأولى في قارة أفريقيا، واعتبر مسرحها واحدا من أوسع مسارح العالم رقعة واستعدادا وفخامة، وقد لاقت عروض الأوبرا في تلك الفترة نجاحًا علي المستوى الفني، وفي عام 1869 أقام الخديوي إسماعيل أول أوبرا في مصر وذلك لاستقبال أمراء أوروبا الذين يشاركون في افتتاح قناة السويس، وأول أوبرا عرضت هي أوبرا عايدة التي ألفها عالم الآثار الفرنسي مريت باشا آنذاك.
المبحث الرابع: التعريف بالكتاب
وفيه ستة مطالب:
المطلب الأول: توثيق الكتاب.
المطلب الثاني: أهمية الكتاب.
المطلب الثالث: مصطلحات الكتاب.
المطلب الرابع: مصادر الكتاب والتعريف الموجز بها.
المطلب الخامس: منهج الكتاب.
المطلب السادس: تقييم الكتاب.
* * *
المطلب الأول: توثيق الكتاب
حين يبدأ الطالب في دراسة وتحقيق كتاب معين لعالم ما فإنه لا بد وأن يتأكد من صحة نسبة الكتاب لمؤلفه، ورضاه عنه، واقتناعه به، حتى ينسب ما فيه إليه، ويتحمل تبعاته من الثناء والمدح والتصحيح والقدح، وأنا أرجح بعلمي المتواضع أن كتاب العقد المفرد في الفقه على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل، هو للعلامة الشيخ محمد البيومي بن محمد بن أبي عياشة بن علي بن حسن الهاشمي الدمنهوري، المولود عام 1263 والمتوفى عام 1335 بدمنهور بمصر. وأرجح أنه خطه بيده ونقحه وهذبه ورضي عنه، وأخرجه بخط نسخي جميل، يسر الناظرين ويمتع الباحثين، وسبب الجزم بهذه النسبة أمور عديدة:
أحدهما: أن المؤلف رحمه الله نسب هذا الكتاب لنفسه في المسودة والمبيضة من مقدمة الكتاب، حيث بيَّن اسمه كاملًا، ومذهبه الفقهي، والحافز لتأليف الكتاب، وحاجة الحنابلة إليه في مكانه وزمانه، ومصادره التي سيعتمد عليها في النقل والتوثيق والإحالة.
ثانيًا: نسبة هذا الكتاب في فهارس المخطوطات إلى المؤلف، حيث نص فهرس مكتبة روضة خيري بمصر على نسبة الكتاب لمؤلفه، وكذلك فهرس مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، نقلًا عن فهرس مكتبة روضة خيري بمصر.
ثالثًا: أن من جمع أسماء المخطوطات وأماكن تواجدها ووصف حالتها نسب الكتاب إلى المؤلف، حيث نص القاضي الدكتور ناصر السلامة حفظه الله على نسبة الكتاب لمؤلفه في كتابه القيم: معجم فهارس مخطوطات الفقه الحنبلي وأصوله في المملكة العربية السعودية.
رابعًا: جمع من المعاصرين حققوا رسائل علمية للمؤلف وذكروا من تراثه المخطوط الذي اطلعوا عليه كتابنا هذا: العقد المفرد.
ومن خلال ما سبق يتبين بجلاء صحة نسبة الكتاب والعنوان لمؤلفه وبالله التوفيق.
* * *
المطلب الثاني أهميه الكتاب ومميزاته
لهذا الكتاب أهمية عظيمة بين الكتب عامة، وبين الكتب الفقهية خاصة، وبين الكتب الحنبلية بوجه أخص.
وذلك لأن الكتاب يعظم قدره وتكبر فائدته ويسمو شرفه بقدر ما فيه من الهدى والعلم والحكمة والبينات، شأنه شأن العلم، إذ تتفاوت العلوم أهمية بتفاوت شأن المعلوم، فكذلك الكتب لأنها خزانات العلوم، وأنفاس العلماء، وأرواحهم يسكبونها في مدادها.
والفقه أهميته كبيرة ومنزلته عظيمة في الدين، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث ويحض صحابته الكرام على التفقه والتعلم ويقول:"من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة"، ولما للفقه من مكانة كبيرة ومنزلة سامية عظيمة فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بالفقه لمن يحب ويعلم حرصه على العلم، قال ابن عباس رضي الله عنه: دخل النبي صلى الله عليه وسلم الخلاء، فوضعت وضوء للنبي صلى الله عليه وسلم، فلما خرج قال النبي صلى الله عليه وسلم "من وضع هذا؟ "، فقيل: ابن عباس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"اللَّهم فقهه في الدين"، وفي رواية:"اللَّهم علمه الكتاب"
(1)
. وللفقه أثر عظيم في بيان محاسن الشريعة، وكلها محاسن، ولذلك أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الفقهاء الذين يقتدون بالسنة والتوسط والاعتدال
(1)
أخرجه مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضل عبد الله بن عباس، برقم (2477).
في قوله: "إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة"
(1)
.
ثم إن الكتاب بين الكتب الفقهية المذهبية قيم وجليل، وذلك أن التأليف المذهبي يثري المذهب، وينقح أقوال مجتهديه، ويصحح قواعده، ويطرح الشاذ والضعيف، فكلما استمرت حركة التأليف، استمرت حركة التحقيق والتنقيح والتصحيح، وهذا الخلاف المذهبي ليس من اختلاف التضاد وهو الاختلاف المذموم الممنوع، بل هو من الخلاف المحمود المبني على التنوع، المبني على الاجتهاد الدائر بين الأجر والأجرين، قال تعالى:{يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ}
(2)
، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد"
(3)
، إذ إن كل إمام نص على أن فتياه ما وافقت الدليل وتابعت السنة، وإن خالف قوله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فالقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم إن الكتاب بين أشقائه الكتب الأخرى في المذهب الحنبلي جليل القدر، عظيم النفع، إذ حرص مؤلفه رحمه الله على أن يتميز كتابه بمميزات تجعله مرغوبًا مطلوبًا.
وهذه المميزات كثيرة عديدة، وهي:
أولًا: أن المؤلف لخص المذهب وجمع في كتابه الفروع المتناثرة في بوتقة وطاقة واحدة، متناسقة متناسبة مؤتلفة مؤتلقة، جاذبة للمبتدئين وقريبة من المتوسطين وموثقة للمنتهين.
ثانيًا: أنه نقل رأي المتأخرين من محققي المذهب في المسائل والروايات التي اختلف النقل فيها عن الإمام، أو اختلف فيها اجتهاد
(1)
أخرجه مسلم، كتاب الجمعة، باب التغليظ في ترك الجمعة، برقم (869).
(2)
(النحل / 69).
(3)
أخرجه البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، برقم (6919).
المتقدمين والمتوسطين من الأصحاب، فبذلك صح أن يعتمد هذا الكتاب في حكاية المذهب، كما يعتمد على الروض المربع وكشاف القناع ومنتهى الإرادات والوجيز والغنية والمغني وغيرها من الكتب المعتمدة في حكاية المذهب.
ثالثًا: أن المؤلف اعتمد في كتابه طريقة الجمع بين كتابين، وهو نوع فريد من التأليف، وظاهرة تستحق أن تدرس، ويمعن فيها النظر، حيث حظي المذهب الحنبلي في عصور المتأخرين بالجمع بين الكتب، فمثلًا العلامة أحمد الشويكي، يجمع بين كتابي المقنع لابن قدامة والتنقيح المشبع للمرداوي في كتابه التوضيح، والعلامة العسكري جمع بين المقنع والتنقيح في كتابه التصحيح لكنه لم يتمه، وقيل: إن الشويكي أتم النقص في التوضيح والله أعلم، وجاء ابن النجار الحنبلي فكتب منتهى الإرادات في الجمع بين المقنع والتنقيح وزيادات، وجاء عالمنا وجمع بين الروض المربع ونيل المآرب في كتابه العقد المفرد في مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل.
رابعًا: من مزايا هذا الكتاب أنه جمع الفقه كله، من أوله إلى آخره، فلم يكتف بدراسة مسألة أو فصل أو باب أو كتاب، بل جمع كتب الفقه كلها بين دفتي كتابه بأسلوب سهل متجانس قريب، فأصبح مقصدًا للراغبين والمتعلمين.
خامسًا: عناية المؤلف رحمه الله بذكر النوادر والغرائب من المسائل، وفي هذا النوع من التأليف عدة فوائد إذا خلا من التكلف والتعمق والتعقيد، وذلك لما فيه من ترويض لعقل الفقيه، وتعويده على السبر والتقسيم والتحليل، ومن ثم تكييف المسألة والحكم عليها، وذكر النوادر والغرائب يبين مدى حرص علماء الدين وحملة الشريعة على استباق الزمان لبيان الأحكام، ووضع الحلول للناس قبل وقوعهم في المشكلات والمعضلات، وبهذا يظهر مدى ملائمة الشريعة لحاجات الناس، وسعتها ومرونتها أعظم من أن يضيق بها الناس، وانظر على سبيل المثال لا الحصر الصفحات التالية:(131/ 137/ 578).
سادسًا: تجانس الألفاظ في الجملة، وسبكها وبعدها عن التعقيد والتكلف الذي يحيل المعنى في الجملة، فالكتاب لا يستغني عنه الراغب المبتدي، ولا المحقق المنتهي.
سابعًا: عناية المؤلف رحمه الله بذكر مجموعة من القواعد والضوابط والكليات الفقهية، كلما سنحت الفرصة ودعت الحاجة، وشأن هذه القواعد الفقهية أن تجمع المتفرق وتلم المتناثر، وتضم المتجانس وتقرب البعيد، وكلما كثر إيرادها كانت الفائدة أعم، والنفع أكثر، وهي للفقيه دليل أو كالدليل، وانظر على سبيل المثال لا الحصر الصفحات التالية:(162/ 400/ 404/ 415).
ثامنًا: عناية المؤلف رحمه الله بذكر دقائق الفروقات الفقهية، بين أنواع العبادات والمعاملات المتشابهة، والعناية بذكر الفروقات تعني رسوخ القدم في العلم، وطول الباع في الفقه، إذ من الفقهاء من تمر عليه الفروقات مرور الكرام، ومنهم من يسبرها ويحللها، وهنا تظهر حدة الفهم ودقة النظر والإحساس المرهف، وانظر على سبيل المثال لا الحصر:(136/ 162).
تاسعًا: خصص المؤلف بابًا جامعًا في المعاملات، جمع فيه العقود وأحكامها الفقهية المتشابهة، وشأن هذا الجمع أن يقرب البعيد ويجمع المتفرق، وانظر صفحة:(386).
عاشرًا: عناية المؤلف رحمه الله بذكر التعليل العقلي والتبرير المنطقي، للحكم الفقهي وهكذا شأن الفقيه، أن يجمع في استدلاله بين صحيح المنقول وصحيح المعقول، فيكون حديثه ورأيه أمضى من حد السيف، وأسطع من شعاع الشمس، وكثيرًا ما عانى الناس من فقيه لا ينظر إلى روح النص ومعناه الشامل، أو فقيه يعتمد الرأي والتحسين والتقبيح العقلي، فيضرب برأيه النصوص، والحق أن يعمل فكره في النص ثم يجمع إليه ما يوافقه من الفقه والرأي الصحيح.
حادي عشر: عناية المؤلف رحمه الله بذكر أنواع عديدة من الحيوانات والنباتات والطوائف والأمراض والصنائع والمواضع والمعادن، مما له أثر في
الحكم ويختلف باختلافه، مما يدل على عنايته بالجانب الحضاري - كغيره من الفقهاء - الذي يقترب من معايشة واقع الناس، وتلمس حاجاتهم ومعرفتها، وانظر إلماحًا لما ذكر في جميع الحواشي السفلية للبحث تجد حشدًا عظيمًا مما ذكر.
ثاني عشر: يظهر في الكتاب بجلاء عناية المؤلف - رجمه اللهُ - بتعريف المصطلحات الفقهية، إذ عنى الفقهاء بالحدود الفقهية، وشرط الطرد والعكس في التعريف وبيان المحترزات، حيث إنه إذا تصور الحد بشكل صحيح كان الحكم صحيحًا؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وبلغ عدد الحدود التي عرفها المؤلف أكتر من مائتي حد.
ثالث عشر: عناية المؤلف رحمه الله بالحصر والعدد، كلما مرت به الشروط والأسباب والأركان والواجبات والنواقض والسنن والمكروهات، وشأن هذه الطريقة النبوية الفريدة أن تجمع الكثير في اللفظ اليسير.
رابعة عشر: عناية المؤلف رحمه الله بذكر الأحكام الاعتقادية في أصول الدين، بدءًا من الصغيرة وانتهاءً بالكفر القولي والعملي والاعتقادي، وفي هذا فائدة عظيمة وهي أن الفقهاء لا يهملون جانب الاعتقاد في أصول الدين، بل يرون الدين قولًا وعملًا، وأن العمل يؤثر في القوله، والقول يؤثر في العمل طردًا وعكسًا، وانظر على سبيل المثال لا الحصر الصفحات:(336/ 521/ 690).
خامس عشر: عناية المؤلف رحمه الله بذكر الأعذار والحالات الطارئة، التي تخالف الحكم المنصوص، وهذا نصف العلم من وجهة نظري، وذلك أن من الأحكام الشرعية ما يخص الأصحاء وكاملي الأهلية، وهذا نصف العلم، ومنها ما يخص ناقصي وفاقدي الأهلية، فمن هذا التقسيم والنسبة، صح أن يكون العلم بالأعذار نصف العلم، وقد وقفت على ما يقرب من (199) عذرًا ذكرها المؤلف تباعًا أثناء عرضه للمسائل، لعل الله أن يعين على إخراجها في دراسة فقهية مستقلة.
سادس عشر: عناية المؤلف رحمه الله بذكر تقديم وتوطئة وتمهيد للباب التالي في نهاية الباب السابق، وبهذا تظهر حسن الصناعة الفقهية، والتمكن من التعامل مع الألفاظ والأحكام، وهذا أمر في غاية الحسن والجمال والإبداع، وانظر مثالًا لهذا كما في نهاية كتاب البيع وبداية كتاب الخيار، ونهاية ميراث أهل الملل وبداية ميراث المطلقة.
* * *
المطلب الثالث: مصطلحات الكتاب
لكل مؤلف نهج وطريقة تميزه ومصطلحات تخصه، وهي كالمفتاح للاستفادة من الكتاب، وللمؤلف رحمه الله مصطلحات في الأعلام والكتب وذكر الخلاف المذهبي والخلاف المذاهبي، والمؤلف رحمه الله لم يبين في مقدمته مراده من المصطلحات التي عبَّر عنها، لكن هذا الأمر لا يعتبر إشكالًا كبيرًا في تعيين المراد من الأعلام والكتب أو حكاية الخلاف المذهبي أو المذاهبي؛ لأن الكتاب لما كان يعنى بالفقه الحنبلي، وكانت مصادر الكتاب معتمدة في حكاية المذهب، وكان نسق الأبواب التي رتبها المؤلف على طريقة الحنابلة، فإننا نجزم أن المصطلحات التي أطلقها المؤلف لم يقصد منها إلا ما يقصده الحنابلة في مذهبهم.
فمثلًا: ذكر المؤلف من العلماء ابن عبد القوي، وابن عقيل، والشيباني، والبهوتي، وتقي الدين، فهذه اختصارات لأسمائهم وأعلامهم، التي يعرفون بها داخل المذهب، حيث يقصد بابن عبد القوي: العلامة محمد بن عبد القوي بن بدران المقدسي المرداوي، وستأتي ترجمته.
ويقصد بابن عقيل: أبي الوفاء، العلامة أبي علي بن عقيل بن محمد البغدادي، وستأتي ترجمته.
ويقصد بالشيباني: العلامة أبي عمر عبد القادر بن عمر التغلبي، حيث لم ينص على أنه المراد، لكنه اقتبس الفعل بلفظه من نيل المآرب، من دون الإحالة على المصدر فتبين أنه المراد.
ويقصد بالبهوتي: الإمام العلامة مصحح المذهب، منصور بن يونس
البهوتي، وستأتي ترجمته لاحقًا. ويقصد بتقي الدين: شيخ الإسلام، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني.
ويقصد بالأسماء المختصرة للكتب التي أحال عليها الكتب الحنبلية المشهورة:
فيقصد بالمنتهى: منتهى الإرادات في الجمع بين المقنع والتنقيح وزيادات، لابن النجار محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي الحنبلي.
ويقصد بالوجيز: كتاب الوجيز على مذهب الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، للعلامة أبي عبد الله الحسين بن يوسف الدجيلي الحنبلي. ويقصد المؤلف بكتاب الإقناع: الكتاب الموسوم بالإقناع لطالب الانتفاع، للعلامة شرف الدين موسى بن أحمد الحجاوي، وشرحه كشاف القناع للعلامة منصور بن يونس البهوتي.
ويقصد المؤلف بالمغني: الكتاب العظيم الموسوم بالمغني شرح مختصر الخرقي، للإمام موفق الدين أبي محمد بن قدامة المقدسي. ويقصد المؤلف بالتنقيح: كتاب التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع، للعلامة القاضي علاء الدين علي بن سليمان المرداوي.
ويقصد المؤلف بالغنية: كتاب الغنية لطالبي طريق الحق عز وجل، للإمام عبد القادر الجيلاني رحمه الله.
أما المسائل الفقهية ذات الأقوال المختلفة والأوجه المتعددة فإن المؤلف يشير إلى الخلاف داخل المذهب، ويؤيد الراجح وما استقرت عليه الفتيا بقوله: والأولى والأحوط والأفضل، وإذا لم يترجح له رأي في المسألة يقول: ففيه خلاف.
ثم إن هذا المتن ليس مقصودًا منه الفقه المقارن ولا حكاية المسائل الخلافية، حيث لم يتطرق المؤلف رحمه الله للمسائل الخلافية إلا في ثلاثة مواضع: أولها: مسألة نقض الوضوء بمس الفرج. وثانيها: إقامة الصلاة جماعة في مسجد له إمام راتب. وثالثها: نسيان التسمية حين الذبح، والنكاح بلا ولي. وقمت بتحرير الخلاف وبيان محل النزاع، وانظر الصفحات:(129/ 169/ 578/ 657)، وبالله التوفيق.
المطلب الرابع: مصادر الكتاب والتعريف الموجز بها
للكتاب مصدران أساسيان نص عليهما المؤلف رحمه الله في مقدمته، وهناك كتب أخرى اقتبس منها المؤلف ومن ثم أحال عليها:
الكتاب الأول: الروض المربع شرح زاد المستقنع، الشرح للعلامة منصور البهوتي، والمتن للعلامة شرف الدين موسى الحجاوي، الذي اختصر فيه متن المقنع، للشيخ موفق الدين بن قدامة المقدسي، والبهوتي وضع عبارة الزاد بين قوسين ثم يشرحها مع المتن من حيث المعنى فاصلًا إياه لفظًا بجعله بين قوسين ويذكر المؤلف شيئًا من الأحكام النقلية والعقلية ويورد بعض العلل للأحكام، وعده العلامة بكر أبو زيد رحمه الله ضمن الكتب المعتمدة والموثوقة في حكاية المذهب
(1)
.
والكتاب الثاني: نيل المآرب شرح دليل الطالب، الشرح للعلامة عبد القادر التغلبي، والمتن للعلامة مرعي بن يوسف الكرمي المتوفى عام 1033 هـ، وانتقد هذا الشرح العلامة ابن بدران الدمشقي في المدخل، ونقل هذا النقد العلامة بكر أبو زيد رحمه الله، في المدخل المفصل بأنه شرح لم يبين ويجلي مراد المؤلف ومقصوده، لكن للشرح حاشيتان جليلتا القدر تممتا نقصه:
(1)
انظر: المنهج الفقهي العام لعلماء الحنابلة (348)، والمدخل المفصل في فقه الإمام أحمد (771/ 1027).
الأولى: للشيخ مصطفى الدوماني، المتوفى عام 1200 هـ.
والثانية: تيسير المطالب إلى فهم وتحقيق نيل المآرب شرح دليل الطالب، للعلامة عبد الغني اللبدي، المتوفى عام 1319 هـ
(1)
.
والكتاب الثالث: منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات، للعلامة المحقق تقي الدين محمد بن أحمد الفتوحي الحنبلي المصري الشهير بابن النجار المتوفى عام 972 هـ، جمع فيه مؤلفه بين كتابي المقنع لابن قدامة وكتاب التنقيح المشبع لتحرير أحكام المقنع للمرداوي، وسبب تأليف الكتاب أن التنقيح غير مستغن عن أصله فمن عنده المقنع يحتاج إلى التنقيح وبالعكس فاستخار المؤلف - كما يحكي عن نفسه، وما خاب من استخار - فجمع مسائل الكتابين في كتاب واحد وسماه: منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات
(2)
.
والكتاب الرابع: التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع، للعلامة القاضي علاء الدين علي بن سليمان السعدي المرداوي الصالحي المتوفى عام 885 هـ، ذكر مصنفه أنه اختصره من كتابه الجليل الإنصاف ليرجح ما أطلق الموفق فيه الخلاف في كتاب المقنع أو يصحح ما ذكر أنه المذهب وهو غير الراجح من المذهب أو ما أخل به من شرط أو قيد صحيح في المذهب، قال المرداوي: فإذا وجدت في هذا الكتاب لفظًا أو حكمًا مخالفًا لأصله فاعتمده، فإنه وضع عن تحرير وهو موافق للإنصاف وتصحيح الفروع للمؤلف، وهو مطبوع في مجلد
(3)
.
والكتاب الخامس: المغني شرح مختصر الخرقي، لموفق الدين بن قدامة المقدسي، ويعتبر كتابه من أعظم الكتب ليس في المذهب الحنبلي
(1)
انظر: المدخل المفصل (791 - 795).
(2)
انظر: المنهج الفقهي العام لعلماء الحنابلة (343)، والمدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد (2/ 779).
(3)
انظر: المدخل المفصل (731).
فقط، بل في الفقه الإسلامي، يذكر فيه مؤلفه نص المسألة من المختصر، ثم يشرحها ثم يذكر روايات مذهب أحمد ثم يذكر أقوال المذاهب، ثم يقوم المؤلف بالترجيح، والمؤلف في هذا يتوسع في ذكر الفروع، ويزيد على مسائل الخرقي ما يشبهها مما ليس مذكورًا في المختصر، ويقوم بعزو الأخبار إلى كتب الحديث المصنفة، قال العز بن عبد السلام: ما رأيت في كتب الإسلام مثل المحلى لابن حزم والمغني للشيخ موفق الدين في جودتهما وتحقيق ما فيهما
(1)
.
والكتاب السادس: الإقناع لطالب الانتفاع، للعلامة شرف الدين موسى بن أحمد بن موسى بن سالم أبو النجا الحجاوي المقدسي، المتوفى عام 968 هـ، وقد ذكر العلامة بكر أبو زيد أن هذا الكتاب مستل من كتاب المستوعب للسومري المتوفى 616 هـ، وقد شرحه العلامة منصور البهوتي في كشاف القناع، والكتاب مختصر يذكر مؤلفه الأحكام مجردة من الأدلة ولا يورد التعليل لكنه يرجح ما رجحه محققو المذهب
(2)
.
والكتاب السابع: الفروع، للإمام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن مفلح المقدسي الحنبلي، المتوفى عام 762 هـ، ولقي هذا الكتاب الكثير من المدح والثناء من قبل العلماء، وقد شرحه ابن العماد الحنبلي في المقصد المنجح لفروع ابن مفلح، والمؤلف لا يقتصر على ذكر المذهب بل يذكر من يوافق المذهب أو يخالفه، وهو مجرد من الأدلة وإذا اختلف الترجيح يطلق الخلاف، وإذا حكى المذهب فإنه يحكيه بلفظ الصحيح والأصح والمشهور والأشهر والمذهب
(3)
.
(1)
انظر: المنهج الفقهي العام (326)، والمدخل المفصل (694)، ومصطلحات الفقه الحنبلى (307).
(2)
انظر: المنهج الفقهي العام لعلماء الحنابلة (341)، والمدخل المفصل في فقه الإمام أحمد (765).
(3)
انظر: المنهج الفقهي العام لفقهاء الحنابلة (329)، ومصطلحات الفقه الحنبلي (310)، والمدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد (754).
والكتاب الثامن: الوجيز في مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، للعلامة سراج الدين أبي عبيد الله الحسين بن يوسف الدجيلي الحنبلي، المتوفى عام 732 هـ، والكتاب لقيمته العلمية الجليلة حظي بشرح العلامة بهاء الدين الزركشي، وأحمد بن عبد العزيز المعروف أيضًا بابن النجار وحشا عليه بعض العلماء ونظمه بعضهم، وهو كتاب مذهبي، يعتمد ذكر الراجح من المذهب، ولا يعرج على ذكر الأدلة العقلية والنقلية
(1)
.
والكتاب التاسع: الغنية لطالبي طريق الحق عز وجل، وهو كتاب جليل القدر، وقد جاء فريدًا في تأليفه؛ إذ ذكر فيه مؤلفه رحمه الله ثلاثة علوم تهم القارئ المسلم، فابتدأ بالفقه وذكر أبواب العبادات، ثم ثنى بذكر العقائد والفرق الإسلامية، ثم ثلث بذكر الأخلاق والآداب الإسلامية والمواعظ الحسنة، المأخوذة من القرآن والسنة في الجملة، وعلى الكتاب حواشٍ في تخريج الأحاديث والحكم عليها
(2)
.
(1)
انظر: المنهج الفقهي العام لعلماء الحنابلة (328)، والمدخل المفصل في فقه الإمام أحمد (748).
(2)
طبع الكتاب في مجلدين في أربع وسبعمائة صفحة بتحقيق الشيخ: صلاح محمد عويضة، وطبع دار الكتب العلمية بلبنان، عام 1991 ميلادية.
المطلب الخامس: منهج الكتاب
من خلال تتبع كتابنا العقد المفرد تظهر بجلاء طريقة المؤلف المتسقة والمؤتلفة، من أول الكتاب إلى آخره، ويظهر ذلك فيما يلي:
أولًا: عرف المؤلف رحمه الله في أول مقدمته بنسبه ومولده ومذهبه، انظر صفحة:(107).
ثانيًا: نص المؤلف رحمه الله على سبب تأليفه للكتاب ومدى الحاجة الماسة إليه، وانظر صفحة:(107).
ثالثًا: نص المؤلف رحمه الله على جلالة مذهب أحمد، وقوته في الاستدلال، وتبنيه المسلك الأحوط في كثير من الأحوال، وانظر صفحة:(107).
رابعًا: ذكر المؤلف رحمه الله المراجع الرئيسية التي سينقل منها، ويحيل عليها، وانظر صفحتي:(108).
خامسًا: قسم المؤلف كتابه إلى كتب، وجعل تحت الكتب أبوابًا، وجعل تحت الأبواب فصولًا، لكنه ختم بابين فقط بتنبيه، وهما: سنن الصلاة ومكروهاتها وباب الجمعة، وختم الكتاب بتتمة، وانظر تباعًا (181/ 221/ 714).
سادسًا: اقتبس المؤلف رحمه الله من كتاب نيل المآرب طريقة التبويب
والترتيب، واقتبس من كتاب الروض المربع طريقة عرض المسائل وذكر الخلاف المذهبي، والإحالة على كتب المذهب التي تحكي الراجح من الخلاف.
سابعًا: يلتزم المؤلف بالتعريف بالمصطلح الفقهي للباب أو الكتاب غالبًا، دون التعريف اللغوي، إلا في كتابين كتاب الصلاة والمناسك، وانظر صفحتي:(152/ 285).
ثامنًا: يعتمد المؤلف ذكر الخلاف المذهبي في أربع وستين مسألة، اختلف النقل فيها عن الإمام، أو اختلف فيها اجتهاد الأصحاب، لقوة أدلتها، أو اختلاف أوجه النظر فيها، وانظر الصفحات:(401/ 403/ 497) وغيرها.
تاسعًا: لم يعتمد المؤلف ذكر الخلاف خارج المذهب إلا في أربع مسائل، مسألة نقض الوضوء بمس الذكر، ومسألة إقامة الصلاة جماعة بمسجد فيه إمام راتب، ومسألة النكاح بلا ولي، ومسألة نسيان التسمية على الذبيحة حين التذكية، وانظر الصفحات:(129/ 169/ 578/ 658).
عاشرًا: يعمد المؤلف إلى ذكر الأوصاف التي تتفق مع الحكم، ثم يثني بذكر الأوصاف التي تخرج عن القاعدة، والأحوال الطارئة.
الحادي عشر: يعمد المؤلف إلى تعريف مصطلحات فقهية تمر به عرضًا، لكنه يعرفها تعريفًا تقريبيًا.
الثاني عشر: يعمد المؤلف إلى ذكر العديد من أنواع الحيوانات والنباتات والأمراض والمعادن والصنائع والمواضع، التي من شأنها أن تثري الفروع الفقهية، وشأن الحكم أن يختلف باختلاف الحال والزمان والمكان.
الثالث عشر: اعتنى المؤلف رحمه الله عناية خاصة بذكر القواعد الفقهية والضوابط والكليات، التي من شأنها أن تجمع العلم وتختزله وتختصره.
الرابع عشر: ينص المؤلف رحمه الله على ذكر نوادر المسائل، وغرائب الواقعات، التي من شأنها أن تحرك عقل الفقيه، وتوسع من أفقه.
الخامس عشر: في الغالب أن المؤلف رحمه الله يختم كل باب بتوطئة وتمهيد للباب الذي يليه، وهذا من حسن الصنع وإتقان العمل.
السادس عشر: كتب المؤلف رحمه الله كتابه على اصطلاح المتقدمين في قواعد الإملاء، مع أنه من علماء القرن الرابع عشر الهجري، فكان يكثر من التسهيل وحذف الهمز، تتبعًا لطريقة المتقدمين، وقد أثبت الكلمات على حسب القواعد الإملائية الحديثة.
المطلب السادس: تقييم الكتاب
الكتاب متميز من حيث ما سبق ذكره من المميزات العديدة، لكن الكتاب جهد بشري يعتريه الخلل والنقص، كما يعتري كاتبه، كما قال الله تعالى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ}
(1)
، وأبى الله تعالى العصمة لشيء من الكتب إلا لكتابه، قال تعالى:{لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)}
(2)
.
فمن الأمور التي أرى أنها لو أضيفت إلى الكتاب لكان أجمل وأمتع مما هو عليه:
أولًا: عند تصفح الكتاب يتضح تأثر المؤلف رحمه الله باللغة العربية القديمة، وبعده عن لغة معاصريه ومفرداتهم ومصطلحاتهم، والكتاب ألف حسب تأريخ مؤلفه عام 1330 هـ، ولو أن المؤلف جمع مادة الكتابين وصاغها بلغة معاصرة قريبة، أو على صورة مواد فقهية لكانت فيما يبدو من وجهة نظري أجدى وأنفع، وأبعد عن التعقيد، وأقرب لذهن القارئ، والله أعلم.
ثانيًا: إغفال المؤلف رحمه الله لذكر المسائل المعاصرة، والتمثيل بالمخترعات الحديثة، وقد ذكر رحمه الله من المسائل المعاصرة مسألة الصيد
(1)
(الروم: 54).
(2)
(فصلت: 42).
بالبندقية فقط، وقد عني الفقهاء بمسائل عصرهم كما عني القدماء بمسائل عصرهم، حفظًا للشريعة وبيانًا لشمولية الدين، وسعته ومرونته، وصلاحيته للزمان والمكان والجن والإنسان.
ثالثًا: لما كان واضحًا تأثر المؤلف بالكتابين اللذين اقتبس منهما مادة الكتاب وقع المؤلف في ثلاثة مواضع موقعًا لا يحسد عليه، حيث صاغ ثلاثة مواضع صياغة عسرة ركيكة المعنى، غير متبادرة للذهن مع أن الكتاب مؤلف للمبتدئين، ولو أن المؤلف رحمه الله اكتفى في هذه الثلاثة مواضع بالاقتباس من كتاب واحد لكان أيسر عليه وأيسر للقارئ، بدلًا من الوقوع في الركاكة والتعقيد لأول وهلة، وانظر الصفحات:(260/ 370/ 442).
رابعًا: كثرة الكلمات والجمل الاعتراضية التي تحيل المعنى وتقطع اتصال الكلام دون تمييز لها، مما يدعو لقراءة بعض الجمل السهلة مرات عديدة، ويظهر في نهاية الأمر أن السياق متصل لكن بجمل اعتراضية ربما تحيل المعنى، وانظر الصفحات:(130/ 151/ 204/ 242).
خامسًا: فيما يبدو لي أن المؤلف رحمه الله لا يرجع إلى غير الكتابين الأصليين وهما الروض المربع ونيل المآرب، ولو أحال على غيرهما فإنه غالبًا ما ينقل الإحالة على كتاب المنتهى والإقناع والمغني والوجيز ونظم ابن عبد القوي والتنقيح والغنية، هن كتاب الروض المربع، ولا أجزم بشيء، والعلم عند الله تعالى.
سادسًا: أغفل المؤلف رحمه الله تسمية الفصول الفقهية، ولو سمى الفصل وعنون له لكان أكمل، حيث تعتبر التسمية كالمفتاح لما بعدها.
سابعًا: أغفل المؤلف رحمه الله ذكر تعريف الكتب والأبواب تعريفًا لغويًا، في جميع أبواب الكتاب، ما عدا كتابي الصلاة والمناسك، وأغفل التعريف الاصطلاحي الفقهي في العديد من الأبواب، ولو عرفهما لتمت الفائدة من الكتاب.
ثامنًا: أغفل المؤلف رحمه الله ذكر المقادير الشرعية المعاصرة لزمانه، أثناء ذكره للمقادير الشرعية القديمة من الدرهم والدينار والمثقال والصنجة والفرسخ والميل والبريد والمد والصاع والوسق والذراع والقلة، وتم تتميم عمل المؤلف رحمه الله بذكر المقادير المعاصرة، ومعلوم أن الإسلام دين عصري والأوزان القديمة غير مقصودة الاسم، وعليه فإنه كان ينبغي معرفة مقدار ما يوازيها من المقاييس المعاصرة ليتم تفعيلها بين الناس، ليخرجوا زكاتهم والكفارات الواجبة للأيمان والنذور والديات وغيرها على بينة، وبالله التوفيق.
الفصل الثاني قسم التحقيق
ويشتمل على أربعة مباحث:
المبحث الأول: وصف نسخ المخطوط.
المبحث الثاني: منهج التحقيق وبيان مفرداته.
المبحث الثالث: تحقيق المخطوط.
المبحث الرابع: الفهارس العامة.
المبحث الأول وصف نسخ المخطوط
أولًا: النسخة الأم (المبيضة)
وهي التي اعتمدتها أصلًا، ورمزت لها برقم (1)، وحين أشير إليها أبدأ بذكر رقم الصفحة في المخطوط الأصل، ثم أضع شرطه مائلة وأضع الرقم (1)، وقد اعتمدتها أصلًا لعدة أسباب:
أولًا: أن المؤلف ارتضى هذه النسخة مسمى لكتابه.
ثانيًا: أن هذه النسخة نادرة الشطب والتعديل مقارنة بالتعديل الكثير في المسودة.
ويوجد أصل هذا الكتاب في مكتبة روضة خيري بمصر برقم 395 بخط مؤلفها رحمه الله، وعدد ألواحها 98 لوحًا، وعدد أسطر كل صفحة 26 سطرًا، ومقاس المخطوط 25 × 17، وكتبت بخط نسخي معتاد، بدون تأريخ، وتوجد لها صورة بمكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض برقم (299 /خ) وهي نسخة واضحة، وعليها ضبات تصحيحية متعددة، إلا أن بها سقطًا على مدى ثلاث صفحات متوالية وهي صفحة: 10، 11، 12 أكملتها من المسودة بتمامها.
ثانيًا: النسخة المسودة،
ورمزت لها برقم (2)، واعتمدتها نسخة ثانية لعدة مسوغات:
أولًا: كثرة الشطب والتعديل في النسخة مما يجعلنا نجزم أنها مسودة مقارنة بالنسخة المبيضة، وهي أقل جودة من سابقتها.
ثانيًا: وجود عبارات كتبها المصنف مرتين، في أول الباب وآخره، وهي موجودة في أول الباب فقط في المبيضة، مما يدل على أن المسودة ليست هي النسخة النهائية التي ارتضاها المؤلف لكتابه، والله أعلم وقد انتفعت منها كثيرًا في قراءة كلمات لم أتمكن من قراءتها في الأصل، إلا بعد الرجوع للمسودة، وكذلك في تتميم النقص والسقط الحاصل في بعض صفحات المبيضة، على ما سيأتي ذكره في حينه إن شاء الله، ويوجد أصل المسودة بمكتبة روضة خيري بمصر برقم 440، بخط مؤلفها رحمه الله، وعدد ألواحها 86، وعدد أسطر كل صفحة 32 سطرًا، ومقاس المخطوط 21 × 17، وكتبت بخط مستعجل بدون تأريخ، وعليها تعديلات كثيرة، لكنها بخط مؤلفها، وتوجد صورتها بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية برقم (298)، وقد أتممت منها النقص الحاصل في النسخة الأم، في كل المواضع الساقطة والغير واضحة الكتابة والمطموسة الأحرف.
المبحث الثاني منهج التحقيق وبيان مفرداته
أ - فحص النسخ ودراستها وترتيبها وفق القواعد المنهجية المقررة:
وذلك بعد أن تم الحصول على صورة المخطوطين: المسودة والمبيضة من عمادة شؤون المكتبات بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض مشكورة، وتمت المقارنة بين النسختين تم تحديد النسخة المبيضة أمَّا في البحث للأسباب المذكورة في المبحث السابق.
ب - مقابلة النسخ وإثبات الفروق في الهوامش:
بعد أن تم الاعتماد على النسخة المبيضة أمَّا في بابها تم نسخها كاملة دون الالتفات إلى النسخة المسودة؛ لأن المؤلف لم يرتضها إلا في حالين:
الحال الأولى:
حين وجود سقط في النسخة المبيضة فيكمل من النسخة المسودة، وقد تم تتميم النقص في أكثر من ثلاثة مواضع، كما سيتضح من خلال ترقيم صفحات المخطوط من خلال ثنايا البحث.
الحال الثانية:
إذا تعسرت قراءة جملة، أو كانت مطموسة فإنني أثبتها من المسودة، وتارة تتعسر قراءة أو فهم بعض الجمل فأراجع أصلي الكتاب فأفيد منهما ما تعسر فهمه أولًا.
ج - عدم تدوين الفرق إذا لم يترتب عليه اختلاف في المعنى:
لما كانت النسختان التي بين أيدينا، كلتاهما من خط المؤلف، وكانت إحداهما: مسودة، والأخرى: مبيضة، وتم اعتماد المبيضة أمًّا، فإنه لا داعي للمقارنة
بين النسخ؛ لأن النسخ إنما تقارن إذا كانت منقولة عن أصل واحد بخط المؤلف - مثلًا - وفقد الأصل، أما مع وجود الأصل التام فما الحاجة لمقارنة الأصل بما دونه؟ لكن تمت إضافة جميع مواطن الضبات التصحيحية التي وقعت للماتن رحمه الله، وهي كثيرة مع أن النسخة مبيضة، وذلك بعد مشورة المشرف على الرسالة وفقه الله.
د - رسم الكتابة وفق القواعد الإملائية الحديثة:
فلقد اعتمد المؤلف رحمه الله أثناء كتابته المخطوط التسهيل، والمراد بالتسهيل حذف الهمزة، سواء من أول الكلام أو أوسطه أو آخره، فيكتب كلمة ماء مثلًا (ما)، ورأى (راى) وسؤر (سور)، يؤاخذ (يواخذ)، إناء (انا)، وهكذا كذلك جرى المؤلف رحمه الله أثناء كتابته المخطوط النافع على كتابة الألف المقصورة ممدودة دومًا، فإنه رحمه الله يكتب كلمة رمى (رما)، وسعى (سعا)، فتم كتابة هذه الكلمات وأمثالها وفق قواعد الإملاء الحديثة.
هـ - إصلاح ما يظهر في النص من تصحيف أو تحريف من الناسخ:
من ذلك أن المؤلف رحمه الله ينصب الفعل المضارع، ثم لا ينصب الأفعال المضارعة المعطوفة عليه، وقد تكرر هذا الأمر مرتين في ثنايا المتن، كذلك فإن المؤلف رحمه الله يغاير في استعمال أدوات العطف، فيعطف الجملة الثانية على الأولى بأو وكذلك الجملة التي تليها معطوفة بأو والجملة الثالثة معطوفة بالواو، مما يجعل القارئ يشعر بحاجة إلى التأمل لاختلاف السياق، كذلك يسبق القلم يمين المؤلف نادرًا فرفع المجرور في موضع واحد وتم إصلاحه بحمد الله تعالى.
و- الدلالة على مواضع الآيات القرآنية:
وحيث إن المتن متن فقهي مذهبي، فإنه مجرد من الأدلة إلا ما ندر، فلم يذكر المؤلف خلال كتابه إلا آيتين كريمتين تم عزوهما بالطريقة التالية: بين قوسين تذكر السورة اسمًا والآية رقمًا بينهما شرطة مائلة.
ز - تخريج الأحاديث والآثار:
وحيث إن الكتاب مذهبي ويعنى ببيان الرواية الراجحة للمذهب، فإنه لا يعنى غالبًا بذكر الدليل من السنة إلا
نادرًا، وقد ورد في المتن قرابة ثمانية أحاديث، وتم تخريجها بالطريقة الآتية: الاكتفاء بالعزو إلى الصحيحين أو أحدهما إذا كان الحديث أو الأثر فيهما أو أحدهما، وإذا لم يكن الحديث أو الأثر فيهما فأبذل الجهد في التخريج والعزو مع ذكر شيء من كلام العلماء في الحكم على الحديث أو الأثر.
ح - توثيق النصوص الواردة في الكتاب من مصادرها الأصلية قدر الإمكان:
وذلك لما كان الكتاب متأخرًا زمانًا، وكان معتمدًا على جهد من سبقه من المؤلفين في فقه مذهب أحمد، خاصة وأنه شافعي المذهب أساسًا، فإنه اقتبس جل مادته الفقهية من كتابي الروض المربع ونيل المآرب كما نص على ذلك في مقدمته رحمه الله، بيد أنه يذكر في ثنايا كلامه جملًا من العلم مقتبسة من كتب ومراجع مذهبية، وتمت الإحالة إلى مواضع الاقتباس منها برقم الجزء والصفحة، وهي لا تعدو ثمانية مصادر، وقد تم التعريف بها سابقًا في مبحث مصادر الكتاب.
ط - توثيق آراء المذاهب الفقهية الأخرى إذا ذكر ذلك:
وحيث إن الماتن رحمه الله شافعي المذهب فإنه نص على الخلاف المذهبي بين الشافعية والحنابلة في أربع مسائل فقط: مسألة نقض الوضوء بمس الذكر، ومسألة إقامة الصلاة جماعة بمسجد فيه إمام راتب، ومسألة النكاح بلا ولي، ومسألة نسيان التسمية على الذبيحة حين التذكية، وقد تم بيان مذهب الشافعية والحنابلة في كل، وارتأى فضيلة المشرف وفقه الله بعد الانتهاء من جلِّ العمل تتميم الفائدة وتكميل النقص بالإشارة إلى المسائل الخلافية الكبرى في الجملة، وبيان رأي المذاهب الثلاثة المعتبرة، والإحالة إلى مراجعها، فتم ذلك بحمد الله تعالى.
ي - التعريف بالمصطلحات الفقهية في أبوابها:
وحيث إن منحى المؤلف الاقتباس والاختصار فإنه لم يعرِّف بمصطلحات الكتب والأبواب الفقهية البتة، إلا في كتابي الصلاة والمناسك، فقد عرَّف هذين المصطلحين لغة واصطلاحًا، ثم أغفل رحمه الله التعريف ببقية الأبواب الفقهية، ولما كان
الحكم على الشيء فرع عن تصوره فقد رأيت الحاجة الملحة للتعريف بمصطلح كل باب فقمت بفضل الله بالتعريف بمصطلح كل باب حين ورود ذكره أول مرة في ثنايا الكلام، ومرة أخرى في بابه.
ك - التعريف بأسماء الأعلام والبلدان والأماكن والنباتات والأعشاب والأشجار والحيوانات والدواب والبهائم والحشرات والأمراض والوظائف والمعادن والطوائف والديانات:
وقد تم حصرها ثم التعريف بها من المراجع المتوافرة لدي، سواء كانت ورقية مطبوعة أم إلكترونية، كل ذلك على حسب الوسع والقدرة والطاقة، ولا يكلف الله نفسًا إلا ما آتاها، وليس التعريف بها كما أعتقد حشوًا أو تشويهًا بل تتميم وتكميل وتجميل لجهد المؤلف المشكور.
ل - تعريف المصطلحات العلمية وتوضيح الكلمات الغريبة من مظانها:
وحيث إن الكتاب مليء بالمصطلحات الفقهية؛ لأنه عم جميع أبواب الفقه، وربما يعسر فهم بعض المصطلحات على بعض المتخصصين فقد آثرت التعريف بكل مصطلح أظن أنه بحاجة إلى تقريب أو إيضاح أو تعريف، فإن كانت الكلمة فقهية عرفت بها من الكتب التي عنيت بلغة الفقهاء المذهبية، وإن كانت الكلمة لسانية عربية عرفت بها من كتب المعاجم والغريب.
م - بيان المقادير الشرعية بحسب المقاييس الحديثة المعاصرة:
وقد ذكر المؤلف رحمه الله قرابة خمسة عشر مقدارًا من المقادير والموازين والوحدات التي كانت مألوفة وسائرة سابقًا، فعرفت بها وبينتها ثم ذكرت ما يوازيها بالمقدار الحديث، وفي هذا التحديث فائدة عظيمة للقارئ تعينه على المبادرة والامتثال والتطبيق والاستجابة.
ن - بيان المراد من كلام المؤلف إذا اقتضى المقام ذلك:
وقد لمس فضيلة المشرف وفقه الله حاجة المتن لشيء من التعليقات والتوضيحات التي تجلي مراد المؤلف أو تصور المسألة أو تقربها للقارئ، فقمت بوضع حواش سفلية، مقتبسة في الجملة من الكتب التي عنيت بأصلي الكتاب: حاشية
الروض المربع، ومنار السبيل، ولما كان الكتاب مختصرًا منهما وجلّ مادته أيضًا منهما، كان الأجدر أن يكون البيان والتقريب منهما، فاجتهدت في وضع بعض العبارات التوضيحية التي آمل أن تثري الكتاب، وتسد النقص الحاصل بالاختصار والابتسار.
س - أكثر المؤلف رحمه الله من ذكر الجمل الاعتراضية:
ورأيتها تحيل المعنى فوضعتها بين شرطتين تمييزًا لها.
ع - وضع الفهارس المتنوعة، فقد تم صنع خمسة فهارس:
فهرس للآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأعلام والمصادر والمراجع والموضوعات، وقد رتبتهتا ترتيبًا هجائيًا، كما هو متبع في الرسائل العلمية.
صورة من المسودة، بخط المؤلف رحمه الله.
صورة من المسودة، بخط المؤلف رحمه الله.
صورة من المبيضة، بخط المؤلف رحمه الله.
صورة من المبيضة بخط المؤلف رحمه الله
المبحث الثالث تحقيق المخطوط
مقدمة
هذا كتاب العقد المفرد في الفقه، على مذهب الإمام أحمد رضي الله عنه، ونفعنا به، آمين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين، وبعد:
فيقول العبد الفقير المتوكل على ربه الغفور، محمد البيومي أبو عياشة الشافعي الدمنهوري، غفر الله ذنوبه، وستر في الدارين عيوبه: لما كان الاشتغال بالعلم من أفضل القربات، وأجلّ الطاعات، خصوصًا علم الفقه الذي تنال به السعادات؛ إذ يتوصل به إلى تصحيح العبادات والمعاملات، وكان الإنسان في احتياج إلى تقليد بعض المذاهب في بعض الأحكام، خوفًا من الوقوع في الآثام، وكانت كتب مذهب الإمام أحمد بن حنبل، قليلة الوجود في بلادنا المصرية
(1)
، لقلة المشتغلين بها خصوصًا في البلاد البحرية، وكان مذهبه رضي الله عنه مخلصًا في كثير من الأحوال؛ أحببت أن أضع فيه مختصرًا لطيفًا سهل المنال.
(1)
مصر: دولة عربية تقع في أقصى الشمال الشرقي من قارة أفريقيا، ويحدها من الشمال الساحل الجنوبي الشرقي للبحر المتوسط، ومن الشرق الساحل الشمالي الغربي للبحر الأحمر، وتشترك بحدود من الغرب مع ليبيا ومن الجنوب مع السودان ومن الشمال الشرقي مع فلسطين، مساحتها مليون كلم مربع، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
اختصرته من كتاب نيل المآرب شرح دليل الطالب
(1)
، للإمام عبد القادر بن عمر الشيباني
(2)
، ومن كتاب الروض المربع شرح زاد المستقنع
(3)
، للشيخ الهمام منصور بن يونس البهوتي
(4)
؛ وسميته العقد المفرد في الفقه على مذهب الإمام أحمد.
(1)
المتن للعلامة مرعي بن يوسف الكرمي رحمه الله، المتوفى عام 1033 هـ، والشرح سهل جيد العبارة في الجملة، لكن انتقد هذا الشرح العلامة ابن بدران الدمشقي في المدخل، ونقل هذا النقد العلامة بكر أبو زيد في المدخل المفصل، بأنه شرح لم يبين ويجلي مراد المؤلف ومقصوده، كما يقصد فقهاء المذهب، لكن للشرح حاشيتان جليلتا القدر تممتا نقصه: الأولى: للشيخ مصطفى الدوماني رحمه الله، المتوفى عام 1200 هـ، والثانية: تيسير المطالب إلى فهم وتحقيق نيل المآرب، شرح دليل الطالب للعلامة: عبد الغني اللبدي رحمه الله، المتوفى عام 1319 هـ. انظر: المدخل المفصل (791 - 795)، والمنهج الفقهي العام لعلماء الحنابلة (300).
(2)
هو الإمام العالم الفقيه الفرضي، الصالح العابد الناسك، أبو التقى عبد القادر بن عمر بن عبد القادر بن عمر بن أبي تغلب بن سالم التغلبي الشيباني الدمشقي، كان حافظًا للقرآن، ملازمًا للفقهاء، وكان يعمل في تجليد الكتب، وكان يدرس بين العشاءين في الجامع الأموي بدمشق، توفي سنة 1135 هـ. انظر ترجمته في: سلك الدرر (3/ 58)، والأعلام (4/ 167).
(3)
والمتن للعلامة شرف الدين موسى الحجاوي رحمه الله، والذي اختصر فيه متن المقنع، للشيخ موفق الدين بن قدامة المقدسي، والإمام منصور البهوتي رحمه الله لما كتب الروض المربع وضع عبارة الزاد بين قوسين ثم شرحها مع المتن من حيث المعنى، فاصلًا إياه لفظًا بجعله بين قوسين، ويذكر المؤلف شيئًا من الأحكام النقلية والعقلية، ويورد بعض العلل للأحكام، وعده العلامة بكر أبو زيد رحمه الله، ضمن الكتب المعتمدة والموثوقة في حكاية المذهب. انظر: المنهج الفقهي العام لعلماء الحنابلة (348)، والمدخل المفصل في فقه الإمام أحمد (771/ 1027).
(4)
هو الإمام العلامة شيخ الحنابلة بمصر، وخاتمة علمائهم بها، الذائع الصيت البالغ الشهرة، منصور بن يونس بن صلاح الدين بن حسن أحمد بن علي بن إدريس الشهير البهوتي الخلوتي المصري رحمه الله، انتهى إليه مبلغ التدريس والفتيا في عصره ومذهبه، كان سخيًا، له مكارم جمة، شرح الإقناع والمنتهى وزاد المستقنع وغيرها توفي عام 1015 هـ، انظر ترجمته في: الأعلام (8/ 249)، ومعجم المؤلفين ترجمة رقم (2382).
وإني وإن كنت لست أهلًا لذلك لكن رجوت من الكريم المالك أن يعصمني من الزلل، ويوفقني للصواب في القول والعمل، ويسلك بي سبيل الرشاد، وينفع به العباد، إنه أكرم مسؤول، وأجود مأمول.
كتاب الطهارة
(1)
وهي رفع الحدث وزوال الخبث، والمياه ثلاثة:
إحداها: طاهر مطهر
(2)
، وهو ما نزل من السماء، أو نبع من الأرض، وبقي على أصل خلقته، فلا يقيد بوصف دون وصف، فهو يرفع الحدث ويزيل الخبث الطارئ على المحل الطاهر.
وهو أربعة أنواع: ماء يحرم استعماله ويزيل الخبث ولا يرفع الحدث، وهو ما ليس مباحًا كمسروق ومغصوب
(3)
. وماء
(4)
يرفع حدث الأنثى
(1)
الكتاب: مصدر سمي به المكتوب، وهو بمعنى المجموع؛ لأنك جمعت فيه الحروف والكلمات، واصطلاحًا: هو اسم لجنس مشتمل على أنواع مختلفة، كالطهارة مشتملة على المياه والوضوء والغسل والتيمم، وهو خبر مبتدؤه محذوف تقديره: هذا كتاب الطهارة الجامع لأحكامها، والطهارة لغة: النزاهة والنظافة من الأقذار، يقال: طهرت المرأة من الحيض والرجل من الذنوب، انظر: المطلع (5)، والتعريفات (184).
(2)
لقوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [سورة الأنفال: 11].
(3)
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا" أخرجه البخاري، في كتاب الإيمان، باب رب مبلغ أوعى من سامع، برقم (67).
(4)
سقط من قوله: وما، إلى قوله: وهو قليل أو كان، وقد أتممته من مسودة المؤلف رحمه الله.
لا الرجل البالغ أو الخنثى
(1)
، وهو ماء خلت به المرأة المكلفة لطهارة كاملة عن حدث بأن لم يشاهدها مميز، ولا فرق بين الحر والعبد، والمرأة والرجل، والكافر والمسلم في المشاهدة، ويجوز للرجل إزالة الخبث بما خلت به المرأة؛ بشرط أن يكون الماء دون قلتين، وتأنيث الخلوة
(2)
.
وماء يكره استعماله في قرب وطهارة وغيرها إن لم يكن محتاجًا إليه، وهو ماء بئر بمقبرة، وما اشتد حره أو برودته
(3)
، أو سخن بنجاسة، أو بمغصوب
(4)
، أو استعمل في طهارة لم تجب، أو في غسل كافر، أو تغير أحد أوصافه بملح مائي
(5)
، أو بما لا يمازجه من الطاهرات كدهن، وقطعة كافور
(6)
، وزفت، وشمع، وقطران
(7)
(8)
، ولا يكره ماء زمزم إلا في إزالة الخبث
(9)
.
وماء لا يكره استعماله مطلقًا كماء البحر والآبار والعيون والأنهار والحمام
(10)
، ولا يكره المسخن بالشمس ولو في إناء منطبع، ولا المتغير
(1)
الخنثى: هو الذي لا يخلص لذكر ولا لأنثى، إما لأن معه آلة الذكر والأنثى، أو لأن معه آلة لا تشبه أيًا منهما، والانخناث: التكسر والتعطف، انظر: مادة خنث في لسان العرب (2/ 145)، ومختار الصحاح (80)، والمطلع (308)، والتعاريف (327).
(2)
الخلوة: من خلا الشيء، وخلوت به خلوة وخلاء، وخلا إليه: اجتمع معه في خلوة، انظر: مادة خلو في لسان العرب (14/ 242)، ومختار الصحاح (79).
(3)
لأنه يؤذي ويمنع كمال الطهارة، انظر: منار السبيل (1/ 9).
(4)
لأنه لا يسلم غالبًا من صعود أجزاء لطيفة إليه، وانظر: منار السبيل (1/ 10).
(5)
الملح المائي: الذي مصدره تجفيف ماء البحر، وانظر: منار السبيل (1/ 9).
(6)
الكافور: أشجار كبيرة، وتعتبر من أسرع الأشجار نموًا في العالم، والزيت العطري له يدخل في علاج آلام المفاصل، والأنفلونزا والزكام وذلك عند استعماله تدليكًا أو تبخيرًا. وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(7)
القَطِرَانُ: ما يتحلل من شجر الأبهل ويطلى به الإبل وغيرها، وانظر: المصباح المنير (2/ 508).
(8)
لأن تغيره عن مجاورة لا من ممازجة، فهو مكروه خروجًا من الخلاف، وانظر: منار السبيل (1/ 9).
(9)
تعظيمًا له، ولا يكره الوضوء والغسل منه، وانظر: منار السبيل (1/ 9).
(10)
الحمام: مشددًا واحد الحمامات المبنية، وانظر: مادة حمم في لسان العرب (12/ 155)، ومختار الصحاح (66).
بطول المكث، أو بما يشق صون الماء عنه كطحلب
(1)
وورق شجر ما لم يوضع فيه قصدًا من آدمي عاقل.
الثاني: طاهر غير مطهر، يجوز استعماله في غير رفع الحدث؛ وهو زوال الخبث، وهو ما تغير كثير من لونه أو طعمه أو ريحه بمخالطة شيء طاهر
(2)
، من غير جنس الماء، لا يشق صون الماء عنه كزعفران
(3)
بقصد أو غيره أو بطبخه فيه، فإن كان التغير يسيرًا لم يسلبه الطهورية، إلا إذا كان في صفاته الثلاث
(4)
، أو في صفتين، فإن زال التغير بنفسه عاد إلى طهوريته، ومن هذا القسم ما كان أقل من قلتين، واستعمل في رفع حدث، أو انغمست فيه كل يد المسلم المكلف النائم ليلًا نومًا ينقض الوضوء قبل غسلها ثلاثًا؛ فإن غسل اليدين بنية وتتمته ثلاثًا بعد ذلك النوم واجب
(5)
ولو باتت مكتوفة أو في نحو جراب
(6)
(7)
.
(1)
طحلب: مجموعة من المتعضيات الحية القادرة على التقاط طاقة الضوء من خلال عملية البناء الضوئي محولة المواد غير العضوية إلى مواد عضوية تختزن بداخلها الطاقة، وتحيا بإذن الله. وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(2)
غير اسمه حتى صار صبغًا أو خلًّا، أو طبخ فيه فصار مرقًا، فيسلبه الطهورية. وانظر: منار السبيل (1/ 10).
(3)
زعفران: يستخرج الزعفران من زهرة صغيرة، ويوجد في قلبها خيوط الزعفران، وهي ذات لون أحمر مشوب بالصفرة، ذات رائحة زكية منعشة، ويتم استخراجها بدقة متناهية، وبأيدي أشخاص ذوي خبرة وفن في التقاطها وتجميعها، وزراعة الزعفران من النباتات المكلفة ماديًا وفنيًا وتقنيًا، وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(4)
الصفات الثلاث: هي اللون والطعم والرائحة.
(5)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية إلى استحباب غسل اليدين قبل الوضوء للقائم من النوم، وذهب الحنابلة إلى الوجوب. انظر: الهداية (1/ 280)، والثمر الداني (41)، والإقناع (1/ 81).
(6)
الجِرابُ: وِعاءٌ يُوعَى فيه، وهو من إهاب الشّاءِ، والجمع: جُرُبٌ، وانظر: كتاب العين (6/ 113).
(7)
لأن الأمر تعبدي لا لأجل النجاسة، فالمتيقن والشاك سواء، وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 85).
الثالث: نجس يحرم استعماله إلا لضرورة
(1)
كدفع لقمة غص بها، ولم يكن عنده طاهر، وهو لا يرفع حدثًا، ولا يزيل خبثًا، وهو ما وقعت فيه نجاسة، وهو قليل
(2)
، أو كان كثيرًا وتغير بالنجاسة أحد أوصافه، فإن زال تغيره بنفسه، أو بإضافة ماء طهور إليه، أو بأخذ ماء منه، وكان الباقي بعده كثيرًا صار طهورًا.
والكثير قلتان
(3)
؛ وهما خمسمائة رطل
(4)
عراقي تقريبًا، ويعفى عن رطل أو رطلين، واليسير ما دونهما، ومساحتهما في المربع ذراع
(5)
وربع طولًا، وكذا عرضًا، وكذا عمقًا، وفي المدور ذراع طولًا، وذراعان ونصف عمقًا بذراع اليد، فإن كان الماء الكثير لم يتغير بالنجاسة فهو طهور ولو مع بقائها فيه.
وإن شك في كثرته فهو نجس، وإن اشتبه
(6)
ما تجوز به الطهارة بما
(1)
ضرورة: من الضرر وهو ضد النفع، وضره بالتشديد يعني: ضره، والضرار المضارة، ورجل ذم ضرورة أي: اضطر إلى شيء وألجيء إليه، وانظر: مادة ضرر في لسان العرب (4/ 487)، ومختار الصحاح (159).
(2)
ذهب الجمهور من الحنفية والشافعية إلى أن الماء القليل ينجس بمجرد الملاقاة، وذهبت المالكية إلى أن الماء لا ينجس إلا بالتغير على المشهور. انظر: الهداية (1/ 224)، والثمر الداني (34)، والإقناع (1/ 81).
(3)
القلة: أعلى الجبل، والقلة أيضًا: إناء للعرب كالجرة الكبيرة، ويجمع على قلل، وتساوي القلة باللترات (307) لترًا، ومجموع القلتين (614) لترًا. وانظر: مادة قلل في مختار الصحاح (226)، والإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان (80).
(4)
الرطل العراقي: اختلف فيه على أقوال، أصحها: أنه مائة وثمانية وعشرون درهمًا وأربعة أسباع درهم، قلت: ومقدار درهم الفضة بالوزن (3.17) غرامًا، إذًا فوزن الرطل العراقي بالمقاييس الحديثة يساوي (407.566) جرامًا، ووزن خمسمائة رطل عراقي (204) كيلو جرامًا تقريبًا، والله أعلم، وانظر: المطلع (8)، والإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان (80).
(5)
الذراع: ما بين طرف المرفق وطرف الإصبع الوسطى، وهو وحدة قياس للمسافة، وتعادل بالسنتيمتر (46.2) سنتيمترًا، وانظر: مادة ذرع في لسان العرب (8/ 93)، ومختار الصحاح (93)، والإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان (77).
(6)
الاشتباه المشكل، إنما هو من التشابه، الذي هو بمعنى الاستواء، والمشتبهات من الأمور المشكلات. وانظر: مادة شبه في لسان العرب (13/ 505).
لا تجوز به لم يتحر ويتيمم بلا إراقة، أما لنحو الشرب فيتحرى.
وإن اشتبه طهور بطاهر توضأ من كل منهما وضوء واحدًا، من هذا غرفة ومن هذا غرفة، ويلزم من علم بنجاسة شيء إعلام من أراد أن يستعملها
(1)
.
* * *
(1)
الفرق بين المسألتين، أن المسألة الأولى عدل إلى التيمم، حتى لا يقع في الوضوء بالمحرم، بينما في المسألة الثانية ليس أحد المائين محرمًا فيقع وضوءه صحيحًا يقينًا.
فصل: (في الآنية
(1)
وأحكامها)
وكل إناء طاهر ولو ثمينًا كجوهر
(2)
يباح اتخاذه واستعماله إلا آنية ذهب
(3)
وفضة
(4)
.
(1)
الآنية: جمع إناء، كسقاء وأسقية، وجمع الآنية: أواني، وهي ما تحفظ فيه الأطعمة والأشربة، وانظر: المطلع (9).
(2)
الجوهر: لفظ معرب، الوَاحِدَةُ: جَوْهَرَةٌ. والجَوْهَرُ: كل حجر يستخرج منه شيء ينتفع به. والمقصود به الإناء من الأحجار الكريمة وهي نوع من المعادن، وتتكون أساسًا من مادة السليكا مع وجود بعض الشوائب المعدنية، ويختلف نوع الحجر الكريم باختلاف المادة الشائبة التي دخلت في تكوينه مع السليكا، ومن أنواعه: الألماس والعقيق والفيروز والزبرجد واللؤلؤ والياقوت والزمرد واللازورد والمرجان، وانظر: لسان العرب مادة جهر (4/ 152)، وموسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(3)
الذهب فلز ثمين جدًّا، وهو لين ولامع أصفر اللون، يتواجد في الطبيعة على هيئة حبيبات داخل الصخور، وفي قيعان الأنهار، أو كعروق في باطن الأرض، وغالبًا ما يوجد الذهب مع معادن أخرى كالنحاس والرصاص. وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(4)
الفضة عنصر فلزي، أبيض اللون، وهو ثمين ومعروف منذ القدم، حيث عرفه قدماء المصريين والعرب والصينيون، واستخدموه في صناعة الحلي وفي الطب والوقاية من الأمراض، ويستخدم في النقود والحلي تمامًا كالذهب، إلا أنها أقل قيمة، وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
ومضببًا
(1)
أو مموهًا
(2)
أو مطليًا
(3)
بهما أو بأحدهما والمغصوبة
(4)
؛ فيحرم اتخاذها واستعمالها في أكل وشرب وغيرهما، ولو على أنثى، وتصح الطهارة منها
(5)
، إلا ضبة يسيرة لحاجة.
وتباح آنية الكفار وثيابهم، ولو لم تحل ذبائحهم، وهي طاهرة إن لم تعلم نجاستها، وكذا ما صنعوه أو نسجوه، فلا ينجس شيء بالشك، ما لم تعلم نجاسته، وسن تغطية الآنية ولو بعود، وربط الأسقية، وما قطع من حيوان حي فهو كميتته طهارة ونجاسة؛ غير مسك وفأرته
(6)
.
وجلد الميتة وعظمها وقرنها وظفرها وحافرها نجس، ولا يطهر جلدها بالدباغ
(7)
، لكن يباح دبغه، واستعماله بعده في يابس إن كان من حيوان
(1)
مضببًا: من ضبب، والضبة: حديدة عريضة يضبب بها الباب والخشب، والجمع ضباب، قلت: والضبة هنا استعارة لسد الشعب في الإناء، وانظر: مادة ضبب في لسان العرب (1/ 541).
(2)
مموهًا: من موه الشيء، إذا طلاه بذهب أو فضة، وتحت ذلك نحاس أو حديد، ومنه التمويه وهو التلبيس، وانظر: مادة موه في مختار الصحاح (267).
(3)
مطلي: من طلى الشيء، أي: لطخه، وانظر: مادة طلى في لسان العرب (15/ 10).
(4)
ضبة تصحيحية.
(5)
لأن الوضوء جريان الماء على العضو فليس بمعصية، إنما المعصية استعمال الإناء،
وانظر: منار السبيل (1/ 13).
(6)
فأرة المسك: نافجته، وتكون بناحية التبت، يصيد الصياد الغزال، ثم يعصب سرته، ثم يركض وراءها حتى يجتمع فيها دمها ثم تذبح، فإذا سكنت قور مكان السرة، ثم دفنها في الشعير، حتى يستحيل الدم الجامد مسكًا زكيًا بعدما كان دمًا لا يرام نتنًا، وانظر: مادة فأر في لسان العرب (5/ 42)، ومختار الصحاح (205).
(7)
ذهب الجمهور من الحنفية والشافعية إلى أن كل إهاب دبغ فقد طهر، ويستعمل في الجوامد والمائعات على حد سواء، وذهب المالكية إلى أن الجلد المدبوغ يطهر ظاهره دون باطنه ويستخدم في الجوامد دون الموائع عدا الماء. انظر: الهداية (1/ 227)، والثمر الداني (504)، والإقناع (1/ 89)، ونيل الأوطار (1/ 61).
طاهر في الحياة، مأكولًا كالشاة، أو غير مأكول كالهر
(1)
، أما جلود السباع الكبيرة عن الهر كالذئب
(2)
مما لا يؤكل فلا يباح دبغ جلده، ولا استعماله
(3)
، وجعل المصران والكرش وَتَرًا
(4)
دباغ.
والشعر والصوف والوبر والريش طاهر، إذا كان من ميتة طاهرة في الحياة، ولو غير مأكولة.
* * *
(1)
الهرة: من الثدييات، وتنتمي إلى فصيلة السنوريات، وتتمتع بمهارة كبيرة في الصيد والافتراس إلا أنها لا تشكل خطرًا حقيقيًا على الإنسان، نظرًا لصغر حجمها، ومنها المتوحش والمستأنس، وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
(2)
الذئب: حيوان لاحم من فصيلة الكلبيّات، شرس، قوي الجسد، سريع العدو ويتمتع بقدر من الذكاء وسعة الحيلة، ويمكنه التكيف في بيئات متنوعة، يجوب مساحات شاسعة من المسافات، بحثًا عن الطعام، ويكون ذلك إما بمفرده، أو ضمن مجموعة، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
(3)
لأن الدباغ إنما يزيل النجاسة الحادثة بالموت، وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 72).
(4)
الوتر: بفتحتين: وتر القوس، والجمع: أوتار، وأوتر القوس: جعل لها أوتارًا، ووترها بالتشديد أي: شد وترها، وانظر: لسان العرب (5/ 278)، ومختار الصحاح (295).
فصل: (في الاستنجاء وأحكام الخلاء)
والاستنجاء
(1)
: هو إزالة ما خرج من السبيلين بماء طهور، أو رفع حكمه بنحو حجر أو خزف أو خرقة، بشرط أن يكون طاهرًا مباحًا جامدًا، فلا يكفي الاستجمار بمتنجس أو مغصوب أو طين أو أملس.
ولا يجوز أقل من ثلاث مسحات
(2)
تعم كل مسحة المحل، ولو بحجر ذي شعب
(3)
إن أَنقت بأن لم يبق أثر لا يزيله غير الماء، ولا يجوز في قبلي خنثى مشكل، ولا في مخرج غير فرج، ولا إن تنجس بغير خارج، ولا إن جاوز الخارج موضع العادة.
ويشترط أن يكون الحجر غير عظم وروث وطعام ولو لبهيمة، وأن لا يكون محترمًا ككتب علم، وأن لا يكون متصلًا بحيوان كذنب بهيمة، ولو استجمر بما نهي عنه لم يجزه إلا الماء، أما لو استجمر بما لا يكفي
(1)
الاستنجاء: إزالة النجو وهو العذرة، وأكثر ما يستعمل في الاستنجاء بالماء، وقد يستعمل في إزالتها بالحجارة، وانظر: المطلع (11).
(2)
ذهب الحنفية والمالكية إلى عدم وجوب الثلاث مسحات، وإنما العبرة بالإنقاء، قلَّ عدد الحصى أو كثر، وذهب الشافعية والحنابلة إلى وجوب التثليت مع الإنقاء.
انظر: الهداية (1/ 257)، والثمر الداني (38)، والإقناع (1/ 144).
(3)
الشعب: وسم مجتمع أسفله متفرق أعلاه، وانظر: مادة شعب في لسان العرب (1/ 503)، ومختار الصحاح (142).
لملاسته فيكفي الحجر بعده، ولو تعدى الخارج موضع العادة لم يجزئ في المتعدي غير الماء.
ويجب الاستنجاء لكل خارج من سبيل إذا أراد نحو الصلاة إلا الريح والطاهر
(1)
وغير الملوث
(2)
، ولا يصح وضوء ولا تيمم قبل الاستنجاء، أو الإنقاء بالماء، وهو عود المحل إلى خشونته كما كان، ويكفي ظن الإنقاء، بسبع غسلات فأكثر.
وسن الاستجمار بالحجر ونحوه، ثم إتباعه بالماء، فإن اقتصر على أحدهما، فالماء أفضل.
ويكره استقبال القبلة واستدبارها بفضاء حال الاستنجاء، ويحرم ذلك حال قضاء الحاجة.
ويسن لداخل الخلاء تقديم اليسرى، وقول: أعوذ بالله من الخبث والخبائث، وتقديم اليمنى في الخروج، ويقول: غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني، واعتماده على رجله اليسرى حال جلوسه، واستتاره، وكون مكان البول رخوًا، ومسحه بيده اليسرى إذا فرغ، ونثره ثلاثًا.
ويكره دخول نحو الخلاء بشيء فيه ذكر الله إلا لحاجة، كحرز للمشقة، ويحرم بمصحف، ويكره كلامه فيه ولو رد سلام، وتحرم القراءة، ويكره البول في شق ونحوه، وفي إناء بلا حاجة، ومس فرجه أو فرج حليلته بيمينه، واستنجاؤه واستجماره بها، واستقبال النيرين، ومهب ريح بلا حائل، ويكفي إرخاء ذيله، ونحو دابة، ويعتبر القرب من الحائل هنا
(3)
،
(1)
الطاهر: كالمني، والولد العاري عن الدم، وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 145).
(2)
غير الملوث: مثل الحصى والبعر الناشف، وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 145).
(3)
يعني: في الاستنجاء.
وفي (القبلة)
(1)
، ويحرم بوله في طريق مسلوك، وظل نافع، وشمس شتاء، وتحت شجرة عليها ثمرة، وتغوطه بماء مطلقًا، وأن يبول أو يتغوط بين قبور المسلمين، وأن يلبث في الخلاء فوق حاجة، ويكره البول في نار ورماد، ولا يكره قائمًا إن أمن تلويثًا ونظرًا.
* * *
(1)
يعني: سترة الصلاة.
فصل: (في أحكام السواك)
والسواك
(1)
مسنون في كل وقت، خصوصًا عند صلاة، وانتباه من نوم، وتغير فم، ووضوء، وقراءة، لغير صائم بعد الزوال فيكره، ويستاك عرضًا بيده اليسرى، مبتدئًا بجانب فمه الأيمن، بعود من نحو أراك
(2)
، أو زيتون
(3)
أو عرجون لين سواء كان رطبًا أو يابسًا، منق غير مضر، لا يتفتت، ولا يجرح، لا بإصبعه وخرقة
(4)
، وإذا تسوك اثنان فأكثر بعود فلا بأس.
(1)
السواك: اسم للعود الذي يتسوك به، وكذلك المسواك بكسر الميم، سمي بذلك لكون الرجل يردده في فمه، ويقال: جاءت الإبل هزلى تساوك، أي: تضطرب أعناقها، من الهزال، وانظر: المطلع (14)، وأنيس الفقهاء (52).
(2)
الأراك: أشجار معمرة دائمة الخضرة، لورقه طعم ورائحة طيبة عند تذوقه، وجذوره تمتد تحت الأرض، يثمر في الصيف، وعند نضجه يصبح لونه أسود. وترعى الإبل أغصانه، وتأكل البشر والطيور من ثمره، ويسمى الكباث، ويعتبر من أفضل الأشجار التي يتخذ من جذورها السواك. وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(3)
الزيتون: من النباتات الزيتية المعمرة دائمة الخضرة، ويكثر في منطقة البحر المتوسط والشام، ويعتبر ثروة لما له من فوائد اقتصادية وبيئية، ثمرته غذاء كامل، ويستخرج منها زيت، له فوائد غذائية وعلاجية. وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(4)
ذهب الحنفية والمالكية إلى مشروعية الاستياك بالإصبع، وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الاستياك بالإصبع لا يعد استياكًا. انظر: الهداية (1/ 209)، والثمر الداني (42)، والإقناع (1/ 105).
فصل: (في سنن الفطرة
(1)
وصفة الوضوء
(2)
وسننه)
ويسن حلق العانة، ونتف الإبط، وتقليم الأظافر، والنظر في المرآة، والتطيب، والاكتحال وترًا كل ليلة.
والإدهان غبًّا
(3)
، وقص الشارب
(4)
، وإعفاء اللحية، وحرم حلقها، ولا بأس بأخذ ما زاد منها على القبضة، والختان
(5)
واجب على الذكر
(1)
سنن الفطرة: السنن: جمع سنة وهي السيرة، واصطلاحًا: الطريقة التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأقوال والأفعال والاعتقادات، والفطرة: الخلقة والجبلة التي جبل الناس عليها، وانظر: المطلع (137)، والتعاريف (560)، والتعريفات (215).
(2)
الوضوء: بالضم الفعل، وبالفتح الماء المتوضأ به، وفي اللغة: عبارة عن النظافة والحسن، واصطلاحًا: الغسل والمسح بنية لأعضاء مخصوصة، وانظر: المطلع (17)، والتعريفات (327)، وأنيس الفقهاء (49).
(3)
غبًّا: غب الأمر ومغبته عاقبته وآخره، وقيل: هو شرب يوم وظمأ يوم، وقيل: الغب يوم وليلتين، وانظر: مادة غبب في لسان العرب (1/ 635)، ومختار الصحاح (196).
(4)
الشارب: ما سال على الفم من الشعر، والشاربان: ما طال من ناحية السبلة، وانظر: مادة شرب في لسان العرب (1/ 492).
(5)
الختان هو موضع القطع من الرجل والمرأة، وقد تسمى الدعوة للختان ختانًا، وانظر: مادة ختن في لسان العرب (13/ 138)، ومختار الصحاح (71).
والأنثى
(1)
عند البلوغ، وقبله أفضل، ويكره القزع؛ وهو حلق بعض الرأس، وترك بعضها.
وتجب التسمية بأن يقول: بسم الله، في الوضوء والغسل والتيمم، وغسل يدي قائم من نوم ليل ناقض للوضوء، وتسقط التسمية وغسل اليدين، إذا كان الترك سهوًا أو جهلًا، فإن ذكر في أثنائه ابتدأه وجوبًا، أو بعده فلا يعيده.
وفروض الوضوء ستة: غسل الوجه، ومنه: المضمضة والاستنشاق، وغسل اليدين مع المرفقين، ومسح الرأس كله، ومنه: الأذنان
(2)
، وغسل الرجلين مع الكعبين، والترتيب كما ذكر
(3)
، والموالاة؛ وهي أن لا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله، بزمن معتدل، ولو انغمس في ماء ناويًا الوضوء وخرج مرتبًا أجزأه وإلا فلا.
وشروطه ثمانية: انقطاع ما يوجبه، من نحو حيض
(4)
وحدث، والنية والإسلام والعقل والتمييز والماء الطهور المباح، وإزالة ما يمنع وصوله، من نحو شمع أو عجين، والاستنجاء والاستجمار.
والنية شرط في الطهارة من الحدث، فينوي بقلبه رفع الحدث، أو استباحة ما تجب له الطهارة، كصلاة وطواف ومس مصحف، وتتعين نية الاستباحة لدائم الحدث كمن به سلس، أو ينوي ما تسن له الطهارة كقراءة،
(1)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أن الختان واجب على الرجال، سنة ومكرمة في حق النساء، وذهب الشافعية إلى وجوب الختان على الذكر والأنثى. انظر: تحفة الملوك (240)، والثمر الداني (515)، والتذكرة (153).
(2)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية إلى أن مسح الأذنين سنة في الوضوء. انظر: الهداية (1/ 209)، والثمر الداني (40)، والإقناع (1/ 133).
(3)
لأن الله تعالى أدخل الممسوح بين المغسولات، ولا نعلم لهذا فائدة غير الترتيب، وانظر: الروض المربع (1/ 184).
(4)
الحيض: نزول الدم من رحم الأنثى في فترة الخصوبة، ويحدث مع تخلص الرحم من جداره، الذي يتجدد في دورة هرمونية، تتراوح مدتها ما بين 21 يومًا و 35 يومًا، بمتوسط 28 يومًا، وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
ولا يضر سبق لسانه بغير ما نوى، ولا شكه في النية أول الفرض، - أو -
(1)
بعد فراغ العبادة، فإن كان الشك في أثنائها استأنف، وإن اجتمعت أحداث متنوعة توجب وضوءًا أو غسلًا فنوى بطهارته أحدها ارتفع سائرها، إلا إذا نوى أن لا يرتفع غيره، ويجب الإتيان بالنية، عند أول واجبات الطهارة؛ وهو التسمية، ويجوز تقديمها بزمن يسير، ويجب استصحاب حكمها في جميع الطهارة، بأن لا ينوي قطعها.
وسنن الوضوء، ثمانية عشر: استقبال القبلة، والسواك عند المضمضة، وغسل الكفين ثلاثًا، لغير قائم من نوم ليل ناقض للوضوء، وإلا وجب، والبداءة بالمضمضة والاستنشاق قبل غسل الوجه، والمبالغة فيهما لغير صائم، والمبالغة في سائر الأعضاء مطلقًا، والزيادة في ماء الوجه، ليشمل شعوره وأساريره، وتخليل اللحية الكثيفة، وتخليل الأصابع من اليدين والرجلين، وأخذ ماء جديد للأذنين، وتقديم اليمنى على اليسرى، ومجاوزة محل الفرض في الأعضاء الأربعة، والغسلة الثانية والثالثة، واستصحاب ذكر النية إلى آخر الوضوء قلبًا، والإتيان بها عند غسل الكفين، والنطق بها سرًا، وقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله بعد فراغه، وأن يتولى وضوءه بنفسه بغير معاونة.
وصفة الوضوء الكامل أن ينوي الوضوء للصلاة، أو رفع الحدث؛ ثم يقول: بسم الله، ويغسل كفيه ثلاثًا، ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثًا، ثم يغسل وجهه ثلاثًا، من منابت شعر الرأس المعتاد غالبًا مع ما انحدر من اللحيين والذقن طولًا، ومن الأذن إلى الأذن عرضًا، ويغسل ما فيه من شعر خفيف يصف البشرة، كعذار
(2)
وعارض وشارب، ويغسل ظاهر الشعر الكثيف مع ما استرسل منه، ولو عنفقةٍ ولحية خنثى أو أنثى، ويخلل باطنه،
(1)
اقتضى السياق إضافته ليستقيم المعنى، كما في عبارة دليل الطالب:"ولا شكه في النية أو في فرض بعد فراغ كل عباده"، وانظر: منار السبيل (1/ 24).
(2)
العذار: جانب اللحيين، وذلك موضع العذار من الدابة، وانظر: تاج العروس مادة عذر (3164).
ثم يغسل يديه مع مرفقيه، ولا يضر وسخ يسير تحت ظفر ونحوه، كما يعلق بأصول الشعر، من نحو قمل
(1)
، وكل يسير من نحو دم وعجين في البدن ثم يمسح كل رأسه مع الأذنين مرة واحدة، ثم يغسل رجله ثلاثًا، مع الكعبين، ويغسل الأقطع بقية المفروض، ويباح تنشيف الأعضاء
(2)
، ومن وضأه غيره ونواه هو صح، إن لم يكن الموضئ مكرهًا بغير حق
(3)
، وكذا الغسل والتيمم.
* * *
(1)
القمل: حشرة بنية اللون، صغيرة جدًّا، يبلغ طولها 2.5 مليمتر، ويعيش عادة على فروة الرأس، أو على شعر العانة أو تحت الإبط، ويعيش على دم المضيف، عن طريق عض فروة الرأس أو الجلد، وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(2)
لأن إزالة الماء بمنديل أشبه ما لو أزاله بيده. وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 210).
(3)
معناه: وأي إنسان وضأه غيره ونوى المفعول به ذلك صح بلا خلاف يعتد به، وأبرز الضمير لئلا يتوهم أنه عائد على الفاعل، وهو ليس كذلك، ومفهومه أنه إن كان الفاعل مكرهًا بغير حق لم يصح. وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 212).
فصل: (في المسح على الخفين)
ويجوز المسح على الخفين يومًا وليلة لمقيم ومسافر؛ لا يباح له القصر، وثلاثة أيام بلياليها
(1)
لمسافر سفرًا يبيح القصر، وابتداء المدة من ابتداء حدث بعد لبس.
ويشترط في الخف أن يكون طاهر العين، مباحًا ساترًا لمحل الفرض لا بشده
(2)
أو شرجه
(3)
، وثابتًا بنفسه، وممكنًا متابعة المشي فيه عرفًا، وأن يكون لبسهما بعد كمال الطهارة بالماء، فلا يجوز المسح على نجس، فإن لم يمكنه نزعه؛ تيمم وصلى وأعاد، ولا على مغصوب، ولا على حرير لرجل، ولا على غير ساتر لمحل الفرض لخفته كالشراب، أو لقصره أو سعته أو صفائه، أو خرق فيه وإن صغر ولا على ثابت إلا بشده أو ربطه، فإن ثبت بنعلين مسح إلى خلعهما ما دامت مدته، ولو لبس اليمنى بعد
(1)
ذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن توقيت مدة المسح يبدأ بعد الحدث، وذهب المالكية إلى عدم اعتبار التوقيت لا حضرًا ولا سفرًا. انظر: الهداية (1/ 241)، والثمر الداني (69)، والإقناع (1/ 191).
(2)
الشد: يقال: شيء شديد بين الشدة، وشده أوثقه، وانظر: مادة شدد في لسان العرب (3/ 232)، ومختار الصحاح (160).
(3)
الشرج: بالفتح عرى المصحف والعيبة والخباء، وشرجها شرجًا، أي: أدخل بعضها في بعض، وكل ما ضم بعضه إلى بعض فقد شرج، وانظر: مادة شرج في لسان العرب (2/ 305).
غسلها، ثم غسل اليسرى ولبس خفها؛ لزمه نزع اليمنى ولبسها قبل الحدث
(1)
، ولا يشترط كونه يمنع نفوذ الماء، ولا كونه معتادًا؛ فيصح على الخف من الجلد واللبد
(2)
والحديد
(3)
حيث أمكن المشي فيه، ولا يصح المسح عليهما بعد طهارة تيمم.
ويمسح من به سلس بول ونحوه إذا لبس بعد طهارة، فإن زال عذره لزمه الخلع
(4)
واستئناف الطهارة، ولو مسح في السفر ثم أقام قبل مضي يوم وليلة، أو في الحضر ثم سافر، أو شك في ابتداء المسح هل هو في الحضر أو في السفر، لم يزد على مسح مقيم
(5)
، وإن أحدث في الحضر ثم سافر فمسح مسافر.
ويجب مسح أكثر أعلى الخف، ولا يجزئ مسح أسفله وعقبه، ولا يسن، ومتى حصل موجب للغسل أو ظهر بعض محل الفرض أو انقضت المدة بطل الوضوء.
ويصح المسح على عمامة مباحة لرجل إذا كانت محنكة
(6)
، بأن أدير منها كور فأكثر تحت الحنك، أو ذات ذؤابة، أي: طرف مرخى، ويشترط
(1)
لأن لبس اليمنى حصل قبل كمال الطهارة، ولا يصح لبس الخف إلا بعد انتهاء الطهارة.
(2)
اللبد: بوزن الجلد، واحد اللبود، واللبادة ما يلبس منه للمطر، وانظر: مادة لبد في لسان العرب (3/ 388)، ومختار الصحاح (246).
(3)
الحديد: عنصر كيميائي وفلز قابل للطرق والسحب، وهو عنصر ضروري لحياة الإنسان، لكونه يدخل في تركيب هيموجلوبين الدم، وكذلك لحياة النباتات كونه يدخل في تركيب الكلوروفيل، وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(4)
لأن طهارته إنما صحت للعذر، فإذا زال العذر حكم ببطلان الطهارة، وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 230).
(5)
لأنه اليقين، وما زاد لم يتحقق شرطه، وانظر: منار السبيل (1/ 29).
(6)
الحنك: ما تحت الذقن من الإنسان وغيره، وانظر: مادة حنك في لسان العرب (10/ 417).
أن تكون ساترة لما لم تجر العادة بكشفه، كمقدم الرأس والأذنين وجوانب الرأس فيعفى عنه.
وعلى خمر نساء؛ مدارة تحت حلوقهن في حدث أصغر فقط، ويكون لبس ذلك بعد كمال الطهارة كالخف.
ويمسح على جبيرة مشدودة على كسر أو جرح ونحوهما، لم تتجاوز قدر الحاجة المحتاج إليه في شدها، ووضعها على طهارة، فيغسل الصحيح، ويمسح عليها بالماء، ويجزئه، فإن تجاوزت محل الحاجة، أو وضعها على غير طهر نزعها، فإن خشي بنزعها ضررًا تيمم مع غسل الصحيح، ومسح عليها، ولو في حدث أكبر، والدواء على نحو جرح كالجبيرة
(1)
، وهي لا توقت بمدة؛ بل يمسح عليها إلى النزع أو البرء، ويجب مسح جميعها
(2)
، وتدخل فيها طهارة الحدث الأكبر، ولا تشد إلا لضرورة، والمسح عليها عزيمة
(3)
، وعلى الخف رخصة
(4)
.
* * *
(1)
في صفة المسح، بأن يغسل الصحيح ويمسح الجرح، فإن تضرر الجرح غسل الصحيح، ووضع جبيرة على الجرح ومسح عليها، وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 227).
(2)
ضبة تصحيحية إلى قوله: لضرورة.
(3)
العزيمة: عبارة عن الإرادة المؤكدة، واصطلاحًا: اسم لما هو أصل المشروعات، وغير متعلق بالعوارض، وانظر: التعريفات (194).
(4)
الرخصة: اليسر والسهولة، واصطلاحًا: اسم لما شرع متعلقًا بالعوارض، أي: ما استبيح بعذر مع قيام الدليل المحرم، وانظر: التعريفات (147).
فصل: (في نواقض الوضوء)
ونواقض
(1)
الوضوء ثمانية:
الأول: ما خرج من أحد السبيلين، ولو نادرًا أو طاهرًا أو ريحًا، إلا دائم الحدث للضرورة.
والثاني: خروج النجاسة من بقية البدن إن كان بولًا أو غائطًا، قليلًا كان أو كثيرًا، فإن كان الخارج غيرهما كالدم والقيء نقض إن كثر بأن فحش في نفس صاحبه.
الثالث: زوال العقل بنحو جنون، أو تغطيته بنحو سكر وإغماء ونوم ما لم يكن النوم يسيرًا عرفًا من جالس أو قائم، وينقض اليسير من راكع وساجد ومضطجع ومتكئ ومحتبٍ
(2)
.
(1)
النواقض: جمع ناقض، ونقض الحبل والعهد من باب نصر، والمناقضة في القول أن يتكلم بما يناقض معناه، والانتقاض الانتكاث، والنقاضة: ما نقض من حبل الشعر. وانظر: مختار الصحاح مادة نقض (281).
(2)
الاحتباء: هو أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه، بثوب يجمعها به مع ظهره، وقد يكون الاحتباء باليدين عوضًا عن الثوب. وانظر: مادة حبا في لسان العرب (4/ 161).
الرابع: مسه بيده فرج الآدمي المتصل
(1)
؛ ذكر رجل أو قبل امرأة، من حي أو ميت، صغير أو كبير بلا حائل، أو مس حلقة دبر الآدمي
(2)
، ولمس الفرجين معًا عند الخنثى
(3)
، فلا نقض بالمنفصل، ولا بمس شفريها، ولا بمس الخصيتين، ولا أحد فرجي خنثى مشكل، ولا محل الفرج المبان، وينقض المس بظهر كفه أو بطنه أو حرفه، من رؤوس الأصابع إلى الكوع
(4)
، لا بالظفر، وينقض مسه بذكره قبل أنثى، أو دبرًا مطلقًا، لأنه أفحش من اليد، ولا ينقض مس ذكر بذكر، ولا قبل بقبل أو دبر
(5)
.
الخامس: مس بشرة الذكر الأنثى، أو الأنثى الذكر بشهوة، من غير حائل، ولو كان الملموس ميتًا أو عجوزًا أو محرمًا، ولا نقض بلمس من دون سبع، ولا بلمس أنثى لأنثى، ولا بلمس سن وظفر ولا شعر، ولا بالمس بذلك، ولا ينقض وضوء الممسوس فرجه، ولا الملموس بدنه، ولو وجد شهوة
(6)
.
السادس: غسل الميت مسلمًا أو كافرًا، أو صغيرًا أو كبيرًا، ذكرًا أو أنثى، أو غسل بعضه، لا إن يممه، والغاسل: هو المباشر للغسل، لا من يصب الماء.
(1)
ذهب الحنفية إلى أن مس الفرج لا ينقض الوضوء، وذهب المالكية إلى أن المس ينقض الوضوء مطلقًا، وذهب الشافعية إلى أن المس الذي ينقض ما كان ببطن الكف دون ظهرها. انظر: الهداية (1/ 213)، والثمر الداني (28)، والإقناع (1/ 163).
(2)
ضبة تصحيحية إلى قوله: الخنثى.
(3)
لأن أحدهما أصلي قطعًا، كما لو لم يكن معه زائد، سواء كان المس منه أو من غيره، وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 250).
(4)
الكوع: رأس اليد مما يلي الإبهام، والكرسوع: رأس اليد مما يلي الخنصر، وانظر: مادة كوع في لسان العرب (8/ 316)، ومختار الصحاح (243).
(5)
وانظر: شرح منتهى الإرادات (1/ 68).
(6)
لعدم تناول النص له، وانظر: منار السبيل (2/ 33).
السابع: أكل لحم الإبل
(1)
علمه أو جهله، نيئًا أو مطبوخًا، ولا نقض بغير اللحم
(2)
، كالكبد والقلب والشحم والرأس والسنام والمرق والكوارع.
الثامن: الردة عن الإسلام، والعياذ بالله.
وكل ما أوجب الغسل أوجب الوضوء إلا الموت
(3)
.
ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث، أو تيقن الحدث وشك في الطهارة، عمل بما تيقن.
ويحرم على المحدث حدثًا أصغر أو أكبر الصلاة والطواف ومس المصحف ببشرته بلا حائل حتى الورق الأبيض المتصل به؛ ولو كان الماس صغيرًا، ولوحًا فيه قرآن، إلا المحل الخالي من الكتابة في اللوح، أما مسه بحائل ككمه أو عود فلا يضر، كحمله في كيس أو بعلاقة، ولا يحرم مس التفسير والأحاديث ولو قدسية.
ويزيد الحدث الأكبر قراءة القرآن - آية فصاعدًا -، وله تهجيه، والذكر نحو بسملة وتحميد لم يقصد به قرآنًا، واللبث في المسجد بلا وضوء، ويجوز أن ينام فيه، فلو تعذر الوضوء واحتيج إليه جاز، ولو بلا تيمم.
ويحرم أيضًا مس مصحف بيد متنجس، وتوسده، وتوسد كتب علم فيها قرآن ما لم يخف سرقة
(4)
؛ وكره مد رجل إليه، واستدباره وتخطيه، وتحليته بذهب وفضة.
(1)
الجمل والإبل والنوق، ومفردها ناقة، والجمال نوعان: ذات السنام الواحد وذات السنامين، سفينة الصحراء، من بهيمة الأنعام، يستفاد من لحمها ولبنها ووبرها، وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية، على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(2)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية إلى أن أكل لحم الإبل لا ينقض الوضوء، لا لحمًا ولا كبدًا ولا شحمًا. انظر: الهداية (1/ 213)، والثمر الداني (28)، والإقناع (1/ 164).
(3)
لأن الغسل موجب للطهارة الكبرى، وهو مستلزم للطهارة الصغرى، أما الموت فيسن له الوضوء ولا يجب.
(4)
في المذهب يجيزون توسد كتب العلم التي فيها قرآن تبعًا، ولا يجيزون توسد القرآن حتى إذا خيف عليه السرقة، وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 264).
فصل: (في موجبات الغسل وشروطه وصفته)
وموجب الغسل
(1)
ستة: أشياء:
أحدها: خروج المني من مخرجه دفقًا بلذة، لا بدونهما من غير نائم ونحوه.
ومن استيقظ فوجد بللًا فإن تحقق أنه مني اغتسل فقط، وإن لم يتحقق فإن سبق نومه فكر أو نظر أو نحوه لم يجب الغسل وإلا اغتسل وطهر ما أصابه احتياطًا
(2)
، فإن أحس بانتقال المني ولم يخرج اغتسل له، فإن خرج بعده لم يعده
(3)
.
الثاني: تغييب حشفة أصلية أو قدرها إن فقدت، وإن لم ينزل، في فرج أصلي، قبلًا كان أو دبرًا، بلا حائل، ولو في ميت أو بهيمة أو طير،
(1)
الغسل: إفاضة الماء على الشيء، والغسالة: ما غسلت به الشيء، والغسول: الماء الذي يغتسل به، وانظر: التعاريف (537)، وأنيس الفقهاء (48).
(2)
هذه العبارة الموجزة واليسيرة بعد التأمل لربما لا تدرك لأول وهلة، ولو كتبها المؤلف رحمه الله بطريقة أسهل لكان أجمل، فقال:"وإن لم يتحقق كونه منيًا، لم يجب الغسل، إلا إن سبق نومه فكر أو نظر، فيغتسل وجوبًا، ويطهر ما أصابه احتياطًا".
(3)
لأنه يبعد بعد انتقاله عدم خروجه، وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 271).
ولا يجب الغسل، إلا على ابن عشر وبنت تسع
(1)
، وكذا لو استدخلت ذكر نائم، أو صغير ونحوه.
الثالث: إسلام كافر
(2)
، أصليًا كان أو مرتدًا
(3)
، ولو مميزًا، وإن لم يوجد في كفره ما يوجبه.
الرابع: خروج دم الحيض، وانقطاعه شرط لصحة الغسل.
الخامس: خروج دم النفاس
(4)
، فلا يجب بولادة عرت عنه.
السادس: موت غير شهيد معركة ومقتول ظلمًا، وشروط صحة الغسل سبعة: انقطاع ما يوجبه، والنية والإسلام والعقل والتمييز والماء الطهور المباح وإزالة ما يمنع وصوله، ولا تشترط إزالة النجاسة، التي لا تمنع وصول الماء.
وتجب فيه التسمية كالوضوء، وفرضه أن يعم الماء جميع البدن، وداخل الفم والأنف، وما يظهر من فرج المرأة، عند القعود لقضاء حاجتها، وباطن شعرها، ويجب نقضه في الحيض والنفاس لا الجنابة إن وصل الماء
(1)
معنى الوجوب في حق من لم يبلغ: أن الغسل شرط لصحة صلاته وطوافه وقراءته، وانظر: منار السبيل (1/ 36).
(2)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية إلى عدم وجوب الغسل على الكافر إذا أسلم، ونص الشافعية على الاستحباب تعظيمًا لأمر الإسلام. انظر: الهداية (1/ 219)، والثمر الداني (31)، والإقناع (1/ 183).
(3)
المرتد: من ردد، والرد صرف الشيء، والرد مصدر رددت الشيء، والارتداد الرجوع، ومنه المرتد، والردة بالكسر اسم منه، أي: الارتداد عن الدين، وانظر: مادة ردد في لسان العرب (3/ 172)، ومختار الصحاح (101).
(4)
النفاس: هو الفترة التي تلي الولادة، وتستعيد فيها أنظمة الجسم حالتها العادية قبل الحمل، وتحتسب فترة النفاس بعد إكمال المرحلة الثالثة من الولادة وهي خروج المشيمة، ومدته ستة أسابيع، ويتم في هذه الفترة عودة الرحم لحجمه ووظيفته قبل الحمل، وعودة أنظمة الجسم إلى حالتها الفسيولوجية العادية قبل الحمل، وفقدان الوزن الزائد بسبب الحمل، وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
إلى أصوله، ويكفي الظن في الإسباغ.
وسننه: الوضوء قبله، وإزالة ما على بدنه من تلويث، وإفراغه الماء على رأسه ثلاثًا، وعلى بقية جسده كذلك، والتيامن والموالاة وإمرار اليد على الجسد، وإعادة غسل رجليه بمكان آخر.
ومن نوى غسلًا مسنونًا كغسل جمعة أجزأ عن الواجب، لجنابة أو غيرها، إن كان ناسيًا للحدث الذي أوجبه، أو نوى الواجب، أجزأ عن المسنون، وإن نواهما حصلا، وإن نوى رفع الحدثين، أو رفع الحدث وأطلق أجزأ عنهما، ولم يلزمه ترتيب ولا موالاة، وكذا لو نوى أمرًا لا يباح إلا بوضوء وغسل كمس مصحف.
ويسن الوضوء بمد
(1)
؛ وهو رطل وثلث بالعراقي، والاغتسال بصاع
(2)
وهو خمسة أرطال وثلث، ويكره الإسراف ولو على نهر.
ويباح الحمام إن أمن الوقوع في المحرم كنظر العورة، فإن خاف منه كره، وإن تحققه حرم، وتكره القراءة فيه والسلام لا الذكر، ويحرم على المرأة دخوله بلا عذر.
والأغسال المستحبة ستة عشر: آكدها الغسل لصلاة الجمعة قبلها، في يومها لذكر يحضرها
(3)
؛ وأوله من طلوع الفجر، ثم بعد غسل ميت مسلم أو كافر، ثم لصلاة عيد في يوميه، وأوله من نصف الليل، ولصلاة كسوف، واستسقاء، وللإفاقة من جنون وإغماء، ولاستحاضة لكل
(1)
المد: مكيال معروف، وهو ملء كفي الإنسان المعتدل إذا ملأهما، وبالغرامات يساوي (543) غرامًا، وانظر: مادة مدد في مختار الصحاح (258)، والإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان (56).
(2)
الصاع: الذي يكال به، وهو أربعة أمداد، والجمع آصع، ويساوي بالغرامات (2175) غرامًا، وانظر: مادة صوع في لسان العرب (8/ 215)، ومختار الصحاح (156)، والإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان (57).
(3)
ضبة تصحيحية إلى قوله: الفجر.
صلاة، ولإحرام حتى لحائض ونفساء، ولدخول مكة
(1)
ولو مع حيض، أو من الحرم
(2)
، ولدخول حرمها، وللوقوف بعرفة، ولطواف الإفاضة، والوداع، وللمبيت بمزدلفة
(3)
، ولرمي جمار، ولسعي، وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولكل اجتماع مستحب، ويسن الوضوء لأكل وشرب ونوم، وكذا لإعادة وطء، مع غسل فرجه، والغسل أفضل، فإن تعذر الماء تيمم في كل ما يسن له الغسل أو الوضوء.
* * *
(1)
لمكة حرسها الله عدة أسماء، من بينها: أم القرى، والحرم، والبلدة، والبلد الأمين، وبكة، وفي مكة المكرمة أقدس مكان للمسلمين، والكعبة بيت الله الحرام، قبلة المسلمين، وفضائلها وقدسيتها أشهر من أن تذكر، وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(2)
الحرم: حرم مكة وما أحاط إلى قريب من الحرم، وقد ضرب على حدوده بالمنار، التي بيَّن الخليل إبراهيم عليه السلام مشاعرها، وكانت قريش تعرفها في الجاهلية والإسلام؛ لأنهم كانوا سكان الحرم، ويعلمون أن ما دون المنار من الحرم، وما وراءها ليس من الحرم، ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم أقر قريشًا على ما عرفوه من ذلك، وانظر: مادة حرم في لسان العرب (12/ 122)، ومختار الصحاح (56)، وموسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(3)
مزدلفة: سميت بذلك من التزلف والازدلاف وهو التقرب؛ لأن الحجاج إذا أفاضوا من عرفات ازدلفوا ومضوا وتقربوا إليها، وانظر: معجم البلدان (5/ 121)، وتحرير ألفاظ التنبيه (155).
باب التيمم
(1)
التيمم: وهو بدل طهارة الماء، لكل ما يفعل بها.
وشروطه ثمانية: النية والإسلام والعقل والتمييز والاستنجاء والاستجمار ودخول وقت الصلاة، التي يراد التيمم لها من نحو فرض، وتذكر فائتة يراد فعلها، وإباحة نافلة بخروج وقت نهي.
وتعذر استعمال الماء؛ إما لعدمه أو عجز عن تناوله من نحو بئر، أو لخوفه من استعماله ضررًا كبرد شديد، أو فوت رفقة أو مال، أو تأخر برء، أو بقاء أثر يشين في جسده، أو خوف عطش نفسه أو غيره من آدمي أو بهيمة محترمين، أو احتياجه لطبخ أو عجن، أو لا يجده إلا بزيادة كثيرة عادة على ثمن مثله، في المكان الذي هما به، أو بثمن يحتاجه له، أو لممونه، أو خاف بطلبه ضرر نفسه، أو رفيقه حضرًا كان أو سفرًا، قصيرًا أو طويلًا، مباحًا أو غيره، فيشرع التيمم في جميع ما ذكر وجوبًا لما يجب الطهر له، واستحبابًا لما يستحب، ويلزمه استعارة الحبل والدلو، وقبول الماء قرضًا وهبة، وقبول ثمنه قرضًا إذا كان له وفاء
(2)
، ويجب بذله
(1)
التيمم لغة: القصد، ويقال: تيممت الصعيد للصلاة، وأصله التوخي والتعمد، واصطلاحًا: مسح الوجه واليدين بشيء من الصعيد، وانظر: المطلع (32)، والتعاريف (218)، والتعريفات (98).
(2)
ومفهومه عدم استقراض ذلك واتهابه، لما في ذلك من المنة، وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 308).
لعطشان، ولو نجسًا، من آدمي أو بهيمة محترمين، ومن وجد ماء لا يكفي طهارته استعمله فيما يكفي وجوبًا ثم تيمم للباقي إذا لم يحتج إليه، فإن كان على بدنه أو ثوبه نجاسة قدَّم غسلها على الطهر، ومن به جرح وتضرر بغسله ومسحه تيمم له ولما يتضرر بغسله مما قرب منه وغسل الباقي، فإن لم يتضرر بمسحه وجب وأجزأ.
فإذا كان جرحه ببعض أعضاء وضوئه لزمه إذا توضأ مراعاة الترتيب، فيتيمم له عند غسله لو كان صحيحًا، ومراعاة الموالاة، فيعيد غسل الصحيح عند كل تيمم، بخلاف غسل الجنابة، فلا ترتيب فيه ولا موالاة، ويجب على من عدم الماء؛ طلبه في رحله وفي قربه، ما لم يتحقق عدمه، ويلزمه طلبه بدلالة ثقة؛ إذا كان قريبًا عرفًا
(1)
؛ ولم يخف فوت وقت؛ ولو المختار، أو رفقة أو على نفسه أو ماله، فإن كان قادرًا على الماء ونسي قدرته أو جهله بموضع يمكنه استعماله وتيمم وصلى أعاد
(2)
، وأما من ضل عن رحله أو عن بئر كان يعرفها فلا إعادة عليه إذا تيمم وصلى، وإن وصل المسافر إلى الماء وقد ضاق الوقت عن طهارته أو لم يضق وعلم أن النوبة لا تصل إليه إلا بعد خروجه عدل إلى التيمم، وغير المسافر لا يعدل إليه، ولو فاته الوقت، كمن خاف فوت جنازة وعيد إذا توضأ، فلا يجوز له التيمم.
ويصح التيمم للحدث الأصغر والأكبر وللنجاسة
(3)
إذا كانت على البدن بعد تجفيفها ما أمكن بمسح رطبة وحك يابسة لزومًا، ولا إعادة عليه، ولا يتيمم للنجاسة التي على ثوب أو مكان.
(1)
لقدرته على استعماله؛ لأنه إذا سعى إليه لشغله الدنيوي، فالديني أولى. وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 312).
(2)
لقدرته على استعمال الماء، كمن صلى ناسيًا حدثه، وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 315).
(3)
قال العلامة: عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله قال غير واحد من العلماء: لا يصح تيممه عن نجاسة على بدنه عند جمهور العلماء إلا أحمد في قول لم يتابع عليه، وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 317).
الثامن: أن يكون التيمم بتراب طهور مباح
(1)
، غير محترق، له غبار يعلق باليد، فلا يجوز بالرمل والنورة، ولا بالمستعمل، ولا بمغصوب، ولا بما دق من خزف ونحوه، ويصح التيمم بالضرب على نحو بساط، أو حيوان، أو حجر، أو شجر، أو لبد عليه غبار يعلق باليد، فإن خالطه نحو جص فالعبرة للغالب، فإن غلب التراب جاز، فإن لم يجد ماءً ولا ترابًا أو ببدنه قروح
(2)
لا يستطيع مسها بماء ولا تراب صلى الفرض فقط بأقل ما يجزئ من القراءة والذكر والأفعال ولا إعادة، وتبطل بنحو حدث فيها، وإن وجد ثلجًا وتعذر تذويبه مسح به أعضاءه وصلى ولم يعد إن جرى بمس، فإن لم يجر أعاد
(3)
.
* * *
(1)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية إلى جواز التيمم بكل ما ظهر على وجه الأرض من تراب ورمل وحجر وجص ونورة وكحل وزرنيخ، وذهب الشافعية إلى اشتراط التراب دون غيره. انظر: الهداية (1/ 238)، والثمر الداني (63)، والإقناع (1/ 200).
(2)
القُرْحَ أَلَمُ الجِراحِ، وكأَنَّ القَروحَ الجِراحُ بأَعيانها، وانظر: لسان العرب (2/ 577).
(3)
كما لو كان عنده طين يابس ولم يقدر على دقه ليكون له غبار، وانظر: شرح منتهى الإرادات (1/ 89)، والإقناع (54).
فصل: (في فروض التيمم ومبطلاته)
(1)
وتجب التسمية في التيمم، وتسقط سهوًا.
وفروضه خمسة: مسح الوجه سوى داخل فم وأنف، وما تحت شعر ولو خفيفًا، ومسح اليدين إلى الكوعين، والترتيب في الطهارة الصغرى، فيتيمم للعضو الجريح، إن كان في أعضاء الوضوء عند غسله لو كان صحيحًا، فإن كان في عضوين فأكثر من أعضاء الوضوء احتاج في كل عضو إلى أن يتيمم في محل غسله، بخلاف التيمم عن غسل الجنابة، فلا ترتيب فيه، ويكفي تيمم واحد عن جملة أعضاء فيه، والرابع: الموالاة في الطهارة الصغرى، فيلزمه أن يعيد غسل الصحيح عند كل تيمم، بخلاف غسل الجنابة في ذلك أيضًا، والخامس: تعيين النية لما يتيمم له، كصلاة ومس مصحف، من حدث أكبر أو أصغر، أو نجاسة على بدنه؛ لأن التيمم لا يرفع الحدث؛ وإنما يبيح الصلاة، فلا بد من التعيين، كأن ينوي استباحة صلاة الظهر من الجنابة أو من الحدث أو منهما، ولا تكفي نيَّة أحدهما عن الآخر، فإن نوى الحدثين بتيممه، أو أحد أسباب أحدهما كما لو بال ومس ذكره ونوى بتيممه أحدهما أجزأ، وإن نوى بتيممه نفلًا أو استباحة الصلاة وأطلق لا يصلي به فرضًا، ولو على الكفاية، فإن نوى استباحة فرض صلى كل وقته فروضًا ونوافل، فمن نوى شيئًا استباحه ومثله ودونه، فأعلاه فرض
(1)
ضبة تصحيحية إلى قوله: سهوًا.
عين، فنذر
(1)
، ففرض كفاية، فصلاة نافلة، فطواف نفل، فمس مصحف، فقراءة قرآن، فلبث بمسجد، ويباح الطواف، ولو فرضًا سنة النافلة على الأشهر
(2)
.
ويبطل التيمم مطلقًا بخروج الوقت
(3)
ما لم يكن في صلاة جمعة، أو نوى الجمع في وقت ثانية من يباح له؛ لأن الوقتين صارا كالوقت الواحد في حقه، ووجود الماء لعادمه المقدور على استعماله بلا ضرر ولو في الصلاة، فيتطهر ويستأنفها، لا بعدها، فلا تجب إعادتها، وكذا الميت لو صليَ عليه، وتعاد، وكذا زوال نحو مرض مبيح للتيمم، ولو في الصلاة، وخلع ما مسح عليه، كخف وعمامة، إن تيمم وهو عليه، وكذا إذا انقضت مدة المسح، ويبطل التيمم عن الحدث الأصغر ما أبطل الوضوء، وعن حدث أكبر بما يوجبه، إلا غسل حيض ونفاس إذا تيممت له، فلا يبطل بمبطلات غسل ووضوء بل بوجود حيض ونفاس.
وصفة التيمم: أن ينوي بالتيمم استباحة ما تيمم له، مع يقين الحدث الذي تيمم عنه، ويقول: بسم الله، ويضرب التراب بيديه مفرجتي الأصابع ضربة واحدة
(4)
، ولو وضع يديه على التراب فعلق بهما أجزأه، والأحوط ضربتان
(5)
، واحدة للوجه، والأخرى لليدين إلى المرفقين، بعد نزع نحو
(1)
النذر لغة: النحب، وهو ما ينذره الإنسان فيجعله على نفسه نحبًا واجبًا، وجمعه نذور، واصطلاحًا: التزام مسلم مكلف قربة باللفظ، منجزًا أو معلقًا غايته حصوله، وانظر: مادة نذر في لسان العرب (5/ 200)، والتعاريف (694)، والمطلع (392).
(2)
سقط من قوله: على الأشهر، إلى قوله: أو نصفه وتجزئ. أكملته من المسودة.
(3)
ذهب الحنفية والشافعية إلى أن التيمم لا يبطل بخروج الوقت، وذهب المالكية إلى أن التيمم يبطل بخروج الوقت إلا لمريض مقيم لا يقدر على مس الماء لضرر بجسمه. انظر: الهداية (1/ 237)، والثمر الداني (62)، والإقناع (1/ 206).
(4)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية إلى أن التيمم ضربتان، ضربة للوجه وضربة للمرفقين. انظر: الهداية (1/ 236)، والتلقين (66)، والإقناع (1/ 205).
(5)
قال المرداوي: الصحيح من المذهب أن المسنون والواجب حصول التيمم بضربة واحدة، نص عليه، وعليه جمهور الأصحاب، وقطع به كثير منهم، وهو من مفردات المذهب، وانظر: الإنصاف (1/ 301)، والمغني (1/ 154)، وكشاف القناع (1/ 179).
خاتم، فيمسح وجهه بباطن أصابعه، وكفيه براحتيه، ويسن لمن يرجو وجود الماء، تأخير التيمم إلى آخر الوقت المختار
(1)
.
* * *
(1)
قال العلامة ابن قاسم رحمه الله: بحيث يدرك الصلاة كلها قبل خروج الوقت المستحب، وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 333).
باب إزالة النجاسة
(1)
ويجب في غسل النجاسات كلها، ولو من كلب
(2)
أو خنزير
(3)
إذا كانت على الأرض أو ما اتصل بها من الحيطان والأحواض
(4)
غسلة واحدة تذهب بعين النجاسة ولونها وريحها إن لم يعجز.
وفي غير الأرض سبع غسلات إحداها بتراب طهور، في نجاسة كلب وخنزير، وما تولد منهما، ومن أحدهما، ويجزئ عن
(1)
إزالة النجاسة: الإزالة: التنحية، يقال: أزلت الشيء إزالة وزلته، والنجاسة: كل عين حرم تناولها على الإطلاق، مع الإمكان حال الاختيار، لا لحرمتها ولا لاستقذارها ولا لضررها، في بدن أو عقل، وانظر: التعاريف (692).
(2)
الكلب: من الثدييات، ويتخذ للحراسة والصيد وجر العربات وحمل الرسائل، ومنها الكلاب المدربة على العمل المنزلي، كتنبيه الصم لجرس الهاتف أو الباب، أو قيادة الضرير للتجول داخل البيت أو عبور الشارع، وبعض الأنواع تتسم بحاسة شم قوية، ولهذا تدرب على مهام أخرى كالكشف عن المخدرات والمفرقعات، وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
(3)
الخنزير: من الثدييات، ويصنف من آكلات اللحوم والنباتات، ويتميز بالنهم الشديد للطعام، ولذلك فهو ينمو سريعًا، وفي الأسر قد تأكل الخنازير صغارها، ويتميز الخنزير بحاسة شم هائلة، كما أنه قابل للتدريب ولذلك قامت بعض الدول بتدريب الخنازير لتحل محل الكلاب في العمليات الأمنية، وهي مرتع خصب للدودة الشريطية وفيروس الأنفلونزا، وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
(4)
الحوض: مجتمع الماء، والجمع أحواض وحياض. وانظر: مادة حوض في لسان العرب (7/ 141).
التراب إشنان
(1)
وصابون ونخالة
(2)
ونحوه، ويجزئ في نجاسة غيرهما سبع غسلات بماء طهور ولو غير مباح
(3)
إن أنقت وإلا فحتى تنقي، ولو بحت أو قرص، ويضر بقاء طعم النجاسة، لا لونها أو ريحها، أو هما إن تعسرت إزالتها، ويجزئ في بول غلام
(4)
لم يأكل الطعام بشهوة غمره بالماء
(5)
، وإن لم ينفصل الماء عن المحل، وكذا قيئه.
ويجزئ في تطهير صخرٍ وحيطان وأحواض وأرض تنجست بمائع كبول ولو من كلب أو خنزير مكاثرتها بالماء
(6)
، ولو مرة واحدة، ولو من مطر، بحيث يذهب لون النجاسة وريحها، ما لم يشق ذهابهما، أو ذهاب أحدهما، وإلا سقط كالثوب. ولا تطهر النجاسة بالجفاف، ولا بالنار، ولا بالاستحالة، فالمتولد منها كدود جرح أو صراصير كنيف
(7)
نجس. وتطهر الخمرة مع إنائها إن انقلبت خلًّا بنفسها
(8)
أو بنقل لا لقصد تخليل
(9)
، فإن خللت أو نقلت لقصد التخليل لم تطهر.
(1)
الإشنان: بالكسر والضم فارسي معرب، وفي العربية معروف بالحرض، وهو مادة منظفة، تؤخذ من نبات الحميض، وانظر: مادة أشن في لسان العرب (13/ 18).
(2)
النخالة: من نخل الشيء، إذا انتخله أي: صفاه واختاره. والنخالة ما بقي في المنخل مما ينخل. وانظر: مادة نخل في لسان العرب (11/ 651).
(3)
بأن كان مغصوبًا؛ لأن إزالتها من التروك التي لا تحتاج إلى نية. وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 344).
(4)
ذهب الحنفية إلى أن بول الصبي مثل بول الصبية يغسل منه، وذهب المالكية إلى أن بول الجارية مثل بول الغلام ينضح منه ما لم يأكلا الطعام، وذهب الشافعية والحنابلة إلى القول بالنضح من بول الصبي والغسل من بول الجارية. انظر: بدائع الصنائع (1/ 248)، ومختصر المزني (22)، والمهذب (91).
(5)
ضبة تصحيحية.
(6)
ضبة تصحيحية.
(7)
الكنيف: من كنف الدار، يعني: اتخذ لها كنيفًا، والكنيف الخلاء، وسبب اشتقاق اسم الكنيف: كأنه كنف في أستر النواحي، وانظر: مادة كنف في لسان العرب (9/ 310)، ومختار الصحاح (242).
(8)
ضبة تصحيحية إلى قوله: لم تطهر.
(9)
لأنه لا يريد تخليلها، وإذا جعلها الله خلًّا كان معاقبة له بنقيض قصده، فلا يكون في حلها مفسدة. وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 350).
وإذا خفي موضع النجاسة في بدن أو ثوب غسل كل محل احتمل أن النجاسة أصابته حتى يتيقن غسلها
(1)
، إلا إن خفيت النجاسة في صحراء أو حوش واسع ونحوهما فلا يجب غسل جميعه، ويصلي فيهما بلا تحر، وإن تنجس دهن مائع أو عجين أو باطن حب أو سكين سقيتها
(2)
لم تطهر، فإن كان الدهن جامدًا ألقيت النجاسة وما حولها، فإن اختلط ولم ينضبط حرم
(3)
، ويعفى في غير مائع وفي غير مطعوم عن يسير دمٍ نجس، وقيحٍ وصديد من حيوان طاهر
(4)
، إلا إذا كان من سبيل قبل أو دبر
(5)
، واليسير ما لا يفحش في نفس كل أحد بحسبه، ويضم متفرق بثوب لا أكثر، ودم السمك وما لا نفس له سائلة كالبق
(6)
والقمل ودم الشهيد عليه وما يبقى في اللحم وعروقه ولو ظهرت حمرته طاهر.
ويعفى عن أثر استجمار بمحله، ولا ينجس الآدمي بالموت، وما لا نفس له سائلة وهو متولد من طاهر
(7)
وبول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيه طاهر، ومني الآدمي
(8)
ورطوبة فرج المرأة والعرق والريق والمخاط
(1)
قال العلامة ابن قاسم الحنبلي رحمه الله: لأنه اشتبه الطاهر بالنجس، فوجب عليه اجتناب الجميع، حتى يتيقن الطهارة بالغسل، ولا يكتفي بالظن، انظر: حاشية الروض المربع (1/ 356).
(2)
أي: تنجست سكين سقيت بالنجاسة وهو بأن تعالج بأدوية وتغمر في الماء النجس، وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 354).
(3)
تغليبًا لجانب الحظر، وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 355).
(4)
ضبة تصحيحية.
(5)
لأن حكمه حكم البول والغائط، فلا يعفى عن شيء منه، وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 359).
(6)
البق: حشرة صغيرة بنية اللون، تتغذى على دماء الحيوانات، وهي الأكثر تأقلمًا على العيش مع البشر، بعض أنواعها تفضل أن تتغذى على الخفافيش والطيور، وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(7)
وما كان متولدًا من نجاسة، أو خارجًا من الدبر فنجس حيًا أو ميتًا، لأن استحالته غير مطهرة، وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 361).
(8)
ذهب الحنفية والمالكية إلى القول بنجاسة مني الآدمي، وذهب والشافعية والحنابلة إلى القول بطهارته، انظر: الهداية (1/ 252)، والتلقين (63)، والإقناع (1/ 219).
والبلغم وما سال من الفم وقت النوم وسؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر
(1)
كالنمس
(2)
والنسناس وابن عرس
(3)
وقنفذ
(4)
، ولو أكل الهر أو الطفل ونحوهما نجاسة ثم شرب من مائع لم يؤثر لعموم البلوى، ولا يعفى عن نجاسة، بيدها أو رجلها
(5)
، ولو وقع في مائع ثم خرج حيًا لم يؤثر، وسباع البهائم وسباع الطير من كل ما هو فوق خلقة الهر ولا يؤكل كالعقاب
(6)
والصقر
(7)
، والحدأة
(8)
والبوم
(9)
والنسر ورخم
(1)
ضبة تصحيحية.
(2)
النمس: حيوان ثديي، من فصيلة السنوريات، من رتبة آكلات اللحوم، طويل الجسم، ويستطيع مقاتلة الأفاعي وأكلها، وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(3)
ابن عرس: حيوان ثديي، ويتراوح طوله من 15 - 35 سم، وعادة ما يكون ذو فراء بني فاتح، وبطن أبيض، وطرف ذيل أسود، ويقترن اسم "ابن عرس" بسلوكه الماكر، وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(4)
القنفذ: حيوان صغير من الثدييات، ينشط صيفًا وينام شتاءً، ويعتاش على أكل الحشرات والديدان والزواحف والثمار، يلد ويرضع صغاره، وله رأس بدون رقبة ظاهرة وأذنين صغيرتين، وفم مستطيل وذو أرجل قصيرة يغطي جسمه أشواك حادة، وعند شعوره بأي خطر يكور جسمه على شكل كرة تقيه شر أعدائه، يستطيع معاركة الأفاعي، وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(5)
فإنها تؤثر، ولا يعفى عنها، انظر: حاشية الروض المربع (1/ 367).
(6)
العقاب: من الطيور الجارحة، ويغطي أجسامها الريش البني أو الأبيض عدا الرأس والعنق، وله منقار حاد، يعرف ببصيرته الحادة، ويعيش في جماعات، وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(7)
الصقر: طائر من فصيلة الطيور الجارحة وطعامه يعتمد على اللحوم. وتقوم أنثى الصقر باصطياد فرائسها من الطيور المهاجرة في ذلك الوقت لإطعام أفراخها الصغيرة، إذا فقست بيضة من بيض الصقر وكان فرخها ضعيفًا تتركه أمه بدون طعام أو تقوم بإطعامه للأفراخ الأخرى القوية، وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(8)
الحدأة: طير جارح يعيش في المناطق الدافئة، ويتغذى على الفئران والطيور، وبعض أنواعها الأوروبية تتغذى على القواقع، وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(9)
البوم: من الطيور الليلية الجارحة، وتتميز بحاسة البصر القوية ليلًا، ويبدو ذلك =
وغراب
(1)
وفيل وأسد
(2)
ونمر
(3)
وذئب ودب
(4)
وابن آوى
(5)
وقرد والحمار الأهلي والبغل
(6)
منه لا من الوحشي نجسة، وكذا جميع أجزائها وفضلاتها.
والمسكر المائع نجس خمرًا أو غيره، وكذا الحشيشة
(7)
المسكرة نجسة، ولو يابسة، والمسكر غير المائع طاهر، وكل ميتة نجسة، إلا ميتة
= جليًا واضحًا من كبر حجم أعينها الحادة الثاقبة، وهي تتغذى بشكل عام على الفئران والقوارض، وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(1)
الغراب: من الطيور الشائعة في كثير من أصقاع العالم، كما تتعدد أنواعه وأشكاله وفصائله ويغلب عليه اللون الأسود، وهو يتغذى على المخلفات والحشرات، وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(2)
الأسد: حيوان ضخم، من فصيلة السنوريات، من أسمائه: السبع والليث والهزبر والورد والضرغام وأسامة، ويقال لأنثاه: لبوة، ويطلق على صغاره أشبال، ويسمى بيته عرينًا. وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(3)
النمر: من الحيوانات الثديية، آكلات اللحوم، وغالبًا ما تزن بين 30 و 70 كلغ، إلا أن بعض الذكور قد تصل إلى ما فوق 90 كلغ. تبلغ الإناث في الغالب ثلثيّ حجم الذكور، وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(4)
الدب: من الثدييات المفترسة، ويطلق على الذكر دب، والأنثى دبّة، والصغار جراء أو دياسم، وهي ذات فراء طويل أشعث وكثيف، وللدببة أجساد ضخمة وقوائم قويّة تمكنها من الوقوف منتصبة، وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(5)
ابن آوى: يعتبر قمامًا، ومفترسًا ثانويًا، حيث تساعده قوائمه الطويلة وأنيابه المعقوفة على صيد الطرائد الصغيرة والزواحف. وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(6)
البغال: حيوانات هجينة نتيجة لتزاوج الفرس والحمار، وللبغل صبر الحمار وقوة الفرس، ولها مقاومة عالية للأمراض، وهي عقيمة ولا يمكنها التناسل. وعندما يقسو عليها سائسها وهي سائرة في أعالي الجبال تنتحر رامية بنفسها من علو، وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(7)
الحشيشة: القنب الهندي، نبات ذو تأثيرات مخدرة، يعرف بعدة أسماء:(البانجو، أو ماريغوانا أو ماريوانا)، ويتناول عن طريق التدخين، إما في سجاير أو عن طريق الشيشة أو الأرجيلة، وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
الآدمي، والسمك والجراد
(1)
، وما لا نفس له سائلة، كالعقرب
(2)
والخنفساء
(3)
، والبق والصراصير، إن لم تكن متولدة من نجس
(4)
.
وما أكل لحمه ولم يكن أكثر علفه النجاسة فبوله وروثه وقيئه ومنيه ولبنه طاهر، فإن كان أكثر علفه النجاسة قبل حبسه فبوله ولبنه وبيضه نجس، وما ذكر مما لا يؤكل كالهر والفأر نجس، إلا مني الآدمي، ولو بعد الاستجمار
(5)
ولبنه فطاهر.
وطين شارع ظنت نجاسته طاهر، ويعفى عن يسير طين شارع تحققت نجاسته، وعن يسير سلس بول مع التحفظ.
* * *
(1)
الجراد: نوع من الجنادب، وتمتلك أرجلًا خلفية قوية تساعدها على القفز، من آكلات النبات، طول الجرادة الناضجة يتراوح بين 3 إلى 13 سم، وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(2)
العقرب: حشرة مفصلية الأرجل، تنتمي إلى فصيلة العنكبوتيات، يتميز بلدغته السامّة، وغدته السمية تقع في نهاية ذيله، له ثمانية أقدام، ويعيش في المناطق الحارة والجافّة، والعقارب إذا فقسن من بيضهن اجتمعن علي أمهن فأكلنها. وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(3)
الخنافس: حشرات بياضة تتلاءم مع أي بيئة، منها ما يعيش على روث البهائم، أو على أجزاء معينة من النباتات والحيوانات الميتة، وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(4)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى طهارة الحشرات التي لا نفس لها سائلة ولم تكن متولدة من نجس.
(5)
من ذكر أو أنثى بسبب جماع أو احتلام أو غيرها، ولو خرج بعد استجمار فطاهر. وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 363).
باب الحيض
(1)
لا حيض قبل تسع سنين، ولا بعد خمسين، ولا مع حمل، فما خالف ذلك فهو دم فساد، ولا تترك له العبادة، ولا يمنع الوطء، إلا ما كان قبل ولادتها بيومين وثلاثة فنفاس.
وأقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يومًا بلياليها
(2)
، وغالبه ست أو سبع.
وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يومًا، ولا حد لأكثره
(3)
، وغالبه بقية الشهر، والنقاء زمن الحيض طهر
(4)
.
(1)
الحيض لغة: السيلان، ويقال: حاضت المراة وتحيض حيضًا ومحيضًا فهي حائض، واستحيضت المرأة، أي: استمر بها الدم بعد أيامها، فهي مستحاضة، وتحيضت: قعدت أيام عادتها، واصطلاحًا: دم يرخيه الرحم إذا بلغت المرأة ثم يعتادها في أوقات معلومة، وانظر: المطلع (40)، والتعاريف (302)، وأنيس الفقهاء (63).
(2)
ذهب الحنفية إلى أن أقل الحيض ثلاثة أيام بلياليها، وأكثره عشرة أيام، وذهب المالكية إلى أنه لا حد لأقله وأكثره خمسة عشر يومًا، وذهب الشافعية إلى أن أقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يومًا. انظر: الهداية (1/ 245)، وبداية المجتهد (1/ 77)، والإقناع (1/ 377).
(3)
قال البهوتي: لأنه قد وجد من لا تحيض أصلًا، وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 377).
(4)
أي: الطهر من الحيض بفراغ الدم، وذلك بأن لا تتغير معه قطنة احتشت بها. وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 377).
وتقضي الحائض والنفساء الصوم، لا الصلاة، ولا يصحان منهما بل يحرمان كالطواف، وقراءة القرآن
(1)
، ومس المصحف، واللبث في المسجد لا المرور به، إن أمنت تلويثه.
ويحرم وطؤها في الفرج إلا لمن به شبق، بشرط أن لا تندفع شهوته بدون الوطء في الفرج، ويخاف تشقق أنثييه إن لم يطأ، وأن لا يجد غير زوجته الحائض، فإن أولج قبل انقطاعه ولو بحائل أو مكرهًا أو ناسيًا أو جاهلًا فكفارته التصدق بدينار أو نصفه، ويسقط بعجزه، وامرأة مطاوعة كرجل.
وله أن يستمتع من الحائض بما دون الفرج، من القبلة واللمس والوطء دون الفرج، ويحرم طلاقها، ويقع، وإذا انقطع دم الحيض أو النفاس ولم تغتسل لم يبح غير الصيام والطلاق
(2)
واللبث بوضوء في المسجد
(3)
، فإن عدمت الماء تيممت، وحل وطؤها.
ويوجب الحيض خمسة أشياء: الغسل عند الانقطاع، والبلوغ، والكفارة بالوطء فيه، وهي دينار أو نصفه، وتجزئ المسكين واحد، والعدة به، والحكم ببراءة الرحم.
والمبتدأة بصفرة
(4)
أو كدرة
(5)
تجلس عن الصلاة ونحوها بمجرد
(1)
ضبة تصحيحية.
(2)
ضبة تصحيحية.
(3)
ذهب الحنفية إلى جواز وطء من طهرت من الحيض قبل الغسل، وذلك إذا انقطع الدم لأكثر الحيض، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى تحريم الوطء، قبل الغسل أخذًا بظاهر النص. انظر: مراقي الفلاح (1/ 89)، وبداية المجتهد (1/ 88)، والإقناع (1/ 247).
(4)
الصفرة: لون الأصفر، وفعله الاصفرار، وانظر: مادة صفر في لسان العرب (4/ 463)، ومختار الصحاح (153).
(5)
الكدرة: الكدر نقيض الصفاء، ومن الألوان ما نحا نحو السواد والغبرة، والاسم الكدرة والكدورة، وانظر: مادة كدر في لسان العرب (5/ 134)، ومختار الصحاح (235).
رؤيته أقل الحيض، ثم تغتسل وتصلي وتصوم ولا توطأ
(1)
، فإن انقطع دمها لأكثره فما دونه، اغتسلت عند انقطاعه أيضًا وجوبًا، فإن تكرر ذلك في ثلاثة أشهر فهو حيض، وثبتت عادتها، وتقضي ما وجب فيه، من نحو صيام وطواف
(2)
، وإن لم يعد حيضها أو أيست قبل التكرار لم تقض.
وإن جاوز الدم أكثر الحيض فهو استحاضة، فإن كان لها تمييز بأن كان بعض دمها أحمر وبعضه أسود، ولم يجاوز الأسود أكثره، ولم ينقص عن أقله فهو حيضها، وكذا إن كان بعضه ثخينًا أو منتنًا وصلح حيضًا فتجلسه في الشهر الثاني، ولو لم يتكرر أو يتوال
(3)
، والأحمر والرقيق استحاضة تصوم فيه وتصلي، وإن لم يكن دمها متميزًا قعدت من نحو الصلاة من كل شهر أقل الحيض، حتى يتكرر ثلاثًا، فتجلس غالب الحيض ستًا أو سبعًا، بتحر من كل شهر، من أول وقت ابتدائها إن علمته، وإلا فمن أول كل هلالي.
والمستحاضة المعتادة: التي تعرف شهرها، ووقت حيضها وطهرها منه إن كانت مميزة تجلس عادتها، ثم تغتسل بعدها وتصلي، وإن نسيت عادتها عملت بالتمييز الصالح، فإن لم يكن لها تمييز صالح، قعدت غالب الحيض، من أول كل مدة علم الحيض فيها، وضاع موضعه، وإلا فمن أول كل هلالي، كالعالمة بموضعه، الناسية لعدده
(4)
، وإن علمت عدده ونسيت موضعه من الشهر جلست أيام عادتها من أول الوقت الذي كان الحيض
(1)
إنما أمرت بالعبادة احتياطًا لبراءة ذمتها، لأن الظاهر أنه حيض. وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 385).
(2)
لأنه ثبت حيضها، فما أدته من العبادات كان باطلًا حكمًا، فعليها الإعادة.
(3)
أي: تدع زمنه الصلاة والصوم ونحوها مما تشترط له الطهارة، ولو لم يتكرر ما صلح أن يكون حيضًا. وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 389).
(4)
فتجلس غالب الحيض، في موضعه من أوله. وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 392).
يأتيها فيه، كمن لا عادة لها ولا تمييز
(1)
، ومن زادت عادتها أو تقدمت أو تأخرت، فما تكرر من ذلك ثلاثًا فهو حيض، ولا التفات إلى ما خرج عن العادة قبل تكرره، كدم المبتدأة الزائد على أقل الحيض؛ فتصوم فيه وتصلي قبل التكدر، وتغتسل عند انقطاعه ثانيًا، فإن تكرر ثلاثًا صار عادة، فتعيد ما صامته فيه كما تقدم، وما نقص عن العادة طهر، فإن كانت عادتها ستًا فانقطع لخمس اغتسلت وصلت.
وما عاد في أيام عادتها جلسته كما لو لم ينقطع، والصفرة والكدرة في زمن العادة حيض، فتجلسهما لا بعد العادة
(2)
ولو تكررتا، ومن رأت يومًا أو أقل أو أكثر دمًا، ويومًا أو أقل أو أكثر نقاء فالدم حيض حيث بلغ مجموعه أقل الحيض، والنقاءُ طهر، ويكره وطء فيه، ما لم يجاوز مجموعهما أكثر الحيض، فيكون استحاضة.
ولا توطأ المستحاضة إلا مع خوف العنت منه أو منها، ولا كفارة فيه، ويستحب غسلها لكل صلاة، والمستحاضة ونحوها ممن به سلس بول أو مذي أو ريح أو جرح سيال أو رعاف
(3)
يغسل المحل ويعصبه على قدر الإمكان، فإن لم يمكن عصبه كالباسور
(4)
صلى على حسب حاله، ولا يلزم إعادتهما لكل صلاة إن لم يفرط، ويتوضأ لدخول وقت كل صلاة إن خرج
(1)
يعني: أنها لو نسيت موضع حيضها، فإنها تجلس غالب الحيض، من أول كل شهر هلالي، كما أن المستحاضة المبتدأة والتي لا تميز لها تجلس غالب الحيض أول كل هلالي. وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 393).
(2)
أي: ليست الكدرة والصفرة بعد العادة حيضًا ولو تكررتا فلا تجلسه. وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 396).
(3)
رعاف: وهو النزف من الأنف، ويحصل عادة في منطقة اتصال فرع حاجزي للشريان الشفوي العلوي مع فرع حاجزي للشريان الوتدي الحنكي، وانظر: مادة رعف في لسان العرب (9/ 124)، ومختار الصحاح (104)، وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(4)
الباسور: واحد البواسير، علة تحدث في المقعدة، وفي داخل الأنف أيضًا، وانظر: مادة بسر في لسان العرب (4/ 59)، ومختار الصحاح (21).
شيء، ويصلي ما دام الوقت فروضًا ونوافل
(1)
، فإن لم يخرج شيء لم يجب الوضوء، وإن اعتيد انقطاعه زمنًا يتسع للوضوء والصلاة تعين
(2)
، ومن يلحقه السلس قائمًا صلى قاعدًا.
وأما النفاس فهو دم يرخيه الرحم للولادة، وأكثر مدته أربعون يومًا
(3)
، من ابتداء خروج بعض الولد.
وما رأته قبل الولادة بيومين أو ثلاثة بأمارة فنفاس، ولا ينقص به، ويثبت حكمه بشيء فيه خلق إنسان، فلا نفاس لوضع علقة، أو مضغة لا تخطيط فيها
(4)
.
فإن تخلل الأربعين نقاءٌ فهو طهر ولو أقل من يوم، ويكره وطؤها فيه.
وإن جاوز الدم الأربعين وصادف عادة حيضها ولم يزد أو زاد وتكرر فهو حيض إن لم يجاوز أكثره، ولا يدخل حيض واستحاضة في مدة نفاس، ومتى طهرت قبل انقضاء أكثره اغتسلت وصلَّت.
فإن عاودها الدم في المدة فمشكوك فيه، فتصوم وتصلي وتقضي الواجب من صوم ونحوه احتياطًا، ولا تقضي الصلاة.
والنفاس كالحيض، فيما يحل وفيما يحرم وفيما يوجب غير العدة، والبلوغ
(5)
.
(1)
لبقاء وضوئها إلى خروج الوقت. وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 400).
(2)
يعني: تعين الإتيان بالعبادة كاملة، على وجه لا عذر معه ولا ضرورة، فتعين كمن لا عذر له، وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 400).
(3)
ذهب الحنفية إلى أن أكثر مدة النفاس أربعون يومًا، وذهب المالكية إلى أن أكثره ستون يومًا، وذهب الشافعية إلى أن غالبه أربعون يومًا، وأكثره ستون يومًا. انظر: الهداية (1/ 249)، والتلقين (72)، والإقناع (1/ 240).
(4)
المدة التي يتبين فيها غالبًا ثلاثة أشهر، وأقله واحد وثمانون يومًا. وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 403).
(5)
فإن المفارقة في الحياة، تعتد بالحيض دون النفاس، والبلوغ يثبت بالحيض دون النفاس، لحصول البلوغ بالإنزال السابق للحمل، وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 407).
وإن وضعت امرأة توأمين فأول النفاس - وآخره - من أولهما، فلو كان بينهما أربعون يومًا فأكثر فلا نفاس للثاني
(1)
.
ويجوز للرجل شرب دواء مباح يمنع الجماع ككافور، وللأنثى شربه لإلقاء نطفة، ولحصول الحيض ولقطعه، مع أمن الضرر، ولا يجوز ما يقطع الحمل، وليس لأحد أن يسقيها دواء لقطع الحيض بلا علمها.
* * *
(1)
لأن الولد الثاني تبع للأول، فلم يعتبر في آخر النفاس كأوله، فما خرج بعد الأربعين، يعتبر دم فساد، وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 407).
كتاب الصلاة
(1)
وهي لغة: الدعاء، وشرعًا: أقوال وأفعال مخصوصة، مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم.
وتجب الخمس في كل يوم وليلة على كل مسلم مكلف إلا حائضًا أو نفساء، ولا تصح من كافر، ولا مجنون، ولا غير مميز، وتصح من المميز وهو من بلغ سبعًا، والثواب له، ويلزم وليه أمره بها لتمام سبع، وضربه على تركها لعشر.
ويقضي من زال عقله بنوم أو إغماء أو سكر طوعًا أو كرهًا، أو نحوه كشرب دواء، ولا يجب على الكافر القضاء إذا أسلم، فإن صلى الكافر فهو مسلم حكمًا
(2)
، ولا يقبل منه إن أراد الاستهزاء.
ويحرم على من وجبت عليه تأخيرها عن وقتها إلا لناوي الجمع لعذر.
ومن جحد وجوبها فقد ارتد، وجرت عليه أحكام المرتدين إذا كان مما لا يجهل مثله، فإن ادعى الجهل كحديث الإسلام عرف وجوبًا، فإن
(1)
آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، وأفضل الأعمال بعدهما، لكونها وضعت على أكمل وجه للعبادة وأحسنها، ولجمعها لمتفرق العبودية، وانظر: أهميتها وحرص السلف عليها في كتاب: صلاح الأمة في علو الهمة (2/ 312 - 424).
(2)
يحكم بإسلامه، ويصح بها إسلامه؛ لأنها عبادة مختصة بشرعنا أشبهت الأذان، فثبتت العصمة بالصلاة. وانظر: كلام العلامة ابن قاسم رحمه الله، في: حاشية الروض المربع (1/ 417).
أصر بعد ذلك كفر، وكذا من تركها تهاونًا أو كسلًا ودعاه إمام أو نائبه لفعلها فأصر وضاق وقت الثانية عنها، فإن لم يدع إلى فعلها لم يحكم بكفره لاحتمال أنه تركها لعذر، ولا يقتل حتى يستتاب ثلاثًا فيهما، فإن تابا وإلا ضربت عنقهما
(1)
، والجمعة كغيرها، وكذا ترك ركن أو شرط
(2)
.
ولا يكفر بترك غيرها من زكاة وصوم وحج تهاونًا.
* * *
(1)
يعني: إن تابا بفعلهما زمن الاستتابة خلي سبيلهما، وإن لم يتوبا ضربت أعناقهما بالسيف لكفرهما. وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 425).
(2)
بل الجمعة آكد من غيرها، ومن ترك ركنًا أو شرطًا مجمعًا عليه في الصلاة كمن لا يتم ركوعها ولا سجودها فإن حكمه حكم تاركها. وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 425).
باب الأذان
(1)
والإقامة
(2)
وهما فرض كفاية
(3)
(4)
على الرجال الأحرار، المقيمين في القرى والأمصار، للصلوات الخمس المكتوبة المؤديات، والجمعة من الخمس، ويسنان لمنفرد ومسافر ولمقضية، ويكرهان للنساء
(5)
، ويقاتل الإمام أهل بلد تركوها، ويحرم أخذ الأجرة عليهما.
ويسن أن يكون المؤذن، حسن الصوت، أمينًا عالمًا بالوقت، متطهرًا قائمًا فيهما
(6)
، ويكره أذان الجنب للخلاف في صحته، ولا يكره أذان المحدث، وتكره إقامته.
(1)
الأذان: اسم التأذين، وهو الإعلام بالشيء، واصطلاحًا: الإعلام بدخول وقت الصلاة أو قربها بألفاظ مخصوصة. وانظر: مادة أذن في لسان العرب (13/ 12)، ومختار الصحاح (5)، والمطلع (47).
(2)
الإقامة: مصدر أقام وهو متعدي قام، فحقيقته إقامة القاعد، وهي في الشرع: الإعلام بالقيام إلى الصلاة، كأن المؤذن أقام القاعدين وأزالهم عن قعودهم، وانظر: المطلع (47).
(3)
الأمر بالأذان منقول بالتواتر، والعلم به حاصل بالضرورة، ولا يرده إلا كافر، يستتاب فإن تاب والا قتل، ولأنهما من شعائر الإسلام الظاهرة، فكان فرضًا كالجهاد، انظر: حاشية الروض المربع (1/ 249).
(4)
ذهب الحنفية والشافعية إلى أن الأذان سنة، وذهب المالكية إلى أنه سنة مؤكدة، انظر: الهداية (1/ 167)، والثمر الداني (80)، والإقناع (1/ 205).
(5)
لأنها وظيفة الرجال، وهو نوع تشبه بهم. وانظر: منار السبيل (1/ 58).
(6)
ضبة تصحيحية.
ويسن الأذان في أول الوقت، وعلى علو، رافعًا وجهه إلى السماء، جاعلًا سبابته في أذنيه، مستقبلًا القبلة، ويلتفت يمينًا بحي على الصلاة، ويسارًا بحي على الفلاح
(1)
، وأن يقول بعد حيعلة أذان الفجر: الصلاة خير من النوم مرتين، ويسمى التثويب، وأن يتولى الأذان والإقامة واحد، ما لم يشق عليه.
ومن جمع بين صلاتين أو مضى فوائت أذن للأولى، وأقام لكل صلاة، وأن يرتل الأذان، ويحدر الإقامة، ولا يصحان إلا مرتبين، متواليين عرفًا، وأن يكون كل منهما من واحد، فلو أتى واحد ببعضه وكمله آخر لم يعتد به ولو لعذر
(2)
، وأن يكونا بنية.
والأذان خمس عشرة جملة، والإقامة إحدى عشرة، وتباح تثنيتها.
ويشترط في المؤذن أن يكون: مسلمًا، ذكرًا، عاقلًا، مميزًا، ناطقًا عدلًا ولو ظاهرًا، ويصح الأذان بالتلحين، أي: بالطرب، واللحن
(3)
الذي لا يغير المعنى.
ويبطلهما فصل كثير بسكوت، أو كلام ولو مباحًا، وكلام يسير محرم كقذف
(4)
، ولا يصحان قبل الوقت إلا أذان الفجر فيصح بعد نصف الليل، ورفع الصوت بالأذان ركن، ما لم يؤذن لحاضر، فبقدر ما يسمعه.
ويسن للمؤذن ولمن سمعه وللمقيم ولمن سمعه أن يقول مثله، ولو كان السامع في قراءة أو طواف أو امرأة إلا في الحيعلة، فيقول: لا حول
(1)
ضبة تصحيحية.
(2)
لأنها عبادة بدنية، فلم يبن علي فعل غيره. وانظر: منار السبيل (1/ 59).
(3)
اللحن: الخطأ في الإعراب، ويقال: فلان لحان ولحانة، أي: يخطئ، وانظر: مادة لحن في لسان العرب (13/ 382)، ومختار الصحاح (248).
(4)
القذف: من قذف بالشيء إذا رمى به، واصطلاحًا: رمي المحصن بالزنا، وانظر: مادة قذف في لسان العرب (9/ 277)، ومختار الصحاح (220).
ولا قوة إلا بالله العظيم، وفي التثويب
(1)
، يقول: صدقت وبررت، وفي لفظ الإقامة، يقول: أقامها الله وأدامها، وتكون الإجابة عقب كل كلمة، ويقضيها المصلي والمتخلي، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ، ويقول: اللَّهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته، ثم يدعو الله.
ويحرم خروج من وجبت عليه الصلاة بعد الأذان في الوقت من المسجد بلا عذر أو نية رجوع.
* * *
(1)
يعني: قوله في أذان الفجر: الصلاة خير من النوم مرتين.
باب شروط الصلاة
(1)
وهي تسعة، فرضًا كانت الصلاة أو نفلًا:
الإسلام والعقل والتمييز، وهذه شروط في كل عبادة، إلا في الحج
(2)
، فإنه يصح ممن لا يميز بإحرام وليه عنه.
والرابع: الطهارة من الحدث والنجس، مع القدرة عليها.
والخامس: دخول الوقت للصلاة المؤقتة
(3)
، فوقت الظهر من الزوال إلى أن يصير ظل كل شيء مثله، سوى ظل الزوال، والأفضل تعجيلها إلا مع الحر
(4)
مطلقًا، فتؤخر حتى ينكسر الحر، وإلا مع غيم لمن يصلي جماعة، إلى قرب وقت العصر
(5)
، ويليه الوقت المختار للعصر حتى يصير ظل كل شيء مثليه، سوى ظل الزوال، ثم وقت الضرورة إلى غروب
(1)
الشروط: جمع شرط، والشرط لغة: العلامة، واصطلاحًا: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، انظر: المطلع (47)، والتعاريف (427)، والحدود الأنيقة (71).
(2)
ضبة تصحيحية.
(3)
ذكر المؤلف رحمه الله هذا الضابط وهو التوقيت ليبين أن هناك صلوات لا توقيت فيها، مثل: ركعتي الطواف وصلاة الكسوف وغيرها.
(4)
ضبة تصحيحية.
(5)
لأنه وقت يخاف فيه المطر والريح، فطلب الأسهل بالخروج لهما معًا. وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 470).
الشمس، والأفضل تعجيلها مطلقًا.
ثم يليه وقت المغرب حتى يغيب الشفق الأحمر
(1)
، والأفضل تعجيلها إلا لمن يسن له جمع التأخير، وإلا في غيم للمصلي جماعة.
ثم يليه الوقت المختار للعشاء إلى ثلث الليل الأول
(2)
، ويكره النوم قبلها، والحديث بعدها، إلا لشغل أو مع أهل، ثم وقت الضرورة، إلى طلوع الفجر الثاني، وهو البياض المعترض بالمشرق، ولا ظلمة بعده، وتأخيرها إلى آخر الوقت المختار أفضل إن سهل، فإن شق ولو على بعض المأمومين كره، ويحرم تأخيرها لوقت الضرورة إلا لعذر.
ثم يليه وقت الفجر إلى شروق الشمس، وتعجيلها أفضل.
ويحصل إدراك الصلاة أداء بإدراك تكبيرة الإحرام في وقتها، ولو كان التأخير لغير عذر لكن يأثم، ويحرم تأخير الصلاة عن وقت الجواز.
ويجوز تأخير فعلها في الوقت مع العزم عليه، ما لم يظن حصول مانع كموت وحيض، فتجب المبادرة، ولا يصلي من جهل دخول الوقت قبل غلبة ظنه بدخوله إما باجتهاد أو خبر ثقة عن يقين، فإن أحرم باجتهاده فبان قبله
(3)
فصلاته نفل ويعيد فرضه، وإلا ففرض ولا إعادة عليه.
(1)
ذهب الحنفية والشافعي في القديم إلى أن وقت المغرب ممتد من غروب الشمس إلى مغيب الشفق، وذهب المالكية والشافعي في الجديد إلى أن وقتها من غروب الشمس إلى ما يسع الوقت لأدائها، وفصل بعض الشافعية إلى ما يسع أداء خمس أو سبع ركعات مع الأذان والإقامة، وتحصيل بقية الشروط. انظر: الهداية (1/ 260)، والثمر الداني (78)، والإقناع (1/ 259).
(2)
وذهب الحنفية إلى أن وقت العشاء ممتد من مغيب الشفق إلى طلوع الفجر الثاني، وذهب المالكية والشافعية، إلى أن وقت الأفضلية والاختيار ممتد من مغيب الشفق إلى نهاية الثلث الأول، انظر: الهداية (1/ 261)، والثمر الداني (78)، والإقناع (1/ 261).
(3)
ضبة تصحيحية.
وإن أدرك مكلف من وقتها قدر التحريمة ثم زال تكليفه بنحو جنون أو حاضت ثم كلف وطهرت، وجب قضاؤها.
ومن صار أهلًا لوجوبها قبل خروج وقته ولو بتكبيرة لزمته مع ما يجمع إليه قبلها، فإن بلغ قبل الغروب لزمه الظهر والعصر
(1)
.
ويجب قضاء الصلاة الفائتة قليلة أو كثيرة مرتبة فورًا، ما لم يحضر لصلاة عيد، أو يتضرر في بدنه أو ماله أو معيشة يحتاجها، وحينئذ لا يصح منه النفل المطلق، فإن نسي الترتيب بين الفوائت حال قضائها أو بين حاضرة وفائتة حتى فرغ من الحاضرة سقط وجوبه.
ويسقط الترتيب والفورية بضيق الوقت، ولو المختار، فيصلي الحاضرة ثم يقضي الفائتة، وتصح البداءة بغير الحاضرة مع ضيق الوقت ويأثم، ولا تصح نافلة ولو راتبة
(2)
مع ضيق الوقت.
والسادس: ستر العورة مع القدرة، ويجب حتى في خلوة أو ظلمة وعن نفسه بما لا يصف لونها، ولا يشترط ما لا يصف حجمها، ويكفي الستر بغير منسوج كورق ونبات، ولو مع وجود ثوب، ويباح كشفها لنحو تداو وتخلٍ.
وعورة الذكر الذي بلغ عشرًا، والحرة المميزة والأمة ولو مبعضة
(3)
ما بين السرة والركبة، وعورة ابن سبع إلى عشر، الفرجان، وعورة الحرة البالغة في الصلاة جميع بدنها، حتى ظفرها وشعرها إلا الوجه، وأما خارج الصلاة فكلها عورة حتى الوجه.
(1)
لأن وقت الثانية وقت للأولى حال العذر، فإذا أدركه المعذور فكأنه أدرك وقتها.
(2)
راتبة: الراتبة والمرتبة: المنزلة، ورتب الشيء: ثبت، وأمر راتب، أي: دائم ثابت، انظر: مادة رتب في لسان العرب (1/ 410)، ومختار الصحاح (98).
(3)
مبعض: مفعل من التبعيض، وقد بعضه تبعيضًا، أي: جزأه فتبعض، انظر: مادة بعض في مختار الصحاح (24).
ويكفي ستر عورة الرجل البالغ في النفل، ويشترط في الفرض ستر جميع أحد عاتقيه
(1)
مع ستر العورة بشيء، ولو يصف لون البشرة عند القدرة.
ومن انكشف بعض عورته في الصلاة رجلًا أو امرأة وفحش عرفًا وطال الزمن أعاد فإن لم يفحش المكشوف ولو طال الزمن لم يعد إن لم يتعمد، ومن صلى في ثوب نجس أعاد، ولو لعدم غيره، لا من حبس في محل مغصوب أو نجس فيجلس على قدميه ويركع ويسجد إن كانت النجاسة يابسة، ويومئ برطبة غاية ما يمكن.
ومن صلى في مكان مغصوب أو ثوب محرم عليه كمغصوب وهو عالم ذاكر، أو في ثوب حرير، أو منسوج بذهب أو فضة لرجل واجد غيره، وهو عالم ذاكر لم تصح صلاته، فيصلي عريانًا إن لم يجد غير ثوب مغصوب، وفي حرير ونحوه لعدم غيره
(2)
.
ومن وجد كفاية عورته، سترها وجوبًا، فإن لم يكفها ستر الفرجين، فإن كفى أحدهما فالدبر أولى، فإن كفت منكبه وعجزه فقط سترهما وصلى جالسًا، ويلزم العريان تحصيل السترة بثمن أو أجرة مثلها، أو زائد يسير، ويلزمه قبول إعارتها، بخلاف الهبة للمنة.
ويصلي العاري العاجز عن تحصيلها قاعدًا، ويومئ استحبابًا للركوع والسجود، فلو صلى قائمًا وركع وسجد جاز.
(1)
نص الحنفية على كراهة الصلاة بدون ستر أحد العاتقين، ونص المالكية والشافعية على استحباب ستر العاتقين في الصلاة مع إجزائها بدون سترهما، فرضًا كانت الصلاة أو نفلًا. انظر: المبسوط (2/ 217)، وبدائع الصنائع (1/ 55)، وبداية المجتهد (1/ 186)، والمهذب (123).
(2)
الفرق بين الثوب المغصوب وثوب الحرير لطيف، قالوا: الثوب المغصوب محرم من كل وجه فلا يباح مطلقًا، أما ثوب الحرير فيباح في بعض الأحوال دون بعض. وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 505).
ويكون إمام العراة وسطهم وجوبًا، إن لم يكونوا عميًا أو في ظلمة
(1)
، ويصلي كل نوع من رجال ونساء وحده، فإن شق ذلك صلى الرجال واستدبرتهم النساء، ثم عكسوا، فإن وجد العاري سترة قريبة في أثناء الصلاة ستر بها عورته وبنى، فإن كانت بعيدة استأنف الصلاة.
ويكره في الصلاة السدل، وهو طرح ثوب على كتفيه
(2)
، واشتمال الصماء، بأن يضطبع بثوب ليس عليه غيره، وتغطية وجهه، واللثام على فمه وأنفه بلا سبب، وكف
(3)
كمه ولفه
(4)
بلا سبب، وشد وسطه بزنار
(5)
.
وتحرم الخيلاء في ثوب وغيره، في الصلاة وخارجها، في غير الحرب، وتصوير حيوان ولو أزيل منه ما تبقى به الحياة، ويحرم استعمال ما فيه الصورة على الذكر والأنثى في لبس وتعليق وستر جدر، لا افتراش.
ويحرم على غير الأنثى استعمال منسوج بذهب أو فضة، أو مموه بأحدهما إذا كان لو عرض على النار حصل منه شيء، وثياب الحرير، وما أكثرها ظهورًا حرير بلا حاجة، ولو بطانة لبسًا لغير أنثى، وافتراشًا واستنادًا
(1)
ذهب الحنفية إلى أن إمام العراة يصلي بينهم جالسًا، وهم جلوس مطلقًا في ليل أو نهار، وذهب المالكية إلى أنهم في النهار يصلون أفرادًا، وفي الليل والظلمة يصلون قيامًا، وإمامهم أمامهم، وذهب الشافعية إلى أن الإنفراد والجماعة في حقهم سواء، وفي الظلمة يستحب أن يكون إمامهم وسطهم ويركعون ويسجدون. انظر: مراقي الفلاح (1/ 142)، والمدونة (1/ 186)، والأم (1/ 186).
(2)
والعلة في ذلك النهي عن إسبال الإزار، فإن رد أحد طرفيه على الكتف الأخرى، أو ضم طرفيه لم يكره. وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 511).
(3)
كف: كفة الثوب: حاشيته، وكف الخياط الثوب: خاطه الخياطة الثانية، ومعناه هنا: طبق بعضه على بعض، انظر: المصباح المنير (2/ 536).
(4)
لف الشيء من باب رد، واللفافة: ما يلف على الرجل على هيئة الاستدارة، انظر: مادة لفف في مختار الصحاح (612)، والمصباح المنير (2/ 555).
(5)
خيط غليظ بقدر الأصبع من الأبريسم وهو الحرير يشد في الوسط، والعلة: النهي عن التشبه بالمجوس ورهبان النصارى. وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 513).
إليه، وستر جدر به غير الكعبة
(1)
، حتى خيط السبحة، فإذا فرش فوقه حائلًا صفيقًا جاز الجلوس عليه والصلاة
(2)
، فإذا استوى الحرير وما نسج معه ظهورًا، أو كان خزًا، أو هو ما سُدي بالحرير وألحم بغيره جاز
(3)
، وكذا الخالص، وكذا إن كان لنحو مرض كقمل وجرب
(4)
(5)
، ولو بلا حاجة، أو كان الحرير حشوًا فلا يحرم
(6)
، ويحرم إلباس صبي ما يحرم على رجل، ويباح من الحرير كيس مصحف، وأزرار وخياطة به، وسجاف
(7)
أربعة أصابع فأقل.
ويكره المعصفر في غير إحرام، والمزعفر للرجال، والأحمر الخالص، والمشي بنعل واحدة، وكون ثيابه فوق نصف ساقه، أو تحت كعبه بلا حاجة، وللمرأة الزيادة إلى ذراع، ويكره لبس الثوب الذي يصف البشرة للرجل والمرأة، وثوب يشتهر به بين الناس بحيث يشار إليه بالأصابع.
والسابع: اجتناب النجاسة حيث لم يعف عنها ببدن وثوب ومكان مع
(1)
الكعبة: بيت الله تعالى، في وسط المسجد الحرام، على شكل حجرة مكعبة، كبيرة مرتفعة البناء مربعة الشكل، ويبلغ ارتفاعها خمسة عشر مترًا، وفي ضلعها الشرقي يقع الباب مرتفعًا عن الأرض نحو مترين، وأركان الكعبة أربعة: هي الحجر الأسود والركن الشامي والركن اليماني والركن العراقي، وفي أعلى الجدار الشمالي يوجد الميزاب، وهو مصنوع من الذهب الخالص، ومطل على حجر إسماعيل. انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
(2)
ضبة تصحيحية.
(3)
ضبة تصحيحية.
(4)
الجرب: ويعتبر الجرب من الأمراض الجلدية المعدية، وسببه: الإصابة بطفيل الحكة، الذي يداهم بكثرة الأجزاء العليا والخارجية من الجلد، ويظهر على هيئة طفح جلدي وحكة جلدية في جميع أجزاء الجسم، ولا سيما في الليل أثناء النوم. انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(5)
ضبة تصحيحية.
(6)
لعدم الفخر والخيلاء. وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 523).
(7)
السجاف ما يركب على حواشي الثوب. وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 523).
القدرة، فمن حمل نجاسة لا يعفى عنها ولو بقارورة أو لاقاها بثوبه أو بدنه لم تصح صلاته.
فإن كان معفوًا عنها، كمن حمل مستجمرًا
(1)
أو حيوانًا طاهرًا كهر صحت، وإن مس ثوبه ثوبًا أو حائطًا نجسًا لم يستند إليه، أو كان النجاسة بطرف مصلى متّصل به ولو تحرك النجس بحركته
(2)
، أو كان تحت قدمه حبل مشدود في نجاسة صحت إن لم يكن الحبل متعلقًا بيده أو وسطه بحيث ينجر معه، وإلا فلا تصح، فإن كانت سفينة كبيرة، أو حيوانًا كبيرًا لا يقدر على جره إذا استعصى عليه صحت
(3)
، وإن سقطت عليه نجاسة فأزالها سريعًا صحت، فإن عجز عن إزالتها في الحال بطلت، وإن رأى نجاسة بعد صلاته وجهل كونها فيها أو بعدها لم يعدها، فإن علم أنها كانت فيه وجهلها أو نسيها أعاد
(4)
، ومن جبر عظمه بنجس لم يجب قلعه إن خاف ضررًا، ولا يتيمم له إن غطاه اللحم، وما سقط من آدمي من عضو أو سن فهو طاهر؛ لأن ما أبين من حي فهو كميتته، ووصل المرأة شعرها بشعر حرام، ولا بأس بوصله بغير شعر، فإن كان الشعر نجسًا بطلت صلاتها.
ولا تصح الصلاة
(5)
بلا عذر، فرضًا أو نفلًا، في الأرض المغصوبة، ولا في المقبرة قديمة كانت أو حديثة، ولا يضر قبران، ولا ما دفن بداره، ولو زاد على ثلاثة قبور، وتصح صلاة الجنازة في المقبرة.
ولا تصح الصلاة أيضًا في المجزرة والمزبلة ولو طاهرة، والمرحاض
(1)
لأن أثر الاستجمار معفو عنه في محله؛ لأن ما في بطن الآدمي من نجاسة في معدته، وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 531).
(2)
لأنه ليس بحامل للنجاسة، ولا مصل عليها، وإنما اتصل مصلاه بها، أشبه ما لو صلى على أرض طاهرة متصلة بأرض نجسة. وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 533).
(3)
لأنه ليس بمستتبع لها. وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 533).
(4)
لأنه ترك شرطًا للصلاة، ولا يسقط بالجهل ولا بالنسيان. وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 534).
(5)
ضبة تصحيحية.
وأعطان الإبل، والحمام داخله، وكل ما يتبعه في البيع، وأسطحة هذه الأماكن مثلها
(1)
، وتصح صلاة الجنازة والجمعة والعيد ونحوها بطريق لضرورة.
ولا يصح الفرض في الكعبة
(2)
، والحجر
(3)
منها، ولا على ظهرهما، إلا إذا وقف على منتهاها، بحيث لم يبق وراءه شيء منها، أو خارجها وسجد فيها، ويصح النذر فيها وعليها، وكذا النفل يصح، بل يسن فيها
(4)
، والمعتمد عدم اشتراط شاخص منها، بل يكفي استقبال هوائها
(5)
.
الثامن: استقبال القبلة
(6)
وهي الكعبة لمن قرب منها، وجهتها لمن بعد عنها مع القدرة
(7)
، فلا يضر التيامن، ولا التياسر اليسير عرفًا، في غير مسجده صلى الله عليه وسلم؛ لأن قبلته متيقنة، ولا يجب الاستقبال على العاجز، كالمطلوب والهارب من نحو سبع، وفي حال التحام الحرب.
فإن لم يجد المصلي من يخبره عنها بيقين صلى بالاجتهاد، ولا إعادة عليه، وإن أخطأ فخبر الثقة مقدم على الاجتهاد إذا كان عدلًا، ولو عبدًا أو امرأة، وكان يخبر عن يقين، ومثله محاريب إسلامية.
(1)
لأن الهواء تابع للقرار، وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 541).
(2)
ذهب الحنفية والشافعية إلى جواز أداء الفريضة والنافلة داخل الكعبة، وذهب المالكية إلى بطلان صلاة الفريضة والنافلة المؤكدة داخل الكعبة وجواز النفل المطلق وغير المؤكد، انظر: اللباب (1/ 257)، والمدونة (1/ 182)، والأم (1/ 197).
(3)
الحجر: حجر الكعبة، وهو ما حواه الحطيم المدار بالبيت جانب الشمال، والحجر أيضًا منازل ثمود ناحية الشام، عند وادي القرى، انظر: مادة حجر في لسان العرب (17014)، ومختار الصحاح (52).
(4)
ضبة تصحيحية إلى قوله: هوائها.
(5)
لأن المقصود البقعة لا الجدار، وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 546).
(6)
سميت قبلة لإقبال الناس عليها، وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 548).
(7)
ضبة تصحيحية إلى قوله: متيقنة.
ويستدل عليها في السفر بالقطب
(1)
، وهو نجم خفي شمالي، وحوله أنجم دائرة كفراشة الرحى، في أحد طرفيها الجدي
(2)
، وفي الآخر الفرقدان
(3)
، يكون على العاتق الأيسر للمصلي بمصر، ووراء ظهره بالشام
(4)
، ويستدل عليها بالشمس والقمر ومنازلهما، فإن دخل الوقت وخفيت عليه القبلة، لزمه التعلم، ويقلد إن ضاق الوقت، ومن صلى بغير اجتهاد وكان يحسنه أو بغير تقليد إن لم يكن يحسنه قضى ولو أصاب إن وجد من يقلده
(5)
، فإن لم يجد الأعمى والجاهل من يقلده فتحريا وصليا فلا إعادة، ويجتهد العارف بأدلة القبلة لكل صلاة، ويصلي بالاجتهاد الثاني ولو كان في صلاة، فيبنى ولا يقضى ما صلى بالأول
(6)
، فإن لم تظهر لمجتهد جهة في السفر صلى على حسب حاله.
ويجوز لمتنفل سائر في سفر مباح طويل أو قصير قاصدًا جهة معينة أن يتطوع، فإن كان راكبًا فعلى راحلته حيثما توجهت به، ويلزمه افتتاح الصلاة بالإحرام إلى القبلة إن أمكنه، ويركع ويسجد إن أمكنه، بلا مشقة،
(1)
القطب: كوكب بين الجدي والفرقدين، يدور عليه الفلك، وهو صغير أبدًا، لا يبرح مكانه أبدًا، وإنما شبه بقطب الرحى، وهي الحديدة التي في الطبق الأسفل من الرحيين، يدور عليها الطبق الأعلى، فكذا تدور الكواكب على هذا الكوكب، انظر: مادة قطب في مختار الصحاح (226).
(2)
نجم نير يعرف بجدي القطب، وهو غير جدي البرج، انظر: حاشية الروض المربع (1/ 556).
(3)
الفرقدان: نجمان في السماء لا يغربان، ولكنهما يطوفان بالجدي، انظر: مادة فرقد في لسان العرب (3/ 334)، ومختار الصحاح (210).
(4)
بلاد الشام: هي المنطقة الممتدة على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، وتشتمل في الوقت الحاضر على: سورية وفلسطين ولبنان والأردن وأجزاء من تركيا، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
(5)
لأن المراتب أربع: المعاينة، ثم المخبر عن علم، ثم الاجتهاد، ثم التقليد، فلا ينتقل للمتأخرة حتى يعجز عن التي قبلها. وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 560).
(6)
لأن الاجتهاد لا ينقض باجتهاد. وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 561).
وإلا فإلى جهة سيره، ويومئ بهما، ويجعل سجوده أخفض، وراكب المحفة الواسعة
(1)
والسفينة والراحلة الواقفة يلزمه الاستقبال في كل صلاته.
وأما الماشي المتنفل فيلزمه الافتتاح والركوع والسجود إلى القبلة، لتيسر ذلك عليه، وإن داس النجاسة عمدًا بطلت، وإن داسها مركوبه فلا، وإن لم يعذر من عدلت به دابته، أو عدل هو إلى غير القبلة عن جهة سيره مع علمه، أو عذر وطال عدوله عرفًا بطلت.
التاسع: النية ولا تسقط بحال، ومحلها القلب، وحقيقتها العزم على فعل الشيء، وشرطها: الإسلام والعقل والتمييز، وتكون أول العبادة وقبلها بيسير، والأفضل قرنها بالتكبير، ويشترط مع نية الصلاة تعيين ما يصليه من ظهر أو عصر، ومنذورة أو راتبة أو غير ذلك، وتجزئ نية الصلاة في النفل المطلق وصلاة الليل، ولا يشترط تعيين كون الصلاة حاضرة أو قضاء، فلو نوى الأداء فبانت قضاء وقعت قضاء كعكسه، ولا عدد الركعات.
فإن قطع النية في أثناء الصلاة أو تردد في فسخها
(2)
بطلت؛ لأن استدامة النية شرط، وكذا بقية الشروط، وإن شك في النية أو التحريمة وهو فيها استأنفها، وبعد الفراغ لا أثر للشك.
وإن قلب منفرد أو مأموم فرضه نفلًا في وقته المتسع جاز، سواء صلى الأكثر أو الأقل، فإن لم يتسع الوقت للنفل والفرض لم يصح وبطل فرضه، وإن انتقل بنية من غير تحريمة من فرض إلى فرض آخر بطلا
(3)
، فإن نوى الثاني من أوله بتكبيرة إحرام صح، ويجب للجماعة نية الإمامة، ونية المأموم الائتمام، ولا يشترط تعيين الإمام ولا المأموم، فإن نوى زيد
(1)
المحفة: هودج لا قبة له تركب فيه المرأة. المعجم الوسيط (1/ 186).
(2)
الفسخ: النقض، ويقال: فسخت البيع والنكاح، يعني: نقضته فانتقض، انظر: مادة فسخ في لسان العرب (3/ 45)، ومختار الصحاح (211).
(3)
كإن أحرم بالظهر - مثلًا - وانتقل إلى الفجر بمجرد النية من غير تكبيرة للإحرام للفرض الثاني بطلا، ولو قال: لم يصح لكان أولى؛ لأن الثاني لم ينعقد، ولم يدخل فيه حتى يبطل. وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 571).
الاقتداء بعمرو، ولم ينو عمرو الإمامة صحت صلاة عمرو وحده
(1)
، وتصح نية الإمامة عند ظن حضور مأموم.
وإن نوى المنفرد الائتمام في أثناء الصلاة لم يصح، فرضًا كانت الصلاة أو نفلًا، كما لا تصح نية إمامته في أثناء الصلاة إن كانت فرضًا، وتصح نية المفارقة لكل منهما، لوجود عذر يبيح ترك الجماعة كتطويل إمام، ومرض، وغلبة نعاس، وخوف على أهل أو مال، أو خوف فوت رفقة، فيتم صلاته منفردًا، فإن كان في ثانية جمعة أتمها جمعة، وإن فارقه في الأولى أتمها نفلًا وصلى الظهر، فإن لم يكن عذر بطلت، فإن زال عذره وهو في الصلاة فله الدخول مع الإمام فيما بقي.
ويقرأ مأموم فارق إمامه في قيام قبل قراءة الفاتحة أو يكمل على قراءة إمامه، فإن فارقه بعد القراءة فله الركوع في الحال، فإن ظن أن إمامه قرأ الفاتحة في صلاة سرية لم يجب عليه أن يقرأ، وتبطل صلاة مأموم ببطلان صلاة إمامه
(2)
(3)
، فليس للإمام أن يستخلف.
ولا تبطل صلاة إمام ببطلان صلاة مأموم، ويتمها منفردًا، وإن أحرم الإمام الراتب بمن أحرم بهم نائبه لغيبته، وبنى على صلاة نائبه وعاد الإمام النائب مؤتمًا صح، وإذا ائتم مقيم بمثله بعد سلام إمامهما المسافر صح.
* * *
(1)
لأن الجماعة يتعلق بها أحكام، وإنما تتميز الجماعة وغير الجماعة بنية الإمام الإمامة، ونية المأموم الائتمام. وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 572).
(2)
لارتباط صلاة المأموم بالإمام. وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 576).
(3)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية، إلى أن صلاة المأموم لا تبطل ببطلان صلاة الإمام. انظر: الهداية (1/ 207)، وفقه العبادات للمالكية (1/ 172)، والإقناع (1/ 248).
باب صفة الصلاة
(1)
يسن الخروج إليها بسكينة
(2)
ووقار
(3)
، ويقدم رجله اليمنى في دخول المسجد، واليسرى في الخروج منه، ولا يشبك أصابعه، ويجلس مستقبل القبلة.
ويسن القيام عند قول المقيم
(4)
: قد قامت الصلاة، وتسوية الصف بالمناكب، ويقول قائمًا في فرض مع القدرة: الله أكبر، فلا تنعقد إلا بها
(5)
، ويرفع يديه ندبًا مع التحريمة مضمومة الأصابع، مستقبلًا ببطونهما القبلة، حذو منكبيه، فإن لم يقدر على الرفع المسنون رفع حسب الإمكان، وكشف يديه هنا وفي الدعاء أفضل، ويسن في السجود وضع
(1)
الصفة: من وصف الشيء من باب وعد، وتواصفوا الشيء من الوصفة، واتصف الشيء يعني: صار متواصفًا، انظر: مختار الصحاح مادة وصف (302).
(2)
السكينة: الوداعة والوقار، انظر: مادة سكن في لسان العرب (13/ 213)، ومختار الصحاح (129).
(3)
الوقار: الحلم والرزانة، انظر: مادة وقر في النهاية (5/ 212).
(4)
هذه من المفردات، والمراد قيام غير المقيم، لأنه يأتي بها قائمًا، وهذه إذا رأى المأموم الإمام، وإلا قام عند رؤيته، وانظر: حاشية الروض المربع (612).
(5)
ذهب الحنفية إلى أن تكبيرة الإحرام تنعقد بكل ما دل على معناها مثل الرحمن أكبر، أو الله أجل، وذهب المالكية والشافعية إلى أن تكبيرة الإحرام لا تنعقد إلا باللفظ المعروف المتواتر: الله أكبر، انظر: الهداية (1/ 280)، والثمر الداني (82)، والإقناع (1/ 292).
يديه حذو منكبيه، ويسمع الإمام من خلفه استحبابًا بالتكبير كله، وكذا يجهر بسمع الله لمن حمده وبالتسليمة الأولى، فإن كثروا جهر به بعض المأمومين، كما يسن للإمام الجهر في أولتي غير الظهرين، أما المأموم والمنفرد فيسر بذلك كله، لكن ينطق بحيث يسمع نفسه
(1)
حيث لا مانع، وجوبًا في كل واجب، ثم بعد تكبيرة الإحرام يقبض كوع يسراه بيمينه، ويجعلهما تحت سرته استحبابًا
(2)
، وينظر المصلي ندبًا محل سجوده، ويقول: سبحانك اللَّهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، ثم يستعيذ ندبًا، فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم يبسمل ندبًا، فيقول: بسم الله الرحمن الرحيم، ويكون الاستفتاح والاستعاذة والبسملة سرًا
(3)
.
ثم يقرأ الفاتحة تامة، وهي ركن من كل ركعة، والبسملة ليست منها، فإن قطعها بذكر أو سكوت غير مشروعين وطال عرفًا أعادها، فإن كان مشروعًا كسؤال رحمة عند تلاوة آية رحمة، وكالسكوت لاستماع قراءة إمامه، وكسجوده التلاوة مع إمامه لم يبطل ما مضى من قراءتها، فإن ترك منها تشديدة أو حرفًا أو ترتيبًا لزم غير مأموم إعادتها، ويستحب أن يقرأها مرتلة معربة، ويجهر كل من إمام ومأموم ومنفرد بآمين في الجهرية، ويحرم تشديد ميمها
(4)
، ثم يقرأ بعدها سورة ندبًا، وتجوز آية، ثم يركع مكبرًا، رافعًا يديه مع ابتداء الركوع، ويضعهما على ركبتيه، مفرجتي الأصابع استحبابًا، مستويًا
(1)
لأنه لا يكون كلامًا بدون الصوت، وهو ما يتأتى سماعه. وانظر: حاشية الروض المربع (2/ 19).
(2)
فهذه صفة التذلل وأقرب للخشوع وتمنع من العبث. وانظر: حاشية الروض المربع (2/ 20).
(3)
ذهب الحنفية إلى مشروعية البسملة سرًا، وذهب المالكية إلى كراهة البسملة للإمام والمأموم والمنفرد، وذهب الشافعية إلى أنها واجبة وهي جزء من الفاتحة يجهر بها الإمام ويسر بها المنفرد. انظر: الهداية (1/ 282)، والثمر الداني (86)، والإقناع (1/ 194).
(4)
لأن معناها: قاصدين، وتبطل به مطلقًا. وانظر: حاشية الروض المربع (2/ 31).
ظهره مع رأسه، ويقول: سبحان ربي العظيم، والواجب مرة، وأدنى الكمال ثلاث، ثم يرفع رأسه ويديه قائلًا الإمام والمنفرد: سمع الله لمن حمده، مرتبًا وجوبًا، وبعد قيامهما واعتدالهما: ربنا ولك الحمد ملء السماء وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، ويقول مأموم في رفعه: ربنا ولك الحمد فقط ثم غير مكبرًا، ولا يرفع يديه، ساجدًا على سبعة أعضاء: رجليه ثم ركبتيه ثم يديه ثم جبهته مع أنفه، ولو مع حائل بين الأعضاء ومصلاه، إذا كان الحائل ليس من أعضاء السجود، فلو كانت يده تحت جبهته، أو على فخذه لم يصح
(1)
، ويجزئ بعض كل عضو، ولو جعل ظهور كفيه أو قدميه على الأرض أو سجد على أطراف أصابع يديه أجزأ، ومن عجز بالجبهة لم يلزمه بغيرها، ويومئ ما يمكنه، ويجافي الساجد عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، ويفرق ركبتيه، ويقول: سبحان ربي الأعلى، نظير ما تقدم في الركوع، ثم يرفع رأسه مكبرًا، ويجلس مفترشًا يسراه، ناصبًا يمناه، ويخرجها من تحته، ويثني أصابعها نحو القبلة، ويبسط يديه على فخذيه، مضمومتي الأصابع، ويقول: رب اغفر لي، مرة وجوبًا، والكمال ثلاث، ويسجد الثانية كالأولى، ثم يرفع مكبرًا، ناهضًا على صدور قدميه ولا يجلس للاستراحة معتمدًا على ركبتيه إن سهل، وإلا اعتمد على الأرض، ويصلي الركعة الثانية كذلك، ما عدا التحريمة والاستفتاح والتعوذ وتجديد النية فلا تشرع إلا في الأولى.
ثم بعد الثانية يجلس مفترشًا
(2)
، ويداه على فخذيه، يقبض خنصر
(3)
يده اليمنى وبنصرها
(4)
، ويجمع بين رأس الإبهام والوسطى، ويشير بسبابتها
(1)
لأنه يفضي إلى تداخل أعضاء السجود، وخلاف أمره وفعله صلى الله عليه وسلم. وانظر: حاشية الروض المربع (2/ 53).
(2)
أي: مفترشًا اليسرى ناصبًا اليمنى.
(3)
الخنصر: بكسر الخاء والصاد، الإصبع الصغرى، والجمع خناصر، انظر: مادة خنصر في لسان العرب (4/ 261).
(4)
البنصر: الإصبع التي بين الوسطى والخنصر، مؤنثة والجمع بناصر، انظر: مادة بنصر في لسان العرب (4/ 81).
من غير تحريك في تشهده ودعائه في الصلاة وغيرها
(1)
عند ذكر الله تعالى، ويبسط أصابع اليسرى، مضمومة إلى القبلة، ويقول: سرًا: التحيات لله، والصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
ثم يقول في التشهد الذي يعقبه: اللَّهم صلّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، ولا تجزئ لو أبدل آل بأهل
(2)
، ولا تقديم الصلاة على التشهد.
ويقول ندبًا: أعوذ بالله من عذاب جهنم، وعذاب القبر، وفتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال، ويجوز أن يدعو بما ورد في الكتاب والسنة، أو بأمر الآخرة، أما ما يقصد به ملاذ الدنيا كقوله: اللَّهم ارزقني جارية حسناء فتبطل به.
ثم يسلم وهو جالس، فيقول عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره كذلك، ولا يجزئ إن لم يقل: ورحمة الله، في غير صلاة جنازة، والأولى أن لا يزيد: وبركاته، وإن كان المصلي في ثلاثية كمغرب أو رباعية كظهر نهض مكبرًا بعد التشهد الأول، ولا يرفع يديه وصلى ما بقي بالفاتحة فقط، ويسر بالقراءة، ثم يجلس في تشهده الأخير متوركًا
(3)
؛
(1)
أي: يشير بسبابته إذا دعا في الصلاة وغيرها. وانظر: حاشية الروض المربع (6512).
(2)
لأن أهل الرجل أقاربه وزوجته، وآل الرجل أتباعه على دينه. وانظر: حاشية الروض المربع (7312).
(3)
تورك: الورك ما فوق الفخذ، وهي مؤنثة، وهي أن ينحي رجليه في التشهد الأخير، ويلزق مقعدته بالأرض، انظر: مادة ورك في لسان العرب (10/ 510)، ومختار الصحاح (299).
ينصب رجله اليمنى ويفرش رجله اليسرى، ويخرجهما عن يمينه، ويجعل إليتيه على الأرض.
والمرأة كالرجل في جميع ما تقدم، لكن تضم نفسها في الركوع والسجود وغيرها، وتسدل رجليها في جهة يمينها إذا جلست، أو تتربع
(1)
، وتسر بالقراءة وجوبًا، إن سمعها أجنبي، والخنثى مثلها، ثم يسن أن يستغفر ثلاثًا، ويقول: اللَّهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام، ويقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر معًا، ثلاثًا وثلاثين، ويدعو بما أحب.
* * *
(1)
التربع: الجلوس المعروف، والأربع: الفخذان والساقان، وربعها: أدخل بعضها تحت بعض. وانظر: حاشية الروض المربع (2/ 83).
فصل: (في أركان الصلاة وواجباتها وسننها)
وأركان
(1)
الصلاة أربعة عشر: وهي لا تسقط عمدًا ولا سهوًا ولا جهلًا:
الأول: القيام في فرض لقادر، سوى عريان وخائف بقيام، ولمداواة وقصر سقف لعاجز عن الخروج، ومأموم خلف إمام راتب على ما سيأتي، ويكون منتصبًا، فإن وقف منحنيًا أو مائلًا، بحيث لا يسمى قائمًا لغير عذر لم يصح، ولا يضر خفض رأسه، وكره قيامه على رجل واحدة لغير عذر وأجزأ.
الثاني: تكبيرة الإحرام، وهي: الله أكبر، مرتبًا وجوبًا، فلا يجزئ غيرها، فإن ابتدأها أو أتمها غير قائم صحت نفلًا إن تسع الوقت للنفل والفرض، ولا تنعقد إن مد همزة الله، أو همزة أكبر، أو الباء أو قال: الأكبر، وجهر المصلي بها وبكل ركن قولي واجب، بقدر ما يسمع نفسه، إن لم يكن مانع في فرض
(2)
، واختار بعضهم الاكتفاء بالحروف
(3)
وإن لم يسمعها.
(1)
الركن: جانب الشيء الأقوى، واصطلاحًا: أركان الشيء أجزاء ماهيته، وأركان العبادة جوانبها التي عليها مبناه وبتركها بطلانه، انظر: مادة ركن في مختار الصحاح (107)، والمطلع (88)، والتعاريف (372).
(2)
ضبة تصحيحية إلى قوله: يسمعها.
(3)
وهو رواية في المذهب، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية، وانظر: الإنصاف (2/ 44).
الثالث: قراءة الفاتحة مرتبة
(1)
، فإن ترك تشديدة أو حرفًا عمدًا ولم يأت به حتى ركع لم تصح صلاته، ولو تركه سهوًا تلغو الركعة، ويقوم ما بعدها مقامها.
فإن عجز عنها وعرف منها آية كررها بقدرها، فإن لم يعرف إلا من غيرها قرأ قدرها في عدة الحروف والآيات، فإن لم يحسن إلا بعض آية لم يكرره وعدل إلى غيره، ومن امتنعت قراءته قائمًا صلى قاعدًا وقرأ
(2)
.
الرابع: الركوع، وأقله أن ينحني بحيث يمكنه مس ركبتيه بكفيه إن كان معتدل الخلقة، وأكمله أن يمد ظهره مستويًا، ويجعل رأسه بإزائه، وركوع القاعد: مقابلة وجهه ما وراء ركبتيه من الأرض
(3)
.
الخامس: الرفع منه قصدًا، فلو رفع فزعًا لم يكف، فيرجع للركوع، ثم يرفع.
السادس: الاعتدال قائمًا، ولا تبطل إن طال، كالجلوس بين السجدتين.
السابع: السجود، وأكمله تمكين جبهته وأنفه وكفيه وركبتيه وأطراف أصابع قدميه من محل سجوده، وأقله وضع جزء من كل عضو من الأعضاء السبعة
(4)
، ولو جعل ظهور كفيه إلى الأرض أو ظهور قدميه أجزأ، ولا بد من الاستقرار على محلّ السجود، بحيث لو كان تحته
(1)
ذهب الحنفية إلى أن قراءة الفاتحة سنة في الصلاة للإمام والمنفرد، وذهب المالكية إلى أنها فرض على الإمام والمنفرد، وذهب الشافعية إلى أنها ركن في كل ركعة على الإمام والمنفرد، انظر: الهداية (1/ 279)، والثمر الداني (85)، والإقناع (1/ 295).
(2)
لأن القراءة آكد، انظر: منار السبيل (1/ 77).
(3)
انظر: الإنصاف (2/ 307)، وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 87).
(4)
ضبة تصحيحية إلى قوله: أجزأ.
قطن
(1)
منفوش انكبس، ويصح السجود على نحو كمه وذيله، ويكره بلا عذر
(2)
، ومن عجز عن السجود بالجبهة لم يلزمه أن يسجد بغيرها، ويومئ ما أمكنه.
الثامن: الرفع من السجود.
التاسع: الجلوس بين السجدتين
(3)
، وكيف جلس متربعًا أو مقعيًا
(4)
كفى، والسنة أن يجلس مفترشًا على رجله اليسرى، ناصبًا اليمنى ويوجهها إلى القبلة، بأن يجعل بطون أصابعها على الأرض، معتمدًا عليها.
العاشر: الطمأنينة: وهي السكون بيان قل، في كل ركن فعلي.
الحادي عشر: التشهد الأخير، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد المجزئ من التشهد الأول، والمجزئ منه: التحيات لله، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، فإن كان في التشهد الذي يعقبه السلام قال بعد ذلك: اللَّهم صل على محمد.
الثاني عشر: الجلوس له وللتسليمتين، فلو تشهد غير جالس، أو سلم الأولى جالسًا، والثانية غير جالس لم يصح.
الثالث عشر: التسليمتان وهو أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله، مرتبًا معرفًا وجوبًا، مبتدئًا ندبًا عن يمينه، ويكفي في النفل ونحو سجود تلاوة تسليمة واحدة، وكذا في الجنازة.
(1)
القطن: من نباتات المناطق الحارة، وهو عبارة عن شجيرة صغيرة، ويتطلب ريًا جيدًا وأرضًا خصبة حتى ينمو بشكل جيد؛ لينتج قطنًا على درجة عالية من الجودة، ويعتبر القطن المصري من أفضل أنواع القطن، الذي يطلق عليه "القطن الطويل التيلة". انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(2)
ضبة تصحيحية إلى قوله: ما أمكنه.
(3)
ضبة تصحيحية إلى قوله: كفى.
(4)
أن يفرش قدميه، ويجلس على عقبيه. انظر: الإنصاف (2/ 91)، ومنتهى الإرادات (1/ 206).
الرابع عشر: ترتيب الأركان كما ذكر، فلو سجد عمدًا قبل ركوعه بطلت، وسهوًا لزمه الرجوع ليركع ثم يسجد.
وواجباتها ثمانية، تبطل الصلاة بترك واحد منها عمدًا، ويسقط سهوًا أو جهلًا، ويسجد له: التكبير لغير الإحرام فإنه ركن، وغير تكبيرة المسبوق، الذي أدرك إمامه راكعًا، فتكبيرته الثانية سنة، للاكتفاء بتكبيرة الإحرام عنها
(1)
، وقول: سمع الله لمن حمده للإمام والمنفرد مرتبًا وجوبًا، لا للمأموم، وقول: ربنا ولك الحمد للكل، وقول: سبحان ربي العظيم مرة في الركوع، وسبحان ربي الأعلى مرة في السجود، وقول: رب اغفر لي بين السجدتين، والتشهد الأول على غير من قام إمامه سهوًا، والجلوس له على غير المأموم المذكور، لوجوب متابعته لإمامه.
وكل ما ذكر من التكبير والتسميع والتحميد وسؤال المغفرة بين ابتداء الانتقال وانتهائه
(2)
، فلو شرع في ذكر محل قبل أن ينتقل إليه كما لو كبر لسجوده قبل هويه إليه أو كمله بعد انتهائه لم يجزئه ذلك التكبير، كشروع في تشهد قبل جلوس
(3)
.
وسننها أقوال وأفعال، لا تبطل بترك شيء منها، ولو عمدًا، ويباح السجود لتركه سهوًا.
فمنها: دعاء الاستفتاح بعد تكبيرة الإحرام، وهو: سبحانك اللَّهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك ولا إله غيرك، والتعوذ والبسملة، وقول: آمين، وقراءة سورة بعد الفاتحة في فجر وجمعة وعيد وتطوع، وأولتي مغرب ورباعية، والجهر بالقراءة فيما يجهر فيه للإمام، ويكره للمأموم، ويخير المنفرد، وقول غير المأموم بعد التحميد: ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، وما زاد على المرة في
(1)
لأن الركن يقوم مقام الواجب.
(2)
لأنه مشروع له فاختص به، فإن كمله في جزء منه أجزأ، لأنه لم يخرج به عن محله. وانظر: حاشية الروض المربع (2/ 129).
(3)
لأنه في غير محله، وانظر: حاشية الروض المربع (2/ 129).
تسبيح الركوع والسجود، وفي قول: رب اغفر لي، والصلاة على آل النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير، والبركة عليه وعليهم، والدعاء بعده، وقنوت الوتر
(1)
.
ومن سنن الأفعال: رفع اليدين مع تكبيرة الإحرام، مبسوطتين مضمومتي الأصابع عند الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وحطهما عقب ذلك، ووضع اليمين على الشمال، وجعلهما تحت سرته، ونظره إلى موضع سجوده، والجهر بتكبيرة الإحرام، وترتيل القرآن، وتخفيف الصلاة إن كان إمامًا، والإطالة في الأولى، والتقصير في الثانية، وتفرقته بين قدميه قائمًا يسيرًا، وقبض ركبتيه بيديه، مفرجتي الأصابع في ركوعه، ومد ظهره فيه مستويًا مع رأسه، ومجافاة عضديه عن جنبيه، والبدء في سجوده بوضع ركبتيه، ثم يديه ثم جبهته وأنفه، وتمكين أعضاء السجود من الأرض، ومباشرة اليدين والجبهة موضع سجوده، ويكره كشف الركبتين، ومجافاة بطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، وتفريقه بين ركبتيه، وإقامة قدميه، وجعل بطون أصابعهما على الأرض مفرقة، ووضع يديه حذو منكبيه، مبسوطتين مضمومتي الأصابع، موجهة إلى القبلة، ورفع يديه أولًا في قيامه إلى الركعة، وقيامه على صدور قدميه، واعتماده على ركبتيه بيديه في نهوضه، والافتراش
(2)
في الجلوس بين السجدتين، وفي التشهد الأول، والتورك في التشهد الثاني، ووضع اليدين على الفخذين مبسوطتين ومضمومتي الأصابع في الجلوس بين السجدتين والتشهد الأول والثاني، إلا أنه يسن أن يقبض من اليمنى الخنصر والبنصر، ويحلق إبهامها مع الوسطى، ويشير بسبابتها عند ذكر الله تعالى، وكون اليسرى مضمومة الأصابع، موجهة نحو القبلة، والإشارة بوجهه نحو القبلة، في ابتداء السلام، والتفاته يمينًا
(1)
ضبة تصحيحية.
(2)
الافتراش: افتعال من الفرش والفراش، وافترش ذراعيه بسطهما على الأرض، ولكن المؤلف رحمه الله يقصد هنا افتراش اليسرى عند نصب اليمنى، كما نص على ذلك سابقًا. انظر: مادة فرش في لسان العرب (6/ 327).
وشمالًا في تسليمه، ونيته به الخروج من الصلاة، وتطويل الشمال على اليمين في الالتفات والخشوع.
تنبيه: إذا اعتقد المصلي الفرض سنة، أو السنة فرضًا، أو لم يعتقد شيئًا لا فرضًا ولا سنة وأداها مشتملة على الشروط والأركان والواجبات، أو لم يعرف الشرط من الركن فصلاته صحيحة، وإذا ترك شيئًا، ولم يدر أفرض هو أم سنة لم يسقط فرضه للشك في صحته.
* * *
فصل: (في مكروهات الصلاة)
(1)
ويكره
(2)
في الصلاة اقتصاره على الفاتحة فيما تسن فيه السورة بعدها، وتكرار الفاتحة، والتفاته إلا لنحو خوف، فإن استدار بجملته في غير شدة الخوف بطلت، ورفع بصره إلى السماء إلا في التجشؤ
(3)
، لئلا يؤذي من حوله.
وإقعاؤه في الجلوس، وهو أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه، أو يجلس على إليتيه ناصبًا قدميه، ويغمض عينيه، وحمل مشغل له.
وافتراش ذراعيه ساجدًا، بأن يلصقهما بالأرض، وأن يعتمد على يده أو غيرها، وهو جالس، والرمز بالعين، والإشارة لغير حاجة، والعبث ووضع يديه على خاصرته، والتمطي، وفتحه فمه ووضعه فيه شيئًا، واستقبال صورة منصوبة، واستقبال وجه آدمي، ومتحدث وامرأة تصلي، ونائم ونار وما يلهيه، وأن يصلي وبين يديه نجاسة، أو باب مفتوح، ومس الحصى.
(1)
ضبة تصحيحية إلى قوله: الفاتحة.
(2)
المكروه لغة: المبغض ضد المحبوب، واصطلاحًا: ما يثاب على تركه، ولا يعاقب على فعله، انظر: الحدود الأنيقة (76).
(3)
التجشؤ: تنفس المعدة عند الامتلاء، والجشاء ممدود على وزن فعال، كالدوار والعطاس، انظر: مادة جشأ في لسان العرب (1/ 48).
وتسوية التراب بلا عذر، وتروح بنحو مروحة، وفرقعة أصابع وتشبيكها، ومس لحيته، وكف ثوبه، ومتى كثر ذلك عرفًا بطلت.
ويكره أن يخص جبهته بما يسجد عليه
(1)
، وأن يمسح منها أثر سجوده، وأن يستند على نحو جدار بلا حاجة إليه، فإن استند بحيث يقع لو أزيل ما استند عليه بطلت صلاته إن لم يكن عذر
(2)
، وحمده على نحو العطاس، واسترجاعه عند نحو غم، وأن يكون حاقنًا للبول أو غائط أو ريح، أو به جوع أو عطش مفرط، أو بحضرته طعام يشتهيه، فإن ضاق الوقت، حرم اشتغاله بغيرها. ويسن للمصلي رد المار بين يديه، آدميًا أو غيره دون سترته، أو دون ثلاثة أذرع فأقل، وللمصلي دفع العدو من سبع أو سيل أو سقوط جدار ونحوه، وإن كثر العمل لم تبطل، وله عد الآي والتسبيح والتكبير بأصابعه، وله الفتح على إمامه، ويجب في الفاتحة ولا تبطل به، ولا يفتح على غير إمامه، فإن فعل لم تبطل.
وله لبس الثوب، ولف العمامة، وقتل حية
(3)
وعقرب وقمل وبراغيث
(4)
ونحوها، فإن طال الفعل عرفًا من غير ضرورة بلا تفريق بطلت ولو كان سهوًا.
(1)
لأن هذا من علامات الرافضة التي يتميزون بها، فإنهم يأخذون قطعة من طين من أرض مشهد الحسين، يتبركون بها ويسجدون عليها، وانظر: حاشية الروض المربع (2/ 39).
(2)
لأنه بمنزلة غير القائم، انظر: منار السبيل (1/ 90).
(3)
الحية: حيوان زاحف من ذوات الدم البارد، لها جسم طويل وهيكل عظمي مميز، تتراوح فقراته من 200 إلى 400 فقرة، تساعدها في التحرك والعصر والسباحة بشكل فعال دون الحاجة إلى وجود أطراف كباقي الحيوانات، متوسط عمرها 15 - 25 سنة، وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(4)
البرغوث: حشرة صغيرة تبلغ حوالى 1.5 مليمتر، تتغذى على دم الإنسان وبعض الحيوانات، وهو يتميز بقدرته العالية على القفز، وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
واليسير ما يشبه فعل النبي صلى الله عليه وسلم من حمل أُمامة
(1)
(2)
، وصعوده المنبر
(3)
، ونزوله عند فتحه الباب لعائشة
(4)
(5)
، وإشارة الأخرس
(6)
كفعله،
(1)
أمها زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وأبوها العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف العبشمية، تزوجها علي رضي الله عنه، ثم تزوجها بعده المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وولدت له يحيى، وماتت في خلافة معاوية رضي الله عنهما، ولم ترو شيئًا، انظر ترجمتها في: الإصابة (8/ 24)، وسير أعلام النبلاء (1/ 335).
(2)
ولفظه عن أبي قتادة رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أُمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها" أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب إذا حمل الجارية على عنقه في الصلاة، برقم (494)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز حمل الصبيان في الصلاة، برقم (543).
(3)
ولفظه مختصرًا، عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي" أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب الخطبة على المنبر، برقم (857)، وأخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة، برقم (544).
(4)
عائشة بنت خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر القرشية التيمية المكية النبوية، أم المؤمنين وزوج النبي صلى الله عليه وسلم، أفقه نساء الأمة على الإطلاق، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة، وبنى بها بعد منصرفه من بدر، قضت رضي الله عنها سنة 57 هـ، انظر: سيرتها في: الإصابة (8/ 231)، وسير أعلام النبلاء (2/ 135).
(5)
ولفظه: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "استفتحت الباب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي تطوعًا والباب على القبلة، فمشى عن يمينه أو عن يساره ففتح الباب ثم رجع إلى مصلاه" أخرجه النسائي في سننه في كتاب السهو، باب المشي أمام القبلة خطى يسيرة، برقم (1206)، وأحمد في المسند، برقم (26014)، وقال الأرناؤوط: إسناده حسن، وأخرجه الدارقطني في سننه في كتاب الجنائز، باب جواز العمل القليل في الصلاة وما يلزم المغمى عليه من القضاء، ووقت صلاة التطوع (2/ 80)، وابن حبان في صحيحه، باب ما يكره للمصلي وما لا يكره، وذكر الإباحة للمرء مشي اليمين واليسار في صلاته لحاجة تحدث، برقم (2355)، وقال العلامة الألباني رحمه الله: الحديث رجاله كلهم ثقات، رجال الشيخين، غير برد بن سنان وفيه ضعف يسير لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن، انظر: إرواء الغليل (2/ 108).
(6)
الخَرَسُ: ذهاب الكلام عِيًّا أَو خِلْقَةً؛ انظر: مادة خرس في لسان العرب (6/ 62).
ولا تبطل بعمل قلب، وإطالة نظر في نحو كتاب.
وإذا عرض للمصلي شيء كسهو إمامه أو استئذان سبح رجل ولا تبطل إن كثر وصفقت امرأة ببطن كف على ظهر الأخرى، وتبطل إن كثر
(1)
، وكره تنحنح وصفير وتصفيق رجل، وتسبيح امرأة بقراءة وتهليل وتكبير ونحوه.
ويبصق في الصلاة عن يساره، وفي المسجد في ثوبه، ويحك بعضه ببعض، وله رد السلام إشارة، والصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم عند ذكره.
وتسن الصلاة إلى سترة حضرًا وسفرًا قائمة، فإن كان في نحو مسجد فإلى قرب جدار، وفي فضاء فإلى شاخص من نحو ظهر إنسان أو عصا، ولو عرضًا، وينحرف عنها قليلًا، فإن لم يجد شاخصًا فإلى خط.
وتبطل الصلاة بمرور كلب أسود بهيم لا غيره
(2)
إذا مر بين المصلي وسترته، أو بين يديه في ثلاثة أذرع فأقل إن لم تكن سترة
(3)
، وسترة الإمام سترة للمأموم.
وللمصلي التعوذ عند آية وعيد، وسؤال الرحمة عند آية رحمة، ولو في فرض.
* * *
(1)
لأنه من غير جنس الصلاة.
(2)
خص الأسود بذلك لأنه شيطان، وانظر: حاشية الروض المربع (2/ 119).
(3)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية إلى أنه لا تبطل الصلاة بمرور الكلب الأسود البهيم. وانظر: مراقي الفلاح (1/ 152)، وبداية المجتهد (1/ 274)، ومغني المحتاج (1/ 199).
فصل: (في مبطلات الصلاة)
ويبطل الصلاة ما أبطل الطهارة، وكشف العورة عمدًا ولو يسيرًا منها، لا إن كشفها نحو ريح فسترها في الحال بلا عمل كثير، ولا إن انكشفت بلا قصد، وكان المكشوف يسيرًا، وهو الذي لا يفحش في المنظر، وإن لم يسترها في الحال.
ويبطلها استدبار القبلة حيث شرط استقبالها، واتصال النجاسة التي لا يعفى عنها به إن لم يزلها في الحال، والعمل المتوالي الكثير في العادة من غير جنسها، عمدًا أو سهوًا لغير ضرورة، فإن كان لنحو هرب من عدو فلا تبطل، والاستناد قويًا بغير عذر، ورجوعه للتشهد الأول بعد الشروع في القراءة، لا إن كان رجوعه ناسيًا أو جاهلًا، ومتى علم تحريم ذلك وهو في التشهد نهض سريعًا، وكذا المأمومون إن تبعوا الإمام، فإن سبحوا له قبل أن يعتدل فلم يرجع تشهدوا وتبعوه، وقيل: فارقوه وأتموا صلاتهم
(1)
، وتعمد زيادة ركن فعلي، كقيام وسجود، وتعمد تقديم بعض الأركان على بعض، وتعمد السلام قبل تمامها، واللحن المغير للمعنى في القراءة عمدًا، كضم تاء أنعمت، وفسخ النية في أثنائها، والتردد في الفسخ، والشك في النية في أثنائها، وعمل عملًا من أعمالها مع الشك ثم تذكر أنه نوى، فإن
(1)
انظر: المغني (1/ 377)، والمبدع (3/ 19).
شك في تكبيرة الإحرام وجب استئنافها، والدعاء بملاذ الدنيا، والإتيان بكاف الخطاب لغير الله ورسوله.
والقهقهة والكلام ولو سهوًا أو جهلًا أو مكرهًا
(1)
، والأكل والشرب سوى اليسير منهما عرفًا لناسٍ وجاهل، لا إن بلع ما بين أسنانه بلا مضغ، وكالكلام أن يتنحنح بلا حاجة فبان حرفان، أو انتحب لا لخشية، أو نفخ فبان حرفان، والتبسم لا يبطل
(2)
، ويسير الشرب عمدًا لا يبطل النفل
(3)
، بخلاف يسير الأكل عمدًا، وبلع ذوب السكر بفمه كالأكل، وتبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة إمامه، وسلامه عمدًا قبل إمامه، أو سهوًا ولم يعده بعد سلام إمامه.
وتقدم المأموم على إمامه، والاعتبار في القيام بالعقب، وفي القعود بالإلية، ولا تبطل الصلاة بنوم يسير، ولا بكلام في ذلك النوم، ولا إذا سبق على لسانه كلام حال قراءته، أو غلبه سعال، أو عطاس أو تثاؤب أو بكاء فبان حرفان، لأن ذلك غير داخل في وسعه.
* * *
(1)
ذهب الحنفية والحنابلة إلى أن الصلاة تبطل بكل كلام مكرهًا أو ناسيًا أو عامدًا أو ذاكرًا، وذهب المالكية إلى أنه لا تبطل صلاة من تكلم ساهيًا لكن من كان عامدًا أو مكرهًا أو جاهلًا فإنها تبطل في حقهم، وذهب الشافعية إلى أنه لا تبطل صلاة من تكلم مكرهًا أو ناسيًا، بخلاف العامد فإنها تبطل في حقه. وانظر: الهداية (1/ 311)، والثمر الداني (141)، والإقناع (1/ 316).
(2)
إلى هذا ذهب جماهير الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة. وانظر: البحر الرائق (4/ 41)، والتاج الإكليل (2/ 33)، والمهذب (1/ 87).
(3)
لأن النفل مطلوب فيه الإطالة فلا بأس بشرب الماء؛ لأنه يعين عليها، وانظر: حاشية الروض المربع (2/ 150).
فصل: (في سجود السهو)
ويسن سجود السهو
(1)
إذا أتى المصلي بقول مشروع في غير محله سهوًا غير سلام، كقراءة في السجود، وتشهد في قيام، وسورة في أخيرتين، فإن أتى بذكر أو دعاء لم يرد كقوله: آمين يا رب العالمين فلا سجود فيه.
ويباح إذا ترك مسنونًا سهوًا.
ويجب إذا زاد ركوعًا أو سجودًا أو قيامًا أو قعودًا ولو جلسة الاستراحة سهوًا، أو سلم قبل تمامها سهوًا، أو لحنًا يغير المعنى سهوًا، أو ترك واجبًا سهوًا
(2)
، أو شك في زيادة وقت فعلها
(3)
، ولا يسجد لشكه - إذا زال وتبين أنه مصيب فيما فعله، ولا لشكه في ترك واجب، ولا لشكه هل سها، وإن زاد ركعة كخامسة في رباعية - فلم يعلم حتى فرغ منها سجد، فإن علم فيها جلس في الحال؛ إذ لو لم يجلس لزاد في الصلاة
(1)
السهو في الصلاة النسيان فيها، والغفلة عن المعلوم، انظر: المطلع (90)، والحدود الأنيقة (68).
(2)
لأن عمده يبطل الصلاة، فوجب السجود لسهوه. وانظر: منار السبيل (1/ 94).
(3)
لأنه أدى جزءًا من صلاته مترددًا في كونه منها أو زائدًا عليها، فضعفت النية، واحتاجت للجبر بالسجود. وانظر: منار السبيل (1/ 94).
عمدًا فتبطل، فيتشهد إن لم يكن تشهد، ويسجد للسهو ويسلم، فإن كان قد تشهد سجد وسلم، وإن قام إلى ثالثة نهارًا وقد نوى ركعتين نفلًا رجع إن شاء وسجد للسهو، وإن شاء أتمها أربعًا ولا يسجد، وإن كان ليلًا فكما لو قام إلى ثالثة في الفجر
(1)
، فإن نبهه ثقتان بتسبيح أو غيره لزمه الرجوع إلى قولهما، سواء غلب على ظنه صوابهما أو خطأهما، فإن أصر على عدم الرجوع ولم يجزم بصواب نفسه بطلت صلاته، فإن جزم بصواب نفسه لم يلزمه الرجوع إليهما، وبطلت صلاة من تبع إمامًا إلى أن يرجع حيث يلزمه الرجوع، إلا إذا اتبعه جاهلًا أو ناسيًا لعذره، وإلا من فارقه، ولا يعتد مسبوق بالركعة الزائدة، إذا تبعه فيها جاهلًا.
وإن سلم قبل تمام الصلاة سهوًا ثم تذكر قريبًا أتمها، وإن انحرف عن القبلة أو خرج من المسجد وسجد للسهو، فإن قام قبل أن يتذكر، فعليه أن يجلس لينهض بنية القيام لتمام الصلاة، فإن أحدث أستأنفها، وإن طال الفصل عرفًا أو تكلم لغير مصلحة الصلاة أولمصلحتها وكان كثيرًا بطلت.
ومن ترك ركنًا فإن كانت التحريمة لم تنعقد، وإن كان غيرها فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى بطلت الركعة التي تركه منها، وقامت التي تليها مقامها
(2)
، فإن رجع إلى الأولى، عالمًا عامدًا بطلت صلاته.
وإن ذكر ما تركه قبل الشروع في قراءة الأخرى يعود وجوبًا فيأتي به وبما بعده، فإن لم يعد عمدًا بطلت صلاته، وسهوًا بطلت الركعة، وإن علم المتروك بعد السلام، فكترك ركعة كاملة، فيأتي بركعة ويسجد لسجود السهو ما لم يطل الفصل، وما لم يكن المتروك التشهد الأخير أو سلامًا، فيأتي به
(1)
فيجلس ويسجد للسهو قبل السلام.
(2)
لأنه ترك ركنًا ولم يمكنه استدراكه لتلبسه بالركعة التي بعدها. وانظر: حاشية الروض المربع (2/ 161).
ويسجد ويسلم ومن ذكر ترك ركن أو محله عمل بالأحوط
(1)
.
وإن نسي التشهد الأول، ونهض لزمه الرجوع، ما لم ينتصب قائمًا، فإن استتمه كره رجوعه، وإن شرع في القراءة حرم، فإن رجع عالمًا عامدًا بطلت صلاته، لا ناسيًا أو جاهلًا، ويلزم المأموم متابعته.
ومثل التشهد كل واجب، فيرجع إلى التسبيح في ركوع وسجود وقبل اعتدال، لا بعده وعليه سجود السهو للكل.
ومن شك في عدد الركعات أخذ بالأقل إمامًا أو منفردًا، ولا أثر للشك بعد الفراغ من الصلاة، ولا يرجع مأموم واحد إلى فعل إمامه، فيأتي بما شك فيه بعد سلام إمامه ويسجد ويسلم
(2)
.
وإن شك من أدرك الإمام راكعًا هل أدركه في الركوع أم لا؟ لم يعتد بتلك الركعة ويسجد للسهو
(3)
، وإن شك في ترك ركن فكما لو تركه.
ولا سجود على مأموم دخل مع الإمام من أول الصلاة إلا تبعًا لإمامه، فيتابعه في سجود السهو إن سها إمامه، سواء سها المأموم أم لا، ولو لم يتم المأموم ما عليه من تشهد، ثم يتممه بعد سجوده مع الإمام، ولو كان مسبوقًا، أو كان سهو الإمام فيما لم يدركه المأموم فيه، فإن قام بعد سلام إمامه رجع فسجد معه ما لم يستتم قائمًا فيكره له الرجوع، فإن شرع في قراءة حرم، فإن أدركه في آخر سجدتي السهو، سجدها معه، فإذا سلم الإمام أتى المأموم بالسجدة الثانية، ثم قضى صلاته، وإن أدركه بعدها وقبل السلام لم يسجد.
وإذا سلم المسبوق مع إمامه سهوًا، أو سها مع إمامه، فيما انفرد به، فيسجد بعد إتمام صلاته وجوبًا.
(1)
وهو ما إذا تيقن ترك ركن وجهل هل هو في الركعة الأولى أو الثانية فالأحوط أن يجعله من الأولى ليلغيها وتقوم الثانية مقامها. وانظر: حاشية الروض المربع (2/ 163).
(2)
أي: أتى بما شك فيه مع إمامه ليخرج من الصلاة بيقين، ويسجد للسهو ويسلم، ليجبر ما فعله مع الشك، وانظر: حاشية الروض المربع (2/ 168).
(3)
لاحتمال رفعه من الركوع قبل إدراكه، ويسجد للسهو ليجبر ما فعله مع الشك، فإنه نقص في المعنى. وانظر: حاشية الروض المربع (2/ 168).
ولو كان الإمام لا يعتقد وجوب سجود السهو، فإن لم يسجد الإمام للسهو، سجد مسبوق إذا فرغ، وغيره بعد يأسه من سجوده.
وتبطل الصلاة بترك سجود السهو الواجب
(1)
إلا إن ترك ما وجب بسلامه قبل إتمامها فلا تبطل؛ لأن محله بعد السلام فكان خارجًا عنها.
ولا يشرع سجود لترك سجود السهو سهوًا، فإن ذكره بعد السلام سجد وجوبًا إن قرب زمنه، فإن شرع في صلاة أخرى فإذا سلم فإن طال الفصل عرفًا أو أحدث أو خرج من المسجد لم يسجد، وصحت صلاته.
ومن سها في صلاته مرارًا كفاه سجدتان.
والأفضل أن يكون سجود السهو قبل السلام
(2)
إلا في السلام قبل إتمام الصلاة، ولا خلاف في جواز الأمرين
(3)
، فإن سجد قبل السلام أتى به بعد فراغه من التشهد، وسلم عقبه
(4)
، وإن أتى بعد السلام جلس بعده مفترشًا في ثنائية، ومتوركًا في غيرها، وتشهد وجوبًا التشهد الأخير ثم يسلم
(5)
، وما يقال فيه وفي الرفع منه كسجود الصلاة.
(1)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أن من ترك سجود السهو الواجب فإنه يبطل الصلاة عمده، وذهبت الشافعية إلى أن سجود السهو مسنون مطلقًا، وانظر: الهداية (1/ 343)، والثمر الداني (134)، والإقناع (1/ 333).
(2)
ذهب الحنفية إلى أن سجود السهو للزيادة والنقصان على الأفضلية بعد السلام وذهب المالكية إلى أن سجود السهو للزيادة بعد السلام، وللنقصان قبل السلام على وجه التحتم، وذهب الشافعية إلى أن محل السجود للسهو قبل السلام، إلا السلام قبل إتمام الصلاة. وانظر: الهداية (1/ 343)، والثمر الداني (132)، والإقناع (1/ 332).
(3)
انظر: المحرر (1/ 85)، المبدع (1/ 527)، كشاف القناع (1/ 409).
(4)
ذهب المالكية إلى وجوب إعادة التشهد بعد سجود السهو مرة أخرى قبل السلام، وذهب الشافعية والحنابلة إلى عدم إعادة التشهد مرة أخرى، اكتفاء بالتشهد الأول، وانظر: الثمر الداني (133)، والإقناع (1/ 333).
(5)
ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى وجوب إعادة التشهد الأخير إذا كان سجود السهو بعد السلام، فيسلم أولًا ثم يسجد للسهو، ثم يتشهد التشهد الأخير، ثم يسلم. وانظر: الهداية (1/ 343)، والثمر الداني (132).
باب التطوع في الصلاة
(1)
(2)
وهي أفضل تطوع البدن بعد الجهاد والنفقة فيه، وتعلم العلم وتعليمه، والطواف لغريب أفضل من الصلاة بالمسجد الحرام.
وأفضل صلاة التطوع ما تسن فيه الجماعة، وآكدها الكسوف، فالاستسقاء، فالتراويح، فالوتر، فالسنن الراتبة.
والتراويح سنة مؤكدة، وهي عشرون ركعة، تفعل ركعتين ركعتين، في جماعة مع الوتر بعد العشاء في رمضان، ويكره التنفل بين التراويح لا بعدها في جماعة.
والوتر سنة مؤكدة
(3)
، ووقته بين صلاة العشاء وطلوع الفجر، ولو كانت العشاء مجموعة مع المغرب تقديمًا أو تأخيرًا، وتأخيره لمن يثق بنفسه أفضل، وصلاته قبل العشاء لا تصح، وبعد الفجر تكون قضاء، وأقله ركعة، ولا يكره الوتر بها
(4)
، وأكثره إحدى عشرة، يسلم من كل ثنتين،
(1)
التطوع: تفعل من طاع يطوع: إذا انقاد، والتطوع تكلف الاستطاعة، والتطوع بالشيء: التبرع به، انظر: المطلع (91)، والتعاريف (182)، والتعريفات (84).
(2)
ضبة تصحيحية إلى قوله: التطوع.
(3)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أن من ترك سجود السهو الواجب فإنه يبطل الصلاة عمده، وذهبت الشافعية إلى أن سجود السهو مسنون مطلقًا، وانظر: الهداية (1/ 343)، والثمر الداني (134)، والإقناع (1/ 333).
(4)
ذهب الحنفية إلى أن أقل الوتر ثلاث ركعات، وذهب المالكية إلى كراهة الإيتار بركعة وسموها البتراء، وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الوتر مستحب ولو بركعة. وانظر: الهداية (1/ 321)، والكافي (75)، والإقناع (1/ 270).
ويوتر بركعة، وإن صلاها بسلام واحد وتشهدين أو تشهد واحد جاز، وكذا إن أوتر بخمس أو سبع سردها ولم يجلس إلا في آخرها، وهو أفضل، وإن أوتر بتسع سرد ثمانية وتشهد ولم يسلم، ثم يصلي التاسعة ويتشهد ويسلم
(1)
.
ويقول بعد الوتر: سبحان الملك القدوس ثلاثًا، ويوتر المتهجد بعد تهجده
(2)
، فإن أوتر مع إمامه أو منفردًا ثم تهجد لم يعده، وإن شفعه بركعة جاز، وجعل وتره آخر صلاته، ويندب القنوت
(3)
في الركعة الأخيرة من الوتر بعد الركوع في جميع السنة
(4)
، ولو كبر ورفع يديه بعد القراءة وقبل الركوع وقنت جاز
(5)
، ولا بأس أن يدعو في قنوته بما شاء، ما لم يكن من أمر الدنيا، فيرفع يديه إلى صدره، وبطونهما نحو السماء.
ويدعو جهرًا بما ورد: اللَّهم أهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا
(1)
ضبة تصحيحية إلى قوله: آخر صلاته.
(2)
تهجد: نام ليلًا، وتهجد بمعنى سهر، وهو من الأضداد، ومنه قيل لصلاة الليل: التهجد، والتهجد القائم إلى الصلاة من النوم، وقيل له متهجد: لإلقائه النوم عن نفسه، انظر: مادة هجد في لسان العرب (3/ 432)، ومختار الصحاح (288).
(3)
القُنُوتُ: الدُّعاءُ في آخِرِ الوِتْرِ قائمًا، ومنه قوله تعالى:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]، انظر: كتاب العين (5/ 129).
(4)
ذهب الحنفية والحنابلة إلى أن القنوت في الوتر مشروع في جميع السنة في رمضان وغيره، وذهب المالكية إلى المنع من القنوت في الوتر على الدوام، وذهب الشافعية إلى استحباب القنوت في النصف الأخير من رمضان. وانظر: الهداية (1/ 321)، وبداية المجتهد (1/ 145)، والإقناع (1/ 271).
(5)
من الناس من لا يراه إلا قبله، ومنهم من لا يراه إلا بعده، وأما فقهاء الحديث كأحمد وغيره فيجوزون كلًّا من الأمرين، لمجيء السنة الصحيحة بهما، وإن اختاروا القنوت بعدها؛ لأنه أكثر وأقيس، وانظر: حاشية الروض المربع (2/ 189).
وتعاليت
(1)
، اللَّهم إنا نعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، وبك منك لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك
(2)
، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويؤمن المأموم على قنوت إمامه، أو يدعو، وكذا إذا اقتدى بشافعي
(3)
في صبح يؤمن
(4)
، ثم يمسح وجهه بيديه في القنوت، وخارج الصلاة، وكره القنوت في غير الوتر، إلا في نازلة غير طاعون
(5)
، فيسن للإمام الأعظم القنوت في غير الجمعة، ويجهر في الجهرية.
والسنن الراتبة المؤكدة عشر: ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها،
(1)
أخرجه أبو داود في سننه، في كتاب الصلاة، باب القنوت في الوتر برقم (1325)، والترمذي في سننه، في كتاب أبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في القنوت في الوتر برقم (464)، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والنسائي في سننه، في كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب الدعاء في الوتر برقم (1745)، وأحمد في المسند، في مسند سعد مولى أبي بكر برقم (1718)، وعبد الرزاق في المصنف، في كتاب الصلاة، باب القنوت في الوتر برقم (4957)، وابن أبي شيبة في المصنف، في كتاب الصلوات، باب قنوت الوتر من الدعاء (6889)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (1263).
(2)
هذه التتمة ليست من دعاء الوتر خاصة، بل هي من دعاء السجود، وإليك الحديث بلفظه: عن عائشة رضي الله عنها قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول: "اللَّهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصى ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك" أخرجه مسلم في كتاب الصلاة ومواضع المساجد، باب ما يقال في الركوع والسجود برقم (486).
(3)
مذهب الشافعية: أن القنوت في صلاة الفجر مسنون مطلقًا بعد الرفع من الركوع في الركعة الثانية من صلاة الفجر، انظر: روضة الطالبين (1/ 358)، والمجموع (3/ 335)، والبيان (2/ 252).
(4)
ذهب الحنفية إلى منع القنوت في غير صلاة الوتر، وذهب المالكية والشافعية إلى استحباب القنوت في الفجر، وذهب الحنابلة إلى كراهة القنوت في الفروض إلا في النوازل. وانظر: الهداية (1/ 323)، البداية (1/ 207)، والوسيط (2/ 131).
(5)
لأنه لم يثبت القنوت في طاعون عمواس ولا في غيره، ولأنه شهادة. وانظر: حاشية الروض المربع (2/ 198).
وركعتان بعد المغرب، وبعد العشاء، وقبل الفجر، وهما آكدها، ويسن اضطجاع بعدها على الأيمن.
ومن فاته شيء من الرواتب سن له قضاؤه كالوتر
(1)
، إلا ما فات مع فرضه وكثر فالأولى تركه إلا سنة الفجر، وفعل السنن الرواتب بالبيت أفضل، ويسن الفصل بين الفرض وسنته بقيام أو كلام، ووقت كل سنة قبل الصلاة: من دخول وقتها إلى فعلها، وكل سنة بعد الصلاة: بعد فعلها إلى خروج وقتها.
والسنن غير المؤكدة عشرون: أربع قبل الظهر، وأربع بعدها، وأربع قبل العصر، وأربع بعد المغرب، وأربع بعد العشاء، غير الرواتب المتقدمة، وتباح ركعتان بعد أذان المغرب
(2)
.
وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار، والنصف الأخير أفضل من النصف الأول، وبعد النوم أفضل، لأنه من التهجد، وصلاة الليل والنهار مثنى مثنى، وإن تطوع في النهار بأربع كالظهر فلا بأس، وإن لم يجلس إلا في آخرهن فقد ترك الأولى
(3)
، ويقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة سورة، وإن زاد على اثنتين ليلًا أو على أربع نهارًا بسلام واحد صح وكره في غير الوتر، ويصح التطوع بركعة، وأجر صلاة قاعد بلا عذر نصف أجر صلاة قائم، ويسن التربع بمحل قيام.
وتسن صلاة الضحى غبًا، ووقتها من خروج وقت النهي إلى قبيل الزوال، وأقلها اثنتان وأكثرها ثمان.
وتسن تحية المسجد ركعتان فأكثر لمن دخله غير خطيب دخله للخطبة، وداخله لصلاة عيد، وداخله والإمام في المكتوبة، أو بعد الشروع في الإقامة، وداخل المسجد الحرام، لأن تحيته الطواف، وتجزئ راتبة
(1)
ضبة تصحيحية إلى قوله: أو كلام.
(2)
أي: فلا تكرهان ولا تستحبان، وعنه يسن فعلهما، للخبر الصحيح، وهذا أصح الروايتين. وانظر: حاشية الروض المربع (2/ 218).
(3)
لأنه أكثر عملًا. وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 226).
وفريضة ولو فائتتين عنها، وإن نوى التحية والفرض حصلا له، فإن جلس قبل فعلها قام فأتى بها إن لم يطل الفصل، وتسن سنة الوضوء ركعتان عقبه، وإحياء ما بين العشاءين، وهو من قيام الليل.
ويسن سجود التلاوة
(1)
مع قصر الفصل، ويكرره بتكرارها للقارئ والمستمع الذي قصد السماع، وهو كالنافلة فيما يعتبر لها
(2)
من ستر العورة واستقبال القبلة والطهارة والنية وغير ذلك، يكبر لسجوده ولرفعه بلا تكبيرة إحرام، ولو خارج الصلاة، فإن كان خارج الصلاة جلس وسلم تسليمة واحدة عن يمينه
(3)
، فالتسليم والسجود ركنان، ويقول في سجودها: سبحان ربي الأعلى وجوبًا، ويلزم المأموم متابعة إمامه - في صلاة الجهر إذا سجد للتلاوة، فلو ترك متابعته عمدًا بطلت، ولو لم يسمع لمانع كبعد وطرش
(4)
، ويكره لإمام قراءة سجدة في صلاة سرية وسجوده لها، فإن فعل خير المأموم بين متابعة وتركها، والأولى المتابعة، وإن سجد المأموم لقراءة نفسه - أو لقراءة غير إمامه عمدًا بطلت صلاته.
ويعتبر لاستحباب السجود في حق المستمع كون القارئ يصلح إمامًا للمستمع، ولو في نفل فقط، فلا يسجد المستمع إن لم يسجد القارئ، ولا يسجد قدامه، ولا عن يساره مع خلو يمينه، ولا يسجد رجل لتلاوة امرأة
(1)
ذهب الحنفية إلى وجوب سجود التلاوة في الصلاة وخارجها على القارئ والمستمع، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه مسنون عليهما داخل الصلاة وخارجها. وانظر: البحر الرائق (2/ 128)، والتاج والإكليل (2/ 61)، والتنبيه (1/ 35).
(2)
وعلى هذا اتفق جماهير الفقهاء من المذاهب الأربعة من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة. وانظر: البحر الرائق (2/ 128)، وحاشية الدسوقي (1/ 306)، إعانة الطالبين (1/ 28).
(3)
لأنه سجود ويقصد به التقرب إلى الله تعالى، فكان صلاة كسجود الصلاة. وانظر: منار السبيل (1/ 106).
(4)
طرش: بفتحتين، أهون الصمم، وهي لفظة مولدة، انظر: مختار الصحاح مادة طرش (164).
وخنثى، ويسجد مستمع أيًا كان لتلاوة أمي وزمن
(1)
ومميز.
وهي أربع عشرة سجدة: في الأعراف، والرعد، والنحل، والإسراء، ومريم، والفرقان، والنمل، وآلم تنزيل، وحم السجدة، والنجم والانشقاق، والعلق، وفي الحج ثنتان، وسجدة ص سجدة شكر.
ويستحب في غير الصلاة سجود الشكر عند تجدد النعم واندفاع النقم، سواء كانت له أو للناس
(2)
، وإن سجد للشكر عالمًا عامدًا في صلاة بطلت، بخلاف الجاهل أو الناسي، وبخلاف سجود التلاوة
(3)
، ومن رأى مبتلى في دينه سجد في حضوره، أو في بدنه بغير حضوره
(4)
، وصفته كسجود التلاوة.
* * *
(1)
الزمن: ذو الزمانة، ورجل زمن أي: مبتلى بين الزمانة، والزمانة: العاهة، انظر: مادة زمن في لسان العرب (13/ 199)، ومختار الصحاح (116).
(2)
ذهب الحنفية والمالكية إلى كراهة سجود الشكر، وذهب الشافعية والحنابلة إلى استجابة. وانظر: شرح فتح القدير (1/ 523)، ومواهب الجليل (2/ 62)، والمهذب (1/ 86).
(3)
لأن سجود التلاوة له تعلق بالصلاة إذا كان داخلها بخلاف سجود الشكر، فإنه لا تعلق له بالصلاة. وانظر: حاشية الروض المربع (2/ 244).
(4)
وهو مذهب الشافعية. وانظر: الوسيط، لأبي حامد الغزالي رحمه الله (2/ 207).
فصل: (في أوقات النهي)
وأوقات
(1)
النهي خمسة: من طلوع الفجر التاني إلى طلوع الشمس، ومن طلوعها حتى ترتفع قدر رمح
(2)
، وعند قيامها حتى تزول، ومن صلاة العصر ولو مجموعة مع الظهر جمع تقديم إلى غروب الشمس، وإذا شرعت في الغروب حتى يتم غروبها.
فتحرم صلاة التطوع في هذه الأوقات، ولا تنعقد إذا ابتدأت فيها ولو جهل الوقت أو التحريم، حتى ما له سبب
(3)
كسجود التلاوة، وصلاة الكسوف، وقضاء راتبة، وتحية مسجد، سوى تحية مسجد حال خطبة جمعة، وسنة الفجر قبلها، أو ركعتي الطواف فرضًا أو نفلًا، وسنة الظهر
(1)
أوقات: جمع وقت، وهو الزمان المضروب للفعل، انظر: المطلع (164).
(2)
مقدار الرمح: ستة أذرع بذراع اليد، ومقدار الذراع 46 سم × 6 = 277.2 سم، فإذا ارتفعت الشمس، إلى هذ المقدار، حلت الصلاة، انظر: الفقه الحنبلي الميسر (1/ 25).
(3)
ذهب الحنفية والمالكية إلى كراهة التطوع مطلقًا لذوات الأسباب وغيرها بعد صلاتي الفجر والعصر، إلا أن المالكية ينصون على أن من فاتته نافلة فإنه يقضيها بعد الفرض، وذهب الشافعية إلى مشروعية صلاة ذوات الأسباب كالجنازة والكسوف وغيرها، وذهب الحنابلة إلى المنع من جميع ذوات الأسباب ما عدا ركعتي الطواف، وانظر: الهداية (1/ 265)، والثمر الداني (117)، والإقناع (1/ 265)، وفقه السنة (1/ 66).
بعد العصر إذا جمع، وإعادة جماعة أقيمت وهو في المسجد.
أما من دخل المسجد وقت النهي فوجد الإمام يصلي فلا يعيد معه، ويجوز فيها كلها قضاء الفرائض، وفعل المنذورة ولو نذرها فيها، كأن يقول: لله علي أن أصلي ركعتين عند طلوع الشمس، ولو نذر الصلاة في مكان غصب ينعقد كصوم يوم العيد، وتجوز صلاة الجنازة بعد الفجر والعصر، دون بقية الأوقات ما لم يخف عليها.
وتباح قراءة القرآن ولو في الطريق، ومع حدث أصغر ونجاسة ثوب وبدنٍ وفم.
وحفظ القرآن فرض كفاية
(1)
، ويتعين حفظ ما يجب في الصلاة
(2)
، وتسن القراءة في المصحف، والختم كل أسبوع، وكره فوق الأربعين.
* * *
(1)
انظر: حاشية ابن عابدين (6/ 408)، والبحر الرائق (1/ 359).
(2)
لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وانظر: منار السبيل (1/ 109).
باب صلاة الجماعة
تجب للخمس المؤادة
(1)
على الأعيان
(2)
، على الرجال الأحرار القادرين، حضرًا وسفرًا، ولو في شدة الخوف، وليست شرطًا
(3)
خلافًا لابن عقيل
(4)
، فتصح من منفرد لا عذر له، وأقلها إمام ومأموم، في غير جمعة وعيد، ولا تنعقد بالمميز في الفرض، وتسن الجماعة في المسجد للنساء، منفردات عن الرجال، ويكره لحسناء حضورها مع الرجال.
وحرم أن يؤم بمسجد قبل إمامه الراتب إلا بإذنه وعذره؛ لأن الراتب بالمسجد كصاحب البيت، أحق بالإمامة فلا تصح إن كره ذلك ما لم يضق
(1)
ذهب الحنفية والمالكية إلى أن صلاة الجماعة سنة مؤكدة، وذهب الشافعية إلى أن صلاة الجماعة سنة عين، وانظر: الهداية (1/ 301)، وحاشية الدسوقي (1/ 319)، وإعانة الطالبين (2/ 2)، وفقه السنة (1/ 138).
(2)
هذا المذهب، أنها فرض عين على الرجال الأحرار القادرين عليها، انظر: الفروع (1/ 515)، والإنصاف (2/ 149)، والواضح (103).
(3)
وذهب ابن عقيل إلى أن صلاة الجماعة شرط في صحتها على الرجال الأحرار، وهذا القول رواية في مذهب أحمد، انظر: الفروع (1/ 516)، والمرداوي في الإنصاف (2/ 149).
(4)
هو الإمام العلامة الفقيه الأصولي الواعظ المتكلم، شيخ الإسلام أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن أحمد البغدادي الحنبلي رحمه الله، كان من أفاضل العالم، ومفرط الذكاء، متسع الدائرة في العلوم، له كتاب في الفنون لم يؤلف أكبر منه، قضى في عام 513. انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (9/ 443)، والمنهج الأحمد (2/ 102).
الوقت، كما جزم به في المنتهى
(1)
(2)
. وجزم ابن عبد القوي
(3)
بالصحة
(4)
، ومن كبر قبل تسليمة الإمام الأولى، أدرك الجماعة ولو لم يجلس
(5)
.
ومن أدرك الركوع مع الإمام، قبل أن يرفع رأسه منه، غير شاك في إدراك الإمام راكعًا، أدرك الركعة، ولو لم يطمئن فيطمئن ثم يتابعه
(6)
، فإن شك في إدراك الإمام راكعًا، فلا يعتد بها، ويسجد للسهو.
ويسن دخول المأموم مع الإمام كيف أدركه، ويجلس إن رآه جالسًا بلا تكبير
(7)
، ويقوم المسبوق بالتكبير وجوبًا، فإن قام لقضاء ما فاته، قبل
(1)
منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات، للعلامة المحقق تقي الدين محمد بن أحمد الفتوحي الحنبلي المصري رحمه الله، الشهير بابن النجار، المتوفى عام 972 هـ، جمع فيه مؤلفه بين كتابي المقنع لابن قدامة، والتنقيح المشبع لتحرير أحكام المقنع للمرداوي، وسبب تأليف الكتاب أن التنقيح - غير مستغن عن أصله، فمن عنده المقنع يحتاج إلى التنقيح وبالعكس، فاستخار المؤلف كما يحكي عن نفسه، وما خاب من استخار - فجمع مسائل الكتابين في كتاب واحد وسماه: منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات، انظر: المنهج الفقهي العام لعلماء الحنابلة (343)، والمدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد (2/ 779).
(2)
انظر: منتهى الإرادات (1/ 106).
(3)
هو العلامة محمد بن عبد القوي بن بدران المقدسي المرداوي، الفقيه المحدث، له من التصانيف: منظومة الآداب الكبرى والصغرى، وعقد الفرائد وكنز الفوائد نظم للفقه الحنبلي على اختيار المتأخرين، وهذا النظم معتمد عند علماء المذهب، توفي في ربيع الأول سنة 699 هـ. انظر ترجمته في: المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد (3/ 117).
(4)
انظر: نظم ابن عبد القوي، عقد الفرائد وكنز الفوائد (39).
(5)
ذهب الحنفية والمالكية إلى أن فضل الجماعة لا يدرك إلا بإدراك ركعة، وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن ثواب صلاة الجماعة يدرك بإدراك التكبيرة. وانظر: تحفة الملوك (105)، والثمر الداني (123)، وإعانة الطالبين (2/ 11)، وفقه السنة (1/ 142).
(6)
ضبة تصحيحية إلى قوله: للسهو.
(7)
للانتقال لأنهما عبادتان من جنس واحد في محل واحد، فأجزأ الركن عن الواجب كنظائره. وانظر: حاشية الروض المربع (2/ 276).
تسليم إمامه التسليمة الثانية ولم يرجع انقلبت صلاته نفلًا.
وإذا أقيمت الصلاة التي يريد أن يصلي مع إمامها لم تنعقد نافلته
(1)
، وإن أقيمت وهو فيها صلاها خفيفة، فإن خشي فوت الجماعة قطعها، ومن صلى ثم أقيمت الجماعة سن أن يعيدها إذا كان في المسجد، أو جاءه في غير وقت نهي، إلا المغرب فلا تسن إعادتها.
ولا قراءة على مأموم، ويستحب أن يقرأ الفاتحة وسورة إن شرعت في إسرار إمامه وفي سكتاته، وفيما إذا لم يسمعه لبعد أو طرش إن لم يشغل من بجنبه، ويستفتح المأموم ويتعوذ فيما يجهر فيه إمامه ما لم يسمع قراءة إمامه.
وما أدركه المسبوق مع إمامه هو آخر صلاته، وما يقضيه أولها، فيستفتح لها ويتعوذ ويقرأ سورة، لكن لو أدرك ركعة من رباعية أو مغرب يتشهد عقب أخرى، ويتورك معه.
وسكتات الإمام ثلاثة: قبل الفاتحة وبعدها، وسن أن تكون بقدر الفاتحة ليقرأها المأموم فيها، وبعد فراغ القراءة ليتمكن المأموم من قراءة سورة فيها.
ومن أحرم مع الإمام أو قبل إتمامه لتكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته
(2)
، والأولى للمأموم أن يشرع في أفعال الصلاة بعد إمامه، فإن وافقه في الأفعال أو في السلام كره وصحت، وإن سبق بشيء من الأفعال حرم، فإن ركع أو سجد أو رفع قبل إمامه عمدًا، لزمه أن يرجع ليأتي به مع إمامه، فإن أبى عالمًا عامدًا، واستمر حتى أدركه الإمام فيما سبقه
(1)
ذهب الحنفية إلى أنه لا يجوز أن يعقد النافلة بعد الإقامة، إلا في صلاة الفجر فإنه يصلي النافلة أولًا ثم الفريضة إذا لم يخش فواتها، وذهب المالكية والحنابلة إلى عدم انعقاد أي نافلة إذا قامت الصلاة، وذهب الشافعية إلى كراهية النفل إذا أقيمت صلاة الجماعة. وانظر: المبسوط (1/ 167)، وشرح الزرقاني (1/ 374)، وإعانة الطالبين (2/ 15).
(2)
لأنه اجتمع معه في الركن. انظر: حاشية الروض المربع (2/ 276).
به، بطلت صلاته، فإن كان ناسيًا أو جاهلًا لم تبطل، وإن ركع ورفع قبل ركوع إمامه عالمًا عامدًا بطلت، وإن كان جاهلًا أو ناسيًا بطلت الركعة فقط، فيعيدها وتصح صلاته للعذر، ولا تبطل بسبقه بركن واحد غير ركوع، والتخلف عنه كسبقه.
ويسن للإمام التخفيف مع الإتمام، إلا إن رغب المأمومون التطويل، وعددهم محصور، وانتظار داخل إن لم يشق على مأموم
(1)
.
وإذا استأذنت المرأة في حضور المسجد كره منعها، وبيتها خير لها، ولأب ثم لأخٍ ونحوه منع موليته من الخروج إن خشي فتنة أو ضررًا من الانفراد عنه.
والأولى بالإمامة الأقرأ
(2)
، فالأفقه، فالأسن، فالأشرف، فالأتقى، ثم يقرع إن تشاحا، وصاحب البيت إذا كان حاضرًا صالحًا للإمامة والراتب بالمسجد ولو عبدًا أحق بالإمامة
(3)
ممن حضر، ولو كان في الحاضرين من هو أقرأ، إلا إذا كان الحاضر السلطان فيقدم عليهما لعموم ولايته، والحر أولى من العبد، والمقيم أولى من المسافر، والبصير أولى من الأعمى، والمتوضئ أولى من المتيمم، والحضري أولى من البدوي، وتكره إمامة المفضول بلا إذن الفاضل.
ولا تصح إمامة الفاسق مطلقًا
(4)
، سواء كان فسقه من جهة الاعتقاد أو
(1)
ضبة تصحيحية إلى قوله: عنه.
(2)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية إلى أن المراد بالأقرأ الأفقه والأعلم، وذهب الحنابلة إلى أن الأقرأ هو الأحفظ. وانظر: الهداية (1/ 301)، والثمر الداني (118)، والمهذب (1/ 98).
(3)
ضبة تصحيحية إلى قوله: أقرأ.
(4)
ذهب الحنفية إلى أن إمامة الفاسق مكروهة كراهة تحريم، وذهب المالكية إلى أن فسق الإمام إن كان يتعلق بالصلاة كالتلاعب فيها والصلاة بلا وضوء فلا تصح الصلاة خلفه، وإن كان فسقه بجوارحه وأفعاله فالصحيح عندهم أنها مكروهة، وذهب الشافعية إلى صحة الصلاة خلف الفاسق مع الكراهة. وانظر: حاشية الطحطاوي (1/ 203)، ومواهب الجليل (2/ 902)، وروضة الطالبين (1/ 355).
الأفعال، إلا في جمعة وعيد تعذرا خلف غيره، وتصح خلف المخالف في الفروع.
ولا تصح صلاة رجل وخنثى خلف امرأة ولا خلف خنثى، ولا إمامة صبي لبالغ في فرض، ولا إمامة عاجز عن ركوع وسجود قعودًا إلا بمثله، أو قيام لقادر عليه إلا إمام راتب بمسجد مرجو زوال علته، ويصلون وراءه جلوسًا، فإن ابتدأهم قائمًا ثم اعتل فجلس أتموا خلفه قيامًا وجوبًا، ولا إمامة أمي، وهو من لا يحسن الفاتحة، أو يدغم فيها ما لا يدغم، أو يبدل حرفًا بغيره إلا الضاد بالظاء، أو يلحن فيها لحنًا يغير المعنى إلا بمثله، ولا إمامة عاجز عن الأقوال الواجبة بقادر عليها، وتصح إمامة من به سلس بول بمثله.
ولا تصح خلف محدث حدثًا أصغر أو أكبر، ولا خلف متنجس نجاسة غير معفو عنها وهو يعلم ذلك، فإن جهل هو والمأموم حتى انقضت صحت للمأموم وحده، وإن علم هو أو المأموم فيها استأنفوا، وإن علم اثنان أعاد الكل، وإن علم أن إمامه ترك واجبًا عليه فيها سهوًا أو شك في إخلال إمامه بشرط أو ركن صحت صلاته معه بخلاف ما لو ترك السترة أو الاستقبال؛ لأنه لا يخفى غالبًا، وإن كان أربعون في جمعة ومنهم واحد محدث أو نجس أعاد الكل.
وتكره إمامة كثير اللحن الذي لا يغير المعنى، فإن غيره في غير الفاتحة لم يمنع صحة إمامته إلا إن تعمده، وتكره إمامة الفأفاء والتمتام
(1)
، ومن لا يفصح ببعض الحروف وتصح أعجميًا كان أو عربيًا، وكذا الأعمى والأصم والأقلف؛ لأن النجاسة تحت القلفة، لا تمكن إزالتها فيعفى عنها، وأقطع اليدين أو الرجلين إذا قدر على القيام، ومن يسرع، وأن يؤم قومًا أكثرهم يكرهه بحق.
وتصح إمامة ولد الزنا والجندي واللقيط والأعرابي حيث صلحوا لها، ومن يؤدي الصلاة بمن يقضيها، أو عكسه، حيث توافقا في الاسم، لا
(1)
الفأفاء: الذي يكرر الفاء، والتمتام: الذي يكرر التاء، انظر: حاشية الروض المربع (2/ 324).
مفترض بمتنفل، ولا ظهر خلف عصر
(1)
أو غيرها
(2)
، ولو جمعة في غير المسبوق إذا أدرك دون ركعة، فإن خالفت إحداهما الأخرى ككسوف وجنازة منع فرضًا، وقيل: ونفلًا
(3)
، ويصح نفل خلف آخر لا يخالفه في أفعاله، وإن ترك الإمام ركنًا أو شرطًا مختلفًا فيه مقلدًا لإمام صحت صلاته، كحنبلي اقتدى بمن مس ذكره مقلدًا من لا يرى الفساد
(4)
، فلا إعادة عليهما، كما لو صلى شافعي قبل الإمام الراتب
(5)
فتصح صلاة الحنبلي خلفه، فإن تركه من غير تقليد أعاد، فإن اعتقد المأموم بطلان صلاة إمامه أعاد، ولا إنكار في مسائل الاجتهاد.
ويصح وقوف الإمام وسط المأمومين، والسنة أن يتقدم عليهم، إن
(1)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة، إلى وجوب اتفاق الإمام والمأموم في نية الصلاة، فلا يصح ائتمام الذي يقضي بالمؤدي، وذهب الشافعية إلى جواز ذلك. وانظر: الهداية (1/ 304)، الفواكه الدواني (1/ 206)، والإقناع (1/ 147).
(2)
لو عبَّر المؤلف رحمه الله بعبارة الروض المربع لكان أجمل: "ولا من يصلي الظهر بمن يصلي العصر أو غيرها". وانظر: الروض المربع (2/ 330).
(3)
لتغايرهما في الصورة، انظر: حاشية الروض المربع (2/ 330).
(4)
ذهب الحنفية: إلى أن من مس ذكره لا ينتقض وضوءه، لكن يغسل يده ندبًا، وذهبت المالكية إلى أن مس الذكر ناقض مطلقًا، سواء مس ببطن أو ظهر أو حرف كفه، وذهبت الشافعية إلى أن مس فرج الآدمي ناقض للوضوء منه أو من غيره، انظر: حاشية ابن عابدين (1/ 279)، والمبسوط (1/ 183)، والاختيار لتعليل المختار (1/ 13)، وانظر: مواهب الجليل (1/ 434)، وبلغة السالك (1/ 100)، وحاشية الخرشي (1/ 291)، وروضة الطالبين (1/ 186)، والبيان (1/ 185)، وكفاية الأخيار (49).
(5)
مذهب الشافعية أنه إذا حضر المأمومون ولم يحضر الإمام فإن كان قريبًا بعث إليه، سواء كان الإمام إمامًا للمسجد أو الإمام الأعظم، فإن جاء وإلا استخلف، لأن في تفويت الجماعة عليه تغييرًا لقلبه، وإن كان بعيدًا نظر: فإن لم يخافوا فتنته قدموا واحدًا يصلي بهم متى خافوا فوات أول الوقت، وإن خافوا فتنته وإنكاره انتظروه لكيلا يفتاتوا عليه إلا أن يخافوا فوات الوقت فلا يجوز إخراج الصلاة عن وقتها، لكنهم يصلون فرادى. انظر: البيان (2/ 373)، والمجموع (4/ 75)، وروضة الطالبين (1/ 462).
كانوا اثنين فأكثر، أما إمام العراة فيقف وسطهم وجوبًا، وتقف المرأة إذا أمت نساءً وسطهن ندبًا
(1)
ويقف الرجل الواحد والخنثى عن يمين الإمام محاذيًا له، ولا تصح خلفه ولا عن يساره مع خلو يمينه إن صلى ركعة فأكثر، وتقف المرأة خلفه أو بجانبه، وإن أمت امرأة امرأة فتقف عن يمينها، ولا تصح خلفها
(2)
.
ويندب أن يلي الرجال الإمام ثم الصبيان ثم النساء، ولو تقدمت النساء لم يضر، ومن وجد فرجة دخلها، وإلا وقف عن يمين الإمام، أو نبه من يقوم معه.
وإن صلى الرجل ركعة خلف الصف منفردًا فصلاته باطلة ولو ناسيًا، وإن ركع منفردًا خوفًا على فوات الركعة
(3)
ثم دخل في الصف قبل سجود الإمام أو وقف معه آخر صحت، فإن فعله ولم يخش فوات الركعة لم تصح إن رفع الإمام رأسه من الركوع قبل أن يدخل الصف أو يقف معه آخر.
ومن لم يقف معه في الصف إلا كافر أو امرأة أو خنثى وهو رجل، أو من علم حدثه أو نجاسته أو صبي في فرض فهو فذ فلا تصح صلاته ركعة فأكثر.
ويصح اقتداء المأموم بالإمام، إذا كانا في المسجد، وإن لم يره، ولا من ورائه، إذا سمع التكبير، وكذا خارج المسجد إن رأى الإمام أو بعض المأمومين، ولو من نحو شباك، فإن كان بين الإمام والمأموم نهر تجري فيه
(1)
ذهب الحنفية إلى كراهة إقامة الجماعة للنساء، وإنما اختص به الإذن أول الإسلام، فإن صلين جماعة قامت إمامتهن وسطهن، وذهب المالكية إلى بطلان صلاة الجماعة للنساء، وذهب الشافعية إلى الاستحباب وأن إمامتهن تكون وسطهن. وانظر: الهداية (1/ 302)، والثمر الداني (118)، والإقناع (2/ 342).
(2)
ضبة تصحيحية إلى قوله: يقوم معه.
(3)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية إلى جواز الانفراد عن الصف حال الضرورة، وكراهية الانفراد عن الصف حال الاختيار، وذهب الحنابلة إلى البطلان حال الاختيار. وانظر: حاشية الطحطاوي (1/ 244)، والشرح الكبير (1/ 334)، والإقناع (1/ 342).
السفن أو طريق ولم تتصل فيه الصفوف حيث صحت فيه الصلاة
(1)
بأن كانت على جنازة ونحوها أو كان بسفينة وإمامه بأخرى غير مقرونة بها لم يصح الاقتداء، وألحق بعضهم النار والبئر والسبع بالنهر
(2)
.
ويكره علو إمام عن المأموم ذراعًا فأكثر لا عكسه، ويكره تطوعه موضع المكتوبة، بعدها إلا لحاجة
(3)
، وإطالة قعود بعد الصلاة مستقبل القبلة.
وكره لمن أكل نحو بصل
(4)
وكراث
(5)
أو فجل
(6)
حضور مسجد وجماعة حتى يذهب ريحه
(7)
، وكذا من به نحو صنان
(8)
.
(1)
أي: في الحال الذي تصح الصلاة فيه، يعني: الطريق، وهو ما إذا ضاق المسجد بنحو صلاة جمعة، بخلاف سائر الصلوات فلا تصح، فإن اتصلت إذًا صحت. انظر: حاشية الروض المربع (2/ 349).
(2)
أي: لا يصح الاقتداء إن كان بين الإمام والمأموم نار أو بئر أو سبع أو نهر لعدم اتصال الصفوف. انظر: الإنصاف (4/ 283).
(3)
لنحو ضيق المسجد، كما إذا لم يجد منصرفًا، ولم يمكنه الانحراف فلا يكره.
انظر: حاشية الروض المربع (2/ 352).
(4)
البصل: من النباتات الحولية المعمرة، وذو رائحة نفاذة مهيجة لاحتوائه على مواد كبريتية طيارة، وهو مفيد جدًا، ويوجد منه نوعان هما: البصل الأبيض والبصل الأحمر، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(5)
الكراث: ويعرف بعدة أسماء مثل: قرط، ركل، والبري يسمى:"الطيطان". والموطن الأصلي له جنوب أوروبا، وحاليًا يزرع في معظم بلاد العالم. والمستعمل من الكراث جميع أجزائه بما في ذلك جذوره. انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(6)
الفجل: من الخضروات الجذرية المأكولة، تؤكل جذور الفجل الأبيض أو الأحمر، وتعمل على تنشيط الشهية للطعام، وعصير الفجل بصفة عامة ملين ومفيد. انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(7)
يرى المالكية حرمة أكل الثوم والبصل لمن تلزمه الجمعة، وكره لمن تسن له الجماعة، ويرى الشافعية الكراهة لمن يحضر للمسجد أن يأكل ثومًا أو بصلًا إذا لم تزل الرائحة من دون تفريق بين حكم الجمعة والجماعة، وانظر: الفواكه الدواني (2/ 320)، ومغني المحتاج (1/ 236).
(8)
الصنان: ذفر الإبط، وقد أصن الرجل، صار له صنان، انظر: مادة صنن في مختار الصحاح (156)، والنهاية (3/ 57).
فصل: (في الأعذار المبيحة لترك الجمعة والجماعة)
ويعذر
(1)
بترك جمعة وجماعة مريض، وخائف حدوث مرض، ومدافع أحد الأخبثين، ومن بحضرته طعام يحتاج إليه، وخائف ضياع ماله أو فواته أو ضررًا فيه كمن له خبز في تنور أو له ضالة، وآبق
(2)
يرجو وجوده أو
(3)
يتضرر في معيشة يحتاجها، أو يخاف موت قريبه أو رفيقه إن لم يكن غيره يمرضهما، أو على نفسه من نحو سبع أو سلطان أو غريم وهو معسر، أو فوات رفقة، أو غلبة نعاس، أو أذى بمطر أو وحل
(4)
، أو ريح
(5)
باردة شديدة في ليلة مظلمة، وكذا تطويل إمام، لا إن كان في طريقه أو في المسجد منكر فينكره بحسبه، وإذا طرأ بعض الأعذار في الصلاة أتمها خفيفة إن أمكن وإلا خرج منها، وتلزم الجمعة دون الجماعة من لم يتضرر بإتيانها راكبًا أو محمولًا
(6)
.
(1)
العذر: ما يتعذر على العبد المضي فيه على موجب الشرع إلا بتحمل ضرر زائد، انظر: الحدود الأنيقة (70).
(2)
أبق العبد يأبق: بضم الباء وكسرها أي: هرب. انظر: مادة أبق في مختار الصحاح (1)، والنهاية (1/ 15).
(3)
ضبة تصحيحية إلى قوله: يحتاجها.
(4)
الوَحَل بفتحتين: الطين الرقيق، انظر: مختار الصحاح (740).
(5)
اقتضى السياق إضافتها.
(6)
انظر: الإقناع (1/ 174)، والإنصاف (2/ 300).
باب صلاة أهل الأعذار
يلزم المريض إن يصلي المكتوبة قائمًا، ولو مستندًا
(1)
، فإن لم يستطع بأن عجز أو شق عليه فقاعدًا متربعًا ندبًا
(2)
، ويثني رجليه في ركوع وسجود، فإن لم يستطع فعلى جنبه، والأيمن أفضل، وإن صلى مستلقيًا، أو رجلاه إلى القبلة مع قدرته على جنبه صح، ويومئ بالركوع والسجود من عجز عنهما، ويجعل السجود أخفض، فإن عجز عن جميع ما تقدم، أومأ بطرفه
(3)
، واستحضر الأفعال على قلبه، وكذا الأقوال إن عجز عنها بلسانه كأسير خائف، ولا تسقط الصلاة ما دام العقل ثابتًا، فإن قدر المريض في أثناء الصلاة على نحو قيام أو عجز عنه في أثنائها انتقل إلى الآخر، وتجزئُ الفاتحة من عجز فأتمها في انحطاطه
(4)
، لا من صح فأتمها في
(1)
ضبة تصحيحية إلى قوله: عجز.
(2)
ذهب الحنفية إلى أن المريض يجلس كيف يشاء بلا تخيير في الهيئة المفضلة، وذهب المالكية والحنابلة إلى أن المشروع في حق من يصلي جالسًا أن يصلي متربعًا، وذهب الشافعية إلى أن من صلى جالسًا فإنه يجلس مفترشًا كهيئة التشهد. وانظر: تحفة الفقهاء (1/ 189)، والثمر الداني (162)، والمهذب (1/ 101).
(3)
موضع الإيماء هو الرأس، والوجه والطرف من ذلك الموضع لأنهما في الرأس.
انظر: حاشية الروض المربع (2/ 369).
(4)
لأنه أعلى من القعود الذي صار فرضه، انظر: حاشية الروض المربع (2/ 372).
ارتفاعه
(1)
، ومن قدر أن يقوم إذا كان منفردًا ولا يقدر إلا جالسًا إذا كان في جماعة يخير
(2)
.
وللمريض أن يصلي مستلقيًا مع قدرته على القيام لمداواة بقول طبيب مسلم ثقة.
ولا تصح صلاته قاعدًا في السفينة وهو قادر على القيام، فإن عجز صلى قاعدًا مستقبلًا، ويدور إلى القبلة كلما انحرفت السفينة، بخلاف النفل.
ويصح الفرض على الراحلة واقفة أو سائرة خشية التأذي بنحو مطر أو وحل، ويومئ بالركوع والسجود، وكذا إن خاف انقطاعًا عن رفقته بنزوله، أو على نفسه، أو عجز عن الركوب لو نزل، وعليه الاستقبال وما يقدر عليه، ولا تصح صلاة الفرض على الراحلة للمرض وحده، دون عذر مما تقدم.
* * *
(1)
أي: حال نهوضه؛ لأن فرضه القراءة حال القيام، وأما ما قرأ به جالسًا قبل القيام فيبنى عليه. انظر: حاشية الروض المربع (2/ 372).
(2)
لأنه يفعل في كل منها واجبًا ويترك واجبًا. انظر: منار السبيل (1/ 123).
فصل: (في صلاة المسافر)
(1)
ومن نوى سفرًا مباحًا غير مكروه ولا حرام فشمل الواجب والمندوب والمباح كنزهة يبلغ أربعة بُرُدٍ
(2)
برًا وبحرًا سن له قصر رباعية ركعتين
(3)
، إذا فارق عامر قريته، ولو داخل السور أو خيام قومه، ويكون سفره لمحل معين، ولا يعيد من قصر ثم رجع قبل كمال المسافة، ويقصر من أسلم أو بلغ أو طهرت بسفر مباح، ولو كان الباقي دون المسافة
(4)
، لا من تاب حينئذ.
(1)
المسافر: مفاعل من السفر، والسفر قطع المسافة وجمعه أسفار، وسمي بذلك لأنه يسفر عن أخلاق الرجال، ومنه قولهم: سفرت المرأة عن وجهها إذا أظهرته، انظر: المطلع (67)، والتعاريف (406)، وأنيس الفقهاء (110).
(2)
البريد: الرسول ثم استعمل في المسافة التي يقطعها، وهي اثنا عشر ميلًا، قلت: أما بالمقاييس الحديثة فالميل يساوي (1.600) كيلو وستمائة متر، والبريد يساوي (19.200) كيلومترًا، فالأربعة برد -إذًا- تساوي (76.800) كيلومترًا، والله أعلم، انظر: التعاريف (127).
(3)
ذهب الحنفية إلى وجوب قصر الصلاة في السفر، وذهب المالكية إلى أن القصر سنة مؤكدة، وذهب الشافعية إلى جواز القصر في السفر والإتمام أفضل. وانظر: الهداية (1/ 355)، والكافي لابن عبد البر (1/ 67)، والإقناع (1/ 350)، وفقه السنة (1/ 248)، والفقه الميسر (1/ 173).
(4)
لأن عدم تكليفه في السفر المبيح لا أثر له في ترك القصر في آخره، وعدم التكليف غير مانع من القصر، بخلاف من أنشأ سفر معصية ثم تاب وقد بقي دونها، انظر: حاشية الروض المربع (2/ 385).
ومن شك في قصر المسافة لا يقصر
(1)
، ولا من لم يقصد جهة معينة كالهائم
(2)
، وإن أحرم في الحضر ثم سافر
(3)
أو في سفر ثم أقام أتم، وكذا لو سافر بعد دخول الوقت، أو ذكر صلاة حضر في سفر أو عكسها، أو ائتم مسافر بمقيم، أو بمن شك في إقامته وسفره، أما لو غلب على ظنه أن الإمام مسافر بنحو إمارة لبس، وأنه نوى القصر فله القصر عملًا بظنه، وإن قال: إن أتم أتممت وإن قصر قصرت لم يضر، وإن أحرم بصلاة يلزمه إتمامها ففسدت بنحو حدث فيعيدها تامة
(4)
، وكذا لو لم ينو القصر عند إحرامها، أو شك في نية القصر، أو نوى إقامة أكثر من أربعة أيام
(5)
، أو كان ملاحًا
(6)
في سفينة معه أهله، لا ينوي الإقامة ببلد
(7)
، ومثله رسول سلطان ونحوه.
وكذا يتم من مرَ بوطنه، أو بلد له بها امرأة، أو كان قد تزوج فيه، أو نوى الإتمام ولو في أثنائها بعد نية القصر، وكذا لو أَخَّرَ الصلاة بلا عذر
(1)
ضبة تصحيحية إلى قوله: الهائم.
(2)
الهائم: الذاهب على وجهه، انظر: مادة هوم في لسان العرب (2/ 624).
(3)
أي: أحرم بالصلاة في الحضر بنحو سفينة ثم سارت به مسافرًا أتم بإجماع المسلمين تغليبًا لحكم الحضر لأنه الأصل. انظر: حاشية الروض المربع (2/ 387).
(4)
ذهب الحنفية إلى أن من فسدت صلاته بالحدث فإنها تبطل الركعة التي أحدث فيها ولا تبطل الصلاة فيتوضأ ويستأنف، وذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن صلاته تبطل وعليه أن يستأنفها. وانظر: الهداية (1/ 307)، الفواكه الدواني (1/ 228)، والإقناع (1/ 1318).
(5)
ذهب الحنفية إلى أن المسافر يتم بعد أن ينوي الإقامة أكثر من خمسة عشر يومًا، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى تحديد المدة التي يتم بعدها المسافر بأن ينوى أن يقيم أكثر من أربعة أيام. وانظر: الهداية (1/ 355)، والكافي (68)، والإقناع (1/ 354)، وفقه السنة (1/ 176).
(6)
الملاح: البحَّار. المعجم الوسيط (1/ 40).
(7)
لأنه يعتبر للسفر المبيح كونه منقطعًا، وهو غير منقطع هنا، انظر: حاشية الروض المربع (2/ 391).
حتى ضاق وقتها عنها فيتمها، وله القصر إن سلك أبعد الطريقين، أو ذكر صلاة سفر في سفر، وإن حبس ظلمًا أو بمرض أو مطر ونحوه ولم ينو إقامة، فإن ظن أنها لا تنقضي إلا بمرور أربعة أيام أتم.
وإن نوى مسافر القصر حيث لم يبح لم تنعقد صلاته
(1)
، كما لو نواه مقيم.
* * *
(1)
ذهب الحنفية إلى أن الرخص تثبت بمجرد السفر، ولو كان السفر إلى معصية، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الرخص لا تثبت لسفر المعصية. وانظر: الهداية (1/ 357)، والكافي (67)، والإقناع (1/ 350).
فصل: (في الجمع)
ويجوز الجمع
(1)
بين الظهرين في وقت إحداهما، وبين العشاءين كذلك، في سفر قصر، ولمرض يلحقه بتركه مشقة، ولمرضع لمشقة كثرة نجاسة، ونحو مستحاضة وعاجز عن طهارة لكل صلاة، أو عن معرفة وقت كأعمى، ولعذر أو شغل يبيح ترك الجمعة والجماعة كأن خاف أن تعيق عن معيشة يحتاجها، وبين العشاءين خاصة لمطر يبل الثياب، وتوجد معه مشقة، ولوحل وريح باردة شديدة، ولو صلى في بيته أو في مسجد قريب.
والأفضل لمن له الجمع فعل الأرفق به من تأخير أو تقديم، والأفضل في عرفه التقديم وبمزدلفة التأخير
(2)
، وترك الجمع في سواهما أفضل.
ويشترط في الجمع ترتيب مطلقًا، وفي جمع التقديم نية الجمع عند إحرامه بالأولى، والموالاة بينهما، فلا يفرق بينهما إلا بمقدار إقامة ووضوء خفيف، فلو فرق بنحو راتبة بطل الجمع، وأن يكون العذر المبيح للجمع موجودًا عند افتتاحهما وسلام الأولى، وأن يستمر في غير جمع نحو المطر إلى فراغ الثانية، فلو أحرم بالأولى ناويًا الجمع لمطر ثم انقطع ولم
(1)
الجمع: مصدر جمع الشيء المتفرق، والجمع اسم لجماعة الناس، انظر: مختار الصحاح مادة جمع (47).
(2)
حتى وإن كان التأخير أوفق بعرفة، أو كان التقديم أوفق بمزدلفة. انظر: حاشية الروض المربع (2/ 405).
يعد فإن حصل وحل لم يبطل الجمع، وإن انقطع السفر في الثانية أتمها نفلًا، وصحت الأولى فرضًا.
ويشترط في جمع التأخير نية الجمع في وقت الأولى قبل أن يضيق وقتها عن فعلها، واستمرار العذر إلى دخول وقت الثانية، فإن زال قبله لم يجز الجمع، ولا بأس بالتطوع بينهما، ولو صلى الأولى وحده، والثانية إمامًا أو مأمومًا أو صلاهما خلف إمامين أو من لم يجمع صح
(1)
، لكن لو تذكر أنه نسي ركنًا في الأولى أعادهما إن بقى الوقت، وإلا قضاهما مرتبًا، أو من الثانية أعادها فقط.
* * *
(1)
لأن لكل صلاة حكم نفسها وهي منفردة فلم يشترط في الجمع اتحاد إمام ولا مأموم ولا جامع. انظر: حاشية الروض المربع (2/ 410).
فصل: (في صلاة الخوف)
وصلاة الخوف
(1)
جائزة في القتال المباح حضرًا أو سفرًا مع خوف هجوم العدو، فقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع بطائفة، ووقفت طائفة تجاه العدو، فصلى بالتي معه ركعة وثبت قائمًا وأتموا لأنفسهم وانصرفوا تجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى، فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته وثبت جالسًا وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم
(2)
.
وإذا اشتد الخوف صلوا رجالًا وركبانًا للقبلة وغيرها، يومئون طاقتهم
(3)
، وكذا في حالة هرب مباح من عدو ونحوه، أو خوف فوت عدو يطلبه، أو وقت وقوف بعرفة، ويجوز حمل سلاح في حالة شدة الخوف
(1)
الخوف: توقع فوات محبوب أو حصول مكروه. والمقصود هنا حال القتال، لقول الله تعالى:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} [النساء: 102] انظر: التعريفات (137).
(2)
هذا نص الحديث عن صالح بن خوات بن جبير "عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بذات الرقاع"، والحديث أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب غزوة ذات الرقاع، برقم (3900)، وأخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الخوف، برقم (842).
(3)
لأنهم لو تمموا الركوع والسجود كانوا هدفًا لأسلحة عدوهم. انظر: حاشية الروض المربع (2/ 415).
نجس للحاجة بلا إعادة، وله كر
(1)
وفر
(2)
لمصلحة، وإن خاف عدوًا إن تخلف عن رفقته فصلى صلاة خائف ثم بان أمن الطريق لم يعد، ومن خاف أو أمن في صلاته انتقل وبنى على ما مضى
(3)
.
* * *
(1)
الكر: الرجوع، والكر: حبل يصعد على النخلة أيضًا، انظر: مادة كرر في مختار الصحاح (236).
(2)
فر: من الفر والفرار، والروغان والهرب، انظر: مادة فرر في لسان العرب (5/ 50).
(3)
لأن الحكم يدور مع علته، انظر: منار السبيل (1/ 131).
باب صلاة الجمعة
(1)
تجب على كل ذكر مسلم مكلف حر لا عذر له، وعلى مسافر لا يباح له القصر، وعلى مقيم خارج البلد إذا كان بينهما وبين موضع الجمعة فرسخ
(2)
تقريبًا.
ولا تجب على من يباح له القصر، ولا على عبد ومبعض
(3)
، ولا امرأة ولا خنثى، ومن حضرها منهم أجزأته عن صلاة الظهر، ولا يحسب هو ولا من ليس من أهل البلد من الأربعين ولا تصح إمامتهم فيها
(4)
.
ومن سقطت عنه لعذر غير سفر كمرض إن حضرها وجبت عليه
(1)
الجمعة: بضم الميم وتسكينها، مشتقة من اجتماع الناس للصلاة، وقيل: لاجتماع الخليقة فيه، انظر: المطلع (106).
(2)
الفرسخ واحد الفراسخ، وهو في المسافة ثلاثة أميال، سمي بذلك لأن صاحبه إذا مشى قعد واستراح، وهو بالأمتار يساوي (5544) مترًا، انظر: مادة فرسخ في لسان العرب (3/ 44)، ومختار الصحاح (208)، والإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان (77).
(3)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أن صلاة الجمعة لا تجب على العبد ولو أذن له سيده؛ لانشغال ذمته بالخدمة. وانظر: المبسوط (2/ 22)، والكافي (69)، والأم (1/ 327).
(4)
ذهب الحنفية والشافعية إلى صحة إمامة العبد والمسافر في الجمعة للحر والمقيم، وذهب المالكية إلى صحة إمامة العبد للحر في الجمعة، دون إمامة المسافر للمقيم. وانظر: حاشية رد المحتار (3/ 30)، والمنتقى شرح الموطا (1/ 198)، والحاوي الكبير (2/ 447).
وانعقدت به، وجاز أن يؤم فيها
(1)
، ولا تصح صلاة الظهر ممن يجب عليه حضور الجمعة قبل أن تقام الجمعة، وتصح ممن لا تجب عليه الجمعة لنحو مرض ولو زال عذره قبل تجميع الإمام
(2)
إلا الصبي إذا بلغ.
ولا يجوز لمن تلزمه الجمعة، السفر في يومها بعد الزوال حتى يصلي، إن لم يخف فوت رفقة، ويكره قبل الزوال إن لم يأت بها في طريقه.
ويشترط لصحة الجمعة أربعة شروط:
أحدهما: الوقت، وهو من أول وقت صلاة العيد إلى آخر وقت الظهر، وتجب بالزوال، وقبله وقت جواز
(3)
، وفعلها بعده أفضل، فإن خرج وقتهما قبل التحريمة صليت ظهرًا، وإن أحرموا في الوقت فجمعةٌ.
الثاني: أن تكون بقرية مبنية بحجر أو خشب أو قصب
(4)
، يستوطنها أربعون رجلًا ولو بالإمام من أهل وجوبها، استيطان إقامة لا يرحلون عنها شتاءً ولا صيفًا، وتصح فيما قارب البنيان من الصحراء ولو بلا عذر، لا فيما بعد، ولا يتمم عدد من مكانين متقاربين، ولا يشترط المصر، ولا إذن الإمام، ولا تصح من أهل الخيام وبيوت الشعر ونحوها
(5)
.
(1)
ضبة تصحيحية إلى قوله: الجمعة.
(2)
مرادهم فوات ما تدرك به الجمعة كرفع الإمام رأسه من ركوع الثانية فتصح ظهره، فإن حضروا الجمعة بعد ذلك كانت نفلًا. انظر: حاشية الروض المربع (2/ 429).
(3)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية إلى أن وقت صلاة الجمعة يبدأ من الزوال، وذهب الحنابلة إلى أن وقت الجمعة يبدأ من طلوع الشمس قدر رمح. وانظر: حاشية ابن عابدين (3/ 19)، والذخيرة (2/ 331)، والأم (1/ 232).
(4)
القصب: كل نبات ذي أنابيب، واحدته قصبة، والقصباء والحلفاء واحد وجمع، انظر: مادة قصب في لسان العرب (1/ 675)، ومختار الصحاح (224).
(5)
لأن هؤلاء غالبًا لا يقع عليهم اسم الاستيطان، وهذا مذهب جمهور العلماء، وكانت قبائل العرب حوله صلى الله عليه وسلم ولم يأمرهم بها. انظر: حاشية الروض المربع (2/ 439).
الثالث: حضور أربعين ممن تجب عليهم الجمعة صلاتها وخطبتها، ولو كان ببعضهم خرس أو صمم
(1)
، فإن نقصوا قبل إتمامها استأنفوا ظهرًا، إن لم تمكن إعادتها جمعة، وإن بقي العدد ولو ممن لم يسمع الخطبة ولحقوا بهم قبل نقصهم أتمها الإمام بهم جمعة.
الرابع: تقدم خطبتين على الصلاة، وشروط صحتها خمسة: الوقت والنية، ووقوعها حضرًا، وحضور الأربعين، وأن يكون الخطيب ممن تصح إمامته، وأركانهما ستة: حمد الله، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، وقراءة آية من كتاب الله، ويشترط لفظ الحمد لله، ولفظ الصلاة والوصية
(2)
بتقوى الله، ولا يتعين لفظ الوصية، وموالاتهما مع الصلاة، والجهر بهما بحيث يسمع العدد المعتبر حيث لا مانع.
ويبطلهما كلام محرم في أثنائها ولو يسيرًا، ويعتبر هذه الأركان في كل من الخطبتين
(3)
، ولا يشترط لهما طهارة من الحدثين والنجس، ولو بمسجد، وتحريم لبث الجنب بالمسجد وقراءة القرآن لا تعلق له بواجب العبادة، ولا ستر عورة ولا أن يتولاهما من يتولى الخطبة، بل يستحب ذلك؛ لأنها ذكر خارج الصلاة كالأذان
(4)
، ولا يجزئان بغير
(1)
ذهب الحنفية إلى أن الجمعة تنعقد بثلاثة سوى الإمام، وذهب المالكية إلى عدم اشتراط تحديد العدد بل الجماعة الذين يستقلون بأنفسهم بحيث يدفعون عدوهم ويعيشون أنفسهم، وذهب الشافعية والحنابلة إلى اشتراط حضور الأربعين من أهلها. وانظر: الهداية (1/ 360)، والثمر الداني (184)، والإقناع (1/ 363)، وفقه السنة (1/ 187).
(2)
الوصية: من أوصى الرجل ووصاه، أي: عهد إليه، والوصية أيضًا ما أوصيت به، وسميت وصية لاتصالها بأمر الميت، انظر: مادة وصي في لسان العرب (15/ 394)، ومختار الصحاح (302).
(3)
ذهب الحنفية والمالكية إلى أنه يشترط في الخطبة الموعظة وذكر الله تعالى دون الشروط التي ذكرها الفقهاء، وذهب الشافعية إلى اشتراط ما اشترط الحنابلة في الخطبة، وزادوا وجوب الدعاء فيها. وانظر: الهداية: (1/ 360)، وحاشية الخرشي (2/ 251)، والحاوي (2/ 442).
(4)
أي: فتصح خطبة الجنب كما يصح أذانه، انظر: حاشية الروض المربع (2/ 435).
العربية مع القدرة
(1)
.
وسننهما أن يكونا على منبر، عن يمين مستقبل القبلة بالمحراب، وإن خطب على الأرض فعن يساره، وأن يسلم على المأمومين إذا أقبل عليهم، ثم يجلس إلى فراغ الأذان، وأن يجلس بين الخطبتين، فإن خطب جالسًا فصل بينهما بسكتة لطيفة، وأن يخطب قائمًا معتمدًا على سيف أو قوس أو عصا
(2)
، وأن يقصد تلقاء وجهه
(3)
، ويقصر الخطبة وأن يدعو للمسلمين
(4)
، ويباح الدعاء لمعين، وإذا غلب الخوارج على بلد فأقاموا فيها جمعة جاز اتباعهم.
ويحرم الكلام والإمام يخطب إذا كان قريبًا منه بحيث يسمع الخطبة، وتباح الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سرًا كالدعاء، ولا يسلم من دخل، ويجوز تأمينه على الدعاء، وحمده سرًا إذا عطس، وتشميت عاطس ورد سلام نطقًا، ويباح الكلام إذا سكت الخطيب بينهما، أو إذا شرع في دعاء قبل الخطبة وبعدها
(5)
، ويجب تحذير أعمى وغافل، ويجوز الكلام للخطيب ولمن يكلمه لمصلحة.
(1)
ذهب الحنفية إلى جواز الخطبة بغير العربية مع إمكانها، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى عدم جواز غيرها مع إمكانها. وانظر: حاشية ابن عابدين (3/ 19)، وبلغة الرسائل (1/ 328)، والبيان (2/ 573).
(2)
هذا إذا لم يكن ثم منبر. انظر: حاشية الروض المربع (2/ 456).
(3)
لأن في التفاته إلى أحد جانبيه إعراض عن الجانب الآخر. انظر: حاشية الروض المربع (2/ 456).
(4)
ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى مشروعية ختم خطبة الجمعة بالدعاء للمسلمين والمسلمات، وذهب الشافعية إلى اشتراط الدعاء في صحة الخطبة وبطلانها بدونه. وانظر: البحر الرائق (2/ 259)، والشرح الكبير (1/ 373)، والمجموع (4/ 521).
(5)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية إلى المنع من الكلام حال دعاء الإمام، وذهب الشافعية إلى جواز الكلام مطلقًا مع الإمام أو غيره حال الدعاء وقبله، وذهب الحنابلة إلى المنع من الكلام حال الخطبة إلا في الدعاء أو مع الإمام، وانظر: المبسوط (2/ 28)، وبلغة السالك (1/ 337)، وحاشية قليوبي وعميرة (1/ 416).
وتحرم إقامة الجمعة والعيد في أكثر من موضع من البلد إلا لحاجة، كضيق مسجد عمن تصح منه ولو لم يصل، فالتعدد في مصر للحاجة، فإن تعددت لغير حاجة فما حضرها الإمام أو أذن بها فهي الصحيحة، وإن استويا فالسابق بالإحرام، وإن وقعتا معًا بطلتا، ويصلون ظهرًا لاحتمال سبق إحداهما، وكذا لو أقيمت جمعات وجهل كيف وقعت.
وسن قراءة سورة الكهف في يومها، وأن يقرأ في فجرها: آلم السجدة، وفي الثانية: هل أتى بعد الفاتحة، وصلاة الجمعة ركعتان، وتسن جهرًا، ويقرأ في الأولى: الجمعة، وفي الثانية: المنافقين بعد الفاتحة فيهما، وإذا وافق العيد يوم الجمعة سقطت عمن حضره مع الإمام، كمريض دون الإمام، فإن اجتمع معه العدد المعتبر أقامها وإلا صلى ظهرًا.
وأقل السنة الراتبة بعد الجمعة ركعتان، وأكثرها ست، ولا راتبة قبلها، ويسن أن يغتسل لها في يومها
(1)
وتنظيف وتطيب، وأن يلبس أحسن ثيابه، ويبكر لها ماشيًا، ومن دخل المسجد والإمام يخطب لم يجلس، ولو كان وقت نهي حتى يصلي ركعتين خفيفتين
(2)
، فإن جلس قام فأتى بهما ما لم يطل الفصل.
تنبيه: من أحرم في الوقت فأدرك مع الإمام منها ركعة أتمها جمعة، وإن أدرك أقل أتمها ظهرًا إن كان نواه ودخل وقته، وإلا أتمها نفلًا
(3)
(4)
، وقيل: يكون مدركًا للجمعة بإحرامه بها في وقتها ولو لم يدرك مع الإمام
(1)
اتفق الجماهير من علماء المذاهب الأربعة على استحباب الغسل يوم الجمعة. وانظر: بدائع الصنائع (2/ 604)، والثمر الداني (188)، والبيان (2/ 583).
(2)
إلى هذا ذهب جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، وانظر: حاشية ابن عابدين (3/ 40)، والإشراف (1/ 328)، والإقناع (1/ 362).
(3)
ضبة تصحيحية إلى قوله: ركعة.
(4)
إجماعًا، إلا ما حكي عن عطاء وطاوس، واتفقوا على أنه ليس من شرط إدراك الجمعة إدراك الخطبة، ومن صلى الجمعة فقط صحت له الجمعة وإن لم يدرك الخطبة. انظر: حاشية الروض المربع (2/ 441)، والمغني (2/ 185)، والشرح الكبير (2/ 202)، والعدة شرح العمدة (1/ 101).
ركعة، ومن أحرم مع الإمام ولم يمكنه السجود لزحمة سجد على ظهر إنسان أو رجله إن أمكنه
(1)
، وإلا انتظر زوال الزحام، فإن أخرج من الزحام عن الصف وصار فذًا لم تصح
(2)
، فإن كان في الثانية نوى المفارقة وأتمها جمعة
(3)
.
* * *
(1)
لأنه يأتي بما يمكنه حال العجز، فوجب وصحت كالمريض. انظر: حاشية الروض المربع (2/ 442).
(2)
لتركه متابعة إمامه عمدًا، وترك متابعة إمامه عمدًا يبطل الصلاة وفاقًا. انظر: حاشية الروض المربع (3/ 443).
(3)
لإدراكه ركعة مع إمامه، وكذا لو تخلف عنه لمرض أو نوم أو سهو أو نحوه، انظر: حاشية الروض المربع (2/ 443).
باب صلاة العيدين
(1)
وهي فرض كفاية
(2)
إذا تركها أهل بلد قاتلهم الإمام
(3)
، وشروطها كالجمعة من استيطان وعدد
(4)
ما عدا الخطبتين، فإنها في العيد سنة، وتسن صلاتها بالصحراء إذا كانت قريبة، وكره بالجامع بغير مكة إلا لعذر.
ويكره النفل قبلها وبعدها في موضعها، وقضاء فائتة قبل مفارقة المصلى، إمامًا كان أو مأمومًا.
ووقتها كوقت صلاة الضحى، فإن لم يعلم بالعيد إلا بعد الزوال صلوا من الغد قضاء، وسن تبكير المأموم، وتأخير الإمام إلى وقت الصلاة، وإذا
(1)
الفطر والأضحى، والعيد: مشتق من العود، وسمي عيدًا لاعتياد الناس به كل حين، ومعاودته إياهم، وجمعه أعياد والقياس أعواد، لكن جمع بالياء ليكون فرقًا بينه وبين أعواد الخشب، انظر: أنيس الفقهاء (118).
(2)
ذهب الحنفية إلى وجوب صلاتي العيدين على كل من تجب عليه الجمعة، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية إلى أنها سنة مؤكدة، وذهب الحنابلة إلى أنها فرض كفاية. وانظر: الهداية (1/ 365)، والثمر الداني (193)، والإقناع (1/ 375).
(3)
لأنها من أعلام الدين الظاهرة، وفي تركها تهاون بالدين. وانظر: حاشية الروض المربع (2/ 494).
(4)
ذهب الحنفية إلى اشتراط أن يكون العدد الذين تصح بهم صلاة العيد هم العدد الذين تصح بهم صلاة الجمعة، وهم ثلاثة دون الإمام، وذهب المالكية والشافعية إلى عدم اشتراط العدد لصحتها من المنفرد. وانظر: حاشية ابن عابدين (3/ 45)، وبلغة السالك (1/ 343)، وفتح الوهاب (1/ 145).
ذهب من طريق يرجع من طريق أخرى، وكذا في الجمعة.
وصلاة العيدين ركعتان قبل الخطبة، يكبر في الأولى ستًا بعد تكبيرة الإحرام والاستفتاح وقبل التعوذ، وفي الثانية بعد القيام من سجوده وقبل القراءة خمسًا، يرفع يديه مع كل تكبيرة، ويقول: بين كل تكبيرتين، الله أكبر كبيرًا، وسبحان الله وبحمده بكرة وأصيلًا، وصلى الله على محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، وإن شاء قال غير ذلك من الأذكار، ثم يستعيذ ثم يقرأ جهرًا الفاتحة، ثم سبح في الأولى والغاشية في الثانية.
فإذا سلم خطب خطبتين كخطبتي الجمعة لكن سن هنا أن يستفتح الأولى بتسع تكبيرات
(1)
والثانية بسبع نسقًا قائمًا وإن صلى العيد كالنافلة صح، وسن لمن فاتته صلاة العيد مع الإمام قضاؤها في يومها، ولو بعد الزوال على صفتها
(2)
.
وإذا شك في عدد التكبير بنى على اليقين، وإذا نسي التكبير حتى قرأ سقط، لأنه سنة فات محلها.
ويسن التكبير المطلق الذي لم يقيد بصلاة والجهر به لغير أنثى في ليلتي العيدين في البيوت والأسواق والمساجد وغيرها، ويجهر به في الخروج إلى المصلى إلى فراغ الإمام من خطبته، ويسن التكبير المطلق أيضًا في كل عشر ذي الحجة.
ويسن التكبير المقيد عقب كل فريضة في جماعة في الأضحى من صلاة الفجر يوم عرفة وللمحرم من صلاة الظهر يوم النحر إلى آخر أيام
(1)
إلى مشروعية افتتاح خطبة العيد بالتكبير ذهب جماهير أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة. وانظر: مجمع الأنهر (1/ 257)، والمنتقى (1/ 317)، والمجموع (5/ 22).
(2)
ذهب الحنفية إلى المنع من قضاء صلاة العيد إذا فاتت، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى مشروعية قضائها لمن فاتته. وانظر: حاشية ابن عابدين (3/ 58)، والذخيرة (3/ 423)، والبيان (1/ 651).
التشريق، وإن نسي التكبير قضاه ما لم يحدث أو يخرج من المسجد
(1)
أو يطل الفصل، ويكبر المأموم إذا نسيه الإمام، والمسبوق إذا قضى صلاته، ولا يسن عقب صلاة العيد، ولا عقب نافلة، ولا لمنفرد، وإذا فاتته صلاة من عامه فقضاها فيها في جماعة كبر، ويكبر الإمام مستقبل الناس.
وصفة التكبير شفعًا: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
ولا بأس بقول المصلي لغيره: تقبل الله منا ومنك.
ويستحب الاجتهاد في عمل الخير أيام عشر ذي الحجة من الذكر والصيام والصدقة وسائر أعمال البر؛ لأنها أفضل الأيام، ولا بأس بالتعريف عشية عرفة بالأمصار
(2)
؛ لأنه دعاءٌ وذكر.
* * *
(1)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية إلى أن التكبير المقيد أدبار الصلوات ينقطع بالخروج من المسجد، وذهب الشافعية إلى أن التكبير لا ينقطع بالخروج من المسجد بل يستمر. وانظر: البناية (3/ 156)، وبلغة السالك (1/ 348)، ومغني المحتاج (1/ 315).
(2)
ذهب الحنفية إلى المنع من التعريف؛ لأن الوقوف بعرفة عبادة مختصة بمكان مخصوص، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى مشروعيته، والله أعلم. وانظر: مجمع الأنهر (2/ 259)، وجواهر الإكليل (1/ 102)، والمجموع (5/ 42).
باب صلاة الكسوف
(1)
وهي سنة مؤكدة
(2)
حضرًا وسفرًا، جماعة وفرادى، ولا تشرع -لها- خطبة
(3)
، ووقتها من ابتداء ذهاب نور أحد النيرين أو بعضه إلى تمام انجلائه، ولا تقضى لو فاتت.
وهي ركعتان، يقرأ في الأولى جهرًا ولو في كسوف الشمس الفاتحة وسورة طويلة، ثم يركع طويلًا بتسبيح، ثم يرفع فيسمع ويحمد، ويقرأ الفاتحة وسورة طويلة، ثم يركع ثم يرفع فيسمع ويحمد، ثم يسجد سجدتين طويلتين، ثم يصلي الثانية بركوعين كالأولى، لكن دونها في الطول، ثم يتشهد ويسلم، ولا تعاد إن فرغت قبل الانجلاء، بل يذكر ويدعو كما لو كان وقت نهي
(4)
.
(1)
الكسوف: ذهاب ضوء الشمس أو القمر واسوداده، والخسوف: من خسفت الشمس خسوفًا، إذا ذهب ضوؤها، وخسفها الله، وكذلك القمر، وقيل: كسفت الشمس وخسف القمر، وهذا أجود الكلام، انظر: مادة كسف في لسان العرب (9/ 298)، ومختار الصحاح (238)، وانظر: مادة خسف في لسان العرب (4/ 267)، ومختار الصحاح (74).
(2)
إلى هذا القول ذهب جماهير أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة. وانظر: بدائع الصنائع (2/ 626)، والذخيرة (2/ 427)، والحاوي (2/ 512).
(3)
ذهب الحنفية والحنابلة إلى أن صلاة الكسوف لا تشرع الخطبة بعدها، وذهب المالكية والشافعية إلى مشروعية الخطبة بعد صلاة الكسوف. وانظر: بدائع الصنائع (2/ 630)، وحاشية العدوي (1/ 502)، والمجموع (5/ 52).
(4)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى المنع من صلاة الخسوف أو =
وإذا أتى في كل ركعة بثلاث ركوعات أو أربع أو خمس فلا بأس، وما بعد الأول سنة لا تدرك به الركعة، ولا تبطل الصلاة بتركه، ويصح أن يصليها كالنافلة.
ولا يصلي لآية غير الكسوف كظلمة نهار أو ضياء ليلًا أو صواعق
(1)
إلا لزلزلة دائمة، وإن غابت الشمس كاسفة أو طلع الفجر والقمر خاسف لم يصل؛ لذهاب وقت الانتفاع بهما.
* * *
= الكسوف بعد الفجر أو العصر، وذهب الشافعية إلى مشروعية صلاة الخسوف والكسوف وقت النهي. وانظر: البحر الرائق (2/ 292)، وأقرب المسالك (1/ 351)، والأم (1/ 405).
(1)
ذهب الحنفية إلى أنه تشرع الصلاة جماعة كالكسوف للآيات المخيفة ولو للزلزلة، وذهب المالكية والشافعية إلى مشروعية الصلاة للآيات المخيفة لكن أفرادًا بلا جماعة. وانظر: المبسوط (2/ 75)، والذخيرة (2/ 431)، والأم (1/ 402).
باب صلاة الاستسقاء
(1)
وهي سنة مؤكدة لحبس مطر، أو عوز ماء عيون، أو حصول جدب، جماعة وفرادى، ولو بسفر، ووقتها وصفتها كصلاة عيد، بغير أذان ولا إقامة، فتفعل في الصحراء، ويجهر بها، ويكبر فيها في الأولى ستًا وفي الثانية خمسًا زوائد.
وإذا أراد الإمام الخروج لها وعظ الناس بالتوبة من المعاصي، والخروج من المظالم بردها إلى مستحقيها، وترك التشاحن، وبالصدقة والصوم
(2)
، ولا يلزمان بأمره.
ويعدهم يومًا يخرجون فيه متنظفين بغسل بلا طيب، متواضعين متضرعين ومعه أهل الدين والصلاح والشيوخ، ويباح خروج الأطفال والعجائز والبهائم، ويباح التوسل بالصلحاء
(3)
.
(1)
الاستسقاء: هو طلب المطر عند طول انقطاعه، انظر: التعريفات (34)، والتعاريف (56).
(2)
ذهب الحنفية والمالكية إلى مشروعية أمر الناس بالصيام قبل الاستسقاء، ويغدون يوم الاستسقاء مفطرين، وذهب الشافعية إلى مشروعية أمر الناس بالصيام، والاستسقاء يكون في آخرها، وانظر: حاشية ابن عابدين (3/ 72)، وجواهر الإكليل (1/ 106)، والحاوي (/ 516).
(3)
أي: بطلب الدعاء منهم، كما كان الصحابة رضي الله عنهم يتوسلون بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، وكما توسل عمر بدعاء العباس بعد وفاته صلى الله عليه وسلم. انظر: حاشية الروض المربع (2/ 547).
فيصلي ركعتين ثم يخطب خطبة واحدة على الأصح، يفتتحها بالتكبير، ويكثر فيها الاستغفار، ويرفع يديه وظهورهما نحو السماء.
ويدعو دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو: "اللَّهم اسقنا غيثًا مغيثًا هنيئًا
(1)
مريئًا
(2)
غدقًا
(3)
مجللًا
(4)
سحًا
(5)
عامًا طبقًا
(6)
دائمًا، اللَّهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللَّهم سقيا رحمة، لا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق، اللَّهم إن بالعباد والبلاد من اللأواء
(7)
والجهد والضنك
(8)
ما لا نشكوه إلا إليك، اللَّهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، واسقنا من بركات السماء، وأنزل علينا من بركاتك، اللَّهم ارفع عنا الجهد والجوع والعري، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه أحد غيرك، اللَّهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا؛ فأرسل السماء علينا مدرارًا"
(9)
.
(1)
هنيئًا: الهنيء والمهنأ: ما أتاك بلا مشقة، وقد هنئ الطعام، أي: صار هنيئًا، انظر: مادة هنأ في لسان العرب (1/ 184)، ومختار الصحاح (291).
(2)
مريئًا: من مرأ، والمروءة كمال الرجولة، ومرؤ الطعام أي: لم يثقل على المعدة، وانحدر عنها طيبًا، انظر: مادة مرأ في لسان العرب (1/ 155)، والنهاية (4/ 313).
(3)
الغدق: هو المطر الكثير العام، وقد غيدق المطر: كثر، وقيل: هو المطر الكبار القطر، انظر: مادة غدق في لسان العرب (10/ 283)، ومختار الصحاح (196).
(4)
مجللًا: من جلل الشيء تجليلًا إذا عم، وفي الاستسقاء يجلل الأرض بمائه ونباته، انظر: مادة جلل في لسان العرب (11/ 118).
(5)
سح الماء يسح سحًا وسحوحًا، أي: سال من فوق واشتد انصبابه، انظر: مادة سحح في لسان العرب (2/ 476)، ومختار الصحاح (122).
(6)
طبقًا: الطبق غطاء كل شيء، والجمع أطباق، وطبق الغيث الأرض ملأها وعمها، وغيث طبق، عام يطبق الأرض، انظر: مادة طبق في لسان العرب (10/ 217)، ومختار الصحاح (163).
(7)
اللأواء: الشدة وضيق المعيشة، وقيل: القحط الشديد. انظر: مادة لأي في لسان العرب (15/ 238)، والنهاية (4/ 221).
(8)
ضنك: الضيق في كل شيء، ومعيشة ضنك: ضيقة، وكل معيش من غير حل ضنك وإن كان واسعًا، انظر: مادة ضنك في لسان العرب (10/ 462)، ومختار الصحاح (161).
(9)
أخرجه أبو داود في سننه، في كتاب الصلاة، باب رفع اليدين في الاستسقاء برقم (1169)، وابن ماجه في سننه، في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء =
ويسن أن يستقبل القبلة في أثناء الخطبة، ويحول رداءه، فيجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن، والناس كذلك ويتركونه حتى ينزعوه مع ثيابهم، ويدعو سرًا فيقول: اللَّهم إنك أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك، وقد دعوناك كما أمرتنا، فاستجب لنا كما وعدتنا، فإن سقوا وإلا عادوا ثانيًا وثالثًا، وينادى لها الصلاة جامعة كالكسوف والعيد، وليس من شرطها إذن الإمام.
فإذا زادت المياه وخيف منها يسن أن يقول: اللَّهم حوالينا ولا علينا، اللَّهم على الظراب
(1)
والإكام
(2)
وبطون الأودية ومنابت الشجر، {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}
…
الآية
(3)
.
ويستحب أن يقول: مطرنا بفضل الله، ويحرم بنوء كذا، ويباح في نوء كذا، ويسن أن يقف في أول المطر ليصيبه، وإن رأى ريحًا سأل الله من خيره، وتعوذ به من شره، وإذا رأى برقًا قال: سبحان الله وبحمده.
* * *
= في الدعاء برقم (1270)، وأخرجه أحمد في المسند برقم (18090)، وضعفه الأرناؤوط، وأخرجه عبد الرزاق في المصنف، في كتاب الصلاة، باب الاستسقاء برقم (4907)، وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، في كتاب الفضائل، باب ما أعطى الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم، وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه في كتاب الصلاة باب صفة الدعاء في الاستسقاء برقم (1416).
(1)
الظراب: جمع ظرب وهو أصغر الإكام وأحدّه حجرًا، ولا يكون حجره إلا طررًا، أبيضه وأسوده وكل لون، انظر: مادة ظرب في لسان العرب (1/ 569).
(2)
الإكام: جمع أكمة، وهي الرابية. وجمعها إكام وأكم. انظر: مادة أكم في لسان العرب (12/ 21)، والنهاية (1/ 59).
(3)
(البقرة: 286).
كتاب الجنائز
(1)
يسن ذكر الموت والاستعداد له، ويكره الأنين وتمني الموت إلا لخوف فتنة
(2)
، وتسن عيادة المريض المسلم والسؤال عن حاله، وتذكيره التوبة
(3)
والوصية.
وإذا احتضر سن تعاهده ببل حلقه بماء، وتلقينه: لا إله إلا الله مرة برفق، ويقرأ عنده سورة يس والفاتحة، ويوجهه للقبلة على جنبه الأيمن، أو على ظهره، ويرفع رأسه قليلًا، ليصير وجهه إلى القبلة.
فإذا مات سن تغميضه، وشد لحييه، وتليين مفاصله عقب موته، وخلع ثيابه وتستيره بثوب، ووضع نحو حديدة على بطنه
(4)
، وإسراع تجهيزه إن لم يمت فجأة، ولا بأس بتقبيله والنظر إليه لمن يباح له ذلك حال حياته.
(1)
جنائز: يقال: جنزت الشيء إذا سترته، والجنازة بالكسر واحدة الجنائز، ومعناه: الميت على السرير، فإذا لم يكن عليه الميت، فهو سرير ونعش، انظر: مادة جنز في لسان العرب (5/ 324)، ومختار الصحاح (48)، والمطلع (113).
(2)
تمني الموت لضر نزل وبلاء وقع منهي عنه لما فيه من الاعتراض ومراغمة القدر، للحديث:"لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به"، أما لخوف الفتنة فلا يكره، لحديث:"وإذا أردت بقوم فتنة، فاقبضني إليك غير مفتون"، وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 8).
(3)
وهي واجبه على كل حال وهو أحوج إليها من غيره، وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 14).
(4)
لأنها أبلغ في دفع النفخ. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 22).
فصل: (في غسل
(1)
الميت)
وغسل الميت وتكفينه والصلاة عليه وحمله ودفنه فرض كفاية، واتباعه سنة.
ويكره للغاسل والحفار أخذ أجرة على عمله، إلا أن يكون محتاجًا، ولم يكن له رزق من بيت المال.
ويشترط في الماء الطهورية والإباحة، وفي الغاسل الإسلام والعقل والتمييز، والأولى به وصيه العدل، ثم أبوه وإن علا ثم الأقرب فالأقرب كالميراث.
والأولى بغسل أنثى وصيتها، ثم القربى فالقربى من نسائها، ولكل من الزوجين غسل صاحبه، وكذا سيد مع أمته المباحة له، والأجنبي أولى من زوجة وأمة، وأجنبية أولى من زوج وسيد إن لم تكن وصية.
ولرجل وامرأة غسل من دون سبع سنين، ذكرًا كان أو أنثى.
وإن مات رجل بين نسوة ليس فيهن زوجة، ولا أمة مباحة له يمم، وكذلك لو ماتت امرأة بين رجال ليس فيهم زوج ولا سيد لها يممت، كخنثى مشكل لم تحضره أمة له فييمم.
(1)
الغسل: إفاضة الماء على الشيء، والغسالة: ما غسلت به الشيء، والغسول: الماء الذي يغتسل به، انظر: التعاريف (537)، وأنيس الفقهاء (48).
ويحرم أن يغسل مسلم كافرًا، أو أن يحمله أو يكفنه
(1)
أو يدفنه أو يتبع جنازته، بل يواريه
(2)
إذا عدم من يواريه.
وإذا شرع الغاسل في غسله ستر عورته وجوبًا، وهي ما بين سرته وركبته، وجرده ندبًا وستره عن العيون، ويكره حضوره لغير معين في غسله
(3)
، ثم يرفع رأسه غير أنثى حامل إلى قرب جلوسه، ويعصر بطنه برفق ويكثر صب الماء حينئذ.
ثم يلف الغاسل على يده خرقة فيمسح فرجه بها، ولا يحل مس عورة من له سبع سنين بغير حائل، ويستحب أن لا يمس سائره إلا بخرقة
(4)
، ثم يوضئه ندبًا، ولا يدخل الماء في فمه ولا في أنفه، ويدخل إصبعيه مبلولتين عليهما خرقة مبلولة بالماء بين شفتيه فيمسح أسنانه، وفي منخريه فينظفهما
(5)
، ثم ينوي غسله ويسمي وجوبًا، ويغسل برغوة السدر
(6)
رأسه ولحيته فقط، ثم يغسل شقه الأيمن ثم الأيسر، ثم يفيض الماء على كله ثلاثًا، وفي كل مرة يمر
(1)
الكفن: التغطية، ومنه سمي كفن الميت لأنه يستره، والجمع أكفان، انظر: مادة كفن في لسان العرب (12/ 514)، ومختار الصحاح (240).
(2)
لا فرق في هذا بين الحربي والمستأمن والذمي والمرتد؛ لأن تركه مثلة به، وقد نهى عنه، ولأنه يتضرر به. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 35).
(3)
لأنه ربما كان في الميت ما لا يحب اطلاع أحد عليه، والحاجة غير داعية إلى حضوره. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 38).
(4)
يكره لمس بدن الميت لغير غاسله؛ لأن بدنه بمنزلة عورة الحي، تكريمًا له. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 39).
(5)
فيقوم المسح فيهما مقام غسلهما خوف تحريك النجاسة. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 14).
(6)
السدر: اسم للجنس والواحدة سدرة، والسدر من الشجر سِدْرانِ، أَحدهما: بَرِّيّ لا ينتفع بثمره، ولا يصلح ورقه للغَسُولِ، وربما خَبَط ورَقَها الراعيةُ، وثمره عَفِصٌ لا يسوغ في الحلق، والسدر الثاني: ينبت على الماء، وثمره النبق، وورقه غسول يشبه شجر العُنَّابِ، له سُلَّاءٌ كَسُلَّائه، وورقه كورقه غير أَن ثمر العناب أَحمر حلو، وثمر السدر أَصفر مُزٌّ يُتَفَكَّه به، انظر: لسان العرب مادة سدر (4/ 355).
يده على بطنه، فإن لم ينق بثلاث غسلات زيد حتى ينقى، ولو جاوز السبع.
وكره اقتصاره في غسله على مرة
(1)
إن لم يخرج منه شيء، فيحرم الاقتصار ما دام يخرج شيء على ما دون السبع، فإن خرج منه شيء بعد سبع غسلات حشي المحل بقطن، فإن لم يستمسك فبطين خالص، ثم غسل المحل ووضئ وجوبًا، فإن خرج شيء بعد تكفينه لم يعد الغسل ولا الوضوء، ويجعل في الغسلة الأخيرة ندبًا كافور وسدر
(2)
، وإذا احتيج إلى الماء الحار والأشنان أو الخلال
(3)
فلا بأس وإلا كره، ويقص شاربه ويقلم ظفره ندبًا إن طالا، ولا يسرح شعره ثم ينشف بثوب، ويضفر ندبًا شعرها ثلاثة قرون، ويسدل وراءها.
وشهيد المعركة والمقتول ظلمًا
(4)
لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ويجب بقاء دمه عليه، إلا أن تخالطه نجاسة فيغسل، ويدفن في ثيابه، فإن أكل أو شرب أو نام أو بال أو تكلم أو عطس أو طال بقاؤه عرفًا أو قتل وعليه ما يوجب الغسل من نحو جنابة فهو كغيره
(5)
؛ يغسل ويكفن ويصلى عليه.
وسقط لأربعة أشهر فأكثر كالمولود حيًا، والمحرم يغسل بماء وسدر،
(1)
لأنه لا يحصل بها كمال النظافة، وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 44).
(2)
لأن الكافور والسدر يطيب الجسد ويبرده. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 45).
(3)
الخلال: العود الذي يتخلل به. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 46).
(4)
ذهب الحنفية والحنابلة إلى أن المقتول ظلمًا لا يشرع غسله مثل شهيد المعركة، وذهب المالكية والشافعية إلى مشروعية غسل المقتول ظلمًا؛ لأنه ليس شهيد معركة، وانظر: حاشية ابن عابدين (/ 159)، والقبس (2/ 46)، وفتح العزيز (5/ 151).
(5)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية إلى أن الشهيد الجنب لا يغسل بخلاف الحنابلة الذين نصوا على وجوب غسله باعتبار حاله قبل الشهادة، وانظر: المبسوط (2/ 57)، والتسهيل (2/ 686)، والبيان (3/ 83).
ولا يقرب طيبًا، ولا يلبس ذكر مخيطًا، ولا يغطى رأسه ولا وجه أنثى محرمة، ولا يؤخذ شيء من شعرهما وظفرهما، ولا تمنع معتدة من طيب.
ومن تعذر غسله لعدم الماء، أو غيره كحرق وتهر يمم، ويحرم سوء الظن بمسلم ظاهر العدالة.
* * *
فصل: (في الكفن)
ويجب تكفينه
(1)
في ماله، مقدمًا على دين ولو برهن
(2)
ووصية، فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته إلا الزوج فلا يلزمه كفن امرأته
(3)
ولو غنيًا
(4)
، وإلا فمن بيت المال إذا كان مسلمًا، فإن لم يكن فعلى المسلمين العالمين بحاله.
ويستحب تكفين رجل في ثلاث لفائف بيض، من قطن تبخر بعد رشها بماء ورد.
ثم يبسط بعضها فوق بعض، ويجعل الحنوط، وهو أخلاط من طيب فيما بينها، ثم يوضع عليها الميت مستلقيًا، ويجعل من الحنوط في قطن بين
(1)
الكفن: التغطية، ومنه سمي كفن الميت لأنه يستره، والجمع أكفان، انظر: مادة كفن في لسان العرب (12/ 514)، ومختار الصحاح (240).
(2)
الرهن: ما وضع عند الإنسان مما ينوب مناب ما أخذ منه، انظر: مادة رهن في لسان العرب (13/ 188)، ومختار الصحاح (109).
(3)
ذهب الحنفية والشافعية إلى أن كفن المرأة إذا توفيت يلزم زوجها، وذهب المالكية والحنابلة إلى أن كفن المرأة يلزمها من مالها لانقطاع الزوجية بالوفاة. انظر: بدائع الصنائع (2/ 42)، والذخيرة (2/ 455)، والمجموع (5/ 189).
(4)
لأن الكسوة وجبت عليه بالزوجية والتمكن من الاستمتاع وقد انقطع ذلك بالموت. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 66).
إليتيه، ويشد فوقها خرقة مشقوقة الطرف، يجمع إليتيه ومثانته، ويجعل الباقي من القطن المحنط على منافذ وجهه: عينيه ومنخريه وأذنيه وفمه، وعلى مواضع سجوده: ركبتيه ويديه وجبهته وأطراف قدميه تشريفًا لها، وكذا مغابنه كطي ركبتيه وتحت إبطيه وسرته، وإن طيب الميت كله فحسن، وكره طليه بما يمسكه كصبر
(1)
ما لم ينقل، ثم يرد طرف اللفافة العليا من الأيسر على شقه الأيمن، ويرد طرفها الآخر فوقه، ثم يفعل بالثانية والثالثة كذلك، ويجعل أكثر الفاضل من كفنه تحت رأسه ثم يعقده، ويحل في القبر، وإن كفن في قميص ومئزر ولفافة جاز.
وتكفن المرأة والخنثى ندبًا في خمسة أثواب
(2)
: إزار وخمار وقميص ولفافتين.
ويكفن صبي في ثوب، ويباح في ثلاثة، ما لم يرثه غير مكلف، وصغيرة في قميص ولفافتين.
والواجب للميت مطلقًا ثوب يستر جميعه
(3)
، ويكره بصدف وبشعر، ويحرم بجلود، ويجوز في حرير لضرورة، وحرم دفن حلي وثياب غير الكفن.
* * *
(1)
الصبر: عصارة شجر مر، كنبات السوسن الأخضر، غير أن ورق الصبر أطول وأعرض وأثخن كثيرًا، وهو كثير الماء جدًا، انظر: مادة صبر في لسان العرب (4/ 442).
(2)
ذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن المرأة تكفن في خمسة أثواب، وذهب المالكية إلى المرأة تكفن في سبعة أثواب مبالغة في طلب الستر لها. وانظر: حاشية ابن عابدين (2/ 204)، والفواكه الدواني (1/ 289)، وإعانة الطالبين (2/ 113).
(3)
لأن العورة المغلظة يجزئ في سترها ثوب واحد، فكفن الميت أولى، ويكره برقيق يحكي الهيئة، ولا يجزئ بما يصف البشرة. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 76).
فصل: (في الصلاة على الميت)
وتسقط الصلاة عليه بمكلف، وتسن جماعة، وأن لا تنقص عن ثلاثة صفوف، والسنة أن يكون الإمام عند صدر ذكر
(1)
، ووسط أنثى، والأولى بها وصيه العدل، فسيد لرقيقه، فالسلطان، فنائبه، فالحاكم، فالأولى بغسل رجل، ومن قدَّمه ولي بمنزلته، لا من قدمه وصيٌّ
(2)
.
ويكبر أربعًا، يقرأ بعد الأولى وهي تكبيرة الإحرام وبعد التعوذ والبسملة الفاتحة سرًا، ولو ليلًا، ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الثانية كصلاة التشهد، ويدعو بعد الثالثة، فيقول: اللَّهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، إنك تعلم منقلبنا ومثوانا، وأنت على كل شيء قدير، اللَّهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام والسنة، ومن توفيته منا فتوفه على
(3)
الإيمان، اللَّهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب
(1)
ذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن الإمام يقف في صلاة الجنازة قبالة صدر الرجل، وذهب المالكية إلى أن الإمام يحاذي وسط المتوفى أثناء وقوفه للصلاة عليه. وانظر: شرح فتح القدير (2/ 127)، والإشراف (1/ 365)، والحاوي (3/ 50).
(2)
فإن ذلك لما أمله الميت في الوصي من خير، فإن لم يصل الوصي فإلى من بعده من الأولياء. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 82).
(3)
ضبة تصحيحية.
والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارًا خيرًا من داره، وأهلًا خيرًا من أهله، وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار، وأفسح له في قبره، ونور له فيه، اللَّهم إنه عبدك ابن عبدك وابن أمتك، نزل بك وأنت خير منزول به، ولا نعلم إلا خيرًا.
وإن كان الميت أنثى أنث الضمير، وإن كان صغيرًا قال: اللَّهم اجعله ذخرًا
(1)
لوالديه، وفرطًا
(2)
وشفيعًا مجابًا، اللَّهم ثقل به موازينهما، وأعظم به أجورهما، وألحقه بصالح سلف المؤمنين، واجعله في كفالة
(3)
إبراهيم، وقه برحمتك عذاب الجحيم، وإذا لم يعرف إسلام والديه دعا لمواليه
(4)
.
ويقف بعد الرابعة قليلًا ولا يدعو
(5)
ولا يتشهد، بل يسلم واحدة عن يمينه، ويسن تلقاء وجهه وثانية
(6)
، ويرفع يديه ندبًا مع كل تكبيرة.
وشروطها ثمان: النية، والتكليف، واستقبال القبلة، وستر العورة، واجتناب النجاسة، وحضور الميت إن كان بالبلد، وإسلام المصلي والمصلى
(1)
ذخرًا: من ذخر الشيء يذخره ذخرًا، وأذخره إذخارًا: اختاره، وقيل: اتخذه، انظر: مادة ذخر في لسان العرب (4/ 203)، ومختار الصحاح (92).
(2)
الفرط: الذي يتقدم الواردة، فيهيئ لهم الأرسان والدلاء ويمدر الحياض ويستقي لهم، وفرطًا في الحديث، أي: أجرًا يتقدمنا ونرد عليه، انظر: مادة فرط في لسان العرب (7/ 30)، ومختار الصحاح (209).
(3)
الكفالة: من تكفلت بالشيء، وألزمته نفسي وأزلت عنه الضيعة والذهاب، انظر: مادة كفل في لسان العرب (11/ 590).
(4)
لقيامهم مقام والديه في المصاب به. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 91).
(5)
ذهب الحنفية والحنابلة إلى أن الإمام بعد التكبيرة الرابعة يباشر إنهاء الصلاة بالسلام؛ وذهب المالكية والشافعية إلى أنه يشرع للإمام أن يدعو لنفسه وللمسلمين قبل السلام، وانظر: المبسوط (2/ 64)، والذخيرة (2/ 462)، وتحفة المحتاج (1/ 411).
(6)
ذهب الحنفية إلى وجوب التسليمة الثانية في صلاة الجنازة كصلاة الفريضة، وذهب المالكية إلى وجوب الاكتفاء بتسليمة واحدة، وذهب الشافعية إلى ندب الخروج من صلاة الجنازة بتسليمتين، ومشروعية الاكتفاء بتسليمة واحدة وجوبًا. وانظر: حاشية ابن عابدين (3/ 111)، وحاشية الخرشي (2/ 328)، والبيان (3/ 70).
عليه وطهارتهما، ولو بتراب لعذر، فلا يصح على جنازة محمولة، ولا من وراء جدار أو خشب كالتابوت، ولا يضر نحو النعش.
وأركانها سبعة: القيام في فرضها لقادر، والتكبيرات الأربع، وقراءة الفاتحة لإمام ومنفرد، والصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم، والدعاء للميت، والسلام والترتيب للأركان، فلا تصح من قاعد ولا ممن على راحلة إلا لعذر فيهما ولو تكررت لم يجب القيام على من صلى بعد سقوط الفرض، ولو ترك غير المسبوق تكبيرة عمدًا، بطلت صلاته، وسهوًا يكبر وجوبًا ما لم يطل الفصل، فإن طال أو وجد مناف للصلاة استأنف، ولا يتعين كون الدعاء بعد التكبيرة الثالثة، بل يجوز بعد الرابعة.
ومن فاتته الصلاة عليه صلى على القبر بعد دفنه إلى شهر وشيء كيوم أو يومين، وتحرم الصلاة عليه بعد ذلك
(1)
، ومن فاته شيء من التكبير مع الإمام قضاه ندبًا، والمقضي أول صلاته يأتي فيه بحسبه، فإن خشي رفعها تابع التكبير رفعت أم لا، وإن سلم مع الإمام ولم يقضه صحت، ويصلى على غائب عن البلد
(2)
، ولو دون مسافة قصر بالنية إلى شهر.
وإن وجد بعض ميت فككله
(3)
، يغسل ويكفن ويصلى عليه، إلا الشعر والظفر والسن، وإن وجد الباقي فكذلك، ويدفن بجنبه، ولا يصلى
(1)
ذهب الحنفية إلى المنع من الصلاة على القبر إلا إذا لم يصل على الميت أو صلى عليه بغير إذن أوليائه، وذهب المالكية إلى المنع من الصلاة على القبر مطلقًا، ومن دفن ولم يصل عليه فإنه يخرج من قبره ويصلى عليه إلا إن خيف عليه التهتك والبلى، وذهب الشافعية إلى جواز الصلاة على القبر مطلقًا ولو بعد مرور شهر.
وانظر: بدائع الصنائع (2/ 47)، والقبس (2/ 57)، والبيان (3/ 72).
(2)
ذهب الحنفية والمالكية إلى المنع من الصلاة على الغائب إلا على الميت الذي لم يصل عليه، وذهب الشافعية والحنابلة إلى جواز الصلاة على الغائب على اختلاف بينهم في التفصيل. وانظر: المبسوط (2/ 67)، وتسهيل المسالك (3/ 688)، والمجموع (5/ 253).
(3)
ضبة تصحيحية إلى قوله: عليه.
على مأكول ببطن آكله، ولا مستحيل بنحو حرق، ولا على بعض حي مدة حياته
(1)
.
ولا يسن أن يصلي الإمام على الغال من الغنيمة، ولا على قاتل نفسه عمدًا، ولا بأس بالصلاة في المسجد على الميت إن أمن تلويثه، وللمصلي قيراط وله إن لازمها إلى الدفن آخر، ويسن كون الماشي أمام الجنازة، والراكب خلفها، والقرب منها أفضل، ويكره القيام لها إذا جاءت ورفع الصوت معها
(2)
ولو بالذكر والقرآن، بل يسن سرًا مع التفكر والخشوع، ويحرم أن يتبعها مع منكر
(3)
وهو عاجز عن إزالته.
ويسن أن يعمق القبر ويوسع بلا حد، ويكفي ما يمنع الرائحة والسباع، وكره إدخال القبر خشب
(4)
إلا لضرورة، وما مسه النار كالآجر، ووضع فراش تحته، واللحد أفضل من الشق، ومن مات في سفينة ولم يمكن دفنه ألقي في البحر بشيء يثقله
(5)
.
ويقدم في دفن رجل من تقدم في غسله، وبعد الأجانب محارمه من النساء الأجنبيات، ويدفن المرأة محارمها من الرجال، فزوج، فأجانب، ويسن أن يكون القبر مسنمًا
(6)
.
وكره الدفن عند طلوع الشمس وقيامها وغروبها وليلًا، وسن أن يقول من يدخلها القبر: بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجب أن
(1)
ضبة تصحيحية إلى قوله: الغنيمة.
(2)
لأنه بدعة، ولأنه من فعل أهل الكتاب. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 115).
(3)
بنحو طبل ولطم ونياحة وتصفيق ورفع صوت؛ لأنه يؤدي إلى استماع محظور.
وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 116).
(4)
تفاؤلًا بأن لا تمسه النار. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 118).
(5)
ليلقه في قرار البحر، فيحصل الستر المقصود، وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 120).
(6)
مسنمًا: تسنيم القبر خلاف تسطيحه، وهو جعله كالسنام مرتفعًا، انظر: المطلع (119).
يستقبل به القبلة، ويسن -أن يضعه- على جنبه الأيمن، و -أن يضع- تحت رأسه لبنة.
ويحرم دفن غيره عليه أو معه إلا لضرورة
(1)
، فإن ظن بلاؤه جاز نبشه ودفن غيره، فإن حفر فوجدت عظام أعيدت، وأعيد التراب عليها كما كان، ولم يجز دفن آخر عليه، وسن أن يحثو التراب عليه ثلاثًا، ثم يهال عليه التراب.
واستحب الأكثر تلقينه بعد الدفن، فيقال: يا فلان ابن فلانة ثلاثًا، فإن لم يعرف اسم أمه نسبه إلى حواء، اذكر ما خرجت عليه من الدنيا؛ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، وأنك رضيت بالله ربًا وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًا، وبالقرآن إمامًا، وبالكعبة قبلة، وبالمؤمنين إخوانًا، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن البعث حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور
(2)
.
وسن رش القبر بالماء، ورفعه قدر شبر ليعرف أنه قبر، ويكره تزويقه وتجصيصه وتقبيله، والطواف به والاتكاء عليه، والمبيت والضحك عنده، والحديث في أمر الدنيا، والكتابة عليه
(3)
، والجلوس عليه، والبناء
(1)
ككثرة الموتى وقلة من يدفنهم، وخوف الفساد عليهم. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 133).
(2)
ذهب الحنفية والمالكية إلى عدم مشروعية التلقين على القبر بعد الوفاة، وذهب الشافعية والحنابلة إلى مشروعية التلقين، على أن الحافظ ابن حجر رحمه الله يقوي إسناد هذا الحديث في الجملة، لكن خالف ابن حجر رحمه الله جماعة، منهم: ابن الجوزي والسيوطي والعجلوني والألباني رحم الله الجميع، وانظر: الفقه على المذاهب الأربعة (1/ 775)، وحاشية الطحطاوي (2/ 611)، والفواكه الدواني (1/ 248)، والتلخيص الحبير (2/ 135)، ومغني المحتاج (1/ 363)، والإرواء (3/ 203)، والدرر المنتثرة (1/ 497)، وتذكرة الموضوعات (1/ 1741)، وكشف الخفاء (2/ 375).
(3)
ذهب الحنفية إلى جواز الكتابة على القبر بمقدار ما يعرف الميت أهله، وذهب المالكية إلى المنع مطلقًا، وذهب الشافعية إلى كراهة كتابة اسم المتوفى، وتحريم الكتابة إن كانت من القرآن. وانظر: حاشية الطحطاوي (1/ 405)، ومواهب الجليل (2/ 247)، ومغني المحتاج (1/ 364).
عليه
(1)
ولو في ملكه، ويكره المشي بالنعل إلا لخوف نحو شوك.
ويحرم إسراج المقابر والدفن بالمساجد والربط
(2)
، وفي ملك الغير بغير إذنه، وينبش من دفن بالمسجد ونحوه، والدفن بالصحراء أفضل، وإن ماتت حامل بمن ترجى حياته لم تدفن حتى يموت أو يخرج، فإن خرج بعضه وتيقنت حياته شق بطنها للباقي، ولو أوصى أن يدفن في ملكه دفن مع المسلمين.
وإن ماتت ذمية حاملة من مسلم دفنت وحدها إن أمكن، وإلا فمعنا على جنبها الأيسر وظهرها إلى القبلة، ولا تكره القراءة على القبر
(3)
.
وأي قربة من دعاء واستغفار وصلاة وصوم وحج وقراءة وغير ذلك فعلها مسلم وجعل ثوابها لميت مسلم أو حي نفعه ذلك، حتى لو أهدى ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم جاز ووصل إليه ثوابها، ويستحب جمع الأقارب في بقعة لتسهل زيارتهم، ويسن أن يصنع لأهل الميت طعام ثلاثة أيام، ويكره لهم فعله للناس
(4)
والذبح عند القبور والأكل منه
(5)
.
(1)
ذهب الحنفية إلى حرمة البناء على القبر مطلقًا، وذهب المالكية إلى جواز البناء إن قصد به التحويز، وحرمته إذا قصد به المباهاة، والكراهة إذا تجرد عن أحد القصدين، وذهب الشافعية إلى حرمة البناء على القبر في الأرض المسبلة، وإلى الكراهة إذا كانت الأرض مملوكة له. وانظر: حاشية الطحطاوي (1/ 405)، والتسهيل (3/ 682)، والمجموع (5/ 260).
(2)
الربط: جمع رباط، والرباط واحد الرباطات المبنية، انظر: مادة ربط في لسان العرب (7/ 304).
(3)
ذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى مشروعية أو جواز قراءة القرآن عند القبر، وذهب المالكية إلى المنع من ذلك مطلقًا. وانظر: شرح فتح القدير (4/ 142)، وحاشية الخرشي (2/ 372)، ومغني المحتاج (2/ 341).
(4)
لأنه معونة على مكروه، وهو اجتماع الناس عند أهل الميت، بل بدعة وخلاف السنة، فإنهم مأمورون أن يصنعوا لأهل الميت طعامًا، وكلفوهم صنع الطعام لغيرهم. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 142).
(5)
ذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى كراهة الذبح عند القبر، وذهب المالكية إلى التحريم والمنع. وانظر: حاشية الطحطاوي (41011)، ومواهب الجليل (2/ 228)، والمجموع (5/ 320).
فصل: (في زيارة القبور)
وتسن زيارة
(1)
القبور، فيقف الزائر أمامه، قريبًا منه كزيارته في حياته، إلا للنساء فتكره لهن
(2)
، إلا لغيره صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه.
ويقول الزائر: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللَّهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم.
وتباح زيارة قبر كافر
(3)
، وقد ورد أن الميت يسمع الكلام، ويعرف زائره يوم الجمعة بعد الفجر، وفي الغنية
(4)
(5)
يعرفه كل وقت، وهذا الوقت آكد.
(1)
الزيارة: اسم الفعل من زور، والزورة: المرة، واستزاره: سأله ان يزوره، وتزاور، أي: زار بعضهم بعضًا، انظر: مادة زور في مختار الصحاح (117).
(2)
ذهب الحنفية إلى أن زيارة القبور للنساء مشروعة في حقهن كالرجال، وذهب المالكية إلى إباحة زيارة المرأة للقبور، وذهب الشافعية والحنابلة إلى القول بكراهة زيارة القبور للنساء.
وانظر: بدائع الصنائع (2/ 67)، والتاج والإكليل (2/ 227)، والمجموع (5/ 311).
(3)
تجوز زيارته للاعتبار. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 150).
(4)
الغنية لطالبي طريق الحق عز وجل: كتاب جليل القدر، وقد جاء فريدا في تأليفه؛ إذ ذكر فيه مؤلفه رحمه الله ثلاثة علوم تهم القارئ المسلم، فابتدأ بالفقه وذكر أبواب العبادات، ثم ثنى بذكر العقائد والفرق الإسلامية، ثم ثلث بذكر الأخلاق والآداب الإسلامية والمواعظ الحسنة المأخوذة من القرآن والسنة، ولأن هذا الكتاب لإمام من أئمة التصوف فإنه يبين وجه التصوف والتنسك في الجملة من وجهة نظر مؤلفه، وعلى الكتاب حواشي في تخريج الأحاديث والحكم عليها.
(5)
انظر: المخطوط الأصل في مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية برقم =
وتسن تعزية المسلم المصاب ولو صغيرًا قبل الدفن وبعده، وتكره لشابة أجنبية، فيقول: أعظم الله أجرك، وأحسن الله عزاءك، ويقول هذا: استجاب الله دعاءك، ورحمنا وإياك، ولا تعزية بعد ثلاث، ويحرم تعزية كافر، وكره تكرارها، ويجوز البكاء علي الميت، ويسن الصبر
(1)
والرضا والاسترجاع، وكره لمصاب تغيير حاله وتعطيل معاشه
(2)
، لا جعل علامة عليه ليعرف فيعزى، وهجره للزينة، وحسن الثياب ثلاثة أيام.
ويحرم الندب، والنياحة، وشق الثوب، ولطم الخد ونحوه كصراخ، ونتف شعر ونشره، وتسويد وجهه وخمشه، وإظهار الجزع.
وابتداء السلام على الحي ومن جماعة سنة كفاية، ورده فرض عين على المنفرد، وفرض كفاية على الجماعة المسلم عليهم، فيسقط برد واحد منهم، ويجب الرد فورًا، وتزاد فيه الواو وجوبًا، ويخير بين تعريفه وتنكيره في سلامه على الحي، ولو سلم عليه جماعة فقال: وعليكم السلام، وقصد الرد على الذين سلموا جاز.
ويكره الانحناء، وأن يسلم على امرأة أجنبية، إلا أن تكون عجوزًا.
ويكره في الحمام، وعلى آكل، وتال، ومقاتل، وذاكر، وملب، ومحدث، وخطيب، وعلى من يسمع لهم، ومدرس، ومن يبحث في علم، ومن يؤذن أو يقيم أو على حاجته، أو يتمتع بأهله أو مشتغل بالقضاء ونحوهم، ومن سلم في حالة لا يستحب فيها السلام لم يستحق جوابًا.
= (2734/ خ) نقلًا عن دراسات عقدية في الحياة البرزخية للشيخ عبد الله الحازمي الشريف، طبع دار ابن حزم، (415).
(1)
الصبر واجب إجماعًا، وفي الرضا قولان، وأعلى من ذلك أن يشكر الله تعالى، لما يرى من لطف الله تعالى به. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 154).
(2)
في خلع ردائه ونعله وعمامته أو غلق حانوته أو دكانه لما فيه من إظهار الجزع.
وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 157).
وتشميت العاطس إذا حمد فرض كفاية، فيقول له: يرحمك الله، ورده فرض عين، فيقول: يهديكم الله ويصلح بالكم، ويكره أن يشمت من لم يحمد، وإن نسي لم يذكره، ويقال للصبي إذا عطس: بورك فيك وجبرك الله، فإن عطس ثانيًا وحمد شمته، وثالثًا كذلك، وإن عطس رابعًا دعا له بالعافية، والاعتبار بعدد التشميت لا بعدد العطسات، فلو عطس أكثر من ثلاث متواليات شمته بعدها.
* * *
كتاب الزكاة
(1)
تجب في سائمة بهيمة الأنعام، والخارج من الأرض، والأثمان وعروض التجارة، بشروط خمسة: حرية
(2)
، وإسلام، وملك نصاب
(3)
، والملك التام، ومضي الحول، فلا زكاة على عبد ولو مكاتبًا، وتجب على مبعض بقدر حريته.
ولا تجب على كافر ولو مرتدًا، ولا إن نقص عن نصاب إلا الركاز، ولا في نحو دين الكتابة
(4)
لعدم تمام ملكه، ولا يضر نقص نصف يوم عن الحول، ولا عن النصاب حبة أو حبتان في الذهب والفضة وقيمة عروض التجارة، ويشترط كون النصاب تحديدًا في غير ذلك
(5)
.
(1)
الزكاة: أصلها في اللغة: الطهارة والنماء، والبركة والمدح، والفعل منه زكى يزكي تزكية، إذا أدى عن ماله زكاته، واصطلاحًا: اسم لمخرج مخصوص بأوصاف مخصوصة، من مال مخصوص، لطائفة مخصوصة، انظر: مادة زكا في لسان العرب (14/ 358)، والنهاية (2/ 307)، والمطلع (122)، والتعاريف (387).
(2)
حرية: بالضم من حرية الأصل، وحر العبد يحر حرارًا، بالفتح أي: عتق، انظر: مادة حرر في لسان العرب (5/ 55).
(3)
النصاب من المال: القدر الذي تجب فيه الزكاة إذا بلغ نحو مائتي درهم، أو خمس من الإبل. انظر: مادة نصب في لسان العرب (1/ 761).
(4)
الكتابة: أن يكاتب الرجل عبده على مال يؤديه إليه منجمًا، فإذا أداه صار حرًا، وسميت كتابة بمصدر كتب؛ لأنها تجمع نجومًا، انظر: مادة كتب في لسان العرب (1/ 700)، والمطلع (316)، والتعريفات (235).
(5)
بهيمة الأنعام.
ولا يشترط الحول في الحبوب والثمار، والمعدن والركاز، والعسل ونتاج السائمة وربح التجارة، ولو لم يبلغ النتاج والربح نصابًا، فإن حوليهما حول أصليهما، فيضمان إلى ما عنده إن كان نصابًا، فلو ماتت واحدة من الأمهات فنتجت سخلة انقطع، بخلاف ما لو نتجت ثم ماتت، فإن لم يكن الأصل نصابًا فحول الجميع من كماله، ولا يبني الوارث على حول المورث
(1)
.
ومن كان له دين أو نحوه أدى زكاته بعد قبضه لما مضى
(2)
، وكذا لو كان بيده دون نصاب وباقيه دين، ويمنع وجوبها دين ينقص النصاب، سواء كان النصاب في الأموال الباطنة كالأثمان وقيمة عروض التجارة، أو من الأموال الظاهرة
(3)
كالمواشي والحبوب والثمار، ولو كان الدين كفارة ونحوها.
ومن مات وعليه زكاة أخذت من تركته، ولو لم يوص بها؛ لأنها حق واجب كدين الآدمي، فإن وجبت وعليه دين برهن وضاق المال قدم وإلا تحاصا
(4)
(5)
،
(1)
بل يستأنف حولًا حين ملكه إجماعًا. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 172).
(2)
ذهب الحنفية إلى أن الزكاة لا تجب على صاحب الدين البتة، سواء كان المدين موسرًا أو معسرًا، وذهب المالكية إلى أنه إذا كان المدين معسرًا فتجب الزكاة لسنة القبض وحدها، دون ما أعسر فيها، وإن كان موسرًا وجبت الزكاة في كل سنة بانقضائها، وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الدين إن كان على موسر فإنه يجب في كل سنة بانقضائها، وإذا كان الدين على معسر فإنه يزكي عن كل السنوات السابقة بعد القبض. وانظر: حاشية الطحطاوي (1/ 47)، والإشراف (1/ 384)، والبيان (2/ 292).
(3)
ذهب الجمهور من الحنفية والحنابلة إلى أن الدين الذي ينقص النصاب لا زكاة فيه إذا حل على المدين، وذهب المالكية إلى أن الزكاة تجب على المدين في الأموال الظاهرة دون الأموال الباطنة، وذهب الشافعية إلى أن الدين لا يسقط الزكاة ولو كان ينقص النصاب، وانظر: المبسوط (2/ 160)، والقبس (2/ 87)، والبيان (3/ 147).
(4)
المحاصة: من حصص، والحصة بالكسر النصيب، وتحاص القوم، أي: اقتسموا حصصهم، انظر: مادة حصص في لسان العرب (7/ 14)، ومختار الصحاح (59).
(5)
أي: وإلا يكون الدين موثقًا برهن تحاص الزكاة ودين الآدمي، للتزاحم كديون الآدميين. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 185).
ويقدم نذر معين وأضحية معينة
(1)
.
وإن نقص النصاب في بعض الحول انقطع، ولو باعه أو أبدله بغير جنسه لا فرارًا من الزكاة ولو مع خيار انقطع الحول، إلا في ذهب بفضة وبالعكس؛ لأنهما كالجنس الواحد، وإذا اشترى عروض التجارة بالنقد، أو باعه به بنى على حول الأول
(2)
، فإن قصد بذلك الفرار من الزكاة لم تسقط
(3)
، وإن أبدله بنصاب من جنسه كأربعين شاة بمثلها أو أكثر بنى على حوله، والزائد يتبع للأصل في حوله، فإن أبدله بدون نصاب انقطع، ولا يعتبر في وجوبها بقاء المال، فلا تسقط بتلفه ولو لم يفرط
(4)
، إلا إذا تلف نحو زرع بجائحة
(5)
قبل حصاده.
* * *
(1)
لأنها تعينت، فلم تبع في دينه، كما لو كان حيًا. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 185).
(2)
لأن الزكاة تجب في قيمة العروض، وهي من جنس النقد. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 179).
(3)
عقوبة له بنقيض قصده. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 179).
(4)
ذهب الحنفية إلى أن الزكاة تسقط بتلف المال، فرط أو لم يفرط، وذهب المالكية إلى أن مال الزكاة يضمن بالتفريط فقط، وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه مضمون مطلقًا على المزكي بعد وجوب إخراجه إلا في الجائحة. وانظر: بدائع الصنائع (2/ 189)، والذخيرة (3/ 139)، والحاوى (3/ 9).
(5)
الجائحة: الشدة التي تجتاح المال من سنة أو فتنة، انظر: مادة جوح في لسان العرب (2/ 431)، ومختار الصحاح (49).
فصل: (في زكاة السائمة)
(1)
وتجب الزكاة في إبل، وبقر أهلية
(2)
أو وحشية ومنها الجواميس، وغنم ضأن
(3)
أو معز أهلية
(4)
أو وحشية، إذا كانت لدرٍ ونسل لا لعمل، وكانت سائمة راعية للمباح الحول أو أكثره، فلا تجب في معلوفة، ولا إذا جمع لها من المباح ما تأكله، ولا ما كانت للعمل كالإبل التي تكرى.
وأقل نصاب الإبل خمس وفيها شاة، وفي كل خمس من الإبل شاة، إلى خمس وعشرين فتجب بنت مخاض، وهي ما تم لها سنة
(5)
، وفي ست
(1)
السائمة: هي حيوانات مكتفية بالرعي في أكثر الحول، انظر: التعريفات (156).
(2)
البقرة: حيوان أليف ذو أربع قوائِم مشقوق الظلف، ذلول يستخدمه الناس للحرث وبعض الأعمال الأخرى، يؤكل لحمه ويشرب حليبه وينتفع بجلده. يطلق الاسم على الأنثى ويطلق على الذكر ثَوْر، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(3)
الضأن: ذوات الصوف من الغنم. انظر: المصباح المنير (2/ 365).
(4)
الماعز: يطلق على ذوات الشعر من الغنم، وهو من الحيوانات الثديية المجترة. وهو من الحيوانات القوية التي يمكنها أن تعيش في كل مكان. ذكر الماعز يسمى التيس والأنثى تسمى معزة، وصغيرهما يعرف بالجدي، انظر: المصباح المنير (2/ 575)، وموسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(5)
الماخض: الحامل وليس كون أمها ماخضًا شرط وإنما ذكر تعريفًا لها بغالب أحوالها. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 192).
وثلاثين بنت لبون لها سنتان
(1)
، وفي ست وأربعين حقة لها ثلاث سنين، وفي إحدى وستين جذعة لها أربع سنين، وفي ست وسبعين بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حقتان، وفي مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون، إلى مائة وثلاثين فيستقر في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة
(2)
.
ومن وجبت عليه بنت لبون مثلًا وعدمها أو كانت معيبة
(3)
فله أن يعدل إلى بنت مخاض، ويدفع جبرانًا، أو إلى حقة ويأخذ شاتين أو عشرين درهمًا، ويجزئ شاة وعشرة دراهم، ولا جبران في غير الإبل، ويجزئ ابن لبون وحق وجذع، مكان بنت مخاض عند عدمها.
ويجب في ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة لكل منهما سنة، ولا شيء فيما دون الثلاثين، وفي أربعين مسنة لها سنتان، ولا يجزئ مسن، ثم في كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة، وبجزئ الذكر إذا كان النصاب كله ذكورًا
(4)
.
وأول نصاب الغنم أربعون، وفيها شاة جذع ضأن تم لها ستة أشهر، أو ثني معز لها سنة، وفي مائة وإحدى وعشرين شاتان، وفي مائتين وواحدة ثلاث شياه، ثم في كل مائة شاة، ففي خمسمائة خمس شياه وهكذا.
ولا تؤخذ هرمة
(5)
ولا معيبة، إلا إذا كان الكل كذلك، ولا حامل
(1)
بنت لبون: لأن أمها قد وضعت غالبًا، فهى ذات لبن. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 192).
(2)
حقة: استحقت أن يطرقها الفحل وأن يحمل عليها وتركب.
(3)
معيبة: من العيب والعيبة وهي الوصمة، وعيبه وتعيبه: صار ذا عيب، انظر: مادة عيب في لسان العرب (1/ 633)، ومختار الصحاح (194).
(4)
ذهب الحنفية إلى جواز إخراج الذكر من بهيمة الأنعام إذا كان النصاب كله ذكورًا، ولكن عن طريق القيمة، وذهب الشافعية والحنابلة إلى جواز إخراج الذكر منها، وذهب المالكية إلى وجوب تعين إخراج الأنثى ولو بالشراء. وانظر: حاشية ابن عابدين (3/ 202)، والإشراف (1/ 368)، وروضة الطالبين (2/ 21).
(5)
الهرم: كبر السن أو أقصى الكبر، انظر: مادة هرم في لسان العرب (12/ 607)، ومختار الصحاح (289).
ولا طروقة للفحل
(1)
، ولا كريمة
(2)
إلا أن يشاء ربها.
وإن كان النصاب نوعين كبخاتي
(3)
وعرابي
(4)
، أو بقر وجواميس، أو ضأن ومعز أخذت الفريضة من أحدهما، على قدر قيمة المالين، كما إذا اجتمع صغار وكبار، ومعيبات وصحاح، وذكور وإناث، فتؤخذ أنثى صحيحة كبيرة على قدر قيمة المالين.
وإذا اختلط اثنان فأكثر من أهل الزكاة في نصاب
(5)
، فيكون المالان كالواحد، سواء كانت خلطة أعيان مشاعة، بأن يكون لكل نصف أو نحوه، أو أوصاف بأن يميز ما لكل، واشتركا في مراح
(6)
ومسرح
(7)
ومحلب
(8)
وفحل
(9)
ومرعى ووقته، فيزكيان كالواحد.
(1)
طروقة الفحل، أي: ناقة حقة لها أربع سنين، يطرقها الفحل، فعولة بمعنى مفعولة، انظر: مادة طرق في لسان العرب (10/ 217)، والنهاية (3/ 122).
(2)
الكريمة: العزيزة على صاحبها، جامعة الكمال الممكن في حقها، وجمعها كرائم، انظر: مادة كرم في لسان العرب (12/ 514)، والنهاية (4/ 167).
(3)
بخاتي: من البخت وهو الجد، والبخت هي جمال طوال الأعناق، وتجمع على بخت وبخات، وبخاتي غير مصروفة، انظر: مادة بخت في لسان العرب (2/ 9)، ومختار الصحاح (17).
(4)
الإبل العراب، أي: عربية منسوبة إلى العرب، وهي خلاف البخاتي، وفرقوا بين الناس والدواب، فالناس عرب وأعراب، والإبل والخيل عراب، انظر: مادة عرب في لسان العرب (1/ 586)، والنهاية (3/ 203).
(5)
ضبة تصحيحية إلى قوله: ما لكل.
(6)
المراح: من روح، والرواح أن تأوي الإبل بعد غروب الشمس إلى مراحها، انظر: مادة روح في لسان العرب (2/ 465)، والنهاية (2/ 273).
(7)
مسرح: من سرح والسارحة: هي الماشية التي تسرح بالغداة إلى مراعيها، انظر: مادة سرح في لسان العرب (1/ 392).
(8)
المحلب: المكان الذي تحلب فيه الماشية. انظر: مادة حلب في لسان العرب (1/ 329).
(9)
الفحل: الذكر القوي من الحيوان، ويقال: الفحل والفحال، انظر: مادة فحل في لسان العرب (11/ 516)، ومختار الصحاح (206).
ولا يشترط نية الخلطة، ولا اتحاد المشرب ولا اتحاد الراعي، ولا اتحاد الفحل إذا اختلف النوع كالضأن والمعز للضرورة، ولا أثر لخلطة من ليس من أهل الزكاة
(1)
، وإذا كانت سائمة الرجل متفرقة فوق مسافة قصر، فلكل محل حكمه
(2)
، ولا أثر للخلطة والتفرق في غير الماشية.
* * *
(1)
وفاقًا كالكافر والمكاتب والمدين دينًا يستغرق ما بيده؛ لأنّه لا زكاة في ماله، فلم يكمل به النصاب. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 212).
(2)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية، إلى أنه لا عبرة بتفرق سائمة الرجل في طول البلاد مسافة القصر؛ لأن العبرة بالمالك، وذهب الحنابلة إلى التفريق كما رأيت، وهذا القول من مفردات المذهب. وانظر: المبسوط (2/ 185)، والكافي (110)، وروضة الطالبين (2/ 195).
فصل: (في زكاة الخارج من الأرض، والنقدين وعروض التجارة)
وتجب الزكاة في الحبوب كالحنطة والدخن
(1)
ولو لم تكن قوتًا كحب الرشاد، وفي كل ثمر يكال ويدخر
(2)
كتمر
(3)
وزبيب
(4)
، ولوز
(5)
(1)
الدُّخْن: الجَاوَرْس، وفي المحكم: حَبُ الجاوَرْس، واحدته دُخْنَة، انظر: لسان العرب (13/ 150).
(2)
لأن ما لم يدخر لم تكمل ماليته لعدم التمكن من الانتفاع به في المآل أشبه الخضروات. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 218).
(3)
التَّمْرُ: حَمْلُ النخل، اسم جنس، واحدته تمرة وجمعها تمرات، بالتحريك والتَّتْمِيرُ: التَّيْبِيسُ والتجفيف وهو منجم غني بالمعادن، حيث إن ما يعطيه الكيلو الواحد من البلح يعادل ثلاثة أضعاف ما يعطيه كيلو واحد من السمك، انظر: مادة تمر في لسان العرب (4/ 92)، وانظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(4)
الزبيب هو العنب المجفف، وينتج في مناطق كثيرة من العالم، ويختار من أنواع العنب ذي السكر العالي واللحم المتماسك، من ذوي البذر أو من العنب السلطاني عديم البذر، ويشكل السكر 90 % من وزنه، يجفف في الشمس، أو في الظل بطرق خاصة فيصبح زبيبًا، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(5)
اللوز: هو ثمر شجرة اللوز، وشجرة اللوز من نباتات المناطق الباردة. يؤكل لب اللوز بعد رفع القشرة الخشبية القاسية، كما يؤكل طازجًا في موسم الربيع، ويدخل في صناعة الحلويات كما يؤكل كمكسرات بعد تمليحه وتحميصه، كما يضاف إلى المأكولات والمحاشي بعد قليه قليلًا بالزيت، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
وفستق
(1)
، ولا تجب في سائر البقول
(2)
والزهور ونحوها، غير صعتر
(3)
وأشنان وسماق
(4)
، وورق شجر يقصد كسدر وخطمي
(5)
.
وأول النصاب في جميع ذلك خمسة أوسق
(6)
، بعد تصفية الحب من قشره، وجفاف التمر، والوسق ستون صاعًا، فهي ألف وستمائة رطل، وبالعراقي ستة أرادب
(7)
وربع.
(1)
الفستق: هو ثمر شجرة الفستق، المسماه عالميًا بالفستق الحلبي، وشجرة الفستق من نباتات المناطق الباردة ويؤكل بعد تمليحه وتحميصه، كما يؤكل طازجًا في موسم جمعه، في نهاية فصل الصيف. ويدخل في صناعة الحلويات. انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(2)
البقول: ما نبته في بزره، لا في أصل ثابت، كفجل وثوم وبصل وكراث وجزر.
وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 219).
(3)
الزعتر أو الصعتر: هي أوراق وسيقان، وهو نبات عطري مشهور، ويكثر في دول حوض الأبيض المتوسط، وله رائحة عطرية قوية، وطعمه حار مر قليلًا. يستعمل لعلاج الكحة والسعال الديكي ويمكن غليه واستعماله كمضمضة لعلاج اللثة بالفم أو غرغرة لالتهاب الحلق، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(4)
السماق: هو شجيرة صغيرة، من الفصيلة البطمية، يصل ارتفاعها إلى ثلاثة أمتار، قليلة التفرع وتنتشر على الجبال الساحلية، يضاف السماق إلى بعض الأطعمة. انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(5)
الخطمي: ضرب من النبات يُغْسَلُ به، وهو نبتة صيفية مزهرة متعددة الألوان، تتكون مما يقارب (60) نوعًا، يتميز الخطمي بطول سيقانه، والذي قد يمتد ما بين 6 إلى 10 أقدام في الارتفاع، وبأوراقه الدائرية الشكل المتعددة الفصوص. انظر: لسان العرب (12/ 188)، وموسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(6)
الوسق: حمل البعير، وبالصاع: ستون صاعًا، وبالكيلو جرام (500، 130) كيلو جرامًا، وخمسة الأوسق تساوي (652.500) كيلو جرامًا، انظر: مادة وسق في لسان العرب (10/ 379)، ومختار الصحاح (300)، والفقه الحنبلي الميسر (1/ 13).
(7)
الإردب: مكيال معروف بمصر، وهو أربعة وستون مدًا، وذلك أربعة وعشرون صاعًا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، قلت: وبالوزن المعاصر (52.200) كيلو جرامًا، انظر: التعاريف (50).
وتضم أنواع الجنس من ثمرة العام الواحد وزرعه بعضها إلى بعض في تكميل النصاب، لا جنس إلى آخر، فلا يضم بر لشعير
(1)
.
ويشترط أن يكون النصاب مملوكًا له وقت وجوب الزكاة، وهو بدو الصلاح، فلا تجب فيما ملك بنحو شراء، ولا فيما يجنيه من الجبل كالبطم
(2)
، ولا زكاة في عناب
(3)
على الأصح، ولا في زيتون وجوز
(4)
وتين
(5)
ومشمش
(6)
ونبق
(7)
وتوت ورمان
(8)
وخوخ
(9)
.
(1)
الشعير نبات عشبي حولي من الفصيلة النجيلية، ويعتبر الشعير أقدم مادة استعملها الإنسان في غذائه، وكان من المحاصيل الغذائية الرئيسية في العصور القديمة، حيث كان يصنع منه الخبز وغيره، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(2)
بطم: شجر الحبة الخضراء، واحدته بطمة، ويسميها أهل اليمن الضرو، انظر: مادة بطم لسان العرب (12/ 15)، ومختار الصحاح (73).
(3)
العناب: كرمان، له ثمر أحمر حلو يشبه ثمر السدر أو النبق، وهو من أقل الشجر نارًا، انظر: مادة سدر في لسان العرب (4/ 354)، والقاموس المحيط (1/ 152)، وتاج العروس (3217).
(4)
الجوز: من نباتات المناطق الباردة، ويؤكل لب الجوز بعد رفع القشرة الخشبية القاسية، كما يؤكل طازجًا في موسم جمعه في نهاية فصل الصيف. ويدخل في صناعة الحلويات ويخلط مع المكسرات. انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(5)
التين: ثمرته مغذية وملينة ومضادة للسرطان وغنية بالبوتاسيوم، ويؤكل التين طازجًا أو مجففًا، لكونه غنيًا بالسكريات مما يجعله غنيًا بالطاقة، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(6)
المشمش: هي شجرة مثمرة ذات حجم متوسط، يتراوح طولها بين 8 و 12 مترًا، لون المشمش يكون أصفر أو برتقاليًا عليه مسحة حمراء، لثمرة المشمش نواة واحدة، انتشرت زراعته في أغلب دول العالم، وعادة ما يجفف أو يعلب، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(7)
النبق: وهي ثمار شجرة السدر، ينبت النبق في المناطق الجبلية، وعلى ضفاف الأنهار، وينتشر بشكل واسع في منطقة حوض البحر المتوسط، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(8)
الرمان: فاكهة خريفية لذيذة الطعم ومفيدة، وهي من الأشجار المعمرة، وهي ذات أزهار بيضاء وحمراء جميلة، تتحول إلى ثمار لذيذة ذات جلد قرمزي اللون أو أصفر محمر، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(9)
الخوخ: ثمره صيفية، ومنه نوعان: الأول: يسمى زغادي، وهو لين نسبيًا، ويمتاز =
ويجب فيما يسقى بلا كلفة كغيث وسيح العشر، وفيما يسقى بكلفة كدولاب نصف العشر، وفيما يشرب منهما على السواء ثلاثة أرباعه
(1)
.
وإذا اشتد الحب وبدا صلاح الثمر وجبت الزكاة، فإن قطعهما أو باعهما قبله فلا زكاة إن لم يقصد الفرار منها، ولا يستقر الوجوب إلا بجعلها في موضع التجفيف، فإن تلفت قبله بلا تعد منه ولا تفريط سقطت، وإن تلف البعض فإن كان قبل الوجوب زكى الباقي إن بلغ نصابًا، وإلا فلا، وإن كان بعده زكى الباقي مطلقًا حيث بلغ مع التالف نصابًا.
ويلزم إخراج الحب مصفى والثمر يابسًا، ولو احتيج إلى قطع ما بدا صلاحه قبل كماله لضعف أصله أو لكون رطبه لا يثمر، فلو خالف وأخرج رطبًا أو سنبلًا لم يجزه.
ويحرم شراء زكاته أو صدقته ولا يصح، ويجب العشر أو نصفه على مستأجر الأرض دون مالكها.
ويجتمع العشر والخراج في الأرض الخراجية
(2)
، ولا زكاة في قدر الخراج إن لم يكن له مال آخر، والخراجية ما فتحت عنوة
(3)
ولم تقسم بين
= بكثرة العصارة داخله، وأما النوع الثاني فيطلق عليه الفدري، ويمتاز بتماسكه داخليًا، وكلما زاد اللون الداخلي الأحمر، كان أكثر جودة في نوعيته، ويقال له: البخاري والبرقوق، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(1)
حكى الإجماع عليه غير واحد، ولأن كل واحد منهما لو وجد في جميع السنة لأوجب مقتضاه، فإذا وجد نصفه أوجب نصفه. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 227).
(2)
لأن الخراج في رقبتها والعشر في غلتها، ومن سبب الخراج التمكين من النفع، وسبب العشر الزرع. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 233).
(3)
العنوة: من عنا يعنو، إذا ذل وخضع، والعنوة المرة الواحدة، كأن الماخوذ بها يذل ويخضع، انظر: مادة عنا في لسان العرب (15/ 102)، والنهاية (3/ 315)، والمطلع (317).
الغانمين، كمصر والشام والعراق
(1)
، وما خرج منها أهلها خوفًا منا، وما صولح أهلها على أنها لنا ونقرها لهم بالخراج.
وإذا أخذ من ملكه أو موات مائة وستين رطلًا عراقيًا
(2)
من العسل ففيه العشر
(3)
، ولا زكاة فيما ينزل من السماء على الشجر كالمن
(4)
.
وفي المعدن إن كان ذهبًا أو فضة ربع العشر إن بلغ نصابًا، وإن كان
(5)
غيرهما من نحو كبريت وملح
(6)
ونفط
(7)
ومغرة
(8)
ورصاص وعقيق
(9)
ففيه ربع عشر قيمته إن بلغ نصابًا بعد سبك وتصفية، إن كان المخرج له من أهل وجوب الزكاة.
(1)
العراق: يقع في جنوب غرب القارة الآسيوية، ويقع إلى الشمال من الكويت والمملكة العربية السعودية، وإلى الجنوب من تركيا، وإلى الشرق من سورية والأردن، وإلى الغرب من إيران. انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
(2)
الرطل العراقي كما مر في باب المياه، يزن (405) غرامًا، إذًا فمقدار نصاب العسل بالوزن الحديث (65.280) كيلو جرامًا والله أعلم.
(3)
ذهب الحنفية إلى وجوب إخراج زكاة العسل الخارج من الأرض العشرية، دون الخراجية، وذهب المالكية والشافعية إلى أنه لا تجب الزكاة في العسل مطلقًا، وذهب الحنابلة إلى وجوب الزكاة في العسل مطلقًا بنصابه. وانظر: بدائع الصنائع (2/ 183)، والمنتقى (2/ 172)، وروضة الطالبين (2/ 92).
(4)
لعدم النص والأصل عدم الوجوب، والمن: كل طل ينزل من السماء على شجر أو حجر ويحلو، وينعقد عسلًا، وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 236).
(5)
ضبة تصحيحية إلى قوله: عقيق.
(6)
ملح الطعام: يتكون من كلوريد الصوديوم، ويظهر على شكل حبيبات صغيرة أو كبيرة، ويتم الحصول على ملح الطعام من تبخير ماء البحر، أو من حفر مناجم في الجبال أو من تجمعاته تحت الأرض، ثم تكسيرها وتهيئتها للاستخدام، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(7)
النفط: مزيج من الهيدروكربونات يحصل عليها بتقطير زيت البترول أو قطران الفحم الحجري، وهو سريع الاشتعال، وأكثر ما يستعمل في الوقود، انظر: المعجم الوسيط (2/ 941).
(8)
الطين الأحمر، انظر: أنيس الفقهاء (177).
(9)
العقيق تعبير لا يصف معدنًا معينًا، ولكن يطلق على مجموعة من الأشكال المختلفة للسيليكا، وهو يتكون من ترسب محاليل مائية، ويتواجد في الحمم البركانية، فيملأ =
وفي الركاز الخمس قليلًا أو كثيرًا، وهو ما وجد من دفن الجاهلية ومصرفه كالفيء، وباقيه لواجده
(1)
، ولو أجيرًا لنحو هدم أو فحر
(2)
، ولو ذميًا أو صغيرًا، فإن كان أجيرًا لطلب الركاز، فيكون لمستأجره، ولا يمنع من وجوب الخمس فيه الدين، فإن كان على شيء منه علامة المسلمين فلقطة
(3)
، وكذا إن لم تكن له علامة.
ويسن للإمام تعيين خارصٍ لثمرة النخل والكرم إذا بدا صلاحها، ويكفي واحد؛ لأنه كحاكم وقائف.
ويشترط كونه مسلمًا أمينًا خبيرًا بالخرص، وأجرته على رب الثمرة، فإن لم يبعث خارصًا فعلى رب الثمار فعل ذلك، ليعرف قدر ما عليه قبل تصرفه.
وأما زكاة الأثمان وهي الذهب والفضة فهو ربع العشر إن بلغت نصابًا، ونصاب الذهب عشرون مثقالًا
(4)
، والفضة مائتا درهم، والعشرة دراهم سبعة مثاقيل.
ويزكى مغشوش إذا بلغ خالصه نصابًا وزنًا، ويضم الذهب إلى الفضة
= التجاويف التي أحدثها انبثاق الغازات أثناء تجمد الصهارة، كما يعثر عليه في الصخور الرسوبية وبين الحصى، وهو ذو ألوان متباينة وبريق شمعي شفاف أو نصف شفاف أو معتم، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(1)
ضبة تصحيحية إلى قوله: الدين.
(2)
لم أجد هذه الكلمة في المعاجم التي بين يدي، لكن كلمة فحر بمعنى حفر، وهي دارجة في اللهجة المصرية المعاصرة، والله أعلم.
(3)
كآية من القرآن، أو اسم النبي صلى الله عليه وسلم، أو ملك من ملوكهم. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 420).
(4)
مثقال: واحد مثاقيل، الذهب، ومثقال الشيء: ميزانه من مثله، والمثقال من الذهب يساوي الدينار ويساوي بوزنه من الغرامات (4.25) غرامًا، والمثقال من المعادن يساوي بالغرامات (4.53) غرامًا، انظر: مادة ثقل في ميزان العرب (11/ 87)، ومختار الصحاح (36)، والإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان (68).
في تكميل النصاب بالأجزاء
(1)
، كمائة درهم وعشرة مثاقيل، ويجزئ إخراج زكاة أحدهما من الآخر باعتبار القيمة، وتضم قيمة عروض التجارة إلى كل منهما في تكميل النصاب، وجيد إلى رديء، ويخرج من كل نوع بحصته.
ولا زكاة في حلي مباح معد للاستعمال والإعارة
(2)
، ولو لرجل إن لم يكن بقصد الفرار من الزكاة، -أو معد للكراء أو النفقة
(3)
-.
وتجب الزكاة في الحلي المحرم، وآنية من ذهب أو فضة، وفي الحلي المباح المعد للكراء أو النفقة -كحلية الدابة وحلية الدواة والمكحلة
(4)
-، إذا بلغ نصابًا.
وتحرم تحلية المسجد بذهب أو فضة، وتجب زكاته وإزالته، إلا إذا استهلك فلم يجتمع منه شيء بالإزالة فلا تحرم استدامته ولا زكاة فيه حينئذ
(5)
(6)
.
ويباح للذكر خاتم فضة ولو بلغ مثقالًا، سواء كان فصه منه أو من غيره، والأولى جعله باليسرى، ويكره أن يكتب عليه ذكر الله، ويباح له حلية المنطقة وتسمى الحياصة من الفضة، وتحلية الخوذة والخف وحمايل السيف،
(1)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى وجوب ضم الذهب إلى الفضة بالأجزاء في تكميل النصاب، وذهب الشافعية إلى عدم الضم باعتبار أنهما جنسان مختلفان. وانظر: المبسوط (4/ 193)، والذخيرة (3/ 13)، وحاشية بجيرمي (2/ 35).
(2)
ذهب الحنفية إلى وجوب الزكاة في الحلي المعد للاستعمال إذا بلغ نصابًا، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى عدم وجوب الزكاة في الحلي المعد للاستعمال. وانظر: البناية (3/ 442)، والإشراف (1/ 400)، ومغني المحتاج (1/ 390).
(3)
هذه العبارة كررها المؤلف رحمه الله مرتين ولعلها هنا سبق قلم.
(4)
هذه أمثلة على الاستعمال المحرم، ولو قال المؤلف رحمه الله وتجب الزكاة في الحلي المحرم، كحلية الدابة وحلية الدواة والمكحلة لكان أوفق وأرفق، والله أعلم.
(5)
ضبة تصحيحية إلى قوله: ذكر الله.
(6)
لعدم ماليته، انظر: حاشية الروض المربع (3/ 259).
لا نحو الميل والمرآة والمشط والمكحلة، ويباح من الذهب ما دعت إليه الضرورة، من أنف ورباط أسنان، ويباح للأنثى من الذهب والفضة ما جرت عادتها به ولو كثر، كالطوق والخلخال والسوار والتاج، ويباح لهما التحلي بنحو الجواهر، ويكره تختمهما بالحديد والنحاس
(1)
والرصاص
(2)
(3)
.
وأما عروض التجارة إذا ملكها بفعله كبيع ووصية بنية التجارة فتقوم عند تمام الحول بالأحظ للفقراء من ذهب أو فضة، ولا يعتبر ما اشتريت به، ولا عبرة بقيمة مثل آنية ذهب أو فضة بل المعتبر وزنها، وما فيه صناعة محرمة يقوم عاريًا عنها، وأول الحول من حين بلوغ القيمة نصابًا، وتخرج الزكاة من أحد النقدين، ولا تجزئ من العروض
(4)
، ومن ورث عروضًا أو ملكها للقنية ثم نوى التجارة بها لم تصر لها بمجرد النية
(5)
، إلا حليًا ليس إذا نواه للقنية، ثم نواه للتجارة فيزكيه، ولا شيء في آلات الصباغ وأمتعة النجار وقوارير العطار، إلا أن يريد بيعها معها، ولا زكاة في قيمة ما أعد للكراء من عقار وحيوان
(6)
.
* * *
(1)
النحاس: يعتبر من أقدم المعادن التي اكتشفها الإنسان، وهو مادة جيدة للتوصيل الحراري والكهربائي، لذا تصنع منه المبادلات الحرارية والأسلاك والتوصيلات الكهربائية، ويستخدم في صنع البطاريات والمعدات الكهربائية والصناعية وأواني الطهي، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(2)
الرصاص: يعد أحد الفلزات الثقيلة السامة، وهو مطواع سهل السبك، ذو درجة انصهار منخفضة، وأحد أقدم الفلزات المكتشفة عبر التاريخ، ويتوافر بكثرة في القشرة الأرضية مع عناصر ثقيلة أخرى مثل الذهب والزئبق. انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(3)
قيل: إنها حلية أهل النار، انظر: الإنصاف (3/ 145)، وشرح منتهى الإرادات (1/ 433).
(4)
لتعلقها بالقيمة. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 262).
(5)
لأن مجرد النية لا ينقل العرض عن الأصل وهو القنية وفاقًا، بل لا بد من الفعل مع النية، انظر: حاشية الروض المربع (3/ 263).
(6)
لأنه ليس بمال تجارة. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 268).
باب زكاة الفطر
(1)
تجب على كل مسلم ولو يتيمًا، يفضل عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته وما يحتاجه من خادم ومسكن ودابة وثياب بذلة وكتب علم.
وتلزمه عن نفسه وعمن يمونه من المسلمين كولده وزوجته
(2)
وعبده ولو للتجارة وزوجة عبده الحرة، فإن لم يجد فطرة تكفي جميعهم بدأ بنفسه، فزوجته، فرقيقه، فأمه، فأبيه، فولده، فأقرب في الميراث.
وتجب على من تبرع بمؤنة شخص شهر رمضان، لا على من استأجر أجيرًا بطعامه، وتسن عن الجنين، ولا يمنعها الدين إلا بطلبه
(3)
، وعلى الشركاء في العبد صاع بحسب ملكهم.
وتجب بأول ليلة العيد، فمن مات أو أعسر قبل الغروب لا زكاة عليه، فإن حصل بعد ذلك استقرت في ذمته.
(1)
الفطر: اسم مصدر من قولك: أفطر الصائم إفطارًا، والفطرة بالكسر الخلقة، وأضيفت هذه الزكاة إلى الفطر لأنها تجب بالفطر بعد رمضان، من باب إضافة الشيء إلى سببه، انظر: المطلع (137).
(2)
ذهب الحنفية إلى أن صدقة الفطر عن الزوجة لا تلزم الزوج، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن صدقة الفطر تلزم الزوج عن زوجته. وانظر: البحر الرائق (2/ 271)، وحاشية الدسوقي (1/ 506)، والبيان (3/ 352).
(3)
فيقدم أداء الدين على زكاة الفطر لوجوب أدائه عندها، لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا صدقة إلا عن ظهر غنى .... ". وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 273).
والأفضل إخراجها يوم العيد قبل الصلاة، ويكره بعدها
(1)
، ويحرم تأخيرها عن يوم العيد مع القدرة ويقضيها، وتجزئ قبل العيد بيومين، ولمن عليه فطرة غيره كزوجته وعبده إخراجها مع فطرته في المكان نفسه.
والواجب عن كل شخص صاع تمر أو بر أو زبيب أو شعير أو أقط أو صاع مجموع منها، ويجزئ دقيق البر والشعير وسويقهما إن كان وزن الحب، لا خبز ومعيب ومختلط بكثير مما لا يجزئ، فإن عدمت الأصناف المذكورة أخرج مما يقوم مقامها، كذرة
(2)
ودخن وباقلاء
(3)
وأرز
(4)
وعدس
(5)
، من كل حب يقتات به، وقيل: يجزئه إخراج ما يقتات من لبن ولحم
(6)
، ويجوز أن تعطي الجماعة فطرتهم لواحد، وأن يعطي الواحد
(1)
ذهب الحنفية إلى أن الوقت موسع لإخراج زكاة الفطر، وذلك يشمل العمر كله، وذهب المالكية إلى جواز تأخير إخراج صدقة الفطر إلى ما بعد الصلاة بلا كراهة، وذهب الجمهور من الشافعية والحنابلة، إلى كراهة تأخير إخراج زكاة الفطر إلى ما بعد الصلاة.
وانظر: بدائع الصنائع (2/ 207)، والقبس (2/ 116)، ومغني المحتاج (1/ 402).
(2)
الذرة أنواع منها: البيضاء والصفراء، ويمكن تحويل الذرة إلى طحين بعد جنيها وتجفيفها ثم طحنها، وكذلك استخراج النشاء وزيت الطعام الصحي والمعروف بقلة احتوائه على الكولسترول. انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(3)
والباقِلاءُ والباقِلَّى: الفول، اسم سَوادِيٌّ، وحَمْلُه الجَرْجَر، إِذا شدَّدت اللام قَصَرْت، وِإذا خَفَّفْت مَدَدْت فقلت الباقِلاء، واحدته باقِلاةً وباقِلَّاءة، انظر: لسان العرب (11/ 62).
(4)
الأرز: نبات من الفصيلة النجيلية، وهو نبات عشبي حولي، طول نبتته 50 - 180 سم، ويعتبر الأرز الغذاء الأساسي لأكثر من نصف العالم، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(5)
العدس: نبات ينتمي إلى فصيلة النباتات القرنية، ويزرع في مصر وجنوبي أوروبا والولايات المتحدة وغربي آسيا، وحبوبه ذات لون بني تميل إلى الحمرة، أو رمادي أو أسود أو أصفر أو برتقالي. وهو من المحاصيل البقولية الهامة الغنية بالفيتامينات والمعادن، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(6)
قال ابن حامد: يجزئه عند عدمها الإخراج مما يقتاته، كالذرة والدخن ولحوم الحيتان والأنعام. انظر: المغني (2/ 652)، والشرح الكبير (2/ 662)، والإنصاف (3/ 179).
فطرته لجماعة، ولا يجزئ إخراج القيمة في الزكاة مطلقًا، ولو دفعها إلى مستحقها فأخرجها آخذها إلى دافعها جاز إن لم تكن حيلة، ومن لزمت فطرته غيره فأخرج عن نفسه بغير إذنه أجزأت
(1)
، ومن أخرج عمن لا تلزمه فطرته بإذنه أجزأ وإلا فلا
(2)
.
* * *
(1)
لأنه أصيل في الإخراج عن نفسه، فلا يحتاج إلى إذن من غيره.
(2)
لأنه متبرع، وزكاة الفطر عبادة تلزم فيها النية والتوكيل، ولم يكن.
باب إخراج الزكاة
يجب إخراجها على الفور مع إمكانه، وله تأخيرها لنحو قريب وجار وغيبة مال، فإن منعها جاحدًا لوجوبها كفر عارفٌ بالحكم، أو جاهلٌ وعُلِّم وأصر، وأخذت منه، وقتل بعد أن يستتاب ثلاثًا، أو بخلًا أخذت منه وعزر
(1)
، وإن ادعى إخراجها لمستحقها أو بقاء الحول أو نقص النصاب صدق بلا يمين؛ لأنها عبادة مؤتمن عليها
(2)
.
وتجب الزكاة في مال صبي ومجنون، ويخرجها وليهما
(3)
، ولا بد من نية من مكلف في إخراجها، والأفضل أن يفرقها بنفسه، وأن يقول عند دفعها: اللَّهم اجعلها مغنمًا ولا تجعلها مغرمًا، ويقول آخذها: آجرك الله فيما أعطيت، وبارك لك فيما أبقيت، وجعله لك طهورًا.
وإن وكل مسلمًا ثقة جاز، وأجزأت نية موكل مع قرب، وإلا نوى الموكل عند دفعه للوكيل، والوكيل عند دفعه للفقير، ومن علم أهلية
(1)
ضبة تصحيحية إلى قوله: مؤتمن عليها.
(2)
ذهب الحنفية إلى أن من ادعى زكاة المال الظاهر لم يصدق، وإن ادعى زكاة المال الباطن، قبل قوله بيمينه، وذهب المالكية إلى أن من ادعى أداء زكاة ماله الظاهر والباطن فإنه لا يقبل منه ولا يصدق، وذهب الشافعية إلى أن من ادعى أداء زكاة ماله الظاهر أو الباطن فإنه يقبل قوله بيمينه. وانظر: بدائع الصنائع (2/ 37)، والذخيرة (3/ 136)، والمجموع (6/ 150).
(3)
لأن ذلك حق تدخله النيابة، ولذلك صح التوكيل فيه. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 296).
آخذٍ كره إعلامه بها، ومع عدم عادته لا يجزئه الدفع له إلا إن أعلمه.
والأفضل إخراج زكاة كل مال إلى فقراء بلده، ويجوز نقلها دون مسافة قصر
(1)
، فإن نقلها إلى مسافة قصر أجزأت ويأثم
(2)
، إلا أن يكون في بلد لا فقراء فيه فيفرقها في أقرب البلاد إليه.
فإن كان المالك في بلد والمال في بلد ففي بلد المال
(3)
، ويخرج فطرته في بلد هو فيه.
ويجوز تعجيل الزكاة لحولين فأقل إذا كمل النصاب، فإن تلف النصاب المعجل زكاته أو نقص قبل الحول وقع نفلًا، وإن مات قابضها أو ارتد أو استغنى قبل مضي الحول أجزأت.
وأهل الزكاة ثمانية أصناف ولا يجوز صرفها إلى غيرهم، كبناء مساجد وقناطر وتكفين موتى:
الأول: الفقير وهو من لم يجد شيئًا، أو من لم يجد نصف كفايته.
الثاني: المسكين وهو من يجد نصفها، أو أكثرها، فيعطى الصنفان تمام كفايتهما مع عائلتهما سنة.
الثالث: العامل عليها كجاب وحافظ وكاتب.
ويشترط كونه مكلفًا مسلمًا أمينًا كافيًا، من غير ذوي القربى، ويعطى
(1)
لأنها في حكم البلد الواحد. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 296).
(2)
ذهب الحنفية إلى صحة نقل الزكاة خارج البلد مسافة قصر مع الكراهة، وذهب المالكية والحنابلة إلى صحتها مع الإثم، وذهب الشافعية إلى البطلان حيث لم تصرف الزكاة لمستحقها. وانظر: عمدة القاري (9/ 92)، وجواهر الإكليل (1/ 121)، وروضة الطالبين (2/ 194).
(3)
لأن المال يسبب الزكاة، فوجب إخراجها حيث وجد السبب. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 313).
قدر أجرته ولو غنيًا، ويجوز كون حاملها وراعيها ممن منع منها
(1)
.
الرابع: المؤلفة قلوبهم، والمؤلف: هو السيد المطاع في عشيرته، ممن يرجى إسلامه
(2)
، أو يخشى شره أو يرجى بعطيته قوة إيمانه، أو إسلام نظيره أو لأجل جبايتها ممن لا يعطيها، أو لأجل دفعه عن المسلمين، ويعطى ما يحصل به التأليف عند الحاجة فقط
(3)
.
الخامس: المكاتب ولو قبل حلول نجم
(4)
، ويجزئه أن يشتري منها رقبة، لا تعتق
(5)
عليه برحم ولا تعليق
(6)
فيعتقها، وأن يفدي بها أسيرًا مسلمًا، لا أن يعتق قنه
(7)
أو مكاتبه منها.
السادس: الغارم من المسلمين، وهو من استدان للإصلاح بين الناس،
(1)
أي: كونه كافرًا أو من ذوي القربى؛ لأن ما يأخذه للعمل. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 313).
(2)
ذهب الحنفية والحنابلة إلى أن المؤلفة قلوبهم هم الكفار المطاعون في عشائرهم، على أن الحنفية يرون أن العمل بهذا السهم قد سقط بعد عزة الإسلام وعهد النبوة، ويرى المالكية والشافعية أن سهم المؤلفة قلوبهم يشمل الكفار والمسلمين على تفصيل عندهم. وانظر: حاشية ابن عابدين (3/ 287)، وجواهر الإكليل (1/ 139)، والبيان (3/ 416).
(3)
لترك الخلفاء الإعطاء مع عدم الحاجة. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 315).
(4)
نجم: يقال نجم عليه الدية، أي: قطعها عليه نجمًا نجمًا. ويقال: قد جعل فلان ماله على فلان نجومًا معدودة، يؤدي عند انقضاء كل شهر منها نجمًا، وقد نجمها عليه تنجميًا. انظر: مادة نجم في لسان العرب (12/ 570)، ومختار الصحاح (270).
(5)
العتق: هو الكرم، وهو الجمال، ويطلق أيضًا على الحرية خلاف الرق، واصطلاحًا: قوة حكمية يصير بها القن أهلًا للتصرف الشرعي، انظر: مادة عتق في لسان العرب (10/ 234)، والمطلع (314)، والتعاريف (502)، ومختار الصحاح (173).
(6)
أي: تعليق العتق بشرط مستقبل ممكن.
(7)
القن: العبد إذا ملك هو وأبواه، ويستوي فيه الاثنان والجمع والمؤنث، انظر: مادة قنن في مختار الصحاح (231)، وتحرير ألفاظ التنبيه (204).
أو تحمل إتلافًا أو نهبًا
(1)
عن غيره ولم يدفع من ماله ما تحمله، ولو غنيًا
(2)
، وكذلك من استدان لنفسه في أمر مباح، أو محرم وتاب منه وأعسر فيعطى وفاء دينه ولو لله، ولا يجوز صرفه لغير دينه، فإن أعطي لفقره جاز له أن يفي منها دينه.
السابع: الغازي في سبيل الله بلا ديوان يكفيه، فيعطى ما يكفيه لغزوه ولو غنيًا
(3)
.
الثامن: ابن السبيل: وهو الغريب المنقطع بمحل غير بلده في سفر مباح، أو محرم وتاب منه، فيعطى ما يوصله لبلده.
فإن فضل مع ابن سبيل أو غاز أو غارم أو مكاتب شيء رده، وأما غيرهم فيتصرف فيه بما شاء؛ لأن ملكه له مستقر، ومن كان ذا عيال أخذ ما يكفيهم، ويجوز صرفها إلى صنف واحد، وإلى الخوارج والبغاة، وكذا من أخذها من الملوك قهرًا واختيارًا، عدل فيها أم جار.
ولا يجوز صرفها للكافر غير المؤلف، ولا للرقيق غير العامل والمكاتب، ولا للغني بمالٍ أو كسب، ولا من تلزم المخرج نفقته، ما لم يكن عاملًا أو غازيًا أو مؤلفًا أو مكاتبًا، أو ابن سبيل أو غارمًا لإصلاح ذات بين، ولا لزوجها
(4)
ولا لزوجته.
(1)
النهب: الغارة والاختلاس والنهبة: اسم الانتهاب. انظر: مادة نهب في لسان العرب (1/ 773).
(2)
لئلا يجحف ذلك بسادات القوم المصلحين، أو يوهن عزائمهم فجاء الشرع بإباحة المسألة فيها، وجعل لهم نصيبًا من الصدقة. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 317).
(3)
ذهابًا وإيابًا وثمن سلاح ودرع وفرس؛ لأنها مصلحة عامة. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 320).
(4)
ذهب الحنفية والحنابلة إلى منع الزوجة من إعطاء زوجها زكاة مالها، وتردد اختيار المالكية بين الكراهة والتحريم في إعطاء الزوج من زكاة الزوجة، وذهب الشافعية إلى الجواز. وانظر: اللباب (1/ 155)، والذخيرة (3/ 141)، والبيان (3/ 444).
ولا لبني هاشم، فيدخل آل عباس وآل علي وآل جعفر وآل عقيل، وآل الحارث بن عبد المطلب وآل أبي لهب
(1)
، ما لم يكونوا غزاة أو مؤلفة أو غارمين لإصلاح ذات البين، وكذا مواليهم، ولهم أخذ صدقة تطوع، ونذر ووصية لفقراء، لا كفارة
(2)
فإن دفعها لغير مستحقها وهو يجهل ثم علم الحقيقة لم تجزئه
(3)
، ويستردها منه بنمائها، فإن تلفت في يد القابض ضمنها، لكن لو دفعها لمن يظنه فقيرًا فبان غنيًا أجزأت
(4)
.
وتجزئ إلى من تبرع بنفقته بضمه إلى عياله، وإلى من تعذرت نفقته من زوج وقريب، بنحو غيبة أو امتناع، ولو دفعها لمن يظنه غير أهل فبان أهلًا لا تجزئه لعدم جزمه بالنية حال دفعه، وإن دفع صدقة التطوع إلى غني، وهو لا يعلم غناه لم يرجع، وسن تفرقة زكاته على أقاربه، الذين لا تلزمه نفقتهم.
وتسن صدقة التطوع في كل وقت، لا سيما سرًا وفي زمان فاضل ومكان فاضل، وعلى جاره وذوي رحمه فهو صدقة وصلة.
(1)
ذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة، إلى منع بني هاشم من الأخذ من الزكاة، حتى لو منعوا حقهم من الخمس، وذهب المالكية إلى جواز إعطائهم من الزكاة دفعًا لحاجتهم. وانظر: البناية (3/ 454)، وميسر الجليل الكبير (2/ 56)، وروضة الطالبين (2/ 184).
(2)
لأنها صدقة واجبة بالشرع فأشبهت الزكاة بل أولى؛ لأن مشروعيتها لمحو الذنب، فهي أشد من أوساخ الناس. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 331).
(3)
ذهب الحنفية إلى وقوع الزكاة موقعها، إذا دفعها لمن ظن أنه من أهلها، فبان أنه من غير أهلها، سواء ظهر غنيًا أو هاشميًا أو غير ذلك، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الزكاة لا تقع موقعها إلا في الغني إذا ظنه فقيرًا. وانظر: بدائع الصنائع (2/ 163)، والإشراف (1/ 420)، وروضة الطالبين (2/ 199).
(4)
الفرق بين المسألتين أنه في المسألة الأولى، ليس عنده من غلبة الظن وقوة العلم مثل المسألة الثانية، فلذلك لم يعف عن الأولى، وعفي عن الثانية. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 335).
وكره لمن لا صبر له أن ينقص نفسه عن الكفاية التامة، فلا يقترض ليتصدق، فإنه لو عبس الزمان في وجهك مرة، لعبس في وجهك أهلك وجيرانك، فينبغي إمساك المال وادخاره
(1)
لحاجة تعرض، ويأثم من تصدق بصدقة تضر بنفسه أو غريمه، والمن بالصدقة كبيرة، ويبطل به الثواب.
* * *
(1)
ادخار: أصل الادخار اذتخار، وذخر الشيء يذخره ذخرًا، وأذخره إذخارًا: اختاره، وقيل: اتخذه، انظر: مادة ذخر في لسان العرب (4/ 203)، ومختار الصحاح (92).
كتاب الصيام
(1)
يجب صوم رمضان برؤية هلاله على جميع الناس، ولو اختلفت المطالع، وعلى من حال دونهم ودون مطلعه غيم ونحوه
(2)
ليلة الثلاثين من شعبان احتياطًا بنية أنه من رمضان ظنًا
(3)
، ويجزئ صيام ذلك اليوم إن ظهر أنه منه، وتصلى التراويح وتثبت له بقية توابع الصوم، فتجب الكفارة بالوطء فيه، والإمساك على من لم يبيت النية ونحو ذلك ما لم يتحقق أنه من شعبان، ولا تثبت له بقية الأحكام كوقوع الطلاق والعتق وانقضاء العدة ونحو ذلك عملًا بالأصل، فإن لم ير الهلال مع الصحو ليلة الثلاثين من شعبان أفطر وكره الصوم، وإن رؤى الهلال نهارًا ولو قبل الزوال فهو لليلة المقبلة.
وتثبت رؤية هلاله بخبر مسلم مكلف عدل ولو عبدًا أو أنثى، وبدون لفظ الشهادة، فيلزم الصوم من سمع عدلًا يخبر برؤية الهلال، ولو رده الحاكم، وتثبت بشهادة الواحد بقية الأحكام تبعًا، ولا يقبل في بقية الشهور، إلا رجلان عدلان بلفظ الشهادة.
(1)
الصيام لغة: ترك الطعام والشراب والكلام والنكاح، واصطلاحًا: إمساك بنية عن جميع المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، انظر: مادة صوم في لسان العرب (12/ 350)، ومختار الصحاح (156).
(2)
كدخان وغبرة.
(3)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية، إلى أنه لا يصام رمضان إلا بالرؤية أو كمال عدة شعبان، ولا مدخل للاحتياط في هذه العبادة. وانظر: الهداية (2/ 51)، والثمر الداني (229)، والإقناع (1/ 459).
وإذا صاموا بشهادة اثنين ثلاثين يومًا فلم يروا الهلال أفطروا في الصحو لغيم، لا إن صاموا بشهادة واحد، ولا إن صاموا لأجل غيم؛ لأن الصوم كان احتياطًا
(1)
ومن رأى وحده هلال رمضان ورد قوله لزمه الصوم وجميع أحكام الشهر، وإن رأى وحده هلال شوال صام ولم يفطر
(2)
، وإن اشتبهت الأشهر على نحو أسير تحرى وصام وأجزأه، إن لم يعلم أنه تقدمه.
ويلزم الصوم في شهر رمضان لكل مسلم مكلف قادر، لا مريضًا يعجز عنه، ولو أسلم كافر في أثنائه صام الباقي فقط.
وإذا قامت البينة في أثناء النهار برؤية الهلال وجب الإمساك والقضاء، على كل من صار في أثنائه أهلًا لوجوبه
(3)
، كحائض ونفساء طهرتا، ومسافر قدم مفطرًا، فيمسكون ويقضون، وكذا لو برأ مريض مفطرًا، وبلغ صغير في أثنائه مفطرًا، أمسك وقضى فإن كانوا صائمين أجزأهم.
ومن أفطر لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أطعم لكل يوم مسكينًا مد بر أو نصف صاع من غيره، فإن كان الكبير أو المريض الذي لا يرجى برؤه مسافرًا فلا فدية لفطره ولا قضاء لعجزه.
وسن الفطر لمريض يضره الصوم، ولمسافر سفر قصر ولو بلا مشقة
(4)
، ويجوز للمريض الوطء فيه، ومن به شبق لا تندفع شهوته إلا به، ولا كفارة ويقضي، ما لم يتعذر لشبق فيطعم ككبير، وإن نوى حاضر صوم يوم ثم سافر في أثنائه فله الفطر إذا فارق بيوت قريته.
وإن أفطرت حامل أو مرضع خوفًا على نفسيهما فقط، أو مع الولد
(1)
ولأن الأصل بقاء رمضان.
(2)
لاحتمال خطئه وتهمته، فوجب الاحتياط. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 346).
(3)
لثبوته من رمضان، ولم يأتوا فيه بصوم صحيح فلزمهم قضاؤه، وإمساك بقية اليوم من خواص رمضان، وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 368).
(4)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية إلى استحباب الصيام لمن لا يتعبه السفر، وذهب الحنابلة إلى استحباب الأخذ بالرخصة ولو بلا مشقة. وانظر: الهداية (2/ 61)، والثمر الداني (237)، والإقناع (1/ 478).
قضتاه فقط، وإن أفطرتا خوفًا على ولديهما فقط قضتا وأطعمتا لكل يوم مسكينًا على من يمون الولد، وتجزئ هذه الكفارة إلى مسكين واحدٍ جملة، والظئر
(1)
كالأم، وليس لمن أبيح له الفطر في رمضان صوم غيره فيه
(2)
.
ومن نوى الصوم ثم جن أو أغمي عليه جميع النهار لم يصح صومه
(3)
، فإن أفاق جزءًا منه صح، ونوم جميع النهار لا يمنع الصحة
(4)
، ويلزم المغمى عليه القضاء دون المجنون.
ويجب تعيين النية لصوم كل يوم من الفرض بالليل
(5)
، لا فرق بين أوله وآخره، ولو أتى بعدها ليلًا بما ينافي الصوم كالأكل والوطء، بأن يقصد صيامًا من رمضان، أو نذر أو كفارة، ولا تجب نية الفرضية، ويصح
(1)
الظئر: مرضعة غير ولدها من الإنسان والحيوان، وكانوا إذا أرادوا ذلك شدوا أنف الناقة وعينيها وحَشَوْا في حيائها خرقة ثم خلوه بِجِلالَين وتركوها كذلك يومين فتظن أنها قد مخضت للولادة، فإذا غمها ذلك وأكربها نَفَّسوا عنها واستخرجوا الخرقة من حيائها، ويكونون قد أعدوا لها حُوارًا من غيرها فيلطخونه بتلك الخرقة ويقدمونه إليها، ثم يفتحون أنفها وعينيها فإذا رأت الحُوار وشمته ظنت أنها ولدته فَتَرْأمُه وتعطف عليه. انظر: مادة ظأر في لسان العرب (4/ 514)، والنهاية (3/ 154).
(2)
لأن الفطر أبيح تخفيفًا ورحمة، فإذا لم يؤده لزمه الإتيان بالأصل كالمقيم الصحيح، ولأنه لا يسع غير ما فرض فيه، ولو في رمضان آخر، أو عن يوم من رمضان في يوم ثان منه. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 380).
(3)
لعدم حصول الإمساك منه، والنية وحدها لا تجزئ. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 381).
(4)
لأن النوم عادة لا يزول به الإحساس بالكلية، ولأنه متى نُبِّه انتبه، فهو كذاهل وساه. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 381).
(5)
ذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى وجوب تبييت النية لصيام كل يوم من رمضان قبل الفجر؛ لأن صيام كل يوم عبادة مستقلة، وذهب المالكية إلى جواز الاكتفاء بنية واحدة للشهر كله، وذلك لأن الصوم المتتابع كالعبادة الواحدة، وانظر: الهداية (2/ 47)، والثمر الداني (229)، إعانة الطالبين (2/ 221).
صوم النفل بنية من النهار قبل الزوال أو بعده، ولو نوى إن كان غدًا من رمضان فهو فرضي لم يجزه لعدم جزمه بالنية، ولو قال ذلك ليلة الثلاثين من رمضان، وقال: وإلا فأنا مفطر، فبان من رمضان أجزأه
(1)
، ومن نوى الإفطار أفطر، وصار كأنه لم ينو
(2)
، ويصح أن ينوي به نفلًا بغير رمضان.
ويشترط لصحة الصوم ستة شروط: الإسلام، وانقطاع دم الحيض والنفاس، والتمييز والعقل.
والنية من الليل لكل يوم واجب ولو نذرًا، ولو خطر بقلبه أنه صائم غدًا فقد نوى، ويجب على ولي المميز المطيق للصوم أمره به وضربه ليعتاده.
وفرض الصيام فرضًا كان أو نفلًا إمساك عن جميع المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى كمال غروب الشمس.
وسننه ستة: تعجيل الفطر إذا تحقق غروب الشمس.
وتأخير السحور ما لم يخش طلوع الفجر، والزيادة في أعمال الخير، وقوله جهرًا إذا سبه أحد: إني صائم، وعند فطره: اللَّهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، سبحانك وبحمدك اللَّهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم، وفطره على رطب فتمر فماء.
ويحرم على من لا عذر له من نحو مرض أو سفر الفطر في رمضان، ويجب الفطر على الحائض والنفساء، وعلى من يحتاجه لإنقاذ آدمي معصوم من مهلكة.
ويسن لمسافر يباح له القصر، ولو بلا مشقة، ولمريض يخاف الضرر. ويباح لحاضر سافر أثناء النهار.
(1)
لأنه بنى على أصل لم يثبت زواله، وهو حكم صومه مع الجزم. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 373).
(2)
لأنه قطع النية. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 387).
وإن أسلم الكافر أو طهرت الحائض أو قدم المسافر أو بلغ الصغير أو عقل المجنون في أثناء النهار وهم مفطرون لزمهم الإمساك والقضاء
(1)
.
والمفطرات اثنا عشر: خروج دم الحيض والنفاس، والموت، والردة والعزم على الفطر، والتردد فيه، والقيء عمدًا، ولو بلغمًا أو دمًا أو غيره وإن قل، وبلع النخامة إذا وصلت إلى الفم
(2)
، والاحتقان من الدبر، والحجامة حاجمًا كان أو محجومًا، وإنزال المني بتكرار نظر لا بنظرة، ولا بالتفكر ولا بالاحتلام، ولا بالمذي
(3)
، وخروج المني أو المذي لتقبيل أو لمس أو استمناء أو مباشرة دون الفرج، فلا فطر بدون الإنزال، وكل ما وصل إلى الجوف أو الحلق أو الدماغ من مائع وغيره، فالأكل والشرب أو الاستعاط
(4)
أو الاحتقان أو الاكتحال بما علم وصوله إلى الحلق لرطوبته أو حدته من إثمد كثير، أو يسيرٍ مطيَّب، أو صبر أو قطور
(5)
أو ذرور
(6)
مفسد
(1)
ذهب الحنفية والحنابلة إلى أن المسافر والحائض إذا زال عذرهما بقية اليوم فإنهما يمسكان عن المفطرات وجوبًا، وذهب المالكية والشافعية إلى أنه لا يجب عليهما الإمساك؛ لأن الرخصة ثبتت لهم أول النهار، فلا يلزمون بالإمساك آخره. وانظر: الهداية (2/ 64)، والثمر الداني (231)، والأم (2/ 101).
(2)
ذهب الحنفية والمالكية إلى أن بلع النخامة إذا بلغت الفم لا يفطر. وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن بلعها مفطر مفسد للصوم. وانظر: فقه العبادات (1/ 132)، والفواكه الدواني (1/ 309)، والوسيط (2/ 527).
(3)
لا إفطار بإنزال مذي بتكرار نظر؛ لأنه إنزال لا عن مباشرة، فلم يلحق بالمني لضعفه، أو لم يكرر النظر فأنزل، لعدم إمكان التحرز. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 397).
(4)
السَّعُوطُ: بالفتح الدواء يُصب في الأنف، وقد أسْعَطَهُ فاسْتَعَطَ هو بنفسه، والمُسْعُطُ بضم السين والعين: الإناء الذي يُجعل فيه السعوط، انظر: مختار الصحاح (326).
(5)
القطور: من باب قطر، وتقطير الشيء إسالته قطرة قطرة، انظر: مادة قطر في مختار الصحاح (226).
(6)
الذرور: ما يذر في العين وعلى القرح من دواء يابس، انظر: مادة ذرر في لسان العرب (4/ 304)، ومختار الصحاح (93).
للصوم، وكذا مضغ العلك وذوق الطعام مع وجود الطعم في الحلق
(1)
، ومن تنجس فمه بنحو دم فبلعه وإن قل أفطر، وإن أخرج من فمه حصاة أو خيطًا ثم أعاده فإن كثر ما عليه أفطر، وإلا فلا.
ولا يفطر إن فعل شيئًا من جميع المفطرات المتقدمة ناسيًا أو مكرهًا، ولا إن دخل الغبار حلقه، أو دخله الذباب بغير قصد
(2)
، ولا إن جمع ريقه فابتلعه
(3)
، أو أخرج لسانه ثم أعاده بما عليه، ولا إن قطر في إحليله شيئًا أو أدخل فيه شيئًا، فوصل إلى المثانة
(4)
، ولا إن خرج دم بفصد
(5)
أو شرط أو رعاف، وكذا لو غلبه القيء، أو أصبح في فيه طعام فلفظه أو اغتسل أو تمضمض أو استنثر، أو زاد على الثلاث في المضمضة أو الاستنشاق أو فيهما فدخل الماء حلقه، لم يفسد صومه لعدم القصد.
ومن أكل أو شرب أو جامع شاكًا في طلوع الفجر ولم يتبين له طلوعه صح صومه، لا إذا أكل ونحوه شاكًا في غروب الشمس ولم يتبين بعد ذلك أنها غربت فعليه قضاء الصوم الواجب
(6)
، ولو أكل معتقدًا أنه ليل فبان نهارًا قضى.
وتكره القبلة ودواعي الوطء لمن تحرك شهوته، وتحرم إن ظن إنزالًا.
ومن جامع في نهار رمضان ولو في يوم لزمه إمساكه فغيب حشفة
(1)
فإذا لم يجد طعمه لم يضره. انظر: منار السبيل (1/ 207).
(2)
هذه المسألة محل إجماع بين أهل العلم؛ لأنه لا يمكن التحرز منه عادة، وانظر: الهداية (2/ 56)، والقوانين الفقهية (80)، والإقناع (1/ 464).
(3)
لعدم إمكان التحرز منه، ولأنه لا يدخل تحت الوسع. انظر: منار السبيل (1/ 208).
(4)
ذهب الجمهور إلى أن التقطير في الذكر لا يفطر، وذهب الشافعية إلى أنه من المفطرات. وانظر: الهداية (2/ 59)، والفواكه الدواني (1/ 309)، والإقناع (1/ 464).
(5)
الفصد: قطع العروق، وافتصد فلان إذا قطع عرقه ففصد، وفصد الناقة قطع عرقها ليشرب دمها، انظر: مادة فصد في لسان العرب (3/ 336)، ومختار الصحاح (211).
(6)
إجماعًا؛ لأن الأصل بقاء النهار. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 406).
ذكره الأصلي في قبل أصلي أو دبر، ولو لميت أو بهيمة، ولو ناسيًا أو جاهلًا أو مكرهًا، فعليه القضاء والكفارة، أنزل أم لا، ولو أولج خنثى مشكل ذكره في قبل خنثى أو امرأة، أو أولج رجل ذكره في قبل خنثى لم يفسد صوم واحد منهما إلا أن ينزل كالغسل، وكذا إذا أنزل مجبوب أو امرأتان بمساحقة.
وتلزم الكفارة من جومع إن طاوع عالمًا عامدًا، فإن كان ناسيًا أو جاهلًا أو نائمًا أو مكرهًا فعليه القضاء فقط لا الكفارة، وكذلك لو جامع من نوى الصوم في سفره المباح فيه القصر.
وإن جامع الصائم في يومين فكفارتان، وإن كرره في يوم ولم يكفر للأول فواحدة
(1)
، فإن كفر للأول لزمته ثانية
(2)
، ومن جامع ثم مرض أو جنَّ لم تسقط عنه الكفارة، ولا تجب بغير جماع في صيام رمضان
(3)
، والنزع جماع، والإنزال بالمساحقة كالجماع على ما في المنتهى
(4)
.
والكفارة
(5)
عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب المضرة بالعمل، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا، لكل مسكين مد بر، أو نصف صاع من تمر أو شعير أو أقط أو زبيب، فإن لم
(1)
لأن الكفارات زواجر بمنزلة الحدود، فتتداخل كالحدود. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 415).
(2)
لأنه وطء محرم وقد تكرر، فتتكرر هي كالحج. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 416).
(3)
ذهب الحنفية والمالكية إلى أن من أفطر متعمدًا بأكل أو شرب أو جماع فإنه تلزمه الكفارة مع القضاء؛ لانتهاك حرمة الزمان، وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه لا يجب في المفطرات سوى الجماع إلا القضاء، وانظر: الهداية (2/ 59)، والثمر الداني (328)، والإقناع (1/ 471).
(4)
انظر: شرح منتهى الإرادات (1/ 222).
(5)
ذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن كفارة الجماع في نهار رمضان على الترتيب، وذهب المالكية إلى أن الكفارة على التخيير ابتداء، ورجحوا الابتداء بالإطعام لعموم نفعه، وانظر: الهداية (2/ 58)، والثمر الداني (239)، والإقناع (1/ 482).
يجد شيئًا يطعمه المساكين سقطت عنه بخلاف غيرها من الكفارات ككفارة حج وظهار ويمين وقتل، ويسقط الجميع بتكفير غيره عنه بإذنه.
ومن فاته رمضان كله قضى عدد أيامه، ويقدمه وجوبًا على نذر لا يخاف فوته، وسن القضاء على الفور والتتابع، إلا إذا بقي من شعبان بقدر ما عليه، فيجب التتابع.
ولا يجوز تأخير قضائه إلى رمضان آخر بلا عذر فإن فعل حرم عليه، وعليه مع القضاء طعام مسكين لكل يوم، فإن كان لعذر فلا شيء عليه، ولو مات وعليه صيام أخره بعذر فلا شيء عليه، وبغير عذر أطعم عنه لكل يوم مسكين، ولو بعد رمضان آخر، ولا يقضى عنه ما وجب بأصل الشرع من صلاة وصوم، فإن مات وعليه صوم نذر أو حج نذر أو اعتكاف نذر أو صلاة نذر استحب لوليه قضاؤه، فإن صام غير الولي جاز، هذا فيمن أمكنه صوم ما نذره
(1)
فلم يصمه، فلو أمكنه بعضه قضى ذلك البعض فقط.
* * *
(1)
بأن مضى من الوقت ما يتسع لفعل ما نذر قبل موته فلم يصمه فيفعل عنه لثبوته في ذمته، كقضاء دينه من تركته، وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 443).
فصل: (في صيام التطوع)
ويسن صوم ثلاثة أيام من كل شهر، والأفضل أن تكون البيض، وهي الثالث عشر وتالياه، وصوم الإثنين والخميس وست من شوال، وشهر المحرم، وآكده عاشره ثم تاسعه، وصوم تسع ذي الحجة، وآكده يوم عرفه لغير حاج بها.
وأفضل التطوع صوم يوم وفطر يوم إن لم يضعف البدن.
وكره إفراد رجب بالصوم
(1)
، فإن أفطر فيه أو صام معه غيره زالت الكراهة، وكره إفراد يوم الجمعة ويوم السبت
(2)
.
وكره صوم يوم النيروز
(3)
والمهرجان، وكل يوم يعظمه الكفار، ويوم
(1)
لأن في إفراده بالصوم تعظيمًا وإحياءً لشعائر الجاهلية، وكان عمر رضي الله عنه يضرب أكف المترجبين، حتى يضعوها في الطعام، ويقول: كلوا فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 475).
(2)
ذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى كراهة إفراد يوم الجمعة أو السبت أو الأحد بصيام ما لم يوافق عادة، وذهب المالكية إلى جواز إفراد يوم السبت بالصيام، وانظر: حاشية ابن عابدين (2/ 375)، وإعانة الطالبين (2/ 271)، وفقه السنة (1/ 297).
(3)
النيروز أو النوروز: أصله بالفارسية نيع روز، وتفسيره جديد يوم. انظر: مادة نرز في لسان العرب (5/ 416).
الشك وهو يوم الثلاثين من شعبان إن لم يكن غيم ولا نحوه، ويكره الوصال: وهو أن لا يفطر بين يومين أو أكثر
(1)
.
ويحرم صوم يومي العيدين، ولو في فرض وصيام أيام التشريق، لا عن دم متعة أو قران.
ومن دخل في فرض موسع من صوم أو غيره حرم قطعه كالمضيق بلا عذر.
ولا يلزم الإتمام في النفل من صوم أو صلاة أو غيرهما، ولا قضاء فاسده إلا الحج والعمرة فيجب إتمامها، وإن فسدا لزمه القضاء.
وترجى ليلة القدر في العشر الأخير من رمضان، وأوتاره آكد، وأرجاها ليلة سبع وعشرين، ويدعو فيها بما ورد، وهو: اللَّهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني
(2)
(3)
ويجب مطلقًا اجتناب كذب، وغيبة ونميمة وشتم ونحوه.
* * *
(1)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى كراهة الوصال لآحاد الناس، ونصوا على أنه ليس طاعة مندوبة في حقهم، وأنه مندوب أو مباح في حق النبي صلى الله عليه وسلم، ونص الشافعية على تحريم الوصال لآحاد الناس. وانظر: حاشية الطحطاوي (1/ 426)، وحاشية الدسوقي (2/ 213)، والإقناع (1/ 471).
(2)
أخرجه ابن ماجه في سننه، في كتاب الدعاء، باب الدعاء بالعافية، برقم (3850)، وأخرجه أحمد في المسند برقم (25423)، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح ورجاله ثقات رجال الشيخين، وأخرجه الحاكم في المستدرك في كتاب الدعاء والتكبير والتهليل والتسبيح والذكر برقم (1942).
(3)
ضبة تصحيحية إلى قوله: وشتم.
باب الاعتكاف
(1)
وهو سنة كل وقت، وفي رمضان آكد، ويجب بالنذر، ويصح بلا صوم
(2)
، ويلزم لو نذره به.
ويشترط لصحته ستة شروط:
1 -
النية.
2 -
والإسلام.
3 -
والعقل
4 -
والتمييز.
5 -
وعدم ما يوجب الغسل.
6 -
وكونه بمسجد.
7 -
ويزاد في حق من تلزمه الجماعة أن يكون المسجد مما تقام فيه إذا أتى عليه فعل صلاة، ومن المسجد ما زيد فيه، ومنه سطحه ورحبته
(1)
الاعتكاف: الاحتباس، وهو الإقامة على الشيء وبالمكان ولزومهما، واصطلاحًا: لزوم المسجد لطاعة الله تعالى على صفة مخصوصة من شخص مخصوص، انظر: مادة عكف في لسان العرب (9/ 255)، والنهاية (3/ 284).
(2)
ذهب الحنفية والمالكية إلى اشتراط الصوم في صحة الاعتكاف، وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الصوم عبادة مستقلة عن الاعتكاف فلا تجب. وانظر: الهداية (2/ 69)، والثمر الداني (245)، والإقناع (1/ 486).
المحوطة، ومنارته التي هي أو بابها فيه، ومن عين بنذره الاعتكاف أو الصلاة بمسجد غير الثلاثة لم يتعين إلا مسجد قباء
(1)
.
وأفضلها المسجد الحرام، ثم مسجده صلى الله عليه وسلم، ثم الأقصى
(2)
، فمن نذر اعتكافًا أو صلاة في أحدها لم يجزه غيره إلا أفضل منه.
ويبطل الاعتكاف بالخروج من المسجد لغير عذر عامدًا، وبنية الخروج وإن لم يخرج، وبالوطء في الفرج ولو ناسيًا، وبالإنزال بالمباشرة لما دون الفرج، وبالردة والسكر لا بالإغماء.
وحيث بطل وجب استئناف النذر المتتابع غير المقيد بزمن ولا كفارة
(3)
، فإن كان مقيدًا بزمن معين استأنفه وعليه كفارة يمين، وإن خرج لعذر غير معتاد كشهادة واجبة، ومرض، وقيء بغتة، وخوف فتنة ولم يتطاول فهو على اعتكافه، ولا يقضي الوقت الغائب بذلك، فإن
(1)
مسجد قباء: يقع جنوب غربي المدينة المنورة، ويبعد عن المسجد النبوي حوالى 5 كيلو مترات، وعن سهل بن حنيف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم جاء مسجد قباء فركع فيه أربع ركعات كان ذلك كعدل عمرة"، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء في بني عمرو بن عوف يوم الإثنين، ويوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء، ويوم الخميس، وأسس مسجده، وذكر ابن أبي خيثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسسه كان هو أول من وضع حجرًا في قبلته، ثم جاء أبو بكر بحجر فوضعه، ثم جاء عمر بحجر فوضعه إلى حجر أبي بكر ثم أخذ الناس في البنيان، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
(2)
المسجد الأقصى: هو المنطقة المحاطة بالسور المستطيل، الواقعة في جنوب شرق مدينة القدس المسورة، والتي تعرف بالبلدة القديمة، ويشمل قبة الصخرة المشرفة والمسجد الأقصى والمسمى بالجامع القبلي، ثاني مسجد وضع في الأرض، عن أبي ذر الغفاري، قال: قلت: يا رسول الله! أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: "المسجد الحرام"، قال: قلت: ثم أي؟ قال: "المسجد الأقصى"، قلت: كم كان بينهما؟ قال: "أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة فصل". انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
(3)
قال ابن ضويان الحنبلي رحمه الله: لأنه أمكن الإتيان بالمقدور على صفته فلزمه كحالة الابتداء. انظر: منار السبيل (1/ 216).
تطاول وكان الاعتكاف تطوعًا خيِّر بين الرجوع وعدمه، وإن كان واجبًا وجب الرجوع إلى معتكفه، ثم إن كان نذر الاعتكاف لأيام غير متتابعة ولا معينة كعشرة أيام لزمه أن يتم ما بقي عليه محتسبًا ما مضى، لكنه يبتدئ اليوم الذي خرج فيه من أوله ولا كفارة، وإن كانت أيامًا متتابعة غير معينة، فيخيَّر بين البناء على ما مضى وعليه كفارة يمين، وبين الاستئناف بلا كفارة، وإن كانت معينة كالعشر الأخير من رمضان فعليه قضاء ما ترك، وكفارة يمين.
ولا يبطل إن خرج من المسجد لبول أو غائط أو طهارة واجبة، ولو لوضوء قبل وقت الصلاة أو لإزالة نجاسة أو لجمعة تلزمه
(1)
، ولا إن خرج للإتيان بأكل أو شرب لعدم خادم، وله المشي على عادته، ولا يعود مريضًا
(2)
ولا يشهد جنازة حيث وجب الاعتكاف متتابعًا، ما لم يتعين عليه ذلك إلا أن يشترطه، وكذا كل قربة لم تتعين عليه، وما له منه بد كعشاءٍ في بيته، لا الخروج للتجارة، ولا التكسب بالصنعة في المسجد، ولا الخروج لما شاء
(3)
.
وإن قال: متى مرضت أو عرض لي عارض خرجت فله شرطه، وإذا زال العذر وجب الرجوع، إلى اعتكاف واجب.
وينبغي لمن قصد المسجد أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه، لا سيما إن كان صائمًا.
(1)
ذهب الحنفية والحنابلة إلى اشتراط الاعتكاف في المسجد للرجال ولو كانت في أيام الاعتكاف جمعة. فإنه يخرج لها ثم يعود لمعتكفه، وذهب المالكية والشافعية إلى وجوب الاعتكاف في مسجد جامع، إذا كان يتخلل أيام الاعتكاف يوم جمعة. وانظر: الهداية (2/ 70)، والثمر الداني (345)، والإقناع (1/ 484).
(2)
ذهب الحنفية والشافعية إلى جواز الخروج من المعتكف لعيادة المريض؛ لأنها من جملة الحاجات، خاصة لمن يتضرر بترك العيادة، وذهب المالكية إلى أن الخروج من المعتكف لعيادة المريض مبطل له إلا لعيادة الأبوين، وذهب الحنابلة المنع مطلقًا. وانظر: الهداية (2/ 70)، والثمر الداني (247)، والإقناع (1/ 487).
(3)
لأنه ينافي الاعتكاف صورة ومعنى. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 431).
ومن نذر أن يعتكف صائمًا، أو يصوم معتكفًا، أو يعتكف مصليًا، أو يصلي معتكفًا لزمه الجمع، كنذر صلاة بسورة معينة.
ومن نذر يومًا دخل قبل فجره، وتأخر حتى تغرب شمسه، وإن نذر ليلة دخل قبل الغروب، وخرج بعد الفجر، ولو أطلق عددًا فله تفريقه، وإن نذر زمنًا معينًا تابعه.
ولا يجوز البيع ولا الشراء في المسجد للمعتكف وغيره، ولا يصح، وله أن يتحدث مع من يأتيه ما لم يكثر.
* * *
كتاب المناسك
جمع منسك، بفتح السين وكسرها، وهو التعبد والأصل فيه من النسيكة، وهي الذبيحة وغلب إطلاقها على متعبدات الحج.
والحج لغة: القصد، وشرعًا: قصد مكة لعمل مخصوص، في زمن مخصوص.
والعمرة لغة: الزيارة، وشرعًا: زيارة البيت على وجه مخصوص.
وهما واجبان في العمر
(1)
مرة واحدة على الفور
(2)
، على الحر المسلم المكلف المستطيع، فالإسلام والعقل شرطان للوجوب والصحة، والبلوغ وكمال الحرية شرطان للوجوب والإجزاء دون الصحة، والاستطاعة شرط للوجوب دون الإجزاء.
فمن كملت له هذه الشروط وجب عليه السعي على الفور، ويأثم إن أخره بلا عذر، فإن زال الرق والجنون والصبا وهو محرم بالحج أو في عرفة قبل الدفع منها أو بعده، وعاد فوقف في وقته ولم يكن سعى بعد طواف القدوم وفي العمرة قبل طوافها صح ذلك فرضًا، وأجزأه عن حجة
(1)
ذهب الحنفية والمالكية إلى القول بمشروعية العمرة وأنها سنة مؤكدة، وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن العمرة واجبة في العمر مرة واحدة كالحج، وانظر: تحفة الفقهاء (392)، والثمر الداني (300)، والإقناع (1/ 489).
(2)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية إلى أن الحج واجب على الفور إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع، وذهب الشافعية إلى وجوب الحج على التراخي. وانظر: الهداية (2/ 73)، وحاشية الدسوقي (2/ 2)، والإقناع (1/ 488).
الإسلام وعمرته، فإن كان الصغير أو العبد سعى بعد طواف القدوم، وقبل الوقوف لم يجزه الحج ولو أعاد السعي، وكذا إن بلغ أو عتق في أثناء طواف العمرة لم يجزه، ولو أعاده.
ويصح فعلهما من الصبي نفلًا، ويحرم ولي ماله عمن لم يميز، ولو محرمًا أو لم يحج، ويحرم مميز بإذنه، ويفعل الولي ما يعجزهما، لكن يبدأ في رمي بنفسه، ولا يعتد برمي حلال
(1)
، ويطاف به لعجزه راكبًا أو محمولًا، ويصحان من العبد نفلًا، ويلزمان بنذره، ولا يحرم به ولا زوجة إلا بإذن سيد وزوج، فإن عقداه فلهما تحليلهما، ولا يمنعها من حج فرض كملت شروطه
(2)
، ولكل من أبوي حر بالغ منعه من إحرام بنفل، كنفل جهاد، ولا يحللانه إن أحرم
(3)
.
والمستطيع من أمكنه الركوب، ووجد زادًا وراحلة بآلتهما، صالحين لمثله بعد قضاء الواجبات من الديون حالةً أو مؤجلة، والزكاة والكفارات والنذور بعد النفقات الشرعية له ولعياله على الدوام
(4)
من أجور وعقار وربح بضاعة، أو صناعة، وبعد الحوائج الأصلية من مسكن وخادم ولباس وكتب وغطاء ووطاء ونحوها، ولا يصير مستطيعًا ببذل غيره له، ولو أباه أو ابنه، ويعتبر أمن الطريق بلا خفارة
(5)
برًا أو بحرًا، ووجود الماء والعلف فيه على
(1)
لأنه لا يصح لنفسه رمي، فلا يصح عن غيره. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 511).
(2)
ولا يحللها منه؛ لأنه واجب بأصل الشرع، أشبه الصوم والصلاة، وأكثر العلماء يوجبون عليه النفقة مدة الحج، ويستحب أن تستأذنه، وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 512).
(3)
لوجوبه بالشروع فيها، ولا يجوز للولد طاعتهما في ترك الحج الواجب، والتحلل منه. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 512).
(4)
المراد هنا مدة ذهابه ورجوعه، يعني: أن يكون له إذا رجع ما يقوم بكفايته، من عقار وبضاعة. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 516).
(5)
الخفارة: وخَفَرَ الرجلَ وخَفَرَ به وعليه يَخْفِرُ خَفْرًا: أَجاره ومنعه وأَمَّنَهُ، وكان له خفيرًا يمنعه، وكذلك تَخَفَّرَ به. وخَفَرَه: استجار به وسأَله أَن يكون له خفيرًا، وخَفَّرَه تَخْفِيرًا. انظر: مادة خفر في لسان العرب (4/ 253).
المعتاد، وسعة وقت يمكن السير فيه على العادة.
ومحل اشتراط الراحلة إذا كان في مسافة قصر من مكة، لا في دونها إلا لعاجز.
وأما الزاد فيعتبر قربت المسافة أو بعدت، مع الحاجة إليه.
وإن أعجزه كبر أو مرض لا يرجى برؤه أو ثقل لا يقدر معه على ركوب إلا بمشقة شديدة لزمه أن يقيم من يحج ويعتمر عنه فورًا من بلده، ويجزئ عنه وإن عوفي بعد الإحرام
(1)
، ويسقطان عمن لم يجد نائبًا.
ومن لم يحج عن نفسه لم يحج عن غيره، ويصح أن يستنيب قادر وغيره في نفل حج وبعضه
(2)
.
ويشترط لوجوب الحج والعمرة، على المرأة وجود زوجها أو محرمها ولو عجوزًا، وقصر السفر
(3)
، والمحرم من تحرم عليه على التأبيد لنسب أو سبب مباح، كأخ من رضاع، لا أم مزني بها وبنتها، ولا أم موطوءة بشبهة، ولا الملاعن للملاعنة، ويشترط فيه أن يكون مسلمًا ذكرًا ولو عبدًا، وأن تقدر على أجرته، وعلى الزاد والراحلة لها وله، صالحين لهما، ونفقته عليها، ولا يلزمه سفر معها، فمن أيست منه استنابت، وإن حجت بدونه حرم عليها وأجزأ.
وإن مات من لزماه أخرجا من تركته، من رأس المال أوصى به أم لا، ويسقط بحج أجنبي عنه، لا عن حي بلا إذنه، وإن ضاق ماله حج به من حيث بلغ، وإن مات في الطريق حج من حيث مات.
(1)
كما لو لم يبرأ، وكالمتمتع إذا شرع في الصوم ثم قدر على الهدي. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 520).
(2)
لأنها لا تلزم القادر ولا غيره بنفسه فجاز أن يستنيب فيها. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 522).
(3)
أي: لا يعتبر وجوب المحرم إلا في مسافة القصر. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 525).
فصل: (في المواقيت)
(1)
وميقات أهل المدينة ذو الحليفة، وأهل الشام ومصر والمغرب الجحفة
(2)
، وأهل اليمن
(3)
يلملم
(4)
، وأهل نجد
(5)
والطائف
(6)
(1)
المواقيت: جمع ميقات، وهو الزمان والمكان المضروب للفعل، والمراد هنا المواقيت المكانية، انظر: المطلع (164).
(2)
جحفة: أصلها النقطة من المرتع في قرن الفلاة، وقرنها رأسها وقلتها التي تشتبه المياه من جوانبها جمعاء، فلا يدرى القارب أي المياه منه أقرب بطرفها، انظر: مادة جحف في لسان العرب (9/ 21).
(3)
اليمن: تقع جنوب شبه الجزيرة العربية، تبلغ مساحتها 555000 كيلومتر مربع، يحدها من الشمال السعودية ومن الشرق عُمان. لها ساحل جنوبي على بحر العرب وساحل غربي على البحر الأحمر، يشرف اليمن على مضيق باب المندب، ولديه عدة جزر في البحر الأحمر وبحر العرب، أهمها جزيرة سقطرى، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
(4)
يلملم: ميقات أهل اليمن، والناس الآن يحرمون من قرية السعدية، جنوب مكة المكرمة، وهي على طريق الليث جازان، انظر: مادة لمم في لسان العرب (12/ 552)، ومختار الصحاح (252).
(5)
نجد: وتعني في اللغة: الأرض المرتفعة، وهي هضبة تقع في وسط شبه الجزيرة العربية، وترتفع ما بين 700 إلى 1500 متر فوق سطح البحر، وتشمل المناطق الواقعة ما بين جبال السروات في الحجاز غربًا إلى صحراء الدهناء شرقًا، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
(6)
الطائف: مدينة حجازية، تقع على قمة جبل غزوان، وهي مصيف سعودي رائع، =
قرن
(1)
المنازل، وأهل المشرق ذات عرق، وهي لأهلها ولمن مر عليها من غيرهم.
ومن منزله دون هذه المواقيت يحرم منه بحج وعمرة، ومن حج من أهل مكة أحرم منها، ويصح من الحل، ولا دم عليه، وتصح العمرة من مكة وعليه دم.
ومن لم يمر بميقات أحرم إذا علم أنه حاذى أقربها منه، فإن لم يحاذ ميقاتًا أحرم على مرحلتين
(2)
من مكة، وعمرة من بمكة من الحل.
ولا يحل لحر مسلم مكلف أراد مكة أو النسك تجاوز الميقات بلا إحرام إلا لقتال مباح أو خوف أو حاجة تتكرر كحطاب، فإن تجاوزه لغير ذلك لزمه أن يرجع ليحرم منه إن لم يخف فوت حج أو على نفسه، وإن أحرم من موضعه فعليه دم، وإن تجاوزه غير مكلف ثم كلف أحرم من موضعه
(3)
.
وكره إحرام قبل ميقات
(4)
، وبحج قبل أشهره وينعقد
(5)
، وأشهر الحج
= لما تتميز به من طبيعة خلابة، وجو بارد معتدل، ووجودها بموقع استراتيجي، بين مناطق مكة ونجد من جهة وعسير من جهة أخرى. انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
(1)
قرن: بالتحريك موضع، وهو ميقات أهل نجد، وهو ما يطلق عليه السيل الكبير، على الطريق بين الطائف ومكة، انظر: مادة قرن في مختار الصحاح (222).
(2)
المرحلة: تعد بخمسة عشر ميلًا، والمرحلتان تقدران بثلاثين ميلًا، والميل يقدر بألف وستمائة مترًا، وثلاثين ميلًا تقدر بثمانية وأربعين كيلو مترًا، والله أعلم.
وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 539)، والإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان (70).
(3)
ولا دم عليه؛ لأنه ليس من أهل الحج. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 542).
(4)
ذهب الحنفية إلى مشروعية الإحرام قبل المواقيت المكانية وقالوا: هذا من إتمام الحج والعمرة، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية في أصح القولين والحنابلة إلى القول بكراهة الإحرام قبل الميقات المكاني. وانظر: الهداية (2/ 77)، والثمر الداني (280)، والتنبيه (71).
(5)
ذهب الحنفية إلى صحة وانعقاد الإحرام بالحج قبل الميقات الزماني بلا =
شوال والقعدة وعشر من ذي الحجة
(1)
، منها يوم النحر وهو يوم الحج الأكبر.
* * *
= كراهة، وذهب المالكية إلى صحته مع الكراهة، وذهب الشافعية إلى انعقاده عمرة وليس حجًا. وانظر: الهداية (2/ 112)، والثمر الداني (280)، والإقناع (1/ 498).
(1)
ذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن أشهر الحج تنتهي بنهاية العاشر من ذي الحجة، وذهب المالكية إلى أن كل شهر ذي الحجة من أشهر الحج، وانظر: تحفة الفقهاء (1/ 390)، والثمر الداني (279)، والإقناع (1/ 498).
باب الإحرام
(1)
وهو نية الدخول في النسك، يسن لمريده من ذكر وأنثى غسل، ولو حائضًا ونفساء، أو تيمم إن تعذر الماء، وتنظيف بأخذ شعر وظفر وإبط وقطع رائحة كريهة، وتطيب في بدنه بنحو مسك.
وكره التطيب في ثوبه، وله استدامة لبسه
(2)
، فإن نزعه فلا يلبسه قبل غسل الطيب منه، ومن تعمد مس ما على بدنه من الطيب، أو نحاه عن موضعه ثم رده إليه، أو نقله إلى موضع آخر فدى، لا إن سال بعرق أو شمس، وسن تجرد من مخيط كقميص وسراويل، وأن يحرم في إزار ورداء أبيضين ونعلين، وإحرام عقب ركعتين نفلًا، أو عقب فريضة
(3)
.
ونيته شرط، فلا يصير محرمًا بمجرد التجرد أو التلبية، ويستحب أن يقول: اللَّهم إني أريد نسك كذا فيسره لي وتقبله مني، وله أن يشترط فيقول: وإن حبسني حابس، فمحلي حيث حبستني، فمتى حبس بمرض أو عدو أو ضل عن الطريق حل، ولا شيء عليه، ولو شرط أن يحل متى شاء لم يصح الشرط.
(1)
الإحرام لغة: إدخال الإنسان نفسه في شيء يحرم عليه به ما كان له حلالًا من قبل، انظر: مادة حرم في مختار الصحاح (56)، والتعاريف (40).
(2)
لأن الإحرام يمنع الطيب ولبس المخيط، دون الاستدامة. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 550).
(3)
وهذا قول جمهور العلماء، وعليه العمل عند أكثر أهل العلم. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 553).
ولا يبطل الإحرام بجنون أو إغماء أو سكر كموت، ولا ينعقد مع وجود أحدها.
وإذا انعقد لم يبطل إلا بالردة، أعاذنا الله منها، لكن يفسد بالوطء في الفرج قبل التحلل الأول، ولا يبطل بل يلزمه إتمامه والقضاء.
والأفضل في وجوه الإحرام
(1)
التمتع: وهو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها، ثم يحرم بالحج في عامه من مكة أو قربها.
ثم الإفراد: وهو أن يحرم بحج، ثم بعد فراغه يحرم بعمرة.
ثم القران: وهو أن يحرم بهما معًا، أو بها ثم يدخله عليها قبل شروع في طوافها، ولو في غير أشهر الحج، فإن كان معه هدي صح إدخاله عليها، ولو بعد سعيها، أما إن أحرم بحج فلا يصح الإحرام بالعمرة قبل فراغه منه
(2)
.
ومن نوى الإحرام ولم يعين نسكًا صح إحرامه وصرفه لما شاء بالنية، وما عمله قبل تعيينه لغو، وصح الإحرام بما أحرم به فلان، وانعقد مثله، فإن جهله جعله عمرة
(3)
؛ لأنها اليقين، ويصح أحرمت يومًا أو بنصف نسك، لا إن أحرم فلان فأنا محرم؛ لعدم الجزم، ويجب على الآفاقي: وهو من كان على مسافة قصر فأكثر من الحرم
(4)
إن أحرم متمتعًا أو قارنًا
(1)
ذهب الحنفية إلى أن الأفضل في وجوه الإحرام: القران ثم التمتع ثم الإفراد. وذهب المالكية إلى أن الأفضل: الأفراد ثم القران ثم التمتع، وذهب الشافعية إلى أن الأفضل في أوجه الإحرام: الإفراد ثم التمتع ثم القران. وانظر: الهداية (2/ 105)، والثمر الداني (296)، والإقناع (1/ 502).
(2)
لأنه لم يرد به أثر، ولم يستفد به فائدة، ولم يصر قارنًا بل مفردًا؛ لأنه لا يلزمه بالإحرام الثاني شيء، وعمل القارن كعمل المفرد في الإجزاء، وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 561).
(3)
استحبابًا؛ لأن العمرة اليقين، والتمتع أفضل، وله صرف الإفراد والقران إليها مع العلم فمع الإبهام أولى، ويجوز صرفه لغيرها. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 567).
(4)
فيما يلي جدول توضيحي لحدود الحرم من الكعبة إلى جميع الجهات بالكيلومتر كما في موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية: =
دم، بخلاف أهل الحرم ومن هو دون مسافة قصر فلا شيء عليه.
ويشترط أن يحرم بهما من ميقات، أو مسافة قصر من مكة، وأن لا يسافر بينهما، فإن سافر مسافة قصر فأحرم فلا دم عليه، وأن يعتمر في أشهر الحج، والاعتبار بالشهر الذي أحرم فيه، وأن يحج من عامه، وسن لمفرد وقارن فسخ نيتهما بحج، وينويان بإحرامهما ذلك عمرة مفردة، فإذا حلا أحرما به؛ ليصيرا متمتعين ما لم يسوقا هديًا، أو يقفا بعرفة، وإن ساقه متمتع لم يكن له أن يحل، فيحرم بحج إن طاف وسعى لعمرته قبل حلق، فإن ذبحه يوم النحر حل منهما.
وإن حاضت المرأة المتمتعة قبل طواف العمرة، فخشيت فوات الحج أحرمت به وجوبًا وصارت قارنة، وكذا لو خشي غيرها.
وسن أن يقول عقب إحرامه
(1)
: لبيك اللَّهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، وسن أن يذكر نسكه في الأولى، وأن يبدأ القارن بذلك عمرته، وإكثار التلبية
(2)
، وتتأكد إذا
= جبل عرفة
…
مسجد التنعيم
…
جعرانة
…
نخلة
…
الشميسي
…
أضاة لبن
22
…
5، 7
…
13
…
22
…
16
(1)
ذهب الحنفية إلى أن التلبية شرط في صحة الإحرام، ولو على أخرس، فإنه يحرك لسانه بها، وذهب المالكية إلى أن التلبية واجبة في نفسها بحيث لو تركها يلزمه دم، ويسن مقارنتها للإحرام، وذهب الجمهور من الشافعية والحنابلة إلى استحبابها في بدء النسك مطلقًا. وانظر: الهداية (2/ 81)، والثمر الداني (281)، والإقناع (1/ 502).
(2)
ذهب الحنفية إلى أن التلبية في حال الإحرام مشروعة عند تغير الحال ولقيا الرفاق والصعود والهبوط، ونص المالكية على كراهة الإكثار منها، فلا يسكت حتى تفوته الشعيرة ولا يلازمها حتى لا يفتر عنها، وذهب الشافعية والحنابلة إلى مشروعيتها مطلقًا أثناء الإحرام، وتأكدها عند تغير الأحوال. وانظر: الهداية (2/ 83)، والثمر الداني (283)، والإقناع (1/ 495).
علا أو هبط أو صلى مكتوبة، أو أقبل ليل أو نهار أو التقت الرفاق، أو فعل محظورًا ناسيًا، يجهر بها الرجل
(1)
في غير مساجد الحل وأمصاره، وفي غير طواف القدوم والسعي بعده، وتشرع بالعربية لقادر وإلا فبلغته
(2)
، ويسن بعدها دعاء وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ويكره جهر المرأة بها، ولا تكره التلبية لحلال.
* * *
(1)
لأنها شعار الحج أو ليقتدى به. وانظر: حاشية الروض المربع (3/ 573).
(2)
لأنه ذكر مشروع فلم يشرع بغير العربية مع القدرة كسائر الأذكار.
فصل: في محظورات الإحرام
ومحظورات الإحرام تسعة:
الأول: تعمد لبس المخيط على الذكر، قل أو كثر، في بدنه أو بعضه، ولو درعًا منسوجًا أو لبدًا معقودًا، ولو غير معتاد كخف في رأس، ولا يعقد رداءه ولا غيره إلا إزارًا ومنطقه وهميان
(1)
فيهما نفقة مع حاجة لعقد، وإن لم يجد نعلين لبس خفين، أو لم يجد إزارًا لبس سراويل إلى أن يجد ولا فدية.
الثاني: تعمد تغطية الرأس والأذنان منه، من الذكر فمن غطى رأسه بملاصق فدى، سواء كان معتادًا كعمامة، أم لا كقرطاس وطين وحناءٍ، أو عصبه بسير أو استظل في محمل، ولو لم يلاصقه، ويحرم ذلك بلا عذر، لا إن حمل عليه شيئًا، أو استظل بخيمة أو شجرة أو بيت، وتغطية الوجه من الأنثى، بنحو برقع
(2)
أو نقاب
(3)
، لكن تسدل ثوبًا على
(1)
الهميان: تكة السراويل، وهميان الدراهم الذي تحفظ فيه، انظر: مادة همن في لسان العرب (13/ 437)، ومادة همي في مختار الصحاح (291).
(2)
برقع: بضم القاف وفتحها، معروف، وهو للدواب ونساء الأعراب، وفيه خرقان للعينين، انظر: مادة برقع في لسان العرب (8/ 9)، ومختار الصحاح (20).
(3)
النقاب: القناع على مارن الأنف، وقال الفراء: إذا أدنت المرأة نقابها إلى عينها فهو الوصوصة، فإن أنزلته دون ذلك إلى المحجر فهو النقاب، فإن كان على طرف الأنف فهو اللفام. انظر: مادة نقب في لسان العرب (1/ 768)، والنهاية (5/ 102).
وجهها
(1)
من فوق رأسها لمرور الرجال قريبًا منها، ولو مس الثوب وجهها، فإن غطته لغير حاجة فدت.
الثالث: الطيب، فإن طيب محرم بدنه أو ثوبه أو استعمله في أكل أو شرب
(2)
بحيث يظهر طعمه أو ريحه فيما أكله أو شربه
(3)
أو ادهن أو اكتحل أو استعط بمطيب، أو شم قصدًا طيبًا، أو تبخر بنحو عود
(4)
أو شمه قصدًا ولو بخور الكعبة أثم وفدى، فإن لم يقصد شمه كجالس عند عطار لحاجة، وداخل السوق أو الكعبة، ومشترٍ طيبًا لنفسه أو لتجارة فلا فدية، ومن الطيب مسك، وكافور، وعنبر، وزعفران، وورس
(5)
، وورد، وبنفسج
(6)
(1)
ذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن إحرام المرأة في وجهها، لكن لها أن تستره بغير ملاصق، فإن التصق بوجهها فأزالته سريعًا فلا شيء عليها، فلو تركته أثمت وفدت، وذهب المالكية إلى أن المحرمة لا تغطي وجهها البتة حال إحرامها، وإذا فعلت شيئًا من ذلك افتدت، وانظر: تحفة الفقهاء (4208)، والثمر الداني (295)، ومغني المحتاج (1/ 518).
(2)
ضبة تصحيحية إلى قوله: شربه.
(3)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية إلى منع استخدام المطيبات مما له رائحة زكية في البدن دون الطعام كالزعفران والمصطكى وغيرها؛ لأن قصد التطيب بها في الطعام ممتنع، وذهب الحنابلة إلى المنع من ذلك، وانظر: الهداية (2/ 82)، والثمر الداني (294)، والإقناع (1/ 506).
(4)
العود: هو ما جرى فيه الماء من الشجر، وهو يكون للرطْب واليابس، والجمع أَعوادٌ وعِيدانٌ والمراد به العود الهندي الذي يتبخر به، انظر: لسان العرب (3/ 319).
(5)
الوَرْس: شيء أَصفر مثل اللطخ، يخرج على الرَّمْثِ بين آخر الصيف وأَوَّل الشتاء، إِذا أصاب الثوبَ لَوَّنَه، يكون باليمن تتخذ منه الغُمْرة للوجه، ونباته مثل نبات السمسم، فإِذا جفَّ عند إِدراكه تفتقت خرائطه فيُنْفض، فيَنْتفض منه الوَرْس. انظر: لسان العرب (6/ 256).
(6)
البنفسج: نبتة ذات أزهار بنفسجية أو بيضاء اللون، ويوجد منها من 400 إلى 500 نوع مختلف حول العالم، وتنتشر بشكل خاص في هاواي وأستراليا وفي الأنديز في أمريكا الجنوبية. انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
ولينوفر
(1)
، وياسمين
(2)
، وبان، وماء ورد، فإن مس ما لا يعلق كقطعة كافور أو شم فواكه، أو عودًا أو شيحًا
(3)
، أو ريحانًا
(4)
فارسيًا أو نمامًا، أو ادهن بدهن غير مطيب فلا فدية.
ومن لبس أو غطى رأسه أو تطيب ناسيًا أو جاهلًا أو مكرهًا فلا شيء عليه، ومتى زال عذره المسقط للفدية بأن تذكر أو علم أو زال الإكراه أزاله بأن ينزع ما لبسه، أو يغسله في الحال، فإن أخره بغير عذر فدى، وله غسله بيده وبمائع.
الرابع: إزالة الشعر من أي جزء من بدنه بحلق أو نتف أو قلع.
الخامس: تقليم الظفر أو قصه من يد أو رجل بلا عذر، فلا فدية في إخراج شعر بعينه، أو إزالة ظفر كبير، ولو زالا مع غيرهما
(5)
، فإن حصل الأذى بقرح أو قمل ونحوه فأزال شعره لذلك فدى، ويباح لمحرم غسل شعره بنحو سدر، ومن حلق شعرة أو بعضها فعليه طعام مسكين، وشعرتين أو بعضهما فطعام مسكينين، وثلاث شعرات فدم، والظفر مثل الشعرة.
(1)
اللينوفر: جنس من النباتات المائية، من الفصيلة النيلوفرية، منه أنواع تنبت في الأنهار، وأنواع تزرع في الأحواض لورقها وزهرها، ومن أنواعه اللوتس والبشنين، انظر: المعجم الوسيط (2/ 967) نقلًا عن التوضيح للشويكي.
(2)
الياسَمين: اسم يطلق على نحو 200 نوع من الشجيرات المزهرة التي تنمو في المناطق المعتدلة، وتكون أزهارها بيضاء أو صفراء أو قرنفلية اللون، يكون لها رائحة محبوبة لكثير من الناس. ويعتبر الياسمين الزهرة الوطنية لأندونيسيا، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(3)
الشيح: نبات عشبي بري معمر، لأوراقه رائحة عطرية قوية وطيبة، يستعمل في الطب، وترعاه الماشية، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(4)
ريحان: هي أوراق نباتية تستعمل لعلاج نزلة البرد والثآليل والبثور والديدان المعوية وحمى الملاريا، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(5)
إجماعًا؛ لأن إزالتهما لأذاهما، كالصيد الصائل عليه. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 4).
السادس: قتل الصيد البري المأكول أو اصطياده، كحمام وبط
(1)
ولو استأنس، بخلاف إبل وبقر أهلية ولو توحشت، وكذلك ما تولد من الصيد المذكور ومن غيره، كالمتولد بين مأكول وغيره، أو بين وحشي
(2)
وغيره، أو تلف الصيد المذكور في يده بمباشرة أو سبب كإشارة ودلالة، وإعانة وجناية دابة هو متصرف فيها فعليه جزاؤه، فإن دل محرم محرمًا فالجزاء بينهما، ويحرم على المحرم أكله مما صاده، أو كان له أثر في صيده، أو ذبح أو صيد لأجله، وما حرم عليه لنحو دلاله أو صيد له فلا يحرم على محرم غيره
(3)
، ويضمن بيض صيد ولبنه إذا حلبه بقيمته.
ولا يملك المحرم ابتداءً صيدًا بغير إرث، فإن أحرم وبملكه صيد لم تزل يده الحكمية
(4)
، وتزال يده المشاهدة بإرساله
(5)
.
ولا يحرم بإحرام ولا الحرم حيوان إنسي كدجاج
(6)
وبهيمة الأنعام،
(1)
البط: من الطيور المائية، ومنه ثلاثة أنواع: بط المياه العذبة، والبط البحري، والبط الداجن، وتبيض البطة حوالى 150 بيضة سنويًا، وتربيتها ذات مردود اقتصادي جيد، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
(2)
الوحشي من حيوانات البر ما لا يستأنس غالبًا. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 21).
(3)
الحاصل: أن ما صاده الحلال للمحرم أو من أجله لا يجوز للمحرم أكله، وما لم يصد من أجله، بل صاده الحلال لنفسه أو لحلال لم يحرم على المحرم أكله، وهذا قول الجمهور. وانظر: حاشية الروض المربع (2/ 23).
(4)
بأن يكون الصيد في ملكه، ولا يكون معه أو بيده، بل في بلده مودعًا عند غيره بحيث لا يشاهده. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 24).
(5)
إلى موضع يمتنع فيه وتخليته، والمشاهدة كأن يكون في قبضته أو خيمته أو رحله أو قفصه أو مربوطًا بحبل معه. انظر: حاشية الروض المربع (4/ 25).
(6)
الدجاج من الطيور المستأنسة، يطلق على صوت الدجاجة النقنقة. تعطي الدجاجة الإنسان غذاءً مهمًا من بيضها، والدجاج مصدر أساسي للحوم البيضاء المهمة للإنسان. انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
ولا يحرم صيد البحر
(1)
إن لم يكن بالحرم، ولا قتل غير المأكول، كأسد وكلب إلا المتولد، ولا قتل الصائل
(2)
دفعًا عن نفسه أو ماله، ويسن مطلقًا قتل كل مؤذ غير آدمي، ويحرم بإحرام قتل قمل وصيبان
(3)
ولو برميه، ولا جزاء فيه
(4)
، لا براغيث وقراد ونحوهما، ويضمن جراد بقيمته
(5)
.
السابع: عقد النكاح
(6)
، فلا يتزوج ولا يزوج غيره، لا لنفسه ولا بولاية ولا بوكالة، ولا يقبل النكاح وليه الحلال، ولا تزوج المحرمة، ولا يصح النكاح في ذلك كله
(7)
، ولو كان الإحرام فاسدًا، ولا فدية في عقد النكاح، كشراء الصيد، ويكره للمحرم أن يخطب امرأة، كحضوره العقد وشهادته فيه، وتصح الرجعة وشراء أمة للوطء
(8)
.
الثامن: الوطء في الفرج وطئًا يوجب الغسل بتغييب الحشفة في قبل أو دبر من آدمي أو غيره، ولو ناسيًا أو جاهلًا أو مكرهًا ولو نائمة.
(1)
يقصد بالبحر جميع المياه المالحة والحلوة كالأنهار والآبار والعيون. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 26).
(2)
صائل: من صول، إذا صال عليه، يعني: استطال ووثب عليه، والمصاولة المواثبة، وصال البعير صار يقاتل الناس ويعدو عليهم، انظر: مادة صول في لسان العرب (11/ 387)، ومختار الصحاح (156).
(3)
الصيبان: بيض القمل، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
(4)
لأنه لزمه بإزالته كإزالة الشعر. وانظر: حاشية الروض المربع (2/ 28).
(5)
لأنه ليس بصيد ولا قيمة له. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 28).
(6)
النكاح: أصل النكاح في لغة العرب الوطء، وقيل للتزوج: نكاح؛ لأنه سبب للوطء المباح، واصطلاحًا: عقد يرد على تمليك منفعة البضع قصدًا، انظر: مادة نكح في لسان العرب (2/ 626)، والمطلع (318)، والتعريفات (315).
(7)
ذهب الحنفية إلى صحة عقد نكاح المحرم مع الكراهة، لانشغاله عن النسك بما يضاده، والمحرم حقيقة الوطء، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى بطلان عقد النكاح، على اختلاف في التفريق بين الزوجين، وانظر: حاشية ابن عابدين (3/ 47)، والفواكه الدواني (2/ 29)، والإقناع (2/ 507).
(8)
لأن الزوجة مباحة قبل الرجعة، ولأن الشراء وارد على البضع وغيره بخلاف النكاح فإنه وارد على البضع فقط. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 32).
فإن كان قبل التحلل الأول فسد نسكهما، ولو بعد الوقوف بعرفة، ويمضيان فيه، ويقضيانه ثاني عامه، وغير المكلف يقضي بعد تكليفه وحجة الإسلام فورًا من حيث أحرم، أولًا إن كان قبل الميقات، وإلا فمنه، وسن تفرقهما في القضاء من موضع الوطء إلى أن يحلا، والوطء بعد التحلل لا يفسده، وعليه شاة، ولا فدية على مكرهة، ونفقة قضاء حجها عليه.
التاسع: المباشرة دون الفرج، فإن باشر فأنزل لم يفسد حجه، كما لو لم ينزل، وعليه بدنة إن أنزل بمباشرة أو قبله أو تكرار نظر أو لمس بشهوة أو أمنى باستمناء، وإن لم ينزل فشاة
(1)
، وخطأ ذلك كعمده، وامرأة مع شهوة كرجل.
وإحرام المرأة كالرجل إلا في اللباس، فلا يحرم عليها تغطية الرأس، وتجتنب البرقع والقفازين، فيفدي الرجل والمرأة بلبسهما، ويباح التحلي بالخلخال والسوار ونحوها، ويسن لها خضاب عند إحرام، وكره بعده، وكره لهما اكتحال بإثمد لزينة.
ولهما لبس معصفر، وقطع رائحة كريهة بغير طيب، واتجار، وعمل صنعة ما لم يشغلا عن واجب أو مستحب، وله لبس خاتم، وتسن قلة الكلام إلا فيما ينفع.
* * *
(1)
كفدية الأذى، يخير فيها بين الدم والصيام والإطعام. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 39).
فصل: (في الفدية وأحكامها)
ويخير في فدية
(1)
حلق فوق شعرتين، وتقليم أكثر من ظفرين، وتغطية رأس ذكر أو وجه أنثى، وإمناء بنظرة، والمباشرة بغير إنزال
(2)
وطيب ولبس مخيط بين صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، لكل مسكين مد بر، أو نصف صاع من غيره، أو ذبح شاة
(3)
.
ويخير في جزاء صيد بين ذبح مثل إن كان له مثل من النعم، أو تقويم المثل بمحل التلف أو قربه بدراهم يشتري بها طعامًا يجزئ في فطرة، فيطعم كل مسكين مد بر، أو مدين من غيره، أو يصوم عن كل مد بر يومًا، وإن بقي دون مد صام عنه يومًا، ويخير فيما لا مثل له، بعد أن يقومه بدراهم ويشتري بها طعامًا بين إطعام وصيام.
(1)
الفدية: من فدى الشيء وفاداه وفداه، إذا أعطى فداءه فأنقذه، وفداه بنفسه، إذا قال: جعلني الله فداك، انظر: المطلع (177)، ولسان العرب (15/ 150).
(2)
ذهب الجمهور من الحنفية والشافعية إلى أن فدية من باشر دون الفرج أنزل أو لم ينزل الدم، وهو على التخيير بين ذبح الشاة أو صيام ثلاثة الأيام أو إطعام ستة مساكين، وذهب المالكية إلى أنه إن أنزل فسد حجه، وإن لم ينزل فعليه بدنة. وانظر: الهداية (2/ 121)، والثمر الداني (294)، والإقناع (1/ 514).
(3)
لأن باقي المحظورات غير حلق الشعر ألحقت به للقياس الشبهي؛ لأن تحريمها فيه للترفه فأشبهت الحلق. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 42).
وأما دم المتعة والقران فيجب الهدي
(1)
، فإن عدمه أو عدم ثمنه ولو وجد من يقرضه صام ثلاثة أيام في الحج، والأفضل كون آخرها يوم عرفة، فإن أخرها عن أيام منى
(2)
صامها بعد، وعليه دم مطلقًا
(3)
، وصام سبعة أيام إذا رجع إلى أهله، وله صومها بعد أيام منى وفراغه من أفعال الحج، ولا يجب تتابع ولا تفريق، في الثلاثة ولا السبعة.
والمحصر يذبح هديًا نية التحلل، فإن لم يجد صام عشرة أيام بنية التحلل ثم حل
(4)
.
ويجب بوطء في فرج في الحج قبل التحلل الأول بدنة، وبعده شاة، فإن لم يجد البدنة صام عشرة أيام؛ ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع، وكذا لو أنزل منيًا بمباشرة أو استمناء، أو لمس بشهوة وتكرار نظر، وبوطء في العمرة شاة، وإن طاوعته زوجته لزمها ما ذكر، ولا فدية على المكرهة.
والدم الواجب في فوات أو ترك واجب كمتعة.
ومن كرر محظورًا من جنس واحد بان حلق مرتين فأكثر، أو لبس مخيطًا وأعاده ولم يفد لما سبق فدى مرة سواء فعله متتابعًا أو متفرقًا، فإن كفر عن السابق ثم أعاده فدى ثانيًا، بخلاف صيد فيفدي بعدده، ولو في دفعة.
ومن فعل محظورًا من أجناس بأن حلق وقلم أظفاره ولبس مخيطًا فدى لكل جنس فديته، سواء رفض إحرامه أم لا؛ إذ التحلل من
(1)
وجوب الهدي على القارن قياسًا على المتمتع لترفهه بترك أحد السفرين، بل أولى؛ لأن أفعال المتمتع أكثر من أفعال القارن. وانظر: حاشية الروض المربع (2/ 51).
(2)
منى: مقصور، موضع بمكة، وهو مذكر، سمي بذلك لكثرة ما يمنى فيه من الدماء، أو لأن آدم تمنى الجنة فيه، انظر: المطلع (178)، وتحرير ألفاظ التنبيه (155).
(3)
سواء أخرها لعذر أو بدون عذر. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 52).
(4)
قياسًا على المتمتع لما لم يجد الهدي صام عشرة أيام. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 54).
الحج لا يحصل إلا بأحد ثلاثة أشياء: كمال أفعاله، أو التحلل عند الحصر، أو بالعذر إذا شرطه في ابتدائه، ولا يتحلل بغير ذلك، ولو نوى التحلل لم يحل، ولا يفسد برفضه، وليس عليه في رفض الإحرام شيء.
وفديه الوطء والصيد والقلم والحلق لا تسقط بنسيان ولا جهل ولا إكراه
(1)
، دون فدية لبس وطيب وتغطية رأس ووجه، فإن استدام لبس مخيط أحرم فيه ولو لحظة فوق المعتاد من خلعه، فدى ولا يشقه.
وكل هدي أو إطعام يتعلق بحرم أو إحرام كجزاء صيد ودم متعة وقران ومنذور وما وجب لترك واجب أو فعل محظور في الحرم فيلزم ذبحه في الحرم، والأفضل نحر ما بحج بمنى، وما بعمرة بالمروة
(2)
، ويلزم تفرقة لحم أو إطلاقه لمساكين الحرم، من مقيم به ومجتاز وحاج وغيره، ممن له أخذ زكاة لحاجة، وإن سلمه لهم حيًا فذبحوه أجزأه
(3)
، وإلا رده وذبحه.
وفدية الأذى، أي: الحلق واللبس والطيب، وكل محظور فعله خارج الحرم، ودم الإحصار فحيث وجد سببه من حل أو حرم، ويجزئ بالحرم، ويجزئ الصوم والحلق بكل مكان.
والدم المطلق شاة، كأضحية جذع ضأن أو ثني معز، أو سبع بدنة أو سبع بقرة، فإن ذبحها فأفضل
(4)
، وتجزئ بقرة عن بدنة، ولو في جزاء صيد كعكسه
(5)
، وعن سبع شياه بدنة أو بقرة.
* * *
(1)
فتجب مطلقًا؛ لأن ذلك إتلاف فاستوى عمده وسهوه، كمال الآدمي، إلا أن المتعمد آثم والمخطئ غير آثم. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 59).
(2)
المروة: الحجارة البيض البراقة، تقدح منها النار، وبها سميت المروة بمكة، وهي المكان الذي في طرف المسعى، انظر: المطلع (193).
(3)
نص فقهاء المالكية على أن الدماء الواجبة في الحج لا تبرأ بها الذمة إلا أن تقدم للفقراء مذبوحة. وانظر: الثمر الداني (295).
(4)
لأنها أوفر لحمًا، وأنفع للفقراء من الشاة. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 64).
(5)
فتجزئ البدنة عن البقرة أيضًا. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 65).
الصيد المثلي
فصل: (في جزاء الصيد)
(1)
(2)
والصيد الذي له مثل في الجملة، يجب فيه مثله
(3)
، ففي النعامة
(4)
، وفي حمار الوحش
(5)
، ......................................
(1)
الجزاء: الغناء والكفاية، من المقابلة إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر، وجازاك فلان: كافأك، انظر: التعاريف (240)، والمطلع (178).
(2)
الصيد لغة: مصدر صاد يصيد صيدًا فهو صائد، والصيد يطلق على المصيد: وهو ما كان ممتنعًا حلالًا لا مالك له، ويطلق على الاقتناص، انظر: المطلع (385)، والتعاريف (467).
(3)
فما قضت فيه الصحابة، ففيه ما قضت، وما لم تقض فيه، فيرجع فيه إلى قول عدلين. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 65).
(4)
النعام: من الطيور الكبيرة التي لا يمكنها الطيران، تزن ذكور النعام حوالى 100 - 150 كغم، كما يبلغ ارتفاعها حوالى 204 متر، يتميز النعام بقوة ساقيه المذهلة، حيث يستطيع العدو بسرعة تصل إلى 50 كلم في الساعة، وأن يحافظ على سرعته تلك لمدة نصف ساعة. تزن بيضة النعام حوالى 1 - 1.5 كغم. انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
(5)
الحمار الوحشي: أو الحمار المخطط من الحيوانات الثديية. فهو يشبه الحصان إلى حد ما، ويعيش على شكل قطعان بريّة في المناطق الحارّة الجافّة شبه الصحراويّة، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
وبقره والوعل
(1)
والأيل
(2)
بقرة، وفي الضبع
(3)
كبش.
وفي الغزال
(4)
شاة، وفي الوبر جدي
(5)
، وفي الضب
(6)
جدي له نصف سنة، وفي اليربوع
(7)
جفرة
(8)
لها أربعة أشهر، وفي
(1)
الوعل: فصيلة من الظباء الماعزية، وتستوطن الصحاري بشكل رئيسي، تتكيّف الوعول للعيش في التضاريس الجبلية الجافّة، حيث تقتات إجمالًا على الأعشاب وأوراق الأشجار، ولهذه الوعول مفترسات كثيرة منها النمور والعقبان والنسور كاسرة العظام، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
(2)
أيل: من الحيوانات الثديية، وتتميز بقرونها المعقدة المكونة من العظم، وتسقط وتنبت من جديد كل سنة، للذكور وحدها قرون، وتعيش في الغابات على شكل قطعان، وتأكل العنبيات والبلوط. انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
(3)
الضبع: من الثدييات تلد وترضع صغارها، وهو حيوان مفترس من الحيوانات التي تعتاش على أكل الجيف وبقايا صيد الحيوانات، وتخرج للبحث عن طعامها عادة ليلًا، ويتميز بقوة فكيه الهائلة، ويمكنه سحق العظام بأنيابه، قائمتاه الأماميتين أعلى من ساقيه الخلفيتين، ولذلك جسمه يتخذ شكلًا مائلًا، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
(4)
الغزال: حيوان ثديي، يوجد في صحراء جنوب غرب آسيا وفي أفريقيا، حيث حشائش السافانا، يضرب به المثل في الرشاقة وحسن المشية، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
(5)
الجدي: هو صغير الماعز، ولو حذف المؤلف رحمه الله ذكرها لكان أولى متجنبًا التكرار، والله أعلم.
(6)
الضب: حيوان بيوض، يعيش في الصحراء والبراري، يصل طول الضب إلى 85 سم عندما يتمّ نموه، ويعتمد الضب على النبات في غذائه وشرابه، فهو لا يشرب الماء إلا نادرًا، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
(7)
الجربوع أو اليربوع: من القوارض الليلية التي تعيش في البراري الصحراوية، لونه بلون التربة الصحراوية التي تحيط به للتمويه، وهو يعيش في جحور داخل الأرض، وتلد أنثاه فيها وترضع وتربي صغارها، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
(8)
الجَفْرُ: من أولاد المعز ما بلغ أربعة أشهر، انظر مادة جفر في مختار الصحاح (45).
الأرنب
(1)
عناق
(2)
، وهي الأنثى من ولد المعز، دون الجفرة، وفي كل واحدة من الحمام
(3)
شاة، وهو كل ما عب الماء وهدر، كالقطا
(4)
والفواخت
(5)
.
وما لا مثل له، وهو سائر الطير ولو أكبر من الحمام كالأوز
(6)
والحبارى
(7)
والكركي تجب فيه قيمته مكانه.
* * *
(1)
الأرنب: من الثدييات المستأنسة، التي يربيها الناس، من أجل لحومها وفرائها الناعم، وهي حيوانات تتطلب تربيتها عناية خاصة، ذلك أنها من الحيوانات العالية الحساسية، وهي حيوانات في غاية الحذر، والهرب السريع إذا تطلب الأمر، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
(2)
عَنَاقُ: جَذَعة: وهي الأنثى من أولاد المعز ما لم يَتِمَّ له سَنَة، انظر: مادة عنق في النهاية (3/ 311).
(3)
الحمام: من الطيور التي قام الإنسان بتدجينها، يوجد من الحمام أنواع كثيرة منها للأكل ومنها للزينة وأخرى للطيران، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
(4)
القطا المتوج: طائر صحراوي، من الطيور التي تتمتع بحس مدهش، تتمكن هذه الطيور من الاحتفاظ بالماء بواسطة الريش على صدرها لحين عودتها إلى أعشاشها كي تسقي صغارها قبل أن تبدأ الطيران، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
(5)
الفاخِتةُ: واحدة الفَواخِتِ، وهي ضَرْبٌ من الحَمام المُطَوَّق. انظر: مادة فخت في لسان العرب (2/ 65).
(6)
الأوز: من الطيور المائية ذو لون أبيض، يزن الذكر منه حوالى 12 كغم، وتزن الأنثى أقل من ذلك، تبيض الأنثى بحدود 30 - 40 بيضة سنويًا، وتتسم البيضة بكبر الحجم يصل وزنها إلى حوالى 200 غم، وهناك الأوز البري والأوز المدجن، الذي يربى تجاريًا للاستفادة من لحومها وكبدها وريشها، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
(7)
الحبارى: طائر مهاجر، إلا أن معظمها يقضي الشتاء على بعد آلاف الكيلومترات من مناطق التكاثر. تأكل الموجود من الغذاء النباتي أو الحيواني، وهو معرض للانقراض بسبب كثرة الصيد عليه.، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
فصل: (في أحكام الحرم)
ويحرم صيد حرم مكة
(1)
على المحل، وحكمه حكم صيد الإحرام
(2)
، فمن أتلف فيه شيئًا ولو كان المتلف كافرًا أو صغيرًا أو عبدًا فعليه ما على المحرم، ولا يلزم المحرم جزاءان
(3)
، ويحرم قطع شجره، حتى المؤذي كشوك وحشيشه الأخضرين اللذين لم يزرعهما آدمي.
ويجوز قطع اليابس والثمرة
(4)
، وما زرعه الآدمي والإذخر
(5)
، ويباح
(1)
الحرم: حرم مكة وما أحاط إلى قريب من الحرم، وقد ضرب على حدوده بالمنار، التي بين الخليل عليه السلام مشاعرها، وكانت فريش تعرفها في الجاهلية والإسلام؛ لأنهم كانوا سكان الحرم، ويعلمون أن ما دون المنار من الحرم وما وراءها ليس من الحرم، ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم أقر قريشًا على ما عرفوه من ذلك. انظر: مادة حرم في لسان العرب (12/ 122)، ومختار الصحاح (56).
(2)
إلى هذا ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة. وانظر: تحفة الملوك (172)، والثمر الداني (299)، والمهذب (1/ 218).
(3)
أي: جزاء من جهة الحرم، وجزاء من جهة الإحرام، لدخول أحدهما في الآخر، لعموم الآية. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 77).
(4)
لخروجها بموتهما من الاسم الداخل في النهي. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 77).
(5)
الإذخر، بكسر الهمزة: حشيش طيب الريح أَطول من الثِّيْلِ، ينبت على نِبتة الكَوْلانِ، واحدتها إِذْخِرَة، وهي شجرة صغيرة يسقف بها البيوت فوق الخشب، وهمزتها زائدة. انظر: لسان العرب (4/ 303).
انتفاع بما زال أو انكسر بغير فعل آدمي ولو لم يبن
(1)
.
وتضمن شجرة صغيرة عرفًا بشاة، وما فوقها ببقرة، وحشيش وورق بقيمته، وغصن بما نقص، فإن استخلف شيء منها سقط ضمانه، كرد شجرة فنبتت، لكن يضمن نقصها، وكره إخراج تراب الحرم وحجارته إلى الحل
(2)
، لا ماء زمزم.
ويحرم صيد حرم المدينة
(3)
وحشيشه وشجره إلا لحاجة، ولا جزاء فيما حرم من ذلك، ومكة أفضل من المدينة، ما عدا البقعة التي ضمت أعضاء صلى الله عليه وسلم، فإنها أفضل من الكعبة بل ومن العرش
(4)
والكرسي
(5)
والجنة
(6)
.
(1)
أي: ينفصل أو ينقطع أو ينكسر.
(2)
ذهب الحنفية إلى جواز إخراج تراب الحرم منه إلى الحل، وذهب الشافعية إلى القول بالتحريم. وانظر: حاشية ابن عابدين (2/ 626)، والمهذب (1/ 219).
(3)
ذهب الحنفية إلى أن المدينة ليست حرمًا، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنها حرم، يحرم صيدها وحشيشها إلا لحاجة. وانظر: المبسوط (4/ 605)، وحاشية الدسوقي (2/ 79)، والمجموع (7/ 400).
(4)
العَرْشُ: سرير الملك، وأكبر المخلوقات وأثقلها وأعظمها وفي الحديث:"وما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهراني فلاة من الأرض" وصححه العلامة الألباني رحمه الله، انظر: تحقيق شرح الطحاوية (1/ 312).
(5)
واحد الكراسي، وصح عن ابن عباس موقوفًا:" الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر قدره إلا الله " أخرجه الحاكم في المستدرك برقم (3116). وانظر: (2/ 310)، وقال: هذا حديث حسن صحيح ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، والسماوات والأرضون السبع كلها دون الكرسي، قال تعالى:{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة: 255].
(6)
ومفهومه رحمه الله تفضيل الأرض على السماء، وقال شيخ الإسلام: لم أعلم أحدًا فضل التربة على الكعبة غير القاضي عياض، ولم يسبقه أحد ولا وافقه أحد، وحاشا أن يكون بيت المخلوق أفضل من بيت الخالق جلا وعلا وكذا عرشه وملائكته وجنته، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أفضل الخلق على الإطلاق بإجماع المسلمين. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 86)، وشرح منتهى الإرادات (1/ 567).
فصل: (في صفة الحج)
ويسن دخول مكة من أعلاها
(1)
، والخروج من أسفلها
(2)
، والمسجد الحرام من باب السلام
(3)
، ويقول عند دخوله: بسم الله وبالله ومن الله وإلى الله، اللَّهم افتح لي أبواب فضلك
(4)
.
فإذا رأى البيت رفع يديه وقال: اللَّهم أنت السلام، ومنك السلام حينا ربنا بالسلام، اللَّهم زد هذا البيت تعظيمًا وتشريفًا وتكريمًا
(5)
ومهابة
(6)
(1)
إلى هذا ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، وانظر: حاشية ابن عابدين (2/ 492)، والتاج والإكليل (2/ 465)، والمهذب (1/ 220).
(2)
أعلى مكة الحجون، جهة مقبرة المعلاة، وأسفلها الشبيكة. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 90).
(3)
لم يجر خلاف في سنيته؛ لأنَّه جهة باب الكعبة، والبيوت تؤتى من أبوابها، ومن ثم كانت جهة باب الكعبة أشرف جهاتها الأربع. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 90).
(4)
ينص فقهاء الحنابلة على الدعاء بالرحمة في الدخول، والدعاء بالفضل في الخروج، انظر: المغني (1/ 530)، والشرح الكبير (1/ 535)، والإقناع (1/ 110)، وشرح منتهى الإرادات (1/ 182).
(5)
تكريمًا: الكرم ضد اللؤم، والتكريم والإكرام بمعنى، انظر: مادة كرم في مختار الصحاح (237).
(6)
المهابة: هي الإجلال والمخافة، انظر: مادة هيب في لسان العرب (1/ 789)، ومختار الصحاح (293).
وبرًا
(1)
وزد من عظمه وشرفه ممن حجه واعتمره تعظيمًا وتشريفًا
(2)
وتكريمًا ومهابة وبرًا، الحمد لله رب العالمين، حمدًا كثيرًا كما هو أهله، وكما ينبغي لكرم وجهه، وعز جلاله، والحمد لله الذي بلغني مكة، ورآني لذلك أهلًا، والحمد لله على كل حال، اللَّهم إنك دعوت لحج بيتك الحرام، وقد جئتك لذلك، اللَّهم تقبل مني واعف عني، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت
(3)
.
ثم يطوف مضطبعًا في كل أسبوعه استحبابًا، بأن يجعل وسط ردائه تحت عاتقه الأيمن، وطرفيه على عاتقه الأيسر، يبتدئ المعتمر بطواف العمرة
(4)
، والقارن والمفرد بطواف القدوم، فيحاذي الحجر الأسود
(5)
بكل بدنه، ويمسحه بيده اليمنى ويقبله ويسجد عليه، فإن شق عليه مسحه وقبل يده، فإن شق استلمه بشيء وقبله، وإن شق أشار إليه بيده أو بشيء ولا يقبله، ثم يقول: بسم الله والله أكبر
(6)
، اللَّهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعًا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.
ويجعل البيت عن يساره ويطوف سبعًا، يرمل الأفاقي في هذا الطواف
(1)
البر: ضد العقوق، وجمع البر أبرار، وجمع البار أبرار، وفلان يبر خالقه، أي: يطيعه، انظر: مادة برر في مختار الصحاح (19).
(2)
الشرف: العلو والمكان العالي، وشرفه الله تشريفًا، أي: عده شرفًا، انظر: مادة شرف في لسان العرب (9/ 170)، ومختار الصحاح (141).
(3)
قال ابن عبد البر رحمه الله: ليس هذا القول من سنن الحج، ولا من أمره، وذكر عن بعض أصحاب مالك، وعن جماعة من سلف أهل المدينة. وانظر: الكافي (139).
(4)
لأن الطواف تحية المسجد الحرام، فاستحبت البداءة به. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 94).
(5)
الحجر الأسود يوجد في الجنوب الشرقي من الكعبة، وهو حجر ثقيل بيضاوي الشكل، أسود اللون مائل إلى الحمرة، وقطره 30 سم، ويحيط به إطار من الفضة، ويسن للطائف تقبيل الحجر في كل شوط إن أمكن، أو يشير إليه بيده، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
(6)
لأن أشوط الطواف كركعات الصلاة، والتكبيرات للطواف للافتتاح كتكبيرات الصلاة. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 98).
ثلاثة أشواط، فيسرع المشي ويقارب الخطى، ثم يمشي أربعًا من غير رمل.
ولا يسن رمل لحامل معذور ونساء، أو محرم من مكة، ولا يقضي الرمل إن فات، ولا يسن رمل ولا اضطباع في غير هذا الطواف، ويسن أن يستلم الحجر والركن اليماني في كل مرة، فإن شق استلامهما أشار إليهما، لا الشامي وهو أول ركن يمر به، ولا العراقي وهو ما يليه.
ويقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: {رَبَّنَا وَآتِنَا
…
} إلخ الآية
(1)
، وفي بقية طوافه: اللَّهم اجعله حجًا مبرورًا، وسعيًا مشكورًا وذنبًا مغفورًا، رب اغفر وارحم واهدني السبيل الأقوم، وتجاوز عما تعلم وأنت الأعز الأكرم
(2)
.
ومن ترك شيئًا من الطواف ولو يسيرًا لم يصح، أو لم ينوه أو لم ينو نسكه، أو طاف على الشاذروان
(3)
، أو على جدار الحجر
(4)
أو عريانًا أو نجسًا أو محدثًا لم يصح.
ثم بعد الطواف يصلي ركعتين نفلًا
(5)
، وتجزئ مكتوبة عنهما،
(1)
(البقرة/ 251).
(2)
هذا الدعاء ليس من الأدعية المسندة، إنما توارد فقهاء الحنابلة على ذكره جريًا على العادة أن ينقل بعضهم عن بعض. وانظر: المغني (2/ 399)، والشرح الكبير (453)، والكافي (1/ 510)، والإقناع (1/ 379)، والإنصاف (4/ 15)، وشرح منتهى الإرادات (1/ 569).
(3)
الشاذروان: هو القدر الذي ترك خارجًا عن عرض جدار الكعبة، ويرتفع عن وجه الأرض قدر ثلثي ذراع، وهو جزء من الكعبة، نقضته قريش من عرض جدار أساس الكعبة، وهو ظاهر في جوانب البيت إلا عند الحجر الأسود، وهو في هذا الزمان قد صفح بحيث يعسر الدوس عليه، فجزى الله خيرًا فاعله، انظر: المطلع (191)، وتحرير ألفاظ التنبيه (153).
(4)
سمي بالحجر لتحجيره بالجدار ليطاف من ورائه، وإن كان بعضه ليس من البيت ويسمى الحطيم أيضًا. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 108).
(5)
ذهب الحنفية والمالكية إلى وجوب ركعتي الطواف، وذهب الشافعية والحنابلة إلى استحبابها. وانظر: الهداية (2)، والثمر الداني (285)، وإعانة الطالبين (2/ 30).
والأفضل كونهما خلف المقام
(1)
، ثم يعود ويستلم الحجر، ويخرج إلى الصفا
(2)
من بابه فيرقاه حتى يرى البيت، فيستقبله ويكبر ثلاثًا، ويقول ندبًا: الحمد لله على ما هدانا، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ويدعو بما أحب، ثم ينزل من الصفا ماشيًا، إلى أن يبقى بينه وبين العلم الأول نحو ستة أذرع فيسعى شديدًا إلى العلم الآخر، فيمشي ويرقى المروة، ويقول ما قاله على الصفا، ثم ينزل ويمشي في موضع مشيه، ويسعى في موضع سعيه إلى الصفا، يفعل ذلك سبعًا، ذهابه مرة، ورجوعه مرة، ويجب استيعاب ما بينهما في كل مرة، فيلصق عقبة بأصلهما إن لم يرقهما، فإن ترك شيئًا لم يصح، وإذا بدأ بالمروة سقط الشوط الأول، ويكثر من الدعاء والذكر في سعيه، كأن يقول: رب اغفر وارحم واعف عما تعلم، أنت الأعز الأكرم.
ويشترط له نية وموالاة، وكونه بعد طواف نسك ولو مفسوخًا، وتسن فيه الطهارة من الحدث، والنجس والستر، والموالاة بينه وبين الطواف، ولا ترقى المرأة الصفا ولا المروة، ولا تسرع في المشي.
ثم إن كان متمتعًا لا هدي معه قصر من شعره وتحلل، فإن كان معه هدي لم يقصر وأدخل الحج على العمرة، ثم لا يحل حتى يفرغ منه،
(1)
مقام إبراهيم هو الحجر الذي قام عليه إبراهيم عليه السلام عند بناء الكعبة، وكان إسماعيل يناوله الحجارة، وكلما كمل جهة انتقل إلى أخرى، يطوف حول الكعبة، وهو واقف عليه، حتى انتهى إلى وجه البيت، وقد كان من معجزات الله لإبراهيم عليه السلام أن صار الحجر تحت قدميه رطبًا، فغاصت فيه قدماه، وقد بقي أثر قدميه ظاهرًا فيه، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
(2)
الصفا في الأصل جمع صفاة، وهي الحجر العريض الأملس، والمراد به هنا مكان عال في أصل جبل أبي قبيس، جنوب المسجد، قريب من باب الصفا، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
والمعتمر غير المتمتع يحل سواء كان معه هدي أم لا
(1)
، والمتمتع والمعتمر إذا شرع في الطواف قطع التلبية
(2)
.
وشروط صحة الطواف أحد عشر: النية، والإسلام، والعقل، ودخول وقته، وستر العورة، والطهارة من الحدث، إلا الطفل دون التمييز، ومن الخبث حتى للطفل، وتكميل السبع، وجعل البيت عن يساره، وكونه ماشيًا مع القدرة، والموالاة، فيستأنفه لحدث فيه، أو لقطع طويل، فإن كان القطع يسيرًا، أو أقيمت الصلاة أو حضرت جنازة صلى وبنى من الحجر الأسود، وكونه في المسجد، فلا يصح خارجه، ويسن الدنو من البيت.
وشروط صحة السعي ثمانية: النية، والإسلام، والعقل، والموالاة، والمشي مع القدرة، وكونه بعد طواف ولو مسنونًا، وتكميل السبع، واستيعاب ما بين الصفا والمروة.
ويسن للمحلين بمكة حتى متمتع حل من عمرته الإحرام بالحج يوم التروية
(3)
وهو ثامن الحج قبل الزوال من مكة، والأفضل تحت الميزاب، ويجزئ من بقية الحرم ومن خارجه، ولا دم، ويصلي بمنى الظهر ويبيت بها، وإذا عدم المتمتع الهدي وأراد الصوم سن له أن يحرم اليوم السابع؛ ليصوم الثلاثة محرمًا
(4)
.
(1)
اتفقوا على أن المعتمر يحل من عمرته إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 124).
(2)
لأن التلبية إجابة إلى العبادة، وشعار الإقامة عليها، والأخذ في التحلل بالطواف مناف لمعناها، كما يقطع الحاج التلبية برميه جمرة العقبة. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 125).
(3)
سمي بذلك؛ لأن الناس كانوا يتروون فيه الماء لما بعده. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 126).
(4)
ذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه يشرع للمتمتع الذي لا يجد الهدي أن يصوم يوم عرفة ويومين قبله، وذهب المالكية إلى أنه يصوم ما بين إحرامه إلى يوم عرفة فإن =
فإذا طلعت الشمس يوم عرفة سار من منى إلى عرفة، فأقام في نمرة إلى الزوال، يخطب بها الإمام أو نائبه خطبة قصيرة مفتتحة بالتكبير يعلمهم فيها الوقوف ووقته والدفع منه والمبيت بمزدلفة، وكل عرفة موقف إلا بطن عرنة
(1)
.
ويسن أن يجمع من له الجمع بعرفة بين الظهر والعصر تقديمًا، وأن يقف راكبًا مستقبلًا القبلة عند الصخرات وجبل الرحمة، ويكثر من الدعاء كأن يقول: اللَّهم اجعل في قلبي نورًا، وفي بصري نورًا، وفي سمعي نورًا، ويسر لي أمري، ويكثر من الاستغفار والتضرع والخشوع، ويلح في الدعاء.
ومن حَصّل بعرفة ولو لحظة، أو نائمًا أو مارًا أو جاهلًا أنها عرفة، من زوال يوم عرفة، وقيل: من فجره إلى فجر يوم النحر
(2)
، وهو أهل للحج بأن يكون مسلمًا محرمًا بالحج، ليس سكرانًا ولا مجنونًا ولا مغمى عليه صح حجه، وإن لم يقف في عرفة أو وقف في غير زمنه أو لم يكن أهلًا
(3)
فلا يصح حجه؛ لفوات الوقوف المعتد به.
ومن وقف بعرفة نهارًا ودفع منها قبل الغروب، ولم يعد إليها قبله ويستمر بها إليه فعليه دم، فإن عاد ولو بعد الغروب قبل الفجر فلا دم عليه، ومن وقف ليلًا فقط فلا دم عليه.
= لم يصم فإنه يفطر يوم النحر ويصوم أيام التشريق، فإن لم يصم صام إذا رجع، وذهب الشافعية إلى أن وقت الأفضلية صيام يوم السادس ويومين بعده. وانظر: الهداية (2/ 110)، والثمر الداني (297)، والإقناع (1/ 512).
(1)
بطن عرنة: وادِ بحذاء عرفات، انظر: مادة عرن في مختار الصحاح (180).
(2)
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب، ومذهب الأئمة الثلاثة أن احتساب المجزي من الوقوف بعرفة يبدأ من الزوال، وانظر: الهداية (2/ 101)، والثمر الداني (288)، والإقناع (1/ 387)، والمغني (3/ 432)، والشرح الكبير (3/ 437)، والكافي (1/ 518)، والإقناع (1/ 387).
(3)
بأن كان كافرًا أو غير محرم، أو سكرانًا أو مجنونًا أو مغمى عليه؛ لأنَّه ركن للعبادة فلا يتم إلا به.
ثم يدفع بعد الغروب مع الإمام إلى مزدلفة، على طريق المأزمين
(1)
بسكينة، وإذا رأى فجوة أسرع، ويسن أن يجمع من له الجمع، بين العشاءين تأخيرًا بها، وإن صلى المغرب في الطريق
(2)
أجزأه، ويبيت بها.
وله الدفع بعد متنصف الليل قبل الإمام إلى منى
(3)
، والدفع قبل متنصف الليل فيه دم على غير سقاة ورعاة، كوصوله إليها بعد الفجر
(4)
، فإن وصل إلى مزدلفة قبل الفجر فلا دم عليه، فإذا أصبح بها صلى الصبح بغلس ثم أتى المشعر الحرام فيقف عنده أو يرقاه، ويحمد الله ويكبره ويدعو حتى يسفر فيسير قبل طلوع الشمس، فإن بلغ محسرًا
(5)
أسرع قدر رمية حجر، وإلا حرك دابته، وأخذ حصى الجمار من حيث شاء
(6)
، بين الحمص
(7)
والبندق
(8)
كحصى
(1)
المأزمين: من أزم والمأزم الضيق، وكل طريق ضيق بين جبلين فهو مأزم، وسمي به الموضع بين المشعر وعرفة، انظر: مادة أزم في لسان العرب (2/ 171)، ومختار الصحاح (6)، والنهاية (4/ 288).
(2)
فقد ترك السنة. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 142).
(3)
ذهب الحنفية إلى أن المبيت بمزدلفة سنة، والواجب الوقوف بمزدلفة من طلوع الفجر حتى طلوع الشمس، وذهب المالكية إلى أن المبيت بمزدلفة سنة، والواجب المكث مقدار حط الرحال، وإن لم تحط، وذهب الشافعية إلى أن الواجب من المبيت بمزدلفة هو إدراك جزء من بعد منتصف الليل. وانظر: اللباب (1/ 86)، والثمر الداني (288)، وإعانة الطالبين (2/ 304)، وفقه السنة (1/ 423).
(4)
لأنَّه ترك واجبًا. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 144).
(5)
محسر: من حسر عن ذراعه إذا كشفه، ومحسر بالتشديد والكسر واد بين منى وعرفات، انظر: مادة حسر في مختار الصحاح (57)، والنهاية (4/ 302).
(6)
ذهب الحنفية والحنابلة إلى تخيير الحاج في التقاط الجمرات من مزدلفة أو من حيث شاء، وذهب المالكية والشافعية إلى استحباب التقاط الجمرات من مزدلفة بعينها. وانظر: حاشية ابن عابدين (2/ 515)، ومواهب الجليل (2/ 127)، وروضة الطالبين (2/ 99).
(7)
الحُمّص: من فصيلة القطانيات، يزرع في حوض البحر المتوسط ولا سيما إيطاليا والشرق الأوسط، يؤكل حبه نيئًا ومطبوخًا، ويعتبر من المواد الغذائية الغنية بالبروتين، حيث إنه يشبه الفول إلى حد كبير، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(8)
البندق: نبات شجري جميل، ويعلو من 3 إلى 6 أمتار، وتؤكل ثماره وتعصر =
الخذف، فلا تجزئ صغيرة جدًا ولا كبيرة، ولا يسن غسله.
فإذا وصل إلى منى، -وهي من وادي محسر إلى جمرة العقبة- بدأ بجمرة العقبة فرماها بسبع حصيات متعاقبات، واحدة بعد واحدة، فلو رمى بكل حصاه دفعة واحدة لم يجزئه إلا عن واحدة، ولا يجزئ الوضع بلا رمي، ويكبر مع كل حصاة، ولا يجزئ الرمي بغير حصاة كجوهر وذهب ومعادن ونحوه، ولا بالمرمي بها لاستعمالها
(1)
، ولا يقف عند جمرة العقبة بعد رميها، وأن يستبطن
(2)
الوادي، وأن يستقبل القبلة، وأن يرمي على جانبها الأيمن، فإن وقعت الحصاة خارج المرمى ثم تدحرجت فيه أجزأت، ويقطع التلبية قبلها.
ويرمي ندبًا بعد طلوع الشمس، ويجزئ بعد نصف الليل من ليلة النحر
(3)
، فإن غربت شمس يوم النحر قبل رميه رمى من غد بعد الزوال، ثم ينحر هديًا إن كان معه واجبًا أو تطوعًا، ويحلق وشحن أن يستقبل القبلة، ويبدأ بشقه الأيمن أو يقصر من جميع شعره، وبأي شيء قصر الشعر أجزأه ولو بنتف أو نورة
(4)
، وتقصر المرأة قدر أنملة فأقل من شعرها
(5)
، وكذا
= فيستخرج منها زيت مقبول الطعم، وهو غني جدًا بالمواد الدهنية، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(1)
ذهب الحنفية إلى كراهة استعمال الحصاة المرمي بها في الرمي مرة أخرى، وذهب الجمهور من المالكية والحنابلة إلى المنع مطلقًا، وذهب الشافعية إلى الجواز. وانظر: الهداية (2/ 95)، والثمر الداني (291)، وروضة الطالبين (3/ 114).
(2)
يستبطن: من بطن، والبطن ضد الظهر، وبطن الوادي داخله، واستبطن الشيء دخل في بطنه، انظر: مادة بطن في مختار الصحاح (23).
(3)
ذهب الحنفية والمالكية إلى أن وقت رمي جمرة العقبة يبدأ من طلوع الفجر يوم النحر، وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن وقت الرمي، يبدأ من منتصف ليلة النحر. وانظر: الهداية (2/ 98)، والثمر الداني (289)، والإقناع (1/ 499).
(4)
لأن القصد إزالته بعد أن منعه الإحرام من الترفه بأخذه، انظر: حاشية الروض المربع (4/ 159).
(5)
أو أقل؛ لأن النص ورد بالتقصير ولم يرد فيه تقدير، فيجب ما يقع عليه الاسم. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 160).
العبد لا يحلق إلا بإذن سيده، وسن لمن حلق أو قصر أخذ ظفر وشارب وعانة وإبط، فإذا رمى وحلق أو قصر فقد حل له كل شيء إلا النساء وطئًا ومباشرة وعقد نكاح
(1)
.
والحلق أو التقصير نسك في تركهما دم، ولا يلزمه بتأخيره عن أيام منى دم، ولا تقديمه على الرمي والنحر، ولا إن نحر وطاف قبل رميه.
ويحصل التحلل الأولى باثنين من: حلق ورمي وطواف، والتحلل الثاني بما بقي
(2)
مع سعي إن بقي
(3)
، ثم يخطب الإمام بمنى يوم النحر خطبة، يفتتحها بالتكبير يعلمهم فيها النحر والإفاضة والرمي.
ثم يفيض إلى مكة، ويطوف القارن والمفرد بنية الفرضية طواف الإفاضة؛ وهو ركن لا يتم الحج إلا به، والمفرد والقارن إن لم يكونا دخلا مكة قبل الوقوف يكفيهما طواف الركن عن القدوم، واختار الأكثر أنهما يطوفان للقدوم برمل، ثم للإفاضة
(4)
، وأولى وقت طواف الإفاضة بعد نصف ليلة النحر، لمن وقف بعرفة قبل ذلك وإلا فبعد الوقوف.
ويسن فعله في يومه، ولا آخر لوقته كالسعي، ويستحب دخول البيت
(1)
ذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة، إلى أن التحلل الأول يحصل باثنين من ثلاثة:(الرمي - الحلق - الطواف)، ويحل به كل شيء، ما عدا ما يتعلق بالنساء، من المباشرة والوطء والعقد، وذهب المالكية إلى تسميته بالتحلل الأصغر ويحصل عندهم بالرمي أو بفوات وقته يوم النحر، ويحل به كل شيء ما عدا النساء، والصيد ويكره له الطيب. وانظر: الهداية (2/ 96)، والشرح الكبير (2/ 36)، والمهذب (1/ 230).
(2)
هذا محل اتفاق بين فقهاء المذاهب، من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة. وانظر: الهداية (2/ 97)، ومواهب الجليل (3/ 130)، والمجموع (1/ 163).
(3)
كطواف وسعي المتمتع، وطواف الإفاضة للقارن والمفرد. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 163).
(4)
الرواية التي استقر عليها المذهب أن القارن والمفرد، إذا قدما يوم النحر ولم يكونا طافا للقدوم قبل، فإنهما يطوفان للقدوم أولًا برمل، ثم يطوفان للإفاضة، انظر: الفروع (3/ 381)، والإنصاف (4/ 33).
فيكبر في نواحيه، ويصلي فيه ركعتين تلقاء وجهه، ويدعو لم يشرب من ماء زمزم لما أحب، ويتضلع
(1)
ويرش على بدنه ونوبه، ويستقبل القبلة ويدعو بما ورد، فيقول: بسم الله، اللَّهم اجعله لنا علمًا نافعًا ورزقًا واسعًا، وريًا وشبعًا وشفاءً من كل داء، واغسل به قلبي واملأه من خشيتك، ويسعى إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم، وإلا لم يعد؛ لأنَّه لا يستحب التطوع في السعي كسائر الأنساك، غير الطواف لأنَّه صلاة، ثم يرجع فيصلي ظهر يوم النحر بمنى، ويبيت بها ثلاث ليال إن لم يتعجل.
ويرمي الجمرات بمنى أيام التشريق، فيرمي الجمرة الأولى بسبع حصيات متعاقبات، ويجعلها عن يساره ويتأخر قليلًا، ويدعو طويلًا رافعًا يديه، ثم يرمي الوسطى مثلها بسبع، ويتأخر قليلًا ويدعو طويلًا، لكن يجعلها عن يمينه، ثم يرمي جمرة العقبة كذلك ولا يقف عندها.
يفعل هذا على الترتيب، في كل يوم من أيام التشريق بعد الزوال، ولا يجزئ قبله، ولا ليلًا لغير سقاة ولا رعاة، والأفضل الرمي قبل صلاة الظهر، مستقبل القبلة في الكل مرتبًا، فإن رمى السبعين حصاة في اليوم الثالث من أيام التشريق أجزأه أداءً ويرتبه بنية
(2)
؛ فيرمي لليوم الأول بنية، ثم للثاني مرتبًا كالفوائت، فإن أخر الرمي عن اليوم الثالث، أو لم يبت بمنى فعليه دم، ولا مبيت على سقاة ورعاة، ويخطب الإمام خطبة في ثاني أيام التشريق يعلمهم فيها عن حكم التعجيل والتأخير والتوديع.
ومن تعجل في يومين خرج قبل الغروب، وسقط عنه رمي اليوم الثالث، ويدفن حصاه، فإن لم يخرج قبل الغروب، لزمه المبيت والرمي من الغد بعد الزوال.
(1)
يتضلع، أي: يكثر من الشرب حتى يمتلأ ريًا وشبعًا، انظر: مادة ضلع في لسان العرب (8/ 226)، ومختار الصحاح (160).
(2)
لأن أيام التشريق كلها أيام للرمي، ولما جاز للرعاة والسقاة جاز لغيرهم. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 178).
فإذا أراد الخروج من مكة بعد العود إليها
(1)
لم يخرج حتى يطوف للوداع، فإن أقام بعده أعاده، وإن تركه غير الحائض والنفساء رجع إليه بلا إحرام إن لم يبعد عن مكة، فإن بعد أحرم بعمرة، ثم يطوف ويسعى للعمرة ثم للوداع، فإن لم يرجع أو شق الرجوع أو بعد عنها مسافة قصر فأكثر، فعليه دم.
وإن أخر طواف الإفاضة أو القدوم فطافه عند الخروج أجزأ عن طواف الوداع، فإن نوى طواف الوداع لم يجزئه عن طواف الإفاضة، ولا وداع على حائض أو نفساء إلا أن تطهر قبل مفارقة البنيان.
ويقف غير الحائض والنفساء بعد الوداع في الملتزم، وهو أربعة أذرع بين الركن والباب، ويلصق بها وجهه وصدره وذراعيه وكفيه مبسوطتين، داعيًا بما ورد كقوله: اللَّهم هذا بيتك، وأنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك، حملتني على ما سخرت لي من خلقك، وسيرتني في بلادك، حتى بلغتني بنعمتك إلى بيتك، وأعنتني على أداء نسكي، فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضا، وإلا فمن الآن قبل أن تنأى عن بيتك داري، وهذا أوان انصرافي إن أذنت لي، غير متبدل بك ولا عن بيتك، ولا راغب عنك ولا عن نبيك، الفهم فاصحبني بالعافية في بدني، والصحة في جسمي، والعصمة في ديني، وأحسن منقلبي، وارزقني طاعتك ما أبقيتني، واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير، ويدعو بما أحب، ويصلي على النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، ويأتي الحطيم أيضًا - وهو تحت الميزاب - فيدعو ثم يشرب من ماء زمزم، ويستلم الحجر ويقبله، ثم يخرج، وتقف الحائض والنفساء بباب المسجد وتدعو.
ويستحب زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه رضي الله عنهما
(2)
، فيسلم عليه
(1)
من منى.
(2)
أي: مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه، وهذا مراد من أطلق من الأصحاب، فإن الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، انظر: حاشية الروض المربع (4/ 191).
مستقبلًا له، ثم يستقبل القبلة ويجعل الحجرة عن يساره، ويدعو بما أحب، ويحرم الطواف بها، ويكره التمسح بها، لم ورفع الصوت عندها، وإذا أدار وجهه إلى بلده، قال: لا إله إلا الله، آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده.
وتستحب الصلاة بمسجده صلى الله عليه وسلم، وهي بألف صلاة، وفي المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، وفي الأقصى بخمسمائة.
وصفة العمرة: أن يحرم بها من الميقات إن كان مارًا به، ومن كان بمكة فإن أحرم بها من الحرم انعقد ولزمه دم، فإذا طاف وسعى وحلق أو قصر حل، وتباح في كل وقت، حتى يوم عرفة ويوم النحر، ويكره الإكثار والموالاة بينها، ويستحب تكرارها في رمضان.
وأركان الحج أربعة: الإحرام الذي هو نية الدخول في النسك،
والوقوف بعرفة وطواف الإفاضة والسعي.
وواجباته سبعة: الإحرام من الميقات المعتبر له، والوقوف بعرفة إلى الغروب إن وقف نهارًا، والمبيت لغير أهل السقاية والرعاية بمنى ليالي التشريق، وبمزدلفة إلى بعد نصف الليل لمن أدركها قبله، والرمي مرتبًا، والحلق أو التقصير، والوداع.
والباقي سنن: كطواف القدوم، والمبيت بمنى ليلة عرفة، والاضطباع، والرمل في موضعهما، وتقبيل الحجر، والأذكار والأدعية، وصعود الصفا والمروة.
وأركان العمرة ثلاثة: إحرام وطواف وسعي، وواجباتها حلق أو تقصير وإحرام من ميقاتها.
فمن ترك الإحرام لم ينعقد نسكه حجًا كان أو عمرة، ومن ترك ركنًا غيره أو نيته حيث اعتبرت لم يصح نسكه إلا بذلك الركن المتروك.
ومن ترك واجبًا ولو سهوًا فعليه دم، ومن ترك سنة فلا شيء عليه.
ولو وقف الناس كلهم أو إلا قليل في اليوم الثامن أو العاشر خطأً
أجزأهم، ومن طلع عليه فجر يوم النحر ولم يقف بعرفة فقد فاته الحج، وتحلل بعمل عمرة؛ فيطوف ويسعى ويحلق أو يقصر إن لم يختر البقاء على إحرامه ليحج من قابل ويقضي الحج الفائت، ويذبح هديًا في قضائه إن لم يكن اشترط في ابتداء إحرامه، والقارن وغيره سواء.
ومن اشترط بأن قال في ابتداء إحرامه: وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، فلا هدي عليه ولا قضاء، إلا أن يكون الحج واجبًا فيؤديه.
ومن أحرم فصده عدو عن البيت، ولم يكن له طريق إلى الحج نحر هديًا في موضعه ثم حل، سواء كان حاجًا أو معتمرًا أو قارنًا، سواء كان الحصر عامًا أو خاصًا بواحد، كمن حبس بغير حق، فإن فقد الهدي صام عشرة أيام بنية التحلل ثم حل.
وإن صد عن الوقوف فتحلل قبل فواته فلا قضاء عليه، وإن صد عن عرفة دون البيت تحلل بعمل عمرة، ولا شيء عليه؛ لأن قلب الحج عمرة جائز بلا حصر
(1)
.
فإن حصر عن طواف الإفاضة فقط لم يتحلل حتى يطوف، وإن حصر عن واجب لم يتحلل وعليه دم.
وإن أحصره مرض أو ذهاب نفقة أو ضل الطريق بقي محرمًا حتى يقدر على البيت، إن لم يكن اشترط في ابتداء إحرامه، وإلا فله التحلل في الجميع.
* * *
(1)
فيتحلل بعمرة مجانًا، لتمكنه من الوصول إلى البيت، فيفسخ نية الحج ويجعله عمرة.
باب الهدي والأضحية
(1)
والهدي: ما يهدى إلى الحرم، والأضحية: ما يذبح أيام النحر، وأفضلها إبل ثم بقر ثم غنم، وأفضل كل جنس أسمن فأغلى ثمنًا، ولا يجزئ فيها إلا جذع ضأن له ستة أشهر، أو ثني معز له سنة، ومن الإبل ما له خمس، ومن البقر ما له سنتان، وتجزئ الشاة عن واحد وأهل بيته وعياله، والبدنة والبقرة عن سبعة، وشاة أفضل من سبع بدنة أو بقرة.
ولا تجزئ في الهدي والأضحية: العوراء
(2)
البين عورها، ولا العجفاء الهزيلة التي لا مخ لها، ولا العرجاء
(3)
التي لا تطيق مشيًا مع الصحيحة، ولا الهتماء التي ذهبت ثناياها من أصلها، ولا العضباء التي ذهب أكثر أذنها أو قرنها، وتجزئ البتراء التي لا ذنب لها خلقة أو قطعاء، والصمعاء وهي الصغيرة الأذن
(4)
، والجماء التي لم يخلق لها
(1)
الهدي: جمع، والواحدة هدية، والأضحية: أفعولة من ضحى، يضحي إذا برز للشمس، انظر: المطلع (207)، وتحرير ألفاظ التنبيه (163)، والتعاريف (71).
(2)
العور: العيب، ويقال لكل شيء رديء من الأمور والأخلاق، أعور: وهو في الأمراض ذهاب حس إحدى العينين، انظر: مادة عور في لسان العرب (4/ 612)، والنهاية (3/ 319).
(3)
عرج في السلم: ارتقى، وعرج أيضًا: إذا أصابه شيء في رجله، فمشى مشية العرجان، انظر: مادة عرج في لسان العرب (2/ 323)، ومختار الصحاح (177).
(4)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الشاة الصمعاء تجوز الأضحية بها، بلا خلاف بينهم. وانظر: حاشية ابن عابدين (6/ 324)، والتاج والإكليل (2413)، والإقناع (2/ 516).
قرن، وخصي غير مجبوب، بأن قطع خصيتاه فقط.
ويجزئ مع الكراهة، ما بأذنه أو قرنه خرق أو شق أو قطع أقل من النصف أو النصف فقط.
والسنة نحر الإبل قائمة، معقولة يدها اليسرى، فيطعنها في الوهدة - التي بين أصل العنق والصدر -، وأن يذبح غيرها على جنبها الأيسر، موجهة إلى القبلة
(1)
، ويجوز ذبح الإبل ونحر غيرها.
ويقول عند الذبح أو النحر: بسم الله وجوبًا، والله أكبر استحبابًا
(2)
، اللَّهم هذا منك ولك، ويتولاها صاحبها إن قدر
(3)
، أو وكل مسلمًا وشهدها، وإن استناب ذميًا أجزأ
(4)
.
ووقت الذبح لأضحية وهدي نذره وتطوع ودم متعة أو قران بعد أسبق صلاة عيد بالبلد، أو من بعد قدرها إن لم يصل، ويستمر وقت الذبح نهارًا وليلًا، إلى آخر ثاني يوم بعده، فإن فات وقت الذبح قضى واجبه وفعل به كالأداء، وسقط التطوع
(5)
.
ووقت ذبح واجب بفعل محظور من حينه، ولترك واجب من حينه.
ويتعينان بقوله: هذا هدي أو أضحية أو لله، وكذا يعين بإشعاره، وبتقليده بنيته، لا بالنية حال الشراء أو السوق.
(1)
إجماعًا؛ لأنها أشرف الجهات، وتستحب في كل طاعة إلا بدليل. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 226).
(2)
إجماعًا، لقوله تعالى:{وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185]. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 228).
(3)
لأن فعل القرب والطاعات أولى من الاستنابة فيها، واتفقوا على أن ذبح المرأة في الجواز كالرجل، والعبد كالحر من المسلمين. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 228).
(4)
لكن تعتبر نية المسلم اتفاقًا.
(5)
لأن المحصل للفضيلة الزمان وقد فات، فلو ذبحه وتصدق به كان لحمًا لا أضحية في الأصح. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 231).
وإذا تعين هديًا أو أضحية لم يجز بيعها ولا هبتها، إلا أن يبدلها بخير منها، ويجز صوفها إن كان أنفع لها ويتصدق به، ولا يشرب من لبنها إلا ما فضل عن ولدها، ولا يعطي جازرها أجرته منها واجبة أو تطوعًا، ويجوز أن يتصدق عليه منها، ولا يبيع جلدها ولا شيئًا منها، بل ينتفع به أو يتصدق به.
وإن عابت بعد تعينها ذبحها وأجزأته، فإن كان بفعله أو تفريطه لزمه البدل، إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين كفدية ومنذور في الذمة عين عنه صحيحاً وعاب فيجب عليه بدله مطلقًا، وكذا لو سرق أو ضل ونحوه، وليس له استرجاع معيب وضال ونحوه وجده
(1)
.
والأضحية سنة مؤكدة على المسلم
(2)
، وذبحها أفضل من التصدق بثمنها، كالهدي والعقيقة.
وسن أن يأكل من الأضحية ويهدي ويتصدق؛ أثلاثًا حتى من الواجبة.
وما ذبح ليتيم أو مكاتب لا هدية ولا صدقة منه، وهدي التطوع والمتعة والقران كالأضحية
(3)
، والواجب بنذر أو تعيين لا يأكل منه، وإن أكل الأضحية إلا أوقية تصدق بها جاز، فإن أكلها كلها ضمن قدر أوقية بمثلها لحمًا.
ويحرم على من يضحي أو يضحى عنه أن يأخذ في العشر الأول من ذي الحجة من شعره أو ظفره أو بشرته شيئًا إلى الذبح، ويسن الحلق بعده،
(1)
أي: ليس لمن نحر بدل ما ذكر استرجاعه، وإبقاؤه على ملكه، بل يلزمه ذبحه إذا وجده، ويتعين للفقراء ولو ذبح بدله. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 238).
(2)
ذهب الحنفية إلى وجوب الأضحية على المقيمين من أهل الأمصار بشرط اليسار والوقت، وذهب المالكية والحنابلة إلى أنها سنة مؤكدة، وذهب الشافعية إلى أنها سنة مؤكدة على الكفاية، وإلا فهي سنة عين. وانظر: تحفة الفقهاء (3/ 81)، والثمر الداني (302)، والإقناع (2/ 512).
(3)
يأكل منه ويهدي ويتصدق، ولا نزاع في هذا، وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 240).
فإن أخذ شيئًا من شعره أو ظفره أو بشرته تاب إلى الله تعالى، فإن كان لضرورة فلا إثم عليه، ويعتبر تمليك الفقير
(1)
، فلا يكفي إطعامه كالواجب في الكفارة.
* * *
(1)
ذهب الحنفية والمالكية إلى اعتبار الإطعام دون التمليك، وذهب الشافعية والحنابلة إلى اعتبار التمليك دون الإطعام. وانظر: الهداية (4/ 178)، والثمر الداني (307)، والإقناع (2/ 519).
فصل: (في العقيقة)
والعقيقة
(1)
وهي الذبيحة عن المولود، سنة في حق الأب ولو
معسراً
(2)
، عن الغلام شاتان متقاربتان، فإن تعذرتا فواحدة، وعن الجارية شاة
(3)
، تذبح يوم سابعه، ويحلق فيه رأس الذكر، ويتصدق بوزنه ورقًا، ويسمى.
ويسن تحسين الاسم، ويحرم بنحو عبد الكعبة وعبد النبي، ويكره بنحو حرب ويسار، فإن فات الذبح يوم السابع ففي أربعة عشر، ففي واحد وعشرين، ثم بعد ذلك يعق في أي يوم أراد، بلا مراعاة الأسابيع، ولا
(1)
العقيقة: أصلها الشعر الذي يكون على رأس الصبي حين يولد، وسميت الشاة المذبوحة عنه عقيقة؛ لأنَّه يحلق عنه ذلك الشعر، انظر: تحرير ألفاظ التنبيه (163).
(2)
ذهب الحنفية إلى كراهة العقيقة؛ لأنَّه لما فرضت الأضحية نسخت كل فضل قبلها، فلم يبق إلا الكراهة، وذهب المالكية والحنابلة إلى أنها سنة، وذهب الشافعية إلى أنها سنة مؤكدة، وانظر: بدائع الصنائع (4/ 198)، والثمر الداني (315)، والإقناع (2/ 521).
(3)
ذهب المالكية إلى أن المشروع في العقيقة عن الذكر والأنثى شاة واحدة، وذهب الشافعية والحنابلة، إلى أن المشروع في حق الذكر شاتان، وفي حق الأنثى شاة واحدة، وانظر: الثمر الداني (315)، والإقناع (2/ 521).
يكسر عظمها
(1)
، وطبخها أفضل، وحكمها كالأضحية
(2)
، لكن يباع جلد ورأس وسواقط
(3)
ويتصدق بثمنه.
ولا يجزئ في العقيقة شرك في دم، فلا تجزئ بدنة إلا كاملة، وكره لطخ المولود من دمها
(4)
(5)
.
ويسن الأذان في أذن المولود اليمنى حين يولد، والإقامة في اليسرى
(6)
، ويحنك بتمرة بأن تمضغ ويدلك بها داخل فمه، ولو نوى بالأضحية عقيقة وأضحية أجزأ
(7)
.
(1)
ذهب المالكية إلى استحباب كسر عظم العقيقة بعد ذبحها مخالفة لأهل الجاهلية، وذهب الشافعية والحنابلة إلى استحباب تقطيع العقيقة من مفاصلها تفاؤلًا بالسلامة. وانظر: بداية المجتهد (1/ 649)، والإقناع (2/ 524).
(2)
فيما يجزئ ويستحب ويكره، وأكل وهدية وصدقة. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 251).
(3)
السواقط: السَّقَطُ من الأَشياء ما تُسْقِطُه فلا تَعْتَدُّ به، من الجُنْد والقوم ونحوه، والسُّقاطاتُ من الأَشياء ما يُتَهاون به، من رُذالةِ الطعام والثياب ونحوها، والسَّقطُ رَدِيءُ المَتاع، والمقصود به الكرش والمصران والطحال والرئة والقلب والكلى. انظر: لسانَ العرب مادة سقط (7/ 317).
(4)
وهذا فعل أنكره سائر أهل العلم. انظر: منار السبيل (1/ 260).
(5)
كرهه المالكية والشافعية والحنابلة، ونصوا عليه، ولم أعثر على رأي الحنفية فيما بين يدي من المصادر، والله أعلم. وانظر: أشرف المالك (1/ 133)، والإقناع (2/ 57).
(6)
ذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى مشروعية التأذين والإقامة في أذن الطفل، وذهب المالكية إلى الكراهة. وانظر: حاشية ابن عابدين (1/ 285)، ومواهب الجليل (1/ 494)، والإقناع (2/ 524).
(7)
كما لو اتفق يوم عيد ويوم جمعة فاغتسل لأحدهما، وكذا ذبح متمتع أو قارن يوم النحر شاة، فتجزئ عن الهدي الواجب والأضحية. وانظر: منار السبيل (1/ 260).
كتاب الجهاد
(1)
وهو: قتال الكفار
(2)
، فرض كفاية وسنة مؤكدة مع قيام من يكفي به
(3)
، ويجب عينًا على من حضر صف الجهاد، أو حصر بلده عدو، أو استنفره الإمام حيث لا عذر له.
وأقل الرباط ساعة وتمام الرباط أربعون يومًا.
وإذا كان أبواه مسلمين حرين أو أحدهما كذلك لم يجاهد تطوعًا إلا بإذنهما، ولا يعتبر إذنهما لواجب، ولا إذن جد ولا جدة، ولا يتطوع به
(1)
الجهاد: مصدر جاهد يجاهد جهادًا ومجاهدة، وجاهد فاعل من جهد في قتل عدوه، ويقال: اجهده المرض إذا بلغ به المشقة، انظر: المطلع (206)، وأنيس الفقهاء (181).
(2)
يكون الجهاد طلبًا ومبادأة في واحد من الأحوال التالية:
1 -
تعرض بعض المسلمين للاضطهاد والتعذيب، والاستيلاء على بلادهم وخيراتهم.
2 -
علم المسلمين بأن الأعداء يخططون للهجوم والاستيلاء على بلادهم.
3 -
قيام المشركين لصد الناس عن دين الله، ومغ الناس من الدخول فيه.
ويكون الجهاد دفاعًا في أحد الأحوال التالية:
1 -
إذا احتل المشركون شيئًا من بلاد المسلمين واستباحوا حرمتها.
2 -
قيام المشركين بنشر دينهم ومعتقداتهم في بلاد الإسلام أو التشكيك في عقيدة الإسلام. انظر: الفقه الميسر (2/ 240).
(3)
لو اقتصر المؤلف رحمه الله على ذكر فرض الكفاية لكان أكثر اختصارًا وتبادرًا للفهم.
مدين آدمي لا وفاء له، إلا مع إذن أو رهن أو كفيل
(1)
.
ولا يجب إلا على: ذكر، حر، مسلم، مكلف، صحيح، واجد من المال ما يكفيه ويكفي أهله في غيبته، ويجد مع مسافة قصر ما يحمله، ويعتبر أن يكون ذلك فاضلًا عن قضاء دينه، وأجرة مسكنه وحوائجه كالحج.
وسن تشييع الغازي لا تلقيه، وأفضل متطوع به الجهاد، وغزو البحر أفضل، وتكفر الشهادة جميع الذنوب سوى الدين، والشهادة في غزو البحر تكفر الذنوب حتى الدين، ولا يسقط حق الآدمي من دم ومال وعرض بالحج إجماعًا، وتكفر طهارة وصلاة ورمضان وعرفة وعاشوراء الصغائر.
والرباط وهو الإقامة في ثغر أفضل من المقام بمكة
(2)
، لكن الصلاة بمكة أفضل من الصلاة بغيرها، ولا يجوز للمسلمين الفرار من مثليهم، ولو واحدًا من اثنين كافرين، وإن زادوا عن مثليهم جاز الفرار.
والهجرة من دار الكفر واجبة على كل من عجز عن إظهار دينه، بمحل يغلب فيه حكم الكفر، أو البدع المضلة، فإن قدر على إظهار دينه، فالهجرة مسنونة.
* * *
(1)
لأنَّه لا ضرر على رب الدين، فإن تعين عليه الجهاد فلا إذن لغريمه لتعلق الجهاد بعينه، فيقدم على ما في ذمته كسائر فروض الأعيان، وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 262).
(2)
المقام في ثغور المسلمين أفضل من المجاورة في المساجد الثلاثة بلا نزاع؛ لأن الرباط من جنس الجهاد، والمجاورة غايتها أن تكون من جنس الحج، وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 260).
فصل: (في الأسرى)
والأسارى
(1)
من الكفار على قسمين:
قسم يكون رقيقًا بمجرد السبي، وهم النساء والصبيان والمجانين من كتابي وغيره.
وقسم لا وهم الرجال البالغون، والإمام فيهم مخير بين: قتل، ورق، ومنٍّ، وفداء بمال أو بأسير مسلم
(2)
، ويجب عليه فعل الأصلح.
ولا يجوز قتل صبي، ولا امرأة، وخنثى، وراهب
(3)
، وشيخ فالب، وأعمى ومن لا رأي لهم، ولم يقاتلوا أو يحرضوا، ويكونون أرقاء بسبي، ولا يصح بيع مسترق منهم لكافر.
(1)
الأسارى: جمع أسير وهو مشتق من الإسار، وهو القد، وكانوا يشدون الأسير به، فسمي كل أخيذ أسيرًا، ولو لم يشد به، انظر: تحرير ألفاظ التنبيه (314).
(2)
ذهب الحنفية إلى أن الإمام مخير في الأسرى المقاتلين بين ثلاثة أمور: القتل أو الاسترقاق أو يعقد عليهم الذمة، ويضرب عليهم الجزية، وذهب المالكية إلى أن الإمام مخير فيهم حسب المصلحة، بالقتل أو الاسترقاق أو العتق أو أخذ الفداء أو أن يضرب عليهم الجزية بعقد الذمة، وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الإمام مخير بين القتل أو الاسترقاق أو الفداء أو المن. وانظر: الهداية (2/ 41)، والكافي لابن عبد البر (208)، والإقناع (2/ 464)، والفقه الميسر (2/ 266).
(3)
الراهب: اسم فاعل من رهب إذا خاف، وهو مختص بالنصارى، وكانوا يترهبون بالتخلي من أشغال الدنيا وترك ملاذها، والزهد فيها، والعزلة عن أهلها، وتعمد مشاقها، انظر: المطلع (211).
ويحكم بإسلام من لم يبلغ من السبي من أولاد الكفار إن أسلم أحد أبويه، أو اشتبه ولد مسلم بولد كافر، فيحكم بإسلام ولد الكافر، ولا يقرع بينهما لئلا يقع ولد المسلم للكافر، وكذلك إن سباه مسلم منفرداً عن أحد أبويه
(1)
، فإن سباه ذمي فعلى دينه، أو سبي مع أبويه فعلى دينهما، وإن عدم أحد أبويه بدارنا، كزنا ذمية ولو بكافر فتأتي بولد فيكون مسلمًا، وكغير البالغ من بلغ مجنونًا.
ومن قتل قتيلًا أو أثخنه في حالة حرب فله سلبه
(2)
، وهو: ما على المقتول الكافر، من ثياب وحليّ وسلاح، وكذا دابته التي قاتل عليها وما عليها، وأما نفقة المقتول ورحله وقيمة الدابة التي لم يكن راكبها حال القتال فغنيمة.
وتقسم الغنيمة وهي: ما أخذ من مال حربي قهرًا، بقتال وما ألحق به، فيخرج الإمام الخمس، بعد دفع سلب القاتل، وأجرة جمع وحفظ وجعل من دل على مصلحة.
ويجعله خمسة أسهم: سهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم
(3)
، يصرف في مصرف
(1)
لأنَّه قد انقطعت تبعيته لأبيه، لانقطاعهما عنه، وإخراجه من دارهما إلى دار الإسلام، انظر: حاشية الروض المربع (4/ 273).
(2)
السلب من أنواع النفل: وهو ما يعطاه المجاهد زائدًا على سهمه، وهو أن يقول الإمام: من قتل قتيلًا فله سلبه، أو يقول للسرية: ما أصبتم فهو لكم أو ربعه أو خمسه. وانظر: أنيس الفقهاء (183).
واختلف الفقهاء ممَّ يكون النفل؟ فذهب الحنفية والحنابلة، إلى أن النفل يكون من أربعة أخماس الغنيمة، وذهب المالكية إلى أن النفل لا يكون إلا من الخمس، وذهب الشافعية إلى أن النفل يكون من خمس الخمس، وانظر: الهداية (3/ 55)، بداية المجتهد (1/ 521)، والأم (4/ 186)، والفقه الميسر (2/ 255).
(3)
في حياته صلى الله عليه وسلم، واليوم هو لمصالح المسلمين، وذكر اسمه تعالى لأن الدنيا والآخرة له سبحانه (4/ 277).
الفيء، وهو مصالح المسلمين
(1)
، وسهم لذوي القربى، وهم بنو هاشم وبنو المطلب حيث كانوا، للذكر مثل حظ الأنثيين، فيعم من في البلاد منهم بحسب الطاقة، غنيهم وفقيرهم سواء، وسهم لفقراء اليتامى، وهم من لا أب له ولم يبلغ الحلم، وسهم للمساكين أهل الحاجة فيعم الفقراء، وسهم لابن السبيل.
ويعطي أربعة الأخماس لمن شهد الوقعة من الغانمين وإن لم يقاتل
(2)
، للراجل ولو كافرًا سهم، وللفارس على فرس عربي ثلاثة أسهم، وعلى فرس هجين وهو ما أبوه فقط عربي، أو مقرف وهو: ما أمه فقط عربية، أو برذون وهو: ما أبواه نبطيان سهمان
(3)
، ولا يسهم لغير الخيل، ولا يسهم لأكثر من فرسين إذا كان مع رجل خيل
(4)
.
ولا يسهم إلا لمن اجتمعت فيه أربعة شروط: البلوغ، والعقل، والحرية والذكورة، فإن اختل شرط رضخ
(5)
له ولم يسهم.
* * *
(1)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة، إلى أن الفيء لا يخمس، بل كله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه، في قوله تعالى {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى} [الحشر: 7].
وذهب الشافعية إلى أنه يخمس كخمس الغنيمة. وانظر: تحفة الفقهاء (3/ 289)، والفواكه الدواني (2400)، والإقناع (2/ 479)، والفقه الميسر (2/ 252).
(2)
وتستحق الغنيمة بأحد أمرين، إما يكون حاضرًا للقتال، أو يكون ردءًا لمن حضر القتال، فيسهم لدليل وجاسوس ومن بعثهم الأمير لمصلحة وشبههم، وإن لم يشهدوا. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 235).
(3)
ضبة تصحيحية إلى قوله: الخيل.
(4)
لأن حاجته إلى الثاني حقيقية، لكون إدامة ركوب واحد يضعفه، وبمنع القتال عليه، بخلاف ما فوق ذلك فإنه مستغنى عنه، فيعطى صاحبها خمسة أسهم، انظر: حاشية الروض المربع (4/ 280).
(5)
رضخ له من ماله يرضخ رضخًا: أعطاه، والرضيخة: العطية المقاربة، انظر: مادة رضخ في لسان العرب (3/ 19)، ومختار الصحاح (103).
فصل: (في أموال الفيء ومصارفها)
والفيء
(1)
هو: ما أخذ من مال الكفار بحق، من غير قتال، كالجزية والخراج، وعشر التجارة من الحربي، ونصف العشر من الذمي، وما تركوه فزعًا من المسلمين، وما ترك عن ميت بلا وارث مستغرق، ومصرف ما ذكر مصالح المسلمين، ويبدأ بالأهم فالأهم من سد ثغر برجال فيهم الكفاية، وعمارة قناطر وجسور
(2)
، وإصلاح طرق ومساجد، ورزق القضاة والفقهاء وغير ذلك، فإن فضل شيء قسم بين أحرار المسلمين غني وفقير.
وبيت المال ملك المسلمين، ويحرم الأخذ منه بغير إذن الإمام.
* * *
(1)
الفيء: مصدر فاء يفيء فيئًا وفيوءًا إذا رجع، ثم أطلق على الحاصل من الجهاد، لأنَّه راجع في الأصل لهم، فرجع عليهم، انظر: المطلع (219)، وتحرير ألفاظ التنبيه (316).
(2)
الجسر بكسر الجيم وفتحها: واحد الجسور التي يعبر عليها، انظر: مادة جسر في لسان العرب (4/ 137)، ومختار الصحاح (44).
فصل: (في الغلول والخراج
(1)
والجزية)
(2)
والغال
(3)
من الغنيمة لا يحرم سهمه، ويجب حرق رحله كله، ما لم يخرج عن ملكه، إلا السلاح، والمصحف، وما فيه روح، وآلة، ونفقة، وكتب علم، وثيابه التي عليه، وما لم تأكله النار فله.
وإذا غنم المسلمون أرضًا بأن فتحوها عنوة بالسيف خير الإمام قسمتها بين الغانمين، ووقفها على المسلمين ويضرب عليها خراجًا مستمرأ، يؤخذ ممن هي بيده، يكون أجرة لها في كل عام، وكذا الأرض التي خرجوا منها خوفًا منا، أو صالحناهم على أنها لنا، ونقرها معهم بالخراج، بخلاف ما صولحوا على أنها لهم، ولنا الخراج عنها، فهي كجزية تسقط بإسلامهم.
(1)
الخراج: أصله ما يخرج من غلة الأرض، عبارة عن الأجرة التي توضع على الأرض المعينة، كما وضع عمر رضي الله عنه الخراج على أرض العراق، انظر: التعريفات (132)، وأنيس الفقهاء (186)، والمطلع (218).
(2)
الجزية: ما يؤخذ من أهل الذمة، والجمع جزى، مثل: لحية ولحى، وهو الخراج المجعول عليهم، بسبب بقائهم على كفرهم تحت حماية المسلمين، انظر: مادة جزى في مختار الصحاح (44)، والمطلع (140).
(3)
الغلول: من غل يغل بالضم، وهو في المغنم خاصة، لا من الخيانة ولا من الحقد، انظر: مادة غلل في لسان العرب (11/ 505)، ومختار الصحاح (200).
والمرجع في مقدار الخراج والجزية، إلى اجتهاد الإمام الواضع لهما
(1)
، ومن عجز عن عمارة أرضه الخراجية أجبر على إجارتها، أو رفع يده عنها بإجارة
(2)
أو غيرها
(3)
، ويجري فيها الميراث، فإن آثر بها أحداَ صار الثاني أحق بها، ولا خراج على مزارع مكة والحرم، ولا على مساكن مطلقًا.
* * *
(1)
فيضعه بحسب اجتهاده؛ لأنَّه أجرة تختلف باختلاف الأزمنة، فيزيد وينقص بقدر الطاقة، وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 286).
(2)
الإجارة: مأخوذة من الأجر وهو الجزاء على العمل، والجمع أجور، والإجارة ها أعطيت من أجر في عمل. والإجارة الكراء، انظر: مادة أجر في لسان العرب (4/ 10)، والمطلع (263).
(3)
لأن الأرض للمسلمين، فلا يجوز تعطيلها عليهم. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 288).
فصل: (في أحكام الأمان والهدنة وأهل الذمة)
(1)
ويصح الأمان من مسلم عاقل مختار غير سكران ولو قنًا أو أنثى بلا ضرر، في عشر سنين فأقل، منجزًا أو معلقًا، من إمام لجميع المشركين، ومن أمير لأهل بلدة، ومن كل واحد لقافلة وحصن صغيرين عرفًا
(2)
، ويحرم به قتل ورق وأسر.
ومن طلب الأمان ليسمع كلام الله ويعرف شرائع الإسلام لزم إجابته
(3)
، ثم يرد إلى مأمنه.
(1)
الذمة: العهد؛ لأن نقضه يوجب الذم، وتفسر بالأمان والضمان وكل ذلك متقارب ومنها قيل للمعاهدين: ذمى؛ لأنَّه أمن على ماله ودمه بالجزية، واصطلاحًا: إقرار بعض الكفار على كفرهم، ويشترط بذل الجزية والتزام أحكام الملة، انظر: أنيس الفقهاء (182)، وتحرير ألفاظ التنبيه (343)، والإنصاف (4/ 232)، وشرح منتهى الإرادات (1/ 658).
(2)
إلى هذا ذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة، وذهب الحنفية إلى أنه يجوز الأمان من واحد لجماعة أو مدينة، وبذلك لا يجوز لأحد قتال المؤمنين. وانظر: الهداية (39/ 3)، والثمر الداني (320)، الفقه الميسر (2/ 260).
(3)
نص الفقهاء على أن عقد الأمان ينتهي بأمور منها:
1 -
إذا رأى الإمام المصلحة في إنهائه، ولكن عليه أن يخبر المعاهدين بانتفاء عهد أمانهم.
2 -
انتفاء المهلة المحددة في عهد الأمان.
3 -
إذا رد المستأمن الأمان الذي أعطي له. =
والهدنة: عقد الإمام أو نائبه على ترك القتال مدة معلومة، ولو طالت بقدر الحاجة، ولو بمال منا للضرورة، ويجوز شرط رد رجل جاء منهم مسلمًا للحاجة، وأمره سرًا بقتالهم والفرار منهم، ولو هرب قنٌّ فأسلم لم يرد وهو حر
(1)
، ويؤخذون بجنايتهم على مسلم، من مال وقود وحد.
ولا يصح عقد الذمة إلا لأهل الكتاب اليهود
(2)
والنصارى
(3)
، ومن له شبهة كتاب كالمجوس
(4)
(5)
، ويجب على الإمام عقدها، حيث أمن مكرهم
4 - عودة المستأمن إلى دار الحرب واستيطانه بها.
5 -
ارتكاب المستأمن للخيانة والتجسس ونقض العهد.
وانظر: الفقه الميسر (2/ 263)، والهداية (2/ 27)، والثمر الداني (320).
(1)
لأنَّه لم يدخل في الصلح، ولأنه ملك نفسه بإسلامه. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 300).
(2)
اليهودية: الملة التي يدين بها اليهود، وهم أمة موسى عليه السلام، وكتابها التوراة، وسميت بذلك نسبة إلى يهوذا بن يعقوب، الذي ينتمي إليه بنو إسرائيل، الذين بعث فيهم موسى عليه السلام، ثم قلبت العرب الذال دالا، فسموا يهودا. انظر: المزيد في: الموجز في المذاهب والأديان المعاصرة (18)، والموسوعة الميسرة في المذاهب والأديان المعاصرة.
(3)
امتداد لليهودية، وتطلق على الدين المنزل من عند الله سبحانه وتعالى على عبده عيسى ابن مريم، وكتابها الإنجيل، وأتباعها النصارى نسبة إلى بلدة الناصرة في فلسطين، والتي ولد فيها المسيح عيسى ابن مريم، كما يرى بعض المؤرخين، أو إشارة إلى صفة نصرتهم نبي الله عيسى عليه السلام، أو لصفة التناصر فيما بينهم، وفي العصر الحديث أطلقوا على أنفسهم المسيحية، مبالغة في الانتساب لعيسى ابن مريم عليه السلام. انظر: المزيد: في الموجز في المذاهب والأديان المعاصرة (63)، والموسوعة الميسرة في المذاهب والأديان المعاصرة.
(4)
المجوسية: ديانة أسّسها زرادشت، وترى العالم صراعًا مستمرًا بين القوى الكونية، ومن معتقداتهم أن أهورامزدا هو رب الخير وخالق العالم المادي، وأنجرامينو: هو روح الشرّ، وأن الإنسان كائن حرّ، وواجب عليه الانتصار لأهورامازدا، والنار والشمس هما رمزا أهورامزدا، ولذلك ترتبط هذه الديانة بعبادة النار. انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(5)
اختلف الفقهاء في غير أهل الكتاب والمجوس، هل تقبل منهم الجزية أو لا؟ فذهب الحنفية إلى قبول الجزية من جميع المشركين، ما عدا مشركي العرب. وذهب المالكية إلى قبولها من عموم المشركين، وذهب الشافعية إلى عدم قبولها =
والتزموا لنا بأربعة أحكام:
أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، فيطال قيامهم وتجر أيديهم عند ذلك وجوبًا، وأن لا يذكروا الإسلام إلا بالخير، وأن لا يفعلوا ما فيه ضرر على المسلمين، وأن تجري عليهم أحكام الإسلام في نفس ومال وعرض، وإقامة حد فيما يحرمونه كالزنا، لا فيما يحلونه كشرب الخمر
(1)
.
ولا تؤخذ الجزية من امرأة ولا من خنثى، ولا من صبي ولا مجنون ولا قن، ولا زمن ولا أعمى، ولا شيخ فانٍ ولا راهب بصومعة، ومن أسلم منهم بعد الحول سقطت عنه الجزية.
ومتى بذلوا الواجب عليهم وجب قبوله وحرم قتالهم، ووجب دفع من قصدهم بأذى، ما لم يكونوا بدار حرب، ويميزون عن المسلمين بنحو شد زنار
(2)
ودخول حمام بجلجل
(3)
، ولهم ركوب غير خيل بغير سرج، ولا يجوز تصديرهم في المجالس، ولا دفنهم في مقابرنا
(4)
، ولا
= من غير المجوس ومن لهم شبهة كتاب، كمن زعم أنه من أتباع صحف إبراهيم، أو زبور داود دون غيرهم، وانظر: الهداية (3/ 72) الفواكه الدواني (1/ 337)، والإقناع (2/ 483)، والفقه الميسر (2/ 235).
(1)
ما يحلونه كأكل لحم الخنزير أو نكاح المحارم، فإنهم يقرون عليه، وهو أعظم جرمًا، لكن يمنعون من إظهاره بين المسلمين لتأذيهم به. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 39).
(2)
زنار: ما يشده النصراني والمجوسي على وسطه، وهو خيط غليظ من الإبريسم - الحرير - بقدر الإصبع، انظر: مادة زنر في لسان العرب (4/ 330)، ومختار الصحاح (116)، والتعريفات (153).
(3)
الجلجل: الجرس الصغير الذي يعلق في أعناق الدواب وغيرها، انظر: مادة جلل في لسان العرب (11/ 121).
(4)
الشروط المضروبة على أهل الذمة تضمنت تمييزهم عن المسلمين في اللباس والشعور والمراكب وغيرها لئلا تفضي مشابهتهم إلى أن يعامل الكافر معاملة المسلم فسدت هذه الذريعة بإلزامهم التميز عن المسلمين. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 313).
القيام لهم، ولا بدؤهم بالسلام بكيف أصبحت أو أمسيت، ولا تهنئتهم ولا تعزيتهم، وعيادتهم وشهادة أعيادهم، ويمنعون من إحداث كنائس
(1)
وبيع في دارنا، ومن بناء ما انهدم منها ولو ظلماً، ومن تعلية بنيان على مسلم ولو رضي، لا من مساواته له، وما ملكوه عاليًا من بناء مسلم لا ينقض، ولا يعاد لو انهدم، ويمنعون من إظهار خمر وخنزير، وناقوس
(2)
وجهر بكتابهم ورفع صوت على ميت، ومن قراءة قرآن ومن إظهار أكل وشرب في نهار رمضان.
فإن صولحوا في بلادهم على جزية أو خراج لم يمنعوا شيئًا من ذلك
(3)
، وليس لكافر دخول مسجد ولو أذن له مسلم، وإن اتجر إلينا حربي أخذ منه العشر، وذمي نصف العشر، ولا تعشر أموال المسلمين، وإن تهود نصراني أو عكسه لم يقر، ولم يقبل منه إلا الإسلام أو دينه الأول
(4)
، فإن أباهما هدد وحبس، وإن سلم ذمي على مسلم قال له: وعليكم، وتكره مصافحته.
فإن أبى الذمي بذل الجزية أو الصغار، أو التزام حكم الإسلام، أو تعدى على مسلم، بقتل أو فتنه عن دينه، أو زنا بمسلمة ولو باسم نكاح أو
(1)
كنائس: جمع كنيسة وهي معبد النصارى، وفي بداية الشأن كانت المنازل الخاصة تستعمل للعبادة المسيحية حتى فاق رواد المنازل الخاصة الأماكن المخصصة لتواجد العابدين، حينها بدأ التوجه إلى بناء دور خاصّة لممارسة الطقوس المسيحية. انظر: مادة كنس في لسان العرب (6/ 199)، ومختار الصحاح (241)، وموسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
(2)
الناقوس: مضراب النصارى الذي يضربونه لأوقات الصلاة؛ والنقس: الضرب بالناقوس. انظر: مادة نقس في لسان العرب (6/ 240)، ومختار الصحاح (281).
(3)
لأنهم في بلادهم أشبهوا أهل الحرب زمن الهدنة، ولأن بلدهم ليست بلد إسلام، لعدم ملك المسلمين لها، فلا يمنعون من إظهار دينهم فيها كمنازلهم. وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 317).
(4)
لأنَّه انتقل إلى دين باطل قد أقر ببطلانه، والإسلام الدين الحق، والدين الذي كان عليه صولح عليه، فلم يقبل منه غيرهما. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 320).
تعدى بقطع طريق أو تجسس، أو ذكر الله ورسوله أو دينه وكتابه بسوء انتقض عهده وحل دمه، ولا ينقض عهد أولاده ونسائه، وكذا لو لحق بدار الحرب
(1)
، لا إن أظهر منكرًا أو قذف مسلمًا أو رفع صوته بكتابه، فإن قال: تبت؛ خير فيه الإمام كأسير حربي، وحل ماله فيكون فيئًا، وإن أسلم حرم قتله.
* * *
(1)
لأن النقض وجد منه فاختص به، وإذا كان الناقض واحدًا من طائفة لم يوافقه بقيتهم لم يسر النقض إليهم. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 324).
كتاب البيع
(1)
وهو: مبادلة مال ولو في الذمة بمثله، والمال عين مباحة النفع بلا حاجة، أو منفعة مباحة مطلقًا على التأبيد، غير ربا وقرض.
وينعقد البيع بإيجاب وقبول، بعده أو قبله
(2)
، ولو متراخيًا عنه في مجلسه فإن تشاغلا بما يقطعه عرفًا، أو انقضى المجلس قبل القبول بطل.
وينعقد بمعاطاة
(3)
، وهي: التراضي بالفعل كأن يقول: اعطني بهذا خبزاً فيعطيه ما يرضيه، وكذا حكم الهبة والهدية والصدقة.
ويشترط للبيع سبعة شروط:
أحدها: التراضي منهما فلا يصح من مكره، فإن أكرهه الحاكم على بيع ماله لوفاء دينه صح، ولو عقدا بيعًا لم يرداه باطنًا خوفًا من ظالم فهو باطل.
(1)
البيع: ضد الشراء، والبيع الشراء أيضًا، وهو من الأضداد، انظر: مادة بيع في لسان العرب (8/ 23)، ومختار الصحاح (29)، والمطلع (227).
(2)
بعده بنحو قوله: قبلت، أو قبله بلفظ أمر نحو بعنيه بكذا. وانظر: حاشية الروض المر بع (4/ 328).
(3)
صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجواز البيع بالوسائل الحديثة، عن طريق البرق والتلكس، والفاكس وشاشات الحاسب الَالي، بحيث ينعقد العقد عند وصول الإيجاب إلى الموجه إليه وقبوله. انظر: قرار رقم 107، والفقه الميسر (1/ 22).
الثاني: الرشد
(1)
، فلا يصح تصرف صغير وسفيه
(2)
بغير إذن، وينفذ تصرفهما في اليسير بلا إذن، وتصرف العبد بإذن سيده.
الثالث: أن يكون المبيع مباح الانتفاع به في جميع الأحوال، كبغل وحمار ودود قز
(3)
وسباع البهائم، بخلاف الكلب، فإنه إنما يقتنى لصيد وماشية، وجلد ميتة ولو مدبوغًا؛ لأنَّه إنما يباح في يابس، وآلة اللهو والخمر وحشرات لا نفع فيها، وميتة ولو لمضطر، وسرجين
(4)
نجس، ودهن نجس ومتنجس، إلا علقًا
(5)
لمص الدم، وديدان
(6)
لصيد السمك وميتة السمك والجراد، ولا يجوز بيع السم القاتل.
الرابع: أن يكون العقد من مالك للمعقود عليه، أو من يقوم مقامه، كالوكيل والولي.
(1)
الرشد: نقيض الضلال، إذا أصاب وجه الأمر والطريق، انظر: مادة رشد في لسان العرب (3/ 177).
(2)
السفيه: فعيل من سفه بكسر الفاء، يسفه سفهًا وسفاهة وسفاهًا، وأصله الخفة والحركة، فالسفيه ضعيف العقل وسيئ التصرف، وسمي سفيهًا لخفة عقله. انظر: المطلع (228).
(3)
دودة القز، تقوم بتصنيع الخيوط التي ينسج منها الحرير الطبيعي، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(4)
السرجين: ما تدمل به الأرض، ويقال: سرقين بالكسر، انظر: مادة سرجن في لسان العرب (13/ 208)، ومختار الصحاح (124).
(5)
العلقة: من شعبة الديدان الحلقية، التي تعيش في مياه البرك والمستنقعات، وجسمها أملس لا يحمل أشواكًا، وهي تمتص دم المريض فيبرأ بإذن الله، والجمع علق، والإعلاق: إرسال العلق على الموضع ليمص الدم، انظر: مادة علق في لسان الحرب (10/ 267)، ومختار الصحاح (189)، والنهاية (2/ 289)، وموسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(6)
الديدان: شعبة كبيرة من الحشرات، تضم أكثر من 1500 نوع، بما فيها ديدان الأرض المعروفة وتتواجد هذه الديدان في معظم البيئات، ومنها الديدان البرية ومنها ديدان المياه العذبة ومنها الديدان البحرية، وتتباين أطوالها من المليمترات إلى حوالى 3 أمتار، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
ولا يصح بيع الفضولي
(1)
ولا شراؤه، ولو أجازه المالك
(2)
، وإن باع ما يظنه لغيره فبان أنه وارثه أو وكيل فيه صح.
ولا يباع غير المساكن مما فتح عنوة، كمصر والشام والعراق
(3)
، وأما الأرض فتؤجر؛ لأنها مؤجرة في أيدي أربابها بالخراج، ولا يصح بيع ماء الآبار والعيون
(4)
، ولا ما نبت في ملكه من كلأ
(5)
وشوك، وكذا نحو ملح ونفط، ويملك ذلك من يأخذه؛ لأنَّه من المباح.
لكن يحرم دخول ملك غيره بغير إذنه، وحرم منع مستأذن بلا ضرر.
الخامس: أن يكون المعقود عليه مقدورًا على تسليمه، فلا يصح بج آبتي، وطيرٍ في الهواء، وسمك في الماء ما لم يكن مرئيًا، بمحوز يسهل أحذه منه، ولا بيع مغصوب من غير غاصبه
(6)
، أو قادر على أخذه منه.
السادس: أن يكون المبيع معلومًا عند المتعاقدين، إما برؤية له أو لبعضه الدال عليه وقت العقد، أو قبله بزمن لا يتغير فيه المبيع ظاهرًا، أو بصفة ما يجوز السلم فيه.
فلا يصح بيع صبرة برؤية صاع منها، ولا حمل في بطن ولبن في
(1)
الفضولي: هو كل من لم يكن وليًا ولا أصيلًا، ولا وكيلًا في العقد. انظر: التعريفات (1/ 215).
(2)
بعد فوات شرطه، وهو الإذن وقت العقد. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 340).
(3)
لأن الصحابة - ضي الله عنهم - اقتطعوا الخطط في الكوفة والبصرة في زمن عمر رضي الله عنه، وبنوها مساكن وتبايعوها من غير نكير، فكان كالإجماع على جواز بيع المساكن، انظر: الروض المربع (4/ 343).
(4)
لأن ماءها لا يملك بل رب الأرض أحق به من غيره؛ لأنَّه صار في ملكه ولا يلزمه أن يبذل إلا الفاضل عن حاجته. انظر: الروض المربع (4/ 347).
(5)
الكَلأُ: العُشْبُ رَطْبُه ويابِسُه، وهو اسم للنوع، ولا واحِدَ له، انظر: لسان العرب (1/ 148).
(6)
عبارة غيره من الأصحاب: "ولا يصح بيع مغصوب إلا لغاصبه" وهذا أوضح، انظر: الإقناع (2/ 64)، والروض المربع (4/ 350).
ضرع منفردين، ولا مسك في فأرته، ولا صوف على ظهر، ولا نحو فجل قبل قلعه، ولا عبد من عبيده، ولا شجرة من بستان، ولو تساوت في القيمة، ولا بيع الملامسة
(1)
ولا المنابذة
(2)
، ولو استثنى بائع حيوان يؤكل رأسه وجلده وأطرافه صح
(3)
، ولا يجبر المشتري على ذبحه بلا شرط، ولزمته قيمته على التقريب، ولو استثنى الشحم والحمل ونحوه مما لا يصح إفراده بالبيع بطل، وكذا لو استثنى رطلًا من لحمه، ويصح بيع ما مأكوله في جوفه
(4)
كبيض وبطيخ
(5)
، وبيع نحو الباقلاء والجوز في قشره، والحب المشتد في سنبله.
وكذلك الثمن يشترط أن يكون معلومًا، فلو باعه برقمه وأحدهما يجهله لم يصح
(6)
، أو بما باع به زيد وجهله لم يصح، ويكفي علم الثمن بالمشاهدة، كصبرة دراهم ووزن صنجة
(7)
، وملء كيل، وإن باع ثوبًا أو صبرة كل ذراع أو كل قفيز
(8)
بكذا صح، ولا يضر الجهل بالذرع والكيل.
(1)
الملامسة: أن تشتري المتاع دون أن تنظر إليه، انظر: مادة لمس في لسان العرب (6/ 210).
(2)
المنابذة: من النبذ وهو الرمي، ومعناه: أن تقول لصاحبك: إذا نبذت الحصاة إليك فقد وجب البيع، انظرْ مادة نبذ في لسان العرب (3/ 512).
(3)
لأن الاستثناء استبقاء وهو يخالف ابتداء العقد ولو باع ذلك منفردًا لم يصح. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 358).
(4)
لدعاء الحاجة لذلك، أو لكونه مصلحة ولفساد بإزالته، والعمل على ذلك في أسواق المسلمين. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 359).
(5)
بطيخ: فاكهة صيفية لذيذة، يؤكل لبها، كبيرة الحجم، لها قشر أخضر سميك، وتحتوي على ألياف حمراء وبذور سوداء، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(6)
مثل: إن باع خيلًا وما في بطن أخرى فلا يصح؛ لأن الحمل لا يمكن تقويمة، والمعلوم مجهول الثمن. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 366).
(7)
الصنجة: ما يوزن به كالأوقية والرطل، انظر: الإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان (70).
(8)
القفيز: من المكاييل معروف، والجمع أقفزة وقفزان، وهو مكيال تتواضع الناس عليه، ويعادل اثني عشر صاعًا، ويساوي بالغرامات (26112) غرامًا، ويساوي =
ولو باع معلومًا ومجهولًا يتعذر علمه ولم يقل كل منهما بكذا لم يصح، فإن قال ذلك أو لم يتعذر علم المجهول صح في المعلوم بقسطه من الثمن، ولو باع مشاعًا مشتركًا بينه وبين غيره، أو ما ينقسم عليه الثمن بالأجزاء، كقفيزين متساويين لهما صح البيع في نصيبه بقسطه من الثمن.
وإن باع عبده وعبد غيره بغير إذنه، أو عبدًا وحرًا، وخلًّا وخمرًا صح في عبده، وفي الخل بقسطه من الثمن، وللمشتري الخيار إن جهل الحال، لتبعيض الصفقة عليه.
السابع: أن يكون منجزًا، فلا يصح البيع ولا الشراء معلقًا، كبعتك إن رضي زيد، أو إذا جاء رأس الشهر، ويصح بعتك إن شاء الله.
* * *
= (26.12) كيلو جرام، انظر: مادة قفز في لسان العرب (5/ 396)، والنهاية (4/ 90)، والإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان (72).
فصل: (في موانع
(1)
صحة البيع)
ويحرم ولا يصح بيع وشراء في المسجد، ولا ممن تلزمه الجمعة بعد ندائها الذي عند المنبر
(2)
، وكذا قبل النداء لمن منزله بعيد عن المسجد، في وقت وجوب السعي عليه، وكذا لو تضايق وقت مكتوبة.
ويصح البيع بعد النداء لحاجة، كمضطر إلى طعام أو شراب، وعريان وجد سترة، وكفن لميت خيف عليه الفساد بتأخيره، ويصح إمضاء بيع خيار وبقية العقود كقرض، ورهن، وضمان، ونكاح
(3)
.
ولا يصح بيع العنب أو العصير ممن يتخذه خمرًا، ولا سلاح في فتنة بين المسلمين، أو لأهل حرب، أو قطاع طريق، ولا بيع مأكول أو مشموم
(1)
المانع: فاعل من المنع وهو ضد الإعطاء. واصطلاحًا: ما يلزم من وجوده العدم، ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم، انظر: مادة منع في مختار الصحاح (265)، والحدود الأنيقة (82).
(2)
يقصد به النداء الثاني؛ لأنَّه هو الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاقتضى الحكم به، والأذان الأول من اجتهاد عثمان رضي الله عنه، وإقرار المسلمين إجماعًا على صحة فعله، وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 371).
(3)
لأن ذلك يقل وقوعه، فلا تكون إباحته ذريعة إلى فوات الجمعة أو بعضها، بخلاف البيع، وتقييده بالجمعة يفهم منه صحته لغيرها، لكن يحرم إذا فاتته الجماعة، وتعذر عليه جماعة أخرى. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 373).
لمن يشرب عليهما المسكر، ولا جوز وبيض لقمار، ولا قدح لمن يشرب فيه خمرًا، ولا عبد مسلم لكافر إذا لم يعتق عليه، وإن أسلم في يده أجبر على إزالة ملكه عنه بنحو بيع أو هبة أو عتق، ولا تكفي مكاتبته ولا بيعه بخيار.
وإن جمع في عقد بين بيع وكتابة، أو بيع وإجارة صح البيع وما جمع إليه في غير الكتابة
(1)
، لبيعه ماله لماله، فتصح هي دونه، ويقسط العوض على البيع، وما جمع عليه بحسب القيمة.
ولا يصح بيع على بيع المسلم زمن الخيار، ولا شراؤه على شرائه ولا اقتراضه على اقتراضه، واتهابه على اتهابه، وطلب عمل في ولاية بعد طلب غيره ونحو ذلك، وأما السوم
(2)
على سوم المسلم مع الرضا الصريح فحرام في غير المناداة.
وأما المزايدة في المناداة أو مع عدم رضا البائع فجائزة، ويحرم بيع المصحف، ولا يصح لكافر، ويحرم بيع الأمة للذي يطؤها قبل استبرائها، ويصح العقد في السوم
(3)
، والمصحف لمسلم والأمة
(4)
، ومن باع شيئًا بنقد ثم اشتراه بأكثر منه نسيئة
(5)
لم يجز؛ لأنَّه يجر إلى
(1)
لأن اختلاف العقدين لا يمنع الصحة، لكن في صورة البيع للعبد والكتابة تبطل الصفقة، كبعتك عبدي هذا وكاتبتك بمائة درهم؛ لأن العبد المكاتب مال السيد والعبد المبيع مال السيد أيضًا، فلم يصح البيع، ومفهومه أنه لو كاتبه ثم باعه صح؛ لأن تصرفه مع سيده أصبح كالأجنبي. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 378).
(2)
السوم لغة: من المساومة وهي المجاذبة بين البائع والمشتري، على السلعة وفصل ثمنها، واصطلاحًا: أن يتفق مالك السلعة والراغب فيها على البيع، ولما يعقداه، فيقول الآخر للمالك استرده فأنا أشتريه بأكثر، انظر: مادة سوم في لسان العرب (12/ 314)، والنهاية (2/ 425)، والروض المربع (4/ 380).
(3)
أي: يصح العقد مع التحريم؛ لأن المنهي عنه السوم لا البيع. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 381).
(4)
يعني: يصح بيع المصحف للمسلم مع حرمة بيع المصحف، كذلك يصح بيع الأمة، ويجب على المشتري استبراؤها قبل وطئها. وانظر: منار السبيل (1/ 277).
(5)
النسيئة والنساء: بالفتح من أنسأت الشيء إذا أخرته، انظر: المطلع (242).
الربا
(1)
، ولو اشترى ما يساوي مائة، بأكثر لاحتياجه للنقد فلا بأس.
ويحرم التسعير
(2)
والاحتكار
(3)
في قوت آدمي، ويجبر على بيعه كما يبيع الناس، ولا يكره ادخار قوت أهله ودوابه.
ولا يصح التصرف ببيع أو هبة وغيرهما في المقبوض بعقد فاسد ويضمن هو وزيادته، كمغصوب إذا تلف أو أتلفه، لكن لو اشترى ثمرة شجرة شراء فاسدًا وخلى البائع بينه وبينها على شجرة لم يضمنه بذلك لعدم ثبوت يده.
* * *
(1)
هذه كمسألة العينة سواء، وهي عكسها صورة، وفي الصورتين قد تترتب في ذمته دراهم مؤجلة، بأقل منها نقدًا، لكن في صورة العينة تشغل ذمة المشتري، وفي عكسها تشغل ذمة البائع، ولا فرق بينهما، انظر: حاشية الروض المربع (4/ 385).
(2)
التسعير: تقدير السعر، والسعر واحد أسعار الطعام، انظر: مادة سعر في مختار الصحاح (126)، والنهاية (2/ 268).
(3)
الاحتكار: جمع الطعام وحبسه يتربص به الغلاء. انظر: مادة حكر في لسان العرب (4/ 208)، ومختار الصحاح (62).
فصل: (في الشروط في البيع)
والشرط
(1)
في البيع قسمان: صحيح لازم، وفاسد مبطل.
فالأول: ثلاثة أنواع:
الأول: شرط يقتضيه العقد، كشرط تقابض وحلول ثمن، ورده بعيب قديم.
الثاني: شرط من مصلحة العقد
(2)
، كتأجيل تمن أو بعض إلى أجل معلوم، أو شرط رهن أو ضامن معين، أو شرط صفة في المبيع، ككون العبد كاتبًا، والأمة بكرًا فيصح.
وإن لم يف بالشرط، فلصاحبه الفسخ، أو أرش فقد الصفة.
(1)
الشرط: إلزام الشيء والتزامه في البيع ونحوه، والجمع شروط، واصطلاحًا: ما يلزم من عدمه العدم لذاته، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، والمراد هنا إلزام أحد المتعاقدين الآخر بسبب العقد ما له فيه منفعة. انظر: مادة شرط في لسان العرب (7/ 329)، ومختار الصحاح (141).
(2)
يدخل في هذا الشرط الجزائي، وهو اتفاق بين المتعاقدين، على مقدار التعويض الذي يستحقه الدائن من المدين، إذا لم ينفذ أو تأخر في تنفيذ ما التزم به، وهو شرط صحيح معتبر، انظر: الفقه الميسر (1/ 7).
الثالث: شرط البائع نفعًا معلومًا في المبيع، غير وطء ودواعيه
(1)
كأن يشترط سكنى الدار شهرًا، أو يشترط المشتري نفعًا معلومًا في مبيع كشيال الحطب إلى موضع معلوم، أو خياطة الثوب المبيع، فيلزم بذلك الشرط.
ولا يصبح الجمع بين شرطين في هذا النوع
(2)
.
القسم الثاني: شرط ما ينافي مقتضى العقد، وهو ثلاثة أنواع:
الأول: ما يبطل به العقد، كاشتراط أحدهما على الآخر عقدًا آخر، كسلم وقرض، وبيع وإجارة.
الثاني: ما يصح معه البيع ويلغو الشرط، كأن يشترط أن لا خسارة عليه
(3)
، أو أن لا يبيع المبيع ولا يعتقه، أو شرط رهنًا فاسدًا كخمر، أو أجلًا مجهولًا، إلا إن شرط البائع على المشتري العتق، فيصح الشرط أيضًا، ويجبر المشتري على العتق والولاء
(4)
له، ويبطل شرط ولائه
(5)
، فإن أصر أعتقه الحاكم
(6)
.
الثالث: ما لا ينعقد معه بيع، نحو: بعتك إن رضي زيد
(1)
كمباشرة دون فرج وقبلة، فلا يصح شرطه؛ لأنَّه لا يحل إلا يملك يمين أو نكاح وقد انتفيا. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 395).
(2)
كحمل حطب وتكسيره، أو خياطة ثوب وتفصيله. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 399).
(3)
كأن يشترط مشتر على بائع أن لا يخسر في مبيع، فالبيع صحيح والشرط باطل، لمخالفته لمقتضى العقد، إذ مقتضاه ملكه واستقلاله به. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 407).
(4)
الولاء: وهو إذا مات المعتق أو المعتق ورثه معتقه، وكانت العرب تهبه وتبيعه فنهي عنه؛ لأن الولاء كالنسب لا يزول بالإزالة، انظر: مادة ولي في النهاية (5/ 226)، ومختار الصحاح (306).
(5)
ضبة تصحيحية إلى قوله: الحاكم.
(6)
لأنَّه عتق مستحق عليه، لكونه قربة التزمها، فيعتقه الحاكم، كما يطلق عن المولى. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 404).
بكذا، أو كل بيع على شرط مستقبل
(1)
غير: إن شاء الله، وغير بيع العربون
(2)
بأن يدفع بعد العقد شيئًا، ويقول: إن أخذت المبيع أتممت الثمن، وإلا فهو لك فيصح، والإجارة مثله.
وإن باعه شيئًا وشرط البراءة من كل عيب مجهول، أو من عيب كذا إن كان لم يبرأ البائع
(3)
، فإن وجد المشتري عيبًا فله الخيار، وإن سمى البائع العيب
(4)
، أو أبرأه المشتري بعد العقد برئ.
وإن باعه أرضًا على أنها عشرة أذرع فبانت أكثر أو أقل صح البيع والزيادة للبائع والنقص عليه، ولمن جهله وفات غرضه الخيار، فلكل منهما الفسخ، ما لم يعط البائع الزيادة مجانًا، أو يرض المشتري بالنقص بكل الثمن، فإن كان المبيع نحو صبرة على أنها عشرة أقفزة، فكانت أقل أو أكثر صح البيع ولا خيار
(5)
، والزيادة للبائع والنقص عليه.
* * *
(1)
لعدم نقل الملك، ولأنه عقد غير مجزوم به.
(2)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية إلى بطلان بيع العربون، لما فيه من الغرر، انظر: الفقه الميسر (1/ 27)، والمجموع (9/ 217)، وشرح الزرقاني على الموطأ (3/ 323).
(3)
لأن هذا شرط مجهول، ولا يبرأ حتى يفرده بالبراءة، ويعين موضعه وجنسه وقدره بحيث لا يبقى للمبتاع فيه قول. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 409).
(4)
العيب والعيبة: الوصمة، وعيبه وتعيبه: صار ذا عيب، واصطلاحًا: نقص خلا عنه أصل الفطرة السليمة، انظر: مادة عيب في لسان العرب (1/ 633)، ومختار الصحاح (194)، وأنيس الفقهاء (162).
(5)
لبائع ومشتر؛ لأنَّه لا ضرر في رد الزائد إن زاد، ولا في أخذ الناقص بقسطه وهذا بخلاف الأرض ونحوها مما ينقصه التفريق.
فصل: (في أقسام الخيار)
وأقسام الخيار
(1)
ثمانية:
الأول: خيار المجلس:
ويثبت للمتعاقدين في بيع، وصلح بمعنى بيع، وإجارة وقسمة التراضي، والصرف والسلم
(2)
دون باقي العقود
(3)
كالرهن والوقف، والحوالة والضمان والمساقاة
(4)
، ويستثنى من البيع الكتابة، وتولي طرفي العقد، وشراء من يعتق عليه.
(1)
الخيار: بالكسر خلاف الأشرار، وهو أيضًا اسم من الاختيار، وهو طلب خير الأمرين من إمضاء البيع أو فسخه، انظر: مادة خير في لسان العرب (4/ 267)، ومختار الصحاح (80).
(2)
لأنها عقود معاوضة فيها معنى البيع، والنظر للأحظ، ولكل منهما الفسخ ما داما في المجلس. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 416).
(3)
فلا يثبت فيها خيار المجلس؛ للاستغناء بجوازها، والتمكن من فسخها بأصل وضعها. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 416).
(4)
المساقاة لغة: مفاعلة من السقي، واصطلاحًا: أن يستعمل رجل رجلًا في نخيل أو كروم، ليقوم بإصلاحها على أن يكون له سهم معلوم مما تغله، انظر: مادة سقي في مختار الصحاح (128)، وانظر: المطلع (262)، والتعريفات (271).
وابتداء الخيار من حيث العقد إلى أن يتفرقا عرفًا بأبدانهما
(1)
، من غير إكراه لهما، أو لأحدهما على التفرق، أو فزع من نحو سبع أو ظالم خشياه، أو أحدهما ما لم يتبايعا على أن لا خيار لهما، أو أسقطاه بعد العقد، فإن أسقطه أحدهما بقي خيار الآخر، وينقطع بموت أحدهما لا بجنونه فهو على خياره إذا أفاق
(2)
، ولا يثبت لوليه، فإن تفرقا لزم البيع.
الثاني: خيار الشرط: بأن يشترطا في صلب العقد أو بعده، في مدة خيار المجلس مدة معلومة ولو طويلة، ولو فيما يفسد قبل انتهائها، فيباع ويحفظ ثمنه إلى انتهاء المدة، وابتداؤها من حين الشرط، فإن مضت ولم يفسخ لزم البيع، وكذا إن أبطلا الخيار.
ويثبت في: البيع والصلح، والقسمة، والهبة بعوض، وما بمعنى البيع، وفي الإجارة في الذمة، وعلى مدة لا تلي العقد، إذا شرطا مدة تنقضي قبل دخول وقت الإجارة، وإلا لم يصح الشرط.
ولا يثبت خيار الشرط في غير ما ذكر، كصرف وسلم، وضمان وكفالة، وإن شرطاه لأحدهما دون صاحبه صح، ويجوز لمن له الخيار الفسخ، ولو مع غيبة الآخر.
والملك في المبيع مدة الخيارين
(3)
للمشتري، ولو لم يكن له الخيار، وله نماؤه المنفصل وكسبه ولو فسخاه
(4)
، وأما نماؤه المتصل كالسمن فهو تابع للعين.
ويحرم ولا يصح تصرف أحدهما في المبيع وعوضه مدة الخيارين بغير
(1)
ذهب الحنفية والمالكية إلى نفي خيار المجلس، وحملوه على التفرق بالأقوال، وليس الأبدان، وذهب الشافعية إلى ثبوت خيار المجلس، والعبرة فيه التفرق بالأبدان. انظر: الهداية (2/ 129)، والفواكه الدواني (2/ 109)، ومغني المحتاج (2/ 37).
(2)
لأن الجنون لا يخرج الملك عن مالكه، بل المال له، وهو على خياره إذا أفاق من جنونه. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 420).
(3)
خيار الشرط وخيار المجلس.
(4)
لأن الفسخ رفع للعقد من حين الفسخ لا من أصله. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 428).
إذن الآخر، في غير تجربة المبيع، إلا عتق المشتري فينفذ مع الحرمة، ويسقط خيار البائع حينئذ.
وتصرف المشتري في المبيع والخيار له في زمنه بنحو وقف أو لمس لأمة بشهوة فسخ لخياره
(1)
، وتصرف البائع في المبيع إذا كان الخيار له وحده ليس فسخًا للبيع
(2)
.
ومن مات منهما في - زمن - شرط الخيار
(3)
بطل خياره، فلا يورث إن لم يكن طالب به قبل موته، كالشفعة وحد القذف.
الثالث: خيار الغبن
(4)
الخارج عن العادة
(5)
، كأن يبيع ما يساوي عشرة بثمانية، أو يشتري ما يساوي ثمانية بعشرة، فيثبت الخيار لمن غبن، ولا يسقط إلا بما يدل على الرضا، ولا أرش مع الإمساك للمبيع
(6)
، ومثل البيع في ذلك الإجارة.
الرابع: خيار التدليس: وهو أن يدلس البائع على المشتري ما يزيد به الثمن، كترك اللبن في الضرع، وتحمير الوجه، وتسويد الشعر، ويثبت للمشتري على التراخي، ويخير بين الإمساك بلا أرش والرد، وفي المصراة
(7)
يخير ثلاثة أيام، بين إمساكها وردها مع صاع من تمر إن حلبها،
(1)
لأنَّه دليل على الرضا. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 430).
(2)
لأن الملك انتقل عنه، فلا يكون تصرفه استرجاعا. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 432).
(3)
لو عبر المؤلف رحمه الله بقوله: خيار الشرط لكان أقرب للفهم، والله أعلم.
(4)
الغبن بالتسكين في البيع، وبالتحريك في الرأي، وهو الخداع والوكس، ومن غبن فهو مغبون، انظر: مادة غبن في لسان العرب (13/ 309)، ومختار الصحاح (196).
(5)
لأنَّه لم يرد الشرع بتحديده، فيرجع فيه إلى العرف. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 437).
(6)
لأنَّه لم يفت عليه جزء من المبيع ليأخذ الإرش في مقابله. وانظر: منار السبيل (8/ 439).
(7)
مصراة: من صرى الشاة تصرية، إذا لم يحلبها أيامًا، حتى يجتمع اللبن في ضرعها، انظر: مادة صري في لسان العرب (14/ 458)، ومختار الصحاح (152)، ومادة صرا في النهاية (3/ 27).
فإن عدم التمر فقيمته، أو رد اللبن بحاله.
الخامس: خيار العيب: وهو ما ينقص قيمة المبيع عادة، كمرضه وفقد عضو وسن أو زيادتهما، وزنا الرقيق إذا بلغ عشرًا وسرقته وإباقه، فإذا وجد المشتري بالمبيع عيبًا يجهله خير بين رده على البائع بنمائه المتصل وعليه أجرة الرد، ويرجع بالثمن كاملًا ولو كان البائع أبرأه منه، وبين إمساكه ويأخذ الأرش
(1)
، وهو قسط ما بين قيمته صحيحًا ومعيبًا من ثمنه، وهذا إن لم يفض إلى ربا، كشراء حلي فضة بزنته دراهم، فيمسكه أو يرده مجانًا.
فإن تلف المبيع عند المشتري تعين الأرش ولو كان التلف بفعل المشتري كأن أكله أو باعه أو أوقفه أو استولد الأمة أو أعتقها غير عالم بالعتق ثم علم، فله الأرش ما لم يكن البائع علم بالعيب وكتمه تدليسًا على المشتري فيحرم عليه، ويرجع عليه المشتري بجميع الثمن إن تلف بغير فعله كما لو مات.
وخيار العيب على التراخي
(2)
، ولا يسقط إلا إن وجد منه ما يدل على رضاه، كتصرفه فيه عالمًا بعيبه، ولا يفتقر الفسخ إلى حضور البائع ولا رضاه، ولا لحكم حاكم
(3)
، والمبيع بعد الفسخ أمانة بيد المشتري، فإن قصر في رده حتى تلف ضمنه.
فإن حدث العيب بعد العقد فلا خيار للمشتري إلا في نحو مكيل عاب قبل قبضه
(4)
.
(1)
لأن المتبايعين تراضيا على أن العوض في مقابلة المبيع، فكل جزء منه يقابله جزء من الثمن، ومع العيب فات جزء من المبيع، فله الرجوع ببدله وهو الأرش. وانظر: منار السبيل (4/ 446).
(2)
لأنَّه لدفع ضرر متحقق فلم يبطل بالتأخير، ومتى اختلفا فالقول قول المشتري بيمينه. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 452).
(3)
لأنَّه رفع حكم عقد جعل إليه، فلم يعتبر فيه ذلك كالطلاق.
(4)
فللمشتري الخيار؛ لأنَّه من ضمان البائع إلى قبضه، ونحو المكيل، الموزون والمزروع والثمر على الشجر والمبيع بصفة أو رؤية بصفة متقدمة، انظر: حاشية الروض المربع (4/ 448).
وإن اشترى ما لم يعلم عيبه إلا بكسره كجوز هند
(1)
وبيض نعام فكسره فوجده فاسدًا فيمسكه وله أرشه، أو يرده مع أرش كسره ويأخذ ثمنه، فإن كان كبيض دجاج رجع بكل الثمن، لتبين فساد العقد؛ إذ لا نفع فيه.
وإن اختلفا في حدوث العيب وقدمه مع الاحتمال فالقول للمشتري بيمينه إن لم يخرج عن يده
(2)
، ويقبل قول البائع: إن المبيع المعيب ليس المردود، إلا في خيار شرط فقول المشتري، قال البهوتي
(3)
: "وقول قابض في ثابت في ذمة، من ثمن وقرض وسلم ونحوه، إن لم يخرج عن يده، وقول مشتر في عيب ثمن معين بعقد"، ومن اشترى متاعًا فوجده خيرًا مما اشترى فعليه رده إلى بائعه.
السادس: خيار الخلف في الصفة، فإن وجد المشتري ما وصف له أو رآه قبل العقد بزمن يسير متغيرًا فله الفسخ، ويحلف المشتري إن اختلفا في وجود التغير
(4)
، ولا يسقط حقه من الفسخ إلا بما يدل على الرضا به.
السابع: خيار الخلف في قدر الثمن، فإذا اختلفا أو ورثتهما في قدره ولا بينة لأحدهما أو تعارضت حلف البائع أولًا: ما بعته بكذا وإنما بعته بكذا، ثم المشتري: ما اشتريته بكذا وإنما اشتريته بكذا، وتفاسخا إن لم يرض أحدهما بقول الآخر، وكذا إذا اختلف المتآجران في مقدار الأجرة.
(1)
جوز الهند: من فصائل النخيل، ومصدر غذاء للإنسان، ومصدر دخل جيد، فمنها يحصلون على الزيت وعلى الجذوع لبناء المنازل والقوارب، وعلى الليف لصناعات نسيجية مختلفة، وتتميز هذه الشجرة بأن إنتاجها مستمر على مدار العام، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(2)
لأن الأصل عدم القبض في الجزء الفائت، فكان القول قول من ينفيه، فيحلف أنه اشتراه وبه العيب، أو أنه ما حدث عنده، انظر: حاشية الروض المربع (4/ 454).
(3)
انظر: حاشية الروض المربع (2/ 90).
(4)
لأنَّه غارم. وانظر: منار السبيل (1/ 296).
فإن كانت السلعة التي فسخ البيع فيها بعد التحالف تالفة رجعا إلى قيمة مثلها، ويقبل قول المشتري فيها؛ لأنَّه غارم.
الثامن: خيار الخلف في عين المبيع أو قدره، فيتحالفان ويبطل البيع، والقول قول البائع بيمينه؛ لأنَّه الغارم.
* * *
فصل: (في التصرف في المبيع قبل قبضه)
ويملك المشتري المبيع
(1)
بمجرد العقد، ويصح تصرفه فيه قبل قبضه، ببيع، وهبة، ووقف، وإجارة، وعتق ونحو ذلك، وإن تلف ففي ضمانه، إلا إن كان بصفة أو برؤيه متقدمة
(2)
، أو كان ثمرًا على شجر، أو مبيعًا بكيل أو وزن أو عد أو ذرع ففي ضمان بائعه حتى يقبضه مشتريه، مع كونه في ملكه من حيث العقد، ولا يصح تصرفه فيه قبل قبضه ببيع ولو لبائعه
(3)
أو هبة ولو بلا عوض، أو رهن أو حوالةٍ، ويصح عتقه وجعله مهرًا، أو عوض خلع، ووصيته به.
وإن تلف بآفة سماوية قبل قبضه انفسخ العقد، فإن بقى منه شيء قبل قبضه خير مشتريه في أخذه بقسطه من الثمن، وإن تلف بفعل بائع أو أجنبي خير المشتري بين الفسخ ورجوعه بالثمن، أو الإمضاء ومطالبة من أتلفه ببدله، وهو مثل المكيل والموزون، وقيمة المذروع، والثمن الذي ليس في الذمة، كالمثمن في جميع ما تقدم.
(1)
مثل: الدار المعينة، والعبد المعين، والصبرة المعينة؛ لأن التعيين كالقبض. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 489).
(2)
ضبة تصحيحية.
(3)
ضبة تصحيحية.
وإن اشترى المكيل ونحوه جزافًا صح التصرف فيه قبل قبضه، ومن تعين ملكه في موروث أو وصية أو غنيمة فله التصرف فيه قبل قبضه.
ويحصل قبض ما بيع بكيل بالكيل، أو بوزن بالوزن، أو بعدّ بالعد، أو بذرع بالذرع، بحضور مستحق أو نائبه، وإن لم ينقله، وأجرة كيال ونحوه على الباذل - وأجرة النقل على القابض
(1)
- وما لا ينقل كالعقار والثمرة على الشجر بتخلية بلا حائل، وإن كان فيها متاع للبائع، ويعتبر لجواز قبض مشاع ينقل إذن شريكه.
والإقالة مستحبة لنادم من بائع ومشتر، وهي فسخ، فتجوز قبل قبض المبيع مطلقًا، وبعد نداء الجمعة، وتصح بلفظ صلح وبيع ومعاطاة، ولا يحنث بها من حلف لا يبيع، ولا خيار فيها، ولا شفعة، ولا تصح مع تلف مثمن، أو موت عاقد، أو بغير مثل الثمن
(2)
، ومؤنة رد مبيع تقايلاه على بائع
(3)
.
* * *
(1)
الباذل: بائع السلعة، والقابض: هو المشتري.
(2)
لأن مقتضى الإقالة رد الأمر إلى ما كان عليه قبل، ورجوع كل منهما إلى ما كان له، ولو قال مشتر لبائع: أقلني ولك كذا، ففعل فكرهه أحمد لشبهه بمسائل العينة، والله أعلم. انظر: حاشية الروض المربع (4/ 429).
(3)
لرضاه ببقاء المبيع أمانة بيد المشتري بعد التقايل، بخلاف مؤنة رد المبيع بعيب فعلى المشتري. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 485).
باب الربا
(1)
والصرف
(2)
يحرم الربا في كل مكيل وموزون
(3)
وإن لم يؤكل، فالمكيل كسائر المجوب والأبازير والمائعات إلا الماء: كبر، وشعير، وأشنان، ولبن، وزيت، والثما ر: كتمر، وزبيب، ولوز، وبطم، وعناب، وزيتون، وكالذهب والفضة
(4)
والنحاس والحديد، والغزل والقطن، والحرير، والشعر، والعنب، والشمع والزعفران، والخبز، والجبن، واللحم، والشحم، والزبد.
ولا ربا في معدود ولو مطعومًا، كالبطيخ، والخيار، والجوز، والبيض
(1)
ربا: من ربا الشيء إذا زاد، انظر: مادة ربو في مختار الصحاح (98).
(2)
الصرف بيع الذهب بالفضة، وهو من ذلك لأنَّه ينصرف به عن جوهر إلى جوهر، وقيل لانصرافهما عن مقتضى البياعات من عدم جواز التفرق قبل القبض، والصريف صوت الصرف، انظر: مادة صرف في لسان العرب (9/ 190)، ومختار الصحاح (152)، وانظر: منار السبيل (2/ 461).
(3)
ذهب الحنفية إلى أن علة الربا الكيل والوزن مثل الحنابلة، وذهب المالكية إلى أن علة الربا في النقود مطلق الثمنية، وعلة الربا في الطعام كونه قوتًا مدخرًا، وذهب الشافعية، إلى أن العلة في الذهب والفضة أنهما من جنس الأثمان، والعلة في الأعيان الأربعة أنها مطعومة، انظر: الهداية (3/ 185)، والثمر الداني (380)، والإقناع (2/ 12)، والفقه الميسر (1/ 78).
(4)
ألحق مجمع الفقه الإسلامي التابع الرابطة العالم الإسلامي في دورته الثالثة عام 1395 هـ النقود الورقية بالذهب والفضة في أحكامهما بجامع الثمنية في كل؛ لأن العملة الورقية قامت مقام الذهب والفضة، فيجري فيها الربا بنوعيه. وانظر: الفقه الميسر (1/ 80).
والرمان، والثياب، والحيوان، والبقول، والتفاح
(1)
، وكل فاكهة رطبة، ولا فيما أخرجته الصناعة عن الوزن كالسلاح، والفلوس، والأواني
(2)
غير الذهب والفضة.
فإذا بيع المكيل بجنسه كتمر بتمر، والموزون بجنسه كذهب بذهب صح بشرطين: المماثلة في القدر والقبض قبل التفرق.
وإن بيع بغير جنسه كذهب بفضة، وبر بشعير، صح بشرط القبض قبل التفرق، وجاز التفاضل.
وإن بيع المكيل بالموزون كبر بذهب جاز التفاضل والتفرق قبل القبض.
ولا يصح بيع المكيل بجنسه وزنًا، ولا الموزون بجنسه كيلًا، إلا إذا علمت مساواته
(3)
، ويصح بيع اللحم بوزنه من جنسه إذا نزع عظمه، وبيع لحم بحيوان من غير جنسه كقطعة لحم ضأن بحمامة.
ولا يصح بيع فرع بأصله كزيت بزيتون، وجبن بلبن، وخبز بدقيق، ولا بيع الحب المشتد في سنبله بجنسه، لجهل التساوي
(4)
.
ولا يصح بيع ربوي بجنسه ومعهما أو أحدهما من غير جنسهما، كمد عجوة ودرهم بمثلهما، أو دينار ودرهم بدينار، ويصح صرف درهم بنصفه وبنصفه الآخر فلوسًا أو عرضًا، ولا يبيع نيء جنس بمطبوخه، ولا خالصه
(1)
التفاح: فاكهة لذيذة، منها الأحمر والأخضر والأصفر، يظهر أثر التفاح المفيد في حل حامض البول، وتسهيل إفرازات الغدد اللعابية والمعدية، ومعالجة أمراض الكبد والأمعاء، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(2)
كل الأمثلة التي ذكرها المؤلف مما لا يجري فيها الربا؛ لأنها ليست مكيلة ولا موزونة.
(3)
لتحقق التماثل حينئذ.
(4)
لأن الزيت فرع للزيتون، والجبن فرع للَّبن، والفرع يتبع الأصل، فتجب المماثلة ولا يمكن تحققها، انظر: حاشية الروض المربع (4/ 504).
بمشوبه، كحنطة فيها شعير بخالصة، إلا إذا كان الخلط يسيرًا
(1)
، ولا بيع رطبه بيابسه كعنب بزبيب، ويجوز بيع دقيقه بدقيقه إذا تماثلا واستويا نعومة
(2)
.
ولا يصح بيع المزابنة: وهي بيع الرطب على النخل بالتمر، إلا في العرايا بأن يبيعه خرصًا بمثل ما يؤول إليه إذا جف كيلًا، فيما دون خمسة أوسق، بشرط الحلول والتقابض قبل التفرق.
ويصح بيع النوى بتمر فيه نوى، وصوف أو لبن بشاة ذات صوف أو لبن؛ لأن النوى في التمر والصوف واللبن في الشاة غير مقصود
(3)
.
وفروع الأجناس أجناس تبعًا لأصولها، فدقيق الحنطة جنس، ودقيق الذرة جنس آخر، واللحم أجناس، لكن لحم الضأن والمعز جنس واحد.
ولا يجوز بيع الدين بالدين لمن هو عليه، ولا بحالّ لم يقبض قبل التفرق، وإن وجد الثمن مغصوبًا بطل العقد، كالمبيع إذا ظهر مستحقًا، وإذا كان له على آخر دنانير فقضاه دراهم شيئًا فشيئًا، بحساب الدنانير صح
(4)
.
* * *
(1)
لا يقصد تحصيله ولا يظهر أثره، فلا يمنع الصحة؛ لأنَّه لا يخل بالتماثل، انظر: حاشية الروض المربع (4/ 505).
(2)
لأنهما تساويا حال العقد، على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقصان، انظر: حاشية الروض المربع (4/ 507).
(3)
لكن لا يجوز له بيع تمر بنوى بتمر منزوع النوى، لاشتمال أحدهما على ما ليس من جنسه، وجهل التساوي المشترط شرعًا، والجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل. وانظر: حاشية الروض المربع (4/ 513).
(4)
بخلاف ما لو أعطاه الدراهم مع السكوت ثم حاسبه بعد ذلك، فصارفه بها وقت المحاسبة لم يصح؛ لأنَّه بيع دين بدين حيث تبايعاه في الذمم. انظر: حاشية الروض المربع (4/ 529).
باع بيع الأصول
(1)
فإذا باع دارًا أو وهبها أو رهنها أو وقفها أو أقر أو أوصى بها شمل العقد أرضها وبناءها، وما كان متصلًا بها لمصلحتها كالسلالم المسمرة والأبواب المنصوبة والخوابي
(2)
المدفونة وما فيها من شجر مغروس، لا كنزًا أو حجرًا مدفونين، ولا منفصلًا عنها كدلو وحبل، وقفل ومفتاح.
وإن كان المباع ونحوه أرضًا دخل ما فيها من غراس وبناء، ولو لم يقل بحقوقها
(3)
، لا ما فيها من زرع لا يحصد إلا مرة، كبر وفجل فيبقى للبائع إلى وقت أخذه، بلا أجرة، ما لم يشترطه المشتري لنفسه، وإن كان ما في الأرض يجز مرة بعد أخرى كبقول أو تتكرر ثمرته كورد فالأصول من ذلك للمشتري، والجزة الظاهرة واللقطة الأولى للبائع، وعليه قطعها في الحال، إلا إن شرطه المشتري
(4)
، ولا تدخل الأرض تبعًا للشجر، فلا يملك غرس مكانه إذا قطعه، ويثبت للمشتري الخيار الذي ظن دخول ما ليس له من زرع وثمر.
(1)
الأصول لغة: جمع أصل وهو ما يتفرع عليه غيره، والأصول هنا: الأشجار والأرضون. انظر: المطلع (242)، وأنيس الفقهاء (219).
(2)
الخوابي: واحدتها خابية، وهو الجب الذي هو الزير. انظر: المطلع (263).
(3)
أي: تدخل الغراس والبناء تبعًا حين بيع الأرض، ولا تحتاج إلى تخصيص. انظر: حاشية الروض المربع (4/ 534).
(4)
ضبة تصحيحية إلى قوله: قطعه.
وإذا بيع شجر النخل بعد تشقق طلعه
(1)
فالثمر للبائع ما لم يشترطه المشتري متروكًا إلى وقت الجذاذ
(2)
، وكذلك كل شجر لا قشر على ثمرته كالعنب، وكذا ما ظهر منه نوره
(3)
كمشمش، وما قبل ذلك يكون للمشتري كالورق.
ولا يباع ثمر قبل بدو صلاحه، ولا زرع قبل اشتداد حبه، ولا نحو بقل وقثاءً بدون أصله إلا بشرط القطع في الحال، فلو أطلق أو اشترط البقاء لم يصح، إلا إذا كان لمالك الأرض أو الأصل، وأجرة القطع على المشتري وهذا أصح، إن كان منتفعًا به حين العقد وإلا لم يصح، ولم يكن مشاعًا، فإن اشترى نصف ثمرة قبل بدو صلاحها مشاعًا فلا يصح ولو بشرط القطع.
وصلاح بعض ثمر شجره صلاح لجميع أشجار نوعها بالبستان، وإذا بدا صلاح الثمرة أو اشتد الحب جاز بيعه بغير شرط، وبشرط التبقية، وللمشتري تبقيته إلى الجذاذ أو الحصاد، وله قطعه في الحال، وله بيعه قبل جزه
(4)
، ويلزم البائع سقيه إن احتاج إلى ذلك، وإن تضرر الأصل بالسقي
(5)
، بخلاف ما إذا باع الأصل وعليه ثمر للبائع فلا يلزم المشتري سقيها
(6)
.
(1)
الطلع: طلع النخلة، وأطلع النخل أخرج طلعه، وهو نور النخلة ما دام في الكافور، انظر: مادة طلع في لسان العرب (8/ 138)، ومختار الصحاح (166).
(2)
ذهب الحنفية إلى أنه يلزم البائع قطع الثمرة، وتفريغ النخل منها؛ لأن الملك مشغول بذمة المشترى، وذهب المالكية والشافعية إلى أن الثمر يبقى ملكًا للبائع حتى الجذاذ. انظر: بدائع الصنائع (5/ 16)، وحاشية العدوي (2/ 272)، والمهذب (2/ 59).
(3)
النور: الضياء والجمع أنوار، والتنوير الإنارة، وهو أيضًا الإسفار، وهو أيضًا إزهار الشجرة، يقال: نورت الشجرة تنويرًا وأنارت، أي: أخرجت نورها، أي: زهرها. انظر: مادة نور في مختار الصحاح (285).
(4)
لأنَّه مقبوض بالتخلية، فجاز التصرف فيه كسائر المبيعات، انظر: حاشية الروض المربع (4/ 554).
(5)
لأن المشتري تملك الثمرة من طرف البائع، ولا يمكن تسليم الثمرة بلا سقي، انظر: حاشية الروض المربع (4/ 555).
(6)
لأن ملك البائع للثمرة أصلي، ليس من طرف المشتري، انظر: حاشية الروض المربع (4/ 555).
فإن تلفت ثمرة بيعت بعد بدو صلاحها دون أصلها قبل أوان جذاذها بغير صنع آدمي كريح وعطش رجع ولو بعد القبض على البائع
(1)
، وإن أتلفها آدمي خير المشتري بين الفسخ والإمضاء، ومطالبة المتلف بالبدل.
وبدو الصلاح في ثمرة النخل أن تحمر أو تصفر، وفي العنب أن تتموه
(2)
، وفي بقية الثمر أن ينضج ويطيب أكله، وفي حب أن يشتد أو يبيض، ومن باع عبدًا له مال فماله لبائعه إلا أن يشترطه المشتري، وثياب العادة لمشترٍ كلجام الفرس، وثياب الزينة لبائع.
* * *
(1)
ذهب الحنفية والشافعية إلى أن الضمان على المشتري، وذهب المالكية إلى أن الضمان على المشتري إذا كان التالف ما دون الثلث، وما كان ثلثًا فأكثر فهو من ضمان البائع. انظر: الفقه الميسر (1/ 89)، والقوانين الفقهية (173)، وروضة الطالبين (2/ 562).
(2)
تموه العنب: إذا جرى فيه الينع، وحسن لونه، وكلام عليه موهة، أي: حسن وحلاوة، انظر: مادة موه في لسان العرب (13/ 545).
باب السلم
(1)
وهو: عقد على موصوف ينضبط بالصفة، في الذمة، مؤجل بثمن مقبوض، بمجلس العقد، ويصح بلفظ البيع، وبلفظ السلم والسلف، بسبعة شروط:
الأول: انضباط صفاته، كمكيل وموزون ومذروع ومعدود، من الحيوانات ولو آدميًا، إلا في أمة وولدها، أو في حامل.
ولا يصح في المعدود من الفواكه، لاختلافها بالصغر "الكبر، ولا فيما لا ينضبط، كالبقول والجلود والرؤوس، والأكارع والبيض، والجوز والرمان، والأواني المختلفة رؤوسًا وأوساطًا كالقماقم
(2)
، ويصح في اللحم النيء، ولو مع العظم إن عين موضع القطع، كلحم فخذ من بقر وغنم، ذكرًا أم أنثى، معلوفة أو راعية، لاختلاف الثمن باختلاف الأوصاف.
الثاني: ذكر جنس المسلم فيه، ونوعه وكل وصف يختلف بسببه الثمن
(1)
ويقال: السلف، وسمي سلمًا لتسليم رأس المال في مجلس العقد، وسلفًا لتقديمه على المبيع انظر: الروض المربع (5/ 4).
(2)
القماقم: جمع قمقم، وهو ضرب من الأوعية يسخن فيه الماء، ويكون ضيق الرأس ذا عروتين. انظر: مادة قمم في لسان العرب (12/ 277)، ومختار الصحاح (230).
اختلافًا ظاهرًا
(1)
، كونه وقدره وبلده، ولا يصح أن يشترط الأجود أو الأردأ، ويصح أن يشترط جيدًا ورديئًا، ويجزئ ما صدق عليه ذلك
(2)
.
الثالث: ذكر قدره بمعياره الشرعي بكيل في مكيل، ووزن في موزون، وذراع في مذروع، ويكون ذلك معلومًا عند العامة، فلو أسلم في الموزون كيلًا، أو في المكيل وزنًا لم يصح
(3)
، وإن شرط مكيالًا غير معلوم، أو صنجًا غير معلوم لم يصح.
الرابع: ذكر أجل معلوم له وقع في الثمن عادة، فلا يصح حالًا، ولا إلى نحو الحصاد، ولا إلى أجل قريب، إلا أن يسلم في شيء يأخذه كل يوم، كخبز ولحم فإن قبض البعض وتعذر الباقي رجع بقسطه من الثمن.
الخامس: أن يوجد غالبًا عند حلوله في مكان الوفاء، فلا يصح في ثمرة بستان صغير معين، ولا يعتبر وجوده وقت العقد.
السادس: معرفة قدر رأس مال السلم وانضباطه، فلا يكفي مشاهدته، ولا بما لا ينضبط كجوهر.
السابع: أن يقبضه قبل التفرق من مجلس العقد، وفي معنى القبض ما لو كان عند المسلم إليه أمانة أو عين مغصوبة فيصح أن يجعلها ربها رأس مال السلم، لا ما في ذمته
(4)
.
(1)
لأنَّه ما لا يمكن ضبط صفاته، يختلف كثيرًا، فيقضي إلى المنازعة والمشاقة، المطلوب عدمها شرعًا. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 6).
(2)
ولا يجب استقصاء كل الصفات؛ لأنَّه قد يتعذر، فيكتفي بالصفات الظاهرة. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 13).
(3)
لأنَّه مبيع يشترط معرفة قدرة، فلم يجز بغير ما هو مقدر به، انظر: حاشية الروض المربع (5/ 17).
(4)
قال ابن ضويان الحنبلي رحمه الله: "وإن كان له في ذمة رجل دينًا فجعله سلمًا في طعام إلى أجل لم يصح، وعلى هذا إجماع أهل العلم". وانظر: منار السبيل (1/ 216).
ولا يشترط ذكر مكان الوفاء، وعند الإطلاق يكون بمحل العقد، فإن كان العقد بقرية أو سفينة اشترط ذكر مكان الوفاء، ولا يصح أخذ رهن أو كفيل بمسلم فيه.
وإن تعذر حصول المسلم فيه أو بعضه بأن لم يوجد خيّر رب السلم بين صبر إلى أن يوجد فيطالبه به، أو يفسخ ويرجع برأس ماله أو بدله إن تعذر، ومن أراد قضاء دين عن غيره لم يلزم رب الدين قبوله.
ولا يصح بيع المسلم فيه لمن هو عليه
(1)
، أو لغيره قبل قبضه
(2)
، ولا تصح هبته لغير من هو عليه، ولا الحوالة به ولا عليه، ولا على رأس ماله بعد الفسخ
(3)
، ولا أخذ عوضه، ويصح بيع دين مستقر، كقرض أو ثمن مبيع لمن هو عليه، بشرط قبض عوضه في المجلس
(4)
، وتصح هبة كل دين لمن هو عليه لا لغيره
(5)
.
* * *
(1)
ذهب الحنفية والشافعية إلى المنع من بيع المسلم فيه، لمن هو عليه أو غيره قبل قبضه؛ لأنَّه بيع لم يتم قبضه فنهي عنه، وذهب المالكية إلى جواز بيع المسلم فيه لغير المسلم إليه إذا لم يكن طعامًا. وانظر: الهداية (3/ 204)، والفقه الميسر (1/ 95).
(2)
لعدم صحة بيع الدين إجماعًا. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 31).
(3)
لأنَّه مضمون على المسلم إليه بعقد السلم، فأشبه المسلم فيه. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 32).
(4)
إذا كان المبيعان مما يشترط تقابضهما في الحال، لا إن باعه بمعين يباع به نسيئة، كذهب ببر معين، فلا يشترط قبضه في المجلس. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 34).
(5)
لأن الهبة تقتضي وجود معين، وهو منتف هنا، وإنما صحت لمن هو عليه من سلم لأنَّه بمعنى الإسقاط. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 35).
باب القرض
(1)
وهو مندوب، وما يصح بيعه يصح قرضه
(2)
إلا الآدمي
(3)
، ويشترط معرفة قدر القرض ووصفه، وأن يكون المقرض يصح تبرعه، ويصح بلفظه ولفظ السلف، وكل ما أدى إلى معناهما، ويملك بقبضه كالهبة، ويتم بالقبول، وله الشراء به من مقرضه.
ويثبت بدله في ذمته حالًا ولو أجله المقرض
(4)
، فإن كان متقومًا يرد قيمته وقت القرض، وإن كان مثليًا مكيلًا أو موزونًا فيرد مثله، سواء زادت قيمته عن وقت القرض أو نقصت
(5)
، ما لم يكن معيبًا لم أو فلوسًا
(1)
القرض: من قرض الشيء قطعه، والقرض: ما تعطيه من المال لتقضاه، وكسر القاف فيه لغة، انظر: مادة قرض في لسان العرب (7/ 216)، ومختار الصحاح (221)، والمطلع (246).
(2)
مما يضبط بالذرع أو العد أو الوصف، وقرض المكيل والموزون والأطعمة جائز. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 37).
(3)
ذهب الحنفية إلى جواز إقراض المثلي، والمنع من إقراض القيمي، كالحيوان والطعام وغيره؛ لأنَّه يفضي إلى التنازع، وذهب المالكية إلى جواز إقراض كل شيء ولولا يباح بيعه، كجلد الميتة المدبوغ، ولحم الأضحية، وذهب الشافعية إلى جواز إقراض كل ما يصح السلم فيه. انظر: بدائع الصنائع (7/ 395)، والثمر الداني (388)، والتنبيه (99).
(4)
فله طلبه كسائر الديون الحالة، والحال لا يتأجل بالتأجيل؛ لأنَّه عقد منع فيه من التفاضل فمنع فيه الأجل كالصرف. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 40).
(5)
لأن علو القيمة ونقصانها، لا يسقط المثل عن ذمة المقترض، فلا يوجب المطالبة بالقيمة. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 42).
ونحوها منعها السلطان فله القيمة، ويجوز فيه شرط رهن وضامن، ويجوز قرض الماء كيلًا والخبز عددًا.
وكل قرض جر نفعًا حرم، كأن يسكنه داره مجانًا أو رخيصًا أو يقضيه خيرًا منه، فإن فعل شيئًا من ذلك بلا شرط ولا مواطأة جاز بعد الوفاء لا قبله.
ومتى بذل المقترض أو الغاصب ما عليه بغير بلد القرض أو الغصب ولا مؤنة لحمله إليه لزم ربه قبوله مع أمن البلد والطريق، ولو قال: اقترض لي مائة ولك عشرة صح؛ لأنها في مقابلة ما بذله من جاهه، ولو قال: اضمنّي فيها ولك ذلك. لم يحسن
(1)
.
* * *
(1)
تعبير فقهاء المذهب: لم يجز، وهو أوفق وأكثر دقة؛ لأنَّه ضامن فيلزمه الدين، وإذا أداه وجب له على المضمون عنه، فصار كالقرض فإذا أخذ عوضًا صار كالقرض جر نفعًا. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 50).
باب الرهن
(1)
وهو جائز بالإجماع، ولا يصح بدون إيجاب وقبول
(2)
، أو ما يدل عليهما كالمعاطاة، ويشترط معرفة قدره وجنسه وصفته، وكون الراهن جائز التصرف، مالكًا للمرهون أو مأذونًا له فيه.
ويصح في كل عين يجوز بيعها، حتى المكاتب وما يؤديه من النجوم رهن معه، ولا يمنع من الكسب، فإن عجز ثبت الرهن فيه وفي كسبه، وإن عتق بقي ما أداه رهنًا، ولا يصح شرط منعه من التصرف، ويصح الرهن مع الحق وبعده
(3)
، كأن يقول: بعتك هذه بعشرة إلى شهر، ترهنني بها عبدك هذا، فيقول: اشتريت ورهنت، ولا يجوز قبله، ولا بد أن يكون بدين ثابت أو مآله إليه
(4)
، حتى على عين مضمونة كعارية ومقبوض بعقد فاسد، ونفع
(1)
الرهن لغة: الثبوت والدوام، وماء راهن، أي: راكد، واصطلاحًا: المال الذي يجعل وثيقة بالدين ليستوفى من ثمنه إن تعذر استيفاؤه ممن هو عليه، انظر: مادة رهن في لسان العرب (13/ 188)، ومختار الصحاح (109)، والمطلع (247)، والتعاريف (376)، وأنيس الفقهاء (289).
(2)
وأركانه أربعة: الصيغة، والمرهون، والمرهون به، والمتعاقدان. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 52).
(3)
لأن الله تعالى جعل الرهن بدلًا عن الكتابة، فيكون في محلها، ومحلها بعد وجوب الحق. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 55).
(4)
أي: مآله إلى الثبوت، كثمن في مدة خيار، أو أجرة دار. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 56).
إجارة في ذمة، لا على دين كتابة، ويلزم الرهن بالقبض في حق الراهن فقط
(1)
.
ويصح رهن المشاع، فإن رضي الشريك والمرتهن يكون في يد أحدهما أو غيرهما جاز، وإن اختلفا جعله الحاكم في يد أمين، أمانة أو بأجرة، ورهن المبيع قبل قبضه غير المكيل والموزون والمعدود والمذروع على ثمنه وغيره
(2)
عند بائعه وغيره
(3)
.
وما لا يجوز بيعه كالوقف وأم الولد لا يصح رهنه، إلا الثمرة والزرع قبل بدو صلاحهما بدون شرط القطع فيصح رهنهما
(4)
، ورهن الجارية دون ولدها وعكسه، ويباعان، ويختص المرتهن بما قابل الرهن من الثمن، واستدامة القبض شرط في لزومه، فإن أخرجه المرتهن إلى الراهن باختياره زال لزومه.
ولو أجره أو أعاره لمرتهن أو غيره بإذنه فلزومه باق، فإن رد الراهن الرهن إلى المرتهن عاد لزومه
(5)
، ولو استعار شيئًا لرهنه جاز، ولربه الرجوع قبل إقباضه لا بعده، لكن له مطالبة الراهن بفكاكه
(6)
، ومتى حل
(1)
ذهب الحنفية والشافعية إلى أن الرهن لا يلزم إلا بالقبض، وذهب المالكية إلى أن الرهن يلزم بالعقد. انظر: الهداية (4/ 253)، والثمر الداني (427)، والإقناع (2/ 41)، والفقه الميسر (1/ 116).
(2)
لأن ثمنه دين في الذمة، والمبيع ملك المشتري، فجاز رهنه كغيره من الديون. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 59).
(3)
لأنَّه يصح بيعه قبل قبضه، وما يصح بيعه قبل قبضه يصح رهنه. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 59).
(4)
لأن النهي عن البيع لعدم الأمن من العاهة، فلهذا أمر بوضع الجوائح. وانظر: حاشية الروض المربع (6015).
(5)
مكان هذه الجملة موهم للغاية، والأولى أن تسبق هذه الجملة، الجملة التي قبلها، فيستقيم السياق، ويتصل المعنى، فيقال:"فإن رد الراهن الرهن إلى المرتهن، عاد لزومه، ولو أجره أو أعاره لمرتهن أو غيره بإذنه، فلزومه باق". والله أعلم.
(6)
سواء عين مدة الرهن أو العارية أو لا؛ لأن العارية لا تلزم. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 66).
الحق فللمرتهن بيعه واستيفاء دينه منه، لم ويرجع المعير بقيمته أو مثله، وإن تلف ضمنه الراهن وهو المستعير.
ولا ينفذ تصرف واحد من الراهن والمرتهن في الرهن المقبوض، بغير إذن الآخر
(1)
.
وإن لم يتفقا على المنافع لم يجز الانتفاع، وإن اتفقا على إجارة أو إعارة جاز، إلا عتق الراهن المرهون فإنه يصح مع الإثم، وتؤخذ قيمته حال الإعتاق رهنًا مكانه، وكذا لو قتله أو أحبل الأمة بلا إذن المرتهن.
ونماء الرهن المتصل والمنفصل وكسبه ملحق به، ومؤنته على الراهن، وعليه أيضًا كفنه ومؤن تجهيزه وأجرة مخزنه وحفظه، وهو أمانة في يد المرتهن
(2)
، إن تلف بغير تعد ولا تفريط منه فلا شيء عليه، ولا يسقط بهلاكه شيئًا من دينه، وإن تلف بعضه فباقيه رهن لجميع الدين، ولا ينفك بعضه مع بقاء بعض الدين، وتجوز الزيادة في الرهن دون الدين، وإن رهن واحد عند اثنين شيئًا، على دين لهما، فوفى أحدهما انفك في نصيبه، أو رهناه شيئًا فاستوفى من أحدهما انفك في نصيبه.
ومتى حل الدين وامتنع من وفائه، فإن كان الراهن أذن للمرتهن في بيعه باعه ووفى الدين، وإن فضل من ثمنه شيء فلمالكه، وإن بقي من الدين شيء فعلى الراهن، وإن لم يأذن أجبره الحاكم على وفائه، أو بيع الرهن، فإن لم يفعل باعه الحاكم ووفى دينه
(3)
.
(1)
لأنَّه أمانة في يد المرتهن، وأما تصرف الراهن فإنه يفوت على الآخر حقه، فلم يصح تصرف أحدهما فيه. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 67).
(2)
ذهب الحنفية إلى أن يد المرتهن يد ضمان، وفرق المالكية بين ما يمكن إخفاؤه كالجواهر فيد المرتهن يد ضمان، وما لا يمكن إخفاؤه كالعقار فيد المرتهن يد أمانة، وذهب الشافعية إلى أن يد المرتهن يد أمانة مطلقًا. وانظر: الفقه الميسر (1/ 118)، والهداية (4/ 254)، والثمر الداني (427)، والإقناع (2/ 42).
(3)
لأنَّه حق تعين عليه فقام الحاكم مقامه فيه.
وإذا حل الدين، وكان الراهن قد شرط للمرتهن أنه إن لم يأته بحقه عند الحلول، فالرهن له، لم يصح الشرط، بل يلزم الراهن الوفاء لدين أو البيع.
وليس للمرتهن بيعه بغير إذن ربه أو الحاكم، وللمرتهن ركوب الرهن وله حلبه بقدر نفقته بلا إذن الراهن
(1)
، ولو حاضرًا، وله الانتفاع به مجانًا بإذن راهن ما لم يكن الدين قرضًا، لكن يصير الرهن مضمونًا عليه بالانتفاع، وإن أنفق المرتهن على الرهن ليرجع بلا إذن الراهن مع قدرته على استئذانه فتبرع، وإن تعذر استئذانه وأنفق بنية الرجوع، رجع على الراهن، ولو لم يستأذن الحاكم، وكذا وديعة وعارية ودواب مستأجرة هرب ربها فله الرجوع إذا أنفق بنيته.
ومن قبض العين لحظ نفسه كمرتهن، وأجير، ومستأجر، ومشتر، وبائع وغاصب، وملتقط، ومقترض، ومضارب وادعى الرد للمالك فأنكره لم يقبل إلا ببينة، وكذا موح إذا ادعى رد الوديعة، ووكيل ووصي ودلال بجعل إذا ادعى الرد، فإن كان الدلال بلا جعل فيقبل قوله بيمينه
(2)
.
ويقبل قول راهن في قدر الدين المرهون عليه، وفي قدر الرهن، وفي رده للمرتهن، فإن أقر الراهن بأن الرهن ملك غيره، قبل على نفسه دون المرتهن.
* * *
(1)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية إلى منع المرتهن من الانتفاع بظهر ولبن الحيوان المرتهن بقدر نفقته بلا إذن الراهن. انظر: الفقه الميسر (1/ 117)، والهداية (4/ 57)، والإقناع (2/ 41).
(2)
لأنَّه أمين، قبض المال لمنفعة مالكه وحده. وانظر: منار السبيل (1/ 327).
باب الضمان
(1)
والكفالة
يصحان تنجيزًا: كأنا ضامنٌ أو كفيل الآن، وتعليقًا: كإن أعطيته كذا فأنا ضامن لك ما عليه، وأنا كافل لكل بدنه، ويصحان توقيتًا: كإذا جاء رأس الشهر فأنا ضامن.
ويشترط صدورهما ممن يصح تبرعه، لا من صغير دون التمييز، ولا من مجنون، ولا من سفيه.
ويصح الضمان بكل لفظ يدل على الضمان عرفًا.
ويصح من مفلس
(2)
، ومن قن، ومكاتب بإذن سيدهما، ويؤخذ ما بيد مكاتب، وما ضمنه قن من سيده، ولرب الحق مطالبة الضامن أيضًا والمضمون معًا، أو أيهما شاء
(3)
، لكن لو ضمن دينًا حالًا إلى أجل معلوم
(1)
الضمان لغة: الالتزام، وضمن الشيء بالكسر ضمانًا تكفل به، وضمنه الشيء تضمينًا غرمه، واصطلاحًا: التزام رشيد عرف من له الحق دينًا ثابتًا لازمًا، والكفالة: مصدر كفل يطفل كفلًا وكفولًا، انظر: مادة ضمن في مختار الصحاح (161)، والتعاريف (474)، والمطلع (248).
(2)
مفلس: من الفلس وهو معروف، وأفلس الرجل إذا صار ذا فلوس، بعد أن كان ذا دراهم، انظر: مادة فلس في لسان العرب (6/ 165)، ومختار الصحاح (214).
(3)
لأن الحق ثابت في ذمتهما، فملك مطالبه من شاء منهما. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 100).
صح، ولا يطالبه رب الدين قبل مضيه
(1)
، فإن برئت ذمة المضمون من الدين بإبراء أو قضاء أو نحوهما
(2)
برئت ذمة الضامن لا عكسه، ولا تعتبر معرفة الضامن للمضمون عنه، ولا للمضمون له، بل يعتبر رضا الضامن، ويصح ضمان المجهول إذا آل إلى العلم
(3)
، ويصح ضمان ما يؤول إلى الوجوب، كالعارية والمغصوب والمقبوض بسوم، فإن أخذه ليريه أهله
(4)
بلا مساومة ولا قطع ثمن فغير مضمون.
ويصح ضمان عهدة مبيع، بأن يضمن الثمن إذا استحق المبيع، أو رد بعيب، أو يضمن الثمن للبائع قبل تسليمه.
ولا يصح ضمان غير المضمون، كالوديعة والعين المؤجرة، ومال الشركة والمضاربة
(5)
، بل يصح ضمان التعدي فيها
(6)
.
وإن قضى الضامن الدين بنية الرجوع رجع، ولو لم يأذن المدين في الضمان والقضاء، وكذا الكفيل، - وكذا - كل من أدى عن غيره دينًا واجبًا، لا نحو زكاة مما يفتقر إلى نية
(7)
لعدم إجزائه، ولو ضمن اثنان فأكثر واحدًا، وقال كل واحد: ضمنت لك الدين، كان لربه طلب كل واحد
(1)
لأنَّه مال لزم مؤجلًا بعقد، فكان كما التزمه، كالثمن المؤجل، ولم يكن على الضامن حالا. وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 328).
(2)
كالحوالة أو المقايلة أو غيرهما. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 101).
(3)
لقوله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72]، وهو غير معلوم؛ لأن الحمل يختلف باختلاف البعير. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 103).
(4)
لأنها مقبوضة على وجه البدل والعوض. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 104).
(5)
المضاربة: مفاعلة من الضرب في الأرض والسير بها للتجارة، واصطلاحًا: أن تعطي مالًا لغيرك يتجر به، فيكون له سهم معلوم من الربح، انظر: مادة ضرب في لسان العرب (1/ 545)، والنهاية (793).
(6)
لأنها حينئذ تكون مضمونه على من هي بيده كالمغصوب. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 107).
(7)
كنذر وكفارته. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 117).
بالدين كله، وإن قالا ضمنا لك الدين، فهو بينهما نصفان.
والكفالة: أن يلتزم رشيد بإحضار بدن من عليه حق مالي، يصح ضمانه إلى رب الدين، لا من عليه حق لله تعالى كالزنا، أو الآدمي كالقذف.
ويشترط رضا الكفيل، لا المكفول ولا المكفول له
(1)
، ولا تصح بزوجة وشاهد
(2)
.
فإن مات المكفول أو سلم نفسه، برئ الكفيل، وكذا إذا سلم المكفول بمحل العقد، وقد حل الأجل بلا ضرر في قبضه، وليس ثم يد حائلة ظالمة
(3)
.
فإن تعذر إحضار المكفول مع حياته، أو لم يجده ضمن ما عليه
(4)
، إن لم يشترط البراءة منه، ومن كفله اثنان فسلمه أحدهما، لم يبرأ الآخر، وإن سلم نفسه برئ.
* * *
(1)
لأن الكفالة وثيقة لا قبض فيها، فصحت من غير رضاه كالشهادة. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 111).
(2)
لأن الحق عليهما، ولا يمكن استيفاؤه من الكفيل. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 111).
(3)
تمنع من استيفاء الحق من المكفول.
(4)
ذهب الحنفية والشافعية إلى أنه إذا اعتذر احضار المكفول فإن الحاكم يحبس الكفيل حتى يتبين له عجزه عن إحضاره، ولا يضمن عن المكفول شيئًا، وذهب المالكية إلى أن الكفيل يضمن إذا لم يحضر المكفول. وانظر: الفقه الميسر (1/ 127)، والهداية (3/ 222)، والإقناع (2/ 68).
باب الحوالة
(1)
وهي: انتقال مال من ذمة إلى ذمة، ويصح بأحلتك، واتبعتك بدينك على فلان.
وشروط صحتها أربعة:
الأول: اتفاق الدينين في الجنس، والصفة، والحلول، والأجل.
الثاني: علم قدر كل من الدينين.
الثالث: استقرار الدين المحال عليه
(2)
، لا المحال به، فإن أحال الزوج زوجته قبل الدخول، أو المكاتب سيده صح.
الرابع: رضا المحيل لا رضا المحتال
(3)
، إن كان المحال عليه مليئًا، وليس مماطلًا، ويمكن حضوره لمجلس الحكم، فلا يلزمه أن يحتال على والده.
ومتى توافرت الشروط برئ المحيل من الدين بمجرد الحوالة، ولو
(1)
الحوالة: مشتقة من التحول؛ لأنها تنقل الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، انظر: المطلع (249)، والتعاريف (299)، والتعريفات (126).
(2)
لأن مقتضى الحوالة إلزام المحال عليه بالدين مطلقًا، وما ليس بمستقر عرضة للسقوط. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 116).
(3)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية إلى اشتراط رضا المحتال في الحوالة؛ لأن حق المحتال في ذمة المحيل فلا ينتقل إلا برضاه؛ لأن الذمم تتناوب والأمر الوارد للندب، وانظر: الهداية (3/ 235)، والإقناع (2/ 59)، والفقه الميسر (1/ 142).
أفلس المحال عليه بعد ذلك أو مات أو جحد الدين.
والحوالة على ماله في الديوان إذن له في الاستيفاء منه
(1)
، وللمحتال الرجوع والمطالبة لمحيله
(2)
، وإحالة من لا دين له، وكالة له في طلبه وقبضه، ومن لا دين على مثله وكالة في اقتراض، وكذا مدين على بريء.
ومن أحيل بثمن مبيع أو عليه فبان البيع باطلًا فلا حوالة، وإن فسخ البيع بخيار عيب ونحوه لم تبطل الحوالة، ويرجع المشتري على البائع بالعوض
(3)
.
* * *
(1)
وهي ليست حوالة بل وكالة. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 117).
(2)
أي: في مسألة الحوالة على المال في الديوان.
(3)
من المعاملات المعاصرة الحوالات البنكية، ومن صورها القديمة ما كانت تعرف بالسفتجة أو البالوصة أو البوليصة، وصورتها أن يدفع شخص إلى آخر مالًا، ليعطيه به خطابًا، ليقبض بدلها في بلد آخر، وجمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة على المنع منها؛ لأنها قرض جر نفعًا، لكن يرى فريق من الفقهاء المعاصرين، صحة هذه المعاملة؛ لأنها من باب الحوالة، وليست من باب القرض الذي جر نفعًا، وهذا القول رواية في مذهب أحمد، وأجازها مجمع الفقه الإسلامي، التابع لرابطة العالم الإسلامي. وانظر: حاشية ابن عابدين (5/ 166)، ومختصر خليل (197)، والمهذب (1/ 304)، والمغني (4/ 211)، والفقه الميسر (4/ 211).
باب الصلح
(1)
يصح الصلح ممن يصح تبرعه مع الإقرار والإنكار
(2)
، فإذا أقر المدعى عليه بدين أو يمين، ثم صالحه المدعي على بعضه فهو هبة، تصح بلفظها لا بلفظ الصلح
(3)
، وإن صالحه على عين غير المدعاة، فهو بيع يصح بلفظ الصلح، ويثبت له أحكام البيع.
فلو صالحه عن الدين بعين واتفقا في علة الربا اشترط قبض العوض في المجلس، وإن كان بشيء في الذمة بطل بالتفرق قبل القبض؛ لأنَّه يكون بيع دين بدين
(4)
.
(1)
الصلح: من الصلاح، وهو ضد الفساد، والصلاح بالكسر المصالحة، والاسم الصلح، واصطلاحًا: معاقدة يتوصل بها إلى الإصلاح بين المتخاصمين، انظر: مادة صلح في لسان العرب (2/ 517)، ومختار الصحاح (154)، والمطلع (250)، والتعاريف (460).
(2)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى جواز الصلح مع الإنكار والسكوت، لأنَّه بذل للعوض لدفع الخصومة عن نفسه، وذهب الشافعية إلى المنع من الصلح على الإنكار؛ لأنَّه أكل للمال بالباطل من غير عوض. وانظر: الهداية (3/ 359)، والتاج والإكليل (5/ 83)، وروضة الطالبين (4/ 200)، والفقه الميسر (1/ 147).
(3)
لأنَّه صالح عن بعض ماله ببعض، فهو هضم للحق وظلم وغصب؛ لأن لفظ الصلح يقتضي المعاوضة؛ لأنَّه يحتاج إلى حرف يتعدى به. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 131).
(4)
أي: وإن صالح عما في الذمة، من نحو قرض وقيمة متلف بشيء في الذمة، كأن صالحه عن دينار في ذمته بصاع بر في ذمته صح، ولم يجز التفرق قبل القبض قولًا واحدًا. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 130).
وإن صالح عن عيب في المبيع بشيء معين كدينار أو منفعة سكنى دار صح، فلو زال العيب سريعًا أو لم يكن رجع بما دفعه.
ويصح الصلح عما تعذر علمه
(1)
من دين أو عين كمعاملة بين اثنين طال زمنها، أو اختلط حبان وطحنا ولم يعلم قيمة كل منهما، فيصح الصلح بمال معلوم، نقدًا أو نسيئة
(2)
.
ومن قال لغريمه: أقر لي بديني وأعطيك منه كذا، فأقر لزمه الدين كله، ولم يلزمه أن يعطيه.
وإذا أنكر المدعى عليه دعوى المدعي أو سكت، وهو يجهل المدعى به ثم صالحه على شيء صح الصلح وكان بيعًا في حق المدعي، وإبراء في حق المدعى عليه.
ومن علم بكذب نفسه فالصلح باطل في حقه، وما أخذه حرام، ومن قال لآخر: صالحني عن الملك الذي تدعيه، لم يكن مقرأ به
(3)
. وإن صالح أجنبي عن منكر الدعوى صح الصلح أذن له المنكر أم لا، لكن لا يرجع عليه بدون إذنه، ومن صالح عن نحو دار فبان العوض مستحقًا رجع بالدار إن كان عن إقرار، وبدعواه أو قيمة المصالح به إن كان عن إنكار.
ولا يصح الصلح عن خيار في بيع، أو إجارة ولا عن شفعة، ولا عن حد قذف، وتسقط جميعها
(4)
.
(1)
ذهب الحنفية إلى أنه لا يجوز الصلح عن المجهول الذي يحتاج إلى تسليم؛ لئلا يفضي إلى المنازعة، كما إذا ادعى حقًا في دار رجل، ويجوز عندهم الصلح عن المجهول إذا كان الحق مما يحتاج إلى تسليم، كالصلح في ترك الدعوى، وذهب المالكية إلى جواز الصلح عن المجهول قطعًا للنزاع كالحنابلة، وذهب الشافعية إلى المنع من الصلح عن المجهول؛ لأن الصلح فرع عن البيع ولا يصح بيع المجهول، وانظر: الهداية (3/ 360)، والمهذب (1/ 335)، والفقه الميسر (1/ 148).
(2)
لأنَّه إسقاط حق، فصح في المجهول للحاجة، ولئلا يفضي إلى ضياع المال. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 141).
(3)
له بالملك، لاحتمال إرادة صيانة نفسه عن التبذل، وحضور مجلس الحكم بذلك، وانظر: منار السبيل (1/ 388).
(4)
لأنها لم تشرع لاستفادة مال، بل الخيار للنظر في الأحظ، والشفعة لإزالة ضرر الشركة، وحد القذف للزجر عن الوقوع في أعراض الناس. وانظر: منار السبيل (1/ 338).
ولا يصح الصلح ممن لا يصح تبرعه كناظر
(1)
وقف وولي صغير إلا إن أنكر من عليه الحق ولا بينة؛ لأن استيفاء البعض أولى من ضياع الكل.
وإن وضع رب الدين بعض الدين الحال وأجَّل باقيه صح الإسقاط فقط دون التأجيل، وإن صالح عن المؤجل ببعضه حالًا لم يصح في غير الكتابة
(2)
.
ومن صالح امرأة لتقر له بالزوجية أو مكلفًا ليقر له بأنه عبده بعوض لم يصح، وإن بذلا له عوضًا صلحًا عن دعواه صح، كأنه فارق امرأته أو أعتق عبده بعوض، ولا يصح الصلح بعوض على ترك شهادة
(3)
.
وإن صالحه على أن يجري على أرضه أو سطحه ماء بعوض صح ويكون بيعًا أو إجارة، ويغتفر فيها جهل المدة للحاجة، ومن لجاره حق إجراء ماء على سطحه لا يجوز له تعلية سطحه؛ كي لا يبطل حق جاره.
ويحرم على الجار، أن يحدث في ملكه ما يضر بجاره، كحمام وكنيف ورحى وتنور، ولجاره منعه من ذلك، بخلاف طبخ وخبز فيه
(4)
، ويحرم التصرف في جدار الجار ولو مشتركًا، بفتح كوة
(5)
وضرب نحو وتد إلا بإذنه، وكذا وضع الخشب، إلا إذا لم يمكن تسقيف إلا به فيجوز،
(1)
الناظر: من النظر والنظران بفتحتين، وهو تأمل الشيء بالعين والناظر الحافظ. انظر: مادة نظر في مختار الصحاح (278).
(2)
لأنَّه يبذل القدر الذي يحطه عوضًا عن تعجيل ما في ذمته، أشبه ما لو أعطاه عشرة حالة بعشرين مؤجلة، والرواية الأخرى في مذهب الحنابلة جواز هذا؛ لأن هذا عكس الربا، فإنه يتضمن الزيادة في أحد العوضين مقابل الأجل، وهذا يتضمن براءة ذمته من بعض العوض في مقابلة سقوط بعض الأجل. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 134).
(3)
أي: لا يصح الصلح على ترك الشهادة عليه أو الشهادة له بزور؛ لأنَّه صلح على محرم. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 147).
(4)
لأنَّه ضرر يسير، ولا يمكن التحرز منه، فتدخله المسامحة. وانظر: منار السبيل (1/ 340).
(5)
كوة: الخرق في الحائط: أو الثقب في البيت، انظر: مادة كوي في لسان العرب (15/ 236).
ويجبر الجار إن أبى، وجدار المسجد كجدار الدار، ومن له على حائط جاره خشب فله إعادته إذا زال؛ لأن الظاهر أنه كان بحق، فلا يزول هذا الظاهر حتى يعلم خلافه، وله أن يستند ويسند قماشه في ظل حائط غيره، وينظر في ضوء سراجه بلا إذنه.
ويحرم التصرف في طريق نافذ بما يضر المارة، كإخراج دكة وميزاب، ويضمن ما تلف به، ويحرم التصرف بذلك في ملك غيره أو هوائه، أو في درب غير نافذ إلا بإذن أهله.
ويجبر الشريك على العمارة مع شريكه في الملك والوقف
(1)
، وإن أنفق الشريك بإذن شريكه أو إذن حاكم أو بنية رجوع رجع بما أنفق على حصة الشريك، وإن هدم الشريك البناء المشترك لخوف سقوطه فلا شيء عليه، وإلا لزمه إعادته، ولو اتفق الشريكان على بناء حائط بستان، فبنى أحدهما وأهمل الآخر فما تلف من الثمر بسبب إهمال الآخر ضمن نصيب شريكه منه.
وإن مال غصن شجرته إلى ملك جاره وطالبه بإزالته فأبى فله قطعه
(2)
، ولا يفتقر إلى حاكم، وإن صالحه على بقاء الغصن بعوض لم يجز، وإن اتفقا على أن الثمرة بينهما ونحوه صح جائزًا.
ويجوز نقل باب في درب غير نافذ إلى أوله بلا ضرر، لا إلى الداخل إلا بإذن من فوقه، ويكون إعارة، وإن أعطى قوم قناتهم
(3)
لمن يعمرها، وله منها جزء معلوم صح، ومن له علو لا يلزمه عمارة سفله إذا انهدم، بل يجبر عليه مالكه
(4)
.
(1)
لأنَّه إنفاق على ملك مشترك يزيل الضرر عنهما فأجبر عليه. وانظر: منار السبيل. (1/ 342).
(2)
إن لم يمكن ليه وإزالة ضرره بدون قطع، لكن لا يجبر صاحبه على قطعه؛ لأنَّه ليس من فعله. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 150).
(3)
القناة: هي الآبار تحفر في الأرض متتابعة، ليستخرج ماؤها وتسيح على وجه الأرض، انظر: مادة قنن في لسان العرب (15/ 204)، ومختار الصحاح (231).
(4)
يعني: إذا انهدم الحائط الأسفل لم يلزم الأعلى ومن فوقه مشاركته في بناء الحائط؛ لأن هذا يختص به دون غيره، وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 160).
باب الحجر
(1)
وهو: منع المالك من التصرف في ماله، وهو نوعان:
الأول: حجر لحق الغير، كالحجر على مفلس لحق الغرماء، وراهن لحق المرتهن، ومريض
(2)
فيما زاد عن الثلث، وقن ومكاتب لحق السيد، ومرتد لحق المسلمين، ومشتر بعد طلب الشفيع.
الثاني: لحظ نفسه، كالحجر على صغير ومجنون وسفيه، ولا يطالب المدين، ولا يحجر عليه بدين لم يحل، لكن لو أراد سفرًا طويلًا يحل الدين قبل فراغه، أو بعده مخوفًا كان أو غيره، وليس به رهن يفي، ولا كفيل مليء فلغريمه منعه من السفر في غير جهاد متعين، حتى يوثقه برهن يحرز أو كفيل مليء، ولا يملك تحليله إن أحرم، ولا يحل دين مؤجل بجنون، ولا بموت إن وثقه ورثته بما تقدم
(3)
.
ويجب على مدين قادر وفاء دين حال فورًا بطلب ربه، فإن ماطله حتى شكاه وجب على الحاكم أمره بوفائه، فإن أبى حبسه حتى يتبين أمره، فإن كان معسرًا أطلقه، وحرمت مطالبته ما دام معسرًا، ولا يحجر عليه،
(1)
الحجر لغة: المنع والتضييق، ويقال للعقل: الحجر؛ لأنَّه يمنع صاحبه من فعل ما يضر ويقبح، انظر: المطلع (254)، والتعريفات (111).
(2)
مرض الموت المخوف. انظر: منار السبيل (1/ 343).
(3)
لأن الأجل حق للميت فينتقل إلى ورثته، ولأنه لا يحل به ماله فلا يحل به ما عليه. وانظر: منار السبيل (1/ 344).
وإن طلب غرماء من له مال لا يفي بدينه الحال أو بعضهم من الحاكم الحجر عليه، أجابهم.
وسن إظهار حجر فلس وسفه ليعلم الناس بحالهما، وبعد الحجر لا ينفذ تصرفه في ماله، الموجود والحادث ولا إقراره عليه، وأما تصرفه قبل الحجر عليه فصحيح، وكذا تصرفه بعد الحجر بوصية أو تدبير
(1)
.
ومن باعه أو أقرضه شيئًا قبل الحجر ووجده باقيًا بحاله بأن لم ينقص منه شيء ولم تتغير صفته بما يزيل اسمه كنسج غزل وخبز دقيق، ولم يزد زيادة متصلة كسمن وتعلم صنعة، ولم يتعلق به حقٌّ للغير كرهن وكان المفلس حيًا إلى حين أخذ المبيع، ولم يأخذ شيئًا من ثمنه فهو أحق به، وكذا لو كان بعد الحجر إن جهل حجره، وإلا فلا رجوع له في عينه، ويرجع بثمن المبيع وبدل القرض إذا انفك حجره.
وإن تصرف المفلس في ذمته بنحو شراء أو ضمان، أو أقر بدين أو بجناية صح، ويطالب به بعد فك الحجر عنه.
ويبيع الحاكم ماله ويقسم ثمنه فورًا، بقدر ديون غرمائه الحالة، ولا يحل دين مؤجل بفلس، وإن ظهر غريم بعد القسمة رجع على الغرماء بقسطه
(2)
، وإن بقي على المفلس بقية وله صنعة أجبر على التكسب لوفائها، ولا يفك حجره الحاكم إذا وفى ما عليه.
ويجب على الحاكم أن يترك للمفلس من ماله ما يحتاجه من مسكن وخادم صالحين لمثله، فلا يباع في دينه، ما لم يكونا عين مال غريم، فإنه إن شاء أخذهما، ويشتري له أو يترك له بدلهما، ويجب أن يترك له أيضًا
(1)
التدبير: مصدر من دبر العبد والأمة تدبيرًا؛ لأن العبد يعتق بعدما يدبر سيده، والممات دبر الحياة، والتدبير خص بالعتق بعد الموت، انظر: المطلع (315)، والتعريفات (67).
(2)
لأنَّه لو كان حاضرًا شاركهم، فكذا إذا ظهر الغريم بعد القسمة، فإنه يقاسمهم. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 179).
آلة حرفة، وما يتجر به إن كان تاجرًا، ويجب له ولعياله أدنى نفقة مثلهم، من مأكل ومشرب وكسوة، من ماله حتى يقسم، وأجرة كيال ووزان وحافظ وحمال.
ويحجر على السفيه والصغير والمجنون في مالهم وذممهم، ولا يحتاج إلى حاكم
(1)
، فلا يصح تصرفهم قبل الإذن.
ومن دفع ماله بعقد كبيع وعارية إلى واحد منهم فأتلفه لم يضمنه، ويضمن إتلاف ما لم يدفع إليه، ومن أخذ من أحدهم شيئًا ضمنه حتى يأخذه وليه، لا إن أخذه منه ليحفظه، وتلف بلا تفريط، كمن أخذ مغصوبًا من غاصبه ليحفظه لربه، ومن بلغ رشيدًا أو بلغ مجنونًا ثم عقل ورشد انفك عنه الحجر بلا حكم حاكم، ودفع إليه ماله.
وبلوغ الذكر إما بالإمناء، أو بتمام خمس عشرة سنة
(2)
، أو نبات شعر خشن حول قبله، وبلوغ الأنثى كذلك، وتزيد بالحيض، وحملها دليل على إنزالها، والرشد: إصلاح المال وصونه عما لا فائدة فيه، ولا يدفع للصغير ماله حتى يختبر قبل البلوغ بما يليق بحاله.
ووليهم حال الحجر: الأب الرشيد العدل، ولو ظاهرًا، ثم وصيه، ثم الحاكم، ثم أمين، ولا ولاية للجد ولا للأم، ولا لسائر العصبات إلا بوصاية.
ومن فك عنه الحجر ثم سفه أعيد عليه، ولا ينظر في ماله إلا الحاكم، كمن جن بعد بلوغ ورشد.
(1)
لأن عجزهم عن التصرف في محل الشهرة. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 181).
(2)
ذهب الحنفية إلى أن بلوغ الذكر، بإتمامه ثماني عشرة سنة، وبلوغ الأنثى بإتمامها سبع عشرة سنة، وذهب المالكية إلى أن بلوغ الذكر والأنثى يحكم به ببلوغهما ثماني عشرة سنة، وذهب الشافعية إلى القول بالبلوغ للذكر والأنثى ببلوغ خمس عشرة سنة، وانظر: حاشية ابن عابدين (6/ 153)، ومواهب الجليل (3/ 427)، والمهذب (1/ 330)، والفقه الميسر (1/ 155).
ولا يتصرف لأحدهم وليه إلا بالأحظ، ويتجر له مجانًا وله دفع ماله لمن يتجر فيه مضاربة بجزء معلوم من الربح للعامل، وله البيع نسيئًا، والقرض برهن، وشراء العقار وبناؤه لمصلحة، وشراء أضحية لموسر، ولا يبيع عقاره إلا لضرورة أو غبطة
(1)
، ويأكل الولي الفقير من مال موليه الأقل من كفايته أو أجرة عمله
(2)
، ولا يلزمه بدله إذا أيسر، وإذا فرض له الحاكم شيئًا أخذه، ولو كان موسرًا.
ويأكل ناظر وقف بمعروف إذا لم يشرط الواقف له شيئًا، فله أخذ أجرة عمله مع فقره، وقيل: ولو لم يكن محتاجًا
(3)
.
ويقبل قول ولي بيمينه وحاكم بلا يمين بعد فك الحجر في النفقة، ما لم يخالف عادة، وفي وجود الضرورة والغبطة إذا باع عقاره، وفي التلف وعدم التفريط، وفي دفع المال إليه بعد رشده؛ لأنَّه أمين، فإن كان بجعل لم يقبل قوله في دفع المال.
ولولي مميز وسيده أن يأذن له في التجارة، فينفك عنه الحجر في قدر ما أذن له فيه، وما استدانه العبد يلزم سيده أداؤه إن أذن له، وإلا ففي رقبته
(4)
، ويخير سيده بين بيعه وفداؤه بالأقل من قيمته أو دينه، كاستيداعه وأرش جنايته، ولا يتبرع المأذون له بدراهم، ولا كسوة بل إهداء مأكول، وإعارة دابة.
(1)
الغبطة: حسن الحال، وأيضًا أن تتمنى مثل حال المغبوط من غير أن تتمنى زوال النعمة عنه، انظر: مادة غبط في لسان العرب (7/ 358)، ومختار الصحاح (196).
(2)
لأنَّه يستحق بالعمل والحاجة جميعًا، فلم يجز أن يأخذ إلا ما وجد فيه. وانظر: حاشية الروض المربع (1/ 353).
(3)
قال البهوتي: يأخذ الأقل من قدر أجرته أو كفايته، انظر: كشاف القناع (3/ 455).
(4)
لأنَّه دين لزمه بغير إذن سيده فتعلق برقبته كالإتلاف. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 199).
ولغير المأذون له الصدقة من قوته، وللمرأة الصدقة من بيت زوجها بذلك، ما لم تشك في رضاه، وتصح معاملة قن لم يثبت كونه مأذونًا له.
لكن السفيه إن أقر بما يوجب حدًا أو بنسب كالطلاق أو قصاص صح إقراره، وأخذ به في الحال، وإن أقر بمال كالقرض وجناية الخطأ والإتلاف أخذ به بعد فك الحجر عنه.
* * *
باب الوكالة
(1)
وهي: استنابة إنسان جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة من قول أو فعل، لا في نحو: الصلاة، وصوم، وطهارة، وشهادة، ولعان وإيلاء، وتصح منجزة أو معلقة ومؤقتة، وتنعقد بكل ما يدل على الإذن كافعل كذا، أو وكلتك أو أقمتك مقامي، ويصح القبول بالقول والفعل الدال عليه، ولو متراخيًا.
ويشترط لصحتها تعيين الوكيل، لا علمه بها، فلو باع عبد غيره على أنه فضولي فبان أن سيده وكله في بيعه قبل البيع صح.
وتصح في بيع ماله كله، أو ما شاء الوكيل منه، وبالمطالبة بحقوقه كلها، وبالإبراء منها كلها، أو بما شاء منها، ولا يصح إن قال: في كل قليل وكثير
(2)
.
وللوكيل أن يوكل فيما عجز عنه، وفيما لا يليق به
(3)
، وليس له أن يوكل إذا كان من يتولاه مثله ولم يعجزه، إلا إذا أذن له الموكل في
(1)
الوكالة: بفتح الواو وكسرها: التفويض، يقال: وكله، أي: فوض إليه، انظر: المطلع (258)، والتعاريف (732).
(2)
ذهب الحنفية إلى جواز الوكالة العامة المطلقة؛ لأن الموكل فوض الأمر إلى موكله فصار بمنزلته، ومنع منها المالكية والشافعية والحنابلة؛ لأن فيها غررًا وضررًا على الموكل. وانظر: تحفة الفقهاء (3/ 232)، والتاج والإكليل (5/ 191)، والإقناع (2/ 72)، والفقه الميسر (1/ 164).
(3)
ضبة تصحيحية إلى قوله: ما شئت.
التوكيل، أو يقول له الموكل: اصنع ما شئت.
ولا يملك الوكيل أن يعقد مع فقير أو قاطع طريق إلا أن يأمره الموكل، وكذا لا يبيع مؤجلًا أو بمنفعة، أو عرض بغير نقد البلد، إلا بإذن موكله
(1)
، ولو وكل عبد غيره في شراء نفسه من سيده صح ذلك إن أذن فيه سيده، وإلا فلا، ومن لا يصح تصرفه فيه بنفسه فنائبه أولى، فلو وكله في طلاق من سيتزوجها لم يصح.
ويصح توكيل امرأة في طلاق نفسها وغيرها، وأن يتوكل في قبول نكاح أمة لمن تباح له، وفي قبول الزكاة لفقير، وفي قبول نكاح أخته ونحوها لأجنبي، وتصح في كل حق لله تدخل فيه النيابة كتفرقة زكاة وكفارة ونذر، وحج وعمرة، وتدخل ركعتا الطواف تبعًا، وتصح في إثبات الحدود واستيفائها.
* * *
(1)
لأنَّه تغرير بالمال، ولأنه لا يؤمن انفساخ العقد لتلف ما بيد فقير، أو تعذر حضور قاطع طريق. وانظر: منار السبيل (1/ 356).
فصل: (جامع في أحكام العقود)
والوكالة والشركة والمضاربة والمساقاة، والمزارعة والوديعة والجعالة
(1)
عقود جائزة من الطرفين، لكل من المتعاقدين فسخها، وتبطل كلها بموت أحدهما أو جنونه جنونًا مطبقًا
(2)
، وبالحجر عليه لسفه حيث اعتبر لها الرشد، فإن كانت في نحو طلاق أو في تملك مباح كاحتطاب فتصح.
وتبطل الوكالة بطروء فسق لموكل ووكيل فيما ينافيه الفسق فقط، كإيجاب النكاح، وتبطل بفلس موكل فيما حجر عليه فيه، وبردته لا بردة وكيل إلا بما ينافيها، وتبطل بتدبيره أو كتابته قنًا، وكله في عتقه، وبوطئه زوجة وكله في طلاقها، وبما يدل على الرجوع من أحدهما.
وينعزل الوكيل بموت موكله، وبعزله له ولو لم يعلم، ويكون ما بيده بعد العزل أمانة، لا تضمن إذا تلفت بغير تعد منه ولا تفريط، حيث لم يتصرف
(3)
، ولو باع - الوكيل - أو تصرف فادعى - الموكل - أنه عزله قبله
(1)
الجعالة: من الجعل بالضم، وهو ما جعل للإنسان من شيء على فعل، ويقال لها: الجعيلة، انظر: مادة جعل في لسان العرب (11/ 112)، ومختار الصحاح (45)، والمطلع (281)، وأنيس الفقهاء (169).
(2)
لأن العقود الجائزة تعتمد الحياة والعقل، فإذا انتفى ذلك انتفت صحتها، لزوال أهلية التصرف. وانظر: منار السبيل (1/ 357).
(3)
لأنَّه رفع عقد لا يفتقر إلى رضا صاحبه، فصح بغير علمه كالطلاق. وانظر: منار السبيل (1/ 358).
لم يقبل - قوله - إلا ببينة، وليس للوكيل في بيع أو شراء أن يشتري أو يبيع من نفسه أو ولده أو والده أو زوجه أو مكاتبه، وكذا حاكم وأمينه وناظر وقف ووصي، ومضارب وشريك عنان ووجوه.
وإن باع بدون ثمن المثل إن لم يقدر له ثمنًا أو بدون ما قدره له أو اشترى له بأكثر صح، وضمن النقص في المبيع، والزيادة في الشراء عن المقدر له، وما لا يتغابن بمثله عادة
(1)
، والوصي والناظر كالوكيل في ذلك، وإن باع الوكيل بأزيد مما قدره له الموكل صح، أو قال له: بع بكذا مؤجلًا فباع به حالًا، أو قال: اشتر بهذا حالًا فاشترى به مؤجلًا ولا ضرر فيهما صح؛ لأنَّه زاده خيرًا، وإن قال لوكيله: بعه لزيد، فباعه لعمرو لم يصح.
وإن اشترى الوكيل ما يعلم عيبه لزمه إن لم يرض به الموكل، فإن جهل عيبه رده الوكيل أو الموكل إن لم يرض به، ووكيل البيع يسلمه
(2)
، ولا يقبض الثمن بغير قرينة
(3)
تدل على الإذن فيه
(4)
، ويسلم وكيل المشتري الثمن - للبائع -، فلو أخره بلا عذر وتلف ضمنه، وإن وكله في بيع فاسد لم يصح، والوكيل في الخصومة لا يقبض، وفي القبض له الخصومة.
ولا يضمن وكيل في الإيداع، إذا أودع ولم يشهد وأنكر المودع، لعدم الفائدة في الإشهاد؛ لأن المودع يقبل قوله في الرد والتلف، وأما
(1)
لتفريطه بترك الاحتياط، وطلب الأحظ لموكله. وانظر: منار السبيل (1/ 359).
(2)
أي: يسلم المبيع لمشتريه بلا نزاع؛ لأن إطلاق الوكالة في البيع يقتضيه؛ لأنَّه من تمامه. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 226).
(3)
قرينة: فعيلة بمعنى مفعولة من الاقتران، واقترن الشيئان وتقارنا، وجاؤوا قرانى، أي: مقترنين. انظر: مادة قرن في لسان العرب (13/ 336)، ومختار الصحاح (222).
(4)
لأنَّه قد يوكل في البيع من لا يأمنه على قبض الثمن، فلم يملكه بغير إذن الموكل. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 226).
الوكيل في قضاء الدين، إذا دفع في غير حضور الموكل، ولم يشهد ضمن إذا أنكر رب الدين.
والوكيل أمين، لا يضمن ما تلف بيده بلا تفريط، ويقبل قوله في التلف، أو نفي التفريط مع يمينه، لكن لو ادعى التلف بأمر ظاهر كحريق كلف إقامة البينة عليه، ثم يقبل قوله فيه، وإن ادعى الوكيل الرد إلى ورثة الموكل أو إلى الموكل لم يقبل كالمرتهن.
ومن عليه دين، فجاء إنسان وادعى أنه وكيله في قبضه، أو وصيه أو أحيل به لم يلزمه دفعه إليه ولو صدقه؛ لأنَّه لا يبرأ بهذا الدفع لو ظهر خلاف ما ذكر، فإن ادعى المطالب موته وأنَّه وارثه لزمه دفعه
(1)
، أو يحلف أنه لا يعلم أنه وارثه، ولا يدفعه حينئذ.
* * *
(1)
إليه إن صدقه أو يكذبه فيحلف يمينًا أنه لا يعلم أنه وارثه. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 240)، ومنار السبيل (1/ 360).
باب الشركة
(1)
وهي قسمان:
الأول: اجتماع في استحقاق كثبوت منفعة، أو ملك لاثنين فأكثر في عقار.
الثاني: شركة في التصرف: وهي خمسة أنواع كلها جائزة
(2)
، ممن يجوز تصرفه:
أحدها: شركة العنان: وهي أن يشترك اثنان فأكثر في مال يتجران فيه، ويكون الربح بينهما أو بينهم بحسب الاتفاق، وشروطها أربعة: أن يكون رأس المال من النقدين المضروبين، ولو لم يتفق الجنس
(3)
، وأن يكون كل من المالين معلومًا، وحضور المالين وإن لم يخلطا، وأن يشترط لكل واحد
(1)
الشركة: مخالطة الشريكين، ويقال: اشتركنا بمعنى تشاركنا، انظر: مادة شرك في لسان العرب (10/ 448)، ومختار الصحاح (142).
(2)
ذهب الحنفية إلى أن الشركة تنقسم إلى أربعة أقسام: مفاوضة وعنان وصنائع ووجوه، أو إلى ثلاثة أقسام: شركة أموال وأعمال ووجوه.
وذهب المالكية إلى أنها تنقسم إلى سبعة أقسام: المفاوضة والعنان والعمل والوجوه والذمم والجبر والمضاربة، وهي صحيحة ما عدا شركتي الوجوه والذمم.
وعند الشافعية تنقسم الشركة إلى خمسة أقسام، تجوز منها شركتي: العنان والمضاربة، وتبطل شركات الأبدان والمفاوضة والوجوه، وانظر: الهداية (1/ 103)،
وحاشية الدسوقي (3483)، والإقناع (2/ 70)، والفقه الميسر (1/ 177).
(3)
ذهب الحنفية إلى اشتراط كون رأس مال الشركة من الأثمان، وذهب المالكية إلى جواز كون رأس مال الشركة من المتقومات كعروض التجارة أو المثلي، وذهب =
منهما جزءًا معلومًا مشاعًا من الربح، ولو متفاضلًا لتفاوتهم في الحق، ولو لم يكن على قدر المالين
(1)
، والخسران على قدر المالين.
فإن فقد شرط فسدت، ويكون الربح على قدر المالين، ويرجع كل واحد منهما على صاحبه، بأجرة نصف عمله.
وكل عقد لا ضمان في صحيحه لا ضمان في فاسده إلا بالتعدي أو التفريط، كالشركة، والمضاربة، والوكالة، والوديعة والرهن والهبة.
وكل عقد لازم يجب الضمان في صحيحه يجب الضمان في فاسده، كبيع، وإجارة، ونكاح، وقرض.
ولكل من الشريكين أو الشركاء أن يبيع مال الشركة، ويشتري ويأخذ ثمنًا ومثمنًا، ويعطي ثمنًا ومثمنًا، ويطالب بالدين ويخاصم، ويفعل ما فيه حظ للشركة بحكم الملك في نصيبه والوكالة في نصيب شريكه، لا أن يكاتب رقيقًا أو يزوجه، أو يعتقه أو يحابي أو يقترض على الشركة إلا بإذن شريكه.
ولا يشترط تساوي المالين، وإن تلف أحد المالين فهو في ضمانهما
(2)
.
النوع الثاني: المضاربة: وهي أن يدفع إنسان من ماله إلى آخر شيئًا ليتجر فيه ويكون الربح بينهما، بحسب ما يتفقان عليه، بشرط أن يكون رأس المال من النقدين المضروبين، وأن يكون معينًا معلوم القدر، ولا يعتبر
= الشافعية إلى جواز كون رأس مال الشركة من الأثمان والمثليات دون المتقومات. وانظر: الهداية (3/ 107)، والكافي (1/ 390)، والإقناع (2/ 71)، والفقه الميسر (1/ 17).
(1)
ذهب الحنفية والحنابلة إلى أن قسمة الربح تكون مبنية على اشتراط الشركاء، وذهب المالكية والشافعية، إلى أن قسمة الربح تكون على مقدار الملك، وانظر: الهداية (3/ 108)، والمدونة (12/ 55)، والإقناع (2/ 72)، والفقه الميسر (1/ 171).
(2)
لأن العقد اقتضى أن يكون المالان كالمال الواحد، فكذلك في الضمان. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 250).
قبضه بالمجلس، ولا القبول بل تكفي مباشرة العمل، ولا تصح بعروض ولا بفلوس ولو رائجة، وأن يشترط للعامل جزء معلوم، من الربح مشاعًا، فإن فقد شرط فهي فاسدة.
ويكون للعامل أجرة مثله، وما حصل من خسارة ففي المال، أو ربح فللمالك، وإن تبرع العامل بالعمل فلا شيء له، وليس للعامل شراء من يعتق على رب المال بغير إذنه، فإن اشتراه بغير إذنه صح وعتق على رب المال، وضمن ثمنه لتفريطه، ولو لم يعلم أنه يعتق.
ولا نفقة للعامل في المضاربة إلا بشرط، فإن شرطت مطلقة واختلفا فيها فله نفقة مثله عرفًا، من طعام وكسوة.
ويملك العامل حصته من الربح بظهوره قبل القسمة كالمالك، ولا يملك الأخذ منه، إلا بإذن رب المال.
وحيث فسخت المضاربة والمال عرض فرضي ربه بأخذه، قومه ودفع للعامل حصته من الربح، وإن لم يرض فعلى العامل بيعه، وقبض ثمنه.
والعامل أمين يصدق بيمنيه في قدر رأس المال، وفي قدر الربح وفي الهلاك والخسران، إن لم تكن بينة تشهد بخلافه.
ولو أقر عامل بالربح ثم ادعى تلفًا أو خسارة قبل قوله في ذلك، لا غلطًا أو كذبًا أو نسيانًا.
ويقبل قول المالك في قدر ما شرط للعامل، من الربح الحاصل، وكذا المساقاة والمزارعة إذا اختلفا في الجزء المشروط أو قدره.
ولو اختلفا في الجزء المشروط لمن هو، كان للعامل؛ لأنَّه الذي تتقدر حصته بالشرط، بخلاف رب المال، فإنه يستحقه بماله فيحلف مدعيه
(1)
.
(1)
أي: مدعي كون المشروط للعامل، وإن اختلفا في قدر الجزء بعد الربح، فقول مالك بيمينه، فلو قال: شرطت لي نصف الربح، وقال المالك: بل ثلثه، فالقول قول المالك؛ لأن القول قول المنكر. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 257).
ولا يضارب العامل بمال لآخر إن أضر الأول ولم يأذن، فإن ضارب لآخر، مع ضرر الأول بغير إذنه ردت حصته من ربح الثانية في الشركة الأولى.
وإن تلف رأس المال أو بعضه قبل التصرف انفسخت المضاربة، وإن تلف بعد التصرف جبر من الربح، وكذا إن خسر لا يستحق العامل شيئًا إلا بعد كمال رأس المال، وهذا قبل المحاسبة والقسمة، فإذا تحاسبا وعلما ما لهما لم يجبر الخسران بعد ذلك مما قبله
(1)
، فإن مات عامل أو مودع أو وصي ونحوه وجهل بقاء ما بيدهم فهو دين في التركة
(2)
؛ لأن الإخفاء وعدم التعيين كالغصب، ويقبل قول العامل فيما يدعيه من هلاك وخسران ومشترى لنفسه وللمضاربة، والقول قول رب المال في عدم رده إليه
(3)
.
الثالث: شركة الوجوه: وهي أن يشترك اثنان لا مال لهما في ربح ما يشتريانه من الناس في ذممهما، ولا يشترط لصحتها ذكر ما يشتريانه ولا قدره، فلو قال: أحدهما للآخر: ما اشتريت من شيء فبيننا صح، وكل واحد منهما وكيل عن صاحبه، وكفيل له بالثمن، والملك بينهما لما يشتريانه على ما شرطاه، والربح بينهما كما شرطا من تساو أو تفاضل، والخسارة بتلف أو بيع بنقصان على قدر الملك
(4)
، لا على قدر الربح.
الرابع: شركة الأبدان: وهي أن يشتركا فيما يكتسبان بأبدانهما، وتصح مع اختلاف الصنائع، كخياط مع قصار
(5)
، ولكل واحد منهما طلب
(1)
تنزيلًا للتنضيض مع المحاسبة منزلة المقاسمة، والمذهب أنه يملك حصته من الربح بالظهور قبل القسمة. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 262).
(2)
لأن الأصل بقاء المال بيد الميت، واختلاطه بجملة التركة، ولا سبيل إلى معرفة عينه فكان دينًا، وصاحبه أسوة الغرماء. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 263).
(3)
بيمينه لأنَّه منكر، والعامل قبض المال لنفع له فيه، والأصل عدم القبض والعامل يدعيه. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 264).
(4)
لأن الوضيعة نقص رأس المال، وهو مختص بملاكه، فيوزع بينهم على قدر الحصص. وانظر: منار السبيل (1/ 366).
(5)
القصار: على وزن فعال من قصر، وقَصر الثوب دقه، وبابه نصر، انظر: مادة قصر في مختار الصحاح (560).
الأجرة، وللمستأجر دفعها إلى أحدهما. ومن تلفت بيده بلا تفريط لم يضمن، ويطالبان بما يتقبله أحدهما.
وتصح في الاحتشاش والاحتطاب وسائر المباحات كالمعادن والتلصص على دار الحرب، فإن مرض أحدهما فكسب الآخر بينهما، وإن طالبه الصحيح أن يقيم آخر مقامه لزمه
(1)
.
وإن اشتركا على أن يحملا على دابتهما والأجرة بينهما صح، وإن أجراهما بأعيانهما فلكلٍ أجرة دابته
(2)
.
ويصح دفع دابة ونحوها لمن يعمل عليها، وما رزقه الله بينهما على ما شرطاه، كذلك نحو قدر ومحراث، وكذلك لو دفع ثوبًا إلى خياط، ليعمله قمصانًا ويبيعها، وله نصف ربحها.
الخامس: شركة المفاوضة: وهي أن يفوض كل من الشريكين إلى صاحبه شراءً وبيعًا في الذمة ومضاربة وتوكيلًا، وكل تصرف مالي وبدني من أنواع الشركة، والربح على ما شرطاه، والخسارة على قدر الملك في المال.
فإن أدخلا فيها كسبًا أو غرامة نادرين، كوجدان لقطة أو ركاز، أو ميراث أو أرش جناية، أو ما يلزم أحدهما من ضمان غصب أو نحوه فسدت
(3)
.
* * *
(1)
لأنهما دخلا على أن يعملا، فإذا تعذر عليه العمل بنفسه لزمه أن يقيم مقامه توفية للعقد بما يقتضيه، وللآخر الفسخ. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 271).
(2)
لأنَّه لم يجب ضمان الحمل في ذممها، وإنما استحق المكتري منفعة البهيمة. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 271).
(3)
لكثرة الغرر فيها، ولأنها تضمنت كفالة وغيرها مما لا يقتضيه العقد ففسدت. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 274).
باب المساقاة
(1)
وهي دفع شجر له ثمر مأكول إلى من يقوم بمصالحه بجزء معلوم من ثمره، بشرط كون الشجر معلومًا برؤية أو صفة، وأن يكون له ثمر يؤكل منه، كنخل وكرم ورمان وموز
(2)
وزيتون ونحوها
(3)
، فلا تصح على ما لا ثمر له كالحور
(4)
، ولا على ما ثمره غير مأكول كالقرظ
(5)
، ولو كان له زهر مقصود كالياسمين على
(1)
المساقاة لغة: مفاعلة من السقي. انظر: مادة سقي في مختار الصحاح (128)، وانظر: المطلع (262)، والتعريفات (271).
(2)
الموز: فاكهة استوائية موطنها الأصلي جنوب شرق آسيا وأرخبيل المالاي وأستراليا، عرفه العرب قبل أوروبا عن طريق التجارة، والموز ملين. وبه أحماض أمينية عالية، ولا سيما تربتوفان الذي يساعد على النوم، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(3)
ذهب الحنفية إلى منع عقد المساقاة، وذهب المالكية إلى جوازها مطلقًا، وذهب الشافعية إلى جوازها في النخل والعنب فقط. وانظر: الهداية (4/ 156)، والثمر الداني (404)، وما بعدها والإقناع (2/ 114)، والفقه الميسر (1/ 197).
(4)
الصفصاف والسرو والورد؛ لأنَّه ليس منصوصًا عليه، ولا في معنى المنصوص عليه، ولأن المساقاة إنما تكون بجزء من الثمرة، وهو لا ثمر له، انظر: حاشية الروض المربع (5/ 277).
(5)
القَرَظ أو السَّنط أو الأَكاسيا أو الطَّلْح. جنس من الأشجار يضم أنواعًا عديدة، ومعظم أنواعها لها استعمالات اقتصادية أو غذائية أو صحية أو صناعية، بعضها على قدر من السمية، ويتميز بطول الأشواك، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
المذهب
(1)
، ويعتبر كون عاقديها جائزي التصرف.
وتصح على شجر ذي ثمرة موجودة لم تكمل، وعلى شجر يغرسه في أرض رب الشجر، ويعمل عليه حتى يثمر، وتسمى المغارسة، ويصح توقيت المساقاة.
ولا شيء للعامل إن فسخ أو هرب قبل ظهور الثمرة
(2)
، كعامل المضاربة إذا فسخ قبل ظهور الربح، وعامل الجعالة إذا فسخ قبل تمام عمله، وله إذا مات، أو فسخ رب الأرض قبل ظهور الثمرة، وبعد الشروع في العمل أجرة عمله، فإن بان الشجر مستحقًا فله أجرة مثله على الغاصب.
والمزارعة دفع الحب والأرض لمن يزرعه، ويقوم بمصالحه، أو مزروع ليعمل عليه، بشرط كون البذر معلومًا جنسه وقدره، ولو لم يؤكل، وكونه من رب الأرض، وأن يشترط للعامل جزءٌ معلوم مشاع منه.
فإن تشارطا على أن يأخذ رب الأرض مثل بذره ويقتسما الباقي أو الكل لأحدهما، أو آصعًا معلومة، أو ثمرة شجرة معينة لم تصح، ولا يصح كون البذر من العامل أو منهما، ولا من أحدهما والأرض لهما، ولو قال: اعمل ولك خمسان إن لزمتك خسارة، وإلا فالربع لم يصح، وحيث فسدت المساقاة والمزارعة لفقد شرط فالثمر والزرع لرب الشجر والبذر، وللعامل أجرة مثله، إن كان البذر من رب الأرض، فإن كان من العامل فعليه أجرة مثل الأرض.
وعقد المساقاة والمغارسة والمزارعة جائز من الطرفين، فإن انفسخت بعد ظهور الثمرة فهي بينهما على ما شرطا.
(1)
انظر: الإنصاف (5/ 466)، وكشاف القناع (3/ 114).
(2)
لأنَّه رضي بإسقاط حقه. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 282).
وعلى العامل تمام العمل
(1)
، ويلزمه كل ما فيه صلاح الثمرة من حرث أو سقي وتلقيح، وتشميس وحصاد ونحو ذلك، والجذاذ عليهما بقدر حصتيهما، ويصح أن يشترط على عامل.
وعلى رب المال ما يحفظ الأصل كسد حائط، أو إجراء نهر أو دولاب، ويتبع العرف في الكلف السلطانية، ما لم يكن شرط فيتبع، وصحح في المغني
(2)
عدم اشتراط كون الغراس والبذر من رب الأرض في المغارسة والمزارعة، وعليه عمل الناس
(3)
(4)
، وقطع في المنتهى باشتراطه
(5)
، وإن كان في الأرض شجر فساقاه عليه وزارعه على الأرض صح
(6)
، وكذا لو أجره الأرض وساقاه على شجرها فيصح، وتصح مساقاة ومزارعة بلفظهما، ولفظ العمل وما في معنى ذلك، ولفظ إجارة.
* * *
(1)
كما لو فسخت المضاربة، فيلزم المضارب بيع العروض بعد ظهور الربح. وانظر منار السبيل (1/ 372).
(2)
المغني شرح مختصر الخرقي، لموفق الدين ابن قدامة المقدسي رحمه الله، ويعتبر كتابه من أعظم الكتب ليس في المذهب الحنبلي فقط بل في الفقه الإسلامي يذكر فيه مؤلفه نص المسألة من المختصر، ثم يشرحها، ثم يذكر روايات مذهب أحمد ثم يذكر أقوال المذاهب ثم يقوم المؤلف بالترجيح، والمؤلف في هذا يتوسع في ذكر الفروع ويزيد على مسائل الخرقي ما يشبهها مما هو ليس مذكورًا في المختصر، ويقوم بعزو الأخبار إلى كتب الحديث المصنفة، قال العز بن عبد السلام: ما رأيت في كتب الإسلام مثل المحلى لابن حزم والمغني للشيخ موفق الدين في جودتهما وتحقيق ما فيهما. انظر: المنهج الفقهي العام (326)، والمدخل المفصل (694)، ومصطلحات الفقه الحنبلي (307).
(3)
انظر: المغني (5/ 589).
(4)
ضبة تصحيحية.
(5)
والمذهب يشترطون كون البذر من صاحب الأرض، قال المرداوي: وظاهر المذهب اشتراطه، وهو المشهور عن الإمام أحمد، وعليه جماهير الأصحاب، انظر: الإنصاف (5/ 356)، وشرح منتهى الإرادات (1/ 471).
(6)
لأنها عقدان يجوز إفراد كل واحد منهما، فجاز الجمع بينهما (5/ 291).
باب الإجازة
(1)
وهي: عقد على منفعة معلومة مباحة، مدة معلومة، من عين معينة، أو موصوفة في الذمة، أو عمل معلوم، بعوض معلوم، وشروطها ثلاثة: معرفة المنفعة، ومعرفة الأجرة، وكون النفع مباحًا، يستوفى دون الأجزاء.
فتصح إجارة كل ما أمكن الانتفاع به، مع بقاء عينه، إذا قدرت منفعته بالعمل، كركوب الدابة لمحل معين، أو بالأمد وإن طال، إذا غلب على الظن بقاء العين إلى انقضاء المدة، وتنعقد بلفظ الإجارة والكراء، وما في معناهما.
ولا تصح الإجارة على الزنا والغناء والنياحة، ويتأمل صفات السلم في الموصوفة
(2)
(3)
، وكيفية سير الدابة من سرعة وغيرها، لا ذكورة ولا أنوثة ولا نوع.
وإن كانت معينة اشترط معرفتها، والقدرة على تسليمها، وكون المؤجر
(1)
الإجارة: مأخوذة من الأجر، وهو الجزاء على العمل، والجمع أجور، والإجارة ما أعطيت من أجر في عمل. والإجارة الكراء. انظر: مادة أجر في لسان العرب (4/ 10)، والمطلع (263).
(2)
هكذا استطعت قراءتها، ولعل العبارة الأجود:"فإن كانت موصوفة اشترط فيها صفات السلم " وانظر: منار السبيل (1/ 374).
(3)
لاختلاف الأغراض باختلاف الصفات، ولأن ذلك أقطع للنزاع، وأبعد من الغرر، فإن لم توصف أدى إلى التنازع. وانظر: منار السبيل (1/ 374).
يملك منفعتها، ويصح بيعها، سوى حر ووقف، وأم ولد، وتشتمل على النفع المقصود منها، فلا تصح في أرض سبخة
(1)
لزرع، ودابة زمنة لحمل.
ويشترط في عقد المنفعة في الذمة ضبطها بما لا يختلف به العمل، كخياطة ثوب بصفة كذا، وبناء حائط طوله كذا، وعرضه وسمكه كذا، وآلته من حجر أو غيره، وأن لا يجمع بين تقدير المدة والعمل
(2)
، وأن لا يشترط في العمل كون فاعله مسلمًا، فلا تصح الإجارة لأذان أو إقامة، أو إمامة وتعليم قرآن وفقه، ونيابة في حج وقضاء
(3)
، فإنه لا يقع إلا قربة لفاعله، ويحرم أخذ الأجرة عليه، وتجوز الجعالة على ذلك
(4)
، كأخذه عليه أجرة بلا شرط، وكذا حكم رقية.
وتصح الإجارة على تعليم خط، وحساب وشعر مباح، وتصح على عمل معلوم، كخياطة ثوب ودلالة على طريق، وحمل قطعة من حديد، وزنها كذا إلى موضع معين.
ويشترط في الأجرة، أن تكون معلومة فلا تؤجر الدار بعمارتها
(5)
، أما لو أجرها بمعين، وينفقه المستأجر على عمارتها فتصح
(6)
.
(1)
سبخة: أَرض سَبخة والسَّبَخةُ: الأَرضِ المالحة، السَّبَخُ: المكان يَسْبَخُ فَيُنْبتُ المِلْحَ وتَسُوخُ فَيه الأَقدام؛ وقد سَبخ سَبَخًا، وأَرض سَبِخة ذات سِباخ. انظَر: لسان العرب مادة سبخ (3/ 24).
(2)
كخياطة ثوب في يوم؛ لأنَّه قد يفرغ منه قبل انقضاء اليوم، فإن استعمله فيه بقيته، فقد زاد على المعقود عليه، وإن لم يعمله فقد تركه في بعض زمنه. وانظر: منار السبيل (1/ 376).
(3)
ذهب الحنفية والحنابلة إلى المنع من أخذ الأجرة على فعل القربات؛ لأن فاعل هذه الأعمال اختص أن يكون من أهل القربة، وذهب المالكية والشافعية إلى الجواز؛ لأن الإجارة يقع نفعها على المستأجر، فجاز أخذ الأجرة عليه. وانظر: الهداية (4/ 16)، والتاج والإكليل (5/ 415)، والفقه الميسر (1/ 211).
(4)
لأنها أوسع من الإجارة، ولهذا جازت مع جهالة العمل والمدة، انظر: حاشية الروض المربع (5/ 321).
(5)
التي تحدث لم تصح، للجهالة. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 299).
(6)
لأن الإصلاح على المالك، وقد وكله فيه. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 299).
وتصح إجارة الأجير والظئر بطعامهما وكسوتهما مدة معلومة، ومعرفة الطفل وموضع الرضاع، وإن دخل حمامًا أو سفينة بلا عقد، أو أعطى ثوبه خياطًا صح بأجرة العادة، ولا تصح إجارة شمع للوقود
(1)
، ولا إجارة الطعام للأكل، ولا حيوان لأخذ لبنه، إلا الظئر وماء البئر، وماء الأرض، - فيه خلاف
(2)
تبعًا -، كخيط خياط ومرهم طبيب، وتصح إجارة حائط، لوضع أطراف خشبه عليه، ولا تؤجر المرأة نفسها بغير إذن زوجها، ولا تصح إجارة المشاع لغير الشريك، ولا الجمل الشارد ولا الطير في الهواء، ولا المسلم لخدمة ذمي.
وتجوز إجارة العين المستأجرة بعد قبضها لمن يقوم مقامه أو دونه، لا أكثر منه ضررًا، وليس للمستعير أن يؤجر إلا بإذن مالك، والأجرة له.
وتصح إجارة الوقف، ولا تنفسخ بموت المؤجر، وللثاني حصته من الأجرة، فإن قبضها الأول أخذت من تركته
(3)
، وقال في التنقيح
(4)
: إنها
(1)
ضبة تصحيحية إلى قوله: طبيب.
(2)
قال ابن النجار: "ويدخل نقع بئر، وحبر ناسخ، وخيوط خياط، وكحل كحال، ومرهم طبيب وصبغ صباغ، ونحوه تبعًا، فلو غار ماء بئر دار مؤجرة فلا فسخ "، وقال المرداوي: هذا المذهب بلا ريب وعليه الأصحاب. انظر: منتهى الإرادات (1/ 481)، والإنصاف (6/ 25)، والفروع (4/ 323).
(3)
ترك الشيء: خلاه، وتركة الميت: تراثه المتروك، انظر: مادة ترك في لسان العرب (10/ 405)، ومختار الصحاح (32).
(4)
التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع، للعلامة القاضي علاء الدين علي بن سليمان السعدي المرداوي الصالحي رحمه الله، والمتوفى عام 885 هـ، ذكر مصنفه أنه اختصره من كتابه الجليل الإنصاف، ليرجح ما أطلق الموفق فيه الخلاف في كتاب المقنع، أو يصحح ما ذكر أنه المذهب، وهو غير الراجح من المذهب، أو ما أخل به من شرط، أو قيد صحيح في المذهب، قال المرداوي: فإذا وجدت في هذا الكتاب لفظًا أو حكمًا مخالفًا لأصله فاعتمده، فإنه وضع عن تحرير، وهو موافق للإنصاف وتصحيح الفروع للمؤلف، وهو مطبوع في مجلد، وحقق في رسالتي ماجستير بجامعة أم القرى، انظر: المدخل المفصل (731).
تنفسخ إن كان المؤجر الموقوف عليه، فإن كان المؤجر الناظر العام، أو المشروط له النظر الأجنبي، لم تنفسخ الإجارة بموته ولا عزله
(1)
.
وإن أجر الولي اليتيم، أو ماله أو السيد العبد، ثم بلغ الصبي ورشد وعتق العبد، أو مات الولي أو عزل، لم تنفسخ الإجارة، إلا أن يؤجره مدة، يعلم أنه يبلغ أو يعتق فيها، فتفسخ من حينهما
(2)
، وليس لوكيل مطلق إجارة مدة طويلة، بل بحسب العرف.
لا يشترط أن تلي المدة العقد، بل ولو كانت مرهونة، أو مؤجرة عند العقد وقدر على تسليمها عند وجوبه صح
(3)
، ويكره للحر أكل أجرة حجامة.
ويجب على المؤجر كل ما يتمكن به المستأجر من النفع، كزمام جمل ورحله، وشد الأحمال والرفع والحط، ومفاتيح الدار وعمارتها، أما تفريغ البالوعة والكنيف، وزبل أو قمامة فعلى المستأجر إذا استلمها فارغة.
وإن استأجر اثنان جملًا يتعاقبان عليه صح، وإن اختلفا في البادئ منهما أقرع بينهما.
وللمستأجر ضرب الدابة إذا حرفت بغير إذن، وإيداعها في الخان
(4)
إذا قدم بلدًا، وهدم حائط على النار، إذا حصل حريق خوفًا من السريان
(5)
.
(1)
انظر: نص عبارة المرداوي في التنقيح (164).
(2)
لئلا يفضي إلى أن تصح الإجارة على جميع منافعهما طول عمرهما، بل إلى حين البلوغ أو العتق. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 316).
(3)
لأنَّه إنما يشترط القدرة على التسليم عند وجوبه كالسلم، ولا تشترط القدرة عليه حال العقد. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 317).
(4)
الخان: النزل أو الفندق، انظر: مادة خون في مختار الصحاح (81).
(5)
من العقود الحديثة عقد الإجارة المنتهية بالتمليك، وهي عقد من طرفين، يؤجر فيه أحدهما الآخر سلعة معينة مقابل أجرة معينة يدفعها المستأجر على أقساط خلال مدة محدودة، تنتقل بعدها ملكية السلعة للمستأجر عند سداده لآخر قسط بعقد جديد، وصدر بشأنها قرار عن مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وجاء فيه الاكتفاء عن صور الإيجار المنتهي بالتمليك ببدائل أخرى، ومنها الوعد بالتمليك، وانظر: الفقه الميسر (1/ 212).
فصل: (فيما تنفسخ
(1)
به الإجارة)
والإجارة عقد لازم من الطرفين، لا تنفسخ بموت المتعاقدين أو أحدهما، ولا بتلف المحمول، ولا بوقف العين المؤجرة، ولا بانتقال الملك فيها، ولمشتر لم يعلم الفسخ أو الإمضاء، والأجرة له من حيث مشتراه، وتنفسخ بتلف كل العين المؤجرة المعينة
(2)
، وبموت الرضيع، وهدم الدار.
ومتى تعذر استيفاء النفع ولو بعضه من جهة المؤجر فلا شيء على المستأجر، حتى ما سكنه قبل ذلك، وإن كان من جهة المستأجر فعليه جميع الأجرة، وإن تعذر استيفاء النفع بغير فعل أحدهما كشرود الدابة وهدم الدار وجب من الأجرة بقدر ما استوفى
(3)
.
وإن غصبت المؤجرة خير المستأجر بين الفسخ، وعليه أجرة ما مضى، وبين الإمضاء ومطالبة الغاصب بأجرة المثل
(4)
.
(1)
الفسخ: النقض، ويقال: فسخت البيع والنكاح، يعنيك نقضته فانتقض، انظر: مادة فسخ في لسان العرب (3/ 45)، ومختار الصحاح (211).
(2)
لأن المنفعة زالت بالكلية، وإن كان التلف بعد مضي مدة لها أجرة انفسخت فيما بقي، ووجب للماضي القسط. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 328).
(3)
ضبة تصحيحية إلى قوله: التراخي.
(4)
أي: وخير المستأجر بين إبقاء العقد بلا فسخ، ومطالبة الغاصب بأجرة المثل، ولا يفسخ العقد بمجرد الغصب؛ لأن المعقود عليه لم يفت مطلقًا، بل إلى بدل وهو القيمة. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 334).
ومن استؤجر لعمل شيء فمرض أقام مقامه من يعمله، ما لم تشترط مباشرته، أو يختلف القصد، فيخير المستأجر بين الفسخ والصبر، والخيار على التراخي.
وإن غاب المؤجر وترك بهائمه التي أجرها وله مال أنفق الحاكم عليها منه، وإلا أنفق المستأجر بنية الرجوع، رجع على مالكها، ولا يشترط الإشهاد على نية الرجوع، ويقبل قوله في قدر النفقة بالمعروف، فإذا انقضت الإجارة باع البهائم حاكم، ووفي المكتري ما أنفقه عليها، ولا تنفسخ بموت راكب ولو لم يخلف من يقوم مقامه، كما صححه في المنتهى
(1)
، وقيل: تنفسخ إذا لم يخلف من يقوم مقامه في استيفاء المنفعة
(2)
، وتنفسخ ببرء أو انقلاع ضرس اكترى لقلعه.
ومن قدر نفعه بالزمن مدة معلومة استحق المستأجر نفعه في جميعها سوى فعل الخمس بسننها في أوقاتها، وصلاة الجمعة وعيد، ولا يضمن ما جنته يده خطأً، ولا حجام وطبيب، وبيطار وختان لم تجن أيديهم إن عرف حذقهم، ولم يفرطوا
(3)
، وأذن فيه مكلف، أو ولي غير مكلف، فإن لم يكن لهم حذق ضمنوا، ولو بلا تعد
(4)
، فإن ختن صغيرًا بغير إذن وليه ضمن سرايته، ولا يضمن راع لم يتعد.
ويضمن الأجير المشترك: وهو من قدر نفعه بالعمل، كخياطة ثوب وبناء حائط ما تلف بفعله ولو خطأ كغلط في التفصيل، وزلق، وسقوط عن دابة، ولا يضمن ما تلف من حرزه أو بغير فعله، ولا أجرة له فيما عمله فيه
(5)
، وإن حبس الثوب على أجرته وتلف ضمنه؛ لأنَّه لم يرهنه
(1)
انظر: منتهى الإرادات (1/ 490).
(2)
قال ابن مفلح: "وعنه بلى بموت مكتر، لا قائم مقامه، كبرء ضرس اكترى لقلعه "، وقال المرداوي:"هذه رواية في المذهب واختارها جماعة". انظر: الفروع (4/ 331)، والإنصاف (6/ 48).
(3)
ضبة تصحيحية.
(4)
ضبة تصحيحية.
(5)
لأن العين في يده أمانة كالمودع، ولأنه لم يسلم عمله إلى المستأجر، فلم يستحق عوضه. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 342).
عنده
(1)
.
وتجب الأجرة بالعقد، وتكون حالة إن لم تؤجل، وتستحق بتسليم العمل الذي في الذمة، فلا يجب تسليمها قبله، وتستقر كاملة باستيفاء المنفعة، وتسليم العين ومضى المدة، مع عدم المانع، ومن تسلم عينًا بإجارة فاسدة
(2)
وفرغت المدة لزمه أجرة المثل، ولو لم ينتفع بها، والتفريط في الحفظ من التعدي.
ويصح شرط تعجيل الأجرة عن وقت استحقاقها وتأخيرها.
وإن اختلفا في قدرها ولا بينة لأحدهما أو تعارضت تحالفا وتفاسخا، بلا حكم حاكم
(3)
، فإن كان قد استوفى المستأجر ما له أجرة فأجرة المثل.
ولا يضمن المستأجر ما تلف ولو شرط على نفسه الضمان إلا بالتفريط، ويقبل قوله إن لم يفرط بيمينه، وإن ادعى المستأجر أن ما استأجره مات أو أبق، ودعواه في المدة أو بعدها قبل قوله بيمينه
(4)
، وإن شرط المؤجر للدابة عدم السير بها ليلًا أو أن لا يتأخر بها عن القافلة، فخالف ضمن، ومتى انقضت مدة الإجارة لم يلزم المستأجر الرد ولا مؤنته، كالمودع بخلاف العارية، وتكون في يده أمانة.
* * *
(1)
لأنَّه لم يأذن له في إمساكه، ولا يتضرر بدفعه قبل أخذ أجرته، فلزمه الضمان كالغاصب. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 338).
(2)
كأن يستأجر دابة لم يرها ولم توصف له. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 345).
(3)
لأنَّه عقد معاوضة فأشبه البيع، ويبدأ بيمين المؤجر. وانظر: منار السبيل (1/ 381).
(4)
لأنَّه مؤتمن، والأصل عدم انتفاعه، وكذا لو صدقه المالك واختلفا في وقته ولا بينة للمالك قبل قول المستأجر بيمينه. وانظر: منار السبيل (1/ 382).
باب المسابقة
(1)
وهي جائزة في السفن والمزاريق والطيور، وغيرها كالرماح والأحجار، وعلى الأقدام وبكل الحيوانات.
لكن لا يجوز أخذ العوض إلا في مسابقة الخيل والإبل والسهام.
ويشترط في صحة المسابقة تعيين المركوبين أو الراميين بالرؤية لا الراكبين ولا القوسين
(2)
، واتحاد المركوبين والراميين أو القوسين بالنوع، فلا يصح بين عربي وهجين، ولا قوس عربي وفارسي، وتحديد المسافة والغاية بما جرت عليه العادة، وعلم العوض بالمشاهدة أو بالوصف حالًا أو مؤجلًا، وإباحته، والخروج عن تشبه بالقمار، لم بأن يكون العوض من واحد، فإن أخرج كل من المتسابقين شيئًا لم يجز إلا بمحلل لا يخرج شيئًا.
ويجوز أن يكون المحلل أكثر من واحد يكافئ مركوبه مركوبهما، أو رميه رميهما، فإن سبقا معًا أحرزا سبقيهما، ولم يأخذا من المحلل شيئًا، وإن سبق أحدهما أو سبق المحلل أحرز السبقين، والمسابقة جعالة
(3)
، لا يؤخذ بعوضها رهن ولا كفيل.
(1)
المسابقة: مفاعلة من السبق، وهو المقدمة في الجري وفي كل شيء، ويقال له: سابقة في هذا الأمر إذا سبق الناس إليه. انظر: مادة سبق في لسان العرب (10/ 151)، والنهاية (2/ 338).
(2)
لأن القصد معرفة جوهر الدابتين، ومعرفة حذق الرماة، ولا يحصل ذلك إلا بالتعيين بالرؤية. وانظر: منار السبيل (1/ 383).
(3)
لأن الجعل في نظير عمله وسبقه. وانظر: منار السبيل (1/ 385).
ولكل من المتعاقدين فسخها ما لم يظهر الفضل لصاحبه
(1)
، وتبطل بموت أحدهما، أو أحد المركوبين.
ويحصل سبق في خيل متماثلتي العنق برأس، وفي مختلفيهما وإبل بكتف، ويشترط في الرمي، تعيين عدده والإصابة، ومعرفة قدر الغرض، كطوله وعرضه وارتفاعه، والسنة أن يكون لهما غرضان، إذا بدأ أحدهما بغرض، بدأ الآخر بالثاني.
* * *
(1)
ذهب الحنفية والحنابلة إلى أن عقد المسابقة جائز لكل من المتعاقدين فسخها، وذهب المالكية إلى أن عقد المسابقة لازم لا ينفسخ إلا برضاهما، وذهب الشافعية إلى أن عقد المسابقة لازم لمن التزم بالعوض، جائز في حق من لم يلتزم شيئًا. وانظر: حاشية الدسوقي (2/ 211)، والإقناع (2/ 529)، والفقه الميسر (1/ 216).
باب العارية
(1)
وهي إباحة نفع عين يحل الانتفاع بها مع بقاء عينها، وتنعقد بكل لفظ يدل عليها، ويشترط أهلية معير للتبرع، وأهلية مستعير للتبرع له، وكون النفع مباحًا شرعًا، وهي مستحبة، وللمعير الرجوع في عاريته أي وقت شاء، ولو قبل أمد عينه، ما لم يضر بالمستعير
(2)
، فمن أعار سفينة لحمل أو أرضًا لدفن أو زرع لم يرجع حتى ترسو السفينة، ويبلى الميت ويحصد الزرع في أوانه، ولا أجرة له منذ رجع إلا في الزرع
(3)
.
ولا يعار البضع، ولا عبد مسلم لكافر، ولا صيد لمحرم، ولا أمة شابة لغير امرأة أو محرم، ولو أعار حائطًا لوضع أطراف خشب لم يكن له رجوع حتى يسقط، ولا أجرة له، لو رجع قبل سقوطه
(4)
.
(1)
العارية: مشدودة الياء، كأنها منسوبة إلى العار؛ لأن طلبها عار وعيب، انظر: مادة عور في لسان العرب (4/ 619)، والنهاية (3/ 320)، والمطلع (272).
(2)
ذهب الحنفية والشافعية إلى أن الإعارة عقد جائز، وللمعير أن يرجع عن إعارته متى شاء، وذهب المالكية إلى أنه ليس للمعير الرجوع قبل مدة الانتفاع، وإن لم يشترط مدة لزمه من المدة ما يرى الناس أنه مدة لمثل تلك العارية، فهي عقد لازم. وانظر: الهداية (3/ 397)، والقوانين الفقهية (1/ 245)، والإقناع (2/ 93).
(3)
فيبقى الزرع في الأرض المعارة بأجره المثل من حين الرجوع عن الإعارة إلى حصاد الزرع؛ لأن الأصل جواز الرجوع، وإنما منع القلع لما فيه من الضرر، ففي دفع الأجر جمع بين الحقين. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 363).
(4)
لأنَّه لا يملك الرجوع في عين المنفعة المذكورة، لإضراره بالمستعير، فلا يملك بدلها كالعين المرهونة. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 363).
وإذا قبض المستعير العارية فهي مضمونة عليه إذا تلفت، في غير ما استعيرت له
(1)
، بمثل مثلي وقيمة متقوم يوم تلف، فرط أم لا، ولو شرط نفي ضمانها لم يسقط
(2)
، لكن لا ضمان في أربع إلا بالتفريط: إذا كانت العارية وقفًا ككتب علم، وإذا أعارها المستأجر، وإذا تلفت فيما أعيرت له، وإذا أركب دابته إنسانًا فتلفت تحته.
ومن استعارها لرهن فالمرتهن أمين، لا يضمن إلا بالتفريط، والمستعير يضمن ما تلف تحت يد المرتهن.
ومن سلم لشريكه الدابة، ولم يستعملها فتلفت بلا تفريط، لم يضمنها، أو استعملها في مقابلة علفها، بإذن شريكه وتلفت، بلا تفريط لم يضمن، وإن سلمها إليه لركوبها، وقضاء حوائجه عليها فعارية، وعلى المستعير مؤنة ردها.
وإن قال المالك: أجرتك، وقال من هي بيده: أعرتني، أو بالعكس عقب العقد، قبل قول مدعي الإعارة بيمينه
(3)
، وإن كان الاختلاف بعد مضي مدة لها أجرة، فقول المالك بيمينه
(4)
، ويرجع بأجرة المثل لما مضى؛ لأن الإجارة لم تثبت، وإن قال المالك: غصبتني أو أعرتك، وقال من بيده العين: أجرتني، والبهيمة تالفة، فقول المالك، وقول الغارم في القيمة، أو اختلفا في رد فقول المالك
(5)
.
(1)
ذهب الحنفية إلى أن العارية لا تضمن إلا بالتفريط، وذهب المالكية إلى أن العارية تضمن فيما يغاب عليه كالثياب والحلي، إذا لم يكن على التلف بينة، ولا يضمن فيما لا يغاب عليه كالعقار والحيوان، ولا فيما قامت البينة على تلفه، وذهب الشافعية والحنابلة إلى تضمين المستعير مطلقًا تعدى أو لم يتعد. وانظر: الهداية (3/ 398)، والقوانين الفقهية (1/ 245)، والإقناع (2/ 92).
(2)
لأن كل عقد اقتضى الضمان لم يغيره بالشرط، وعكسه نحو وديعة، لا تصير مضمونة بالشرط. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 366).
(3)
لأن الأصل عدم عقد الإجارة، وحينئذ ترد العين إلى مالكها، إن كانت باقية. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 372).
(4)
لأن الأصل في مال الغير الضمان، فكان القول قول المالك، حيث لا بينة، والمراد فيما مضى من المدة. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 372).
(5)
لأن المستعير قبض العين لحظ نفسه، فلم يقبل قوله في الرد. وانظر: حاشية الروض المربع (374).
باب الغضب
(1)
هو الاستيلاء على حق الغير عدوانًا، ويلزم الغاصب رد ما غصبه بنمائه المتصل والمنفصل، ولو غرم على رده أضعاف قيمته
(2)
، ولو سمر نحو باب بمسامير مغصوبة قلعها وجوبًا وردها، ولا أثر لضرره.
وإن زرع الأرض المغصوبة وقد حصد زرعه فلربها الأجرة
(3)
، وقبل الحصد يخير المالك بين تركه إلى الحصاد بأجرته، أو تملكه بنفقته، وهي مثل البذر وعوض لواحقه، كحرث وسقي، وإن غرس أو بنى في الأرض، ألزم بقلع غرسه وبنائه، وأرش نقصها وأجرتها إلى وقت تسليمها، حتى أحد الشريكين إذا فعله بغير إذن شريكه.
وعلى الغاصب أرش نقص المغصوب
(4)
، وأجرته مدة قيامه بيده، فإن تلف ضمنه الغاصب، أو من تلف بيده، المثلي بمثله والمتقوم بقيمته يوم
(1)
الغصب: مصدر غصبه واغتصبه. واصطلاحًا: أخذ الشيء ظلمًا، انظر: المطلع (274)، والتعريفات (208).
(2)
لأنَّه من نماء المغصوب، وهو لمالكه، فلزمه رده كالأصل. وانظر: منار السبيل (1/ 389).
(3)
لأنَّه انفصل عن ملكه، كما لو غرس فيها غرسًا ثم قلعه. وانظر: منار السبيل (1/ 389).
(4)
ذهب الحنفية إلى أنه إذا تغيرت العين المغصوبة فقد زال ملك صاحبها عنها، وعلى غاصبها رد مثلها إلى صاحبها، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن العين المغصوبة ترد إلى صاحبها، وأرش نقصها معها. وانظر: الهداية (4/ 97)، والثمر الداني (431)، والإقناع (2/ 96)، والفقه الميسر (1/ 229).
تلفه في محل غصبه، ويضمن مصاغًا تالفًا إذا كان مباحًا بالأكثر من قيمته أو وزنه، والمحرم بوزنه من جنسه، ويقبل قول الغاصب مع عدم البينة في قيمة المغصوب التالف وفي قدره، وتضمن جنايته وإتلافه، ولو كانت الجناية على ربه أو ماله بالأقل من الأرش أو قيمته
(1)
، وإن أطعم الغاصب ما غصب حتى ولو لمالكه أو دفعه لمالكه بقرض أو هبة لم يبرأ الغاصب
(2)
.
ومن اشترى أرضًا فغرس فيها أو بنى فخرجت مستحقة للغير وقُلع غرسه أو بناؤه رجع على بائعه بجميع ما غرمه في ذلك.
ومن أتلف ولو سهوًا مالًا لغيره بلا إذنه وكان المتلف مكلفًا ملتزمًا والمال لمعصوم غير ابنه ضمنه، وإن أكره على الإتلاف ضمن من أكرهه، ولو على إتلاف مال نفسه، وإن فتح قفصًا عن طائر أو حل حيوانًا مربوطًا فذهب ضمنه، فإن بقي الطائر أو الحيوان حتى نفره آخر ضمن المنفر، ومن أوقف دابة بطريق ولو واسعًا أو ترك بها نحو طين أو خشبة، ضمن ما تلف بذلك
(3)
.
ولو ضرب إنسان دابة بطريق واسع فرفسته فلا ضمان على واضعها
(4)
، فإن كان الطريق ضيقًا ضمنه ربها، ومن اقتنى كلبًا عقورًا ولو لماشيته أو أسود بهيمًا أو ذئبًا أو هرًا تأكل الطيور عادة أو جارحًا فأتلف شيئًا ضمنه، لا إن دخل دار ربه بلا إذنه فلا يضمنه
(5)
، ولو ولغ أو بال الكلب العقور لم يضمن؛ لأنَّه ليس بعقر.
(1)
ضبة تصحيحية إلى قوله: يبرأ الغاصب.
(2)
لأن الظاهر أن الإنسان إنما يتصرف فيما يملك، وقد أكله على أنه لا يضمنه، فاستقر الضمان على الغاصب لتقريره. وانظر: منار السبيل (1/ 391).
(3)
لأنَّه ليس له حق في الطريق، وطبع الدابة الجناية بفمها أو رجلها، فإيقافها في الطريق كوضع الحجر ونصب السكين فيه. وانظر: منار السبيل (1/ 393).
(4)
لعدم حاجته إلى ضربها، فهو الجاني على نفسه. وانظر: منار السبيل (1/ 393).
(5)
ضبة تصحيحية إلى قوله: ليس بعقر.
ومن أوقد نارًا بملكه أو سقى ملكه فتعدت النار أو الماء إلى ملك غيره بتفريطه ضمن لا إن هاجت ريح
(1)
.
ومن اضطجع في مسجد، أو جلس أو اضطجع في طريق واسع فعثر به حيوان لم يضمن ما تلف به.
ولا يضمن رب بهيمة غير ضارية ما أتلفته نهارًا من الأموال والأبدان إذا لم تكن يده عليها، فإن كانت ضمن، ويضمن راكب وسائق وقائد لها قادر على التصرف فيها جناية مقدمها كيدها وفمها لا ما جنت بمؤخرها كرجلها، فإن نخسها غيره ضمن الناخس، فإن لم يكن معها أحد فلا ضمان إلا في الضارية والجوارح.
وإن تعدد راكب ضمن الأول أو من خلفه إن انفرد في تدبيرها
(2)
فإن اشتركا في تدبيرها، أو لم يكن إلا قائد وسائق، اشتركا في الضمان، والراكب يشاركهما.
وبغال مقطورة كواحدة على قائدها الضمان، ويشارك السائق أولها في جميعها، وفي آخرها في الأخير فقط، ويضمن ربها ما أتلفته من زرع وشجر، وثوب أو نقصته بوطئها، ونحوه ليلًا فقط
(3)
إن فرط في حفظها، وكذا مستعيرها ومستأجرها ومن يحفظها.
وإن غصب كلبًا يقتنى أو خمر ذمي مستورة ردهما، وكذا جلد ميتة وإتلاف الثلاثة هدر
(4)
، وإن استولى على حر أو كبير أو صغير لم
(1)
فلا ضمان؛ لأنَّه ليس من فعله ولا تفريطه. وانظر: منار السبيل (1/ 393).
(2)
لأنَّه المتصرف فيها، والقادر على كفها. وانظر: منار السبيل (1/ 394).
(3)
ذهب الحنفية إلى عدم تضمين أصحاب المواشي ما أفسدته لا ليلًا ولا نهارًا، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى تضمين أصحاب المواشي ما أفسدته ليلًا دون ما أفسدته نهارًا. وانظر: البحر الرائق (8 و/ 344)، التاج والإكليل (6/ 323)، والإقناع (2/ 442)، والفقه الميسر (1/ 230).
(4)
هدر: ما يبطل من دم أو غيره، وذهب دم فلان هدرًا، بالفتح أي: باطلًا فليس فيه قود ولا عقل ولم يدرك بثأره، انظر: مادة هدر في لسان العرب (5/ 257)، ومختار الصحاح (288).
يضمنه
(1)
، وإن استعمله كرهًا فعليه أجرته.
ومن قتل حيوانًا صائلاً عليه ولو آدميًا دافعًا عن نفسه أو ماله ولم يندفع بغير القتل، أو أتلف إنسان مزمارًا أو آلة لهو أو صليبًا أو كسر إناء فضة أو ذهبًا أو فيه خمرًا مأمور بإراقتها، وهي ما عدا خمر الخل، وخمر الذمي المستترة، أو كسر حليًا محرمًا على ذكر، أو آلة سحر، أو تعزيم أو تنجيم، أو كتب مبتدعة مضلة، أو أكاذيب أو سخائف، أو كتباً فيها أحاديث رديئة لم يضمن في الجميع، ولو كان معها غيرها.
ولو غصب شبكة أو شركًا
(2)
أو فخًا
(3)
فحصل صيد فلمالكه، ولا أجرة لذلك، وإن نسج المغصوب أو زرع الحب أو فرخ البيض رده وأرش نقصه إن نقص ولا شيء للغاصب نظير عمله؛ لأنَّه تبرع في ملك غيره، ويضمن نقص المغصوب، ولو بنبات لحية أمرد، وإن خصى الرقيق رده مع قيمته
(4)
، وما نقص بسعر لم يضمنه
(5)
، ولا مرضًا زال، فإن رد المغصوب معيبًا وزال عيبه في يد مالكه وكان أخذ الأرش لم يلزمه رده، وإن لم يأخذه لم يسقط ضمانه، وإن نقص بنحو هزال وزاد صنعة مثلاً تجبر النقص ضمن النقص، وليس له الزيادة
(6)
.
(1)
لأنَّه ليس بمال، والغصب لا يثبت فيما ليس بمال، انظر: حاشية الروض المربع (5/ 380).
(2)
الشرك: بالفتح حبائل الصيد، وكذلك ما ينصب للطائر، واحدته شركة، وجمعه شرك، انظر: مادة شرك في لسان العرب (10/ 450).
(3)
الفخ: المصيدة والجمع فخاخ وفخوخ، انظر: مادة فخخ في لسان العرب (3/ 41)، ومختار الصحاح (207).
(4)
ولو زادت قيمته بالخصاء. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 390).
(5)
لأنَّه رد العين بحالها، ولم ينقص منها عين ولا صفة، فلم يلزمه شيء، ولا حق للمالك في القيمة مع بقاء العين، وإنما حقه فيها، وهي باقية كما كانت. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 391).
(6)
لأن الزيادة الثانية غير الأولى؛ لأنَّه لم يعد ما ذهب. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 392).
وإن خلط المغصوب بما يتميز كحنطة بشعير لزمه تخليصه، وإن لم يتميز فهما شريكان بقدر ملكهما، فيباع ويعطى كل واحد قدر حصته، وضمن النقص عن قيمته منفردًا إن كان.
ويبرأ الغاصب بإعارة المغصوب لمالكه من ضمان عينه، علم أنه ملكه أو لم يعلم
(1)
، لا إذا أودعه أو وهبه أو أجره أو أطعمه إياه، فلا يبرأ إلا إذا علم أنه ملكه.
والأيدي المترتبة على يد الغاصب كلها أيدي ضمان، فإن علم الثاني فقرار الضمان عليه، وإلا فعلى الأول، وإذا كان المغصوب مما جرت العادة إجارته لزم الغاصب أجرة مثله مدة بقائه في يده.
وتصرفات الغاصب الحكمية كالحج والطهارة والبيع والإجارة والنكاح ونحوها باطلة، والقول في رده أو تعيبه لمالكه.
وإن جهل الغاصب ربه سلمه إلى الحاكم، أو تصدق به عنه بنية ضمانه إن وجده، وكذا حكم نحو رهن ووديعة إذا جهل ربها، وليست لمن هي عنده أخذ شيء منها، ولو كان فقيرًا.
وإن حفر في فنائه بئرًا لنفسه ضمن ما تلف بها
(2)
، وإن حفرها لنفع المسلمين بلا ضرر في سابلة
(3)
لم يضمن ما تلف بها، وإن مال حائطه ولم يهدمه، حتى أتلف شيئًا لم يضمنه
(4)
، وإذا طرد دابة من زرعه لم يضمن إلا أن يدخلها مزرعة غيره، فإذا اتصلت المزارع صبر، ليرجع على ربها
(5)
.
(1)
لأنَّه دخل على أنه مضمون عليه، لضمان العارية. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 402).
(2)
الفناء: ما كان خارج داره قريبًا؛ لأنَّه تلف حصل بسبب تعديه. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 416).
(3)
السابلة والسبيل: بمعنى الطريق، ويذكر ويؤنث، والجمع السبل، انظر: المطلع (277).
(4)
لأنَّه مبني في ملكه، والميل حادث، والسقوط بغير فعله. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 417).
(5)
حيث لا يمكنه منعها إلا بتسليطها على مال غيره. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 420).
باب الشفعة
(1)
وهي استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه ممن انتقلت إليه بعوض مالي، بثمنه الذي استقر عليه العقد.
وتثبت للشريك فيما انتقل من ملك شريكه بشروط خمسة: أن يكون انتقال الشقص
(2)
عن الشريك، بعوض كبيع وهبة بثواب، فإن انتقل بغير عوض كإرث، وهبة بغير ثواب، ووصية
(3)
أو بعوض غير مال كأن جعل صداقًا أو خلعًا، أو صلحًا عن دم عمد فلا شفعة، ويحرم التحيل لإسقاطها، وأن يكون الشقص مشاعًا غير مفروز، وأن يكون من عقار ينقسم جبرًا على من لم يطلب القسمة، فلا شفعة للجار
(4)
، ولا فيما لا
(1)
الشفعة: مشتقة من الشفع وهي الزيادة؛ لأن الشفيع يضم المبيع إلى ملكه، فيشفعه به، كأنه كان واحدًا وترًا، فصار زوجًا شفعًا، انظر: مادة شفع في لسان العرب (8/ 148)، ومختار الصحاح (144).
(2)
الشقص بالكسر: القطعة من الأرض، والطائفة من الشيء، انظر: مادة شقص في لسان العرب (7/ 48)، ومختار الصحاح (144).
(3)
لأن محل الوفاق هو البيع، والخبر ورد فيه، وليس غيره في معناه، ولأن غرض الواهب والموصي نفع المتهب والموصى له، ولا يحصل مع انتقاله عنه. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 427).
(4)
ذهب الحنفية إلى أن الشفعة مرتبة، فهي تثبت للخليط في نفس المبيع، ثم للخليط في حق المبيع كالطريق ثم للجار، وذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى منع الجار من الشفعة، وانظر: الهداية (4/ 109)، والثمر الداني (419)، والإقناع (2/ 101)، والفقه الميسر (1/ 237).
يقسم
(1)
كحمام صغير وبئر، وطريق ولا فيما ليس بعقار كشجر وبناء مفرد، وكل منقول، ويؤخذ الغراس والبناء تبعًا للأرض، وأن يكون طلب الشفعة ساعة العلم بالبيع
(2)
، فإن أخر الطلب لغير عذر سقطت، فإن كانت لعذر كشدة جوع حتى يأكل، أو لطهارة أو إغلاق باب، أو لقضاء حاجة الإنسان، أو صلاة جماعة، إلا أن يكون المشتري حاضرًا عنده في هذه الأحوال، إلا الصلاة أو أخر الطلب والإشهاد عليه لعجز، كمريض ومحبوس ظلمًا، أو لإظهار زيادة ثمن، أو لتكذيب مخبر فهو على شفعته.
والجهل بالحكم عذر إن كان مثله يجهل، وأن يأخذ جميع المبيع، فإن طلب أخذ بعضه سقطت.
والشفعة بين الشفعاء على قدر أملاكهم
(3)
(4)
، ولو عفا أحد الشفعاء في الشقص، أخذ الآخر الكل أو رد الكل
(5)
، ولو كان أحدهم غائبًا، فالحاضر يأخذ الكل أو يترك الكل، فإن حضر الغائب قاسمه.
(1)
ذهب الحنفية إلى جواز الشفعة في العقار الذي لا ينقسم، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الشفعة لا تصح في العقار الذي لا ينقسم. وانظر: الهداية (4/ 123)، والثمر الداني (419)، والإقناع (2/ 102)، والفقه الميسر (1/ 236).
(2)
ذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن حق الشفعة يثبت على الفور، وذهب المالكية إلى أنها على التراخي، ولا تسقط إلا إذا وجد من الشريك، ما يدل على الرضا والعفو عن المطالبة بها، وانظر: الهداية (4/ 112)، والثمر الداني (420)، والإقناع (2/ 105)، والفقه الميسر (1/ 241).
(3)
ضبة تصحيحية إلى قوله: بألف أخذها.
(4)
ذهب الحنفية إلى أن الشفعة تقسم بين الشركاء على قدر رؤوسهم، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنها تقسم على قدر أملاكهم، وانظر: الهداية (4/ 111)، وحاشية الدسوقي (3/ 486)، والإقناع (2/ 106)، والفقه الميسر (1/ 241).
(5)
لأن في أخذ البعض إضرارًا بالمشتري، بتبعيض الصفقة عليه، ولا يزال الضرر بالضرر. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 438).
فإن اشترى اثنان حق واحد فللشفيع أخذ حق أحدهما، وكذا إن اشترى واحد حق اثنين
(1)
، أو اشترى واحد شقصين من أرضين صفقة، فللشفيع أخذ أحدهما، وإذا باع شقصًا وسيفًا أخذ الشقص بحصته من الثمن
(2)
، أو تلف بعض المبيع أخذ الشقص بحصته من الثمن، فلو اشترى نصف دار - بألف -، يساوي ألفين فهدمها فبقيت بألف أخذها الشفيع بخمسمائة، وأن يكون ملك الشفيع جزءًا من العقار سابقًا على مبيع الشقص، فلا شفعة لأحد اثنين اشتريا عقارًا معًا، ولا شفعة بشركة وقف لأن ملك المستحق غير تام
(3)
، والشفعة على الفور وقت علمه، فإن علم وهو غائب، أشهد على الطلب بها إن قدر.
وإن قال للمشتري: بعني ما اشتريت أو صالحني سقطت، وإن كذب عدلًا مخبرًا سقطت، بخلاف الفاسق، ولا تسقط بإسقاطها قبل البيع.
وتصرف المشتري بعد طلب الشفيع بالشفعة وقبله بوقف أو هبة أو صدقة ونحو ذلك مما لا تجب فيه ابتداء صحيح، وتسقط به الشفعة، وإن كان نحو بيع أخذه الشفيع بأحد البيعين، فما كان بإجارة أخذه الشفيع وانفسخت الإجارة.
وللمشتري الغلة الحاصلة قبل الأخذ، والنماء المنفصل، والثمرة الظاهرة والزرع
(4)
، فإن بنى المشتري أو غرس في حال يعذر به الشريك
(1)
لأن العقد مع اثنين بمنزلة عقدين، ولأن تعدد البائع كتعدد المشتري. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 439).
(2)
لأنَّه تجب فيه الشفعة إذا بيع منفردًا، فكذا إذا بيع مع غيره، والعقد في ذلك بمثابة عقدين، لتعدد المبيع، ولأن في الأخذ بالكل إضرارًا بالمشتري. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 440).
(3)
لأن الأخذ بالشفعة أخذ بيع، والوقف لا يجوز بيعه. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 441).
(4)
لأن النماء المنفصل ملكه والخراج بالضمان، ولأن الثمرة الظاهرة ضررها لا يبقى وتبقى إلى الحصاد أو الجذاذ.
بالتأخير، كأن قاسم وكيل الشفيع أو الحاكم أو الشفيع في حال إظهار زيادة الثمن فللشفيع تملكه بقيمته، وله قلعه ويغرم نقصه، ولربه أخذه، وإن مات الشفيع قبل الطلب بطلت
(1)
، وبعده انتقلت لوارثه، ويأخذ الشفيع الشقص بكل الذي وقع عليه العقد، فإن عجز عنه أو بعضه سقطت شفعته.
* * *
(1)
ذهب الحنفية إلى أن الشفعة تبطل بموت الشفيع، سواء مات قبل طلبها أو بعده، فلا تورث عنه، وذهب المالكية والشافعية إلى أنها حق موروث، ولا تبطل بموت الشفيع قبل الطلب أو بعده ما دام معذورًا في التأخير بالمطالبة بها، وذهب الحنابلة إلى أنها تورث إذا مات بعد الطلب، ولا تورث إذا مات قبل الطلب، معذورًا كان أو لا. وانظر: الهداية (4/ 127)، ومواهب الجليل (5/ 320)، والمهذب (1/ 453)، والفقه الميسر (1/ 245).
باب الوديعة
(1)
يشترط لصحتها كونها من جائز التصرف لمثله، ويلزم المودع حفظ الوديعة في حرز مثلها بنفسه، أو من يقوم مقامه كزوجته وعبده، وإن دفعها لأجنبي لعذر كسفر فتلفت لم يضمن، فإن كان لغير عذر ضمن، ولا يضمن الأجنبي - الوديعة إن تلفت - بلا تفريط إن جهل
(2)
، ولربها مطالبة كل منهما إن علم الأجنبي.
وإن ألقاها عند هجوم نحو ناهب إخفاءً لها لم يضمن، وإذا لم يعلف البهيمة حتى ماتت ضمنها، إلا إن نهاه مالكها عن علفها فتركه، ويحرم ترك علفها مطلقًا، وإذا تلفت من بين ماله بلا تفريط لم يضمن، فإن عين الحرز صاحبها فأحرزها بدونه ضمن، وإن أراد سفرًا، أو خاف عليها عنده ردها إلى مالكها، أو إلى من يحفظ مال المالك عادة، فإن تعذر سافر بها إن لم يخف عليها، فإن خاف عليها في السفر دفعها للحاكم المأمون، فإن تعذر فلثقةٍ.
(1)
الوديعة لغة: من ودع الشيء إذا تركه، والمستودع: المكان الذي تحفظ فيه الوديعة، واصطلاحًا: استحفاظ جائز التصرف متمولًا أو ما في معناه تحت يد مثله، انظر: مادة ودع في لسان العرب (8/ 382)، ومختار الصحاح (297)، والتعاريف (723).
(2)
مراد المؤلف رحمه الله أن الأجنبي إذا قبض الوديعة، على وجه لم يكن له قبضه ولم يأذن له مالكها فلو تلفت الوديعة بعد علمه أنها وديعة وأنَّه ليس مأذونًا له في حفظها فإنه يضمن بكل وجه، ولو لم يفرط، ولو لم يعلم أنها وديعة فإنه يضمن بالتفريط فقط.
ومن تعدى في الوديعة بأن أودع دابة فركبها لا لسقيها، أو ثوبًا فلبسه لا لخوف عتةٍ، أو دراهم فأخرجها من وعائها ثم ردها إليه، أو رفع ختمها أو خلطها بغير متميز حرم عليه وصار ضامنًا
(1)
، ولا تعود أمانة بغير عقد جديد، وصح قول المالك له كلما خنت ثم عدت إلى الأمانة فأنت أمين.
ويقبل قول المودع في عدم التعدي أو التفريط أو الخيانة بيمينه
(2)
وفي أنها تلفت أو أنك أذنت لي في دفعها لفلان وفعلت.
فإن ادعى الرد بعد مطله
(3)
بلا عذر أو ادعى ورثته الرد ولو لمالك لم يقبل إلا ببينة
(4)
، وحيث أخر ردها بعد طلب مستحقها بلا عذر ولم يكن لحملها مؤنة ضمن، وإن أكره على دفعها لغير ربها لم يضمن، فإن قال: لم تودعني، ثم ثبتت الوديعة ببينة أو إقرار ثم ادعى ردًا أو تلفًا سابقين لجحوده لم يقبل ولو ببينة
(5)
، بل يقبل قوله بيمينه فيما لو أجاب بقوله: ما لك عندي شيء ونحوه
(6)
، أو ادعى الرد أو التلف بعد الجحود بالبينة
(7)
، وإن طلب أحد المودعين نصيبه من مكيل أو موزون ينقسم بلا ضرر أخذه.
(1)
لهتكه الحرز بتعديه. وانظر: منار السبيل (1/ 404).
(2)
لأنَّه أمين والأصل براءته. وانظر: منار السبيل (1/ 404).
(3)
المطل: التسويف والمدافعة بالمدة، وهو تطويل المدة التي يضربها الغريم للطالب، يقال: مطله وماطله بحقه. انظر: مادة مطل في لسان العرب (11/ 625)، وفي مختار الصحاح (261).
(4)
لأنَّه صار كالغاصب، ولأنهم غير مؤتمنين عليها من قبل مالكها. وانظر: منار السبيل (1/ 405).
(5)
اتفقوا على أنه إذا طالبه فقال: ما أودعتني، ثم بعد ذلك ادعى أنها ضاعت، أنه ضامن؛ لأنَّه خرج من حد الأمانة بذلك. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 470).
(6)
لأن دعواه الرد أو التلف لا ينافي جوابه في قوله: ما لك عندي شيء، لجواز أن يكون أودعه ثم تلفت بغير تفريط، أو تلفت فلا يكون عنده شيء. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 472).
(7)
فيقبل قوله بالبينة إذا شهدت له بالرد أو بالتلف، انظر: حاشية الروض المربع (5/ 472).
ولو قال له: عندي ألف وديعة، ثم قال: تلفت بعد ذلك، أو قال: ظننتها باقية ثم علمت تلفها، صدق ولا ضمان، وإن قال: قبضت منه ألفا وديعة فتلفت، فقال له: بل قبضتها مني غصبًا أو عارية ضمن
(1)
(2)
.
* * *
(1)
قبل قول المقر له بيمينه؛ لأن الأصل في قبض مال الغير الضمان. وانظر: منار السبيل (1/ 405).
(2)
من المعاملات المعاصرة الوديعة المصرفية، وتنقسم إلى نوعين:
النوع الأول: الوديعة الحالة، وهي التي يودعها أصحابها في البنوك، بحيث ترد بمجرد الطلب، وهذا مجراه مجرى القرض؛ لأن المصرف ملتزم برد هذا المبلغ عند الطلب.
والنوع الثاني: الوديعة الآجلة: وهي الوديعة التي يقصد من خلالها الربح، وتنقسم إلى عدة أقسام: الأول: الودائع إلى أجل ثابت معين، والثاني: الودائع بشرط الإخطار، والثالث: ودائع التوفير: وهي التي يسمح من خلالها للمودع بسحب مبلغ معين لا يتجاوزه كل فترة، مع الالتزام بالأرباح الثابتة، وهذه الودائع من القروض، ولا يجوز شرعًا إعطاء الفوائد المشروطة على القروض. وانظر: قرار مجمع الفقه الإسلامي، التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي برقم 86، والفقه الميسر (1/ 253).
باب إحياء الموات
وهي الأرض الخراب الدارسة التي لم يجر عليها ملك لأحد، ولم يوجد فيها أثر عمارة، أو وجد واندرست آثارها، ولم يعلم لها مالك، وليست في اختصاص معصوم، بخلاف الطرق والأفنية والمحتطبات ونحوها.
فمن أحيا شيئًا من ذلك ولو ذميًا وبلا إذن إمام ملكه
(1)
بما فيه من معدن جامد
(2)
باطن
(3)
، كذهب وفضة ونحاس وحديد، وظاهر
(4)
ككحل
(5)
(1)
ذهب الحنفية إلى اشتراط إذن الإمام في إحياء الموات، وذهب المالكية إلى اشتراط إذن الإمام فيما يحرص الناس عليه من الموات، ولا يشترطون إذن الإمام فيما يرغب الناس عن إحيائه، وذهب الشافعية والحنابلة إلى عدم اشتراط إذن الإمام مطلقًا، وانظر: الهداية (24/ 215)، وحاشية الدسوقي 4 (69/)، والإقناع (2/ 133)، والفقه الميسر (2/ 258).
(2)
لأنَّه من أجزاء الأرض، فتبعها في الملك كما لو اشتراها. وانظر: منار السبيل (1/ 407).
(3)
إذا ظهر بإظهاره وحفره، وأما ما كان ظاهرًا قبل إحيائها فلا يملك لأنَّه قطع لنفع كان واصلًا للمسلمين، بخلاف ما ظهر بإظهاره فلم يقطع عنهم شيئًا. وانظر: منار السبيل (1/ 407).
(4)
لأنها ليست من أجزاء الأرض، فلا يملكها بل يكون أحق بها. وانظر: منار السبيل (1/ 407).
(5)
الكحل: الإثْمِد أو الأنتيموان وهو معدن هشّ سريع التفتت، لامع ذو تركيب رقائقي بلونَ أبيض فضي. ويوجد في الطبيعة بشكل حر، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
وزرنيخ
(1)
وكبريت
(2)
، ولا خراج عليه، إلا إن كان ذميًا، وكانت الأرض فتحت عنوة، فإن فتحت صلحًا أو أسلم أهله عليه فالذمي كالمسلم في دار الإسلام وغيرها، ولا يدخل في ملك المحيي ما فيه من معدن جار كنفط وقار
(3)
وملح، بل يكون أحق به، ولا يدخل الكنز في إحياء موات.
ويملك بالإحياء ما قرب من عامر إن لم يكن من مصلحته
(4)
، ولا يملك موات الحرم وعرفات بالإحياء، ولا معدنًا ظاهر ككحل وملح وجصٍ
(5)
بالإحياء، وليس للإمام إقطاعه.
ويحصل الإحياء ببناء سور أو حفر بئر، أو إجراء ماء من نحو عين، أو حبس الماء عنه ليزرع، أو غرس شجر، فإن أدار ترابًا حول موات، أو حجرًا أو شوكًا أو حفر بئرًا، ولم يصل إلى الماء، أو سقى شجرًا مباحًا كالزيتون، أو حرث الأرض لم يملكه، لكنه أحق به من غيره، وكذا وارثه بعده، وإن تنازل المحيي لأحد كان له، وليس للإمام أخذها منه، وكذا النزول عن الوظائف إذا كان المنزول له أهلًا.
(1)
الزرنيخ: من العناصر الكيميائية السامة، وكثيرًا ما يستخدم للقضاء على الفئران، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(2)
الكبريت: هو عنصر لا فلزي، ويوجد في الطبيعة بشكل خام، ويدخل في صناعة البارود وعيدان الثقاب، ولون الكبريت أصفر، ويوجد في النفط، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(3)
القار: هو خليط من السوائل العضوية عالية اللزوجة، لونها أسود، وهو ما يتبقى في قاع برج التقطير عقب التكرير الجزئي للنفط، وهو أثقل منتجات النفط، وأعلاها في درجة الغليان، ويستخدم في عملية رصف الطرق، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(4)
فكل مملوك، لا يجوز إحياء ما تعلق بمصلحته. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 477).
(5)
الجص: أو الجبس، هو مادة صلبة الخامات، وهو ذو لون رمادي أو أبيض، ويميل إلى الاحمرار في بعض الأحيان وقد يكون موجودًا على سطح الأرض، أو على بعد أعماق سحيقة، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
ومن سبق إلى مباح فهو له، كصيد ولؤلؤ وحطب وسمك، وعسل ومنبوذ قصدًا، كنثار
(1)
في عرس، وإن سبق اثنان قسم بينهما، والملك مقصور على القدر المأخوذ.
ويملك المحيي حريم ما أحياه، وهو للبئر القديم إذا جدد حفرها وعمارتها خمسون ذراعًا من كل جانب، وللجديدة خمسة وعشرون وللشجرة قدر مد أغصانها، وللدار مطرح تراب وكناسة حولها، ولا حريم لدار محفوفة يملك.
وللإمام إقطاع موات لمن يحييه، ويملكه بالإحياء لا بالإقطاع، لكن هو أحق به من غيره
(2)
، وللحاكم إقطاع غير موات تمليكًا وانتفاعًا للمصلحة
(3)
، وله إقطاع الجلوس للبيع في الطرق الواسعة، ورحبة مسجد غير محوطة ما لم يضر بالناس، ومن غير إقطاع لمن سبق بالجلوس ما بقي قماشه فيها وإن طال
(4)
، وإن سبق اثنان وضاقت اقترعا.
ولمن في أعلى الماء المباح السقي، وحبس الماء إلى أن يصل إلى كعبه ثم يرسله إلى من يليه، فإن كان مملوكًا قسم بين الملاك بقدر النفقة والعمل
(5)
،
(1)
النثار: بالكسر هو نثرك الشيء بيدك ترمي به متفرقًا، مثل: نثر الجوز واللوز والسكر. انظر: مادة نثر في لسان العرب (5/ 191)، ومختار الصحاح (269).
(2)
لا ينبغي للإمام أن يقطع إلا ما قدر المقطع على إحيائه.
(3)
أنواع الإقطاع ثلاثة: الأول: إقطاع تمليك، ولا ينبغي للإمام أن يقطع قدرًا لا يملك المقطع إحيائه، والثاني: إقطاع استغلال للمنافع، كإقطاع المناجم وشركات التعدين والإسمنت والذهب، والثالث: إقطاع إرفاق، كإباحة الأرض للرعي، والأماكن للبيع والجلوس، وانظر: الفقه الميسر (1/ 262).
(4)
وعلى هذا إقرار الناس واتفاق العلماء في سائر الأعصار، وذلك ما لم يضر بالمارة أو يضيق الطريق. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 488).
(5)
لأنَّه إنما ملك بالعمارة، والعمارة بالنفقة، فإن لم يكفهم وتراضوا على قسمه بمهايأة أو غيرها جاز، وإن تشاحوا قسمه الحاكم على قدر أملاكهم؛ لأن كل واحد منهم ملك من النهر بقدر ذلك. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 490).
وللإمام دون غيره حمى
(1)
مرعى لدواب المسلمين ما لم يضرهم بالتضييق عليهم.
ومن جلس في نحو جامع لفتوى أو إقراء فهو أحق بمكانه ما دام فيه أو غاب لعذر وعاد قريبًا.
ومن سبق إلى رباط أو نزل فقيه بمدرسة لم يبطل حقه بخروجه لحاجة.
* * *
(1)
حمى: مأخوذ من حمي حماه يحميه حماية، دفع عنه وهذا شيء حمي، محظور لا يقرب، وأحميت المكان جعلته حمى، انظر: مادة حمى في مختار الصحاح (66).
باب الجعالة
(1)
وهي أن يجعل جائز التصرف شيئًا معلومًا لمن يعمل له عملًا معلومًا كان العمل أو مجهولًا
(2)
، كأن يقول: من خاط لي ثوبًا، أو من رد لقطتي فله كذا.
فمن فعله بعد أن بلغه الجعل
(3)
استحقه كله، وإن بلغه في أثنائه استحق حصة تمامه إن أتمه بنية الجعل.
وإن فسخ الجاعل بعد شروع عامل في العمل قبل تمام العمل لزمه أجرة المثل، فإن عمل بعد الفسخ فلا أجرة له، وإن فسخ العامل قبل تمام العمل فلا شيء له.
(1)
الجعالة: من الجعل بالضم، وهو ما جعل للإنسان من شيء على فعل، ويقال لها: الجعيلة، انظر: مادة جعل في لسان العرب (11/ 112)، ومختار الصحاح (45)، والمطلع (281)، وأنيس الفقهاء (169).
(2)
من الفروقات بين الإجارة والجعالة:
أولًا: صحة الجعالة على عمل مجهول.
ثانيًا: كون العامل لا يستحق الجعل إلا بعد تمام العمل.
ثالثًا: لا يشترط في الجعالة تلفظ العامل بالقبول.
رابعًا: الجعالة عقد جائز، بخلاف الإجارة فهي عقد لازم، وانظر: الفقه الميسر (1/ 264).
(3)
لأن ما فعله قبل بلوغ الخبر غير مأذون له فيه، فلم يستحق به عوضًا؛ لأنَّه بذل منافعه. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 497).
ومع الاختلاف في أصل الجعل أو قدره يقبل قول الجاعل
(1)
.
ومن كان معدًا لأخذ الأجرة، كملاح وحجام وعمل لغيره عملًا بإذن ربه من غير تقدير أجرة وجعالة فله أجرة المثل.
وإن عمل بغير إذنه فلا شيء له إلا في مسألتين: أن يخلص متاع غيره، ولو قنًا من مهلكة، وأن يرد رقيقًا آبقًا لسيده، فله من الأولى أجرة مثله
(2)
، وفي الثانية دينارًا أو اثنا عشر درهمًا، سواء رده من داخل المصر أو من خارجه، إذا لم يكن الراد الإمام، ويرجع الراد بنفقة الآبق أيضًا، إن لم ينو التبرع.
* * *
(1)
لأنَّه منكر والأصل براءة ذمته. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 499).
(2)
لأنَّه يخشى تلفه وهلاكه، فيعطى لهم أجرة مثلهم ترغيبًا في إنقاذ الأموال من الهلكة. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 499).
باب اللقطة
(1)
وهي مال أو اختصاص
(2)
ضائع أو ما في معناه، كالمال المدفون لغير حربي، وهي ثلاثة أقسام:
أحدهما: ما لا يهتم أوساط الناس في طلبه كسوط ورغيف، فيملك بالالتقاط ويباح الانتفاع به، ولا يلزم تعريفه، لكن إن وجده ربه وجب دفعه إليه، إن كان باقيًا وإلا لم يلزم شيء، ومن ترك دابته ترك يأس بمهلكة لعجزها عن المشي أو عجزه عن نفقتها ملكها آخذها، وكذا ما يلقى في البحر من سفينة خوفًا من الغرق
(3)
.
الثاني: الضالة التي تمتنع من صغار السباع لكبرها كالإبل والبقر والخيل والبغال والحمير الأهلية، أو لسرعة عدوها كالظبي أو الطير، فيحرم التقاطها وتضمن كالغصب
(4)
، ولا يزول الضمان إلا بدفعها للإمام أو نائبه أو بردها إلى مكانها بإذنه.
(1)
اللقطة: اسم للشيء الذي تجده ملقى فتأخذه، انظر: المطلع (282)، والتعاريف (625)، وأنيس الفقهاء (188).
(2)
كخمرة خلال أو جلد ميتة ونحوهما. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 503).
(3)
لإلقاء صاحبه له اختيارًا، أشبه ما لو ألقاه رغبة عنه. وانظر: منار السبيل (1/ 413).
(4)
للتعدي، ولا تملك بالتعريف لعدم إذن المالك والشارع فيه، أشعبه الغاصب. وانظر: منار السبيل (1/ 413).
ومن كتم شيئًا منها عن ربه ثم أقر به أو قامت به بينة فتلف لزمه قيمته مرتين، وإن تبع شيء منها دوابه فطرده فلا ضمان عليه حيث لم يأخذه.
الثالث: الذي لا يمتنع من صغار السباع كالغنم والأوز والدجاج والخشبة الصغيرة، وقطع الحديد والنحاس والرصاص والذهب والفضة وزق دهن أو عسل وورق وكتب، ومريض نحو الإبل كالصغير.
فهذه يجوز التقاطها لمن وثق من نفسه الأمانة والقدرة على تعريفها والأفضل تركها كولاية مال اليتيم
(1)
، فإن أخذها ثم ردها إلى موضعها فتلفت ضمن وإن لم يفرط
(2)
إلا إن ردها بإذن الإمام أو نائبه.
ويخير ملتقط حيوان صغير بين ثلاثة أمور: أكله بقيمته، أو بيعه وحفظ ثمنه، والإنفاق عليه من ماله، وله الرجوع على مالكه بما أنفق إن نواه، ويلزم الملتقط فعل الأصلح فيما يخشى فساده لو بقي كالخضروات ويحفظ صفاته، فإن استوت الأوجه الثلاثة في نظره خير
(3)
، فإن تركه حتى تلف ضمنه.
ويلزمه التعريف في الجميع، - سواء أراد تملكها أو حفظها -، فورًا نهار أول كل يوم مدة أسبوع، ثم بحسب العادة مدة حول من الالتقاط، بأن ينادي عليها في الأسواق وأبواب المساجد: من ضاع منه شيء أو نفقة؟ ولا يصفها بل يذكر جنسها، وأجرة المنادي على المتلقط
(4)
، فإن أخر التعريف
(1)
ذهب الحنفية والشافعية إلى أن حفظ اللقطة أولى من تركها؛ لما فيه حفظ مال المسلم، وذهب المالكية إلى كراهة الالتقاط خوفًا من تضييع الأمانة، وانظر: الهداية (3/ 91)، والإقناع (2/ 155)، والفقه الميسر (1/ 269).
(2)
لأنها أمانة حصلت في يده، فلزمه حفظها كسائر الأمانات، والتفريط فيها تضييع لها. وانظر: منار السبيل (1/ 414).
(3)
لأنَّه أمانة بيده، فتعين عليه فعل الأحظ. وانظر: منار السبيل (1/ 415).
(4)
لوجوب التعريف عليه، فأجرته عليه. وانظر: منار السبيل (1/ 416).
عن حوله أو بعضه لغير عذر أثم، ولم يملكها بالتعريف بعد الحول كالتقاطها بنية التملك، وليس من العذر خوفه من سلطان جائر أن يأخذها أو يطالبه بأكثر، فإذا عرفها حولًا ولم تعرف فيه دخلت في ملكه غنيًا كان أو فقيرًا
(1)
.
ولقطة الحرم كلقطة الحل
(2)
فيتصرف فيها بما شاء بشرط ضمانها لربها إذا جاء ووصفها.
ويحرم تصرفه فيها بعد التعريف حتى يعرف وعاءها ووكاءها: وهو ما يشد به الوعاء، وعفاصها: وهو صفة الشد، وقدرها وجنسها وصفتها، ومتى وصفها طالبها في أي يوم من الدهر لزم المتلقط دفعها إليه بلا بينة ولا يمين، وإن لم يغلب على ظنه صدقه، بنمائها المتصل، أما المنفصول بعد حول التعريف فلواجدها
(3)
.
وإن تلفت أو نقصت في حول التعريف بيد الملتقط ولم يفرط لم يضمنها، وبعد الحول يضمنها مطلقًا فرط أم لا
(4)
، وإن جاء ربها بعد
(1)
ذهب الحنفية إلى أن الغني لا يتملك اللقطة بعد الحول إذا لم يعرف صاحبها لكن يتملكها الفقير فقط، وذهب المالكية إلى أن الملتقط غنيًا كان أو فقيرًا فإنه ينتفع باللقطة بعد مرور سنة، ويضمنها لصاحبها إن تلفت، وإن لم يحصل تلف يلزمه أجرتها إن كانت عادة ربها أن يكريها. وذهب الشافعية إلى أن ملتقطها يتملكها، بشرط ضمانها لمالكها بزيادتها أو نقصها، وانظر: الهداية (3/ 94)، والثمر الداني (430)، والإقناع (2/ 159، والفقه الميسر (1/ 271).
(2)
ذهب الحنفية والمالكية إلى أن لقطة الحرم في الحكم كلقطة الحل، وذهب الشافعية إلى أن لقطة الحرم لا تلتقط إلا للتعريف، ولا تمتلك بعد الحول، وانظر: الهداية (3/ 117)، والإقناع (2/ 143)، والفقه الميسر (1/ 277)، والثمر الداني (240).
(3)
لأنها نماء ملكه، ولأنه يضمن النقص بعد الحول فالزيادة له ليكون الخراج بالضمان. وانظر: منار السبيل (1/ 418).
(4)
لدخولها في ملكه فتلفها من ماله. وانظر: منار السبيل (1/ 418).
الحول والتعريف وكانت بيعت أو وهبت لم يكن له إلا البدل، ومن وجد في حيوان نحو نقد فلقطة لواجده يلزمه تعريفه، ويبدأ بالبائع ومن استيقظ من نوم أو إغماء فوجد في ثوبه مالًا، وهو لا يدري من وضعه فهو له، ولا تعريف عليه
(1)
، ولا يبرأ من أخذ من نائم شيئًا إلا بتسليمه له بعد انتباهه.
والسفيه والصبي يعرف لقطتهما وليهما، فإن تركها في يدهما فتلفت ضمنها، وبعد الحول تكون لهما.
* * *
(1)
لأن قرينه الحالة تقتضي تمليكه. وانظر: منار السبيل (1/ 418).
باب اللقيط
(1)
وهو طفل يوجد لا يعرف نسبه، طرح أو ضل من ولادته إلى سن التمييز، وأخذه والإنفاق عليه فرض كفاية، ويحكم بإسلامه وحريته، إلا إن وجد في بلد أهل حرب ولا مسلم فيه، أو فيه مسلم كتاجر وأسير فكافر رقيق، وإن كثر المسلمون فمسلم، أو في بلاد إسلام كل أهله أهل ذمة فكافر، فإن كان بها مسلم يمكن كونه منه فمسلم.
فإن كان معه شيء أنفق عليه منه، وإلا فنفقته من بيت المال، فإن تعذر اقترض عليه الحاكم، فإن تعذر فعلى من علم بحاله، والأحق بحضانته واجده، إن كان حرًا مكلفًا رشيدًا أمينًا عدلًا ولو ظاهرًا، وقال البهوتي: هو حر في جميع الأحكام، وهو مسلم إن وجد في دار الإسلام، وإن كان فيها أهل ذمة، وإن وجد في بلد كفار لا مسلم فيها فكافر، وحضانته لواجده الأمين
(2)
، فإن كان فاسقًا أو رقيقًا أو كافرًا واللقيط مسلم، أو بدويًا لا مقر له لم يقر بيده.
وميراثه وديته لبيت المال إن لم يخلف وارثًا، ولا ولاء عليه
(3)
،
(1)
اللقيط: فعيل بمعنى مفعول، وهو الطفل الذي يوجد مرميًا على الطريق، ولا يعرف أبوه ولا أمه. انظر: المطلع (284)، والتعاريف (625)، والتعريفات (248).
(2)
انظر: الروض المربع (5/ 522) مع تغيير يسير في سياق النص.
(3)
لأن بيت المال خولوه كل مال لا مالك له. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 523).
ووليه في القتل العمد الإمام، وإن قطع طرفه عمدًا انتظر بلوغه ورشده
(1)
، إلا أن يكون فقيرًا، فيلزم الإمام أن يعفو على مال ينفق عليه منه، وإن ادعاه من يمكن كونه منه من ذكر أو أنثى ألحق به ولو كان اللقيط ميتًا، وثبت نسبه وإرثه
(2)
.
وإن ادعته امرأة لم يلحق بزوجها كعكسه، ولا يتبع الكافر المدعي أنه ولده في دينه إلا أن يقيم بينة تشهد له أنه ولد على فراشه، ولا يتبع رقيقًا في رقه، وإن اعترف اللقيط بالرق، أو قال بعد بلوغه: إنه كافر لم يقبل منه
(3)
.
وإن ادعاه اثنان فأكثر قدم ذو البينة، مسلمًا أو كافرًا، حرًا أو عبدًا وإن لم تكن بينة أو تعارضت عرض معهم على القافة
(4)
، فإن مات أحدهم عرض قريبه مع اللقيط، فإن ألحقته بواحد لحقه، وإن ألحقته باثنين فأكثر لحق بهم، ولا يلحق بأكثر من أم
(5)
.
(1)
ليقتص أو يعفو؛ لأنَّه المستحق للاستيفاء، وهو حال صغره لا يصلح للاستيفاء، فانتظرت أهليته. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 524).
(2)
بشرط الانفراد، ولأنه محض مصلحة للطفل، ولا مضرة على غيره فيه. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 525).
(3)
لأنَّه يبطل حق الله تعالى في الحرية المحكوم بها، ولا يقبل قوله بكفره؛ لأنَّه محكوم بإسلامه، فإن تاب وإلا قتل. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 527).
(4)
ذهب الحنفية إلى عدم جواز لحوق النسب بالقيافة، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة، إلى ثبوت النسب بإلحاق القافة الولد إلى الوالد، وقد شهد الطب الحديث اكتشاف البصمة الوراثية - الحمض النووي - وقد قال كثير من الفقهاء المعاصرين بالأخذ بالحمض النووي، كقرينة قوية مقدمة على القيافة في ثبوت النسب؛ لأنَّه يمكن عن طريقه معرفة الأم والأب بصورة قاطعة تصل إلى حد 99.9 %، ففي حالة تنازع اثنين في ولد يمكن إثباته أو نفيه بذلك، مع الأخذ في الاعتبار الضمانات الشرعية الكفيلة بمنع التلاعب. وانظر: حاشية ابن عابدين (4/ 273)، والتاج والإكليل (6/ 359) المهذب (1/ 437)، والفقه الميسر (3/ 151 و 158)، وانظر: على الشبكة العالمية الإلكترونية، موقع أمان جوردان، وإسلام ويب، وإسلام توداي، ومنتدى الألوكة، مقال د. سعد الخثلان.
(5)
لأنَّه محال، فلا يجوز الحكم به، بخلاف الرجلين، فإنه يمكن كونه منهما. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 528).
ويكفي قائف واحد: ذكر عدل حر مسلم مجرب في الإصابة، بأن يترك اللقيط مع عشرة من الرجال غير من يدعيه، فإن ألحقه بواحد منهم سقط قوله، فإذا لم يلتحق بواحد منهم عرض عليه مدعيه، مع عشرة آخرين فإن ألحقه به لحقه، وكذا إن وطئ اثنان امرأة بشبهة في طهر واحد، وأتت بولد يمكن أن يكون منهما.
فإن أشكل أمره على القافة أو اختلف قائفان فيه ضاع نسبه
(1)
، ويكفي مجرد خبر القائف، فإن ألحقته القافة بواحد، وأقام الآخر بينه أنه ولده حكم له به، وسقط قول القائف، وإن ادعى إنسان أن اللقيط مملوكه، ولم يكن بيده لم يقبل إلا ببينة تشهد أن أمه ولدته في ملكه ونحوه.
* * *
(1)
لتعارض الدليل ولا مرجح لبعض من يدعيه، فأشبه من لم يدع نسبه أحد، ويترك حتى يبلغ، ويؤخذان بنفقته؛ لأن كل واحد منها مقر به، فإذا بلغ أمرناه أن ينتسب إلى من يميل طبعه إليه، فإن تعذرت القافة رجعنا إلى اختياره. وانظر: منار السبيل (1/ 421).
كتاب الوقف
(1)
وهو حبس جائز التصرف
(2)
ماله المنتفع به مع بقاء عينه
(3)
وتسبيل منفعته على بر أو قربة.
ويصح الوقف بالقول والفعل الدال عليه عرفًا، كمن جعل أرضه مسجدًا، وأذن للناس بالصلاة فيه، أو أذّن فيه وأقام، أو جعل أرضه مقبرة وأذِن بالدفن
(4)
.
وصريح القول فيها: وقفت وحبست وسبلت، وكنايته: تصدقت وحرمت وأبدت
(5)
.
(1)
الوقف: مصدر وقف، يقال: وقف الشيء وأوقفه يعني حبسه وسبله، وهو مما اختص به المسلمون. انظر: المطلع (285)، والتعريفات (328)، وأنيس الفقهاء (197).
(2)
هو الحر البالغ الرشيد، لا نحو مكاتب وسفيه. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 331).
(3)
ذهب الحنفية إلى أن الأصل في الوقف أن يكون عقارًا، ويجوز وقف المنقول استثناء، كوقف الأسلحة لورود النص بها، أو لكون المنقول تابعًا للعقار، أو لكونه جرى العرف بها كوقف الكتب والمصاحف، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة، إلى جواز وقف العقار والمنقول، وكل ما ينتفع به مع بقاء عينه، وانظر: الهداية (3/ 119)، والثمر الداني (424)، والإقناع (2/ 140)، والفقه الميسر (1/ 283).
(4)
لدلالة العرف على كل ما سبق. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 532).
(5)
الألفاظ الصريحة لا تحتاج إلى قرينة أو نية أو فعل، لكن ألفاظ الكناية يشترط لها النية، واقترانها بأحد الألفاظ الصريحة. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 533).
ويشترط للوقف سبعة شروط: أن يكون من مالك جائز التصرف، أو من يقوم مقامه كوكيله فيه، وأن يكون الموقوف عينًا يصح بيعها، وينتفع بها انتفاعًا مباحًا مع بقاء عينها، فلا يصح وقف مرهون وكلب، وأم ولد ومطعوم ومشروب غير الماء، ولا وقف شيء في الذمة ولو موصوفًا
(1)
، ولا منفعة كخدمة عبد موصى له بها.
ويصح وقف المصحف والماء والمشاع، وأن يكون على جهة بر وقربة كالأقارب والمساكين والمساجد والقناطر
(2)
.
فلا يصح على الكنائس، ولو الوقف من ذمي، ولا على اليهود والنصارى، ولا على جنس الأغنياء أو الفساق، ولا على التنوير على القبر وتبخيره ومن يخدمه أو يزوره، أما لو وقف على ذمي معين أو فاسق أو غني معين صح
(3)
، وإن وقف على غيره واستثنى غلته أو بعضها له أو لولده أو الأكل منه صح.
ويصح على كافر معين غير حربي ومرتد، ولا يصح على ستور غير الكعبة، وكذا الوصية لا تصح إلى من لا يصح الوقف عليه، وأن يكون على معين من جهة أو شخص غير نفسه، واختار جماعة الصحة على نفسه وعليه العمل، وعلى الأول ينصرف إلى ما بعده في الحال
(4)
،
(1)
لأنَّه نقل ملك على وجه الصدقة، فلا يصح في غير معين كالهبة. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 534).
(2)
قناطر: جمع قنطرة، وهي الجسر وهو أزج يبنى بالآجر أو بالحجارة على الماء يعبر عليه، انظر: مادة قنطر في لسان العرب (5/ 118)، ومختار الصحاح (226).
(3)
لأن القريب الذمي موضع القربة، بدليل جواز الصدقة عليه، وإذا جازت الصدقة عليه جاز الوقف عليه كالمسلمين. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 536).
(4)
لأن الوقف إما تمليك للرقبة أو المنفعة، ولا يجوز له أن يملك نفسه من نفسه، ويصرف في الحال لمن بعده؛ لأن وجود من لا يصح الوقف عليه كعدمه. وانظر: حاشية الروض المربع (5/ 540).
ولا يصح على مجهول، ولا على مبهم ولا على رقيق، ولا على ميت ولا على الحمل استقلالًا بل تبعًا
(1)
، ويصح على ولده ومن يولد له.
وأن يكون الوقف منجزًا، غير معلق أو مؤقت
(2)
أو مشروط فيه الخيار، إلا إن علقه بموت، فلو قال: هو وقف بعد موتي صح، ويكون وقفًا من حين وقفه إن خرج من الثلث، وأن لا يشترط في الوقف ما ينافيه، كقوله: وقفت كذا على أن أبيعه متى شئت، أو أحوله من جهة المساكين إلى جهة أبناء السبيل فلا يصح، وأن يقفه على التأبيد، فلا يصح وقفته سنة
(3)
.
ولا يشترط لصحته تعيين الجهة الموقوف عليها، فلو قال: وقفت داري وسكت صح الوقف، وكان لورثته من النسب على قدر إرثهم منه، ويقع الحجب بينهم كالميراث
(4)
.
ولا يشترط قبول الوقف ولو على معين، ولا إخراجه من يده، وإن وقف على عبده ثم المساكين صرف لهم في الحال.
وإن وقف على جهة تنقطع كأولاده ولم يذكر مآلًا صح، وصرف بعدهم على ورثة الواقف، فإن لم يكونوا فعلى المساكين.
(1)
لأن الوقف تمليك، فلا يصح على من لا يملك. وانظر: منار السبيل (2/ 426).
(2)
ذهب المالكية إلى جواز الوقف المؤقت، بشرط أن يعود للواقف أو لوارثه، بعد موت الموقوف عليه، وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الوقف يكون مؤبدًا مطلقًا، فلو شرط أن يبيعه متى شاء بطل الشرط؛ لأنَّه يخالف مقتضى الوقف، وانظر: الهداية (425)، والثمر الداني (2/ 143)، والفقه الميسر (1/ 281)).
(3)
لأنَّه إخراج مال على جهة القربة، فلم يجز إلى مدة كالعتق. وانظر: منار السبيل (2/ 427).
(4)
لأن الوقف مصرفة البر، وأقاربه أولى الناس ببره، فكأنه عينهم لصرفه. وانظر: منار السبيل (2/ 427).
ويلزم الوقف بمجرد اللفظ
(1)
، ويملك الموقوف عليه غلته، فينظر هو فيه إن كان أهلًا أو وليه، ما لم يشترط الواقف ناظرًا، فيتعين صرفه إلى الجهة التي وقف عليها في الحال
(2)
.
قال تقي الدين
(3)
: يصح تغيير شرط الواقف إلى ما هو أصلح منه
(4)
، فلو وقف على الفقهاء والصوفية
(5)
واحتاج الناس للجهاد صرف للجند.
وحيث انقطعت الجهة والواقف حي رجع الوقف إليه وقفًا عليه، وقيل: يعود ملكًا
(6)
.
ومن وقف على الفقراء وافتقر تناول منه، ولا يصح عتق الرقيق الموقوف بحال، ويحرم عليه وطء الأمة الموقوفة عليه، فإن حملت صارت
(1)
ذهب الحنفية إلى أن الوقف عقد جائز، ولا يلزم إلا بحكم حاكم، أو أن يخرجه مخرج الوصية بعد الموت، وذهب المالكية والشافعية إلى أن الوقف عقد لازم، لا يفسخ بإقالة ولا غيرها، وانظر: الهداية (3/ 117)، والثمر الداني (240)، والإقناع (2/ 142)، والفقه الميسر (1/ 277).
(2)
ضبة تصحيحية إلى قوله: للجند.
(3)
هو شيخ الإسلام الإمام العالم المحقق المجتهد المحدث المفسر القدوة: أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن أبي محمد عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر تيمية الحراني، له أكثر من مائتي ترجمة انظرها في المدخل المفصل (1/ 445)، والمنهج الأحمد (3/ 154).
(4)
نقل هذا المرداوي وهو تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية، انظر: الإنصاف (7/ 57).
(5)
التصوُّف: حركة دينية انتشرت في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري، كنزعاتٍ فردية تدعو إلى الزهد وشدة العبادة، كرد فعل مضاد للانغماس في الترف الحضاري، ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت طرقًا مميزة معروفة باسم الصوفية، ويتوخّى المتصوفة تربية النفس والسمو بها بغية الوصول إلى معرفة الله تعالى بالكشف والمشاهدة، لا عن طريق اتباع الوسائل الشرعية، انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة (227).
(6)
نص محققو المذهب من المتأخرين أنه إذا انقطعت الجهة الموقوف عليها والواقف حي فإن الوقف يعود وقفًا على الواقف، انظر: منتهى الإرادات (3/ 346)، وكشاف القناع (4/ 253).
أم ولد تعتق بموته، وولده حر وعليه قيمتها، تصرف في مثلها وتجب قيمتها في تركته، يشتري بها مثلها أو شقص أمة يكون وقفًا مكانها.
ويجب العمل بشرط الواقف، من تقديم وتأخير وجمع وإفراد، فإن جهل شرط الواقف عمل بالعادة الجارية، فإن لم تكن فبالعرف في الوقف، فإن لم يكن فالتساوي بين المستحقين، ويرجع إلى شرطه في إيجار الوقف وعدمه وقدر مدته، فلا يزاد على ما قدر إلا للضرورة، فنص الواقف كنص الشارع، فيعمل بشرطه ما لم يفض إلى إخلال بالمقصود، فلو خصص مقبرة أو مدرسة بأهل مذهب أو بلد تخصصت، لا المصلين بها، ولا إن شرط عدم استحقاق المتصف بالصلاح، وكذا لو شرط ناظرًا سواء كان نفسه أو الموقوف عليه أو غيرهما إما بالتعيين كفلان أو بالوصف كالأرشد.
ويشترط في الناظر خمسة أشياء: الإسلام، والتكليف، والكفاية للتصرف، والخبرة، والقوة عليه، فإن كان المشروط له النظر ضعيفًا ضم إليه قوي أمين، ولا يشترط الذكورة ولا العدالة إذا كان بجعل الواقف، فإن كان من غيره فلا بد من العدالة.
فإن لم يشترط الواقف ناظرًا أو شرطه لمعين ومات، فالنظر للموقوف عليه مطلقًا، عدلًا أو فاسقًا إن كان آدميًا معينًا محصوراً كأولاده فكل واحد ينظر في حصته، فإن كان الوقف على نحو مسجد أو جهة لا تنحصر كالعلماء فنظره للحاكم أو نائبه، فلا نظر لحاكم مع ناظر خاص، لكن له أن يعترض عليه إن فعل ما لا يسوغ له فعله، وله ضم أمين إن اتهمه.
ووظيفة الناظر: حفظ الوقف، وعمارته، وإيجاره، وزرعه، والمخاصمة فيه وقبض ريعه، وصرفه في جهاته، وإن أجره بأنقص من أجرة المثل صح وضمن النقص إن كان المستحق غيره
(1)
، وكان أكثر مما يتغابن
(1)
هذه عبارة ابن ضويان رحمه الله في شرحه منار السبيل (1/ 432)، لكن لو كانت العبارة:"وضمن النقص لو كان المستأجر غير المستحق" لكان أرفق وأوفق، وبالله التوفيق.
فيه عادة، وله الأكل منه بمعروف، وإن لم يكن محتاجًا، وقيل: إن كان فقيرًا
(1)
.
وله التقرير في وظائفه، ومن قرر في وظيفته تقريرًا على وفق الشرع حرم إخراجه منها بلا موجب شرعي، وما يأخذه الفقهاء من الوقف فكالرزق من بيت المال، لا كجعل ولا كأجرة على الأصح، وحيث كان الاستحقاق بشرط فلا بد من وجوده إذا لم يكن الوقف من بيت المال فإن كان منه كأوقاف السلاطين فليس بوقف حقيقي، بل كل من جاز له الأكل من بيت المال جاز له الأكل منها.
ومن وقف على ولده أو غيره دخل الموجودون حالة الوقف فقط، من ذكور وإناث بالسوية، من غير تفضيل، ودخل أولاد الذكور خاصة، وإن قال: على أولادي دخل أولاده الموجودون، ومن يولد لهم، لا الحادثون بعد الوقف، ومن وقف على عقبه أو نسله أو ذريته، دخل الذكور والإناث من أولاده، لا أولاد الإناث إلا بقرينة، ومن وقف على بنيه أو على بني فلان فللذكور خاصة، إلا إن كان الوقف على قبيلة كبني هاشم فيدخل النساء، دون أولادهن من غير القبيلة، والقرابة وأهل بيته وقومه يشمل الذكر والأنثى من أولاده وأولاد أبيه وجده وجد أبيه فقط، ويستوي فيه الذكر والأنثى والغني والفقير والقريب والبعيد إلا من خالف دينه، وذو الرحم يشمل كل قريب من جهة الآباء والأمهات أو الأولاد.
ويكره هنا أن يفضل بعض أولاده على بعض لغير سبب، واستحب بعضهم تفضيل الذكر على الأنثى كالإرث
(2)
، واختار بعضهم التسوية، إلا إن كان لبعضهم عيال أو حاجة فلا بأس بتفضيله.
(1)
قال البهوتي: يأخذ الأقل من قدر أجرته أو كفايته. انظر: كشاف القناع (3/ 455).
(2)
نص محققو المذهب أن العدل في عطية الأولاد يكون على قدر الميراث، للذكر مثل حظ الأنثيين، انظر: الكافي (2/ 465)، الإنصاف (7/ 136)، ومنتهى الإرادات (3/ 405).
وإذا وقف على جماعة يمكن حصرهم كأولاده وجب تعميمهم والتساوي، فإن لم يمكن التعميم وجب تعميم من أمكن منهم، والوصية في ذلك كالوقف، وإن لم يمكن حصرهم كبني هاشم جاز التفضيل والاقتصار على أحدهم.
* * *
فصل: (في نقض الوقف)
والوقف عقد لازم وإن لم يحكم به الحاكم كالعتق، ولا يفسخ بإقالة ولا غيرها.
ولا يباع إلا أن تتعطل منافعه بخراب أو غيره، ولم يوجد ما يعمر به، فيباع ويصرف ثمنه في مثله أو بعض مثله، أو يباع بعضه لإصلاح باقية، ويصير المبدل وقفًا بمجرد الشراء، وكذا حكم المسجد لو ضاق على أهله، أو خربت محلته، ويجوز نقل حجارته لمسجد آخر احتاج إليها، ويجوز نقض منارة المسجد وجعلها في حائطه
(1)
، ومن وقف على ثغر فاختل صرف في ثغر مثله، ويقاس عليه نحو المسجد والرباط، ويحرم حفر البئر وغرس الشجر بالمساجد، حيث لم يكن مصلحة
(2)
.
ولو تصادق المستحقون لوقف على شيء تعذر علمه من مصارفه ثم ظهر كتاب الوقف منافيًا لما وقع التصادق عليه عمل به وبطل التصادق.
(1)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية إلى أنه إذا كان الوقف مسجدًا فإنه لا يجوز فيه بيعه واستبداله بمسجد آخر، ولو تعطلت منافعه، أما إذا كان غير مسجد وتعطلت منافعه، فذهب المالكية والشافعية إلى منع البيع، وذهب الحنفية إلى جواز البيع وجعله في مثله بأمر القاضي، وانظر: لسان الحكام (296)، وحواشي الشرواني (6/ 289)، والثمر الداني (427)، والفقه الميسر (1/ 289).
(2)
لأن البقعة مستحقة للصلاة، فتعطيلها عدوان، فإن فعل طمت البئر وقلعت الشجرة. وانظر: منار السبيل (2/ 437).
باب الهبة
(1)
وهي التبرع من جائز التصرف بتمليك غيره، مالًا معلومًا أو - مجهولًا
(2)
-، موجودًا حال الحياة بلا عوض.
فمن قصد بإعطائه ثواب الآخرة فقط فصدقة، أو إكرامًا أو توددًا فهدية، وإلا فهو عطية، وهي مستحبة، منعقدة بكل قول أو فعل يدل عليها.
وشروطها ثمانية: كونها من جائز التصرف، وكونه مختارًا غير هازل وكون الموهوب يصح بيعه
(3)
، وكون الموهوب يصح تملكه، وكونه يقبل ما وهب له بقول أو فعل يدل عليه، وكونها منجزة، وكونها غير مؤقتة، لكن لو وقتت بعمر أحدهما، لزمت ولغي التوقيت، وتكون للمعطى له وورثته
(1)
وهبت له شيئًا وهْبًا ووهَبًا، بإسكان الهاء وفتحها، والاتهاب قبول الهبة، والاستيهاب سؤال الهبة، وتوهب القوم وهب بعضهم بعضًا، واصطلاحًا: التبرع والتفضل بما ينفع الموهوب، والهبة وصدقة التطوع أنواع من البر متقاربة، يجمعها تمليك عين بلا عوض، فإن تمحض فيها طلب التقرب إلى الله بعطاء محتاج فهي صدقة، وإن حملت لمكان المهدى إليه توددًا وإكرامًا فهدية، انظر: المطلع (291)، وأنيس الفقهاء (255)، والتعريفات (319).
(2)
ربما تنتقد هذه الإضافة على المؤلف رحمه الله لأن المجهول لا تصح هبته، إلا ما تعذر علمه، كما لو اختلط مال شخصين على وجه لا يمكن تمييزه، وقد مثل به. انظر: حاشية الروض المربع (6/ 6).
(3)
لكن تجوز هبة الكلب، وما يجوز الانتفاع به من النجاسات؛ لأنَّه تبرع فجاز ذلك كالوصية. وانظر: حاشية الروض المربع (2/ 438).
من بعده، وكونها بغير عوض، فإن كانت بعوض معلوم فبيع، أو بمجهول - عوض مجهول - فباطلة
(1)
.
ومن أهدى ليهدى له أكثر فلا بأس، ويكره رد الهبة وإن قلَّت، بل السنة أن يكافئه أو يدعو له، وإن علم أنه أهدى حياءً وجب الرد
(2)
.
ولا يصح هبة المجهول كالحمل في البطن، إلا ما تعذر علمه، كما لو اختلط مال اثنين على وجه لا يتميز، فوهب أحدهما لرفيقه نصيبه منه فيصح.
وتلزم بالقبض بإذن واهب، إلا ما كان في يد متهب وديعة أو نحوها، لأن قبضه حاصل.
وإذا مات الواهب - قبل القبض - قام وارثه مقامه في الإذن والرجوع، وتبطل بموت المتهب.
ويقبض للصغير ونحوه وليه
(3)
، وعند عدم ولي يقبض له نحو أمِّ وقريب، ويصح من الصغير قبض مأكول يدفع لمثله، وما وهب لعبد غير مكاتب فهو لسيده، ويصح قبوله بلا إذن سيده.
ومن أبرأ غريمه من دينه ولو قبل وجوبه بلفظ الإحلال أو الهبة أو الصدقة ونحوهما برئت ذمته، ولو لم يقبل بل ولو رده، ولو كان المبرأ منه مجهولًا
(4)
، لكن لو جهله ربه وكتمه المدين لم تصح البراءة
(5)
، ولو أبرأ أحد غريميه لم يصح.
وتجوز هبة المشاع إن كان معلومًا، وهبة كلب يقتنى، ويصح أن يهب
(1)
لأنَّه عوض مجهول في معاوضة. وانظر: حاشية الروض المربع (9/ 6).
(2)
لأن المقاصد في العقود معتبرة. وانظر: منار السبيل (2/ 441).
(3)
ضبة تصحيحية إلى قوله: لمثله.
(4)
لأنَّه إسقاط حق، فلم يفتقر إلى القبول كالعتق. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 7).
(5)
لأن فيه تغريرًا للمبرأ وقد أمكن التحرز منه؛ لأنَّه هضم للحق، وكالمكره، ولأنه غير متمكن من المطالبة والخصومة فيه. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 12).
الإنسان شيئًا ويستثني نفعه مدة معلومة، وأن يهب حاملًا ويستثنى حملها.
وإن وهبه وشرط الرجوع متى شاء لزمت، ولغي الشرط، ولا تصح هبة الدين لغير من هو عليه، إلا إن كان ضامنًا فتصح.
ولكل واهب أن يرجع في هبته قبل إقباضها، وبعد إقباضها يحرم الرجوع ولا يصح إلا إذا كان الواهب أبًا
(1)
، فله أن يرجع بشروط أربعة: أن لا يسقط حقه من الرجوع، وأن لا تزيد زيادة متصلة كسمن وكبر، وأن تكون باقية في ملكه
(2)
، فإن تلفت فلا رجوع في قيمتها، وأن لا يرهنها الابن
(3)
، فإن رهنها فلا رجوع لأبيه ما لم ينفك، ولا يمنع رجوعه نقص العين، أو تلف بعضها، أو زيادة منفصلة.
ويجب التعديل في عطية أولاده بقدر إرثهم، وكذلك الأقارب، فإن فضل بعضهم سوى وجوبًا برجوع أو زيادة المفضول، فإن مات قبله ثبتت، إلا إن كانت بمرض الموت
(4)
.
وللأب الحر أن يتملك ويأخذ من مال ولده ما لا يضره ولا يحتاجه، سواء كان الأب محتاجًا أم لا، وسواء كان الولد كبيرًا أو صغيرًا ذكرًا أم أنثى، وليس له أن يتملك ما يضر بالولد، أو ما تعلقت به حاجته ولا ما
(1)
ذهب الحنفية إلى أنه لا يجوز للوالد الرجوع في هبته للولد، وذهب المالكية إلى جواز رجوع الوالد في هبته بشروط، وذهب الشافعية للجواز مطلقًا، وانظر: الهداية (3/ 408)، والثمر الداني (422)، والإقناع (2/ 148)، والفقه الميسر (2/ 303).
(2)
لأن الرجوع فيها، بعد خروجها عن ملكه، إبطال الملك غيره. وانظر: منار السبيل (2/ 444).
(3)
ضبة تصحيحية إلى قوله: منفصلة.
(4)
لأن حكمها حكم الوصية، لا تصح إلا بإجازة الباقين من الورثة، فإن أجازوا صح وإلا فلا. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 19).
يعطيه ولدًا آخر، ولا في مرض موت أحدهما المخوف
(1)
، ويشترط أن يكون التملك بالقبض لما يتملكه مع القول أو النية، وأن يكون عينًا موجودة، فلا يصح أن يتملك دين ابنه، ولا في ما ذمته من دين ولده، فلا يبرئ غريم ولده ولا يبرئ نفسه
(2)
، وأن لا يكون الأب كافرًا والابن مسلمًا.
وإن وطئ جارية ابنه فأحبلها صارت أم ولد له وولده حرًا
(3)
، لا حد ولا مهر عليه، إن لم يكن الابن قد وطئها، وليس للإبن مطالبة أبيه بدين ونحوه كأرش إلا بنفقته الواجبة عليه، وله الطلب بعين مال له بيد أبيه، فإن مات الابن فليس لورثة الابن مطالبة الأب بدين ونحوه، وإن مات الأب رجع الابن بدينه في تركته، وليس الجد والأم كالأب.
ويباح للإنسان أن يقسم ماله بين ورثته، ومن حدث له بعد القسمة يعطيه حصته وجوبًا، على قدر إرثهم منه، إلا في نفقة أو كسوة فتجب الكفاية، وتحرم الشهادة على التخصيص والتفضيل، تحملًا وأداءً إن علم الشاهد بذلك.
* * *
(1)
لانعقاد سبب الإرث. وانظر: منار السبيل (2/ 445)، وحاشية الروض المربع (6/ 22).
(2)
لأن الولد لم يقبضه. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 23).
(3)
لأن إحبالها يوجب نقل الملك فيها، والولد حر؛ لأنَّه من وطء انتفى فيه الحد للشبهة، ولا مهر لكن عليه قيمتها للابن، لإتلافها عليه. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 24).
فصل: (في العطية)
(1)
ومن مرضه غير مخوف، كوجع ضرس وعين وصداع
(2)
، فتصرفه نافذ كالصحيح ولو مات منه، وإن كان المرض الذي اتصل به الموت مخوفًا، كذات الجنب ووجع قلب ورئة، ودوام إسهال
(3)
ورعاف، وأول فالج وآخر سل
(4)
وحمى مطبقة، وما قال طبيبان مسلمان عدلان: إنه مخوف، فعطاياه كوصية.
ومن وقع الطاعون
(5)
ببلده، ومن كان بين الصفين، أو في لجة البحر
(1)
العطية لغة: الشيء المعطى، واصطلاحًا: الهبة في مرض الموت، انظر: المطلع (291).
(2)
الصداع: هو ألم في الرأس أو الفروة أو الرقبة، والسبب الرئيسي لكافة أنواع الصداع غير معلومة، وقد يتحسن معظم الأشخاص لو غيروا أسلوب حياتهم، وتدربوا علي كيفية الاسترخاء أو بتناولهم أدوية له، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(3)
الإسهال: هى تحركات معوية مائية، يتغيّر فيها شكل البراز، تلجئ الإنسان بأن يقضي حاجته أكثر من ثلاث مرّات في اليوم، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(4)
السل أو الدرن، هو مرض معدي جرثومي، تسببه جرثومة بكتيريا الدرن العضوية. ويوجد حاليًا بالعالم 16 مليون شخص مصابون بالسل، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(5)
الطاعون: مرض بكتيري معدي حاد، ويُعد من مجموعة الأمراض المشتركة بين =
عند هيجانه، أو حبس لقتل، ومن أخذها الطلق لا يلزم تبرعه لوارث شيء، ولا بما فوق الثلث لأجنبي إلا بإجازة الورثة، إن مات منه كوصية، فإن عوفي فكالصحيح، ومن امتد مرضه بابتداء سل أو انتهاء فالج ولم ينقطع بفراش فعطاياه من كل ماله
(1)
، فإن لزم الفراش فكوصية ويعتبر الثلث عند موته لأنَّه وقت الاستحقاق
(2)
، فإن ضاق ثلثه عن العطية والوصية قدمت العطية
(3)
، ونماؤها من القبول إلى الموت تبع لها، ومعاوضة المريض بثمن المثل من رأس مال، والمحاباة كعطية
(4)
.
ويسوى بين المتقدم والمتأخر في الوصية، ويبدأ بالأول فالأول بالعطية، ولا يملك الرجوع في العطية بعد قبضها، ويعتبر القبول لها عند وجودها، ويثبت الملك فيها من القبول، بخلاف الوصية فلا تملك قبل الموت، وإذا ملك المريض من يعتق عليه بهبة أو وصية أو أقر أنه أعتق ابن عمه في صحته عتقا من رأس المال
(5)
وورثا، ولو دبر ابن عمه عتق ولم يرث
(6)
، ولو قال: أنت حر آخر حياتي عتق وورث
(7)
.
= الإنسان والحيوان، ويُصنف كأحد الأمراض المحجرية الخطيرة، أنواعه ثلاثة: الدملي والرئوي والتسممي، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(1)
لأنَّه لا يخاف تعجيل الموت منه كالهرم. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 34).
(2)
أي: وقت لزوم الوصايا واستحقاقها، وثبوت ولاية وقبولها وردها. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 35).
(3)
لأنها لازمة في حياة المريض. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 35).
(4)
أي: حكمها حكمه، فلو حابى بأكثر من ثلث ماله بطلت فيما زاد، أو حابى وارثه بطلت تصرفاته في قدر المحاباة معه. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 35).
(5)
لأنَّه لا تبرع فيه؛ إذ التبرع بالعطية والإتلاف، وهذا ليس بواحد منها، والعتق ليس من فعله، ولا يتوقف على اختياره، فهو كالحقوق التي تلزم بالشرع، فيكون من رأس المال. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 38).
(6)
لأن شرط الإرث الحرية، ولم تسبق الموت، فلم يكن أهلًا للإرث حينئذ. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 39).
(7)
لوجود شرط الإرث، وهو الحرية، وعتقه ليس وصية تتوقف على إجازة الورثة. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 39).
كتاب الوصايا
(1)
تصح الوصية من كل عاقل لم يعاين الموت، ولو مميزًا
(2)
أو سفيهًا
(3)
، ومن الأخرس بإشارة مفهومة، وإن وجدت وصية إنسان بخطه الثابت، ببينة أو إقرار الورثة صحت.
ويستحب أن يكتب وصيته ويشهد عليها
(4)
، وتجب الوصية على من عليه حق بلا بينه، ويسن لمن ترك مالًا كثيرًا أن يوصي بالخمس.
ولا تجوز بأكثر من الثلث لأجنبي لمن له وارث، ولا بشيء لوارث إلا بإجازة الورثة لهما بعد الموت، وإن أوصى لكل وارث بمعين قدر إرثه جاز، وتلزم الوصية بالثلث فأقل لأجنبي، وتكره وصية فقير وارثه محتاج،
(1)
الوصية: من أوصى الرجل ووصاه، أي: عهد إليه، والوصية أيضًا ما أوصيت به، وسميت وصية لاتصالها بأمر الميت. واصطلاحًا: تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع، سواء كان ذلك في المنافع أو الأعيان، انظر مادة وصي في لسان العرب (15/ 394)، ومختار الصحاح (302)، والمطلع (294)، وأنيس الفقهاء (297).
(2)
ذهب الحنفية والشافعية إلى اشتراط كون الموصى بالغًا، وذهب المالكية والحنابلة إلى جواز وصية المميز، وانظر: الهداية (4/ 388)، والقوانين الفقهية (1/ 266)، والإقناع (2/ 302)، والفقه الميسر (1/ 314).
(3)
لأنَّه إنما حجر عليه لحفظ ماله وليس في وصيته إضاعة له؛ لأنَّه إن عاش فهو له، وإن مات لم يحتج إلى غير الثواب، وقد حصله، وأما الطفل والمجنون فلا تصح وصيتهما. وانظر: منار السبيل (2/ 451).
(4)
ضبة تصحيحية.
وتجوز بالكل لمن لا وارث له، وإن لم يف الثلث بالوصايا ولم تجز الورثة تحاصوا فيه والنقص بالقسط، ولا فرق بين العتق وغيره والمتقدم والمتأخر
(1)
، وإن أوصى لوارث فصار عند الموت غير وارث، كأخ حجب بابن تجدد صحت الوصية اعتبارًا بحالة الموت، والعكس بالعكس.
ويعتبر القبول لملك الموصى له المعين بعد الموت على التراخي
(2)
، ولا يصح القبول قبله، فإن كان الموصى له غير معين كالفقراء، ومصلحة المسجد لم تفتقر إلى قبول، ولزمت بمجرد الموت
(3)
، ومن قبلها ثم ردها لم يصح الرد، ولو قبل القبض
(4)
.
وإن امتنع الموصى له بعد موت الموصى من القبول والرد سقط حقه، وحكم عليه بالرد، وما حصل قبل القبول من نماء منفصل فهو للورثة
(5)
.
ولو مات الموصى له قبل الموصى بطلت الوصية، وكذلك لو قتل الموصى له الموصى، وكذا برد الوصية بعد موت الموصى، وبتلف العين المعينة الموصى بها.
ويجوز الرجوع في الوصية بقول أو فعل، وإن قال: إن قدم زيد فله ما أوصيت به لعمرو
(6)
، فقدم في حياته فله، فإن قدم بعد موته فلعمرو.
(1)
لأن الوصية تبرع بعد الموت، وجد فوقع دفعة واحدة. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 48).
(2)
لأنَّه تمليك مال، فاعتبر قبوله بالقول، أو ما يقوم مقامه. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 49).
(3)
لأن اعتبار القبول منهم متعذر، فسقط اعتباره كالوقف عليهم. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 5).
(4)
ضبة تصحيحية إلى قوله: الموصى بها.
(5)
ككسب وثمرة وولد لملكهم العين حينئذ، والمتصل يتبعها كسمن وتعلم صنعة. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 51).
(6)
فالوصية لزيد لرجوعه عن الأول، وصرفه إلى الثاني، معلقًا بشرط قد وجد. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 52).
ويخرج الوصي فالوارث فالحاكم كل واجب من دين وزكاة وحج ونذر وكفارة ونحوها، من كل ماله بعد موته، وإن لم يوص، فإن قال: أدوا الواجب من ثلثي، بدئ به.
فإن بقي من الثلث شيء أخذه صاحب التبرع
(1)
، وإلا سقط التبرع إلا أن يجيز الورثة، وإن بقي شيء من الواجب تمم رأس المال.
* * *
(1)
لأن الدين تجب البداءة به قبل الميراث والتبرع، فإذا عينه في الثلث وجبت البداءة به. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 55).
فصل: (في الموصى له)
وتصح الوصية لكل من يصح تملكه
(1)
من مسلم وكافر، ولو كان حربيًا ومرتدًا، إن كان معينًا، وإلا فلا تصح، وتصح لمكاتبه ومدبره وأم ولده، ولعبده بمشاع منه كثلثه، ويعتق منه قدر الثلث
(2)
، ولا تصح لو أوصى له بمعين كدار، ولا تصح لعبد غيره.
وتصح لحمل تحقق وجوده قبلها، وبه بأن تضعه لأقل من ستة أشهر من الوصية إن كانت فراشًا، ولأقل من أربع سنين إن كانت خلية.
ولا تصح لمن تحمل به هذه المرأة، ولا تصح لملك وجني وميت وبهيمة، فإن أوصى لحي وميت يعلم موته فالكل للحي، وإن جهل موته فللحي النصف، ولا لكنيسة وبيت نار وعمارتهما، ولا لكتابة التوراة والإنجيل ونحوها، وإن أوصى لابنيه وأجنبي بماله، فردا وصيته فله التسع لأنَّه ثلث الثلث، وإن أوصى لزيد والفقراء والمساكين بالثلث فلزيد التسع ولا يدفع له شيء بالفقر، وإن أوصى للفقراء، وله أقارب محتاجون ولا يرثون فهم أحق.
(1)
ذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى اشتراط الوصية لمن يصح تملكه، في صحة الوصية، فلو أوصى بالعشب لدواب فلان لم تصح، ولو أوصى بالعشب ليعلف بها دواب فلان صحت، وانظر: الإقناع (2/ 202)، والقوانين الفقهية (1/ 266)، والفقه الميسر (1/ 316).
(2)
الحاصل أنه إن كانت الوصية وفق قيمته، عتق أو أزيد، فالزيادة له أو أنقص فيعتق بقدره منه. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 57).
وقال الشيباني
(1)
: تصح الوصية لفرس زيد وبهيمة عمرو، ولو لم يقبل زيد وعمرو، ويصرف الموصى به في علفها، فإن ماتت الفرس رجع للورثة.
وتصح للمساجد ويصرف في مصالحها والقناطر ونحوها، وتصح لله ورسوله وتصرف في المصالح العامة، وإن وصى بإحراق ثلث ماله صح وصرف في تنوير المساجد، أو يدفن ثلثه في التراب صرف في تكفين الموتى، وبرميه في الماء صرف في عمل سفن للجهاد
(2)
، ولا تصح لمبهم كأحد هذين.
وإن وصى لأهل سكته
(3)
صرف لأهل زقاقه
(4)
حال الوصية، ولجيرانه يتناول أربعين دارًا من كل جانب، على عدد الدور، وجيران المسجد من يسمع النداء.
والصبي والصغير والغلام واليافع واليتيم من لم يبلغ.
والطفل إلى حين تمييزه.
والمميز من تم له سبع.
والمراهق من قارب البلوغ، والشاب والفتى من البلوغ إلى ثلاثين سنة.
والكهل من الثلاثين إلى الخمسين.
والشيخ من الخمسين إلى السبعين، وبعده هرم.
والأيم والعزب من لا زوج له، من رجل أو امرأة.
والبكر: التي لم تتزوج، والثيب من رجل أو امرأة، إذا كانا قد تزوجا، والثيوبة: زوال البكارة بالوطء، ولو من غير زوج، والأرامل: التي فارقهن أزواجهن بموت أو حياة.
والرهط ما دون العشرة من الرجال، والعلماء حملة الشرع.
(1)
هو العلامة الشيخ عبد القادر بن عمر الشيباني رحمه الله، المشهور بابن أبي تغلب وتقدمت ترجمته في: أول المتن، انظر: قوله في: نيل المآرب (2/ 41).
(2)
تصحيحًا لكلامه قدر الإمكان. وانظر: منار السبيل (2/ 454).
(3)
السكة: هي حديدة تحرث بها الأرض، وهي أيضًا الزقاق، وهي أيضًا الطريقة المصطفة من النخل، انظر: مادة سكك في مختار الصحاح (129).
(4)
الزقاق: السكة، يذكر ويؤنث وجمعه زقاق وأزقة، انظر: مادة زقق في لسان العرب (10/ 143)، ومختار الصحاح (115).
فصل: (في الموصى به)
وتصح الوصية بما لا يصح بيعه كآبق وشارد وطير في الهواء ولبن في الضرع.
وتصح بالمعدوم كوصيته بما يحمله حيوانه أبدًا، أو مدة معلومة، أو بما تحمله شجرته كذلك، ولا يلزم الوارث السقي؛ لأنَّه لا يضمن تسليمها، بخلاف بائع، فإن حصل شيء للموصى له وإلا بطلت
(1)
، لكن حمل الأمة الموصى به، تكون له قيمته يوم وضعه، يعطيها له مالك الأمة؛ لحرمة التفريق بين ذوي الأرحام في الملك.
وتصح بغير مال ككلب مباح النفع، وكزيت متنجس لغير مسجد، وللموصى له ثلث الكلب والزيت ولو كثر المال إن لم تجز الورثة
(2)
، فإن لم يكن كلب وأوصى به لم تصح الوصية.
وتصح بالمنفعة المفردة عن الرقبة كخدمة عبد
(3)
، وبالمبهم كثوب، ويعطى الموصى له ما يقع عليه اسم الثوب.
(1)
لأنها لم تصادف محلًا، كما لو أوصى بثلثه ولم يخلف شيئًا، أو لم تحمل الأمة حتى صارت حرة. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 66).
(2)
لأن موضوع الوصية على سلامة ثلثي التركة للورثة، وليس من التركة شيء من جنس الموصى به. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 67).
(3)
وأجرة دار، لصحة المعاوضة عنها كالأعيان. وانظر: منار السبيل (2/ 458).
فإن اختلف الاسم بالعرف والحقيقة غلبت الحقيقة، فالشاة والبعير والثور اسم للذكر والأنثى من صغير وكبير، والحصان والجمل والحمار والبغل والعبد اسم للذكر خاصة، والحجر والأتان والناقة والبقرة اسم للأنثى، والفرس والرقيق اسم لهما، وجزم في الوجيز بتقديم العرف
(1)
.
ولو أوصى بمثل نصيب وارث معين فله مثل نصيبه مضمومًا إلى المسألة، فإذا أوصى بمثل نصيب ابنه، أو بنصيبه وله ابنان فله الثلث، وإن كانوا ثلاثة فله الربع، وإن كان معهم بنت فالتسعان.
وأن وصى بنصيب أحد ورثته ولم يعين الوارث كان له مثل ما لأقلهم نصيباً لأنَّه اليقين، فمع ابن وبنت له الربع، ومع زوجة وابن له التسع.
وإن أوصى بضعف نصيب ابن فله مثلاه، وبضعفيه ثلاثة أمثاله، وبثلاثة أضعافه أربعة أمثاله
(2)
.
وإن أوصى بسهم من ماله فله سدس
(3)
، وبشيء أو جزء أو حظ أو نصيب أو قسط أعطاه الوارث ما شاء مما يتمول
(4)
.
* * *
(1)
انظر: الوجيز مع شرحه فتح العزيز (4/ 495).
(2)
ضعف الشيء هو ومثله، وضعفاه هو ومثلاه، وثلاثة أضعافه أربعة أمثاله. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 73).
(3)
لأن السهم في كلام العرب السدس. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 74).
(4)
لأنَّه لا حد له في اللغة ولا في الشرع، فكان على إطلاقه. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 75).
باب الموصى إليه
تصح وصية المسلم إلى كل مسلم مكلف عدل رشيد، ولو امرأة أو مستورًا أو عاجزًا، - ويضم إليه أمين -، أو عبدًا، ويقبل عبد غير الموصى بإذن سيده
(1)
.
وإذا أوصى إلى زيد، وأوصى بعده إلى عمرو، ولم يعزل زيدًا، اشتركا ولا ينفرد أحدهما بتصرف لم يجعله الموصى له
(2)
، وإن غاب أحدهما أو مات أقام الحاكم مقامه أمينًا
(3)
، وإن جعل لكل منهما أو لأحدهما أن ينفرد بالتصرف صح.
ويصح قبول الموصى إليه الوصية في حياة الموصى وبعد موته، وله عزل نفسه متى شاء، وليس للموصى إليه أن يوصي إلا أن يجعل إليه.
ولا تصح وصية إلا في تصرف معلوم يملكه الموصى، كقضاء دينه وتفرقة ثلثه والنظر لصغاره، ولا تصح الوصية بما لا يملكه الموصى كوصية
(1)
لأن منافعه مستحقة له، فلا يفوتها عليه بغير إذنه. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 77).
(2)
لأنَّه لم يرض بنظره وحده، وانفراد أحدهما عن الآخر بتصرف يخالف ذلك. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 78).
(3)
لأن الموصى لم يرض بنظر هذا الباقي وحده، فوجب ضم غيره إليه. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 78).
امرأة بالنظر لأولادها الأصاغر
(1)
، وكوصية الرجل بالنظر على بالغ راشد، ومن أوصي إليه في شيء لم يصر وصيًا في غيره.
ومن أوصي بقضاء دين معين فأبى الورثة أو جحدوا، وتعذر إثباته قضاه باطنًا بغير علمهم
(2)
.
وتصح وصية كافر إلى مسلم، إن لم تكن تركته نحو خمر، وإلى عدل في دينه.
وإن ظهر على الميت دين يستغرق التركة بعد تفرقة الوصي الثلث الموصى إليه بتفرقته لم يضمن لرب الدين شيئًا، وكذا إن جهل موصى له فتصدق به ثم علم
(3)
.
وإن قال: ضع ثلثي حيث شئت لم يحل للوصي أخذه له، ولا لولده ولا سائر ورثته، ولا إلى ورثة الموصى.
وإن دعت الحاجة إلى بيع بعض العقار لقضاء دين أو حاجة صغار وفي بيع بعضه ضرر فله البيع على الصغار والكبار إن امتنعوا أو غابوا.
وتصح الوصية معلقة، كإذا بلغ أو حضر أو رشد أو تاب من فسقه أو إن مات زيد فعمرو مكانه.
وتصح مؤقتة كزيد وصي سنة، ويقوم الوصي مكان الموصى في جبر مولياته، ولا تصح باستيفاء الدين مع رشد وارثه
(4)
.
ومن مات بمكان لا حاكم به ولا وصي جاز لبعض من حضره من المسلمين بيع تركته، وعمل الأصلح فيها من بيع وغيره ويكفنه منها، فإن لم تكن فمن عنده، ويرجع عليها أو على من تلزمه نفقته إن نواه.
وإن صرف أجنبي ليس بوارث ولا وصي الموصى به المعين في جهته لم يضمن.
(1)
لأنها لا تلي النكاح بحال، ولا تلي مال غيرها كالعبد، ولأنه لا ولاية لغير لأب فلا تصح وصيتها في حقهم. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 80).
(2)
إذا أمن التبعة؛ لأنَّه تمكن من إنقاذ ما وصي إليه بفعله، فوجب عليه، كما لو لم يجحده الورثة. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 81).
(3)
لأنَّه معذور بعدم علمه، حاشية الروض المربع (6/ 82).
(4)
لانتقال المال إلى من لا ولاية له عليه. وانظر: منار السبيل (2/ 462).
كتاب الفرائض
(1)
وهي العلم بقسمة المواريث، وإذا مات إنسان بُدئ من تركته بتكفينه وحنوطه ومؤن تجهيزه من رأس ماله
(2)
، سواء كان تعلق به رهن أو أرش جناية أم لا
(3)
، وما بقي بعد ذلك تقضى منه ديون الله كزكاة وكفارة وحج ونذر، وديون الآدميين كالقرض والأجرة والثمن وقيم المتلفات، وما بقي بعد ذلك تنفذ منه وصاياه، لأجنبي من ثلثه إلا أن يجيزها الورثة، فتنفذ من جميع الباقي، ثم يقسم ما بقي بعد ذلك على ورثته.
وأسباب الإرث ثلاثة: رحم: وهو القرابة، ونكاح: وهو عقد الزوجية الصحيح سواء دخل أم لا، وولاء: وهو ثبوت حكم شرعي بالعتق أو تعاطي أسبابه، فيرث به المعتق وعصبته من عتيقه ولا عكس، ولا إرث بغير هذه الأسباب كالموالاة.
(1)
الفرائض: جمع فريضة، وهي اسم مصدر من فرض وافترض وهي فعيلة بمعنى مفعولة، والفرض ما أوجبه الله، والفرض العطية الموسومة، انظر: المطلع (299)، وأنيس الفقهاء (300)، والتعريفات (213).
(2)
ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن مؤن التجهيز تقدم على الديون المتعلقة بعين التركة؛ لأن سترة الميت واجبة في الحياة فكذلك بعد الممات.
وذهب المالكية إلى أن الديون المتعلقة بعين التركة، تقدم على مؤن التجهيز؛ لأنها متعلقة بالمال قبل كونه تركة. وانظر: البحر الرائق (8/ 556)، والثمر الداني (473)، والمهذب (2/ 23)، والفقه الميسر (3/ 229).
(3)
كما يقدم المفلس على غرمائه. وانظر: منار السبيل (2/ 464).
وموانعه ثلاثة: الرق والقتل
(1)
واختلاف الدين.
وأركانه ثلاثة: وارث ومورث وحق موروث، وشروطه ثلاثة: تحقق حياة الوارث أو إلحاقه بالأحياء، وتحقق موت المورث أو إلحاقه بالأموات، والعلم بالجهة المقتضية للإرث.
والمجمع على توريثهم من الذكور عشرة: الابن وابنه وإن نزل والأب وأبوه وإن علا، والأخ مطلقًا شقيقًا أو لأب أو لأم، وابن الأخ الشقيق أو لأب، والعم وابنه كذلك، والزوج والمعتق.
ومن الإناث سبع: البنت وبنت الابن وإن نزل أبوها، والأم والجدة مطلقًا، سواء كانت من جهة الأب أو الأم، والأخت مطلقًا، والزوجة، والمعتقة.
والورثة ثلاثة: ذو فرض، وعصبة، ورحم.
والفروض المقدرة في كتاب الله تعالى ستة: النصف، والربع، والثمن، والثلثان، والثلث، والسدس.
وأصحاب الفروض عشرة: الزوجان، والأبوان، والجد، والجدة، والأخت، والبنت، وبنت الابن، والأخ من الأم.
فالنصف فرض خمسة: فرض الزوج حيث لا فرع وارث لزوجة سواء منه أو من غيره، وفرض البنت الواحدة، وبنت الابن الواحدة، وإن نزل أبوها مع عدم أولاد الصلب مطلقًا، وفرض الأخت الشقيقة مع عدم الوارث ذكرًا كان أو أنثى، وفرض الأخت للأب مع عدم الأشقاء.
(1)
اتفق الفقهاء على أن قتل العمد يمنع من الإرث، واختلفوا فيما سواه، فذهب الحنفية إلى أن قتل شبة العمد وقتل الخطأ وما جرى مجرى الخطأ يمنع الإرث دون القتل بالسبب، وقتل الصبي والمجنون لا يمنع الإرث، لعدم الإثم فيهما.
وذهب المالكية إلى أن القتل الخطأ يمنع من الإرث من الدية دون بقية الإرث.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن القتل مطلقًا مباشرة أو تسببًا بحق أو بغير حق يمنع من الإرث. وانظر: البحر الرائق (8/ 424)، والثمر الداني (445)، وإعانة الطالبين (233)، والفقه الميسر (3/ 232).
والربع فرض اثنين: فرض الزوج من زوجته مع الفرع الوارث، وفرض الزوجة فأكثر مق تركة زوجها مع عدمه.
والثمن فرض الزوجة فأكثر مع الفرع الوارث، ذكرًا كان أو أنثى منها أو من غيرها.
والثلثان فرض أربعة: البنتين فأكثر، وبنتي الابن فأكثر، والأختين الشقيقتين، والأختين للأب فأكثر، إذا لم يكن معهن معصب.
والثلث فرض اثنين: فرض ولدي الأم، ذكرين أو أنثيين أو مختلفين فأكثر، يستوي فيه ذكرهم وأُنثاهم، وفرض الأم حيث لا فرع وارث للميت، ولا جمع من الإخوة والأخوات.
لكن لو كان هناك أب وأم وزوج أو زوجة كان للأم ثلث الباقي.
والسدس فرض سبعة: فرض الأم مع الفرع الوارث، أو مع جمع من الإخوة والأخوات اثنين فأكثر، وفرض الجدة فأكثر، إلى ثلاث فقط إن تساوت، كأم أم أم وأم أم أب وأم أبي أب مع عدم الأم، وفرض ولد الأم ذكرًا كان أو أنثى، وفرض بنت الابن فأكثر مع بنت الصلب تكملة الثلثين، مع عدم المعصب
(1)
، وفرض الأخت للأب مع الأخت الشقيقة، وفرض الأب مع الفرع الوارث، وفرض الجد كذلك، ولا ينزلان عنه، وقد يكون عائلًا.
* * *
(1)
المعصب بالكسر: واحد العصبة، وهم الأقارب من جهة الأب؛ لأنهم يعصبونه ويتعصب بهم، أي: يحيطون به ويشتد بهم. انظر: مادة عصب في النهاية (3/ 245).
فصل: (في الجد مع الإخوة)
والجد مع الإخوة والأخوات الأشقاء أو لأب كأحدهم
(1)
، لمساواته لهم في الإدلاء إلى الميت، فإن لم يكن معه صاحب فرض فله خير الأمرين، إما المقاسمة أو ثلث جميع المال، فإن كانت الإخوة أقل من مثليه فالمقاسمة أحظ له، وإن كانوا مثليه استوى له الأمران، وإن كانوا أكثر من مثليه فثلث جميع المال خير له، فله مع أخ نصف، ومع أخوين فأكثر ثلث
(2)
.
وإن كان هناك صاحب فرض كزوج وأم فله خير ثلاثة أمور: إما المقاسمة للإخوة والأخوات كأخ، أو أخذ ثلث الباقي من المال بعد صاحب الفرض، أو أخذ سدس جميع المال، فإن لم يبق بعد صاحب الفرض إلا السدس أخذه
(1)
ذهب الحنفية إلى أن الجد يسقط الإخوة من جميع الجهات، كما يسقطهم الأب؛ لأنَّه يقوم مقامه، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الإخوة الأشقاء أو لأب يرثون مع الجد، لعدم النص أو الإجماع أو القياس الذي يحجبهم. وانظر: البحر الرائق (8/ 559)، والثمر الداني (487)، وإعانة الطالبين (2263)، والفقه الميسر (3/ 261).
(2)
حال الجد مع الإخوة إذا لم يكن معهم صاحب فرض:
المقاسمة
…
2
…
الثلث
…
3
…
الثلث
…
3
…
9
جد
…
1
…
جد
…
1
…
جد
…
1
…
3
أخ ش
…
1
…
2 أخ ش
…
2/ 1
…
3 أخ ش
…
2
…
6/ 2
وسقطت الإخوة أشقاء أو لأب
(1)
إلا الأخت الشقيقة أو لأب في المسألة المسماة بالأكدرية
(2)
: وهي زوج وأم وجد وأخت، فللزوج النصف، وللأم الثلث، وللجد السدس، ويفرض للأخت النصف فتعول لتسعة، ولا تحجب الأم عن الثلث، لعدم العدد من الأخوة والفرع الوارث، ثم يقسم نصيب الجد ونصيب الأخت بينهما، ومجموعهما أربعة على ثلاثة عدد رؤوسهما، فتصح
(1)
حال الجد الإخوة إذا كان معهم صاحب فرض:
المقاسمة
…
4
…
1/ 3 الباقي
…
6
…
السدس
…
12/ 13
زوج
…
1
…
2
…
أم
…
1
…
زوج
…
3
جد
…
1
…
1
…
جد
…
1/ 3 الباقي
…
بنتان
…
8
أخ ش
…
1
…
أخوات ش
…
أختان ش
…
الباقي بعد
…
الباقي
…
جد
2 أخ ش
…
2
(2)
الأكدرية: في تسميتها بذلك أقوال: أحدها: أنها كدرت على زيد بن ثابت أصوله، فإنه أعالها ولا عول عنده في مسائل الجد، وفرض للأخت مع الجد ولا يفرض لأخت مع جد، وجمع سهامه وسهامها ولا يجمع في غيرها، والثاني: أن رجلًا اسمه الأكدر سئل عنها، فأفتى فيها على مذهب زيد فأخطأ فيها فنسبت إليه، انظر: المطلع (300).
الأكدرية
…
9
…
27
زوج
…
3
…
9
أم
…
2
…
6
جد
…
1
…
8
أخت ش
…
3
…
4
من سبعة وعشرين، وإذا اجتمع مع الشقيق ولد الأب، عده الشقيق على الجد بأخ شقيق إن احتاج لعده، ثم يأخذ الشقيق ما حصل لأولاد الأب، فجد وأخ شقيق وأخ لأب، للجد واحد وللشقيق اثنان
(1)
، إلا أن يكون الشقيق أختًا واحدة فتأخذ تمام النصف، وإن فضل شيء فهو لولد الأب، ذكرًا كان أو أنثى واحدًا أو أكثر
(2)
، ففي جد وشقيقة وأخ لأب، للجد سهمان، وللأخت والأخ ثلاثة، فتصح من عشرة للجد أربعة، وللأخت خمسة، وللأخ واحد، فإن كانت الشقيقات اثنتين
(3)
لم يبق لأولاد الأب شيء.
(1)
…
3
جد
…
1
أخ ش
…
1
أخ لأب
…
ـ
(2)
…
5
…
10
جد
…
2
…
4
أخت
…
205 .. 5
أخ لأب
…
5،
…
1
(3)
…
3
جد
…
1
أختين
…
1
أخ لأب
…
ـ
فصل: (في ميراث الجدات)
وترث أم الأم وأم الأب، وأم أب الأب وإن علون أمومة السدس
(1)
، فإن انفردت واحدة منهن أخذته.
وإن اجتمع اثنان أو الثلاث واستوين في القرب فالسدس بينهن، ومن قربت فالسدس لها وحدها، وتسقط البعدى من كل جهة بالقربى
(2)
.
وترث أم الأب وأم الجد مع وجود الأب والجد، كما يرثان مع العم، وترث الجدة المدلية بقرابتين مع الجدة ذات القرابة الواحدة ثلثي
(1)
اختلف الفقهاء في ضابط الجدة الوارثة، فذهب الجمهور من الحنفية والشافعية إلى أنه لا حد لعدد الجدات الوارثات ومن تساوت درجتهن ورثن كلهن.
وذهب المالكية إلى أنه لا يرث غير جدتين: إحداهما: من قبل الأب، والأخرى: من قبل الأم، وذهب الحنابلة إلى أن الوارثات من الجدات ثلاث على ما مضى بيانه، وانظر: المبسوط (29/ 156)، وشرح الزرقاني (3/ 144)، والمهذب (2/ 26)، والفقه الميسر (3/ 248).
(2)
جرى الخلاف بين الفقهاء، فيما إذا كانت الجدة القربى من جهة الأب، هل تسقط البعدى من جهة الأم؟ فذهب الحنفية والحنابلة إلى أن كل جدة قربى تسقط الجدة البعدى، وذهب المالكية، والشافعية إلى أن الجدة القربى من جهة الأب لا تسقط البعدى من جهة الأم، وانظر: المبسوط (29/ 171)، وشرح الزرقاني (3/ 145)، والمهذب (2/ 26)، والفقه الميسر (3/ 251).
السدس، وللأخرى ثلثه، فلو تزوج بنت خالته فأتت بولد، فجدته أم أم أم ولدهما وأم وأم أبيه
(1)
.
* * *
(1)
فترث بالقرابتين ثلثي السدس، وترث أم أبي أبيه ثلث السدس. انظر: حاشية الروض المربع (6/ 108).
فصل: (في الحجب)
والحجب
(1)
: منع من قام به سبب الإرث بالكلية، ويسمى حجب حرمان، أو من أوفر حظية، ويسمى حجب نقصان، فالحجب بالوصف يتأتى دخوله على جميع الورثة، كالقتل والرق واختلاف الدين، والحجب بالشخص نقصانًا كذلك.
وحرمانًا لا يدخل خمسه: الزوجين، والأبوين، والولد ذكرًا كان أو أنثى
(2)
.
فالجد يسقط بالأب، وكل جد أبعد يسقط بأقرب منه، والجدة مطلقًا بالأم
(3)
، وكل جدة بعدى تسقط بالقربى، سواء كانتا من جهة واحدة، أو واحدة من قبل الأم والأخرى من قبل الأب، وكل ابن أبعد يسقط بابن أقرب، وتسقط الإخوة الأشقاء بالابن وإن نزل، وبالأب الأقرب، والإخوة لأب يسقطون بالأخ الشقيق وبمن حجبه، وبالأخت لأبوين إذا صارت عصبة
(1)
الحجب لغة: المنع السلس، واصطلاحًا: منع من قام به سبب الإرث من الإرث بالكلية أو من أوفر حظيه، انظر: التعريفات (111)، وتحرير ألفاظ التنبيه (329).
(2)
لأنهم يدلون إلى الميت بغير واسطة، فهم أقوى الورثة. وانظر: منار السبيل (2/ 478).
(3)
لأن الجدات يرثن بالولادة فالأم أولى منها بمباشرتها الولادة. وانظر: منار السبيل (2/ 478).
مع البنت وبنت الابن، ويسقط ولد الأم بالولد ذكرًا كان أو أنثى، وبولد الابن كذلك، وبالأب وأبيه وإن علا، ويسقط ابن الأخ بالابن وإن نزل، وبالأب والجد وإن علا، وبالأخ الشقيق وبالأخ للأب، وابن الأخ للأب يسقط بهم وبابن الأخ الشقيق، والأعمام يسقطون بمن ذكروا وببني الإخوة وإن نزلوا، وتسقط بنات الابن ببنتي الصلب فأكثر، ما لم يكن مع بنات الابن من يعصبهن من ولد الابن، وتسقط الأخوات للأب بالأختين الشقيقتين فأكثر ما لم يكن معهن أخوهن فيعصبهن.
ومن لا يرث لا يحجب أحدًا مطلقًا إلا الإخوة فإنهم قد لا يرثون، ويحجبون الأم نقصانًا، كمن مات عن أبوين وإخوة، فللأم السدس والباقي للأب
(1)
.
* * *
(1)
…
6
أم
…
1
أب
…
5
2 أخ لأم
…
ـ
فصل: (في العصبات)
والعصبة
(1)
: من إذا انفرد أخذ المال بجهة واحدة، كالابن وابن الابن.
أما صاحب الفرض، فإذا انفرد يأخذ بجهتين، بالفرض والرد، فأقربهم ابن فابنه وإن نزل، ثم الأب ثم الجد وإن علا، مع عدم أخ لأبوين أو لأب، ثم هما ثم بنوهما ثم وإن نزلوا أبدًا، ثم عم لأبوين ثم عم الأب ثم بنوهما كذلك، ثم أعمام أبيه لأبوين، ثم لأب ثم بنوهم كذلك، ثم أعمام جده ثم بنوهم كذلك، ولا يرث بنو أب أعلى وإن قربوا مع بني أب أقرب وإن نزلوا، فأخ لأب وابنه
(2)
وإن نزل، أولى من عم ولو شقيقًا، وأخ لأب أولى من ابن أخ لأبوين.
ومع الاستواء في الدرجة كأخوين وعمين يقدم من لأبوين على من لأب لقوة القرابة.
فإن عدم عصبة النسب، ورث المعتق ولو أنثى ثم عصبته الأقرب فالأقرب كنسب، ثم مولى المعتق ثم عصبته كذلك ثم الرد ثم ذوو الأرحام، وليس في النساء عصبة بنفسه إلا المعتقة.
(1)
العصبة لغة: من العصابة وهي ما أحاط بالرأس، وعصبة الرجل: بنوه وقرابته لأبيه، واصطلاحًا: كل وارث بغير تقدير، انظر: المطلع (302)، وأنيس الفقهاء (301).
(2)
ضبة تصحيحية.
والذكور كلهم عصبة بأنفسهم إلا الزوج والأخ للأم فهما صاحبا فرض.
والأخوات الشقيقات أو لأب مع البنات عصبات، يرثن ما فضل عن ذوي الفروض.
ويرث الابن مع البنت مثليها، وابنه مع بنت الابن للذكر مثل حظ الأنثيين، والأخ لأبوين مع شقيقته، والأخ لأب مع الأخت لأب كذلك، وكل عصبة غير هؤلاء الأربعة كابن الأخ والعم وابنه، وابن المعتق لا ترث أخته معه شيئًا؛ لأنها من ذوي الأرحام، وأبناء عم أحدهما أخ لأم أو زوج له فرضه، والباقي لهما تعصيبًا.
ويبدأ بذوي الفروض وما بقي للعصبة، ويسقطون إذا استغرقت الفروض التركة، حتى الأشقاء في الحمارية
(1)
.
وإذا اجتمع كل الرجال ورث منهم ثلاثة: الزوج، والأب، والابن.
وكل النساء ورث منهن خمس: البنت، وبنت البنت، والأم، والزوجة، والشقيقة.
وممكن الجمع من الصنفين، ورث منهم خمسة: الأبوان، والولدان، وأحد الزوجين.
* * *
(1)
المسألة الحمارية في الفرائض تتكون من زوج وأم وإخوة لأم وإخوة أشقاء، فيعطى الزوج النصف، وتعطى الأم السدس، ويعطى الإخوة لأم الثلث، ويسقط الإخوة الأشقاء، وسميت بالحمارية لأن عمر رضي الله عنه قضى بهذا القضاء أولًا، ثم لما قضى به ثانيًا قال الإخوة الأشقاء: يا أمير المؤمنين هب أن أبانا كان حمارًا، أليست أمنا واحدة؟ فشرك بينهم، ويقال لها: المشركة، انظر: مختصر الخرقي (84)، والإنصاف (7/ 315)، والكافي (2/ 527).
باب الرد وتوريث ذوي الأرحام
(1)
إذا لم تستغرق الفروض التركة ولا عاصب رد الفاضل على كل ذي فرض بقدره، ما عدا الزوجين فلا يرد عليهما من حيث الزوجية، وقد يأخذان الباقي بصفة رحم
(2)
.
فإن لم يكن إلا صاحب فرض أخذ الكل فرضًا وردًا، وإن كان اثنان فأكثر من جنس واحد، كالبنات أخذن بالسوية كالعصبة، وإن اختلف جنسهم فخذ عدد سهامهم من أصل المسألة، وهي ستة دائمًا، واجعله أصل المسألة، وإن انكسر شيء من السهام على فريق من أهل الرد صححت المسألة، وضربت الذي انكسر على سهمه، في عدد السهام المأخوذة في
(1)
الرد لغة: الصرف، من رد الشيء إذا صرفه، واصطلاحًا: صرف المسألة عما هي عليه من الكمال إلى النقص.
والأرحام: جمع رحم وهو بيت منبت الولد، والرحم القرابة. واصطلاحًا: كل من ليس بذي فرض ولا تعصيب، انظر: المطلع (304)، والتعريفات (147)، والتعاريف (352).
(2)
ذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه إذا تبقى من الإرث شيء بعد ذوي الفروض فإنه يرد عليهم بقدر فروضهم إلا الزوجين، وذهب المالكية والشافعية إلى أنه لا يرد المتبقي على ذوي الفروض، بل يصرف إلى بيت مال المسلمين. وانظر: تحفة الملوك (266)، والفواكه الدواني (2/ 256)، والميسر (2/ 272).
الستة، فجدة وأخ لأم تصح من اثنين
(1)
، وثلاث جدات وأخ لأم أصلها اثنان، وتصح من ستة
(2)
.
وفي أم وأخ لأم من ثلاثة
(3)
، وفي أم وبنت من أربعة
(4)
.
وإن كان هناك أحد الزوجين فاعمل مسألة الرد أولًا، ثم مسألة الزوجية،
(1)
…
6
…
2
جدة .. 1
…
1
أخ لأم
…
1
…
1
(2)
…
2
…
6
3 جدات
…
1
…
3/ 1
أخ لأم
…
1
…
3
(3)
…
6
…
3
أم
…
2
…
2
أخ لأم
…
1
…
1
(4)
…
6
…
4
أم
…
1
…
1
بنت
…
3
…
3
ثم اقسم ما فضل عن فرض الزوجية على مسألة الرد، فإن انقسم صحت مسألة الرد من مسألة الزوجية، كزوجة وأم وأخوين لأم، تصح من أربعة
(1)
.
وإن لم تنقسم فأضرب مسألة الرد في مسألة الزوجية، ثم من له شيء من مسألة الزوجية أخذه مضروبًا في مسألة الرد، ومن له شيء من مسألة الرد أخذه مضروبًا في الفاضل من مسألة الزوجية
(2)
.
وأما ذوو الأرحام: فهم كل قريب ليس بذي فرض ولا عصبة
(3)
وأصنافهم أحد عشر: أولاد البنات أو بنات الابن، وأولاد الأخوات لأبوين أو لأب، وبنات الأخوة وأولاد ولد الأم، وبنات الأعمام والعم لأم
(1)
…
4
…
4
زوجة
…
1
…
1
أم
…
3
…
1
أخوين لأم
…
2
(2)
…
8
…
40
زوجة
…
1
…
5
بنت
…
7
…
28
أم
…
7
(3)
ذهب الحنفية والحنابلة إلى توريث ذوي الأرحام إذا لم يكونوا ذوي فرض أو عصبة ومنع من ذلك المالكية والشافعية، وقالوا: تصرف التركة إلى بيت المال أولًا، فإن لم يكن بيت المال منتظمًا أو ليس ثم صاحب فرض ولا عاصب فإن ذوي الأرحام يرثون حينئذ. وانظر: تحفة الملوك (266)، والفواكه الدواني (256)، والامتناع (2/ 178)، والفقه المميز (3/ 275).
والعمات مطلقًا والأخوال والخالات، وأبو الأم وإن علا، وكل جدة أدلت بأب بين أمين، كأم أب الأم، أو بأب أعلى من الجد، ومن أدلى بصنف من هؤلاء كخال الخال، وعم العم لأم.
ويرثون بتنزيلهم منزلة من يدلون به
(1)
، فينزل ولد بنت وولد أخت كأمه، وعمات وعم من أم، كأب ثم تجعل لكل منهم نصيب من أدلوا به، وإن أدلى جماعة منهم بوارث، واستوت منزلتهم منه كأولاده، واختلفت كإخوته، فنصيبه لهم كإرثهم منه.
لكن هنا بالسوية الذكر كالأنثى كما اختاره الأكثر
(2)
، فيرث الخال والخالة بالسوية، وبنت أخت وابن وبنت أخت أخرى، للأولى النصف، وللثاني ولأخته النصف بالسوية، فتصح من أربعة
(3)
(4)
.
ومن أدلى بقرابتين من ذوي الأرحام ورث بهما، وللزوج أو الزوجة
(1)
ذهب الحنفية إلى توريث ذوي الأرحام بجهة القرابة، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى توريث ذوي الأرحام بجهة التنزيل. وانظر: المبسوط (30/ 4)، وحاشية الدسوقي (4/ 468)، والإقناع (2/ 178)، والفقه الميسر (3/ 77).
(2)
قال المرداوي رحمه الله: "هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب، وعنه للذكر مثل حظ الأنثيين، إلا ولد الأم"، وقال الخرقي:"يسوى بينهم إلا الخال والخالة، وهو رواية عن الإمام أحمد، ذكرها جماعة". انظر: الإنصاف (7/ 242)، والفروع (5/ 20)، ومنتهى الإرادات (2/ 89).
(3)
…
2
…
4
بنت أخت
…
1
…
2
بنت أخت
…
1
…
2
ابن أخت
…
1
…
2/ 1
(4)
ضبة تصحيحية إلى قوله: الإخوة.
مع ذي الرحم فرضه كاملًا، بلا حجب ولا عول، والباقي لذي الرحم
(1)
، وإن أدلى جماعة بجماعة قسمت المال بين المدلى بهم كأنهم أحياء، فما صار لكل واحد أخذه المدلي به، وإن سقط بعضهم ببعض فيعمل به، ففي ثلاث أخوال متفرقين، لذي الأم السدس، والباقي للشقيق وحده
(2)
، وإن كان معهم أبو أم أسقطهم؛ لأن الأب يسقط الإخوة
(3)
. ومن لا وارث له معلوم فماله لبيت المال، وليس وارثًا بل حفظًا من الضياع.
(1)
…
4
زوجة
…
1
بنت أخت
…
3
(2)
…
6
خال شقيق
…
5
خال لأب
…
ـ
خال لأم
…
1
(3)
…
1
أب الأم
…
1
خال ش
…
ـ
خال لأب
…
ـ
خال لأم
…
ـ
باب أصول المسائل والعول والمناسخات
(1)
وهي سبعة: اثنان، وثلاثة، وأربعة، وستة، وثمانية، واثنا عشر وأربعة وعشرون، ولا يعول منها إلا الستة، وضعفه، وضعف ضعفها. فالستة تعول متوالية إلى عشرة، فتعول إلى سبعة كزوج وأخت لغير أم وجدة
(2)
، وإلى ثمانية كزوج وأم وأخت لغير أم
(3)
، وإلى تسعة كزوج
(1)
الأصول لغة: جمع أصل وهو ما يتفرع عليه غيره، والمسائل جمع مسألة وهي مصدر سأل يسأل مسألة وسؤالًا فهو من إطلاق المصدر على المفعول كخلق بمعنى مخلوق، فقولنا: مسألة، أي: مسؤولة، بمعنى يسأل عنها، انظر: المطلع (242) و (303)، وأنيس الفقهاء (219).
(2)
…
6/ 7
زوج
…
3
أخت ش
…
3
جدة
…
1
(3)
…
6/ 8
زوج
…
3
أم
…
2
أخت ش
…
3
وأختين لأم وأختين لغيرها
(1)
.
وإلى عشرة كزوج وأم وأختين لأم وأختين لغيرها
(2)
.
والاثني عشر تعول أفرادًا إلى سبعة عشر، فتعول إلى ثلاثة عشر كزوج وبنتين وأم
(3)
.
(1)
…
6/ 9
زوج
…
3
2 أخت لأم
…
2
2 أخت ش
…
4
(2)
…
6/ 10
زوج
…
3
أم
…
1
2 لأخت لأم
…
2
2 أخت ش
…
4
(3)
…
12/ 13
زوج
…
3
بنتان
…
8
أم
…
2
وإلى خمسة عشر كزوج وبنتين وأبوين
(1)
، وإلى سبعة عشر كثلاث زوجات وجدتين وأربع أخوات لأم وثماني أخوات لغيرها، وتسمى أم الأرامل
(2)
.
والأربعة والعشرون تعول مرة واحدة إلى سبعة وعشرين، كزوجة وبنتين وأبوين وتسمى المنبرية
(3)
(4)
.
(1)
…
12/ 15
زوج
…
3
بنتين
…
8
أب
…
2
أم
…
2
(2)
…
12/ 17
3 زوجات
…
3
جدتين
…
2
4 أخوات لأم
…
4
8 أخوات ش
…
8
(3)
ضبة تصحيحية إلى قوله: اثنان.
(4)
…
24/ 27
زوجة
…
3
بنتين
…
16
أب
…
4
أم
…
4
ولا يعول في ذوي الأرحام إلا الستة إلى سبعة، كخالة وبنتي أختين لأبوين وبنتي أختين لأم، للخالة سهم وللأوليين أربعة، وللثانيتين اثنان
(1)
.
واعلم أنه إذا اجتمع نصفان فتكون المسألة من اثنين، كزوج وأخت
(2)
، أو نصف وما بقي كزوج وعم.
وثلثان وما بقي من ثلاثة، وكذلك ثلث وثلثان كأختين لأم وأختين لغيرها.
وإذا كان ربع وما بقي كزوج وابن فمن أربعة، أو ثمن وما بقي كزوجة وابن فمن ثمانية
(3)
.
(1)
…
6/ 7
خالة
…
1
بنتين أختين لأب
…
4/ 2
بنتين أختين لأم
…
2/ 1
(2)
…
2
زوج
…
1
أخت
…
1
(3)
انظر: الجداول تباعًا:
2
…
3
…
3
…
4
…
8
…
زوج
1
…
2 أخت ش
…
2
…
أختين لأم
…
1
…
زوج
1
…
زوجة
…
1
…
عم
…
1
عم
…
1
…
أختين لأب
…
2
…
ابن
…
3
ابن
…
7
وإذا انكسر سهم فريق عليه فاضرب عدد الفريق إذا باين سهامه أو وفقه إن وافق بجزء، كثلث ونحوه في أصل المسألة وعولها إن عالت، فما بلغ تصح منه، ويصير للواحد ما كان لجماعته عند التباين أو وفقه.
وإن كان الانكسار على فريقين فأكثر نظرت بين كل فريق وسهامه، وأخذت المباين ووفق الموافق، ثم تنظر بين المأخوذات بهذه النسب
(1)
، وتحصل أقل عدد ينقسم عليها، فما كان يسمى جزء السهم، فاضربه في المسألة بعولها إن عالت فمنه تصح.
فإن مات شخص ولم تقسم تركته حتى مات بعض الورثة فصحح المسألة الأولى، واعرف سهام الميت الثاني منها، وانظر بينها وبين ما صحت من مسألته، فتجد توافقًا أو تباينًا، فاضرب وفق مسألة الثاني أو جميعها في المسألة الأولى، تحصل الجامعة التي تصح منها المسألتان، فمن له في المسألة الأولى شيء، أخذه مضروبًا في وفق الثانية أو جميعها، ومن له من الثانية أخذه مضروبًا في سهام الميت الثاني أو في وفقها، ومن ورث من المسألتين يجمع ماله منهما، فإن مات ميت ثالث فاجعل الجامعة مسألة أولى، وانظر نصيبه منها وكمل العمل.
(1)
النسب الأربع هي: المباينة لغة: التباعد، واصطلاحًا: أن لا يقسم أحد العددين على الآخر، ولا يقسمهما عدد آخر، مثل:(11، 8)(4، 7).
التوافق: لغة الاتفاق، واصطلاحًا: أن لا يقسم أحد العددين على الآخر، لكن يقسمهما عدد مشترك غير الواحد، مثل (6، 8) يقسمهما (2).
التماثل لغة: التشابه، واصطلاحًا: تساوي الأعداد في القيمة بحيث لا يزيد أحدهما على الآخر، مثل:(313).
التداخل لغة: من الدخول، واصطلاحًا: أن ينقسم العدد الأكبر على الأصغر قسمة صحيحة بحيث لا يبقى كسر، مثل (4، 8).
انظر: المواريث في الشريعة الإسلامية (183).
باب ميراث الحمل
(1)
ومن خلف ورثة فيهم حمل يرثه فطلبوا القسمة وقف للحمل إن اختلف إرثه بالذكورة والأنوثة الأكثر من إرث ذكرين أو أنثيين، فإذا ولد أخذ حقه من الموقوف، وما بقي فهو لمستحقه، فإن ولدت أكثر رجع على من هو بيده، ومن لا يحجبه الحمل يأخذ إرثه كاملًا كالجدة، ومن ينقصه الحمل شيئًا أخذ اليقين، ومن أسقط به لم يعط شيئًا
(2)
.
ويرث المولود ويورث إن استهل صارخًا، أو عطس أو رضع أو بكى، أو تنفس وطال زمن التنفس، أو وجد منه دليل على حياته، غير حركة قصيرة واختلاج لعدم دلالتهما، وإن ظهر بعضه فاستهل ثم مات وخرج لم يرث ولم يورث، كما لو لم يستهل.
(1)
الحمل: بفتح الحاء ما في بطن الحبلى، والحمل بالكسر ما على ظهر أو رأس، انظر: المطلع (306).
(2)
ذهب الحنفية إلى أن يوقف للحمل من الميراث حظ ذكر واحد أو أنثى واحدة، أيهما كان أكثر؛ لأنَّه الغالب في ولادة النساء، ويأخذ الورثة كفيلًا بالزيادة على نصيب الواحد، وذهب الشافعية إلى أنه لا ضابط لعدد الحمل، لكن ينظر للورثة من كان نصيبه غير مقدر فإنه لا يعطي شيئًا، ومن يرث فإنه يعطى الأقل من نصيبه، ومن لا يختلف نصيبه يعطاه كاملًا، وذهب الحنابلة إلى أنه يعمل بالأحظ للحمل، ويعامل الورثة بالأضر، فإن ولد الحمل أخذ الموقوف إن كان قدر نصيبه، وإن كان أكثر رد الباقي على مستحقه من الورثة. أما المالكية فإنهم يوقفون قسمة الميراث حتى يتبين الحمل هل هو واحد أم متعدد. وانظر: المبسوط (3/ 520)، والشرح الكبير (4/ 487)، والفقه الميسر (3/ 282).
وإن جهل المستهل من التوأمين، إذا استهل أحدهما دون الآخر، ثم مات المستهل وجهل، وكانا ذكرًا وأنثى واختلف إرثهما يعين بقرعة، كما لو طلق إحدى نسائه ولم تعلم عينها.
وإن لم يختلف إرثهما كولد الأم أخرج السدس لورثة الجنين بغير قرعة لعدم الحاجة إليها
(1)
.
ولو مات كافر بدارنا عن حمل منه لم يرثه لحكمنا بإسلامه قبل وضعه
(2)
.
ويرث صغير حكم بإسلامه بموت أحد أبويه عنه.
* * *
(1)
لاستوائها في الإرث. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 167).
(2)
لأنَّه لا يتحقق إرثه إلا بعد وضعه حيًا، ولا يثبت له الملك حتى ينفصل حيًا. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 167).
باب ميراث الخنثى المشكل
(1)
وهو من له شكل ذكر وفرج، أو ثقب لا يشبه واحدًا منهما، ويعتبر أمره ببوله من أحد الفرجين، فإن بال منهما فسبقه، فإن خرج منهما معًا اعتبر أكثرهما خروجًا عددًا وقدرًا، فإن استويا فهو المشكل
(2)
، فإن رجي كشفه لصغر أعطي ومن معه اليقين من التركة.
ووقف الباقي لظهور ذكورته بنبات لحية أو إمناء من ذكره، أو أنوثته بحيض أو تفلك ثدي أو إمناء من فرج - والتفلك الاستدارة -.
فإن مات أو بلغ بلا أمارة يرث نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى
(1)
الخنثى: هو الذي لا يخلص لذكر ولا لأنثى، إما لأن معه آلة الذكر والأنثى، أو لأن معه آلة لا تشبه أيًا منهما، والانخناث التكسر والتعطف، انظر: مادة خنث في لسان العرب (2/ 145)، ومختار الصحاح (80)، والمطلع (308)، والتعاريف (327).
(2)
الطريقة الطبية الحديثة في الكشف عن الخنثى أن ينظر الطبيب إلى الغدة التناسلية أولًا، فإن وجدها تحمل المبيض والخصية معًا، فهذه هي حالة الخنثى الحقيقية، التي هي نادرة الحدوث جدًا، أما إن وجد أن الغدة التناسلية مبيضًا والأعضاء الظاهرية ذكرية، فإن تلك الحالة هي حالة الخنثى الكاذبة، التي أصلها أنثى وظاهرها ذكر، وإن كانت الغمدة التناسلية خصية، والأعضاء الظاهرة تشبه الأنثى، فإن ذلك هو الخنثى الذكر الكاذب، أي: أصله ذكر وظاهره أنثى، انظر: الطبيب أدبه وفقهه (323)، نقلًا عن التوضيح للشويكي (2/ 906).
إن ورث بهما، فإن ورث بأحدهما أعطي نصف نصيبه فقط
(1)
، فتعمل مسألة للذكورة ثم للأنوثة، وتنظر بينهما بالنسب الأربع، وتحصل أقل عدد ينقسم عليهما، وتضربه في اثنين عدد حالتي الخنثى، ثم من له شيء من إحدى المسألتين فاضربه في الأخرى أو وفقها، فابن وولد خنثى مسألة الذكورة اثنان، والأنوثة ثلاثة، والجامعة ستة، فاضربها في اثنين فتصح من اثني عشر: للذكر سبعة وللخنثى خمسة
(2)
، وإن صالح الخنثى من معه على ما وقف له صح إن صح تبرعه.
* * *
(1)
ذهب الحنفية إلى أن الخنثى المشكل يفرض أنه ذكر ثم يفرض أنه أنثى، ويعامل بأقل ما يستحقه، وإن كان يرث على اعتبار ولا يرث على اعتبار آخر لم يعط شيئًا؛ لأن المال لا يثبت استحقاقه مع الشك، وذهب المالكية إلى أنه يعطى نصف نصيب ذكر وأنثى إن ورث بهما متفاضلًا، وإن ورث بأحدهما فله نصف نصيبه، سواء كان يرجى اتضاحه أم لا، وذهب الشافعية إلى أن يعامل الخنثى بالأضر، سواء كان يرجى اتضاحه أم لا، ويوقف المشكوك فيه إلى الاتضاح أو الصلح. وانظر: المبسوط (30/ 92)، والتاج، والإكليل (42416)، والمهذب (2/ 30)، والفقه الميسر (3/ 284).
(2)
…
2/ 3
…
3/ 2
…
6/ 12
ابن
…
1.3
…
2. 4
…
7
ولد (خنثى)
…
1. 3
…
1. 2
…
5
…
ذكورة
…
أنوثة
باب ميراث المفقود
(1)
وهو من انقطع خبره ولم تعلم له حياة ولا موت.
فإن كان الغالب على سفره السلامة كتجارة انتظر به تمام تسعين سنة من ولادته
(2)
، فإن فقد ابن تسعين اجتهد الحاكم.
وإن كان غالبه الهلاك كمن غرق في مركب ونجا قوم وهلك آخرون، أو في مفازة كدرب الحجاز، أو فقد من بين أهله انتظر به تمام أربع سنين من تلفه
(3)
، ثم يقسم ماله فيهما.
فإن رجع بعد قسمة ماله أخذ ما وجد، ورجع على من أتلف شيئًا به.
فإن مات مورثه في مدة التربص، أخذ كل وارث اليقين
(4)
، ووقف
(1)
المفقود: اسم مفعول من فقدت الشيء أفقده فقدًا وفقدانًا بكسر الفاء وضمها، انظر: المطلع (309)، والتعاريف (669)، وأنيس الفقهاء (192).
(2)
ذهب الحنفية والمالكية إلى أن المفقود ينتظر فيه حتى يتحقق من حاله، وذلك بأن يمضي عليه تسعين سنة من ولادته وحددته المالكية بسبعين أو ثمانين سنة، وذهب الشافعية إلى أن المرجع في تحديد المدة، والحكم بموته للإمام واجتهاده. وانظر: البحر الرائق (5/ 178)، والشرح الكبير (4/ 487)، وروضة الطالبين (36/ 6)، والفقه الميسر (3/ 287).
(3)
هذه العبارة سبق قلم؛ إذ لو علم تلفه لم ينتظر به ومعناه فقد. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 172).
(4)
وهو ما لا يمكن أن ينقص عنه مع حياة المفقود أو موته. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 173).
الباقي حتى يتبين أمر المفقود، أو تنقضي مدة الانتظار، فاعمل مسألة لحياته ومسألة لموته وجامعة لهما، فإن قدم المفقود أخذ نصيبه، وإن لم يأت ولم تعلم حياته حين موت مورثه، فحكم ما وقف له حكم ماله الذي لم يخلفه مورثه، فيقضى منه دينه وينفق منه على زوجته مدة تربصه؛ لأنَّه لا يحكم بموته إلا عند انقضاء زمن انتظاره، ولباقي الورثة أن يصطلحوا على ما زاد عن حق المفقود، فيقتسمونه على حسب ما يتفقون.
ومن أشكل نسبه من عدد محصور ورجي انكشافه فكالمفقود، في أنه إن مات أحد الواطئين لأمه، وقف له منه نصيبه على تقدير إلحاقه به، وإن لم يرج زوال إشكاله، بأن عرض على القافة فأشكل عليهم ونحو ذلك لم يوقف له شيء.
* * *
باب ميراث الهدمى والغرقى ونحوهم
(1)
إذا مات متوارثان فأكثر بهدم أو غرق أو غربة معًا فلا توارث بينهم
(2)
.
وإن جهل السابق بالموت أو علم ثم نسي، ولم يختلفوا فيه بأن لم يدع ورثة كل سبق موت الآخر، ورث كل واحد منهما من الآخر، من تلاد ماله، أي: قديمه دون ما ورثه منه
(3)
.
وإن ادعى ورثة كل سبق موت الآخر ولا بينة تحالفا، أي: حلف كل منهما على ما أنكره من دعوى صاحبه، ولم يتوارثا
(4)
.
* * *
(1)
الغرقى: جمع غريق وهو من مات بالغرق، انظر: المطلع (309).
(2)
لأنَّه لم يكن حيًا وقت موت الآخر، وشرط الإرث، حياة الوارث بعد موت. وانظر: منار السبيل (2/ 50).
(3)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية إلى أنه إذا لم يتيقن موت المتقدم من موت المتأخر فإنه لا توارث بين الغرقى والهدمى وانظر: البحر الرائق (8/ 577)، والهداية (2/ 266)، والمهذب (2/ 25)، والفقه الميسر (3/ 289).
(4)
كما إذا ماتت امرأة وابنها، فقال زوجها: ماتت فورثناها، ثم مات فورثته، وقال أخوها: مات ابنها فورثته، ثم ماتت فورثناها، حلف كل واحد منهما يمينًا على إبطال دعوى صاحبه، وكان ميراث الابن لأبيه، وميراث المرأة لأخيها وزوجها. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 179).
باب ميراث أهل الملل
(1)
من موانع الإرث اختلاف الدين، فلا يرث المسلم الكافر إلا بالولاء
(2)
، وإلا إذا أسلم كافر ولو كان مرتدًا، قبل قسمة - ميراث - مورثه المسلم فيرث، ولا يرث الكافر المسلم إلا بالولاء
(3)
، واختلاف الدارين ليس بمانع، فيتوارث الحربي والذمي والمستأمن
(4)
إذا اتحدت أديانهم، وأهل الذمة يرث بعضهم بعضًا مع اتفاق أديانهم.
وهم ملل شتى، فلا توارث بين أهل ملتين، فاليهودية ملة، والنصرانية ملة، والمجوسية ملة، وعبدة الأوثان ملة وهكذا
(5)
، لا يرث بعضهم بعضًا.
(1)
الملل: جمع ملة بكسر الميم جمعًا وإفرادًا، وهي الدين والشريعة، انظر: المطلع (310)، وتحرير ألفاظ التنبيه (98).
(2)
ذهب جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية إلى منع التوارث بين المسلم والكافر مطلقًا، وذهب الحنابلة إلى جواز التوارث بينهما ولاءً. وانظر: المبسوط (6/ 162)، والقوانين الفقهية (259)، والإمتاع (2/ 175)، والفقه الميسر (3/ 233).
(3)
ثبوت الولاء مع اختلاف الدين لا نزاع فيه، والإرث بالولاء شعبة من الرق. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 181).
(4)
مستأمن: من الأمن وهو ضد الخوف، واستأمن إليه، يعني دخل في أمانه. انظر: مادة أمن في مختار الصحاح (11).
(5)
ذهب الحنفية والشافعية إلى أن الكفر كله ملة واحدة، فعلية يحصل التوارث بين مختلفي الديانات بالقرابة، وذهب المالكية والحنابلة إلى أن الكفر ملل متعددة حسب النحلة والمذهب ولو لم يكن لهم كتاب. وانظر: تحفة الملوك (264)، والقوانين الفقهية (259)، والإقناع (2/ 182)، والفقه الميسر (3/ 236).
والمرتد والزنديق وهو المنافق ومن حكم بكفره من أهل البدع لا يرث أحدًا من المسلمين، ولا من الكفار
(1)
.
وإن مات على ردته فماله فيء
(2)
(3)
، ويرث نحو المجوس والمسلم الواطئ محرمة بشبهة بجميع قراباته غير المحجوبة، إذا أسلموا أو ترافعوا إلينا، ففي أم أخت ترث الثلث بالأمومة، والنصف بالأختية
(4)
.
ولا إرث بنكاح ذات رحم محرم
(5)
، ولا بعقد نكاح لا يقر عليه لو أسلم، كمطلقته ثلاثًا.
* * *
(1)
لأنَّه لا يقر على ما هو عليه، فلم يثبت له حكم دين من الأديان. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 182).
(2)
لبيت مال المسلمين؛ لأنَّه لا يقر على ما هو عليه، فهو مباين لدين أقاربه. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 183).
(3)
ذهب الحنفية إلى أن المرتد يورث ماله إذا مات ولا يكون فيئًا، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن المرتد إذا مات على ردته يكون ماله فيئًا. وانظر: حاشية ابن عابدين (3/ 396)، والكافي (555)، والإقناع (2/ 183)، والفقه الميسر (3/ 237).
(4)
ترث بقرابتين:
…
6
أم
…
2
أخت
…
3
ابن
…
1
(5)
كأم زوجته وأخته من الرضاع. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 185).
باب ميراث المطلقة
(1)
من أبان زوجته في صحته لم يتوارثا، وكذلك لو أبانها في مرضه غير المخوف ومات به
(2)
، أو أبانها في مرضه المخوف ولم يمت به
(3)
.
ويتوارثان في طلاق رجعي، لم تنقض عدته ولو في الصحة
(4)
.
وإن أبانها في مرض موته المخوف متهمًا بقصد حرمانها، كإن أبانها ابتداءً، أو علق طلاقها في صحته على مرضه، أو علق في مرضه طلاقها على ما لا غنى لها عنه، كصلاة وأكل ونوم، أو سألته أن يطلقها رجعيًا، فطلقها بائنًا فلا يرثها إن ماتت، وترثه هي في العدة وبعدها ما لم تتزوج
(5)
أو ترتد فيسقط ميراثها
(6)
، .................................
(1)
طلاق المرأة بينونتها عن زوجها، ويقال: طلق البلاد، يعني: تركها، وطلقت الناقة: إذا سرحت، واصطلاحًا: حل قيد النكاح كله أو بعضه، انظر: مادة طلق في لسان العرب (10/ 226)، ومختار الصحاح (166)، والمطلع (323).
(2)
لعدم التهمة حال الطلاق، ولأن الطلاق محكوم فيه بالصحة فلم يتوارثا. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 186).
(3)
لانقطاع النكاح وعدم التهمة. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 186).
(4)
لأن الرجعية زوجة، يلحقها طلاقه وظهاره وإيلاؤه، ويملك إمساكها بالرجعة بغير رضاها. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 187).
(5)
لأنها وارثة من زوج، فلا ترث من آخر كسائر الزوجات، انظر: حاشية الروض المربع (6/ 188).
(6)
ذهب الحنفية إلى أن المطلقة البائن في مرض الموت المخوف بقصد الحرمان أنها ترث مطلقها إذا توفي وهي في العدة، ولا ترث إذا توفي بعد ذلك، وذهب =
ولو أسلمت بعد
(1)
.
ويثبت له الإرث دونها إن فعلت في مرض موتها المخوف ما يفسخ نكاحها، ما دامت في العدة، إن اتهمت بقصد حرمانه، فلو طلق المتهم أربعًا كن معه، وانقضت عدتهن، وتزوج أربعًا سواهن، ثم مات، ورث منه الثمان على السواء، بشرطه المتقدم
(2)
* * *
= المالكية إلى أنها ترث مطلقًا سواء توفي في العدة أو بعدها، سواء تزوجت غيره أو لا، وذهب الشافعية إلى أنها امرأة بائن فلا إرث لها، وذهب الحنابلة إلى أنها ترث ما لم تتزوج بآخر أو ترتد. وانظر: المبسوط (6/ 157)، ومواهب الجليل (4/ 28)، والمهذب (2/ 25)، والفقه الميسر (3/ 293).
(1)
لأن مجرد ارتدادها يسقط إرثها، لكن إن ارتد أحد الزوجين ثم عاد إلى الإسلام قبل انقطاع العدة ورثه الآخر؛ لأن النكاح باق. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 189).
(2)
لأن المبانة للفرار وارثة بالزوجية، فكانت أسوة من سواها. وانظر: منار السبيل (2/ 506).
باب الإقرار بمشارك في الميراث
(1)
إذا أقر كل الورثة المكلفين
(2)
ولو كانوا واحدًا بوارث للميت، وصدق المقر به، أو كان صغيرًا أو مجنونًا والمقر به مجهول النسب
(3)
، وأمكن كونه من الميت، ولم ينازع المقر في نسب المقر به ثبت نسبه وورث حيث لا مانع.
وإن أقر به بعض الورثة، ولم يثبت نسبه بشهادة عدلين منهم، أو من غيرهم ثبت نسبه بالنسبة للمقر به فقط، وأخذ الفاضل بيده، أو ما في يده إن أسقطه، فلو أقر ابن بابن آخر فله النصف، وإن أقر أحد ابنين بأخت لهما فلها خمس ما في يده
(4)
، وإن أقر أخ بابن أعطاه كل ما في يده.
* * *
(1)
إقرار يقال: أقر بالحق: اعترف به، وقرره غيره بالحق حتى أقر به، وأقررت الكلام إقرارًا، أي: بينته حتى عرفه. واصطلاحًا: إخبار الشخص بحق عليه، فهو إظهار لأمر متقدم وليس إنشاء، انظر: مادة قرر في لسان العرب (5/ 84)، ومختار الصحاح (221)، والحدود الأنيقة (74).
(2)
لأن إقرار غير المكلف لا يعول عليه. وانظر: حاشية الروض المربع (190/ 6).
(3)
لأن معروف النسب، لا يصح أن يقطع نسبه الثابت من غيره. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 190).
(4)
لأنَّه لا يدعي أكثر من خمسي المال، وذلك أربعة أخماس النصف الذي بيده، يبقى خمسه فيدفعه لها. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 192).
باب ميراث القاتل
لا إرث لمن قتل مورثه بغير حق إن كان القتل مضمونًا بقصاص أو دية أو كفارة، وكذلك إن شارك في قتله ولو خطأ، فلا يرث من سقى ولده دواء فمات، أو أدبه أو فصده أو حجمه، أو بط
(1)
سلعته أو حفر بئرًا تعديًا، والمكلف وغيره كالصبي والمجنون سواء.
فإن قتله بحق قودًا أو حدًا أو كفرًا لغير ردة أو لبغي أو لقطع طريق أو صيالة أو شهد بما يوجب قتله، أو قتل باغ لعادل وعكسه ورثه، وتلزم الغرة
(2)
من شربت دواء فأسقطت جنينها، ولا ترث منها
(3)
.
وأما الرقيق فلا يرث ولا يورث، ولو مدبرًا أو مكاتبًا أو أم ولد
(4)
ومن بعضه حر يرث ويورث ويحجب بقدر ما فيه الحرية
(5)
، فابن نصفه حر
(1)
بط القرحة، يعني: شقها، انظر: مادة بطط في لسان العرب (7/ 261)، ومختار الصحاح (23).
(2)
وهي عبد أو أمة، قيمتها خمس من الإبل. وانظر: منار السبيل (2/ 508).
(3)
لأنها قاتلة. وانظر: منار السبيل (2/ 508).
(4)
لأنَّه رقيق، ولأنه لو ورث لكان إرثه لسيده. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 197).
(5)
لأنَّه يجب أن يثبت لكل بعض حكمه، كما لو كان الآخر مثله. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 197).
وأم وعم حران، للابن نصف ماله، لو كان حرًا، وهو ربع وسدس، وللأم ربع والباقي للعم، فإن كان بينه وبين سيده مهايأة
(1)
، فكل تركته لوارثه؛ لأنَّه اكتسبها بحريته.
* * *
(1)
اتفاق بين العبد وسيده أن يخدمه بنسبة ملكه ويكتسب بنسبة حريته. وانظر: منار السبيل (2/ 509).
باب الولاء
(1)
ومن أعتق رقيقًا أو بعضه فسرى إلى الباقي، أو عتق عليه برحم، كما لو ملك أباه أو أخاه أو عمه فعتق عليه، أو بتمثيل أو عوض كإن باع عبده لنفسه، أو بسبب كتابة، أو لم إيلام أو تدبير أو وصية، أو كفارة أو نذر، فله عليه الولاء وعلى أولاده، بشرط كونهم من زوجة عتيقة للعتيق، أو لغيره أو أمة
(2)
- للعتيق -، ويكون له الولاء أيضًا، على من له أو لأولاده الولاء عليه
(3)
، أما من لا يمسه رق، ولو كان أحد أبويه عتيقًا والآخر حر الأصل أو الآخر مجهول النسب فلا ولاء عليه لأحد.
وإن قال مكلف رشيد: اعتق عبدك عني مجانًا، أو عنك وعلي ثمنه، فإن أعتقه ولو بعد أن افترقا صح العتق، وكان ولاؤه للمعتق عنه، ويلزم القائل ثمنه فيما إذا التزم به، وإن قال الكافر أعتق عبدُك المسلم عني وعلي
(1)
الولاء: وهو إذا مات المعتق أو المعتق ورثه معتقه، وكانت العرب تهبه وتبيعه، فنهي عنه؛ لأن الولاء كالنسب لا يزول بالإزالة، انظر: مادة ولي في النهاية (5/ 226)، ومختار الصحاح (306).
(2)
فإن كانوا من أمة الغير فتبع لأمهم حيث لا شرط ولا غرر، وإن كانوا من حرة الأصل فلا ولاء عليهم؛ لأنهم يتبعونها في الحرية، فتبعوها في عدم الولاء. وانظر: منار السبيل (2/ 510).
(3)
لأنَّه ولي نعمتهم وبسببه عتقوا، ولأن الفرع يتبع أصله. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 200).
ثمنه صح، فأعتقه صح في الأصح
(1)
، وولاؤه للكافر ويرث به المسلم.
والولاء لا يباع ولا يوهب ولا يوصى به ولا يورث، وإنما يرث به أقرب عصبات المعتق، - يوم موت العتيق - المتعصبين بأنفسهم، وحكم الجد مع الإخوة في الولاء كالنسب.
وقد ينتقل الولاء من جهة إلى أخرى، فلو تزوج عبد بامرأة معتقة لزيد، فولاء من تلده من زوجها العبد لمعتقها وهو زيد
(2)
، فإن عتق الأب انجر الولاء لمواليه
(3)
.
* * *
(1)
قال المرداوي: "على وجهين، أحدهما: يصح ويعتق، وله عليه الولاء كالمسلم، وهو الصحيح من المذهب، والوجه الثاني: لا يصح"، انظر: الإنصاف (7/ 285)، والفروع (5/ 46).
(2)
لأنَّه سبب الإنعام عليهم؛ لأنهم صاروا أحرارًا بسبب عتق أمهم. وانظر: منار السبيل (2/ 513).
(3)
لأنَّه بعتقه صلح للانتساب إليه، وعاد وارثًا ووليًا، فعادت النسبة إليه وإلى مواليه. وانظر: منار السبيل (2/ 513).
كتاب العتق
(1)
وهو من أفضل القرب، ويسن عتق من له كسب، ويكره عتق من لا كسب له، وكذا من يخاف منه الزنا والفساد، ويحرم إن علم أو ظن منه ذلك، ولكن يصح، ويحصل العتق بالقول أو الملك أو الإيلاد، ولا يحصل بمجرد النية.
وصريحه لفظ العتق والحرية، وما تصرف منهما كأنت حر أو عتيق، غير أمر ومضارع واسم فاعل، ويقع من هازل كالطلاق، لا من نائم ومجنون، وكنايته مع النية
(2)
خليتك وأطلقتك، أو اذهب حيث شئت، ولا سبيل لي عليك، ولا خدمة لي عليك، أو لا ملك أو لا رق لي عليك، أو وهبتك لله ورفعت يدي عنك إلى الله، وأنت مولاي وملكتك نفسك، وتزيد الأمة أنت طالق أو حرام.
ويعتق حمل لم يستثن بعتق أمه لا عكسه، وإن قال لمن يمكن كونه أباه: أنت أبي، أو لمن يمكن كونه ابنه: أنت ابني عتق بذلك، ولو كان له نسب معروف، لا إن لم يمكن إلا بالنية.
(1)
العتق: هو الكرم، وهو الجمال، ويطلق أيضًا على الحرية خلاف الرق، واصطلاحًا: قوة حكمية يصير بها القن أهلًا للتصرف الشرعي، انظر: مادة عتق في لسان العرب (10/ 234)، والمطلع (314)، والتعاريف (502)، ومختار الصحاح (173).
(2)
فلا يعتق بذلك حتى ينويه؛ لأنَّه يحتمل العتق وغيره، أشبه كناية الطلاق فيه. وانظر: منار السبيل (2/ 516).
ومن مثل برقيقه ولو بلا قصد، فجدع أنفه أو أذنه أو خصاه، أو حرق نحو أصبعه ونحو ذلك عتق عليه بلا حكم حاكم، أو استكرهه على فعل الفاحشة، أو وطئ أمته وهي لا تطيق الوطء فأفضاها فتعتق عليه، ولو مثل بعبد مشترك عتق عليه، وسرى إلى باقيه إن كان موسرًا، ولا عتق بخدش وضرب ولعن.
ومن ملك ذا رحم محرم: وهو الذي لو قدر أحدهما ذكرًا والآخر: أنثى حرم نكاحه عليه بسبب النسب، - سواء وافقه في دينه أم لا - عتق عليه، والأب والابن من الزنا كالأجنبيين، ولو كان المملوك حملًا، وإن ملك بعض من يعتق عليه بنحو شراء عتق البعض، والباقي بالسراية
(1)
إن كان موسرًا، ويدفع حصة شريكه، فإن لم يكن موسرًا بكل قيمة باقيه عتق منه بقدر ما هو موسر به، وكذا كل من أعتق حصته من مشترك، فلو ادعى كل من موسرين أن شريكه أعتق نصيبه عتق لاعترافهما بحريته
(2)
، ويحلف كل لصاحبه
(3)
، فإن نكل
(4)
أحدهما قضى للآخر، وإن نكلا جميعًا سقط حقهما، ولا ولاء عليه لواحد منهما، وولاؤه لبيت المال ما لم يعترف أحدهما بعتقه، فيثبت له ويضمن حق شريكه.
فإن كان الذي ملك الجزء من محرمه معسرًا، أو ملكه - بإرث وإن كان موسرًا - لم يعتق عليه إلا ملكه.
(1)
لفعله سبب العتق اختيارًا منه وقصدًا إليه فسرى ولزمه الضمان، وإن ملك بعضه بإرث لم يعتق عليه إلا ما ملك، ولو كان موسرًا؛ لأنَّه لم يتسبب إلى إعتاقه، لحصول ملكه بدون فعله وقصده. وانظر: منار السبيل (2/ 519).
(2)
وصار كل مدعيًا على شريكه، بنصيبه من قيمته، فإن كان لأحدهما بينة، حكم له بها. وانظر: منار السبيل (2/ 519).
(3)
مع عدم البينة ويبرأ. وانظر: منار السبيل (2/ 519).
(4)
نكل عن العدو وعن اليمين، أي: جبن، ومنه النكول عن اليمين، وهو الامتناع عنها، وترك الإقدام عليها. انظر: مادة نكل في لسان العرب (11/ 678)، ومختار الصحاح (283).
ويصح تعليق العتق بالصفة إن فعلت كذا فأنت حر، وللسيد وقف المعلق عتقه وبيعه ونحو ذلك قبل وجود الصفة، فإن وجدت وهو في غير ملك المعلق لم يعتق، فإن عاد لملكه ولو بعد وجودها - عادت الصفة - فمتى وجدت وهو في ملكه عتق
(1)
.
ولا يبطل التعليق إلا بموته
(2)
، فلو قال: إن دخلت الدار بعد موتي فأنت حر لغو، ويصح أنت حر بعد موتي بشهر، فلا يملك الوراث بيعه
(3)
ويصح كل مملوك أملكه فهو حر، فإذا قاله غير قن فكل من ملكه عتق، ولو قال لرقيقه: أنت حر وعليك ألف، عتق في الحال بلا شيء
(4)
، وإن قال: بألف أو على ألف فلا يعتق حتى يقبل، ويلزمه الألف، ولو قال لقنه: أنت حر على أن تخدمني سنة، أو مدة حياتي عتق، ولزمته الخدمة بلا قبول، ومن قال: رقيقي حر أو زوجتي طالق وله منفذ، ولم ينو معينًا عتق الكل وطلق الكل؛ لأنَّه مفرد مضاف فيعم.
(1)
لأن التعليق والشرط وجدا في ملكه، كما لو يتخللها زوال ملك. وانظر: منار السبيل (2/ 520).
(2)
لزوال ملكه زوالًا غير قابل للعودة. وانظر: منار السبيل (2/ 520).
(3)
كما لو أوصى بإعتاقه. وانظر: منار السبيل (2/ 520).
(4)
لأنَّه أعتقه بغير شرط، وجعل عليه عوضًا لم يقبله، فعتق ولم يلزمه شيء. وانظر: منار السبيل (2/ 512).
فصل: (في التدبير)
وتعليق العتق بالموت تدبير
(1)
، ويعتبر كونه ممن تصح وصيته
(2)
، وكونه من الثلث ولو كان في الصحة
(3)
، وإن اجتمع العتق في المرض والتدبير قدم العتق، والتدبير والوصية متساويان.
ويصح التدبير مطلقًا ومقيدًا، كإن مت في عامي هذا أو في مرضي فأنت مدبر، فيجوز على حسب شرطه، ويصح بيع المدبر وهبته، فإن عاد لملكه عاد التدبير، ويصح وقفه، وإن بيع أو وقف بعضه فباقيه مدبر.
ويبطل التدبير بوقفه، وبقتله لسيده، وبإيلاد الأمة
(4)
، وولد المدبرة من غير سيدها الذي ولد بعد التدبير مثلها
(5)
، ولو باع الأم لم يبطل
(1)
التدبير: مصدر من دبر العبد والأمة تدبيرًا؛ لأن العبد يعتق بعدما يدبر سيده، والممات دبر الحياة، والتدبير خص بالعتق بعد الموت، انظر: المطلع (315)، والتعريفات (67).
(2)
فيصح من محجور عليه لسفه، ومميز بعقله. وانظر: منار السبيل (2/ 523).
(3)
لأنَّه تبرع بعد الموت، أشبه الوصية. وانظر: منار السبيل (2/ 523).
(4)
لأن مقتضى التدبير العتق من الثلث، ومقتضى الإيلاد العتق من رأس المال، ولو لم يملك غيرها، فالاستيلاد أقوى، فيبطل به الأضعف. وانظر: منار السبيل (525/ 2).
(5)
لأن الأم استحقت الحرية بموت سيدها فتبعها ولدها كأم الولد. وانظر: منار السبيل (525/ 2).
التدبير في ولدها، ولسيد المدبرة وطؤها، ولو أسلم رقيق لكافر، ولو مدبرًا أو مكاتبًا ألزم بإزالة ملكه عنه، فإن أبى باعه الحاكم عليه.
فصل: (في الكتابة)
والكتابة
(1)
هي: بيع السيد رقيقه لنفسه بمال معلوم يصح السلم فيه، مؤجل بذمته بأجلين فأكثر.
ولا يشترط أجل له وقع في القدرة على الكسب، وصحح في الإقناع
(2)
اشتراطه
(3)
، فلا تصح حالة، ولا لنحو ساعتين
(4)
، ولا بد أن تكون بالقول
(5)
من جائز التصرف، مع قبول المكاتب، ولو كوتب المميز صح، ويشترط في مال الكتابة أن يكون مباحًا، فلا يصح بآنية ذهب كما لا يصح بمجهول، فإن فقد شرط فالكتابة فاسدة، وهي في الصحة والمرض
(1)
الكتابة: أن يكاتب الرجل عبده على مال، يؤديه إليه منجمًا، فإذا أداه صار حرًا، وسميت كتابة بمصدر كتب لأنها تجمع نجومًا، انظر: مادة كتب في لسان العرب (1/ 700)، والمطلع (316)، والتعريفات (235).
(2)
الإقناع لطالب الانتفاع للعلامة شرف الدين موسى بن أحمد بن موسى بن سالم أبو النجا الحجاوي المقدسي المتوفى عام 968 هـ، وقد ذكر العلامة بكر أبو زيد أن هذا الكتاب مستل من كتاب المستوعب للسومري المتوفى 616 هـ، وقد شرحه العلامة منصور البهوتي في كشاف القناع، والكتاب مختصر يذكر مؤلفه الأحكام مجردة من الأدلة ولا يورد التعليل لكنه يرجح ما رجحه محققو المذهب.
(3)
انظر: الإقناع مع شرحه كشاف القناع (4/ 542).
(4)
ضبة تصحيحية إلى قوله: بمجهول.
(5)
لأن المعاطاة لا تمكن فيها صريحًا. وانظر: منار السبيل (2/ 527).
من رأس المال، واختار بعضهم أنها في المرض المخوف من الثلث
(1)
.
ومتى أدى المكاتب ما عليه لسيده
(2)
أو أبرأه منه عتق، وما فضل بيده فله.
وإن أعتقه سيده وبقي عليه شيء من مال الكتابة، أو مات قبل وفائها، كان جميع ما معه لسيده، ولو أخذ السيد حقه ظاهرًا، ثم قال: هو حر، ثم بان العوض مستحقًا لم يعتق لفساد القبض، ولو كاتب المميز رقيقه بإذن وليه صح.
ويملك المكاتب كسبه ونفعه وكل تصرف يصلح في ماله، كالبيع والشراء والاستدانة، ويتبع بالاستدانة بعد عتقه
(3)
، وملك المكاتب غير تام، فلا يكفر بمال إلا بإذن سيده
(4)
، ولا يتزوج ولا يتسرى ولا يتبرع، ولا يقرض ولا يحابي ولا يبيع مؤجلًا، أو برهن أو يزوج رقيقه أو يعتقه ولو بمال أو يكاتبه إلا بإذن سيده، ومتى كاتب أو أعتق فالولاء للسيد، وولد المكاتبة إذا وضعته بعدها يتبعها في العتق بالأداء أو الإبراء، لا بإعتاقها ولا إن ماتت.
ويصح في عقد الكتابة شرط وطء مكاتبته، فإن وطئها بلا شرط عزر
(5)
، ولزمه المهر ولو طاوعته، وهو مهر مثلها، كما لو وطئ أمتها ولا
(1)
قال المرداوي رحمه الله: "الباقي بعد موت السيد يطالب به المكاتب ويؤخذ منه، وهو الصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب، ونقل ابن هانئ أنه إن أدى المكاتب بعض كتابته، ثم مات السيد، يحسب من ثلثه ما بقي من كتابة العبد ويعتق"، انظر: الإنصاف (7/ 354)، والفروع (5/ 90).
(2)
لأنَّه عتق بغير الأداء في الأولى، ومات وهو عبد في الثانية، كما لو لم يخلف وفاء. وانظر: منار السبيل (2/ 528).
(3)
لأن الكتابة وضعت لتحصيل العتق، ولا يحصل العتق إلا بالأداء، ولا يمكنه الأداء إلا بالتكسب، وهذه أقوى أسبابه. وانظر: منار السبيل (2/ 528).
(4)
لأنَّه في حكم المعسر. وانظر: منار السبيل (2/ 528).
(5)
له الوطء لبقاء أصل الملك، ويعذر إن علم التحريم، لفعله ما لا يجوز، ولا حد عليه لأنها مملوكته. وانظر: منار السبيل (2/ 529).
حد عليه، فإن حل نجم حسب المهر منه، وإن تكرر وطؤه قبل أن يؤدي مهرًا فمهر واحد، وتصير أم ولد إن ولدت له، ثم إن أدت عتقت وإلا فتعتق بموته، وما في يدها لورثته.
ويصح نقل الملك في المكاتب، وللمشتري الرد أو الأرش إن جهل الكتابة، ويكون كالبائع فإذا أدى ما عليه يعتق وله الولاء
(1)
، ويصح وقف المكاتب، فإن أدى بطل الوقف.
والكتابة عقد لازم من الطرفين، لا يدخلها خيار، ولا تنفسخ بموت السيد ولا جنونه، ولا حجر عليه.
ويعتق بالأداء إلى من يقوم مقامه، وإن حل نجم فلم يؤده فلسيده الفسخ بلا حاكم، ويلزم إنظاره ثلاثة أيام، لبيع عرض ومال غائب دون مسافة قصر يرجو قدومه.
ويجب على السيد بعد قبض جميع مال الكتابة، أن يدفع ربعها للمكاتب، وللسيد الفسخ بعجزه عن ربعها، وللمكاتب تعجيز نفسه ولو قادرًا على التكسب، إن لم يملك وفاء، ويصح فسخها باتفاقهما
(2)
.
وإن اختلفا في الكتابة فقول المنكر بيمينه، وفي قدر عوضها أو في جنسه أو أجلها أو وفاء مالها فقول السيد، والكتابة الفاسدة كعلى خمر، أو مجهولًا يغلب فيها حكم الصفة، إذا أدى عتق لا إذا أبرئ
(3)
.
ولكل فسخها، ولا يلزم السيد في الفاسدة أن يؤدي ربعها، وتنفسخ بموت السيد وجنونه، وحجر عليه لسفه
(4)
.
(1)
للزوم الكتابة، فلا تنفسخ بنقله الملك. وانظر: منار السبيل (2/ 530).
(2)
لأنها عقد جائز من الطرفين، فلا يؤول إلى اللزوم. وانظر: منار السبيل (2/ 533).
(3)
العبد من العوض الفاسد، فإنه لا يعتق لعدم صحة البراءة؛ لأن الفاسد لا يثبت في الذمة. وانظر: منار السبيل (2/ 533).
(4)
لأن العتق هنا بالصفة، أشبه ما لو قال: إذا أديت إلي فأنت حر.
وانظر: منار السبيل (2/ 533).
باب أحكام أم الولد
وهي من ولدت من المالك ولو لبعضها، ولو مكاتبًا، ولو كانت محرمة عليه، كبنته من رضاع، ما فيه صورة ولو خفية، لا بإلقاء مضغة أو جسم بلا تخطيط، وتعتق بموته، وإن لم يملك غيرها
(1)
.
ومن ملك حاملًا من غيره فوطئها قبل وضعها حرم عليه بيع ذلك الولد، ولم يصح، ولزمه عتقه، وإن أصابها في ملك غيره بنكاح أو شبهة لا بزنا، ثم ملكها حاملًا عتق الحمل، ولم تصر أم ولد، ومن قال لأمته: أنت أم ولدي صارت أم ولد، وكذا إن قال لابنها: أنت ابني يثبت النسب، فإن مات القائل ولم يبن هل حملت به في ملكه أو في غيره لم تصر أم ولد له إلا بقرينة
(2)
، ولا يبطل الإيلاد بقتلها لسيدها
(3)
.
وولدها الحادث بعد إيلادها مثلها، سواء كان من نكاح أو شبهة أو زنا، وسواء عتقت بموت سيدها، أو ماتت قبله، ويجوز فيه من التصرفات كل ما يجوز في أم الولد، ويمتنع فيه ما يمتنع فيها، لكن لا يعتق
(1)
لأنَّه إتلاف حصل بسبب الاستمتاع، فحسب من رأس المال، كإتلاف ما يأكله. وانظر: منار السبيل (2/ 534).
(2)
كما لو ملكها وهي صغيرة. وانظر: منار السبيل (2/ 535).
(3)
لأن المقتضي لعتقها زوال ملك سيدها، وقد زال. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 221).
بإعتاقها
(1)
أو موتها قبل السيد بل بموته، وإن مات سيدها وهي حامل منه، فنفقتها مدة الحمل من مال حملها على الأصح
(2)
، إن كان له مال
(3)
وإلا فعلى وارثه.
ويتعلق أرش جناية أم الولد برقبتها، فيلزم السيد فداؤها بالأقل، من الأرش أو قيمتها يوم الفداء، كلما جنت، وإن اجتمعت أروش جنايات صدرت منها قبل إعطاء شيء منها تعلق الجميع برقبتها، ولم يكن على السيد إلا الأقل، من أرش الجميع أو قيمتها، فإن لم تف بهم تحاصوا فيها بقدر حقوقهم.
وإن أسلمت أم ولد لكافر منع من غشيانها، وحيل بينه وبينها، وأجبر على نفقتها، وإن عدم كسبها، فإن مات كافرًا عتقت، وإن أسلم حلت له.
وأم الولد كالأمة في وطء وخدمة وإجارة
(4)
، إلا في نقل الملك كوقف وبيع وهبة ورهن
(5)
، ويصح كتابتها، فإن أدت في حياته عتقت، وما بقي بيدها لها، وإن مات وعليها شيء عتقت، وما بيدها للورثة.
(1)
لأنها عتقت بغير السبب الذي تبعها فيه، فبقي عتقه موقوفًا على موت سيده. وانظر: منار السبيل (2/ 536).
(2)
قال المرداوي رحمه الله: "على روايتين، إحداهما: تستحق النفقة وصححه في التصحيح، والرواية الثانية: لا تستحقها، وهذا يشبه ما إذا مات عن امرأة حامل هل تستحق النفقة لمدة حملها؟ على روايتين، ومبنى الخلاف في نفقة الحامل هل هي للحمل أو للحامل؟ فإن قلنا: هي للحمل فلا نفقة لها ولا للأمة الحامل لأن الحمل له نصيب في الميراث، وإن قلنا: للحامل، فالنفقة على الزوج أو السيد". انظر: الإنصاف (7/ 369).
(3)
نصيب الحمل الذي وقف له، لملكه له. وانظر: منار السبيل (2/ 536).
(4)
لأنها مملوكة له ما دام حيًا، أشبهت القن. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 218).
(5)
فلا يصح رهنها وهبتها وبيعها ووقفها؛ لأنها استحقت العتق بموته، وهذه التصرفات تمنع العتق. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 219).
كتاب النكاح
(1)
وهو سنة لذي شهوة لا يخاف الزنا، ويجب على من يخافه، ويقدم حينئذ على حج واجب زاحمه، لخشية الوقوع في المحذور، ويباح لمن لا شهوة له، ويحرم بدار الحرب لغير ضرورة، ويجوز بها لضرورة لغير أسير
(2)
، ويعزل
(3)
وجوبًا إن حرم نكاحه وإلا استحب.
ويسن نكاح واحدة، دينة، ولودة، أجنبية، بكر، بلا أم.
ويباح لمن أراد خطبة امرأة وغلب على ظنه إجابته نظر ما يظهر غالبًا
(4)
، كوجه ورقبة ويد وقدم مرارًا بلا خلوة، ويباح نظر ذلك ورأس وساق من أمة، وذات محرم، ولعبد نظر ذلك من مولاته، ولشاهد
(1)
النكاح: أصل النكاح في لغة العرب الوطء، وقيل للتزوج: نكاح لأنَّه سبب للوطء المباح، واصطلاحًا: عقد يرد على تمليك منفعة البضع قصدًا، انظر: مادة نكح في لسان العرب (2/ 626)، والمطلع (318)، والتعريفات (315).
(2)
من دخل دار حرب كتاجر يحرم عليه النكاح إلا للضرورة، ويستحب أن يعزل حينئذ، لكن إن كان نكاحه لغير ضرورة، وجب العزل.
(3)
العزل: عزل الماء عن النساء حذر الحمل، انظر: مادة عزل في لسان العرب (11/ 441)، ومختار الصحاح (181).
(4)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية إلى أن الخاطب ينظر من مخطوبته الوجه والكفين لا غير، وذهب الحنابلة إلى أن الخاطب ينظر إلى ما يظهر غالبًا منها، كالوجه والرقبة واليد والقدم. وانظر: الهداية (4/ 192)، ومواهب الجليل (3/ 405)، والإقناع (2/ 218)، والفقه الميسر (3/ 39).
ومعامل نظر وجه وكفين من مشهود عليها ومعاملة، ولطبيب ونحوه نظر ولمس ما دعت إليه حاجة، حتى الفرج ولو ذميًا، مع حضور محرم أو زوج، ومثل الطبيب من يلي خدمة مريض أو مريضة في نحو وضوء أو استنجاء، وحلق عانة من لا يحسن حلق عانته، ويجوز لامرأة نظر ما عدا بين السرة والركبة من امرأة ورجل، ولو كانت كافرة مع مسلمة، والمميز الذي لا شهوة له للمرأة، والرجل للرجل ولو أمرد، ويحرم خلوة ذكر غير محرم بامرأة.
ولا يجوز نظر الرجل البالغ ولو مجبوبًا للحرة البالغة الأجنيبة، ولو رتقاء
(1)
لغير حاجة، حتى شعرها المتصل.
ويجوز نظره لوجه من لا تشتهى كعجوز وقبيحة، ويحرم على زان نظر أم مزنيته وبنتها، وبنت الموطوءة بشبهة وأمها، وبنت تسع مع رجل كمحرم، وأمة لا يملكها أو يملك بعضها، أو كان لا شهوة له كعنين
(2)
أو كبير، أو كان مميزًا وله شهوة، أو رقيقًا غير مبعض ومشترك ونظر لسيدته فإنه يجوز للوجه والرقبة واليد والرأس والساق والقدم.
ويجوز نظر ولمس جميع بدن زوجته وأمته المباحة له ولو بشهوة ونظر من دون سبع، حتى الفرج بلا كراهة، ويجوز تقبيل فرج المرأة قبل الجماع، ويكره بعده، ويحرم النظر بشهوة، وهي التلذذ بالنظر لشيء غير زوجته وأمته، واللمس كالنظر، ويحرم التلذذ بصوت الأجنبية ولو بقراءة.
ويحرم التصريح بخطبة المعتدة من وفاة، والمبانة دون التعريض،
(1)
رتق: ضد الفتق، والرتق بالتحريك، مصدر قولك: رتقت المرأة رتقًا، وهي رتقاء بينة الرتق، أي: التصق ختانها فلم تنل، لارتقاق ذلك الموضع منها، انظر: مادة رتق في لسان العرب (10/ 114)، ومختار الصحاح (98).
(2)
العنين: الذي لا يأتي النساء ولا يريدهن، فهو بين العنانة، يعن ذكره عن قبل المرأة يمينًا وشمالًا فلا يقصده، وامرأة عنينة، كذلك لا تريد الرجال ولا تشتهيهم، انظر: مادة عنن في لسان العرب (13/ 291).
ويحرم التعريض والتصريح لرجعية
(1)
من غير زوجها
(2)
، ويباحان لمن أبانها بدون الثلاث، ويباح التعريض للبائن في عدتها
(3)
.
فإذا أجاب ولي مجبرة
(4)
لمسلم، أو أجابت غير المجبرة المسلمة، حرم على غيره خطبتها بلا إذنه، وإن رد الأول أو أذن، أو استأذنه الثاني فسكت أو جهل الحال جاز للثاني أن يخطب.
ويسن العقد يوم الجمعة مساء، وأن يخطب قبله بخطبة ابن مسعود
(5)
وهي: إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
فإذا زفت إليه، قال: اللَّهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها
(6)
عليه، وأعوذ بك من شرها، وشر ما جبلتها عليه، ويصح العقد مع حرمة الخطبة
(7)
.
(1)
ضبة تصحيحية.
(2)
لأنها في حكم الزوجات، أشبهت التي في صلب النكاح. وانظر: منار السبيل (2/ 545).
(3)
في هذه العبارة - والله أعلم - تكرار؛ لأن الحكم المراد إثباته، مثبت في السطر السابق.
(4)
المجبرة: هي غير المكلفة، وسيأتي بيان هذا المصطلح قريبًا من كلام المؤلف رحمه الله.
(5)
هو عبد الله بن مسعود بن حبيب بن غافل الهذلي، أبو عبد الرحمن، أسلم قديمًا وهاجر الهجرتين، وشهد بدرًا والمشاهد كلها ولازم النبي صلى الله عليه وسلم وكان صاحب نعليه. انظر: الإصابة (4/ 198)، وسير أعلام النبلاء (461: 1).
(6)
الجبلة: الخلقة، وجبله الله، أي: خلقه، انظر: مادة جبل في لسان العرب (11/ 99)، ومختار الصحاح (39).
(7)
لأن أكثر ما فيه تقدم حظر على العقد، أشبه ما لو قدم عليه تصريحًا أو تعريضًا محرمًا. وانظر: منار السبيل (2/ 546).
فصل: (في ركني
(1)
النكاح وشروطه)
(2)
وللنكاح ركنان
(3)
: الإيجاب من الولي أو من يقوم مقامه بلفظ النكاح، والقبول بلفظ قبلت أو رضيت أو تزوجت مرتبين، وإن تراخى القبول عن الإيجاب حتى تفرقا، أو تشاغلا بما يقطعه عرفًا، أو تقدم عن الإيجاب بطل، ويصح النكاح من هازل وبغير العربي من عاجز، لا بكتابة أو إشارة إلا من أخرس.
وشروطه خمسة:
- أحدها -: تعيين الزوجين فلا يصح زوجتك بنتي وله غيرها،
(1)
الركن: جانب الشيء الأقوى، واصطلاحًا: أركان الشيء أجزاء ماهيته، وأركان العبادة جوانبها التي عليها مبناه وبتركها بطلانه، انظر: مختار الصحاح مادة ركن (107)، والمطلع (88)، والتعاريف (372).
(2)
الشروط: جمع شرط، والشرط لغة: العلامة، واصطلاحًا: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، انظر: المطلع (47)، والتعاريف (427)، والحدود الأنيقة (71).
(3)
ذهب الحنفية إلى أن للنكاح ركنًا واحدًا وهو القبول والإيجاب، والى هذا ذهب الحنابلة لكنهم عدوه ركنين، وذهب المالكية إلى أن أركان النكاح أربعة: المحل والولي والصيغة والصداق، وذهب الشافعية إلى أن أركان النكاح خمسة: الصيغة والزوجة والعاقدان والشاهدان، وانظر: الهداية (2/ 159)، والثمر الداني (116)، والإقناع (2/ 222)، والفقه الميسر (3/ 14).
وقبلت نكاح موليتك لابني وله غيره، حتى يتميز كل منهما باسمه أو صفته، أو إشارة إليه
(1)
، فلو سماها بغير اسمها ولم يكن له غيرها صح، ومن سمي له في العقد غير مخطوبته فقبل يظنها إياها لم يصح.
الثاني: رضا زوج مكلف ولو رقيقًا، فيجبر الأب لا الجد، غير المكلف من أولاده، فإن لم يكن أب فوصيه، فإن لم يكن وصي فالحاكم، ولا يصح من غيرهم تزويج غير المكلف، ولا يعتبر رضاه
(2)
، ورضا زوجة حرة عاقلة ثيب، تم لها تسع سنين، فيشترط إن كانت ثيبًا
(3)
، ويسن إذا كانت بكرًا، فيجبر الأب لا الجد ثيبًا دون ذلك، وبكرًا ولو بالغة
(4)
، ولكل ولي تزويج يتيمة بلغت تسعًا بإذنها، لا من دونها بحال، إلا وصي أبيها
(5)
.
وإذن الثيب - وهي من زالت بكارتها بوطء، في قبل ولو زنا - الكلام، وإذن البكر - ولو موطوءة في دبر - الصمت، ولو مع بكاء أو ضحك، وشرط في استئذانها تسمية الزوج على وجه تقع به المعرفة.
ويجبر السيد ولو فاسقًا عبده غير المكلف، وأمته ولو مكلفة، أو أم
(1)
لأن التعيين لا يحصل إلا بهذا. وانظر: منار السبيل (2/ 549).
(2)
لعدم اعتبار إذنه؛ لأنَّه لا إذن لهم، كالمجنون والصغير. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 258).
(3)
اتفق الفقهاء على أن الثيب البالغة لا يجوز إجبارها على النكاح، واختلفوا في الثيب الصغيرة، فذهب الفقهاء من الحنفية والحنابلة والمالكية، إلى جواز إجبار الثيب الصغيرة اعتبارًا بصغرها. وذهب الشافعية إلى مفع الولي من إجبار الصغيرة الثيب على النكاح، بل نصوا على أنها لا تزوج ثانية إلا بعد بلوغها وإذنها. وانظر: الهداية (2/ 171)، والثمر الداني (338)، والإقناع (2/ 233)، والفقه الميسر (3/ 40).
(4)
اتفق جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة، على أن للأب أن يجبر ابنته البكر غير البالغة على النكاح، واختلفوا في جواز إجباره للبالغة، فذهب الحنفية إلى أنه لا يجوز لأبيها أن يجبرها على النكاح، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى الجواز. وانظر: الهداية (2/ 169)، والثمر الداني (337)، والإقناع (2/ 232)، والفقه الميسر (3/ 40).
(5)
لأنَّه يقوم مقامه. وانظر: منار السبيل (2/ 551).
ولد
(1)
.
الثالث: الولي وله شروط سبعة: ذكورة، وعقل، وبلوغ، وكمال حرية
(2)
واتفاق دين الولي والمولى عليها، فلا ولاية لكافر على مسلمة، ولا لنصراني على مجوسية ونحو ذلك، لعدم التوارث، ما عدا ثلاث صور: أم ولد لكافر أسلمت، وأمة كافرة لمسلم
(3)
، والسلطان يزوج من لا ولي لها
(4)
، وعدالة ولو ظاهرة
(5)
، ما عدا السلطان والسيد.
ورشد وهو معرفة الكفء ومصالح النكاح
(6)
، ولا يشترط كونه بصيرًا ولا متكلمًا، ولا الرشد في المال، ولا تزوج المرأة نفسها ولا غيرها
(7)
.
والأحق بتزويج الحرة أبوها، ثم جدها لأب وإن علا، فابنها ثم ابنه وإن نزل الأقرب فالأقرب، ثم الأخ الشقيق ثم للأب ثم بنوهما كذلك، ثم
(1)
أو مدبرة؛ لأنَّه يملك منافع بضعهن، والنكاح عقد على منفعة، أشبه عقد الإجارة. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 258).
(2)
لأنَّه لا ولاية لأنثى ومجنون وصبي وعبد، فلا يزوجون أنفسهم ولا يزوجون غيرهم. وانظر: منار السبيل (2/ 552).
(3)
فله أن يزوجها لكافر، وكذا أمة كافرة لمسلمة. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 264).
(4)
من أهل الذمة، لعموم ولايته على أهل دار الإسلام. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 264).
(5)
ذهب الحنفية والمالكية إلى عدم اشتراط عدالة ولي المرأة؛ لأن الفاسق يزوج نفسه، فلا يمنع أن يزوج غيره، وذهب الشافعية والحنابلة، إلى اشتراط العدالة الظاهرة في الولي. وانظر: الهداية (2/ 173)، والثمر الداني (336)، والإقناع (2/ 223)، والفقه الميسر (3/ 16).
(6)
وذهب الحنفية والشافعية إلى اشتراط كون الولي رشيدًا يعرف النكاح ومصلحته لموليته. وذهب المالكية إلى عدم اشتراط الرشد في الولي، بل هو عندهم شرط كمال. وانظر: الثمر الداني (336)، والإقناع (2/ 323)، والفقه الميسر (17/ 3).
(7)
ذهب الحنفية إلى جواز أن تلي المرأة عقد نكاح امرأة أخرى بوكالة وليها. ومنع من ذلك الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة. وانظر: كفاية الطالب (2/ 59)، والإقناع (2/ 222)، والفقه الميسر (3/ 21).
عمها لأبوين ثم لأب ثم بنوهما كذلك، ثم الأقرب فالأقرب من عصبات النسب كالإرث، ثم مولى العتق ثم أقرب عصبته نسبًا ثم ولاءً.
ثم السلطان أو نائبه، والقاضي أحق من الأمير في هذا، فإن عدم الكل زوجها ذو سلطان في مكانها، فإن تعذر وكلت
(1)
، وولي الأمة سيدها ولو فاسقًا، ولا ولاية لأخ من أم ولا خال من ذوي الأرحام.
ولو زوجها الحاكم أو الولي الأبعد بلا عذر للأقرب لم يصح، فإن امتنع الأقرب من كفء رضيته، ورغب - كل منهما - بما يصح مهرًا، أو لم يكن الأقرب أهلًا، أو غاب غيبة منقطعة، لا تقطع إلا بكلفة ومشقة فوق مسافة القصر، أو جهل مكانه زوجها الأبعد
(2)
.
ووكيل كل ولي من يقوم مقامه غائبًا وحاضرًا، بشرط إذنها للوكيل بعد توكيله، إن لم تكن مجبرة، ويشترط في وكيل الولي ما يشترط في الولي.
ومن زوج ابنه بنت أخيه ونحوه صح أن يتولى طرفي العقد، ويكفي زوجت فلانًا فلانة، وكذا ولي عاقلة تحل له إذا تزوجها بإذنها، كفى قوله: تزوجتها، ويصح توكيل الفاسق في قبول النكاح؛ لأنَّه يصح قبوله لنفسه.
ويصح توكيل الولي في إيجاب النكاح توكيلًا مطلقًا، كقوله: زوج من شئت، ويتقيد بالكفء، ولا يملك به أن يزوجها من نفسه، من غير إذن الموكل، ويشترط قول الولي أو وكيله: زوجت فلانة فلانًا أو لفلان، وقول وكيل الزوج: قبلته لموكلي فلان أو لفلان.
ووصي الولي في النكاح بمنزلة الموصى فيجبر من يجبره لو كان حيًا من ذكر وأنثى.
(1)
لأن شرط الولي في هذه الحال يمنع النكاح بالكلية. وانظر: منار السبيل (2/ 554).
(2)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية إلى أن الولاية تنتقل للسلطان، إذا عضلها وليها عمن يليق بها، وذهب الحنابلة إلى أن الولاية في هذه الحال تنتقل للولي الأبعد. وانظر: حاشية الدسوقي (2/ 232)، والإقناع (2/ 228)، والفقه الميسر (3/ 19).
وإن استوى وليان فأكثر في الدرجة صح التزويج من كل منهم إن أذنت لهم
(1)
، فإن أذنت لأحدهم تعين، ولم يصح نكاح غيره، وإن وكل ولي الزوج والمرأة واحدًا صح أن يتولى طرفي العقد، ويستثنى من ذلك بنت عمه وعتيقته المجنونتان، فيشترط إذا أراد أن يتزوجهما ولي غيره أو حاكم، ومن قال لأمته التي يحل له نكاحها لو كانت حرة: أعتقتك، وجعلت عتقك صداقك، أو جعلت عتق أمتي صداقها عتقت، وصارت زوجة له، إن توفرت الشروط في النكاح
(2)
.
الرابع: الشهادة
(3)
، فلا يصح إلا بشاهدين عدلين ولو ظاهرًا، ذكرين مكلفين سميعين ناطقين، ولو أعميين أو رقيقين، أو عدوي الزوجين، ولا يبطله تواص بكتمانه
(4)
، ولا تشترط الشهادة بخلوها من الموانع أو إذنها، ولا بد أن يكونا مسلمين، ولو الزوجة ذمية، ويكونا من غير أصلي الزوجين وفرعيهما.
الخامس: خلو الزوجين من الموانع، بأن لا يكون بهما ما يمنع التزوج من نسب أو سبب، أو عدة أو إحرام
(5)
أو اختلاف دين، أو كأن يكون مسلمًا وهي مجوسية.
وليست الكفاءة في الزوج شرطًا في صحة النكاح، بل شرط للزومه،
(1)
لوجود سبب الولاية، في كل منهم بإذن موليته، أشبه ما لو انفرد بالولاية. وانظر: منار السبيل (2/ 556).
(2)
ما سبق منها وما سيأتي، ومنها أن يكون الكلام متصلًا بحضرة شاهدي عدل. وانظر: منار السبيل (2/ 558).
(3)
ذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة، إلى أن النكاح لا يصح إلا بحضرة شاهدين، وذهب المالكية إلى أن الإشهاد واجب مستقل، ليس شرطًا ولا ركنًا في النكاح، بل شرط في صحة الدخول. وانظر: الهداية (2/ 159)، والثمر الداني (336)، والإقناع (2212)، والفقه الميسر (3/ 21).
(4)
لأنَّه لا يكون مع الإشهاد عليه مكتومًا. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 278).
(5)
ذهب الحنفية إلى صحة نكاح المحرم والمحرمة، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى فساد النكاح وبطلانه ووجوب تجديده. وانظر: الهداية (2/ 164)، وشرح الزرقاني (2/ 367)، والإقناع (2/ 226).
واشترطها بعضهم
(1)
، والمراد بها أن يساويها دينًا، أي: أداء الفرائض واجتناب النواهي، ومنصبًا وهو النسب والحرية، وصناعة ويسارًا بما يجب لها، ولمن زوجت بغير كفء أن تفسخ نكاحها ولو على التراخي
(2)
، ما لم ترض بقول أو فعل، كما لو مكنته عالمة أنه غير كفء، وكذا لأوليائها كلهم القريب والبعيد الفسخ، حتى الحادث بعد العقد، ولو رضيت أو رضي بعضهم فلمن لم يرض الفسخ، ولو زالت الكفاءة بعد العقد فلها وحدها الفسخ
(3)
، كعتقها تحت عبد.
وتعتبر الكفاءة في خمسة: الديانة فلا يكون الفاجر كفء عفيفة، ولا الفاسق كفء العدل، والصناعة فالحجام والزبال والحائك، ليس كفئًا لبنت تاجر أو بزاز، والميسرة بالمال بحسب ما يجب لها، بحيث لا تتغير عادتها عند أبيها في بيته، وليس مولى القوم كفئًا لهم، والحرية فلا يكون العبد والمبعض كفئًا لحرة ولو عتيقة، والنسب فلا يكون العجمي كفئًا لعربية. ويفسق الولي لو زوجها لغير كفء بغير رضاها، فللأخ الفسخ مع رضا أب.
(1)
قال المرداوي رحمه الله: "هي شرط لصحة النكاح، وهي المذهب عند أكثر المتقدمين، وعنه ليست بشرط يعني للصحة، بل شرط في اللزوم، وهي أصح، وهذا المذهب عند أكثر المتأخرين". انظر: الإنصاف (8/ 80)، وتصحيح الفروع (5/ 143)، ومنتهى الإرادات (2/ 168).
(2)
لأنَّه لنقص في المعقود عليه أشبه خيار العيب. وانظر: منار السبيل (2/ 559).
(3)
لأن حق الأولياء في ابتداء العقد، لا في استدامته. وانظر: منار السبيل (2/ 559).
باب المحرمات في النكاح
تحرم أبدًا الأم، وكل جدة من قبل الأب أو الأم وإن علت، والبنت ولو من زنا أو شبهة، وإن كانت منتسبة لغيره، وبنت الولد ذكرًا أو أنثى وإن سفلت، وكل أخت شقيقة أو لأب أو لأم وبنتها وبنت ولدها ذكرًا أو أنثى وإن نزلت، وبنت كل أخ وبنتها وبنت ابنه وبنتها وإن سفلت، والعمة والخالة وإن علتا من جهة الأب أو الأم، وتحرم الربائب وهي: بنت الزوجة وبنت أولادها وإن نزلت، - من نسب أو رضاع - بالدخول، فإن بانت أو ماتت ولو بعد الخلوة أبيحت، ويحرم بالرضاع ولو مكرهة ما يحرم بالنسب.
فكل امرأة حرمت من النسب حرم مثلها من الرضاع، حتى في مصاهرة
(1)
، فتحرم زوجة أبيه وولده من رضاع، إلا أم أخيه وأم أخته من رضاع، وإلا أخت ابنه من الرضاع، فتحل كما تحل عمته وبنت عمه وبنت خالته وبنت خاله.
ويحرم أبدًا بالمصاهرة أربع: ثلاث بمجرد العقد، وإن لم يحصل دخول ولا خلوة، زوجة أبيه وإن علا، وزوجة ابنه وإن سفل، وأم زوجته وإن علت، من نسب أو رضاع، فإن وطئها حرمت عليه أيضًا، بنتها وبنت ابنها.
وبغير العقد لا حرمة إلا بالوطء، في قبل أصلي أو في دبر، إن كان
(1)
المصاهرة: مصدر صاهرهم، إذا تزوج إليهم، والصهر بمعنى المصاهرة، والصهر من كان من أقارب الزوج أو الزوجة، وحلائل آبائه، انظر: المطلع (322).
ابن عشر في بنت تسع، وكانا حيين، ويحرم بوطء الذكر ما يحرم بوطء الأنثى، فلا تحل للائط وملوط به أم الآخر ولا بنته، ولا تحرم أم زوجة أبيه ولا بنت زوجة أبيه، ولا أم زوجة ابنه ولا بنت زوجة ابنه.
ومن وطئ امرأة بشبهة أو زنا حرم عليه أمها وبنتها، وحرمت على أبيه وابنه.
ويحرم الجمع بين الأختين من نسب أو رضاع، حرتين أو أمتين أو حرة وأمة قبل الدخول وبعده، وكذلك بين المرأة وعمتها أو خالتها، وإن علتا من كل جهة، من نسب أو رضاع، وبين خالتين أو عمتين أو عمة أو خالة، وبين كل امرأتين لو كانت إحداهما ذكرًا والأخرى أنثى حرم نكاحه لها، لقرابة أو رضاع.
فمن تزوج نحو أختين في عقد أو عقدين معًا أو خمسًا في نكاح واحد لم يصح، وإن جهل أسبقهما فعليه فرقتهما بطلاق، فإن لم يطلق فسخهما حاكم، دخل بهما أو لم يدخل، وعليه لإحداهما نصف مهرها بقرعة، وإن دخل بإحداهما أقرع بينهما، فإن وقعت القرعة لغير المدخول بها فلها نصف المهر، وللمدخول بها مهر المثل، وإن وقع العقد مرتبًا، صح الأول.
ومن ملك أختين أو نحوهما صح، وله أن يطأ أيهما شاء، وتحرم عليه الأخرى، حتى يحرم الموطوءة بإخراج عن ملكه، ولو ببيع لحاجة التفريق أو بتزويج بعد الاستبراء
(1)
، ولا يكفي استبراؤها بدون زوال الملك، ولا زوال ملكه بدون إستبراء، فلو خالف ووطئهما واحدة بعد واحدة حرم عليه ولا حد فيه ولزمه الإمساك عنهما حتى يحرم إحداهما ويستبرأها.
ومن وطئ امرأة بشبهة أو زنا حرم في زمن عدتها نكاح أختها وعمتها
(1)
الاستبراء: أن يشتري الرجل الجارية، فلا يطؤها حتى تحيض عنده حيضة، ثم تطهر، وكذلك إذا سباها، لم يطأها حتى يستبرئها بحيضة، ومعناه: طلب براءتها من الحمل. انظر: مادة برأ في لسان العرب (1/ 33)، والنهاية (1/ 111).
وخالتها، ووطؤها إن كانت زوجة أو أمة، وحرم أن يزيد على ثلاث غيرها بعقد أو وطء.
وليس لحر جمع أكثر من أربع زوجات، ولا لعبد أكثر من ثنتين، ولمن نصفه حر جمع ثلاث زوجات
(1)
، ومن طلق واحدة من نهاية جمعه حرم نكاحه بدلها حتى تنقضي عدتها، وإن ماتت جاز له أن يتزوج بدلها في الحال، وتحرم مطلقة الرجل ثلاثًا حتى تنكح زوجًا غيره، وتنقضي عدتها من الثاني، وتحرم المحرمة حتى تحل من إحرامها، والمسلمة على كافر حتى يسلم، والكافرة غير الكتابية التي أبواها كتابيين على المسلم
(2)
، ولو عبدًا، ولا يحل لحر مسلم، ولو خصيًا أو مجبوبًا كامل الحرية نكاح أمة مسلمة
(3)
ولو مبعضة، إلا عند عدم الطول، أي: مهر الحرة وخاف العنت
(4)
، أو احتاج لخدمة لكبر أو مرض ونحوهما، ولو مع صغر زوجته الحرة أو مرضها، أو عجز عن ثمن أمة.
ولا يكون ولد الأمة - الذي ليس بذي محرم من مالكها - حرًا، إلا باشتراط الحرية من الزوج على مالكها حرية ولدها، أو الغرور للزوج
(5)
، ومن جمع في عقدين مباحة ومحرمة صح في المباحة
(6)
، ومن حرم نكاحها حرم وطؤها بالملك، إلا الأمة الكتابية.
(1)
واحدة بنصفه الرقيق، وثنتين بنصفه الحر. وانظر: منار السبيل (2/ 566).
(2)
ذهب الحنفية إلى إباحة الزواج من الكتابيات بلا كراهة، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى كراهة نكاح الكتابيات العفيفات مع جوازه وإباحته. وانظر: المبسوط للسرخسي (4/ 210)، وحاشية الدسوقي (2/ 267)، وإعانة الطالبين (2493)، وكشاف القناع (5/ 84).
(3)
ذهب الحنفية إلى جواز نكاح الأمة الكتابية بلا فرق بينها وبين الحرة، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى المنع والتحريم. وانظر: الهداية (2/ 163)، والثمر الداني (348)، والإقناع (2/ 214) الفقه الميسر (363).
(4)
ضبة تصحيحية إلى قوله: أمة.
(5)
بأن ظنها أو شرطها حرة فولده حر لاعتقاده حريته، ويفديه بقيمته يوم ولادته، ويرجع على من غره. وانظر: منار السبيل (2/ 568).
(6)
لأنها محل قابل للنكاح أضيف إليها عقد من أهله فصح، كما لو انفردت به. انظر: منار السبيل (2/ 569).
ولا يصح نكاح خنثى حتى يستبين أمره، ولا يحرم الجمع بين أخت شخص من أبيه وأخته من أمه، ولا بين مبانة من شخص وبنته من غيرها ولو في عقد، وتحرم المعتدة من الغير، والمستبرأة من غيره، والزانية على زان وغيرها حتى تتوب وتنقضي عدتها، ولا ينكح عبد سيدته، ولا سيد أمته، وللحر نكاح أمة أبيه دون أمة ابنه، وليس للحرة نكاح عبد ولدها، وللعبد نكاح أمة ولو لابنه
(1)
، وللأمة نكاح عبد ولو لابنها
(2)
.
وإن ملك أحد الزوجين أو ولده الحر أو مكاتبه أو مكاتب ولده الزوج الآخر أو بعضه انفسخ نكاحهما، ولا ينقص بهذا الفسخ عدد الطلاق
(3)
.
(1)
لأن الرق قطع ولايته على ولده وماله، فهو كالأجنبي منه. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 310).
(2)
لمساواتها له في الرق، والتوارث مقطوع بينها وبين ابنها، فهو كالأجنبي عنها. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 310).
(3)
لأنَّه لم يلفظ بصريح طلاق ولا كناية. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 311).
باب الشروط والعيوب
(1)
في النكاح
الشروط قسمان:
أحدهما: صحيح وهو ما فيه غرض صحيح، وكان في صلب العقد، أو اتفقا عليه قبله، كإن شرطت طلاق ضرتها
(2)
، أو أن لا يتسرى أو لا يتزوج عليها، أو أن لا يخرجها من بلدها، أو أن لا يفرق بينها وبين أبويها، أو أن ترضع ولدها الصغير، أو شرطت نقدًا معينًا أو زيادة في مهرها، أو نفقة ولدها وكسوته، فيصح الشرط ويكون لازمًا، ليس للزوج فكه إلا بإبانتها، ومن لم يف بما شرط كان الفسخ لها على التراخي
(3)
، ولا يسقط إلا بما يدل على رضاها من قول أو تمكين مع العلم بعدم وفائه، فإن شُرِطَ أن لا يخرجها من منزل أبويها، فمات أحدهما بطل الشرط.
القسم الثاني: الفاسد، وهو نوعان:
(1)
الشروط: جمع شرط، والشرط لغة: العلامة، واصطلاحًا: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، والعيوب من العيب والعيبة وهي الوصمة، وعيبه وتعيبه: صار ذا عيب، انظر: مادة عيب في لسان العرب (633/ 1)، ومختار الصحاح (194)، وانظر: المطلع (47)، والتعاريف (427)، والحدود الأنيقة (71).
(2)
نص المصححون من فقهاء المذهب على أن هذا الشرط باطل لمخالفته لكتاب الله. وانظر: الإنصاف (8/ 157)، والمبدع (7/ 81).
(3)
لأنَّه شرط لازم في عقد، فثبت حق الفسخ بفواته. وانظر: منار السبيل (2/ 570).
نوع يبطل به النكاح، وهو أن يزوجه موليته، بشرط أن يزوجه الآخر موليته ولا مهر بينهما، ويسمى نكاح الشغار
(1)
، أو يجعل بضع كل واحدة منهما مع دراهم معلومة مهرا للأخرى، فإن سموا مهرأ لكل منهما مستقلًا، ولا حيلة صح، وإن سموا لإحداهما صح نكاحها.
وكذا لو تزوج المطلقة ثلاثًا بشرط أنه إذا أحلها طلقها فهو باطل
(2)
، وكذا لو نواه بقلبه ولم يذكره في العقد، أو يتفقا عليه قبل العقد فهو باطل، إن لم يرجعا عن هذا الإتفاق قبل العقد
(3)
، وقيل: إذا نوى التحليل بقلبه لا يضر
(4)
.
(1)
اتفق الفقهاء على تحريم نكاح الشغار، وذهب الحنفية إلى صحة نكاح الشغار مع وجوب مهر المثل، وذهب الجمهور من الشافعية والحنابلة إلى بطلانه، وذهب المالكية إلى أن للشغار صورًا: صريح الشغار، ووجه الشغار، والمركب منهما، وحكم الأول أنه يفسح بطلاق على المشهور قبل الدخول وبعده، وإن ولدت الأولاد، وللمدخول بها صداق المثل، ولا شيء لغير المدخول بها. وانظر: شرح فتح القدير (3/ 338)، والثمر الداني (341)، ومغني المحتاج (3/ 142)، والفقه الميسر (3/ 25).
(2)
ذهب الحنفية إلى بطلان شرط التحليل الوارد على الزوج الثاني، سواء من المرأة أو الزوج الأول أو الولي، وكراهة النكاح هنا كراهة تحريم، على أنه إذا نواه بلا شرط كان مأجورًا مثابًا، وذهب المالكية إلى البطلان والفساد والحرمة في جميع صور نكاح التحليل، ويفسخ بطلقة بائنة قبل الدخول أو بعده ولها المسمى بالدخول، ومدار ذلك على الناكح سواء شرط عليه أو نواه. وذهب الشافعية إلى بطلان النكاح والشرط في نكاح المتعة، بخلاف ما لو نواه فهو صحيح؛ لأن العبرة بالشرط لا بالقصد، وذهب الحنابلة إلى المنع مطلقًا. وانظر: البحر الرائق (4/ 63)، والكافي لابن عبد البر (238)، والمهذب (2/ 47)، والفقه الميسر (3/ 27).
(3)
ضبة تصحيحية.
(4)
قال المرداوي: "لو نوى التحليل بقلبه من غير ذكر في العقد لم يصح النكاح، في ظاهر المذهب، نص عليه أحمد وعليه الأصحاب، وقيل: يكره ويصح، حكاه بعض الأتباع رواية، ومنع من ذلك الشيخ تقي الدين". انظر: الإنصاف (8/ 120)، وتصحيح الفروع (5/ 164)، ومنتهى الإرادات (2/ 182).
ونكاح المتعة أن يتزوجها إلى مدة، أو بشرط طلاقها في وقت كذا، أو نوى ذلك بقلبه، أو تزوج الغريب بنية طلاقها إذا خرج، أو علق النكاح بشرط مستقبل كزوجتك إذا جاء رأس الشهر، أو إن رضيت أمها فهو باطل، إلا إذا قال: زوجتك أو قبلت إن شاء الله.
النوع الثاني: يصح النكاح معه ويلغو الشرط
(1)
، كأن يشترط أن لا مهر لها ولا نفقة لها، أو يقسم لها أكثر من ضرتها أو أقل، أو إن فارقها رجع عليها بما أنفق، أو خيارًا في عقد أو في مهر أو أن يسافر بها، أو أن لا تسلم نفسها إلى مدة كذا.
(1)
لمنافاته مقتضى العقد، وتضمنه إسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده، كإسقاط الشفيع شفعته قبل البيع، والعقد صحيح. وانظر: منار السبيل (2/ 574).
فصل: (في تخلف الشرط، والعيوب
(1)
في النكاح)
وإن شرط الزوج أنها مسلمة، أو قال الولي: زوجتك هذه المسلمة، فبانت كتابية، أو شرطها بكرًا أو جميلة أو نسيبة أو شرط نفي عيب في الزوجة لا يفسخ به النكاح فبانت بخلافه فللزوج الخيار
(2)
في الأصح
(3)
.
ولا يصح فسخ خيار الشرط، إلا بحكم حاكم، فإن شرطها أدنى فبانت أعلى فلا فسخ.
ومن تزوجت رجلًا ظنته حرًا فبان عبدًا فلها الخيار، وإن كانت أمة، وإن تزوج امرأة وشرط أو ظن أنها حرة، فبانت أمة فإن كان ممن يحل له نكاح الإماء فله الخيار، والا فرق بينهما، وما ولدته قبل العلم حر يفديه بقيمته يوم ولادته، ولو كان المغرور عبدًا فولده حر أيضًا
(4)
، يفديه إذا
(1)
من العيب والعيبة وهي الوصمة، وعيبه وتعيبه: صار ذا عيب، انظر: مادة عيب في لسان العرب (1/ 633)، ومختار الصحاح (194).
(2)
لأنَّه شرط صفة مقصودة ففاتت، أشبه ما لو شرطها حرة، فبانت أمة. وانظر: منار السبيل (2/ 575).
(3)
قال المرداوي: "إذا شرط الزوج نفي عيب لا ينفسخ به النكاح، فبانت بخلافه، فهل له الخيار؟ على وجهين، أحدهما: له الخيار. وهو الصواب، والثاني: ليس له الخيار، وقيل: له الخيار في شرط النسب خاصة إذا فقد". انظر: الإنصاف (8/ 125)، وتصحيح الفروع (5/ 167)، ومنتهى الإرادات (2/ 183).
(4)
لأنهما وطئا معتقدين حريتها، وحرية أولادها تبعًا، فلزم الضمان للمهر، وقيمة الولد على من غرهما. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 330).
عتق، ويرجع الزوج بالفداء والمهر على من غره.
ومن عتقت كلها تحت رقيق كله فلها الفسخ بغير حكم حاكم، فتقول: فسخت نكاحي، أو اخترت نفسي ولو بالتراخي، ما لم يوجد منها دليل رضا، كتمكين من وطء أو مباشرة كقبلة، ولو جاهلة عتقها، أو ملك الفسخ، ولبنت تسع أو دونها إذا بلغتها تامة، والمجنونة إذا عقلت الخيار حينئذ دون ولي.
والعيوب المثبتة للخيار ثلاثة أقسام:
قسم يختص بالرجال، وهو ثلاثة أشياء: كون ذكره مقطوعًا كله أو بعضه، ولم يبق منه ما يمكنه به جماع، ويقبل قولها في عدم إمكانه، وقطع خصيتيه وشلله، فلها الفسخ في الحال.
وكونه عنينًا لا يمكنه الوطء، لكبر أو مرض بإقراره، أو ببينة على إقراره
(1)
، فيؤجل سنة هلالية من ابتداء ترافعهما إلى الحاكم، فإن وطئها فيها وإلا فلها الفسخ، وإن اعترفت أنه وطئها في القبل في النكاح الذي ترافعا فيه، ولو مرة فليس بعنين
(2)
، ولو رضيت به في وقت عنينًا سقط خيارها أبدًا، كما لو تزوجته عالمة عنته.
القسم الثاني: يختص بالمرأة وهو كون فرجها مسدودًا لا يسلكه ذكر، فإن كان بأصل الخلقة فهو القرن والرتق، وكذا الفتق: وهو انخراق ما بين سبيليها، وقروح سيالة في فرج واستحاضة، أو بالفرج بخر، أي: نتن
(3)
.
(1)
أي: ثبتت عنته بنكوله عن اليمين، أو إذا كان للمدعي بينة من أهل الخبرة والثقة عمل بها. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 335).
(2)
إن عجز وطئها لكبر أو مرض لا يرجى برؤه، ضربت له المدة، وإن كان لصغر أو مرض مرجو الزوال، لم تضرب له المدة. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 336).
(3)
لأن ذلك يمنع الوطء أو كمال لذته، ولما فيه من النفرة والنقص، أو خوف تعدى أذاه ونجاسته. وانظر: منار السبيل (2/ 577).
القسم الثالث: مشترك بينهما وهو الجنون ولو أحيانًا، والجذام
(1)
والبرص
(2)
، وبخر الفم والباسور والناصور، واستطلاق بول أو غائط، وكون أحدهما خنثى واضحًا، وقرع رأس بريح منكرة، فيثبت بكل عيب مما تقدم الفسخ، ولو حدث بعد العقد والدخول، أو كان بالآخر مثله.
ومن رضي بالعيب أو وجد منه ما يدل على الرضا مع علمه فلا خيار له
(3)
، ولا يتم فسخ أحدهما إلا بحاكم، فإن كان قبل الدخول فلا مهر لها
(4)
، وإن كان بعده فلها المسمى، ويرجع به على الغار إن وجد، والصغيرة والمجنونة والأمة لا تتزوج واحدة منهن بمعيب
(5)
، فإن حصل لم يصح إن علم، وإلا صح ويفسخ إذا علم، وكذا ولي صغير أو مجنون، لم فإن رضيت العاقلة الكبيرة مجنونًا أو عنينًا لم تمنع، ويمنعها وليها من مجنون ومجذوم وأبرص في ابتداء العقد
(6)
، ولا يجبرها على الفسخ في دوامه.
ولا خيار في عيب زال بعد العقد، ولا لعالم به بعد العقد.
(1)
جذام: من الجذم وهو القطع، ويقال: أجذم فهو مقطوع اليد، انظر: مادة جذم في لسان العرب (12/ 88)، ومختار الصحاح (42).
(2)
البرص: داء معروف، وهو بياض يقع في الجسد، انظر: مادة برص في لسان العرب (5/ 7)، ومختار الصحاح (20).
(3)
كمشتري المعيب، يسقط خياره بالقول، وبما يدل على رضاه بالعيب. وانظر: منار السبيل (2/ 578).
(4)
لأن الفسخ إن كان منها فقد جاءت الفرقة من قبلها، وإن كان منه فإنما فسخ لعيبها الذي دلسته عليه، فكأنه منها. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 343).
(5)
لأن وليهن لا ينظر لهن إلا بما فيه الحظ والمصلحة، فإن علم لم يصح؛ لأنَّه عقد عقدًا لا يجوز له. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 348).
(6)
لأن في ذلك عارًا عليها وعلى أهلها، فكان له منعها. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 348).
فصل: (في أنكحة الكفار إذا أسلموا)
ويقر الكفار على أنكحة محرمة ما داموا معتقدين حلها، ولم يترافعوا إلينا، فإن أتونا قبل عقده عقدناه على حكمنا.
وإن أسلم الزوجان معًا، أو أسلم الزوج وهي كتابية، فهما على نكاحهما، وإن أسلمت الكتابية قبل الدخول بزوجها الكافر انفسخ نكاحها
(1)
، أو أسلم أحد الزوجين غير الكتابيين، وكان قبل الدخول انفسخ النكاح، وللزوجة نصف المهر إن أسلم فقط، أو سبقها للإسلام، أو لم يعلم السابق، فإن أسلم أحدهما بعد الدخول وقف الأمر إلى انقضاء العدة، فإن أسلم المتخلف قبل انقضائها فهما على نكاحهما، وإلا تبين فسخه منذ أسلم الأول، ويجب المهر على كل حال.
وإذا أسلم الكافر وتحته أكثر من أربع فأسلمن في عدتهن أو كن كتابيات اختار منهن أربعًا، ولو ميتات، إن كان مكلفًا، وإلا وقف الأمر حتى يكلف، فإن لم يختر، أجبر بحبس ثم تعزير
(2)
.
وعليه نفقتهن إلى أن يختار، ويكفي في الاختيار أمسكت هؤلاء،
(1)
لأنَّه لا يجوز لكافر ابتداءً نكاح مسلمة. وانظر: منار السبيل (2/ 581).
(2)
لأنَّه حق عليه، فأجبر على الخروج منه كسائر الحقوق. وانظر: منار السبيل (2/ 582).
وتركت هؤلاء، ويحصل بالوطء، فإن وطئ الكل تعين الأول، ويحصل بالطلاق
(1)
، لا بالظهار والإيلاء
(2)
، فمن طلقها فهي مختارة.
وإن أسلم الحر وتحته إماء فأسلمن معه أو كن مدخولًا بهن فأسلمن في العدة اختار ما يعفه منهن، إن جاز له نكاحهن
(3)
، وقت اجتماع إسلامه بإسلامهن، وإن لم يجز فسد نكاحهن.
وإن ارتد أحد الزوجين أو هما معًا قبل الدخول انفسخ النكاح، ولها نصف المهر إن سبقها، أو ارتد وحده، وبعد الدخول تقف الفرقة إلى انقضاء العدة، وتسقط نفقة العدة بردتها وحدها.
(1)
لأن الوطء والطلاق لا يكونان إلا في زوجة.
(2)
ضبة تصحيحية.
(3)
إن كان عادم الطول خائف العنت. وانظر: منار السبيل (2/ 583).
فصل: (في أنكحة الكفار وصداقهم)
ونكاح الكفار كنكاح المسلمين، في الصحة ووقوع الطلاق ووجوب المهر والنفقة وغيرها، ويحرم عليهم من النساء من يحرم علينا، فإن ترافعوا إلينا أو أسلموا وكانت المرأة تباح أقرا على نكاحهما، ولو كان بلا صيغة أو ولي أو شهود، وإن كانت لا تباح كذات محرم، أو معتدة، أو مطلقة قبل أن تنكح زوجًا غيره فرق بينهما قضاء
(1)
.
ومتى كان المهر صحيحًا أخذته، وإن كان فاسدًا كخمر وقبضته استقر، وإن لم تقبضه فرض لها مهر المثل، وإن قبضت البعض، وجب قسط الباقي من مهر المثل
(2)
.
(1)
لتحريم ابتداء نكاحها إذًا؛ لأن ما منع ابتداء العقد منع استدامته. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 353).
(2)
لاستقرار ما قبضته وإلغاء ما لم تقبضه. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 353).
باب الصداق
(1)
يسن تخفيفه وتسميته في العقد
(2)
، وأن يكون من أربعمائة درهم إلى خمسمائة، وإن زاد فلا بأس، وكلما صح ثمنًا أو أجرة صح مهرًا وإن قل
(3)
(4)
، وإن أصدقها بتعليم قرآن لم يصح
(5)
، بل بتعليم فقه وأدب وشعر ومباح معلوم، وكذا صنعة أو كتابة، أو خياطة ثوبها أو رد قنها من محل معين، وإن أصدقها طلاق ضرتها لم يصح، ولها مهر مثلها إن فسد، وإن أصدقها تعليم صنعة فتعلمتها من غيره لزمته أجرة تعليمها.
وليس للأب قبض صداق بنته الرشيدة ولو بكرًا إلا بإذنها، فإن أقبضه الزوج لأبيها بغير إذنها لم يبرأ، ورجعت عليه، ورجع هو على أبيها، وإن
(1)
الصداق: مهر المرأة، والجمع صدق، وأصدق المرأة: سمى لها صداقًا، وله ثمانية أسماء: الصداق والمهر والنحلة والفريضة والأجرة والعليقة والعقر والحباء، انظر: مادة صدق في لسان العرب (10/ 197)، ومختار الصحاح (151)، والمطلع (326).
(2)
لأنَّه أقطع للنزاع. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 364).
(3)
ضبة تصحيحية إلى قوله: وليها في مالها.
(4)
ذهب الحنفية إلى تحديد أقل المهر بعشرة دراهم، وذهب المالكية إلى تحديد أقل المهر بربع دينار. وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن كل ما كان ثمنًا أو أجرة يصح أن يكون مهرًا. وانظر: الهداية (2/ 181)، والثمر الداني (337)، والإقناع (2/ 250)، والفقه الميسر (2/ 57).
(5)
لأن الفروج لا تستباح إلا بالأموال. وانظر: منار السبيل (2/ 850).
كانت غير رشيدة سلمه إلى وليها في مالها، ويجب بالعقد، ولا يضر جهل يسير كعبد من عبيده فلها أحدهم بقرعة.
ولو أصدقها ألفًا إن كان أبوها حيًا، وألفين إن كان ميتًا وجب مهر المثل، وعلى إن كان لي زوجة بألفين، أو لم تكن بألف صح بالمسمى
(1)
.
وإذا أجل الصداق أو بعضه صح، فإن عينا أجلًا أنيط به، وإلا فمحله الفرقة بموت أو غيره
(2)
.
وإن أصدقها مالًا مغصوبًا أو خنزيرًا أو نحوه صح ووجب مهر المثل، فإن لم تعلم بغصبه فلها قيمته وقت عقد، وإن وجدت المباح معيبًا خيرت بين إمساكه مع أرشه، ورده وأخذ قيمته أو مثله، وإن تزوجها على ألف لها وألف لأبيها صحت التسمية، ولو طلقها قبل الدخول وبعد القبض رجع عليها بالألف، دون أبيها
(3)
، وكذا إن شُرِطَ الكل لأبيها وقبضه، ثم طلق قبل الدخول رجع عليها بقدر نصفه، ولا شيء على الأب، ولو شرط ذلك لغير الأب كالجد والأخ فكل المسمى لها، والشرط باطل
(4)
.
(1)
لفساد التسمية للجهالة، إذا كانت حال الأب غير معلومة؛ لأنَّه ليس لها غرض صحيح في موت أبيها، بينما لها غرض صحيح في انتفاء الضرة عنها. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 371).
(2)
ذهب الحنفية والحنابلة إلى جواز تأخير بعض الصداق ويكون لازمًا بالفرقة موتًا أو طلاقًا، وذهب المالكية إلى أن النكاح يفسد بتأخير بعض الصداق وتأجيله إلى الفرقة، وينفسخ قبل الدخول، ويثبت بعد الدخول لكن بمهر المثل ويكون حالًا، ولا بد من تحديد الأجل بأن تبلغه أعمار الزوجين غالبًا، وذهب الشافعية إلى أنه لا يصح تأجيل بعض المهر ويكون حالًا، وانظر: البحر الرائق (3/ 102)، والقوانين الفقهية (135)، وروضة الطالبين (7/ 287)، والفقه الميسر (3/ 50).
(3)
لأن الألف الذي قبضته نصف الصداق، والطلاق قبل الدخول يوجب تنصيف الصداق، دون الألف الذي قبضه أبوها؛ لأنَّه أخذ من مال ابنته ألفًا. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 375).
(4)
لأنَّه ليس للغير أن يأخذ شيئًا بغير إذن، فيقع الاشتراط لغوًا. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 376).
ومن زوج بنته ولو ثيبًا بدون مهر مثلها صح
(1)
، وإن زوجها ولي غيره بدون مهر مثلها بإذنها ورشدها صح، فإن لم تأذن فلها مهر المثل على الزوج
(2)
، ويرجع الزوج على الولي بما غرمه، فإن قدرت لوليها مبلغًا فزوجها بدونه ضمن النقص، وإن زوج ابنه الصغير بمهر المثل أو أكثر صح في ذمة الزوج، وإن كان معسرًا لم يضمنه الأب
(3)
، فإن ضمنه غرمه.
وإن تزوج عبد بإذن سيده صح، وتعلق الصداق والنفقة بذمة سيده، وبلا إذنه لا يصح، وإن وطئ تعلق مهر المثل برقبته
(4)
.
وتملك المرأة جميع صداقها بالعقد، ولها نماء المهر المعين ولو قبل القبض، وإن تلف فمن ضمانها، إلا إن منعها إياه فيضمنه، وغير المعين في ضمانه، حتى تقبضه، وله نماؤه، فإن طلقها قبل الدخول أو الخلوة فله نصفه حكمًا
(5)
دون نمائه المنفصل، وفي النماء المتصل له نصف قيمته بدون نمائه المتصل، وإن باعته أو رهنته مثلًا، لم تعين له نصف القيمة.
وإن اختلف الزوجان أو ولياهما أو ورثتهما.
في قدر الصداق أو عينه أو فيما يستقر به من دخول أو خلوة أو نحوهما، فقول الزوج بيمينه لأنَّه منكر
(6)
.
(1)
ولو كرهت؛ لأنَّه ليس المقصود النكاح العوض. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 377).
(2)
ضبة تصحيحية إلى قوله: ضمن النقص.
(3)
لأن الأب نائب عنه في التزويج، والنائب لا يلزمه ما لم يلتزمه الوكيل. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 378).
(4)
قيمة للبضع الذي أتلفه بغير حق، أشبه أرش الجناية. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 379).
(5)
ذهب الحنفية والحنابلة إلى أن المهر يستقر كاملًا بالخلوة، على أن الحنفية يشترطون عدم المانع من صيام رمضان أو الحيض، وذهب المالكية والشافعية إلى أن نصف المهر يجب بالعقد، ولا يستقر كماله بالخلوة، بل بالدخول. وانظر: الهداية (2/ 183)، والقوانين الفقهية (135)، والمهذب (2/ 57)، والفقه الميسر (3/ 53).
(6)
لأن الأصل براءة ذمته. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 386).
وإن اختلفا في قبضه فقولها: حيث لا بينة
(1)
، وإن تزوجها على صداقين: سر وعلانية أخذ بالزائد مطلقًا.
وهدية الزوج ليست من المهر، وما قبل عقد إن وعدوه ولم يفوا رجع بها
(2)
، ويصح أن يزوج الرجل بنته بلا مهر، وتأذن المرأة لوليها أن يزوجها بلا مهر، فيصح العقد ولها مهر المثل.
ويسقط الصداق كله قبل الدخول حتى المتعة بفرقة اللعان
(3)
قبل تقرره، وبفسخه لعيبها
(4)
، وبفرقة جاءت من قبلها، كفسخها لعيبه أو إعساره، أو عدم وفائه بشرط شرطته عليه في النكاح، واختيارها لنفسها بجعل الزوج لها ذلك، وإسلامها تحت كافر قبل تقرره، وكردتها تحت مسلم، ورضاعها ممن يفسخ به نكاحها قبل تقرره.
ويتنصف بالفرقة من قبل الزوج، كطلاقه ولو بسؤالها، أو قبل أجنبي كرضاع أخته زوجته الصغيرة.
ويقرر المهر كاملًا بموت أحدهما، ولو بقتل الآخر، ووطء الزوج زوجته حية في فرج ولو دبرًا، أو في غير خلوة، أو لمسه لها بشهوة، ونظره إلى فرجها بشهوة ولو بغير خلوة فيهما، وكذلك تقبيلها ولو بحضرة الناس، وبطلاقها في مرض موت ترث فيه، وبخلوته لها عن مميز ولو كافرًا أو أعمى، ذكرًا أو أنثى، عاقلًا أو مجنونًا، وإن لم يحصل وطء، لكن كان الزوج يطأ مثله، وهي يوطأ مثلها كابن عشر وبنت تسع، وترد الهدية في كل فرقة اختيارية مسقطة للمهر، كفسخ قبل دخول
(5)
.
(1)
لأن الأصل عدم القبض. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 386).
(2)
ضبة تصحيحية إلى قوله: المثل.
(3)
اللعن: هو الطرد والإبعاد من الخير، والملاعنة: المباهلة بين الزوجين، إذا قذف الرجل امرأته أو رماها بالزنا، فالإمام يلاعن بينهما، انظر: مادة لعن في لسان العرب (13/ 388)، ومختار الصحاح (250).
(4)
لتلف المعوض قبل تسليمه، فسقط العوض كله. وانظر: منار السبيل (2/ 590).
(5)
لدلالة الحال على أنه وهب بشرط بقاء العقد، فإذا زال ملك الرجوع، كالهبة بشرط الثواب. وانظر: منار السبيل (2/ 593).
فصل: (في المهر الفاسد ومهر النكاح الفاسد والباطل)
(1)
ومن تزوجت بلا مهر أو بمهر فاسد
(2)
، فيقدر الحاكم مهر مثلها، فإن تراضيا فيما بينهما ولو على قليل صح، ولزم وصار كالمسمى، فإن حصلت فرقة منصفة قبل فرضه، أو تراضيا وجبت لها المتعة، على حسب حالة الزوج، أعلاها خادم وأدناها كسوة تجزئها في صلاتها.
ولا مهر في النكاح الفاسد إلا لخلوة أو وطء فيستقر المسمى إن فرض، وإلا فمهر المثل
(3)
.
ولا مهر في النكاح الباطل كنكاح زائدة على أربع إلا بالوطء في القبل
(4)
، وكذا يجب مهر المثل في الموطوءة بشبهة، والمكرهة على الزنا
(1)
فرق الحنفية بين الفاسد والباطل فقالوا: الفاسد: هو الصحيح بأصله لا بوصفه، والباطل: هو الذي لا يكون صحيحًا بأصله، وما لا يعتد به ولا يفيد شيئًا، وما كان فائت المعنى من كل وجه، مع وجود الصورة، إما لانعدام الأهلية أو المحلية، كبيع الحر وبيع الصبي، أما الجمهور بما فيهم الحنابلة فلم يفرقوا بين الأمرين إلا في بعض المسائل الفرعية، والحنابلة في النكاح خصوا المختلف فيه بالفاسد والمجمع على بطلانه بالباطل، انظر: التعريفات (211)، والتعاريف (61)، روضة الناظر (1/ 183)، المدخل لابن بدران (164).
(2)
كخمر وخنزير. وانظر: منار السبيل (2/ 594).
(3)
لأن العقد الفاسد وجوده كعدمه، ولم يستوف المعقود عليه، أشبه البيع الفاسد إذ لم يتسلم. وانظر: منار السبيل (2/ 595).
(4)
لأنَّه إتلاف للبضع فأوجب القيمة. وانظر: منار السبيل (2/ 596).
ولو من محارمه، ولو من مجنون.
ومن طلق امرأته قبل الدخول طلقة، وظن أنها لا تبين بها فوطئها لزمه مهر المثل ونصف المسمى، لا المطاوعة على الزنا، ما لم تكن أمة فلا يسقط بطاعتها
(1)
، ويسقط من المبعضة ما قابل حريتها.
ويتعدد المهر بتعدد الشبهة، وبتعدد الإكراه، لا بتكرار الوطء في الشبهة الواحدة.
وعلى من أزال بكارة أجنبية، أي: غير زوجة بلا وطء، أرش البكارة
(2)
، وإن أزالها الزوج بلا وطء، ثم طلقها قبل الدخول، لم يكن إلا نصف المهر، ولا يصح تزويج من نكاحها فاسد قبل الفرقة، بطلاق أو فسخ فإن أباها الزوج، فسخ الحاكم
(3)
.
ومهر المثل من قراباتها، كخالة وعمة مساوية لها في جمال وعقل وسن وبكارة أو ثيوبة، فإن لم يكن لها أقارب، فمن تشابهها من نساء بلدها.
والنكاح الفاسد المختلف فيه، والباطل المجمع على بطلانه.
وللمرأة قبل دخول منع نفسها حتى تقبض صداقها الحال
(4)
، ولها النفقة
(5)
، فإن كان مؤجلًا أو حل قبل التسليم لم تملك أن تمنع نفسها، وكذا لو سلمت نفسها قبل أن تطلب الحال فليس لها المنع
(6)
.
(1)
لأنها لا تملك بضعها، فلا يسقط حق سيدها بطواعيتها. وانظر: منار السبيل (2/ 596).
(2)
لأنَّه إتلاف جزء لم يرد الشرع فيه بتقدير عوضه، فيرجع فيه إلى أرشه، كسائر المتلفات وهو ما بين مهرها بكرًا وثيبًا.
(3)
لأنَّه نكاح يسوغ الاجتهاد فيه، فاحتاج إلى إيقاع فرقة. وانظر: منار السبيل (2/ 597).
(4)
لأن النفقة المعقود عليها تتلف بالاستيفاء، فإذا تعذر استيفاء المهر عليها لم يمكنها استرجاع عوضها. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 401).
(5)
لأن الحبس من قبله. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 401).
(6)
لرضاها بالتسليم واستقرار الصداق. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 402).
فإن أعسر الزوج بالمهر الحال، فلها الفسخ إن كانت حرة مكلفة
(1)
، ولو بعد الدخول، ما لم تكن تزوجته عالمة بعسره، ويخير سيد الأمة
(2)
، ولا يفسخ إلا حاكم، ومن اعترف لامرأة أن هذا ابنه منها لزمه لها مهر مثلها.
(1)
كما لو أعسر المشتري بالثمن قبل تسلم المبيع. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 402).
(2)
لأنَّه مالك نفعها، والصداق عوض منفعتها، فهو ملكه دونها. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 403).
باب: وليمة
(1)
العرس وعشرة النساء
وتسن بعقد ولو بشاة فأقل، وتجب في أول يوم إجابة مسلم يحرم هجره
(2)
إن دعاه إليها وعينه، ولم يكن عذر، ولم يكن ثم منكر، فإن كان الدعاء عامًا نحو: يا أيها الناس هلموا إلى الطعام لم تجب
(3)
، وتكره في اليوم الثالث، وفي دعاء الذمي أو من في ماله حرام.
والإجابة إلى غير وليمة العرس مستحبة، وإلى مأتم مكروهة.
ومن صومه واجب ودعي لوليمة حضر وجوبًا، ودعا لهم استحبابًا وانصرف، ومن صومه نفل يفطر إن جبر قلب أخيه المسلم وسره، ولا يجب الأكل
(4)
.
ومن أعذار ترك إجابة الوليمة أن يكون المدعو مريضًا أو ممرضًا، أو مشغولًا بحفظ مال، أو شدة حر أو برد أو مطر أو وحل، أو كان الداعي
(1)
الوليمة لغة: من الولم وهو الجمع؛ لأن الزوجين يجتمعان، واصطلاحًا: الطعام الذي يصنع عند العرس، انظر: مادة ولم في لسان العرب (12/ 643)، والمطلع (327).
(2)
اختلف الفقهاء في حكم إجابة وليمة العرس، فذهب الحنفية إلى أنها سنة، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الإجابة واجبة. وانظر: الهداية (4/ 182)، ومختصر خليل (127)، والإقناع (2/ 254)، والفقه الميسر (3/ 63).
(3)
لكنها تباح لأنَّه لم يعينه. وانظر: حاشية الروض المربع (2/ 408).
(4)
إذ الواجب إجابة الدعوة؛ لأنَّه الأمر الذي أمر به، وتوعد على تركه لا الأكل. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 412).
ظالمًا أو فاسقًا أو مبتدعًا، إلا لمن يرد عليه
(1)
.
وإن دعاه اثنان فأكثر، أجاب الكل إن أمكنه الجمع، وإلا أجاب الأسبق قولًا
(2)
، فالأدين، فالأقرب رحمًا، فالأقرب جوارًا، ثم يقرع
(3)
، ويقصد العمل بالسنة وإكرام أخيه المؤمن.
ويحرم الأكل من طعام الغير بلا إذن صريح أو قرينة، ولو من بيت قريبه أو صديقه، ولا يشرع تقبيل الخبز ولا الجمادات، ويكره إهانة الخبز ووضعه تحت القصعة، بل يوضع الملح وحده على الخبز
(4)
.
وكره النثار والتقاطه، ومن أخذه أو وقع في حجره فهو له.
ويسن إعلان النكاح وضرب الدف إن لم يكن به حلق في النكاح والختان، وقدوم غائب، وولادة، وإملاك، ويحرم المزمار والطنبور وعود ونحوها.
وتسن التسمية جهرًا على الأكل والشرب، والحمد إذا فرغ وأكل بيمينه بثلاث أصابع، وغض طرف عن جليسه، وشربه ثلاثًا مصًا، ويتنفس خارج الإناء، وكره شربه من فم السقاء، وفي أثناء طعامه بلا عادة، وسن غسل يديه قبل الطعام وبعده، وكره رد شيء من فمه إلى الإناء، وأكله حارًا.
ويستحب أن يباسط إخوانه بالحديث الطيب، والحكايات اللائقة بالجالسين، ولا يجمع بين التمر والنوى في طبق واحد، وما جرت به العادة، من إطعام سائل ونحوه في جوازه وجهان، والجواز أظهر
(5)
.
(1)
لأنَّه يؤدي بحضوره الدعوة، إجابتها وفرضية إزالة المنكر المأمور بإنكاره. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 414).
(2)
لوجوب إجابته بدعائه، فلا يسقط بدعاء من بعده. وانظر: منار السبيل (2/ 599).
(3)
لأنها تميز المستحق عند استقرار الحقوق. وانظر: منار السبيل (2/ 599).
(4)
هذه الآداب من أعراف ذلك الزمان، وأراد المؤلف رَحِمَه آللهُ التوسط في شأن الخبز حيث لا يهان ولا يعظم. انظر: الإنصاف (8/ 324)، والمغني (11/ 92)، والإقناع (3/ 231).
(5)
انظر: منار السبيل (2/ 605).
ويلزم كلًّا من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف، وأن لا يمطله بحقه مع قدرته، ولا يظهر له الكراهة، وليكن الزوج غيورًا من غير إفراط.
ويجب على المرأة تسليم نفسها لبيت زوجها إذا طلبها، إن لم تشترط في العقد دارها مثلًا، لكن الأمة لا تسلم إلا ليلًا، فإن لم يمكن الاستمتاع بها لم يلزم على أهلها تسليمها إليه، وكذا المحرمة والمريضة والحائض
(1)
، وللزوج الاستمتاع بزوجته في قبل، ولو من جهة العجيزة ما لم يضر بها، أو يشغلها عن فرض.
ولا يجوز لها أن تطوع بصلاة أو صوم وهو حاضر إلا بإذنه، وله السفر بالحرة مع الأمن ما لم تشترط ضده، ولسيد السفر بعبده المزوج واستخدامه نهارًا، وليس لسيد الأمة المزوجة ولا لزوجها سفر بها إلا بإذن الآخر.
ويحرم وطء المرأة في الحيض، وبعده قبل الغسل، وفي الدبر، وعزل بلا إذن حرة وسيد أمة
(2)
، وله جبرها على غسل من حيض ونفاس، وجنابة وغسل نجاسة، واجتناب محرمات وإزالة وسخ، وأخذ ما تعافه النفس من شعر وغيره.
ولا تجبر على عجن أو خبز أو طبخ ونحوه
(3)
(4)
، مسلمة أو ذمية،
(1)
لأن هذه الأعذار تمنع الاستمتاع بها، ويرجى زوالها، أشبه ما لو طلب تسليمها في نهار رمضان. وانظر: منار السبيل (2/ 609).
(2)
لما فيه من تقليل النسل، ومنع الزوجة من كمال الاستمتاع. وانظر: منار السبيل (2/ 610).
(3)
لأن المعقود عليه البضع، فلا يملك غيره من منافعها. وانظر: منار السبيل (2/ 611).
(4)
ذهب الحنفية والمالكية في الجملة إلى وجوب خدمة الزوجة لزوجها بما جرت به العادة، وذهب الشافعية والحنابلة إلى عدم وجوب الخدمة؛ لأن العقد لا يتناولها. وانظر: التاج والإكليل (4/ 185)، ومغني المحتاج (3/ 432)، والفقه الميسر (3/ 72).
وله منع ذمية دخول بيعة
(1)
أو كنيسة، وشرب ما يسكر، ولا تكره على إفساد صومها أو صلاتها أو سبتها.
ويكره تقبيل حليلته أو مباشرتها عند الناس، ويكره لها أيضًا ذلك بحيث يراه غير طفل لا يعقل، وبحيث يسمع حسهما ولو رضيا، إن كانا مستوري العورة وإلا حرم، ويكره إكثار الكلام حال الجماع، أو يحدثا بما جرى بينهما، ويسن أن يلاعبها قبل الجماع، وأن يغطي رأسه وأن لا يستقبل القبلة، وأن يقول: بسم الله، اللَّهم جنبنا من الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا.
ويحرم عليها الخروج بلا إذنه، ولو لموت أبيها، ويستحب له أن يأذن لها في الخروج إلى تمريض بعض محارمها، وعيادته وجنازته، لكن لها أن تخرج لقضاء حوائجها إن لم يقم بها، وليس له منعها من كلام أبويها، ولا منعهما من زيارتها ما لم يخف الضرر، ويلزمه أن يبيت عند الحرة بطلبها ليلة من كل أربع، وعند الأمة ليلة من سبع
(2)
، وأن يطأها في كل أربعة أشهر، مرة إن قدر.
فإن أبى الوطء بعد انقضاء أربعة أشهر، أو البيات في اليوم المقرر حتى مضت الأربعة أشهر بلا عذر لأحدهما فرق الحاكم بينهما، إن طلبت
(3)
قبل الدخول.
وإن سافر فوق نصف سنة في غير أمر واجب، أو في غير طلب رزق يحتاج إليه وطلبت قدومه لزمه، فإن أبى بلا عذر فرق بينهما بطلبها.
(1)
بيعة: هو معبد أتباع الديانة اليهودية، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
(2)
لأن غاية ما يمكن أن يجمع مع الحرة ثلاثًا، فلها ليلة من أربع، ومع الأمة ثلاث حرائر، فلهن ست ليالي ولها السابعة. وانظر: منار السبيل (2/ 612).
(3)
لأن الله تعالى قدر ذلك في حق المولي، فكذلك في حق غيره؛ لأن اليمين لا توجب ما حلف عليه، فدل أن الوطء واجب بدونها. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 438).
ويجب عليه التسوية بين زوجاته أيًا كن ثنتين فأكثر في المبيت، وتكون ليلة وليلة إلا إن يرضين بأكثر.
ويحرم دخوله في نوبة واحدة من نسائه إلى غيرها إلا لضرورة، وفي نهار ليلة غيرها إلا لحاجة، فإن لبث أو جامع قضاه، وإن طلق واحدة وقت نوبتها فقد أثم
(1)
، ويقضيها لها متى نكحها وجوبًا.
ولا يجب عليه أن يسوي بينهن في الوطء ودواعيه، ولا في النفقة والكسوة حيث قام بالواجب عليه، وإن أمكنه ذلك وفعله كان حسنًا
(2)
، ويقسم وجوبًا لحائض ونفساء، ومريضة ومعيبة، والبدء بالقرعة إلا إن تراضوا.
وإن سافرت زوجة بلا إذنه أو بإذنه في حاجتها، أو أبت السفر معه أو المبيت عنده فلا قسم لها ولا نفقة.
ومن وهبت قسمها لضرتها بإذن زوجها جاز، أو وهبته له ويجعله حيث شاء جاز، فإن رجعت الواهبة قسم لها مستقبلًا، بخلاف الماضي
(3)
، ولا قسم على سيد لإمائه، بل يطأ من شاء متى شاء.
ومتى تزوج بكرًا معه غيرها أقام عندها سبعًا ولو أمة، ثم يدور على نسائه
(4)
، وإن تزوج ثيبًا أقام عندها ثلاثًا ثم يدور، وإن أحبت الثيب أن يقيم عندها سبعًا، فعل وقضى مثلهن للبواقي، وله تأديبهن على ترك الفرائض كالصلاة والصوم الواجبين.
(1)
لأنَّه تسبب بالطلاق إلى إبطال حقها من القسم. وانظر: منار السبيل (2/ 615).
(2)
لأن الداعي إليه الشهوة والمحبة، ولا سبيل إلى التسوية في ذلك. وانظر: منار السبيل (2/ 615).
(3)
لصحة رجوعها فيه؛ لأنها هبة لم تقبض، بخلاف الماضي فقد استقر حكمه. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 450).
(4)
ذهب الحنفية إلى أن الزوجة الجديدة كالسابقة لا يحل لها مزيد قسم، بكرًا كانت أو ثيبًا، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى وجوب التسبيع للبكر والتثليث للثيب. وانظر: الهداية (2/ 205)، والإقناع (2/ 263).
ومن عصته زوجته، كإن خرجت من بيته بغير إذنه، أو امتنعت من استمتاعه، أو أتته متثاقلة وعظها بتخويفه لها من كتاب الله، فإن أصرت على النشوز
(1)
هجرها في المضجع ما شاء من الزمان
(2)
، وهجرها في الكلام ثلاثة أيام فقط، فإن أصرت ضربها ضربًا غير شديد، بعشرة أسواط لا فوقها، ويمنع من ذلك إن كان مانعًا لحقها
(3)
.
(1)
النشوز: كراهية كل من الزوجين صاحبه وسوء عشرته له. انظر: مادة نشز في لسان العرب (25/ 418)، والنهاية (5/ 55).
(2)
لأن المدة غير مقيدة بزمن. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 455).
(3)
حتى يوفيه؛ لأنَّه يكون ظالمًا بطلبه حقه مع منعه حقها. وانظر: منار السبيل (2/ 616).
باب الخلع
(1)
وهو: فراق الزوجة بعوض يأخذه الزوج، بألفاظ مخصوصة.
وشروطه سبعة: أن يقع من زوج يصح طلاقه، وأن يكون على عوض ولو مجهولًا
(2)
، لا كعلى ما في يدها، أو في بيتها من متاع أو دراهم، فإن لم يكن، فما يسمى متاعًا أو ثلاثة دراهم.
وأن يكون ممن يصح تبرعه من أجنبي أو زوجة، وهو الحر الرشيد غير المحجور عليه
(3)
، لكن لو عضلها ظلمًا لتفتدي منه، ولم يكن لزناها أو نشوزها أو تركها فرضًا ففعلت لم يصح
(4)
، وحرم عليه، أو خالعت الصغيرة والمجنونة والسفيهة، ولو بإذن ولي أو الأمة بغير إذن سيدها لم
(1)
الخلع: النزع، وخالعت زوجها افتدت منه بمالها، وهو استعارة من خلع اللباس، لأن كلًّا من الزوجين لباس للآخر، واصطلاحًا: إزالة ملك النكاح بأخذ المال، انظر: التعاريف (323)، وأنيس الفقهاء (162)، والتعريفات (358).
(2)
لأنَّه إسقاط لحقه من البضع، وليس بتمليك شيء، والإسقاط تدخله المسامحة. وانظر: منار السبيل (2/ 618).
(3)
لأنَّه بذل في مقابلة ما ليس بمال ولا منفعة، أشبه التبرع. وانظر: منار السبيل (2/ 618).
(4)
ذهب الحنفية إلى أن النشوز إذا كان من جهة الرجل كره له أن يأخذ من امرأته عوضًا، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى حرمته، وأن الطلاق في هذه الحال يقع رجعيًا، وانظر: الهداية (2/ 263)، والقوانين الفقهية (154)، والمهذب (2/ 71).
يصح الخلع ووقع الطلاق رجعيًا إن لم يتم عدده، وكان بلفظ الطلاق أو نيته.
وإذا كرهت الزوجة خلق زوجها أو نقص دينه أبيح لها الخلع، فإن كان بينهما استقامة كره ووقع
(1)
، وأن يكون منجزًا
(2)
.
وأن يقع على جميع الزوجة، وأن لا يقع حيلة لإسقاط يمين الطلاق
(3)
، وإلا فلا يصح
(4)
.
وأن لا يقع بلفظ الطلاق، بل بصيغته الموضوعة له، وأن لا ينوي به الطلاق، فمتى توفرت هذه الشروط كان فسخًا بائنًا
(5)
، لا ينقص به عدد الطلاق، ولو لم ينو خلعًا.
وصيغته الصريحة لا تحتاج إلى نية، وهي: خلعت وفسخت وفاديت
(6)
، والكناية: باريتك وأبرأتك وأبنتك، فمع سؤال الخلع وبذل
(1)
ذهب الشافعية إلى الجواز بدون كراهة؛ لأنَّه رفع عقد بالتراضي، وجعل لدفع الضرر، فجاز من غير ضرر كالإقالة. وانظر: المهذب (2/ 71).
(2)
فلا يصح معلقًا، إلحاقًا له بجميع المعاوضات. وانظر: منار السبيل (2/ 618).
(3)
فرارًا من وقوع الطلاق المعلق على مستقبل، فيحرم خلع الحيلة ولا يصح؛ لأن الحيل خدع لا تحل ما حرم الله. وانظر: منار السبيل (2/ 619).
(4)
ذهب المالكية إلى المنع من الحيلة في الخلع لإسقاط أحد الحقوق، واشترطوا أن لا يجر إلى ما لا يجوز، كالخلع على السلف أو التأخير بالدين، وذهب الشافعية إلى جواز الخلع وانتفاء الكراهة في حالين: الحال الأولى: أن يخاف الزوجان ألا يقيما حدود الله، والحال الثانية: أن يحلف بالطلاق على فعل شيء لا بد منه، فيخلعها ثم يفعل الأمر المحلوف عليه، وذهب الحنابلة إلى المنع من الحيلة في هذا الباب، وانظر: القوانين الفقهية (154)، والإقناع (2/ 269).
(5)
اتفق الفقهاء على أن الخلع إذا وقع بلفظ الطلاق ونوى به الزوج الطلاق فإنه يقع طلاقًا، واختلفوا إذا وقع الخلع بغير لفظ الطلاق أو لم ينو به الزوج طلاقًا، فذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية إلى أنه يقع طلاقًا، وذهب الحنابلة إلى أنه يقع فسخًا. وانظر: الهداية (2/ 263)، والإقناع (2/ 269)، والفقه الميسر (3/ 88).
(6)
لأنَّه ثبت للخلع عرف الاستعمال، والفسخ حقيقة فيه، وورد القرآن بالافتداء. وانظر: منار السبيل (2/ 619).
العوض يصح بلا نية لأنها قرينة، ولا بد من نية في الكناية إن لم تكن دلالة حال، ويصح بكل لغة من أهلها، كالطلاق، وإن كان بلفظ الطلاق أو نيته يقع رجعيًا إن كان دون الثلاث.
قال البهوتي: والخلع إن كان بصريح الطلاق أو بكنايته مع قصده طلاق بائن، وإن وقع بلفظ الخلع أو الفسخ أو الفداء ولم ينوه طلاقًا كان فسخًا، لا ينقص به عدد الطلاق
(1)
.
ومعتدة الخلع لا يقع عليها طلاق
(2)
، ولا يصح شرط الرجعة فيه، ولا شرط خيار، ويقع الخلع فيهما.
وإن خالعها بغير عوض لم يصح، أو بمحرم يعلمانه كخمر ومغصوب لم يصح، ويكون لغوًا، وإن كان بلفظ الطلاق أو نيته وقعِ رجعيًا، لخلوه من العوض
(3)
، وإن خالعها على عبد فبان حرًا أو مستحقًا صح الخلع وله قيمته.
وما صح مهرًا صح الخلع به، ويكره بأكثر مما أعطاها
(4)
، وإن خالعت حامل بنفقة عدتها صح، وإن قال: متى أعطيتني ألفًا أو إذا أو إن فأنت طالق، طلقت بائنًا بعطيته الألف، وإن تراخى الإعطاء، ويملك الألف بالإعطاء، وإن قال: إن أعطيتني هذا العبد فأنت طالق، فأعطته إياه طلقت ولا شيء له إن خرج معيبًا، فإن خرج حرًا أو مغصوبًا لم تطلق لعدم صحة
(1)
انظر: الروض المربع (6/ 465).
(2)
لأنَّه لا يملك بضعها، فلم يلحقها طلاقه، كالأجنبية. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 468).
(3)
ولأنه يصلح عن كناية الطلاق، فإن لم يكن بلفظه أو نيته لم يكن شيئًا. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 469).
(4)
ذهب الحنفية والحنابلة إلى كراهة أن يقبض الزوج في عوض الخلع أكثر مما أعطاها مهرًا، وذهب المالكية والشافعية إلى جواز أن تفتدي المرأة نفسها بما شاءت قل أو كثر، وانظر: الهداية (2/ 263)، والإقناع (2/ 269)، والفقه الميسر (3/ 88).
الإعطاء، وإن قال: أنت طالق وعليك ألف، فقبلت في المجلس بانت واستحقه، وإلا وقع رجعيًا
(1)
، ولا يقع بائنًا لو بذلته بعد.
وإن قالت: اخلعني على ألف، ففعل بانت واستحقها، ولو لم يذكر الألف، وإن قالت: طلقني واحدة بألف، فطلقها ثلاثًا استحقها، وعكسه بعكسه
(2)
، إلا في واحدة بقيت من ثلاث، فيستحق الألف وإن لم يعلم ذلك
(3)
.
ويقبل عوض الخلع زوج رشيد ولو مكاتبًا أو محجورًا عليه بفلس، أو ولي صغير ونحوه، ويصح الخلع ممن يصح طلاقه
(4)
، وليس للأب خلع زوجة ابنه الصغير، أو المجنون ولا طلاقها، ولا خلع ابنته بشيء من مالها، فإن بذل من ماله صح كالأجنبي، ولا يسقط الخلع غيره من الحقوق بسكوت عنها
(5)
، ولو خالعته ببعض ما عليه لم يسقط الباقي، وإن علق طلاقها بصفة كدخول الدار ثم أبانها فوجدت الصفة، ثم عقد عليها بعد وجود الصفة فوجدت الصفة بعده طلقت، ولا تنحل بفعلها حال البينونة
(6)
ولو كانت الأداة لا تقتضي التكرار كعتق.
(1)
لأنَّه طلقها، إلا إن أعطته الألف فيكون طلاقًا بعوض يقتضي البينونة.
(2)
في المثال الأول لا يستحق أكثر من الألف؛ لأنَّه أوقع زيادة على ما طلبت، ولو قالت: طلقني ثلاثًا بألف، فطلق واحدة لم يستحق شيئًا؛ لأنَّه لم يجبها لما بذلت العوض في مقابلته. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 466).
(3)
لأنها كملت، وحصلت ما يحصل بالثلاث من البينونة، والتحريم حتى تنكح زوجًا غيره. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 477).
(4)
من يصح طلاقه هو الزوج المميز. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 841).
(5)
من مهر ونفقة وقرض. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 478).
(6)
البينونة: من أبان الشيء إذا قطعه، والبينونة: الفراق، انظر: مادة بين في مختار الصحاح (27).
كتاب الطلاق
(1)
ويباح للحاجة
(2)
، ويكره لعدمها، ويستحب لضرر أو ترك فرض
(3)
، ويجب للإيلاء، ويحرم للبدعة.
ويصح من زوج مكلف - أو - مميز يعقله، ومن زال عقله بعذر كمن شرب مسكرًا مكرها لم يقع طلاقه. ويقع طلاق السكران بمائع طوعًا، ولو خلط في كلامه وسقط تمييزه، فيؤاخذ بأقواله وأفعاله في كل ما يعتبر فيه العقل.
والغضبان مكلف في حال غضبه بما يصدر عنه من كفر وقتل وطلاق وغيرها
(4)
ما لم يغم عليه، ورأى الشيخ أن الحشيشة والبنج
(5)
كالشراب المسكر
(6)
، ومن أفاق من جنون أو إغماء فذكر أنه طلق يقع، ولا يقع ممن
(1)
طلاق المرأة بينونتها عن زوجها، ويقال: طلق البلاد، يعني: تركها، وطلقت الناقة إذا سرحت، واصطلاحًا: حل قيد النكاح كله أو بعضه، انظر: مادة طلق في لسان العرب (10/ 226)، ومختار الصحاح (166)، والمطلع (323).
(2)
كسوء خلق الزوجة، وتضرره بها من غير حصول الغرض بها، دفعًا للضرر عن نفسه. وانظر: حاشية الروض المربع (2/ 621).
(3)
أي: لتضررها باستدامة النكاح، في حال الشقاق، وحال حاجة المرأة للمخالعة. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 490).
(4)
ضبة تصحيحية.
(5)
بنج: البنج الأصل، والبنج بالضم: الأصول، والبنج بالفتح: ضرب من النبات، وهو مما يقوى به النبيذ، انظر: مادة بنج في لسان العرب (2/ 216).
(6)
يرى شيخ الإسلام رحمه الله أن الحشيشة أخبث من الخمر من جهة أنها تفسد العقل والمزاج، حتى يصير الرجل في تخنث ودياثة، وغير ذلك من الفساد، والخمر =
أكرهه قادر ظلمًا بعقوبة مؤلمة كضرب وحبس له أو لولده، أو تهديد من قادر يغلب على ظنه وقوع ما هدده به
(1)
، بخلاف غير ولده من باقي أقاربه، ومن قصد إيقاع الطلاق دون رفع الإكراه وقع طلاقه كمن أكره على طلقة فطلق أكثر.
ويقع الطلاق بائنًا لا الخلع في نكاح مختلف فيه كالذي بغير ولي ولو لم يره المطلق، ولا يستحق عوضًا سئل عليه، ولا يكون بدعيًا في حيض
(2)
.
ومن صح طلاقه صح أن يوكل غيره فيه، وأن يتوكل عن غيره
(3)
وللوكيل أن يطلق متى شاء ما لم يحدد له موكله حدًا، ويملك طلقة ما لم يجعل له أكثر، وإن قال لها: طلقي نفسك كان لها ذلك متى شاءت، وتملك الثلاث إن قال لها: أمرك بيدك، أو وكلتك في طلاقك
(4)
، ويبطل التوكيل بالرجوع والوطء
(5)
.
= أخبث من جهة أنها تفضي إلى المخاصمة والمقاتلة، وكلاهما يصد عن ذكر الله وعن الصلاة. انظر: الفتاوى (28/ 339)، والإنصاف (8/ 324).
(1)
ذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن طلاق المكره بغير حق لا يقع، وذهب الحنفية إلى أن طلاق المكره بغير حق يقع على زوجته ولو لم ينوه، لأن الله سبحانه وتعالى لم يفرق بين الطلاق المكره وغيره، لكن يشترط المالكية أن لا يكون قادرًا على التورية، فإن كان قادرًا عليها وتركها، فإن طلاقة يقع، بخلاف ما إذا لم يكن قادرًا عليها، بينما الشافعية لا يشترطون التورية. وانظر: الهداية (2/ 217)، والثمر الداني (357)، والإقناع (2/ 271)، والفقه الميسر (3/ 108).
(2)
لأن استدامة هذا النكاح غير جائزة.
(3)
لأن الطلاق إزالة ملك فصح التوكيل والتوكل فيه كالعتق. وانظر: منار السبيل (2/ 623).
(4)
لأنَّه مفرد مضاف فيعم. وأنظر: منار السبيل (2/ 623).
(5)
يبطل توكيل الزوج بالرجوع عن الوكالة، ويصدق الزوج فيها، وتبطل وكالته لامرأته في طلاق نفسها بالوطء لدلالة الحال على طلب الاستدامة. وانظر: منار السبيل (2/ 623).
فصل: (في طلاق السنة والبدعة)
(1)
وطلاق السنة لمن أراد تطليق زوجة أن يطلقها واحدة في طهر لم يطأها فيه، فإن طلقها ثلاثًا بكلمة أو كلمات في طهر لم يصبها فيه، أو ثلاثًا في أطهار قبل رجعة فحرام ويقع، وفي الحيض أو في طهر وطئ فيه ولم يستبن حملها ولو بواحدة فبدعي حرام ويقع.
ولا سنة ولا بدعة لمن لم يدخل بها، ولا لصغيرة وآيسة وحامل.
ويباح الطلاق والخلع بسؤالها زمن البدعة
(2)
.
ويسن رجعتها إذا طلقت زمن بدعة
(3)
.
(1)
السنة: الطريقة التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأقوال والأفعال والاعتقادات، والبدعة: هي الفعلة المخالفة للسنة، سميت البدعة لأن قائلها ابتدعها من غير مقال إمام، وهي الأمر المحدث الذي لم يكن عليه الصحابة والتابعون ولم يكن مما اقتضاه الدليل الشرعي. انظر: التعريفات (62).
(2)
لأن المنع منه إنما شرع لحق المرأة، فإذا رضيت بإسقاط حقها زال المنع. وانظر: منار السبيل (2/ 625).
(3)
ذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى استحباب مراجعة المطلقة في زمن البدعة، وذهب المالكية إلى وجوب المراجعة عملًا بظاهر الأمر؛ لأن استبقاء النكاح واجب بدليل تحريم الطلاق. وانظر: الهداية (2/ 215)، والثمر الداني (359)، والإقناع (2/ 281)، والفقه الميسر (3/ 109).
فصل: (في ألفاظ الطلاق الصريحة)
(1)
وصريح الطلاق لفظ الطلاق
(2)
وما تصرف منه
(3)
، غير أمر ومضارع فلا يقع بهما طلاق، ويقع بالصريح وإن لم ينوه جادًا أو هازلًا، حتى ولو قيل له: أطلقت امرأتك؟ فقال: نعم يريد الكذب فيقع.
ومن قال: حلفت بالطلاق وأراد الكذب لم يصر حالفًا، ثم إن فعل ما قال أنه حلف عليه وقع الطلاق حكمًا ويدين
(4)
، وإن قال: علي الطلاق فصريح، منجزًا أو معلقًا أو محلوفًا به.
(1)
الصريح في الطلاق والعتق والقذف ونحو ذلك هو اللفظ الموضوع له، لا يفهم منه عند الإطلاق غيره، والصريح: الخالص من كل شيء، ولذلك يقال: نسب صريح، أي: خالص لا خلل فيه، وهذا اللفظ لهذا المعنى، أي: لا مشارك له فيه، انظر: المطلع (334).
(2)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أن صريح الطلاق لفظ الطلاق وما تصرف من إجمالًا، وذهب الشافعية والحنابلة في رواية إلى أن صريح الطلاق لفظ الطلاق والسراح والفراق وما تصرف منهما. وانظر: الهداية (2/ 219)، والثمر الداني (357)، والإقناع (2/ 273)، والمبدع (8/ 120).
(3)
مما لا يحتمل غيره من كل شيء وضع له اللفظ من طلاق وغيره، كطلقتك وطالق ومطلقة. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 499).
(4)
لأنَّه خالف ما أقر به، ولأنه يتعلق به حق لغيره، فلم يقبل كإقراره بالمال. وانظر: منار السبيل (2/ 626).
وإن قال: علي الحرام، أو الحرام يلزمني إن نوى امرأته، أو دلت قرينة على إرادة ذلك فظهار، وإلا فلغو، ومن طلق زوجة، ثم قال عقبه لضرتها: شركتك معها، أو أنت شريكتها، وقع عليها.
ومن حلف بالطلاق ومعه أكثر من امرأة فإن نوى معينة انصرف إليها، وإن كان هناك سبب يقتضي تعميمًا أو تخصيصًا عمل به، وإن نوى واحدة مبهمة أخرجت بقرعة، وإن لم ينو شيئًا، ولم يكن هناك سبب يقتضي التخصيص طلق الكل
(1)
.
ومن طلق في قلبه لم يقع، فإن حرك به لسانه وقع، ولو لم يسمعه، ومن كتب صريح طلاق زوجته وقع، وإن لم ينوه على الأصح
(2)
، فلو قال: لم أرد إلا تجربة خطي، أو غم أهلي قبل منه حكمًا
(3)
.
ويقع بإشارة الأخرس فقط المفهومة، ومن نوى بالطلاق الطلاق من وثاق، أو أراد أن يقول: طاهر فغلط لم يقبل حكمًا
(4)
ويدين
(5)
، ولو قيل له: ألك امرأة؟ فقال: لا، وأراد الكذب ولم ينو الطلاق لم يقع، وإن أخرج زوجته من دارها أو لطمها ونحو ذلك وقال: هذا طلاقك طلقت، وإن أتى بصريح الطلاق من لم يعرف معناه لم يقع
(6)
.
(1)
لأن الكل نساؤه، وهن محل لوقوع طلاقه عليهن، ولا مخصص. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 627).
(2)
هذه الرواية الصحيحة في المذهب، انظر: الإنصاف (8/ 348)، وتصحيح الفروع (5/ 296)، ومنتهى الإرادات (2/ 257).
(3)
لأنَّه أعلم بنيته، وقد نوى محتملًا غير الطلاق، وإذا أراد غم أهله بتوهم الطلاق دون حقيقته لا يكون ناويًا للطلاق. وانظر: منار السبيل (2/ 628).
(4)
لأنَّه خلاف ما يقتضيه الظاهر؛ إذ يبعد إرادة ذلك عرفًا. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 501).
(5)
إن لم يترافعا، فيوكل إلى دينه باطن. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 501).
(6)
لأنَّه لم يقصد الطلاق، لعدم علمه معناه، كما لو نطق الأعجمي الطلاق بالعربية، ولا يعرف معناه. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 503).
فصل: (في ألفاظ كناية الطلاق)
(1)
وكنايته نوعان: ظاهرة وخفية، فالظاهرة: هي الألفاظ الموضوعة للبينونة، نحو: أنت خلية وبرية وبائن وحرة، وحبلك على غاربك، وتزوجي من شئت، وحللت للأزواج ولا سبيل ولا سلطان لي عليك، وأعتقتك وغطي وجهك، والخفية: نحو اخرجي واذهبي، وتجرعي واعتدي، واستبرئي واعتزلي، ولست لي بامرأة، ولا حاجة لي بك، والحقي بأهلك، وأغناك الله، وأن الله قد طلقك، والله أراحك مني، وجرى القلم، ولفظ فراق وسراح وما تصرف منهما غير ما تقدم، وخليتك، وأنت مخلاة وأنت واحدة.
ولا يقع بكنايته ولو ظاهره طلاق، إلا بنية مقارنة للفظ، فإن لم ينو لم يقع إلا حال خصومة أو غضب أو جواب سؤالها فيقع إن لم ينوه للقرينة، ويدين فيما بينه وبين الله، ويقع مع النية بالكناية الظاهرة ثلاثًا، حتى ولو نوى واحدة على الأصح
(2)
.
(1)
الكناية: كلام استتر المراد منه بالاستعمال، وإن كان معناه ظاهرًا في اللغة، سواء كان المراد به الحقيقة أو المجاز، فيكون تردد فيما أريد به، فلا بد من النية، أو ما يقوم مقامها من دلالة الحال، كحال مذاكرة الطلاق، ليزول التردد، ويتعين ما أريد منه، انظر: التعريفات (240).
(2)
الأصح في المذهب أن طلاق الكناية الظاهرة يقع ثلاثًا، حتى لو نوى طلقة واحدة، انظر: الإنصاف (8/ 356)، والفروع (5/ 299)، ومنتهى الإرادات (2/ 260).
ويقع بالخفية ما نواه، واحدة رجعية - في مدخول بها - أو أكثر، فإن نوى طلاقًا فقط فواحدة.
ولو قال: أنا طالق أو بائن أو كلي أو اشربي أو اقعدي، أو بارك الله عليك أو نحوه لغو، ولو نواه طلاقًا
(1)
.
ولو قال: ما أحل الله علي حرام، أعني به الطلاق وقع ثلاثًا، فإن قال: أعني به طلاقًا فواحدة، وإن قال: زوجته كالميتة والدم والخنزير وقع ما نواه من طلاق وظهار ويمين
(2)
، وإن لم ينو شيئًا فظهار.
ولو قال لها: اختاري نفسك، فلها أن تطلق نفسها واحدة في المجلس المتصل ما لم يزدها، متى شئت أو أي عدد شئت فعلى ما تقول، وإن قالت: اخترت زوجي أو اخترت فقط، لم يقع شيء، بخلاف اخترت نفسي أو أبواي أو الأزواج
(3)
.
* * *
(1)
لأنَّه لا يحتمل طلاقًا، فلو وقع به طلاق لوقع بمجرد النية. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 510).
(2)
لأنَّه يصلح أن يكون كناية في الطلاق، وكناية في الظهار، وكناية في اليمين، بأن يريد ترك وطئها، لا تحريمها ولا طلاقها. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 513).
(3)
لأنَّه نوى بلفظه ما يحتمله. وانظر: منار السبيل (2/ 631).
فصل: (فيما يختلف به عدد الطلاق)
ويملك الحر والمبعض ثلاثًا، والعبد طلقتين، حرة كانت الزوجة أو أمة.
فإذا قال: أنت الطلاق أو طلاق أو طالق أو علي الطلاق وقع ثلاثًا بنيتها
(1)
، فإن لم ينو ثلاثًا فواحدة، ولو قال: أنت طالق كل الطلاق أو أكثره، أو عدد الحصى أو الريح ونحوه فثلاث
(2)
، ولو نوى واحدة كقوله: يا مائة طالق، ولو قال: أغلظ الطلاق أو أطوله أو أعرضه، أو ملء الدنيا فواحدة إن لم ينو أكثر.
وإن طلق عضوًا من زوجته كيد أو أصبع، أو جزءًا مشاعًا كالنصف والربع، أو معينًا كالجزء الأعلى أو مبهمًا كجزء، أو نصف طلقة أو جزءًا من طلقة طلقت، وعكسه الروح والسن والشعر والظفر والسمع والبصر، ونحوه من كل جزء منفصل، فلا يقع به شيء، والعتق في ذلك كالطلاق.
ولو قال لمدخول بها: أنت طالق وكرره وقع بعدده، إلا أن ينوي تأكيدًا متصلًا، أو إفهامها فيقع واحدة، فإن انفصل التأكيد وقع أيضًا، وإن
(1)
لأن هذا اللفظ يقتضي عددًا، والطلاق له أقل وأكثر، فأكثره ثلاث، وأقله واحدة. وانظر: منار السبيل (2/ 631).
(2)
لأن ذلك يقتضي عددًا، والواحدة تتصف بكونها أغلط الطلاق، إلا إن نوى أكثر فيقع ما نواه. وانظر: منار السبيل (2/ 631).
كرره ببل أو ثم أو بالفاء، أو قال: أنت طالق طلقة بعدها طلقة أو قبلها أو معها، فثنتان في المدخول بها.
فإن قال: معها طلقة أو فوق طلقة بعدها طلقة، أو تحت طلقة أو فوقها أو تحتها فثنتان، ولو غير مدخول بها، والمعلق في هذا كالمنجز
(1)
، ولو قال: أنت طالق لا بل أنت طالق فواحدة
(2)
، وكذلك أنت طالق طالق طالق يقع واحدة، ما لم ينو أكثر
(3)
.
ولو قال: أنت طالق وطالق وطالق وقع ثلاثًا ولو غير مدخول بها
(4)
. ويقع الطلاق بائنًا في أربع مسائل: إذا كان بعد الدخول على عوض، معلقًا أو منجزًا، وقبل الدخول، أو في نكاح فاسد، ولا تحل في هذه المسائل إلا بعقد جديد، وبالطلاق ثلاثًا، دفعة واحدة أو دفعات، ثنتين إذا كان عبدًا، ويقع ثلاثًا إن قال: أنت طالق بلا رجعة، أو البتة أو بائنًا.
ويصح الاستثناء في النصف فأقل من مطلقات وعدد طلقات، فلو قال: أنت طالق ثلاثًا إلا واحدة، أو أربعة إلا اثنتين فاثنتان.
ويشترط فيه اتصال معتاد، ولا يضر الفصل بنحو عطاس، ونية الاستثناء قبل تمام المستثنى منه، فإن قال: ثلاثًا إلا اثنتين، أو إلا ثلاثًا وقع ثلاثًا
(5)
، وإن استثنى بقلبه من عدد من المطلقات، كإن نوى إلا فلانة صح
(6)
، ولو نوى الاستثناء من عدد الطلقات لا يصح لأن العدد نص لا يرتفع بالنية، كما لو قال: نسائي الأربع طوالق، واستثنى واحدة بقلبه لا تنفعه النية.
(1)
ضبة تصحيحية إلى قوله: مدخول بها.
(2)
لأنَّه صرح بنفي الأولى، ثم أثبته بعد نفيه، فالمثبت هو المنفي بعينه. وانظر: منار السبيل (2/ 632).
(3)
لعدم ما يقتضي المغايرة. وانظر: منار السبيل (2/ 632).
(4)
لأن الواو تقتضي الجمع، ولا ترتيب فيها. وانظر: منار السبيل (2/ 633).
(5)
لأن استثناء أكثر من النصف لا يصح. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 530).
(6)
لأن قوله: نسائي طوالق عام، يجوز التعبير به عن بعض ما وضع له؛ لأن استعمال اللفظ العام في المخصوص، سائغ في الكلام. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 531).
فصل: (في طلاق الزمن الماضي والمستقبل)
ولو قال لزوجته: أنت طالق أمس، أو قبل أن أنكحك، ولم ينو وقوعه في الحال لم يقع
(1)
، ولو قال: أنت طالق ثلاثًا قبل قدوم زيد بشهر، لم تسقط نفقتها
(2)
ولم يجز وطؤها، فإن قدم قبل مضيه، أو معه لم تطلق، وإن قدم بعد شهر وجزء تبين وقوعه، فإن كان وطئ فيه فلها المهر وحرم
(3)
، فإن خالعها بعد اليمين بيوم، وقدم زيد بعد شهر ويومين مثلًا صح الخلع وبطل الطلاق
(4)
، وعكسه يقع الطلاق ويبطل الخلع، وترجع بعوضه إذا قدم بعد شهر وساعة
(5)
.
وإن قال: طالق قبل موتي أو موتك أو موت زيد طلقت في الحال،
(1)
لأنَّه إضافة إلى زمن يستحيل وقوعه فيه. وانظر: منار السبيل (2/ 634).
(2)
لأنها محبوسة لأجله، إلى أن يثبت وقوع الطلاق. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 536).
(3)
إن كان الطلاق بائنًا، بأن كانت غير مدخول بها لأنها كالأجنبية، وإن كان رجعيًا فلا تحريم ولا مهر، وحصلت به رجعتها. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 537).
(4)
لأنها كانت زوجة حين الخلع، ويبطل الطلاق المعلق؛ لأنها بائن وقت وقوعه فلا يلحقها. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 538).
(5)
إذا كان الطلاق بائنًا؛ لأن الخلع لم يصادف عصمة. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 539).
وقبيل موتي بالتصغير، ويقع في الجزء الذي يليه الموت، ومع موتي أو بعده لا يقع.
ولو قال: طالق يوم كذا أو غدًا، وقع بأول اليوم، ولا يقبل في الحكم لو قال: أردت آخر اليوم، ولو قال: في غد، أو في رجب يقع بأولهما، فإن قال: أردت آخرهما دين، وقيل: صح حكمًا
(1)
.
ولو قال: طالق كل يوم فواحدة
(2)
، ولو قال: في كل يوم، تطلق في كل يوم واحدة
(3)
.
ولو قال: طالق إذا مضى شهر، فبمضي ثلاثين يومًا، وإذا مضى الشهر فبمضيه.
* * *
(1)
قال المرداوي: "لكن المنصوص عليه أنه لا يدين وهو المذهب، وما عدا هاتين المسألتين فإنه يدين فيهما وهو المذهب، وقيل: يصح حكمًا؛ لأن آخر هذه الأوقات منها كأولها، لذلك لا تخالف ظاهر لفظه"، انظر: الإنصاف (9/ 36)، وتصحيح الفروع (5/ 324)، ومنار السبيل (2/ 536).
(2)
لأنها إذا طلقت اليوم كانت طالقًا غدًا وبعده. وانظر: منار السبيل (2/ 635).
(3)
إن كانت مدخولًا بها وإلا بانت بالأولى، فلا يلحقها ما بعدها. وانظر: منار السبيل (2/ 635).
فصل: (في تعليق الطلاق)
وإذا علق
(1)
طلاق زوجته أو عتق عبده على وجود أمر مستحيل عادة كإن صعدت السماء أو شاء الميت أو طرت لم تطلق، وإن علق على عدم وجوده كإن لم تصعدي إلى السماء طلقت في الحال، وعلى فعل غير المستحيل كإن لم اشتر من زيد عبده لم تطلق إلا باليأس مما حلف عليه، كموت العبد - أو عتقه -، ما لم يكن هناك نية أو قرينة تدل على الفور، أو تقيد بزمن فيعمل بها، وأنت طالق اليوم إذا جاء غدًا لغو
(2)
.
ولا يصح التعليق إلا من زوج يملك الطلاق، فلو قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، لم يقع بتزوجها.
فإن علقه بشرط متقدم أو متأخر كإن دخلت الدار فأنت طالق، أو أنت طالق إن قمت لم تطلق قبل وجود الشرط، ولو قال: عجلته لم يتعجل، فإن أوقع طلاقًا قبله صح، فإذا أوجد الشرط المعلق عليه وهي زوجته وقع أيضًا، وإن قال: سبق لساني للشرط ولم أرده وقع في الحال، ولو قال: أردت الشرط ولم يذكره لم يقبل حكمًا.
(1)
الشرط: تعليق شيء بشيء، بحيث إذا وجد الأول وجد الثاني، انظر: التعريفات (166).
(2)
لعدم تحقق شرطه؛ لأن الغد لا يأتي في اليوم، بل بعد ذهابه وذهاب محل الطلاق، فلا يقع. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 542).
وأدوات الشرط المستعملة غالبًا: إن وإذا ومتى ومن وكلما، وهي وحدها للتكرار، وكلها ومهما وحيثما بدون لم أو نية فور أو قرينته للتراخي، ومع لم للفور، إلا مع نية التراخي أو قرينته، إلا إن فإنها للتراخي، حتى مع لم مع عدم نية فور وقرينته، فلو قال: إن قمت أو إذا أو متى وكلما فأنت طالق، فمتى وجد القيام طلقت، وإن بعد القيام عن زمان الحلف، وإن تكرر الشرط لم يتكرر الحنث
(1)
، إلا في كلما.
ولو قال: إن لم أطلقك فأنت طالق، ولم ينو وقتًا ولم تقم قرينة بفور، ولم يطلقها، طلقت في آخر حياة أولهما موتًا.
وإن قال: متى لم أطلقك أو إذا لم، ومضى زمن يمكن إيقاعه فيه، ولم يفعل طلقت، ولو قال: كلما لم أطلقك، ومضى ما يمكن إيقاع ثلاث طلقات مرتبة فيه طلقت المدخول بها ثلاثًا، وتبين غيرها بالأولى، ولو قال: إن قعدت إذا قمت لم تطلق، حتى ثم تقوم ثم تقعد.
ويشترط لصحة التعليق أن ينوي الشرط قبل فراغ التلفظ بالطلاق
(2)
وأن يكون الشرط متصلًا لفظًا وحكمًا، فلا يضر الفصل بنحو عطاس، ونحو كلام منتظم، كأنت طالق - يا زانية - إن قمت، ويضر بسكوت يمكنه الكلام فيه، أو كلام غير منتظم، كقوله: أنت طالق - سبحان الله - إن قمت، ويقع في الحال
(3)
، ولو قال: إن خرجت بلا إذني، أو إلا بإذني فأنت طالق، فأذن لها ولم تعلم، فخرجت طلقت
(4)
، أو علمت وخرجت، ثم خرجت
(1)
الحنث: الإثم والذنب، وبلغ الغلام الحنث أي: بلغ المعصية والطاعة بالبلوغ، والحنث الخلف في اليمين أيضًا. انظر: مادة حنث في مختار الصحاح (66).
(2)
فلو طلق غير ناو التعليق ثم عرض له لم ينفعه، ووقع الطلاق؛ لأن الطلاق إذا وقع لم يمكن رفعه. وانظر: منار السبيل (2/ 637).
(3)
لقطع التعليق، ولأن غير المتصل يقتضي رفع ما وقع بالأول؛ لأن الطلاق إذا وقع لم يمكن رفعه. وانظر: منار السبيل (2/ 637).
(4)
لأن الإذن هو الإعلام، ولم يعلمها. وانظر: منار السبيل (2/ 638).
ثانيًا بلا إذنه طلقت
(1)
، ما - لم يأذن لها في الخروج - كلما شاءت، ولو قال: إن خرجت بغير إذن فلان، وهو معين فمات وخرجت لم تطلق، ولو قال: إن خرجت إلى غير الحمام - بغير إذني - فأنت طالق، فخرجت له ثم بدا لها غيره طلقت.
ولو قال: طالق إن شاء الله، أو إلا أن يشاء الله يقع، ولا تنفعه المشيئة شيئًا
(2)
، وإن قال: إن شاء فلان فتعليق، وفي أنت طالق إن رأيت الهلال عيانًا، فرأته في أول ليلة أو الثانية أو الثالثة وقع، وفيما بعدها لا يقع
(3)
.
ولو علق - الطلاق - بفعلها أو فعله، ففعله أو فعلته مكرهة أو مكرهًا، أو مجنونًا أو مغمى عليه، أو نائمًا لم يقع، وأما بالنسيان أو الجهل أنه المحلوف عليه فيقع
(4)
، وعكسه مثله، كإن لم تفعلي كذا، أو إن لم أفعل كذا
(5)
، ولا يقع الطلاق بالشك فيه، أو فيما علق عليه
(6)
، فمن حلف أن لا يأكل ثمرة، فاشتبهت بغيرها وأكل الجميع إلا واحدة لم يحنث.
ومن شك في عدد ما طلق بني على الأقل، ولو أوقع بزوجته كلمة وشك هل هي طلاق أم ظهار لم يلزمه شيء
(7)
.
(1)
لوجود الصفة، وهي خروجها بلا إذنه. وانظر: منار السبيل (2/ 638).
(2)
ووقع الطلاق؛ لأنَّه علقه على ما لا سبيل إلى علمه، كما لو علقه على سائر المستحيلات. وانظر: منار السبيل (2/ 638).
(3)
لأنَّه يقمر بعد الثالثة، فلم يحنث برؤيتها له، ما لم تكن نية. وانظر: منار السبيل (2/ 639).
(4)
لأنَّه معلق بشرط، وقد وجد ولأنه تعلق به حق آدمي، فاستوى فيه العمد والخطأ والنسيان. وانظر: منار السبيل (2/ 639).
(5)
على التفصيل السابق، ويكون على التراخي فلا يقع الطلاق إلا في آخر وقت الإمكان، ما لم ينو وقتًا بعينه. وانظر: منار السبيل (2/ 640).
(6)
لأن النكاح متيقن فلا يزول بالشك. وانظر: منار السبيل (2/ 640).
(7)
لأن الأصل عدمها، ولم يتيقن أحدها. وانظر: منار السبيل (2/ 640).
فصل: (في مسائل متفرقة يعلق فيها الطلاق)
ولو قال: إن حضت فأنت طالق، طلقت بأول حيض متيقن
(1)
، ولو قال: إذا حضت حيضة فبأول الطهر من حيضة كاملة
(2)
.
وإذا علقه بالحمل فولدت لأقل من ستة أشهر
(3)
، أو لدون أربع سنين، ولم يطأها بعد حلفه طلقت منذ حلف
(4)
، ولو قال: إن كنت حاملًا بذكر فطلقة وبأنثى فطلقتين فولدتهما طلقت ثلاثًا، ولو قال: إن كان حملك ذكرًا فأنت طالق طلقة، وإن كان أنثى فثنتين فولدتهما لم تطلق
(5)
.
ولو علق (طلاقها) بولادتها فلا يقع بإلقاء نحو علقة، ولو علق طلقة على ولادة ذكر وثنتين على الأنثى فولدت ذكرًا ثم أنثى حيًا كان أو ميتًا
(1)
فلا تطلق إذ لم يتم لها تسع سنين، أو نقص عن اليوم والليلة. وانظر: حاشية الروض المربع (2/ 558).
(2)
لأنَّه علق الطلاق بالمرة الواحدة من الحيض، فإذا وجدت حيضة كاملة فقد وجد الشرط. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 558).
(3)
سواء كان يطأ أو لا؛ لأنا علمنا أنه ليس من الوطء. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 561).
(4)
لأن تبينا أنها كانت حاملًا، وإلا لم تطلق. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 561).
(5)
لأن الصيغة المذكورة تقتضي حصر الحمل في الذكورية أو الأنوثية، فإذا وجدا لم تتمحض ذكوريته ولا أنوثيته، فلا يكون المعلق عليه موجودًا. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 563).
طلقت بالأول ما علق عليه، ولم تطلق بالثاني لوفاء عدتها به
(1)
، وإن ولدتهما معًا طلقت ثلاثًا
(2)
، وإن أشكل الأمر فواحدة.
ولو قال: كلما طلقتك فأنت طالق، فحصل طلقت طلقتين، طلقة بالمنجز وطلقة بالمعلق عليه، ولو قال: إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثًا، ثم قال: أنت طالق وقع ثلاث، طلقة بالمنجز، وتمامها من المعلق، ويلغو قوله قبله
(3)
.
ولو قال: إذا حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم قال لها: أنت طالق إن قمت، أو إن هذا القول حق ونحوه مما فيه حث أو منع، طلقت في الحال، لا إن علق الطلاق بنحو طلوع الشمس؛ لأنَّه شرط لا حلف.
وإن قال: إن كلمتك فأنت طالق فاسكتي طلقت، ولو سمعها تذكره بسوء، فقال: الكاذب عليه لعنة الله ونحوه حنث لأنَّه كلمها، ما لم ينو كلامًا غير هذا فعلى ما ينوي
(4)
.
ولو علق الطلاق بمشيئتها لم تطلق حتى تشاء ولو تراخت، وإن قيدها بوقت تقيدت.
ومن حلف لا يدخل الدار فدخل بعض جسده، أو دخل من طاق
(5)
الباب، أو حلف لا يلبس ثوبًا من غزلها، فلبس ثوبًا فيه منه، أو لا يشرب ماء هذا الإناء، فشرب بعضه لم يحنث
(6)
، بخلاف ما لو حلف أن لا
(1)
لأن العدة انقضت بوضع الثاني، فصادفها الطلاق بائنًا فلم يقع. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 565).
(2)
لأنَّه طلاق من زوج مكلف مختار، في محل نكاح صحيح، فوجب أن يقع. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 569).
(3)
لعدم وجود الصفة؛ لأن البعض لا يكون كلًّا، كما أن الكل لا يكون بعضًا. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 586).
(4)
ضبة تصحيحية إلى قوله: تقيدت.
(5)
الطاق: ما عطف من الأبنية، والجمع طاقات، انظر: مادة طوق في لسان العرب (10/ 233)، ومختار الصحاح (168).
(6)
لعدم وجود الصفة؛ لأن البعض لا يكون كلًا، كما أن الكل لا يكون بعضًا. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 586).
يشرب ماء هذا النهر فيحنث ببعضه
(1)
.
وإن فعل المحلوف عليه مكرهًا أو مجنونًا أو مغمى عليه أو نائمًا لم يحنث، وناسيًا أو جاهلًا حنث في طلاق وعتاق فقط، بخلاف اليمين بالله، وكذا لو عقدها يظن صدق نفسه فبان خلاف ظنه يحنث في طلاق وعتاق، دون يمين بالله
(2)
، ومن يمتنع بيمينه كزوجة أو قريب قصد منعه كنفسه
(3)
.
وإذا حلف وتأول يمينه، وأراد معنى يخالف ظاهره، كمن طلق نساءه وقال: أردت بناتي فلا يحنث، إلا أن يكون ظالمًا بحلفه، فلا ينفعه التأويل
(4)
، لقوله عليه الصلاة والسلام: (يمينك على ما يصدقك به صاحبك"
(5)
، فإن حلفه ظالم: ما لزيد عندك شيء، وله عنده وديعة بمكان فحلف ونوى غير مكانها لم يحنث.
ولو طلق إحدى زوجتيه بائنًا فنسيها أقرع بينهما، - وإن مات أقرع ورثته -
(6)
، فإن تبين له خلاف القرعة عمل بما تبين
(7)
، ما لم تتزوج أو تكن القرعة بحاكم
(8)
، وإن قال لمن ظنها أجنبية: أنت طالق، فبانت زوجته
(1)
لأن شرب جميعه ممتنع، فلا تتصرف إليه يمينه، فيحنث بشرب البعض. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 587).
(2)
سبحانه وتعالى؛ لأن الكفارة تجب لدفع الإثم، ولا إثم إذًا. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 588).
(3)
في العذر بالجهل والنسيان والإكراه. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 590).
(4)
ضبة تصحيحية.
(5)
أخرجه مسلم، في كتاب الأيمان، باب يمين الحالف على نية المستحلف، برقم (1653).
(6)
لو أخر المؤلف رحمه الله هذه العبارة إلى ما بعد قوله: "تكن القرعة بحاكم" لكان السياق تامًا. والله أعلم
(7)
يعني: ردت إليه؛ لأنها زوجته، لم يقع عليها منه طلاق، لا بصريح ولا كناية. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 598) ..
(8)
لا ترد إليه بعد زواجها؛ لأن قوله يبطله حق غيره، ولأن قرعة الحاكم حكم، فلا يرفعه الزوج. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 598).
طلقت، وكذا لو قال لمن ظنها زوجة: أنت طالق، طلقت الزوجة، ولو قال: إن كان هذا الطائر غرابًا ففلانة طالق، وإن كان حمامة ففلانة، وجهل الطائر لم تطلقا، لاحتمال أن يكون غيرهما.
* * *
باب الرجعة
(1)
وهي إعادة مطلقة غير بائن إلى ما كانت عليه بغير عقد.
ويشترط أن يكون الطلاق غير بائن
(2)
، وأن تكون في العدة، وأن تكون مدخولًا بها
(3)
، وأن يكون الطلاق في نكاح صحيح، وأن يكون دون ما يملكه من عدد الطلاق، وأن يكون بغير عوض.
وتصح بعد انقطاع دم الحيضة الثالثة حيث لم تغتسل، - وإن فرطت في الغسل عشرين سنة -، فأما بقية الأحكام، من قطع الإرث والطلاق واللعان والنفقة وغيرها فيحصل بانقطاع الدم.
وتصح الرجعة قبل وضع ولد متأخر
(4)
، لا في ردة، ولا تعليقها بشرط. وتحصل الرجعة بالقول والفعل
(5)
، وألفاظها: راجعتها ورجعتها،
(1)
الرجعة: اسم من رجع رجوعًا، وله على امرأته رجعة، ورجعة: بالفتح والكسر والفتح أفصح، ومنها الطلاق الرجعي، واصطلاحًا: ارتجاع الزوجة المطلقة غير البائن إلى النكاح من غير استئناف عقد، انظر: أنيس الفقهاء (159)، والمطلع (342)، والتعاريف (358).
(2)
فإن كان بعوض فلا رجعة؛ لأنَّه إنما جعل لتفتدي به المرأة من الزواج، ولا يحصل ذلك مع ثبوت الرجعة. وانظر: منار السبيل (2/ 638).
(3)
أو مخلوًا بها فله رجعتها. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 602).
(4)
إن كانت حاملًا بعدد، لبقاء العدة. وانظر: منار السبيل (2/ 641).
(5)
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أن الرجعة تحصل بالفعل، وذهب الشافعية إلى أن الرجعة لا تحصل بالفعل؛ لأن الرجعة إعادة لعقد الزواج، =
وارتجعتها ورددتها ونحوها، وتصح بوطئها، ولا تصح بقول الزوج: نكحتها وتزوجتها
(1)
، ومتى اغتسلت من الحيضة الثالثة ولم يرتجعها بانت، ولم تحل له إلا بعقد جديد، وتعود على ما بقي من عدد الطلاق، ولو بعد وطء زوج آخر
(2)
بخلاف من طلقت ثلاثًا، وانقضت عدتها وتزوجت بآخر، ثم طلقها الثاني بعد أن وطئها، وعادت للأول فإنها تعود على طلاق ثلاث.
وإن ادعت المطلقة انقضاء عدتها في زمن يمكن انقضاؤها فيه، فالقول لها
(3)
، وإن ادعته الحرة بالحيض في أقل من تسعة وعشرين يومًا ولحظة، والأمة في أقل من خمسة عشر يومًا ولحظة، لم تسمع دعواها
(4)
فإن بدأته فقالت: انقضت عدتي، والمدة ممكنة، فقال المطلق: كنت راجعتك فقولها
(5)
، وكذا لو تداعيا
(6)
، ولو بدأها به فأنكرت، وقالت: انقضت عدتي، فقوله
(7)
على ما صححه في الفروع، فإذا استوفى ما يملك من عدد الطلاق، حرمت حتى يطأها زوج غيره، بنكاح صحيح في قبل، فلا يكفي العقد ولا الخلوة، ولا يشترط بلوغ الزوج الثاني، فيكفي ولو لم يبلغ
= فكما لا يصح عقد الزواج إلا بالقول فكذا الرجعة. وانظر: الهداية (2/ 253)، والقوانين الفقهية (155)، والإقناع (2/ 292)، والفقه الميسر (3/ 117).
(1)
لأنها ألفاظ كناية، والرجعة استباحة بضع مقصود، فلا تحصل بكناية. وانظر: منار السبيل (2/ 642).
(2)
لأن وطء الثاني لا يحتاج إليه في الإحلال للزوج الأول فلا يغير حكم الطلاق. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 608).
(3)
لأنَّه أمر لا يعرف إلا من قبلها فقبل قولها فيه. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 610).
(4)
لتيقننا بكذبها؛ لأن أقل الحيض يوم وليلة، وأقل الطهر ثلاثة عشر يومًا، وإن ادعتها بعد هذه المدة قبلت ببينة تشهد بطمثها وغسلها عند طهرها وصلاتها بعدها. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 611).
(5)
لأنها منكرة، ودعواه للرجعة بعد انقضاء العدة لا تقبل إلا ببينة، أنه كان راجعها قبل. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 612).
(6)
فقولها؛ لأن خبرها بانقضاء العدة يكون بعدها، فيكون قوله بعد العدة، فلا يقبل. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 612).
(7)
أي: المطلق، انظر: الفروع (5/ 360).
عشرًا، أو مجنونًا أو نائمًا، ويكفي تغييب الحشفة أو قدرها من مقطوعها في فرجها مع انتشار وإن لم ينزل
(1)
، ولا تحل بوطء دبر، ولا شبهة، ولا ملك يمين، ولا نكاح فاسد، ولا في حيض ونفاس، وإحرام وصيام فرض
(2)
، وتحل بوطء في مسجد ونحوه
(3)
، فإن ادعت نكاح من أحلها وانقضاء عدتها منه فللأول نكاحها إن صدقها وأمكن ذلك، فإن كانت أمة واشتراها مطلقها لم تحل له حتى تنكح زوجًا غيره ويطأها.
* * *
(1)
لحصول ذوق العسيلة، ووجود حقيقة الوطء. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 616).
(2)
لأن التحريم في هذه الصور لمعنى فيها لحق الله تعالى. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 617).
(3)
كمرض زوجة يضرها الوطء، أو لعبالة ذكره أو ضيق فرجها. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 617).
باب الإيلاء
وهو حلف زوج يمكنه الوطء بالله تعالى أو صفة من صفاته
(1)
على ترك وطء زوجته في قبلها أبدًا أو أكثر من أربعة أشهر
(2)
، وهو حرام كالظهار
(3)
.
ويصح من زوج يصح طلاقه، - سوى عاجز عن الوطء، إما لمرض لا يرجى برؤه أو لجب كامل، أو شلل - فيصير موليًا بالحلف المذكور، سواء المسلم والكافر والحر والقن، مدخولًا بها أم لا، وكذلك لو غيا
(1)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية، إلى صحة تعليق ترك الوطء على العتاق والطلاق والصوم، وذهب الحنابلة إلى تحديد صحة الإيلاء بالحلف بالله تعالى أو صفاته سبحانه. وانظر: الهداية (2/ 260)، والكافى لابن عبد البر (279)، والإقناع (2/ 297)، والفقه الميسر (3/ 120).
(2)
اتفق الفقهاء على أن من حلف ألا يطأ زوجته أبدًا أو أكثر من أربعة أشهر فهو مول، واختلفوا فيمن حلف ألا يطأ مدة أربعة أشهر، فذهب الحنفية إلى أنه يكون موليًا، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة أنه لا يكون موليًا إلا إذا حدد بأكثر من أربعة أشهر. وانظر: الهداية (2/ 259)، والثمر الداني (365)، والإقناع (2/ 296)، والفقه الميسر (3/ 122).
(3)
اختلف الفقهاء في حكم الإيلاء ابتداءً فذهب الحنفية والمالكية إلى أن الإيلاء يمين مشروعة، لكن فيها معنى الظلم، لمنع الزوجة حقها في الوطء، وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنها يمين محرمة ابتداءً، لما بترتب عليها من الضرر والإيذاء. وانظر: الهداية (2/ 259)، والثمر الداني (365)، والإقناع (2/ 269)، والفقه الميسر (3/ 119).
بمحرم، كقوله: والله لا أطؤك حتى تشربي الخمر
(1)
، فيؤجل له الحاكم إن سألته زوجته ولو قناَ أربعة أشهر من حين يمينه.
ويحسب عليه زمن عذره فيها لحبس وإحرام ومرض، لا زمن عذرها كصغر وجنون، وإحرام، ونفاس، ومرض، وحبس، بخلاف حيض.
ثم يخير بعدها، بين أن يكفر كفارة يمين ويطأ، أو يطلق، فإن امتنع من ذلك طلق عليه الحاكم
(2)
طلقة
(3)
أو ثلاثًا أو فسخ إن طلبت المرأة
(4)
، فإن ادعى أنه وطئ وهي ثيب صدق بيمينه
(5)
، فإن كانت بكرًا أو ادعت البكارة، وشهدت لها امرأة عدل صدقت
(6)
.
وإن ترك الزوج وطأها إضرارًا بها بلا يمين ولا عذر فيضرب له أربعة أشهر كالمولي، إلا أنه لا يكفر، فإن وطئ وإلا أمر بالطلاق، فإن أبى طلق عليه الحاكم كما تقدم، وإذا انقضت مدة الإيلاء وبأحدهما عذر أمر أن يفيء بعد زوال العذر أو يطلق.
(1)
أو تأكلي لحم خنزير، أو تهبي مالك، أو أي أمر محرم فهو مول، تضرب له مدة الإيلاء. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 623).
(2)
ذهب الحنفية إلى أنه بمجرد مرور أربعة أشهر ولم يف المولي فإن الطلاق يقع تلقائيًا، ولا يتوقف على حكم حاكم، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الطلاق في الإيلاء لا يقع بمجرد مرور المدة، بل لا بد من حكم حاكم به. وانظر: الهداية (2/ 25)، والثمر الداني (356)، والإقناع (2/ 299)، والفقه الميسر (3/ 124).
(3)
ذهب الحنفية إلى أن الفرقة بسبب الإيلاء طلاق بائن، لدفع الضرر عن الزوجة، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الطلاق يقع رجعيًا ما لم يستكمل عدد الطلقات. وانظر: الهداية (2/ 259) الكافي لابن عبد البر (279)، والإقناع (2/ 299)، والفقه الميسر (3/ 125).
(4)
لأن الحاكم يقوم مقام الممتنع، ولأنه حق تدخله النيابة، كقضاء دينه. وانظر: منار السبيل (646/ 2).
(5)
لأنَّه أمر خفي لا يعلم إلا من جهته، كما يقبل قول المرأة في حيضها. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 626).
(6)
لأن قولها اعتضد بالبينة، وإن لم يشهد ببكارتها ثقة، فقوله بيمينه، كما لو كانت ثيبًا. وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 626).
باب الظهار
(1)
وهو محرم، وهو: أن يشبه الزوج امرأته أو عضوًا منها غير منفصل بمن يحرم عليه من رجل
(2)
أو امرأة
(3)
، كأمه أو أخته أو بعضو منه، ولو بغير العربية.
فمن قال لزوجته: أنت أو يدك أو أذنك علي كظهر أمي أو يدها أو كظهر زيد أو يده، أو أنت علي كفلانة الأجنبية، أو أنت علي حرام
(4)
أو
(1)
الظهار: مشتق من الظهر، والظهر للركوب، والمرأة مركوبة إذا غشيت، فكأنه إذا قال: أنت علي كظهر أمي، أراد ركوبك للنكاح حرام علي كركوب أمي، انظر: المطلع (345)، وأنيس الفقهاء (162).
(2)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية إلى أنه لو شبه الرجل زوجته برجل أو جزء لم يكن هذا القول ظهارًا، وذهب الحنابلة إلى أن حكمه حكم الظهار. وانظر: الهداية (2/ 269)، والكافي (160)، والإقناع (2/ 301)، والفقه الميسر (3/ 333).
(3)
ذهب الجمهور من المالكية والحنفية والشافعية إلى أنه لو شبه الرجل امرأته بمن لا تحرم عليه على التأبيد كأخت زوجته فإن هذا التشبيه لا يقع ظهارًا. وذهب الحنابلة إلى أن هذا التشبيه يقع ظهارًا بجامع التحريم سواء كان مؤقتًا أو مؤبدًا. انظر: الهداية (2/ 269)، والثمر الداني (366)، والقوانين الفقهية (160)، والإقناع (2/ 301)، والفقه الميسر (3/ 133).
(4)
ذهب الحنفية والشافعية إلى أن المرجع في هذا اللفظ إلى النية، فإن نوى به ظهارًا فهو ظهار، أو طلاقًا فهو طلاق، أو نوى التحريم أو لم ينو فهو يمين وذهب المالكية إلى أن هذا اللفظ يقع واحدة بائنة، في غير المدخول بها، وثلاثًا في المدخول بها، وذهب الحنابلة إلى أنه من ألفاظ الظهار، ولو بلا نية. وانظر: تحفة =
قال: الحل علي حرام صار مظاهرًا، وإن نوى طلاقًا أو يمينًا، إلا إن زاد: إن شاء الله، وإن قال: أنت علي كأمي، أو مثل أمي وأطلق فظهار، في جميع ذلك على الأصح
(1)
، وإن نوى في نحو الكرامة أو المحبة فلا ظهار.
وإن قال: أنت أمي، أو علي الظهار أو الظهار يلزمني فليس بظهار، إلا مع نية أو قرينة
(2)
.
وإن قال: أنت علي كالدم أو الخنزير يقع ما نواه من طلاق أو ظهار أو يمين
(3)
، فإن لم ينو شيئًا فظهار.
ويصح الظهار من كل من يصح طلاقه، ومنجزًا ومعلقًا بشرط، ومحلوفًا به ومؤقتًا كشهر، فإن وطئ فيه فمظاهر وإلا فلا.
فإن نجزه لأجنبية، أو علقه بتزويجها ولو غير معينة كإن قال للأجنبية: أنت علي حرام ونوى أبدًا.
أو قال: كل امرأة أتزوجها
(4)
فهي علي كظهر أمي صح ظهارًا
(5)
لها
= الفقهاء (2/ 197)، وشرح الزرقاني (3/ 219)، ومغني المحتاج (3/ 283)، والفقه الميسر (3/ 135).
(1)
حكى ابن مفلح والمرداوي - رحمهما الله - أنه إذ تجرد قول الظهار عن نية المحبة والكرامة أن حكمه حكم الظهار على الصحيح من المذهب، انظر: الفروع (5/ 374)، والإنصاف (9/ 140).
(2)
احتمال هذه الصور لغير الظهار أكثر، وكثرة الاحتمالات توجب اشتراط النية. وانظر: منار السبيل (2/ 648).
(3)
لأن لفظه يحتمله. وانظر: منار السبيل (2/ 648).
(4)
ذهب الحنفية والشافعية إلى أن الزوجية شرط لانعقاد الظهار، وذهب المالكية والحنابلة إلى أن الزوجية ليست شرطًا في الظهار، وعليه الكفارة قبل أن يطأ إذا تزوجها، وأفتت اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية بالأول؛ لأن تحريم المحرم نوع عبث. وانظر: الهداية (2/ 270)، والإفتاء (2/ 301)، والفقه الميسر (3/ 129)، والفتوى رقم (1476) و (16133) في (20/ 279) من فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء.
(5)
لأنهما يمين مكفرة، فصح عقدها قبل النكاح كاليمين بالله تعالى، والآية خرجت مخرج الغالب. وانظر: منار السبيل (2/ 649).
لن أطلق أو نوى الوقت الحالي.
ولا يصح من أمة أو أم ولد وعليه كفارة يمين
(1)
، وإن قالته امرأة لزوجها فليس بظهار وعليها كفارته
(2)
، ويكره نداء أحد الزوجين الآخر بما يختص بذي رحم كأبي وأمي.
وإذا صح الظهار حرم على المظاهر والمظاهر منها الوطء ودواعيه قبل التكفير
(3)
، فإن وطئ ثبتت الكفارة في ذمته، ولو كان مجنونًا بأن ظاهر ثم جن، ثم لا يطأ ثانية حتى يكفر، وإن مات أحدهما قبل الوطء فلا كفارة
(4)
.
وتلزمه كفارة واحدة بتكرير الظهار، ولو بمجالس قبل التكفير من زوجة واحدة، ولظهاره من نسائه بكلمة واحدة.
والكفارة في الظهار والوطء في نهار رمضان على الترتيب: عتق رقبة مؤمنة، سليمة من العيوب المضرة بالعمل ضررًا بينًا
(5)
، ويجزئ مدبر، وصغير، وولد زنا، وأعرج وأخرس، وأصم، ومرهون، وأعور.
ولا يجزئ الأخرس الاسم
(6)
، ولا الجنين، ولا المقعد
(7)
، ولا الأعمى والأشل، والمقطوع الأصبع الوسطى والسبابة، أو الإبهام أو أنملة
(1)
لأن كل حلال حرم لم يلزمه فيه إلا كفارة يمين، سوى الزوجة، قال تعالى:{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2]، وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 9).
(2)
قياسًا على الزوج، وأوجبوه تغليظًا، وعليها التمكين قبل التكفير؛ لأنَّه حق للزوج فلا تمنعه كسائر حقوقه. وانظر: حاشية الروض المربع (817).
(3)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى حرمة دواعي الجماع على المظاهر حتى يكفر، وذهب الشافعية إلى تحريم الجماع دون مقدماته في ما بين السرة والركبة، وإباحة ما سوى ذلك. وانظر: أحكام القرآن للجصاص (5/ 310)، والثمر الداني (366)، والإقناع (2/ 306)، والفقه الميسر (3/ 138).
(4)
لأنَّه لم يوجد الحنث، ويرثها كما بعد التكفير. وانظر: منار السبيل (2/ 650).
(5)
لأن المقصود تمليك العبد منفعته، وتمكينه من التصرف لنفسه، ولا يحصل هذا مع العيب. وانظر: منار السبيل (2/ 651).
(6)
كل أخرس أصم، فما ذكره المؤلف رحمه الله من قوله: الاسم زيادة.
(7)
ضبة تصحيحية إلى قوله: من الإبهام.
من الإبهام، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، مع تبييت النية من الليل وتعيينه.
وينقطع التتابع بوطء مظاهر منها ولو ناسيًا، - أو مع عذر كسفر أو ليلًا -، وينقطع بصوم غير رمضان، وبفطر بلا عذر.
فإن لم يستطع الصوم لكبر أو مرض أطعم ستين مسكينًا، لكل مسكين مدبر أو نصف صالح من غيره.
ويشترط في المسكين الإسلام والحرية، ولا يضر وطء مظاهر منها أثناء إطعام
(1)
، ويجزئ دفعها إلى صغير من أهلها، ولا يجزئ خبز، وما لا يجزئ في الفطرة ولا القيمة.
ولا تلزم الرقبة في الكفارة إلا من ملكها أو أمكنه بثمن مثلها فاضلًا عن كفايته دائمًا، وعن كفاية ممونه وعما يحتاجه من مسكن وخادم ومركوب وثياب تجمل، ومال يقوم كسبه بمؤنته ومؤنة ممونه، وكتب علم ووفاء دين.
ويجزئ الإطعام للفقير والمسكين وابن السبيل والغارم كالزكاة، وتجب النية في التكفير من صوم وغيره.
* * *
(1)
وكذا أثناء عتق، كما لو أعتق نصف عبد، إلا أنه محرم عليه للنهي عنه قبل أن يكفر. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 28).
باب اللعان
(1)
ويشترط في صحته، أن يكون بين زوجين مكلفين، فمن قذف أجنبية حد ولا لعان، ومن عرف العربية لا يصح لعانه بغيرها، وإن جهلها فبلغته.
فإذا قذف امرأته بالزنا في قبل أو دبر فعليه حد القذف
(2)
إن كانت محصنة أو التعزير إن كانت غير محصنة
(3)
، إلا أن يقيم بينة أو يلاعن.
وصفة اللعان: أن يقول الزوج أربع مرات: أشهد بالله إني من الصادقين فيما رميتها به من الزنا، أو يقول: أشهد بالله لقد زنت زوجتي هذه، فإن كانت غائب سماها باسمها ونسبها بما تعرف به، ويزيد في الخامسة، وأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين.
ثم تقول هي أربع مرات: أشهد بالله لقد كذب فيما رماني به من الزنا، وتشير إليه إن كان حاضرًا، ثم تقول في الخامسة: أن غضب الله
(1)
والملاعنة: المباهلة بين الزوجين، إذا قذف الرجل امرأته أو رماها بالزنا، فالإمام يلاعن بينهما، انظر: مادة لعن في لسان العرب (13/ 388)، ومختار الصحاح (250).
(2)
ذهب الحنفية إلى أنه إذا نكل الزوج بعد قذف زوجته عن اللعان، فإنه يحبس حتى يلاعن، أو تصدقه المرأة فيما أدعاه، أو يكذب نفسه فيحد للقذف، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة، إلى أنه يحد إذا لم يلاعن. وانظر: الهداية (2/ 275)، والثمر الداني (367)، والإقناع (2/ 308)، والفقه الميسر (3/ 148).
(3)
عفيفة، حرة، عاقلة، مسلمة، يوطأ مثلها. وانظر: منار السبيل (2/ 740).
عليها إن كان من الصادقين
(1)
، وسن تلاعنهما قيامًا، بحضرة جماعة أربعة فأكثر، بوقت ومكان معظمين.
فإن بدأت الزوجة اللعان، أو نقص أحدهما شيئًا من الألفاظ الخمسة أو لم يحضرهما حاكم أو نائبه، أو أبدل أحدهما لفظة أشهد بالله بأقسم أو أحلف، أو لفظ اللعنة بالطرد أو الغضب، أو لفظة الغضب بالسخط أو اللعنة، أو عدمت موالاة الكلمات لم يصح اللعان، وكذلك إن لم يتقدمه قذف بالزنا، أو لم تكذبه الزوجة، أو لم تكن مكلفة.
فإن قال لزوجته: وطئت بشبهة، وهذا الولد ليس مني، فشهدت امرأة ثقة أنه ولد على فراشه
(2)
، لحقه نسبه ولا لعان؛ لأنَّه لم يقذفها بالزنا، وإذا تم اللعان سقط عنه الحد والتعزير.
وتثبت الفرقة بينهما بتحريم مؤبد
(3)
، ولو لم يفرق الحاكم بينهما
(4)
، أو كذب نفسه بعد ذلك.
وينتفي الولد إن ذكر في اللعان صريحًا أو ضمنًا، بشرط أن لا يكون أقر به قبل ذلك، أو بما يدل على الرضا، كما لو هنئ به فسكت، أو أخر
(1)
وإذا نكلت المرأة عن اللعان، فقد اختلف الفقهاء في حالها، فذهب الحنفية والحنابلة إلى أنها تحبس حتى تلاعن، أو تقر بالزنا أربع مرات فتحد له، وذهب الشافعية والمالكية إلى أنه بنكولها تحد حد الزنا، انظر: الهداية (2/ 275)، والثمر الداني (368)، والإقناع (2/ 315)، والمبدع (8/ 89).
(2)
أي: في عصمته. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 36).
(3)
ذهب الحنفية إلى أن الفرقة في اللعان تكون طلاقًا بائنًا، طلاقًا لأنها من قبل الزوج، وبائنًا لأنها من قبل الحاكم، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن فرقة اللعان فسخ، يوجب التحريم المؤبد، كحرمة الرضاع. وانظر: الهداية (2/ 276)، والثمر الداني (368)، والإقناع (2/ 313)، والفقه الميسر (3/ 151).
(4)
ذهب الحنفية إلى أن الفرقة المؤبدة بعد اللعان لا تحصل إلا بحكم حاكم، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الفرقة تقع بمجرد الفراغ من اللعان. وانظر: الهداية (2/ 276)، وشرح الزرقاني (3/ 244)، والإقناع (2/ 314)، والفقه الميسر (3/ 150).
نفيه مع إمكانه، فإن كذب نفسه بعد ذلك لحقه نسبه، وحد أو عزر
(1)
، والتوأمان المنفيان أخوان لأم، وذكر الولد في اللعان، كأن يقول: أشهد بالله لقد زنت، وما هذا ولدي، وتقول: أشهد الله لقد كذب وهذا الولد ولده.
* * *
(1)
حد للمحصنة وعزر لغيرها، كذمية أو رقيقة، سواء كان لاعن أو لا؛ لأن اللعان يمين، أو بينة درأت الحد، فإذا أقر بما يخالفه بعده سقط حكمه. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 39).
فصل: (فيما يلحق من النسب)
(1)
إذا أتت زوجة الرجل بولد بعد نصف سنة من إمكان اجتماعه بها ولو مع غيبة فوق أربع سنين، ولو كان الزوج ابن عشر أو لدون أربع سنين منذ أبانها، ولا يحكم ببلوغ ابن عشر إن شك فيه مع لحوق النسب احتياطًا، ولا يلزمه كل المهر
(2)
، ولا تثبت به عدة، ولحقه نسبه على الأصح
(3)
ولا رجعة.
فإن أتت به لدون نصف سنة من تزوجها وعاش، أو لأكثر من أربع سنين من مفارقتها حاملًا، فوضعت آخر بعد نصف سنة، أو علم عدم اجتماعهما، أو كان الزوج لم يبلغ عشرًا، أو قطع ذكره مع أنثييه لم يلحقه.
وإن اعترف بوطء أمته في الفرج أو دونه، أو ثبت عليه ذلك، فولدت لنصف سنة أو أزيد لحقه، إلا أن يدعي الاستبراء بعد الوطء بحيض، ويحلف عليه، ولا أثر لشبه مع فراش.
(1)
النسب واحد الأنساب والنسبة، وانتسب إلى أبيه، أي: اعتزى، انظر: المطلع (296).
(2)
إن لم يثبت الدخول أو الخلوة؛ لأن الأصل براءته منه. وانظر: منار السبيل (2/ 657).
(3)
نص ابن مفلح والمرداوي من الحنابلة - رحمهما الله - على أن ابن عشر سنين وما دونها يلحقه النسب بالنكاح مذ أمكن اجتماعه بامرأته، دون بقية الأحكام من ثبوت المهر والعدة. انظر: الفروع (5/ 390)، والإنصاف (9/ 260).
ويتبع الولد أباه في النسب ما لم ينف عنه، وأمه في الحرية والرق إلا مع شرط أو غرور
(1)
، وفي الدين خيرهما، وفي نجاسة وتحريم نكاح وذكاة وأكل أخبثهما.
* * *
(1)
بأن شرطها أو ظنها حرة فبانت أمة، فولدها حر، وإن كان أبوه رقيقًا ويفديه. وانظر: منار السبيل (2/ 659).
باب العدد
(1)
وتلزم العدة كل امرأة حرة أو أمة بالغة، أو صغيرة يوطأ مثلها
(2)
فارقت زوجها بطلاق أو خلع أو فسخ
(3)
، خلا بها مطاوعة مع علمه بها وقدرته على وطئها، ولو مع مانع للوطء، كجب ورتق وصوم أو حيض، أو وطئها أو مات عنها حتى في نكاح فاسد، وهو ما فيه خلاف
(4)
كنكاح بلا ولي.
فإن كان باطلًا كخامسة لم تعتد للوفاة ولا للفراق قبل الوطء
(5)
.
ومن فارقها حيًا قبل وطء وخلوة بطلاق أو غيره فلا عدة عليها، أو بعدهما أو بعد أحدهما وهو ممن لا يولد لمثله كمن دون عشر، أو كانت
(1)
العدة لغة: الإحصاء، يقال: عددت الشيء إذا أحصيته، واصطلاحًا: تربص يلزم المرأة ثم زوال النكاح المتأكد أو شبهته، انظر: أنيس الفقهاء (167)، والتعريفات (192).
(2)
فلا تجب على صغيرة لا يوطأ مثلها كبنت دون تسع، لتيقن براءة الرحم من الحمل. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 47).
(3)
ذهب الجمهور من فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أن عدة المختلعة هي عدة المطلقة، سواء وقع بلفظ الطلاق أو الخلع، وذهب الحنابلة في رواية إلى أن عدة المختلعة حيضة واحدة. وانظر: الهداية (2/ 218)، والثمر الداني (358)، والإقناع (2/ 325)، والمبدع (8/ 120)، والفقه الميسر (3/ 93).
(4)
لأنَّه ينفذ بحكم حاكم. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 48).
(5)
لأن وجود هذا العقد كعدمه. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 49).
هي دون تسع فلا عدة، وكذلك لو تحملت بماء زوج، ثم فارقها قبل الدخول والخلوة فلا عدة، وجزم في المنتهى
(1)
بوجوب العدة
(2)
(3)
، خلاف المتوفى عنها فتعتد مطلقًا، وكذا لو قبلها أو لمسها بلا خلوة ثم فارقها فلا عدة.
والمعتدات ست: الحامل وعدتها من موت وغيره إلى، لم وضع كل الحمل، واحدًا أو عدداً مما تصير به الأمة أم ولد بأن تبين فيه خلق إنسان ولو خفيًا، فإن لم يلحقه لصغره أو لكونه ممسوحًا أو لدون ستة أشهر منذ أن أمكن اجتماعها به ونحو ذلك لم تنقض به عدتها
(4)
.
وأكثر مدة الحمل أربع سنين
(5)
، وأقله ستة أشهر، وغالبه تسعة أشهر، ويباح للمرأة إلقاء النطفة قبل أربعين يومًا بدواء مباح.
والمتوفى عنها زوجها بلا حمل منه قبل الدخول أو بعده، للحرة أربعة أشهر وعشرة أيام، وللأمة نصفها، فإن مات زوج رجعية في عدة طلاق سقطت
(6)
، وابتدأت عدة وفاة منذ مات.
(1)
انظر: منتهى الإرادات (2/ 211).
(2)
قال المرداوي: لا عدة بتحمل المرأة بماء الرجل، ولا بالقبلة، ولا باللمس من غير خلوة على الصحيح من المذهب، وهو ظاهر كثير من كلام الأصحاب، وقيل: تجب العدة بذلك، وقطع به القاضي، فيما إذا تحملت بالماء. انظر: الإنصاف (9/ 198)، والفروع (5/ 410).
(3)
ضبة تصحيحية.
(4)
وتعتد عدة وفاة أو فراق حيث وجدت، وتنقضي عدتها بوضع الحمل من الوطء الذي علقت به منه؛ لأن العدة تجب من كل وطء. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 53).
(5)
ذهب الحنفية إلى أن أكثر مدة الحمل سنتان، وذهب المالكية إلى أن أكثر مدة الحمل خمس سنوات، وذهب الجمهور من الشافعية والحنابلة إلى أن أكثر مدة الحمل أربع سنوات؛ لأنَّه لا نص فيه فيرجع للوجود. انظر: شرح فتح القدير (3/ 443)، والشرح الكبير (4/ 407)، وإعانة الطالبين (4/ 41)، والفقه الميسر (2/ 3/ 81).
(6)
لأن الرجعية زوجة، يلحقها طلاقه وينالها ميراثه. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 56).
وإن مات في عدة من أبانها في الصحة لم تنتقل
(1)
، فإن أبانها في مرض الموت تعتد أطول الأجلين من عدة وفاة وطلاق
(2)
، ما لم تكن المبانة أمة أو ذمية، أو جاءت البينونة من جهتها فتعتد لطلاق لا غير لعدم إرثها، فإن انقضت عدتها قبل موته لم تعتد له ولو ورثت
(3)
، وإن طلق بعض نسائه مبهمًا أو معينًا ونسيها ثم مات قبل قرعة اعتد كل منهن سوى الحامل الأطول منهما.
والحائل ذات الأقراء
(4)
- وهي الحيض -، المفارقة في الحياة، فعدتها إن كانت حرة أو مبعضة ثلاثة أقراء كاملة، ولا تحسب حيضة طلقت فيها وللأمة قرآن.
ومن فارقها زوجها حيًا ولم تحض لصغر أو يأس فتعتد حرة ثلاثة أشهر، وأمة شهرين، ومبعضة بالحساب ويجبر الكسر.
ومن ارتفع حيضها ولم تدر سببه فعدتها سنة، تسعة أشهر لغالب الحمل، وثلاثة للعدة، ولا تنتقض بعود الحيض بعد المدة
(5)
، ومن بلغت ولم تحض كآيسة.
وعدة المستحاضة الناسية لوقت حيضها والمبتدأة كآيسة، وإن علمت من ارتفع حيضها ما رفعه، من مرض أو رضاع أو غيرهما فلا تزال في عدة
(1)
لأنها ليست زوجة ولا في حكمها، لعدم التوارث، فلا تعتد لوفاته كما لو انقضت عدتها. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 57).
(2)
فلأنها وارثة تجب عليها عدة الوفاة، ولأنها مطلقة تعتد عدة طلاق. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 57).
(3)
لأنها أجنبية تحل للأزواج، فليست هي زوجة ولا في حكمها؛ لأن المذهب أن المطلقة في مرض الموت بقصد الحرمان ترث ما لم تتزوج بآخر. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 58).
(4)
ذهب الحنفية والحنابلة إلى أن المراد بالقرء الحيض، وذهب المالكية والشافعية إلى أن المراد بالقرء الطهر. وانظر: الهداية (2/ 218)، والثمر الداني (359)، والإقناع (2/ 320)، والفقه الميسر (3/ 167).
(5)
لأن عدتها انقضت، وحكم بصحة نكاحها فلم تبطل كما لو اعتدت الصغيرة بثلاثة أشهر وتزوجت ثم حاضت. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 63).
حتى يعود الحيض فتعتد به
(1)
، أو تبلغ سن اليأس خمسين سنة، فتعتد عدته، ويقبل قول زوج إن لم يطلق إلا بعد حيض أو ولادة، أو في وقت كذا
(2)
.
وامرأة المفقود تتربص حرة كانت أو أمة أربع سنين من فقده، إن كان ظاهر غيبته الهلاك، وتمام تسعين سنة من ولادته إن كان ظاهر غيبته السلامة، ثم تعتد للوفاة.
ولا تفتقر زوجة المفقود إلى حكم الحاكم
(3)
، فإن تزوجت بعد التربص والعدة، فقدم الأول قبل وطء الثاني فهي للأول، وبعده فله أخذها زوجة بالعقد الأول، ولو لم يطلق الثاني، ولا يطأها قبل فراغ عدة الثاني، وله تركها معه من غير تجديد عقد، والأصح أن الأول يطلقها وتعتد له، ثم يجدد الثاني عقده، ويأخذ الأول قدر الصداق الذي أعطاها من الزوج الثاني، ويرجع الثاني عليها بما أخذه الأول منه
(4)
ومتى فرق بين الزوجين لموجب ثم ظهر انتفاؤه فكمفقود.
ومن مات زوجها الغائب اعتدت من موته، أو طلقها اعتدت منذ الفرقة
(5)
.
(1)
وإن طال الزمن؛ لأنها مطلقة لم تيأس من الدم، فلا تزال في عدة حتى يعود الحيض. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 65).
(2)
لأنَّه يقبل قوله في أصل الطلاق وعدده، فكذا في وقته. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 66).
(3)
ذهب الحنفية والشافعية إلى أن امرأة المفقود لا تعتد حتى يتبين لها موته أو فراقه فتعتد لذلك، وذهب المالكية والحنابلة إلى أنها تتربص أربع سنين، ثم تعتد للوفاة أربعة أشهر وعشرًا، إن كان ظاهرًا غيبته الهلاك، على التفصيل المذكور. وانظر: المبسوط (11/ 35)، وحاشية الدسوقى (2/ 483)، والمهذب (2/ 146)، والفقه الميسر (3/ 171).
(4)
لأنها غرامة لزمته بسبب وطئه لها، فرجع بها عليها، كما لو قالت: ما لي زوج. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 70).
(5)
أي: احتسبت العدة بما مضى قبل العلم، وكأن ابتداء عدتها من حين الفرقة؛ لأن القصد غير معتبر في العدة، بدليل الصغيرة والمجنونة. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 71).
وعدة وطء بشبهة أو زنا أو بعقد فاسد كمطلقة مزوجة
(1)
، وتستبرأ أمة غير متزوجة بحيضة
(2)
.
وإن وطئت المعتدة بشبهة أو بنكاح فاسد فرق بينها وبين الواطئ، وأتمت العدة الأولى ما لم تحمل من الثاني، فتنقضي عدتها منه بوضع الحمل، ثم تعتد للأول ولا يحتسب من عدة الأول مقامها عند الثاني بعد وطئه
(3)
، ثم بعد اعتدادها للأول، تعتد للثاني
(4)
(5)
، وله أن يتزوجها بعقد بعد العدتين، وإن تزوجت المعتدة في عدتها، لم تنقطع حتى يدخل بها
(6)
؛ لأن العقد باطل فلا يقطع العدة الصحيحة، فإذا فارقها الثاني بنت على عدتها من الأول، ثم استأنفت عدة الثاني.
ومن وطئ معتدته البائن في عدتها بشبهة، استأنفت العدة، ودخلت فيها بقية الأولى
(7)
، وتبني الرجعية إذا طلقت في عدتها على عدتها، وإن راجعها ثم طلقها استأنفت.
وإن نكح من أبان في عدتها، ثم طلقها قبل الدخول بها بنت على ما مضى من عدتها
(8)
، وإن وطئ المعتدة من أبانها بزنا فكالأجنبي تعتد له بعد تتميم الأولى.
(1)
لأنَّه وطء يقتضي شغل الرحم، فوجبت العدة منه كالنكاح الصحيح. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 72).
(2)
لأن المقصود العلم ببراءة الرحم من الحمل، وذلك حاصل بالحيضة. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 72).
(3)
لانقطاع العدة الأولى بوطئه. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 73).
(4)
لأنهما حقان اجتمعا لرجلين فلم يتداخلا، وقدم أسبقها كما لو تساويا في مباح. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 73).
(5)
ضبة تصحيحية.
(6)
فلا تصير بالعقد فراشًا، والعدة بحالها، ولا يستحق عليه بالعقد شيء، لكن بوطئه
تنقطع العدة. الروض المربع (7/ 74).
(7)
لأنهما عدتان من واحد لوطئين يلحق النسب فيهما لحوقًا واحد، فتداخلا. وانظر: منار السبيل (2/ 664).
(8)
لأنَّه طلاق في نكاح ثان قبل المسيس والخلوة فلم يوجب عدة. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 77).
وتتعدد العدة بتعدد الوطء بالشبهة، لا إن تعدد الواطئ بزنا
(1)
، فلا تتعدد في الأصح.
ويحرم على زوج المرأة الموطوءة بزنا أو شبهة أن يطأها في فرج ما دامت في العدة.
* * *
(1)
تعدد العدة في الوطء لشبهة لأنهما حقان لآدميين فلم يتداخلا، أما الوطء بزنا فلا تتعدد العدة، لعدم لحوق النسب، فبقي القصد العلم ببراءة الرحم، فتعتد من آخر وطء. وانظر: منار السبيل (2/ 665).
فصل: (في الإحداد)
ويحرم الإحداد
(1)
فوق ثلاث على ميت غير زوج، فيجب الإحداد على زوجة المتوفى إن كان بنكاح صحيح، ما دامت في العدة، ويجوز الإحداد للبائن من حى
(2)
، وهو: ترك الزينة والطيب، ولبس الحلي ولو خاتمًا، ولبس الملون من الثياب والتحسين بالحناء، والاكتحال بالأسود وتحمير الوجه وحفه، ولها لبس الأبيض ولو حريرًا.
وتجب عدة الوفاة، في المنزل الذي مات زوجها وهي فيه، ما لم يتعذر
(3)
.
وتنقضي العدة بمضي الزمان حيث كانت
(4)
.
(1)
الإحداد لغة: من الحد وهو المنع؛ لأن المحدة ممتنعة من ثياب الزينة، والحداد: ثياب سود يحزن بها، انظر: المطلع (348)، وتحرير ألفاظ التنبيه (285).
(2)
ذهب الحنفية إلى وجوب الإحداد على المطلقة البائن، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى عدم وجوب الإحداد على المطلقة البائن، على أن المالكية رأوا أنه لا يشرع الحداد للمبتوتة، والشافعية يرون سنيته، والحنابلة على الإباحة والجواز. وانظر: الهداية (2/ 215)، والثمر الداني (374)، والإقناع (2/ 326)، والفقه الميسر (3/ 176).
(3)
كتحولها لخوفها على نفسها أو مالها، أو لتحويل مالكه لها، أو طلبه فوق أجرته، فتنتقل حيث شاءت للضرورة، ولسقوط الواجب للعذر. وانظر: منار السبيل (2/ 666).
(4)
لأن المكان ليس شرطًا لصحة الاعتداد. وانظر: منار السبيل (2/ 667).
فصل: (في استبراء الإماء)
والاستبراء
(1)
واجب في ثلاثة مواضع: إذا ملك الرجل ولو طفلًا أمة يوطأ مثلها ولو ملكها من أنثى، أو كان بائعها قد استبرأها
(2)
، أو عادت إليه بفسخ أو غيره، فحيث انتقل الملك لم يحل استمتاعه بها، ولو بالقبلة حتى يستبرأها
(3)
، وإذا ملك أمة ووطئها ثم أراد أن يزوجها أو بيعها قبل الاستبراء فيحرم، فإن خالف صح البيع في الظاهر دون النكاح؛ لأن الاستبراء واجب فكان كالعدة، فإن لم يطأها جاز
(4)
، وإذا أعتق أمته أو أم ولده، أو مات عنها لزمها استبراء نفسها، إن لم تستبرأ قبل
(5)
.
(1)
الاستبراء: أن يشتري الرجل الجارية فلا يطؤها حتى تحيض عنده حيضة ثم تطهر، وكذلك إذا سباها لم يطأها حتى يستبرئها بحيضة، ومعناه طلب براءتها من الحمل. انظر: مادة برأ في لسان العرب (1/ 33)، والنهاية (1/ 111).
(2)
لأن المشتري يجب عليه الاستبراء، لاحتمال أن البائع لم يستبرئها. وانظر: منار السبيل (2/ 668).
(3)
لأنَّه تجديد ملك يحتمل اشتغال الرحم قبله، أشبه ما لو اشتراها. وانظر: منار السبيل (2/ 668).
(4)
البيع والنكاح لعدم وجوب الاستبراء إذًا؛ لأنها ليست فراشًا، وقد حصل يقين براءتها منه. وانظر: منار السبيل (2/ 669).
(5)
لأنها فراش لسيدها، وقد فارقها بالموت أو العتق، فلم يجز أن تنتقل لفراش غيره، بلا استبراء. وانظر: منار السبيل (2/ 669).
واستبراء الحامل بوضعها، ومن تحيض بحيضة، والصغيرة والآيسة بمضي شهر
(1)
.
* * *
(1)
لأن الشهر أقيم مقام الحيضة، في عدة الحرة والأمة. وانظر: منار السبيل (2/ 670).
كتاب الرضاع
(1)
يحرم من الرضاع من يحرم من النسب، والمحرم خمس رضعات
(2)
في الحولين، ومتى امتص ثم قطعه لتنفس أو انتقال إلى ثدي آخر فرضعة فإن عاد ولو قريبًا فثنتان
(3)
، والسعوط ولبن الميتة
(4)
والموطوءة بشبهة، أو بعقد فاسد أو باطل أو بالزنا محرم
(5)
، أما لبن البهيمة وغير
(1)
الرضاع: بفتح الراء وكسرها، مص الثدي وشرب لبنه، واصطلاحًا: حصول لبن ذات تسع فأكثر في معدة حي، قبل تمام حولين، خمس رضعات يقينًا، انظر: المطلع (350)، والتعريفات (148)، والتعاريف (366).
(2)
ذهب الحنفية والمالكية إلى أن قليل الرضاع وكثيرة يحرم، وذهب الشافعية والحنابلة إلى تحديد الرضاع المحرم بخمس رضعات. وانظر: البحر الرائق (3/ 238)، والثمر الداني (370)، والمهذب (2/ 156)، والفقه الميسر (3/ 188).
(3)
المرجع فيه إلى العرف؛ لأن الشرع ورد بها مطلقًا، ولم يحددها بزمن ولا مقدار، فإذا ارتضع ثم قطع باختياره، أو قطع عليه فرضعه. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 95).
(4)
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى ثبوت الحرمة بإرضاع الطفل لبن المرأة الميتة، وذهب الشافعية إلى اشتراط حياة المرأة المرضعة صاحبة اللبن؛ لأنَّه لبن من جثة منفكة عن الحل والحرمة، فلم يحرم كلبن البهيمة. وانظر: المبسوط (5/ 139)، والفواكه الدواني (2/ 55)، ومغني المحتاج (3/ 145)، والفقه الميسر (3/ 187).
(5)
لكن يكون المرتضع في النكاح الباطل أو الزنا ابنًا لها من الرضاع؛ لأنَّه لما لم تثبت الأبوة من النسب، لم يثبت ما هو فرعها. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 97).
حبلى، ولا موطوءة
(1)
فلا يحرم، فلو ارتضع طفل وطفلة من خنثى، أو من رجل أو ممن لم تحمل لم يصيرا أخوين.
ومتى أرضعت المرأة طفلًا دون الحولين صار ولدها
(2)
في تحريم النكاح وإباحة النظر، والخلوة والمحرمية، وصار ولدًا لمن نسب لبنها إليه بسبب حملها منه، أو بوطء نكاح أو شبهة، بخلاف من وطئ بزنا؛ لأن ولدها لا ينسب إليه، فكذا الرضيع، وصارت محارم الواطئ بالنسب كآبائه وأمهاته وإخوته وأخواته، وأولادهم وأعمامه وعماته، وأخواله وخالاته
(3)
، وأصولهما وفروعهما محارمه، ومحارم المرضعة محارمه دون أبويه، فلا تنتشر الحرمة لأصوله ولا لفروعهم، فتباح المرضعة لأخ الرضيع وأبيه من النسب.
ومن حرمت عليه بنتها كأمه وأخته لو أرضعت طفلًا حرمتها عليه أبدًا، وفسخت نكاحها منه إن كانت زوجته
(4)
.
ومن قال لزوجته: أنت أختي برضاع بطل النكاح، فإن كان قبل
(1)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية إلى عدم اشتراط أن يكون لبن المرضعة ثاب عن وطء؛ لأنَّه لبن امرأة متعلّق به التحريم، وذهب الحنابلة إلى أن الحرمة لا تنتشر بهذا الوصف؛ لأنَّه لبن نادر أشبه لبن الرجل. وانظر: البحر الرائق (3/ 243)، والفواكه الدواني (2/ 55)، والمهذب (2/ 157)، والفقه الميسر (3/ 187).
(2)
ذهب الحنفية إلى أن الرضاع المحرم يمتد إلى أن يبلغ الطفل ثلاثين شهرًا، وذهب المالكية إلى أن الرضاع المحرم يثبت في السنتين وما جاوزها قليلًا كالشهر والشهرين، وذهب الجمهور في الشافعية والحنابلة إلى أن الرضاع المحرم يكون الحولين لا أكثر منهما. وانظر: الهداية (2/ 207)، والثمر الداني (370)، والإقناع (2/ 336)، والفقه الميسر (3/ 193).
(3)
ضبة تصحيحية.
(4)
فإذا كانت المرضعة أمه كانت المرتضعة أخته، وإذا كانت المرضعة جدته كانت المرتضعة عمته أو خالته. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 101).
الدخول وصدقته فلا مهر
(1)
، وإن كذبته فلها نصف المسمى
(2)
، ويجب كله بعد الدخول ولو صدقته، وإن قالت هي ذلك وكذبها فهي زوجته حكمًا
(3)
.
وإذا شك في الرضاع أو في إكماله أو شكت المرضعة ولا بينة فلا تحريم، وإن شهدت به امرأة مرضية ثبت
(4)
.
* * *
(1)
لاتفاقهما على بطلان النكاح من أصله، أشبه ما لو ثبت ببينة. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 103).
(2)
إن كذبته قبل الدخول؛ لأن قوله غير مقبول عليها في إسقاط حقها، وقد جاءت الفرقة من جهته. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 104).
(3)
أي: ظاهرًا؛ لأن قولها لا يقبل عليه في فسخ النكاح؛ لأنَّه حقه. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 104).
(4)
ذهب الحنفية إلى أن الشهادة على الرضاع لا تقبل إلا برجل وامرأتين، وذهب المالكية إلى أنه يكفي في إثبات الرضاع شهادة رجل وامرأة أو شهادة امرأتين، إن فشا أمر الرضاع، وذهب الشافعية إلى أنه يثبت بشهادة رجلين أو رجل وامرأتان أو أربع نسوة، وذهب الحنابلة إلى الاكتفاء بشهادة امرأة واحدة. وانظر: الهداية (2/ 210)، والتاج والإكليل (4/ 181)، والإقناع (2/ 339)، والفقه الميسر (3/ 197).
كتاب النفقات
(1)
يلزم الزوج نفقة زوجته؛ قوتًا وكسوة وسكنًا لمثلهما
(2)
، ويعتبر الحاكم ذلك بحالهما عند التنازع من يسار أو إعسار أو لأحدهما إذا كانا بالغين ولم تكن ناشزة:
فيفرض للموسرة تحت الموسر قدر كفايتها من أرفع خبز البلد وأدمه، على عادة الموسرين بمحلهما، وما يلبس مثلها من حرير وغيره، وبساط للجلوس وفراش للنوم.
وللفقيرة تحت الفقير من أدنى خبز البلد وأدمها، وما يلبس مثلها، ويجلس وينام عليه، وللمتوسطة مع المتوسط، والغنية مع الفقير وعكسها ما بين ذلك عرفًا.
وعليه مؤنة نظافة زوجته
(3)
- دون نظافة خادمها، ولا دواء وأجرة
(1)
النفقات: جمع نفقة، والنفقة ما أنفق، والجمع نفاق، ورجل منفاق، أي: كثير النفقة. سميت بذلك تشبيهًا لها بالموت، أو من نفق البيع يعني كثر طلابه، واصطلاحًا: ما يلزم المرء صرفه لمن عليه مؤونته، من زوجه وقنه ودابته. انظر: مادة نفق في لسان العرب (10/ 358)، والمطلع (352)، والتعاريف (708).
(2)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أن النفقة تجب للزوجة على زوجها بحسب حالهما جميعًا، وذهب الشافعية إلى أن المعتبر في النفقة حالة الزوج من يسار أو إعسار. وانظر: بدائع الصنائع (4/ 24)، والثمر الداني (350)، والإقناع (2/ 347)، والفقه الميسر (2/ 213).
(3)
لأن ذلك من الحوائج المعتادة. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 111).
طبيب إذا مرضت
(1)
، ولا ثمن طيب ونحو حناء -، وعليه خادم لمن يخدم مثلها - واحد - ومؤنسة، والواجب عليه دفع الطعام في أول كل يوم ويجوز دفع عوضه دراهم إن تراضيا، وليس للحاكم فرض الدراهم إلا برضاهما، فإذا فرضها لا تلزم.
وتملك الكسوة والنفقة بالقبض، ولا بدل عليه إذا سرق أو بلي، وإذا انقضى العام وعندها كسوته، فعليه كسوتها للعام الجديد
(2)
، فإذا مات الزوج قبل انقضاء العام أو ماتت أو بانت منه رجع عليها بقسط ما بقي
(3)
.
وإذا غاب الزوج عن زوجته مدة ولم ينفق عليها لزمته نفقة الزمن الماضي، ولو لم يفرضها الحاكم على الأصح
(4)
.
والكسوة والغطاء والوطاء في كل عام، وقيل: في أول الصيف وأول الشتاء.
* * *
(1)
لأن ذلك ليس من الحاجات الضرورية المعتادة. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 112).
(2)
اعتبارًا بمضي الزمان دون حقيقة الحاجة. وانظر: منار السبيل (2/ 676).
(3)
من العام، لتبين عدم استحقاقه، كنفقة تعجلتها. وانظر: منار السبيل (2/ 677).
(4)
انظر: منتهى الإرادات (2/ 377).
فصل: (في سقوط النفقة وإعسار الزوج)
والرجعية مطلقًا، والبائن الحامل، والناشز الحامل
(1)
، والمتوفى عنها زوجها حاملًا، كالزوجة في النفقة والكسوة والمسكن، ولا شيء لغير الحامل منهن
(2)
، ونفقة الحمل للمتوفى عنها وأم الولد من نصيبه من التركة، ولا سكنى لهما ولا كسوة، وتسقط نفقة الحمل بمضي الزمن، ما لم تنفق عليه بنية الرجوع، أو تستدين بإذن الحاكم.
ولا نفقة لناشز، ولا من سافرت لحاجتها، أو لزيارة ولو بإذن زوج
(3)
ما لم يكن مسافرًا معها، وكذا لو حبست ولو ظلمًا، وإن ادعى نشوزها أو أنها أخذت نفقتها وأنكرت فالقول قولها بيمينها، إلا إن شهد له العرف.
ومتى أعسر بنفقة المعسر أو كسوته أو ببعض ذلك فلها الفسخ فورًا أو
(1)
كالزوجة في النفقة؛ لأن النفقة للحمل، فلا تسقط بنشوز أمه.
(2)
ذهب الحنفية إلى أن البائن الحامل لها النفقة والسكنى لمدة عدتها، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية إلى أن لها السكنى دون النفقة مدة عدتها، وذهب الحنابلة إلى أنه لا نفقة لها ولا سكنى. وانظر: حاشية ابن عابدين (3/ 609)، والثمر الداني (375)، والوسيط (6/ 218)، والفقه الميسر (3/ 213).
(3)
لأنها منعت نفسها عنه بسبب لا من جهته فسقطت نفقتها؛ لتفويتها التمكين لحظ نفسها. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 116).
متراخيًا
(1)
، ولها منع نفسها عنه
(2)
، أو غاب الموسر وتعذرت عليها النفقة بالاستدانة عليه فلها الفسخ فورًا أو متراخيًا
(3)
، ولا يصح بلا حاكم فيفسخ بطلبها أو تفسخ بأمره
(4)
، وللحاكم بيع عقار وعرض لغائب ترك زوجته بلا نفقة، وينفق عليها يومًا بيوم، فإن بان ميتًا قبل إنفاقه حسب عليها ما أنفقته بنفسها، أو بأمر حاكم.
وإن امتنع الموسر عن النفقة أو الكسوة وقدرت على أخذ شيء من ماله فلها الأخذ منه بلا إذنه، بقدر كفايتها وكفاية ولدها الصغير، ومن أنفق على حامل فبانت حائلًا، رجع عليها بما أنفق، ومن تركه لظنه أنها حائل، فبانت حاملًا، لزمه ما مضى.
وتجب نفقة زوجة بلغت تسع سنين، وسلمت نفسها، ولو مع صغر زوج ومرض وعنة وجب.
وتجب على القريب نفقة أقاربه وكسوتهم وسكناهم بالمعروف بشرط أن يكونوا فقراء لا مال لهم ولا كسب، والمنفق غنيًا بمال أو كسب، ويكون فاضلًا عن قوت نفسه وزوجته ورقيقه يومه وليلته، وكسوة وسكنى، لا من رأس المال وثمن ملك وآلة عمل، وأن يكون المنفق وارثًا لهم، بفرض أو تعصيب كأخ لأم وابن عم.
إلا الأصول والفروع فتجب لهم وعليهم، حتى ذي الرحم منهم
(1)
للحوق الضرر الغالب بذلك؛ إذ البدن لا يقوم بدون كفايته. وانظر: منار السبيل (2/ 678).
(2)
لأنَّه لم يسلم إليها عوضه، فلم يلزمها تسليمه، كما لو أعسر المشتري بثمن المبيع. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 125).
(3)
ذهب الحنفية إلى أنه لو أعسر الزوج بنفقة امرأته فإن نكاحها لا يفسخ، لكن تؤمر بالاستدانة عليه، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الزوجة مخيرة بين الصبر وطلب الفراق. وانظر: الهداية (2/ 41)، والكافي لابن عبد البر (255)، والإقناع (2/ 352)، والفقه الميسر (3/ 221).
(4)
لأنَّه فسخ مختلف فيه، فلم يجز بغير الحاكم، كالفسخ للعنة. وانظر: منار السبيل (2/ 679).
مطلقًا، ولو كان محجوبًا، فإن كان للفقير ورثة دون الأب فنفقته عليهم على قدر إرثهم منه، ولا يلزم الموسر منهم مع فقر الآخر سوى قدر إرثه
(1)
، ومن قدر على الكسب أجبر لنفقة من يجب عليه، من قريب وزوجة
(2)
.
ومن لم يجد ما يكفي الجميع بدأ بنفسه فزوجته، فرقيقه، فولده، فأبيه فأمه، فولد ابنه، فجده، فأخيه، ثم الأقرب فالأقرب.
ولمستحق النفقة أخذ ما يكفيه من مال من يجب عليه بلا إذن إن امتنع، وحيث امتنع منها زوج أو قريب وأنفق غير من وجبت عليه بنية الرجوع رجع
(3)
.
ولا نفقة مع اختلاف الدين بقرابة، ولو كان من الأصول والفروع على الأصح
(4)
، إلا بالولاء، ومن له ابن فقير وأخ موسر فلا نفقة له عليهما؛ لأن الأخ محجوب والابن فقير، ومن عليه نفقة أبيه أو أخيه مثلًا، فعليه نفقة زوجته كظئر
(5)
.
ويجب على الأب أن يسترضع لولده إذا عدمت أمه، أو امتنعت وعليه الأجرة
(6)
، ولا يمنع الأب أمه إرضاعه، ولا يلزمها إلا لضرورة
(7)
، كخوف
(1)
لأن ذلك القدر هو الواجب عليه مع يسار الآخر، فلا يتحمل عن غيره، إذا لم يجد الغير ما يجب عليه. وانظر: منار السبيل (2/ 681).
(2)
لأن تركه مع قدرته عليه تضييع لمن يعول، وهو منهي عنه. وانظر: منار السبيل (2/ 681).
(3)
لأنَّه قام عنه بواجب، كقضاء دينه. وانظر: منار السبيل (2/ 682).
(4)
هكذا مصححا المذهب: المرداوي وابن النجار الفتوحي رحمهما الله على أن الأصول والفروع الكفار، لا تجب نفقتهم إلا بالولاء والرق. انظر: الإنصاف (9/ 297)، ومنتهى الإرادات (2/ 380).
(5)
لأن ذلك من حاجة الفقير، لدعاء ضرورته إليه؛ لأنَّه لا يتمكن من الإعفاف إلا بها. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 134).
(6)
لأنها في الحقيقة نفقة لتولد اللبن من غذائها بتلك النفقة. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 136).
(7)
لقوله تعالى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ} [الطلاق: 6]، وإذا امتنعت فقد حصل التعاسر، وقوله تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} [البقرة: 233] محمول على الاتفاق. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 137).
تلفه، ولها طلب أجرة المثل، ولو أرضعه غيرها مجانًا، بائنًا كانت أو تحته، وإن تزوجت آخر فللثاني منعها من إرضاع ولد الأول، ما لم تشترطه في العقد، أو يضطر إليها، أما أم الولد فيلزمها إرضاع ولدها مطلقًا، فإن عتقت فكبائن
(1)
.
ويجب على السيد نفقة رقيقه آبقًا أو ناشزًا طعامًا وكسوة وسكنى، وأن لا يكلفه ما يشق عليه، ويزوجه إن طلب، وله أن يسافر بعبده المتزوج، وأن يستخدمه نهارًا، وعليه إعفاف أمته إما بوطء أو تزويج أو بيع
(2)
، ويحرم عليه أن يضرب رقيقه على وجهه، أو يشتم أبويه ولو كافرين، ويجب أن يريحه وقت القيلولة ووقت نوم، ولتأدية الصلاة المفروضة، وتسن مداواته إن مرض، وأن يطعمه من طعامه، وله تأديبه، وللإنسان تأديب زوجه - و - ولده، بضرب غير مبرح ولو مكلفًا، وإن اتفق السيد مع رقيقه على كل يوم، أو شهر شيئًا معلومًا جاز، إن كان قدر كسبه فأقل، بعد نفقته.
ويجب عليه علف بهائمه وسقيها وما يصلحها، وأن لا يحملها ما تعجز عنه، ويحرم لعنها وضرب وجه ووسم
(3)
فيه، ولا يحلب من لبنها ما يضر ولدها، فإن عجز عن نفقتها أجبر على بيعها، أو إجارتها أو ذبحها إن أكلت
(4)
، فإن أبى فعل الحاكم الأصلح، ويحرم ذبحها إن كانت لا تؤكل، ويباح حرق نحو النمل والبق، إن لم يندفع ضررهما إلا بالحرق، وإلا فيكره.
(1)
أي: كحرة بائن، لا تجبر على إرضاعه، فإن فعلت فلها أجرة مثلها. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 137).
(2)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية إلى عدم وجوب إعفاف العبد والأمة على السيد؛ لأن هذا يفوت بعض المنافع على المالك، وذهب الحنابلة إلى وجوب الإعفاف للعبد والأمة، أو يرفع يده عن ملكهما. وانظر: مغني المحتاج (3/ 211)، والفقه الميسر (3/ 223).
(3)
الوسم: الكي، والجمع وسوم، انظر: مادة وسم في لسان العرب (12/ 635).
(4)
لأن بقاءها في يده مع ترك الإنفاق عليها ظلم، والظلم تجب إزالته. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 146).
باب الحضانة
(1)
وهي حفظ الطفل والمعتوه
(2)
والمجنون عما يضره، والقيام بمصالحه كغسل رأس ودهن، وربط في المهد ونحو ذلك.
والأحق بها الأم، ولو بأجرة مثلها
(3)
، مع وجود متبرعة، ثم أمهاتها القربى فالقربى
(4)
، ثم الأب ثم أمهاته، ثم الجد ثم أمهاته، ثم الأخت الشقيقة ثم لأم ثم لأب، ثم الخالة لأبوين ثم لأم ثم لأب، ثم العمات كذلك، ثم خالات أمه، ثم خالات أبيه، ثم عمات أبيه، ثم بنات إخوته
(1)
الحضانة: من الحضن وهو ما دون الإبط إلى الكشح، والاحتضان: هو احتمالك الشيء وجعله في حضنك، كما تحتضن المرأة ولدها، فتحتمله في أحد شقيها، وحاضنة الصبي، التي تقوم عليه في تربيته، انظر: مادة حضن في لسان العرب (13/ 123)، ومختار الصحاح (60).
(2)
المعتوه: الناقص العقل، وقد عته فهو معتوه بيِّن العته، انظر: مادة عته في لسان العرب (13/ 513)، ومختار الصحاح (181).
(3)
ذهب الحنفية إلى أن أجرة الحاضنة تجب لها ما لم تكن الحضانة مستحقة عليها كأن تكون أمًا للمحضون وهي تحت أبيه، وذهب المالكية إلى أنه ليس للحاضن أجرة، إلا أن تكون أمًا وهي فقيرة والمحضون غني، وذهب الجمهور من الشافعية والحنابلة إلى أن للحاضن أجرة إذا طالب بها، ولو كان الحاضن أمًا للمحضون لأن الحضانة ليست واجبة عليها، ولا تجبر عليها. وانظر: البحر الرائق (2/ 181)، والشرح الكبير (2/ 526)، وروضة الطالبين (9/ 98)، والفقه الميسر (3/ 24).
(4)
لأنهن في معنى الأم، لتحقق ولادتهن، والأقرب أكثر شفقة من الأبعد. وانظر: منار السبيل (2/ 687).
وأخواته، ثم بنات أعمامه وعماته، ثم باقي العصبات الأقرب فالأقرب، ثم لذي أرحامه غير من تقدم، ثم الحاكم.
ويشترط كون العصبة محرمًا، ولو بنحو رضاع لأنثى بلغت سبعًا.
ولا حضانة لمن فيه رق، ولا لفاسق
(1)
ولا لكافر على مسلم، ولا لمعتوه ولا لطفل ولا لعاجز عنها، كأعمى وزمن، وضعف البصر مانع، وإذا كان بالأم برص أو جذام سقط حقها، ولا لامرأة متزوجة بأجنبي، ومتى زال المانع، أو أسقط الأحق حقه منها ثم عاد عاد الحق له.
بيان أراد أحد الأبوين السفر ويرجع فالمقيم منهما أحق بالحضانة، بيان كان السفر للسكنى، وهو مسافة قصر فأكثر، فالأب أحق، إن لم يرفى انتزاع الولد من الأم
(2)
، فإن كانت البلد التي يريد السكنى بها دون القصر، فالأم أحق، بيان امتنع من له الحضانة أو كان غير أهل لها انتقلت إلى من بعده.
وإذا بلغ الغلام سبع سنين عاقلًا، خير بين أبويه فكان مع من اختاره منهما
(3)
، بيان عاد فاختار الآخر نقل إليه
(4)
، ولا يقر محضون بيد من لا
(1)
لأن الحضانة ولاية، والرقيق ليس من أهل الولاية، ولأن الفاسق لا يوثق به، في أداء واجب الحضانة. وانظر: منار السبيل (2/ 688).
(2)
لأن الأب يقوم بتأديب الولد، وحفظ نسبه، فإذا لم يكن الولد في بلد الأب ضاع. وانظر: حاشية الروض المربع (2/ 158).
(3)
إذا تنازع الزوجان في حضانة الابن العاقل إذا بلغ سبعًا، فقد اختلف الفقهاء في حكمه، فذهب الحنفية إلى أنه ينتقل إلى حضانة الأب تلقائيًا؛ لأنَّه أعرف بمصلحته، وذهب المالكية إلى أنه يبقى عند أمه، كما كان قبل هذه السن، وذهب الجمهور من الشافعية والحنابلة إلى التخيير. وانظر: الهداية (2/ 293)، والفواكه الدواني (2/ 65)، والإقناع (2/ 356)، والفقه الميسر (3/ 206).
(4)
لأن هذا اختيار تشه، وقد يشتهي أحدهما في وقت دون آخر، فاتبع فيما يشتهيه. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 160).
يصونه ويصلحه، وأبو الأنثى أحق بها بعد السبع
(1)
، ويكون الذكر بعد رشده حيث شاء، والأنثى عند أبيها وجوبًا، حتى يستلمها زوجها، ولا تمنع الأم من زيارتها إن لم يخف منها، ولو كان الأب عاجزًا عن حفظها قدمت الأم، ولأبيها وباقي عصبتها منعها من الانفراد
(2)
.
فإن اختار الصبي أباه كان عنده ليلًا ونهارًا، ولا يمنع من زيارة أمه وزيارتها له، وإن اختار أمه كان عندها ليلًا، وعند أبيه نهارًا ليؤدبه ويعلمه.
* * *
(1)
ذهب الحنفية إلى أن الأم أحق بحضانة البنت حتى تحيض، وذهب المالكية إلى أن الأم أحق بالحفانة حتى تبلغ النكاح وتتزوج، وذهب الشافعية إلى أن البنت مثل الابن في التخيير بعد السابعة، وذهب الحنابلة إلى أن الأب أولى بها مطلقًا. وانظر: الهداية (2/ 294)، والفواكه الدواني (2/ 65)، والإقناع (2/ 356)، والفقه الميسر (3/ 206).
(2)
خشية الفساد ولحوق العار بهم، ومنعها من المحرمات. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 163).
كتاب الجنايات
(1)
وهي التعدي على البدن بما يوجب قصاصًا أو مالًا. والقتل ثلاثة أقسام:
أحدهما: العمد العدوان، ويختص به القصاص أو الدية، فالولي مخير
بينهما، وعفوه مجانًا أفضل.
والعمد: أن يقصد الجاني من يعلمه آدميًا معصومًا فيقتله بما يغلب على الظن موته به، فلا قصاص بما لا يقتل غالبًا
(2)
.
فلو تعمد جماعة قتل واحد قتلوا جميعًا، إن صلح فعل كل واحد للقتل
(3)
، فإن حصل عفو عن القصاص وجب على الجميع دية واحدة على الأصح
(4)
، وإن جرحه واحد جرحًا يؤدي إلى قتله لو انفرد وجرحه آخر مائة فهما سواء.
(1)
الجناية لغة: الجرم والذنب، وما يفعله الإنسان مما يوجب عليه القصاص والعقوبة في الدنيا والآخرة. انظر: المطلع (356)، والتعريفات (107)، والتعاريف (255).
(2)
ولا إن لم يقصد القتل، ولأن حصول القتل بما لا يغلب على الظن موته به يكون اتفاقًا لسبب أوجب الموت غيره. وانظر: منار السبيل (2/ 692)، والروض المربع (7/ 167).
(3)
لأن فعل كل واحد لو انفرد لوجب به القصاص، ولأن القتل عقوبة تجب للواحد على الواحد، فوجبت له على الجماعة كالقذف. وانظر: منار السبيل (2/ 692).
(4)
قال المرداوي رحمه الله: "ولو عفا الولي عنهم سقط القود، ولم يلزمهم إلا دية واحدة على الصحيح من المذهب". انظر: الإنصاف (332/ 9)، ومنتهى الإرادات (2/ 396).
ومن قطع سلعة خطرة من آدمي أو بطها بلا إذنه، أو بلا إذن وليه فمات فعليه القود، وكذا إن ألقاه في نار أو بحر أو حبس ومنعه الطعام والشراب، بحيث لا يمكنه التخلص، أو قتله بسم أو بسحر يقتل غالبًا فعليه القود.
الثاني: شبه العمد: وهو أن يقصده بجناية لا تقتل غالبًا، ولم يجرحه بها، كسوط أو عصا أو حجر صغير، أو لكز
(1)
في غير مقتل، أو ألقاه في ماء قليل أو صاح بغافل في حال غفلته فمات، أو بصغير أو معتوه على سطح فسقط فمات، ففي ذلك الكفارة في ماله، والدية على عاقلته، فإن جرحه بها ولو جرحًا صغيرًا قتل به
(2)
.
الثالث: الخطأ: وهو أن يفعل ما يجوز له فعله من دق أو رمي صيد أو نحوه، أو يظنه مباح الدم فبان معصومًا، ففي ذلك الكفارة على القاتل، والدية على عاقلته، فإن قال له: اقتلني أو اجرحني، ففعل لم يلزمه شيء
(3)
، وكذا لو دفع لغير مكلف آلة قتل، ولم يأمره به، فقتل لم يلزم دافع الآلة له شيء
(4)
، ومن قتل حربيًا في صف الكفار فبان مسلمًا فعليه الكفارة فقط
(5)
.
ويشترط في وجوب القصاص أربعة: تكليف القاتل، فلا قصاص على
(1)
هو الضرب بالجمع في الصدر، وقيل: في جميع الجسد، انظر: مادة لكز في لسان العرب (5/ 406)، ومختار الصحاح (251).
(2)
لأن له مورًا وسراية في البدن، وفي البدن مقاتل خفية، أشبه ما لو غرزه في مقتل. وانظر: منار السبيل (2/ 694).
(3)
لإذنه في الجناية عليه، فسقط حق منها، كما لو أمره بإلقاء متاعه في البحر. وانظر: منار السبيل (2/ 694).
(4)
لأنه لم يأمر بالقتل ولم يباشره. وانظر: منار السبيل (2/ 694).
(5)
لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92]، ولم يذكر الدية، وترك ذكرها في هذا القسم مع ذكرها في الذي قبلها والذي بعدها ظاهر في أنها غير واجبة. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 177).
صغير ومجنون ومعتوه
(1)
، بل الكفارة في مالهم، والدية على عاقلتهم وعصمة المقتول، ولو كان مستحقًا دمه لغير قاتله، فلا كفارة ولا دية، على قاتل مرتد أو زان محصن، ولو قبل ثبوت عند حاكم، ولو كان مثله
(2)
ومكافأة مقتول لقاتل، بأن لا يفضل القاتل المقتول حال الجناية بالإسلام أو بالحرية أو بالملك، فلا يقتل المسلم ولو عبدًا بكافر ولو حرًا
(3)
، ولا الحر ولو ذميًا بالعبد ولو مسلمًا
(4)
، ولا المكاتمب بعبده، ولو كان ذا رحم محرم له، ويقتل الحر المسلم ولو ذكرًا بالحر المسلم ولو أنثى، والرقيق كذلك، ويقتل بقتله من هو أعلى منه
(5)
، وأن يكون المقتول ليس بولد للقاتل
(6)
، ولا ولد بنت ولو سفل، فلا يقتل الأب وإن علا، ولا الأم وإن علت بالولد وإن سفل، ويورث القصاص على قدر الميراث، فإن ورث القاتل منه شيئًا فلا قصاص، وكذلك لو ورث ولده شيئًا منه
(7)
.
ولو قتل شخصًا في داره مدعيًا أنه صائل، وأنكر وليه فالقول قول الولي بيمينه، ووجب القصاص، ما لم لكن بينة تشهد بدعواه.
(1)
لأن القتل لم يتمحض عمدًا، فلم يجب به القصاص. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 187).
(2)
في عدم العصمة، لوجود الصفة المبيحة لدمه، ويعزر القاتل لافتئاته على ولي الأمر. وانظر: منار السبيل (2/ 695).
(3)
ذهب الحنفية إلى أن المسلم يقتل بالذمي، ولا يقتل المسلم بالكافر الحربي وذهب الجمهور إلى أن الكافر يقتل بالمسلم، ولا يقتل المسلم بالكافر مطلقًا وانظر: الهداية (4/ 297)، والثمر الداني (443)، والإقناع (2/ 369).
(4)
ذهب الحنفية إلى أن الحر يقتل بالعبد، وذهب الجمهور إلى عدم المساواة بينهما فلا يقتل الحر بجنايته على العبد، وانظر: الهداية (4/ 297)، والثمر الدانى (443)، والإقناع (2/ 369).
(5)
كالعبد يقتل حرًا، والذمي يقتل مسلمًا. وانظر: منار السبيل (2/ 696).
(6)
ذهب الجمهور إلى أن الوالد لا يقتل بولده، وذهب المالكية إلى أن الوالد يقتل بالولد إذا أضجعه وذبحه، أو دلت قرينة على قصد قتله عمدًا، وانظر: الهداية (4/ 298)، والثمر الداني (438)، والأم (6/ 34)، والفقه الميسر (2/ 67).
(7)
لأنه لا يتصور وجوبه للإنسان على نفسه، ولا لولده عليه، فلو قتل زوجته فورثها ولدها منه سقط القصاص. وانظر: منار السبيل (2/ 697).
ومن أكره مكلفًا على قتل من يكافئه فقتله
(1)
، فالقتل أو الدية عليهما
(2)
، فإن كان الآمر مكلفًا والمأمور غير مكلف، فالقصاص على الآمر.
وكذا لو كان الآمر سلطانًا، والمأمور لا يعرف ظلمه في القتل، فالقود -إن لم يعف مستحقه، أو الدية إن عفا- على الآمر، فإن كان المأمور المكلف عالمًا بالتحريم، فالضمان عليه دون الآمر
(3)
.
وإن اشترك اثنان في قتل، ولم يجب القود على أحدهما، لو كان منفردًا بنحو أبوة، فالقود على الشريك، فإن عفا لزمه نصف الدية، ولو أشترك مخطئ وعامد، أو مكلف وغيره فلا قصاص
(4)
.
وشروط استيفاء القصاص ثلاثة:
تكليف المستحق، فلو كان صغيرًا أو مجنونًا حبس الجاني إلى تكليفه، ولا يستوفيه أب ولا غيره
(5)
، فإن احتاج نحو الصبي لنفقة، فلولي
(1)
ذهب الحنفية إلى أن القصاص على الآمر، ويعاقب المأمور على فعله، وذهب المالكية والحنابلة إلى أن القصاص عليهم جميعًا، وذهب السْافعية إلى أن القصاص على المباشر دون المتسبب؛ لأنه أقوى منه. وانظر: بداية المبتدي (200)، وحاشية الدسوقي (4/ 246)، ومغني المحتاج (4/ 12)، والفقه الميسر (2/ 62).
(2)
لأن القاتل قصد استبقاء نفسه بقتل غيره، والمكره تسبب إلى القتل، بما يفضي إليه غالبًا. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 182).
(3)
القتل أو الدية على المباشر، ويعاقب الآمر وذلك ما لم يكن هناك إكراه، ولا سلطان للآمر على المأمور. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 184).
(4)
بأن كان المقتول عبدًا، وأحد القاتلين حرًا، أو المقتول كافرًا وأحد القاتلين مسلمًا، فالقصاص على شريك الأب والعبد والمسلم، دونهم لمعنى يختص بهم، لا لقصور في السبب، وهذه المعاني الأبوة والإسلام والحرية، لا تتعدى إلى فعل شريكه، فلم يسقط القصاص عنه. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 186).
(5)
ذهب الحنفية والمالكية إلى أن للعقلاء الكبار استيفاء حق القصاص إذا كان في الورثة صغار لم يبلغوا. وذهب الشافعية والحنابلة، إلى أن ولي الأمر يحبس الجاني حتى يبلغ الصغار، ثم لهم الأمر في القصاص أو الدية أو العفو، وانظر: الهداية (3/ 300)، والفقه الميسر (2/ 72).
المجنون العفو إلى الدية
(1)
، لا لولي الصغير، فإن قتل الصغير أو المجنون القاتل سقط حقهما.
الثاني: اتفاق المستحقين على استيفائه، فينتظر قدوم غائب وبلوغ صبي، ومن مات من المستحقين، قام وارثه مقامه، وإن عفا بعضهم ولو زوجة، أو أقر بعفو شريكه، سقط القصاص
(2)
.
الثالث: أن يأمن في استيفائه تعديه إلى غير الجاني، فلو لزم القصاص حاملًا لم تقتل حتى تضع، ثم إن وجد من ترضعه قتلت
(3)
، وإلا أخرت حتى ترضعه حولين، فإن كان القصاص في طرفها كاليد فحتى تضع، ويحرم استيفاء قصاص بلا حضرة سلطان أو نائبه
(4)
، ويقع الموقع.
ويحرم قتل الجاني بغير السيف في العنق
(5)
، ويحرم قطع طرفه بغير سكين لئلا يحيف.
ومن قطع طرف شخص ثم قتله دخل قود طرفه في قتل نفسه، وإن بطش ولي المقتول بالجاني فظن أنه قتله، فداواه أهله حتى برئ، فإن شاء الولي دفع دية فعله وقتله أو تركه.
وإن اختار ولي الجناية القود، أو عفا عن الدية فقط فله أخذها
(6)
وله
(1)
لأن الجنون، لا حد له ينتهي إليه عادة. وانظر: منار السبيل (2/ 698).
(2)
لإقراره بسقوط نصيبه، ولمن لم يعف من الورثة، حقه من الدية على جان. وانظر: منار السبيل (2/ 699).
(3)
لقيامه مقامها في إرضاعه وتربيته، فلا عذر. وانظر: منار السبيل (2/ 700).
(4)
لافتقاره إلى اجتهاده، ولا يؤمن فيه الحيف، مع قصد التشفي. وانظر: منار السبيل (2/ 700).
(5)
ذهب الحنفية والحنابلة إلى أن القصاص لا يستوفى إلا بالسيف، وذهب المالكية والشافعية إلى أن القاتل يقتل بما قتل به الجاني؛ لأنه يقتضي المساواة والمماثلة وانظر: الهداية (4/ 301)، والقوانين الفقهية (227)، ومغني المحتاج (4/ 44)، والفقه الميسر (2/ 74).
(6)
لأن القصاص أعلى، فإذا اختاره لم يمتنع عليه اختيار الأدنى. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 207).
الصلح على أكثر منها، وإن اختارها فليس له غيرها، فإن قتله بعد ذلك قتل به، أو عفا مطلقًا فله الدية، لانصراف العفو إلى القصاص، ولو هلك الجاني فليس له غير الدية
(1)
.
وإذا قطع الجاني نحو أصبع عمدًا، فعفا المجروح عنها ثم سرت إلى الكف أو النفس، وكان العفو على غير شيء فالسراية هدر
(2)
، وإن كان على مال فله تمام دية ما سرت إليه.
ولو عفا المجروح عن قود نفسه أو ديتها صح كعفو وارثه.
وإن وجب لرقيق قود أو تعزير قذف، فطلبه وإسقاطه إليه، فإن مات بعد وجوب ذلك فلسيده.
* * *
(1)
لتعذر استيفاء القود، كما لو تعذر في طرفه. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 209).
(2)
لأنه لم يجب بالجنابة شيء، فسرايتها أولى. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 209).
فصل: (في شروط القصاص
(1)
فيما دون النفس من قطع طرف أو جرح)
ومن أخذ بغيره في النفس أخذ به فيما دونها، ومن لا يجري القصاص بينهما في النفس فلا يجري القصاص بينهما فيما دونها، كالحر مع العبد، فلا يقطع طرفه بطرفه لعدم المكافأة.
وشروطه أربعة: العمد العدوان فلا قصاص في غيره، وإمكان الاستيفاء بلا حيف، كأن يكون القطع من مفصل، فلا قصاص في كسر عظم غير سن، ولا في بعض ساعد ولا جائفة
(2)
، فإن خالف فاقتص بقدر حقه ولم يسر وقع الموقع ولم يلزم المقتص شيء، والمساواة في الاسم، كالعين بالعين، فلا تقطع يد برجل، والمساواة في الموضع فلا تقطع اليمنى باليسرى، ولا تؤخذ جراحة في مقدم رأس في مؤخرها، مع مراعاة الصحة والكمال، فلا تؤخذ يد كاملة الأصابع بناقصتها، ولا لسان ناطق بلسان أخرس، ولا ذكر فحل بذكر عنين، ويؤخذ مارن
(3)
صحيح بمارن أشل
(1)
القصاص: تتبع الدم بالقود، انظر: التعاريف (584).
(2)
لأنه لا يمكن الاستيفاء منها بلا حيف، بل ربما أخذ أكثر من حقه، أو سرى إلى عضو آخر. وانظر: منار السبيل (2/ 702) ..
(3)
المارن: ما لان من الأنف منحدرًا عن العظم، وفضل عن القصبة. انظر: مادة مرن في لسان العرب (13/ 404).
ومعيب من ذلك بصحيح بلا أرش
(1)
.
ويشترط لجواز القصاص في الجروح انتهاؤها إلى عظم، كجرح العضد
(2)
، وكالموضحة والهاشمة.
وسراية القصاص غير مضمونة
(3)
، لكن لو قطع الولي الجاني بغير إذن الإمام أو نائبه بحر أو برد فمات لزم المقتص دية النفس، منقوصًا منها دية ذلك العضو، وسراية الجناية مضمونة، ولو بعد اندمال الجرح
(4)
، ما لم يقتص ربها قبل برئه فسرايته هدر، وللمجني عليه بنحو هاشمة، أن يقتص موضحة وله أرش الزائد
(5)
.
ولا قود ولا دية لما رجي عوده من نحو سن ومنفعة في مدة تقولها أهل الخبرة، فلو مات تعينت دية الذاهب
(6)
.
* * *
(1)
لأنه لعلة في الدماغ، والأنف صحيح. وانظر: منار السبيل (2/ 702).
(2)
ذهب الحنفية والمالكية إلى أن البازلة والباضعة والسحماق يجري فيها القصاص لأنه يمكن استيفاء المثل فيها، وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن ما دون الموضحة من الجراحات لا يجرى فيها القصاص. وانظر: الهداية (4/ 327)، والقوانين الفقهية (229)، والإقناع (373/ 2)، والفقه الميسر (2/ 78).
(3)
ذهب الجمهور إلى أن سراية القصاص غير مضمونة؛ لأنه مأذون فيها، وذهب أبو حنيفة إلى أنها مضمونة بالدية؛ لأنها سراية قطع مضمون، فكانت مضمونة كسراية الجناية، وانظر: الهداية (4/ 314)، ومغني المحتاج (4/ 73)، والفقه الميسر (2/ 83).
(4)
ذهب الجمهور إلى أن القصاص في الجروح والأطراف لا يكون إلا بعد اندمالها وشفائها، وذهب الشافعية إلى أن القصاص فيها يكون حالًا؛ لأن موجب القود الإتلاف، وانظر: الهداية (4/ 188)، والتاج والإكليل (6/ 253)، والفقه الميسر (2/ 82).
(5)
فيأخذ بعد اقتصاصه من موضحة في هاشمة خمسًا من الإبل، وفي منقلة عشرًا. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 224).
(6)
لأنه لا يتأتى العود بعد موته. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 228).
باب الديات
(1)
كل من أتلف إنسانًا أو جزءًا منه بمباشرة أو سبب
(2)
إن كان عمدًا فالدية
(3)
في ماله
(4)
، وإن كان غير عمد فعلى عاقلته.
ومن حفر تعديًا بئرًا قصيرة فعمقها آخر فضمان تالف بينهما، فإن وضع ثالث سكينًا فيها فأثلاثًا، وإن حفرها بملكه وسترها ليقع فيها أحد، فمن دخل بإذنه فتلف في البئر فالقود على حافرها، وبغير إذنه لا ضمان عليه كمكشوفة، ويقبل قوله في عدم إذنه، لا في كشفها.
(1)
الدية: حق القتيل، والدية واحدة الديات، مصدر ودى القاتل المقتول، إذا أعطى وليه المال، الذي هو بدل النفس، ثم قيل لذلك المال: الدية، تسمية بالمصدر واصطلاحًا: المال الواجب بالجناية على الجاني، في نفس أو طرف أو غيرها، انظر: مادة ودى في لسان العرب (15/ 383)، ومختار الصحاح (398)، والمطلع (363)، والتعاريف (345).
(2)
بأن ألقى عليه حية فقتلته، أو حفر بئرًا محرمًا حفره. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 230).
(3)
ذهب الجمهور إلى أن الدية في القتل العمد في مال القاتل، وذهب الحنفية إلى أنها مؤجلة على ثلاث سنين مثل دية الخطأ وشبه العمد. وانظر: الهداية (4/ 188)، والثمر الداني (438)، والإقناع (2/ 375)، والفقه الميسر (2/ 85).
(4)
لأن الأصل يقتضي أن بدل المتلف يجب على متلفه، وأرش الجناية على الجاني، والعامد لا عذر له، فلا يستحق التخفيف. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 231).
وإن تجاذب حران مكلفان حبلًا فانقطع فسقطا ميتين فعلى عاقلة كل دية الآخر، لكن نصف دية المنكب على وجهه على عاقلة المستلقي مغلظة، ونصف دية المستلقي على عاقلة المنكب مخففة، وإن اصطدما وكانا ضريرين فكذلك.
ومن أرسل صغيرًا لحاجة فأتلف نفسًا أو مالًا فالضمان على مرسله ومن ألقى حجرًا أو عدلًا مملوءًا في سفينة فغرقت، ضمن جميع ما فيها
(1)
.
ومن اضطر إلى طعام غير مضطر أو شرابه، فمنعه حتى مات ضمنه
(2)
، أو أخذ طعام غيره أو شرابه، وهو عاجز عن دفعه فتلف، أو أخذ دابته أو ما يدفع به عن نفسه من نحو سبع فأهلكه ذلك السبع ضمنه الآخذ.
وإن مات حمل من رائحة نحو كبريت ضمن ربه إن علم أن هناك حملًا، وأن ذلك يضره وإلا فلا، ومن دعا من يحفر له بئرًا، فمات بهدم فهدر
(3)
، وإن غصب حرًا صغيرًا، فمات بمرض وجبت الدية، أو غل حرًا مكلفًا وقيده فمات، بنحو حية أو صاعقة وجبت الدية، وقيل: لا دية في موت الصغير بالمرض
(4)
، وصححه في المنتهى
(5)
.
وإذا أدب الرجل ولده أو زوجته، أو معلم صبية ولم يسرف لم يضمن، ولو كان التأديب لحامل فأسقطت جنينًا ضمنه المؤدب بالغرة
(6)
.
(1)
لحصول التلف بفعله، كما لو حرقها. وانظر: منار السبيل (2/ 707).
(2)
لأنه قتله بمنعه طعامًا، يجب دفعه إليه لتبقى حياته به، فنسب هلاكه إليه. وانظر: منار السبيل (2/ 707).
(3)
لعدم التعدي عليه. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 232).
(4)
قال المرداوي رحمه الله: "لو غصب صغيرًا فمات بمرض فعلى وجهين، أحدهما: تجب الدية، وصححه في التصحيح، والوجه الثاني: لا تجب وهو الصواب؛ لأن الحر لا يدخل تحت اليد، وإنه لا جناية إذًا. انظر: الإنصاف (10/ 28)، وتصحيح الفروع (6/ 5)، والروض المربع (7/ 223).
(5)
انظر: منتهى الإرادات (2/ 422).
(6)
الغرة عبد أو أمة، وذلك لسقوط الجنين، بتعدي الضارب لأمة. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 236).
ولو طلب حاملًا عند سلطان في دعوى، فأسقطت ضمنه الطالب، ولو ماتت فزعًا لم يضمن
(1)
، وصحح البهوتي
(2)
: الضمان
(3)
.
وإن وضع جرة على سطحه أو حائطه، ولو متطرفة، أو وضع حجرًا فرمتهما الريح على إنسان فمات، أو على شيء فتلف لم يضمنه، وإن أمر مكلفًا بصعود شجرة فهلك لم يضمن، أو أمكنه نجاة نفس من هلاك فلم يفعل لم يضمن.
* * *
(1)
يضمن المستعدي الجنين؛ لأنه المتسبب في الهلاك، ولا يضمن في وفاتها فزعا لأن الاستعداء ليس يسبب هلاكها في العادة. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 237).
(2)
قال البهوتي رحمه الله: "وعنه أنهما ضامنان لها، كجنينها لهلاكها بسببهما، وهو المذهب". انظر له: الروض المربع (2/ 453)، وكشاف القناع (6/ 16).
(3)
انظر: الفروع (6/ 13)، والإنصاف (10/ 54).
فصل: (في مقادير
(1)
ديات النفس)
دية الحر المسلم ولو صغيرًا مائة بعير، أو مائتا بقرة أو ألفا شاة، أو ألف مثقال ذهبًا أو اثنا عشر ألف
(2)
درهم فضة
(3)
، ويعتبر السلامة من العيب في كل نوع، فإذا أحضر من عليه دية أحدها لزم ولي الجناية قبوله
(4)
.
وتغلظ في قتل العمد وشبهه، فيؤخذ خمس وعشرون بنت مخاض ومثلها بنت لبون، ومثلها حقة، ومثلها جذعة، ولا تغليظ في غير الإبل وتخفض في الخطأ، فيجب من كل صنف من ذلك عشرون، وعشرون من
(1)
المقادير: جمع مقدار، الذي هو الكمية، وتارة يعتبر في الوصف، الذي هو الكيفية، انظر: التعاريف (138).
(2)
ذهب الحنفية إلى تقدير الدية من الفضة بعشرة آلاف درهم، وذهب المالكية والحنابلة إلى تقدير الدية من الفضة باثني عشر ألف درهم. وانظر: الهداية (4/ 320)، والثمر الداني (437).
(3)
ذهب الحنفية والمالكية إلى أن أصول الدية المقدرة ثلاثة أجناس: الذهب والفضة والإبل، وذهب الشافعية إلى أن أصل الدية الإبل فقط دون ما عداها، وذهب الحنابلة إلى أن أصول الدية خمسة: الإبل، والبقر، والغنم، والذهب، والفضة. وانظر: الهداية (4/ 320)، والثمر الداني (437)، والإقناع (2/ 377)، والفقه الميسر (2/ 93).
(4)
لأنه أتى بالأصل في قضاء الواجب عليه. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 241).
بني مخاض
(1)
.
وتغلظ دية القتل الخطأ
(2)
بوقوعه في حرم مكة، أو إحرام أو شهر حرام، أو إن قتل مسلم كافرا عمدًا، أضعفت ديته، ويؤخذ من البقر مسنات وأتبعة، ومن الغنم ثنايا وأجذعة نصفين، ولا تعتبر القيمة في ذلك.
ودية الحرة المسلمة على النصف من ذلك، ودية الكتابي الحر ذميًا
(3)
كدية الحرة المسلمة، ودية الكتابية على النصف، والمجوسي الحر ثمانمائة درهم، والمجوسية نصفها.
ويستوي الذكر والأنثى في قطع أو جرح، فيما يوجب دون ثلث الدية، فلو قطع ثلاث أصابع حرة مسلمة لزمه ثلاثون بعيرًا، فلو قطع رابعة قبل برء ردت إلى عشرين
(4)
.
ودية الرقيق قيمته
(5)
، وفي جراحه إن قدر من حر بقسطه من قيمته، ففي
(1)
ضبة تصحيحية إلى قوله: ديته.
(2)
ذهب الحنفية والمالكية أنه لا تغليظ في دية القتل الخطأ، وذهب الشافعية والحنابلة، إلى تغليظ دية القتل الخطأ، بوقوعه في الحرم أو الشهر الحرام أو بقتل ذات رحم محرم، وانظر: الهداية (4/ 319)، والثمر الداني (438)، والإقناع (2/ 378)، والفقه الميسر (2/ 100).
(3)
ذهب الحنفية إلى أن دية الذمي، كدية المسلم؛ لأنه آدمي معصوم، وذهب المالكية والحنابلة، إلى أن دية الذمي، نصف دية الحر المسلم، وذهب الشافعية إلى أن ديته ثلث دية المسلم، وانظر: الهداية (4/ 321)، والثمر الداني (439)، والإقناع (2/ 379)، والفقه الميسر (2/ 97).
(4)
ذهب الحنفية والشافعية إلى أن دية المرأة في النفس والأعضاء والمنافع على النصف من الرجل ابتداء وانتهاءً، وذهب المالكية والحنابلة إلى أن دية المرأة مثل دية الرجل في الأعضاء حتى تبلغ الثلث من ديته ثم يعود الحساب بالنصف. وانظر: الهداية (4/ 320)، والثمر الداني (442)، والإقناع (2/ 379)، والفقه الميسر (2/ 97).
(5)
عمدًا كان القتل أو خطأ؛ لأنه متقوم فضمن بقيمته بالغة ما بلغت. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 230).
يده نصف قيمته، وفي أنفه قيمته كاملة، وفي ذكره وخصيتاه قيمتان
(1)
، وملك سيده باق عليه، وإن لم يقدر من حر
(2)
ضمن بما نقصه بجنايته بعد البرء.
ويجب في الجنين الحر ذكرًا كان أو أنثى إذا سقط ميتًا بجناية على أمه عمدًا أو خطأ غرة عبد أو أمة، وقيمتها عشر دية الأم
(3)
، وتتعدد الغرة بتعدد الجنين، وهي موروثة عنه، فلا حق فيها لقاتل وكامل رق، فإذا كان الجنين مملوكًا فعشر قيمة أمه، وتقدر الحرة أمة، إذا كان حملها مملوكًا
(4)
، وإن سقط حيًا لوقت يعيش لمثله، وهو نصف سنة فأكثر، ففيه إذا مات ما في كبير
(5)
، وإن اختلف في نزول الجنين حيًا أو ميتًا، فالقول للجاني عليه
(6)
، وفي جنين دابة ما نقصته أمه.
وإن جنى رقيق خطأ أو عمدًا لا قود فيه
(7)
، أو فيه قود واختير فيه المال، أو أتلف رقيق مالًا بغير إذن سيده تعلق ما وجب برقبته، فيخير السيد ما بين أن يفديه بأرش جنايته، أو يسلمه إلى ولي الجناية فيملكه، أو يبيعه السيد، ويدفع ثمنه لولي الجناية، إن استغرق الأرش، وإلا دفع منه بقدره، فإن كانت الجناية بإذن السيد أو أمره فداه بأرشها كله، وإن جنى على عدد زاحم كل بحصته
(8)
، وشراء ولي القود له عفو عنه.
(1)
بل عليه قيمته صحيحة لقطع ذكره، وعليه قيمته مقطوعًا ذكره، لقطع خصيتيه؛ لأنه لم يقطعه إلا وقد نقصت قيمته بقطع الذكر، بخلاف ما لو قطعهما بجناية واحدة.
وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 249).
(2)
بأن كانت الجناية حارصة أو بازلة. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 249).
(3)
ضبة تصحيحية إلى قوله: رق.
(4)
كما لو اعتق الحامل واستثنى حملها قومت رقيقة. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 250).
(5)
ضبة تصحيحية.
(6)
بيمينه لأنه منكر لما زاد عن الغرة، والأصل براءته منه، وإن أقاما بينتين بذلك قدمت بينة الأم. وانظر: منار السبيل (2/ 715).
(7)
كالجائفة والمأمومة والباضعة. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 251).
(8)
لأنهم تساووا في سبب تعلق الحق، فتساووا في الاستحقاق. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 253).
فصل: (في دية الأعضاء
(1)
والمنافع)
ودية ما في الإنسان منه شيء واحد كاملة كالأنف واللسان والذكر وما كان منه شيئان كاليدين والعينين ولو مع عمش
(2)
، والخصيتين وشفري المرأة ففي أحدهما نصفها، وفي أحد الأجفان الأربعة ربعها، وفي أحد الأصابع عشرها، وفىِ الأنملة من الإبهام نصف عشر الدية، ومن غيرها ثلث عشرها، وفي المنخرين ثلثا الدية، وفي الحاجز بينهما ثلثها، وفي السن أو الناب أو الضرس نصف عشر الدية، ولو من صغير ولم يعد.
وفي إذهاب نفع عضو من الأعضاء ديته كاملة، فلو صارت الشفتان لا تنطبق على الأسنان ديتهما، وفي إذهاب كل من السمع والبصر والشم والذوق والكلام والعقل دية كاملة، وكذا في حدب وإذهاب مشي، ونكاح وأكل وصوت وبطش.
وإن أفزع إنسانًا فأحدث بولًا أو غائطًا أو ريحًا ولم يدم فثلث الدية، فإن دام فكاملة.
(1)
العُضْو: بضم العين وكسرها واحد الأَعْضاءِ، وعَضَّى الشاة تَعْضِيةً: جزأها أعْضاءً، وعَضَّى الشيء أيضًا فزقه، انظر: مادة عضا في مختار الصحاح (467).
(2)
العمش في العين: ضعف الرؤية، مع سيلان دمعها أكثر وقتها، انظر: مادة عمش في لسان العرب (6/ 320)، ومختار الصحاح (191).
وإن جنى عليه فأذهب سمعه، وبصره، وعقله، وشمه، وذوقه، وكلامه ونكاحه فسبع ديات
(1)
، وإن مات من الجناية فدية واحدة، وفي إذهاب بعض الكلام بحسابه، ويقسم على ثمانية وعشرين حرفًا، فإن لم يعرف قدر الذاهب فحكومة.
ويجب في كل واحد من الشعور الأربعة الدية، وهي: شعر الرأس واللحية، والحاجبين وأهداب العينين، وفي شارب حكومة، فإن عاد الذاهب سقط موجبه
(2)
.
وفي عين الأعور -الصحيحة- الدية كاملة، فإن حصل قود لصحيح بعين أعور، دفع مع عينه نصف الدية
(3)
، وإن قلع الأعور عين صحيح مماثلة لعينه الصحيحة عمدًا فعليه دية كاملة ولا قصاص
(4)
، وخطأ نصف دية، وفي قطع يد الأقطع ولو عمدًا نصف دية كغيره.
* * *
(1)
لأن في كل منها نفعًا مقصودًا، ليس في البدن مثله، ولأن ذلك يجري مجرى تلف الآدمي، فجرى مجراه في ديته، وانظر: منار السبيل (2/ 717).
(2)
وإن رجي عوده، انتظر ما يقوله أهل الخبرة. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 264).
(3)
لأنه لما ذهب بقلع عين الأعور جميع بصره، ولم يمكن إذهاب بصر القالع بقلع عينه الأخرى، لما فيه من أخذ عينين بواحدة، فله أخذ العين بنظيرتها، وأخذ نصف الدية، لنصف البصر، الذي لا يمكن استيفاؤه. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 265).
(4)
تجب الدية كاملة؛ لأنها بدل الواجب، ولا قصاص لأنه يفضي إلى استيفاء جميع البصر من الأعور. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 266).
فصل: (في الشجاج
(1)
وكسر العظام)
والشجة: اسم لجرح الرأس والوجه خاصة، وهي عشر:
الحارصة التي تحرص الجلد، أي: تشقه ولا تدميه، والبازلة تدميه، والباضعة: تشق اللحم بعد الجلد، والمتلاحمة: الغائصة في اللحم، والسمحاق بينها وبين العظم قشرة رقيقة، ففي هذه الخمسة حكومة، بأن يقوم المجني عليه كأنه قن لا جناية به ثم يقوم وهي به قد برأت، فما نقص من القيمة فعلى الجاني بنسبته من الدية، ولا يبلغ بحكومة محل له مقدر مقدره
(2)
.
وفي الموضحة: وهي ما توضح العظم نصف عشر الدية، فإن كان بعضها في الرأس، وبعضها في الوجه فموضحتان، وفي الهاشمة: التي توضح العظم وتكسره وتهشمه عشر الدية، وفي المنقلة: وهي ما توضح العظم وتكسره وتنقله عشر ونصف عشر، وفي كل واحدة من المأمومة:
(1)
الشِّجَاجُ: بالكسر جمع شَجَّةٍ، تقول: شَجَّهُ يشجه بضم الشين وكسرها شَجًّا فهو مَشْجُوجٌ وشَجِيجٌ ومُشَجَّجٌ أيضًا، إذا كثر ذلك فيه، ورجل أشَجُّ بين الشَّجَّةِ: إذا كان في جبينه أثر، انظر: مادة شجج في مختار الصحاح (354).
(2)
لأن الجراحة لو كانت موضحة، لم يزد على خمس، مع أنها سمحاق وزيادة عليها، فلأن لا يجب في بعضها زيادة على خمس أولى. وانظر: حاشية الروض المربع (277/ 7).
وهي التي تصل إلى جلدة الدماغ، والدامغة وهي التي تخرقها ثلث الدية فإن هشمه بمثقل، ولم يوضحه فحكومة، كما لو أدخل غير زوج أصبعه في فرج بكر
(1)
.
وفي الجائفة ثلث الدية، وهي: كل جرح يصل إلى الجوف، كبطن وظهر ومثانة، ولو وطئ زوجة لا يوطأ مثلها فخرق
(2)
ما بين السبيلين فعليه الدية إن لم يستمسك بول أو غائط، وإلا فثلثها، وإن كانت ممن يوطأ مثلها لمثله فهدر، وكذلك إن كانت أجنبية كبيرة مطاوعة.
* * *
(1)
فإنه يجب فيه حكومة؛ لأنه لا تقدير فيها، وليس بجائفة؛ لأن ذلك ليس بجوف.
وانظر: حاشية الروض المربع (6/ 272).
(2)
كتبت في أصل المخطوط بلفظ: (فخرج)، والأوضح من وجهة نظري التعبير بعبارة أصلي الكتاب، حيث عبرا بلفظ (فخرق)، انظر: حاشية الروض المربع (7/ 247)، ومنار السبيل (2/ 722).
فصل (في العاقلة)
وعاقلة
(1)
الإنسان: ذكور عصبته من النسب، والولاء على قريبهم وبعيدهم حتى عمودي النسب، وهم أباؤه وأبناؤه، ولا عقل على رقيق ولا غير مكلف، ولا على فقير، لا يملك نصاب زكاة عند حلول الحول فاضلًا عنه، ولا أنثى ولا مخالف دين.
ويتعاقل أهل ذمة اتحدت مللهم.
ومن لا عاقلة له أو له وعجزت فإن كان كافرًا فالواجب عليه، وإن كان مسلمًا فمن بيت المال حالًا إن أمكن وإلا تسقط.
ولا تحمل العاقلة عمد العدوان، ولو لم يجب به القصاص
(2)
، ولا تحمل عبدًا ولا صلحًا عن إنكار
(3)
، ولا اعترافًا لم تصدق به، ولا ما دون
(1)
العاقلة: صفة موصوف محذوف، أىِ: الجماعة العاقلة، يقال: عقل القتيل فهو عاقل، إذا غرم ديته، والجماعة عاقلة، وسميت بذلك لأن الإبل تجمع فتعقل بفناء أولياء المقتول، أي تشد في عقلها، لتسلم إليهم ويقبضوها، ولذلك سميت الدية عقلًا، انظر: المطلع (368).
(2)
كجائفة ومأمومة؛ لأن حمل العاقلة إنما يثبت في الخطأ؛ لأن العامد غير معذور فلا يستحق المواساة. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 285).
(3)
لأنه إنما ثبت بفعله واختياره، فلم تحمله العاقلة، وذلك أن يدعى عليه، ويصالح عن ذلك. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 285).
ثلث الدية التامة، إلا غرة جنين مات بعد أمه، أو معها بجناية واحدة لا قبلها، ولا تحمل قيمة متلف، وتحمل خطأ وشبه العمد، مؤجلًا في ثلاث سنين.
وابتداء حول القتل من زهوق الروح، وابتداء حول الجرح من حين البرء
(1)
، ويبدأ منهم بالأقرب فالأقرب كالإرث.
فيقسم على الآباء والأبناء، ثم على الإخوة ثم بني الإخوة، ثم الأعمام ثم بنيهم، ولا يعتبر أن يكونوا وارثين في حال العقل، وتؤخذ من بعيد لغيبة قريب أو فقره.
* * *
(1)
لأنه وقت استقرار الوجوب. وانظر: منار السبيل (2/ 727).
فصل: (في كفارة القتل)
ولا كفارة في القتل العمد المحض، وتجب في غيره في مال القاتل، ولو كافرًا أو قنًا، أو غير مكلف، وهي عتق رقبة مؤمنة سليمة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين
(1)
، ويكفر الرقيق بالصوم، والكافر بالعتق، وتتعدد بتعدد المقتول
(2)
.
ولا كفارة على من قتل من يباح قتله، كزان محصن وحربي، وباغ وقصاص ودفعًا عن نفسه.
* * *
(1)
ولا إطعام هنا؛ لأن الله تعالى لم يذكره، والإبدال في الكفارات موقوف على النص. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 290).
(2)
كتعدد الدية، لقيام كل قتيل بنفسه، وعدم تعلقه بغيره. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 848).
فصل: (في القسامة)
والقسامة
(1)
: أيمان مكررة في دعوى قتل معصوم، ولا تكون في دعوى قطع طرف ولا جرح
(2)
.
ومن شروطها: اللوث: وهو العداوة الظاهرة، كالقبائل التي يطلب بعضها بعضًا بالثأر
(3)
.
فمن ادعي عليه القتل بلا لوث حلف يمينًا واحدة وبرأ، حيث لا بينة للمدعي، فإن نكل قضي عليه بالنكول، إن لم تكن الدعوى بقتل عمد فإن كانت به لم يحلف وخلي سبيله؛ لأن العمد ليس بمال.
ويشترط في القسامة أن يكون المدعى عليه مكلفًا، وإمكان القتل منه،
(1)
القسامة: بالفتح اليمين كالقسم بالله تعالى، وسميت بذلك لأنها تقسم على أولياء الدم، واصطلاحًا: أيمان تقسم على المتهمين في الدم من أهل المحلة. انظر: المطلع (368)، وأنيس الفقهاء (295)، والتعريفات (224).
(2)
لأنها ثبتت على خلاف الأصل في النفس لحرمتها فاختصت بها. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 293).
(3)
كما بين الأنصار وأهل خيبر، والشرط واللصوص، وكما بين أهل البغاة والعدل وكل من بينه وبين المقتول ضغن يغلب على الظن أنه قتله. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 294).
ويكون فيهم ذكور مكلفون، والدعوى على واحد متعين، ويقاد فيها إذا تمت الشروط.
ويبدأ بأيمان الرجال من ورثة الدم
(1)
، فيحلفون خمسين يمينًا، وتوزع بينهم بقدر إرثهم، ويكمل المنكسر، ويعتبر حضور مدع ومدعى عليه وسيد قن وقت حلف، فإن نكل الورثة عن الخمسين، أو عن بعضها، أو كانوا نساء حلف المدعى عليه خمسين يمينًا وبرأ، إن رضي الورثة.
وإلا فدى الإمام القتيل من بيت المال، كميت في زحمة جمعة وطواف.
* * *
(1)
ذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن ورثة المقتول يبدؤون باداء خمسين يمينًا في القسامة، وذهب الحنفية إلى أن المدعى عليهم، يبدؤون بايمان خمسين منهم. وانظر: الهداية (4/ 369)، والثمر الداني (433)، والإقناع (2/ 396)، والفقه الميسر (2/ 105).
كتاب الحدود
(1)
ولا يجب الحد إلا على مكلف عالم بالتحريم، ملتزم بالأحكام مسلمًا أو ذميًا، بخلاف حربي ومستأمن
(2)
، ويقيمه الإمام أو نائبه
(3)
في غير مسجد، وتحرم شفاعة وقبولها في حد الله
(4)
، بعد أن بلغ الإمام، وللسيد المكلف العالم به إقامته بجلد وتعزير على رقيقه كله.
ويضرب الرجل قائمًا بالسوط، ولا يمد ولا يجرد ولا يربط عليه، بل يكون عليه قميص أو قميصان، ولا يبالغ بضربه بحيث يجرحه، ولا يرفع ضارب يده بحيث يبدو إبطه، وسن أن يفرق الضرب على بدنه
(5)
، ويتقي وجوبًا الرأس والوجه، والفرج والمقاتل، والمرأة كالرجل، إلا أنها تضرب
(1)
الحدود: جمع حد، وهو الفصل بين الشيئين، لئلا يختلط أحدهما بالآخر، أو لئلا يتعدى أحدهما على الآخر، وفصل ما بين كل شيئين حد بينهما، واصطلاحًا: عقوبة مقدرة وجبت حقًا لله تعالى. انظر: مادة حدد في لسان العرب (3/ 140)، والمطلع (370)، والتعريفات (113)، وأنيس الفقهاء (173).
(2)
فإنه يؤاخذ بحق الآدمي، كحد قذف وسرقة، لا بحد الله تعالى كزنا. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 305).
(3)
لأنه يفتقر إلى اجتهاد، ولا يؤمن فيه من الحيف. وانظر: حاشية الروض المربع (302/ 7).
(4)
حدود الله كالسرقة والزنا والشرب وقطع الطريق، وحدود الآدمي كالقذف الروض المربع (7/ 305).
(5)
لأن توالي الضرب على عضو واحد، يؤدي إلى القتل أو شق الجلد.
وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 306).
جالسة وتشد عليها ثيابها، وتمسك يداها لئلا تنكشف.
وأشد الجلد جلد الزنا، ثم القذف ثم الشرب، ثم التعزير، ولا يؤخر حد لنحو حر أو برد أو مرض، فإن خيف من السوط أقيم بنحو طرف ثوبه، ويؤخر لسكر حتى يصحو، ومن مات في حد فهو هدر، وإن زاد ولو جلدة لا يحتملها فتلف ضمنه بديته
(1)
، ولا يحفر للمرجوم في الزنا، ويجب في إقامة حد الزنا، حضور الإمام أو نائبه، وطائفة من المؤمنين ولو واحدًا، ويحرم بعد الحد حبس وإيذاء بكلام.
والحد كفارة لذلك الذنب
(2)
، ويسن أن يستر نفسه، ولا يقر به عند الحاكم.
وإن اجتمعت حدود الله من جنس واحد
(3)
بأن زنا مرارًا أو سرق مرارًا
(4)
تداخلت، ومن أجناس فلا بل يبدأ بالأخف.
(1)
لأنه تلف بعدوانه فأشبه ما لو ضربه في غير الحد. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 310).
(2)
ذهب الحنفية إلى أن الحد ليس بكفارة، لكن التوبة هي التي ترفع إثم المعصية.
وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الحد كفارة. وانظر: شرح فتح القدير (5/ 211)، والأم (6/ 138)، والفقه الميسر (2/ 115).
(3)
1 -
إذا اجتمعت حدود لله تعالى فيها قتل وغيره فإنه يكتفي بالقتل دون ما سواه.
2 -
إذا اجتمعت حدود لله تعالى وليس فيها لمحتل وتكررت وهي من جنس واحد فإنه يقام عليه الحد لمرة واحدة فقط.
3 -
إذا اجتمعت حقوق لآدميين فيها قتل وغيره يبدأ بالأخف، حتى يستوفى الحق بالقتل.
4 -
إذا اجتمعت حقوق لله تعالى وحقوق الآدميين، فإنه يبدأ بحقوق الآدميين، يبدأ الأخف منها ثم الأثقل، ثم حدود الله تعالى؛ لأن مبناها على المسامحة، وانظر: الفقه الميسر (2/ 114).
(4)
لأن الغرض الزجر عن إتيان مثل ذلك في المستقبل، وهو حاصل بواحد. وانظر: منار السبيل (2/ 732).
فصل: (في حد الزنا)
والزنا
(1)
هو فعل الفاحشة في قبل أو دبر، فإذا زنى المحصن وجب رجمه حتى يموت.
والمحصن هو من وطئ زوجته في قبلها بنكاح صحيح
(2)
، ولو كتابية ولو في حيض أو صوم أو إحرام، وهما حران مكلفان
(3)
، ولو ذميين حال الوطء.
وإن زنى الحر غير المحصن جلد مائة جلدة، وغرب عامًا
(4)
إلى مسافة قصر، وإن زنى الرقيق جلد خمسين جلدة ولا يغرب، والمبعض يجلد ويغرب بحسابه، وإن زنى الذمي بمسلمة قتل، والحربي لا شيء عليه، وإن زنى محصن بغير محصنة فلكل حده، ومن زنى ببهيمة
(1)
الزنا لغة: الرقي على الشيء، انظر: التعاريف (389).
(2)
لا باطل ولا فاسد؛ لأنه ليس بنكاح في الشرع. وانظر: منار السبيل (3/ 734).
(3)
فلا إحصان مع صغر أحدهما أو رقه أو جنونه؛ لأن الإحصان كمال، فيشترط أن يكون في حال الكمال. وانظر: منار السبيل (2/ 734).
(4)
ذهب الحنفية إلى أنه لا يشرع التغريب في عقوبة الزاني البكر لأنها منسوخة.
وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنها باقية، إلا أن فقهاء المالكية رأوا أن المرأة البكر لا تغرب خشية الفساد والفتنة. وانظر: الهداية (364/ 2)، والثمر الداني (449)، والإقناع (2/ 404)، والفقه الميسر (2/ 118).
عزر
(1)
وقتلت، ويحرم أكلها فيضمنها بقيمتها
(2)
، ولا تقتل إلا بشهادة على فعله بها، إن لم يكن يملكها.
ويشترط في وجوب الحد تغيب الحشفة أو قدرها في فرج أصلي أو دبر لآدمي حي، وانتفاء الشبهة
(3)
، وثبوته إما بإقرار من مكلف أربع مرات
(4)
، ولو في مجالس ويستمر على إقراره حتى يتم الحد، أو بشهادة أربعة رجال عدول في مجلس واحد ويصفونه بأن يقولوا: رأينا ذكره في فرجها كالمرود في المكحلة، فإن كان أحدهم غير عدل حدوا للقذف، وإن شهد أربعة بزناه بفلانة، فشهد أربعة آخرون إن الشهود هم الزناة بها، صدقوا وحد الأولون للقذف والزنا، لا من شهدوا عليهما من فلان وفلانة
(5)
.
وإن حملت من لا زوج لها ولا سيد لم يلزمها شيء، ولا يجب أن تسأل
(6)
.
(1)
ذهب الحنفية والمالكية والشافعية في المعتمد والحنابلة إلى أن واطئ البهيمة يعزر، وذهب بعض الشافعية إلى أن حده حد الزنا. وانظر: الهداية (2/ 370)، والثمر الداني (455)، والإقناع (2/ 410)، والفقه الميسر (2/ 123).
(2)
لأنها قتلت لحق الله تعالى. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 319).
(3)
فلا يجد بوطء أمة له فيها شرك، أو محرمة برضاع، أو وطى امرأة في منزله ظنها زوجة له، أو سريته أو في نكاح باطل أو مختلف فيه. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 321).
(4)
ذهب الحنفية والحنابلة إلى اشتراط الإقرار أربع مرات من المقر بالزنا لثبوته عليه. وذهب المالكية والشافعية إلى أنه يكفي لثبوت الإقرار بالزنا شهادة الفاعل على نفسه مرة واحدة. وانظر: الهداية (2/ 372)، والثمر الداني (350)، والإقناع (2/ 409)، والفقه الميسر (2/ 127).
(5)
لأنهم شهدوا بزنى لم يثبت فيهم قذفة، وثبت عليهم الزنا، بشهادة الآخرين.
وانظر: منار السبيل (2/ 738).
(6)
ذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن المرأة التي تحمل بلا زوج، لا تسأل ولا يعرض لها، وذهب المالكية إلى وجوب إقامة الحد عليها، إلا أن أتت مستغيثة صائحة مما يدل على عدم رضاها. وانظر: الهداية (2/ 355)، والثمر الداني (451)، والإقناع (2/ 409)، والفقه الميسر (2/ 130).
واللواط فاعلًا ومفعولًا كالزنا
(1)
، ومملوكه كغيره، ودبر الأجنبية كاللواط.
ولا حد بوطء أمة له أو لولده فيها شرك، أو بمن ظنها زوجته، أو في نكاح باطل اعتقد صحته كمتعة، أو أكرهت المرأة على الزنا أو الملوط به، ولو شهد أربعة على إقراره به أربعًا، فأنكر أو صدقهم دون أربع فلا حد عليه ولا عليهم.
* * *
(1)
ذهب الحنفية إلى أن اللائط لا حد عليه لكنه يعزر، وربما يقتل من باب السياسة الشرعية، وذهب المالكية إلى أن حده الرجم، وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن حده كالزنا محصنًا كان أو بكرًا. وانظر: الهداية (2/ 369)، والثمر الداني (452)، والإقناع (2/ 410)، والفقه الميسر (2/ 123).
فصل: (في حد القذف)
ومن قذف
(1)
غيره بالزنا حد للقذف ثمانين إن كان حرًا، أو أربعين إن كان رقيقًا، وبالحساب إن كان مبعضًا.
بشروط تسعة: أن يكون القاذف بالغًا، عاقلًا، مختارًا، ليس بوالد للمقذوف، وإن علا
(2)
(3)
، وأن يكون المقذوف حرًا، مسلمًا، عاقلًا، عفيفًا عن الزنا ظاهرًا، يطأ ويوطأ مثله، وهو ابن عشر وبنت تسع فأكثر، ولا يحد قاذف غير البالغ، حتى يبلغ ويطالب به
(4)
.
ويثبت الحد هنا وفي الشرب وفي التعزير إما بإقراره مرة، أو شهادة رجلين عدلين.
(1)
القذف: من قذف بالشيء إذا رمى به، واصطلاحًا، رمي المحصن بالزنا. انظر: مادة قذف في لسان العرب (9/ 277)، ومختار الصحاح (220).
(2)
لأنها عقوبة تجب لحق آدمي، فلم تجب لولد على والده كالقصاص. وانظر: منار السبيل (2/ 739).
(3)
ذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن الأب القاذف لا يحد.
وذهب المالكية إلى أن الوالد يحد إذا قذف ولده أخذًا بالعمومات. وانظر: الثمر الداني (453)، والإقناع (2/ 415)، والفقه الميسر (2/ 135).
(4)
إذ لا أثر لطلبه قبل البلوغ، لعدم اعتبار كلامه لأن الحق في حد القذف للآدمي فلا يقام إلا بطلبه. وانظر: منار السبيل (2/ 740).
ويسقط حد القذف بأربعة: بعفو المقذوف ولو بعد طلب، أو بتصديقه، أو بإقامة البينة بما قذف به، أو باللعان.
ويحرم القذف لأنه من الكبائر.
ويجب على من رأى زوجته تزني ثم تلد بما يقوى في ظنه أنه من الزنا، ويباح إذا رآها تزني ولم تلد، وفراقها أولى.
وصريح القذف: يا زاني يا لوطي يا عاهر، أو قد زنيت، أو زنى فرجك، أو يا منيوك أو يا منيوكة، إن لم يفسره بفعل زوج أو سيد.
وكنايته: يا قحبة يا فاجرة يا خبيثة، وفضحت زوجك أو جعلت له قرونًا، أو زنت رجلك ونحو ذلك.
فإن فسره بغير القذف قبل وعزر
(1)
، كقوله: يا كافر ويا فاسق ويا حمار، وإن قذف أهل بلد عزر
(2)
، وكذا لو اختلفا في أمر وقال أحدهما: الكاذب ابن الزانية فيعزر.
ولا يستوفى حد القذف بدون الطلب
(3)
، فإن مات المقذوف قبل الطلب سقط، وإلا فلجميع الورثة، ولو عفا بعضهم حد للباقي كاملًا
(4)
.
ومن قذف ميتًا حد بطلب وارث محصن
(5)
، ومن قذف نبيًا كفر وقتل
(1)
لارتكابه معصية لا حد فيها. وانظر: منار السبيل (2/ 743).
(2)
لأنه لا يتصور زناهم، ولا عار عليهم للقطع بكذبه. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 336).
(3)
ذهب الحنفية إلى أن حد القذف حق لله تعالى، وليس للمقذوف العفو عن القاذف، وذهب المالكية أن للمقذوف العفو عن القاذف ما لم يبلغ القذف السلطان، إلا أن يريد المقذوف سترًا على نفسه، وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن القذف حق للمقذوف، ويسقط بعفوه، وانظر: الهداية (2/ 386)، والتاج والإكليل (6/ 305)، والإقناع (2/ 418)، والفقه الميسر (2/ 139).
(4)
للحوق العار بكل واحد منهما على انفراده. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 327).
(5)
خاصة لما فيه من التعيير، ولو كان الميت غير محصن، فالإحصان هنا معتبر للوارث فقط.
ولو تاب
(1)
، ولو كان كافرًا فأسلم.
ومن الكناية أن يقول للعربي: يا رومي مثلًا، أو للرومي: يا عربي، أو يقول لمن يخاصمه: يا ابن الحلال، أو ما أنا بزان، أو يسمع بقذف فيقول: صدقت، أو أخبرني فلان أنك زنيت.
* * *
(1)
لأنه حد قذف فلا يسقط بالتوبة؛ لأن قذف غيره لا يسقط بالتوبة، فقذفه أولى بعدم السقوط. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 338).
فصل: (في حد المسكر)
ومن شرب مسكرًا
(1)
مائعًا أو ما خلط به ولم يستهلك فيه، أو استعط أو احتقن ولو لم يسكر حد ثمانين جلدة
(2)
إن كان حرًا، وأربعين إن كان رقيقًا، بشرط كونه مسلمًا مكلفًا مختارًا عالمًا أن كثيره يسكر
(3)
.
ومن تشبه بشراب الخمر في مجلسه وآنيته حرم وعزر، ويحرم العصير إذا غلى وأزبد
(4)
، وإذا أتى عليه ثلاثة أيام
(5)
ولم يطبخ قبل ذلك، فإن كان
(1)
المسكر: اسم فاعل من أسكر الشراب فهو مسكر، إذا جعل شاربه سكرانًا، والسكر الذي تترتب عليه أحكامه هو الذي يجعل صاحبه يخلط في كلامه، ولا يعرف ثوبه ولا نعله من نعل وثوب غيره، انظر: الممطلع (373)، والتعاريف (410).
(2)
ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أن حد شارب المسكر ثمانين جلدة.
وذهب الشافعية إلى أن الحد أربعين جلدة وتجوز الزيادة تعزيرًا إلى ثمانين جلدة، على حسب اجتهاد الحاكم. انظر: الهداية (38212)، والثمر الداني (454)، والإقناع (2/ 421)، والفقه الميسر (2/ 155).
(3)
فلا حد على جاهل بذلك؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات. وانظر: منار السبيل (2/ 743).
(4)
ولو لم يسكر؛ لأن علة التحريم الشدة الحادثة، وهي توجد بوجود الغليان. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 344).
(5)
ذهب الجمهور من المالكية والشافعية إلى أن العصير يحل ما لم يسكر، ولو جاوز مدة بقائه ثلاثة أيام، وذهب الحنابلة إلى التحديد بثلاثة الأيام، والمنع من تناوله بعدها، وانظر: الثمر الداني (454)، والإقناع (2/ 421)، والفقه الميسر (2/ 147).
طبخ حل إن ذهب ثلثاه، ولا يباح شرب ما أسكر كثيره
(1)
، لا لتداو ولا لعطش ولا غيره، إلا لدفع لقمة غص بها، ولم يحضره غيره، وخاف تلفًا، ويعزر من وجد منه رائحتها
(2)
، أو حضر شربها.
* * *
(1)
ذهب الحنفية إلى حرمة نقيع التمر والزبيب إذا اشتد وغلا، وعصير العنب إذا غلى والعصير إذا طبخ وذهب أقل من ثلثيه، وحل ما عداها من الأنبذة والأشربة، ولو أسكر كثيرها، بشرط أن يشرب ما لا يسكر. وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى حرمة ما أسكر كثيره، وأن قليله حرام، وانظر: الهداية (4/ 229)، والثمر الداني (454)، والإقناع (2/ 421)، والفقه الميسر (2/ 146).
(2)
ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن من وجد منه رائحة الخمر، فإنه لا يجب عليه الحد. وذهب المالكية إلى أن من وجدت منه رائحة الخمر فإنه يحد. وانظر: الهداية (2/ 111)، والثمر الداني (454)، والإقناع (2/ 425)، والفقه الميسر (2/ 454).
فصل: (في التعزير)
(1)
والتعزير
(2)
: هو التأديب الواجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة، كمباشرة دون فرج، وسرقة لا قطع فيها
(3)
، وجناية لا قود فيها، كصفع، وإتيان امرأة لامرأة، والقذف بغير الزنا، ولا يحتاج في إقامة التعزير
(1)
التعزير في اللغة: المنع، يقال: عزرته وعزرته، إذا منعته، ومنه سمي التأديب الذي دون الحد تعزيرًا؛ لأنه يمنع الجاني من معاودة الذنب، وقال السعدي: يقال: عزرته وقرته، وأيضًا أدبته، وهو من الأضداد، انظر: المطلع (374).
(2)
من الفروقات التي يحسن تدوينها في هذا الموطن، الفروقات بين الحدود والتعزيرات:
1 -
أن الحدود واجبة التنفيذ إذا بلغت الإمام، بينما يختلف الفقهاء في وجوب إمضاء التعزيرات إذا بلغت الإمام.
2 -
أن الحدود مقدرة شرعًا، بينما التعزيرات تخضع لاجتهاد القاضي بما يراه رادعًا مناسبًا.
3 -
أن الحدود تثبت بالبينة أو الاعتراف، والتعزيرات تثبت بغير ذلك.
4 -
أن من مات في الحد فلا ضمان فيه، بخلاف التعزيرات، فقد جرى الخلاف بين الفقهاء في ضمان من مات تحت تأثير عقوبة التعزير، ولم يكن القتل مرادًا فيها.
وانظر: الفقه الميسر (2/ 27).
(3)
لكون المسروق دون نصاب، أو من غير حرز. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 346).
إلى مطالبة
(1)
.
ولا يزاد على عشر جلدات
(2)
، لكن من شرب مسكرًا في نهار رمضان حد للشرب، وعزر لفطره بعشرين، ومن وطئ أمة له فيها شرك عزر بمائة سوط إلا سوطًا.
ويحرم تعزير بحلق لحية أو أخذ مال ونحوه
(3)
، ومن استمنى بيده بغير حاجة عزر، ومن فعله خوفًا من الزنا فلا شيء عليه إن لم يقدر على نكاخ ولو لأمة.
ولا بأس بتسويد وجه من يستحق التعزير والمناداة عليه بذنبه، ويطاف به مع ضربه، كشاهد زور، ويعزر من قال للذمي: يا حاج
(4)
.
* * *
(1)
لأنه مشروع للتأديب، فيعزر من سب صحابيًا، ولو كان له وارث ولم يطالب بالتعزير. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 347).
(2)
ذهب الحنفية والشافعية إلى أنه يجوز في التعزير الزيادة على عشر جلدات دون بلوغ الحدود المقدرة من جنسها، وذهب المالكية إلى جواز مجاوزة التعزير لعدد جلدات الحد، وانظر: الهداية (2/ 391)، وحاشية العدوي (2/ 560)، والمهذب (2/ 288)، والفقه الميسر (2/ 212).
(3)
ذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى المنع من التعزير بالمال، لعدم ورود النص به، وذهب المالكية إلى جواز التعزير بالمال، إذا تحققت فيه المصلحة. وانظر: الهداية (2/ 392)، والشرح الكبير للدردير (4/ 355)، والإقناع (2/ 411)، والفقه الميسر (2/ 214).
(4)
لما فيه من تشبيههم في قصد كنائسهم بقصاد بيت الله الحرام. وانظر: منار السبيل (2/ 749).
فصل: (في حد السرقة)
ويجب القطع في السرقة
(1)
بثمانية شروط:
أحدها السرقة: وهي أخذ مال الغير من مالكه أو نائبه على وجه الاختفاء، فلا قطع على ناهب وخاطف
(2)
، ولا خائن في وديعة، لكن يقطع جاحد العارية إن كانت قيمتها نصابًا
(3)
(4)
.
الثاني: كون السارق مكلفًا مختارًا عالمًا، بأن ما سرقه يساوي نصابًا فلا قطع بصر فيه نصاب مشدود لم يعلمه.
الثالث: كون المسروق مالًا، فلا قطع بسرقة نحو كلب ولو معلمًا ولا بسرقة إناء فيه خمر أو ماء، ولا بسرقة مصحف، ولا ما عليه من حلي، ولا كتب بدع وآلة لهو وصليب، وصنم من ذهب أو فضة.
(1)
السرقة لغة: أخذ الشيء من الغير على وجه الخفية، انظر: التعريفات (156).
(2)
الخطف: الاستلاب، وقيل الأخذ في سرعة واستلاب، انظر: مادة خطف في لسان العرب (9/ 75)، ومختار الصحاح (76).
(3)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية إلى أنه لا قطع على جاحد العارية، وإن كانت قيمتها نصابًا، بخلاف الحنابلة، الذين أوجبوا القطع على جاحد العارية للأثر والنظر، والله أعلم، وانظر: شرح فتح القدير (5/ 373)، والفقه الميسر (2/ 174).
(4)
لأن ترتيب القطع على جاحدها طريق لحفظ أموال الناس؛ لأن المعير لا يمكنه الإشهاد ولا الإحراز. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 356).
الرابع: كون المسروق نصابًا وهو ثلاثة دراهم أو ربع دينار
(1)
، ويكمل أحدهما بالآخر أو ما يساوي أحدهما، وتعتبر القيمة حال الإخراج من الحرز
(2)
.
الخامس: إخراجه من حرز، فلو سرق من غير حرز، كأن يجد الباب مفتوحًا فلا قطع، كما لو أتلفه داخل حرز بنحو أكل، إلا أن عليه ضمانه.
وحرز كل مال ما حفظ فيه عادة، فحرز نعل برجل، وعمامة على رأس، وجوهر ونقد وقماش في العمران، بدار ودكان وراء غلق وثيق، أو صندوق بسوق، وثم حارس، وحرز حطب وخشب الحظائر، وحرز ماشية مرعى براع يراها غالبًا
(3)
، وسفن في شط بربطها، وإبل بحافظ يراها، وحرز ثياب في حمام، فإن فرط الحافظ فنام أو اشتغل فلا قطع، وضمن المسروق حافظ معد للحفظ
(4)
، وإن لم يستحفظ.
ولو اشترك جماعة في هتك الحرز، وإخراج النصاب منه قطعوا جميعًا، وإن هتك الحرز أحدهما، ودخل الآخر فأخرج المال، فلا قطع عليهما، ولو تواطآ على ذلك في الأصح
(5)
.
(1)
ذهب الحنفية إلى أن النصاب الموجب للقطع عشرة دراهم أو ما يوازيها. وذهب الجمهور من المالكية والحنابلة إلى أن نصاب السرقة ما يساوي ربع دينار أو ثلاثة دراهم، وذهب الشافعية إلى أن نصاب السرقة ربع دينار فقط، ولا عبرة بالتقويم بالفضة، وانظر: الهداية (3/ 5)، والثمر الداني (455)، والإقناع (2/ 426)، والفقه الميسر (2/ 164).
(2)
لوجوب إتلافها، لأنها محرمة فهي ليست مالًا. وانظر: منار السبيل (2/ 751).
(3)
فما غاب عن مشاهدته غالبًا، فقد خرج عن الحرز. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 364).
(4)
ما ضاع بتفريطه، ولو لم يستحفظه رب المال صريحًا، عملًا بالعرف. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 366).
(5)
إذا لم يتمكن أحد السارقين بفعله منفردًا من السرقة فلا قطع محلى الجميع، هذا المذهب، وحكاه الموفق ثم المرداوي ثم البهوتي آخرًا، انظر: الكافي (4/ 188)، والإنصاف (10/ 268)، وكشاف القناع (6/ 134).
السادس: انتفاء الشبهة، فلا قطع بسرقته من مال فروعه وأصوله وزوجته، ولا من مال فيه شرك له، أو لأحد ممن ذكر.
السابع: ثبوتها إما بشهادة عدلين بها وبصفاتها، ولا تسمع قبل الدعوى من مالكه، أو ممن يقوم مقامه، أو بإقرار السارق مرتين
(1)
، ولا يرجع حتى يقطع، ولا بأس بتلقينه الإنكار.
الثامن: مطالبة المسروق منه بمال، ولا قطع بسرقة نحو عام مجاعة غلاء.
فمتى توفرت هذه الشروط قطعت يده اليمنى من مفصل كفه
(2)
، وغمست وجوبًا في زيت مغلي
(3)
، وسن تعليقها في عنقه ثلاثة أيام إن رآه الإمام، فإن عاد قطعت رجله اليسرى، من مفصل كعبه بترك عقبه
(4)
، فإن عاد حبس حتى يموت أو يتوب ولا يقطع
(5)
.
(1)
ذهب الحنفية والمالكية والشافعية إلى أنه يكفي في ثبوت حد السرقة إقرار السارق مرة واحدة بسرقته، وذهب الحنابلة إلى وجوب الإقرار بالسرقة مرتين. وانظر: الهداية (3/ 6)، والثمر الداني (456)، والإقناع (2/ 435)، والفقه الميسر (2/ 169).
(2)
من المسائل المعاصرة: حكم إعادة زراعة العضو المقطوع في حد:
وقد صدر في هذا، قرار مجمع الفقه الإسلامي، التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، برقم 58 عام 1410 هـ، بأنه لا يجوز إعادة العضو المقطوع، تنفيذًا للحد؛ لأن في بقاء أثر الحد، تنفيذًا كاملًا للعقوبة المقررة شرعًا، ومنعا وتفاديًا لمصادمة حكم الشرع في الظاهر.
(3)
لتنسد أفواه العروق، لئلا ينزفه الدم، فيؤدي إلى موته. وانظر: منار السبيل (2/ 755).
(4)
قياسًا على القطع في الحرابة، ولأنه أرفق به ليتمكن من المشي على خشبة، ولو قطعت يمناه لم يمكنه ذلك. وانظر: منار السبيل (2/ 756).
(5)
ذهب الحنفجة والحنابلة إلى أن من تكررت منه السرقة أكثر من مرتين لا يقطع، بل يحبس حتى يموت، أو تظهر توبته. وذهب المالكية والشافعية إلى أنه تقطع يده اليسرى، ثم رجله اليمنى في الرابعة، وانظر: الهداية (3/ 19)، والثمر الداني (455)، والإقناع (2/ 433)، والفقه الميسر (2/ 171).
ويجتمع القطع وضمان ما سرقه، فيرد ما أخذه لمالكه
(1)
، أو بدله إن تلف
(2)
، ويعيد ما خرب من الحرز، وعليه أجرة القاطع وثمن الزيت، ويشترط أن يكون السارق ملتزمًا، مسلمأ كان أو ذميًا، بخلاف نحو المستأمن، والمال معصومًا، بخلاف مال الحربي، ولا قطع بسرقة أم الولد والمكاتب والحر؛ لأنهم ليسوا بمال.
ولو ملك المسروق بعد الترافع إلى الحاكم لم يسقط القطع
(3)
، ويقطع الأخ بسرقة مال أخيه، هان سرق حر مسلم، أو قن من بيت المال، أو من غنيمة لم تخمس، أو فقير من غلة موقوفة للفقراء، لم يقطع للشبهة.
ومن سرق من غير حرز تمرًا أو طلعًا أو جمارًا ضمنه بعوضه مرتين، وهو خاص بالتمر والطلع والجمار والماشية
(4)
.
* * *
(1)
ذهب الحنفية إلى أن السارق يرد ما سرقه إن كان موجودًا، فإن هلك المسروق أو استهلك فلا ضمان على السارق، وذهب المالكية إلى أنه يرده إن كان موسرًا، ويسقط إن كان معسرًا، وذهب الجمهور من الشافعية والحنابلة إلى أن السارق يغرم ما سرق، فيرده أو بدله، موسرًا كان أو معسرًا. وانظر: الهداية (3/ 23)، والثمر الداني (458)، والإقناع (2/ 425)، والفقه الميسر (2/ 173).
(2)
لأنهما حقان لمستحقين، فجاز اجتماعهما، كالدية والكفارة فى قتل الخطأ. وانظر: منار السبيل (2/ 757).
(3)
ذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه إذا تملك السارق المسروق قبل الترافع فإنه يسقط القطع، وذهب المالكية إلى أن الحد لا يسقط ولو تملك السارق المسروق قبل الترافع. وانظر: الهداية (3/ 21)، والثمر الداني (457)، والإقناع (3/ 428)، والفقه الميسر (2/ 177).
(4)
لأن التضعيف ورد في هذه الأشياء على خلاف القياس، فلا يتجاوز محل النص، وما عداه يضمن بقيمته مرة واحدة. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 376).
فصل: (في حد قطاع الطريق)
والمكلف ولو أنثى أو ذميًا أو رقيقًا، إذا خرج على الناس بسلاح ولو عصا أو حجرًا
(1)
في صحراء أو بنيان أو بحر
(2)
فيأخذ أموالهم مجاهرة، فهو قاطع الطريق واحدًا أو أكثر.
ويعتبر لوجوب الحد ثلاثة شروط: ثبوت كونه محاربًا ببينة أو إقرار مرتين، والحرز بأن يأخذ المال من مستحقه والنصاب، ولهم أربعة أحكام: إن قتلوا ولم يأخذوا مالًا تحتم قتلهم جميعًا
(3)
.
وإن قتلوا وأخذوا مالًا، تحتم قتلهم وصلبهم
(4)
، حتى يشتهروا، وإن
(1)
ذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه لا يثبت حد الحرابة وقطع الطريق إلا بوجود السلاح مع القاطع، وذهب المالكية والشافعية إلى أنه يثبت حد قطع الطريق بالتخويف ولو بدون سلاح، وانظر: الهداية (3/ 29)، وحاشية الدسوقي (2/ 348)، والإقناع (2/ 436)، والفقه الميسر (2/ 181).
(2)
ذهب الحنفية إلى أنه يشترط في الحرابة أن تكون في صحراء، بعيدة عن الغوث والنجدة، وخارج المصر، وذهب المالكية والشافعية إلى أنه لا يشترط في الحرابة البعد عن العمران والبنيان، وانظر: الهداية (3/ 29)، وحاشية الدسوقي (4/ 348)، والإقناع (2/ 436).
(3)
وحكم الردء كالمباشر. وانظر: منار السبيل (2/ 758).
(4)
ذهب الحنفية والمالكية، إلى تقديم الصلب على القتل في عقوبة حد الحرابة، وذهب الشافعية والحنابلة، إلى تقديم القتل على الصلب في تنفيذ الحد. وانظر: الهداية (2/ 28)، والثمر الداني (448)، والإقناع (437)، والفقه الميسر (2/ 185).
أخذوا مالًا ولم يقتلوا، قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف حتمًا، إلا إن كان الأخذ من منفرد عن القافلة.
وإن أخافوا الناس ولم يأخذوا مالًا، ينفوا من الأرض
(1)
، فلا يتركون يأوون إلى بلد
(2)
، حتى تظهر توبتهم.
ومن تاب منهم قبل القدرة عليه سقطت عنه حقوق الله، وأخذ بحقوق الآدميين
(3)
.
ولا يشترط أن يكون من قتلوه مكافئًا لهم، بل لو قتل والد ولده أو قنًا أو ذميًا فكذلك، ويغسل ويصلى عليه، وإن جنوا ما يوجب قودًا في الطرف كقطع يد تحتم استيفاؤه، وقال في المنتهى: لا يتحتم
(4)
.
ومن وجب عليه حد سرقة أو زنا أو شرب فتاب منه قبل ثبوته عند الحاكم سقط عنه بمجرد توبته، قبل إصلاح عمل على الأصح
(5)
.
* * *
(1)
إلى هذا ذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة وذهب المالكية إلى أن من قتل في الحرابة فلا بد أن يقتل، وللإمام الخيار في صلبه، ومن لم يقتل فإن الإمام مخير فيه بما يردعه بأحد العقوبات، من القتل والصلب أو القطع أو النفي من الأرض على حسب المصلحة. وانظر: الهداية (3/ 27)، والكافي لابن عبد البر (223)، والإقناع (2/ 437).
(2)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية إلى أن المراد بالنفي الحبس خارج بلده، التي حارب فيها، بخلاف الحنابلة الذين يرون النفي، هو التشريد في الأرض، وعدم تركهم يستقرون ببلد معين. وانظر: البحر الرائق (5/ 73)، وكفاية الطالب (2/ 415)، والإقناع (2/ 437)، والفقه الميسر (2/ 186).
(3)
من نفس وطرف ومال إلا أن يعفى له عنها من مستحقها؛ لأنه حق آدمي، فلا يسقط بالتوبة كالضمان. وانظر: منار السبيل (2/ 759).
(4)
نص محققو المذهب على أن من جنى جناية توجب القصاص فيما دون النفس أنه لا يتحتم استيفاؤه إذا تاب، انظر: المغني (9/ 127)، والإنصاف (10/ 294)، والفروع (6/ 138).
(5)
انظر: كشاف القناع (6/ 154)، والإنصاف (19/ 299)، والفروع (6/ 139).
فصل: (في دفع المعتدين)
ومن أريد بأذى في نفسه أو ماله، ولو بهيمة أو حريمه، كأمه وأخته وزوجته، فله الدفع عن ذلك بأسهل ما يغلب على ظنه دفعه به، فإن لم يندفع إلا بالقتل فله ذلك، ولا ضمان عليه
(1)
، فإن قتل المصول عليه فهو شهيد.
ويلزمه الدفع عن نفسه في غير فتنة
(2)
، وعن نفس غيره وعن حريمه وحرمة غيره، دون ماله فلا يلزمه الدفع عنه، ومن دخل المنزل متلصصًا فحكمه كذلك، يدفعه بالأسهل فالأسهل.
ولا يضمن بهيمة صالت عليه إذا قتلها، كصغير ومجنون، لكن لا بد من ثبوت الصيالة، فإن ادعاها ولا بينة ولا إقرار فلا يصدق، وكذا يجب الدفع عن مال غيره إن ظن السلامة في الدفع وإلا حرم، ولا يلزمه حفظ ماله من الضياع والهلاك في الأصح
(3)
.
(1)
لأنه قتله لدفع شره، ودمه هدر، ولأنه اضطره إلى قتله، فصار كالقاتل لنفسه، لكن لا بد من إقامة البينة. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 386).
(2)
ذهب الحنفية والمالكية إلى أنه يجب أن يدفع الصائل، كافرًا كان أو مسلمًا، في وقت الفتنة أو غيرها، وذهب الشافعية والحنابلة إلى جواز الاستسلام للصائل المسلم وقت الفتنة، بل استحبابه، وانظر: حاشية الدسوقي (4/ 357)، والإقناع (2/ 441)، والفقه الميسر (2/ 187).
(3)
انظر: الإنصاف (10/ 305)، والمبدع (9/ 165)، والفروع (6/ 141)، وكشاف القناع (6/ 156).
ومن نظر في بيت غيره من نحو باب مغلق فخذفت عينه أو نحوها فتلفت فهدر
(1)
، بخلاف مستمع قبل إنذاره.
* * *
(1)
لأن النظر أبلغ من السمع، واقتصارًا على مورد النص. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 388).
فصل: (في قتال أهل البغي)
إذا خرج قوم لهم شوكة ومنعة
(1)
على الإمام بتأويل سائغ، فهم بغاة
(2)
ظلمة، فإن كانوا قليلين لا شوكة لهم، أو لا تأويل لهم سائغ فقطاع طريق.
ويجب على الإمام أن يراسل البغاة، فيسألهم عما ينقمون منه، فإن ذكروا مظلمة أزالها، وإن ادعوا شبهة كشفها.
فإن فاؤوا تركهم وإلا قاتلهم وجوبًا، وعلى رعيته إعانته، ويحرم قتالهم بنحو منجنيق ونار إلا لضرورة
(3)
، وقتل مدبرهم وجريحهم
(4)
، ومن
(1)
أي: لهم بأس ونكاية، وسلاح وعدد وعدة، وقوة وشدة وكثرة، بحيث يحتاج في كفهم، إلى جمع جيش. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 390).
(2)
البغاة: جمع باغ: من البغي وهو الظلم، والبغي: التعدي وكل مجاوزة وإفراط على المقدار الذي هو حد الشيء، انظر: المطلع (377)، والتعاريف (574)، وأنيس الفقهاء (187).
(3)
لكون المنجنيق والنار تعم من يجوز قتله ومن لا يجوز، ولا تجوز إلا لضرورة، كأن لا يمكنهم التخلص منهم إلا بذلك. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 395).
(4)
ذهب الحنفية إلى جواز قتل الجريح إن كان له شوكة يركن إليها، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الجريح لا يجهز عليه؛ لأن المقصود قتالهم لا قتلهم. وانظر: الهداية (3/ 86)، والقوانين الفقهية (239)، والإقناع (2/ 448).
ترك القتال منهم ترك، ولا قود بقتلهم بل الدية، ومن أصر منهم حبس، فإذا انقضت، فمن وجد منهم ماله بيد غيره أخذه، وما تلف حال حرب غير مضمون
(1)
، وإن أظهر قوم رأي الخوارج، ولم يخرجوا عن قبضة الإمام
(2)
، لم يتعرض لهم
(3)
، ولا تسبى ذراري البغاة، وهم في شهادتهم وإمضاء حكم حاكمهم كأهل العدل
(4)
.
وإن اقتتلت طائفتان لعصبة أو رئاسة فهما ظالمتان، وتضمن كل واحدة ما أتلفت على الأخرى، ولو لم يعلم عين المتلف، ومن دخل بينهما لصلح فقتل، وجهل قاتله ضمناه على السواء
(5)
.
ونصب الإمام فرض كفاية، ويجبر من تعين لذلك، وشرطه أن يكون حرًا ذكرًا عدلًا، قرشيًا عالمًا كافيًا
(6)
ابتداءً ودوامًا، سميعًا بصيرًا، فإن قهر الناس غير عدل فهو إمام، ولا يضر ثقل السمع ولا تمتمة لسان، ولا ينعزل بفسقه بخلاف القاضي.
* * *
(1)
إلى هذا ذهب جمهور العلماء، لكن ما تلف قبل الحرب من الطائفتين هل يضمن أو لا؟ ذهب الحنفية والمالكية إلى أنه لا يضمن، وذهب الشافعية والحنابلة إلى ضمانه. وانظر: بدائع الصنائع (7/ 140)، والإقناع (2/ 448)، والفقه الميسر (2/ 194).
(2)
أي: لم يجتمعوا للحرب. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 397).
(3)
ضبة تصحيحية إلى قوله: كأهل العدل.
(4)
من ضمان نفس ومال، ووجوب الحد؛ لأنهم ليسوا ببغاة، فكأهل العدل فيما لهم وعليهم. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 397).
(5)
لكن إن علم أن قاتله من جهة بعينها وجهلت عينه ضمنته وحدها. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 398).
(6)
أي: قائمًا بأمر الحرب والسياسة، وإقامة الحدود، والذب عن الأمة.
فصل: (في المرتد)
(1)
وهو من كفر بعد إسلامه ولو مميزًا بنطق أو اعتقاد أو شك أو فعل، طوعاَ ولو هازلًا كسب الله تعالى أو أحد من رسله أو ملائكته، أو جحد وجوب عبادة من العبادات الخمس، ومنها الطهارة، أو أشرك به تعالى، أو جحد صفة من صفاته، أو بعض كتبه، أو جحد تحريم نحو الزنا من المحرمات المجمع عليها، فإن كان مثله يجهل عرف الحكم، فإن أصر أو كان مثله لا يجهل كفر
(2)
، وكسجوده لكوكب، وكإلقاء مصحف في قاذورة، أو اعتقاد الشريك له تعالى، أو أن الزنا حلال، ومن شك في شيء من ذلك ومثله لا يجهل كالناشئ في قرى الإسلام كفر.
فمن ارتد وهو مكلف مختار ولو أنثى دعي إلى الإسلام واستتيب ثلاثة أيام وجوبًا
(3)
، ويضيق عليه ويحبس
(4)
، فإن تاب فلا شيء عليه، ولا يحبط
(1)
مرتد: من ردد، والرد صرف الشيء ورجعه، والرد مصدر رددت الشيء، والارتداد الرجوع، ومنه المرتد، والردة: بالكسر اسم منه، أي: الارتداد. انظر: مادة ردد في لسان العرب (3/ 172)، ومختار الصحاح (101).
(2)
لمعاندته للإسلام، وامتناعه عن الالتزام بأحكامه، وعدم قبوله لكتاب الله وسنة رسوله وإجماع الأمة، ولا نزاع في كفره. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 403).
(3)
لأنه أمكن استصلاحه، فلم يجز إتلافه قبل استصلاحه كالثوب المتنجس. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 406).
(4)
ذهب الحنفية إلى استحباب استتابة المرتد، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية =
عمله الذي عمله في حال إسلامه قبل ردته، من صلاة وحج وغيرهما، وإن أصر قتل بالسيف، ولا يقتله إلا الإمام أو نائبه، فإن قتله غيرهما بلا إذن أساء وعزر ولا ضمان، ولو قبل استتابته؛ لأنه مهدر الدم.
ومن أطلق الشارع كفره، كدعواه لغير أبيه، ومن أتى عرافًا فصدقه فهو تحذير، فلا يخرج به عن الإسلام
(1)
، فإن التحق المرتد بدار حرب، فلكل أحد قتله وأخذ ما معه.
ولا تقبل في -أحكام- الدنيا توبة من سب الله، أو سب رسوله سبًا صريحًا أو تنقصه، أو سب ملكًا أو قذف أم نبي من الأنبياء، ويقتل حتى ولو كان كافرًا فأسلم؛ لأن قتله حد.
ولا توبة من تكررت ردته، ولا توبة زنديق، وهو المنافق: الذي يظهر الإسلام ويخفي الكفر، بل يقتل بكل حال، ولو مات المرتد المميز، أو السكران في حال سكره، أو قبل بلوغه واستتابته مات كافرًا، ولا تقبل توبة الحلولية
(2)
، ولا المباحية
(3)
، ولا من يفضل متبوعه على النبي صلى الله عليه وسلم، أو
= والحنابلة، إلى وجوب الاستتابة قبل إقامة الحد. وانظر: الهداية (2/ 164)، والثمر الداني (447)، والإقناع (2/ 402)، والفقه الميسر (2/ 199).
(1)
لعل -والله أعلم-، أن في المسألة تفصيلًا: فإن كان الذاهب للعراف لمجرد التعرف والاستقصاء والسؤال من دون اعتقاد صدقه، أو مع اعتقاد كذبه، أنه ينطبق عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم:"من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يومًا"، لكن إن كان القصد من السؤال التصديق والاستعلام عن المغيبات، فهذا لا شك في أنه ينطبق عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم:"من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد". يعني: الكفر الأكبر المخرج من الملة؛ لأنه ادعى شريكًا لله في معرفة الغيب. والله تعالى أعلم.
(2)
الحلولية: الذين يزعمون أن معبودهم في كل مكان بذاته، وينزهونه عن استوائه على عرشه، وعلوه على خلقه، ولم يصونوه عن أقبح الأماكن وأقذرها، وهؤلاء هم قدماء الجهمية، الذين تصدى للرد عليهم أئمة الحديث، كأحمد بن حنبل وغيره، انظر: معارج القبول (1/ 370)، والشريعة (1/ 291)، واعتقادات المسلمين والمشركين (74).
(3)
المباحية: نسبة إلى استباحة المحرمات المعلومة من الدين بالضرورة، وهم قوم يحفظون طامات لا أصل لها، وتلبيسات في الحقيقة، وهم يدعون محبة الله تعالى، وليس لهم نصيب من شيء من الحقائق، بل يخالفون الشريعة، ويقولون: =
يعتقد أنه إذا حصلت له المعرفة والتحقيق، سقط عنه الأمر والنهي، أو يعتقد أن العارف المحقق، يجوز له التدين بدين اليهود والنصارى، فلا تقبل توبتهم في الظاهر، ومن سب عائشة رضي الله عنها، بما برأها الله منه فقد كفر، ومن سب غيرها من أزواجه صلى الله عليه وسلم فالصحيح
(1)
أنه كسب عائشة رضي الله عنها، ومن أنكر صحبة أبي بكر
(2)
فقد كفر.
ويصح إسلام مميز يعقله وتصح ردته، لكن لا يقبل حتى يستتاب بعد البلوغ ثلاثة أيام.
وتوبة المرتد إسلامه، وكل كافر إسلامه بأن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ومن كان كفره بجحد فرض ونحوه، فتوبته مع الشهادتين إقراره بالمجحود به، أو قوله: أنا مسلم أو بريء من كل دين يخالف فى دين الإسلام، ولو قال كافر: أسلمت أو أنا مسلم أو مؤمن صار مسلمًا، وإن قال: أنا مسلم ولا أنطق بالشهادتين لم يحكم بإسلامه، حتى يأتي بالشهادتين.
ويمنع المرتد من التصرف في ماله
(3)
، ويقضى منه ديونه وينفق منه عليه وعلى عياله
(4)
.
= إن الحبيب رفع عنه التكليف، وهم الأشر من الطوائف، وهم على الحقيقة على دين مزدك، انظر: اعتقادات المسلمين والمشركين (74).
(1)
انظر: الإنصاف (10/ 169)، وكشاف القناع (6/ 172).
(2)
عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد، بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي، ولد بعد الفيل بسنتين وستة أشهر، صحب النبي صلى الله عليه وسلم في المشاهد كلها، وحج بالناس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، سنة تسع، كانت خلافته، سنتين وستة أشهر، توفي في جمادى الأولى سنة (13 هـ) وعمره (63) عامًا. انظر ترجمته في: الإصابة (4/ 144)، وسير أعلام النبلاء (1/ 18).
(3)
لتعلق حق الغير به. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 412).
(4)
لأنها حقوق واجبه عليه شرعًا لا يجوز تعطيلها. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 412).
فإن أسلم وإلا صار فيئًا من موته
(1)
مرتدًا
(2)
.
ويكفر ساحر يركب المكنسة
(3)
، فتسير به في نحو الهواء، لا كاهن
(4)
، ومنجم
(5)
، وعراف
(6)
، وضارب بحصى ونحوه، إن لم يعتقد إباحته، وأنه يعلم به الأمور المغيبة
(7)
، ويحرم طلسم
(8)
ورقية بغير العربي، ويجوز الحل بسحر للضرورة.
* * *
(1)
ذهب الحنفية إلى أن ملك المرتد لا يزول بردته؛ لأن الملك كان ثابتًا له حال الإسلام، والكفر لا ينافي الملك، كالكافر الأصلي، وعليه فما له لورثته مات مسلمًا أو كافرًا، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة، إلى أن تصرفات المرتد المالية، موقوفة على ماله، فإن مات مرتدًا، كان ماله فيئًا، وإن عاد إلى الإسلام، عاد إليه ماله ولورثته. وانظر: الهداية (2/ 165)، والتاج والإكليل (6/ 281)، والإقناع (2/ 404)، والفقه الميسر (2/ 202).
(2)
لأنه لا وارث له وبطل تصرفه. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 413).
(3)
ذهب الإمام أبو حنيفة ومالك وأحمد إلى أن الساحر يقتل حدًا، وذهب الإمام الشافعي إلى أنه يستفصل عن سحره، فإنه كان كفرًا أو قتل به أحدًا فإنه يقتل، وإن كان كلامه ليس كفرًا، ولا يضر به أحدًا فلا يقتل وينهى عنه ويعزر. وانظر: شرح فتح القدير (6/ 99)، والأم (1/ 256)، وكفاية الطالب (2/ 409)، والفقه الميسر (2/ 205).
(4)
الكاهن: من يخبر عن الكوائن المستقبلة، ويدعي معرفة الأسرار، ومطالعة علم الغيب، انظر: التعاريف (597).
(5)
والمُنَجِّمُ: الذي ينظُرُ في النُّجوم، ويدعي علم الغيب، انظر: العين (6/ 154).
(6)
العراف: الكاهن، لكن العراف يختص بالأحوال المستقبلية، والكاهن يخبر بالماضي، انظر: التعاريف (509).
(7)
أي: يكفرون، إذا اعتقدوا إباحة الكهانة والتنجيم والعرافة والضرب بالحصى، أو ادعوا أنهم يعلمون بهذه الأمور المغيبة. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 413).
(8)
طلسم: خطوط أو كتابة يستعملها الساحر ليدفع بها الأذى، والكلمة دخيلة. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 414).
كتاب الأطعمة
(1)
يباح كل طعام طاهر، لا مضرة فيه
(2)
، حتى نحو المسك، مما لا يؤكل عادة كقشر بيض.
ويحرم النجس كالميتة، والدم، ولحم الخنزير، والبول والروث ولو طاهرين
(3)
، ويحرم من حيوان البر
(4)
: الحمر الأهلية، وما يفترس
(1)
الأطعمة: جمع طعام، والطعام ما يؤكل، وربما خص به البر، والأطعمة جمع قلة لكنه بإضافة الألف واللام أفاد العموم. انظر: المطلع (383).
(2)
أسباب تحريم الأطعمة إجمالًا في المذهب:
1 -
ما فيه ضرر البدن كالمواد السامة.
2 -
ما فيه ضرر العقل كالمسكرات والمخدرات
3 -
ما كان نجسًا.
4 -
عدم الإذن شرعًا كأن تكون مغصوبة أو مسروقة.
5 -
المواد المستقذرة عند ذوي الطباع السليمة كالبول والروث. وانظر: الفقه الميسر (2/ 9).
(3)
لاستقذارهما، فإن اضطر إليهما، أو إلى أحدهما أبيحا. وانظر: منار السبيل (2/ 772).
(4)
الحيوانات البرية مباحة إلا أنواعًا منها:
أولًا: ما نص الشارع على تحريمه بعينه كالخنزير.
ثانيًا: ما وضع له ضابط كذوات الأنياب من السباع والمخالب من الطيور.
ثالثًا: ما يأكل الجيف من النسر والرخم والحدأة والنملة والنحلة.
رابعًا: ما أمر الشارع بقتله أو نهى عن قتله كالغراب.
بنابه
(1)
كأسد، ونمر، وذئب، وفهد
(2)
وكلب، وقرد، ودب، ونمس، وابن آوى، وابن عرس، وسنور، وثعلب
(3)
(4)
، وسنجاب
(5)
، وسمور
(6)
، وقيل: إلا الضبع
(7)
، ويحرم من الطير ما يصيد بمخلبه، كعقاب وباز
(8)
خامسًا: ما كان متولدًا من حلال وحرام فيغلب جانب الحرام. وانظر: الفقه الميسر (2/ 9).
(1)
ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى حرمة أكل ذوات الأنياب من السباع، وذهب المالكية إلى كراهة أكلها، سواء كانت أهلية مستأنسة كالهر والكلب، أو متوحشة كالأسد والدب.
وانظر: الهداية (4/ 196)، والفواكه الدواني (1/ 387)، والإقناع (2/ 502)، والفقه الميسر (2/ 10).
(2)
الفهد: من الحيوانات الثديية، آكلات اللحوم، والتي تتبع عائلة السنوريات، وهو أسرع حيوان بري على الإطلاق، ويعد الفهد إحدى السلالات المهددة بالانقراص، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العنكبوتية.
(3)
الثعلب: من فصيلة الكلبيات القارتة، الصغيرة الحجم الثديية، والبالغ عددها 27 نوعًا، يسمى الذكر ثعلبًا والأنثى ثعلبة، والصغار ضغابيس أو جراء. انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(4)
ذهب الحنفية والحنابلة إلى حرمة أكل الثعلب، وذهب المالكية إلى جواز أكله مع الكراهة، وذهب الشافعية إلى جواز أكله؛ لأن نابه ضعيف، فلا يلحق بالمحرم من ذوات الأنياب، وانظر: الهداية (4/ 169)، والفواكه الدواني (1/ 387)، والإقناع (2/ 504)، والفقه الميسر (2/ 10).
(5)
السنجاب: حيوان من القوارض، يعيش غالبًا على الأشجار، وله ذيل كثيف وكبير، ويعتاش على الجوز والبندق والبلوط والفواكه، كما يأكل بيوض الأعشاش وفراخ الطيور. وهو فريسة للطيور الجارحة والأفاعي. انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(6)
السمور: من الحيوانات الثديية، ويعيش في المناطق الشمالية لآسيا، ويتميز بفرائه الثمين. انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(7)
المذهب: أن الضبع حلال، ويجوز صيده وأكله، انظر: الإنصاف (10/ 355)، والفروع (3/ 313)، والكافي (1/ 488)، وكشاف القناع (6/ 190).
(8)
الباز: هو صقر كبير الحجم وقوي، يتميز بعرض الجناحين، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
وصقر، وباشق، وشاهين
(1)
وحدأة، وبومة، وما يأكل الجيف كنسر، ورخم وقاق
(2)
، واللقلق
(3)
، وغراب بين، والغراب الأبقع، وخفاش
(4)
، وما استخبثته العرب ذوو اليسار، كزنبور ونحل
(5)
وذباب
(6)
وفراش، وقمل وبراغيث وباقي الحشرات، وهدهد
(7)
وخطاف
(8)
وقنفذ، وحية، وما تولد من مأكول وغيره كالبغل.
(1)
الشاهين: من الطيور آكلة اللحوم، يصطاد بخفة ومهارة وذا نظر حاد، ويعيش على الشواطئ والجبال، ويتغذى على الحمام وطيور البحر، وهو أيضًا يحتاج إلى المعاملة اللطيفة؛ لأنه سريع الانزعاج والغضب، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(2)
القاق: طائر مائي طويل العنق. المعجم الوسيط (2/ 767).
(3)
اللقلق: من الطيور المهاجرة، كبيرة الحجم، ذات الأرجل الطويلة، ترى أعشاشه فوق المآذن وأبراج الخطوط الكهربائية، تقتات اللقالق على الحشرات والضفاح والفئران الصغيرة وأفراخ الأفاعي، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(4)
الخفاش: هو الحيوان الثدي الوحيد الذي يستطيع الطيران، يفضل الأماكن التي بها الطعام الوفير والملاذ الآمن، لهذا يفضل المناطق الحارة لوفرة الحشرات بها طوال العام. انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(5)
النحل: من الحشرات المجنحة، ولجميع أنواعها زوجان من الأجنحة، يتغذى النحل على الرحيق وحبوب الطلع التي يجمعها من الأزهار، وتستخدم حبوب الطلع كغذاء لليرقات بشكل أساسي. تقوم العاملات بجمع الرحيق بواسطة لسانها المعقد والطويل، والذي يمكنها من الوصول إلى داخل الزهرة، بينما تحمل حبوب الطلع على سلال خاصة في أرجلها الخلفية. انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(6)
الذباب: هناك آلاف الأنواع من الذباب في العالم، فقط عشرة أنواع منها تعيش في المنازل. وأكثرها انتشارا وأشهرها ذبابة المنزل المعروفة التي لا يتعدى طولها (7.5) ملم، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(7)
الهدهد: له عرف مميز على رأسه، له طريقة مميزة في الطيران، ويتغذى على الحشرات، ويشاهد أفرادًا في المناطق الزراعية، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(8)
الخطاف: أكثر أنواع السنونو انتشارًا في العالم، له ذيل مثل المقص وجناحين حادين. يوجد في أوروبا وإفريقيا وآسيا. انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
وما تجهله العرب ولم يذكر في الشرع يرد إلى ما يشبهه، فإن أشبه مباحًا وحرامًا غلب التحريم، ويؤكل دود نحو جبن وخل تبعًا لا انفرادًا، وما أحد أبويه المأكولين مغصوب فكأمه، فإن كانت الأم مغصوبة لم تحل هي ولا شيء من أولادها للغاصب، ولا يحرم شيء من أولاد الأب المغصوب على الغاصب.
ويباح ما عدا ما ذكر من بهيمة الأنعام، والخيل، وباقي الوحوش، كضبع، وزرافة
(1)
وأرنب، ووبر، ويربوع، وبقر وحش، وحمرة، وضب، وظباء، وباقي الطير، كنعام، ودجاج، وببغاء، وزاغ، وغراب زرع، وحمام، وفواخت.
ويحل أكل كل ما في البحر
(2)
غير ضفدع
(3)
وحية وتمساح
(4)
.
وتحرم الجلالة: التي أكثر علفها النجاسة، ولبنها وبيضها نجس، حتى تحبس ثلاثًا وتطعم الطاهر فقط.
(1)
الزرافة: أطول حيوان في العالم، وهي حيوان أفريقي، غذاؤها الرئيسي من الأوراق والغصينات، من قمم أشجار الأكاسيا، والتي يمكنها الوصول إليها بسبب ارتفاعها ولسانها الطويل الذي يصل طوله إلى (18) بوصة، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(2)
ذهب الحنفية إلى جواز أكل السمك فقط من حيوان الماء، وما سوى ذلك يحرم؛ لأن الطبع يستخبثه، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية إلى جواز أكل كل حيوان البحر الذي لا يعيش إلا فيه، وانظر: الهداية (4/ 169)، والفواكه الدواني (1/ 388)، والإقناع (2/ 509)، والفقه الميسر (2/ 11).
(3)
الضفدع: من البرمائيات ويسمى صوتها نقيقًا، تتواجد الضفادع في كل أنحاء العالم، عدا القارة المتجمدة الجنوبية، وتعيش في المناطق الرطبة، وعادة ما تختبئ نهارًا وتنشط ليلًا، وغذاءها الحشرات والديدان، ومنها ما يعيش على النباتات. انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(4)
التمساح: من أضخم الزواحف الحية. له جسم طويل وأرجل قصيرة، وذنب طويل قوي يمكنه من السباحة، وأسنان حادة، يقبض بها على فريسته، ويوجد 12 نوعًا من التماسيح، ومن الغرائب أنه لا يستطيع إخراج لسانه من فمه. انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
ويكره أكل تراب، وفحم، وطين، وغدة
(1)
، وأذن، وقلب، وبصل وثوم
(2)
ونحوهما، ما لم ينضج بطبخ، لا لحم منتن أو نيء.
ومن اضطر إلى محرم بأن خاف التلف إن لم يأكله جاز له أن يأكل ما يسد رمقه فقط، إلا نحو سم، إن لم يكن في سفر محرم حتى يتوب
(3)
، ويجب تقديم السؤال
(4)
على أكله، ويتحرى في مذكاة اشتبهت بميتة.
فإن لم يجد إلا طعام غيره، فإن كان ربه مضطرًا أو خائفًا أن يضطر فهو أحق به، وليس له إيثاره
(5)
، وإلا لزمه بذل ما يسد رمقه فقط بقيمته، فإن أبى رب الطعام أخذه منه بالأسهل فالأسهل، ويعطيه عوضه، ومن لم يجد إلا آدميًا مباح الدم كزان محصن فله قتله وأكله، وكذا إن وجده ميتًا
(6)
، لا أكل ميت معصوم، ومن اضطر إلى نفع مال الغير مع بقاء عينه، كثوب لبرد ودلو وجب على ربه بذله له مجانًا
(7)
.
ومن مر بثمرة بستان لا حائط عليه ولا ناظر، فله أن يأكل منه مجانًا ولو لغير حاجة، من غير أن يصعد على شجره، أو يرميه بحجر، ولا
(1)
الغدة: كل عقدة في الجسم أطاف بها شحم، وقيل كل قطعة صلبة بين العصب، انظر: مادة غدد في لسان العرب (3/ 323).
(2)
الثوم: نبات من النباتات الحولية المعمرة، من فصيلة الزنبقيات، وتنتشر زراعته في جميع أنحاء العالم، تتكون ثمرة الثوم من فصوص مغلفة بأوراق سيليلوزية شفافة، لتحفظها من الجفاف. انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(3)
كقاطع طريق وآبق، فلا يحل له أكل المحرم كالميتة حتى يتوب.
(4)
يعني: طلبه من الناس قبل مباشرة أكل الحرام.
(5)
لمساواته الآخر في الاضطرار، وانفراده بالملك، أشبه غير حالة الاضطرار. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 434).
(6)
لأنه لا حرمة له؛ لأنه بمنزلة السباع. وانظر: حاشية الروض المربع (43617).
(7)
لأن الله تعالى ذم على منعه، لقوله تعالى:{وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)} [الماعون: 7]، وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 436).
يحمل شيئًا، ولا يأكل من ثمر مجني مجموع إلا لضرورة، وكذا الباقلاء والحمص الأخضرين، وكذا زرع قائم، وشرب لبن ماشية على الأصح
(1)
، جريًا على العادة.
وتجب ضيافة المسلم المجتاز على المسلم، في القرى دون الأمصار
(2)
، يومًا وليلة مجانًا، فإن أبى فله طلبه عند الحاكم، فإن تعذر جاز له الأخذ من ماله، بقدر ما وجب عليه، ولا تجب للذمي إذا اجتاز بالمسلم، وتستحب ثلاثًا، ولا يجب عليه إنزاله في بيته، إلا أن لا يجد مسجدًا أو رباطًا ونحوهما، يبيت فيه بلا ضرر.
* * *
(1)
انظر: الإنصاف (10/ 285)، والفروع (6/ 276)، والمغني (9/ 332)، ومختصر الخرقي (135).
(2)
القرى لا يكون فيها السوق ولا المساجد، ويبعد فيها البيع والشراء، فوجبت ضيافة المجتاز بها. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 438).
باب الذكاة
(1)
وهي ذبح أو نحر الحيوان المقدور عليه، المباح أكله الذي يعيش في البر، لا نحو جراد.
وشروطها أربعة:
كون الفاعل: عاقلًا، مميزًا، قاصدًا للذكاة، مسلمًا
(2)
، أو كتابيًا أبواه كتابيان، فيحل ذبح الأنثى، والقن، والجنب، والحائض، والكتابي ولو حربيًا، لا المرتد، ولا المجوسي، والوثني، والدرزي
(3)
، والنصيري
(4)
،
(1)
الذكاة: من ذكى الشاة ونحوها تذكية، والمذبوح ذكي فعيل بمعنى مفعول، انظر: المطلع (383).
(2)
ضبة تصحيحية.
(3)
الدرزية: فرقة باطنية تؤلِّه الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، أخذت جل عقائدها عن الإسماعيلية، وهي تنتسب إلى نشتكين الدرزي. نشأت في مصر لكنها لم تلبث أن هاجرت إلى الشام، عقائدها خليط من عدة أديان وأفكار، كما أنها تؤمن بسرية أفكارها، فلا تنشرها على الناس، ولا تعلمها لأبنائها إلا إذا بلغوا سن الأربعين، انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة (383).
(4)
النصيرية: حركة باطنية ظهرت في القرن الثالث للهجرة، أصحابها يعدُّون من غلاة الشيعة، الذين زعموا وجودًا إلهيًّا في علي وألهوه به، ومقصدهم هدم الإسلام ونقض عراه، وهم مع كل غاز لأرض المسلمين، ولقد أطلق عليهم الاستعمار الفرنسي اسم العلويين تمويهًا وتغطية لحقيقتهم الرافضية والباطنية. انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة (374).
ويؤكل من طعامهم غير اللحم والشحم والكوارع
(1)
.
الثاني الآلة: وهو أن يذبح بمحدد، حتى من حجر وقصب، وخشب وعظم، غير السن والظفر متصلين أو منفصلين.
الثالث: قطع الحلقوم
(2)
والمريء
(3)
، ولا يشترط قطع الودجين
(4)
، ويكفي قطع البعض من المريء والحلقوم، فلو قطع رأسه حل
(5)
، وإن لم تأت الآلة إلى محل الذبح وفيه حياة مستقرة، وما ذبح من قفاه ولو عمدًا
(6)
، إن أتت الآلة على محل الذبح وفيه حياة مستقرة حل بذلك، وإلا فلا.
ويحل ذبح ما أصابه سبب الموت من الحيوان المأكول، من منخنقة ومريضة وأكيلة سبع، وما صيد بنحو فخ إن لم يصل إلى حد لا يعيش معه وذكاه وفيه حياة مستقرة تزيد على حركة مذبوح فتحل، ولو انتهت إلى
(1)
لأن ذبائح المجوس وغيرهم ميتة، وهذه الأجزاء تبع لها. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 455).
(2)
الحلقوم: هو مخرج النفس وموضع الذبح، وحلوق الأرض مجاريها وأوديتها، على التشبيه بالحلوق التي هي مساوغ الطعام والشراب، انظر: مادة حلق في لسان العرب (10/ 58)، ومختار الصحاح (63).
(3)
المريء: مجرى الطعام والشراب من الحلق. انظر: مادة مرأ في لسان العرب (1/ 155).
(4)
الودجان: عرقان غليظان عريضان عن يمين ثغرة النحر وشمارها، والوريدان بجنب الودجين، فالودجان من الجداول التي يجري فيها الدم، والوريدان النبض والنفس، انظر: مادة ودج في لسان العرب (2/ 397).
(5)
ذهب الحنفية إلى وجوب قطع الحلقوم والمريء والودجين، وذهب المالكية إلى وجوب قطع الحلقوم والأوداج جميعًا، وذهب الشافعية والحنابلة إلى جواز الاكتفاء بقطع الحلقوم والمريء. وانظر: الهداية (4/ 169)، والثمر الداني (308)، والإقناع (2/ 494)، والفقه الميسر (2/ 16).
(6)
ذهب الحنفية والحنابلة إلى أن المذبوح من قفاه يحل إذا أتت الآلة على محل الذبح وفي الحيوان حياة مستقرة، وذهب المالكية والشافعية إلى الحرمة مطلقًا. وانظر: الهداية (4/ 160)، والثمر الداني (308)، والإقناع (2/ 494).
حال، يعلم أنها لا تعيش معه، -والحياة المستقرة كتحريك يد أو رجل أو ذنب-، وما قطع حلقومه، أو أبينت حشوته ونحوه مما لا تبقى معه الحياة فوجود حياته كعدمها على الأصح
(1)
، لكن لو قطع الحلقوم ثم رفع يده قبل أن يقطع المريء وعاد وتمم الذكاة على الفور لم يضر.
وما عجز عن ذبحه، كواقع في بئر ومتوحش، فذكاته بجرحه في أي محل كان.
الرابع: قول: بسم الله لا يجزئ غيرها
(2)
(3)
عند حركة يده بالذبح، ويجزئ بغير العربية وإن أحسنها، ويسن له أن يزيد: والله أكبر، وتسقط التسمية سهوًا، لا جهلًا ولا عمدًا
(4)
، وإذا أضجع شاة لذبحها وسمى، ثم ألقى السكين وأخذ سكينًا أخرى، أو رد السلام أو كلم إنسانًا، أو استقى ماء، ثم ذبح حل
(5)
، ويضمن الأجير إن ترك التسمية عمدًا أو جهلًا، فإن ذكر مع الله غيره لم تحل.
والسنة أن تنحر الإبل بطعن بمحدد في لبتها، وذبح غيرها
(6)
، ويكره
(1)
انظر: المغني (9/ 303)، وكشاف القناع (6/ 208).
(2)
لأنها هي المتبادرة عند الإطلاق. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 452).
(3)
ذهب الحنفية والمالكية إلى جواز ذكر الله بأي اسم من أسمائه سبحانه، أو أي ذكر يذكر الله به، وذهب الحنابلة إلى وجوب قول: بسم الله؛ لأنها المتبادرة عند الذكر وا لإطلاق. وانظر: فتاوى السغدي (1/ 22)، ومواهب الجليل (3/ 219)، والفقه الميسر (2/ 217).
(4)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أن التسمية على الذبيحة لا تسقط عمدًا، وذهب الشافعية إلى حل الذبيحة وإن تركت التسمية عليها عمدًا، وانظر: الهداية (4/ 160)، والثمر الداني (306)، والإقناع (2/ 495)، والفقه الميسر (2/ 16).
(5)
لأن التسمية واقعة على الذبيحة نفسها، لا على السكين، فلا يضر الذبح بغيرها.
وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 463).
(6)
ذهب الحنفية إلى أن الابل تنحر ويذبح ما سواها، ولو عكس جاز وكره، وذهب المالكية إلى أنه إذا نحر ما يذبح أو ذبح ما ينحر لم تؤكل، ما لم تكن ضرورة، على أن البقر عندهم تذبح وتنحر؛ لأن لها موضعًا للذبح وموضعًا للنحر. وانظر: =
أن تذبح بآلة كالة، وأن يحدها والحيوان يبصره، وأن يوجهه إلى غير القبلة، وأن يكسر عنقه أو يسلخه قبل زهوق روحه.
وذكاة الجنين المأكول إن خرج ميتًا أو متحركًا كمذبوح بذكاة أمه
(1)
، ويستحب ذبحه، وإن كان ميتًا
(2)
، وإن خرج حيًا حياة مستقرة لم يبح إلا بذبحه.
وما ذبح فغرق أو تردى من عال أو وطئه شيء يقتله مثله لم يحل على الأصح
(3)
؛ لأن إزهاق الروح بسبب مبيح وسبب محرم فغلب التحريم.
* * *
= الهداية (4/ 165)، والثمر الداني (309)، والإقناع (2/ 494)، والفقه الميسر (2/ 17).
(1)
لأنه جزء من أجزائها، والذكاة قد أتت على جميع أجزائها. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 454).
(2)
ذهب الحنفية إلى أن الجنين إذا خرج ميتًا فإنه لا يؤكل، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى جواز أكله لأنه مذكى بذكاة أمه، وانظر: الهداية (4/ 165)، والثمر الداني (309)، والإقناع (2/ 499)، والفقه الميسر (2/ 21).
(3)
انظر: الفروع (6/ 291)، والإنصاف (10/ 423)، والمغني (9/ 303).
باب الصيد
(1)
يباح الصيد لقاصده ويكره لهوًا
(2)
، وهو أفضل مأكول، والزراعة أفضل مكتسب، وأفضل التجارة في بز، وأبغضها في رقيق وصرف، وأفضل الصناعة خياطة، وكل ما نصح فيه فهو حسن، وأدنى الصناعة: حياكة، وحجامة، وقمامة، وزبالة، ودباغة، وأشدها كراهة: صبغ وصياغة، وحدادة، وجزارة.
فمن أدرك صيدًا مجروحًا متحركًا فوق حركة المذبوح، واتسع الوقت لتذكيته لم يبح إلا بها، فإن لم يتسع بل مات في الحال، حل بأربعة شروط:
كون الصائد أهلًا للذكاة حال إرسال الآلة، فلو رماها مجوسي أو مرتد لم يحل، إن كان الصيد مما يفتقر إلى ذكاة، فأما نحو السمك فيحل مطلقًا، ومن رمى صيدًا فاثبته، ثم رماه ثانية أو رماه آخر فقتله لم يحل؛ لأنه صار مقدورًا عليه، فلا يحل إلا بذبحه.
الثاني: الآلة، وهي نوعان: ما له حد يجرح به كسهم وسكين، وجارحة معلمة ككلب غير أسود، -أما الأسود الذي لا بياض فيه، فيحرم صيده واقتناؤه ويباح قتله-، وفهد، وباز، وصقر.
(1)
الصيد لغة: مصدر صاد يصيد صيدًا فهو صائد، والصيد يطلق على المصيد: وهو ما كان ممتنعًا حلالًا لا مالك له، ويطلق على الاقتناص، انظر: المطلع (385)، والتعاريف (467).
(2)
فإن ظلم الناس بتعديه على زروعهم، ونحوها فحرام. وانظر: منار السبيل (2/ 786).
وتعليم الكلب والفهد بثلاثة أمور: بأن يسترسل إذا أرسل، وينزجر إذا انزجر، -إلا في وقت رؤية الصيد-، وإذا أمسك صيدًا لم يأكل منه، وتعليم الطير بأمرين: بأن يسترسل إذا أرسل، ويرجع إذا دعي، ويشترط لحل الصيد، أن يجرحه الجارح، فإذا قتله الجارح بصدم أو خنق لم يبح
(1)
.
الثالث: قصد الفعل: وهو أن يرسل الآلة لقصد الصيد، فإن سمى وأرسلها لا لقصد الصيد، أو لقصده ولم يره
(2)
، أو استرسل الجارح بنفسه فقتل صيدًا لم يحل.
الرابع قول: بسم الله عند إرسال الآلة، ولا تسقط هنا سهوًا على الأصح
(3)
.
ولو رمى صيدًا في الهواء، أو على نحو شجرة فسقط ميتًا حل
(4)
، ولا يضر ما حصل من وقوعه؛ لأن الموت بإصابة الجارح.
وما ليس بمحدد كالبندق
(5)
، والعصا والشبكة والفخ لا يحل ما قتل به، وإن رمى صيدًا ووقع في الماء فغرق فمات لم يحل، ومن رمى صيدًا فأصاب غيره حل، ولا يضر إن تقدمت التسمية بيسير، ولا إن تأخرت بكثير
(6)
.
(1)
وكالمعراض إذا أصاب بعرضة؛ لأنه حينئذ وقيذ، والله تعالى حرم الموقوذة. وانظر: منار السبيل (2/ 788).
(2)
بخلاف ما لو رمى صيدًا فأصاب غيره حل. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 461).
(3)
انظر: الإنصاف (10/ 419)، وكشاف القناع (6/ 213)، والمغني (9/ 292).
(4)
لأن موته بالرمي، ووقوعه في الأرض لا بد منه، فلو حرم به لأدى إلى أن لا يحل طير أبدًا. وانظر: منار السبيل (2/ 789).
(5)
البندق: الذي يرمى به، والواحدة بندقة، بضم الدال والجمع بنادق، انظر: مادة بندق في لسان العرب (10/ 29)، ومختار الصحاح (27).
(6)
في جارح، إذا زجره فانزجر عند التسمية، إقامة لذلك مقام ابتداء إرساله. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 462).
كتاب الأيمان
(1)
لا تنعقد اليمين إلا بالله تعالى، أو باسم من أسمائه، أو صفة من صفاته، كعزة الله، وقدرته، وأمانته، والخالق، وشهادة بالله، وتنعقد اليمين بالقرآن والمصحف، وبسورة منه وآية، وبالتوراة والإنجيل والزبور.
ومن حلف بمخلوق كالأنبياء والأولياء أو بالكعبة ونحوها حرم، ولا كفارة إن حنث
(2)
، ولا ما لا يعد من أسمائه كالشيء والموجود، وما لا يصرف إليه عند الإطلاق، كالحي والكريم إن نوى به الله فهو يمين وإلا فلا.
ويشترط لوجوب الكفارة خمسة أشياء: كون الحالف مكلفًا، وكونه مختارًا للحلف، وقاصدًا لليمين، فلا تنعقد ممن سبق على لسانه بلا قصد، ويسمى لغوًا، وكونها على أمر مستقبل ممكن.
فلا كفارة على ماض كاذبًا عالمًا به وهي الغموس
(3)
، فإن تعمد
(1)
الأيمان جمع يمين، واليمين: القسم، وسميت بذلك لأنهم كانوا إذا تحالفوا، ضرب كل امرئ منهم بيمينه على يمين صاحبه، واصطلاحًا: تأكيد الأمر وتحقيقه بذكر اسم الله أو صفة من صفاته، انظر: المطلع (387)، وأنيس الفقهاء (172).
(2)
لأن الكفارة وجبت صيانة لأسماء الله تعالى، وغيره سبحانه لا يساويه في ذلك، ولأن الحلف بغير الله شرك وكفارته التوحيد. وانظر: منار السبيل (2/ 792).
(3)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أن اليمين الغموس أعظم من أن تكفرها كفارة اليمين، وذهب الشافعية إلى أن كفارة اليمين الغموس كفارة =
الكذب فحرام، وإلا فلا شيء عليه، ولو قال: والله ليفعلن فلان كذا، أو لا يفعل، فلم يطعه، أو حلف على حاضر فقال: والله لتفعلن كذا يا فلان فلم يطعه، حنث الحالف وعليه الكفارة.
وإن قال: أسالك بالله، وأراد اليمين فكما قبلها، وإن أراد الشفاعة إليه فليست بيمين.
الخامس: الحنث بفعل ما حلف على تركه، أو ترك ما حلف على فعله، ولو كانا محرمين، لا إن حنث مكرهًا بفعل الحالف، أو بفعل من حلف عليه أو ناسيًا
(1)
، أو حنث جاهلًا فلا يجب عليه كفارة.
فإن كان الحالف عين وقتًا لفعله تعين، وإلا لم يحنث حتى ييأس من فعله بتلف المحلوف عليه، أو موت الحالف أو نحو ذلك
(2)
.
ومن حلف بالله لا يفعل كذا، أو ليفعلن كذا إن شاء الله، أو أراد الله، وإلا أن يشاء الله، واتصال الاستثناء لفظًا أو حكمًا كانقطاعه بنحو سعال لم يحنث فَعَل أو تَرَك، بشرط أن يقصد الاستثناء قبل تمام المستثنى منه.
ولغو اليمين كالذي يجري على لسانه بغير قصد، كقوله: لا والله وبلى والله، وكذا يمين عقدها يظن صدق نفسه فبان خلافه فلا كفارة عليه.
= يمين، وانظر: الهداية (2/ 74)، والتاج والإكليل (3/ 266)، وروضة الطالبين (3/ 11).
(1)
ذهب الحنفية والمالكية إلى أن الناسي يكفر إذا حنث كالذاكر، وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الناسي لا يحنث بفعله ما حلف عليه ناسيًا، ولا كفارة عليه، وانظر: بداية المبتدي (96)، ومواهب الجليل (3/ 308)، والإقناع (2/ 535)، والفقه الميسر (2/ 41).
(2)
لأن فعله ممكن في كل وقت فلا تحقق مخالفة اليمين إلا باليأس. وانظر: منار السبيل (2/ 793).
ويسن الحنث في اليمين إذا كان الحنث خيرًا كمن حلف على ترك مندوب، وحرم حنثه إن حلف على فعل واجب أو ترك محرم، ووجب حنثه إن حلف على فعل محرم أو ترك واجب.
ولا يلزم إبرار قسم كإجابة سؤال بالله بل يسن.
ومن حرم حلالًا سوى زوجته من أمة أو طعام أو لباس ونحوه، كقول: طعامي علي حرام لم يحرم، وعليه إن فعل كفارة يمين.
ومن قال: هو يهودي أو نصراني، أو بريء من الله تعالى، أو من الإسلام إن فعل كذا وكذا أو إن لم يفعل كذا، فقد ارتكب محرمًا، وعليه كفارة يمين بحنثه، وإن قال: عصيت الله أو محوت المصحف، أو أدخله الله النار أو هو زان أو قطع الله يديه ليفعلن ونحو ذلك فلغو.
ومن أخبر عن نفسه بأنه حلف بالله ولم يكن حلف فلا كفارة فيه على الأصح
(1)
، وإن قال: علي نذر أو يمين إن فعلت كذا، أو علي عهد الله وميثاقه فعليه كفارة يمين إن حنث.
* * *
(1)
قال الإمام أحمد رحمه الله: هي كذبة وليست عليه يمين. انظر: الإنصاف (11/ 39)، والمغني (9/ 423).
فصل: (في كفارة اليمين)
وكفارة
(1)
اليمين على التخيير بين إطعام عشرة مساكين مسلمين أحرار من جنس واحد أو أجناس
(2)
، للمسكين مد بر أو نصف صاع من غيره.
أو كسوتهم وهي للرجل ثوب يجزئه في صلاته المكتوبة، وللمرأة درع وخمار تجزئها في صلاتها فيه، أو تحرير رقبة مؤمنة.
فإن عجز عن ذلك فصيام ثلاثة أيام متتابعة وجوبًا إن لم يكن عنده نحو مرض.
ولا يكفر الرقيق بغير الصوم
(3)
، وعكسه الكافر.
وإخراج الكفارة بعد الحنث وقبله سواء
(4)
، ولو بالصوم، أما قبل الحلف فلا تجزئه.
(1)
والكفارة: ما يغطي الإثم، وقيل: الكفارة لغة: من الكفر والستر، وشرعًا: ما وجب على الجاني جبرًا لما وقع منه وزجرًا عن مثله، انظر: التعاريف (606).
(2)
ضبة تصحيحية.
(3)
لأنه لا مال له يكفر منه. وانظر: منار السبيل (2/ 796).
(4)
ذهب الحنفية إلى المنع من تقديم الكفارة على الحنث؛ لأن المسبب لا يتقدم على السبب، وذهب الجمهور: المالكية والحنابلة إلى جواز تقديم الكفارة على الحنث؛ لأن الحنث شرط لوجوب الكفارة، واليمين هي السبب، والشرط يتقدم المشروط، =
ومن حنث ولو في ألف يمين بالله ولم يكفر فكفارة واحدة، ولو على أفعال مختلفة
(1)
، كقوله: والله لا أكلت، والله لا شربت، والله لا لبست.
* * *
= وذهب الشافعية إلى جواز تقديم الكفارة على الحنث، واستحباب تأخيرها خروجًا من الخلاف مع أبي حنيفة، على أنهم نصوا أنه لا يجوز تقديم التكفير بالصيام على الحنث. وانظر: الهداية (2/ 335)، والثمر الداني (329)، وروضة الطالبين (11/ 17).
(1)
لأنها كفارات من جنس فتداخلت كالحدود من جنس وإن اختلفت محالها كما لو زنى بنساء أو سرق من جماعة. وانظر: منار السبيل (2/ 796).
فصل: (في الأيمان المحلوف بها)
ويرجع في الأيمان إلى نية الحالف إن كان غير ظالم بها، وكان لفظه يحتمل النية، فمن دعي لغداء فحلف أن لا يتغدى لم يحنث بغداء غيره إن قصده
(1)
، فإن عدمت النية يرجع إلى سبب اليمين وما هيجها
(2)
، فمن حلف ليقضين زيدًا حقه غدًا فقضاه حقه اليوم لم يحنث، إذا اقتضى السبب أنه لا يتجاوز غدًا، وإن حلف أن لا يبيعه إلا بمائة، لم يحنث إلا إذا باعه بأقل منها، وإن حلف أن لا يشرب له الماء من عطش، ونيته أو السبب قطع منته، حنث بأكل خبزه وكل ما فيه منة، ولو حلف لا يدخل دار فلان، وقال: نويت اليوم قبل حكمًا، ومن حلف أن لا يأكل تمرًا لحلاوته حنث بكل حلو، ومن حلف لا يدخل بلد كذا لظلم رآه فيها، فزال الظلم ودخلها لم يحنث.
فإن عدمت النية والسبب رجع إلى التعيين
(3)
، فمن حلف أن لا يدخل دار فلان هذه، ودخلها وقد باعها أو هي فضاء أو مسجد، أو حلف لا يلبس هذا القميص فلبسه وهو رداء، أو حلف لا أكلم امرأة فلان هذه فزال
(1)
لأن قرينة حاله دالة على إرادة الخاص. وانظر: منار السبيل (2/ 797).
(2)
لدلالة ذلك على النية. وانظر: منار السبيل (2/ 797).
(3)
لأنه أبلغ من دلالة الاسم على مسماه، لنفية الإبهام بالكلية. وانظر: منار السبيل (2/ 798).
ذلك، أو لا آكل هذا اللبن فصار جبنًا ثم أكله، ولا نية ولا سبب حنث في الجميع.
فإن عدمت النية والسبب والتعيين رجع إلى ما تناوله الاسم
(1)
، وهو ثلاثة: شرعي فعرفي فلغوي، فاليمين المطلقة تنصرف إلى الشرعي، وتتناول الصحيح منه؛ لأنه المتبادر عند الإطلاق، إلا الحج والعمرة فيتناول الصحيح والفاسد منهما، فمن حلف لا ينكح أو لا يبيع أو لا يشتري فعقد عقدًا فاسدًا لم يحنث، والشركة والتولية
(2)
والسلم والصلح على مال شراء، لكن لو قيد الحالف يمينه بممتنع الصحة كحلفه لا يبيع الخمر، ثم باعه حنث
(3)
، والحلف على الماضي والمستقبل في جميع ذلك سواء.
فإن عدم الشرعي فالأيمان مبناها (على) العرف، فمن حلف لا يطأ امرأته حنث بجماعها، أو لا يطأ دارًا، أو لا يضع قدمه في دار فلان، حنث بدخولها ولو راكبًا
(4)
، ولو حلف أن لا يدخل بيتًا حنث بدخول المسجد والحمام وبيت الشعر، ولا يحنث بدخول صفة الدار
(5)
ودهليزها
(6)
، ومن حلف أن لا يضرب فلانة فخنقها أو نتف شعرها أو عضها حنث، لكن لو عضها للتلذذ ولم يقصد إيلامها لم يحنث، ومن حلف لا يشم الريحان فشم ورداً أو نرجسًا، أو لا يشم وردًا فشم دهنه أو ماءه حنث، فإن عدم العرف
(1)
لأنه مقتضاه، ولا صارف عنه. وانظر: منار السبيل (2/ 798).
(2)
التولية في البيع: أن تشتري سلعة بثمن معلوم، ثم توليها رجلًا آخر، بذلك الثمن، وتكون التولية مصدرًا، كقولك: وليته، انظر: مادة ولي في لسان العرب (15/ 141).
(3)
لتعذر الصحيح، فتنصرف اليمين، إلى ما كان على صورته. وانظر: منار السبيل (2/ 799).
(4)
لأن ظاهر الحال، أن القصد امتناعه من دخولها. وانظر: منار السبيل (2/ 799).
(5)
صفة الدار: من الصف وهو واحد الصفوف، وصفة الدار واحدة الصفف، انظر: مادة صفف في مختار الصحاح (153).
(6)
الدهليز، ويقال: الدليج بالكسر وتشديد اللام، ما بين الباب والدار، فارسي معرب، انظر: مادة دهلز في لسان العرب (5/ 349)،
رجع إلى اللغة، فمن حلف أن لا يأكل لحمًا حنث بكل لحم كلحم سمك وميتة وخنزير، لا بالشحم والكبد والكرش والقلب والأكارع ورأس ولسان
(1)
، ومن حلف لا يأكل لبنًا حنث ولو بلبن آدمية ولو رائبًا، لا إن أكل زبدًا أو كشكًا
(2)
أو مصلًا
(3)
، ولا يأكل رأسًا ولا بيضًا حنث بكل رأس وبيض، حتى رأس الجراد وبيضه، أو لا يأكل فاكهة حنث بكل ما يتفكه به، حتى البطيخ، وكل ثمر شجر غير بزره، كبلح وعنب وتوت وبندق، لا بأكل القثاء والزيتون والكرنب
(4)
(5)
، ومن حلف لا يتغدى، فأكل بعد الزوال، أو لا يتعشى فأكل بعد نصف الليل، أو لا يتسحر فأكل قبله لم يحنث، ومن حلف لا يأكل من هذه الشجرة حنث بأكل ثمرتها فقط، ولو كانت في إناء، أو لا يأكل من هذه البقرة حنث بأكل كل شيء منها، لا من لبنها وولدها، ومن حلف أن لا يدخل دار فلان حنث بملكه وما استأجره، لا بما استعاره، ومن حلف لا كلمت فلانًا فكاتبه أو راسله حنث على الأصح
(6)
، ما لم ينو مشافهته، فإذا ارتج في صلاة ففتح عليه الحالف، وهو مؤتم به لم يحنث، ومن حلف لا ملك له لم يحنث بدين
(1)
لأن إطلاق اسم اللحم لا يتناول شيئًا من ذلك. وانظر: منار السبيل (2/ 800).
(2)
كشك: هذا المعروف الذي يعمل من ماء القمح أو اللبن، يقول النووي: ولم أره في شيء من كتب اللغة ولا في المعرب، وهي لفظة أعجمية غير عربية، انظر: المطلع (389)، وتحرير ألفاظ التنبيه (280).
(3)
مصل: بفتح الميم، شيء يتخذ من ماء اللبن، فإن أرادوا أقطًا أو غيره، جعلوا اللبن في إناء من صدف أو خوص أو كرباس، فتنعزل مائيته منه فهو المصل، انظر: تحرير ألفاظ التنبيه (280).
(4)
الكرنب أو الملفوف: لونه أبيض مخضر، غنية بالألياف ومفيدة ومنظفة للقناة الهضمية، وتوصف لمرضى القرحة المعدية والأمعاء والتهابات القولون، انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(5)
الجزر: يستفاد من جذره الذي في التربة، وله عدة ألوان: أرجواني وأرجواني محمر وأصفر، وكلما كان الجزر أكثر احمرارًا دل ذلك على زيادة محتواه من مادة الكاروتين التي يحتاج إليها الجسم. انظر: موسوعة ويكيبيديا العربية على الشبكة العالمية الإلكترونية.
(6)
انظر: الإنصاف (11/ 63)، ومنتهى الإرادات (5/ 243).
له
(1)
، ومن حلف لا مال له حنث بالدين وبمال غير زكوي
(2)
، ومن حلف أن لا يسكن هذه الدار أو ليخرجن منها، لزمه الخروج منها بنفسه وأهله ومتاعه المقصود، فإن أقام فوق زمن يمكنه الخروج فيه عادة حنث، فإن لم يجد مسكنًا ينتقل إليه
(3)
، أو أبت زوجته الخروج معه، ولا يمكنه إجبارها، فخرج وحده لم يحنث
(4)
، وكذا حكم البلد، إلا أنه يبر بخروجه منها
(5)
وحده، إذا حلف ليخرجن منها، ولا يحنث في الجميع بالعود، ما لم تكن نيته، أو هناك سبب يقتضي التأبيد، والسفر القصير سفر يحنث به من حلف لا يسافر، وكذا النوم اليسير نوم، ومن حلف لا يستخدم فلانًا فخدمه وهو ساكت حنث
(6)
، وفعل الوكيل كالموكل، فإن حلف لا يبيع زيدًا فباع من يعلم أنه يشتريه له حنث، إلا أن ينوي مباشرته بنفسه، وإن حلف لا يأكل أدمًا حنث بالبيض والخل والملح ونحوه.
وإن حلف على نفسه أو غيره ممن يمتنع بيمينه، ويقصد منعه كالزوج والولد أن لا يفعل شيئًا ففعله ناسيًا أو جاهلًا حنث في الطلاق والعتاق فقط
(7)
، دون اليمين بالله والنذر والظهار
(8)
، وإن حلف على ما (من) لا يمتنع بيمينه، كالأجنبي لايفعل شيئًا ففعل حنث مطلقًا
(9)
.
(1)
لاختصاص الملك بالأعيان المالية، والدين إنما يتعين الملك فيما يقبضه منه. وانظر: منار السبيل (2/ 802).
(2)
لأنه مال تجب فيه الزكاة، ويصح التصرف فيه بالإبراء والحوالة. وانظر: منار السبيل (2/ 802).
(3)
فأقام أيامًا في طلب النقلة، لم يحنث؛ لأن إقامته لدفع الضرر لا للسكنى. وانظر: منار السبيل (2/ 802).
(4)
لوجود مقدوره من النقلة. وانظر: منار السبيل (2/ 802).
(5)
لأنه صدق عليه أنه خرج منه، بخلاف الدار فإنه صاحبها يخرج من اليوم مرات.
وانظر: منار السبيل (2/ 802).
(6)
لأن إقراره على خدمته استخدام له. وانظر: منار السبيل (2/ 803).
(7)
لأنه حق آدمي، فلم يعذر فيه بالنسيان والجهل. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 493).
(8)
لأنها حق الله تعالى، وقد رفع الله عن هذه الأمة المؤاخذة بالخطأ والنسيان.
وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 494).
(9)
لفعل المحلوف عليه.
باب النذر
(1)
وهو مكروه ولو عبادة؛ لأنه لا يرد قضاء ولا يأتي بخير.
ولا يصح إلا بالقول من مكلف مختار
(2)
.
وأنواعه المنعقدة ستة:
أحدها: النذر المطلق، كقوله: لله علي نذر، فيلزمه كفارة يمين، كما قال: علي نذر إن فعلت كذا ثم فعله.
الثاني: نذر لجاج
(3)
وغضب، وهو تعليقه بشرط بقصد المنع من شيء أو الحمل عليه، كإن كلمتك فعلي حج، أو إن لم أعطك كذا، أو إن هذا كذا، فيخير بين الفعل الذي أراده، وبين كفارة يمين
(4)
، ولا يضره
(1)
النذر لغة: النحب وهو ما ينذره الإنسان فيجعله على نفسه نحبًا واجبًا وجمعه نذور. واصطلاحًا: التزام مسلم مكلف قربة باللفظ منجزًا أو معلقًا غايته حصوله، انظر: مادة نذر في لسان العرب (5/ 200)، والتعاريف (694)، والمطلع (392).
(2)
ذهب الحنفية والمالكية والشافعية إلى أن النذر لا ينعقد من كافر، وذهب الحنابلة إلى أن نذر الكافر ينعقد ويقضيه إذا أسلم، وانظر: بدائع الصنائع (5/ 82)، والقوانين الفقهية (112)، والإقناع (2/ 540)، والفقه الميسر (2/ 47).
(3)
اللجاج: من لججت بالكسر، والملاجة التمادي في الخصومة، والتلجلج التردد في الكلام، انظر: مادة لجج في لسان العرب (2/ 354)، ومختار الصحاح (247).
(4)
إذا وجد الشرط، وإن قصد لزوم الجزاء عند الشرط، لزمه مطلقًا. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 499).
لو قال: على مذهب من يلزم بذلك.
الثالث: نذر فعل مباح
(1)
، كقوله: لله علي أن ألبس ثوبي، فيخير أيضًا بين أن يلبس ثوبه وكفارة يمين.
الرابع: نذر شيء مكروه، كطلاق وأكل ثوم، فيسن أن يكفر ولا يفعله
(2)
، فإن فعله فلا كفارة عليه.
الخامس: نذر معصية كشرب خمر فيحرم الوفاء، ويكفر من لم يفعله كفارة اليمين.
السادس: نذر تبرر
(3)
كصلاة وصيام ولو واجبين، واعتكاف وصدقة وحج وعمرة، وعيادة مريض بقصد التقرب، ولو معلقًا بشرط كحصول نعمة يرجوها أو دفع نقمة، فهذا يجب الوفاء به ولو قبل وجود شرطه.
والنذر للقبور أو لأهلها نذر معصية، لا يجوز الوفاء به، وإن تصدق بما نذره من ذلك على الفقراء، كان خيرًا له عند الله وأنفع، ومن نذر إسراج بئر أو مقبرة أو شجرة أو نذر له أو لسكانه لم يجز، ويصرف في المصالح ما لم يعرف مالكه، وفي لزوم الكفارة خلاف
(4)
(5)
.
ومن نذر صوم شهر معين لزمه صومه متتابعًا
(6)
، فإن أفطر لغير عذر
(1)
ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية إلى عدم انعقاد النذر المباح، لعدم وصف القربة فيه، لاستواء الفعل والترك، وانظر: بدائع الصنائع (5/ 86)، وشرح الزرقاني (3/ 81)، ومغني المحتاج (4/ 357)، والفقه الميسر (2/ 51).
(2)
لأن ترك المكروه أولى من فعله. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 500).
(3)
التبرر: طلب البر والإحسان، انظر: مادة برر في النهاية (116).
(4)
ذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه يجب على من نذر معصية أن يكفر كفارة يمين، وذهب المالكية والشافعية إلى أنه لا كفارة على من نذر نذر معصية، وعليه أن يستغفر الله تعالى. وانظر: تحفة الفقهاء (2/ 339)، والثمر الداني (331)، والإقناع (2/ 541)، والفقه الميسر (2/ 52).
(5)
نص محققو المذهب على أن من نذر معصية فتلزمه كفارة اليمين، انظر: الفروع (6/ 359)، والإنصاف (11/ 125)، والكافي (4/ 419)، والمغنى (9/ 408).
(6)
لأن إطلاقه يقتضي التتابع. وانظر: منار السبيل (2/ 806).
حرم، ولزمه استئناف الصوم، مع كفارة اليمين لفوات المحل، ولا يجزئه صومه قبل مجيء الشهر المعين، وإن أفطر منه يومًا فأكثر لعذر مضى، ويكفر لفوات التتابع، ولو نذر شهرًا مطلقًا من غير تعيين لزمه التتابع، فإن أفطر لغير عذر استأنفه بلا كفارة
(1)
، ولعذر خُيّر بين استئنافه ولا شيء عليه وبين البناء ويكفر، وإن نذر صلاة فركعتان، ولمن نذر صلاة جالسًا أن يصليها قائمًا، ومن نذر الصدقة بماله كله فيجزئه قدر ثلثه ولا كفارة عليه، وإن نذر أكثر من الثلث أجزأه الثلمث
(2)
، وقطع في المنتهى بلزوم الصدقة بما سماه ولو زاد على الثلث
(3)
.
ومن نذر صوم أيام معدودة لم يلزمه التتابع، إلا بشرط أو نية، ومن نذر صوم الدهر لزمه، فإن أفطر كفر فقط بغير صوم، ولا يدخل فيه رمضان، ولا يوم نهي
(4)
، ويكفر مع صوم نحو ظهار
(5)
.
ومن نذر صوم يوم خميس فوافق عيدًا أفطر وقضى وكفر
(6)
، وإن نذر صوم بعض يوم لزمه يوم، ومن نذر صوم يوم عيد حرم الوفاء، وكفر عنه وقضاه، ومن نذر صوم يوم حيض أو ليلة العيد لم ينعقد.
* * *
(1)
ليتدارك ما تركه من التتابع المنذور بلا عذر. وانظر: منار السبيل (2/ 807).
(2)
انظر: الإنصاف (11/ 96).
(3)
انظر: منتهى الإرادات (5/ 254).
(4)
لأن الزمن مستغرق للصوم المنذور. وانظر: حاشية الروض المربم (7/ 505).
(5)
أي: ويصام لظهار ونحوه، كالوطء في نهار رمضان وكفارة القتل، من الدهر المنذور صومه، كقضاء رمضان. وانظر: حاشية الروض المربم (7/ 505).
(6)
الفطر لتحريم الصيام، والقضاء لانعقاد النذر، والتكفير لفوات المحل. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 505).
كتاب القضاء
(1)
وهو فرض كفاية، ويلزم الإمام أن ينصب في كل إقليم قاضيًا
(2)
، ويختار أفضل من يجد علمًا وورعًا، ويأمره بالتقوى والعدل.
وتصلح ولاية القضاء والإمارة منجزة ومعلقة بشرط، كإن مات فلان فقد وليت فلانًا موضعه.
وشرط صحة التولية: أن تكون من إمام أو نائبه في القضاء، وأن يعرف الإمام أو نائبه صلاحية المولى للقضاء، وأن يعين له ما يوليه فيه للحكم من عمل وبلد.
والتولية مشافهة، أو مكاتبة بشهادة عدلين عليها أو استفاضتها، لا عدالة إمام، وألفاظ التولية الصريحة: وليتك الحكم أو قلدتك، أو فوضت أو جعلت إليك الحكم، أو استخلفتك أو استنبتك في الحكم.
والكناية: نحو اعتمدت عليك أو وكلت، أو أسندت إليك، ويشترط فيها قرينة نحو فاحكم
(3)
، ويقبل المولى أو يشرع في العمل.
(1)
القضاء: الحكم والجمع الأقضية، واصطلاحًا: إلزام على الغير ببينة أو إقرار، انظر: مادة قضى في لسان العرب (15/ 168)، ومختار الصحاح (226)، والتعاريف (585)، وأنيس الفقهاء (227).
(2)
لأنه لا يمكن أن يباشر الخصومات بنفسه، فوجب أن ينيب من ينوب عنه، لئلا تضيع الحقوق. وانظر: منار السبيل (2/ 809).
(3)
لأن هذه ألفاظ تفيد التولية وغيرها، فلا تنصرف إلى التولية إلا بقرينه تنفي الاحتمال. وانظر: منار السبيل (2/ 810).
وتفيد ولاية الحكم العامة فصل الخصومات، وأخذ الحق ممن يجب عليه، ودفعه لمستحقه، والنظر في مال اليتيم والمجنون، والسفيه والغائب إن لم يقم لهم قيم، والحجر لسفه أو فلس، والنظر في الأوقاف لتجري على شروطها، وتنفيذ الوصايا وتزويج من لا ولي لها، وتصفح حال الشهود والأمناء، وإقامة الحدود، وإمامة جمعة وعيد ما لم يخصا بإمام، وجباية خراج وزكاة ما لم يخصا بعامل، وليس له محاسبة الباعة ولا إلزامهم بالشرع
(1)
، وله طلب رزق من بيت المال، لنفسه وأمنائه وخلفائه، ولو مع عدم الحاجة
(2)
، ولا ينفذ حكم في غير محل عمله.
ويجوز أن يوليه خاصًا بعمل وببلد، وعامًا فيهما أو في أحدهما، كأن يوليه الأنكحة بمصر أو سائر البلاد، ومن يأخذ من بيت المال، لا يأخذ أجرة لفتياه ولا لخطه.
ويشترط في القاضي عشر صفات: كونه بالغًا عاقلًا ذكرًا، حرًا مسلمًا عدلًا، ولو تائبًا من قذف
(3)
، سميعًا، بصيرًا، متكلمًا، مجتهدًا، ولو في مذهبه المقلد فيه إمامًا من الأئمة، وتعتبر هذه الشروط حسب الإمكان.
ولا يشترط أن يكون كاتبًا أو ورعًا
(4)
أو زاهدًا، أو يقظًا أو حسن الخلق، والأولى كونه كذلك.
وإذا حكَّم اثنان فأكثر بينهما رجلًا يصلح للقضاء فحكم بينهما نفذ
(1)
لأن العادة لم تجر بهذا، إذ يتولى هذا المحتسبون، لكن إن تخاصموا في صحة البيع وفساده فله النظر في ذلك. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 514).
(2)
لأن الخلفاء رضي الله عنهم، كانوا يفرضون لمن يلي القضاء، ولو لم يفرض لهم لتعطلت وضاعت الحقوق. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 516).
(3)
فلا يجوز تولية الفاسق، ولا من فيه نقص يمنع قبول شهادته. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 517).
(4)
بل ينبغي أن يكون ورعًا، فالولاية لها ركنان: القوة والأمانة، فالقوة ترجع إلى العلم بالعدل، والأمانة ترجع إلى خشية الله تعالى. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 520).
حكمه في المال والحدود واللعان وغيرها، لكن لكل من المتحاكمين الرجوع عن تحكيمه قبل شروعه في الحكم، وحكمه يرفع الخلاف، فلا يحل لأحد نقضه حيث أصاب الحق، ولا تشترط الصفات العشرة في المحكم.
ويسن كون الحاكم قويًا بلا عنف، لينًا بلا ضعف، حليمًا ذا أناة
(1)
وتؤدة
(2)
، وذا فطنة، عفيفًا، بصيرًا بأحكام الحكام قبله.
ويدخل يوم الإثنين أو الخميس أو السبت، ولا يتطير وإن تفاءل فحسن، ومجلسه وسط البلد فسيحًا
(3)
، ولا يكره القضاء في الجامع، ولا يتخذ حاجبًا ولا بوابًا بغير عذر
(4)
.
ويجب أن يعدل بين الخصمين في لحظه ولفظه، ومجلسه ودخولهما عليه، إلا مسلماَ مع كافر فيقدم دخولًا ويرفع جلوسًا، وإن سلم أحدهما رد، ولا ينتظر سلام الآخر، ويحرم أن يلقن أحدهما حجته، أو يضيفه أو يعلمه كيف يدعي، إلا أن يترك ما يلزمه ذكره في الدعوى
(5)
، ويسن أن يحضر مجلسه فقهاء المذاهب، وأن يشاورهم فيما يشكل عليه.
ويحرم القضاء في حال غضبه أو شدة جوع أو عطش، أو وهو حاقن
(1)
الأناة: التؤدة والحلم والوقار، انظر: مادة أنى في لسان العرب (14/ 48)، ومختار الصحاح (12).
(2)
التؤدة: التأني والتمهل والرزانة، ويقال: اتئد في أمرك، أي: تثبت، انظر: مادة وأد في لسان العرب (3/ 443).
(3)
ليستوي أهل البلد في الوصول إليه.
(4)
لأن الحاجب ربما قدم المتأخر، وأخر المتقدم لحاجة في نفسه. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 526).
(5)
كشرط عقد وسبب إرث، فله أن يسأل عنه ضرورة تحريرًا للدعوى، وأكثر الخصوم لا يعلمه، وليتضح للقاضي وجه الحكم. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 527).
أو كسل، أو ملل أو هم أو نعاس، أو برد مؤلم أو حر مزعج
(1)
، فإن حكم في حال من هذه الأحوال فأصاب الحق نفذ.
ويحرم عليه قبول رشوة، وكذا هدية، إلا إن كانت ممن كان يهاديه قبل ولايته، ويكره بيعه وشراؤه، إلا بوكيل لا يعرف به، ويستحب ألا يحكم إلا بحضرة الشهود
(2)
.
ولا ينفذ حكمه لنفسه، ولا لمن لا تقبل شهادته له، ولا على عدوه فإن عرضت أو لأحد حكومة تحاكما إلى بعض خلفائه، وإن حكم بالجهل حرم عليه ولا يصح، ولو أصاب.
ويباح له أن يتخذ كاتبًا يكتب الوقائع، يكون مسلمًا مكلفًا عدلًا
(3)
، وأعوانه شيوخًا أو كهولًا، من أهل الدين والعفة.
ولا ينقض حكمه إلا ما خالف نص كتاب الله وسنته، كقتل مسلم بكافر
(4)
.
ومن طلب منه حضور مخدرة
(5)
لم يحضرها، وأمرها بالتوكيل، فإن لزمها يمين أرسل من يحلفها مع شاهدين وكذا المريض.
وإذا حضر إليه خصمان، وسبق أحدهما بالدعوى قدمه، وإن ادعيا معًا أقرع بينهما، وبعده يدعي الآخر إن أراد، ويشترط كون الدعوى بشيء
(1)
لأن ذلك كله يشغل الفكر، الذي يتوصل به إلى الحق في الغالب، فهو في معنى الغضب.
(2)
ليستوفي بهم الحق، وتثبت بهم الحجج والمحاضر. وانظر: حاشية الروض المربع (2/ 816).
(3)
لأن الكتابة موضع أمانة، فاشترط لها العدالة.
(4)
وجعل من وجد عين ماله عند مفلس أسوة الغرماء فينقض؛ لأنه لم يصادف شرطه، إذ شرط الاجتهاد عدم النص، ولتفريطه بترك الكثاب والسنة. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 533).
(5)
مخدرة: جارية مخدرة إذا ألزمت الخدر ويقال: مخدورة. والخدر: خشبات تنصب فوق قتب البعير مستورة بثوب، وهو الهودج، وهودج مخدور، أي: ذو خدر.
انظر: مادة خدر في لسان العرب (4/ 231)، وفي مختار الصحاح (72).
معلوم، إلا في وصية بمجهول أو إقرار وخلع على مجهول، وكونها منفكة عما يكذبها
(1)
، وإن كانت بعين اشترط حضورها بالمجلس، لتعين بالإشارة فإن كانت غائبة عن البلد، أو تالفة وصفها كصفات السلم، فإن أتم المدعي دعواه، فإن أقر خصمه بما ادعاه، أو اعترف بسبب الحق، وادعى البراءة منه لم يلتفت لقوله، بل يحلف المدعي، على نفي ما ادعاه المدعى عليه، ويلزمه بالحق، إلا إن يقيم بينة ببراءته منه، ويمهل ثلاثة أيام، فإن عجز حلف المدعي على بقاء حقه، وإن أنكر الخصم ابتداء، بأن قال: لا يستحق علي شيئًا مما ادعاه، قال الحاكم للمدعي: هل لك بينة؟ فإن قال: نعم، قال له: إن شئت فأحضرها، فإذا أحضرها وشهدت سمعها، وحكم بها إذا اتضح له الأمر
(2)
، وسأله المدعي، وحرم عليه ترديدها
(3)
.
ولا يحكم القاضي بعلمه ولو في غير حد
(4)
.
وإن قال المدعي: ما لي بينة، أعلمه الحاكم أن له اليمين على خصمه على صفة جوابه، فإن سأل المدعي إحلافه أحلفه وخلى سبيله، ولا يعتد بيمينه قبل مسألة المدعي وأمر القاضي له.
وإن نكل قضى عليه بالنكول
(5)
، ولا تكون اليمين مزيلة للحق، فلو أحضر المدعي بينة عليه حكم بها، إن لم يكن قال: لا بينة لي، وإلا لم تسمع
(6)
.
(1)
فلا يصح الدعوى على شخص أنه قتل من عشرين سنة وسنه دونها. وانظر: منار السبيل (2/ 817).
(2)
ضبة تصحيحية.
(3)
وانتهارها وتعنتها، وطلب زلتها وزجرها، لئلا يكون وسيلة إلى الكتمان. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 542).
(4)
لأن تجويز القضاء بعلم القاضي، يفضي إلى تهمته، وحكمه بما يشتهي. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 542).
(5)
فإنه لولا صدق المدعي لدفع المدعى عليه دعواه باليمين، فلما نكل عنها كان نكوله قرينة ظاهرة دالة على صدق المدعى، فتقدمت على أصل براءة الذمة.
وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 545).
(6)
لأنه مكذب لها. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 546).
ويعتبر في البينة العدالة ظاهرًا وباطنًا، ولو لم يطعن فيها الخصم، ولا تشترط باطنًا في عقد نكاح.
وللحاكم أن يعمل بعلمه فيما أقر به في مجلس حكمه، وفي عدالة البينة وفسقها
(1)
، فإن ارتاب منها فلا بد من المزكين لها، فإن طلب المدعي من الحاكم حبس غريمه، حتى يأتي بمن يزكي بينته أجابه، وانتظره ثلاثة أيام.
فإذا أتى بالمزكين اعتبر معرفتهم لمن يزكونه، بالصحبة والمعاملة والجوار، ويكفي في تزكية الشاهد عدلان، وتقدم بينة الجرح.
فإن ادعى الغريم فسق المزكين، أو فسق البينة المزكاة، وأقام بذلك بينة سمعت، وبطلت الشهادة، ولا يقبل في النساء تعديل ولا تجريح.
ولا يقبل الجرح إلا مفسرًا، بما يقدح في العدالة عن رؤية، فيقول: أشهد أني رأيته يشرب الخمر مثلًا، أو يعامل الناس بالربا، أو عن استفاضة فلا يكفي أنه ليس بعدل، لكن يعرض جارح بزنا، لئلا يجب عليه الحد، وحيث ظهر فسق بينة المدعي سقطت.
وحكم الحاكم يرفع الخلاف، لكن لا يزيل الشيء عن صفته باطنًا، فمتى حكم للمدعي ببينة زور بزوجية امرأة ووطء مع العلم بأنها ليست زوجته باطنًا فكالزنا
(2)
، يجب عليه الحد بذلك في الأصح
(3)
، ويصح أن
(1)
لئلا يتسلسل، لاحتياجه إلى معرفة المزكين أو جرحهم، ثم يحتاجون أيضًا إلى مزكين. وانظر: منار السبيل (2/ 819).
(2)
ويجب عليها الامتناع عنه ما أمكنها، فإن أكرهها فالإثم عليه دونها. وانظر: منار السبيل (2/ 821).
(3)
انظر: الإنصاف (11/ 313)، والفروع (6/ 426)، وكشاف القناع (6/ 358).
تتزوج غيره.
وإن باع حنبلي متروك التسمية عمدًا فحكم بصحته شافعي نفذ، ومن قلد مجتهدًا في نكاح مختلف فيه صح، ولم يفارقها بتغيير اجتهاده، كالحكم بذلك
(1)
.
* * *
(1)
أي: كما لو حكم له حاكم مجتهد، بصحة نكاح فتغير اجتهاده، فلا يفارق زوجته.
وانظر: منار السبيل (2/ 822).
فصل: (في القضاء على الغائب وكتاب القاضي إلى القاضي)
وتصح الدعوى بحقوق الآدميين على الميت وغير المكلف، وعلى الغائب مسافة القصر وكذا دونها، إذا كان مستترًا بشرط البينة في الكل، ثم بعد تكليف غير المكلف وحضور الغائب إن جرح البينة بأمر بعد أداء الشهادة أو أطلق ولم يقل قبل الشهادة لم يقبل جرحه، فإن جرحها قبل الحكم، قبل تجريحه وبطل الحكم.
فإن كان دون مسافة قصر ظاهرًا لم تسمع عليه الدعوى حتى يحضر
(1)
، إلا أن يمتنع من الحضور فيسمعها، ثم إن وجد له مال وفى منه، دالا قال للمدعي: إن عرفت له مالًا وثبت عندي وفيتك منه.
ويصح أن يكتب القاضي الذي ثبت عنده الحق من قرض، وغصب وبيع، وإجارة، ورهن، ووصية بمال، ونكاح، وطلاق، وكل ما فيه حق آدمي
(2)
إلى قاض آخر معين أو غير معين، بصورة الدعوى الواقعة
(1)
لأنه يمكن سؤاله، فلم يجز الحكم عليه قبله إلا أن يمتنع الحاضر بالبلد، أو الغائب دون مسافة قصر عن الحضور، فتسمع الدعوى عليه والبينة. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 557).
(2)
لا في حد؛ لأن حقوق الله تعالى مبنية على الستر، والدرء بالشبهات. وانظر: منار السبيل (2/ 823).
على الغائب، بشرط أن يقرأ ذلك على عدلين عارفين معناه ثم يدفعه لهما
(1)
، ويقول فيه: وأن ذلك ثبت عندي، فتأخذ الحق للمستحق.
ويلزم القاضي الواصل إليه العمل به، فيحضر الخصم، فإن قال: ما أنا هذا المدعى عليه المذكور، قبل قوله بيمينه، فإن نكل قضي عليه، وإن أقر بالاسم والنسب أو ثبت ببينة، فقال: المحكوم عليه غيري، لم يقبل منه إلا ببينة تشهد أن بالبلد آخر، كذلك ولو ميتًا، فيتوقف حتى يعلم الخصم.
* * *
(1)
لأن ما أمكن إثباته بالشهادة لم يجز الاقتصار فيه على الظاهر، كالعقود. وانظر: منار السبيل (2/ 823).
فصل: (بيان ما تصح به الدعوى)
وإن ادعى عقد نكاح أو عقد بيع أو نحوهما، فلا بد من ذكر شروطه، وإن ادعى استدامة الزوجية لم يشترط ذكر شروط العقد
(1)
، وإن ادعت امرأة نكاح رجل لطلب نفقة أو مهر ونحوهما سمعت دعواها؛ لأنها تدعي حقًا لها، وإن لم تدع سوى النكاح لم تسمع؛ لأن النكاح حق الزوج عليها، وإن ادعى الإرث ذكر سببه، ولا يقبل في حدود الله كتاب قاض إلى قاض، كحد الزنا.
ويقبل كتاب القاضي فيما حكم به لينفذه المكتوب إليه به، ولا يقبل فيما ثبت عنده ليحكم المكتوب إليه به، إلا أن يكون بينهما مسافة قصر فأكثر؛ لأنه نقل شهادة إلى المكتوب إليه، فلم يجز مع القرب، كالشهادة على الشهادة.
ويجب على من يصلح للقضاء، ولم يوجد غيره ممن يوثق به أن يدخل فيه، إن لم يشغله عما هو أهم منه، ويحرم بذل المال فيه وأخذه وطلبه، وفيه مباشر أهل.
* * *
(1)
لأنه لم يدع العقد، وإنما يدعي خروجها من طاعته. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 549).
باب القسمة
(1)
وهي نوعان:
قسمة تراض وقسمة إجبار، فلا قسمة في مشترك، إلا برضا الشركاء كلهم، حيث كان في القسمة ضرر
(2)
، ولو على بعض الشركاء، كحمام ودار صغيرين، وشجر مفرد، وأرض ببعضها بئر أو بناء، وحيث تراضوا صحت القسمة، وكانت بيعًا، يثبت فيها ما يثبت فيه من الأحكام
(3)
، وإن لم يتراضوا، فدعا أحدهم الآخر إلى البيع أجبره إن امتنع فإن أبى بيع عليهم، وقسم الثمن بينهم على قدر حصصهم.
ولا إجبار في قسمة المنافع
(4)
على الأصح
(5)
، فإن اقتسموها مهايأة بالزمن كهذا شهر وهذا شهر ونحوه، أو مهايأة بالمكان كسكنى هذا في بيت
(1)
القسمة: من قسم الشيء فانقسم، وقاسمه المال تقاسماه، وأصل القسمة تمييز بعض الأنصباء عن بعض وفرزها عنها، واصطلاحًا: تمييز الحقوق الشائعة بين المتقاسمين، انظر: مادة قسم في مختار الصحاح (223)، وأنيس الفقهاء (272)، والمطلع (401).
(2)
نقص القيمة بالقسمة.
(3)
من خيار مجلس وغبن ورد بعيب؛ لأنها معاوضة. وانظر: منار السبيل (2/ 824).
(4)
بأن ينتفع أحدهما بمكان والآخر بآخر؛ لأنها معاوضة فلا يجبر عليها الممتنع، كالبيع. وانظر: منار السبيل (2/ 825).
(5)
انظر: الإنصاف (11/ 341)، والفروع (6/ 441)، والمبدع (10/ 125)، وكشاف القناع (6/ 374).
والآخر في بيت صح ذلك جائزًا غير لازم، ولكل منهم الرجوع متى شاء، ولو رجع بعد استيفاء نوبته غرم ما انفرد به.
ولا تجوز قسمة الأملاك التي لا تنقسم إلا بضرر ولو على بعض الشركاء، أو لا تنقسم إلا برد عوض من أحدهم إلى غيره إلا برضا جميع الشركاء، فإن طلب أحدهم البيع أجيب إليه.
النوع الثاني: قسمة إجبار، وهي ما لا ضرر فيها على أحد الشركاء، وليس فيها رد عوض من أحدهم، وتأتي في كل مكيل وموزون، وكالدور الكبيرة والأرض الواسعة إذا أمكن قسمتها ولو بتعديل من غير إدخال شيء معها، ويدخل الشجر في قسمتها تبعًا للأرض
(1)
، فإذا طلب الشريك قسمتها، أجبر الآخر عليها إن امتنع.
ويقسم عن غير المكلف وليه، ويقسم حاكم عن غائب من الشركاء، بطلب شريكه
(2)
، ومن دعا شريكه في بستان إلى قسمة شجره فقط لم يجبر
(3)
، وإلى قسمة أرضه أجبر، ودخل الشجر تبعًا.
ويشترط لحكم الحاكم بالإجبار على القسمة أن يثبت عنده ملك الشركاء لذلك المقسوم بالبينة، وأن لا ضرر فيها، وإمكان تعديل السهام في العين المقسومة من غير شيء يجعل فيها، وإلا لم يجبر الممتنع.
ويصح أن يتقاسموا بأنفسهم، وأن ينصبوا قاسمًا
(4)
بينهم، فإن عينه الحاكم اشترط إسلامه، وتكليفه، وعدالته، ومعرفته بالقسمة، وإن كان القاسم كافرًا أو فاسقًا لم تلزم إلا بتراضيهم بها، وأجرته بينهم على قدر
(1)
وهذا النوع ليس بيعًا، بل إفراز للنصيبين، وتمييز للحقين، فيصح قسم لحم هدي وأضحية، ولا يصح بيع شيء منها. وانظر: منار السبيل (2/ 825).
(2)
لأنها حق عليه فجاز الحكم به، كسائر الحقوق. وانظر: منار السبيل (2/ 825).
(3)
لأن الشجر المغروس تابع لأرضه غير مستقل بنفسه. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 569).
(4)
قاسم وقسيم وقسام ومقسم: أسماء من قسم، انظر: مادة قسم في مختار الصحاح (223).
الملك، وإن تقاسموا بالقرعة جاز، ولزمت القسمة بمجرد القرعة، ولو فيما فيه رد أو ضرر
(1)
.
وكيفما اقترعوا جاز، والأحوط
(2)
أن يكتب اسم كل شريك في قرعة في رقعة، ثم تدرج بنادق من نحو شمع متساوية، ثم تطرح في حجر من لم يحضر ذلك، ويقال له: أخرج بندقة، على هذا السهم، فمن خرج اسمه كان له، ثم للثاني كذلك وهكذا، فإن كان لأحد الشركاء أكثر، عملت السهام بعدد الأقل، فإذا خرج اسم صاحب الأكثر أعطى السهم وما يليه، ثم يقرع بين الباقي، وإن خير أحد الشريكين الآخر بلا قرعة وتراضيا لزمت بالتفرق.
وإن خرج في نصيب أحدهما عيب جهله، خير بين فسخ وإمساك مع أخذ الأرش
(3)
، وإن غبن غبنًا فاحشًا بطلت
(4)
.
ومن ادعى غلطًا فيما تقاسماه وأشهدا على رضاهما لم يلتفت إليه
(5)
، وتقبل بينة فيما قسمه الحاكم، وكذا قاسم نصباه، وإلا حلف منكر، وإن ادعى كل أن هذا من سهمه تحالفا ونقضت
(6)
.
وإن حصلت الطريق في حصة أحدهما، ولا منفذ للآخر بطلت
(7)
، ويكفي قاسم واحد إلا مع تقويم
(8)
.
(1)
إذا تراضيا عليها وخرجت القرعة؛ إذ القاسم يجتهد في تعديل السهام، كاجتهاد الحاكم في طلب الحق، فوجب أن تلزم قرعته. وانظر: منار السبيل (2/ 826).
(2)
انظر: الإنصاف (11/ 356)، والمحرر (217)، والمبدع (10/ 136).
(3)
كالمشتري لوجود النقص. وانظر: منار السبيل (2/ 826).
(4)
لتبين فساد الإفراز. وانظر: منار السبيل (2/ 826).
(5)
لأنه رضي بالقسم على الصورة التي وقعت، ورضاه بالزيادة في نصيب شريكه يلزمه. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 573).
(6)
لأن المدعى به لم يخرج عنهما، ولا مرجح لأحدهما على الآخر. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 574).
(7)
لعدم تمكن الداخل من الانتفاع بما حصل له بالقسمة، فلا تكون السهام معدلة، والتعديل واجب في جميع الحقوق. وانظر: منار السبيل (2/ 827).
(8)
لأنها شهادة بالصحة، فاعتبر فيها اثنان. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 565).
باب الدعاوى
(1)
والبينات
(2)
لا تصح الدعوى إلا من جائز التصرف، والمدعي من إذا سكت ترك، والمدعى عليه من إذا سكت لم يترك، وإذا تداعيا عينًا بيد أحدهما، فهي لمن بيده مع يمينه، إلا أن يكون له بينة ويقيمها فلا يحلف
(3)
، وإن أقام كل واحد منهما بينة أنها له قضي للخارج ببينته
(4)
(5)
، لكن لو أقام الداخل
(6)
الذي هو ذو اليد بينة أنه اشتراها من الخارج، قدمت بينته لما معها من زيادة العلم
(7)
، أو أقام أحدهما بينة أنه اشتراها من فلان، والآخر كذلك عمل بأسبقهما تأريخًا.
(1)
الدعاوي: بكسر الواو وفتحها، جمع دعوى، كحبلى وحبالى، وهي طلب الشيء زاعمًا ملكه، واصطلاحًا: إضافة الإنسان إلى نفسه استحقاق شيء في يد غيره أو ذمته. انظر: المطلع (403)، والروض المربع (7/ 575).
(2)
البينات: جمع بينة، وهي صفة لمحذوف، أي: الدلالة البينة، أو العلامة الواضحة، وهي الشاهدان والثلاثة والأربعة ونحوها من البينات، انظر: المطلع (403).
(3)
اكتفاء بها، أي: بالبينة مع اليد. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 577).
(4)
مع يمينه. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 577).
(5)
ضبة تصحيحية.
(6)
الداخل: من العين المتنازع فيها في يده، والخارج: من لا شيء في يده، بل جاء من خارج لينازع الداخل، انظر: المطلع (404).
(7)
لأنه الخارج معنى لأنه ثبت بالبينة، أن المدعي صاحب اليد، وأن يد الداخل نائبة عنه. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 577).
وإن لم تكن العين بيد أحدهما، ولا ثم ظاهر تحالفا وتناصفاها
(1)
، وإن وجد ظاهر لأحدهما عمل به، فلو تنازع الزوجان في قماش البيت ونحوه مما يصلح لرجل فله وما يصلح لها فلها، ولهما فلهما.
وإن كان بيديهما تحالفا وتناصفا، فإن قويت يد أحدهما كحيوان أحدهما: سائقه، والآخر: راكبه فهو للثاني
(2)
، وإن تنازع صانعان آلة في دكانهما، فآلة كل صنعة لصانعها بيمينه، ومتى كان لأحدهما بينة فالعين له، وإن كان لكل منهما بينة به، وتساوتا من كل وجه، تعارضتا وتساقطتا، فيتحالفان ويتناصفان ما بيديهما.
ويقترعان فيما ليس بيد أحد أو بيد ثالث، ولم ينازع واحدًا من المتداعيين، فمن خرجت له القرعة فهي له بيمينه، فإن كان الثالث الذي بيده العين ادعاها لنفسه حلف لكل منهما يمينًا، فإن نكل أخذاها منه مع مثلها إن كانت مثلية، وقيمتها إن كانت متقومة
(3)
، واقترعا عليهما
(4)
، وإن أقر بها لهما أخذاها منه واقتسماها، وحلف لكل واحد منهما يمينًا، بالنسبة للنصف الذي أقر به لصاحبه
(5)
، وحلف كل واحد منهما لصاحبه، على النصف المحكوم له به، وإن نكل المقر بالعين لهما عن اليمين لكل واحد منهما أخذا منه بدلها، واقتسماه أيضًا.
وإن أقر لأحدهما بعينه حلف المقر له أن لا حق لغيره فيها وأخذها،
(1)
لاستوائهما في الدعوى، وليس أحدهما أولى بها من الآخر، لعدم المرجح. وانظر: منار السبيل (2/ 828).
(2)
فللثاني بيمينه؛ لأن تصرفه أقوى، ويده آكد، وهو المستوفي لمنفعة الحيوان. وانظر: منار السبيل (2/ 829).
(3)
لتلف العين بتفريطه، وهو ترك اليمين للأول، أشبه ما لو أتلفها. وانظر: منار السبيل (2/ 831).
(4)
وعلى بدلها؛ لأن المحكوم له بالعين غير معين. وانظر: منار السبيل (2/ 831).
(5)
لأنه يدعيه له، كما لو أقر بها لأحدهما، فإنه يحلف للآخر. وانظر: منار السبيل (2/ 831).
ويحلف المقر للآخر، فإن نكل أخذ منه بدلها، وإن قال: هي لأحدهما وأجهله، فصدقاه على جهله لم يحلف
(1)
، وإلا حلف يمينًا واحدة
(2)
، ويقرع بينهما، فمن خرجت له أخذها.
* * *
(1)
لتصديقهما له في دعواه. وانظر: منار السبيل (2/ 831).
(2)
لأن صاحب الحق منهما، واحد غير معين. وانظر: منار السبيل (2/ 831).
كتاب الشهادات
(1)
وهي الإخبار بما يعلمه بلفظ أشهد أو شهدت.
وتحمل الشهادة في حقوق الآدميين من الأموال وغيرها فرض كفاية، وأداؤها فرض عين، ومتى تحملها وجبت كتابتها، ويحرم أخذ أجرة أو جعل عليها
(2)
، ولو لم يتعين عليه في الأصح
(3)
، لكن إن عجز عن المشي أو تأذى به، فله أخذ أجرة مركوب، وان كان عبدًا لم يجز لسيده منعه، ويحرم كتم الشهادة إذا كانت بحق الآدمي
(4)
ولا ضمان.
ويجب الإشهاد في عقد النكاح خاصة
(5)
، ويسن في كل عقد سواه، ويحرم أن يشهد الإسماعيلية
(6)
برؤية أو سماع.
(1)
الشهادة لغة: الخبر القاطع، وشهد له بكذا، أي: أدى ما عنده من الشهادة، واصطلاحًا: إخبار عن عيان بلفظ أشهد في مجلس القاضي بحق لغيره على غيره، انظر: مادة شهد في لسان العرب (3/ 240)، ومختار الصحاح (147)، والمطلع (406)، والتعاريف (439).
(2)
كصلاة الجنازة، ومن قام بها فقد قام بفرض، فلا يجوز أخذ الأجرة عليه. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 584).
(3)
انظر: الإنصاف (2/ 71)، ومنتهى الإرادات (5/ 348).
(4)
ومن عنده شهادة بحد لله فله إقامتها وتركها؛ لأن حقوف الله مبنية على المسامحة، ولا ضرر في تركها على أحد. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 584).
(5)
لأنه شرط فيه، فلا ينعقد بدونها. وانظر: منار السبيل (2/ 833).
(6)
الإسماعيلية: فرقة باطنية، انتسبت إلى الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق، ظاهرها التشيغ لآل البيت، وحقيقتها هدم عقائد الإسلام، تشعبت فرقها وامتدت عبر الزمان =
ومن رأى شيئًا بيد إنسان يتصرف فيه مدة طويلة عرفًا كتصرف الملاك من نقض وبناء وإجارة وإعارة فله أن يشهد له بالملك، والورع أن يشهد باليد والتصرف، قال البهوتي: ومحل وجوب أدائها إن قدر بلا ضرر، يلحق في بدنه أو عرضه أو ماله أو أهله.
ومن عنده شهادة بحق لله فله إقامتها وتركها.
وتصح الشهادة بسماع استفاضة فيما يتعذر علمه بدونها، كنسب وموت وملك مطلق، ونكاح ووقف وعتق، وخلع وطلاق عن عدد يقع بهم العلم.
ومن شهد بنكاح أو غيره من العقود فلا بد من ذكر شروطه
(1)
، وإن شهد برضاع ذكر عدد الرضعات، أو بسرقة ذكر المسروق منه، والنصاب والحرز، أو بشرب أو قذف يصفه، ويصف الزنا، بذكر زمان ومكان ومزني بها، وكيف كان ويذكر ما يعتبر في الحكم، ويختلف به في الكل
(2)
، ولو شهد اثنان في محفل على نحو خطيب، أنه قال على المنبر كذا، ولم يشهد به غيرهما قبلا
(3)
.
* * *
= حتى وقتنا الحاضر، وحقيقتها تخالف العقائد الإسلامية الصحيحة، وقد مالت إلى الغلوِّ الشديد، لدرجة أن الشيعة الاثني عشرية يكفِّرون أعضاءَهَا. انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة (365).
(1)
كوقوعه بولي وشاهدي عدل حال خلوهما من الموانع وبرضاهما، إن لم تكن مجبرة. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 587).
(2)
فلربما يصف الشاهد الشيء سرقة أو زنا أو غيرهما، ولا يكون كذلك. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 588).
(3)
لأن عدم شهادة الباقين غير مانع من قبول شهادتهما. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 589).
فصل: (في اختلاف الشهود)
(1)
وان شهدا أنه طلق من نسائه واحدة، ونسيا عينها لم تقبل
(2)
.
ولو شهد أحدهما أنه أقر بألف، والآخر أنه أقر بألفين، كملت بألف، وللمشهود له أن يحلف على الألف الآخر، مع شاهد ويستحقه، وإن شهدا أن عليه ألفًا، وقال أحدهما: قضاه بعضه، بطلت شهادته، وإن شهدا أنه أقرضه ألفًا، ثم قال أحدهما: قضاه نصفها، صحت شهادتهما بخمسمائة محل الاتفاق
(3)
، ولا يحل من أخبره عدل بانتقال الحق أن يشهد به.
* * *
(1)
الاختلاف: افتعال من الخلاف، وهو تقابل بين رأيين، فيما ينبغي انفراد الرأي فيه، انظر: التعاريف (42).
(2)
لأنهما شهدا بغير معين، فلا يمكن العمل بها. وانظر: منار السبيل (2/ 834).
(3)
لأنه رجوع عن الشهادة بخمسمائة، وإقرار بغلط نفسه، أشبه ما لو قال: بألف بل بخمسمائة، ولأنه لا تناقض في كلامه ولا اختلاف. وانظر: منار السبيل (2/ 835).
فصل: (في شروط من تقبل شهادته)
ويشترط فيمن تقبل شهادته ستة: شروط البلوغ، فلا شهادة لصغير، ولو اتصف بالعدالة، والعقل فلا شهادة لمعتوه ولا مجنون، والنطق، فلا شهادة لأخرس ولو فهمت إشارته، إلا إذا أداها بخطه
(1)
، والحفظ، فلا شهادة لمغفل، ولا لمن عرف بكثرة سهو وغلط. والإسلام، فلا شهادة لكافر، ولو على مثله، إلا رجال من أهل الكتاب، بالوصية في السفر ممن حضره الموت من مسلم وكافر، عند عدم مسلم فتقبل شهادتهم في هذه المسألة فقط، ولو لم يكن لهم ذمة، ويحلفهم الحاكم وجوبًا بعد العصر ما خانوا وما حرفوا، وأنها وصية الرجل، فإن عثر على أنهما استحقا إثمًا حلف اثنان من أولياء الموصي بالله: لشهادتنا أحق من شهادتهما، ولقد خانا وكتما ويقضى لهم.
والعدالة ظاهرًا وباطنًا، وهي استواء أحواله في دينه، واعتدال أقواله وأفعاله، ويعتبر لها شيئان: الصلاح في الدين، وهو أداء الفرائض برواتبها، واجتناب المحرم بأن لا يأتي كبيرة، ولا يدمن على صغيرة.
(1)
وإنما قبلت في نكاحه وطلاقه، للضرورة. وانظر: منار السبيل (2/ 836).
والكذب صغيرة إلا في شهادة زور، وكذب على نبي ورمي فتنة، وكذب على أحد الرعية عند ظالم فكبيرة، ويجب لتخليص مسلم من قتل، ويباح لإصلاح وحرب وزوجة فقط.
والكبيرة: ما فيه حد كالزنا والسرقة، أو وعيد في الآخرة، كالربا وأكل مال اليتيم، وشهادة الزور وعقوق الوالدين.
ويفسق من داوم على ترك السنن، لا من تركها في بعض الأيام، والثاني: استكمال المروءة بفعل ما يجمله ويزينه، كالسخاء وحسن الخلق، وترك ما يدنسه ويشينه في العادة، فلا شهادة لمتمسخر
(1)
ورقاص
(2)
، ومشعبذ
(3)
ومغني، ويكره الغناء واستماعه، وطفيلي
(4)
، وشاعر يفرط في مدح أو ذم، أو تشبب بمدح خمر وأمرد أو امرأة معينة محرمة، ويفسق بذلك، ولاعب شطرنج غير مقلد مع عوض، ولاعب بنرد، ولا لمن يمد رجليه بحضرة الناس، أو يكشف من بدنه ما جرت العادة بتغطيته، كصدر أو ظهر، أو يحدث بمباضعة أهله، أو يخاطبها بخطاب فاحش بين الناس، ولا لمن يحكى المضحكات ولا لمن يأكل بالسوق شيئًا كثيرًا، ويغتفر اليسير كاللقمة والتفاحة.
(1)
المتمسخر: اسم فاعل من تمسخر، وهو تمفعل من سخر، فالمتمسخر يفعل ويقول شيئًا يكون سببًا لأن يسخر منه، أي: يهزأ به، انظر: المطلع (409).
(2)
رقاص: الرَّقْصُ والرَّقَصانُ: الخَبَبُ، وفي التهذيب: ضَرْبٌ من الخَبَب، وهو مصدر رَقَصَ يَرْقُص رَقْصًا؛ ورجل مِرْقَصٌ: كثير الخبب، ورَقَصَ اللَّعَّابُ يَرْقُص رَقْصًا، فهو رقَّاصٌ. انظر: لسان العرب مادة رقص (7/ 42).
(3)
مشعبذ: مأخوذ من الشَّعْوَذَةُ: وهي خِفَّةٌ في اليد، وأَخْذٌ كالسحر يُرى الشيءَ بغير ما عليه أَصله في رأْي العين؛ ورجل مُشَعْوذٌ ومُشَعْوَذٌ. انظر: لسان العرب مادة شعذ (3/ 495).
(4)
طفيلي: قال الأَصمعي: هو الذي يدخل على القوم من غير أَن يَدْعُوه، مأْخوذ من الطَّفَل، وهو إِقبال الليل على النهار بظُلْمته، انظر: لسان العرب مادة طفل (11/ 404).
ولا فاسق باعتقاد كرافضة
(1)
وقدرية
(2)
.
ومن أخذ بالرخص فسق
(3)
لم وردت شهادته، ومتى زالت الموانع من الشهادة فبلغ الصبي وعقل المجنون، وأسلم الكافر وتاب الفاسق قبلت شهادتهم، ويعتبر في التائب إصلاح العمل سنة.
ولا تشترط الحرية، فتقبل شهادة العبد والأمة في كل ما تقبل به شهادة الحر والحرة، ولا يشترط كون الصنعة غير دنيئة عرفًا، فتقبل شهادة حجام وصباغ وحائك إذا حسنت طريقتهم، وولد الزنا.
ولا يشترط كونه بصيرًا، فتقبل شهادة الأعمى بما سمعه، حيث تيقن الصوت، وبما رآه قبل عماه إذا عرف الفاعل باسم أو نسب أو وصفه بما يتميز به، وتجوز شهادته أيضًا بالاستفاضة.
* * *
(1)
الشيعة الإمامية الاثنا عشرية: هم تلك الفرقة من المسلمين الذين زعموا أن عليًا رضي الله عنه هو الأحق في وراثة الخلافة، دون الشيخين وعثمان رضي الله عنهم أجمعين، وقد أطلق عليهم الإمامية لأنهم جعلوا من الإمامة القضية الأساسية التي تشغلهم، وسُمُّوا بالاثني عشرية لأنهم قالوا باثني عشر إمامًا، دخل آخرهم السرداب بسامراء على حد زعمهم، كما أنهم القسم المقابل لأهل السنة والجماعة في فكرهم وآرائهم المتميزة، وهم يعملون لنشر مذهبهم ليعم العالم الإسلامي. انظر الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة (17).
(2)
المعتزلة: فرقة إسلامية نشأت في أواخر العصر الأموي، وازدهرت في العصر العباسي، وقد اعتمدت على العقل المجرد في فهم العقيدة الإسلامية لتأثرها ببعض الفلسفات المستوردة، مما أدى إلى انحرافها عن عقيدة أهل السنة والجماعة. وقد أطلق عليها أسماء مختلفة منها: المعتزلة، والقدرية، والعدلية، وأهل العدل والتوحيد، والمقتصدة، والوعيدية. انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة (34).
(3)
وذلك بأن يتتبعها من المذاهب أو من مذهب واحد. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 598).
فصل: (في موانع قبول الشهادة)
(1)
وموانع قبول الشهادة ستة:
أحدها: كون الشاهد أو بعضه ملكًا لمن شهد له، وكذا لو كان زوجًا له، ولو في الماضي، أو كان من فروعه وإن سفلوا من ولد البنين وولد البنات، أو من أصوله وإن علو من قبل الأب أو الأم، ولو لم يجر بها نفعًا كعقد نكاح، وتقبل لباقي أقاربه كأخيه وعمه، وكل من لا تقبل له شهادته فإنها تقبل عليه.
الثاني: كونه يجر بها نفعًا لنفسه، فلا تقبل شهادته لرقيقه ومكاتبه، ولا مورثه بجرح قبل اندماله
(2)
، ولا شريكه فيما هو شريك فيه، ولا لمستأجره فيما استأجره فيه.
الثالث: أن يدفع بها ضررًا عن نفسه، فلا تقبل شهادة العاقلة، بجرح
(1)
الموانع: جمع مانع وهو اسم فاعل، من منع الشيء إذا حال بينه وبين مقصوده، فهذه الموانع تحول بين الشهادة ومقصودها، فإن المقصود من الشهادة قبولها والحكم بها، انظر: المطلع (410).
(2)
لأنه قد يسري الجرح إلى تلف نفسه، فتجب الدية للشاهد بشهادته، فكأنه شهد لنفسه. وانظر: منار السبيل (2/ 842).
شهود قتل الخطأ
(1)
، ولا شهادة الغرماء بجرح شهود دين على مفلس
(2)
، ولا شهادة شريك بجرح شاهد على شريكه، ولا شهادة الضامن، لمن ضمنه بقضاء الحق أو الإبراء منه
(3)
، وكل من لا تقبل شهادته له لا تقبل شهادته بجرح شاهد عليه لاتهامه.
الرابع: العداوة، ويعتبر كونها لغير الله، كفرحه بمساءته أو غمه لفرحه كحاسد، فلا تقبل شهادته على عدوه، إلا في عقد النكاح، وتقبل شهادة المسلم على الكافر مطلقًا، وكذا السني على المبتدع، لأن العداوة في الدين غير مانعة.
الخامس: التعصب، فلا شهادة لمن عرف به، كتعصب جماعة على جماعة، وإن لم تبلغ رتبة العداوة، وبالإفراط بالحمية.
السادس: أن ترد شهادته لفسقه ثم يتوب فلا تقبل لتهمته
(4)
، أو يشهد لمورثه بجرح قبل برئه فيرد، ثم يبرأ ويعيدها، أو ترد لدفع ضرر أو جلب نفع أو ملك ثم يزول ذلك وتعاد فلا تقبل، بخلاف ما لو شهد وهو كافر أو غير مكلف أو أخرس ثم زال ذلك وأعادها
(5)
.
* * *
(1)
لأنهم متهمون في دفع الدية عن أنفسهم. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 603).
(2)
لما فيه من توفير المال عليهم. وانظر: منار السبيل (2/ 842).
(3)
لأنه متهم بقصد دفع الضمان عن نفسه. وانظر: منار السبيل (2/ 842).
(4)
فلربما تاب لتقبل شهادته لإزالة العار الذي لحقه بردها، ولأن ردها بالاجتهاد فقبولها نقض لذلك الاجتهاد. وانظر: منار السبيل (2/ 843).
(5)
لأن هذه الموانع لا غضاضة فيها ولا تهمة بخلاف ما قبلها. وانظر: منار السبيل (2/ 843).
فصل: (في المشهود به)
ولا يقبل في الزنا واللواط والإقرار به إلا أربعة رجال عدول، يشهدون بالزنا واللواط، وأنهم رأوا ذكره في فرجها، أو يشهدون أنه أقر بذلك أربع مرات.
ومن ادعى من عرف بالغنى أنه فقير ليأخذ من الزكاة فلا بد من ثلاثة رجال.
وما يوجب القود والحد والتعزير لا بد فيه من رجلين، كالقذف والشرب، وكوطء بهيمة أو أمة مشتركة، ومثله شهادة الإعسار والنكاح، والرجعة، والخلع، والطلاق، والنسب، والولاء، والتوكيل في غير المال، وتعديل شهود وجرحهم، وأيضًا في غير مال.
وأما ما يقصد به المال كالقرض، والرهن، والوصية، والعتق، والتدبير والوقف، والبيع، والوديعة، والغصب، والإجارة والشركة، والحوالة، والسلم والصلح، والهبة، والكتابة، والعارية، والشفعة، وإتلاف مال وضمانه، وأجل في بيع وخياره، وجناية الخطأ فيكفي فيه رجلان، أو رجل وامرأتان، أو رجل ويمين المدعي، ولا فرق بين كون المدعي مسلمًا أو كافرًا، ولو كان لجماعة حق بشاهد واحد فأقاموه فمن حلف أخذ نصيبه
(1)
، ولا يشارك من لم يحلف.
(1)
لكمال النصاب من جهته. وانظر: منار السبيل (2/ 846).
ويكفي في داء دابة وموضحة ونحوهما قول طبيب واحد وبيطار واحد، لعدم معرفة غيره وإن لم يتعذر فاثنان، وإن اختلف اثنان قدم قول المثبت
(1)
.
وما لا يطلع عليه الرجال غالبًا كعيوب النساء تحت الثياب والاستهلال، والرضاع، والبكارة، والثيوبة، والحيض، والرتق، والقرن، والبرص في الجسد تحت الثياب، ونحو جراح في الحمام، وعرس فيكفي فيه امرأة عدل، والأحوط ثنتان
(2)
، فإن شهد رجل كان أولى لكماله.
فلو شهد لقتل العمد رجل وامرأتان لم يثبت شيء؛ لا قود ولا مال؛ لأن قتل العمد يوجب القصاص، والمال بدل عنه
(3)
، وإن شهدوا بسرقة، ثبت المال دون القطع
(4)
، ومن حلف بالطلاق أنه ما سرق ونحوه، وثبت فعله برجل وامرأتين، أو برجل ويمين ثبت المال ولم تطلق زوجته على الأصح
(5)
، وإن حلف مع شاهد فلانة أم ولده، قضي له بالجارية أم ولد، ولا تثبت حرية ولدها ولا نسبه.
ولو وجد على دابة مكتوب: حبس في سبيل الله، أو على أسكفة
(6)
باب دار: وقف أو مسجد حُكم به.
* * *
(1)
لأنه يشهد بزيادة لم يدركها النافي. وانظر: منار السبيل (2/ 846).
(2)
لأن الرجال أكمل منهن، ولا يقبل منهم إلا اثنان فالنساء أولى. وانظر: منار السبيل (2/ 846).
(3)
فإن لم يثبت الأصل لم يثبت بدله. وانظر: منار السبيل (2/ 846).
(4)
لأن القطع لم يثبت إلا برجلين، والسرقة توجب المال والقطع وقصور البينة عن أحدهما لا يمنع ثبوت الآخر. وانظر: منار السبيل (2/ 847).
(5)
انظر: الإنصاف (12/ 65)، ومنتهى الإرادات (5/ 375).
(6)
الأسكفة والأسكوفة: عتبة الباب التي يوطأ عليها، انظر: مادة سكف في لسان العرب (9/ 156)، ومختار الصحاح (129).
فصل: (في الشهادة على الشهادة)
والشهادة على الشهادة، أن يقول: أشهد يا فلان على شهادتي، أني أشهد أن فلان ابن فلان، أشهدني على نفسه، بكذا أو شهدت عليه بكذا، أو أقر عندي بكذا.
ويصح أن يشهد على شهادة الرجلين، رجل وامرأتان، ورجل وامرأتان على مثلهم، وامرأة على امرأة فيما تقبل فيه شهادة المرأة
(1)
.
وشروط تحمل الشهادة على الشهادة، أربعة: أن تكون في حقوق الآدميين
(2)
، وتعذر شهود الأصل بموت أو مرض أو خوف من سلطان أو غيبة مسافة قصر
(3)
، ويدوم عذرهم إلى صدور الحكم، فمتى أمكنت شهادة الأصل قبل الحكم وقف على سماعها، ودوام عدالة شاهدي الأصل، وشاهدي الفرع إلى صدور الحكم، فإن حدث من أحدهم قبل الحكم ما يمنعه، نحو جنون وقف الحكم
(4)
، وثبوت عدالة الجميع، فإن شهد شهود
(1)
لأن الفرع بدل الأصل، فاكتفى بمثل عددهم. وانظر: منار السبيل (2/ 848).
(2)
فلا تقبل في حقوق الله؛ لأن مبناها على المسامحة، والشهادة لا تخلو من شبهة، لتطرق احتمال الغلط والسهو. وانظر: منار السبيل (2/ 848).
(3)
لأن من دونهما في حكم الحاضر، وانظر: منار السبيل (2/ 849).
(4)
لأنه يؤدي إلى انحصار الشهادة في أحدهما. وانظر: منار السبيل (2/ 849).
الفرع، بعدالة شهود الأصل جاز، ولا يجوز تعديل شاهد لرفيقه، فإن قال شهود الأصل بعد الحكم بشهادة الفرع: ما أشهدناهم بشيء لم يضمن الفريقان شيئًا
(1)
.
* * *
(1)
لأنه لم يثبت كذب شاهدي الفرع، ولا رجوع شاهدي الأصل؛ لأن الرجوع إنما يكون بعد الشهادة، وهما أنكرا أصل الشهادة. وانظر: منار السبيل (2/ 849).
فصل: (في صفة أداء الشهادة)
ولا تقبل الشهادة إلا بلفظ: أشهد وشهدت، فلا يكفي أنا شاهد ولا أعلم، لكن لو قال من تقدمه غيره بالشهادة: أشهد بذلك أو كذلك أشهد صح.
وإذا رجع شهود المال أو العتق بعد حكم الحاكم لم ينقض
(1)
، ويضمنون المال، ما لم يصدقهما المشهود له على بطلان شهادتهما، أو تكون الشهادة بدين، فيبرأ منه قبل أن يرجعا.
وإذا علم الحاكم بشاهد زور بإقراره، أو تبين كذبه يقينًا عزره، ولو تاب بما يراه الحاكم، إما بجلد أو بحبس أو توبيخ ما لم يخالف نصًا، وطيف به في المواضع التي يشتهر فيها، ولا يعزر شاهد بتعارض البينة، ولا بغلط في شهادته أو رجوعه، وإذا رجع المزكي لا يضمن
(2)
.
وإن حكم القاضي بشاهد ويمين، ثم رجع الشاهد غرم كل المال، وإن رجعوا قبل الحكم لغت، ولا حكم ولا ضمان إن رجع شهود قود، أو حد بعد حكم، وقبل استيفاء لم يستوف، ووجبت دية قود.
(1)
لأنهم إن قالوا: عمدنا، فقد شهدوا على أنفسهم بالفسق، وإن قالوا: أخطأنا، لم يلزم نقضه لجواز خطئهم في قولهم الثاني، بأن اشتبه عليهم الحال. وانظر: منار السبيل (2/ 850).
(2)
لا يضمن المزكي؛ لأن الحكم تعلق بشهادة الشهود، ولا تعلق له بالمزكين؛ لأنهم أخبروا بظاهر حال الشهود، (7/ 623).
باب اليمين في الدعوى
(1)
البينة على المدعي، واليمين على من أنكر.
ولا يمين على منكر مدعى عليه بحق الله تعالى كالحد، ولو لقذف وإخراج زكاة، والكفارة والنذر، فلو أقر بما يوجب الحد، ثم رجع عن إقراره قبل منه بلا يمين، ولا يمين على شاهد أنكر شهادته، ولا حاكم أنكر حكمه
(2)
، ولا وصي على نفي دين على موص.
وإن ادعى وصي وصية للفقراء فأنكر الورثة حلفوا، فإن نكلوا قضي عليهم بما ادعاه الوصي
(3)
، ويحلف المنكر في كل حق آدمي، يقصد منه المال كالديون والجنايات والإتلافات، فإن نكل عن اليمين قضي عليه بالحق.
وإذا حلف على فعل نفسه أو على نفي دين عليه حلف على البت، وإن حلف على نفي دعوى على غيره كمورثه ورقيقه وموليه حلف
(1)
الأيمان جمع يمين، واليمين: القسم، وسميت بذلك لأنهم كانوا إذا تحالفوا ضرب كل امرئ منهم بيمينه على يمين صاحبه، واصطلاحًا: تأكيد الأمر وتحقيقه بذكر اسم الله أو صفة من صفاته، والدعاوي: بكسر الواو وفتحها، جمع دعوى، كحبلى وحبالى، وهي طلب الشيء زاعمًا ملكه، انظر: المطلع (403 و 387)، وأنيس الفقهاء (172).
(2)
لأن ذلك لا يقضى فيه بالنكول، فلا فائدة بإيجاب اليمين فيه. وانظر: منار السبيل (2/ 852).
(3)
لأنها دعوى بمال. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 628).
على نفي العلم
(1)
، ومن أقام شاهدًا بما ادعاه، مما يقبل فيه شاهد ويمين، حلف على البت، وتقدم الشهادة على اليمين، ومن توجه عليه حلف لجماعة يحلف لكل واحد منهم يمينًا
(2)
ما لم يرضوا كلهم بيمين واحدة.
ولا يستحلف منكر في طلاق، ونكاح، ورجعة، وإيلاء، وأصل الرق، والولاء، والاستيلاد، والنسب، والقود والقذف؛ لأنها ليست مالًا، ولا يقضى فيها بالنكول.
واليمين المشروعة هي اليمين بالله تعالى، وللحاكم تغليظها فيما له خطر، كجناية لا توجب قودًا، أو مال قدر نصاب الزكاة، فيقول المسلم: والله الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب والشهادة الطالب الغالب، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأن يحلف بعد العصر، أو بين الأذان والإقامة، وعند منبر الجامع.
ويقول اليهودي: والله الذي أنزل التوراة على موسى، وفلق له البحر، والنصراني: والله الذي أنزل الإنجيل على عيسى، وجعله يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص، ويقول المجوسي: والله الذي خلقني وصورني، ومن أبى التغليظ لم يكن ناكلًا
(3)
، ويجب الاكتفاء به.
ولا يحلف بطلاق، وإن رأى الحاكم ترك التغليظ فتركه كان صوابًا.
* * *
(1)
لأنه لا يمكنه الإحاطة بفعل غيره، فلم يكلف ذلك. وانظر: منار السبيل (2/ 853).
(2)
لأن حق كل منهم غير حق البقية، وهو منكر للجميع. وانظر: منار السبيل (2/ 853).
(3)
لأنه بذل الواجب عليه. وانظر: منار السبيل (2/ 855).
كتاب الإقرار
(1)
لا يصح إلا من مكلف مختار ولو هازلًا، بلفظ أو كناية، لا بإشارة إلا من أخرس علمت إشارته
(2)
، لكن لو أقر صغير أو قن، أذن لهما في تجارة، في قدر ما أذن لهما فيه صح، ومن أكره ليقر بدرهم فأقر بدينار، أو ليقر لزيد فأقر لعمرو صح ولزمه
(3)
.
وليس الإقرار بإنشاء تمليك، بل هو إخبار عما في نفس الأمر، فيصح الإقرار للغير حتى مع إضافة الملك لنفسه، كقوله: كتابي هذا لزيد.
ويصح إقرار المريض بمال لغير وارث
(4)
، وتكون من رأس المال، وإقراره بأخذ دين من غير وارث، لا إن أقر لوارث، إلا ببينة أو إجازة من الورثة
(5)
، والاعتبار بكون المقر له وارثًا أو لا حالة الإقرار لا الموت، عكس الوصية.
(1)
إقرار، يقال: أقر بالحق: اعترف به، وقرره غيره بالحق حتى أقر به، وأقررت الكلام إقرارًا، أي: بينته حتى عرفه. واصطلاحًا: إخبار الشخص بحق عليه، فهو إظهار لأمر متقدم وليس إنشاء، انظر: مادة قرر في لسان العرب (8415)، ومختار الصحاح (221)، والحدود الأنيقة (74).
(2)
لقيامها مقام نطقه ككتابته. وانظر: منار السبيل (2/ 856).
(3)
لأنه غير مكره على ما أقر به، وانظر: منار السبيل (2/ 856).
(4)
لأنه غير متهم في حقه. وانظر: منار السبيل (2/ 856).
(5)
لأنه متهم فيه؛ لأنه إيصال لمال إلى وارثه بقوله في مرض موته، ولأنه محجور عليه في حقه، فلم يصح إقراره له. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 633).
وإن كذب المقر له المقر بطل الإقرار، وكان للمقر أن يتصرف في ما أقر به بما شاء
(1)
، والإقرار لقن غيره إقرار لسيده، فيعتبر تصديق السيد ويبطل برده.
ويصح لمسجد ومقبرة ونحوهما ولو أطلق بأن لم يعين سببًا، ولا يصح لدار أو بهيمة إلا إن عين السبب من غصب أو استئجار.
ويصح لحمل آدمية بمال
(2)
، فإن ولد ميتًا أو لم يكن حمل بطل
(3)
، وإن ولدت حيًا وميتًا فللحي جميع المقر به، وإن ولدت حيًا فأكثر فله بالسوية، كما لو أقر لرجل وامرأة بمال، بلا بيان سبب يوجب تفاضلًا كإرث.
وإن أقر رجل أو امرأة بزوجية الآخر فسكت صح وورثه
(4)
، أو جحد ثم صدقه صح وورثه، لا إن بقي على تكذيبه حتى مات.
ولا يصح من سفيه إقرار بمال، ويصح من سكران، ولا يصح بشيء في يد غيره، وتقبل دعوى مقر بإكراه بقرينة.
ويصح إقرار صبي إن بلغ باحتلام إذا بلغ عشرًا، ولا يقبل بسن إلا ببينة كدعوى جنون
(5)
.
وإن أقر المريض لامرأته بالصداق فلها مهر المثل بالزوجية
(6)
، ولو أقر
(1)
لأنه مال بيده لا يدعيه غيره أشبه اللقطة، وانظر: منار السبيل (2/ 857).
(2)
لأنه يجوز أن يملك بوجه صحيح، فصح الإقرار المطلق له. وانظر: منار السبيل (2/ 858).
(3)
لأنه إقرار لمن لا يصح أن يملك. وانظر: منار السبيل (2/ 858).
(4)
ولا يضر جحده قبل إقراره، كالمدعى عليه يجحد ثم يقر. وانظر: منار السبيل (2/ 859).
(5)
أي: لا يقبل إقرار الصبي أنه بلغ خمس عشرة سنة إلا ببينة، كما أنه لا يقبل دعوى جنونه إلا ببينة؛ لأن الأصل عدمه. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 633).
(6)
لأن الزوجية دلت على المهر ووجوبه، فإقراره إخبار أنه لم يوفه، فلا يلتفت إلى ما أقر به، بل تعطى مهر المثل. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 634).
في مرضه أنه كان أبانها، لم يسقط إرثها إن لم تصدقه
(1)
.
وإن أقر قن بمال أو بما يوجبه كجناية، لم يؤخذ به إلا بعد عتقه
(2)
، إلا مأذونًا له فيما يتعلق بتجارة، وإن أقر بحد أو طلاق أو قود طرف، أخذ به في الحال
(3)
، وإن أقر ولي مجبر بنكاح صح، أو الذي أذنت له أن يزوجها صح
(4)
، ومن ادعى نكاح صغيرة بيده، فرق حاكم بينهما
(5)
، فإذا بلغت وصدقته قبل.
* * *
(1)
لأن قوله غير مقبول عليها بمجرده؛ لأنه متهم، كما لو أبانها في مرضه. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 635).
(2)
عملًا بإقراره على نفسه كالمفلس؛ لأنه لا مال يرجع إليه فيه، وإنما هو مال لسيده. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 636).
(3)
لإقراره بما يمكن استيفاؤه منه من بدنه دون سيده؛ لأن سيده لا يملك منه إلا المال. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 636).
(4)
لأن من ملك إنشاء شيء ملك الإقرار به، الوكيل يملك عقد البيع الموكل فيه، فيصح إقراره به. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 637).
(5)
إن لم يقم بينة؛ لأنه لا يقبل قوله بمجرده. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 638).
فصل: (ما يحصل به الإقرار وما يغيره)
من ادعي عليه بألف فقال: نعم، أو صدقت أو أنا مقر، أو خذها، فقد أقر، لا إن قال: أنا أقر أو لا أنكر أو خذ
(1)
، وقوله: بلى في جواب أليس عليك كذا إقرار، لا قوله: نعم إلا من عامي، وإن قال إنسان لآخر: اقض ديني عليك ألفًا، فقال: نعم، أو أعطني ثوبي هذا، فقال: نعم، أو قال: علي ألف إلا أن يشاء الله، أو إلا أن يشاء زيد فقد أقر
(2)
.
وإن علق الإقرار بشرط لم يصح، سواء قدم الشرط، كإن شاء زيد فلعمرو دينار، أو أخره كأن يقول: له علي دينار إن قدم زيد.
لكن إن قال: إذا جاء وقت كذا فله علي دينار لزمه في الحال، فإن فسره بأجل أو وصية قبل ذلك منه بيمينه، ومن قيل له: عليك دينار، فقال: إن شهد به زيد فهو صادق، لم يكن مقرًا
(3)
، وإن أقرت على نفسها بنكاح فادعاه اثنان صح إقرارها، فإن أقاما
(4)
بينتين قدم أسبق النكاحين، فإن جهل
(1)
لأن هذه الألفاظ تدل على تصديق المدعي، وتصرف إلى الدعوى، لوقوعها عقبها.
وانظر: منار السبيل (2/ 860).
(2)
لأن صيغة الإقرار هنا وعد، ولأنه لا يلزم من عدم الإنكار الإقرار، ولاحتمال أن قصده: خذ الجواب مني. وانظر: منار السبيل (2/ 860).
(3)
لكن (نعم)، صريحة في تصديقه. وانظر: منار السبيل (2/ 860).
(4)
لأنه علق رفع الإقرار على أمر لا يعلمه فلا يرتفع. وانظر: منار السبيل (2/ 861).
فقول ولي، فإن جهل الولي فسخا
(1)
ولا ترجيح بيد
(2)
.
وإن أقر إنسان بنسب صغير، أو مجهول النسب أنه ابنه ثبت نسبه، ولو أسقط به وارثًا معروفًا
(3)
، فإن كان المقر به ميتًا ورثه المقر.
وشرط الإقرار بالنسب إمكان صدق المقر، وأن لا ينفي به نسبًا معروفًا به، وإن كان المقر به مكلفًا فلا بد أيضًا من تصديقه.
* * *
(1)
لأن ذلك وعد بتصديقه له في شهادته، لا تصديق. وانظر: منار السبيل (2/ 861).
(2)
تقديم أسبق النكاحين لبطلان الثاني، ويفسخ النكاح حتى ولو كانت عند أحدهما، ولا تفيد ترجيحًا؛ لأن الحر لا تثبت عليه اليد. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 637).
(3)
لأنه غير متهم في إقراره؛ لأنه لا حق للوارث في الحال، وإنما يستحق الإرث بعد الموت بشرط خلوه من مسقط. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 638).
فصل: (إذا وصل بإقراره ما يسقطه)
وإذا وصل بإقراره ما يسقطه كأن يقول: له علي ألف لا تلزمني، أو من ثمن خمر لزمه الألف، وعليه إثبات المنافي
(1)
، وإن قال: كان له علي ألف وقضيته، قبل قوله بيمينه، ما لم تكن عليه بينة، أو يعترف بسبب الحق، فلا يقبل قوله في الدفع إلا ببينة
(2)
.
ويصح استثناء النصف فأقل في الإقرار، فله علي عشرة إلا خمسة يلزمه خمسة، وإلا ستة تلزمه العشرة، ويشترط لصحة الاستثناء، أن لا يسكت قبل إتيانه به زمانًا يمكنه الكلام فيه، وأن لا يأتي بينهما بكلام أجنبي، وأن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه ونوعه، فله علي هؤلاء العبيد إلا واحدًا صحيح، ويرجع في تعيين الواحد إليه، وله هذه الدار إلا هذا البيت صح، ولو كان هذا البيت أكثرها
(3)
، لا إن قال: إلا ثلثيها، أو مائة درهم إلا دينار، ومن باع شيئًا أو وهبه ثم أقر به لغيره لم يقبل، ويغرم بدله للمقر له
(4)
، وإن قال: غصبت هذا العبد من زيد، لا بل من عمرو،
(1)
لتناقض كلامه؛ لأنه أقر بالألف وادعى ما لم يثبت معه، فلم يقبل منه.
(2)
لاعترافه بما يوجب الحق عليه. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 642).
(3)
لأن المقر معين، والإشارة جعلت الإقرار فيما عدا المستثنى. وانظر: منار السبيل (2/ 863).
(4)
لأنه فوته عليه بتصرفه فيه. وانظر: منار السبيل (2/ 864).
لزمه دفعه إلى زيد، وبدله لعمرو
(1)
، أو قال: ملكه لزيد وغصبته من عمرو، فهو لعمرو وقيمته لزيد
(2)
، فإن قال: غصبته من عمرو وملكه لزيد، فهو لعمرو، ولا يغرم لزيد شيئًا
(3)
، وإن قال: غصبته من أحدهما لزمه تعيينه، ويحلف للآخر.
ومن خلف ابنين ومائتين فادعى شخص مائة على الميت، فصدقه أحدهما وأنكره الآخر لزم المقر نصفها، إلا إن يكون المقر عدلًا، وشهد لرب الدين، وحلف معه فيأخذها، وتكون الثانية بين الاثنين، وإن أقر بقبض ثمن أو غيره، ولم يجحد الإقرار، وسأل إحلاف خصمه فله ذلك، فإن نكل حلف هو وحكم له؛ لأن العادة - جارية - بالإقرار بالقبض قبله.
* * *
(1)
يدفعه لزيد لإقراره له به، ولا يقبل رجوعه عنه؛ لأنه حق آدمي، ويغرم قيمته لعمرو. وانظر: منار السبيل (2/ 864).
(2)
المغصوب لعمرو لإقراره باليد له، والقيمة لزيد، لإقراره بالملك.
(3)
لأنه إنما شهد له به، أشبه ما لو شهد له بمال بيد غيره. وانظر: منار السبيل (2/ 864).
فصل: (في الإقرار بالمجمل)
(1)
إذا قال: له علي شيء وشيء أو كذا أو كذا صح، وقيل له: فسره فإن أبى حبس حتى يفسر، ويقبل تفسيره بأقل متمول ونحو حق شفعة، لا بنحو رد سلام
(2)
، فإن مات قبل التفسير لم يؤاخذ وارثه بشيء
(3)
، وإن قال: له علي مال أو مال عظيم، قُبل تفسيره بأقل متمول
(4)
حتى بأم ولد، وإن قال: له علي ألف، رجع في تفسير جنسه إليه، فإن فسره بجنس واحد نحو فضة، أو بأجناس قُبل منه
(5)
، وبنحو كلاب لم يقبل، وله علي ألف درهم
(6)
أو ثوب فالمجمل من جنس المفسر معه، وله في هذا العبد شركة أو سهم، رجع إليه في تفسير حصة الشريك، وله علي ألف إلا قليلًا يحمل على ما دون النصف، ولو قال: له علي دراهم كثيرة قبل بثلاثة
(1)
المجمل: ما احتمل أحد أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر، وضده المفسر والمبين: وهو ما يفهم منه مراد المتكلم عند الإطلاق، واصطلاحًا: المشتمل على جملة أشياء ملخصة، انظر: المطلع (394)، والتعاريف (149).
(2)
ولأنه لا يثبت في الذمة، وليس بمتمول. وانظر: منار السبيل (2/ 865).
(3)
لاحتمال أن يكون حد قذف. وانظر: منار السبيل (2/ 865).
(4)
لأن كل مال عظيم، بالنسبة إلى ما دونه. وانظر: منار السبيل (2/ 865).
(5)
لأن لفظه يحتمله، وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 650).
(6)
الأولى بالسياق والمعنى حذف، أو والله أعلم.
فأكثر
(1)
، وله علي كذا وكذا درهم بالرفع أو بالنصب لزمه درهم، وبالجر أو الوقف بعض درهم ويفسره، وله علي ما بين درهم وعشرة لزمه ثمانية، ومن درهم إلى عشرة يلزمه تسعة، وكذلك لو قال: ما بين درهم إلى عشرة
(2)
، ومن قال: درهم وقبله درهم وبعده درهم، أو درهم ودرهم ودرهم لزمه ثلاثة، وكذا لو قال: درهم درهم درهم، فإن أراد التأكيد فعلى ما أراد
(3)
.
وإن قال: درهم بل دينار لزماه
(4)
، وله درهم في دينار لزمه درهم، فإن قال: أردت العطف أو معنى مع لزماه، ومن قال: درهم في عشرة وأطلق لزمه درهم، ما لم يخالفه عرف فيلزمه مقتضاه، أو ما لم يرد الحساب، ولو كان جاهلًا به فيلزمه عشرة، أو يرد الجمع فأحد عشر.
ومن قال: له عندي تمر في جراب، أو سكين في قراب، أو ثوب في منديل، أو فص في خاتم، أو جراب فيه تمر، أو سرج على دابة، ليس بإقرار بالثاني
(5)
، وإن قال: خاتم فيه فص، أو سيف بقراب، فهو إقرار بهما، وإقراره بشجرة ليس إقرارًا بأرضها
(6)
، فلا يملك غرس مكانها لو ذهبت، ولا أجرة ما بقيت، ومن قال: له علي درهم أو دينار يلزمه أحدهما
(1)
لأن الثلاثة أقل الجمع، وهي اليقين، فلا يجب ما زاد عليها بالاحتمال. وانظر: منار السبيل (2/ 866).
(2)
يلزمه تسعة، لعدم دخول الغاية في المغيا. وانظر: حاشية الروض المربع (7/ 651).
(3)
لأنها قابلة للتأكيد، لعدم العاطف. وانظر: منار السبيل (2/ 867).
(4)
لأن الإضراب رجوع عما أقر به لآدمي، ولا يصح فيلزمه كل منهما. وانظر: منار السبيل (2/ 867).
(5)
لأن إقراره لم يتناول الظرف، ولأنهما شيئان متغايران، لا يتناول الأول منها الثاني، والإقرار يكون مع التحقيق لا الاحتمال، وانظر: منار السبيل (2/ 868).
(6)
لأن الأصل لا يتبع الفرع، بخلاف الأرض فإنه يشمل غرسها وبناءها. وانظر: منار السبيل (2/ 869).
ويعينه، وإقراره بأمة ليس إقرارًا بحملها، ولو أقر ببستان شمل الأشجار، وبشجرة شمل الأغصان.
تتمة: إذا اتفقا على عقد وادعى أحدهما فساده والآخر: صحته فالقول لمدعي الصحة بيمينه
(1)
، وإن ادعيا شيئًا بيد غيرهما شركة بينهما بالسوية فأقر المدعى عليه لأحدهما بنصفه فالمقر به بينهما
(2)
.
ومن قال بمرض موته: هذا الألف لقطة فتصدقوا به، ولا مال له غيره لزم الورثة الصدقة بجميعه ولو كذبوه، ويحكم بإسلام من أقر ولو مميزًا، أو قبيل موته بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
اللَّهم اجعلني ممن أقر بها مخلصًا في حياته وعند مماته وبعد وفاته، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، اللَّهم اجعل هذا الكتاب خالصًا لوجهك الكريم، وسببًا لرضاك عني يا رب العالمين، وأمتني على كلمة: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، واحشرني ووالدي والمسلمين مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
* * *
(1)
لأن الظاهر وقوع العقود على وجه الصحة دون الفساد. وانظر: منار السبيل (2/ 870).
(2)
لاعترافهما أنه لهما على الشيوع، فيكون الذاهب والباقي بينهما. وانظر: منار السبيل (2/ 870).
الخاتمة والتوصيات
بعد أن مخر القلم عباب بحر تحقيق التراث، وغاص فيه لجمع اللآلي المكنونة والدرر النفيسة آن له أن يسطر بمداده بعض التوصيات البهية، والتي من شأنها أن تجمع فوائد هذه التجربة الرائعة الثرية:
1 -
يتجلى من خلال البحث عن مخطوط لتحقيقه عظم الجهد الذي بذله علماؤنا وسلفنا الأوائل عليهم الرحمات، في تدوين المؤلفات في شتى الفنون، حيث إن الباحث يجد التعدد والتنوع الكمي والكيفي في فهارس المكتبات وخزائن المخطوطات، ويجد أن المخطوطات قد شرقت وغربت فلم يعن بها المسلمون وحدهم، بل حتى الغرب عنوا بها، لما لمسوا فيها من عظيم النفع والفائدة لهم.
2 -
يتجلى لي من خلال التحقيق عظم قدر هذا العلم، وعلو قدره ورفعة منزلته، وسمو هدفه، وأنه ليس ترفًا فكريًا، أو كسلًا عقليًا، أو بلادة ذهنية، بل هو علم جليل سام نافع مفيد عظيم، يحفظ للأمة دينها وتراثها، كذلك أنه يوقف الباحث على علوم كثيرة متعددة متنوعة، إذ لولا التحقيق لما اطلع الباحث على كتب مختلفة في شتى الفنون، فالباحث في باب غالبًا ما يطلع على ما يخص بحثه، لكن من يحقق مخطوطًا، فإنه غالبًا ما يطلع على علوم كثيرة، ليفك ما أرمز إليه المؤلف، لكن ما قلَّ شأن هذا العلم عند غير المشتغلين به إلا لأن جهد الباحث المضني والشاق يختفي خلف العلامات الرقمية التي يبين بها مرادات المؤلف.
3 -
تبين لي أن شأن علم التحقيق أن يظهر ما كان مندثرًا من الكتب، أو يشهر ما كان مغمورًا من الرسائل، أو يزيل اعتداءات بعض الصحفيين أو المستشرقين على التراث إما بحسن نية وجهل بأصول هذا الفن، أو بفساد نية وسوء قصد، فأي أمر كان للباحث من هذين فهو توفيق وهدى ونور.
وعليه فإنه من تتميم الفائدة فإني أهيب من يهفو قلبه لمثل هذا العمل العظيم أن يجتهد في أمور:
4 -
أولًا: التعاون مع المكتبات المتخصصة في جمع التراث بالترتيب والفهرسة والتنظيم والتبويب حتى يسهل على الباحثين الوصول إلى مراداتهم.
5 -
ثانيًا: أن يدل الباحثون بعضهم بعضًا على مواضع المخطوطات وعناوينها ومؤلفيها، وذلك من خلال المواقع الإلكترونية أو المنتديات أو الدوريات المتخصصة، فإن العلم رحم وصلة بين أهله.
6 -
ثالثًا: أهيب بالمكتبات المتخصصة أن تمد يد العون للباحثين والراغبين فتسهل عليهم إجراءات الحصول على المخطوط، وبيان مكان وجوده وإرسال نسخة منه لمن يريد دراسة مخطوط ما.
7 -
أهيب بإخواني الباحثين أن يجتهدوا في جمع تراث من سبق، وإخراجه بصورة علمية محكمة تليق بقدرهم وقدرنا، وهذا من باب حفظ العلم، ونشر التراث، ورد الجميل، والاعتراف بالمعروف، وصيانة الحق، والثناء الحسن.
* * *