المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

العقود الدرية في قول الواقف على الفريضة الشرعية لخاتمة المحققين نخبة - العقود الدرية في قول الواقف على الفريضة الشرعية - ط إسطنبول - جـ ٢

[ابن عابدين]

فهرس الكتاب

العقود الدرية في قول الواقف على الفريضة الشرعية

لخاتمة المحققين نخبة المدققين العلامة المرحوم السيد محمد عابدين نفعنا الله تعالى بعلومه في الدنيا ويوم الدين

آمين

ص: 19

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، الذي وفق من شاء من الواقفين، على شروط الواقفين، التي لم تزل العلماء فيها متحيرين، لفهم الحق المبين، بواضح الادلة والبراهين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه نخبة العاملين، وقدوة العابدين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

(أما بعد) فيقول العبد الفقير محمد أمين، الشهير بابن عابدين، غفر الله له ولوالديه والمسلمين أجمعين، قد وقع السؤال عن قول واقف في كتاب وقفه يقسم ريع الوقف على الموقوف عليهم على الفريضة الشرعية هل المراد به المفاضلة بين الذكور والإناث أم القسمة بالسوية، فأردت تحرير الجواب، بلا إيجاز ولا إطناب، في رسالة (سميتها) العقود الدريه، في قولهم على الفريضة الشرعيه فأقول وبالله التوفيق، ومن فيض فضله استمد التحقيق، أن هذه المسئلة قد اختلفت فيها فتاوى المفتين، من العلماء المتأخرين، حيث لم يرد فيها نص عن الأئمة المتقدمين، وقد ألف فيها رسالة شيخ الإسلام العلامة يحيى ابن المنقار المفتى بدمشق الشام، سماها الرسالة المرضية في الفريضة الشرعية، وافقه عليها كثير من أهل عصره، وصوبوا ما ابتكره بثاقب فكره، وخالفه فيها آخرون، والكل أئمة معتبرون، فها أنا أذكر لك جملة من كلام الفريقين، وأضم إليها ما تقربه العين ويقربه كل منصف مسعف، غير حسود متلهف، ولا عدو متأسف، على حسب ما بظهر لفهمى السقيم، وفوق كل ذي علم عليم.

(فصل) في تلخيص ما في الرسالة المرضية للعلامة ابن المنقار وهو أنه قد وقع السؤال في رجل وقف وقفه حال صحته على أولاده وأولاد أولاده وذريته ونسله وعقبه على الفريضة الشرعيه وجعل آخره للفقراء وله أولاد أولاد ذكور وأناث كيف تقسم الغلة بينهم (فأجاب) شيخ الإسلام محمد الحجازي الشافعي بأنه تقسم على جميعهم حيث لم يقل الواقف للذكر مثل حظ الأنثيين، وبه أفتى الشيخ سالم السنهوري المالكي والقاضي تاج الدين الحنفى وغيرهما (ومما) يؤيده قول الخصاف أصل الوقف إنما يطلب به ما عند الله تعالى وهو الثواب وأصله للمساكين انتهى، فلابد من اعتبار الصدقة في الوقف لتصحيح أصله، وقال الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ

ص: 20

ذِي الْقُرْبَى} أي إعطاء القرابة خصهم بالذكر اهتماما بهم ألا ترى أنهم صرحوا جميعا بأنه تفرق صدقة كل فريق منهم على السوية لا تفضل الذكور على الاناث لما فيها من أجر الصدقة وأجر الصلة وكذلك المشروع في الوقف على الأولاد حالة الصحة التسوية بينهم ذكرا كان أو أنثى من قبل أن الواقف إنما أراد القربة كذا صرح به الخصاف وقصد بذلك أيضًا الصلة للأولاد على وجه الدوام، والعدل والإنصاف من حقوق الأولاد في العطايا والإحسان والوقف عطية فلا تفاوت في ذلك بين الذكر والأنثى بسبب التسوية في الحق المذكور، لما روى مسلم في صحيحه من حديث النعمان بن بشير رضى الله تعالى عنهما قال تصدق على أبي ببعض ماله فقالت أمي عمرة بنت رواحة لا أرضى حتى تشهد لي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فانطلق بي يشهده على صدقتي فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أفعلت هذا بولدك كلهم قال لا قال اتقوا الله واعدلوا في أولادكم فرجع أبي فرد تلك الصدقة، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سووا بين أولادكم في العطية ولو كنت مؤثرا أحدا لآثرت النساء على الرجال رواه سعيد في سننه الحديث، وقال الأكمل الصدقة عطية يراد بها المثوبة، وقال صاحب الاختيار الهبة هى العطية الخالية عن تقدم الاستحقاق والصدقة كالهبة لأنها تبرع انتهى، فقد صح أن لفظ الهبة والصدقة والوقف داخل في لفظ العطايا، وفسروا كلهم العدل في الأولاد بالتسوية والإنصاف في الطايابين الذكور والاناث حالة الحياة، وفى الخانية ولو وهب رجل شيئا لأولاده في الصحة وأراد تفضيل البعض على البعض روى عن أبي حنيفة أنه لا بأس به إذا كان التفضيل لزيادة فضل في الدين وإن كانوا سواء يكره، وروى المعلى عن أبي يوسف أنه لا بأس به إذا لم يقصد به الاضرار وإن قصد به الاضرار سوى بينهم يعطى للابنة مثل ما يعطى للابن، وقال محمد يعطى للذكر ضعف ما يعطى للأنثى، والفتوى على قول أبي يوسف انتهى، وفى التتارخانيه معزيا إلى تتمة الفتاوى قال ذكر في الاستحسان في كتاب الوقف وينبغي للرجل أن يعدل بين أولاده في العطايا والعدل في ذلك التسوية بينهم ذكرا كان أو أنثى في قول أبي يوسف وفي قول محمد يعطيهم على قدر المواريث ولو أراد أن يدفع النصف للبعض ويحرم البعض يجوز من طريق الحكم والعدل والإنصاف أن يعطيهم على ما ذكرنا انتهى، وقد ذكر هذا الحكم بعينه في الهبة كما ذكره غيره فيها ولم يفرق بين عطية الأعيان والمنافع، وقد أخذ أبو يوسف حكم وجوب التسوية من هذا الحديث وتبعه أعيان

ص: 21

المجتهدين وأوجبوا التسوية بينهم وقالوا يكون آثما في التخصيص وكذا في التفضيل، وفسر محمد العدل بالتسوية بينهم على قدر مواريثهم لأن الشرع جعل ميراثهم كذلك وقاس حالة الحياة على حالة الموت وساعده العرف الجارى بين الناس على ذلك ولكن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قدر سهم البنت ونحوه بالنصف في العطايا فهى سهام مقدرة ثبتت بدليل شرعى فلا يكون الدليل في إحدى المسئلتين دليلا في الأخرى مع قيام الفرق بينهما كما صرحوا به وليس عند المحققين من أهل المذهب فريضة شرعية في باب الوقف إلا هذه بموجب الحديث المذكور وما ذكر في معرض النص لا يساعد الخصم لما صرح به ابن الهمام وغيره من أن العرف غير معتبر في المنصوص عليه لأنَّه يلزم ابطال النص وقد صرح ابن فرشته بأن الأصل في كل شيء الكمال والظاهر من حال المسلم المبادرة إلى المندوبات واجتناب المكروهات فلا تنصرف الفريضة الشرعية في باب الوقف إلا إلى التسوية لنيل الثواب والفريضة من الفرض وهو التقدير والشارع قدر السهم في العطايا كما علمت انتهى حاصل ما في رسالة ابن المنقار وقد نقل فيها عن السيوطي والقاضى زكريا والإمام السبكي ما يؤيد كلامه.

(تنبيه) قد تلخص من كلامه الذى قررناه الاستدلال على أن المراد من قولهم على الفريضة الشرعية التسوية بين الذكر والأنثى بقياس مركب وتقريره أن الوقف عطية يطلب بها الثواب وكل عطية يطلب بها الثواب فهى صدقه فالوقف صدقة والواقف في حال الصحة على الأولاد صدقة وكل صدقة في حال الصحة على الأولاد فالمشروع فيها التسوية فالوقف في حال الصحة على الأولاد المشروع فيه التسوية، وبيان تقريب الدليل على وجه يستلزم المطلوب أن الوقف في حال الصحة على الأولاد عطية والمشروع فيها التسوية بنص الحديث فصارت التسوية هى الفريضة المقدرة في باب العطية للأولاد شرعا فإذا قال ذلك الواقف على الفريضة الشرعية ولم يقيد بتسوية ولا مفاضلة كان كلامه محمولا على ما عهد شرعا في باب العطية لأن الأصل الكمال وشأن المسلم المبادرة إلى الامتثال فيراد بها التسوية لأنها المشروعة الكاملة التي يحصل بها الامتثال وإن أمكن جل كلامه على إرادة المفاضلة من حيث كونها صحيحة شرعا فلا يعتبر ذلك لما قلنا، وأما كون العرف صارفا عن ذلك ومعينا لإرادة المفاضلة فهو غير معتبر لأنَّه معارض بنص الحديث وإذا تعارض العرف مع النص رجح النص ولغى العرف، هذا تقرير خلاصة ما قدمناه على القوانين الجدلية.

(فصل) في الجواب عن ذلك بمنع الكبرى من مقدمات الدليل وهي القائلة وكل صدقة في حال

ص: 22

الصحة على الأولاد فالمشروع فيها التسوية ثم يمنع التقريب (أما الأول) فلأنا لا نسلم أن الوقف كالصدقة من هذه الجهة لأن الوقف وإن كان تصدقا بالمنفعة إلا أنه من بعض الجهات فلا يلزم أن يكون الوارد في الصدقة واردا في الوقف (والدليل) على ذلك أنه قال في الظهيرية رجل له ابن وبنت أراد أن يبرهما بشيء فالافضل أن يجعل للذكر مثل حظ الأنثيين عند محمد وعند أبي يوسف يجعلهما سواء وهو المختار لأن به وردت الآثار وإن وهب ماله للابن جاز في القضاء وهو آثم نص عليه محمد لأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال في مثل هذه الصورة اتق الله عز وعلا انتهى، ثم قال في الظهيرية أيضًا قبيل المحاضر والسجلات عند الكلام على كتابة صك الوقف ان أراد الواقف أن يكون هذا الوقف على أولاده يقول ما فضل من غلاته صرف إلى أولاده وهم فلان وفلان وفلانه أبدًا ما توالدو أو تناسلوا بطنا بعد بطن وقرنا بعد قرن لا شيء منه لاولاد البطن الاسفل مادام أحد من أولاد البطن الأعلى للذكر مثل حظ الأنثيين وإن شاء يقول الذكر والانثى على السواء لا يفضل ذكورهم على اناثهم ولكن الأول أقرب إلى الصواب واجلب للثواب اهـ فانظر كيف ذكر أن إلا فضل في الهبة والصدقة على الأولاد هو التسوية لورود الآثار وجعل الافضل في الوقف عليهم المفاضلة ولم يجعل الآثار الواردة في الصدقة واردة في الوقف فهذا نص صريح في التفرقة بينهما وحينئذ فتكون الفريضة الشرعية المعهودة بين الفقهاء هي المفاضلة فإذا أطلقها الواقف انصرفت إليها لأنها هي الكاملة المعهودة في باب الوقف وإن كان الكامل عكسها في باب الصدقة وليس لاحد من المقلدين الذين لم يبلغوا رتبة الاجتهاد مخالفة ما نص عليه أئمة مذهبهم ما دامت ربقة التقليد في اعناقهم فليس لاحد منا أن يقول أن ظاهر الحديث شمول الوقف فانا آخذ بظاهر الحديث واترك ما نص عليه مشايخ مذهبى لأن ذلك جهالة من ذلك القائل فإن أئمة مذهبه الذين قلدهم وجعل نفسه تابعا لهم اعلام منه بالآثار والاخبار ولم يقولوا شيئًا برأيهم جزافا وحاشاهم الله فلعلهم اطلعوا على ما لم يطلع عليه ووصلوا لي ما لم يصل إليه وقد قال بعض العلماء من ظن أن أحدا من الأئمة المجتهدين لم يبلغه الحديث الذي يخالف مذهبه فقد أساء، الظن به ونقص من رتبته، وفي الباب الخامس من كراهية جواهر الفتاوى ان قال قائل أن هذا الحديث ما بلغ أبا حنيفة رحمه الله تعالى قال ما عرف قدر أبي حنيفة وما علم درجته في العلم حيث قال مثل هذا وحاشى أن المعتقد يتلفظ بمثل هذه الكلمة بل بلغه وما صح وما لم يقبله فإنما لا يقبله لأنَّه وجده غير صحيح أو تأوله انتهى فقد ظهر ذلك أن قياس الوقف على

ص: 23

الهبة والصدقة قياس مع الفارق الذى ظهر للمجتهد، ومما يدل على ذلك أن كلا من ابن الزبير وسعد ابن أبي وقاص الصحابيين الجليلين رضى الله تعالى عنهما قد وقفا وقفهما على بنيهما دون البنات المتزوجات وجعلا للمردودة أي المنفصلة عن زوج منهن السكنى كما روى ذلك عنهما الإمام الخصاف في أول كتابه في الأوقاف (وأما الثانى) أعني منع التقريب لو سلمنا الدليل بجميع مقدماته بناء على أنه لقائل أن يقول يمكن حمل كلام الظهيرية على الوقف بعد الموت لا في حال الصحة وإن كان ظاهره الإطلاق وكلام الخصم في الوقف في حال الصحة فنقول له لا نسلم تقريب الدليل أي لا نسلم أنه يستلزم المدعى وهو أن المراد بالفريضة الشرعية القسمه بالسوية لما صرحوا به من أن مراعاة غرض الواقفين واجبة وصرح الاصوليون بان العرف يصلح مخصصا وأنت إذا سبرت الوقفيات القديمة والحديثة تجد في أكثرها التصريح بقولهم للذكر مثل حظ الأنثيين بعد قولهم على الفريضة الشرعية ويوجد في بعضها على الفريضة الشرعية فريضة الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين وفى بعضها بدون قوله للذكر الخ فلو كان معنى الفريضة الشرعية في باب الوقف التثوية لكان كلاما متناقضا فح يجب حمل المطلق على هذا المقيد الذى يصرحون به تأكيدا لما جرى عليه عرفهم كما هو الشأن في صكوك الأوقاف وغيرها من الاطناب في العبارة والتأكيد والتكرار لزيادة البيان (وفي) مواضع كثيرة من كتاب الأوقاف للإمام الخصاف يقول وعلى هذا تعارف الناس وعلى هذا أمور الناس ومعانيهم فهو دليل على اعتبار المعاني العرفيه (وفى) الأشباه والنظائر من القاعدة السادسة العادة محكمة ما نصه ومنه ألفاظ الواقفين تبنى على عرفهم كما في وقف فتح القدير وكذا لفظ الناذر والموصى والحالف الخ ثم ذكر أشياء كثيرة تشهد لذلك فراجعها في فتاوى المحقق ابن حجر المكي لا نبنى عبارات الواقفين على الدقائق الأصولية والفقهية والعربية كما أشار إليه الإمام البلقيني في الفتاوى وإنما نبنيها على ما يتبادر ويفهم منها في العرف وعلى ما هو أقرب إلى مقاصد الواقفين وعاداتهم قال وقد تقدم في كلام الزركشي أن القرائن يعمل بها في ذلك وكذا صرح به غيره وقد صرحوا بأن ألفاظ الواقفين إذا ترددت تحمل على أظهر معانيها وبأن النظر إلى مقاصد الواقفين معتبر كما قاله القفال وغيره اهـ (وفى) جامع الفصولين مطلق الكلام فيما بين الناس ينصرف إلى المتعارف انتهى (وفي فتاوى العلامة قاسم ابن قطلوبغا الحنفي ما نصه قال في كتاب الوقف لابي عبد الله الدمشقي عن شيخه شيخ الإسلام قول الفقهاء نصوصه أي الواقف كنصوص الشارع يعنى في الفهم والدلالة لا في وجوب العمل مع أن التحقيق أن لفظه ولفظ الموصى والحالف والناذر

ص: 24

وكل عاقد يحمل على عادته في خطابه ولغته التي يتكلم بها وافقت لغة العرب ولغةِ الشارع أولا ولا خلاف أن من وقف على صلاة أو صيام أو قرأة أو جهاد غير شرعي لم يصيح والله تعالى أعلم.

(قلت) وإذا كان المعنى كما ذكر فما كان من عبارة الوقف من قبيل المفسر لا يحتمل تخصيصا ولا تأويلا يعمل به وما كان من قبيل الظاهر كذلك وما احتمل وفيه قرينة حمل عليها وما كان مشتركا لا يعمل به لأنَّه لا عموم له (أي للمشترك) عندنا ولم يقع فيه نظر لمجتهد ليرجح أحد مدلوليه وكذلك ما كان من قبيل المجمل إذا مات الواقف وإن كان حيا يرجع إلى بيانه هذا معنى ما أفاده والله تعالى أعلم انتهى كلام العلامة قاسم رحمه الله تعالى فانظر إلى قوله وكل عاقد يحمل على عادته في خطابه ولغته الخ وإذا كان كذلك فهو من قبيل المفسر الذى لا يحتمل تخصيصا ولا تأويلا (وفى) البحر من كتاب القضا عن السيوطي عن فتاوى السبكى ان قضاء القاضي ينقض عند الحنفية إذا كان حكما لا دليل عليه وما خالف شرط الواقف فهو مخالف للنص وهو حكم لا دليل عليه سواء كان نصه في الوقف نصا أو ظاهرا انتهى قال صاحب البحر وهذا موافق لقول مشايخنا كغيرهم شرط الواقف كنص الشارع فيجب اتباعه كما في شرح المجمع للمصنف اهـ (وفى) البحر من كتاب القضا أيضًا أن المرأة تصلح شاهدة في الأوقاف كما تصلح ناظرة اهـ وقد ذكر ذلك بحثا ورده في النهر بقوله أن عرف الواقفين مراعى ولم يتفق تقرير أنثى شاهدة في الوقف في زمن ما فيما علمنا فوجب صرف ألفاظه إلى ما تعارفوا وإذا كان هذا المعنى لم يخطر ببال واقف ولم يسر ذهنه إليه وإنما أراد من الشاهد الكامل فكيف يصرف لفظة إلى غير مراده وقد قال شيخ الإسلام عبد البر في شرح الوهبانيه ينبغى ترجيح رواية دخول أولاد البنات فيما لو وقف على ذريته لأن عرفهم عليه لا يعرفون غيره ولا يسرى إلى أذهانهم غالبا سواه فاعتبر عرفهم وقال فيما لو وقف على ولده وولد ولده ينبغي أن تصحيح رواية دخول أولاد البنات أيضًا قطعا لأن فيها نص محمد عن أصحابنا وقد انضم إلى ذلك أن الناس في هذا الزمان لا يفهمون سوى ذلك ولا يقصدون غيره وعليه عملهم وعرفهم انتهى وهذا برهان لما ادعيناه فوجب الحكم بمقتضاه وإذا عرف هذا فتقريرها في شهادة وقف ابتداء غير صحيح والله تعالى الموفق انتهى كلام النهر.

(قلت) وهو برهان أيضًا لما ادعيناه فوجب الحكم بمقتضاه مع أن دخول أولاد البنات خلاف ظاهر الرواية فحيث رجح خلاف ظاهر الرواية عن أئمة المذهب بالعرف على ما هو ظاهر الرواية عنهم يكون العرف مرجحا في مسئلتنا بالاولى فإنها لم يتعارض فيها قولان عن أئمة المذهب بل لو فرضنا أن ظاهر الرواية في مسئلتنا جل الفريضة

ص: 25

الشرعية على التسوية كان لنا أن نعدل عن ظاهر الرواية إلى القول بحملها على الفاضلة بناء على ما هو العرف الشائع بين الناس الذى لا يفهمون غيره (لا يقال) العرف مشترك لأنهم تارة يقولون على الفريضة الشرعية للذكر مثل حظ الانثيين وتارة يقتصرون على قولهم على الفريضة الشرعية فيدل على أن الثاني غير الأول (لأنا نقول) لا كلام لنا في التصريح بالمفاضلة وإنما الكلام في صورة الإطلاق والمتبادر في العرف حملها على المفاضلة التي كثيرا ما يصرحون بها وإنما يثبت الاشتراك لو تبادر حملها على التسوية أو تساوى الأمران أو لو رأينا يوما من الايام أحدا من الواقفين يقول على الفريضة الشرعية على السوية ليكون قوله على السوية تصريحا بما أراده كما يقولون للذكر مثل حظ الأنثيين تصريحا بما أراده ومن أنكر تبادر العرف فيما ذكرنا فليسأل العوام فضلا عن الخواص (على) أن القائل بحمله على التسوية مسلم أن العرف بين الناس هو المفاضلة كما قدمناه عنه (وأما قوله) بعده وليس عند المحققين من أهل المذهب فريضة شرعية في باب الوقف إلا هذه أي التسوية بموجب الحديث المذكور فيقال عليه لم نر أحدا من أئمة المذهب صرح مسئلتنا ولو رايناه لاتبعناه واسترحنا من القيل والقال ولو كنت أنت رأيته لنقلته لأنَّه يدل على مطلوبك واما من نقلت عنهم من أهل عصرك أو ممن قبلهم فليسوا باهل المذهب في اصطلاح فقهائنا وإنما أهل المذهب المشايخ المتقدمون من أصحاب التخريج أو الترجيح واضرابهم ولو سلمنا أن أحدا منهم قال بذلك وان ذلك هو المعروف عندهم نقول أن عرفنا بخلافه والعرف يتغير فتتغير به الأحكام كما نصوا عليه (الا ترى) إلى ما ذكروه في الإيمان في الغدا والعشا وفى الوكالة في اشتراء الطعام وغير ذلك في مواضع كثيرة بينوا فيها الأحكام على عرف المتقدمين وذكر من بعدهم لها أحكاما أخر بناء على العرف الحادث بل قد يتغير العرف في الزمان اليسير فإن جملة من المسائل خالف فيها أبو يوسف شيخه أبا حنيفة وقالوا انها مبنية على اختلاف العرف والزمان لا على اختلاف الحجة والبرهان منها السؤال عن الشاهد وتزكيته مع أن ما بينهما زمان يسير (وقد) شاع من القواعد المقررة أن المعروف عرفا كالمشروط شرطا ولم يقل أحد أن ذلك خاص بعرف المتقدمين وإذا كان العمل بشرط الواقف واجبا كما قدمناه عن البحر وكان كلام كل عاقد يحمل على عادته في خطابه ولغته وإن خالفت لغة الشارع أو لغة العرب وانضم إليه هذه القاعدة كان الحمل على ما تعارفه واجبا وإن خالف عرف غيره كما لو صرح به كما ان نص الشارع إنما يحمل على ما تعارفه كما إذا اطلق الصلاة والصوم والحج ونحو ذلك فإنه يحمل على ما تعارفه من المعاني الشرعية الخاصة دون المعاني

ص: 26

اللغوية العامة وقد سمعت أيضًا أن نص الواقف كنص الشارع في الفهم والدلالة وأنه تجرى فيه أقسام النص الشرعى من المفسر والظاهر والمشترك والمجمل فحيث كان العرف ما قلنا وجب الحمل عليه وإذا علمت ذلك فما ذكره العلامة ابن المنقار عن الإمام السبكى من أنه افتى بالقسمة بالسوية فيمكن الجواب عنه بأنه لم يشتهر في زمنه إطلاق الفريضة الشرعية على المفاضلة كما هو المتعارف في زماننا وإذا لم يشتهر ذلك في زمنه فالاصل القسمة بالسوية لعدم ما يفيد خلافه واما ما نقله عن الإمام السيوطي فستعرف ما فيه (واما) ما صرح به ابن الهمام من أن العرف غير معتبر في المنصوص عليه لأنَّه يلزم ابطال النص فنقول بموجبه ولكن لا نسلم ورود النص في مسئلتنا كما علمته مما قدمناه ولو سلمنا أنه وارد في مسئلتنا وانه دال على كراهة المفاضلة في الوقف فلا يلزم ابطال النص لأن قولهم أن العرف غير معتبر في المنصوص عليه معناه أنه لا يعتبر في تغيير حكم النص لا بمعنى أنه تبطل دلالة ألفاظه على المعاني المتعارفة (بيان) ذلك أنه لو ورد نص بكراهة شيء أو بحرمته ثم جرى تعامل الناس وعرفهم على خلاف ما ورد به النص نقول أن العرف لا يغير حكم النص وهو الكراهة أو الحرمة ولا يجعل ذلك الشيء المتعارف مباحا لأن العرف غير معتبر في المنصوص عليه فيجب اتباع النص وعدم اعتبار العرف والإلزم ابطال النص وإذا لم نعتبر العرف لذلك لا نقول انها تبطل دلالة الالفاظ العرفية على معانيها المتعارفة المخالفة للنص، فإذا فرضنا أن النص ورد بكراهة المفاضلة في باب الوقف وتعارف الناس المفاضلة فيه نقول أن العرف لا يغير حكم النص بمعنى أن الكراهة الثابتة بالنص باقية وهذا مسلم ولكن ليس الكلام فيه وإنما الكلام في دلالة اللفظ العرفي وهو الفريضة الشرعية في مسئلتنا فإن المتعارف فيها عدم التسوية فإذا اطلق الواقف لفظ الفريضة الشرعية بناء على عرفه وقلنا أنه أراد به المفاضلة وعدم التسوية من اين يلزمه ابطال النص وإنما يلزم ذلك أن لو قلنا أن معناه أن عدم التسوية لا كراهة فيها ترجيحا للعرف على النص ولم نقل ذلك أصلا وإنما قلنا هذا اللفظ معناه في العرف عدم التسوية أعم من أن يكون عدم التسوية مكروها أو مستحبا (لا يقال) تسميتها فريضة شرعية يقتضى مشروعيتها وذلك ينافي كون معناها عدم التسوية المكروه شرعا إذا فرضنا ثبوت كراهته بالنص (لانا نقول) لا منافاة لأن الفريضة الشرعية صار علما لهذا المعنى عرفا والأعلام لا يعتبر فيها معانى الالفاظ الوضعية كما لو سميت شخصا عبد الدار وانف الناقة ونحو ذلك على أن المفاضلة فريضة شرعية في باب الميراث فإذا جرى العرف على إطلاقها في باب الوقف لم تخرج عن التسمية الاصلية،

ص: 27

فقد ثبت بما قررناه أن النص الشرعى لا يبطل دلالة اللفظ العرفى ولا يلزم من إبقاء اللفظ العرفى على معناه وجله عليه ابطال النص ولو لزم ذلك للزم بالتصريح به أيضًا كما لو قال بالفريضة الشرعية للذكر مثل حظ الأنثيين فانا لا نقول هذا مخالف لحكم النص فنصرفه عن مدلوله ليوافق المنصوص والإلزم ابطال النص إذ لا ابطال فيه قطعا كما لا يخفى على كل أحد وإذا كان الواجب جل الكلام على المتعارف كما قدمناه صار ذلك المطلق وهو قولنا بالفريضة الشرعية مساويا للمقيد بقولنا للذكر مثل حظ الأنثيين وإذا كان ذلك المقيد لو حملناه على معناه الموضوع له لا يلزم منه ابطال النص فكذلك المطلق الذى معناه في العرف معنى ذلك المقيد والا لزم ابطال الدلالة العرفية وحل الالفاظ دائما على المعاني الشرعية وهو خلاف الإجماع وعلى هذا التقرير الذي قلناه لو ذكر الفريضة الشرعية في الهبة دون الوقف كما إذا قال وهبت لابنى وبنتى كذا على الفريضة الشرعية يكون معناه المفاضلة بينهما لأنَّه هو المتعارف في محاورات الناس فيتعين حمله عليه وإن كان الواهب قد ارتكب الكراهة كما إذا صرح بذلك المعنى المتعارف وقال للذكر مثل حظ الانثيين أو لابنى الثلثان ولبنتى الثلث فإنه يتعين ما قال ولا يلزم من ذلك إلغاء النص بمقابلة العرف لانا قد أعملنا النص حيث أثبتنا حكمه حيث أثبتنا حكمه وهو الكراهة وأثبتنا العرف حيث أجرينا لفظه على معناه المتعارف (فإن قلت) قد تقدم أن الأصل في كل شيء الكمال فيتعين جله على التسوية المشروعة (قلت) هذا إنما هو فيما إذا كان اللفظ محتملا لمعنيين فينصرف اللفظ عند الإطلاق إلى الكامل منهما والفريضة الشرعية لا معنى لها عرفا إلا المفاضلة فحملها على التسوية صرف للفظ عن معناه الذي قصده المتكلم فإنه لو قصد التسوية لصرح بها ولم يقل على الفريضة الشرعية وقد سمعت التصريح بأنه يحمل كلام كل عاقد على عادته وإن خالفت لغة العرب أو لغة الشرع نعم لو كان العرف مشتركا بين المعنيين أمكن أن يقال أن كون أحدهما اكمل لموافقته المشروع قرينة على أن المتكلم قد أراده حملا لحال المتكلم على الصلاح فتأمل وتمهل، فإن هذا المقام، من مزالق الاقدام، وما ذكرته هو غاية علمى، ونهاية ما وصل إليه فهمى والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والماب.

(فصل) قد علمت مما سبق أن محل النزاع إنما هو فيما إذا وقف في صحته على أولاده وقال على الفريضة الشرعية هل يكون المعنى المفاضلة أو التسوية وهذا يوجد في بعض الأوقاف قليلا أما الكثير الشائع فيها فهو أن الواقف ينشئ وقفه على نفسه مدة حياته ثم من بعده على أولاده وأولادهم وهكذا فإذا قال في هذه

ص: 28

الصورة على الفريضة الشرعية واطلق فليس من محل النزاع لأنَّه ليس من العطية في حال الحياة حتى يمكن ادعاء أن النص الوارد فيها صارف للفظ العرفى عن معناه المتعارف وحينئذ فيبقى اللفظ العرفى بلا معارض فيتعين حمله على معناه بلا نزاع ويدل على ذلك أن الواقع في كلام العلامة ابن المنقار التقييد بحال الصحة في السؤال والجواب، ويعلم من هذا بالطريق الأولى أنه لو كان الوقف على غير أولاده بان كان على أولاد أخيه أو اقاربه أو عتقائه أو بنى فلان ونحو ذلك لا يكون من محل النزاع في شيء أصلا فيتعين حمل الفريضة الشرعية على المعنى المتعارف قطعا لأن النص وارد في عطية الرجل أولاده لا في غيرهم فيسلم العرف عن دعوى المعارض، وأولى من هذا أيضًا ما هو واقعة الفتوى في زماننا وهى أن رجلا باع داره لابن زيد وبنتيه بيعا شرعيا بثمن معلوم على الفريضة الشرعية فإنه يتعين حمله على المعنى المتعارف قطعا فإنه لا هبة هنا أصلا فضلا عن كونه هبة لأولاده أو أولاد غيره فلم يعارض المعنى العرفى هنا نص ولا رائحة نص فمن أين يمكن دعوى إرادة التسوية.

(فصل) قال العلامة الشيخ علاء الدين في الدر المختار شرح تنوير الابصار متى وقف حال صحته وقال على الفريضة الشرعية قسم على ذكور هم وإناثهم بالسوية هو المختار المنقول عن الاخيار كما حققه مفتى دمشق يحيى ابن المنقار في الرسالة المرضية على الفريضة الشرعية ونحوه في فتاوى المصه انتهى قال بعض محشيه هو مخالف للنص في خصوص الفرع المذكور فإنه في إجابة السائلين وغيره ذكر أن للذكر مثل حظ الانثيين انتهى (قلت) وقوله ونحوه في فتاوى المصه يعنى مصنف التنوير عجيب فإن الذي رأيته في فتاوى صاحب التنوير خلافه ونصه (سئل) عن رجل وقف عقارات معلومة يملكها على نفسه أيام حياته ثم بعده على بناته الاربع وعلى من يوجد إذ ذاك من أولاد الذكور والإناث على حكم الفريضة الشرعية ثم من بعدهم على أولاد الذكور منهم خاصة يستقل به الواحد ذكرا كان أو أنثى ويشترك فيه الاثنان فصاعدا على حكم الفريضة الشرعية ثم على أولاد أولادهم وذريتهم ونسلهم وعقبهم كذلك على أنه من مات من أولاده الذكور وله ولد أو ولد ولد أو أسفل من ذلك انتقل نصيبه إليه يستقل به الواحد ذكرا كان أو أنثى ويشترك فيه الاثنان فصاعدا على حكم الفريضة الشرعية فإذا انقرض أولاد الظهور ولم يبق منهم أحد كان ذلك وقفا على من يوجد من أولاد البطون على الترتيب المشروح في أولاد الظهور للذكر مثل حظ الأنثيين فإذا انقرض الموقوف عليهم عن آخرهم كان ذلك على

ص: 29

جهات عينها الواقف في كتاب وقفه، فهل إذا انحصر الوقف المذكور في ثلاثة ذكورهم أولاد بنت الواقف والثلاثة ذكور المذكورون أحدهم لام والاثنان اخوان لأب وام ثم مات أحد الاخوين الشقيقين وآل الوقف إلى الأخ لام المذكور والى الأخ الشقيق المزبور، فهل تقسم غلة الوقف بينهما نصفين أم تقسم الغلة على حكم الفريضة الشرعية بينهما.

(أجاب) تقسم الغلة بينهما نصفين عملا بالظاهر من سياق عبارة الواقف ومنها قوله فإذا انقرض أولاد الظهور ولم يبق منهم أحد كان ذلك وقفا على من يوجد من أولاد البطون على الترتيب المشروح في أولاد الظهور للذكر مثل خط الانثيين فقوله للذكر الخ يبين قوله السابق مكررا على حكم الفريضة الشرعية من أنه لم يرد عموم حكم الفريضة الشرعية المتناول ذلك لذكرين كأخوين أحدهما شقيق والآخر لام وما تقرر هو الموافق للغالب من أحوال الواقفين فإنهم لا يأخذون في وقفهم بما يطابق الارث في جميع الافراد بل الغالب من أحوالهم قصد التفاوت على الذكر والانثى فإذا قال ذلك على حكم الفريضة ينزل على الغالب المذكور سيما وقد جرى في عبارة هذا الواقف الإطلاق تارة حيث قال أو لا على حكم الفريضة الشرعية والتقييد أخرى حيث قال آخرا للذكر مثل حظ الأنثيين كما قدمناه والمطلق محمول على المقيد وقد أجاب بهذا الجواب شيخ الإسلام عمدة الأنام مفتى الوقف بالقاهرة المحروسة هو الشيخ نور الدين المقدسي وشيخ الإسلام محمد الطبلاوى الشافعي مفتي الديار المصرية انتهى ما رأيته في فتاوى صاحب التنوير.

(أقول) وحاصله أن المراد بالفريضة الشرعية في عبارة الواقفين المفاضلة حيث وجد ذكور واناث لا قسمة الميراث من كل وجه حتى يعطى للأخ لام السدس والشقيق الباقي في صورة السؤال لأن ذلك نادر في كلامهم والغالب الأول وحيث لم يوجد إلا ذكور فقط أو إناث فقط يعطون بالسوية كما صرح به في الاسعاف فيما لو قال بطنا بعد بطن للذكر مثال حظ الأنثيين فإنه صرح بأنه إذا لم يوجد إلا أحد الجنسين يقسم بالسوية وانظر إلى قوله فإذا قال على حكم الفريضة ينزل على الغالب المذكور يعنى المفاضلة والمعنى أنه حيث اطلق لا ينزل على غير الغالب أي على قسمة الميراث من كل وجه وإنما ينزل على الغالب وهو المفاضلة فهذا نص صريح في أن الفريضة الشرعية ليس معناها القسمة بالسوية وإنما معناها الفاضلة كما هو الشائع عرفا وقوله سيما وقد جرى الخ دليل آخر زائد على العرف لكون المراد من كلام هذا الواقف هو المفاضلة كما لا يخفى على من له أدنى المام بأساليب الكلام وكأن الشيخ علا الدين نظر إلى صدر الجواب وهو قوله تقسم الغلة بينهما نصفين فظن أن ذلك مطرد فيما إذا كانوا ذكورا وإناثا أو ذكورا

ص: 30

فقط أو إناثا فقط مع أن السؤال والجواب في أخوين ذكرين ولا نزاع لنا في ذلك وإنما النزاع في صورة اختلاط الذكور مع الإناث ولم يقل في هذا صاحب التنوير أن القسمة فيه بالسوية وإنما قال الغالب فيه قصد التفاوت على الذكر والانثى لا قصد قسمة الميراث من كل وجه فهو صريح في خلاف ما قال والله تعالى أعلم.

(ثم اعلم) أنه قد صرح الشيخ خير الدين الرملي بمثل ما ذكره صاحب التنوير من أن معنى الفريضة الشرعية القسمة بالمفاضلة فإنه سئل في فتاواه المشهورة عن وقف وقفه زيد على نفسه ثم على أولاده ذكورا كانوا أو إناثا على الفريضة الشرعية ثم من بعدهم على أولادهم ثم أولاد أولادهم إلى آخره ثم قال في الجواب ينتقل نصيب الميت المذكور لا حمد ولا مت ولمحمد للذكر ضعف ما الأنثى بالشرط المذكور، ثم سئل بعد هذا بنحو أربعة كراريس أو آخر كتاب الوقف عمن وقف على نفسه ثم على أولاده شمس ورجب ورهجة على الفريضة الشرعية ثم على أولاد الذكور المرقومين دون الأنثى ثم على أولاد أولادهم دائما ما تناسلوا ثم ماتت رهجة لا عن ولد ومات رجب في حياة الواقف عن ثلاث بنات وعن ابن مات في حياة الواقف ثم مات الواقف عن شمس وعن بنات رجب ثم مات شمس عن ابن وبنتين، فأجاب بالقسمة على الأولاد المستوين في الدرجة لا فضل للذكر على الانثى الشرط التفاضل في أولاد الواقف لا غير ولم يشرطه في غيرهم فيبقى مطلقا وفيه يستوى الذكر والانثى انتهى، فقوله شرط التفاضل في أولاد الواقف أي بقوله على الفريضة الشرعية فإن الواقف ذكر هذا الشرط في أولاده دون أولادهم (وفى) فتاوى العلامة الشيخ إسماعيل الحايك مفتى دمشق الشام تلميذ الشيخ علاء الدين الحصكفى في ضمن جواب سؤال وقوله على الفريضة الشرعية يقتضى أن يكون للذكر مثل حظ الأنثيين كما هو المتبادر المتعارف من كلام الواقفين اهـ بحروفه (وفى) الفتاوى المسماة بالفتاوى النعيمية لشيخ مشايخنا العلامة الفقيه الشيخ إبراهيم الغزى الشهير بالسايحاني أمين الفتوى بدمشق الشام ومن خطه نقلت ما نصه فيمن وقف على نفسه ثم على أولاده على الفريضة الشرعية وعلى نسله ثم على الأقرب فالأقرب من جهته ثم مات وأولاده ونسله وله أولاد أولاد أخيه ذكور وإناث (فأجبت) بالقسمة بالسوية حيث لم يفضل الذكر وأطلق ولم يقيد كالاول كما في الخيرية وكأنه نظر للعرف وعليه فتوى في الإسماعيلية انتهى، وأشار بقوله كما في الخيرية إلى الجواب الثانى الذى نقلناه عن الشيخ خير الدين فإنه طبقه حيث ذكر الواقف التقييد بالفريضة الشرعية في أولاده ولم يذكره فيمن بعدهم فيقسم على من بعدهم بالسوية لعدم ذكره المفاضلة

ص: 31

فيهم، وأشار بقوله وعليه فتوى في الإسماعيلية إلى ما نقلناه عن المرحوم الشيخ إسماعيل الحايك والله تعالى أعلم (ورأيت) في فتاوى المرحوم العلامة حامد أفندى العمادي مفتى دمشق الشام عن جده فقيه زمانه العلامة المحقق الشيخ عبد الرحمن أفندى العمادى مفتى دمشق الشام سؤالا وجوابا طويلين حاصل ما يوافق غرضنا منهما ان واقفا وقف وقفه على أولاده الثلاثة عائشة واسما واحمد وعلى من سيحدث له من الذكور ثم على أولادهم بالسوية الذكر والانثى فيه سواء ثم على أولاد الذكور ثم أولاد أولادهم كذلك ثم على أنسالهم مثل ذلك يقدم أولاد الذكور على أولاد الإناث فإذا انقرض أولاد الذكور فعلى من يوجد من أولاد الإناث ذكورا واناثا على الفريضة الشرعية.

(فأجاب) بان الواقف جعلهم ثلاثة أصناف الأول يكون الوقف بينهم بالسوية ثم قال المصنف الثالث يكون الوقف بين ذكورهم واناثهم على الفريضة الشرعية، فانظر كيف جعل المصنف الثالث المذكور فيهم على الفريضة الشرعية مقابلا للصنف الأول المذكور فيهم على السوية ولم يجعلهما بمعنى واحد مع أنه ربما يتوهم أن إطلاق الواقف قوله على الفريضة الشرعية محمول على التقييد السابق في قوله بالسوية فلم يلتفت إلى هذه القرينة بل نظر إلى ما هو المتعارف في عبارة الواقفين والله تعالى أعلم (ثم) رأيت في فتاوى الشهاب ابن الشلبي الحنفي سؤالا مشروطا فيه القسمة على الفريضة الشرعية بدون تصريح بان للذكر مثل حظ الانثيين ولا غيره ثم أجاب عن السؤال وقسم ريع الوقف بين أهله للذكر مثل حظ الانثيين (ثم) رأيت ذلك السؤل بعينه في فتاوى الشهاب أجد الرملي الشافعي وقسم في الجواب كذلك (ثم) رأيت ذلك في فتاوى شيخ الإسلام السراج البلقيني وقسم الريع وأجاب كذلك (أقول) ومن هذا القبيل ما نقله العلامة ابن المنقار وجعله دليلا لمدعاه مع أن الظاهر دلالته على خلافه وذلك أن الإمام السيوطي قال في فتاواه (مسئلة) واقف وقف على أولاده ثم على أولادهم بالفريضة الشرعية ومن مات منهم انتقل نصيبه إلى ولده ثم إلى ولد ولده بالفريضة الشرعية للذكر مثل حظ الأنثيين فإن لم يكن فإلى أخوته وأخواته فإن لم يكن فإلى أقرب الطبقات إليه على ما شرح فآل الأمر إلى أن ماتت امرأة من أولاد الأولاد عن أولاد عم ثلاثة محمد وخاتون اخوان وفاطمة بنت عم فهل تنتقل حصتها إلى الثلاثة أو إلى محمد فقط في حكم الفريضة الشرعية التي عول عليها من أن ابن العم لا تشاركه أخته ولا بنت عمه أفتونا مأجورين أثابكم الله تعالى الجنة.

(الجواب) والله تعالى أعلم الظاهر انتقال حصتها إلى الثلثة لعموم قوله أقرب الطبقات وأما قوله بالفريضة

ص: 32

الشرعية فمحمول على تفضيل الذكر على الانثى في الاسهم فقط (ويؤيد) هذا الحمل أمور، أحدها قوله عقيب ذلك للذكر مثل حظ الأنثيين فهذه الجملة مفسرة للمراد بذكر الفريضة الشرعية الثاني أن الفريضة الشرعية معناها الوضعى المقدرة لا مدلول لها غير ذلك والتقدير من صفات الانصبا كما قال تعالى (نصيبا مفروضا) فلا دلالة للفظ الفريضة الشرعية على منع ولا تأخير، الثالث لو أخذنا بحكم الفريضة الشامل لما ذكر لم تعط بنت العم شيئا البتة وإن فقد ابن العم لأن حكم الفرائض أنه لا ميراث لها البتة ولا يقول به أحد هنا فتعين تخصيصه بما ذكر انتهى (وحاصله) أنه ليس المراد بالفريضة الشرعية فريضة الميراث من كل جهة وإنما المراد بها المفاضلة بين الذكر والانثى فقط فلا يمنع أي لا يحجب بعض أهل طبقة ببعض ولا يتأخر بعضهم عن بعض لما ذكره من الأمور وليس المراد أيضًا بالفريضة الشرعية التسوية اذ لو كان ذلك هو المراد لخص القسمة بالسوية على الأولاد وأولادهم فقط لكون الواقف اطلق الفريضة الشرعية فيهم وصرح بالمفاضلة فيمن بعدهم من الطبقات فحيث جعل الإمام السيوطي الثاني مفسر الأول علمنا أنه لا يتعين حمل الفريضة الشرعية على التسوية عند وجود قرينة وإن كانت التسوية هي الفرد الكامل المشروع الموافق لنص الحديث وما ذاك إلا لأن القرينة ترجح أن الوقف إنما أراد ما دلت عليه القرينة ولاشك أن العرف قرينة على المراد أيضًا بل هو أقوى في الدلالة من القرينة اللفظية لأنَّه يدل على معنى وضع له اللفظ عرفا فإن دلالة الالفاظ الاصطلاحية على معانيها العرفية بين أهل كل اصطلاح من قبيل الحقائق بخلاف دلالة للفظ على معنى آخر لقرينة خارجية فحيث لم يكن النص صارفا لما دلت عليه القرينة لم يكن صارفا لما دل عليه اللفظ بنفسه بحسب العرف بالطريق الأولى بمنزلة ما إذا صرح بمدلوله العرفي وبالجملة فالذى يتعين المصير إليه والتعويل عليه أنه حيث أطلقت الفريضة الشرعية في وقف أو بيع أو هبة أو وصية أو غير ذلك لقريب أو أجنبي فإن كان أهل عصر ذلك المتكلم قد تعارفوا إطلاقها على الفاضلة بين الذكر والانثى تعين حملها على ذلك المعنى قطعا وإن لم يتعارفوا ذلك فإن وجدت قرينة اتبعت وإلا فالأصل التسوية لأن التفاضل ترجيح بلا مرجح كما لو لم يذكر الفريضة الشرعية أصلا ولا تحمل الفريضة الشرعية على الفرائض المقدرة في باب الميراث التى هى الثمن والثلث وضعفهما وضعف ضعفهما في شيء من ذلك كما ظهر لك من كلام صاحب التنوير وكلام الإمام السيوطي هذا ما ظهر لذى القريحة، والفكرة الجريحة، مع قصور باعي، وقلة اطلاعي، فعليك بالتأمل

ص: 33

ولزوم التقوى * عند حادثة الفتوى * والله تعالى الموفق للصواب. واليه المرجع والمآب. والحمد لله رب العالمين. وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وكان الفراغ من تأليفها في حدود الثلاثين بعد المائتين والالف على يد جامعها الحقير محمد عابدين غفر الله تعالى له ولوالديه والمسلمين آمين.

ص: 34