الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني
مع شرحه
بلوغ الأماني
من أسرار الفتح الرباني
كلاهما تأليف
أحمد بن عبد الرحمن البنا
الشهير بالساعاتي
خادم السنة السنية بعطفة الرسام رقم 5 بالغورية بمصر
الجزء العاشر
وقد جعلنا الفتح الرباني في أعلى الصحيفة وبلوغ الأماني في أدناها مفصولاً بينهما بجدول
تنبيه: للحافظ ابم حجر العسقلاني كتاب أسماه القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد أدرجناه جميعه ضمن الشرح موزعا عن كل حديث ذب عنه الحافظ مع عزوه إليه.
الطبعة الأولى
الطبعة الثانية
دار إحياء التراث العربي
بسم الله الرحمن الرحيم
أبواب الإفطار والسحور وآدابهما وما يتعلق بهما
1 ـ باب وقت جواز الفطر
(65)
عن عبد الله بن ابي أوفى رضي الله عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في
(65) عن عبد الله بن أبي أوفى (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي
…
_________
رموز واصطلاحات تختص بالشرح
(خ) للبخاري في صحيحه (م) لمسلم (ق) لهما (د) لأبي داود (مذ) للترمذي (نس) للنسائي (جه) لابن ماجه (الأربعة) لأصحاب السنن الأربعة، أبي داود. الترمذي والنسائي وابن ماجه (ك) للحاكم في المستدرك (حب) لابن حبان في صحيحه (خز) لابن خزيمة في صحيحه (بز) للبراز في مسنده (طب) للطبراني في معجمه الكبير (طس) له في الأوسط (طعس) له في الصغير (ص) لسعيد بن منصور في سننه (ش) لابن أبي شيبة في مصنفه (عب) لعبد الرزاق في الجامع (عل) لأبي يعلى في مسنده (قط) للدراقطنى في سننه (حل) لأبي نعيم في الحلية (هق) للبيهقي في السنن الكبرى (لك) للإمام مالك في الموطأ (فع) للإمام الشافعي. فإن اتفقا على إخراج حديث قلت أخرجه الإمامان (مى) للدارمي في مسنده (طح) للطحاوي في معاني الآثار، وهؤلاء هم أصحاب الأصول والتخريج رحمهم الله، أما الشراح وأصحاب كتب الرجال والغريب ونحوهم فإليك ما يختص بهم (طرح) للحافظ أبي زرعة بن الحافظ العراقي في كتابه طرح التثريب (نه) للحافظ ابن الأثير في كتابه النهاية (خلاصة) للحافظ الخزرجي في كتابه خلاصة تذهيب الكمال في أسماء الرجال، ثم إذا قلت قال الحافظ وأطلقت فمرادي به الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري شرح البخاري *
سفرٍ في شهر رمضان فلما غابت الشمس قال انزل يا فلان (1) فاجدح لنا، قال
هشيم أنا الشيباني عن عبد الله بن أبي أوفى الحديث (غريبه)(1) لم يسم المأمور بذلك في رواية الإمام أحمد، وكذلك في روايتي البخاري ومسلم، وأخرجه أبو داود مصرحاً باسمه (ولفظه ـ فلما غربت الشمس قال يا بلال انزل فاجدح لنا) فظهر أن المبهم هنا هو بلال، ويؤيده ما في الطريق الثانية من قوله (فدعا صاحب شرابه) فإن بلالا هو المعروف بخدمة النبي صلى الله عليه وسلم (وقوله اجدح لنا) هو بجيم ثم حاء مهملة، وهو خلط الشيء بغيره، والمراد
_________
(*) فإن كان في غيره بينته وإذا قلت قال المنذري فالمراد به هو الحافظ زكي الدين عبد العظيم بن عيد القوي المنذري في كتابه الترغيب والترهيب 0 وإذا قلت) قال الهيثمي فالمراد به هو الحافظ علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد (وإذا قلت) قال في التنقيح فالمراد به المحدث الشهير أبو الوزير أحمد حسن في كتابه تنقيح الرواة في تخريج أحاديث المشكاة (وإذا قلت) قال في المنتقى فالمراد به الحافظ مجد الدين عبد السلام المعروف بابن تيمية الكبير المتوفي سنة 621 جد ابن تيمية المشهور شيخ ابن القيم (وإذا قلت) قال الشوكاني فالمراد به المحدث الشهير محمد ابن علي بن محمد الشوكاني في كتابه نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، فإن نقلت عن غير هؤلاء ذكرت أسماءهم وأسماء كتبهم رحمة الله عليهم أجمعين.
(تنبيه) يجد القارئ بالاستقراء من أول الكتاب إلى نهاية الجزء السايع أني أورد في الشرح في آخر كل باب قبل الأحكام ما يتيسر لي من الأحاديث الزائدة على ما أخرجه الإمام أحمد في الباب سواء أكانت في الصحاح أو في السنن أو المعاجم أو الجوامع أو المسانيد وسواءً كانت حسنة أو صحيحة أو ضعيفة ضعفاً يقوى بغيرها من طرق أخرى، وهذا الأخير لا أذكره إلا نادراً معرضاً عن ذكر الأحاديث الشديدة الضعف لأنها لا يعمل بها ولا فائدة في ذكرها قاصداً بذلك أن يكون (كتابي هذا أجمع كتاب) في علم السنة لا يحتاج مقتنيه إلى غيره، ولما كانت هذه الأحاديث الزائدة تزداد في كل جزء عن سابقه بحسب زيادة المواد التي لم تكن موجودة قبل ذلك وكان لها ارتباط بالأحكام وتكثر الإشارة إليها في الشرح. رأيت أن أترجم لها بعنوان (زوائد الباب) وتكون الإشارة إليها بلفظ الزوائد (فإذا قلت) أحاديث الباب مع الزوائد تدل على كذا أ، حديث عمر مثلاً الذي في الزائد يدل على كذا، فمرادي بلفظ الزوائد ما زدته في الشرح من الأحاديث التي تناسب الباب لغير الإمام أحمد فتنبه والله الهادي
يا رسول الله عليك نهار (1) قال انزل فاجدح، قال ففعل، فناوله فشرب، فلما شرب أومأ بيده إلى المغرب ففقال إذا غربت الشمس ههنا جاء الليل من ههنا فقد أفطر الصائم (2)(وعنه من طريق ثانٍ)(3) قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ وهو صائم فدعا صاحب شرابه بشرابٍ، فقال صاحب شرابه لو أمسيت يا رسول الله، ثم دعاه فقال له لو أمسيتَ ثلاثاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لإذا جاء الليل من ههنا فقد حل الإفطار أو كلمةً هذا معناها (وفي لفظٍ) إذا رأيتم الليل قد أقبل من ههنا فقد أفطر الصائم.
هنا خلط السويق بالماء وتحريكه حتى يستوي، والمجدح بكسر الميم عود مجنح الرأس ليساط به الاشربة وقد يكون له ثلاث شعب (1) القائل يا رسول الله عليك نهار هو بلال كما يستفاد من رواية أبو داود، يريد أن النهار لم ينته بل بقي منه شيء، والظاهر أنه ما قال ذلك إلا عن اعتقاد لما رأى من الضوء والحمرة التي تكون بعد مغيب الشمس ففهم أن الشمس باقية وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينظر ذلك الضوء (2) هكذا في المسند (إذا غربت الشمس هاهنا جاء الليل من هاهنا فقد أفطر الصائم) ولفظ مسلم (إذا غابت الشمس من هاهنا وجاء الليل من هاهنا فقد أفطر الصائم) وهي أحسن في التعبير، والمعنى إذا غابت الشمس من جهة المغرب وجاء الليل من جهة المشرق فقد أفطر الصائم، يعني انقضى صومه وتم وحلَّ له الفطر وزالت عنه موانع الصيام لأنه بغروب الشمس خرج النهار ودخل الليل. والليل ليس محلاً للصوم (3)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن سليمان الشيباني قال سمعت عبد الله بن أبي أوفى قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث (4) جاءت هذه الجملة وهي قوله (لو أمسيت) مكررة مرتين في صحيح البخاري من طريق خالد عن الشيباني. وفي المرة الثالثة قال للنبي صلى الله عليه وسلم أن عليك نهاراً (قال الحافظ) وقد اختلفت الروايات عن الشيباني في ذلك، فأكثر ما وقع فيها أن المراجعة وقعت ثلاثاً وفي بعضها مرتين وفي بعضها مرة واحدة، وهو محمول على أ، بعض الرواة اختصر القصة، ورواية خاللد المذكورة في هذا الباب أتمهم سياقاً وهو حافظ فزيادته مقبولة، وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يراجع ثلاث اهـ (تخريجه)(ق. د. نس. وغيرهم).
(66)
عن عاصم بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقبل الليل وقال رمةً جاء الليل من ههنا وذهب النهار من ههنا فقد أفطر الصائم، يعني المشرق والمغرب (1)(وعنه من طريقٍ ثانٍ)(2) عن أبيه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال إذا أقبل الليل وأدبر النهار وغربت الشمس فقد أفطر الصائم.
(67)
ز عن قطبة بن قتادة رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يفطر إذا غربت الشمس
(66) عن عاصم بن عملا عن أبيه (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع هشام بن عروة عن أبيه عروة عن عاصم بن عمر عن أبيه ـ الحديث (غريبه)(1) هذا تفسير من بعض الرواة، يعني إذا أقبل أو جاء الليل من هاهنا أي من جهة المشرق، وذهب النهار من هاهنا أي من جهة المغرب (فقد أفطر الصائم) أي دخل في وقت الفطر. وقال ابن خزيمة لفظه خبر ومعناه الأمر، أي فليفطر الصائم (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سفيان عن هشام عن أبيه عن عاصم بن عمر عن أبيه رضي الله عنه الحديث (3) قال العلماء كل واحد من هذه الثلاثة يعني إقبال الليل وإدبار النهار وغروب الشمس يتضمن الآخرين ويلازمهما، وإنما جمع بينها لأنه قد يكون في واد ونحوه بحيث لا يشاهد غروب الشمس فيعتمد إقبال الظلام وإدبار النهار والله أعلم، حكاه النووي (تخريجه)(ق. والثلاثة وغيرهم).
(67)
(ز) عن قطبة بن قتاده (سنده) حدثنا عبد الله حدثني محمد بن ثعلبة بن سواء قال ثنا محمد بن سواء قال ثنا حمران بن يزيد العمري عن قتادة عن رجل من بني سدوس عن قتبة بن قتادة الحديث (تخريجه) لم أقف عليه لغير عبد الله ابن الإمام أحمد وفي اسناده رجل لم يسم ويؤيده ما قبله (الأحكام) أحاديث الباب تدل على أن وقت الصوم ينتهي بغروب الشمس وأنه متى تحقق غروبها يحل الفطر، وهو مجمع عليه. حكاه ابن عبد البر. ويكره تأخير الفطر إلى دخول جزء من الليل، والحكمة في ذلك عدم التشبه بأهل الكتاب لأنهم كانوا يؤخرون الفطر عن الغروب (وفي حديث ابن ابي أوفى) دلالة على جواز الصوم في السفر وتفضيله على الفطر لمن لا تلحقه بالصوم مشقّة ظاهرة، وفيه
(2)
باب فضل تعجيل الفطر وما يستحب الإفطار به
(68)
عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال الدين ظاهراً (1) ما عجل الناس الفطر، إن اليهود والنصارى يؤخرون
(69)
وعنه أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
تذكير العالم بما يخشى أن يكون نسيه وترك المراجعة له بعد ثلاث، وأن الصحابي لم يراجع النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن رأى أثر الضوء والحمرة التي بعد غروب الشمس فظن أن الفطر لا يحل إلا بعد ذهاب ذلك واحتمل عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرها فأراد تذكيره وإعلامه بذلك، ويؤيد هذا قوله (عليك نهار) لتوهمه أن ذلك الضوء من النهار الذي يجب صومه، وهو معنى قوله (لو أمسيت) أي تأخرت حتى يدخل المساء، وتكريره المراجعة لغلبة اعتقاده على أن ذلك نهار يحرم فيه الأكل مع تجويزه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينظر إلى ذلك الضوء نظراً تاماً فقصد زيادة الأعلام ببقاء الضوء (وفيه بيان) ما اختص به النبي صلى الله عليه وسلم من الخلق العظيم حيث لم يزجر بلفظ جامع شامل، فقد خصه الله عز وجل بجوامع الكلم صلى الله عليه وسلم.
(68)
عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد قال أنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة ـ الحديث (غريبه)(1) أي لا يزال دين الغسلام واضحاً أو عالياً أو غالباً على غيره من الأديان الأخرى (وقوله ما عجل الناس الفطر)(ما) ظرفية أي مدة تعجيل الناس فطرهم بعد تحقق غروب الشمس مباشرةً امتثالاً للسنة وعملاً بها، فهم بخير ما داموا محافظين على ذلك (وقوله إن اليهود والنصارى يؤخرون) لفظ أبي داود (لأن اليهود الخ) بلام التعليل، قال الطيبي في هذا التعليل دليل على أن قوام الدين الحنفي على مخالفة الأعداء من اهل الكتاب وأن في موافقتهم تلفاً للدين أهـ (تخريجه)(د. نس. ك) وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (قلت) وأقره الذهبي، وأخرجه أيضاً ابن ماجه بلفظ (ل يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر فإن اليهود يؤخرون) وأخرجه الدارمي والبخاري عن سهل بن سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر.
(69)
وعنه أيضاً (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا الوليد ثنا الأوزاعي حدثني قرة عن الزهري عن ابي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه الحديث
قال يقول الله عز وجل إن أحب عبادي إلليّ أعجلهم فطراً.
(70)
عن نافع ان ابن عمر رضي الله عنهما كان أحياناً يبعثه وهو صائم (2) فيقدّم له عشاءه وقد نوديَ بصلاة المغرب، ثم تقام وهو يسمع فلا يترك عشاءه وهو لا يعجل حتى يقضي عشاءه ثم يخرج فيصلي، قال وقد كان يقول قال نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لا تعجلوا عن عشائكم إذا قُدِّم إليكم
(71)
عن سلمان بن عامر الضّبيّ رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى
(غريبه)(1) أي أكثرهم تعجيلاً في الإفطار، (قال الطيبي) ولعل السبب في هذه المحبة المتابعة للسنة والمباعدة عن البدعة والمخالفة لأهل الكتاب اهـ (وقال القاري) فيه إيماء إلى أفضلية هذه الأمة لأن متابعة الحديث توجب محبة الله تعالى (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) وإليه الإشارة بحديث لا يزال الدين ظاهراً ما عجل االناس الفطر لأن اليهود والنصارى يؤخرون اهـ (تخريجه)(مذ) وقال هذا حديث حسن غريب اهـ وأخرجه أيضاً (خز. حب) في صحيحيهما كذا في المرقاة
(70)
عن نافع عن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق أنا ابن جريج أخبرني نافع أن ابن عمر ـ الحديث (غريبه)(2) المتصف بالصيام هو ابن عمر رضي الله عنهما، والمعنى أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يبعث نافعا لاستحضار طعام الإفطار فيقدم له ذلك الطعام والمؤذن ينادي بصلاة المغرب ثم تقام الصلاة وهو يسمع ذلك فلا يترك الطعام حتى ينتهي غرضه منه عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم (لا تعجلوا عن عشائكم إذا قدم إليكم) وكان ابن عمر رضي الله عنهما من اشد الناس تمسكاً بقوله صلى الله عليه وسلم وفعله (تخريجه)(حب) وسنده جيد. قال الحافظ وهو أصرح ما ورد عنه في ذلك (يعني عن ابن عمر) اهـ ورواه الشيخان والامام أحمد وتقدم في باب الأعذار التي تبيح التخلف عن الجماعة رقم 1325 صحيفة 289 من الجزء الخامس عن نافع عن ابن عمر أيضاً مرفوعاً بلفظ (إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء) قال تعشى ابن عمر مرة وهو يسمع قراءة الإمام.
(71)
عن سلمان بن عامر الضبي (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو معاوية قال ثنا عاصم عن حفصة عن الرباب عن سلمان بن عامر الضبي ـ الحديث (حفصة)
الله عليه وسلم إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر (1) فإن لم يجد فليفطرا على ماء فإنه طهور (2)(وفي لفظ) فإنه له طهور (وفي لفظٍ آخر) فإن الماء طهور
هي بنت سيرين (والرباب) بفتح الراء مشددة وتخفيف الموحدة آخرها موحدة أيضاً بنت ضليع بمهملتين مصغرة الضبية أم الرائح بهمزة بعد الألف، البصرية عن عمها سلمان بن عامر الضبي وعنها حفصة بنت سيرين (غريبه)(1) فيه مشروعية الإفطار بالتمر. فإن عدم فبالماء ولكن حديث أنس الآتي في الزوائد يدل على أن الرطب أولى من اليابس فيقدم عليه إن وجد (2) بفتح الطاء أي بالغ في الطهارة فيفطر به تفاؤلاً بطهارة الظاهر والباطن (وفي لفظ) فإنه له طهور أي يزيل المانع من أداء العبادة، ولذا منّ الله على عباده فقال (وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً) فلذلك يبدأ به إن لم يجد التمر ولأنه يزيل العطش عن النفس، وغليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم عند الإفطار ذهب الماء والله أعلم (تخريجه)(د. جه. مذ) وذال هذا حديث حسن صحيح اهـ وأخرجه (حب. ك) وصححاه، وصححه أبو حاتم الرازي (زوائد الباب) عن انس بن مالك رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن فعلى تمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء، رواه أبو داود والحاكم وابن ماجه والترمذي وقال حسن غريب، والدار قطى وقال إسناده صحيح. (الحسوات) جمع حسوة بضم الحاء المهملة أي شرب ثلاث مرات. قال في النهاية الحسوة بالضم الجرعة من الشراب بقدر ما يحسى مرة واحدة والحسوة بالفتح المرة اهـ (وعنه أيضاً) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان صائماً لم يصلِّ حتى يأتيه (يعني أنسا) برطب وماء فيأكل ويشرب. وإذا لم يكن رطب لم يصلّ حتى يأتيه بتمر وماء. رواه الطبراني في الأوسط وقال تفرد به مسكين بن عبد الرحمن عن يحيى بن ايوب وعنه زكريا بن عمر (وعنه أيضاً مرفوعا) من وجد التمر فليفطر عليه. ومن لم يجد التمر فليفطر على الماء فإنه طهور (الأحكام) في أحاديث الباب مشروعية تعجيل الفطر وهو مستحب باتفاق العلماء قالوا والحكمة في ذلك أن لا يزاد في النهار من الليل. ولأنه أرفق بالصائم وأقوى له على العبادة. وأيضاً في تأخيره تشبه باليهود فإنهم يفطرون عند ظهور النجوم وقد كان صلى الله عليه وسلم يأمر بمخالفتهم في أفعالهم وأقوالهم، واتفق العلماء على أن محل ذلك إذا تحقق غروب الشمس بالرؤية أو باخبار عدلين أو عدل، وقد صرح الحديث المروي عن أبي هريرة في أحاديث الباب بأن معجل الافطار أحب عباد الله إليه، فلا يرغب عن الاتصاف بهذه الصفة إلا من كان حظهمن الدين قليلاً كما تفعله الرافضة (وفي حديث ابن عمر) دلالة على تقديم الفطر على الصلاة وإن فاتته الجماعة وفي ذلك
(3)
باب فضل وقت الإفطار وما يقال عنده ـ وفضل من فطر صائماً
(72)
عن ابي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال إن لله عز وجل عند كل فطر عُتَقاء
خلاف للأئمة تقدم الكلام عليه مطولاً في أحكام باب ما جاء في الأعذار التي تبيح التخلف عن الجماعة صحيفة 192 من الجزء الخامس فارجع إليه إن شئت (ويستفاد من حديث أنس) المذكور في الزوائد أنه يفطر أولاً على رطب أو تمر أو ماء ثم يصلي ثم يطعم طعام الإفطار (وفيها أيضاً) استحباب الفطر على الرطب فإن لم يتيسر فعلى التمر فإن لم يوجد فعلى الماء المطلق على هذا الترتيب،، فإن ابتدأ بالماء فاتته السنة، وكذا إن ابتدأ بالتمر مع وجود الرطب (قال القارئ) وقول من قال السنة بمكة تقديم ماء زمزم على التمر أو خلطه به مردود بأنه خلاف الاتباع وبأنه صلى الله عليه وسلم صام عام الفتح أياماً كثيرة ولم ينقل عنه أنه خالف عادته التي هي تقديم التمر على الماء ولو كان لنقل اهـ (قال العلماء) والحكمة في الإفطار بالتمر أنه حلو، وكل حلو يقوي البصر الذي يضعف بالصوم. قالوا وهذا أحسن ما قيل في المناسبة وبيان وجه الحكمة، وقيل لأن الحلو يوافق الإيمان ويرق القلب (قال الشوكاني) وإذا كانت العلة كونه حلوا والحلو له ذلك التأثير فيلحق به الحلويات كلها اهـ وقال ابن حجر المكي من خواص التمر أنه إذا وصل المعدة فيلحق به الحلويات كلها اهـ وقال ابن حجر المكي من خواص لتمر أنه إذا وصل المعدة إن وجدها خالية حصل به الغذاء وإلا أخرج ما هناك من بقايا الطعام اهـ والله أعلم.
(72)
عن ابي أمامة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا ابن نمير ثنا الأعمش عن حسين الخراساني عن ابي غالب عن أبي أمامة ـ الحديث (غريبه)(1) أي من النار كما صرح بذلك في بعض الروايات، وهو جمع عتيق ولم يبين في هذه الرواية مقدار العتقاء في كل ليلة، وقد جاء مصرحاً به في رواية للبيهقي من حديث ابن مسعود وتقدم بطوله في زوائد باب فضل رمضان والعمل فيه صحيفة 235 من الجزء التاسع. وفيه ولله عز وجل عند كل فطر من شهر رمضان كل ليلة عتقاء من النار ستون الفاً. فإذا كان يوم الفطر أعتق الله مثل ما أعتق في جميع الشهر ستين الفاً ستين ألفاً، قال المنذري وهو حديث حسن لا بأس به في المتاعات (تخريجه) أورده المنذري وقال رواه أحمد بإسناد لا باس به والطبراني والبيهقي وقال هذا حديث غريب في رواية الأكابر عن الأصاغر وهو رواية الأعمش عن الحسين بن واقد
(73)
عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من فطّر صائماً كتب له مثل أجر الصائم لا يُنقص من أجر الصائم شيء (2).
(73) عن زيد بن خالد الجهني (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إسحاق بن يوسف أنا عبد الملك عن عطاء عن زيد بن خالد الجهني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تتخذوا بيوتكم قبورا صلوا فيها. ومن فطر صائما ـ الحديث (غريبه)(1) أي من اطعمه عند حلول الفطر أي بعد غروب الشمس كان لمن اطعمه مثل أجره من غير أن ينقص من اجر الصائم شيء (2) ليس هذا آخر الحديث (وبقيته)(ومن جهز غازياً في سبيل الله أو خلفه في أهله كتب له مثل أجر الغازي في أنه لا ينقص من أجر الغازي شيء) وسيأتي ذلك في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى (تخريجه) أورده المنذري وقالرواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، وقال الترمذي حديث حسن صحيح، ولفظ ابن خزيمة والنسائي (من جهز غازياً أو جهز حاجاً أو خلفه في أهله أو فطر صائماً كان له مثل أجورهم من غير أن ينقص مكن أجورهم شيء)(زوائد الباب) عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من فطر صائماً على طعام وشراب من حلال صلّت عليه الملائكة في ساعات شهر رمضان وصلى عليه جبرائيل ليلة القدر) أورده المنذريوقال رواه الطبراني في الكبير وأبو الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب إلا أنه قال (وصافحه جبرائيل ليلة القدر) وزاد فيه (ومن صافحه جبرائيل عليه السلام يرق قلبه وتكثر دموعه، قال فقلت يا رسول الله أفرأيت من لم يكن عنده؟ قال فقبضة من طعام، قلت أفرأيت إن لم يكن عنده لقمة خبز؟ قال فمذقة من لبن، قال أفرأيت إن لم يكن عنده؟ قال فشربة من ماء)(القبضة) بالصاد المهملة هو ما يتناوله الآخذ بأنامله الثلاث (والمذقة) الشربة من اللبن الممذوق أي المخلوط بالماء (وعنه أيضاً) من حديث طويل تقدم بطوله وتخريجه على زوائد باب فضل شهر رمضان والعمل فيه صحيفة 233 من الجزء التاسع وفيه (من فطّر فيه صائماً)(يعني في رمضان) كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء. قالوا يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائماً على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن الحديث (وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من فطر صائماً كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء، وما عمل من أعمال البر شيئاً إلا كان أجره لصاحب الطعام ما كان قوة الطعام فيه، أورده الهيثمي وقال رواه الطبراني في الأوسط، وفيه الحكم بن عبد الله
.
الأيلي وهو متروك (وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من فطر صائماً فله مثل أجره، رواه الطبراني في الكبير، وفيه الحسين بن رشيد وهو ضعيف (وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله (د. نس. ك. هق. قط) وقال تفرد به الحسين بن واقد واسناده حسن (وعن معاذ بن زهرة) أنه أبلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت) رواه أبو داود وهو مرسل، لأن معاذ بن زهرة لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواه الطبراني في الكبير والدارقطني من حديث ابن عباس بسند ضعيف ورواه (د. نس. قط. ك) وغيرهم من حديث ابن عمر وزاد ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله، قال الدارقطني إسناده حسن، وتقدم لفظ أبي داود (وعن أنس ابن مالك) رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال بسم الله اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت، رواه الطبراني في ألأوسط وفيه داود بن الزبرقان وهو ضعيف (وعن ابن عباس) رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال لك صمت وعلى رزقك افطرت فتقبل مني إنك أنت السميع العليم، رواه الطبراني في الكبير وفيه عبد الملك بن هارون وهو ضعيف (وعن عبد الله بن الزبير) رضي الله عنهما قال فطر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سعد ابن معاذ فقال أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة (وعن اسحاق بن عبيد الله المدني) قال سمعت عبد الله بن ابي مليكة يقول سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد، قال اب ابي مليكة سمعت عبد الله بن عمرو يقول إذا أفطر (اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي) رواه ابن ماجه. وقال البوصيري في زوائد ابن ماجه اسناده صحيح لأن اسحاق بن عبيد الله بن الحارث قال النسائي ليس به بأس، وقال أبو زرعة ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات وباقي رجال الأسناد على شرط البخاري اهـ (الأحكام) في أحاديث الباب دلالة على أن وقت الإفطار وقت مبارك يقبل الله فيه دعاء الصائمين ويغفر للمذنبين ويعتقهم من عذاب النار (وفيها) أن من فطّر صائماً كالن له مثل أجره من غير ان ينقص من أجر الصائم شيء. وصلّت عليه الملائكة وصافحه جبريل وصلى عليه ليلة القدر، فهنيئاً لمن حاز هذا الفضل العظيم والثواب الجسيم (وفي الزوائد) من الأحاديث ما يدل على مشروعية الدعاء عند الفطر بالألفاظ الواردة فيها والله عز وجل جدير بالإجابة (قال الحكيم الترمذي) في نواد الأصول أمة محمد صلى الله عليه وسلم قد خصت من بين الأمم في شأن الدعاء فقال تعالى (ادعوني أستجب لكم) وإنما كان ذلك للأنبياء فأعطيت الأمة ما أعطيت الانبياء، فلما دخل التخليط في أمورهم من أجل الشهوات التي استولت
(4)
باب ما جاء مشتركاً في تعجيل الفطر وتأخير السحور
(74)
عن ابي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور.
(75)
عن ابي عطية قال دخلت أنا ومسروق على عائشة رضي الله عنها فقلنا لها يا أم المؤمنين رجلان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحدهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة (1) والآخر يؤخر الإفطار ويؤخر الصلاة، قال فقالت أيهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة؟ قال قلنا عبد الله بن مسعود، قالت كذاك كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم والآخر أبو موسى (2)
على قلوبهم حجبت قلوبهم، والصوم يمنع النفس عن الشهوات، فإذا ترك شهوته من قلبه صفا القلب وصارت دعوته بقلب فارغ قد زايلته ظلمة الشهوات، وتولته الأنوار، فإن كان ما سأل في القدر له عجل، وان كان لم يكن كان مدخراً له في الآخرة اهـ والله أعلم.
(74)
عن ابي ذر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا بن داود ثنا داود ثنا ابن لهيعة عن سالم بن غيلان عن سليمان بن ابي عثمان عن عدي بن حاتم الحمصي عن ابي ذر ـ الحديث (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد وفيه سليمان بن أبي عثمان قال ابو حاتم مجهول اهـ (قلت) وفيه ابن لهيعة أيضاً فيه كلام، وله شاهد من حديث سهل بن سعد عند الشيخين بلفظ (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)
(75)
عن ابي عطية (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبا ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن عمارة عم أبي عطية ـ الحديث (غريبه)(1) الظاهر أن المراد صلاة المغرب ويمكن حملها على العموم، وتكون المغرب من جملتها، قال أبو الطيب السندي رحمه الله (2) يعني الاشعري رضي الله عنه قال الطيبي الأول عمل بالعزيمة، والثاني بالرخصة اهـ (قال القارئ) وهذا إنما يصح لو كان الاختلاف في الفعل فقط، أما إذا كان الاختلاف قولياً فيحمل على ان ابن مسعود اختار المبالغة في التعجيل وابو موسى اختار عدم المبالغة فيه وإلا فالرخصة متفق عليها عند الكل، والأحسن أن يحمل عمل ابن مسعود على السنة
(وعنه من طريق ثان (1)) قال قلنا لعائشة رجلان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحدهما يعجل المغرب (2) ويعجل الإفطار، والآخر يؤخر المغرب ويؤخر الإفطار فذكره
وعمل أبو موسى على بيان الجواز اهـ (1)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا ابن جعفر ثنا شعبة ثنا مؤمل ثنا سفيان عن الأعمش عن عمارة عن ابي عطية قال قلنا لعائشة الحديث (2) هذه الرواية تفيد أن المراد بقوله في الرواية الأولى (ويعجل الصلاة) صلاة المغرب لا جميع الصلوات، وللإمام أحمد من طريق ثالث قال حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن سليمان قال سمعت خيثمة يحدث عن أبي عطية قال قلنا لعائشة إن فينا رجلين من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحدهما يعجل الإفطار ويؤخر السحور والآخر يؤخر الإفطار ويعجل السحور، قال فقالت عائشة أيهما الذي يعجل الإفطار ويؤخر السحور؟ قال فقلت هو عبد الله، فقالت كذا كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي هذه الرواية قال يؤخر الإفطار ويعجل السحور بعكس المستحب، ولعل أبا موسى كان يفعل ذلك في بعض الأحيان لبيان الجواز كما قال القارئ والرواية الأولى هي المشهورة وتوافقها رواية مسلم والله أعلم (تخريجه)(م. نس. مذ) وصححه (زوائد الباب) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنا معاشر الأنبياء أمرنا ان نعجل فطرنا وأن نؤخر سحورنا وأن نضع ايماننا على شمائلنا في الصلاة، رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح (وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنا معاشر الأنبياء أمرنا بثلاث، بتعجيل الفطر وتأخير السحور ووضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه يحيى بن سعيد بن سالم القداح وهو ضعيف (وعن يعلى بن مرة) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة يحبهم الله، تعجيل الافطار، وتأخير السحور، وضرب اليدين إحدهما على الأخرى في الصلاة، رواه الطبراني في الأوسط وفيه عمر بن عبد الله بن يعلي وهو ضعيف، (وأم حكيم بنت وداع) رضي الله عنها قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول عجلوا الإفطار وأخروا السحور، رواه الطبراني في الكبير من طريق حبابة بنت عجلان عن أمها عن صفية بنت جرير. وهؤلاء النسوة روى لهن ابن ماجه ولم يخرجهن أحد ولم يوثقهن (وعن عمرو بن ميمون) قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرع الناس إفطاراً وأبطأهم سحوراً، رواه الطبراني في الكبير ورجاله ورجال الصحيح (وعن عمرو بن حريث) قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اسرع الناس إفطاراً وأطأهم سحوراً، رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح، أورد هذه الأحاديث الحافظ
5 باب فضل السحور والأمر به
(76)
عن ابي هريرة رضي الله عنه قال اقل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسحروا فإن في السحور بركة (1).
(77)
وعنه أيضاً قال دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة في السحور والثريد (2)
(78)
عن عبد الله بن الحارث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل على النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وهو يتسحر فقال إنه بركة
الهيثمي وتكلم عليها جرحا وتعديلا، وقد نقلنا عنه ذلك (قال ابن عبد البر رحمه الله أحاديث تعجيل الإفطار وتأخير السحور صحاح متواترة (الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد تدل على مشروعية تعجيل الفطر وتأخير السحور وأن ذلك سنة، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم وواظب عليه أصحابه من بعده، واتفق على ذلك الائمة ولم أعلم لذلك مخالفاً، ومن هذا يعلم أن ما عليه الناس الآن من تعجيل السحور غير موافق لهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم نسأل الله تعالى التوفيق للعمل بسنته صلى الله عليه وسلم والوفاة على ملته آمين.
(76)
عن ابي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق قال أنبأنا سفيان عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن أبي هريرة ـ الحديث (غريبه) بفتح السين ما يتسحر به من الطعام والشراب، وبالضم أكله، والوجهان جائزان ها هنا، وتوصيف الطعام بالبركة باعتبار ما في أكله من الأجر والثواب والتقوية على الصوم وما يتضمنه من الذكر والدعاء في ذلك الوقت، وربما توضأ صاحبه وصلى أو أدام الاستيقاظ للذكر والدعاء والصلاة والتأهب لها حتى يطلع الفجر (تخريجه)(نس) وسنده جيد وأخرجه أيضاً (ق. مذ. نس. جه.) من حديث أنس بن مالك
(77)
وعنه أيضاً (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الزاق ثنا معمر عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابي هريرة ـ الحديث (غريبه)(2) الثريد فعيل بمعنى مفعول. ويقال أيضاً مثرود. يقال ثردت الخبز ثردا من باب قتل. وهو أن تفته ثم تبله بمرق والاسم الثردة (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد وأبو يعلى وفيه محمد بن أبي ليلى وهو سيء الحفظ. وبقية رجاله رجال الصحيح.
(78)
عن عبد الله بن الحارث (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا
أعطاكموه الله عز وجل فلا تدعوه
(79)
عن عرباض بن سارية رضي الله عنه قال دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السحور في رمضان (1) فقال هلم إلى هذا الغداء المبارك (2)
(80)
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
محمد بن جعفر ثنا شعبة قال سمعت عبد الحميد صاحب الزيادي يحدث عن عبد الله بن الحارث يحدث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الحديث (تخريجه) أورده المنذري وقال رواه النسائي باسناد حسن.
(79)
عن عرباض بن سارية (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حماد ابن خالد الخياط ثنا معاوية يعني ابن صالح عن يونس بن سيف عن الحارث بن زياد عن أبي رهم عن عرباض بن سارية ـ الحديث (غريبه)(1) كنيته أبو نجيح السلمي الصحابي رضي الله عنه كان من أهل الصفة وهو من البكائين نزل الشام وسكن حمص قال محمد بن عوف الحمصي كل واحد من العرباض بن سارية وعمرو بن عبسة يقول أنا ربع الإسلام. أي أنا رابع من أسلم. ولا يعلم أيهما أسلم قبل صاحبه، والعرباض ممن نزل فيهم قوله تعالى (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم) روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه أبو أمامة الباهلي وغيره من الصحابة وخلق من التابعين، توفي سنة خمس وسبعين وقيل توفي في ايام الزبير والله أعلم (2) معناه تعال، وفيه لغتان. فأهل الحجاز يطلقونه على الواحد والجمع والإثنين والمؤنث بلفظ واحد مبني على الفتح، وبنو تميم تثنى وتجمع وتؤنث فتقول هلم وهلمى وهلما وهلموا. قاله صاحب النهاية (وقال علي القاري) وجاء في التنزيل بلغة أهل الحجاز (قل هلمّ شهداءكم) أي أحضروهم (3) الغداء مأكول الصباح. وأطلق عليه لأنه يقوم مقامه (قال الخطابي) إنما سماه غداءا لأن الصائم يتقوّى به على صيام النهار فكأنه قد تغدى، والعرب تقول غدا فلان لحاجته إذا بكّر فيها، وذلك من لدن وقت السحر إلى طلوع الشمس اهـ (تخريجه)(د. نس. خز. حب) وفي اسناده الحارث بن زياد (قال المنذري) كلهم رووه عن الحارث بن زياد عن أبي رهم عن العرباض، والحارث لم يرو عنه غير يونس بن سيف، وقال ابو عمر النميري مجهول (يعني الحارث) يروى عن أبي رُهم. حديثه منكر اهـ
(80)
عن أبي سعيد الخدري (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا اسماعيل عن هشام الدستوائي قال ثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي رفاعة عن أبي سعيد
السحور أكله (1) بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة (2) من ماء فإن الله عز وجل وملائكته يصلون على المتسحرين (3)
(81)
عن جابر (بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أراد أن يصوم فليتسحر بشيء.
(82)
عن ابي قيس مولى عمرو بن العاص أن عمرو بن العاص رضي الله عنه كان يسرد (4) الصوم وقلما كان يصيب من العشاء أول الليل أكثر ما كان يصيب من السحر (5) قال وسمعته يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
الخدري ـ الحديث (غريبه)(1) بفتح الهمزة والإضافة إلى الضمير فهو مصدر أو بمعنى المرة يعني أكلة بركة كما في رواية، وبركته زيادة الأجر لأنه يقوي على الصوم (وقوله فلا تدعوه) أي فلا تتركوه لئلا تحرموا من ثوابه (2) قال في المصباح جرعت الماء جرعاً من باب نفع، وجرعت أجرع من باب تعب لغة وهو الابتلاع. والجرعة من الماء كاللقمة من الطعام وهو ما يجرع مرة واحدة، والجمع جرع مثل غرفة وغرف اهـ والمراد ولو أن يشرب شيئاً قليلاً من الماء بقصد التسحر (3) صلاة الله عليهم رحمته إياهم، وصلاة الملائكة استغفار لهم، فمن لم يتسحر يحرم من رحمة الله عز وجل واستغفار الملائكة في هذا الوقت (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد، وأورده المنذري وقال رواه أحمد وإسناده قوى أهـ وأورده الهيثمي وقال رواه أحمد وفيه رفاعة ولم أجد من وثقه ولا جرحه وبقية رجاله رجال الصحيح
(81)
عن جابر بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو أحمد الزبيري ثنا شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر ـ الحديث (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني في الأوسط وفيه عن عبد الله بن محمد بن عقيل وحديثه حسن وفيه كلام
(82)
عن ابي قيس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا موسى قال سمعت أبي يقول حدثني أبو قيس مولى عمرو بن العاص أن عمرو بن العاص ـ الحديث (غريبه)(4) أي يواليه ويتابعه (5) والمعنى أنه ما كان يتناول من طعام الإفطار أكثر من طعام السحور إلا في قليل من الأحيان، وكان معظم أحيانه يأكل من طعام الافطار أكثر مما يأكل من طعام الإفطار، وكان يحافظ على أكلة السحور ليخالف أهل الكتاب لأنهم
وصحبه وسلم يقول إن فصلا (1) بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة (2) السحر
كانوا لا يتسحرون (1) أي فرقا وتمييزاً، يعني الفارق والمميز بين صيامنا وصيام أهل الكتاب السحور، فإنهم لا يتسحرون ونحن يستحب لنا السحور (2) قال النووي أكلة السحر هي السحور، هي بفتح الهمزة. هكذا ضبطناه وهكذا ضبطه الجمهور. وهو المشهور في روايات بلادنا وهي عبارة عن المرة الواحدة من الأكل كالغدوة والعشوة وإن كثر المأكول فيهما، وأما الأكلة بالضم فهي اللقمة. وادعى القاضي عياض أن الرواية فيه بالضم، ولعله أراد رواية أهل بلادهم فيها بالضم. قال والصواب الفتح لأنه المقصود هنا (تخريجه)(م. د. مذ. نس. خز.)(زوائد الباب) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين، رواه الطبراني في الأوسط. وقال تفرد به يحيى بن يزيد الخولاني، قلت ولم أجد من ترجمه (وعن أنس بن مالك) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال تسحروا ولو بجرعة من ماء، رواه ابو يعلى وفيه عبد الواحد بن ثابت الباهلي وهو ضعيف (وعن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على المتسحرين، رواه البزار والطبراني في الكبير. وفيه عبد الله بن صالح وثقه عبد الملك بن شعيب بن الليث وضعفه الأئمة (وعن ابن عباس) رضي الله عنهما قال ارسل إليّ عمر بن الخطاب يدعوني إلى السحور وقال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماه الغداء المبارك، رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمد بن ابراهيم أخو ابي معمر وهو محمد بن ابراهيم بن معمر بن الحسن أبو بكر الهذلي، قال موسى بن هرون الحمال صدوق لا بأس به، وسئل ابن معين عن أبي معمر فقال مثل ابي معمر لا يسأل عنه هو وأخوه من أهل الحديث، وبقية رجاله رجال الصحيح (وعن عائشة) رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قربي إلينا الغداء المبارك، يعني السحور، وربما لم يكن إلا تمرتين، رواه أبو يعلى ورجاله ثقات (وعن عتبة بن عبد وأبي الدرداء) رضي الله عنهما قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تسحروا في آخر الليل، وكان يقول هو الغداء المبارك. رواه الطبراني في الكبير وفيه جبارة بن مغلس وهو ضعيف (وعن سلمان) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البركة في ثلاثة. في الجماعة، والثريد، والسحور، رواه الطبراني في الكبير وفيه أبو عبد الله البصري قال الذهبي لا يعرف، وبقية رجاله ثقات (وعن السائب بن يزيد) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم السحور التمر. وقال يرحم الله المتسحرين، رواه الطبراني في الكبير وفيه يزيد بن عبد الملك النوفلي وهو ضعيف (وعن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم
(6)
باب وقت السحور واستحباب تأخيره
(83)
عن عدي بن حاتم (الطائي) رضي الله عنه قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة والصيام، قال صلِّ كذا وكذا وصم (1) فإذا غابت الشمس فكل واشرب حتى يتبين لك الخيط الابيض من الخيط الاسود، وصم ثلاثين يوماً إلا أن ترى الهلال قبل ذلك (2) فأخذت خيطين من شعر اسود وأبيض (3) فكنت أنظر
قال نعم السحور التمر، رواه البزار ورجاله رجال الصحيح، أورد هذه الأحاديث الحافظ الهيثمي وهذا كلامه فيها جرحا وتعديلا (الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد تدل على مشروعية السحور، وحكى النووي وابن المنذر الاجماع على استحبابه وأنه ليس بواجب، واشار إلى ذلك البخاري في ترجمة هذا الباب فقال (بركة السحور من غير إيجاب لأن النبي صلى الله عليه وسلم واصلوا ولم يذكر السحور) وقد ثبت وصاله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في حديث ابي هريرة عند البخاري والامام أحمد وغيرهما، وسيأتي في باب النهي عن الوصال أن النبي صلى الله عليه وسلم واصل بهم يوماً ثم يوماً ثم رأوا الهلال فقال لو تأخر لزدتكم كالمنكل لهم حين ابوأ أن ينتهوا، لأنه صلى الله عليه وسلم كان نهاهم عنه فألحوا عليه بالوصال، وسيأتي الكلام عليه في بابه إن شاء الله تعالى، واستدل به الحافظ على أن السحور ليس بحتم، قال إذ لو كان حتاما واصل بهم، قال الوصال يستلزم ترك السحور سواء قلنا الوصال حرام أو لا اهـ ومن مقويات مشروعية السحور ما فيه من المخالفة لأهل الكتاب فإنهم لا يتسحرون كما صرح بذلك حديث عمرو بن العاص، وأقل ما يحصل به التسحر ما يتناوله المؤمن من مأكول أو مشروب ولو جرعة من ماء كما تقدم في الأحاديث والله أعلم.
(83)
عن عدي بن حاتم (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن مجالد أخبرني عامر حدثني عدي بن حاتم ـ الحديث (غريبه)(1) يعني وصم ثلاثين يوماً كما سيأتي التصريح بذلك في الحديث، ثم بين له الوقت الذي يباح له فيه الفطر وهو من غروب الشمس إلى أن يتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود يعني بياض النهار من سواد الليل كما في آخر الحديث (2) يعني قبل انتهاء الثلاثين كأن يراه ليلة الثلاثين من رمضان فله أ، يصبح مفطراً ويكون الشهر تسعا وعشرين (3) أي أحدهما من شعر والآخر من شعر أبيض. وقد جاء في رواية أخرى للشيخين والإمام أحمد وغيرهم وستأتي في التفسير قال (أخذت عقالاً أبيض وعقالاً أسود) العقال بكسر العين المهملة أي حبلا، وأصله الحبل
فيهما فلا يتبين لي (1) فذكرت ذلك ارسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك وقال يا ابن حاتم إنما ذاك بياض النهار من سواد الليل
(84)
عن أبي ذر رضي الله عنه قال قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إني أريد أن أبيت عندك الليلة فأصلي بصلاتك، قال لا تستطيع صلاتي (2) فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل فيستر بثوب وأنا محوّل عنه فاغتسل ثم فعلت مثل ذلك ثم قام يصلي وقمت معه حتى جعلت أضرب برأسي الجدران من طول صلاته ثم أذن
الذي يعقل به البعير. ويجمع على عقل بضمتين وقد تسكن القاف (1) أي فلا يتبين له الأبيض من الأسود. وإنما فعل ذلك لأنه حمل الخيطين على حقيقتيهما فصنع ما صنع، وحمل قوله من الفجر كما في رواية أخرى على السببية وظن أن الغاية تنتهي إلى أن يظهر تمييز أحد الخيطين من الآخر بسبب ضياء الفجر أو أنه نسي قوله من الفجر حتى ذكره النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى ابن أبي حاتم من طريق أبي أسامة عن مجالد في حديث عدي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له لما أخبره بما صنع. يا ابن حاتم ألم أقل لك من الفجر؟ (وللطبراني) من وجه آخر عن مجالد وغيره فقال عدي يا رسول الله كل شيء أوصيتني قد حفظته غير الخيط الأبيض من الخيط الاسود، إني بت البارحة معي خيطان أنظر إلى هذا وإلى هذا. قال إنما هو الذي في السماء، أفاده الحافظ (تخريجه)(ق. د. وغيرهم) بسياق آخر
(84)
عن أي ذر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن غيلان ثنا رشدين بن أبي عثمان حدثه عن حاتم بن أبي عدي أو عدي بن حاتم الحمصي عن أبي ذر ـ الحديث (غريبه)(2) أي لأنه صلى الله عليه وسلم كان يطيل صلاة الليل جداً، يدل على ذلك ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام حتى تتفطر رجلاه، قالت عائشة يا رسول الله أتصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال يا عائشة أفلا أكون عبداً شكورا. رواه الشيخان والامام أحمد وتقدم في باب فضل صلاة الليل رقم 1005 صحيفة في الجزء الرابع (3) أي من شدة التعب أو من غلبة النوم بسبب طول صلاته صلى الله عليه وسلم ولا يقال كان ينبغي التخفيف مراعاة للمأموم لأنه صلى الله عليه وسلم بين له كيفية صلاته
بلال للصلاة فقال أفعلت، قال نعم. قال يا بلال إنك لتؤذن إذا كان الصبح ساطعاً في السماء وليس ذلك الصبح (1) إنما الصبح هكذا معترضاً، ثم دعا بسحور فتسحر (2)
(85)
عن زرّ بن حبيش قال تسحرت ثم انطلقت إلى المسجد فمررت بمنزل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه فدخلت عليه فأمر بلقحةٍ (3) فحُلبت وبقدرلا فسُخنت ثم قال، ادنُ فكل. فقلت إني أريد الصوم، فقال وأنا أريد الصوم فأكلنا وشربنا ثم أتينا المسجد فأقيمت الصلاة ثم قال حذيفة هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم (وفي رواية) هكذا صنعت مع النبي صلى الله عليه وسلم وصنع بي
الليلية قبل الدخول فيها فقبل أن يصلى بصلاته فلا عذر له (1) المعنى يقول النبي صلى الله عليه وسلم لبلال إن أذانك في هذا الوقت الذي يكون فيه الصبح ساطعاً أي مضيئاً أبيض مستطيلا مرتفعاً في السماء لا يدل على أن هذا هو الصبح الذي يحرم به الأكل على الصائم وتحل به الصلاة، إنما الصبح الذي تتعلق به هذه الأحكام هو ما كان معترضاً في الأفق منتشراً، ويؤيد ذلك ما رواه مسلم والامام أحمد وسيأتي من حديث سمرة بلفظ (لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل، ولكن الفجر المستطير في الأفق (وفي لفظ) لا يغرنكم نداء بلال وهذا البياض حتى ينفجر الفجر، أو يطلع الفجر (وما رواه ابن أبي شيبة) عن ثوبان مرفوعا (الفجر فجران فأما الذي كأنه ذنب السرحان (أي الذئب) فإنه لا يحل شيئاً ولا يحرمه، ولكن المستطير) أي هو الذي يحرم الطعام ويحل الصلاة (2) فيه استحباب تأخير السحور لأنه ليس بين الفجر الكاذب والفجر الصادق إلا زمن يسير كما سيأتي بيانه والله أعلم (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام أحمد، وفي اسناده رشدين بن سعد فيه كلام
(85)
عن زر بن حبيش (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة أنا عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش ـ الحديث (غريبه)(3) اللقحة بالكسر والفتح الناقة القريبة العهد بالنتاج والجمع لقح كعنب وقد لقحت لقحا ولقاحا وناقة لَقوح إذا كانت غزيرة اللبن وناقة لاقح إذا كانت حاملاً ونوق لواقح واللقاح ذوات الألبان: الواحدة لقوح (نه) وقوله وبقدر فسخنت يعني وأمر باستحضار إناء فسخن فيه
النبي صلى الله عليه وسلم قلت أبعد الصبح؟ قال نعم هو الصبح غير أن لم تطلع الشمس (2)
(86)
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا مؤمل ثنا سفيان عن عاصم عن نصر عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال كان بلال يأتي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتسحر وإني لأبصر مواقع نبلي (2) قلت أبعد الصبح؟. قال بعد الصبح إلا أنها لم تطلع الشمس (ومن طريق ثان)(3) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع عن سفيان بن عاصم قال قلت لحذيفة أي ساعة تسحرتم مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم؟ قال هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع
(87)
عن بلال بن رباح رضي الله عنه قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أوذنه بالصلاة قال أبو أحمد (4) وهو يريد الصيام فدعا بقدح فشرب
اللبن (1) يريد انه تسحر مع النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذا الوقت ثم ذهب معه الى المسجد فأقيمت الصلاة كذلك (وقوله أبعد الصبح؟) يعني أكلت مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصبح؟ قال نعم هو الصبح يعني بعد انفجار الفجر إلا أن ذلك كان قبل طلوع الشمس والجمهور على خلافه، وأجابوا عن هذا الحيث ومثله بأنه كان أول الأمر ثم نسخ، وسيأتي الكلام عليه في الأحكام (2) ليس هذا آخر الحديث (وبقيته) قال وبين بيت حذيفة وبين المسجد كما بين مسجد ثابت وبستان حوط، وقد قال حماد أيضاً وقال حذيفة هكذا صنعت مع النبي صلى الله عليه وسلم وصنع بي النبي صلى الله عليه وسلم (تخريجه)(نس. ص. طح. عب) وصحح الحافظ إسناده
(86)
حدثنا عبد الله (غريبه)(3) أي المواضع التي تصل إليها سهامه إذا رمى بها والنبل بفتح النون وسكون الموحدة وهي السهام العربية وهي مؤنثة لها من لفظها قاله ابن سيده، وقيل واحدها نبلة مثل تمر وتمرة، ويستفاد منه أن ذلك كان بعد الفجر الصادق ووضوح النهار لكل إنسان بغير شك. ويؤيد ذلك قوله بعد الصبح إلا أنها لم تطلع الشمس وبقوله في الطريق الثانية هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع، فهو صريح في أن ذلك كان بعد ظهور الفجرجليا وتقدم الكلام عليه في الذي قبله (تخريجه)(نس. ص. وغيرهما) وسنده جيد
(87)
عن بلال (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن آدم وأبو أحمد قالا ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن معقل المزنى عن بلال ـ الحديث (غريبه)(4) هو محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمر بن درهم الاسدي الزبيري مولاهم
وسقاني (1) ثم خرج إلى المسجد للصلاة فقام يصلي بغير وضوء (2) يريد الصوم
(88)
عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في السَحَر (3) يا أنس إني أ {يد الصيام فأطعمني شيئاً، قال فجئته بتمر وإناء فيه ماء بعدما أذن بلال، فقال يا أنس انظر انساناً يأكل معي، قال فدعوت زيد بن ثابت فقال يا رسول الله إني شربت شربة سويق فأنا أريد الصيام، قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأنا أريد الصيام، فتسحر معه وصلى
أبو أحمد الكوفي أحد الراويين الذين روى عنهما الإمام أحمد هذا الحديث، قال العجلي ثقة يتشيع، وقال ابو حاتم حافظ للحديث عاقل مجتهد له أوهام، وقال النسائي ليس به بأس، قال الامام أحمد مات سنة ثلاث ومائتين (1) الظاهر أن بلالا لم بأت النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه بالصلاة إلا بعد أذان الفجر الصادق كما هي عادته (فإن قيل) ان بلالا كان يؤذن بليل كما في الحديث الصحيح عن ابن عمر مرفوعا (أن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)(فالجواب) أن هذا لا ينافي أن ابن أم مكتوم هو الذي أذن وأن بلالا جاء يدعو النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة لان ذلك كان من وظيفته، ويؤيد هذا قول حذيفة في الحديث السابق (كان بلال يأتي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتسحر وإني لأبصر مواقع نبلي) فهو دليل على أن بلالا أتاه صلى الله عليه وسلم بعد أذان الفجر الصادق سواء أكان بلالا هو المؤذن أم غيره (2) يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان نائماً فلما أيقظه بلال للصلاة وهو يريد الصوم اقتصر على الشرب ثم ذهب إلى المسجد فصلى ولم يحدث وضوءاً لأن نوم الأنبياء لا ينقض الوضوء، ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان متيقظاً متوضئاً ولم يره بلال توضأ فأخبر بما رأى والله أعلم (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجالهما رجال الصحيح
(88)
عن قتادة عن أنس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن قتادة عن أنس ـ الحديث (غريبه)(3) أي في وقت السحر وهو قبيل الصبح (وقوله بعدما أذن بلال) يعني الأذان الأول وهو قبل طلوع الفجر الصادق لقوله
ركعتين ثم خرج فأقمت الصلاة (1)
(89)
عن ابي الزبير قال سألت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن الرجل يريد الصيام والإناء على يده ليشرب منه فيسمع النداء؟ قال جابر كنا نحدث (2) أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال ليشرب
صلى الله عليه وسلم (إن بلال يؤذن بليل الحديث سيأتي)(1) يستفاد منه أنهما انتهيا من السحور عند طلوع الفجر الصادق لقوله وصلى ركعتين يعني ركعتي الفجر (تخريجه)(نس) رجاله من رجال الصحيحين
(89)
عن ابي الزبير (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا موسى حدثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير_الحديث (غريبة)(2) قول جابر رضي الله عنه كنا نحدث الخ_ يفيد أنه لم يسمع ذلك من الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنه بلغه عن بعض الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو حديث مرفوع، وظاهره يدل على أن الشرب جائز بعد سماع آذان الفجر الصادق وقد حمله الجمهور على الأذان الأول وهو آذان بلالفإنه كان يؤذن بليل قبل طلوع الفجر الصادق ليرجع القائم ويتنبه النائم، وعلى هذا فقوله ليشرب ظاهر لأن الوقت الذي يحرم فيه الطعام والشراب لم يحن بعد، قال في فتح الودود قال البيهقي إن صح هذا يحمل عند الجمهور على أنه صلى الله عليه وسلم قال حين كان المنادي ينادي قبل طلوع الفجر بحيث يقع شربه قبل طلوع الفجر، قلت من يتأمل في هذا الحديث وكذا حديث كلوا واشربو حتى يؤذن ابن ام مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر، وكذا ظاهر قوله تعالى "حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر" يرى أن المدار هو الفجر وهو يتأخر عن أوائل الفجر بشيء، والمؤذن لانتظاره يصادف أوائل الفجر فيجوز الشرب حينئذ إلا أن يتبين، لكن هذا خلاف المشهور بين العلماء، فلا اعتماد عليه عندهم والله أعلم اه (تخريجة) لم أقف عليه من حديث جابر لغير الأمام أحمد، وأورده الهينمي وقال رواه أحمد وأسناده حسن اه (قلت) وله شاهد من حديث أبي هريرة عند للأمام أحمد أيضاً وأبي داودالدارقطني والحاكم، وقال صحيح على شرط مسلم (قلت) وأقره الذهبي وسكت عنه أبو داود والمنذري ولفظه (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع أحدكم النداء والأناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه)
(90)
عن ابن عمر عن حفصة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أذن المؤذن صلى ركعتين وحرم الطعام، وكان لا يؤذن حتى يطلع الفجر
(فصل منه في صفة الفجر الصادق والفجر الكاذب_ وما جاء في أذان بلال وابن أم مكتوم)
(91)
عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال (2) ولا الفجر المستطيل، ولكن الفجر المستطير، في الأفق (وعنه في طريق ثان)(3) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينرنكم نداء بلال وهذا البياض حتى ينفجر الفجر أو يطلع الفجر
(90) عن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الجبار بن محمد الخطابي في سنة ثماني وثمانين قال ثنا عبيد الله بن عمر الرقى عن عبد الكريم، يعنى الجزري عن نافع عن ابن عمر عن حفصة_ الحديث (غريبة)(1) أي الأذان الثاني للفجر الصادق (وقوله وكان لا يؤذن) يعنى المؤذن (تخريجة) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الامام أحمد وسنده جيد وأخرجه (ق. لك) وليس فيه تحريم الطعام
(91)
عن سمرة بن جندب (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا وكيع ثنا أبو هلال عن سوادة بن حنظلة عن سمرة بن جندب ـ الحديث (غريبه)(2) أي لا يمنعكم من السحور أذان بلال فإنه يؤذن بليل كما سيأتي في حديث ابن عمر (وقوله ولا الفجر المستطيل) أي ولا يمنعكم البياض الذي يظهر في السماء من الشرق مستطيلا كذنب الذئب فإنه الفجر الكاذب (وقوله ولكن الفجر المستطير) أي ولكن الذي يمنع الأكل والشرب ظهور الفجر الصادق وهو المستطير في الأفق يعني المنتشر ضوءه معترضاً في جانب السماء من جهة الشرق. قال الشاعر
فهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير
(3)
(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر وروح قالا ثنا شعبة عن شيخ من بن قشير قال روح قال سمعت سوادة القشيري وكان إمامهم قال سمعت سمرة بن جندب يخطب يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغرنكم الخ (تخريجه)(م. قط.) وقال إسناده صحيح وأخرجه أيضاً الثلاثة وحسنه الترمذي.
(92)
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لا يمنعكم أذان بلال من السحور فإن في بصره شيئاً
(93)
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إن بلالا يؤذن بليلٍ فكلوا واشربوا حتى يؤذن أبن أم مكتوم.
(94)
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن ام مكتوم، قالت فلا أعلمه إلا كان قدر ما ينزل هذا ويرقى هذا (1)
(92) عن أنس بن مالك (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن بشر ثنا سعيد عن قتادة عن أنس ـ الحديث (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ورواه أبو يعلى أيضاً
(93)
عن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى عن عبيد الله عن نافع عن لبن عمر ـ الحديث (غريبه)(2) زاد في رواية من طريق ابن شهاب (الزهري) عن سالم عن ابن عمر عند الإمام أحمد (وكان ابن أم مكتوم رجلاً أعمي لا يبصر. لا يؤذن حتى يقول الناس قد أصبحت) وتقدمت هذه الرواية في باب الاذان في أول الوقت صحيفة 31 رقم 286 في الجزء الثالث وفي الموطأ للامام مالك مثلها وللبخاري من حديث عائشة (فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) وهذه الزيادة يحتمل ا، تكون من كلام ابن عمر أو من كلام سالم. أو من كلام شهاب، ولكل من هذه الاحتمالات الثلاثة أدلة، قال الحافظ ولا يمنع كون ابن شهاب قاله أن يكون شيخه سالم قاله. وكذا شيخ شيخه ابن عمر أيضاً أهـ (قلت وقوله حتى يقول الناس قد أصبحت) يعني أنه لا يؤذن حتى يأمره بالأذان من نظر ظهور الفجر لأنه كان أعمي لا يبصر والله أعلم (تخريجه)(ق. لك. وغيرهم)
(94)
عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى عن عبيد الله قال سمعت القاسم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم الحديث (غريبه)(1) يرقى بفتح أوله وثالثه، من باب أعلم أي يصعد (قال النووي) قال العلماء معناه أن بلالا كان يؤذن قبل الفجر ويتربص بعد أذانه للدعاء ونحوه ثم يرقب الفجر، فإذا قارب طلوعه نزل فأخبر ابن أم مكتوم فيتأهب ابن أم مكتوم بالطهارة وغيرها ثم يرقى ويشرع في الأذان مع أول طلوع الفجر والله أعلم أهـ (تخريجه)(ق. وغيرهما) وفي رواية للبخاري عن ابن عمر والقاسم
(95)
عن خبيب (1) قال سمعت عمتى تقول وكانت حجت مع النبي صلى الله عليه وسلم قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان ابن أم مكتوم بنادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي بلال أو (2) إن بلالا ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي
ابن محمد عن عائشة رضي الله عنها بلفظ إن بلال كان يؤذن بليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن ام مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر قال القاسم ولم يكن بين أذانيهما إلا أن يرقى ذا وينزل ذا قال الداودي في قوله لم يكن بين أذانيهما إلى آخره ـ وقد قيل له أصبحت أصبحت دليل على أن اب أم مكتوم كان يراعي قرب طلوع الفجر أو طلوعه لأنه لم يكن يكتفي بآذان بلال في علم الوقت لان بلالا فيما يدل عليه الحديث كان تختلف أوقاته، وإنما حكى من قال ينزل ذا ويرقى ذا في بعض الأوقات، ولو كان فعله لا يختلف لاكتفى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ولقال إذا فرغ بلال فكفوا ولكنه جعل أول أذان ابن أم مكتوم علامة الكف، ويحتمل أن لابن أم مكتوم من يراعي الوقت، ولوا ذلك لكان ربما خفي عنه الوقت، ويبين ذلك ما روي ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن سالم قال كان ابن ام مكتوم ضرير البصر ولم يكن يؤذن حتى يقول له الناس حين ينظرون إلىى بزوغ الفجر أذن، وقد روى الطحاوي 0 قلت والامام أحمد وسيأتي بعد هذا) من حديث أنيسة وكانت حجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قالت كان إذا نزل واراد أن يصعد ابن أم مكتوم تعلقوا به وقالوا كما أنت حتى نتسحر، وقال ابو عبد الله هذا الحديث فيه صعوبة وكيف لا يكون بين أذانيهما إلا ذلك وهذا يؤذن بليل وهذا بعد الفجر، فإن صح أن بلالا كان يصلي ويذكر الله في الموضع الذي هو به حين يسمع مجيء ابن أم مكتوم وهذا ليس ببين لأنه قال (لم يكن بين أذانيهما إلا أن يرقى ذا وينزل ذا) فإذا ابطأ بعد الأذان لصلاة وذكر لم يقل ذلك، وإنما يقال لما نزل هذا طلع هذا أهـ نقله العيني
(95)
عن خبيب (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان ثنا شعبة عن خبيب ـ الحديث (غريب)(1) بمعجمة وموحدتين مصغرا، ابن عبد الرحمن بن خبيب بن يساف (وقوله سمعت عمتي) اسمها أنيسة بنت خبيب بن يساف بن عتبة بن عمرو بن خديج بن عامر بن جشم بن الحارث بن الخزرج الأنصارية، قال ابن سعد اسلمت وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم وحجت معه، وقال ابن حبان لها صحبة، وقال ابن السكن وأبو عمر تعد في أهل البصرة (2) أو للشك من الراوي، يعني أن الراوي يشك هل
ابن أم مكتوم وكان يصعد هذا وينزل (1) هذا فنتعلق به فنقول كما أنت حتى نتسحر (وعنه من طريق ثان)(2) عن عمته أنيسة بنت خبيب قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اذن ابن أم مكتوم فكلوا واشربوا، وإذا أذن بلال فلا فلا تأكلوا ولا تشربوا، قالت وإن كانت المرأة ليبقى عليها من سحورها فتقول لبلال أمهل حتى أفرغ من سحوري
(فصل منه في مقدار ما بين الفراغ من السحور وصلاة الصبح)
(96)
عن قتادة عن انس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وزيد بن ثابت تسحرا فلما فرغا من سحورهما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة فصلّى فقلنا لأنس كم كان بين فراغهما من سحورهما ودخولهما في الصلاة (3) قال قدر
قال النبي صلى الله عليه وسلم ان ابن ام مكتوم ينادي بليل الخ أو قال أن بلالا ينادي بليل الخ، وسيأتي في الطريق الثانية أن ابن أم مكتوم هو الذي ينادي أولا بغير شك، وهو عكس الأحاديث المجمع على صحتها، وللعلماء في ذلك كلام كثير سيأتي في الأحكام (1) تقدم الكلام على شرح هذه الجملة في الحديث السابق (وقولها فنتعلق به) أي بالمؤذن الأخير منهما كما يستفاد ذلك من الطريق الثانية، ويستفاد منه أن الأخير منهما كان يؤذن في أول انفجار الفجر قبل وضوحه لكل انسان وأنه يجوز الأكل والشرب في هذا الوقت حتى يظهر نور الفجر وبذلك قال جماعة من الصحابة والتابعين، والجمهور على خلاف ذلك، وسيأتي الكلام عليه في الأحكام (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هشيم ثنا منصور يعني ابن زاذان عن خبيب بن عبد الرحمن عن عمته أنيسة بنت خبيب ـ الحديث (تخريجه)(خر. حب. وابن المنذر وغيرهم) وسنده جيد)
(96)
عن قتادة عن أنس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد ابن جعفر ثنا سعيد بن ابي عروبة عن قتادة عن أنس ـ الحديث (غريبه)(3) أي كم كان بين انتهاء السحور وابتداء الصلاة لأن المراد تقدير الزمان الذي ترك فيه الأكل، والمراد بفعل الصلاة أول الشروع فيها قاله الزين بن المنير (ولفظ قدر) مرفوع
ما يقرأ رجل خمسين آية (1)
(97)
وعنه أيضاً عن أنس عن زيد بن ثابت رضي الله عنهما قال تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجنا إلى المسجد فأقيمت الصلاة، قلت (وفي رواية قلت لزيد)(2) كم كان بينهما؟ قال قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية
على أنه خبر المبتدأ ويجوز النصب عل أنه خبر كان المقدرة في جواب أنس لا في سؤال قتادة لئلا تصير كان واسمها والخبر من آخر، قال المهلب وغيره فيه تقدير الأوقات بأعمال البدن، وكانت العرب تقدر الأوقات بالأعمال كقولهم قدر حلب شاة وقدر نخر جذور فعدل المسئول عن ذلك إلى التقدير بالقراءة إشارة إلى أن ذلك الوقت كان وقت العبادة بالتلاوة، ولو كانوا يقدرون بغير العمل لقال مثلا قدر درجة اهـ (1) أي متوسطة لا طويلة ولا قصيرة لا سريعة ولا بطيئة قاله الحافظ (تخريجه)(خ. نس)
(97)
وعنه أيضاً (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى عن هشام ثنا قتادة عن أنس عن زيد بن ثابت ـ الحديث (غريبه)(2) القائل هو أنس، والمقول له زيد بن ثابت، لأن هذا الحديث من مسند زيد، وأما في الحديث السابق فالقائل قتاادة والمقول له زيد بن ثابت، لأن هذا الحديث من مسند زيد، وأما في الحديث السابق فالقائل قتادة والمقول له أنس لأنه من مسند أنس ولهذا جعلتهما حديثين (تخريجه)(ق. نس. مذ.)(زوائد الباب) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انظر من في السمجد فادعه، فدخلت يعني المسجد فإذا أبو بكر وعمر فدعوتهما، فأتيته بشيء فوضعته بين يديه فأكل وأكلوا ثم خرجوا فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة، رواه البزار واسناده حسن (وعن علي رضي الله عنه قال دخل علقمة بن علاثه فدعا له برأس المسجد ما شاء الله ثم رجع فقال الصلاة يا رسول الله، قد واله أصبحت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله بلالا لولا بلال لرجونا أن يؤخر لنا ما بيننا وبين طلوع الشمس، فقال علي لولا أن بلالا حلف لأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقول له جبريل ارفع يدك، رواه البزار وفيه سوار بن مصعب وهو ضعيف (وعن ابن عمر) رضي الله عنهما قال تسحر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وعنده قوم فجاء علقمة بن علائه العامري فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم برأس فجاء بلال ليؤذن بالصلاة. فقال رويدك يا بلال يتسحر علقمة؟ رواه الطبراني في الكبير وفيه قيس ابن الربيع وثقة سعبة وسفيان الثوري وفيه كلام (وعن أنس بن مالك) رضي الله عنه أن
.
النبي صلى الله عليه وسلم قال إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، رواه البزار ورجاله رجال الصحيح (وعن شيبان) أنه غدا على المسجد فجلس إلى بعض حجر النبي صلى الله عليه وسلم فسمع صوته فقال أبا يحيى؟ قال نعم. قال أدخل. فدخل فرأى النبي صلى الله عليه وسلم يتغدى. فقال هلم إلى الغداء. فقال يا رسول الله إني أريد الصيام، قال وأنا أريد الصيام، إن مؤذننا في بصره سوء أذن قبل الفجر، رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه قيس بن الربيع وثقة شعبة والثوري وفيه كلام (وعن سهل بن سعد) رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم، وكان ابن أم مكتوم لا يؤذن حتى يقال له أصبحت أصبحت، رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح (وعن عامر بن مطر) رضي الله عنه قال تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة، رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات (وعن سالم مولى أبي حذيفة) أنه كان مع أبي بكر رضي الله عنه على سطح في رمضان وهو يصلي فأتاه قال ألا تطعم يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار بيده حتى فعل ذلك مرتين، كان في الثالثة قال ائتني بطعامك، فطعم وصلى ركعتين ثم دخل المسجد وأقيمت الصلاة، رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح (وعن مطر الشيباني) قال تسحرنا مع عبد الله ثم خرجنا فأقيمت الصلاة، رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح أورد هذه الأحاديث الحافظ الهيثمي وتكلم عليها جرحاً وتعديلاً (وعن قيس بن طلق) عن ابيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر) رواه أبو داود في سننه وقال في آخره (وهذا مما تفرد به أهل اليمامة)(وقوله لا يهيدنكم) هو بفتح الياء التحتية وكسر الهاء معناه لا يزعجنكم وأصل الهيد بالكسر الحركة والانزعاج، يقال هدت الشيء أهيده هيدا إذا حركته فأزعجته (والمصعد) بضم الميم وكسر العين المهملة إسم فاعل، أي الساطع الذي يسطع ضوءه المستطيل من أعلى إلى أسفل (وقوله حتى يعترض لكم الأحمر) قال الخطابي معنى الأحمر أن يستبطن البياض المعترض أوائل الحمرة. وذلك أن البياض إذا تتام طلوعه ظهرت أوائل الحمرة والعرب تشبه الصبح بالبلق في الخيل لما فيه من بياض وحمرة اهـ وأخرج هذا الحديث أيضاً الترمذي وذال حسن غريب، وأخرجه الدارقطني عن عبد الله بن النعمان السحيمي قال أتاني قيس بن طلق في رمضان في آخر الليل بعدما رفعت يدي من السحور لخوف الصبح فطلب مني بعض الأدام، فقلت أيا عماه لو كان بقي عليك من الليل شيء لأدخلتك إلى طعام عندي وشراب. قال عندك؟ فدخل فقربت إليه ثريداً ولحماً ونبيذا فأكل وشرب وأكرهني فأكلت وشربت وإني لوجل من الصبح ثم قال، حدثني طلق بن علي أن نبي الله صلى الله عليه وسلم
.
قال كلوا واشربوا ولا يغرنكم الساطع المصعد، وكلوا واشربوا حتى يعرض لكم الأحمر وأشار بيده قال الدارقطني قيس بن طلق ليس بالقوي اهـ (الأحكام) أحاديث الباب تدل على جملة أحكام (منها) أن وقت السحور يمتد إلى أن يتبين الفجر فيجب الإمساك حينئذ عن كل مفطر، وهو المراد بقوله تعالى (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الاسود من الفجر) يعني بياض النهار من سواد الليل، ولما كان الفجر فجران أحدهما يسمى بالكاذب وهو الذي يبدو أولا ساطعاً مستطيلا من أعلى إلى أسفل، والثاني بعده بزمن يسع السحور وهو المعبر عنه بالفجر الصادق، وهو الذي يبدو منتشراً في الأفق، فقد بينت السنة علامة كل منهما لعدم الالتباس (فمن ذلك) حديث أبي ذر وحديث سمرة بن بن جندب المذكورين في الباب ووهما يدلان على جواز الأكل والشرب إلى هذا الحد، وهو أول ظهور الفجر الصادق ولم يخالف في ذلك أحد من العلماء، وإنما الخلاف فيما بعد هذا الوقت، فذهب جماعة من الصحابة والأعمش من التابعين وصاحبه ابو بكر بن عياش إلى جواز الأكل والشرب حتى يتضح النهار جلياً لكل إنسان بحيث يبصر الإنسان مواقع نبله كما في حديث حذيفة المذكور في أحاديث الباب، (قال ابن المنذر) روى عن حذيفة أنه لما طلع الفجر تسحر ثم صلى، قال وروى معناه عن ابن مسعود، وقال مسروق لم يكونوا يعدون الفجر فجركم إنما كانوا يعدون الفجر الذي يملأ البيوت والطرق، (قال النووي) وحكى أصحابنا عن الأعمش وإسحاق بن راهويه لأنهما جوزا الأكل وغيره إلى طلوع الشمس ولا أظنه يصح اهـ ج (وروى ابن المنذر) بإسناد صحيح عن علي رضي الله عنه أنه صلى الصبح ثم قال الآن حتى تبين الخيط الأبيض من الخيط الاسود (قال وذهب بعضهم) إلى أن المراد بتبين بياض النهار من سواد الليل إلى أن ينتشر البياض في الطرق والسكك والبيوت، ثم حكى ما تقدم عن ابي بكر بن عياش وغيره، وروى بإسناد صحيح عن سالم بن عبيد الأشجعي وله صحبة أن ابا بكر رضي الله عنه قال له أخرج فانظر هل طلع الفجر، قال فنظرت ثم اتيته فقلت قد ابيض وسطع، ثم قال اخرج فانظر هل طلع، فنظرت فقلت قد اعترض. فقال الآن أبلغني شرابي. وروى من طريق وكيع عن الأعمش أنه قال، لولا الشهرة لصليت الغداة ثم تسحرت اهـ (وذهب الجمهور) إلى أن الدخول في الصوم بطلوع الفجر الصادق وتحريم الطعام والشراب والجماع به، وهو مذهب الأئمة (أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد) وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم (قال ابن المنذر) وبه قال عمر بن الخطاب وابن عباس وعلماء الامصار وقال به نقول أهـ واحتجوا بالأحاديث المشهورة الصحيحة التي رواها الشيخان والإمام أحمد وغيرهما (منها حديث عدي بن حاتم) وتقدم في أحاديث الباب (ومنها حديث سهل بن سعد) رضي
.
الله عنهما قال (أنزلت وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) ولم ينزل من الفجر. فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الابيض والخيط الاسود ولا يزال حتى يتبين له رؤيتهما فأنزل الله تعالى (من الفجر) فعلموا أنه به الليل والنهار (ومنها حديث سمرة بن جندب) وتقدم فب أحاديث الباب (ومنها حديث عبد الله بن مسعود) وتقدم في باب الأذان في أول الوقت صحيفة 35 رقم 284 من الجزء الثالث (وأجاب بعضهم) عن حديث حذيفة وما ماثله من الأحاديث المصرحة بجواز الأكل والشرب بعد انتشار النهار بأن ذلك كان في أول الأمر ثم نسخ، قاله الحازمي في الاعتبار واستدل على ذلك بحديثي سهل بن سعد وعدي بن حاتم (وفي أحاديث الباب أيضاً) أن بلالا رضي الله عنه كان يؤذن بليل قبل ظهور الفجر الصادق وأن ابن ام مكتوم كان يؤذن عند ظهور الفجر الصادق، ولكن حديث أنيسة يعرضه لأنه يفيد أن ابن أم مكتوم كان يؤذن أولا وأن بلالا كان يؤذن ثانياً، رواه ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان وغيرهم من طرق من حديث أنيسة مرفوعا بلفظ (ان ابن أم مكتوم ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال قال الحافظ وادعى ابن عبد البر وجماعة من الأئمة أنه مقلوب وأن الصواب حديث الباب يعني أن بلالا يؤذن بليل الخ قال وقد كنت أميل إلى ذلك إلى أن رأيت الحديث في صحيح ابن خزيمة من طريقين آخرين عن عائشة وفي بعض ألفاظه ما يبعد وقوع الوهم فيه وهو قوله إذا أذن عمرو فهو ضرير البصر فلا يغرنكم، وإذا أذن بلال فلا يطعمن أحد (وجاء عن عائشة) أيضاً أنها كانت تنكر حديث ابن عمر وتقول إنه غلط، أخرج مالك والبيهقي من طريق الدراوردي عن هشام عن أبيه عنها مرفوعا (إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال) قال عائشة وكان بلال لا يؤذن حتى يبصر الفجر، قال وكانت عائشة تقول غلط ابن عمر اهـ وهذا مما يتعجب منه، ففي صحيح البخاري والإمام أحمد وهو مذكور في أحاديث الباب من طريق القاسم بن محمد عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) وهذا لفظ البخاري، وكذا أخرجه مسلم، فقد جاء عنها في لأصح الصحيح مثل رواية ابن عمر فكيف تغلطه؟ فالظاهر والله أعلم أن تلك الرواية وهم من بعض الرواة عنها والله أعلم (قال الحافظ) قد أجمع ابن خزيمة والضبعي بين الحديثين باحتمال أن الأذان كان نوبا بين بلال وابن أم مكتوم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الناس أن الأذان الأول منهما لا يحرم على الصائم شيئاً ولا يدل على دخول وقت الصلاة بخلاف الثاني، وجزم ابن حبان بذلك ولم يبده احتمالاً وأنكر ذلك عليه الضياء وغيره، وقيل لم يكن نوباً وإنما كانت لهما حالتان مختلفتان
.
فإن بلالا كان في أول ما شرع الأذان يؤذن وحده ولا يؤذن للصبح حتى يطلع الفجر، وعلى ذلك تحمل رواية عروة عن امرأة من بني النجار قالت كان بلال يجلس على بيتي وهو أعلى بيت في المدينة فإذا رأى الفجر تمطى ثم أذن أخرجه أبو داود وإسناده حسن، ورواية حميد عن أنس أن سائلاً سأل عن وقت الصلاة فأمر صلى الله عليه وسلم بلالا فأذن حين طلع الفجر الحديث أخرجه النسائي وإسناده صحيح، ثم أردف بابن أم مكتوم فكان يؤذن بليل، واستمر بلال على حالته الأولى، وعلى ذلك تنزل رواية أنيسة وغيرها، ثم في آخر الأمر أخر ابن أم مكتوم لضعفه ووكل به من يراعي له الفجر واستقر أذان بلال، وكان سبب ذلك ما روى أنه كان ربما أخطأ الفجر فأذن قبل طلوعه وأنه أخطأه مرة فأمره صلى الله عليه وسلم أن يرجع فيقول ألا إن العبد نام، يعني أن غلبة النوم على عينيه منعته من تبيين الفجر، وهو حديث أخرجه أبو داود وغيره من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موصولاً مرفوعاً ورواته ثقات حفاظ، لكن اتفق أئمة الحديث على بن المديني وأحمد والبخاري والذهبي وابو حاتم وأبو داود والترمذي والأثرم والدارقطني على أن حماداً أخطأ في رفعه وأن الصواب وقفه على عمر بن الخطاب وأنه هو الذي وقع له ذلك مع مؤذنه وأن حماداً انفرد برفعه. ومع ذلك فقد وجد له متابع أخرجه البيهقي من طريق سعيد بن زربى، وهو بفتح الزاي وسكون الراء بعدها موحدة ثم ياء كياء النسبة فرواه عن ايوب موصولاً، لكن سعيد ضعيف، ورواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب أيضاً لكنه أعضله فلم يذكر نافعا ولا ابن عمر، وله طريق أخرى عن نافع عن الدارقطني وغيره اختلف في رفعها ووقفها أيضاً، وأخرى مرسلة من طريق يونس بن عبيد وغيره عن حيد بن هلال، وأخرى من طريق سعيد عن قتادة مرسلة، ووصلها أبو يوسف عن سعيد بذكر أنس، فهذه طرق يقوى بعضها ببعض قوة ظاهرة، فلهذا والله أعلم استقر بلال يؤذن الاذان الأول اهـ (قال النووي) رحمه الله ولا شك في طلوع الفجر جاز له الأكل والشرب والجماع وغيرها بلا خلاف حتى يتحقق الفجر للآية الكريمة (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض) ولما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال (كل ما شككت حتى يتبين لك) رواه البيهقي بإسناد صحيح) (وفي رواية) عن حبيب بن أبي ثابت قال ارسل ابن عباس رجلين ينظران الفجر فقال أحدهما أصبحت وقال الآخر لا، قال اختلفتما؟ أرني شرابي، ثال البيهقي وروى هذا عن ابي بكر الصديق وعمر وابن عمر رضي الله عنهم. وقول ابن عباس (أرني شرابي) جار على القاعدة انه يحل الشرب والأكل حتى يتبين الفجر، ولو كان قد تبين لما اختلف الرجلان فيه، لأن خبريهما تعارضا، والأصل بقاء الليل، ولأن قوله أصبحت
.
ليس صريحا في طلوع الفجر فقد تطلق هذه اللفظة لمقاربة الفجر والله أعلم، قال وقد اتفق أصحابنا على جواز الأكل للشاك في طلوع الفجر وصرحوا بذلك، فمن صرح به الماوردي والدارمي والبندنيجي وخلائق لا يحصون (وأما) قول الغزالي في الوسيط لا يجوز الاكل هجوما في أول النهار، وقول المتولي في مسألة السحور لا يجوز للشاك في طلوع الفجر أن يتسحر فلعلهما أراد بقولهما لا يجوز أنه ليس مباحاً مستوى الطرفين بل الأولى تركه، فإن أرادا به تحريم الأكل على الشاك في طلوع الفجر فهو غلط مخالف للقرآن ولابن عباس ولجميع الأصحاب، بل لجماهير العلماء، ولا نعرف أحداً من العلماء قال بتحريمه إلا مالك فإنه حرمه وأجب القضاء على من أكل شاكاً في الفجر، وذكر ابن المنذر في الاشراف باباً في إباحة الأكل للشاك في الفجر، فحكاه عن أبي بكر الصديق وابن عمر وابن عباس وعطاء والأوزاعي وأصحاب الرأي وأحمد وأبي ثور واختاره ولم ينقل المنع إلا عن مالك والله أعلم اهـ ج (وفي حديث زيد بن ثابت) الأخير من أحاديث الباب دلالة على استحباب تأخير السحور بحيث يكون بين الفراغ منه وبين الصبح مقدار قراءة خمسين آية من القرآن. وهذا متفق عليه فينبغي العمل به، وعدم العدول عنه لكونه أفضل وأحوط (قال ابن أبي جمرة) رحمه الله في الكلام على هذا الحديث وفي تأخير السحور لكونه ابلغ في المقصود وكان صلى الله عليه وسلم ينظر ما هو الأرفق بأمته فيفعله، لأنه لو لم يتسحر لاتبعوه فيشق على بعضهم، ولو تسحر في جوف الليل لشق ايضاً على بعضهم ممن يغلب عليه النوم، فقد يفضي إلى ترك الصبح أو يحتاج على المجاهدة بالسهر، قال (وفيه) أيضاً تقوية على الصيام لعموم الاحتياج إلى الطعام. ولو ترك لشق على بعضهم ولا سيما من كان صفراوياً فقد يغشى عليه فيفضي إلى الإفطار في رمضان. قال (وفي الحديث) تأنيس الفاضل أصحابه بالمؤاكلة وجواز المشي بالليل للحاجة لأن زيد بن ثابت ما كان يبيت مع النبي صلى الله عليه وسلم (وفيه) الاجتماع على السحور (وفيه) حسن الأدب في العبارة لقوله تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل نحن ورسول الله صلى الله عليه وسلم لما يشعر لفظ المعية بالتبعية (وقال القرطبي) فيه دلالة على أن الفراغ من السحور كان قبل طلوع الفجر فهو معارض لقول حذيفة هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع اهـ (قال الحافظ) والجواب أن لا معارضة، بل تحمل على اختلاف الحال فليس في رواية واحد منهما ما يشعر بالمواظبة فتكون قصة حذيفة سابقة، افاده الحافظ والله سبحانه وتعالى أعلم
(أبواب ما يبطل الصوم وما يكره وما يباح)
(7)
باب ما جاء في الحجامة للصائم
(98)
عن شداد بن أوس رضي الله عنه أنه مر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الفتح على رجل (1) يحتجم بالبقيع لثماني عشرة خلت من رمضان وهو آخذ بيدي فقال أفطر الحاجم والمحجوم (2)(وعنه من طريق ثان)(3) قال مر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم علىَّ وأنا أحتجم في ثماني عشرة خلون من رومضان فقال أفطر الحاجم والمحجوم
(98) عن شداد بن أوس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي سنا اسماعيل ابن ابراهيم ثنا خالد عن ابي قلابة عن ابي الأشعث عن شداد بن أوس ـ الحديث (غريبه)(1) الظاهر أن هذا الرجل المبهم هو معقل بن سنان رضي الله عنه كما سيأتي في حديثه الآتي بعد هذا (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر وهو يحتجم الخ) ولكن في الطريق الثانية من حديث شداد قال مر عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث فكأن المرور كان على شداد، ويجمع بينهما بأن النبي صلى الله عليه وسلم مر على شداد أولا وهو يحتجم فذكر الحديث، ثم اخذ بيده فمرا على معقل ف ذلك اليوم وهو يحتجم أيضاً فذكر الحديث. والله أعلم (2) ذكر العلماء في معنى قوله صلى الله عليه وسلم أفطر الحاجم والمحجوم أقوالاً كثيرة، أقربها ما ذكره البغوي في شرح السنة أن معنى أفطر الحاجم والمحجوم أي تعرضا للإفطار، أما الحاجم فلأنه لا يأمن وصول شيء من الدم إلى جوفه عند المص، وأما المحجوم فلأنه لا يأمن من ضعف قوته بخروج الدم فيؤول أمره إلى أن يفطر اهـ فهو على سبيل المجاز لا الحقيقة كحديث (من جعل قاضيا بين الناس فقد ذبح بغير سكين) رواه أبو داود والترمذي والامام أحمد وهذا لفظه وسيأتي في الباب الثاني من كتاب الأقضية. وكقولهم هلك فلان إذا تعرض للهلاك (3)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن فضيل عن داود بن أبي هند عن عبد الله بن زيد وهو أبو قلابة عن ابي الاشعث الصنعاني عن أبي أسماء الرحبي عن شداد بن أوس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ الحديث (تخريجه)(نس. جه. ك. خظ. حب) وصححاه، وصححه أيضاً الامام أحمد والبخاري وعلي بن المديني
(99)
عن معقل بن سنان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مر به وهو يحتجم لثماني عشرة (5) قال أفطر الحاجم والمحجوم
(100)
عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أتى على رجل يحتجم في رمضان فقال افطر الحاجم والمحجوم
(101)
عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أفطر الحاجم والمحجوم
(99) عن معقل بن سنان (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي سنا عبد الله ابن محمد بن أبي شيبة قال عبد الله وسمعته أنا من عبد الله بن محمد بن أبي شيبة قال ثنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب قال شهد عندي نفر من أهل البصرة منهم الحسن بن أبي الحسن عن معقل بن سنان ـ الحديث (غريبه)(1) يعني خلت من رمضان (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد والطبراني في الكبير وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط.
(100)
عن ثوبان (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا اسماعيل أنا هشام الدستوائي عن يحيى بن ابي كثير عن ابي قلابة عن ابي أسماء عن ثوبان الحديث (تخريجه)(د. نس. جه. حب. ك) وروى الإمام أحمد أنه اصح ما روي في الباب، وكذا قال الترمذي عن البخاري، وصححه البخاري تبعاً لعلي بن المديني. نقله الترمذي في العلل.
(101)
عن رافع بن خديج (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن يحيى بن ابي كثير عن ابراهيم بن عبد الله بن قارظ عن السائب ابن يزيد عن رافع بن خديج ـ الحديث (تخريجه)(حب. ك) وصححاه. ورواه الترمذي عن معمر بسند رواية الإمام أحمد، قال الترمذي ذكر عن احمد أنه قال هو أصح شيء في هذا الباب اهـ قال الحافظ في التلخيص. وصححه ابن حبان والحاكم، ورواه الحاكم من طريق معاوية بن سلام أيضاً عن يحيى. لكن قال البخاري هو غير محفوظ. نقله الترمذي، قال وقلت لاسحاق بن منصور ما علته؟ قال روى هشام الدستوائي عن يحيى عن ابراهيم ابن قارظ عن السائب عن رافع حديث كسب الحجام خبيث وبذلك جزم أبو حاتم
(102)
وعن بلال بن أبي رباح رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
(103)
وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثله
(104)
وعن اسامة بن زيد رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثله
(فصل منه في الرخصة في ذلك)
(105)
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بعض أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قال إنما نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الوصال في الصيام والحجامة للصائم إبقاء (1) على أصحابه
وبالغ فقال هو عندي من طريق رافع باطل، ونقل عن يحيى بن معين أنه قال هو أضعف أحاديث الباب اهـ
(102)
وعن بلال (سنده) حدثنا عبد الله أبي ثنا يزيد بن هارون ثنا أبو العلاء ومحمد بن يزيد عن أبي العلاء عن قتادة عن شهر بن حوشب عن بلال قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفطر الحاجم والمحجوم (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير وشهر لم يلق بلالا
(103)
وعن عائشة رضي الله عنها (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو النضر ثنا أبو معاوية يعني شيبان عن ليث عن عطاء عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفطر الحاجم والمحجوم (تخريجه)(نس) وفي إسناده ليث بن أبي سليم ضعيف، وأورده الهيثمي وقال رواه أبو يعلى والبزار وفيه المثنى بن الصباح وفيه كلام وقد وثق.
(104)
وعن اسامة بن زيد (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى ابن سعيد عن أشعث عن الحسن عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أفطر الحاجم والمستحجم (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أخحمد والزار والحسن مدلس، وقيل لم يسمع من أسامة.
(105)
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا سفيان عن عبد الرحمن بن عابس عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ـ الحديث (غريبه)(1) أي رحمة بهم واشفاقاً عليهم، يقال أبقيت عليه أبقى إبقاء إذا رحمته وأشفقت عليه. والإسم البقيا، قال الحافظ وقوله إبقاء على أصحابه يتعلق بقوله نهى اهـ (وقوله
ولم يحرمهما (وفي لفظ) ولم يحرمهما على أحدٍ من أصحابه
(106)
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم صائماً محرماً (1) فغشي عليه، قال فلذلك كره الحجامة للصائم (وعنه من طريقٍ ثانٍ)(2) قال احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة وهو صائم محرم (وعنه من طريق ثالث)(3) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم بالقاحة (3) وهو صائم (وعنه من طريقٍ رابع) قال احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجامة في رأسه وهو محرم
ولم يحرمهما) صريح في عدم التحريم (تخريجه)(د. عب) وصحح الحافظ إسناده قال والجهالة بالصحابي لا تضر، وقال هو أحسن ما ورد في ذلك، قال وقد رواه ابن أبي شيبة عن وكيع عن الثوري بإسناده هذا (يعني بسند حديث الباب)(ولفظه) عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحجامة للصائم، وكرهها للضعيف أي لئلا يضعف
(106)
عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا نصر بن باب عن الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس ـ الحديث (غريبه)(1) في رواية البخاري احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم، وفي أخرى له أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا ابن ادريس أنبأنا يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس قال احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث (3)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبى ثنا هاشم ثنا شعبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث (4) هو اسم موضع بين مكة والمدينة على ثلاث مراحل منها وهو من قاحة الدار أي وسطها مثل ساحتها وباحتها (نه)(5)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا هشام عن عكرمة عن ابن عباس قال احتجم الخ (تخريجه) أخرج الطريق الأولى منه (طب. بز. عل) وفيه نصر من باب فيه كلام كثير. وقد وثقه الإمام أحمد وأخرجه الترمذي من طريق عكرمة عن ابن عباس بلفظ (احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم صائم) وقال هذا حديث صحيح (وأخرج الطريق الثانية منه)(د. جه. طح. هق. مذ) وقال حديث حسن صحيح وأعله الامام أحمد فقال ليس فيه صائم، إنما هو محرم عند أصحاب ابن عباس طاوس وعطاء وسعيد بن جبير. قال فهؤلاء أصحاب ابن عباس لا يذكرون صياما (والطريق الثالثة) أخرجها
(107)
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الصمد وحسن قالا ثنا ثابت ثنا هلال بن عكرمة قال سألت عكرمة (1) عن الصائم أيحتجم؟ فقال إنما كره للضعف، ثم حدث عن ابن عباس (2) رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم من أكلة أكلها من شاة مسمومة سمتها امرأة من أهل خيبر
البخاري والطحاوي والبيهقي بدون ذكر القاحة (والطريق الرابعة) أخرجها البخاري وزاد واحتجم وهو صائم، وأخرجها الشيخان بلفظ حديث الباب من حديث عبد الله بن بحينة
(107)
حدثنا عبد الله (غريبه)(1)(قوله ثنا هلال بن عكرمة قال سألت عكرمة الخ) هذا لفظ رواية حسن أحد الراويين اللذين روى عنهما الإمام أحمد هذا الحديث، أما رواية عبد الصمد فبلفظ (ثنا هلال بن عكرمة سئل عكرمة عن الصائم الخ)(2) قوله (ثم حدث عن ابن عباس) هذا لفظ رواية عبد الصمد، أما رواية حسن فبلفظ (وحدث) بالواو بدل ثم (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وفي غسناده من لم أعرفه، وأخرج البخاري نحو شطره الأول عن أنس من طريق شعبة قال سمعت ثابتا البناني قال سئل أنس بن مالك رضي الله عنه، أكنتم تكرهون الحجامة للصائم، قال لا؟ إلا من أجل الضعف. وزاد شبابة حدثنا شعبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم (زوائد الباب)(عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال افطر الحاجم والمحجوم (بز، طس) وفيه الحسن وهو مدلس ولكنه ثقة (وعن جابر) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال افطر الحاجم والمحجوم (بز. طس) وقال تفرد به سلام ابو المنذر عن مطر (وعن ابن عباس) رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أفطر الحاجم والمحجوم (بز. طس) ورجال البزار موثوقون إلا أن فطر بن خليفة فيه كلام وهو ثقة (وعن سمرة) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال افطر الحاجم والمحجوم (بز. طب) وفيه يعلى ابن عباد وهو ضعيف (وعن أبي رافع) أنه دخل على ابي موسى وهو يحتجم ليلاً فقال لو كان نهاراً، فقال تأمرني أن أريق دمي وأنا صائم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفطر الحاجم والمحجوم (بز. طب) ورجاله رجال الصحيح خلا شيخ البزار وهو ثقة لم يتكلم فيه احد (وعن أنس) رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال أفطر الحاجم والمحجوم (بز) وفيه مالك بن سليمان وضعفوه بهذا الحديث (وعن ابن عمر) رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفطر الحاجم والمحجوم (طس) وفيه الحسن بن ابي جعفر الجفري وفيه كلام وقد وثق
(ما ورد في الرخصة في ذلك)(عن معاذ بن جبل) رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم
.
(بز. طب) وفيه الأحوص بن حكيم وفيه كلام وقد وثق (وعن أبي سعيد) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الحجامة للصائم (بز. طس) إلا أنه قال رخص في القبلة والحجامة للصائم ورجال البزار رجال الصحيح (وعن أنس بن مالك) أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم في رمضان (طس) وفيه يوسف بن خالد السمتي وهو ضعيف (وعنه ايضاً) قال مر بنا ابو طيبة في شهر رمضان فقلنا من أين جئت؟ قال حجمت النبي صلى الله عليه وسلم (طب. عل) وفيه ليث أبي سليم وهو ثقة ولكنه مدلس (وعن عبد الله بن سفيان) أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم (طب) وفيه محمد بن ابي ليلى وفيه كلام (وعن ابن عمر) رضي الله عنهما قال احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم وأعطى الحجام أجره، ولو كان حراما لم يعطه (طب) وفيه سلم بن سالم وهو ضعيف (وعن أنس بن مالك) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم بعدما قال أفطر الحاجم والمحجوم (طس) وفيه طريف أبو سفيان وهو ضعيف وقد وثقه ابن عدي (وعن ابن عباس) رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة لا يفطرن الصائم، القيء والحجامة والاحتلام (بز) باسنادين وصحح أحدهما وظاهره الصحة (وعن ثوبان) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة لا يمنعن الصائم، الحجامة والقيء والاحتلام ولا يتقيأ الصائم متعمداً (طب)(ولثوبان في الأوسط) ثلاث لا يفطرن الصائم فذكره وإسنادهما ضعيف (وعن عبد الله الصنابحي) رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصبح صائماً فاحتلم أو احتجم أو ذرعه القيء فلا قضاء عليه ومن استقاء فعليه القضاء (طس) وفيه أبو بلال الاشعري وهو ضعيف أورد هذه الأحاديث كلها الحافظ الهيثمي وهذا كلامه فيها جرحا وتعديلا (الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد منها ما يدل على أن الحجامة تفطر الصائم وهو قوله صلى الله عليه وسلم (أفطر الحاجم والمحجوم) المروي عن كثير من الصحابة من طرق صحيحة وسواء في ذلك الحاجم والمحجوم ويجب عليهما القضاء، وهو مروي عن علي بن أبي طالب وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم وإليه ذهب الحسن البصري وابن سيرين وعطاء والأوزاعي وأبو ثور وإسحاق وابن المنذر وابن خزيمة (قال الخطابي)(قال احمد وإسحاق) يفطر الحاجم والمحجوم عليهما القضاء دون الكفارة (وقال عطاء) يلزم لمحتجم في رمضان القضاء والكفارة (وفي أحاديث الباب والزوائد) ما يدل على الترخيص في الحجامة للصائم وأنه لا يفطر الحاجم ولا المحجوم، وإلى ذلك ذهب جماعة من الصحابة منهم ابن مسعود وابن عمر، وابن عباس وانس بن مالك وابو سعيد الخدري وام سلمة رضي الله عنهم، وبه قال سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والشعبي والنخعي (ومالك، والثوري وابو حنيفة والشافعي) وداود وغيرهم، واحتجوا أيضاً بحديث أنس قال أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر ابن ابي طالب رضي الله عنه احتجم وهو صائم فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفطر هذان ثم
.
رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة للصائم، وكان أنس يحتجم وهو صائم، رواه الدارقطني وقال رواته كلهم ثقات، قال ولا أعلم له علة، قال البيهقي وروينا في الرخصة في ذلك عن سعد ابن أبي وقاص وابن مسعود وابن عباس وابن عمر والحسين بن علي وزيد بن ارقم وعائشة وام سلمة رضي الله عنهم (قال النووي رحمه الله وأما حديث (أفطر الحاجم والمحجوم) فأجاب أصحابنا عنه بأجوبة (أحدها) جواب الشافعي ذكره في الأم وفيه اختلاف وتابعه عليه الخطابي والبيهقي وسائر أصحابنا، وهو أنه منسوخ بحديث ابن عباس وغيره مما ذكرنا، ودليل النسخ أن الشافعي والبيهقي روياه بإسنادهما الصحيح عن شداد بن أوس، قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم زمان الفتح فرأى رجلاً يحتجم لثماني عشرة خلت من رمضان فقال، وهو آخذ بيدي أفطر الحاجم والمحجوم، وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محوم صائم. وابن عباس إنما صحب النبي صلى الله عليه وسلم محرما في حجة الوداع سنة عشر من الهجرة ولم يصحبه محرما قبل ذلك وكان الفتح سنة ثمان بلا شك، فحديث ابن عباس بعد حديث شداد بسنتين وزيادة، قال فحديث ابن عباس ناسخ (قال البيهقي) ويدل على النسخ أيضاً قوله في حديث أنس السابق في قصة جعفر ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة وهو حديث صحيح كما سبق. قال وحديث أبي سعيد الخدري السابق أيضاً فيه لفظ الترخيص وغالب ما يستعمل الترخيص بعد النهي (الجواب الثاني) أجاب به الشافعي أيضاً أن حديث ابن عباس أصح ويعضده أيضاً القياس فوجب تقديمه (الجواب الثالث) جواب الشافعي أيضاً والخطابي وأصحابنا أن المراد بأفطر الحاجم والمحجوم أنهما كانا يغتابان في صومهما وروى البيهقي ذلك في بعض طرق حديث ثوبان (قال الشافعي) وعلى هذا التأويل يكون المراد بإفطارهما أنه ذهب أجرهما كما قال بعض الصحابة لمن تكلم في حال الخطبة لا جمعة لك، أي ليس لك أجرها وإلا فهي صحيحة مجزئة عنه (الجواب الرابع) ذكره الخطابي أن معناه تعرضا للفطر (أما المحجوم) فلضعفه بخروج الدم فربما لحقته مشقة فعجز عن الصوم فأفطر بسببها (وأما الحاجم) فقد يصل جوفه شيء من الدم أو غيره إذا ضم شفتيه على قصب الملازم كما يقال للمتعرض للهلاك هلك فلان وإن كان باقياً سالماً وكقوله صلى الله عليه وسلم (من جعل قاضياً فقد ذبح بغير سكين) أي تعرض للذبح بغير سكين (الخامس) ذكره الخطابي أيضاً أنه مر بهما قريب المغرب فقال أفطرا أي حان فطرهما كما يقال أمسى الرجل إذا دخل في وقت المساء أو قاربه (السادس) أنه تغليظ ودعاء عليهما لارتكابهما ما يعرضهما لفساد صومهما (واعلم) أن ابا بكر بن خزيمة اعترض على الاستدلال بحديث ابن عباس فروى عنه الحاكم أبو عبد الله في المستدرك أنه قال ثبتت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أفطر الحاجم والمحجوم فقال بعض من خالفنا في هذه
(8)
باب ما جاء في القيء للصائم
(8)
عن معدان بن ابي طلحة (1) أن أبا الدرداء رضي الله عنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء (2) فأفطر قال فلقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد دمشق فقلت إن أبا الدرداء أخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر
المسألة لا يفطر لحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم صائم، ولا حجة في هذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما احتجم وهو محرم صائم في السفر لأنه لم يكن قط محرما مقيما ببلده، والمسافر إذا نوى الصوم له الفطر بالأكل والشرب والحجامة وغيرها، فلا يلزم من حجامته أنها لا تفطر فاحتجم وصار مفطراً وذلك جائز، هذا كلام ابن خزيمة، وحكاه الخطابي في معالم السنن ثم قال وهذا تاويل باطل لأنه قال احتجم وهو صائم فأثبت له الصيام مع الحجامة، ولو بطل صومه بها لقال أفطر بالحجامة كما يقال أفطر الصائم بأكل الخبز. ولا يقال أكله وهو صائم، قلت ولأن السابق إلى الفهم من قول ابن عباس احتجم وهو صائم الاخبار بأن الحجامة لا تبطل الصوم، ويؤيده ما في الأحاديث المذكورة والله أعلم اهـ واستنتج الشوكاني من أحاديث الباب أن الحجامة غير محرمة ولا موجبة لأفطار، الحاجم ولا المحجوم، قال فيجمع بين الأحاديث بأن الحجامة مكروهة في حق من كان يضعف بها وتزداد الكراهة إذا كان الضعف يبلغ إلى حد يكون سبباً للإفطار ولا تكره في حق من كان لا يضعف بها، وعلى كل حال تجنب الحجامة للصائم أولى، فيتعيين حمل قوله أفطر الحاجم والمحجوم على المجاز لهذه الأدلة الصارفة عن معناه الحقيقي اهـ والله أعلم
(108)
عن معدان (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الصمد قال ثنا أبي ثال ثنا الحسين عن يحيى بن ابي كثير قال حدثني عبد الرحمن بن عمر والأوزاعي عن يعيش بن الوليد بن هشام حدثه أن اباه حدثه قال حدثني معدان ـ الحديث (غريبه)(1) ويقال ابن طلحة اليعمري بفتح التحتانية والميم بينهما مهملة شامي ثقة من الثانية، قاله الحافظ في التقريب (2) أي قاء عمداً قال الترمذي معناه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان صائماً متطوعاً فقاء فضعف فأفطر لذلك، هكذا روى في يعض الأحاديث مفسراً اهـ قال الزيلعي في نصب الراية الحديث المفسر الذي اشار إليه الترمذي رواه ابن ماجه (قلت) والإمام أحمد وسيأتي في هذا الباب من حديث أبي مرزوق قال سمعت فضالة بن عبيد
قال صدق ـ أنا صببت له وضوءه (1)(وعنه من طريقٍ ثانٍ)(2) عن أب الدرداء رضي الله عنه قال استقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنظر فأتى بماء فتوضأ
(109)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ذرعه (3) القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء فليقض
الأنصاري يحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهم في يوم كان يصومه فدعا بإناء فشرب، فقلنا يا رسول الله إن هذا يوم كنت تصومه قال أجل ولكني قئت (1) بفتح الواو أي ماء وضوئه، والوضوء هنا يحتمل أن يراد به الوضوء اللغوي الذي هو غسل اليدين والفم من القيء أو الوضوء الشرعي. والظاهر الأول لقرينة النظافة (قال في المرقاة) قال ميرك احتج به ابو حنيفة وابو احمد واسحاق وابن المبارك والثوري على أن القيء ناقض للوضوء وحمله الشافعي (قلت ومالك أيضاً) على غسل الفم والوجه أو على استحباب الوضوء وهذا أولى، لأن كلام الشارع إذا أمكن حمله على المعنى الشرعي لا ينبغي العدول عنه إلى المعنى اللغوي، نعم يتوقف الاستدلال به للنقض على تحقق أنه صلى الله عليه وسلم كان متوضئاً قبل القيء اهـ (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن يحيى بن ابي كثير عن يعيش بن الوليد عن خالد بن معدان عن أبي الدرداء الحديث (تخريجه)(د. مذ. نس. حب. قط. هق. طب. ك) وابن الجارود وابن منده وقال إسناده صحيح متصل وتركه الشيخان لاختلاف في اسناده قال الترمذي جوّده حسين المعلم وهو أصح شيء في هذا الباب وكذلك قال أحمد، قال البيهقي هذا حديث مختلف في غسناده فإن صح فهو محمول على القيء عامداً وكانه كان صائما تطوعا
(109)
عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا الحكم، قال عبد الله وسمعته أنا من الحكم بن موسى ثنا عيسى بن يونس ثنا هشام بن حسان عن محمد ابن سيرين عن ابي هريرة ـ الحديث (غريبه)(3) وهو بفتح الذال المعجمة أي غلبه القيء وهو صائم فلا يفطر به ولو كان ملء الفم وليس عليه قضاء (4) أي من استدعى القيء وطلب خروجه تعمداً أفطر وعليه القضاء (تخريجه)(د. مذ. جه. حب. قط. ك) وله ألفاظ قال النسائي وقفه عطاء على أبي هريرة، وقال الترمذي لا نعرفه إلا من حديث هشام عن محمد عن أبي هريرة، وتفرد به عيسى بن يونس، وقال البخاري لا أراه محفوظاً وقد روى من غير وجه ولا يصح إسناده، وقال أبو داود وبعض الحفاظ لا أراه محفوظاً، قال
(110)
عن أبي مرزوق عن فضالة (1) الأنصاري سمعته يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عليهم في يوم كان يصومه فدعا بإناء فيه ماء فشرب، فقلنا يا رسول الله إن هذا اليوم كنت تصومه (2) قال اجل ولكن قئت
(111)
عن أبي الجودي (3) عن بلج عن أبي شيبة المهري قال وكان قاص (4)
الحافظ وأنكره أحمد، وقال في روايته ليس من ذاك شيء، يعني أنه غير محفوظ كما قال الخطابي وصححه الحاكم على شرطهما (قلت) وأقره الذهبي
(101)
عن أبي مرزوق (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد ابن عبيد ثنا محمد بن غسحاق عن يزيد بن ابي حبيب عن ابي مرزوق عن فضالة الأنصاري ـ الحديث (غريبه)(1) هو ابن عبيد الصحابي الأنصاري الأوسي العمري، أول مشاهده أحد، شهدها وما بعدها من المشاهد، ومنها بيعة الرضوان وشهد فتح مصر وسكن دمشق وولى قضاءها لمعاوية وأمّره على غزو الروم في البحر توفي بدمشق ودفن بباب الصغير سنة ثمان وخمسين رضي الله عنه (2) يعني تطوعا وقوله، أجل أي نعم (تخريجه)(جه) قال البوصيري في زوائد ابن ماجه في اسناده محمد بن اسحاق وهو مدلس وقد زوى بالعنعنة وأبو مرزوق لا يعرف اسمه ولم يسمع فضالة ففي الحديث ضعف وانقطاع
(111)
عن أبي الجودي (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن أبي الجودي ـ الحديث (غريبه)(3) بضم الجيم وسكون الواو الاسدي الشامي نزيل واسط مشهور بكنيته واسمه الحارث بن عمير ثقة، قاله الحافظ في التقريب (وقوله عن بلج) قال الحافظ في تعجيل المنفعة هو ابن عبد الله المهري عن أبي شيبة المهري عن ثوبان حديث (قاء فأفطر) روى عنه ابو الجودي. قال البخاري غسناده ليس بمعروف وذكره ابن حبان في الثقات (قلت) ولم يذكروا له راوياً غير ابو الجودي أهـ وقال الذهبي في الميزان في ترجمة بلج لا يدري من هذا ولا من شيخه. رواه شعبة عن أبي الجودي أهـ (4) القاص الذي يأتي بالقصة على وجهها كلأنه يتتبع معانيها وألفاظها، وهو في الاصل الذي يعظ الناس ويخبرهم بما مضى ليعتبروا وهو المراد هنا، وذها ممدوح، أما من اتخذ من ذلك حرفة يتعيش منها ولا يتحاشا الكذب في اخباره فهذا مذموم وردت الأحاديث بذمه، منها (القاص ينتظر المقت) رواه الطبراني في الكبير وذلك لما يعرض في قصصه من الزيادة
الناس بقسطنطينية (1) قال قيل لثوبان حثنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر
والنقصان (1) ويقال قسطنطينة بإسقاط الياء الأخيرة المشددة، وقد تضم الطاء الأولى. كانت دارا لملك الروم. وتسمى بالرومية بوزنطيا، وقد غزاها المسلمون ثلاث مرات بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم (فالمرة الأولى) كانت في خلافة معاوية بن ابي سفيان سنة 48 هجرية وفيها توفي ابو ايوب الأنصاري الصحابي رضي الله عنه وقبره للآن ولم يتم لهم فتحها (والمرة الثانية) كانت في خلافة سليمان بن عبد الملك سنة 98 هجرية بأمارة أخيه مسلمة وأمره ان يقيم عليها حتى يفتحها فشتى بها وزرع الناس بها الزرع وأكلوه وكاد الناس أن يهلكوا من شدة البرد ومع هذا فما زال مسلمة قاهراً لأهلها حتى جاء الخبر بموت سليمان بن عبد الملك ومبايعة عمر بن عبد العزيز فأمره عمر بالرجوع بمن معه من الجيش إشفاقاً عليهم ولم يتم لهم فتحها أيضاً، والظاهر أن أبا شيبة كان قاص الناس مع الجيش بقسطنطينية في هذه المرة لطول مكثهم بها والله أعلم، ثم قيض الله لها في المرة الثالثة السلطان محمد الفاتح من ملوك آل عثمان ففتحها في 20 جمادى الأولى سنة 875 هجرية وسماها إسلام بول أي مدينة الإسلام وبقيت عاصمة ملكهم إلى أن دالت دولتهم في عصرنا وتحولت المملكة إلى جمهورية في ربيع الأول سنة 1342 هجرية وجعلت مدينة أنقرة عاصمة الجمهورية بدلاً من مدينة الإسلام، فسبحان من له الدوام، (قل اللهم مالك الملك، تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء، وتذل من تشاء، بيدك الخير إنك على كل شيء قدير)(تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الإمام أحمد وفي إسناده بلج بن عبد الله المهري غير معروف، أما ابو شيبة المهري فقد قال ابو زرعه هو تابعي لا يعرف اسمه وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، ورواه البزار من طريق أبي اسماء حدثنا ثوبان قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً في غير رمضان فأصابه أحسبه قيء وهو صائم فأفطر) وقال لا نحفظه إلا من هذا الوجه تفرد بهذه الزيادة (يعني قوله في غير رمضان) عتبة ابن السكن وهو يحدث عن الاوزاعي بأشياء لا يتابع عليها (وفي الباب) عن ابن عمر موقوفا عن ابن مالك في الموطأ والشافعي بلفظ من استقاء وهو صائم فعليه القضاء ومن زرعه القيء فليس عليه القضاء (الأحكام) أحاديث الباب تدل على أنه لا يبطل صوم من غلبه القيء ولا يجب عليه القضاء، ويبطل صوم من تعمد إخراجه ولم يغلبه ويجب عليه القضاء، وقال ابن المنذر أجحمع أهل العلم على أن من تقيأ عنداً أفطر، ثم قال قال علي وابن عمر وزيد بن ارقم وعلقمة والزهري (ومالك وأحمد)
.
وإسحاق وأصحاب الرأي لا كفارة عليه وإنما عليه القضاء (قلت وكذلك أبو حنيفة والشافعي)(وقال عطاء وأبو ثور) عليه القضاء والكفارة قال وبالأول أقول، قال (وأما من ذرعه القيء) فقال علي وابن عمر وزيد بن ارقم (ومالك والثوري والاوزاعي وأحمد) وإسحاق (قلت والشافعي) وأصحاب الرأي لا يبطل صومه، قال وهذا قول كل من يحفظ عنه العلم وبه أقول (قلت) ومحله عند الجمهور ما لم يرجع منه شيء إلى حلقه بعدا مكان طرحه وإلا فعليه وإلا فعليه القضاء قال (وعن الحسن البصري روايتان) الفطر وعدمه هذا، نقل ابن المنذر، وقال العبدري نقل (عن ابن مسعود وابن عباس) أنه لا يفطر بالقيء عمداً، قال وعن أصحاب مالك في فطر من ذرعه القيء خلاف، قال وقال أحمد تقايأ فاحساً أفطر فخصه بالفاحش اهـ (قلت) قال ابن قدامة الحنبلي فيمن استقاء عمداً، وقليل القيء لأو كثيره سواء في ظاهر المذهب، وفيه رواية ثانية، لا يفطر إلا بملء الفم اهـ قلت وبمثل الرواية الثانية قال ابو حنيفة (قال الشوكاني) وقال ابن مسعود وعكرمة وربيعة والهادي والقاسم إنه لا يفسد الصوم سواءً كان غالباً أو مستخرجاً ما لم يرجع منه شيء باختياره، واستدلوا بحديث أبي سعيد، رواه التركمذي بلفظ (ثلاث لا يفطرن الصائم القيء والحجامة والاحتلام) وأجيب بأنه فيه مقال فلا ينتهض معه للاستدلال، ولو سلم صلاحيته لذلك فهو محمول كما قال البيهقي على من ذرعه القيء وهذا لا بد منه، لأن ظاهر حديث ابي سعيد أن القيء لا يفطر مطلقاً، وظاهر حديث أبي هريرة (يعني حديث الباب) أنه يفطر نوع منه خاص فيبنى العام على الخاص، ويؤيد حديث أبي هريرة ما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن الجارود وابن حبان والدارقطني والبيهقي والطبراني وابن منده والحاكم من حديث ابي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر الحديث ذكره الشوكاني اهـ وحديث أبي الدرداء المشار اليه هو الحديث الأول من أحاديث الباب واعدل الاقوال هو ما ذهب إليه الجمهور بالتفصيل المذكور في حديث أبي هريرة والله اعلم (قال الخطابي) وفي إسقاط اكثر العلماء الكفارة عن المستقيء عامداً دليل على أنه لا كفارة على من أكل عامداً في نهار مضان لأن المستقيء مشبه بالآكل متعمداً ومن ذرعه القيء مشبه بالآكل ناسياً، ويدخل في معنى من ذرعه القيء كل ما غلب على الانسان من دخول الذباب حلقه، ودخول الماء جوفه إذا وقع في ماء غمر (بسكون الميم أي كثير غمره بفتح العين المهملة والميم أي غطاه) وما اشبه ذلك فإنه لا يفسد صومه شيء من ذلك اهـ والله سبحانه وتعالى أعلم
(9)
باب جواز السواك والمضمضة والاستنشاق والاغتسال من الحر للصائم
(112)
عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن ابيه رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ما لا أعدّ وما لا أُحصي (1) يستاك (وفي لفظ يتسوك)(2) وهو صائم
(113)
عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مضمض واستنشق في رمضان
(114)
عن ابي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسكب (3) على رأسه الماء بالسقيا إما من الحر وإما من العطش (4) وهو صائم، ثم لم يزل صائماً حتى أتى
(112) عن عبد الله بن عامر بن ربيعة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا سفيان وعبد الرحمن عن سفيان عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر ابن ربيعة ـ الحديث (غريبه)(1) أي مقداراً لا أقدر على إحصائه وعدّه لكثرته (2) هذا اللفظ من رواية عبد الرحمن أحد الراويين اللذين روى عنهما الامام أحمد هذا الحديث، يعني انه قال في روايته يتسوك بدل يستاك (مذ) وقال حديث عامر لن ربيعة حديث حسن
(113)
عن عمرو بن عبسة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عتاب بن زياد قال ثنا عبد الله ثنا السرى بن يحيى عن كثير بن زياد قال قال ابن عبسة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد، وأورده الهيثمي وقال رواه أحمد وكثير بن زياد لم يدرك ابن عبسة
(114)
عن ابي بكر بن عبد الرحمن (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عثمان بن عمر أنا مالك عن سمى عن ابي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث الحديث (3) أي يصب (والسقيا) منزل بين مكة والمدينة، قيل هي على ميلين من المدينة ينزل بها المسافرون للاستراحة وأخذ الماء (4) لا يدرب الراوي هل كان ذلك لدفع الحر أو العطش، وفي الرواية
كديداً (1) ثم دعا بماء فأفطر وأفطر الناس وهو عام الفتح (2) زاد في رواية قال الذي حدثني فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب الماء على راسه من الحر وهو صائم (3)
الثانية التصريح بأن ذلك كان من أجل الحر ويجوز أن يكون للاثنين معاً لأن شدة الحر توجب العطش (1) بفتح الكاف وكسر الدال، وهو ماء بين عسفان وقديد كما جاء في بعض الروايات (وقديد) بضم القاف مصغراً، وبين الكديد ومكة مرحلتان، قال القاضي عياض رحمه الله اختلفت الروايات في الموضع الذي أفطر فيه النبي صلى الله عليه وسلم والكل في قصة واحدة وكلها متقاربة والجميع من عمل عسفان (2) يعني وهم مسافرون من المدينة إلى مكة لفتحها (3) في رواية عند الإمام مالك في الموطأ وأبي داود والنسائي (من شدة الحر أو العطش) وفي رواية للنسائي من شدة الحر (تخريجه)(لك. د. نس. ك) قال النووي أما حديث ابي بكر بن عبد الرحمن فصحيح رواه مالك في الموطأ وأحمد بن حنبل في مسنده وابو داود والنسائي في سننهما والحاكم ابو عبد الله في المستدرك على الصحيحين والبيهقي وغيرهم بأسانيد صحيحة واسناد مالك وابي داود والنسائي على شرط البخاري ومسلم (زوائد الباب)(عن علي وعن خباب) رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي فإنه ليس من صائم تيبس شفتاه بالعشي إلا كان نوراً بين عينيه يوم القيامة (طب) ورفعه عن خباب ولم يرفعه عن علي وفيه كيسان ابو عمر وثقة ابن حبان وضعفه غيره (وعن عبد الرحمن بن غنم) قال سألت معاذ بن جبل أتسوك وانت صائم؟ فقال نعم. قلت أي النهار تسوك؟ قال أي النهار شئت. إت شئت غدوة وان شئت عشية، قلت فإن الناس يكرهونه عشية، قال ولم؟ قلت يقولون إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. قال سبحان الله لقد امرهم بالسواك حين امرهم وهو يعلم أنه لا بد ان يكون بفم الصائم خلوف وان استاك، وما كان بالذي يامرهم أن ينتنوا افواههم عمداً، ما كان في ذلك من الخير شيء بل هو شر إلا من ابتلى ببلاء لا يجد منه بدا، قلت والغبار في سبيل الله أيضاً كذلك إنما يؤجر من اضطر إليه ولا يجد عنه محيصاً؟ قال نعم فأما من ألأقى نفسه في البلاء عمداً فما له في ذلك من أجر، رواه الطبراني في الكبير وفيه بكر بن خنيس وهو ضعيف وقد وثقه ابن معين في رواية، أوردها الهيثمي وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من خير خصال الصائم السواك (جه. قط) وفي اسناده مجالد بن سعيد فيه كلام (الأحكام) في أحاديث الباب والزوائد دلالة على جواز السواك للصائم، مطلقاً في كل وقت سواء
.
أكان ذلك بالغداة أوالعشي إلا ما جاء في حديث علي وخباب رضي الله عنهما المذكور في الزوائد من تقييد الجواز بالغداة فقط ولكنه فيه ضعف، ولهذا حصل الخلاف بين العلماء، (فذهب أكثر العلماء) إلى جوازه قبل الزوال وبعده، وبه قال الائمة (مالك وابو حنيفة والشافعي) على ما حكى عنه الترمذي وهو خلاف المشهور عند الشافعية فإنهم قالوا بكراهة السواك للصائم بعد الزوال واحتج المجوزون لذلك بحديث عامر بن ربيعة المذكور اول احاديث الباب، وحديث عائشة المذكور في الزوائد، الأثر المروي عن معاذ بن جبل، وبالأحاديث الصحيحة الواردة في السواك مطلقاً بدون قيد. قال الترمذي والعمل على هذا عند اهل العلم لا يرون بالسواك للصائم بأسا إلا أن بعض أهل العلم كرهوا السواك للصائم بالعود الرطب، وكرهوا له السواك آخر النهار ولم ير الشافعي بالسواك بأسا اول النهار وآخره (وكره أحمد وإسحاق) السواك آخر النهار اهـ (قلت) ممن قال بكراهة السواك بالعود الرطب (المالكية والشعبي) فإنهم كرهوا للصائم الاستياك بالسواك الرطب لما فيه من طعم، واجاب عن ذلك ابن سيرين جوابا حسنا، قال البخاري في صحيحه، قال ابن سيرين لا باس بالسواك الرطب، قيل له طعم، قال والماء له طعم وانت تمضمض به اهـ (وقال ابن عمر) رضي الله عنهما لا بأس أن يستاك الصائم بالسواك الرطب واليابس. رواه ابن أبي شيبة وهذا هو الظاهر لأن أقصى ما يخشى من السواك الرطب أن يتحلل منه في الفم شيء وذلك الشيء كماء المضمضة، فإذا قذفه من فيه لا يضره بعد ذلك (واحتج القائلون بكراهة السواك بعد الزوال) بأن في الاستياك بعده إزالة الخلوف الوارد فيه (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)(وأجيب) بأن الخلوف بضم الخاء المعجمة على الصحيح تغير رائحة الفم من خلو المعدة وذلك لا يزال بالسواك (قال ابن الهمام) بل إنما يزيل أثره الظاهر على السن من الاصفرار وهذا لان سبب الخلوف خلو المعدة من الطعام والسواك لا يفيد شغلها بطعام ليرتفع السبب، واستشهد ابن الهمام بالأثر المروي عن معغاذ بن جبل المذكور في الزوائد وهو كفيل بالإجابة على احتجاج القائلين بكراهة السواك للصائم بعد الزوال، وقد صرح الحافظ في التلخيص بأن إسناده جيد واحتجوا أيضاً بحديث خباب وعلي المذكور في الزوائد (وأجيب) بأنه ضعيف ضعفه البيهقي والدارقطني وبلا ينتهض لمقاومة الأحاديث الصحيحة الواردة في السواك وفضله والله أعلم (وفي أحاديث الباب أيضاً) دلالة على جواز المضمضة والاستنشاق للصائم من غير مبالغة لحديث لقيط بن صبرة وفيه (وإذا استنشقت فأبلغ إلا أن تكون صائماً) رواه الاربعة وابن خزيمة والحاكم وصححه ايضاً الترمذي، وتقدم في باب المضمضة والاستنشاق صحيفة 25 رقم 247 من الجزء الثاني وإنما كرهت المبالغة في الاستنشاق للصائم خوفاً
_________
من تسرب الماء إلى جوفه، واختلف إذا دخل من ماء المضمضة والاستنشاق إلى جوفه خطأ فقالت (الحنفية والقاسمية والأمامان مالك والشافعي في أحد قوليه والمزنى) إنه يفسد الصوم وقال الإمام (أحمد وإسحاق والأوزاعي والناصر والإمام يحيى وأصحاب الشافعي) إنه لا يفسد الصوم كالناسي (وقال زيد بن علي) يفسد الصوم بعد الثلاث مرات، (وقال الصادق) يفسد اذا كان التمضمض لغير قربة، (وقال الحسن البصري والنخعي) إنه يفسد إن لم يكن لفريضة (وفيها ايضاً) دليل على انه يجوز للصائم أن يكسر الحر بصب الماء على بعض بدنه أو كله سواء أكان في الحمام أم غيره وقد (ذهب إلى ذلك الجمهور) ولم يفرقوا بين الأغسال الواجبة والمسنونة والمباحة مستدلين بحديث أبي بكر بن عبد الرحمن وحديث عائشة وغيرهما في الصحيحين وعند الإمام وأحمد وغيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً وهو صائم ثم يغتسل، قال الشوكاني وقالت الحنفيه إنه يكره الاغتسال للصائم، واستدلوا بما أخرجه عبد الرزاق عن علي من النهي عن دخول الصائم الحمام، وهو مع كونه أخص من محل النزاع في إسناده ضعف كما قال الحافظ أهـ والله اعلم
(تتمة) جاء في بعض كتب السنة أحاديث في بعضها إباحة الكحل للصائم وفي بعضها المنع منه ليست في مسند الامام أحمد وقد جاء في المسند في الترغيب في الكحل أحاديث كثيرة مطلقة بدون تعرض للصائم لا بحظر ولا بإباحة ستأتي إن شاء الله تعالى في كتاب اللباس والزينة، وسأذكر هنا ما وقفت عليه من الأحاديث المشار إليها في الإباحة والحظر على الصائم لغير الإمام أحمد لمناسبة الصيام لئلا يخلو هذا الكتاب منها فأقول
جاء في سنن أبي داود قال حدثنا النفيلي نا علي بن ثابت حدثني عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة عن ابيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه امر بالأثمد المروّح عند النوم وقال ليتقه الصائم، قال ابو داود قال لي يحيى بن معين هو منكر يعني حديث الكحل قلت الأثمد بكسرة الهمزة والميم هو حجر الكحل الأسود كما في القاموس (والمروّح) بضم الميم وتشديد الواو مفتوحة أي المطيب بالمسك أو غيره من انواع الطيب، وهذا الحديث رواه ايضاً الأمام أحمد الى قوله عند النوم بدون ذكر الصائم وفي اسناده عبد الله وابوه النعمان وهما ضعيفان وأخرجه البيهقي والدارمي من طريق عبد الرحمن بن النعمان الأنصاري قال ثنا أبي عن جدي قال وكان جدي اتى به النبي صلى الله عليه وسلم فمسح على راسه فقال لا تكتحل بالنهار وانت صائم واكتحل ليلاً بالأثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر (وعن عبيد الله ابن ابي بكر بن أنس) عن انس بن مالك رضي الله عنه أنه كان يكتحل وهو صائم (وعن
_________
الأعمش) قال ما رأيت أحداً من أصحابنا يكره الكحل للصائم. وكان ابراهيم يرخص أن يكتحل الصائم بالصبر، رواهما ابو داود بسند جيد (وعن أبي رافع) رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتحل بالأثمد وهو صائم (طب) من رواية حبان بن علي بن محمد ابن عبيد الله بن أبي رافع وقد وثقا وفيهما كلام كثير (وعن بريرة مولاة عائشة) رضي الله عنهما قالت رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يكتحل بالأثمد وهو صائم (طس) أوردهما الهيثمي وقال في حديث بريرة، فيه جماعة لم أعرفهم (وعن عائشة) رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم اكتحل في رمضان وهو صائكم، رواه ابن ماجه وفي اسناده بقية ضعيف (وعن ابن عمر رضي الله عنهما خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه مملوءتان من الأثمد وذلك في رمضان وهو صائم، رواه ابن ابي عاصم في كتاب الصيام له، (وعن أنس بن مالك) رضي الله عنه قال جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال اشتكت عيني أفأكتحل وأنا صائم؟ قال نعم، رواه الترمذي وقال ليس إسناده بالقوي، قال ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء اهـ (قلت) حديث معبد بن هوذة المذكور في أول أحاديث التتمة استدل به المانعون من الكحل للصائم وهم كما حكاه ابن المنذر ـ سليمان التيمي ومنصور بن المعتمر وابن شبرمة وابن أبي ليلى أنهم قالوا يبطل به صومه (وقال قتادة) يجوز بالأثمد ويكره بالصبر (وقال الثوري واسحاق) يكره (وقال مالك وأحمد) يكره وإن وصل إلى الحلق أفطر (وذهب الشافعية) الى جواز الاكتحال بجميع الأكحال للصائم ولا يفطر بذلك سواء وجد طعمه في حلقه أو لا، لأن العين ليست بجوف، ولا منفذ منها الى الحلق، وحكاه ابن المنذر عن عطاء والحسن البصري والنخعي والأوزاعي وابي حنيفة وابي ثور وحكاه غيره عن ابن عمر وأنس وابن ابي أوفى الصحابيين رضي الله عنهم (وبه قال داود) واحتجوا بسائر الأحاديث المذكورة في التتمة وكلها لا تخلو من ضعف، وأجابوا عن حديث معبد بن هوذة بأنه ضعيف لا ينتهض للاحتجاج به (واستدل المانعون أيضاً) بما أخرجه البخاري تعليقاً ووصله البيهقي والدارقطني وابن ابي شيبة من حديث ابن عباس بلفظ (الفطر مما دخل والوضوء مما خرج) قالوا واذا وجد طعمه فقد دخل (ويجاب) بأن في اسناده الفضل بن المختار وهو ضعيف جدا، وفيه أيضاً شعبة مولى ابن عياش وهو ضعيف، وقال ابن عدى الأصل في هذا الحديث أنه موقوف وقال البيهقي لا يثبت مرفوعا، ورواه سعيد بن منصور موقوفاً من طريق الأعمش عن ابي ظبيان عنه، ورواه الطبراني من حديث أبي أمامة، قال الحافظ واسناده أضعف من الأول (قلت) وقصارى القول أنه ليس لأحد الفريقين دليل يصلح للاحتجاج به على الآخر، والأصل في كل شيء الجواز، ولا ينتقل عن البراءة الأاصلية إلا بدليل، وليس في الباب ما يصلح
(10)
باب ما جاء في القبلة للصائم
(115)
عن ميمونة بنت سعد رضي الله عنها مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل قبّل امرأته وهو صائم قال قد أفطر (1)
(116)
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء شاب فقال يا رسول الله أقبّل وأنا صائم؟ قال لا، فجاء شيخ فقال أقبل وأنا صائم؟ قال نعم، قال فنظر بعضنا إلى بعض (2) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علمت لِمَ نظر بعضكم إلى بعض، إن الشيخ يملك نفسه
للنقل، لا سيما وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بالترغيب في الكحل بدون حظر على الصائم كما جاءت في السواك، فالظاهر بل المتعين ما ذهب إليه الجمهور من جواز الكحل للصائم (قال النووي)، والمعتمد في المسألة ما ذكره صاحب المهذب (يعني) أن العين ليست بمنفذ فلم يبطل الصوم بما يصل إليها اهـ ج والله أعلم
(115)
عن ميمونة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو نعيم ثنا إسرائيل عن زيد بن جبير عن أبي يزيد الضني عن ميمونة (غريبه)(1) لفظ ابن ماجه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل قبل امرأته وهما صائمان قال قد أفطرا يعني الرجل والمرأة، ومعناه تعرضا للإفطار لأن التقبيل من مقدمات الجماع، وهذا تأويل الحديث إن صح (تخريجه)(جه. قط) وقال الدارقطني راويه مجهول ولا يثبت هذا اهـ (وقال البوصيري) في زوائد ابن ماجه اسناده ضعيف لاتفاقهم على ضعف زيد بن جبير وضعف شيخه ابي يزيد الضني. وفي التقريب أبو يزيد الضني بكسر المعجمة وتشديد النون مجهول من الرابعة أهـ وقال الزبيري حديث منكر وأبو يزيد مجهول والله أعلم
(116)
عن عبد الله بن عمرو (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا موسى ابن داود ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن ابي حبيب عن قيصر التجيبي عن عبد الله بتن عمرو بن العاص ـ الحديث (غريبه)(2) أي نظر تعجب واستغراب لأن النبي صلى الله عليه وسلم منع رجلاً من القبلة وأذن لرجل آخر فيها في وقت واحد ففهم النبي صلى الله عليه وسلم منهم ذلك، فأخبرهم بالحكمة في ذلك وهي أن الشيخ يملك نفسه فلا يسترسل معها، وأما الشاب فربما غلبته شهوته فأوقعته في الجماع. لهذا أذن النبي صلى الله عليه وسلم للشيخ ومنع الشاب (تخريجه) أورده
(117)
عن ابن شهاب عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير (1) العذري رضي الله عنه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مسح على وجهه وأدرك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كانوا ينهوني عن القبلة (2) تخوفاً أن أتقرب لأاكثر منها (3) ثم المسلمون اليوم (4) ينهون عنها ويقول قائلهم إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كان له من حفظ الله ما ليس لأحد
(فصل منه في الرخصة في القبلة والمباشرة للصائم إلا لمن يخاف على نفسه)
(118)
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال هششت (5) يوماً فقبلت وأنا صائم فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت صنعت ىليوم أمراً عظيماً فقبلت وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت لو تمضمضت بماءٍ وأنت صائم؟ قلت
الهيثمي وقال رواه أحمد والطبراني في الكبير، وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه كلام
(117)
عن ابن شهاب (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حجاج ثنا ليث يعني ابن سعد حدثني عقيل عن ابن شهاب عن عبد الله بن ثعلبة ـ الحديث (غريبه)(1) بضم الصاد المهملة ثم عين مهملة مفتوحة بعدها ياء تحتية ساكنة، مختلف في صحبته، قاله في التقريب، (2) يعني الصحابة رضي الله عنهم (3) يستفاد منه أنهم كانوا لا يرون بأساً بالقبلة لمن يملك نفسه (4) يعني التابعين كانوا ينهون عنه مطلقاً سواء ملك نفسه أم لم يملكها ويرون ان النبي صلى الله عليه وسلم كان معصوماً فلا يقاس عليه والله أعلم.
(تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
(118)
عن عمر بن الخطاب (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حجاج ثنا ليث حدثني بكر بن عبد الملك بن سعيد الانصاري عن جابر بن عبد الله عن عمر بن الخطاب ـ الحديث (غريبه)(5) بشينين معجمتين أي نشطت وارتحت، والهشاش في الأصل الارتياح والخفة والنشاط، كذا في القاموس (6) قال المازري ومن بديع ما روي في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم للسائل أرايت لو مضمضت (كما في رواية أبي داود) فأشار إلى فقه بديع، وذلك أن المضمضة لا تنقض الصوم وهي أول الشرب ومفتاحه كما أن القبلة من دواعي الجماع ومفتاحه، والشرب يفسد الصوم كما يفسده الجماع، وكما ثبت عندهم أن أوائل الشرب لا يفسد
لا بأس بذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ففيمَ (1)
(119)
عن عائة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كان يباشر وهو صائم ثم يجعل بينه وبينها ثوياً تعني الفرج (2)
(120)
عن ابراهيم عن علقمة (3) خرج علقمة وأصحابه حجّاجاً فذكر بعضهم (4) الصائم يقبل ويباشر فقال رجل منهم (4) قد قام سنتين وصامهما
الصيام فكذلك أوائل الجماع اهـ (1) أي ففيمَ تسأل؟ (تخريجه)(د. طح. نس) وقال حديث منكر، وأخرجه أيضاً الحاكم وقال هذا حديث صحيح على رط الشيخين ولم يخرجاه (قلت) وأقره الذهبين وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وقال البزار لا نعلمه يروى عن عمر إلا من هذا الوجه.
(119)
عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا ابن نمير عن طلحة بن يحيى قال حدثتني عائشة بنت طلحة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث
(غريبه)(2) المباشرة مفاعلة، وهي الملامسة، وأصله من لمس بشرة الرجل بشرة المرأة، وقد ترد بمعنى الوطئ في الفرج وخارجاً عنه. وليس المراد به هنا الجماع (3) تعني أنه صلى الله عليه وسلم كان يجعل بينه وبينها ثوباً يمنع من مباشرة الفرج. وترجم البخاري لذلك فقال (باب المباشرة للصائم وقالت عائشة رضي الله عنها يحرم عليه فرجها) وهذا التعليق قال فيه الحافظ وصله الطحاوي من طريق أبي مرة مولى عقيل عن حكيم بن عقال (قال سألت عائشة ما يحرم عليّ من امرأتي وأنا صائم قالت فرجها) غسناده غلى حكيم صحيح، ويؤدي معناه أيضاً ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن مسروق سألت عائشة ما يحل للرجل من امرأته صائماً قالت كل شيء إلا الجماع (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الامام أحمد وسنده جيد وروى معناه الشيخان وغيرهما عنها
(120)
عن ابراهيم عن علقمة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سفيان عن منصور عن ابراهيم عن علقمة ـ الحديث (غريبه)(4) ابراهيم هو النخعي (وعلقمة) هو ابن قيس بن عبد الله النخعي أبو شبل الكوفي أحد الأعلام مخضرم، روى عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وحذيفة وطائفة، وروى عنه ابراهيم النخعي والشعبي. وسلمكة بن كهيل وخلق. قال ابراهيم كان يقرأ في خمس. وقال ابن المديني أعلم الناس بابن مسعود علقمة والأسود، قال ابن سعد مات سنة 62 وقال أبو نعيم سنة 61 قيل عن تسعين سنة (5) هو شريح اوله شين معجمة مصغراً ابن ارطاة كما في رواية عند النسائي ستأتي (6) في رواية
هممت أن آخذ قوسي فأضربك بها قال فكفوا حتى تأتوا عائشة (1) فدخلوا على عائشة رضي الله عنها فسألوها عن ذلك فقالت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل ويباشر وكان أملككم لإربه (2) قالوا يا أبا شبل سلها (3) قال لا أرفث عندها اليوم، فسألوها فقالت كان يقبل ويباشر وهو صائم
أخرى للنسائي أن هذا الرجل القائل هممت الخ هو شريح أبهم الذي حدث بجواز المباشرة والقبلة للصائم (1) في رواية للنسائي (فقال قولوا له فليكف عني حتى نأتي أم المؤمنين)(2) بفتح الهمزة والراء وبالموحدة أي حاجته تعني أنه كان غالباً لهواه، وقال صاحب النهاية أكثر المحدثين يروونه بفتح الهمزة والراء، يعنون الحاجة، وبعضهم يرويه بكسر الهمزة وسكون الراء، وله تأويلان (أحدهما) أنه الحاجة الأرَب والأرب والأربة والمأربة (والثاني) ارادت به العضو وعنت به من الأعضاء الذكر خاصة أهـ قال العلماء معنى كلام عائشة رضي الله عنها أنه ينبغي لكم اللاحتراز عن القبلة ولا تتوهموا من أنفسكم أنكم مثل النبي صلى الله عليه وسلم في استباحتها، لأنه يملك نفسه ويأمن الوقوع في قبلة يتولد منها إنزال أو شهوة أو هيجان نفس ونحو ذلك، وأنتم لا تأمنون ذلك فطريقكم الانكفاف عنها، وفيه جواز الأخبار عن مثل هذا مما يجري بين الزوجين على الجملة للضرورة، وأما في غير حال الضرورة فمنهي عنه (3) كنية علقمة (وقوله لا أرقث) أي لا أتكلم بكلام فاحش عندها اليوم، وهذا من كمال أدبه رحمه الله (تخريجه) رواه الشيخان باللفظ الأول بدون ذكر القصة، ورواه مسلم باللفظ الثاني بدون ذكر القصة أيضاً، وفي رواية له الغشارة إلى القصة بدون ذكرها، وقال الاسماعيلي، رواه غندر وابن ابي عدي عن شعبة فقالوا عن علقمة، وحدث به البخاري عن سليمان بن حرب عن شعبة، فقال عن الاسود وفيه نظر، وصرح ابو إسحاق بن حمزة فيما ذكره أبو نعيم في المستخرج عنه أنه خطأ (قال الحافظ) وليس ذلك من البخاري فقد أخرجه البيهقي من طريق محمد بن عبد الله بن معبد عن سليمان بن حرب كما قال البخاري، وكأن سليمان بن حرب حدث به على الوجهين، فإن كان حفظه عن شعبة فلعل شعبة حدث به على الوجهين وغلا فأكثر أصحاب شعبة لم يقولوا فيه من هذا الوجه عن الاسود، قال وكذا أخرجه النسائي من طريق عبد الحمن بن مهدي عن شعبة، ومنهم من قال عن ابراهيم عن علقمة، وشريح، وقد ترجم النسائي في سننه الاختلاف فيه على ابراهيم والاختلاف فيه على الحكم وعلى الأعمش وعلى منصور وعلى عبد الله بن عون كلهم عن ابراهيم، وأورده من طريق
(121)
عن عائشة رضي الله عنها قالت أهوي إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ليقبلني فقلت إني صائمة. فقال وأنا صائم، قالت قالت فأهوى إلي فقبلني (1)(وعنها من طريق ثان)(2) أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قبل امرأة من نسائه وهو صائم ثم ضحكت (3)
إسرائيل عن منصور عن ابراهيم عن علقمة. قال خرج نفر من النخع فيهمن رجل يدعى شريحاً فحدث ان عائشة قالت فذكر الحديث. قال فقال له رجل لقد هممت أن أضرب راسك بالقوس، فقال قولوا له فليكف عني حتى نأتي أم المؤمنين. فلما أتوها قالوا لعلقمة سلها، فقال ما كنت لأرفث عندها اليوم فسمعته فقالت، فذكر الحديث، ثم ساقه من طريق عبيدة عن منصور فجعل شريحاً هو المنكر وأبهم الذي حدث بذلك عن عائشة، ثم استوعب النسائي طرقه، وعرف منها أن الحديث كان عند ابراهيم عن علقمة والأسود ومسروق جميعاً، فلعله كان يحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا، وتارة يجمع وتارة يفرق، وقد قال الدارقطني بعد ذكر الاختلاف فيه على ابراهيم كلها صحاح، وعرف من طريق اسرائيل سبب تحدث عائشة بذلك واستدراكها على من حدث عنها به على الاطلاق بقولها ولكنه كان أملككم لاربه فأشارت إلى أن الإباحة لمن يكون مالكاً لنفسه دون من لا يأمن من الوقوع فيما يحرم اهـ باختصار
(121)
عن عائشىة رضي الله عنها (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي أنا عفان قال ثنا ابو عوانة ثنا سعد بن ابراهيم عن طلحة عن عائشة ـ الحديث (غريبه)(1) لقائل أن يقول غن الحديث السابق يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يملك نفسه إذا قبل بخلاف غيره من الناس خصوصاً الشباب وعائشة كانت شابة حينئذٍ فلماذا كان يقبلها (فالجواب) أنه صلى الله عليه وسلم ما كان يسترسل معها حتى يثير شهوتها، وإنما كان يفعل ذلك لبيان الجواز والله أعلم (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع قال ثنا هشام عن أبيه عن عائشة الحديث (3) قيل كان ضحكها تنبيهاً على أنها صاحبة القضية ليكون ابلغ في الثقة بجديتها، وقيل يحتمل ضحكها التعجب ممن خالف في هذا أو من نفسها حيث جاءت بمثل هذا الحديث الذي يستحى من ذكره، لا سيما حديث المرأة عن نفسها للرجال، لكنها اضطرت إلى ذكره لتبليغ الحديث فتعجبت من ضرورة الحال المضطرة لها إلى ذلك، وقيل ضحكت سروراً بمكانها من النبي صلى الله عليه وسلم وبمنزلتها منه ومحبته لها، وقد روى ابن أبي
(وعنها من طريق ثالث)(1) قالت ان كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ليظل صائما لم يقبّل ما شاء من وجهي حتى يفطر
(122)
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان قال ثنا محمد بن دينار عن سعد بن أوس عن مصدع أبي يحيى الأنصاري عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم ويمص لسانها (2) قلت سمعته من سعد بن أوس؟ قال نعم
(123)
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سفيان قال قلت لعبد الرحمن بن القليم (3) أسمعت أباك يحدث عن عائشة أسمعت أباك يحدث عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
شيبة عن شريك عن هاشم في هذا الحديث فضحكت فظننا أنها هي (1)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان قال ثنا أبو عوانة قال ثنا مطرف عن مسروق قال قالت عائشة إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث (وقولها إن كان) إن بكسر وسكون مخففة، من الثقيلة دخلت على الجملة الفعلية وهي"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ" فيجب اهمال إن، واللام في قولها ليقبل للتأكيد وهي مفتوحة (1) أي كخديها وشفتيها وما بين عينيها ونحو ذلك (تخريجه) أخرج الطريق الأولى منه (نس. طح. هق) وسنده جيد، وأخرج الطيق الثانية منه (ق. طح. هق. وغيرهم) وأخرج الطريق الثالثة منه (هق. طح) وأبو داود بمعناه وسنده جيد
(122)
حدثنا عبد الله (غريبة)(2) أى من غير أن يبتلع ريقها لأنهم أجمعوا على أن من ابتلع ريق غيره أفطر. قيل ويحتمل أن يكون التقبيل وهو صائم والمص في وقت آخر لأنه ليس في الحديث تصريح بأنه مص لسانها وهو صائم. وقد ذكر المص هنا لمناسبة القبلة، ولبيان ما لعائشة عنده صلى الله عليه وسلم من المنزلة والمحبة القلبية، على أن كلمة ويمص لسانها غير محفوظة كما يقول المحدثون. قال النسائى وابن عدى "قوله يمص لسانها" لا يرويه إلا محمد بن دينار (قلت محمد بن دينار ضعيف متكلم فيه) وسيأتي الكلام عنه في التخريج "وقوله قلت سمعته ألخ" القائل هو عفان؛ والمقول له محمد بن دينار (تخريجه)(د. هق) وقال الحافظ إسناده ضعيف ولو صح فهو محمول على أنه لم يبتلع ريقه الذي خالطه ريقها وحكى ابن الأعرابي عن اهـ وحكى ابن الأعرابي عن أبي داود أنه قال هذا الحديث ليس بصحيح، وعن يحيى أن محمد بن دينار ضعيف. وقال أبو داود وكان تغير قبل ان يموت وسعد بن أوس ضعفه يحيى أيضاً، قال العيني
(123)
حدثنا عبد الله (غريبه)(3) هو عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر
وصحبه وسلم كان يقبلها وهو صائم فسكت هنيّة (1) ثم قال نعم
(124)
عن أبي قيس (2) قال أرسلني عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما إلى أم سلمة أسألها هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبّل وهو صائم؟ فإن قالت لا. فقل فقل لها إن عائشة تخبر الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبّل وهو صائم، قال فسألتها أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبّل وهو صائم؟ قالت لا، قلت إن عائشة تخبر الناس أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كان يقبل وهو صائم، قالت لعله إياها (3) ، كان لا يتمالك عنها حباً، أما إياي فلا
(125)
عن عبد الله بن فروخ أن امرأة سألت أم سلمة رضي الله عنها فقالت ان زوجي يقبلن وهو صائم وانا صائمة فما ترين؟ فقالت كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقبلني وهو صائم وأنا صائمة (4)
الصديق رضي الله عنه. عمة والدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها كان امام ثقة. وثقة أحمد وابن سعد وابو حاتم، قال جماعة مات سنة 126 هـ (1) أي مدة وجيزة خجلاً من الجواب لانه يختص بعمة والده والله أعلم (تخريجه)(هق. طح) ورجاله من رجال الصحيحين، وفيه عند الطحاوى فطأطأ رأسه واستحى قليلاًوسكت ثم قال نعم،
(124)
عن أبي قيس (سنده) حدثنا عبد الله حدثي أبي ثنا عبد الرحمن ابن مهدى قال ثنى موسى يعني ابن علي عن أبه عن أبي قيس_ الحديث" (غريبه)
(2)
هو مولى عمرو ابن العاص رضي الله عنه، اسمه عبد الرحمن بن ثابت، وقيل ابن الحكم وهو غلط. ثقة من الثانية. مات 54 هـ قال الحافظ في التقريب (3) أي لعله كان يفعل ذلك معها لشدة حبه إياها، اما أنا فلم يفعل ذلك معي (تخريجه)(طح) وسنده جيد
(125)
عن عبد الله بن فروخ (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبا ثنا يحيى بن سعيد بن طلحة بن يحيى قال حدثني عبد الله بن فروخ- الحديث" (غريبه)(4) في الحديث السابق أن أم سلمة أنكرت تقبيل النبي صلى الله عليه وسلم اياها في الصيام، وفي هذا الحديث صرحت بأنه صلى الله عليه وسلم قبلها وهو صائم وهي صائمة وهذا تعارض لا شك فيه وكلا الحديثين صحيح، فكيف الجمع بينهما (الجواب) يمكن أن يقال أن أم سلمة رضي الله عنها أنكرت هذا الأمر في الحديث السابق نسيناً منها لما حصل لكون حصوله كان معها نادراً، ولا غرابة في ذلك، فقد ينسى الإنسان الأمور النادرة التي وقعت له في الزمن الماضي، وفي هذا الحديث تذكرت ذلك فصرحت به والله أعلم (تخريجه)(طح) بمثل حديث الباب
(126)
عن حفصة بنة عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم (وعنها من طريق ثانٍ)(1) أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كان ينال (2) من وجه بعض نسائه وهو صائم
(127)
عن أم حبيبة (زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنها) أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كان يقبل وهو صائم
(128)
عن أيوب عن شيخ من بني سدوس قال سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن القبلة للصائم فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصيب من الرءوس (3) وهو صائم
(129)
عن عطاء بن يسار عن رجل من الأنصار أن الأنصاري أخبرعطاءً أنه قبل امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك (4) فأخبرته امرأته
سندا ومتنا وأخرجه الشيخان بدون قصة المرأة بلفظ (النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم)
(126)
عن حفصة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا عفان قال ثنا أبو عوانة قال ثنا منصور عن مسلم عن شتير بن شكل عن حفصة بن عمر الحديث (1)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا سفيان عن منصور عن أبي الضحى عن شتير بن شكل عن حفصة_الحديث) (غريبة)(2) هم كناية عن القبلة في الجه (تخريجة)(م. جه. طح)
(127)
عن أم حبيبة (سند) حثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبه عن منصور عن أبي الضحى عن شتير بن شكل عن أم حبيبة الحديث (تخريجة) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وسنده جيد
(128)
عن أيوب (سنده) حدثنا عبد الله حثنى أبي ثنا إسماعيل ثنا أيوب عن شيخ من بني سدوس_ الحديث) (غريبة)(3) جمع رأس، أي يتمتع بما فيها من الجه وغيره وكنى به عن القبيلة ونحوها (تخريجة)(طح) وأورده الهيثمي وقال رواه أحمد والبزار. والطبراني في الكبير، وقال أي يقبل رجال أحمد رجال الصحيح
(129)
عن عطاء بن يسار (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا عبد الرزاق أنا ابن جريج أخبرني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار_الحديث) (غريبه)(4) يربد
فقال إن النبي صلى الله عليه وسلم يرخص له في أشياء (1) فارجعي اليه، فقولي له، فرجعت الى النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقالت قال إن النبي صلى الله عليه وسلم يرخص له في أشياء (2) فقال أنا أتقاكم لله وأعلمكم بحدود الله
نفسه صلى الله عليه وسلم (1) أي يبيح الله عز وجل لرسوله ما لم يبحه لغيرة، فاعتقد أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم كالزياد على أربع نسوة مثلا (2) في الموطأ زيادة فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لاعتقاد الرجل التخصيص بغير علم أشار اليه ابن العربي وابن عبد البر. (وقال القاضي عياض) غضبه صلى الله عليه وسلم لذلك ظاهر لأن السائل جوّز وقوع المنهى عنه منه صلى الله عليه وسلم لكن لا حرج عليهإذ غفر له فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وقال "أنا أتقاكم لله وأعلم بحدود الله" فكيف تجوزون وقوع ما نهى عنه منى (تخريجه)(لك) مرسلاً عند جميع الرواة ووصله عبد الرزاقباسنلد صحيح صححه الحافظ، وأورده الهيثمي وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (زوائد الباب) عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فرأته ينظر إلي، قلت يا رسول الله ما شأنك؟ قال أولست المقبّل وأنت صائم؟ فقلت، ولذي نفسي بيده لا أقبّل وأنا صائم أبداً، رواه البزار ورجاله رجال الصحيح، قال البزار وقد روى عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف هذا (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال نهى النبي أن يقبّل الرجل وهو صائم (طس) وفيه الحارث بن نبهان قال ابن عدى له أحاديث؛ وهو ممن يكتب حديثه وضعفه الأئمة (وعن عمر ابن الخطاب) رضي الله عنه أنه كان ينهى الصائم أن يقبّل. ويقول ليس لأحدكم من العصمة ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم (طس) وفيه زيد بن حبان الرقى، وقد وثقه ابن حبان وغيره وفيه كلام (وعن ابن مسعود رضي الله عنه فى الرجل يقبّل وهو صائم فال يقضى يوما مكانه، قال سفيان لا يؤخذ به، رواه الطبراني في الكبير ورجاله تقاة (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سأله شاب عن القبة نهاه، وإذا سأله شيخ رخصها له، وقال إن الشاب ليس كالشيخ (طس) وفيه عباد بن صهيب وهو متروك (وعن ابن عباس) رضي الله عنهما قال رخص للشيخ أن يقبل ونهى الشاب (طب) ورجاله رجال صحيح (وعن عطية) قال سأل شاب ابن عباس أيقبّل وهو صائم؟ قال لا؛ ثم جاء شلب فقال أيقبّل وهو صائم؟ فقال نعم، قال الشاب سألتك أقبّل وأنا صائم فقلت لا، وسألك هذا أيقبل وهو صائم قلت نعم فكيف يحل لهذا ما يحرم علي وأنا وهو على دين واحد؟ فقال له ابن عباس إن عرق الخصيتين
.
معلقة بالأنف فإذا شم الأنف تحرك الذكر وإذا تحرك الذكر دعا إلى ما هو أكبر من ذلك، والشيخ أملك لأربه وذلك بعدما ذهب بصرعبد الله (يعني ابن عباس) وخلفه امرأة فقال أذلك الله من جليس قوم (طب) وعطية فيه كلام وقد وثق (وعن أنس بن مالك) رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيقبّل الصائم قال وما بأس ذلك بريحانة يشمها (طس. طص)(وعن أبي هريرة) رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبّل وهو صائم (طس) وفيه عبد الله بن صالح قال عبد الملك بن الليث ثقة مأمون، وضعفه الأئمة أحمد وغيره
(وعن عائشة) رضي الله عنها قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا عائشة هل من كسرة؟ فأتيته بقرص فوضعه على فيه وقال يا عائشة هل دخل بطني منه شيء، كذلك قبلة الصائم، إنما الأفطار ما دخل وليس ما خرج (عل) قال الهيثمي وفيه ما لم أعرفه، أورد هذه الأحاديث الهيثمي وتكلّم عنها جرحاً وتعديلا (وعن عمر بن أبي سلمة) أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيقبّل الصائم؟ فقال له سل هذه لأم سلمة، فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك فقال يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال له أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له (م) وفيه أن أفعاله صلى الله عليه وسلم حجة
(وعن أبي هريرة) رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم فرخص له، وأتاه آخر فنهاه عنها، فإذا الذي رخص له شيخ وإذا الذي نهاه شاب (د) وسكت عنه أبو داود والمنذرى، فهو صالح للإحتجاج به والله أعلم (الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد (في بعضها) ما يدل على جواز القبلة للصائم مطلقاً (وفي بعضها) ما يدل على المنع منها مطلقاً (وفي بعضها) ما يدل على الجواز للشيخ والمنع للشاب، لهذا اختلفت أنظار العلماء في ذلك، قال النووي ولا خلاف أنها لاتبطل الصوم إلا أن ينزل المنى بها لكنه متعقب بأن عبد الله ابن شبرمة أحد فقهاء الكوفة أفتى بإفار من قبّل وهو صائم، ونقله الطحاوي عن قوم لم يسمهم، وألزم ابن حزم أهل القياس أن يلحقوا الصيام بالحج في منع المباشرة ومقدمات النكاح للإتفاق على ابطالهما بالجماع (وقد قال بكراهة القبلة والمباشر على الأطلاق قوم وهو المشهور عند المالكية) وروى ابن أبي شيبة باسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يكره القبلة والمباشرة (ونقل ابن المنذر وغيره عن قوم تحريمها) واحتجوا بقوله تعالى"فالآن باشروهن الآية" فمنع من المباشرة في هذه الآية نهاراً (والجواب عن ذلك) أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المبين عن الله عز وجل وقد أباح المباشرة نهاراً فدلّ على ان المراد بالمباشرة في الآية الجماع لا ما دونه من قبلة ونحوها والله اعلم (واباح القبلة قوم مطلقا) وهو المنقول صحيحاًعن أبي هريرة، وبه قال سعيد وسعد بن أبي وقاص وطائفة بل بالغ بعض اهل الظاهر فاستحبها (وذهب فريق الى التفريق) بين الشاب والشيخ فكرهها للشاب وأباحها للشيخ وهو مشهور
(11)
باب من أكل أو شرب ناسياً أو متأولا
(130)
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الحسن عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال إذا صام أحدكم يوماً فنسي فأكل وشرب فليتم صومهفإنما أطعمه الله وسقاه
عن ابن عباس. أخرجه مالك وسعيد بن منصور وغيرهما، وجاء فيه حديثان مرفوعان فيهما ضعف أخرج احدهما أبو داود عن أبي هريرة وهو المذكور في الزوائد. والآخر للإمام أحمد، وهو حديث عبد الله بن عمرو بن العاص المذكور في أحاديث الباب (وفرَق آخرون) بين من يملك نفسه ومن لا يملك. كما أشارت الى ذلك عائشة في حديثها المتقدم (وقال الترمذي) راى بعض أهل العلم أن للصائم إذا ملك نفسه أن يقبّل. الا فلا ليسلم له صومه. وهو (قول سفيان والشافع) ويدل على ذلك ما رواه مسلم من طريق عمر بن ابي سلمة وهو ربيب النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيقبّل الصائم؟ الحديث. وتقدم في الزوائد فدل ذلك على أن الشاب والشيخ سواء لأن عمر حينئذٍ كان شاباً. ولعله كان أول ما بلغ (وفيه دلالة) على أنه ليس من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم (وروى عبد الرزاق) باسناد صحيح عن عطاء بن يسار عن رجل من الأنصارأنه قبّل امرأته وهو صائم الحديث رواه الإمام أحمد أيضا وتقدم في أحاديث الباب (واختلف) فيما اذا باشر أو قبل أو نظر فأنزل أو أمذى فقال (الكوفين والشافعي) يقضى اذا أنزل في غير النظر ولا قضاء في الأمذاء (وقال مالك واسحاق) يقضى في كل ذلك ويكفر الا في الأمذاء فيقضى فقط، واحتج بأن الأنزال أقصى ما يطلب بالجماع من الإلتذاذ في كل ذلك، وتعقب بأن الأحكام علقت بالجماع ولو لم يكن انزال فافترقا، وروى عيسى بن دينار عن ابن القاسم (عن مالك) وجوب القضاء فيمن باشر فانعظ ولم يمذ ولا أنزل، وأنكره غيره عن مالك، وأبلغ من ذلك ما روى عبد الرزاق عن حذيفة أن من تامل خلق امرأة وهو صائم بطل صومه (قال الحافظ) واسناده ضعيف. قال وقال ابن قدامة ان قبل فأنزل افطر بلا خلاف، كذا قال وفيه نظر، فقد حكى ابن حييم أنه لا يفطر ولو أنزل، وقوى ذلك وذهب اليه، أفاده الحافظ
(130)
عن ابي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني ابي ثنا هوذة قال ثنا عوف"بن أبي جميلة" عن خلاس"بن عمرو"ومحمد"بن عمر"عن أبي هريرة-الحديث" (غريبه)(1) هو البصرى التابعى المشهور (2) هو حجة القائلين بعدم القضاء لمن أكل أو شرب ناسياً في صوم الفرض أو التطوّع لأطلاق الحديث، وسيأتي ذكرهم في الأحكام (تخريجه)
(131)
عن أم حكيم بنت دينار عن مولاتها ام اسحاق رضي الله عنها أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى بقصعة من ثريد فأكلت معه ومعه ذو اليدين فناولها رسول الله صلى الله عليه وسلم عرقا فقال يا ام اسحاق أصيبي من هذا، فذكرت اني كنت صائم فرددت يدي لااقدمها ولا أؤخرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مالك؟ قالت كنت صائمة فنسيت، فقال ذو اليدين الآن بعدما شبعت؟ فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أتمي صومك فإنما هو رزق ساقه الله إليك
(132)
عن اسماء (بنت ابي بكر) رضي الله عنهما قالت افطرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم غيم في رمضان ثم طلعت الشمس، قلت لهشام
(ق. د. مذ. جه) وغيرهم وللإمام احمد حديث عن الحسن (يعني البصرى) مرسلا بلفظ "بلغني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اذا كان أحدكم صائما فنسي فأكل او شرب فليتم صومه فإن الله عز وجل أطعمه وسقاه" وهو مرسل صحيح الإسناد قال الهيثمي
(131)
عن ام حكيم (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الصمد قال ثنا بشار بن عبد الملك وقال حدثني أم حكيم بنت دينار عن مولاتها أم اسحاق _الحديث" (غريبه)(1) هي الغنوية احدى المهاجرات وعنها مولاتها أم حكيم بنت دينار؛ قال الحافظ في تعجيل المنفعة (2) العرق بفتح العين المهملة وسكون الراء قال في النهاية هو العظم إذا اخذ عنه معظم اللحم. وجمعه عراق وهو جمع نادر. يقال عرقت العظم واعترقته وتعرقته اذا اخذت عنه اللحم بأسنانك اهـ (تخريجه) أورده الهيثمي. وقال رواه أحمد والطبراني في الكبير. وفيه ام حكيم ولم أجد لها ترجمة اهـ (قلت) ذكرها الحافظ في تعجيل المنفعة وهذا لفظه (أم حكيم) بنت دينار عن مولاتها ام اسحاق وعن بشار بن عبد الملك اهو لم يذكر عنها جرحاً ولا تعديلاً
(132)
عن أسماء بنت أبي بكر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا ابو أسامة عن هشام (بن عروة) عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبى بكر رضي الله عنهما -الحديث (غريبه)(1) القائل هو ابو اسامة اسمه حمادة ابن سلمة "وهشام" هو ابن
أمروا بالقضاء قال وبد من ذاك
عروة ابن الزبير"وقوله امروا بالقضاء" يعني أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء ذلك اليوم، وفي رواية للبخاري فأمروا بالقضاء"وقوله بد من ذلك" بتقدير حرف استفهام إنكارى بمعنى النفي، أي قال هشام ولا بد من القضاء، أى لا مفر منه. وفي لفظ للبخاري قال "لا بد من القضاء"(تخريجه)(خ. د. جه. هق. قط) وقال اسناده صحيح ثابت "زوائد الباب"(عن ابي سعيد الخدري) رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صائم اكل وشرب ناسياً فلم يأمره بالقضاء، وقال انما ذلك طعام أطعمه الله (طس) وفيه محمد بن عبيد الله العذرمي وهو ضعيف) وعن ابي هريرة) رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكل او شرب ناسياً في رمضان فلا قضاء عليه ولا كفارة (طس) وفيه محمد بن عمرو. وحديثه حسن، أوردهما الهيثمي ورواه أيضاً الدارقطني. وقال تفرد به ابن مرزوق وهو ثقة عن الأنصارى (وعنه أيضاً) قال جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله اني أكلت وشربت ناسياً وانا صائم فقال أطعمك الله وأسقاق (ق. مذ. نس. فط. ك. خز. مي. هق) من طرق بألاظ متقاربة، وقال الترمذي حديث حسن صحيح (وأخرج الدارقطنى) من حديث ابي سعيد مرفوعاً. من أكل في شهر رمضان ناسياً فلا قضاء عليه، قال الحافظ واسناده وان كان ضعيفاً لكنه صالح للمتابعة فأقل درجات الحديثبهذه الزيادة أن يكون حسناً فيصلح الإحتجاج به (وعن خالد بن أسلم) أن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أفطر في رمضان في يوم ذي غيم ورأى انه قد امسى وغابت الشمس فجاءه رجل فقال يا أمير المؤمنين قد طلعت الشمس، فقال عمر الخطب يسير وقد اجتهدنا (قال الشافعي) رحمه الله يعني قضاء يوم مكانه، وعلى ذلك حمله أيضاً مالك بن أنس (هق)(وعن علي بن حنظلة عن أبيه) قال كنت عند عمر رضي الله عنه فأتى بجفنة في رمضان فقال المؤذن الشمس طالعة فقال أغنى الله عنا شرك، انا لم نرسلك راجيا للشمس انما ارسلناك داعيا للصلاة، يا هؤلاء من كان منكم افطر فقضاء يوم يسير والا فليتم (هق)(وعن بشير بن قيس) عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال كنت عنده عشية في رمضان وكان يوم غيم فظن أن الشمسأن الشمس قد غابت فشرب عمر وسقاني، ثم نظروا اليها على سفح الجبل، فقال عمر لا نبالي والله نقضي يوماً مكانه (هق) قال وكذلك رواه الوليد بن ابي ثور عن زياد، وفي تظاهر هذه الوايات عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه في القضاء دليل على خطأ رواه زيد بن وهب في ترك القضاء (قلت رواية وهب بن زيد) رواها البيهقي أيضاً (عن الأعشمي عن المسيب) ابن رافع عن زيد بن وهب قال بينما نحن جلوس في مسجد المدينة في رمضان والسماء متغيمة
.
فرأينا أن الشمس قد غابت وأنا قد أمسينا فأخرجت لنا عساس (1) من لبن من بيت حفصة فشرب عمر وشربنا فلم نلبث أن ذهب السحاب وبدت الشمس فجعل بعضنا يقول لبعض يومنا هذا، فسمع ذلك عمر فقال والله لا نقضيه وما يجانفنا الإثم "أي لم نمل لارتكاب الإثم"(هق) وقالكذا رواه شيبان، ورواه حفص بن غياث وأبو معاوية عن الأعمش عن زيد بن وهب، وكان يعقوب بن سفيان يحمل على زيد بن وهب بهذه الرواية المخالفة للروايات المتقدمة ويعدها مما خولف فيه، وزيد ثقة الا أن الخطأ غير مأمون نسأل الله أن يعصمنا من الزلل والخطأ بمنه وسعت رحمته اهـ (وعن يوسف بن محمد بن يزيد بن صيفي بن صهيب) صاحب النبي صلى الله عليه وسلم ثنا شعيب بن عمرو بن سليم الأنصاري وكان أتى عليه مائة وخمسة عشر سنة قال أفطرنا مع صهيب الخيل أنا وأبي في شهر رمضان في يوم غيم وطش "أي مطر" فبينما نحن نتعشى طلعت الشمس وقال صهيب، طعمة الله أتموا صيامكم الى الليل واقضوا يوماً مكانه (هق)
(الاحكام) أحاديث الباب مع الزوائد تدل على أن من اكل أو شرب ناسياً لا يبطل صومه سواء أكان فرضاً أو تطوعاً، وسواء اكان اللاكل كثيراً ام قليلاً، ولا قضاء عليه في ذلك لأن ام اسحاف أكلت ولم تتذكر حتى شبعت أو قاربت ألشبع ولذا قال لها ذو اليدين"الآن بعدما شبعت" ومع هذا فقد قال لها النبي صلى الله عليه وسلم أتمي صومك ولم يأمرها بالقضاء (فإن قيل) لا حجة فيه على عدم قضاء من اكل ناسياً في رمضان لأنها كانت متطوعة في صيامها، وغاية ما فيه أنه يصلح دليلاً لعدم قضاء صوم التطوّع فقط (فالجواب) ما رواه الدارقطني والطبراني في الأوسط بسند جيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكل أو شرب ناسياص في رمضان فلا قضاء عليه ولا كفارة" وتقدم هذا الحديث في الزوائد، قال النووي في المجموع اسناده صحيح أو أحسن (وحكى عن الشافعيّة) أنه اذا اكل أو شرب أو تقيّأ أو استعط أو جامع أو فعل غير ذلك من منافيات الصوم ناسياً لم يفطر عندهم سواء قل ذلك أم كثر، هذا هو المذهب والمنصوص؛ وبه قطع صاحب المذهب والجمهور من العراقيين وغيرهم، قال وذكر الخراسانيون في أكل الناسى اذا كثر وجهين ككلام الناسى في الصلاة اذا كثر، والمذهب أنه لا يفطر هنا وجهاً واحداً لعموم الأحاديث السابقة.
ولأنه قدج يستمر النسيان حتى ياكل كثيراً ويندر ذلك في الكلام في الصلاة، قال وبما ذهب اليه الشافعيّة قال الحسن البصري ومجاهد (وأبو حنيفة) وإسحاق وأبو ثور وداود وابن المنذر
وغيرهم (وقال عطاء الأوزاعي والليث) يجب قضاؤه في الجماع ناسياً دون الأكل وقال 0 ربيعة ومالك) يفسد صوم الناسى في جميع ذلك وعليه القضاء دون الكفارة (وقال أحمد) يجب بالجماع ناسياً القضاء والكفارة ولا شيء في الأكل (قال النووي)
_________
(1)
عماس بكسر العين المهملة وبسين مهملة مكررة- وهي لأقداح، واحداها عسى بضم العين
(12)
باب حكم من أصبح جنبا وهو صائم
(133)
عن ابي هريرة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال اذا نودي للصلاة صلاة الصبح وأحدكم
دليلنا على الجميع الأحاديث السابقة (يعني أحاديث الباب)(قال) واذا أكل الصائم او شرب أو جامع جاهلاً بتحريمه فإن كان قريب عهد باسلام أو نشأ ببادية بعيدة بحيث يخفى عليه كون هذا مفطر لم يفطر، لأنه لا يأثم فأشبه بالناسى الذي ثبت في النص، وان كان مخالطاً للمسلمين بحيث لا يخفى عليه تحريمه أفطر لنه مقصّر اهج (وفي أحاديث الباب ايضاً) دلالة على أن من اكل أو شرب ظاناً غروب الشمس فبان خلافع وجب عليه قضاء ذاك اليوم، وبه قال ابن عباس ومعاويةبن ابي سفيان وعطاء وسعيد بن جبير ومجاهد والزهرى والثورى، كذا حكاء ابن المنذر عنهم وبه قال (أبو حنيفة ومالك وأحمد وأبو ثور والجمهور) وقال اسحاق بن راهويهوداود صومه صحيح ولا قضاء عليه، وحكى ذلك عن عطاء وعروة ابن الزبير والحسن البصرى ومجاهد واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم "ان الله تعالى تجاوز لي عن امتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" رواه ابن ماجه من حديث ابي ذر، و (طب. ك. هق) عن ابن عباس و (طب) عن ثوبان بأسانيد صحيحة؛ واحتج الجمهور بقوله تعالى"حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام الى الليل" وهذا قد أكل في النهار (وبما رواه البيهقي) باسناده عن ابن مسعود أنه سئل عن رجل تسحر وهو يرى أن عليه ليلاً وقد طلع الفجر فقال "من أكل من أول النهار فليأكل من آخره" ومعنه فقد أفطر، وروى البيهقي معناه عن ابي سعيد الخدري (وبحديث هشام بن عروة) عن فاطمة بنت المنذر عن اسماء بنت أبى بكر الصديق رضي الله عنهما وهو آخر احاديث الباب (وبحديث خالد ابن أسلم) وما بعده من الأحاديث المذكورة في الزوائد (أما الأثر المروى عن زيد بن وهب) وفيه أن عمر قال"والله لا نقضيه وما تجانفنا اللإثم" ففيه خطأ ذكره البيهقي ورد عليه عقب ذكره في الزوائد، (وأجاب الجمهور) عن حديث"إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ" انه هنا محمول على رفع الإثم، فانه عام خص منه غرامات المتلفات وانتقاض الوضوء بخروج الحدث سهوا والصلاة بالحدث ناسياً وأشباه ذلك فيخص هنا بما ذكرناه والله أعلم، أفاده النووى ج
(133)
عن ابي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق بن همام ثنا معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا به ابو هريرة عن رسول الله
جنب فلا يصوم يومئذ (1)
(134)
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا اسماعيل انبأنا ابن عوف (2) عن رجاء بن حيوة قال حدثني يعلي بن منبه في رمضان فأصبح وهو جنب (3) فلقي أبا هريرة فسأله فقال أفطر، قال أفلا أصوم هذا اليم وأجزئه من يوم آخر؟ قال افطر (4) فأتى مروان فحدثه فأرسل أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث الى ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها فسألها فقالت قد كان يصبح (5) فينا جنباً من غير احتلام (6)
صلى الله عليه وسلم قال اذا نودي للصلاة -الحديث" (غريبه)(1) هذا مخالف لما سيأتي من حديث عائشة وام سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباص ثم يصو (والجواب عنه) كما قال ابن المنذر فيما رواه عن البيهقي أن حديث ابى هريرة منسوخ وأنه كان في اول الأمر حين كان الجماع محرماً في الليل بعد النوم كما كان الطعام والشراب محرماً، ثم نسخ ذلك ولم يعلمه أبو هريرة، فكان يفتي بما علمه حتى بلغه الناسخ فرجع اليه، قال ابن المنذر هذا أحسن ما سمعت فيه والله أعلم (تخريجه)(م) بلفظ من أدركه الفجر جنباً فلا يصم والأمام مالك في الموطأ بلفظ من أصبح جنباً افطر ذلك اليوم
(134)
حدثنا عبد الله (غريبه)(2) اسمه محمد بن عوف بن سفيان الطائى الحمصى وثقه النسائى، وقال أبو حاتم صدوق، وقال ابن عدي هو عالم الشا، قال ابن المنادى مات سنة 272 هـ (3) الذي أصبح جنباً هو يعلى بن منبه (4) انما قال ذلك أبو هريرة رضي الله عنه وأكد القول لوثرقه بخبر الفضل بن العباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، زتقدم أن ذلك كان أول ألأمر ثم نسخ (وقوله فأتى مروان) هو ابن الحكم الأموي، وكان اذ ذاك أمير المدينة من جهة معاوية بن ابي سفيان ولم تصح له صحبة، مات في رمضان سنة خمس وستين (5) تعني النبي صلى الله عليه وسلم (6) في رواية"من جماع غير احتلام" للإمام أحمد وغيره سيأتي (قال القرطبي) في هذا فائدتان (احداهما) أنه صلى الله عليه وسلم كان يجامع في رمضان ويؤخر الغسل الى مابعد طلوع الفجر بياناً للجواز (والثانية) أته كان لا يحتلم لأنه من الشيطان وهو صلى الله عليه وسلم معصوم منه (وقال غيره) فيه اشارة الى جوازه عليه والا لما كان لإستثنائه معنى (قال النووي وغيره) احتج به من اجاز الإحتلام على الأنبياء، والأشهر امتناعه لنه من تلاعب الشيطان، وتأولوا الحديث على أن المعنى يصبح جنباً من جماع ولا يجنب من احتلام، لامتناعه منه صلى الله عليه وسلم
ثم يصبح صائماً فرجع الى مروان فحدثه فقال ألق بها (1) أبا هريرة، فقال جار جار، فقال اعزم عليك (2) لتلق به، فلقيه فحدثه فقال إني لم اسمعه من النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلمانما أنبأنيه الفضل بن عباس (3) قال فلما كان بعد ذلك لقيت رجاء فقلت حديث يعلى من حدثكه (4) فقال اياي حدثه
(153)
عن أبي قلابة عن عبد الرحمن بن عتاب (5) قال كان ابو هريرة يقول من أصبح جنباً فلا صوم له، قال فأرسلني مروان ابن الحكم أنا ورجل
وهو قريب من قوله تعالى"ويقتلون النبيين بغير حق" ومعلوم بأن قتلهم لا يكون بحق
اهـ (1) أى أخبر أبا هريرة بهذه الجملة التي قالتها عائشة رضي الله عنها (وقوله جار جار) كررها مرتين للتأكيد ومعناها أن أبا هريرة جار لى وإني أكره ان أقابله بما يكره (2) أي آمرك أمراً جازماًمحتماً (لتلق به) أى لتلقه" وزيدت الباء للتقوية" فتخبره بكلام عائشة (وفي لفظ) عند الأمام مالك في الموطأ"أقسمت عليك يا ابا محمد لتركبن دابتي فانها بالباب فلتذهبن الى ابي هريرة فإنه بأرضه بالعقيق فلتخبرنه بذلك"(وفي لفظ النسائى) "القى ابا هريرة فحدثه بهذا، فقال إنه لجاري واني لأكره أن استقبله بما يكره (وفي لفظ) انه لي صديق ولا أحب أن أرد عليه (3) في رواية للبخاري فقال كذلك أخبرني الفضل ابن عباس وهو أعلم، أي بما روى والعهدة في ذلك عليه لا علي (وقوله قال فلما كان بعد ذلك الخ) القائل هو عوف الراوي عن رجاء بن حيوة (4) يعني حديث يعلى الذي سمعته منك من حدثك به؟ إباي حدثه يعني يعلى حدثتي به والله أعلم (تخريجه)(ق. نس) بألفاظ مختلفة، وأخرجه أيضاً ابن حيان بلفظ حديث الباب
(135)
عن ابي قلابة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا علي بن عاصم عن خالد عن ابي قلابة عن عبد الرحمن بن عتاب_الحديث" (غريبه)(5) هكذا في السند في هذه الرواية (عبد الرحمن بن عتاب) والمذكور في جميع طرق الحديث عند الإمام أحمد (وسنأتي) وعند الشيخين وأبى داود والنيائلى وغيرهم (عن عبد الحمن ابن الحارث بن هشام) فلعل بعض الرواة وهم في هذه الرواية أو هو تحريف من الناسخ والله أعلم، على انى لم أقف في كتب الرجال على اسم عبد الرحمن بن عتاب، وإنما المذكور فيها (عبد الرحمن بن أبي عتاب) وهو يروي عن أبي سلمة، وعنه زياد بن سعد وهكذا
آخر إلى عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما نسألهما عن الجنب يصبح في رمضان قبل أن بغتسل، قال فقالت احداهما قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً ثم يغتسل ويتم صيام يومه، وقالت الأخرى كان يصبح جنباً من غير ان يحتلم ثم يتم صومه، قال فرجعا فأخبرا مروان بذلك، فقال لعبد الرحمن أخبر أبا هريرة بما قالتا، فقال ابو هريرة كذا كنت أحسب وكذا كنت أظن (2) قال فقال له مروان بأظن وبأحسب تفتي التاس؟
(136)
عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه (3) أنه قال دخلت على عائشة رضي الله عنها فقالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً ثم يغتسل ثم يغدو الى المسجد ورأسه يقطر ثم يصوم في ذلك اليوم، فأخبرت مروان ابن الحكم بقولها فقال لي أخبر ابا هريرة بقةل عائشة، فقلت انه لي صديق فأحب أن تعفيني، فقال عزمت عليك لما انطلقت إليه. فانطلقت أنا وهو الى أبي هريرة فأخبرته بقولها، فقال عائشة اذن اعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم (وعنه من طريق ثانٍ) قال دخلت أنا وابي على عائشة وأم سلمة رضي الله
لا ينطبق على ما هنا "وقوله فلا صوم له" يعني صحيحاً (1) لعله ابو بكر ابنه كما في بعض طرق الحديث الآتي فقد صرح فيها بأنه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث. وكذلك عند الشيخينوأبي داود والنسائي وغيرهم. ولم أقف على أن مروان أرسل لعائشة وأم سلمة غير عبد الرحمن ابن الحارث وابنه ابا بكر والله أعلم (2) أي ظنا قوياً قريباً من العلم لوثوقي بمن أخبرني (تخريجه)(ق. والثلاثة. وغيرهم)
(136)
عن ابي بكر بن عبد الرحمن (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر قال ثنا شعبة عن الحكم عن ابي بكر بن عبد الرحمن-الحديث"
(غريبه)(3) هو عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي ابن عم عكرمة بن ابي جهل بن هشام. مات سنة ثلاثة وأربعين (4)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن
عنهما (1) فقالنا ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً ثم يصوم (وعنه من طريق ثالث)(2) قال قالت عائشة وام سلمة زوجا النبي صلى الله عليه وسلم قد كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يصبح من اهله جنباً فيغتسل قبل ان يصلي الفجر ثم يصوم يومئذٍ، قال فذكرت ذلك لأبي هريرة فقال لا أدري (4)
أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال "دخلت أنا وأبي الحديث"(1) يعني فسألاهما عن الجنابة هل تبطل الصوم، كما يزعم ابو هريرة "فقالنا النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً الخ"(2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يعقوب ثنا ابن اخي ابن شهاب عن عمه. قال أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال قالت عائشة وام سلمة الحديث (3) يشير الى ما قالته عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما "أن النبي كان يصبح جنباً ثم يصوم وهذا مخالف لما كان يرويه ابو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ويفتي الناس به بلفظ "اذا نودي للصلاة، صلاة الصبح واحدكم جنب فلا يصم يومئذٍ"
(4)
معناه انه لم يسمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أخبره به الفضل ابن عباس (وفي لفظ للبخاري) كذلك حدثني الفضل ابن عباس وهو أعلم، أي أعلم مني بما روى والعهدة عليه في ذلك لا علي، قال الحافظ ووقع في رواية النسفي عن البخاري "وهن أعلم" اي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وكذا في رواية معمر، وفي رواية ابن جريج فقال أبو هريرة انهما قالتاه؟ قال نعم، قال هما اعلم، وهذا يرجح رواية النسفي، والنسائى من طريق عمر بن ابي بكر بن عبد الرحمن عن ابيه هي اى عائشة أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم منا (قلت ومثل ذلك عند الإمام أحمد وتقدم) قال وزاد ابن جريح في روايته. فرجع ابو هريرة عما كان يقول في ذلك؛ وكذلك وقع في رواية محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عند النسائى أنه رجع، وروى ابن ابي شيبة من طريق قتادة عن سعيد ابن المسيب أن ابا هريرة رجع عن فتياه "من أصبح جنباً فلا صوم له " والتسائى من طريق عكرمة بن خالد. ويعلى بن عقبة، وعراك بن مالك كلهم عن ابي بكر بن عبد الرحمن أن ابا هريرة أحال بذلك على الفضل بن عباس لكن عنده من طريق عمر بن ابي بكر عن ابيه أن أبا هريرة قال في هذه القصة، انما كان اسامة بن زيد حدثني، فيحمل على انه كان عنده عن كل منهما، ويؤيده رواية اخرى عند النسائى من طريق اخرى عن عبد الملك بن ابى بكر عن ابيه قال فيها انما حدثني فلان وفلان في رواية مالك المذكور أخبرنيه مخبر (والظاهر) ان هذا من تصرف الرواة، منهم من أبهم الرجلين
أخبرني ذلك الفضل بن عباس رضي الله عنهما (وعنه من طريق رابع)(1)
بنحوه وفيه كان يصبح جنباً من جماع غير احتلام ثم يصوم وقالت في حديث عبد ربه في رمضان (2)
(137)
عن ابي هريرة رضي الله عنه قال لا ورب هذا البيت ما انا قلت من اصبح جنباً فلا يصوم، محمد صلى الله عليه وسلم ورب البيت قاله (3) ، ما انا نهيت عن صيام يوم الجمعة، محمدصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم نهى عنه ورب البيت
ومنهم من اقتصر على احدهما تارة مبهمة، وتارة مفسرة، ومنهم من لم يذكر عن ابي هريرة أحداً، وهو عند النسائي ايضاً من طريق ابي قلابة عن عبد الرحمن ابن الحارث، ففي آخره فقال ابو هريرة هكذا كنت احسب اهـ (قلت وتقدم مثل رواية النسائي من طريق ابي قلابة للأمام أحمد) وفي رواية عند مسلم، فقال ابو هريرة سمعت ذلك من الفضل بن عباس ولم اسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم (1)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبى ثنا عبد الرحمن عن مالك عن سمى وعبد ربه بن سعيد عن ابي بكر بن عبد الرحمن عن عائشة وأم سلمة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً الحديث (2) يعني ان عبد ربه احد الراوين اللذين روى عنهما الإمام مالك هذا الحديث قال في روايته"كان يصبح جنباً من جماع غير احتلام في رمضان ثم يصوم" ورواه الإمام مالك في الموطأ بهذا اللفظ "وقوله ثم يصوم" يعني ذلك اليوم الذي يصبح فيه جنباً وإنما كان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك في بعض الأحيان لبيان الجواز وإن كلن الغسل قبل الفجر أفضل (تخريجه)(ق. لك. الثلاثة. وغيرهم)
(137)
عن ابي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبى ثنا سفيان عن عمرو وعن يحيى بن جعدة عن عبد الله بن عمر القارى قال سمعت ابا هريرة يقول لا ورب هذا البيت -الحديث" (غريبه)(2)(ان قيل) كيف يحلف ابى هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قاله مع انه صرح في رواية عند مسلم انه لم يسمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم وانما سمعه بواسطة الفضل واسامة (فالجواب) أنه كان لشدة وثوقه بخبرهما يحلف على ذلك (تخريجه)(جه) وسنده جيد.
(138)
عن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) فقال يا رسول الله تدركني الصلاة وأنا جنب وأنا أريد الصيام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا تدركني الصلاة وأنا ججنب وأنا اريد الصيام فأغتسل ثم أصوم (2) فقال الرجل إنا لسنا مثلك، فقد غفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر (3)، فغضب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (4) وقال والله إني لأرجو (5) أن أكون أخشاكم لله عز وجل وأعلمكم بما أتقي (6)
(139)
وعنها رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدركه الصبح وهو
(138) عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو المنذر ثنا اسماعيل بن عمر قال ثنا مالك يعني ابن أنس عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر عن أبي يوسف مولى عائشة عن عائشة أن رجلا ـ الحديث (غريبه)(1) رواية مالك في الموطأ أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف على الباب وأنا اسمع، ومثله لأبي داود بدون (وأنا أسمع)(ولفظ مسلم) أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه وهي تسمع من وراء الباب (2) أجابه صلى الله عليه وسلم بالفعل لأنه ابلغ مما لو قال اغتسل وصم، لكن اعتقد الرجل أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم لأن الله يحل لرسوله ما شاء، (3) أي ستر وحال بينك وبين الذنب فلا يقع منك ذنب أصلاً لأن المغفرة الستر، وهو إما بين العبد والذنب، وإما بين الذنب وعقوبته، فاللائق بالأنبياء الأول. وبأممهم الثاني فهو كناية عن العصمة (4) إنما غضب صلى الله عليه وسلم لاعتقاد الرجل الخصوصية بلا علم مع كونه أخبره بفعله صلى الله عليه وسلم جواباً لسؤاله، وذلك أقوى دليل على عدم الاختصاص، اشار إليه (إبن العربي)(5) بلام التوكيد تقوية للقسم، ورجاؤه صلى الله عليه وسلم محقق لا شك فيه (6) قال القاضي عياض فيه وجوب الاقتداء بأفعاله صلى الله عليه وسلم والوقوف عندها إلا ما ق 5 ام الدليل على اختصاصه به، وهو قول مالك وأكثر أصحابنا البغداديين وأكثر اصحاب الشافعي، وقال معظم الشافعية إنه مندوب. ووحملته طائفة على الإباحة، وقيد بعض أهل الأصول وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم بما كان من افعاله الدينية في محل القربة والله اعلم (تخريجه)(م. د. نس. خز. هق. طح)
(139)
وعنها رضي الله عنها (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا
جنب فيغتسل ويصوم (وعنها من طريق ثان (2) بنحوه وفيه) كان تعني النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً ثم يغتسل ثم يغتسل ثم يغدو إلى الصلاة فأسمع قراءته ويصوم
سفيان عن سمي عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن عائشة ـ الحديث (غريبه)(1) أي بعد انفجار الفجر، وكذا يقال في قوله ثم يغتسل الآتي في الطريق الثانية (2)(سنده) حدثنا عبد الله أبي قال ثنا عبد الصمد ثنا شعبة قال ثنا ابن أبي السفر عن الشعبي عن عبد الرحمن بن الحارث عن عائشة قالت (كان تعني النبي صلى الله عليه وسلم الخ)(تخريجه)(ق. وغيرهما)(زوائد الباب) عن عقبة بن عامر وفضالة بن عبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً ثم يستحم فيصوم، أورده الهيثمي، وقال رواه الطبراني في الكبير وفيه جماعة لم أجد من ذكرهم (وعن عبد الله بن مرداس) قال جاءني رجل من الحي. فقال إني مررت بامرأتي في القمر فأعجبتني فجامعتها في شهر رمضان فنمت حتى أصبحت فقلت عليك بعبد الله بن مسعود أو بابي حكيم المزني فإذا عبد الله بن مسعود، فسألته فقال كنت جنباً لا تحل لك الصلتاة فاغتسلت فحل لك الصلاة، وحل لك الصيام (وفي رواية عن عبد الله بن مرداس) أنه جاء إلى مسجد الحي بعدما صلوا الفجر وذلك في رمضان، فقال لهم إني اصبت من اهلي ثم غلبتني عيني فأصبحت ولم اغتسل، فقال له القوم ما نراك إلا قد أفطرت، فانطلق إلى عبد الله بن مسعود فسأله، فقال لهم أوتيت من هو خير منكم أو أفقه، فقال إنما الإفطار من الطعام والشراب فأتم صومك، أورده الهيثمي، وقال عبد الله بن مرداس، لم أجد من ذكره، وبقية رجاله رجال الصحيح (وعن عبد الله بن مسعود) قال لو اوتيت امرأتي من الليل ثم تركت الغسل عامداً حتى أصبح لم يمنعني من الصيام، إنما أتيتها وهي تحل لي، أورده الهيثمي، وقال رواه الطبراني في الكبير، ويحسى ابن الحارث لم أجد من ذكره، وبقية رجاله رجال الصحيح (الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد استدل بها من قال إن من أصبح جنباً فصومه صحيح ولا قضاء عليه من غير فرق بين أن تكون الجنابة من جماع أو غيره (وإليه ذهب الجمهور) وجزم النووي بأنه استقر الاجماع على ذلك. وقال ابن دقيق إنه صار ذلك إجماعاً أو كالاجماع. لكن حديث أبي هريرة المذكور أول أحاديث الباب. ورواه الشيخانت أيضاً بلفظ (من اصبح جنباً فلا صوم له) يخالف أحاديث الباب (قال الترمذي) وقد بقي على العمل بحديث أبي هريرة بعض التابعين اهـ ورواه عبد الرزاق عن عروة بن الزبير وحكاه ابن المنذر عن طاوس قال ابن بطال وهو أحد قولى أبي هريرة (قال الحافظ) ولم يصح عنه لأن ابن المنذر رواه عنه من طريق
.
أبي المهذم وهو ضعيف، وحكى ابن المنذر أيضاً عن الحسن البصري وسالم بن عبد الله بن عمر أن يتم صومه ثم يقضيه، وروى عبد الرزاق عن عطاء مثل قولهما (وقال الحافظ) زنقل بعض المتأخرين عن الحسن بن صالح بن حيى إيجاب القضاء، والذي نقله عنه الطحاوي استحبابه، ونقل ابن عبد البر عنه وعن النخعي إيجاب القضاء في الفرض دون التطوع، ونقل الماوردي أن هذا الاختلاف كله إنما هو في حق الجنبن وأما المحتلم فأجمعوا على أنه يجزئه، وتعقبه الحافظ بما أخرجه النسائي باسناد صحيح عن أبي هريرة أنه افتى من أصبح جنباً من احتلام أن يفطر، وفي رواية أخرى عنه عند النسائي ايضاً (من احتلم من الليل وواقع أهله ثم أدركه الفجر ولم يغتسل فلا يصم)(وأجاب القائلون) بأن من أصبح جنباً يفطر عن أحاديث الباب بأجوبة منها أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم ورد الجمهور بأن الخصائص لا تثبت إلا بدليل، وبأن حديث عائشة المذكور قبل الحديث الأخير من أحاديث الباب يقتضي عدم اختصاصه صلى الله عليه وسلم بذلك وجمع بعضهم بين الحديثين بأن الأمر في حديث ابي هريرة أمر إرشاد إلى الأفضل، فغن الأفضل أن يغتسل قبل الفجر، فلو خالف جاز. ويحمل حديث عائشة على بيان الجواز، وقد نقل النووي هذا الجمع عن أصحاتب الشافعي (وتعقبه الحافظ) بأن الذي نقله البيهقي وغيره من أصحاب الشافعي هو سلوك طريقة الترجيح، قال ويعكر على حمله علفى الإرشاد التصريح في كثير من طرق حديث أبي هريرة بالأمر بالفطر وبالنهي عن الصيام فكيف يصح الحمل المذكور إذا وقع ذلك في رمضان؟ (وقيل) هو محمول على من أدركه الفجر مجامعاً فاستدام بعد طلوعه عالماً بذلك. ويعكر عليه مال رواه النسائي من طريق ابي حازم عن عبد الملك بن ابي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه أن ابا هريرة كان يقول من احتلم وعلم باحتلامه ولم يغتسل حتى أصبح فلا يصوم (وعن ابن المنذر) وغيره سلوك النسخ، وبالنسخ قال الخطابي، وقواه ابن دقيق العيد بأن قوله تعالى (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) يقتضي إباحة الوطئ في ليلة الصوم، ومن جملتها الوقت المقارن لطلوع الفجر فيلزم إباحة الجماع فيه، ومن ضرورته أن يصبح فاعل ذلك جنباً ولا يفسد صومه، ويقوى ذلك أن قول الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك ما تأخر يدل على أن ذلك كان بعد نزول الآية وهي إنما نزلت عام الحديبية سنة ست وابتداء فرض الصيام كان في السنة الثانية (ويؤيد دعوى النسخ) رجوه أبي هريرة عن الفتوى بذلك وإحالته على الفضل بن العباس، وقول عائشة إذّا أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت ذلك في أحاديث الباب، وثبت أيضاً في رواية للبخاري أنه لما أخبر بما قالت أم سلمة وعائشة قال هما أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية ابن جريج فرجع ابو هريرة عما كان يقول في ذلك، وكذا
.
وقع عند النسائي انه رجع، وكذا عند ابن ابي شيبة، وفي رواية عند النسائي أنه قال حدثني بذلك أسامة ابن زيد (وأما أخرجه ابن عبد البر) عن ابي هريرة أنه قال كنت حدثتكم "من اصبح جنباً فقد أفطر وأن ذلك من كيس ابى هريرة" فقال الحافظ لا يصح ذلك عن ابي هريرة لأنه من رواية عمر بن قيس وهو متروك (ومن حجج من سلك طريق الترجيح) ما قاله ابن عبد البر أنه صح وتواتر حديث عائشة وام سلمة، وأما حديث ابى هريرة فأكثر الروايات عنه أنه كان يفتي بذلك، وأيضاً رواية اثنين مقدمة على رواية واحد ولا سيما وهما زوجتان للنبي صلى الله عليه وسلم والزوجات أعلم بحال الأزواج، وأيضاً روايتهما موافقة للمنقول وهو ما تقدم من مدلول الآية، وللمعقول وهو ان الغسل شيء وحب بالإنزال وليس في فعله شيء يحرم على الصائم. فإن الصائم قد يحتلم بالنهار فيجب عليه الغسل ولا يفسد صومه بل يتمه اجماعاً (وفي الحديث الثاني والثالث والرابع من أحاديث الباب) من الفوائد غير ما تقدم في شرحها جواز دخول العلماء على الأمراء ومذاكرتهم اياهم بالعلم (وفيها) فضيلة لمروان ابن الحكم لما دلت عليه الأحاديث المذكورة من اهتمامه بالعلم ومسائل الدين (وفيها) التثبت من النقل والرجوع في المعاني الى الأعلم فان الشيء اذا نوزع فيه رد الى من عنده علماً، وترجيح مروى النساء فيما لهن عليه الاطلاع دون الرجال كعكسه، وان المباشر للأمر اعلم به من الخبر عنه، والتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم في افعاله ما لم يكن دليل الخصوصية، وان للمفضول اذا سمع من الأفضل خلاف ما عنده من العلم ان يبحث عنه حتى يقف على وجهه، وان الحجة عند الإختلاف في المصير الى الكتاب والسنة (وفيها) الحجة بخبر الواحد وان المرأة فيه كالرجل (وفيها) فضيلة لأبى هريرة لاعترافه بالحق ورجوعه اليه (وفيها) استعمال السلف من الصحابة والتابعين الإرسال عن العدول من غير نكير بينهم، لأن أبى هريرة اعترف بأنه لم يسمع الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه كان يمكنه أن يرويه عنه بلا واسطة وانما بينها لما وقع من الإختلاف (وفيها) الأدب مع العلماء والمبادرة لامتثال امر ولاة الأمور اذا كان طاعة ولو كان فيه مشقة على المأمور، أفاده الحافظ؛ وفيها غير ذلك والله أعلم (فائدة) في معنى الجنب الحائض والنفساء اذا انقطع دمها ليلاً ثم طلع فجراً قبل اغتسالها، قال النووي في شرح مسلم، مذهب العلماء كافة صحة صومها الا ما حكى عن بعض السلف مما لا يعلم صح عنه او لا (قال الحافظ) وكأنه أشار بذلك الى ما حكاه في شرح المذهب عن الأوزاعي، لكن حكاه ابن عبد البر عن الحسن بن صالح أيضاً، وحكى ابن دقيق العيد ان في المسألة في مذهب مالك قولين، وحكاه القرطبي عن محمد ابن مسلمة من أصحابهم. ووصف قلبه بالشذوذ (وحكى ابن عبد البر) عن عبد الملك ابن الماجشون انها اذا أخرت غسلها حتى طلع الفجر فيومها يوم فطر لأنها في بعضه غير
(13)
باب تحذير الصائم من اللغو والرفث والغيبة
(وأن ذلك مبطل لثواب الصوم)
(140)
عن ابى هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم اذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث (1) يومئذٍ ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله (2) أحد فليقل إني امرؤ صائم (3)
طاهرة، قال وليس كالذي يصبح جنباً، لأن الإحتلام لا ينقض الصوم، والحيض ينقضه اهـ
(140)
عن ابى هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني ابى ثنا روح قال أخبرني عطاء عن ابى صالح الزيات أنه سمع ابا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث"
(غريبه)(1) بضم الفاء وكسرها ويجوز في ماضيه التثليث، والمراد به هنا الكلام الفاحش، وهو بهذا المعنى بفتح الراء والفاء، وقد يطلق على الجماع وعلى مقدماته وعلى ذكر ذلك مع النساء أو مطلقاً، قال الحافظ ويحتمل ان يكون النهي عما هو أعم منها، وفي رواية ولا يجهل. اي لا يفعل شيئاً من أفعال الجهل كالصياح والسفه ونحو ذلك"وقوله ولا يصخب" الصخب وهو الرجة واضطراب الأصوات للخصام (قال القرطبي) لا يفهم من هذا ان غير يوم الصوم يباح فيه ما ذكر. وإنما المراد ان المنع من ذلك يتأكد بالصوم (2) يمكن حمله على ظاهره ويمكن ان يراد بالقتل اللعن فيرجع الى معنى الشتم، ولا يمكن حمل قاتله وشاتمه على المفاعلة. لأن الصائم مأمور بأن يكف نفسه عن ذلك فكيف يقع ذلك؟ وانما المعنى اذا جاء متعرضاً لمقاتلته او مشاتمته كأن يبدأه بقتل او شتم اقتضت العادة ان يكافئه عليها، فالمراد بالمفاعلة ارادة غير الصائم ذلك من الصائم، وقد نطلق المفاعلة على وقوع الفعل من واحد كما يقال عالج الأمر وعاناه، قال الحافظ وأبعد من حمله علىظاهره، فقال المراد اذا بدرت من الصائم مقابلة الشتم بشتم على مقتدى الطبع فلينزجر عن ذلك، ومما يبعد ذلك ما وقع في رواية "فإن شتمه أحد"(3) في رواية لإبن خزيمة بزيادة، وان كنت قائماً فاجلس، ومن الرواة من ذكر قوله"إني امرؤ صائم" واختلف في المراد بقوله اني صائم، هل يخاطب بها الذي يشتمه ويقاتله أو يقولها في نفسه؟ وبالثاني حزم المتولى ونقله الرافعى عن الأئمة، ورجع النووى في الأذكار الأول، وقال في شرح المهذب كل منهما حسن والقول باللسان أقوى، ولو جمعهما لكان حسناً (وقال الرويانى) ان كان رمضان فليقل بلسانه، وان كان غيره فليقل في نفسه، وادعى ابن العربي أن موضع الخلاف في التطوع، واما في الفرض فليقله بلسانه قطعاً (تخريجه)(ق. وغيرهما)
(141)
وعنه أيضاً قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ربّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش (2) ورب قائم حظّه من قيامه السهر (3)
(142)
وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من لم يدع قول الزور (4) والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه (5)
(141) وعنه أيضاً (سنده) حدثنا عبد الله حدثني ابى ثنا سليمان ثنا اسماعيل أخبرني عمرو يعني ابن ابى عمرو عن ابى سعيد المقبرى عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رب صائم -الحديث" (غريبه) (1) رب حرف يكون للتقليل غالباً وهو حرف خافض يختص بانكرة يشدد ويخفف وتدل عليه التاء. فيقال ربت. وتدخل عليه ما ليدخل على الفعل. كقوله تعالى (ربما يود الذين كفروا) وتدخل عليه الهاء فيقال ربه رجلا (2) هو من يفطر على الحرام او على لحوم الناس أو من لا يحفظ جوارحه عن الآثام كما في بعض الروايات بهذا اللفظ (3) يعني انه لا ثواب له لفقد شرط حصوله من نحو اخلاص او خشوع، أما الفرض فيسقط طلبه والله اعلم (تخريجه) (نس. خز. ك) وقال صحيح على شرط البخارى، ورواه ابن ماجه بلفظ"رب صائم ليس له من صيامه الا الجوع والعطش، ورب قائم ليس له من قيامه الا السهر"ورواه البيهقي بلفظ "رب قائم حظه من القيام السهر، ورب صائم حظه من الصيام الجوع والعطش" واسناده حسن
(142)
وعنه رضي الله عنه (ستده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حجاج وثنا يزيد قالا أنل ابن ابى ذئب عن سعيد المقبرى عن ابيه عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من لم يدع قول الزور- الحديث" (غريبه) (4) المراد بالزور هنا الكذب، وفي رواية عند الطبرانى من حديث انس"من لم يدع الخنا والكذب" قال الحافظ ورجاله ثقات (5) قال ابن بطال ليس معناه بأنه يؤمر ان يضع صيامه، وانما معناه التحذير من قول الزور وما ذكر معه (قال الحافظ) لا مفهوم لذلك فإن الله لا يحتاج الى شيء وانما معناء فليس لله ارادة في صيامه؛ فوضع الحاجة موضع الإرادة (وقال ابن المنير) في حاشيته على البخاري بل هو كناية عن عدم القبول كما يقول المغضب لمن رد عليه شيئاً طلبه منه فلم يقم به، لا حاجة لي في كذا (تخريجه)(خ. د. مذ. جه)
(143)
عن عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امرأتين صامتا وأن رجلاً قال يا رسول الله إن هاهنا امرأتين قد صامتا وأنهما قد كادتا ان تموتا من العطش فأعرض عنه او سكت، ثم عاد (1) وأراه قال بالهاجرة؛ قال يا نبي الله انهما والله قد ماتتا او كادتا ان تموتا، قال ادعهما، قال فجاءتا، قال فجيء بقدحٍ أو عسٍ فقال لأحدهما قيئي فقاءت قيحاً ودماً وصديداً ولحماً حتى قاءت نصف القدح، ثم قال للأخرى قيئي فقائت من قيحٍ ودمٍ وصديد ولحم عبيط (3) وغيره حتى ملأت القدح، ثم قال ان هاتين صامتا عما أحل الله وأفطرتا على ما حرّم الله عز وجل عليهما، جلست احداهما الى الأخرى فجعلتا يأكلان لحوم الناس (ومن طريق ثانٍ) عن عثمان بن غياث قال كنت مع ابى عثمان (3) قال فقال رجل من القوم ثنا سعد او عبيد، عثمان بن غياث الذي يشك (1) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى ابى ثنا يزيد انا سليمان وابن ابى عدى عن سليمان المعنى عن رجل حدثهم في مجلس ابى عثمان الهدى، قال ابن ابى عدى عن شيخ في مجلس ابى عثمان عن عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم أمروا بصيام، قال فجاء رجل بعض النهار
(143) عن عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد انا سليمان وابن أبي عدي عن سليمان المعنى عن رجل حدثهم في مجلس أبي عثمان النهدي، قال ابن أبي عدي عن شيخ في مجلس أبي عثمان عن عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم
- الحديث (غريبه)(1) يعنى الرجل الذي يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بشأن المرأتين عاد الى القول مرة اخرى بعد اعراض النبي صلى الله عليه وسلم وسكوته عنه"وقوله وأراه" بضم الهمزة اى اظنه، والقائل اراه هو عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول واظن ان الرجل الذى بلغ هذا الخبر للنبيصلى الله عليه وسلم ، قاله في وقت الهاجرة، اى وقت اشتداد الحر نصف النهار (2) العس بضم العين وتشديد السين المهملتين هو القدح العظيم "وأو" للشك يعنى يشك الراوي هل قال بقدح او قال بعس والمعنى واحد (3) اللحم العبيط الطرى غير النضيج (4)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني ابي ثنا محمد بن جعفر ثنا عثمان بن غياث-الحديث" (5) يعنى النهدى كما صرح به في سند الطريق الأولى (6) يعنى ان عثمان بن غياث يشك هل قال الرجل حدثنا
فقال يا رسول الله ان فلاناً وفلانة قد بلغهما الجهد (1) فذكر معني حديث يزيد وابن ابى عدى عن سليمان (ومن طريق ثالث)(2) عن ابى عثمان قال حدثنى سعد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم امروا بصيام يوم فجاء رجل بعض النهار فقال يا رسول الله ان فلان وفلانة قد بلغهما الجهد فأعرض عنه فذكر الحديث
سعد أو قال حدثنا عبيد، وعلى كل حال فهو صحابى من موالى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يضر الشك في اسمه بل ولا في عدم تسميته، إنما الضرر في ابهام اسم غير الصحابي كالرجل الذي روى هذا الحديث عن عبيد فجهالته تضعف الحديث (1) الجهد بفتح الجيم وضمها، الطاقة وقرئ بهما قوله تعالى (والذين لا يجدون الا جهدهم) والجهد بالفتح المشقة، يقال جهد دابته أجهدها إذا حمل عليها بالسير فوق طاقتها"وقوله فذكر معنىحديث يزيد الخ" يعنى الطريق الأولى (2)
(سنده) حدثنا عبد الله حدثني ابى ثنا يحيى بن سعيد عن عثمان ثنا رجل في حلقة ابى عثمان قال حدثنى سعد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث (تخريجه) أورده المنذرى وقال رواه احمد، واللفظ له. وابن ابى الدنيا. وأبو يعلى. كلهم عن رجل لم يسم عن عبيد ، ورواه ابو داود الطيالسي وابن ابلى الدنيا في ذم الغيبة. والبيهقي من حديث أنس اهـ (زوائد الباب)(عن أنس بن مالك) رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من لم يدع الخنا والكذب فلا حاجة لله ان يدع طعامه وشرابه"(طس. طص) وقال الحافظ رجاله ثقات (عن ابى هريرة) رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث فان سابك أحد او جهل عليك فقل اني صائم إني صائم"(خز. حب. ك) وقال صحيح على شرط مسلم (وفي رواية) لابن خزيمة عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا تساب وأنت صائم، فان سابك احد فقل اني صائم، وان كنت قائما فاجلس"(وعنه أيضا) رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الصيام جنة ما لم يخرقها" فيل وبم يخرقه، قال بكذب او غيبة (طس) وفيه الربيع بن يزيد وهو ضعيف (الأحكام) أحاديث الباب فيها حث الصائم على التخلق بالأخلاق الفاضلة، لأنه متلبس بعبادة. والعبادة لا يناسبها إلا ذلك، فان سابه احد او شاتمه فليعرض عنه ولا يقابله بالمثل (وفيها) تحذير الصائم من اللغو والرفث، وهو الكلام الفاحش القبيح (وفيها أيضاً) التحذير من الغيبة وتقبيحها ونحوها من كل فعل محرم شرعاً (وفيها) أن من ارتكب شيئاً من ذلك فقد اضاع ثواب صيامه واستحق المقت من الله، نعوذ بالله من ذلك
(14)
باب ما جاء في الوصال للصائم وفيه فصول
(الفصل الأول في النهي عنه واباحته للنبي صلى الله عليه وسلم خصوصية له)
(144)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اياكم ولوصال (1) قالها ثلاث مرار، قالوا فإنك تواصل يا رسول الله، قال انكم لستم في ذلك مثلي (2)
(144) عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني ابى ثنا محمد بن فضيل ثنا عمارة عن ابي زرعة عن ابي هريرة- الحديث" (غريبه) (1) الوصال هو الترك في ليالي الصيام لما يفطر بالنهار بالقصد. فيخرج من انفق اتفاقا، ويدخل من امسك جميع الليل أو بعضه، والوصال الذي ورد فيه النهي بدون رخصة. هو ما كان يومين فصاعدا من غير أكل أو شرب بينهما"وقوله ثلاث مرار" يعني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حذرهم من الوصال بتكرير هذه الجملة ثلاث مرار للتأكيد، وقد جاء عند البخاري. ومالك في الموطأ "اياكم والوصال مرتين" وعند ابن ابي شيبة من طريق ابى زرعة بلفظ "اياكم والوصال ثلاث مرات"قال الحافظ واسناده صحيح، قال فدل على ان قوله مرتين"يعنى في رواية البخارى" اختصار من البخارى أو شيخه اهـ "وقوله قالوا انك تواصل" كذا في اكثر الأحاديث "قالوا" بلفظ الجمع. ووقع في رواية عند البخاري"فقال رجل من المسلمين" قال الحافظ وكأن القائل واحد ونسب القول الى الجميع لرضاهم به. ولم أقف على تسمية القائل في شيء من الطرق اهـ. قال العينى (فان قلت) كيف يحسن قولهم له بعد النهي عن الوصال"فإنك تواصل" وهم اكثر الناس آداباً (قلت) لم يكن ذلك على سبيل الإعتراض، ولكن على سبيل استخراج الحكم أو الحكمة أو بيان التخصيص (2) أى لستم على صفتى ومنزلتى من ربى "وقوله يطعمنى" بضم الياء "ويسقيني" بفتح الياء الأولى وإثبات الأخيرة كقراءة يعقوب في الشعراء حالة الوصل والوقف مراعاة للأصل، والحسن البصرى في الوقف فقط مراعاة للأصل والرسم، فإنها رسمت في المصحف العثماني بحذف الياء (والطعام والشراب) هنا يحتمل ان يكون حقيقة فيؤتى بطعام وشراب من عند الله كرامة له في ليالي صومه (وتعقب) بأنه يلزم ان لا يكون مواصلاً ويشهد له رواية "أظل يطعمنى" كما في حديث ابن عمر الآتى بعد هذا، لأن أظل لا يكون إلا بالنهار والأكل فيه ممنوع (وأجيب) بأن طعام الجنة وشرابها لا تجرى عليه أحكام التكليف (قال ابن المنير) الذي يفطر شرعاً انما هو الطعام المعتاد، وأما الخارق للعادة كالمحضر من الجنة فعلى غير هذا المعنى. وليس تعاطيه من
إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني فاكلفوا (1) من العمل ما تطيقون
جنس الأعمال، وانما هو من جنس الثواب كأكلاهل الجنة في الجنة، والكرامة لا تبطل العبادة، فلا يبطل بذلك صومه ولا ينقطع وصاله ولا ينقص اجره (ويحنمل ان يكون ذكر الطعام والشراب هنا مجازاً) عن لازم الطعام والشراب وهو القوة فكأنه قال يعطيني قوة الآكل والشارب ويفيض على ما يسد مسدهما ويقوى على انواع الطاعات من غير ضعف في القوة ولا كلال في الإحساس (والى هذا ذهب الجمهور) وهو أظهر الأقوال (وقيل) يحتمل ان الله تعالى يخلق فيه من الشبع والري ما يغنيه عن الطعام والشراب. فلا يحس بجوع ولا عطش، والفرق بينه وبين ما قبله انه عليه يعطى القوة بلا شبع ولا رى. بل مع الجوع والظمأ؛ وعلى الثاني يعطى القوة معهما. ورجح ما قبله بأن الثاني ينافى حال الصائم ويفوت المقصود من الصوم والوصال، لأن الجوع هو روح هذه العبادة بخصوصها (قال القرطبي) ويبعده ايضاً النظر الى حالهصلى الله عليه وسلم فانه كان يجوع أكثر مما يشبع. ويربط على بطنه الحجارة من الجوع (قال الحافظ) وتمسك به ابن حبان بظاهر الحال فاستدل بهذا الحديث على تضعيف الأحاديث الواردة بأنه صلى الله عليه وسلم كان يجوع ويشد الحجر على بطنه من الجوع. قال لأن الله تعالى كلن يطعم رسوله ويسقيه اذا واصل، فكيف يتركه جائعاً حتى يحتاج الى شد الحجر على بطنه. ثم قال وماذا يغني الحجر من الجوع. ثم ادعى ان ذلك تصحيف ممن رواه وانما هي الحجز بالزاى جمع حجزة، وقد اكثر الناس من الرد عليه في جميع ذلك، وأبلغ ما يرد عليه به أنه أخرج في صحيحه من حديث ابن عباس (قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم بالهاجرة فراى ابا بكر وعمر، فقال ما أخرجكما؟ فالا ما أخرجنا الا الجوع فقال وانا والذي نفسي بيده ما أخرجني إلا الجوع- الحديث" فهذا لحديث يرد ما تمسك به. وأما قوله وما يغنى الحجر عن الجوع فجوابه أنه يقيم الصلب، لأن البطن اذا خلا ربما ضعف صاحبه عن القيام لإنثناء بطنه عليه، فاذا ربط عليه الحجر اشتد وقوى صاحبه على القيام حتى قال بعض من وقع له ذلك كنت اظن ان الرجلين يحملان البطن. فاذا البطن يحمل الرجلين اهـ باختصار (1) قال القسطلانى بهمزة وصل وسكون الكاف وفتح اللام من كلفت بهذا الأمر. أكلف به من باب علم يعلم أى"تكلفوا من العمل ما تطيقون" أى تطيقونه فحذف العائد أى الي تقدرون عليه ولا تتكلفوا فوق تطيقونه فتعجزوا اهـ، وضبطه الحافظ بضم اللام ولم اقف على من وافقه على ذلك، ففي العينى اكلفوا بفتح اللام كما في القسطلانى. وضبطه النووى في شرح مسلم بفتح اللام أيضاً، وكذلك صاحب النهاية (تخريجه)(ق. وغيرهما) ورواه الإمام مالك في الموطأ بدون قوله"فاكلفوا من العمل ما تطيقون"
(145)
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال في الصيام؛ فقيل له انك تفعله، فقال انى لست كأحدكم، انى أظل (1) يطعمني
(145) عن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا وكيع عن العمرى عن نافع عن ابن عمر -الحديث" (غريبه) (1) قال اهل اللغة يقال ظل يفعل كذا اذا عمله في النهار دون الليل وبات، يفعل كذا اذا عمله في الليل. ومنه قول عنترة * ولقد ابيت على الطوى وأظله* اى اظل عليه، وقد جاء في رواية للإمام أحمد وابن ابى شيبة من طريق الأعمش عن ابى صالح عن ابى هريرة "اني أظل عند ربي فيطعمني ويسقيني" قال الحافظ وهو محمول على مطلق الكون لا على حقيقة اللفظ، لأن المتحدث عنه هو الإمساك ليلاً لا نهاراً، وأكثر الروايات إنما هي، أبيت وكأن بعض الرواة عبر عنها بأظل نظراً إلى اشتراكهما في مطلق الكون، يقولون كثيراً أضحى فلان كذا مثلاً، ولا يريدون تخصيص ذلك بوقت الضح، ومنه قوله تعالى (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً) فإن المراد به مطلق الوقت ولا اختصاص لذلك نهار دون ليل اهـ وآثر اسم الرب دون اسم الذات، فلم يقل يطعمني الله، لأن التجلي باسم الربوبية اقرب إلى العباد من الألوهية لأنها تجلي عظمة لا طاقة للبشر بها، وعلى ربوبية تججلي رحمة وشفقة وهي أليق بهذا المقام (وفي رواية أظل) دلالة لما ذهب إليه الجمهور من تأويل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة السابق (إني أبي يطعمني ربي ويسقيني) بأنه على سبيل المجاز لا الحقيقة، لأن ظل لا يكون إلا في النهار، ولا يجوز أن يكون أطكلاً حقيقياً في النهار، وأن المراد به القوة لأنه لو كان على الحقيقة لم يكن مواصلاً ومر جوابه (وقيل كان يؤتى بطعام وشراب في النوم فيستيقظ وهو يجد الري والشبع)(قال النووي) في شرح المهذب معناه (محبة الله تشغلني عن الطعام والشراب، والحب البالغ يشغل عنهما، وجنح اليه ابن القيم فقال. يحتمل أن المراد أنه يشغله بالتفكر في عظمته والتجلي بمشاهدته والتغذي بمعارفه وقرة العين بمحبته والاستغراق في مناتجاته والإقبال عليه وتوابع ذلك من الأحوال التي هي غذاء القلوب ونسيم الأرواح وقرة العين وبهجة النفوس عن الطعام والشراب، فللقلب بها والروح أعظم غذا وأنفعه. وقد يكون هذا أعظم غذاء الأجسام، ومن له أدنى شوق وتجربة يعلم استغناء الجسم بغذاء القلب والروح عن كثير من الغذاء الجسماني، ولا سيما الفرحان الظافر بمطلوبه الذي قرت عينه بمحبوبه كما قيل:
لها أحاديث من ذكراك تشغلها
…
عن الشراب وتلهيها عن الزاد
ربي ويسقيني (وعنه من طريق ثان)(1) أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم واصل في رمضان فواصل الناس فنهاهم، فقيل له إنك تواصل، قال إني لست مثلكم، إني أطعم وأسقي (2)
(146)
عن معاذة (3) قالت سألت امراة عائشة رضي الله عنها وأنا شاهدة (4) عن وصل صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت لها أتعملين كعمله؟ (5) فإنه قك كان غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. وكان عمله نافلة له
(147)
عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواصل من السحر إلى السحر (6)
(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن عبيد حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (2) بضم الهمزة فيهما (تخريجه)(ق. وغيرهما)
(146)
عن معاذة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الصمد قال حدثني أبي ثنا يزيد يعني لاالرشك عن معاذة ـ الحديث (غريبه)(3) هي بنت عبد الله العدوية أم الصهباء البصرية ثقة من الثالثة. قاله الحافظ في القريب (4) أي حاضرة (5) أي اتريدين أن تعملي كعمله؟ إن كنت تريدين ذلك فلا يمكنك. لأنه صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. ومع هذا فقد كان يجهد نفسه في عبادة الله وطتاعته شكراً لله وطلباً لمزيد فضله (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الإمام أحمد وسنده جيد
(147)
عن علي رضي الله عنه (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق ثنا غسرائيل عن عبد الاعلى عن محمد بن علي عن علي رضي الله عنه الحديث (غريبه)(6) أي في بعض الأحيان وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يواصل خمسة عشر يوماً، رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، وسيأتي أنه صلى الله عليه وسلم واصل بأصحابه يومين وليلتين، وقد ذهب جماعة سيأتي ذكرهم في الأحكام إلى جواز الوصال من السحر إلى السحر مستدلين بهذا الحديث وبحديث ابي سعيد الآتي في الفصل الأخير من هذا الباب، قالوا وهذا الوصال لا يترتب عليه شيء مما يترتب على غيره. لأنه في الحقيقة بمنزلة عشائه إلا أنه يؤخره، لأن الصائم له في اليوم والليلة أكلة، فإذا أكلها في السحر فقد نقلها من أول الليل إلى آخره ووكان أخف لجسمه في قيام الليل (وقال الحافظ) ولا يخفى أن محل ذلك ما لم يشق على الصائم وإلا فلا يكون قربة (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح اهـ (قلت) وأخرجه
(148)
عن عائشة رضي الله عنها قالت نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن الوصال في الصيام
(149)
عن ليلي امرأة بشير (1) قالت أردت أن اصوم يومين مواصلةً فمنعني بشير وقال إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم نهى عنه (2) وقال يفعل ذلك النصارى ولكن صوموا كما أمركم الله عز وجل وأتموا الصيام إلى الليل، فإغذا كان الليل فأفطروا
(الفصل الثاني في مواصلة النبي صلى الله عليه وسلم يومين وليلتين حين أبوا أن ينتهوا كالمنكل بهم)
(150)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تواصلوا
عبد الرزاق من حديث علي أيضاً، وأخرجه الطبراني أيضا من حديث جابر، وأخرجه سعيد ابن منصور مرسلاً من طريق بن ابي نجيح عن أبيه ومن طريق ابي قلابة
(148)
عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني ابي ثنا حيوة بن شريح قتال ثنا بقية قال محمد بن زياد قال سمعت عبد الله بن ابي قيس يقول سمعت عائشة تقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث (تخريجه)(ق) مطولاً بلفظ (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم قالوا إنك تواصل، قال إني لست كهيئتكم اني يطعمني ربي ويسقين) وسيأتي للإمام أحمد مثله في الفصل الثاني
(149)
عن ليلى امرأة بشير (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا الوليد وعفان قالا ثنا عبيد الله بن أياد ثنا أياد يعني ابن لقيط عن ليلى امرأة بشير ـ الحديث (غريبه)(1) هو ابن معبد وقيل ابن معبد بن زيد السدوسي المعروف بابن الخصاصية بمعجمة مفتوحة وصادين مهملتين ثم ياء تحتيه صحابي جليل (2) ظاهر النهي التحريم لا سيما وقد قال (يفعل ذلك النصارى) ونحن مطالبومن بمخالفتهم وقد قال بذلك جماعة من العلماء سيأتي ذكرهم في الأحكام (تخريجه)(طب. ص) وعبد بن حميد وابن ابي حاتم في تفسيرهما وصحح الحافظ إسناده
(150)
عن ابي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه الحديث
قالوا يا رسول الله إنك تواصل، قال إني لست مثلكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني، قال فلم ينتهوا عن الوصال فواصل بهم النبي صلى الله عليه وسلم يومين وليلتين ثم رأوا الهلال (1) فقال النبقي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لو تأخر (2) الهلال لزدتكم كالمنكل بهم (3)
(151)
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم واصل في رمضان (4) فواصل ناس من أصحابه فأُخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لو مُدّ لي الشهر (5) لواصلت وصالاً يدع المتعمقون (6) تعمقهم، إني أظل يطعمني ربي ويسقيني
(غريبه)(1) أي هلال شوال (2) يعني لو بقي من الشهر أكثر من ذلك لزدتكم في الوصال إلى أن تعجزوا عنه فتسألوا التخفيف عنكم بتركه (قال الحافظ) وهذا كما اشار عليهم أن يرجعوا من حصار الطائف فلم يعجبهم، فأمرهم بمباكرة القتال من الغد فأصابتهم جراح وشدة وأحبوا الرجوع فأصبح راجعاً بهم فأعجبهم ذلك اهـ (32) لفظ البخاري (كالتنكيل بهم) ولفظ مسلم (كالمنكل بهم) ووقع في رواية معمر عند المستملي (كالمنكر) بالراء وسكون النون من الأنكار، وللحموي (كالمنكى) بالياء التحتية الساكنة قبلها كاف مكسورة خفيفة، من الأنكاء، والأول أشهر وأكثر، والتنكيل من النكال وهو العقوبة التي تنكل الناس عن فعل جعلت له جزاء وقد نكل به تنكيلاً ونكل به إذا جعله عبرة لغيره (تخريجه)(ق. نس. قط) وغيرهم
(151)
عن انس بن مالك (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة قال أنا ثابت عن أنس بن مالك ـ الحديث (غريبه)(4) في رواية عند مسلم في أول شهر رمضان قال القاضي عياض وهو وهم من الراوي، وصوابه في آخر شهر رمضان. وكذا رواه بعض رواة صحيح مسلم وهو الموافق للحديث الذي قبله ولباقي الأحاديث (5) أي تمادى كما في رواية عند مسلم، والمعنى لو بقي في الشهر مدة (6) هم المشددون في الأمور المجاوزون الحدود في قول أو فعل (تخريجه)(ق وغيرهما)
(152)
عن عبد الله بن أبي موسى (1) قال سألت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن الوصال فقالت لما كان يوم أحد واصل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه (2) فشقّ عليهم، فلما رأوا الهلال أخبروا النبي صلى الله عليه وسلم فقال لو زاد لزدت (3) فقيل له إنك تفعل ذاك أو شيئاً نحوه قال إني لست مثلكم أبني أبيت يطعمني ربي ويسقيني
(الفصل الثالث في الرخصة في الوصال إلى السحر)
(153)
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول لا تواصلوا فأيكم اراد أن يواصل فليواصل حتى السحر (4) فقالوا إنك تواصل، قال إني لست كهيئتكم (5) إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني
(152) عن عبد الله بن أبي موسى (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر قال ثنا شعبة عن يزيد بن خمير قال سمعت عبد الله بن ابي موسى ـ الحديث (غريبه)(1) هكذا بالأصل عبد الله بن ابي موسى وهو خطأ، وصوابه عبد الله بن ابي قيس كما سيأتي في تخريجه (2) يعني بعد نهاهم عن الوصال كما يستفاد من الأحاديث السابقة، ولكنه وجد منهم الرغبة في الوصال فواصل معهم ليريهم وجهة نظره وخطئهم في إصرارهم على الوصال (3) يعني لو تأخر الشهر لزدتكم وصالاً، يريد بذلك تأديبهم (تخريجه)(ق. وغيرهما) وفي آخر هذا الحديث قال عبد الله بن الإمام أحمد، قال أبي ـ عبد الله بن أبي موسى هو خطأ، أخطأ فيه شعبة ـ هو عبد الله بن أبي قيس
(153)
عن أبي سعيد الخدري (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا قتيبة ثنا بكر بن مضر عن ابن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري ـ الحديث (غريبه)(4) بالجر بحتى الجارة التي بمعنى إلى، وفيه رد على من قال إن الإمساك بعد الغروب لا يجوز (5) أي لست مثل حالتكم وصفتكم فيب أن من أكل منكم أو شرب انقطع وصاله (تخريجه)(خ. د) من رواية ابن الهاد أيضاً كما هنا ولم يخرجه مسلم. ووهم صاحب العمدة فعزاه له وإنما هو من أفراد البخاري كما قاله عبد الحق في الجمع بين الصحيحين، وكذا صاحب المنتقى وصاحب الضياء في المختارة بل والحافظ عبد الغني
.
ابن سرور في عمدته عزا ذلك للبخاري فقط، فلعله وقع في عمدته الصغرى سبق قلم واغلله أعلم، وهذا الحديث لا يعارضه حديث أبي صالح عن ابي هريرة المروي عن ابن خزيمة من طريق عبيدة بن حميد عن الأعمش عنه بلفظ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواصل إلى السحر ففعل بعض أصحابه ذلك فنهاه الحديث) لأن المحفوظ في حديث أبي صالح اطلاق النهي عن الوصال بغير تقييد بالسحر، فرواية عبيدة هذه شاذة وقد خالفه أبو معاوية وهو أضبط أصحاب الأعمش فلم يذكر ذلك، وأخرجه الامام أحمد وغيره عن ابي معاوية وتابعه عبد الله ابن نمير عن الأعمش كما سبق. وعلى تقدير أن تكون رواية عبيدة محفوظة فقد أجمع ابن خزيمة بينهما باحتمال أن يكون نهي صلى الله عليه وسلم عن الوصال أولاً مطلقاً سواء جميع الليل أو بعضه، وعلى هذا يحمل حديث أبي صالح، ثم خص النهي بجميع الليل فأباح الوصال غلى السحر، وعلى هذا يحمل حديث أبي سعيد، وقيل يحمل النهي في حديث أبي صالح على كراهة التنزيه، وما زاد على السحر في حديث أبي سعيد على كراهة التحريم أفاده الحافظ (زوائد الباب) عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم واصل يومين وليلة، فأتاه جبريل فقال إن الله عز وجل قد قبل وصالك. ولا يحل لأحد بعدك، وذلك لأن الله تبارك وتعالى يقول (ثم أتموا الصيام إلى الليل) فلا صيام بعد الليل. وأمرني بالوتر بعد الفجر (طس) عن عبد الله عن أبي ذر قال الهيثمي. ولم أعرف عبد الملك وبقية رجاله رجال الصحيح (وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وصال ثلاثة أيام. قالوا انك تواصل (قال إني أظل يطعمني الله ربي ويسقيني)(طب) وفيه سهل بن سنان النهرتيري، قال الهيثمي ولم أجد من ترجمه (وعن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (يواصل من السحر إلى السحر) رواه الطبراني في الأوسط وهو حديث حسن (وعن سمرة بن جندب) رضي الله عنه قال (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نواصل وليست بالعزيمة)(بز. طب) وإسناده ضعيف (وعن أبي المليح عن ابيه) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (صوموا من وضح إلى وضح)(1)(بز. طب. طس) وفيه سالم بن عبد الله بن سالم، قال الهيثمي ولم أجد من ترجمه وبقية رجاله موثقون، أورد هذه الاحاديث الحافظ الهيثمي وتكلم عليها جرحا وتعديلا (الأحكام) أحاديث الباب فيها النهي عن الوصال وإباحته للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه من خصائصه، وفيها الترخيص بفعله لغيره صلى الله عليه وسلم إلى وقت السحر (أما كونه من خصائصه) صلى الله عليه وسلم فلما في أحاديث الباب من قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة (إنكم لستم في ذلك مثلي) وفي حديث ابن عمر (إني لست كأحدكم) وفي لفظ (إني لست مثلكم) وفي حديث أبي
_________
(1)
الوضح، الضوء والبياض من كل شيء، كأنه يريد من الصبح، والله أعلم
.
سعيد (إني لست كهيئتكم) وفي سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر وينهي عنها. ويواصل وينهى عن الوصال (قال الإمام الشافعي رحمه الله بعد أن ذكر حديث النهي عن الوصال ـ وفرق الله بين رسوله وبين خلقه في أمور أباحها له وحظرها عليهم، وذكر منها الوصال (وقال الخطابي) الوصال من خصائص ما ابيح لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محظور على أمته، وحكى النووي في شرح المهذب اتفاق نصوص الشافعي والأصحاب على أنه من الخصائص، ثم ذكر خلافا في كيفية ذلك فنقل (عن الشافعي والجمهور) أنه مباح له، وعن أمام الحرمين أنه قربة في حقه صلى الله عليه وسلم (وأما النهي عنه) أي الوصال فيحتمل التحريم والكراهة لكن قوله في حديث أبي هريرة رضي الله عنه (اياكم والوصال) يقتضي التحريم، وكذا قوله في رواية أخرى لأبي هريرة وابي سعيد\، لا تواصلوا. وفي أحاديث ابن عمر وعائشة وبشير أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال. وقد اختلف العلماء في هذه المسألة (فذهب الجمهور) إلى النهي عنه وحكى ابن المنذر كراهته عن (مالك والثوري والشافعي وأحمد واسحاق) وقال العبدري من الشافعية هو قول العلماء كافة إلا ابن الزبير وهو متفق عليه في مذهب الشافعي (واختلفوا) في أنها كراهة تحريم أو تنزيه (فذهب الأكثرون إلى التحريم) وفيه وجهان مشهوران للشافعية (أصحهما) عندهم كراهة تحريم، وقال ابن شاس في الجواهر حكي أبو الحسن اللخمي قولين في جواز ذلك ونفيه، ثم اختار جوازه إلى السحر، وكراهيته غلى الليلة القابلة عملاً بحديث علي المذكور في الفصل الأول، وبحديث أبي سعيد المذكور في الفصل الثالث، ورواه البخاري أيضاً وفيه الترخيص لهم بالوصال إلى السحر (واليه ذهب الأمام أحمد واسحاق وابن المنذر وابن خزيمة وجماعة من المالكية) وهذا عندي أعدل الأقوال لأنه إن كان اسم الوصال إنما يصدق على إمساك جميع الليل فلا معارضة بين الأحاديث، وإن كان يصدق على أعم منذ لك فيبنى العام علىلخاص ويكون المحرم ما زاد على الغمساك إلى ذلك الوقت (وقال ابن قدامة في المغني) بعد تقريره كراهته إنه غير محرم، قال واستدل هؤلاء بقول عائشة رضي الله عنها (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم) كما في رواية الشيخين، وبكونه عليه الصلاة والسلام لما أبوا أن ينتهوا واصل بهم يومين وليلتين كما في حديث أبي هريرة عند الامام أحمد، وهو في الصحيحين أيضاً بلفظ (فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوماً ثم يوماً) ولمسلم والإمام أحمد من حديث أنس (لو مد لي الشهر لواصلت وصالاً يدع المتعمقون تعمقهم الحديث) تقدم في الفصل الثاني من الباب (واجاب القائلون بتحريمه) عن قولها (رحمة لهم) بأن ذلك لا يمنع كونه منهياً عنه للتحريم. وسبب تحريمه الشفقة عليهم لئلا يتكلفوا ما يشق عليهم (وعن الوصال بهم يوماً ثم يوماً) بأنه احتمل لمصلحة في تأكيد
.
زجرهم (قال ابن العربي) تمكينهم منه تنكيل لهم. وما كان على طريق االعقوبة لا يكون من الشريعة اهـ (وذهب ىخرون) إلى أنه لا كراهة في الوصال وكان عبد الله بن الزبير يفعله (وروى ابن ابي شيبة) في مصنفه عن أبي نوفل بن عقرب قال، دخلت على ابن الزبير صبيحة خمسة عشر من الشهر وهو مواصل (وعن عبد الرحمن بن ابي نعيم) أنه كان يواصل خمسة عشر يوماً (وعن أبي العالية) أنه قال في الوصال للصائم قال الله تعالى (ثم أتموا الصيام إلى الليل) فإذا جاء الليل فهو مفطر ثم إن شاء صام وان شاء ترك (وذكر الماوردي) أن عبد الله بن الزبير واصل سبعة عشر يوماً ثم أفطر على سمن ولبن وصبر، قال وتأول في السمن أن يلين الأمعاء. واللبن ألطف غذاء، والبر يقوي الاعضاء (وفي الاستذكار لابن عبد البر عن مالك أن عامر بن عبد الله بن الزبير كلت يواصل في شهر رمضان ثلاثاً. فقيل له ثلاثة أيام؟ قال لا ومن يقوى؟ يواصل يومين وليلة (وحكى ابن حزم) عن ابن وضاح من المالكية أنه كان يواصل أربع ايام. واحتج هؤلاء بمثل ما احتج به الذاهبون إلى الكراهة، وقالوا أنهيهم عن الوصال رحمة بهم ورفق لا الزام وحتم، واستدلوا أيضاً بفعله صلى الله عليه وسلم ولم يروا ذلك مختصاً به، ويرده تصريحه عليه الصلاة والسلام باختصاصه بذلك في أحاديث الباب كقوله صلى الله عليه وسلم إنكم لستم في ذلك مثلي إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني، هذا"وفي أحاديث الباب" من الفوائد استواء المكلفين في الأحكام وان كل حكم ثبت في حق النبي صلى الله عليه وسلم ثبت في حق امته ألا ما لسنتى بدليل (وفيها) جواز معارضة المفتى فيما افتى به اذا كان بخلاف حاله ولم يعلم المستفتى بسر المخالفة (وفيه) الاستكشاف عن حكمة النهى (وفيها) ثبوت خصائصه صلى الله عليه وسلم وأن عموم قوله تعالى (لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة) مخصوص (وفيها) أن الصحابة كانوا يرجعون الى فعله المعلوم صفته ويبادرون الى الائتساء به الا فيما نهاهم عنه (وفيها) أن خصائصه لا يتأسى به فى جميعها وقد توقف في ذلك امام الحرمين، وقال ابو شامة، ليس لأحد التشبه به في المباح كالزيادة على اربع نسوة (ويستحب التنزه عن المحرم عليه) والتشبه به في الواجب عليه كالضحى. وأما المستحب فلا يتعرض له. والوصال منه. فيحتمل أن يقال ان لم ينه عنه لم يمنع الائتساب به فيه (وفيه) بيان قدرة الله تعالى على ايجاد المسببات العاديات من غير سبب ظاهر والله أعلم
(15)
باب كفارة من جامع في نهار رمضان
(154)
عن ابي هريرة رضي الله أن أعرابياً (1) جاء يلطم وجهه وينتف شعره ويقول ما أراني (2) إلا قد هلكت، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أهلكك؟ قال اصبت أهلي في رمضان (3) قال أتستطيع أن تعتق رقبة؟ (4) قال لا، قال أتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال لا، (5) قال أتستطيع
(154) عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا روح ثنا محمد بن ابي حفصة عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ـ الحديث (غريبه)(1) قيل هذا الإعرابي هو سلمان، ويقال فيه سلمة بن صخر البياضي، رواه ابن ابي شيبة وابن الجارود، وبه حزم عبد الغني في المبهمات، وتعقب بأن سلمة هو المظاهر في رمضان وإنما أتى أهله ليلاً رأى خلخالها في القمر، ولكن روى ابن عبد البر في التمهيد عن سعيد بن المسيب أن الرجل الذي وقع على أهله في رمضان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم هو سلمان بن صخر أحد بني بياضة، قال ابن عبد البر أظن هذا وهماً، لأن المحفوظ أن سلمة أو سلمان إنما كان مظاهراً (قال الحافظ) ويحتمل أن قوله وقع على امرأته أي ليلاً بعد أن ظاهر فلا يكون وهماً، ويحتمل وقوع الأمرين له، قال وسبب ظنهم أنه المحترق (يعني الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول احترقت) أن ظهاره من امرأته كان في شهر رمضان وجامع ليلاً كما هو صريح حديثه، وأما المحترق فأعرابي جامع نهاراً فتغايرا، نعم اشتركا في قدر الكفارة وفي الاتيان بالنمر وفي الأعطاء، وفي قول كل منهما على أفقر منا، ولكن لا يلزم من ذلك اتحادهما اهـ (وقوله يلطم وجهه وينتف شعره) زاد الدارقطني ويحثي على رأسه التراب، والظاهر أن هذه الواقعة كانت قبل النهي عن لطم الخدود وحلق الشعر عند المصيبة، او كانت بعده ولم يبلغ الرجل هذا الحكم والله أعلم (2) بضم الهمزة، أي ما أظنني إلا قد هلكت، وفي بعض طرق هذا الحديث عند الدارقطني أنه قال يا رسول الله هلكت وأهلكت أي فعلت ما هو سبباً لهلاكي وهلاك غيري، أو هو زوجته التي وطئها، لكن زيادة وأهلكت حكم البيهقي وشيخه الحاكم بأنها باطلة وغلط ممن قالها كما ذكره الحافظ (3) في رواية عائشة وطئت امرأتي وأنا صائم (4) في رواية عند البخاري هل تجد رقبة تعتقها؟ أي تقدر، فالمراد الوجود الشرعي ليدخل فيه القدرة بالشراء ونحوه، ويخرج عند مالك الرقبة المحتاج اليها بطريق معتبر شرعاً (5) في رواية عند البزار (وهل لقيت ما لقيت إلا من الصيام)
أن تطعم ستين مسكيناً (1) قال لا، وذكر الحاجة (2) قال فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بزنبيلٍ (3) وهو المكتل فيه خمسة عشر صاعاً أحسبه تمراً، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم اين الرجل؟ قال أطعم هذا (4) قال يا رسول الله
(1) لفظ البخاري فهل تجد إطعام ستين مسكيناً (قال ابن دقيق العيد) قوله إطعام ستين مسكيناً يدل على وجوب إطعام هذا العدد لأنه أضاف الإطعام الذي هو مصدر أطعم إلى ستين، فلا يكون ذلك موجوداً في حق من أطعم عشرين مسكيناً ثلاثة ايام مثلاً، ومن أجاز ذلك فكأنه استنبط من النص معنى يعود عليه بالإبطال، والمشهور عن الحنفية الأجزاء حتى لو أطعم الجميع مسكيناً واحداً في ستين يوماً كفى اهـ 02) يعني احتياجه وأنه فقير لا يملك قوت أهله، وقد جاء مصرحاً بذلك في حديث ابن عمر عن أبي يعلى والطبراني في الكبير والأوسط بلفظ (والذي بعثك بالحق ما أشبع أهلي)(قال العلماء) والحكمة في ترتيب هذه الكفارة على ما ذكر أن من انتهك حرمة الصوم بالجماع فقد أهلك نفسه بالمعصية فناسب ان يعتق رقبة فيفدي نفسه، وقد صح من أعتق رقبة بكل عضو منها عضواً منه من النار، وأما الصيام فإنه كالمقاصة بجنس الجناية (وكونه شهرين) لأنه لما امر بمصابرة النفس في حفظ كل يوم من شهر على الولاء فلما أفسد منه يوماً كان كمن أفسد الشهر كله من حيث أنه عبادة واحدة بالنوع، وكلف بشهرين مضاعفة على سبيل المقابلة لنقيض قصده (وأما الإطعام) فمناسبته ظاهرة لأنه مقابل كل يوم إطعام مسكين، وإذا ثبتت هذه الخصال الثلاث في هذه الكفارة فهل هي على الترتيب أو التخيير؟ قال البيضاوي رتب الثاني بالفاء على فقد الاول. ثم الثالث بالفاء على فقد الثاني. فدل على عدم التخيير مع كونها في معرض البيان وجواب السؤال فينزل منزلة الشرط للحكم. وقال مالك بالتخيير (وقوله فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بضم الهمزة مبيناً للمفعول، ولم يسم الآتي. لكن للبخاري في الكفارات (فجاء رجل من الأنصار) وللدارقطني عن سعيد بن المسيب مرسلاً (فأتي رجل من ثقيف) قال الحافظ فإن لم يحمل على أنه كان حليفاً للأنصار بالمعنى الأعم وإلا فما في الصحيح أصح (3) بكسر الزاي بعدها نون ساكنة. ويقال له الزبيل بفتح الزاي من غير نون بوزن كفيل، ويقال له أيضاً القفة والمكتل بكسر الميم وفتح التاء الفوقية كما فسره به الراوي، ويقال له أيضاً العرق بفتح العين والراء (قال النووي) هذا هو الصواب المشهور في الرواية واللغة، وكذا حكاه القاضي عياض عن رواية الجمهور، ثم قال ورواه كثير من شيوخنا وغيرهم بإسكان الرائ. قال والصواب الفتح اهـ والعرق عند الفقهاء ما يسع خمسة عشر صاعاً وهي ستون مداً لستين مسكيناً لكل مسكين مد (4) أي أطعم التمر عن نفسك. وفي رواية أخرى للإمام أحمد ستأتي بلفظ (خذ هذا
ما بيت لابتيها (1) أحد أحوج منا أهل بيت قال فضحك (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه (3) قال أطعم أهلك (وعنه من طريق ثانٍ) قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل ينتف (5) شعره ويدعو ويله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك (6) قال قد وقع على امرأته في رمضان، قال أعتق رقبة (7) قال لا أجدها، قال صم شهرين متتابعين، قال لا أستطيع، قال أطعم ستين مسكيناً، قال لا أجد، قال فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرقٍ (8) فيه خمسة عشر صاعاًُ من تمر، قال خذ هذا فأطعمه عنك ستين مسكيناً، قال يا رسول الله ما بين لابتيها أهل بيتٍ
فأطعمه عنك ستين مسكيناً) وفي رواية لابن اسحاق فتصدق به عن نفسك (1) بالتخفيف تثنية لابة، وهي الحرة. والحرة الأرض التي فيها حجارة سود. يقال لابة ولوبة ونوبة بالنون. حكاهن الجوهري وجماعة من أهل اللغة، ومنه للاسود لوبي ونوبي، والضمير في قوله لابتيها عائد الى المدينة، اي ما بين حرتي المدينة لكونها واقعة بين حرتين وقوله أحد بالرفع اسم ما وأحوج بالنصب خبرها على أنها حجازية تعمل عمل ليس، ويجوز الرفع فيهما على أن ما تميمية (2) إنما ضحك صلى الله عليه وسلم تعجباً من حال الرجل في كونه جاء أولاً هالكاً يلطم وجهه خائفاً على نفسه راغباً في فدائها مهما أمكنه، فلما وجد الرخصة طمع أن يأكل ما أعطيه في الكفارة (3) الأأنياب جمع ناب وهي الاسنان الملاصقة للرباعيات وهي اربعة، والضحك غير التبسم، وقد ورد أن ضحكه صلى الله عليه وسلم كان تبسماً أي في غالب أحواله، ثم قال صلى الله عليه وسلم أطعم اهلك اي ما في الزنبيل من التمر (4)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد أنا الحجاج ابن أرطأة عن ابراهيم بن عامر عن سعيد بن المسيب، وعن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال (بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث)(5) تقدم في شرح الطريق الأولى أن هذا الرجل هو سلمة أو سلمان بن صخر (وقوله ويدعو ويله اي ينادي بالهلاك يعني أن هلك كما صرح بذلك في الطريق الأولى)(6) بفتح اللام، وما استفهامية محلها رفع بالابتداء يعني أي شأن كائن لك أو حاصل لك (7) أعتق هنا بلفظ الأمر وكذلك صم وأطعم وهو يفيد الوجوب (8) بفتح الراء وقد تسكن وهو ما نسج من الخوص وتقدم ضبطه وانه مرادف للمكتل والزنبيل وغيرها مما تقدم ذكره. قال في الصحاح المكتل يشبه الزنبيل يسه خمسة عشر صاعاً (قلت) وهو موافق لهذه الرواية والرواية الأولى أيضاً، لكن وقع عند الطبراني في
أفقر منا قال كله أنت وعيالك (وعنه من طريق ثالث)(1) بمثله عن النبي صلى الله عليه وسلم وزاد بدنة (2) وقال عمرو في حديثه وأمره أن يصوم يوماً
في الأوسط أنه أتى بمكتل فيه عشرون صاعاً فقال تصدق بهذا وفي اسناده ليث بن ابي سليم ووقع مثل ذلك عند ابن خزيمة من حديث عائشة، وفي مسلم عنهاغ فجاءه عرقان فيهما طعام (قال الحافظ 9 ووجهه أن التمر كان في عرق لكنه كان في عرقفين في حال التحميل على الدابة ليكون اسهل، فيحتمل أن الآتي به لما وصل افرغ أحدهما في الآخر فمن قال عرقان أراد ابتداء الحال، ومن قال عرق أراد ما آل غليه (وقد ورد في تقدير الاطعام) حديث علي عند الدارقطني بلفظ (يطعم ستين مسكيناً لكل مسكين مد) وفيه فأتى بخمسة عشر صاعا، فقال أطعمه ستين مسكيناً، وكذا عند الدارقطني أيضاص من حديث ابي هريرة، قال الحافظ من قال عشرون أراد اصل ما كان عليه، ومن قال خمسة عشر اراد قدر ما يقع به الكفارة والله أعلم (1)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني ابي ثنا يزيد انا الحجاج عن عطاء وعن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده بمثله عن النبي صلى الله عليه وسلم الخ (وقوله بمثله) هكذا جاء بالأصل مجملاً والضمير يعود على الطريق الثانية. يعني بمثل حديث سعيد بن المسيب والزهري (2) يعني أمره النبي صلى الله عليه وسلم بإهداء بدنة. وقد جاء ذاك موضحاً عند الإمام مالك في الموطأ عن عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب. قال جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث، وفيه (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تستطيع تعتق رقبة؟ فقال لا. قال فهل تستطيع أن تهدي بدنة؟ قال لا) لكن ارسله سعيد بن المسيب (قال ابن عبد البر) ما ذكر في هذا الحديث محفوظ من رواية الثقات الأثبات إلا هذه الجملة فإنها غير محفوظة (يعني البدنة) ونقل القاسم بن عاصم عن سعيد بن المسيب أنه قال كذب عطاء الخراساني، ما حدثته. إنما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له تصدق. وقد اضطرب في ذلك على القاسم. ولا يخرج بمثله عطاء فإنه فوقه في الشهرة بحمل العلم. وشهرته فيه وفي الخبر أكثر من القاسم وإن كان البخاري أدخله في كتاب العفاء بهذا الخبر فلم يتابع على ذلك. وقد أسند البخاري في التاريخ ذكر البدنة من رواية غير عطاء الخراساني، فرواه عن عطاء ومجاهد عن أبي هريرة مرفوعاً (أعتق رقبة ثم قال انحر بدنة) قال البخاري لا يتابع عليه. وكذا أسنده قاسم بن أصبغ عن مجاهد مرسلاً إلا ان جمهور العلماء لم يروا نحر البدن عملاً بحديث ابن شهاب. ولا أعلم أحداً أفتى بذلك إلا الحسن البصري أهـ ملخصاً، وحاصله ان غلط الثقة في لفظ لا يقتضي طرح حديثه ولا تكذيبه دائماً بل يحكم بغلطه في هذه اللفظة فقط والذي في الأحاديث (قال فهل
مكانه (1)(وعنه من طريق رابع)(2) بنحو حديث ابن ابى حفصة عن ابن شهاب وفيه، قال قاتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بعرق والعرق المكتل فيه تمر، قال اذهب فتصدق بها (3) الحديث
(155)
وعنه ايضاً رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم امر رجلاً افطر في رمضان ان يعتق رقبة او (4) يصوم شهرين
تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين" (1) يعنى مكان اليوم الذي جامع فيه. قال الحافظ وقد ورد الأمر بالقضاء في رواية أبى أويس وعبد الجبار وهشام بن سعد كلهم عن الزهرى. وأخرجه البيهقي من طريق ابراهيم بن سعد عن الليث عن الزهرى، وحديث ابراهيم بن سعد في الصحيح عن الزهرى نفسه بغير هذه الزيادة. وحديث الليث عن الزهرى في الصحيحين بدونها. ووقعت الزيادة ايضاً في مرسل سعيد ابن المسيب ونافع بن جبير والحسن ومحمد بن كعب، وبمجموع هذه الطرق الأربع يعرف أن لهذه الزيادة أصلاً. وقد حكى عن الشافعى انه لا يجب عليه القضاء. واستدل له بأنه لم يقع التصريح في الصحيحين بالقضاء ويجاب بأن عدم الذكر له في الصحيحين لا يستلزم العدم. وقد ثبت عند غيرهما كما تقدم وظاهر إطلاق اليوم عدم الفورية والله اعلم (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى ابى ثناعبد الرزاق ثنى معمر عن الزهرى عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن ابى هريرة بنحو حديث ابن ابى حفصة عن ابن شهاب (اى الزهرى) يعني الطريق الأولى من هذا الحديث وفيه قال. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم الحديث (3) أى الفقة من باب ذكر المحل وارادة الحال أى تصدق بما فيها من التمر (تخريجه)(ق. لك. والأربعة. وغيرهم) ورواه ماينيف على اربعين نفساً عن الزهرى عن حميد عن ابى هريرة، وروى الطريق الثالثة منه (لك. جه. هق)
(155)
وعنه ايضاً (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى ابى ثنا عبد الرزاق أنا ابن جريج وابن بكر قال انا ابن جريج حدثني ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن أن ابا هريرة حدثه ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً-الحديث" (غريبه)(4) قال النووى رحمه الله لفظ أو هنا للتقسيم لا للتخبير، تقديره يعتق او يصوم ان عجز عن العتق أو يطعم ان عجز عنهما وتبينه الروايات الباقية. قال وفي هذه الروايات دلالة لأبى حنيفة ومن يقول يجزئ.
أو يطعم ستين مسكيناً
(156)
عن محمد بن جعفر بن الزبير ان عبد الله بن الزبير (1) حدثه ان عائشة حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا هو جالس في ظل فارع (2) أجم حسان جاء رجل فقال احترقت يا رسول الله (3) قال ما شأنك قال وقعت على امرأتي وأنا صائم ، قال وذاك في رمضان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلس (4) فجلس في ناحية القوم. فأتى رجل بحمار عليه غرارة (5) فيها تمر قال هذه صدقتى يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أين المحترق (6) آنفاً هاهو ذا انا يا رسول الله
عتق كافر عن كفارة الجماع والظهار. وانما يشترطون الرقبة المؤمنة في كفارة القتل لأنها منصوص على وصفها بلأيمان في القرآن، وقال الشافعى والجمهور يشترط الأيمان في جميع الكفارات تنزيلاً للمطلق على المقيد والمسألة بنيت على ذلك. فالشافعى يحمل المطلق على القيد.
وأبو حنيفة يخالفه اهـ (تخريجه)(م. لك د. هق)
(156)
عن محمد بن جعفر (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى ابى ثنا يعقوب قال ثنا ابى عن ابن اسحاق قال حدثني محمد بن جعفر-الحديث" (غريبه)
(1)
هكذا بالأصل ان عبد الله بن الزبير هو الذي روى الحديث عن عائشة ولكن الثابت عند الشيخين وأبي داود والنسائي والبيهقى انه عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة فلعل لفظ (عباد بن) سقط من الأصل والله أعلم (2) الفارعهو كل شيء مرتفع. يفال جبل فارع أى مرتفع عال (والأجم) بضم الهمزة بعدها جيم مضمومة أيضا الحصن. جمعه آجم بمد الهمزة. والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم كان جالساً في ظل ما ارتفع من الحصن، وهو حصن بالمدينة. بقال انه حصن حسان بن ثابت رضي الله عنه (3) أطلق على نفسه انه احترق لاعتقاده ان مرتكب الإثم يعذب في النار فهو مجاز عن العصيان، أو المراد انه يحترق يوم القيامة فجعل المتوقع كالواقع. وعبر عنه بالماضي، ورواية الإحتراق هذه تفسر رواية الهلاك التى مضت في الحديث السابق أول الباب "وقولهصلى الله عليه وسلم ما شأنك يعنى ما قصتك وما الذي اصابك (4) قيل امره صلى الله عليه وسلم بالجلوس اتظاراً لشيء يأتيه يعينه به كما وقع ويحتمل انه رجل فضل الله أو انتظار وحي ينزل في امره (5) أوله غين معجمة مكسورة جمعها غرائر وهي وعاء يوضع فيه التمر ونحوه كالمكتل والزنبيل (6) أثبت له صلى الله عليه وسلم وصف الإحتراق إشارة
قال خذ هذا (1) فتصدق به، قال واين الصدقة يا رسول الله إلا على ولى (2) فوا الذي بعثك بالحق ما اجد انا وعيالى شيئاً، قال فخذها، فأخذها
إلى أنه لو اصر على ذلك استحق ذلك (1) يعنى التمر فتصدق به على ستين مسكيناً كما في بعض الروايات أى كفارة لما فرط منك (2) يريد انه افقر الناس وأحوجهم الى الصدقة وأقسم بالله على ذلك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "خذها" يعنى الصدقة لك ولعيالك"فأخذها"(تخريجه)(ق. د. نس) وراه البيهقى بسنده عن عائشة رضي الله عنها بلفظ قالت"كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً في ظل فارع فجاءه رجل من بني بياضة، فقال احترقت، وقعت بامرأتي في رمضان؛ فقال اعتق رقبة، قال لا اجد، قال اطعم ستين مسكيناً، قال ليس عندي فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق من تمر فيه عشرون صاعاً، فقال تصدق به. فقال لا نجد عشاء ليلة قال فعد به على أهلك"
(قال البيهقى) عقب ذكره- الزيادات التي في هذه الواية تدل على صحة حفظ ابى هريرة ومن دون لتلك القصة"وقوله فيه عشرون صاعاً" بلاغ بلغ محمد بن جعفر بن الزبير، وقد روى الحديث محمد بن اسحاق بن يسار عن محمد بن جعفر ببعض من هذا يزيد وينقص، وفي آخره قال محمد بن جعفر فحدثت بعد ان تلك الصدقة كانت عشرين صاعاًمن تمر، وقد روى في حديث ابى هريرة خمسة عشر صاعاً وهو اصح والله اعلم اهـ (قلت) لا منافاة بين من روى عشرين صاعا وبين من روى خمسة عشر لأن الجمع ممكن بأن من روى عشرين صاعاً أراد ان أصل ما كان عليه، ومن روى خمسة عشر اراد ما اخذه الرجل كما تقدم عن الحافظ في شرح الطريق الثانية من حديث ابى هريرة والله اعلم (زوائد الباب) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال اني افطرت يوما من رمضان، قال من غير عذر او سفر؟ قال نعم، قال بئس ما صنعته قال فما تأمرني؟ قال اعتق رقبة، قال والذي بعثك بالحقما ملكت رقبة قط، قال فصم شهرين متتابعين، قال لا استطيع، قال فأطعم ستين مسكيناً، قال والذي بعثك بالحق ما اشبع اهلي، قال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بمكتل فيه تمر، فقال تصدق بهذا على ستين مسكيناً، قال الى من ادفعه؟ قال الى افقر من تعلم، قال والذي بعثك بالحق ما بين قرنيها أهل بيت أحوج منا، قال فتصدق به على عيالك (عل. طب. طس) ورجاله ثقات (وعن سعد بن ابى وقاصرضي الله عنه) أن رجلا قال يا رسول الله اني هلكت، أفطرت في رمضان متعمداً، قال اعتق رقبة، قال لااجد. قال صم شهرين متتابعين. قال لا اقدر. قال أطعم ستين مسكيناً (بز) وفيه الواقدى وفيه كلام كثير وقد وثق (وعن أبى هريرة) رضي الله عنه قال جاء رجل إلى
.
النبي صلى الله عليه وسلم فقال اني افطرت يوما من رمضان متعمدا ووقعت على اهلى فيه، قال اعتق رقبة قال لا أجدو قال اهد بدنة، قال لا أجد، قال تصدق بعشرين صاعاً من تمر أو تسعة عشر أو أحد وعشرين، قال لا أجد، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بمكتل فيه عشرون صاعاً من تمر فقال تصدق بهذا، فقال ما بالمدينة أهل بيت احوج اليه منا. قال فأطعمه أهلك (قال الحافظ الهيثمى) لأبى هريرة حديث في الصحيح في المجامع بغير سياقه (طس) وفيه ليث بن ابى سلمة وهو ثقة ولكنه مدلس (وعن ابن مسعود) رضي الله عنه"قال من افطر يوم من رمضان من غير رخصة لقي الله به وان صام الدهر كله ان شاء غفر له وان شاء عذبه"(طب) ورجاله ثقات، أورد هذه الأحاديث الحافظ الهيثمي. وهذا كلامه فيها جرحاً وتعديلاً
(الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد تدل على وجوب الكفارة على من افسد صوم يوم من رمضان بجماع عامداً، وبه قال الأئمة (أبو حنيفة ومالك والشافعى واحمد وداود) والعلماء كافة إلا ما حكاه العبدرى وغيره من الشافعية عن الشعبى وسعيد بن جبير والنخمى وقتادة أنهم قالوا لا كفارة عليه كما لا كفارة عليه بافساد الصلاة ، واحاديث الباب ترد عليهم ولأن الصوم يخالف الصلاة فانه لا مدخل للمال في جبرانها (وفي أحاديث الباب أيضا) دلالة على وجوب صوم يوم مع الكفارة قضاء اليوم الذي جامع فيه لما في الطريق الثالثة من حديث أبى هريرة" أنه صلى الله عليه وسلم أمره ان يصوم يوماً مكانه" قال العبدرى وبأيجاب قضائه قال جميع الفقهاء سوى الأوزاعى فقال. ان كفر بالصوم فلا يجب قضائه، وان كفّر بالعتق والأطعام قضاه (وظاهر أحاديث الباب تدل) على وجوب الكفارة على الرجل فقط دون المرأة. والى ذلك ذهب الأئمة (الشافعى في اصح القولين عنه، والأوزاعى والحسن واحمد في رواية عنه)(قال الخطابى) وقال الشافعى بجزئهما كفارة واحدة وهي على الرجل دونها (وقال الأوزاعى) ان كانت الكفارة بالصيام كان على كل واحد منهما صوم شهرين، واحتجوا بان قول الرجل أصبت أهلى سؤال عن حكمه وحكمها، لأن الإصابة معناها انه واقعها وجامعها، واذا كان هذا قد حصل منهما ثم اجاب النبي صلى الله عليه وسلم عن المسألة فأوجب فيها كفارة واحدة على الرجل ولم يعرض لها بذكر دل على انه لا شيء عليها وأنها مجزأة في الأمرين معاً، ألا ترى انه بعث انيساً الى المرأة التى رميت بالزنى، وقال ان اعترفت فارجمها، فلم يهمل حكمها لغيبتها عن حضرته. فدل هذا على انه لو رأى عليها كفارة لألزمها ذلك ولم يسكت عنها (قال الخطابى) وهذا غير لازم. وذلك ان هذا حكاية حال لا عموم لها، وقد يمكن ان تكون المرأة مفطرة بعذر من مرض أو سفر أو تكون مكرهة أو ناسية لصومها أو نحو ذلك من الأمور، واذا كان كذلك لم يكن لما ذكروه حجة يلزم الحكم بها. واحتجوا أيضاً في هذا بحرف لا أزال
.
أسمعهم يروونه في هذا الحديث وهو قوله"هلكت واهلكت" قالوا فدل قوله وأهلكت على مشاركة المراة اياه في الجنابة لأن الأهلاك يقتضي الهلاك ضرورة، كما ان القطع يقتضي الانقطاع، قلت وهذه اللفظة غير موجودة في شيء من رواية هذا الحديث، وأصحاب سفيان لم يرووها عنه، وانما ذكروا قوله هلكت حسب، غير ان بعض اصحابنا حدثنى ان المعلى بن منصور روى هذا الحديث عن سفيان فذكر هذا الحرف فيه وهو غير محفوظ، والمعلى ليس بذاك في الحفظ والإتقان اهـ (وذهب الأئمة أبو حنيفة ومالك وأبو ثور وابن المنذر) الى ان المراة عليها كفارة اخرى، وهى رواية عن الإمام احمد، ولهم تفصيل في هذا (فذهبت الحانفية والمالكية) الى ان الكفارة تلزم المرأة ان كانت مختارة، وان كلنت مكرهة فكفارتها على زوجها. وأما الأمة فكفارتها على سيدها مطلقا مختارة كانت او مكرهة متى كانت بالغة عاقلة (وعند الحنابلة قولان) قيل تلزمها الكفارة لأنها هتكت حرمة رمضان بالجماع، وقيل لا تلزمها لأن احمد سئل عن رجل اتى اهله في رمضان اعليها كفارة؟ فقال ما سمعنا ان على امراة كفارة (وفي احاديث الباب ايضاً) دلالة على ان الترتيب واجب في الكفارة فيجب اولاً عتق رقبة. فان عجز فصوم شهرين متتابعين، فان عجز فاطعام ستين مسكيناً، والى هذا ذهب الأئمة (ابو حنيفة والنورى والأوزاعى واحمد) في اصح الروايتين عنه (قال ابن العربى) لأن النبي صلى الله عليه وسلم نقله عن امر بعد عدمه الى امر آخر، وليس هذا شأن التخبير، ونازع القاضي عياض في ظهور دلالة الترتيب في السؤال عن ذلك فقال ان مثل هذا السؤال قد يستعمل فيما هو على التخبير وقرره ابن المنير (وقال البيضاوى) ان ترتيب الثانى على الأول والثالث على الثانى بالفاء يدل على عدم التخبير من كونها في معرض البيان وجواب السؤال فتنزل منزلة الشرط، والى القول بالترتيب (ذهب الجمهور منهم الأئمة ابو حنيفة والشافعى) وهو مشهور مذهب الإمام احمد، وقال به ابن حبيب من المالكية (وذهب الإمام مالك وأصحابه) الى انها واجبة على التخبير مستدلين بحديث ابى هريرة الثانى من احاديث الباب ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلا افطر في رمضان ان يعتق رقبة او يصوم شهرين او يطعم ستين مسكينا، ورواه ايضا كذلك الإمام مالك في الموطأ وابو داود والبيهقي من طريق ابن جريج عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن ابى هريرة. زقد تابع ابن جريج على هذه الرواية كما قال الدارقطني يحيى بن سعيد الأنصارى وعبد الله بن ابى بكر وابو اويس. وفليح بن سليمان. وعمر بن عثمان المخزومى. ويزيد بن عياض. وشبل، والليث بن سعد من رواية أشهب بن عبد العزيز. وابن عيينة من رواية نعيم بن حماد وابراهيم بن سعد من رواية عمار بن مطر. وعبد الله بن ابى زياد، كل هؤلاء رووه عن
.
الزهري بن حميد بن عبد الرحمن عن ابى هريرة" ان رجلا افطر في رمضان وجعلوا كفارته على التخبير ، قالوا وهذا الحديث يدل على ان الترتيب المذكور في غيره من الأحاديث ليس مراداً؛ ولأنه اقتصر على الإطعلام في حديث عائشة الأخير من احاديث الباب، ونقل الخطابى عن الإمام مالك انه قال الأطعام أحب الىّ من العتق اهـ والتخبير المذكور رواية عن الإمام احمد (وذهب ابن ابى ليلى وابن جرير) الى انه مخير بين العتق والصيام، قالا ولا سبيل الى الأطعام إلا بعد العجز عنهما، وجمع ابن المهاب والقرطبي بين الروايات بتعدد الواقعة، قال الحافظ وهو بعيد ، لأن القصة واحدة والمخرج متحد والأصل عدم التعدد، وجمع بعضهم بحمل الترتيب على الأولوية، والتخبير على الجواز، وعكسه بعضهم اهـ (قلت) حمل الترتيب على الأولوية أظهر من حمله على الجواز لكون رواياته اصح واكثر ومعها الزيادة (وفي احاديث الباب ايضاً) دلالة على اشتراط التتابع في صيام كفارة رمضان (واليه ذهب كافة العلماء) إلا ابن ابى ليلى فقد ذعب الى جواز تفريقه مستدلا بحديث ابى هريرة الثاني من احاديث الباب لأنه لم يذكر فيه تتابعاً، وحجة الجمهور حديث ابى هريرة الأول من احاديث الباب وهو مقيد بالتتابع فيحمل المطلق عليه، واشترط الجمهور ان لا يكون في الشهرين شهر رمضان، وان لا يكون فيهما ايام نهى عن الصومهما كيومى الفطر والأضحى وأيام التشريق، ثم اذا كفر بالإطعام فهو اطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد سواء البر والزبيب والتمر وغيرها عند الأمامين (مالك والشافعي-وقال ابو حنيفة) يجب لكل مسكين مدان من حنطة او صاع من سائر الحبوب، وفي الزبيب عنه روايتان، رواية صاع ورواية مدان أو يغدى الستين مسكيناويعشيهم غداء وعشاء مشبعين أو غداءين أو عشاءين او عشاء وسحورا (وذهب الأمام احمد) الى ان الواجب لكل مسكين مد من بر أو نصف صاع من تمر او شعير لما رواه بسنده عن ابى زيد المدنى قال جاءت امرأة من بنى بياضة بنصف وسق شعير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمظاهر أطعم هذا فان فان مد شعير مكان مد بر، قال اصحابه ولأن فدية الأذى نصف صاع من التمر والشعير بلا خلاف فكذا هنا (وظاهر احاديث الباب) انه لا يجزئ التكفير بغير هذه الثلاث. أعنى العتق او الصوم او الاطعام، (وروى عن سعيد بن المسيب) أنه يجوز اهداء البدنة كما في الموطأ عنه مرسلا، وقد روى سعيد بن منصور عن سعيد ابن المسيب انه كذب من نقل عنه ذلك، وتقدم الكلام عليه في شرح الطريق الثلثة من حديث ابي هريرةالأول (وذهبت المالكية) الى وجوب الكفارة على من لفطر في رمضان بجماع او غيره مستدلين بحديث ابى هريرة الثاني من احاديث الباب لقوله"ان رسول الله صلى الله عليه وسلم امر رجلا افطر في رمضان ان يعتق رقبة الخ"ولم يقل
_________
أفطر بجماع بل اطلق فيدخل فيه كل كل مفطر سواء أكان جماعا ام غيره، والجمهور حملوا الطلق على المقيد وقالوا لا كفارة الا في الجماع (وقد استدل بقوله صلى الله عليه وسلم في بعض الروايات اطعم اهلك وفي بعضها اطعمه عيالك) على سقوط الكفارة بالأعسار لما تقرر من انها لا تصرف من النفس والعيال، ولم يبين له صلى الله عليه وسلم استقرارها في ذمته الى حين يساره، وهو احد قول الشافعى، ويجزم به عيسى بن دينار من المالكية (وقال الجمهور) لا تسقط بالأعسار، قالوا وليس في الخبر ما يدل على سقوها عن المعسر بل فيه ما يدل على استقرارها عليه: قالوا ايضاً والذي أذن له في التصرف فيه ليس على سبيل الكفارة، وقيل المراد بالأهل المذكورين من لا تلزمه نفقتهم، وبه قال (بعض الشافعية) ورد بما وقع من التصريح في رواية بالعيال، وفي الأخرى من الأذن بالأكل، وقيل لما كان عاجزا عن نفقة اهله جاز لع ان يفرق الكفارة فيهم (وقيل) غير ذلك والله أعلم
(مسائل تتعلق بالباب)(الأولى) من جامع زوجته في يوم من رمضان مرتين او اكثر لزمه كفارة واحدة بالجماع الأول سواء أكان كفّر عن الأول ام لا، وبه قال الأئمة (ابو حنيفة ومالك والشافعى-وقال الأمام احمد) ان كان الوطء الثانى قبل تكفيره عن الأول لزمه كفارة اخرى لأنه وطء محرم فاشبه الأول، احتج الأولون لأنه لم يصادف صوما منعقدا بخلاف الجماع الأول (المسألة الثانية) من وطئ يومين او أيام من رمضان يجب عليه لكل يوم كفارة سواء كفّر عن الأول ام لا، وبه قال الأئمة (الشافعي ومالك وداود واحمد) في اصح الروايتين عنه (وقال الأمام ابو حنيفة) ان وطئ في الثاني قبل تكفيره عن الأول كفته كفارة واحدة، وان كفّر عن الأول فعنه روايتان، قال ولو جامع في رمضانين ففي رواية عنه هو كرمضان واحد، وفي رواية بتكرر الكفارة، وهذه الرواية هي الصحيحة عنه وقاسه على الحدود، واحتج الأولون بأنها عبادات فلم تتداخل بخلاف الحدود المبنية على الدرء والإسقاط (المسألة الثالثة) لو جامع في صوم غير رمضان من قضاء او نذر او غيرهما فلا كفارة عليه، وبه قال الجمهور (وقال قتادة) تجب الكفارة في افساد قضاء رمضان (واتفقوا) على ان الموطوءة مكرهة او نائمة يفسد صومها ويلزمها القضاء الا في قول للشافعي، وعلى انه لا كفارة عليه إلا في رواية عن الإمام احمد، ولو طلع الفجر وهو مجامع (قال ابو حنيفة) ان نزع في الحال صح صومه ولا كفارة عليه، وان استدام لزمه القضاء دون الكفارة (وقال مالك) ان نزع لزمه الفضاء وان استدام لزمه الكفارة ايضا (وقال الشافعى) ان نزع في الحال فلا شيء عليه وان استدام لزمه القضاء والكفارة (وقال الإمام احمد) عليه القضاء والكفارة مطلقاً نزع او استدام والله اعلم
-[جواز الفطر والصوم في السفر]-
(أبواب ما يبيح الفطر وأحكام القضاء)
(1)
باب جواز الفطر والصوم في السفر
(157)
عن عائشة رضي الله عنها قالت جاء حمزة (بن عمرو) الأسلمي رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني رجل أسرد (1) الصوم أفأصوم في السفر؟ (2) قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئت فصم وإن شئت فأفطر (3).
(158)
عن أبى الدرداء رضي الله عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر (4) وإن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما منا صائم إلا رسول الله
(157) عن عائشة رضي الله عنها (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا أبو معاوية ثنا هشام بن عروة عن أبية عن عائشة رضي الله عنها الحديث" (غريبة) (1) أتابعة وأواليه في الحضر رغبة الثواب وزيادة الأجر، ولا يلزم من تتابع الصوم صيام الدهر المنهي عنه، لأن التتابع يصدق بدون صوم الدهر (2) ظاهر قوله "فأصوم في السفر" أنه سأل عن مطلق الصوم سواء أكان رمضان أم غيره (قال ابن دقيق العبيد) ليس فيه تصرحي بأن صوم رمضان فلا يكون فيه حجة على من منع صوم رمضان في السفر (قال الحافظ) هو كما قال بالنسبة في سياق حديث الباب، لكن في رواية مسلم أن إجابة بقوله وهي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه، وهذا يشعر بأنه سأل عن صيام الفريضة لأن الرخصة إنما تطلق في مقابل ما هو واجب، وأصرح من ذلك ما أخرجه أبو داود والحاكم عنه أنه قال يا رسول الله إني صاحب ظهر أعالجه أسافر عليه وأكريه وإنه ربما صادفني هذا الشهر، يعني رمضان وأنا جد القوة وأنا شاب فأجد بأن أصوم يا رسول الله أهون علىّ على من أخره فيكون دينا، أفأصوم يا رسول الله أعظم لأجري أو أفطر؟ قال أي ذلك شئت يا حمزة (3) قال الخطابي هذا نص في إثبات الخيار للمسافر بين الصوم والإفطار؛ وفيه جواز صوم الفرض للمسافر إذا صامه وأن صيام الفرض في السفر ليس بواجب (تخريجه)(ق. لك. د. هق. مي)
(158)
عن أبى الدرداء (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا المغيرة ثنا سعيد بن عبد العزيز حدثني إسماعيل بن عبيد الله عن أم الدرداء عن أبى الدرداء - الحديث (غريبة)(4) لفظ البخاري "في بعض أسفاره" وزاد مسلم "في شهر
-[مذهب الظاهرية جواز الفطر في السفر مطلقًا سواء أكان طويلاً أم قصيرًا]-
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وعبد الله ابن رواحة (1)
(159)
عن سلمه بن المحبق (2) رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت له حمولة (3) تأوي إلى شبع فليصم رمضان حيث أدركه (4)
رمضان" وليس ذلك في غزوة الفتح لأن عبد الله بن رواحة المذكور في هذا الحديث استشهد في غزوة مؤتة قبل غزوة الفتح بلا خلاف، ولا في غزوة بدر لأن أبا الدرداء لم يكن حينئذ أسلم (1) فيه أن الصوم والإفطار في الفرض كلاهما جائز في السفر (تخريجه)(ق. د. نس. جه).
(159)
عن سلمة بن المحبق (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا أبو النصر قال ثنا عبد الصمد بن حبيب بن عبد الله الأزدي ثم النميري قال حدثني حبيب عن عبد الله يعني أباه قال سمعت سنان بن سلمة بن المحبق الهذلي يحدث عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت له حملة - الحديث" (غريبة) (2) بفتح الموحدة المشددة ويكسر قال الطيبي بكسر الباء وأهل الحديث يفتحونها (قال القاري) قلت قول المحدثين أقوى من اللغويين، وأحرى كما لا يخفي (3) بفتح الحاء المهملة أي مركوب، وهو كل ما يحمل عليه من إبل وحمار أو غيرهما، وفعول يدخله الهاء؛ إذا كان بمعني مفعول، أي من كان له دابة "تأوي" بكسر الواو أي تأويه فإن أوى لازم وتعد على لفظ واحد، وفي الحديث يجوز الوجهان، والمعني تؤوي صاحبها أو تأوي بصاحبها "إلى شبع" بكسر الشين المعجمة وسكون الموحدة وفتحها، أي تأوي بصاحبها إلى حال شبع ورفاهية أو إلى مكان يقدر على الشبع فيه بحيث يكون فيه ما يقوته ولم يلحقه في سفره وعناء ومشقة "فليصم رمضان حيث أدركه" يعني رمضان وإن كان سفهر طويلاً (قال الطيبي) الأمر فيه محمول على الندب والحث على الأولى الأفضل للنصوص الدالة على جواز الإفطار في السفر مطلقًا، "وقال المظهر" يعني من كبار راكبًا وسفر قصير بحيث يبلغ إلى المنزل في يومه فليصم رمضان (وقال داود) ويجوز الإفطار في المقاري قدر كان، قاله على القاري (تخريجه)(د. هق) وفي إسناده عبد الصمد بن حبيب الأزدي العوذي المصري، قال يحيي بن معين ليس به بأس، وقال أبو حاتم الرازي يكتب حديثه وليس بالمتروك، وقال يحيي من كبار الضعفاء، وقال البخاري لين الحديث ضعفه أحمد، وذكر له أبو جعفر العقيلي هذا الحديث وقال لا يتابع عليه ولا يعرف إلا به، والله سبحانه وتعالى أعلم.
-[حجة القائلين بتفضيل الصوم في السفر للقوي والفطر للضعيف]-
(160)
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال كنا نغزوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا الصائم ومنا المفطر فلا يجد (1) الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم، يرون أنه يعني أنه من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن (2)، ويرون أن من وجد ضعفًا فأفطر فإن ذلك حسن (3).
(161)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لا تعب على من صام في السفر ولا على من أفطر، قد صام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر وأفطر (4).
(162)
عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال سافرنا مع رسول الله
(160) عن أبي سعيد الخدري (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إسماعيل أخبرنا الجريري عن أبى سعيد الخدري - الحديث" (غريبة) (1) أي لا يغضب، وفي حديث الإيمان "إني سائلك فلا تجد علي" أي لا تغضب من سؤالي، يقال وجد عليه يجد وجدًا وموجدة (2) يعني الأفضل له الصوم (3) يعني الأفضل له الفطر (تخريجه)(م. وغيره).
(161)
عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا وكيع عن سفيان عن عبد الكريم الجزري عن طاوس عن ابن عباس - الحديث" (غريبة)(4) يعني أن كلا الأمرين جائز، وفهي دلالة لمذهب الجمهور في جواز الصوم والفطر جميعًا (تخريجه)(م. وغيره).
(162)
عن أبى سعيد الخدري (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا عبد الرحمن بن مهدي قال حدثني معاوية يعني ابن صالح عن ربيعة بن يزيد قال حدثني قزعة قال أتيت أبا سعيد وهو مكثور عليه، فلما تفرق الناس عنه، قلت إني لا أسألك عما سألك هؤلاء عنه، قلت أسألك عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم (تقدم الجواب في بابه من كتاب الصلاة) قال وسألته عن الزكاة (تقدم الجواب أيضًا في بابه من كتاب الزكاة) قال وسألته عن الصوم في السفر، قال سافرنا مع رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم) - الحديث " وسيأتي بطولة في مناقب أبى سعيد الخدري رضي الله عنه من كتاب المناب إن شاء الله تعالى
-[تفضيل الفطر في السفر لمن قارب العدو]-
صلى الله عليه وسلم إلى مكة (1) ونحن صيام، قال فنزلنا منزلاً (2) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم فكانت رخصة (3) فمنا من صام ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلاً آخر (4) فقال إنكم مصبحوا
(غريبه)(1) يعني لفتح مكة وكان ذلك في يوم الأربعاء بعد العصر لعشر خلون من رمضان سنة ثمان من الهجرة، ولفظ أبى داود خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان عام الفتح فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ونصوم حتى بلغ منزلاً من المنازل فذكر الحديث (3) اختلفت الروايات في اسم هذا المنزل (ففي بعضها الكديد) بفتح الكاف وكسر الدال المهملة وهو مكان فيه ماء بينه وبين المدينة سبع مراحل أو نحوها، وبينه وبين مكة قريب من مرحلتين، والمرحلة المسافة التي يقطعها المسافر في نحو يوم (وفي بعضها عسفان) بضم العين والسكون السين المهملتين، موضع مكة والمدينة على نحو ثلاث مراحل من مكة، ويذكر ويؤنث ونونه زائدة (وفي بعضها كراع الغميم) بضم الكاف، والغميم بفتح الغين المعجمة واد أمام عسفان بثمانية أميال يضاف إليه هذا الكراع وهو جبل أسود متصل به والكراع كل أنف سال من جبل أو حرة (وفي بعضها من الظهران)(مرّ) بفتح الميم وتشديد الراء اسم قرية "والظهران" أسم واد بين مكة وعسفان أضيفت القرية إليه فقيل مر الظهران (وفي بعضها قديد) بالتصغير اسم موضع بين مكة والمدينة وهو قريب من مكة، قال ابن الكلبي، لما رجع تبع من المدينة بعد حربه لأهلها، نزل قديدًا فهبت ربح قدت خيم أصحابه سمي قديدًا أهـ وكل هذه الأسماء ثابتة في روايات صحيحة عند الشيخين والإمام أحمد وغيرهم (قال القاضي عياض رحمه الله وهذا كله في سفر واحد في غزاة الفتح، قال وسميت هذه المواضع في هذه الأحاديث لتقاربها، وإن كان عسفان متباعدة شيئًا عن هذه المواضع لكنها كلها مضافة إليها ومن عملها أهـ وإنما أفضت القول في بيان هذه المواضع قبل ذكرها ليكون القارئ على بصيرة منها فيما سيأتي والله الموفق، ولعل هذا المنزل عسفان لأنه أبعد المنازل التي حصل فيها الفطر عن مكة (3) أي لأنه لم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالفطر بلفظ الأمر في هذا المكان، بل بين لهم أن الفطر أولى فكانت رخصة، ولذلك أفطر البعض وبقي البعض صائمًا وفيه دلالة على أن الفطر لمن وصل في سفره إلى موضع قريب من العدو أولى لأنه ربما وصل إليهم العدو إلى ذلك الموضع الذي هو مظنة ملاقاة العدو، ولهذا كان الإفطار أولى ولم يتحتم (4) الظاهر أن هذا المنزل هو مرّ الظهر أن لما سيأتي في الطريق الثانية أنه صلى الله عليه وسلم)
-[وجوب الفطر في السفر لمن تأهب للقاء العدو]-
عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا، فكانت عزيمة فأفطرنا، ولقد رأيتنا نصوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في السفر (1)(وعنه من طريق ثان)(2) قال لما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم علم الفتح مر الظهران آذننا بلقاء العدو (3) فأمرنا بالفطر فأفطرنا أجمعون.
(163)
عن أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام في سفر عام الفتح وأمر أصحابه بالإفطار، وقال إنكم تلقون عدوكم فتقووا (4) فقيل يا رسول الله إن
أمرهم فيه بالفطر فأفطروا جميعًا وهنا أمرهم بالفطر أيضًا فأفطروا فكانت عزيمة لا رخصة، ولأن مر الظهران ليس بينها وبين مكة إلا مرحلتان كما تقدم فكأنهم على أبواب العدو بخلاف عسفان فبينها وبين مكة ثلاث مراحل ولذا كان الفطر عندها رخصة لا عزيمة، ويستفاد من هذا أنه إذا كان لقاء العدو متحققًا فالإفطار عزيمة، لأن الصائم يضعف عن منازله الأقران ولا يخفي ما في ذلك من الإهانة لجند المحقين وإدخال الوهن على عامة المجاهدين (1) أي الأسفار العادية أو التي ليس فيها خوف من العدو (2)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا إبراهيم بن إسحاق ثنا ابن مبارك عن سعيد بن عبد العزيز عن عطية بن قيس عن قزعة عن أبى سعيد الحديث (3) أي أمرهم بالتأهب للقاء العدو ولذا أمرهم بالفطر جميعًا ليكون عندهم قوة لملافاة العدو، فأفطروا (تخريجه)(م. د. هق. طح)
(163)
عن أبى بكر بن عبد الرحمن (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبى ثنا عثمان بن عمرو وأنا مالك عن سمي عن أبى بكر بن عبد الرحمن - الحديث" (غريبة)(4) المعني إنكم على وشك مقابلة العدو فتقووا بالفطر لأن الصيام يضعف قوة الرجل، وملاقاة العدو تحتاج إلى قوة ونشاط يعني فبقي صلى الله عليه وسلم على صومه حتى أتي الكديد أفطر، وتقدم أن بين الكديد وبين المدينة نحو سبع مراحل (قال النووي) رحمه الله وقد غلط بعض العلماء في فهم هذا الحديث (فتوهم أن الكديد وكراع الغميم قريب من المدينة، وأن قوله فصام حتى بلغ الكديد وكراع الغميم (يعني في رواية مسلم) كان في اليوم الذي خرج فيه من المدينة فزعم أنه خرج من المدينة صائمًا فلما بلغ كراع الغميم في يومه
-[حجه القائلين بجواز الصوم والفطر في السفر]-
الناس قد صاموا ولصيامك فلما أني الكديد أفطر (1) قال الذي حدثني فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب الماء على رأسه من الحر وهو صائم.
(164)
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان في سفر في رمضان (2) فأتي بإناء فوضعه على يده فلما رآه الناس أفطروا
أفطر في نهار واستدل به هذا القائل على أنه إذا سافر بعد طلوع الفجر صائمًا له أن يفطر في يومه، ومذهب الشافعي والجمهور أن لا يجوز الفطر في ذلك اليوم، وإنما يجوز لمن طلع عليه الفجر في السفر، واستدلال هذا القائل بهذا الحديث من العجائب الغريبة، لأن الكديد وكراع الغميم على سبع مراحل أو أكثر من المدينة والله أعلم (تخريجه)(لك. وغيره).
(164)
عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا روح ابن عبادة ثنا هشام بن حسان عن حميد الطويل عن أنس - الحديث" (غريبة) (2) الظاهر والله أعلم أن هذا السفر كان لأجل فتح مكة لأن قوله "فأني بإناء فوضعه على يده" جاء نحوه عند البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصام حتى بلغ عسفان ثم دعا بماء فرفعه إلى يده ليراه الناس فافطر حتى قدم مكة وذلك في رمضان" ومثله للإمام أحمد من حديث ابن عباس أيضًا سيأتي بعد باب، وقد استشكل الحافظ قوله في رواية البخاري ثم دعا بماء "فرفعه إلى يده" قال لأن الرفع إنما يكون باليد، قال وأجاب الكرماني بأن المعني يحتمل أن يكون رفعه إلى أقصي طول يده أي انتهي الرفع إلى أقصي غايتها (قال الحافظ) وقد وقع عند أبى داود عن ممدود عن أبى عوانة بالإسناد، المذكور في البخاري "فرفعه إلى فيه" وهذا أوضح؛ ولعل الكلمة تصفحت أهـ (قلت) يريد الحافظ أن التصحيف جاء في قوله "إلى يده) بدل "إلى فيه" ليوافق رواية أبى داود، والأقرب عندي أن التصحيف جاء في لفظ "إلى يده) بدل "على يده" ليوافق رواية الإمام أحمد؛ لاسيما وقد جاء ما يؤيد ذلك في حديث ابن عباس الآتي بعد باب عند الإمام أحمد بلفظ "فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح فيه ماء فأمسكه على يده حتى رآه الناس ثم شرب فشرب الناس" ويكون الجمع بين ما رواه البخاري والإمام أحمد وبين رواية أبى داود أنه صلى الله عليه وسلم بعد أن وضع الإناء على يده ليراه الناس رفعه إلى فيه فشرب والله أعلم (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الإمام أحمد، وأورده
-[بيان الغزوة التي غزاها النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان غير غزوة الفتح]-
(165)
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال غزونا مع رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في رمضان (1) والفتح في رمضان فأفطرنا فيهما
(فصل منه في حجة من رأي أفضلية الفطر في السفر)
(166)
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) في سفر فرأي رجلاً (2) قد اجتمع الناس عليه وقد ظلل عليه، قالوا هذا رجل صائم
الهيثمي، وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح أهـ (قلت) وله شاهد من حديث جابر ابن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم صام في رمضان فاشتد الصوم على رجل من أصحابه فجعلت ناقته تهيم به تحت ظلال الشجر فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فأمره فأفطر:"ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء فيه ماء فوضعه على يده، فلما رآه الناس شرب فشربوا" أورده الهيثمي، وقال رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح.
(165)
عن عمر بن الخطاب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا أبو سعيد ثنا ابن لهيعة ثنا بكر عن سعيد بن المسيب عن عمر - الحديث" (غريبة) (1) يعني غير غزوة الفتح، وكانت غزوة الفتح في رمضان أيضًا (وقوله فأفطر نافيهما" يعني في غزوة الفتح وفي الغزوة الأخرى التي لم يسمها، وقد جاءت مسماة في رواية عند الترمذي، قال حدثنا قتيبة ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب عن معمر بن أبى حبيبة عن ابن المسيب سأله عن الصوم في السفر فحدث أن عمر بن الخطاب قال "غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان غزوتين، يوم بدر والفتح فأفطرنا فيهما" فاتضح أن الغزوة الأخرى هي غزوة بدر وكانت في رمضان (تخريجه)(مد) وفي إسناده ابن لهيعة فيه كلام، لكن أحاديث الباب تعضده والله سبحانه وتعالى أعلم.
(166)
عن جابر بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري عن محمد بن عمرو بن الحسن بن علي عن جابر بن عبد الله قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - الحديث (غريبة)(1) في الأصل بعد قوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال عبد الله "يعني ابن الإمام أحمد رحمهما الله" قال أبى قال أبو النضر يعني صائمًا في سفر قال يزيد بن ابن هارون بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره فرأي رجلاً الخ الحديث- وقد جاء في رواية للبخاري وابن خزيمة أنها غزوة الفتح (2) زعم مغلطاي
-[حديث "ليس من البر الصيام في السفر" والكلام عليه]-
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس البر أن تصوموا في السفر (1)(وعنه من طريق ثان بنحوه (2) وزاد) فدعاه فأمره أن يطفر، فقال أما يكفيك في سبيل الله ومع رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حتى تصوم.
(167)
عن كعب بن عاصم الأشعري رضي الله عنه وكان من أصحاب السقيفة (3) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليس من أمر امصيام في امسفر (4)(وعنه عن طريق ثان)(5) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس من البر الصيام في السفر
أنه أبو إسرائيل وعزا ذلك إلى مبهمات الخطيب ولم يقل الخطيب ذلك في هذه القصة؛ وإنما قاله في قصة الذي نذر أن يصوم ويقوم في الشمس ولا يتكلم، وكان ذلك يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ليقعد وليتكلم وليستظل، وقصة حديث جابر كانت في السفر، وقصة أبى إسرائيل كانت في الحضر (قال الحافظ) لم أقف على اسم هذا الرجل (1) لفظ البخاري "ليس من البر الصوم في السفر" وقد أشار البخاري إلى أن السبب في قوله صلى الله عليه وسلم هذه المقالة هو ما ذكر من المشقة التي حصلت للرجل الذي ظلل عليه، وفي ذلك دلالة على أن الصيام في السفر لمن كان يشق عليه ليس بفضيلة (2)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا زيد بن الحباب حدثني حسين بن واقد عن أبي الزبير قال سمعت جابر- الحديث بنحو ما تقدم، وزاد فدعاه فأمره أن يفطر - الحديث (تخريجه)(ق. د. نس. هق. مي. طح).
(167)
عن كعب بن عاصم (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا عبد الرازق أنا معمر عن الزهري عن صفوان بن عبد الله عن أم الدرداء عن كعب بن عاصم الحديث" (غريبة)(3) يعني سقيفة بن يساعده وهي صفة لها سقف فعليه بمعني مفعولة وهي التي اجتمع فيها المهاجرون والأنصار للتشاور فيمن يكون خليفة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم (4) أي ليس من البر الصيام في السفر أبدلت اللام ميمًا في الثلاثة على لغة بعض أهل اليمن حيث خاطبهم النبي صلى الله عليه وسلم بلغتهم وكان هذا الأشعري منهم، ويحتمل أن الأشعري بلغ الحديث بلغته فأداه الراوي عنه كما سمعه (5)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا سفيان عن الزهري عن صفوان بن عبد الله بن صفوان عن أم الدرداء عن كعب بن عاصم الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث (تخريجه)(ق. د. نس. جه. هق. مي. طح) ولم أقف على من أخرجه بالميم بدال اللام غير الإمام أحمد
-[الرخصة بالفطر للصائم في السفر- ووعيد من ضعف عن الصوم ولم يقبل الرخصة]-
(168)
عن أبي طعمة أنه قال كنت عند ابن عمر رضي الله عنهما إذ جاءه رجل، فقال يا أبا عبد الرحمن إني أقوى على الصيام في السفر، فقال ابن عمر سمعت رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم) يقول من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة (1).
(169)
عن بشر بن حرب قال سالت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال قلت ما تقول في الصوم في السفر؟ قال تأخذ إن حدثتك؟ قلت نعم، قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من هذه المدينة قصر الصلاة ولم يصم حتى يرجع إليها
(168) عن أبي طعمة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا حسن ثنا ابن لهيعة ثنا أبو طعمة (غريبة)(1) هذا الوعيد في حق من يضعف عن الصوم ولم يقبل الرخصة، وكأن ابن عمر رضي الله عنهما رأي في الرجل ضعفًا، لأن كثيرًا من الناس يحبون الظهور بالقول لا بالفعل، ومن كان كذلك فليس له في صومه ثواب بل عليه الوزر والعقاب نسأل الله السلامة (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد والطبراني في الكبير وإسناد أحمد حسن.
(169)
عن بشر بن حرب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا يونس ابن محمد ثنا الحارث بن عبيد ثنا بشر بن حرب - الحديث" (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد، وأورده الهيثمي، وقال رواه أحمد، وبشر فيه كلام وقد وثق (زوائد الباب) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منا الصائم ومنا الفطر فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم (بز) وإسناده حسن (وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم في السفر ويفطر فأنا أصوم وأفطر (طب) وله طريق رجالها ثقات كلهم (وعن أبى موسي الأشعري) رضي الله عنه "قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فمنا الصائم ومنا المفطر فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم" (بز. طس) وفيه الوليد بن مروان وهو ضعيف (وعن متعب) رضي الله عنه "قال كان غزو مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن أحد منهم الأولة راحلته يتعقب عليها غيري، قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل ثم يقول لي اركب فأقول أنابي قوة حتى يفعل ذلك مرتين أو ثلاثًا فيقول: ما أنت إلا متعب، قال فكان من
-[زوائد الباب في جواز الصوم والفطر للمسافر والرخصة في ذلك]-
.....
أحب أسمائي إلى، قال فكنت أسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيصوم بعضهم ويفطر بعضهم فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم" (طب) ورجاله موثقون إلا أن أشعث بن أبى الشعناء لم يسمع من أحد من الصحابة والله أعلم (وعن أبى أمامة) رضي الله عنه "قال لما كانت غزوة خيبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا مصبحوهم بغارة فأفطروا وتقووا" (طب) وفيه بشر بن نمير وهو ضعيف (وعن عبد الله بن عمرو) "قال سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل بأصحابه وإذا ناس قد حملوا عريشًا على صاحبهم وهو صائم، فمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما شأن صاحبكم أوجع؟ قالوا لا يا رسول الله، ولكنه صائم وذلك في يوم حرور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بر أن يصام في سفر (طب) ورجاله رجال الصحيح (وعن عمار بن ياسر) رضي الله عنه "قال أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة فسرنا في يوم شديد الحر فنزلنا في بعض الطريق فانطلق رجل منا فدخل تحت شجرة فإذا أصحابه يلذون به وهو مضطجع كهيئة الوجع، فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما بال صاحبكم؟ قالوا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس من البر أن تصوموا في السفر، عليكم بالرخصة التي أرخص الله لكم فاقبلوها (طب) وإسناده حسن (وعن زرارة بن أوفى) عن رجل منهم أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يأكل، فقال هلم فقال أني صائم قال هلم أحدثك، إن الله تعالى وضع عن المسافر الصيام وشطر الصلاة (طب) وفيه عباد بن السري ولم أجد من ترجمة (وعن أبى الفيض) قال خطبنا مسلم بن عبد الملك، فقال لا تصوموا رمضان في السفر فمن صام فليقضه، قال أبو الفيض فلقيت أبا قرصافة واثلة بن الأسقع فسألته، فقال لو ما صمت ثم صمت ما قضتيه (طب) ورجاله ثقات (وعن عثمان بن أبى العاص) قال الإفطار في السفر رخصة (طب. طس) ورجاله ثقات (وعنه أيضًا) أنه كان يستحب الصوم في السفر ويقول إنما كانت رخصة (طب) وفيه أحمد بن عبد الله بن الحسين العنبري ولم أجد من ترجمة (وعن عمرو بن حزم) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن لم يقبل رخصة الله فعليه من الأثم مثل جبال عرفات آثامًا (طب) وفيه سليمان بن عمرو بن إبراهيم الأنصاري ذكره ابن أبى حاتم ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً (وعن ابن عباس) رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يحب أن تؤتي رخصة كما يجب أن تؤتي عزائمه (طب. بز) ورجال البزار ثقات وكذلك رجال الطبراني (وعن عبد الله بن يزيد) بن آدم قال حدثني أبو الدردراء وواثلة بن الأسقع وأبو إمامة وأنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أن الله يحب أن تقبل رخصة كما يحب العبد مغفرة ربه (طب. طس) وعبد الله بن يزيد ضعفه أحمد وغيره، أورد هذه الأحاديث الحافظ الهيثمي وهذا كلامه فيها جرحًا وتعديلاً (الأحكام)
-[مذاهب الأئمة في حكم الصوم والفطر للمسافر واختلافهم في ذلك]-
.....
أحاديث الباب (منها) ما يدل على تفضيل الصيام في السفر على الفطر (ومنها) ما يدل على تفضيل الفطر على الصوم (ومنها) ما يدل على تساوي الأمرين، لهذا اختلفت أنظار العلماء في هذه المسألة، أعني صوم رمضان في السفر، فذهب جمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ومنهم الأئمة الأربعة (أبو حنيفة، ومالك، والشافعي وأحمد) إلى جواز الصوم والفطر (وذهبت الشيعة) إلى عدم صحة الصوم في السفر، وإن صام فعليه القضاء (واختلف أصحاب داود الظاهري) فقال بعضهم يصح صومه، وقال بعضهم لا يصح، وقال ابن المنذر كان (ابن عمرو سعيد بن جبير) يكرهان صوم المسافر، قال وروينا عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال إن صام قضاه، قال وروي عن ابن عباس قال ولا يجزئه الصيام (وعن عبد الرحمن بن عوف) قال الصائم في السفر كالمفطر في الحضر (وحكي الشافعية) بطلان صوم المسافر عن أبى هريرة وأهل الظاهر والشيعة، وحكي الحافظ عن عمر، وابن عمر، وأبى هريرة والزهري، وإبراهيم النخعي وغيرهم أن من صام رمضان في السفر وجب عليه قضاؤه في الحضر أهـ واحتجوا بقوله تعالى "فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر" قالوا لأن ظاهر قوله فعدة أي فالواجب عليه عدة، وتأوله الجمهور بأن التقدير فأفطر فعدة (واحتجوا أيضًا) بما في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أفطر في السفر وكان ذلك آخر الأمرين رواه الشيخان، وسيأتي نحوه الإمام أحمد في الباب التالي، وبأن الصحابة كانوا يأخذون بالآخر من فعله صلى الله عليه وسلم فزعموا أن صومه في السفر منسوخ (وأجاب الجمهور عن ذلك) بأن هذه الزيادة مدرجة من قول الزهري كما جزم بذلك البخاري في الجهاد، وكذلك وقعت عند مسلم مدرجة، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم صام بعد هذه القصة كما في حديث أبى سعيد المذكور في الباب بلفظ "ولقد رأيتنا نصوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في السفر (واحتجوا أيضًا) بما أخرجه مسلم عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح فصام حتى بلغ كراع الغميم وصام الناس معه فقيل له إن الناس قد شق عليهم الصيام وإن الناس ينظرون فيما فعلت فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون إليه فافطر بعضهم وصام بعضهم فبلغه أن ناسا صاموا، فقال أولئك العصاة (وأجاب عنه الجمهور) بأنه إنما نسبهم إلى العصيان لأنه عزم عليهم فخالفوا (واحتجوا أيضًا) بما في حديثي جابر وكعب بن عاصم المذكورين في الباب، وبما جاء في الزوائد من قوله صلى الله عليه وسلم ليس من البر الصيام في السفر (وأجاب عنه الجمهور) بأنه إنما قال ذلك في حق من شق عليه الصوم، ولا شك أن الإفطار مع المشقة الزائدة أفضل، وأيضًا وأيضًا فإن نفي البر لا يستلزم عدم صحة الصوم وقد قال (الإمام الشافعي) رحمه الله يحتمل أن يكون المراد ليس من البر المفروض الذي من خالفه أثم (وقال الطحاوي) المراد بالبر هنا البر الكامل الذي هو أعلى المراتب، وليس المراد به إخراج الصوم في السفر عن أن يكون
-[اختلاف الجمهور هل الأفضل الصوم أو الفطر في السفر]-
.....
برا، لأن الإفطار قد يكون أبر من الصوم إذا كان للتقوّي على لقاء العدو (وقال الإمام الشافعي) نفي البر المذكور في الحديث محمول على من أبى قبول الرخصة، وقد روي الحديث النسائي بلفظ (ليس من البر أن تصوموا في السفر وعليكم برخصة الله التي رخص لكم فاقبلوا" قال ابن القطان إسنادها حسن متصل يعني الزيادة، ،رواها الإمام الشافعي، ورجح ابن خزيمة الأول (واحتجوا أيضًا) بما أخرجه ابن ماجه عن عبد الرحمن بن عوف مرفوعًا "الصائم على السفر كالمفطر في الحضر) (ويجاب عنه) بأن في إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف، ورواه الأثرم من طريق أبى سلمة عن أبيه مرفوعًا (قال الحافظ) المحفوظ عن أبى سلمة عن أبيه موقوقًا كذا أخرجه النسائي وابن المنذر، ورجح وقفه ابن أبى حاتم والبيهقي والدارقطني، ومع وقفه فهو منقطع، لأن أبا سلمة لم يسمع من أبيه، وعلى تقدير صحته فهو محمول على الحالة التي يكون الفطر فيها أولى من الصوم كحالة المشقة جمعًا بين الأدلة (واحتجوا أيضًا) بما أخرجه الإمام أحمد والنسائي والترمذي وحسنه عن أنس بن مالك الكعبي بلفظ "إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة" (ويجاب عنه) بأنه مختلف فيه كما قال أنه أبى حاتم، وعلى تسليم صحته فالوضع لا يستلزم عدم صحة الصوم في السفر وهو محل النزاع (واحتج الجمهور) وهم المجوزون للصوم والفطر في السفر بحديث عائشة المذكور أول أحاديث الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحمزة ابن عمر الأسلمي إن شئت فصم وإن شئت فافطر (وبما رواه مسلم) عن حمزة بن عمرو أيضًا أنه قال يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل على جناح؟ فقال رسول الله (وبأحاديث) أبى الدرداء وأبن عباس وأبى سعيد المذكورة في الباب، وفيها جواز الأمرين، (وبحديث) أنس عند الشيخين كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم، إلى غير ذلك مما ذكر في أحاديث الباب وزوائده (واختلف المجوزون للأمرين في الأفضل منهما) فذهب الأئمة (أبو حنيفة ومالك والشافعي) إلى أن الصوم أفضل لمن قوي عليه ولم يشق به وهو مروي عن أنس وعثمان بن أبى العاص وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهم وعروة بن الزبير والأسود بن يزيد وأبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وسعيد ابن جبير والنخعي والفضيل بن عياض والثوري وبعد الله بن المبارك وأبى ثور وآخرين محتجين بحديث أبى سعيد الرابع من أحاديث الباب أخرجه مسلم وغيره (وذهب الأئمة أحمد والأوزاعي وإسحاق) إلى أن الفطر أفضل عملاً بأحاديث الرخصة وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر وابن المسيب والشعبي وعبد الملك بن الماجشون المالكي (وقال عمر بن ابن عبد العزيز) أفضلهما أيسرهما، فمن يسهل عليه حينئذ، يشق عليه قضاؤه بعد ذلك فالصوم في حقه
-[اختلاف الجمهور هل الأفضل الصوم أو الفطر في السفر]-
(2)
باب من شرع في الصوم ثم أفطر في يومه ذلك في السفر
(170)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح إلى مكة في شهر رمضان (وفي لفظ لعشر مضين من رمضان) فصام حتى مر بغدير (1) في الطريق وذلك في بحر الظهيرة (2) قال فمطش الناس وجعلوا يمدون أعناقهم وتتوق (3) أنفسهم إليه، قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح
أفضل واختاره ابن المنذر (وقال آخرون) هو مخير مطلقًا بدون تفضيل أحدهما على الآخر (قال الشوكاني) والأولى أن يقال من كان يشق عليه الصوم ويضره وكذلك من كان معرضًا عن قبول الرخصة فالفطر أفضل إما الطرف الأول فلما قدمنا من الأدلة في حجج القائلين بالمنع من الصوم (قلت تقدمت جميعها وأكثر منها آنفًا) قال وأما الطرف الثاني فلحديث أن الله يحب أن تؤتي رخصة (قلت تقدم في الزوائد عن ابن عباس) قال ولحديث من رغب عن سنتي فليس مني (قلت لم أقف عليه بهذا اللفظ ومعناه صحيح) قال وكذلك يكون الفطر أفضل في حق من خاف على نفسه العجب أو الرياء إذا صام في السفر، وقد روي الطبراني عن ابن عمر أنه قال إذا سافرت فلا تصم فإنك أن تصم قال أصحابك أكفو الصيام (*) ادفعوا للصائم وقاموا بأمرك وقالوا فلان صائم فلا تزال كذلك حتى يذهب أجرك، وأخرج نحوه أيضًا من طريق أبى ذكر، ومثل ذلك ما أخرجه البخاري في الجهاد عن أنس مرفوعًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمفطرين لما خدموا الصائمين "ذهب المفطرون اليوم بالأجر" وما كان من الصيام خاليًا من هذه الأمور فهو أفضل من الأفطار أهـ والله أعلم.
(170)
عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا عبد الرازق ثنا معمر عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله عن ابن عباس - الحديث" (غريبة)(1) أي، هر، ولعله بالمكان المسمي كديدا، وتقدم تفسير الكديد في الباب السابق بأنه مكان فيه ماء، وفسره البخاري في حديث ابن عباس أيضًا بأنه ماء بين عسفان والقديد وفسره البكري بأنه ماء عليه نخل كثير، قال وهو بين أمج بفتحتين وعسفان (2) هو حين تبلغ الشمس منتاها من الارتفاع كأنها وصلت إلى النحر وهو أعلى الصدر (3) أي تشتاق
-----
(*) هكذا بالأصل المنقول عنه؛ ولعله "أكفوا الصائم" بمعني عاونوه في كل ما يهمه من زادوا راحلة ونحو ذلك؛ أو عاونوه فيما يشق فعله في السفر والله أعلم
-[جواز الصوم والفطر في السفر]-
فيه ماء فأمسكه على يده حتى رآه الناس ثم شرب فشرب الناس (وعنه من طريق ثان)(1) قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في رمضان فصام وصام المسلمون معه (2) حتى إذا كان بالكديد دعا بماء في قعب (2) وهو على راحلته فشرب (4) والناس ينظرون يعلمهم أنه قد أفطر فأفطر المسلمون
(171)
وعنه أيضًا رضي الله عنه قال صام رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يوم فتح مكة حتى إني قديدًا فاتي بقدح من لبن (5)
قال في القاموس تاق إلي توقًا وتؤوقًا وتياقه وتوقانا اشتاق (1)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا يعقوب قال ثنا أبى عن ابن إسحاق حدثني بشير بن يسار مولى بن حارثة عن عبد الله بن عباس قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح الحديث (2) أي استمر المسلمون يصومون مع النبي صلى الله عليه وسلم مع خروجهم من المدينة إلى أن بلغوا الكديد، وهذه المسافة يصمون مع النبي صلى الله عليه وسلم من خروجهم من المدينة إلى أن بلغوا الكديد، وهذه المسافة تستغرق سبعة أيام تقريبًا (3) القعب بفتح القاف وسكون العين المهملة قدح من خشب، (وفي رواية لمسلم) من حديث جابر "فقيل له أن الناس قد شق عليهم الصيام وإنما ينظرون فيما فعلت فدعا بقدح من ماء بعد العصر (وله في وجه آخر) عن جعفر ثم شرب فقيل له بعد ذلك إن بعض الناس قد صام، فقال أولئك العصاة، واستدل بهذا الحديث على أن للمسافر أن يفطر في أثناء النهار ولو استهل رمضان في الحضر، والحديث نص في الجواز، إذ لا خلاف أنه صلى الله عليه وسلم استهل رمضان في عام غزوة الفتح وهو بالمدينة ثم سافر في أثنائه، وهذا موضع الدلالة منه (تخريجه) (ق. وغيرهما) وأخرجه البخاري أيضًا في المغازي من طريق معمر عن الزهري بأوضح من هذا - ولفظه "خرج النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان من المدينة ومعه عشرة آلاف من المسلمين وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمة المدينة فسارو من معه من المسلمني يصوم ويصومون حتى بلغ الكديد فأفطر وأفطروا؛ قال الزهري وإنما يؤكد بالآخر فالآخر من أمره (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم).
(171)
وعنه أيضًا (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا هاشم ثنا شعبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال صام رسول الله 0 صلى الله عليه وسلم الحديث (غريبة)(4) في الطريق الثانية من الحديث المتقدم "حتى إذا كان بالكديد دعا بماء في قعب الخ" وهنا قال "حتى أتي قديدًا أي بقدح من لبن الخ" وظاهر هذا التناقض، مع أن
-[حجة القائلين بأن آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم الفطر في السفر]-
فأفطر وأمر الناس أن يفطروا
(172)
عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال خرج رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم) من المدينة يريد مكة فصام حتى أتي عسفان (1) قال فدعا بإناء فوضعه على يده حتى نظر الناس إليه ثم أفطر (3) قال فكان ابن عباس يقول من شاء صام ومن شاء أفطر.
(173)
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفتح فصام حتى إذا كان بالكديد أفطر، وإنما يؤخر بالآخر من فعل رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم) قيل لسفيان قوله إنما يؤخر بالآخر من قول
القصة واحدة والمخرج واحد، ولا تناقض في ذلك لما تقدم أن قديدًا وكديدًا قريبان من بعضهما، فبعض الرواة ذكر قديدًا وبعضهم ذكر كديدًا، ولا تناقض أيضًا بين قوله هنا فأتي بقدح من لبن" وبين قوله هناك "دعا بماء في قعب" لاحتمال أنه صلى الله عليه وسلم شرب لبنًا وماءًا فمن رآه يشرب لبنًا أخبر بما رأي، ومن رآه يشرب ماءًا أخبر بما رأي، والكل جائز والله أعلم (تخريجه)(خ. طح).
(172)
عن طاوس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا عبيدة حدثني منصور عن مجاهد عن طاوس - الحديث" (غريبة) (1) هكذا في هذه الرواية "حتى أتي عسفان" وفي الرواية السابقة "حتى أتي قديدًا" وفي التي قبلها "حتى إذا كان بالكديد" ولا منافاة بين ذلك، لأن كديدا وقد يدا من عمل عسفان ومضافين إليها، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك (2) فعل ذلك صلى الله عليه وسلم لما علم أن الناس قد شق عليهم الصوم وكانوا ينتظرون فعله صلى الله عليه وسلم ويؤبد ذلك قوله في الحديث الأول من أحاديث الباب فعطش الناس وجعلوا يمدون أعناقهم وتتوق أنفسهم إليه "يعني إلى الماء" (تخريجه)(ق. د. نس. وغيرهم) بألفاظ متقاربة.
(173)
عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا سفيان عن الزهري عن عبد الله بن عبيد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما الحديث"
-[تأخر الصحابة عن الفطر في السفر حتى أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم]-
الزهري أو قول ابن عباس كذا قال في الحديث (1)
(174)
عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم على نهر من السماء (2) والناس صيام في يوم صائف مشاة ونبي الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له فقال أشربوا أيها الناس، قال فأبوا، قال إني لست مثلكم إني أيسركم (3) إني
(غريبه)(1) هكذا في الأصل بهذا اللفظ، والمعني أن سفيان سئل عن قوله في الحديث "إنما يؤخذ بالآخر من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم" هل هو من قول الزهري أحد رجال السند أو من قول ابن عباس ولم يذكر الجواب في هذا الحديث، وقد جاء مصرحا به في حديث ابن عباس أيضًا من طريق معمر عن الزهري عند البخاري في المغازي، وفي آخره قال الزهري وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من أمره صلى الله عليه وسلم (قال الحافظ) وهذه الزيادة التي في آخره من قول الزهري وقعت مدرجة عند مسلم من طريق الليث عن الزهري ولفظه "حتى بلغ الكديد أفطر وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره" وأخرجه من طريق سفيان عن الزهري بهذا الإسناد مثله، قال سفيان لا أدري من قول من هو، يعني قوله وإنما يؤخذ بالآخر من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي هذه الرواية التصريح بأن سقيان أجاب بقوله "لا أدري" قال الحافظ ثم أخرجه "يعني مسلمًا" من طريق معمر ومن طريق يونس كلاهما عن الزهري، وبينا أنه من قول الزهري، وبذلك جزم البخاري في الجهاد، وظاهره أن الزهري ذهب إلى أن الصوم في السفر منسوخ ولم يوافق على ذلك أهـ (تخريجه)(ق)(تنبيه) ما روي عن ابن عباس في هذا الباب من مرسلات الصحابة، لأن ابن عباس كان في هذه السفرة مقيمًا مع أبويه بمكة فلم يشاهد هذه القصة، فكأنه سمعها من غيره من الصحابة، حكاه الحافظعن القابمي.
(174)
عن أبى سعيد الخدري (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا عبد الصمد حدثني أبى ثنا الجريري عن أبى نضرة عن أبى سعيد الخدري - الحديث" (غريبة)(2) الظاهر أن هذا النهر هو في الموضع المسمي بكديد إن كان هذا المفر في غزوة الفتح، وإن كان في غيرها فالله أعلم بمكانه لأنه لم يبين الجهة المقصود بالمفر في هذا الحديث، وله طريق ثان عند الإمام أحمد لم يبين فيه الجهة أيضًا ولفظه عن أبى سعيد، قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فمررنا بنهر فيه ماء من ماء السماء والقوم صيام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشربوا فلم يشرب أحد، فشرب رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وشرب القوم (3) يعني إني أيسركم مشقة، ثم بين ذلك بقوله إني راكب
-[حجة القائلين بجواز فطر المسافر في يوم نوي صيامه من الليل والخلاف في ذلك]-
راكب فأبوا (1) قال فثني رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم) فخذه فنزل فشرب وشرب الناس وما كان يريد أن يشرب (2).
(1) إنما أبوا عن الشرب لأنهم لم يروه شرب فلما علم صلى الله عليه وسلم منهم ذلك نزل فشرب اشفاقًا عليهم وتيسير الهم، وفيه أنه يشرع لمن مع المسافرين من إمام أو عالم أن يفطر ليقتدي به الناس وإن لم يكن محتاجًا إلى الإفطار لا تقدم (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وسنده جيد (الأحكام) أحاديث الباب تدل على أن للمسافر أن يفطر في أثناء النهار ولو استهل رمضان في الحضر، وأحاديث الباب نص في الجواز إذ لا خلاف أنه صلى الله عليه وسلم استهل رمضان في عام غزوة الفتح وهو بالمدينة ثم سافر في أثنائه كماي ستفاد ذلك من حديث ابن عباس المذكور أول الباب أنه صلى الله عليه وسلم خرج لعشر مضين من رمضان، ورواه البخاري أيضًا في المغازي كذلك، ووقع في مسلم من حديث أبى سعيد اختلاف من الرواة في ضبط ذلك، والذي اتفق عليه أهل السير أنه خرج من عاشر رمضان ودخل مكة لتسع عشرة ليلة خلت منه (وفيها أيضًا) دليل على أنه يجوز للمسافر أن يفطر بعد أن نوي الصيام من الليل (وهو قول الجمهور) وقطع به أكثر الشافعية (قال الحافظ) وهذا كل فيما لما نوي الصوم في السفر، فأما لو نوي الصم وهو مقيم ثم سافر في أثناء النهار فهل له يفطر في ذلك النهار؟ يمنعه الجمهور (وقال أحمد وإسحاق) بالجواز، واختاره الزني أهـ (قلت للحنابلة في ذلك روايتان) قال في الشرح الكبير على المقنع إذا سافر في أثناء يوم من رمضان فهل له فطر ذلك اليوم؟ فيه روايتان: أصححهما جواز الفطر، وهو قول عمرو بن شرحبيل والشعبي، وإسحاق وداود وابن المنذر (والثانية) لا يباح له فطر ذلك اليوم وهو قول مكحول، والزهري ويحيي الأنصاري (ومالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي) لأن الصوم عبادة تختلف بالحضر والسفر فإذا اجتمعا فيها غلب حكم الحضر كالصلاة (قال) ولنا ما روي عبيد بن جبير، قال ركبت مع أبي بصرة الغفاري في سفينة من الفسطاط في شهر رمضان فدفع ثم قرب غداء فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة ثم قال اقترب، قلت ألست تري البيوت؟ قال أبو بصرة أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه أبو داود (قلت والإمام أحمد وسيأتي في الباب التالي) قال ولأنه أحد الأمرين المنصوص عليهما في إباحة الفطر فإذا وجد في أثناء النهار إباحة كالمرض، وقياسهم على الصلاة لا يصح، فإن الصوم يفارق الصلاة، لأن الصلاة يلزم إتمامها بنيتها بخلاف الصوم، إذا ثبت هذا فإنه لا يباح
-[حجة القائلين بجواز فطر من عزم على السفر قبل مفارقة بيته والجمهور على خلافه]-
(3)
باب متى يفطر المسافر إذا خرج ومقدار المسافة التي تبيح له الفطر
(175)
عن عبيد بن جبير (1) قال ركبت مع أبى بصرة (الغفاري رضي
له الفطر حتى يخلف البيوت وراء ظهره ويخرج من بين بنيانها (وقال الحسن) يفطر في بيته إن شاء يوم يزيد الخروج (وروي نحوه عن عطاء) قال ابن عبد البر قول الحسن قول شاذ وقد روي عنه خلافه، ووجهه ما روي محمد بن كعب قال أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفر وقد رحلت له راحلته ولبس ثياب السفر فدعا بطعام فأكل فقلت له سنة؟ قال سنة ثم ركب، رواه الترمذي وقال حديث حسن، ولنا قوله تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وهذا شاهد ولا يوصف بكونه مسافرًا حتى يخرج من البلد؛ ومهما كان في البلد فله أحكام الحاضرين ولذا لا يقصر الصلاة، فأما أنس فيحتمل أنه كان برز من البلد خارجًا منه فاتاه محمد ابن كعب في ذلك المنزل أهـ والله أعلم.
(175)
عن عبيد بن جبير (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا عتاب قال ثنا عبد الله قال ثنا سعيد بن يزيد عن يزيد بن أبى حبيب عن كليب بن ذهل عن عبيد ابن جبير قال ركبت مع أبى بصر - الحديث" (غريبة) (1) جاء في الأصل "عن عبيد بن حنين" بحاء مهملة ونونين مصغرًا، وعبيد بن حنين هذا هو أبو عبد الله المدني يروي عن أبى موسي وزيد بن ثابت وقتادة بن النعمان وعنه سالم أبو النضر وأبو الزناد كذا في الخلاصة، ولم يثبت أنه روي عن أبى بصرة الغفاري، وإنما الذي روي عنه هو عبيد بن جبير أو جبر على ما في النسخ من الاختلاف في اسم أبية لأنه كان مولى لأبي بصرة وهو الذي روي عنه هذا الحديث كما في سنن أبى داود والبيهقي والدرامي (وفي الخلاصة) عبيد بن جبر بفتح الجيم الغفاري أبو حفص المصري عن مولاه أبى بصرة وعنه كليب بن ذهل (وفي التقريب) عبيد بن جبير بالجيم والموحدة القبطي مولي أبى بصرة يقال كان من بعث به المقوقس مع مارية، فعلى هذا فله صحبه قد ذكره يعقوب بن سفيان في الثقات (وفي الميزان) عبيد بجبير بضم الجيم كما في التقريب: فثبت بهذا أن لفظ حنين الموجود في المسند خطأ وتحريف نشأ من الناسخ، وإنما أثبت بدله لفظ جبير بضم الجيم ولم أثبت جبر لأمرين (أحدهما) أنه جاء في التقريب والميزان والدرامي بلفظ جبير بضم الجيم (ثانيهما) أن لفظ جبير قريب في الرسم من لفظ حنين فظنه الناسخ حنينًا
-[حجة القائلين بجواز فطر المسافر قبل مجاوزة العمران]-
الله عنه) من الفسطاط (1) من الفسطاط (1) إلى الإسكندرية في سفينة فلما دفعنا من مراسانا أمر بسفرته (2) فقربت ثم دعاني إلى الغداء وذلك في رمضان، فقلت يا أبا بصرة والله ما تغيبت عنها منازلنا بعد، (3) فقال أترعب عن سنة رسول الله (صلى عليه وعلى آله وصحبه وسلم؟ (4) قلت لا، قل فكل، فلم نزل مفطرين حتى بلغنا ما حوزنا (وعنه من طريق ثان)(6) قال ركبت مع أبى بصرة السفينة وهو يريد الإسكندرية فذكر الحديث.
(176)
عن منصور الكلبي عن دحية بن خليفة رضي الله عنه أنه خرج من قريته (7) إلى قريب من قرية عقبة في رمضان ثم إنه أفطر وأفطر
فأثبته كذلك والله أعلم (1) بضم الفاء وكسرها فسكون السين المهملة، المدينة التي فهيا مجمع الناس، ويقال لمصر والبصرة الفسطاط قاله السندي، وقال الشوكاني هو اسم علم لمصر االتي بناها عمرو بن العاص أهـ (2) هي في الأصلى الطعام الذي يصنع للمسافر وتطلق على ما يوضع فيه الطعام مجازا وبجمع على سفر كغرفة وغرف (والغداء) بالدال المهملة هو الطعام الذي يؤكل أول النهار (3) يعني أتأمرنا بالطعام قيل مجاوزة البيوت؟ وإنما قال ذلك مستغربًا لظنه أن الفطر لا يجوز للمسافر قبل مجاوزة العمران (4) أي لا تتنح عن الأكل فإن فيه إعراضًا عن إتباع سنة رسو الله صلى الله عليه وسلم وإذا نسب الصحابي أي عمل إلى السنة كان من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان له حكم الحديث المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم (5) أي الموضع الذي ضمّا وأردنا السفر إليه والتحوز والتحيز والانحياز بمعني وهو الانضمام إلى الشيء (6)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا يحيي بن غيلان قال ثنا المفضل قال ثنا عبد الله بن عياش عن يزيد بن أبى حبيب عن كليب بن ذهل الحضرمي عن عبيد بن جبير قال وكبت مع أبى بصرة الحديث (تخريجه)(د. هق. مي).
(176)
عن منصور الكلبي (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى قال ثنا حجاج ويونس قالا ثنا الليث قال حدثني يزيد بن أبى حبيب عن أبى الخير عن منصور الكلبي - الحديث" (غريبة)(7) أي القرية التي كان يسكنها دحية بن خليفة
-[بيان مقدار المسافة التي تبيح الفطر للمسافر]-
معه ناس (1) وكره آخرون أن يفطروا، قال فلما رجع إلى قريته قال والله لقد رأيت اليوم أمرًا ما كنت أظن أن أراه (2)، إن قومًا رغبوا عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ يقول ذلك للذين صاموا، ثم قال عند ذلك اللهم اقبضني إليك
واسمها مزة بكسر الميم وتشديد الزاي، وهي قرية كبيرة في سفح الجبل في وسط بساتين من أعلى دمشق، بينها وبين دمشق نحو فرسخ، ويقال لها مزة كلب وهي عجيمة (ودمشق) بكسر أوله وفتح ثانية وسكون ثالثة قاعدة الشام، سميت باسم بانيها ده مشاق بن كنعان (وظاهر قوله إلى قرية عقبة) أن عقبة قرية بالشام، سميت باسم بانهياد مشاق بن كنعان (وظاهر قوله إلى قرية عقبة) أن عقبة قرية بالشام قريبة من قرية دحية وليس كذلك، لأني لم أجد في معجم البلدان قرية بالشام مسماة بهذا الاسم، وقد جاء هذا الحديث في سنن أبى داود بأوضح من هذا ولفظه بعد ذكر السند (عن منصور الكلبي أن دحيه بن خليفة خرج من قرية من دمشق مرة على قدر قرية عقبة من الفسطاط وذلك ثلاثة أميال في رمضان، ثم إنه أفطر وأفطر معه ناس الحديث- ومعلوم أن الفسطاط علم وضع على مصر العتيقة التي بناها عمرو بن العاص كما تقدم في شرح الحديث السابق، فعلى هذا يكون، معني قوله "إلى قرية من قرية عقبة" أن المسافة التي بين القرية التي خرج دحيه منها وبني المحل الذي انتهي سيرة إليه كالمسافة التي بين مصر العتيقة وبين قرية عقبة، وهي قرية من ضواحي مصر، ولعلها المعروفة الآن بمنية عقبة والله أعلم (1) أي لكونه يري أن هذه المسافة ترخص للصائم الفطر (قال الخطابي) يحتمل أن يكون دحية إنما صار في ذلك إلى ظاهر اسم السفر وقد خالفه غير واحد من الصحابة فكان ابن عمر وابن عباس لا يريان القصر والإفطار في أقل من أربعة برد وهما أفقه من دحيه وأعلم بالسنة أهـ (2) إنما أنكر دحيه رضي الله عنه على من صام لكونه رأي من قرائن الأحوال أنهم لم يصوموا بقصد أن الصوم عزيمة، بل هو إعراض عن رخصة الإفطار في السفر، ويحتمل أنه يري أن الفطر واجب بالسفر والله أعلم (تخريجه)(د. هق. طح) قال الخطابي ليس الحديث بالقوي وفي إسناده رجل ليس بالمشهور، ولعله يشير بذلك إلى منصور الكلبي فإن رجال الإسناد جميعهم ثقات يحتج بهم في الصحيح سواه، وقال فيه ابن المديني مجهول ولكن وثقه العجلي والله أعلم (زوائد الباب) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان إلى حنين والناس مختلفون فصائم ومفطر، فلما استوي على راحلته دعا بإناء من لبن أو ماء فوضعه على راحلته أو راحته ثم نظر الناس المفطرون للصوام أفطروا، أورده صاحب المنتفي وقال رواه البخاري، ثم قال قال شيخنا عبد القادر صوابه
-[زوائد الباب ومذاهب الأئمة في الوقت الذي يفطر فيه من أراد سفرًا]-
.....
خيبر أو مكة (يعني بدل قوله حنين) لأنه صلى الله عليه وسلم قصدهما في هذا الشهر، فأما حنين فكانت بعد الفتح بأربعين ليلة أهـ والفتح كان لعشر بقين من رمضان كما تقدم في حديث ابن عباس في الباب السابق (قال الحافظ) وهو الذي اتفق عليه أهل السير، وكان خروجه من المدينة في عاشر شهر رمضان فإذا كانت حنين بعده بأربعين ليلة لم يستقم أن يكون السفر إليها في رمضان (وعن محمد بن كعب) قال أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفرًا وقد رحلت له راحلته ولبس ثياب السفر فدع بطعام فأكل فقلت له سنة؟ فقال سنة، ثم ركب" أورده الحافظ في التلخيص، وقال رواه الترمذي، وسكت عنه الحافظ، وفي إسناده عبد جعفر والد على بن المديني وهو ضعيف (وعن نافع ان ابن عمر) رضي الله عنهما كان يخرج إلى الغابة فلا يفطر ولا يقصر (د. هق) الغابة موضع قريب من المدينة من ناحية الشام فيه أموال لأهل المدينة على بريد منها، وكأن ابن عمر كان لا يري الفطر ولا قصر الصلاة في هذه المسافاة (وعن ابن عباس) رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا غزوة الفتح في رمضان وصام حتى إذا بلغ الكديد الماء الذي بين قديد وعسفان، فلم يزل مفطرًا حتى انسلخ الشهر، أورده صاحب المنتقي وعزاه للبخاري، قال ووجه الحجة منه أن الفتح كان لعشر بقين من رمضان هكذا جاء في حديث متفق عليه أهـ (الأحكام) حديث ابى بصرة المذكور في أول الباب مع حديث أنس المذكور في الزوائد من رواية محمد بن كعب عنه يدلان على أنه يجوز للمسافر أن يفطر قبل خروجه من الموضع الذي أراد السفر منه، قال ابن العربي في العارضة هذا صحيح ولم يقل به إل أحمد، أما علماؤنا فمنعوا منه، لكن اختلفوا إذا أك هل عليه كفارة، فقال مالك، وقال أشهب هو متأول، وقال غيرهما يكفّر ونحب أن لا يكفر لصحة الحديث، قال وأما حديث أنس فصحيح يقضتي جواز الفطر مع أهبة السفر، ثم ذكر أن قوله من السنة لا بد من أن يرجع إلى التوقيف، والخلاف في ذلك معروف في الأصول أهـ (قال الشوكاني) والحق أن قول الصحابي من السنة يتصرف إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وقد صرح هذان الصحابيان بأن الإفطار للمسافر قبل مجاوزة البيوت من السنة أهـ (وقال الخطابي) في المعالم عقب ذكر حديث أبى بصرة فيه حجة لمن رأي للمقيم الصائم إذا سافر من يومه أن يفطر وهو قول الشعبي وإليه (ذهب أحمد بن حنبل) وعن الحسن أنه قال يفطر إن شاء في بيته يوم يريد أن يخرج (وقال إسحاق بن راهوية) إذا وضع رجله في الرحل فله أن يفطر، وحكاه عن أنس بن مالك وشبهوه بمن أصبح صائمًا ثم مرض في يومه فإن له أن يفطر من أجل المرض، قالوا وكذلك من أصبح صائمًا ثم سافر لأن كل واحد من الأمرين سبب للرخصة حدث بعد مضي شيء من النهار "قلت" السفر لا يشبه المرض لأن السفر من
فارغة في الأصل
فارغة في الأصل
فارغة في الأصل
فارغة في الأصل
-[مذاهب الأئمة في مقدار المسافة التي تبيح الفطر للصائم- وإلى متى يستمر مفطرًا]-
.....
فعله وهو الذي ينشئه باختياره والمرض شيء يحدث عليه لا باختياره فهو يعذر فيه، ولا يعذر في السفر الذي هو فعل نفسه، ولو كان في الصلاة فمرض كان له أن يصلي قاعدًا، ولو سافر وهو مصل لم يكن له أن يقصر (وقال أصحاب الرأي) لا يفطر إذا سافر يومه ذلك وهو قول (مالك والأوزاعي والشافعي) وروي ذلك عن النخعي ومكحول والزهري (قلت) وهذا أحوط الأمرين، والإقامة إذا اختلط حكمها بحكم السفر غلب حكم المقام أهـ (وقال صاحب بذل المجهود) هذا الحديث بخالف مذهب الحنفية وأجابوا عنه (أولاً) أن أبا بصرة رضي الله عنه لعله ثبت عنده أنه يجوز الإفطار سواء كان مسافرًا أو مقيمًا إذا نوي الصوم الليل بنوع اجتهاد وإلا فلا نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (وثانيًا) أنه يمكن أن يقال إن أبا بصرة كان مقيمًا في فسطاطه فخرج منها ليلاً قبل الصبح ولم ينو الصوم فصار مسافرًا فجاز له الإفطار لما فارق بيوت مصر من الجهة التي ركب فيها السفينة أهـ بتصرف (وحديث دحية بن خليفة) الثاني من حديثي الباب يدل على جواز الفطر للمسافر في مسافة ثلاثة أميال فأكثر (وإلى هذا ذهبت الظاهرية) بل قال ابن حزم وهو منهم يجوز الفطر لمن سافر ميلا واحدًا (وقال الخطابي) في هذا "يعني حديث دحية) حجة لمن لم يحد السفر الذي يترخص فيه الإفطار بحد معلوم ولكن يراعي الاسم ويعتمد الظاهر، وأحسبه قول داود وأهل الظاهر، فأما الفقهاء فإنهم يلا يرون الإفطار إلا في السفر الذي يجوز فيه القصر وهو عند أهل العراق ثلاثة أيام، وعند أهل الحجاز ليلتان أو نحوهما، وليس الحديث بالقوي، وفي إسناده رجل ليس بالمشهور، ثم إن دحيه لم يذكر فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفطر في قصير السفر، إنما قال إن قومًا رغبوا عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعلهم إنما رغبوا عن قبول الرخصة في الإفطار أصلاً، وقد يحتمل أن يكون دحيه إنما صار في ذلك إلى ظاهر اسم السفر وقد خالفه غير واحد من الصحابة، فكان ابن عمر وابن عباس لا يريان القصر والإفطار في أقل من أربعة يرد، وهما أفقه من دحية وأعلم بالسنة أهـ (فائدة) اتفق العلماء على أن كل سف رمبيح لقصر الصلاة فهو مبيح لفطر الصائم، وتقدم الكلام على ذلك مستوي في الأحكام في آخر باب مسافة القصر صحيفة 106 في الجزء الخامس من كتاب الصلاة فارجع إليه إن شئت (وفي حديث ابن عباس) الأخير من الزوائد دلالة على أن المسافر إذا أقام ببلد مترددًا جاز له أن يفطر مدة تلك الإقامة كما يجوز له أن يقصر، وتقدم في صحيفة 109 في أحكام باب مسافة القصر المشار إليه آنفًا أن من حط رحله في بلد وأقام به يتيم صلاته لأن مشقة السفر قد زالت، ولا يقصر إلا إلى مقدار المدة التي قصر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع إقامته، وكذا يقال فيمن كان مقيمًا ببلد وفي عزمه السفر
-[وضع الصوم عن المسافر والحامل والمرضع]-
(4)
باب ما جاء في حكم الصيام للمريض والكبير والحامل والمرضع
(177)
عن أنس بن مالك رجل من بني عبد الله بن كعب (زاد في رواية وليس بالأنصاري)(1) قال أغارت علينا (2) خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم (وفي لفظ أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبل لجاري أخذت)(3) فأتيته وهو يتغدي فقال أدن فكل قلت إني صائم، قال أجلس أحدثك عن الصوم أو الصيام (4) إن الله عز وجل وضع عن المسافر شطر (5) الصلاة، وعن المسافر، والحامل والمرضع (6) الصوم أو الصيام، والله لقد قال
يفطر مثل المدة التي أفطرها النبي صلى الله عليه وسلم، بمكة وهي عشرة أيام أو أحد عشر يومًا على اختلاف الروايات فيقتصر على ذلك، ولا يجوز الزيادة عليه إلا بدليل والله أعلم.
(177)
عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا وكيع ثنا أبو هلال عن عبد الله بن سواه عن أنس بن مالك- الحديث (غريبة)(1) يعني أنه غير أنس بن مالك الأنصاري الصحابي المشهور خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الحافظ في الإصابة) أنس بن مالك الكعبي القشيري أبو أمية وقيل أبو أميمه وقيل أبو مية، نزل البصرة وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثنا في وضع الصيام عن المسافر وله معه فيه قصة، أخرجه أصحاب السنن وأحمد وصححه الترمذي وغيره، ووقع فيه عند ابن ماجه "أنس بن مالك رجل من بني عبد الأشهل- وهو غلط) وفي رواية لأبي داود عن أنس بن مالك رجل من بني عبد الله بن كعب أخوه قشير لا من قشير، وهذا هو الصواب؛ وبذلك جزم البخاري في ترجمته، وعلى هذا فهو كعبي القشيري، ولأن قشيرًا هو ابن كعب ولكعب ابن اسمه عبد الله فهو من أخوه قشير لا من قشير نفسه، وقد تعقب الرشاطي قول ابن عبد البر فيه القشيري ويقال الكعبي وكعب أخوه قشير، فإن كعب والد قشير لا أخوه والله أعلم أهـ (2) أي على قومنا لأنه رضي الله عنه كان مسلمًا من قبل الإغارة والنهب (3) يعني أغارت عليها الفرسان (4) أو للشك من الراوي هل قال الصوم أو الصيام، وكذا يقال فيا سيأتي (5) أي نصف الصلاة الرباعية، وتقدم الكلام على ذلك في باب افتراض صلاة السفر وحكمها صحيفة 92 في الجزء الخامس، وتقدم الكلام على وضع الصيام عن المسافر قريبًا (6) أي إذا خافتا على الجمل أو الرضيع أو على أنفسهما وهل يقضيان أم لا؟ سيأتي الكلام على ذلك في الأحكام
-[ثبوت صيام رمضان على الصحيح المقيم والترخيص فيه للمريض والمسافر وثبوت لإطعام للعاجز]-
رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاهما أو أحدهما (1) فيا لهف نفسي (2) هلا كنت طعمت من طعام رسول الله صلى ل اله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم.
(178)
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه من حديث طويل تقدم في باب الأحوال التي عرضت للصيام رقم 31 صحيفة 239 من الجزء التاسع قال "ثم إن الله عز وجل أنزل الآية الأخرى "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن- إلى قوله- فمن شهد منكم الشهر فليصمه" قال فاثبت الله صيامه على المقيم الصحيح ورخص فيه للمريض والمسافر (3)، وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام
(1) أي قال الحامل والمرضع كلاهما أو أحدهما (2) يتأسف الصحابي رضي الله عنه على فوته الأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال أدن فكل (تخريجه)(الأربعة وغيرهم) وحسنه الترمذي وسكت عنه أبو داود، ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره.
(178)
عن معاذ بن جبل (سنده) تقدم في الباب المشار إليه في المتن (غريبة)
(3)
يشير إلى قوله تعالى "ومن كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام آخر"(4) لم يبين كيفية الإطعام في هذه الرواية، وقد جاء في رواية عن ابن عباس أنه قال رخص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم كل يوم مسكينًا ولإقضاء عليه، رواه الدارقطني والحاكم وصححاه، وسيأتي الكلام على قدر إطعام المسكين في الأحكام والخلاف في ذلك والله أعلم (تخريجه)(د. هق. وغيرهم) وتقدم الكلام عليه في باب الأحوال التي عرضت للصيام الذي تقدمت الإشارة إليه (زوائد الباب) عن سلمه بن الأكوع رضي الله عنه، قال لما نزلت هذه الآية (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين) كان من أراد أن يفط ويفتدي حتى أنزلت الآية التي بعدها فنسختا (ق. والأربعة) قوله (فديه طعام) قريء بإضافة فدية إلى طعام بالتنوين ومساكين بالجمع، أي جمع مسكين، وهي قراءة أهل المدينة والشام إفادة القرطبي في تفسيره، قال وقرأ ابن عباس طعام مسكين بالإفراد فيما ذكر البخاري، وأبو داود والنسائي عن عطاء، عنه وهي قراءة حسنه، لأنها بيت الحكم في اليوم
-[زوائد الباب وكلام العلماء في المراد بقوله تعالى "وعلى الذين يطيقونه الخ"]-
.....
واختارها أبو عبيد وهي قراءة أبى عمرو وحمزة والكسائي، قاله أبو عبيد فبينت أن لكل يوم إطعام واحد، قالوا الواحد مترجم عن الجميع وليس الجميع بمترجم عن الواحد أهـ (وعن عطاء) سمع ابن عباس يقرأ وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين، قال ابن عباس ليست بمنسوخة، هي للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينًا، رواه البخاري (فإن قيل) كيف يقرأ ابن عباس "وعلى الذي يطيقونه" ثم يفسرها بأنها للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما، مع أنه قوله لا يستطيعان أن يصوما ينافي قوله تعالى وعلى الذين يطيقونه (فالجواب) يحتمل أن يكون مراد ابن عباس والله أعلم أن ذلك من مجاز الحذف كما روي عن بعض العلماء، والأصل وعلى الذين لا يطيقونه، وقد روي عن ابن عباس أنه كان يقرأ "وعلى الذين يطوقونه" أي يكلفونه ولا يطبقونه هو المناسب لآخر الكلام والله أعلم (وعن عكرمة) أن ابن عباس قال أثبتت للحبلي والمرضع، رواه أبو داود (وعن قتادة) أن أنسا ضعف عن الصوم قبل موته عامًا فأفطر وأطعم عن كل يوم مسكينًا، (طب) ورجاله رجال الصحيح (وعن أيوب) بن أبى تميمة، قال ضعف أيوب عن الصوم فصنع جفنه من تريد فدعا ثلاثين مسكينًا فأطعمهم، رواه أب يعلي ورجاله رجال الصحيح (وعن مجاهد) أن قيس بن السائب كبر حتى مرت به ستون عن المائة وضعف عن الصيام فأطعم عنه (وفي رواية) سمعت قيس ابن السائب يقول إن شهر رمضان يفتديه الإنسان يطعم فيه كل يوم مسكينًا فأطعموا أعني مسكينًا لكل يوم صاعا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم شريكًا لي في الجاهلية فخير شريك لا يماري ولا يساري (طب) ورجاله ثقات (الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد تدل على جواز الفطر للمسافر والمريض والشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام والحبلي والمرضع، (أما المسافر والمريض) فقد ثبت جواز فطرهما أيضًا ووجوب القضاء عليهما بكتاب الله عز وجل (وأما الشيخ الكبير) والحامل والمرضع فالمرجع في أمرهم إلى قوله عز وجل "وعلى الذين يطبقونه فديه طعام مسكين" وقد اختلف العلماء في المراد بالآية فقيل هي منسوخة لما رواه البخاري بسنده عن ابن أبى ليلي حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نزل رمضان فشق عليهم فكان من أطعم كل يوم مسكينًا ترك الصوم ممن يطيقه ورخص لهم في ذلك ورخص لهم في ذلك فنسختها "وأن تصوموا خير لكم" وعلى هذا قراءة الجمهور يطيقونه أي يقدرون عليه، لأن فرض الصيام هكذا خير لكم" وعلى هذا قراءة الجمهور يطيقونه أي يقدرون عليه لأن فرض الصيام هكذا من أراد صام ومن أراد أطعم مسكينًا، ترك الصوم ممن يطيقه ورخص لهم في ذلك فنسختها "وأن تصوموا خير لكم" وعلى هذا قراءة الجمهور يطيقونه أي يقدرون عليه، لأن فرض الصيام هكذا من أراد صام ومن أراد أطعم مسكينًا، وقال ابن عباس نزلت هذه الآية رخصة للشيوخ والعجزة خاصة إذا أفطروا وهم يطيقون الصوم ثم نسخت بقوله "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" فزالت الرخصة إلا لمن عجز منهم (قال الفرا) الضمير في يطيقونه يجوز أن
-[كلام العلماء في قوله تعالى (وعلى الذين يطيقونه الخ) وبيان الفدية]-
.....
يعود على الصيام، أي وعلى الذين يطيقون الصيام أن يطعموا إذا أفطروا؛ ثم نسخ بقوله (وأن تصوموا) ويجوز أن يعود على الفداء، أي وعلى الذين يطيقون الفداء فدية اهـ وأما قراءة يطوفونه) على معني يكلفونه مع المشقة اللاحقة لهم كالمريض والحامل فإنهما يقدران عليه لكن بمشقة تلحقهم في أنفسهم فإن صاموا أجزأهم وأن افتدوا فلهم ذلك وثبتت هذه القراءة عن ابن عباس فقد روي البخاري بسنده عن عطاء سمع ابن عباس يقول (وعلى الذين يطوقونه) بضم المثناة التحتية وفتح الواو المشددة بالبناء للمفعول (فدية طعام مسكين) قال ابن عباس ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينًا أهـ وروي أبو داود بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) قال كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصوم أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينًا، والحبلي والمرضع إذا خافتا، قال أبو داود يعني على أولادهما أفطرتا وأطعمتا وأخرج الدارقطني بإسناد صحيح، وأخرجه البزار كذلك وزاد في آخره "وكان ابن عباس يقول لأم ولدله حبلي أنت بمنزله الذي لا يطيقه فعليك الفداء ولا قضاء عليك" وصحح الدارقطني إسناده، وروي عنه الدارقطني أيضًا بسند صحيح، قال رخص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينًا ولا قضاء عليه (وفي حديث معاذ) الثاني من حديثي الباب "وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام" وفي الزوائد مثل ذلك من الأحاديث والآثار المروية عن كثير من الصحابة بأسانيد صحيحة، إذا علمت هذا فقد ثبت بالأسانيد الصحاح عن ابن عباس أن الآية ليست بمنسوخة وأنها محكمة في حق الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة، والحامل، والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أولادهما، فأما في حق غيرهم فهي منسوخة، يؤيد ذلك ما رواه أبن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس، قال نزلت هذه الآية وعلى الذين يطيقونه، فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينًا، ثم نزلت هذه الآية "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" فنسخت الأولى إلا الفاني إن شاء أطعم عن كل يوم مسكينًا وأفطر (وقد أجمعت الأئمة) على أن المشايخ والعجائز الذين لا يطيقونه الصيام أو يطيقونه على مشقة شديدة أن يفطروا (واختلفوا فيما عليهم، فقال ربيعة ومالك لا شيء عليهم غير أن مالكًا، قال لو أطعموا عن كل يوم مسكينًا كان أحب إلى، وقال أنس وابن عباس وقيس بن السائب وأبو هريرة عليهم الفدية وهو قول (الشافعي، وأصحاب الرأي وأحمد وإسحاق) إتباعًا لقول الصحابة رضي الله عنهم وقوله تعالى (فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر) ثم قال "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين" وهؤلاء ليسوا بمرضي ولا مسافرين فوجبت عليهم الفدية
-[اختلاف المذاهب في حكم القضاء والفدية للحامل والمرضع ومقدارها]-
(5)
باب قضاء الصوم عن رمضان ووقته
(179)
عن أبى هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أدرك رمضان (1) وعليه من رمضان شيء لم يقضه لم يتقبل منه، ومن صام
والدليل لقول مالك أن هذا مفطر لعذر موجود فيه وهو الشيخوخة والكبر فلم يلزمه إطعام كالمسافر والمريض، وروي هذا عن (الثوري ومكحول) واختاره ابن المنذر (وذهب) الحسن البصري وعطاء بن أبى رباح، والضحاك والنخعي، والزهري وربيعة والأوزاعي، وأصحاب الرأي، إلى أن الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو ولدهما يفطران ولا إطعام عليهما بمنزلة المريض يفطر ويقضي، وبه قال أبو عبيد وأبو ثور وحكي ذلك أبو عبيد عن أبى ثور واختاره بن المنذر (وهو قول مالك (في الحبلي إذا أفطرت، فأما الموضع إن أفطرت فعليها القضاء والإطعام (وقال الشافعي وأحمد) يفطران ويقضيان إن خافتا على أنفسهما فقط أو مع ولدهما، أما إن خافتا على الولد فقط فعليهما القضاء والفدية لكل يوم مد؛ أما وجوب القضاء فلأن حالهما لا ينقص عن حال المريض، وأما وجوب الفدية فلأنهما يطيقان الصوم، وقد قال الله تعالى "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين" وأخرج ابن جرير الطبري عن سعيد بن جبير عن ابن سعيد، قال إذا خافت الحامل على نفسها والمرضع على ولدها في رمضان يفطران ويطعمان مكان كل يوم مسكينًا ولا يقضيان صومًا، وبه قال ابن عمر وقتادة وعكرمة (واختلف من أوجب الفدية) على من ذكر في مقدارها (فقال مالك) مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم عن كل يوم أفطره، وبه (قال الشافعي)(وقال أبو حنيفة) كفارة كل يوم صاع ثمر أو نصف صاع بر (وروي عن ابن عباس) نصف صاع من حنطه، ذكر الدارقطني (وروي عن أبى هريرة) قال من أدركه الكبر فلم يستطع أني صوم فعليه لكل يوم مد من قمح (وقال أحمد) مدبر أو نصف صاع شعير، وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه ضعف عن الصوم عامًا فصنع جفنه من طعام ثم دعا بثلاثين مسكينًا فأشبعهم وتقدم نحوه في الزائد بسند صحيح والله أعلم.
(179)
عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة حدثنا أبو الأسود عن عبد الله بن رافع عن أبى هريرة - الحديث" (غريبة) (1) أي من أدرك رمضان الحاضر وعليه شيء من رمضان السابق لم يقضه أي فرط في صومه حتى جاء رمضان آخر "لم يتقبل من" أي صوم رمضان الأداء لأنه
-[جواز تأخير قضاء ما فات من رمضان إلى شعبان وعدم قبول التطوع قبل القضاء]-
تطوعًا وعليه من رمضان شيء لم يقضه فإنه لا يتقبل منه حتى يصومه (1)
(180)
عن عائشة رضي الله عنها قالت ما كنت أقضي ما يكون على من رمضان إلا في شعبان حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم (2)
فرط في قضاء السابق ولم يصمه قبل مجيء اللاحق، ومعني عدم القبول نفي الثواب، ويحتل نفي الكمال والحث على قضائه قبل مجيء مثله والله أعلم (1) أي لا يقبل منه صوم التطوع حتى يوم الفرض، وذلك كمن تصدق وعليه دين فإنه لا تقبل صدقته ولا يثاب عليها حتى يؤدي ما عليه من الدين (تخريجه) أورده الهيثمي، وقال رواه أحمد والطبراني في الأوسط باختصار وهو حديث حسن أهـ وكذلك حسنه الحافظ السيوطي.
(180)
عن عائشة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا عفان ثنا أبو عوانة ثنا إسماعيل السدي عن عبد الله البهي عن عائشة - الحديث" (غريبة)(2) المعني أن كل واحدة من نسائة صلى الله عليه وسلم كانت مهيأة نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم مترصدة لاستمتاعه في جميع أوقاتها إن أراد ذلك، ولا تدري متى يريده ولم تستأذنه في الصوم مخافة أن يأذن، وقد يكون له حاجة فيها فتفوتها عليه وهذا من الأدب، وإنما كانت تصومه في شعبان لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه معظم شعبان فلا حاجة له فيهن حينئذ في النهار، ولأنه إذا جاء شعبان يضيق قضاء رمضان فإنه لا يجوز تأخيره عنه (تخريجه)(ق. والأربعة، وغيرهم) زاد البخاري في آخره قال يحيي الشغل من النبي أو بالنبي صلى الله عليه وسلم (قال الحافظ) هو خبر مبتدأ محذوف تقديره المانع لها الشغل أو هو مبتدأ محذوف الخبر تقديره الشغل هو المانع لها، وفي قوله قال يحيي هذا تفصيل لكلام عائشة من كلام غيرها، ووقع في رواية مسلم مدرجًا لم يقل فيه قال يحيي، فصار كأنه من كلام عائشة أو من روي عنها، وأخرجه مسلم من طريق سليمان بن بلال عن يحيي مدرجًا أيضًا، ولفظه وذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرجه من طريق ابن جريح عن يحيي فبين إدراج، ولفظه فظننت أن ذلك لمكانها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيي بقوله، وأخرجه أبو داود من طريق مالك، والنسائي من طريق يحيي القطان، وسعيد بن منصور عن ابن شهاب وسفيان؛ والإسماعيلي من طريق أبى خالد كلهم عن يحيي بدون الزيادة، وللترمذي وابن خزيمة من طريق عبد الله البهي عن عائشة ما قضيت شيئا مما يكون عليّ من رمضان إلا في شعبان حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومما يدل على ضعف الزيادة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم لنسائه فيعدل وكان يدنو من المرأة في غير
-[زوائد الباب - وجوز قضاة رمضان متفرقًا ومجتمعًا]-
.....
نوبتها فيقبل ويملس من غير جماع فليس في شغلها بشيء من ذلك ما يمن الصوم، اللهم إلا أن يقال إنها كانت لا تصوم إلا بإذنه ولم يكن يأذن لاحتمال احتياجه إليها فإذا ضاق أذن لها، وكان هو يكثر الصوم في شعبان، فلذلك كان لا يتهيأ لها القضاء إلا في شعبان أهـ (زوائد الباب) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قضاء رمضان إن شاء فرق وإن شاء تابع، رواه الدر قطني وفي إسناده سفيان ابن بشر وقد تفرد بوصله، (قال الدارقطني) ورواه عطاه عن عبيد بن عمير مرسلاً (قال الحافظ) وفي إسناده ضعف وقد صحح الحديث ابن الجوزي، وقال ما علمنا أحدًا طعن في سفيان بن بشر (ورواه الدارقطني) أيضًا من حديث عبد الله بن عمر، وفي إسناده الواقدي وابن لهيعة، ورواه من حديث محمد بن المنكدر، قال وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن تقطيع قضاء شهر رمضان، فقال ذاك إليك أرأيت لو كان على أحدكم دين فقضي الدرهم والدرهمين ألم يكن قضاءًا والله أحق أن يعفو، وقال هذا إسناد حسن لكنه مرسل، وقد روي موصولاً ولا يثبت (وعن عائشة رضي الله عنها قالت نزلت قعده من أيام آخر متتابعات فسقطت متتابعات، رواه الدارقطني، وقال إسناده صحيح (وعن أبى إسحاق) قال قال على رضي الله عنه لا تقض رمضان في ذي الحجة ولا تصم يوم الجمعة أظنه منفردًا، ولا تحتجم وأنت صائم (هق) قال البيهقي، وروي أيضًا عن الحسن عن على رضي الله عنه في كراهية القضاء في العشر، وهذا لأنه كان يري قضاءه في إحدى الروايتين عنه متتابعًا فإذا زاد ما وجب عليه قضاؤه على تسعة أيام انقطع تتابعه بيوم النحر وأيام التشريق (وعن عثمان بن موهب) قال سمعت أبا هريرة سأل رجل، فقال أن علي رمضان وأنا أريد أن أتطوع في العشر "يعني عشر ذي الحجة" قال لا بل أبدأ بحق الله فاقضه ثم تطوع بعد ما شئت (وعن الأسود بن قيس) عن أبيه أن عمر رضي الله عنه قال ما من أيام أحب إلى أن أقضي فيها شهر رمضان من أيام العشر، رواهما البيهقي (وعن عمر رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فاته شيء من رمضان قضاه في عشر ذي الحجة، أورده الهيثمي وقال رواه (طس، طس) وفي رواية الأوسط كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يري بأسًا بقضاء رمضان في عشر ذي الحجة، وفي إسناد الأول وهذا أيضًا إبراهيم بن إسحاق الضبي وهو ضعيف (وعن ميمون بن مهران) عن ابن عباس في رجل أدركه رمضان وعلي رمضان آخر، قال يصوم هذا ويطعم عن ذاك كل يوم مسكينًا ويقضيه (هق)(وعن عبد الوهاب بن عطاء) سئل سعيد هو ابن أبى عروبة عن رجل تتابع عليه رمضانا وفرط فيما بينهما فأخبرنا عن قتادة عن صالح أبى الخليل عن مجاهد عن أبى هريرة أنه قال يصوم الذي حضر ويقضي الآخر ويطعم لكل يوم
-[مذاهب الأئمة في حكم تأخير قضاء رمضان واختلافهم في وجوب الفدية]-
.....
مسكينًا (قال وأخبرنا) عبد الوهاب أنبأ سعيد عن قيس بن سعد عن عطاء عن أبى هريرة بمثله، ورواه بن جريح عن عطاء عن أبى هريرة، وقال مدا من حنطة لكل مسكين (هق)(وعن عطاء) أنه سمع أبا هريرة قال في المريض يمرض ولا يصوم رمضان ثم يبرأ ولا يصوم حتى يدركه رمضان آخر، قال يصوم الذي حضره ويصوم الآخر ويطعم لكل ليلة مسكينًا (هق) قال البيهقي وروي هذا الحديث إبراهيم بن نافع الجلاب عن عمر بن موسي بن وجيه عن الحكم عن مجاهد عن أبى هريرة مرفوعا وليس بشيء إبراهيم وعمر متروكان، قال وروينا عن ابن عمر وأبى هريرة "الذي لم يصح حتى أدركه رمضان آخر يطعم ولا قضاء عليه" وعن الحسن وطاوس والنخعي يقضي ولا كفارة عليه وبه نقول، لقوله تعالى "فعدة من أيام آخر"(الأحكام) حديثًا الباب مع الزوائد تدل على جملة أحكام (ومنها) كراهة تأخير قضاء ما أفطره من رمضان لسفر أو مرضي أو نحو ذلك من غير عذر حتى يجيء رمضان آخر، فإن ارتكب ذلك لزمه أن يطعم عن كل يوم مسكينًا مع وجوب قضاء ما فاته (ومنها) جواز قضاء ما عليه من رمضان أن شاء متتابعا وإن شاء متفرقًا في سائر السنة (ومنها) جواز تأخير قضاء ما عليه من رمضان أن شاء متتابعًا وإن شاء متفرقًا في سائر السنة (ومنها) جواز تأخير قضاء رمضان إلى شعبان بحيث ينتهي ما عليه قبل مجيء رمضان آخر (أما كراهة تأخير قضاء رمضان) إلى مجيء رمضان آخر بغير عذر فباتفاق العلماء (وأما وجوب الإطعام والقضاء على من فعل ذلك) فقد ذهب إليه أبو هريرة وابن عباس وعطاء ب أبى رباح والقاسم بن محمد والزهري والأوزاعي، ومالك والشافعي والثوري وأحمد وإسحاق، قالوا يلزمه عن كل يوم فدية وهي مد من طعام مع القضاء إلا أن الثوري قال الفدية مدان عن كل يوم (وقال الحسن البصري وإبراهيم النخعي، وأبو حنيفة، والمزني، وداود) يقضيه ولا فديه عليه، أما إذا دام سفره ومرضه ونحوهما من الأعذار حتى دخل رمضان الثاني فإنه يصوم رمضان الحاضر ثم يقضي الأول ولا فدية عليه لأنه معذور (وإليه ذهب الشافعي) وحكاه ابن المنذر عن طاوس والحسن البصري والنخعي وحماد بن أبى سليمان والأوزاعي (ومالك وأحمد وإسحاق) ومال الشوكاني إلى عدم وجوب الفدية مطلقًا سواء أكان تأخير القضاء لعذر أم لغير عذر، قال لأنه لم يثبت في ذلك عن النبي (صلى الله عليه) شيء، وأقوال الصحابة لا حجة فيها، وذهاب الجمهور إلى قول لا يدل على أنه الحق، والبراءة الأصلية قاضية بعدم وجوب الاشتغال بالأحكام التكليفية حتى يقوم الدليل الناقل عنها ولا دليل ههنا، فالظاهر عدم الوجوب أهـ (وقد اختلف القائلون بوجود الفدية) هل يسقط القضاء بها أم لا؟ فذهب الأكثر منهم إلى أنه لا يسقط، وقال ابن المنذر قال ابن عباس وابن عمر وسعيد بن جبير وقتادة يصوم رمضان الحاضر ويفدي عن الغائب ولا قضاء عليه أهـ والخلاف في
-[اختلاف العلماء في حكم تعريف قضاء رمضان وتتابعه]-
.....
مقدار الفدية هنا كالخلاف في مقدارها في حق الشيخ العاجز عن الصوم وقد تقدم ذلك (وأما جواز تفريق قضاء رمضان واستحباب تتابعه) فهو مروي عن جمع من الصحابة منهم على بن أبى طالب، ومعاذ بن جبل، وابن عباس وأنس وأبو هريرة رضي الله عنهم وبه قال الأوزاعي، والثوري (وأبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد) وإسحاق وأبو ثور (وذهب ابن عمر) وعائشة والحسن البصري وعروة بن الزبير والنخعي وداود الظاهري إلى أن يجب التتابع، إلا أن داود قال هو واجب ليس بشرط (احتج الأولون) بحديث ابن عمر الأول من أحاديث الزوائد وإن كان في إسناده سقيان بن بشر تكلم فيه بعضهم، لكن صححه ابن الجوزي، وقال ما علمنا أحدًا طعن في سفيان بن بشر (واحتجوا أيضًا) بحديث عائشة الثاني من أحاديث الزوائد بلفظ "نزلت قعدة من أيام أخر متتابعات" فسقط متتابعات، وصححه الدارقطني (وفي الباب) عن أبى عبيدة، ومعاذ بن جبل، وأنس وأبى هريرة، ورافع بن خديج، أخرجها البيهقي، وهذه الطرق وإن كانت كل واحدة منها لا تخلو من مقال فبعضها يقوي بعضًا فتصلح للاحتجاج بها على جواز التفريق (واحتج القائلون بوجوب التتابع) بما أخرجه الدارقطني أنه صلى الله عليه وسلم قال "من كان عليه صوم من رمضان فليسرده ولا يقطعه" لكنه قال البيهقي لا يصح، وفي إسناده عبد الرحمن بن إبراهيم القاضي وهو مختلف فيه، قال الدارقطني ضعيف، وقال أبو حاتم ليس بالقوي روي حديثًا منكرًا، قال عبد الحق يعني هذا، وتعقبه ابن القطان، بأنه لا ينص عليه فلعله غير، غيره، قال ولم يأت من ضعفه بحجة والحديث حسن، قال الحافظ قد صرح به أبن أبى حاتم عن أبيه بأنه أنكر هذا الحديث بعينه على عبد الرحمن أهـ وروي عبد الرازق بإسناده عن ابن عمر أنه قال يقضيه تباعًا (قال الشوكاني) وحكاه في البحر عن النخعي والناصر وأحد قوله الشافعي وتمسكوا بالقراءة المذكورة أعني قوله "متتابعات" قال في الموطأ هي قراءة أبى ابن كعب، وأجيب عن ذلك بما تقدم عن عائشة أنها سقطت، على أنه قد اختلف في الاحتجاج بقراءة الآحاد كما تقرر في الأصول، وإذا سلم أنها لم تسقط فهي منزلة عند من قال بالاحتجاج بها منزلة أخبار الآحاد وقد عارضها ما في الباب من الأحاديث (وقال القاسم بن إبراهيم) أن فرق أساء وأجزأ أهـ وحكي صاحب البيان عن الطحاوي أنه قال التتابع والتفريق سواء ولا فضيلة في التتابع (وأما جواز قضاء رمضان في جميع السنة)"يعني غير رمضان الثاني وأيام العيد والتشريق ولا كراهة فيما سوي ذلك سواء ذو الحجة وغيره" فقد قال به جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة، وحكاه ابن المنذر عن سعيد بن المسيب وإسحاق وأبىثور محتجين بقوله تعالى (فعدة من أيام آخر) وبحديث عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يري بأسًا بقضاء رمضان
-[مذاهب العلماء في قضاء رمضان في جميع السنة ما لم بان رمضان آخر]-
(6)
باب قضاء الصوم عن الميت
(181)
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم) قال أيما ميت مات وعليه صيام فليصمه عنه وليه
في عشر ذي الحجة وتقدم في الزوائد (قال ابن المنذر) وروينا عن على بن أبى طالب أنه كره قضاءه في ذي الحجة، وبه قال الحسن البصري والزهري أهـ وبالأول قال ابن المنذر (وأما جواز تأخيره إلى شعبان) فهو متفق عليه عند كافة العلماء إذا كان لعذر مستدلين بحديث عائشة الثانية من أحاديث الباب، وهو وإن كان في فعل عائشة إلا أن الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم اطلع عليه واقره لتوفر دواعي زوجاته على سؤاله صلى الله عليه وسلم عن الأمور الشرعية، أما إذا تأخر القضاء وغير عذر فالجمهور على أنه جائز إن أفطر لعذر كمرض أو سفر أو حيض إلا انه إذا بقي على رمضان الثاني بقدر ما عليه من أيام رمضان الأول لزمه القضاء فورًا حينئذ عندهم (وكذا يلزمه القضاء فورًا عند الشافعية) إذا كان متعمدًا الفطر بلا عذر شرعي (وقال أبو حنيفة وأصحابه) يجب قضاء رمضان وجوبًا موسعًا بلا تقييد بوقت ولو كان متعمدًا الفطر، فلا يأثم بتأخيره إلى دخول رمضان الثاني لأنه من باب الواجب الموسع، ويجب العزم على القضاء على الصحيح (وقال داود الظاهري) يجب القضاء على الفور مطلقًا، فاته لعذر أم لا والله أعلم.
(181)
عن عائشة رضي الله عنها (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا هارون ثنا ابن وهب قال حيوة أخبرني سالم أنه عرض هذا الحديث على يزيد فعرفه أن عبد الله بن الزبير قال أخبرتني عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث (وله طريق ثان) حدّثنا عبد الله حدثني أبى، قال أنا ابن لهيعة وموسى بن داود قال ثنا أبن لهيعة عن عبيد الله بن أبى جعفر عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال موسي إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مات وعليه صيام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم عنه وليه" (تخريجه) (ق. قط. هق. بز والأربعة، ولفظ البزار فليصم عنه وليه إن شاء، قال الهيثمي وإسناده حسن، وقال الحافظ اختلف المجيزون وفي المراد بقوله وليه فقيل كل قريب، وقيل الوارث خاصة، وقيل عصبته، والأول أرجح والثاني قريب ويرد الثالث قصة المرأة التي سأت عن نر أمها "يعني فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم صومي عنها- وهي ليست من العصبة" قال واختلفوا هل يختص ذلك الولي، لأن الأصل عدم النيابة في العبادة البدنية ولأنها عبادة لا يدخلها النيابة في الحياة فكذلك في الموت إلا ما ورد فيه الدليل فيقتصر على ما ورد ويبقي الباقي على الأصل
-[حجة القائلين بجواز قضأة الصوم عن الميت]-
(182)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أتت النبي (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم امرأة (1) فقالت يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر (2) أفأقضي عنها؟ قال فقال أرأيت (3) لو كان على أمك دين أما كنت تقضينه؟ قالت بلى، قال فدين الله عز وجل أحق (4).
(183)
وعنه أيضًا قال جاء رجل (5) إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إلى إن أمي ماتت وعلي صوم شهر أفأقضيه عنها؟ فقال لو كان على أمك دين
وهذا هو الراجح، وقيل لا يختص بالولي، فلو أمر أجنبيًا بأن يصوم عنه أجزأ، وقيل يصح استقلال الأجنبي بذلك وذلك الولي لكونه الغالب وظاهر صنيع البخاري اختيار هذا الأخبر، وبه جزم أبو الطيب الطبري وقوّاه بتشبيهه صلى الله عليه وسلم ذلك بالدين، والدين لا يختص بالقريب أهـ (قال الشوكاني) وظاهر الأحاديث أن يصوم عنه وليه وإن لم يوص بذلك وأن من صدق عليه اسم الولي لغة أو شرعًا أو عرفًا صام عنه، ولا يصوم عنه من لبس بولبي، ومجرد التمثيل بالدين لا يدل على أن حكم الصوم كحكمة في جميع الأمور أهـ.
(182)
عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - الحديث" (غريب) (1) هي من جهينة كما عند البخاري (2) في رواية للبخاري وعليها صوم نذر، وفي أخرى له (وعليها صوم شهر، كما هنا" وفي رواية لمسلم "إن أختي ماتت وعليها صيام شهرين متتابعين) "(3) في قوله أرأيت الخ مشروعية القياس وضرب الأمثال ليكون أوضح وأوقع في نفس السامع وأقرب إلى سرعة فهمه، وفيه تشبيه ما اختلف فيه وأشكل بما اتفق عليه، وفيه أنه يستحب للمفتي للتنبيه على وجه الدليل إذا ترتب على ذلك مصلحة وهو أطيب لنفس المستفتي وأدعي لإذعانه (4) يعني فصومي عنها (تخريجه)(ق. والأربعة، وغيرهم).
(183)
وعنه أيضًا (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا معاوية ثنا زائدة عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - الحديث" (غريبة) (5) لم أقف على اسم هذا الرجل، وفي الحديث السابق "قال أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة" وكذلك في رواية عند البخاري، وله في أخرى أيضًا" وعليها خمسة عشر يومًا، وفي رواية له أيضًا "وعليها
-[زوائد الباب في حكم قضاء ما فات من رمضان]-
أكنت قاضية عنها؟ قال نعم، قال فدين الله أحق أن يقضى
صوم شهرين متتابعين" وله في أخرى" أنه أتى رجل فسأل: قال الحافظ وقد أدعي بعضهم أن هذا اضطراب من الرواة، والذي يظهر تعدد الواقعة، وأما الاختلاف في كون السائل رجلاً أو امرأة والمسئول عنه أختًا أو أما فلا يقدح في موضع الاستدلال من الحديث (تخريجه)(ق. والأربعة، وغيرهم)(زوائد الباب) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال إذا مرض الرجل في رمضان ثم مات ولم يصم أطعم عنه ولم يكن عليه قضاء، وإن نذر قضي عنه وليه، رواه أبو داود وصححه الحافظ، وأخرجه الدارقطني وسعيد بن منصور والبيهقي وعبد الرازق موصولاً وعلقه البخاري، قال عبد الحق في أحكامه لا يقع في الإطعام شيء يصح يعني مرفوعًا، وكذا قال الحافظ (وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من مات وعليه صيام شهر رمضان فليطعم عنه مكان كل يوم مسكين، وإسناد ضعيف، قال الترمذي والصحيح أنه عن ابن عمر موقوف (وعن بريدة رضي الله عنه قال بينا أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتته امرأة فقالت إني تصدقت على أمي بجازيه وأنها ماتت، فقال وجب أدرك وردها عليك الميراث، قالت يا رسول الله إنه كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها؟ قال صومي عنها، قالت أنها لم تحج قط أفأحج عنها؟ قال حجي وفي رواية لمسلم صوم شهرين بدل شهر رواه (م. د. مذ. وصححه) والإمام أحمد، وتقدم في باب نهي المتصدق عن مشتري ما تصدق به رقم 182 صحيفة 132 في الجزء التاسع (وعن القاسم ونافع) ان أبن عمر كان إذا سئل عن الرجل يموت وعليه صوم من رمضان أو نذر يقول لا يصوم أحد عن أحد، ولكن تصدقوا عنه من اله للصوم لكل يوم مسكينًا (هق)(وعن نافع يوم مسكين (هق)(وعن نافع أن عبد الله بن عمر) كان يقول من أفطر في رمضان أياما وهو مريض ثم ما تقبل أن يقضي فليطعم عنه مكان كل يوم أفطر من تلك الأيام مسكينًا مدا من حنطه، فإن أدركه رمضان عام قابل قبل أن يصومه فأطاق صوم الذي أدرك فليطعم عما مضي كل يوم مسكينًا مدّا من حنطه وليصم الذي استقبل، رواه البيهقي، وقال هذا هو الصحيح موقوف عن ابن عمر، وقد رواه محمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلي عن نافع فأخطأ فيه، ثم ذكره بسنده عن محمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلي عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يموت وعليه رمضان ولم يقضه، قال يطعن عنه كل يوم نصف صاع من تمر (قال البيهقي) هذا خطأ من وجهين، أحدهما رفعه الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من
-[مذاهب العلماء في حكم قضاء الصوم عن الميت]-
.....
قول ابن عمر والآخر قوله نصف صاع، وإنما قال ابن عمر مدّا من حنطه، وروي من وجه آخر عن أبن أبى ليلي ليس فيه ذكر الصاع أهـ، وفي الباب أحاديث غير ما ذكر للإمام أحمد ستأتي في باب قضاء كل المنذورات عن الميت من كتاب الإيمان والنذور إن شاء الله تعالى (الأحكام) حديثًا الباب مع الزوائد تدل على أنه يجوز للولي الصوم عن الميت إذا مات وعليه صوم أي صوم كان (قال النووي رحمه الله اختلف العلماء فيمن مات وعليه صوم واجب من رمضان أو قضاء أو نذر أو غيره هل يقضي عنه؟ وللشافعي في المسألة قولان مشهوران أشهرهما لا يصام عنه ولا يصح عن ميت صوم أصلاً (والثاني) يستحب لوليه أن يصوم عنه ويصح صومه عنه ويبرأ به الميت ولا يحتاج إلى إطعام عنه، وهذا القول هو الصحيح المختار الذي نعتقده، وهو الذي صححه محققوا أصحابنا الجامعون بين الفقه والحديث لهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة (وأما الحديث) الوارد من مات وعليه صيام أطعم عنه فليس بثابت، ولو ثبت أمكن الجمع بينه وبين هذه الأحاديث بأن يحمل على جواز الأمرين فإن من يقول بالصيام يجوز عنده بالإطعام فثبت أن الصواب المتعين تجويز الصيام وتجويز الإطعام والولبي مخير بينهما، والمراد بالولي القريب سواء كان عصبة أو وارثًا أو غيرهما، وقيل المراد الوارث، وقيل العصبة، والصحيح الأول، ولو صام عنه أجنبي إن كان بإذن الولبي صح وإلا فلا في الأصح، ولا يجب على الولي الصوم عنه لكن يستحب هذا تلخيص مذهبنا في المسألة (وممن قال به من السلف) طاوس، والحسن البصري والزهري، وقتادة وأبو ثور وبه قال (الليث وأحمد وإسحاق وأبو عبيد) في صوم النذر دون رمضان وغيره (وذهب الجمهور) إلى أنه لا يصام عن ميت لا نذر ولا غيره، حكاه ابن المنذر عن ابن عمر وابن عباس وعائشة ورواية عن الحسن والزهري (وبه قال مالك وأبو حنيفة) قال القاضي عياض وغيره هو قول جمهور العلماء وتأولوا الحديث على أنه يطعم عنه وليه، وهذا تأويل ضعيف بل باطل، وأي ضرورة إليه وأي مانع يمنع من العمل بظاهرة مع تظاهر الأحاديث مع عدم المعارض لها، قال القاضي وأصحابنا وأجمعوا على أنه لا يصلي عنه صلاة فاتته وعلى أنه لا يصام عن أحد في حياته وإنما الخلاف في الميت والله أعلم (وأما قول ابن عباس) إن السائل رجل، وفي رواية امرأة وفي رواية صوم شهر، وفي رواية صوم شهرين فلا تعارض بينهما، فسأل تارة رجل وتارة امرأة وتارة عن شهر وتارة عن شهرين (وفي هذه الأحاديث) صوم الولبي عن الميت كما ذكرنا وجواز سماع كلام المرأة الأجنبية في الاستفتاء ونحوه من مواضع الحاجة وصحة القياس لقوله صلى الله عليه وسلم فدين الله أحق بالقضاء (هذا لفظ رواية مسلم)(وفيها قضاء الدين عن الميت) وقد أجمعت الأئمة عليه ولا فرق بين أن يقضيه عنه وارث أو غ يره فيبرأ به بلا خلاف (وفيه دليل)
-[النهي عن صوم يومي العيدين]-
(أبواب الأيام المنهي عن صيامها)
(1)
باب النهي عن صوم يومي العيدين
(184)
عن أبى عبيد (1) قال شهدت العبد (2) مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فبدأ بالصلاة قبل الخطبة (3) وقال إن رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم) نهي عن صيام هذين اليومين (4) أما يوم الفطر
لمن يقول إذا مات وعليه دين لله تعالى ودين لآدمي وضاق ماله قدّم دين الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم "فدين الله أحق بالقضاء" وفي هذه المسألة ثلاثة أقوال للشافعي، أصحها تقديم دين الله تعالى لما ذكرناه (والثاني) تقديم دين الآدمي لأنه مبني على الشح والمضايقة (والثالث) هما سواء فيقسم بينهما (وفيه) أنه يستحب للمفتي أن ينبه على وجه الدليل إذا كان مختصرًا واضحًا وبالسائل إليه حاجة أو يترتب عليه مصلحة لأنه صلى الله عليه وسلم قاس على دين الآدمي تنبيهًا على وجه الدليل (وفيه) أن من تصدق بشيء ثم ورثه لم يكره له أخذه والتصرف فيه بخلاف ما إذا أراد شراءه فإنه يكره لحديث فرس عمر رضي الله عنه (وفيه) دلالة ظاهرة لمذهب الشافعي والجمهور أن النيابة في الحج جائزة عن الميت والعاجز المأيوس من برئه، واعتذر القاضي عياض عن مخالفة مذهبهم يعني المالكية) لهذه الأحاديث في الصوم عن الميت والحج عنه بأنه مضطرب، وهذا عذر باطل وليس في الحديث اضطراب وإنما فيه اختلاف جمعنا بينه كما سبق ويكفي في صحته احتجاج مسلم به في صحيحة والله أعلم أهـ.
(184)
عن أبى عبيد (سنده) حدثًنا أبى ثنا سفيان عن الزهري سمع أبا عبيد قال شهدت العيد مع عمر - الحديث "غريبة) (1) زاد البخاري مولى أبن أزهر (قلت) هو مولى عبد الرحمن بن أزهر الزهري، وعبد الرحمن كنيته أبو جبير المدني صحابي صغير مات قبل الحرّة، قال البخاري قال ابن عيينة فيما حكاه عنه على بن المديني في العلل من قال أي في عبيد مولى ابن أزهر فقد أصاب، ومن قال مولى عبد الرحمن ابن عوف فقد أصاب أيضًا، لأنه يحتمل أنهما اشتركا في ولائه أو أحدهما على الحقيقة والآخر على المجاز بملازمة أحدهما للخدمة أو للأخذ عنه (2) أي عيد الأضحى كما جاء مصرحًا بذلك في رواية للبخاري عن يونس عن الزهري (3) أي لأن ذلك هدي للنبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم في صلاة العيد (4) يعني عيد الفطر وعيد الأضحى وأشار إليهما بهذين تغليبًا للحاضر
-[النهي عن صوم يومي العيدين وإن صادفا نذرا]-
ففطركم من صومكم (1) وأما يوم الأضحى فكلوا من نسككم (2)
(185)
عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم) نهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى (3).
(168)
عن زياد بن جبير، قال سأل رجل (4) ابن عمر وهو يمشي بمني، فقال نذرت أن أصوم كل يوم ثلاثاء أو أربعاء فوافقت (5) هذا اليوم يوم النحر فما تري؟ قال أمر الله تعالى بوفاء النذر (1) ونهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال نهينا أن نصوم يوم النحر، قال فظن الرجل أنه لم يسمع (7) فقال إني
على الغائب، وذلك أن الحاضر يشار إليه بهذا والغائب يشار إليه بذاك فلما أن جمعهما اللفظ قال هذين تغليبًا للحاضر على الغائب (1) زاد الترمذي (وعيد المسلمين) وهو بيان لعلة النهي عن صوم الفطر، أي ففيه فطركم من صيام رمضان وفيه فصل صوم الفرض عن النقل وإظهار إتمام رمضان ولو صامه لا أتصل الفرض بالتطوع فيشكل (3) أي من أضاحيكم التي تتقربون بها إلى الله عز وجل بذبحها في هذا اليوم، وفي هذا أيضًا بيان لعلة النهي عن صوم يوم الأضحى لأنه لو شرع عمومه لم يكن لمشروعية الذبح فيه معني فعبر عن علة التحريم بالأكل من النسك لأنه يستلزم النحر (تخريجه)(ق. هق. الأربعة، وغيرهم).
(185)
عن أبى سعيد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا يونس ثنا حماد يعني أبن سلمه عن بشر عن أبى سعيد الخدري - الحديث" (غريبة) (3) لفظ الترمذي "نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامين صيام يوم الأضحى ويوم الفطر" وفي لفظ للبخاري "لا صوم في يومين" ولمسلم "لا يصلح الصيام في يومين" ولفظ أبى داود "نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يومين" وهذا النهي للتحريم كما سيأتي بيانه في الأحكام (تخريجه)(ق. د. مذ. هق).
(186)
عن زياد بن جبير (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا إسماعيل أنا يونس بن عبيد عن زياد بن جبير - الحديث" (غريبة) (4) لم يسم الرجل وكذا في رواية البخاري (5) أي أحد الأيام المنذورة الثلاثاء أو الأربعاء "وقوله في هذا اليوم" يعني يوم النحر، ولفظ البخاري يوم عيد "وقوله يوم النحر" بدل من لفظ اليوم المذكور قبله (6) أي في قوله تعالى (يوفون بالنذر)(7) يعني ظن السائل أن ابن عمر رضي الله عنهما
-[زوائد الباب - ومذاهب الأئمة في حكم صوم يومي العيدين]-
نذرت أن أصوم كل يوم ثلاثاء أو أربعاء فوافقت هذا اليوم يوم النحر، فقال أمر الله بوفاء النذر ونهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال نهينا أن نصوم يوم النحر: قال فما زاده على ذلك حتى أسند (1) في الجبل
لم يسمع سؤاله فأعاد السؤال مرة ثانية فكان جواب ابن عمر كالجواب الأول، قال الزركشي توقف ابن عرم عن الجزم بالفتيا لتعارضا لأدلة عنده، وتعقبه البدر الدماميني فقال ليس كما ظنه نبل نبه أبن عمر على أن أحدهما وهو الوفاء بالنذر عام والآخر وهو المنع من صرم العبد خاص، فكأنه أفهمه أنه يقضي بالخاص على العام أهـ وهو الذي ذكره هو قول ابن المنير في الحاشية، وقد تعقبه أخوه بأن النهي عن صوم العيد فيه أيضًا عموم للمخاطبين ولكل عيد، فلا يكون من حمل الخاص على العام أهـ وقيل يحتمل أنه عرض للسائل بأن الاحتياط لك القضاء، فيجمع بين أمره عز وجل وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل إذا التقي الأمر والنهي في موضع قدم الهي والله أعلم (1) أي صعد، والسند ما ارتفع من الأرض، وقيل ما قابلك من الجبل وعلا عن السفح (تخريجه)(ق)(زوائد الباب) عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي عن صيام يومين يوم الأضحى ويوم الفطر، رواه مسلم، ورواه البخاري من طريق عمرو بن دينار عن عطاء بن مينا، قال سمعته يحدث عن أبى هريرة رضي الله عنه قال ينهي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صومين، يوم الفطر ويوم الأضحى، رواه مسلم (الأحكام) أحاديث الباب تدل على تحريم صوم يومي العيدين الفطر والنحو، قال النووي وقد أجمع العلماء على تحريم صوم هذين اليومين بكل حال سواء صامهما عن نذر أو تطوع أو كفارة أو غير ذلك، ولو نذر صومهما متعمدًا لعلينهما (قال الشافعي والجمهور)"أي منهم مالك وأحمد" لا ينعقد نذره ولا يلزمه قضاؤهما (وقال أبو حنيفة) ينعقد ويلزمه قضاؤهما قال فإن صامهما أجزأه وخالف الناس كلهم في ذلك أهـ (قلت، قال العيني قال الشافعي وزفر وأحمد) لا يصح صوم يومي العيدين ولا النذر بصومهما وهو رواية أبى يوسف وابن المبارك عن أبى حنيفة، (وروي الحسن عن أبى حنيفة) أنه إن نذر صوم النحر لا يصح وإن نذر صوم غدوهو يوم النحر صح واحتج بحديث أبى سعيد أهـ (وقال الشوكاني) قال زيد بن علي والهادوية يصح النذر بصيامهما ويصوم في غيرهما ولا يصح صومه فيهما، وهذا إذا نذر صومهما بعينهما كما تقدم، وأما إذا نذر صوم يوم الاثنين مثلاً فوافق يوم العيد، فقال النووي لا يجوز له صوم العيد بالإجماع، قال وهل يلزمه القضاء؟ فيه خلاف للعلماء، وفيه للشافعي قولان.
-[حجة القائلين بمنع الصيام في أيام التشريق]-
(2)
باب النهي عن صوم أيام التشريق (*)
(187)
عن عمرو بن سليم (1) عن أمة قالت بيننا نحن بمني إذا علي بن أبى طالب رضي الله عنه يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن هذه أيام أكل وشرب (2) فلا يصومها أحد، واتبع الناس على جملة يصرخ بذلك (3).
(188)
عن إسماعيل بن حمد بن سعد بن أبى وقاص عن أبيه عن جده (سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم أن أنادي أيام مني (وفي لفظ يا سعد ثم فأذن بمنى) أنها
أصحهما لا يجب قضاؤه لأن لفظه لم يتناول القضاء وإنما يجب قضاء الفرائض بأمر جديد على المختار عند الأصولين أهـ.
(187)
عن عمرو بن سليم (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا أبو سعيد ثنا سعيد بن مسلمة بن أبى الحسام مدين مولي لآل عمر ثنا يزيد بن عبد الله بن الهاد عن عمرو بن سليم عن أمه - الحديث" (غريبة)(1) بضم السين المهملة مصغرًا ابن خلده بسكون اللام الأنصاري الزرتي بضم الزاي وفتح الراء بعدها قاف ثقة، من كبار التابعين، مات سنة أربع ومائة (2) يعني أيام مني وهي أيام التشريق (3) أي ينادي بأعلى صوته (تخريجه) أخرجه أيضًا أبن يونس في تاريخ مصر من طريق يزيد بن الهاد عن عمرو بن سليم الزرقي عن أمه قال يزيد فسألت عنها فقيل إنها جدته، وفيه إن الصالح على أيضًا، قال الحافظ في التلخيص، وأخرجه النسائي من طريق مسعود ب الحكم عن أمه أنها رأت وهي بمني في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم راكبًا يصيح يقول، يا أيها الناس إنها أيام أكل وشرب ونساء وبعال، قالت فقلت من هذا قالوا على بن أبى طالب، ورواه البيهقي من هذا الوجه لكن قال إن جدته حدثته، وله طرق أخرى صحيحة دون قول وبعال أهـ والبعال وقاع النساء (188) عن إسماعيل بن محمد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا
-----
(*) هي ثلاثة أيام تلي عيد النحر سميت بذلك من تشريق اللحم وهو تقديده وبسطه في الشمس ليجف لأن لحوم الأضاحي كانت تشرق فيها بمني، وقيل سميت به لأن الهدى والضحايا لا تنحر حتى تشرق الشمس أي تطلع (نه) وقيل لأن صلاة العيد تقع عند شروق الشمس، وقيل غير ذلك والله أعلم
-[أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل]-
أيام أكل وشرب فلا صوم فيها يعني أيام التشريق
(189)
عن أبى الشعشاء قال أتينا أبن عمر رضي الله عنهما في اليوم الأوسط من أيام التشريق، قال فأتي بطعام فدنا القوم وتنحي ابن له، قال فقال له أدن فاطعم، قال فقال إني صائم، قال فقال أما علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم) قال إنها أيام طعم (1) وذكر
(190)
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة (2) ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهن أيام أكل وشرب
روح ثنا محمد بن أبى حميد المدنى ثنا إسماعيل بن محمد (الحديث)(تخريجه)(بز) وأورده الهيثمي، وقال رواه أحمد، وفي رواية عنده أيضًا يا سعد قم فأذن بمني فذكر نحوه، ورواه البزار ورجال الجميع رجال الصحيح.
(189)
عن أبى الشعناء (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا حسين ابن علي عن زائدة عن إبراهيم بن مهاجر عن أبى الشعناء - الحديث" (غريبة)
(1)
أي أكل وسيأتي في حديث عقبة الذي بعد هذا وهن أيام أكل وشرب "وقوله وذكر المراد بالذر هنا التكبير لغير الحاج، والتلبية والتكبير للحاج حتى يرمي جمرة العقبة فلا يلبي (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد، وأورده الهيثمي، وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
(190)
عن عقبة بن عامر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا وكيع ثنا موسي بن علي عن أبيه قال سمعت عقبة بن عامر - الحديث (غريبة)(2) أي اليوم التاسع من ذي الحجة "ويوم النحر" أي العاشر من ذي الحجة أيضًا (وأيام التشريق) يعني اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر منه "وقوله عيدنا" مرفوع على الخبرية والمبتدأ يوم عرفة (تخريجه)(د. نس. مد. بز. هق. مي) وقال الترمذي حديث عقبة بن عامر حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم يكرهون صيام أيام التشريق إلا أن قومًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم خصوا للمتمتع إذا لم يجد هديًا ولم يصم في العشر أن يصوم أيام التشريق، وبه يقول مالك بن أنس والشافعي وأحمد وإسحاق اهـ.
-[إرسال النبي صلى الله عليه وسلم مناديًا ينادي بعدم الصوم في أيام مني يعني أيام التشريق]-
(191)
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بعث عبد الله بن حذافة يطوف في مني أن لا تصوموا هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل.
(192)
عن مسعود بن الحكم (الزرقي) الأنصاري عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال أمر رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عبد الله بن حذاقة السهمي أن يركب راحلته أيام مني فيصبح في الناس لا يصومن أحد فإنها أيام أكل وشرب، قال فلقد رأيته على راحلته ينادي بذلك
(193)
عن أبى مره (1) مولى أم هانئ أنه دخل مع عبد الله بن عمرو
(191) عن أبي هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا روح ثنا صوالح ثنا ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة الحديث (تخريجه)(قط) وسنده جيد.
(192)
عن مسعود بن الحكم (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا عبد الرازق أنا معمر عن الزهري عن مسعود بن الحكم الحديث (تخريجه) هذا الحديث سنده عند الإمام أحمد جيد، وجالة الصحابي لا تضر، ولعل الصحابي المجهول في هذا الحديث هو أبو هريرة كما يستأنس لذلك بالحديث السابق والله أعلم، وأخرجه الدارقطني من طريق سليمان بن داود الحراني قال ثنا الزهري عن مسعود بن الحكم الرزقي عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة فنادي في أيام التشريق ألا إن هذه أيام عبد وأكل وشرب وذكر فلا يصومهن إلا محصر أو متمتع لم يجد هديًا، ومن لم يصم في أيام الحج المتتابعة فليصمهن، قال الدارقطني سليمان بن ابى داود ضعيف، رواه الزبيدي عن الزهري أنه بلغه عن مسعود ابن الحكم عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا ولم يقل فيه إلا محصر أو متمتع أهـ (قلت) وأخرجه مالك في الموطأ عن ابن شهاب مرسلاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن حذافة أيام مني يطوف يقول إنما هي أيام أكل وشرب وذكر الله.
(193)
عن أبى مرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا روح ثنا مالك بن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن أبى مرة - الحديث" (غريبة)(1) مشهور بكنيته
-[حديث عمرو بن العاص في النهي عن صوم أيام التشريق وقصته مع ابنه عبد اله]-
على أبيه عمرو بن العاص رضي الله عنهما فقرب إليهما طعامًا، فقال كل، فقال إني صائم، (2) قال عمرو كل فهذه الأيام التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بفطرها وينهي عن صيامها، قال مالك (3) وهي أيام التشريق
(194)
عن نافع بن جبير بن مطعم عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه بعث بشر بن سحيم فأمره أن ينادي، ألا إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمن (وفي لفظ) إلا نفس مسلمة - (وفي لفظ آخر) إلا مؤمن، وإنها أيام أكل وشرب يعني أيام التشريق
واسمه يزيد بن مرة وقيل عبد الرحمن "وقوله مولى أم هانئ" يعني بنت أبى طالب وأخت على بن أبى طالب رضي الله عنهما الهاشمية الصحابية اسمها فأخته وقيل هند روت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث ماتت في خلافة معاوية رضي الله عنها (1) القائل إني صائم هو عبد الله بن عمرو؛ وإنما قلنا ذلك لأنه جاء في الموطأ عن أبى مرة مولى أم هانئ عن عبد الله ابن عمرو بن العاص أنه أخبره أنه دخل على أبيه عمرو بن العاص فوجده يأكل، قال فدعاني قال فقلت لي إني صائم الحديث فكان أبا مرة أكل، أما عبد الله فامتنع لكونه كان صائمًا وهذه الرواية تدل على أن أبا مرة روي هذا الحديث عن عمرو بن العاص، بوساطة ابنه عبد الله، ورواية الإمام أحمد تدل بظاهرها على أنه رواه عن عمرو بن العاص مباشرة، ولا منافاة بينهما لاحتمال أن أبا مرة رواه أولاً عن عمرو بن العاص مع ابنه عبد الله كما في رواية الإمام أحمد ثم رواه مرة أخرى عن عبد الله للاستذكار، وقد جمع بعضهم بين الروايتين باحتمال أن أبا مرة رواه أولاً عن عبد الله ثم رواه مرة أخرى عن عمرو لزيادة التثبت، وهذا الجمع فيه نظر فتأمل (2) هو ابن أنس الأصبحي صاحب المذهب وأحد الأئمة الأربعة، وهو أحد رجال هذا الحديث، فسر الأيام المبهمة في هذا الحديث بأنها أيام التشريق، ولولا تفسيره هذا لالتبست على القارئ رحمه الله.
(194)
عن نافع بن جبير (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا محمد بن جعفر، قال ثنا شعبة عن عمرو بن دينار عن نافع بن جبير الحديث (تخريجه)(نس) وسنده جيد، وسكت عنه الحافظ في التلخيص، ورواه ابن ماجه من مسند بشر بن سحيم
-[زوائد الباب فيما جاء في النهي عن صوم أيام التشريق]-
(195)
"ز" عن يونس (1) بن شداد رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم نهي عن صوم أيام التشريق
فقال بعد ذكر السند عن نافع بن جبير بن مطعم عن بشر بن سحيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب أيام التشريق، فقال لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وإن هذه الأيام أيام أكل وشرب، قال الموصيري في زوائد ابن ماجه، ورواه ابن خزيمة في صحيحة يريد فالحديث صحيح أهـ (قلت) ورواه أيضًا الإمام أحمد من مسند بن بشر بن سحيم أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في يوم التشريق في أيام الحج، فقال لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وأن هذه الأيام أكل وشرب، وسيأتي في باب الخطبة في أيام التشريق في كتاب الحج إن شاء الله تعالى.
(195)
"ز" عن يونس بن شداد (سنده) حدّثا عبد الله قال حدثني أبو موسى العنزي، قال ثنا محمد بن عتمة، قال ثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن أبى قلابة عن أبى الشعناء عن يونس بن شداد - الحديث" (غريبة)(1) قال الحافظ في تعجيل المنفعة هو ابن شداد الأزدي صحابي حديثه عند أهل البصرة في صيام أيام التشريق أخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل في زيادات المسند في مسند المكيين من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أبى قلابة عن أبى الشعناء عنه قال نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم أيام التشريق، قال الحسيني وهو غير معروف (قلت) وقد ذ كره غير واحد في الصحابة أهـ (تخريجه)(بز) وأورده الهيثمي، وقال رواه عبد الله بن أحمد والبزار، وقال لا يعلم أسند يونس إلا هذا الحديث، وفيه سعيد بن بشير وهو ثقة ولكنه اختلط (زوائد الباب) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل صالحًا يصبح أن لا تصوموا هذه الأيام فلها أيام أكل وشرب وبعال والبعال وقاع النساء (طب) وفي رواية له في الأوسط والكبير أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بديل بن ورقاء وإسناد الأول حسن (وعن أم الحارث بنت عياش) قالت رأيت بديل بن ورقاء على جمل يتبع الناس فينادي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن لا تصوموا هذه الأيام فلها أيام أكل وشرب (طب) وفيه ضرار بن صرد وهو ضعيف (وعن معمر بن عبد الله العدوى) قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنادي في الناس بمني إن أيام التشريق أيام أكل وشرب (طب) وإسناده حسن (وعن عمر بن الخطاب) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيام التشريق أيام أكل وشرب (طس) وفيه عبد الله بن عمر بن يزيد الأصبهاني ولم أجد من ترجمة وبقية رجاله ثقات (وعن أسامة الهذلي) رضي الله عنه قال بعث
-[إختلاف المذاهب في حكم أيام التشريق]-
.....
رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام مني رجلاً على جمل أحمر فنادي أيها الناس إنها أيام أكل وشرب فلا تصوموا (طس) وفيه عبد الله بن أبى حميدو هو متروك، أورد هذه الأحاديث الحافظ الهيثمي وتلكم عليها جرحًا وتعديلاً (وعن أبى هريرة) رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام مني أيام أكل وشرب (جه) وقال البوصيري في زوائد ابن ماجه إسناده صحيح على شرطا الشيخي (وعن عائشة وابن عمر) رضي الله عنهما قالا لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي (رواه البخاري) وله عنهما أنهما قالا الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج إلى يوم عرفه، فإن لم يجد هديًا ولم يصم صام أيام مني (الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد تدل بمجموعها على عدم جواز الصوم في أيام التشريق إلا لتمتع لم يجد الهدي ولم يصم ثلاثة أيام في عشر ذي الحجة، وفي ذلك خلاف بين الصحابة والتابعين فمن بعدهم (فذهب فريق) إلا أنه لا يجوز صيامها إلا للتمتع الذي لم يجد الهدي ولم يصم الثلاثة الأيام عشر ذي الحجة، منهم ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم، وبه قال عبيد بن عمير وعروة بن الزبير (والشافعي في القديم والأوزاعي ومالك، وأحمد وإسحاق) في رواية عنهما يعني أحمد وإسحاق، واستدلوا بما رواه البخاري عن عائشة وابن عمر رضي الله عنه مقالا لم يرخص في أيام التشريق أين يصمن إلا لمن لم يجد الهدى "وله عنهما" أنهما قالا الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج إلى يوم عرفة؛ فإن لم يجد هديًا ولم يصم صام أيام مني، وتقدم ذلك في الزوائد أيضًا (قال النووي) فالرواية الأولى مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنها بمنزلة قول الصحابي أمرنا بكذا ونهينا عن كذا، ورخص لنا في كذا، وكل هذه وشبهه مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمنزله قوله قال صلى الله عليه وسلم كذا أهـ ج (قال الشوكاني) وأخرجه الدارقطني والطحاوي بلفظ "رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للتمتع إذا لم يجد الهدي أن يصوم أيام التشريق" وفي إسناده يحيي بن سلام، وليس بالقوي ولكنه يؤيد ذلك عموم الآية، قالوا وحمل المطلق على المقيد واجب، وكذلك بناء العام على الخاص، وهذا أقوى المذاهب أهـ (وذهب فريق إلى المنع مطلقًا) منهم على بن أبى طالب وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم، وبه قال الحسن وعظاء، والليث بن سعد، وابن عليه (وأبو حنيفة) وداود: وابن المنذر، وهو أصح الروايتين عن أحمد والمشهور عند الشافعي (واستدلوا) بما في الباب الزوائد من الأحاديث المطلقة التي تدل على المنع (وذهب فريق إلى الجواز مطلقًا) منهم الزبير بن العوام، وأبو طلحة وابن عمر رضي الله عنهم، وبه قال الأسود بن يزيد وابن سيرين، ولعل هؤلاء لم يبلغهم النهي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (وتقل القاضي أبو الطيب والمحاملي والسرخسي وصاحب العمدة) إنفاق أصحاب الشافعي على جواز صيام أيام التشريق فيما له سبب من نذر أو كفارة أو قضاء، أما
-[اختلاف المذاهب في حكم صوم أيام التشريق]-
(3)
باب النهي عن أفراد يومي الجمعة والسبت بالصيام
(196)
عن أبى هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم) يقول إن يوم الجمعة يوم عيد (1) فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده (2).
(197)
وعنه أيضًا قال نهي النبي (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم) عن صيام يوم الجمعة إلا أن يكون في أيام.
مالا سبب له فلا يجوز فيها بلا خلاف قالوا هي نظير الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، فإنه يصلي فيها ماله سبب دون ما لا سبب له والله أعلم.
(196)
عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا عبد الرحمن عن معاوية، يعني ابن أبى صالح عن أبى بشر عن عامر بن لدين الأشعري عن أبى هريرة - الحديث" (غريبة)(1) يعني عيد الأسبوع لما خصه الله تعالى من المزايا دون أيام الأسبوع، فقد فرض فيه صلاة الجمعة لاجتماع الناس كاجتماعهم يوم العيد، وشرع فيه الخطبة ليتعظ الناس، وشرع فيه أمورًا أخرى كالغسل والطيب وكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في يومه وليلته وقراءة سورة الكهف للشخص في نفسه وغير ذلك تقدم في أبواب صلاة الجمعة من كتاب الصلاة في الجزء السادس (2) أي إلا أن تصوموا قبله يومًا أو بعده يومًا كما وقع في رواية لمسلم وهي تقيد مطلق النهي، زاد مسلم ولا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تختصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم (تخريجه)(ك) وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه إلا أن أبا بشر هذا (يعني أحد رجال السند) لم أقف على اسمه وليس ببيان بشر ولا بجعفر بن أبى وحشيه والله أعلم؛ قال وشاهد هذا بغير هذا اللفظ مخرج في الكتابين (يعني الصحيحين) أهـ (قلت) قال الذهبي في أبى بشر هو مجهول، قال وشاهده في الصحيحين أهـ وقال الحافظ في التلخيص، وقد أخرجه البزار، فقال أبو بشر مؤذن مسجد دمشق والله أعلم.
(197)
(وعنه أيضًا) هذا طرف من حديث طويل تقدم بتمامه وسنده وشرحه وتخريجه في باب ما جاء في الصلاة في النعل رقم 399 صحيفة 104 في الجزء الثالث من كتاب الصلاة
-[النهي عن إفراد يوم الجمعة بالصوم]-
(198)
عن أياد بن لقيط قال سمعت ليلي امرأة بشير تقول إن بشيرًا (1) سأل النبي صلى الله عليه وسلم أصوم يوم الجمعة ولا أكلم ذلك اليوم أحدًا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تصم يوم الجمعة إلا في أيام (2) هو أحدها أو في شهر، وأما أن لا تكلم أحدًا فلعمري لأن تكلم بمعروف وتنهي عن المنكر خير من أن تسكت (199) عن رجل من بني الحارث بن كعب، قال كنت جالسًا عند أبى هريرة فأتاه رجل فسأله، فقال يا أبا هريرة أنت نهيت الناس أن يصوموا يوم الجمعة؟ قال لا. لعمر الله غير أني ورب هذه الحرمة ورب هذه الحزمة (3) لقد سمعت رسول اله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم) يقول لا يصومن
(198) عن أياد بن لقيط (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا أبو الوليد وعفان قالا ثنا عبيد الله بن أياد بن لقيط سمعت أياد بن لقيط يقول سمعت ليلي - الحديث" (غريبة) (1) هو ابن معبد أبو سعيد الأسلمي المشهور بابن الخصاصية صحابي جليل شهد بيعه الرضوان رضي الله عنه (2) الجمع ليس مزادًا بقوله (إلا في أيام" فلو صامه مع يوم قبله أو يوم بعده لا انتفي هذا القيد بدليل قوه في رواية مسلم "إلا أن تصوموا قبله يومًا أو بعده يومًا" وقوله أو في شهر" معناه أنه لو تعود صيام شهر فله أن يصوم أيام الجمعة منه والله أعلم (تخريجه) أورده الهيثمي عن بشير بن الخصاصية أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أصوم يوم الجمعة الحديث، وقال هكذا رواه الطبراني، قال ورواه أحمد عن ليلي امرأة بشير أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم وقد قيل إنها صحابية ورجاله ثقات أهـ.
(199)
عن رجل من بني الحارث (سنده) حدّثنا عبد الله أبى ثنا عفان قال ثنا أبو عوانة قال ثنا عبد الملك بن عمير عن رجل من بني الحارث بن كعب - الحديث" (غريبة)(3) بضم الحاء المهملة وسكون الراء هي ما لا يحل انتهاكه، ولعله يريد حرمة مكة أو المدينة أو الكعبة أو الشهر الحرام أو ما حرمه الله مطلقًا والله أعلم، وإنما أقسم أب وهريرة رضي الله عنه أو لا بقوله لعمر الله أي وحياة الله، ثم أقسم ثانية بقوله ورب هذه الحرمة، ثم كررها مرتين تأكيدًا لكونه سمع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم في
-[النهي عن صيام يوم الجمعة مفردًا إلا أن يصوم يوما قبله أو يوم بعده]-
أحدكم يوم الجمعة إلا في أيام يصومه فيها (1)
(200)
عن عبد الله بن عمرو (بن العاص) رضي الله عنهما أن رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم) دخل على جو يربه بنت الحارث رضي الله عنها (2) وهي صائمة في يوم جمعة، فقال لها أصمت أمس؟ فقالت لا قال أتريدين أن تصومي غدًا؟ فقالت لا قال فأفطري إذًا.
(201)
عن أبى أيوب الهجري عن جويرية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على جويرية في يوم جمعة وهي صائمة، فقال لها أصمت أمس؟ قالت لا قال تصومين (وفي لفظ أتريدين أن تصومي) غدًا؟ قالت لا قال فأفطري.
النهي عن صوم يوم الجمعة إلا في أيام يصومه فيها (1) ليس هذا آخر الحديث (وبقيته) فجاء آخر، فقال يا أبا هريرة أنت نهيت الناس أن يصلوا في نعالهم؟ قال لا لعمر الله غير أني ورب هذه الحرمة لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى هذا المقام وإن عليه نعليه ثم انصرف وهما عليه صلى الله عليه وسلم وهذه البقية ذكر مثلها في حديث آخر لأبي هريرة أيضًا تقدم في الجزء الثالث في باب ما جاء في الصلاة في النعل رقم 404 صحيفة 105 من كتاب الصلاة (تخريجه)(ق. د. مذ. جه) مقتصرين على لفظ الحديث بدون قصة الرجل مع اختلاف في بعض الألفاظ، وفي إسناد رواية الإمام أحمد رجل لم يسم، ولعله أبو الأوبر، أنظر الحديث رقم 404 صحيفة 105 في الجزء الثالث في باب ما جاء في الصلاة في النعل.
(200)
عن عبد الله بن عمرو (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا محمد ابن جعفر ثنا سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمرو الحديث، وفي آخره قال سعيد ووافقني عليه مطر عن سعيد بن المسيب (غريبة)(2) هي بنت الحارث بن أبى ضرار الخزاعية من بني المصطلق أم المؤمنين، وكان أسمها برة فغيرها النبي صلى الله عليه وسلم وسباها في غزوة المر بسبع ثم تزوجها، وماتت سنة خمسين على الصحيح، قاله الحافظ في التقريب (تخريجه)(نس. حب) وسنده جيد.
(201)
عن أبى أيوب الهجري (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا وكيع ثنا شعبة عن قتادة عن أبى أيوب الهجري الحديث (تخريجه)(خ. د. نس)
-[النهي عن صوم يوم الجمعة مفردا]-
(202)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لا تصوموا يوم الجمعة وحده
عن محمد بن عباد بن جعفر أنه سأل جابر بن عبد الله الأنصاريَّ رضي الله عنهما وهو يطوف بالبيت أسمعت النبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم ينهي عن صيام يوم الجمعة؟ قال نعم وربِّ هذا البيت
عن حسَّان بن نوح الحمصيِّ قال رأيت عبد الله بن بسر رضي الله عنهما يقول ترون كفِّى هذه؟ فأشهد أنِّي وضعتها على كفِّ محمَّد صلى الله عليه وسلم (وفي رواية بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهي عن صيام يوم السَّبت إلَاّ في فريضة
(202) عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عتاب بن زياد قال أنا عبد الله قال أنا الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة عن ابن عباس الحديث (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد وفيه الحسين بن عبد الله بن عبيد الله وثقه ابن معين وضعفه الأئمة
(203)
عن محمد بن عباد (سنده) حدّثنا عبد الله أبي ثنا عبد الرزاق أنا ابن جريح أخبرني عبد الحميد بن جبير أنه أخبره محمد بن عباد بن جعفر أنه سأل جابر بن عبد الله الحديث (تخريجه)(ق. وغيرهما)
عن حسان بن نوح (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا على ابن عياش قال ثنا حسان بن نوح -الحديث" (غريبه) (1) ويقال النصرب بفتح النون بعدها صاد مهملة أبو أمية أو أبو معاوية الحمصي ثقة من الرابعة، قاله الحافظ في التقريب (2) وفي لفظ "إلا فيما أفترض عليكم" وسيأتي في الحديث التالي ومثله للترمذي، قال الطيبي قالوا النهي عن الأفراد كما في الجمعة. والمقصود مخالفة اليهود فيهما والنهي فيهما للتنزيه عند الجمهور وما افترض يتناول المكتوب والمنذور وقضاء الفوائت وصوم الكفارة، وفي معناه ما وافق سنة مؤكدة كعرفة وعاشوراء أو وافق وردا، وزاد ابن الملك وعشر ذي الحجة أو في خير الصيام صيام داود، فان النهي عنه شدة الأهتمام والعناية به حتى كانه يراه واجبا كما تفعله اليهود، قال القاري فعلى هذا يكون النهي للتحريم، وأما على غير هذا
-[النهي عن إفراد يوم السبت بالصوم إلا إذا كان في فريضة ونحوها]-
وقال إن لم يجد أحدكم إلا لحاء شجرة فليفطر عليه
عن عبد الله بن بسر رضي الله عنهما عن أخته أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال لا تصوموا يوم السبت إلَاّ فيما أفترض عليكم، فإن لم يحد أحدكم إلَاّ عود عنب أو لحاء شجرة فليمضغها
الوجه فهو للتنزيه بمجرد المشابهة (1) اللحاء بكسر اللام وبالحاء المهملة وبالمد هو قشر الشجرة (تخريجه)(حب) وسنده جيد
عن عبد اله بن بسر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو عاصم قال ثنا ثور عن خالد بن معدان عن عبد الله بن بسر عن أخته -الحديث". (غريبه) (2) هي الصماء بنت بسر صحابية رضي الله عنها، وقد صرح بذلك في رواية أخرى للأمام أحمد، فقال عن عبد الله بن بسر عن أخته الصماء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يصومن أحدكم يوم السبت إلا في فريضة وإن لم يجد إلا لحاء شجرة فليفطر عليه (3) لفظ الترمذي فان لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه، وتقدم معنى اللحاء وضبطه في شرح الحديث السابق "وقوله فليمضغها" بفتح الضاد وضمها لغتان (تخرجيه)(حب. ك. طب. هق. والأربعة) وصححه ابن السكن وحسنه الترمذي، قال أبو داود في السنن، قال مالك هذا الحديث كذب، وقد أعل بالاضطراب كما قال النسائي لأنه روى عن عبد الله ابن بسر عن أخته كما ترى في هذا الحديث، وروى عن عبد الله بن بسر وليس فيه عن أخته كما وقع في الحديث السابق وكذا وقع لابن حبان (قال الحافظ) وهذه ليست بعلة قادحة، فانه أيضا صحابي. وقيل عنه عن أبيه بسر. وقيل عنه عن أخته الصماء عن عائشة (قال الحافظ) ويحتمل أن يكون عند عبد الله عن أبيه وعن أخته، وعند أخته بواسطة، قال ولكن هذا التلون في الحديث الواحد بالإسناد الواحد مع اتحاد المخرج يوهن الرواية وينبئ عن قلة ضبطه إلا أن يكون من الحفاظ المكثرين المعروفين بجمع طرق الحديث فلا يكون ذلك إلا على قلة ضبعله، وليس الأمر هنا كذا بل اختلف فيه أيضا على الراوي عبد الله بن بسر، وقد أدعى أبو داود أن هذا الحديث منسوخ، قال الحافظ في التلخيص ولا يتبين وجه النسخ فيه، ثم قال يمكن أن يكون أخذه من كون النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب موافقة أهل الكتاب في أول الأمر، ثم في آخر الأمر قال خالفوهم، والنهي عن صوم يوم السبت يوافق
-[زوائد الباب- وبيان أن صيام يوم السبت لا ثواب فيه]-
(206)
عن عبيد الأعرج قال حدَّثني جدَّتي أنَّها دخلت على رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم وهو يتغدَّى وذلك يوم السَّبت، فقال تعالى فكلي، فقالت إنِّي صائمة، فقال لها صمت أمس؟ فقالت لا. قال فكلى فإن صيام يوم السَّبت لا لك ولا عليك
الحالة الأولى، وصيامه إياه يوافق الحالة الثانية، وهذه صورة النسخ والله أعلم اهـ
عن عبيد الأعرج (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى ابن إسحاق قال أنا ابن لهيعة قال أنا موسى بن وردان عن عبيد الأعرج- الحديث" (غريبه)(1) لم أقف على من عرَّف بجدته وربما كانت الصماء بنت بسر، ويؤيد ذلك وجود هذا الحديث في مسندها عند الأمام أحمد والله أعلم (2) يريد والله أعلم أنه لا ثواب فيه ولا عقاب عليه، والظاهر أن هذا لمن صادفه بطريق الصدفة، أما من صامه بقصد التعظيم كما تعظمه اليهود فان ذلك حرام لما ورد في النهي عن ذلك والله أعلم (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وفي إسناده ابن لهيعة فيه كلام (زوائد الباب)(عن جابر بن عبد الله الأنصاري) رضي الله عنهما قال دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة وبين يديه طعام يأكل منه، فقال أدنوا فكلوا من هذا الطعام، فقلنا إنا صيام يا رسول الله، فقال هل صمتم أمس؟ قلنا لا. قال تريدون أن تصوموا غدا؟ قلنا لا. قال ادنوا فكلوا فان يوم الجمعة لا يصارم وحده يتخذ عيدا (طص. طس) وفيه عبد الله بن سعيد ابن أبي سعيد المقبري وهو متروك، وهذا الحديث في الصحيح بدون قوله يتخذ عيا (وعن عامر بن لدين الأشعري) رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن يوم الجمعة عيدكم فلا تصوموه إلا أن تصوموا قبله أو بعده (بز) وإسناده حسن (وعن ابن سيرين) قال كان أبو الدرداء يحيى ليلة الجمعة ويصوم يومها فأتاه سلمان وكان النبي صلى الله عليه وسلم آخي بينهما فنام عنده فأراد أبو الدرداء أن يقوم ليلته. فقام إليه سلمان فلم يدعه حتى نام وأفطر فجاء أبو الدرداء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عويمر سلمان أعلم منك لا تخص ليلة الجمعة بصلاة ولا يومها بصيام (طب) وهو مرسل ورجاله رجال الصحيح (وعن ابن عمر) رضي الله عنهما قال ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما في جمعة قط (طب) وفيه ليث ابن أبي سليم وهو ثقة ولكنه مدلس (وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم أفطر يوم جمعة قط (بز) وفيه ليث بن أبي سليم وهو ثقة ولكنه مدلس
-[مذاهب الأئمة في حكم صيام يوم الجمعة مفردا]-
.....
(وعن أبي أمامة) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من صلى الجمعة وصام يومه وعاد مريضا وشهد جنازة وشهد نكاحا وجبت له الجنة، رواه الطبراني في الكبير والأوسط بنحوه، وفيه محمد بن حفص الأوصاني وهو ضعيف (وعن كريب) قال أرسلني ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم سلمة أسألها أي الأيام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر لها صوما، فقالت السبت والأحد. ويقول هما يوما عيد للمشركين فأحب أن أخالفهم. رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات وصححه ابن حبان، أورد هذه الأحاديث الحافظ الهيثمي وتكلم عليها جرحا وتعديلا (وعن عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم من غرة كل شهر ثلاثة أيام وقلمَّا كان يفطر يوم الجمعة (نس: جه. مذ) وقال حديث عبد الله حديث حسن غريب (وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من الشهر السبت والأحد والأثنين، ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس (مذ) وقال هذا حديث حسن (الأحكام) أحاديث الباب منها ما يدل على منع أفراد يوم الجمعة بالصيام، وقد حكاه ابن المنذر وابن حزم عن علي وأبي هريرة وسلمان وأبي ذر رضي الله عنهم، قال ابن حزم ولا نعلم لهم مخالفا في الصحابة ونقله أبو الطيب الطبري عن (الإمام أحمد وابن المنذر وبعض الشافعية) وقال ابن المنذر ثبت النهي عن صوم يوم الجمعة كما ثبت عن صوم يوم العيد، وهذا يشعر بأنه يرى تحريمه (وقال أبو جعفر الطبري) يفرق بين العيد والجمعة بأن الإجماع منعقد على تحريم صوم يوم العيد ولو صام قبله أو بعده (وذهب الجمهور) إلى أن النهي فيه للتنزيه (وقال مالك وأبو حنيفة) لا يكره واستدلا بحديث ابن مسعود (قلت وبحديثي ابن عباس وأبي أمامة المذكورين في الزوائد)"قال الحافظ" وليس فيه حجة لأنه يحتمل أنه كان لا يتعمد فطرة إذا وقع في الأيام التي كان يصومها، ولا يضاد ذلك كراهة إفراده بالصوم جمعا بين الأدلة، قال ومنهم من عده من الخصائص وليس بجيد، لأنها لا تثبت بالاحتمال اهـ (قال الشوكاني) ويمكن أن يقال بل دعوى اختصاص صومه به صلى الله عليه وسلم جيدة لما تقرر في الأصول من أن فعله صلى الله عليه وسلم لما نهى عنه نهيا يشمله يكون مخصصا له وحده من العموم ونهيا يختص بالأمة لا يكون فعله معارضا له إذا لم يقم دليل يدل على التأسي به في ذلك الفعل لخصوصه لا مجرد أدلة التأسي العامة فأنها مخصصة بالنهي للأمة لأنه أخص منها مطلقا، ومن غرائب المقام ما احتج به بعض المالكية على عدم كراهة صوم يوم الجمعة، فقال يوم لا يكره صومه مع غيره فلا يكره وحده، وهذا قياس فاسد الأعتبار لأنه منصوب في مقابلة النصوص الصحيحة. وأغرب من ذلك قول مالك في الموطأ لم أسمع أحدا من أهل العلم والفقه ومن يقتدي به ينهي عن صيام يوم الجمعة وصيامه حسن، وقد رأيت بعضهم يصومه وأراه كان يتحراه (قال النووي)
-[كلام العلماء في الحكمة في النهي عن أفراد يوم الجمعة بالصيام]-
.....
السنة مقدمة على ما رآه هو وغيره -وقد ثبت النهي عن صوم الجمعة فيتعين القول به، ومالك معذور فانه لم يبلغه- (قال الداودي) من أصحاب مالك لم يبلغ مالكا هذا الحديث ولو بلغه لم يخالفه (وقد اختلف في سبب كراهة أفراد يوم الجمعة بالصيام) على أقوال ذكرها الحافظ (منها) لكونه عيدا، ويدل على ذلك حديث أبي هريرة المذكورة أول أحاديث الباب، واستشكل التعليل بذلك بوقوع الأذن من الشارع بصومه مع غيره، وأجاب ابن القيم وغيره بأن شبهه بالعيد لا يستلزم الأستواء من كل وجه، ومن صام معه غيره انتفت عنه صورة التحري بالصوم (ومنها) لئلا يضعف عن العبادة (قال النووي) لأن يوم الجمعة يوم دعاء وذكر وعبادة من الغسل والتبكير إلى الصلاة وانتظارها واستماع الخطبة وإكثار الذكر بعدها لقول الله تعالى (فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا) وغير ذلك من العبادات في يومها فاستحب الفطر فيه فيكون أعون له على هذه الوظائف وأدائها بنشاط وانشراح لها والتذاذ بها من غير ملل ولاسامة، وهو نظير الحاج بعرفة يوم عرفة فان السنة له الفطر، (فان قيل) لو كان كذلك لم يزل النهي والكراهة بصوم قبله أو بعده لبقاء المعنى (فالجواب) أنه يحصل له بفضيلة الصوم الذي قبله أو بعده ما يجبر ما قد يحصل من فتور أو تقصير في وظائف يوم الجمعة بسبب صومه، فهذا هو المعتمد في الحكمة في النهي عن أفراد صوم الجمعة اهـ (قال الحافظ) وفي هذا لجواب نظر فان الجبر لا ينحصر في الصوم بل يحصل بجميع أفعال الخير فيلزم منه جواز أفراده لمن عمل فيه خيرا كثيرا يقوم مقام صيام يوم قبله أو بعده كمن اعتق فيه رقبة مثلا ولا قائل بذلك، وأيضا فكأن النهي يختص بمن يخشى عليه الضعف لا من يتحقق منه القوة، ويمكن الجواب عن هذا بأن المظنة أقيمت مقام المئنة كما في جواز الفطر في السفر لمن لم يشق عليه (ومنها) خوف المبالغة في تعظيمه فيفتن به كما افتتن اليهود بالسبت (قال النووي) وهذا ضعيف منتقض بصلاة الجمعة وغيرها مما هو مشهور من وظائف يوم الجمعة وتعظيمه (ومنها) أنه نهي عن صومه لئلا يعتقد وجوبه، وضعفه النووي لأنه منتقض بيوم الأثنين ويوم عرفة ويوم عاشوراء فانه يندب صومها فلا يلتفت إلى هذا الاحتمال البعيد، وصوَّب القول الثاني، وهو أن الحكمة في النهي عن صومع خشية تعطيل أداء العبادات المطلوبة في يوم الجمعة (والظاهر) أن أقوى الأقوال وأوها بالصواب القول الأول، لما في حديث أبي هريرة من كونه عيدا، ولا مانع من أن الحكمة في النهي عن صومه تتناول القول الثاني أيضا، لما أخرجه ابن أبي شيبة بأسناد حسن عن على رضي الله عنه قال "من كان منكم متطوعا فليصم يوم الخميس ولا يصم يوم الجمعة فانه يوم طعام وشراب وذكر" (ومن أحاديث
-[مذاهب الأئمة في حكم أفراد يوم السبت بالصوم]-
(4)
باب النهي عن صوم الأبد يعني الدهر
عن عبد الله بن عمرو (بن العاص رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسل لا صام من صام الأبد
الباب أيضًا) ما يدل على المنع من أفراد يوم السبت بالصيام، لكن جاء في رواية للنسائي والبيهقي والحاكم وابن حبان عن كريب، وتقدم مثله في الزوائد أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعثوه إلى أم سلمة يسألها عن الأيام التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر لها صياما فقالت يوم السبت والأحد، فرجعت إليهم فكأنهم أنكروا ذلك فقاموا بأجمعهم إليها فسألوها فقالت صدق، وكان يقوم إنهما يوما عيدنا مشركين فأنا أريد أن أخالفهم، وصحح الحاكم إسناده وصححه أيضا ابن خزيمة (وفي رواية لعائشة) عند الترمذي، قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من الشهر السبت والأحد والأثنين، الحديث تقدم في الزوائد أيضا وحسنه الترمذي، ولا منافاة بين هذين الحديثين وبينما جاء دالا على المنع عند الأمام أحمد من أفراد يوم السبت بالصوم فقد جمع صاحب البدر النمير بين هذه الأحاديث، فقال النهي متوجه إلى الأفراد، والصوم باعتبار انضمام ما قبله أو بعده إليه، ويؤد هذا ما تقدم من أذنه صلى الله عليه وسلم لمن صام الجمعة أن يصوم السبت بعدها، والجمع مهما أمكن أولى من النسخ (وقد ذهب) إلى كراهة صوم يوم السبت منفردا الأئمة (ابو حنيفة والشافعي وأحمد وأصحابهم) مستدلين بحديث عبد الله بن بسر، قالوا والحكمة في النهي عنه أن اليهود كانوا يعظمونه باتخاذه عيدا فأراد صلى الله عليه وسلم مخالفتهم (وذهب الأمام مالك) وجماعة إلى جواز صومه ولو منفردا بلا كراهة، وقالوا حديث عبد الله بن بسر منسوخ، قالوا وعلى تقدير عدم نسخه فهو ضعيف لا تقوم به حجة، والجواب عن ذلك أن النسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع والجمع ممكن بما قاله البدر المنير آنفا (وأما كونه) ضعيفا فقد تقدم الكلام على ذلك في الشرح، على أن الحديث قد صححه ابن السكن وغيره، إذا علمت هذا فالقول بكراهة صومه مفردا هو الراجح والله أعلم
عن عبد الله بن عمرو (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا سفيان ومسعر عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي العباس المكي عن عبد الله بن عمرو -الحديث (غريبه)(1) في رواية البخاري "لا صام من صام الأبد مرتين" ومعناه الدعاء عليه وتأكيد ذلك، وقيل معنى قوله لا صام -النفي. أي ما صام. كقوله تعالى "فلا صدق ولا صلى"(تخريجه)(ق. وغيرهما)
-[ما جاء في النهي عن صوم الأبد يعني الدهر]-
(208)
عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت أتى النبي صلى الله عليه وسلم بشراب فدار على القوم وفيهم رجل صائم، فلمَّا بلغه، قال له اشرب، فقيل يا رسول الله ليس يفطر، أو يصوم الدَّهر، فقال يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صام من صام الأبد
عن مطرِّف بن عبد الله بن الشِّخيِّر عن أبيه رضي الله عنه أنَّه سمع النَّبي صلى الله عليه وسلم وسئل عن رجل يصوم الدَّهر، قال لا صام ولا أفطر (وعنه من طريق ثان) عن أبيه أنَّ رجلًا سأل النَّبي صلى الله عليه وسلم عن صوم الدَّهر، فقال النبُّي صلى الله عليه وسلم ولا صام ولا أفطر، أو قال لم يصم ولم يفطر
(208) عن أسماء بنت يزيد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو النضر وحسن بن موسى قالا ثنا شيبان عن ليث عن شهر عن أسماء بنت يزيد الحديث (تخريجه) أورده الهيثمي، وقال رواه أحمد والطبراني في الكبير، وقال لا صمام ولا أفطر من صام الأبد، وفيه ليث بن أبي سليم وهو ثقة ولكنه مدلس
عن مطرّف بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد ابن جعفر ثنا سعيد عن قتادة عن مطرف بن عبد اله- الحديث" (غريبه) (1) في الطريق الثانية "أو قال لم يصم ولم يفطر" ومثلها للترمذي. وهو شك من بعض الرواة، قال صاحب اللمعات اختلفوا في توجيه معناه؛ فقيل هذا دعاء عليه كراهة لصنيعه وزجرا له عن فعله، والظاهر أنه أخبار، فعدم أفطاره ظاهر، أما عدم صومه فلمخالفته السنة، وقيل لأنه يستلزم صوم الأيام المنهية وهو حرام، وقيل لأنه يتضرر وربما يفضي إلى القاء النفس إلى التهلكة وإلى العجز عن الجهاد والحقوق الأخر اهـ (وقال ابن العربي) إن كان معناه الدعاء فياويح من أصابه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان معناه الخبر فياويح من أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يصم، وإذا لم يصم شرعا لم يكتب له الثواب لوجوب صدق قوله صلى الله عليه وسلم لأنه نفي عنه الصوم، وقد نفي عنه الفضل كما تقدم فكيف يطلب الفضل فيما نفاه النبي صلى الله عليه وسلم (2)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان ثنا همام عن قتادة عن مطرّف عن أبيه أن رجلا الخ (3) أي لم يحصل له أجر الصوم لمخالفته، ولم يفطر لأنه أمسك. وقيل لا يبقى له حظ من الصوم لكونه يصير عادة له، ولا هو مفطر حقيقة فلاحظ له من الأفطار، (تخريجه)(جه. حب) وسنده جيد.
-[زوائد الباب ومذاهب الأئمة في حكم صوم الأبد]-
(210)
عن أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال من صام الدَّهر ضيِّقت عليه جهنَّم هكذا وقبض كفَّه
عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال قيل يا رسول الله إنَّ فلانا لا يفطر نهارا الدَّهر، فقال لا أفطر ولا صام
(210) عن أبي موسى الأشعري (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع قال ثنا شعبة عن قتادة عن أبي تميمة عن أبي موسى قال وكيع وحدثني الضحاك أبو العلاء أنه سمعه من أبي تميمة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبه)(1) قال الحافظ ظاهرة أنها تضيق عليه حصرا له فيها لتشديده على نفسه وحمله عليها ورغبته عن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم واعتقاده أن غير سنته أفضل منها، وهذا يقتضي الوعيد الشديد فيكون حراما اهـ وحمله بعض العلماء على من صامه مع الأيام المنهي عن صومها والله أعلم (تخريجه)(نس. خز. حب) وسنده جيد، وقال الهيثمي، رواه أحمد والبزار إلا أنه قال وعقد تسعين، والطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح
عن عمران بن حصين (سنده) حدّثنا عبد الله حدّثني أبي ثنا إسماعيل عن الجريري عن أبي العلاء بن الشخير عن مطرّف عن عمران بن حصين- الحديث" (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وسنده جيد (زوائد الباب) عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا صام من صام الأبد (طب) وفيه عبيدة ابن معتّب وهو متروك (وعن عبد الله بن سفيان) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا صام من صام الأبد (طب) وفيه محمد بن أبي ليلى وفيه كلام (وعن عمرو بن سلمة) قال سئل ابن مسعود عن صوم الدهر فكرهه (طب) وإسناده حسن (الأحكام) أحاديث الباب تدل على عدم جواز صوم الدهر، وهل المراد بعدم الجواز الكراهة أو التحريم؟ فذهب إلى الكراهة مطلقا إسحاق وأهل الظاهر، وهي رواية عن الأمام عن الأمام أحمد (وقال ابن حزم يحرم) ويدل للتحريم حديث أبي موسى المذكور في الباب لما فيه من الوعيد الشديد (وقال القاضي عياض وغيره) ذهب جماهير العلماء إلى جوازه "يعني صوم الدهر" إذا لم يصم الأيام المنهي عنها، وهي العيدان والتشريق (ومذهب الشافعي وأصحابه) أن سرد الصوم إذا أفطر العيدين والتشريق لا كراهة فيه، بل هو مستحب بشرط أن لا يلحقه به ضرر ولا يفوّت
-[مذاهب الأئمة في حكم صوم الأبد]-
.....
حقا، فإن تضرر أو فوَّت حقا فمكروه، واستدلوا بحديث حمزة بن عمرو، وقدرواه البخاري ومسلم أنه قال يا رسول الله إني أسرد الصوم "يعني يتابعه" أفأصوم في السفر؟ فقال أن شئت فصم، ورواه أيضا الأمام أحمد "وتقدم في أبواب ما يبيح الفطر رقم 157 صحيفة 100 من هذا الجزء" فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على سرد الصيام، ولو كان مكروها لم يقره لاسيما في السفر، وقد ثبت عن ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنه كان يسرد الصيام، وكذلك أبو طلحة وعائشة وخلائق من السلف، وأجابوا عن حديث أبي موسى وحديث "لا صام من صام الأبد" ونحوهما من أحاديث الباب بأجوبة (أحدها) أنه محمول على حقيقته بأن يصوم معه العيدين والتشريق، وبهذا أجابت عائشة رضي الله عنها، وهو اختيار ابن المنذر وطائفة (والثاني) أنه محمول على من تضرر به أو فوَّت به حقا، ويؤيده أن النهي كان خطابا لعبد الله بن عمرو بن العاص وهو قوله صلى الله عليه وسلم لا صام من صام الأبد، وقد جاء عند الشيخين والأمام أحمد وغيرهم أنه عجز في آخر عمره وندم على كونه لم يقبل الرخصة، قالوا فنهى ابن عمرو وكان لعلمه بأنه سيعجز، وأقر حمزة بن عمرو لعلمه بقدرته بلا ضرر (والثالث) أن معنى لا صام أنه لا يجد من مشقته ما يجدها غيره فيكون خبرا لا دعاءًا، فمن كان كذلك لا يجد مشقة ولا يفوت حقا ولا يصوم شيئا من الأيام المنهي عن صومها فهو مستحب في حقه، فقد سئل ابن عمر عن صيام الدهر، فقال كنا نعد أولئك فينا من السابقين، رواه البيهقي (وعن عروة) أن عائشة كانت تصوم الدهر في السفر والحضر، رواه البيهقي باسناد صحيح (وعن أنس) رضي الله عنه قال كان أبو طلحة لا يصوم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من أجل الغزو، فلما قبض النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لم أره مفطرا إلا يوم الفطر أو الأضحى، رواه البخاري في صحيحه (وعن أبي قيس) مولى عمرو بن العاص أن عمرا رضي الله عنه كان يسرد الصوم رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح (فائدة) ذكر الأمام النووي رحمه الله فرعا في المجموع في تسمية بعض الأعلام من السلف والخلف ممن صام الدهر غير أيام النهي الخمسة العيدان والتشريق فقال (منهم) عمر بن الخطاب. وابنه عبد الله: وأبو طلحة الأنصاري. وأبو أمامة وامرأته. وعائشة رضي الله عنهم وذكر البيهقي ذلك عنهم بأسانيده، وحديث أبي طلحة في صحيح البخاري (ومنهم) سعيد بن المسيب. وأبو عمرو بن حماس بكسر الحاء المهملة وآخره سين. وسعيد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف التابعي سرده أربعين سنة. والأسود بن يزيد صاحب ابن مسعود (ومنهم) البويطي وشيخنا. أبو إبراهيم إسحاق بن أحمد المقدسي الفقيه الأمام الزاهد اهـ والله سبحانه وتعالى أعلم
-[ما جاء في صوم يومين وإفطار يوم- وإفطار يومين وصوم يوم]-
(5)
باب جامع لبعض ما يستحب صومه وما يكره
عن أبي قتادة رضي الله تبارك وتعالى عنه أنَّ رجلًا سأل النَّبي صلى الله عليه وسلم عن صومه فغضب، فقال عمر رضي الله عنه رضيت أو قال رضينا بالله ربَّا وبالإسلام دينًا، قال ولا أعلمه إلا قد قال وبمحمد رسولًا وبيعتنا بيعًة، قال فقام عمر أو رجل آخر، فقال يا رسول الله رجل صام الأبد، قال لا صام ولا أفطر أو ما صام وما أفطر، قال صوم يومين وإفطار يوم، قال ومن يطيق ذلك؟ قال إفطار يومين وصوم يوم، قال ليت الله عز وجل قوَّانا لذلك قال
عن أبي قتادة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن سعيد ثنا شبعة ثنا غيلان بن جرير عن عبد الله بن معبد الزَّماني عن أبي قتادة، قال شعبة قلت لغيلان. الأنصاري؟ فقال برأسه أي نعم أن رجلا- الحديث" وقوله قال شعبة الخ. معناه أن شعبة سأل غيلان بن جرير الذي روى عنه الحديث عن أبي قتادة أهو أبو قتادة الأنصاري أو غيره؟ فقال برأسه أي أشار غيلان برأسه نعم، أي هو أبو قتادة الأنصاري (غريبه) (1) لم نقف على اسم هذا الرجل (2) عند مسلم وأبي داود أن الرجل قال للنبي صلى الله عليه وسلم "كيف تصوم" فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال العلماء) سبب غضبه صلى الله عليه وسلم أنه كره مسألته لأنه يحتاج إلى أن يجيبه ويخشى من جوابه مفسدة، وهي أنه ربما اعتقد السائل وجوبه أو استقله أو اقتصر عليه وكان يقتضى حاله أكثر منه، وإنما اقتصر عليه النبي صلى الله عليه وسلم لشغله بمصالح المسلمين وحقوقهم وحقوق أزواجه وأضيافه والوافدين إليه لئلا يقتدى به كل أحد فيؤدي إلى الضرر في حق بعضهم، وكان حق السائل أن يقول كم أصوم أو كيف أصوم فيخص السؤال بنفسه ليجيبه بما يقتضيه حاله كما أجاب غيره بمقتضى أحوالهم والله أعلم قاله النووي (3) أي حقا يجب علينا الوفاء به، ولم يذكر لفظ البيعة عند مسلم وأبي داود، ولفظه عند مسلم "فلما رأى عمر رضي الله عنه غضبه، قال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا، نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، فجعل عمر رضي الله عنه يردد هذا الكلام حتى سكن غضبه" (4) هو عمر لا غيره، لما في صحيح مسلم. قال عمر يا رسول الله كيف بمن يصوم الدهر كله، قال لا صام ولا أفطر الخ. وتقدم معنى قوله صلى الله عليه وسلم لا صام ولا أفطر في الباب السابق (5) يعني من أمته لأنه صلى الله عليه وسلم كان يطيقه وأكثر منه، وكان يواصل ويقول إني لست كأحدكم، إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقني (6) إنما قال
-[ما جاء في صوم يوم وإفطار يوم. وصوم الاثنين والخميس. وثلاثة أيام من كل شهر الخ]-
صوم يوم وإفطار يوم، قال ذاك صوم أخي داود، قال صوم الاثنين والخميس قال ذاك يوم ولدت فيه وأنزل علىَّ فيه، قال صوم ثلاثة أيَّام من كل شهر ورمضان إلى رمضان، قال صوم الدَّهر وإفطاره، قال صوم يوم عرفة، قال يكفِّر السَّنة الماضية والباقية، قال صوم يوم عاشوراء، قال
ذلك صلى الله عليه وسلم لحقوق نسائه وغيرهم من المسلمين المتعلقين به والقاصدين إليه لا لضعف جبلته عن احتمال الصيام أو قلة صبره عن الطعام في هذه المدة (1) يريد أنه أفضل الصوم كما ورد عند الأمام أحمد وغيره "إن أفضل الصوم صوم أخي داود" وفي لفظ "أحب الصيام إلى الله صيام داود"(وفي لفظ آخر) أعدل الصيام صيام داود (وفي رواية للبخاري) أفضل الصوم صوم داود. صيام يوم وإفطار يوم (2) هكذا عند الأمام أحمد صوم الاثنين والخميس، وقد جاء عند مسلم "قال وسئل عن صوم يوم الاثنين قال ذاك يوم ولدت فيه ويوم بعثت أو أنزل على فيه" ولم يذكر مسلم يوم الخميس. ثم قال مسلم في آخر الحديث "وفي هذا الحديث من رواية شعبة قال وسئل عن صوم يوم الاثنين والخمس فسكتنا عن ذكر الخميس لما نراه وهما" اهـ يريد أن ذكر الخميس في هذا الحديث وهم من بعض الرواة ولذا لم يذكره (قال القاضي عياض) رحمه الله إنما تركه وسكت عنه لقوله فيه ولدت وفيه بعثت أو أنزل علىَّ، وهذا إنما هو في يوم الاثنين كما جاء في الروايات الباقيات يوم الاثنين دون ذكر الخميس، فلما كان في رواية شعبة ذكر الخميس تركه لأنه رآه وهما. قال القاضي ويحتمل صحة رواية شعبة ويرجع الوصف بالولادة والأنزال إلى الاثنين دون الخميس، قال النووي وهذا الذي قاله القاضي متعين والله أعلم اه (3) الضمير في قوله "فيه" راجع إلى يوم الاثنين كما قال ذلك القاضي عياض رحمه الله، والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم ولد في يوم الاثنين وأنزل عليه القرآن في يوم الاثنين. ويوم هذا شأنه جدير بأن يجتهد فيه بالطاعة وأن يقوم فيه الإنسان بشكر مولاه لما أولاه فيه من تمام النعمة بإيجاد النبي صلى الله عليه وسلم وإنزال القرآن الكريم في هذا اليوم فيصومه بشكرا لله تعالى على هذه النعمة (4) معناه والله أعلم أنه يكتب له ثواب صوم الدهر مع كونه مفطرا فيجوز المزيتين، مزية ثواب الصوم ومزية لذة الأكل، والمعنى أن صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصيام رمضان من كل سنة حال كونه منتهيا بصيامه إلى رمضان الآخر بحيث لا يبقى من رمضان الفائت شيء بدون صيام. ثوابه كثواب صيام الدهر، وهذا مبنى على أن رمضان لا يحسب صومه بعشرة وإنما يحسب غيره من الثلاثة الأيام باعتبار أن الحسنة بعشر
-[ما جاء في صوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر]-
يكفِّر السَّنة الماضية.
عن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النَّبي صلى الله عليه وسلم قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجَّة ويوم عاشوراء وثلاثة أيَّام من كلِّ شهر، قال عفان أول اثنين من الشَّهر وخميسين
وعنه أيضًا عن حفصة زوج النَّبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله
أمثالها، فكل ثلاثة أيام بشهر؛ وأما رمضان فلابد من صيامه كله. ولا يكفى عنه صيام ثلاثة أيام فذكره النبي صلى الله عليه وسلم لدفع توهم دخوله في الكلية المذكورة في الحديث، وما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي أيوب "من صام رمضان وستا من شوال فقد صام الدهر" وراه (د. جه. حب والأمام أحمد وسيأتي) فمبنى على أن صوم رمضان يحسب بعشرة والله أعلم (وقوله الباقية) يعني الآتية، والمراد أن الله عز وجل يكفر عنه صغائر ذنوب السنة الماضية كما عليه المحققون من أهل العلم ويحول بينه وبين الذنوب في السنة الآتية (1) يعني من الصغائر والله أعلم (تخريجه)(م. د. نس. جه. هق) مختصرا ومطولا وباختلاف في بعض الألفاظ
عن هنيدة بن خالد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سريج وعفان قالا ثنا أبو عوانة ثنا الحربن الصياح قال سريج عن الحر عن هنيدة بن خالد- الحديث" (غريبه) (2) يعني من أول ذي الحجة لغاية اليوم التاسع منه، وقد جاء في رواية عند النسائي من طريق أبي نعيم قال حدثنا أبو عوانة عن الحر بن الصياح عن هنيدة بن خالد عن امرأنه عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم تسعا من ذي الحجة ويوم عاشوراء الحديث كما هنا (3) هو أحد الراويين اللذين روى عنهما الأمام أحمد هذا الحديث، يعني أنه قال في روايته "أول اثنين من الشهر وخميسين" وليس هذا مدرجا من قول عثمان، وقد جاء مرفوعا عند النسائي بلفظ وثلاثة أيام من كل شهر أول اثنين من الشهر وخميسين"(وله من طريق أخرى) عن هنيدة الخزاعي عن أمة عن أم سلمة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصيام ثلاثة أيام أول خميس والأثنين والأثنين، قال الشيخ ولي الدين اختلاف هذه الروايات يدل على أن المقصود كون هذه الأيام الثلاثة واقعة في اثنين وخميسين أو بالعكس على أي وجه كان والله أعلم (تخريجه)(د. نس. هق) وسنده جيد
وعنه أيضًا (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هاشم بن
-[النهي عن صوم يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق]-
وصحبه وسلَّم قلت أربع لم يكن يدعهنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صيام عاشوراء والعشر وثلاثة أيَّام من كلِّ شهر ولركعتين قبل الغداة
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة ويوم النَّحر وأيَّام التَّشريق عيدنا أهل الإسلام وهنَّ أيام أكل وشرب
أبواب صيام التطوع وما يستحب صومه من الأيام
باب ما جاء في صوم التطوع في السفر
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من
القاسم ثنا أبو إسحاق الأشجعي الكوفي قال ثنا عمرو بن قيس الملائي عن الحربن الصياح عن هنيدة بن خالد الخزاعي عن حفصة- الحديث" (غريبه) _1) يعني من السنن كان صلى الله عليه وسلم يحافظ على فعلهن (2) أي اليوم العاشر من المحرم "والعشر" المراد بها هنا التسعة الأيام من أول ذي الحجة فان اليوم العاشر لا يصام لأنه يوم عيد، وتقدم النهي عن صومه، ولما كانت الأيام العشر من ذي الحجة لها فضائل كثيرة والعمل الصالح فيها أحب إلى الله منه في غيرها كما ورد في صحاح الأخبار وكان الصيام من أعظم الأعمال عبر بالعشر هنا تغليبا لما اشتهرت به والله أعلم (3) يحتمل أن تكون مطلقة يعني أي أيام كانت من الشهر كما يدل على ذلك ظاهر الحديث، أو تقيد بما في الحديث السابق (4) يعني ركعتي الفجر (تخريجه)(د. نس) وسنده جيد.
(عن عقبة بن عامر) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب النهي عن صوم أيام التشريق رقم 190 صحيفة 143 من هذا الجزء، وإنما ذكرته هنا لمناسبة الترجمة (الأحكام) حديث عقبة بن عامر الأخير من أحاديث الباب تقدم الكلام على أحكامه في باب النهي عن صوم أيام التشريق المشار إليه، وباقي أحاديث الباب سيأتي الكلام على أحكامها مستوفي في أبوابها إن شاء الله تعالى والله الموفق
عن أبي هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أنس بن
-[ما جاء في فضل الصيام في سبيل الله]-
صام يومًا في سبيل الله زحزح الله وجهه عن النار بذلك سبعين خريفًا
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أتى النَّبي صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم بطعام بمرِّ الظَّهران فقال لأبي بكر وعمر أدنيا فكلا، قالا إنَّا صائمان، قال أرحلوا لصاحبيكم أعملوا لصاحبيكم
عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري واصطحب هو ويزيد
عياض عن سهيل بن أبي صالح عن أبي هريرة- الحديث" (غريبه)(1) معناه أن الله عز وجل يباعده عن النار ويعافبه منها مسيرة سبعين سنة بسبب صوم ذلك اليوم (تخريجه)(ق. نس. مذ. جه)
وعن أبي سعيد الخدري (سنده) حدّثنا عبد الله قال حدثني أبي ثنا ابن نمير ثنا سفيان عن سمىّ عن النعمان بن أبي عياش الزرقي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصوم عبد يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم النار عن وجهه سبعين خريفا (تخريجه)(ق. نس. مذ)
عن أبي هريرة (ٍنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عمر ابن سعد هو أبو داود الحفري قال أنا سفيان عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة- الحديث" (غريبه)(2) اسم واد بين مكة وعسفان وتقدم تفسيره بأوضح من هذا في شرح الحديث رقم 162 صحيفة 103 من هذا الجزء (3) يقال أرحلت فلانا بالألف أعطيته راحلة، والراحلة المركب من الأبل ذكرا كان أو أنثى، والرحل كل شيء يعد للرحيل من وعاء للمتاع ومركب للبعير وحلس ورسن. وجمعه أرحل ورحال مثل أفلس وسهام، والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من معه من الصحابة أن يعطوهما شيئا من الرواحل لزيادة راحتهما أو يعاونوهما في ترحيل أمتعة السفر وقضاء مصالحهما اشفافا عليهما لأنهما صائمان والله أعلم (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وسنده جيد
عن أبي بردة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد قال أنبأنا العوام بن حوشب ثنا إبراهيم بن إسماعيل السكسكي أنه سمع أبا بردة ابن أبي موسى -الحديث" (غريبه)(4) أي أبو بردة ويزيد في سفر
-[زوائد الباب وكلام العلماء في صوم التطوع في السفر]-
ابن أبي كبشة في سفر وكان يزيد يصوم فقال له أبو بردة سمعت أبا موسى (الأشعريَّ رضي الله عنه مرارًا يقول، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرض العبد أو سافر كتب له من الأجر مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا
(1) زاد البخاري "في السفر" وفي رواية الإسماعيلي "وكان يصوم الدهر"(2) فيه اللَّف والنشر المقلوب، فان قوله مقيما يقابل قوله أو سافر، وقوله صحيحا يقابل قوله إذا مرض، وهذا فيمن كان يعمل طاعة فمنع منها أو سافر في غير معصية وعضله ذلك عن العمل ونيته لولا المانع لدوام عليه (تخريجه)(خ. د)(زوائد الباب) عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام يوما في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقا كما بين السماء والأرض (طس. طص) باسناد حسن (وعن عمرو بن عبسة) رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام يوما في سبيل الله بعدت منه النار مسيرة مائة عام (طب. طس) بإسناد لا بأس به (وعن معاذ بن أنس) رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام يوما في سبيل الله في غير رمضان بعد من النار مائة عام سير المضمر الجواد؛ رواه أبو يعلي من طريق زبان بن فايد (وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال من صام يوما في سبيل الله جعل الله وبينه وبين النار خندقا كما بين السماء والأرض (مذ) من رواية الوليد بن جميل "صدوق يخطئ" عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة وقال حديث غريب، ورواه الطبراني ألا أنه قال من صام يوما في سبيل الله بعَّد الله وجهه عن النار مسيرة مائة عام ركض الفرس الجواد المضمر، أورد هذه الأحاديث الحافظ المنذري وتكلم عليها جرحا وتعديلا (الأحكام) أحاديث الباب تدل على استحباب صوم سائر التطوعات في السفر سواء أكان السفر لأجل الجهاد أم لغيره، وهذه الأحاديث وردت في سفر الجهاد فالمسافر لحاجة غير الجهاد من باب الأولى، لأن المجاهد يحتاج للفطر أكثر من غيره (قال النووي رحمة الله) وهو محمول على من لا يتضرر به ولا يفوّت به حقا ولا يختل قتاله ولا غيره من مهمات غزوة اهـ (وقال الحافظ المنذري) وقد ذهبت طوائف من العلماء إلى أن هذه الأحاديث جاءت في فضل الصوم في الجهاد وبوَّب على هذا الترمذي وغيره (وذهبت طائفة) إلى أن كل الصوم في سبيل الله إذا كان خالصا لوجه الله تعالى والله أعلم اهـ
-[نهي المرأة عن صوم التطوع وزوجها حاضر إلا بإذنه]-
(2)
باب لا تصوم المرأة تطوعا وزوجها حاضر بغير إذنه
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تصم المرأة يومًا واحدًا وزوجها شاهد إلَاّ بإذنه إلا رمضان
وعنه أيضًا يبلغ به النَّبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لولا أن أشقَّ على أمَّتي لأمرتهم بتأخير العشاء والسِّواك مع الصَّلاة، ولا تصوم امرأة وزوجها شاهد يومًا واحدًا غير رمضان إلَاّ بإذنه
(220) عن أبي هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع وعبد الرحمن عن سفيان عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة- الحديث" (غريبه) (1) التعبير باليوم الواحد يفيد أن صيام اليوم الواحد لا يجوز، وما زاد عنه من باب الأولى لا يجوز أيضًا "وقوله وزوجها شاهد" أي حاضر، قال الحافظ يلتحق به السيد بالنسبة لأمته التي يحل له وطؤها، قال ووقع في رواية همام "وبعلها" وهي أفيد، لأن ابن حزم نقل عن أهل اللغة أن البعل اسم للزوج والسيد، فان ثبت وإلا الحق السيد بالزوج للاشتراك في المعنى اهـ والمعنى لا تصوم المرأة نقلا وزوجها حاضر في بلدها إلا بإذنه صريحا أو ضمنا كأن تعلم رضاه بذلك، فان كان مسافرا فلها الصوم لأن الحكمة في عدم صومها استمتاعه بها. ولا يتأنى ذلك مع غيابه عنها "وقوله إلا رمضان" يعني فانها تصومه بغير أذنه لأنه فرض لابد من أدائه (قال الحافظ) وكذا في غير رمضان من الواجب إذا تضيق الوقت اهـ وقال القارئ في المرقاة ظاهر الحديث اطلاق منع صوم النقل فهو حجة على الشافعية في استثناء نحو عرفة وعاشوراء اهـ (تخريجه)(ق. د. هق. مي)
وعنه أيضا (ٍنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبه)(3) الكلام على تأخير العشاء تقدم في باب استحباب تأخير العشاء إلى ثلث الليل الأول صحيفة 274 في الجزء الثاني، والكلام على السواك تقدم أيضا في باب ما جاء في السواك عند الصلاة في الجزء الأول صحيفة 292 (تخريجه)(مذ. خز. حب) ورواه البخاري بلفظ لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ورواه مسلم أيضا بلفظ لا تصوم
-[زوائد الباب ومذاهب العلماء في حكم صوم المرأة تطوعا وزوجها حاضر بغير إذنه]-
.....
المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه، ولأبي داود مثل رواية مسلم وزا "غير رمضان"(زوائد الباب)(عن ابن عباس) رضي الله عنهما مرفوعا في أثناء حديث "ومن حق الزوج على الزوجة أن لا تصوم تطوعا إلا بإذنه، فان فعلت جاعت وعطشت ولا يقبل منها (طب) (وعن أبي هريرة) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما أمرأة صامت بغير إذن زوجها فأرادها على شيء فامتنعت عليه كتب الله عليه ثلاثا من الكبائر، أورده المنذري وقال رواه الطبراني في الأوسط من رواية بقية وهو حديث غريب وفيه نكارة، وأورده الهيثمي أيضا وقال فيه بقية "يعني ابن الوليد" وهو ثقة ولكنه مدلس (وفي الباب) أحاديث كثيرة جاءت ضمن أحاديث طويلة عند الأمام أحمد وغيره (الأحكام) حديثا الباب مع الزوائد تدل على تحريم صوم المرأة تطوعا وزوجها حاضر بغير إذنه (وبذلك قال جمهور العلماء) وحكى النووي التحريم في المجموع عن صاحب المهذب والبغوي وصاحب العدة وغيرهم من الشافعية، ثم قال وقال جماعة من أصحابنا يكره والصحيح الأول، قال فلو صامت بغير إذن زوجها صح باتفاق أصحابنا وإن كان الصوم حراما، لأن تحريمه لمعنى آخر لا لمعنى يعود إلى نفس الصوم فهو كالصلاة في دار مغصوبة، فإذا صامت بلا إذن قال صاحب البيان الثواب إلى الله تعالى هذا لفظه، ومقتضى المذهب في نظائرها الجزم بعدم الثواب كما قيل في الصلاة في دار مغصوبة (وأما صومها التطوع) في غيبة الزوج عن بلدها فجائز بلا خلاف لمفهوم الحديث ولزوال معنى النهي اهـ وقال في شرح مسلم سبب هذا التحريم أن الزوج له حق الاستمتاع بها في كل الأيام؛ وحقه فيه واجب على الفور فلا يفوته بتطوع ولا بواجب على التراخي (فان قيل) فينبغي أن يجوز لها الصوم بغير أذنه، فان أراد الاستمتاع بها كان له ذلك ويفسد صومها (فالجواب) أن صومها يمنعه من الاستمتاع في العادة لأنه يهاب انهاك الصوم بالأفساد "وقوله صلى الله عليه وسلم وزوجها شاهد" أي مقيم في البلد، أما إذا كان مسافرا فلها الصوم، لأنه لا يتأتي منه الاستمتاع إذا لم تكن معه اهـ (قال الحافظ) ويؤكد التحريم ثبوت الخبر بلفظ النهي، وورده بلفظ الخبر لا يمنع من ذلك "يعني كما في رواية مسلم وأبي داود بلفظ لا تصوم" بل هو أبلغ لأنه يدل على تأكيد الأمر فيه فيكون تأكده بحمله على التحريم (قال الحافظ) ومفهوم الحديث في تقييده بالشاهد يقتضي جواز التطوع لها إذا كان زوجها مسافرا، فلو صامت وقدم في أثناء الصيام فله أفساد صومها ذلك من غير كراهة، ة وفي معنى الغيبة أن يكون مريضا بحيث لا يستطيع الجماع، وحمل المهلب النهي المذكور على التنزيه، فقال هو من حسن المعاشرة، ولها أن تفعل من غير الفرائض من غير أذنه مالا يضره ولا يمنعه من واجباته، وليس له أن يبطل شيئا من طاعة الله إذا دخلت فيه بغير إذنه اهـ (قال الحافظ) وهو خلاف الظاهر وفي
-[جواز الفطر للصائم المتطوع واستحباب القضاء له]-
(3)
باب في أن صوم التطوع لا يلزم بالشروع فيه
عن أمِّ هانئ (بنت أبي طالب) رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب شرابًا فناولها لتشرب، فقالت إنِّي صائمة ولكنيِّ كرهت أن أردَّ سؤرك فقال يعني إن كان قضاءً من رمضان فاقضي يومًا مكانه، وإن كان تطوعًا فإن شئت فاقضى وإن شئت فلا تقضي (وعنها من طريق ثان) قال لمَّا كان يوم فتح مكة جاءت فاطمة حتَّى قعدت عن
الحديث أن حق الزوج آكد على المرأة من التطوع بالخير لأن حقه واجب والقيام بالواجب مقدم على التطوع اهـ والله أعلم
عن أم هانئ (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا بهز ثنا حماد ابن سلمة ثنا سماك بن حرب عن هارون بن بنت أم هانئ أو ابن ابن أم هانئ عن أم هانئ -الحديث" (غريبه) (1) السؤر ما بقي من طعام الآكل أو من شراب الشارب، ويستعمل في الأكل والشرب (2) المعنى أن كان صومك لقضاء أيام عليك من رمضان فاقضي يوم مكان هذا اليوم، وإن كان صومك تطوعا فانت مخيرة في القضاء وعدمه (3) (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أسود بن عامر قال ثنا إسرائيل عن سماك عن رجل عن أم هانئ قالت لما كان يوم فتح مكة الحديث (4) المراد به الأيام التي أقامها النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد فتحها وكان فتحها لعشر بقين من رمضان كما في رواية عند الشيخين والأمام أحمد، وكانت مدة أقامته صلى الله عليه وسلم بمكة بعد الفتح إلى أن خرج لحنين خمسة عشر يوما كما رواه أبو داود وابن ماجه والنسائي عن ابن عباس، أو سبعة عشر كما في رواية أخرى لأبي داود، أو ثمانية عشر، وقيل إلى تسعة عشر يوما، واختاره ابن الصلاح والسبكي وغيرهما لقول البيهقي إنها أصح الروايات، وقيل لا يعارض، بل من روى ثمانية عشر أسقط يومي الدخول والخروج، ومن روى تسعة عشر أسقط أحدهما، وقدموا هاتين الروايتين على رواية سبعة عشر وخمسة عشر لأنهما أرجح والله أعلم، إذا علمت هذا تفهم أن قولها في الحديث "لما كان يوم الفتح" ليس المراد به اليوم الخاص الذي وقع فيه الفتح، وعلى هذا فلا يرد قول من ضعَّف الحديث بحجة أن يوم الفتح كان في رمضان فكيف يقول صلى الله عليه وسلم لأم هانئ "أشئ تقضيته عنك" أو "أكنت تقضين شيئًا" كما في رواية أبي داود (والجواب
-[الصائم المتطوع أمير على نفسه -إن شاء أفطر وإن شاء أتم صومه]-
يساره وجاءت أمُّ هانئٍ فقعدت عن يمينه وجاءت الوليدة بشراب فتناوله النَّبي صلى الله عليه وسلم فشرب، ثمَّ ناوله أمَّ هانئٍ عن يمينه فقالت لقد كنت صائمة، فقال لها أشي تقضينه عليك؟ قالت لا. قال لا يضرُّك إذًا (وعنها من طريق ثالث) أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الفتح فأتى بشراب فشرب ثمَّ ناولني، فقلت إنِّي صائمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم إنَّ المتطوِّع أمير على نفسه فإن شئت فصومي وإن شئت فأفطري
عن ذلك) أن هذه القصة كانت في الأيام التي أقامها النبي صلى الله عليه وسلم بمكة في شوال وتقدم بيانها والله أعلم (1) يعني عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم "وقولها وجاءت أم هانئ فقعدت عن يمينه" أظهار في مقام الأضمار، وكان القياس أن تقول فجئت فقعدت عن يمينه، ويحمل على التجريد فكأنها تحكى عن نفسها أو أن الراوي وضع كلامه مكان كلامها فنقله بالمعنى (2) الوليد في الأصل الطفل الصغير؛ ومنه الحديث "لا تقتلوا وليدا" يعني في الغزو والجمع ولدان والأنثى وليدة والجمع الولائد، وقد تطلق الوليدة على الجارية والأمة وإن كانت كبيرة، والمراد هنا الأمة ولم يذكر اسمها في الحديث ولا نوع الشراب، والظاهر أنه كان ماءًا لأنه المراد عند الأطلاق (3) كان القياس أن تقول ثم ناولني إياه ففيه إظهار في مقام الأضمار وقدَّمها النبي صلى الله عليه وسلم لأن السنة أن يبدأ بأكبر القوم وأشرفهم، ثم من على يمينه، ثم من على يمين من على يمينه وهكذا، فقدمها النبي صلى الله عليه وسلم لكونها كانت على يمينه (4) لفظ أبي داود "ثم ناوله أم هانئ فشربت منه فقالت يا رسول الله لقد أفطرت وكنت صائمة" وظاهر هذا أنها سألت عن الحكم بعد أن شربت، وإنما لم تسأل قبل شربها ايثارا لتناول سؤره صلى الله عليه وسلم على الصوم كما تفيده الطريق الأولى، وقد استشعرت بأنها عملت مالا ينبغي، ففي رواية الترمذي "ثم ناولني فشربت منه فقلت إني أذنبي فاستغفر لي، فقال وما ذاك؟ قالت كنت صائمة فأفطرت"(5) أي ليس عليك إثم في أفطارك، وفي رواية أبي داود فلا يضرك إن كان تطوعا (6)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر قال ثنا شعبة عن جعدة عن أم هانئ وهي جدته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الفتح الحديث (7) يعني له الخيرة في الصوم أو الأفطار في صوم التطوع (تخريجه) الطريق الأولى منه ذكرها الحافظ في التلخيص بنصها، وقال رواه النسائي من حديث حماد بن سلمة عن سماك عن هارون بن أم هانيء بهذا
-[حجة القائلين بوجوب القضاء للصائم المتطوع إذا أفطر]-
(223)
عن عائشة رضي الله تبارك وتعالى عنها قالت أهديت لحفصة شاة ونحن صائمتان ففطَّرتني فكانت ابنة أبيها فلمَّا دخل علينا رسول الله صلَّى الله عليه على آله وصحبه وسلم ذكرنا ذلك له،
ورواه من طريق أخرى وليس فيها قوله "فان شئت فاقضيه" ورواه أحمد وأبو داود والترمذي والدارقطني والطبراني والبيهقي من طرق عن سماك، واختلف فيه على سماك، وقال النسائي سماك ليس يعتمد عليه إذا انفرد (وقال البيهقي) في إسناده مقال، وقال ابن القطان هارون لا يعرف (تنبيه) اللفظ الذي ذكره الرافعي "يعني في كتابه الشرح الكبير ولفظه كالطريق الأولى من حديث الباب" أورده قاسم بن أصبغ في جامعة، ومما يدل على غلط سماك فيه أنه قال في بعض الروايات عنه أن ذلك كان يوم الفتح وهي عند النسائي والطبراني، ويوم الفتح كان في رمضان فكيف يتصور قضاء رمضان في رمضان، انتهى ما نقله الحافظ (قلت) يتصور قضاؤه سواء أكان قضاء رمضان أم تطوعا في شوال في المدة التي أقامها النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فيه، وتقدم الكلام عليها وبذلك تنتفي هذه العلة (والطريق الثانية) أخرجها (د. مذ. نس. قط. هق. مي. طب) قال النووي في المجموع وألفاظ رواياتهم متقاربة المعنى وإسنادها جيد ولم يضعفه أبو داود، وقال الترمذي وفي إسناده مقال اهـ (قلت) الطريق الثانية من حديث الباب رواية الأمام أحمد في إسنادها رجل لم يسم ولكن هذه الروايات تعضدها (والطريق الثالثة) من حديث الباب أخرجها الترمذي وغيره بسند لا بأس به، وبالجملة فكثرة طرق الحديث يعضد بعضها بعضا والله أعلم.
عن عائشة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد قال أنا سفيان يعني ابن حسين عن الزهري عن عروة عن عائشة- الحديث" (غريبه) (1) أي تطوعا فقد جاء في الموطأ "أنهما أصبحتا صائمتين متطوعتين" (2) تعني موفقة إلى الصواب كأبيها عمر رضي الله عنهما لأنها رأت أن المتطوع لا بأس عليه إذا أفطر، وهي التي حملت عائشة على الفطر (3) ظاهر هذا أنهما اشتركتا في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم، لكن جاء في الموطأ "قالت عائشة فقالت حافصة بدرتني بالكلام. وكانت بنت أبيها يا رسول الله إني أصبحت أنا وعائشة صائمتين متطوعتين فأهدى لنا طعام فأفطرنا عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقضيا مكانه يوما آخر" فهذه الرواية تفيد أن حفصة هي التي سألت ولذلك قالت عائشة "بدرتني" أي سبقتني بالكلام "وكانت بنت أبيها" أي في المسارعة في الخير كأبيها عمر، فهو غاية في
-[زوائد الباب في جواز الفطر للصائم المتطوع]-
فقال أبدلا يومًا مكانه
مدحها لها، ولا منافاة بين الروايتين لأن الجمع بينهما ممكن بأن عائشة سألت أيضًا، ولكن بعد أن سبقتها حفصة بذلك والله أعلم (1) لفظ أبي داود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عليكما صوما مكانه يوما آخر، ي لا إثم عليكما (تخريجه)(د. نس. مذ. وغيرهم) ورواه مالك في الموطأ عن ابن شهاب (الزهري) عن عائشة حفصة مرسلا، ووصله ابن عبد البر عن عبد العزيز بن يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة، وقال لا يصح عن مالك إلا المرسل، وله طرق عند النسائي والترمذي وضعفاها كلها، وقال النسائي الصواب. والترمذي الأصح. عن الزهري مرسل، قال الترمذي وتابع مالك على أرساله معمر وعبيد الله بن عمر وزياد بن سعد وغير واحد من الحفاظ، ونقل الترمذي عن ابن جريح، قال سألت الزهري احدثك عروة عن عائشة، قال لم أسمع من عروة في هذا شيئا، ولكن سمعت من ناس عن بعض من سأل عائشة (زوائد الباب) عن أبي جحيفة قال آخر النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة، فقال لها ما شأنك، قال أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما، فقال كل فاني صائم، فقال ما أنا بآكل حتى فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال نم فنام، ثم ذهب يقوم، فقال نم، فلما كان في آخر الليل قال سلمان قم الآن فصلَّيا؛ فقال له سلمان أن لربك عليك حقا. ولنفسك عليك حقا. ولأهلك عليك حقا. فأعط كل ذي حق حقه. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق سلمان رواه البخاري والترمذي (وعن عائشة) رضي الله عنها، قالت دخل علىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال أعندك شيء، فقلت لا. قال إني إذا أصوم، قالت ودخل علىَّ يوما آخر فقال أعندك شيء؟ قلت نعم، قال إذا أفطر وأن كنت قد فرضت الصوم. رواه الدارقطني والبيهقي بهذا اللفظ، وقال إسناده صحيح. وتقدم نحوه عن عائشة في باب وجوب النية في الصوم من الليل رقم 61 صحيفه 277 في الجزء التاسع من كتاب الصيام. رواه الأمام أحمد ومسلم والأربعة (وعن أبي سعيد) رضي الله عنه قال صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما فأتاني هو وأصحابه فلما وضع الطعام قال رجل من القوم أني صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاكم أخوكم وتكلف لكم، قال له أفطر وصم مكانه يومان شئت، رواه البيهقي وقال الحافظ إسناده حسن (وعن ابن مسعود) رضي الله عنه قال إذا أصبحت وأنت ناوي الصوم فأنت بخير النظرين، أن شئت صمت. وأن شئت أفطرت. رواه البيهقي بإسناد صحيح (وعن
-[مذاهب الأئمة في حكم من أفطر في صوم التطوع. وهل يلزمه القضاء أم لا؟]-
.....
جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما أنه لم يكن يرى بإفطار المتطوع بأسًا، رواه الدارقطني بإسناد صحيح، قاله النووي في المجموع، قال وعن ابن عباس مثله، رواه الشافعي والبيهقي بإسناد صحيح اهـ (وعن ابن عمر) رضي الله عنهما قال أصبحت عائشة وحفصة صائمتين فأهدى لهما طعام فأفطرتا فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فسألته إحداهما أحسبه. قال حفصة قال اقضيا يومًا مكانه، أورده الهيثمي، وقال رواه البزار والطبراني في الأوسط. وفيه حماد بن الوليد ضعفه الأئمة، وقال أبو حاتم شيخ (وعن أبي طلحة) رضي الله عنه أنه كان يصبح صائمًا متطوعًا ثم يأتي أهله فيقول هل عندكم شيء، أورده الهيثمي أيضًا وقال رواه البزار وفيه عبد الله بن إسحاق الواسطي وهو ضعيف (الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد تدل على أنه يجوز لمن صام تطوعًا أن يفطر لاسيما إذا كان في الدعوة إلى طعام أحد من المسلمين. وتدل على أنه يستحب للمتطوع أن يقضى ذلك اليوم (وإلى ذلك ذهب) جمع من الصحابة منهم عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم. وبه قال سفيان الثوري. والشافعي. وأحمد. وإسحاق والجمهور من أهل العلم (وقال أبو حنيفة) يلزمه الإتمام ولا يخرج لغير عذر، فإن خرج لعذر لزمه القضاء ولا إثم عليه. وإن خرج بغير عذر لزمه القضاء وعليه الإثم. وحكي الترمذي عن قوم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا عليه القضاء إذا أفطر (وهو قول مالك) بن أنس اهـ (واستدل القائلون بوجوب القضاء) بحديث عائشة الثاني من أحاديث الباب وبحديث أبي سعيد المذكور في الزوائد (وأجيب عن ذلك) بما في حديث أم هانيء (الأول من أحاديث الباب) من التخيير فيجمع بينه وبين حديث عائشة وأبي سعيد بحمل القضاء على الندب، ويدل على جواز الإفطار وعدم وجوب القضاء حديث أبي جحيفة المذكور في الزوائد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرر ذلك ولم يبين لأبي الدرداء وجوب القضاء عليه، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز (قال ابن المنير) ليس في تحريم الأكل في صوم النفل من غير عذرًا لا الأدلة العامة كقوله تعالى {ولا تبطلوا أعمالكم} إلا أن الخاص يتقدم على العام كحديث سلمان، وقال ابن عبد البر من احتج في هذا بقوله تعالى {ولا تبطلوا أعمالكم} فهو جاهل بأقوال أهل العلم، فإن الأكثر على أن المراد بذلك النهى عن الرياء كأنه قال (لا تبطلوا أعمالكم) بالرياء بل أخلصوها لله، وقال آخرون لا تبطلوا أعمالكم بارتكاب الكبائر، ولو كان المراد بذلك النهى عن إبطال ما لم يفرض الله عليه ولا أوجب على نفسه بنذر أو غيره لا امتنع عليه الإفطار إلا بما يبيح الفطر من الصوم الواجب وهم لا يقولون بذلك اهـ (قال الشوكاني) ولا يخفى أن الآية عامة والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما تقرر في الأصول. فالصواب
-[ما ورد في شهر الله المحرم وصومه]-
(2)
باب ما جاء في صوم شهر الله المحرم وفضله
(224)
"ز" عن النعمان بن سعد قال قال رجل لعلي رضي الله عنه يا أمير المؤمنين أي شهر تأمرني أن أصوم بعد رمضان؟ فقال ما سمعت أحدًا سأل عن هذا بعد رجل سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أي شهر تأمرني أن أصوم بعد رمضان؟ فقال صلى الله عليه وسلم إن كنت صائمًا شهرًا بعد رمضان فصم المحرم فإنه شهر الله وفيه يوم تاب فيه على قومٍ ويتوب فيه على قومٍ.
(225)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي
ما قال ابن المنير اهـ (وفي حديث أم هانيء أيضًا) دلالة على أنه يجوز لمن كان صائمًا عن قضاء أن يفطر ولا إثم عليه لقوله صلى الله عليه وسلم لها "إن كان قضاء من رمضان فاقضي يومًا مكانه" وفي قوله لها أيضًا "وإن كان تطوعًا فإن شئت فاقضي وإن شئت فلا تقضى" دلالة لما ذهب إليه الجمهور من استحباب قضاء التطوع لا وجوبه والله أعلم.
(224)
"ز" عن النعمان بن سعد (سنده) حدثنا عبد الله ثنا محمد ابن المنهال أخو حجاج ثنا عبد الواحد بن زيادة ثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد- الحديث" (غريبه)(1) إضافة الشهر إلى الله عز وجل للتعظيم وهذا يفيد فضل الصيام في هذا الشهر بل صيامه أفضل من صيام سائر الشهور حاشا رمضان كما صرح بذلك في الحديث الآتي (فإن قيل) إذا كان كذلك فلم كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر الصوم في شعبان أكثر من المحرم؟ (قلت) أجاب النووي رحمه الله عن ذلك بجوابين (أحدهما) لعله إنما علم فضله في آخر حياته (والثاني) لعله كان يعرض فيه أعذار من سفر أو مرض أو غيرها اهـ والله أعلم. (2) قال العلماء هم قوم موسي بنو إسرائيل نجاهم الله من فرعون وأغرقه (3) لم أقف على كلام للعلماء فيمن يتوب الله عليهم فيه والله أعلم (تخريجه)(مذ) وقال هذا حديث حسن غريب، وأورده الحافظ والمنذري ونقل تحسين الترمذي وأقره.
(225)
عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن وأبو سعيد قالا ثنا عبد الملك بن عميرة عن محمد بن المنتشر عن حميد بن عبد الرحمن
-[زوائد الباب- وكلام العلماء في فضل صوم المحرم- والتفاضل بين صلاة الليل والرواتب]-
الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ قال الصلاة في جوف الليل (1)، قيل أي الصيام أفضل بعد رمضان؟ قال شهر الله الذي تدعونه المحرم (2).
عن أبي هريرة- الحديث" (غريبه) (1) أي صلاة التطوع بالليل وهي التي يعبر عنها بالتهجد، وهي المرادة بقوله تعالى {ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا} وجوف الليل ثلثه الآخر، وهو الجزء الخامس من أسداس الليل (2) هذا تصريح بأن أفضل الشهور للصوم بعد رمضان، وتقدم الجواب عن إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من صوم شعبان دون المحرم (تخريجه) (م. د. هق. مى) وأخرجه أيضًا (مذ. جه) مقتصرين فيه على الصيام (زوائد الباب) عن جندب بن سفيان رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن أفضل الصلاة بعد المفروضة الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم" رواه النسائي والطبراني في الكبير بإسناد صحيح (وعن ابن عباس) رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام يوم عرفة كان له كفارة سنتين، ومن صام يومًا من المحرم فله بكل يوم ثلاثون يومًا، أورده الهيثمي وقال رواه الطبراني في الصفير وفيه الهيثم بن حبيب ضعفه الذهبي اهـ (قلت) وأورده الحافظ المنذري، وقال هو غريب وإسناده لا بأس به، ثم قال الهيثم بن حبيب وثقه ابن حبان، والله أعلم، وأورده الهيثمي في موضع آخر، وقال رواه الطبراني في الصغير، وقال فيه الهيثم بن حبيب عن سلام الطويل وسلام ضعيف وأما الهيثم بن حبيب فلم أر من تكلم فيه غير الذهبي اتهمه بخبر رواه، وقد وثقه ابن حبان (الأحكام) حديثا الباب مع الزوائد تدل على فضل شهر الله المحرم لإضافته إلى الله عز وجل وعلى أن صيامه أفضل من صيام سائر الشهور بعد رمضان، لأن فيه يوم عاشوراء الوارد فيه أن صومه يكفر ذنوب السنة الماضية، وفيه تاب الله على قوم ويتوب على قوم آخرين كما في بعض الروايات (وفيها أيضًا) دلالة على أن صلاة التطوع بالليل أفضل من صلاة التطوع بالنهار لما فيها من المشقة والبعد من الرياء والسمعة والانقطاع عن الشواغل، وقد اتفق العلماء على ذلك، لكن اختلفوا في السنن والرواتب (فذهب جماعة) إلى أن صلاة الليل أفضل من السنن الراتبة أيضًا وبه قال أبو إسحاق المروزي من الشافعية ووافقه منهم جماعة (قال الطيبي) إن صلاة التهجد لو لم يكن فيها فضل سوى قوله تعالى {ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا} وقوله تعالى {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفًا وطمعًا ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاءًا بما كانوا يعملون} لكفاه مزية اهـ (وقال أكثر العلماء وجمهور الشافعية (الرواتب أفضل لأنها تشبه الفرائض، لكن قال النووي الأول أقوى وأوفق بالحديث اهـ يريد ما ذهب إليه أبو إسحاق المروزي ومن وافقه
-[كلام العلماء في التفاضل بين الصيام في شعبان والمحرم- وبحق ما يوم عاشوراء من الشهر]-
(3)
باب ما جاء في يوم عاشوراء (*) وفيه فصول
(الفصل الأول في فضل يوم عاشوراء وتأكيد صومه قبل نزول رمضان)
(226)
عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال صوم يوم عرفة كفارة سنتين سنة ماضية وسنة
(قال ابن رسلان) فإن قيل كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بخص شعبان بصيام التطوع فيه مع أنه قال أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم (فالجواب) أن جماعة أجابوا عن ذلك بأجوبة غير قوية لاعتقادهم أن صيام المحرم أفضل من شعبان كما صرح به الشافعية وغيرهم كما قال النووي أفضل الشهور للصوم بعد رمضان الأشهر الحرم وأفضلها المحرم ويلي المحرم في الفضل رجب، والأظهر كما قال بعض الشافعية والحنابلة وغيرهم أن أفضل الصيام بعد شهر رمضان شعبان لمحافظته صلى الله عليه وسلم على صومه أو صوم أكثره، فيكون قوله أفضل الصيام بعد رمضان المحرم محمولاً على التطوع المطلق، وكذا أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل، إنما أريد تفضيل قيام الليل على التطوع المطلق دون السنن الرواتب التي قبل الفرض وبعده خلافًا لبعض الشافعية، فكذلك ما كان قبل رمضان وبعده من شواء تشبيهًا له بالسنن الرواتب اهـ والله سبحانه وتعالى أعلم.
(226)
عن أبي قتادة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق أنا سفيان عن منصور عن مجاهد عن حرملة بن إياس الشيباني عن أبي قتادة- الحديث".
_________
(*) قال الحافظ عاشوراء بالمد على المشهور وحكي فيه القصر وزعم ابن دريد أنه اسم إسلامي وأنه لا يعرف في الجاهلية، ورد ذلك ابن دحية بأن ابن الأعرابي حكي أنه سمع في كلامهم خابوراء وبقول عائشة إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه اهـ وهذا الأخير لا دلالة فيه على رد ما قال ابن دريد، واختلف أهل الشرع في تعينه، فقال الأكثر هو اليوم العاشر، قال القرطبي عاشوراء معدول عن عاشر للمبالغة والتعظيم وهو في الأصل صفة لليلة العاشرة لأنه مأخوذ من العشر الذي هو اسم العقد واليوم مضاف إليها فإذا قيل يوم عاشوراء فكأنه قيل يوم الليلة العاشرة إلا أنهم لما عدلوا به عن الصفة غلبت عليه الأسمية فامتنعوا عن الموصوف فحذفوا الليلة فصار هذا اللفظ علمًا على اليوم العاشر، وذكر أبو منصور الجو البقي أنه لم يسمع فاعولاء إلا هذا وضار وراء وسار وراء وذالولاء من الضار والمار والذال. قال الزبن بن المنير الأكثر على أن عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية، وقيل هو اليوم التاسع فعلى الأول اليوم مضاف الليلة الماضية (*)
-[يوم عاشوراء يكفر ذنوب سنة ماضية- وما هو يوم عاشوراء من الشهر؟]-
مستقبلة ويوم عاشوراء كفارة سنة (وعنه من طريق ثان) عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال قال له رجل أرأيت صيام عرفة،
(غريبه)(1) المراد بالتكفير هنا تكفير الذنوب الصغائر، وإن لم تكن الصغائر يرجي تخفيف الكبائر، فإن لم تكن رفعت الدرجات، حكاه النووي (وقال القاري) في المرقاة قال أمام الحرمين المكفر الصغائر، قال القاضي عياض وهو مذهب أهل السنة والجماعة، وأما الكبائر فلا يكفرها إلا التوبة أو رحمة الله عز وجل اهـ (فإن قيل) كيف يكفر السنة المستقبلة مع أنه ليس للرجل ذنب فيها (فالجواب) أن الله عز وجل يحفظه من الذنوب فيها، وقيل يعطيه من الرحمة والثواب قدرًا يكون كفارة للسنة الماضية والسنة المستقبلة إذا جاءت واتفقت له ذنوب والله أعلم (2) يعنى السنة الماضية كما جاء صريحًا في بعض الروايات؛ فإن قيل ما الحكمة في أن صوم عاشوراء يكفر السنة الماضية فقط وصوم يوم عرفة يكفر سنتين سنة ماضية وسنة مستقبلة؟ فنقول قد أجاب الحافظ بأن الحكمة في ذلك أن يوم عاشوراء منسوب إلى موسي عليه السلام ويوم عرفة منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذلك كان أفضل اهـ (3)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان ثنا مهدي بن ميمون ثنا غيلان بن جرير عن عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم الحديث (4) أي قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر اسم الرجل القائل، والظاهر أنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد صرح به في رواية لمسلم من حديث طويل عن أبي قتادة وتقدم مثله للإمام أحمد في
_________
(*) وعلى الثاني هو مضاف لليلة الآتية: وقيل إنما سمى يوم التاسع عاشوراء أخذًا من أوراد الإبل كانوا إذا رعوا الإبل ثمانية أيام ثم أوردوها في التاسع قالوا وردنا عشرًا؛ وروى مسلم من حديث الحكم بن الأعرج (قلت والإمام أحمد وسيأتي في هذا الباب) قال انتهيت إلى ابن عباس وهو متوسد رداءه فقلت أخبرني عن يوم عاشوراء، قال إذا رأيت هلال المحرم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائمًا، لكن قال الزين بن المنير قوله إذا أصبحت من تاسعه فأصبح يشعر بأنه أراد العاشر لأنه لا يصبح صائمًا بعد أن أصبح من تاسعه إلا إذا نوى الصوم من الليلة المقبلة وهو الليلة العاشرة (قلت) ويقوى هذا الاحتمال ما رواه مسلم أيضًا من وجه آخر عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال، لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع فمات قبل ذلك فإنه ظاهر في أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم العاشر وهم يصوم التاسع فمات قبل ذلك ثم ما هم به من صوم التاسع يحتمل معناه أنه لا يقتصر عليه بل يضيفه إلى اليوم العاشر إما احتياطيًا له وإما مخالفة لليهود والنصارى وهو الأرجح وبه يشعر بعض روايات مسلم اهـ ما نقله الحافظ باختصار
-[السبب في مشروعية صوم يوم عاشوراء]-
قال أحتسب عند الله أن يكفر السنة الماضية والباقية، قال يا رسول الله أرأيت صوم عاشوراء، قال أحتسب عند الله أن يكفر السنة.
(227)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال مر النبي صلى الله عليه وسلم بأناس من اليهود قد صاموا يوم عاشوراء فقال ما هذا من الصوم؟ قالوا هذا اليوم الذي نجي الله موسي وبني إسرائيل من الغرق وغرق فيه فرعون، وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح وموسي شكرًا لله تعالى. فقال النبي صلى الله عليه وسلم أنا أحق بموسي وأحق بصوم هذا اليوم فأمر أصحابه بالصوم.
باب جامع لبعض ما يستحب صومه وما يكره رقم 212 صحيفة 160 من هذا الجزء (1) أي أرجو منه، ولفظ الترمذي احتسب على الله (قال الطيبي) كان الأصل أن يقال أرجو من الله أن يكفر فوضع موضعه احتسب وعداه بعلى الذي للوجوب على سبيل الوعد مبالغة لحصول الثواب اهـ (تخريجه)(م. مذ. جه. وغيرهم).
(227)
عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو جعفر ثنا عبد الصمد عن أبيه عن شبيل بن أبي هريرة- الحديث" (غريبه) (2) كان ذلك في ابتداء السنة الثانية من الهجرة لأنه صلى الله عليه وسلم قدم المدينة في ربيع الأول "وقوله ما هذا الخ" أي ما شأن هذا اليوم من الصوم (3) (إن قيل) كيف يرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليهود في صيام هذا اليوم مع أنه أمر بمخالفتهم (فالجواب) أنه صلى الله عليه وسلم لم يرجع إليهم في ذلك، فقد ثبت من حديث عائشة الآتي في الباب التالي (أنه صلى الله عليه وسلم كان يصومه في الجاهلية وكانت قريش تصومه) فلما قدم المدينة ووجد اليهود تصومه لأن موسي عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام كان يصومه، قال النبي صلى الله عليه وسلم "أنا أحق بموسي وأحق بصوم هذا اليوم" والأحقية باعتبار الاشتراك في الرسالة والأخوة في الدين والقرابة الظاهرة دونهم، لأنه صلى الله عليه وسلم أطوع وأتبع للحق منهم فصامه صلى الله علبه وسلم وأمر بصومه لذلك، ولأنه أيضًا كان في الوقت الذي يحب فيه موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ولاسيما إذا كان فيما يخالف فيه أهل الأوثان، وأيضًا فإنه صلى الله عليه وسلم كان يتألفهم إلى الإسلام فلما علم عنادهم ويئس منهم أمر بمخالفتهم بعد فتح مكة وانتشار الإسلام، وقال الباجي يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم لما بعث ترك صومه، فلما هاجر وعلم أنه من شريعة موسي صامه وأمر بصيامه اهـ (تخريجه) لم أقف عليه
-[سبب مشروعية صوم عاشوراء والأمر بصومه]-
(228)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود يصومون يوم عاشوراء؛ فقال ما هذا اليوم الذي تصومون؟ قالوا هذا يوم صالح هذا يوم نجي الله بني إسرائيل من عدوهم. قال فصامه موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أنا أحق بموسي منكم. قال فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصومه.
(229)
عن ثوبر قال سمعت عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما وهو على المنبر يقول هذا يوم عاشوراء فصوموه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بصومه
لغير الإمام أحمد وسنده جيد
(228)
عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان ثنا عبد الوارث ثنا أيوب عن عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس- الحديث".
(غريبه)(1) أي في ربيع الأول كما تقدم في شرح الحديث السابق وأقام بها إلى يوم عاشوراء من السنة الثانية فوجد اليهود يصومونه، فلا يفهم منه أن اليهود كانوا صائمين يوم عاشوراء حتى قدوم النبي صلى الله علبه وسلم المدينة (قال الحافظ) يحتمل أن يكون أولئك اليهود كانوا يحسبون يوم عاشوراء بحساب السنين الشمسية فصادف يوم عاشوراء بحسابهم اليوم الذي قدم فيه صلى الله عليه وسلم المدينة، قال ولكن سياق الأحاديث تدفع هذا التأويل والاعتماد على التأويل الأول (2) عند ابن عساكر تكرير هذا يوم صالح مرتين (3) عند مسلم نجي الله موسي وقومه، وعند البخاري كما هنا (4) زاد مسلم شكرًا فنحن نصومه (تخريجه)(ق. د. نس. جه. مي. هق)
(229)
عن ثوير (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حسين بن محمد ثنا إسرائيل عن ثوير- الحديث" (غريبه)(5) أوله ثاء مثلثلة مضمومة مصغرًا ابن أبي فاختة بمعجمة مكسورة ومثناه مفتوحة سعيدًا بن علاقة بكسر المهملة الكوفي أبو الجهم ضعيف رمى بالرفض من الرابعة قاله الحافظ في التقريب (تخريجه)(بز. طب) وفي إسناده ثوبر بن أبي فاختة وهو ضعيف كما علمت.
-[اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بصوم عاشوراء أمر الناس بذلك قبل نزول رمضان]-
(230)
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيوم عاشوراء أن نصومه، وقال هو يوم كانت اليهود تصومه.
(231)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أرسل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى أهل قرية على رأس أربعة فراسخ، أو قال فرسخين يوم عاشوراء فأمر من أكل أن لا يأكل بقية يومه، ومن لم يأكل أن يتم صومه.
(232)
عن سلمة ابن الأكوع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أمر رجلاً من أسلم أن يؤذن في الناس يوم عاشوراء من كان صائمًا فليتم صومه، ومن كان أكل فلا يأكل شيئًا وليتم صومه
(230) عن جابر بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حسن ثنا ابن لهيعة أنا أبو الزبير عن جابر- الحديث" (غريبه)(1) يعنى فنحن أحق بصيامه منهم وأقرب لمتابعة موسي عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لموافقتنا له في أصول الدين لقوله عز وجل {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} ولتصديقنا بكتابه الذي جاء به وهم مخالفون له بالتغيير والتبديل (تخريجه)(طس) وفي إسناده ابن لهيعة، قال الهيثمي وهو حسن الحديث وفيه كلام.
(231)
عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع عن إسرائيل أو غيره عن جابر عن عكرمة عن ابن عباس- الحديث" (غريبه)(2) إرساله صلى الله عليه وسلم إلى أهل القرى على بعد فرسخين أو أربعة وأمره من أكل أن لا يأكل بقية يومه. ومن لم يأكل أن يتم صومه يدل على اهتمامه صلى الله عليه وسلم بصوم يوم عاشوراء وأن صومه كان واجبًا في أول الأمر، وعليه أكثر العلماء، وكان ذلك في المحرم من السنة الثانية للهجرة قبل فرض صيام رمضان، فلما فرض صومه وكان في شعبان من السنة الثانية للهجرة نسخ افتراض صوم عاشوراء وبقى مستحبًا (تخريجه) أورده الهيثمي، وقال رواه أحمد والطبراني في الكبير، وفيه جابر الجعفي وثقه شعبة والثوري وفيه كلام كثير.
(232)
عن سلمة بن الأكوع (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حماد ابن مسعدة عن يزيد يعنى ابن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه الحديث (تخريجه)(ق. وغيرهما)
-[اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بصوم عاشوراء وأمر الناس بذلك قبل نزول رمضان]-
(233)
عن محمد بن صيفي الأنصاري رضي الله عنه قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في يوم عاشوراء، فقال أصمتم يومكم هذا؟ فقال بعضهم نعم، وقال بعضهم لا، قال فأتموا بقية يومكم هذا، وأمرهم أن يؤذنوا أهل العروض أن يتموا يومهم ذلك
(234)
عن هند بن أسماء رضي الله عنهما قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومي من أسلم، فقال مر قومك فليصوموا هذا اليوم يوم عاشوراء، فمن وجدته منهم قد أكل في أول يومه فليصم آخره.
(233) عن محمد بن صيفي (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هشيم أنا حصين عن الشعبي عن محمد بن صيفي الأنصاري- الحديث" (غريبه)(1) بفتح العين المهملة يطلق على مكة والمدينة وما حولهما من البلدان المجاورة لهما، قال صاحب النهاية، يقال لمكة والمدينة واليمن العروض اهـ (تخريجه)(جه) قال البوصيري في زوائد ابن ماجه إسناده صحيح غريب على شرط الشيخين ولم يرو عن محمد بن صيفي غير الشعبي، وله شاهد في الصحيحين من حديث سلمة بن الأكوع والربيع بنت معوذ والحديث قد عزاه الترمذي إلى النسائي وليس في رواية ابن السني اهـ (قلت) حديث الربيع بنت معوذ رواه الأمام أحمد أيضًا، وتقدم في باب وجوب النية في الصوم من الليل رقم 62 صحيفة 277 في الجزء التاسع.
(234)
عن هند بن أسماء (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يعقوب ابن إبراهيم قال ثنا أبي عن ابن إسحاق قال حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد عن حبيب ابن هند بن أسماء عن هند بن أسماء قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبه) (2) هو هند بن أسماء بن حارثة الأسلمي، قال الحافظ في الإصابة، قال البخاري له صحبة، وقال ابن السكن له صحبة ومات في خلافة معاوية اهـ (قلت) ذكر له الحافظ هذا الحديث بسنده ومتنه وعزاه للإمام أحمد ثم قال وزعم ابن الكلبي أن المأمور بذلك "يعنى الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومه" هند بن حارثة عم هذا وتبعه أبو عمر اهـ (3) يعنى فليمسك بقية يومه (تخريجه) أورده الهيثمي، وقال رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات
-[ترجمة هند بن حارثة وأخيه أسماء بن حارثة وشيء من مناقبهما]-
(235)
عن يحيى بن هند عن أسماء بن حارثة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه، فقال مر قومك بصيام هذا اليوم، قال أرأيت إن
(235) عن يحيى بن هند (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي قال ثنا عفان قال ثنا وهيب ثنا عبد الرحمن بن حرملة عن يحيى بن هند بن حارثة وكان هند من أصحاب الحديبية وأخوه الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر قومه بصيام عاشوراء وهو أسماء بن حارثة فحدثني يحيى بن هند عن أسماء بن حارثة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه- الحديث".
(غريبه)(1) هند المذكور هنا هو ابن حارثة وأخو أسماء بن حارثة. وعم هند الذي روى الحديث السابق والثلاثة لهم صحبة، فالحديث السابق مروى عن هند بن أسماء أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه، وهذا الحديث مروى عن يحيى بن هند بن حارثة عن عمه أسماء بن حارثة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه، ولا منافاة بينهما لاحتمال أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أسماء بن راوي هذا الحديث مع ابنه هند راوي الحديث السابق فكلاهما أخبر عن نفسه، والله أعلم (2) قال الحافظ في الإصابة أسماء بن حارثة بن سعيد بن عبد الله بن غياث بن سعد بن عمر بن عامر ابن ثعلبة بن مالك بن أقصى الأسلمي يكنى أبا هند (وقال ابن عبد البر) أسماء بن حارثة ابن هند بن عبد الله والباقي مثله، قال الحافظ وذكر هند في نسبه غلط، وإنما هند أخوه؛ ثم ذكر له الحافظ هذا الحديث وعزاه للإمام أحمد وابن منده (قال) وروى عن الأوزاعي عن ابن حرملة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أسماء بن حارثة نحوه (وعن موسي بن عقبة) عن إسحاق بن يحيى عن عبادة بن الصامت، قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسماء بن حارثة (وروى الحاكم في المستدرك) من طريق الوافدي عن سعيد بن عطاء بن أبي مروان عن أبيه عن جده أسماء بن حارثة (وأخرج من طريق يزيد) بن إبراهيم عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال ما كنت أرى هندًا وأسماء ابني حارثة إلا خادمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم من طول لزومهما بابه وخدمتهما إياه (قال ابن سعد) عن الوافدي مات أسماء سنه ست وستين بالبصرة وهو ابن ثمانين سنة وكان من أهل الصفة، قال وقال غير الوافدي مات في خلافة معاوية أيام زياد، وكان موت زياد سنة ثلاث وخمسين اهـ (أما هند بن حارثة أخو أسماء بن حارثة) فقد ترجمه أيضًا الحافظ في الإصابة فقال. هند بن حارثة الأسامي عم الذي قبله "يعنى هند بن أسماء راوي الحديث الأول" قال ابن حبان له صحبة، وأخرج ابن قانع من طريق عبد الرحمن بن حرملة عن يحيى بن هند بن حارثة عن أبيه وكان من أصحاب الحديبية وأخوه أسماء بن حارثة أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بنفر من أسلم يرمون فقال "ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميًا" وزعم ابن
-[اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بصوم عاشوراء وأمر الناس بذلك قبل نزول صوم رمضان]-
وجدتهم قد طعموا، قال فليتموا آخر يومهم (ومن طريق ثان)"ز" عن أسماء بن حارثة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بعثه، فقال مر قومك فليصوموا هذا اليوم، قال أرأيت إن وجدتهم قد طعموا؟ قال فليتموا بقية يومهم.
(236)
عن بعجة بن عبد الله أن أباه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم يومًا هذا يوم عاشوراء فصوموا، فقال رجل من بني عمرو بن عوف يا رسول الله إني تركت قومي منهم صائم ومنهم مفطر، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم اذهب إليهم فمن كان منهم مفطرًا فليتم صومه.
أبي حاتم أنه هند بن أسماء بن حارثة نسب لجده، وحكي البغوي أنه شهد بيعة الرضوان مع أخوة له سبعة وهم، هند. وأسماء. وخراش. وذؤيب. وسلمة. وفضالة. ومالك. وعمران. قال ولم يشهدها إخوة في عددهم كذا قال، وقد أوردوا عليه أولاد مقرن اهـ (1)"ز"(سنده) حدثنا عبد الله قال حدثني محمد بن أبي بكر المقدمي، قال ثنا أبو معشر البراء، قال ثنا ابن حرملة عن يحيى بن هند بن حارثة عن أبيه وكان من أصحاب الحديبية وأخوه الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر قومه بصيام يوم عاشوراء، وهو أسماء بن حارثة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه، فقال مر قومك الحديث (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وابنه عبد الله، وأورد الهيثمي الطريق الأولى منه التي رواها الإمام أحمد، وقال رواه أحمد هكذا شبه المرسل، وأورد نحوه وعزاه للطبراني في الكبير والأوسط، وقال رجاله رجال الصحيح، وأشار إلى الطريق الثانية التي رواها عبد الله بن الإمام أحمد من زوائده على مسند أبيه، فقال. ورواه ابنه عن يحيى بن هند بن حارثة عن أبيه ورجاله ثقات.
(236)
عن بعجة بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هشام بن سعيد، قال أنا معاوية بن سلام، قال سمعت يحيى بن أبي كثير، قال أخبرني بعجة بن عبد الله أن أباه أخبره الحديث (تخريجه) أورده الهيثمي، وقال رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط والبزار وإسناده حسن.
-[فضل يوم عاشوراء- والأمر بصيامه]-
(237)
عن مزيدة بن جابر قال قالت أمي كنت في مسجد الكوفة في خلافة عثمان رضي الله عنه وعلينا أبو موسي الأشعري، قال فسمعته يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بصوم يوم عاشوراء فصوموا
(238)
عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كان يصوم يوم عاشوراء ويأمر به
(239)
حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا سفيان قال أخبرني عبيد الله ابن أبي يزيد منذ سبعين سنة، قال سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول ما علمت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم صام يومًا يتحرى فضله على الأيام غير يوم عاشوراء، وقال سفيان مرة أخرى
(237) عن مزيدة بن جابر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يونس ابن محمد قال ثنا أبو ليلي عبد الله بن ميسرة عن مزيدة بن جابر الحديث (تخريجه)(طس) وفي إسناده مزيدة بن جابر ضعيف، لكن يعضده أحاديث الباب
(238)
عن علي رضي الله عنه (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو كريب الهمذاني ثنا معاوية بن هشام عن سفيان الثوري عن جابر عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن علي- الحديث (تخريجه)(بز) وفي إسناده جابر الجعفي وثقه شعبة والثوري وفيه كلام كثير، قاله الحافظ الهيثمي.
(239)
حدثنا عبد الله (غريبه)(1) قال الحافظ هذا يقتضى أن يوم عاشوراء أفضل الأيام للصائم بعد رمضان، لكن ابن عباس أسند ذلك إلى علمه فليس فيه ما يرد علم غيره، وقد روى مسلم (قلت والإمام أحمد) من حديث أبي قتادة مرفوعًا أن صيام يوم عاشوراء يكفر سنة وأن صيام يوم عرفة يكفر سنتين، وظاهره أن صيام يوم عرفة أفضل من صيام عاشوراء، وقد قيل في الحكمة في ذلك أن يوم عاشوراء منسوب إلى موسي عليه السلام ويوم عرفة منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك كان أفضل "وقوله يتحرى" أي يقصد (2) يعنى أن الإمام أحمد رحمه الله سمع الحديث من سفيان مرة أخرى غير الأولى
-[صوم العرب عاشوراء في الجاهلية قبل الإسلام]-
إلا هذا اليوم يعنى عاشوراء وهذا الشهر شهر رمضان
(الفصل الثاني في عدم تأكد صومه بعد نزول رمضان)
(240)
عن عائشة رضي الله عنها قالت كان يوم عاشوراء يومًا يصومه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية وكانت قريش تصومه في الجاهلية فلما قدم النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم المدينة صامه وأمر بصيامه فلما نزل رمضان كان رمضان هو الفريضة وترك عاشوراء (وعنها من
قال فيها ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يومًا يتحرى فضله على الأيام إلا هذا اليوم يعنى عاشوراء وهذا الشهر شهر رمضان" وهذه الرواية موافقة لرواية البخاري (1) إنما جمع ابن عباس بين عاشوراء ورمضان وإن كان أحدهما واجبًا والآخر مندوبًا لاشتراكهما في حصول الثواب، لأن معنى يتحرى أي يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه (تخريجه)(ق. وغيرهما).
(340)
عن عائشة رضي الله عنها (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن زكريا ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة- الحديث" (غريبه)(2) يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم بحكم الموافقة لهم كالحج أو أذن الله له في صيامه على أنه فعل خير قاله القرطبي (3) قيل يحتمل أنهم اقتدوا في صيامه بشرع سالف ولذا كانوا يعظمونه بكسوة الكعبة فيه، لكن في المجلس الثالث من مجالس الباغندي الكبير عن عكرمة أنه سئل عن صوم قريش عاشوراء، فقال أذنبت قريش في الجاهلية فعظم في صدورهم فقيل لهم صوم عاشوراء يكفره أفاده الحافظ (وفي الإكمال) اختلف العلماء في الحقائق الشرعية هل هي باقية على مسمياتها لغة أو نقلها الشارع عنها ووضعها على معان آخر، والمختار أن سنن العرب قبل ورود الشرع يدل على أنهم كانوا يستعملون هذه الألفاظ في معانيها الشرعية من أقوال وأفعال فعرفوا الصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة وتقربوا بجميع ذلك، فما خاطبهم الشرع إلا بما عرفوه تحقيقًا؛ إلا أنه أتاهم بألفاظ ابتدعها لهم أو بألفاظ لغوية لا يعرف منها المقصود إلا رمزًا كما قال المخالف (4) فيه تعيين الوقت الأول الذي وقع فيه الأمر بصيام عاشوراء، وهو أول قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة ولاشك أن قدومه كان في ربيع الأول فحينئذ كان الأمر بذلك في أول السنة الثانية، وفي السنة الثانية فرض شهر رمضان، فعلى هذا لم يقع الأمر بصوم عاشوراء إلا في سنة واجدة ثم فوض الأمر في صومه إلى المتطوع (5) أي ترك صومه باعتبار أنه فرض
-[نسخ افتراض صوم عاشوراء برمضان]-
طريق ثان بنحوه وفيه) فلما نزلت فريضة شهر رمضان كان رمضان هو الذي يصومه، وترك يوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء أفطره
(241)
عن عبد الرحمن بن يزيد قال دخل الأشعث بن قيس على عبد الله يوم عاشوراء وهو يتنبي، فقال يا أبا محمد أذن للغداء، قال أوليس اليوم عاشوراء؟ قال وتدرى ما يوم عاشوراء؟ إنما كان رسول الله ضلي الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يصومه قبل أن ينزل رمضان، فلما أنزل رمضان ترك
(242)
عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال في عاشوراء صامه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأمر بصومه فلما فرض رمضان ترك، فكان عبد الله لا يصومه إلا أن يأتي على صومه.
(243)
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كان يوم عاشوراء يومًا يصومه
وبقي مستحبًا، ولذلك صامه قوم وتركه آخرون، وهو من حجج القائلين بأن صومه كان فرضًا قبل نزول رمضان (1)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عباد بن عباد بن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة بنحوه (2) أي ليس متحتمًا كما كان، وعلى هذا لم يقع الأمر بصومه مشددًا إلا في سنة واحدة، وهذا يرد على من قال ببقاء فريضة صوم عاشوراء كما نقله القاضي عياد عن بعض السلف (تخريجه)(ق. لك. د. نس. مذ. هق. مي)
(241)
عن عبد الرحمن بن يزيد (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يعلي وابن أبي زائدة قالا ثنا الأعمش عن عمارة بن عبد الرحمن بن يزيد- الحديث"
(غريبه)(3) هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (تخريجه)(م. هق)
(242)
عن نافع عن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إسماعيل أنا أيوب عن نافع عن ابن عمر- الحديث" (غريبه) (4) يعنى ابن عمر رضي الله عنهما "وقوله إلى أن يأتي على صومه" أي إلا أن يوافق صومًا كان يصومه فيصومه حينئذ يعنى لا يتعمد صومه بخصوصه (تخريجه)(م. هق)
(243)
عن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى عن
-[نسخ افتراض صوم عاشوراء برمضان]-
أهل الجاهلية فلما نزل رمضان سئل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال هو يوم من أيام الله تعالى من شاء صامه ومن شاء تركه
(244)
عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال كان رسول اله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يأمرنا بصيام عاشوراء ويحثنا عليه ويتعاهدنا عنده، فلما فرض رمضان لم يأمرنا ولم ينهنا ولم يتعاهدنا عنده
(245)
عن قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما قال أمرنا النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن نصوم عاشوراء قبل أن ينزل رمضان فلما نزل رمضان لم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله
(246)
عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية (بن
عبيد الله أخبرني نافع عن ابن عمر الحديث (تخريجه)(م. د. هق. طح. مي)
(244)
عن جابر بن سمرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هاشم بن القاسم ثنا شيبان أراه عن أشعث عن جعفر بن أبي ثور عن جابر بن سمرة- الحديث"
(غريبه)(1) بفتح أوله وضم ثانيه من باب رد أي يحرضنا "وقوله ويتعاهدنا" أي يتردد علينا عند حلول يوم عاشوراء لشدة اهتمامه به، وهذا من أدلة القائلين بوجوبه أولاً قبل نزول رمضان لأنه لو لم يكن إذ ذاك واجبًا لما اهتم به النبي صلى الله عليه وسلم هذا الاهتمام والله أعلم (تخريجه)(م. هق)
(245)
عن قيس بن سعد (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا سفيان عن سلمة بن كهبل عن القاسم بن مخيمرة عن أبي عمار عن قيس بن سعد الحديث (تخريجه)(ش) وسنده جيد.
(246)
عن حميد بن عبد الرحمن (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري قال حدثني حميد بن عبد الرحمن الحديث (وله طريق أخرى) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا روح ثنا مالك ومحمد بن أبي حفصة عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية بن أبي سفيان يوم عاشوراء عام حج
-[حجة القائلين بأن عاشوراء لم يفرض صومه قط- وتاريخ حج معاوية]-
أبي سفيان رضي الله عنهما يخطب بالمدينة يقول يا أهل المدينة أين علماؤكم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا يوم عاشوراء ولم يفرض علينا صيامه، فمن شاء منكم أن يصوم فليصم فإني صائم، فصام الناس
(الفصل الثالث فيمن قال إن عاشوراء اليوم التاسع وما جاء في صوم يوم قبله أو بعده)
(247)
عن الحكم بن الأعرج قال أتيت ابن عباس رضي الله عنهما وهو متكئ عند زمزم فجلست إليه وكان نعم الجليس، فقلت أخبرني عن يوم عاشوراء؟ قال عن أب باله تسأل؟ قلت عن صومه، قال إذا رأيت هلال المحرم فاعدد، فإذا أصبحت من تاسعه فأصبح منها صائمًا، قلت
وهو على المنبر فذكر الحديث" (غريبه) (1) يعنى سنة أن حج كما صرح بذلك في رواية للإمام إحمد ومالك في الموطأ والبخاري، وكان أول حجة بعد الخلافة سنة أربع وأربعين، وآخر حجة حجها سنة سبع وخمسين ذكره ابن جرير (قال الحافظ) ويظهر أن المراد في هذا الحديث الحجة الأخيرة، وكأنه تأخر بمكة أو المدينة بعد الحج إلى يوم عاشوراء (2) قال القاضي عياض وغيره يدل على أنه سمع فمن يوجبه أو يحرمه أو يكرهه فأراد إعلامهم بأنه ليس كذلك، واستدعاؤه العلماء تنبيهًا لهم على الحكم أو استعانة بما عندهم على ما عنده أو توبيخًا أنه رأى أو سمع من خالفه، وقد خطب به في ذلك الجمع العظيم ولم ينكر عليه اهـ (قال الحافظ) وفي سياق هذه القصة إشعار بأن معاوية لم ير لهم اهتمامًا بصيام عاشوراء فلذلك سأل عن علمائهم أو بلغه عمن يكره صيامه أو يوجبه اهـ (3) هذه الجملة من قوله "فمن شاء منكم أن يصوم إلى آخر الحديث" من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ففي رواية النسائي "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذا اليوم إني صائم، فمن شاء منكم أن يصوم فليصم، ومن شاء فليفطر" واحتج به من قال إنه لم يفرض قط ولا نسخ برمضان، وسيأتي الكلام على ذلك في الأحكام إن شاء الله تعالى (تخريجه)(ق. لك. نس)
(247)
عن الحكم بن الأعرج (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا معاذ بن معاذ ثنا حاجب بن عمر حدثني عمى الحكم بن الأعرج قال أتيت ابن عباس الحديث" (غريبه)(4) أي عن أي شأن من شئونه تسأل (5) ظاهره أن
-[من قال إن يوم عاشوراء اليوم التاسع من المحرم]-
أكذلك كان يصومه محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، قال نعم (وعنه من طريق ثان بنحوه وفيه) إذ أنت أهللت المحرم فاعدد تسعًا ثم أصبح يوم التاسع صائمًا- الحديث كما تقدم
ابن عباس رضي الله عنهما يرى أن يوم عاشوراء هو اليوم التاسع من المحرم، وللعلماء كلام في تأويل ذلك تقدم في أول الباب في شرح لفظ عاشوراء الواقع في الترجمة (قال البيهقي) بعد إيراد هذا الحديث، وكأنه "يعنى ابن عباس" رضي الله عنه أراد صومه مع العاشر، وأراد على يقوله في الجواب نعم. ما روى من عزمه صلى الله عليه وسلم على صومه، واستدل البيهقي لذلك بما رواه موقوفًا على ابن عباس من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء أنه سمع ابن عباس يقول صوموا التاسع والعاشر وخالفوا اليهود، وبما رواه أيضًا من طريق ابن أبي ليلي عن داود بن علي عن أبيه عن جده ابن عباس، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود، صوموا قبله يومًا أو بعده يومًا، وسيأتي هذا الحديث للإمام أحمد أيضًا، وتقدم قول الزين بن المنير في شرح ترجمة الباب أن معناه أنه ينوى الصيام في الليلة المتعقبة للتاسع وقواه الحافظ بحديث ابن عباس الآتي بعد هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، إن بقيت إلى قابل لأصومن اليوم التاسع" فلم يأت العام المقبل حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فإنه ظاهر في أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم العاشر وهمَّ بصوم التاسع فمات قبل ذلك (قال الشوكاني) والأولى أن يقال إن ابن عباس أرشد السائل إلى اليوم الذي يصام فيه وهو التاسع ولم يجب عليه بتعيين يوم عاشوراء أنه اليوم العاشر لأن ذلك مما لا يسئل عنه ولا يتعلق بالسؤال عنه فائدة، فإن ابن عباس لما فهم من السائل أن مقصوده تعيين اليوم الذي يصام فيه أجاب عليه بأنه التاسع، وقوله نعم بعد قول السائل هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم بمعنى هكذا كان يصوم لو بقى لأنه قد أخبرنا بذلك ولابد من هذا لأنه صلى الله عليه وسلم مات قبل صوم التاسع، وتأويل ابن المنير في غاية البعد لأن قوله وأصبح يوم التاسع صائمًا لا يحتمله اهـ كلام الشوكاني- وفيه نظر (1)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي علي بن عاصم أنا معاوية بن عمرو بن غلاب عن الحكم بن عبد الله بن الأعرج، قال كنت عند ابن عباس في بيت السقاية وهو متوسد بردا له، قال فقلت يا أبا عباس أخبرني عن عاشوراء، قال عن أي باله، قال قلت عن صيامه، قال إذا أنت أهللت الحديث (2) أي إذا أنت رأيت هلال المحرم كما صرح بذلك في الطريق الأولى (تخريجه)(م. د. نس. مذ. هق)
-[عزم النبي صلى الله عليه وسلم على صوم التاسع من المحرم لو بقى حيًا]-
(248)
وعنه أيضًا قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لئن بقيت إلى قابل لأصومن اليوم التاسع
(249)
وعنه رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود وصوموا قبله يومًا أو بعده يومًا
(248) وعنه أيضًا (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثني أبو معاوية ثنا ابن أبي ذئب عن القاسم بن عباس عن عبد الله بن عمير مولى ابن عباس عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله وعليه وسلم لئن بقيت- الحديث" (غريبه) (1) قال العلماء في قوله صلى الله عليه وسلم "لئن بقيت- وفي رواية مسلم- لئن عشت- إلى قابل لأصومن اليوم التاسع" قالوا يحتمل أمرين (أحدهما) أنه أراد نقل العاشر إلى التاسع (والثاني) أنه يضيفه إليه في الصوم (قلت) يرجع الثاني قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث التالي "صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود، وصوموا قبله يومًا أو بعده يومًا" والله أعلم (تخريجه)(م. هق) ورواه أيضًا مسلم وأبو داود بلفظ آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا التاسع، قال فلم يأت العام المقبل حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا لفظ مسلم.
(249)
وعنه رضي الله عنه (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي قال هشيم أنا ابن أبي ليلي عن داود بن علي عن أبيه عن جده بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صوموا يوم عاشوراء- الحديث" (غريبه)(2) فيه حث على مخالفة اليهود، وكان هذا في آخر الأمر، وقد كان صلى الله عليه وسلم قبل ذلك يحب موافقتهم استئلافًا لهم كما استألفهم باستقبال قبلتهم طمعًا في إسلامهم وانقيادهم للدين الحق، فكانوا أشد الناس عنادًا وإيذاء له صلى الله عليه وسلم، فلما علم سوء نيتهم وعنادهم أمر بمخالفتهم كما في هذا الحديث وغيره من الأحاديث الصحيحة، فأمر بأن يضاف إليه يوم قبله أو يوم بعده خلافًا لهم (3) يعنى أنه لا يقتصر عليه بل يضيف إليه يومًا قبله أو يومًا بعده وهذا على سبيل الاستحباب، والغرض منه مخالفة اليهود لأنهم يقتصرون على صوم يوم عاشوراء فقط (تخريجه)(هق) وسنده جيد (زوائد الباب) عن أبي سوسي الأشعري رضي الله عنه قال كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء يتخذونه عيدًا ويلبسون نساءهم فيه حلبهم وشارتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فصوموه أنتم
-[زوائد الباب في فضل عاشوراء والتوسعة فيه على الأهل]-
.....
رواه مسلم، وله عن أبي موسي أيضًا، قال كان يوم عاشوراء يومًا تعظمه اليهود وتتخذه عيدًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صوموه أنتم (وعن الحسن عن ابن عباس) قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم عاشوراء يوم العاشر، رواه الترمذي وهو منقطع بين الحسن البصري وابن عباس فإنه لم يسمع منه (وعن ابن عباس) رضي الله عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ليس ليوم فضل على يوم في الصيام إلا شهر رمضان ويوم عاشوراء (طب) ورجاله ثقات (وعن أنس بن مالك) رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال فلق البحر لبنى إسرائيل يوم عاشوراء (عل) وفيه يزيد الرقاشي وفيه كلام وقد وثق (وعن حباب) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم عاشوراء أيها الناس من كان منكم أكل فلا يأكل بقية يومه، ومن يرى منكم الصوم فليصمه (طب) وفيه أيوب بن جابر وثقه أحمد وغيره وضعفه ابن معين وغيره (وعن معبد القرشي) رضي الله عنه، قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم بقديد فأتاه رجل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أطعمت اليوم شيئًا؟ ليوم عاشوراء، قال لا. إلا أني شربت ماء، قال فلا تطعم شيئًا حتى تغرب الشمس وأمر من وراءك أن يصوموا هذا اليوم (طب) ورجاله ثقات (وعن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر يوم عاشوراء فعظم من شأنه ثم قال لمن حوله من كان لم يطعم منكم شيئًا فليصم يومه هذا، ومن كان قد طعم منكم فليصم بقية يومه (طس) ورجاله ثقات (وعن مجزأة بن زاهر) عن أبيه قال سمعت منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وهو يقول من كان صائمًا اليوم فليتم صومه، ومن لم يكن صائمًا فليتم ما بقى أو ليصم (بز. طب. طس) إلا أنه قال إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر، ورجال البزار ثقات (وعن عليلة) عن أمها قالت قلت لأمة الله بنت رزينة يا أمة الله حدثتك أمك أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر صوم عاشوراء؟ قالت نعم وكان يعظمه حتى يدعو برضعائه ورضعاء ابنته فاطمة فيتفل في أفواههن ويقول للأمهات لا ترضعوهن إلى الليل (عل. طب. طس) ولفظه في الأوسط كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظمه حتى أن كان ليدعو بصبيانه وصبيان فاطمة المراضع ذلك اليوم فيتفل في أفواههم يقول لأمهاتهم لا ترضعوهم إلى الليل، وكان ريقه يجزئهم، وعليلة ومن فوقها لم أجد من ترجمهن: وسمى الطبراني، فقال عليلة بنت الكميت عن أمها أمينة أنه أورد هذه الأحاديث الحافظ الهيثمي وتكلم عليها جرحًا وتعديلاً (وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أوسع على عياله في يوم عاشوراء أوسع الله عليه سائر سنته (هق) وأخرج ابن عبد البر من طريق شعبة عن أبي الزبير (عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من وسع على نفسه وأهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته، قال جابر جربناه فوجدناه كذلك، وأخرج العراقي نحوه عن عمر
-[اختلاف المذاهب في صيام عاشوراء قبل افتراض رمضان هل كان واجبًا أو منذوبًا]-
.....
موقوفًا عليه (قال البيهقي) أسانيد هذه الأحاديث وإن كانت ضعيفة فهي إذا ضم بعضها إلى بعض أحدثت قوة اهـ (الأحكام) أحاديث الباب تنقسم إلى ثلاثة فصول (الفصل الأول منها) يدل على أن صيام عاشوراء كان واجبًا قبل أن يفرض صوم رمضان وإلى ذلك (ذهب أبو حنيفة وأصحابه، واختلف أصحاب الشافعي فيه على وجهين مشهورين) أشهرهما عندهم أنه لم يزل سنة من حين شرع، ولم يكن واجبًا قط في هذه الأمة، ولكنه كان متأكد الاستحباب، فلما نزل صوم رمضان صار مستحبًا دون ذلك الاستحباب (والثاني) كان واجبًا كقول أبي حنيفة (وعند الحنابلة روايتان) إحداهما كالحنفية (والثانية) كالأشهر عند الشافعية (قال النووي) وتظهر فائدة الخلاف في اشتراط نية الصوم الواجب من الليل، فأبو حنيفة لا يشترطها، ويقول كان الناس مفطرين أول يوم عاشوراء ثم أمروا بصيامه بنية من النهار ولم يؤمروا بقضائه بعد صومه (وأصحاب الشافعي) يقولون كان مستحبًا بنية من النهار، ويتمسك أبو حنيفة بقوله "أمر بصيامه" والأمر للوجوب. وبقوله "فلما فرض رمضان، قال من شاء صامه ومن شاء تركه" ويحتج الشافعية بقوله "هذا يوم عاشوراء ولم يكتب عليكم صيامه" اهـ (قلت) قوله "ولم يكتب عليكم صيامه" هذا لفظ مسلم من حديث معاوية، وقد جاء هذا الحديث نفسه عند الإمام أحمد بلفظ "ولم يفرض علينا صيامه" والمعنى واحد، وهو مذكور في الفصل الثاني من أحاديث الباب (قال الحافظ) وقد استدل به على أنه لم يكن فرضًا قط، ولا دلالة فيه لاحتمال أن يريد ولم يكتب الله عليكم صيامه على الدوام كصيام رمضان، وغايته أنه عام خص بالأدلة الدالة على تقدم وجوبه، أو المراد أنه لم يدخل في قوله تعالى {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} ثم فسره بأنه شهر رمضان، ولا يناقض هذا الأمر السابق بصيامه الذي صار منسوخًا، ويؤيد ذلك أن معاوية إنما صحب النبي صلى الله عليه وسلم من سنة الفتح، والذين شهدوا أمره صلى الله عليه وسلم بصيام عاشوراء والنداء بذلك شهدوه في السنة الأولى أوائل العام الثاني، ويؤخذ من مجموع الأحاديث أنه كان واجبًا لثبوت الأمر بصومه ثم تأكد الأمر بذلك، ثم زيادة التأكيد بالنداء العام، ثم زيادته بأمر من أكل بالإمساك، ثم زيادته بأمر الأمهات أن لا يرضعن فيه الأطفال؛ وبقول ابن مسعود الثابت في مسلم (قلت والإمام أحمد أيضًا)"لما فرض رمضان ترك عاشوراء" مع العلم بأنه ما ترك استحبابه، والباقي مطلق استحبابه فلا يخفى ضعفه، بل تأكد استحبابه باق ولاسيما مع استمرار الاهتمام به حتى في عام وفاته صلى الله عليه وسلم حيث يقول لئن عشت لأصومن التاسع والعاشر، ولترغيبه في صومه وأنه يكفر سنة، وأي تأكيد أبلغ من هذا؟
-[اتفاق العلماء على استحباب صوم عاشوراء الآن- وحجة من قال إنه اليوم التاسع]-
.....
اهـ كلام الحافظ وهو الذي ينشرح له صدري واعنقده (والفصل الثاني منها) يدل على استحباب صوم عاشوراء بعد نزول صيام رمضان (وقد اتفق على ذلك العلماء كافة)"قال القاضي عياض" وكان بعض السلف يقول كان صوم عاشوراء فرض وهو باق على فرضيته لم ينسخ، قال وانقرض القائلون بهذا وحصل الإجماع على أنه ليس بفرض وأنه مستحب (وروى عن ابن عمر) كراهة قصد صومه وتعيينه بالصوم "والعلماء مجمعون على استحبابه) وتعيينه للأحاديث، وأما قول ابن مسعود كنا نصومه ثم ترك فمعناه أنه لم يبق كما كان من الوجوب، ثم تأكد الندب (والفصل الثالث منها) يدل بظاهره على أن عاشوراء هو اليوم التاسع من المحرم، وإلى ذلك (ذهب ابن عباس) وتأوله العلماء على أقوال تقدمت في أول الباب (قال النووي) في شرح المهذب قال أصحابنا عاشوراء هو العاشر من المحرم، وتاسوعاء هو اليوم التاسع منه، هذا مذهبنا وبه قال جمهور العلماء، وقال ابن عباس عاشوراء هو اليوم التاسع من المحرم، ثبت ذلك عنه في صحيح مسلم، وتأوله على أنه مأخوذ من إظماء الإبل فإن العرب تسمى اليوم الخامس من أيام الورد ربما بكسر الراء؛ وكذا تسمى باقي الأيام على هذه النسبة، فيكون التاسع على هذا عشرًا بكسر العين، والصحيح ما قاله الجمهور، وهو أن عاشوراء هو اليوم العاشر، وهو ظاهر الأحاديث ومقتضى إطلاق اللفظ، وهو المعروف عند أهل اللغة، وأما تقدير أخذه من إظماء الإبل فبعيد، وفي صحيح مسلم عن ابن عباس ما يرده، لأنه قال إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم عاشوراء فذكروا أن اليهود والنصارى تصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه في العام المقبل يصوم التاسع، وهذا تصريح بأن الذي كان يصومه صلى الله عليه وسلم ليس هو التاسع فتعين كونه العاشر، واتفق أصحابنا وغيرهم على استحباب صوم عاشوراء وتاسوعاء وذكر العلماء من أصحابها وغيرهما في حكمة استحباب صوم تاسوعاء أوجها (أحدها) أن المراد منه مخالفة اليهود في اقتصارهم على العاشر وهو مروى عن ابن عباس، وفي حديث رواه الإمام أحمد بن حنبل عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود، وصوموا قبله يومًا وبعده يومًا (الثاني) أن المراد به وصل يوم عاشوراء بصوم كما نهى أن بصيام يوم الجمعة وحده ذكرهما الخطابي وآخرون (الثالث) الاحتياط في صوم العاشر خشية نقص الهلال ووقوع غلط فيكون التاسع في العدد هو العاشر في نفس الأمر اهـ.
(تنبيه وتحذير) ما ورد في صلاة مخصوصة ليلة عاشوراء ويومه وفي فضل الكحل يوم عاشوراء لا يصح، ومن ذلك حديث جويبر عن الضحاك عن ابن عباس رفعه "من اكتحل بالأثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبدًا" وهو حديث موضوع وضعه قتلة الحسين رضي الله عه، (وقال الإمام أحمد) والاكتحال يوم عاشوراء لم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أثر وهو بدعة، وفي التوضيح ومن أغرب ما روى فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الصرد (إنه أول طائر صام عاشوراء) وهذا من قلة الفهم، فإن الطائر لا يوصف بالصوم، وهو حديث موضوع
-[التحذير مما يحصل من البدع في يوم عاشوراء]-
(3)
باب الصوم في رجب والأشهر الحرم
(250)
عن عثمان بن حكيم قال سألت سعيد بن جبير عن صوم رجب كيف ترى؟ قال حدثني ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الحاكم وضعه قتلة الحسين رضي الله عنه (وما يذكر) في كتب بعض المتأخرين من طلب الاغتسال وزيارة العلماء وعيادة المريض ومسح رأس اليتيم وتقليم الأظفار وقراءة سورة الإخلاص ألف مرة وصلة الرحم في يوم عاشوراء فليس له أصل يدل عليه في خصوص هذا اليوم، نعم هذه الخصال كلها طيبة ومطلوبة شرعًا ولكن في أي وقت كان، أما التخصيص باليوم المذكور فهو بدعة (قال الإمام) العلامة الزاهد الورع ابن الحاج رحمه الله في كتابه المدخل- يوم عاشوراء موسم من المواسم الشرعية والتوسعة فيه على الأهل والأقارب واليتامى والمساكين وزيادة النفقة والصدقة مندوب إليها، لكن بشرط عدم التكلف وأن لا يصير ذلك سنة يمتن بها لابد من فعلها، فإن وصل إلى هذا الحد فيكره أن يفعله سيما إذا كان الفاعل له من أهل العلم وممن يقتدي به، لأن تبين السنن وأشاعتها وشهرتها أفضل من النفقة في ذلك اليوم، ولم يكن السلف يعتادون فيه طعامًا مخصوصًا، وقد كان بعض العلماء رحمة الله عليهم يترك التوسعة قصدًا لينبه على أنها ليست بواجبة (أما ما يفعله الناس اليوم) من أن عاشوراء يختص بذبح الدجاج وغيره وطبخ الحبوب وغير ذلك فلم يكن السلف يتعرضون لذلك في هذه المواسم، ولا يعرفون تعظيمها إلا بكثرة العبادة والصدقة والخير بالتوسعة في المأكول (ومن البدع المحدثة فيه) تخصيصه بزيارة القبور للرجال والنساء (ومن البدع التي أحدثها النساء) في هذا اليوم استعمال الحناء على كل حال فمن لم تفعلها منهن فكأنها ما قامت بحق عاشوراء (ومما أحدثته أيضًا) من البدع البخور فمن لم يشتره منهن في ذلك اليوم ويتبخر فكأنه ارتكب أمرًا عظيمًا وكونه سنة عندهن لابد من فعلها وادخارهن له طول السنة يتبركن به ويتبخرن إلى أن يأتي مثله يوم عاشوراء الثاني، ويزعمن أنه إذا تبخر به المسجون خرج من سجنه، وأنه يبرئ من العين والنظرة والمصاب والموعوك، وهذا أمر خطر، لأنه مما يحتاج فيه إلى توقيف من صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم "يريد أنه لم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم" فلم يبق إلا أنه أمر باطل فعلنه من تلقاء أنفسهن اهـ باختصار نسأل الله تعالى أن يعصمنا من الزيغ والزال وأن يوفقنا لصالح العمل آمين.
(250)
عن عثمان ين حكيم (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد
-[الكلام عن الصوم في رجب- وهل ورد فيه شيء بخصومه]-
كان يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم (ومن طريق ثان) عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما صام شهرًا تامًا (وفي لفظٍ متتابعًا) منذ قدم المدينة (4) إلا رمضان
(251)
عن أبي السليل، قال حدثني مجيبة عجوز من باهلة عن
ابن عبيد ثنا عثمان بن حكيم قال سألت سعيد بن جبير- الحديث" (غريبه) (1) الظاهر أن مراد سعيد بن جبير بهذا الاستدلال أنه لا نهى عن صيام رجب ولا ندب فيه لعينه، لأنه لم يثبت فيه نهى ولا ندب. إنما ثبت الندب في الأشهر الحرم ورجب أحدها، أفاده النووي (2) يعنى ينتهي صومه إلى غاية نقول إنه لا يفطر فينتهي إفطاره إلى غاية نقول إنه لا يصوم، وذلك لأن الأعمال التي يتطوع بها ليست منوطة بأوقات معلومة، وإنما هي على قدر الإرادة لها والنشاط فيها (3) (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يحيى عن سعيد ثنا أبو بشر عن سعيد بن جبير- الحديث (4) لا مفهوم لقوله منذ قدم المدينة لأن صيام رمضان لم يفرض إلا في المدينة في السنة الثانية من الهجرة في شعبان كما تقدم (فإن قيل) هذا الحديث يعارضه ما سيأتي في الباب التالي في بعض روايات عائشة أنه صلى الله عليه وسلم "كان يصوم شعبان كله" (ويجاب عن ذلك) بأحد أمرين إما أن عائشة رضي الله عنها أرادت بالكل معظمه، وإما أن ابن عباس رضي الله عنهما ما رآي إلا رمضان فاخبر بذلك على حسب اعتقاده، والأول أرجح، وسيأتي لذلك مزيد بحث في الباب التالي إن شاء الله تعالى (تخريجه)(ق. نس. جه) وأخرجه أيضًا الترمذي في الشمائل وأبو داود الطيالسي في مسنده
(251)
عن أبي السليل (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إسماعيل ثنا الجريري عن أبي السليل- الحديث" (غريبه)(5) اسمه ضريب بالتصغير آخره موحدة ابن نقير بنون وقاف مصغرًا أبو السليل بفتح المهملة وكسر اللام القيسي الجريري بضم الجيم مصغرًا ثقة من السادسة، قاله الحافظ في التقريب (6) بضم الميم وكسر الجيم، وقد جاء هذا اللفظ بالتأنيث في رواية الإمام أحمد وأبي داود وصر به الحافظ في الإصابة ويدل على تأنينه قوله حدثتني بالتأنيث، وقوله عجوز من باهلة عن أبيها الخ، وجاء كذلك في رواية سعيد بن منصور عن ابن علية عن الجريري عن أبي السليل عن مجيبة الباهلية عجوز
-[قصة الرجل الباهلي في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم التطوع]-
أبيها أو عن عمها، قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة مرة، فقال من أنت؟ قال أو ما تعرفني؟ قال ومن أنت؟ قال أنا الباهلي الذي أتيتك عام أول، قال فإنك أتيتني وجسمك ولونك وهيئتك حسنة فما بلغ بك ما أرى؟ فقال إني والله ما أفطرت بعدك إلا ليلاً، قال من أمرك أن تعذب نفسك؟ من أمرك أن تعذب نفسك؟ من أمرك أن تعذب نفسك؟ ثلاث مرات، صم شهر الصبر رمضان، قلت إني أجد قوة وإني أحب أن تزيدني، فقال صم يومًا من الشهر، قلت إني أجد قوة وإني أحب أن تزيد، قال فيومين من الشهر، قلت إني أجد قوة وإني أحب أن تزيدني، قال وما تبتغى عن شهر الصبر ويومين من الشهر، قال قلت إني أجد قوة وإني أحب أن تزيدني، قال فثلاثة أيام من الشهر، قال وألحم عند الثلثة فما كاد، قلت إني أجد قوة، وإني أحب أن
من قومها، لكن جاء بالتذكر في رواية النسائي ففيه "عن مجيبة الباهلي عن عمه" وفي رواية ابن ماجه "عن أبي مجيبة عجوز من باهلة" والصواب الأول كما علمت "وباهلة" اسم قبيلة (1) أبوها عبد الله بن الحارث الأنصاري الباهلي أبو مجيبة ذكره ابن حبان في الصحابة، وقال أبو عمر لا أعرفه، وقال البغوي أبو مجيبة أو عمها، سكن البصرة (قال الحافظ) في الإصابة هو والد مجيبة الباهلي أو الباهلية، روى له جماعة "وقوله أو عمها" لم نقف على اسمه (2) في رواية أبي داود أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انطلق فأتاه بعد سنة وقد تغيرت حاله- الحديث (3) أي ما الذي غير حالك، فقال إني والله ما أفطرت بعدك، أي بعد مفارقتك إلا ليلاً، وفي رواية أبي داود، قال "ما أكلت طعامًا إلا بليل منذ فارقتك" يعنى أنه لازم الصيام مدة سنة، ولعله لم يبلغه النهى عن صوم يومي العيد والتشريق، أو كان ذلك قبل النهى والله أعلم (4) قال الخطابي شهر الصبر هو شهر رمضان، وأصل الصبر الحبس فسمى الصيام صبرًا لما فيه من حبس النفس عن الطعام ومنعها عن وطئ النساء وغشيائهن في نهار الشهر (5) يعنى يكفيك أن تصوم بعد رمضان يومًا من كل شهر تطوعًا (6) أي وما تريد أن تصوم زيادة عن شهر رمضان ويومين تطوعًا من كل شهر (7) أي وقف عندها
-[استحباب الصوم في الأشهر الحرم- وما هي الأشهر الحرم]-
تزيدني، قال فمن الحرم وأفطر
فلم يزده عليها، من ألحم بالمكان إذا أقام فلم يبرح "وقوله فما كاد" يعنى فما كاد يزيده عليها شيئًا (1) لفظ أبي داود "صم من الحرم واترك. صم من الحرم واترك. صم من الحرم واترك. وقال بأصابعه الثلاثة فضمها ثم أرسلها" الحرم بضمتين أي الأشهر الحرم، وهي أربعة أشهر ذكرها الله عز وجل في كتابه فقال {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم} وهي- رجب. وذو القعدة. وذو الحجة. والمحرم، وقيل لأعرابي كم الأشهر الحرم؟ فقال أربعة. ثلاثة سرد. وواحد فرد، وقوله سرد يعنى متتابعة. والفرد هو رجب. ولذلك قيل رجب الفرد لأنه منفرد عنها (والمعنى) أن النبي صلى الله عليه وسلم صرح له أن يصوم ما شاء من الأشهر الحرم وأشار بالأصابع الثلاثة إلى أنه لا يزيد على الثلاث المتواليات وبعد الثلاث يترك يومًا أو يومين، والأقرب أن الإشارة لإفادة أنه يصوم ثلاثًا ويترك ثلاثًا والله أعلم. قاله السندي (تخريجه)(د. نس. جه) وسنده جيد إلا أنهم اختلفوا في اسم مجيبة هل هو رجل أو امرأة. وتقدم الكلام على ذلك في الشرح، وقد ضعف بعضهم هذا الحديث لهذا الاختلاف- وفيه نظر، لأن مثل هذا الاختلاف لا يقدح في الحديث، لأن المختلف فيه صحابي والصحابة كلهم عدول سواء أكانوا رجالاً أم نساء والله أعلم (زوائد الباب) عن عبد العزيز بن سعيد عن أبيه (سعيد بن أبي راشد) قال عثمان بن مطر وكانت له صحبة، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رجب شهر عظيم يضاعف الله فيه الحسنات، فمن صام يومًا من رجب فكأنما صام سنة، ومن صام منه سبعة أيام غلقت عنه سبعة أبواب جهنم. ومن صام منه ثمانية أيام فتحت له ثمانية أبواب الجنة. ومن صام منه عشرة أيام لم يسأل الله شيئًا إلا أعطاه. ومن صام منه خمسة عشر يوما نادى مناد في السماء قد غفر لك ما مضى فاستأنف العمل. ومن زاد زاده الله. وفي رجب حمل الله نوحًا في السفينة فصام رجب وأمر من معه أن يصوموا فجرت بهم السفينة سبعة أشهر آخر ذلك يوم عاشوراء أهبط على الجودي، فصام نوح ومن معه والوحش شكرًا لله عز وجل. وفي يوم عاشوراء فلق الله البحر لبنى إسرائيل. وفي يوم عاشوراء تاب الله عز وجل على آدم صلى الله عليه وسلم وعلى مدينة يونس "يعنى أهلها" وفيه ولد إبراهيم عليه السلام. أورده الهيثمي، وقال رواه الطبراني في الكبير. وفيه عبد الغفور وهو متروك (وأخرج الخطيب) عن أبي ذر. من صام يومًا من رجب عدل صيام شهر وذكر نحو حديث سعيد
-[زوائد الباب فيما ورد في الصيام في رجب والأشهر الحرم]-
.....
ابن أبي راشد المتقدم، وأخرج نحوه أبو نعيم وابن عساكر من حديث ابن عمر مرفوعًا (وأخرج أيضًا) نحوه البيهقي في شعب الإيمان عن أنس مرفوعًا (وأخرج الخلال) عن أبي سعيد مرفوعًا "رجب من شهور الحرم وأيامه مكتوبة على أبواب السماء السادسة، فإذا صام الرجل منه يومًا وجدد صومه بتقوى الله نطق الباب ونطق اليوم وقالا يارب اغفر له، وإذا لم يتم صومه بتقوى الله لم يستغفرا له. وقيل خدعتك نفسك (واخرج) أبو الفتح بن أبي الفوارس في أماليه عن الحسن مرسلاً أنه قال "رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي" (وفي مجمع الزوائد عن أبي هريرة) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتم صوم شهر بعد رمضان إلا رجب وشعبان (طس) وفيه يوسف بن عطية الصفار وهو ضعيف (وعن خرشة بن الحر) قال رأيت عمر بن الخطاب يضرب أكف الرجال في صوم رجب حتى يضعوها في الطعام ويقول رجب وما رجب، إنما رجب شهر كان يعظمه أهل الجاهلية. فلما جاء الإسلام ترك (طس) وفيه الحسن بن جبلة ولم أجد من ذكره وبقية رجاله ثقات. أوردهما الهيثمي وهذا كلامه فيهما. والحديث الثاني منهما رواه ابن أبي شيبة أيضًا (وروى ابن ماجه) بسنده عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم رجب. وفي إسناده داود ابن عطاء وهو ضعيف متفق على تضعيفه (وعن ابن عباس) رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام يوم عرفة كان كفارة سنتين. ومن صام يومًا من المحرم فله بكل يوم ثلاثون يومًا (طص) وفيه الهيثم بن حبيب ضعفه الذهبي (وعنه) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام يومًا من المحرم فله بكل يوم ثلاثون حسنة (طب) وفيه الهيثم بن حبيب أيضًا (وعن أنس بن مالك) رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام ثلاثة أيام من شهر حرام الخميس، والجمعة. والسبت كتب له عبادة ستين سنة، رواه الطبراني في الأوسط عن يعقوب بن موسي المدني عن مسلمة. ويعقوب مجهول ومسلمة هو ابن راشد الحماني. قال فيه أبو حاتم مضطرب الحديث، وقال الأزدي في الضعفاء لا يحتج به، وأورد له هذا الحديث وأبوه راشد بن نجيح أبو محمد الحماني أخرج له ابن ماجه. وقال أبو حاتم صالح الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ربما أخطأ. وقال ابن الجوزي إنه مجهول وليس كما قال: فقد روى عنه حماد بن زيد وابن المبارك وأبو نعيم الفضل بن دكين وآخرون. أورد الحافظ الهيثمي هذه الأحاديث الثلاثة وتكلم عليها جرحًا وتعديلاً (الأحكام) حديث عثمان بن حكيم الأول من حديثي الباب يدل على مشروعية الإكثار من الصيام في رجب وإن لم يكن صريحًا في ذلك إلا أن جواب السؤال فيه عن صوم رجب يشعر بذلك، ويستفاد الإكثار من الصوم فيه أيضًا من حديث أبي السليل الثاني من حديثي الباب فإنه
-[بيان أن الأحاديث الواردة في فضل الصيام في رجب بخصوصه واهيه]-
(4)
باب صيام النبي صلى الله عليه وسلم وإكثاره الصوم في شعبان وفضل الصيام فيه
(252)
عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم وما استكمل شهرًا قط إلا رمضان وما رأيته في
يدل على فضل الإكثار من الصوم في الأشهر الحرم وهو منها قطعًا (قال الشوكاني) وقد ورد ما يدل على مشروعية صومه على العموم والخصوص. أما العموم فالأحاديث الواردة في الترغيب في صوم الأشهر الحرم. وهو منها بالإجماع، وكذلك الأحاديث الواردة في مشروعية مطلق الصوم. قال وأما على الخصوص (فذكر بعض ما أوردنا من الأحاديث الخاصة بفضله وفضل صيامه في الزوائد، ثم قال) وأخرج ابن أبي شيبة من حديث زيد بن أسلم، قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم رجب، فقال أين أنتم عن شعبان (وأخرج عن ابن عمر) ما يدل على أنه كان يكره صوم رجب، قال ولا يخفاك أن الخصوصيات إذا لم تنتهض للدلالة على استحباب صومه انتهضت العموميات، ولم يرد ما يدل على الكراهة حتى يكون مخصصًا لها، وأما حديث ابن عباس عند ابن ماجه بلفظ "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام رجب" ففيه ضعيفان زيد بن عبد الحميد وداود بن عطاء اهـ (قلت) اتفق العلماء على استحباب الصيام في رجب كغيره من الأشهر الحرم، أما ما ورد من الأحاديث في فضل الصيام في رجب بخصوصه فكلها ضعيفة لا تقوم بها حجة وإنما أوردتها في الزوائد للتنبيه عليها لئلا يغتر بها الناس. فقد جاءت في كتب غير محررة، ولذلك لا تجد حديثًا منها في المسند ولا في الكتب الستة. وقد نقلت ما قاله العلماء فيها، وحكي ابن السبكي عن محمد بن منصور السمعاني أنه قال. لم يرد في استحباب صوم رجب على الخصوص سنة ثابتة، والأحاديث التي تروى فيه واهية لا يفرح بها عالم اهـ والله أعلم.
(252)
عن عائشة رضي الله عنها (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إسحاق بن عيسي ثنا مالك عن أبي النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة- الحديث" (غريبه)(1) تقدم شرح هذه الجملة في شرح الحديث الأول من الباب السابق (2) إنما لم يستكمل شهرًا غير رمضان لئلا يظن وجوبه
-[الجمع بين قول عائشة كان صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان إلا قليلاً وبين قولها كان يصومه كله]-
شهر قط أكثر صيامًا منه في شعبان (وعنها من طريق ثان بنحوه) وزادت كان يصوم شعبان كله إلا قليلاً، بل كان يصوم شعبان كله
(1) المعنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم في شعبان وفي غيره من الشهور سوى رمضان وكان صيامه في شعبان أكثر من صيامه فيما سواه، ووجه تخصيص شعبان بكثرة الصوم لكون أعمال العباد ترتفع فيه كما سيأتي في حديث أسامة بن زيد، قال "ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم" وسيأتي شرحه في موضعه (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد قال أنا محمد عن أبي سلمة؛ قال سألت عائشة كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم؟ قالت كان يصوم حتى نقول لا يفطر. ويفطر حتى نقول لا يصوم، ولم أره في شهر أكثر صيامًا منه في شعبان كان يصوم شعبان كله- الحديث (3) هذه الرواية وهي قولها "كان يصوم شعبان كله" وقولها في الحديث الآتي أيضًا "كان يصومه كله" يخالف ما تقدم من قولها "كان يصوم شعبان كله إلا قليلاًَ" ويخالف أيضًا قولها في الطريق الأولى "وما استكمل شهرًا قط إلا رمضان" ويجمع بين هذه الروايات بأن المراد بالكل والتمام الأكثر، وقد نقل الترمذي عن ابن المبارك أنه قال جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقال صام الشهر كله، ويقال قام فلان ليلته أجمع ولعله قد تعشى واشتغل ببعض أمره، قال الترمذي كان ابن المبارك جمع بين الحديثين بذلك اهـ وحاصله أن رواية الكل والتمام مفسرة برواية الأكثر ومخصصة بها وأن المراد بالكل الأكثر (قال الحافظ) وهو مجاز قليل الاستعمال واستبعده الطيبي، قال لأن الكل تأكيد لإرادة الشمول ودفع التجوز فتفسيره بالبعض مناف له، قال فيحمل على أنه كان يصوم شعبان كله تارة ويصوم معظمه أخرى لئلا يتوهم أنه واجب كله كرمضان (وقيل) المراد بقولها كله أنه كان يصوم من أوله تارة ومن آخره أخرى ومن أثنائه طورًا فلا يخلى شيئًا منه من صيام ولا يخص بعضه بصيام دون بعض (وقال الزين بن المنير) إما أن يحمل قول عائشة على المبالغة: والمراد الأكثر، وإما إن يجمع بأن قولها الثاني متأخر عن قولها الأول فأخبرت عن أول أمره أنه كان يصوم أكثر شعبان وأخبرت ثانيًا عن آخر أمره أنه كان يصومه كله اهـ قال الحافظ. ولا يخفى تكلفه والأول هو الصواب ويؤيده رواية عبد الله بن شقيق عن عائشة عند مسلم وسعد بن هشام عنها عند النسائي ولفظه "ولا صام شهرًا كاملاً قط منذ قدم المدينة غير رمضان اهـ (قلت) وتقدم مثله للإمام أحمد عن ابن عباس في الباب السابق (تخريجه)(ق. وغيرهما)
-[كان صلى الله عليه وسلم يكثر الصوم في شعبان- وكان يصله برمضان]-
(253)
وعنها أيضًا قالت ما كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصوم من شهر من السنة أكثر من صيامه في شعبان، كان يصومه كله
(254)
وعنها رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يصوم حتى نقول ما يريد أن يفطر، ويفطر حتى نقول ما يريد أن يصوم، وكان يقرأ كل ليلة ببني إسرائيل والزمر.
(255)
عن عبد الله بن أبي قيس أنه سمع عائشة رضي الله عنها تقول كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان، ثم يصله برمضان
(253) وعنها أيضًا (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو المغيرة قال ثنا الأوزاعي قال حدثني يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة قال حدثتني عائشة قالت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبه)(1) تقدم الكلام عليه في الذي قبله (تخريجه)(ق. وغيرهما)
(254)
وعنها رضي الله عنها (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان قال ثنا حماد بن زيد قال ثنا مروان أبو لبابة من بني عقيل عن عائشة الحديث (تخريجه) أخرج الشخان وغيرهما منه القدر المختص بالصيام ولم أقف على من أخرجه بزيادة القراءة غير الإمام أحمد وسنده جيد.
(255)
عن عبد الله بن أبي قيس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية عن عبد الله بن أبي قيس- الحديث" (غريبه) (2) أحب بالنصيب خبر كان، وشعبان اسمها؛ والمعنى كان صوم شعبان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من صوم غيره من بقية الشهور التي كان يتطوع فيها بالصيام (3) أي يصل صيام شعبان بصيام رمضان (فإن قبل) هذا ينافى ما تقدم في الجزء التاسع في باب ثبوت الشهر برؤية الهلال صحيفة 255 من حديث أبي هريرة رقم 57 قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقدموا الشهر بيوم أو يومين إلا أن يوافق أحدكم صومًا كان يصومه (فالجواب) أن ذلك محمول على من تعمد صيام يوم أو يومين ليحتاط لرمضان، أما من كان متعودًا صوم شعبان أو أكثره أو أيامًا منه وصادف ذلك أيام عادته فلا بأس به، وقد استثني ذلك في الحديث بقوله "إلا أن يوافق أحدكم صومًا كان يصومه" وقد ثبت بالاتفاق أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم معظم شعبان (تخريجه)(د. نس. ك. هق) وسنده جيد
-[تحرى صيام الاثنين والخميس والحكمة في ذلك]-
(256)
"خط" عن خالد بن معدان عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن صوم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، قالت كان يصوم شعبان ويتحرى الاثنين والخميس
(257)
عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كان يصوم شعبان ورمضان
(258)
وعنها أيضًا رضي الله تبارك وتعالى عنها قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم صام شهرين متتابعين إلا أنه كان
(256)"خط" عن خالد بن معدان (سنده) حدثنا عبد الله قال وجدت هذا الحديث في كتاب أبي بخط يده ثنا محمد بن حميد أبو سفيان عن سفيان عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عائشة- الحديث" (غريبه)(1) أي يقصده ويطلبه، والتحري طلب الأحرى والأولى. وقيل التحري طلب الثواب والمبالغة في طلب الشيء، وإنما كان صلى الله عليه وسلم يتحرى الاثنين والخميس لما سيأتي في باب صيام الاثنين والخميس من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال تعرض الأعمال كل اثنين وخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم، وسيأتي الكلام عليه في بابه إن شاء الله تعالى (تخريجه) لم أقف على من أخرجه بهذا اللفظ غير الإمام أحمد وسنده جيد. وأخرجه الأربعة في صيام الاثنين والخميس بدون ذكر شعبان. وصححه ابن حبان وحسنه الترمذي.
(257)
عن أم سلمة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا أبي عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أم سلمة- الحديث" (غريبه) (2) هذا محمول على أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في بعض السنين لئلا يتوهم أنه واجب، أو المراد بصوم شعبان معظمه، ويؤيد ذلك قولها في الحديث التالي "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صام شهرين متتابعين الخ (تخريجه)(جه) وسنده جيد
(258)
وعنها أيضًا (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن ابن مهدي عن سفيان عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن أبي سلمة عن أم سلمة
-[202 استحباب الصوم في شعبان وكلام العلماء في جواز وصل صيام شعبان برمضان وعدمه]-
يصل شعبان برمضان
(259)
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يصوم فلا يفطر حتى نقول ما في نفس رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن يفطر العام، ثم يفطر فلا يصوم حتى نقول ما في نفسه أن يصوم العام، وكان أحب الصوم إليه في شعبان
- الحديث" (غريبه) (1) ذكر بعض العلماء أنه صلى الله عليه وسلم وقع منه وصل شعبان برمضان وفصله منه. وذلك في سنتين فأكثر (وقال الغزالي) رحمه الله في الأحياء فإن وصل شعبان برمضان فجائز؛ فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة. وفصل مرارًا كثيرة اهـ (قلت أما التحديد بالمرة والسنتين فلم نقف عليه في شيء من الأحاديث، نعم وقع منه صلى الله عليه وسلم الوصل والفصل، أما الوصل فكما ترى في أحاديث الباب، وأما الفصل فقد تقدم في باب ثبوت الشهر برؤية الهلال من الجزء التاسع صحيفة 254 في حديث رقم 44 عن عائشة رضي الله عنها قالت "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من هلال شعبان ما لا يتحفظ من غيره. ثم يصوم برؤية رمضان. فإن غم عليه عد ثلاثين يومًا ثم صام" وهذا الحديث رواه أيضًا أبو داود والدارقطني وقال هذا إسناد صحيح؛ والحاكم وقال هذا صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وصححه أيضًا الحافظ (تخريحه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الإمام أحمد وسنده جيد، ورواه الترمذي بلفظ "ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان" وأبو داود بلفظ "لم يكن يصوم من السنة شهرًا تامًا إلا شعبان يصله برمضان"
(259)
عن أنس بن مالك (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يونس ثنا عثمان بن رشيد قال حدثني أنس بن سيرين قال أتينا أنس بن مالك في يوم خميس فدعا بمائدته فدعاهم إلى الغداء فتغدي بعض القوم وأمسك بعض، ثم أتوه يوم الاثنين ففعل مثلها فدعا بمائدته ثم دعاهم إلى الغداء فأكل بعض القوم وأمسك بعض، فقال لهم أنس بن مالك لعلكم اثنانيون. لعلم خميسيون. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم فلا يفطر- الحديث
(تخريجه) أورده الهيثمي. وقال في الصحيح طرف منه- رواه أحمد والطبراني في الأوسط، وفيه عثمان بن رشيد الثقفي وهو ضعيف
-[زوائد الباب في فضل الصيام في شعبان]-
(260)
عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان، قال ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر يرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم
(260) عن أسامة بن زيد- هذا طرف من حديث طويل سيأتي بثمامه وسنده في باب صوم الاثنين والخميس (غريبه)(1) ظاهر قوله يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان أنه يستحب صوم رجب. لأن الظاهر أنهم يغفلون عن تعظيم شعبان بالصوم كما يعظمون رمضان ورجبًا به، ويحتمل أن المراد غفلهم عن تعظيم شعبان بصومه كما يعظمون رجبًا بنحر النحائر فيه. فإنه كان يعظم بذلك عند الجاهلية وينحرون فيه العتيرة كما ثبت في الحديث. والظاهر الأول. لأن المراد بالناس الصحابة فإن الشارع قد كان إذ ذاك محا آثار الجاهلية، ولكن غايته التقرير لهم على صومه. وهو لا يقيد زيادة على الجواز، أفاده الشوكاني (2) قال الشيخ ولي الدين (إن قلت) ما معنى هذا مع أنه ثبت في الصحيحين (وعند الإمام أحمد أيضًا) أن الله تعالى يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار. وعمل النهار قبل عمل الليل (قلت) يحتمل أمرين (أحدهما) أن أعمال العباد تعرض على الله تعالى كل يوم، ثم تعرض عليه أعمال الجمعة في كل اثنين وخميس. ثم تعرض عليه أعمال السنة في شعبان. فتعرض عرضًا بعد عرض ولكل عرض حكمة يطلع عليها من يشاء من خلقه أو يستأثر بها عنده مع أنه تعالى لا يخفى عليه من أعمالهم خافية (ثانيهما) أن المراد أنها تعرض في اليوم تفصيلاً ثم في الجمعة جملة أو بالعكس اهـ (تخريجه)(د. نس) وصححه ابن خزيمة (زوائد الباب) عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله، قالت قلت يا رسول الله أحب الشهور إليك أن تصومه شعبان، قال إن الله كتب على كل نفس منية تلك السنة فأحب أن يأتيني أجلى وأنا صائم (قلت في الصحيح طرف منه) رواه أبو يعلي وفيه مسلم بن خالد الزنجي، وفيه كلام وقد وثق (وعن سهل بن سعد) قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم، وكان أكثر صومه في شعبان (طب. طس) وفيه عمر بن صهبان وهو متروك (وعن أبي هريرة) رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصل شعبان برمضان (طس) وفيه يوسف بن عطية وهو ضعيف (وعن أبي أمامة) رضي الله عنه
-[الأحكام وأقوال العلماء في حكمة إكثار النبي صلى الله عليه وسلم الصوم في شعبان]-
.....
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصل شعبان برمضان (طب) ورجاله ثقات (وعن أبي ثعلبة) رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان ورمضان يصلهما (طب) وفيه الأحوص بن حكيم وفيه كلام كثير وقد وثق (وعن عائشة) رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام فربما أخر ذلك حتى يجتمع عليه صوم السنة، وربما أخره حتى يصوم شعبان (طس) وفيه محمد بن أبي ليلي وفيه كلام، أورد هذه الأحاديث الحافظ الهيثمي وتكلم عليها جرحًا وتعديلاً (الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد تدل على فضل الصيام في شعبان وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخصه بكثرة الصيام فيه أكثر من سائر الشهور (وقد أجاب النووي) رحمه الله عن كونه صلى الله عليه وسلم لم يكثر من الصوم في المحرم؛ مع قوله إن أفضل الصيام ما يقع فيه. بأنه يحتمل أن يكون ما علم ذلك إلا في آخر عمره فلم يتمكن من كثرة الصوم في المحرم، أو اتفق له فيه من الأعذار بالسفر والمرض مثلاً ما منعه من كثرة الصوم فيه (وقد اختلف العلماء) في الحكمة في إكثاره صلى الله عليه وسلم من صوم شعبان (فقيل) كان يشتغل عن صوم الثلاثة أيام من كل شهر لسفر أو غيره فتجتمع فيقضيها في شعبان، أشار إلي ذلك ابن بطال، ويدل عليه حديث عائشة الأخير من أحاديث الزوائد. وفيه محمد بن أبي ليل فيه كلام (وقيل) كان يصنع ذلك لتعظيم رمضان وقد ورد فيه حديث أخرجه الترمذي من طريق صدقة بن موسي عن ثابت عن أنس، قال "سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الصوم أفضل بعد رمضان، قال شعبان لتعظيم رمضان" قال الترمذي حديث غريب. وصدقة عندهم ليس بذاك القوى اهـ، ويعارضه ما رواه مسلم والإمام أحمد وتقدم في فضل صوم المحرم من حديث أبي هريرة مرفوعًا "أفضل الصوم بعد رمضان صوم المحرم"(وقيل) الحكمة في إكثاره صلى الله عليه وسلم من الصيام في شعبان دون غيره أن نساءه كن يقضين ما عليهن من رمضان في شعبان فكان يصوم معهن (وقيل) الحكمة في ذلك أنه يعقبه رمضان وصومه مفترض وكان يكثر من الصوم في شعبان قدر ما يصوم في شهرين غيره لما يفوته من التطوع بذلك في أيام رمضان (والأولى في ذلك) ما جاء في حديث أسامة آخر أحاديث الباب وهو حديث صحيح رواه النسائي وأبو داود وصححه ابن خزيمة ونحوه من حديث عائشة عند أبي يعلي وهو الأول من أحاديث الزوائد (وفي أحاديث الباب أيضًا) دلالة على أنه يجوز وصل صيام شعبان برمضان لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ولا تعارض بين هذا وبين ما تقدم من الأحاديث في النهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين وما سيأتي من النهى عن صوم نصف شعبان الثاني فإن الجمع بينهما ظاهر بأن يحمل النهى على من لم يدخل تلك الأيام في صيام اعتاده. وقد صرح بذلك في أحاديث النهى نفسها، فقال "إلا أن يكون شيئًا يصومه" أحدكم والله أعلم.
-[حجة القائلين بكراهة الصيام في النصف الثاني من شعبان]-
(5)
باب النهي عن الصوم في النصف الثاني من شعبان والرخصة في ذلك
(261)
عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إذا كان النصف من شعبان (1) فأمسكوا عن الصوم حتى يكون رمضان
(261) عن العلاء بن عبد الرحمن (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع. قال ثنا أبو العميس عتبة عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة- الحديث" (غريبه) (1) أي إذا انقضى النصف الأول من شعبان فلا تصوموا من النصف الثاني حتى يكون رمضان، قال القاري في المرقاة والنهى للتنزيه رحمة على الأمة أن يضعفوا عن حق القيام بصيام رمضان على وجه النشاط. وأما من صام شعبان كله فيتعود بالصوم ويزول عنه الكلفة، ولذا قيده بالانتصاف، أو نهى عنه لأنه نوع من التقدم والله أعلم اهـ (وقال القاضي عياض) المقصود استجمام من لا يقوى على تتابع الصيام فاستحب له الإفطار كما استحب إفطار عرفة "يعنى لمن بعرفة" ليتقوى على الدعاء، فأما من قدر فلا نهى له، ولذلك جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الشهرين في الصوم اهـ (تخريجه) (حب. طح. هق. والأربعة) وقد اختلف في صحة هذا الحديث. فصححه الترمذي وابن حبان وابن عساكر. وابن حزم. وابن عبد البر. وضعفه الإمام أحمد فيما حكاه البيهقي عن أبي داود قال: قال أحمد هذا حديث منكر، قال وكان عبد الرحمن "يعنى ابن مهدي" لا يحدث به اهـ (وقال المنذري في تلخيص سنن أبي داود) حكي أبو داود عن الإمام أحمد أنه قال هذا حديث منكر، قال وكان عبد الرحمن يعنى ابن مهدي لا يحدث به، ويحتمل أن يكون الإمام أحمد إنما أنكره من جهة العلاء بن عبد الرحمن فإن فيه مقالاً لأئمة هذا الشأن، قال والعلاء بن عبد الرحمن وإن كان فيه مقال فقد حدث عنه الإمام مالك مع شدة انتقاده للرجال وتحريه في ذلك، وقد احتج به مسلم في صحيحه وذكر له أحاديث انفرد بها رواتها، وكذلك فعل البخاري أيضًا، وللحفاظ في الرجال مذاهب، فعل كل منهم ما أدى إليه اجتهاده من القبول والرد رضي الله عنهم والله أعلم اهـ.
-[الرخصة في جواز الصوم في النصف الثاني من شعبان]-
(262)
عن مطرف عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال له أو لغيره هل صمت سرار هذا الشهر (وفي لفظٍ هل لصمت من سرر هذا الشهر شيئًا؟ يعنى شعبان) قال لا. قال فإذا أفطرت أو أفطر الناس فصم يومين.
(262) عن مطرف (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن أبي عدي عن سليمان يعلي التيمي عن أبي العلاء عن مطرف عن عمران بن حصين- الحديث "وله طريق أخرى عند الإمام أحمد أيضًا" حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن ابن مطرف ابن الشخير قال سمعت مطرفًا يحدث عن عمران بن حصين فذكر نحوه (غريبه)(1) هو ابن الشخير كما صرح بذلك في الطريق الثانية (2) بفتح أوله وكسره ورجح الفراء الفتح، ويقال أيضًا سرر كما في اللفظ الآخر بفتح السين المهملة ويجوز كسرها وضمها، قال أبو عبيد والجمهور المراد بالسرر هنا آخر الشهر. سميت بذلك لاستمرار القمر فيها وهي ليلة ثمان وعشرين وتسع وعشرين وثلاثين. ونقل أبو داود عن الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز أن سرره أوله. ونقل الخطابي عن الأوزاعي كالجمهور، وقيل السرر وسط الشهر حكاه أبو داود أيضًا ورجحه بعضهم، ووجهه أن السرر جمع سرة وسرة الشيء وسطه، وأيده بالندب إلى صيام البيض وهي وسط الشهر، وبأنه لم يرد في صيام آخر الشهر ندب بل ورد فيه نهى خاص بآخر شعبان لمن صامه لأجل رمضان، وقد قال الخطابي إن بعض أهل العلم قال إن سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك سؤال زجر وإنكار، لأنه قد نهى أن يستقبل الشهر بيوم أو يومين، وتعقب بأنه لو أنكر ذلك لم يأمر بقضائه، وأجاب الخطابي باحتمال أن يكون الرجل أوجبها على نفسه فلذلك أمره بالوفاء وأن يقضى ذلك في شوال اهـ، وقال صاحب المنتفي عقب هذا الحديث، ويحمل هذا على أن الرجل كانت له مادة بصيام سرر الشهر أو قد نذره اهـ (قلت) والظاهر أن الأرجح ما ذهب إليه الجمهور وهو أن سرر الشهر آخره والله أعلم (3) لفظ مسلم "فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين مكانه" وهي أصرح من رواية الإمام أحمد ومبينة للمراد (تخريجه)(م. وغيره)(الأحكام) حديث العلاء بن عبد الرحمن فيه النهى عن الصوم في النصف الأخير من شعبان، وبه قالت الشافعية وخالفهم الجمهور؛ قال الحافظ قال كثير من الشافعية، يمنع الصوم من أول السادس عشر من شعبان لحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا، إذا انتصف شعبان فلا تصوموا، أخرجه
-[كلام العلماء في أحكام هذا الباب- والتحذير مما ابتدعه الناس في ليلة النصف]-
.....
أصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره اهـ (قلت هذا لفظ أبي داود) ولفظ الترمذي "إذا بقى نصف من شعبان فلا تصوموا" ولفظ النسائي "إذا انتصف شعبان فكفوا عن الصوم" ولفظ ابن ماجه "إذا كان النصف من شعبان فلا صوم" وفي لفظ ابن حبان "فأفطروا حتى يجئ رمضان" ولفظ ابن عدي "إذا انتصف شعبان فأفطروا" ولفظ البيهقي "إذا مضى النصف من شعبان فأمسكوا عن الصيام حتى يدخل رمضان" قال الحافظ، وقال الروياني من الشافعية يحرم التقدم بيوم أو يومين لحديث "لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين" ويكره التقدم من نصف شعبان للحديث الآخر "يعنى حديث الباب"(وقال جمهور العلماء) يجوز للصوم تطوعًا بعد النصف من شعبان وضعفوا الحديث الوارد فيه "يعنى حديث العلاء" وقال أحمد وابن معين إنه منكر، واستدل البيهقي بحديث "لا يتقدمن أحدكم في شعبان بصوم يوم أو يومين" على ضعفه فقال الرخصة في ذلك بما هو أصح من حديث العلاء" وكذا صنع قبله الطحاوي، واستظهر بحديث ثابت عن أنس مرفوعًا "أفضل الصيام بعد رمضان شعبان" لكن إسناده ضعيف، واستظهر أيضًا بحديث عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل هل صمت من سرر شعبان شيئًا؟ قال لا. قال فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين، ثم جمع بين الحديثين يعنى بين حديث العلاء بن عبد الرحمن. وبين حديث لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين بأن حديث العلاء على من يُضعفه الصوم وحديث التقدم بصوم يوم أو يومين مخصوص بمن يحتاط بزعمه لرمضان وهو جمع حسن اهـ ما نقله الحافظ (وحديث عمران بن حصين) فيه الترخيص لمن كان معتادًا الصوم في النصف الثاني من شعبان أن يصوم ما اعتاده بلا كراهة، وكذلك من كان عليه صيام واجب كنذر فله أن يؤديه فيه، فإن ضاق عليه الوقت ودخل رمضان قضاه في شوال والله أعلم.
(تحذير مما ابتدعه الناس في ليلة النصف من شعبان) اعلم أرشدني الله وإياك إلى العمل بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن ليلة النصف من شعبان ليلة فاضلة ورد في فضلها أحاديث لا بأس بها سيأتي بعضها في فضل ليلة النصف من شعبان من أبواب فضائل الأزمنة في كتاب الفضائل وسنفيض القول هناك إن شاء الله تعالى، ونقتصر هنا على ما يناسب الباب، وقد تغالي الناس في فضائل ليلة النصف من شعبان فأوردوا فيها أحاديث بعضها ضعيف شديد الضعف، وبعضها موضوع لا أصل له، وابتدعوا لها بدعًا شتى لم ترد في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم والدين برئ منها (فمن الأحاديث الشديدة الضعف) ما رواه ابن ماجه في فضل صوم يوم النصف عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا
-[بقية الكلام في التحذير مما ابتدعه الناس في ليلة النصف من الشعبان]-
(6)
باب صوم شهر الصبر وثلاثة أيام غير معينة من كل شهر
(263)
عن أبي عثمان أن أبا هريرة رضي الله عنه كان في سفر فلما نزلوا أرسلوا إليه وهو يصلي، فقال إني صائم، فلما وضعوا الطعام وكادوا أن
فيقول ألا من مستغفر فأغفر له. ألا مسترزق فأرزقه. ألا مبتلي فأعافيه. ألا كذا ألا كذا يطلع الفجر، هذا الحديث في سنده أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة القري العامري المدني، قيل اسمه عبد الله. وقيل محمد، وقد ينسب إلى جده، رموه بالوضع كذا في التقريب، وقال الذهبي في الميزان ضعفه البخاري وغيره، وروى عبد الله وصالح ابنا الأمام أحمد عن أبيها رحمهم الله، قال كان يضع الحديث، وقال النمائي متروك اهـ (ومن الأحاديث الموضوعة) ما روى عن علي أيضاً. وفيه فأن أصبح في ذلك اليوم صائماً كان كصيام ستين سنة ماضية وستين سنة مستقبلة، أورده ابن الجوزي في الموضوعات، وقال موضوع وإسناده مظلم (ومن البدع) ما آحدثوه من صلاة مخصوصة وأدعية وغيرها ما أنزل الله بها منن سلطان (ومن أقبحها) الدعاء المسمى بدعاء ليلة النصف من شعبان الذي أوله (اللهم يا ذا المن ولا يمن عليك) وهو يقرأ بعد صلاة المغرب ثلاث مرات مع سوة يس، الأولى بنية طول العمر. والثانية بنية اتساع الرزق. والثالثة بنية الاستغناء عن الناس، وقد عمت به البلوى في القطر المصري فصار يقرؤ علنا بأعلى صوت في مساجد الأوقاف فضلاً عن المساجد الأخرى، ومن عظيم البلوى أن أئمة المساجد الذي يلقنونه للعوام فيرددونه وراءهم بأعلى صوت، وفي ذاك الوقت تضيق المساجد بمن فيها لأنه لا يتخلف عنها أحد من المصلين إلا النادر لاعتقادهم أن قراءة هذا الدعاء تطيل العمر وتوسع الرزق وتغني عن الناس مع ما فيه من مخالفة كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والتخليط في قراءة سورة يس بعد إدعاء، فلا حول ولا قوة إلا بالله. اللهم أرشد العلماء إلى العمل بكتابك واتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ليقتدي بهم العوام ويظهر رونق الأسلام آمين
(263)
عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا روح ثنا حماد عن ثابت عن أبي عثمان أن أبا هريرة رضي الله عنه الحديث" (غريبة)(1) أي ليأكل معهم وكانوا يجهزون الطعام كما يستفاد من سياق الحديث، فلما جاءه الرسول وجده يصلى فانتظر حتى سلم وأخبره بالحضور لتناول الطعام (فقال إني صائم) فلما وضعوا
-[فضل صيام شهر رمضان وثلاثة أيام من كل شهر]-
يفرغوا جاء، فقالوا هلم فكل فأكل فنظر القوم إلى الرسول، فقال ما تنظرون؟ فقال والله لقد قال إني صائم، فقال أبو هريرة صدق، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آلة وصحبه وسلم، قال صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله فقد صمت ثلاثة أيام من أول الشهر فأنا مفطر في تخفيف الله صائم في تضعيف الله
الطعام وكادوا أن يفرغوا جاء) أبو هريرة رضي الله عنه (فقالوا هلم) أي أقبل على الطعام (فكل فأكل فنظر القوم إلى الرسول) أي نظرة دهشة وإنكار لأنه أخبرهم على لسان أبي هريرة أنه صائم فلما جاء أبو هريرة أكل فانكروا ذلك على الرسول وفهموا أنه كذب على أبي هريرة (فقال) الرسول (ما تنظرون) أي لم تنكرون على ذلك؟ ثم أقسم لقد قال أبو هريرة إني صائم (فقال أبو هريرة صدق) يعني رسولكم، ثم ذكر الحديث وبين لهم معنى قوله إني صائم ومعنى أكله معهم (1) هو شهر رمضان وأصل الصبر الحبس فسمى الصوم صبرا لما فيه من حبس النفس عن الطعام والشراب والجماع (2) تقدم شرح هذه الجملة في الكلام على الحديث الأول من باب جامع لما يستحب صومه صحيفة 161 عندما سأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم ثلاثة أيام من كل شهر ومضان إلى رمضان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "صوم الدهر وإفطاره" ونزيد هنا احتمالا آخر وهو أن صيام ثلاثة أيام من كل شهر كصيام الدهر، وصيام رمضان وحده كصيام الدهر (أما الأولى) فأن من صام ثلاثة أيام من كل شهر من شهور السنة فكأنما صام السنة كلها، لأن الحسنة بعشر أمثالها، فيعدل صيام الثلاثة الأيام منن كل شهر صيام الشهر كل فيكون كمن صام الدهر كله (وأما الثانية) فإن رمضان من حيث كونه صوم فرض يزيد على النفل عشر درجات فأكثر، فيكون صيامه مساوياً لصيام الدهر، بل قد يكون أزيد منه والله أعلم (3) معنى هذا أن من صام ثلاثة أيام من الشهر كتب الله له ثواب صوم الشهر كله وأباح له فطر باقيه، وهذا من تخفيف الله على عباده "وقوله صائم في تضعيف الله" أي له حكم الصائم وإن كان مفطراً لأن الله عز وجل ضاعف له أجر الثلاثة أيام فجعلها كصيام شهر باعتبار أن الحسنة بعشر أمثالها، فقول أبي هريرة للرسول إني صائم يعني حكماً وإن كان مفطراً حساً (تخريجه)(هق) وسنده جيد والجزء المرفوع منه رواه (م. د. نس. جه. هق)
-[صيام ثلاثة أيام من كل شهر كصيام الدهر]-
(264)
عن رجل من بني تميم، قال كنا عند باب معاوية بن أبي سفيان وفينا أبو ذ ر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم يقول صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر ويذهب مغلة الصدر. قال قلت وما مغلة الصدر؟ قال رجس الشيطان.
(265)
عن معاوية بن قرة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيا الدهر وإفطاره.
(266)
عن عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول صيام حسن صيام ثلاثة أيام من الشهر.
(267)
عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
(264) عن رجل من بني تميم (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو كامل ثنا حماد بن سامة عن الأزرق بن قيس عن رجل من بني تميم الحديث (تخريجه) أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده والبيهقي في شعب الأيمان وفيه رجل لم يسم.
(265)
عن معاوية بن قرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا شعبة عن معاوية بن قرة- الحديث" (غريبة)(1) تقدم شرحه في حديث أبي قتادة رقم 212 صحيفة 160 من هذا الجزء (تخريجه) أورده الهيثمي، وقال رواه أحمد والبراز والطبراني في الكبير ورجال أحمد رجال الصحيح
(266)
عن عثمان بن أبي العاص الثقفي (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هاشم قال ثنا ليث حدثني يزيد بن أبي حبيب عن سعيد بن أبي هند أن مطرفاً رجل من بني عامر بن صمصمة حدثه أن عثمان بن أبي العاص الثقفي دعاله بلبن ليسقيه، قال مطرف إني صائم، فقال عثمان سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول صيام حسن ثلاثة أيام من الشهر (تخرجه)(نس. حب) باسناد صحيح
(267)
عن أبي ذر رضي الله عنه (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي
-[من صام ثلاثة أيام من كل شهر فقد صام الدهر كله]-
من صام ثلاثة أيام من كل شهر فقد صام الدهر كله
(268)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما نحوه
(169)
عن أبي نوفل بن أبي عقرب عن أبيه قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصوم، فقال صم من الشهر يوماً. قال قلت يا رسول الله إني أقوي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أقوى إني أقوى صم يومين من كل شهر، قال قلت يا رسول الله زدني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم زذني زدني، ثلاثة أيام من كل شهر
ثنا أسود بن عامر ثنا إسرائيل عن عاصم بن سليمان عن أبي عثمان عن أبي ذر- الحديث (يخرجه) أورده المنذري بلفظ من صام من كل شهر ثلاثة أيام فذلك صيام الدهر فأنزل الله تصديق ذلك في كتابه "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، اليوم بعشرة أيام" وقال رواه أحمد والترمذي واللفظ له، وقال حديث حسن، والنسائي، وابن ماجه. وابن خزيمة في صحيحه اه (قلت) ورواه أيضاً ابن حبان في صحيحه وصححه الحافظ السيوطي
(268)
وعن عبد الله بن عمرو (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا سليم يعني ابن حيان عن سعيد بن ميناء سمعت عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغني أنك قال أبي وثناه عفان قال ثنا سليم بن حيان ثنا سعيد ابن ميناء سمعت عبد الله بن عمرو قال قا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغني أنك تصوم النهار وتقوم الليل فلا تفعل، فإن لجسدك عليك حظاً ولعينك عليك حظاً ولزوجك عليك حظاً، صم ثلاثة أيام من كل شهر فذلك صوم الدهر. قال قلت إن بي قوة، قال صم صوم داود، صم يوماً وأفطر يوماً، قال فكان ابن عمرو يقول يا ليتني كنت أخذت بالرخصة، وقال عفان ويهز أجد بي قوة "يعني بدل قوله أن بني قوة"(تخريجه)(ق. وغيرها)
(269)
عن أبي نوفل بن عقرب (سنده) حدثنا عبد الله حدثني ثنا وكيع ثنا الأسود بن يبان عن أبي نوفل بن أبي عقرب عن أبيه- الحديث" (غريبه)(1) كرر النبي صلى الله عليه وسلم قلو الرجل أني أقوى مرتين تعجباً من ابن آدم حيث يريد النبي صلى الله عليه وسلم التخفيف عنه وهو يريد التشديد على نفسه. وكذلك يقال في قوله زدني زدني (وقوله ثلاثة أيام) بالنصب مفعول لفعل محذوف تقديرره صم ثلاثة أيام (تخريجه)(نس) وصحح الحافظ إسناده
-[زوائد الباب - ومذاهب العلماء في تعيين الثلاثة الأيام المطلوب صومها]-
(270)
عن معاذة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، قالت فقلت من أية كان، فقالت لم يكن يبالي من أيه كان
(270) عن معاذة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر تنا شعبة عن يزيد الرشك عن معاذة عن عائشة- الحديث" (غريبه) (1) أي من أي أيام الشهر كان يصوم؟ كما جاء في رواية مسلم (2) لفظ مسلم لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم (تخريجه) (مذ. جه. هق) (زوائد الباب) عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال صوم الصبر وثلاثة أيام يذهبن بوحر الصدر (بز. طس) وفيه الحجاج بن أرطاة وفيه كلام- وحر الصدر بفتح الواو والحاء المهملة بعدها راء. هو غشة وحقده ووساوسه (وعن ابن عباس) رضي الله عنهما قال قال سول صلى الله عليه وسلم صوم شهر الصبر وثلاثة أيام يذهبن وحر الصدر (بز) ورجاله رجال الصحيح (وعن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الصيام فشغل عنه، فقال له عبد اله بن مسعود صم رمضان وثلاثة أيام من كل شهر، فقال أعوذ بك منك يا عبد الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فما تبغي؟ صم رمضان وثلاثة أيام، من كل شهر (بز) ورجاله رجال الصحيح (وعن ميمونة بنت سعد) رضي الله عنها أنها قالت يا رسول الله أفتنا عن الصوم، فقال من كل شهر ثلاثة أيام، من استطاع أن يصومهن فان كل يوم يكفر عشر سيئات وينقى من الأثم كما ينقى الماء الثوب (طب) وإسناده ضعيف، أوردها الهيثمي وهذا كلامه فيها جرحا وتعديلاً (الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد تدل على استحباب صوم ثلاثة أيام من كل شهر وذلك باتفاق العلماء، ولكن ولكن اختلفوا في تعيين هذه الثلاثة الأيام المستحبة من كل شهر، ففسرها عمر بن الخطاب وابن مسعود وأبو مسعود وأبو وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم، وجماعة من التابعين وأصحاب الشافعي بأيام البيض، ويشكل على هذا قول عائشة في الحديث الأخير من أحاديث الباب "لم يكن ببالي من أية كان" ولفظ مسلم "لم يكن ببالي من أي أيام الشهر يصوم (وأجيب على ذلك) بأن النبي صلى الله عليه وسلم لعله كان يعرض له ما يشغله عن مراعاة ذلك أو كان يفعل ذلك لبيان الجواز وكل ذلك في حقه أفضل، والذي أمر به قد أخبر به أمته ووصاهم به وعينه لهم فيحمل مطلق الثلاث على الثلاث المقيدة بالأيام المعينة التي ستأتي بعدها هذا الباب (واختار النخعي) وآخرون أنها آخر الشهر
-[بقية كلام العلماء في تعيين الثلاثة الأيام المطلوبة صومها]-
(7)
باب صوم أيام البيض
(271)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أني أعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم
(واختار الحسن البصري) وجماعة أنها من أوله (واختارت عائشة) وآخرون صيام السبت والأحد والاثنين من عدة شهر، ثم الثلاثاء والأربعاء والخميس من الشهر الذي بعده لما أخرجه الترمذي عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين، ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس، رواه الترمذي وقال حديث حسن (وقال البيهقي) كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام لا يبالي من أي الشهر صام كما في حديث عائشة، قال فكل من رآه فعل نوعاً ذكره، وعائشة رأت جميع ذلك فأطلقت، (وقال الرودياني) صيام ثلاثة أيام من كل شهر مستحب فان اتفقت أيام البيض كان أحب، وفي حديث رفعه ابن عمر أول اثنين في الشهر وخميسان بعده، (وروى عن مالك) أنه يكره تعيين الثلاث (قال الحافظ) وفي كلام غير واحد من العلماء أن استحبب صيام أيام البيض غير استحباب ثلاثة أيام من كل شهر اهـ (قال الشوكاني) وهذا هو الحق لأن حمل المطلق على المقيد هاهنا متعذر، وكذلك استحباب السبت والأحد والاثنين من الشهر، والثلاثاء والأربعاء والخميس من شهر غير استحباب ثلاثة أيام من كل شهر، وقد حكى الحافظ في الفتح في تعيين الثلاثة الأيام المطلقة عشرة أقوال ذكرنا أكثرها والحق أنها تبقى على إطلاقها فيكون الصائم مخيراً، وفي أي وقت صامها فقد فعل المشروع، لكن لا يفعلها في أيام البيض اهـ والله سبحانه وتعالى أعلم.
(271)
عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو الوليد ابن عمر حدثني أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير عن موسى بن طلحة عن أبي هريرة
_________
(*) هي الأيام التي لياليهن مقمرات لا ظلمة فيها، وقد جاءت مفسرة في حديث قتادة بن ملحان الآتي:"قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بصيام ليالي البيض ثلاثة عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة. وقال هي كصوم الدهر" والبيض بكسر الباء جمع أبيض أضيف إليها الأيام تقديره أيام اليالي البيض، وقيل المراد بالبيض الليالي، وهي التي يكون القمر فيها من أول الليل إلى آخره. حتى قال الجو البقى من قال الأيام البيض فجعل البيض صفة الأيام فقد أخطأ (قال الخافظ) وفيه نظر. لأن اليوم الكامل هو النهار بليلته وليس في الشهر يوم أبيض كله إلا هذه الأيام لأن ليلها أبيض ونهارها أبيض فصح قول الأيام البيض على الوصف أهـ (قلت) قول الحافظ "لأن اليوم الكامل هو النهار بليلته"(*)
-[قصة الأعرابي صاحب الأرنب والحث على صوم الأيام البيض]-
بأرنب قد شواها ومعها صنابها وأدمها فوضعها بين يديه فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يأكل وأمر أصحابه أن يأكلوا فأمسك الأعرابي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ما يمنعك أن تأكل؟ قال إني أصوم ثلاثة أيام من الشهر، قال إن كنت صائما فصم الأيام الغر
(272)
عن ابن الحوتكية قال أبي عمر بن الخطاب رضي
- الحديث" (غريبه) (1) الصناب الخردل المعمول بالزيت وهو صباغ يؤتدم به "وقوله وآدمها" الأدم بالضم ما يأكل مع الخبز أي شيء كان، وهو عطف مرادف لقوله صنابها (2) لم يبين في هذه الرواية سبب امتناعه صلى الله عليه وسلم عن الأكل منها، وقد بينه في الحديث التالي بقول الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم "إني وجدت بها دماً" يعني دم حيض، لأن الأرنب تحيض كالأنثى من بني آدم، وجاء في رواية النسائي من حديث موسى بن طلحة بأصرح من هذا، ففيها أن الأعرابي قال يا رسول الله إني قد رأيت بها دماً فتركها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يأكلها وقال لمن عنده كلوا فإني لو اشتهيتها أكلتها (وللنسائي أيضاً) من حديث موسى بن طلحة عن ابن الحوتكية عن أبي ذر قال جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أرنب قد شواها وخبز فوضعها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال إني وجدتها تدمي (كترضى أي تحيض) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه لا يضر. كلوا، وقال للأعرابي كل- الحديث (3) أي البيض الليالي بالقمر (وللنسائي من حديث أبي ذر) قال إن كنت صائماً فعليك بالغز البيض. ثلاث عشرة. وأربع عشرة. وخمس عشرة (تخريجه)(نس. حب) وصححه
(272)
عن ابن الحوتكية (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو النضر ثنا المسعودي عن حكيم بن جبير عن موسى بن طلحة عن ابن الحوتكية- الحديث" (غريبه)(4) بفتح الحاء المهملة والتاء المثناة، بينهما واو ساكنة ثم كاف، وبعضهم
_________
(*) فيه تسامح لأن معنى اليوم في الشرع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وفي اللغة من شروق الشمس إلى غروبها، والحافظ رحمه الله لم يرد تحديد اليوم لغة أو شرعا، وإنما أراد الزمن الكامل المشتمل على اليوم والليلة، لأنه لا يجهل معنى اليوم في اللغة والشرع، ولكن العيني رحمه الله لم يرق في نظره كلام الحافظ فجعله كلاما واهيا وتصرفا غير موجه كما هي عادته مع الحافظ يجعل الصغيرة منه كبيرة، رحمهما الله
-[تحفظ عمر رضي الله عنه في رواية الحديث واستظهاره بعمار بن ياسر]-
الله عنه بطعام فدعا إليه رجلاً، فقال إني صائم، ثم قال وأي الصيام تصوم؟ لولا كراهية أن أزيد أو أنقص لحدثتكم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حين جاء الأعرابي بالأرنب ولكن أرسلوا إلى عمار، فلما جاءه عمار، قال أشاهد أنت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يوم جاءه الأعرابي بالأرنب، قال نعم، فقال إني رأيت بهادمًا، فقال كلوها، قال إني صائم، قال وأي الصيام تصوم؟ قال أول الشهر وآخره، قال إن كنت صائمًا فصم الثلاث عشرة والأربع عشرة والخمس عشرة.
ضبطه بالباء الموحدة بدل التاء المثناة والأول أشهر - اسمه يزيد، قال في التقريب يزيد بن الحوتكية التميمي الكوفي، وأكثر ما يأتي غير مسمى مقبول من الثانية اهـ (قلت) قوله أكثر ما يأتي غير مسمى يعني أكثر ما يرد في الحديث عن ابن الحوتكية غير مسمى كما في التهذيب، وفيه أيضًا يروى عن عمر وعمار وغيرهما، وفي الخلاصة يروى عن عليّ وعنه موسى بن طلحة التيمي اهـ (1) لم يشأ عمر رضي الله عنه ذكر الحديث خوفا من أن يزيد فيه أو ينقص منه شيئًا، وأرسل إلى عمار بن ياسر رضي الله عنه ليستظهر به على ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفا من الغلط، وهذا غاية التحري والتحفظ في نقل الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالواجب على كل عالم أن لا يورى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما ظنه أو علمه حقا وتبينه صدقا، ولا يروى المشكوك فيه إلا مع بيان موضع الشك منه وإلا كان ممن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم "من كذب عليَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" نسأل الله العصمة والسلامة بمنه وكرمه ورضي الله عنك يا عمر (2) أي أكنت حاضرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جاءه الأعرابي الخ (3) هذا مقول الأعرابي، يعني فقال الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم إني رأيت بها دما، وتقدم الكلام على ذلك في شرح الحديث السابق (فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم "كلوها قال" الأعرابي "إني صائم"(4) يعني الأيام التالية لهذه الليالي (تخريجه) لم أقف عليه بهذا السياق من حديث عمر لغير الإمام أحمد، وأورده الهيثمي، وقال رواه أحمد وفيه عبد الرحمن بن عبد الله السعودي. وقد اختلط اهـ (قلت) وفيه أيضًا حكيم بن جبير، قال في التقريب ضعيف وأورد نحوه الهيثمي عن موسى بن طلحة، قال: قال عمر لأبي ذر وعمار وأبي الدرداء أتذكرون يوم كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكان كذا وكذا
-[فضل صيام أيام البيض والحث على صومها]-
(273)
عن عبد الملك بن المنهال عن أبيه رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بأيام البيض فهو صوم الشهر (وعنه من طريق ثان) قال كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يأمرنا بصيام الليالي البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة، وقال هي كصوم الدهر.
(274)
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى
فأتاه أعرابي بأرنب - الحديث، وقال رواه الطبراني في الكبير وفيه حكيم بين جبير وفيه كلام كثير، وقال أبو زرعة محله الصدق إن شاء الله اهـ (قلت) وروى نحوه النسائي أيضا من حديث موسى بن طلحة عن أبي ذر، وقال الهيثمي حديث أبي ذر وحده رواه الترمذي باختصار والله أعلم.
(273)
عن عبد الله بن المنهال (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن أنس بن سيرين عن عبد الملك بن المنهال - الحديث"
(غريبه)(1) قوله ابن المنهال خطأ، وصوابه ابن قتادة بن ملحان القيسي كما في الطريق الثانية. وقد رواه ابن ماجه أيضًا من طريقين كما هنا، ثم قال: أخطأ شعبة وأصاب همام، يريد أ، شعبة قال في روايته عن عبد الملك بن المنهال وهو خطأ. والصواب عبد الملك بن قتادة كما قال همام اهـ يعني في الطريق الثانية عنده وعند الإمام أحمد أيضًا، ولم يذكر في الخلاصة باسم عبد الملك بن المنهال، وإنما ذكر باسم عبد الملك بن قتادة بن ملحان، وقال الحافظ في التقريب عبد الملك بن قتادة بن ملحان. ويقال ابن قدامة بدل قتادة، ويقال عبد الملك بن المنهال مقبول من الثالثة (2) يعني بصيام أيام الليالي البيض "وقوله فهو صوم الشهر" يعني فصيامها كصوم الشهر في الثواب باعتبار أن الحسنة بعشر أمثالها، فيكون اليوم بعشرة أيام فالثلاثة الأيام تكون بشهر (3)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الصمد ثنا همام ثنا أنس بن سيرين عن عبد الملك بن قتادة بن ملحان القيسي عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث (4) هو على حذف مضاف أي بصيام أيام الليالي البيض (5) يعني أن من صام الثلاثة أيام المذكورة من كل شهر كان كمن صام العام كله، لأن كل ثلاثة أيام بشهر كما تقدم (تخريجه)(د. نس. جه. هق) وسنده جيد.
(274)
عن أبي ذر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن عبيد
-[زوائد الباب في الحث على صيام أيام البيض - وأقوال العلماء في تعيينها]-
آله وصحبه وسلم من كان منكم صائمًا من الشهر ثلاثة أيام فليصم الثلاث البيض.
ثنا الأعمش عن يحيى بن سام عن موسى بن طلحة عن أبي ذر الحديث (تخريجه)(نس. مذ. هق) وسنده جيد (زوائد الباب) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليك بالبيض ثلاثة أيام من كل شهر (طس. طب. ورجاله ثقات (وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول صام نوح عليه السلام الدهر الا يوم الفطر والأضحى وصام داود عليه السلام نصف الدهر وصام إبراهيم ثلاثة أيام من كل شهر صام الدهر وأفطر الدهر، أورده الهيثمي وقال صيام نوح رواه ابن ماجة وصيام داود في الصحيح - رواه الطبراني في الكبير وفيه أبو فتان لم أعرفه (وعن جرير بن عبد الله) رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر، وأيام البيض صبيحة ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة، رواه النسائي (الأحكام) أحاديث الباب تدل على استحباب صوم الأيام البيض من كل شهر (وحكى النووي) رحمه الله الاتفاق على استجبابها، قال وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، قال وقيل هي الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر (قال العراقي رحمه الله وفيما حكاه من الاتفاق نظر، فقد روى ابن القاسم عن مالك في المجموعة أنه سئل عن صيام أيام الغر ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة فقال ما هذا ببلدنا؟ وكره تعمده ومنها وقال الأيام كلها لله تعالى (وقال ابن وهب) وأنه لعظيم أن يجعل على نفسه شيئًا كالفرض ولكن يصوم إذا شاء، قال واستحب ابن حبيب صومها وقال أراها صيام الدهر، (وقال ابن حبيب) كان أبو الدرداء يصوم من كل شهر ثلاثة أيام أول اليوم ويوم العشر ويوم العشرين ويقول هو صيام الدهر كل حسنة بعشر أمثالها (قال العراقي) وحاصل الخلاف/ أن في المسألة تسعة أقوال (أحدها) استحباب صوم ثلاثة أيام من الشهر غير معينة فأما تعيينها فمكروه وهو المعروف من مذهب ملك، حكاه القرطبي (الثاني) استحباب الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وهو قول أكثر أهل العلم، وبه قال عمر بن الخطاب وعبد الله ابن مسعود وأبو ذر وآخرون من التابعين والشافعي وأصحابه. وابن حبيب من المالكية وأبو حنيفة وصاحباه. وأحمد. وإسحاق (الثالث) استحباب الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر حكى ذلك عن قوم (الرابع) استحباب ثلاثة من أول الشهر وبه قال الحسن البصري (الخامس) استحباب السبت والأحد والاثنين من أول الشهر. ثم الثلاثاء والأربعاء والخميس من أول الشهر الذي بعده، وهو اختيار عائشة رضي الله عنها في آخرين
-[استحباب صيام ثلاثة أيام معينة من كل شهر]-
(8)
باب صوم ثلاثة أيام معينة من كل شهر
(275)
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر الخميس من أول الشهر والاثنين الذي يليه والاثنين الذي يليه.
(276)
عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ورضي عنها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر يوم الاثنين ويوم الخميس ويوم الاثنين من الجمعة الأخرى.
(277)
عن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر أول اثنين من الشهر وخميسين.
(السادس) استحبابها من آخر الشهر وهو قول ابراهيم النخعي (السابع) استحبابها في الاثنين والخميس (الثامن) استحباب أول الشهر والعاشر والعشرين، وروى ذلك عن أبي الدرداء (التاسع) استحباب أول يوم والحادي عشر والعشرين. وهو اختيار أبي إسحاق بن شعبان من المالكية اهـ والله أعلم.
(275)
عن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا حجاج ثنا شريك عن الحر بن الصباح (بمهملة مفتوحة ثم تحتانية مشددة) سمعت ابن عمر يقول كان النبي صلى الله عليه وسلم الحديث (غريبه)(1) يعني أول خميس من الشهر (تخريجه)(نس) وسنده جيد.
(276)
عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو كامل قال ثنا حماد يعني بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن سواء الخزاعي عن حفصة - الحديث (غريبه)(2) يعني أول اثنين من الشهر ثم الخميس الذي يليه ثم الاثنين الذي يليه (تخريجه)(د. هق) وسنده جيد.
(277)
عن هنيدة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان ثنا أبو عوانة أنا الحر بن الصياح عن هنيدة - الحديث (تخريجه)(د. نس) وسنده جيد
-[استحباب صوم ثلاثة أيام من غرة كل هلال]-
(278)
وعنه أيضًا عن أمه قالت دخلت على أم سلمة رضي الله عنها فسألتها عن الصيام، فقالت كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يأمرني أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر أولها الاثنين والجمعة والخميس.
(فصل منه في صوم ثلاثة أيام من غرة كل هلال)
(279)
عن عبد الله (يعني ابن مسعود) رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يصوم ثلاثة أيام من غرة كل هلال وقلما كان يفطر يوم الجمعة.
(278) وعنه أيضًا (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد ابن فضيل ثنا الحسن بن عبيد الله عن هنيدة، الخزاعي عن أمه - الحديث (غريبه)(1) هو على تقدير مضاف أي أولها يوم الاثنين يعني الأول من الشهر ثم يوم الخميس من الشهر يوم الجمعة الذي يليه مباشرة (فإن قيل) هذا يخالف ترتيب الحديث ففيه تأخير الخميس في الذكر (فالجواب) أن العطف بالواو لا يفيد الترتيب، ولأننا لو مشينا على ترتيب الحديث لزم افراد يوم الجمعة بالصوم وهو منهي عنه والله أعلم (تخريجه)(د. نس. هق) بألفاظ مختلفة ففي رواية أبي داود أولها الاثنين والخميس. ورواية البيهقي كرواية أبي داود، وفي رواية النسائي أول خميس والاثنين والاثنين، وله رواية أخرى عن هنيدة عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كرواية أبي داود، ولم أقف على من أثبت الجمعة في هذا الحديث سوى الإمام أحمد.
(279)
عن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو النضر وحسن قالا ثنا شيبان عن عاصم عن زر عن عبد الله - الحديث" (غريبه)(2) قال العراقي يحتمل أن يراد بغرة الشهر أوله. يحتمل أن يراد بها الأيام الغر وهي البيض، كذا في قوت المفتذى (3) تأوله العلماء بأنه كان يصومه منضمًا إلى ما قبله أو إلى ما بعده أو أنه مختص بالنبي صلى الله عليه وسلم كالوصال؛ والظاهر الأول والله أعلم (تخريجه)(نس. جه. مذ) وقال حديث عبد الله حسن غريب؛ وقد استحب
-[كلام العلماء في صيام الثلاثة الأيام المعينة وثلاثة أيام من غرة كل شهر]-
(9)
باب صوم ست من شوال
(280)
عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول من صام رمضان وستًا من شوال فكأنما صام السنة كلها.
قوم من أهل العلم صيام يوم الجمعة، وإنما يكره أن يصوم يوم الجمعة لا يصوم قبله ولا بعده اهـ (الأحكام) أحاديث الباب تدل على استحباب صوم ثلاثة أيام معينة من كل شهر وهي الاثنين والخميس والجمعة، ويستفاد من مجموع الروايات أن المطلوب ايقاع الصوم في هذه الأيام المذكورة إما بتكرار الخميس وإفراد الاثنين أو بتكرار الاثنين وإفراد الخميس أو بحذف أحد الخميسين وجعل الجمعة مكانه والكل جائز (وفيها أيضًا) دلالة على استحباب تفريق صيام الثلاثة الأيام المذكورة وعلى فضل صيام الاثنين والخميس، وكذا الجمعة إذا ضم إليه يوم قبله أو بعده (وفي حديث عبد الله بن مسعود) دلالة على استحباب صوم ثلاثة أيام من غرة كل شهر أي أوله، ويحتمل أن يراد بذلك الأيام البيض كما قال العراقي والأول أظهر، لأن غرة كل شيء أوله؛ ولقوله في الحديث "من غرة كل هلال" والقمر لا يكون هلالاً قال الفارابي وتبعه في الصحاح، الهلال لثلاث ليال من أول الشهر، ثم هو قمر بعد ذلك اهـ والله أعلم.
(280)
عن جابر بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الله بن يزيد ثنا سعيد يعني ابن أبي أيوب حدثني عمرو بن جابر الحضرمي قال سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث (غريبه)
(1)
هكذا رواية الإمام أحمد (وستا) كما عند مسلم من حديث ابي أيوب الأنصاري، قال النووي صحيح، ولو قال ستة بالهاء جاز أيضًا؛ قال أهل اللغة يقال صمنا خمسًا وستًا وخمسة وستة، وإنما يلتزمون الهاء في المذكر إذا ذكروه بلفظه صريحا فيقولون صمنا ستة أيام، ولا يجوز ست أيام، فإذا حذفوا الأيام جاز الوجهان، ومما جاء حذف الهاء فيه من المذكر إذا لم يذكر بلفظه الصريح قوله تعالى {يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} أي عشرة أيام اهـ (2) إنما كان كصيام السنة لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر والستة الأيام بشهرين، وقد جاء ذلك مرفوعا في حديث ثوبان الآتي بعد حديث (تخريجه)(طس. بز. هق)
-[من صام رمضان وستا من شوال فقد صام الدهر]-
(281)
عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من صام رمضان وشتَّا من شوال فقد صام الدهر.
(282)
عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال من صام رمضان فشهر بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بعد الفطر فذلك تمام صيام السنة.
وفي إسناده عمرو بن جابر الحضرمي ضعيف، لكنه يعتضد بحديث أبي أيوب الآتي بعده
(281)
عن أبي أيوب (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة قال سمعت ورقاء يحدث عن سعد بن سعيد عن عمر بن ثابت عن أبي أيوب - الحديث (غريبه)(1) رواية أبي داود ثم أتبعه بست، ورواية مسلم ثم أتبعه ستا في صحته وتابع سعدا في روايته أخواه عبد ربه ويحيى، وصفوان بن سليم وغيرهم، قال ورواه أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم أبو هريرة وجابر. وثوبان. والبراء. بن عازب وابن عباس وعائشة اهـ.
(282)
عن ثوبان (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا الحكم بن نافع ثنا ابن عياش عن يحيى بن الحارث الذماري عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان - الحديث
(غريبه)(2) قال الشوكاني أي بعد اليوم الذي يفطر فيه وهو يوم عيد الإفطار فيحمل المطلق على المقيد، ويكون المراد بالست ثاني الفطر إلى آخر سابعه، ولكنه يبقى النظر في البعدية المذكورة هل يلزم أن تكون متصلة بيوم الفطر بلا فصل؟ أو يجوز إطلاقها لى كل يوم من أيام شوال لكونها بعد يوم الفطر؟ وهكذا يقال في قوله قم أتبعه ستا، لأن الأتباع يحتمل أن يكون بلا فاصل بين التابع والمتبوع إلا بما لا يصلح للصوم وهو يوم الفطر، ويحتمل أن يجوز إطلاقه مع الفاصل وإن كثر مهما كان التابع في شوال اهـ (تخريجه)(نس. جه. بز. مى. خز. هق) قال البوصيري في زوائد ابن ماجة الحديث قد رواه ابن حبان في صحيحه، يريد فهو صحيح قال وله شاهد اهـ (قلت) بل له شواهد صحيحة أيضا
(زوائد الباب)(عن أبي هريرة) رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر (بز) وله طرق رجال بعضها رجال الصحيح
-[زوائد الباب ومذاهب الأئمة في حكم صوم ستة أيام من شوال]-
.....
(وعنه أيضا) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام ستة أيام بعد الفطر متتابعة فكأنما صام السنة كلها (طس) قال الهيثمي وفيه من لم أعرفه (وعن ابن عباس وجابر) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال صام السنة كلها (طس) وفيه يحيى بن سعيد المارني وهو متروك (وعن ابن عمر) رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه (طس) وفيه مسلمة ابن علي الخشبي وهو ضعيف، أوردها الهيثمي وتكلم عليها جرحا وتعديلا، وفي الباب أيضًا (عن عائشة) رضي الله عنها رواه الطبراني (وعن البراء بن عازب) رضي الله عنه رواه الدراقطني (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية صوم ستة أيام من شوال ليس منها يوم الفطر فإنه يحرم صومه كما تقدم، وأن من صامها مع رمضان كان كمن صام السنة كلها، استحبابها ذهبت الأئمة (الشافعي وأحمد وداود) وحكاه ابن قدامة في المغني عن كعب الأحبار والشعبي وميمون بن مهران، ولا فرق عند الحنابلة بين كونها متتابعة أو مفرقة، قال الخرقي في مختصره، ومن صام شهر رمضان وأتبعه بست من شوال وإن فرقها فكأنما صام الدهر اهـ (قال النووي) في شرح المهذب، قال أصحابنا يستحب صوم ستة أيام من شوال لهذا الحديث "يعني حديث أبي أيوب فقد ذكره صاحب المهذب" قالوا ويستحب أن يصومها متتابعة في أول شوال فإن فرقها أو أخرها عن أول شوال جاز وكان فاعلا لأصل هذه السنة لعموم الحديث وإطلاقه، وهذا لا خلاف فيه عندنا (وبه قال أحمد وداود) وقال (مالك وأبو حنيفة) يكره صومها، قال مالك في الموطأ وصوم ستة أيام من شوال لم أر أحدًا من أهل العلم والفقه يصومها ولم يبلغه ذلك عن أحد من السلف، وأن أهل العلم كانوا يكرهون ذلك ويخافون بدعته وأن يلحق برمضان أهل الجفاء والجهالة ما ليس منه لو رأوا في ذلك رخصة عند أهل العلم ورأوهم يعملون ذلك، هذا كلام مالك في الموطأ، ودليلنا الحديث الصحيح السابق ولا معارض له (وأما قول مالك) لم أر أحدًا يصومها فليس حجة في الكراهة لأن السنة ثبتت في ذلك بلا معارض، فكونه لم ير لا يضر، وقولهم لأنه قد يخفى ذلك فيعتقد وجوبه ضعيف، لأنه لا يخفى ذلك على أحد، ويلزم على قوله أن يكره صوم يوم عرفة وعاشوراء وسائر الصوم المندوب إليه، وهذا لا يقوله أحد اهـ (قلت) قال فقهاء الحنفية والمالكية بندب صيامها متفرقة ولا يكره التتابع على المختار خلافا لأبي يوسف، وحملوا كلام الأمامين على ما إذا وصل صيامها بيوم الفطر وتابع صيامها، فإن صامها متصلة يوم الفطر وكانت غير متتابعة فلا كراهة، أو أن الحديث لم يبلغهما ولم يثبت عندهما والله أعلم.
-[فضل صيام شوال والأربعاء والخميس والجمعة]-
(10)
باب ما جاء في صيام شوال والأربعاء والخميس والجمعة
(283)
عن عكرمة بن خالد قال حدثني عريف من عرفاء قريش حدثني أبي أنه سمع من فلق في رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام رمضان وشوالاً والأربعاء والخميس والجمعة دخل الجنة (وعنه من طريق ثان) ز حدثني عريف من عرفاء قريش عن أبيه سمعه من فلق في رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من صام رمضان وشوالاً والأربعاء والخميس دخل الجنة
(283) عن عكرمة بن خالد (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الصمد وعفان قالاً ئنا ثابت قال عفان بن زيد ثبا هلال بن خباب عن عكرمة ابن خالد- الحديث" ((غريبه) العريف القائم بأمر جماعة من الناس يدبر أمرهم ويقوم بسياستهم كرئيس القبيلة. والجمع عرفاء بسكون اللام هو الشق، ومعناه انه سمع الحديث من شق فم رسول الله صلى الله عليه وسلم بدون واسطة "وقوله والأربعاء والخميس والجمعة" أي من كل شهر (سنده) حدثنا عبد الله قال حدثني أبو مالك الحنفي كثير ابن يحي بن كثير البصري، قال ئنا ثابت أبو زيد قال ثنا هلال بن خياب عن عكرمة بن خالد المخزومي قال حدثني عريف الحديث هذه الرواية ليس فيها ذكر الجمعة (تخريجة الطريق الأولي منه رواية الأمام أحمد في مسنده وتقدمت في باب فضل صيام رمضان وقيامه من الجزء التاسع صحيفة 233 رقم 21 مرموزاً لها بحرف زاي في أول الحديث إشارة إلى انها من زوائد عبد الله بن الأمام أحمد علي مسند أبيه، وقد وقع هناك الرمز خطأ، والصواب أنها من مسند الأمام أحمد كما هنا (والطريق الثانية) من زوائد عبد الله بن الأمام أحمد علي مسند أبيه، ولم أقف على من أخرجهما بذكر رمضان وشوال غير الأمام أحمد وابنه عبد الله، وفي كلا الطريقين رجل لم يسم وهو العريف، وأورد الحافظ الهيثمي الطريق الثانية منه، وقال فيه من لم يسم وبقية رجاله ثقاب وتقدم في شرح الطريق الأولى في الباب المشار إليه شيء من الأحاديث الواردة في صيام الأربعاء والخميس والجمعة غير المذكور هنا في زوائد الباب (زوائد الباب) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام الأربعاء والخميس كتبت له براءة من النار (عل) وفيه أبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف (وعن ابن عمر) رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
-[زوائد الباب وكلام العلماء في صيام الأربعاء والخميس والجمعة]-
(11)
باب ما جاء في صيام السبت والاحد
(284)
عن كريب أنه سمه أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم يوم السبت ويوم الأحد أكثر مما يصوم من الأيام
مثله (عال) وفيه أبو بكر بن أبي مريم أيضاً (وعن ابن عباس) رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام الأربعاء والخميس والجمعة بني الله له بيتاً في الجنة يرى ظاهره من باطنه وباطنه من ظاهره وفيه صالح بن جبلة ضعفه الأزدي (وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول من صام الأربعاء والخميس والجمعة بنى الله له قصراً في الجنة من لؤلؤ وياقوت وزبر جد وكتب له براءة من النار وفيه صالح ابن جبلة ضعفه الأزدي (وعن أبي أمامة) رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من صام يوم الأربعاء والخميس والجمعة بني الله له بيتاً في الجنة يرى ظاهره من باطنه وباطنة من ظاهره وفيه صالح بن جبلة أيضاً (وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من صام الأربعاء والخميس ويوم الجمعة ثم تصدق يوم الجمعة بما قل أو كثر غفر له كل ذنب عمله حتى يصير كيوم ولدته أمه من الخطايا وفيه محمد ابن قيس المدني أبو حازم، قال الهيثمي ولم أجد من ترجمه، أورد هذه الأحاديث الحافظ الهيثمي وتكلم عليها جرحاً وتعديلاً (الأحكام) حديث الباب بطريقيه إن صح يدل على استحباب صيام شهر شوال والأربعاء والخميس والجمعة من كل شهر بعد صوم فرض رمضان بشرط أن لا يكون يوم الجمعة مفرد الثبوت النهي عن ذلك، ويستفاد منه أيضاً حسن الخاتمة للصائم لأنه لا يدخل الجنة إلا من مات على سيئاته دخل الجنة بدون سبق عذاب، وربما كان الصيام سبباً في ذلك والله أعلى (وأحاديث الزوائد) تدل على استحباب صوم الأربعاء والخميس والجمعة من كل شهر وإن كانت لا تخلو من مقال إلا أنها تعتضد بكثرة ظرقها، ويكون لمن صام هذه الأيام احتساباً لوجه الله تعالى ما ذكر فيها من النعيم المقيم والأجر العظيم وفضل الله واسع والله أعلم
(284)
عن كريب (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عتاب بن زياد قال حدثنا عبد الله يعني ابن مبارك قال أخبرني عبد الله بن محمد بن عمر بن علي قال
-[كلام العلماء في صوم السبت والأحد والحكمة في ذلك]-
ويقول إنهما عبيداً المشركين فأنا أحب أن أخالفهم
(12)
باب استحباب صيام الاثنين والخميس
(285)
عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم الأيام يسرد حتى يقال لا يفطر، ويفطر الأيام حتى لا يكاد أن
ثنا أبي عن كريب- الحديث" (غريبه) يعني اليهود والنصارى كانوا لا يصومون هذين اليومين لكونهما يوما عيدهما فكان صلى الله عليه وسلم يصومهما ليخالف اليهود والنصارى في فعلهم (تخريجه) باطول من هذا وصحح الحافظ إسناده، وصححه أيضاً ابن خزيمة، ولفظه "عن كريب أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعثوه إلى أم سامة يسألها عن الأيام التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر لها صياما، فقالت يوم السبت والأحد فرجعت إليهم فكأنهم أنكروا ذلك فقاموا باجمعهم إليها فسألوها فقالت صدق، وكان يقول إنهما يوماً عيد للمشركين فانا أريد أن أخالفهم" وأورده الهيثمي بنحو حديث الباب وقال رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات وصححه ابن حبان (زوائد الباب) عن طائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين، ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس، رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن (الأحكام) حديث الباب مع حديث عائشة المذكور في الزوائد يدلان على استحباب صوم السبت والأحد من كل شهر، وقد بين صلى الله عليه وسلم الحكمة في ذلك وهي مخالفة اليهود والنصارى، ولا منافاة بين هذين الحديثين وبين ما جاء عند الأمام أحمد والأربعة وغيرهم من حديث عبد الله بن بسر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن صوم يوم السبت إلا في فريضة، وتقدم في باب النهي عن إفراد يومي الجمعة والسبت بالصيام صحيفة 152 رقم 205 من هذا الجزء، وقد جمع صاحب البدر المنير بين هذه الأحاديث بأن النهي متوجه إلى إفراد يوم السبت بالصوم، وجواز الصوم باعتبار انضمام ما قبله أو بعده إليه، ويؤيد هذا ما تقدم من إذنه صلى الله عليه وسلم لمن صام الجمعة أن يصوم السبت بعدها، والجمع مهما أمكن أولى من النسخ والله أعلم (285) عن أسامة بن زيد (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا ثابت بن قيس أبو غصن حدثني أبو سعيد المقبري حدثني أسامة بن زيد- الحديث"(غريبة) أي يتابع الصوم
-[فضل يومي الأثنين والخميس واستحباب صومهما]-
يصوم إلا يومين من الجمعة إن كانا في صيامه وإلا صامهما، ولم يكن يصوم من شهر من الشهور ما يصوم من شعبان، فقلت يا رسول الله إنك تصوم لا تكاد أن تفطر وتفطر حتى لا تكاد ان تصوم إلا يومين، إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما، قال أي يومين؟ قال قلت يوم الاثنين ويم الخميس، قال انك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم، قال قلت ولم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان، قال ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر يرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب يرفع عملي وأنا صائم
(286)
عن مولى أسامة بن زيد انه انطلق مع أسامة رضي الله
أي إن كانا في صيامه المتتابع صامهما معه "وإلا صامهما" أي من الأيام المقبلة بعد فطره من المتتابع أي مقدار ما يصوم من شعبان، فأنه كان يصوم فيه أكثر من غيره من الشهور الأخرى كما تقدم في بابه أي طلبا لزيادة رفع الدرجة، قال ابن الملك وهذا لا ينافي قوله عليه السلام يرفع عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل للفرق بين الرفع والعرض، لأن الأعمال تجمع في الأسبوع وتعرض في هذين اليومين، وفي حديث مسلم تعرض الأعمال في كل جمعة مرتين يوم الاثنين ويم الخميس فيغفر لكل مؤمن إلا عبداً بينه وبين أخيه شحناء فيقال أنظروا هذين حتى يصطلحا قال ابن حجر "يعني الحافظ" ولا ينافي هذا رفعها في شعبان حيث قال " إنه شهر ترفع فيه الأعمال وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم" لجواز رفع أعمال الأسبوع مفصلة وأعمال العام مجملة كذا في المرقاة هذه الجملة من قوله "قال قلت ولم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان" الخ الحديث جاءت حديثا مستقلاً تقدم في باب صوم النبي صلى الله عليه وسلم واكثاره الصوم في شعبان رقم 260 صحيفة 230 من هذا الجزء وتقدم شرحه هناك (تخريجه)(د. نس وغيرهما) باختصار عما هنا وصححه أبن خزيمة وفي مسلم بعضه
(286)
عن مولى أسامة بن زيد (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا غفان ثنا أبان ثنا يحيي بن أبي كثير حدثني عمر بن الحكم عن مولى قدامة بن مظعون عن مولى أسامة بن زيد- الحديث" (غريبة) قال المزي روى عن حرملة مولى
-[فضل يومي الاثنين والخميس واستحباب صومهما]-
عنه إلى وادي القرى يطلب مالاً له وكان يصوم يوم الاثنين ويوم الخميس، فقال له مولاه لم تصوم يوم الاثنين ويوم الخميس وأنت شيخ كبير قدر نقت؟ قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الاثنين ويوم الخميس فسئل عن ذلك، فقال إن أعمال الناس تعرض يوم الاثنين ويوم الخميس
(287)
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كان أكثر ما يصوم الاثنين والخميس، قال فقيل له، قال فقال إن الاعمال تعرض كل اثنين وخميس أو كل يوم اثنين وخميس فيغفر الله لكل مسلم أو لكل مؤمن إلا المتهاجرين فيقول أخرهما
أسامة بن زيد حديث غير هذا "يعني غير حديث الباب" فان كان المذكور هنا هو حر ملة فقد روى له البخاري في صحيحه كما في الخلاصة (وفي التقريب) حرملة مولى أسامة بن زيد وهو مولى زيد بن ثابت، ومنهم من فرق بينهما صدوق من الثالثة هو واد كثير القرى بين المدينة والشام من أعمال المدينة، فتحه النبي صلى الله عليه وسلم في جمادي الثانية سنة سبع بعد خيبر عنوة ثم صولحو على الجزية يعني أسامة بن زيد رضي الله عنهما أي ضعفت من الكبر (تخريجه) وأخرجه أيضاً أبو داود الطيالسي في مسنده وفي إسناده مولى قدامه بن مظعون مجهول لم يعرف حاله
(287)
عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو عاصم أنا محمد بن رفاعة عن سهبل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة- الحديث (غريبة)" أو للشك من الراوي وكذا في "قوله أو لكل مؤمن" ولفظ مسلم "تعرض الأعمال في كل خميس واثنين فيغفر الله في ذلك اليوم لكل امريء" وله في رواية أخرى "لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً" الهجر ضد الوصل، والمراد هنا العداوة والبغضاء، وقد جاء في رواية لمسلم إلا رجلا كانت بينه وبين أخبيه شحناء. فيقال أنظروا هذين حتى يصطلحا أنظروا هذين حتى يصطلحا أنظروا هذين حتى يصطلحا ، وكرر هذه الجملة ثلاثاً للتأكيد، ومعني الأنظار التأخير كأنه خطاب لملائكة التي تعرض الأعمال، وفي رواية الأمام احمد أخرهما كأنه خطاب لرئيس الملائكة، ومعناه دعهما آي لا تعرض عملهما حتى يصطلحا، أو لعله
-[زوائد الباب في فضل صوم الاثنين والخميس]-
(288)
عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت كان يصوم شعبان ويتحري الاثنين والخميس
إذا غفر لأحد بضرب الملك على سيئاته أو بمحوها من الصحيفة، وعلى هذا فمعنى دعهما أي لا تمسح سيئاتهما حتى يصطلحا والله أعلم (تخريجه)
(288)
(عن عائشة رضي الله عنها هذا الحديث نقدم بسنده وشرحه في باب صيام النبي صلى الله عليه وسلم وإكثاره الصوم في شعبان رقم 256 صحيفة 201 من هذا الجزء وذكرته هنا لمناسبة الترجمة (تخريجه) أخرجه الأربعة في صيام الاثنين والخميس بدون ذكر شعبان وصححه ابن حبان وحسنه الترمذي (زوائد الباب) عن وائلة) رضي الله عنه أنه كان يصوم الاثنين والخميس، ويقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومهما ويقول تعرض فيهما الأعمال على الله تبارك وتعالى وفيه محمد بن عبد الرحمن القشيري وهو متروك (وعن عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم الاثنين والخميس وفيه أبو بلال الأشعري وهو ضعيف (وعن أبي رافع) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم الاثنين والخميس وفيه الحماني. وفيه كلام، أوردها الهيثمي وهذا كلامه فيها جرحاً وتعديلاً، وفي حديث أبي قتادة لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم الاثنين والخميس، قال ذاك يوم ولدت فيه، وأنزل على فيه، وتقدم الكلام عليه في شرحه، في باب جامع لبعض ما يستحب صومه صحيفة 161 من هذا الجزء (وعن حفصة) زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اخذ مضجعه كفه اليمني تحت خده الأيمن وكان يصوم الاثنين والخميس، رواه النسائي (وعن أبي هريرة) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الاثنين والخميس فسألته، فقال إن الأعمال تعرض يوم الاثنين والخميس، رواه الدارمي (وعن جابر) رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فمن مستغفر فيغفر له، ومن تائب فيتاب عليه ويرد أهل الضغائن بضغائنهم حتى يتوبوا، أورده المنذري وقال رواه الطبراني، ورواته ثقات (وله أيضاً عن أبي هريرة) رضي الله عنه مرفوعا، قال تنسخ دواوين أهل الأرض في دواوين أهل السماء في كل اثنين وخميس فيغفر لكل مسلم لا يشرك بالله شيئاً إلا رجل بينه وبين أخيه شحناء (الأحكام) أحاديث الباب تدل على فضل يومي الاثنين والخميس وأن صيامهما مستحب لأنهما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله عز وجل، ولما
-[ما جاء في صيام نبي الله داود وصلاته عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام]-
(13)
باب صيام يوم وافطار يوم صيام داود عليه السلام
(289)
عن صدقة الدمشقي قال جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما يسأله عن الصيام، فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن من أفضل الصيام صيام أخي داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً
(290)
عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أحب الصيام إلى الله صيام داود، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان ينام نصفه ويقوم ثلثه وينام سدسه،
كان الصوم من أجل الأعمال، وقد وعد الله الصائبين بالمغفرة استحب صيامهما ليعرض عمل العبد وهو صائم فيغفر الله له، وفيها أيضاً أن هجر المسلم لا يجوز ان كان لأمر لا يقتضي ذلك وإلا فالتقاطع والهجر للدين ولتأديب الأهل جائز، فان تهاجرا لغير مقتض شرعي فالله عز وجل لا يغفر لهما حتى يصطلحا، وفيها غير ذلك والله أعلم
(289)
عن صدقة الدمشقي (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو النضر قال ثنا الفرج بن فضالة عن أبي هرم عن صدقة الدمشقي- الحديث" (غريبة) في رواية لمسلم والأمام أحمد وستأتي، أحب الصيام إلى الله صيام داود (وفي رواية أخرى) للأمام أحمد وستأتي أيضاً " إن أفضل الصوم صوم أخي داود" ولمسلم أيضاً "إن أحب الصيام إلى الله صيام داود" وللبخاري ومسلم "لاصوم فوق صوم داود" ولمسلم "صم أفضل الصيام إلى الله صوم داود" وله أيضاً "صم يوما وأفطر يوماً وذلك صيام داود عليه السلام وهو أعدل الصيام" (قلت) وإنما كان أعدل الصيام وأفضله وأحبه إلى الله لأنه أشق الصيام ولأن فاعله مع ذلك يمكنه أن يؤدي حق نفسه وأهله وزائره أيام فطره بخلاف من يتابع الصوم، فانه لا يمكنه القيام بهذه الحقوق (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد، وأورده الهيثمي، وقال رواه أحمد، وصدقة ضعيف وإن كان فيه بعض توثيق ولم يدرك ابن عباس (قلت) يعضده ما بعده
(290)
عن عبد الله بن عمرو (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سفيان سمعت عمراً أخبرني عمرو بن أوس سمعه من عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث (غريبه) المعنى أنه كان ينام نصف
-[قصة عبد الله بن عمرو بن العاص مع النبي صلى الله عليه وسلم وفيها حق الجمد والزوج والزائر]-
وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً
(291)
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو (بن العاص) رضي الله عنهما قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أخبرت أنك تقوم الليل وتصوم النهار، قال قلت يا رسول الله نعم، قال فصم وأفطر وصل وثم، فإن لجسدك عليك حقاً، وإن حقاً وإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام، قال فشددت فشدد على، قال فقلت
الليل الأول، ثم يقوم ثلثه بعد النصف، ثم ينام السدس الباقي من النصف الثاني، والحكمة في قيام الثلث المذكور أنه يوافق الوقت الذى ينادي فيه الرب عز وجل، هل من سائل هل من مستغفر الخ، والحكمة في النوم بعد ذلك أنه يستدرك ما يستربح به من نصب القيام في بقية الليل. وكانت هذه الطريقة أحب إلى الله تعالى من أجل الأخذ بالرفق للنفس التي يخشى منها السآمة، وقد قال صلى الله عليه وسلم "إن الله لا يمل حتى تملوا"(تخريجة)(ق. والأربعة إلا الترمذي)
(291)
عن أبي سامة بن عبد الرحمن عن عبد الله ابن عمرو- الحديث؟ (غريبة) سبب ذلك جاء في رواية أخرى للأمام أحمد والشيخين والنسائي وغيرهم، وسيأتي في باب الاقتصاد في الأعمال من كتاب الاقتصاد إن شاء الله تعالى، وقال عبد الله زوجني أبي امرأة فجاء يزورها؛ فقال كيف ترين بعلك. فقالت نعم الرجل من رجل لا ينام الليل ولا يفطر النهار، فوقع بي، وقال زوجتك امرأة من المسلمين فعضلتها، قال فجعلت لا ألتفت إلى قوله لما أرى عندي من القوة والاجتهاد، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. هذا لفظ النسائي (وعند الأمام أحمد) فقال (يعني عمراً) أنكحتك امرأة من قريش ذات حسب فعضلتها وفعلت وفعلت، ثم انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكاني فأرسل إلى فأتيته- الحديث سيأتي بطوله في الباب المشار إليه إن شاء الله تعالى أي زائرك وهو في الأصل مصدر وضع موضع الأسم كصوم ولوم بمعنى صائم ونائم، وقد يكون الزور جمع زائر كراكب وركب "وقوله وان بحسبك الخ" أي يكفيك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام معناه أنه شدد على نفسه في عدم قبول التخفيف وطمع في الزيادة لزيادة الأجر فشدد
-[استحباب الاقتصاد في الصوم وأن أفضل الصوم صوم داود عليه السلام]-
يا رسول الله إني أجد قوة، قال فصم من كل جمعة ثلاثة أيام، قال فشددت فشدد على، قال يا رسول الله إني أجد قوة، قال صم صوم نبي الله داود ولا تزد عليه قلت يا رسول الله وما كان صيام داود؟ عليه الصلاة والسلام قال كان يصوم يوماً ويفطر يوماً
(292)
عن مطرف بن عبد الله عن عبد الله بن عمرو (بن العاص رضي الله عنهما قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله مرني بصيام، قال صم يوماً ولك أجر تسعة، قال قلت يا رسول الله إني أجد قوة فزدني، قال صم يومين ولك أجر ثمانية أيام قال قلت يا رسول الله إني أجد قوة فزدني، قال فصم ثلاثة أيام ولك أجر سبعة أيام، قال فما زال يحط لي حتى قال إن أفضل الصوم صوم أخي داود أو نبي الله داود شك الجريري
عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالزيادة كطلبه، ولكنه لما كبر وضعف كان يقول ليتني كنت قنعت بما أمرني به النبي صلى الله عليه وسلم، يعني من التخفيف أو لا وهو صيام ثلاثة أيام من كل شهر، ومنه يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أرحم بالناس منهم لأنفسهم عليه أفضل الصلاة والسلام أي لأنه أفضل الصيام كما تقدم، فهو أفضل من صوم يومين. وإفطار يوم، ومن صيام الدهر مع عدم صوم الأيام المنهي عن صيامها وان خالف بعضهم، وهو أشد الصيام على النفس لأنه لا يعتاد الصوم ولا الأفطار فيصعب عليه كل منهما (تخريجة)(ق. وغيرهما) بألفاظ متقاربة
(292)
عن مطرف بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الوهاب بن عطاء أخبرني الجريرى عن أبي العلاء عن مطرف بن عبد الله عن عبد الله ابن عمرو- الحديث" (غريبة) يعني من كل عشرة أيام كما في رواية عند مسلم "صم من كل عشرة أيام يوما ولك أجر تسعة" ومثلها للنسائي إلا أنه قال " ولك أجر تلك التسعة" يعني الباقية من العشرة أي الباقية من العشرة أيضاً يعني من الأجر ويزيده في العمل، وقد جاء نحو ذلك عند النسائي؛ وفي آخره قال ثابت (أحد رجال السند عنده) فذكرت ذلك لمطرف، فقال ما أراه الا يزداد في العمل، وينقص من الأجر، وترجم لذلك النسائي بقوله "ذكر الزيادة في الصيام والنقصان" أحد رجال
-[رجوع عبد الله بن عمرو على نفسه باللوم لعدم قبول الرخصة في تخفيف الصوم]-
صم يوماً وأفطر يوماً، فقال عبد الله لما ضعف ليتني كنت قنعت بما أمرني به النبي صلى الله عليه وسلم (ومن طريق ثان عن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو بنحوه وفيه قال) فكان عبد الله يصوم ذلك الصيام حتى أدركه السن والضعف كان يقول لأن أكون قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أحب إلى من أهلي ومالي
السند عند الإمام أحمد (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الوهاب ابن عطاء أخبرني محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليه في بيته، فقال يا عبد الله بن عمرو ألم أخبر أنك تكلف قيام الليل وصيام النهار؟ قال اني لأفعل، فقال ان حسبك ولا أقول افعل أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام. الحسنة بعشر أمثالها، فكأنك قد صمت الدهر كله، قال فغلظت فغاظ على؛ قال فقلت اني لأجد قوة من ذلك، قال ان من حسبك أن تصوم من كل جمعة ثلاثة أيام، قال فغظت فغلظ على، فقلت اني لأجد بي قوة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أعدل الصيام عند الله صيام داود نصف الدهر، ثم قال لنفسك عليك حق، ولأهلك عليك حق، قال فكان عبد الله يصوم ذلك الصيام الحديث يعني أنه كبر وعجز عن المحافظة على ما التزمه ووظفه على نفسه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فشق عليه فعله ولا يمكنه تركه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له في بعض طرق الحديث "لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل" وفي هذا الحديث وكلام عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه ينبغي الدوام على ما تعوده الأنسان من الخير ولا يفرط فيه (تخرجه) أخرج الطريق الأولى منه النسائي وغيره، ولمسلم نحوها من طريق شيبة عن زياد بن فياض، قال سمعت أبا عياض عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له صم يوما ولك أجر ما يبقى، قال إني أطيق أكثر من ذلك، قال صم يومين ولك أجر ما بقى، قال إني أطبق أكثر من ذلك، قال صم ثلاثة أيام ولك اجر ما بقى قال إني أطيق أكثر من ذلك، قال صم أفضل الصيام عند الله صوم داود عليه السلام "كان يصوم يوما ويفطر يوما"(والطريق الثانية) أخرجها مسلم وغيره (الأحكام) أحاديث الباب تدل على أن صيام يوم وإفطار يوم أعدل صيام التطوع وأفضله وأحبه إلى الله عز وجل حتى من صيام الدهر مع تجنب صيام الأيام المنهي عن صومها
-[مذاهب العلماء في التفضيل بين صيام يوم وإفطار يوم- وبين صيام الدهر]-
.....
لكن ذهب جماعة من العلماء إلى أن صوم الدهر أفضل لأنه أكثر عملاً فيكون أكثر أجراً وما كان أكثر أجراً كان أكثر ثواباً (قال الحافظ) وبذلك جزم الغزالي أولاً وقيده بشرط أن لا يصوم الأيام المنهي عنها وأن لا يرغب عن السنة بأن يجعل الصوم حجراً على نفسه فاذا أمن من ذلك فالصوم من أفضل الأعمال فالاستكثار منه زيادة في الفضل، (وتعقبه ابن دقيق العيد) بأن الأعمال متعارضة المصالح والمفاسد، ومقدار كل منهما في الحث والمنع غير متحقق، فزيادة الأجر بزيادة العمل في شيء، يعارضه اقتضاء العادة التقصير في حقوق أخرى يعارضها العمل المذكور، ومقدار الفائت من ذلك مع مقدار الحاصل غير متحقق. فالأولى التفويض إلى حكم الشارع ولما دل عليه ظاهر قوله" إنه أحب الصيام إلى الله تعالى (قلت وهذا هو الذي أميل إليه)(وذهب جماعة) منهم المتولي، من الشافعية إلى أن صيام داود أفضل، وهو ظاهر الحديث بل صريحه، ويترجح من حيث المعني أيضاً بأن صيام الدهر قد يفوت بعض الحقوق كما تقدم، وبأن من اعتاده فانه لا يكاد يشق عليه، بل تضعف شهوته عن الأكل وتقل حاجته إلى الطعام والشراب نهاراً، ويألف تناوله في الليل بحيث يتجدد له طبع زائد، بخلاف من يصوم يوماً ويفطر يوماً فانه ينتقل من فطر إلى صوم ومن صوم إلى فطر. وقد تقل الترمذي عن بعض أهل العلم أنه أشق الصيام ويأمن مع ذلك غالباً من تفويت الحقوق كما تقدمت الإشارة إليه. نعم إن فرض أن شخصاً لا يفوته شيء من الأعمال الصالحة بالصيام أصلاً ولا يفوت حقاً من الحقوق التي خوطب بها لم يبعد أن يكون في حقه أرجح (والى ذلك أشار ابن خزيمة) فترجم. (الدليل على أن صيام داود إنما كان أعدل الصيام. وأحبه إلى الله لأن فاعله يؤدي حق نفسه ولا يفوت حقاً أن يكون أرجح. وعلى هذا فيختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأحوال. فمن يقتضي حاله الإكثار من الصوم أكثر منه. ومن يقتضي حاله الإكثار من الإفطار أكثر منه. ومن يقتضي حاله المزج فعله، حي إن الشخص الواحد قد تختلف عليه الأحوال في ذلك. وإلى ذلك أشار الغزالي أخيراً والله اعلم بالصواب (ويستفاد من أحاديث الباب أيضاً) ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الرفق بأمته وشفقته عليهم وإرشاده إياهم إلى ما يصلحهم وحثه إياهم على ما يطيقون الدوام عليه ونهيهم عن التعمق في العبادة لما يخشى من أفضائه إلى الملل المفضي إلى الترك أو ترك البعض. وقد ذم الله تعالى قوما لازموا العبادة ثم فرطوا فيها (وفيها أيضاً) الندب إلى الدوام على ما وظفه الإنسان على نفسه من العبادة (وفيها أيضاً) الإشارة إلى الاقتداء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام في أنواع العبادات (وفيها غير ذلك) والله أعلم
-[فضل صيام تسع ذي الحجة ويوم عرفة]-
(14)
باب صوم تسع ذي الحجة ويوم عرفة لغير الحاج
(293)
عن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر
(294)
عن أبي قتادة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة وصوم عاشورا يكفر سنة ماضية
(295)
عن عطاء الخراساني أن عبد الرحمن بن أبي بكر دخل على عائشة رضي الله عنها يوم عرفة وهي صائمة والماء يرش عليها، فقال لها عبد الرحمن أفطري، فقالت أفطر وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
(293)(عن هنيدة بن خالد) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب جامع لبعض ما يستحب صومه رقم 213 صحيفة 162 من هذا الجزء وذكرته هنا لمناسبة ترجمة الباب وللاستدلال به على صوم تسع ذي الحجة وتقدم أيضا في الباب المشار إليه حديث حفصة قالت (أربع لم يكن يدعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم صيام عاشوراء والعشر) الخ يعني عشر ذي الحجة وهي من أول الشر لغاية اليوم التاسع منه، وتقدم الكلام عليه هناك فارجع إليه وهو من أدلة القائلين باستحباب صوم تسع ذي الحجة لغير الحاج
(294)
عن أبي قتادة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنايحي بن سعيد ثنا سفيان عن منصور عن مجاهد عن حرملة بن اياس عن أبي قتادة الحديث (1) في رواية أخرى للأمام أحمد من حديث أبي قتادة أيضا (سنة ماضية وسنة مستقبلة) وتقدمت هذه الرواية في باب ما جاء في يوم عاشوراء رقم 226 صحيفة 257 وتقدم شرحها هناك وأن المراد تكفير الذنوب الصفائر والله أعلم (تخريجه)(م. دأس. جه)
(295)
عن عطاء الخراساني (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان قال ثنا حماد بن سلمه قال أنا عطاء الخراساني- الحديث) (غريبه)(2) الظاهر
-[ما جاء في صوم يوم عرفة لمن بعرفة من الحجاج]-
وصحبه وسلم يقول إن صوم يوم عرفة يكفر العام الذي قبله
(فصل منه في كراهة ذلك للحاج)
(296)
عن عكرمة مولي ابن عباس قال دخلت على أبي هريرة رضي الله عنه في بيته فسألته عن صوم يوم عرفة بعرفات فقال، نهي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن صوم عرفة بعرفات
أنها كانت صائمة في يوم صائف شديد الحر (1) هكذا عند الأمام أحمد من رواية عائشة الاقتصار على عام واحد. وله شاهد عند النسائي من حديث ابن عمر أن رجلا سأله عن صوم يوم عرفة. فقال كنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نعدله بصوم سنة. وهو يخالف حديث أبي قتادة الذي قبله. وقد رواه مسلم وغيره، وله شواهد صحيحة أن صيام يوم عرفة يكفر سنتين سنة ماضية وسنة مستقبلة. ولعله لم يبلغ عائشة وابن عمر. وزيادة الثقة مقبولة لاسيما وحديث أبي قتادة ومن وافقه أصح والله أعلم (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وأورده المنذري. وقال رواه أحمد ورواته محتج بهم في الصحيح إلا أن عطاء الخراساني لم يسمع من عبد الرحمن بن أبي بكر. وكذلك أورده الهيثمي ولم يعزه لغير الأمام أحمد ثم قال -عطا لم يسمع من عائشة بل قال ابن معين لا أعلمه لقي أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبقية رجاله رجال الصحيح
(296)
عن عكرمة مولى ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا حوشب بن عقيل حدثني مهدي حدثني عكرمة مولى ابن عباس الحديث، وفي آخره قال عبد الله بن الأمام أحمد هذا الحديث قال مرة أخرى حدثنا حوشب بن عقيل (عن مهدي العبدي) يعني بالعنعنة والنسبة بدل قوله في المرة الأولى (ثنا مهدي) بالتحديث وعدم النسبة (غريبة)(2) أي لمن بعرفات من الحجاج (تخريجه)(د. أس. جه. ك. هق) قال الحافظ في التلخيص صححه ابن خزيمة
-[حجة القائلين بعدم صوم يوم عرفة للحاج]-
(297)
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال أتيته بعرفة فوجدته يأكل رمانًا، فقال أذن فكل لعلك صائم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يصومه، وقال مرة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصم هذا اليوم
(298)
عن نافع قال سئل ابن عمر رضي الله عنهما عن صوم يوم عرفة فقال لم يصمه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان يوم عرفة (ومن طريق ثان) عن رجل عن ابن عمر أنه سأله عن صوم يوم عرفة، قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يصمه، ومع أبي بكر فلم يصمه، ومع عمر فلم يصمه، ومع عثمان فلم يصمه، وأنا لا أصومه ولا آمرك ولا أنهاك إن شئت فصمه وإن شئت فلا تصمه (ومن طريق ثالث) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال ما صمت عرفة قط ولا صامه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
(297) عن سعيد بن جبير (سنده) حدثنا عبد الله حدثنا أبي ثنا سفيان عن أيوب عن سعيد بن جبير_ الحديث) (غريبه)(1) يعني في الحج (تخريجه) الحديث سنده جيد، وأخرجه البيهقي من طريق أيوب عن سعيد بن جبير كماهنا، وللبيهقي أيضا رواية أخرى من طريق أيوب عن عكرمة أن ابن عباس أفطر بعرفة أنى برمان فأكله وقال حدثني أم الفضل أن رسول الله صلى عليه وسلم أطر بعرفة أتته أم الفضل بلبن فشربه
(298)
عن نافع (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا مؤمل ثناسفيان عن اسماعيل بن أمية عن نافع_ الحديث) (غريبه)(2) يعني في حجهم (3)(سنده) حدثنا عبد الله ثنا أبي ثناعفان ثنا شعبة قال ابن أبي نجيح أنبأني قال سمعت أبي يحدث عن رجل عن ابن عمر الحديث (4) أي سنة حجة صلى الله عليه وسلم وقد رواه الترمذي عن ابن عمر أيضا باصرح من هذا قال حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصمه يعني يوم عرفة ومع أبي بكر فلم يصمه ومع عمر فلم يصمه) (5)(سنده) حدثنا عبد الله ثنا
-[حجة القائلين بعدم صوم يوم عرفة للحاج]-
وصحبه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر
(299)
عن عائشة رضي الله عنها قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم صائمًا في العشر قط
(300)
عن عمير مولى أم الفضل أم بني العباس عن أم الفضل قالت
أبي ثنا سريج ثنا عبد الله عن نافع عن ابن عمر الحديث (1) يعني في الحج كما يستفاد من سياق الطريق الثانية (تخريجه)(نس. مذ. حب) وسنده جيد وروى الترمذي منه الطريق الثانية من طريق ابن أبي نجيح عن أبيه قال سئل ابن عمر عن صوم عرفة (قال حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصمه، ومع أبي بكر فلم يصمه، ومع عمر فلم يصمه، ومع عثمان فلم يصمه، وأنا لا أصمه ولا آمر به ولا أنهي عنه) قال الترمذي هذا الحديث حسن. وأبو نجيح اسمه يسار، وقد سمع من ابن عمر، وقد روى هذا الحديث أيضا عن ابن أبي نجيح عن أبيه عن رجل عن ابن عمر اهـ (قلت) وهذه الرواية التي أشار اليها الترمذي هي التي رواها الأمام أحمد في الطريق الثانية، والظاهر أن أبا نجيح سمع أولًا هذا الحديث بواسطة رجل ثم لقى ابن عمر فسمعه منه بلا واسطة، وعلى هذا فلا علة فيه
(299)
عن عائشة رضي الله عنها (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو معاوية ويعلي قالا ثنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة_ الحديث) (غريبه)(2) لا يلزم من عدم رؤية عائشة النبي صلى الله عليه وسلم صائما هذه الأيام عدم صيامه في الواقع، لاحتمال أنه صلى الله عليه وسلم كان يصومها أحيانا ويتركها أحيانا، أو كان يتركها لعارض سفر أو مرض أو نحو ذلك، فقد ثبت عن بعض أزواجه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصومها كما في حديث هنيدة المذكور أول الباب، والمثبت مقدم على النافي، وقد أخبرت كل واحدة منهما بما علمت (تخريجه)(م. د. نس. مذ. جه. هق)
(300)
عن عمير مولى أم الفضل أم بني العباس_ الحديث) (غريبه)(3) هي لبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية أخت ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنهما. وزوجة العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، أما كونها أم بني العباس فلأنها كانت من المنجيات، ولدت للعباس ستة رجال لم تلد امرأة مثلهم وهم. الفضل. وعبد الله. ومعبد. وعبيد الله. وقم. وعبد الرحمن. وأسلمت قديما؛ قال الكلبي ومحمد بن سعد وغيرهما
-[حجة القائلين بعدم صوم يوم عرفة للحاج]-
شكوا (وفي لفظ تماروا) في صرم النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يوم عرفة، فقالت أم الفضل أنا أعلم لكم ذلك، فبعثت بلبن فشرب (وعنه من طريق ثان عن أم الفضل بنحوه وفيه) فأرسلت إليه بلبن فشرب وهو يخطب الناس عرفة على بعيره
(301)
عن عطاء أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما دعا الفضل يوم عرفة إلى طعام، فقال إني صائم، فقال عبد الله لا تصم. فإن النبي صلى الله عليه وسلم قرب إليه حلاب فشرب منه هذا اليوم وإن الناس يستنون بكم (وعنه من طريق ثان) عن ابن عباس دعا أخاه عبيد الله يوم عرفة إلى طعام،
هي أول امرأة أسلمت بعد خديجة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يزورها، وسيأتي لها ذكر في كتاب مناقب الصحابة إن شاء الله تعالى (1) أي اختلفوا في صوم النبي صلى الله عليه وسلم فيعضهم قال إنه صائم. وبعضهم قال إنه مقطر، وهذا يشعر بأن صوم يوم عرفة كان معروفا عندهم معتادا لهم في الحضر، وكأن من جزم بأنه صائم استند إلى ما ألفه من العبادة، ومن جزم بأنه غير صائم قامت عنده قرينة كونه مسافرا، وقد عرف نهيه عن الصوم الفرض في السفر فضلا عن النقل (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن سعيد عن مالك حدثني سالم أبو النضر عن عمير مولى أم الفضل أن أم الفضل أخبرته أنهم شكوا في صوم النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فأرسلت إليه بلبن- الحديث (3) زاد البخاري من حديث ميمونة والناس ينظرون (تخريجه)(ق. د)
(301)
عن عطاء (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا روح ثنا ابن جريج قال أخبرني زكريا بن عمر أن عطاء أخبره أن عبد الله بن عباس- الحديث) (غريبه)(4) الحلاب بكسر الحاء المهملة هو الأناء الذي يجعل فيه اللبن، وقيل الحلاب اللبن المحلوب، وقد يطلق على الأناء ولو لم يكن فيه لبن، وفي رواية للبخاري من حديث أم الفضل فأرسلت اليه بقدح لبن وهو واق على بعيره فشربه (5) أي يقتدون بكم كما في الطريق الثانية، لما لهم من صلة القرابة بالنبي صلى الله عليه وسلم (6)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس- الحديث (7) جاء في الطريق الأولى
-[زوائد الباب في فضل عشر ذي الحجة وصوم يوم عرفة]-
قال إني صائم، قال إنكم أئمة (وفي لفظ أهل بيت) يقتدي بكم قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم دعا بحلاب في هذا اليوم فشرب
أنه دعا أخاه الفضل، وفي هذه أنه دعا أخاه عبيد الله، ولا منافاة لاحتمال أنه دعاهما معا وكانا صائمين فاعتذرا بالصيام فاخبر عطاء مرة بأنه دعا الفضل ومرة أخرى بأنه دعا عبيد الله والله أعلم (1) في حديث أم الفضل أنها هي التي أرسلت إليه بلبن لاستكشافها الحكم هل هو صائم أم لا؟ وفي هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم هو الذي دعا بحلاب أي طلبه، وفي البخاري عن كريب عن ميمونة (زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنها) أن الناس شكوا في صيام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فأرسلت اليه بحلاب وهو واقف في الموقف فشرب منه والناس ينظرون، فيحتمل أن أم الفضل أرسلت اليه لاستكشاف الحكم كما تقدم، وأنه صلى الله عليه وسلم دعا بلبن من عند ميمونة فأرسلت اليه والله أعلم بحقيقة الحال (تخريجة) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الأمام أحمد وسنده جيد (زوائد الباب) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من أيام أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة يعدل صيام كل يوم منها صيام سنة، وقيام كل ليله منها بقيام ليله القدر (جه. مذ) قال الترمذي هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث مسعود بن واصل عن النهاس (يعني ابن قهم) وسألت محمدا (يعني البخاري) عن هذا الحديث فلم يعرفه من غير هذا الوجه مثل هذا، وقال قد روى عن قتادة عن سعيد ابن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا شيء من هذا، وقد تكلم يحيى بن سعيد في نهاس ابن قهم من قبل حفظه اهـ (قلت) هذا الحديث ضعيف لا تقوم به حجة، لأن في إسناده مسعود بن واصل وهو لين الحديث، والنهاس بن قهم وهو ضعيف، نعم ورد نحوه من حديث ابن عباس عند مسلم وأبي داود. والترمذي. والأمام أحمد ولكن بدون ذكر الصيام ولفظه عند الأمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام يعني أيام العشر قال قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء، وتقدم هذا الحديث في آخر باب من أبواب العيدين رقم 1672 صحيفة 166 من الجزء السادس (وعن سهل بن سعد) رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام يوم عرفة غفر الله له سنتين متتابعتين (عل. طب) ورجال أبي يعلي رجال الصحيح (وعن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام يوم
-[بقية زوائد الباب وكلام العلماء في صوم عشر ذي الحجة]-
.....
عرفة غفر له سنة أمامه وسنة خلفه، ومن صام عاشوراء غفر له سنه، رواه البزار وفيه عمر ابن صهبان وهو متروك، والطبراني في الأوسط باختصار يوم عاشوراء وإسناد الطبراني حسن (وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن صيام يوم عرفة، قال يكفر السنة التي أنت فيها والسنة التي بعدها (طب) وفيه رشدين بن سعد وفيه كلام وقد وثق (وعن مسروق) أنه دخل على عائشة رضي الله عنها يوم عرفة، فقال اسقوني؛ فقالت عائشة يا غلام اسقه عسلا، ثم قالت وما أنت يا مسروق بصائم؟ قال لا. إني أخاف أن يكون يوم الأضحى، فقالت عائشة ليس ذاك، إنما عرفة يوم يعرف الأمام، ويوم النحر يوم ينحر الأمام، أو ما سمعت يا مسروق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعدله بألف يوم (طب) وفي إسناده دلهم بن صالح ضعفه ابن معين وابن حبان، وأورده المنذري، وقال رواه الطبراني في الأوسط بأسناد حسن والبيهقي. قال وفي رواية للبيهقي قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول صيام يوم عرفة كصيام ألف يوم اهـ (وعن عائشة رضي الله عنها قالت نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عرفه بعرفات (طس) وفيه محمد بن أبي يحيى وفيه كلام كثير وقد وثق (وعن الفضل بن العباس) رضي الله عنهما قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب من شراب يوم عرفة (يعني وهو بعرفة سنة حجه صلى الله عليه وسلم (طب) ورجاله رجال الصحيح، ورواه أبو يعلي بنحوه، أورد هذه الأحاديث الحافظ الهيثمي وتكلم عليها جرحا وتعديلا، وتقدم حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه في باب جامع لبعض ما يستحب صومه وما يكره رقم 215 صحيفه 162 قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفه ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الأسلام وهن أيام أكل وشرب (الأحكام) الحديث الاول من أحاديث الباب يدل على استحباب صوم تسع ذي الحجة وهي من أول ذي الحجه الى نهاية اليوم التاسع منه ولا يعارضه حديث عائشة السابع من أحاديث الباب وقد تقدم الكلام في شرحه بما ينفي المعارضة وإن كان ظاهره يوهم كراهة صوم العشر (قال النووي) قال العلماء وهذا مما يتأول فليس في صوم هذه التسعة كراهة، بل هي مستحبة استحابا شديدا لاسيما التاسع منها وهو يوم عرفة، وقد سبقت الأحاديث في فضله وثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من أيام العمل الصالح فيها أفضل منه في هذه يعني العشر الأوائل من ذي الحجة فيتأول قولها لم يصم العشر أنه لم يصمه لعارض مرض أو سفر أو غيرهما أو أنها لم تره صائما فيه. ولا يلزم من ذلك عدم صيامه في نفس الأمر؛ ويدل على هذا التأويل حديث هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث الأول من أحاديث الباب اهـ (قلت) وباقي أحاديث الباب مع الزوائد منها يدل على استحباب صوم
-[مذاهب العلماء في صوم يوم عرفة - والجمع بين أحاديث النهي عنه وبين أحاديث الحث عليه]-
.....
يوم عرفة والترغيب فيه وأن صيامه يعدل صيام سنتين سنة ماضية وسنة مستقبلة (ومنها) ما يدل على كراهة صومه والنهي عن ذلك، وقد جمع العلماء بين هذه الأحاديث بأن صوم هذا اليوم مستحب لكل أحد مكروه لمن كان بعرفات حاجا، وبه قال جمهور العلماء (قال الحافظ ابن القيم في الهدى) وكان من هدية صلى الله عليه وسلم إفطار يوم عرفة بعرفة، ثبت عنه ذلك في الصحيحين، وروى عنه أنه نهي عن صوم يوم عرفة بعرفة، رواه عنه أهل السنن، وصح عنه أن صيامه يكفر السنة الماضية والباقية، ذكره مسلم، وقد ذكر لفطره بعرفة عدة حكم (منها) أنه أقوى على الدعاء (ومنها) أن الفطر في السفر أفضل في فرض الصوم فكيف بنقله (ومنها) أن ذلك اليوم كان يوم الجمعة وقد نهي عن إفراده بالصوم فأحب أن يرى الناس فطره فيه تأكيدا لنهيه عن تخصيصه بالصوم وإن كان صومه لكونه يوم عرفة لا يوم جمعة، قال وكان شيخنا رضي الله عنه (يعني ابن تيمية) يسلك مسلكًا آخر، وهو أنه يوم عيد لأهل عرفة لاجتماعهم فيه كاجتماع الناس يوم العيد، وهذا الاجتماع يختص بمن بعرفة دون أهل الآفاق، قال وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا في الحديث الذي رواه أهل السنن يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الأسلام، ومعلوم أن كونه عيدا هو لأهل ذلك المجمع لاجتماعهم فيه والله أعلم اهـ (وقال الحافظ المنذري) اختلفوا في صوم يوم عرفة بعرفة، فقال ابن عمر لم يصمه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر. ولا عمر. ولا عثمان. وأنا لا أصومه (وكان مالك والنوري) يختاران الفطر (وكان ابن الزبير وعائشة) يصومان يوم عرفة، وروى ذلك عن عثمان بن أبي العاص (وكان إسحاق) يميل إلى الصوم (وكان عطاء) يقول أصوم في الشتاء ولا أصوم في الصيف (وقال قتادة) لا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء (وقال الشافعي) يستحب صوم عرفة لغير الحاج فأما الحاج فأحب أن أفطر فذلك يوم يحتاج فيه إلى القوه اهـ (وذهب جماعة) إلى أنه يستحب فيه الصوم وإن كان حاجا إلا من يضعفه الصوم عن الوقوف بعرفات ويكون مخلا له في الدعوات، واحتجوا بحديث أبي قتادة الثاني من أحاديث الباب وأجابوا عن حديث عقبة بن عامر (يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الأسلام وهي أيام آكل وشرب) بأنه ليس فيه نهي صريح عن صوم يوم عرفة (وفيه نظر) وحكي الحافظ في الفتح على الجمهور أنه يستحب إفطاره (يعني لمن بعرفة) حتى قال عطاء من أفطره ليتقوى به على الذكر كل له مثل اجر الصائم اهـ (قلت) وممن ذهب الى استحباب الفطر لمن بعرفة من الأئمة (أبو حنيفة ومالك والشافعي والنوري) والجمهور وهو قول أبي بكر وعمر وابن عمر رضي الله عنهم، وهو عندي أعدل المذاهب والله أعلم
-[تعريف الاعتكاف وما ورد في فضله]-
أبواب الاعتكاف وفضل العشر الأواخر من رمضان
(1)
باب فضل الاعتكاف وبيان زمان ومكان
(302)
عن أبي هريرة رضي الله عنه التي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إن للمساجد أوتادا الملائكة جلساؤهم، إن غابوا يفتقدوهم، وإن مرضوا اعادهم، وإن كانوا في حاجة أعانوهم.
((أبواب الاعتكاف)
الاعتكاف معناه في اللغة لزوم الشيء وحبس النفس عليه سواء أكان خيرا أم شرا، فمثاله للخير قوله تعالى (سواء العاكف فيه والباد) أي الملازم للمسجد الحرام والطارئ عليه، ومثاله للشر قوله تعالى (فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم) أي يلازمون عبادتها، (ومعناه في عرف الشرع) اللبث في المسجد مدة مع النية، فاللبث ركن والنية شرط، وكذا المسجد، ويشترط في المسجد أن يكون مسجد جماعة وهو ماله إمام ومؤذن ولو لم تصل فيه الخمس لحديث ابن عباس (إن أبغض الأمور إلى الله تعال البدع وإن من البدع الاعتكاف في المساجد التي في الدور، رواه البيهقي، وقال على رضي الله عنه لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة، رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة، وهذا في حق الرجل أما المرأة فتعتكف في مسجد بيتها ويكره اعتكافها في مسجد جماعة، وفي ذلك خلاف سيأتي والله أعلم
(302)
عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا قتيبة قال حدثني ابن لهيعة عن دراج عن ابن حجيرة عن أبي هريرة- الحديث) (غريبه)(1) جمع وتد بكسر التاء على اللغة الفصحى ويجوز فتحها أي أناسا يحبون المساجد يكثرون الجلوس فيها للعبادة ثابتين على ذلك كثبوت الوتد في الأرض، بمن تعوده الملائكة في مرضه. وما ذلك إلا لرضا الله عنه ولا يحرم من دعاء الملائكة واستغفارهم له (2) أعانة الملائكة لهؤلاء من عناية الله عز وجل بشأنهم وجعلهم في ولايته، فهنيئا لمن تولى الله أمره قال تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم (إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين)(تخريجه) لم أقف عليه من رواية أبي هريرة لغير الأمام أحمد وفي اسناده ابن لهيعة ورواه الحاكم في المستدرك من حديث عبد الله بن سلام وقال صحيح على شرطهما
-[جواز اتخاذ المعتكف قبة له في المسجد للاعتكاف فيها]-
(303)
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان فاتخذ له بيت من سعف، قال فأخرج رأسه ذات يوم، فقال إن المصلي يناجي ربه فلينظر أحدكم بما يناجي ربه، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة
(304)
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه رضي الله عنه قال رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم اعتكف في قبة من خوص
(302) عن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثنا أبي عتاب ثنا أبو حمزة يعني السكري عن ابن أبي ليلى عن صدقه المكي عن ابن عمر- الحديث (غريبه) السعف محرك جمع سعفه ويجمع أيضا علي سعفان أغصان النخل. كذا في النهاية، وقال الفارسي سعف النخل أوراقه العريضة تنسج منه الأوعية والظروف اهـ ويؤيد هذا ما سيأتي في الحديث التالي اعتكف في قبة من خوص (2) المناجي المخاطب للأنسان والمحدث له، يقال ناجاه يناجيه مناجاه فهو مناج، وإنما سمي المصلي مناجيا ربه لأنه يخاطبه بقوله إياك نعبد وإياك نستعين، والله تعالى يعلم السر وأخفي، فلا داعي للجهر الذي يشوش على غيره (تخريجه)(طب. بز) وفي إسناده صدقه بن عمرو المكي، قال في التقريب مجهول اهـ (قلت) له شاهد صحيح صححه النووي عند النسائي والأمام أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعهم يجهرون بالقراءة وهو في قبة له فكشف المتور وقال (ألا ان كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا، ولا يرفعن بعضكم على بعض بالقراءة) أو قال في الصلاة؛ هذا الحديث تقدم في الجزء الثالث في باب النهي عن الجهر بالقراءة صحيفة 202 رقم 540 وقد وقع فيه (وهم في قبة لهم) بالجمع وهو خطأ وصوابه (وهو في قبة له) بالأفراد كما هنا، فعلى كل من عنده نسخة من الكتاب أن يصلحوا وله الأجر والثواب.
(304)
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هارون بن معروف وأبو معمر ومحمد بن حسان السمتي قالوا ثنا على بن عابس عن أبي فزارة عن عبد الرحمن- الحديث) (غريبه)(3) القبة من الخيام بيت صغير مستدير وهو من بيوت العرب يتخذه المعتكف في المسجد للأقامة فيه مدة الاعتكاف، وربما كانت هنا من الخوص المضفور أو مع جريده (تخريجه)(طب. طس) وفيه على بن عابس ضعيف
-[ملازمته صلى الله عليه وسلم الاعتكاف في العضر الأواخر من رمضان حتى توفي]-
(305)
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتي قبضة الله عز وجل
(306)
عن عائشة رضي الله عنها قالت كانت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر ويقول التمسوها في العشر الأواخر يعني ليلة القدر
(205) عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة. وعن ابن المسيب عن أبي هريرة- معناه أن الزهري روى هذا الحديث من طريقين، فرواه مرة عن عروة عن عائشة، ورواه مرة أخرى عن ابن المسيب عن أبي هريرة (تخريجه) أخرجه الترمذي عن أبي هريرة وعائشة كما هنا، وقال حديث أبي هريرة وعائشة حديث حسن صحيح اهـ وأخرجه (ق. د. نس) من حديث عائشة
(306)
عن عائشة رضي الله عنها (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى ثنا هشام قال حدثني أبي عن عائشة- الحديث) (تخريجه) الحديث سنده جيد، ولم أقف على من أخرجه بهذا اللفظ أعني في الاعتكاف منه، وأخرج البخاري والترمذي منه الجزء المختص بليلة القدر (زوائد الباب) عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، قال نافع، وقد أراني عبد الله بن عمر المكان الذي كان يعتكف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم (م. د. جه. هق) وعن نافع أيضا عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا اعتكف طرح له فراش أو يوضع له سرير وراء اسطوانة التوبة (جه) وقال البوصيري في زوائد ابن ماجه إسناده صحيح ورجاله موثقون اهـ واسطوانة التوبة هي عمود من عمد المسجد ربط به رجل من الصحابة نفسه حتى تاب الله عليه من ذنب ارتبكبه (وعن معيقيب) قال اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة من خوص بابها من حصير والناس في المسجد (طب. طس) وفيه النضر بن يزيد البهرتيري، قال الهيثمي لم أجد من ترجمة (وعن أم سلمة) رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف سنة العشر الأول. ثم اعتكف العشر الأواخر، وقال إني رأيت ليلة القدر فيها
-[زوائد الباب ومذاهب الأئمة في أحكام الاعتكاف إجمالًا]-
.....
فأنميتها، فلم يزل الرسول صلى الله عليه وسلم يعتكف فيهن حتى توفي صلى الله عليه وسلم (طب) وإسناده حسن (والطبراني في الكبير أيضًا) أن حذيفة قال لعبد الله بن مسعود قوم عسكوف بين دارك ودار أبي موسى. ألا تنهاهم؟ فقال له عبد الله فلعلهم أصابوا وأخطأت. وحفظوا ونسيت، فقال حذيفة لا اعتكاف إلا في هذه المساجد الثلاثة. مسجد المدينة، ومسجد مكة، ومسجد ايلياء "يعني المسجد الأقصى" قال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح (وعن حسين بن علي) رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اعتكاف في رمضان كحجتين وعمرتين (طب) وفيه عبينة بن عبد الرحمن القرشي وهو متروك، أورد هذه الأحاديث الثلاثة الحافظ الهيثمي وتكلم عليها جرحًا وتعديلًا (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية الاعتكاف وفضله وكونه بالمسجد الجامع وتأكد استحبابه في العشر الأواخر من رمضان (قال النووي) رحمه الله وقد أجمع المسلمون على استحبابه وأنه ليس بواجب وعلى أنه الصوم ليس بشرط لصحة الاعتكاف، بل يصح اعتكاف المفطر ويصح اعتكاف ساعة واحدة ولحظة واحدة، وضابطه عند أصحابنا مكث يزيد على طمأنينة الركوع أدنى زيادة، هذا هو الصحيح، وفيه خلاف شاذ في المذهب (ولنا وجه) أنه يصح اعتكاف المار في المسجد من غير لبث. والمشهور الأول، فينبغي لكل جالس في المسجد لانتظار صلاة أو لشغل آخر من آخرة أو دنيا أن ينوي الاعتكاف فيحسب له ويثاب عليه ما لم يخرج من المسجد، فإذا خرج ثم دخل جدد نية أخرى، وليس للاعتكاف ذكر مخصوص ولا فعل آخر سوى اللبث في المسجد بنية الاعتكاف، ولو تكلم بكلام دنيا أو عمل صنعة من خياطة أو غيرها لم يبطل اعتكافه (وقال مالك وأبو حنيفة) والأكثرون يشترط في الاعتكاف الصوم، فلا يصح اعتكاف مفطر، واحتجوا بهذه الاحاديث "يعني أحاديث الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان" قال واحتج الشافعي باعتكافه صلى الله عليه وسلم في العشر الأول من شوال؛ رواه البخاري ومسلم (قلت وسيأتي للأمام أحمد أيضًا) وبحديث عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني نذرت أن اعتكف ليلة في الجاهلية، فقال أوف بنذرك، رواه البخاري ومسلم، والليل ليس محلًا للصوم، فدل على أنه ليس بشرط لصحة الاعتكاف (وفي هذه الأحاديث) أن الاعتكاف لا يصح إلا في المسجد لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه وأصحابه إنما اعتكفوا في المسجد مع المشقة في ملازمته، فلو جاز في البيت لفعلوه ولو مرة لاسيما النساء لأن حاجتهن إليه في البيوت أكثر، وهذا الذي ذكرناه من اختصاصه بالمسجد، وأنه لايصح في غيره (وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وداود والجمهور) سواء الرجل والمرأة (وقال أبو حنيفة) يصح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها، وهو الموضع المهيأ من بيتها لصلاتها، قال ولا يجوز
-[ما ذهب إليه أبو حنيفة من اعتكاف المرأة في مسجد بيتها هو المناسب لهذا العصر]-
(2)
باب وقت الدخول في المعتكف واستحباب قضاء الاعتكاف أواقات من اعتاده لمانع
(307)
عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الصبح ثم دخل في المكان الذي يريد أن يعتكف فيه (1) فأراد أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان فأمر فضرب له خباء (2) وأمرت عائشة فضرب لها خباء، وأمرت حفصة (3) فضرب لها خباء، فلما رأت زينب خباءهما أمرت فضرب لها خباء، فلما رأى رسول الله صلبى الله عليه وسلم ذلك (4) قال
للرجل في مسجد بيته، وكمذهب أبي حنيفة قول قديم للشافعي ضعيف عند أصحابه (وجوزه بعض أصحاب مالك وبعض أصحاب الشافعي) للمرأة والرجل في مسجد بيتها، ثم اختلف الجمهور المشترطون المسجد العام، فقال (الشافعي ومالك وجمهورهم) يصح الاعتكاف في كل مسجد (وقال أحمد) يختص بمسجد تقام الجماعة الراتبة فيه (وقال أبو حنيفة) يختص بمسجد تُصلى فيه الصلوات كلها (وقال الزهري) وآخرون يختص بالجامع الذي فيه الجمعة، ونقلوا عن حذيفة بن اليمان الصحابي اختصاصه بالمساجد الثلاثة. المسجد الحرام، ومسجد المدينة. والأقصى، وأجمعوا على أنه لاحد لأكثر الاعتكاف والله اعلم
(307)
عن عمرة عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يعني بن عبيد قال ثنا يحبي عن عمرة عن عائشة - الحديث " (غريبة) (1) استدل بهذا على أن مبدأ الاعتكاف من أول النهار بعد صلاة الصبح كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وفيه خلاف سيأتي في الأحكام (2) بكسر الخاء المعجمة وبالمد هو الخيمة من وبر أو صوف ولا يكون من الشعر وهو على عمودين أو ثلاثة ويُجمع على الأخبية نحو الخمار والأخمرة، وهذا لا ينافي ما تقدم في الباب السابق أنه صلى الله عليه وسلم اعتكف في قبة من خوض لجواز أن يكون ذلك في مرة أخرى (3) أي زوج النبي صلى الله عليه وسلم بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (وزينب) هي بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم (4) أي الأخبية المنصوبة في المسجد، وفي رواية للبخاري"فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم رأى الأخبية" وله في أخرى "فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف فيه إذا أخبية" وله أيضًا "فلما انصرف من الغداة أبصر أربع قباب" يعني قبة
-[استحباب قضاء الاعتكاف إذا فات من اعتاده لمانع]-
آلبر تردن (1) فلم يعتكف في رمضان (3) واعتكف عشرًا من شوال (3)
(308)
عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان فسافر سنة فلم يعتكف، فلما كان العام المقبل اعتكف عشرين يومًا (4)
له وثلاث للثلاث (1) بهمزة الاستفهام ممدودة على وجه الأنكار في قوله آلبر بمعنى النفي، والبر منصوب على أن مفعول مقدم لقوله تردن، ومعناه الطاعة والخير. أي لا تردن البر بهذا. والخطاب لأزواجه اللائي نصبن الأخبية؛ وفي رواية لمسلم "آلبر يردن" بصيغة الغيبة، وفي رواية للبخاري "آلبر ترون بهن" أي تظنون الخير بهن، وهو خطاب للحاضرين من الرجال، وفي رواية للإمام أحمد ستأتي في باب اعتكاف النساء "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم آلبر أردتن بهذا ما أنا بمعتكف" وللبخاري "فترك الاعتكاف ذلك الشهر ثم اعتكف عشرًا من شوال"(2) إنما ترك صلى الله عليه وسلم الاعتكاف في رمضان لأنه خشى أن يكون الحامل لهن على ذلك المباهاة والتنافس الناشيء من الغيرة حرصًا على القرب منه خاصة فيخرج الاعتكاف عن موضعه، أو لما أذن لعائشة وحفصة أولًا كان ذلك خفيفًا بالنسبة إلى ما يفضي إليه الأمر من نوادر بقية النسوة على ذلك فيضيق المسجد على المصلين، أو بالنسبة إلى أن اجتماع النسوة عنده يصيره كالجالس في بيته وربما شغلنه عن التخلي لما قصد من العبادة فيفوت مقصود الاعتكاف (3) هي العشر الأول كما في رواية أبي معاوية عند مسلم وأبي داود، والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم جعلها قضاء عما تركه من الاعتكاف في رمضان على سبيل الاستحباب لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا عمل عملًا أتيته، ولو كان للوجوب لا اعتكف معه نساؤه في شوال ولم ينقل (تخريجه)(ق. والثلاثة. وغيرهم)
(308)
عن أبي بن كعب (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن بن مهدي وحسن بن موسى وعفان قالوا حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت وقال عفان أنا ثابت عن أبي رافع عن أبي بن كعب - الحديث " (غريبة)(4) يعني من رمضان، عشرة قضاء عما فاته في العام السابق بسبب السفر، وعشرة عن العام الحاضر، فيحتمل أن الاعتكاف كان واجبًا عليه صلى الله عليه وسلم بخصوصه فقضاه على سبيل الوجوب، أو قضاه استحبابًا لتأكد منيته والله أعلم (تخريجه)(د. نس. جه. هق. خز. حب. ك) وسنده جيد وصححه بن حيان وغيره وروى نحوه الترمذي من حديث أنس وصححه، وكذلك الإمام أحمد وسيأتي بعد هذا
-[استحباب قضاء الاعتكاف إذا فات من اعتاده لمانع]-
(309)
عن أنس (بن مالك) رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إذا كان مقيمًا اعتكف العشر الأواخر من رمضان وإذا سافر اعتكف من العام المقبل عشرين (1)
(310)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان والعشر الأوسط (2)
(309) عن أنس بن مالك (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا بن أبي عدي عن حميد عن أنس - الحديث وفي آخره قال عبد الله بن الإمام أحمد (قال أبي) لم أسمع هذا الحديث إلا من بن أبي عدي عن حميد عن أنس (غريبة)(1) أي عشرين يومًا وتقدم شرح هذا الحديث في الذي قبله (تخريجه)(مذ) وقال هذا حديث حسن غريب صحيح من حديث أنس
(310)
عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سليمان بن داود الهاشمي قال ثنا أبو بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة - الحديث" (غريبة) (2) جاء في رواية لمسلم من حديث أبي سعيد "العشر الأوسط" كما هنا، قال النووي هكذا هو في جميع النسخ، والمشهور في الاستعمال هو تأنيث العشر كما قال في أكثر الأحاديث العشر الأواخر، وتذكيره أيضًا لغة صحيحة باعتبار الأيام أو باعتبار الوقت والزمان ويكفي في صحتها ثبوت استعمالها في هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم اه (قلت) أما كونه صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأوسط فلأنه كان ينتظر فيها ليلة القدر، بل ثبت أنه صلى الله عليه وسلم اعتكف أولًا العشر الأوائل لهذا الغرض فلم يجد بغيته، فاعتكف العشر الأوسط راجيًا ان تكون فيها ليلة القدر، فأوحى الله إليه أنها في العشر الأواخر، ومن ثم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، وقد جاء ذلك صريحًا في رواية لمسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط في قبة تركية على سدتها حصير، قال فأخذ الحصير بيده فنحاها في ناحية القبة ثم أطلع رأسه فكلم الناس فدنوا منه، فقال إني اعتكفت العشر الأول التمس هذه الليلة ثم اعتكفت العشر الأوسط ثم أتيت فقيل لي إنها في العشر الأواخر؛ فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف، فاعتكف الناس معه" الحديث سيأتي نحوه للإمام
-[كلام العلماء في سبب اعتكافه صلى الله عليه وسلم عشرين يوما ومذاهب الأئمة في وقت الدخول في المعتكف]-
فمات حين مات وهو يعتكف عشرين يومًا (1)
أحمد في فصل ما جاء أنها في ليلة إحدى وعشرين من فصول باب ليلة القدر (1) قيل السبب في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم علم بانقضاء أجله فأراد أن يستكثر من أعمال الخير ليبين لأمته الإجتهاد في العمل إذا بلغوا أقصى العمر ليلقوا الله على خير أحوالهم (وقيل) السبب فيه أن جبريل كان يعارضه بالقرآن في كل رمضان مرة، فلما كان العام الذي قبض فيه عارضه به مرتين فلذلك اعتكف قدر ما كان يعتكف مرتين (وقال ابن العربي) يحتمل أن يكون سبب ذلك أنه لما ترك الاعتكاف في العشر الأخير بسبب ما وقع من أزواجه، واعتكف بدله عشرًا من شوال اعتكف في العام الذي يليه عشرين ليتحقق قضاء العشر في رمضان (قال الحافظ) وأقوى من ذلك أنه صلى الله عليه وسلم إنما اعتكف في ذلك العام عشرين لأنه كان العام الذي قبله مسافرًا، ويدل لذلك ما أخرجه النسائي واللفظ له وأبو داود وصححه ابن حيان وغيره
من حديث أبي بن كعب "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فمسافر عامًا فلم يعتكف، فلما كان العام المقبل اعتكف عشرين" ويحتمل تعدد هذه القصة بتعدد السبب فيكون مرة بسبب ترك الاعتكاف لعذر السفر، ومرة بسبب عرض القرآن مرتين اهـ (قلت) يعني لأن عرض القرآن يستدعي التفرغ وطول المدة، أما حديث أبي الذي أشار إليه الحافظ فقدر رواه الإمام أحمد أيضًا وتقدم في هذا الباب قبل حديث أنس (تخريجه)(خ. د. نس. جه)(الأحكام) حديث عائشة الأول من أحاديث الباب فيه دلالة على أن أول وقت الاعتكاف من أول النهار بعد صلاة الصبح، وبه قال الأوزاعي والثوري والليث في أحد قوليه، وقال الأئمة الأربعة (أبو حنيفة. ومالك. والشافعي. وأحمد) يدخل فيه قبل غروب الشمس إذا أراد اعتكاف شهر أو اعتكاف عشر، وأولوا الحديث على أنه دخل المعتكف وانقطع فيه وتخلى بنفسه بعد صلاة الصبح، لأن ذلك وقت ابتداء الاعتكاف، بل كان من قبل المغرب معتكفًا لابثا في جملة المسجد فلما صلى الصبح انفرد (وفيه أيضًا) دلالة على جواز اتخاذ المعتكف لنفسه موضعًا من المسجد ينفرد فيه مدة اعتكافه ما لم يضيق على الناس، وإذا اتخذه يكون في آخر المسجد ورحابه لئلا يضيق على غيره. وليكون أخلى له وأكمل في انفراده (واستدل به أيضًا) على جواز الخروج من العبادة بعد الدخول فيها (وأجيب عن ذلك) بأنه صلى الله عليه وسلم لم يدخل المعتكف ولا شرع في الاعتكاف، وإنما هم به ثم عرض له المانع المذكور فتركه، فيكون دليلًا على جواز ترك العبادة إذ لم يحصل إلا مجرد
-[مذاهب الأئمة في حكم الاعتكاف إذا فات من اعتاده لمانع بعد الشروع فيه]-
.....
النية (وفيه أيضًا) أن المسجد شرط للاعتكاف لأن النساء شرع لهن الاحتجاب في البيوت فلو لم يكن المسجد شرطًا ما وقع الأذن لهن والمنع كما في بعض الروايات (وستأتي في باب اعتكاف النساء) بل كان اكتفي لهن بالاعتكاف في مساجد بيوتهن. وقال ابراهيم بن علية في قوله "آلبر تردن" دلالة على أنه ليس لهن الاعتكاف في المسجد إذ مفهومه أنه ليس ببر لهن (قال الحافظ) وما قاله ليس بواضح، وفيه شؤم الغيرة أنها ناشئة عن الحسد فتفضي إلى ترك الأفضل لأجله (وفيه) ترك الأفضل إذا كان فيه مصلحة وأن من خشى على عمله الرياء جاز له تركه وقطعه (وفيه) أن الاعتكاف لا يجب بالنية، وأما قضاؤه صلى الله عليه وسلم له فعلى طريق الاستحباب لأنه كان إذا عمل عملًا أتيته، ولهذا لم ينقل أن نساءه اعتكفن معه في شوال أفاده الحافظ (وفي حديثي أبي وأنس المذكورين في الباب) دلالة على أن من اعتاد الاعتكاف أيامًا ثم لم يمكنه أداؤه فيها لسفر أو مرض أو نحو ذلك فله قضاؤه استحبابًا (قال الترمذي) رحمه الله واختلف أهل العلم في المعتكف إذا قطع اعتكافه قبل أن يتمه على ما نوى، فقال بعضش أهل العلم. إذا نقص اعتكافه وجب عليه القضاء، واحتجوا بالحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من اعتكافه فاعتكف عشرًا من شوال (وهو قول مالك) وقال بعضهم إن لم يكن عليه نذر اعتكاف أو شيء أوجبه على نفسه وكان
متطوعًا فخرج فليس عليه شيء يقضي إلا أن يجب ذلك اختيارًا منه ولا يجب عليه (وهو قول الشافعي) قال الشافعي كل عمل لك أن لا تدخل فيه، فإذا دخلت فيه فخرجت منه فليس عليك أن تقضشي إلا الحج والعمرة اهـ (قلت) استثنى الإمام الشافعي رحمه الله الحج والعمرة من الأعمال إذا كانا نقلًا لما يلزم لهما من المشقة والمال، ولم يذكر الترمذي رحمه الله ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة (أما الحنفية) فقد ذهبوا إلى ما ذهب إليه مالك واحتجوا أيضًا بما في حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من اعتكافه واعتكف عشرًا من شوال (وأما الحنابلة) فقد ذهبوا إلى ما ذهب إليه الشافعي، وأجابوا عن الحديث بأنه حجة على المخالفين لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك اعتكافه، ولو كان واجبًا لما تركه، وأزواجه تركن الاعتكاف بعد نيته وضرب ابنيتهن له ولم يوجد عذر يمنع فعل الواجب ولا أمرن بالقضاء، وقضاء النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن واجبًا عليه، وإنما فعله تطوعًا لأنه كان إذا عمل عملًا أثبته، وكان فعله لقضائه كفعله لأدائه على سبيل التطوع به لا على سبيل الإيجاب كما قضى السنة التي فاتته بعد الظهر وقبل الفجر، فتركه له دليل على عدم الوجوب لتحريم ترك الواجب، وفعله للقضاء لا يدل على الوجوب لأن قضشاء السنن مشروع؛ ولا يصح قياسه على الحج والعمرة لأن الوصول إليهما لا يحصل في الغالب إلا بعد كلفة عظمى ومشقة شديدة وانفاق مال كثير، ففي إبطالهما
-[جواز غسل رأس المعتكف وترجيله وتنظيفه]-
(3)
باب ما يجوز فعله للمعتكف وما لا يجوز له
(311)
عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور (1) في المسجد فيصغي إلى رأسه فأرجله وأنا حائض (وعنها من طريق ثان)(2) قالت كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يعتكف فيخرج إلى رأسه من المسجد فأغسله وأنا حائض
(312)
عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
تضييع لماله وإبطال لأعماله الكثيرة، وقد نهينا عن اضشاعة المال وإبطال الأعمال، وليس في ترك الاعتكاف بعد الشروع فيه مال يضشيع ولا عمل يبطل، لأن النسك يتعلق بالمسجد الحرام على الخصوص، والاعتكاف بخلافه، قالوا ولم يقع الاجماع على لزوم نافلة بالشروع فيها سوى الحج والعمرة، وقد انعقد الاجماع على أن الإنسان لو نوى الصدفة بمال مقدر وشرع في الصدقة به فاخرج بعضه لم تلزمه الصدقة بباقيه، وهو نظير الاعتكاف؛ لأنه غير مقدر بالشرع شبه الصدفة وإذا كانت العبادات التي لها أصل في الوجوب لا تلزم بالشروع فما ليس له أصل في الوجوب أولى، والله أعلم
(311)
عن عائشة رضي الله عنها (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى ثنا هشام حدثني أبي عن عائشة رضي الله عنها الحديث (غريب)(1) أي يعتكف. فالمجاورة هنا بمعنى الاعتكاف، ولذا جاء في الطريق الثانية يعتكف يدل قوله هنا يجاور، اما المجاورة بمكة والمدينة فيراد بها الإقامة مطلقًا غير ملتزم بشرائط الاعتكاف الشرعي "وقولها فيصغي إلى رأسه" يصغي بضم الياء التحتية وبالعين المعجمة المكسورة من الإصغاء أي يدني ويميل رأسه "فأرجله" أي أسرحه وأنظفه، والترجيل والترجل تسريح الشعر وتنظيفه وتحسينه، وفي الطريق الثانية فيخرج إلى رأسه من المسجد فأغسله فكأنها كانت تغسله ثم تسرحه (وفيه) أن بدن الحائض طاهر إلا موضع الدم إذ لو كان نجسًا لما مكنها النبي صلى الله عليه وسلم من غسل رأسه (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن فضيل عن الأعمش عن تميم بن سلمة عن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث (تخريجه)(ق. والأربعة. وغيرهم)
(312)
عن عروة عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد
-[جواز خروج المعتكف من المسجد لحاجة الإنسان وما تدعو إليه الضرورة]-
معتكفًا وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان (1). قالت فغسلت رأسه وإن بيني وبينه لعتبة الباب (2)(وعنه من طريق ثان (3) أن عائشة قالت) وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل على رأسه وهو في المسجد فأرجله وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان إلا إذا أراد الوضوء وهو معتكف
(313)
عن عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت إن كنت لأدخل البيت للحاجة (5) والمريض فيه فما أسأل عنه إلا وأنا مارة، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليدخل على رأسه فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة، قال يونس (6) إذا كان معتكفًا
قال أنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة - الحديث " (غريبة) (1) فسرها الزهري بالبول والغائط وقد وقع الاجماع على استثنائهما، واختلفوا في غيرهما من الحاجات كالأكل والشرب، ويلحق بالبول والغائط القيء والقصد والحجامة لمن احتاج إلى ذلك، وسيأتي الكلام على ذلك في الأحكام (2) أي عتبة باب حجرة عائشة، ففي رواية أخرى للإمام أحمد والنسائي كان يأتيني وهو معتكف فيتكئ على باب حجرتي فأغسل رأسه وسائره في المسجد" أي وباقي جسده في المسجد (3)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عثمان بن عمر قال أنا يونس عن الزهري عن عروة أن عائشة قالت - الحديث (4) إلا الثانية بمعنى أو، والمعنى وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان أو إذا أراد الوضوء الخ لأن المساجد لم يكن بها إذ ذاك ماء للوضوء، وإلى جواز خروج المعتكف من المسجد لأجل الوضوء للصلاة ذهب ابو ثور وفيه خلاف سيأتي في الأحكام (تخريجه)(ق. والأربعة) بدون ذكر الوضوء
(313)
عن عروة بن الزبير (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هاشم ويونس قالا ثنا ليث قال حدثني ابن شهاب عن عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن - الحديث" (غريبة) (5) أي التي لابد منها للإنسان كالبول ونحوه "وقولها وأنا مارة" أي بلا وقوف لأجله لأنها ترى أن ذلك يقطع الاعتكاف (6) يعني زاد يونس أحد الروايين الذين روى عنهما الإمام أحمد هذا الحديث في روايته إذا كان معتكفًا واقتصر هاشم الراوي الثاني إلى قوله إلا لحاجة (تخريجه)(هق. جه) وقال البيهقي
-[شيء من ترجمة الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين رضي الله عنهما]-
(314)
عن علي بن حسين (1) عن صفية بنت حيي (2)(زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنها) قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفًا فأتيته أزوره ليلًا فحدثته ثم قمت فاتقلبت (3) فقام معي يقلبني وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد (4)
رواه البخاري ومسلم جميعًا في الصحيح عن قتيبة بن سعيد إلا أن البخاري لم يذكر قولها في المريض اهـ (قلت) الجزء المختص بالمريض موقوف على عائشة من فعلها، لكن ترجم أبو داود "باب المعتكف يعود المريض" ثم أورد فيه عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالمريض وهو معتكف فيمر كما هو ولا يعرج يسأله عنه" وأورده الحافظ في التلخيص وقال رواه أبو داود من حديث عائشة وفيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف والصحيح عن عائشة من فعلها، وكذلك أخرجه مسلم وغيره، وقال ابن حزم صح ذلك عن علي اهـ
(314)
عن علي بن حسين (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرازق قال أنا معمر وعبد الأعلى بن معمر عن الزهري عن علي بن حسين عن صفية - الحديث" (غريبة)(1) هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو الحسين زين العابدين المدني عن جده مرسلًا وعن أبيه وعائشة وصفية بنت حيي
وأبي هريرة وابن عباس وطائفة، وعنه ينوه محمد. وعمر. وعبد الله. وزيد. وكذلك الزهري. والحكم بن عتيبة (قال الزهري) ما رأيت قرشيًا أفضل منه، وما رأيت افقه منه (وقال أبو بكر بن أبي شيبة) أصح الأسانيد الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي (وقال ابن المسيب) ما رأيت أورع منه (وقال أبو جعفر) عن أبيه أنه قاسم الله تعالى مرتين (وقال ابن عيينة) حج علي بن الحسين، فلما أحرم أصفر وانتفض وارتعد ولم يستطع أن يلبي، فقيل مالك لا تلبي، فقال أخشى أن أقول لبيك فيقول لا لبيك؛ فقيل له لابد من هذا، فلما لبى غشي عليه وسقط على راحلته. فلم يزل يعتريه ذلك حتى قضى حجه (قال أبو نعيم) مات سنة اثنتين وتسعين وقيل غير ذلك "خلاصة"(2) بمهملة وتحتانية مصغرًا ابن أخطب، كان أبوها رئيس خيبر وكانت تُكنى أم يحي. وستأتي ترجمتها في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب السيرة النبوية إن شاء الله تاعالى (3) في رواية للبخاري ثم قامت تنقلب أي ترجع وترد إلى بيتها"فقام معي يقلبني" بفتح أوله وسكون القاف أي يردني إلى منزلي (4) أي الدار التي صارت بعد ذلك لأسامة بن زيد لأن أسامة إذ ذاك لم يكن له دار مستقلة بحيث تسكن فيها صفية، وكانت بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حوالي أبواب المسجد
-[جواز زيارة المرأة زوجها في معتكفه - والتحرز مما يوجب سوء الظن]-
رضي الله عنهما فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم على رسلكما إنها صفية بنت حيي، فقالا سبحان الله يا رسول الله، فقال إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكم شرًا، أو قال شيئًا
وفي البخاري فقام النبي صلى الله عليه وسلم معها يقلبها حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة مر رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم على رسلكما - الحديث (1) قال الحافظ لم أقف على تسميتهما في شيء من كتب الحديث. إلا أن ابن العطار في شرح العمدة زعم أنهما أسيد بن خضير. وعباد بن بشر. ولم يذكر لذلك مستندًا (2) بكسر الراء ويجوز فتحها، أي على هيئتكما في المشي فليس هنا شيء تكرهانه، والرسل المسير السهل بمعنى التؤدة وترك العجلة "إنها صفية بنت حيي" وفي رواية للبخاري "إنما هي صفية بنت حيي" وله في رواية أخرى "هذه صفية"(3) التسبيح هنا إما حقيقة، أي تنزه الله تعالى عن أن يكون رسوله متهمًا بما لا ينبغي، أو كناية عن التعجب من هذا القول، زاد البخاري من رواية هشيم، فقالا يا رسول الله وهل نظن بك إلا خيرًا؟ (4) رواية البخاري "إن الشيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم" أي كمبلغ الدم (قال الحافظ) وقوله "يبلغ أو يجري" قيل هو على ظاهره وأن الله تعالى أقدره على ذلك، وقيل هو على سبيل الاستعارة من كثرة اغوائه (يعني وسوسته) وكأنه لا يفارقه كالم فاشتركا في شدة الاتصال وعدم المفارقة اهـ والتعبير بالإنسان في قوله يجري من الإنسان المراد به جنس أولاد آدم من ذكر وأنثى (5) أو للشك من الراوي يعني أو قال "شيئًا" بدل قوله "شرًا" وفي رواية للبخاري "إني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئًا" وله في رواية ابن مسافر وفي رواية معمر "سوءًا وقال شيئًا" ولمسلم وأبي داود من حديث معمر "شرًا" بالشين المعجمة كما عند الإمام أحمد (قال الحافظ) والمحصل من هذه الروايات ان النبي صلى الله عليه وسلم لم ينسبهما إلى أنهما يظنان به سوءًا لما تقرر عنده من صدق ايمانهما. ولكن خشى عليهما أن يوسوس لهما الشيطان، ذلك لأنهما غير معصومين فقد يفضي بهما ذلك إلى الهلاك. فبادر إلى اعلامهما حسمًا للمادة وتعليمًا لمن بعدهما إذا وقع له مثل ذلك كما قاله الشافعي رحمه الله تعالى، فقد روى الحاكم أن الشافعي كان في مجلس ابن عيينة فسأله عن هذا الحديث فقال الشافعي إنما قال لهما ذلك لأنه خاف عليهما الكفر إن ظنا به التهمة فبادر إلى اعلامهما نصيحة لهما قبل أن يقذف الشيطان في نفوسهما شيئًا يهلكان به اهـ (تخريجه)(ق. د. نس. جه. هق)(زوائد الباب) روى أبو داود في
-[زوائد الباب فيما يجوز للمعتكف فعله وما لا يجوز له]-
.....
سننه حدثنا وهب بن بقية أنا خالد عن عبد الرحمن يعني ابن اسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت السنة على المعتكف ألا يعود مريضًا ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لابد منه، ولا اعتكاف إلا بصوم ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع، ورواه النسائي أيضًا وليس فيه قالت السنة، وأخرجه أيضًا من حديث مالك وليس فيه ذلك، قال أبو داود غير عبد الرحمن بن اسحاق لا يقول فيه قالت السنة، وجعله قول عائشة اهـ وجزم الدار قطنى بأن القدر الذي من حديث عائشة قولها لا يخرج الخ وما عداه ممن دونها اهـ وعبد الرحمن بن اسحاق هذا هو القرشي المدني يقال له عباد قد أخرج له مسلم في صحيحه ووثقه يحيي بن معين وأثنى عليه غيره وتكلم فيه بعضهم (وروى البيهقي) بسنده عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ثم اعتكف أزواجه من بعده، والسنة في المعكتف أن لا يخرج إلا لحاجته التي لابد له منها ولا يعود مريضًا ولا يمس امرأته ولا يباشرها، ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة، والسنة فيمن اعتكف ان يصوم (ثم قال) وأخبرنا أبو على الروذباري أنبأنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا وهب فذكر حديث أبي داود المتقدم بسنده، ثم قال قد ذهب كثير من الحفاظ إلى ان هذا الكلام من قول من دون عائشة "يعني عروة" وأن من أدرجه في الحديث وهم فيه، فقد رواه سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن عروة قال المعتكف لا يشهد جنازة ولا يعود مريضًا ولا يجيب دعوة ولا اعتكاف إلا بصيام ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة (وعن ابن جريج عن الزهري عن سعيد بن المسيب) أنه قال المعتكف لا يعود مريضًا ولا يشهد جنازة اهـ (وعن ابن عباس) رضي الله عنهما" في قوله تعالى (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) قال المباشرة والملامسة والمس جماع كله، ولكن الله عز وجل يكني ما شاء بما شاء (هق)(وعن أنس بن مالك) رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المعتكف يتبع الجنازة ويعود المريض (جه) قال البوصيري في زوائد ابن ماجه إسناده ضعيف لأن عبد الخالق وعنبسة والهياج ضعفاء مع أنه معارض بما هو أقوى منه، وهو أنه كان لا يدخل البيت إلا لحاجة (وعن عمر بن الخطاب) رضي الله عنه أنه قال يا رسول الله أني نذرت في الجاهلية أن اعتكف في المسجد الحرام ليلة، فقال له فأوف بنذرك، هذا الحديث رواه الشيخان والأربعة والإمام أحمد، وسيأتي في باب النذر في طاعة الله من كتاب اليمين والنذر لأنه محله، وإنما ذكرته هنا وإن لم يكن من الزوائد لأن بعض الأئمة استنتج منه عدم اشتراط الصوم في الاعتكاف كما سيأتي تفصيله في الأحكام والله أعلم (الأحكام)
-[مذاهب الأئمة فيما يجوز للمعتكف فعله وما لا يجوز له]-
.....
أحاديث الباب تدل على جملة أحكام (منها) جواز استخدام المعتكف زوجته في غسل رأسه ترجيل شعره ونحو ذلك (ومنها) جواز التنظيف والطيب والغسل والحلق والتزيين للمعتكف الحاقًا بالترجل، والجمهور على أنه لا يكره فيه إلا ما يكره في المسجد (قال الخطابي رحمه الله فيه من الفقه "يعني حديث عائشة بطرقه" أن المعتكف ممنوع من الخروج من المسجد إلا لغائط أو بول (وفيه) أن ترجيل الشعر مباح للمعتكف، وفي معناه حلق الرأس وتقليم الأظفار وتنظيف الأبدان من الشعث والدرن (وفيه) أن بدن الحائض طاهر غير نجس "إلا موضع الدم"(وفيه) أن من حلف لا يدخل بيتًا فأدخل رأسه فيه وسائر بدنه خارج لم يحنث اهـ (قلت) واتفق العلماء على جواز دخول المعتكف بيته لحاجة الإنسان التي لابد منها كالبول والغائط وغسل الجنابة (واختلفوا في غيرها) كعيادة المريض وصلاة الجنازة والوضوء للصلاة (فقال أبو ثور) لا يخرج إلا لحاجة الوضوء الذي لابد منه لما في بعض طرق حديث عائشة عند الإمام أحمد "وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان إلا إذا أراد الوضوء" الخ وذهب الأئمة (الثوري والشافعي وأحمد في رواية عنه وإسحاق) إلى أنه يخرج لكل ذلك إن اشترطه في ابتداء اعتكافه سواء أكان واجبًا أم غير واجب؛ إلا أن اسحاق فرق بين الواجب كالاعتكاف المنذور وبين التطوع. فقال في الواجب لا يعود مريضًا ولا يشهد جنازة. وفي التطوع يشترط ذلك حين يبتدئ (وقال الأوزاعي ومالك) لا يكون في الاعتكاف شرطًا (وقال أبو حنيفة وأصحابه) ليس ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد لحاجة ما خلا الجمعة والغائط والبول، فأما سوي ذلك من عيادة مريض وشهود جنازة فلا يخرج له، وهو قول (مالك وعطاء ومجاهد)"وقالت طائفة" للمعتكف أن يشهد الجمعة ويعود المريض ويشهد الجنازة، وروى ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو قول سعيد بن جبير. والحسن البصري. والنخعي، (ولو اعتكف بغير الجامع الذي تقام فيه الجمعة) وحضرت الجمعة وجب عليه الخروج إليها بالإجماع، وهل يبطل اعتكافه أم لا؟ قال الأئمة (أبو حنيفة ومالك وأحمد) لا يبطل "وللشافعي" قولان (أصحهما) وهو المنصوص عنه في عامة كتبه يبطل إلا إن شرطه في اعتكافه (والثاني) وهو نصه في البويطي لا يبطل (واستدل بحديث عائشة) المذكور أول الزوائد على أنه لا يجوز للمعتكف مس امرأة ولا مباشرتها (والمراد بالمس هنا) الإفضاء بيده إلى امرأته بشهوة، أما بغير شهوة فلا بأس به لما تقدم في حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إليها رأسه فتغسله وتسرحه. فإن كان بشهوة حرم عند الأئمة الأربعة وأفسد اعتكافه وإن لم ينزل عند مالك وهو قول للشافعي. وقال أبو حنيفة لا يفسد إلا إن أنزل، وهو مشهور
-[اختلاف المذاهب في اشراط الصوم لصحة الاعتكاف]-
.....
مذهب الشافعي (وقال عطاء) لا يبطل الاعتكاف بالمس مطلقًا أنزل أو لم ينزل، واختاره ابن المنذر والمحاملي وأبو الطيب. ولا يفسد اعتكافه أيضًا بنظر أو فكر وإن أنزل خلافًا للمالكية (والمراد بالمباشرة هنا) الجماع بقرينة ذكر المس قبلها. وقد نقل ابن المنذر الإجماع على ذلك، ويؤيده ما روى الطبري وغيره من طريق قنادة في سبب نزول الآية يعني قوله تاعالى (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) أنهم كانوا إذا اعتكفوا فخرج رجل فلقى امرأته جامعها إن شاء فنزلت، (واستدل بقوله في حديث عائشة المذكور)"ولا اعتكاف إلا بصوم" على أن الصيام شرط في صحة الاعتكاف وإلى ذلك ذهب ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم وبه قال الأئمة (أبو حنيفة. ومالك. والأوزاعي. والثوري) إلا أنه عند أبي حنيفة شرط في الاعتكاف الواجب بالنذر فقط وماعداه ليس بشرط فيه (قال الحافظ ابن القم في الهدي) ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف مفطرًا قط، بل قد قالت عائشة رضي الله عنها لا اعتكاف إلا بصوم، ولم يذكر الله سبحانه وتعالى الاعتكاف إلا مع الصوم ولا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مع الصوم، فالقول الراجح في الدليل الذي عليه جمهور السلف أن الصوم شرط في الاعتكاف وهو الذي كان يرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية اهـ (وذهب ابن مسعود والحسن البصري والشافعي وأحمد وإسحاق) إلى أن الصيام ليس بشرط، قالوا ويصح اعتكاف ساعة واحدة ولحظة واحدة، واستدلوا بما تقدم من أنه صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من شوال ومن جملتها يوم الفطر، ومعلوم أن يوم الفطر لا يجوز صومه. وبحديث عمر المذكور في الزوائد أنه نذر في الجاهلية اعتكاف ليلة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم فأوف بنذرك فاعتكف ليلة، ومعلوم أن الليل ليس ظرفًا للصوم. فلو كان شرطًا لأمره النبي صلى الله عليه وسلم به فدل على أنه لم يزد على نذره شيئًا وأن الاعتكاف لا صوم فيه وأنه لا يشترط له حد معين، وأجابوا عن حديث عائشة بأنه موقوف (قال الشوكاني) وهذا هو الحق لا كما قال ابن القيم أن الراجح الذي عليه جمهور السلف أن الصوم شرط في الاعتكاف، قال وقد روى حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه" رواه الدارقطني، وقال رفعه أبو بكر السومي وغيره لا يرفعه، ورجح الدارقطني والبيهقي وقفه، وأخرجه الحاكم مرفوعًا وقال صحيح الأسناد، قال ويؤيد قول من قال بجواز الاعتكاف ساعة أو لحظة حديث (ومن اعتكف فواق ناقة فكأنما اعتق نسمة) رواه العقيلي في الضعفاء من حديث عائشة وأنس، قال في البدر المنير هذا حديث غريب لا أعرفه بعد البحث الشديد عنه، وقال الحافظ هو منكر ولكنه أخرجه الطبراني في الأوسط
-[مذاهب العلماء في مدة الاعتكاف وما يستفاد من حديث صفية رضي الله عنها]-
.....
(قال الحافظ) لم أر في إسناده ضعفًا إلا أنه فيه وجادة، وفي المتن نكارة شديدة اهـ (قال صاحب سبل السلام) أما اشتراط الصوم في الاعتكاف ففيه خلاف وهذا الحديث الموقوف (يعني حديث عائشة) دل على اشتراطه وفيه أحاديث (منها) في نفي شرطيته (ومنها) في إثباته والكل لا ينهض حجة إلا أن الاعتكاف عرف من فعله صلى الله عليه وسلم ولم يعتكف إلا صائمًا، واعتكافه في العشر الأول من شوال الظاهر أنه صامها ولم يعتكف إلا ثاني شوال لأن يوم العيد يوم شغله صلى الله عليه وسلم بالصلاة والخطبة والخروج إلى الجبانة إلا أن لا يقوم بمجرد الفعل حجة على الاشتراط اهـ (وفي حديث عمر) المذكور في الزوائد رد على من قال أقل الاعتكاف عشرة أيام أو أكثر من يوم، وحكى النووي الإجماع على أنه لاحد لأكثره،
واختلفوا في أقله (فذهبت الحنفية) إلى أن أقله يوم (وقالت المالكية) يوم وليلة (وقالت الأئمة الشافعي وأحمد وإسحاق) أقله ما يُطلق عليه اسم لبث ولا يشترط القعود، وقيل يكفي المرور مع النية كوقوف عرفة، وروى عبد الرزاق عن يعلى بن امية الصحابي رضي الله عنه إني لأمكث في المسجد الساعة وما أمكث إلا لاعتكف (وحديث صفية) الأخير من أحاديث الباب يدل على جواز اشتغال المعتكف بالأمور المباحة من تشييع زائره. والقيام معه. والحديث مع غيره. وإباحة خلوة المعتكف بالزوجة، وزيارة المرأة لزوجها المعتكف (وفيه أيضًا) بيان شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته وارشادهم إلى ما يدفع عنهم الأثم (وفيه) التحرز عن التعرض لسوء الظن والاحتفاظ من كيد الشيطان والاعتذار (قال ابن دقيق العبد) وهذا متأكد في حق العلماء ومن يقتدي به، فلا يجوز لهم أن يفعلوا فعلًا يوجب سوء الظن بهم وإن كان لهم فيه مخلص. لأن في ذلك سبب إلى إبطال الانتفاع بعلمهم، ومن ثم قال بعض العلماء ينبغي للحاكم أن يبين للمحكوم عليه وجه الحكم إذا كان خافيًا نفيًا للتهمة، ومن هنا يظهر خطأ من يظهر بمظاهر السوء ويعتذر بأنه يجرب بذلك على نفسه، وقد عظم البلاء بهذا الصنف والله أعلم (قال الحافظ) وفيه اضافة بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إليهن (وفيه) جواز خروج المرأة ليلًا (وفيه) قول سبحان الله عند التعجب، وقد وقعت في الحديث لتعظيم الأمر وتهويله وللجياء من ذكره، واستدل لأبي يوسف ومحمد في جواز تمادي المعتكف إذا خرج من مكان اعتكافه لحاجته وأقام زمنًا يسيرًا زائدًا عن الحاجة ما لم يستغرق أكثر اليوم، ولا دلالة فيه لأنه لم يثبت أن منزل صفية كان بينه وبين المسجد فاصل زائد،
وقد حدد بعضهم اليسير بنصف يوم وليس في الخبر ما يدل عليه اهـ (ويستحب) للمعتكف الصلاة والقراءة والذكر بالإجماع. واختلفوا في قراءة القرآن والحديث والفقه (فقال مالك وأحمد) لا يستحب (وقال أبو حنيفة والشافعي) يستحب وكأن وجه ما قال مالك وأحمد
-[مذاهب العلماء في حكم المعتكف إذا باع أو اشترى أو اشتغل بصنعته]-
(4)
باب جواز اعتكاف النساء حتى المستحاضة
(315)
عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان فاستأذنته عائشة فأذن لها، فأمر ببنائها فضرب، وسألت حفصة عائشة أن تستأذن
أن الاعتكاف حبس النفس وجمع القلب على نور البصيرة في تدبر القرآن ومعاني الذكر فيكون ما فرق الهمة وشغل البال غير مناسبة لهذه العبادة (وأجمعوا) على أنه ليس للمعتكف أن يتجر ولا يكتسب بالصنعة على الإطلاق (قال ابن قدامة في المغنى) قال حنبل سمعت أبا عبد الله (يعنى الامام أحمد بن حنبل رحمه الله لا يبيع ولا يشترى إلا مالا منه طعام أو نحو ذلك. فأما التجارة والأخذ والعطاء فلا يجوز شئ من ذلك (وقال الشافعي) لا بأس أن يبيع ويشترى ويخيط ويتحدث ما لم يكن مأثما (ولنا) ما روى عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن البيع والشراء في المسجد، رواه الترمذى وقال حديث حسن، ورأى عمران القصير رجلا يبيع في المسجد، فقال يا هذا إن هذا سوق الآخرة فان أردت البيع فاخرج إلى سوق الدنيا، وإذا منع من البيع والشراء في غير حال الاعتكاف ففيه أولى، فأما الصنعة فظاهر كلام الخرقى أنه لا يجوز منها ما يكتسب به لأنه بمنزلة التجارة بالبيع والشراء، ويجوز ما يعمله لنفسه كخياطة قميصه ونحوه، وقد روى المروزى قال سألت أبا عبد الله عن المعتكف ترى له أن يخيط؟ قال لا ينبغى له أن يعتكف إذا كان يريد أن يفعل (وقال القاضي) لا يجوز الخياطة في المسجد سواء أكان محتاج اليها أم لم يكن قل أم كثر، لأن ذلك معيشة تشغل عن الاعتكاف فأسبه البيع والشراء فيه (والأولى) أن يباح له ما يحتاج اليه من ذلك إذا كان يسيرا، مثل أن ينشق قميصه فيخيطه أو ينحل شئ يحتاج إلى ربط فيربطه، لأن هذا يسير تدعو الحاجة إليه فجرى مجرى لبس قميصه وعمامته وخلعهما اهـ (وقال ابن حزم) كل فرض على المسلم فان الاعتكاف لا يمنع منه، وعليه أن يخرج إليه ولا يضر ذلك باعتكافه والله أعلم.
(315)
عن عمرة بنت عبد الرحمن (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى قال حدثني أبو المغيرة قال ثنا الأوزاعي قال حدثني يحيى بن سعيد قال حدثنى عمرة بنت عبد الرحمن- الحديث (غريبة)(1) أى ذكر للناس أن يريد أن يعتكف العشر.
-[سبب إذن النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أزواجه في الاعتكاف ثم منعهن]-
لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعلت، فأمرت ببنائها فضرب، فلما رأت ذلك زينب أمرت ببنائها فضرب، قالت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى انصرف، فبصر بالأبنية، فقال ما هذه؟ قالوا بناء عائشة، وحفصة، وزينب، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم آلبر أردتن بهذا؟ ما أنا بمعتكف فرجع. فلما أفطر اعتكف عشر شوال.
(316)
عن عائشة رضي الله عنها قالت اعتكفت مع رسول الله
الأواخر من رمضان فلما علمت بذلك عائشة رضي الله عنها استأذنته في الاعتكاف فاذن لها، فلما علمت حفصة بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة سألت عائشة أن تستأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم في اعتكافها أيضًا (1) أي فأستأذنت لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لها (2) هي بنت جحش زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لما رأت بناء عائشة وحفصة في المسجد أمرت ببنائها فضرب، والظاهر أن زينب رضي الله عنها فعلت ذلك بدون استئذان (قال الحافظ) وفي رواية عمرو بن الحارث "أي عند أبي عوانة"(فلما رأته زينب ضربت معهن وكانت امرأة غيورًا) ولم أقف في شيء من الطرق أن زينب أستأذنت، وكأن هذا هو أحد ما بعث على الأنكار الآتي (3) يعني إلى المكان الذي أعد له للاعتكاف فيه، وفي رواية للبخاري فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغد أبصر أربع قباب فقال ما هذه الخ (4) تقدم تفسيره في باب وقت الدخول في المعتكف رقم 307 صحيفة 246 زاد البخاري "انزعوها فلا أراها"(وفي رواية لمسلم) فأمر بخبائه فقوض بضم القاف وكسر الواو ثقيلة فضاد معجمة أي نقض، قال القاضي عياض رحمه الله قال صلى الله عليه وسلم هذا الكلام إنكارًا لفعلهن وقد كان أذن لبعضهن في ذلك، وسبب إنكاره أنه خاف أن يكن غير مخلصات في الاعتكاف بل أردن القرب منه لغيرتهن عليه ولغيرته عليهن فكره ملازمتهن المسجد مع أنه يجمع الناس وتحضره الأعراب والمنافقون وهن محتاجات إلى الخروج والدخول لما يعرض لهن فيبتذلن بذلك، أو لأنه رآهن عنده في المسجد وهو في معتكفه فصار كأنه في منزله لحصوره مع أزواجه وذهب المهم من مقصود الاعتكاف وهو التخلي عن الأزواج ومتعلقان الدنيا وشبه ذلك، أو لأنهن ضيقن المسجد بأنيتهن أهـ (5) يعني العشر الأول كما ثبت ذلك في رواية لمسلم وأبي داود (تخريجه)(ق. لك. والأربعة وغيرهم).
(316)
عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله أبي ثنا عفان قال ثنا.
-[اختلاف العلماء في تعيين من اعتكف من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مستحاضة]-
صلى الله عليه وعلى آله وسلم امرأة من أزواجه مُستحاضة فكانت ترى الصفرة والحمرة فرُبما وضعنا الطست تحتها وهي تُصلى
(317)
وعنها أيضًا قالت إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر
يزيد بن زريع قال ثنا خالد بن عكرمة عن عائشة - الحديث (غريبة)(1)
اختلف العلماء في هذه المرأة من هي من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل هي زينب بنت جحش، وقيل سودة بنت زمعة، وقيل أم سلمة، ويؤيد الأخير ما رواه سعيد بم منصور في سننه بسنده عن خالد"يعنى الحذاء" عن عكرمة أن أم سلمة كانت عاكفة وهي مستحاضة وربما جعلت الطست تحتها (قال الحافظ) وهذا أولى ما فسرت به هذه المرأة لاتحاد المخرج، وقد أرسله اسماعيل بن علية عن عكرمة، ووصله خالد الطحاوى ويزيد بن زريع وغيرهما بذكر عائشة فيه، ورجح البخارى الموصول فأخرجه، وقد أخرج ابن أبي شيبة عن إسماعيل ابن علية هذا الحديث كما أخرجه سعيد بن منصور بدون تسمية أم سلمة والله أعلم (2) الصفرة ماء أصفر يشبه الصديد، والحمرة الدم. إلا أنه ليس كدم الحيض، وقد جاء هذا الحديث نفسه من طريق خالد بن عكرمة عن عائشة عند البخارى مصرحا بالدم بدل الحمرة (ولفظه) عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتكف معه بعض نسائه وهي مستحاضة ترى الدم فربما وضعت الطست تحتها (ولأبى داود والبخارى) عم أم عطيه رضى الله عنه قالت"كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئا" إلا أن البخارى لم يذكر "بعد الطهر" قال النووى رحمه الله في شرح المهذب قال الشيخ أبو حامد في تعليقه هما ماء أصفر وماء كدر وليسا دم، (وقال أمام الحرمين) هما شيء كالصديد يعلوه صفرة وكدرة وليسا على لون شئ من الدماء القوية والضعيفة اهـ والمعنى أن ما خرج من المرأة بعد مدة الحيض على هذه الصفة لا يعد دم حيض، بل دم استحاضة لا يمنع شيئا من موانع الحيض والله أعلم (3) أصله الطس بالتضعيف فأبدلت احدى السينيين تاء للاستثقال، فاذا جمعت أو صغرت ردت إلى أصلها فقلت طساس وطسيس، وفي اللغة البلدية بالشين المعجمة؟ ويجمع على طشوت قاله العينى، والحكمة في وضع الطست تحتها ليلاقى الدم خوفا من تلويث المسجد (تخرجه)(خ. د. نس. جه)
(317)
وعنها أيضا (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا قتيبة بن سعيد قال ثناليث بن سعيد عن عقيل عن الزهرى عن عروة عن عائشة- الحديث"
-[مذاهب العلماء في مشروعية اعتكاف النساء وآدابه وجوازه للمستحاضة]-
من رمضان حتى توفاه الله ثُم اعتكف أزواجه من بعده
(غريبه)(1) استدل به على استحباب مداومة الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان لتخصيصه صلى الله عليه وسلم ذلك الوقت بالمداومة على اعتكافه، وعلى أن لم ينسخ وأكد ذلك بقوله (ثم اعتكف أزواجه من بعده) أى استمر حكمه بعده حتى في حق النساء ولا هو من الخصائص (تخريجه)(ق. د. نس)(الأحكام) استدل بحديث عائشة الأول من أحاديث الباب على أن المرأة لا تعتكف حتى تستأذن زوجها وأنها اذا اعتكفت بغير اذنه كان له أن يخرجها، وإن كان باذنه فله أن يرجع فيمنعها، واليه ذهب الجمهور، (ومنهم الشافعى وأحمد)(وعن أهل الرأى) إذا أذن لها الزوج ثم منعها أثم بذلك. (وعن مالك) ليس له ذلك بعد الأذن (وفيه أيضا) جواز ضرب الأخبية في المسجد وأن الأفضل للنساء أن لا يعتكفن في المسجد (قال الحافظ) وقد أطلق الشافعى كراهته لهن في المسجد الذى تصلى فيه الجماعة، واحتج بحديث الباب فانه دال على كراهة الاعتكاف للمرأة إلا في مسجد بيتها لأنها تتعرض لكثرة من يراها (وقال ابن عبد البر) لولا أن ابن عيينة زاد في الحديث "أى حديث الباب" أنهن استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف لقطعت بأن اعتكاف المرأة في مسجد الجماعة غير جائز اهـ (وشرط الحنفية) لصحة اعتكاف المرأة أن تكون في مسجد بيتها (قلت) وهو الواجب المتعين الذى يجب المصير اليه خصوصا في عصرنا هذا، وفي رواية لهم أن لهم الاعتكاف في المسجد مع زوجها، وبه قال الامام أحمد (وفيه) أن المرأة إذا اعتكفت في المسجد استحب لها أن تجعل لها ما يسترها، ويشترط أن تكون اقامتها في موضع لا يضيّق على المصلين (وفيه) بيان مرتبة عائشة في كون حفصة لم تستأذن إلا بواسطتها ويحتمل أن يكون سبب ذلك كونه كان تلك الليلة في بيت عائشة والله أعلم، وتقدم كثير من أحكام هذا الحديث في حديثها السابق رقم 307 في باب وقت الدخول في المعتكف (وفي حديثها الثاني من أحاديث الباب) دليل على جواز مكث المستحاضة في المسجد وصحة اعتكافها وصلاتها وجواز حدثها في المسجد عند أمن التلويث، ويلتحق بها دائم الحدث ومن به جرح يسيل (وفي حديثها الثالث من أحاديث الباب) مشروعية الاعتكاف للنساء لقول عائشة فيه" ثم اعتكف أزواجه من بعده" واستدل به على أن الاعتكاف لم ينسخ وليس من الخصائص وأنه من السنن المؤكدة خصوصا في العشر الأواخر من رمضان لطلب ليلة القدر (وحكى الحافظ) عن ابن نافع عن مالك أنه قال فكّرت في
-[فضل العشر الأواخر من رمضان - واستحباب الاجتهاد فيها بالعبادة]-
(5)
باب الاجتهاد في العشر الأواخر من رمضان
(318)
"ز" عن على رضى الله عنه قال كان النبى صلى الله عليه وسلم يُوقظ أهله (وفي لفظ نساءه) في العشر الأواخر من رمضان (وعنه من طريق ثان) ز قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم إذا دخل العشر أيقظ أهله ورفع المئزر (وفي لفظ وشد المئزر) قِيل لأبى بكرٍ
الاعتكاف وترك الصحابة له مع شدة اتباعهم للأثر فوقع في نفسى أنه كالوصال، وأراهم تركوه لشدته، ولم يبلغني عن أحد من السلف أنه اعتكف إلا عن أبى بكر بن عبد الرحمن اهـ (قال الحافظ) وكأنه أراد صفة مخصوصة والا فقد حكيناه عن غير واحد من الصحابة، ومن كلام مالك أخذ بعض الصحابة أن الاعتكاف جائز، وأنكر ذلك عليهم ابن العربي، وقال أبو داود عن أحمد لا أعلم عن أحد من العلماء خلافا أنه مسنون والله أعلم
(318)
"ز" عن على رضى الله عنه (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبو خيثمة ثنا عبد الرحمن بم مهدى عن سفيان وشعبة وإسرائيل عن أبى اسحاق عن هيبرة عن على رضي الله عنه الحديث" (غريبة) (1) أى ايقظهم للصلاة في الليل وجد ف العبادة زيادة عن العادة (2) (سنده) "ز" حدثنا عبد الله حدثنى أبو بكر بن أبى شيبة ثنا أبو بكر بن عياش عن أبى اسحاق عن هيبرة عن على قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا دخل العشر الحديث (3) بكسر الميم مهموز وهو الازار، جعل رفع المئزر وهو تشميره عن الأسبال كناية عن الاجتهاد في العبادة"وشد المئزر" كما في اللفظ الثاني بمعناه أيضا، يقال شددت لهذا الأمر مئزري أى تشمرت له وتفرغت، وقيل هو كناية عن اعتزال النساء للاشتغال بالعبادات، وهذا الأخير موافق لتفسير الراوى كما سيأتي (4) هو ابن عياش أحد رجال السند ذكر عنه ذلك أبو بكر بن أبى شيبة، يعنى أن المراد بشد المئزر هو اعتزال النساء، وبه جزم عبد الرزاق عن الثورى واستشهد بقول الشاعر
قوم إذا حاربوا شدوا ما زرهم
…
عن النساء ولو باتت بأطهار
وقال الخطابي يحتمل أن يريد به الجد في العبادة كما يقال شددت لهذا الأمر مئزرى أى تشمرت له ويحتمل أن يراد التشمير والاعتزال معا ويحتمل أن يراد الحقيقة والمجاز كمن يقول طويل
-[زوائد الباب وفضل الجد والاجتهاد بالعبادة في العشر الأواخر]-
ما رفع المِئزر؟ قال اعتزال النساءِ
(319)
عن مسروق عن عائشة رَضى الله عنها تذكر عن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر أحيا الليل وَأيقظ أهله وشَد المئزر (وعنها من طريق ثان) قال كان يخلط في العشرين الاولى النبى صلى الله عليه وسلم من نوم ٍ وصلاةٍ فاذا دخلت العشر جَد وشَد المئزر (وعنها من طريق ثالث) قالت كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يجتهد في العشر ما لا يجتهده في غيره
النجاد طويل القامة وهو طويل النجاد حقيقة، فيكون المراد شد مئزره حقيقة فلم يحله واعتزل النساء وشمر للعبادة (قال الحافظ) وقد وقع في رواية عاصم بن ضمرة المذكورة"يعنى عند ابن أبى شيبة من حديث على" شد مئزره واعتزل النساء فعطفه بالواو فيتقوى الاحتمال الأول اهـ (تخريجه)(مذ. ش. هق. عل) من طرق متعددة عن أبى إسحاق وقال الترمذى حسن صحيح
(319)
عن مسروق عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سفيان عن ابن عبيد بن نسطاس يعنى أبا يغفور عن مسلم عن مسروق عن عائشة- الحديث" (غريبة)(1) أى سهره فأحياه بالطاعة واستغرقه بالسهر في الصلاة وغيرها (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبى ثنا أسود ثنا شريك عن جابر عن يزيد بن مرة عن لميس عن عائشة قالت كان يخلط الخ (3) أى كان يصلى بعض الليل وينام بعضه كما هي عادته (4) أى اجتهد وقام الليل كله (5)(سند) حدثنا عبد الله حدثنى أبى قال ثنا عفان قال ثنا عبد الواحد بن زياد قال ثنا الحسن بن عبيد الله قال ثنا ابراهيم عن الأسود بن يزيد عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد الحديث (6) زاد مسلم الأواخر (تخريجه) أخرج الطريق الأولى منه الشيخان وغيرهما، والطريق الثانية لم أقف على من أخرجها، وفي اسنادها من اسمه لميس لم أقف على من ترجمه، وأخرج الطريق الثالثة (م. مذ. نس. جه. هق)(زوئد الباب) عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال كان النبى صلى الله عليه وسلم اذا دخل العشر الأواخر طوى فراشه واعتزل النساء وجعل عشاءه سحورا (طس) قال الهيثمى فيه حفص بن واقد، قال ابن عدى له أحاديث منكرة (وعن على بن أبى طالب) رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوقظ أهله في العشر
-[كلام العلماء فيما يستحب فعله في العشر الأواخر وتفسير لفظ القدر بسكون الدال]-
(6)
باب ليلة القدر (*) وما جاء في فضلها
(وفي أى ليلة من رمضان وفيه فصول- الفصل الأول في فضلها وما يقول من رآها)
(320)
عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قَام
الأواخر في شهر رمضان وكل صغير وكبير يطيق الصلاة، قال الهيثمى روه الترمذى باختصار رواه (طس) وأبو يعلى باختصار عنه وفي إسناد الطبرانى عبد الغفار بن القاسم وهو ضعيف وإسناد أبى يعلى حسن (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر من رمضان وعلى احيائها بالعبادة وعلى إيقاظ الاهل أعنى الزوجة والأولاد لهذا الغرض حتى الصغار منهم إذا أطاقوا القيام لحديث على رضى الله عنه المذكور في الزوائد. ولما روى الترمذى ومحمد بن نصر من حديث زينب بنت أم سلمة" لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم إذا بقى من رمضان عشرة أيام يدع أحدا من أهله يطيق القيام الا أقامه" وإنما كان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ليصادف في هذه العشر ليلة القدر التى هي خير من الف شهر (بنص القرآن) تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر" فمن أحياها أحيا الله قلبه وأعطاه خيرا كثيرا لا يعلم قدره الا هو جل شأنه (قال النووي رحمه الله يستحب أن يزاد من العبادات في العشر الأواخر من رمضان واستحباب إحياء لياليه بالعبادات، وأما قول أصحابنا يكره قيام الليل كله فمعناه الدوام عليه ولم يقولوا بكراهة ليلة وليلتين والعشر، ولهذا اتفقوا على استحباب إحياء ليلتى العيدين وغير ذلك اه (وفي أحاديث الباب أيضا) الحرص على مداومة القيام في العشر الأخير والحث على تجويد الخاتمة نسأل الله أن يختم لنا بخير آمين
(320)
عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسن بن موسى
_________
(*) اختلف في المراد بالقدر الذى اضيفت إليه الليلة، فقيل المراد به التعظيم كقوله تعالى وما قدر الله حق قدره، والمعنى أنها ذات قدر لنزول قدر لنزول القرآن فيها أو لما يقع فيها من تنزل الملائكة أو لما ينزل فيها من البركة والرحمة والمغفرة، أو أن الذى يحييها يصير ذا قدر " وقيل القدر هنا التضييق كقوله تعالى ومن قدر عليه رزقه، ومعنى التضييق فيها اخفائها عن العلم بعينها أو لأن الأرض يضيق فيها عن الملائكة (وقيل) القدر هنا بمعنى القدر بفتح الدال الذى هو مؤاخى القضاء، والمعنى أنه يقدر فيها أحكام تلك السنة كقوله تعالى"فيها يفرق كل أمر (*
-[فضل ليلة القدر وما يقول من وافقها]-
رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه (وعنه من طريق ثان بمثله وفيه) فغنه يُغفر له ما تقدم من ذنبه (بَدل قوله في الطريق الأولى غُفر له)
(321)
عن عائشة رضى الله عنها قالت يا نبى الله إن وافقت ليلة القدر ما أقول؟ قال تقولين اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني
قال ثنا شيبان عن يحيى قال أخبرنى أبو سلمة أن أبا هريرة أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قام رمضان - الحديث" (غريبة)(1) تقدم شرح هذا الحديث في باب فضل صيام رمضان وقيامه رقم 15 صحيفه 219 من الجزء التاسع، وقيام ليلة القدر يكون بقيام كل الليل أو أكثره في الطاعات من ذكر الله عز وجل واستغفاره والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم وتسبيحه جل ذكره وغير ذلك من أنواع الطاعات نسأل الله التوفيق (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان قال ثنا همام قال ثنا يحيى بن أبى كثير قال ثنا أبو سلمة عن أبى هريرة بمثله (3) يعنى من الموضوعين، عقب قيام رمضان، وقيام ليلة القدر، وفي آخر الحديث. قال عفان وثنا أبان بهذا الأستاذ مثله (تخريجه) أخرج الشق الأول منه المختص بقيام رمضان (ق. والأربعة) وأخرج الشق الثانى المختص بقيام ليلة القدر (خ. د. نس. مذ)
(321)
عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله أبى ثنا محمد بن جعفر ثنا كهمس قال حدثنى ابن بريدة قال قالت عائشة يا نبى الله لحديث (تخريجه)(نس. جه. مذ) وقال الترمذى رحمه الله هذا حديث حسن صحيح، وحدثنا الباب يدلان على مشروعية قيام رمضان بنحو صلاة التراويح. وتقدم الكلام على ذلك في أول الجزء الخامس، وعلى مشروعية قيام ليلة القدر والاشتغال فيها بأنواع الطاعات كصلاة ودعاء واستغفار وتلاوة قرآن
_________
(*) حكيم" وبه صَّدر النووي كلامه، فقال العلماء سميت ليلة القدر لما تكتب فيها الملائكة من لأقدار لقوله تعالى (فيها يفرق كل أمر حكيم) ورواه عبد الرازق وغيره من المفسرين بأسانيد صحيحه عن مجاهد وعكرمة وقتادة وغيرهم، وقال التوربشتى إنما جاء القدر بسكون الدال، وإن كان الشائع في القدر الذي هو مؤاخى القضاء فتح الدال ليعلم أنه لم يرد به ذلك، وإنما أريد به تفصيل ما جرى به القصاء وإظهاره وتحديده في تلك السنة لتحصيل ما يلقى إليهم فيها مقدار بمقدار أفاده الحافظ والله أعلم
-[اختصاص ليلة القدر بشهر رمضان وأنها باقية إلى يوم القيامة]-
(الفصل الثاني فيما جاء أنها في العشر أو السبع الأواخر من رمضان)
(322)
عن أبى ذر رضي الله عنه قال قُلت يا رسول الله أخبرنى عَن ليلة القدر أفي رمضان هي أو في غيره؟ قال هي في رمضان، قال قُلت تكون مع الأنبياء ما كانوا فإذا قُبضوا رُفعت أم هي إلى يوم القيامة؟ قَال بل هي إلى يوم القيامة. قَال قُلت في أي رمضان هي؟ قَال التمسوها في العشر الأول، أو العشر الأواخر، ثُم حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحَدث ثم
ويستحب فيها الاكثار من دعاء عائشة المذكور في الباب وهو " اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنى"(قال الأمام الشافعى) رحمه الله أستحب أن يكون اجتهاده في يومها كاجتهاده في ليلتها هذا نصه، ويستحب أن يكثر فيها من الدعوات بمهمات المسلمين فهذا شعار الصالحين، (وفي الحديث الأول) أن من قام ليالى رمضان خصوصا ليلة القدر قاصدا بذلك وجه الله تعالى معتقدا فضل هذه الليالى مصدقا بذلك قاصدًا بذلك وجه الله تعالى معتقدا فضل هذه الليالى مصدقا بذلك راغبا في الثواب غفر الله له ما تقدم من ذنبه وظاهره يتناول كل ذنب من الصغائر والكبائر وبه قطع ابن المنذر (وقال النووي) المعروف أنه يختص بالصغائر وبه قطع إمام الحرمين (وقال القاضى عياض) هو مذهب أهل السنة والله سبحانه وتعالى أعلم
(322)
عن أبى ذر (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى بن سعيد عن عكرمة بن عمار حدثنى أبو زميل سماك الحنفي حدثنى مالك بن مرثد بن عبد الله الزمانى حدثنى أبو مرثد، قال سألت أبا ذر قلت كنت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر؟ قال أنا كنت أسأل الناسِ عنها، قال قلت يا رسول الله أخبرنى عن ليلة القدر- الحديث" (غريبة) (1) فيه دلالة على أن ليلة القدر يختص وقوعها بشهر رمضان من بين سائر الشهور لا كما يروى عن ابن مسعود ومن تابعه من علماء أهل الكوفة من أنها توجد في جميع السنة وترتجى في جميع الشهور على السواء، وقد ترجم أبو داود في سننه على هذا، فقال (باب بيان أن ليلة القدر في كل رمضان) (2) أى مدة وجودهم أحياء (3) فيه دلالة على أنها تكون باقية ألى يوم القيامة في كل سنة بعد النبى صلى الله عليه وسلم لا كما زعمه بعض طوائف الشيعة من رفعها بالكلية على ما فهموه من حديث عبادة بن الصامت الآتى من قوله"فرفعت
-[طلب ليلة القدر في السبع الأواخر من رمضان]-
اهتبلتُ غفلته قُلت في أى العِشرين هي؟ قَال ابتغوها في العشر الأواخر، لا تسْألنى عن شئ بعدها، ثم حدث رَسول الله صلى الله عليه وسلم وحدث قم اهتبلت غفلته فقلت يا رسول الله أقسمت عليك بحقى عليك لما أخبرتني في أى العشر هي؟ قال فغضب على غضبًا لم يغضب مثله منذ صَحبته أو صاحبته كلمة نحوها، قال التمسوها في السبع الأواخر ،لا تسألنى عن شئ بعدها
(323)
عَن ابن عمر رَضى الله عنهما قَال كَان الناس يرون الرؤيا فيقصونها عَلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنى أو قال أسمع رؤياكم تواطأت على السبع الأواخر فمن كان منكم مُتحريها فليتحرها في السبع الأواخر
وعسى أن يكون خيرا لكم " لأن المراد رفع علم وقتها عينا (1) أى تحينت غفلته في الحديث واغتنمها من الهُبالة الغنيمة (2) أى بمالى عندك من المنزلة وقديم الصحبة. لأنه رضى الله عنه كان من السابقين الأولين في الإسلام، وكان ينبغى أن لا يسأل بعد أن أمره النبى صلى الله عليه وسلم بعدم السؤال مرة أخرى، ولكن طمعه في حلم النبي صلى الله عليه وسلم وحرصه على تعلم العلم ومعرفته ليلة القدر والتزود من أعمال البر حمله كل هذا على السؤال بعد النهي، ولقد استفدنا من حديثه ما لم نستفده من حديث غيره، فمن فوائد حصر ليلة القدر في رمضان في السبع الأواخر منه كل سنة وأنها باقية إلى يوم القيامة ، فرضى الله عنك يا أبا ذر وجزاك عنا أحسن الجزاء (3) الراوى يشك. وإنما غضب النبى صلى الله عليه وسلم لإلحاحه في السؤال بعد النهي، وقد علمت عذره رضى الله عنه (تخريجه)(نس. ك) وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلمو لم يخرجاه (قلت) وأقره الذهبى
(323)
عن ابن عمر (نده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا إسماعيل ثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر - الحديث (غريبه)(4) يعنى قيل لهم في المنام إنها في السبع الأواخر، ولفظه عند البخارى عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رجالا من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم اُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرى رؤياكم قد تواطأت الحديث (5) بالهمزة أى توافقت وزنا ومعنى (6) أى طالبها وقاصدها لأن التحرى القصد والاجتهاد في الطلب"فليتحرها في السبع الأواخر" يعني الأواخر
-[طلب ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان]-
(وعنه من طريق ثان) أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال التمسوا ليلة القدر في العشر الغوابر في التسع الغوابر
(324)
عن ابن عباس رضى الله عنهما أن نبى الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أقبل إليهم مُسرعا، قال حتى أُفزعنا من سُرعته، فلما انتهي إلينا ،قال جئت مُسرعًا أُخبركم بليلة القدر فأنسيتها بينى وبينكم ولكن التمسوها في العشر الأواخر من رمضان
من الشهر (1)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرازق ثنا معمر عن الزهرى عن سالم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث (2) قال الأزهرى الغابر يحتمل الوجهين، يعنى الماضي والباقي فانه من الأضداد، قال والمعروف الكثير أن الغابر الباقي (قلت) وهو المراد هنا، يعنى البواقى من الشهر من ليلة إحدى وعشرين لغاية الثلاثين إذا كان الشهر كاملا"وقوله في التسع الغوابر" أى من ليلة إحدى وعشرين أيضا لغاية تسع وعشرين إذا كان الشهر ناقصًا (تخريجه) أخرج الطريق الأولى منه (ق. لك. د) ولم أقف على من أخرج الطريق الثانية وسندها من رجال الصحيحين
(324)
عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبيدة حدثنى قابوس عن أبى ظبيان عن ابن عباس- الحديث" (غريبه) (3) في رواية للبخارى من حديث أبى سعيد"ثم أنسيتها أو نسيتها" قال الحافظ شك من الراوى هل أنساه غيره إياها أو نسيها من غير واسطة، قال ومنهم من ضبط نسيتها بضم أوله والتشديد فهو بمعنى أنسيتها، والمراد أنه أنسى علم تعيينها في تلك السن اهـ أما سبب النسيان فسيأتى في الفصل الرابع في حديث عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (خرجت وأنا أريد أن أخبركم بليلة القدر فتلاحى"أى تخاصم" رجلان فرفعت) أى من قلبى فنسيت تعيينها للاشتغال بالمتخاصمين"وقوله بينى وبينكم" أى في المدة التى بين خروجى ومجيئى بسبب المتخاصمين والله أعلم (4) في حديث عبادة (فالتمسوها في التاسعة أو السابعة أو الخامسة) هذا لفظ رواية الأمام أحمد، وله في أخرى من حديث عبادة أيضا"فاطلبوها في العشر الأواخر في تاسعة أو سابعة أو خامسة" يعنى تبقى كما صرح بذلك في حديث ابن عباس وسيأتى في الفصل الرابع أيضا (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الأمام أحمد وسنده جيد
-[فضل قيام العشر الأواخر من رمضان - وطلب ليلة القدر في الوتر منهن]-
(325)
"ز" عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: اطلبوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان فإن غلبتم فلا تغلبوا على السبع البواقي.
الفصل الثالث في أنها في العشر الأواخر في الوتر أو في آخر ليلة وذكر أماراتها
(326)
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليلة القدر في العشر البواقي من قامهن ابتغاء حسبتهن فإن الله تبارك وتعالى يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وهي ليلة وتر تسع أو سبع أو خامسة أو ثالثة أ، آخر ليلة، وقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
(325)"ز" عن علي رضي الله عنه (سنده) حدثنا عبد الله حدثني سويد ابن سعيد أخبرني عبد الحميد بن الحسن الهلالي عن أبي إسحاق عن هبيرة بن يريم عن علي رضي الله عنه الحدث (غريبة)(1) يعني فإن فاتكم ابتغاؤها من أول العشر لمانع فلا يفوتكم طلبها في السبع البواقي منه والله أعلم (تخريجه) لم أقف عليه لغير عبد الله بن الإمام أحمد وسنده لا بأس به.
(326)
عن عبادة بن الصامت (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حيوة بن شريح ثنا بقية حدثني بحير بن سعيد عن خالد بن معدان عن عبادة بن الصامت - الحديث (غريبة)(2) يعني العشر البواقي من رمضان "ابتغاء حسبتهن" يعني احتسابًا أي طلبًا للآخرة لا لرياء وسمعة (م) إن قيل المغفرة تستدعي سبق شيء من ذنب والمتأخرة من الذنوب لم يأت فكيف يغفر؟ فالجواب) أ، هذا كناية عن حفظ الله إياهم من الكبائر فلا يقع منهم كبيرة بعد ذلك، وقيل إن ذنوبهم تقع مغفورة والله أعلم (4) المراد بالتسع هنا الليالي الباقية بعد العشرين من الشهر أعني من العشر الأواخر وكذا قوله أو سبع، أو خامسة. أو ثالثة. وهذا على طريقة العرب في التاريخ إذا جاوز نصف الشهر يؤخرون بالباقي منه، وإذا لم يجاوز نصفه أرخوا بما مضى "فالتسع هنا" ليلة الحادي والعشرين باعتبار أن الشهر تسعة وعشرون يومًا لنه المحقق، ولا يتأتى نقصه عن ذلك "والسبع" ليلة ثلاث وعشرين "والخامسة" ليلة خمس وعشرين "والثالثة" ليلة سبع وعشرين "قوله أو آخر ليلة"
-[أمارات ليلة القدر وطلبها في الوتر من العشر الأواخر]-
إن أمارة ليلة القدر أنها صافية بلجة كأن فيها قمرًا ساطعًا ساكنة ساجية لا برد فيها ولا حر، ولا يحل لكوكب أن يرمي به فيها حتى تصبح وإن أمارتها أن الشمس صبيحتها تخرج مستوية ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر، ولا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ.
(327)
وعنه أيضًا قال أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر، فقال هي في شهر رمضان فالتمسوها في العشر الأواخر فإنها في وتر ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين أو سبع وعشرين أو آخر ليلة.
يرجح ما قلنا، لأن معناه آخر ليالي الوتر وهي ليلة تسع وعشرين (ومما يرجح ذلك أيضًا) ما جاء في حديثه الآتي مفسر لهذا بلفظ "فإنها في وتر ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين أو سبع وعشرين أو آخر ليلة من رمضان الحديث" ولا يرد على هذا كون الشهر ثلاثين يومًا في بعض الأحيان، فتكون التسع ليلة ثنتين وعشرين والسبع ليلة أربع وعشرين والخامسة ليلة ست وعشرين، وهكذا لأنها مقيدة بالوتر في هذا الحديث وغيره من الأحاديث الصحيحة سواء أكان الشهر تسعًا وعشرين أو ثلاثين، هذا ما ظهر لي والله أعلم.
(1)
أي مشرقة ومنه تبلج أي ظهر نوره (2) أي ساكنة أيضًا فهو تأكيد للأول يقال سجا الشيء من باب سمد سكن ودام، وقوله تعالى {والليل إذا سجى} أي دام وسكن ومنه البحر الساجي. أي الساكن (3) لعدم الحاجة إلى ذلك لأنه إنما ترمي الشياطين بالشهب عند إرادة استراق السمع وهم في هذه الليلة لا يجرءون على ذلك لكثرة الملائكة في جميع بقاع الأرض والسماء (4)"أي" مستديرة لا يشوب دائرتها شعاع كالمعتاد، بل تكون كالقمر ليلة البدر (5) أي لأنه ورد في مسند الإمام أحمد وتقدم في أبواب الأوقات المنهي عن الصلاة فيها في غير موضع في الجزء الثاني وفي الصحيحين وغيرهما "أن الشمس تطلع بين قرني شيطان" ففي هذا اليوم لا يخرج معها الشيطان كعادته (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد، وأورده الهيثمي، وقال رواه أحمد ورجاله ثقات.
(327)
وعنه أيضًا (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا زكريا بن عدي أنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن عمر بن عبد الرحمن عن عبادة
-[التماس ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر]-
من رمضان من قامها احتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه (زاد في رواية وما تأخر)
(328)
عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول: التمسوها في العشر الأواخر لتسع بقين أو لسبع يبقين أو لخمسٍ أو لثلاثٍ أو آخر ليلة.
الفصل الرابع في أنها في الوتر من العشر الأواخر من رمضان
(329)
عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه قال ذكرت ليلة القدر عند أبي بكرة رضي الله عنه، فقال: ما أنا بملتمسها بعد ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في عشر الأواخر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول: التمسوها في العشر الأواخر في الوتر منه، قال: فكان أبو بكرة يصلي.
ابن الصامت قال أخبرنا - الحديث (غريبة)(1) تقدم الكلام عليه في الذي قبله (تخريجه)(طب) قال الهيثمي، وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل وفيه كلام وقد وثق.
(328)
عن أبي بكرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا عيينة عن أبيه عن أبي بكرة - الحديث (غريبة)(2) هذا يؤيد ما قلنا في شرح حديث عبادة السابق (من أن المراد بالتسع هو الليالي الباقية بعد العشرين، أي من العشر الأواخر، وكذا يقال في سبع وخمس ألخ) لقوله هنا لتسع يبقين أو لسبع يبقين ألخ وتقدم الكلام هناك بما يغني عن الشرح هنا والله الموفق (تخرجيه) أخرجه الترمذي بأطول من هذا عن عيينة بن عبد الرحمن أيضًا، قال حدثني أبي قال ذكرت ليلة القدر عند أبي بكرة، فقال ما أنا بملتمسها لشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا في العشر الأواخر، فاني سمعته يقول التمسوها في تسع يبقين أو سبع يبقين أو خمس يبقين أو ثلاث يبقين أواخر ليلة، قال: وكان أبو بكرة يصلي في العشرين من رمضان كصلاته في سائر السنة فإذا دخل العشر اجتهد، قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، وسيأتي نحوه للإمام أحمد في الفصل الآتي.
(329)
عن عيينة بن عبد الرحمن (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا
-[الاجتهاد في العشر الأواخر- وطلب ليلة القدر فى الوتر منها]-
في العشرين من رمضان كصلاته فى سائر السنة، فإذا دخل العشرُ أجتهدا
(330)
ز) عن جابر بن سمرُة رضى الله عنهُ قال قال رسُول الله صلُّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم التمسوُا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان فى وتر فإنى أيتُها فنُسيتها وهي ليلةُ مطرٍ وربحٍ أو قال قطرٍ وربحٍ
(331)
عن عُبادة بن الصامت رضى الله عنهُ قال خرج علينا رسُول الله صلى الله عليه وسلم وهُو يُريدُ أن أخبركُم بليلة القدر فتلاحى
يزيد بن هارون أنا عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه- الحديث) (غربيه)(1) إنما كان ذلك أبو بكرة رضى الله عنه لاعتقاده أنها فى العشر الأواخر كما سمع من النبى صلى الله عليه وسلم (تخريجه)(مذ) وقال حديث حسن صحيح، والحاكم وقال هذا حديث صحيح الأسناد ولم يخرجاه (قلت) وأره الذهبى
(330)
(ز) عن جابر بن سمرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى محمد ابن غالب ثنا عبد الرحمن بن شريك حدثنى أبى عن سمك عن جابر بن سمرة- الحديث) (غربيه)(2)(القطر بسكون الطاء هو المطر وأو للشك من الروى (تخريجه)(بز. طب.) وهذا الحديث من زوائد عبد الله بن الأمام أحمد على مسند أبيه، ورواه العشر الأواخر من رمضان فى تر فانى قدر أيتها ثم نصيتها وهى ليلة قطر وربح أو قال مطر وريح، ثم قال الهيثمى رواه البزار والطبرانى فى الكبير وزاد ورعد، ورجال أحمد الصحيح
(331)
عن عبادة بن الصامت (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد ابن أبى عدى عن حميد عن أنس عن عبادة بن الصامت- الحديث) (غريبه)(3) أى بتعيين ليلة القدر هو قوله فتلاحى رجلان) أى تخاصما وتنازعا، وفى رواية لمسلم والأمام أحمد وستأتى من حديث أبي سعيد (فجاء رجلان يحتقان معهما الشيطان فنسيتها) يحتقان بالقاف، ومعناه يطلب كل واحد منهما حقه ويدعى أنه المحق، وفيه أن المخاصمة والمنازعة مذمومة وأنها سبب للعقوبة المعنوية، وفى رواية للبخارى من حديث عبادة (فتلاحى فلان وفلان) قال الحافظ
-[طلب ليلة القدر فى الوتر الأواخر]-
رجُلان فرفعت وعسى ان يكون خيرا لكم فالتمسوها فى التاسعة أو السَّبعة أو الخامسة (وفى لفظٍ فاطلُبُوها فى العشر الأواخر فى التاسعةٍ أو سابعة أو خامسةٍ
(332)
عن عُمر ين الخطَّب رضى الله عنهُ قال إن رسُول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال فى ليلة القدر ما قد علمتُم فالتمسُوها
قيل هما عبد الله بن أبى حدود وكعب بن مالك، ذكره بن دحية ولم يذكر له مستندا (1) أى من قلبى فنسيت تعيينها للاشتغال بالمتخاصمين، وقيل معناه رفعت بركبتها فى تلك السنة، وقيل التاء فى رفعت للملائكة لا للَّليلة. قال الحافظ (وقال الطبيى) قال بعضهم رفعت أى معرفتها والحامل له على ذلك أن رفعها مسبوق بوقوعها، فإذا وقعت لم يكن لرفعها معنى، قال ويمكن أن يقال المراد برفعها انها شرعت أن تقع أن تقع فلما تخاصما لافعت بعد، فنزَّ الشروع منزلة الوقوع اهـ قال الحافظ وإذا تقرر أن الذى ارتفع علم تعيينها تلك السنة فهل اُعلم النبى صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بتعيينها؟ فيه احتمال. ثم نقل الحافظ عن ابن عيينة أنه اُعلم، قال وروى محمد بن نصر من طريق واهب المغافرى أنه سأل زينب بنت أم سلمة هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم ليلة القدر؟ فقالت لا. لو علمها لما أقام الناس غيرها اهـ قال الحافظ وهذا قالته احتمالا وليس بلازم، لاحتمال أن يكون التعبد وقع بذلك أيضا فيحصل الاجتهاد فى جميع العشر اهـ (2) وجه خيرية إخفاءها يستدعى قيام كل الشهر أو العشر الأواخر على الأقل. بخلاف ما لو بقيت معرفة تعيينها (3) قال الحافظ يحتمل أن يريد بالتاسعة تاسع ليلة من العشر الأخير فتكون ليلة تسع وعشرين ويحتمل أن يريد بها تاسع ليلة تبقى من الشهر فتكون ليلة إحدى أو أثنين (يعنى وعشرين) بحسب تمام الشهر ونقصانه، قال ويرجح الأول قوله (يعنى البخارى) فى رواية إسماعيل بن جعفر عن حميد بلفظ (التمسوها فى التسع والسبع والخمس أى فى تسع وعشرين وسبع وعشرين وخمس وعشرين اهـ (4) أى فى تاسعة تبقى أو سابعة تبقى أو خامسة تبقى كما جاء ذلك صريحا فى حديث ابن عباس الآتى بعد حديث وسيأتى الكلام عليه هناك (تخريجه)(خ. هق. وأبو داود الطيالسى)
(332)
عن عمر بن الخطاب (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا عبد الواحد بن زياد قال ثنا عاصم بن كليب قال قال أبى ابن عباس رضى الله عنهما قال وما أعجبك من ذلك كان عمر رضى الله عنه إذا دعا الأشياخ من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم دعاني معهم، فقال لا تتكلم حتى يتكلموا، قال فدعانا ذات يوم أو ذات ليلة، فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث) (غريبه)(5) يعنى قوله صلى الله عليه وسلم فالتمسوها الخ يخاطب عمر
-[استشارة عمر الصحابة فى فى أى الوتر من العشر تكون ليلة القدر]-
في العشر الأواخر وترا، ففى أى الوتر ترونها
(333)
عن ابن عباس رضى الله عنهما قال قال رسُول الله عليه وسلم التمسُوها فى العشر الأخر فى تاسعةٍ تبقى أو سابعةٍ تبقى
جمعا من مشايخ الصحابة رضى الله عنهم (1) فيه استحباب الاستعانة بالغير فى فهم المسائل المهمة وعدم الاستقلال بالرأى (تخريجه) أورده الهيثمى عن عمر بلفظ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم التمسوها فى العشر الأواخر وترا. ثم رواه أبو يعلى والبار، ورجال أبو يعلى ثقات اهـ (قلت) وروى الحاكم نحو حديث الباب مطولا من طريق عبد الله بن إدريس ثنا عاصم ابن كليب الجرمى عن أبيه عن ابن عباس، قال كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يدعونى مع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ويقول لى لا تتكلموا، قال فدعاهم وسألهم عن ليلة القدر، قال أرأيتم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم التمسوها فى العشر الأواخر أى ليلة ترونها؟ فقال بعضهم ليلة إحدى، وقال بعضهم ليلة ثلاث، وقال آخر خمس. وأنا ساكت، فقال مالك لا تتكلم، فقلت إن أذنت لى يا أمير المؤمنين تكلمت، قال فقال ما أرسلت إليك إلا لتتكلم، قال فقلت أحدثكم برأبى؟ قال عن ذلك نسألك، قال فقلت السبع، رأيت الله ذكر سبع سماوات ومن الأرضين سبعا، وخلق الإنسان من سبع، وبرز نبت الأرض من سبع؟ قال فقلت إن الله يقول شققنا الأرض شقا إلى قوله وفاكهة وأبّا، والأبّ نبت الأرض مما يأكله الدواب ولا يأكله الناس، قال فقال عمر أعجزتم أن تقولوا كما قال هذا الغلام الذى لم يجتمع شئون رأسه بعد، إنى والله ما أرى القول إلا كما قلت، قال وقال قد كنت أمرتك أن لا تتكلم حتى يتكلموا. وإنى آمرك أن تتكلم معهم، قال ابن إدريس فحدثنا عبد الملك عن سعيد بن جبير عن ابن عباس بمثله، قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (قلت) وأقره الذهبى وكذلك رواه البيهقى
(333)
عن ابن عباس رضى الله عنهما (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا إسماعيل بن إبراهيم أنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس- الحديث) (غريبه)(2) بدل من العشر (وتبقى) صفة للتاسة وهى الحادى والعشرون لاُن المحقق المقطوع بوجوده بعد العشرين من رمضان تسعة أيام لاحتمال أن يكون الشهر تسعة وعشرين يوما، وليوافق الأحاديث الدالة على أنها فى الأوتار (3) هكذا وقع فى المسند أو خامسة قبل
-[بيان ليلة القدر- وذكر شئ من صفة المسيح الدجال]-
(334)
وعن أنس بن مالك رضى الله عنهُ عن النبى صلى الله عليه وسلم مثلُه
(335)
عن أبى هُريرة رضى الله عنهُ قال قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم خرجتُ إليكم وقد بينت لى ليلة القدر ومسحُ الضلالة فكان تلاحٍ بين رجُلين بسُدَّة المسجد فأتيتهما لأحجز بينهُما فأنسيتها وسأشدو الكم شدوًا أما ليلةُ القدر فالتمسوها فى العشر الأواخر وترا، وأما مسيحُ الضّلالة فإنه أعور العين أجلى الجبهة عريض النحر فيه دفًا كأنهُ قطنُ بنُ عبد العُزَّى قال
أو سابعة، وفى رواية للبخارى وأبى داود ذكر السابعة قبل الخامسة وهو الموافق ثلثرتيب، والمراد بالخامسة ليلة خمس وعشرين، والمراد بالسابعة ليلة ثلاث وعشرين، قال العينى وإنما يصح معناه ويوافق ليلة القدر وترا من الليالى على ماذكر فى الحديث اذا كان الشهر ناقصا، فاما ان كان كاملا فانها لا تكون ال فى شفع فتكون التاسعة الباقية ليلة ثنتين وعشرين، والخامسة الباقية ليلة أربع وعشرين فلا تصادف واحدة منهن وترا، وهذا دال على الانتقال من وتر الى شفع، والنبى صلى الله عليه وسلم لم يأمر أمته بالتماسها فى شهر كامل دون ناقص. بل اطلق طلبها فى جميعه على ماقدر الله تعالى، على التمام مرة، وعلى النقص أخرى، فثبت انتقالها فى العشر الأواخر، وقيل انما خاطبهم بالنقص لأنه ليس لأنه ليس على تمام شهر على يقين اهـ (قلت) وهذا هو الذى ينشرح له صدرى ليتفق مع الوتر (تخريجه)(خ. د. هق)
(334)
وعن أنس بن مالك (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الوهاب قال سئل سعيد عن ليلة القدر فأخبرنا عن قتادة عن أنس أن نبى الله صلى الله عليه وسلم قال التمسوها فى العشر الأواخر فى تاسعة وسابة وخامسة (تخريجه) أخرجه أيضا البزار، قال الهيثمى ورجاله رجال الصحيح
(335)
عن أبى هرية (سندة) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد أنا المسعودى وأبو النضر قال حدثنا المسعودى المعنى عن عاصم بن كليب عن أبيه عن أبى هريرة- حديث) (غريبه)(1) يعنى المسيح الدجال، (والتلاحى) الخصومة (2)(السدة) بضم السين المهملة الظلة حديث واردى الحوض (هم الذى لا تفتح لهم السدد) أى الأبواب (3) يعنى أختصر لكم الكلام فى شأنهما (4) الأجلى الخفيف شعر مابين الزعتين من الصدغين والذى انحسر الشعر عن جببهته (5) الدفا مقصور، االانحناء، يقال رجل أدفى هكذا ذكره الجوهري في
-[تحقيق أن القائل يضرنى شبهه هو أكثم بن ابى الجو نفى حق عمرو بن لحي]-
يا رسُول الله يضرني شبهُهُ؟ قال لا، أنت امرؤ مُسلم وهو امرؤ كافر
(336)
عن أبى نضرة عن أبى سعيدٍ الخدريِّ رضى الله عنهُ قال اعتكف رسُول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط من رمضان وهُو يلتمس ليلة القدر قبل أن تبان له، فلمذَا تفضين أمر بينائه فنقض أمر بينائه فنقضُض ثم أبينت لهُ أنَّها في العشر
المعتل، وجاء به الهروى فى المهموز، يقال رجل أدفأ وأمرأة دفآه، وقوله (قطن) بفتح القاف والطاء المهملة (ابن عبد العزى) هكذا جاء فى هذه الرواية عند الأمام أحمد، ولكنه جاء فى الصحيحين (ابن قطن) وعند ابن ماجه والبزار والطبرانى بل والأمام أحمد وسيأتى من حديث ابن عباس فى باب الدجال من كتاب الفتن بلفظ (عبد العزى بن قطن) واعتمده الحافظ، فقال المحفوظ أنه عبدى بن قطن، وآنه هلك فى الجاهيلة كما قال الزهرى (1) هذه الجملة من قله قاله يا رسول الله إلى آخر الحديث لم توجد فى هذا الحديث عند غير الأمام أحمد فهى زائدة، قال الحافظ وهذه الزيادة ضعيفه، فان فى سنده المسعودى وقد اختلط، والذى قال هل يضرنى شبهه هو أكثم بن أبى الجون، وانما قاله فى حق عمرو ابن لحيّ كما أخرجه أحمد والحاكم من طريق محمد بن عمرو عن أبى أسامة رفعة (وعرضت على النار فرأيت فيها عمرو بن فيها عمرو بن لحي الحديث- وفيه- وأشبه من رأيت به أكثم بن أبى الجون، فقال أكثم يا رسول الله أيضرنى شبهه؟ قال، انك مسلم وهو كافر)(قلت هذا الحديث سيأتى فى ترحمة عمرو بن لحي من كتاب أخبار العرب العرب فى زمن الجاهليه من قسم التاريخ) قال فأما الدجال فيشبه بعبد العزى بن قطن وشبه عينه الممسوحة بعين أبى يحيى الأنصارى اهـ (قلت) تشبيه عينه بعين أبى تحي الأنصارى، تقدم فى أبوب صلاة الخسوف والله أعلم (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ والسياق لغير الأمام أحمد، وهو موجود فى الصحيحين وغيرهما بغير هذا السياق وبدون الزيادة التى تقدم الكلام عليها، وأوردنحوه الهيثمى بدون الزيادة، وقال رواه الطبرنى فى الكبير ورجاله رجال الصحيح
(336)
(عن أبى نضرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا إسماعيل ابن ابرهيم عن سعيد الجريرى عن أبى نظرة عن أبى سعيد- الحديث) (غربيه)(2) أى فلما انقضت الأيام العشر الوسطى (أمر ببنائه فنقض) والمراد بالبناء هنا الخباء الذى كان يعتكف فيه من أى نوع كان، ونقضه ازلته (3) أى أعلمه الله بأنها فى العشر الأواخر
-[إظهار ليلة القدر للنبى صلى الله عليه وسلم ثم نسيانه تعيينها]-
الأواخر، فأمر بالبناء فأعيد، ثُمَّ اًعتكف العشر الأواخر، ثُمَّ خرج على الُنَّاس فقال يا أيُّها النَّاسُ إنَّها أُبينت لى ليلةُ القدر فخرجتُ لأُخبركُم فجاء رجُلان يحتقَّان معهُما الشَّيطانُ فنُسِّيتُها، فالتمسُوها فى التَّاسعة والسَّابعة والخامسة فقُلتُ يا أبا سعيد إنكُم أعلم بالمدد منَّا، قال إنَّا أحقُّ بذاك منكُم فما التَّاسعةُ والسَّابعةُ والخامسةُ؟ قال تدعُ الَّتى تدعُون إحدي وعشرين والَّى تليها التَّاسعةُ وتدعُ الُّتى تدعُون ثلاثةَّ وعشرين والَّتى تليها السَّابعة ُ، وتدعُ
(1) أي يختصمان ويطلب كل واحد منهما حقه من الآخر ويدَّعى أنه المحق (معهما الشيطان) يحرضهما على الشر (فنسيتها) بضم النون وكسر السين المهلة مشددة أى فأنسانى الله اياها
(2)
القائل هو أبو النضر الراوى عن أبى سعيد (3) لفظ مسلم قال أجل (أى نعم) نحن أحق بذلك منكم، وإنما قال ذلك أبو سعيد رضى الله عنه لانه من أصحاب النبى صلى الله عليه وأقرب إليه وأعرف بكلامه منه، وأبو النضر تابعى (وقوله فما التاسعه والسابعة والخامسة) هذه الجملة مقول أبى النضر يستفهم من أبى سعيد، ولفظ مسلم (قال قلت ما التاسعة والسابعة والخامسة؟)(4) يعنى ليلة ثنتين وعشرين، ولفظ مسلم (قال إذا مضت واحدة وعشرون فالتى تليها ثنتين وعشرين وهى التاسعة) وقولة ثنتين وعشرين. هكذا وقع فى رواية مسلم بالياء التحتية وصوَّبه النووى قال وهو منصوب بفعل محذوف تقديره أعنى ثنتين وعشرين. وهى تاسعة بالنظر إلى ما بقى من الشهر على أنه ثلاثون يوما، وكذا يقال فى قوله والتى تليها السابعة، أى بالنظر إلى ما بقى من الشهر على أنه ثلاثون يوما ويقال ذلك أيضا فى قوله والتى تليها الخامسة، وهذا لا ينافى قوله فى الحديث الآتى (ابتغوها فى العشر الأواخر فى الوتر منها) لأن الغرض مما هنا انما هو بيان معنى التاسعة والسابعة والخامسة فأنها تطلق على ثنتين وعشرين وأربع وعشرين وست وعشرين باعتبار كون الشهر ثلاثين يوما، وليس المراد بيان كون ليلة القدر قيها لانه يصير مخالفا لما صح من أنها الأوتار فى حديثه الآتى وأحاديث غيره من الصحابة، وعليه فيكون معنى قوله فالتمسوها فى التاسعه والسابعة والخامسة أى فى الليلة التى تبقى التاسة بعدها، وهى ليلة احدى وعشرين وفى الليلة التى تبقى السابعة بعدها، وهى ليلة ثلاث وعشرين، وفى الليلة التى تبقى الخامسة بعدها وهى ليلة خمس وعشرين،
-[حجة القائلين بأنها ليلة احدى وعشرين من رمضان]-
الَّتي تدعون خمسة وعشرين والَّتى تليها الخامسة
(الفصل الخامس فيما ورد أنها ليلة إحدى وعشرين من رمضان)
(337)
عن أبى سلمة بن عبد الرحمن قال تذاكرنا ليلة القدر، فقال بعض القوم إنَّها تدُور من السَّنة فمشينا إلى أبى سعيد الخُدرىِّ رضى الله عنهُ قُلتُ يا أبا سعيد سمعت رسُول الله صلى الله عليه وسلم العشر الوسُط من رمضان واعتكفنا معهُ، فلمَّا أصبحنا صبيحة عشرين رجع ورجعنا معهُ وأرى ليلة القدر ثُمَّ أنسيها فقال
ويحتمل بقاؤه على ظاهره ويكون الغرض منه ومن حديثه الاتى المصرح بأنها فى الوتر من العشر الأواخر الحث على الاجتهاد فى كل ليلة من الليالى العشر الأواخر وترها وشفعها ليتحقق ادراك الفضيلة والله أعلم (تخريجه)(م. هق) وأخرجه أيضا ابو داود مختصرا، وفى آخره قال أبو داود لا أدرى أخفى علىَّ منه شئ أم لا اهـ ومعناه أنه يشك هل خفى عليه شئ من ألفاظ هذا الحديث أم لا؟ وإنما شك فيه أبو داود رحمه الله لمَّا رأى ظاهره مخالفا لما صح من أن ليلة صح من أن ليلة القدر فى الآوتار كما فى حديث أبى سعيد أيضا الآتى لاسيما والخرج واحد. ففهم أنه إمّا أن يكون خفى عليه من الحديث شئ يصح به معناه ويتفق مع حديث أبى سعيد الآتى، أو لم يخف عليه منه شئ وتكون المخالفة فيه من بعض الرواة، وقد علمت المراد منه والله آعلم
(337)
عن أبى سلمة بن عبد الرحمن (سنده) حدثنا عبد حدثنى أبى ثنا يحي ثنا محمد بن عمرو وقال حدثنى أبو سلمة بن عبد الرحمن- الحديث (غربيه)
(1)
يعنى فى جميع أشهر السنة (2) بضم الواو والسين جمع وسطى، ويروى بفتح السين مثل كبر وكبرى، وفى رواية للأمام أحمد والبخارى فى باب السجود على الأنف فى الطين قال (اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأول من رمضان واعتكفنا معه فأتاه جبريل فقال إن الذى تطلب أمامك فأعتكف العشر الأوسط فأعتكفنا معه فاتاه حبريل فقال إن الذى تطلب أمامك الحديث (3) رواية البخارى فخرج صبيحة عشرين فخطبنا، وقال أبى أريت ليلة القدر ثم لأنسيتها أو نسيتها فالتمسوها فى العشر الأواخر فى الوتر، وإنى رأيت أنى أسجد فى ماء وطين، فمن كان اعتكف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فليرجع فرجنا- الحديث) وهذه الرواية أوضح من
-[ما كان عليه مسجد النبى صلى الله عليه وسلم فى حياثه- وطلب ليلة القدر فى العشر الأواخر]-
إنِّي رأيت ليلة القدر ثُمَّ أنسيتها فأرانى أسجُدُ فى ماءٍ وطينٍ، فمن اعتكف معى فليرجع إلى معُتكفه، ابتغُوها فى العشر الأواخر فى الوتر منها، وهاجت علينا السَّماء آخر تلك العشيَّة وكان سقف المسجد عريشًا من جريدٍ فوكف، قوا الذّى هُو أكرامهُ وأنزل عليه الكتاب لرأيتُهُ يُصلى بنا صلاة المغرب ليلة إحدى وعشرين وإن جبهتهُ وأرنبة أنفه فى الماء والطين
رواية الإمام أحمد (وقوله وأرى ليلة القدر) بضم الهمزة وكسر الراء البناء لغير معين وهى من الرؤيا، أى اُعلم بها أو من الؤية، أى أبصرها وهى رؤيا منامية، وإنما أرى علامتها وهو السجود فى الماء والطين كما صرح بذلك فى قوله (فأرانى أسجد فى ماء وطين) والمعنى أنه رآى النوم من يقول له ليلة القدر كذا وعلامتها كذا، وليس معناه أنه رآى ليلة القدر نفسها (1) أى أمطرت السماء (آخر تلك العشية) يعنى عشية ليلة احدى وعشري (2) يعنى مظللا بالجريدو والخوص ولم يكن محكم البناء بحيث يمنع المطر الكثير (وقوله فوكف) أى سال ماء المطر من سقف المسجد (3) هكذا بالأصل (صلاة المغرب) والظاهر أنه خطأ، والصواب صلاة الصبح كما فى جميع الروايات فى الصحيحين وغيرهما (ففى صحيح مسلم) فوكف المسجد امصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر اليه وقد انصرف من صلاة الصبح ووجهه مبتل طينآ وماء (وفى البخارى) فوكف المسجد فى مصلى النبى صلى الله عليه وسلم ليلة إحدى وعشرين فبصرت عينى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونظرت اليه انصرف من الصبح ووجهه ممتلئ طينا وماء (وعند غيرهما) كذلك، وهذه الروايات هى التى تنفق مع سياق الحديث لأنه يقول فيه وهاجت السماء آخر تلك العشية، ومعنى العشية لغة من المغرب إلى ربع الليل، وقيل إلى العتمة، وآخر العشية بعد العشاء الآخرة قطعا، وعلى كل حال فالمطر لم يقع إلا بعدها، فثبت ذلك أن الصلاة التى صلاها النبى صلى الله عليه وسلم وابتل فيها وجهه بالماء والطين هى صلاة الصبح صبيحة ليلة إحدى وعشرين كما صرح بذلك فى رواية أبى داود ففيها، قال أبو سعيد فأبصرت عيناى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صبيحة إحدى وعشرين، ويستفاد ذلك من رواية البخارى أيضا والله أعلم (4) هى طرف الأنف (تخريجه) أخرجه البخارى ومسلم والأمام مالك وأبو داود والنسائي
-[حجة القائلين بأنها ليلة ثلاث وعشرين]-
(الفصل السادس فيما ورد أنها ليلة ثلاث وعشرين
(338)
عن عبد الله بن أُنيس رضى الله عنهُ أنَّ النبى صلى الله عليه وسلم قال لهُم وسألُوهُ عن ليلة يتراءونها فى رمضان، قال ليلة ثلاث وعشرين
(339)
وعنهُ أيضًا أنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم قال رأَّيت ليلة القدر ثُمَّ أُنسيتُا وأرانى صبيحتها أسجُدُ فى ماءٍ وطينٍ فمُطرنا ليلة ثلاثٍ وعشرين فصلَّى بنا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فانصرف وإنَّ أثر الماء والطِّين على جبهته وأنفه
(338) عن عبد الله بن أنيس (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو سلمة الخزاعى قال ثنا عبد الله بن جعفر يعنى المخرمى عن يزيد بن الهاد عن أبى بكر بن حزم عن عبد الله بن أنيس- الحديث (غريبه)(1) أى يتحرون رؤيتها وقيامها بالعبادة يقصدون أنها تكون ليلة القدر (تخريجه) أخرج نحوه أبو داود وفيه قصة، وللأمام أحمد أيضا عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ليلة القدر فقال هى فى العشر الأواخر، قم فى الثالثة أو الخامسة (يعنى بعد العشرين) قال الهيثمى رجاله ثقات
(339)
وعنه أيضا (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى قال ثنا أنس بن عياض أبو ضمرة قال حدثنى الضحاك بن عثمان عن أبى النضر مولى عمر بن عبيد الله عن بسر بن سعيد عن عبد الله بن أنيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث (غريبه)(2) أى فى المنام (ثم أنسيتها) أى نسى تعيين الليلة التى فيها (3) يعنى ورأى فى النوم أيضا أنه يسجد صبيحتها فى ماء وطين (4) يعنى صلاة الصبح صبيحة ثلاث وعشرين (فانصرف) من الصلاة (وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه) تصديقا لما رأى فى النوم (فان قيل) هذه القصة نفسها جاءت فى حديث أبى سعيد وكان ذلك ليلة احدى وعشرين (فالجواب) يحتمل أن ذلك كان فى سنة أخرى والله أعلم، وقد احتج بهذا الحديث القائلون بان ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين، واحتج به أيضا القائلون بان ليلة القدر تنتقل فى العشر الأواخر من رمضان (تخريجه)(م) وزاد (كان عبد الله بن أنيس يقول ثلاث وعشرين) هكذا هو فى معظم النسخ عند مسلم (ثلاث وعشرين) بالجر على حذف مضاف أى ليلة ثلاث وعشرين، وجوَّزه النووي على لغة شاذة
-[حجة القائلين بأنها ليلة ثلاث وعشرين وعلامة ذلك]-
(340)
وعنهُ رضي الله عنه، قال جلسنا مع رسُول الله صلى الله عليه وسلم فى آخر هذا الشهر (يعنى رمضان) فقُلنا لهُ يا رسُول الله متى نلتمسُ هذه اللَّيلة اُلمباركة؟ قال التمسُوها هذه الُّليلة، وقال وذلك مساء ليلة ثلاثٍ وعشرين، فقال لهُ رجُل من القوم وهي إذا يا رسُول الله أوَّلُ ثمانٍ، فقال رسُول الله صلى الله عليه وسلم إنها ليست بأول ثمان ولكنَّها أوَّلُ السَّبع، إن الشَّهر لا يتم
(341)
عن أبى إسحاق أنهُ سمع أبا حذيفه عن رجُلٍ من أصحاب النَّبى صلى الله عليه وسلم، قال نظرتُ ألى القمر صبيحه ليلة القدر فرأيتُهُ كأنهُ فلق جفنةٍ وقال أبُو إسحاق إنَّما يكونُ القمرُ كذاك صبيحة ليلةٍ القدر، فرأيتُهُ كأنهُ فلقُ جفنهٍ، وقال أبُو إسحاق إنَّما يكون ليلة ثلاثٍ وعشرين
(340) وعنه رضي الله عنه (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى قال ثنا يعقوب قال حدثنى أبى عن أبى إسحاق قال حدثنى معاذ بن عبد الله بن خبيب الجهنى عن أخيه عبد الله بن عبد الله بن خبيب قال كان رجل فى زمان عمر بن الخطاب رضى الله عنه قد سأله فأعطاه، قال جلس معنا عبد الله بن أنيس صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مجلسه فى مجلس جهيته قال فى رمضان، قال فقلنا له يا أبا يحيى سمعت من رسول الله عليه وسلم فى هذه الليلة المباركة من شئ؟ قال نعم. جلسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث) (غريبه)(1) يعنى أول ثمان ليال تبقى من الشهر فيكون الشهر كاملا (2) يعنى ناقصا فى هذا العام (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وفى اسناده رجل لم يسم
(341)
عن أبى اسحاق (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد ابن جعفر ثنا شعبة عن أبى اسحاق- الحديث) (غريبه)(3) فلق بكسر الفاء وسكون اللام وهو النصف، والجفنة بفتح الجيم اناء كبير كالقصعة أو هو القصعة نفسها، والمعنى أن القمر صبيحة ليلة القدر يكون عند طلوعه كنصف القصعة إذا شقت نصفين، ولا يكون كذلك ال فى ليلة ثلاث وعشرين والله أعلم (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وسنده جيد، وله شاهد عند الأمام أحمد أيضا من حديث علىٍ الآتى بعده، وعند مسلم من حديث
-[حجة القائلين بأنها ليلة ثلاث وعشرين وعلامة ذلك]-
(342)
(ز) عن علي رضى الله عنهُ قال قال النَّبى َّ صلى الله عليه وسلم خرجتُ حين بزغ القمرُ كأنه فلقُ جفنةٍ، فقال اللَّيلةُ ليلة القدر
(343)
عن عكرمة قال قال ابنُ عبَّاس رضى الله عنهُما أتيتُ وأنا نائم فى رمضان فقيل لى إن الليلة ليلة القدّر، قال ناعس فتعلقت ببعض أطناب فسطاط رسُول الله صلى الله عليه وسلم فأتيتُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هُو يُصلّي، فنظرتُ فى تلك اللَّيلة فإذا هى ليلةُ ثلاثٍ وعشرين
(344)
عن أبى هُريرة رضى الله عنهُ قال قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم كم
أبي هريرة قال تذاكرنا ليلة القدر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أيكم يذكر حين طلع القمر وهو هريرة قال تذكرنا ليلة القدر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أيكم يذكر حين طلع القمر وهو مثل شق جفنة) قلت يشير إلى آن ليلة القدر إنما تكون فى أواخر الشهر لأن القمر لا يكون كذلك عند طلوعه الا فى أواخر الشهر والله أعلم
(342)
(ز) عن على رضى الله عنه (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى محمد بن سليمان لوين ثنا خديج عن أبى اسحاق عن أبى حذيفة عن على رضى الله عنه- الحديث) (غريبه)(1) أى حين طلع القمر من جهة المشرق (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه عبد الله بن أحمد من زياداته وأبو يعلى، وفيه خديج بن معاويه وثقه أحمد وغير موفيه كلام
(343)
عن عكرمة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا ابو الآحوص قال أنا سماك عن عكرمة- الحديث) (غريبه)(2) الأطناب جمع طنب مثل عنق واعناق وهو الحبل تشد به الخيمه (والفسطاس) بضم الفاء وكسرها الخيمة وله معان غير هذا ذكرت فى محلها (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد والطبرانى فى الكبير ورجال احمد رجال الصحيح (قلت) هذا الحديث يتضمن أن ابن عباس رضى الله عنهما رأى فى النوم أن ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين، فهى رؤيا يستأنس بها لما جاء أنها ليلة ثلاث وعشرين وتدل على قوة روحانية ابن عباس رضى الله عنهما حيث قد ورد ما يؤيد رؤياه والله أعلم
(344)
عن أبى هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو معاوية
-[ماورد في أنها ليلة أربع وعشرين]-
مضى من الشَّهر؟ قال قُلنا مضيت ثنتان وعشرُون وبقى ثمان، قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلَّم لا، بل مضيت منهُ ثنتان وعشروُن وبقى سبع، اطلُبُوها اللَّيلة، قل يملى فى حديثه الشَّهرث تسع وعشرُون
(الفصل السابع فيما ورد أنها ليلة أربع وعشرين)
(345)
عن بلال (بن رباح) رضى الله عنهُ أنَّ النَّبىَّ صلَّى الله عليهُ وعلى آله وصحبه وسلَّم قال ليلة القدر ليلة أربع وعشرين
(الفصل الثامن فيما ورد أنها ليلة سبع وعشرين وذكر أمارتها)
(346)
عن زرّض بن جُبيش عنّ أبى بن كعب رضى الله عنهُ قال تذاكر أصحابُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم ليلة القدر، فقال أبى أنا والذَّى لا إله غيرُهُ أعلمُ أيَّ ليلة هى، هي اليلةُ الَّتى أخبرنا بها رسُول الله صلى الله عليه وسلم ليلةُ سبعٍ وعشرين تمضى من رمضان وآية ذلك أنَّ الشَّمس تُصبحُ الغد من تلك الليلة ترقرقُ
ويعلى قال حدثنا الأعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة- الحديث) (غريبه)(1) يعنى ليلة ثلاث وعشرين (وقوله قال يعلى) هو ابن عبيد بن أمية أحد الرويين اللذين روى عنهما الأمام أحمد هذا الحديث، قال فيه الأمام أحمد صحيح الحديث، وقال البخارى مات سنة تسع ومائتين (تخريجه)(هق) وسنده جيد
(345)
عن بلال (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا موسى بن داود ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب عن أبى الخير عن الصنابحى عن بلال الحديث (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد وإسناده حسن اهـ (قلت) لكن قال الحافظ قد أخطأ ابن لهية فى رفعه فقد رواه عمرو بن الحارث عن يزيد (سند الأمام أحمد) موقوفا بغير لفظه (يعنى فى صحيح البخارى فى أواخر كتاب المغازى) بلفظ ليلة القدر أول السبع من العشر الأواخر
(346)
عن زر بن حبيش (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا مصعب ابن تدور وتجئ وتذهب وهو كتابه عن ظهور حركتها عند طلوعها فانها يرى لها حركة
-[ما ورد أنها ليلة سبع وعشرين]-
ليس لها شعُاع، فزعم سلمةُ بنُ كهيلٍ أنِّ زرًا أخبرهُ أنَّهُ رصدها ثلاث سنين ومن أوَّل يوٍم يدخُل رمضانُ إلى آخره فرآها تطلُعُ صبيحة سبٍع وعشرين ترقرقُ ليس لها شُعاع (وفي روايٍة بيضاء ترقرقُ)
(347)
عن جُبير بن نُفير عن أبى ذر رضى اللهُ عنهُ قال قُمنا مع رسُول الله صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم ليلة ثلاٍث وعشرين فى شهر رمضان إلى ثلُث الليل الأول ثُمَّ قال لا أحسب ما تطلبُون إلَاّ وراءكم ثُمَّ قُمنا معه ليلة خمٍس وعشرين إلى نصف اللَّيل، ثُمَّ قال لا أحسب ما تطلبُون إلَاّ وراءكم، فقُمنا معهُ ليلة سبٍع وعشرين حتى أصبح وسكت
متخيلة بسبب قربها من الأفق وأنجزته المعترضة بينها وبين الأبصار بخلاف ما إذا علت وارتفعت (نه)(1) الشعاع بضم الشين، قال أهل اللغة هو ما يرى من ضوئها عند بروزها مثل الحبال والقضبان مقبلة إليك اذا نظرت اليها، قال القاضى عياض قيل معنى لا شعاع لها أنها علامة جعلها الله تعالى لها، قال وقيل بل لكثرة اختلاف الملائكة فى ليلتها ونزولها الى الأرض وصعودها بما تنزل به سترت بأجنحتها وأجسامها اللطيفة ضوء الشمس وشعاعها والله أعلم (2) يعنى الحضرمى أبو يحيى الكوفى. رأى ابن عمرو- روى عن جندب وأبى جحيفة وسويد بن غفلة، وعنه ابنه يحيى وشعبة وحماد بن سلمة، وثقه الأمام أحمد والعجلى، مات سنة احدى وعشرين ومائة عن أربع وسبعين سنة (تخريجه)(م. د. هق) بغير هذا السياق وسنده جيد
(347)
عن جبير بن نفير (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا زيد بن الحباب ثنا معاوية بن صالح حدثنى أبو الزاخرية عن جبير بن نفير- الحديث (غريبه)(3) ي أمامكم يعنى فى الليالى الآتية لان كلمة وراء مؤنثة تأتى بمعنى الأمام والخلف، والمراد هنا الأمام، وفى التنزيل "وكان وراءهم ملك" أى أمامهم (4) يستفاد من قيامه صلى الله عليه وسلم ليلة سبع وعشرين حتى أصبح. ومن سكوته وعدم ابتغاء ليلة بعدها أنها ليلة القدر والله أعلم (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام احمد وسنده جيد
-[حجة القائلين بأنها فى العام كله- وقسم ابى بن كعب أنها ليلة سبع وعشرين]-
(348)
حدثنا عبدُ الله حدَّثنى أبى ثنا يحيى بنُ سعيٍد عن سُفيان حدَّثنى عاصم عن رزّ، قال قُلتُ لأبى أخبرنى عن ليلة القدر فإنَّ ابن أمّ عبد كان يقُولُ من يقُم الحول يُصبها، قال يرحمُ اللهُ أبا عبد الرَّحمن، قد علم أنَّها فى رمضان فإنَّها لسبع وعشرين ولكنَّهُ عمَّى على الناس لكيلا يتَّكلوا، فوا الله الذي أنزل الكتاب على مُحمد صلى الله عليه وسلم إنَّها فى رمضان ليلة سبع وعشرين، قال قُلتُ يا أبا المُنذر وأنَّى علمتها؟ قال بالآية الَّتى أنبأنا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فعددنا وحفظنا فو الله إنَّها لهى ما يستثنى قُلتُ لزر ما الآيةُ؟ قال إنَّ الشمس غداة إذ كأنَّها طست ليس لها شُعاع (زاد في رواية حتَّى ترتفع)
(349)
"ز" عن يزيد بن أبى سُليمان، قال سمعتُ زرَّ بن حُبيش
(348) حدثنا عبد الله (غريبه)(1) سفيان هو ابن عيينة (وعاصم) هو ابن أبى النجود كما فى رواية مسلم (وزر) هو ابن حبيش "وأبىّ) هو ابن كعب الصحابي رضى الله عنه (2) هو عبد الله بن مسعود الصحابى المشهور رضى الله عنه (3) أى لأن السنة لا تخلو منها (4) أى اخفى أمرها على الناس لأنهم لو علموا أنها فى ليلة معينة لم يقوموا إلا تلك الليلة ويتركوا بقية العام فتفوت حكمة إخفائها (5) كنية أبى بن كعب، والقائل قلت هو زر بن حبيش، والمعنى أن زرا يقول لأبىّ من أين علمت أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين (6) بياء الغائب وهو من كلام زر بن حبيش يقول حلف أبى بن كعب أنها ليلة سبع وعشرين بدون استثناء فى يمينه بنحو إن شاء الله لتأكده من ذلك "والقائل قلت لزر" هو عاصم، يعنى ما الآية التى أخبرهم بها النبي صلى الله عليه وسلم "قال إن الشمس غداة إذ" يعنى صبيحة ليلة القدر تطلع بيضاء نقية خالية من الشعاع كالطحت، وهو اسم لاناء معروف معرَّب، لأن التاء والطاء لا يجتمعان فى كلمة عربية ذكره المصباح، وتقدم الكلام عليه فى شرح حديث عائشة رقم 316 صحيفة 260 فى باب جواز اعتكاف القماء، وتقدم تفسير الشعاع فى شرح الحديث الأول من هذا الفصل (تخريجه)(م. د. نس. هق) ورواه الترمذى مختصرا وقال حديث حسن صحيح
(349)
"ز" عن يزيد بن أبى سليمان (سنده) حدثنا عبد الله حدثني
-[تأكيد زر بن حبيش أنها ليلة سبع وعشرينن حتى همّ أن يؤذن فى الناس بذلك]-
يقول لولا سُفهاؤُكم لوضعتُ يدى فى أذُنى ثُم ناديتُ ألا إنَّ ليلة القدر في رمضان فى العشر الأواخر فى السَّبع الأواخر، قبلها ثلاث وبعدها ثلاث نبَّأ من لم يكذبني عن نبأ من لم يكذبهُ، قُلتُ لأبى يُوسُف يعنى أبىَّ كعب عن النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم، قال كذا هُو عندى
(350)
عن عبد الله بن مسعُود رضى اللهُ عنهُ أنَّ رجُلًا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال متى ليلةُ القدر، قيل من يذكرُ منكم ليلة الصَّهباوات، قال عبدُ الله أنا بأبى وأمَّي وإنَّ في يدى لتمرات أستحرُ بهنَّ (6) مُستترًا بمُؤخرة رحلي من الفجر وذلك حيت طلع القمرُ
أبو يوسف بن يعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زيد ثنا عبد الرحمن بن مهدى ثنا جابر بن يزيد بن رفاعة عن يزيد بن أبى سليمان- الحديث (غريبه)(1) يعنى لولا خوفى من ضرر يلحقنى من سفهائكم وهم الجهلاء الذين عندهم خفة فى العقل وطيش لوضعت يدى الخ (2) هذا اعتبار أن الشهر كامل، فان كان ناقصا فيكون قبلها ثلاث وبعدها ثنتان "قوله نبأ من لم يكذبنى" يعنى أبي بن كعب رضى الله عنه" عن نبأ من لم يكذبه" يعنى النبي صلى الله عليه وسلم (3) القائل قلت هو عبد الله بن الأمام أحمد، وأبو يوسف هو أحد رجال السند الذى روى عنه عبد الله هذا الحديث (4) يعنى أن زرا روى هذا الحديث عن أبى بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو حديث مرفوع (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وسند جيد
(350)
عن عبج الله بن مسعود (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عمرو بن الهيثم أبو قطن ثنا المسعودى عن سعيد بن عمرو عن أبى عبيدة عن عبد الله بن مسعود - الحديث" (غريبه) (5) هكذا بالأصل بلفظ الجمع، وكذلك عند البيهقى، وفى بعض نسخ البيهقى الصبهاء بالأفراد. وقد جاء كذلك أى بالأفراد في النهاية والقاموس، وهو اسم موضع قريب من خيبر، ولعل هذا الموضع يطلق عيه اسم الصبهاء والصبهاوات بالأفراد والجمع، والحكمة فى ذكر هذا الموضع تفهيم السائل أن ليلة القدر كانت ليلة نزولهم بهذا المكان (6) أى أتسحر بهن "وقوله من الفجر" أى من أول طلوعه قبل أن يظهر لجميع الناس، ويستفاد من قوله "حين طلع الفجر" تعيين تلك الليلة، وهى ليلة سبع وعشرين. لان القمر فى هذا الوقت الا ليلة سبع وعشرين والله أعلم (تخريجه)(هق. طب) وأورده الهيثمى وقال رواه أحمد
-[حجة القائلين بأنها ليلة سبع وعشرين وذكر علامتها]-
(351)
عن عبد الله بن عبَّاس رضى الله عنهُما أنَّ رجلًا أتى النبيَّ صلى لله عليه وسلم، فقال يانى الله إنىَّ شيخ عليل يشقُ علىَّ القيامُ فأمرنى بليلة لعلَّ الله يُوفقنى فيها ليلة القدر، قال عليك بالسَّابعة
(352)
عن أبى عقرب، قال غدوتُ إبن مسعُوٍد رضى الله عنه ذات غداة فى رمضان فوجدتهُ فوق بيته جالسا فسمعنا صوتهُ وهو يقُول صدق اللهُ وبلغ رسُولهُ، فقال إنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم، قال إنَّ ليلة القدر فى النصف من السَّبع الأواخر من رمضان تطلعُ الشَّمسُ غداة إذ صافية ليس لها شُعاع فنظرتُ إليها فوجدتُها كما قال رسُولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم
وأبو يعلى والطبرانى فى الكبير وزاد" وذلك ليلة سبع وعشرين" وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه
(351)
عن عبد الله بن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا معاذ بن هشام حدثنى أبى عن قتادة عن عكرمة عن عبد الله بن عباس- الحديث" (غريبه)(1) فعيل بمعني مفعول، والعلة المرض الشاغل، والجمع علل مثل سدرة وسدر، واعله الله فهو معاول، واعتل إذا مرض (2) كأن هذا الرجل بلغه أنها تكون فى العشر الأواخر من رمضان، ولكونه مريضا لا يمكنه قيام العشر طلب من النبي صلى الله عليه وسلم تعيين ليلة يقومها رجاء أن تكون ليلة القدر فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم الى السابعة يعنى والعشرين، وما ذلك الا لكونها أرجى ليلة تكون ليلة القدر والله أعلم (تخريجه)(هق) وأورده الهيثمى وقال رواه أحمد ورجال الصحيح
(352)
عن أبى عقرب (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو النضر ثنا أبو معاوية يعنى شيبان عن أبى اليعفور عن أبى الصلت عن أبى عقرب- الحديث" (غريبه)(3) أى ذهبت إليه ذات يوم مبكرا، والغدوة ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس هذا أصله وهو المراد هنا (4) يعنى قبلها ثلاث وبعدها ثلاث كما صرح بذلك فى حديث زر بن حبيش المتقدم. وتقدم الكلام عليه فى شرحه (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد وأبو يعلى، وأبو عقرب لم أجد من ترجمة، وبقية رجاله ثقات
-[حجة القائلين بأنها ليلة سبع وعشرين]-
(353)
"قر" حدثنا عبدُ الله، قال قرأتُ على أبى هذا الحديث وسمعتهُ سماعا قال حدثنا الأسودُ بنُ عامر حدَّثنا شُعبةُ، قال عبدُ الله بنُ دينار أخبرنى قال سمعتُ ابن عُمر يحدثُ عن النبىَّ صلى الله عليه وسلم فى ليلة القدر، قال من كان مُتحرِّيها فليتحرَّها فى ليلة سبع وعشرين، قال شُعبة وذكر لى رجُل ثقة عن سُفيان أنَّه كان يقُولُ إنها قال من كان مُتجرَّيها فليتحرها فى السَّبع البواقي، قال شُعبةُ فلا أدرى قال ذا او ذا شُعبةُ شكَّ، قال أبى الرَّجُلُ الثقةُ يحيي بن سعيد القطَّانُ
(353)"قر" حدثنا عبد الله (غريبه)(1) ذكرت فى مقدمة هذا الكتاب فى الجزء الأول منه أن كل حديث قرأه عبد الله بن الأمام أحمد على أبيه ولم يسمعه منه أرمز له بهذا الرمز "قر" وجريا على هذه القاعدة رمزت له لأنه من قراءة عبد الله على أبيه، ولكنه صرح فيه بالسماع أيضا فيكون قد جمع فى هذا الحديث بين القراءة والسماع (2) هذه الجملة وهى قوله "قال عبد الله بن دينار أخبرنى" هى مقول شعبة، والمعنى حدثنا شعبة قال أخبرنى عبد الله بن دينار قال سمعت ابن عمر الخ (3) الرجل الثقة هو يحيي بن سعيد القطان كما فسره بذلك الأمام أحمد فى آخر الحديث (4) يعنى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم (5) هذه الرواية تقدمت فى الفصل الثانى من هذا الباب رقم 323 صحيفة 268 بلفظ "الأواخر بدل "البواقى" ولا مانع من كونه قال هذا مرة وهذا أخرى، لأن كليهما صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وله شواهد وطرق تعضده وإن كانت رواية السبع أنبت لأنها فى الصحيحين والله أعلم "وقوله قال أبى الخ" القائل هو عبد الله بن الأمام أحمد (تخريجه) أورده الهيثمى باللفظ الأول "أعى ليلة سبع وعشرين" وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وأشار إلى اللفظ الثانى بقوله- لابن عمر حديث فى الصحيح غير هذا اهـ (قلت) ومما يؤيد اللفظ الأول ما تقدم فى حديث أبىّ فى هذا الفصل وجزم به وأقسم عليه أنها ليلة سبع وعشرين، وما رواه أبو داود عن معاوية بن أبى سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم فى ليلة القدر قال ليلة القدر ليلة سبع وعشرين، ولابن المنذر من كان متحريها فلينحرها ليلة سبع وعشرين وغير ذلك كثير "واللفظ الثانى أخرجه (ق. لك. د)
-[زوائد الباب وأمارات ليلة القدر وفضلها]-
(354)
عن أبي هُريرة رضي الله عنه أنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم قال فى ليلة القدر إنَّها ليلةُ سابعٍة أو تاسعٍة وعشرين إن الملائكة تلك الليلة فى الأرض أكثرُ من عدد الحصى
(354) عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سليمان بن داود وهو أبو داود الطيالسى ثنا عمران يعنى القطان عن قتادة عن أبى ميمونة عن أبى هريرة الحديث (تخريجه)(خز) فى صحيحه وأورده الهيثمى وقال رواه أحمد والبزار والطبرانى فى الأوسطور ورجاله ثقات (زوائد الباب)(أمارات ليلة القدر وفضلها) عن أبن عباس رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة القدر طلقة لا حارة ولا باردة، أورده الهيثمى وقال البزار وفيه سلمة بن وهرام وثقه ابن حبان وغيره وفيه كلام اهـ (قلت) رواه أيضا ابن خزيمة فى صحيحه وزاد تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة (وعن وائلة بن الأسقع رضى الله عنه) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليلة القدر ليلة بلجة لا حارة ولا باردة ولا سحاب فيها ولا مطر ولا ريح ولا يرمى فيها بنجم، ومن علامة يومها تطلع الشمس لا شعاع لها (طب) وفيه بشر بن عون عن بكار بن تميم وكلاهما ضعيف (وعن ابن مسعود) رضى الله عنه أن الشمس تطلع كل يوم بين قرنى شيطان الا صبيحة ليلة القدر "رواه ابن أبى شيبة" ولابن خزيمة من حديث جابر مرفوعا فى ليلة القدر وهى ليلة طلقة بلجة لا حارة ولا باردة تنضج كواكبها ولا يخرج شيطانها حتى يضئ فجرها "وروى ابن أى حاتم" من طريق مجاهد لا يرسل فيها شيطان ولا يحدث فيها داء (ومن طريق الضحاك) يقبل الله التوبة فيها من كل تائب وتفتح فيها أبواب السماء، وهى من غروب الشمس إلى طلوعها (وذكر الطبرى) عن قوم أن الأشجار فى تلك الليلة تسقط إلى الأرض ثم تعود الى منابتها وأن كل شئ يسجد فيها (وروى البيهقى) فى فضائل الأوقال من طريق الأوزاعى عن عبدة بن أبى لبابة أنه سمعه يقول أن المياه المالحة تعذب تلك الليلة (وروى ابن عبد البر) من طريق زهرة بن معبد نحوه أفاده الحافظ (من روى أنها ليلة سبع وعشرة) عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أنه كان يحيى ليلة ثلاث وعشرين من رمضان وليلة سبع وعشرين ولا كأحيائه ليلة سبع وعشرة، فقيل له كيف تحيي ليلة سبع وعشرة، فقال إن فيها نزل القرآن وفى صبيحتها فرق بين الحق والباطل وكان فيها يصبح مبهج الوجه (طب) وفيه أبو بلال الأشعرى وهو ضعيف (وهن حوط العبدى) قال سألت زيد بن أرقم عن ليلة القدر، فقال ما أشك وما أمترى أنها سبع وعشرة ليلة أنزل القرآن ويوم التقى الجمعان (طب) وحوط قال البخارى حديثه هذا منكر (وعن أبي
-[بقية زوائد الباب فى تعيين ليلة القدر]-
.....
هريرة) رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال التمسوا القدر فى سبع عشرة أو إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين أو سبع وعشرين أو تسع وعشرين (طس) وفيه أبو المهذم وهو ضعيف (ماورد أنها فى الوتر من العشر الأواخر)(عن كعب بن مالك) قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب الناس على المنبر فى رمضان، فقال قمت على المنبر وأنا أعلى ليلة القدر فالتمسوها فى العشر الأواخر فى وتر (طب) عن حميدة بنت عبيد عن أمها، قال الهيثمى ومها لم أعرفها وبقية رجاله ثقاب (وعن عقبة بن مالك) رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم مثله إلا أنه قال فى ليلة الوتر (طس) وفيه عبد العزيز بن يحيى المدنى وهو متروك (وعن عمر بن الخطاب) رضى الله عنه قال قال رسول الله عليه وسلم التمسوها فى العشر الأواخر وترا (بز. عل) ورجال أبى يعلى ثقات (من قال إنها ليلة ثلاث وعشرين)(عن أنس بن مالك) رضى الله عنه أن الجهنى قال يا رسول الله نحن حيث قد علمت ولا نستطيع أن نحضر هذا الشهر فأخبرنا بليلة القدر، قال احضر العشر الأواخر، قال لا أستطيع ذلك، قال التمسها ليلة سابعة تبقى وهى هذه الليلة، قال قلت يا رسول الله هذه ليلة ثلاث وعشرين وهى لثمان تبقين، قال كذا هذا الشهر ينقص وهى سبع تبقين، أورده الهيثمى، وقال رواه أبو يعلى وفيه من لم أعرفه (وعن محمد بن عبد الله بن جحش عن أبيه) رضى الله عنه، قال قلت يا رسول الله إن لى بادية أصلى فيها فمرني بليلة أنزلها إلى المسجد فأصلى فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انزل ليلة ثلاث وعشرين (طب) وفيه ابن إسحاق وهو ثقة لكنه مدلس، قاله الهيثمى (وعن عبد الله بن مسعود) رضى الله عنه، قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر، فقال كنت أُعلمتها ثم انفلتت منى فاطلبوها فى سبع يقين أو ثلاث يبقين، رواه البزار ورجاله ثقات (وعن أنس بن مالك) رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال التمسوها فى العشر الأواخر فى التاسعة والخامسة والسابعة، رواه البزار ورجاله رجال الصحيح (ما روى أنها ليلة سبع وعشرين)(عن جابر بن سمرة) رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم التمسوا ليلة القدر ليلة سبع وعشرين، روه الطبرنى فى الأوسط عن أبى بكر بن أبى شيبة وجادة عن خط أبيه ورجاله ثقات (وعن ابن عباس) رضى الله عنهما، قال دعا عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألهم عن ليلة القدر فأجمعوا على أنها فى العشر الأواخر، قال ابن عباس فقلت لعمرانى لأعلم أو أظن أى ليلة هى، قال عمر أى ليلة هى؟ فقلت سابة تمضى أو سابة تبقى من العشر الأواخر، فقال من أين علمت ذلك؟ فقلت خلق الله سبع سماوات وسبع أرضين وسبع والطواف والجمار وأشياء ذكرها، فقال عمر لقد فطنت لامر ما فطنا له رواه عبد الرزاق
-[كلام العلماء فى ليلة القدر هل هى باقية أم رفعت؟ وهل هى خاصة بهذه الأمة؟]-
.....
(الأحكام) اشتمل هذا الباب مع زوائده على مجموعة أحاديث استقصيت فيها كل ما ورد فى ليلة القدر بقدر المستطاع فلا تكاد تظفر بمجموعة مثلها فى غير هذا الكتاب، ولكثرة الأحاديث وتنوعها فى هذا الباب جعلته ثمانية فصول، أودعت فى كل فصل منه نوعا من تلك الأنواع لتسهيل المراجعة وتناول الأحكام، ولاحظت نحو ذلك فى الزوائد، مفتتحا هذه الفصول بما ورد فى فضل ليلة القدر وما يقول من رآها أوردت فيه حديث أبي هريرة رضى الله عنه (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) وحديث عائشة رضي الله عنها (قالت يا نبي الله ان وافقت ليلة القدر ما أقول؟ قال تقولين اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عنى) وتقدم شرحهما وتخريجهما والكلام عليهما هناك وقد أجمع العلماء على ما جاء فى هذين الحديثين ولم يخالف فى ذلك أحد (واختلفوا) هل هى (آعنى ليلة القدر) من خصائص هذه الأمة أو لجميع الأمم المتقدمة؟ وهل هى خاصة بزمن النبى صلى الله عليه وسلم ثم رفعت أو باقية إلى يوم القيامة؟ وإذا كانت باقية فهل تنتقل فى جميع أشهر السنة أو هى محصورة فى رمضان؟ وإذا كانت محصورة فى رمضان ففى أى ليلة منه تكون؟ للعلماء فى ذلك أقوال شتى (القول الأول) أنها خاصة بهذه الأمة ولم تكن فى الأمم قبلهم، قال الحافظ جزم به ابن حبيب وغيره من المالكية ونقله عن الجمهور، وحكاه صاحب العدة من الشافعية ورجحه، وهو معترض بحديث أبى ذر عند النسائى حيث قال فيه قلت يا رسول الله أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رفعت قال لا بل هى باقية اهـ (قلت) حديث أبى ذر رواه الأمام أحمد أيضا وتقدم فى الفصل الثانى من فصول الباب وفيه (قلت تكون مع الأنبياء ما كانوا فإذا قبضوا رفعت أم هى إلى يوم القيامة؟ قال بل هى إلى يوم القيامة (واحتج القائلون بالخصوصية) بما جاء فى الموطأ عن مالك أنه سمع من يثق به من أهل العلم يقول إن لا يبلغوا من العمل مثل الذى بلغ غيرهم فى طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر (قال الحافظ) وهذا يحتمل التأويل فلا يدفع التصريح فى حديث أبى ذر اهـ (وقال ابن عبد البر) هذا لا يعرف فى غير الموطأ لا مسندا ولا مرسلا وهو أحد الأحاديث التى انفرد بها مالك اهـ (وقال الحافط السيوطى) فى تعليقه على الموطأ لكن له شواهد من حيث المعنى مرسلة فأخرج ابن أبى حاتم فى تفسيره من طريق ابن وهب عن سلمة بن على عن على بن عروة قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أربعة من بنى إسرائيل عبدوا الله ثمانين عاما لم بمصوه طرفة عين، فعجب الصحابة من ذلك، فاتاه جبريل فقال قد أنزل الله عليك خيرا من ذلك ليلة القدر خير من ألف شهر، هذا أفضل من ذاك، فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه
-[تحقيق أن ليلة القدر باقية إلى يوم القيامة]-
.....
(القول الثاني) أنها رفعت أصلا ورأسا، حكاه المتولى فى التتمة عن الروافض والفاكهانى فى شرح العمدة عن الحنيفة (قال الحافظ) وكأنه خطأ منه، والذى حكاه المروجى أنه قول الشيعة، وقد روى عبد الرازق من طريق داود بن أبى عاصم عن عبد الله بن يخنس قلت لأبى هريرة زعموا أن ليلة القدر رفعت، قال كذب من قال ذلك، ومن طريق عبد الله بن اهـ وحجتهم ما جاء فى حديث عبادة بن الصامت وتقدم فى الفصل الرابع من قوله صلى الله عليه وسلم (فتلاحى رجلان فرفعت وعسى أن يكون خيرا لكم) وتقدم الكلام على ذلك فى شرحه وأن المراد برفعها رفع علمه بعينها ذلك الوقت، ولو كان المراد رفع وجودها لم يأمر بالتماسك، وهذا القول غلط ظاهر وخطأ بين. لأنه جاء فى الحديث نفسه عقب قوله فرعت (وعسى أن يكون خيرا لكم فالتمسوها فى التاسعة أو السابعة أو الخامسة- الحديث)(وفى حديث أبى ذر) المذكور فى الفصل الثانى التصريح بأنها باقية إلى يوم القيامة، فهذا القول مردود لا قيمة له (القول الثالث) أنها ممكنة فى جميع النة. وهو قول مشهور (عن الحنيفة) حكاه قاضيخان وأبو بكر الرزى منهم، وروى مثله عن ابن مسعود وابن عباس وعكرمة وغيرهم، وزيف المهلب هذا القول وقال لعل صاحبه بناه على دوران الزمان ليقصان الأهلة وهو فاسد. لأن ذلك لم يعتبر فى صيام رمضان فلا يعتبر فى غيره حتى تنتقل ليلة القدر عن رمضان، ومأخذ ابن مسعود كما ثبت فى صحيح. مسلم وعند الأمام أحمد (وتقدم فى الفصل الثامن) عن أبى بن كعب أنه أراد أن لا يتكل الناس (القول الرابع) أنها مختصة برمضان ممكنة فى جميع لياليه (قال الحافظ) وهو قول ابن عمر، رواه ابن أبى شبيبة بإسناد صحيح عنه. وروى مرفعا عنه أخرجه أبو داود (قلت) ولفظه عن ابن عمر قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أسمع عن ليلة القدر فقال هى فى كل رمضان، قال أبو داود رواه سفيان وشعبة عن أبى إسحاق موقوفا على ابن عمر لم يرفعاه إلى النبى صلى الله عليه وسلم (قال الحافظ) وفى شرح الهداية الجزم به (عن أبى حنيفة) وقال به ابن المنذر والمحاملى (وبعض الشافعية) ورجحه السبكى فى شرح المناهج. وحكاه ابن الحاجب رواية. وقال السروجى فى شرح الهداية قال أبو حنيفة إنها تنتقل فى جميع رمضان، وقال صاحباه إنها فى ليلة معينه منه مبهمة، وكذا قال النسقى فى المنظومة
وليلة القدر بكل شهر
…
دائرة وعيَّناها فادر
(القول الخامس) أنها أول ليلة من رمضان، حكى عن أبى رزين العقيلى الصحابى، وروى ابن أبى عاصم من حديث أنس قال ليلة القدر أول ليلة من رمضان، قال ابن عاصم لا نعلم أحدا قال ذلك غيره (القول السادس) أنها ليلة سبع عشرة من رمضان رواه ابن أبى شيبة والطبرانى من حديث زيد بن ثابت وتقدم فى الزوائد وسنده ضعيف، ورواه الطبراني في
-[أقوال العلماء فى تعيين ليلة القدر]-
.....
الأوسط من حديث أبى هريرة وسنده ضعيف أيضا، ولفظهما تقدم فى الزوائد، ورواه أبو داود من حديث ابن مسعود (قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلبوها ليلة سبع عشرة من رمضان وليلة احدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين ثم سكت) وسنده فيه لين (القول السابع) أنها ليلة تسع عشرة رواه عبد الرازق عن على وعزاه الطبرى لزيد بن ثابت وابن مسعود، ووصله الطحاوى عن ابن مسعود (القول الثامن) أنها أول ليلة من العشر الأخير أعنى ليلة الحادى والعشرين (واليه مال الأمام الشافعى) رحمه الله وجماعة من الشافعية، وعبارة الشافعى فى الأم كما نقله البيهقى فى المعرفة (وتطلب ليلة القدر فى العشر الأواخر من شهر رمضان. قال وكأنى رأيت والله أعلم أقوى الأحاديث فيه ليلة احدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين) اهـ قلت يريد حديث أبى سعيد المذكور فى الفصل الخامس وحديث عبد الله بن أنيس المذكور فى الفصل السادس (القول التاسع) أنها ليلة ثلاث وعشرين وهو مروى عن عبد الله بن أنس كما فى الفصل السادس، وعنه أيضا قال قلت يا رسول الله إن لى بادية أكون فيها وأنا أصلى فيها بحمد الله فمرنى بليلة أنزلها إلى هذا المسجد، فقال انزل ليلة ثلاث وعشرين الحديث- رواه أبو داود (وروى ابن آبى شيبة) بإسناد صحيح عن معاوية قال ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين (رواه إسحاق) فى مسنده من طريق أبى حازم عن رجل من بنى بياضة له صحبه مرفوعا (وروى عبد الرازق) عن معمر عن أيوب يغتسل ليلة ثلاث وعشرين ويمس الطيب، وعن ابن جريح عن عبد الله بن أبى يزيد عن ابن عباس أنه كان يوقظ أهله ليلة ثلاث وعشرين (وروى عبد الرازق) من طريق يوسف سمع سعيد بن المسيب يقول استقام قول القوم على أنها ليلة ثلاث وعشرين، ومن طريق إبراهيم عن الأسود عن عائشة، ومن طريق مكحول أنه كان يراها ليلة ثلاث وعشرين (ومال إليه الشافعى كما تقدم)(القول العاشر) أنها ليلة رابع وعشرين وهو مروى عن بلال بن رباح كما فى الفصل السابع، ورواه أيضا أبو داود الطيالسى من طريق أبى نضرة عن أبى سعيد مرفوعا (ليلة القدر ليلة أربع وعشرين) وروى ذلك (عن ابن مسعود والشعبى والحسن وقتادة) وحجتهم حديث واثلة (أن القران نزل ليلة أربع وعشرين (قال الحافظ) واحتجوا أيضا بحديث بلال وتقدم الكلام عليه فى الفصل السابع (القول الحادى عشر) أنها ليلة ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين، روى ذلك عن معاذ بن جبل وتقدم حديثه فى شرح الحديث الأول من الفصل السادس (القول الثانى عشر) أنها ليلة سبع وعشرين وهو الجادة من (مذهب الإمام أحمد، وراوية عن أبى حنيفة) وبه جزم أبى بن كعب وحلف عليه، ورواه ابن أبى شيبة عن عمر وحذيفة وناس من الصحابة رضي الله عنهم
-[أقوال العلماء فى تعين ليلة القدر]-
.....
وحكاه صاحب الحلية من الشافعية عن أكثر العلماء (وهو أرجا الأقوال وأرجحها) فى ليلة القدر لكثرة أدلته وصحتها، أنظر الفصل الثامن (القول الثالث عشر) أنها ليلة تسع وعشرين حكاه ابن العربى (القول الرابع عشر) أنها آخر ليلة من رمضان وهو مروى عن عبادة ابن الصامت وأبى بكرة، انظر الفصل الثالث (القول الخامس عشر) أنها تنتقل فى العشر الأخر كله (قال الحافظ) قاله أبو قلابة ونص عليه (مالك والثورى وأحمد وإسحاق) وزعم الماوردى أنه متفق عليه، وكأنه أخذه من حديث ابن عباس أن الصحابة اتفقوا على أنها فى العشر الأخير، ثم اختلفوا فى تعيينها كما تقدم اهـ، ويؤيد كونها فى العشر الأخير حديث أبى سعيد المذكور فى الفصل الرابع. وما تقدم فى أبواب الاعتكاف من اعتكاف صلى الله عليه وسلم فى العشر الأواخر وما جاء فى باب الاجتهاد فى العشر الأواخر، كل ذلك لموافقة ليلة القدر (القول السادس عشر) أنها فى الوتر من العشر الأواخر ودليلة ما جاء فى الفصل الرابع الأحاديث (قال الحافظ) وهو أرجح الأقوال وصار إليه (أبو ثور والمزنى) وابن خزيمة وجماعة من علماء المذاهب اهـ (وقال الترمذى) أكثر الروايات عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال التمسوها فى العشر الأواخر فى كل وتر، وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم فى ليلة القدر أنها ليلة احدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين وخمس وعشرين وسبع وعشرين وتسع وعشرين وآخر ليلة من رمضان (قال الشافعى) كان هذا عندى والله أعلم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يجيب على نحو ما سأل عنه، يقال له نلتمسها فى ليلة كذا، فيقول التمسوها فى ليلة كذا (قال الشافعى) وأقوى الروايات عندى فيها ليلة احدى وعشرين اهـ. فعلى هذا كانت فى السنة التى رأى أبو سعيد النبى صلى الله عليه وسلم يسجد فى الماء والطين ليلة احدى وعشرين، وفى السنة التى أمر عبد الله ابن أنيس ليلة ثلاث وعشرين، وفى السنة التى رأى أبى كعب علامتها ليلة سبع وعشرين والله أعلم (القول السابع عشر) أنها تنتقل فى جميع السبع الأواخر ويدل عليه ما جاء فى الفصل الثانى من الأحاديث (وقد اختلف أهل هذا القول) هل المراد السبع من آخر الشهر أو آخر سبعة تعد من الشهر أعنى التى أولها ليلة الثانى والعشرين وآخرها ليلة الثامن والعشرين، ورجح الحافظ الأول، ويؤيده أيضا ما رواه الأمام أحمد، قال حدثنا حسن ثنا ابن لهيعة ثنا أبو الزبير أخبرنى جابر أن أمير البعث كان غالبا الليثى وقطبة بن عامر الذى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل وهو محرم، ثم خرج من الباب وقد تسور من قبل الجدار وعبد الله بن أنيس الذى سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر وقد خلت اثنتان وعشرين ليلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم التمسها فى هذه السبع الأواخر التى بقين من الشهر وحسن الهيثمى إسناده (وبقى أقوال أخرى) لم أذكرها لكون مستندها واهيا، أو لعدمه بالمرة
-[خلاصة الأقوال وكلام العلماء فى الحكمة فى إخفاء ليلة القدر وذكر علاماتها]-
.....
وفي هذا القدر كفاية والله أعلم (الخلاصة) خلاصة هذه الأقوال جميعها وأرجحها على التحقيق أن ليلة القدر هى الليلة التى نزل فيها القرآن، وأنها فى رمضان بنص كتاب الله، وثبت بالأحاديث الصحيحة أنها باقية إلى يوم القيامة وأنها فى العشر الأخير فى الوتر منه، وأنها تنتقل كما فهم من أحاديث الباب وأرجح أوتار العشر عند الشافعية ليلة احدى وعشرين على ما فى حديث أبى سعيد المذكور فى الفصل الخامس، وأرجاها عند الجمهور ليلة سبع وعشرين كما فى الفصل الثامن، والله أعلم (فائدة) قال العلماء الحكمة فى أخفاء ليلة القدر ليجتهد الناس فى طلبها ويجدُّوا فى العبادة فى الشهر كله طمعا فى إدراكها كما أخفى ساعة الإجابة فى يوم الجمعة، وكما أخفى الأجل وقيام الساعة ليجدوا فى الأعمال الصالحة حذرا منها (واختلف العلماء) هل لليلة القدر علامة تظهر لمن وفقت له أم لا؟ فقيل يرى كل شئ ساجدا. وقيل يرى الأنوار فى كل مكان ساطعة حتى فى المواضع المظلمة، وقيل يسمع سلاما أو خطابا من الملائكة، وقيل علامتها استجابة دعاء من وفقت له، واختار الطبرى أن جميع ذلك غير لازم، لأنه لا يشترط لحصولها رؤية شئ ولا سماعه (واختلفوا أيضا) هل يحصل الثواب المترتب عليها لمن اتفق له أنه قامها وان لم يظهر له شئ. أو يتوقف ذلك على كشفها له؟ (والى الأول) ذهب الطبرى والمهلب وابن العربى وجماعة (والى الثانى) ذهب الأكثر، واستدلوا بما وقع عند مسلم من حديث أبى هريرة بلفظ (من يقم الليلة القدر فيوافقها) وفى حديث عبادة عند الإمام أحمد (من قامها إيمانا، واحتسابا ثم وفقت له) قال النووى معنى يوافقها أى يعلم أنها ليلة القدر فيوافقها، ويحتمل أن يكون المراد يوفقها فى نفس الأمر وان لم يعلم هو ذلك اهـ (قلت) وهذا الأخير هو الذى أختاره، وعليه فمن قام رمضان كله أو، العشر الأواخر منه إيمانا واحتسابا ينبغى ليلة القدر حصل له الثواب المترتب على قيامها وان لم يظهر له شئ من علامتها. لأنه لابد أن يوافقها فى نفس الأمر، لما ثبت أنها فى العشر الأواخر، ومن قاتها فوافقها برؤية شئ من علامتها حصل له ذلك أيضا والله أعلم، أما (حديث مسلم فلفظه) عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال من يقم ليلة القدر فيوافقها أراه قال إيمانًا واحتسابا غفر له (ولفظ حديث الإمام أحمد) عن عبادة بن الصامت أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى رمضان، فالتمسوها فى العشر الأواخر فأنها فى وتر، فى إحدى وعشرين. أو ثلاث وعشرين. أو خمس وعشرين. أو سبع وعشرين. أو تسع وعشرين. أو فى آخر ليلة، فمن قامها ابتغاءها إيمانًا واحتسابًا ثم وفقت له غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر
-----
(تم الجزء العاشر من كتاب الفتح الربانى مع شرحه)
-----
(بلوغ الأماني) مختتماً بهذين الحديثين الصحيحين المبشرين بالخير العظيم والفضل الجسيم (ويليه الجزء الحادي عشر) وأوله كتاب الحج والعمرة، نسأل الله الإعانة على التمام وحسن الختام آمين.