الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفتح الرباني لترتيب مسند الأمام أحمد بن حنبل الشيباني
(مع شرحه)
بلوغ الأماني
من أسرار الفتح الرباني.
(كلاهما تأليف)
أحمد عبد الرحمن البنا
الشهير بالساعاتي
(خادم السنة السنية بعطفة الرسام رقم 5 بالغورية بمصر)
(الجزء الثاني عشر)
وقد جعلنا الفتح الرباني في أعلى الصحيفة وبلوغ الأماني في أدناها مفصولا بينهما بجدول.
(تنبيه) للحافظ ابن حجر العسقلاني كتاب اسماه (القول المسدد، في الذب عن مسند الأمام أحمد) أدرجناه جميعه ضمن الشرح موزعا على كل حديث ذب عنه الحافظ مع عزوه إليه
الطبعة الأولى
…
الطبعة الثانية
دار احياء التراث العربي
بسم الله الرحمن الرحيم
(1)
باب دخول مكة وما يتعلق به وفيه فصول
(الفصل الأول في الغسل لدخول مكة)
(209)
عن نافع قال كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا دخل أدنى الحرم (1)
عن نافع (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا اسماعيل عن أيوب عن نافع قال كان ابن عمر- الحديث- (غريبة)(1) أي أول موضع منه أي من
_________
(رموز واصطلاحات تختص بالشرح)
(خ) البخاري في صحيحه (م) لمسلم (ق) لهما (د) لأبي داود (مذ) للترمذي (نس) للنسائي (جه) لابن ماجه (الأربعة) لأصحاب السنن الأربعة، أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (ك) للحاكم في المستدرك (حب) لابن حبان في صحيحه (خز) لابن خزيمة في صحيحه (بز) للبزار في مسنده (طب) للطبراني في معجمه الكبير (طس) له في الأوسط (طص) له في الصغير (ص) لسعيد بن منصور في سننه (ش) لابن أبي شيبة في مصنفه (عب) لعبد الرزاق في الجامع (عل) لأبي يعلي في مسنده (قط) للدراقنطي في سننه (حل) لأبي نعيم في الحلية (هق) للبيهقي في السنن الكبري (لك) للإمام مالك في الموطأ (فع) للإمام الشافعي، فإن اتفقا على إخراج حديث قلت أخرجه الإمامان (مى) للدارمي في مسنده (طح) للطحاوي في معاني الآثار، وهؤلاء هم أصحاب الأصول والتخريج رحمهم الله.
(أما الشراح) وأصحاب كتب الرجال والغريب ونحوهم فإليك ما يختص بهم: (طرح) للحافظ أبي زرعة بن الحافظ العراقي في كتابه طرح التثريب (نه) للحافظ ابن الأثير في كتابه النهاية (خلاصة) للحافظ الخزرجي في كتابه خلاصة تذهيب الكمال في اسماء الرجال، ثم إذا قلت (قال الحافظ) وأطلقت فمرادي به الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري شرح البخاري فإن كان في غيره بينته (وإذا قلت) قال النووي فالمراد به في شرح مسلم، فإن كان في المجموع فالرمز له (ج) وإذا قلت قال المنذري فالمراد به الحافظ زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري في كتابه الترغيب والترهيب (وإذا قلت) قال الهيثمي فالمراد به الحافظ علي بن
أمسك عن التلبية، فإذا انتهي إلى ذي طوى (1) بات فيه حتى يصبح ثم يصلي
حرم مكة لا مسجدها (أمسك عن التلبية) أي حتى يقضي طوافه بين الصفا والمروة ثم يعادوها، وهذا مذهب ابن عمر وخالفه الجمهور، وتقدم الكلام على ذلك في أحكام باب التلبية وصفتها صحيفة 189 من الجزء الحادي عشر، والدليل على ذلك ما رواه ابن خزيمة في صحيحه من طريق عطاء قال كان ابن عمر رضي الله عنه يدع التلبية إذا دخل الحرم ويراجعها بعد ما يقضي طوافه بين الصفا والمروة (1) بتثليث الطاء مع الصرف وعدمه، فمن صرفه جعله اسم واد ومكان وجعله نكرة، ومن لم يصرفه جعله بلدة وبقعة وجعله معرفة (قال النووي) هو موضع عند باب مكة بأسفلها في صوب طريق العمرة المعتادة ومسجد عائشة ويعرف اليوم بآبار الزاهد. يصرف ولا يصرف، وقال أيضا إنه مقصور منون وفي التوضيح هو ربض من أرباض مكة؛ وطاؤه مثلثة مع الصرف وعدمه والمد أيضاً اهـ
_________
- أبي بكر بن سليمان الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد (وإذا قلت) قال في التنقيح فالمراد به المحدث الشهير أبو الوزير أحمد حسن في كتابه تنقيح الرواة في تخريج أحاديث المشكاة (وإذا قلت) قال في المنتقى فالمراد به الحافظ مجد الدين عبد السلام المعروف بابن تيمية الكبير المتوفى سنة 621 جد ابن تيمية المشهور شيخ بن القيم (وأذا قلت) قال الزيلعي فمرادي الحافظ جمال الدين الزيلعي في كتابه نصب الراية لتخريج أحاديث الهداية (وإذا قلت) قال الشوكاني فالمراد به المحدث الشهير محمد بن علي بن محمد الشوكاني في كتابه نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، فإن نقلت عن غير هؤلاء ذكرت أسماءهم وأسماء كتبهم، رحمة الله عليهم أجمعين.
- (تنبيه) يجد القارئ بالاستقراء من أول الكتاب إلى نهاية الجزء السابع أني أورد في الشرح في أخر كل باب قبل الأحكام ما تيسر لي من الأحاديث الزائدة على ما أخرجه الأمام أحمد في الباب سواء أكانت في الصحاح أو السنن أو المعاجم أو الجوامع أو المسانيد وسواء أكانت صحيحة أو حسنة أو ضعيفة ضعفا يقوى بغيرها من طرق أخرى، وهذا الأخير لا أذكره إلا نادرا معرضا عن ذكر الأحاديث الشديدة الضعف لأنها لا يعمل بها ولا فائدة في ذكرها، قاصدا بذلك أن يكون (كتابي هذا أجمع كتاب) في علم السنة لا يحتاج مقتنيه إلى غيره، ولما كانت هذه الأحاديث الزائدة تزداد في كل جزء عن سابقة بحسب زيادة المواد التي لم تكن موجودة قبل ذلك وكان لها ارتباط بالأحكام وتكثر الإشارة إليها في الشرح، رأيت ان أترجم لها بعنوان (زوائد الباب) وتكون الإشارة إليها بلفظ الزوائد (فإذا قلت) أحاديث الباب مع الزوائد ما زدته في الشرح من الأحاديث التي تناسب الباب لغير الإمام أحم، فتنبه والله الهادي.
الغداة ويغتسل (1) ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله (2) ثم يدخل مكة ضح فيأتي البيت فيتسلم الحجر (3) ويقول باسم الله والله أكبر (4) ثم يرمل (5) ثلاثة أشواط، يمشي ما بين الركنين، فإذا أتى على الحجر
وقال السهيلي واد بمكة في أسفلها، وذو طواء ممدودا موضع بطريق الطائف وقيل واد اهـ وفي كتاب الأذواء ذو طوى موضع بظاهر مكة به بئار يستحب لمن يدخل مكة أن يغتسل منها (1) فيه استحباب الاغتسال بذي طوى لمن كان بطريقه إلى مكة بأن يأتي من طريق المدينة وإلا اغتسل من نحو تلك المسافة، قال الطبري ولو قيل يسن له التعريج إليها والاغتسال بها اقتداء وتبركا لم يبعد، قال الأذرعي وبه جزم الزعفراني (2) يحتمل عود الضمير إلى الفعل الأخير وهو الغسل المقصود بالترجمة، ويحتمل عودة إلى الجميع أعنى الأمساك عن التلبية والبيتوته بذي طوى والاغتسال، واستظهر الحافظ الأخير (3) بفتح الحاء المهملة والجيم يعني الحجر الأسود وهو في الركن الذي يلي باب البيت من جانب المشرق ويسمى الركن الأسود، ويقال له وللركن اليماني الركنان اليمانيان - واعلم أن للبيت أربعة أركان- هذان الركنان وآخران يقال لهما الركنان الشاميان لأنهما صوب الشام والمغرب. وربما قيل لهما المغربيان (فالركن الأول) من الأربعة له فضليتان كون الحجر الأسود فيه. وكونه على قواعد إبراهيم. أعني القواعد التي بنى إبراهيم عليه السلام البيت عليها (وللركن الثاني) وهو اليماني فضيلة واحدة، وهو كونه على قواعد إبراهيم، وليس للآخرين شيء منهما، فلذلك يقبّل الأول ويُستلم الثاني فقط بدون تقبيل، والاستلام معناه المسح باليد، والتقبيل بالفم. ولا يقبل الآخران ولا يستلمان، هذا على رأي الجمهور، واستحب بعضهم تقبيل الركن اليماني، وإنما نبهت على هذه الأركان هنا ليحفظها القارئ ويفهمها جيدا حتى إذا ذكرت مرة أخرى أو تعلق بها حكم كان على بصيرة منها والله الموفق (4) فيه استحباب التكبير عند استلام الحجر الأسود وتقبيله وإن لم يصرح بالتقبيل في هذا الحديث فسيأتي التصريح به في بابه (5) من باب قتل، والرمل هو إسراع المشي مع تقارب الخطا ولا يثب ولايعدو عدوا، قالوا والرمل الخبب وهو فوق سجية المشي ودون العدو، وذلك في الثلاثة الأشواط الأول ما عدا المسافة التي بين الركنين، يعني الأسود واليماني فإنه كان يمشى فيها مشيا اعتياديا بغير رمل، وكان المشي بين الركنين أول الأمر في عمرة القضاء سنة سبع من الهجرة حينما قال المشركون " أنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم الحمى" فأطلع الله نبيه على
استلمه وكبر (1) أربعة أطواف مشيا ثم يأتي المقام فيصلى ركعتين ثم يرجع إلى الحجر فيتسلمه، ثم يخرج إلى الصفا من الباب الأعظم فيقوم عليه فيكبر سبع مرار ثلاثا يكبر ثم يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
(210)
عن نافع قال كان ابن عمر رضي الله عنهما يبيت بذي طوى فإذا أصبح اغتسل وأمر من معه أن يغتسلوا ويدخل من العليا (3) فإذا خرج
ذلك، فأمر أصحابه أن يرملوا وقعد المشركون ناحية الحجر ينظرون إليهم فرملوا ومشوا ما بين الركنين حيث لا يراهم المشركون لأنهم كانوا مما يلي الحجر من قبل قيقعان، فلما حج النبي صلى الله عليه وسلم سنة عشر رمل من الحجر إلى الحجر كما صرح بذلك في حديث جابر عند الإمام أحمد وسيأتي في باب ركعتي الطواف، وعند مسلم والإمام مالك من حديث جابر أيضا ولفظه " قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل من الحجر الأسود حتى انتهى إليه ثلاثة أشواط" وللشيخين والإمام أحمد وسيأتي في طواف القدوم عن نافع أن عبدالله بن عمر كان يرمل من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود ثلاثة أطواف ويمشي أربعة أطواف ويزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله، فوجب الأخذ به لأنه الآخر من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) يعني في كل مرة (وقوله أربعة أطواف) هو مفعول لفعل سابق إما سقط من الناسخ وإما حذف للعلم به، تقديره ثم يمشي أربعة أطواف كما صرح بذلك في رواية أخرى والله أعلم (وقوله مشيا) أي اعتياديا في الأربعة الأشواط الباقية بدون رمل (2) أي في كل مرة من السبع، وبقية شرح الحديث ستأتي في أبوابها إن شاء الله تعالى (تخريجه) لم أقف عليه مطولا بهذا السياق لغير الإمام أحمد، وأخرجه الشيخان والإمامان وغيرهم مقطعا في جملة أبواب
(210)
عن نافع (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حماد عن عبد الله عن نافع الحديث " غريبة (3) أي من الثنية العليا كما صرح بذلك في حديثه التالي، والثنية كل عقبة في طريق أو جبل فإنها تسمى ثنية، وهذه الثنية المعروفة بالثنية العليا هي التي ينزل منها إلى باب المعلي مقبرة أهل مكة، وهي التي يقال لها الحجون بفتح المهملة وضم الجيم وكانت صعبة المرتقى فسهلهنا معاوية، ثم عبد الملك، ثم المهدي، على ما ذكره الأزرقي
خرج من السفلى (1) ويزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان يفعل ذلك.
(الفصل الثاني من أين يدخل مكة وفي أي وقت)
(211)
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا دخل مكة دخل من الثنية (2) العليا، وإذا خرج من الثنية السفلى
(212)
عن عائشة رضي الله عنهما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوم الفتح من كداء (3) من أعلى مكة ودخل في العمرة من كدى (4)(وعنها من طريق ثان)(5) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح من ثنية الإذخر (6)
ثم سهلها كلها سلطان مصر الملك المؤيد (1) أي من الثنية السفلى، وقد صرح بذلك أيضا في حديثه التالي، وهي عند باب الشبيكة بقرب شعب الشاميين وشعب ابن الزبير (وقوله ويزعم وإلخ) هو من اطلاق الزعم على القول الصحيح، وقد صرح في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله (تخريجه)(ق. د. هق. وغيرهم)
(211)
عن ابن عمر سنده حدثنا عبدالله حدثني أبي ثنا أبو معاوية ثنا عبد الله عن نافع عن ابن عمر- الحديث (غريبة)(2) تقدم شرح الثنيتين العليا والسفلى في الحديث السابق (تخريجه)(ق. د. نس. جه. هق)
(212)
عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو أسامة قال أنا هشام عن أبيه عن عائشة - الحديث (غريبة)(3) بفتح الكاف والمد قال أبو عبيدة لا تصرف وهي الثنية العليا المتقدم ذكرها في الحديث السابق (4) بضم الكاف والقصر وهي الثنية السفلى المتقدم ذكرها في الحديث السابق أيضا (قال القاضي عياض) والقرطبي وغيرهما اختلق في ضبط كداء وكدى، والأكثر على أن العليا بالفتح والمد، والسفلى بالضم والقصر. وقيل بالعكس (قال النووي) وهو غلط، وستأتي الحكمة في مخالفة الطريق في الدخول والخروج في الأحكام إن شاء الله (5)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن ربيعة عن عبيد الله بن أبي زياد عن القاسم بن محمد عن عائشة - الحديث" (6) الأذخر بكسر الهمزة والخاء المعجمة بينها ذال معجمة ساكنة، حشيشة طيبة الرائحة تسقف بها البيوت فوق الخشب أضيفت إليها الثنية لكثرة نبات الأذخر بها وهذه الثنية هي العليا السالفة الذكر، وهي المسماة بكداء بالمد في الطريق الأولى (تخريجه)
(213)
عن ابن عمر رضي الله عنهما صلى الله عليه وسلم دخل مكة نهارا (1)
(الفصل الثالث في الدعاء عند دخول مكة)
(214)
وعنه أيضا قال كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إذا دخل مكة قال: اللهم لا تجعل منايانا بها (3) حتى تخرجنا منها
أخرج الطريق الأولى منه الشيخان وأبو داود والبيهقي، ولم أقف على الثانية لغير الإمام أحمد بلفظه
(213)
عن ابن عمر سنده حدثنا عبدالله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا العمري عن نافع عن ابن عمر - الحديث (غريبة)(1) قال الحافظ هو ظاهر في الدخول نهارا؛ قال وأما الدخول ليلا فلم يقع منه صلى الله عليه وسلم إلا في عمرة الجعرانة فإنه صلى الله عليه وسلم أحرم من الجعرانة ودخل مكة ليلا فقضى أمر العمرة ثم رجع ليلا فأصبح بالجعرانة كبائت كما رواه أصحاب السنن من حديث محرش (قلت والإمام أحمد وتقدم في عمرة الحديبية صحيفة 68 في الجزء الحادي عشر) قال وترجم عليه النسائي دخول مكة ليلا (تخريجه)(مذ) وقال هذا حديث حسن وفي بعض نسخ الترمذي حسن صحيح.
(214)
وعنه أيضا سنده حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث ــ (غريبة)(2) جمع منية بكسر النون وتشديد الياء التحتية مفتوحة، وهي الموت والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك عند دخول مكة في غير سنة حجة الوداع لما كان يرجو من الله من تتميم نصره وإظهار دين الإسلام على جميع الأديان، وقد استجاب الله دعاؤه فلم يمت إلا بعد أن تم له ذلك، ونزل في حجه الوداع قوله تعالى" اليوم أكملت لكم دينكم" الأية (تخريجه) لم أقف عليه وسنده جيد (زوائد الباب) عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يغتسل لدخول مكة (فع)(وعنه أيضا) أن ابن عمر كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة نهارا ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله (ق) وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ترفع الأيدي في الدعاء لاستقبال البيت (ص. هق) وهو ضعيف باتفاق المحدثين لأنه من رواية عبد الله ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى الإمام المشهور وهو ضعيف عند المحدثين، قاله النووي (ج) وعن مكحول قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل مكة فرأى البيت رفع يديه وكبر وقال "اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام، اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما".
_________
ومهابة وزد من حجه أو اعتمره تكريما وتشريفا وتعظيما وبرا (هق) ورواه الإمام الشافعي في مسنده عن ابن جريج (قال النووي) هو مرسل معضل (وعن محمد بن سعيد بن المسيب) قال كان سعيد إذا حج فرأى الكعبة قال اللهم أنت السلام ومنك السلام حينا ربنا بالسلام (هق. فع) وعن سعيد بن المسيب قال سمعت من عمر رضي الله عنه كلمة ما بقى أحد من الناس سمعها غيري، سمعته يقول إذا رأى البيت " اللهم أنت السلام ومنك السلام حينا ربنا بالسلام" قال النووي ليس اسناده بقوي (هق)(وعن حذيفة) بن أسيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نظر إلى البيت قال " اللهم زد هذا البيت تشريفا وتكريما وبرا ومهابة"(طب. طس) وفيه عاصم بن سليمان الكوزي وهو متروك وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم (يعني مسجد مكة) ودخلنا معه إلى المدينة من باب الحرورة وهو باب الخياطين (طس) وفيه مراون بن مراون قال السلماني فيه نظر وبقية رجاله رجال الصحيح (الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد تدل على جملة أحكام منها استحباب الغسل لدخول مكة وأنه يكون بذي طوى إن كانت في طريقه وإلا اغتسل في غير طريقها كنحو مسافتها، وهو مستحب لكل محرم حتى الحائض والنفساء والصبي، وإلى ذلك ذهب الجمهور، وخالق المالكية في الحائض والنفساء، قالوا لأن استحباب الغسل لدخول مكة هو لأجل الطواف بالبيت لا للنظافة فلا تفعله الحائض ولا النفساء لأنهما ممنوعتان من الطواف. لأن الطهارة شرط فيه (قال ابن المنذر) الاغتسال عند دخول مكة مستحب عند جميع العلماء وليس في تركه عندهم فدية، وقال أكثرهم يجزئ منه الوضوء، وفي الموطأ أن ابن عمر كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من احتلام، وظاهره أن غسله لدخول مكة كان لجسده دون رأسه وقالت الشافعية إن عجز عن الغسل تيمم (وقال ابن التين) لم يذكر أصحابنا الغسل لدخول مكة وإنما ذكروه للطواف، والغسل لدخول مكة هو في الحقيقة للطواف (ومن أحكام الباب أيضا) استحباب دخول مكة من الثنية العليا والخروج من السفلى كما في حديث ابن عمر، وبه قال جمهور العلماء (قال النووي في شرح المهذب) واعلم أن المذهب الصحيح المختار الذي عليه المحققون من أصحابنا أن الدخول من الثنية العليا مستحب لكل محرم داخل مكة سواء كانت في صوب طريقه أم لم تكن، ويعتدل إليها من لم تكن في طريقه، وقال الصيدلاني والقاضي حسين والفوراني وإمام الحرمين والبغوي والمتولي إنما يستحب الدخول منها لمن كانت في طريقه وأما من لم تكن في طريقه فقالوا لا يستحب له العدول إليها، قالوا وإنما دخل النبي الله صلى الله عليه وسلم اتفاقا لكونها كانت في طريقه، هذا كلام الصيدلاني وموافقيه، واختاره إمام الحرمين
_________
ونقله الرافعي عن جمهور الأصحاب، وقال الشيخ أبو محمد الجويني ليست العليا على طريق المدينة بل عدل إليها النبي الله صلى الله عليه وسلم متعمدا لها، قال فيستحب الدخول منها لكل أحد، قال ووافق إمام الحرمين الجمهور في الحكم، ووافق أبا محمد في أن موضع الثنية كما ذكره، وهذا الذي قاله أبو محمد من كون الثنية ليست على نهج الطريق بل عدل إليها هو الصواب الذي يقضي به الحس والعيان، فالصحيح استحباب الدخول من الثنية العليا لكل محرم قصد مكة سواء كانت في طريقه أم لا، وهو ظاهر نص الشافعي في المختصر ومقتضى اطلاقه، فإنه قال ويدخل المحرم من ثنية كداء، ونقله صاحب البيان عن عامة الأصحاب اهـ (قال الطيبي) وإنما فعل الله صلى الله عليه وسلم هذه المخالفة في الطريق داخلا أو خارجا للفأل بتغير الحال إلى أكمل منه كما فعل في العيد ليشهد له الطريقان وليتبرك به أهلهما اهـ (قال الحافظ) وقيل الحكمة في ذلك المناسبة بجهة العلو عند الدخول لما فيه من تعظيم المكان، وعكسه الإشارة إلى فراقه وقيل لأن إبراهيم لما دخل مكة دخل منها، وقيل لأنه الله صلى الله عليه وسلم خرج منها مختفيا في الهجرة فأراد أن يدخلها ظاهرا عليا، وقيل لأن من جاء من تلك الجهة كان مستقبلا للبيت، ويحتمل أن يكون ذلك لكونه دخل منها يوم الفتح فاستمر على ذلك، والسبب في ذلك قول أبي سفيان بن حرب للعباس لا أسلم حتى أرى الخيل تطلع من كداء، فقلت ما هذا؟ قال شيء طلع بقلبي، وأن الله لا يطلع الخيل هناك أبدا، قال العباس فذكرت أبا سفيان لذلك لما دخل (وللبيهقي من حديث ابن عمر) قال قال النبي الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لأبي بكر كيف قال حسان فأنشده:
عدمت بنيتي إن لم تروها
…
تثير النقع مطلعها كداء
فتبسم وقال ادخلوها من حيث قال حسان (تنبيه) حكى الحميدي عن ابي العباس العذري أن بمكة موضعا ثالثا يقال له كدى وهو بالضم والتصغير يخرج منه إلى جهة اليمين قال المحب الطبري حققه العذري عن أهل المعرفة بمكة، قال وقد بني عليها باب مكة الذي يدخل منه أهل اليمن. أفاده الحافظ ومن أحكام الباب أيضا استحباب دخول مكة نهارا لحديثي ابن عمر المذكورين في الباب وإليه ذهب ابن عمر رضي الله عنهما، وعطاء والنخعي واسحاق بن راهوية وابن المنذر وجمهور العلماء وللشافعية في ذلك أقوال (قال النووي) قال أصحابنا له دخول مكة ليلا ونهارا ولا كراهة في واحد منهما فقد تثبت الأحاديث فيها " يشير إلى حديثي ابن عمر في دخوله نهارا وإلى حديث محرش الكعبي الصحابي أن رسول الله الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة ليلا في عمرة الجعرانة، وقد أشرنا إليه في الشرح"
قال وفي الفضيلة وجهان أصحهما دخولها نهارا أفضل، حكاه ابن الصباغ وغيره عن أبي اسحاق
_________
المرزوي ورجحه البغوي وصاحب العدة وغيرهما (وقال القاضي أبو الطيب) والمارودي وابن الصباغ والعبدري هما سواء في الفضيلة لا ترجيح لأحدهما على الآخر، واحتج هؤلاء بأنه قد صح الأمران من فعل النبي الله صلى الله عليه وسلم ولم يرد عنه الله صلى الله عليه وسلم ترجيح لأحدهما ولانهي فكانا سواء، واحتج من رجح النهار بأنه الذي اختاره النبي الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وقال في آخرها " لتأخذوا عني مناسككم" فهذا ترجيح ظاهر للنهار، ولأنه أعون للداخل وأرفق به وأقرب إلى مراعاته للوظائف المشروعة له على أكمل وجوهها وأسلم له من التأذي والإيذاء والله أعلم اهـ ج ومن أحكام أحاديث الباب أيضا استحباب الدعاء عند رؤية البيت لحديث ابن عمر المذكور آخر الباب والآثار المذكورة في الزوائد، ولحديث أبي أمامة مرفوعا" تفتح أبواب السماء ويستجاب الدعاء في أربعة مواطن، عند التقاء الصفوف في سبيل الله، وعند نزول الغيث وعند إقامة الصلاة وعند رؤية الكعبة (طب) وهو ضعيف وإلى استحباب الدعاء عند رؤية البيت ذهب إليه كافة العلماء فيما أعلم وقد استحب جماعة من العلماء رفع اليدين عند هذا الدعاء لحديث ابن عمر المذكور في الزوائد، وسيق الكلام على ضغفه عقب ذكره، ولما رواه البيهقي عن مكحول والإمام الشافعي رحمه الله بعد أن أورد حديث ابن جريح ليس في رفع اليدين عند رؤية البيت شيء فلا أكرهه ولا استحبه (قال البيهقي) فكأنه لم يعتمد على الحديث لانقطاعه وقد ذهب (إلى استحباب رفع اليدين) عند الدعاء لرؤية البيت جمهور العلماء، حكاه ابن المنذر عن ابن عمر وابن عباس وسفيان الثوري وابن المبارك وأحمد واسحاق قال وبه أقول (قال النووي) وهو مذهبنا (قلت) وذهب الإمامان أبو حنيفة ومالك إلى عدم الرفع، وقد يحتج لهما بحديث المهاجر المكي قال سئل جابر بن عبد الله عن الرجل الذي يرى البيت يرفع يديه فقال ما كنت أدري أحدا يفعل هذا إلا اليهود، قد حججنا مع رسول الله الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن يفعله. رواه (د. نس) باسناد حسن، ورواه الترمذي عن المهاجر المكي أيضا قال سئل جابر بن عبد الله أيرفع الرجل يديه إذا رأى البيت فقال حججنا مع النبي الله صلى الله عليه وسلم فكنا نفعله هذا لفظ رواية الترمذي وإسناده حسن (قال النووي في شرح المهذب) قال أصحابنا رواية المثبت للرفع أولى، لأن معه زيادة علم (قال البيهقي) رواية غير جابر في اثبات الرفع أشهر عند أهل العلم من رواية المهاجر المكي. قال والقول في مثل هذا قول من رأى وأثبت، والله أعلم اهـ وقال الخطابي في معالم السنن قد اختلق الناس في هذا فكان ممن يرفع يديه إذا رأى البيت سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد بن حنبل واسحاق بن راهوية، وضعف هؤلاء حديث جابر لأن مهاجرا
أبواب الطواف بالبيت وادابه وما يتعلق به
(1)
باب الطهارة والسترة للطواف
(215)
عن ابن عباس رضي الله عنهما رفعه إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال إن النفساء والحائض تغتسل (1) وتحرم وتقضي المناسك كلها (2) غير أن لا تطوف بالبيت (3) حتى تطهر
راويه عندهم مجهول، وذهبوا إلى حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ترفع الأيدي في سبعة مواطن، افتتاح الصلاة، واستقبال البيت، وعلى الصفا والمروة، والموقفين، والجمرتين." وروى عن ابن عمر أنه كان يرفع اليدين عند رؤية البيت، وعن ابن عباس مثل ذلك والله أعلم اهـ قلت حديث ابن عباس الذي ذكره الخطابي أورده الهيثمي عن ابن عباس عن النبي بلفظ "لاترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن حين تقوم الصلاة وحين يدخل المسجد الحرام فينظر إلى البيت، وحين يقوم على الصفا، وحين يقوم على المروة، وحين يقف مع الناس عشية عرفه، وبجمع المقامين حين يرى الجمرة" قال الهيثمي رواه الطبراني في الكبير والأوسط إلا أنه قال رفع الأيدي إذا رأيت البيت، وفيه وعند رمي الجمار، وإذا اقيمت الصلاة. وفي الإسناد الأول محمد بن أبي ليلى وهو سيء الحفظ وحديثه حسن إن شاء الله، وفي الثاني عطاء بن السائب وقد اختلط اهـ
(216)
عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا مروان ابن شجاع حدثني خصيف عن عكرمة ومجاهد وعطاء عن ابن عباس رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم الحديث- (غريبة) أي لأجل الإحرام وإن كان عليهما الدم وهذا الغسل مستحب عند الجمهور لإجل النظافة، وكذلك عند دخول مكة وتقدم الكلام عليه
(2)
كالسعي والوقوف بعرفة ومزدلفة ورمي الجمار ونحو ذلك (3) إنما منعتا من الطواف لأن الطهارة شرط في صحته عند الجمهور وقوله حتى تطهر بفتح التاء والطاء المهملة المشددة ويجوز فتح الطاء مع تشديد الهاء وهو على حذف إحدى التاءين وأصله تتطهر هكذا ضبطه الحافظ في حديث عائشة حيث قال لها النبي صلى الله عليه وسلم "افعلي كما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري" والمراد بالطهارة هنا الغسل، ويؤيده ما وقع في رواية لمسلم "غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي" والحديث ظاهر في نهي الحائض عن الطواف حتى ينقطع دمها وتغتسل وهو قول الجمهور (تخريجه)(د. مذ) وقال حسن غريب
(216)
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال الحائض تقضي المناسك كلها إلا الطواف بالبيت.
(217)
عن عبد الرحمن بن القاسم عن ابيه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها وحاضت بسرف قبل أن تدخل مكة اقضي ما يقضى (1) الحاج (2) غير ألا تطوفي بالبيت (3) الحديث
(218)
عن زيد بن يثيع (4) عن أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه ببراءة لأهل مكة لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت
من هذا الوجه قلت وفي اسناده مروان بن شجاع وخصيف بن عبد الرحمن الجزري فيهما مقال ووثقهما جماعة
(216)
عن عائشة رضي الله عنها سنده حدثنا عبد الله أبي ثنا وكيع ثنا سفيان عن جابر عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة - الحديث- (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وفي اسناده جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي الكوفي أحد كبار علماء الشيعة، وثقه الثوري وغيره وقال النسائي متروك اهـ (قلت) وأخرجه باللفظ المذكور ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من حديث ابن عمر ويؤيده والذي قبله حديث عائشة رضي الله عنها الآتي
(217)
عن عبد الرحمن بن القاسم (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم - الحديث (غريبة)(2) أي افعلي ما يفعل الحاج إلا الطواف بالبيت (3) ليس هذا اخر الحديث وبقيته قالت فلما كنا بمنى أتيت بلحم بقر قلت ما هذا؟ قالوا ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه بالبقر تخريجه (ق. هق. وغيرهم)
(218)
عن زيد بن يثيع (سنده) حدثنا عبد الله قال حدثني أبي قال ثنا وكيع قال قال اسرائيل قال أبو اسحاق عن زيد بن يثيع بضم التحتانية وقد تبدل همزة بعدها مثلثة ثم تحتانية ساكنة ثم مهملة الهمداني الكوفي ثقة مخضرم من الثانية (5) أي سورة براءة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر اميرا على الحج سنة تسع ليقيم للناس حجهم وأهل الشرك على منازلهم من حجهم لم يصدوا بعد عن البيت ومنهم من له عهد
عريان (1) ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة (2) الحديث
مؤقت إلى أمد فأنزل الله عز وجل: " براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين" إلى قوله: " واذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله برئ من المشركين ورسوله" إلى اخر القصة" ففي بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر ليبلغها للمشركين في الحج ويقول لهم لا يحج بعد العام مشرك إلخ، وفي بعضها أنه بعث بها عليا وسيأتي تحقيق ذلك في تفسير سورة براءة من كتاب التفسير إن شاء الله تعالى (1) ذكر ابن اسحاق سبب هذا الحديث فقال إن قريشا ابتدعت قبل الفيل أو بعده أن لا يطوف بالبيت أحد لمن يقدم عليهم من غيرهم أول ما يطوف إلا في ثياب أحدهم فإن لم يجد طاف عريانا فإن خالف وطاف بثيابة ألقاها إذا فرغ منها ثم لم ينتفع بها، فجاء الإسلام فهدم ذلك كله (2) ليس هذا آخر الحديث وإنما اقتصرت منه على ما يناسب الترجمة وهو وجوب ستر العورة في الطواف وسيأتي الحديث بتمامه في تفسير سورة براءة من كتاب التفسير إن شاء الله تعالى (تخريجه)(ق. وغيرهما)(زوائد الباب)(عن عائشة رضي الله عنها أن أول شيء بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم يعني مكة أنه توضأ ثم طاف بالبيت (ق) وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الطواف حول البيت مثل الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم فلا يتكلمن إلا بخير (نس. مي. مذ) وذكر الترمذي جماعة وقفوه على ابن عباس واخرجه (هق. حب. ك) وصححه وقال قد روي موقوفا على ابن عباس (قال في السراج) المعنى أن الطواف كالصلاة من بعض الوجوه كالطهارة، لا أن أجره كأجر الصلاة وعن ابن طاوس عن ابيه عن ابن عباس قال الطواف من الصلاة فأقلوا فيه الكلام (هق) وصححه وعن أبي الزبير المكي أن أبا ماعز عبد الله بن سفيان أخبره أنه كان جالسا مع عبد الله بن عمر فجاءته امرأة تستفتيه فقالت إني أقبلت أريد أن أطوف بالبيت حتى إذا كنت عند باب المسجد أهرقت الدم فرجعت حتى إذا ذهب ذلك عني، ثم أقبلت حتى إذا كنت عند باب المسجد أهرقت الدم فرجعت حتى إذا ذهب ذلك عني حتى إذا كنت عند باب المسجد أهرقت الدم، فقال عبد الله بن عمر إنما ذلك ركضة من الشيطان، اغتسلي ثم استنفري بثوب ثم طوفي (هق) (وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت المرأة تطوف بالبيت في الجاهلية وهي عريانة وعلى فرجها خرقة وهي تقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله
…
فما بدا منه فلا أحله
فنزلت هذه الأية " قل من حرم زينة الله"(نس. هق) وعنه من طريق ثان بنحوه وفيه
_________
فنزلت " يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد"(م. هق) الأحكام أحاديث الباب مع الزوائد تدل على أن الطواف لا يصح من متنجس أو محدث حدثا أصغر أو أكبر ولا من الحائض والنفساء، وإلى ذلك ذهب الأئمة الثلاثة (مالك والشافعي وأحمد) وحكاه المارودي عن جمهور العلماء وحكاه ابن المنذر في طهارة الحدث عن عامة العلماء وانفرد الإمام أبو حنيفة فقال الطهارة من الحدث والنجس ليست بشرط للطواف فلو طاف وعليه نجاسة أو محدثا أو جنبا صح طوافه (واختلف أصحابه) في كون الطهارة واجبة مع اتفاقهم على أنها ليست بشرط فمن أوجبها منهم قال إن طاف محدثا لزمه شاة، وإن طاف جنبا لزمه بدنة قالوا ويعيده ما دام بمكة وعن الإمام أحمد روايتان إحداهما أنها شرط لصحة الطواف كما ذهب إليه الجمهور والثانية أن الطهارة ليست شرطا متى طاف للزيارة غير متطهر أعاد ما كان بمكة فإن خرج إلى بلده جبره بدم وقال داود الطهارة للطواف واجبه فإن طاف محدثا اجزأه إلا الحائض (وقال المنصوري) من أصحاب داود الطهارة شرط كمذهب الجمهور، واحتج أبو حنيفة وموافقوه بعموم قوله تعالى" وليطوفوا بالبيت العتيق" وهذا يتناول الطواف بلا طهارة قياسا على الوقوف وسائر أركان الحج
(واحتج الجمهور) بحديث عائشة المذكور في الزوائد أن النبي صلى الله عليه وسلم أول شيء بدأ به حين قدم مكة أن توضأ ثم طاف بالبيت وثبت في صحيح مسلم والإمام أحمد وغيرهما من رواية جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في آخر حجته "لتأخذوا عني مناسككم" قال النووي قال أصحابنا ففي الحديث دليلان (احدهما أن طوافه صلى الله عليه وسلم بيان للطواف المجمل في القرآن (والثاني) قوله صلى الله عليه وسلم " لتأخذوا عني مناسككم " يقتضي وجوب كل ما فعله إلا ما قام عليه دليل على عدم وجوبه (وعن عائشة أيضا) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها حين حاضت وهي محرمة اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي، رواه البخاري ومسلم بهذا اللفظ، وفيه تصريح باشتراط الطهارة لأنه صلى الله عليه وسلم نهاها عن الطواف حتى تغتسل والنهي يقتضي الفساد في العبادات فإن قيل إنما نهاها لأن الحائض لا تدخل المسجد قلنا هذا فاسد لأنه صلى الله عليه وسلم قال حتى تغتسلي ولم يقلف حتى ينقطع دمك، وبحديث ابن عباس السابق "الطواف بالبيت صلاة" وقد سبق أنه موقوف على ابن عباس ويحصل منه الدلالة أيضا لأنه قول صحابي حجه أيضا عند أبي حنيفة وأجاب أصحابنا عن عموم الآية التي احتج بها أبو حنيفة بجوابين أحدهما أنها عامة فيجب تخصيصها بما ذكرنا والثاني أن الطواف بغير طهارة مكروه عند أبي حنيفة ولا يجوز حمل الآية على طواف مكروه لأن الله تعالى لا يأمر بالمكروه (والجواب) عن قياسهم على الوقوف وغيره أن الطهارة ليست واجبه في غير الطواف من أركان الحج فلم تكن شرطا بخلاف الطواف فإنهم سلموا
(2)
باب طواف القدوم والرمل والاضطباع فيه
(219)
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه (1) وقد وهنتهم حمى يثرب، قال فقال المشركون: إنه ثقدم (2) عليكم قوم قد وهنتهم الحمى، قال فأطلع الله النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، فأمر أصحابه أن يرملوا (3) وقعد المشركون ناحية الحجر ينظرون
وجوبها فيه على الراجح عندهم والله أعلم اهـ (وفي حديث أبي بكر) الأخير من أحاديث الباب وحديث ابن عباس المذكور في الزوائد بلفظ كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عاريانة إلخ دلالة على وجوب ستر العورة في الطواف وأنه يشترط لصحته، وإلى ذلك ذهب الأئمة (مالك، والشافعي، وأحمد) والجمهور وذهبت (الحنفية) إلى أنه ليس بشرط، فمن طاف عريانا عند الحنفية أعاد ما دام بمكة فإن خرج لزمه دم والله أعلم (وفي حديث أبي الزبير المكي المذكور في الزوائد) دلالة على صحة الطواف من المستحاضة باتفاق العلماء (تنبيه) اختلف العلماء في النية في طواف الحج أو العمرة، فذهب الأئمة (النووي وأبو حنيفة وجمهور الشافعية) وهو الصحيح عندهم، إلى أنه لا يفتقر شيء من أفعال الحج مطلقا إلى نية، لأن نية الحج تشملها كلها كما أن نية الصلاة تشمل جميع أفعالها ولا يحتاج إلى النية في ركوع أو غيره، ولأنه لو وقف بعرفة ناسيا أجزأه بالإجمعا (وذهب الأئمة أحمد واسحاق) وأبو ثور وابن القاسم المالكي وابن المنذر إلى أنه لا يصح إلا بالنية، لأنه عبادة تفتقر إلى البيت فافتقرت إلى النية كرعتي القيام، والظاهر الأول والله أعلم.
(220)
عن سعيد بن جبير (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان ثنا حماد بن زيد ثنا ايوب عن سعيد بن جبير - الحديث (غريبة)(1) يعني إلى مكة في عمرة القضية سنة سبع من الهجرة (2) بفتح الدال مضارع قدم بكسرها (وقولهم وهنتهم) أي أضعفتهم (ويثرب) بفتح الموحدة غير منصرف اسم المدينة المنورة في الجاهلية (3) بضم الميم مضارع رمل بفتحها، وتقدم معنى الرمل وهو الإسراع في المشي ليرى المشركون قوتهم بهذا الفعل لانه أقطع في تكذيبهم وأبلغ في نكايتهم، ولذا قالوا هؤلاء الذين تزعمون أن الحمى وهنتهم، هؤلاء أقوى من كذا وكذا (وقوله ومشوا ما بين الركنين) يعني الأسود واليماني، وذلك في الثلاثة الأشواط الأول كما يستفاد من حديثه التالي، والمعنى أنهم كانوا يرملون الشوط كله إلا في الموضع الذي بين الركن اليماني
إليهم فرملوا ومشوا ما بين الركنين، قال: فقال المشركون: هؤلاء الذين تزعمون أن الحمى وهنتهم، هؤلاء أقوى من كذا وكذا (1) ذكروا قولهم قال ابن عباس فلم يمنعه أن يأمرهم (2) أن يرملوا الأشواط كلها إلا إبقاء عليهم
(221)
عن ابي الطفيل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال رمل رسول الله صلى الله عليه وعلى صحبه وسلم ثلاثة أشواط بالبيت إذا انتهى إلى الركن اليماني مشي حتى يأتي الحجر ثم يرمل، ومشي أربعة أشواط، قال: قال ابن عباس وكانت سنة (3)(زاد في رواية) قال أبو الطفيل وأخبرني ابن عباس
والركن الأسود، لأن المشركين كانوا لا يرونهم في هذا الموضع، وقد جاء معنى ذلك في رواية لأبي داود من حديث ابن عباس أيضا قال" وكانوا إذا بلغوا الركن اليماني وتغيبوا مشوا ثم يطلعون يرملون (1) لم يصرح في هذه الرواية بما قالوا وجاء في رواية لأبي داود أنهم قالوا" هؤلاء أجلد منا" وله في أخرى " تقول قريش كأنهم الغزلان " (2) أي من أي يأمرهم فحذف الجار لعدم اللبس (وقوله أن يرملوا الأشواط كلها) أي أن يرملوا فحذف الجار كذلك، أولا حذف أصلا لأنه يقال أمرته بكذا وأمرته كذا، أي لم يمنعه عليه الصلاة والسلام أن يأمرهم بالرمل في الطوفات كلها إلا ابقاء عليهم (وفي رواية للبخاري) إلا الإبقاء عليهم بزيادة الألف واللام (قال القسطلاني) بكسر الهمزة وسكون الموحدة والقاف ممدودة مصدر أبقى عليه إذا رفق به وهو مرفوع فاعل لم يمنعه، لكن الإبقاء لا يناسب أن يكون هو الذي منعه من ذلك، إذا الأبقاء معناه الرفق كما في الصحاح فلابد من تأويله بارادة ونحوها، أي لم يمنعه من الأمر بالرمل في الأربعة الا ارادته صلى الله عليه وسلم الأبقاء عليهم فلم يأمرهم به وهم لا يفعلونه شيئا الا بأمره اهـ. والأشواط جمع شوط بفتح الشين وهو الجري مرة الى الغاية، والمراد به هنا الطوفة حول الكعبة (تخريجه)(ق. د. نس. وغيرهم)
(220)
عن أبي الطفيل (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا على بن عاصم عن الجريري عن أبي الطفيل وعبد الله بن عثمان بن خثيم كلاهما عن ابن عباس - الحديث (غريبة)(3) يعني الرمل في الأشواط الأول، والمشي في الأربعة الباقية صار سنة وإن زال سببه، ولذلك صرح في الرواية الأخرى بأن النبي
أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في حجة الوداع
(221)
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف سبعا وطاف سبعا (1) وإنما سعى حب أن يرى الناس (2) قوته
(222)
وعنه أيضا قال رمل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في حجته وفي عمره كلها وأبو بكر وعمر وعثمان والخلفاء (3)
(223)
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إذا طاف الطواف الأول (4) خب ثلاثا ومشي أربعا وكان
صلى الله عليه وسلم ذلك في حجه الوداع وقد زال سبب الرمل والله أعلم (وقوله زاد في رواية) هذه الزيادة جاءت في حديث طويل لأبي الطفيل عن ابن عباس سيأتي بتمامه في باب عمرة القضاء من كتاب السيرة النبوية إن شاء الله تعالى (تخريجه) لم أقف عليه بهذا السياق لغير الإمام أحمد وسنده جيد
(221)
عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان ثنا همام ثنا قتادة عن عكرمة عن ابن عباس - الحديث (غريبة)(1) أي في الثلاثة الأشواط كما تقدم وهو المعبر عنه بالرمل (2) أي كفار قريش حيث نسبوه صلى الله عليه وسلم وهو وأصحابه للضعف وعدم القوة كما تقدم (تخريجه)(ق. م. هق.) بلفظ " إنما سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورمل بالبيت ليُري المشركين قوته" وللإمام أحمد رواية أخرى كروايتهم أيضا
(222)
وعنه أيضا (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو معاوية ثنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس_ الحديث (غريبة)(3) فيه دلالة على مشروعية الرمل في طواف العمرة (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد من حديث ابن عباس وسنده جيد، وذكره الحافظ في التلخيص وعزاه للأمام أحمد فقط وسكت عنه، وقال في فتح الباري نعم عند الحاكم من حديث أبي سعيد رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته وعمره كلها وأبو بكر وعمر والخلفاء
(222)
عن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا على بن بحر ثنا عيسى بن يونس عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر _ الحديث" (غريبة)(4) يعني طواف القدوم (وقوله خب) أي رمل. لأن الرمل والخبب بمعنى واحد، وهو إسراع
يسعى ببطن المسيل (1) إذا طاف بين الصفا والمروة
(224)
عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يرمل ثلاثا ويمشي أربعا ويزعم (2) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله وكان يمشي ما بين الركنين، قال (3) انما كان يمشي ما بينهما ليكون أيسر لاستلامه (4)
(225)
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم رمل من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود (5)
المشي مع تقارب الخطا (وقوله ثلاثا) أي في الطوفات الثلات الأول من السعي (وقوله ومشي أربعا) معناه أنه مشي في الطوفات الأربع الباقية من السبع مشيا اعتياديا بدون خبب (1) بطن المسيل أي المكان الذي يجتمع فيه السيل (قال النووي) وهو قدر معروف وهو من قبل وصوله إلى الميل الأخضر المعلق بفناء المسجد إلى أن يحاذي الميلين الأخضرين المتقابلين اللذين بفناء المسجد ودار العباس والله أعلم (تخريجه)(ق. هق. وغيرهم)
(223)
عن نافع عن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيي عن عبيد الله أخبرني نافع عن ابن عمر - الحديث
(غريبة)(2) تقدم أن الزعم هنا هو اطلاق الزعم على القول الصحيح (3) القائل هو نافع اي لأنه لايتمكن الاستلام، وجعل ابن عباس في حديثه السابق أول الباب العلة فيه الإبقاء عليهم يعني الرفق بهم وهذا الرأي قاله نافع، فإن كان استند فيه إلى فهمه فلا يدفع احتمال أن يكون ابن عمر ووافق ابن عباس اتباعا لما كان من المشي بين الركنين لما عرف من مذهبه في الاتباع (تخريجه) لم أقف عليه بهذا السياق لغير الإمام أحمد وسنده جيد، وأخرجه الشيخان وغيرهما إلى قوله ويمشي أربعا، وأخرجه النسائي لغير الإمام أحمد وسنده جيد، وأخرجه الشيخان وغيرهما إلى قوله ويمشي أربعا، وأخرجه النسائي إلى قوله " ويزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله"
(224)
عن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو نوح أنبأنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر - الحديث (غريبة)(3) فيه أن الرمل يشرع في جميع المطاف من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود " يعني في الثلاث طوفات الأول ما تقدم من الأحاديث الأخرى" وهو يخالف حديث ابن عباس المذكور أول الباب، بل ويخالف حديث ابن عمر نفسه المذكور قبل هذا، لأنه يستفاد منهما ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يرمل في الثلاثة الأشواط الأول إلا المسافة التي بين الركنين فإنه كان يمشي
(226)
عن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم طاف بالبيت وهو مضطبع (1) ببرد له حضرمي
(227)
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من جعرانة فاضطبعوا أرديتهم تحت آباطهم (وفي لفظ)(2) جعلوا أرديتهم وقذفوها على عواتقهم اليسرى (وعنه من طريق ثان)(2) أن رسول
فيها في كل مرة من الطوفات الثلاثة، وتقدم أن ذلك كان في عمرة القضية سنة سبع قبل فتح مكة وكان في المسلمين إذ ذاك ضعف في أبدانهم، وإنما رملوا اظهارا للقوة واحتاجوا إلى ذلك في غير ما بين الركنين اليمانيين، لأن المشركين كانوا جلوسا مما يلي الحجر وكانوا لا يرونهم بين هذين الركنين ويرونهم فيما سوى ذلك، فلما حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع سنة عشر رمل من الحجر إلى الحجر فوجب الأخذ بهذا المتأخر لأنه ناسخ لذاك والله أعلم (تخريجه)(م. د. نس. جه. هق)
(226)
عن يعلي بن أمية (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا سفيان عن ابن جريج عن ابن يعلي عن ابيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم - الحديث" (غريبة) (1) الاضطباع افتعال من الضبع بإسكان الباء الموحدة وهو العضد، وهو أن يدخل إزاره تحت إبطه الأيمن ويرد طرفه على منكبه الأيسر ويكون منكبه الأيمن مكشوفا، كذا في شرح مسلم للنووي وشرح البخاري للحافظ، وهذه الهيئة ستأتي في حديث ابن عباس (والبرد) بضم الباء الموحدة وسكون الراء نوع من الثياب (وقوله حضرمي) أي منسوب إل حضر موت بلد باليمن (تخريجه) (د. جه. مي. مذ) وصححه ولفظه عن يعلي بن أمية أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم طاف بالبيت وعليه برد ورواه أبو داود وفيه " وهو مضطجع ببرد له أخضر"
(227)
عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سريج ويونس قالا ثنا حماد يعني ابن سلمة عن عبد الله بن عثمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - الحديث (غريبة)(2) هذا اللفظ ليونس أحد رجال السند في روايته (3)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حسن بن موسى ثنا حماد بن سلمة عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي الطفيل عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه
الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من جعرانة فرملوا بالبيت ثلاثا ومشوا أربعا
(228)
عن زيد بن أسلم عن أبيه قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول فيما (1) الرملان الآن والكشف عن المناكب وقد أطأ
(2)
الله الإسلام ونفى الكفر وأهله، ومع ذلك لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (2)
اعتمروا من جعرانة فرملوا بالبيت ثلاثا ومشوا أربعا (تخريجه)(د. طب) وسكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص، ورجاله رجال الصحيح، وقد صحح حديث الاضطباع النووي في شرح مسلم
(228)
عن زيد بن أسلم (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الملك بن عمرو ثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه - الحديث (غريبة)(1) باثبات الف ما الاستفهامية وهي لغة، والأكثر يحذفونها، والرملان بفتحتين مصدر رمل، والكشف عن المناكب هو الاضطباع، وتقدم تفسيره قبل حديث (2) بهمزتين مفتوحتين بينهما طاء مهملة مشددة مفتوحة (قال الخطابي) إنما هو وطأ الله، أي ثبته وأرساه والواو قد تبدل همزة (3) زاد الاسماعيلي في آخره ثم رمل، وحاصله أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد هم بترك الرمل في الطواف لأنه عرف سببه، وقد انقضى، فهم أن يتركه لفقد سببه، ثم رجع عن ذلك لاحتمال أن يكون له حكمه ما اطلّع عليها، فرأى أن الاتباع أولى، ويؤيد مشروعية الرمل على الاطلاق ما ثبت في حديث ابن عباس وتقدم في أحاديث الباب أنهم رملنا في حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نفي الله في ذلك الوقت الكفر وأهله عن مكة، والرمل في حجة الوداع ثابت أيضا في حديث جابر الطويل عند مسلم والإمام أحمد وغيرهما وتقدم في باب صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم (قال الخطابي) وفيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد يسن الشيء لمعنى فيزول ذلك المعنى وتبقى السنة عل حالها، وممن كان يرى الرمل سنة مؤكدة ويرى على من تركه دما سفيان الثوري، وقال عامة أهل العلم ليس على تاركه شيء اهـ (تخريجه)(د. جه. بز. ك. هق) وسنده جيد (قال الحافظ) في التلخيص وأصله في صحيح البخاري بلفظ " ما لنا وللرمل، إنما كنا رأينا المشركين وقد أهلكهم الله، ثم قال شيء صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نحب أن نتركه" وعزاه البيهقي إليه " يعني إلى البخاري" ومراده اصله (زوائد الباب)(عن ابن عباس) رضي الله عنهما
زوائد الباب وبيان أنواع الطواف
_________
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه (د. جه. هق)(وعن نافع) أن عبد اله بن عمر رضي الله عنهما كان إذا أحرم من مكة لم يطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة حتى يرجع من منى، وكان لا يسعى إذا طاف حول البيت إذا أحرم من مكة (قال الشافعي في القديم) في قوله لا يسعى يعني لا يرمل، قال ومن أحرم من مكة أو طاف قبل منة ثم طاف يوم النحر لم يرمل، إنما يرمل من كان ابتداء طوافه (هق)(وعن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما أنه قال ليس على النساء سعى " أي رمل " بالبيت ولا بين الصفا والمروة (عائشة رضي الله عنهما قالت يا معشر النساء ليس عليكن رمل بالبيت لكن فينا اسوة، رواهما البيهقى (وعن ابن عباس) رضي الله عنهما قال سئل رسول الله صلى عليه وسلم عام حج عن الرمل فقال إن الله قد كتب عليكم السعي فاسعوا (طس) وفيه الفضل بن صدقة وهو ضعيف (وعن سهل بن حنيف) رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اعتمر وكان في الطريق قالوا لو أنا نظرنا إلى بعير سمين فنحرناه فأكلناه حتى يروا قوتنا فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله ادع بأزواد القوم ثم ادع فيها فان الله سيبارك فيها، ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بشروا الناس أنه من قال لا إله الله وجبت له الجنة (طب) وفيه رشدين بن سعد وفيه كلام وقد وثق (وعن هلال بن زيد) قال رأيت أنس بن مالك في السعي حول البيت في الطوفات الثلاثة يمشى ما بين الركن اليماني إلى الركن الأسود في الحج والعمرة، ثم سمعت أنس بن مالك يقول هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع (طب) وفيه هلال ابن زيد بن بولي وهو ضعيف (وعن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما قال سعى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشواط ومشى أربعة في الحج والعمرة (خ. نس. هق.) (الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد تدل على مشروعية طواف القدوم والرمل فيه والاضطباع. وغير ذلك سيأتي الكلام عليه (واعلم أن الطواف ثلاثة أنواع باجماع العلماء) (أحدهما) طواف القدوم على مكة (والثاني) طواف الإفاضة بعد رمي جمرة العقبة يوم النحر لمن كان محرما بحج (والثالث) طواف الوداع بعد التحلل من أعمال الحج كلها واردة المفر كأنه يودع البيت (واجمعوا) على أن الواجب منها الذي يفوت الحج بفواته هو طواف الإفاضة وأنه المعنىّ بقوله تعالى:" ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق" وأنه لا يجزئ عنه دم (وجمهورهم) على أنه لا يجزئ طواف القدوم على مكة عن طواف الإفاضة إذا نسي طواف الإفاضة كأنهم رأوا أن الواجب إنما هو طواف واحد (وجمهور العلماء) على أن طواف الوداع يجزئ عن طواف الإفاضة إن لم يكن طواف الإفاضة، لأنه
_________
طواف بالبيت معمول في وقت طواف الوجوب الذي هو طواف الإفاضة بخلاف طواف القدوم الذي هو قبل وقت طواف الإفاضة (واجمعوا) على أن المكي ليس عليه إلا طواف الإفاضة كما أجمعوا على أنه ليس على المعتمر إلا طواف القدوم، وسيأتي الكلام على طواف القارن والمتمتع والمفرد في أبوابه، ونتكلم الآن على طواف القدوم لأنه المقصود بالترجمة فنقول (أما طواف القدوم) فقد اختلف في وجوبه فذهب الإمامان (مالك وأبو ثور) وبعض أصحاب الإمام الشافعي إلى أنه فرض لقوله تعالى " ليطوفوا بالبيت العتيق" ولفعله صلى الله عليه وسلم وقوله " خذوا عنى مناسككم " وذهب الأئمة (أبو حنيفة والشافعي وأحمد) إلى أنه سنة، قالوا لأنه ليس فيه إلا فعله صلى الله عليه وسلم وهو لا يدل على الوجوب، وأما الاستدلال على الوجوب بالآية فقال شارح البحر إنها لا تدل على طواف القدوم لأنها في طواف الزيارة (أي الإفاضة) اجماعا اهـ (قال الشوكاني) والحق الوجوب، لأن فعله صلى الله عليه وسلم مبين لمجمل واجب هو قوله تعالى" ولله على الناس حج البيت" وقوله صلى الله عليه وسلم " خذوا عني مناسككم " وقوله" حجوا كما رأيتموني أحج" وهذا الدليل يستلزم وجوب كل فعل فعله النبي صلى الله عليه وسلم في حجه إلا ما خصه دليل، فمن ادعى وجوب شيء من أفعاله في الحج فعليه الدليل على ذلك. وهذه كلية فعليك بملاحظتها في جميع الأبحاث التي ستمر بك اهـ (وفي أحاديث الباب) دلالة على مشروعية الرمل في الطواف الأول في الثلاثة الأشواط الأول وأنه سنة، والطواف الأول هو طواف القدوم (وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء) ومنهم الأئمة الأربعة (قال النووي) رحمه الله ولا يسن ذلك إلا في طواف العمرة وفي طواف واحد في الحج، واختلفوا في ذلك الطواف، وهما قولان للشافعي أصحهما أنه إنما يشرع في طواف يعقبه سعي ويتصور ذلك في طواف القدوم، ويتصور في طواف الإفاضة، ولا يتصور في طواف الوداع لأن شرط طواف الوداع أن يكون قد طاف للإفاضة فعلى هذا القول إذا طاف للقدوم وفي نيته أن يسعى بعده استحب الرمل فيه، وإن لم يكن هذا في نيته لم يرمل فيه بل يرمل في طواف الإفاضة (والقول الثاني) أنه يرمل في طواف القدوم سواء أراد السعي بعده أم لا والله أعلم (قال أصحابنا) فلو أخل بالرمل في الثلاث الأول من السبع لم يأت به في الأربع الأواخر، لأن السنة في الأربع الأخيرة المشي على العادة فلا يغيره، ولو لم يمكنه الرمل للزحمة أشار في هيئة مشية إلى صفة الرمل، أشار في هيئة مشية إلى صفة الرمل، ولو لم يمكنه الرمل بقرب الكعبة للزحمة وأمكنه إذا تباعد عنها فالأولى أن يتباعد ويرمل، لأن فضيلة الرمل هيئة للعبادة في نفسها والقرب من الكعبة هيئة في موضع العبادة لا في نفسها، فكان في تقديم ما تعلق بنفسها أولى والله أعلم (وفي أحاديث الباب أيضا) مشروعية المشي بين الركنين في الثلاثة الأشواط
(3)
باب فضل الطواف والركن اليماني والحجر الأسود ومقام إبراهيم
(229)
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى آله
الأول ولكن كان ذلك في أول الأمر ثم نسخ بأنه صلى الله عليه وسلم رمل مع أصحابه في حجة الوداع من الحجر إلى الحجر كما في أحاديث الباب، وتقدم الكلام عليه في الشرح (وفي أثرى ابن عمر وعائشة) المذكورين في الزوائد دلالة على أن النساء ليس عليهن رمل في الطواف بالبيت ولا بين الصفا والمروة (وحكى النووي اتفاق العلماء على ذلك) ولو تر ك الرجل الرمل حيث شرع له فهو تارك لسنة ولا شيء عليه عند الجمهور (وقال الحسن البصري) والثوري وعبد الملك بن الماجشون المالكي إذا ترك الرمل لزمه دم، وكان الإمام مالك يقول به ثم رجع (واجمعوا) على أنه لا رمل على من أحرم بالحج من مكة من غير أهلها وهم المتمتعون لأنهم قد رملوا في حين دخولهم حيث طافوا للقدوم " واختلفوا في أهل مكة " هل عليهم إذا حجوا رمل أم لا (فقال الإمام الشافعي) كل طواف قبل عرفة مما يوصل بينه وبين السعي فإنه يرمل فيه (وكان الإمام مالك) يستحب ذلك، وكان ابن عمر لا يرى عليهم رملا إذا طافوا بالبيت على ما روي عنه مالك (وفي أحاديث الباب أيضا) مشروعية الاضطباع في الطواف وتقدم معناه في الشرح، وهو أن يدخل إزاره تحت إبطه الأيمن ويرد طرفه على منكبه الأيسر فيكون منكبه الأيمن مكشوفا، وهذه الهيئة هي المذكورة في حديث ابن عباس المذكور في الباب، والحكمة في فعله أنه يعين على إسراع المشي (وقد ذهب إلى استحبابه الجمهور) سوى الإمام مالك فإنه قال الاضطباع لا يعرف ولا رأيت أحدا يفعله (وقال النووي) في شرح المهذب: اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على استحباب الاضطباع في الطواف واتفقوا على أنه لا يسن في غير طواف الحج والعمرة وأنه يسن في طواف العمرة وفي طواف واحد في الحج وهو طواف القدوم أو الإفاضة، ولا يسن إلا في أحدهما، قال وحاصله أنه يسن في طواف فيه الرمل ولا يسن فيما لا يسن فيه الرمل، وهذا الاختلاف فيه اهـ (قال صاحب المهذب) ولا ترمل المرأة ولا تضطبع، لأن في الرمل تبين اعضاءها وفي الاضطباع ينكشف ما هو عورة منها اهـ (قال النووي) في شرحه واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على ذلك والله أعلم
(229)
عن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر والثوري عن عطاء بن السائب عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه عن ابن عمر
وسلم قال إن مسح الركمن اليماني والركم الأسود (1) يحط الخطايا حطا (2)
(230)
عن عبد الله بن عبيد بن عمير أنه سمع أباه يقول لابن عمر مالي لا أراك تستلم إلا هذين الركنين الحجر الأسود والركن اليماني؟ فقال ابن عمر: إن أفعل ذلك (3) فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول: إن استلامهما يحط الخطايا، قال وسمعته يقول من طاف أسبوعا (4) يحصيه وصلى ركعتين (5) كان له كعدل رقبةٍ (6) قال
الحديث (غريبة)(1) سمي هذا الركن بالأسود لكون الحجر الأسود فيه والمراد مسح الحجر الأسود بيده وتقبيلها إن لم يمكنه تقبيله وإلا فيمسحه بيده ويقبله بفمه، اما الركن اليماني فيمسحه بيده ولا يقبله كما ذهب إليه الجمهور، وتقدمت الإشارة إلى ذلك (2) أي يسقطها وهو كناية عن غفران الذنوب وأكد بالمصدر إفادة لتحقيق وقوع ذلك (تخريجه)(نس. حب) وفي إسناده بن السائب ثقة، ولكنه اختلط، وحسنه المناوي والسيوطي، ويؤيده الحديث الآتي بعده، ورواه البيهقي بسنده عن عبد الله بن عمير الليثي عن أبيه قال قلت لابن عمر: مالي رأيتك تزاحم على هذين الركنين؟ لم أر أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزاحم عليهما غيرك، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول: مسحهما يحط الخطايا
(230)
عن عبد الله بن عبيد (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هشيم أنا عطاء بن السائب عن عبد الله بن عبيد بن عمير - الحديث (غريبة)(3) يعني أن أخص هذين الركنين بالاستلام فلا ألام على ذلك لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إلخ فإن شرطية والجواب مقدر ودليل الجواب قوله فقد سمعت إلخ (4) أي سبع مرات ومنه قيل أسبوع للأيام السبعة، ويقال له سبوع بلا ألف على لغة قليلة، وقيل هو جمع سُبع أو سَبع كبرد وبرود وضرب وضروب (وقوله يحصيه) أي يكمله عدا ويراعى ما يعتبر في الطواف من الشروط والآداب (5) هما ركعتي الطواف يصليهما عقب فراغه من الطواف خلف مقام إبراهيم، وقد جاء مصرحا به في حديث جابر الطويل وتقدم في باب صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم في الجزء الحادي عشر (6) العدل والعدل بالكسر والفتح في الحديث، وهما بمعنى المثل وقيل هو بالفتح ما ماثله من جنسه، وبالكسر ما ليس من جنسه
وسمعته يقول: ما رفع رجل قدما ولا وضعها (1) إلا كتب له عشر حسنات وحط عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات
(231)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يأتي هذا الحجر (2) يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد لمن استلمه بحق (3)
وقيل بالعكس (نه) والمعنى أن من طاف وصلى ركعتين بعد الطواف بالشروط المتقدمة كان له مثل اعتاق رقبة في الثواب، والكاف زائدة في قوله كعدل (1) يعني في الطواف (تخريجه) أورده المنذري وقال رواه أحمد وهذا لفظه، والترمذي ولفظه " اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان مسحهم كفارة للخطايا" وسمعته يقول:" لا يضع قدما ولا يرفع أخرى إلا حط الله عنه بها خطيئة وكتب له بها حسنة"(رواه الحاكم) وقال صحيح الإسناد (وابن خزيمة) في صحيحه ولفظه " إن أفعل فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مسحهما يحط الخطايا" وسمعته يقول: " من طاف بالبيت لم يرفع قدما ولم يضع قدما إلا كتب الله له حسنة وحط عنه خطيئة وكتب له درجة" وسمعته يقول: " من أحصى أسبوعا كان كعتق رقبة"(ورواه ابن حبان) في صحيحه مختصرا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال" مسح الحجر والركن اليماني يحط الخطايا حطا"(قال المنذري) رووه كلهم عن عطاء بن السائب عن عبدالله اهـ (قلت) يريد أن عطاأ مختلف فيه، بعضهم وثقه وبعضهم ضعفه لأنه اختلط في آخر أمره والله أعلم، ورواه الترمذي في أواخر الحج بلفظ حديث الباب، وقال هذا حديث حسن
(231)
عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا على بن عاصم أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس- الحديث (غريبة) يعني الحجر الأسود يبعثه الله يوم القيامة كما يبعث الخلائق (ولفظ الترمذي والله ليبعثنه يوم القيامة له عينان الخ (3) بحق متعلق باستلمه أي استلمه إيمانا واحتسابا، ويجوز أن يتعلق بيشهد، والحديث محمول على ظاهره، فإن الله تعالى قادر على إيجاد البصر والنطق في الجمادات، لأن الأجسام متشابهة في الحقيقة يقبل كل منها ما يقبل الآخر من الأعراض، هذا مذهب السلف والراسخين في العلم، وهو الذي أعتقده وأدين الله عليه، وذهب آخرون إلى تأويله بأن ذلك كناية عن تحقيق ثواب المستلم وأن سعيه لا يضيع، ولا أدري ما الذي ألجأهم إلى ذلك ألم يسمعوا قول الله تعالى في كتابه المبين" ولقد خلقنا
(232)
وعنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الحجر الأسود من الجنة (1) وكان أشد بياضا من الثلج (2) حتى سودته خطايا أهل الشرك
الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين" من كان هذا خلقه وهذه قدرته أليس بقادر على خلق عينين ولسان للحجر؟ بلى قادر، اللهم ألهمنا الصواب وقنا شر الزيغ والزلل ووفقنا لصالح العمل آمين (تخريجه) (مذ. جه. هق. خز. حب) وصححاه وقال الترمذي حديث حسن ورواه الطبراني في الكبير ولفظه " يبعث الله الحجر الأسود والركن اليماني يوم القيامة ولهما عينان ولسانان وشفتان يشهدان لمن استلمهما بالوفاء
(232)
وعنه أيضا (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا روح ثنا حماد يعني ابن سلمة ثنا عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم الحديث (غريبة)(1) آوله بعض الشرح بإرادة المبالغة في تعظيم شأن الحجر وتفظيع أمر الخطايا والذنوب، والمعنى أن الحجر لما فيه من الشرف والكرامة واليمن والبركة شارك جواهر الجنة فكأنه نزل منها، وأقول لا ملجئ لهذا التأويل بل يحمل الحديث على ظاهره إذ لا مانع من ذلك عقلا ونقلا، لا سيما وقد جاء هذا الحديث عند الطبراني بلفظ يبعد التأويل وسيأتى في التخريج (قال الحافظ) واعترض بعض الملحدين على هذا الحديث فقال كيف سودته خطايا المشركين ولم تبيضه طاعات أهل التوحيد؟ (وأجيب) بما قال ابن قتيبة لو شاء الله لكان ذلك، وإنما أجرى العادة بأن السواد يصبغ ولا يُصبغ على العكس من البياض (وقال المحب الطبري) في بقائه أسود عبرة لمن له بصيرة فإن الخطايا إذا أثرت في الحجر الصلد فتأثيرها في القلب أشد، قال وروي عن ابن عباس إنما غيره بالسواد لئلا ينظر أهل الدنيا إل زينة الجنة، فإن ثبت هذا الجواب لكن قال الحافظ أخرجه الحميدي في فضائل مكة باسناد ضعيف (2) لفظ الترمذي أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم (تخريجه)(هق. خز. مذ) وقال حديث حسن صحيح، ورواه الطبراني في الأوسط والكبير باسناد حسن ولفظه قال: " الحجر الأسود من حجارة الجنة وما في الأرض من الجنة غيره، وكان أبيض كالمها لولا ما مسه من رجس الجاهلية، ما مسه ذو عاهة إلا برأ (وفي رواية) لابن خزيمة قال الحجر الأسود ياقوته بيضاء من يواقيت الجنة وإنما سودته خطايا المشركين، يبعث يوم القيامة مثل أُحد يشهد لمن استلمه
(223)
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال الحجر الأسود من الجنة
(234)
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ولم: يأتي الركن (1) يوم القيامة أعظم من أبي قبيس (2) له لسان وشفتان
(235)
عن مسافع (3) بن شيبة سمعت عبد الله بن عمرو (يعني ابن
وقبله من أهل الدنيا " وقوله المها" مقصورا جمع مهاة وهي البلورة
(233)
عن أنس بن مالك (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحي ابن سعيد عن شعبة ثنا قتادة عن أنس - الحديث (تخريجه) هكذا رواه الإمام أحمد موقوفا على أنس، ورواه البزار والبيهقي والطبراني في الأوسط مرفوعا، وفيه عمر بن ابراهيم العبدي وثقه ابن معين وغيره وفيه ضعف قاله الهيثمي
(234)
عن عبد الله بن عمرو (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سريج ثنا عبد الله بن المؤمل عن عطاء بن أبي رباح عن عبد اله بن عمرو بن العاص- الحديث (غريبة)(1) المراد بالركن الحجر الأسود (2) اسم جبل بمكة وهو أحد الأخشبين (قال الأزرقي) الأخشبان بمكة هما الجبلان، أحدهما أبو قبيس وهو الجبل المشرف على الصفا إلى السويد إلى الحندمة وكان يسعى في الجاهلية الأمين، لأن الحجر الأسود كان مستودعا فيه عام الطوفان، قال الأزرقي وبلغني عن بعض أهل العلم من أهل مكة أنه قا ل إنما سمي أباقيس لأن رجلا كان يقال له أبو قيس بنى فيه فما صعد فيه بالبناء سمي الجبل أبا قيس (قال مجاهد) أول جبل وضعه الله تعالى على الأرض حين مادت أبو قبيس، وأما الأخشب الآخر فهو الجبل الذي يقال له الأحمر، وكان يسمى في الجاهلية الأعرف وهو الجبل المشرف على قيقعان وعلى دور عبد الله بن الزبير اهـ (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد والطبراني في الأوسط وزاد " يشهد لم استلمه بالحق وهو يمين الله عز وجل يصافح بها خلقه" وفيه عبد الله بن المؤمل وثقه ابن حبان وقال يخطئ وفيه كلام، وبقية رجاله رجال الصحيح
(235)
عن مسافع بن شيبة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عفان ثنا رجاء أبو يحيى ثنا مسافع- الحديث (غريبة)(3) هو مسافع بن عبد الله
العاص) رضي الله عنهما يقول فأنشد بالله (1) ثلاثا ووضع إصبعيه في أذنيه لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الركن (2) والمقام (وفي لفظ إن الحجر والمقام) ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس اله عز وجل نورهما (3) ولولا أن الله طمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب (وفي لفظ ما بين السماء والأرض)
ابن شيبة، فشيبة جده وقد نسب إليه (قال الحافظ) في التقريب مسافع بن عبد الله ابن شيبة بن عثمان العبدري أبو سليمان الحجبي، وقد ينس لجده ثقة من الثالثة قيل قتل يوم الجمل ولا يصح ذلك بل تأخر إلى خلافة الوليد اهـ أي أقسم بالله تعالى وثلتّ القسم للتأكيد ووضع إصبعي في إذنيه تأكيد ثان، واللام في قوله لسمعت تأكيد ثالث، وكل هذه التأكيدات ليثبت أنه سمع الحديث بإذنيه من الرسول صلى الله عليه وسلم بدون واسطة (2) المراد بالركن هنا الحجر الأسود كما في اللفظ الآخر، وأما المقام فمقام إبراهيم، وهو الحجر الذي كان إبراهيم عليه السلام يقوم عليه لبناء الكعبة لما ارتفع الجدار أتاه اسماعيل عليه السلام به ليقوم فوقه ويناوله الحجارة فيضعها بيده لرفع الجدار وكلما كمل ناحية انتقل إلى الناحية الأخرى يطوف حول الكعبة وهو واقف عليه وهكذا حتى تم جدران الكعبة، وكانت آثار قدمية ظاهرة فيه، ولم يزل هذا معروفا تعرفه العرب في جاهليتها ولهذا قال أبو طالب في قصيدته المعروفة اللامية:
وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة
…
على قدميه حافيا غير ناعل
وقد أدرك المسلمون ذلك فيه أيضا كما قال عبد الله بن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب أن أنس بن مالك حدثهم قال رأيت المقام فيه أصابعه عليه السلام واخمص قدميه غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم وروي البيهقي بسنده عن عائشة رضي الله عنها أن المقام كان زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وزما أبي بكر رضى الله عنه ملتصقا بالبيت ثم أخره عمر بن الخطاب رضي الله عنه (قال الحافظ) ابن كثير اسناده صحيح قال ومكانه معروف اليوم إلى جانب الباب مما يلي الحجر يمنة الداخل من الباب في البقعة المستقلة هناك (3) أي أذهبه (قال القارئ) أي بمساس المشركين لهما ولعل الحكمة في طمسهما ليكون الإيمان غيبيا لا عينيا (تخريجه)(مذ. حب. ك. هق) قال الحافظ أخرجه أحمد والترمذي وصححه ابن حبان وفي اسناده رجاء أبو يحيي وهو ضعيف (قال الترمذي) حديث غريب ويروى عن عبد الله بن عمرو موقوفا، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه وقفة أشبه، والذي رفعه
_________
ليس بقوي اهـ (زوائد الباب)(عن عبد الله بن عمرو بن العاص) رضي الله عنهما نزل الركن الأسود من السماء فوضع على أبي قبيس كأنه مهاة بيضاء (أي بلورة) فمكث أربعين سنة ثم وضع على قواعد إبراهيم (طب) ورجاله ثقات (وعن ابن عباس) رضى الله عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: لولا ما طبع الركن من أنجاس الجاهلية وأرجاسها وأيدي الظلمة وا للئمة لاستشفى به من كان به عاهة ولألفى اليوم كهيته يوم خلقه الله، وإنما غيره بالسواد لئلا ينظر أهل النار إلى زينة الجنة وليصرن إليها، وإنها لياقوتة من ياقوت الجنة، وضعه الله حين أنزل آدم في موضع الكعبة والأرض يومئذ طاهرة ولم يعمل فيها شيء من المعاصى وليس لها أهل ينجسونها، فوضع له صف من الملائكة على أطراف الحرم يحرسونه من سكان الأرض. وسكانها يومئذ الجن، لا ينبغي لهم أن ينظروا إليه لأنه شيء من الجنة، ومن نظر إلى شيء من الجنة دخلها، فليس ينبغي أن ينظر إليها إلا من وجبت له الجنة والملائكة يذودونهم عنه وهم وقوف على أطراف الحرم يقذفون بهم من كل جانب، ولذلك سمي الحرم لأنهم يحولون فيما بينهم وبينه (طب) وفيه من لم أعرفه ولا له ذكر (وعن ابن عباس) رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث الله الحجر الأسود والركن اليماني يوم القيامة ولهما عينان ولسانان وشفتان ويشهدان لمن استلمهما بالوفاء (طب) من طريق بكر ابن محمد القرشي عن الحارث بن غسان وكلاهما لم أعرفه
(وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشهدوا هذا الحجر خيرا فإنه يوم القيامة شافع مشفع له لسان وشفتان يشهد لمن استلمه (طس) وفيه الوليد بن عباد وهو مجهول وبقية رجاله ثقات، أورد هذه الأحاديث الحافظ الهيثمي وتكلم عليها جرحا وتعديلا (وعن محمد بن المنكدر) عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من طاف بالبيت أسبوعا لا يلغو فيه كان كعدل رقبة يعتقها (طب) ورواته ثقات (عن حميد بن أبي سوية) قا ل سمعت ابن هشام يسأل عطاء بن أبي رباح عن الركن اليماني وهو يطوف بالبيت، فقال عطاء حدثني أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" وكل به سبعون ملكا فمن قال اللهم إني أسالك العفو والعافية في الدنيا والآخرة ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار قالوا آمين" فلما بلغ الركن الأسود قال يا أبا محمد ما بلغك في هذا الركن الأسود؟ فقال عطاء حدثني أبو هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من فاوضه فإنما يفاوض يد الرحمن" قال له ابن هشام يا أبا محمد فالطواف؟ قال عطاء حدثني أبو هريرة رضى الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من طاف البيت سبعا ولا يتكلم إلا بسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله محيت عنه عشر سيئات وكتبت له عشر حسنات ورفع له بها عشر درجات، ومن
(4)
باب استلام الركن الأسود واليماني وعدم استلام الركنين الآخرين
(216)
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستلم الركن اليماني والأسود كل طوفة ولا يستلم الركنين الآخرين اللذين يليان الحجر (1)(وعنه من طريق ثان) أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كان لا يدع أن يستلم الحجر والركن اليماني في كل طوف
طاف فتكلم وهو في تلك الحال خاض في الرحمة برجليه كخائض الماء برجليه" أورده الحافظ المنذري وقال رواه ابن ماجه عن اسماعيل بن عياش حدثني حميد بن أبي سوية وحسنه بعض مشايخنا " وقوله وكل به" أي بالتأمين لمن دعا عنده " وقوله فاوضه " أي قابله بوجهه " وقوله فتكلم وهو في تلك الحال خاض في الرحمة برجليه" معنا هـ أنه إذا تكلم بكلام الدنيا كان في الرحمة برجليه فقط دون سائر جسده بخلاف من يذكر الله في تلك الحا لة فإنه يكون في الرحمة بتمام جسده والله أعلم (وعن ابن عباس) رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يُنزل الله كل يوم على حجاج بيته الحرام عشرين ومائة رحمة. ستين للطائفين وأربعين للمصلين (هق) بإسناد حسن (وعنه أيضا) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من طاف بالبيت خمسين مرة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه (مذ) وقال حديث غريب. سألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال إنما يروى عن ابن عباس من قوله (الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد تدل على فضل الطواف لمن أتى به كاملا مراعيا شروطه وآدابه كالطهارة من الحدث والنجس في الثوب والبدن وستر العورة وأن يطوف داخل المسجد وأن يستكمل سبع طوفات وأن يبتدئ طوافه من الحجر الآسود مع استلامه وتقبيله واستلام الركن اليماني وعدم الكلام إلا بذكر الله تعالى من فعل ذلك كان له عند الله فضل عظيم وثواب جسيم (وفيها أيضا) دلالة على فضل الركن اليماني والحجر الأسود ومقام إبراهيم وأنهما ياقوتتان من الجنة وقد أتينا في الشرح بما فيه الكفاية والله الموفق.
(231)
عن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا الفضل ابن دكين ثنا ابن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر - الحديث (غريبة)(1) يعني الركنين الشاميين لأنهما ليسا على قواعد إبراهيم (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيي عن ابن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم الحديث (تخريجه)(د. نس. هق.) وفي اسناده عبد العزيز أبي رواد فيه مقال، قال
(237)
عن سالم عن أبيه أنه قال لم أر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يمسح من البيت إلا الركنين اليمانيين.
(238)
عن ابن عباس رضي الله عنهما كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لا يستلم إلا هذين الركنين اليماني والأسود.
(239)
عن يعلي بن أمية رضي الله عنه قال طفت مع عمر بن الخطاب
يحيى بن سليم الطائفي كان يرى الأرجاء (وقال يحيي القطان) هو ثقة لا يترك لرأي أخطأ فيه (وقال ابن المبارك) كان يتكلم ودموعه تسيل، ووثقه ابن معين وأبو حاتم
(237)
عن سالم عن أبيه (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هاشم ابن القاسم واسحاق بن عيسى قالا ثنا ليث بن سعد وقال هاشم ثنا ليث حدثني ابن شهاب عن سالم عن أبيه - الحديث (غريبة)(1) قال النووي اليمانيين بتخفيف الياء هذه هي اللغة الفصحى المشهورة، وحكى سيبويه والجوهري وغيرهما فيها لغة أخرى بالتشديد، فمن خفف قال هذه هي اللغة الفصحى المشهورة، وحكى سيبويه والجوهرى وغيرهما فيها لغة أخرى بالتشديد، فمن خفف قال هذه نسبة إلى اليمن فالألف عوض من إحدى ياءي فتبقى الياء الأخرى مخففة، ولو شددنا لكان جميعا بين العوض والمعوض وذلك ممتنع، ومن شدد قال الألف في اليماني زائدة وأصله اليمني فتبقى الياء مشددة وتكون الألف زائدة كما زيدت النون في صنعاني ورقباني ونظائر ذلك، قال والركنان اليمانيان هما الركن الأسود والركن اليماني وإنما قيل لهما اليمانيان للتغليب كما قيل في الأب والأم الأبوان. وفي الشمس والقمر والقمران وفي أبي بكر وعمر رضى الله عنهما العمران. وفي الماء والتمر الأسودان. ونظائره مشهورة (تخريجه)(ق. هق. والأربعة إلا الترمذي)
(238)
عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا روح ثنا الثوري ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي الطفيل قال كنت مع معاوية وابن عباس وهما يطوفان حول البيت فكان ابن عباس يستلم الركنين وكان معاوية يستلم الأركان كلها، فقال ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستلم إلا هذين الركنين اليماني والأسود فقال معاوية ليس منها شيء مهجور (تخريجه)(خ. هق) ورواه أيضا مسلم مختصرا على المرفوع منه.
(239)
عن يعلي بن أمية (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيي عن ابن جريج حدثني سليمان بن عتيق عن عبد الله بن بابية عن يعلي بن أمية - الحديث "
رضي الله عنه فلما كنت عند الركن الذي يلي الباب مما يلي الحجر (1) أخذت بيده ليستلم، فقال أما طفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت بلى، قال فهل رأيته يستلمه؟ قلت لا، قال فانفذ عندك (2) فإن لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة (وعنه من طريق ثان)(3) قال طفت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاستلم الركن، قال يعلى فكنت مما يلي البيت، فلما بلغت الركن الغربي الذي يلي الأسود جررت بيده ليستلم، فقال ما شأنك؟ فقلت ألا تستلم؟ قال ألم تطف مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم؟ فقلت بلى، فقال افرأيته يستلم هذين الركنين الغربيين؟ قال فقلت لا، قال أفليس لك فيه أسوة حسنة؟ قال قلت بلى، قال فانفذ عنك
(فصل منه في استلام الحجر الأسود وتقبيله وما يقال عند ذلك وما يفعل من زوحم)
(240)
عن الزبير بن عربي قال سمعت رجلا (4) سأل ابن عمر
(غريبة)(1) هو أحد الركنين الشاميين (2) في الطريق الثانية فانفذ عنك والمعنى واحد أي دعه وتجاوزه، يقال سر عنك وانفذ عنك أي امض عن مكان وجزه
(2)
(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا روح ثنا ابن جريج أخبرني سليمان ابن عتيق عن عبد الله بن بابيه عن بعض بنى يعلي عن يعلي بن أمية قال طفت مع عمر- الحديث (تخريجه)(هق) وأورده الهيثمي وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، ورواه من طريق آخر وفيه رجل لم يسم (قلت هي الطريق الثانية من حديث الباب) قال ورواه الطبراني في الأوسط (قلت) وللإمام أحمد وأبي يعلي عن يعلي ابن امية قال طفت مع عثمان فاستلمنا الركن فذكر نحو حديث الباب بإبدال عمر بعثمان فلعل القصة وقعت ليعلى بن أمية مرتين، مرة مع عمر ومرة مع عثمان رواه أبو يعلي باسنادين أحدهما رجاله رجال الصحيح وسند الإمام أحمد فيه راو لم يسم والله أعلم.
(240)
عن الزبير بن عربي (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا روح وحسن ابن موسى قالا ثنا حماد بن زيد ثنا الزبير بن عربي قال سأل رجل ابن عمر وعن استلام الحجر قال حسن عن الزبير بن عربي قال سمعت رجلا سأل ابن عمر إلخ (غريبة)(4) جاء هذا
رضي الله عنهما عن الحجر، قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله، فقال رجل (1) أرأيت إن زاحمت، فقال ابن عمر: اجعل أرأيت باليمن (2) رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يستلمه ويقبله.
(241)
عن ابن عمر رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم الحجر الأسود فلا أدع استلامه في شدة ولا رخاء (3)
(242)
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
الحديث في رواية أبي داود الطيالسي عن حماد حدثنا الزبير سألت ابن عمر الحديث- فالظاهر أن الرجل المبهم هنا هو الزبير بن عربي راوي الحديث وأبهم نفسه لغرض (وقوله عن الحجر) اي عن استلام الحجر وتقبيله (1) لفظ البخاري قال قلت أرأيت إن زحمت، أرأيت إن غلبت، فالرجل المبهم في رواية الإمام أحمد القائل أرأيت إن زحمت هو الزبير بن عربي من غير شك، ومعنى قوله أرأيت إن زحمت أي أخبرني ما أصنع إذا زحمت (قال الحافظ) وزحمت بضم الزاي بغير اشباع، وفي بعض الروايات بزيادة واو (2) هذا يشعر بأن الرجل يماني، وقد وقع في رواية أبي داود الطيالسي اجعل أرأيت عند ذلك الكواكب، وإنما قال له ذلك لأنه فهم منه معارضة الحديث بالرأي فأنكر عليه ذلك وأمره إذا سمع الحديث أن يأخذ به ويتقي الرأي، والظاهر أن ابن عمر لم ير الزحام عذرا في ترك الاستلام وقد روي سعيد بن منصور من طريق القاسم بن محمد قال: رأيت ابن عمر يزاحم على الركن حتى يدمى، ومن طريق أخرى أنه قيل له في ذلك، قال هوت الأفئدة إليه فأريد أن يكون فؤادي معهم، وروي الفاكهي من طرق عن ابن عباس كراهة المزاحمة وقال لا يؤذي ولا يؤذي أفاده الحافظ (تخريجه)(خ. نس. مذ) والطيالسي
(241)
عن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هشيم أنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر الحديث (غريبة)(3) يريد أنه كان حريصاعلى استلامه في الزحام وغيره (تخريجه)(ق. نس. وغيرهم)
(242)
عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان ثنا وهيب ثنا عبد الله ثنا عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - الحديث
أكب على الركن (1) فقال إني لأعلم أنك حجر ولو لم أر حبيبي صلى الله عليه وسلم قبلك واستلمك ما استلمتك ولا قبلتك (2)"لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة"(3)
(243)
عن عابس بن ربيعة قال رأيت عمر رضي الله عنه نظر إلى الحجر (3) فقال أما والله لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقبلك ما قبلتك ثم قبله
(244)
عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال له يا عمر إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف (4)
(غريبة)(1) أي لزمه (2) جاء في رواية عند الشيخين " إني أعلم أنك حجر لا تضر ولاتنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك (قال الطبراني) إنما قال ذلك عمر رضي الله عنه لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام فخشي عمر أن يظن الجهال أن استلام الحجر من باب تعظيم الأحجار كما كانت العرب تفعل في الجاهلية، فأراد عمر أن يعلم الناس أن استلامه اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا لأن الحجر ينفع ويضر بذاته كما كانت الجاهلية تعتقده في الأوثان اهـ (3) استدل عمر رضي الله عنه بالأية على أنه ما قبّله إلا تأسيا برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لأنه قبله (تخريجه)(ق. د. نس. هق) بألفاظ مختلفة.
(243)
عن عابس بن ربيعة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أسود ابن عامر قال ثنا زهير عن سليمان الأعمش ثنا إبراهيم عن عابس بن ربيعة - الحديث" (غريبة)(3) لفظ مسلم رأيت عمر رضي الله عنه يقبل الحجر ويقول إني لأقبلك وأعلم انك حجر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقبلك لم أقبلك (تخريجه)(ق. د. نس. مذ. هق)
(244)
عن عمر رضي الله عنه (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا سفيان عن أبي يعفور العبدي قال سمعت شيخا بمكة في إمارة الحجاج يحدث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا عمر - الحديث" (غريبة)(4) فيه دلالة على أنه لا يجوز لمن كان له فضل قوة أن يضايق الناس إذا اجتمعوا على الحجر لما يتسبب عن ذلك من أذية الضعفاء والإضرار بهم ولكنه يتسلمه خاليا أن تمكن.
إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فاستلمه فهلل وكبر (1)
وإلا اكتفى بالإشارة والتهليل والتكبير مستقبلا له، وتقدم أن الفاكهي روى من طرق عن ابن عباس كراهة المزاحمة وقال لا يؤذي ولا يؤذى (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وفيه راو لم يسم (زوائد الباب)(عن نافع) قال رأيت ابن عمر استلم الحجر بيده ثم قبل يده وقال ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله (ق. وغيرهما)(وعن سويد بن غفلة) قال رأيت عمر قبل الحجر والتزمه وقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بك حفيا أي معتنيا (م. نس. هق)(وعن حنظلة) قال رأيت طاوسا يمر بالركن فان وجد عليه زحاما مر ولم يزاحم، وإن رآه خاليا قبله ثلاثا، ثم قال رأيت ابن عباس فعل مثل ذلك، وقال ابن عباس رأيت عمر بن الخطاب فعل مثل ذلك، ثم قال إنك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك، ثم قال عمر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثل ذلك (نس)(وعن عامر بن ربيعة) رضي الله عنه قال لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم من الأركان إلا الركن اليماني والأسود (بز) وفيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف (وعن عبد الرحمن بن عوف) رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف فعلت في استلام الركنين؟ قلت كل ذلك قد فعلت، استلمت وتركت فقال اصبت رواه البزار والطبراني في الصغير متصلا (ورواه البزار) أيضا والطبراني في الكبير مرسلا ورجال المرسل رجال الصحيح الصغير متصلا (ورواه البزار) أيضا والطبراني في الكبير مرسلا ورجال المرسل رجال الصحيح وشيخ البزار في المرفوع أحمد بن محمد بن سعيد الأنماطي ولم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات (وعن ابن عمر) رضي الله عنهما قال رأيت عمر بن الخطاب قبل الحجر وسجد عليه، ثم عاد فقبله وسجد عليه، ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه أبو يعلي باسنادين وفي أحدهما جعفر بن محمد المخزومي وهو ثقة وفيه كلام، وبقية رجاله رجال الصحيح ورواه البزار، من الطريق الجيد (وعن ابن عباس) رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الركن (يعني الأسود) ويضع خده عليه (عل) وفيه عبد الله بن مسلم بن هرمز وهو ضعيف (وعن سعد بن طارق) عن أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت فإذا ازدحم الناس على الحجر استلمه بمحجن بيده (طب) وفيه محمد بن عبد الرحمن بن قدامة قال البخاري فيه نظر وبقية رجاله ثقات (وعن زيد بن جبير) أن رجلا ذكر لابن عمر الحجر ومسحه يحال بيني وبينه فلا نستطيع أن نمسحه، فقال عبد الله كنا نقرعه بالعصى إذا لم نستطع مسحه (طب) بأسانيد وبعضها رجاله ثقات (وعن عبد الله بن عمرو) قال: طوفوا بهذا البيت واستلموا هذا الحجر فإنهما كانا حجرين أهبطا من الجنة فرفع أحدهما
_________
وسيرفع الآخر، فإن لم يكن كما قلت فمن مر بقبري فليقل هذا قبر عبد الله بن عمرو الكذاب (وفي رواية) عن عبد الله بن عمرو أيضا قال نزل جبريل عليه السلام بهذا الحجر من الجنة فتمتعوا به فإنكم لا تزالون بخير مادام بين أظهركم فإنه يوشك أن يأتي فيرجع به من حيث جاء به، رواه كله الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح (وعن نافع) قال كان ابن عمر إذا استلم الحجر قال اللهم أيمانا بك وتصديقا بكتابك وسنة نبيك، ثم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم (طس) ورجاله رجال الصحيح (وعن على رضي الله عنه أنه كأن إذا استلم الحجر قال اللهم أيمانا بك وتصديقا واتباع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم (طس) وفيه الحارث وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر واستلمه ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلا فالتفت فإذا عمر يبكي، فقال يا عمر ها هنا تسكب العبرات (ك) وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه اهـ (قلت) وأقره الذهبي (وعن جابر ابن عبدالله) رضي الله عنهما قال دخلنا مكة عند ارتفاع الضحى فأتى النبي صلى الله عليه وسلم باب المسجد فأناخ راحلته ثم دخل المسجد فبدأ بالحجر فاستلمه وفاضت عيناه بالبكاء، ثم رمل ثلاثا ومشي أربعا حتى فرغ، فلما فرغ قبل الحجر ووضع يديه عليه ومسح بهما وجهه (ك) وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه اهـ (قلت) واقره الذهبي (وعن جعفر بن عبد الله) وهو ابن الحكم قال رأيت محمد بن عباد بن جعفر قبل الحجر وسجد عليه، ثم قال رأيت خالك ابن عباس يقبله ويسجد عليه (وقال ابن عباس) رأيت عمر بن الخطاب قبله وسجد عليه، ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبّل هكذا ففعلت (ك) وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه اهـ (قلت) وأقره الذهبي
(وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استلم الحجر فقبله واستلم الركن اليماني فقبل يده (هق) وقال فيه عمر بن قيس المكي ضعيف وقد روي في تقبيله خبر لا يثبت (وعن ابن عباس) رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استلم الركن قبله ووضع خده الأيمن عليه (هق) وقال تفرد به عبد الله بن مسلم بن هرمز وهو ضعيف، قال والأخبار عن ابن عباس في تقبيل الحجر الأسود والسجود عليه إلا أن يكون أراد به الركن اليماني فإنه أيضا يسمى بذلك فيكون موافقا لغيره اهـ (الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد تدل على مشروعيه استلام الركنين الأسود واليماني وعلى مشروعية تقبيل الحجر الأسود دون غيره، وقد اتفق العلماء على أن استلام الركنين المذكورين من سنن الطواف للرجال دون النساء، واختلفوا هل تستلم الأركان كلها أم لا فذهب الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة
مذاهب الأئمة في أحكام استلام اليمانيين وتقبيل الحجر الأسود
.
إلى أنه إنما يُستلم الركنان فقط لأحاديث الباب، واحتج من رأى استلام جميعها بما روي عن جابر قال: كنا نرى إذا طفنا أن نستلم الأركان كلها. وسيأتي الكلام عليه في الباب التالي، وإنما خُص الركنان المذكوران بالاستلام دون غيرها لما تقدم أنهما على قواعد إبراهيم وخص الحجر الأسود بالتقبيل لما ثبت في فضله وأنه من الجنة (قال النووي) رحمه الله وقد أجمعت الأمة على استحباب استلام الركنين اليمانيين، واتفق الجمهور على أنه لا يمسح الركنين الآخرين اهـ. وذهب بعض أهل العلم إلى استحباب تقبيل الركن اليماني ووضع الخد عليه عملا بحديث ابن عباس المذكورين في الزوائد، رواه البيهقي ورواه أيضا البخاري في التاريخ والدراقنطي وهو ضعيف. والثابت عند الشيخين والأمام أحمد وغيرهم من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستلمه فقط، فإن صح حديث ابن عباس حمل على أنه أراد الأسود بقوله اليماني لأنه يقال اليماني أيضا، وقد أشار إلى ذلك البيهقي والله تعالى أعلم، (أما تقبيل الحر الأسود خاصة) فقد أجمع العلماء على أنه من سنن الطواف أيضا إن قدر، وإن لم يقدر على الدخول إليه قبل يده لحديث نافع المذكور في الزوائد قال " رأيت ابن عمر استلم الحجر بيده ثم قبل يده وقال ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يفعله" رواه الشيخان وغيرهما (قال النووي) رحمه الله فيه استحباب تقبيل اليد بعدم استلام الحجر الأسود إذا عجز عن تقبيل الحجر، وهذا الحديث محمول على من عجز عن تقبيل الحجر وإلا فالقادر يقبل الحجر ولا يقتصر في اليد على الاستلام بها، وهذا الذي ذكرناه من استحباب تقبيل اليد بعد الاستلام للعاجز هو مذهبنا ومذهب الجمهور (وقال القاسم) بن محمد التابعي المشهور لا يستحب التقبيل (وبه قال مالك) في أحد قوليه والله أعلم اهـ (وفي حديثي ابن عمر وابن عباس) المذكورين في الزوائد مشروعية تقبيل الحجر والسجود عليه ووضع الخد (أما التقبيل والسجود) فقد جاء في حديث ابن عمر (وأما التقبيل ووضع الخد) فقد جاء في حديث ابن عباس عند الحاكم وغيره، وقد جاء معنى ذلك في حديث سويد بن غفلة عند مسلم والنسائي، قا ل رأيت عمر قبل الحجر والتزمه، وقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بك حفيا (يعني معتنيا) فالسجود ووضع الخد من معاني الالتزام (قال النووي) في قوله والتزمه إشارة إلى استحباب السجود على الحجر الأسود بأن يضع جبهته عليه، فيستحب أن يستلمه ثم يقبله ثم يضع جبهته عليه. هذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وحكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب وابن عباس وطاوس والشافعي وأحمد قال (يعنى ابن المنذر) وبه أقول قال وقد روينا فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم (وانفرد مالك عن العلماء) فقال السجود عليه بدعة واعترف القاضي عياض المالكي بشذوذ مالك في هذه المسألة عن العلماء (وأما الركن اليماني)
.
فيستلمه ولا يقبله بل يقيد اليد بعد استلامه، هذا مذهبنا وبه قال جابر بن عبد الله وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة، وقال أبو حنيفة لا يستلمه. وقال مالك وأحمد يستلمه ولا يقبل اليد بعده (وعن مالك) رواية أنه يقبله. وعن أحمد رواية أنه يقبله. والله أعلم (وأما قول عمر رضي تعالى الله عنه) لقد علمت أنك حجر وإني لأعلم أنك حجر وأنك لاتضر ولا تنفع، فأراد به بيان الحث على الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في تقبيله. ونبه على أنه لولا الاقتداء به صلى الله عليه وسلم لما فعله، وإنما قال وإنك لا تضر ولا تنفع لئلا يغتر بعض قربى العهد بالإسلام الذين كانوا ألفوا عبادة الأحجار وتعظيمها رجاء نفعها وخوف الضرر بالتقصير في تعظيمها. وكان العهد قريبا بذلك، فخاف عمر رضي الله عنه أن يراه بعضهم يقبله ويعتني به، فيشتبه عليه، فبين أنه لا يضر ولا ينفع بذاته وإن كان امتثال ما شرع فيه ينفع بالجزاء والثواب فمعناه أنه لا قدرة له على نفع ولا ضرر وأنه حجر مخلوق كباقي المخلوقات التي لا تضر ولا تنفع، وأشاع عمر هذا في الموسم ليشهد له البلدان ويحفظ عنه أهل الموسم المختلفوا الأوطان والله أعلم اهـ (وقال المهلب) حديث عمر هذا يرد على من قال إن الحجر يمين الله في الأرض يصافح بها عباده (قلت الحجر يمين الله إلخ - جاء في حديث مرفوع عن جابر عند الخطيب وابن عساكر والطبراني ولكنه ضعيف) قال ومعاذ الله أن يكون لله جارحة، وإنما شرع تقبيله اختبارا ليعلم بالمشاهدة طاعة من يطيع وذلك شبيه بقصة إبليس حيث أمر بالسجو لآدم (وقال الخطابي) معنى أنه يمين الله في الأرض ان من صافحه في الأرض كان له عند الله عهد، وجرت العادة أن العهد يعقده الملك بالمصافحة لمن يريد موالاته والاختصاص به فخاطبهم بما يعهدونه (وقال المحب الطبري) معناه أن كل ملك إذا قدم
…
عليه الوافد قبل يمينه، فلما كان الحاج أول ما يقدم يسن له تقبيله نزل منزلة يمين الله ولله المثل الإعلى (قال الحافظ) وفي قول عمر هذا التسليم للشارع في أمور الدين وحسن الاتباع فيما لا يكشف عن معانيها، وهو قاعدة عظيمة في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما يفعله ولو لم يعلم الحكمة (وفيه) دفع ما وقع لبعض الجهال من أن في الحجر الأسود خاصة ترجع إلى ذاته (وفيه) بيان السنن بالقول والفعل وأن الإمام إذا خشي على أحد من فعله فساد اعتقاد أن يبادر إلى بيان الأمر ويوضح ذلك اهـ
(تتمة في عدم الاغترار بقول القائلين بجواز تقبيل قبره صلى الله عليه وسلم ومنبره وقبور الصالحين)
ذكر بعض شراح البخاري عن بعض العلماء جواز تقبيل قبره صلى الله عليه وسلم ومنبره وقبور الصالحين وأيديهم لأجل التبرك بذلك قياسا على تقبيل الحجر الإسود، ولا أوافقهم على هذا، بل ما ورد فيه نص صريح عن الشارع قبلناه وعملنا بمقتضاه وما لا فلا، نعم ورد أن بعض الصحابة
_________
قبل يد النبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم قبل جبهته، وقبل بعض التابعين يد بعض الصحابة، وتقبيل اليد من كتاب الأدب إن شاء الله تعالى، وعلى هذا فيجوز تقبيل يد الصالحين والوالدين ومن ترجى بركتهم. أما تقبيل قبره صلى الله عليه وسلم ومنبره وقبور الصالحين فم يرد أن أحدا من الصحابة أو التابعين فعل ذلك، بل ورد النهي عنه فقد روى أبو داود بسند حسن من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" لا تجعلوا بيوتكم قبوار ولا تجعلوا قبري عيدا وصلوا على فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) ولهذا الحديث شواهد صادقة من أوجه مختلفة، منها عن على بن الحسين أنه رأى رجلا يجئ إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو فنهاه وقال ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لاتتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا، فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم، رواه الضياء في المختارة وأبو يعلى والقاضي اسماعيل (وقال سعيد بن منصور) في سننه حدثنا عبد العزيز بن محمد أخبرني سهل بن سهيل قال: رآني الحسن بن الحسن بن على بن أبي طالب عند القبر فناداني وهو في بيت فاطمة يتعشى فقال هلم إلى العشاء، فقلت لا أريده، فقال مالي رأيتك عند القبر فقلت سلمت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال إذا دخلت المسجد فسلم، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تتخذوا قبري عيدا ولا تتخذوا بيوتكم مقابر وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم، لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء، وفسر الحافظ ابن القيم العيد في قوله صلى الله عليه وسلم " لا تتخذوا قبري عيدا" بما يعتاد مجيئه وقصده من زمان ومكان مأخوذ من المعاودة والاعتياد، فإذا كان اسما للمكان فهو المكان الذي يقصد فيه الاجتماع والانتياب بالعبادة وبغيرها كما أن المسجد الحرام ومنى ومزدلفة وعرفة والمشاعر جعله الله تعالى عيدا للحنفاء ومثابة للناس كما جعل أيام العيد منها عيدا، وكان للمشركين أعياد زمانية ومكانية، فلما جاء الله بالإسلام أبطلها وعوض الحنفاء منها عيد الفطر وعيد النحر كما عوضهم عن أعياد المشركين المكانية بكعبة ومنى ومزدلفة وسائر المشاعر اهـ (وقال شيخ الإسلام) الحافظ بن تيمية رحمه الله معنى الحديث لا تعطلوا البيوت من الصلاة فيها والدعاء والقراءة فتكون بمنزلة القبور فأمر بتحري العبادة بالبيوت ونهى عن تحريها عند القبور عكس ما يفعله المشركون من النصارى ومن تشبه بهم من هذه الأمة، والعيد اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد عائد أما بعود السنة أو الأسبوع أو الشهر ونحو ذلك " وقوله وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم" يشير إلى أن منا ينالنى منكم من الصلاة والسلام يحصل مع قربكم من قبري وبعدكم عنه فلا حاجه بكم إلى اتخاذه عيدا اهـ (وروى الشيخان والإمام أحمد عن
_________
عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرض موته" لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" تقول عائشة يحذرهم مثل الذي صنعوا (وفي رواية) قالت عائشة ولولا ذلك لأبرز قبره، ولكن كره أن يتخذ مسجدا، فهم دفنوه في حجرة عائشة بخلاف ما اعتادوه من الدفن في الصحراء لئلا يصلي أحد على قبره ويتخذ مسجدا فيتخذ قبره وثنا، وكان الصحابة والتابعون لما كانت الحجرة النبوية منفصلة عن المسجد إلى زمن الوليد بن عبد الملك لا يدخل أحد منهم عنده لا لصلاة هناك ولا لتمسح بالقبر ولا لدعاء هناك، بل كانوا يصلون في المسجد ويدعون فيهن وكان السلف من الصحابة والتابعين إذا سلموا عليه أو أرادوا الدعاء دعوا مستقبلي القبلة ولم يستقبلوا القبر، وأما وقت السلام عليه صلى الله عليه وسلم فقال أبو حنيفة: يستقبل القبلة أيضا ولا يستقبل القبر، وقال أكثر الأئمة بل يستقبل القبر عند السلام خاصة ولم يقل أحد من الأئمة إنه يستقبل عند الدعاء، واتفق الأئمة على أنه لا يتمسح بقبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقبله وهذا كله محافظة على التوحيد، فإن من أصول الشرك بالله اتخاذ القبور مساجد كما قالت طائفة من السلف في قوله تعالى" وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا" قالوا هؤلاء كانوا قوما صالحين في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صورهم تماثيل ثم طال عليهم الأمد فعبدوها، وقد ذكر هذا المعنى في الصحيحين وعند الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله عز وجل يوم القيامة، وذكر الإمام محمد بن جرير في تفسيره عن غير واحد من السلف، أنظر باب النهي عن اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد للتبرك والتعظيم صحيفة 37 من كتاب المساجد في الجزء الثالث من كتابنا هذا واقرأ أحكامه وكلام المحقيقين في ذلك، وما جر المصائب على عوام الناس وغرس في أذهانهم أن الصالحين من أصحاب القبور ينفعون ويضرون حتى صاروا يشركونهم مع الله في الدعاء ويطلبون منهم قضاء الحوائج ودفع المصائب إلا تساهل معظم المتأخرين من العلماء، وذكر هذه البدع في كتبهم ولا أدري ما الذي الجأهم إلى ذلك وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تحذر منه، أكان هؤلاء أعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث أمر بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه وسلم فقطعها لأن الناس كانوا يذهبون فيصلون تحتها تبركا، وما أمر عمر رضي الله عنه بقطعها إلا خوفا من الافتنان بها، وثبت عنه رضي الله عنه أنه رأى الناس في سفر يتبادرون إلى مكان، فسأل عن ذلك فقالوا قد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم فقال عمر رضي الله عنه من عرضت له
(5)
باب استلام الأركان كلها
(245)
عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه طاف مع معاوية رضي الله عنه بالبيت، فجعل معاوية يستلم الأركان كلها (1) فقال له ابن عباس لم تستلم هذين الركنين (2) ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما؟ فقال معاوية ليس شيء من البيت مهجورا (3) فقال ابن عباس لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة (4) فقال معاوية صدقت
الصلاة فليصل وإلا فليمض فإنما هلك أهل الكتاب لأنهم تتبعوا آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبيعا، وكره الإمام مالك رحمه الله تتبع الأماكن التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم في طريقه من المدينة إلى مكة سنة حجة الوداع والصلاة فيها تبركا بأثره الشريف إلا في مسجد قباء لأنه صلى الله عليه وسلم كان يأتيه راكبا وماشيا، مع أن الأماكن التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم لا شيء في الصلاة فيها اقتداء به صلى الله عليه وسلم وتبركا بأثره، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يفعله، ولكن الإمام مالك رحمه الله بنى مذهبه على سد الذرائع فرأى أن التساهل في هذا وإن كان جائزا يجر إلى مفسدة بعد تقادم العهد كاعتقاد وجوب الصلاة في هذه الأماكن وربما جر إلى اعظم من ذلك، فالاحتياط سد هذا الباب وعدم التساهل فيه، فإن الراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه، انظر صحيفة 99 في آخر أحكام باب صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم في الجزء الحادي عشر من هذا الكتاب ففيه كلام في هذا المعنى، ولنقتصر على ذلك لأن الكلام في هذا الباب يطول، ومن أراد أن يريح نفسه فعليه باتباع ما صح فيه الدليل، والله يهدينا جميعا إلى سواء السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
(245)
عن مجاهد (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا مروان بن شجاع حدثني خصيف عن مجاهد عن ابن عباس الحديث- (غريبة)(1) يعني الأربعة الأركان اليمانيين والشاميين (2) يريد الركنين الشامين (3) يعنى انها كلها أركان البيت فلا نستلم البعض ونترك البعض (4) يريد أننا لم نترك استلام الركنين هجرا للبيت ولكنا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك فقلنا مثله " لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة" فرجع معاوية إلى قول ابن عباس حينما ظهر له الدليل وقال صدقت، وهكذا شأن المؤمن إذا ظهر له الحق وكان مخالفا لرأيه طرح رأيه واتبع الحق فضيلة (تخريجه)(ك. مذ) وقال حديث ابن عباس حديث حسن صحيح والعمل على هذا
(246)
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة وحجاج قال (1) حدثني شعبة قال سمعت قتادة يحدث عن أبي الطفيل قال حجاج (2) في حديثه قال سمعت أبا الطفيل قال قدم معاوية وابن عباس فطاف ابن عباس فاستلم الأركان كلها فقال له معاوية إنما استلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الركنين اليمانيين، قال ابن عباس ليس من أركانه شيء مهجور قال حجاج قال شعبة الناس يختلفون في هذا الحديث يقولون معاوية هو الذي
عند أكثر أهل العلم أن لا يستلم إلا الحجر الأسود والركن اليماني اهـ (قلت) ورواه البخارية تعليقا وروى مسلم الجزء المرفوع منه
(246)
حدثنا عبد الله (غريبة)(1) يعني محمد بن جعفر (2) حجاج أحد الراويين اللذين روى عنهما محمد بن جعفر هذا الحديث قال في روايته سمعت قتادة قال سمعت أبا الطفيل قال قدم معاوية إلخ أما شعبة الراوي الثاني فقال في روايته سمعت قتادة يحدث عن أبي الطفيل قال قدم معاوية إلخ، فرواية حجاج تفيد سماع قتادة من أبي الطفيل، ورواية شعبة تفيد التحديث، والفرق بين التحديث والسماع معروف لدى المحدثين، (3) هذه الرواية أعني بها رواية أبي الطفيل تخالف رواية مجاهد عن ابن عباس المتقدمة، ففي رواية مجاهد أن معاوية هو الذي استلم الأركان كلها وأن ابن عباس أنكر عليه ذلك، ولذا قال شعبة الناس يختلفون في هذا الحديث إلخ، (قال الحافظ) قال عبد الله بن أحمد في العلل سألت أبي عنه فقال قلبه شعبة، وقد كان شعبة يقول الناس يخالفونني في هذا ولكني سمعته من قتادة اهـ وصوب الحافظ رواية مجاهد المتقدمة عن ابن عباس، ورواه أيضا الإمام أحمد من طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي الطفيل نفسه بنحو رواية مجاهد عن ابن عباس عكس رواية قتادة عن أبي الطفيل هنا، وتقدم لفظه في الباب السابق في شرح حديث رقم 338 وهو يؤيد تصويب الحافظ، واستدل الحافظ لتصويبه بما رواه الإمام الشافعي من طريق محمد بن كعب القرظي أن ابن عباس كان يمسح الركن اليماني والحجر وكان ابن الزبير يمسح الأركان كلها ويقول ليس شيء من البيت مهجورا، فيقول ابن عباس "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" وذكر الحافظ أيضا رواية مجاهد عن ابن عباس المذكورة
قال ليس من البيت شيء مهجور ولكنه حفظه من قتادة هكذا
أول الباب، ثم قال وبهذا يتبين ضعف من حملة على التعدد وأن اجتهاد كل منهما (يعنى معاوية وابن عباس) تغير إلى ما أنكره على الآخر، قال وإنما قلت ذلك لأن مخرج الحديثين واحد وهو قتادة عن أبي الطفيل، وقد جزم أحمد بان شعبة قلبه فسقط التجويز العقلي اهـ (تخريجه) لم أقف عليه بهذا السياق لغير الإمام أحمد، وأورده الهيثمي وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح اهـ، وقد علمت أنه مقلوب ولا يؤخذ على ظاهره، والصواب رواية مجاهد عن ابن عباس والله أعلم (زوائد الباب)(عن عباد بن عبد الله بن الزبير أنه رأى أباه يستلم الأركان كلها وقال أنه ليس شيء منه مهجورا، وأخرج الإمام الشافعي نحوه من طري محمد بن كعب القرظي وتقدم آنفا (وعن هشام بن عروة بن الزبير) أن أباه كان إذا طاف بالبيت يستلم الأركان كلها (لك) وأخرجه سعيد بن منصور عن الدراوردي عن هشام بلفظ إذا بدأ استلم الأركان كلها وإذا ختم (الأحكام) حديثا الباب مع الآثار المذكورة في الزوائد تدل بظاهرها على جواز استلام الأركان كلها، وروى ابن المنذر وغيره استلام جميع الأركان أيضا عن جابر وأنس والحسن والحسين من الصحابة وعن سويد بن غفلة من التابعين، وروى الشيخان والإمام أحمد وسيأتي في محله أن عبيد بن جريج قال لابن عمر رأيتك تصنع أربعا لم أر أحدا من الصحابة يصنعها فذكرها منها " ورأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانين" وهذا يشعر بأن الذي رآهم عبيد كانوا لا يقتصرون في الاستلام على الركنين اليمانيين (وذهب الجمهور) إلى استحباب استلام الركنين اليمانيين فقط مستدلين بأحاديث الباب السابق، وهي ناطقة بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستلم إلا الركنين اليمانيين، والحكمة في ذلك ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من قول ابن عمر إنما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم استلام الركنين الشاميين، لأن البيت لم يتمم على قواعد ابراهيم (قال الحافظ) وعلى هذا المعنى حمل ابن التين تبعا لابن القصار استلام ابن الزبير لهما لأنه لما عمر الكعبة أتم البيت على قواعد إبراهيم اهـ. وتعقب ذلك بعض الشراح أن ابن الزبير طاف مع معاوية واستلم الكل ولم يقف على هذا الأثر، وإنما وقع ذلك لمعاوية مع ابن عباس، وأما ابن الزبير فقد أخرج الأزرقي في كتابه مكة فقال إن ابن الزبير لما فرغ من بناء البيت استلم الأركان الأربعة، فلم يزل البيت على بناء ابن الزبير إذا طاف الطائف استلم الأركان كلها وأن إبراهيم واسماعيل لما فرغا من بناء البيت طافا به سبعا يستلمان الأركان (قال الحافظ) وقال بعض أهل العلم اختصاص الركنين مبين بالسنة، ومستند التعميم القياس وأجاب الشافعي عن قول من قول من قال ليس شيء من البيت مهجورا بأنه لم ندع استلامها هجرا للبيت، وكيف يهجره وهو يطوف به، ولكنا
جواز الطواف على بعيره ونحوه لعذر
(6)
باب جواز الطواف على بعيره وغيره
(واستلام الحجر بمحجن ونحوه لحاجة)
(247)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال جاء النبي صلى الله عليه وسلم وكان قد اشتكى (1) فطاف بالبيت على بعير ومعه محجن (2) كلما مر عليه استلمه به، فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين (وعنه من طريق ثان (3) بنحوه وفيه قال) وأتى السقاية (4) فقال اسقوني فقالوا إن هذا يخوضه الناس (5) ولكنا نأتيك
نتبع السنة فعلا أو تركا ولو كان استلامهما هجرا لهما لكان ترك استلام ما بين الأركان هجرا لها ولا قائل به، ويؤخذ منه حفظ المراتب واعطاء كل ذي حق حقه وتنزيل كل أحد منزلته اهـ
(247)
عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حسين ابن محمد ثنا يزيد يعنى عطاء بن يزيد يعنى بن أبي زياد عن عكرمة عن ابن عباس - الحديث (غريبة)(1) أي مرض وهذا بيان لعله ركوبه صلى الله عليه وسلم وقيل إنما ركب صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز (قال النووي) وجاء في سنن أبي داود أنه صلى الله عليه وسلم كان في طوافه هذا مريضا، وإلى هذا المعنى أشار البخاري وترجم عليه باب المريض يطوف راكبا فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم طاف راكبا لهذا كله (2) المحجن بكسر الميم واسكان الحاء وفتح الجيم وهو عصا معقفة يتناول بها الراكب ما سقط له ويحرك بطرفها بعيره للمشي، وفيه دلالة على جواز الطواف راكبا واستحباب الحجر وأنه إذا عجز عن استلامه بيده استلمه بعود ونحوه (وقوله فصلى ركعتين) يعني ركعتي الطواف بعد فراغه منه (3)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هشيم حدثنا يزيد بن أبي زياد عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت وهو على بعيره واستلم الحجر بمحجن كان معه قال وأتى السقاية الحديث (4) أي المكان الذي يستقي منه الناس. والظاهر أنه زمزم كما جاء في حديث جابر الطويل في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم (5) أي بأيديهم ولكثرة ازدحام الناس عليه وسقوط الماء منهم على جوانب البئر وتسربه إليها وسقوطه فيها مرة أخرى تصير غير صافية ويكون فيها تعكيره فاختاروا أن يسقوه من الماء الذي في البيوت حيث يكون صافيا باردا، فأبى عليه الصلاة والسلام إلا أن يشرب مما يشرب منه الناس، وهذا يدل على تواضعه وكرم أخلاقه صلى الله عليه وسلم وكراهة التقذر والتكره لما يؤكل ويشرب والرضا بما تيسر وعدم الكلفة
به من البيت، فقال لا حاجة لي فيه، اسقوني مما يشرب منه الناس
(248)
عن ام سلمة رضي الله عنها أنها قدمت (1) وهي مريضة فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: " طوفي من وراء الناس (2) وأنت راكبة، قالت فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عند الكعبة يقرأ بالطور، قا ل أبي وقرأته على عبد الرحمن (3) قالت فطفت ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حينئذ يصلى بجنب البيت (4) وهو يقرأ بالطور وكتاب مسطور (5)
(249)
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عل يه وعلى آله وصحبه وسلم أنه طاف بالبيت على ناقة (وفي لفظ على راحلته) يستلم
(تخريجه)(د. هق) بدون قصة السقاية (قال المنذري) في اسناده يزيد بن أبي زياد ولا يحتج به (وقال البيهقي) في حديث يزيد بن أبي زياد لم يوافق عليها. وهي قوله " وهو يشتكى" اهـ. وقد أنكره الشافعي وقال لا أعلمه اشتكى في تلك الحجة
(248)
عن أم سلمة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن ع مالك عن أبي الأسود عن عروة عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة - الحديث (غريبة)(1) يعنى قدمت مكة في حجة الوداع (2) فيه دلالة على أن الطواف راكبا ليس من خصوصياته صلى الله عليه وسلم (قال النووي) رحمه الله، وإنما أمرها صلى الله عليه وسلم بالطواف من وراء الناس لشيئين (أحدهما) أن سنة النساء التباعد عن الرجال في الطواف (والثاني) أن قربها يخاف منه تأذ الناس بدابتها، وكذا إذا طاف الرجل راكبا، وإنما طافت في حال صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ليكون استر لها، وكانت هذه الصلاة صلاة الصبح والله أعلم اهـ (3) معنى هذا أن الرواية الأولى سمعها الإمام أحمد من عبد الرحمنن والروية الثانية قرأها عليه، والقائل قال أبي هو عبد الله بن الإمام أحمد رحمها ال له (4) أي متصلا إلى جدار الكعبة وفيه تنبيه على أن أصحابه صلى الله عليه وسلم كانوا متحلقين حولها (5) أي بهذه السورة في ركعة واحدة كما هي عادته صلى الله عليه وسلم ويحتمل أنه قرأها في ركعتين (تخريجه)(ق. د. نس. جه. هق)
(249)
عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد أنا مسعر بن كدام عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن أخيه عن ابن عباس
الحجر بمحجنه وبين الصفاوالمروة (1)
(250)
وعنه أيضا قال طاف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على بعيره فكلما اتى على الركن أشار إليه (2) وكبر
(251)
عن أبي الطفيل عامر بن واثلة رضى الله عنه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا غلام شاب يطوف بالبيت على راحلته يستلم الحجر بمحجنه (3)
(252)
عن قدامة بن عبد الله رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على ناقة يستلم الحجر بمحجنه
رضي الله عنهما الحديث (غريبة)(1) يعنى وطاف أيضا بين الصفا والمروة راكبا (تخريجه)(ق. هق. وغيرهم)
(250)
وعنه أيضا (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن أبي بكير ثنا إبراهيم بن طهمان حدثني خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس - الحديث (غريبة)(2) أي بالمحجن الذي في يده فإن لم يكن في يده شيء يشير إليه بيده، وفيه استحباب التكبير عند الركن الأسود في كل طوفة (تخريجه)(خ. نس. مذ. هق)
(251)
عن أبي الطفيل (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا معروف المكي قال سمعت أبا الطفيل عامر بن واثلة - الحديث (غريبة)(3) زاد مسلم ويقبل المحجن، وفيه دلالة على أن الطائف إذا لم يتمكن من استلام الحجر بيده استلمه بعصا ونحوها، ثم يقبلها وهو مذهب الشافعي. وتقدم الكلام على ذلك (تخريجه)(م. هق)
(252)
عن قدامة بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا سريج بن يونس ومحرز بن عون بن ابي عون أبو الفضل قالا ثنا قران بن تمام الأسدي ثنا أيمن عن قدامة بن عبد الله - الحديث (تخريجه)(عل. طب) ورواه أيضا الطبراني في الاوسط إلا أنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت على ناقة يستلم الركن بمحجنه ورجاله موثقون وفي بعضهم كلام لا يضر. قاله الهيثمي اهـ (قلت) وللإمام أحمد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة ليراه الناس وليشرف وليسألوه فإن الناس غشوه، وسيأتي هذا
.
الحديث في باب بالصفا عند الطواف بين الصفا والمروة لمناسبته هناك والله أعلم
(زوائد الباب)(عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته يوم فتح مكة يستلم الأركان بمحجن كان معه (عل) وفيه موسى بن عبيده وهو ضعيف وقد وثق فيما رواه عن غير عبد الله بن دينار وهذا منها (وعن أبي رافع) رضي الله عنه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت على راحلته يستلم الركن بمحجنه (بز) وفيه اسحاق بن إبراهيم الحنيني وثقه ابن حبان وقا ل يخطئ وضعفه الناس (وعن عبد الله بن حنظلة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت على راحلته يستلم الركن بمحجنه (بز) وفيه اثنان لم أجد من ترجمتهما (وعن أبي مالك الأشجعي) عن أبيه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت على راحلته يستلم الركن بمحجنه (بز) وفيه محمد بن عبد الرحمن عن أبى مالك الأشجعي ولم أعرف محمد بن عبد الرحمن (وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم على بعير يوم الفتح معه المحجن يستلم الركن به كراهة أن يُضرب الناس عنه (طس) ورجاله رجال الصحيح، أورد هذه الأحاديث الحافظ الهيثمي وتكلم عليها جرحا وتعديلا (وعن عائشة رضي الله عنها قالت طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حول الكعبة على بعيره يستلم الركن كراهية أن يضُرب عنه الناس (م) قال النووي هكذا هو في معظم النسخ يضٌرب بالياء وفي بعضها يصرف بالصاد المهملة والفاء وكلاهما صحيح (الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد تدل على مشروعية الطواف راكبا لحاجة كمرض ونحوه أو كان إماما يعلّم الناس المناسك ويقتدي به، وقد جاء ذلك صريحا في حديث جابر الصحيح رواه أبو داود والنسائي وسيأتي في باب البدء بالصفا والمروة ولفظه عن جابر " طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة ليراه الناس وليشرف وليسألوه فإن الناس غشوه"(أي ازدحموا عليه) ويستفاد منه أيضا أن ذلك كان في حجة الوداع، لكن جاء في رواية أبي يعلى من حديث ابن عمر المذكور في الزوائد قال " طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته يوم فتح مكة يستلم الأركان بمحجن كان معه" وهو يدل على أن ركوبه صلى الله عليه وسلم كان في فتح مكة (والجواب) عن ذلك أن حديث ابن عمر ضعيف فلا يقاوم حديث جابر الصحيح، وعلى فرض صحته فلا منافاة لجواز تكراره، ومما يدل على أن ركوبه صلى الله عليه وسلم كان لأجل استفادة الناس منه حديث عائشة عند مسلم وتقدم في الزوائد ولفظه عن عائشة قالت " طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حول الكعبة على بعيره يستلم الركن كراهية أن يُضرب عنه الناس (وفي لفظ أن يصرف بالصاد المهملة والفاء بدل يضرب) لكن حديث ابن عباس المذكور أول الباب، رواه أبو داود أيضا يدل على أن العلة هي كون النبي صلى الله عليه وسلم
.
كان مريضا (والجواب) عن ذلك أن حديث ابن عباس ضعيف، فإن صح دل على أن ركوبه صلى الله عليه وسلم كان لأجل العلتين والله أعلم (وحديث أم سلمة المذكور في الباب) صريح في أن من كان مريضا لا يمكنه الطواف ماشيا جاز له الطواف راكبا وهو يقتضى منع طواف الراكب في المطاف (قال الحافظ) لا دليل في طوافه صلى الله عليه وسلم راكبا على جواز الطواف راكبا بغير عذر وكلام الفقهاء يقتضى الجواز إلا أن المشي أولى والركوب مكروه تنزيها. قال والذي يترجح المنع لأن طوافه صلى الله عليه وسلم وكذا أم سلمة كان قبل أن يحوط المسجد فإذا حوط امتنع داخله إذا لا يؤمن التلويث فلا يجوز بعد التحويط بخلاف ما قبله فإنه كان لا يحرم التلويث كما في السعي اهـ (قال النووي) في شرح المهذب قال أصحابنا الأفضل أن يطوف ماشيا ولا يركب إلا لعذر مرض أو نحوه أو كان ممن يحتاج الناس إلى ظهوره ليسفتي ويقتدي بفعله فإن طاف بلا عذر جاز له بلا كراهية لكنه خالف الأولى كذا قاله جمهور أصحابنا وكذا نقله الرافعي عن الأصحاب (وقال إمام الحرمين) في القلب من إدخال البهيمة التي لا يؤمن تلويثها المسجد شيء، فإن أمكن الاستيثاق فذلك وإلا فإدخالها المسجد مكروه، هذا كلام الرافعي وجزم جماعة من أصحابنا بكراهة الطواف راكبا من غير عذر والمرأة والرجل في الركوب سواء فيما ذكرناه (قال الماوردي) وحكم طواف المحمول على أكتاف الرجال كالراكب فيما ذكرناه، قال وإذا كان معذورا فطوافه محمولا أولى منه راكبا صيانة للمسجد من الدابة، قال وركوب الإبل أيسر حالا من ركوب البغال والحمير اهـ (وقال ابن قدامة الحنبلي) في الشرح الكبير لا نعلم بين اهل العلم خلافا في صحة طواف الراكب إذا كان له عذر، فإن ابن عباس روى أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن، وعن أم سلمة قالت شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي فقال طوفي من وراء الناس وأنت راكبة متفق عليهما، وقال جابر طاف النبي على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة ليراه الناس وليشرف عليهم ليسألوه فإن الناس غشوه، والمحمول كالراكب فيما ذكرناه، قال فأما الطواف راكبا أو محمولا لغير عذر فمفهوم كلام الخرقي أنه لا يجزئ (وهو إحدى الروايات عن أحمد) لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال الطواف بالبيت صلاة، ولأنها عبادة تتعلق بالبيت فلم يجز فعلها راكبا بغير عذر كالصلاة (والثانية) يجزئه ويجبره بدم (وهو قول مالك) وبه قال (أبو حنيفة) إلا أ، هـ قال يعيد ما كان بمكة فإن رجع جبره بدم، لأنه ترك صفة واجبة في ركن الحج شبه ما لو وقف بعرفة نهارا ودفع قبل غروب الشمس (والثالثة) يجزئة ولا شيء عليه اختارها أبو بكر (يعنى الخرقي) وهي مذهب الشافعي وابن المنذر لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبا (قال ابن المنذر) لا قول لأحد مع فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولأن الله تعالى أمر بالطواف
(7)
باب الطائف يخرج في طوافه عن الحجر
(ليكون طائفا بالبيت كله من وراء قواعد
إبراهيم عليه الصلاة والسلام
(253)
عن سالم بن عبد الله بن عمر أن عبد الله بن عمر أخبره أن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر الصديق أخبره أن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم ترى (1) إلى قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا (2) عن قواعد إبراهيم عليه السلام قالت قلت يا رسول الله أفلا تردها على قواعد إبراهيم؟
مطلقا فكيفما أنى به أجزأه ولا يجوز تقييد المطلق بغير دليل ولا خلاف في أن الطواف راجلا أفضل، لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم طافوا مشيا والنبي صلى الله عليه وسلم في غير حجة الوداع طاف مشيا (وفي قول أم سلمة) شكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنى أشتكى فقال " طوفي من وراء الناس فإن ابن عباس روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثر عليه الناس يقولون هذا محمد هذا محمد حتى خرج العواتق من البيوت، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُضرب الناس بين يديه، فلما كثروا عليه ركب، رواه مسلم (قلت وروى نحوه الإمام أحمد، وتقدم في باب ما رواه الطفيل عن ابن عباس في أسباب بعض أعمال الحج صحيفة 10 رقم 70 في الجزء الحادى عشر) قال وكذلك في حديث جابر فإن الناس غشوه، وروى عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف راكبا لشكاة، وبهذا يعتذر من منع الطواف راكبا عن طواف النبي صلى الله عليه وسلم والحديث الأول أثبت (يعنى حديث ابن عباس الأول) قال فعلى هذا يكون كثرة الناس وشدة الزحام عذرا، ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قصد تعليم الناس مناسكهم فلم يتمكن منه إلا بالركوب والله تعالى أعلم اهـ
(254)
عن سالم بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إبراهيم بن أبي العباس قال ثنا أبو أويس عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر - الحديث" (غريبة)(1) بفتح الراء وسكون الياء مجزوم بحذف النون أي ألم تعرفي (2) في روايتها الثانية استقصرت. وله في اخرى قصروا في البناء. وله أيضا قصرت بهم النفقة (قال النووي) قال العلماء هذه الروايات كلها بمعنى واحد، ومعنى استقصرت قصرت عن تمام بنائها واقتصرت
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا حدثان (قومك بالكفر، قال عبد الله بن عمر فوالله لئن كانت عائشة سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) ما أُرى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ترك الركنين اللذين يليان الحجر (3) إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم عليه السلام إرادة أن يستوعب الناس الطواف بالبيت كله من وراء قواعد إبراهيم عليه السلام
(255)
عن عائشة رضي الله عنها قالت كنت أحب أن أدخل البيت فأصلى فيه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يدي فأدخلني في الحجر (4) فقال لي صلى
على هذا القدر النفقة بهم عن تمامها (1) الحدثان بكسر الحاء المهملة وبالثاء المثلثة بمعنى الحدوث (وقوله قومك) يعنى قريشا ومعناه قرب عهدهم بالكفر، وجواب لو محذوف تقديره لفعلت، وقد صرح به في الصحيحين، ومعناه لرددتها على قواعد إبراهيم (2) قال القاضي عياض ليس هذا اللفظ من ابن عمر على سبيل التضعيف لروايتها والتشكيك في صدقها وحفظها، فقد كانت من الحفظ والضبط بحيث لا يستراب في حديثها ولا فيما تنقله، ولكن كثيرا ما يقع في كلام العرب صورة التشكيك والتقرير، والمراد به اليقين كقوله تعالى " وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين" وقوله تعالى " قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن أهتديت" الأية (وقوله ما أرى) بضم الهمزة أي ما أظن (3) أي يقربان من الحجر بكسر المهملة وسكون الجيم وهو معروف على صفة نصف الدائرة وقدرها تسع وثلاثون ذراعا، قاله الحافظ (وقوله إلا أن البيت) يعني الكعبة (لم يتمم) أي ما نقص منه وهو الركن الذي كان في الأصل (على قواعد إبراهيم) عليه السلام فالموجود الآن في جهة الحجر بعض الجدار الذي بنته قريش، فلذلك لم يستلمها النبي صلى الله عليه وسلم، قال أبو عبدالله الأبي وهذا الذي قاله ابن عمر من فقهه ومن تعليل العدم بالعدم، علل عدن الاستلام بعدم أنهما من البيت والله أعلم (تخريجه)(ق. نس. هق)
(254)
عن عائشة رضي الله عنها (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا قتيبة بن سعيد قال ثنا عبد العزيز بن محمد عن علقمة بن أبي علقمة عن أمة عن عائشة - الحديث (غريبة)(4) قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات حجر الكعبة زادها الله تعالى شرفا وهو بكسر الحاء وإسكان الجيم، هذا هو الصواب المعروف الذي
في الحجر إذ أردت دخول البيت فإنما هو قطعة من البيت (1) ولكن قومك استقصروا حين بنوا الكعبة فأخرجوه من البيت.
(256)
وعنها أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال لولا أن قومك حديثُ عهد (2) بشرك أو بجاهلية لهدمت
قاله العلماء من أصحاب الفنون، ورأيت بعض الفضلاء المصنفين في ألفاظ المهذب أنه يقال أيضا حجر بفتح الحاء كحجر الإنسان، سمى حجراً بفتح الحاء كحجر الإنسان، سمى حجراً لاستدارته، والحجر عرضة ملصقة بالكعبة منقوشة على صورة نصف دائرة وعليه جدار، وارتفاع الجدار من الأرض نحو ستة أذرع وعرضه نحو خمسة أشبار، وقيل خمسة وثلث، وللجدار طرفان ينتهي أحدهما إلى ركن البيت العراقي والآخر إلى الركن الشامي، وبين كل واحد من الطرفين وبين الركنين فتحة يدخل منها إلى الحجر، وتدويره الحجر تسع وثلاثون ذراعا وشبر. وطول الحجر من الشاذروان الملتصق بالكعبة إلى الجدار الملتصق بالكعبة إلى الجدار المقابل له من الحجر أربع وثلاثون قدما ونصف قدم، وما بين الفتحتين أربعون قدما إلا نصف قدم، وميزاب البيت يضرب في الحجر، وقد اختلفت الروايات وأقوال أصحابنا في أن الحجر كله من البيت أو ست أذرع فحسب أم سبع، وهذا الموضع لا يحتمل بسطها فأشرت إلى أصلها اهـ (قلت) وسيأتي توضيح ذلك في أحكام هذا الباب (1) هذا ظاهره أن الحجر كله من البيت، وكذا قوله في رواية عائشة عند البخاري قالت سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الجدار أمن البيت هو؟ قال نعم. وبذلك كان يفتى ابن عباس كما رواه عبد الرزاق عن أبيه عن مرثد بن شرحبيل قال سمعت ابن عباس يقول لو وليت من البيت ما ولى ابن الزبير لأدخلت الحجر كله في البيت فلم يطاف به إن لم يكن من البييت؟ (تخريجه)(د. نس. هق. مذ) وصححه
(255)
وعنها أيضا (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي قال ثنا عبد الرحمن ثنا سليم بن لحيان عن سعيد بن سيناء قال سمعت ابن الزبير يقول حدثتنى خالتي عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها لولا أن قومك - الحديث (غريبة)(2) هكذا جاء في جاء الروايات في هذا الحديث عند الإمام أحمد وغيره بإضافة حديث لعهد، قال المطرزي وهو لحن، إذ لا يجوز حذف الواو في مثل هذا، والصواب حديثو عهد بواو الجمع، كذا نقله الزركشي والحافظ والعيني واقروه، وأجاب صاحب المصابيح بأنه لا لحن فيه ولا خطأ والرواية صواب وتوجه بنحو ما قالوه في قوله تعالى " ولا تكونوا أول كافر به" حيث
الكعبة (1) فألزقتها بالأرض وجعلت لها بابين شرقيا (2) وبابا غربيا وزدت فيها من الحجر ستة أذرع (3) فإن قريشا اقتصرتها حين بنت الكعبة
قالوا إن التقدير أول فريق كافر به أو فوج كافر، يعنون أن مثل هذه الألفاظ مفردة بحسب اللفظ وجمع بحسب المعنى، فيجوز ذلك رعاية لفظة تارة ومعناه اخرى كيف شئت، فانقل هذا إلى الحديث تجده ظاهرا لا خفاء بصوابه (1) زاد البخاري فأدخلت فيه ما أخرج منه (وقوله فألزقتها بالأرض) معناه السقوط ببابها إلى الأرض بحيث يكون على وجه الأرض غير مرتفع عنها (2) أي مثل الموجود الآن (وبابا غريبا) أي يقابله من الناحية الأخرى ليدخل الناس من باب ويخرجون من الآخر لعدم الزحام (3) أي قيمة ما اقتصره قريش منها، وجاء في بعض الروايات كما قال الحافظ وسأشير إلى هذه الروايات في الأحكام إن شاء الله تعالى (تخريجه)(ق. وغيرهما)(زوائد الباب)(عن ابن عباس) رضي الله عنهما قال ما طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء إلا وهو من البيت (عل) وإسناده حسن (وعن عائشة رضي الله عنها ما أبالي صليت في الحجر أو في البيت (عل) ورجاله رجال الصحيح (وعن جابر) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أتى الحجر فاستلمه ثم مشي على يمينه فرمل ثلاثا ومشى أربعا (م. نس) وسيأتي شيء من أحاديث الباب في باب تجديد قريش بناء الكعبة قبل المبعث بخمس سنين من كتاب السيرة النبوية إن شاء الله تعالى
(الأحكام) أحاديث الباب تدل على أن الحجر (بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم) من البيت وهو ما أحيط بالبناء المقوس من جهة شمال الكعبة بين الركنين العراقي والشامي ويسمى الحطيم أيضا. وأن من طاف بالبيت لزمه إدخال الحجر فيه أي يطوف من وراء الحجر وأن ذلك شرط في صحة الطواف فمن لم يطف به كذلك لم يعتد بطوافه، وبه قال الأئمة (مالك والشافعي وأحمد وعطاء وأبو ثور وابن المنذر والجمهور) وهو قول ابن عباس وكان يحتج بقوله تعالى " وليطوفوا بالبيت العتيق" ثم يقول: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجر (وخالف الإمام أبو حنيفة وأصحابه) فقالوا هو سنة، فإن كان بمكة قضى ما فاته، وإن رجع إلى بلده فعليه دم، وبنحوه قال الحسن
(وا ختلف العلماء) في الحجر هل كله من البيت أو بعضه؟ وسبب اختلافهم ما ورد في هذا الباب من الروايات المطلقة التي تفيد أنه كله من البيت كقوله في حديث عائشة الثاني من أحاديث الباب " صلى في الحجر إذا أردت دخول البيت فإنما هو قطعة من البيت" ولها عند الشيخين" سألت النبي صلى الله عليه وسلم
.
عن الجدر (بفتح الجيم وسكون المهملة لغة في الجدار) أمن البيت هو؟ قال نعم. ولأبى داود الطيالسي في مسنده عن الأحوص شيخ مسدد وفيه " الجدر أو الحجر" بالشك (ولأبى عوانة) من طريق شيبان عن الأشعث " الحجر" بغير شك وتقدم في الشرح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لو وليت من البيت ما ولى ابن الزبير لأدخلت الحجر كله في البناء فلم يطاف به إذا لم يكن من البيت؟ ولأبي داود وأبى عوانة والإمام أحمد عن عائشة وسيأتى في (باب الصلاة في الحجر كالصلاة في الكعبة) وفيه أنها أرسلت إلى شيبة الحجي ليفتح لها الباب بالليل فقال ما فتحناه في جاهلية ولا إسلام بليل وهذه الروايات كلها مطلقة ولكنها مقيدة بروايات صحيحة أيضا (منها عند مسلم) من حديث عائشة " حتى أزيد فيه من الحجر" وله من وجه آخر عنها مرفوعا بلفظ " فإن بدا لقومك أن يبنوه بعدي فهلمي أريك ما تركوا منه فأراها قريبا من سبعة أذرع"(وله أيضا) عنها مرفوعا بلفظ " وزدت فيها من الحجر سبعة أذرع" وفي رواية للبخاري عن عروة " أن ذلك مقدار ستة أذرع" ولسفيان بن عينية في جامعه أن ابن الزبير زاد ستة أذرع وله أيضا أنه زاد ستة أذرع وشبرا، ووهذا ما ذكره الإمام الشافعي عن عدد لقيهم من أهل العلم من قريش كما أخرجه البيهقي في المعرفة عنه، وقد اجتمع من الروايات ما يدل على أن الزيادة فوق ستة أذرع إلى سبعة، وأما ما رواه مسلم عن عطاء عن عائشة مرفوعا بلفظ " لكنت أدخل فيها من الحجر خمسة أذرع، فقد قال الحافظ هي شاذة، والروايات السابقة أرجح لما فيها من الزيادة عن الثقات الحفاظ (قال الحافظ) ثم ظهر لي لرواية عطاء وجه، وهو أنه أريد بها ما عند الفرجة التي بين الركن والحجر فتجتمع مع الروايات الأخرى فإن الذي عدا الفرجة أربعة أذرع وشيء، ولهذا وقع عند الفاكهي من حديث أبى عمرو بن عدي بن الحمراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة في هذه القصة ولأدخلت فيها من الحجر أربعة أذرع، فيحمل هذا على الغاء الكسر، ورواية عطاء على جبره، وتحصّل الجمع بين الروايات كلها بذلك، أفاده الحافظ (وقال النووي) رحمه الله قال أصحابنا ست أذرع من الحجر مما يلى البيت محسوبة من البيت بلا خلاف، وفي الزائد خلاف فإن طاف في الحجر وبينه وبين البيت أكثر من ستة أذرع ففيه وجهان لأصحابنا (أحدهما) يجوز لظواهر هذه الأحاديث وهذا هو الذي رجحه جماعة من أصحابنا الخراسانيين (والثاني) لا يصح طوافه في شيء من الحجر ولا على جداره ولا يصح حتى يطوف خارجا من جميع الحجر، وهذا هو الصحيح وهو الذي نص عليه الشافعي وقطع به جماهير أصحابنا العراقيين (ورجحه جمهور الأصحاب، وبه قال جميع علماء المسلمين سوى أبى حنيفة) فإنه قال إن طاف في الحجر وبقى في مكة أعاده وإن رجع
(8)
باب جواز الطواف بالبيت في أي وقت كان
(ومن قال بكراهته في بعض الأوقات)
(257)
عن جبير بن مطعم رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال يا بنى عبد مناف (1) لا تمنعن أحدا طاف بهذا
من مكة بلا إعادة أراق دما وأجزأه طوافه (واحتج الجمهور) بأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف من وراء الحجر وقال " لتأخذوا عني مناسككم" ثم أطبق المسلمون عليه من زمنه صلى الله عليه وسلم إلى الآن وسواء كان كله من البيت أم بعضه، فالطواف يكون من ورائه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم اهـ (وفي حديث جابر) المذكور في الزوائد دلالة على مشروعية ابتداء الطواف من الحجر الأسود بعد استلامه باتفاق العلماءن وقد استدل به على مشروعية مشى الطائف بعد استلام الحجر على يمينه جاعلا البيت عن يساره، وقد ذهب إلى أن هذه الكيفية شرط لصحة الطواف الأئمة (مالك والشافعي وأحمد) ولو نكس الطواف، فجعل البيت عن يمينه لم يجزئه (وقال أبو حنيفة) يعيد ما كان بمكة فإن رجع جبره بدم، لأنه ترك هيئة فلم تُمنع الأجزاء كما لو ترك الرمل والاضطباع احتج الأولون بأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل البيت في الطواف على يساره وقال" لتأخذوا عني مناسككم" ولأنها عبادة متعلقة بالبيت فكان الترتيب فيها واجبا كالصلاة (وفي أحاديث الباب) غير ما تقدم دلالة لقواعد من الأحكام (منها) إذا تعارضت المصالح أو تعارضت مصلحة ومفسدة وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة بدئ بالأهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن نقض الكعبة وردّها إلى ما كانت عليه من قواعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم مصلحة، ولكن تعارض مفسدة أعظم منه وهي خوف فتنة بعض من أسلم قريبا وذلك لما كانوا يعتقدونه من فضل الكعبة فيرون تغييرها عظيما فتركه النبي صلى الله عليه وسلم (ومنها) فكر ولي الأمر في مصالح رعيته واجتنابه ما يخاف منه تولد ضرر عليهم في دين أو دنيا إلا الأمور الشرعية كأخذ الزكاة وإقامة الحدود ونحو ذلك (ومنها) تألف قلوب الرعية وحسن حياطتهم وأن لا ينفروا ولا يتعرض لما يخاف تنفيرهم بسببه ما لم يكن فيه ترك أمر شرعي كما سبق والله أعلم. أفاده النووي.
(256)
عن جبير بن مطعم (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبى سفيان ثنا أبو الزبير عن عبد الله بن باباه عن جبير بن مطعم - الحديث (غريبة)(1) خصهم بالخطاب دون سائر قريش لعلمه ولاية الأمر والخلافة ستئول إليهم مع أنهم
البيت أو صلى أي ساعة من ليل أو نهار (1)
(258)
عن أبي الزبير قال سألت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن الطواف بالكعبة فقال كنا نطوف فنمسح الركن الفاتحة والخاتمة (2) ولم نكن نطوف بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تطلع الشمس على قرني الشيطان (3)
رؤساء مكة وفيهم كانت السدانة والحجابة واللواء والسقاية والرفادة. قاله الطيى (1) قال القارى أي صلاة الطواف أو مطلقا وهو قابل للتقييد بغير الأوقات المنهية إذا سبق النهي أو الصلاة بمعنى الدعاء اهـ (قلت) سيأتي الكلام على ذلك في الأحكام (تخريجه)(الأربعة. حب. بز. ك. وغيرهم)
(257)
عن أبي الزبير (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبى ثنا حسن ثنا ابن لهيعة ثنا أبو الزبير - الحديث (غريبة)(2) يعنى اليماني والأسود (3) تقدم تفسيره في باب جامع أوقات النهي من أبواب الأوقات المنهي عن الصلاة فيها صحيفة 287 من الجزء الثاني (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وأورده الهيثمي وقال رواه أحمد وقيه ابن لهيعة وفيه كلام وقد حسنوا حديثه اهـ (قلت) حسنه الحافظ أيضا (زوائد الباب)(عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أعرفنكم ما منعتم أحدا يطوف بهذا البيت ساعة من نهار أو ليل (طب) من طريق ابن محمد بن أبي ليلى عن عبد الكريم عن مجاهد فإن كان عبد الكرريم هو الجزري فرجاله ثقات وإن كان هو ابن أبي المخارق فالحديث ضعيف (وعن عمرو بن دينار) قال رأيت بن عمر طاف بعد العصر أسبوعا ثم صلى ركعتين ثم قال إنما تكره عند طلوع الشمس لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الشمس تطلع بين قرني شيطان (طب) ورجاله موثقون (وعن أبى شعبة) قال رأيت الحسن والحسين طافا بعد العصر وصليا ركعتين (طب) وأبو شعبة هذا هو البكري كما ذكره المزي ولم أجد من ترجمة (وعن أنس بن مالك) رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طوافان يغفر لصاحبهما ذنوبه بالغة ما بلغت، طواف بعد صلاة الصبح يكون فراغه عند طلوع الشمس. وطواف بعد العصر يكون فراغه عند غروب الشمس، قالوا يا رسول الله إن كان قبل ذلك أو بعده قال يلحق به (طس) وفيه عبد الرحيم بن زيد العمي
.
وهو متروك، أورد هذه الأحاديث الحافظ الهيثمي وتكلم عليها جرحا وتعديلا (وعن ابن عباس) رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا بنى عبد مناف إن وليتم هذا الأمر فلا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار (طح)(وعن حميد بن عبد الرحمن بن عوف) أن عبد الرحمن بن عبد القارى أخبره أنه طاف بالبيت مع عمر بن الخطاب بعد صلاة الصبح فلما قضى عمر طوافه نظر فلم ير الشمس فركب حتى أناخ راحلته بذي طوى فصلى ركعتين (لك)(وعن أبى الزبير المكي) أنه قال لقد رأيت عبد الله بن عباس يطوف بعد صلاة الصبح ثم يدخل حجرته فلا أدري ما يصنع (لك)(وعنه أيضا) أنه قال لقد رأيت البيت يخلو بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر ومايطوف به أحد (لك)(وعن عطاء) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت إذا أردت الطواف بالبيت بعد صلاة الفجر أو العصر فطف وأخر الصلاة حتى تغيب الشمس وحتى تطلع فصل لكل أسبوع ركعتين (ش) وحسن الحافظ إسناده (الأحكام) حديثا الباب مع الزوائد منها ما يدل على جواز الطواف والصلاة بالمسجد الحرام في أي وقت من الأوقات شاء بدون استسناء وهي أحاديث ابن عمر وابن عباس وأنس بن مالك المذكورة في الزوائد، وحديث جبير بن مطعم الأول من حديثي الباب، وهو حديث صحيح رواه أصحاب السنن الأربعة وابن حبان والبزار والحاكم وغيرهم وحسنه الترمذي وصححه (وإليه ذهب جمهور العلماء) وحكاه ابن المنذر والحاكم وغيرهم وحسنه الترمذي وصححه (وإليه ذهب جمهور العلماء) وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر وابن عباس والحسن والحسين ابني علي وابن الزبير رضي الله عنهما وطاوس وعطاء والقاسم بن محمد وعروة ومجاهد والشافعي وأحمد واسحاق وأبي ثور مستدلين بما ذكرناه من الأحاديث وبحديث أبى ذر أيضا رواه (هق. قط. عل. طس) والإمام أحمد ولفظه عن أبي ذر رضي الله عنه أنه أخذ بحلقة باب الكعبة فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ولا بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس إلا بمكة، وتقدم هذا الحديث في باب النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس إلخ في صحيفة 299 من الجزء الثاني، قال المظهر فيه دليل على أن صلاة التطوع في أوقات الكراهة غير مكروهة بمكة لشرفها لينال الناس من فضلها في جميع الأوقات اهـ (ومنها) ما يدل على عدم جواز الصلاة والطواف بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس وبعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وهو حديث جابر الثاني من حديثي الباب، وفي إسناده ابن لهيعة تقدم الكلام عليه وحسنه الحافظ (وإليه ذهب جابر بن عبد الله) رواية (ومنها) ما يدل على عدم جواز الصلاة في الأوقات المنهى عن الصلاة فيها سواء في ذلك مكة وغيرها من البلدان، أما الطواف فجائز في جميع الأوقات بدون استسناء وإلى ذلك ذهب الأئمة (أبو حنيفة ومالك
(9)
باب طواف المفرد والقارن والمتمتع وفيه فصول
(الفصل الأول في طواف المفرد)
(259)
وعن وبرة (1) قال أتى رجل ابن عمر رضي الله عنهما فقال أيصلح أن أطوف بالبيت وأنا محرم (2) قال ما يمنعك من ذلك؟ قال إن فلانا ينهانا عن ذلك حتى يرجع الناس من الموقف ورأيته كأنه مالت (3) به
وسفيان الثوري) واحتجوا بأحاديث أوقات النهي وتقدمت في الباب المشار إليه سابقا وببعض الآثار المذكورة في الزوائد (منها) ما رواه الإمام مالك في الموطأ بسند صحيح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه طاف بعد الصبح فنظر الشمس فلم يرها طلعت فركب حتى أناخ بذي طوى فصلى (قلت) إنما أناخ بذي طوى وهو مكان خارج مكة، لأن طوافه المذكور كان طواف الوداع، وقد عزم على الرجوع إلى المدينة والله أعلم (قال الخطابي) وذهب بعضهم إلى تخصيص ركعتي الطواف من بين الصلوات قالوا إذا كان الطواف بالبيت غير محظور في شيء من الأوقات وكان من سنة الطواف أن يصلى ركعتان بعده فقد عقل أن هذا النوع من الصلاة غير منهى عنه اهـ (وذهب ابن عمر رضي الله عنهما إلى اختصاص الكراهة بحال طلوع الشمس وحال غروبها كما يستفاد من حديث عمرو بن دينار المذكور في الزوائد (وروى الطحاوي) من طريق مجاهد قال كان ابن عمر يطوف بعد العصر ويصلى ما كانت الشمس بيضاء حية نقية، فإذا اصفرت وتغيرت طاف طوافا واحدا حتى تصلى المغرب ثم يصلى ركعتين وفي الصبح نحو ذلك والله أعلم.
(258)
عن وبرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبى ثنا يحيى عن اسماعيل أخبرنى وبره- الحديث (غريبة)(1) قال الحافظ في التقريب بالموحدة المحركة ابن عبد الرحمن المسلمي بضم أوله وسكون المهملة بعدها لام، أبو خزيمة أو أبو العباس الكوفي ثقة من الرابعة، مات سنة عشرة " يعني ومائة"(2) يعنى بالحج مفردا (وقوله إن فلانا) هو ابن عباس رضي الله عنهما كما صرح به في الطريق الثانيةن وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول الطواف يوجب التحليل فمن أراد البقاء على إحرامه فعليه أن لا يطوف (والحاصل) أنه كان يرى الفسخ الذى أمر به النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة، وهذا مذهبه وخالفه الجمهور (3) أي فتنة كما صرح بذلك في رواية مسلم ولفظه " رأيناه قد فتنته الدنيا، فقال وأينا أو أيكم لم تفتنه الدنيا" قال النووي هكذا في كثير من الأصول
الدنيا وأنت أعجب إلينا منه، قال ابن عمر حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت وعسى بين الصفا والمروة، وسنة الله تعالى ورسوله أحق أن تتبع من سنة ابن فلان إن كنت صادقا (1)(وعنه من طريق ثان)(2) قال قال رجل لابن عمر أطوف بالبيت وقد أحرمت بالحج؟ قال وما بأس ذلك؟ قال إن ابن عباس نهى عن ذلك. قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أحرم بالحج وطاف بالبيت وبين الصفا والمروة.
(259)
عن عبدالله بن بدر (3) أنه خرج في نفر من أصحابه حجابا حتى ورد مكة فدخلوا المسجد فاستلموا الحجر، ثم طفنا بالبيت أسبوعا (4)
ثم صلينا خلف المقام ركعتين فإذا رجل ضخم في إزار ورداء يصوت (5) بنا عند الحوض، فقمنا إليه وسألت عنه، فقالوا ابن عباس رضي الله عنهما
"فتنته الدنيا" وفي كثير منها أو أكثرها " أفتنته الدنيا" وكذا نقله القاضي عياض عن رواية الأكثرين وهما لغتان صحيحتان " فتن وأفتن" والأولى أصح وأشهر وبها جاء القرآن، وأنكر الأصمعي أفتن. ومعنى قولهم فتنته الدينا لانه تولى البصرة، والولايات محل الخطر والفتنة، وأما ابن عمر فلم يتول شيئا، وأما قول ابن عمر وأينا لم تفتنه الدنيا فهذا من زهده وتواضعه وإنصافه اهـ (1) أي إن كنت صادقا فيما ادعيته على فلان من نهيه إياك عن الطواف وأنت محرم بالحج حتى يرجع الناس من الموقف فلا تتبعه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعل ما نهاك عنه، فلا تعدل عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وطريقته إلى قول فلان (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن فضيل عن بيان عن وبرة قال قال رجل- الحديث " (تخريجه)(م. وغيره)
(259)
عن عبدالله بن بدر (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سريج ثنا ملازم بن عمرو، وحدثنى عبد الله بن بدر - الحديث" (غريبة)(3) هو السحيمى بمهملتين مصغرا اليمامى عن ابن عباس وطلق بن على، وعنه سبطة ملازم بن عمرو وعكرمة ابن عمار وثقه ابن معين وأبو زرعة (4) أي سبع طوفات (5) أي ينادينا بصوت مرتفع
فلما أتيناه قال من أنتم؟ قلنا أهل المشرق وثم أهل اليمامة، قال فحجاج أم عمار؟ (1) قلت بل حجاج، قال فإنكم قد نقضتم حجكم (2) قلت قد حججت مررا فكنت أفعل كذا، قال فانطلقنا مكاننا (3) حتى يأتي ابن عمر فقلت إننا قدمنا فقصصنا عليه قصتنا وأخبرناه، قال إنكم نقضتم حجكم (4) قال أُذكركم بالله (5) أخرجتم حجاجا؟ قلنا نعم، فقال والله لقد حج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر كلهم فعل مثل ما فعلتم
(الفصل الثاني في طواف القارن)
(260)
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرن بين حجته وعمرته أجزأه لهما طواف واحد (6)
(وقوله عند الحوض) لعله يريد زمزم أو حوضا بجوارها يشرب منه الناس (1) يريد هل أحرمتم بحج أو عمرة (2) تقدم أن مذهبه عدم طواف المحرم بالحج إلا بعد الوقوف (3) منصوب بنزع الخافض أي إلى مكاننا (4) أي وأخبرناه أن ابن عباس قال إنكم نقضتم حجكم (5) أي أقسم بالله أخرجتم محرمين بالحج؟ (تخريجه)(لم أقف عليه) لغير الأمام أحمد وسنده جيد
(260)
عن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أحمد بن عبد الملك الحراني أنا الدراوردى عن عبيد الله بن عمرعن نافع عن ابن عمر- الحديث" (غريبة) (6) معناه أنه لا يطوف للعمرة ثم يطوف للحج طوافا آخر بل يكفيه طواف الإفاضة للحج والعمرة معا. وهذا هو الطواف المفروض (تخريجه) (جه) وسنده جيد، وأخرجه الترمذي مرفوعا بلفظ " من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد وسعى واحد عنهما حتى يحل منهما جميعا" وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب صحيح تفرد به الراوردى على ذلك حتى يحل منهما جميعا وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب صحيح تفرد به الداروردى على ذلك اللفظ، وقد رواه غير واحد عن عبيد الله بن عمر ولم يرفعوه وهو أصح اهـ (قال النووي) في شرح المهذب ورواه البيهقي بإسناد صحيح مرفوعا (قلت) ورواه سعيد بن منصور مرفوعا بلفظ " من جمع بين الحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد وسعى واحد" وأعله الطحاوي بأن الداوردي أخطأ فيه وأن الصواب أنه موقوف وتمسك
(261)
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم (1) بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا طوافه الأول (2)
(261)
وعنه أيضا قال قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفنا بالبيت وبين الصفا والمروة (3) فلما كان يوم النحر لم نقرب الصفا والمروة (4)
(262)
عن عائشة رضي الله عنها في حديث لها قالت فطاف الذين أهلّوا
في تخطئته بما رواه أيوب والليث وموسى بن عقبة وغير واحد عن نافع نحو سياق ما في البخاري من أن ذلك وقع لابن عمر وأنه قال إن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لا أنه روى هذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم (قال الحافظ) وهو تعليق مردود فالداوردى صدوق وليس ما رواه مخالفا لما رواه غيره، فلان مانع من أن يكون الحديثن عن نافع عن علي على الوجهين اهـ. والله أعلم.
(261)
عن جابر بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى عن ابن جريج أخبرنى أبو الزبير قال سمعت جابر بن عبد الله رضى الله عنهما - الحديث " (غريبة)(1) زاد مسلم ولا أصحابه، وهذا اللفظ وإن لم يصرح به عند الإمام أحمد في هذا الحديث يستفاد معناه من حديثه التالي (2) يعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه من أصحابه قارنا لم يسعوا بين الصفا والمروة إلا مرة واحده هي التي كانت عقب طواف القدوم، أما من كان متمتعا فقد سعى سعيا لعمرته ثم سعيا آخر لحجة يوم النحر. قال النووي فيه دليل على أن السعي في الحج والعمرة لا يكرر بل يقتصر منه على مرة واحده ويكره تكراره لأنه بدعة اهـ (تخريجه)(م. والأربعة)
(262)
وعنه أيضا (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سريج ثنا حماد يعنى ابن زيد عن الحجاج بن أرطأة عن عطاء عن جابر قال قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبة)(3) يعنى طواف القدوم (4) يريد أنهم طافوا بالبيت فقط طواف الإفاضة ولم يطوفوا بين الصفا والمروة اكتفاء بالطواف الأول كما في الحديث السابق (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الإمام أحمد وفي اسناده الحجاج بن أرطأه، قال أبو حاتم إذا قال حدثنا فهو صالح لا يرتاب في حفظه وصدقه (قال ابن معين) صدوق يدلس، وقال أيضا هو والنسائي ليس بالقوي، روى له مسلم مقرونا بغيره، مات سنة سبع وأربعين ومائة (خلاصة)(قلت) حسّن الحافظ الهيثمي حديثه وروى البخاري معناه
(263)
عن عائشة رضي الله عنها هذا طرف من حديث تقدم بسنده في آخر باب
بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم أحلوّا (1) ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم، فأما الذين جمعوا الحج (2) فطافوا طوافا واحدا
(الفصل الثالث في طواف المتمتع وهو الذى أهل بعمرة فقط)
(264)
عن عمرو بن دينار أنه سمع رجلا سأل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أيصيب الرجل امرأته قبل أن يطوف بالصفا والمروة
(3)
قال أما رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقدم فطاف بالبيت ثم ركع ركعتين ثم طاف بين الصفا والمروة، ثم تلا:" لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة"(4)
(265)
عن عائشة رضي الله عنه أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أهلّوا بالعمرة طافوا بالبيت وبالصفا والمروة، ثم طافوا بعد أن رجعوا من منى لحجهم والذين قرنوا (5) طافوا طوافا واحدا
ما جاء فيمن تمتع بالعمرة إلى الحج صحيفة 167 رقم 135 في الجزء الحادى عشر (غريبة)(1) أي من عمرتهم بعد الحلق أو التقصير ثم أحرموا بالحج ثم طافوا إلخ (2) أي قرنوا الحج بالعمرة " فطافوا طوافا واحدا" أي لحجهم وعمرتهم (تخريجه)(ق. وغيرهم)
(263)
عن عمرو بن دينار (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا روح ثنا ابن جريج أخبرنى عمرو بن دينار - الحديث " (غريبة)(3) لفظ مسلم عن عمرو بن دينار قال سألنا ابن عمر عن رجل قدم بعمرة فطاف بالبيت ولم يطف بين الصفا والمروة أيأتى امرأته؟ وهذه الرواية أوضح من رواية الإمام أحمد (4) معناه لا يحل له ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتحلل من عمرته حتى طاف وسعى، فتجب متابعته صلى الله عليه وسلم والاقتداء به والمراد بعمرته صلى الله عليه وسلم ما كان منه قبل حجة الوداع، وقد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاث مرات قبل حجة الوداع: عمرة الحديبية، وعمرة القضية، وعمرة الجعرانة، أما في حجة الوداع فقد كان قارنا (تخريجه)(م. وغيره)
(264)
عن عائشة رضي الله عنها (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرحمن عن مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة - الحديث (غريبة)(5) أي قرنوا العمرة بالحج (تخريجه)(ق. وغيرها)(زوائد الباب)
.
(عن جابر وابن عمر وابن عباس) رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطف هو وأصحابه لعمرتهم وحجتهم إلا طوافا واحدا أورده الهيثمي وقال رواه أبو يعلى وفيه ليث بن أبى سليم وهو ثقة لكنه مدلس (وأخرج عبد الرزاق) عن طاوس بإسناد صحيح أنه حلف ما طاف أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحجته وعمرته إلا طوافا واحدا (وعن مجاهد عن عائشة) رضي الله عنها أنها حاضت بسرف فتطهرت بعرفة، فقال لها رسول الله يجزئ عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك، رواه مسلم. وجاء معناه عند الإمام أحمد في أحاديث تقدمت (الأحكام) أحاديث الباب تدل على أن المفرد وهو الذي أحرم بالحج مفردا يشرع له طواف القدوم والسعي بين الصفا والمروة قبل الوقوف بعرفة ثم يطوف بالبيت يوم النحر طواف الإفاضة وهو أحد أركان الحج، ثم يتحلل من حجه بدون سعى بين الصفا والمروة اكتفاء بالسعي الأول، كما يستفاد من حديث ابن عمر المذكور أول الباب، وبه قال ابن عمر (قال النووي) هذا الذى قاله ابن عمر هو اثبات طواف القدوم للحاج وهو مشروع قبل الوقوف بعرفات، وبهذا الذى قاله ابن عمر قال العلماء كافة سوى ابن عباس، وكلهم يقولون إنه سنة ليس بواجب إلا بعض أصحابنا ومن وافقه فيقولون واجب يجبر تركه بالدم، والمشهور أنه ليس بواجب ولا دم في تركه، فإن وقف بعرفات قبل طواف القدوم فات، فإن طاف بعد ذلك بنية طواف القدوم لم يقع عن طواف القدوم بل يقع عن طواف الإفاضة إن لم يكن طاف للإفاضة، فإن كان طاف للإفاضة وقع الثاني تطوعا عن القدوم، ولطواف القدوم اسماء، طواف القدوم والقادم والورود والوارد والتحية، وليس في العمرة طواف قدوم بل الطواف الذى يفعله فيها يقع ركنا لها، حتى لو نوى به طواف القدوم وقع ركنا ولغت نيته كما لوكان عليه حجة واجبة فنوى حجة تطوع فإنها تقع واجبة والله أعلم (وفي أحاديث الباب أيضا) دلالة على أن القارن " وهو الذى أحرم بحج وعمرة معا" يشرع له طواف القدوم أيضا والسعى بعده، ثم يطوف يوم النحر طواف الإفاضة ثم يتحلل من حجه بدون سعى بين الصفا والمروة كما تقدم في المفرد سواء بسواء (وفي قوله في حديث جابر) لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا طوافه الأول وفي قوله في حديث الثاني: قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفنا بالبيت وبين الصفا والمروة فلما كان يوم النحر لم نقرب الصفا والمروة في هذا دلالة ظاهرة للشافعية وموافقيهم في أن القارن ليس عليه إلا طواف واحد للإفاضة وسعى واحد (وممن قال بهذا) ابن عمر وجابر ابن عبد الله وعائشة وطاوس وعطاء والحسن البصري ومجاهد ومالك وابن الماجشون وأحمد وإسحاق وداود وابن المنذر (وقالت طائفة) يلزمه طوافان
.
وسعيان، وممن قاله الشعبي والنخعي وجابر بن زيد وعبد الرحمن بن الأسود والثوري والحسن بن صالح وأبو حنيفة، واستدلوا على ذلك بما أخرجه عبد الرزاق والدارقطني وغيرهما عن علي رضي الله عنه أنه جمع بين الحج والعمرة وطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الحافظ) وطرقه ضعيفة، وقال ابن المنذر لا يثبت هذا عن علي، وكذا روى نحوه من حديث ابن مسعود بإسناد ضعيف ومن حديث ابن عمر بإسناد فيه الحسن بن عمارة وهو متروك (قال ابن حزم) لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة في ذلك شيء أصلا، وتعقبه الحافظ بأنه قد روى الطحاوي وغيره مرفوعا عن علي وابن مسعود ذلك بأسانيد لا بأس بها اهـ. فينبغي أن يصار إلى الجمع كما قال البيهقي إن ثبتت الرواية أنه طاف طوافين، فيحمل على طواف القدوم وطواف الإفاضة وأما السعي مرتين فلم يثبت اهـ على أنه يضعف ما روى عن على رضي الله عنه ما ذكره الحافظ في الفتح من أنه قد روى آل بيته عنه مثل الجماعة (قال جعفر بن محمد الصادق) عن ابيه أنه كان يحفظ عن علي للقارن طوافا واحدا خلاف ما يقول أهل العراق، ومما يضعف ما روى عنه من تكرار الطواف أن أمثل طرقة عنه رواية عبد الرحمن بن أذينة عنه، وقد ذكر فيها أنه يمنع من ابتدأ الإهلال بالحج بأن يدخل عليه عمرة وأن القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين والذين احتجوا بحديثة لا يقولون بامتناع إدخال العمرة على الحج، فإن كان الطريق صحيحة عندهم لزمهم العمل بما دلت عليه وإلا فلا حجة فيها، ويضعف أيضا ما روى عن ابن عمر من تكرار الطواف أنه قد ثبت عنه في الصحيحين وغيرهما كما في أحاديث الباب من طرق كثيرة الاكتفاء بطواف واحد (وقد احتج أبو ثور) على الاكتفاء بطواف واحد للقارن بحجة نظرية فقال: قد أجزنا جميعا للحج والعمرة معا سفرا واحدا وإحراما واحدا وتلبية واحدة، فكذلك يجزئ عنهما طواف واحد وسعي واحد، حكى هذا عنه ابن المنذر (ومن جملة ما يحتج به) على أنه يكفى لهما طواف واحد حديث " دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة" وهو صحيح (وسيأتى بعد أبواب السعي) لأنها بعد دخولها فيه لا تحتاج إلى عمل آخر غير عمله، والسنة الصحيحة الصريحة أحق بالاتباع فلا يلتفت إلى ما خالفها والله أعلم (وفي أحاديث الباب أيضا) ما يدل على أن من تمتع بالعمرة إلى الحج لابد له من طواف بالبيت وسعي بين الصفا والمروة قبل الوقوف بعرفة لأنهما ركنا العمرة ثم يحرم بالحج وعليه حتما طواف بالبيت وسعي بين الصفا والمروة يوم النحر لأنهما ركنان من أركان الحج، وهذا مستفاد من حديث عائشة المذكور في الفصل الثالثت حيث قالت إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أهلوا بالعمرة طافوا بالبيت وبالصفا والمروة ثم طافوا (أي بالبيت وبالصفا والمروة أيضا) بعد أن رجعوا من
(10)
باب طواف أهل مكة وأمور جاءت في الطواف والكلام فيه
(266)
عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع الأودية وجاء بهدى فلم يكن له بُد (1) من أن يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة قبل أن يقف بعرفة، فأما أنتم يا أهل مكة فأخروا طوافكم حتى ترجعوا (2)
منى لحجهم والذين قرنوا طافوا طوافا واحدا (أما من أحرم بعمرة فقط) لا يريد غيرها فلا يجوز له التحلل من العمرة بعد الطواف وقبل السعي والحلق أو التقصير، لأن السعي ركن من أركان العمرة، وهذا مستفاد من حديث عمرو بن دينار عن ابن عمر المذكور في الفصل الثالث حيث قال ابن عمر للسائل " أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم فطاف بالبيت ثم ركع ركعتين ثم طاف بين الصفا والمروة ثم تلا لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة (قال النووي) معناه لا يحل ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتحلل من عمرته حتى طاف وسعى فتجب متابعته والاقتداء به، وهذا الحكم الذى قاله ابن عمر هو مذهب العلماء كافة وهو أن المعتمر لا يتحلل إلا بالطواف والسعى والحلق إلا ما حكاه القاضى عياض عن ابن عباس واسحاق ابن راهوية أنه يتحلل بعد الطواف وأن لم يسع، وهذا ضعيف مخالف للسنة اهـ (قلت) رحم الله الحافظ أبا بكر البيهقي فقد جمع ما ذكرناه من أحكام المفرد والقارن في ترجمة باب من كتابة السنن حيث قال (باب المفرد والقارن يكفيهما طواف واحد وسعي واحد بعد عرفه فإن كانا قد سعيا بعد طواف القدوم اقتصرا على الطواف بالبيت بعد عرفة وتحللا)(قلت) وحكم المتمتع يؤخذ من مفهوم هذه الترجمة وهو أنه يطوف طوافين ويسعى سعيين والله أعلم
(266)
عن عطاء عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سريج ثنا عبد الله بن المؤمل عن عطاء عن ابن عباس - الحديث (غريبة)(1) أي لا محيد من ذلك، وحمله بعضهم على الوجوب والجمهور على الاستحباب، وتقدم الخلاف في ذلك في أحكام باب طواف القدوم (2) أي من منى بعد الوقوف بعرفة لأنه ليس عليهم طواف إلا بعد الوقوف بعرفة بإجماع العلماء (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وفي اسناده عبد الله بن المؤمل ضعفه الجمهور، والظاهر والله أعلم أن ابن عباس
(267)
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر وهو يطوف بالكعبة بإنسان يقود إنسانا بخزامة (1) في أنفه فقطعها النبي صلى الله عليه وسلم بيده فأمره أن يقوده بيده (2)(وعنه من طريق ثان) أن النبي صلى الله عليه وسلم مر وهو يطوف بالكعبة بإنسان قد ربط يده بإنسان أخر (4) بسير أو بخيط أو بشيء غير ذلك (5) فقطعه النبي صلى الله عليه وسلم بيده ثم قال قده (6) بيده
رضي الله عنهما قال: هذا الأثر حينما وجد أهل مكة يطوفون بالصفا والمروة قبل الوقوف اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فأفهمهم العلة التي لأجلها طاف النبي صلى الله عليه وسلم وسعى قبل الوقوف والله أعلم
(267)
عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق قال أنا ابن جريج قال أخبرنى سليمان الأحول أن طاوسا أخبره عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر وهو يطوف - الحديث" (غريبة) (1) بكسر الخاء المعجمة هي حلقة من شعر تجعل في أحد جانبي منخري البعير كانت بنو اسرائيل تخرم أنوفها وتخرق تراقبها ونحو ذلك من أنواع التعذيب فوضعه عن هذه الأمة (2) إنما منعه عن ذلك وأمره بالقود باليد لأن القود بالأزمة إنما يفعل بالبهائم وهو مثله (3) (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق قال أنا ابن جريج قال أخبرنى سلمان الأحول أن طاوسا أخبره عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم الحديث "(4) قال الحافظ لم أقف عليه على تسمية هذين الرجلين صريحا إلا أن في الطبراني من طريق فاطمة بنت (مسلم حدثنى خليفة بن بشر عن أبيه أنه أسلم فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم ماله وولده ثم لقيه هو وابنه طلق بن بشر مقترنين بحبل، فقال ما هذا؟ فقال حلفت لئن رد الله علىّ رد الله ما لى وولدى لأحجن بيت الله مقرونا، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الحبل فقطعه وقال لهما حجا، إن هذا من عمل الشيطان) فيمكن أن يكون بشر وابنه طلق صاحبى هذه القصة اهـ (وقوله بسير) بمهملة مفتوحة وياء ساكنة معروف وهو ما يقد من الجلد وهو الشراك والقد الشق طولا، يقال قددت السير أقده، أن أهل الجاهلية كانوا يعتقدون أنهم يتقربون بمثله إلى الله تعالى (5) كأن الرواى لم يضبط ما كان مربوطا به فلأجل ذلك شك فيه، وغير السير والخيط، نحو المنديل الذي يربط به والوتر أو غيرهما (6) بضم القاف أمر من قادة يقوده من القياد أو القود وهو الجر والسحب (تخريجه)(خ. د. نس)(زوائد الباب)
(عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما قال طاف
.
النبي صلى الله عليه وسلم في حجته بالبيت على ناقته الجدعاء وعبد الله بن أم مكتوم آخذ بخطامها يرتجز، أورده الهيثمي وقال هو في الصحيح خلا ذكر ابن أم مكتوم ورجزه، رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات (وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة) قال رأيت عبد الرحمن بن عوف يطوف بالبيت وهو يحدو وعليه خفان، فقال له عمر ما أدرى أيهما أعجب، حداؤك حول البيت أو طوافك في خفيك! قال قد فعلت ذلك على عهد من هو خير منك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعب ذلك علىّ، رواه أبو يعلى وفيه عاصم بن عبد الله وهو ضعيف (وعن عامر بن ربيعه) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف بالبيت فانقطع شسع نعله فأخرج رجل شسعا من نعله، فذهب يشده في نعل النبي صلى الله عليه وسلم فانتزعها وقال هذه أثرة ولا أحب الأثرة، رواه أبو يعلى والطبراني والأوسط، وفيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف، أوردهما الهيثمي (الأحكام) أثر ابن عباس يدل على مشروعية طواف القدوم لمن أتى مكة يريد الحج وتقدم الكلام على ذلك في أحكام باب طواف القدوم صحيفة 21 من هذا الجزء أما أهل مكة فلا يشرع لهم إلا طواف الإفاضة بعد الوقوف بعرفة، وقد أجمع العلماء على ذلك كما أجمعوا على أنه ليس على المعتمر فقط إلا طواف القدوم (وحديث ابن عباس) الثانى من حديثي الباب يدل على أنه يجوز للطائف فعل ما خف من الأفعال وتغيير ما يراه الطائف من المنكر وفيه جواز الكلام في الأمور الواجبة والمستحبة والمباحة (قال ابن المنذر) أولى ما شغل المرء به نفسه في الطواف ذكر الله وقراءة القرآن، ولا يحرم الكلام المباح إلا أن الذكر أسلم، وحكى ابن التين خلافا في كراهة الكلام المباح (وعن مالك) تقييد الكراهة بالطواف الواجب (قال ابن المنذر) واختلفوا في القراءة فكان ابن المبارك يقول ليس شيء أفضل من قراءة القرآن، وفعله مجاهد (واستحبه الشافعي وأبو ثور) وقيده الكوفيون بالسر، روى عن عروة والحسن كراهته (وعن عطاء ومالك أنه محدث) وعن مالك لا بأس به إذا اخفاه ولم يكثر منه (قال ابن المنذر) من أباح القراءة في البوادى والطرق ومنعه في الطواف لا حجه له، ونقل ابن التين عن الداودى أن في هذا الحديث من نذر ما لا طاعة لله تعالى فيه لا يلزمه، وتعقبه بأنه ليس في هذا الحديث شيء من ذلك، وإنما ظاهر الحديث أنه كان ضرير البصر ولهذا قال له قده بيده اهـ. ولا يلزم من أمره له أن يقوده أنه كان ضريرا، بل يحتمل أن يكون بمعنى آخر غير ذلك، وأما ما أنكره من النذر فمتعقب بما في النسائي من طريق خالد بن الحارث عن ابن جريج في هذا الحديث أنه قال أنه نذر. ولهذا أخرجه البخاري في أبواب النذر. أفاده الحافظ
(قلت) روى الإمام أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك رجلين مقترنان يمشيان إلى البيت
(11)
باب ما يقال من الذكر في الطواف وعند الاستلام
(وما كان يقوله أهل الجاهلية في الطواف واستحباب ترك الكلام)
(268)
عن عبد الله بن السائب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقرأ بين الركنين اليماني والحجر (1) ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار (2)
(269)
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتى البيت فيستلم الحجر ويقول بسم الله والله أكبر
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بال القِران؟ قالا يارسول الله نذرنا أن نمشى إلى البيت مقترنين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس هذا نذرا فقطع قرانهما، وسيأتى ذلك في أبواب النذر إن شاء الله تعالى (وفي أحاديث الزوائد) دلالة على جواز الرجز للطائف والحداء والكلام بشرط أن يكون واجبا أو مستحبا أو مباحا على الأقل كما تقدم (وفيها أيضا) جواز الطواف في النعل والخف إذا كان ظاهرين، وإنما لم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم الشسع من الرجل الذي أراد أن يعطيه إياه بدل شسعه الذي انقطع وقال هذه أثرة، يعني عطية تشبه الصدقة ولا يسمح للنبي قبولها وهذه من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته رضي الله عنهم والله أعلم.
(268)
عن عبد الله بن السائب (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج قال أخبرنى يحيى بن عبيد عن أبيه عن عبد الله بن السائب - الحديث" (غريبة)(1) لفظ أبي داود سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما بين الركنين إلخ (2) في الأصل بعد قوله
" وقنا عذاب النار" قال عبد الرزاق وابن بكر وروح في هذا الحديث أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما بين ركن بنى جمح والركن الأسود " ربنا آتنا إلخ" والمعنى أنهم رووا هذا الحديث عن عبد الله بن السائب بهذا اللفظ، وركن بنى جمح هو اليماني، ونسب إليهم لأن بيوتهم كانت إلى جهته، وبنو جمح بطن من قريش، وبالمسجد باب يسمى بباب بنى جمح لذلك (تخريجه)(د. نس. هق. حب) وصححه الحاكم وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (قلت) وأقره الذهبي
(269)
(عن ابن عمر) هذا طرف من حديث تقدم بسنده وشرحه في الفصل الأول في الغسل لدخول مكة صحيفة 2 رقم 209 من هذا الجزء وهو حديث صحيح
(270)
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جُعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله عز وجل (1)
(271)
عن طاوس عن رجل قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم (2) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما الطواف صلاة (3) فإذا طفتم فأقلوا الكلام.
(272)
عن سباع بن ثابت قال سمعت أهل الجاهلية يطوفون وهم
(270) عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبى ثنا أبو نعيم قال ثنا سفيان عن عبيد الله بن أبى زياد قال سمعت القاسم قال: قالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: - الحديث" (غريبة)(1) أي لأن يذكر الله عز وجل فيها، ففيه الحث على الذكر في هذه الأفعال وعدم الغفلة عنه، وإنما خصت هذه الأفعال بالذكر مع أن المقصود من جميع العبادات هو ذكر الله تعالى لأنها أفعال تعبدية لا تظهر فيها العبادة فشرعت فيها العبادة القولية لتكون شعارا لها والله أعلم (تخريجه)(د. مى. مذ) وقال هذا حديث حسن صحيح.
(271)
عن طاوس (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق وروح قالا ثنا ابن جريج قال أخبرني حسن بن مسلم عن طاوس - الحديث" وفي آخره قال عبد الله بن الإمام أحمد رحمها الله (قال أبى ولم يرفعه محمد بن بكر) (غريبة) (2) يعنى من الصحابة وجهاله الصحابي لا تضر، ولعل هذا الرجل هو ابن عمر رضي الله عنهما، فقد قال النووي في شرح المهذب ذكر الشافعي والبيهقي بإسنادهما الصحيح عن ابن عمر قال" أقلوا الكلام في الطواف إنما أنتم في صلاة" وهو موقوف على ابن عمر (3) أي كالصلاة في كثير من الأحكام (وقوله فأقلوا الكلام) أي فلا تكثروا فيه الكلام وإن كان جائزا، لأن مماثلته بالصلاة تقتضي أن لا يتكلم فيه أصلا كما لا يتكلم في الصلاة، فحين أباح الله تعالى فيه الكلام رحمة منه على العبد فعليه أن يشكر الله عز وجل ولا يكثر فيه الكلام، ولا يتكلم إلا بخير أو لضرورة والله أعلم (تخريجه) (نس) بلفظ حديث الباب، ثم رواه من طريق ثان عن طاوس قال قال عبد الله بن عمر " اقلوا الكلام في الطواف فإنما أنتم في صلاة" ورواه أيضا البيهقي والإمام الشافعي من حديث ابن عمر موقوفا عليه بسند صحيح
(272)
عن سباع بن ثابت (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سفيان
يقولون: اليوم قرنا عينا (1) نقرع المروتينا
عن عبد الله بن أبى يزيد عن أبيه عن سباع بن ثابت- الحديث" (غريبة) (1) معناه اليوم قرت أعيننا أي بردت سرورا (نقرع المروتينا) أي بالطواف بالصفا والمروة لأن أقدامهم تقرعها بالمشي، وإنما قالوا المروتين تغليبا كما قيل في الشمس والقمر- القمران، وفي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما العمران (والمروتين) بفتح النون على لغة لضرورة الشعر. والألف للإطلاق والظاهر أنهم كانوا يقولون ذلك في الطواف بالبيت، ويحتمل أن يكون في السعي بين الصفا والمروة لأنه يقال له طواف أيضا، ويحتمل أن يكون في الموضعين والله أعلم (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وسنده جيد (زوائد الباب) (عن أبى هريرة) رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من طاف بالبيت سبعا ولا يتكلم إلا بسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله محيت عنه عشر سيئات كتبت له عشر حسنات ورفع له به عشر درجات ومن طاف فتكلم وهو في تلك الحال خاض في الرحمة برجليه ورفع له بها عشر درجات، ومن طاف فتكلم وهو في تلك الحال خاض في الرحمة برجليه كخائض الماء برجليه) يعنى أن من تكلم بغير الذكر بكلام مباح في الطواف خاض في الرحمة برجليه فقط دون سائر جسده بخلاف من يذكر الله تعالى في تلك الحالة فإنه يكون في الرحمة بتمام جسده (وعن عطاء) وقد سأله ابن هشام عن الركن اليماني قال حدثنى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وكل به سبعون ملكا فمن قال اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار قالوا آمين. رواهما ابن ماجة بسند واحد (قال الحافظ) في التلخيص إسناده ضعيف (وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في الطواف: اللهم قنعني بما رزقتني وبارك في فيه واخلف على كل غائبة لي بخير (ك) وصحح إسناده وروى ابن أبى شيبه في مصنفه عن سعيد بن جبير قال كان من دعاء ابن عباس فذكره موقوفا عليه " ومعنى قوله واخلف على كل غائبة لي بخير " أي اجعل عوضا حاضرا كما غاب على وفات، أو لا أتمكن من إدراكه (وعن عبد الله بن السائب) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ابتداء طوافه: بسم الله والله أكبر اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، رواه ابن عساكر من طريق ابن ناجية بسند له ضعيف (قال الحافظ) لم أجده هكذا وقد ذكر صاحب المهذب من حديث جابر، وقد بيض له المنذري والنووي، ورواه الشافعي عن ابن نجيح قال أخبرت أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال يا رسول الله كيف نقول إذا استلمنا؟ قال: قولوا بسم الله والله أكبر إيمانا بالله وتصديقا لما جاء به محمد، قال في التلخيص وهو في الأم عن سعيد بن سالم عن
.
ابن جريج (وعن على رضي الله عنه عند البيهقي والطبراني من طريق الحارث الأعور أنه كان إذا مر بالحجر الأسود فراى عليه زحاما استقبله وكبر ثم قال اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك واتباعا لسنة نبيك (وروى البيهقي) عن أبى سعيد بن أبى عمرو ثنا أبو العباس الأصم أنبأنا الربيع قال قال الشافعي أحب كلما حاذى به يعنى بالحجر الأسود أن يكبر وأن يقول في رمله: اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا ويقول في الأطواف الأربعة: اللهم اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم وأنت الأعز الأكرم، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار (وعن حبيب بن صهبان) أنه رأى عمر رضي الله عنه يطوف بالبيت وهو يقول " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" ماله هجيرى غيرها (هق) " الهجيرى الدأب والعادة" (وعن ابن عباس) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الطواف بالبيت صلاة وكذلك رواه جرير بن عبد الحميد وموسى بن أعين وغيرهم عن عطاء ين السائب مرفوعا (قال) ورواه حماد بن سلمة وشجاع بن الوليد عن عطاء بن السائب موقوفا وكذلك رواه عبد الله بن طاوس عن طاوس عن ابن عباس موقوفا (وعن ابن طاوس) عن أبيه عن ابن عباس قال الطواف صلاة فأقلوا فيه من الكلام (هق) قال البيهقي وكذلك رواه إبراهيم بن ميسرة عن طاوس (وعن عطاء) قال طفت خلف ابن عمر وابن عباس رضى الله عنهما فما سمعت واحدا منهما متكلما حتى فرغ من طوافه (هق)(وعن ابن سعيد الخدري رضي الله عنه قال من طاف بالبيت سبعا لا يتكلم فيه إلا تكبيرا أو تهليل كان عدل رقبة (هق)(الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد تدل على مشروعية الدعاء والذكر بما اشتملت عليه هذه الأحاديث في الطواف (وقد ذهب جمهور العلماء) إلى أنه سنة وأنه لادم على من ترك مسنونا، وعن الحسن البصري والثوري وابن الماجشون أنه يلزم (وفيها أيضا دلالة) على استحباب ترك الكلام في الطواف ولا يبطل به. لكن الأولى تركه إلا أن يكون كلاما في خير كأمر بمعروف أو نهي عن منكر أو تعليم جاهل أو جواب فتوى ونحو ذلك (قال النووي) قال أصحابنا وغيرهم ينبغي له أن يكون في طوافه خاشعا متخشعا حاضر القلب ملازم الأدب بظاهره وباطنه وفي هيئته وحركته ونظره فإن الطواف صلاة فيتأدب بآدابها ويستشعر بقلبه عظمة من يطوف ببيته، ويكره له الأكل والشرب في الطواف وكراهة الشرب أحف، ولا يبطل الطواف بواحد منهما ولابهما جميعا (قال الشافعي) لا بأس بشرب الماء في الطواف ولا اكرهه بمعنى المأثم، لكن أحب تركه لأن تركه أحسن في الأدب (قال الشافعي في الإملاء) روى عن ابن عباس أنه شرب وهو يطوف، قال وروى من
(12)
باب ركعتي الطواف والقراءة فيهما واستلام الحجر بعدهما
(273)
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال استلم نبي الله صلى الله عليه وسلم الحجر الأسود ثم رمل ثلاثة ومشى أربعة حتى إذا فرغ عمد إلى مقام إبراهيم (1) فصلى خلفه ركعتين ثم قرأ واتخذوا (2) من مقام إبراهيم مصلى، فقرأ فيهما
وجه لا يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب وهو يطوف (قال البيهقي) لعله أراد حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب ماء في الطواف، وهو حديث غريب بهذا اللفظ والله أعلم (قال النووي) ويكره أن يشبك أصابعه أو يفرقع بها كما يكره ذلك في الصلاة، ويكره أن يطوف وهو يدافع البول أو الغائط أو الريح أو وهو شديد التوقان إلى الأكل وما في معنى ذلك كما تكره الصلاة في هذه الأحوال، قال ويلزمه أن يصون نظره عمن لا يحل النظر إليه من امرأة أو أمرد حسن الصورة، فإنه يحرم النظر إلى الأمرد والحسن بكل حال إلا لحاجة شرعية لا سيما في هذا الموطن الشريف، ويصون نظره وقلبه عن احتقار من يراه من الضعفاء وغيرهم كمن في بدنه نقص وكمن جهل شيئا من المناسك أو غلط فيه، وينبغي أن يعلم الصواب برفق، وقد جاءت أشياء كثيرة في تعجيل عقوبة من أساء الأدب في الطواف كمن نظر إلى امرأة ونحوها، وذكر الأزرقي من ذلك جملا في تاريخ مكة، وهذا الأمر مما يتأكد الاعتناء به لأنه في أشرف الأرض والله أعلم اهـ. ج (وفي أحاديث الباب أيضا) ذكر ما كان يقوله أهل الجاهلية في طوافهم من الكلام الذي لا يعود عليهم بفائدة ولا ثمرة ترجى، وقد أبدله الله في الإسلام بهذه الأذكار والدعوات التي فيها تعظيم الله عز وجل والاعتراف له بالعبودية، والتي يعود ثوابها على قائلها ويكون له عند الله منزلة عليه، فالحمد لله الذي هدانا لهذا الدين الحنيف دين الإسلام، وجعلنا من خدام سنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله. نسأل الله الإخلاص والتوفيق إلى أقوم طريق.
(273)
(عن جابر بن عبد الله) هذا طرف من حديث جابر الطويل تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم صحيفة 74 رقم 64 في الجزء الحادي عشر، وأتيت بهذا القدر منه هنا لمناسبة الترجمة (غريبة)(1) تقدم الكلام على مقام إبراهيم في شرح حديث رقم 235 صحيفة 28 من هذا الجزء، والمراد به الحجر الذي كان إبراهيم عليه السلام يقوم عليه لبناء الكعبة، ومكانه الآن إلى جانب الباب مما يلى الحجر يمنة الداخل من الباب في البقعة المستقلة هناك (2) في الروايات بكسر الخاء على الأمر وهي
بالتوحيد وقل يا أيها الكافرون (1) ثم استلم الحجر وخرج إلى الصفا الحديث
(274)
وعنه أيضا أن النبي صلى عليه وعلى آله وصحبه وسلم رمل ثلاثة أطواف من الحجر إلى الحجر وصلى ركعتين (2) ثم عاد إلى الحجر، ثم ذهب إلى زمزم فشرب منها وصب على رأسه ثم رجع فاستلم الركن ثم رجع إلى الصفا فقال ابدءوا بما بدأ الله عز وجل به (4)
إحدى القراءتين، والأخرى بالفتح على الخبر والأمرد ال على الوجوب (قال الحافظ) لكن انعقد الإجماع على جواز الصلاة إلى جميع جهات الكعبة فدل على عدم التخصيص، وهذا بناء على أن المراد بمقام إبراهيم الذي فيه أثر قدميه وهو موجود الآن، وقال مجاهد المراد بمقام إبراهيم الحرم كله والأول أصح (1) معناه أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة بقل يا أيها الكافرون، وفي الثانية بعد الفاتحة بسورة التوحيد يعنى قل هو الله أحد (وللنسائي) من رواية جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أيضا فصلى ركعتين فقرأ فاتحة الكتاب وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد، ثم عاد إلى الركن - الحديث " (وروى البيهقي) بإسناد صحيح على شرط مسلم عن جعفر بن محمد أيضا عن أبيه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت فرمل من الحجر الأسود ثلاثا ثم صلى ركعتين قرأ فيهما قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد (وقوله ثم استلم الحجر) فيه دلالة للقائلين باستحباب استلام الحجر مرة أخرى بعد الطواف وصلاة ركعتين ثم يخرج من باب الصفا ليسعى وسيأتى ذكرهم مرة أخرى بعد الطواف وصلاة ركعتين ثم يخرج من باب الصفا ليسعى وسيأتى ذكرهم في الإحكام (تخريجه)(م. د. جه. وغيرهم)
(274)
وعنه أيضا (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى حدثنا موسى بن داود حدثنا سليمان بن بلال عن جعفر عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم رمل - الحديث (غريبة)(2) لفظ النسائي فصلى سجدتين وجعل المقام بينه وبين الكعبة ثم استلم الركن (3) الظاهر أنه الركن الأسود، وعلى هذا فيكون قد استلم الحجر الأسود مرتين بعد صلاة الركعتين، ولم أر هذه الرواية لغير الإمام أحمد، والذى رأيته في جميع الروايات أنه صلى الله عليه وسلم استلم الحجر بعد صلاة الركعتين مرة واحدة ثم شرع في السعي بين الصفا والمروة كما في رواية جابر الأولى المتفق عليها فالله أعلم (4) يريد البدء بالصفا لأن الله عز وجل بدأ به في قوله تعالى " إن الصفا والمروة من شعائر الله" فذكر الصفا أولا (تخريجه) (م. لك. نس. مذ" بدون قصة الشرب من زمزم والرجوع
وفي حديث ابن عمر (1) رضى الله عنهما قال (ثم ركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين ثم سلم فأنصرف فأتى الصفا) الحديث
(275)
عن محمد بن عبد الله بن السائب أن عبد الله بن السائب كان يقود عبد الله بن عباس (2) رضي الله عنهما ويقيمه عند الشقة الثالثة مما يلى الباب مما يلى الحجر (3) فقلت يعنى القائل ابن عباس لعبد الله بن السائب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم ها هنا أو يصلى ها هنا (4) فيقوم ابن عباس فيصلى
إلى الحجر الأسود مرة ثانية وسند حديث الباب جيد
(1)
هذا طرف من حديث طويل تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب صفة حج النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم رقم 66 من الجزء الحادي عشر
(275)
عن محمد بن عبد الله بن السائب (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى بن سعيد عن السائب بن عمر قال حدثنى محمد بن عبد الله بن السائب - الحديث" (غريبة) (2) أي في آخر حياته وكان قد كف بصره (3) يريد والله أعلم المكان الذي يصلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم ركعتي الطواف خلف مقام إبراهيم (4) اي ركعتي الطواف وإنما كان ابن عباس رضي الله عنهما يسأل ويتحرى عن المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم ليتأسى به ويصلى فيه (تخريجه) هذا الإثر لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وفي إسناده محمد ابن عبد الله بن السائب مجهول (زوائد الباب) (عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين وطاف بين الصفا والمروة، وقال لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة (خ. نس. جه) (وعن المطلب ابن إبى وداعة) قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم حين فرغ من سُبعه جاء حاشية المطاف فصلى ركعتين وليس بينه وبين الطوّافين أحد (نس. جه) (وقوله من سبعة) بضمتين أي من الطواف سبع مرات (وقوله وليس بينه وبين الطوافين " أي الطائفين" أحد ظاهره أنه لا حاجة إلى السترة في مكة وبه قيل ومن لا يقول به يحمله على أن الطائفين كانوا يمرون من وراء موضع السجود أو وراء ما يقع فيه نظر الخاشع والله أعلم ولفظ ابن ماجة " فصلى ركعتين في حاشية المطاف وليس بينه وبين الطواف أحد" ثم قال هذا بمكة خاصة (قلت) كأنه يرى عدم السترة بمكة كما ذهب إليه البعض (وفي البخاري) قيل للزهري إن عطاء يقول
أبواب الطواف بالصفا والمروة
(1)
باب وجوب الطواف بالصفا والمروة وقول الله عز وجل " إن الصفا والمروة من شعائر الله " الأية
(276)
عن عروة قال قلت لعائشة رضى الله عنها أرأيت قول الله
يجزئ المكتوبة من ركعتي الطواف فقال السنة أفضل، لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم أسبوعا إلا صلى (الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد تدل على مشروعية صلاة ركعتين لكل طائف بالبيت بعد فراغه من الطواف وقد اختلف العلماء في حكمها هل هما واجبتان أم سنتان؟ للشافعية في ذلك ثلاثة أقوال أصحها أنها سنة (وبه قالت المالكية والحنابلة)(والثانى) أنها واجبتان وبه (قالت الحنيفة)(والثالث) إن كان طوافا واجبا فواجبتان وإلا فسنتان، وعلى كل من القولين لو تركهما لم يبطل طوافه (قال النووي) والسنة أن يصليهما خلف المقام، فإن لم يفعل ففي الحجر وإلا في المسجد وإلا ففي مكة وسائر الحرم، ولو صلاهما في وطنه وغيره من أقاصى الأرض جاز وفاتته الفضيلة، ولا تفوت هذه الصلاة ما دام حيا، ولو أراد أن يطوف أطوافه استحب أن يصلى عقب كل طوافه ركعتيه، فلو أراد أن يطوف أطوافه بلا صلاة ثم يصلى بعد الأطوفه لكل صلاة ركعتيه، قال أصحابنا يجوز ذلك، وهو خلاف الأولى ولا يقال مكروه، وممن قال بهذا المسور بن محرمة وعائشة وطاوس وعطاء وسعيد بن جبير وأحمد واسحاق وأبو يوسف وكرهه ابن عمر والحسن البصري والزهري ومالك والثوري وأبو حنيفة وأبو ثور ومحمد بن الحسن وابن المنذر ونقله القاضى عن جمهور الفقهاء اهـ ج (وفي أحاديث الباب أيضا) دلالة على استحباب القراءة في الركعتين المذكورتين في الركعة الأولى بالفاتحة وقل يا أيها الكافرون وفي الثانية بالفاتحة وقل هو الله أحد، ولم يخالف في ذلك أحد فيما أعلم (وفيهما أيضا) استحباب استلام الحجر الأسود بعد فراغه من صلاة الركعتين (قال النووي) وفيه دلالة لما قاله الشافعي وغيره من العلماء أنه يستحب للطائف طواف القدوم إذا فرغ من الطواف وصلاته خلف المقام أن يعود إلى الحجر الأسود فيستلمه، ثم يخرج من باب الصفا ليسعى، قال واتفقوا على أن هذا الاستلام ليس بواجب وإنما هو سنة لو تركه لم يلزمه دم اهـ (وقد استدل) بقول الزهري المذكور في الزوائد لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم أسبوعا إلا صلى ركعتين، على أنهما لا تجزئ المكتوبه عن ركعتي الطواف وتعقب بأن قوله " إلا صلى ركعتين" أعم من أن يكون ذلك نفلا أو فرضا لأن الصبح ركعتان والله سبحانه وتعالى أعلم
(276)
عن عروة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو كامل ثنا
عز وجل " إن الصفا (1) والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه (2) أن يطوف بهما" والله ما على أحد جناح أن لا يطوف بهم (3) قالت بئسما قلت يا ابن أختى إنها لو كانت كما أولتها عليه كانت فلا جناج عليه أن لا يطوف بهما (4) إنما أنزلت إن هذا الحي من الإنصار كانوا قبل أن يسلموا يهلوا (5)
إبراهيم ثنا ابن شهاب عن عروة - الحديث (غريبة)(1) الصفا في الأصل جمع صفاة، وهي الصخرة والحجر الأملس (والمروة) في الأصل حجر أبيض براق، والمراد بهما هنا جبلا السعى اللذين يسعى من أحدهما إلى الآخر (وقوله من شعائر الله) أي المعالم التي ندب الله إليها وأمر بالقيام عليها. قال الأزهري (وقال الجوهري) الشعائر أعمال الحج وكل ما جعل على الطاعة لله (2) أي لا إثم عليه (وقوله أن يطوف) بشد الطاء المهملة، أصله يتطوف ابدلت التاء طاء لقرب مخرجه وادغمت التاء في الطاء (وقوله بهما) أي يسعى بينهما (3) إنما قال ذلك عروة لأنه فهم من مفهوم الآية أن السعي ليس بواجب لأنها دلت على رفع الجناج وهو الأثم من فاعله وذلك يدل على إباحته، ولو كان واجبا لما قيل فيه ذلك لأن رفع الإثم علامة الإباحة ويزاد المستحب بإثبات الأجر والوجوب بعقاب التارك، فقالت عائشة رضي الله عنها ردا عليه" بئسما قلت يا ابن أختى إلخ"(4)
قال العلماء هذا من دقيق علمها وفهمها الثاقب وكبير معرفتها بدقائق الألفاظ، لأن الآية الكريمة إنما دل لفظها على رفع الجناج عمن يطوف بهما، وليس فيه دلالة على عدم وجوب السعي ولا على وجوبه فأخبرته عائشة رضي الله عنها أن الآية ليست فيها دلالة للوجوب ولا لعدمه وبينت السبب في نزولها والحكمة في نظمها وأنها نزلت في الأنصار حين تحرجوا من السعي بين الصفا والمروة في الإسلام وأنها لو كانت كما يقول عروة لكانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، وقد يكون الفعل واجبا ويعتقد الإنسان أنه يمنع إيقاعه على صفة مخصوصة وذلك كمن عليه صلاة الظهر وظن أنه لا يجوز فعلها عند غروب الشمس فسأل عن ذلك فيقال في جوابه لا جناح عليك إن صليتها في هذا الوقت فيكون جوابا صحيحا ولا يقتضي نفي وجوب صلاة الظهر (5) أي يحجوا (ومناة) بفتح الميم وتخفيف النون وبعد الألف تاء مثناة من فوق وهو اسم صنم كان في الجاهلية، وقال ابن الكلبي كانت صخرة نصبها عمرو بن لحي بجهة البحر فكانوا يعبدونها وقيل هي صخرة لهذيل بقديد، وسميت مناة لأن النسائك كانت تمنى بها أي تراق، وقال الحازمي هي على سبعة أميال
لمناة الطاغية (1) التى كانوا يعبدون عند المشُلّل (2) وكان من أهل لها يتحرج (3) أن يطوف بالصفا والمروة، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله عز وجل " إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما"
(277)
عن حبيبة إبى يجزئة (5) رضي الله عنها قالت دخلنا على دار أبى حسين في نسوة من قريش والنبي صلى الله عليه وسلم يطوف بين الصفا والمروة
من المدينة وإليها نسبوا زيد مناة (1) صفة لمناة (قال الزركشي) ولو روى بكسر الهاء بالإضافة لجاز، ويكون الطاغية صفة للفرقة الطاغية وهم الكفار (2) بضم الميم وفتح الشين المعجمة وتشديد اللام الأولى المفتوحة، اسم موضع قريب من قديد من جهة البحر، ويقال هو الجبل الذي يهبط منه إلى قديد من ناحية البحر (وقال البكري) هي ثنية مشرفة على قديد، وقال السفاقسي هي عند الجحفة والله أعلم (3) أي بتحرز من الحرج ويخاف الأثم (4) يعنى شرعه ولا يدل هذا القول على كونه فرضا أو واجبا أو مندوبا بل على ما هو أعم من ذلك والله أعلم (تخريجه)(م. لك. نس. وغيرهم)
(277)
عن حبيبة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يونس قال ثنا عبد الله بن المؤمل عن عمر بن عبد الرحمن قال ثنا عطاء عن حبيبة - الحديث" (غريبة)(5) هكذا بالأصل تجزئة بزاي ثم همزة ثم هاء والظاهر أنه تصحيف من الناسخ وصوابه تجراة براء ثم ألف غير مهموزة ثم هاء فقد جاء في تعجيل المنفعة للحافظ ابن حجر العسقلاني - حبيبة بنت أبى تجراة العبدرية، ويقال حبيبة بتحتانيتين وزن الأول، ويقال بالتصغير لها صحبة، روى عنها عطاء وصفية بنت شيبة، في إسناد حديثها اضطراب اهـ (وقال في الإصابة) حبيبة بنت أبى تجراة العبدرية ثم الشيبية، قال وقال أبو عمر قيل اسمها حبيبة وقيل بالتصغير، وقال غيره تجراة ضبطها الدراقنطي بفتح المثناة من فوق اهـ، وجاء هذا الحديث في مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي بلفظ تجراة كما في الإصابة وتعجيل المنفعة وعزاه للإمام أحمد، وجاء عند البيهقي بلفظ تجرأة براء ثم ألف مهموزة، والظاهر
قالت وهو يسعى يدور به إزاره (1) من شدة السعي وهو يقول لأصحابه اسعوا إن الله كتب عليكم السعي (2)(وعنها من طريق ثان)(2) قالت رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يطوف بين الصفا والمروة والناس بين يديه وهو وراءهم وهو يسعى حتى ارى ركبتيه من شدة السعي يدور به إزاره وهويقول اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي
أن الصواب تجراة كما جاء في تعجيل المنفعة والإصابة، ولأن الحافظ ظبطه في الفتح بكسر المثناة وسكون الجيم بعدها راء ثم الف ساكنة ثم هاء وهي إحدى نساء بنى عبد الدار لكن جاء في القاموس جبيبة بنت أبى تجزأة بضم التاء وسكون الجيم ثم زاي فهمزة مفتوحتين فالله أعلم بالصواب (1) في الطريق الثانية حتى أرى ركبتيه من شدة السعي بدوربه إزاره، فالضمير في قوله به يرجع إلى الركبتين أي تدور إزاره بركبتيه (2) احتج به القائلون بأن السعي فرض وسيأتى ذكرهم في الأحكام (3)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سريج ثنا عبد الله بن المؤمل عن عطاء بن أبى رباح عن صفية بنت شيبة عن حبيبة بنت أبى تجزئة قالت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث" (تخريجه) قال الحافظ في الإصابة رواه الشافعي عن عبدالله بن المؤمل وابن سعد والطحاوي عن معاذ بن هانئ ومحمد بن شخير عن أبى نعيم، وابن أبى خيثمة عن شريح بن النعمان كلهم، عن ابن المؤمل عن عمر بن عبد الرحمن بن محصن عن عطاء بن أبى رباح حدثتنيى صفية بنت شيبة عن امرأة يقال لها حبيبة بنت أبى تجراة قالت دخلنا دار الحسين فذكر الحديث، وقال في الفتح أخرجه الشافعي وأحم وغيرهما وفي إسناد هذا الحديث عبد الله بن المؤمل وفيه ضعف، ومن ثم قال ابن المنذر إن ثبت فهو حجة في الوجوب (قال الحافظ) له طريق أخرى في صحيح ابن خزيمة مختصرة وعند الطبراني عن ابن عباس كالأولى وإذا انضمت إلى الأولى قويت اهـ وأورده الهيثمي وقال رواه أحمد والطبراني في الكبير " وقال ولقد رأيته من شدة السعي يدور الإزار حول بطنه وفخديه حتى رأيت بياض فخديه" وفيه عبدالله بن المؤمل وثقه ابن حبان وقال يخطئ وضعفه غيره اهـ (قلت) وللإمام أحمد حديث آخر عن صفية بنت شيبة أن امرأة أخبرتها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة يقول كتب عليكم السعي فاسعوا (قال الهيثمي) فيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف اهـ. ولعل المرأة المبهمة في حديث صفية هي حبيبة المذكورة في حديث الباب (قال الحافظ) واختلف على
.
صفية بنت شيبة في اسم الصحابية التى أخبرتها به، ويجوز أن تكون أخذته عن جماعة فقد وقع عند الدراقطنى عنها أخبرتنى نسوة من بنى عبد الدار فلا يضره الاختلاف، والعمدة في الوجوب لقوله صلى الله عليه وسلم " خذوا عنى مناسككم اهـ (زوائد الباب) (عن أنس بن مالك) رضى الله عنه أن الصفا والمروة كانتا من شعائر الجاهلية، فلما كان الإسلام أمسكنا عنهما فأنزل الله عز وجل " إن الصفا والمروة (هق)(وعن تملك) رضى الله عنها قالت نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في غرفة لي بين الصفا والمروة وهو يقول إن الله عز وجل كتب عليكم السعي فاسعوا (طب) وفيه المثنى بن الصباح وقد وثقه ابن معين في رواية وضعفه جماعة (وعن ابن عباس) رضي الله عنهما قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا (طب) وفيه الفضل بن صدقة وهو متروك (وعنه أيضا) قال قالت الإنصار إن السعي بين الصفا والمروة من أمر الجاهلية فأنزل الله عز وجل " إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن جح البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما منفلة فمن ترك فلا بأس (طس) وفيه العباس بن الفضل الإنصاري وهو متروك، أورد الحافظ الهيثمي حديث تملك وما بعده، وتكلم عليه جرحا وتعديلا.
(الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد تدل على مشروعية السعي بين الصفا والمروة (قال النووي) في شرح المهذب مذهبنا أنه ركن من أركان الحج والعمرة لا يتم واحد منهما إلا به ولا يجبر بدم ولا بقي منه خطوة لم يتم حجه ولم يتحلل من إحرامه (وبه قالت عائشة ومالك واسحاق وأبو ثور وداود وأحمد في روايه - وقال أبو حنيفة) هو واجب ليس بركن بل ينوب عنه (وقال أحمد) في رواية ليس هو بركن ولا دم في تركه والأصح عنه أنه واجب ليس بركن فيجبر بالدم (وقال ابن مسعود) وأبي بن كعب وابن عباس وابن الزبير وأنس وابن سيرين هو تطوع ليس بركن ولا واجب ولا دم في تركه (وحكى ابن المنذر) وعن الحسن وقتادة والثوري أنه يجب فيه الدم (وعن طاوس) أنه قال من ترك من السعي أربعة أشواط لزمه دم، وإن ترك دونها لزمه لكل شوط نصف صاع، وليس هو بركن (وهو مذهب أبى حنيفة) وعن عطاء رواية أنه تطوع لا شيء في تركه، ورواية فيه الدم (قال المنذر) إن ثبت بنت إبى تجراة الذى قدمناه أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي" فهو ركن، قال الشافعي وإلا فهو تطوع، قال
(2)
باب البدء بالصفا في الطواف بالصفا والمروة
(وحكم المشي والرمل فيه)
(278)
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله
وحديثهما رواه عبد الله بن المؤمل، وقد تكلموا فيه، واحتج القائلون بأنه تطوع بقوله تعالى" إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما"وفي الشواذ قراءة ابن مسعود" فلا جناح عليه أن يطوف بهما" ورفع الجناح في الطواف بهما يدل على أنه مباح لا واجب، واحتج أصحابنا بحديث صفية بنت شيبة من بنى عبد الدار أنهن سمعن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد استقبل الناس في السعي وقال" يا أيها الناس اسعوا فإن السعي قد كتب عليكم" رواه الدارقنطي والبيهقي بإسناد حسن (والجواب) عن الآية ما أجابت عائشة رضي الله عنها لما سألها عروة بن الزبير عن هذا فقالت إنما نزلت الآية هكذا لأن الأنصار كانوا يتحرجون من الطواف بين الصفا والمروة أي يخافون الحرج فيه، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله تعالى الآية، رواه البخاري ومسلم اهـ (قلت) ٍ رواه الإمام أحمد أيضا وهو الأول من أحاديث الباب (قال الحافظ) العمدة في الوجوب قوله صلى الله عليه وسلم خذوا عنى مناسككم (قال الشوكاني) وأظهر من هذا في الدلالة على الوجوب حديث مسلم " ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة" (قال النووي) ولو سعى قبل الطواف لم يصح سعيه عندنا. وبه قال جمهور العلماء ونقل المارودى الإجماع فيه (وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد) وحكى ابن المنذر عن عطاء وبعض أهل الحديث أنه يصح (وحكاه أصحابنا عن عطاء وداود) دليلنا أن النبي صلى الله عليه وسلم سعى بعد الطواف وقال صلى الله عليه وسلم:" لتأخذوا عني مناسككم" وأما حديث ابن شريك الصحابي رضي الله عنه قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجا فكان الناس يأتونه فمن قائل يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف أو أخرت شيئا أو قدمت شيئا فكان يقول " لا حرج إلا على رجل اقترض عرض رجل مسلم وهو ظالم فذلك الذى هلك وخرج" فرواه أبو داود بإسناد صحيح كل رجاله رجال الصحيحين إلا أسامة بن شريك الصحابي، وهذا الحديث محمول على ما حمله الخطابي وغيره، وهو أن قوله سعيت قبل أن أطوف أي بعد طواف القدوم وقيل طواف الإفاضة والله أعلم اهـ ج (قلت) وقوله اقترض عرض رجل مسلم أي قطعة بالغيبة.
(278)
عن جابر بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى قال قرأت على عبد الرحمن عن مالك ح وثنا اسحاق أنا مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن جابر
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حين خرج من المسجد (1) وهو يريد الصفا (2) وهو يقول نبدأ (3) بما بدأ عز وجل وجل به (4)
(279)
وعنه أيضا أن رسول صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل من الصفا مشى حتى إذا نصبت (5) قدماه في بطن الوادى سعى حتى يخرج منه (6)
ابن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبة) (1) يعنى بعد أن طاف وصلى ركعتين واستلم الحجر الأسود كما تقدم في باب ركعتي الطواف (2) يعنى بعد أن طاف وصلى ركعتين واستلم الحجر الأسود كما تقدم في باب ركعتي الطواف (2) في حديث الطويل عند مسلم والإمام أحمد وتقدم في باب صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم (قال وخرج إلى الصفا ثم قرأ" إن الصفا والمروة من شعائر الله" ثم قال نبدأ بما بدأ به الله به فرقا على الصفا - الحديث"(3) في رواية للنسائي فابدأ بما بدأ الله به بصيغة الأمر وصححه ابن حزم والنووي في شرح مسلم وله طرق عند الدراقطني، وفي رواية لمسلم بلفظ " ابدأ" بصيغة الخبر ورواه الإمام مالك وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والنسائي أيضا نبدأ بالنون كما في حديث الباب (قال أبو الفتح القشيري) مخرج الحديث عندهم واحد، وقد اجتمع مالك وسفيان ويحيى بن سعيد القطان على رواية نبدأ بالنون التى للجمع (قال الحافظ) وهم أحفظ من الباقين (4) زاد مالك نبدأ بالصفا (قال الخطابي) فيه أنه اعتبر تقديم المبدوء به في التلاوة فقدمه، وأن الظاهر في حق الكلام أن المبدوء مقدم في الحكم على ما بعده وأن الساعي إذا بدأ بالمروة لم يعتد بذلك اهـ. وإلى ذلك ذهب الجمهور وسيأتى ذكر كثير منهم في الأحكام (تخريجه)(م. لك. نس. مذ. جه. هق. حب)
(279)
وعنه أيضا (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى قال قرأت على عبد الرحمن عن مالك ح وثنا اسحاق أنا مالك عن جعفر عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى عليه وسلم - الحديث (غريبة)(5) قال القاضى عياض مجاز من قولهم صب الماء وانصب أي انحدر، ومنه إذا مشي كأنه ينحط من صبب. أي موضع منحدر (قوله في بطن الوادى سعى) أي مشى بقوة أي أسرع في المشي، وفى حديث جابر الطويل عند مسلم والإمام أحمد رمل بدل قوله سعى. وهما بمعنى واحد (6) أي من بطن الوادى فيمشى على العادة في السعى، وفيه مشروعية الإسراع ببطن الوادى وهو سنة ولا دم في تركه عند الجمهور (تخريجه)(لك. نس) وسنده جيد
(280)
عن علي رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يسعى بين الصفا والمروة في السعي كاشفا عن ثوبه (1) قد بلغ إلى ركبتيه
(281)
عن بديل بن ميسرة عن صفية بنت شيبة عن أم ولد شيبة (2)(ابن عثمان) أنها أبصرت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسعى بين الصفا والمروة (وفي رواية وقد انكشفت الثوب عن ركبتيه) يقول لا يقطع الأبطح (3) الأشداء (وعنه من طريق ثان)(4) عن المغيرة بن حكيم عن صفية بنت شيبة عن امرأة منهم (5) أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم من خوخة (6) وهو يسعى في بطن المسيل (7) وهو يقول لا يقطع الوادى الأشدا
(280) عن علي رضي الله عنه (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن أبى زياد العطواني ثنا زيد بن الحباب أخبرنى حرب أبو سفيان المنقرى ثنا محمد بن على أبو جعفر حدثنى عمى عن أبى أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبة)(1) إنما كشف صلى الله عليه وسلم عن ثوبه إلى ركبتيه لأنه أنشط للسعي، ولم يزد على الركبتين لأن ما فوقهما عورة إلى السرة. ولا يجوز ذلك للمرأة لأن جميع بدنها عورة إلا الوجه والكفين (تخريجه)(بز) قال الهيثمي ورجاله ثقات
(281)
عن بديل بن ميسرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا روح وأبو نعيم قالا ثنا هشام بن أبى عبد الله عن بديل بن ميسرة - الحديث (غريبة)(2) اسمها تملك العبدرية. قاله الحافظ في التقريب (3) أي مسيل الوادى، وقد صرح بنحو ذلك في الطريق الثانية (4)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان قال ثنا حماد بن زيد قال ثنا بديل بن ميسرة عن المغيرة بن حكيم - الحديث (5) صرح في الطريق الأولى بأنها أم ولد شيبة بن عثمان واسمها تملك كما تقدم (6) الخوخة باب صغير كالنافذة الكبيرة تكون بين بيتين ينصب عليها باب " نه"(7) أي بطن الوادي وهو ما انخفض منه (وقوله الأشدا) أي عدوا (تخريجه)(نس. جه. هق) وسنده جيد. وأورده الهيثمي وقال رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح
(282)
عن عبد الله بن المقدام قال رأيت ابن عمر رضى عنهما يمشى بين الصفا والمروة، فقلت له أبا عبد الرحمن مالك لا ترمل؟ فقال قد رمل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وترك (1)
(283)
عن كثير بن جهمان قال رأيت ابن عمر يمشى في الوادى بين الصفا والمروة ولا يسعى فقلت له، فقال إن أسع فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى، وإن أمش فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشى وأنا شيخ كبير
(282) عن عبد الله بن المقدام (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد عن حجاج عن عبد الملك بن المغيرة الطائفي عن عبد الله بن المقدام - الحديث" (غريبة)(1) تركه النبي صلى الله عليه وسلم قليلا لبيان الجواز، وهذا يدل على أن الرمل في السعي لا شيء في تركه والإفضل فعله، وإنما تركه ابن عمر مع شدة محافظته على التأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم في الأفضل فعله، وإنما تركه ابن عمر مع شدة محافظته على التأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم في الأفضل لأن قوته لم تساعده حينئذ على الرمل لشيخوخته كما يستفاد من حديثه التالى (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وسنده حسن، ويؤيده الحديث التالي
(283)
عن كثير بن جمهان (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع عن أبيه عن عطاء عن كثير بن جمهان- الحديث" (تخريجه) (نس. مذ. جه. هق) وقال الترمذي حديث حسن صحيح (زوائد الباب) (عن الزهري) قال سألوا ابن عمر رضى الله عنهما هل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل بين الصفا والمروة فقال كان في جماعة من الناس فرملوا فلا أراهم رملوا إلا برمله (وعن ابن عباس) رضى الله عنهما قال إنما سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة لُيرى المشركين قوته، رواهما النسائى (الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد تدل على مشروعيه البدء بالصفا في الطواف بالصفا والمروة (قال النووي) مذهبنا أن الترتيب في السعي شرط فيبدأ بالصفا، ولو بدأ بالمروة لم يعتد به، وبهذا (قال الحسن البصري والأوزاعي ومالك وأحمد وداود وجمهور العلماء) وحكاه ابن المنذر عن أبى حنيفة أيضا (والمشهور عن أبى حنيفة) أنه ليس بشرط فيصح الابتداء بالمروة وعن عطاء روايتان احداهما كمذهبنا، والثانية يجزئ الجاهل، دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم " ابدءوا بما بدأ الله به" وهو حديث صحيح كما سبق والله أعلم اهـ ج (قلت) وروى عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال (قال الله تعالى: "إن الصفا والمروة من شعائر الله" فبدأ بالصفا وقال اتبعوا
(3)
باب جواز الركوب في الطواف بالصفا والمروة لحاجة
(284)
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة ليراه الناس (1)
القرآن فما بدأ الله به فابدأوا) والذهاب من الصفا إلى المروة مرة، والعود منها إلى الصفا أخرى عند كافة الفقهاء، فيكون ابتداء السبع من الصفا وآخرها بالمروة، وقال ابن بنت الشافعي إن الذهاب والإياب يحسب مرة واحدة، وحكى عن ابن جرير الطبري وتابعه أبو بكر الصيرفي من الشافعية وحديث الباب يرد عليهم، وكذا عمل المسلمين على تعاقب الأزمان (قال ابن قدامة) في المغنى والسعي تبع للطواف لا يصح إلا أن يتقدمه طواف، فإن سعي قبله لم يصح وبذلك قال (مالك والشافعي وأصحاب الرأي) وقال عطاء يجزئه (وعن أحمد) يجزئه إن كان ناسيا وإن عمد لم يجزئه سعيه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن التقديم والتأخير في حال الجهل والنسيان قال لا حرج، ووجه الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن التقديم والتأخير في حال الجهل والنسيان قال لا حرج، ووجه الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما سعى بعد طوافه وقد قال " لتأخذوا عني مناسككم" فعلى هذا إن سعى بعد طوافه ثم علم أنه طاف بغير طهارة لم يعتد بسعيه ذلك، ومتى سعى المفرد والقارن بعد طواف القدوم لم يلزمهما بعد ذلك سعى، وإن لم يسعيا معه سعيا مع طواف الزيارة، ولا يجب الموالاة بين الطواف والسعي (قال أحمد) لا بأس أن يؤخر السعي حتى يستريح أو إلى العشى (وكان عطاء والحسن) لا يريان بأسا لمن طاف بالبيت أول النهار أن يؤخر الصفا والمروة إلى العشى، وفعله القاسم وسعيد بن جبير، لأن الموالاة إذا لم تجب في نفس السعي ففيما بينه وبين الطواف أولى اهـ (وفي أحاديث الباب أيضا) مشروعية الرمل في بطن الوادى حتى يصعد ثم يمشى باقى المسافة إلى المروة على عادة مشية وهذا السعي مستحب في كل مرة من المرات السبع في هذا الموضع، والمشى مستحب فيما قبل الوادى وبعده، ولو مشى في الجميع أو سعى في الجميع أجزاءه وفاتته الفضيلة، لأن ابن عمر قال ان أسع فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى وان امش فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشى وأنا شيخ كبير، ولأن ترك الرمل في الطواف بالبيت لا شيء فيه فبين الصفا والمروة أولى (وهذا مذهب الإمام الشافعي) وموافقيه (وعن الإمام مالك) فيمن ترك السعي الشديد في موضعه روايتان، إحداهما كما ذكر، والثانية تجب عليه إعادته والله أعلم.
(248)
عن جابر بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى ابن سعيد عن ابن جريج اخبرنى أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبة)(1) فيه بيان العلة التى لأجلها طاف النبي صلى الله عليه وسلم راكبا
وليشرف وليسألوه فإن الناس غشوة
(285)
عن أبى الطفيل قال قلت لابن عباس حدثنى عن الركوب بين الصفا والمروة (1) فإن قومك يزعمون أنه سنة، فقال صدقوا وكذبوا قلت ما صدقوا وكذبوا ماذا؟ (2) قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فخرجوا حتى خرجت العوائق (3) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضرب عنده أحد (4) فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف وهو راكب ولو نزل لكان المشى أحب إليه (5)
(وقوله وليشرف) أي ليطلع عليهم ويطلعو عليه (وليسألوه) عن أحكام المناسك ونحوها (فإن الناس غشوه) بتخفيف الشين، أي ازدحموا عليه وكثروا، ففي ذلك كله بيان للعلة التى ركب لأجلها في الطواف بالبيت وبالصفا والمروة (تخريجه)(م. د. نس. هق)
(285)
عن أبى الطفيل (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد أنا الجريرى عن أبى الطفيل قال قلت لابن عباس - الحديث" (غريبة) (1) زاد مسلم أسنة هو فإن قومك (إلخ) (2) زاد في رواية للإمام أحمد تقدمت في باب ما رواه أبو الطفيل عن ابن عباس إلخ صحيفة 100 رقم 70 في الجزء الحادى عشر " فقال صدقوا، قد طاف بين الصفا والمروة على بعير، وكذبوا. ليست بسنة " (3) جمع عاتق وهي البكر البالغة أو المقاربة للبلوغ، وقيل التى تتزوج، سميت بذلك لأنها عتقت من استخدام أبويها وابتذالها في الخروج والتصرف التى تفعله الطفلة الصغيرة (4) أي كما يفعل بين يدي الملوك والعظماء لذلك ازدحموا عليه، فدفعا لما يحصل من ضرر الزحام ركب صلى الله عليه وسلم (5) معناه ولولا هذه العلة وهي شدة الزحام وما يخشى منه لنزل ولم يركب لأن المشي أحب إليه، فكيف يكون الركوب سنة؟ فهم قد كذبوا في قولهم هذا سنة (قال النووي) وهذا الذي قاله ابن عباس مجمع عليه، أجمعوا على أن الركوب في السعي بين الصفا والمروة جائز وأن المشي أفضل منه إلا لعذر (تخريجه)(م. د. هق. وغيرهم)(زوائد الباب)(عن أبى الطفيل) قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت على راحلته يستلم الركن بمحجنه ثم يقبله، زاد محمد بن رافع ثم خرج إلى الصفا والمروة فطاف سبعا على راحلته (د. هق)(الأحكام) حديث أبى الطفيل عن ابن عباس وحديث جابر يدلان على جواز الركوب في الطواف بين الصفا والمروة لعذر (قال ابن رسلان) في شرح السنن بعد أن ذكر حديث ابن عباس هذا
(4)
(باب الوقوف على الصفا والمروة والذكر عند ذلك)
(286)
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كان إذا وقف على الصفا (1) يكبر ثلاثا ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. (2)
ما لفظه - وهذا ما قاله ابن عباس مجمع عليه اهـ. يعنى نفي كون الطواف بصفة الركوب سنة بل الطواف من الماشي أفضل، وتقدم كلام النووي أنهم أجمعوا على أن الركوب في السعي بين الصفا والمروة جائز وأن المشي أفضل منه لعذر، وقال في شرح المهذب الأفضل أن لا يركب في سعيه إلا لعذر كما سبق في الطواف لأنه أشبه بالتواضع، لكن سبق هناك خلاف في أن تسمية الطواف (يعنى بالبيت) راكبا مكروة، واتفقوا على أن السعي راكبا ليس بمكروه لكنه خلاف الأفضل، لأ سبب الكراهة هناك عند من أثبتها خوف تنجس المسجد بالدابة وصيانته من امتهانه بها، وهذا المعنى منتف في السعي، وهذا معنى قول صاحب الحاوي الركوب في السعي أخف من الركوب في الطواف ولو سعى به غيره محمولا جاز لكن الأولى سعيه بنفسه إن لم يكن صبيا صغيرا وله عذر كمرض ونحوه اهـ (قلت) وممن قال بأن الركوب بلا عذر خلاف الأولى ولا دام عليه أنس بن مالك رضى الله عنه وعطاء (قال ابن المنذر) وكره الركوب بلا عذر عائشة وعروة (وأحمد واسحاق) وقال أبو ثور لا يجزئه ويلزمه الإعادة وقال مجاهد لا يركب إلا لضرورة (وقال أبو حنيفة) إن كان بمكة أعاده ولا دام عليه وإن رجع إلى وطنه بلا إعادة لزمه دم اهـ (قال البيهقي) والذى روى عنه أنه صلى الله عليه وسلم طاف بين الصفا والمروة راكبا فإنما أراد والله أعلم في سعيه بعد طواف القدوم فأما بعد طواف الإفاضة فلم يحفظ عنه أنه طاف بينهما والله أعلم اهـ. وقد بسطت الكلام في الركوب في الطواف في أحكام باب جواز الطواف على بعير صحيفة 47 من هذا الجزء فارجع إليه إن شئت
(268)
عن جابر بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى قال قرأت على عبد الرحمن عن مالك ح وثنا اسحاق أنا مالك عن جعفر عن أبيه عن جابر بن عبد الله - الحديث (غريبة)(1) يعنى بعد فراغه من الطواف بالبيت وصلاة ركعتيه واستلام الحجر كما تقدم في بابه كان يبدأ بعد ذلك بالصفا فيقف عليه مستقبل القبلة كما يستفاد ذلك من حديثه الآتى بعد حديث ثم يكبر ثلاثا (2) إلى هنا آخر رواية اسحاق
يصنع ذلك ثلاث مرات ويدعوا (1) ويصنع على المروة مثل ذلك.
(287)
عن ابن عمر رضى الله عنهما قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا والمروة وكان عمر يأمر بالمقام عليهما من حيث يراها (2)
(#) وعنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصفا ثم قرأ: " إن الصفا والمروة من شعائر الله" ثم قال نبدا بما بدا الله به، فرقى على الصفا حتى إذا نظر إلى البيت كبر قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله أنجز وعده (3) وصدق عبده وغلب الأحزاب وحده، ثم دعا ثم رجع إلى هذا الكلام، ثم نزل حتى إذا انصبت قدماه في الواد رمل حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة فرقى عليها حتى نظر إلى البيت فقال عليها كما قال على الصفا.
عن مالك وزاد عبد الرحمن في روايته عن مالك يصنع ذلك ثلاث مرات إلخ (1) أي يدعوا ثلاث مرات أيضا كما هو المشهور عند الشافعية والجمهور، وقال جماعة من الشافعية يكرر الذكر ثلاثا والدعاء مرتين فقط وصوب النووي الأول (تخريجه)(م. د. نس. جه. هق)
(287)
عن ابن عمر رضي الله عنهما (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو النضر ثنا أبو معاوية يعنى شيبان عن ليث عن مجاهد عن عبد الله بن عمر - الحديث" (غريبة)(2) يعنى الكعبة والله أعلم كما يستفاد ذلك من حديث جابر الآتى ففيه فرقى على الصفا حتى إذا نظر البيت كبر (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد ورجاله من رجال الصحيحين
(#)(وعنه أيضا) هذا طرف من حديث جابر الطويل تقدم بسنده وشرحه وتخريج في باب صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم صحيفة 74 رقم 64 في الجزء الحادى عشر، وهو حديث صحيح رواه مسلم وغيره فارجع إليه (زوائد الباب)(عن أبى هريرة) رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلا عليه حتى نظر إلى البيت ورفع يديه فجعل يحمد الله ويدعو ما شاء الله أن يدعو (م. د. هق)(وعن وهب بن الأجدع)
.
أنه سمع عمر بن الخطاب رضى الله عنه بمكة وهو يخطب الناس قال إذا قدم الرجل منكم حاجا فليطف بالبيت سبعا وليصل عند المقام ركعتين ثم ليبدأ بالصفا فيستقبل القبلة فيكبر سبع تكبيرات بين كل تكبيرتين حمد الله وثناء عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وسأل لنفسه، وعلى المروة مثل ذلك (هق)(وعن نافع) عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أنه كان إذا طاف بين الصفا والمروة بدأ بالصفا فرقى عليها حتى يبدو له البيت، قال وكان يكبر ثلاث تكبيرات ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهوعلى كل شيء قدير. ويصنع ذلك سبع مرات فذلك إحدى وعشرين من التكبير وسبع من التهليل، ثم يدعو فيما بين ذلك ويسأل الله، ثم يهبط حتى إذا كان ببطن المسيل سعى حتى يظهر منه، ثم يمشى حتى يأتى المروة فيرقى عليها فيصنع مثل ما صنع على الصفا، يصنع ذلك سبع مرات حتى يفرغ من سعيه (هق) (وعن نافع أيضا) أنه سمع عبد الله بن عمر وهو على الصفا يدعو يقول: اللهم إنك قلت ادعونى أستجب لكم وإنك لا تخلف الميعاد، وإنى أسألك كما هديتنى للإسلام أن لا تنزعه منى حتى تتوفاني وأنا مسلم (لك. هق)(وعنه أيضا) عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه كان يقول على الصفا اللهم أعصمنا بدينك وطواعيتك وطواعية رسولك وجنبنا حدودك، اللهم أجعلنا نحبك ونحب ملائكتك وأنبياءك ورسلك ونحب عبادك الصالحين، اللهم حببنا إليك وإلى ملائكتك وإلى أنبيائك ورسلك وإلى عبادك الصالحين المتقين (هق)(وعن ابن جريج) قال قلت لنافع هل من قول كان عبد الله بن عمر يلزمه؟ قال لا تسأل عن ذلك فإن ذلك ليس بواجب، فأبيت أن أدعه حتى يخبرنى، قال كان يطيل القيام حتى لولا الحياء منه لجلسنا فيكبر ثلاثا ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. ثم يدعو طويلا يرفع صوته ويخفضه حتى إنه ليسأله أن يقضى عنه مغرمة فيما سأل، ثم يكبر ثلاثا ثم يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. ثم يسأل طويلا كذلك حتى يفعل ذلك سبع مرات، يقول ذلك على الصفا والمروة في كل ما حج واعتمر (هق) وعن أبى الأسود) عن نافع ابن عمر أنه كان يقول عند الصفا اللهم أحينى على سنة نبيك صلى الله عليه وسلم، وتوفنى على ملته وأعذنى من مضلات الفتن (هق)(وعن علقمة والأسود) قالا قام عبد الله ابن مسعود على الصدع الذى في الصفا، فقال له رجل ها هنا يا أبا عبد الرحمن، فقال هذا والذي لا إله غيره مقام الذى أنزلت عليه سورة البقرة (هق)(وعن مسروق) قال جئت مسلّما على عائشة رضى الله عنها وصحبت عبد الله بن مسعود حتى دخل في الطواف فطاف ثلاثة رملا. وأربعة مشيا. ثم إنه صلى خلف المقام ركعتين، ثم إنه عاد إلى الحجر فاستلمه
(5)
باب أمر المتمتع بالتحلل بعد السعي والحلق أو التقصير إلا من ساق هديا.
(288)
عن عائشة رضي الله عنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فمنا من أهل بحج ومنا من أهل بعمرة فأهدى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم
ثم خرج إلى الصفا على الشق الذى على الصفا فلبى، فقلت إني نهيت عن التلبية، فقال ولكنى آمرك بها، كانت التلبية استجابة استجابها إبراهيم فلما هبط إلى الوادى سعى فقال اللهم اغفر وارحم وأنت الأعز الأكرم (هق) وقال البيهقي هذا أصح الروايات في ذلك عن ابن مسعود (وعن أبى اسحاق)(قال سمعت ابن عمر يقول بين الصفا والمروة رب اغفر لي وارحم وأنت أو إنك الأعز الأكرم (هق)(الأحكام) في أحاديث الباب مع الزوائد دلالة على مشروعية الصعود على الصفا وكذلك المروة (وهو سنة عند جمهور العلماء) ليس بشرط ولا واجب، فلو تركه صح سعيه لكن فاتته الفضيلة (وقال أبو حفص بن الوكيل) من الشافعية لا يصح سعيه حتى يصعد على شيء من الصفا، وصحح النووي ما ذهب إليه الجمهور قال لكن يشترط أن لا يترك شيئا من المسافة بين الصفا والمروة، فليصق عقبه بدرج الصفا. وإذا وصل المروة ألصق أصابع رجلية بدرجه، وهكذا في المرات السبع يشترط في كل مرة أن يلصق عقبيه بما يبدأ منه وأصابعه بما ينتهى إليه، قال ويستحب أن يرقى على الصفا والمروة حتى يرى البيت إن أمكنه (ومنها) أنه يسن أن يقف على الصفا مستقبل الكعبة أهـ (قال ابن قدامة) في المغنى والمرأة لا يسن لها أن ترقى لئلا تزاحم الرجال وترك ذلك أستر لها، ولا ترمل في طواف ولا سعى، والحكم في وجوب استيعابها ما بينهما بالمشي كحكم الرجل اهـ (وفي أحاديث الباب أيضا مع الزوائد) مشروعية الإتيان بالذكر والدعاء المذكور فيها ويكرره كما ذكر، وهو مستحب عند كافة العلماء، وكل ما دعا به جائز والمأثور أفضل، وليس في الدعاء شيء مؤقت، وإنما هو بحسب ما يقدر عليه المرء ويحضره (وفي دعاء ابن عمر) رضي الله عنهما " وإنى أسالك كما هديتنى للإسلام أن لا تنزعه عنى حتى تتوفانى وأنا مسلم" إشارة إلى التأسى بإبراهيم عليه السلام في قوله " واجنبنى وبنى أن نعبد الإصنام" وبيوسف عليه السلام في قوله " وتوفنى مسلما وألحقنى بالصالحين" وبنبينا صلى الله عليه وسلم في قوله " وإذا أردت بالناس فتنة فأقبضنى إليك غير مفتون" قال إبراهيم النخغي لا يأمن الفتنة والاستدراج إلا مفتون، ولا نعمة أفضل من نعمة الإسلام، فبه تزكوا الأعمال اهـ. فسأل الله حسن الختام، والوفاة على ملة خير الأنام، سيدنا محمد عليه وعلى آله الصلاة والسلام
(288)
عن عائشة رضي الله عنها (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا
من أهل بالعمرة ولم يهد فليحل (1) ومن أهل بعمرة فأهدى فلا يحل (2) ومن أهل بحج فليتم حجه (3) قالت عائشة رضي الله عنها وكنت ممن أهل بعمرة (وعنها من طريق ثان (4) بنحوه وفيه) ومن أهل بعمرة ثم طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وقصر أحل مما حرم منه حتى يستقبل حجا
(289)
عن نافع (5) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن حفصة أخبرته قالت أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحل في حجته التي حج
يعمر بن بشير قال ثنا عبد الله أنا يونس عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة - الحديث" غريبة (1) أي بعد الطواف والسعي والحلق أو التقصير كما يستفاد من الطريق الثانية (2) معناه ومن أهل بعمرة وكان معه الهدي فليهل بالحج من عمرته ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا كما صرحت بذلك في حديث آخر عن عروة أيضا تقدم في أول باب جواز إدخال الحج على العمرة صحيفة 170 رقم 136 ورواه مسلم أيضا، والظاهر أن بعض الرواة اختصر حديث الباب من الحديث الذي أشرنا إليه، وكلا الحديثين وقع في مسلم أيضا كما هنا (قال النووي) ولابد من هذا التأويل لأن القضية واحدة والراوى واحد فيتعين الجمع بين الروايتين على ما ذكرنا والله أعلم (3) هذا بظاهره يقتضى أنه صلى الله عليه وسلم ما أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة، مع أن الصحيح الثابت برواية أربعة عشر من الصحابة رضي الله عنهم أنه صلى الله عليه وسلم أمر من لم يسق الهدي بفسخ الحج وجعله عمرة، فحينئذ لابد من حمل هذا الحديث على من ساق الهدي، والأمر بالفسخ لمن لم يسق الهدي فلا منافاة، قاله السندي في حاشية مسلم وهو وجيه (4) (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد بن هارون قال أنا محمد ابن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال كانت عائشة تقول خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أنواع، فمنا من أهل بحج وعمرة، ومنا من أهل بحج مفرد، ومنا من أهل بعمرة فمن كان أهل بحج وعمرة معا لم يحل من شيء مما حرم الله عز وجل عليه حتى يقضى حجه، ومن أهل بعمرة ثم طاف - الحديث"(تخريجه)(ق. وغيرهما)
(289)
عن ابن عمر رضى الله عنهما (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا كثير بن هشام قال ثنا جعفر يعنى ابن برقان ثنا نافع عن ابن عمر - الحديث " (5) جاء في رواية أخرى عن نافع بلفظ " أن ابن عمر أخبره" بدل عن ابن عمر (تخريجه)(م) بأطول من هذا
(290)
عن حفصة بنة عمر زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضى عنها قالت لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه أن يحللن بعمرة قلت فما يمنعك يا رسول الله أن تحل معنا؟ قال إنى قد أهديت ولبدت (1) فلا أحل حتى أنحر هديي (2)
(291)
وعنها أيضا قالت قلت يارسول الله ما شأن الناس حلوا ولم تحل من عمرتك؟ (3) قال إني قد قلدت هديي (4) ولبدت رأسى فلا أحل حتى أحل من الحج (5)
(292)
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه
(290) عن حفصة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا أبى عن ابن اسحاق قال حدثنى نافع عن عبد الله بن عمر عن حفصة - الحديث " (غريبة) (1) يعنى رأسى كما صرح بذلك في الحديث التالى، وتلبيد الشعر أن يجعل فيه شيء من صمغ عند الإحرام لئلا يشعث ويقمل ابقاء على الشعر، وإنما يلبد من يطول مكثه في الإحرام (2) في الأصل بعد قوله حتى أنحر هديي " وقال يعقوب في كتاب الحج أنحر هديي" (تخريجه)(ق. د. نس. جه. هق)
(219)
وعنها أيضا (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله قال حدثنى نافع عن ابن عمر عن حفصة قالت قلت يا رسول الله - الحديث" (غريبة) (3) هذا يشعر بظاهره أن النبي صلى الله عليه وسلم كان محرما بعمرة وليس كذلك، بل الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا، وتقدم ذلك واضحا بدلائله في أحكام باب صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم صحيفة 95 من الجزء الحادى عشر، وعلى هذا فقولنا من عمرتك أي العمرة المضمومة إلى الحج (4) تقليد الهدي هو أن يعلق بعنق البعير قطعة من جلد أو نعل ليعلم أنه هدى فيكف الناس عنه، وفى قوله صلى الله عليه وسلم " قلدت هديي ولبدت رأسى" استحباب التلبيد وتقليد الهدي وهم سنتان (5) يعنى بعد الوقوف بعرفة ورمي الجمار والحلق وطواف الإفاضة، وفيه دلالة على أن القارن لا يتحلل بالطواف الأول والسعي كالمتمتع، بل لابد له من الأفعال المذكورة قبل التحلل كما في الحاج المفرد والله أعلم (تخريجه)(ق. هق. وغيرهم)
(292)
عن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يونس ثنا
مذهب العلماء في حكم المتمتع متى يحل من إحرامه وحكم القارن والمفرد
وعلى آله وصحبه وسلم لبّد رأسه وأهدى، فلما قدم مكة أمر نساءه أن يحللن (1) قلنا مالك أنت لا تحل؟ قال إنى قلّدت هديي ولبدت رأسى فلا أحل حتى أحل من حجتى وأحلق رأسي
فليح عن نافع عن ابن عمر - الحديث (غريبة)(1) ليس الأمر قاصرا على نسائه صلى الله عليه وسلم بل لكل من لم يكن معه هدي من الصحابة رضى الله عنهم رجالا ونساء (تخريجه) لم أقف عليه من مسند ابن عمر إلا عند الإمام أحمد وسنده جيد (الأحكام) أحاديث الباب تدل على أن القارن والمحرم بالحج وحده لا يجوز لهما التحلل من الإحرام إلا بعد الوقوف ورمي الجمار والفراغ من أفعال الحج كلها، وذلك باتفاق العلماء
(وفي أحاديث الباب أيضا) مشروعية التلبيد للمحرم وتقليد الهدي، وهومتفق على استحبابه (وحديث عائشة) المذكور أول الباب يدل على أن المعتمر المتمتع إذا كان معه هدي لا يتحلل من عمرته حتى ينحر هديه يوم النحر (وإلى ذلك ذهب الإمامان أبو حنيفة وأحمد وآخرون) قالوا إن لم يكن معه هدي تحلل، فإن كان معه هدي لم يجز أن يتحلل بل يقيم على إحرام حتى يحرم بالحج ويتحلل منهما جميعا (واستدلوا أيضا بحديث حفصة) المذكور في الباب بلفظ " قلت يا رسول الله ما شأن الناس حلوا ولم تحل من عمرتك، قال إني قد قلدت هديي ولبدت رأسى فلا أحل حتى أحل من الحج"(وذهب الإمامان مالك والشافعي) وآخرون إلى أن المتمتع إذا فرغ من أفعال العمرة صار حلالا وحل له الطيب واللباس والنساء وكل محرمات الإحرام سواء أكان ساق الهدي أم لا، وأجابوا عن حديث عائشة بأنه مختصر من حديثها الآخر عند مسلم والإمام أحمد أيضا، وتقدم الكلام عليه في شرح حديث الباب فارجع إليه، وأجابوا عن حديث حفصة بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفرداأو قارنا كما سبق تحقيقه ولهذا قال " لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة" فلا حجة لهم فيه، لكن حديث عائشة قوي في الدلالة للحنفية والحنابلة لاسيما وقد رواه البخاري بلفظ من أحرم بعمرة فأهدى فلا يحل حتى ينحر" وتأويله المالكية والشافعية أيضا على أن معناه ومن أحرم بعمرة فأهدى فأهل بالحج فلا يحل حتى ينحر هديه ولا يخفى ما فيه من التعسف والله أعلم (وفي الطريق الثانية) من حديث عائشة دلالة ذهب إليه الجمهور أن المعتمر لا يحل حتى يطوف ويسعى ويحلق أو يقصر (قال ابن بطال) لا أعلم خلافا بين أئمة الفتوى أن المعتمر لا يحل حتى يطوف ويسعى إلا ما شذ به ابن عباس فقال يحل من العمرة بالطواف، ووافقه ابن راهوية (ونقل القاضى عياض) عن بعض أهل العلم
(6)
باب ما جاء في فسخ الحج إلى العمرة
(293)
عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صبح أربع مضين من ذي الحجة كلنا (1) فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم فطفنا بالبيت وصلينا الركعتين وسعينا بين الصفا والمروة ثم أمرنا فقصرنا ثم قال احلوا (2) قلنا يا رسول الله حل ماذا؟ قال حل ما يحل للحلال من النساء والطيب، قال فغشيت النساء (3) وسطعت المجامر، قال خلف وبلغه أن بعضهم يقول ينطلق أحدنا إلى منى وذكره يقطر منيا (4) قال فخطبهم فحمد الله وأثنى عليه (وفي لفظ فقال قد بلغنى الذى قلتم وإنى لأتقاكم وأبركم) ثم قال إنى لو استقبلت من أمرى ما استدبرت (5) ما سقت الهدي ولو لم
إن بعض الناس ذهب إلى أن المعتمر إذا دخل الحرم حل وإن لم يطف ولم يسع وله أن يفعل كل ما حرم على المحرم ويكون الطواف والسعي في حقه كالرمي والمبيت في حق الحاج، وهذا من شذوذ المذاهب وغريبها، وغفل القطب الحلبي فقال فيمن استلم الركن في ابتداء الطواف وأحل حينئذ أنه لا يحصل له التحلل بالإجماع وقد علمت المخالف والله أعلم
(293)
عن جابر بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسين بن محمد وخلف بن الوليد قالا ثنا الربيع يعنى ابن صبيح عن عطاء عن جابر بن عبد الله وإلا فقد ثبت من حديث عائشة عند الشيخين والإمام أحمد وتقدم في باب التخيير في الإحرام صحيفة 143 رقم 102 قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أنواع فمنا من أهل بحج وعمرة ومنا من أهل بحج مفرد، ومنا من أهل بعمرة (2) إلخ أمر صلى الله عليه وسلم بالحل من كان متمتعا أو مفردا ولم يكن معه هدي، أما القارن ومن كان معه هدي فقد بقي على إحرامه (3) اي وطئت وسطعت المجامر أي بالطيب (وقوله قال خلف) يعنى أحد الروايين اللذين روى عنهما الإمام أحمد هذا الحديث (4) هو إشارة إلى قرب العهد بوطء النساء (5) أي لو علمت في قبل من أمرى ما علمته في دبر منه، والمعنى لو ظهر لي هذا الرأي الذي رأيته الآن لأمرتكم به في أول أمري وابتداء خروجي ولم أسق الهدي، وقد استدل به القائلون
أسق الهدي لأحللت، قال فخذوا عنى مناسككم (1) قال فقام القوم بحلهم حتى إذا كان يوم التروية (2) وأرادوا التوجه إلى منى أهلوا بالحج قال فكان الهدي على من وجد (3) والصيام على من لم يجد وأشرك بينهم في هديهم، الجزور بين سبعة (4) والبقرة بين سبعة وكان طوافهم بالبيت وسعيهم بين الصفا والمروة لحجهم وعمرتهم طوافا واحدا (5) وسعيا واحدا
(294)
عن البراء بن عازب رضى الله عنه قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال فأحرمنا بالحج، فلما قدمنا مكة قال اجعلوا حجكم عمرة
بتفضيل التمتع على القران والأفراد، وتقدم الكلام على ذلك في أحكام باب صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم (1) أي أحكام حجكم وافعلوا كما أفعل (2) هو الثامن من ذي الحجة (وقوله أهلوا بالحج) أي أحرموا به وفيه دلالة لمذهب الشافعي وموافقيه أن من كان بمكة وأراد الإحرام بالحج استحب له أن يحرم يوم التروية ولا يقدمه عليه (3) أي وجد الهدي وتيسر له، والمراد به هدي التمتع (والصيام على من لم يجد) أي لم يجد الهدي إما لعدم وجود الهدي أو ثمنه أو نحو ذلك من الغلاء الفاحش (4) الجزور البعير ذكرا كان أو انثى إلا أن اللفظة مؤنثة، تقول هذه الجزور وأن اردت ذكرا والجمع جُزر وجزائر، وفيه دلالة لأجزاء كل واحدة من الجزور والبقرة عن سبعة أنفس وقيامها مقام سبع شياه، وفيه أيضا دلالة لجواز الاشتراك في الهدي والأضحية وسيأتى الكلام على ذلك في بابه إن شاء الله (5) يعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان قارنا من أصحابه لم يطوفوا بالبيت يوم النحر طوافين طوافا للحج وطوافا للعمرة، بل اقتصروا على طواف واحد هو طواف الإفاضة للحج والعمرة (وقوله وسعيا واحدا) هو الذى حصل عقب طواف القدوم قبل الوقوف بعرفة، ويؤيد ذلك ما رواه مسلم والإمام أحمد وتقدم في باب طواف القارن صحيفة 60 رقم 261 عن جابر قال لم يطف النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا طوافه الأول (تخريجه)(ق. وغيرهما)
(294)
عن البراء بن عازب (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو بكر ابن عياش ثنا أبو اسحاق عن البراء بن عازب الحديث (غريبة)(6) أي اجعلوا
قال فقال الناس يا رسول الله قد أحرمنا بالحج فكيف نجعلها عمرة؟ (1) قال انظروا ما آمركم به فأفعلوا، فردوا عليه القول فغضب (2) ثم انطلق حتى دخل على عائشة غضبان، فرأت الغضب في وجهه فقالت من أغضبك أغضبه الله؟ قال ومالي لا أغضب وأنا آمر بالأمر فلا أتبع (3)
(295)
عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت قدم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لأربع مضين من ذي الحجة (4) فدخل على وهو غضبان فقلت من أغضبك يا رسول الله أدخله الله النار؟ فقال وما شعرت أنى أمرت الناس بأمر فإذاهم يترددون، قال الحكم كأنهم أحسب (5) ولو أني
إحرامكم بالحج عمرة وتحللوا بعمل العمرة، وهومعنى فسخ الحج إلى العمرة (1) هذا دليل ظاهر لمذهب الشافعي ومالك وموافقيها في ترجيح الأفراد وأن أكثرهم كانوا محرمين بالحج، ويتأول رواية من روى متمتعين أنه أراد في آخر الأمر صاروا متمتعين (2) أما غضبه صلى الله عليه وسلم فلانتهاك حرمة الشرع وترددهم في قبول حكمه كما جاء في حديث عائشة الآتى بعد هذا قال (فإذاهم يترددون) وقد قال الله تعالى:" فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما" فغضب صلى الله عليه سلم لما ذكرناه من انتهاك حرمة الشرع والحزن عليهم في نقض إيمانهم بتوقفهم (3) فيه دلالة لاستحباب الغضب عند انتهاك حرمة الدين، وفيه جواز الدعاء على المخالف لحكم الشرع لأن عائشة رضي الله عنها ما دعت على من أغضبه إلا لعلمها أنه صلى الله عليه وسلم لا يغضب إلا لله (تخريجه)(عل) قال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح
(295)
عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله أبى ثنا محمد بن جعفر وروح قالا ثنا شعبة عن الحكم عن على بن حسين قال روح سمعت على بن حسين عن ذكوان مولى عائشة - الحديث" (غريبة) (4) زاد مسلم " أو خمس" يعنى أو خمس مضين من ذي الحجة وأو للشك من الراوي، وقد جاء في حديث جابر المتقدم " لأربع" من غير شك مع تعيين الوقت الذى قدموا فيه " فقال قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صبح أربع مضين من ذي الحجة (1) لفظ مسلم " وقال الحكم كأنهم يترددون أحسب"
استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدى معى حتى أشتريه ثم أحل كما أحلوا قال روح يترددون فيه (2) قال كأنهم هابوا أحسب
(296)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ويجعلون المحرم صفرا، ويقولو إذا برأ الدبر وعفا الأثر، وانسلخ صفر، حلت العمرة لمن اعتمر (3) فلما قدم النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأصحابه لصبيحة (وفى رواية لصبح) رابعة مهلين بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة (4) فتعاظم ذلك عندهم
(قلت) والحكم هذا هو أحد رواة هذا الحديث (قال القاضى عياض) كذا وقع هذا اللفظ وهو صحيح وإن كان فيه اشكال، قال وزاد اشكاله تغيير فيه وهو قوله قال الحكم كأنهم يترددون، وكذا رواه ابن أبى شيبة عن الحكم، ومعناه أن الحكم شك في لفظ النبي صلى الله عليه وسلم هذا مع ضبطه لمعناه، فشك هل قال يترددون أو نحوه من الكلام، ولهذا قال بعده أحسب أي أظن أن هذا لفظه، ويؤيده قول مسلم بعده في حديث غندر ولم يذكر الشك من الحكم في قوله يتردودن والله أعلم اهـ (2) روح أحد الراويين اللذين روى عنهما الإمام أحمد هذا الحديث، يعنى أنه قال في روايته يترددون فيه فزاد لفظ فيه، ثم فسر هذا التردد بأنهم هابوا أن يحلوا من حجهم ويجعلوه عمرة أي حرصا على الاقتداء به لا أنهم خالفوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأبوا عليه ثم قال أحسب يعنى أظن ذلك والله أعلم (تخريجه) مسلم وغيره
(296)
عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا وهيب ثنا عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس - الحديث " (غريبة)(3) لم يذكر في هذه الرواية الذين كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور ويقولون هذا القول، وقد جاء ذلك في رواية أخرى عند أبى داود وابن حبان والإمام أحمد وتقدم في باب جواز العمرة في جميع أشهر السنة صحيفة 54 رقم 48 من الجزء الحادى عشر عن ابن عباس قال ما أعمر رسول الله صلى عليه وسلم عائشة ليلة الحصبة إلا قطعا لأمر أهل الشرك فإنهم كانوا يقولون إذا أدبر الدبر إلخ. فعرف بهذا تعيين القائلين وهم أهل الشرك يعنى أهل الجاهلية وتقدم شرح هذه الألفاظ في الحديث المشار إليه فارجع إليه إن شئت (4) هو فسخ الحج
فقالوا يا رسول الله أي الحل (1) قال الحل كله
(279)
وعنه أيضا قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم لصبح رابعة مهلين بالحج فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعلوها عمرة إلا من كان معه الهدي، قال فلبست القمص وسطعت المجامر ونكحت النساء
(298)
عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال هذه عمرة استمتعنا بها (2) فمن لم يكن
إلى العمرة، وهذا موضع الاستدلال من حديث الباب، وكأن هذا الحديث هو السبب في أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة لبيان جوازها في أشهر الحج ولإبطال عقيدة أهل الشرك (قال الكرماني) ماوجه تعلق انسلاخ صفر بالاعتمار في أشهر الحج الذى هو المقصود من الحديث، والمحرم وصفر ليسا من أشهر الحج (وأجاب) بقوله لما سموا المحرم صفرا وكان من جملة تصرفاتهم فعل السنة ثلاثة عشر شهرا صار صفر على هذا التقدير آخر السنة وآخر أشهر الحج، إذ لابرء في أقل من هذه المدة غالبا وأما ذكر انسلاخ صفر الذي من الأشهر الحرم بزعمهم فلأجل أنه لو وقع قتال في الطريق وفي مكة لقدروا على المقاتلة، فكأنه قال إذا انقضى شهر الحج وأثره والشهر الحرام جاز الاعتمار، أو يراد بالصفر المحرم ويكون إذا انسلخ صفر كالبيان والبدل لقوله إذا برأ الدبر، فإن الغالب أن البرء لا يحصل من أثر سفر الحج إلا في هذه المدة وهي ما بين أربعين إلى خمسين ونحوه اهـ (وقوله فتعاظم ذلك عندهم) أي لما كانوا يعتقدونه أولا (1) كأنهم كانوا يعرفون أن للحج تحللين فارادوا بيان ذلك، فبين لهم أنهم يتحللون الحل كله يعنى جميع ما يحرم على المحرم حتى الجماع، لأن العمرة ليس لها إلا تحلل واحد (تخريجه)(ق. نس. وغيرهم)
(297)
وعنه أيضا (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا وهيب ثنا أيوب عن رجل قال سمعت ابن عباس - الحديث " (تخريجه) لم أقف عليه بهذا السياق لغير الإمام أحمد، وفي إسناده راو لم يسم، ومعناه في الصحيحين
(298)
عن مجاهد عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد أنا شعبة ومحمد قال حدثنا شعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس - الحديث " (غريبة)(2) احتج بهذا من قال إن حجه صلى الله عليه وسلم كان تمتعا وتأوله من ذهب
معه هدي فليحل الحل كله فقد دخلت العمرة في الحج (1) إلى يوم القيامة
(299)
عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال من قدم حاجا (2) وطاف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد انقضت حجته (3) وصارت عمرة كذلك سنة الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
(300)
عن كريب مولى ابن عباس عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما قال قلت يا ابا العباس ارأيت قولك ما حج رجل لم يسق الهدى معه ثم طاف بالبيت إلا حل بعمرة (4) وما طاف بها حاج قد ساق معه الهدي
إلى خلافه بأنه صلى الله عليه وسلم أراد من أصحابه كما يقول الرجل الرئيس في قومه فعلنا كذا وهو لم يباشر ذلك، وقد تقدم الكلام على حجه صلى الله عليه وسلم في أحكام باب صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم في الجزء الحادى العشر (1) قيل معناه سقط فعلها بالدخول في الحج وهو على قول من لا يرى العمرة واجبة، وأما من يرى أنها واجبة فقال النووي (قال أصحابنا) وغيرهم فيه تفسير أن (أحدهما) معناه دخلت أفعال العمرة في أفعال الحج إذا جمع بينهما بالقرآن (والثاني) معناه لا بأس بالعمرة في أشهر الحج (قال الترمذي) هكذا قال الشافعي وأحمد واسحاق اهـ (تخريجه)(م. د. نس)
(299)
عن عطاء عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الله بن ميمون أبو عبد الرحمن الرقى قال أنا الحسن يعنى أبا المليح عن حبيب يعنى ابن أبى مرزوق عن عطاء عن ابن عباس - الحديث (غريبة)(2) يعنى محرما بالحج ولم يكن معه هدى أخذا من الأحاديث السابقة واللاحقة (3) مذهب ابن عباس رضى الله عنهما أن من كان محرما بحج مفرد وطاف بالبيت وبين الصفا والمروة فإن طوافه هذا يصيره إلى عمرة شاء أو أبى، وإليه ذهبت طائفة من أهل الظاهر وقال الإمام أحمد باستحبابة (تخريجه) هذا الأثر لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وسنده جيد
(300)
عن كريب (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يعقول ثنا أبى عن ابن اسحاق حدثنى محمد بن مسلم الزهري عن كريب - الحديث" (غريبة)(4) يعنى سواء أكان محرما بحج أو عمرة، فإن كان محرما بعمرة فالأمر ظاهر، وإن كان محرما بحج فطوافه بالبيت وبالصفا والمروة يفسخ حجه إلى عمرة، وتقدم أن هذا مذهب ابن عباس
إلا اجتمعت له عمرة وحجة (1) والناس لا يقولون هذا، فقال ويحك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ومن معه من أصحابه لا يذكرون إلا الحج، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه الهدي أن يطوف بالبيت ويحل بعمرة، فجعل الرجل منهم يقول يا رسول الله إنما هو الحج، فيقول رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم إنه ليس بالحج ولكنها عمرة (2)
(301)
عن قتادة عن أبى حسان قال قال رجل من بنى الهجيم يا أبا عباس ما هذه الفتيا التى تفشغت (3) بالناس أن من طاف بالبيت (4) فقد حل فقال سنة نبيكم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وإن رغمتم (زاد في رواية بعد قوله وإن رغمتم) قال همام (5) يعنى من لم يكن معه هدي
(302)
عن مجاهد قال قال عبد الله بن الزبير أفرادوا الحج ودعوا قول هذا (6) يعنى ابن عباس، فقال ابن عباس ألا تسأل أمك (7) عن هذا؟
ووافقه الإمام أحمد وبعض الظاهرية (وقوله وما طاف بها) أي بالكعبة وبالصفا والمروة (1) يعنى إن كان قارنا (2) أي صارت هذه الحجة عمرة بسبب الفسخ (تخريجه) أورده الهيثمي وقال هو في الصحيح باختصار، ورواه أحمد ورجاله ثقات
(301)
عن قتادة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد أنا شعبة عن قتادة - الحديث" (غريبة)(3) بفاء ثم شين فغين معجمتان، أي فشت وانتشرت (4) يعنى وبالصفا والمروة ولم يكن معه هدي (5) هو أحد رواة هذا الحديث من طريق آخر فسر فتيا ابن عباس بأن المراد من لم يكن معه هدي (تخريجه)(م. وغيره)
(302)
عن مجاهد (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن فضيل قال ثنا يزيد يعنى ابن أبى زياد عن مجاهد - الحديث" (غريبة)(6) معناه أحرموا بالحج مفردا لأنه كان ينهى عن العمرة في أشهر الحج سواء أكانت مفردة أم مقرونة بالحج ثم رجع عن ذلك بدليل ما روي عنه وتقدم في باب ما جاء في التمتع بالعمرة إلى الحج صحيفة 166 رقم 132 في الجزء الحادي عشر (7) يعنى أسماء بنت أبى بكر رضي الله عنهما
فأرسل إليها فقالت صدق ابن عباس، خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجاجا فأمرنا فجعلناها عمرة فحل لنا الحلال حتى سطعت المجامر بين النساء والرجال
(203)
عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال خرجنا نصرخ بالحج (1) فلما قدمنا مكة أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجعلها عمرة وقال لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لجعلتها عمرة ولكنى سقت الهدي وقرنت الحج والعمرة (2)
(304)
عن ابن أبى سعيد (الخدري رضي الله عنه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم نصرخ بالحج صراخا حتى إذا طفنا بالبيت قال اجعلوها عمرة إلا من كان معه الهدين قال فجعلناها عمرة فحللنا فلما كان يوم التروية صرخنا بالحج (3) وانطلقنا إلى منى
(305)
عن ابن عباس رضى الله عنهما قال قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
(تخريجه) لم أقف عليه بهذا السياق لغير الإمام أحمد وفي إسناده يزيد بن أبى زياد فيه كلام، ومعناه في صحيح مسلم
(303)
عن أنس بن مالك (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أحمد ابن عبد الملك ثنا زهير ثنا حميد الطويل عن أنس - الحديث" (غريبة)(1) معناه أنهم كانوا محرمين بالحج رافعين أصواتهم بالتلبية به، وقد احتج به الجمهور على استحباب رفع الصوت بالتلبية وتقدم الكلام عليه في بابه (2) احتج به القائلون بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنا وهو أرجح الأقوال والله أعلم (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ من حديث أنس لغير الإمام أحمد وسنده جيد، ومعناه في الصحيحين وغيرهما من حديث جابر وغيره
(304)
عن أبى سعيد الخدري رضى الله عنه (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا ابن عدي عن داود عن أبى نضرة عن أبى سعيد الخدري - الحديث" (غريبة)(3) أي أحرمنا به (تخريجه)(م. وغيره)
(305)
عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا خالد ثنا يزيد بن أبى زياد عن ابن عباس رضى الله عنهما - الحديث "
حجاجا فأمرهم فجعلوها عمرة، ثم قال لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لفعلت كما فعلوا، ولكن دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة (1) ثم أنشب أصابعه بعضها في بعض، فحل الناس إلا من كان معه هدي، وقدم على من اليمن (2) فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم بم أهللت؟ قال أهللت بما أهللت به قال فهل معك هدي؟ قال لا قال فأقم كما أنت (3) ولك ثلث هديي، قال وكان مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مائة بدنة
(306)
عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نحسب إلا أننا حجاجا (4) فلما قدمنا مكة نودي فينا من كان منكم ليس معه هدي فليحلل، ومن كان معه هدي فليقم على إحرامه، قال فأحل الناس بعمرة إلا من كان ساق الهدي، قال وبقي النبي صلى الله عليه وعلى
(غريبه)(1) فسره الجمهور بجواز فعل العمرة في أشهر الحج إلى يوم القيامة وأن القصد إبطال زعم الجاهلية منع ذلك، وله تفاسير غير هذا ستأتي في الأحكام إن شاء الله تعالى (وقوله ثم أنشب أصابعه) أي شبك أصابعه كما صرح بذلك في رواية مسلم من حديث جابر، وإدخال الأصابع بعضها في بعض تستدعي إدخال أحد النسكين في الآخر (2) لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان بعثه إليها (وقوله بم أهللت) أي يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عليا عن إحرامه هل أحرم بحج مفرد أم بعمرة أو قرن الحج بالعمرة، فأجابه علي رضي الله عنه بأنه علق إحرامه بإحرام النبي صلى الله عليه وسلم وهذا جائز وتقدم الكلام عليه في بابه (3) أي لا تحل من أحرامك وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ثلث الهدي الذي كان معه حيث قد علق إحرامه بإحرام النبي صلى الله عليه وسلم ليكون موافقا له (تخريجه) لم أقف عليه من حديث ابن عباس لغير الإمام أحمد وفي اسناده يزيد بن ابى زياد فيه كلام، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث جابر وهو يعضده
(306)
عن جابر بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو أحمد الزبيري ثنا قطن عن أبى الزبير عن جابر - الحديث (غريبة)(4) يعنى
آله وصحبه وسلم (1) ومعه مائة بدنة، وقدم على من اليمن (2) الحديث
(207)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه
(308)
عن جابر رضي الله عنه أن رسو الله صلى الله عليه وسلم أهل وأصحابه بالحج وليس مع أحد منهم يومئذ هدي إلا النبي وطلحة (3) وكان على قدم من اليمن ومعه الهدي، فقال أهللت بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يجعلوها عمرة ويطوفوا ثم يقصروا ويحلوا إلا
محرمين بالحج (1) يعنى بقى على إحرامه لم يحل لأنه ساق الهدي (2) بقيته فقال له بأي شيء أهللت؟ قال قلت اللهم إني أهل بما أهل به نبيك صلى الله عليه وسلم قال فأعطاه نيفا على الثلاثين من البدن، قال ثم بقيا على إحرامهما حتى بلغ الهدي محله (تخريجه)(ق. وغيرهما)
(307)
وعن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله بن أحمد عن بكر بن عبد الله عن ابن عمر أنه قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وأصحابه ملبين وقال عفان ملهين بالحج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء أن يجعلها عمرة إلا من كان معه الهدي، قالوا يارسول الله أيروح أحدنا إلى منى وذكره يقطر منيا؟ قال نعم وسطعت المجامر، وقدم على بن ابي طالب من اليمن فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أهللت؟ قال أهللت بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم. قال حميد فإن لك معنا هديا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بم أهللت؟ قال أهللت بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم. قال حميد فإن لك معنا هديا، قال حميد فحدثت به طاوسا فقال هكذا فعل القوم، قال عفان اجعلها عمرة (تخريجه) أورده الهيثمي وقال هو في الصحيح باختصار. رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (قال الشوكاني) وهو من أحاديث الفسخ التى قام بها ابن القيم كلها صحاح وهو أحد الأحاديث التى قال أحمد بن حنبل أن عنده في الفسخ أحد عشر حديثا صحاح اهـ.
(308)
عن جابر (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الوهاب الثقفي ثنا حبيب يعنى المعلم عن عطاء حدثنى جابر رضي الله عنه الحديث" (غريبة) (3) ظاهره أن الهدي لم يكن مع أحد إلا النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة فقط، وهو يخالف ما سيأتى في حديث عائشة رضي الله عنها حيث قالت " وكان الهدي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وذوي اليسارة" ويجمع بينهما بأن كلا منهما ذكر من اطلع عليه، وقد روي مسلم أيضا من طريق مسلم القري" بضم القاف وتشديد الراء" عن ابن عباس في هذا
من كان معه الهدي، فقالوا ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر (1) فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لو أنى استقبل من أمري ما أستدبر ما أهديت، ولولا أن معي الهدي لأحللت، وأن عائشة حاضت فنسكت المناسك كلها غير أنها لم تطف بالبيت، فلما طهرت طافت (2) قالت يا رسول الله أتنطلقون بحج وعمرة وأنطلق بالحج؟ (3) فأمر عبد الرحمن أن يخرج معها إلى التنعيم فاعتمرت بعد الحج في ذي الحجة، وأن سراقة بن مالك بن جعشم لقى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بالعقبة (4) وهو يرميها فقال ألكم هذه خاصة يا رسول الله؟ (5) قال لا، بل للأبد (6)
الحديث، وكان طلحة ممن ساق الهدي فلم يحل، وهذا شاهد لحديث جابر في ذكر طلحة في ذلك، وشاهد لحديث عائشة في أن طلحة لم ينفرد بذلك وداخل في قولها وذوي اليسار، ولمسلم أيضا من حديث أسماء بنت أبى بكر أن الزبير ممن كان معه الهدي (1) يعنى يقطر منيا كما صرح بذلك في الأحاديث المتقدمة، وإنما قالوا ذلك لأنه شق عليهم أن يحلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم محرم، ولم يعجبهم أن يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ويتركوا الاقتداء به (قال الطيبي) ولعلهم إنما شق عليهم لأفضائهم إلى النساء قبل انقضاء المناسك (2) اتفقت الروايات كلها على أنها طافت طواف الإفاضة يوم النحر (3) أي لأنها لم تأت بعمرة مفردة مثل الذين أتوا بها فأرادت أن تكون مثلهم " وعبد الرحمن" هو ابن أبى بكر أخو عائشة رضي الله عنها (4) جملة حالية، أي والنبي صلى الله عليه وسلم كان بعقبة منى (وقوله وهو يرميها) جملة حالية أيضا أي والنبي صلى الله عليه وسلم يرمى جمرة العقبة (5) يعنى والله أعلم فسخ الحج إلى العمرة كما يدل على ذلك سياق الحديث (6) اي لهم ولمن بعدهم على توالى السنين، وذهب الجمهور إلى أن معناه جواز فعل العمرة في أشهر الحج أبطالا لما كان عليه أهل الجاهلية، وقيل معناه جواز القران، أي دخلت أفعال الحج في أفعال العمرة (قال الحافظ) والظاهر أن السؤال وقع عن الفسخ، والجواب وقع عما هو أعم من ذلك حتى يتناول التأويلات المذكورة، والله أعلم (تخريجه)(ق. د. وغيرهم)
(309)
عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه كانت عائشة تقول خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نذكر إلا الحج، فلما قدمنا سرف طمثت (1) فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال ما يبكيك؟ قلت وددت أني لم أخرج العام (2) قال لعلك نفست (3) يعنى حضت، قالت نعم، قال إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم (4) فافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري (5) فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه اجعلوها عمرة، فحل الناس إلا من كان معه هدي، وكان الهدي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وذوي اليسارة، قالت ثم راحوا مهلين بالحج فلما كان يوم النحر طهرت فأرسلنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأضت يعنى طفت، قالت فأتينا بلحم بقر فقلت ما هذا؟ قالواهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح عن نسائه البقر (6)
(309) عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هاشم بن القاسم قال ثنا عبد العزيز يعنى ابن عبد الله بن أبى سلمة عن عبد الرحمن بن القاسم - الحديث" (غريبة)(1) بفتح الطاء وكسر الميم أي حضت (2) إنما قالت ذلك عائشة رضي الله عنها لظنها أن الحيض يمنعها من الحج (3) بفتح النون وكسر الفاء أي حضت كما فسره الراوي، وأما الولادة فيقال فيه نفست بضم النون، قاله الطيبى (4) قال القاري فيه تسلية لها فإن البلية إذا عمت طابت (وقال النووي) معناه أنك لست مختصة به بل كل بنات آدم يكون منهن هذا كما يكون منهن ومن الرجال البول (5) هذا الاستسناء مختص بأحوال الحج لا بجميع أحوال المرأة، وأما السعي فكالطواف إذ لا يصبح إلا بعد الطواف واختلف في علة المنع من الطواغ فمن شرط الطهارة في الطواف قال لأنها غير طاهر، ومن لم يشترط قال لأن البيت في المسجد والحائض لا تدخل المسجد (6) في رواية عروة عن عائشة ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن اعتمر من نسائة بقرة، ذكره ابن عبد البر من حديث الأوزاعي عن الزهري عن عروة، وفي الصحيحين من حديث جابر ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بقرة يوم النحر (وفي رواية) بقرة في حجته (وفي رواية) ذبحها عن نسائه
قالت فلما كانت ليلة الحصبة (1) قلت يا رسول الهل يرجع الناس بحجة وعمرة وأرجع بحجة، فأمر عبد الرحمن بن أبى بكر فأردفنى على جمله، قالت فإني لأذكر وأنا جارية حديثة السن أنى أنعس فتضرب وجهي مؤخرة (2) الرحل حتى جاء بى التنعيم فأهللت بعمرة جزاء لعمرة الناس التى اعتمروا (3)
(310)
عن الحارث بن بلال عن أبيه (بلال بن الحارث رضى الله عنه) قال قلت يا رسول الله فسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة؟ قال: بل لنا خاصة (4)" خط"(وعنه من طريق ثان)(5) عن أبيه رضى الله عنه قال يارسول الله أرأيت متعة الحج (6) لنا خاصة أم للناس عامة؟ فقال لا بل لنا خاصة
وعند الحاكم من حديث بن أبى كثير عن أبى سلمة عن أبى هريرة " ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن اعتمر من نسائه في حجة الوداع بقرة بينهن" وقال صحيح على شرط الشيخين وهذا الذي ذبحه النبي صلى الله عليه وسلم عن نسائه هو هدي التمتع، فليس فيه حجه على مالك في قوله لا ضحايا على أهل أمتى (1) هي الليلة التى تلى أيام التشريق، وسميت بذلك لنزوله صلى الله عليه وسلم بالمحصب في تلك الليلة بعد طوف الوداع وخروجه من مكة وهو الشعب الذي مخرجه إلى الأبطح بين مكة ومنى " والمحصب " أيضا موضع بمنى سميا بذلك للحصى الذي فيهما (2) بضم الميم وكسر الخاء المعجمة بينهما همزة ساكنة (والرحل) بفتح الراء مشددة وسكون الحاء المهملة هو للبعير كالسرج للفرس (3) أي تقوم مقام عمرة الناس وتكفيني عنها (تخريجه)(ق. وغيرهما)
(310)
عن الحارث بن بلال (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سريج بن النعمان قال ثنا عبد العزيز يعنى ابن محمد قال أخبرنى ابن ربيعة بن أبى عبد الرحمن عن الحارث بن بلال - الحديث " (غريبة) (4) استدل به القائلون بأن فسخ الحج إلى العمرة كان خاصا بسنة حج النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتى ذكرهم في الأحكام (5) " خط" (سنده)
حدثنا عبد الله قال وجدت في كتاب أبى بخط يده حدثنى قريش بن إبراهيم قال ثنا عبد العزيز ابن الدراوردي قال أخبرنى ربيعة بن أبى عبد الرحمن قال سمعت الحارث بن بلال بن الحارث يحدث عن أبيه - الحديث (6) المراد بقوله متعة الحج يعنى التى فعلها أصحاب
.
رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهي فسخ الحج إلى العمرة بدليل ما تقدم في الطريق الأولى أنه قال يا رسول الله فسخ الحج لنا خاصة إلخ (تخريجه)(د. نس. جه) وأورده صاحب المنتقى وقال قال أحمد بن حنبل حديث بلال بن الحارث عندي ليس يثبت ولا أقول به ولا يعرف هذا الرجل يعنى الحارث بن بلال، وقال أرأيت لو عرف الحارث بن بلال إلا أن أحد عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرون ما يرون من الفسخ، أين يقع الحارث بن بلال منهم، قال ولا يصح حديث في أن الفسخ كان لهم خاصة، وهذا أبو موسى الأشعري يفى به في خلافة أبى بكر وشطرا من خلافة عمر اهـ (قال صاحب المنتقى) ويشهد لما قاله قوله في حديث جابر بل هي للأبد اهـ (وقال المنذري) إن الحارث يشبه المجهول. وقال الحافظ الحارث ابن بلال من ثقات التابعين (وقال ابن القيم) نحن نشهد بالله أن حديث بلال بن الحارث هذا لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلط عليه، قال ثم كيف يكون هذا ثابتا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عباس يفتى بخلافه ويناظر عليه طوال عمره بمشهد من الخاص والعام وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرو ولا يقول له رجل واحد منهم هذا كان مختصا بنا ليس لغيرنا اهـ (زوائد الباب)(وعن الربيع بن سبرة) عن أبيه رضى الله عنه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بعسفان قال له سراقة بن مالك المدلجي يا رسول الله اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم، فقال إن الله عز وجل قد أدخل عليكم في حجكم عمرة فإذا قدمتم فمن تطوّف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد حل إلا من كان معه هدي (د) وسكت عنه أبو داود والمنذري ورجاله رجال الصحيح (وعن سليم بن الأسود) أن أبا ذر كان يقول فيمن حج ثم فسخها بعمرة لم يكن ذلك إلا للركب الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (د) وهو موقوف على أبى ذر (وعن إبراهيم التيمي) عن أبيه عن أبى ذر قال كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة (م. نس. جه) وأورد الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ما يأتى (عن سهل بن حنيف) قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجاجا فأهللنا بالحج فلما قدمنا مكة فأمرنا أن نجعلها عمرة (طب) ورجاله موثقون (وعن معقل بن يسار) قال حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدنا عائشة تنزع ثيابها، فقال لها مالك؟ قالت أنبئت أنك قد أحللت وأحللت أهلك، قال أحل من ليس معه هدي، وأما نحن فلم نحل، إن معنا بدنا حتى نبلغ عرفات (طب) وفيه عبيد الله بن ابى حميد وهومتروك (وعن عبد الله ابن هلال المزني) صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس لأحد بعدنا أن يحرم بالحج ثم يفسخ حجه بعمرة، رواه الطبراني في الكبير والبزار إلا أنه قال عبد الله بن عبد المزني، وفيه كثير بن عبد الله المزني وهو متروك اهـ ما أورده الحافظ الهيثمي (الأحكام) أحاديث
_________
الباب تدل على مشروعية فسخ الحج إلى العمرة ومعناه أن من أحرم بالحج مفردا أو قارنا ولم يسق الهدي وطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة قبل الوقوف بعرفة له أن يفسخ نيته بالحج وينوى عمرة مفردة، فيقصر ويحل من إحرامه ليصير متمتعا (قال النووي) رحمه الله وقد اختلف العلماء في هذا الفسخ هل هو خاص للصحابة تلك السنة خاصة أم باق لهم ولغيرهم إلى يوم القيامة؟ (فقال أحمد وطائفة من أهل الظاهر) ليس خاصا بل هو باق إلى يوم القيامة فيجوز لكل من أحرم بحج وليس معه هدي أن يقلب إحرامه عمرة ويتحلل بأعمالها (وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة) وجماهير العلماء من السلف والخلف هو مختص بهم في تلك السنة لا يجوز بعدها، وإنما أمروا به تلك السنة ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج، ومما يستدل به للجماهير حديث أبى ذر رضي الله عنه الذي ذكره مسلم قال " كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة" يعنى فسخ الحج إلى العمرة (وفي كتاب النسائي) عن الحارث بن بلال عن أبيه قال قلت يا رسول الله فسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة فقال بل لنا خاصة، وأما الذى في حديث سراقة ألعامنا هذا أم للأبد فقال لأبد أبد " هكذا رواية مسلم" ورواية الإمام أحمد " لا بل للأبد" فمعناه جواز الاعتمار في أشهر الحج، قال فالحصل من مجموع طرق الأحاديث ان العمرة في أشهر الحج جائزة إلى يوم القيامة وكذلك القرآن، وأن فسخ الحج إلى العمرة مختص بتلك السنة اهـ كلام النووي (قلت) لكن عارض المجوزون للفسخ وهم الإمام أحمد ومجاهد والحسن وداود الظاهري وأهل الظاهر ما احتج به المانعون وهم الجمهور بأحاديث كثيرة صحيحة جاءت عن خمسة عشر من الصحابة، روى الإمام أحمد رحمه الله ثلاثة عشر حديثا منها في مسنده، أوردت منها في هذا الباب تسعة أحاديث عن تسعة من الصحابة وهم جابر، والبراء، وعائشة، وابن عباس، واسماء، وأنس، وأبو سعيد، وابن عمر، وسراقة رضي الله عنهم والعاشر عن حفصة وتقدم في الباب السابق والحادي عشر عن علي، والثاني عشر عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثالث عشر عن أبى موسى رضي الله عنهم، وهذه تقدمت في أبواب متفرقة من أبواب الحج، وبقى حديثان من الخمسة عشر (أحدهما) عن الربيع بن سبرة (والثاني) عن سهل بن حنيف رضى الله عنهما ذكرتهما في الزوائد (قال الحافظ ابن القيم) رحمه الله في الهدى، وروى ذلك عن هؤلاء الصحابة طوائف من كبار التابعين حتى صار منقولا عنهم نقلا يرفع الشك ويوجب اليقين ولا يمكن أحد أن ينكره أو يقول لم يقع وهو مذهب أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومذهب حبر الأمة وبحرها ابن عباس وأصحابه ومذهب أبى موسى الأشعري، ومذهب إمام أهل السنة والحديث أحمد بن حنبل وأهل الحديث معه، ومذهب
_________
عبد الله بن حسان العنبري قاضى البصرة، ومذهب أهل الظاهر اهـ
(قلت) فهذه الأحاديث الصحيحة تقضى بجواز فسخ الحج إلى العمرة وهي حجة قوية للإمام أحمد ومن وافقه، وعمدة الجمهور في الاستدلال حديث أبى ذر المذكور في الزوائد، وحديث بلال ابن الحارث المذكور آخر أحاديث الباب (أما حديث أبى ذر) فلا يصلح للاحتجاج به على أنها مختصة بتلك السنة وبذلك الركب، وغاية ما فيه أنه قول صحاب فيما هو مسرح للاجتهاد فلا يكون حجة على أحد على فرض أنه لم يعارضه غيره. فكيف إذا عارضه رأي غيره من الصحابة كابن عباس فقد روي عنه مسلم والإمام أحمد وتقدم في أحاديث الباب أنه كان يقول " ما حج رجل لم يسق الهدي معه ثم طاف بالبيت إلا حل بعمرة" الحديث (وأخرج عنه عبد الرزاق) أنه قال " من جاء مهلا بالحج فإن الطواف بالبيت يصيره إلى عمرة" واخرجه أيضا الإمام أحمد في أحاديث الباب بمعناه، وكأبى موسى فإنه كان يفتى بجواز فسخ الحج إلى العمرة كما تقدم في حديثه رقم 98 صحيفة 138 في أول (باب من أحرم مطلقا أو قال أحرمت بما أحرم به فلان) قال فما زلت أفتى الناس بالذي أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفى، ثم زمن أبى بكر رضي الله عنه، ثم زمن عمر رضى الله عنه، على أن قول أبى ذر رضى الله عنه معارض بصريح السنة كما تقدم في جوابه صلى الله عليه وسلم لسراقة بقوله " بل للأبد " لما سأله عن متعتهم تلك بخصوصها مشيرا إليها بقوله ألكم هذه خاصة يا رسول الله؟ فليس في المقام متمسك بيد المانعين يعتد به ويصلح لنصبه في مقابلة هذه السنة المتواترة (قال ابن قدامة المقدسى) رحمه الله في الشرح الكبير ذكر أبو حفص في شرحه باسناده عن إبراهيم الخرقي، وقد سئل عن فسخ الحج إلى العمرة. فقال قال سلمة بن شبيب لأحمد بن حنبل يا أبا عبد الله كل شيئ منك حسن جميل إلا خلة واحدة، فقال وما هي؟ قال تقول بفسخ الحج، قال أحمد قد كنت أرى أن لك عقلا عندي ثمانية عشر حديثا صحاحا جيادا كلها في فسخ الحج. اتركها لقولك؟ وقد روى فسخ الحج إلى العمرة ابن عمر وابن عباس وجابر وعائشة رضي الله عنهم وأحاديثهم متفق عليها، ورواه غيرهم من وجوه صحاح، ثم ذكر حديث جابر الطويل المذكور في أحاديث الباب، ثم قال وحديث أبى ذر رواه مرقع الأسدي، فمن مرقع الأسدي؟ شاعر من أهل الكوفه لم يلق أبا ذر، فقيل له أفليس قد روى الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن إبى ذر قال كانت لنا متعة الحج خاصة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفيقول هذا أحد؟ المتعة في كتاب الله، وقد أجمع الناس على أنها جائزة، قا ل الجوزجاني مرقع الأسدي ليس بالمشهور، ومثل هذه الأحاديث في ضعفها وجهالة رواتها لا تقبل إذا انفردت فكيف تقبل في رد حكم ثابت بالتواتر مع أن قول أبى ذر من رأيه وقد خالفه من هو أعلم منه
_________
وقد شذ به عن الصحابة رضى الله عنهم فلا يكون حجة اهـ ما ذكره ابن قدامة (وأما حديث الحارث بن بلال عن أبيه) فقد نقول قول الإمام أحمد فيه عند تخريجه فهو غير صالح للتمسك به على انفراده فكيف إذا وقع معارضا لأحاديث خمسة عشر صحابيا كلها صحيحة، وقد أبعد من قال إنه منسوخة لأن دعوى النسخ لا تثبت إلا بنص صحيح متأخر عن هذه النصوص، وأما مجر الدعوى فأمر لا يعجز عنه أحد، وأما ما رواه البزار عن عمر رضي الله عنه أنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحل لنا المتعة ثم حرمها علينا، فقال الحافظ ابن القيم إن هذا الحديث لا سند له ولا متن، أما سنده فمما لا تقوم به حجة عند أهل الحديث، وأما متنه فإن المراد بالمتعة فيه متعة النساء، ثم استدل على أن المراد ذلك بإجماع الأمة على أن متعة الحج غير محرمة، وبقول عمر لو حججت لتمتعت كما ذكره الأثرم في سننه، وبقول عمر لما سئل هل نهى عن متعة الحج فقال لا أبعد كتاب الله؟ أخرجه عنه عبد الرزاق وبقوله صلى الله عليه وسلم بل للأبد فإنه قطع لتوهم ورود النسخ عليها (واستدل على النسخ) بما أخرجه أبو داود أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتى عمر بن الخطاب فشهد عنده أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي قبض فيه ينهى عن العمرة قبل الحج، وهو من رواية سعيد بن المسيب عن الرجل المذكور وهو لم يسمع من عمر، وقال أبو سليمان الخطابي في إسناد هذا الحديث مقال، وقد اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته وجوز ذلك إجماع أهل العلم ولم يذكر فيه خلافا اهـ (ومن جملة ما تمسك به المانعون) من الفسخ أنه إذا اختلف الصحابة ومن بعدهم في جواز الفسخ فالاحتياط يقتضى المنع منه صيانة للعبادة (وأجيب) بأن الاحتياط إنما يشرع إذا لم تتبين السنة، فإذا ثبتت فالاحتياط هو اتباعها وترك ما خالفها، فإن الاحتياط نوعان، احتياط للخروج من خلاف العلماء، واحتياط للخروج من خلاف السنة، ولا يخفى رجحان الثانى على الأول (قال الحافظ ابن القيم) في الهدى وأيضا فإن الاحتياط ممتنع فإن للناس في الفسخ ثلاثة أقوال على ثلاثة أنواع (أحدهما) أنه محرم (الثانى) أنه واجب وهو قول جماعة من السلف والخلف (الثالث) أنه مستحب فليس الاحتياط بالخروج من خلاف السنة اهـ (ومن متمسكاتهم أيضا) أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالفسخ ليبين لهم جواز العمرة في أشهر الحج لمخالفته الجاهلية (وأجاب) الحافظ ابن القيم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد اعتمر قبل ذلك ثلاث عمر في أشهر الحج كما سلف، وبأن النبي صلى الله عليه سلم قد بين لهم جواز الاعتمار عند الميقات فقال من شاء أن يهل بعمرة فليفعل، الحديث في الصحيحين (قلت وعند الإمام أحمد أيضا وتقدم) قال فقد علموا جوازها بهذا القول قبل الأمر
.
بالفسخ، ولو سلم أن الأمر بالفسخ لتلك العلة لكان أفضل لأجلها فيحصل المطلوب لأن ما فعله صلى الله عليه وسلم في المناسك لمخالفة أهل الشرك مشروع إلى يوم القيامة، ولاسيما وقد قال صلى الله عليه وسلم إن عمرة الفسخ للأبد كما تقدم (ومن تمسكاتهم أيضا) ما روى عن عثمان رضى الله عنه في النهي عن التمتع بالعمرة، وحمله بعضهم على الفسخ قالوا ومثله لا يقال بالرأي (قلت) تقدم ذلك في حديث رقم 115 صحيفة 152 في باب ما جاء في القرآن من الجزء الحادي عشر على أن عثمان رضى الله عنه صرح في الحديث نفسه بقوله إني لم أنه عنها، إنما كان رأيا أشرت به فمن شاء أخذ به ومن شاء تركه (وأجاب القائلون بالفسخ) بأن هذا من مواطن الاجتهاد ومما للرأي فيه مدخل على أنه ثبت في الصحيحين وعند الإمام أحمد وتقدم عن عمران بن حصين أنه قال تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن فقال رجل برأيه ما شاء فهذا تصريح من عمران أن المنع من التمتع بالعمرة إلى الحج من بعض الصحابة إنما هو من محض الرأي فكما أن المنع من التمتع على العموم من قبل الرأي كذلك دعوى اختصاص التمتع بالفسخ بجماعة مخصوصة (وقد اختلف القائلون بالفسخ في حكمه) هل هو واجب أومستحب فذهب الإمام أحمد إلى أنه مستحب ومال فريق إلى الوجوب مستدلين بحديث البراء لأنه صرح فيه بغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصحابة حينما أمرهم بالفسخ وترددوا فيه، قالوا لأن الأمر لو كان أمر ندب لكان المأمور مخيرا بين فعله وتركه، ولما كان يغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند مخالفته لأنه لا يغضب إلا لانتهاك حرمة من حرمات الدين، لا لمجرد مخالفة ما أرشد على من جهة الندب ولا سيما وقد قالوا له قد أحرمنا بالحج فكيف نجعلها عمرة؟ فقال لهم انظروا ما آمركم به فافعلوا فإن ظاهر هذا أن ذلك أمر حتم، لأنه لو كان لبيان الأفضل أو لقصد الترخيص لبين لهم بعد هذه المراجعة أن ما أمرتكم به هو الأفضل، أو قال لهم إنى أردت الترخيص لكم والتخفيف عنكم أو نحو ذلك، والظاهر أن الوجوب رأي ابن عباس رضي الله عنهما لقوله فيما تقدم أن الطواف بالبيت يصيره إلى عمرة شاء أم أبى، ولقوله في بعض أحاديث الباب" سنة نبيكم وإن رغمتم"(قال الحافظ ابن القيم) رحمه الله بعد أن ذكر حديث البراء المشار إليه وغضبه صلى الله عليه وسلم لما لم يفعلوا ما أمرهم به من الفسخ ونحن نشهد الله علينا أنا لو أحرمنا بحج لرأينا فرضا علينا فسخة إلى عمرة تفاديا من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعا لأمرهم، فوالله ما فسخ هذا في حياته ولا بعده ولا صح حرف واحد يعارضه ولا خص به أصحابه دون من بعدهم بل أجرى على لسان سراقة أن سأله هل ذلك مختص بهم فأجاب أن ذلك كان لأبد الأبد، فما ندرى ما يقدم على هذه الأحاديث وهذا الأمر المؤكد الذي غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على من خالفه اهـ (قال الشوكاني) رحمه
(7)
باب متى يحرم المتمتع بالحج
(ومتى يتوجه الناس إلى منى- ومقدار مكثهم بها- وأول صلاة صليت بها)
(#) عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال ألا فخذوا عنى مناسككم، قال فقام القوم بحلهم حتى إ ذا كان يوم التروية وأرادوا التوجيه إلى منى أهلوا بالحج
(311)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال صلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بمنى يوم التروية (1) الظهر
(312)
عن نافع عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أنه كان يحب
الله وقد أطال ابن القيم في الهدى الكلام على الفسخ ورجح وجوبه وبين بطلان ما احتج به المانعون منه، فمن أحب الوقوف على جميع ذيول هذه المسألة فليراجعه، وإذا كان الموقع في مثل هذا المضيق هو افراد الحج فالحازم المتحرى لدينه الواقف عند مشتبهات الشريعة ينبغي له أن يجعل حجة من الابتداء تمتعا أو قرانا فرارا مما هو مظنة اليأس إلى ما لا بأس به، فإن وقع في ذلك فالسنة أحق بالاتباع، وإذا جاء نهر الله بظل نهر معقل اهـ والله أعلم
(#)(وعن جابر بن عبد الله) هذا طرف من حديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في أول باب ما جاء في فسخ الحج إلى العمرة، وإنما ذكرته هنا لما فيه من مناسبة ترجمة الباب، هذا وقع خطأ في الحديث المشار إليه في هذه الجملة وهي قوله" ألا فخذوا عنى مناسككم" حيث قد جاءت هناك " قال فخذوا عنى مناسككم " بلفظ قال بدل " ألا " وصوابه ألا كما هنا فصححه
(311)
عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سليمان بن داود الهاشمي أنا أبو زبيد عن الأعمش عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس - الحديث " (غريبة)(1) هو اليوم الثامن من ذي الحجة وتقدم سبب تسميته بذلك وهو أنهم كانوا يروون إبلهم فيه ويتروون من الماء، لأن تلك الأماكن لم يكن فيها إذ ذاك آبار ولا عيون، وأما الآن فقد كثر الماء واستغنواعن حمله (تخريجه)(د. مذ. جه. ك) قال المنذري وأخرجه الترمذي بنحوه وذكر أن شعبة قال لم يسمع الحكم من مقسم إلا خمسة أشياء وعدها، وليس هذا الحديث فيما عد شعبة، فعلى هذا يكون هذا منقطعا
(312)
عن نافع عن عبد الله بن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبي
إذا استطاع أن يصلي الظهر بمنى من يومي التروية (1) وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم صلى الظهر بمنى
(313)
عن عبد العزيز بن رفيع قال سألت أنس بن مالك رضي الله عنه قلت أخبرنى بشئ عقلته عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أين صلى الظهر يوم التروية؟ قال بمنى، وأين صلى العصر يوم النفر؟ قال بالأبطح (2) قال ثم قال افعل كما يفعل أمراؤك (3)
(314)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بمنى خمس صلوات (4)
ثنا يعقوب ثنا أبى عن ابن اسحاق حدثنى نافع عن عبد الله بن عمر- الحديث" (غريبة)(1) جواب الشرط محذوف تقديره صلى، ثم علل ذلك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بمنى وكان ابن عمر رضي الله عنهما من أكثر الناس اقتداء برسول الله صلى الله عليه سلم لهذا كان ابن عمر يحب أن يفعل كفعله صلى الله عليه وسلم (تخريجه) الحديث سنده جيد وأخرجه الإمام مالك في الموطأ لكن موقوفا على ابن عمر
(313)
عن عبد العزيز بن رفيع (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا اسحاق ثنا سفيان عن عبد العزيز بن رفيع- الحديث" (غريبة)(2) هو البطحاء التى بين مكة ومنى وهي ما انبطح من الوادي واتسع، وهي التى يقال لها المحصّب والمعرّس وحدها ما بين الجبلين إلى المقبرة (3) لما بين أنس رضى الله عنه للسائل المكان الذى صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم خشي عليه أن يحرص على ذلك وبعض الأمراء لا يواظبون على الصلاة بذلك المكان فينسب إلى المخالفة أو تفوته الصلاة مع الجماعة، فأمره أن يفعل أمراؤه فإن ما يفعلونه جائز واتباعهم حينئذ أفضل خوفا من حدوث فتنة (تخريجه)(ق. وغيرهما)
(314)
عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أسود ثنا أبو كدينة يحيى بن المهلب عن الأعمش عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس- الحديث" (غريبة)(4) يعنى أولها الظهر، كما يستفاد ذلك من الأحاديث السابقة (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وسنده جيد
وعنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم صلى الظهر يوم التروية بمنى وصلى الغداة يوم عرفه بها (1)
(315) وعنه أيضا (سنده) حدثنا عبد الله بن أحمد حدثنى أبى ثنا أسود ابن عامر ثنا أبو المحياة يحيى بن يعلى التيمي عن الأعمش عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر- الحديث" (غريبة) (1) أي بمنى كما صرح بذلك في رواية لأبى داود وابن ماجه بلفظ " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر يوم التروية والفجر يوم عرفه بمنى" (تخريجه)(د. مذ. جه. ك) وهو من رواية الحكم عن مقسم وتقدم الكلام عليه في حديث ابن عباس الثاني من أحاديث الباب (زوائد الباب)(عن ابن عباس) رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل يوم التروية بيوم منزلنا غدا إن شاء الله بالخيف الأيمن حيث استقسم المشركون (طب. طس) ورجاله ثقات (وعن عبد الله بن الزبير) قال من سنة الحاج أن يصلى يوم التروية الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى ثم يغدو فيقيل حيث كتب الله له ثم يروح إذا زالت الشمس فيخطب الناس ثم ينزل فيجمع بين الصلاتين الظهر والعصر ثم يقف بعرفة فيدفع إذا غابت الشمس ثم يصلى المغرب حيث قدر الله له (يعنى يصليها مع العشاء جمع تأخير بالمزدلفة) ثم يقف بالمزدلفة فإذا طلع الفجر صلى الصبح ثم يدفع إذا أصبح فإذا رمى الجمرة فقد حل له ما حرم عليه إلا النساء حتى يطوف بالبيت (طب) وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث، قال عبد الملك بن شعيب بن الليث - ثقة مأمون، وضعفه الأئمة أحمد وغيره (وعن عبد الله بن عمرو) قال أفاض جبريل بإبراهيم عليهما السلام إلى منى فصلى به الظهر والمغرب والعشاء والصبح بمنى ثم غدا من منى إلى عرفات فصلى به الصلاتين، ثم وقف حتى غابت الشمس، ثم أتى به المزدلفة فنزل بها فبات بها، ثم قال فصلى كأعجل ما يصلى أحد من المسلمين، ثم دفع به إلى منى فرمى وذبح وحلق، ثم أوحى الله عزوجل إلى محمد صلى الله عليه وسلم أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين (طب) بأسانيد ورجال بعضها رجال الصحيح، أورد هذه الأحاديث الحافظ الهيثمي وتكلم عليها جرحا وتعديلا (وعند مسلم) من حديث جابر الطويل في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم قال لما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس، وأمر بقية من شعر تضرب له بنمرة فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفه فوجد القبة قد ضربت
_________
له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادى فخطب الناس وقال إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا الحديث (الأحكام) حديث جابر المذكور أول أحاديث الباب يدل على أن من كان بمكة وأراد الإحرام بالحج يستحب له أن يحرم يوم التروية (وإلى ذلك ذهب ابن عمر والإمام الشافعي) وأصحابه وبعض أصحاب الإمام مالك وغيرهم (وقال آخرون) الأفضل أن يحرم من أول ذي الحجة ونقله القاضى عياض عن أكثر الصحابة والعلماء والخلاف في الاستحباب وكل منهما جائز بالإجماع (وفيه أيضا) أن السنة عدم تقدم أحد إلى منى قبل يوم التروية (وكره الإمام مالك ذلك) وقال بعض السلف لا بأس (قال النووي) ومذهبنا أنه خلاف السنة يعنى التقدم إلى منى قبل يوم التروية بل السنة أن يتوجه إلى منى يوم التروية كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه (وفي أحاديث الباب أيضا) استحباب أداء الصلوات الخمس بمنة ابتداء من صلاة الظهر، وبه قال جمهور العلماء منهم الأئمة (أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد واسحاق وأبو ثور) قال ابن المنذر وقال ابن عباس إذا زاغت الشمس فليخرج إلى منى، قال وصلى ابن الزبير الظهر بمكة يوم التروية، وتأخرت عائشة يوم التروية حتى ذهب ثلث الليل، قال وأجمعوا على أن من ترك المبيت ليلة عرفة لا شيء عليه، قال وأجمعوا على أنه ينزل من منى حيث شاء والله أعلم اهـ (ويستفاد من حديث جابر) المذكور في الزوائد رواية مسلم جملة فوائد (منها) استحباب الركوب إلى منى لقوله وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر إلخ (قال النووي رحمه الله الركوب في تلك المواطن أفضل من المشي كما أنه في جملة الطريق الطريق أفضل من المشي، هذا هو الصحيح في الصورتين أن الركوب أفضل، قال وللشافعي قول آخر ضعيف أن المشي أفضل، وقال بعض أصحابنا الأفضل في جملة الحج الركوب إلا في مواطن المناسك، وهي مكة ومنى ومزدلفة وعرفات والتردد بينهما اهـ (ومنها أيضا) استحباب عدم الخروج من منى حتى تطلع الشمس لقوله فيه " ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس" وهذا متفق عليه (ومنها) قوله في حديث جابر المذكور " ولاتشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية (قال النووي) معنى هذا أن قريشا كانت في الجاهلية تقف بالمشعر الحرام وهو جبل في المزدلفة يقال له قزح، وقيل أن المشعر الحرام كل المزدلفة وهو بفتح الميم على المشهور، وبه جاء القرآن وقيل بكسرها، وكان سائر العرب يتجاوزون المزدلفة ويقفون بعرفات فظنت قريش أن النبي صلى الله عليه وسلم يقف في المشعر الحرام على عاداتهم ولا يتجاوزه فتجاوزه النبي صلى الله عليه وسلم إلى عرفات، لأن الله تعالى أمره بذلك في قوله تعالى " ثم أفيضوا من
-[استحباب القيام من منى إلى عرفة بعد طلوع الشمس من يوم عرفة]-
أبواب المسير من منى الى عرفة والوقوف بها والدفع منها
(1)
باب وقت المسير من منى والنزول بوادى نمرة ووقت القيام الى الموقف بعرفة
(316)
عن ابن عمر رضى الله عنهما قال غدا رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم من منى حين صلَّى الصُّبح فى صبيحة يوم عرفة حتَّى أتى عرفة فنزل بنمرة وهى منزل الإمام الَّذى كان ينزل به بعرفة حتَّى إذا كان عند صلاة الظُّهر راح رسول الله صلى الله عليه وسلم مهجِّرًا فجمع بين الظُّهر والعصر
حيث أفاض الناس)) أى سائر العرب غير قريش؛ وإنما كانت قريش تقف بالمزدلفة لأنها من الحرم، وكانوا يقولون نحن أهل حرم الله فلا نخرج منه اهـ (وفى حديث أنس) الرابع من أحاديث الباب متابعة أولى الأمر فى غير معصية الله والاحتراز عن مخالفة الجماعة لأن الخير فى الاتباع، رزقنا الله عز وجل اتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم والاهتداء بهديه آمين
(316)
عن ابن عمر رضى الله عنهما (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يعقوب بن ابراهيم ثنا أبى عن ابن اسحاق حدثنى نافع عن ابن عمر- الحديث)) (غريبه)(1) بالغين المعجمة أى سار غدوة (2) ظاهره أنه توجه من منى حين صلى الصبح بها، ولكن تقدم فى حديث جابر المذكور فى زوائد الباب السابق رواية مسلم أنه كان بعد طلوع الشمس فهو مفسر لما هنا (وقوله حتى أتى عرفة) مجاز والمراد قارب عرفة بدليل فنزل بنمرة بفتح النون وكسر الميم، ونمرة موضع بجنب عرفات وليست من عرفات (قال ابن الحاج المالكى) وهذا الموضع يقال له الأراك اهـ، وقال الماوردى يستحب أن ينزل بنمرة حيث نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عند الصخرة الساقطة بأصل الجبل على يمين الذاهب الى عرفات اهـ (وقوله وهو منزل الأمام) يعنى النبى صلى الله عليه وسلم ومن بعده الخلفاء الراشدين (3) أى بعد الزوال (وقوله مهجرًا) بتشديد الجيم المكسورة (قال الجوهرى) التهجير والتهجر السير فى الهاجرة، والهاجرة نصف النهار عند اشتداد الحر، والتوجه وقت الهاجرة فى ذلك اليوم سنة لما يلزم من تعجيل الصلاة ذلك اليوم، وقد أشار البخارى إلى هذا الحديث فى صحيحه فقال (باب التهجير بالرواح يوم عرفة) أى من نمرة (4) أى جمع تقديم ببطن عرنة، ورواية مسلم من حديث جابر ((حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادى فخطب الناس)) الحديث (والقصواء) بفتح القاف وبالمد، هو اسم
-[وقت القيام من وادى نمرة الى عرفة. واقتداء الأمراء وإن كانوا ظلمة بالصحابة رضى الله عنهم]-
ثمَّ خطب النَّاس ثمَّ راح فوقف على الموقف من عرفة
(317)
عن سعيد بن حسَّان عن ابن عمر رضى الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل بعرفة وادي نمرة، فلمَّا قتل الحجَّاج بن الزُّبير أرسل إلى ابن عمر أية ساعةٍ كان رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يروح فى هذا اليوم قال إذا كان ذاك رحنا فأرسل الحجَّاج رجلًا ينظر أىَّ
لبعض نوق النبى صلى الله عليه وسلم (قال ابن قتيبة) كانت للنبى صلى الله عليه وسلم نوق، القصواء. والجدعاء. والعضباء قال أبو عبيد العضباء اسم لناقة النبى صلى الله عليه وسلم، ولم تسم بذلك لشئ أصابها (وقوله فرحلت) قال النووى هو بتخفيف الحاء أى جعل عليها الرحل (وقوله بطن الوادى) هو وادى عرنة بضم العين وفتح الراء وبعدها نون وليست عرنة من أرض عرفات عند الشافعى والعلماء كافة إلا مالكًا فقال هى من عرفات (وقوله ثم خطب الناس) فيه استحباب الخطبة للأمام بالحجيج يوم عرفة فى هذا الموضع، وهو سنة باتفاق جماهير العلماء، وخالف فيها المالكية ومذهب الشافعى أن فى الحج أربع خطب مسنونة إحداها يوم السابع من ذى الحجة يخطب عند الكعبة بعد صلاة الظهر، والثانية هذه التى ببطن عرنة يوم عرفات، والثالثة يوم النحر، والرابعة يوم النفر الأول وهو اليوم الثانى من أيام التشريق اهـ (1) هو عند الصخرات المفترشات فى أسفل جبل الرحمة وهو الجبل الذى بوسط أرض عرفات، فهذا هو الموقف المستحب، وأما ما اشتهر بين العوام من الاعتناء بصعود الجبل وتوهمهم أنه لا يصح الوقوف الا فيه فغلط، بل الصواب جواز الوقوف فى كل جزء من أرض عرفات، وأن الفضيلة فى موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصخرات، فان عجز فليقرب منه بحسب الأمكان. قاله النووى (تخريجه)(د. وغيره) وسنده جيد.
(317)
عن سعيد بن حسان (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا نافع ابن عمر الجمحى عن سعيد بن حسان- الحديث)) (غريبه)(2) كان قتل ابن الزبير رضى الله عنهما فى جمادى الثانى سنة 73 هجرية بعد أن حاصر الحجاج مكة ورمى البيت الحرام بالمنجنيق (3) يعنى من وادى نمرة إلى الموقف بعرفات (4) يعنى إذا جاء الوقت الذى كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يروح فيه رحنا كأنه يقول له ارتقب الوقت الذى نروح فيه فهو الذى راح فى مثله رسول الله صلى الله عليه وسلم
-[مذاهب العلماء فى أحكام الباب. والجمع بين صلاتى الظهر والعصر بوادى عرنة]-
ساعةٍ يروح، فلمَّا أراد ابن عمر أن يروح قال أزاغت الشَّمس؟ قالوا لم تزغ الشَّمس، قال أزاغت الشَّمس؟ قالوا لم تزغ، فلمَّا قالوا قد زاغت ارتحل
(1) أي تحولت ومالت عن كبد السماء إلى جهة المغرب، وهو وقت الزوال أى وقت الظهر (2) لفظ ابن ماجه فلما أراد ابن عمر أن يرتحل قال أزاغت الشمس؟ قالوا لم تزغ بعد فجلس. ثم قال أزاغت الشمس؟ قالوا لم تزغ بعد فجلس، ثم قال أزاغت الشمس؟ قالوا لم تزغ بعد فجلس، ثم قال أزاغت الشمس؟ قالوا نعم، فلما قالوا زاغت ارتحل (تخريجه)(د. جه) وسنده جيد (الأحكام) حديثا الباب يدلان على جملة أحكام (منها) مشروعية المسير من منى بعد طلوع الشمس يوم عرفة (ومنها) مشروعية النزول بوادى نمرة الى وقت الزوال (ومنها) القيام من وادى نمرة وقت الزوال والنزول ببطن الوادى المسمى بوادى عرنة بضم العين وفتح الراء وتقدم أنه ليس من عرفات عند جمهور العلماء وكل هذه الأمور متفق على استحبابها عند كافة العلماء (ومنها) الجمع بين صلاتى الظهر والعصر جمع تقديم بوادى عرنة (قال النووى) فى شرح المهذب مذهبنا أنه يؤذن للظهر ولا يؤذن للعصر إذا جمعهما فى وقت الظهر عند عرفات (وبه قال أبو حنيفة وأبو ثور وابن المنذر) ونقل الطحاوى الأجماع على هذا (لكن قال مالك) يؤذن لكل منهما ويقيم (وقال أحمد واسحاق) يقيم لكل منهما ولا يؤذن لواحدة منهما. دليلنا حديث جابر ((يعنى عند مسلم حيث جاء فيه ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئًا)) قال وأجمعت الأمة على أن للحاج أن يجمع بين الظهر والعصر إذا صلى مع الأمام، فلو فات بعضهم الصلاة مع الأمام جاز له أن يصليهما منفردًا جامعًا بينهما عندنا، وبه قال أحمد وجمهور العلماء (وقال أبو حنيفة) لا يجوز ووافقنا على أن الأمام لو حضر ولم يحضر معه للصلاة أحد جاز له الجمع، وعلى أن ألمأموم لو فاته الصلاتان بالمزدلفة مع الأمام جاز له أن يصليهما منفردًا جامعًا، فاحتج أصحابنا عليه بما وافق عليه. قال ومذهبنا أنه يسن الأسرار بالقراءة فى صلاتى الظهر والعصر بعرفات (ونقل ابن المنذر) إجماع العلماء عليه، قال وممن حفظ ذلك عنه طاوس. ومجاهد. والزهرى ومالك. والشافعى. وأحمد. واسحاق. وأبو ثور. وأبو حنيفة؛ هذا كلام ابن المنذر (ونقل أصحابنا) عن أبى حنيفة الجهر كالجمعة والله أعلم اهـ (وقال ابن المنذر) أجمع العلماء على أن الأمام يجمع بين الظهر والعصر بعرفة، وكذلك من صلى مع الأمام، وذكر أصحاب الشافعى أنه لا يجوز الجمع إلا لمن بينه وبين وطنه ستة عشر فرسخًا إلحاقًأ له بالقصر، قال وليس بصحيح، فان النبى صلى الله عليه وسلم جمع فجمع معه من حضره من المكبين وغيرهم ولم يأمرهم بترك الجمع
-[الجمع بين حديثى جابر وابن عمر فى خطبة عرفة هل كانت قبل الصلاة أو بعدها]-
(2)
باب ما جاء فى التلبية والتكبير فى المسير الى عرفة
(318)
عن محمَّد بن أبى بكرٍ الثقفىِّ أنَّه سأل أنس بن مالكٍ رضى الله عنه وهما غاديان إلى عرفة كيف كنتم تصنعون فى هذا اليوم يعنى يوم عرفة مع رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم؟ قال كنَّا يهل
كما أمرهم بترك القصر فقال أتموا فانا سفر، ولو حرم الجمع بيَّنه لهم، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، قال ولم يبلغنا عن أحد من المتقدمين خلاف فى الجمع بعرفة والمزدلفة بل وافق عليه من لا يرى الجمع فى غيره (وفى الحديث الأول من حديثى الباب) التصريح بأن الخطبة كانت بعد الصلاة وهو مخالف لحديث جابر عند مسلم حيث قد صرح فيه بأن النبى صلى الله عليه وسلم خطب أولًا فذكر نص الخطبة، قال ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر- الحديث، وعمل العلماء على حديث جابر (قال ابن حزم) رواية ابن عمر لا تخلوا عن وجهين لا ثالث لهما، إما أن يكون النبى صلى الله عليه وسلم خطب كما روى جابر ثم جمع بين الصلاتين ثم كلم صلى الله عليه وسلم ببعض ما يأمرهم ويعظمهم فيه، فسمى ذلك الكلام خطبة فيتفق الحديثان بذلك وهذا أحسن، فان لم يكن كذلك فحديث ابن عمر وهم والله أعلم اهـ (قلت) الظاهر الوجه الأول، لأن حديث ابن عمر سنده جيد وليس فيه إلا محمد بن اسحاق وهو ثقة وإن كان مدلسًا لكنه صرح فيه بالتحديث (وفي الحديث الثانى) من حديثى الباب مشروعية التعجيل بالذهاب من وادى عرنة بعد صلاتى الظهر والعصر الى الموقف بعرفة (قال النووى) فى شرح المهذب وهذا التعجيل مستحب بالأجماع لحديث سالم بن عبد الله بن عمر قال كتب عبد الملك بن مروان الى الحجاج أن يأتم بعبد الله بن عمر فى الحج، فلما كان يوم عرفة جاء ابن عمر وأنا معه حين زاغت الشمس فصاح عند فسطاطه أين هذا فخرج اليه فقال ابن عمر الرواح، فقال الآن؟ قال نعم. فسار بينى وبين أبى فقلت له إن كنت تريد أن تصيب السنة اليوم فاقصر الخطبة وعجل الوقوف، فقال ابن عمر صدق، رواه البخارى، وفى صحيح مسلم عن جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر ثم أتى الموقف اهـ والله أعلم
(318)
عن محمد بن أبى بكر الثقفى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو سلمة أنا مالك عن محمد بن أبى بكر الثقفى- الحديث)) (غريبه)(1) من غدا يغدوا غدوًا، والمعنى وهما سائران من منى متوجهان الى عرفة غدوة (2) أى من الذكر، ولمسلم من طريق موسى بن عقبة عن محمد بن أبى بكر قلت لأنس غداة عرفة ما تقول في
-[استحباب التلبية والتكبير فى المسير من منى الى عرفة]-
المهلُّ منَّا فلا ينكر عليه ويكبِّر المكبِّر منَّا ولا ينكر عليه
(319)
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قد غدونا مع رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم إلى عرفات منَّا المكبِّر ومنَّا الملبِّي
(320)
عن عبد الله بن أبى سلمة عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قل كنَّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة عرفة منَّا المكبِّر ومنَّا المهلُّ، أما نحن نكبِّر، قال قلت العجب لكم كيف لم
التلبية في هذا اليوم (1) يعنى يرفع صوته بالتلبية لأن الأهلال معناه رفع الصوت بالتلبية وقد جاء فى رواية للبخارى ((كان يلبى الملبى لا ينكر عليه)) وقوله فلا ينكر عليه بضم الياء على البناء للمفعول، أى لا يعيب أحد عليه، وقد جاء فى رواية موسى بن عقبة عند مسلم لا يعيب أحدنا على صاحبه (تخريجه)(ق. نس. جه)
(319)
عن ابن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هشيم أنبأنا يحيى بن سعيد عن عبد الله بن أبى سلمة عن ابن عمر- الحديث)) (غريبه)(2) قال العلامة السندى فى حاشيته على النسائى الظاهر أنهم كانوا يجمعون بين التلبية والتكبير، فمرة يلبى هؤلاء ويكبر آخرون، ومرة بالعكس، فيصدق فى كل مرة أن البعض يكبر والبعض يلبى، والظاهر أنهم ما فعلوا ذلك إلا لأنهم وجدوا النبى صلى الله عليه وسلم فعل مثله، ثم رأيت أن الحافظ ابن حجر ذكر ما هو صريح فى ذلك، قال عند أحمد وابن أبي شيبة والطحاوى من طريق مجاهد عن معمر عن عبد الله (قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ترك التلبية حتى يرمى جمرة العقبة إلا أن يخالطها بتكبير) فالأقرب للعامل أن يأتى بالذكرين جميعًا لكن يكثر التلبية ويأتى بالتكبير فى أثنائها والله أعلم اهـ (قلت) الحديث الذى ذكره الحافظ وأشار اليه السندى تقدم فى الفصل الثالث من باب التلبية صحيفة 181 رقم 155 وقول السندى رحمه الله مرة يلبى هؤلاء ويكبر آخرون وبالعكس، ليس بلازم على هذا النظام، بل يجوز أن كل واحد منهم كان يجمع بين التلبية والتكبير بغير هذا النظام والله أعلم (تخريجه)(م. نس. هق)
(320)
عن عبد الله بن أبى سلمة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد ثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبى سلمة عن عمر بن حسين عن عبد الله بن أبى سلمة- الحديث)) (غريبه)(3) القائل العجب لكم هو عبد الله بن أبي سلمة يخاطب
-[الدليل على أن الوقوف بعرفة أهم أركان الحج]-
تسألوه كيف صنع رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم
(3)
باب وجوب الوقوف بعرفة ووقته وكل عرفة موقف
(321)
عن عبد الرَّحمن بن يعمر الدِّيلىِّ رضى الله عنه فال شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقفٌ بعرفة وأتاه ناسٌ من أهل نجدٍ فقالوا يا رسول الله كيف الحجُّ؟ فقال الحجُّ عرفة فمن جاء قبل صلاة الفجر من ليلة جمعٍ
عبد الله بن عبد الله بن عمر كيف لم يسألوا عبد الله بن عمر عما كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم هل كان يكبر أم يلبى، وأراد عبد الله بن أبى سلمة بذلك الوقوف على الأفضل، لأن الحديث يدل على التخيير بين التكبير والتلبية من تقريره صلى الله عليه وسلم لهم على ذلك، فأراد أن يعرف ما كان يصنع هو ليعرف الأفضل من الأمرين، وتقدم فى باب التلبية فى الفصل الثالث منه صحيفة 181 رقم 155 عن ابن مسعود رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يخلط التلبية بالتكبير والله أعلم (تخريجه)(م. وغيره)(الأحكام) أحاديث الباب تدل على استحباب التلبية والتكبير فى الذهاب من منى الى عرفات يوم عرفة وتكون التلبية أكثر من التكبير وإلى ذلك ذهب الجمهور، وفى أحاديث الباب رد على من قال بقطع التلبية بعد صبح يوم عرفة وبقية الأحكام تقدمت فى الشرح والله أعلم
(321)
عن عبد الرحمن بن يعمر الديلى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سفيان عن بكير بن عطاء الليثى قال سمعت عبد الرحمن بن يعمر الديلى- الحديث)) (غريبه)(1) بفتح التحتانية وسكون العين المهملة وفتح الميم ويضم غير منصرف (قال الحافظ) صحابى نزل الكوفة، ويقال مات بخراسان (2) أى قالوا كيف حج من لم يدرك يوم عرفة؟ كما بوب عليه البخارى (3) أى الحج الصحيح حج من أدرك يوم عرفة، قاله الشوكانى، وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام- تقديره إدراك الحج وقوف عرفة (وقال القارى فى المرقاة) أى ملاك الحج ومعظم أركانه وقوف عرفة، لأنه يفوت بفواته (4) أى ليلة المبيت بالمزدلفة (قال الشوكانى) وظاهره أنه يكفى الوقوف فى جزء من أرض عرفة ولو فى لحظة لطيفة فى هذا الوقت، وبه قال الجمهور، وحكى النووى قولًا أنه لا يكفى الوقوف ليلًا ومن اقتصر عليه فقد فاته الحج، والأحاديث الصحيحة ترده
-[كلام العلماء فى تفسير أيام منى- وقوله فى الحديث فمن تعجل فى يومين فلا إثم عليه الخ]-
فقد تمَّ حجُّه، وأيَّام منى ثلاثة أيامٍ، فمن تعجَّل فى يومين فلا إثم عليه، ومن تأخرَّ فلا إثم عليه، ثمَّ أردف رجلًا خلفه فصار ينادي بهنَّ
(322)
عن عروة بن مضرَّس بن أوس بن حارثة بن لامٍ رضي الله عنه أنَّه حجُ على عهد رسول الله صلَّى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فلم يدرك النَّاس إلَّا ليلًا وهو بجمعٍ فانطلق إلى عرفاتٍ فأفاض منها ثمَّ رجع
(1) مرفوع على الابتداء وخبره ثلاثة أيام، ويقال لها الأيام المعدودة. وأيام التشريق. وأيام رمى الجمار، وهى الثلاثة التى بعد يوم النحر، وليس يوم النحر منها لأجماع الناس على أنه لا يجوز النفر فى اليوم التالى ليوم النحر، ولو مان يوم النحر من الثلاث لجاز أن ينفر من شاء فى ثانيه (2) أى من أيام التشريق فنفر فى اليوم الثانى منها فلا إثم عليه فى تعجيله، ومن تأخر عن النفر فى اليوم الثانى من أيام التشريق إلى اليوم الثالث فلا إثم عليه فى تأخيره، وقيل المعنى من تأخر من الثالث إلى الرابع ولم ينفر مع العامة فلا إثم عليه، والتخيير هاهنا وقع بين الفاضل والأفضل لأن المتأخر أفضل (فان قيل) إنما يخاف الأثم المتعجل فما بال المتأخر الذى أتى بالأفضل الحق به (فالجواب) أن المراد من عمل بالرخصة وتعجل فلا إثم عليه فى العمل بالرخصة، ومن ترك الرخصة وتأخر فلا إثم عليه فى ترك الرخصة، وذهب بعضهم إلى أن المراد وضع الأثم عن المتعجل دون المتأخر. ولكن ذكرا معًا والمراد أحدهما أفاده الشوكانى (3) أى بهذه الكلمات (تخريجه)(حب. ك. هق. قط. والأربعة) وقال الترمذى قال ابن أبى عمر قال سفيان بن عيينة وهذا أجود حديث رواه سفيان الثورى اهـ (قال الحافظ السيوطى) يعنى أجود حديث رواه من حديث اهل الكوفة، وذلك لأن أهل الكوفة يكثر فيهم التدليس والاختلاف، وهذا الحديث سالم من ذلك، فان النورى سمعه من بكير وسمعه بكير من عبد الرحمن وسمعه عبد الرحمن من النبى صلى الله عليه وسلم ولم يختلف رواته فى اسناده وقام الأجماع على العمل به اهـ. ونقل ابن ماجه فى سننه عن شيخه محمد ابن يحيى ما أرى للنورى حديثًا أشرف منه اهـ
(322)
عن عروة بن مضرس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو نعيم قال ثنا زكريا عن الشعبى قال حدثنى عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة- الحديث)) (غريبه)(4) بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وتشديد الراء المكسورة ثم سين مهملة (وقوله ابن لام) هو بوزن حام (5) يعني المزدلفة
-[حجة القائلين بأن وقت الوقوف من فجر يوم عرفة إلى فجر يوم النحر]-
فأتى جمعًا فقال يا رسول الله أتعبت نفسى وأنصبت راحلتى فهل لى من حجٍّ؟ فقال من صلًّى معنا صلاة الغداة بجمع ووقف معنا حتَّى نفيض وقد أفاض قبل ذلك من عرفاتٍ ليلًا أو نهارًا فقد تمَّ حجه وقضى تفثه (وعنه من طريقٍ ثانٍ) قال أتيت النَّبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم وهو بجمعٍ فقلت يا رسول الله جئتك من جبلى طيَّئ أتعبت نفسى الحديث
(*)((ز)) على علىَّ بن أبى طالبٍ رضى الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم وقف بعرفة وهو مردفٌ أسامة بن زيدٍ
(1) أي أعييتها من التعب (2) يعنى صلاة الصبح صبيحة ليلة المزدلفة (3) تمسك به الأمام أحمد فقال وقت الوقوف لا يختص بما بعد الزوال، بل وقته ما بين طلوع الفجر يوم عرفة وطلوعه يوم العيد، لأن لفظ الليل والنهار مطلقان، وأجاب الجمهور عن الحديث بأن المراد بالنهار ما بعد الزوال بدليل أنه صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده لم يقفوا إلا بعد الزوال، ولم ينقل عن أحد أنه وقف قبله، فكأنهم جعلوا هذا الفعل مقيدًا لذلك المطلق ولا يخفى ما فيه (4) قيل المراد به أنه أتى بما عليه من المناسك، والمشهور أن التفث ما يصنعه المحرم عند حله من تقصير شعر أو حلقه وحلق العانة ونتف الأبط وغيره من خصال الفطرة، ويدخل فى ذلك نحر البدن وقضاء جميع المناسك لأنه لا يقضى التفث الا بعد ذلك، وأصل التفث الوسخ والقذر (5) تثنية جبل بالجيم، وهما جبل سلمى وجبل أجا. قاله المنذرى (وطيئ) بفتح الطاء وتشديد الياء بعدها همزة، وجاء فى بعض الروايات عند غير الأمام أحمد ((حبلى طيئ)) تثنية حبل بالحاء المهملة المفتوحة وسكون الباء الموحدة، وهو ما اجتمع فاستطال وارتفع من الرمل (قال العلماء) الرمل اذا كان كذلك يقال له حبل بالحاء المهملة. فاذا كان من حجر يقال له جبل بالجيم، ورواية الترمذى كرواية الأمام أحمد والله أعلم (تخريجه)(الأربعة وغيرهم) وقال الترمذى هذا حديث حسن صحيح اهـ، وقال صاحب المنتقى هو حجة فى أن نهار عرفة كله وقت للوقوف والله أعلم
(*)((ز)) عن على رضى الله عنه- هذا طرف من حديث طويل تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى باب صفة حج النبى صلى الله عليه وسلم صحيفة 84 رقم 65 وانما أثبته هنا لمناسبة ترجمة
-[كل عرفة موقف وبيان حدود عرفة]-
فقال هذا الموقف وكل عرفة موقفٌ
(323)
عن جبير بن مطعمٍ رضى الله عنه عن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال كلُّ عرفاتٍ موقفٌ، وارفعوا عن بطن عرنة، وكلُّ مزدلفة موقفٌ وارفعوا عن محسِّرٍ، وكلُّ فجاج منًى منحرٌ، وكلُّ أيَّام التَّشريق ذبحٌ
(324)
حدّثنا عبد الله حدَّثنى أبى حدَّثنا سفيان عن عمروٍ (يعني ابن دينارٍ) عن عمرو بن عبد الله بن صفوان عن يزيد بن شيبان قال أتانا ابن مربعٍ
الباب، أخرجه الترمذى بطوله وقال حديث حسن صحيح اهـ قلت وله شاهد من حديث جابر عند مسلم (غريبه)(1) يعنى الذى وقف فيه النبى صلى الله عليه وسلم ويقف فيه كل امام، وهو عند الصخرات (وقوله وكل عرفة موقف) يعنى يصح الوقوف فيها، ولعرفات أربعة حدود، حد الى جادة طريق المشرق (والثاني) الى حافات الجبل الذى وراء أرضها (والثالث) الى البساتين التى تلى قرنيها على يسار مستقبل الكعبة (والرابع) وادى عرنة ((بضم العين وبالنون وفتح الراء)) وليست هى ولا نمرة من عرفات ولا من الحرم والله أعلم
(323)
عن جبير بن مطعم (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو المغيرة قال ثنا سعيد بن عبد العزيز قال حدثنى سليمان بن موسى عن جبير بن مطعم- الحديث)) (غريبه)(2) أى تباعدوا (وعرنة) بضم العين المهملة وفتح الراء موضع بين منى وعرفة، وإنما أمرهم بالبعد عنها وعدم الوقوف فيها لأنها ليست من عرفة (3) أى كما أن عرفات كلها موقف فكذلك المزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر فانها ليست منها، ولذلك أمرهم بالتباعد عنها (ومخسر) بصيغة اسم الفاعل. واد بين منى ومزدلفة، سمى بذلك لأن فيل أبرهة أعيا فيه فتحسر أبرهة وأصحابه على إعيائه فيه (4) الفجاج بكسر الفاء جمع نج وهو الطريق الواسعة، والمراد أنها طريق من سائر الجهات (وقوله منحر) أى محل لنحر الهدايا، يعنى كل بقعة منها يصح النحر فيها. وهو متفق عليه. لكن الأفضل النحر فى المكان الذى نحر فيه النبى صلى الله عليه وسلم. كذا قال الأمام الشافعى، ومنحر النبى صلى الله عليه وسلم هو عند الجمرة الأولى التى تلى مسجد منى. كذا قال ابن التين، وحدُّ منى من وادى محسر الى العقبة (5) أى فلا يختص الذبح بيوم العيد (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد والبزار والطبرانى في الكبير إلا أنه قال وكل فجاج مكة منحر ورجاله موثقون
(334)
حدّثنا عبد الله (غريبه)(6) بكسر الميم وسكون الراء وفتح
-[صحة الوقوف على أى جزء من عرفة وإن بعد عن موقف الأمام]-
الأنصاري رضي الله عنه ونحن فى مكان من الموقف بعيدٍ فقال إنَّى رسول الله إليكم، يقول كونوا على مشاعركم هذه فإنكم على إرثٍ من إرث إبراهيم، لمكانٍ تباعده عمره
(325)
عن سفيان عن عمر بن محمّد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال أضللت بعيرًا لى بعرفة فذهبت أطلبه فإذا النَّبىُّ صلَّى الله عليه وعلى
الموحدة وقيل اسمه زيد. وقيل يزيد. وقيل عبد الله، والأول أكثر (1) يعنى بعرفة بعيدًا عن موقف النبى صلى الله عليه وسلم؛ ولفظ أبى داود ((أتانا ابن مربع ونحن بعرفة)) (2) أى مواضع نسككم ومواقفكم القديمة فانها جاءتكم من إرث ابراهيم، ولا تحقروا شأن موقفكم بسبب بعده عن موقف الأمام، والمشاعر جمع مشعر، سميت بذلك لأنها معالم العبادات (وقوله فانكم على إرث من إرث أبيكم ابراهيم) علة للأمر بالاستقرار والتثبت على الوقوف فى مواقفهم، علل ذلك بأن موقفهم موقف ابراهيم ورثوه منه ولم يخطئوا فى الوقوف فيه عن سنته فان عرفة كلها موقف، والواقف بأى جزء منها آت بسنته متبع لطريقته ولو بعدد موقفه عن موقف، النبى صلى الله عليه وسلم (3) الظاهر أن قوله (لمكان تباعده عمرو)) مدرج من قول عمرو بن دينار، ومعناه أن المكان الذى كان فيه يزيد بن شيبان ومن معه حينما جاءهم الرسول كان بعيدًا عن موقف الأمام، ولهذا قال عمرو يعنى ابن عبد الله. أى عده بعيدًا والله أعلم (تخريجه)(الأربعة) قال الترمذى حديث مربع حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث ابن عيينة عن عمرو بن دينار، وابن مربع اسمه يزيد بن مربع الأنصارى، وإنما يعرف له هذا الحديث الواحد
(325)
عن سفيان عن عمر بن محمد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سفيان عن عمر بن محمد- الحديث)) (غريبه)(4) هذا الحديث رواه سفيان مرة أخرى فقال عن عمر عن محمد فأتى بلفظ عن بدل ابن فذكر الحديث (5) ظاهره أن ذلك كان بحجة الوداع كما ظنه السهيلى واستشكاله، وليس الأمر كذلك (قال القاضى عياض) كان ذلك فى حجة قبل الهجرة وكان جبير حينئذ كافرًا وأسلم يوم الفتح وقيل يوم خيبر، فتعجب من وقوف النبى صلى الله عليه وسلم بعرفات والله أعلم اهـ وكان مجئ جبير الى عرفة ليطلب بعيره
-[اختصاص قريش بالوقوف بالمزدلفة بدل عرفة فى زمن الجاهلية وقصة الحمس]-
آله وصحبه وسلَّم واقفٌ، قلت إنَّ هذا من الحمس ما شأنه هاهنا
لا ليقف بها (1) الحمس بضم الحاء المهملة وبالميم الساكنة وسين مهملة، هم قريش ومن اخذ مأخذها من القبائل من التحمس وهو التشدد (وقوله ما شأنه هاهنا) معناه أن جبير بن مطعم يتعجب من وقوف النبى صلى الله عليه وسلم بعرفة وهو من الحمس وهم لا يقفون بعرفة، وإنما كانوا يقفون بالمزدلفة وكان سائر الناس يقف بعرفة، ويؤيد ذلك ما رواه ابن خزيمة وابن راهويه وابن اسحاق عن جبير بن مطعم قال كانت قريش إنما تدفع من المزدلفة وتقول نحن الحمس فلا نخرج من الحرم وقد تركوا الموقف بعرفة على جمل له ثم يصبح مع قومه بالمزدلفة فيقف معهم ويدفع إذا دفعوا توفيقًا من الله له (تخريجه)(ق. وغيرهما)(زوائد الباب روى مسلم فى صحيحه قال حدثنا أبو كريب حدثنا أسامة حدثنا هشام عن أبيه قال كانت العرب تطوف بالبيت عراة الا الحمس، والحمس قريش وما ولدت. كانوا يطوفون عراة الا أن تعطيهم الحمس ثيابًا، فيعطى الرجال الرجال والنساء النساء، وكانت الحمس لا يخرجون من المزدلفة وكان الناس كلهم يبلغون عرفات ((قال هشام)) فحدثنى أبى عن عائشة رضى الله عنها قالت الحمس هم الذين أنزل الله عز وجل فيهم {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} قالت كان الناس يفيضون من عرفات وكان الحمس يفيضون من المزدلفة يقولون لا نفيض الا من الحرم، فلما نزلت أفيضوا من حيث أفاض الناس رجعوا الى عرفات (وعند مسلم أيضًا) من حديث جابر الطويل فى صفة حج النبى صلى الله عليه وسلم قال ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء الى الصخرات وجعل حبل المشاة ((أى مجتمعهم)) بين يديه واستقبل القبلة فلم يزل واقفًا حتى غربت الشمس (وعن ابن عباس) رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال عرفة كلها موقف ومنى كلها منحر (بز) ورجاله ثقات (وعنه أيضًا) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مزدلفة مشعر وارتفعوا عن وادى محسر، وكل عرفة موقف وارتفعوا عن بطن عرنة (طس) وفيه محمد بن جابر الجعفى وهو ضعيف وقد وثق (وعن مجاهد عن ابن عباس) لا أعلمه إلا قال قال النبى صلى الله عليه وسلم الحج عرفات (طس) وفيه خصيف وثقه ابن معين وغيره، وضعفه الأمام أحمد وغيره (الأحكام) أحاديث الباب تدل على جملة احكام (منها) مشروعية الوقوف بعرفة وهو ركن من أركان الحج باجماع المسلمين بل هو أشهر أركانه لما ورد فى أحاديث الباب من قوله صلى الله عليه وسلم الحج عرفة وهو حديث صحيح (قال النووى) فى شرح المهذب رواه الأربعة وآخرون بأسانيد صحيحة (ومنها) أنه يجوز الوقوف في
-[مذاهب العلماء فى حكم الوقوف بعرفة ووقته وتحديد عرفة]-
.....
أي جزء كان من أرض عرفات باجماع العلماء لقوله صلى الله عليه وسلم فى حديث على المذكور فى الباب وكل عرفة موقف وهو حديث صحيح رواه الأمام أحمد والترمذى وصححه، ومثله لمسلم من حديث جابر (قال النووى) قال الشافعى والأصحاب وغيرهم من العلماء وأفضلها موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عند الصخرات الكبار المفترشة فى أسفل جبل الرحمة، وهو الجبل الذى بوسط أرض عرفات، ويقال له إلال بكسر الهمزة على وزن هلال؛ وذكر الجوهرى فى صحاحه أنه بفتح الهمزة والمشهور كسرها اهـ ج. فان عجز عن الوقوف بموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فليقرب منه بحسب الأمكان إن لم يترتب على ذلك ايذاء نفسه أو غيره وإلا حرم عليه ذلك (ومنها) أن يجمع فى الوقوف بعرفة بين الليل والنهار بحيث يبقى فى الوقوف حتى تغرب الشمس ويتحقق كمال غروبها ثم يفيض إلى مزدلفة (وهذا الجمع سنة عند الأئمة الثلاثة)(وقال الأمام مالك) بوجوبه (ومنها) أن وقت الوقوف ما بين طلوع فجر يوم عرفة وطلوع فجر يوم النحر (واليه ذهب الأمام أحمد) لقوله صلى الله عليه وسلم فى حديث عروة بن مضرس ((من صلى معنا الغداة بجميع ووقف معنا حتى نفيض وقد أفاض قبل ذلك من عرفات ليلًا أو نهارًا فقد تم حجه وقضى تفثه)) قال لأن لفظ الليل والنهار مطلقان (وذهب الأئمة الثلاثة) إلى أن وقت الوقوف ما بين زوال الشمس يوم عرفة وطلوع الفجر الثانى يوم النحر، وأجابوا عن الحديث بأن المراد بالنهار ما بعد الزوال بدليل أنه صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده لم يقفوا إلا بعد الزوال ولم ينقل عن أحد أنه وقف قبله، فكأنهم جعلوا هذا الفعل مقيد لذلك المطلق، والظاهر ما ذهب اليه الأمام أحمد، ويكون الوقوف بعد الزوال أفضل اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم كما أن الصلاة فى أول الوقت أفضل لمواظبته صلى الله عليه وسلم على فعلها فى أول الوقت فمن وقف بعرفات فى جزء من هذا الزمان صح وقوفه، ومن فاته ذلك فاته الحج، وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء (وقال الأمام مالك) رحمه الله لا يصح الوقوف فى النهار منفردًا بل لابد من الليل، فان اقتصر على الليل كفاه، وإن اقتصر على النهار لم يصح وقوفه (ومنها) مشروعية استقبال القبلة فى الوقوف ولو راكبًا لما جاء فى حديث جابر عند مسلم ((واستقبل القبلة فلم يزل واقفًا حتى غربت الشمس- الحديث)) هذا وقد بينت فى شرح حديث على المذكور فى الباب حدود عرفة وأن بطن عرنة ليست منها، فلو وقف بها لم يصح وقوفه عند جمهور العلماء، وحكى ابن المنذر (عن الأمام مالك) أنه يصح ويلزمه دم. وقد احتج الشافعية على المالكية بما رواه ابن ماجه عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال ((عرفة كلها موقف وارتفعوا عن عرنة)) وضعفه النووى فى شرح المهذب ص 120 من الجزء الثامن بأن فيه من أجمع على تضعيفه ولا تقوم به حجة، ثم قال ورواه البيهقي من
-[كلام العلماء فيما لو صادف يوم عرفة يوم جمعة هل تصلى الجمعة أم لا؟]-
(3)
باب الوقوف على الدابة بعرفة والخطبة بها والدعاء
(326)
عن جبير بن مطعمٍ رضى الله عنه قال رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قبل أن ينزل عليه وإنَّه لواقفٌ على بعيرٍ له بعرفاتٍ مع النَّاس حتَّى يدفع معهم منها توفيقًا من الله له
رواية محمد بن المنكدر عن النبى صلى الله عليه وسلم باسناد صحيح لكنه مرسل. ورواه باسناد صحيح موقوفًا على ابن عباس، ورأى النووى الاحتجاج على المالكية بهذين الحديثين المرسل والموقوف، وكأنه رحمه الله لم يبلغه حديث جبير بن مطعم الرابع من أحاديث الباب رواه الأمام أحمد والبزار والطبرانى بسند جيد، ولو بلغه لم يلجأ الى الاحتجاج بالموقوف والمرسل، ولما احتاج الى الطالة فى توجيه ذلك رحمه الله (تنبيه) قال النووى فى شرح المهذب قال الشافعى والأصحاب لو وافق يوم عرفة يوم جمعة لم يصلوا الجمعة هناك، لأن من شرطها دار الأقامة وأن يصليها مستوطنون، قال ولم يصل النبى صلى الله عليه وسلم الجمعة بعرفات مع أنه ثبت فى الصحيحين من رواية عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن يوم عرفة الذى وقف فيه النبى صلى الله عليه وسلم كان يوم جمعة والله أعلم اهـ، قال صاحب رحمة الأمة وإذا وافق يوم عرفة يوم الجمعة لم تصل جمعة وذلك بمنى، وإنما يصلى الظهر ركعتين عند كافة الفقهاء (وقال أبو يوسف) يصلى الجمعة بعرفة، وقال القاضى عبد الوهاب وقد سأل أبو يوسف مالكًا عن هذه المسألة بحضرة الرشيد، فقال مالك سقاياتنا بالمدينة يعلمون أن لا جمعة بعرفة، وعلى هذا أهل الحرمين وهم أعرف من غيرهم بذلك والله أعلم
(326)
عن جبير بن مطعم رضى الله عنه (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يعقوب قال ثنا أبى عن ابن اسحاق قال حدثنى عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو ابن حزم الأنصارى عن عثمان بن أبى سليمان بن جبير بن مطعم- الحديث)) (غريبه)(1) يعنى القرآن أو الوحى، يريد أن ذلك كان قبل البعثة وهو بمكة (2) معنى ذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم خالف عادة قريش وهو من أعرقهم نسبًا حيث كانوا يقفون بالمزدلفة ترفعًا عن الناس، وكان عامة الناس يقفون بعرفة، فوقف صلى الله عليه وسلم بعرفة مع العامة ودفع معهم قبل أن ينزل عليه ويأمره الله بذلك؛ وهذا من توفيق الله عز وجل له، فلما جاء الأسلام أمر الله قريشًا بالأفاضة من عرفة كما يفيض الناس فقال جل شأنه {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} وموضع الدلالة منه كونه رأى
-[استحباب الركوب على الراحلة فى موقف عرفات]-
(327)
عن الثَّريد بن سويدٍ رضى الله عنه قال أشهد لوقفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفاتٍ، قال فما مسَّت قدماه الأرض حتَّى أتى جمعًا
(328)
عن سلمة بن نبيطٍ عن أبيه رضى الله عنه وكان قد حجَّ مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال رأيته يخطب يوم عرفة على بعيره (وفي لفظٍ) رأيت النَّبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يخطب عشيَّة عرفة على جملٍ أحمر
(329)
عن أبى مالكٍ الأشجعىَّ حدَّثنى نبيط بن شريطٍ رضي الله عنه قال إنِّى لرديف أبى فى حجَّة الوداع إذ تكلم النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقمت على عجز الراحلة فوضعت يدي على عاتق أبى فسمعته يقول أيُّ يومٍ
النبي صلى الله عليه وسلم واقفًا على البعير بعرفات وإن كان ذلك قبل البعثة إلا أنه يدل على توفيق الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم لما يقره الأسلام، وقد ثبت ركوبه صلى الله عليه وسلم بعرفة فى حجة الوداع كما سيأتى (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد ورجاله كلهم ثقات
(327)
عن الشريد بن سويد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا روح ثنا زكريا بن اسحاق أنا ابراهيم بن ميسرة أنه سمع يعقوب بن عاصم بن عروة يقول سمعت الشريد يقول اشهد- الحديث)) (غريبه)(1) معناه أنه وقف مع النبى صلى الله عليه وسلم ورآه راكبًا بعرفات لم ينزل عن بعيره حتى أتى جمعًا يعنى المزدلفة، وأتى بلفظ الشهادة تأكيدًا لذلك (تخريجه)(د) وسنده جيد
(328)
عن سلمة بن نبيط (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا روح ثنا وكيع ثنا سلمة بن نبيط- الحديث)) (غريبه)(2) يعنى فى حجة الوداع (3) العشية ما بين الزوال الى المغرب (4) زاد النسائى قبل الصلاة يعنى قبل صلاتى الظهر والعصر جمعًا ببطن عرنة كما تقدم، وهو موافق لحديث جابر عند مسلم فى أن الخطبة كانت قبل الصلاة وعليه كافة العلماء (تخريجه)(نس. جه) وسنده جيد
(329)
عن أبى مالك الأشجعى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى بن زكريا بن أبى زائدة حدثنى أبو مالك الأشجعى- الحديث)) (غريبه)(5) قال الحافظ فى التقريب نبيط بالتصغير ابن شريط بفتح المعجمة الأشجعى الكوفى صحابى صغير يكنى أبا سلمة (6) يعنى راكبًا خلفه على الراحلة (7) إنما قام ليرى النبى صلى الله عليه وسلم ويسمع
-[نص خطبة يوم عرفة وكلام العلماء فى ذلك]-
أحرم قالوا هذا اليوم، قال فأى بلدٍ أحرم؟ قالوا هذا البلد، قال فأى شهرٍ أحرم؟ قالوا هذا الشَّهر، قال فإنَّ دماءكم وأموالكم عليكم حرامٌ كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا، هل بلغت؟ قالوا نعم، قال اللَّهم أشهد. اللهمّ اشهد
كلامه؛ وفيه دلالة على حرص الصحابة رضى الله عنهم على سماع العلم وتحصيله من النبى صلى الله عليه وسلم حتى صغارهم (1) أى أعظم حرمة من سائر الأيام وهكذا يقال فى الباقى (2) زاد فى بعض الطرق وأعراضكم، والعرض بكسر العين موضع المدح والذم من الأنسان سواء أكان فى نفسه أو سلفه (قال الحافظ) هذا الكلام على حذف المضاف أى سفك دمائكم وأخذ أموالكم وثلب أعراضكم (3) أى متأكدة التحريم شديدته كحرمة يومكم هذا. يعنى يوم عرفة، فى شهركم هذا. يعنى ذا الحجة، فى بلدكم هذا. يعنى مكة (قال الحافظ) وفيه مشروعية ضرب المثل وإلحاق النظير بالنظير ليكون أوضح للسامع، وإنما شبه حرمة الدم والعرض والمال بحرمة اليوم والشهر والبلد لأن المخاطبين بذلك كانوا لا يرون تلك الأشياء ولا يرون هتك حرمتها ويعيبون على من فعل ذلك أشد العيب، وقال فى موضع آخر ومناط التشبيه فى قوله كحرمة يومكم وما بعده ظهوره عند السامعين لأن تحريم البلد والشهر واليوم كان ثابتًا فى نفوسهم مقررًا عندهم. بخلاف النفس والأموال والأعراض، فكانوا فى الجاهلية يستبيحونها. فطرأ الشرع عليهم بأن تحريم دم المسلم وماله وعرضه أعظم من تحريم البلد والشهر واليوم، فلا يرد كون المشبه به أخفض رتبة من الشبه لأن الخطاب إنما وقع بالنسبة لما اعتاده المخاطبون قبل تقرير الشرع اهـ (4) زاد فى رواية مسلم من حديث جابر ((ثلاث مرات)) يعنى أنه صلى الله عليه وسلم كرر لفظ اللهم اشهد ثلاث مرات. ومعناه اللهم اشهد على عبادك بأنهم قد أقروا أنى قد بلغت وكفى بك شهيدًا (فان قيل) ليس فى هذه الخطبة شئ من المناسك وكان مقتضى الظاهر أن يعلمهم المناسك بها (فالجواب) أنه صلى الله عليه وسلم اكتفى بفعله للمناسك لأنه أوضح من القول، على أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول لهم فى بعض الأحيان ما يلزم من القول كما تقدم فى الأحاديث، ثم اعتنى بهذه الخطبة وخصها بأهم الأحكام العامة التى يحتاج الناس اليها ولا يسعهم جهلها لأن اليوم يوم اجتماع، وإنما تنتهز مثل هذه الفرصة لمثل هذه التى يراد تبليغها الى جمهور الناس والله أعلم (تخريجه) لم أقف عليه من حديث نبيط بهذا اللفظ لغير الأمام أحمد وسنده جيد، وأخرجه (نس. جه) بلفظ الحديث المتقدم
-[الدعاء بعرفة ورفع اليدين عنه]-
(330)
عن سلمة بن نبيطٍ الأشجعىَّ أنَّ أباه قد أدرك النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وكان ردفًا خلف أبيه فى حجَّة الوداع، قال فقلت يا أبت أرنى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال قم فخذ بواسطة الرَّحل قال فقمت فأخذت بواسطة الرَّحل فقال انظر إلى صاحب الجمل الأحمر الذي يومئ بيده فى يده القضيب
(331)
عن أبى سعيدٍ الخدرىَّ رضى الله عنه قال وقف رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم بعرفة فجعل يدعوا هكذا، وجعل ظهر كفيه ممَّا يلى وجهه ورفعهما فوق ثندوته وأسفل من منكبيه
(330) عن سلمة بن نبيط (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسن ابن موسى ثنا رافع بن سلمة الأشجعى وسالم بن أبي الجعد عن أبيه قال حدثنى سلمة بن نبيط الأشجعى- الحديث)) (غريبه)(1) انما قال له خذ بواسطة الرحل لأنه كان فى مؤخرته لا يرى النبى صلى الله عليه وسلم فأمره بالانتقال الى واسطة الرحل ليتمكن من رؤية النبى صلى الله عليه وسلم وسماع كلامه، وفيه استحباب حث الأولاد على تعليم العلم وان كانوا صغارًا (2) معناه انظر الى راكب الجمل الأحمر الذى يتكلم ويشير الى الناس بقضيب فى يده فهو النبى صلى الله عليه وسلم (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الأمام احمد وأخرجه (د. نس. جه) بلفظ رأيت رسول صلى الله عليه وسلم يخطب يوم عرفة على جمل أحمر؛ زاد النسائى فى رواية ((قبل الصلاة)) وسنده جيد، وللأمام أحمد غير هذا الحديث فى خطبة عرفة سيأتى فى أبواب خطب النبى صلى الله عليه وسلم من كتاب السيرة النبوية، وقد اكتفيت بما هنا خوف الأطالة
(331)
عن أبى سعيد الخدرى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يونس ثنا حماد يعنى ابن سلمة عن بشر بن حرب قال سمعت أبا سعيد يقول وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم 0 الحديث)) (غريبه)(3) الظاهر أن هذه كيفية من كيفيات رفع اليدين فى الدعاء، وقد جاء فيه كيفيات متعددة نقدم الكلام عليها فى باب رفع اليدين عند الدعاء فى الاستسقاء صحيفة 246 فى الجزء السادس فارجع اليه ان شئت (4) الثندوة بضم أوله ويجوز الفتح ثم نون ساكنة ثم دال مهملة مضمومة، لحم الثدى أو أصله. كذا فى القاموس (4) تثنية منكب بوزن مسجد. مجتمع رأس الكتف والعضد مذكر. وناحية كل شيء، جمعه مناكب. ومنه قوله تعالى {فامشوا فى مناكبها} (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام
-[زوائد الباب- وخطبة يوم عرفة من حديث جابر]-
(332)
عن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدِّه قال كان أكثر دعاء رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يوم عرفة لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كلِّ شئٍ قديرٌ
أحمد، وفي إسناده بشر بن حرب (قال الحافظ) فى التقريب صدوق فيه لين
(232)
عن عمرو بن شعيب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا روح ثنا محمد بن أبى حميد أخبرنى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده- الحديث)) (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الأمام أحمد، وأورده الهيثمى وقال رواه أحمد ورجاله موثقون (زوائد الباب)(عن جابر بن عبد الله) رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس ((يعنى يوم عرفة)) وقال إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا، ألا كل شئ من أمر الجاهلية تحت قدمىَّ موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعًا من بنى سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانًا. ربا عباس بن عبد المطلب فانه موضوع كله، فاتقوا الله فى النساء فانكم أخذتموهن. بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فان فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله، وأنتم تسألون عنى فما أنتم قائلون؟ قالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال باصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس. اللهم اشهد اللهم اشهد. ثلاث مرات، ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر- الحديث، رواه مسلم من حديث جابر فى صفة حج النبى صلى الله عليه وسلم (وقوله فقال بأصبعه السبابة) أى أشار بها الى السماء (وقوله ينكتها الى الناس) قال النووى هكذا ضطبناه ينكتها بعد الكاف تاء مثناة فوق (قال القاضى) كذا الرواية بالتاء المثناة فوق. قال وهو بعيد المعنى، قال قيل صوابه ينكبها بباء موحدة، قال ورويناه فى سنن أبى داود بالتاء المثناة من طريق ابن الأعرابى، وبالموحدة من طريق أبى بكر التمار، ومعناه يقلبها ويرددها الى الناس مشيرًا اليهم، ومنه نكب كنانته إذا قلبها؛ هذا كلام القاضى اهـ (وعن ابن عباس رضى الله عنهما) قال كان فيما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع اللهم انك تسمع كلامى وتعلم مكانى وتعلم سرى وعلانيتى، لا يخفى عليك شئ من أمرى، أنا البائس الفقير المستغيث المستجير المشفق المقر المعترف بذنبه، أسألك مسألة المسكين، أبتهل إليك ابتهال
-[زوائد الباب فى تجلى الله عز وجل على عباده يوم عرفة واستجابة دعائهم]-
.....
المذنب الذليل. وأدعوك دعاء الخائف الضرير؛ من خضعت لك رقبته، وفاضت لك عيناه وذل جسده ورغم لك أنفه. اللهم لا تجعلنى بدعائك شقيًا، وكن بى رءوفًا رحيمًا يا خير المسئولين ويا خير المعطين. أورده الهيثمى وقال رواه والطبرانى في الكبير والصغير وزاد ((الوجل المشفق)) وفيه يحيى بن صالح الأيلى (قال العقيلى) روى عنه يحيى بن بكير مناكير. وبقية رجاله رجال الصحيح (وعن ابن عمر) رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عشية عرفة لم يبق أحد فى قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان إلا غفر له؛ قلت يا رسول الله أهل عرفة خاصة؟ قال بل للمسلمين عامة (طب) وفيه أبو داود الأعمى وهو ضعيف جدًا (وعن ربيعة بن عباد) عن أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفًا مع المشركين بعرفات ثم رأيته بعد ما بعث واقفًا فى موقفه ذلك فعلمت أن الله عز وجل وفقه لذلك (طب) وفيه عطاء ابن السائب وهو ثقة ولكن اختلط (وعن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه) عن النبى صلى الله عليه وسلم قال من قام ليلة عرفة هذه العشر كلمات ألف مرة لم يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إلا قطيعة رحم أو مأثم، سبحان الذى فى السماء عرشه- سبحان الذى فى الأرض موطئه. سبحان الذى فى سبيه. سبحان الذى فى النار سلطانه. سبحان الذى فى الجنة رحمته. سبحان الذى فى القبور قضاؤه. سبحان الذى فى الهواء روحه. سبحان الذى رفع السماء. سبحان الذى وضع الأرض. سبحان الذى لا منجا منه إلا إليه (عل. طب) وفيه عزرة بن قيس ضعفه ابن معين (وعن عبادة بن الصامت) رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة أيها الناس إن الله عز وجل تطول عليكم فى هذا اليوم فغفر لكم إلا التبعات فيما بينكم، ووهب مسيئكم لمحسنكم، وأعطى محسنكم ما سأل، فادفعوا باسم الله، فلما كان بجمع قال إن الله قد غفر لصالحيكم، وشفع صالحيكم فى طالحيكم، تنزل الرحمة فتعمهم، ثم تفرق المغفرة فى الأرض فتقع على كل تائب ممن حفظ لسانه ويده، وإبليس وجنوده على جبل عرفات ينظرون ما يصنع الله بهم، فاذا نزلت المغفرة دعا هو وجنوده بالويل، يقول كنت أستفزهم حقبًا من الدهر ثم جاءت المغفرة فغشيتهم، فيتفرقون وهم يدعون بالويل والثبور (طب) وفيه راو لم يسم وبقية رجاله رجال الصحيح (وعن أنس بن مالك رضى الله عنه) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله تطول على أهل عرفات يباهى بهم الملائكة، يقول يا ملائكتى انظروا إلى عبادى شعثًا غبرًا، أقبلوا يضربون إلى من كل فج عميق، فأشهدكم أنى قد أجبت دعاءهم. وشفعت رغبتهم. ووهبت مسيئهم لمحسنهم. وأعطيت محسنهم، جميع ما سألونى غير التبعات التى بينهم، فاذا أفاض القوم إلى جمع ووقفوا وعادوا فى الرغبة والطلب إلى الله. فيقول يا ملائكتى عبادى وقفوا فعادوا فى الرغبة والطلب، فأشهدكم أنى قد أجبت دعاءهم، وشفعت رغبتهم
-[أكثر ما دعا به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يوم عرفة]-
.....
ووهبت مسيئهم لمحسنهم، وأعطيت محسنهم جميع ما سألونى، وكفلت عنهم التبعات التى بينهم، (عل) وفيه صالح المرى وهو ضعيف، أورد هذه الحاديث الحافظ الهيثمى وتكلم عليها جرحًا وتعديلًا (وعن ابن عباس رضى الله عنهما) قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بعرفة يداه إلى صدره كاستطعام المسكين (هق)(وعن موسى بن عبيدة) عن أخيه عبد الله بن عبيدة عن على رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر دعائى ودعاء الأنبياء قبلى بعرفة لا إله الا الله وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، اللهم اجعل فى قلبى نورًا. وفى سمعى نورًا. وفى بصرى نورًا، اللهم اشرح لى صدرى ويسر لى أمرى، واعوذ بك وسواس الصدر وشتات الأمر وفتنة القبر، اللهم إنى أعوذ بك من شر ما يلج فى النهار. وشر ما تهب به الرياح. ومن شر بوائق الدهر (هق) وقال تفرد به موسى بن عبيدة وهو ضعيف، ولم يدرك أخوه عليًا رضى الله عنه، قال (وروينا عن أبى شعبة) أنه قال رمقت ابن عمر وهو بعرفة لأسمع ما يدعو، قال فما زاد على أن قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير اهـ (وقال ابن قدامة) فى المغنى سئل سفيان بن عيينة عن أفضل الدعاء يوم عرفة فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، فقيل له هذا ثناء، فقال أما سمعت قول الشاعر:
أأذكر حاجتى أم قد كفانى
…
حياؤك إن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يومًا
…
كفاه من تعرضه الثناء اهـ
(وفى كتاب الترمذى) عن على رضى الله عنه قال أكثر ما دعا النبى صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فى الموقف اللهم لك الحمد كالذى نقول وخير مما نقول، اللهم لك صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى واليك مآبى، لك رب قرآنى. اللهم انى أعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر وشتات الأمر، اللهم إنى أعوذ بك من شر ما تجئ به الريح، أورده النووى فى شرح المهذب وضعف اسناده، قال لكن معناه صحيح، قال واحاديث الفضائل يعمل فيها بالضعيف؛ قال وروينا عن طلحة بن عبيد الله أحد العشرة رضى الله عنهم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رئى الشيطان أصفر ولا أخضر ولا أدبر ولا أغيظ منه فى يوم عرفة، وما ذاك إلا أن الرحمة تنزل فيه فيتجاوز عن الذنوب العظام (وعن سالم بن عبد الله بن عمر) أنه رأى سائلًا يسأل الناس يوم عرفة فقال يا عاجز فى هذا اليوم يسأل غير الله تعالى (وعن الفضل بن عياض) رحمه الله أنه نظر الى بكاء الناس بعرفة فقال أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا الى رجل فسألوه دانقًا أكان يردهم؟ قيل لا: قال والله للمغفرة عند الله أهون من أجابة رجل لهم بدانق وبالله التوفيق اهـ (وعن عائشة رضى الله عنها) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من
-[كلام العلماء في الخطبة يوم عرفة وهل الأفضل الركوب فى الموقف أو عدمه]-
.....
يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهى بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء، رواه مسلم فى صحيحه (الأحكام) فى أحاديث الباب دلالة على مشروعية الركوب فى موقف عرفة (وذهب جمهور العلماء الى استحبابه) وأنه أفضل من الوقوف على القدم لمن تيسرت له الدابة اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم ولأنه اعون على الدعاء وهو المهم فى هذا الموضع (وللشافعية فى ذلك ثلاثة أقوال) أصحها راكبًا أفضل لما ذكرنا وهو المنصوص فى القديم، ذكره صاحب المهذب وأصحاب الشافعى وبه قطع المحاملى والماوردى وآخرون وصححه الباقون (والثانى) ترك الركوب أفضل لأنه أشبه بالتواضع والخضوع (والثالث) هما سواء وهو نص الأمام الشافعى فى الأم لتعادل الفضيلتين (وللحنابلة تفصيل) بنحو هذا (قال ابن قدامة) فى المغنى والأفضل أن يقف راكبًا على بعيره كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم فان ذلك أعون له على الدعاء (قال أحمد) حين سئل عن الوقوف راكبًا فقال النبى صلى الله عليه وسلم وقف على راحلته، وقيل الراجل أفضل لأنه أخف على الراحلة، ويحتمل التسوية بينهما اهـ (وفى أحاديث الباب أيضًا) دلالة على مشروعية الخطبة يوم عرفة وهى مستحبة عند جمهور العلماء (قال النووى) فى شرح المهذب مذهبنا أنه مستحب فى الحج أربع خطب، وهى يوم السابع بمكة من ذى الحجة، ويوم عرفة بمسجد ابراهيم، ويوم النحر بمنى، ويوم النفر الأول بمنى أيضًا، وبه قال داود (وقال مالك وأبو حنيفة) خطب الحج ثلاث، يوم السابع والتاسع، ويوم النفر الثانى، قالا ولا خطبة فى يوم النحر (وقال أحمد) ليس فى السابع خطبة (وقال زفر) خطب الحج ثلاث، يوم الثامن. ويوم عرفة. ويوم النحر. ولقد ذكرنا، دليلنا فى خطبة السابع وخطبة يوم عرفة اهـ (قلت) الدليل على الخطبة فى اليوم السابع من ذى الحجة ما رواه البيهقى عن ابن عمر رضى الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا كان قبل التروية بيوم خطب الناس أخبرهم بمناسكهم (قال النووى) واسناده جيد قال قال أصحابنا وكل هذه الخطب الأربع أفراد وبعد صلاة الظهر الا التى بعرفات فانهما خطبتان وقبل صلاة الظهر وبعد الزوال، قال ويذكر لهم فى كل واحدة من هذه الخطب ما بين أيديهم من المناسك وأحكامها وما يتعلق بها الى الخطبة الأخرى انتهى (قلت) لم يذكر الأمام أحمد شيئًا فى مسنده عن خطبة اليوم السابع ولم يقل بها، والظاهر أنه لم يصح عنده هذا الحديث ولا غيره فيها، وذكر الهيثمى فى ذلك لابن الزبير رضى الله عنهما خطبة طويلة أعرضت عن ذكرها لطولها، ولأنها غير مرفوعة وفى سند حديثهما طعن (قال الهيثمى) بعد ايراده، رواه الطبرانى في الكبير وفيه سعيد بن المرزبان وقد وثق وفيه كلام كثير، وفيه غيره ممن لم أعرفه (وأما دليل خطبة يوم عرفة) فما ذكر في أحاديث الباب
-[آداب تتعلق بالذكر والدعاء ينبغى أن يحرص عليها الحاج يوم عرفة]-
.....
وما رواه مسلم من حديث جابر ذكرته فى الزوائد (وفى أحاديث الباب أيضًا) مشروعية الذكر والدعاء بما ورد فيها مع رفع اليدين بالكيفية المتقدمة، وله أن يدعو بأى دعاء شاء والوارد أفضل (قال النووى) فى شرح المهذب السنة أن يكثر من الدعاء والتهليل والتلبية والاستغفار والتضرع وقراءة القرآن، فهذه وظيفة هذا اليوم ولا يقصر فى ذلك وهو معظم الحج ومطلوبه؛ وقد سبق فى الحديث الصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم ((قال الحج عرفة)) فينبغى أن لا يقصر فى الاهتمام بذلك واستفراغ الوسع فيه، ويكثر من هذا الذكر قائمًا وقاعدًا ويرفع يديه فى الدعاء ور يجاوز بهما رأسه، ويستحب أن يخفض صوته بالدعاء، ويكره الأفراط فى رفع الصوت لحديث أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه قال ((كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم فكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا ورفعت آصواتنا فقال النبى صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم فانكم لا تدعون صمًا ولا غائبًا انه معكم. انه سميع قريب)) رواه البخارى ومسلم ((قلت والأمام أحمد أيضًا)) اربعوا بفتح الباء الموحدة، أى ارفقوا بأنفسكم، ويستحب أن يكثر التضرع والخشوع والتذلل والخضوع وإظهار الضعف والافتقار ويلح فى الدعاء ولا يستبطئ الأجابة، بل يكون قوى الرجاء للاجابة لحديث أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ((يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول قد دعوت ولم يستجب لى)) رواه البخارى ومسلم ((قلت والأمام أحمد أيضًا)) (وعن عبادة بن الصامت) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما على الأرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه الله إياها أو صرف من السوء مثلها ما لم يدع باثم أو قطيعة رحم، فقال رجل من القوم إذا نكثر، قال الله أكثر، رواه الترمذى وقال حديث حسن صحيح، قال ويستحب أن يكرر كل دعاء ثلاثًا ويفتتح دعاءه بالتحميد والتمجيد لله تعالى والتسبيح والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويختمه بمثل ذلك، وليكن متطهرًا متباعدًا عن الحرام والشبه فى طعامه وشرابه ولباسه ومركوبه وغير ذلك مما معه فان هذه آداب لجميع الدعوات، ويكثر من التلبية رافعًا بها صوته، وينبغى أن يأتى بالأذكار المتقدمة كلها فتارة يهلل وتارة يكبر وتارة يسبح وتارة يقرأ القرآن وتارة يصلى على النبى صلى الله عليه وسلم وتارة يدعو وتارة يستغفر، ويدعو مفردًا وفى جماعة. وليدع لنفسه ولوالديه ومشايخه وأقاربه وأصحابه وأصدقائه وأحبابه وسائر من أحسن اليه وسائر المسلمين، وليحذر كل الحذر من التقصير فى شئ من هذا فان هذا اليوم لا يمكن تداركه بخلاف غيره، وينبغى أن يكرر الاستغفار والتلفظ بالتوبة من جميع المخالفات مع الندم بالقلب، وأن يكثر البكاء مع الذكر والدعاء، فهناك تسكب العبرات وتستقال العثرات وترتجى الطلبات، وإنه لمجمع عظيم وموقف جسيم يجتمع فيه خيار عباد الله الصالحين وأوليائه المخلصين والخواص من المقربين، وهو أعظم مجامع الدنيا، وقد قيل إذا وافق يوم عرفة يوم جمعة غفر لكم أهل الموقف اهـ والله أعلم
-[استحباب السكينة والوقار فى السير من عرفة إلى المزدلفة]-
(4)
باب وقت الدفع من عرفة الى مزدلفة والنزول بين عرفة وجمع
(333)
عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسامة بن زيدٍ رضى الله عنهما قال كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم عشيَّة عرفة، قال فلمَّا وقعت الشَّمس دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمَّا سمع حطمة النَّاس خلفه قال رويدًا أيُّها النَّاس عليكم السَّكينة فإن البرَّ ليس بالإبضاع قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التحم عليه النَّاس أعنق وإذا وجد فرجة نصَّ (وفى لفظٍ والنَّص فوق العنق) حتى مرَّ بالشِّعب الَّذى يزعم كثيرٌ من النَّاس أنَّه صلَّى فيه (وفي لفظٍ
(333) عن هشام بن عروة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يعقوب ثنا أبى عن ابن اسحاق حدثنى هشام بن عروة- الحديث)) (غريبه)(1) أى راكبًا خلفه على راحلته، وفيه الركوب حال الدفع من عرفة والارتداف على الدابة إذا كانت مطبقة (3) أى غربت وتحقق دخول الليل (3) أى ازدحامهم وسوقهم الأبل بشدة (4) أى امهلوا وتأنوا والزموا السكينة فى السير والمراد السير بالرفق وعدم المزاحمة (5) الأيضاع هو السير السريع، ويقال هو سير مثل الخبب، فبين صلى الله عليه وسلم أن تكلف الأسراع فى السير ليس من البر أى ليس مما يتقرب به الى الله، ومن هذا أخذ عمر بن عبد العزيز قوله لما خطب بعرفة ((ليس السابق من سبق بعيره وفرسه. ولكن السابق من غفر له)) وقال المهلب إنما نهاهم عن الأسراع إبقاء عليهم لئلا يحفوا بأنفسهم مع بعد المسافة (6) أى اجتمعوا والتصقوا به (وقوله أعنق) من العنق بفتح المهملة والنون، وهو السير الذى بين الأبطاء والأسراع، وفى المشارق أنه سير سهل فى سرعة (7) فى بعض الروايات فجوة. والمعنى واحد وهو المكان المتسع (وقوله نص) بفتح النون وتشديد المهملة أى أسرع (قال ابن عبد البر) فى هذا الحديث كيفية السير فى الدفع من عرفة إلى مزدلفة لأجل الاستعجال للصلاة لأن المغرب لا تصلى إلا مع العشاء بالمزدلفة فيجمع بين المصلحتين من الوقار والسكينة عند الزحمة، ومن الأسراع عند عدم الزحام (8) هذا اللفظ من كلام هشام بن عروة كما جاء فى الموطأ، قال مالك قال هشام بن عروة ((والنص فوق العنق)) أى أرفع منه فى السرعة (وقوله حتى مر بالشعب) بكسر الشين المعجمة وهو الطريق بين جبلين والمراد به هنا
-[بيان أن النزول بين عرفة ومزدلفة ليس من المناسك]-
فأتى النَّقب الَّذى ينزل المراء والخلفاء) فنزل به فبال، ما يقول أهراق الماء كما يقولون، ثمَّ جئته بالإداوة فتوضَّأ، ثمَّ قال قلت الصَّلاة يا رسول الله قال فقال الصَّلاة أمامك، قال فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما صلَّى حتَّى أتى المزدلفة فنزل بها، فجمع بين الصَّلاتين المغرب والعشاء الآخرة
مكان قريب من المزدلفة كما صرح بذلك فى رواية البخارى، قال فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الشعب الأيسر الذى دون المزدلفة أناخ فبال- الحديث (1) بفتح النون مشددة وسكون القاف بمعنى الشعب وهو الطريق بين جبلين كما تقدم (2) جاء فى بعض طرقه فلما جاء الشعب الذى يصلى فيه الخلفاء الآن المغرب- الحديث. وظاهره أن الخلفاء كانوا يصلون المغرب عند الشعب المذكور قبل دخول وقت العشاء (قال الحافظ) وهو خلاف السنة فى الجمع بين الصلاتين بمزدلفة، قال ووقع عند مسلم من طريق محمد بن عقبة عن كريب لما أتى الشعب الذى ينزله الأمراء، وله من طريق ابراهيم بن عقبة عن كريب ((الشعب الذى ينيخ الناس فيه للمغرب)) والمراد بالخلفاء والأمراء فى هذا الحديث بنو أمية فلم يوافقهم ابن عمر على ذلك، وقد جاء عن عكرمة انكار ذلك (وروى الفاكهى) أيضًا من طريق ابن أبى نجيح سمعت عكرمة يقول اتخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم مبالًا واتخذتموه مصلى، وكأنه أنكر بذلك على من ترك الجمع بين الصلاتين لمخالفته السنة فى ذلك وكان جابر يقول لا صلاة الا بجمع، أخرجه ابن المنذر باسناد صحيح اهـ (3) المعنى أن عروة بن الزبير راوى الحديث عن أسامة يقول إن أسامة قال فبال بلفظ البول وما كنى عنه كما يقول الناس فى البول أهراق الماء (بفتح الهاء) قال النووى رحمه الله فيه أداء الرواية بحروفها، وفيه استعمال صريح الألفاظ التى قد تستبشع ولا يكنى عنها إذا دعته الحاجة الى التصريح بأن خيف ليس المعنى أو اشتباه الألفاظ أو غير ذلك (4) الأداوة بكسر الهمزة اناء صغير يستعمل للوضوء (5) القائل هو أسامة ((والصلاة)) منصوبة بفعل مقدر أى تذكر الصلاة أو صل، ويجوز الرفع على تقدير حضرت الصلاة مثلًا (وقوله الصلاة أمامك) بالرفع وأمامك بفتح الهمزة بالنصب على الظرفية، أى الصلاة ستصلى بين يديك، وأطلق الصلاة على مكانها أى المصلى بين يديك أو معنى أمامك لا تفوتها وستدركها، وفيه تذكير التابع بما ترك متبوعه بفعله أو يعتذر عنه أو يبين له وجه الصواب فيه (6) أى جمع تأخير فى وقت العشاء (تخريجه)(ق. وغيرهما)
-[كلام العلماء فى وضوء النبى صلى الله عليه وسلم عندما نزل بالشعب الذى بين عرفة ومزدلفة]-
(334)
عن إبراهيم بن عقبة أخبرنى كريب أنَّه سأل أسامة بن زيدٍ قال قلت أخبرنى كيف صنعتم عشيَّة ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال جئنا الشَّعب الَّذى ينيخ فيه النَّاس للمغرب فأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته ثمَّ بال ماءًا، وما قال أهراق الماء، ثمَّ دعا بالوضوء فتوضَّأ وضوء ليس بالبالغ جدًّا قال قلت يا رسول الله الصَّلاة، قال الصَّلاة أمامك، قال فركب حتَّى قدم المزدلفة فأقام المغرب ثمَّ أناخ النَّاس فى منازلهم ولم يحلوُّا حتَّى أقام العشاء فصلَّى
(334) عن إبراهيم بن عقبة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى بن آدم ثنا زهير ابراهيم بن عقبة- الحديث)) (غريبه)(1) بفتح الواو أى الماء لذى يتوضأ به (2) أى وضوءًا خفيفًا كما صرح بذلك فى رواية عند الشيخين أى خففه بأن توضأ مرة مرة. أو خفف استعمال الماء بالنسبة إلى غالب عادته. وهو معنى قوله فى رواية مالك عند البخارى بلفظ فلم يسبغ الوضوء (قال القرطبى) اختلف الشراح فى قوله ولم يسبغ الوضوء هل المراد به أنه اقتصر على بعض الأعضاء فيكون وضوءًا لغويًا أو اقتصر على بعض العدد فيكون وضوءًا شرعيًا؟ قال وكلاهما محتمل. لكن يعضد من قال بالثانى قوله فى الرواية الأخرى وضوءًا خفيفًا لأنه لا يقال فى الناقص خفيف، ومن موضحات ذلك قول أسامة له الصلاة فانه يدل على أنه رآه يتوضأ وضوءه للصلاة، ولذلك قال أتصلى، كذا قال ابن بطال وفيه نظر. لأنه لا مانع أن يقول له ذلك لاحتمال أن مراده أتريد الصلاة فلم لم تتوضأ وضوءها، وجوابه بأن الصلاة أمامك معناه أن المغرب لا تصلى هنا فلا تحتاج الى وضوء الصلاة، وكأن أسامة ظن أنه صلى الله عليه وسلم نسى صلاة المغرب ورأى وقتها قد كاد أن يخرج أو خرج فأعلمه النبى صلى الله عليه وسلم أنها فى تل الليلة يشرع تأخيرها لتجمع بعد العشاء بالمزدلفة. ولم يكن أسامة يعرف تلك السنة قبل ذلك ((وفى رواية للشيخين)) أن النبى صلى الله عليه وسلم توضأ بعد ذلك فأسبغ الوضوء وذلك حينما نزل بالمزدلفة (قال الخطابى) إنما ترك اسباغه حين نزل الشعب ليكون مصطحبًا للطهارة فى طريقه، وتجوَّز فيه لنه لم يرد أن يصلى به؟ فلما نزل وأرادها أسبغته. أفاده الحافظ (3) لفظ البخارى والأمام أحمد فى رواية ((فجاء المزدلفة فتوضأ فأسبغ ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل انسان بعيره فى منزله ثم أقيمت الصلاة فصلى ولم يصل بينهما)) وهذه الرواية تفيد أنه صلى الله عليه وسلم توضأ وضوءًا آخر غير وضوئه في الشعب، ونقدم
-[نزول ابن عمر رضى الله عنهما بالشعب الذى بين عرفة ومزدلفة تأسيًا بالنبى صلى الله عليه وسلم]-
ثمَّ حلَّ النَّاس، قال فقلت كيف فعلتم حين أصبحتم؟ قال ردفه الفضل بن عبَّاسٍ وانطلقت أنا فى سبَّاق قريشٍ على رجلىَّ
(335)
عن أنس بن سيرين قال كنت مع ابن عمر بعرفاتٍ فلمَّا كان حين راح رحت معه حتَّى أتى الإمام فصلَّى معه الأولى والعصر، ثمَّ وقف معه وأنا وأصحابٌ لى حتَّى أفاض الإمام فأفضنا معه حتَّى انتهينا إلى المضيق دون المأزمين فأناخ وأنخنا ونحن نحسب أنَّه يريد أن يصلِّى، فقال غلامه الّذى يمسك راحلته إنه ليس يريد الصَّلاة. ولكنَّه ذكر أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لمَّا انتهى إلى هذا المكان قضى حاجته؛ فهو يحبُّ أن يقضي حاجته
الكلام عليه آنفًا، وتتفق مع رواية الأمام أحمد فى أنهم لم يزيدوا بين الصلاتين على الأناخة، وكأنهم صنعوا ذلك رفقًا بالدواب أو للأمن من تشويشهم بها، وفيه اشعار بأنه خفف القراءة فى الصلاتين، وفيه أنه لا بأس بالعمل اليسير بين الصلاتين اللتين يجمع بينهما ولا يقطع ذلك الجمع (1) أى ركب خلف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فى النفر من مزدلفة إلى منى (2) أى الذين سبقوا إلى رمى الجمرة (وقوله على رجلىّ) أى كنت راجلًا حينئذ (تخريجه)(ق. وغيرهما)
(335)
عن أنس بن سيرين (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد بن هارون أنا عبد الملك عن أنس بن سيرين- الحديث)) (غريبه)(3) يعنى الظهر سميت أولى لاشتراكها مع العصر فى الوقت، ولذلك يقال لها مع العصر الظهران. كما يقال للمغرب والعشاء العشاءان، والمراد صلاهما مع الأمام بعرفة جمع تقديم (4) المضيق بكسر الضاد المعجمة ما ضاق من الأماكن، والمراد به هنا المكان الضيق بين المأزمين، والمأزمان بهزة ساكنة بعد الميم الأولى وبعدها زاى مكسورة. وهما مثنيان واحدهما مأزم. ويجوز تخفيف الهمزة بقلبها الفًا، وهما جبلان بين عرفات ومزدلفة بينهما طريق، وهو المعبر عنه هنا بالمضيق لكونه ضيقًا، هذا معناه عند الفقهاء والمحدثين، وأما أهل اللغة فقالوا المأزم الطريق الضيق بين الجبلين، وذكر الجوهرى قولًا آخر فقال المأزم أيضًا موضع الحرب، ومنه سمى الموضع الذى بين مزدلفة وعرفة مأزمين اهـ (5) أى لأن المعروف عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه كان أشد الصحابة اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فى كل أحواله حتى المباح منها رضى الله عنه (تخريجه) لم أقف
-[حديث ابن مسعود فى كيفية الأفاضة من عرفة والصلاة بمزدلفة والمبيت بها]-
(336)
عن عبد الرَّحمن بن يزيد قال حججنا مع ابن مسعودٍ رضى الله عنه فى خلافة عثمان رضى الله عنه، قال فلمَّا وقفنا بعرفة قال فلمَّا غابت الشَّمس قال ابن مسعودٍ لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن كان قد أصاب قال فلا أدرى أكلمة ابن مسعودٍ كانت أسرع أو إفاضة عثمان قال فما وضع النَّاس ولم يزد ابن مسعودٍ على العنق حتَّى أتينا جمعًا فصلَّى بنا ابن مسعودٍ رضى الله عنه المغرب، ثمَّ دعا بعشائه ثمَّ تعشَّى ثمَّ أقام فصلَّى العشاء الآخرة، ثمَّ رقد حتَّى إذا طلع أوَّل الفجر قام فصلَّى الغداة، قال فقلت له ما كنت تصلَّى الصَّلاة هذه السَّاعة، قال وكان يسفر بالصَّلاة قال إنِّى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم وهذا المكان يصلَّى هذه السَّاعة
عليه لغير الإمام أحمد وسنده جيد ومعناه فى الصحيحين
(336)
عن عبد الرحمن بن يزيد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا جرير بن حازم قال سمعت أبا اسحاق يحدث عن عبد الرحمن بن يزيد قال حججنا مع ابن مسعود- الحديث)) (غريبه)(1) يعنى أصاب السنة. يريد أن هذا الوقت هو الذى كان يفيض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحب أن يكون أمير المؤمنين عثمان متيقظًا لهذا (2) يعنى أن عثمان رضى الله عنه أفاض فى الوقت الذى تمنى ابن مسعود أن يفيض فيه. وذلك لحرصهم جميعًا على الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله وفعله رضى الله عنهم (3) معناه فما أسرعوا السير لأن النبى صلى الله عليه وسلم علمهم المناسك فى حجة الوداع (4) أى لم يزد عن السير الذى بين الابطاء والسرعة (5) ظاهره أنه يجوز الفصل بين الصلاتين المجموعتين بالعشاء بفتح العين المهملة ونحوه، وسيأتى الكلام على ذلك فى باب الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة (6) فى التعبير بأول الفجر اشارة الى أنه يستحب زيادة التغليس بصلاة الصبح يوم النحر أكثر من المعتاد بحيث يصلى عند أول ظهور الفجر (7) يعنى أن عادته كانت الأسفار بصلاة الصبح وذلك عند وضوح النهار جليًا لكل انسان إلا فى هذا اليوم، لأنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم فعل ذلك فيه والله أعلم (تخريجه)(خ) باختلاف فى بعض الألفاظ، وأورده الهيثمى بلفظه وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح
-[وقت الإفاضة من عرفة يكون بعد مغيب الشمس وتحقق دخول الليل]-
(337)
عن عائشة رضي الله عنها قالت أدلج رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم من البطحاء ليلة النَّفر إدلاجًا
(338)
عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما قال لم ينزل رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم بين عرفاتٍ وجمعٍ إلَّا ليهريق الماء
(339)
وعنه أيضًا أنَّ أسامة بن زيدٍ كان ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فدخل الشِّعب فنزل فأهراق الماء ثمَّ توضَّأ وركب ولم يصلِّ
(340)
عن الفضل بن عبَّاسٍ رضى الله عنهما قال لمَّا أفاض
(337) عن عائشة رضي الله عنها (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو الجوّاب قال ثنا عمار بن رزيق عن سليمان الأعمش عن ابراهيم عن الأسود عن عائشة- الحديث (غريبه)(1) الأدلاج معناه السير فى أول الليل، والمراد أنه صلى الله عليه وسلم نفر من عرفة بعد تحقق دخول الليل (2) اسم الوادى الذى سار فيه النبى صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى مزدلفة، ويقال له الأبطح أيضًا جمعه أباطح وبطاح وبطائح (وقوله ادلاجًا) مصدر مؤكد لقوله أدلج (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وسنده جيد
(338)
عن ابن عباس رضى الله عنهما (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسين وأبو نعيم قالا ثنا اسرائيل عن عبد العزيز بن رفيع قال حدثنى من سمع ابن عباس يقول لم ننزل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث)) (غريبه)(3) بضم الياء التحتية وفتح الهاء يعنى يبول (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وفى إسناده رجل لم يسم
(339)
وعنه أيضًا (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا اسماعيل بن عمر ثنا ابن أبى ذئب عن شعبة عن ابن عباس أن أسامة بن زيد- الحديث)) (غريبه)(4) بفتح الهاء أى بال (وقوله ثم توضأ) أى وضوءًا ليس بالبالغ يعنى خفيفًا كما سبق (تخريجه) لم أقف عليه من مسند ابن عباس لغير الأمام أحمد وسنده جيد، وله شاهد عند الشيخين وغيرهما من حديث أسامة
(340)
عن الفضل بن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد ابن أبى حكيم العدنى حدثنى الحكم يعنى ابن أبان قال سمعت عكرمة يقول قال الفضل بن عباس لما أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث)) (غريبه)(5) يعني من عرفة إلى
-[استحباب التأني في السير من عرفة إلى مزدلفة وكراهة الأسراع فيه]-
رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم وأنا معه (1) فبلغنا الشعب نزل فتوضأ ثم ركبنا حتى جئنا المزدلفة.
(فصل منه في أمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس بالسكينة عند الأفاضة من عرفة)
(*)"ز" عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع يسير العنق وجعل الناس يضربون يميناً وشمالاً وهو يلتفت ويقول السكينة أيها الناس حتى جاء المزدلفة وجمع بين الصلاتين، ثم وقف بالمزدلفة فوتف على قزح (2) وأردف الفضل بن العباس (3) وقال هذا الموقف وكل المزدلفة موقف
(341)
عن مقسمٍ عن ابن عباس رضي الله عنهما لما أفاض النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من عرفة تسارع قوم (4) فقال امتدوا (5) وسدوا
المزدلفة (1) أي مصاحب له، وربما يفهم من ذلك ومن قوله ثم ركبنا أنه كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم، والمحفوظ أن الذي كان رديفة من الأفاضة من عرفة إلى مزدلفة أسامة بن زيد، أما الفضل فقد ردف النبي صلى الله عليه وسلم في الأفاضة من مزدلفة إلى منى كما في الحديث التالي (تخريجه) لم أقف عليه من مسند الفضل بن عباس لغير الإمام أحمد وسنده جيد، وله شاهد من حديث أسامة بن زيد رواه الشيخان وغيرهما.
(*)"ز" عن علي رضي الله عنه، هذا ظرف من حديث طويل تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم صحيفة 84 رقم 65 في الجزء الحادي عشر، وهو حديث صحيح رواه (د. جه. مذ) وصححه (غريبه)(2) تقدم أنه بضم القاف وفتح الزاي، وهو جبل معروف بالمزدلفة يقف عنده الأمام. وهو من قزح الشيء إذا ارتفع وهو ممنوع من الصرف للعلمية والعدل كعمر (3) أي بعد الأفاضة من الوقوف بالمشعر الحرام قبل طلوع الشمس إلى منى كما جاء صريحا في حديث جابر الطويل رواية مسلم حيث قال "فدفع قبل أن تطلع الشمس وأردف الفضل بن عباس - الحديث"
(341)
عن مقسم (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع عن المسعودي عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس - الحديث" (غريبه)(4) أي أسرعوا في السير (5) أي انبسطوا حتى ملئوا الوادي يقال امتد الشيء أي انبسط (وقوله وسدوا).
-[كراهة الإسراع في السير من عرفة إلى مزدلفة]-
ليس البر بإيضاع الخيل (1) ولا الركاب، قال ابن عباسٍ فما رأيت رافعةً يدها تعدو حتى أتينا جمعًا (2)
(342)
عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة وردفه أسامة بن زيدٍ، فجالت به الناقة (3) وهو رافع يديه (4) لا تجاوز أن رأسه، فسار على هينته (5) حتى أتى جمعًا، ثم أفاض الغد (6) وردفه الفضل بن عباسٍ فما زال يلبي حتى رمى جمرة العقبة (7)
(343)
وعنه أيضًا عن الفضل (بن عباسٍ) رضي الله عنهم بنحوه وفيه
أي وسدوا الطريق (1) أي ليس التقرب إلى الله بحمل الخيل والركاب على سرعة السير، ومعنى الركاب المطي، وأحدها راحلة من غير لفظها (2) المعنى أن ابن عباس رضي الله عنهما ما رأى راحلة رافعة يدها تعدو أي تسرع في السير بعد قول النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتوا جمعًا يعني المزدلفة، وهذا من كمال أدب الصحابة رضي الله عنهم وانقيادهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (تخريجه)(د. هق) وسنده جيد ومعناه في الصحيحين.
(342)
عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيي بن سعيد عن عبد الملك ثنا عطاء عن ابن عباس - الحديث" (غريبه)(3) أي دارت أو ذهبت وجاءت وهو واقف بعرفات قبل أن يفيض كما صرح بذلك في حديث الفضل بن عباس الآتى بعد هذا (4) يعني وهو يدعو، وفيه استحباب رفع اليدين عند الدعاء بعرفة بحيث لا يجاوز أن رأسه كما في الحديث (5) أي سيرا هينا بدون سرعة حتى أتى جمعًا يعني المزدلفة (6) منصوب بنزع الخافض أي من الغد بعد صلاة الصبح من يوم النحر، وفي حديث الفضل الآتي ثم أفاض من جمع يعني من المزدلفة (7) تقدم الكلام على حكم التلبية في هذه المواضع في الفصل الثالث من باب التلبية صحيفة 181 في الجزء الحادي عشر (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الأمام أحمد وسنده جيد، وأخرجه مسلم عن ابن عباس بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض من عرفة وأسامة ردفه، قال أسامة فما زال يسير على هينته حتى أتى جمعًا.
(343)
وعنه أيضا (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يعلى ومحمد أنا عبيد قالا ثنا عبد الملك عن عطاء عن عبد الله بن عباس عن الفضل قال أفاض رسول الله
-[زوائد الباب في الدفع من عرفة إلى مزدلفة]-
فجالت به الناقة وهو واقف بعرفاتٍ قبل أن يفيض وهو رافع يديه لا تجاوزان رأسه (وفيه) ثم أفاض من جمعٍ والفضل ردفه، قال الفضل ما زال النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم يلبي حتى رمى الجمرة
صلى الله عليه وسلم من عرفات وأسامة بن زيد ردفه فجالت به الناقة وهو واقف بعرفات قبل أن يفيض وهو رافع يديه لا تجاوزان رأسه، فلما أفاض سار على هينته حتى أتى جمعا ثم أفاض من جمع والفضل ردفه، قال الفضل ما زال النبي صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى الجمرة (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وفيه من لم أعرفه ويعضده الحديث الذي قبله (زوائد الباب)(عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم "يعني من عرفة إلى مزدلفة" وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ويقول بيده اليمنى أيها الناس السكينة السكينة؛ كلما أتى حبلا من الحبال أرخى لها قليلا حتى تصعد حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء 0 الحديث، هذا طرف من حديث جابر الطويل في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم رواية مسلم (قال النووي) قوله (وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله) معنى شنق يعني ضم وضيق وهو بتخفيف النون "ومورك الرحل" قال الجوهري قال أبو عبيد المورك والموركة يعني بفتح الميم وكسر الراء هو الموضع الذي يثني الراكب رجله عليه قدام واسطة الرحل إذا مل من الركوب وضبطه القاضي بفتح الراء، قال وهو قطعة أدم يتورك عليها الراكب تجعل في مقدم الرحل شبه المخدة الصغيرة وفي هذا استحباب الرفق في السير من الراكب بالمشاة وبأصحاب الدواب الضعيفة (وقوله ويقول بيده السكينة السكينة) مرتين منصوبا أي ألزموا السكينة وهي الرفق الطمأنينة؛ ففيه أن السكينة في الدفع من عرفات سنة، فإذا وجد فرجة يسرع (وقوله كلما أتى حبلاً من الحبال أرخى لها قليلا حتى تصعد حتى أتى المزدلفة) الحبال هنا بالحاء المهملة المكسورة جمع حبل وهو التل اللطيف من الرمل الضخم (وقوله حتى تصعد) بفتح التاء المثناة فوق وضمها، يقال صعد في الجبل وأصعد، ومنه قوله تعالى "إذ تصعدون" وأما المزدلفة فمعروفة سميت بذلك من التزلف والازدلاف وهو التقرب، لأن الحجاج إذا أفاضوا من عرفات ازدلفوا إليها أي مضوا إليها وتقربوا منها، وقيل سميت بذلك لمجيء الناس إليها في زلف من الليل أي ساعات، وتسمى جمعا بفتح الجيم وإسكان الميم سميت بذلك لاجتماع الناس فيها، وعلم أن المزدلفة كلها من الحرام أهـ (وعن ابن عباس) رضي الله عنهما
-[زوائد الباب وكلام العلماء فيما يستفاد منه]-
.....
أنه دفع مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فمنع النبي صلى الله عليه وسلم وراءه زجراً شديداً أو ضرباً وصوتا للأبل فأشار بسوطه إليهم، وقال أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس بالإيضاع (خ)(وعن المسور بن مخرمة) رضي الله عنه قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال أما بعد فإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون في هذا الموضع إذا كانت الشمس على رءوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوهها؛ وأنا ندفع بعد أن تغيب، وكانوا يدفعون من المشعر الحرام إذا كانت الشمس منبسطة (طب) ورجاله رجال الصحيح (وعن أبي بكر الصديق) رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما غربت الشمس بعرفة أفاض، ومن المزدلفة قبل طلوع الشمس (طس) وفيه الواقدي ضعفه الجمهور، ويعضده ما قبله (وعن ميسرة الأشجعي عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما أنه حج معه حتى وقف بعرفات فقال له يا ميسرة أسند في الحبل (يعني أصعد) قال ففعلت، فلما أفاض الناس ذهبت لأدفع ناقتى فقال لي مه عنقا بين العنقين (أي لا تعجل في السير بل سر سيراً متوسطا بين السرعة والبطيء، فلما قطعت الجبل قلت أنزل يا أبا عبد الرحمن قال سر يا ميسرة، فلما دفعنا إلى جمع قام فأذن ثم أقام الصلاة فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء الآخرة. ثم أصبحنا ففعل كما فعل في المشعر الأول، ثم قال كان المشركون لا يفيضون من عرفات حتى تعمم الشمس في الجبال فتصير في رءوسها كعمائم الرجال في وجوههم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يفيض حتى تغرب الشمس، وكان المشركون لا يفيضون من جمع حتى يقولوا أشرق ثبير فلا يفيضون حتى تصير الشمس في رءوس الجبال كعمائم الرجال في وجوههم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفيض قبل أن تطلع الشمس (طس) وبعضه في الصحيح وفيه جعفر بن ميسرة الأشجعي وهو ضعيف (وعن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تدفعوا يوم عرفة حتى يدفع الأمام (طس) وفيه ابن لهيعة، قال الهيثمي حديثه حسن وبقية رجاله رجال الصحيح (الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد تدل على جملة أحكام (منها) أنه يسن للأمام إذا غربت الشمس يوم عرفة وتحقق غروبها أن يفيض من عرفات ويفيض الناس معه، والمراد بالأمام هنا الوالي الذي إليه أمر الحج من قبل الأمام أو الأمام نفسه إن كان حاضرا بالحج، ولا ينبغي للناس أن يدفعوا حتى يدفع (قال الأمام أحمد رحمه الله ما يعجبني أن يدفع إلا مع الأمام، وسئل عن رجل دفع قبل الأمام بعد غروب الشمس قال ما وجدت عن أحد أنه سهل فيه كلهم. يشدد فيه أهـ. ويستحب أن يكثر الذكر والتلبية لقوله تعالى "فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا" (ومنها) أن السنة أن يسلك في ذهابه إلى المزدلفة طريق المأزمين وهو بين العلمين اللذين هما حد الحرم من تلك الناحية، لما ثبت في أحاديث الباب عند الأمام أحمد والشيخين وغيرهما (ومنها) أن السنة في السير إلى مزدلفة
-[النزول بالشعب الذي بين عرفة والمزدلفة ليس بسنة ولا من المناسك]-
(5)
باب الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة والمبيت بها
(344)
عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع (1) بين المغرب والعشاء بالمزدلفة (وعنه من طريقٍ ثانٍ)(2) عن النبي صلى الله عليه وسلم تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم كان يصلى المغرب والعشاء (3) بإقامةٍ.
أن يكون بسكينة ووقار على عادة سيره سواء أكان راكباً أم ماشيا، ويحترز عن إيذاء الناس في المزاحمة، فإن وجد فرجة فالسنة الأسراع فيها. وإلا فلا كما ثبت في حديث أسامة المذكور في الباب (قال ابن عبد البر) في هذا الحديث كيفية الدفع في السير من عرفة إلى مزدلفة لأجل الاستعجال للصلاة لأن المغرب لا تصلى إلا مع العشاء بالمزدلفة، فيجمع بين المصلحتين من الوقار والسكينة عند الزحمة. ومن الأسراع عند عدم الزحام أهـ. ولا بأس أن يتقدم الناس على الأمام أو يتأخروا عنه (وجاء في أحاديث الباب) أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل بالشعب عند المضيق، وهذا النزول ليس بسنة ولا من المناسك كما قال الحافظ، وإنما كان لقضاء حاجته صلى الله عليه وسلم وكان ابن عمر رضي الله عنهما يفعله كما في حديث أنس بن سيرين الثالث من أحاديث الباب لما عرف من حاله أنه كان من أشد الصحابة تمسكا بإتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى في مثل هذا، وثبت في صحيح البخاري عن نافع قال كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يجمع بين المغرب والعشاء بجمع غير أنه يمر بالشعب الذي أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدخل فينتفض (بفاء وضاد معجمة) أي يستجمر ويتوضأ ولا يصلى حتى يصلى بجمع، وتقدم في الشرح أن عكرمة كان ينكر على من نزل هذا المكان لأجل صلاة المغرب فيه، لأن السنة تأخير صلاة المغرب ليجمعوا بينها وبين العشاء في المزدلفة في وقت العشاء كما في أحاديث الباب (ومنها غير ذلك) تقدم في الشرح والله أعلم
(344)
عن أبي أيوب (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا شعبة عن عدى بن ثابت عن عبد الله بن يزيد عن أبي أيوب - الحديث" (غريبه) (1) زاد البخاري "في حجة الوداع" (2) (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا بهز ثنا شعبة ثنا عدى بن ثابت عن عبد الله بن يزيد الخطمي عن أبي أيوب - الحديث"(3) أي يجمعهما جمع تأخر بالمزدلفة كما هو صريح في الطريق الأولى (وقوله بإقامة) يعني بإقامة واحدة كما جاء صريحا في رواية عن أبي أيوب أيضا عند الطبراني من طريق جابر الجعفي عن عدى بلفظ "صلى بجمع المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين بإقامة واحدة" قال الحافظ وفيه رد
-[من جمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة بأقامة واحدة]-
(345)
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء بجمع، صلي المغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين بإقامةٍ واحدةٍ (1)
(346)
عن عبد الله بن مالكٍ قال صليت مع ابن عمر بجمع فأقام فصلى المغرب ثلاثاً؛ ثم صلى العشاء ركعتين بإقامة واحدة، قال فسأله خالد ابن مالكٍ، فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثل هذا في هذا المكان
(347)
عن سعيد بن جبيرٍ قال كنا مع ابن عمر حيث أفاض من
على قول ابن حزم أن حديث أبي أيوب ليس فيه ذكر أذان ولا إقامة، لأن جابرا وإن كان ضعيفاً فقد تابعه محمد بن أبي ليلى عن عدى على ذكر الأقامة فيه عند الطبراني أيضا فيقوى كل واحد منهما بالآخر أهـ (قلت) وتابعه أيضا شعبة عن عدى كما ترى في سند حديث الباب (تخريجه) أخرج الطريق الأولى منه (ق. نس. جه) وأخرج الطريق الثانية منه الطبراني وسندها جيد عند الإمام أحمد
(345)
عن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا عبد الرزاق أنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن سعيد عن ابن عمرو عن أبي إسحاق عن عبد الله بن مالك الأسدى عن ابن عمر - الحديث" (غريبه) (1) يعني للصلاة الأولى. ولم يقم للثانية اكتفاء بالأقامة الأولى، وقد ثبت في حديث جابر عند مسلم أنه أذن للأولى وأقام لكل واحدة. منهما ولفظه "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما" (أي لم يصل نفلا) وسيأتى بعد حديثين في حديث عبد الله ابن مسعود أنه جمع فصلى الصلاتين كل صلاة وحدها بأذان وإقامة، وسيأتى الكلام عليه في شرحه (تخريجه)(خ. نس)
(346)
عن عبد الله بن مالك (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا روح ثنا شعبة سمعت أبا إسحاق سمعت عبد الله بن مالك قال صليت مع ابن عمر بجمع - الحديث" (تخريجه)(م. هق)
(347)
عن سعيد بن جبير (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هشيم أنا إسماعيل بن أبي خالد عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير قال كنا مع ابن عمر - الحديث"
-[من جمع بين الصلاتين بالمزدلفة كل صلاة بأذان وإقامة]-
عرفاتٍ إلى جمع فصلى بنا المغرب ومضي (1) ثم قال الصلاة، فصلي ركعتين ثم قال هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المكان كما فعلت
(348)
عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد قال كنت مع عبد الله بن مسعود بجمع (2) فصلي الصلاتين كل صلاةٍ وحدها بأذانٍ وإقامة والعشاء (3) بينهما. وصلي انفجر حين سطع الفجر (4) أو قال حين قال قائل طلع الفجر وقال قائل لم يطلع، ثم قال (5) إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن هاتين الصلاتين (6) تحولان عن وقتهما في هذا المكان
(غريبه)(1) أي مضى في الصلاة لم يفصل بين المغرب والعشاء بنفل ولا إقامة، بل نبههم لصلاة العشاء بقوله الصلاة فصلاها ركعتين مقصورة (تخريجه)(م. هق. وغيرهما)
(348)
عن أبي إسحاق (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا يحيي بن آدم ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد قال كنت مع عبد الله - الحديث" (غريبه) (2) بفتح الجيم وسكون الميم أي المزدلفة (وقوله فصلى الصلاتين) يعني المغرب والعشاء (3) بفتح العين المهملة والمراد به الطعام، يعني أنه تعشى بين الصلاتين (قال القاضي عياض) وإنما فعل ذلك لينبه على أنه يغتفر الفصل اليسير بينهما، والواو في قوله والعشاء للحال (4) يعني أول الفجر كما صرح بذلك في حديثه الآتى في هذا الباب أيضا "وأو" للشك من أبي إسحاق الراوي عن عبد الرحمن بن يزيد، يشك هل قال عبد الرحمن حين سطع الفجر. أو قال حين قال قائل طلع الفجر الخ، والمراد أنه صلى الفجر في ابتداء ظهوره. أي في الوقت الذي يشك في طلوعه ولا يدركه إلا القليل من الناس (5) القائل هو ابن مسعود رضي الله عنه (6) يعني المغرب والفجر (وقوله تحولان) بالمثناة الفوقية المضمومة مع فتح الواو مشددة (وقوله عن وقتهما) كذا بالأصل عن وقتهما بالأفراد، ووقع مثل ذلك في رواية للبخاري، والمراد عن وقتهما المستحب المعتاد، ومعنى ذلك أن وقت المغرب المعتاد بعد غروب الشمس، وقد أخر في هذا المكان إلى وقت العشاء، ووقت الفجر المعتاد بعد ظهور الفجر جليا لكل إنسان، وهنا حول بالتقديم عن الوقت الظاهر لكل أحد. ولهذا اختلف الناس، فمنهم من يقول طلع الفجر ومنهم، من يقول لم يطلع لكن النبي صلى الله عليه وسلم تحقق طلوعه إما بوحي أو بغيره، والمراد به المبالغة في التغليس على
-[استحباب التغليس بصلاة الصبح بالمزدلفة يوم النحر]-
لا يقدم (1) الناس جمعًا حتى يعتموا (2) وصلاة الفجر هذه الساعة (3)
(349)
عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاًة قط إلا لميقاتها إلا صلاتين، صلاة المغرب والعشاء بجمعٍ (4) وصلى الفجر يومئذٍ قبل ميقاتها (5) وقال ابن نميرٍ العشاءين فإنه صلاهما بجمعٍ جميعًا
(*) عن عبد الرحمن بن زيدي في قصة حجة مع عبد الله بن مسعودٍ قال فصلى بنا ابن مسعودٍ رضي الله عنه المغرب ثم دعا بعشائه ثم تعشى ثم
باقي الأيام ليتسع الوقت لما بين أيديهم من أعمال يوم النحر من المناسك (1) بسكون القاف وفتح الدال المهملة (وقوله جمعًا) يعني المزدلفة (2) بضم أوله وكسر ثالثه من الأعتام أي الدخول في العتمة وهو وقت العشاء الآخرة (3) بالنصب أي بعد طلوع الفجر قبل ظهوره للعامة، زاد البخاري ثم وقف "يعني ابن مسعود" حتى أسفر، ثم قال لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن أصاب السنة، فلا أدري أقوله كان أسرع أم دفع عثمان رضي الله عنه، فلم يلزم يلبى حتى رمى جمرة العقبة يوم النحر اهـ (قلت) وقع مثل هذه الزيادة في حديث رواه الأمام أحمد من طريق أبي إسحاق أيضًا عن عبد الرحمن بن يزيد أن ابن مسعود صدر منه ذلك عند الدفع من عرفة، وتقدم في الباب السابق رقم 336 صحيفة 139 والظاهر أن الواقعة تعددت في الموضعين والله أعلم (تخريجه)(خ. نس).
(349)
عن عبد الله بن مسعود (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو معاوية وابن نمير قالا ثنا الأعمش عن عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله- الحديث" (غريبة) (4) يريد أنه أخر المغرب عن وقتها إلى وقت إلى وقت العشاء وصلاهما معاً بجمع أي بالمزدلفة (5) أي قبل وقتها المعتاد فعلها فيه في الحضر، لا أنه أوقعها قبل طلوع الفجر كما يتبادر من ظاهر اللفظ، ووقتها المعتاد أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا أتاه المؤذن بطلوع الفجر صلى ركعتي الفجر في بيته ثم خرج فصلى الصبح، وأما بمزدلفة فكان الناس مجتمعين والفجر نصب أعينهم فبادر بالصلاة أول ما بزغ حتى أن بعضهم كان لم يتبين له طلوعه (وقوله وقال ابن نمير) يعني في روايته "العشاءين" بدل قوله في الرواية الأخرى المغرب والعشاء، لأنه يطلق عليهما اسم العشاءين والله أعلم (تخريجه)(ق. د. نس. هق)
(*) عن عبد الرحمن بن يزيد، هذا طرف من حديث طويل تقدم بسنده وشرحه
-[استحباب المبيت بالمزدلفة ليلة النحر والتغليس بصلاة الصبح]-
قام فصلى العشاء الآخرة، ثم رقد حتى إذا طلع أول الفجر قام فصلى الغداة، قال فقلت له ما كنت تصلي الصلاة هذه الساعة؟ قال وكان يسفر بالصلاة، قال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم وهذا المكان يصلى هذه الساعة
(350)
عن أسامة بن زيدٍ رضي الله عنهما أنه قال جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بالمزدلفة (زاد في روايةٍ) ولم يصل بينهما شيئًا (1)
وتخريجه في الباب السابق صحيفة 139 رقم 336 وإنما ذكرته هنا لقوله "ثم رقد حتى إذا طلع أول الفجر قام فصلى الغداة" ففيه دلالة على مشروعية المبيت بمزدلفة، وباقي الكلام عليه تقدم في الذي قبله
(350)
عن أسامة بن زيد (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هارون ابن معروف ثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن محمد بن المنكدر حدثه أنه أخبره أنه حدثه من سمع أسامة بن زيد يقول جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبه)(1) أي لم يصل نفلا بينهما (تخريجه)(ق. وغيرهما) بأطول من هذا وفي سند حديث الباب رجل لم يسم (زوائد الباب)(عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئًا، ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر، وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة- الحديث رواه مسلم من حديث جابر الطويل في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم (وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع كل واحدة منهما بإقامة ولم يسبح بينهما ولا على إثر كل واحدة منهما (خ. نس)(وعنه أيضًا) أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بينهما بالمزدلفة وصلى كل واحدة منهما بإقامة ولم يتطوع قبل كل واحدة منهما ولا بعدها (هق)(الأحكام) أحاديث الباب تدل على جملة أحكام (منها) مشروعية الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء جمع تأخير بمزدلفة ليلة النحر، وهو ثابت بالأحاديث الصحيحة المشهورة في الصحيحين وغيرهما وهي المذكورة في الباب (وقد أجمع العلماء) على جواز الجمع بينهما بمزدلفة في وقت العشاء للمسافر، فلو جمع بينهما في وقت المغرب أو في غير المزدلفة جاز عند الشافعية، وبه قال عطاء وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وسعيد بن جبير (والأئمة مالك وأحمد وإسحاق) وأبو يوسف وأبو ثور
-[مذاهب الأئمة في الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة والأذان والإقامة لهما]-
.....
وابن المنذر (وقال الأئمة سفيان الثوري وأبو حنيفة) ومحمد وداود وبعض أصحاب مالك لا يجوز أن يصليهما قبل المزدلفة ولا قبل وقت العشاء، والخلاف مبني على أن جمعهم بالنسك أم بالسفر؟ فعند الشافعية ومن وافقهم بالسفر، وعند الحنفية ومن وافقهم بالنسك، والله أعلم (واختلفوا أيضًا) في الأذان والإقامة إذا جمع بين المغرب والعشاء في المزدلفة، فذهبت الأئمة (الشافعي وأحمد) في رواية وأبو ثور وعبد الملك بن الماجشون المالكي والطحاوي الحنفي إلى أنه يؤذن للأولى ويقيم لكل واحدة عملًا بحديث جابر المذكور في الزوائد. رواه مسلم (وذهب الإمام مالك) إلى أنه يصليهما بأذانين وإقامتين يعني لكل واحدة منهما أذان وإقامة عملا بحديث ابن مسعود المذكور في الباب (وهو مذهب ابن مسعود) وقول للطحاوي من الحنفية (قال ابن المنذر) وروى هذا عن عمر (وقال عبد الله بن عمر) وابنه سالم والقاسم ابن محمد وإسحاق والإمامين الشافعي وأحمد في رواية يصليهما بإقامتين عملا بحديث ابن عمر المذكور في الزائد، رواه البخاري والنسائي (وقال ابن عمر أيضًا) في رواية صحيحة عنه وسفيان الثوري يصليهما بإقامة واحدة عملا بحديث ابن عمر المذكور في الباب، رواه مسلم والنسائي وابن ماجه (وذهبت الحنفية) إلى أنه يؤذن ويقيم للأولى فقط عملا بما أخرجه النسائي من رواية سعيد بن جبير عن ابن عمر، والظاهر ما ذهب إليه الأولون لأن حديث جابر مشتمل على زيادة الأذان، وهي زيادة غير منافية فينبغي قبولها (فإن قيل) إن حديث عبد الله بن مسعود مشتمل على زيادة الأذان أيضًا للصلاة الثانية فيقتضي المصير إليه (فالجواب) أن حديث ابن مسعود موقوف عليه، ولذا قال ابن حزم لم نجده مرويًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو ثبت لقلت به اهـ. أما قول ابن مسعود في آخره كما في رواية البخاري "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله" فهو راجع لتحويل صلاتي المغرب والصبح عن وقتيهما في المزدلفة لا للأذان والإقامة كما جاء صريحاً في رواية الإمام أحمد في آخر هذا الحديث قال (يعني ابن مسعود) إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم وهذا المكان يصلي هذه الساعة (ومنها أيضًا) مشروعية المبيت بمزدلفة ليلة النحر (وهو سنة عند جمهور العلماء) من السلف والخلف (وقال خمسة من أئمة التابعين) هو ركن لا يصح الحج إلا به كالوقوف بعرفة وهم علقمة والأسود والشعبي والنخعي والحسن البصري (وبه قال من الشافعية) ابن بنت الشافعي وأبو بكر بن خزيمة واحتجوا بقوله تعالى "فاذكروا الله عند المشعر الحرام" وبحديث مروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من فاته المبيت بالمزدلفة فقد فاته الحج" واحتج الجمهور بحديث عروة بن مضرس المتقدم في باب وجوب الوقوف الخ صحيفة 119 رقم 321 وهو حديث صحيح صححه الترمذي وغيره. وأجابوا عن الآية بأن المأمور به فيها إنما هو
-[مذاهب العلماء في صلاة النفل بين صلاتي المغرب والعشاء بالمزدلفة]-
(أبواب الوقوف بالمشعر الحرام وما يكون بعده إلى أن يرمى جمرة العقبة)
(1)
(باب الوقوف بالمشعر الحرام وآدابه- ووقت الدفع منه إلى منى)(وسبب الأيضاع في السير- واستمرار التلبية من الإفاضة حتى يرمى جمرة العقبة)
(351)
عن علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله
الذكر وليس بركن بالإجماع "وأما الحديث" فالجواب عنه من وجهين (أحدهما) أنه ليس بثابت ولا معروف (والثاني) أنه لو صح لحمل على فوات كمال الحج لا فوات أصله (ومنها أيضًا) أنه جاء في حديث أسامة المذكورة في الباب وحديثي جابر وابن عمر المذكورين في الزوائد أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء ولم يسبح بينهما (أي يتنقل) زاد ابن عمر عند البخاري ولا على إثر كل واحدة منهما (وفي رواية) أخرى عن ابن عمر عند البيهقي أنه صلى الله عليه وسلم لم يتطوع قبل كل واحدة منهما ولا بعدها، وذكرته في الزوائد أيضًا (قال الحافظ) يستفاد من هذا أنه ترك النفل عقب المغرب وعقب العشاء، ولما لم يكن بين المغرب والعشاء مهلة صرح بأنه لم ينتقل بينهما بخلاف العشاء، فإنه يحتمل أن يكون المراد أنه لم ينتقل عقبها. لكنه تنفل بعد ذلك في أثناء الليل، ومن ثم قال الفقهاء تؤخر سنة العشاءين عنهما (ونقل ابن المنذر) الإجماع على ترك التطوع بين الصلاتين بالمزدلفة لأنهم اتفقوا على أن السنة الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة، ومن تنقل بينهما لم يصح أنه جمع بينهما، لكن يعكر على نقل الاتفاق ما في البخاري عن ابن مسعود أنه صلى المغرب بالمزدلفة وصلى بعدها ركعتين ثم دعا بعشائه فتعشى ثم أمر بالأذان والإقامة ثم صلى العشاء، واستدل به بعض العلماء على جواز التنفل بين الصلاتين لمن أراد الجمع بينهما ولا حجة فيه لأنه لم يرفعه، ويحتمل أن لا يكون قصد الجمع، وظاهر صنيعه يدل على ذلك لقوله إن المغرب تحول عن وقتها فرأى أن هذا وقت المغرب خاصة، ويحتمل أن يكون قصد الجمع وكان يرى أن العمل بين الصلاتين لا يقطعه إذا كان ناويًا للجمع، ويحتمل قوله تحول عن وقتها أي المعتاد أفاده الحافظ (وفي حديث ابن مسعود أيضًا) استحباب زيادة التغليس في صلاة الصبح يوم النحر زيادة عن المعتاد (وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء) ومعنى ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان في غير هذا اليوم يتأخر عن أول طلوع الفجر لحظة إلى أن يأتيه المؤذن، وفي هذا اليوم لم يتأخر لكثرة المناسك فيه فيحتاج إلى المبالغة في التبكير ليتسع الوقت لفعل المناسك (وفي أحاديث الباب أيضًا) أمور غير هذه تقدم الكلام عليها في خلال الشرح والله سبحانه وتعالى أعلم
(351)
عن علي بن أبي طالب (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا
-[حديث علي رضي الله عنه في مناسك الحج من الوقوف بعرفة إلى رمي الجمرة]-
عليه وعلى آله وصحبه وسلم أتى جمعًا فصلى بهم الصلاتين المغرب، والعشاء ثم بات حتى أصبح (1) ثم أتى قزح فوقف على قزح فقال هذا الموقف وجمعٌ كلها موقفٌ، ثم سار حتى أتى محسرًا (2) فوقف عليه فقرع ناقته (3) فخبث حتى جاوز الوادي (4) ثم حبسها ثم أردف الفضل وسار حتى أتى الجمرة (5)
أبو أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير ثنا سفيان عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أي ربيعة عن زيد بن علي عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فقال هذا الموقف وعرفة كلها موقف، وأفاض حين غابت الشمس ثم أردف أسامة فجعل يعنق على بعيره والناس يضربون يمينًا وشمالًا يلتفت إليهم ويقول السكينة أيها الناس ثم أتى جمعًا فصلى بهم- الحديث" (غريبه) (1) عند مسلم من حديث جابر حتى طلع الفجر، وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفًا حتى أسفر جدًا فدفع قبل أن تطلع الشمس وأردف الفضل بن عباس- الحديث" وقد بين حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم صلى الصبح قبل ذهابه إلى المشعر الحرام وهو المعبر عنه بقزح في حديث الباب، وقد تقدم ضبطه وتفسيره وأنه جبل معروف في المزدلفة وهو موقف النبي صلى الله عليه وسلم في المزدلفة ولا يشترط الوقوف على نفس الجبل بل لو وقف على أي جزء من مزدلفة أجزأه لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث "وجمع كله موقف" وأفاد حديث جابر أيضًا أنه يقف مستقبل القبلة يعني الكعبة يدعو الله تعالى ويهلل ويكبر ويلبى إلى قرب طلوع الشمس ثم يدفع إلى منى، وأفاد أيضًا استحباب الركوب في هذه الأمكنة (2) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد السين المهملة وكسرها، وسيأتي عن ابن عباس أنه واد من منى وتقدم سبب تسميته بذلك وهو أن فيل أصحاب حسر فيه أي أعيا وكل ومنه قوله تعالى "ينقلب إليك البصر خاسئًا وهو حسير"(3) أي ضربها بمقرعة بكسر الميم وهو السوط (فخبت) من الخبب بالتحريك وهو ضرب من السرعة في السير (4) قيل الحكمة في ذلك أنه فعله لسعة الموضع، وقيل لأن الأودية مأوى الشياطين، وقيل لأنه كان موقفًا للنصارى فأحب الإسراع فيه مخالفة لهم، وقيل لأن رجلًا اصطاد فيه صيدا فنزلت نار فأحرقته فكان إسراعه لمكان العذاب كما أسرع في ديار ثمود قاله السيوطي (وقوله ثم حبسها) يعني ضيق عليها الزمام لتسير ببطيء كسيرها الأول (5) يعني جمرة العقبة، ورميها
-[بقية حديث على رضي الله عنه في مناسك الحج من الوقوف بعرفة إلى طواف الإفاضة]-
فرماها ثم أتى المنحر فقال هذا المنحر ومنى كلها منحٌر- الحديث (1)
(352)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أخبرني الفضل بن عباسٍ وكان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أفاض من عرفة (2) قال فرأى الناس
من واجبات الحج وهو أحد أسباب التحلل وهي ثلاثة، رمى جمرة العقبة يوم النحر، فطواف الإفاضة مع سعيه إن لم يكن سعى، والثالث الحلق عند من يقول إنه نسك وهو الصحيح (وقوله ثم أتى المنحر) أي مكان نحر الهدايا وهو من منى، ولو نحر في أي جزء من منى أجزأه لقوله صلى الله عليه وسلم "ومنى كلها منحر"(1) الحديث له بقية وهي- قال واستفتته جارية شابة من خثعم فقالت إن أبي شيخ كبير قد أفند وقد أدركته فريضة الله في الحج فهل يجزئ عنه أن أؤدي عنه، قال نعم فأدى عن أبيك، قال وقد لوى عنق الفضل. فقال له العباس يا رسول الله لم لويت عنق ابن عمك؟ قال رأيت شاباً وشابة فلم آمن الشيطان عليهما، قال ثم جاء رجل فقال يا رسول الله حلق قبل أن أنحر، قال أنحر ولا حرج. ثم أتاه آخر فقال يا رسول الله إني أفضت قبل أن أحلق، قال أحلق أو قصر ولا حرج، ثم أتى البيت فطاف به، ثم أتى زمزم فقال يا بني عبد المطلب سقايتكم، ولولا أن يغلبكم الناس عليها لنزعت (تخريجه) رواه الترمذي مطولاً كما هنا وقال حديث علي حديث حسن صحيح اهـ (قلت) ورواه أبو داود مختصرًا، ورواه عبد الله بن الإمام أحمد مطولًا كما هنا، وتقدم بطوله في باب صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم صحيفة 84 رقم 65 في الجزء الحادي عشر
(352)
عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبدة بن سليمان ثنا ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس- الحديث" (غريبه)(2) هكذا بالأصل من عرفة، والظاهر والله أعلم أنه خطأ وصوابه من جمع، لأن المحفوظ من رواية الشيخين والإمام أحمد وغيرهم، أن الذي ردف النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة هو أسامة بن زيد، والذي ردفه من جمع هو الفضل بن العباس، لاسيما وقد ثبت في رواية أخرى للإمام أحمد من طريق ابن أبي ليلى أيضًا أن هذه الإفاضة كانت من جمع لا من عرفة، فقال حديثنا هشيم أنبأنا ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس عن الفضل بن عباس أنه كان ردف النبي صلى الله عليه وسلم حين أفاض من جمع قال فأفاض وعليه السكينة، قال ولبى حتى رمى جمرة العقبة وقال مرة أنبأنا ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس أنبأ الفضل بن عباس قال شهدت الأفاضتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض وعليه السكينة وهو كاف بعيره، قال ولبى حتى رمى
-[سبب إسراع الناس في السير عند الإفاضة واستحباب التأني والسكينة]-
يوضعون فأمر مناديه فنادى ليس البر بإيضاع الخيل والإبل فعليكم بالسكينة
(353)
عن عطاءٍ عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال إنما كان بدو الإيضاع من قبل أهل البادية (1) كانوا يقفون حافتي الناس حتى يعلقوا العصي (2) والجعاب، فإذا نفر واتقعقت (3) تلك فنفروا بالناس، قال ولقد رؤى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن ذفري (4) ناقته ليمس حاركها، وهو يقول بيده يا أيها الناس عليكم بالسكينة، يا أيها الناس عليكم بالسكينة
(354)
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وعلى
جمرة العقبة مرارًا، فهذه الرواية تؤيد ما ذكرنا، فإن صح لفظ حديث الباب حمل على أن أسامة والفضل تناوبا الارتداف في الإفاضة من عرفة إلى مزدلفة والله أعلم (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الإمام أحمد. ومعناه في الصحيحين وغيرهما
(353)
عن عطاء عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يونس ثنا حماد يعني ابن زيد عن كثير بن شنظير عن عطاء عن ابن عباس- الحديث" (غريبه)(1) يقول ابن عباس رضي الله عنهما إن سبب الأيضاع يعني سرعة الناس في السير عند الإفاضة كان من قبل الإعراب سكان البوادي (2) جمع عصًا (والجعاب) جمع جعبة بفتح الجيم وهي الكنانة التي تجعل فيها السهام (والقعاب) جمع قعب بفتح القاف وسكون العين المهملة وهو القدح الضخم الجافي كذا في القاموس، وفي المصباح إناء ضخم كالقصعة (3) القعقعة حركة الشيء الذي يسمع له صوت، والمعنى أن الإعراب كانوا يعلقون هذه الأشياء كلها ويحملونها معهم وهم على جانبي الطريق، فإذا نفر الناس أحدثت هذه الأشياء صوتًا يحمل الإبل على السرعة في السير (4) بكسر الدال مؤنثة وألفها للتأنيث أو للإلحاق، وذفرى البعير أصل أذنه، جمعه ذفريات وذفارى. وهما ذفريان (والحارك) أعلى الكاهل وعظم مشرف من جانبيه، والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الناس أسرعوا في السير جدًا ضيق لراحلته الزمام حتى كان أصل أذنيها يمس كتفها ليمنعها عن السرعة (وهو يقول بيده) أي يشير بها ويقول يا أيها الناس عليكم بالسكينة أي تأنوا ولا تعجلوا (تخريجه)(هق) وأورده الهيثمي وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح
(354)
عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سليمان
-[وقت الوقوف بالمشعر الحرام بعد صلاة الصبح- والإفاضة منه قبيل طلوع الشمس]-
آله وصحبه وسلم وقف بجمعٍ فلما أضاء كل شيءٍ قبل أن تطلع الشمس أفاض
(355)
عن عمر بن ميمون قال صلى بنا عمر بجمعٍ الصبح ثم وقف وقال إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خالفهم، ثم أفاض (1) قبل أن تطلع الشمس (وعنه من طريقٍ ثان)(2) قال قال عمر رضي الله عنه إن المشركين كانوا لا يفيضون من جمعٍ حتى تشرق الشمس على ثبيرٍ (3) قال عبد الرزاق وكانوا يقولون* أشرق (4) ثبير* كيما نغير (5)
ابن داود ثنا عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس- الحديث" (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وسنده جيد
(355)
عن عمرو بن ميمون (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت عمرو بن ميمون- الحديث" (غريبه)(1) الإفاضة الدفعة. قال الأصمعي، ومنه أفاض القوم في الحديث إذا دفعوا فيه، ويحتمل أن يكون فاعل أفاض عمر فيكون انتهاء حديثه ما قبل هذا، ويحتمل أن يكون فاعل أفاض النبي صلى الله عليه وسلم لعطفه على قوله خالفهم، وهذا هو المعتمد. قاله الحافظ (قلت) يرفع الاحتمال الأول ما صرح به في الطريق الثانية من قوله فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم فدع قبل أن تطلع الشمس، فظهر أن المراد بقوله ثم أفاض يعني النبي صلى الله عليه وسلم (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن عن سفيان وعبد الرزاق أنبأنا سفيان عن أبي إسحاق عن عمرو ابن ميمون قال قال عمر رضي الله عنه، قال عبد الرزاق سمعت عمر رضي الله عنه أن المشركين الخ. ومعنى قوله قال عبد الرزاق سمعت عمر الخ. معناه أن عبد الرزاق قال في روايته إن عمرو بن ميمون قال سمعت عمر، فالذي سمع هو عمرو بن ميمون لا عبد الرزاق كما يتبادر إلى الفهم، لأن عبد الرزاق لم يدرك عمر (3) بفتح المثلثة وكسر الموحدة جبل معروف هناك وهو على يسار الذاهب إلى منى، وهو أعظم جبال مكة. عرف برجل من هذيل اسمه ثبير دفن فيه (وقوله قال عبد الرزاق) يعنى أحد الرواة (4) بفتح أوله فعل أمر من الإشراق، أي أدخل في الشروق (قال ابن التين) وضبطه بعضهم بكسر الهمزة كأنه ثلاثي من شرق وليس ببين، والمشهور أن المعنى لتطلع عليك الشمس، وقيل معناه أضئ يا جبل وليس ببين أيضًا. قاله الحافظ (5) قال الطبري معناه كما ندفع للنحر، وهو من قولهم أغار
-[حجة القائلين باستحباب التلبية حين الإفاضة من مزدلفة]-
يعني فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم فدفع قبل أن تطلع الشمس
(356)
عن عبد الرحمن بن يزيد أن عبد الله (يعني ابن مسعودٍ) رضي الله عنه لي حين أفاض من جمعٍ فقيل أعرابٌي هذا؟ (1) فقال عبد الله أنسى الناس أم ضلوا؟ سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة يقول في هذا المكان لبيك اللهم لبيك
(357)
عن الفضل بن العباس (2) رضي الله عنهما قال كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم من جمعٍ إلى منى فبينا هو يسير إذ عرض له أعرابٌّي مردفًا ابنًة له جميلًة (3) وكان يسايره، قال فكنت أنظر إليها، فنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم
الفرس إذا أسرع في عدوه (قال ابن التين) وضبطه بعضهم بسكون الراء في ثبير وفي نغير لإرادة السجع (تخريجه)(خ. والأربعة)
(356)
عن عبد الرحمن بن يزيد (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هشيم أنبأ حصين عن كثير بن مدرك الأشجعي عن عبد الرحمن بن يزيد- الحديث" (غريبه) (1) معناه أن القائل ينكر على ابن مسعود فعله وينسبه إلى الجهل، وبالضرورة لم ينكر على ابن مسعود إلا من جهله ذاتًا وعلمًا، فقال ابن مسعود رضي الله عنه "أنسى الناس" يعني أحكام المناسك بعد علمهم بها "أم ضلوا" أي جهلوها ولم تبلغهم؟ ثم قال سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة الخ يعني النبي صلى الله عليه وسلم وإنما خص البقرة لأن معظم أحكام المناسك فيها، فكأنه قال هذا مقام من أنزلت عليه المناسك وأخذ عنه الشرع وبين الأحكام فاعتمدوه، وأراد بذلك الرد على من يقول بقطع التلبية من الوقوف بعرفات والله أعلم (تخريجه)(م. نس)
(357)
عن الفضل بن العباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حسين بن محمد ثنا جرير عن أيوب عن الحكم بن عتيبة عن ابن عباس عن أخيه الفضل قال كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبه)(2) هو أخو عبد الله بن عباس، وكان أكبر ولد العباس وبه كان يكنى. وكان الفضل وضيئًا أي جميلًا كما في بعض الروايات (3) أي أركبها خلفه على دابته، وكان الفضل راكبًا خلف النبي صلى الله عليه وسلم وكان الأعرابي
-[مذاهب العلماء في حكم الوقوف بالمشعر الحرام واستقبال الكعبة فيه]-
فقلب وجهي عن وجهها (1) ثم أعدت النظر فقلب وجهي عن وجهها حتى فعل ذلك ثلاثًا وأنا لا أنتهي (2) فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة (3)
يساير النبي صلى الله عليه وسلم أي يجاريه في السير ويسير معه (1) أي صرفه عن وجهها بيده كما جاء في بعض الروايات الصحيحة "فالتقى النبي صلى الله عليه وسلم والفضل ينظر إليها فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فدفع وجهه عن النظر إليها"(2) جاء في رواية عن ابن عباس عند الإمام أحمد بنحو ما تقدم، وفيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أخي- هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له (وفي رواية) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأيت غلامًا حدثًا وجارية حدثة فخشيت أن يدخل بينهما الشيطان (3) فيه دلالة على استحباب استمرار التلبية حتى ترمي جمرة العقبة (تخريجه)(ق. وغيرهما)(زوائد الباب)(عن جابر) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفاً حتى أسفر جدًا فدفع قبل أن تطلع الشمس. رواه مسلم (الأحكام) أحاديث الباب تدل على جملة أحكام (منها) مشروعية الوقوف بالمشعر الحرام بالمزدلفة، وللمزدلفة ثلاثة أسماء، مزدلفة. وجمع. والمشعر الحرام، وحدها من مأزمى عرفة إلى قرن محسر، وما على يمين ذلك وشماله من الشعاب، ففي أي موضع وقف منها أجزأه لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث على المذكور في أول الباب "وجمع كلها موقف" وليس وادي محسر من مزدلفة لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث جبير بن مطعم "وكل مزدلفة موقف وارفعوا عن محسر" وتقدم في باب وجوب الوقوف بعرفة (وقد اختلف) العلماء في حكم الوقوف بالمشعر الحرام (فذهب جماعة من أهل العلم) منهم مجاهد وقتادة والزهري والثوري على أن من لم يقف بالمشعر الحرام فقد ضيع نسكًا وعليه دم، وهو قول الأئمة (أبي حنيفة وأحمد وإسحاق وأبي ثور والشافعي في رواية) وروى عن عطاء والأوزاعي (وإليه ذهب المالكية) وهو المشهور عند الشافعية أنه لا دم عليه لأنه سنة لا واجب (وذهب ابن بنت الشافعي) وابن خزيمة إلى أن الوقوف به ركن لا يتم الحج إلا به، وأشار ابن المنذر إلى ترجيحه، وهو مروى عن علقمة والنخعي والشعبي، واحتج عليهم الطحاوي بأن الله عز وجل لم يذكر الوقوف وإنما قال "فاذكروا الله عند المشعر الحرام" وقد أجمعوا على أن من وقف بها بغير ذكر أن حجه تام، فإذا كان الذكر المذكور في القرآن ليس من تمام الحج فالموطن الذي يكون فيه الذكر أحرى أن لا يكون فرضًا (ومنها مشروعية استقبال القبلة) حال الوقوف والدعاء والذكر والتلبية، وإلى استحباب ذلك ذهب كافة العلماء لحديث جابر المذكور في الزوائد، ولقوله عز وجل "فاذكروا
-[كلام العلماء في آداب الوقوف بالمشعر الحرام- وما يقال فيه من الدعوات والأذكار]-
.....
الله عند المشعر الحرام" ولم أقف على شيء مرفوع من الأدعية والأذكار خاصمًا بالوقوف بالمشعر الحرام إلا ما ورد في حديث جابر مجملًا من الدعاء والتهليل والتكبير، فيكفي أن يكثر من قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ويلبي كثيرًا ويدعو بما شاء، والوارد من الأدعية والأذكار أفضل (قال النووي في شرح المهذب) واختار أصحابنا أن يقول فيه اللهم كما وقفتنا فيه وأريتنا إياه فوفقنا لذكرك كما هديتنا واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك، وقولك الحق "فإذا أفضتم من عرفات فذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين، ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم" ويكثر من قوله اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ويدعو بما أحب، ويختار الدعوات الجامعة والأمور المبهمة ويكرر دعواته اهـ (وفي حديث جابر المذكور وفي الزوائد) دلالة على أنه يستمر واقفًا بالمشعر الحرام بعد صلاة الصبح يدعو ويلبي ويذكر الله عز وجل حتى يسفر الصبح جدًا، ثم يدفع من مزدلفة إلى منى قبل طلوع الشمس، وبذلك قال ابن مسعود وابن عمر وجماهير العلماء (قال ابن المنذر) وهو قول عامة العلماء غير مالك فإنه كان يرى أن يدفع منه قبل الأسفار اهـ (قلت) والمتعين ما ذهب إليه الجمهور لحديث جابر المذكور (وفي أحاديث الباب أيضًا) أن المشركين كانوا لا يفيضون من جمع حتى تشرق الشمس وكانوا يقولون* أشرق ثبير* كيما نغير* وقد وقفت في القاموس على من قال ذلك، وهو أبو سيارة عميلة بن خالد العدواني قال كان له حمار أسود أجاز الناس عليه من المزدلفة إلى منى أربعين سنة وكان يقول، أشرق ثبير. كما نغير، أي كي نسرع إلى النحر. فقيل أصح من عير أبي سيارة اهـ. فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم وأفاض بعد الأسفار قبل طلوع الشمس (وفي أحاديث الباب) الحث على السكينة والوقار والتأني في الدفع من مزدلفة إلى منى وأن سبب الأيضاع أي الإسراع كان من الأعراب، وتقدم الكلام على ذلك في الشرح (وفي أحاديث الباب أيضًا) دلالة على أنه يستحب أن يستديم التلبية حتى يشرع في رمى جمرة العقبة غداة يوم النحر، وإلى ذلك ذهب الأئمة (أبو حنيفة والشافعي) وسفيان الثوري وأبو ثور وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار ومن بعدهم (وقال الحسن البصري) يلبي حتى يصلي الصبح يوم عرفة ثم يقطع (وحكى عن علي وابن عمر وعائشة ومالك) وجمهور فقهاء المدينة أنه يلبي حتى تزول الشمس يوم عرفة ولا يلبي بعد الشروع في الوقوف (وقال الإمامان أحمد وإسحاق) وبعض السلف يلبي حتى يفرغ من رمي جمرة العقبة، ودليل الجمهور والإمام أحمد ومن وافقهم ما جاء في أحاديث الباب، ولا حجة للآخرين في مخالفتها. فيتعين إتباع الوارد والله أعلم (فائدة) قال النووي
(2)
باب الأمر بالسكينة عند الدفع من مزدلفة إلى منى والإيضاع في وادي محسر
(*)"ز" عن عليٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم جاء المزدلفة وجمع بين الصلاتين، ثم وقف بالمزدلفة فوقف على قزح وأردف الفضل بن عباسٍ وقل هذا الموقف وكل المزدلفة موقٌف، ثم دفع وجعل يسير العنق والناس يضربون (1) يمينًا وشمالًا وهو يلتفت ويقول السكينة السكينة أيها الناس حتى جاء محسرًا (2) فقرع راحلته فخبت
في شرح المهذب يستحب أن يغتسل بالمزدلفة نصف الليل للوقوف بالمشعر الحرام وللعبد ولما فيها من الاجتماع، فإن عجز عن الماء تيمم، قال وهذه الليلة ليلة عظيمة جامعة لأنواع من الفضل (منها) شرف الزمان والمكان، فإن المزدلفة من الحرم، وانضم إلى هذا جلالة أهل المجمع الحاضرين بها وهم وفد الله تعالى ومن لا يشقى بهم جليسهم، فينبغي أن يعنى الحاضر هناك بأحيائها بالعبادة من صلاة أو تلاوة وذكر ودعاء وتضرع، ويتأهب بعد نصف الليل للاغتسال أو الوضوء ويحصل حصاة الجمار وتهيئة متاعه والله الموفق.
(*)"ز" عن علي رضي الله عنه، هذا طرف من حديث طويل تقدم بطوله في باب صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم صحيفة 84 رقم 65 وهو حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي وصححه، وإنما ذكرت هذا الطرف منه هنا لما فيه من صفة سيرهم عند الدفع من مزدلفة وأمر النبي صلى الله عليه وسلم إياهم بالسكينة، وقد تقدم نحوه عن علي رضي الله عنه أيضًا في أول الباب السابق، ولكن ليس فيه ما ذكر، وهذا الحديث الذي نحن بصدد شرحه من زوائد عبد الله ابن الإمام أحمد علي مسند أبيه، وذاك من رواية الإمام أحمد فتنبه (غريبه)(1) أي يضربون الإبل كما صرح بذلك في رواية أبي داود، أي يحثونها على سرعة السير والنبي صلى الله عليه وسلم يلتفت إليهم ويقول السكينة (بالنصب) أي الزموا السكينة أيها الناس أي تأنوا في سيركم خوفًا من ضرر الزحام، ووقع في رواية أبي داود "لا يلتفت إليهم" بزيادة لا، ومعناه لا يشاركهم في سرعة السير، ورواية الترمذي كرواية الإمام أحمد بدون لا (قال المحب الطبري) قال بعضهم رواية الترمذي بإسقاط لا. أصح والله أعلم (2) تقدم ضبطه وسبب تسميته بذلك (وقد اختلف العلماء) في محسر فقيل هو واد بين مزدلفة ومنى، وقيل ما حسب منه في مزدلفة فهو منها، وما حسب منه في منى فهو منها وصوبه بعضهم، وتقدم
-[التعريف بوادي محسر واستحباب إسراع السير فيه خاصة]-
حتى خرج ثم عاد لسيره الأول حتى رمى الجمرة- الحديث
(358)
عن الفضل بن العباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة وغداة جمعٍ للناس حين دفعنا (وفي لفظٍ حين دفعوا)
في غير حديث أن مزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر، فيكون على هذا قد أطلق بطن محسر والمراد منه ما خرج من مزدلفة، وإطلاق اسم الكل على البعض جائز مجازًا شائعًا، وقال أبو جعفر الطحاوي ليس وادي محسر من منى ولا من المزدلفة، فالاستثناء في قوله إلا بطن محسر منقطع، وتبع الطحاوي في ذلك النووي في شرح المهذب فقال وادي محسر موضع فاصل بين منى ومزدلفة، ليس من واحدة منهما بل هو مسيل ما بينهما اهـ، ويعارض هذا ما ثبت في حديث الفضل بن عباس رضي الله تبارك وتعالى عنهما عند مسلم والإمام أحمد وسيأتي في الحديث التالي بعد هذا بلفظ "حتى إذا دخل محسرًا وهو من منى قال عليكم بحصى الحذف" ولفظ مسلم "حتى دخل محسرًا وهو من منى قال عليكم بحصى الحذف- الحديث" وعلى هذا فهو من منى والله أعلم (وقوله فقرع راحلته فخبت) أي ضربها بالسوط فأسرعت في وادي محسر (قال الأزرقي) وإنما شرع الإسراع فيه لأن العرب كانوا يقفون فيه ويذكرون مفاخر آبائهم فاستحب الشارع مخالفتهم اهـ (وقال النووي) في شرح المهذب قال أصحابنا واستحب الإسراع فيه للاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ولأن وادي محسر كان موقف النصارى فاستحبت مخالفتهم، واستدلوا بما رواه البيهقي بإسناده عن المسور بن مخرمة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يوضع (يعني يسرع في وادي محسر) ويقول
إليك تعدو قلقًا وضيتها مخالفًا دين النصارى دينها
(قال البيهقي) يعني الأيضاع في وادي محسر، ومعنى هذا البيت أن ناقتي تعدو إليك يا رب مسرعة في طاعتكم قلقًا وضينها. وهو الحبل الذي كالحزام، وإنما صار قلقًا من كثرة السير والإقبال التام والإجهاد في طاعتك، والمراد صاحب الناقة "وقوله مخالفًا دين النصارى دينها" بنصب دين النصارى ورفع دينها، أي أني لا أفعل فعل النصارى ولا أعتقد اعتقادهم، (قال القاضي حسين) في تعلقيه يستحب للمار بوادي محسر أن يقول هذا الذي قاله عمر رضي الله عنه والله أعلم (تخريجه)(د. مذ. وصححه)
(358)
عن الفضل بن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى عن ابن جريح أخبرني أبو الزبير أخبرني أبو معبد قال سمعت ابن عباس يخبر عن الفضل
-[الأمر بالسكينة في الدفع من مزدلفة إلى منى]-
عليكم السكينة وهو كاٌف $$$ (1) حتى إذا دخل بني منى حين هبط محسرًا (وفي لفظٍ حتى إذا دخل محسرًا وهو من منى)(2) قال عليكم بحصى الحذف الذي يرمي به الجمرة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده كما يحذف الإنسان (3)
(359)
عن أبي الزبير عن جابرٍ رضي الله عنه قال أفاض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (4) وعليه السكينة وأمرهم بالسكينة وأمرهم أن يرموا (5) بمثل حصى الحذف، وأوضع (6) في وادي محسرٍ
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبه)(1) أي يمنعها الإسراع (2) فيه أن وادي محسر من منى، ومن قال غير ذلك فعليه بالدليل (3) الحذف بخاء معجمة مفتوحة ثم ذال معجمة ساكنة بوزن الضرب، تقول حذفت الحصاة ونحوها حذفًا، من باب ضرب. رميتها بطرفي الإبهام والسبابة، وقولهم يأخذ حصى الحذف معناه حصى الرمى، والمراد الحصي الصغار، لكنه أطلق مجازًا، قاله في المصباح (وقال الأثرم) يكون أكبر من الحمص ودون البندق، وكان ابن عمر رضي الله عنهما برمي بمثل بعر الغنم اهـ (وقوله يشير بيده كما يحذف الإنسان) قال النووي المراد به الإيضاح وزيادة البيان لحصي الحذف وليس المراد أن الرمى يكون على هيئة الحذف وإن كان بعض أصحابنا قد قال باستحباب ذلك لكنه غلط، والصواب أنه لا يستحب كون الرمى على هيئة الحذف فقد ثبت حديث عبد الله بن المغفل عن النبي صلى الله وسلم في النهي عن الحذف. وإنما معنى هذه الإشارة ما قدمناه والله أعلم اهـ (تخريجه)(م. نس. هق) ولفظهم عن ابن عباس عن الفضل بن عباس وكان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في عشية عرفة وغداة جمع للناس حين دفعوا عليكم السكينة وهو كاف ناقته حتى دخل محسرًا وهو منى، وقال عليكم بحصى الحذف الذي يرمى به الجمرة، وقال لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى الجمرة، وللإمام أحمد رواية بهذا اللفظ أيضًا.
(359)
عن أبي الزبير عن جابر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا روح ثنا الثوري عن أبي الزبير- الحديث" (غريبه)(4) يعني من مزدلفة إلى منى (5) يعني جمرة العقبة يوم النحر (6) أي أسرع في السير وتقدم الكلام على الحكمة في ذلك (تخريجه)(هق) وسنده جيد، قال النووي على شرط البخاري ومسلم اهـ زاد البيهقي وقال خذوا عني مناسككم لعلى لا أراكم بعد عامي هذا
-[زوائد الباب - وكلام العلماء فى الإسراع فى وادى محسر]-
(360)
عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما أنَّ النَّبى صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال ارفعوا عن بطن محسِّر وعليكم بمثل حصى الخذف
(360) عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سفيان عن زياد يعنى ابن سعد عن أبى الزبير عن ابن معبد عن ابن عباس - الحديث" (غريبه)(1) أى تباعدوا عنها وظاهر السياق يدل على أن المراد به هنا عدم التقاط الحصى منها، ويؤيد ذلك أنه يسن الإسراع فى وادى محسر فلا يتأتى النقاط الحصى منها مع الإسراع والله أعلم (تخريجه)(هق) ورجال الأمام أحمد من رجال الصحيحين (زوائد الباب)(عن نافع أن عبد الله بن عمر) كان يحرك راحلته فى بطن محسر قدر رمية بحجر (لك. هق)(وعن علقمة عن أمه عن عائشة) رضى الله عنها أنها كانت إذا نفرت غداة المزدلفة فإذا جاءت بطن محسر قالت لى ازجرى الدابة وارفعيها، قالت فزجرتها يوما فوقعت الدابة على يديها وعليها الهودج ثم زجرتها الثانية فرفعها الله فلم يضرها شيئا، وكانت ترفع دابتها حتى تقطع بطن محسر وتدخل بطن منى (هق) قال وروينا فى ذلك عن عبد الله ابن مسعود وحسين بن على رضى الله تعالى عنهم، قال وكان ابن الزبير يوضع أشد الأيضاع أخذه عن عمر رضى الله عنه، يعنى الأيضاع فى وادى محسر اهـ (وعن ابن عمر) رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أتى محسراً حرك راحلته وقال عليكم بحصى الخذف (طس) وفيه ابن لهيعة (قال الهيثمي) وهو حسن الحديث (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية التأنى والسكينة فى الدفع من مزدلفة إلى منى كما سبق فى سيره صلى الله عليه وسلم فى الدفع من عرفات إلى مزدلفة إلا فى وادى محسر فإنه يستحب الأسراع فيه، فان كان ماشيا أسرع، وإن كان راكبا حرك دابته، وذلك قدر رمية بحجر لما تقدم فى الزوائد عن نافع عن ابن عمر أنه كان يحرك راحلته فى بطن محسر قدر رمية بحجر، ويكون ملبيا فى طريقه لما تقدم فى الباب السابق من حديث الفضل بن العباس أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبى حتى رمى جمرة العقبة، وما تقدم من التأنى فى الدفع من مزدلفة إلى منى والسرعة فى وادى محسر والتبية فى الطريق كل ذلك مستحب عند جمهور العلماء من السلف والخلف، وخالف قوم فى التلبية، تقدم ذكرهم فى أحكام الباب السابق، وحكى الرافعى وجها شاذا ضعيفا أنه لا يستحب الأسراع فى وادى محسر للماشي، وذهب بعضهم إلى عدم استحبابه مطلقا للراكب والماشى مستدلين بما تقدم فى الباب السابق من حديث الفضل بن العباس وفيه أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر مناديه فنادى ليس البر بايضاع الخيل والأبل فعليكم السكينة، ولقول ابن عباس في الحديث
-[رد حجة القائلين بعدم الأسراع فى وادى محسر]-
(3)
باب الرخصة فى تقديم وقت الدفع للضعفة من النساء وغيرهن قبل الزحام
(361)
عن ابن جريج قال أخبرنى عبد الله مولى أسماء عن أسماء رضى الله عنها أنها نزلت عند دار المزدلقة فقالت أى بنىَّ هل غاب القمر ليلة جمعٍ وهى تصلِّي؟ قلت لا، فصلَّت ساعةً ثمَّ قالت أى بنى هل غاب القمر؟ قال وقد غاب القمر قلت نعم قال فارتحلوا، فارتحلنا ثمًَّ مضينا بها حتَّى رمينا الجمرة، ثمَّ رجعت فصلَّت الصُّبح فى منزلها فقلت لها أي هنتاه
الذي بعده إنما كان بدء الأيضاع من قبل أهل البادية - الحديث، وأجاب النووى فى شرح المهذب عن هذين الحديثين من وجهين (أحدهما) أنه ليس فيهما تصريح بترك الأسراع فى وادى محسر فلا يعارضان باثبات الأسراع (والثاني) أنه لو صرح فيهما بترك الأسراع كانت رواية الأسراع أولى لوجهين (أحدهما) أنها إثبات وهو مقدم على النفى (والثاني) أنها أكثر رواة وأصح أسانيد فهى أولى والله أعلم اهـ
(361)
عن ابن جريج (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج - الحديث" (غريبه)(1) هو عبد الله بن كيسان مولى أسماء، كينته أبو عمر، وأسماء هى بنت أبى بكر الصديق رضى الله عنهما (2) أى عند منزل الناس بالمزدلفة، لأن كل مكان ينزل به الناس يقال له دار (وقولها أى بني) معناه يا بنى بضم الباء الموحدة مصغرا (3) إنما سألته عن مغيب القمر لأنها كانت عميت فى آخر عمرها وكانت هذه القصة فى حجة بعد حجة الوداع ليلة جمع. أى ليلة مبيتهم بالمزدلفة (4) إنما كررت السؤال عن مغيب القمر لأنه الوقت الذى أذن فيه النبى صلى الله عليه وسلم للضعفة من النساء وغيرهم بالدفع من مزدلفة إلى منى لرمى جمرة العقبة قبل الزحام وكانت تريد الدفع فى هذا الوقت، ولذلك لما قال لها نعم قالت فارتحلوا بكسر الحاء تعنى إلى منى لرمى جمرة العقبة، وكان ذلك فى أول الثلث الأخير من الليل لأن القمر فى الليلة العاشرة من الشهر يغيب فى ذلك الوقت تقريباً (5) أى بمنى (وقوله أى هنتاه) معناه يا هنتاه بفتح الهاء وسكون النون وقد تفتح، وإسكانها أشهر ثم بالتاء المثناة من فوق وقد تسكن الهاء التى فى آخرها وتضم، أى يا هذه يقال للمذكر إذا كنى عنه هن، وللمؤنث هنة، وزيدت الألف لمد الصوت والهاء لإظهار الألف
-[الرخصة في تقديم وقت الدفع للضعفة من النساء ونحوهن خشية الزحام]-
لقد غلَّسنا قالت كلَاّ يا بنىَّ، إنَّ نبى الله صلى الله عليه وسلم أذن للظُّعن
(362)
عن الفضل بن العبَّاس رضى الله عنهما قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعفة بنى هاشم أمرهم أن يتعجَّلوا من جمع بليل
(363)
عن ابن عبَّاسٍ رضى الله عنهما أنا ممَّن قدَّم النَّبى صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة فى ضعفة أهله، وقال مرَّةً إنَّ النبَّى صلى الله عليه وسلم قدَّم ضعفة أهله
(1) بفتح الغين المعجمة وتشديد اللام وسكون السين المهملة أى تقدمنا على الوقت المشروع لرمى الجمار، وفى الموطأ للأمام مالك لقد جئنا منى بغلس "يعنى ظلمة الليل" وفى رواية داود العطار ولقد ارتحلنا بليل، وفى رواية أبى داود فقلت إنا رمينا الجمرة بغلس، (2) بضم الظاء المعجمة والعين المهملة ويجوز سكونها جمع ظعينة، وهى المرأة فى الهودج، وقيل هو الهودج كانت فيه امرأة أو لم تكن (وعن ابن السكيت) كل امرأة ظعينة سواء كانت فى هودج أو غيره، والمعنى أن نبى الله صلى الله عليه وسلم أذن للضعفة من النساء ونحوهن برمى الجمار فى هذا الوقت خوفا عليهن من الزحام (تخريجه) (ق. لك. د. هق. طب: طح)
(362)
عن الفضل بن العباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا شعبة أخبرنى مشاش عن عطاء بن أبى رباح عن ابن عباس عن الفضل بن عباس - الحديث" (غريبه)(3) الضعفة بفتح العين جمع ضعيف (قال ابن حزم) هم الصبيان والنساء فقط، وهذا الحديث يرد عليه لأنه أعم من ذلك، فيدخل فيه النساء والصبيان والمشايخ العاجزون وأصحاب الأمراض، لأن العلة خوف الزحام عليهم (4) أى فى ليل والباء تتعلق بقوله يتعجلوا وهذا التعجيل من منزلهم الذى نزلوا به بالمزدلقة (وقوله بليل) أعم من أن يكون فى أول الليل أو فى وسطه أو فى آخره، وبينته رواية أسماء فى الحديث السابق حيث جاء فيها إذا غاب القمر، وتقدم أن مغيب القمر تلك الليلة يقع عند أوائل الثلث الأخير، ومن ثم قيده الأمام الشافعى وأصحابه بالنصف الثاني، وروى البيهقى من حديث ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يأمر نساءه وثقله فى صبيحة جمع أن يفيضوا مع أول الفجر بسواد وأن لا يرموا الجمرة إلا مصبحين (تخريجه)(نس) وسنده جيد
(363)
عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس - الحديث" (تخريجه)(ق. هق. والأربعة)
-[جواز الإفاضة قبل الوقوف بالمشعر الحرام للضعفة]-
(364)
وعنه أيضاً قال بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الثَّقل من جمع بليل
(365)
عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها قالت كانت سودة رضى الله عنها امرأة ثبطةً ثقيلةً فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تفيض من جمعٍ قبل أن تقف فأذن لها، قالت عائشة وددت أنِّى كنت استأذنته فأذن لى وكان القاسم يكره أن يفيض قبل أن يقف
(364) وعنه أيضا (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يونس حدثنا حماد عن ابن زيد عن أيوب عن عكرمة عن عباس - الحديث" (غريبه)(1) هو بفتح الثاء المثلثة والقاف وهو المتاع ونحوه (تخريجه)(ق. هق. وغيرهم)
(365)
عن عبد الرحمن بن القاسم (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا بهز ثنا حماد بن سلمة قال أنا عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه - الحديث" (غريبه) (2) بسكون الموحدة بعد المثلثة المفتوحة، ويجوز كسر الموحدة، ومعناها بطيئة الحركة كأنها تثبط (وقوله ثقيلة) أى من عظم جسمها، ووقع فى رواية مسلم ما يشعر بأن تفسير الثبطة بالثقيلة من القاسم راوى الحديث ولفظه "وكانت امرأة ثبطة يقول القاسم والثبطة الثقيلة" ولأبى عوانة من طريق أبى عامر العقدى عن أفلح "وكانت امرأة ثبطة يعنى ثقيلة" ووقع عند البخارى من رواية محمد بن كثير "وكانت امرأة ثقيلة ثبطة" قال الحافظ وعلى هذا يكون قوله فى هذه الرواية "يعنى رواية البخاري" ثقيلة ثبطة من الادراج الواقع قبل ما أدرج عليه وأمثلته قليلة جدا، وسببه أن الراوى أدرج التفسير بعد الأصل وظن الراوى الآخر أن اللفظين ثابتان فى أصل المتن فقدم وأخر اهـ (3) انما ودت عائشة رضى الله عنها أن تكون استأذنت النبى صلى الله عليه وسلم كما استأذنته سودة لأنها رأت فى نفسها الضعف عن تحمل مشاق الزحام، والضعف أعم من أن يكون لثقل الجسم أو غيره كما تقدم فى حديث ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قدم ضعفة أهله، ويحتمل أنها قالت ذلك لأنها شركتها فى الوصف لما ورد أنها قالت سابقت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته فلما ربيت اللحم سبقني؛ ويحتمل غير ذلك والله أعلم، وحاصل كلام عائشة أنها دامت على ما فعلت فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم وقد ثقل عليها الدفع مع الأمام، لكنها كانت تفعل ذلك لكونها فعلته مع النبى صلى الله عليه وسلم وأحبت أن تفعل ما فعلت معه صلى الله عليه وسلم فتمنت لذلك أنها لو استأذنت النبى صلى الله عليه وسلم في الدفع
-[زوائد الباب فى جواز تقديم الوقوف بالمزدلفة والأفاضة منها ورمى الجمار للضعفة]-
(وعنه من طريقٍ ثانٍ) عن عائشة قالت إنَّما أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لسودة بنت زمعة فى الإفاضة قبل الصبح من جمعٍ لأنها كانت امرأةً ثبطة
(366)
عن ابن شوَّال أنَّه دخل على أمِّ حبيبة (زوج النَّبىَّ صلى الله عليه وسلم ورضى عنها) فأخبرته أن النبى صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قدَّمها من جمعٍ بليلٍ
(367)
عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النَّبىَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أذن لضعفة النَّاس من المزدلفة بليلٍ
حتى دفعت قبله لكانت فعلت كذلك بعده أيضا فصار ذلك سببا للراحة فى حقها والله أعلم (1)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هشيم قال أنا منصور عن عبد الرحمن ابن القاسم عن عائشة - الحديث" (تخريجه)(ق. وغيرهما)
(366)
عن ابن شوال (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحى بن سعيد عن ابن جريج قال أخبرنى عطاء عن ابن شوال أنه أخبره أنه دخل على أم حبيبة - الحديث" (تخريجه)(م. نس)
(367)
عن ابن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهرى عن سالم عن ابن عمر - الحديث" (غريبه)(2) هذا عام لجميع الضعفاء من الناس سواء أكانوا من بنى هاشم أو من أهله صلى الله عليه وسلم أو من عامة الناس رجالا أو نساء، وهذا الأذن فى تقديم الدفع قبل الأمام لأجل رمى جمرة العقبة قبل الزحام والله أعلم (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الأمام أحمد ورجاله من رجال الصحيحين ومعناه فى الصحيحين وغيرهما (زوائد الباب)(عن ابن شهاب) أن سالم بن عبد الله أخبره أن عبد الله بن عمر كان يقدم ضعفه أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بالليل فيذكرون الله ما بدا لهم ثم يدفعون قبل أن يقف الأمام وقبل أن يدفع، فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر، ومنهم من يقدم بعد ذلك، فاذا قدموا رموا الجمرة، وكان ابن عمر يقول أرخص فى أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم (ق. هق)(عن أم سلمة رضى الله عنها) قالت قدمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن قدَّم مع ضعفة أهله ليلة المزدلفة، قالت فرميت الجمرة بليل ثم مضيت إلى مكة فصليت بها الصبح ثم رجعت إلى منى (طب) وفيه سليمان بن أبى داود قال ابن القطان لا يعرف (وعن إسماعيل بن عبد الملك بن أبى الصفراء) عن عطاء عن
-[بقية زوائد الباب وذكر مذاهب العلماء فى أحكامه]-
.....
ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس ليلة المزدلفة اذهب بضعفائنا ونسائنا فليصلوا الصبح بمنى وليرموا جمرة العقبة قبل أن تصيبهم دفعة الناس، قال فكان عطاء يفعله بعد ما كبر وضعف (طح)(وعن عائشة رضى الله عنها) أن النبى صلى الله عليه وسلم أرسل أم سلمة رضى الله عنها يوم النحر فرمت قبل الفجر ثم أفاضت وكان ذلك اليوم الذى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها (د) قال النووى فى شرح المهذب وإسناده صحيح على شرط مسلم (الأحكام) أحاديث الباب تدل على جواز الأفاضة من مزدلفة إلى منى قبل طلوع الفجر وقبل الوقوف بالمشعر الحرام للنساء والضعفة من الرجال والصبيان، ولكن لا يجزئ فى أول الليل اجماعا، ويستفاد من حديث أسماء رضى الله عنها أن وقت الأفاضة لهؤلاء يبتدئ من أول ثلث الليل الأخير لأنها أمرتهم بالارتحال بعد مغيب القمر ومغيبه عادة فى الليلة العاشرة من الشهر يكون فى هذا الوقت، أما غير هؤلاء فالسنة فى حقهم أن يصلوا الصبح أولا ثم يقفوا بالمشعر الحرام ثم يدفعوا منه إلى منه بعد الأسفار جدا قبيل طلوع الشمس، ونقدم الكلام على ذلك قبل باب، ويستفاد منه أيضا جواز رمى جمرة العقبة للضعفة المذكورين قبل طلوع الشمس ففيه أنها رمت الجمرة ثم رجعت فصلت الصبح فى منزلها (وفى حديث عائشة) أن سودة استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تفيض من جمع قبل أن تقف بالمشعر الحرام فأذن لها (وقد اختلف العلماء فى ذلك) فذهب عطاء بن أبى رباح المكى وطاوس بن كيسان ومجاهد وابراهيم النخعى والشعبى وسعيد بن الجبير (والشافعي) إلى جواز الرمى قبل طلوع الشمس بعد طلوع الفجر للذين يتقدمون قبل الناس، وحكى القاضى عياض أن مذهب الشافعى رمى الجمرة (لهؤلاء) من نصف الليل محتجاً بحديث عائشة المذكور فى الزوائد أن أم سلمة رضى الله عنها رمت قبل الفجر (وذهبت المالكية) إلى أن الزمن يحل بطلوع الفجر (وذهب الثورى والنخعي) إلى أن جمرة العقبة لا ترمى إلا بعد طلوع الشمس وهو مذهب الأئمة (أبى حنيفة وأبى يوسف ومحمد وأحمد واسحاق) قالوا فان رموها قبل طلوع الشمس أجزأهم وقد أساءوا، وسيأتى بيان وقت رمى جمرة العقبة لغير الضعفة ومذاهب الأئمة فى ذلك بعد بابين ان شاء الله، وقد استدل بحديث أسماء وحديث عائشة فى قصة سودة على اسقاط الوقوف بالمشعر الحرام عن الضعفة ولا حجة فيهما لأنه مسكوت عن الوقوف فيهما، وبينت ذلك رواية ابن عمر المذكورة فى الزوائد حيث كان يقدم ضعفه أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بالليل فيذكرون الله ما بدا لهم، ثم يدفعون قبل أن يقف الأمام - الحديث؛ وقد تقدم الكلام على حكم الوقوف بمزدلقة ومذاهب الأئمة فيه فى أحكام باب الوقوف بالمشعر الحرام صحيفة 157، والله الموفق
-[سبب رمي الجمرات قصة الذبيح وأنه اسماعيل على التحقيق]-
(أبواب رمى جمرة العقبة وما يتبع ذلك إلى آخر يوم النحر)
(1)
باب سبب مشروعية رمى الجمار وحكمها
(وعدد صحى الرمى وصفته ومن أين يلتقطه)
(368)
عن ابن عباسٍ رضى الله عنهما قال إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنَّ جبريل ذهب بإبراهيم إلى جمرة العقبة فعرض له الشَّيطان فرماه بسبع حصيات فساخ ثمَّ أتى الجمرة الوسطى فعرض له الشَّيطان فرماه بسبع حصياتٍ فساخ، ثمَّ أتى الجمرة القصوى فعرض له الشَّيطان فرماه بسبع حصياتٍ فساخ، فلمَّا أراد إبراهيم أن يذبح ابنه إسحاق قال لأبيه يا أبت أوثقنى لا أضطرب فينضح عليك من دمى إذا ذبحتني. فشدَّه، فلمَّا أخذ
(368) عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يونس أنا حماد عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - الحديث" (غريبه) (1) أى غاص فى الأرض يقال ساخت الأرض به تسوخ وتسيخ (2) هى التى بين جمرة العقبة والجمرة القصوى (3) هى التى تلى مسجد الخيف، ويقال لها الأولى لأنها أولى الجمرات من جهة عرفات، والقصوى لأنها أبعد الجمرات من مكة (4) الصحيح الذى عليه جمهور العلماء المحققين وتؤيده الأدلة الصحيحة أن الذبيح اسماعيل، وهو الظاهر من القرآن، بل كأنه نص على أن الذبيح هو اسماعيل، فقد حكى الله عز وجل عن ابراهيم قصة الذبيح حيث قال "رب هب لى من الصالحين فبشرناه بغلام حليم. فلما بلغ معه السعى قال يا بنى إنى أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى - الآية" ثم قال وبشرناه باسحاق نبيا من الصالحين، ومن المعلوم أن اسماعيل أول ولده باتفاق العلماء، وقد روى الأمام أحمد من حديث أبى الطفيل عن ابن عباس، وتقدم فى باب ما رواه أبو الطفيل عن ابن عباس فى أسباب بعض أعمال الحج صحيفة 100 رقم 70 فى الجزء الحادى عشر "قال قد تله للجبين" وفى لفظ "وثم تله للجبين وعلى اسماعيل قميص أبيض - الحديث" ففيه التصريح بأن الذبيح اسماعيل، وهذا الحديث أورده الهيثمى وقال رواه أحمد والطبرانى فى الكبير ورجاله ثقات، وسنفيض الكلام على ذلك فى كتاب التفسير، فى تفسير قوله تعالى "وناديناه أن يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا" فى سورة الصافات، والجواب عن حديث الباب أن فى إسناده عطاء بن السائب وقد اختلط
-[مقدار حصى الخذف ومن أين يلتقطه]-
الشَّفرة فأراد أن يذبحه نودى من خلفه أن يا إبراهيم قد صدَّقت الرُّؤيا
(369)
عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما قال قال لى رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم غداة جمعٍ هلمَّ القط لي، فلقطت له حصياتٍ من حصى الخذف فلمَّا وضعهنَّ فى يده قال نعم بأمثال هؤلاء وإيَّاكم والغلوَّ فى الدِّين فإنَّما هلك من كان قبلكم بالغلوِّ فى الدِّين
(370)
عن سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمِّه قالت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمى جمرة العقبة من بطن الوادى يوم النَّحر وهو يقول يا أيُّها
فهو لا يقاوم حديث أبى الطفيل المشار اليه لا سيما وظاهر القرآن يعضده والله أعلم (1) الشفرة السكين العريضة (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد، وأورده الهيثمى وقال رواه أحمد وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط
(369)
عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هشيم أنا عوف عن زياد بن حصين عن أبى العالية عن ابن عباس - الحديث" (غريبه) (2) قال ابن قدامة فى المغنى كان ذلك (يعنى التقاط الحصى) بمنى قال ولا خلاف فى أنه يجزئه أخذه من حيث كان، والتقاط الحصى أولى من تكسيره لهذا الخبر، ولأنه لا يؤمن فى التكسير أن يطير إلى وجهه شيء يؤذيه اهـ. وحصى الخذف تقدم تفسيره ومقداره وهو أكبر من الحمص ودون البندق (3) أى التشديد فيه ومجاوزة الحد، وقيل معناه البحث عن بواطن الأشياء والكشف عن عللها (وقوله فانما هلك) بتخفيف اللام متعد. بمعنى أهلك وقد جاء متعديا كما فى القاموس كما جاء لازما وهو الأكثر، ولفظ النسائى "وإنما أهلك من كان قبلكم الغلو فى الدين" (تخريجه)(نس. جه) وسنده على شرط مسلم. ورواه البيهقى من رواية ابن عباس عن أخيه الفضل بن العباس (قال النووي) فى شرح المهذب وسنده حسن أو صحيح وهو على شرط مسلم
(370)
عن سليمان بن عمرو بن الأحوص (سنده) حدّثنا عبد الله بن أحمد قال حدثنى أبى قال ثنا ابن فضيل عن يزيد عن سليمان بن عمرو بن الأحوص - الحديث" (غريبه)(4) هى أم جندب الأزدية رضى الله عنها صحابية لها حديث، قاله الحافظ
-[النهي عن الزحام فى رمى جمرة العقبة وبكم حصاة ترمى]-
النَّاس لا يقتل بعضكم ولا يصب بعضكم (وفى لفظٍ لا تقتلوا أنفسكم) وإذا رميتم الجمرة فارموها بمثل حصى الخذف، فرمى بسبعٍ ولم يقف، وخلفه رجل بستره، قلت من هذا؟ قالوا الفضل ابن العبَّاس
(371)
عن ابن أبى نجيح قال سألت طاوساً عن رجلٍ رمى الجمرة بستِّ حصياتٍ، فقال ليطعم قبضةً من طعامٍ، قال فلقيت مجاهداً فسألته وذكرت له قول طاوس، فقال رحم الله أبا عبد الرحمن أما بلغه قول سعد بن مالك رضى الله عنه قال رمينا الجمار أو الجمرة فى حجتَّنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ جلسنا نتذاكر، فمنَّا من قال رميت بستٍّ، ومنَّا من قال رميت بسبعٍ، ومنا من قال رميت بثمانٍ، ومنا من قال رميت بتسعٍ، فلم يروا بذلك بأساً
في التقريب اهـ. وفى رواية أخرى للأمام أحمد وكانت بايعت النبى صلى الله عليه وسلم (1) هكذا بالأصل بحذف المفعول، لكن رواه الأمام أحمد أيضا من طريق عبد الرزاق أنا معمر عن يزيد، به قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو يرمى الجمرة من بطن الوادى وهو يقول "يا أيها الناس لا يقتل بعضكم بعضا، وإذا رميتم الجمرة فارموها بمثل حصى الخذف" فذكر المفعول فى هذه الرواية، والمعنى لا يقتل بعكم بعضا بسبب المزاحمة على رمى الجمار والرمى بالحجر الكبير، ولا يصب بعضكم بعضا بأذى لهذا السبب أيضا (2) القائل من هذا هى أم سليمان بن عمرو بن الأحوص رواية الحديث (تخريجه)(د. جه. هق) وفى اسناده يزيد بن أبى زياد وهو ضعيف، لكن يغنى عنه حديث جابر عند مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم أتى الجمرة يعنى يوم النحر فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف وهى من بطن الوادى ثم الصرف
(371)
عن ابن أبى نجيح (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا عبد الوارث ثنا ابن أبى نجيح - الحديث" (غريبه)(3) كنيته طاوس (4) هو المشهور بسعد بن أبى وقاص رضى الله عنه الصحابى الجليل أحد العشرة المبشرين بالجنة (5) يعنى أنه لا دم عليه ولا يبطل حجه، والظاهر أن الأمر مبنى على التسامح وقيام الأكثر مقام الأقل، والجمهور على خلافه فالواجب أن يرمى كل جمرة بسبع حصيات كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم (تخريجه)(نس) وسنده جيد (زوائد الباب) (عن عبد الرحمن
-[زوائد الباب ومذاهب العلماء فى حكم رمى جمرة العقبة]-
.....
ابن عثمان التيمي) رضى الله عنه قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نرمى الجمار بمثل حصى الخذف فى حجة الوداع (طب) ورجاله رجال الصحيح (وعن ابن عمر) رضى الله عنهما أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن رمى الجمار ما لنا فيه؟ فسمعته يقول تجد ذلك عند ربك أحوج ما تكون اليه (طب. طس) وفيه الحجاج بن أرطاة وفيه كلام (وعن ابن عباس) رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رميت الجمار كان لك نورا يوم القيامة (بز) وفيه صالح مولى التوأمة وهو ضعيف (وعن أبى سعيد الخدري) رضى الله عنه قال قلما يا رسول الله هذه الجمار التى نرمى كل سنة فنحسب أنها تنقص، فقال ما يقبل منها رفع، ولولا ذلك رأيتموها مثل الجبال (طس) وفيه يزيد بن سنان التميمى وهو ضعيف، أوردها الهيثمى (وجاء فى حديث لجابر) بن عبد الله عند مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رمى الجمار تو، والسعى بين الصفا والمروة تو، والطواف تو، والتو بفتح التاء المثناة فوق (الوتر) والمراد به فى الجمار سبع سبع وفى الطواف سبع وفى السعى سبع (وعن أبى الطفيل) قال سألت ابن عباس عن الحصى الذى يرمى فى الجمار منذ قام الأسلام، فقال ما تقبل منهم رفع، وما لم يتقبل منهم ترك، ولولا ذلك لسد ما بين الجبلين (هق) قال وروينا عن سفيان الثورى عن ابن خثيم عن أبى الطفيل عن ابن عباس قال وكل به ملك ما تقبل منه رفع، وما لم يتقبل منه ترك (هق)(وعن سفيان الثوري) قال حدثنى سليمان العبسى عن ابن أبى نعم قال سألت أبا سعيد عن رمى الجمار فقال لى ما تقبل منه رفع، ولولا ذلك كان أطول من ثبير (هق)(وعن نافع عن ابن عمر) أنه كان يأخذ الحصى من جمع كراهة أن ينزل (قال الشافعي) ومن حيث أخذ أجزأه إلا أنى كرهه من المسجد لئلا يخرج حصى المسجد منه ومن الجيش (أى موضع قضاء الحاجة) لنجاسته ومن الجمرة لأنه حصى غير متقبل (هق ا) قال وقد روينا فى كتاب الصلاة عن أبى صالح عن أبى هريرة مرفوعا ان الحصى يناشد الذى يخرجه من لمسجداهـ (وعن قتادة) قال سمعت أب مجلز يقول سألت ابن عباس عن شيء من أمر الجمار فقال ما أدرى رماها رسول الله صلى الله عليه وسلم بست أو بسبع (نس)(الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد تدل على جملة أحكام (منها) مشروعية رمى جمرة العقبة، وقد ذهب إلى أنه واجب ليس بركن الأئمة (أبو حنيفة ومالك والشافعى وأحمد وداود) قال العبدرى وقال عبد الملك ابن الماجشون من أصحاب مالك هو ركن، والركن يبطل الحج بتركه، والواجب يجبر بالدم، وحكى ابن جرير عن عائشة وغيرها أن الرمى إنما شرع حفظا للتكبيرة، فان تركه وكبر أجزأه، والصحيح ما ذهب إليه الأئمة الأربعة ومن وافقهم، لأن أفعاله صلى الله عليه وسلم بيان لمجمل واجب وهو قوله تعالى "ولله على الناس حج البيت" وقوله صلى الله عليه وسلم "خذوا عني مناسككم"
-[مذاهب العلماء فى عدد الحصى ونوعه ومن أين يلتقط وما يفعل من نقص عن سبع]-
.....
(ومنها) بيان أصل مشروعية الرمى وهو قصة إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام المذكورة فى الحديث الأول من أحاديث الباب، ويستفاد من هذه القصة أن الذبيح اسحاق والصحيح الذى عليه جمهور العلماء أن الذبيح اسماعيل وتقدم الكلام على ذلك فى الشرح (ومنها) استحباب أخذ سبع حصيات من مزدلفة لرمى جمرة العقبة والاحتياط أن يزيد فربما سقط منه شيء، لحديث ابن عباس المذكور فى الباب "قال قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة جمع هلم القط لى الخ، ولأن السنة إذا أتى منى لا يعرج على غير الرمى فاستحب أن يأخذ الحصى حتى لا يشتغل عن الرمى (ولما رواه البيهقي) عن ابن عمر وتقدم فى الزوائد أنه كان يأخذ الحصى من جمع، وفعله سعيد بن جبير وقال كانوا يتزودون الحصى من جمع واستحبه الأمام الشافعى (وعن الأمام أحمد) قال خذ الحصى من حيث شئت وهو قول عطاء وابن المنذر (ومنها) أن يكون الحصى مثل حصى الخذف لما فى أحاديث الباب والزوائد أن النبى صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يرموا بمثل حصى الخذف، وحصى الخذف تقدم بيانه فى الشرح وهو فوق الحمص ودون البندق (ومنها) أن يكون من أى نوع من أنواع الحجارة (واليه ذهب الأئمة مالك والشافعى وأحمد) وقال الأمام أبو حنيفة يجوز بالطين والمدر وما كان من جنس الأرض ونحوه (قال الثوري) وروى عن سكينة بنت الحسين رضى الله عنهما أنها رمت الجمرة ورجل يناولها الحصى تكبر مع كل حصاة وسقطت حصاة فرمت بخاتمها، احتج الأولون بأن النبى صلى الله عليه وسلم رمى بالحصى وأمر بالرمى بمثل حصى الخذف فلا يتناول غير الحصى ويتناول جميع أنواعه فلا يجوز تخصيصه بغير دليل ولا الحاق غيره به لأنه موضع لا يدخل القياس فيه (ومنها) أن رمى الجمار له فضل عظيم عند الله عز وجل ينفع الله به صاحبه يوم القيامة فى وقت يكون العبد أحوج ما يكون إلى عمل صالح ترجح به حسناته (ومن فضائله أيضا) أن يكون نورا لصاحبه يوم القيامة كما فى حديثى ابن عمر وابن عباس المذكورين فى الزوائد (ومنها) أن رمى الجمار لابد أن يكون بسبع حصيات وإلى وجوب ذلك (ذهب جمهور العلماء):وذهب عطاء" إلى أنه إن رمى بخمس أجزأه، وقال مجاهد إن رمى بست فلا شيء عليه (وبه قال الأمام أحمد واسحاق) واحتج من قال ذلك بحديث سعد بن مالك رضى الله عنه المذكور آخر أحاديث الباب، وبما رواه أبو داود والنسائى من رواية أبى مجلز وذكر فى الزوائد قال سألت ابن عباس عن شيء من أمر الجمار فقال ما أدرى رماها رسول الله صلى الله عليه وسلم بست أو بسبع، والصحيح الذى عليه الجمهور أن الواجب سبع كما صح من حديث جابر الطويل عند مسلم فى صفة حج النبى صلى الله عليه وسلم وحديث ابن عباس وغيره، وحديث ابن مسعود، وسيأتى فى باب رمى جمرة العقبة من
-[مذاهب العلماء فى جزاء من رمى بأقل من سبع حصيات]-
(2)
باب وقت رمي جمرة العقبة يوم النحر
(372)
حدّثنا عبد الله حدَّثنى أبى ثنا وكيع ثنا سفيان ومسعر عن سلمة ابن كهيل عن الحسن العرنىِّ عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما قال قدَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أغيلمة بنى عبد المطَّلب على حمرات لنا من جمعٍ، قال سفيان بليلٍ فجعل يلطخ أفخاذنا ويقول أبينىَّ
بطن الوادي، وأجيب عن حديث سعد بأنه ليس بمسند، وعن حديث ابن عباس أنه ورد على الشك من ابن عباس، وشك الشاك لا يقدح فى جزم الجازم، فان رماها بأقل من سبع حصيات (فذهب الجمهور) فيما حكاه القاضى عياض إلى أن عليه دما وهو قول (مالك والأوزاعي)(وذهب الشافعى وأبو ثور) إلى ان على تارك حصاة مداة من طعام وفى اثنتين مدين وفى ثلاث فأكثر دما (وللشافعى قول آخر) أن فى الحصاة ثلث دم. وله. قول آخر أن فى الحصاة درهما (وذهب أبو حنيفة وصاحباه) الى أنه إن ترك أكثر من نصف الجمرات الثلاث فعليه دم، وان ترك أقل من نصفها ففى كل حصاة نصف صاع (وعن طاوس) إن رمى ستا يطعم تمرة أو لقمة. والله سبحانه وتعالى أعلم (ومنها) أن السر فى عدم ازدياد الحصى بكثرة الرمى هو أن ما كان منها مقبولا وكل الله به ملائكة ترفعه، ولم يبق منها إلا ما كان غير مقبول وهو قليل، كما يستفاد ذلك من حديث أبى سعيد والآثار المروية عن ابن عباس فى الزوائد والله أعلم، نسأل الله تعالى أن يجعل أعمالنا مقبولة خالصة لوجهه الكريم، وأن يرزقنا الفوز بجنات النعيم آمين
(372)
حدّثنا عبد الله (غريبه)(1) بضم العين المهملة وفتح الراء، ويقال له البجلى الكوفى ثقة، احتج به مسلم واستشهد به البخارى غير أن حديثه عن ابن عباس منقطع، قال الأمام أحمد رحمه الله الحسن العرفى لم يسمع من ابن عباس شيئا اهـ (2) بدل من الضمير فى قدمنا (وقال الشوكاني) منصوب على الاختصاص أو على الندب، قال فى النهاية تصغير أغلمة بسكون الغين وكسر اللام جمع غلام، وهو جائز فى القياس، ولم يرد فى جمع الغلام أغلمة، وإنما ورد غلمة بكسر الغين المعجمة، والمراد بالأغيلمة الصبيان ولذلك صغرهم (3) بضم الحاء المهملة والميم جمع حمر جمع تصحيح، وحمر جمع لحمار، (4) بفتح الياء التحتية والطاء المهملة وبعدها حاء مهملة (قال أبو داود) اللطخ الضرب اللين، وقال صاحب النهاية هو الضرب الخفيف بالكف اهـ. وإنما فعل ذلك ملاطفة لهم (5) بضم الهمزة وفتح
-[وقت رمي جمرة العقبة بعد طلوع الشمس يوم النحر ويجوز تقديمه للضعفة]-
لا ترموا الجمرة حتَّى تطلع الشَّمس وزاد سفيان، قال ابن عباس ما إخال أحدا يعقل يرمى حتَّى تطلع الشمس
(383)
عن شعبة عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما أنَّ النَّبى صلى الله عليه وسلم بعث به مع أهله إلى منىً يوم النحر فرموا الجمرة مع الفجر
(374)
عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى
الباء الموحدة وسكون ياء التصغير وبعدها نون مكسورة ثم ياء النسب المشددة، كذا قال ابن رسلان فى شرح السنن، وقال أبو عبيد هو تصغير بنىّ جمع ابن مضافا إلى النفس (1) بكسر الهمزة وهو الأفصح أى أظن من باب ظننت وأخواتها، وبنو أسد تقول أخال بالفتح وهو القياس (تخريجه)(الأربعة) من طريق الحسن العرفى وهو منقطع كما علمت، لكن قال الحافظ وأخرجه الترمذى والطحاوى من طرق عن الحكم عن مقسم عنه (يعنى عن ابن عباس) قال وأخرجه أبو داود من طريق حبيب عن عطاء وهذه الطرق يقوى بعضها بعضا ومن ثم صححه الترمذى وابن حبان اهـ
(373)
عن شعبة عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى قال حدثناه حسين قال ثنا ابن أبى ذئب عن شعبة عن ابن عباس - الحديث" (غريبه) (2) فى الحديث السابق أن النبى صلى الله عليه وسلم نهاهم عن الرمى حتى تطلع الشمس، وفى هذا الحديث أنهم رموا الجمرة مع الفجر وكلا الحديثين يحتج به والمخرج واحد والقصة واحدة، وظاهر هذا التعارض، ولا مخلص منه إلا بحمل من رمى مع الفجر على ضعفه أهله صلى الله عليه وسلم من النساء لأن الزحام يؤذيهن، ويحمل من رمى بعد طلوع الشمس على اغيلمة بنى عبد المطلب، ومنهم ابن عباس أخر الرمى حتى يرمى معهم لأنهم أقدر من النساء على تحمل الزحام نوعا وإن كانوا صغار فالزحام لا يؤذيهم كما يؤذى النساء، وقد راعى ذلك النبى صلى الله عليه وسلم فيهم، أما الأقوياء من الرجال فالأفضل لهم رمى جمرة العقبة ضحى لما ثبت فى حديث جابر الآتى بعد هذا أن النبى صلى الله عليه وسلم رمى فى ذلك الوقت، هذا ما ظهر لى والله أعلم (تخريجه) (طح. نس) وسنده جيد. وهو فى الصحيحين بلفظ "كنت فيمن قدّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم فى ضعفة أهله من مزدلفة إلى منى
(374)
عن جابر بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى حدثنا عفان حدثنا حماد يعنى ابن سلمة أنا ابن جريج عن أبى الزبير عن جابر - الحديث"
-[الوقت المستحب لرمى جمرة العقبة باتفاق العلماء يوم النحر ضحى]-
جمرة العقبة يوم النحر ضحًى ورمى فى سائر أيام التشريق بعد ما زالت الشَّمس (وعنه من طريقٍ ثانٍ) رمى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم الجمرة الأولى يوم النَّحر ضحًى، ورماها بعد ذلك عند زوال الشمس
(375)
عن أبى الزُّبير أنَّه سمع جابر بن عبد الله رضى الله تعالى عنهما يقول ولا أدرى بكم رمى الجمرة
(376)
عن أمِّ سلمة رضى الله عنها أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أمرها أن توافى معه صلاة الصُّبح يوم النَّحر بمكَّة
(غريبه)(1) رمي جمرة العقبة فى هذا الوقت متفق على استحبابه عند كافة العلماء ولا يرمى فى هذا اليوم غيرها بالأجماع، وأما أيام التشريق الثلاثة فترمى فيها الجمرات الثلاث بعد زوال الشمس (2)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا ابن إدريس أنا ابن جرير عن أبى الزبير عن جابر قال رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث" (تخريجه)(ق. هق. والأربعة)
(375)
عن أبى الزبير (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا روح ثنا ابن جريج أخبرنى أبو الزبير - الحديث" (غريبه) (3) تقدم فى الباب السابق وزوائده عن ابن عباس وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم رماها بسبع حصيات، بل ثبت عن جابر نفسه فى حديثه الطويل فى صفة حج النبى صلى الله عليه وسلم عند مسلم أنه قال ثم سلك الطريق الوسطى التى تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التى عند الشجرة فرماها بسبع حصيات - الحديث" فيحمل على أنه لم يرد جمرة العقبة بقوله لا أدرى بل أراد غيرها من الجمار الأخرى والله أعلم، والجمرة الكبرى المذكورة فى حديث جابر هى جمرة العقبة وهى التى عند الشجرة (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وسنده جيد
(376)
عن أم سلمة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو معاوية قال ثنا هشام ابن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبى سلمة عن أم سلمة - الحديث" (تخريجه)(طح. هق) وأعله صاحب الجوهر النقى بالاضطراب سندا ومتناً، قال وقد ذكر الطحاوى وابن بطال فى شرح البخارى ان أحمد بن حنبل ضعفه وقال لم يسنده غير معاوية وهو خطأ، وقال عروة مرسلا انه عليه السلام أمرها أن توافيه صلاة الصبح
-[من قال بجواز رمي جمرة العقبة قبل الفجر يوم النحر]-
(377)
حدّثنا عبد الله حدثَّنى أبى ثنا داود بن عمر وثنا نافع بن عمر ابن جميل الجمحى قال رأيت عطاءًا وابن أبى مليكة وعكرمة بن خالدٍ رحمهم الله عز وجل يرمون الجمرة قبل الفجر يوم النَّحر فقال له أبى يا أبا سليمان فى أى سنةٍ سمعت من نافع بن عمر؟ قال سنة تسعٍ وستِّين؛
يوم النحر بمكة، قال أحمد وهذا أيضا عجب، وما يصنع النبى صلى الله عليه وسلم يوم النحر بمكة؟ ينكر ذلك اهـ (قلت) والظاهر أن هذا الحديث بهذا اللفظ خطأ، لأن الصحيح الثابت أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى الصبح يوم النحر بمزدلفة قبل الوقوف بالمشعر الحرام كما جاء فى حديث جابر الطويل فى صفة حج النبى صلى الله عليه وسلم عند مسلم قال ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر وصلى الفجر حتى تبين له الصبح بأذان وإقامة ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام - الحديث" ويحتمل أن يكون فى الحديث تقديم وتأخير، وتقديره "أمرها يوم النحر أن توافى معه صلاة الصبح بمكة" يعنى فى اليوم الذى بعد يوم النحر، وقد رواه الطحاوى بهذا اللفظ فقال، حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا محمد بن خازم (يعنى أبا معاوية) عن هشام بن عروة عن زينب بنت أبى سلمة عن أم سلمة رضى الله عنها قالت أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر أن توافى معه صلاة الصبح بمكة (قال الطحاوي) ففى هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها بما أمرها به من هذا يوم النحر فذلك على صلاة الصبح فى اليوم الذى بعد يوم النحر، وقال فى موضع آخر فأشبه الأشياء عندنا والله أعلم أن يكون أمرها أن توافى صلاة الصبح بمكة فى غد يوم النحر فى وقت يكون فيه حلالا بمكة، وقد علم المسلمون وقت رمى جمرة العقبة فى يوم النحر بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ
(377)
حدّثنا عبد الله (غريبه)(1) يحتمل أنهم رموها فى هذا الوقت لعذر ككبر أو مرض أو نحو ذلك، ويؤيد هذا ما رواه الطحاوى بسنده عن عبد الملك ابن أبى الصف عن عطاء قال اخبرنى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس ليلة المزدلفة اذهب بضعفائنا ونسائنا فليصلوا وليرموا جمرة العقبة قبل أن يصبهم دفعة الناس قال فكان عطاء يفعله بعد ما كبر وضعف (قال الطحاوي) فذهب قوم إلى أن للضعفة أن يرموا جمرة العقبة بعد طلوع الفجر واحتجوا فى ذلك بهذا الحديث اهـ (2) القائل "فقال له أبى" هو عبد الله بن الأمام أحمد رحمهما الله (وقوله يا أبا سليمان) يعنى داود بن عمرو
-[زوائد الباب ومذاهب العلماء فى وقت رمى جمرة العقبة]-
سنة وقعة الحسين (رضى الله تبارك وتعالى عنه)
لأن هذه كنيته، وإنما سأل الأمام أحمد رحمه الله داود بن عمرو هذا السؤال مبالغة فى التحرى فى رواية الحديث خشية أن يكون الحديث منقطعاً فسأله عن التاريخ ليعلم هل لحق داود بن عمرو نافع بن عمر أم لا، فرحم الله الأمام أحمد وجزاه عن الدين خيرا (1) الظاهر من قوله سنة وقعة الحسين، يعنى الوقعة التى قتل فيها، فان كان كذلك فهذا التاريخ خطأ، لأن الحسين رضى الله عنه استشهد سنة احدى وستين فى شهر المحرم فى يوم عاشوراء، أجمع على ذلك المؤرخون وأهل السير والله أعلم (تخريجه) لم أقف على هذا الأثر لغير الأمام أحمد ورجاله رجال الصحيح (زوائد الباب)(عن عائشة رضى الله عنها) قالت أرسل النبى صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت ذلك اليوم. اليوم لذى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم تعنى عندها (د. هق) وإسناده صحيح على شرط مسلم (وقال البيهقي) إسناده صحيح لا غبار عليه (وعن ابن عباس) رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يأمر نساءه، وثقله من صبيحة جمع أن يفيضوا مع أول الفجر بسواد وأن لا يرموا الجمرة إلا مصبحين (هق. كح)(الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية رمى جمرة العقبة بعد طلوع الشمس من يوم النحر وقت الضحى. وهذا مجمع عليه، وما ورد من الأحاديث الدالة على جواز الرمى قبل الفجر أو بعده وقبل طلوع الشمس فمحمول على ضعفة النساء خاصة ويجوز للصبيان وضعفة الرجال أن يرموا مع النساء؛ لكن الأفضل لهم التأخير حتى تطلع الشمس (وقد اختلف العلماء) فى وقت رمى جمرة العقبة (فذهب جماعة) إلى جواز الرمى بعد نصف ليلة النحر ويمتد هذا الوقت إلى ضحوة يومه (وذهب جماعة) إلى جوازه بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس، ويمتد إلى ضحوة يوم النحر أيضا (وذهب آخرون) إلى عدم الجواز إلا بعد طلوع الشمس (وأجمعوا) على استحباب هذا الوقت وأنه الأفضل (فمن ذهب) إلى جواز الرمى بعد نصف ليلة النحر من الأئمة (الشافعى وعطاء) وهو مذهب أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما وابن أبى مليكة وعكرمة بن خالد، واحتجوا بحديث أم سلمة المذكور فى الزوائد وبحديث أسماء المذكور قبل باب (وممن ذهب) إلى جوازه بعد الفجر وقبل طلوع الشمس الأئمة (مالك وأحمد وإسحاق وابن المنذر) واحتجوا بحديث ابن عباس الثانى من أحاديث الباب (وممن ذهب) إلى عدم الجواز إلا بعد طلوع الشمس الأئمة (أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والثورى والنخمي) واحتجوا بحديث ابن عباس المذكور أول الباب، قالوا فان رموها قبل طلوع الشمس أجزأهم وقد أساءوا (قال
-[مذاهب العلماء فى وقت رمى جمرة العقبة ومتى ينتهى]-
(3)
باب رمي جمرة العقبة من بطن الوادى وكيفية الرمى وما يقال عنده
(378)
عن عبد الرَّحمن بن يزيد قال كنت مع عبد الله (يعنى ابن مسعود رضى الله عنه) حتى انتهى إلى جمرة العقبة فقال ناولنى أحجاراً قال فناولته سبعة أحجارٍ، فقال لى خد بزمام الناقة قال ثمَّ عاد إليها فرمى بها من بطن الوادى بسبع حصيات وهو راكب يكبِّر مع كلِّ حصاةٍ، وقال اللَّهمَّ اجعله حجًّا مبروراً وذنباً مغفوراً، ثمَّ قال ها هنا كان يقوم الَّذي أنزلت
العيني) في شرح البخارى قال الكاشانى من أصحابنا "يعنى الحنفية" أول وقته المستحب ما بعد طلوع الشمس وآخر وقته آخر النهار (كذا قال أبو حنيفة) وقال أبو يوسف يمتد إلى وقت الزوال، فاذا زالت الشمس يفوت الوقت ويكون فيما بعده قضاء، فان لم يرم حتى غربت الشمس يرمى قبل الفجر من اليوم الثانى ولا شيء عليه فى قول أصحابنا (وللشافعى قولان) فى قول إذا غربت الشمس فقد فات الوقت وعليه الفدية "وفى قول" لا يفوت إلا فى آخر أيام التشريق، فان أخر الرمى حتى طلع الفجر من اليوم الثانى رمى وعليه دم للتأخير فى قول أبى حنيفة، وفى قول أبى يوسف ومحمد لا شيء عليه (وبه قال الشافعي)(وقال مالك فى الموطأ) سمعت بعض أهل العلم يكره رمى الجمرة حتى يطلع الفجر من يوم النحر، ومن رمى فقد حل له النحر اهـ
(387)
عن عبد الرحمن بن يزيد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا جرير عن ليث عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه (عبد الرحمن بن يزيد) - الحديث) (غريبه)(1) أى إلى مكان يقرب منها (قال الحافظ) جمرة العقبة هى الجمرة الكبرى وليست من منى. بل هى حد منى من جهة مكة وهى التى بايع النبى صلى الله عليه وسلم الأنصار عندها على الهجرة. والجمرة اسم لمجتمع الحصى سميت بذلك لاجتماع الناس بها، يقال تجمر بنو فلان إذا اجتمعوا، وقيل إن العرب تسمى الحصا الصغار جمارا فسميت تسمية الشيء بلازمه (2) أى إلى جمرة العقبة (وقوله فرمى بها من بطن الوادي) يعنى أنه وقف فى بطن الوادى فجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه كما فى حديثه الآتى بعد هذا (وقوله يكبر مع كل حصاة وقال اللهم الخ) لفظ البيهقى يكبر مع كل حصاة حتى إذا فرغ قال اللهم اجعله حجا مبرورا الخ (3) يشير إلى أن هذا المكان الذى قام فيه عبد الله بن مسعود هو الذى كان يقوم فيه الذي
-[استحباب رمي جمرة العقبة من بطن الوادى والتكبير مع كل حصاة]-
عليه سورة البقرة (وعنه من طريق ثان) قال رأيت عبد الله استبطن الوادي، فجعل الجمرة عن حاجبه الأيمن واستقبل البيت ثمَّ رماها بسبع حصيات فذكر الحديث
(379)
وعنه أيضاً أنه حجَّ مع عبد الله فرمى الجمرة الكبرى بسبع حصياتٍ، وجعل البيت عن يساره، ومنىً عن يمينه، وقال هذا مقام الذَّى أنزلت عليه سورة البقرة
(380)
عن عبد الرَّحمن بن يزيد قال رمى عبد الله (يعنى ابن مسعود رضى الله عنه) جمرة العقبة من بطن الوادى بسبعٍ حصياتٍ يكبِّر مع كلِّ حصياتٍ، فقيل له إنَّ ناساً يرمونها من فوقها فقال
أنزلت عليه سورة البقرة يعنى النبى صلى الله عليه وسلم وخص سورة البقرة بالذكر لما فيها من أحكام المناسك (1)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى عن المسعودى حدثنى جامع ابن شداد قال سمعت عبد الرحمن بن يزيد قال رأيت عبد الله (يعنى ابن مسعود) استبطن الوادى فجعل الجمرة عن حاجبه الأيمن واستقبل البيت ثم رماها بسبع حصيات يكبر دبر كل حصاة، ثم قال هذا والذى لا إله غيره مقام الذى أنزلت عليه سورة البقرة (2) هذه الكيفية غير الكيفية الآتية فى الحديث التالى فلعله رأى النبى صلى الله عليه وسلم فعل ذلك فى بعض المرات، والكيفية الآتية أصح وأشهر لأنها من رواية الصحيحين (تخريجه) أخرج الطريق الأولى منه البيهقي، وأخرج الطريق الثانية منه ابن ماجه وسنده جيد
(379)
وعنه أيضا (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا روح ومحمد ابن جعفر قالا ثنا شعبة قال روح ثنا الحكم عن ابراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد أنه حج مع عبد الله - الحديث" (غريبه)(3) هو ابن مسعود رضى الله عنه (وقوله الجمرة الكبرى) يعنى جمرة العقبة (تخريجه)(ق. وغيرهما)
(380)
عن عبد الرحمن بن يزيد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد - الحديث" (غريبه)(4) لفظ البخارى فقلت يا أبا عبد الرحمن إن ناسا يرمونها من فوقها، فبينت هذه الرواية أن القائل هو عبد الرحمن بن يزيد (5) يريد أن بعض الناس كان يرميها من أعلاها لا من
-[كراهة الزحام على رمى الجمرة ومقدار الحصى الذى يرمى به]-
هذا والَّذي لا إله غيره مقام الذَّى أنزلت عليه سورة البقرة
(381)
عن سليمان بن عمرو بن الأحوص الأزدى قال حدَّثتنى أمِّى أنها رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمى جمرة العقبة من بطن الوادى وخلفه إنسان يستره من النَّاس أن يصيبوه بالحجارة وهو يقول أيُّها النَّاس لا يقتل بعضكم بعضاً وإذا رميتم فارموا بمثل حصى الخذف - الحديث
المكان الذي رمى منه عبد الله بن مسعود، وقد روى ابن أبى شيبة فى ذلك عن عطاء أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يعلو إذا رمى الجمرة (قال الحافظ) لكن يمكن الجمع بين هذا وبين حديث الباب بأن التى ترمى من بطن الوادى هى جمرة العقبة لكونها عند الوادى بخلاف الجمرتين الأخريين اهـ (1) حلف ابن مسعود من غير داع لذلك لأجل تأكيد كلامه، وذلك أنه لما سمع من عبد الرحمن بن يزيد ما نقل عن هؤلاء الذين يرمون جمرة العقبة من فوق الوادى على خلاف ما يفعله الشارع صعب عليه ذلك وكرهه منهم وأنكر عليهم غاية الانكار حتى الجأه ذلك إلى الحلف (وقوله مقام) بفتح الميم من مقام. اسم مكان من قام يقوم. أى هذا موضع قيام النبى صلى الله عليه وسلم (تخريجه)(ق. وغيرهما)
(381)
عن سليمان بن عمرو بن الأحوص (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسين بن محمد قال ثنا يزيد بن عطاء عن يزيد يعنى ابن أبى زياد عن سليمان بن عمرو ابن الأحوص - الحديث" (غريبه) (2) هى أم جندب الأزدية كما صرح بذلك فى بعض طرقه (3) هذا الإنسان المبهم هنا هو الفضل بن العباس رضى الله عنهما كما صرحت بذلك فى حديثهما المتقدم فى باب سبب مشروعية رمى الجمار الخ صحيفة 169 رقم 370 (4) أى من شدة الزحام أو من الأصابة بالحجارة (5) ليس هذا آخر الحديث عند الأمام أحمد وبقيته "ثم أقبل نأتته امراة بابن لها فقالت يا رسول الله إن ابنى هذا ذاهب العقل فادع الله له، قال لها ائتينى بماء فأتته بماء فى تور من حجارة فتفل فيه وغسل وجهه ثم دعا فيه، ثم قال اذهبى فاغسليه به واستشفى الله عز وجل، فقلت لها هبى لى منه قليلا لابنى هذا، فأخذت منه قليلاً بأصابعى فمسحت بها شقة ابنى فكان من أبر الناس، فسألت المرأة بعد ما فعل ابنها؟ قالت برئ أحسن برء، وسيأتى هذا الحديث بتمامه فى باب المعجزات من كتاب السيرة النبوية إن شاء الله تعالى (تخريجه)(د. جه. هق) وفى إسناده يزيد بن أبى زياد ضعيف ويعضده ما قبله (زوائد الباب) جاء فى حديث جابر الطويل فى صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم
-[زوائد الباب ومذاهب العلماء فى الكيفية المستحبة فى الوقوف للرمى]-
.....
عند مسلم قال - ثم سلك الطريق الوسطى التى تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التى عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف، رمى من بطن الوادى ثم انصرف إلى المنحر - الحديث) (وعن زيد بن أبى أسامة) يعنى بن أسلم قال رأيت سالم بن عبد الله يعنى ابن عمر استبطن الوادى ثم رمى الجمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة الله أكبر اللهم اجعله حجا مبروراً، وذنبا مغفورا وعملا مشكورا فسألته عما صنع فقال حدثنى أبى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يرمى الجمرة فى هذا المكان ويقول كلما رمى بحصاة مثل ما قلت (هق) وفى إسناده عبد الله بن حكيم بن الأزهر، قال البيهقى ضعيف والله أعلم (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية رمى جمرة العقبة من بطن الوادى وهو سنة عند جمهور العلماء (وقال الأمام مالك) لا باس أن يرميها من فوقها ثم رجع فقال لا يرميها إلا من أسفلها (وقال ابن بطال) رمى جمرة العقبة من أسفلها أو أعلاها أو وسطها كل ذلك واسع، والموضع الذى يختار بها بطن الوادى من أجل حديث ابن مسعود، وكان جابر بن عبد الله يرميها من بطن الوادى (وبه قال عطاء وسالم) وهو قول الأئمة (أبو حنيفة والثورى والشافعى وأحمد واسحاق) وقال الأمام مالك فرميها من أسفلها أحب إلى، وقد روى عن عمر رضى الله عنه أنه جاء والزحام عند الجمرة فصعد فرماها من فوقها (وفى أحاديث الباب) أيضا أنه لا يكره قول الرجل سورة البقرة وسورة آل عمران ونحو ذلك (وهو قول كافة العلماء) إلا ما حكى عن بعض التابعين كراهة ذلك، وأنه ينبغى أن يقال السورة التى يذكر فيها كذا، والأصح قول الجمهور لقوله صلى الله عليه وسلم "من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة فى ليلة كفتاه وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة المرفوعة (وفى أحاديث الباب أيضا) روايتان عن ابن مسعود فى كيفية وقوف الرامى لجمرة العقبة أصحهما أن يقف تحتها فى بطن الوادى فيجعل مكة عن يساره وهو معنى قوله فى الحديث "وجعل البيت عن يساره" والبيت هو الكعبة. والكعبة فى مكة، ويجعل منى عن يمينه ويستقبل العقبة ثم يرمى (وبهذا قال جمهور العلماء) منهم ابن مسعود وجابر والقاسم بن محمد وسالم وعطاء ونافع وأبو حنيفة والثورى ومالك والشافعى وأحمد (وللشافعية وجه ثان) أنه يقف مستقبل الجمرة مستدبر الكعبة ومكة، وبه جزم الشيخ أبو حامد فى تعليقه والبندنيجى وصاحب البيان والرافعى وآخرون (ولهم وجه ثالث) أنه يقف مستقبل الكعبة وتكون الجمرة عن يمينه (قال النووي) والمذهب الأول لحديث عبد الرحمن بن يزيد أن عبد الله ابن مسعود انتهى إلى الجمرة الكبرى فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ورمى بسبع حصيات ثم قال هذا مقام الذى أنزلت عليه سورة البقرة (وفى أحاديث الباب أيضا)
-[مشروعية التكبير والدعاء مع رمى كل حصاة وما ورد فى ذلك من الألفاظ]-
(4)
باب استحباب الركوب لرمى جمرة العقبة والمشى لغيرها
(382)
عن نافعٍ قال كان ابن عمر رضى الله عنهما يرمى جمرة العقبة على دابَّته يوم النَّحر وكان لا يأتى سائرها بعد ذلك إلَاّ ماشياً ذاهباً وراجعاً وزعم أنَّ النَّبى صلى الله عليه وسلم كان لا يأتيها إلَاّ ماشياً ذاهباً وراجعاً
(383)
عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما أنَّ النَّبى صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم رمى الجمرة جمرة العقبة يوم النَّحر راكباً
وجوب الرمي بسبع حصيات، وقد تقدم الكلام على ذلك (وفيها أيضا) مشروعية التكبير مع رمى كل حصاة (قال الحافظ) وقد أجمعوا على أن من تركه لا يلزمه شيء إلا الثورى فقال يطعم، وإن جبره بدم أحب إلى (وفى الحديث) أن مطلق التكبير يكفى ويقول اللهم اجعله حجا مبرورا وذنباً مغفورا كما فى الحديث الأول من أحاديث الباب (وفى رواية) للبيهقى تأخير قوله اللهم اجعله حجا مبرورا الخ حتى يفرغ من الرمى ثم يقولها (وفى رواية زيد) أبى أسامة عن سالم بن عبد الله بن عمر المذكورة فى الزوائد بيان التكبير وهو أن يقول مع كل حصاة الله أكبر اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا، وقد روى عن ابن عمر وابن مسعود أنهما كانا يقولان نحو ذلك، وقال ابراهيم النخعى كانوا يحبون ذلك والله أعلم (وقال الماوردي) قال الشافعى يكبر مع كل حصاة فيقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد اهـ. والله أعلم
(382)
عن نافع (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا نوح بن ميمون أنا عبد الله يعنى ابن عمر العمرى عن نافع قال كان ابن عمر - الحديث" (غريبه)(1) يعنى بعد يوم النحر (2) لفظ أبى داود ويخبر أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك (3) أى كان لا يأتى الجمرات الثلاث بعد يوم النحر إلا ماشيا فى الذهاب والأياب (تخريجه)(د. هق) وفى إسناده عبد الله بن عمر بن حفص العمرى وفيه مقال، وقد أخرج له مسلم مقرونا بأخيه عبيد الله
(383)
عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى بن زكريا ثنا حجاج عن الحكم عن أبى القاسم عن ابن عباس - الحديث" (تخريجه)(جه. مذ) وقال حديث ابن عباس حديث حسن والعمل على هذا عند بعض أهل العلم
-[مشروعية الركوب لرمى جمرة العقبة وقوله صلى الله عليه وسلم لتأخذوا مناسككم]-
(384)
عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال رأيت النَّبى صلى الله عليه وسلم يرمى على راحلته يوم النَّحر يقول لتأخذوا مناسككم فإنِّى لا أدرى أن لا أحجَّ بعد حجَّتى هذه (وعنه من طريقٍ ثانٍ) قال (يعنى النَّبى صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم) لتأخذ أمتى مناسكها، وارموا بمثل حصى الخذف
(385)
عن قدامة بن عبد الله الكلابىِّ رضى الله عنه أنَّه رأى رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم رمى الجمرة جمرة العقبة من بطن الوادى يوم النحر على ناقةٍ له صهباء لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك
(384) عن جابر بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى عن ابن جريج أخبرنى أبو الزبير أنه سمع جابراً يقول رأيت النبى صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبه) (1) قال النووى هذه اللام لام الأمر ومعناه خذوا مناسككم وهكذا وقع فى رواية مسلم وتقديره هذه الأمور التى أتيت بها فى حجتى من الأقوال والأفعال والهيئات هى أمور الحج وصفته وهى مناسككم فخذوها عنى واقبلوها واحفظوها واعملوا بها وعلموها الناس، وهذا الحديث أصل عظيم فى مناسك الحج وهو نحو قوله صلى الله عليه وسلم فى الصلاة "صلوا كما رأيتمونى أصلي" اهـ (2) لفظ مسلم لعلى لا أحج بعد حجتى هذه وفيه إشارة إلى توديعهم وإعلامهم بقرب وفاته صلى الله عليه وسلم وحثهم على الاعتناء بالأخذ عنه وانتهاز الفرصة من ملازمته وتعلم أمور الدين. وبهذا سميت حجة الوداع والله تعالى أعلم (3) (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع ثنا سفيان عن أبى الزبير عن جابر قال لتأخذ أمتى - الحديث"(تخريجه) أخرج الطريق الأولى منه (م. د. نس. هق) ولم أقف على من أخرج الطريق الثانية بهذا اللفظ
(385)
عن قدامة بن عبد الله (سنده)(حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله الزبيرى ثنا أيمن بن نابل ثنا قدامة بن عبد الله - الحديث" (غريبه)(4) الأصهب الذى فى شعره حمرة يعلوها سواد، وهو لون الناقة الصهباء (وقوله لا ضرب ولا طرد الخ) معناه أنه لا تضرب الناس أمامه ولا يطردون ليفسحوا له الطريق كما يفعل بين يدى الأمراء، ولا يقال لمن أمامه اليك اليك يعنى بعد وتنح، بل كان شأنه شأن الذين معه سواء بسواء، وفى هذا من التواضع والأخلاق الكريمة ما لا يخفى
-[زوائد الباب ومذاهب الأئمة فى حكم الركوب لرمى جمرة العقبة]-
(386)
عن أمِّ الحصين (الأحمسيَّة رضى الله عنها) قالت حججت مع النَّبى صلى الله عليه وسلم حجَّة الوداع فرأيت أسامة بن زيد وبلالا وأحدهما آخذ بخطام ناقة النَّبى صلى الله عليه وسلم والآخر رافع ثوبه يستره من الحرِّ حتَّى رمى جمرة العقبة
فسبحان من كمله وبالخلق العظيم جمله؛ وحسبنا مخاطبة الله عز وجل إياه بقوله "وإنك لعلى خلق عظيم" صلى الله عليه وسلم (تخريجه)(فع. نس. مذ. جه. هق: مى) وقال الترمذى حديث قدامة بن عبد الله حديث حسن صحيح وإنما يعرف هذا الحديث من هذا الوجه وهو حديث حسن صحيح، وأيمن بن نابل هو ثقة عند أهل الحديث اهـ
(386)
عن أم الحصين (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن سلمة عن أبى عبد الرحمن عن زيد بن أبى أنيسة عن يحيى بن الحصين عن أم الحصين جدته حدثته قالت حججت مع النبى صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبه)(1) فيه جواز رمى جمرة العقبة راكبا وفيه جواز تظليل المحرم على رأسه بثوب وغيره، وتقدم الكلام على ذلك فى أحكام باب تظلل المحرم من الحر صحيفة 216 فى الجزء الحادى عشر (تخريجه)(م. هق) وهذا الحديث من الأحاديث التى رواها مسلم عن الأمام أحمد بسند الأمام أحمد، قال مسلم واسم أبى عبد الرحيم (يعنى أحد رجال السند) خالد بن أبى يزيد وهو خال محمد بن سلمة روى عنه وكيع وحجاج الأعور اهـ (زوائد الباب) روى الترمذى فى جامعه قال حدثنا يوسف بن عيسى نا ابن نمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا رمى الجمار مشى اليه ذاهبا وراجعا، قال الترمذى هذا حديث حسن صحيح وقد رواه بعضهم عن عبيد الله ولم يرفعه والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، وقال بعضهم يركب يوم النحر ويمشى فى الأيام التى بعد يوم النحر، قال أبو عيسى (يعنى الترمذي) كأن من قال هذا إنما أراد اتباع النبى صلى الله عليه وسلم فى فعله، لأنه إنما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه ركب يوم النحر حيث ذهى يرمى الجمار، ولا يرمى يوم النحر إلا جمرة العقبة اهـ (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية الركوب لرمى جمرة العقبة يوم النحر فقط والمشى لرمى الجمرات جميعها فى غير يوم النحر، وقد اختلف العلماء فى ذلك (قال النووى قال الشافعي) وموافقوه إنه يستحب لمن وصل منى راكبا أن يرمى جمرة العقبة يوم النحر راكبا، ولو رماها ماشيا جاز، وأما من وصلها ماشيا فيرميها ماشيا، وهذا فى يوم النحر، وأما اليومان الأولان من أيام التشريق فالسنة أن يرمى فيهما جميع الجمرات ماشيا، وفى اليوم الثالث يرمي راكباً
-[بقية مذاهب العلماء فى حكم الركوب والمشى لرمى جمرة العقبة]-
(5)
باب ما يحل للحاج وما يفعله بعد رمى جمرة العقبة
(387)
عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما قال رمى رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم جمرة العقبة ثمَّ ذبح ثمَّ حلق
(388)
عن الحسن العرنىِّ عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رميتم الجمرة فقد حلَّ لكم كلُّ شيءٍ إلَاّ النِّساء، قال فقال رجل والطِّيب؟ فقال ابن عباسٍ أمَّا أنا فقد رأيت رسول الله
وينفر هذا كله (مذهب مالك والشافعي) وغيرهما (وقال أحمد واسحاق) يستحب يوم النحر أن يرمى ماشيا (قال ابن المنذر) وكان ابن عمر وابن الزبير وسالم يرمون مشاة، (قال وأجمعوا) على أن الرمى يجزيه على أى حال رماه إذا وقع فى المرمى اهـ (قلت وذهبت الحنفية) إلى استحباب الركوب لرمى جمرة العقبة فى كل أيام الرمي، والقاعدة عندهم أن كل رمى بعده رمى ترميه ماشيا لتدعو بعده، وكل رمى ليس بعده رمى ترميه راكبا لتذهب عقبه بلا دعاء، وأجاب القائلون بأفضلية المشى لجميع الجمار حتى فى يوم النحر عن ركوبه صلى الله عليه وسلم لرمى جمرة العقبة بأنه كان لعذر الازدحام، وقد علمت أن الذى ثبت عنه صلى الله عليه وسلم الركوب لرمى جمرة العقبة يوم النحر والمشى بعد ذلك مطلقا، وهذا أولى بالاتباع والله أعلم
(387)
عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أحمد بن الحجاج أنا ابن المبارك أنا الحجاج ابن أرطأة عن الحكم عن أبى القاسم عن ابن عباس - الحديث" (غريبه)(1) يستفاد منه أن السنة رمى جمرة العقبة أولا ثم ذبح الهدى ثم الحلاق. ولو قدم وأخر جاز، والأفضل الأول (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد، وفى اسناده الحجاج بن أرطاة، قال ابن معين صدوق يدلس، وقال أيضا هو والنسائى ليس بالقوى. روى له مسلم مقرونا بغيره، وقال أبو حاتم إذا قال حدثنا فهو صالح لا يرتاب فى حفظه وصدقه اهـ
(388)
عن الحسن العرفى عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع وعبد الرحمن قالا ثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن الحسن العرفى - الحديث" (غريبه) (2) يعنى مما يحرم على المحرم فعله إلا الجماع (وقوله فقال رجل الخ) رواية عبد الرحمن أحد رجال السند "فقال رجل يا أبا العباس والطيب؟ "
-[ما يحل للمحرم فعله بعد رمى جمرة العقبة]-
صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يضمِّخ رأسه بالمسك، فأطيب ذاك أم لا؟
(389)
عن عائشة رضى الله عنها قالت طيَّبت رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم بيدى بذريرة لحجَّة الوداع للحلِّ والإحرام حيث أحرم وحيث رمى جمرة العقبة يوم النَّحر قبل أن يطوف بالبيت
(390)
وعنها رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رميتم وحلفتم فقد حلَّ لكم الطِّيب والثِّياب وكلُّ شيءٍ إلَاّ النِّساء
(فصل منه فيما جاء فى النحر والحلاق والتقصير)
(391)
حدّثنا عبد الله حدَّثنى أبى ثنا سفيان حدَّثنا هشام أبو عبد الله عن ابن سيرين عن أنس بن مالك قال لمَّا رمى النَّبى صلى الله عليه وسلم جمرة العقبة ونحر
(1) التضمخ التلطخ بالطيب وغيره والأكثار منه، والمعنى أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك بعد رمى جمرة العقبة (تخريجه)(د. نس. جه. هق) قال فى البدر المنير اسناده حسن كما قال المنذرى إلا أن يحيى بن معين وغيره قالوا يقال إن الحسن العرنى لم يسمع من ابن عباس والله أعلم
(389)
عن عائشة رضى الله عنها (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا روح ثنا ابن جريج أخبرنى عمر بن عبد الله بن عروة أنه سمع عروة والقاسم يخبران عن عائشة قالت طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبه)(2) الذريرة نوع من الطيب مجموع من أخلاط (وقولها للحل) أى لتحلله من محظورات الأحرام بعد رمى جمرة العقبة (وقولها والأحرام) أى عند إرادة الأحرام (تخريجه)(ق. لك. هق. والأربعة)
(390)
وعنها رضى الله عنها (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد قال أخبرنا الحجاج عن أبى بكر بن محمد بن عمرة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبه)(3) يعنى ولبس الثياب وكل شيء من محرمات الأحرام إلا وطء النساء (تخريجه)(د. هق. قط) وفى اسناده الحجاج بن أرطاة فيه كلام ويؤيده حديث ابن عباس المتقدم
(391)
حدّثنا عبد الله (غريبه)(4) هو ابن حسان القردوسي بضم
-[كيفية الحلق عند التحلل - وقصة معمر بن عبد الله العدوى وأنه الذى حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم]-
هديه حجم وأعطى الحجَّام، وقال سفيان مرَّةً وأعطى الحالق شقَّه الأيمن فحلقه فأعطاه أبا طلحة ثمَّ حلق الأيسر فأعطاه النَّاس
(392)
عن نافع أنَّ عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أخبره أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم حلق رأسه فى حجَّة الوداع
(393)
عن معمر بن عبد الله (العدوىِّ) رضى الله عنه قال كنت أرحِّل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجَّة الوداع، قال فقال لى ليلةً من الليالى يا معمر لقد وجدت فى أنساعى اضطراباً، قال فقلت أما والذَّي بعثك
القاف (1) يعني فى رواية أخرى (2) فيه استحباب البداءة فى حلق الرأس بالشق الأيمن من رأس المحلوق (3) الظاهر والله أعلم أنه صلى الله عليه وسلم خص أبا طلحة وحده بأعطائه شعر الشق الأيمن، لأنه كان حريصا على ذلك ويحتمل أنه طلبه منه، وفيه مشروعية التبرك بشعر الصالحين ونحوه، وفيه دلالة على طهارة شعر الآدمي، وقد تقدم الكلام على ذلك فى كتاب الطهارة (تخريجه)(م. د. هق) بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها ثم أتى منزله بمنى ونحر، ثم قال للحلاق خذ وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر ثم جعل يعطيه الناس، وللأمام أحمد رواية أخرى بهذا اللفظ أيضا
(392)
عن نافع (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن بكر أنا ابن جريج حدثنى موسى بن عقبة عن نافع أن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما - الحديث" (تخريجه)(ق. وغيرهما)
(393)
عم معمر بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يعقوب قال ثنا أبى عن ابن إسحاق قال حدثنى يزيد بن أبى حبيب المصرى عن عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عقبة مولى معمر بن عبد الله بن نافع بن نضلة العدوى عن معمر بن عبد الله - الحديث" (غريبه)(4) أى أشد رحله على بعيره، والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم خصه بذلك مدة سفره فى حجة الوداع (5) جمع نسع بكسر النون، سير ينسج عريضا على هيئة أعنة النعال تشد به الرحال. والقطعة منه نسعة؛ وسمى نسعا لطوله، والجمع نسع ونسع كعنب وأنساع ونسوع قال صاحب القاموس (قلت) وعبر عنه فى الحديث بلفظ الجمع، إما لأن الرحل يحتاج
-[قصة معمر بن عبد الله العدوى - وأنه هو الذى حلق النبى صلى الله عليه وسلم]-
بالحقِّ لقد شددتها كما كنت أشدُّها ولكنَّه أرخاها من قد كان نفس علىَّ لمكانى منك لتستبدل بى غيري، قال فقال أما إنِّى غير فاعلٍ، قال فلمَّا نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه بمنىً أمرنى أن أحلقه قال فأخذت الموسى فقمت على رأسه قال فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى وجهى وقال لى يا معمر أمكنك رسول الله صلى الله عليه وسلم من شحمةٍ أذنه وفى يدك الموسى قال فقلت أما والله يا رسول الله إنَّ ذلك لمن نعمة الله علىَّ ومنِّه قال فقال أجل إذًا أقرُّ لك، قال ثمَّ حلقت رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم
(394)
عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر قال سمعت عمر
إلى أكثر من نسع. فبعضها يشد على بطن البعير. وبعضها يجعل على صدره، وصرح فى النهاية بأنها تجعل على صدر البعير، وإما أن يكون صلى الله عليه وسلم أراد رحال أزواجه أيضا رضى الله عنهن لنسبتهن اليه والله أعلم (والاضطراب) معناه كثرة الحركة وعدم الاستقامة (1) بفتح النون وكسر الفاء، يقال نفست عليه الشيء نفاسة إذا لم تره له أهلا، والمعنى أن من حسدنى على منزلتى عندك هو الذى أرخاها بعد أن شددتها يريد بذلك الكيد لى لتستبدل بى غيري، فقال صلى الله عليه وسلم "أما انى غير فاعل" يعنى لست مستبدلاً بك غيرك (2) فيه أنه صلى الله عليه وسلم نحر الهدى أولا ثم حلق، وفيه أن الذى حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع هو معمر بن عبد الله العدوى رضى الله عنه (3) قال أهل اللغة الموسى يذكر ويؤنث (قال ابن قتيبة) قال الكسائى هو فعلى وقال غيره مفعل من أوسيت رأسه أى حلقته (قال الجوهري) والكسائى والفراء يقولان هى فعلى مؤنثة، وعبد الله بن سعد الأموى يقول مفعل مذكر، قال أبو عبد الله لم نسمع تذكيره إلا من الأموى (4) أى فما ترى فى ذلك (5) يريد أن من نعمة الله على ومنِّه أن خصنى بخدمتك يا رسول الله وسأقوم بها كما تحب، وقول النبى صلى الله عليه وسلم "أجل اذا أقر لك" معناه نعم حيث قد علمت أن هذا من نعم الله عليك ومنّه، فحينئذ أسكن لك وأطمئن حتى تقضى مهمتك والله أعلم (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد والطبرانى فى الكبير وفيه عبد الرحمن بن عقبة مولى معمر ذكره ابن أبى حاتم ولم يوثق ولم يجرح
(394)
عن سالم بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو اليمان
-[ما حكم من ضفر شعره أو لبده عند الأحرام - أيحلق عند التحلل أو يقصر]-
رضي الله عنه يقول من ضفَّر فليحلق ولا تشبِّهَّوا بالتَّلبيد، وكان ابن عمر يقول لقد رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم ملبِّداً
(395)
حدّثنا عبد الله حدَّثنى أبى ثنا إسماعيل أبو معمر ومحمَّد بن عبَّادٍ قال ثنا ابن عيينة عن هشام بن حجير عن طاوس قال قال معاوية لابن عبَّاسٍ (وفى لفظٍ عن طاوسٍ عن ابن عبَّاسٍ قال قال لى معاوية) أما علمت أنِّي قصَّرت
أخبرنا شعيب عن الزهرى أخبرنى سالم بن عبد الله - الحديث" (غريبه)(1) بالضاد والفاء يعنى من ضفر رأسه أى جعله ضفائر كل ضفيرة على حدة بثلاث طاقات فما فوقها، وضفر الشعر ادخال بعضه فى بعض (وقوله فليحلق) يعنى وجوبا فان قصر لم يجزه وعليه الحلق وهذا مذهب عمر رضى الله عنه (وقوله ولا تشبهوا) أى الضفر (بالتلبيد) لأنه أشد منه فيجوز التقصير عند عمر رضى الله عنه لمن لبد دون من ضفر، وتلبيد الشعر أن يجعل فيه شيء من صمغ عند الأحرام لئلا يشعث ويقمل ابقاءا على الشعر، وإنما يلبد من يطول مكثه فى الأحرام (قال ابن عبد البر) روى تشبهوا بضم التاء وفتحها وهو الصحيح أى لا تتشبهوا، ومعنى الضم لا تشبهوا علينا فتفعلوا ما لا يشبه التلبيد الذى سنة فاعله الحلق وجاء مثل قول عمر هذا عنه صلى الله عليه وسلم من وجه حسن (قلت) جاء هذا الحديث مرفوعا عند البيهقى من طريق عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من لبد رأسه للأحرام فقد وجب عليه الحلاق (قال البيهقي) عبد الله بن نافع هذا ليس بالقوى والصحيح أنه من قول عمر وابن عمر رضى الله عنهما، قال وكذلك رواه سالم عن أبيه عن عمر (يعنى حديث الباب) والله أعلم بالصواب (3) قول ابن عمر رضى الله عنهما لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ملبدا جاء فى صحيح البخارى أيضا (تخريجه)(لك. هق) وسنده جيد وأخرج الجزء الأخير منه البخارى وتقدمت الأشارة إلى ذلك
(395)
حدّثنا عبد الله (غريبه)(4) أى أخذت من شعر رأسه وهو يشعر بأن ذلك كان فى نسك. إما فى حج أو عمرة، وقد ثبت فى أحاديث الباب المتقدمة أنه صلى الله عليه وسلم حلق فى حجته فتعين أن يكون فى عمرة، لاسيما وقد جاء فى الطريق الثانية بلفظ قصرت عن رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة ونحو ذلك عند مسلم، وهذا يحتمل أن يكون فى عمرة القضية أو الجعرانة، وسيأتى تحقيق ذلك في آخر الأحكام إن شاء الله تعالى
-[حديث معاوية فى تقصيره من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم تحقيق أن ذلك كان فى عمرة]-
من رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقصٍ فقال ابن عبَّاس لا، قال ابن عبَّاد فى حديثه، قال ابن عباس وهذه حجَّة على معاوية (ومن طريقٍ ثانٍ) عن ابن عبَّاس عن معاوية قال قصَّرت عن رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة
(396)
عن مجاهدٍ وعطاءٍ عن ابن عبَّاسٍ رضى الله عنهما أنَّ معاوية (ابن أبى سفيان رضى الله عنه) أخبره أنَّه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قصَّر من شعره بمشقص، فقلنا لابن عبَّاس ما بلغنا هذا إلا عن معاوية، فقال ما كان معاوية على رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم متَّهما
(فصل منه فيما ورد فى فضل الحلاق على التقصير)
(397)
عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما قال حلق رجالٌ يوم
(1) المشقص بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح القاف آخره صاد مهملة، قال القزاز هو نص عريض يرمى به الوحش، وقال صاحب المحكم هو الطويل من النصال وليس بعريض وكذا قال أبو عبيد والله أعلم. نقله الحافظ (2) معنى ذلك أن معاوية كان ينهى عن المتعة، وقد ثبت عنه فى الطريق الثانية أنه قصر عن رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة، ومعلوم أن التقصير أو الحلاق عند المروة لا يكون إلا فى عمرة، وقد ثبت بالأحاديث الصحيحة أن النبى صلى الله عليه وسلم حلق فى حجته بمنى فكيف ينهى معاوية بعد هذا عن المتعة فقوله حجة عليه، وقد جاء معنى ذلك فى رواية عند النسائي، قال يقول ابن عباس وهذه على معاوية أن ينهى الناس عن المتعة وقد تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم (3)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عمرو بن محمد الناقد قال ثنا أبو أحمد الزبيرى ثنا سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن ابن عباس عن معاوية - الحديث" (4) استدل به على أن التقصير كان فى عمرة كما تقدم والله أعلم (تخريجه)(ق. وغيرهما)
(396)
عن مجاهد وعطاء (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو عمرو مروان بن شجاع الجزرى قال ثنا خصيف عن مجاهد وعطاء - الحديث" (غريبه)(5) معناه أن ابن عباس رضى الله عنهما ينفى التهمة عن معاوية رضى الله عنه بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه صحابى والصحابة كلهم عدول رضى الله عنهم (تخريجه) أخرج الشق الأول منه مسلم إلى قوله بمشقص، ولم أقف على من أخرج الباقى
(397)
عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد
-[دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا مرات وللمقصرين مرة واحدة]-
الحديبية وقصَّر آخرون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحم الله المحلِّقين، قالوا يا رسول الله والمقصِّرين قال يرحم الله المحلِّقين، قالوا يا رسول الله والمقصِّرين، قال يرحم الله المحلِّقين، قالوا يا رسول الله والمقصِّرين، قال والمقصِّرين قالوا فما بال المحلِّقين يا رسول الله ظاهرت لهم الرَّحمة؟ قال لم يشكُّوا قال فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم (وعنه من طريقٍ ثانٍ) أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللَّهمَّ اغفر للمحلِّقين فقال رجلٌ وللمقصِّرين، فقال اللَّهمَّ اغفر للمحلِّقين، فقال الرَّجل وللمقصِّرين؟ فقال فى الثَّالثة أو الرَّابعة وللمقصِّرين
قال محمد يعني ابن اسحاق حدثنى عبد الله بن أبى نجيح عن مجاهد عن ابن عباس - الحديث" (غريبه) (1) أى يوم عمرة الحديبية وكان فى ذى القعدة سنة ست من الهجرة (2) الواو فى قوله والمقصرين معطوفة على شيء محذوف تقديره قل والمقصرين، أو قل ويرحم الله المقصرين، وهذا يسمى العطف التلقينى كما فى قوله تعالى "إنى جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي" (3) فى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم والمقصرين إعطاء المعطوف حكم المعطوف عليه ولو تخلل بينهما السكوت لغير عذر (4) أى أعنتهم وأيدتهم بالدعاء لهم ثلاث مرات (5) قال العلامة السندى فى معنى قوله لم يشكوا أى ما عاملوا معاملة من يشك فى أن الاتباع أحسن، وأما من قصَّر فقد عامل معاملة الشاك فى ذلك حيث ترك فعله صلى الله عليه وسلم اهـ. وقيل سبب دعائه صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين مرة توقف من توقف من الصحابة عن الأحلال فى عمرة الحديبية لما دخل عليهم من الحزن لكونهم منعوا من الوصول إلى البيت مع اقتدارهم فى أنفسهم على ذلك، فخالفهم النبى صلى الله عليه وسلم وصالح قريشا على أن يرجع من العام المقبل، فلما أمرهم بالأحلال توقفوا فأشارت أم سلمة أن يحل هو ففعل فحلق بعض وقصر بعض، فكان من بادر إلى الحلق أسرع إلى امتثال الأمر ممن قصر (6) (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هشيم أنا يزيد بن أبى زياد عن مقسم عن ابن عباس - الحديث"(7) لم أقف على اسم هذا الرجل فى شيء من طرق الحديث (8) أو للشك من الراوى وتقدم فى الطريق الأولى أنه قالها فى الرابعة بغير شك (تخريجه) أخرج الطريق الأولى منه ابن ماجه مختصرة وسندها جيد، وأخرج الطريق الثانية منه الطبرانى فى الأوسط وسندها عند الأمام أحمد جيد.
-[دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاث مرات وللمقصرين مرة واحدة]-
(398)
عن أبي سعيدٍ الخدرى رضى الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حلقوا رؤوسهم عام الحديبية غير عثمان بن عفَّان وأبى قتادة رضى الله عنهما، فاستغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحلِّقين ثلاث مرارٍ وللمقصِّرين مرَّةً
(399)
عن يحيى بن الحصين قال سمعت جدتى تحدِّث أنَّها سمعت النَّبىَّ صلى الله عليه وسلم بمنىً دعا للمحلِّقين ثلاث مرَّاتٍ، فقيل له والمقصِّرين؟ فقال
(398) عن أبي سعيد الخدرى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا روح وعبد الصمد وأبو عامر قالوا حدثنا هشام بن أبى سعيد الخدرى - الحديث" (تخريجه)(ش. طح) وأبو داود الطيالسى وفى إسناده أبو إبراهيم الأنصارى جهله أبو حاتم وبقية رجاله ثقات
(399)
عن يحيى بن الحصين (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حجاج ابن محمد قال حدثنى شعبة عن يحيى بن الحصين قال سمعت جدتى - الحديث" (غريبه)(1) هى أم الحصين الأحمسية صحابية جليلة شهدت حجة الوداع (2) فى الطريق الثانية قالت سمعت نبى الله صلى الله عليه وسلم بعرفات يخطب الخ. فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كرر هذه الجملة فى خطبته بعرفات ثم فى خطبته بمنى فسمعته فى الموضعين؛ وهو يدل قطعاً على أن هذا الدعاء كان فى حجة الوداع، وتقدم فى حديثى ابن عباس وأبى سعيد أنه كان فى عمرة الحديبية، وقد اختلف العلماء فى ذلك فقال أبو عمر بن عبد البر كونه فى الحديبية هو المحفوظ، وقال النووى الصحيح المشهور أنه كان فى حجة الوداع (وقال القاضى عياض) لا يبعد أن النبى صلى الله عليه وسلم قاله فى الموضعين، وما قاله القاضى عياض هو الصواب جمعا بين الأحاديث، وقال ابن دقيق العبد إنه الأقرب (قال الحافظ) بل هو المتعين لظاهر الروايات بذلك فى الموضعين اهـ (قلت) وتقدم سبب دعائه صلى الله عليه وسلم للمحلقين فى عمرة الحديبية ثلاث مرات وللمقصرين مرة فى شرح حديث ابن عباس، أما سبب دعائه صلى الله عليه وسلم للمحلقين فى حجة الوداع ثلاثاً وللمقصرين مرة فقد ذكره الخطابى فى معالم السنن بقوله كان أكثر من أحرم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحابة ليس معهم هدى وكان صلى الله عليه وسلم قد ساق الهدى، ومن كان معه هدى فانه لا يحلق حتى ينحر هديه، فلما أمر من ليس معه هدى أن يحل وجدوا من ذلك في أنفسهم
-[سبب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاث مرار وللمقصرين مرة]-
في الثَّالثة والمقصِّرين (ومن طريقٍ ثانٍ) قال سمعت جدتى تقول سمعت نبى الله صلى الله عليه وسلم بعرفات يخطب يقول غفر الله للمحلِّقين ثلاث مرارٍ، قالوا والمقصِّرين؟ فقال والمقصِّرين فى الرَّابعة (وعن من طريقٍ ثالثٍ) عن جدَّته قالت سمعت النَّبى صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم وهو يقول يرحم الله المحلِّقين يرحم الله المحلِّقين، قالوا فى الثَّالثة والمقصِّرين قال والمقصِّرين
(400)
عن ابن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يرحم الله المحلِّقين، قالوا يا رسول الله والمقصِّرين؟ قال رحم الله المحلِّقين، قال فى الرابعة والمقصِّرين
وأحبوا أن يأذن لهم فى المقام على إحرامهم حتى يكملوا الحج، وكانت طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بهم، فلما لم يكن لهم بد من الأحلال كان القصر فى نفوسهم أحب من الحلق فمالوا إلى القصر، فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أخرهم فى الدعاء وقدم عليهم من حلق وبادر إلى الطاعة، وقصر بمن تهيبه وحاد عنه، ثم جمعهم فى الدعوة وعمهم بالرحمة اهـ. ونقل الحافظ والعينى عن الخطابى أنه كانت عادة العرب اتخاذ الشعر على الرءوس وتوفيرها وتزيينها وكان الحلق فيهم قليلا ويرون ذلك نوعا من الشهرة وكان يشق عليهم الحلق فمالوا إلى التقصير فمنهم من حلق ومنهم من قصر لما يجد فى نفسه منه، فمن أجل ذلك سمح لهم بالدعاء بالرحمة وقصر بالآخرين إلى أن استعطف عليهم فعمهم بالدعاء بعد ذلك والله أعلم (1) يعنى عقب الثالثة فتكون الرابعة لتتفق مع الرواية الآتية بعدها (2)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا روح ثنا شعبة قال سمعت يحيى بن حصين قال سمعت جدتى تقول - الحديث" (3) هذا صريح فى أن النبى صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين ثلاث مرار وخصص المقصرين بالرابعة فقط وليس هذا آخر الحديث من هذا الطريق (وبقيته) قالت وسمعته يقول إن استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا، وسيأتى ذلك فى كتاب الخلافة والأمارة ان شاء الله تعالى (4) (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع قال ثنا شعبة عن يحيى ابن الحصين عن جدته - الحديث"(تخريجه)(م. نس)
(400)
عن ابن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى عن عبيد الله أخبرنى نافع عن ابن عمر - الحديث" (تخريجه)(ق. وغيرهما)
-[فضل الحلاق على التقصير ودعاء النبى صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين مرة]-
(401)
عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم اللَّهم اغفر للمحلِّقين، قالوا يا رسول الله والمقصِّرين؟ قال اللهمَّ اغفر للمحلِّقين، قالوا يا رسول الله والمقصِّرين؟ قال اللَّهمَّ اغفر للمحلِّقين، قالوا والمقصِّرين، قال والمقصِّرين
(402)
عن يزيد بن أبى مريم عن أبيه مالك بن ربيعة رضى الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول اللَّهمَّ اغفر للمحلِّقين اللَّهمَّ اغفر للمحلِّقين، قال يقول رجلٌ من القوم والمقصِّرين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الثَّالثة أو فى الرَّابعة والمقصِّرين، ثمَّ قال وأنا يومئذٍ محلوق الرَّأس فما يسرُّنى بحلق رأسى حمر النَّعم أو خطراً عظيماً
(401) عن أبي هريرة رضى الله عنه (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن فضيل ثنا عمارة عن أبى زرعة عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث" (تخريجه)(ق. وغيرهما)
(402)
عن يزيد بن أبى مريم (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سريح بن النعمان حدثنى أوس بن عبيد الله أبو مقاتل السلولى قال حدثنى يزيد بن أبى مريم عن أبيه - الحديث" (غريبه)(1) هو والد يزيد وكنيته أبو مريم السلولى من الصحابة الذين سكنوا البصرة رضى الله عنهم (2) لم يعلم اسم هذا الرجل ولم أقف له على ذكر (3) يعنى ممن حلقوا رءوسهم فى ذلك اليوم (4) بسكون الميم كرائمها وهو مثل فى كل نفيس من الأبل ونحوها، ويقال أنه جمع أحمر، وإن أحمر من أسماء الحسن (وقوله أو خطرا عظيما) خطرا منصوب بفعل محذوف تقديره أو أصادف خطرا يعنى حظا ونصيبا، وعظيما صفة له، والمعنى أنه سر بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحلقين سرورا لا يماثله سروره بامتلاك كرائم النعم أو بأصابة حظ وافر فى شيء عظيم له قدر ومزية لا نظير لها، وذلك لكونه كان ممن حلقوا. والله أعلم (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد والطبرانى في الأوسط وإسناده حسن
-[زوائد الباب فيما يحل للمحرم فعله بعد رمى جمرة العقبة]-
(403)
حدّثنا عبد الله حدَّثنى أبى ثنا يحيى بن آدم وابن أبى بكير فالاثنا إسرائيل عن أبى إسحاق عن حبشى بن جنادة قال يحيى وكان ممَّن شهد حجَّة الوداع قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللَّهم اغفر للمحلِّقين، قالوا يا رسول الله والمقصِّرين؟ قال اللَّهمَّ اغفر للمحلِّقين، قالوا يا رسول الله والمقصِّرين؟ قال فى الثَّالثة والمقصِّرين
(404)
عن ابن قارب عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللَّهمَّ اغفر للمحلِّقين قال رجلٌ والمقصِّرين؟ قال فى الرَّابعة والمقصِّرين يقلِّله سفيان بيده وقال فى تيك كأنَّه يوسِّع يده
(403) حدّثنا عبد الله (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد والطبرانى فى الكبير ورجال أحمد رجال الصحيح
(404)
عن ابن قارب عن أبيه (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سفيان عن إبراهيم بن ميسرة عن ابن قارب عن أبيه - الحديث" (غريبه) (1) هو قارب بن الأسود الثقفي، ويقال أبو عبد الله بن الأسود الطائفى له صحبة، ورواية ووفادة وقد قيل فى اسمه مارب بالميم، وله ذكر ف الترمذي. قال الحافظ فى تعجيل المنفعة، وقال فى الأصابة والحق أنه قارب (يعنى بالقاف"(2) سفيان هو الذى روى عنه الأمام أحمد هذا الحديث، يقول الأمام أحمد يقلله سفيان بيده يعنى يشير إلى أنه دعا للمقصرين مرة واحدة (وقال فى تيك) يعنى المحلقين (كأنه يوسع يده) أى يشير إلى أنه دعا لهم جملة مرات يعنى ثلاثاً كما يستفاد من قوله قال فى الرابعة والمقصرين (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد والطبرانى فى الكبير والبزار وإسناده صحيح (زوائد الباب)(عن نافع) عن ابن عمر قال خطب الناس عمر بن الخطاب رضى الله عنه بعرفة فحدثهم عن مناسك الحج فقال فيما يقول، إذا كان بالغداة إن شاء الله تعالى فدفعتم من جمع فمن رمى جمرة القصوى التى عند العقبة بسبع حصيات ثم انصرف فنحر هديا إن كان له ثم حلق أو قصَّر فقد حل له ما حرم عليه من شأن الحج إلا طيبا أو نساء، فلا يمس أحد طيبا ولا نساءا حتى يطوف بالبيت (هق)(وعن سالم عن ابن عمر) قال سمعت عمر رضى الله عنه يقول إذا رميتم الجمرة بسبع حصيات وذبحتم وحلقتم فقد حل لكم كل شيء إلا النساء والطيب، قال سالم
-[زوائد الباب - وحديث ليس على النساء الحلق إنما على النساء التقصير]-
.....
وقالت عائشة رضى الله عنها حل له كل شيء إلا النساء، قال وقالت عائشة رضى الله عنها أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى لحله، قال سالم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع (هق)(قلت) وقول سالم "وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع" معناه أنه بعد الرمى والذبح والحلق لا يحرم عليه إلا النساء فقط ويجوز له الطيب، لأنه ثبت أن عائشة طيبت النبى صلى الله عليه وسلم عند تحلله من الأحرام بخلاف ما ذهب إليه عمر من تحريم الطيب أيضا والله أعلم (وعن ابن عمر) رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رمى الجمرة بسبع حصيات الجمرة التى عند العقبة، ثم انصرف فنحر هديا، ثم حلق فقد حل له ما حرم عليه من شأن الحج، أورده الهيثمى وقال له أثر موقوف عليه وفيه إلا النساء، رواه البزار ورجاله ثقات رجال الصحيح (وعن عطاء) أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا رمى الجمرة وذبح وحلق فقد حل له كل شيء إلا النساء (عل) وفيه الحجاج بن أرطاة وفيه كلام وهو مرسل (وعن جابر) رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا توضع النواصى إلا فى حج أو عمرة (بز. طس) وفيه محمد بن سليمان بن مشمول وهو ضعيف بهذا الحديث وغيره (وعن أم سلمة رضى الله عنها) قالت حلق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر معمر بن عبد الله العدوى (طس) وفيه محمد ابن اسحاق وهو ثقة ولكنه مدلس (وعن الأزرق بن قيس) قال كنت جالساً إلى ابن عمر فسأله رجل فقال أبا عبد الرحمن انى أحرمت وجمعت شعري، فقال أما سمعت عمر فى خلافته؟ قال ومن ضفر رأسه ولبده فليحلق، فقال يا أبا عبد الرحمن انى لم أضفره ولكنى جمعته فقال ابن عمر عنز وتيس وتيس وعنز (طب) ورجاله رجال الصحيح (وعن ابن عباس) رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس على النساء الحلق انما على النساء التقصير (د. قط. طب) وقد قوى اسناده البخارى فى التاريخ وأبو حاتم فى العلل وحسنه الحافظ وأعله ابن القطان ورد عليه ابن المواق فأصاب (وعن عثمان) رضى الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها (بز) وفيه ابن عطاء وهو ضعيف (وعن عائشة رضى الله عنها) أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى أن تحلق المرأة رأسها (بز) وفيه معلى بن عبد الرحمن متهم بالوضع وقد رمى بالرفض، قال الحافظ فى التقريب (وفى التهذيب) قال ابن عدى أرجو أن لا بأس به (قلت) يعضده والذى قبله حديث ابن عباس رضى الله عنهما المذكور قبلهما والله أعلم (الأحكام) أحاديث الباب تدل على جملة أحكام (منها) أن الحاج إذا رمى جمرة العقبة ثم نحر هديه ثم حلق أو قصر حل له كل شيء حرم عليه إلا النساء فيبقى ما كان محرَّما عليه منهن من الوطء والقبلة واللمس بشهوة وعقد النكاح، ويحل له ما سواه (واليه ذهب جمهور العلماء) وهو قول ابن الزبير وعائشة وعلقمة وسالم وطاوس والنخعي
-[مذاهب العلماء فيما يجوز به التحلل - ومكان نحر الهدى - وهل الحلاق نسك أم لا]-
.....
وعبد الله بن الحسين وخارجة بن زيد والشافعى وأبى ثور وأصحاب الرأى وهو الصحيح من مذهب الأمام أحمد (وروى عن ابن عباس والأمام أحمد) أنه يحل له كل شيء إلا الوطء فى الفرج لأنه أغلظ المحرمات ويفسد النسك بخلاف غيره (وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه والأمام مالك) يحل له كل شيء إلا النساء والطيب، وروى ذلك عن ابن عمر وعروة ابن الزبير وعباد بن عبد الله بن الزبير لأنه من دواعى الوطء فأشبه القبلة، واستدلوا بالأثرين المذكورين فى الزوائد عن عمر، وبما أخرجه الحاكم عن ابن الزبير أنه قال إذا رمى الجمرة الكبرى حل له كل شيء حرم عليه إلا النساء والطيب حتى يزور البيت، وقال إن ذلك من سنة الحج، وبما أخرجه النسائى عن ابن عمر أنه قال إذا رمى وحلق حل له كل شيء إلا النساء والطيب، وهذه الآثار لا تصلح لمعارضة أحاديث الباب، وعلى فرض أن ما رواه الحاكم منها مرفوع فهو لا يقاوم الأحاديث المذكورة فى الباب لاسيما وهى مثبتة لحل الطيب (ويستفاد من أحاديث الباب أيضا) استحباب ترتيب أفعال الحج المشروعة فى يوم النحر بعد وصوله منى وهى أربعة. رمى جمرة العقبة أولا. ثم الذبح ثم الحلق. ثم طواف الأفاضة. وكلها ذكرت فى أحاديث الباب إلا طواف الأفاضة فسيأتى فى باب مخصوص، فان خالف ما ذكرنا من الترتيب فقدم مؤخرا أو أخر مقدما جاز لما سيأتى بعد باب من الأحاديث الصحيحة (ومنها) استحباب نحر الهدى بمنى، ويجوز حيث شاء من بقاع الحرم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كل منى منحر وكل فجاج مكة منحر، وإذا نحر الهدى فرقه على المساكين من أهل الحرم، وهو من كان فى الحرم فان أطلقها لهم جاز، وستأتى أحكام الهدى فى كتاب الهدايا والضحايا بعد كتاب الحج إن شاء الله تعالى (وقد اختلف العلماء) فى الحلق هل هو نسك يثاب عليه ويتعلق به التحلل، أو هو استباحة محظور وليس بنسك، وإنما هو شيء أبيح له بعد أن كان حراما كالطيب واللباس وعلى هذا لا ثواب فيه ولا تعلق له بالتحلل؟ فذهب الأئمة (أبو حنيفة ومالك وأحمد وجمهور العلماء) إلى أنه نسك واجب من واجبات الحج يجبر بالدم (وللشافعية فى ذلك قولان)(أحدهما) وهو الأصح عندهم أنه نسك ركن من أركان الحج يفسد الحج بتركه ولا يجبر بالدم (والثاني) أنه استباحة محظور وليس بنسك (قال النووي) فى شرح المهذب وظاهر كلام ابن المنذر والأصحاب أنه لم يقل بأنه ليس بنسك إلا الشافعى فى أحد قوليه، ولكن حكاه القاضى عياض عن عطاء وأبى ثور وأبى يوسف (ويستفاد من أحاديث الباب أيضا) أن الحلق أفضل من التقصير لتكريره صلى الله عليه وسلم الدعاء للمحلقين مرارا وللمقصرين مرة واحدة مع سؤالهم له ذلك، ولو اقتصر على التقصير أجزأ (وإلى ذلك ذهب كافة العلماء) إلا ما حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري أنه
-[مذاهب العلماء فى مقدار الواجب حلقه من الرأس وحكم من ضفر شعره أو لبده]-
.....
كان يقول يلزمه الحلق فى أول حجة ولا يجزئ التقصير وهذا باطل بالنصوص واجماع من سبقه ولا نظن صحة ذلك عنه والله أعلم، وظاهر صيغة المحلقين أنه يشرع حلق جميع الرأس لأنه الذى تقتضيه الصيغة إذ لا يقال لمن حلق بعض رأسه أنه حلقه الا مجازا، وقد قال بوجوب حلق جميع الرأس الأمامان (مالك وأحمد) واستحبه الحنفية والشافعية ويجزئ البعض عندهم، واختلفوا فى مقداره، فعن الحنفية الربع الا أن أبا يوسف قال النصف (وعن الأمام الشافعي) أقل ما يجب حلق ثلاث شعرات، وفى وجه لبعض أصحابه شعرة واحدة وهكذا الخلاف فى التقصير (قال النووي) ولو أخر الحلق إلى بعد أيام التشريق حلق ولا دم عليه سواء طال زمنه أم لا وسواء رجع إلى بلده أم لا، هذا مذهبنا، وبه قال عطاء وأبو ثور وأبو يوسف وأحمد وابن المنذر وغيرهم (وقال أبو حنيفة) إذا خرجت أيام التشريق لزمه الحلق ودم، وقال سفيان الثورى واسحاق ومحمد عليه الحلق ودم. دليلنا الأصل لا دم اهـ (وفى أحاديث ابن عباس وعثمان وعائشة) المذكورة فى الزوائد دلالة على أنه ليس على المرأة حلق، وحكى انب المنذر الأجماع على ذلك، قال وانما عليهن التقصير، قال ويكره لهن الحلق لأنه بدعة فى حقهن وفيه مثلة، قال واختلفوا فى قدر ما تقصره فقال ابن عمر (والشافعى وأحمد) واسحاق وأبو ثور تقصر من كل قرن مثل الأنملة (وقال قتادة) تقصر الثلث أو الربع (وقالت حفصة بنت سيرين) ان كانت عجوزا من القواعد أخذت نحو الربع وان كانت شابة فلتقلل (وقد قال مالك) تأخذ من جميع قرونها أقل جزء ولا يجوز من بعض القرون (وفى حديث أنس) الخامس من أحاديث الباب دلالة على أنه يستحب فى الحلق أن يبدأ بالشق الأيمن من رأس المحلوق وإن كان على يسار الحالق، والى ذلك ذهب الجمهور (وذهبت الحنفية) الى أنه يبدأ بالشق الأيسر ليكون على يمين الحالق وهذا مخالف لحديث أنس المذكور (وفى حديث عمر) الموقوف عليه المذكور فى الباب دلالة على أن من ضفر شعره أو لبده حلق، وأوجب الحلق عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضى الله عنهما، واليه ذهب الأئمة الثورى (ومالك وأحمد) واسحاق وأبو ثور وابن المنذر ونقله القاضى عياض عن جمهور العلماء (وذهبت الشافعية) الى أن من لبد راسه ولم ينذر حلقه لا يلزمه حلقه بل يجزئه التقصير كما لو لم يلبد (وبه قال ابن عباس وأبو حنيفة)"ويستحب لمن حلق" وقصر تقليم أظافره والأخذ من شاربه، لأن النبى صلى الله عليه وسلم فعله (قال ابن المنذر) ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حلق رأسه وقلم أظفاره وكان ابن عمر يأخذ من شاربه وأظفاره وكان عطاء وطاوس والشافعى يحبون لو أخذ من لحيته شيئا، ويستحب إذا حلق أن يبلغ العظم الذى عند مقطع الصدغ من الوجه، كان ابن عمر يقول للحالق
-[ما ورد في تقصير معاوية عن النبى صلى الله عليه وسلم كان فى عمرة - وما يفعل من لا شعر برأسه]-
.....
أبلغ العظمين. افصل الرأس من اللحية، وكان عطاء يقول من السنة إذا حلق رأسه أن يبلغ العظمين (قال ابن قدامة فى المغنى) والأصلع الذى لا شعر على رأسه يستحب أن يمر الموسى على رأسه، روى ذلك عن عمر؛ وبه قال مسروق وسعيد بن جبير والنخعى (ومالك والشافعي) وأبو ثور وأصحاب الرأى (قال ابن المنذر) أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن الأصلع يمر الموسى على رأسه وليس ذلك واجبا (وقال أبو حنيفة) يجب لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال "اذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" لهذا لو كان ذا شعب وجب عليه ازالته وإمرار الموسى على رأسه، فإذا سقط أحدهما لتعذره وجب الآخر (قال ابن قدامة) ولنا أن الحلق محله الشعر فسقط بعدمه كما يسقط وجوب غسل العضو فى الوضوء بفقده، ولأنه إمرار لو فعله فى الأحرام لم يجب به دم، فلم يجب عند التحلل كأمراره على الشعر من غير حلق اهـ (فائدة) جاء فى أحاديث الباب أن معاوية رضى الله عنه قصر من رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم "وفى رواية" قال قصرت عن رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة (قال النووي) رحمه الله هذا الحديث محمول على أنه قصر عن النبى صلى الله عليه وسلم فى عمرة الجعرانة، لأن النبى صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع كان قارنا، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم حلق بمنى وفرق أبو طلحة رضى الله عنه شعره بين الناس. فلا يجوز حمل تقصير معاوية على حجة الوداع ولا يصح حمله أيضا على عمرة القضاء الواقعة سنة سبع من الهجرة، لأن معاوية لم يكن يومئذ مسلما إنما أسلم يوم الفتح سنة ثمان، هذا هو الصحيح المشهور، ولا يصح قول من حمله على حجة الوداع، وزعم أنه صلى الله عليه وسلم كان متمتعاً لأن هذا غلط فاحش، فقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة السابقة فى مسلم وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم قيل له ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت، فقال إنى لبدت رأسى وقلدت هديى فلا أحل حتى أنحر الهدى "وفى رواية" حتى أحل من الحج والله أعلم اهـ (وقال الحافظ ابن القيم) فى الهدى الأحاديث الصحيحة المستفيضة تدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يحل من احرامه إلى يوم النحر كما أخبر عن نفسه بقوله فلا أحل حتى أنحر، وهو خبر لا يدخله الوهم بخلاف خبر غيره، ثم قال ولعل معاوية قصر عنه فى عمرة الجعرانة فنسى بعد ذلك وظن أنه كان فى حجته اهـ (وقال الحافظ) فى الفتح أخرج الحاكم فى الأكليل فى آخر قصة غزوة حنين أن الذى حلق رأسه صلى الله عليه وسلم فى عمرته التى اعتمرها فى الجعرانة أبو هند عبد بنى بياضة، فان ثبت هذا وثبت أن معاوية كان حينئذ معه أو كان بمكة فقصر عنه بالمروة أمكن الجمع بأن يكون معاوية قصر عنه أوَّلا وكان الحلاق غائبا فى بعض حاجته ثم حضر فأمره أن يكمل ازالة الشعر بالحلق لأنه أفضل ففعل، وان ثبت أن ذلك كان فى عمرة القضية وثبت أنه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
-[الجمع بين حديثي ابن عمر وجابر بن عبد الله فى صلاة النبى صلى الله عليه وسلم الظهر بمكة ومنى]-
(6)
باب الإفاضة عن منى للطواف يوم النحر
(وهو المسمى بطواف الأفاضة أو الزيارة وحكم من أمسى ولم يطف)
(405)
عن ابن عمر رضى الله عنهما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أفاض يوم النَّحر ثمَّ رجع فصلَّى الظُّهر بمنىً
(406)
عن ابن عبَّاسٍ وعائشة رضى الله عنهم قالا أفاض رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم من منىً ليلاً (وعنهما رضي الله عنهما
حلق فيها جاء هذا الاحتمال بعينه وحصل التوفيق بين الأخبار كلها، وهذا مما فتح الله على به فى هذا الفتح، ولله الحمد ثم لله الحمد أبدا
(405)
عن ابن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق أنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر - الحديث" (غريبه) (1) يعنى من منى إلى مكة لطواف الأفاضة، ويقال له أيضا طواف الزيارة وطواف الفرض والركن (قال النووي) وسماه بعض أصحابنا طواف الصدر وأنكره الجمهور، قالوا وإنما طواف الصدر طواف الوداع اهـ (وقوله ثم رجع) يعنى من مكة إلى منى بعد الطواف فصلى الظهر بمنى، وهذا يعارض ما ثبت عند مسلم من حديث جابر الطويل فى صفة حج النبى صلى الله عليه وسلم حيث قال "ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر - الحديث" (قال النووي) رحمه الله ووجه الجمع بينهما أنه صلى الله عليه وسلم طاف للأفاضة قبل الزوال ثم صلى الظهر بمكة فى أول وقتها ثم رجع إلى منى فصلى بها الظهر مرة أخرى بأصحابه حين سألوه ذلك فيكون متنفلا بالظهر الثانية التى بمنى، وهذا كما ثبت فى الصحيحين فى صلاته صلى الله عليه وسلم ببطن نخل أحد أنواع صلاة الخوف فانه صلى الله عليه وسلم صلى بطائفة من أصحابه الصلاة بكمالها وسلم بهم ثم صلى بالطائفة الأخرى تلك الصلاة مرة أخرى فكانت له صلاتان ولهم صلاة اهـ. وذكر ابن المنذر نحوه (قال الشوكاني) ويمكن الجمع بأن يقال أنه صلى الله عليه وسلم صلى بمكة ثم رجع إلى منى فوجد أصحابه يصلون الظهر فدخل معهم متنفلا لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك لمن وجد جماعة يصلون وقد صلى اهـ (تخريجه)(ق. هق. وغيرهم)
(406)
عن ابن عباس وعائشة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا نوح بن ميمون ثنا سفيان عن أبى الزبير عن ابن عباس وعائشة - الحديث" (غريبه)(2) هذا يعارض ما تقدم فى حديث ابن عمر من أنه صلى الله عليه وسلم أفاض نهارا وصلى الظهر بمنى
-[تأويل حديث ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم أخر طواف يوم النحر إلى الليل]-
من طريقٍ ثانٍ) أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم زار البيت ليلاً (وعنهما من طريقٍ ثالثٍ) أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخَّر طواف يوم النَّحر إلى اللَّيل
(407)
حدّثنا عبد الله حدَّثنى أبى ثنا محمَّد بن أبى عدىٍّ عن محمَّد بن إسحاق قال حدَّثنى أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة عن أبيه وعن أمِّه زينب بنت أبى سلمة عن أمِّ سلمة رضى الله عنها يحدثانه ذلك جميعاً قالت، كانت ليلتى التى يصير إلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مساء يوم النَّحر قالت فصار إلي
وكذا ما جاء فى الطريق الثالثة من هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر طواف يوم النحر الى الليل يعارض حديث ابن عمر أيضا، وأجاب عن ذلك النووى رحمه الله بأن قوله أخر طواف يوم النحر الى الليل، أى طواف نسائه، قال ولابد من هذا التأويل للجمع بين الأحاديث اهـ (قلت) وعلى هذا يحمل قوله فى الطريق الأولى أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى ليلا أى لأجل نسائه فقط ليكون معهن، وكذا قوله فى الطريق الثانية "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار البيت ليلا" أى لكونه كان مع نسائه فزار تطوعا بقصد الزيارة لا لطواف الأفاضة ثم رجع إلى منى فبات بها، لأنه ثبت بالأحاديث الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم أفاض نهارا والله أعلم (1)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع عن سفيان عن أبى الزبير عن عائشة وابن عباس - الحديث" (2) وفى رواية عند البيهقى وزار رسول الله صلى الله عليه وسلم مع نسائه ليلا وهى تؤيد ما قلنا فى شرح الطريق الأولى (3) (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرحمن ثنا سفيان عن أبى الزبير عن عائشة وابن عباس - الحديث"(تخريجه)(د. مذ. هق) وقال الترمذى حديث حسن اهـ، وذكر البخارى الطريق الثالثة منه فى صحيحه تعليقا بصيغة الجزم فقال وقال أبو الزبير عن عائشة وابن عباس أخر النبى صلى الله عليه وسلم الطواف إلى الليل (قلت) أى طواف نسائه كما فسره النووى جمعا بين الأحاديث كما تقدم، قال البيهقى وقد سمع أبو الزبير بن عباس، وفى سماعه من عائشة نظر؛ قاله البخارى والله أعلم
(407)
حدّثنا عبد الله (غريبه)(4) يريد أن أم أبى عبيدة وأباه حدثاه جميعا عن أم سلمة زوج النبى صلى الله عليه وسلم هذا الحديث (5) أى اتفق أن كانت ليلة نوبتى مساء يوم النحر أى مساء ليلة تلى يوم النحر وهى ليلة الحادى عشر من ذى الحجة، والمساء يطلق على ما بعد الزوال إلى أن يشتد الظلام، ولعل المراد به هنا أول الليل (وقولها فصار إلىَّ) أي دخل علي
-[ما ورد في أن من لم يطف يوم النحر حتى أمسى رجع محرما]-
قالت فدخل علىَّ وهب بن زمعة ومعه رجلٌ من آل أبى أميَّة متقمِّصين قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوهبٍ هل أفضت بعد أبا عبد الله؟ قال لا والله يا رسول الله، قال انزع عنك القميص، قال فنزعه من رأسه ونزع صاحبه قميصه من رأسه، ثم قالوا ولم يا رسول الله؟ قال إنَّ هذا يوم رخَّص لكم إذا أنتم رميتم الجمرة أن تحلوُّا، يعنى من كلِّ ما حرمتم منه إلَاّ من النِّساء فإذا أنتم أمسيتم قبل أن تطوفوا بهذا البيت عدتم حرما كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة حتَّى تطوفوا به، قال محمدٌ قال أبو عبيدة وحدَّثتنى أمُّ قيسٍ ابنة محصنٍ وكانت جارةً لهم، قالت خرج من عندى عكاشة ابن محصنٍ فى نفر من بنى أسدٍ متقمِّصين عشيَّة يوم النَّحر، ثمَّ رجعوا إلي
رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذلك المساء (1) أى لابسى القميص (2) أى طفت طواف الأفاضة بعد رمى الجمار والحلاق (وقوله أبا عبد الله) يعنى يا أبا عبد الله. فهو منادى حذفت منه ياء النداء، وهو كنية وهب بن زمعة (3) أى من قبل رأسه (4) أى وهب وصاحبه، ويحتمل أنه كان معها أحد آخر لم يذكر فى الحديث أو أقامهما مقام الجماعة احتراما لهما (وفى رواية أبى داود) ثم قال يعنى وهبا. ولم يا رسول الله؟ أى لم أمرتنا بنزع القميص عنا؟ قال إن هذا يوم رخص لكم الخ الحديث. ومعنى ذلك أن هذا الترخيص لكم إنما هو بشرط أن تطوفوا طواف الأفاضة بعد رمى جمرة العقبة يوم النحر قبل أن تدخلوا فى مساء ذلك اليوم، وأما إذا فات هذا الشرط بأن أمسيتم يوم النحر قبل أن تطوفوا طواف الأفاضة فليس لكم هذا الترخيص وإن رميتم وذبحتم وحلقتم، بل ترجعون محرمين كما كنتم قبل الرمي، وهذا مخالف لما اتفق عليه جمهور العلماء وسيأتى الكلام عليه فى الأحكام (5) قوله "يعنى من كل ما حرمتم منه إلا من النساء" هذه الجملة من تفسير بعض الرواة، ومعناه من كل ما حرم عليكم فعله بسبب الأحرام والله أعلم (6) يعنى ابن اسحاق رحمه الله، وأبو عبيدة هو ابن عبد الله بن زمعة راوى الحديث الأول عن أبيه وأمه عن أم سلمة رضى الله عنها (7) صحابية مشهورة لها أحاديث وعكاشه أخوها، وهو من الصحابة السابقين الأولين شهد بدرا، ووقع ذكره فى السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب حيث
-[ما ورد في أن من لم يطف يوم النحر حتى أمسى رجع محرما]-
عشاءًا قمصهم على أيديهم يحملونها، قالت فقلت أى عكاشة مالكم خرجتم متقمصِّين ثمَّ رجعتم وقمصكم على أيديكم تحلمونها؟ فقال أخبرتنا أمُّ قيسٍ كان هذا يوماً قد رخَّص لنا فيه إذا نحن رمينا الجمرة حللنا من كلِّ ما حرمنا منه إلَاّ ما كان من النِّساء حتَّى نطوف بالبيت، فإذا أمسينا ولم نطف به صرنا حرما كهيئتنا قبل أن نرمى الجمرة حتَّى نطوف به ولم نطف فجعلنا قمصنا كما ترين
قال للنبي صلى الله عليه وسلم ادع الله أن يجعلنى منهم، قال أنت منهم، فقام آخر فقال سبقك بها عكاشة، رواه الشيخان والأمام أحمد، وقد ضرب بها المثل، يقال للسبق فى الأمر سبقك بها عكاشة (1) هكذا بالأصل "أخبرتنا أم قيس" وهذا لا معنى له، وأورده الهيثمى فى مجمع الزوائد وعزاه للأمام أحمد وفيه "فقال خيرا يا أم قيس هذا يوم رخص لنا فيه - الحديث" وجاء كذلك فى رواية البيهقي، ومعناه مستقيم، والظاهر أن قوله فى حديث الباب أخبرتنا أم قيس وقع فيه تصحيف من الناسخ، والصواب خيرا يا أم قيس والله أعلم، ورواه الطحاوى عن أم قيس أيضا بلفظ "قالت دخل على عكاشة بن محصن وآخر فى منى مساء يوم الأضحى فنزعا ثيابهما وتركا الطيب فقلت مالكما، فقالا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا من لم يفض إلى البيت من عشية هذه فليدع الثياب والطيب"(تخريجه) أخرجه البيهقى بطوله، وأخرج الشطر الأول منه (د. هق. ك) وسنده جيد وسكت عنه، الحاكم وأقره الذهبي، وأخرج الشطر الثانى منه من قوله "قال محمد قال أبو عبيدة إلى آخر - الحديث" الطحاوي، وأورده الهيثمى وقال رواه أحمد والطبرانى فى الكبير ورجال أحمد ثقات (زوائد الباب)(عن عبد الله بن القاسم) عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم أذن لأصحابه فزاروا البيت ظهيرة وزار رسول الله صلى الله عليه وسلم مع نسائه ليلا (وعنه أيضا) عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها قالت أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يوم حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى (وعن أبى سلمة) عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفضنا يوم النحر (وعن طاوس) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف طواف يوم النحر من الليل (وعن مسعر) عن جابر عن مجاهد مثله، أورد هذه الأحاديث البيهقى ثم قال وإلى هذا ذهب عروة بن الزبير أن النبى صلى الله عليه وسلم طاف على ناقته ليلا، قال وأصح هذه الروايات حديث نافع عن ابن عمر، وحديث جابر، وحديث أبى سلمة عن عائشة، والله أعلم اهـ (قلت) حديث نافع عن ابن عمر
-[إجماع العلماء على أن طواف الأفاضة ركن واختلافهم فى وقته]-
.....
هو المذكور أول أحاديث الباب، وحديث جابر يعنى الطويل الذى رواه مسلم فى صفة حج النبى صلى الله عليه وسلم، وتقدم المقصود منه فى شرح حديث ابن عمر، وحديث أبى سلمة عن عائشة تقدم فى الزوائد، وهى تدل على أنه صلى الله عليه وسلم طاف طواف الأفاضة يوم النحر نهارا قبل الزوال والله أعلم (الأحكام) أحاديث الباب تدل على أن الحاج إذا رمى جمرة العقبة يوم النحر ونحر هديه وحلق رأسه أو قصر أفاض من منى إلى مكة لطواف الأفاضة وهو ركن للحج لا يتم إلا به ولا نعلم فيه خلافا، ولأن الله عز وجل قال "وليطوَّفوا بالبيت العتيق"(قال ابن عبد البر) هو من فرائض الحج لا خلاف فى ذلك بين العلماء، وفيه عند جميعهم قال الله تعالى "وليطوَّفوا بالبيت العتيق"(وعن عائشة) رضى الله عنها قالت حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفضنا يوم النحر فحاضت صفية فأراد النبى صلى الله عليه وسلم منها ما يريد الرجل من أهله، فقلت يا رسول الله إنها حائض، قال أحابستنا هي؟ قالوا يا رسول الله انها قد أفاضت يوم النحر. قال اخرجوا، رواه الشيخان، وفى رواية للأمام أحمد وستأتى فى باب حكم من حاضت بعد طواف الأفاضة عن عائشة رضى الله عنها قالت "حاضت صفية بعد ما أفاضت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحابستنا هي؟ قلت حاضت بعدما أفاضت، قال فلتنفر إذا أو قال فلا إذا" فدل على أن هذا الطواف لابد منه وأنه حابس لمن لم يأت به، ولأن الحج أحد النسكين فكان الطواف ركنا كالعمرة (ولهذا الطواف وقتان) وقت فضيلة ووقت إجزاء (فأما وقت الفضيلة) فيوم النحر بعد الرمى والنحر والحلق وقبل الزوال (واليه ذهب الجمهور) لحديث جابر عند مسلم فى صفة حج النبى صلى الله عليه وسلم يوم النحر "فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر" وفى حديث عائشة الذى ذكرت فيه حيض صفية قالت "فأفضنا يوم النحر" وفى حديث ابن عمر المذكور أول أحاديث الباب "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى" وتقدم الجمع بينه وبين حديث جابر فى الشرح أول الباب، فان أخره إلى الليل فلا بأس كما يستفاد من حديث ابن عباس وعائشة الثانى من أحاديث الباب، رواه أبو داود والترمذى وقال حديث حسن (وأما وقت الجواز) ففيه خلاف بين العلماء (فذهب الأمام أبو حنيفة) إلى أن أول وقته طلوع الفجر الثانى من ليلة النحر، وآخره ثانى أيام التشريق فان أخره إلى اليوم الثالث لزمه دم (وذهب جمهور العلماء) إلى أن أول وقته من النصف الثانى ليلة النحر ولا آخر له، بل يبقى ما دام حيا ولا يلزمه بتأخيره دم (قال ابن المنذر) ولا أعلم خلافا بينهم فى أن من أخره وفعله فى أيام التشريق أجزأه ولا دم، فان أخره عن أيام التشريق فقد قال جمهور العلماء لا دم عليه، ممن قال ذلك عطاء وعمرو بن دينار وابن عيينة وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد وابن المنذر (والشافعى وأحمد) وهو رواية عن
-[كلام العلماء فى حديثى أم سلمة وعكاشة بن محصن وأنهما منسوخان والعمل على غيرهما]-
.....
مالك (وقال الأمام أبو حنيفة) إن رجع الى وطنه قبل الطواف لزمه العود للطواف فيطوف وعليه دم للتأخير، وهو الرواية المشهورة (عن الأمام مالك) احتج الجمهور بأن الأصل عدم الدم حتى يرد الشرع به والله أعلم (وذهب جماعة) منهم طاوس ومجاهد وعروة إلى أنه صلى الله عليه وسلم لم يطف فى ذلك اليوم، وإنما أخره إلى الليل عملا بظهر حديث الباب المروى عن ابن عباس وعائشة، وهو الثانى من أحاديث الباب، وأجاب عنه الجمهور بأنه ليس على ظاهره، وتقدم ما قاله النووى فى تأويله، أو يحمل على ما رواه ابن حبان أنه صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة ونحر ثم تطيب للزيارة ثم أفاض وطاف بالبيت طواف الزيارة ثم رجع إلى منى فصلى الظهر بها والعصر والمغرب والعشاء ورقد رقدة بها، ثم ركب إلى البيت ثانيا وطاف به طوافا آخر بالليل (وروى البيهقي) أنه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كان يزور البيت كل ليلة من ليالى منى (وفى حديث أم سلمة وعكاشة بن محصن) المذكورين آخر الباب دلالة على أن من تحلل التحلل الأول برمى جمرة العقبة والذبح والحلق أو التقصير ولم يطف طواف الأفاضة يوم النحر حتى أمسى رجع حراما كما كان قبل رمى الجمرة، وهو مخالف لما تقدم فى الباب السابق عن عائشة وابن عباس وغيرهما فى الزوائد من أن المحرم إذا رمى جمرة العقبة ثم ذبح وحلق حل له كل شيء إلا النساء، وقد استشكله النووى لمخالفته للأحاديث المذكورة مع قوله بأن اسناده صحيح، قال والجمهور على الاحتجاج بمحمد بن اسحاق إذا قال حدثنا وان عابوا عليه التدليس. والمدلس اذا قال حدثنا احتج به (قلت وقد قال محمد بن اسحاق فى هذا الحديث حدثنى ابو عبيدة الخ) قال النووى واذ ثبت أن الحديث صحيح فقد قال البيهقى لا أعلم احدا من الفقهاء قال به، هذا كلام البيهقى (قال النووي) قلت فيكون الحديث منسوخاً دلَّ الأجماع على نسخه فان الاجماع لا ينسخ ولا يُنسخ، لكنى دل على ناسخ والله أعلم اهـ ج. قال صاحب فتح الودود، شرح سنن أبى داود، ولعل من لا يقول به يحمله على التغليظ والتشديد فى تأخير الطواف عن يوم النحر والتأكيد فى اتيانه يوم النحر، وظاهر الحديث يأبى هذا الحمل والله أعلم اهـ، وأفضل أوقات طواف الأفاضة قبل الزوال من يوم النحر بعد فراغه من الأعمال الثلاثة، وهى الرمى والذبح والحلق كما يستفاد ذلك من حديث ابن عمر (قال النووي) فى شرح المهذب (قال أصحابنا) ويستحب أن يعود إلى منى قبل صلاة الظهر فيصلى الظهر بمنى (قال أصحابنا) ويكره تأخير الطواف عن يوم النحر وتأخيره عن أيام التشريق أشد كراهة وخروجه من مكة بلا طواف أشد كراهة، ومن لم يطف لا يحل له النساء وإن مضت عليه سنون (قال أصحابنا) ولو طاف للوداع ولم يكن طاف الأفاضة وقع عن طواف الأفاضة وأجزأه؛ قال فاذا طاف، فان لم يكن سعى بعد طواف القدوم لزمه السعى بعد طواف الإفاضة ولا يزال
-[استحباب الشرب من ماء زمزم والوضوء منه عقب طواف الأفاضة وما ورد فى فضله]-
(7)
باب جواز تقديم النحر والحلق والرمى والأفاضة بعضها على بعض
(408)
عن ابن عبَّاسٍ رضى الله عنهما أنَّ النَّبى صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم سأله رجلٌ فى حجَّة الوداع، فقال يا رسول الله حلقت قبل أن أذبح، قال فأومأ بيده وقال لا حرج، وقال رجلٌ يا رسول الله ذبحت
محرما حتى يسعى ولا يحصل التحلل الثانى بدونه، وإن كان سعى بعد طواف القدوم لم يعده بل تكره إعادته والله أعلم اهـ، فاذا فرغ من طواف الأفاضة حل له كل شيء، النساء وغيرهن (ويستحب) أن يشرب من ماء زمزم عقب طواف الأفاضة لما أحب، ويتضلع منه ويتوضأ منه أيضا لما ثبات فى حديث على رضى الله عنه، وتقدم بطوله فى باب صفة حج النبى صلى الله عليه وسلم صحيفة 84 رقم 65 قال "ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بسجل من ماء زمزم فشرب منه وتوضأ، ثم قال انزعوا يا بنى عبد المطلب فلولا أن تغلبوا عليها لنزعت - الحديث" وقد ورد فى فضل ماء زمزم أحاديث ستأتى جميعها فى أبواب فضل مكة من كتاب الفضائل إن شاء الله تعالى (منها) ما رواه جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ماء زمزم لما شرب له (هق)(وعن أبى ذر) رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنها مباركة وإنها طعام طعم (يعنى زمزم) وهذا طرف من حديث طويل سيأتى فى مناقب أبى ذر من كتاب المناقب رواه أيضا (م. هق)(وعن محمد بن عبد الرحمن بن أبى بكر) قال كنت عند ابن عباس جالسا فجاء رجل فقال من أين جئت؟ قال من زمزم، قال فشربت منها كما ينبغي؟ قال فكيف؟ قال إذا شربت منها فاستقبل الكعبة واذكر اسم الله وتنفس ثلاثا من زمزم وتضلع منها، فاذا فرغت فاحمد الله تعالى فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم (هق. جه)(قال ابن قدامة) فى المغنى ويقول عند الشرب، بسم الله اللهم اجعله لنا علما نافعا، ورزقا واسعاً، وريا وشبعا، وشفاء من كل داء، واغسل به قلبي، واملأه من حكمتك اهـ
(408)
عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبا ثنا عفان ثنا وهيب ثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس - الحديث" (غريبه)(1) أى أشار بيده وقال لا حرج أى لا إثم ولا فدية (وفى لفظ للبخاري) رميت بعد ما أمسيت، فقال افعل ولا حرج؛ وهى تدل على أن هذه القصة كانت بعد الزوال لأن المساء إنما يطلق على ما بعد الزوال، وكأن السائل علم أن السنة للحاج أن يرمى جمرة العقبة أول ما يقدم ضحى
-[جواز تقديم أو تأخير الرمى والنحر والحلق والأفاضة بعضها على بعض]-
قبل أن أرمي، قال فأومأ بيده وقال لا حرج، قال فما سئل يومئذٍ عن شيءٍ من التَّقديم والتَّأخير إلَاّ أومأ بيده وقال لا حرج (وعنه من طريقٍ ثانٍ) عن النَّبى صلى الله عليه وسلم سئل عن الذَّبح والرَّمى والحلق والتَّقديم والتَّأخير فقال لا حرج (وعنه من طريقٍ ثالثٍ) عن النَّبى صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم سئل عمَّن قدَّم من نسكه شيئاً قبل شيءٍ فجعل يقول لا حرج
(409)
"ز" عن على رضى الله عنه قال أتى النَّبى صلى الله عليه وسلم رجل فقال إنِّى رميت الجمرة وأفضت ولبست ولم أحلق، قال فلا حرج فاحلق، ثمَّ أتاه رجلٌ آخر فقال إنِّى رميت وحلقت ولبست ولم أنحر، فقال لا حرج فانحر
(410)
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفاً على راحلته بمنىً قال فأتاه رجلٌ فقال يا رسول الله إنِّى كنت أرى أنَّ الحلق قبل الذَّبح، فحلقت قبل أن أذبح، فقال اذبح
فلما أخرها إلى بعد الزوال سأل عن ذلك، وفيه دلالة على أن من رمى بعد دخول وقت المساء وهو الزوال صح رميه ولا حرج عليه فى ذلك (1) أى من تأخير بعض هذه الثلاثة على بعض أو تقديمه الا أومأ بيده وقال لا حرج (2)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى بن اسحاق أنا وهيب أنا ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس - الحديث" (3) (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هشيم أنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم - الحديث"(4) يعنى الرمى والنحر والحلق والأفاضة (تخريجه)(ق. د. نس. جه)
(409)
"ز" عن على رضى الله عنه، هذا طرف من حديث طويل تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى الجزء الحادى عشر صحيفة 84 رقم 65 فارجع اليه ان شئت
(410)
عن عبد الله بن عمرو (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد ابن جعفر ثنا معمر أنا ابن شهاب وعبد الرزاق قال أنا معمر عن ابن شهاب عن عيسى ابن طلحة عن عبد الله بن عمرو بن العاص - الحديث" (غريبه)(5) زاد فى رواية عند الجمرة (6) بضم الهمزة أى أظن كما صرح بذلك عبد الرزاق في روايته الآتية (وفي
-[جواز تقديم أو تأخير الرمى والنحر والحلق والأفاضة بعضها على بعض]-
ولا حرج، قال ثم جاءه آخر فقال يا رسول الله إنِّى كنت أرى أنَّ الذَّبح قبل الرَّمى فذبحت قبل أن أرمي، قال فارم ولا حرج، قال فما سئل عن شيءٍ قدَّمه رجل قبل شيءٍ إلَاّ قال افعل ولا حرج، قال عبد الرَّزاق وجاءه آخر فقال يا رسول الله إنى كنت أظنُّ أنَّ الحلق قبل الرَّمى فحلقت قبل أن أرمي، قال ارم ولا حرج
(411)
عن جابر (بن عبد الله رضى الله عنهما) أنه قال نحر
رواية) لمسلم "لم أكن أشعر أن الرمى قبل النحر فنحرت قبل الرمي"(1) هذا يدل على أن السؤال وقع من جماعة كما فى حديث أسامة بن شريك عند الطحاوى وغيره "كان الأعراب يسألونه" ولفظ حديثه عند أبى داود قال "خرجت مع النبى صلى الله عليه وسلم حاجا فكان الناس يأتونه، فمن قائل يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف أو قدمت شيئا فكان يقول لا حرج لا حرج، وقد تكرر هذا اللفظ وهو قوله "فأتاه رجل آخر" فى حديث على المذكور قبل هذا، وحديث جابر الآتى بعده، وتعليق سؤال بعضهم بعدم الشعور لا يستلزم سؤال غيره حتى يقال انه يختص الحكم بحالة عدم الشعور ولا يجوز اطراحها بالحاق العمد بها، ولهذا يعلم أن التعويل فى التخصيص على وصف عدم الشعور المذكور فى سؤال بعض السائلين غير مفيد للمطلوب، نعم اخبار ابن عمرو عن أعم العام وهو قوله "فما سئل عن شيء الخ" مخصص باخباره مرة أخرى عن أخص منه مطلقا، وهو قوله فى رواية عند مسلم "فما سمعته يومئذ يسأل عن أمر مما ينسى المرء أو يجهل من تقديم بعض الأمور قبل بعض وأشباهها الا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم افعلوا ولا حرج" ولكن عند من جوز التخصيص بمثل هذا المفهوم (2) أى فى روايته، قوله "وجاءه آخر فقال يا رسول الله انى كنت أظن الخ" (تخريجه)(ق. وغيرهما) وللأمام أحمد طريق أخرى عن سفيان عن الزهرى عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمرو ابن العاص قال قال رجل يا رسول الله حلقت قبل أن أرمي، قال ارم ولا حرج، وقال مرة قبل أن أذبح، فقال اذبح ولا حرج، قال ذبحت قبل أن أرمي، قال ارم ولا حرج رواه الشيخان أيضا
(411)
عن جابر بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عثمان
-[مذاهب العلماء فى حكم من قدَّم شيئاً من مناسك يوم النحر على شيء أو أخره]-
رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلق وجلس للنَّاس فما سئل عن شيءٍ إلا قال لا حرج لا حرج. حتَّى جاء رجلٌ فقال حلقت قبل أن أنحر، قال لا حرج، ثمَّ جاء آخر فقال يا رسول الله حلقت قبل أن أرمي، قال لا حرج، قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم عرفة كلُّها موقف والمزدلفة كلُّها موقف، ومنىً كلها منحر، وكلُّ فجاج مكَّة طريق ومنحر
ابن عمر ثنا أسامة عن عطاء عن جابر - الحديث" (غريبه) (1) ظاهره أن هذا كان بمنى بعد الذبح والحلق قبل ذهابه صلى الله عليه وسلم إلى مكة لطواف الأفاضة، وظاهر قول السائل فى رواية ابن عباس عند البخارى "رميت بعد ما أمسيت" أن هذه القصة كانت بعد الزوال بعد مجيئه صلى الله عليه وسلم من مكة وصلاة الظهر، ولا مانع من أن ذلك كان فى موطنين أحدهما قبل الزوال. والثانى بعده والله أعلم (2) تقدم شرح هذه الجملة وما بعدها فى غير موضع (تخريجه) (هق) وابن جرير وفيه أسامة بن زيد بن أسلم العدوى سيء الحفظ (زوائد الباب) (عن سعيد بن أبى عروبة) عن مقاتل أنهم سألوا أنس بن مالك عن قوم حلقوا من قبل أن يذبحوا، قال أخطأتم السنة ولا شيء عليكم (هق) (الأحكام) أحاديث الباب تدل على جواز تقديم بعض الأمور المذكورة فيها على بعض، وقد أجمع العلماء على أنها مرتبة كالآتي، أولها رمى جمرة العقبة. ثم نحر الهدى أو ذبحه. ثم الحلق أو التقصير. ثم طواف الأفاضة، ولهم فيمن خالف هذا الترتيب أقوال ومذاهب (فذهب جمهورهم) من الفقهاء والمحدثين إلى الجواز وعدم وجوب الدم سواء فى ذلك العامد والناسى والجاهل، وهو قول عطاء وطاوس ومجاهد والشافعى واسحاق، قالوا لأن قوله صلى الله عليه وسلم "لا حرج" يقتضى رفع الأثم والفدية معا، ومعناه افعل ما بقى عليك وقد اجزأك ما فعلته ولا حرج عليك فى التقديم والتأخير، والمراد بنفى الحرج نفى الضيق، وايجاب أحدهما فيه ضيق. وأيضا لو كان الدم واجبا لبينه لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، ولم يفرق النبى صلى الله عليه وسلم بين عالم وجاهل وناس (وذهب أبو حنيفة والنخعى وابن الماجشون) إلى وجوب الدم على من حلق قبل أن يذبح (قال أبو حنيفة) ان كان قارنا فدمان، وقال زفر إن كان قارنا فعليه ثلاثة دماء، دم للقران، ودمان لتقدم الحلاق، وقال أبو يوسف ومحمد لا شيء عليه واحتجا بقوله صلى الله عليه وسلم لا حرج (قال النووي) فى شرح المهذب (وقال مالك) إذا قدمه
-[عن جابر رضي الله عنه فى خطبة النبى صلى الله عليه وسلم يوم النحر بمنى]-
(8)
باب ما جاء فى الخطبة يوم النحر بمنى
(412)
عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النَّحر فقال أى يومٍ أعظم حرمةً؟ فقالوا يومنا هذا، قال فأى شهرٍ أعظم حرمة؟ قالوا شهرنا هذا قال أى بلدٍ أعظم حرمةً؟ قالوا بلدنا هذا قال فإنَّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا
يعني الحلق على الذبح فلا شيء عليه، وان قدمه على الرمى لزمه الدم (وقال أحمد) ان قدمه على الذبح أو الرمى جاهلا أو ناسيا فلا دم، وان تعمد ففى وجوب الدم روايتان عنه (وعن مالك) روايتان فيمن قدم طواف الأفاضة على الرمى (احداهما) يجزئه الطواف وعليه دم (والثانية) لا يجزئه، وقال سعيد بن جبير والحسن البصرى والنخعى وقتادة ورواية ضعيفة عن ابن عباس عليه الدم متى قدم شيئا على شيء من هذه اهـ (قلت) قال القرطبى لم يثبت عن ابن عباس إن قدم شيئا على شيء فعليه دم اهـ (وقال الحافظ) إن نسبة ذلك إلى النخعى وأصحاب الرأى فيها نظر، وقال انهم لا يقولون بذلك الا فى بعض المواضع اهـ والمراد بأصحاب الرأى فى قول الحافظ، هم الأمام أبو حنيفة وأصحابه، وقد قدمت ما ذهبوا اليه مفصلا محققا والحمد لله على التوفيق
(412)
عن جابر بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن عبيد ثنا الأعمش عن أبى صالح عن جابر - الحديث" (غريبه) (1) أى يحرم فيه القتال أكثر من سائر الأيام، وكذا يقال فى الشهر والبلد "فقالوا يومنا هذا" يعنى اليوم العاشر من ذى الحجة (2) يعنى شهر ذى الحجة (3) أى مكة لوجود الكعبة بها وهى بيت الله قال تعالى "إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا وهدى للعالمين" قيل وليست الحرمة خاصة بعين اليوم والبلد والشهر، وإنما المراد ما يقع فيه من القتال (قال البيضاوي) يريد بذلك تذكارهم تقريرها فى نفوسهم ليبنى عليها ما أراد تقريره حيث قال "فان دماءكم وأموالكم عليكم حرام الخ" (4) زاد فى حديث ابن عباس الآتى بعد هذا "وأعراضكم" والعرض بكسر العين موضع المدح والذم من الأنسان سواء أكان فى نفسه أم فى سلفه قال صاحب النهاية (5) المعنى أن انتهاك دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام؛ وهذا أولى من قول من قال، فإن سفك دمائكم وأخذ أموالكم وثلب أعراضكم؛ لأن ذلك إنما
-[حديث ابن عباس رضى الله عنهما فى خطبة النبى صلى الله عليه وسلم يوم النحر بمنى]-
في بلدكم هذا فى شهركم هذا هل بلَّغت؟ قالوا نعم. قال اللَّهمَّ اشهد
(413)
عن عكرمة عن ابن عبَّاسٍ رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجَّة الوداع يا أيُّها النَّاس أى يومٍ هذا؟ قالوا هذا يومٌ حرامٌ قال أى بلدٍ هذا؟ قالوا بلدٌ حرام، قال فأى شهرٍ هذا؟ قالوا شهرٌ حرامٌ، قال إنَّ أموالكم ودماءكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا فى بلدكم هذا فى شهركم هذا، ثمَّ أعادها مراراً ثم رفع رأسه إلى السَّماء فقال اللَّهمَّ هل
يحرم إذا كان بغير حق فلابد من التصريح به فلفظ انتهاك أولى. لأن موضوعها لتناول الشيء بغير حق (1) إنما شبهها فى الحرمة بهذه الأشياء لأنهم كانوا لا يرون استباحتها وانتهاك حرمتها بحال (وقال ابن المنير) قد استقر فى القواعد أن الأحكام لا تتعلق إلا بأفعال المكلفين، فمعنى تحريم اليوم والبلد والشهر تحريم أفعال الاعتداء فيها على النفس والمال والعرض؛ فما معنى إذا تشبيه الشيء بنفسه؟ (وأجاب) بأن المراد أن هذه الأفعال فى غير هذا البلد. وهذا الشهر: وهذا اليوم مغلظة الحرمة عظيمة عند الله فلا يستسهل المعتدى كونه تعدى فى غير البلد الحرام والشهر الحرام، بل ينبغى له أن يخاف خوف من فعل ذلك فى البلد الحرام، وإن كان فعل العدوان فى البلد الحرام أغلظ فلا ينفى كون ذلك فى غيره غليظا أيضا، وتفاوت ما بينهما فى الغلظ لا ينفع المعتدى فى غير البلد الحرام، فان فرضناه تعدى فى البلد الحرام فلا يستسهل حرمة البلد. بل ينبغى أن يعتقد أن فعله أقبح الأفعال وأن عقوبته بحسب ذلك فيراعى الحالتين "وقوله صلى الله عليه وسلم هل بلغت" يعنى ما أمرتنى به يا الله، وإنما قال ذلك لأنه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كان التبليغ فرضا عليه، فأشهد الله تعالى على أداء ما أوجب عليه (2) أى أنى أديت ما أوجبته على من التبليغ (تخريجه)(عل) ورجاله رجال الصحيح
(413)
عن عكرمة عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا ابن نمير ثنا فضيل يعنى ابن غزوان عن عكرمة عن ابن عباس - الحديث" (غريبه)(3) لفظ البخارى حدثنا عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر فقال يا أيها الناس - الحديث، فبينت هذه الرواية أن هذه الخطبة كانت يوم النحر (4) يعنى أعاد الألفاظ المتقدم ذكرها مراراً وأقله ثلاث مرات. وهي عادته صلى الله عليه وسلم
-[حديث عبد الرحمن بن معاذ فى خطبة النبى صلى الله عليه وسلم يوم النحر بمنى]-
بلَّغت مراراً قال يقول ابن عبَّاس والله إنَّها لوصيَّة إلى ربِّه عز وجل، ثمَّ قال ألا فليبلِّغ الشَّاهد الغائب، لا ترجعوا بعدى كفَّاراً يضرب بعضكم رقاب بعضٍ
(414)
عن عبد الرحمن بن معاذ عن رجل من أصحاب النَّبى صلى الله عليه وسلم قال خطب النَّبى صلى الله عليه وسلم النَّاس بمنىً ونزَّلهم منازلهم، وقال لينزل المهاجرون
(1) ثبت في رواية البخارى "اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت" مرتين. أى بلغت ما أمرتنى به كما تقدم (2) كذا فى الأصل "إنها لوصية إلى ربه" وجاء فى البخارى بلفظ "انها لوصيته إلى أمته" بضمير يعود على النبى صلى الله عليه وسلم واللام مفتوحة فى الروايتين وهى للتأكيد (3) أى الحاضر ذلك المجلس يبلغ الغائب، وقول ابن عباس معترض بين قوله صلى الله عليه وسلم "هل بلغت" وبين قوله فليبلغ الشاهد الغائب (4) أى بعد فراقى من موقفى هذا أو بعد موتى وهو الأظهر، وفيه استعمال رجع كصار معنى وعملا (قال ابن مالك) وهو مما خفى على أكثر النحويين، أى لا تصيروا بعدى "كفارا" أى كالكفار أو لا يكفر بعضكم بعضا فتستحلوا القتال، أو لا تكن أفعالكم شبيهة بأفعال الكفار (وقوله يضرب) برفع الباء من يضرب على أنها جملة مستأنفة مبينة لقوله لا ترجعوا بعدى كفارا، ويجوز الجزم. قال أبو البقاء على تقدير شرط مضمر أى إن ترجعوا بعدي. والله أعلم (تخريجه)(خ. مذ. هق)
(414)
عن عبد الرحمن بن معاذ (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن حميد الأعرج عن محمد بن إبراهيم التيمى عن عبد الرحمن بن معاذ - الحديث" (غريبه)(5) هكذا بالأصل (عن عبد الرحمن بن معاذ عن رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم وترجم له فى المسند بهذه العبارة (حديث رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم ثم ذكره بهذا الأسناد، ثم عقبه بترجمة أخرى فقال (حديث عبد الرحمن بن معاذ وكان من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم ثم قال حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الصمد قال حدثنى أبى قال ثنا حميد بن قيس عن محمد بن إبراهيم التيمى عن عبد الرحمن بن معاذ التيمى قال وكان من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث. فثبت بهذا أن عبد الرحمن بن معاذ من الصحابة، وأنه روى هذا الحديث بدون واسطة بينه وبين النبى صلى الله عليه وسلم، ورواه النسائى كذلك بدون واسطة. ولابى داود روايتان كما هنا إحداهما بواسطة والأخرى من غير واسطة. والظاهر والله أعلم أن عبد الرحمن رواه مرتين. مرة بواسطة. ومرة بغير واسطة، ويحتمل أنه أراد عدم التصريح باسم نفسه لأمر ما. فقال عن رجل عن أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم يعنى نفسه والله أعلم (6) من التنزيل أي أجلس كل
-[حديث الهرماس بن زياد فى خطبة النبى صلى الله عليه وسلم يوم النحر بمنى]-
هاهنا وأشار إلى ميمنة القبلة، والأنصار هاهنا وأشار إلى ميسرة القبلة، ثمَّ لينزل النَّاس حولهم، قال وعلَّمهم مناسكهم ففتحت أسماع أهل منى حتَّى سمعوه فى منازلهم قال فسمعته يقول ارموا بمثل حصى الخذف
(415)
عن الهرماس بن زياد الباهلىِّ رضى الله عنه قال رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم وأبى مردفى خلفه على حمار وأنا صغير فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بمنىً على ناقته العضباء (وعنه من
إنسان بالمكان اللائق به (1) فى رواية أخرى لأبى داود "ثم أمر المهاجرين فنزلوا فى مقدم المسجد" أى مسجد الخيف" ولعل المراد بالمقدم الجهة "وأمر الأنصار فنزلوا من وراء المسجد ثم نزل الناس بعد ذلك" فالمراد بقوله وأشار إلى ميمنة القبلة أى إلى مقدم مسجد منى "وأشار إلى ميسرة القبلة" أى إلى وراء مسجد منى كما يستفاد من الرواية الثانية لأبى داود (وقوله ثم لينزل الناس حولهم) أى جول المهاجرين والأنصار (2) فيه رد على من يقول ان هذه الخطبة لم يذكر فيها شيء من أعمال الحج (وقوله ففتحت أسماعنا) بضم الفاء الثانية وكسر الفوقية بعدها. أى اتسع سمع أسماعنا وقوى، من قولهم قارورة فتح بضم الفاء والتاء أى واسعة الرأس (قال الكسائي) ليس لها صمام ولا غلاف، وهكذا صارت أسماعهم لما سمعوا صوت النبى صلى الله عليه وسلم، وهذا من بركات صوته اذا سمعه المؤمن قوى سمعه واتسع مسلكه حتى صار يسمع الصوت من الأماكن البعيدة ويسمع الاصوات الخفية (3) ظاهره أنهم لم يذهبوا لسماع الخطبة بل وقفوا فى رحالهم وهم يسمعونها وليس كذلك. بل المراد أن كل من فى منى سمع الخطبة حتى من كان فى بيته لحاجة أو عذر منعه من الحضور لاستماعها، وهو اللائق بحال الصحابة رضى الله عنهم (تخريجه)(د. نس) وسكت عنه أبو داود والمنذرى ورجال اسناده ثقات
(415)
عن الهرماس بن زياد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا بهز ثنا عكرمة بن عمار ثنا الهرماس بن زياد - الحديث (غريبه)(4) أى يوم النحر كما صرح بذلك فى الطريق الثانية (5) العضباء هى مقطوعة الأذن (قال الأصمعي) كل قطع فى الأذن جدع، فان جاوز الربع فهى عضباء (وقال أبو عبيد) إن العضباء التى قطع نصف أذنها فما فوق، وقال الخليل هى مشقوقة الأذن. قال الحربى الحديث يدل على أن
-[الدليل على أن المراد بيوم الحج الأكبر يوم النحر]-
طريقٍ ثانٍ) قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم النحر بمنىً
(416)
عن مرَّة الطَّيِّب قال حدَّثنى رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم فى غرفتى هذه حسبت قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النَّحر على ناقةٍ له حمراء مخضرمة فقال هذا يوم النَّحر وهذا يوم الحجِّ الأكبر
العضباء اسم لها، وان كانت عضباء الأذن فقد جعل اسمها هذا (1)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى بن سعيد عن عكرمة بن عمارة قال حدثنى الهرماس ابن زياد الباهلى قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث" (تخريجه)(د. نس) وسكت عنه أبو داود والمنذرى ورجال اسناده ثقات، قال النووى إسناده صحيح على شرط مسلم
(416)
عن مرة الطيب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع قال ثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن مرة الطيب - الحديث" (غريبه)(2) هو ابن شراحيل الهمدانى بسكون الميم أبو اسماعيل الكوفى ثقة عابد، ويقال له أيضا مرة الخير وهو من رجال الكتب السنة أيضا، قال الحارث الغنوى سجد حتى أكل التراب جبهته، قال ابن سعد توفى بعد الجماجم (وفى التهذيب) توفى سنة ست وسبعين من الهجرة (3) أى ظننت (4) هى التى قطع طرف أذنها. وأصل الخضرمة أن يجعل الشيء بين بين، فاذا قطع بعض الأذن فهى بين الوافرة والناقصة، وقيل هى المنتوجة بين النجائب والعكاظيات. ومنه قيل لكل من أدرك الجاهلية والأسلام مخضرم لأنه أدرك الخضرميتن (نه) وقد جاء فى رواية الهرماس المتقدمة أنها العضباء. وفى بعض الروايات القصواء. وفى بعضها الجدعاء وفى بعضها الصلماء. فيحتمل أن يكون الجميع صفة ناقة واحدة. فسماها كل واحد منهم مما تخيل فيها. ويؤيد ذلك ما روى فى حديث علىّ حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم يبلغ أهل مكة سورة براءة. فرواه ابن عباس أنه ركب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم القصواء. وفى رواية جابر العضباء. وفى رواية غيرهما الجدعاء. فهذا يصرح بأن الثلاثة صفة ناقة واحدة والله أعلم (5) إنما قيل الحج الأكبر للاحتراز من الحج الأصغر وهو العمرة (وفى رواية للبخاري) من حديث أبى هريرة ويوم الحج الأكبر يوم النحر. وإنما قيل الأكبر من أجل قول الناس الحج الأصغر. وذكر البخارى ومسلم أن حميد بن عبد الرحمن كان يقول يوم النحر يوم الحج الأكبر من أجل حديث أبى هريرة. وسيأتى كلام العلماء على ذلك فى الأحكام (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وسنده جيد (زوائد الباب) (عن
-[زوائد الباب فى جواز تقديم بعض المناسك على بعض - وفى وقت الخطبة يوم النحر]-
.....
ابن عمر رضي الله عنهما قال قال النبى صلى الله عليه وسلم بمنى أتدرون أى يوم هذا؟ قالوا الله ورسوله أعلم. فقال فان هذا يوم حرام، أفتدرون أى بلد هذا؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال بلد حرام، أفتدرون أى شهر هذا؟ قالوا الله ورسوله أعلم. قال شهر حرام، قال فان الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا (ق. د. نس جه)(وعن عيسى بن طلحة) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما حدثه أنه شهد النبى صلى الله عليه وسلم يخطب يوم النحر فقام اليه رجل فقال كنت أحسب أن كذا قبل كذا ثم قام آخر فقال كنت أحسب أن كذا قبل كذا، حلقت قبل أن أنحر. نحرت قبل أن أرمي. وأشباه ذلك، فقال النبى صلى الله عليه وسلم افعل ولا حرج لهن كلهن، فما سئل يومئذ عن شيء إلا قال افعل ولا حرج (ق. والأربعة)(وعن ابن عمر رضى الله عنهما) وقف النبى صلى الله عليه وسلم يوم النحر بين الجمرات فى الحجة التى حج بهذا وقال هذا يوم الحج الأكبر فطفق النبى صلى الله عليه وسلم يقول اللهم اشهد وودع الناس، فقالوا هذه حجة الوداع (خ. د. جه. طب)(وعن حميد بن عبد الرحمن) أن أبا هريرة قال بعثنى أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ويوم الحج الأكبر يوم النحر والحج الأكبر الحج (ق. وغيرهما)(وعن أبى أمامة رضى الله عنه) قال سمعت خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى يوم النحر، رواه أبو داود بأسناد حسن، ورواه الترمذى لكن لفظه سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يخطب فى حجة الوداع وقال حديث حسن صحيح (وعن رافع بن عمرو المزني) رضى الله عنه قال رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء وعلى رضى الله عنه يعبر عنه والناس بين قائم وقاعد (د. هق) قال النووى فى شرح المهذب ورواه أبو داود بأسناد حسن والنسائى بأسناد صحيح اهـ. وقوله يعبر عنه من التعبير أى يبلغ حديثه من هو بعيد من النبى صلى الله عليه وسلم فهو رضى الله عنه وقف حيث يبلغه صوت النبى صلى الله عليه وسلم ويفهمه فيبلغه الناس كما سمع، وللأمام أحمد رحمه الله تعالى فى هذا الباب أحاديث كثيرة غير ما ذكر ستأتى جميعها فى باب خطب النبى صلى الله عليه وسلم من كتاب السيرة النبوية ان شاء الله تعالى (الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد تدل على مشروعية الخطبة فى يوم النحر وهى ترد على زعم أن يوم النحر لا خطبة فيه للحاج وأن المذكور فى أحاديث الباب إنما هو من قبيل الوصايا العامة لا أنه خطبة من شعار الحج، ووجه الرد أن الرواة سموها خطبة كما سموا التى وقعت بعرفات خطبة، وقد اتفق على مشروعية الخطبة بعرفات ولا دليل لى ذلك إلا ما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه خطب بعرفات، والقائلون بعدم مشروعية الخطبة يوم النحر هم المالكية والحنفية، وقالوا خطب الحج ثلاث. سابع ذى الحجة. ويوم عرفة. وثاني
-[مذاهب العلماء فى مشروعية الخطبة يوم النحر ووقتها وعدد خطب الحج]-
.....
يوم النحر، ووافقهم الشافعية إلا أنهم قالوا بدل ثانى النحر ثالثه، وزادوا خطبة رابعة وهى يوم النحر (قال الأمام الشافعي) وبالناس اليها حاجة ليعلموا أعمال ذلك اليوم من الرمى والذبح والحلق والطواف، واستدل بأحاديث الباب، وتعقبه الطحاوى بأن الخطبة المذكورة ليست من متعلقات الحج لأنه صلى الله عليه وسلم لم يذكر فيها شيئا من أعمال الحج، وإنما ذكر وصايا عامة كما تقدم، قال ولم ينقل أحد أنه علمهم فيها شيئا مما يتعلق بالحج يوم النحر فعرفنا أنها لم تقصد لأجل الحج (وقال ابن القصار) إنما فعل ذلك من أجل تبليغ ما ذكره لكثرة الجمع الذى اجتمع من أقاصى الدنيا فظن الذى رآه أنه خطب، قال وأما ما ذكره الشافعى أنه بالناس حاجة إلى تعليمهم أسباب التحلل المذكور فليس بمتعين، لأن الأمام يمكنه أن يعلمهم إياه بمكة أو يوم عرفة اهـ (وأجيب) بأنه صلى الله عليه وسلم نبه فى الخطبة المذكورة على تعظيم يوم النحر وعلى تعظيم عشر ذى الحجة وعلى تعظيم البلد الحرام. وقد جزم الصحابة المذكورون بتسميتها خطبة كما تقدم فلا نلتفت إلى تأويل غيرهم، وما ذكره من امكان تعليم ما ذكر يوم عرفة يعكر عليه كونه يرى مشروعية الخطبة إلى يوم النحر وكان يمكن أن يعلموا يوم التروية جميع ما يأتى بعده من أعمال الحج، لكن لما كان فى كل يوم أعمال ليست فى غيره شرع تجديد التعليم بحسب تجدد الأسباب، وقد بين الزهرى وهو عالم أهل زمانه أن الخطبة ثانى يوم النحر نقلت من خطبة يوم النحر وأن ذلك من عمل الأمراء يعنى بنى أمية كما أخرج ذلك ابن أبى شيبة عن الزهرى وإن كان مرسلا لكنه معتضد بما سبق، وظهر به أن السنة الخطبة يوم النحر لا ثانيه، وأما قول الطحاوى إنه لم يعلمهم شيئا من أسباب التحلل فيرده ما عند البخارى من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وذكر فى الزوائد أنه شهد النبى صلى الله عليه وسلم يخطب يوم النحر وذكر فيه السؤال عن تقديم بعض المناسك، وثبت أيضا فى بعض طرق أحاديث الباب أنه صلى الله عليه وسلم قال للناس حينئذ خذوا عنى مناسككم فكأنه وعظهم بما وعظهم به وأحال فى تعلمهم على تلقى ذلك من أفعاله. أفاده الحافظ (وفى حديث رافع بن عمرو المزنى المذكور فى الزوائد) دلالة على أن هذه الخطبة كانت وقت الضحى من يوم النحر (يعنى قبل طواف الأفاضة) ومشى على ذلك الحافظ ابن القيم فى الهدى، ولكن ذهب القائلون بمشروعية الخطبة فى هذا اليوم إلى أنها كانت بعد الظهر يوم النحر بمنى بعد طواف الأفاضة. ولم أقف لهم على دليل فى ذلك من الأحاديث فالله أعلم (قال النووي) وخطب الحج المشروعة عندنا أربع، أولها بمكة عند الكعبة فى اليوم السابع من ذى الحجة. والثانية بنمرة يوم عرفة. والثالثة بمنى يوم النحر. والرابعة بمنى فى الثانى من أيام التشريق وكلها خطبة فردة وبعد صلاة الظهر إلا التى بنمرة فانها خطبتان وقبل صلاة الظهر وبعد
-[كلام العلماء فى يوم الحج الأكبر متى هو؟]-
(أبواب المبيت بمنى ليالى منى - ورمى الجمار فى أيامها وغير ذلك)
(1)
باب وقت رمى الجمار فى غير يوم النحر وآدابه
(417)
عن عائشة رضى الله عنها قالت أفاض رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم من آخر يومه حين صلَّى الظُّهر ثمَّ رجع إلى منًى فمكث بها ليالى أيَّام التشريق يرمى الجمرة إذا زالت الشَّمس
الزوال اهـ "وفى بعض أحاديث الباب والزوائد" دلالة على أن يوم النحر هو يوم الحج الأكبر (قال النووي) فى شرح المهذب (اختلف العلماء فى يوم الحج الأكبر) متى هو؟ فقيل يوم عرفة (والصحيح الذى قاله الشافعى وأصحابنا وجماهير العلماء) وتظاهرت عليه الأحاديث أنه يوم النحر، وإنما قيل الحج الأكبر للاحتراز من الحج الأصغر وهو العمرة، هكذا ثبت فى الحديث الصحيح، واستدل النووى بحديث حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبى هريرة المذكور فى الزوائد؛ ثم قال رواه البخارى ومسلم فى صحيحهما، وقال حميد إن الله أمر بهذا الأذان يوم الحج الأكبر فأذنوا به يوم النحر، فدل على أنهم علموا أنه يوم الحج الأكبر المأمور بالأذان فيه فى قوله تعالى "وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر - الآية" ولأن معظم المناسك تفعل فيه (ومن قال يوم عرفة) احتج بالحديث السابق "الحج عرفة" ولكن حديث أبى هريرة يرده، ونقل القاضى عياض (أن مذهب مالك) أنه يوم النحر، وأن مذهب الشافعى أنه يوم عرفة. وليس كما قال، بل مذهب الشافعى وأصحابه أنه يوم النحر كما سبق والله أعلم اهـ
(417)
عن عائشة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا على بن بحر قال ثنا أبو خالد الأحمر عن محمد بن اسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة - الحديث" (غريبه)(1) أى من آخر يوم النحر، وتقدم فى باب الأفاضة من منى للطواف يوم النحر روايتها مع ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر طواف يوم النحر إلى الليل وليس على ظاهره بل هو مأوّل، وتقدم تأويله فى الباب المشار إليه، والصحيح أنه صلى الله عليه وسلم طاف طواف الأفاضة يوم النحر قبل الظهر، ثم رجع إلى منى فصلى بها الظهر كما ثبت ذلك فى حديث ابن عمر؛ وهو حديث صحيح متفق على صحته، رواه الشيخان والأمام أحمد وغيرهم، وتقدم فى الباب المشار إليه أيضا (2) استدل به على أن وقت رمي الجمرات في غير
-[آداب رمي الجمار ووقتها فى غير يوم النحر]-
كلَّ جمرةٍ بسبع حصيات يكبِّر مع كلِّ حصاةٍ ويقف عند الأولى وعند الثَّانية فيطيل القيام ويتضرَّع ويرمى الثَّالثة لا يقف عندها
(418)
عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما قال رمى رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم الجمار عند زوال الشَّمس أو بعد زوال الشَّمس
يوم النحر بعد الزوال باتفاق الجمهور (1) حكى الماوردى عن الأمام الشافعى أن صفته. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله والله أكبر. الله أكبر ولله الحمد (2) هى التى تلى مسجد الخيف بفتح الخاء المعجمة وإسكان المثناة تحت (قال أهل اللغة) الخيف ما انحدر عن غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء، وبه يسمى مجسد الخيف، وهو مسجد عظيم واسع جدا فيه عشرون بابا، وذكر الأزرقى جملا تتعلق به. وهذه الجمرة هى أولاهن من جهة عرفات وأبعدهن من مكة، وهى فى نفس الطريق الجادة، فيأتيها من أسفل منها فيصعد اليها ويعلوها حتى يكون ما عن يساره أقل ما عن يمينه؛ ويستقبل الكعبة ثم يرمى الجمرة بسبع حصيات واحدة واحدة يكبر عقب كل حصاة كما سبق فى رمى جمرة العقبة يوم النحر؛ ثم يتقدم عنها وينحرف قليلا ويجعلها فى قفاه ويقف فى موضع لا يصيبه المتطاير من الحصى الذى يرمى فيستقبل القبلة ويحمد الله تعالى ويكبر ويهلل ويسبح ويدعو مع حضور القلب وخضوع الجوارح، ويمكث كذلك قدر سورة البقرة (لما روى البيهقي) بسنده عن وبرة قال "قام ابن عمر حين رمى الجمرة عن يسارها نحو ما لو شئت قرأت سورة البقرة"(قال وروينا) عن أبى مجلز فى حزر قيام ابن عمر، قال وكان قدر قراءة سورة يوسف (وعن ابن عباس) أنه كان يقوم بقدر قراءة سورة من المئين (3) هى الوسطى ويصنع فيها كما صنع فى الأولى ويقف للدعاء كما وقف فى الأولى إلا أنه لا يتقدم عن يساره بخلاف ما فعل فى الأولى لأنه لا يمكنه ذلك فيها بل يتركها عن يمينه ويقف فى بطن المسيل منقطعا عن أن يصيبه الحصى (4) هى جمرة العقبة التى رماها يوم النحر فيرميها من بطن الوادى ولا يقف عندها للذكر والدعاء (تخريجه)(د. حب. ك. هق) وفيه محمد بن اسحاق ثقة ولكنه مدلس. والمدلس إذا قال عن لا يحتج بروايته ويؤيده، قبل ويغنى عنه حديث سالم عن ابن عمر، وسيأتى عن الزهرى
(418)
عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى صنا نصر من باب ثنا الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس - الحديث" (تخريجه)(مذ. جه) وحسنه الترمذى وأخرج نحوه مسلم فى صحيحه من حديث جابر
-[آداب رمي الجمار والتكبير عند كل حصاة]-
(419)
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم وقف عند الجمرة الثَّانية أطول ممَّا وقف عند الجمرة الأولى، ثمَّ أتى جمرة العقبة فرماها ولم يقف عندها
(420)
عن الزُّهرى قال بلغنا أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رمى الجمرة الأولى الَّتى تلى المسجد رماها بسبع حصيات يكبِّر مع كلِّ حصاةٍ، ثمَّ ينصرف ذات اليسار إلى بطن الوادى فيقف ويستقبل القبلة رافعاً يديه يدعوا. وكان يطيل الوقوف، ثمَّ يرمى الثَّانية بسبع حصيات يكبِّر مع كلِّ حصاةٍ، ثمَّ ينصرف ذات اليسار إلى بطن الوادى فيقف ويستقبل القبلة رافعاً يديه يدعوا، ثمَّ يمضى حتَّى يأتى الجمرة التَّى عند العقبة فيرميها بسبع حصياتٍ يكبِّر عند كلِّ حصاة ثمَّ ينصرف ولا يقف، قال الزُّهرى سمعت سالماً يحدِّث عن ابن عمر عن النَّبى صلى الله عليه وسلم بمثل هذا، وكان ابن عمر يفعل مثل هذا
(419) عن عمرو بن شعيب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو معاوية ثنا حجاج عن عمرو بن شعيب - الحديث" (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وفى اسناده الحجاج بن أرطأة فيه كلام
(420)
عن الزهرى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عثمان بن عمر أنا يونس عن الزهرى - الحديث" (غريبه)(1) هو الأمام الثقة محمد بن مسلم الزهري، ويقال له ابن شهاب أيضا عالم المدينة ثم الشام (وقوله بلغنا) هكذا رواية الأمام أحمد، ولفظ رواية البخارى عن الزهرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رمى الخ بهذا اللفظ (2) هو ابن عبد الله بن عمر، وقد رواه الأسماعيلى بنحو هذا، وقال فى آخره قال الزهرى سمعت سالما يحدث بهذا عن أبيه عن النبى صلى الله عليه وسلم (3) لفظ البخارى وكان ابن عمر يفعله أى يفعل هذا على رواية الأسماعيلي، أو يفعل مثل هذا على رواية الأمام أحمد (تخريجه)(خ. هق) وفى هذا الحديث تقديم المتن على بعض السند فانه ساق السند؛ من أوله إلى أن قال عن الزهرى قال بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بعد أن ذكر المتن كله ساق تتمة السند
-[كلام العلماء فى الحديث إذا تقدم متنه على سنده هل يعدّ موصولا أم لا؟]-
(421)
عن عائشة رضى الله عنها قالت قلت يا رسول الله ألا نبنى لك بمنىً بيتاً أو بناءًا يظلُّك من الشَّمس، فقال لا إنَّما هو مناخ لمن سبق إليه
فقال قال الزهري الخ، وقد صرح جماعة بجواز ذلك منهم الأمام أحمد، ولا يمنع التقديم فى ذلك الوصل، بل يحكم باتصاله (قال الحافظ) ولا اختلاف بين أهل الحديث أن الأسناد بمثل هذا السياق موصول، وغايته أنه من تقديم المتن على بعض السند، وإنما اختلفوا فى جواز ذلك، وأغرب الكرمانى فقال هذا الحديث من مراسيل الزهرى ولا يصير بما ذكره آخرا مسندا لأنه قال يحدث بمثله لا بنفسه، كذا قال، وليس مراد المحدث بقوله فى هذا بمثله إلا نفسه، وهو كما لو ساق المتن بأسناد ثم عقبه بأسناد آخر ولم يعد المتن بل قال بمثله، ولا نزاع بين أهل الحديث فى الحكم بوصل مثل هذا، وكذا عند أكثرهم لو قال بمعناه خلافا لمن يمنع الرواية بالمعنى، وقد أخرج الحديث المذكور الأسماعيلى عن ابن ناجية عن محمد بن المثنى وغيره عن عثمان بن عمر. وقال فى آخره (قال الزهري) سمعت سالما يحدث بهذا عن أبيه عن النبى صلى الله عليه وسلم فعرف أن المراد بقوله مثله نفسه، وإذا تكلم المرء فى غير فنه أتى بهذه العجائب اهـ (قلت) وللبخارى رواية أخرى بتقديم السند جميعه على المتن من طريق ابن شهاب يعنى الزهرى أيضا عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أنه كان يرمى الجمرة الدنيا بسبع حصيات، فذكر الحديث وفى آخره قال ويقول (يعنى ابن عمر) هكذا رأيت النبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يفعله
(421)
عن عائشة رضى الله عنها (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرحمن بن مهدى قال ثنا اسرائيل وزيد بن الحباب قال أخبرنى اسرائيل المعنى عن ابراهيم بن مهاجر بن يوسف بن ماهك عن أمه عن عائشة - الحديث" (غريبه)(1) جاء فى رواية ابن ماجه بيتا، وفى رواية الترمذى بناء، وفى رواية أبى داود بيتا أو بناء كما هنا (2) أى لا تبنوا لى بناء بمنى لأنه ليس مختصا بأحد، دون آخر من الناس، إنما هو موضع العبادة من الرمى والذبح والحلق ونحوها يشترك فيه الناس، فلو بنى فيها لأدى الى كثرة الأبنية تأسيا به صلى الله عليه وسلم فتضيق على الناس. وكذلك حكم الشوارع ومواضع الأسواق، وعند الأمام أبى حنيفة أرض الحرم موقوفة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة قهرا وجعل أرض الحرم موقوفة فلا يجوز أن يتملكها أحد. كذا فى المرقاة) (3) بضم الميم أى موضع لأناخة الأبل (وقوله لمن سبق اليه) معناه أن الاختصاص فيه بالسبق لا بالبناء والله أعلم (تخريجه)(د. مذ. جه. ك. مي) وحسنه الترمذي، وقال الحاكم هذا حديث
-[زوائد الباب وأحكامه]-
.....
صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (قلت) وأقره الذهبى (زوائد الباب)(عن وبرة) قال سألت ابن عمر رضى الله عنهما متى أرمى الجمار؟ قال إذا رمى إمامك فارمه، فأعدت عليه المسألة قال كنا نتحين فاذا زالت الشمس رمينا (خ. د) وقوله نتحين أى نراقب الوقت المطلوب وهو زوال الشمس، ولفظ أبى داود كنا نتحين زوال الشمس (وعن عمر ابن الخطاب) رضى الله عنه قال لا ترمى الجمرة حتى يميل النهار (هق)(الأحكام) أحاديث الباب تدل على جملة أحكام (منها مشروعية المبيت بمنى ليالى الرمي) وإلى وجوبه ذهب جمهور العلماء، قالوا لأنه من جملة مناسك الحج، وروى الأثرم عن ابن عمر قال لا يبيتن أحد من الحجاج إلى بمنى، وكان يبعث رجالا لا يدعون أحدا يبيت وراء العقبة، ولأن النبى صلى الله عليه وسلم فعله نسكا وقال "خذوا عنى مناسككم" وهو قول عروة وابراهيم ومجاهد وعطاء، وروى ذلك عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وهو قول الأمامان (مالك والشافعي) وقول للأمام أحمد فى رواية، ومن أدلتهم على ذلك حديث عاصم بن عدى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يتركوا المبيت بمنى، وحديث ابن عمر فى إذنه صلى الله عليه وسلم للعباس بذلك وسيأتيان فى الباب التالي، والتعبير بالرخصة يقتضى أن مقابلها عزيمة وأن الأذن وقع للعلة المذكورة، وإذا لم توجد أو ما فى معناها لم يحصل (واختلفوا فى وجوب الدم لتركه) فقيل يجب على كل ليلة دم، روى ذلك عن المالكية وقيل صدقة بدرهم وقيل اطعام (وقال الشافعية) يجب على الثلاث دم (وهو رواية عن الأمام أحمد) لقول ابن عباس رضى الله عنهما "من ترك من نسكه شيئا فليهرق دما"(وذهب جماعة إلى أنه سنة) ليس بواجب ولا دم فى تركه روى ذلك عن الحسن (واليه ذهب الأمام أبو حنيفة) ورواية عن الأمام أحمد لما روى ابن عباس إذا رميت الجمرة (يعنى جمرة العقبة) فبت حيث شئت، ولأنه قد حل من حجه فلم يجب عليه المبيت بموضع معين كليلة الحصبة (ومنها ما يدل) على أنه لا يجزء رمى الجمار فى غير يوم الأضحى قبل زوال الشمس بل وقته بعد زوالها، وإلى هذا ذهب (جمهور العلماء) وخالف فى ذلك عطاء وطاوس فقالا يجوز الرمى قبل الزوال مطلقا (ورخص الحنفية) فى الرمى يوم النفر قبل الزوال (وقال اسحاق) إن رمى قبل الزوال أعاد إلا فى اليوم الثالث فيجزئه، والأحاديث المذكورة فى الباب ترد على الجميع (ومنها) مشروعية القيام والتكبير عند رمى كل حصاة والقيام عند الجمرتين وتركه عند جمرة العقبة ومشروعية الدعاء عندهما (قال ابن قدامة فى المغنى) لا نعلم لما تضمنه حديث ابن عمر هذا "أى الرابع من أحاديث الباب" مخالفاً إلا ما روى عن مالك من تركه رفع اليدين عند الدعاء (ومنها) عدم جواز البناء فى أرض الحرم لأى انسان مهما كان لأنها موقوفة
-[بيان كيفية جمع الرمى لمن رخص لهم بذلك]-
(2)
باب الرخصة لرعاء الابل فى جمع رمى يومين فى يوم
(وفى المبيت بمكة أيام منى لذوى الحاجات بها)
(422)
عن أبى البدَّاح بن عاصم بن عدىٍّ عن أبيه (رضى الله عنه) قال أرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لرعاء الإبل فى البيتوتة أن يرموا يوم النَّحر ثمَّ يجمعوا رمى يومين بعد النَّحر فيرمونه فى أحدهما قال مالك ظننت أنَّه فى الآخر منهما ثمَّ يرمون يوم النَّفر (وعنه من طريقٍ ثانٍ) أنَّ النَّبىَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أرخص للرِّعاء أن يتعاقبوا فيرموا
للعبادة ولمصالح المسلمين عامة (ومنها غير ذلك) تقدم فى أبواب رمى جمرة العقبة والله الموقف
(422)
عن ابى البداح (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق ثنا مالك عن عبد الله بن أبى بكر عن أبيه عن أبى البداح - الحديث" (غريبه)(1) قال الطيبى رحمه الله الصحيح أن أبا البداح صحابى يروى عن أبيه (2) بكسر الراء والمد. جمع راع أى لرعاتها (وقوله فى البيتوتة) أى خارجين عن منى كما صرح بذلك فى الموطأ للأمام مالك (3) يعنى جمرة العقبة (4) معناه أنهم يجمعون رمى اليوم التالى ليوم النحر مع اليوم الذى يليه وهو يوم النفر الأول جمع تقديم. فيرمون فى اليوم التالى ليوم النحر ولا يرمون فى يوم النفر الأول. أو جمع تأخير فيرمون فى يوم النفر الأول ولا يرمون فى اليوم التالى ليوم النحر، واختار هذا الأخير الأمام مالك، ولذا قال قال مالك ظننت أنه فى الآخر منهما، وفسره الأمام مالك فى الموطأ بعبارة أوضح فقال (تفسير الحديث الذى أرخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لرعاء الأبل فى تأخير رمى الجمار فيما نرى والله أعلم أنهم يرمون يوم النحر. فإذا مضى اليوم الذى يلى يوم النحر رموا من الغد وذلك يوم النفر الأول فيرمون لليوم الذى مضى. ثم يرمون ليومهم ذلك لأنه لا يقضى أحد شيئاً حتى يجب عليه، فإذا وجب عليه ومضى كان القضاء بعد ذلك، فان بدا لهم النفر فقد فرغوا، وان أقاموا إلى الغد رموا مع الناس يوم النفر الأخير ونفروا) اهـ، وإنما رخص للرعاء لأن عليهم رعى الأبل وحفظها لتشاغل الناس بنسكهم عنها، ولا يمكنهم الجمع بين رعيها وبين الرمى والمبيت، فيجوز لهم ترك المبيت للعذر والرمى على الصفة المذكورة (5) يعنى يوم النفر الأخير (6)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن بكر أنا روح ثنا ابن جريج
-[الرخصة في المبيت بمكة أيام منى لمن له حاجة بها وحكم من تعجل فى النفر]-
يوم النَّحر ثمَّ يدعوا يوماً وليلةً ثمَّ يرموا الغد
(423)
عن عبد الله (يعنى ابن عمر رضى الله عنهما) أنّ العبَّاس رضى الله عنه استأذن رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فى أن يبيت بمكَّة أيَّام منىً من أجل السِّقاية فرخَّص له
أخبرني محمد بن أبى بكر بن محمد بن عمرو عن أبيه عن أبى البداح عن عاصم بن عدى أن النبى صلى الله عليه وسلم أرخص للرعاء - الحديث" (1) أى لا يبيتون بمنى ليلة اليوم التالى ليوم النحر ولا يرمون فيه، وهذه الرواية تؤيد اختيار الأمام مالك (تخريجه) أخرجه الأمامان والأربعة وابن حبان والحاكم وصححه الترمذي، وفى رواية لأبى داود والنسائى عن أبى البداح أيضا عن أبيه أن النبى صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يرموا يوما ويدعوا يوما
(423)
عن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى عن عبيد الله أخبرنى نافع قال لا أعلمه إلا عن عبد الله - الحديث" (غريبه) (2) لفظ البخارى "ليالى منى" وهو المراد هنا وهى ليلة الحادى عشر والثانى عشر والثالث عشر (3) يعنى سقابة الحاج (قال عطاء) سقاية الحاج زمزم، وقال الأزرقى كان عبد مناف يتحمل الماء فى الروايا والقرب إلى مكة ويسكبه فى حياض من أدم بفناء الكعبة للحاج. ثم فعله ابنه هاشم بعده. ثم عبد المطلب، فلما حفر زمزم كان يشترى الزبيب فينبذه فى ماء زمزم ويسقى الناس (وقال ابن اسحاق) ولى السقاية من بعد عبد المطلب ولده العباس وهو يومئذ من أحدث اخوته سنا. فلم تزل بيده حتى قام الأسلام وهى بيده وأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، فهى اليوم إلى بنى العباس (تخريجه) (ق. وغيرهما) وللشيخين والأمام أحمد أيضا عن ابن عباس رضى الله عنهما قال استأذن العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالى منى من أجل سقايته فأذن له (تنبيه) يجوز للحاج التعجيل فى النفر من منى بدون عذر فى اليوم الثانى ما لم تغرب الشمس، ولا يجوز بعد الغروب، وبه قال الأئمة (مالك والشافعى وأحمد والجمهور) وقال الأمام أبو حنيفة له التعجيل ما لم يطلع فجر اليوم الثالث، احتج الجمهور بقوله تعالى "فمن تعجل فى يومين فلا إثم عليه" واليوم اسم للنهار دون الليل (الأحكام) حدينا الباب يدلان على جواز التخلف عن المبيت بمنى فى ليالى الرمى لأجل السقاية ورعاء الأبل ولكل عذر يشابه الأعذار التى رخص لأهلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء، وقيل يختص الحكم بالعباس وسقايته
-[كلام العلماء فيمن يرخص لهم فى المبيت بمكة للحاجة]-
(3)
باب قصر الصلاة بمنى وعدم جواز صيامها أيامها
(424)
عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال صلَّيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنىً ركعتين، ومع أبى بكر رضى الله عنه ركعتين، ومع عمر رضى الله عنه ركعتين فقليت حظِّى من أربعٍ. ركعتان متقبَّلتان
حتى لو عملت سقاية لغيره لم يرخص لصاحبها فى المبيت لأجلها (قال الحافظ) وهو جمود، وقيل يدخل معه آله، وقيل قومه وهم بنو هاشم، والصحيح ما ذهب إليه الجمهور، والعلة فى ذلك اعداد الماء للشاربين، وهل يختص ذلك بالماء أو يلتحق به ما فى معناه من الأكل والشرب وغيره؟ (قال الحافظ) محل احتمال. قال وجزم الشافعية بالحاق من له مال يخاف ضياعه أو أمر يخاف فوته أو مريض يتعاهده بأهل السقاية كما جزم الجمهور بالحاق الرعاء خاصة، وهو (قول أحمد) واختاره ابن المنذر أعنى الاختصاص بأهل السقاية ورعاء الأبل، والمعروف عن أحمد اختصاص العباس بذلك وعليه اقتصر صاحب المغنى اهـ. وتقدم الكلام على من تخلف لغير عذر وما يلزمه فى الباب السابق والله أعلم
(424)
عن عبد الله بن مسعود (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا روح ومحمد بن جعفر قالا ثنا شعبة عن سليمان قال سمعت عمارة بن عمير يحدث قال ابن جعفر أو ابراهيم شعبة شك عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله بن مسعود - الحديث" "وقوله فى السند قال ابن جعفر أو ابراهيم شعبة شك" معناه أن محمد بن جعفر أحد الراويين اللذين روى عنهما الأمام أحمد هذا الحديث قال فى روايته حدثنا شعبة عن سليمان (يعنى الاعمش) قال سمعت عمارة بن عمير أو ابراهيم "يعنى النخعي" يحدث عن عبد الرحمن بن يزيد الخ، قال ابن جعفر الشك من شعبة "يعنى فى قوله أو ابراهيم (غريبه)(1) فى رواية أبى داود (زاد "يعنى مسددا" عن حفص ومع عثمان صدرا من امارته ثم أتمها) وقوله ثم أتمها يعنى عثمان وأتمها معه ابن مسعود، وقد جاء سبب الأتمام فى رواية لأبى داود من طريق معم رعن الزهرى أن عثمان إنما صلى بمنى أربعا لانه أجمع على الاقامة بعد الحج "وله فى أخرى" من طريق ابراهيم قال ان عثمان صلى أربعاً لأنه اتخذها وطنا "وله فى أخرى" من طريق يونس عن الزهرى قال لما اتخذ عثمان الأموال بالطائف وأراد أن يقيم بها صلى أربعاً، قال ثم أخذ به الأئمة بعده (2) معناه ليت عثمان صلى ركعتين بدل الأربع كما كان النبى صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم فى صدر خلافته يفعلون، ومقصوده كراهة مخالفة ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه لأن الخير في اتباعهم وهو
-[مشروعية قصر الصلاة بمنى وكراهة صيام أيامها وكلام العلماء فى ذلك]-
(425)
عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال صلَّيت مع رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم بمنىُ ركعتين، ومع أبى بكرٍ ركعتين ومع عمر ركعتين، ومع عثمان ركعتين صدراً من إمارته
(426)
عن ابن كعب بن مالك عن أبيه كعب بن مالكٍ رضى الله عنه أنَّه حدَّثه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وأوس بن الحدثان فى أيَّام التَّشريق فناديا أنه لا يدخل الجنَّة إلَاّ مؤمن وأيَّام التَّشريق أيَّام أكل وشربٍ
أفضل، وإنما تبع عثمان كراهة مخالفة الأمام، ولأنه يرى جواز الأتمام. ولهذا كان يصلى وراءه متما. ولو كان القصر عنده واجبا لما استجاز تركه وراء أحد (تخريجه)(ق. د. نس)
(425)
عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يونس ابن محمد ثنا ليث يعنى ابن سعد عن بكير بن عبد الله عن محمد بن عبد الله بن أبى سليم عن أنس بن مالك - الحديث" (غريبه)(1) زاد مسلم من حديث ابن عمر ثم أن عثمان صلى بعد أربعا، فكان ابن عمر إذا صلى مع الأمام صلى أربعا، وإذا صلاها وحده صلى ركعتين (تخريجه)(نس) وسنده جيد، وروى نحوه الشيخان عن ابن عمر
(426)
عن ابن كعب بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن سابق قال أنا ابراهيم بن طهمان عن أبى الزبير عن ابن كعب بن مالك - الحديث" (تخريجه)(م. وغيره) وفى الباب أحاديث كثيرة عن كثير من الصحابة تقدمت فى باب النهى عن صوم أيام التشريق صحيفة 142 من كتاب الصيام فى الجزء العاشر، وفى باب مسافة القصر من كتاب الصلاة صحيفة 100 فى الجزء الخامس (الأحكام) فى أحاديث الباب مشروعية قصر الصلاة بعرفة ومزدلفة ومنى للحاج من غير أهل مكة وما قرب منها ولا يجوز لأهل مكة ومن كان دون مسافة القصر (قال النووي) هذا مذهب الشافعى وأبى حنيفة والأكثرين (وقال مالك) يقصر أهل مكة ومنى ومزدلفة وعرفات، فعليه القصر عنده فى تلك المواضع النسك، وعند الجمهور علته السفر والله أعلم اهـ (وفيها أيضا) النهى عن صيام أيام منى وتقدم الكلام على ذلك فى أحكام باب النهى عن صوم أيام التشريق المشار اليه آنفاً والله الموفق
-[حديث أبي نضرة فى خطبة النبى صلى الله عليه وسلم أوسط أيام التشريق بمنى]-
(4)
باب ما جاء فى الخطبة اوسط أيام التشريق
(427)
عن أبى نضرة حدَّثنى من سمع خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط أيَّام التشَّريق فقال يا أيُّها النَّاس إنَّ ربَّكم واحد وإنَّ أباكم واحدٌ ألا لا فضل لعربى على أعجمى ولا لعجمى على عربيٍّ. ولا لأحمر على أسود. ولا أسود على أحمر إلا بالتَّقوى، أبلَّغت؟ قالوا بلَّغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ قال أى يومٍ هذا؟ قالوا يوم حرام، ثمَّ قال أى شهرٍ هذا؟ قالوا شهرٌ حرامٌ، ثمَّ قال أى بلدٍ هذا؟ قالوا بلدٌ حرامٌ، قال فإنَّ الله قد حرَّم بينكم دماءكم وأموالكم قال ولا أدرى قال وأعراضكم أم لا كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا
(427) عن أبي نضرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا اسماعيل ثنا سعيد الجريرى عن أبى نضرة - الحديث" (غريبه)(1) هو اليوم الثانى من أيام التشريق والثانى عشر من ذى الحجة (2) قال الشوكانى هذه مقدمة لنفى فضل البعض على البعض بالحسب والنسب كما كان فى زمن الجاهلية، لأنه إذا كان الرب واحد وأبو الكل واحد لم يبق لدعوى الفضل بغير التقوى موجب، وفى هذا الحديث حصر الفضل فى التقوى ونفيه عن غيرها وأنه لا فضل لعربى على أعجمى ولا لأسود على أحمر إلا بها، ولكنه قد ثبت فى الصحيح أن الناس معادن كمعادن الذهب خيارهم فى الجاهلية خيارهم فى الأسلام إذا فقهوا، ففيه اثبات الخيار فى الجاهلية ولا تقوى هناك وجعلهم الخيار فى الاسلام بشرط الفقه فى الدين، وليس مجرد الفقه فى الدين سببا لكونهم خيارا فى الاسلام وإلا لما كان لاعتبار كونهم خياراً فى الجاهلية معنى ولكان كل فقيه فى الدين من الخيار وإن لم يكن من الخيار فى الجاهلية، وليس أيضا سبب كونهم خيارا فى الأسلام مجرد التقوى. وإلا لما كان لذكر كونهم خيارا فى الجاهلية معنى ولكان كل متق من الخيار من غير نظر إلى كونه من خيار الجاهلية، فلا شك أن هذا الحديث يدل على أن لشرافة الأنساب وكرم النجار مدخلا فى كون أهلها خيارا، وخيار القوم أفاضلهم وإن لم يكن لذلك مدخل باعتبار أمر الدين والجزاء الأخروي، فينبغى أن يحمل حديث الباب على الفضل الأخروى اهـ (3) سأل صلى الله عليه وسلم عن اليوم وهو عالم به لتكون الخطبة أوقع فى قلوبهم وأثبت (4) يشك الراوى هل قال دماءكم وأموالكم وأعراضكم أم اقتصر على قوله دماءكم وأولادكم فقط، وقد ثبت لفظ وأعراضكم
-[حجة القائلين بأن النبى صلى الله عليه وسلم خطب بمنى فى أوسط أيام التشريق]-
في بلدكم هذا، أبلَّغت؟ قالوا بلَّغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليبلِّغ الشَّاهد الغائب
(428)
عن بشر بن سحيم رضى الله عنه أن النَّبى صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم خطب فى أيام التَّشريق (وفى لفظٍ فى أيَّام الحجِّ) فقال لا يدخل الجنة إلَاّ نفسٌ مسلمةٌ، وإنَّ هذه الأيَّام أيَّام أكلٍ وشربٍ
(429)
عن ابن أبى نجيح عن أبيه عن رجلٍ من بنى بكر قال خطب النَّبى صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم النَّاس بمنىً على راحلته ونحن عند يديها، قال إبراهيم ولا أحسبه إلا قال عند الجمرة
في الروايات الصحيحة، وتقدم الكلام على ذلك فى خطبة يوم النحر (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وأورده الهيثمي. وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح
(428)
عن بشر بن سجم (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع قال أنا سفيان وعبد الرحمن عن سفيان عن حبيب بن أبى ثابت قال وقال نافع بن جبير بن مطعم عن بشر بن سحيم - الحديث، وله طريق آخر عند الأمام أحمد أيضا قال حدثنا بهز ثنا شعبة قال أخبرنى حبيب بن أبى ثابت أنه سمع نافع بن جبير يحدث عن رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم يقال له بشر بن سحيم أن النبى صلى الله عليه وسلم خطب فقال إنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن وان هذه الأيام أيام أكل وشرب (غريبه)(1) هذا اللفظ لعبد الرحمن أحد الراويين اللذين روى عنهما الأمام أحمد هذا الحديث (تخريجه)(نس. جه) وسنده جيد
(429)
عن ابن أبى نجيح (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى ثنا ابراهيم يعنى ابن نافع عن ابن أبى نجيح عن أبيه - الحديث" (غريبه) (2) لفظ أبى داود عن رجلين من بنى بكر قالا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بين أوسط أيام التشريق ونحن عند راحلته، ففى رواية أبى داود بيان اليوم الذى وقعت فيه الخطبة لقوله "بين أوسط أيام التشريق" أى فى أوسط أيام التشريق وهو اليوم الثانى منها، وأيام التشريق ثلاثة بعد يوم النحر. فأوسطها يوافق اليوم الثانى عشر من ذى الحجة كما تقدم (3) هو ابن نافع أحد رجال السند (وقوله ولا أحسبه) يعنى ولا أظن ابن أبى نجيح إلا قال عند الجمرة، وفى ذلك بيان الموضع الذى وقعت فيه الخطبة والله أعلم (تخريجه)(د. هق) وسكت عنه أبو داود والمنذرى والحافظ فى التلخيص، ورجاله رجال الصحيح (زوائد الباب)
-[زوائد الباب وأحكامه]-
(5)
باب نزول المحصب اذا نفر من منى
(430)
عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغد يوم النَّحر وهو بمنىً نحن نازلون غداً بخيف بنى كنانة حيث تقاسموا
(عن سرَّاء بنت نبهان) وكانت ربة بيت فى الجاهلية قالت خطب النبى صلى الله عليه وسلم يوم الرءوس فقال أى يوم هذا؟ قلنا الله ورسوله أعلم، قال أليس أوسط أيام التشريق؟ (د) وسكت عنه أبو داود والمنذري، ورواه البيهقى مطولا، وأورده المنذرى مطولا كرواية البيهقى وعزاه للطبرانى فى الأوسط وقال رجاله ثقات (وعن ابن عمر) رضى الله عنهما قال أنزلت هذه السورة "إذا جاء نصر الله والفتح" على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى وسط أيام التشريق وعرف أنه الوداع فأمر براحلته القصواء فرحلت له فركب فوقف بالعقبة واجتمع الناس وقال يا أيها الناس فذكر الحديث فى خطبته (هق) باسناد ضعيف "وفى الباب" غير ما ذكرنا للأمام أحمد، سيأتى فى باب خطب النبى صلى الله عليه وسلم من كتاب السيرة النبوية إن شاء الله تعالى (الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد تدل على مشروعية الخطبة فى أوسط أيام التشريق وأنها من الخطب المستحبة فى الحج وتقدم الكلام على ذلك واختلاف المذاهب فيه فى أحكام باب ما جاء فى الخطبة يوم النحر فارجع اليه والله المستعان
(430)
عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا الوليد ثنا الأوزاعى ثنا الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة - الحديث" (غريبه)(1) أصله من الغدو مثل فلس، لكن حذفت اللام وجعلت الدال حرف اعراب، وهو أول النهار من كل يوم، فلما قال يوم النحر تبين أن المراد بذلك غداة يوم النحر (2) هذا يفيد أنه صلى الله عليه وسلم يريد النزول فى اليوم التالى ليوم النحر، لأن معنى قولك سأفعل كذا غدا أنك تريد اليوم الذى يأتى بعد يومك على أثره، وليس هذا مرادا هنا وان كان معنى اللفظ يعطى ذلك. لأنهم توسعوا فيه حتى أطلق على البعيد المترقب، قال عبد المطلب جد النبى صلى الله عليه وسلم فى قصيدة له فى قصة أصحاب الفيل * لا يغلبن صليبهم * ومحالهم غدوا محالك * ولم يرد عبد المطلب الغد بعينه وإنما أراد القريب من الزمان، والمراد بالنزول هنا النزول بعد رمى الجمار فى اليوم الثالث من أيام التشريق أثناء رجوعه إلى مكة (وقوله بخيف بنى كنانة) الخيف بفتح الخاء وسكون الياء التحتية فى آخره فاء. وهو ما انحدر من الجبل وارتفع عن المسيل، وقال الزهرى الخيف الوادى (3) أى تحالفوا على الكفر. وسيأتى تفسير ذلك فى الحديث (وقوله يعنى بذلك المحصب) تفسير للخيف يريد أن خيف بنى كنانة هو المحصب، والمحصب بمهملتين وموحدة
-[حجة القائلين بأن نزول المحصب ليس بسنة]-
على الكفر يعنى بذلك المحصَّب وذلك أنَّ قريشاً وكنانة تحالفت على بنى هاشم وبنى المطَّلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
(431)
عن عائشة رضى الله عنها فى قصَّة عمرتها بعد الحجِّ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرَّحمن أخرج بأختك فلتعتمر فطف بها البيت والصَّفا والمروة ثمَّ لتقض، ثمَّ ائتنى قبل أن أبرح ليلة الحصبة، قالت فإنَّما أقام رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم بالحصبة من أجلى (وفى لفظٍ) قالت ثمَّ ارتحل حتى نزل الحصبة قالت والله ما نزلها إلَاّ من أجلي
على وزن محمد هو اسم لمكان متسع بين جبلين، وهو إلى منى أقرب من مكة، سمى بذلك لكثرة ما به من جر السيول، ويسمى بالأبطح والبطحاء أيضا، وتقدم أنه خيف بنى كنانة (1) ما بعد قوله المحصب الخ الحديث من قول الزهرى أدرج فى الخبر كما قال الحافظ (2) أى ليقتلوه وكان ذلك قبل الهجرة حينما أظهر النبى صلى الله عليه وسلم الدعوة إلى الاسلام فاشتد عداء قريش له صلى الله عليه وسلم وتآمروا على قتله، وستأتى القصة فى ذلك فى كتاب السيرة النبوية ان شاء الله تعالى (تخريجه)(ق. د. نس)
(431)
عن عائشة رضى الله عنها (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا زكريا بن عدى قال أنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يحرم غسل رأسه بخطمى وأشنان ودهنه بشيء من زيت غير كثير، قالت وحججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة فاعمر نساءه وتركني. فوجدت فى نفسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعمر نساءه وتركني. فقلت يا رسول الله أعمرت نساءك وتركتني. فقال بعد الرحمن اخرج بأختك - الحديث" (غريبه)(3) أى لأنه صلى الله عليه وسلم كان ينتظرها بهذا المكان ريثما تؤدى العمرة، وقد جاء ذلك واضحا فى رواية لمسلم قالت. ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم المحصب فدعا عبد الرحمن بن أبى بكر فقال اخرج بأختك من الحرم فلتهل بعمرة ثم لتطف بالبيت فأنى انتظركما ها هنا، قالت فخرجنا فأهللت ثم طفت بالبيت وبالصفا والمروة فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى منزله (تعنى المحصب) من جوف الليل فقال هل فرغت؟ قلت نعم. فآذن فى أصحابه بالرحيل فخرج فمر بالبيت فطاف به قبل صلاة الصبح ثم خرج إلى المدينة (تخريجه)(ق. وغيرهما)
-[حجة القائلين بأن نزول المحصب ليس بسنة]-
(432)
وعنها أيضاً قالت إنَّ نزول الأبطح ليس بسنَّةٍ، إنَّما نزله رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم لأنَّه كان أسمح لخروجه
(433)
عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما قال ليس المحصَّب بشيءٍ إنَّما هو منزلٌ نزله رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم
(434)
عن عطاءٍ عن ابن عبَّاس أنه كان لا يرى أن ينزل الأبطح ويقول إنَّما قام رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم على عائشة
(435)
عن ابن عمر رضى الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى الظُّهر والعصر والمغرب والعشاء أى بالمحصَّب ثمَّ هجع هجعةً ثمَّ دخل فطاف بالبيت
(432) وعنها أيضا (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبدة بن سليمان قال ثنا هشام عن أبيه عن عائشة - الحديث" (غريبه)(1) تعنى المحصب (2) أى أسهل لتوجهه إلى المدينة ليستوى فى ذلك البطيء والمعتدل ويكون مبيتهم وقيامهم فى السحر ورحيلهم بأجمعهم إلى المدينة (تخريجه)(ق. وغيرهما)
(433)
عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس - الحديث" (غريبه)(3) يعنى ليس بشيء من أمر المناسك الذى يلزم فعله قاله ابن المنذر، لكن لما نزله النبى صلى الله عليه وسلم كان النزول به مستحبا اتباعا له لتقريره على ذلك، وقد فعله الخلفاء بعده كما سيأتى فى حديث ابن عمر الآتى بعد ثلاثة أحاديث (تخريجه)(ق. وغيرهما)
(434)
عن عطاء (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد أنا الحجاج ابن أرطاة عن عطاء - الحديث (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الأمام أحمد وفى اسناده الحجاج بن أرطاة فيه كلام، لكن يعضده ما قبله
(435)
عن ابن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سريج ثنا حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع وبكر بن عبد الله عن ابن عمر - الحديث" (غريبه)(4) أى نام نومة خفيفة فى أول الليل ثم توجه إلى مكة فدخل المسجد فطاف طواف الوداع بالكعبة (تخريجه)(م. لك. هق)
-[حجة القائلين باستحباب نزول المحصب - ومذاهب الأئمة فى ذلك]-
(436)
عن بكر بن عبد الله أنَّ ابن عمر كان يهجع هجعة بالبطحاء وذكر أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فعل ذلك
(437)
عن ابن عمر رضى الله عنهما أنَّ النَّبى صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم وأبا بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم نزلوا المحصَّب
(436) عن بكر بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا روح ثنا حماد عن حميد عن بكر بن عبد الله - الحديث" (غريبه)(1) البطحاء هى المحصب لأنها من أسمائه كما تقدم (تخريجه)(خ. د. هق) من طريق نافع عن ابن عمر بأطول من هذا
(437)
عن ابن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا نوح بن ميمون أنا عبد الله عن نافع عن ابن عمر - الحديث" (تخريجه)(م. د. هق. وغيرهم)(زوائد الباب)(عن سليمان بن يسار) قال قال أبو رافع لم يأمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنزل الأبطح حين خرج من منى. ولكنى جئت فضربت فيه قبته فجاء فمنزل (م. د. مذ)(ورواه البيهقي) من طريق سفيان قال ثنا صالح بن كيسان أنه سمع سليمان بن يسار يحدث عن أبى رافع قال لم يأمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنزل بمن معى بالأبطح. ولكن أنا ضربت قبة ثم جاء فنزل، قال سفيان كان عمرو بن دينار يحدث بهذا الحديث عن صالح بن كيسان. فلما قدم علينا صالح قال عمرو واذهبوا اليه فسلوه عن هذا الحديث (وروى مسلم) من طريق صخر بن جويرية عن نافع أن ابن عمر كان يرى التحصيب سنة. وكان يصلى الظهر يوم النفر بالحصبة، قال نافع قد حصَّب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والخلفاء بعده (الأحكام) أحاديث الباب تدل على أن النبى صلى الله عليه وسلم نزل بالأبطح يوم النفر وهو المحصب، وأن أبا بكر وعمر وابن عمر والخلفاء رضى الله عنهم كانوا يفعلونه، وأن عائشة وابن عباس رضى الله عنهما كانا لا ينزلان به ويقولان هو منزل اتفاقى لا مقصود (وكانت أسماء وعروة بن الزبير) رضى الله عنهما لا يحصبان، حكاه ابن عبد البر فى الاستذكار عنهما، وكذلك سعيد بن جبير، فقيل لابراهيم إن سعيد بن جبير لا يفعله، فقال قد كان يفعله ثم بدا له (وذهب الأئمة الأربعة) وجمهور العلماء إلى استحبابه اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وغيرهم (قال القاضى عياض) النزول بالمحصب مستحب عند جميع العلماء، قال وهو عند الحجازيين أوكد منه عند الكوفيين، قال وأجمعوا على أنه ليس بواجب اهـ (قال النووي) ويستحب أن يصلى به الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويبيت به بعض الليل أو كله اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم
-[كلام العلماء فى المدة التى يمكنها الحاج بمكة بعد قضاء نسكه]-
(6)
باب كم يمكث المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه؟
(438)
عن السَّائب بن يزيد عن العلاء بن الحضرمى إن شاء الله أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يمكث المهاجر بمكَّة بعد قضاء نسكه ثلاثاً
(438) عن السائب بن يزيد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سفيان ابن عيينة حدثنى عبد الرحمن بن حميد عن عبد الرحمن بن عوف عن السائب بن يزيد - الحديث" (غريبه)(1) اسمه عبد الله بن عماد وكان حليف بنى أمية. وكان العلاء صحابياً جليلاً، ولَاّه النبى صلى الله عليه وسلم البحرين. وكان مجاب الدعوة. ومات فى خلافة عمر رضى الله عنهما (وقوله إن شاء الله) ذكرها الراوى تبركاً أو لأنه يشك فى كون هذا الحديث عن العلاء أو عن غيره من الصحابة أو يشك فى رفعه إلى النبى صلى الله عليه وسلم والظاهر الأول، لأنه جاء عند الشيخين وأصحاب السنن عن السائب بن يزيد عن العلاء بن الحضرمى مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم بدون شك والله أعلم (2) بضم الكاف من باب نصر أى يقيم (3) أى بعد رجوعه من منى (قال النووي) وهذا كله قبل طواف الوداع، قال وفى هذا دلالة لأصح الوجهين عند أصحابنا أن طواف الوداع ليس من مناسك الحج بل هو عبادة مستقلة أمر بها من أراد الخروج من مكة لا أنه نسك من مناسك الحج، ولهذا لا يؤمر به المكى ومن يقيم بها، وموضع الدلالة قوله صلى الله عليه وسلم بعد قضاء نسكه، والمراد قبل طواف الوداع كما ذكرنا فان طواف الوداع لا إقامة بعده، ومتى أقام بعده خرج عن كونه طواف وداع فسماه قبله قاضيا لمناسكه والله أعلم، قال (ومعنى الحديث) أن الذين هاجروا من مكة قبل الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم عليهم استيطان مكة والإقامة بها، ثم أبيح لهم إذا وصلوها بحج أو عمرة أو غيرها أن يقيموا بعد فراغهم ثلاثة أيام ولا يزيدوا على الثلاثة، واستدل أصحابنا وغيرهم بهذا الحديث على أن إقامة ثلاثة ليس لها حكم الأقامة. بل صاحبها فى حكم المسافر، قالوا فاذا نوى المسافر الأقامة فى بلد ثلاثة أيام غير يوم الدخول ويوم الخروج جاز له الترخص برخص السفر من القصر والفطر وغيرهما من رخصة ولا يصير له حكم المقيم (تخريجه)(ق. والأربعة. وغيرهم)(الأحكام) حديث الباب قال القاضى عياض فيه حجة لمن منع المهاجر قبل الفتح من المقام بمكة بعد الفتح، قال (وهو قول الجمهور) وأجاز لهم جماعة بعد الفتح مع الاتفاق على وجوب الهجرة عليهم قبل الفتح ووجوب سكنى المدينة لنصرة النبى صلى الله عليه وسلم ومواساتهم له بأنفسهم، وأما غير المهاجرين ومن آمن بعد ذلك فيجوز له سكنى أى بلد أراد سواء مكة وغيرها بالاتفاق؛ هذا كلام القاضى (قال الحافظ) ويستثنى من ذلك
-[كلام العلماء فى المراد بالمهاجر فى هذا الباب]-
(7)
باب مشروعية طواف الوداع وسقوطه عن الحائض والدعاء عند الملتزم
(439)
عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما قال كان النَّاس ينصرفون فى كلِّ وجهٍ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينفر أحد حتَّى يكون آخر عهده بالبيت
(440)
عن الوليد بن عبد الرَّحمن عن الحارث بن عبد الله بن أوس الثَّقفى رضى الله عنه قال سألت عمر بن الخطَّاب رضى الله عنه عن المرأة تطوف بالبيت ثمَّ تحيض، قال ليكن آخر عهدها الطَّواف بالبيت قلت كذلك أفتانى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر رضى الله عنه أربت عن يديك سألتني
من أذن له النبى صلى الله عليه وسلم بالأفاضة فى غير المدينة (وقال القرطبي) المراد بهذا الحديث من هاجر من مكة إلى المدينة لنصر النبى صلى الله عليه وسلم ولا يعنى به من هاجر من غيرها. لأنه خرج جوابا عن سؤالهم لمَّا تحرجوا من الأقامة بمكة إذ كانوا قد تركوها لله تعالى. فأجابهم بذلك وأعلمهم أن إقامة الثلاث ليس بأقامة، قال والخلاف الذى أشار اليه عياض كان فيمن مضى، وهل ينبنى عليه خلاف فيمن فر بدينه من موضع يخاف أن يفتن فيه فى دينه، فهل له أن يرجع اليه بعد انقضاء تلك الفتنة؟ يمكن أن يقال إن كان تركها لله كما فعله المهاجرون فليس له أن يرجع لشيء من ذلك، وإن كان تركها فرارا بدينه ليسلم له ولم يقصد إلى تركها لذاتها فله الرجوع إلى ذلك اهـ.
(439)
عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله أبى ثنا سفيان عن سليمان عن طاوس عن ابن عباس - الحديث" (غريبه)(1) أى فى كل طريق بعد انقضاء أيام منى، منهم من يطوف ومنهم من لم يطف (2) أى النفر الأول وهو الذى يكون فى اليوم الثانى لمن تعجل. أو النفر الثانى وهو فى اليوم الثالث لمن تأخر. أو لا يخرجن أحد من مكة، والمراد به الآفاقى (3) أى الطواف به (تخريجه)(م. د. جه. هق)
(440)
عن الوليد بن عبد الرحمن (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا بهز وعفان قالا ثنا أبو عوانة عن يعلى بن عطاء عن الوليد بن عبد الرحمن - الحديث" (غريبه)(4) يعنى طواف الأفاضة (5) يريد طواف الوداع؛ وهذا رأى عمر وخالفه الجمهور لما سيأتى فى حديث ابن عباس الآتى بعده من أن النبى صلى الله عليه وسلم رخص للحائض أن تصدر قبل أن تطوف إن كانت قد طافت فى الأفاضة (6) بكسر الراء أي سقطت
-[سقوط طواف الوداع عن الحائض]-
عن شيءٍ سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لكى ما أخالف (ومن طريقٍ ثانٍ) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجَّ البيت أو اعتمر فليكن آخر عهده الطَّواف بالبيت، فقال له عمر بن الخطَّاب خررت من يديك سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ لم تحدِّثنى (وفى لفظٍ) فلم تخبرنا به
(441)
عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما أنَّ النَّبى صلى الله عليه وسلم رخَّص للحائض أن تصدر قبل أن تطوف إن كانت قد طافت فى الإفاضة
(442)
عن عبد الرَّحمن بن صفوان رضى الله عنه قال رأيت رسول الله
من أجل مكروه يصيب يديك من قطع أو وجع، والظاهر أنه دعاء عليه لكن ليس المقصود حقيقته، وإنما المقصود نسبة الخطأ اليه (قال صاحب النهاية) أى سقطت آرابك من اليدين خاصة (1) الميم زائدة بعد كي، والمعنى أنه لا ينبغى أن تسألنى عن شيء سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنك ما سألتنى عن ذلك إلا لكى أخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا لا يكون (2)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سريج بن النعمان قال أنا عباد بن الحجاج عن عبد الملك بن المغيرة الطائفى عن عبد الرحمن بن البيلمانى عن عمرو بن أوس عن الحارث ابن أوس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث" "وقوله فى السند الحارث بن أوس" هو ابن عبد الله بن أوس المتقدم ذكره فى الطريق الأولى وينسب إلى جده أحيانا كما فى هذه الطريق (3) أى سقطت من أجل مكروه يصيب يديك كما تقدم فى قوله أربت فى الطريق الأولى، وقيل هو كناية عن الخجل. يقال خررت عن يدى أى خجلت. وسياق الحديث يدل عليه والله أعلم (تخريجه)(د. نس. مذ) قال المنذرى الأسناد الذى أخرجه أبو داود والنسائى حسن، وأخرجه الترمذى باسناد ضعيف وقال غريب اهـ (قلت) وسند الأمام أحمد فى الطريق الأولى جيد
(441)
عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا روح ثنا زكريا ثنا عمرو بن دينار أن ابن عباس كان يذكر أن النبى صلى الله عليه وسلم رخص للحائض - الحديث" (غريبه)(4) يعنى طواف الوداع إن كانت طافت طواف الأفاضة (تخريجه)(هق) وسنده جيد ومعناه فى الصحيحين
(442)
عن عبد الرحمن بن صفوان (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي
-[استحباب الوقوف بالملتزم والدعاء عنده]-
صلى الله عليه وسلم ملتزماً بالبيت ما بين الحجر والباب ورأيت النَّاس ملتزمين البيت مع رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم
ثنا أحمد بن الحجاج ثنا جرير بن عبد الحميد عن يزيد بن أبى زياد عن مجاهد عن عبد الرحمن ابن صفوان - الحديث" (غريبه)(1) يعنى ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة، قال الأزرقى وذرعه أربعة أذرع اهـ. وهذا المكان يسمى الملتزم بضم الميم وإسكان اللام وفتح التاء والزاى لما روى الطبرانى عن مجاهد عن ابن عباس أنه قال الملتزم ما بين الركن والباب، يعنى الركن الذى فيه الحجر الأسود وباب الكعبة، قال النووى وهذا متفق عليه، قال وسمى الملتزم لأن الناس يلتزمونه فى الدعاء، ويقال له المدعى والمتعوذ بفتح الواو؛ قال وهو من المواضع التى يستجاب فيها الدعاء هناك اهـ (قلت) ويسمى الحطيم ايضا فقد جاء بهذا اللفظ عند أبى داود وفى رواية أخرى للأمام أحمد سنذكرها بعد التخريج، وروى الأزرقى فى كتاب مكة عن ابن جريج قال الحطيم ما بين الركن الأسود والمقام وزمزم والحجر، سمى حطيما لأن الناس يزدحمون على الدعاء فيه ويحطم بعضهم بعضا، والدعاء فيه مستجاب، وقل من حلف هناك آثما إلا عجلت له العقوبة، وروى أشياء كثيرة فى ناس كثيرين عجلت عقوباتهم باليمين الكاذبة فيه وبالدعاء عليهم بظلمهم اهـ (تخريجه)(د) مطولا وفى اسناده يزيد بن أبى زياد، قال ابن معين ضعيف الحديث لا يحتج بحديثه، وقال أبو داود لا أعلم أحدا ترك حديثه وغيره أحب إلى منه، كذا فى التهذيب (وفى الخلاصة) قال الحافظ الذهبى هو صدوق رديء الحفظ، قال مطين مات سنة 137 روى له مسلم مقرونا اهـ (قلت) ورواه أيضا الأمام أحمد مطولا كرواية أبى داود، ولفظه عند الأمام أحمد قال حدثنا أحمد بن الحجاج أنا جرير عن يزيد بن أبى زياد عن مجاهد عن عبد الرحمن ابن صفوان قال لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قلت لألبسن ثيابى وكان دارى على الطريق فلأنظرن ما يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقت فوافقت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج من الكعبة وأصحابه قد استلموا البيت من الباب إلى الحطيم وقد وضعوا خدودهم على البيت ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسطهم (زوائد الباب)(عن ابن عباس) رضى الله عنهما قال أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض (ق)(وعن ابن عمر) رضى الله عنهما قال سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه بمنى يقول يا أيها الناس إن النفر غداة فلا ينفرن أحد حتى يطوف بالبيت، فان آخر النسك الطواف (عل) وفيه ابن اسحاق وهو ثقة لكنه مدلس وبقية رجاله رجال صحيح (وعن أنس) أن أم سليم
-[مذاهب الأئمة فى حكم طواف الوداع]-
.....
حاضت بعد ما أفاضت فأمرها النبى صلى الله عليه وسلم أن تنفر (طس) ورجاله رجال الصحيح (وعن ابن عباس) رضى الله عنهما قال رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للحائض أن تنفر إذا أفاضت، زاد أبو عمرو فى حديثه، قال وسمعت ابن عمر يقول أول أمره إنها لا تنفر، قال ثم سمعته يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لهم (خ)(وعن عمرو بن شعيب) عن أبيه قال كنت مع عبد الله بن عمرو (يعنى ابن العاص) فلما جئنا دبر الكعبة قلت ألا تتعوذ؟ قال نعوذ بالله من النار، ثم مضى حتى استلم الحجر وأقام بين الركن والباب فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا وبسطهما بسطا، ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله (د. جه. هق) وفى اسناده المثنى بن الصباح ضعيف (وعن ابن عباس) رضى الله عنهما أنه كان يلتزم ما بين الركن والباب وكان يقول "ما بين الركن والباب يدعى الملتزم، لا يلتزم ما بينهما أحد يسأل الله عز وجل شيئا إلا أعطاه اياه"(هق) موقوفا على ابن عباس بأسناد ضعيف، أوردهما النووى فى شرح المهذب، وحكى اتفاق العلماء على التسامح فى الأحاديث الضعيفة فى فضائل الأعمال ونحوها مما ليس من الأحكام والله أعلم اهـ (الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد تدل على مشروعية طواف الوداع (وقد ذهب جمهور العلماء إلى وجوبه) على غير الحائض وسقوطه عنها ولا يلزمها دم بتركه (وذهب الأمامان مالك وداود) إلى أنه سنة لا شيء فى تركه وهو قول ضعيف للشافعية (قال الحافظ) ورأيت لابن المنذر فى الأوسط أنه واجب للأمر به إلا أنه لا يجب بتركه شيء اهـ (قال الشوكاني) وقد اجتمع فى طواف الوداع أمره صلى الله عليه وسلم به. ونهيه عن تركه. وفعله الذى هو بيان للمجمل الواجب. ولا شك أن ذلك يفيد الوجوب اهـ (وقال ابن المنذر) قال عامة الفقهاء بالأمصار ليس على الحائض التى أفاضت طواف وداع (وقال وروينا عن عمر بن الخطاب وابن عمر وزيد بن ثابت) أنهم أمروها بالمقام إذا كانت حائضاً لطواف الوداع فكانهم أوجبوه عليها كما يجب عليها طواف الأفاضة، إذ لو حاضت قبله لم يسقط عنها، قال وقد ثبت رجوع ابن عمر وزيد بن ثابت عن ذلك ويبقى عمر فخالفناه لثبوت حديث عائشة (قلت يعنى الذى رواه الشيخان والأمام أحمد وسيأتى فى باب حكم من حاضت بعد الأفاضة عن عائشة قالت حاضت صفية بنت حيى بعد ما أفاضت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحابستنا هي؟ قلت يا رسول الله إنها قد أفاضت وطافت بالبيت ثم حاضت بعد الأفاضة، قال فلتنفر إذا) قال وروى ابن أبى شيبة من طريق القاسم بن محمد كان الصحابة يقولون إذا أفاضت قبل أن تحيض فقد فرغت الا عمر، وقد روى أحمد وأبو داود والنسائى والطحاوى عن عمر أنه قال ليكن آخر عهدها بالبيت، وفى رواية "كذلك حدثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم" واستدل الطحاوي بحديث
-[المواضع التى يستجاب فيها الدعاء - والدعاء المختار عند الملتزم]-
.....
عائشة على نسخ حديث عمر فى حق الحائض، وكذلك استدل على نسخه بحديث أم سليم عند أبى داود الطيالسى أنها قالت حضت بعد ما طفت بالبيت فأمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنفر اهـ (قلت) والحق مع الجمهور، ولعل عمر رضى الله عنه لم يبلغه حديث الرخصة وإلا لكان أول الناس عملاً به رضى الله عنه (وفى حديث عبد الرحمن بن صفوان) آخر أحاديث الباب وحديثى عمرو بن شعيب وابن عباس المذكورين فى الزوائد دلالة على استحباب الوقوف بالملتزم عقب طواف الوداع والدعاء عنده بما أحب من خيرى الدنيا والآخرة لأنه من المواضع التى يستجاب الدعاء فيها، ويأتى بآداب الدعاء من الحمد لله تعالى والثناء عليه ورفع اليدين والصلاة والسلام على النبى صلى الله عليه وسلم (قال القاضي) أبو الطيب فى تعليقه (قال الشافعي) فى مختصر كتاب الحج إذا طاف للوداع استحب له أن يأتى الملتزم فيلصق بطنه وصدره بحائط البيت ويبسط يديه على الجدار فيجعل اليمنى مما يلى الباب واليسرى مما يلى الحجر الأسود ويدعو بما أحب من أمر الدنيا والآخرة اهـ، فان كان حائضا استحب أن تدعو على باب المسجد وتمضي، وليكن آخر عهده بالبيت طواف الوداع فصلاة ركعتيه فالشرب من ماء زمزم فالوقوف بالملتزم فالرحيل (فائدة) ذكر الحسن البصرى رحمه الله فى رسالته المشهورة إلى أهل مكة أن الدعاء يستجاب فى خمسة عشر موضعا. فى الطواف وعند الملتزم. وتحت الميزاب. وفى البيت. وعند زمزم. وعلى الصفا. والمروة. وفى المسعى. وخلف المقام. وفى عرفات. وفى المزدلفة. وفى منى. وعند الجمرات الثلاث. وقد اختار الأمام الشافعى رحمه الله دعاءا يقال عند الملتزم ذكره فى الأملاء وفى مختصر الحج واتفق أصحابه على استحبابه، واختاره الحنابلة أيضا، وذكره ابن قدامة فى المغنى. وصاحب المهذب. والنووى فى الأذكار (ولفظه كما فى المغني) اللهم هذا بيتك وأنا عبدك وابن عبدك حملتنى على ما سخرت لى من خلقك. وسيرتنى فى بلادك حتى بلغتنى بنعمتك إلى بيتك. وأعنتنى على أداء نسكي. فان كنت رضيت عنى فازدد عنى رضا ولا فمن الآن قبل أن تنآى عن بيتى دارى فهذا أوان انصرافى إن اذنت لى غير مستبدل بك ولا ببيتك. ولا راغب عنك ولا عن بيتك، اللهم فأصحبنى العافية فى بدنى والصحة فى جسمى والعصمة فى دينى وأحسن منقلبي، وارزقنى طاعتك أبدا ما أبقيتني، واجمع لى بين خيرى الدنيا والآخرة، انك على كل شيء قدير
وصلى الله على سيدنا محمد النبى الأمى وعلى آله وصحبه وسلم
_________
إلى هنا قد انتهى الجزء الثانى عشر من الفتح الرباني
(ويليه الجزء الثالث عشر - وأوله باب الفوات والأحصار)
(نسأل الله الإعانة على التمام وحسن الختام آمين)